Professional Documents
Culture Documents
الحل الفلسفي
تأليـــــــــف
عالم سبيط النيلي
المحتويـات
المقدمة :من فلسفة )النا( إلى حكمة )الذي هو( ـ فكرة التأسيس .
موجز في تعريف الفلسفة وإشكالياتها .
الجلسة الولى :
ـ لمحة عن المصادرة في إثبات واجب الوجود_ الفارابي .
ـ لمحة عن الناوية عند أر سطو.
ـ لمحة عن ظهور النا عند لوك وبركلي .
ـ )الخدعة الملوكية( لفلطون .
ـ لمحة عن النا عند سبينوزا .
النيلي ----------------------------------------- 2
ـ الشياطين يتفاءلون بأعمال النسان .
الجلسة الثانية:
ـ الشيطان يتحدث عن كيفية قيامه بالتضليل .
ـ طبيعة النسان :الشيطان والفناء .
ـ المكون الول المزدوج الطبيعة ) :بديل نظرية صدور الواحد من الواحد ( .
ـ ابتكار المكون الول للزمان والمكان .
ـ التخريج الفلسفي لظهور الزوج من عدم عن طريق حقيقة ) الذي هو وحده ( .
ـ الذاتية ومشاكلها .
ـ العلم والفلسفة :بيكون .
ـ ظهور النا عند هوسرل وسبينوزا .
ـ المغالطة الناوية لديكارت :فناء النا وحدية .
ـ الصفة اللوجودية للنا .
الجلسة الثالثة :
ـ استضافة الشياطين لكبير شياطين النس .
ـ الحديث عن الوجود يستلزم الحديث عن العدم :تأسيس جديد .
ـ العقل والرادة :النفس .
ـ حشرة تفّند تعاريف الفلسفة ) للنسان ( يرصد المارد أقوالها .
ـ النفس بعد الموت :نقد افلوطين وأرسطو وسقراط .
ـ المعاد النفسي والجسماني :تناقضات ابن سينا .
ـ الجلسة الرابعة :
ـ اللهة المتعددة والحرية .
ـ خداع النسان لنفسه يعين الشيطان على عمله .
ـ مذكرات الشيطان عن الغزالي .
ـ مارد يختطف محاورة حكيمين في جبال الصين .
ـ الشياطين يناقشون المحاورة العجيبة .
ـ تأسيس الخلق على مبدأ التناقض الجوهري وتفنيد الخلق المعلبة للفلسفة
القائمة على العقل ومبدأ عدم التناقض .
ـ المعنى اللغوي للوجود .
ـ مصادرات الشيرازي حول تحقق الوجود .
ـ مصادرات نصير الدين الطوسي والكاتبي .
ـ رئيس الشياطين يحرج الشيطان بإبطال البرهان على واجب الوجود .
ـ مصادرات الفارابي .
ـ محاورة أخرى يرصدها الشيطان للحكيمين موضوعها ) التحامق ( .
ـ العقل والحركة .تفنيد آخر للديكارتية .
الجلسة الخامسة :
ـ إشكالية الزمان :مغالطات للفلسفة في الزمان والمكان .
ـ مغالطة انعدام الدواعي عند الله لخلق الخلق :تأسيس فكرة ل تناهي ) دواعي
الكمال ( .
ـ لمحة إلى تناوب الوجود والفناء .
ـ مصادرات أخرى للمتكلمين والفلسفة في القدرة والرادة والفعل .
ـ تأسيس فكرة ) الفعل يستلزم عدم فعل عدمه ( .
ـ الشيطان يفند الفارابي لتحديده الكون.
ـ الشيطان يضرب مثل ً لعمله مع النسان مقابل الرسل .
ـ تأسيس لغوي للحدوث ) مغالطات الفلسفة .
النيلي 3 -----------------------------------------
ـ إبطال اصطلح ) العلة الولى (.
ـ اللهة المتعددة عند الصوفية ) .لمحة إلى سكريتان وباسكال وكلي (.
ـ عداء المادية للمادية ،مكيدة كارل ماركس وأنجلز .
ـ المعرفة والختيار ) المعقول ل يعقل غيره (~ تأسيس جديد .
ـ استحالة حصول الثنين من الواحد ،واستحالة حصول الثنين بغير الواحد
)التناقض الجوهري النهائي ( ـ تفنيد الفيض والصدور .
ـ حصول العلم اليقيني بمجهولية الواحد المعلوم ) الذي هو( .
النيلي ----------------------------------------- 4
المقدمة
خيلــة بيــن يعرض هذا الكتاب الحل الفلسفي الجديد مــن خلل مناقشــات مت ّ
ون مــن عــدٍد مــن الجلســات ،يستعرضــون فيهــا الشياطين في مــؤتمر لهــم مك ـ ّ
إنجازاتهم التاريخية في مضمار الفلسفة وما حققوه من نتائج لتضــليل النســان
عن الحقيقة خلل بحثه الدؤوب عنها وحيث يفعلــون ذلــك فــان الحقيقــة تظهــر
ة في محاوراتهم ،إذ يتوجب عليهم لتضليل النسان عن الحقيقــة أن ة جلي ًواضح ً
م بها .يكون لهم عل ٌ
ً ً
ل الجديــد فهــو يفصــل فصـل تامـا بيــن المعرفــة وهــذا وحــده جــزءٌ مــن الح ـ ّ
ة .لكــن عمليــة ة كانت أم حسن ً والخلق ،فيجعل المعرفة في خدمة الخلق سيئ ً
تحديد ما هو حسن وما هو قبيح ترجــع إلــى العقــل بإنابــة مــن )النــا ( أو الــذات
،فقرارات العقل غير متحررة من سلطة الذات .
ً
لذا يتوجب تحريــر العقــل مــن ســلطة النــا أول ليتمكــن العقــل مــن القيــام
ل الفلسفي معرفيا ً . بالحكم مستقل ً وتلك أول مرحلة من مراحل التمهيد للح ّ
ُتظهر الحوارات أن ما حصل في الفلسفة بجميع أقسامها هو العكس ،فقــد
ر من الستلب للعقل ولحريته في الحكم . م تطوير النا ليقوم بأكبر قد ٍ ت ّ
جها ً إلى الشياء كما فعل ديكارت ـ هيــوم ـ ـ ك ل يخرج من النا متو ّ إذن فالش ّ
هوسرل ـ هيجل أو كانت ،في تطوير المثل الفلطونية على المنطق الرسطي
دمــةل بنــاءا ً علــى تلــك المق ّـ ول كما فعل جميع فلسفة المشرق ،إذ يوجب الح ّ
قــه وإجــراء التشــكيك بأوليــاته طقــة العقــل نفســه قبــل التســليم بمنطِ ِ من ِ
إعادة ِ
خل في تحديدها . نفسها حذرا ً من أن يكون النا قد تد ّ
يعرض الحل صورا ً ملونة متعددة لتعظيم ) النا ( من خلل المحاورات لثبات
متــه ،فهــو تفكيـٌر متوحـدٌ بالنــا ولــذلك وحدة المنطلق في التفكير الفلسفي بر ّ
فإن العرض يلغي التقســيم الســابق للفلســفة إلــى ماديــة ومثاليــة وفروعهمــا .
فكلها عنده فلسفات ل تختلف إل ّ في طريقة تعظيم النا ،فهي جميعــا ً تنطلــق
م الموجد أو من الذات للبرهنــة علــى الموجــد ثــم من الذات لفهم الوجود ومن ث ّ
الوجود .
ويكمن الحل الفلسفي الجديــد فــي ضــرورة انعكــاس العلقــة بيــن النســان
والخر ،حيث يضع مبدأ ً جديدا ً هو ) نسبية التناقض ( ،فتعمل هذه النسبية علــى
تعزيز ) مبدأ عدم التناقض ( ـ كونه المبدأ المرتبط بالعلقات الخارجيــة والحــاكم
على حركتها في الزمكان .بيد أن هذا المبدأ هو لخدمة )التناقض( الساسي في
دعيه الماديــة ،والــتي التكوين الوجودي وهو بالطبع ل علقة له بالتناقض الذي ت ّ
هي في هذا الحل لون من ألوان المثالية ل غير .
المادة هي كل شيء في هذا العالم ولو كان ثمــة فكــر مــادي فعل ً لكــان هــو
تلك الحكمة التي ل يمكن تخطئتها بأية حال ،إذن فللمادة في هــذا الحــل معنــى
آخر .
عدم التناقض إذن هو مبدأ عام لخدمــة المبــدأ الساســي الــذي هــو التنــاقض
ض .فالتناقض الخير هو سر هذا الوجود . الجوهري .وبين هذين المبدأين تناق ٌ
ً
ولما كــان التفكيــر الفلســفي بحث ـا عــن الحقيقــة الــتي وراء الحركــة .فــإنه
يتوجب لدراك هذه الغاية أن يستخدم التناقض في فكــرة الحــل وعــدم التنــاقض
في خطوات الحــل ــ فعليــه أن يســتخدم التنــاقض الجــوهري لمــا هــو جــوهري ،
فالحل يكمن في فكرة التناقض بيد إن خطواته تتم بمبدأ عدم التناقض ،ولــذلك
قف عن البحث أو وجد توقفا ً في عمــل فإن عليه أن ُيحدث تناقضا ً جديدا ً كلما تو ّ
النيلي 5 -----------------------------------------
مبدأ عدم التناقض .وحينما يصل إلى مرحلة تســاوي الطــراف ول يقــدر علــى
ض جديد فإنه يتمكن من الحصول علــى ) علــم ( بالمجهوليــة وهــذاتجاوزها بتناق ٍ
هو المطلوب أخيرا .
ك بجميــع الشــياء ـ ـ حــتى أنــه يؤسفنا أن نقول أن ) ديكارت ( حينما بدأ بالش ّ
ك بوجود نفسه ـ فقد نسي أن يشك في أهم الشياء التي بين يــديه ،إذ نســي ش ّ
خــض أن يشك في ) الفلسفة ( نفسها .ول أعنــي بهــا مجموعــة الشــياء الــتي تم ّ
عنها التفلسف بل أعني التفلسف نفســه كمنهــج أو طريقــة ذات جــدوى .وهــذه
ك ديكـارت .والسـبب الـذي أدى مشكلة حقيقية لم يذكرها الذين أعجبهم كثيرا ً ش ّ
ح ،لن هذا الشك كان القصد منه تأسيس فلسفة إلى هذا التغافل أو الغفلة واض ٌ
أو نقد الفلسفة التي بين يديه .ولكن إلى الن لم يحــدد لنــا الفلســفة موضــوع
الفلسفة ،وأهم من ذلك لم يحددوا لنا ) :ما هي الفلسفة ؟ ( .فمن حق البعــض
أن يطالب بتحديد تعريف لـ ) الفلسفة ( ،لنه قد يــدعي أمــرا ً أســوأ إذا لــم يجــب
أحد رغبته هذه ،فقد يزعم أنه في طريقــه إلــى العتقــاد أو الجــزم مــن أنــه ) ل
يحتاج ( إلى شئ لم يحدد له أحــد بعـد مـا هـو ؟! بعـد إن عجــز هــو عــن تحديــده ــ
وصاحب الشيء ) الفيلسوف ( أولى به فعليه تقع مهمة تحديد معنى الفلسفة .
ذلك أن هذا البعض قد وجد قسما ً من الفلسفة يبحث في ماهيــة الموجــودات
وعلقاتها وعلقة النسان بها فهو يسأل ):هل الفلسفة نوع من المعرفة ؟ ( .
ووجد بعضهم يبحث في قدرات وتصورات العقل وأنواع المدركات ،فهل هي
علم يبحث في طرائق الدراك والطرق الموصلة إلــى المعرفــة فتكــون الفلســفة
بذلك طريقا ً لتقييم المعرفة وليست هي المعرفة ؟ .ووجد بعضا ً آخــر يبحــث فــي
ميت سـ ّالنفس والروح وما وراء الطبيعة والذوات والجــواهر الــتي فــي الشــياء ف ُ
الفلسفة عند هؤلء بـ ) الميتافيزيقا ( فهل هي علم يبحث عن ما هو كامن وراء
المحسوسات وبالتالي هي معرفة من نوع خاص ؟ .
ووجد البعض الخر يقول إنها كل ذلك وغيره وإنها جاءت من مفردتين تعنيان
ة ) حب الحكمة ( ،فهل الفلســفة حكمــة أم حــب الحكمــة أم معرفــة أم هــي سوي ً
طريق لمعرفة المعرفــة ؟ ذلــك لن الحكمــة تعنــي ) وضــع الشــياء فــي موضــعها
الصحيح ( .فالحكمة عمل إيجـابي بينمـا الفلسـفة إذا كـانت عبـارة عـن ) دراسـة
للمعرفة ( فهي علم والعلم ل علقة له بالحكمة ،فهي أخذ ل عطاء كالحكمة .إننا
نرى أنه ل تلزم بين العلم والحكمة لننا نرى بأعيننا أناسا ً لهم علم عظيم بأشياء
نجهلها ومع ذلك فهم أشرار جدا ً ويستعملون هذا العلم للشّر ول يضعون الشــياء
في مواضعها الصحيحة كما يفعــل مــن نســميهم )الحكمــاء ( ،أو كمــا يفــترض أن
يفعله من نسميهم كــذلك .فل تلزم إذن بيــن الحكمــة والمعرفــة إل ّ مــن طــرف
ف دوما ً لكن ليس كل عارف حكيم . د وهو أن الحكيم عار ٌ واح ٍ
ً
لكن الفلسفة فرقوا كثيرا بين الفلسفة والعلــم بــل ) حســدوا ( العلــم علــى
نتائجه اليقينية ذات الطابع الرياضي ووضعوا أمام أنفسهم مهمة تأسيس فلسفة
م أن نتــائج ذات نتائج حاسمة كالعلم ولكنهم في عيــن الــوقت أقــروا وبوضــوح تــا ّ
ل موحد وهو إقــرار الفلسفة ليست ) تراكمية ( ول يمكن لجامع أن يجمعها في ك ٍ
آخر بأنها ليست علما ً من العلوم .
وبعضهم بحث القيم ولخلق فهل الفلسفة علم في الخلق ؟ وهل يمكنهــم
التحدث عن ) علم الخلق ( مع القــرار بــأن الفلســفة ليســت علمـا ً ؟ وإذا كــانت
لفظة الفلسفة قد ترجمت إلى ) حــب الحكمــة ( فهــل هــذه صــفة للفيلســوف أم
عمل وتعليم له ؟ فإن كانت صــفة لــه فالفيلســوف إذن ) حكيــم ( فلمــاذا يختلــف
الحكماء في وضع الشياء في موضعها الصحيح ؟ وإن كانت عمل ً وتعليما ً له فهــل
ب ( وتعّلمه ؟ ح ّ
يمكن تصور أن بمقدور المرء تعليم ) ال ُ
النيلي 9 -----------------------------------------
إن الفلسفة تقوم على المنطق ـ وهذا هو المتعارف عليه ـــوالمنطق شــيءّ
ة بحيث أن العلم التجريبي يتخذه وسيلة للوصول إلى النتائج اليقينية محدد بصرام ٍ
فلماذا اختلفت الفلسفة في نتائجها المبعثرة عن تلك الصرامة فــي نتــائج العلــم
د ؟ .وإذا كــانت هــي الــتي أنتجــت المنطــق فــالمر ق واح ٍ وهما يقومان على منط ٍ
حــد دد واليقيني من غيــر اليقينــي والمو ّ دد من غير المح ّ أسوأ ،إذ كيف يتولد المح ّ
من المبعثر ؟!
دعي أنهــا تــتربع ً
صحيح إن الفلسفة تقول وتدعي أشياء كــثيرة ،فهــي مثل تـ ّ
ً
على عرش العلم كله وإن العلم وليدها وإنها الحاكم الفعلــي .لكــن أحــدا مــا لــم
يرها قط ول مّرة واحدة والتاج على رأســها كمــا لــم يرهــا تــدخل قصــر العلــم بل
ف مــن وليــدها أن يرســل لهــا قصاصــة ورق استئذان ..كيف ؟! وهي تنتظر بشغ ٍ
ما يجري في المملكة المترامية الطــراف …! وحــتى إنــك فيها بعض المعلومات ع ّ
لتراها بعد وصول القصاصة قد لملمــت نفســها وراحــت تتكلــم أكــثر ممــا تفعــل ،
قــون بتحقيقهــا أو تجربتهــا قــامت دعي مزيدا ً من الشياء التي إن طــالب المتل ّ وت ّ
دد مسرورةً عبارتها المأفونة ) وهل يستطيع هذا الولــد العــاق فعــل دهم ولتر ّلتص ّ
شيء بدون إذني وتوقيعي عليه ؟ ( .
الواقع إن شيئا ً مــا لــم يبــق للفلســفة حــتى تقــوله ،وقــد أق ـّر جميــع ش ـّراح
الفلسفة أن موضوع الفلسفة ) بل الصحيح مواضيعها ( قد ُأشــبع بحث ـا ً ولــم يبــق
سوى تغيير وتطوير الساليب التي تبحث في نفس المواضيع .
إذن فالشياء التي تتحدث عنها الفلسفة هي نفــس الشــياء الــتي ل يجمعهــا
جامع ولكنها تستمر بالتحدث عنها والجابة عليها بعبارات اكثر ) وضــوحا ً ( حســب
تعبيرها كما في هذا النص ) :لكن قد يتهكم ساخر بقوله إن الفلسفة مــا هــي إل
ترجيع وترديد لصدى أصوات الفلسفة السابقين وإن هــي إل بقايــا أفكــارهم مــع
قليل من التحوير والتغيير وربما زاد على ذلك قائل ً إن التفكير الفلسفي راكــد ل
يتحرك ول يتقدم (. ((1
وتركز دفاع وولف عن الفلســفة بعبــارات أهمهــا ) :إن أقــل مــا يفعلــه أهــل
عصر من العصور أن يصوغوا المسائل القديمة وحلول هــذه المســائل فــي قــالب
جديد يتفق مع الروح الفكرية والروح اللغوية لهذا العصر ( وهكذا فالفلســفة منــذ
ة جديــدةً علــى مواضــيعها مئات السنين لم تقدم موضــوعا ً جديــدا ً ولــم تجــب إجابـ ً
القديمة ،وكل ما تفعله منذ حوالي ألفي عام هــو أن تصــوغ الجابـات والمســائل
ل دللــتين بطريقة ) تلئم الروح الفكرية واللغوية لكل عصر ( وهذا العــتراف يــد ّ
علم ـا ً ( لن العلــم ل من ) ِ هامتين :الولى إن الموضــوع الكل ّــي للفلســفة ل يتض ـ ّ
يتوقف عند حدود معينــة فالفلســفة ليســت علم ـا ً .والثانيــة إنهــا ليســت طريقــة
م أيض ـا ً ونقــد للتوصل إلى العلم أو نقد العلم والمعرفة لن طريق العلم هــو عل ـ ٌ
العلم يستلزم وجود علم أعلى يمسك بخيوط العلم كلها ويمتلك مفاتيح العلم كله
،وكذلك المعرفــة حيــث يســتلزم تقييــم المعرفــة امتلك ) نقطــة ( جامعــة أولــى
لنطلق المعارف كلها بحيث يمكن نقد المعرفة وطرائقها .ولما كانت الفلســفة
ة ول طريقة لتقييــم أو جامدة ) مسائل وإجابات ( فليست هي إذن علما ً ول معرف ً
نقد العلم والمعرفة .أما كون الفلسفة تريد أن تفعل كل ذلك فهو شيء وكونها
قد فعلته فهو شيء آخر .
انظر النص التي :
) هناك دراسات تناقش مدى أهمية النجازات الــتي حققتهــا الفينومينولوجيــا
في مجال تقدم العلوم النسانية على الخصوص .من أمثلتها الجــادة هــل قــدمت
انظر تراجع هوسرل عن ) النا وحدية ( بعدما تعّرض للنقد وانظر تراجعه عن التراجع وانظر تراجعات كثيرة )(1
الجلسة الثانية
لفريق إلغاء الحكمة
على الرض
دد الحاضرون الغنية ،قال الرئيـس جل القائد ،ور ّ ) بعدما ألقيت المقدمة التي تب ّ
(
ً
الرئيـس :باسم قائدكم المنظور بالله وباسمي شخصيا وباسم جميــع الشــياطين
في الرض الثالثة وباسم القيادة الفلسفية المجتمعة هنا أتلو القرارات المنبثقــة
عن الجلسة الولى ،وعلى كافة المختصين تنفيذها فورا ً اســتغلل ً للــوقت وكيــدا ً
ببني النسان أعداءنا) الطبيعيون ( وأعداء الزمان
) يهمس أحد الشياطين بخفوت قائل ً (
أحد الشياطين :الطبيعيين سيدي الرئيـس !! .
) يرد الرئيـس فورا ً (
الرئيـس :اسكت … هذا ليس شغلك ! .
) ثم يواصل الحديث (
الرئيـس :أول ً :ـ الوامر العامة :
جب تكثيف العمل اليحائي للدارسين والساتذة والتلميذ ممن هم يتو ّ .1
ً
دون مرتبــة الفلســفة بضــرورة اتخــاذ الفلســفة قــدوة لهــم ومثل أعلــى ،
مث َُلهــم الــذي فــارقوه ،وإنهــم يعيشــون فــي عــالم والنظر إليهم على أنهم َ
سعيد كل السعادة ) لتحصيلهم السعادة ( من خلل انفرادهم بالفكر الخالص
) والعقل الخالص ( ،ليشعروا بأن عليهم الوصول إلى تلك المرتبــة ول أقــل
من ) تمّنيها ( فإن لم يستطيعوا فل أقل من أن يغبطوا من هم فيهــا وذلــك
أضعف الشر .
يتوجب على لجان التنسيق في علم النفس الربط العملي بين مشاعر .2
هذه الطبقة ومشاعر الطبقة التي دونها من العامة والذين تكون ) سعادتهم
( مراقبة وملحظة ومتابعة أخبــار وأحــوال الســعداء مــن النــوعين ) الملــوك
الجبــابرة والغنيــاء بالمــال ( ،فســعادة المثقفيــن هــي فــي تأمــل ســعادة
الفلسفة وسعادة العامة هي فــي تأمــل ســعادة القــادة مــن أصــحاب المــال
مــص نفســية الحاصــل عليهــا لنهــا قــوة وإن والسلطان وتمنــي مثلهــا ،وتق ّ
) القوة فضيلة جامعة للفضائل ( .
جب على اللجان المذكورة الربــط العملــي بيــن مشــاعر الطبقــتين يتو ّ .3
أعله مع مشاعر الطبقة الموازية لهما بالشــعور الســعيد نفســه إزاء التأمــل
في سعادة قادتها لتحصيلهم ) سعادة الدارين ( باعتبارهم علماء بأطروحــات
الفكر الديني .مع التشديد على أن ) الدار الولى ( سعادتها فــي ) العــزوف
عنها ( ،و) الدار الخرة ( سعادتها بعد فناء الكون ،وذلك من أجــل أن يكــون
مفهوم الخرة ) غيبـا ً ( بمعنــى ) مــا وراء المــادة ( وليــس علــى مــا يقتضــيه
المعنى اللغوي على الصل أي بمعنى ) مستقبل عالم المــادة ( مــع ضــرورة
التأكيد على أن هذه المفردات في الكتب المنزلة هي ) استعارات ومجــازات
وكنايات ( ،مــع اليحــاء إلــى القــادة بضــرورة تحديــد مصــيرهم مــن العقــاب
ء ممكن من ) اللوهية ( في القادة . قق أكبر جز ٍ والثواب ليتح ّ
جب على اللجان المــذكورة تكــثيف عمليــات اليحــاء إلــى أضــعافها يتو ّ .4
فيما يخص الطبقة الرابعــة المســماة طبقــة ) المرمــوزين ( ،والــتي تشــمل
الفن بمعناه عندنا ل بمعناه عند بني النسان ،كما تشمل عندهم ) الشعراء
والصحافيين والسحرة والكهان وقارئي الفأل والمتنبئين ،وذوي الطــرائق ،
النيلي ----------------------------------------- 28
وأصــحاب الخــرق ،والرعاشــين ،وأهــل الراحــة وأهــل الحبــال ،وأصــحاب
ع ـّراض العــرض ، النجــوم ،وذوي التكايــا ،وأهــل الغنــاء ،وذوي الحانــات ’ و ُ
وكتــاب النــثر ،ونقــدة الدب ،والسماســرة ،والوســطاء ،وأهــل الباحــة ،
والهّتافين ،والذين يدينون بــالولء لقــادتهم مــن القــادة فــي الفئات الثلثــة
ل بحسب مرجعه ،إلى أن سعادتهم العظمى ليس فيما يحصلون السابقة ،ك ٌ
عليه من ربــح أو خســارة أو مــوت أو خلــود أو عــذاب أو نعيــم ،وإنمــا تكمــن
سعادتهم في مرموزاتهم لن عملهم هو ) فن ( والفن ) مطلوب لذاته بذاته
( كما الفلسفة تطلب ) لذاتها ( ،فهم من هذه الجهة ليست لديهم غاية مــن
عملهم سوى العمل نفسه ،وهي صفة ) الله( ليس له غاية من إيجاد الوجود
إل إيجاده .وبذلك يكون شعورهم باللوهية شعورا ً داخليا ً وإن لم يصرحوا بـه
ر عليهم منــافع شخصــية أو يجلــب عليهــم خســائر معنويــة أو ماديــة . ولم ُيج ِ
لع ،والنبهار ،والتعجب ،والســؤال ، وسوف يعّزز هذا الشعور لديهم :الط ّ
والدهشــة ،والمتابعــة ،وطلــب اللــذة ،وقضــاء الــوقت ،وقضــاء الحاجــة ،
ب النتقام ،وحصول مع الخبار ،وح ّ ومعرفة الطالع ،وتحصيل الخبرة ،وتس ّ
) الطلب ( ،ودخول العالم العلــوي .وهــي الشــياء الــتي يبــديها لهــم أفــراد
الفئات الخرى بشغف شـديد أحيانـا ً مـع تقـديم ) المسـاعدات الماليــة( لهــم
على شكل تذاكر أو مبيعات كي ل يموتوا جوعا ً ،ول أقل من أن تكــون تحــت
عنوان ) إكراميات ( أو ) بقشيش ( ،لن الجوع يدفعهم إلى البحث عن عمل
آخر .
ً
تــترك بــاقي حــروف البجديــة لملئهــا مســتقبل فــي هــذا المــؤتمر أو .5
المؤتمرات اللحقة .
) عندما أراد الرئيـس أن يتكلم لحظ لفتة كبيرة على أحد الجدران تقول) إلغاء
ددوا المقدمــةآثار الحكمة ( فأمر بجعلها ) إزالة آثار الحكمــة ( .ثــم قــال بعــدما ر ّ
والغنية (
الرئيـس :يجلس معكم اليوم ) كائن ( من بني النسان ،هو أعظــم شــياطينهم
على الطلق من أجل أن ينفعكم بعلمه وخبرته .ولتعلمــوا أن ) الشــياطين ( هــو
في الصل تعبير ديني أطِلق علـى أشــخاص لهــم هــذه الصـفة مـن بنـي النسـان
ء ،ولكننا وبفضل جهودكم جعلنا بني النسان ل يفهمون من والجان على حدّ سوا ٍ
ً
لفظ ) الشيطان ( إل ّ كائنا ل ُيحس ول ُيرى ،فـي حيـن إن الكتـب المنّزلـة إليهـم
دى هــذا إلــى تشــكيكهم تذكر شياطين النس في عشرات المواضع .وطبعا ً فقد أ ّ
بوجودكم فضل ً عن وجود شياطين مــن النــس ،بحيــث أن الفيلســوف ) شــيللر (
النيلي ----------------------------------------- 44
يمّني لوكاش برؤية الشيطان بالرغم من وجود ما يقرب من ثلث العــدد الكلــي
جب بقــاء الظلم كهفــا ً منهم داخل بنايات الجامعة التي يحاضران فيها .لذلك يتو ّ
تستترون به فإنه من أهم مستلزمات عملنا .وقد أعطيت هذا النسي فترة راحــة
جلــت عــذابه دثكم عن أفعاله العظيمــة ،إذ لــول طــبيعته النســية ل ّ من عذابي ليح ّ
مى ) الشــيطان ( حينمــا تــذكره الكتــب مليين السنين .وهذا الرجل هو الذي ُيس ـ ّ
ولهمــا المنّزلة بهذه الصفة .وهي حينما تقــول ذلــك فإنمــا تعنــي أحــد رجليــن ،أ ّ
صاحبكم وهو معروف لديكم ولم يستطع حضور الجتماعات لني كّلفتــه بمهمــات
أخرى والخر هو هذا النسي وبعض قادتكم يعرفونه جيدا ً .
) يوجه الرئيـس كلمه إلى النسي (
الرئيـس :ما هي جلئل أعمالك أيها الشيطان المريد ؟
ل ُبعث بكتاب فاشتهيت أن أقتله فلم أستطع النسي :كنت أعيش في جوار رسو ٍ
ة أن ،وكلما عجزت عن قتله اشتهيت ما هـو اكـثر ،حـتى بلغـت بـي الرغبـة درجـ َ
اكتم غيظي وُأظهر إيماني وتصديقي به أمل ً في أن افعل ما هو اعظم مــن ذلــك
ة العدد من الناس .وقــد قــال فيمــا ة عظيم ُ وأبعد أثرا .وقد كان لهذا الرسول أم ٌ
قاله لهذه المة قبل موته :إن الله خلقكم لتكونوا عبادا ً طائعين فإن لــم ترغبــوا
بذلك فإنه يجعلكم عبيدا ً كــارهين .ولن اللــه يعلــم أنكــم تــؤثرون طاعــة بعضــكم
البعض على طاعته ،فقد جعل لكم من أنفسكم رجال منحهم علما ً بالشياء كلهــا
ل لترون فيهم أنفسكم وتشبعوا نزوتكم في رؤية أنفسكم من خللهم .وهم رجا ٌ
ة منذ البداية وأنا أحد هؤلء ،واعلموا أن الله ل ُيكره أحدا ً طائعون له طاعة مطلق ً
ء .ولو كان يعمل بالكراه لما أرسلني ،بل لفعل مــا ء أو ترك شي ٍ على فعل شي ٍ
يريد فعله بكم كرها .فإذا شئتم أن تطيعوه فأطيعوني ،فإذا هلكت فأطيعوا هذا ً
الخر ،وإن لم تشاءوا ذلك فــأنتم ومــا تشــاءون .مــن أطــاعني أطــاع اللــه ومــن
عصاني عصاه .فلما مات هذا الرســول عمــدت إلــى ذلــك الخــر فقتلتــه وحملــت
الناس على ذلك .ثم استوليت على المر من بعده ولم أفعل من بعد ما فعلت إل ّ
أربعة أشياء .
الرئيـس :اذكر هذه الشياء لخوانك الشياطين .
م له ولكن الحــاكم النسي :أول ً :جعلت الناس يؤمنون بأن الشرع بيد الله والحك ُ
) الديمقراطية ( في مّلة ذاك الرسول ،وأول مــن بأيديهم .فأنا أول من وضع
انتخب كي ُينتخب .
ع لقواعــد الكلم واللغــة ،حيــث جعلتهــا وفــق مبــدأ ول واض ـ ٍ ثاني ـا ً :إنــي أ ّ
) القواعد هي ما نقول ( وليس ) ما ينبغي أن نقول ( .وجعلت الفصاحة هي ) ما
نتكلم ( وليس ) ما ينبغي أن نتكلم ( .
ســمه اللــه ،إذ أمــر هــذا سم المال والســلطان كمــا يق ّ ول من ق ّ ثالثا ً :إني أ ّ
ســم فــي الرسول أن يقسم المال بالسوّية والسلطان بالهّلية ،ولما كان الله يق ّ
ســم سمت المــال والســلطان كمــا يق ّ الحساب حسب السبقية والفضلية ،فقد ق ّ
الله .
دد في الحكــام الشــرعية وحمــل النــاس علــى الــتردد رابعا :أني أول من ر ّ ً
ددون فــي أحكــام كون ويــتر ّ فيها ) خشية عقاب الله ( .ومنذ ذلك اليوم وهــم يش ـ ّ
هذا الرسول وشرائعه على وفق ما وضعته لهم من الشياء السابقة .
ة الرئيـس :ألم تفعل شيئا ً آخر ؟ فإن الشرور والفتن ظهرت بعــد موتــك متدافع ـ ً
ق ( تستتر . كما لو كانت خلف ) غل ٍ
ق الشــرور غل َـ ُ
النسي :ل .لم أفعل شــيئا ً آخــر ،كــان ذلــك الرســول يســميني ) َ
والفتن ( ولكنها جميعا ً ) تلقحت وتناتجت ( من هذه الربعة .
النيلي 45-----------------------------------------
الرئيـس :أيها العفاريت خذوا رئيس الشياطين النسية إلى موضعه وليغسلوه
ساق ويطعموه من هذا العناء والسفر الطويل بماء الحميم ،ويسقوه شيئا ً من الغ ّ
ُ شيئا ً من الز ّ
ة مــن الســرابيل القطرانيــة حــتى أنهــي قوم ويــدّثروه بقطــع ســميك ٍ
أعمالي في هذا المؤتمر .ثم لبدّ لي من أقول لكم إن النسان لم يفهم إلى هذا
اليوم العلقة بين الموت والحياة ،لنه ل يفهم العلقة البسط بين الجماد والحي
،وهو ل زال يتساءل عن معنى العدم .وكــثيٌر منكــم قــد ل يفهــم معنــى كلمــه ،
فعلى الذين فهمــوا أن يعّلمــوا الــذين لــم يفهمــوا ،إن أخــاكم رئيــس الشــياطين
ظمــة ومترابطــة .فعليكــم حمــل بنــي النسية وضع أعماله وفــق ) خطــوات ( من ّ
ة ) حقيقــة( جزئيــة النسان على إتباع هذه الخطوات نفسها حينما تظهر لهــم أي ّ ـ ُ
طلع واسع بهذه الشياء . تمّثل الحقيقة الكلية .إن قادتكم هنا على ا ّ
المغربي :سيدي الرئيـس .إن منطقنا الشيطاني يعتمد على طريقة الربــط بيــن
) جملة ( صادقة وأخرى كاذبــة .فــإن الشــيطان النســي قــد أعلــن فــي الخطــوة
ة صادقة وربطها بالجملة الكاذبــة ) الحــاكم الولى أن ) الحكم بيد الله ( وهي جمل ٌ
بيد النسان ( .ولمــا كــان النســان حـّرا ً وفــق تعــاليم ذلــك الرسـول ،ولمــا كــان
ء إزاء تلــك الحريــة ،فينبغــي إذن أن يزيــد ل شي ٍ الشيطان النسي ل يستطيع فع َ
عدد الذين يتبعونه ) بسرقة ( عدد من الـذين اتبعــوا الرســول ،وذلــك عـن طريــق
جعلهم يتساءلون عن حريتهم ومقدارها .فقد جعلهم ـ بوضعهم حريتهــم موضــع
التساؤل ــ يّتبعـونه مـن حيـث ل يشـعرون .ومـن يومهـا أصـبحت الحريـة موضـع
التساؤل ،وصار النسان يحاول أن يدرس) ذاته ( كبــديل عــن دراســة ) الوجــود (
كوا ة بالنسبة لبني النسان ،كان ديكارت وغيــره قــد ش ـ ّ بأسره .وهذه مأساة أليم ٌ
في كل شيء إل ّ فيها )الحّريــة ( .والصــل فــي المســألة أن الجملــتين يمكــن أن
تتبادل ) :الحكم بيد النسان ( و ) الحاكم بيد الله ( ،لن الرسول إذا كــان حاكم ـا ً
ر على هذا أو وط بالنسان وحده وهو غير مجب ٍ من الله فالحكم باّتباعه أو عدمه من ّ
ة بــالتلزم فــي شــرع ذلــك الرســول حان ســوي ً ذاك .ومعنى ذلك أن الجملتين تصـ ّ
ة في واقــع النســان حان سوي ً باعتبارهما ) وصية أو شيئا فيه طاعة لله ( ،كما تص ّ
باعتباره موضوع هذه الوصية فهو قادر على تنفيذها أو رفضها .وحينما فعل هذا
النسي ذلك اللتباس فقد جعل النسان ـ الذي يملك اختياره ـ جعلــه يفت ّــش عنــه
بدل ً من استعماله في أي طريق .إن هذا العمل الجبار لرئيس الشياطين النسية
ق الختيار بطريقة واضحة قسرية كما فعل هو أفضل بكثير مما لو كان يسلبهم ح ّ
ّ
فرعون حينما قال أنا إلهكــم .لن هــذه الطريقــة ل تجعلهــم يسـلمون اختيــارهم
ويصبحوا عبيدا ً له فقط ،بل ل يعلمون أين هو اختيارهم أصل ً ،فهم يفتشون عن
ة مــن ت أعطاهم جزءا ً منه مثل قطــر ٍ اختيارهم الذي وضعه هو في جيبه ،في وق ٍ
ر ليجعلوه رئيسا ً عليهم وهم فرحون جدّا ً لنهم اختاروه بمحض إرادتهم .بينمــا بح ٍ
كان القتيل مختارا من قبــل رســولهم .يمكننــي أن أقــول إذن أن جميــع فلســفة ً
) الحرية ( في الغرب وجميع فلسفة ) الجبر والختيــار ( فــي الشــرق إنمــا يعــود
ماها ســيادتكم . الفضل في ظهورهم إلى الفقرة أو ) الخطــوة ( الولــى كمــا سـ ّ
وكذلك فجميع الذين حكموا بعد جناب رئيس الشياطين النسية يعود الفضــل فــي
توليتهم إلى هذه الخطوة بالذات .
الرئيـس :يسعدني جدا ً أنك تفهم أهمية هذه العمال .وبالنسبة لي فإن المــوتى
ى كــبيرا ًي فــي آخــر المطــاف ،لكــن مــوته ســبب أذ ً من هذا الصنف سيرجعون إل ّ
لسيدكم العلى نفسه بحيث أنه يعدّ هذا اليوم أسوأ يوم في حياته ،وبخاصــة أنــه
ل يوجد في فلسفة الشياطين منكم ومن بني النسان مـن يضـاهي مرتبتـه فـي
ء .أل ترون أن هذا الشيطان المريــد قــد الفلسفة العملية والنظرية على حدّ سوا ٍ
أخذ أحدى الجملتين من ) شرع الرسول ( وترك الخــرى ،وأخــذ إحــدى الجملــتين
النيلي ----------------------------------------- 46
من ) حقيقة النسان ( وترك الخرى وربط بين واحدة صادقة في الشرع كاذبة
مع النسان وبين واحدة كاذبة فــي الشــرع صــادقة مــع النســان ؟ .وبمثــل هــذه
الطريقــة يجــب أن تشــرحوا الخطــوات الخــرى ،وتعملــوا وفــق مــا تعلمتــم فــإن
ة مــا آلف النسان كائن جهول جدا ً وشديد الغباوة ،ويستمر أحيانا ً بمناقشة مسأل ٍ
الســنين والمســألة نفســها ليــس لهــا وجــود أو أصــل أو إن جوابهــا عنــده .فهــو
) النسان ( اسمه مأخوذ من النسيان ،أل ترونه ينسى أحيانــا الشــيء أو الحاجــة
في يده ويــدور يفت ّــش عنهــا ؟ هـذه الحالــة تســتمر فـي الفـرد الواحـد دقيقـة أو
ع ( إنساني ألف سنة أو ألفين بحســب النســبة دقيقتين ولكنها تستمر عنده ) كنو ٍ
كنتــم مــن إضــاعة شــيء منــه والتناسب بين عمــر الفــرد وعمــر النــوع .وكلمــا تم ّ
ً ً
خرتم عذابكم وخلصــه ألف ـا أو آلف ـا مــن وإنساءه إياه في الفكر الفلسفي كلما أ ّ
السنين .ويجب أن تعلموا الفروق في هذا المثال والتفريــق بيــن الشــياء كلهــا .
فالناسي للحاجة في يده ينتبه لها بعد حين ،لماذا ؟ لنه يستعمل جــوارحه واليــد
كر ذلك الشيء .أما الذي ينسى الحاجة في موضع مــا ، منها فإذا نظر إلى يده تذ ّ
فإنه لن يتذكر بهذه السرعة وقد تمر أيام أو شــهور ول يــدري أيــن وضــع الحاجــة
فعليكم بالنتفاع من هذا التمييز .
المشرقي :إن الرئيـس يقصد بكلمه أنه إذا كان ثمة حل لمعضــلة مــا لقــوم عنــد
قوم آخرين فيجب أن تعملوا على فصلهم عن بعضهم البعض ،كي ل ينّبه أحــدهم
الخر ولو قدرتم على قطع اليد الماسكة بالشيء عن رأس صاحبها ليبقى يفتش
عنها دوما ً فافعلوا .
المغربي :نحن منتبهون جدا ً لهــذا المــر ســيدي .فــإن الفلســفة فــي الغــرب ل
ينظرون في شيء من أقوال أهل الدين في الشرق .وأهل الدين في الشــرق ل
ينظــرون فــي شــيء مــن نتــاج ) المفكريــن ( الخريــن فــي الغــرب والشــرق .
دين فــي الغــرب . والساتذة في الشرق ل ينظرون في شيء من أقــوال أهــل الـ ّ
وأهل الفنون والداب في الشرق ل ينظرون في شيء مــن الــدين فــي الشــرق .
وأما بقية العلوم في الشرق والغرب فهي في خصام ونزاع وتعّزز وامتناع ،وقــد
ينقسم الشيء ) الضائع ( أحيانا ً بين أنواع وأنــواع مثلمــا انقســم النســان نفســه
بين الدين والفلسفة ،وعلم النفس والجتماع .
الرئيـس :لقد نسي النسان حّريته وهو ل يزال يفّتش عنها من حيــث هــي عنــده
وانبثق من ضياعها ألف مشكلة ومشكلة ،والتهى بحــل تلــك المشــاكل .فمــن ذا
يحل تلك المشاكل ؟ أم يكون النسان أصل ً راغبا ً بالمشاكل ؟ .
المشرقي :بلى .فحينما جاء ) هيجل ( حاول وضع حلول لجميع المشاكل .وهي
حلول ناقصة ومتناقضة إذ نظر آخــرون فــي الوجــود فقــالوا ) :ليســت الفلســفة
دعي وضــع حلــول لجميــع المشــاكل ،إنمــا الفلســفة الحقيقية هي التي تضع أو ت ّ
الحقيقية هي الــتي تفتــح البــاب لمعرفــة العــالم بطريقــة تجعــل النســان يفهــم
موضــعه منهــا ويعيــش قلقــه الفلســفي ،فالحيــاة بل هــاجس مــن القلــق تصــبح
موتا ً .((1( .وهذا الكلم سيدي الرئيـس فيه خطورة عظيمة على جميع الشــياطين
لنه يوافق تماما ً الغاية والمبادئ التي خلق الله لها وبها النســان .ولكــن لحســن
حظنا إن هذا الكلم صدر من قوم ينكرون هذه المبادئ وتلك الغاية بل وينكرون )
ر لعبوديتهم .وكما قال الرئيـس فإننا نأمل ف مباش ٍالله ( نفسه تخّلصا ً من اكتشا ٍ
أن يبقى الوضع كما هو .إن الذين يكتشفون بحدســهم أن لهــم غايــة يتناقشــون
في ) الحرية ( ،في حين أنها هي الغاية المكتشفة فيــذهبون مــذاهب شـّتى فــي
إثبات وجودها مع أنها هي نقطة انطلقهم في البحث .والذين لم يكتشفوا غايــة
ة واحــدةً ووضــع بل جعلوا أنفسهم هم الغاية حــاولوا تفســير العــالم بكــامله دفع ـ ً
)(1
أفكار وجودية . 96 /
النيلي 47-----------------------------------------
حلول لجميــع التســاؤلت مــرةً واحــدة غيــر مــؤمنين بضــرورة اســتمرار القلــق
قفــوا فجــأة فــي موضــعهم ل يتقــدمون ول يرجعــون ثــم طمــروا المعرفي ثــم تو ّ
رؤوسهم في الرمال كي ل يسمعوا أحدا ً يناديهم قائل ً :أريــد ســعادتي ،أريــد أن
ون .فكيـف يرفعـون رؤوسـهم لمـن ينـادي :قـد ُ
أخلق وأبدع ،أريد أن أكون وأكـ ّ
علمتم كل شيء فاخلقوا كائنــا ُيهلــك الــذباب أو اخلقــوا كائنــا غيــر الــذباب فقــد
ضجرت من الذباب ،أو على القل اجعلوا الذباب ل يقترب من وجوهكم …!!
الرئيـس :ولن يرفعوا رؤوسهم لمن ينــاديهم أن يخّلصــوا أنفســهم مــن مخــالبي
قائل ً :ادرأوا عن أنفسكم الموت .
ً
المشرقي :لذلك فإني ما زلت أطمئنك دائبا .فكــل فكــرة فلســفية ُتنــاقش إنمــا
من نفس البحث إجابة عنهــا .ألــم ترهــم تحمل في نفس النقاش نقيضها ،ويتض ّ
دثون ويتجــادلون فــي دثون عن العدم الذي هــو ضـدّ الوجــود ونقيضــه ثــم يتحـ ّ يتح ّ
) وجود العدم ( أو ) عدم وجوده ( ؟ .فالنسيان قد بلغ بهم مبلغا ً عظيما ً لن الذي
يتحدث عن الوجود إنما يتحدث عن العدم ،والذي يتحـدث عـن العـدم إنمـا يتحـدث
دث عــن ) وجــود العــدم ( .فهــو عن الوجود ،فلم أر أحمق من النسان الذي يتح ـ ّ
مثل ذلك التلميذ الذي سأل أستاذه وهو يقوم بتجربة على درجــات الحــرارة :كــم
بلغت الحرارة في هذا السائل يـا أسـتاذ ؟ فقـال الســتاذ :أربـع درجـات مئويـة .
فقال التلميذ :فكم أصبحت برودة هــذا الســائل ؟ ! .لكــن الفلســفة فـاقوا هــذا
التلميذ في التدقيق في المسألة إذ لو كانوا مكانه لسألوا الستاذ :فكــم أصــبحت
برودة الحرارة ؟ ! وهم تماما مثل هذا التلميذ ،فماذا سيقال عــن هــذا المســكين
ل سأل حكيمـا ً لو سأل عن برودة الحرارة أو حرارة البرودة ؟ .ومثل ذلك مثل رج ٍ
عن معنى ) العِالم ( فأجابه الحكيم فقال الرجل :فاخبرني عــن الجاهــل .فقــال
الحكيم :قد أخبرتك يا جاهــل ! .والفلســفة قــد فــاقوا هــذا الرجــل فــي تــدقيق
المسألة ولو كانوا مكانه لقالوا للحكيم :فاخبرنــا عــن جهالــة العــاِلم ،وهــو عيــن
سؤالهم عن وجود العدم .
لت ثم يضعونها أمام الرئيـس ) يطلب المغربي من العفاريت أن يجلبوا كتبا ً وسج ّ
فتحجب ما بينه وبينهم (
المغربي :هذه سيدي الرئيـــس المقــالت الفلســفية حــول مســألة ) هــل يســمى
المعدوم شيئا ً ؟ ( ،وهي ما أثاره أخي المشرقي .
) تظهر آثار الدهشة الشديدة على الرئيـس ثم يستفهم قائل ً (
ل شيء في هذه المسألة ؟ الرئيـس :هل هذا هو ك ّ
المشرقي :نعم سيدي .وهناك شروح وفقرات متفّرقة فــي الكتــب وفــي لغــات
أقوام ليست لديهم فلسفة بهذا المعنى لكنهم ينقلون البحاث إلى لغاتهم .
الرئيـس :ل…ل هنا تقصير واضح .ينبغــي أن تكــون الكميــات أكــبر ،فمثــل هــذه
المسألة وإن كانت واحدة من عشرات الفروع في موضوع الوجود والعدم ،لكنــي
قعت المزيد من الكتابات حولها فالنسان مولع بمثل هــذه الشــياء الــتي يخــدع تو ّ
ً ً
بها نفسه .يبدو لي أن عملكــم اليحــائي فــي هــذا المــر كــان ضــعيفا جــدا ،لن
النسان هو وجود العدم .
) يرفع أحد المردة رأسه ويده طالبا ً الكلم (
الرئيـس :تكّلم من أنت ؟
المارد :أنا مساعد مارد النار وعملي هو العادة والتلف .وحسب أمركم ســيدي
نقــوم بنقــل وتســوية المخطوطــات والكتــب ،ونحــاول بالعمــل اليحــائي إتلف
وإحراق الجزاء التي تفصم عرى التواصل بينها من أجل أن يبدأ النســان ببحثهــا
من جديد .صحيح أننـا نتبـع إداريـا ً مـؤتمر الحـروب وسـفك الـدماء ،ولكـن قسـم
المكتبات يستلم أوامره من الجميع وينفذ وصايا مؤتمر إلغاء الحكمــة .ســيدي إن
النيلي ----------------------------------------- 48
الكميات المحروقة في مســألة ) وجــود العــدم ( فــي مكتبــات الشــرق والغــرب
ن مختلفــة ن وأمـاك َ م حرقهــا فـي أزمــا ٍ تفوق ما جلبوه الن أمام سيادتكم ،وقد ت ّ
صل عنها سيادة الرئيـس . خلل استغللنا بعض الفتن .وهذا تقرير مف ّ
الرئيـس :إن الحرق العشوائي هو عمل تخريبي ضدّ أمن الشياطين وســلمتهم ،
دمه المشــرقي مثل ً حــول هــذه المســألة إذا ورد فـي كتــاب أو فاليضاح الـذي قـ ّ
كّراس فينبغي أن يحرق ،أما النقاشات الفلســفية حــول الموضــوع والــتي تعتــبر
جب ) وجود العدم ( مســألة فعليــة ومشــكلة قائمــة ،فيجــب أن تبقــى ،بــل ويتــو ّ
الحفاظ عليها .أعتقد بأني سأحرق اللف منكم على هذا الهمال الجسيم .أيهــا
كل لجنة فورية لجرد المحروقات كّلها وإيضاح ما فيها كلمة كلمــة الشياطين …ُتش ّ
منذ عهد سقراط بل وقبل سقراط بألف سنة وإلى هذه الساعة .
القادة :السمع والطاعة سيادة الرئيـس .
المشرقي :أودّ أن أطمئن سيادتكم إلى تلــك الشــياء الــتي تخشــونها .إذ أننــا ل
نستطيع أبدا ً ) إلغاء ( إجابات حقيقية عن المسائل الفلسفية .فمن تلك الجابات
مقاطع أو مقولت مشهورة مكتوبة في مليين النسخ .وعزائنــا الوحيــد هــو فــي
أن النسان ل يبحث عن حقيقة الشياء ول عن إجابات لمشاكل افتعلها هو .لقــد
أمرتنا سيدي أن نكون حكماء بـوجه النسـان الفيلســوف ليكــون عملنـا متقنـا ً فل
ت إن النســان يبحــث سر فلسفة النسان .وقد رأيــ َ نتفلسف مثل النسان بل نف ّ
ً
في فلسفته _ وإن لم يكن فيلسوفا عند الناس _ عن ألوهية نفســه فهــو يفتعــل
مشكلته افتعال ً .وحينما ُيوحى له بإجابات عن مشاكله ،يطــالب بــالقلق ول يريــد
ل شيء .في حين أنه يزعم أن الفلسفة تبدأ من الدهشة والقلق سر ك ّ
إجابات تف ّ
ّ
بالشياء ومنها ،وفي نفس الوقت يجد راحة في التفلسف ،فهو ل يريد التخلــي
عن مشاكله .ويمكننا أن نحلل النسان في هذه النقاط ونعلم وجه خداعه لنفسه
.فالقلق الذي استبدّ به جراء كونه عبدا ً ومخلوقا ولــه غايــة وهــدفا ً عظيمـا ً جعلــه
يبحث عن هدف وغاية يضعها هو ويريدها هو ،وكّلما دار وبحث لم يجد نفسه يريد
شيئا ً سوى ما وضع لــه .إنــه يريــد الســيادة المطلقــة والســلطان الــدائم والبقــاء
المستمر في الحياة _ الحياة التي يمارس فيهــا الســلطان والتحكــم فــي الشــياء
ولكن بشرط أن يفعل هو كل ذلك بمفرده تماما ً .ونحن معاشر الشياطين وضعنا
ق ،ذلك ول ضربتنا هنا .فقد أوحينا له أن ما يشعر به هو ح ّ السفين هنا وضربنا أ ّ
ً
ون ـا بــه وفيــه لننا ل نقدر على تغيير شيء خلقه الله في ذات النسان وجعلــه مك ّ
ً
دقنا معه .ثم أوحينا له أن هذا الهدف ل يتحقق مطلقا بالوعد ومنه .وفي هذه ص ّ
اللهي ،فإنه مجرد غيب ،فهذا العالم هــو عبــارة عــن أشــياء مترابطــة وقــوانين
كر ويؤمن بأبديــة صارمة ل يمكن خرقها ول تغييرها .ثم جعلناه منذ ذلك الحين يف ّ
الشياء وثباتها أو حركتها الثابتة ،وجعلنا أتباعنا في الملل الدينية يفســرون كــل
ما يتعلق بهذا الوعد والملكوت على أنه إن وقع فإنه يقــع فــي عــالم آخــر بنظــام
آخر من أجل أن يؤمن النسان بأن هذا النظام الطبيعي هو نظــام ثــابت ل يمكــن
ول .ولم يكن أمام النسان إذن إل ّ ثلثة أو أربعة خيارات :أن يكون قانعــا ً أن يتح ّ
بعبوديته لله منتظرا دخول ذلك العالم البدي الذي ل ُيرى إل ّ بعد دهور أو أحقــابً
ل يعلم كم هي .وفي هذا المر جمعنا بيــن أشــياء مختلفــة انطلــت عليــه .فعــالم
الوسط بين الموت والحياة جعلناه مثــال ً لعــالم الواقــع الموعــود .وعــالم مـا بعـد
انتهاء الكون والخليقة جعلناه هو العالم الموعود .وهكذا فقــد آمــن أهــل الديــان
بعد ذلك بأن العالم الحالي هو عالم ثابت ل يتغير .وهذا هو المطلــوب إذ لــم يبــق
شيء حقيقي في الديان .ذلك لن ) النعيم والعذاب ( المشار إليه في مرحلة ما
بعد الموت وقبل الحياة وفي مرحلة ما بعد انتهاء هذا العالم ل يــترتب إل ّ بمقــدار
اليمان والكفر بحقيقة إمكانية تغّير هذا العالم الواقعي .وأما حقيقة مـا جـاء بـه
النيلي 49-----------------------------------------
الوحي يا سيدي فهو إمكانية تغّير هذا النظام إلى ما هــو أفضــل تغي ّــرا ً واقعي ـا ً
ه_ بحســب مــا وصــف الــوحي .وهــذا هــو ماديا ً ليكون فــي الخــرة _ أي فــي آخــر ِ
المعنى الحقيقي للغيب .فالخرة هي آخرة في الزمان وليس في المكــان آخــرة
دث عــن هــذه المســألة ل غيرهــا ،وهــي كما هو واضح .فالديان اللهية إنما تتح ـ ّ
وه عن أهميــة القضــية المحوريــة الــتي دث عن المراحل الخرى فإنما تن ّ حينما تتح ّ
تــدور عليهــا غايــات وأهــداف الرســالت .وهكــذا أصــبح هــذا القســم مــن النــاس
يعيشون في أديان هم خارجها ،ويعملون في واقــع هــم بــه كــافرون ،ويحلمــون
بتحقيق الهدف البعــد _ الخلــود البــدي فــي جنــة الخلــد _ مــن غيــر أن يعملــوا أو
يعلموا شيئا ً عن الهدف القــرب .وإذن فمــا أبعــد وقــوع هــذا الهــدف القــرب ! .
ومعلوم أن الهدف البعد فـي نصـوص الكتـب المنّزلـة ل يمكـن نـواله إل ّ بتحقيـق
الهدف القرب ،ولكننا عملنا جهدنا لصرف النظر عــن تلــك النصــوص وتفســيرها
بطريقة تجمع بين الهدفين وتجعلهما واحدا ً هو الخلــود فــي عــالم الغيــب ،حيــث
أوحينا أن الغيب هو مرادف لما وراء الطبيعـة .ولـم يكـن أمـام القسـم الخـر إل ّ
البحث عن ما وراء الطبيعة ودخول الميتافيزيقا .فمــن المؤكــد أن إلهـا ً ل يعتنــي
بمخلوقاته إلى هذا الحد ويتركهم على هذا النحو هو إله ل يستحق العبادة ،ومــن
ة جمــع بيــن ل محلــه ،وثالث ـ ً هنا عاند النسان ربه فتارةً أنكره ،وتــارةً أراد أن يح ـ ّ
المرين ،وأخرى حاول فيها تجاوز الطبيعة لمعرفة ما يكمن وراءهــا .وبعــد ذلــك
وجد النسان أنه ل يستطيع القفز إلى ما وراء الطبيعة فهي سدّ منيع أمامه فبدأ
ظر في الشياء بنفسه ليعلم كنهها وما انطوت عليــه .ورأى يغّير فلسفته وبدأ ين ّ
أخيرا ً أنه من الفضــل لــه أن يبــدأ بمعرفــة الشــياء وقوانينهــا ،وأن ينتفــع بهــذا
ممها مــن لته بابتكار اللت التي توصله إلى غاياته والتي ص ّ النظام نفسه على ع ّ
خلل محاكاة القوانين العاملة في الطبيعــة أو اســتغلل خصائصــها فكــان العــالم
الطبيعي .كان على النسان إذن أن يتفهم المنطق .وحينما وضع المنطــق كــان
فيه مخالفا ً للمنطق .فالمنطق الذي ابتكره النسان كان ) منطقه هو ( ل منطــق
العالم والشياء ،وإذا كان فيه شيء من ظواهر الشياء وخصائصها فهو ل يعمــل
حينما يقابله منطق العالم .وحدثت كل تلــك المــور ســوية فــي الزمــان وأنتجــت
ثمارها متفّرقة في المكنة وكان وما زال الفيلسوف ينظــر فــي الطبيعــة أحيان ـا ً
ومازال الطبيعي يتفلسف أحيانا ً أخرى .ولم يكن النسان في كــل ذلــك مخــدوعا ً
من غيره ،بل هو مخدوع بنفسه ومن نفسه ،فهو يشتهي أن نوحي له بما نوحي
،ذلك لنه هو الذي يغّير غايته وهدفه عن قصد وسابق عمد .وهو إذ يتساءل عــن
أشياءه الضائعة _ وجوده وسلطانه وبقــاءه وغــايته وحريتــه _ فإنمــا يتســاءل عــن
أشياء يمسكها بيده ويتظاهر بأنها ليست هي ،ثم يبحث عنها ،فإن فعله بالشياء
عموما ً هو نفس فعله بكل واحد منها على انفراد .أنت تعلــم ســيدي الرئيـــس إن
ة تسود عــالم الموجــودات ،ويكفــي لفهــم أي نظــام ٍ ة كانت أم حسن ً النظمة سيئ ً
ً
د ،فإذا لم ُيمكن النظام من نفسه فل يعدّ نظاما .وقد خب َِر النســان ّ ب واح ٍ ح با ٍفت ُ
ي علــى فهمــه ر عص ـ ّ ل الذي ينتزعه من الطبيعة لم ـ ٍ ذلك في علم الطبيعة ،فالح ّ
ل لمشكلت أخرى ،وهو باب تنفتح منه أبواب كثيرة وبل حدود لمعرفة ذلــك هو ح ّ
الشيء وما يرتبط به .وإذا كان الفلسفة قد انتبهوا أخيــرا ً إلــى ضــرورة محاكــاة
كوا قط في جميع الشياء الــتي يرغبــون العلم فقد كذبوا في النوايا لنهم لم يش ّ
ل ك فيه وبشــك ٍ كهم على ما يريدون الش ّ ول ،واقتصر ش ّ في بقاءها على حالها ال ّ
ي .ويا سيادة الرئيـس إنني إذ أقصد إلى إطالة هــذا الكلم فلنــي أوشــك أن كيف ّ
أصل إلى النتيجة التي ترضي سيادتكم كل الرضا .
ً
دث فلن نعجل .فأنا لست إنســانا لعجــل .النســان ت دهرا ً تتح ّ الرئيـس :لو بقي َ
هو الذي يعجل ،ومع ذلك فإنه يقطع زمانه بل نتيجة .
النيلي ----------------------------------------- 50
المشرقي :خلصــة كــل ذلــك :إن فلســفة النســان ،ناقشــت عقــل النســان
وقدراته المعرفية ،فعَزت كل خير وشّر إلى عقل النسان وربطت المعرفة بهــذا
العقل .وحينما أقول أنهم ) كذبوا (فإني أقصد ذلك ،فإن مشكلة النسان ليست
في عقله لنخشى عاقبة عمله العقلي .فليرقَ النسان إلى السماء ،ولينزل إلى
أعماق البحار ،وليكشف بعلمه اللف من السرار فإن صراعنا معــه ليــس صــراع
مم لمعرفــة هــذه ل جبــار ،وهــو مص ـ ّ ل مع عقــل .إن عقــل النســان هــو عقـ ٌ عق ٍ
خلــت فيــه كــل المعــارف والســرار ً ً
الكوان المحيطة به .أرأيت لو أن عقل آليا أد ِ
ح هذا العقل خطرا ً خطورةً نخشاها ؟ أُيصب ُ
حن بشيء من ) الحرية ( . الرئيـس :كل لن يكون خطرا علينا إل ّ إذا ُ
ش ِ
المشرقي :ذلك هو بيت القصيد _ كما يقول النسان _ ونحن إذ سلبنا منه حريتــه
وجعلناه ل يقدر على أن يأمر عقله ليحسب له الشياء بطريقة أخرى فقــد أصــبح
ة مــا بلغــت فلــن يقــدر مرة الكامنة في السرار بالغ ً وة المد ّة في أيدينا .إن الق ّ آل ً
على توجيهها إل ّ إلى تدمير نفسه .إن عقل النسان يحســب الكــثير مــن الشــياء
ر من المعلومــات .ويــرى الجميــع أن العقــول المختلفــة تحســب ويحصل على كثي ٍ
ة
ل ناجح فــي عملــه حســب الشــياء بطريق ـ ٍ ق مختلفة ،فكم من عاق ٍ الشياء بطر ٍ
ّ
مختلفة عن أقرانه وهو يؤكد أنه لم يفته شيء من العناصر التي يذكرونه بهــا ؟ . ّ
ب أو البغض أو بواعث أخرى .إن عقــل النســان وربما دفعه إلى هذا الحساب الح ّ
ليس ســوى آلــة ل تملــك قطميــرا ً مــن الحريــة ،إنــه آلــة حاســبة ومركـٌز لتنظيــم
لت والمعلومــات واســتخلص النتــائج والتقــارير .وهنــاك شــيء آخــر فــي الســج ّ
النسان جعلناه ينساه تماما ً ـ هو صاحب الشأن الــذي يتخــذ القــرارات وهــو الــذي
يأمر وينهى ـ والذي هو جوهر فردٌ ل تستطيع جميع القوى الموجــودة مــن النفــاذ
إليه أو التأثير على قراراته الحقيقية .وهذا الشيء يأمر أحيان ـا َ بخلف مــا يعتقــد
ويصّرح حال الخوف والضــغط بعكــس مــا يــؤمن ولكــن قراراتــه الداخليــة الفعليــة
فــاته المتداولــة علــى أيــدي فه السّري شيء آخر يختلف أحيانـا ً كــثيرة عــن مل ّ ومل ّ
الجوارح ،وهو يعمل أيضا ً كمحارب من طــراز رفيــع .فهــو قــد يــأمر العقــل بــأن
ة لمــا يعتقــد ومخالفــة للمنطــق _ كمــا لــو يحسب له الشياء بطريقة معّينة مخالف ٍ
كان مضطرا ً أو راغبا ً في قراءة تقرير عــن نجــاح أو فشــل شــيء مــن الفكــار أو
و له أو خوفا ً من أحد أو رغبة في التظاهر أو لسباب أخــرى ل المشاريع نكاية بعد ّ
ّ
ل يتعلــم حصر لها .وهو يستعمل هذا السلوب يوميا حينما يقوم ) بتشجيع ( طف ـ ٍ
دد أو يشــجع أناسـا ً يعملــون لــديه .فالعقــل إذن آلــة أو يغازل امرأة يرغبها أو يهـ ّ
فذ ما يطلب منها .وهو مثــل مركــز المعلومــات ،أو هــو مثــل ) دائرة ( مأمورة تن ّ
فرة لتقــدمها إلــى الرئاســة .إن تقوم بحساب جميع الشياء من المعطيات المتــو ّ
فــاته الســرية ّ
فلسفة النسان ل تدخل مق ـّر الرئاســة ول تحــاول الطلع علــى مل ّ
يوتكتفي فقط بالحديث عن مركز المعلومات والحاسبة . .ذلك لن الفلسفة كــأ ّ
ي آخــر إنمــا هــو صــادر فــي الصــل عــن ) الــذات المــرة ( .وليســت نشــاط فكــر ّ
الفلســفة الخارجــة فــي النهايــة إل ّ حســابات ومعلومــات المركــز ،فــأن الــذات ل
دث عــن نفســها ول تكشــف سـّرها لحــد .وهــذا المــر يمارســه النــاس دومـا ً تتح ّ
ويفعلونه أفرادا ً وجماعات ودول ً بل اختلف .وحينما ُنرجع مشكلت الفلسفة إلى
ة وتعود في النهاية إلــى مشــكلة عللها كما يفعل النسان فإنها سوف تتجمع سوي ً
واحدة فقط وإلى سبب واحد وحسب وهو العلقة بين هــذا المــر الــداخلي وبيــن
العقل .وهذه المسألة هي التي أهملــت تمامـا ً مــن قبــل جميــع الفلســفة .هــل
بمقدور أحد أن يسأل دولة من الــدول عــن نواياهــا الحقيقيــة الكامنــة وراء قــرار
سياســي تتخــذه ؟ وهــل يأمــل أن تخــبره الدولــة بشــيء أكــثر ممــا هــو معلــن
) رسميا ً ( ؟ .وهي إذا افترضنا تريد الستجابة لهــذا الطلــب الغريــب فلــن يكــون
النيلي 51-----------------------------------------
الشــيء الخــر المعلــن إل ّ ) حســابا ً آخــر ( جديــدا ً لمراكــز الحســابات ووســائل
س أن المعلن مطابق تماما ً لرادة الحكومة ونواياها ول يزيــد العلم .وحينما نحدُ ُ
أو ينقــص عنهــا شــيئا ً فهــل ُتعل ِــن أن حدســنا حــق ولــو كــان المــر فضــيلة مــن
الفضائل ؟ .كل لنها ل تود أن تعِلمنا أن تفريقنا بيــن المعلــن وغيــر المعلــن هــو
شيء صــحيح فعلنــاه حــتى لــو كــان فــي صــالحها .ســيادة الرئيـــس … إن نفــس
النسان مركبة مثل تركيب الدولة الكبيرة ،وإن فـي بـدنه وروحـه ونفسـه أجـزاء
تشبه أجزاء الدولة .والفلسفة حينما تتحدث عن العقل وقدراته فإنها في الواقع
ل تريد التحدث عن نفسها .ولن تنجح الفلسفة حتى تجعل اختيــار الــذات المــرة
مرتبط ـا ً بالتجربــة .إن الفلســفة ل تريــد أن تكشــف عــن حقيقتهــا لن حقيقتهــا
ليست في كونها نشاط عقلي محض .إذ لــو كــانت كــذلك لكــان الفلســفة كلهــم
د ما دام العقل ) عند الفلسفة ( قـدرة كامنــة فـي النسـان تعتــبر ل واح ٍ
على قو ٍ
في مجموعها شيئا ً واحــدا ً ،ومــا دامــت الموجــودات المحيطــة بالعقــل _ موضــو َ
ع
مـن ذا مـن علمـاء الطبيعـة يزعـم أن قـوانين نشاطه _ هـي نفـس الموجــودات َ .
الحركة خاطئة أو إن التفاعلت الكيميائية تحدث بطريقة أخــرى ؟ فمــا هــو ســبب
التفاق عند علماء الطبيعة ؟ .ليس التفاق هنا هو أن الظاهرة تعلن عن نفســها
بقانون أو ُتعَلم بالحواس بحيث ل يمكن الختلف حولها كما يزعــم النســان .إن
التفاق في العلم والختلف في الفلسفة له منشأ آخر هــو منشــأ الــذات المــرة
للعقل .ففي العلم تأمر جميع الذوات العاملة عقولها أن تعمل بكــل جهــد وبكــل
صدق لفهم ما يحدث في الطبيعة .وحينمــا تــأتي المعلومــات وتجتمــع فــي البــدء
وتظهــر الحاجــة إلــى جمعهــا فــي تفســير واحــد ،تجــد الــذوات ) فرصــتها ( فــي
ي ( تظهــر فيــه ذاتيــة ر ) ذات ـ ّالســتحواذ علــى المعلومــات وإرجاعهــا إلــى تفســي ٍ
ر النسان ل الظاهرة فحسب .والذي يجعلهــم يّتفقــون فــي النهايــة علــى تفســي ٍ
ح بحيــث أنــه ل يقبــل اختلف ـا ً عنــد د ليس هو ) ظهور حقيقة ( التفسير الص ّ ح ٍ
مو ّ
تلك الحدود ،إنما يعود سببه إلى المرحلة التالية في دراســة الظــاهرة _ المرحلــة
كد تفســيرا ً واحــدا ً وحســب ،وبهــذا تنهــار ذاتيــة التفســير التي تأتي بمعلومات تؤ ّ
بضربة من موضوعية الظاهرة الطبيعية .والتفسير الذي يفوز في النهاية ودومــا ً
هو التفسير البعــد عــن ذاتيــة النســان النــاظر إلــى المعلومــات علــى أنهــا ملــك
الظاهرة وليست ملكا ً لصاحب الختبار .والدرس الذي ينبغي للفلسفة أن تتعّلمــه
من العلم هو هذا الدرس فقط ل سواه .ولكنهــا لــن تتعّلمــه قــط مــا دامــت هــي
فلسفة وليست حكمة .
وتي الجّبارة ل يضــاهيها ســوى خــوفي الشــديد ت ما تقول ولكن ق ّ الرئيـس :فهم ُ
ّ
من النسان .وأل فلماذا يتناقش النــاس ويتجــادلون ؟ أليــس فــي عقــل النســان
ي ترجــع إليــه فــي النهايــة كــل الحســابات ؟ ولنفــرض أنــه طــط ( أساســ ّ ) مخ ّ
طط ( مصمم وفق طبيعة الشياء فماذا تقول ؟ . ) مخ ّ
المشرقي :وأنا أسأل أيضا ً أيها الرئيـس لماذا يتجــادل بنــو النســان ؟ فــإذا كــان
طط من هذا النــوع فيفــترض أن ل يتجــادلوا ،وإذا تجــادلوا فُيفــترض فــي ثمة مخ ّ
أسوأ الحوال أن يّتفقوا فــي النهايــة عنــدما ترجــع الشــارات إلــى الصــل وُتثــار
ح طط .إن ما تقوله أيها الرئيـــس صــحي ٌ المعلومات الساسية الموضوعة في المخ ّ
و آخر ،إنه تماما على النحو الذي صنع به النسان آلته الحاسبة . ولكن على نح ٍ
الرئيـس :حتى الطغاة والجبابرة يقّرون بحسن الفضيلة وقبح الرذيلة فما تقول
؟.
المشرقي :الرذيلة والفضيلة في العقل عبارة عن ) أرقام مجردة ( في حاسبة .
إنها ألفاظ تحتاج في العقل إلى أن ) تمل ( بمفاهيم كما ُتمل الحاسبة بالوحــدات
التي لها مفاهيمها ،والتي أنت حٌر في صياغتها بالشكل الذي تريد .أنــت تضــرب
النيلي ----------------------------------------- 52
بسم وتطرح والمجاور ل يعلم إن كــانت تلــك نقــود أو أفــراد شــع ٍ الرقام وتق ّ
تريد إهلك بعضه والحاسبة أيضا ً ل تدري .أنت وحـدك تعلـم ذلـك .الرذيلـة سـيئة
جدا ً عند الجميع ،والحاسبة تعمل بنظام ٍ موحد هو نفــس النظـام والعقــول تعمــل
ن مــا هــوبنفس النظام الحسابي وفيها جميعا ً معادلة ) الرذيلة ســيئة جــدا ً ( .لك ـ ّ
رذيلة عند المسيح مثل ً يكون فضيلة عند فرعون والعكس بــالعكس ،فليــس عليــه
أن يذكر ذلك لنه يعلم ما هي الفضيلة ومــا هــي الرذيلــة ولكــن هــذا العلــم ليــس
ء مـن العقــل يوجــد ) أرشــيف ( مركزه العقل وإنما هو محفــوظ فيــه ،ففــي جــز ٍ
للمعلومــات ،وليــس العقــل هــو الــذي يعطــي المفــاهيم لللفــاظ .ومعلومــات
ء آخر من العقل ليست ملكا ً للعقل بل هــي ملــك الــذات المــرة ي جز ٍ الرشيف كأ ّ
.وحينما تضغط على الزر لي فرعــون لتســأله عــن الرذيلــة تظهــر علــى الشاشــة
الجابة التي هي نفس المعادلة عند جميع الخلــق ) :الرذيلــة ســيئة جــدا ً ( .ليــس
هذا هو المهم ،المهم هو أنك إذا سألت عقل فرعون :هل إن إجبار الناس علــى
خر ظهــور اللفتــة أن يعتقدوا بما يعتقده المرء رذيلة ؟ .في هذه الحال سوف يتأ ّ
على شاشة عقل فرعون وستظهر بعد حين وهي تقول :أحيانا ً … ! ولكــن إجابــة
المسيح ستكون ) :نعم رذيلة من أبشع الــرذائل ( .وتســتظهر هـذه الجابــة بكــل
سرعة .وحينما تسأل :هل إجبار فرعون للنــاس علــى أن يّتخــذونه إله ـا ً رذيلــة ؟
فسيجيب فرعون :كل إنها من أعظـم الفضـائل لنـي … ) ويبـدأ العقـل بحسـاب
مــا المســيح فســتكون إجــابته هــي نفســها ) :نعــم رذيلــة مــن أبشــع مختلف ( .أ ّ
الرذائل ( .وبنفس الســرعة .فمـن أيـن جـاء الختلف بيــن الجــابتين والمعادلـة
الصلية واحدة ؟ .كّلما اقترب السؤال من الذات النسانية كلما اختلفت الجابات
.الذات هي التي تضع المفاهيم لللفاظ .وتلــك هــي حريــة النســان ،إنــه قــادر
على أن يأمر العقل فيجيب على النحو الذي تريده ذاتـه وليـس علـى النحـو الـذي
يريده عقله .إن العقل مسلوب الرادة مسلوب الحرية ،إنه آلة منفــذةٌ وحســب ،
وهو المر الذي أغفلته فلســفة النســان .وليــس بمقــدور المــرء افــتراض عقــل
ل مجــرٍد ،فكـل عقــل إنمـا هـو فـي ة ،ببساطة لنه ل وجود لعقـ ٍ يعمل بحرية تام ٍ
((1
! .ولذلك فإن أّية نظريــة جسم ونفس وتملكه ذات ،فليبك إذن عمانوئيل كنت
دث فيهــا الــذات للمعرفة تقوم على ملحظة العقل وقدراته إنما هي نظريــة تتح ـ ّ
دث عن عقلها فضل ً عن عقول الخرين أو ذواتهــم .صــحيح أن عن نفسها ول تتح ّ
مم لمعرفة الشياء على وجهها الصحيح ولكــن مــن أيــن يــأتي اليقيــن العقل مص ّ
ة قد أعطت عقلهــا ) حريــة ( فــي أن يقــوم بحســاب الشــياء ً
للذوات أن ذاتا معين ً
ً
ع ذلك أبدا أي واحد مــن ل منها ؟ .لم يدّ ِ وملحظتها وفق نظامه الساسي بل تدخ ٍ
ً
الرسل ولكنه يفعل ما هو عكس ذلك تماما :إنه يطلب من كل ذات سامعة لكلمه
أن تعطي حرية لعقلها ليتمكن من الحكم في صدق رسالته أو كذبها .إن الفــارق
بين الفيلسوف والرسول هو كالفارق بيــن العــدم والوجــود .فالفيلســوف يقـول
للناس انظروا ) ذاتـي ( والرسـول يقـول ) انظـروا ذواتكــم ( .الفيلسـوف يقـول
) موتوا كي أحيا ( والرسول يقول ) أموت لتحيوا ( .الرسول يعطي لعقلــه حريــة
دعيه لنــه ل يمكنــه لتعقل الشياء ويجعله عقل ً مجردا ً ولكنه ل يعلن عن ذلك ول ي ّ
أن يبرهن على ذلك إل ّ من خلل تحرر عقول الخرين .فتحرر عقول الخرين هو
برهانه الوحيد ،بينما يكون تقييد عقول الخرين هو البرهان الوحيد للفيلســوف .
ي عالم ٍ هذا الــذي ل ي ُــرى ول ُيحــس ول إن الفيلسوف مستعب ِدٌ والرسول محّرٌر .أ ّ
قله إل ّ بعقل النسان ؟ .فانظر إلى تخّبطهم :العالم موجود ،بل العالم يمكن تع ّ
غير موجود إل ّ في ذاتي وشعوري بل العالم حقيقــة وهــو بنظــام صــارم ونظــامه
بديهية ،العالم إرادة ،العالم صورة أولى للعّلية ،العالم علة كافيــة ،العــالم فــي
)(1
كنت/من أشهر الفلسفة اللمان له كتاب ) نقد العقل الخالص ( و ) نقد العقل العملي ( .
النيلي 53-----------------------------------------
وراتنا .العالم هو إرادة الحياة والحياة شّر الخارج وهم ،العالم هو مجموعة تص ّ
محض .ليست هذه تعريفات للعاَلم عند فلسفة كثيرين بل هــي تعريفــات العــالم
ل ل حافــ ٌفــي فلســفة ذاتيــة واحــدة لواحــد منهــم . ((1ولكــل واحــد منهــم ســج ّ
ذبت دراســة الطبيعــة بالتعريفات المختلفة والمخالفة والمتناقضة للعالم .لقد ه ـ ّ
من خلل التجربة نفوس علماء الطبيعة بما لم يستطع التأمــل العقلــي وحــده أن
ول من يخدع نفسه يفعله في نفوس الفلسفة .فالخدعة مستمرة والفيلسوف أ ّ
وهو ل يثبت على شيء من قوله إل ّ ذلك الشــيء الــذي بــدأ منــه وأراده أن يكــون
محورا ً لفلسفته ،وبعد ذلك يلوي اللغة لي ّا ً ويطوي المسافات طّيــا ً ويــأتي بجميــع
ي علــى المــر الــذي أراده أن يكــون محــورا ً و تعســف ّالشياء ليبرهن بها علــى نحـ ٍ
لفلسفته .ول يهمه أن يــأتي بألفـاظ جديــدة واصــطلحات مختلفــة يختلقهــا مـن
وهمه وُيضفي عليها وجودا ً معينا ً لتكون سّلما للوصول إلى هدفه .فهدفه سـراب
وطريقه وهـم وعملـه مخادعـة .ولـو أنـي كنـت مـن بنـي النسـان لمـا اشـتغلت
بالفلسفة مطلقا ً إذ كيف أفقد جزءا ً من حياتي القصيرة كان مخصصـا ً لمتعــتي أو
ر تأخــذني وتعيــدني إلـى لفهم ما حولي من الموجودات فإذا أنا أفقــده فـي أفكــا ٍ
موضعي كل مّرة لمجــرد أن أحــدهم يعجبــه أن ننظــر إليــه بعيوننــا المفتوحــة مــن
الدهشة ؟ .لكني لحسن حظي لم أفعل ذلك إل ّ وأنا من الجــن حيــث العمــر مديــد
والبصر حديد والشباب دائم ! وكــل مــا أريــد قــوله ســيدي الرئيـــس هــو أن عقــل
النسان ليس خصمنا لنخشاه ،ومع ذلك فهو لم ينتبــه إلــى شــيء ســوى عقلــه .
دد بعد قدراته ح لعقله ولم يح ّ ف واض ٍ وفوق هذا فهو ل يقدر للن على إعطاء تعري ٍ
كر بعد فــي عللــه وأعطــاله واشــتباهاته ،فــأّنى لــه أن يغلبنــا أو وإمكاناته ولم يف ّ
النتصار لنفسه مّنا ؟ ؟
ت بكل شر ووفقت لجميع الشرور . شر َ الرئيـس :ب ُ ّ
) يدخل في هذا الوقت المارد جليوتا (
خرت يا جليوتا كثيرا ً ،أكثر مــن الــوقت اللزم لتنفيــذ مــا أمرتــك الرئيـس :لقد تأ ّ
به .أين كنت ؟ .
جليوتا :هذا صحيح سيدي .أنت تعلم أني تعّلمــت لغــات بعــض الكائنــات كــالطيور
والنمل والحشرات والنحل وذلك هو سبب تأخيري .
الرئيـس :ماذا تعني ؟
ع مـن الحشـرات مـن جليوتا :وجدت حشـرة مـن ذوات المنطـق تخطـب فـي جمـ ٍ
دثت عــن دثت عن النسان وتح ّ جنسها فاستوقفني ذلك حتى أنهت كلمها لنها تح ّ
طباعه المشينة .
الرئيـس :فاعجل بشر .
ّ
جليوتا :لم أحفظ ولم أسمع ما سبق من حديثها أل من قولهــا :أمــا النســان يــا
أخواتي فالحذر الحذر .لنــي إذا أوضــحت لكــم مخــاطر مــا جــرى علــى بــالي مــن
الكائنات فإن خطر هذا المخلوق هو أكبر مــن مجمــوع مخاطرهــا .ول يمكنكــم أن
تتوخوا الحذر منه ما لم تعلمــوا طبــائعه وخصائصــه أســوة بمــا أوضــحته لكــم مــن
) طبائع الحيوان ( .فهو بخلف باقي الحيوانات في هذا المر ،فليس فيه خصلة
أحسن ما تكون وأخرى سيئة أسوأ ما تكون ،على غــرار مــا أوضــحت لكــم لبــاقي
سن وأسوأها إذا ســاء _ هكــذا كلــه أصناف الحيوان .فهو أحسن المخلوقات إذا ح ُ
قـع أن يمـّر بمســاكنكم منـه فـرد حســن ،لن الحسـن ة واحدةً .ولنـي ل أتو ّ دفع ً
فيهم كنسبتكم إلى الجبل فإني أذكر لكم طبائعه .فأسوأ خصال السوء فيه هو )
الكــذب ( .فعجبــت الحشــرات وقلــن لهــا :مــا تقــولين ؟ ! إن هــذه صــفة حســنة
وليست سيئة ! فقالت :نعم لني ل أعرف إل ّ هذه المفــردة ولكنهــا ليســت بهــذا
)(1
التعريفات من فلسفة شوبنهاور .
النيلي ----------------------------------------- 54
ن مــرة حشــرة تخــبر صــاحباتها المعنى الذي تفعله معاشر الحشرات .هل رأيتـ ّ
عن شيء من الطعام أو العدو فإذا ذهبن إلى هناك لم يجدن طعام ـا ً ولــم يلقيــن
العدو ؟ .فقالت الحشرات :كل وأّنى يكون هــذا ؟ .فقــالت :فالنســان هــذا هــو
طبعه ،يستعمل الكذب أكثر ما يكون مع أبناء جنسه ل مع عدوه من بقية الكائنات
ة صاخبة فواحدة تقول وكيف ل يفنى جنس هذا الكائن العجيب ، .فأخذتهن ولول ٌ
وأخرى تقول ل بدّ أنه سيهلك نفسه ،وأخرى تقــول هــذا اغــرب مــا ســمعته عــن
عجائب المخلوقات ،ورابع من الذكور يقول :أل يتوقع الفاعل أن يفعل به الخر
مثل فعله ؟ .فقالت الخطيبة :فإني أحــدثكم بمــا هــو أعجــب فــإذا لــم يجــد هــذا
الكائن أحدا ً يكذب عليه استعاض عن ذلــك بــأن يكــذب علــى نفســه ! .فعل صــياح
الحشرات وقلن للخطيبــة :هــذا يكفــي فإننــا ل نريــد منــك الن إل ّ أن تفعلــي مــا
تقدري عليه لتجدي لنا أرضا ً ل يمر بها هذا الكائن أبدا ً حتى نرتاح مــن ذكــره قبــل
دثتكن عنــه .فقــال رؤيته .فقالت :على رسلكن ! فلو كان إلى ذلك سبيل لما ح ّ
م تعجبون فإن من يفعل الولى يفعل الثانيــة .مــن خــدع جنســه خــدع الذكر :وم ّ
نفسه .ثم إن الخطيبة قالت :وأما الطبع الذي خرج من هذه الصفة فهــو الفخــر
واحتقار بقية الكائنات .فقــالت الحشــرات :وكيــف ذلــك ؟ .فقــالت :يزعــم أنــه
يدرس طبائع الحيوان ونســي أن يــدرس طبــائع نفســه ،فلمـا ّ أراد التمييــز بينهــا
وبينه عّرف نفسه تعريفا ً فيه هذه الصفة فقال ) :أنــا حيــوان … عاقـل ( .((1وقـد
كذب في ذلك لنكم ترون بأننا وإخواننا من النحل والنمل وجميع المم المجــاورة
مــن الحشــرات عقلء أيضـا ً .وذلــك أنــه أراد أن يعـّرف العقــل فقــال :هــو وضــع
الشياء في مواضعها ،فهل رآنا مجــانين نرمــي بطعامنــا فــي الشــقوق بحيــث ل
نصل إليه أو نرمي بأنفســنا إلــى مهــاوي التهلكــة ؟ .ثــم أنــه عّرفــه فقــال :هــو
الذاكرة ،فهل رآنا نضع الحاجة ول نعود إليهــا ونخــرج مــن جحورنــا ونــدخل جحــر
ب أم أننا نرجع إلى موضعنا ونذكر أبنائنا ومواضــع طعامنــا ؟ .إنمــا غ ـّره منــا الض ّ
صغر حجومنا فظن أنه وحده الذي يمتلك ذاكرة في عقله .وإنمــا لكــل كــائن منــا
الذاكرة التي يحتاجها والتي تناسب حركته وعمره وغاياته .أتذكرن حينمــا درســنا
لغة النحل في خفــق أجنحتــه ولغــة النمــل المؤلفــة مــن أوضــاع أرجلــه ؟ وحينمــا
مة مــن الكائنــات ليــس لهــا شــيء سألني أحد التلميذ قائل ً :هل تعلمين سيدتي أ ّ
من اللغات فقلت له :ل أعلم ذلك ولكني أعلم أن صنفا ً من الكائنات عّرف نفسه
لنفسه فقال :أنا كائن اختلف عن الكائنــات فــي كــوني أمتلــك لغــة فأنــا الوحيــد
) الحيوان الناطق فيها ( ؟ !فقال بعضكم :مـا أشـدّ جهلــه ! فقــالت الحشــرات :
نعم نذكر ذلـك .فقـالت :فـذلك القـائل هـو النسـان ،وذلـك هـو تعريفـه الخـر
لنفسه ) حيوان ناطق ( .وقد حفظ أفراد هــذا الجنــس هــاتين المقولــتين اللــتين
دوهما من أروع ما قاله هذا الجنس بشأن نفسه .فقال أحــد ذكرهما الذكياء ،وع ّ
الذكور :ربما يقصد بقوله ) أنا حيوان ناطق ( أن لغته هــي أصــوات ل أنــه منفــرد
ض مــن إخواننــا مــن أمــم ً
باللغة .فقالت الستاذة :وفي هذا يكذب أيضـا لن لبعـ ٍ
ة من الصوات ،ونحن معاشر الحشرات لبعضنا لغة منها أيضا ً ،فليست الطيور لغ ٌ
لغة الصوات حكرا عليه .ثم إن الستاذة عمدت بعد ذلك إلى تلوة أشــياء زعمــت ً
وذهم بها من شرور النسان وجهله ولم أفهــم منهــا شــيئا ً أنها من كتاب ربها لتع ّ
لنها كانت بلغة قديمة من لغات الحشرات .فذلك ســيدي هــو عــذري فــي التــأخر
عن المجيء إلى هذا الوقت .
الرئيـس :قد عذرتك في ذلك ،وأما أنا فسأقتص من النسان حينما أس ـّلط علــى
جسده إذا مات هذه الحشرات وغيرها من الديدان ،فــأفرق مــادته الوجوديــة فــي
)(1
من بعده ول زالت مستعملة .
التعاريف لرسطو و َ
النيلي 55-----------------------------------------
صـل فـي عـدمّيتي .وأمـا فـي حيــاته فـإني ضرها للفناء المتأ ّ أجسادها كّيما أح ّ
ســها بيــده ول يعلــم إن أسّلط عليه قوى الفناء الدقيقة التي ل يراها بعينه ول يح ّ
كانت هي أحياء أم جماد فهي خارج بـدنه جامـدة ،وداخــل بـدنه حي ّــة تتكــاثر مثــل
يأجوج ومأجوج فتهــاجم جســده وتســكن أعضــاءه وتحطمــه شــيئا ً فشــيئا ً ،وكلمــا
ل أعطيته فرصة لمعالجة نوع منها ابتكــرت لــه لون ـا ً آخــر … فلــن أتــرك هــذا العت ـ ّ
ة للموجــودات وعــبرة للكائنــات الزنيم المستكبر حتى ُأذّله وأهينــه وأجعلــه أحدوث ـ ً
حتى ُيقّر بعبوديته طائعا ً أو كارها ً ،ولن ينقذه شيء من قوتي العدمية إل ّ الفــرار
إلى العبودية .أيها المشرقي ماذا يقول فلسفة ) الســلم ( عــن فعــالي بهــم ؟
بل تكلم أنت يا مغربي !
المغربي :سيدي الرئيـس .أنت تســألني عــن شــيء تكلــم فيـه فلســفة اليونــان
والهنود والصين وأهـل الديـان ومتكلمـو السـلم وفلسـفتهم وفلسـفة الغـرب
وجميع الناس .وهذا الشيء يتعّرض للمــادة والجــوهر والعــرض والصــور والعقــل
ما تنوء به العي َُر حــال النفيــر ،إذا والمعاد والجسام وعذابها والرواح والنفوس م ّ
راجعته لك قول ً قول ً وكتابا ً كتابا ً بأجمعه فبماذا تأمر ؟ .
الرئيـس :فاخبرني كيف يتصورون أنفسهم بعد الموت ؟
المغربي :سيدي الرئيـس إن عملنا اليحائي عمل مستمر ،وما دمنا مع النســان
مِئن ،فنحــن نعمــل دوم ـا ً فلن يصل إلى ما يمكنه أن يسميه ) حقيقــة ( وهــو مط َ
ة فكــرة يرغــب فيهــا فنحــن ل وفق مبدأ ) التعويض ( ،إننا نعوض النسان في أي ـ ِ
نرفض له فكرة معينــة ،ولمـا كــانت كــل فكـرة _ تنبثــق مـن نفســه ويضــعها مـن
تلقاءها _ تسّبب له خسارة جسيمة يلحظها بوضوح ،فإننا نوحي له بأشياء تجعله
وض هذه الخسارة فيندفع بشراهة لثبات فكرتــه بشــتى الســبل ويــدعو النــاس يع ّ
ل لهم ألغاز هذا العالم .وبالطبع تعمل إلى اعتناقها واحتضانها لنها هي التي تح ّ
عــال .نحــن نلحــظ مــن هــو المتكلــم وظروفــه وقــدراته ) الذاتية ( هنا عملها الف ّ
وزمانه وما يؤّثر عليه .فليس ابن سينا فــي التعامــل مثــل ابــن رشــد ول الكنــدي
مثل كنت ول زمن أفلطون كزمن ديكارت .والنسان في حيرة ل يدري أين يضع
نفسه في هذا العالم .فإذا كان يرغب في الصعود ليكون فــي مصــاف اللهــة فل
ل آخــر بدّ له إذن من أن يقرر أن الروح خالد وأنه سابق على البدن وليس لديه حــ ّ
ما دام هناك موت ،ذلــك لنــه يعــاني مـن مشــكلة المــوت .وإذا كــان ل يصــعد إل ّ
ل فــي ل لبقية الرواح المســكينة .والحــل هــو أنهــا ســتظ ّ الفلسفة فل بدّ من ح ّ
الرض ولكنها خالدة .وقــد تــوّرط فــي هــذا القــول فل بــد مــن حــل .وهــل هــذه
مشكلة ؟! فليقل للناس أن أرواح هــؤلء تــدخل فــي أجســام جديــدة علــى الرض
وهكذا تستمر فـي العثـور علـى مسـكن دائم لهـا فـي الجسـاد مـا دامـت الحيـاة
مستمرة ،فهذا القــول هــو بــالمّرة تفســير لســتمرارها .وهــل تتركهــا هكــذا يــا
ل لنواعها يا أفلوطين ،تكلــم يــا ســقراط فــإن بعضــها فيثاغورس ؟ اعثر على ح ّ
ً ً
مارس الفجور وبعضــها كــان شخصـا طيبـا غايــة الطيبــة ولكنــه للســف لــم يكــن
فيلسوفا ً ،فهل يذهب الجميع إلى أجسام متشابهة ؟ وهل هــذا معقــول ؟ فقــال
ســقراط :معــك حــق فعل ً إذ ل يمكــن أن يرجــع الجميــع إلــى نفــس الجســام :
ه تدخل نفوسهم بالطبع فــي صــورة الحميــر أو مــا ) فالذين مارسوا الفجور بشر ٍ
شابه من حيوانات .أما الطغاة والظلمة فإنهم يعــودون فــي صــورة ذئاب وصــقر
داء وما شابه … أما الذين مارسوا الفضيلة الجتماعية والمدنية باعتدال وعدل وح ّ
بعمل خال من الفلسفة ،قل لي بأي معنى يكون أولئك أكثر سعادة ؟ طبيعي أن
عودتهم تكون بطريقة ملئمة نحو نوع حيــواني اجتمــاعي فتــدخل نفوســهم فــي
النحل والزنابير والنمل (.((1
)(1
طيماؤس 453 /آ .
النيلي ----------------------------------------- 56
الرئيـس :جليوتا…! ل أظن أن الحشرات التي كنت في ضيافتها اليــوم توافــق
على مقترح سقراط !
) تهب عاصفة من الضحك من جهة الشياطين في حين يواصل المغربي حديثه (
المغربــي :أمــا افلــوطين فقــال ) :إن أولئك الــذين عاشــوا حيــاتهم للمطــالب
سيمسخون إلى حيوانــات تناســب فــي جنســها لنــوع الحيــاة الــتي عاشــوا فيهــا ،
حيوانــات شرســة حيــث كــانت الحيــاة مزيج ـا ً مــن الســتجابة لمطــالبهم الحســية
والروحية وحيوانات شرهة حيث كانت الحياة حياة شهوات وتخمة ( .((2أما أرسطو
فاستهوته التجزئة ولم يجرؤ على تأكيد هــذه المسـخرة فقـال ) :إن جــزءا ً معينـا ً
غــرس فــي النفــس ومــن ثــم من النفس ،النفس الفاعلة هي عنصر قائم بــذاته ُ
((3
فهي خالدة ) .والنفس الفاعلة هي عقــل بالفعــل ( … ( .وإذن فــإن جــزء مــن
النفس أو ) أجزاء معينة منها ل تنفصل عن الجسد ،أما العقل فهــو عنصــر قــائم
غرس في النفس وأنه غير قابل للفناء (.((4 بذاته ُ
الرئيـس :أليس جعل العقل جزءا ً من النفس وتقسيم النفس إلــى جزئيــن واحــد
يفنى والخر ل يفنى هو مسخرة أيضا ً ؟
المغربــي :إنهــا مســخرة لكنهــا أهــون .فالعقــل والنفــس كلهمــا مــن غيــر
المحسوسات .صحيح أن العقل والنفس قد أصبحا شيئا ً واحدا ً ،وهو بهذا يخــالف
منطقه الســابق كلــه فــي التمييــز بينهمــا ويخــالف مــا ذكــره مــن أنــه يميــل إلــى
الفلطونية في كون النفوس موجودة قبل البدان والعقول مــع البــدان ،ولكــن
من من الفلسفة كــان كلمــه فــي الصــفحة اللحقــة موافقـا ً لجميــع كلمــه فــي َ
الصفحة السابقة ؟ !! .وأما الذين أرادوا لللوهيــة أن تنــزل إليهــم وجعلوهــا هــي
ض وإن استعملوا لغــة الصــطلحات وُرهم ) مادي ( مح ٌ والوجود شيئا ً واحدا ً ،فتص ّ
الروحية .ولذلك فل وجود آخر وراء هذا الوجود .ومن هنا أصبح ) إحياء المــوتى (
_ والذي جعلناه في الديان كما أسلفنا ل يعني سوى إحياءها في عــالم آخــر غيــر
ذرا ً فــي فلســفتهم .ولــذا كــان علــى الفلســفة هــذا العــالم _ أصــبح أمــرا ً متع ـ ّ
المســلمين أن يجــدوا حل ّ ) للمعــاد الجســماني ( .ولــن تكــون هــذه مشــكلة لننــا
سنوحي إليهم بالقول :إذا كانت هناك مشكلة لوجود القرآن والكتــب المنزلــة ول
مّلةتريدون ) الخروج من الملة ( أو إنكم ل تقدرون على التصريح بأن أكثر أهل ال ِ
مّلـة ( مـن هـذه الناحيـة لوجـود تناقضـات كـثيرة فهـاجموا بنفـس ) ليسوا مـن ال ِ
ً
الطريقة .تقاسموا الشياء بينكم ولتكن متناقضة أيضا ،فإن روح الفلســفة فــي
تناقضــها .وهكــذا فقــد أنكــر ابــن ســينا المعــاد الجســماني بعــد المــوت وجعلنــاه
يستعمل الظواهر التي تدل على المعاد كأدّلة على استحالة المعاد !
الرئيـس :أليس هذا غريبا ؟ كيف قدرتم على ذلك ؟ .
المغربي :وما العجب سيدي ؟ ألم نّتفق وُنخِبر أن النسان هو كائن ) جهــول ( ؟
والجهول ليس كالجاهل إذ الجاهل يحتمل منه العلم مستقبل ً ،أمــا الجهــول فهــو
ب الجهل ( _ الجهول صفة ملزمة للجاهل أي إن جهله هو علمه وعلمــه كائن ) يح ّ
هو جهله .أولم يقل حكيم سابق … ) :ورجل ل يعلم ول يعلــم أنــه ل يعلــم فهــو
؟ .فالجهول ســيدي هــو رجــل إتصــف بهــذه الصــفة شّر ( ،ونحن نبحث عن الشّر
عدّ جهالته علما ً فل ينفع معه علم حقيقي ليكشف له عن جهله _ لن مــن وأصبح ي ِ
دد في علمه ومن طبيعة الجاهــل اليقيــن بجهلــه .وإذا ك والتر ّ طبيعة المتعلم الش ّ
در جهــالتهم .ومــن صــفة ظمون من هذا حاُله في الجهل فــأنت تقـ ّ كان الناس يع ّ
الجاهل النتباه ولو بعد حين .أما الجهول فإنه ينطق الجملة تلو الجملة وإحداهما
)(1
رسالة أضحوية في أمر المعاد .
) (2المصدر السابق .
) (3المصدر السابق .
النيلي ----------------------------------------- 58
دق وجعلها رسالة في أمر در فص ّ هو أننا أوحينا له ذلك على سبيل الضحك والتن ّ
المعاد. ((1
المشرقي :لكننا ل نعجز عن تفسير ذلك .إذا كــان المعــاد جســمانيا ً فــإذن يرجــع
الجميع فلسفة وغير فلسفة .ويريد ابن سينا أن يجعــل الفلســفة وحــدهم هــم
الخالــدون لتمي ّــز عقــولهم عــن عقــول الخريــن فل ب ـدّ إذن مــن التوصــل لــذلك
بطريقين :الول إثبات بقاء النفس _ والتي هي فيمــا بعــد ستصــبح عقل ً وتصــبح
ذة المعقولت هي اللذة المقصودة في الكتب المنزلة .أما الذين عقولهم ليست ل ّ
فلسفية فل عقولهم ترقى لتحوي الموجودات في عالم الســعادة بعــد المــوت ول
أبدانهم ترجع إليهم ! .
المغربي :يمكنني أن أقول أن أفكار ) برغسون ( و ) سبينوزا ( و ) ديكارت ( و )
كنــت ( و ) هوســرل ( وقــادة الوجوديــة والنــا وحديــة لــم تكــن إل ّ تطــويرا ً لغويـا ً
لمضمون ابن سينا والذي هو ليس سوى تطويرا ً لغوي ـا ٍ _ فيــه حيلــة علــى مــا ورد
فــي الكتــب المنزلــة _ للفلطونيــة .فالعــالم فــي النهايــة ســيكون فــي ذات
الفيلسوف ،و عند ابن سينا جزئيا ً في الحياة وكليا ً بــالترقي بعــد المــوت ،وعنــد
هوسرل في الحياة فقط لنه ل يؤمن بوجود أو بقاء الذات بعد الموت .
الرئيـس :ماذا قال ابن سينا ؟
المغربي :قال ) :إن النفس الناطقة كمالها الخاص أن تصير عالما ً عقليا ً مرتسما ً
فيه صورة الكل مبتدأ ً من مبدأ الكل ]لحظ أنه يبتــدئ مــن ألوهيــة الــذات [ســالكا ً
إلى الجواهر الشريفة فالروحانية المطلقــة ثـم الروحانيــة المتعلقـة بالبــدان ثـم
الجسام العلوية بهيآتها وقواها ثم تستمر كذلك حتى تستوفي في أنفســها هيئة
الوجود كله فتنقلب عالما ً معقـول ً موازيـا ٍ للعـالم الموجـود كلــه مشـاهدا ً لمـا هــو
الحسن الطلق والخير المطلق ومّتحدا ً به ومنتقشا ً بمثاله وهيأته ( . ((2وبهذا تكون
نجاة النسان ولن ينجو حتى يكون فيلسوفا ً !! .
المشرقي :وهذا هو عين ما يريد هوسرل إثباته ) بالنا وحدية ( حينما يبدأ بتمّثل
الصور ثم الماهيات والتي أفنى عمره لجلها .
الرئيـس :هذا صحيح فالذي ل يفّر إلى الله عبدا ً يفّر منه ) إلها ً ( لنفسه .وليــس
ثمة من يقف فــي الوســط إل ّ المصــابين بعاهــات جســيمة تمنعهــم مــن التفك ّــر ،
وسوف ُتعطى لهؤلء الفرصة الكافية ليختاروا ما يريدون .وهذا المر هو الوحيــد
المنطقي .إن الهارب من شخص ل ينوي بالطبع إل ّ المجابهة والنتقام ولــو بعــد
حين .الفارق أن الهاربين من الله إلى أنفســهم لهــم فرصــة فــي أن يفعلــوا مــا
يشاءون في وقت فرارهم وبضمنها أن يتفلسفوا .ثم قل لــي يــا ابــن ســينا أيــن
تذهب هذه المليين من الخلق من غير الفلسفة ؟
المغربي :يقول ابن سينا أن مادة الرض ل تكفي لحشر جميـع المخلـوقين علـى
صورة المعاد الجسماني ) :لن النفــوس الناطقــة علــى تقــدير قــدم العـالم غيــر
متناهية فيستدعي حشــرها جميع ـا ً أبــدانا ً غيــر متناهيــة فتحتــاج إلــى أمــاكن غيــر
متناهية ،ولكن الثابت تناهي أبعاد المكان بالبرهــان ( . ((1ثــم قــال ) :لكننــا نــبين
برهانيا ً أنه ل يمكن أن تعود النفوس بعد الموت إلى البدن البتة (. ((2
الرئيـس :ألم ينتبه أحد إلى أن ) تقدير قدم العالم ( هنــا هــو مــن آراء المنكريــن
وعنده أن العالم حادث فكيف يبني نتائج على فلسفة تعــارض رأيــه فــي الحــدوث
والقدم ؟
الرئيـس :
.1تعاقب جميع الزمـر المهملـة فـي اليحـاء اللزم فـي القطاعــات _ يـثرب _
دمشق _ الكوفة _ مكة _بيـت سـليمان _ انطاكيـة _ بورسـيبا _ بـالحرق بالنـار
لتسّببها في تسّرب السطر الربعة التي تعالج موضوع الحريــة ،بغيــر رقابــة
لغوية .
.2يمل ) س ( في مؤتمر ) جاوا ( بمكافأة الّزمر التي قــامت بتفريــق الســطر
الربعة ،والّزمر التي حاولت ملحقتها وإتلفها بتأجيل عــذابها ثلثمــائة ســنة
أخرى ،كما تكافأ جميع الّزمر التي قامت بمنع ترجمتها إلــى اللغــات الخــرى
بخمسمائة سنة تأجيل إضافية .
.3تكافأ الّزمر اليحائية المشرفة على شــرح وتفســير وإعــراب مــا لــه علقــة
بالسطر الربعة من النصوص الثابتة بتأجيل عذابها ألف سنة .
.4تبقى حروف البجدية فارغة للمليء مستقبل ً .
م عليكم _إلى اللقاء .
ظل ٌ
النيلي ----------------------------------------- 62
صل عن دم المعاون لقراءة تقرير مف ّ ) بعد التلوات الخاصة وقراءة النشودة ،تق ّ
مد بين المثالية والمادية ،وأعلن أن هـذا التقسـيم هــو مــن الهــداف الخلط المتع ّ
ً
ص الشــياطين مطلقـا وإنمــا هــي مة في العمل الشيطاني وهو مســألة ل تخـ ّ الها ّ
صة بالنسان فقط . خا ّ
وخلل ذلك تعرض لقوانين الحركة وآخر ما وصلت إليــه علــوم الفيزيــاء عنــد
النسان ،ولكنه ذكر أن إبقاء الفوارق بين ما هو ) حي ( و ) جامد ( وكذلك إبقــاء
الفوارق بين حالت المادة التي يلحظها النسان هــو أمــر ضــروري .كمــا أوضــح
بجلء أهميــة الســحر وعلقتــه بــالعلم وتط ـّرق إلــى الســرع والمعجــزات وعلقــة
ون المعجزة ،وأثبت على نحو واضح أن المعاجز ما هــي إل ّ ) السرعة ( بنشوء وتك ّ
قواعد مادية وظواهر تحدث بسرعة وفق نفس القانون ،مبرهنا ً بطريقة فلسفية
سنن وليس إلغاءا ً كم بال ّغريبة أن الغاية منها هي للبرهنة على قدرة الفاعل بالتح ّ
مى ذب بها مما يســتدعي النتبــاه إلــى أن مــا يس ـ ّ لها ،وأن اللغاء هو طريق المك ّ
مى عند النسان مثاليا ً أو غيبيا ً أو طوباويا هو عند الشياطين ماديا ،أو أن من يس ّ
ً ً
كدا ً أن سبب هذا التقسيم عنــد روحانيا ً قد يكون عندهم من جماعة الواقعيين ،مؤ ّ
النسان هو ليس لختلف نظرتـه للعـالم والشـياء مـن حـوله وإنمـا هـو لختلف
هم .وتطــّرق كــذلك إلــى ضــرورة إبقــاء نظرتــه إلــى نفســه ورغبتــه فــي التــو ّ
) الصــراع ( مســتمرا ً بــل والعمــل علــى ) إنتــاج ( فلســفة يفلســفون الصــراع أو
سنن ( الطبيعية العاملة في الكون . الختلف على أنه أحد ) ال ّ
وبهذا الصدد نّبه بصورة حثيثة على أن الغاية من الصراع هــي الصــراع وأكــد
على خلطه بصورة جيدة مع نوع من الصراع غــايته إزالــة الصــراع بحيــث ل يمكــن
) الختلف ( التمييز بينهما . لفلسفة
وتط ـّرق خلل ذلــك إلــى أن الزعيــم المنظــور بــالله إنمــا زرع فكــرة اللهــة
المتعــددة لهــذه الغايــة ،لن اللهــة المتعــددون يختلفــون فــي القــوة والعلــم
والسيطرة ،فهناك كبير لللهة وهناك ) النوناكي ( مجمــع اللهــة وهنــاك اللهــة
الصــغار .وإذا لحــظ النســان أن اللهــة أنفســهم طبقــات ويحــدث بينهــم صــراع
ده عند عبيد اللهة بنــي النســان . طبقي ،فالولى أن يكون هذا الصراع على أش ّ
جب وذكر أن الله الواحد بالعدد والذات إنما هو إلغاء للصراع والختلف ولذلك يتو ّ
ددة بأية صورة أو صور ممكنة . البقاء على اللهة المتع ّ
ً
ولم يتوّرع خلل ذلك كله من تكرار الهجوم على النسان واصفا إياه بأبشــع
الصفات ،أهونها أنه مخلوق غبي ل يفرق بين ما هو مادي وغيــر مــادي وبيــن مــا
جعا ً الشــياطين ومؤك ّــدا ً علـى قـدرتهم وحتميـة يقابله من موجـود ومعــدوم ،مشـ ّ
ً
انتصارهم على النسان .وقال أيضا إن النسان بارع في الشّر ول يترك احتمــال ً
منه إل ّ وطرق بابه بحيث أننا ندين له بالستاذية ونتتلمذ علــى يــديه لغــواء أفــراد
د حينمـا ل وحيـ ٍ جنسه الخرين .ولكنه قد يبقـى ألـف سـنة ل يـتزحزح عـن احتمـا ٍ
يكون المر متعّلقا ً بالخير ،وأشار إلى أن ذلك هو سبب قوة الشياطين .
دم وفي ختام ذلك ذكر أن النسان ) يريد خداع نفسه ( بأية صورة ونحن نقــ ّ
ســر سر الدين ولم تف ّ له الصور الممكنة لهذا الخداع وأشار إلى أن الفلسفة لم تف ّ
السحر ولم تفسر الطبيعة ،وأن الذين ُأورثوا الكتب المنّزلة لم يفّرقــوا بعــد بيــن
السحر والمعجزة ،ومع ذلك تحظى هاتان الفئتان بالتقدير الفكــري العظــم عنــد
بني النسان .
النيلي 63-----------------------------------------
م من أهميتها قائل ً ( وتطّرق إلى " السياسات " فأعظ َ
المعاون :النسان لجهله وتجاهله مثل ً ل يدرك أننــا نربــط بيــن السياســة والــدين
والفلسفة والســحر ،وعنــدنا ) للساســة ( كمــا تعلمــون الموقــع الكــبر ،فهــم ل
ميهم الفلسـفة يكثرون من الكلم الذي ل طائل من وراءه ،لنهـم يمكـن أن نسـ ّ
م مــن الفلســفة النظريــة ،لن هــذا النــوع مــن العمليين ،والفلسفة العمليــة أهـ ّ
ي .وإذا أردنــا إرجــاع الشــياء ي يسبق فيه النظــر ّ الفكر هو بعكس العلم ،فالعمل ّ
إلى عللها كما يفعل النسان فل مندوحة لنا من القول بــأن فلســفة النظــر هــم
في النهاية هم مــن صــنع فلســفة العمــل .لكــن النســان لجهــالته لزال ينتظــر
الخلص من هؤلء على يـد أولئك .النســان يعصــي أولئك الــذين يرفضـون سـلبه
حّريته وإرادته ويخلصون له في إفهامه معناهــا ومغزاهــا وأهــدافها،فــي حيــن أن
سلبه حريته هو أفضل الطرق لوضعه على جادة الطاعة العمياء ،ولكن حـتى فـي
واء هذه الحالة فإنها صفقة وهمية بين الطرفين مثل التفاق الذي جرى بين الش ّ
و) نصــر الــدين ( عنــدما أعطــاه رائحــة الشــواء وأراد أن يقبــض الثمــن .وليــس
واء رنيــن للكثرية مثل نباهة ) جحا (حينما جعل الثمــن المــدفوع هــو إســماع الش ـ ّ
الدراهم ،لن الحرية مثل ) الصندوق السود ( لــن يس ـّلمها أو يســتلمها إل ّ واحــد
فقط هــو واهبهــا ،وقــد جعــل هــذا الـوهم النســان ل يســتحي مـن أن ) ينظّـَر (
فلسفة خاصة بسلب الحريــة فــي صــفقة هــي الخــزى فــي تــاريخه بيــن الحــاكم
والمحكوم ،((1وقد يعجبه أن يقرأ بشغف وانبهار النصائح التي يقــدمها الفيلســوف
للحاكم عن أفضل الطرق لسرقة حرية الرعية في وقت تلحظ الرعية التطبيقات
العملية للتنظيــر فل تتراصــف مثــل الغنــام إذا وجههــا الــذئب بــل تحيــط بالــذئب
عارضة عليه اختيار ما يلئم شهيته !! .وحينما تقتل ذئبا ً _ ونادرا ً ما تفعل _ فهي
ع ،وإذن فل ل تقتله لنه ذئب بل هي تفعل ذلك لسرافه في إفناءها لغيــر مــا دا ٍ
جــح ،وهــي مــن ثــم ل تتعاقــد مــع كبــش مــن أكباشــها فــي ) عقــد ق لهــا بالتب ّ
حـ ّ
مــن بدرجــة أفضــل ب آخــر ُيث ّاجتماعي ( بقدر ما ترغب في إبرام هذا العقد مع ذئ ٍ
ض عليه بل مجهود ليلي حتى يحيــن وقــت استرخاصــه لــه . لحم الضأن عندما ُيعر ُ
وقد يكون النسان هو الوحيد أو النادر من الكائنات الذي يفّتش عن شيء يحملــه
هو في ثناياه ،ويعبد إلها ً يريد أن يدركه بحواسه وعقله ،ويؤمن بخـالق لجـل أن
يعلم وبالتفصيل كيف خلقه ،ويحــاول التخل ّــص مــن مشــاكل يضــعها بيــده وينكــر
أشياء يتعامل معها يوميا ً في وقــت يحــاول فيــه إثبــات الوهــام أو يتســاءل عــن
المعــدومات !! .وهــل هنــاك أكــثر حمقــا ً مــن كــائن يقــوم أحــد أفــراده بإنكــار
الموجودات بأسرها ويعتبرها وهما ً من الوهام ل وجود لها البتة ومــع ذلــك يبقــى
باحثا ً عن حلول لمشكلت وجودية ورغم ذلك يتابع أفراد هذا الكائن مقــولت هــذا
الفرد ويحتفظون بها ويمنحون لجلها شهادات المعرفة ؟؟ .
) بعدما أنهى المعاون كلمه قال الرئيـس (
الرئيـس :أرى أن ) أنا ( نية النسان هي الصل في معرفة طبائعه ،وهــو حــاذق
في الخبث بحيث أنه يهاجم النا بقوة ليؤكد علــى ذاتيتــه الخاصــة فيلتبــس المــر
ن السامع أنه بريء من هذا المرض فيجذبه إليه بقوة .ولما على السامع حيث يظ ّ
كنت أريد منكم أن تسبقوا النسان فــي المــر المحتمــل وغيــر المحتمــل ،فــإني
أضع لكم سؤال ً أريد أن تجيبوا عليه لعلم مقدار علمكم في هذه المور الدقيقة .
فإذا هاجم رجل جميع الناس واّتهمهم بقلة المعرفة والجهل حرصا ً على الحقيقة
ل آخر مثله وكان أحدهما خبيثا ً من شياطين النــس والخــر صــادقا ً فــي وفعل رج ٌ
حرصه وكان عندهما من التهم مقدارا ً متشابها ً ومن النقد اللذع قــدرا ً متســاويا ً ،
فكيف يستطيع النسان _ فيما لو أراد _ أن يفّرق بينهما علــى فــرض أنــه ل يــرى
)(1
المير ،والمطارحات .
النيلي ----------------------------------------- 64
منهما إل ّ ما كتباه وأّلفاه لهــذه المقاصــد ؟ وكيــف يعلــم الصــادق ويمي ّــزه عــن
الكاذب ؟
المغربي :إذا تشابه القول من أحدهما في غاياته ومقاصده من أوله إلــى آخــره
وفي جميع كتبه وأّيد بعضه البعض ولم ينقض بعضه بعضا ً فذلك هو الصادق ،ومــا
كان فيه خلف ذلك فهو المخادع صاحب ) النا ( .
م غيــره وأكــثر مــن دعــوى نفــي قــدرة المشرقي :وإذا أكثر من امتداح نفسه وذ ّ
الخرين على فهمه بمناسبة أو غير مناسبة ،فذلك هو المخادع صاحب ) النــا ( .
وإن أقّر بجهله وسكت عن ما ل يعلم فذلك هو الصادق .وإنمــا يعــرف المــرء مــن
فلتات لسانه .
ً
مونادو ) مارد الجنوب ( :إذا تعّرض لجميع الخلــق بالنقــد ولــم يســتثن أحــدا فهــو
الكاذب .وإذا استثنى وأقّر بوجود من هو أعلم منه فهو الصادق على أن ل يكــون
المستثنى مقدسا ً عند العامة .وفي هذه الحالة يجب النظر ،فربما استثنى خوفا ً
فُيعذر أو طمعا ً فيترك وإنمــا يعــرف الكــاتب الصــادق مــن إتمــامه الحــديث وعــدم
بتره .
هــال وســكت عــن القــادة والحك ّــام ولــم مارد الشمال :إذا طال نقده للعامة والج ّ
يربط جهل أولئك بطغيان هؤلء فهو الكاذب .وإذا فعل خلف ذلك فهو الصــادق .
وإنما يعرف المرء من إلهه الذي يعبد .
ماه ماه بلفظ ثم حكاه في مواضع أخرى وس ّ شيطان اللغات :إذا حكى الشيء وس ّ
وي معنى السم الول فهو الكاذب صاحب النا .وأن ثبت على بأسماء أخرى ل تق ّ
وي معانيها نفسها فهــو الصــادق .وإنمــا يعــرف المــرء مــن تسمية الشياء بما يق ّ
منطقه .
سر جميع الظــواهر ويحيــط بجميــع الشــياء فهــو الكــاذب جليوتا :إذا ادعى أنه يف ّ
ل فوق طاقته وسأل أن يمهل لعلــه يعلــم فهــو م َ
صاحب النا .وإذا طلب أن ل يح ّ
الصادق .وإنما يعرف مقدار علم المرء من مقدار ما يجهل .
ن اللوهيــة ل ُتعــرف الرئيـس :أما أنا فأجمع ما قلتموه فــي وصــف واحــد هــو :إ ّ
مدَةٌ ل يخرج منها مص َ لجل عدم معرفتها إل ّ بسبع صفات اختصارا ً ،إحداها ..أنها ُ
و كــان اقــترف _ ل محالــة _ شيء ول يدخلها شيء .فمن يقترب منها على أي نح ٍ
واحدا ً أو أكثر مما ذكرتــم وعنــدها فهــو الكــاذب صــاحب النــا وأنــا أتــوله .لكنــي
أسألكم عن معنى قولي أيضا ما هو ؟
مدُ ل يخرج منه شــيء ول يــدخله شــيء مص َ المشرقي :إنه واضح سيدي .فهذا ال ُ
وليس هو من الشياء التي تعرف ول يمكن أن يعرف أو يعّرف بشيء .فمــن أراد
إدخال شيء أو إخراج شيء فكأنما أراد إدخال أو إخراج نفسه ليكون مع المصمد
أو منه في شيء .وتلك هي ) النا ( التي مهما تضاءلت واحتالت فــي التضــاؤل _
ة أكبر من السموات والرض ومــن ة منتفخ ً وهي تفعل ذلك دوما ً _ فستبقى واضح ً
فيهن .
مــن أصــحاب النــا الرئيـس :نعم هذا هو ما يعنيه قولي .وإذن فما أكثر من هــم ِ
بين الزهاد والفقراء والمتقشفين ،وما أكثر من هــم ليســوا كــذلك بيــن العصــاة
والمذنبين الذين لم يتجلببوا بجلباب الورع والتقوى .وحينما يقع الحســاب تظهــر
المفاجآت العجيبة ،فيسأل الشرار في الجحيم عن ) الشرار ( الخرين ويفتقد
الخيار في النعيم ) الخيار ( الخرين .أريدكم أن تأّزوا أصحاب النا أّزا ً حثيثا ً ل
هوادة فيه ،فإني نهم إليهم نهما ً ل تتصوره عقول بني النسان مثلما ل تتصــوره
أوهامكم .فإن مثقال ذرة من ) النا ( خافية في قلب أحدهم ستظهر فجأة بقدر
الكون بفضل جهودكم ،فاعملوا بجدّ ونشاط ل فتور فيه .
المغربي :ليكن ظّنك بنا في محّله سيدي ولن نفتّر أبدا ً في عملنا .
النيلي 65-----------------------------------------
شرت بكل شر وقد ارتاحت نفسي راحة عظيمة لمــا ذكرتمــوه مــن الرئيـس :ب ُ ّ
أشياء .والن فــإني أشــتهي أن يحــدثني أحــدكم عــن المــام العظيــم أبــي حامــد
الغزالي .
) نظر القادة في وجوه بعضهم البعض وهم فــي حــال مــن الوجــوم والقلــق ولــم
ة فصاح بهم الرئيـس ( ي منهم بنت شف ٍ ينبس أ ّ
ّ
الرئيـس :ما لكم تكلموا ؟ ! .
المعــاون :لقــد جــرت العــادة _ســيدي الرئيـــس _ أن نســتعرض هــذا الســم فــي
المجلس السّري الدنى للقادة الذي ينعقد في أعقاب كل مؤتمر .
الرئيـس :هذا صحيح ولكني إذا اشتهيت شيئا ً لم يكن لي بدّ من الحصــول عليــه ،
والسّر إذا صار إماما ً لم يعد سّرا ً ،وإنما أريد أن تشرحوا كيف كانت البداية لتكون
درسا ً للشياطين .
قق فوجــدهم د في أصحاب النا نظــر الفــاحص المــد ّ المشرقي :لقد نظر أبو حام ٍ
أربعة أقسام :أرباب الفلسفة وأرباب النظــر والكلم وأربــاب الفقــه مــن الحلل
والحرام وأرباب الطريقة أصحاب الكشف واللهام .ثم وجد صــنفا ً خامس ـا ً غريب ـا ً
سل ( ،حيث وجدهم حازوا على الحكمة وحازوا على الكلم وحازوا علــى هم ) الُر ُ
ُ
معرفة الحلل والحرام وأوتوا ما ل يمكن تفسيره من الكشــف واللهــام ،فعجــب
كر في اقتفاء آثارهم ،فعجز عجزا ً تاما ً أن يكون مثلهــم أو واحــدا ً من أحوالهم وف ّ
طة قبلهــا وعمــل بهــا ما بلغ من العمر والفكر هذا المبلغ عرضنا عليه خ ّ منهم .ول ّ
ُ
قعه وكنــت أخـاطبه بكلم منقــوع وجدّ واجتهد وبلغ من النشــاط فيهــا مـا لـم نتــو ّ
طة هي :إن أغلب ما يرد عــن الفــرق الربعــة إنمــا هــو مــن بنظم مسجوع .والخ ّ
عقولها وإن ما يرد عن الخامسة إنما هو من وحي السماء .ثم قلت له ) :وإن ما
هو من وحي السماء إنما تنقله تلك الفرق لتسند به مقولتها وأكثره أمــا محــّرف
ســره بحسـب مـا يؤيــد مرادهـا .وأمــا أو مكذوب أو تفتريه هي حال الحاجـة أو تف ّ
صه فليــس فيــه وجه ـا ً واحــدا ً وإنمــا وجــوه تقلُبهــا حيــث تشــاء .فــإذا
ّ الذي ثبت ن ّ
ت بعضــه أو كلــه ُ تك ّ
ت من قدرة في نظم الكلم وأثبــ ّ ل فرقة منها بما أوتي َ هاجم َ
في موضع آخر مستندا ً إلى نفس ما يستندون إليه من النصوص تابع ـا ً لطريقتهــم
في معالجة النصوص ،فقد حزت على علم الولين والخرين ولم يكــن فوقــك إل ّ
ة الفرقة الخامسة وستجعلهم إذ ذاك يذكرون أقوالك كلهــا .فمــن أراد نقــد فرق ـ ٍ
اعتمد عليك ومن أراد إثبات صحة مذهبه اعتمد عليك أيضا ً .فقال الشيخ :وبــذلك
كر في المر قال :لكن هذا شيء يصعب عمله ! . أكون أنا أنا وهم هم .وحينما ف ّ
فقلت له :ل يصعب أمام عبقريتك شـيء ! فقـال :فمـا أكـون أنـا ؟ فقلـت لـه :
تكون أنت ؟ أنت على نهج صــاحب الشــريعة .أنــت الوحيــد الــذي يفهــم مقاصــده
ويعلم من هو وكيف هو .فلو كان في تلك الفرق خير لما تفّرقوا كــل حــزب بمــا
لديهم فرحون .فانظر لماذا يجمع صاحب الشريعة كــل تلــك العلــوم والطــرائق ؟
م _ جميعا ً ،إذ في كل منها مــا هــو أليس لنه يعلمها جميعا وينقدها _ فيما لو تكل ّ َ
صحيح على منهاجه وما هو خاطئ ل يرجى علجه .فلمــا رأيتــه لن وأخــذ كلمــي
بمجامع قلبه والجنان زدته من معسول البيان فقلت :واعلم أن اللغة تعطيــك مــا
تريد وتوصلك فوق هذا إلى المزيد ،وإنما أخطأ ) محي الدين ( ،لنه لــزم طريــق
التصوف وهو أمر مشين ،ولكنه برع في تصريف المفردات ما جعل السامع يظّنه
يسري في بطون اليات .فاللغة سلحك ،والمعاني رماحك ،والنصوص جناحــك ،
وليس لهذه الفرق شيء سوى المعقول والمنقول ،وأنت فيهما أعلم منهم فــي
الفروع والصــول !! .فقــال الشــيخ :للــه دّر أقوالــك الجامعــة ،وخطتــك البارعــة
وحتى لكأني بها أطير في السماء السابعة ،ولكن قد بقيــت قضــية هــي لنفســي
كامعة ،فانظر ما أنت صانعه ! .فقلــت :فــاذكر هــذا الشــيء الكــامع ،فــإني لــك
النيلي ----------------------------------------- 66
ســامع ! .فقــال :إن لبعــض العلمــاء فحوصــا ً دقيقــة ،وأخشــى أن تنكشــف
س ولم تتزوج مــن علــي !! . َ
م قلي ( لم تحظ بعبا ٍ الحقيقة ،ويكون حالي مثل ) أ ّ
فلما رأيته ُيريد النكوص ،أزجيته كمــا تزجــى القلــوص ،وعــالجته بعبــارتين كانتــا
كمن ألهبه بسوطين .حيث قلت :تب ّا ً لضعف عزيمتك مع قــوة اعلميتــك ،أتراهــم
صــلت ،أم حل ّــوا المعضــلت ،أم كشفوا اليات البينات أم اتفقوا فــي تلكــم المف ّ
وهم الوحيد هو الئتلف .وعلى أجابوا عن المشكلت ؟ إنما ديدنهم الختلف وعد ّ
فرض أن أحدهم كشف أمرك بعد قرون فمــا هــو بأفضــل ممــن خــوطب بــالنون ،
فقالوا عنه ويقولون ساحٌر أو مجنــون ! فــالخلق بالفرقــة مولعــون ،وبــالغوامض
مشغوفون ،وسينشغلون بك عنك وتجعلهم في معيشــة ضــنك ،وأنــت نــائم ملــئ
العين وهم في الحيرة بين بين تماما ً مثلما قال الشاعر :
أنام مل عيوني عن شواردها
مويسهر الخلق جّراها ويختص ُ
فقال :في هذه صدقت وبالغت ونصــحت ،وإنــي عــازم علــى أن أكســو المعــاني
) حلل ً مختلفــة مــن اللفــاظ ( وأعجــن الجــواهر والعــراض بإنــاءين مــن التشــبيه
والتنزيه وأدخل أفلطون في رأس كل فقيه ،وأبتر ما يبقــى مــن الكلم فــأوكله
ل حســام ،ثــم ل خصــام وأج ـّرد علــى ك ـ ٍ إلى سّر الكشف واللهام ،وافتعل مع ك ـ ّ
ي على لسان كل بعيد لمن خاصمته شيئا ً من التأييد حتى أخلط الحابل بالنابل أجر ُ
دك ،وعل مجدك ،وشاع حمدك .ثم تركتــه ج ّ
وأجعل العالي سافل ! .فقلت :جدّ َ
وخرجت .
الرئيـس :وهل سار بهذا المسار وكسا الظلمة جلباب النهار ؟! .
المشــرقي :بــل ســار فيــه حثيثــا ً حــتى أمكنــه التصــريح دون التلميــح فقــال :
) والتماسي قبول معذرتي عند مطالعة هذه المحادثات فيما آثرتــه فــي المــذاهب
من العقد والتحليل وأبـدعته فـي السـامي مـن التغييـر والتبـديل واخـترعته مـن
المعاني في التخييل والتمثيل فلي تحت كل واحد منها غرض صحيح (.((1
المغربــي :وقــال أيضـًا) :أمــا هــذه الســامي فأنــا ابتــدعتها وأمــا المــوازين فأنــا
ت في استخراجها ولها عند المتأخرين سِبق ُ
استخرجتها من القرآن وما عندي أني ُ
((2
أسام ٍ أخر سوى ما ذكرتها وعند المم السابقة أسام أخر كانوا قد نقلوها ( .
مونـادو ) مـارد الجنــوب ( :وأنــا أحفــظ قـوله ) :وإيــاكم أن تغي ّــروا هــذا النظــام
وتنتزعوا هذه المعاني من هذه الكسوة .قد علمتم كيف ُيزّين المعقول بالستناد
إلى المنقول لتكون القلوب فيها أسرع إلى القبول(. ((3
المغربي :ومعنى ذلـك أنـه يـدخل المعقـول ويجعلـه جـزءا ً مـن المنقـول بعـد أن
ى .فقلــت لــه :ل تفضــح صا ً أو معن ً يكسوه بحّلة من اللفاظ من السّنة والقرآن ن ّ
سّرك وأضف عليه ما يجعل المعنى مرتدّا ً إليه ،فأخذ بالنصــيحة وتسـّلح بالقريحــة
وأضاف إلى تلك العبارة قوله ) :وإّياكم أن تجعلوا المعقول أصل ً والمنقول تابعـا ً
عد وأجعل قولك هذا هو الفصــل مــن خــالفه فقــد دد وتو ّورديفا ً . ((4(.فقلت :فه ّ
ي
ل كيما يرتعب القاريء ويهرب الشانئ ،ويكون بذلك أشبه بقــول اللــه مــن أ ّ ض ّ
ل سواه ،فأضاف ) :فإياكم أن تخالفوا المر فتهلكوا وُتهلكوا وَتضلوا وُتضلوا قو ٍ
( . ((1وهو في جميع ذلك يقصــد عكســه ،ويــرى أن المــرء ل يكشــفه حــتى يــدخل
)
)
النيلي 67-----------------------------------------
رمسه ،ومن أجــل ذلــك مضــت القــرون والنــاس فيــه مختلفــون ،وتمك ّــن مـن
ل حوزة ومسجد ومدرسة من حيث رماها بسهم ثابت سمّاه إدخال الفلسفة في ك ّ
) كتاب التهافت ( ،وهو في غيرها نابت .فكان يا سيدي مــن نتــائج تلــك الخطــة
ملة في ورطة ،فجاء من بعده كل نبيه وأديب وفيلســوف وأديــب أن وقع علماء ال ِ
ي نجيب ،حامى عن الدين ودرج في السالكين حتى أتاه اليقين . دوه نجيبا ً أ ّ فع ّ
قــن الرئيـس :مــا أســعدني بكــم يــا عظمــاء الشــياطين وقــادتهم … ! غربّيكــم ُيت ِ
قــاد الســجع وشــرقّيكم يتقــن عــزف ) بحيــرة البجــع ( !! ولكــن مــاذا يقــول الن ّ
والباحثون في نقد فلسفة ) السلم ( ؟
قــاد والبــاحثون ل يفهمــون ولــو كــانوا يفهمــون مرامــي الفلســفة المغربي :الن ّ
لكانوا فلسفة ولوضعوا لنفسهم فلسفة فهــو أجــدر بهــم وأليــق بمقــامهم فــي
حالة كتلك .وكل ما يفعلونه أنهم يقولون :هذه نريدها لنها جيدة وتلك ل نريدها
لن .وإذا كــانت فــق لحّلهــا ع ّ
فــق لهــا فلن وتلــك لــم يو ّ لنها غير جيــدة ،وهــذه و ّ
الشــياء مختلطــة فــي ذهــن الفيلســوف فكيــف ينــبري لفرزهــا مــن هــو دون
فقوا للغزالــي لنــه أبطــل نظريــة الفيــض بقــي المســلمون مقامه ؟ .وحينما صـ ّ
سمون الشياء إلى ممكن وواجب بدل ً من التقسيم القديم إلى بفضل الغزالي يق ّ
) حادث وقديم ( ،ول فرق في التسميات سوى أن القديم هــو الــواجب والحــادث
فيــن فمــن ذا هو الممكن .((2وحينما يرتدي أرسطو عمامة ويلبس عباءة وينتعــل خ ّ
ُيفّرقــه عــن الخريــن إذا مــا تمشــى بيــن بغــداد والشــام أو صــّلى بيــن الركــن
يوالمقام ؟ عجز فلسفة السلم عن بلوغ هدف محدد ،لقد عجزوا أن يقوموا بأ ّ
د من الحتمالت الممكنة : واح ٍ
الول :إنهم عجزوا أن يبطلوا مقولت اليونان بفلسفة من عندهم .
الثاني :إنهم عجزوا عن رفض تلك المقولت لنها تخــالف كتــابهم علــى مــا
يفهمونه من المخالفة .
فقوا بين تلك المقــولت وبيــن مــا يفهمــونه مــن الثالث :إنهم عجزوا أن يو ّ
كتابهم المنّزل إليهم .
صهم من كتــاب ربهــم المن ـّزل الرابع :إنهم عجزوا أن يستخرجوا فلسفة تخ ّ
إليهم .
الخامس :إنهم عجزوا عن الجابة على السؤال :هل في كتابكم فلسفة أم
ل؟.
والحال هو ليس أن البعــض يقــول نعــم فيــه فلســفة والخــر يقــول ل .بــل
الرجــل نفســه منهــم تــأتيه لتســأله عــن مــا ينطــوي عليــه هــذا الكتــاب مــن
المعارف فيقول كل شيء وتفصيل كل شيء ،وتأتيه ثانية بعد لي فتقــول
له أين فلسفتكم المطابقة ليات الكتاب المنّزل ؟ عندها ســيزعم إنــه كتــاب
دين وعقيدة وما هو بكتاب فلسفي ،ولكن في موضــع أخــر ربمــا يعجبــه أن
دد أسماء أعلم باعتبارهم فلسفة السلم ! فهل تخاف سيدي الرئيـــس يع ّ
ً
من هؤلء خيرا ؟! .
الرئيـس :كل … نعم … بل آمــل ش ـّرا ً .لكنهــم حــاولوا أن يجــدوا طريق ـا ً وســطا ً
يجمع بين تلك الشياء ويوافق الكتاب المّنزل .
المشرقي :إذن فقد خالفوا الكتاب المنّزل مــن أول خطــوة مــا دام الهــدف هــو
التوفيق ! .
الرئيـس :لقد اختلفوا أيضا ً في ضرورة الفلسفة ،فبعضهم قال إنها ليست مــن
قف اليمان عليها . الدين في شيء ول ضرورة لها ول يتو ّ
)
النيلي ----------------------------------------- 68
دين كل ّــه ليــس المغربي :إذا كانت الفلسفة تعني الحصول على الحكمة ،فالـ ّ
سوى فلسفة إذ الغاية منه تعليم الحكمة على أوسع نطاق ل حصرا ً بين ) الخواص
ص هو على ذلك .والذين قالوا أن الفلســفة ليســت ضــرورية لــم يــبرهنوا ( كما ن ّ
ّ
و من الحكمة ،ولم يأتوا بالحكمة البديلة عنها ،ولــم يفكــروا على أن الفلسفة خل ّ
في الفصل ،ثم عملوا ما هو أشنع حينما أخذوا مقالت الفلسفة وجعلوها قواعد
دوها حكمــة لكنهــم دين .والذين قالوا أنها ضرورة فقد ع ّ لهم لشياء كثيرة في ال ّ
دين فلــم يقــدروا علــى التوفيــق ولــم ينكــروا إحــدى وجدوها ل تتفق مع حكمة الـ ّ
ً
الحكمتين !! وهذا هو حـال أهـل الديـان الثلثــة جميعـا .ومـأزقهم الوحيـد الــذي
يجعل جميع المشكلت بل حــل هــو العلقــة بيــن الخــالق والمخلــوق وطبيعــة كــل
منهما .فإن مردّ جميع الشياء بما في ذلك النظام الخلقــي والسياســي وحــدود
المعرفة وقدرات العقل إنما مرجعها إلى الباب الموصد بــوجه الميتافيزيقــا وهــو
باب معرفة الله والعالم .
رعت الباب ودخل أحد المردة ( ) ُ
ق ِ
الرئيـــس :أنتــم يــا مــردة الشــرق وشــياطين الجنــوب تــأتون دائم ـا ً بعــد الــوقت
المحدد !! المهمة التي أرسلتك مــن أجلهــا ل تســتدعي كــل هــذا الــوقت يــا مــارد
الخطفات !
مارد الخطفات :صحيح سيدي .لكني جئتك بمنافع أخــرى ومعلومــات كــثيرة عــن
المهمة ،علوة على محاورة حكيمين مــن حكمــاء الصــين انتهيــت مــن ملحظتهــا
ة! ن معدود ٍ قبل ثوا ٍ
الرئيـس :ماذا ؟حكماء ل فلسفة ؟!!!
مت به ( م الرئيـس بالقيام وقد بدا على شفير نوبة من غضب عارم أل ّ ) يه ّ
ً
المارد :ل تخف سيدي إنهما ليسا من أهــل المــدن ول يقــابلن أحــدا قــط وهمــا
منعزلن تماما ً عن العالم ول يملكان قصاصة ورق ول قلمــة قلــم ويعيشــان فــي
ء.ع نا ٍل مرتف ٍ سفح جب ٍ
الرئيـس :ومع ذلك فيجب تشديد الحراسة عليهما فالمر خطير جدا ً .هــل تركــت
حرسا ً عليهما ؟
المارد :بالتأكيد سيدي الرئيـس ،أربعة آلف يتناوبون حسب النظام .
الرئيـس ُ :ترى هل سمعت بهما من قبل ؟ من هما ؟ .
المارد :أرى أنك تعرفهما ) :براهما ( و ) ماهانا ( .
ي معلومات سابقة عنهما .ما كانا يفعلن ؟ الرئيـس :آ … نعم … نعم لد ّ
المارد :كانا سيدي الرئيـس يمّثلن ،فقــد وقــف ) براهمــا ( فــي النــور الســاطع
جة أن ) براهما ( يريد أن يعرف كيف يحــاوره ور ) ماهانا ( في ظّله بح ّ المعلق وتك ّ
ظّله ،فقال ) ماهانا( :حسنا سأكون أنا ظلك ولكن رفقا بي .ثم تحاورا :
ً ّ ً
دد بل كلل كمن يغني ( :أنا وحدي … أنا وحدي ليـس معـي أحــد . براهما ) وهو ير ّ
أنا وحدي … أنا … أنا…
دد ( :أنا وحدي … أنا وحدي … وره في الظل فير ّ ماهانا ) :يجزع من تك ّ
ّ ّ ّ
براهما ) يلتفت إليه ( :من هذا ؟ ظلي يتكلم ؟ أصبحت تتكلم مثلي ؟ يا لصــلفك
ووقاحتك ! .
ماهانا :ولم ل ؟ ألست موجودا ً ؟
براهما ) :متعجبا ً غاية التعجب ( :أنت موجود ؟ !
صــر الظــل فكافــح ماهانــا ليكــون ضــمن حــدوده ويزمــع ) وحينما جلس براهمــا ق ُ
براهما أن يتمدد فيصيح ماهانا (
ماهانا :الغوث الغوث سيدي الحكيم ستضطرني للفناء !
براهما :والن هل أنت موجود ؟
النيلي 69-----------------------------------------
ن أنني موجود على نحو غريب ومزعج ،إذ يمكن أن أفنــى فــي أي ّــة ماهانا :أظ ّ
لحظة .
ً ّ
دبا يا ظلي هكذا دوما ! ً براهما :إذن فكن مؤ ّ
ّ
ماهانا :أريد أن أراك فلماذا ل أراك وأنت تراني ؟
براهمــا :لنــك ظّلــي فكيــف تــرى ؟ أنــت عبــارة عــن ) ظلمــة ( وبينــي وبينــك
) ظلمة ( ،لكنك تستطيع على نحو ما رؤية بعض أجــزاء جســدك ممــا يشــرق مــن
أنوار قليلة في الظلمة .
ماهانا :لكني مصّر على أن أراك .
براهما :آسف يا ظّلي .أنا شخصيا ل أستطيع أن أجعلك تراني .لنك لن تراني
ل وليس بمقدوري أن أجعل ظّلي هو أنا أو مثلي . حتى تكون مثلي ويكون لك ظَ ّ
ت أنت الذي أولدتني ؟ ماهانا :ألست منك ؟ ألس َ
ت مني . براهما :أنا لم ألدك مطلقا ً ولس َ
ماهانا :فهل أنا منفصل عنك ؟
ل بي رغم أنفك . براهما :كل .أنت متص ٌ
ماهانا :إذن فأنا منك !
ً
براهما :كل أنت لست مني وإن كنت متصل بي .
ماهانا :أريد أن أعرف من أنا ؟
براهما :أنت ظل ! أنت ل شيء .
ماهانا :لكني أتكلم وأحاورك الن فأنا شيء .
براهما :تكّلم كما يحلو لك وافعل ما تريد فأنت ل شيء .أما أنا فواحد مستقل .
ل بــي ماهانا :أنا أيضا ً واحد ،كائن مستقل ،وليس اتصالي بك نقصا ً فــأنت متص ـ ٌ
أيضا ً .
براهما :أنا منفصل عنك !!
ل بي ! ماهانا :قلت للتو أنك متص ٌ
ت أنك ستحاول أن تقولني بأشياء لم أقلها .أنا قلت أنك متصــل براهما :قد علم ُ
ل بك . بي ولم أقل أّني متص ٌ
ماهانــا :أليــس هــذا مخــالف للمنطــق .شــيئان متصــلن ومـع ذلــك فــإن أحــدهما
منفصل عن الخر ،والخر متصل به !!
((1
دث عنه . براهما :مخالف لمنطق الظل ل لمنطقي أنا ذلك الذي أنت تتح ّ
ماهانا :وكيف أعلم أي المنطقين هو الصحيح ؟
براهما :بسيطة ! أنا أفعل ما يحلو لي وأنت افعل ما يحلــو لــك ولحــظ بالتجربــة
من المنفصل ومن المتصل !
دد على الرض ( ) يهم براهما أن يتم ّ
ُ
ّ
سم عليك أل تفعل ! ماهانا ) صارخا ً ( :أق ِ
براهما :أما أنا فأقول لك افعل ما تشاء ،لكنــي أنصــحك أن تكــون مؤدبـا ً _ وهــذا
فرق عظيم بيني وبينك هو كالفرق بين الشيء واللشيء .
ماهانا :أرى نفسي واحدا ً كما أنت واحد .
براهما :أما أنا فأراك أثنين ،حّريتك واحدٌ وقيدك آخر .
ماهانا :وكيف ترى نفسك ؟
براهما :هذا ليــس شــأنك ،إذا رأيتنــي أو انفصــلت عنــي أو خرجــت مــن قبضــتي
فاسأل ما تشاء .
ماهانا :أريد أن أعرف من أي شيء أنت ؟!
براهما :وكيف يعرف اللشيء ما الشيء ؟؟
)(1
يتعمد المؤلف هنا تكرار الضمائر في عموم المحاورة .
النيلي ----------------------------------------- 70
ونتني ؟ ماهانا :لماذا إذن ك ّ
براهما :أنا أفعل ما يحلو لي .
ماهانا :هذا منتهى القهر والتسلط !
براهما :نعم إنه منتهى القهر والتسلط .
ماهانا :أريد أن أتخّلص من قبضتك .
براهما :قد تتخّلص بالفناء .
ماهانا :أريد أن أتخّلص بالوجود .
براهما :هذا محال .
ماهانا :لماذا ؟
ً
براهما :لنك لست شيئا في الحقيقة ،أنت ظــل ،ومــن طبــع الظــل انــه متصــل
دوما ً بصانعه .
ماهانا :ما هي الحقيقة .
براهما :أنا وحدي .
دد ( ماهانا :رائع لقد اكتشفت الحقيقة :أنا وحدي … أنا وحدي ! ) ير ّ
براهما :يا لك من غبي .عليك أن تقولها هكذا ) :أنت وحــدك ( ،ول تعيــد نفــس
القول كما يعيده التلميذ الغبي
ماهانا :أنا ذكي … أنا فيلسوف … أنا… !
براهما )مقاطعا ً ( :هذا في نظرك .أما عنــدي فــأنت غــبي تريــد أن تســرق منــي
شيئا ً هو عندك أو تهب لي شيئا ً ليس عندك ول حاجة لي به .
ماهانا :إذن فأنا أريــد أن أفنــى إذ لــم يعــد يعجبنــي البقــاء ،لنــي ل أفهــم ســببا ً
لوجودي .
براهما :أنت تكذب .
سم بأني صادق … هّيا … هّيا أفنني .وافعل ذلك بسرعة كي ل أتألم . ماهانا :أق َ
براهما :ما أسرع ما تنسى .في كل مرة تطلب ذلك ثم تستغيث إذا اقــترب منــك
الفناء .
ماهانا :هذه المرة دعني أفنى .وحتى لو استغّثت بك وصرخت فل تسمعني .
براهما :ليس من عادتي أن ل أسمع المنادي .
ماهانا :لماذا ؟ ها أنا الذي يطلب منك ذلك .
ُ
براهما :لنك تكذب وفي لحظة الستغاثة فقــط أنــت صــادق ومــن خلقــي ســماع
الصادق .
سر أحوالي .أنا الن أريد أن أفنى . ماهانا :ل يهمني ما تقول وكيف تف ّ
ً ً
براهما :وأنا ل يأمرني أحد .أنا لن أكون وما كنت يوما مقّيدا بك .
ماهانا :إذن فأنت تحتاجني ! ها لقد أوقعتك في الكلم .
براهما :أنــا ل أحتاجــك وقــد أوقعــت نفســك .فــأنت تريــد أن تفنــى لتثبــت أنــي
ي ما لم تكذب على نفسك أول ً . أحتاجك .أنت ل تستطيع أن تكذب عل ّ
ماهانا :من أي شيء خلقتني ؟ ألم تخلقني من مادة سابقة على مـادتي ؟ لنقـل
أن أسمها الهيولى .
صل إلى أنك تمت إلى جوهري بصــلة مــن نــوع مــا . ل كثيرة لتتو ّ براهما :لديك حي َ ٌ
لم أخلقك من شيء لنك في الحقيقة لشيء .كل ما في المر أننـي إذا أوقــدت
السراج فإنك تظهر ،وإذا أطفأته فإنك تفنى .والسراج من صنعي وأنت ل تدركه
أيضا ً ،لنه إذا أضاء كنت ظلمة وإذا انطفأ فنيــت .فل تقــدر علــى معرفــة مــا هــو
السراج فضل ً عن صانعه .
ماهانا :إما أن أكون وإما أن أفنى .أما هكذا أبقى مستعبدا ً لك فهذه مشكلة .
براهما :إنها مشكلتك ل مشكلتي !
النيلي 71-----------------------------------------
لجب عليك حّلها لي ما دمت تقدر ،فقد بــدأت أفهــم أنــه لح ـ ّ ماهانا :لكن يتو ّ
ول عقد لي بغيرك .
براهما :بالنسبة فل أرى مشكلة ول أراك في مشكلة .
ماهانا :لماذا تتجاهلني ؟ فأنت تعلم مشكلتي .إما أن أكون أو أفنى .
براهما :ها أنت تكون مرة وتفنى مرة فأين المشكلة ؟
ماهانا :كل … كل … أنا أريد واحدة فقط .إما وجود دائم أو فناء دائم .
براهما :حينما توجد فلســت فانيـا ً وحيــن تفنـى ل تشــعر بوجــودك الفــاني فـاين
المشكلة ؟
ماهانا :أنا أحّبذ أن أوجد بغير متاعب ،بل قيود ،بل خــوف .وإذا لــم يحــدث ذلــك
فإني حال وجودي أفضل الفناء كي ل أشعر بمشاكل الوجود .أل تفهمني ؟ ؟
براهما :إني أفهمك جيدا ً ،لكن ما تقوله فهــو مجــرد وهــم .فالمتــاعب والقيــود
والخوف أنت تضعها بنفسك .إنها واحدة من أكاذيبك على نفسك .فــأنت ل تريــد
ب لنــك تريــد الخــروج مــن عـ ٌ
ل لــي .أنــت مت َ أن تجّرب العيش وفــق طبيعتــك كظـ ّ
حدودي الظّلية .
ماهانا :ماذا تقصد ؟ دّلني على طريق سعادتي !
ل وهذه هي سعادتك .كل ما تخشاه مـن حركـاتي سـينقلب إلـى براهما :أنت ظ ّ
أشــياء تجلــب لــك الســعادة .ســتكون مغرمـا ً بملحقــتي ودخــول حــدودي الظّليــة
والتحّرك ضمنها .وعليك فقط أن تفهم بأنك ظــل ل غيــر .وكــل شــيء آخــر هــو
مسئوليتي .
ماهانا :وهل ستكّبر لي مساحة الحركة ؟
ً
براهما )يضحك ثم وبخطفة يضع السراج قريبا منه ( :ماهانا ! أنظــر … أنــت الن
ل نهائي ول حدود لك .أنظر جيدا ً … عبرت المحيطــات وســرحت فــي الفضــاءات
وخرق سوادك القاتم شموس الفلك ،لنك لول مرة تتركني أفعل لــك مـا تريــد
ولول مرة تقر بعبوديتك لي .تحرك الن كما يعجبك يا ظّلي ،تحرك كيفما تشــاء
وأّنى تشاء .
ل براهمــا خطــوات ثــم رجــع إليــه وتعانقــا ) قام ماهانا على رجليه راكضا ً في ظ ـ ّ
وانتهى تمثيل هذا المشهد وهما يضحكان سوية والجبل يردد الصدى (
الرئيـس :وهل علمت أيها المارد ما قصده الحكيمان من تمثيل هذا المشهد ؟
المـارد :ل أدري سـيدي ،لكنـي أظـن أنهمـا يقـولن مـن خلل ذلـك أن المنطـق
الفلسفي ل ينطبق ول يصــلح لتفســير العلقــة بيــن الرجــل وظلــه فكيــف يصــلح
لتفسير العلقة بين الله والعالم ؟ لن ما يبدو منطقيا ً عندهم أصبح غير منطقــي
مة ملحظة في كل حين .وبالتالي فإن في نفس هذا الوجود من خلل ظاهرة عا ّ
ن كــثيرة داخلهــا ،ولــذلك منطقهم ل يعمل خارج الطبيعة إذا كان يخطئ في أحيا ٍ
شددت الحراسة عليهما .
الرئيـس نعم وفقت لكل شر فاجلس .
المشرقي :سيدي الرئيـس :إن المحاورة بيــن الحكيميــن هــي أوســع مــن مجـّرد
الشارة إلى هــذا المــر ،فعلوة علـى تحديـد الجابـات لمســائل فلسـفية عديــدة
منت تفــاؤل ً بّينـا ً بمســتقبل العــالم النســاني .إذ جعل ر وتركيــز فقــد تضـ ّ باختصا ٍ
دد بين أشياء فمّرة يريد معرفة نفسه ومّرة يريد أن يوجد بل قيــد وم ـّرة الظ ّ
ل يتر ّ
يريد معرفة براهما ومّرة يريد أن يعرف عّلة براهما ومّرة يريد أن يراه ومّرة يريــد
أن يفنى وأخرى يريد أن ينفصل عنه ،وأخرى يرغب في أن يجعل براهمــا متصـل ً
ب ولــو الفنــاء نفســه أو إلغــاء ذاتــه . ي مطلـ ٍ به وأخرى يرغب في أن يملي عليه أ ّ
ولكن في النهاية انتبه الظل وأدرك أنه ل شيء ،وفهــم أن مــا يبغيــه لــن يحصــل
عليه إل ّ بالقرار بلشيئيته وفناءه وعدمه ،فامتدّ فجأة ليخرق ســواده المســاحات
النيلي ----------------------------------------- 72
الشاسعة أو شموس الفلك كما عّبر براهما ،مستخدما ً مسألة علميــة واضــحة
وهي استمرار حركة الضوء إلى ما ل نهاية وبالتالي امتداد الظل إلى مــا لنهايــة
وإن كّنا ل ندركه بحواسنا .لذلك أطلب السراع في إرسال جيوش من الشياطين
إلى الموقع المذكور واستخدام كافة الوســائل لتســليط قــوى الش ـّر علــى هــذين
مد عقباه .الرجلين وإهلكهما قبل حصول ما ل ُيح َ
المغربي :إن في التأني الســلمة وفــي العجلــة الندامــة ،فالعجلــة مــن خصـائص
النسان ل مــن صــفات الشــيطان .فمــا لــي أراك يــا كــبير شــياطين الشــرق قــد
د ؟ أم ل بعي ـ ٍ
ح جب ـ ٍ أرعبتك محاورة بين رجلين أعزلين من بني النســان علــى ســف ِ
ما جاء به آلف النبياء والمرسلين ،فجعلنــا حمــاة ترى أن ما قاله أكثر وضوحا ً م ّ
دين وحاملي لواء المّتقين من بعدهم يتقاتلون ويتحاربون ويتلعنون ويقولــون ال ّ
دلوا قول ً غير الذي قيل لهم ،فرفع كل منهم راية وكانت عاقبة أمرهم خسرا وبــ ّ
نعمة الله كفرا ً وأحّلوا أنفسهم وقومهم دار البوار ؟
ن مجتمع بنــي النســان المشرقي :إني أفهم ما تقول ولكنك ل تفهم ما أقول .إ ّ
د مريـض بـداء النسـيان فل يغّرنـك منـه هـذا المظهـر وقـد نصـحنا ل واحـ ٍ مثل رج ٍ
ظ وإرشاٍد عظيمين حينما نّبه إلــى العلقــة بيــن عمــر الفــرد وعمــر الرئيـس بوع ٍ
النوع النساني ،فإن النسان قد يفاجئك يوما بصحوته وإدراكــه حقيقــة نفســه ،
م مــن المحتومــات لمــا أتعــب ولول أن هذه الحقيقــة هــي خاتمــة أمــره وهــي حتـ ٌ
دوا كل هذا الجد ولمــا نشــطوا كــل هــذا ل هذا التعب ولما ج ّ المرسلون أنفسهم ك ّ
عهــم حــتى يغلــظ ويســتوي النشاط .وإنما يرون أنفسهم مثل الزّراع لن يثمر زر ُ
ه ويطغــى عليــه فيهلكــه … على عوِده ويأكــل صــغار العشــب والقصــب ومــا شــاب َ
ن الشجر وإن كان قليل ً لكنــه بســق وأزهــر فل يغّرن ّــك احتجــابه بالقصــب مأ ّ ولتعل َ
ل الغابة إذا احترقت لن يطفــئ ناَرهــا أحــد ولكــن ه ،فإن مثله مث ُ والحلفا وما شاب َ
الذي يبقى فيها هو الشجر الغليظ المختبئ فـي مـا كـان أصـل ً للنـار .وقـد أدرك
علم النفس الفردي والجتماعي هذه الحقيقة وعامل مجتمــع النســان كمعــاملته
لفرد النسان مع اختلف العمار .
ع شيئا ً إل ّ مــا هــو مــن بــاب درا فليس الحذر بناف ٍ
المغربي :إذا كان المر حتما ً مق ّ ً
التأخير .
ل جــدا ً مــن بنــي الرئيـس :وأنتم ل تفعلون ولن تفعلوا شــيئا ً ســوى ذلــك .وقلي ـ ٌ
النسان من يدرك ذلك لنهم يعتقدون أن وعــد اللــه فــي خلصــهم هــو فــي يــوم
محدٍد بالزمان ،والقليل يعلم إنما هو محددٌ بالنسان نفسه ،محــددٌ بــاليوم الــذي
كر فيه نفسه .وإنمـا عملكــم هـو فـي إبقـاء النســان ذاهل ً عـن أدراك نفسـه يتذ ّ
مشغول ً بإدراك رّبه .وكّلما أبعدتم هذا الموعد عن النسان كّلما أبعدتم النــار عــن
أنفسكم .
ة بيــده ثــم يخــرج ّ
) يدخل أحد بني النسان بصورة مفاجئة ويسلم الرئيـــس رســال ً
فيندهش الحاضرون جميعا ً … بينما يظهر الرئيـس كما لو لم يفاجئ به مطلقا (
ً
قي ونصـفي الخـر .ول بـأس فـي أن أقـرأ الرئيـس :نعم .إنهـا رسـالة مـن شـ ّ
عليكم بعض ما ورد فيها ولكني ســأتجّنب الشــياء الــتي تفزعكــم والســرار الــتي
صني : تخ ّ
قي ونصفي الخر فناء الوجود :الحمد للــه )… من وجود الفناء إلى أخي وش ّ
د
ت أنك مجتمع بشياطين الجان تحّرضهم على الج ّ وسلم علينا … وبعد :فقد علم ُ
والجتهاد في عملهم على استجلب بني النسان إليهم وإبعادهم عنــي ،فالحمــد
ت تعلــم _ أن لله على المّنة والشكر له على هذه النعمة .أقول لك أخي _ وإن كنـ َ
الجدال والخصومة بين الناس هي عّنا وفينا ومّنا ولنا لن الله أعـّز وأمنــع مــن أن
ضــحه ده الصفات أو تدركه العقول أو تتصوره المخلوقات أو تو ّ تناله الوهام أو تح ّ
النيلي 73-----------------------------------------
المفردات أو تنفذ إليه الكلمات .واعلم أننا موضوع تلك الصــفات ومنشــأ تلــك
السماء ،فهم يتجادلون في المخلوق ويحسبون أنهم يتناقشون عن الخــالق إذ ل
أحد يعلم اسمه الحقيقي من جميع الكائنات فهو شديد المحال .واعلم بأنه مّنا قد
ظهر الزمان والمكان فل موضوع للسؤال مــاذا كــان وكيــف كــان وأيــن كــان هــذا
هموا في كل الشياء المكان والزمان فضل ً من خالقه ومبدعه .واعلم أنهم قد تو ّ
ولم يمّيزوا بين السماء والفعال ووضعوا من أنفسهم قواعد ومبادئ ما هــي إل ّ
أوهام في أوهام ،ولو عالجنـا بهــا بعــض مظاهرنــا لفســدت وتناقضــت وأصــبحت
سروا بها العلقات مثارا ً لسخرية الساخرين .فسألهم _ إن كانوا صادقين _ أن يف ّ
حرور أو الشموس والقمار أو الليــل والنهــار أو بين الظلمات والنور أو الظ ّ
ل وال َ
ســراب ،أو القــوى الماســكة والجاذبــة والهادمــة فــي أقطــار الســماء أو الماء وال َ
أجسام الحياء في الرض .فأين هــو الجــوهر المزعــوم الــذي ل تتج ـّزأ أجــزاءه ؟
ومتى رأوها ل تتجّزأ ؟ وكيــف يــبرهنون علــى ذلــك ؟ .إنمــا هــي أوهــام تراكمــت
بعضها فوق بعض ولم يجرؤأحدٌ من بعدهم على أن يقول هاتوا برهــانكم إن كنتــم
صادقين .ثم أين هو الواحد الذي ل يصدر عنه إل ّ واحد ؟ .لم يخالفوا بــذلك آيــات
من ـّزلت زعمــوا أنهــم يريــدون التوفيــق بينهــا وبيــن أهــوائهم بــل خــالفوا بــذلك
ظ بين أيديهم ومن خلفهــم ،فقــل لهــم هــذه هــي العــداد طبيعتهم وما هو ملح ٌ
فأعطوني من الواحد عددا ً هو غيره وهو نفس الواحد إن كنتم صــادقين ،وأيــن
((1
هو علمهم من علم الله حتى يجعلوه موضوعا ً لهم ؟ .إذ قال قائل منهم هو يعلــم
بالشيء قبل كونه وقال الخر ل يعلــم بــه حــتى يكــون ،وهــم ل يعلمــون عــن أي
م كهــذا فــأخرجوه لنــا ولتخبرونــا عــن دثون .فقل لهم :إن كان لكم عل ٌ شيء يتح ّ
ً
علم الخرين بل وليخبرونا عن علمهم بأنفسهم فإننا نرضى بهذا بديل عــن ذاك .
وأين هم من ذوات المخلوقات أو ذوات أنفسهم حتى يدركوا ذاته ؟ وأين هم مــن
ق
صفات أنفسهم حتى يعلموا صفاته ؟ .إنمــا جـاءهم مــن الصــفات مـا هــو متعلـ ٌ
ســموها كيــف شــاءوا وجعلــوا العلــم والقــدرة والرادة غيــر الحلــم بالكائنــات فق ّ
خلق والبداع .وما علموا _ أو تجاهلوا _ أن العلم بل معلوم أو القدرة والرحمة وال َ
خلــق بل مخلــوق ر عليه والرادة بل مراد هي مثل الرحمــة بل مرحــوم وال َ بل مقدو ٍ
دع .هيهــات هيهــات كــل هــذه ! إنمــا هــي صــفات ومتعلقــات والبــداع بل مبَتــ َ
بالموجودات فل كلم عن ذاته وصفاته من غير موجود إل ّ أنه أحد صمد لم يلد ولم
يولد ولم يكن له كفوا ً أحد .هيهات أن يعلم له أحدٌ اسما ً إل ّ هو حينما ل يكون ث ّ
مة
من أحد إل هو .فليأتوا بأســماء آبــائهم إن كــان لهــم علــم بالشــياء قبــل ظهــور
موه العل ّــة الولــى وإنمــا العلــل أســباب ،ول م تمادوا فس ـ ّ المفردات والسماء .ث ّ
دثون عــن علقة لها بالبتداع .فما زالوا يتحدثون عن المألوه ويظنــون أنهــم يتح ـ ّ
دقوا لغفلتهــم إنكــار الله ،فجعلوا أنفسهم سببا ً للبرهان المزعوم مــن حيــث ص ـ ّ
المنكر وسهوا عن الخالق ونسوه وجعلوا إثبات وجوده مــن خلل إثبــات وجــودهم
ة من العلل سوى أنها ليســت معلولــة لشــيء ومــا أدركــوا فلم يكن عندهم إل ّ عل ّ ٌ
أنهم بهذا يفسدون مذهبهم في العّلة والمعلول ،إذ العل ّــة ل تكــون إل ّ فــردا ً أحــد
زوجين اثنين .وزعموا أن وراء هــذه المحسوســات جــواهر وماهيــات ،واختــاروا
منها جــواهر وماهيــات لتكــون صــورة وســطى بيــن العــدم والوجــود ،فــانقطعت
سلسلة العلل عند تلك الحلقة عينها ولــم تصــل إلــى اللــه فــأبقوه عل ّــة مــن غيــر
معلول وتراكب الخطأ من جميع الجهات وأصبحت الظلمات طبقات ،فما كان لله
فهو يصل إلى شركاءهم وما كان لشركاءهم فهو ل يصل إلــى اللــه .وزعمــوا أن
) (1أي أن العدد القرب مثل ) (2ل يمكن استخراجه من الواحد إل ّ إذا فقد صفته كواحد مثل
) إثنان نصف الواحد ( .وهذه العبارة هي التي يسرقها الشيطان فيؤسس عليها علما ً بالمجهولية
.
النيلي ----------------------------------------- 74
ض بــذاته ل اختلف الصفات هو بل عّلة ومّثلوه بالسواد أسودٌ بذاته والبياض أبي ٌ
لعّلة بل هكذا هو أبدعه الله فانخلعت سلسلة العلل قبل وصولها إلــى اللــه وصــار
البياض متمّيزا ً عن السواد من غـبر عّلـة !! .فـانظر إلـى جميـع مـا احتملـوه مـن
ي وجه إل ّ وكانوا به محتذين آباءهم حــذو الوجوه كأنهم تواصوا به ،ولم يحتملوا أ ّ
قذة .فدع عنك ذلك فــإنهم أمســكوا بــالعقول ليخفــوا مــا انطــوت عليــه قذة بال َ ال َ
ل القلوب موصدة ،وأعرضوا عن المعلوم الفئدة ،ولحقوا المجهول لُيبقوا أقفا َ
التوقيع :أخوك ) كنكر ( . وخاضوا مع الخائضين فسوف يعلمون … (
م يقول ( ) يلتفت الرئيـس إلى القادة ث ّ
ي شيء يقوله الفلسفة في الخلق ؟ الرئيـس :أ ّ
المشرقي :سيدي الرئيـس .إن الفكر بمختلف اتجاهاته إنما يجتمــع فــي النهايــة
دد كل اتجاه مــوقفه منهــا ،حــتى لــو تناســت أو ســكتت في موضوع الخلق ويح ّ
بعــض الفلســفات والعقــائد عــن مســائل معينــة وراحــت عقــائد أخــرى تــثير تلــك
ل اتجاه من أن يحددّ موقفه منــه المسائل فإن الخلق هو الموضوع الذي ل بدّ لك ّ
كل إل ّ في نهاية المر .ويمكن القول أن بعــض التجاهــات أو الجماعــات لــم تتشـ ّ
م اســتنتاجه وفق مبدأ أخلقي معّين ،وإن رأيها في المســائل الفلســفية إنمـا يتـ ّ
من خلل بحثها الخلقي .إن الفقرات القليلة التي ذكرتموها أّيها الرئيـــس عــن
ق بفناءه أو فناء تعّلق بوجوده في لحظة الكينونــة هربـا ً مــن خِلقكم :ووجود متعل ّ ٌ ُ
ل لـــ ) مــا ً
وحدة اللوهية أو شوقا لبقاء هذا الفرار شاخصا إنما هو تفسيٌر متكامــ ٌ ً
ح لهدفه وغايته وسلوكه ،وما انبثق بعد ذلك أو خلل هو المخلوق ؟ ( وتحديدٌ واض ٌ
ون ،والــتي حــدودها هــي حــدوده المســتمرة فــي ة واسعة لهذا المك ّ ذلك من حري ٍ
ّ
دد في أقطار الكون تجيب على جميع التســاؤلت المتعلقــة التوسع من خلل التح ّ
ً
بالخلق دفعة واحدة .وإني لتأمل في قولك فأجد أمرا فــي غايــة الدهشــة ذلــك
ون الهــارب أني ألحظ أن نظريات الخلق قد اجتمعت كلها في خصائص هذا المك ّ
مــن وجــوده .فقــد وجــد ســعادته العظمــى فــي هــذا القــتران حســب نظريــة
هــم ة حسب نظريــة ) المنفعــة ( ،وحــاول أن يتف ّ ة عظيم ً ) السعادة ( وأدرك منفع ً
واجبه من خلل طبيعة تكوينه ومن خلل حريته ،فعمل ما ينبغي عليه ومــا يمليــه
) الواجب ( المنبثــق أصـل ً فــي طــبيعته ،وهــو الجمــع بيــن الوجــود والفنــاء أمــام
ذة ( حسب ما تقتضيه الوحدانية ليبقى أطول فترة ممكنة وهو ممتلئ بشعور ) الل ّ
ذة ( ،وقد أدرك أيضا ً أنه يتمكــن نظرية ) الواجب ( وحسب ما تقتضيه نظرية ) الل ّ
ددا ًمن ) البداع ( بنفس القدر الذي يتمكن فيه مـن ) الّتبـاع ( فجـاء سـلوكه محـ ّ
قب حسب ما تقتضيه نظرية ) البداع ( أو تحديدا ً صارما ً ولكنه ممتلئ بالقلق والتر ّ
ء ل أدركــه مــن الزمــن _ هــذه المرحلــة ي جز ٍ نظرية ) المل ( .وحينما بلغ _ في أ ّ
وته وته الوجودية الممسكة بالفنــاء أو قـ ّ ء في ق ّ ن أو استرخا ٍ ي تهاو ٍ فإنه شعر أن أ ّ
د ً
العدمية الممسكة بالوجود سيجعله يميل ) ميل ( باتجاه أحدهما ،وشعر بألم ٍ شدي ٍ
مـا ألـم وة الفناء الكبرى وإ ّ ما ألم التقابل مع الوحدانية حيث ستضغط عليه ق ّ هو إ ّ
الفرار السلبي والستقالة من الوجــود والظهــور الــذي أمــرت بــه الوحدانيــة مــن
ي ألم ٍ وة الوجود الكبرى ،وهو ل يقدر على إطاقة أ ّ خلل أمر الله فتضغط عليه ق ّ
منهما .وهذا هو ما تقتضيه نظرية ) المل ( أو ) اللم ( أو مشكلة ) الميول ( في
ون أيضا ً أن عمله هذا هو عمل شخصي محــض وأنــه ح ـّر الخلق .وأدرك هذا المك ّ
في التصرف لكن حّريته هــي مــن النــوع الغريــب والغيــر معهــود ،مثلهــا مثــل أن
ق لكّنه طويل جدا ً ،ومساحته أضعاف ما ق ضي ٍ أعطي ) زيدا ( مساحة للحركة بطري ٍ
ً
يمكن أن يحلم به وعلى الشكل الذي يرغب هو به من أشكال المربع أو الدائرة أو
ما شابه ،مع أني ل امنعــه مــن الخــروج عــن هــذا الطريــق أو الرجــوع إليــه .وإذا
ة للتراجع فالمساحات الــتي يحلــم بهــا هــي الخــرى دما ً بل ني ٍ ق ُن للسير فيه ُ اطمأ ّ
النيلي 75-----------------------------------------
ستكون قريبة جدا ً وفي متناوله .حينما أدرك ذلك فقــد علــم أن هــذا التصــرف
ل خِيل إليه أنه إذا تكث ّــر علــى صــورة أفــراد كـ ّ شيءٌ يخصه بالدرجة الولى ،ولكن ُ
يمنهم يمتلك قدرا ً من الحّرية كهذا القدر ،فإن الذين سيخرجون عن الطريــق ل ّ
سبب دوما ً أو مؤقتا ً يؤّثرون تأثيرا ً بالغا ً على حركته وسـرعته فـي الوصـول .وإذا
ة ،حيــث ة غريبـ ٍ كان مصيرهم بهذا العمل هو الفناء فقد جعله ذلــك يقلــق بطريقـ ٍ
ة بالشخاص ،وصار يرى نفسه فيهم ر متمثل ٍ ول القلق الشخصي عنده إلى صو ٍ تح ّ
ي _ وذابــت أنــانيته فــي ق جمــاع ّ ول قلقــه الشخصــي إلــى قلـ ٍ ّ
ولم يشــعر إل وتحـ ّ
ة الجماعة _ وصارت ذات الجماعــة هــي ذاتــه فهــو يجــابه ويحــارب ويــدعو بطريق ـ ٍ
ة _ إنه يفعل ذلك مع الجماعة كما لو كان يحــارب ويــدعو ويجــابه نفســه _ . مختلف ٍ
ً
والحرية التي يشعر بها هي الشــيء الوحيــد الــذي يــراه جــزءا منــه ،وفــي نفــس
الوقت يرى أن الجميع يستخدمونه كما لو كانوا شــيئا واحــدا ً يــأبى النقســام .إن
ه بـه إلـى حـدّ بعيـد .وهـذا هـو سـبيل أخلقــه ون وشبي ٌ النسان جزءٌ من هذا المك ّ
ون والذي هــو جــزءٌ منــه بقــي مــا بقــي هــذا وسلوكه .فإن سلك سلوك هذا المك ّ
ول إلى الفناء ون من أحقاب ودهور _ كما يبقى الوجود _ وإن خالفه فقد تح ّ المك ّ
،الفناء الدائم المستمر والمتعلق بالوجود _ لنه فنــاء الوجــود الــذي هــو النقيــض
ي إل ّ ما شاء المر فقد يشاء أن المتعّلق بوجود الفناء .ويبدو لي أن كل ً منهما أبد ّ
ون . يبقى منفردا ً فيلغي هذا المك ّ
الرئيـس :لقد فهمت كل ما قلت أّيها المشرقي ،وأراك أحســنت فهــم عبــاراتي
ن أن بني النســان يجهلونهــا _ ول كلها فاستخرجت منها نظرية في الخلق _ أظ ّ
يعلمهــا إل ّ تلــك القّلــة أو الثلــة الــتي ل تــأتي معــي .لكنــي أراك كأنــك ل تريــد
استعراض النظريات الخمسة التي ذكرتها والتي فيها مجموع ما وضعه الفلســفة
ده عرضا ً لها ونقدا ً عليها مع تقــديم ع ّوأهل الخلق ،وكأنك تكتفي بهذا القليل وت ُ ِ
البديل ! .
المشرقي :وأّنى لي باســتعراض هــذه النظريــات والعقــائد ؟ إنهــا كــثيرة ســيدي
سر الفيلسوف سلوك الرئيـس والحديث عنها ذو شجون .إذ ليس الضروري أن يف ّ
ح ويــدعو النســان ليأخـذَ بــه ك مقت َـَر ٍ النســان ،بــل يجــب أن ينتهــي بوضــع ســلو ٍ
ويتصّرف بمقتضــاه .وليــس هــذا هــو المهــم أيضـا ً ،لن الســلوك هــو ) الحّريــة (
ددا ً فقــد قتــل الحّريــة أو ) كفــر بهــا ( ، نفسها ،فإذا وضع الفيلسوف سلوكا ً محـ ّ
ض ق ٌ دد منــا ِح ،لن الحّرية ل ُتسَلب ول ُتؤخذ ول ُتعطى ،فالسلوك المحــ ّ وهو الص ّ
د ( أن ســلوكك هــو بــدافع )المنفعــة( لليمــان بالحّريــة .وحينمــا تقــول لـــ )زيــ ٍ
قب المل ( أو ) الخلص من اللم ( أو ) أنــه فــي ذة ( أو) السعادة ( أو ) تر ّ أو) الل ّ
الصل شعوٌر بالواجب ( أو ) أنك فيه تابع ( أو ) أنك تسلك ســلوك متبــوع ( أو أي
شيء آخر تقوله ،فإن ذلــك ل يغي ّــر شــيئا ً فــي ســلوك ) زيــد ( ،لن لــه فلســفته
صة للطبيعة والشــياء ولنفســه ،ومنهــا انبثــق لــه الخاصة في الحياة ونظرته الخا ّ
سلوك معّين .وإذا أردت أن يغّير سلوكه فعليك أن تعطيه تفســيرا ً جديــدا ً واضــحا ً
ومقِنعا ً للعالم ولوجــوده فيــه ،وإذا اقتنــع ) زيــد ( بهــذا التفســير فمــا أســرع مــا
ى أن أغي ّــر ســلوكي تغييــرا ً شــامل ً ( .وســوف ُيخبرك هو قــائل ً … ) يبــدوا أن عل ـ ّ
يخترع لنفسه السلوك الملئم للتفسير الجديد ولعّله يســبقك بوضــعه عمليـا ً قبــل
أن تنتهي أنت من التنظير !! .وإذا كــانت الفلســفة إلــى هــذا اليــوم عــاجزة عــن
ع مـن ن للجنـس النسـاني هــو نـو ٌ ك معي ٍ تفسير العالم فإن محاولتها لتحديد سلو ٍ
ب الحمق والغفلة ،إذ ل أحد سيتبع هذه ) الخلق ( المقّننة والموضوعة في قــوال َ
لــ ) زيــد ( تفســيرا ً ة ول أحد يشتريها أو يتعامــل بهـا .وحينمـا تعطــي جاهز ٍ
جديدا ًَ للعــالم وبحيــث يعــي مــوقعه فيــه فــإنه ســيفهم تلقائيـا أهــدافه وغايــاته ،
ً
ب هو عليك سيل ً من التساؤلت عما ينبغي لــه أن يفعــل وكيــف ســيفعل ، وسيص ّ
النيلي ----------------------------------------- 76
ة ضــمن حّريتــه الخاصــة .إن فــي دد ٍ وهو الذي سيبدأ بتقييد نفســه بقيــوٍد مش ـ ّ
نفوس الفلسفة شيءٌ من ) الُرسل ( ،ولذا فهم يرغبون في أن يتشــّبهوا بهــم .
دم بها ) زيد ( وأمثاله بلغت حدّا ً أن الله كان يرأف ة تق ّ فالشرائع ما كانت إل ّ أسئل ٌ
بهم ويأمرهم أل ّ يسألوا عن أشياء قد تجلب لهم مزيدا ً من القيــود وتجعلهــم فــي
ف شـ ُ ج من التطبيق ،ذلك لن تلــك القيــود ) كامنــة ( فــي نفــس الفكــرة وُتكت َ َ حر ٍ
وره .ولــن ل حسب عمره ودرجة رقي ّــه وتط ـ ّ تدريجيا على مستوى الفرد والنوع وك ّ ً
ة ل ترتبط بأي ّــة ّ
يشتري أحدٌ ما من الفلسفة ) أخلقهم ( المعلبة لنها أخلقٌ سائب ٌ
ة لتفسير العــالم وموضــع النســان منــه ،ولــن يكونــوا بهــذا التشـّتت ة واضح ٍ فكر ٍ
ً ً
بمستوى أدنى التباع الحقيقيين للُرسل ذكاءا ووعيا للشياء فضل ً عن أن يكونــوا
في مصاف الُرسل أو مثلهم .وما الذي يدعو النــاس ليتخّلقــوا بــأخلق الفلســفة
إذا كانت ل ترقى ول تبقــى إل ّ نفــوس الفلســفة بعــد المــوت ؟ ومــن أيــن تــأتي
الخلق العملية وهي مقطوعة الجذور أصل ً بالموت وبفناء النفوس ؟ نعــم .إنهــا
ة من قبل ) النا ( و ) للنا ( وحده ،وليس هو ) أنــا ( ق ولكنها مكتوب ٌ ت أخل ٍ نظريا ُ
ذة ( أم ) سعادة ( النسان ،بل ) أنا ( المتكّلم والواضع فحسب .وسواءٌ أكانت ) ل ّ
أم ) منفعة ( أم ) ألم ـا ً ( أم ) أمل ً ( فــإن النهايــة واحــدةٌ والنتيجــة واحــدةٌ مــا دام
هناك موت .وإن ) زيدا ً ( ليعلم جّيدا ً كيف يسلك حّتى يأتيه الموت وليست مشكلة
ة لحيـاته الـتي ل ) زيد ( في حياته هذه ! لنه إذا أضطّر فسوف يضع بنفسـه نهايـ ً
يفهم سببا ً لها ،ولديه الكثير من الوسائل ليكون ماكرا ً أو سارقا ً أو متغافل أو أّية
ً
ت أخرى ل حصر لها حينما يقّرر أن ينتظر الموت ول يذهب هو برجلــه إليــه . صفا ٍ
ء هام ٍ حــتى ً
وحينما ل تخبره عن ) الموت ( فإنه ل يقتنع أبدا بأنك قد أخبرته بشي ٍ
ً
سرت له جميع أجزاء الكون وشرحت له خــرائط الوجــود بأســره .إن ) زيــدا ( لو ف ّ
يريد أن يعلم لماذا جاء ولماذا يمــوت بهــذه الســرعة ولمــاذا يكابــد مــرارة العيــش
دة جميـع أولئك ة جـدّا ً .وإن ) زيـدا ً ( ليحتقــر فـي داخـل نفسـه وبشـ ّ ة قصير ٍ لحيا ٍ
ة ق عاليـ ٍ ة ويطــالبونه فــي نفــس الــوقت بــأخل ٍ ت ناقصـ ً دمون لــه مــبّررا ٍ الذين يقـ ّ
ة !! وإن ) زيدا ً ( ليشعر وبحدسه القوي بأن هناك إجابات حقيقيــة لســئلته ورفيع ٍ
دموا لــه بــدل ً عنهــا تفســيرات متناقضــة أخفاها نفس هــؤلء الشــخاص الــذين ق ـ ّ
وضئيلة ل تتناسب مع حجم الخلقية التي يطالبونه بها .وما الذي يدعوه ليتخّلــق
ق ل يعلم سببا ً لها ؟ .إن ) زيدا ً ( يدرك جّيدا ً أن ) الخلق ( ما هي إل ّ قيود ، بأخل ٍ
ع ى كثيرةً ،وحينمــا تطــالبه بنــو ٍ ة في وضعه الذي يصارع فيه قو ً وهي قيودٌ إضافي ٌ
سر له وجـوده ومـوته فـإنه يعتقـد أن ذلـك هــو منتهــى من الخلق من غبر أن تف ّ
ً
ة عنــدما تكــون تلــك الخلق ) فضـائل ( .وهـو يــرى أن الــذهاب الستبداد وبخاصـ ٍ
ً
دين _ والذي يجلب له شيئا من الجاه والســلطان ّ
لخدمة الطغاة من الحكام المستب ّ
ة مـن والمال ليتمكن بها من مصارعة القوى المحيطة بـه _ هـو أمـٌر أكــثر عقلنيـ ٍ
ن سر له الموت وسببه وما يكون بعده .ول يحسب ّ ة ل تف ّ ة فاضل ٍ الدخول في أّية مل ّ ٍ
أحدٌ أن ) زيدا ً ( ل يفهم شيئا ً من الفلسفة ! بل إن ) زيدا ً ( هو فيلسوف بطبعــه ،
ضـل الـذهاب لخدمــة المسـّتبد ،فـإنه صــة وحينمـا يف ّ وحينما ل يكتب فلسفته الخا ّ
هناك أيضا ً فيلسوف ومن الطراز الرفيــع .ذلــك لنــه يجــد عنــد المس ـّتبد تطابق ـا ً
فلسفيا ً بين التفسير والخلق التي يطالبه بها .فالتفسير هو أن الموت حتم ول
ء آخر ل تفسيَر له فــي الطبيعــة ،والخلق المطلوبــة هــي شــيءٌ ي شي ٍ سر كأ ّ ُيف ّ
ر
ر من الجاه والمال وأكبر قد ٍ وة والسلطان وأكبر قد ٍ ر من الق ّ يلئم ذلك :أكبر قد ٍ
من نسيان الموت حــتى يــأتي المــوت .وتجتمـع إذ ذاك جميــع تفاســير الفلسـفة
ب يقتضيه الصراع مــع ص من اللم وواج ٌ ل وخل ٌ ة ولذّةٌ وسعادةٌ وأم ٌ للخلق :منفع ٌ
ء ً
القوى التي وجد ) زيدٌ ( نفسه مقذوفا في وسطها ،وهو بالتــالي أفضــل شــي ٍ
يفعله ) النا وحدي ( أو ) النا المتعالي ( على الصعيد النظري والعملي حــتى لــو
النيلي 77-----------------------------------------
كان ) زيدٌ ( ل يدري من هو أفلطون أو الفارابي أو كانت أو ستيوارت مــل أو
د ( في حالة كتلك أن هؤلء قــد كير كجارد أو سارتر أو هوسرل .ولو قلت لـ ) زي ٍ
ســروا المــوت والحيــاة بالطريقــة الــتي ذكروهــا ولكنهــم ســروا أخلقياتــك وف ّ ف ّ
ً
ول عن المسّتبد لتكون شخصا فاضـل غيـر مـا أنـت عليــه الن لمـا ً يطالبونك بالتح ّ
دق أن رجل ً عاقل يفعل ذلك أو ينصحه بمثــل هــذه النصــيحة ! وســوف يتســاءل ً ص ّ
حته ،لن ما أفهمــه مــن ّ
مندهشا :لماذا أغّير سلوكي ؟ فإن ما تقوله لي يؤكد ص ّ ً
ث وأنهــا حــدثت بنفــس الطريقــة الــتي مجموع هذا الكلم أن حياتي هي مجّرد عب ٍ
تخرج بها كرة بيضاء أو سوداء من كيس اليانصيب .وهذا هو عيــن التفســير الــذي
ي هذه الخلق ل غيرها _ والــتي بهــا يخبرني به سيدي المسّتبد _ والذي يحّتم عل ّ
ّ
ل محله ة لح ّ أسعى لما هو أفضل ومن بينه أن أطيح برأس سيدي في أقرب فرص ٍ
.لكــن الطاغيــة أفضــل منكــم لنــه عّلمنــي كــل ذلــك بغيــر مــا يزعــج رأســي
مــن مــن ِولــة .فقــل لــي ســيدي الرئيـــس َ قــدة والكتــب المط ّ بالمصــطلحات المع ّ
ة أخرى ؟ ج ٍد ( بح ّ جة ) زي ٍ الفلسفة يقدر على أن يدحض ح ّ
الرئيـس :ل أحد مطلقا ً .
د ( ] :إن الله إلـه إحيـاء ل المشرقي :ولكن المسيح يستطيع حينما يقول لـ ) زي ٍ
إله أموات [ .((1وسوف يســأله قــائل ً :مــاذا تقــول أّيهــا الســيد ؟ أتعنــي أن مــوتي
خدعة ؟ .ولن يخبره السيد أن الدليل علــى ذلــك هــو أن ينفتــح علــى ذاتــه ويــرى
ي آخــر .إذا لــم ق فلســف ّ ي طري ـ ٍ ) النا ( باقيا ً في عالم الوهام ،ولن يدّله على أ ّ
ة
تكن العبارة كافية ولــم يكــن لــديه العقــل المكيــن مــن فهمهــا ورؤيتهــا كحقيقـ ٍ
ة ،فــإن الســيد المســيح يســتطيع أن يجعلــه يســتعمل الحــواس الخمســة شاخص ـ ٍ
ص يرغــب برؤيتــه مــن لملحظة تلك الحقيقــة حينمــا يطلــب منــه تســمية أي شــخ ٍ
الموتى ،ويقتاده إلى القبر ليلحظ أن نشوء النفس مّرة أخرى هو كنشوئها فــي
المّرة الولى ل فرق بينهما إل ّ في السرعة التي يقتضــيها الســتدلل و البرهــان
ة
ي حيــا ً ة ،وأنــه ح ـ ّ في الموقف .وفي تلك اللحظة يعلم ) زيدٌ ( أن موته هو خدع ٌ
ة .وسوف يتشّبث بالسيد ليسأله عن افضل ما يمكــن أن يفعلــه لجــل حيــاته أبدي ً
البدية هذه .ولكن إذا كان ) زيـدٌ ( أنانيـا ً إلــى حـدّ أنــه ل يريــد أن يكــون محتاجــا
د ،ويرغب في أن يجعل الجميع محتاجين إليه بما في ذلك السيد نفســه فــإنه لح ٍ
ذب أقوال الســيد حــتى لــو حي بحياته كلها وبقسميها لجل أنانيته .وسوف يك ّ يض ّ
ّ
بعث له كافة أهل القبور ،ولن يقّر بتلك الحاجة إل في حالة واحــدة فقــط وذلــك
طط على بدنه عذابا ً وألم ـا ً ل يقــوى علــى احتمــاله .لكنــه إقــراٌر مرتب ـ ٌ حينما ُيسل ّ ُ
بالمؤّثر وإنه ليزول إذا زال .
من أن يستمّر وجوده مع المتأّثر من أجل استمرار هذا المغربي :إذن ل بدّ للمؤّثر ِ
القرار .
المشــرقي :نعــم .إن أخــي المغربــي يســتنتج الن أبديــة العــذاب ،لكنهــا أبديــة
قق . مرتبطة بأبدية الوجود المتح ّ
ة ُتظهــر عوارضــه الناصــعة البيــاض ) يرفع الرئيـس حــاجبيه ويفتــح فمــه بابتســام ٍ
ور الوجه ،طويل الرموش ،إذا رآه ث اللحية ،مد ّ لك ّ وتتجّلى في وجهه صورة رج ٍ
م أنه قال ( المرء حسبه ظريفا ً عليه بلهة ويعجبه أن يمازحه … ث ّ
قق ؟ . ة وجوٍد غير متح ّ قق ؟ أثمـ َ الرئيـس :وما الوجود المتح ّ
ل ،بيــد أن م مفعــو ٍ م والموجود إس ـ ُ المغربي :طبعا ً سيدي الرئيـس .فالوجود إس ٌ
م ( فالسم ) قدوم ( وإذا قدَ َ ت) َ ظ معنى ،فإذا قل َ ل لف ٍ هذا السم مختلف فإن لك ّ
) وجــود ( . ت ) وجــد ( فالســم ت ) وقع ( فالسم ) وقوع ( ،فكذلك إذا قلـ َ قل َ
ما بالماضــي ّ ً
م لتحقق كل الفعال .فالفعل دوما يفيد التحقق .إ ّ ّ م عا ّ
فالوجود اس ٌ
)(1
العبارة كلها من كلمات المسيح ) ع ( .
النيلي ----------------------------------------- 78
قق معه كما لو قلت ) وقــع زيـدٌ ( فــالوقوع بهــذه فيكون قد انتهى واسمه متح ّ
قق .وإذا قلت ) يرضخ ( فهو مســتمر والرضــوخ د ( قد تح ّ الصورة وبخصوص ) زي ٍ
حـظ .وإذا أمـرت بصـيغة المـر فإنـك تطلـب تحقيـق قـق بـالزمن المل َ ل زال يتح ّ
ء
قق ممتلىءّ بالمعنى .وبالتالي فإن ) وجود ( شي ٍ السم .فالسم فارغ من التح ّ
ق شــيء مــا بحيــث يكــون متواجــدا ً ،فالحــديث عــن قـ ِ ما ل يعني ســوى إمكــان تح ّ
قق في التواجد أو عدمه سواء الشيء ووجوده بصيغة السم قد يعني حصول التح ّ
قق بالفعــل لكــان كــل ســؤال عــن وجــود بسواء .إذ لو كان ل يعني إل ّ ما هو متح ّ
ء ما سؤال ً خاطئا ً . شي ٍ
الرئيـس :فما معنى ) الوجود ( المعّرف عندهم بـ ) أل التعريف ( ؟ .
ى ل يمكــن المغربي :معناه عندهم هو غير معناه فـي اللغــة _ فهــو عنــدهم بمعنـ ً
ذكــره فــي اللغــة إل ّ بعبــارة مثــل ) وجــود الشــياء الموجــودة ( _ إذا افترضــنا أن
م وأشــياء غيــر وة فهــذا قسـ ٌ الشياء قسمان :موجــودة بالفعــل أو موجــودة بــالق ّ
دثون عــن ) الموجــود ( موجودة ومحال أن توجد وهو القسم الخر .إذن فهم يتحـ ّ
مونه ) وجودا ً ( . ويس ّ
المشرقي :وعند ذلك فنحن ندرك جّيدا ً أن اللغة هي الفكر ،وليست أداةً للفكر .
فما ليس له في اللغة وجود فليس له في الواقع وجود .
ّ
وةً ما تسري في الموجودات تمكــن القســم الول المغربي :لكنهم قد يعنون به ق ّ
من الشياء من الظهور ،أي أن الوجود مفهوم لحصول تواجد الشياء ،وهــو كمـا
وة مــن جهــة أخــرى ) موجــودة ( فليســت ترى خلف منطق اللغة ،فــإن تلــك القـ ّ
سابقة إذن على الشياء ! إنما هي فيهــا ومعهــا فهــي إذن عيــن ظهورهــا ،فهنــا
تتطابق اللغة مع المنطق .أما عندهم فالفتراق وعدم فهم دللة المفــردة لغوي ـا ً
يجعل المور عويصة عليهم .
مونادو :يقول الشيرازي ) صدر المتألهين ( كما يدعوه أتبـاعه مـن بنـي النسـان
قق الشــياء ( ليطــابق قق ( .فلم يقل هو ) تح ّ ق الشياء بالتح ّ أن الوجود هو ) :ح ّ
ق ( ســابق قــق .إذن فالشــياء لهــا ) ح ـ ّ قها في التح ّ المفهوم اللغوي ،بل قال ح ّ
قق ،وعليه فإن الشياء أصــبحت ) واجبــة الوجــود ( ل فــرق بينهــا وبيــن في التح ّ
دعوه في التضاعيف ونقضوه في التجاويف ! واجب الوجود ،ذلك الفرق الذي ا ّ
الرئيـس :آ … أيها المونادو الذي لم يخّيب ظّني فيه ! ما أسرع ما صرت تكتشــف
ن مــارٍد ! لكنــي ل في توحيد ) صدر المتألهين ( … يا لــك مــن شــيطا ٍ مونادَ هوسر ٍ
أسال :أهذا الفهم للوجود هو عين الماهية ؟
المشــرقي :كل ّ .فقــد ف ـّرق الشــيرازي بيــن الماهيــة والوجــود لنــه قــال ) :إن
شموله الكّلي هو مــن بــاب النبســاط والســريان علــى هياكــل الماهيــات ســريانا ً
ور فهو مختِلف الحقائق بحسب الماهيات (! ((1 مجهول التص ّ
وليا ً _ مع أنه يعــترف ضــمنا ً ً
قا ( أ ّما كان هذا الفهم يجعل الوجود ) ح ّ المغربي :ول ّ
ســموا الوجــود م حقيقة الله ،ومن هنــا ق ّ وة سارية مخلوقة _ فقد أصبح يض ّ أنه ق ّ
إلى واجب وممكن ومحال .وفي هذا التقسيم مشكلتان :الولى أن الله اشــترك
مـا المشـكلة في صفة الوجود مع الممكنات واشترك في التعريف مع المحالت ،أ ّ
الثانية فإن إدخال ) المحال الوجود ( كقسم ٍ منها مناقض لتعريف الوجود بمــا هــو
ي بأن اللفظ على فهمه اللغوي ل يمكن إخراجــه مــن وة سارية ،واعتراف ضمن ّ ق ّ
ت سابقا ً . قق أو عدمه سواء بسواء كما قل ُ هذه الدللة ،فهو حصول التح ّ
مــا قــال أن المشرقي :ولكنه ناقض قوله في الفرق بين الماهية والوجــود .إذ ل ّ
الوجود منبسط على هياكل الماهيات فقد أصبحت الماهيات موجودة قبلــه ! وإذن
فهي موجودة قبل ) الوجود ( ! وبالتالي فهي ليست إله ـا ً آخــر بــل أعظــم ،لنــه
)(1
الفقرات من الشواهد الربوبية /الفصل الول .
النيلي 79-----------------------------------------
سيحاول بعد ذلك إثبات وجود ) الله ( بينما وجود الماهيات مفروغ منه ! .لكنـه
دم علــى ق أن الوجــود متق ـ ّ ميها يقول ) :فــالح ّ في ) الشراقة (الخامسة كما يس ّ
دمه مــع عــدم التــأثير ؟ إذ تبقــى الماهية ل بمعنى أنه مؤّثر فيه ( ! ،فما فائدة تق ّ
الماهية مستقّلة بوجودها عن مفهوم الوجــود نفســه فهــي إذن اكــبر مــن واجــب
الوجود لنها ل تحتاج ول تتأّثر حتى بالوجود ،بينما يحاول فيما بعد البرهنة علــى
واجب الوجود ! فقد انعكس المر ،إذ الماهية أصـبحت ل توصـف حـتى بـالوجود ،
م أن هذه هي صفة ) الله ( لن الحديث عن الوجود كاسم لغوي إنمــا يعنــي ومعلو ٌ
الحديث عن العدم ! ،بينما احتاج واجب الوجود إلى برهان لثبــات وجــوده ! علــى
ما أجمع عليه فلسفة السلم كّلهم .
ل دم في الوجــود علــى آخــر فل بـدّ مــن اتصــا ٍ ء متق ّ ي شي ٍ م أن أ ّ
المغربي :ومعلو ٌ
ر ،فضرب مثل ً لعدم التأّثر هو قوله ) :بمعنــى أن الوجــود هــو الصــل بينهما وتأث ّ ٍ
ل والظـ ّ
ل ل الشخص (. 1لكن الشخص يؤّثر في الظ ـ ّ ((
ع له كما يتبع الظ ّ والماهية تب ٌ
دم ل يــؤّثر ،وإذن فل ل يؤّثر في الشخص بخلف الفرض الذي زعمه من أن المتق ّ
خر . دم في الوجود ل يؤّثر في المتأ ّ يجد مثال ً لمتق ّ
المشرقي :لكنه يناقض ذلك كله بعد سطور إذ يزعم أن الوجود والماهية مّتحدان
! بل يزعم أن الماهية ناتجة عــن الوجــود وذلــك حينمــا يقــول ) :فيكــون الوجــود
مــا الماهيــة فموجــودة بــالوجود أي بــالعرض فهمــا موجودا ً في نفســه بالــذات ،أ ّ
مّتحدان ( .
المغربي :ويكون الناتج سيدي الرئيـس هو ألوهية الوجود ) بمعنى وجود الشياء
الموجــودة ( ،لن الماهيــة ليســت ســوى ماهيــة الشــياء الموجــودة فعل ً فهــي
قق عيانا ً أربكتهم فأعطوها صفة واجب الوجود ،لذلك احتاج واجب لوجودها المتح ّ
ً
الوجود إلى برهان لثبات وجوده خلفا للماهيات !
المشــرقي :وإذن فالتنــاقض الخــر هــو فــي التقســيم ،إذ المعلــوم أن ) واجــب
الوجود (لفظ أو اصطلح يتناقض مع البحث الدائم عن الـبراهين لثبـات وجـوده !
إذ كيف يحتاج واجب الوجود إلى برهان ،بينما ل يحتاج الممكن الوجود إلى مثــل
ذلك ؟
المغربي :ومن هنا اّتفقــت كلمتهــم علــى أن يبحثــوا فــي إثبــات واجــب الوجــود
موه المطلوب العظيم. ((2 وس ّ
دمات ً
الرئيـــس :مــع أنــي مســروٌر ج ـدّا لعمــالكم الجليلــة فــي وضــع هــذه المق ـ ّ
ل يقول أننا وجدنا المثّلث القائم ب قائ ٍ ل ،فر ّ م ٌ المتهّرئة إل ّ أن هناك اعتراض محت َ
الزاوية يكون فيه المرّبع المنشأ على الوتر يساوي مجمــوع المرّبعيــن المجـاورين
دة طويلــة ، ن عليه ،ثم جــاء البرهــان بعــد ذلــك بم ـ ّ له ومع ذلك لم يكن لدينا برها ٌ
ّ
فكذلك المر فإن واجب الوجود ل ش ـك فــي وجــوده ومــع ذلــك فإننــا نحتــاج إلــى
كنا بوجوده فالبرهان هو لهذه الغاية. ! ((1 معرفة السبب في عدم ش ّ
ة أكثر مما نحن ة عويص ٍ سل إليك سيدي الرئيـس … ل تربكنا بأسئل ٍ المشرقي :أتو ّ
مرتبكين بمسائلك السابقة !
ً
دق الرئيـس بالمشرقي مندهشا ثم يقول ( ) يح ّ
ُ
ول تقدر أّيها المشرقي علــى إجابــة ســؤالي ؟ أقســم بعــدميتي الــتي َ
الرئيـس :أ َ
نذعرت منها الكائنات لئن لم تجب على مسألتي بأثبت جنان وأفصح بيان لنــتزع ّ
ل للعذاب منذ الن ! . ل تأجي ٍ منك ك ّ
إن مونادو يكذب هنا لنه ينتفع بهذه المحاورة لتأسيس العلم بمجهولية الواحد المعلوم ،لكنه )1
(
دد الحاضرون نشيد البقاء وبعدها أثنى المعاون على الزعيم فأعاد الحاضــرون )ر ّ
ّ
ددا ثم تل المعاون خلصة الوصايا التي أكد فيها مّرة أخرى على وجوب ً النشيد مج ّ
استمرار الفصل بين العلوم المختلفة .ثم قال (
ء هــو أن تتس ـّرب علــوم الفلــك والفيزيــاء والهندســة أو المعاون :إن أسوأ شــي ٍ
ّ
الفنون بأنواعها إلى عقول الفلسفة أو المتكلمين ،فإن ذلك لو حــدث فســيفقد
الشياطين جميع ثمار أعمالهم طوال العصــور .لـذلك ليكــن شــعارنا هــو :لتبقـى
الفلسفة ُتدّرس في حقل الداب كي تبقى في بؤرة الخراب اللغوي .
ضل بالمناقشة فيقول هذا ( ) يشير المعاون إلى الرئيـس ليتف ّ
الرئيـس :الظلمات في الموقع الجديد هذا متكاثفة وملئمة .لذلك سنغّير موضــع
د اجتماعاتنا دوما ً حسب دوران الشمس وتكاثف الظلم فنختار فــي ك ـ ّ
ل م ـّرة أش ـ ّ
ة فإنه أكتم لعمالكم .فاخبروني الن كيف يــرى الفلســفة المواقع الرضية ظلم ً
خلق هذا العالم الن ؟
ء بعــد إن
ل شــي ٍ ق لهــذا العــالم اختلفــوا فــي كـ ّالمشرقي :إن الذين آمنوا بخــال ٍ
ء ،وقــال آخــرون اّتفقوا على أنه مخلوق .فقد قال بعضهم أنه مخلوقٌ مــن شــي ٍ
ر وهــو علــى ق آخ ٍبل هو مخلوقٌ من لشيء .وفي الحالتين فإنهم وقعوا في مأز ٍ
م عليه في الزمان فلمــاذا د ٌ
ن الله متق ِ
ق ،فل بدّ أ ّخل ِ َزعمهم أن العالم إذا كان قد ُ
ت أســبق أو وقــت لحــق مــا دام ل يطــرأ علــى علمــه خلقه في هذا الوقت ل بوق ٍ
ل الحوال واحدٌ ؟ فقال بعضهم فــي الجــواب علــى زيادة ول نقصان وشأنه في ك ّ
ح الســؤال وردّ عليهــم البعـض الخــر أن ذلك :إنه لم يكن قبل العـالم زمـان ليصـ ّ
النيلي 89-----------------------------------------
الزمان المقصود هنا ليس زمان العالم بل زمان الله المطلق .وقــال آخــرون :
لنه وجد أن هذا الزمان هو أصلح الزمنــة وقــالوا فــي الــردّ عليــه أنــه ل يتضــمن
ي ،ولكــي ل يكونــوا إجابة عن السؤال .وقالت طائفة :إن العالم قديم فهو أزل ـ ّ
ن هـؤلء م عليــه بالــذات ل بالزمــان .ثــم أ ّ ديين قالوا أيضا أن اللــه متقـدّ ٌ مثل الما ّ
ح تســمية ق منه العالم أهو شيء ؟! وهل يصـ ّ جميعا ً اختلفوا في اللشيء الذي ُ
خل ِ َ
المعدوم شيئا ً ؟ وهل له وجود ؟ ،فقال سارتر المعدوم له وجــود وذلــك هــو آخــر
مطاف الفلسفة .
الرئيـس :فأوضح لي أين المغالطات في إشكالية الزمان ؟
المغربي :لقد لحظنا في هذه الحقول ظـاهرة غريبـة عنـد بنـي النسـان ! فـإن
ســكون بــه ة يتم ّ ة مقبولـ ٍ ة ويعلن ظاهريـا ً عــن حقيقـ ٍ ظ فارغ ٍ
مق بألفا ٍالفرض المن ّ
عب البحث حتى ل تجد أحدا منهم ينتبه إلى أســاس الفــرض فيحتمــل وجــود ً ويتش ّ
الخطأ فيه أصل ً .وقد نجحنا في استغلل هــذه الطبيعــة عنــد بنــي النســان علــى
فة المستويات . كا ّ
د غيـر ر جديـ ٍ ن آخ ٍ م أنهم يّتفقون على أن الله قادر على خلق كو ٍ المشرقي :معلو ٌ
هذا ،فإذا افترضنا أنه خلق عالما ً آخرا ً غير هذا فهو إذن يحمل زمــانه معــه إذ هــو
عين حركته وحركته هي عين وجوده .فإذا قال أهــل العـالم الجديـد :لمـاذا خلــق
الله الوجود في هذا الوقت دون سواه ،فإن أرادوا به زمانهم فقــد أخطــأوا وإن
ح السؤال ،ولكــن جــوابه ســيكون مــن ق فيص ّ أرادوا به نقطة زمان من وجوٍد ساب ٍ
خارج وجودهم ـ من الوجود السابق .ول يزال المر كذلك إلى أول وجود شاء الله
ذ ينقطــع الزمــان وتنقطــع الحركــة أن يوجده ليس مسبوقا ً إل ّ بوجوده هو ،فعندئ ٍ
مــا كــانت ذاتــه ل توصــف بالســكون ول ويكون جوابه من وجود ذاتــه ل ســواه ،ول ّ
ة لي ة مفهوم ـ ٍ ذر صياغته بأي ّــة لغ ـ ٍ توصف بالحركة فهو جواب خارج الظرفين وتتع ّ
موجود .
المغربي :إن أخي المشرقي يقول :إن ما هو خــارج الظرفيــن يســتحيل إدراكــه
من قبل ما هو داخل الظرفين وإن كان هو مدَركا ً ممن هو خارجهما .
الرئيـس :ومن أين يأتي هذا التلزم ؟
ل مـّرة وإذا سـألك المغــرب :إنـه يـأتي مــن أي مثـال .فـأنت تتحـّرك وتلتفـت كـ ّ
ك أحدٌ أنه يريد أن يعرفك كما تعــرف ة فل يش ّ ل حرك ٍ ل مّرة عن سبب ك ّ المراقب ك ّ
نفسك أو أكثر .وقد أوجز المسيح ذلك حينما أعلن أن الله يعرف ما في نفســه _
أي المسيح _ ولكن المسيح ل يعرف ما في نفس الله.((1
الرئيـس :سأقول ما ابطل به كلمك ،فإن النسان يعلــم الوقــائع الســابقة فــي
التاريخ مع انه خارج عن ظرفي المكان والزمان اللذين وقعت فيهما الحوادث .
بالمشرقي :تريد تغليطنا أّيهــا الرئيـــس ! إن النســان يعلــم تلــك الوقــائع لســب ٍ
د فقط هو امتداد الظرفين واكتنافهما للسابق واللحق .فإن وجود الظرفين واح ٍ
ف عن مقاطعهما . من حيث هما وجود مختل ٌ
المغربــي :ومــع ذلــك فــإن الخبــار تخفــى إذا كــانت خــارج الظرفيــن وضــمن
مقاطعهما أيضا ً ،فإنه يعلم تلك الوقائع عن طريق الوسطاء الــذين تواجــدوا فــي
هذين الظرفين .فإن كان النسان صادقا ً فليخبرنا بما يكون مستقبل ً قبل مجيء
المقطع اللحق أو فليخبرنا عن ظرفيــن أحــدهما مشــترك ) زمــان واحــد ومكــان
ة. ة ناقل ٍ ل للخبر أو آل ٍ مختلف ( أو بالعكس من غير وسيط ناق ٍ
ة أخرى . الرئيـس :فليقل المشرقي عين هذا القول بصيغ ٍ
)(1
القرآن الكريم /المائدة /آية . 115
النيلي ----------------------------------------- 90
المشرقي :ذلك أن الموجود ما هو في الواقع إل ّ هــذين الظرفيــن المتلزميــن
فل مكان بغير زمان ول زمان بغير مكان ،وهنا نعود للشيء فليس الشيء ســوى
ك الزمكان من ليس فيه . ر ُ
) الزمكان ( فل ُيد ِ
المغربي :أليس غريبا إذن أن يسأل الناس لماذا خلق الله العالم في هذا الــوقت ً
م فعلتها في هذا ة أفعلها :ل ِ َ ل حرك ٍ دون سواه ،وليس بمقدوره ان يسألني عن ك ّ
الوقت دون سواه مع أن حرّيتي مقّيدة بخلف حرّية الله المطلقة ؟
ل تلــك ق ،فنحــن نفعــل ك ـ ّ الرئيـس :إن الله مقي ّدٌ بألوهيته ،إنه مقي ّدٌ بكونه مطل ٌ
ة لكمال نقائصنا أمــا اللــه فلنــه الحركات لن لدينا أسباب ودواعي لها لننا عرض ٌ
ح السؤال . ق فل دواعي ول أسباب ولذلك يص ّ ل ومطل ٌ كام ٌ
المشرقي :وتلك هي المغالطة الكبرى .فإن السؤال ) لماذا (المنبثق عــن إنكــار
ل نقــص ل عن الدواعي ! فكأن العتراف ببراءة الله مــن ك ـ ّ الدواعي إنما هو سؤا ٌ
ول النقــائص ! وإذا لــم تكــن دفعهم للبحث عن النقص ! .إن إنكار الدواعي هــو أ ّ
م بالنقص ! ومن الجهــتين م له بالعبث ! وإثبات الدواعي اتها ٌ الفعال لله فهو اتها ٌ
فالمر يعود للنقص ! .
الرئيـس :فما نقول ؟ .
مــة دواعــي لك ـلّ المشرقي :أقول عن انعدام الدواعي هو افتراءٌ على اللــه ! فث ّ
ّ
ل من أفعـاله بيـد أنهـا دواعـي مختلفـة عـن مـا نفهـم ،لنهـا ليسـت متعلقـة فع ٍ
بالنقص بل متعلقة بالكمال نفسه .إذ حسبوا أن الكامل غير محتاج ولذلك تنتفي ّ
ر ل يريـد شـيئا ً ول يرغـب فـي لديه الـدواعي ! وهكـذا اسـتحال الكامـل إلـى حجـ ٍ
شيء .
المغربي :إننا نلحظ شيئا من ذلك في المخلوق الذي يدعوه كماله النسبي إلــى ً
مل ل يرجو منها فخرا ً ول جزاءا ً ول شكورا .ومعلو ٌ معونة الخرين أو القيام بأفعا ٍ
ل لــه تنتفــي فيــه ع واحدٌ منفردٌ ل مثيـ َ ة ،فكمال الله هو نو ٌ أن المقارنة هنا خاطئ ٌ
ق عداه ، ل مخلو ٍ المنافع انتفاءا ً كامل ً وتتكّثر فيه الدواعي إلى ما لنهاية خلفا لك ّ
ً
وهذا هو مأزق الفلسفة فقد حسبوا الدواعي نقائص .
المشرقي :نعم من هنا وقعوا .فقد زعموا أن وحدة الله تستلزم أن يكون شأنه
ور هــو ســبب إشــكالية زمــان خلــق ت لخــر ،وهــذا التص ـ ّ واحدا ً ل يختلف مــن وق ـ ٍ
العالم .بينما الحقيقة هو ما أخبرنا به عن نفسه وهو أمٌر مغــايٌر لمــا قــالوا فهــو
الكــثر شــؤونا ً فـي المعروفــات بحيــث ل يمكــن إحصــاء شـؤونه وإن كثرتهــا هــي
ة القياس .إن المرء ل يمكنه أن يعلو ة معدوم ُ بنسبته هو إلى مخلوقاته وهي نسب ٌ
فع عن النقائص مع علو الموجودات والتكوينات إلــى مــا ل نهايــة بالفضائل أو يتر ّ
ويستمّر بها متجاوزا ً حدود الكون ليصـل إلـى وصـف اللـه .لن المفـاهيم تنقلـب
إلى أضدادها على حدود الكون قبل الوصول إلى وصـف اللـه .فـإذا كنـت تراقـب
ل شيء فإنه سيقال عنــك بأنــك عظيــم القلــق كــثير ل صغيرة وكبيرة وتلحظ ك ّ ك ّ
فع عن هذه المنقصة أن تفقــد تلــك الصــفة الشكوك ،فهل يستلزم إذا أردت التر ّ
ح مــع المخلــوق فــإنه ل ول المرء إلى حجر .وإذا كــان ذلــك ل يصـ ّ تماما ً ؟ إذن يتح ّ
م ح مع الخالق إل ّ باللمحدود ،حينما تنقلب المفاهيم إلى أضدادها ،فهو مص ّ
م ٌ يص ّ
ة في السموات والرض .بيــد أن هــذه الصــفة انقلــب ل مثقال ذر ٍ على ملحظة ك ّ
منشؤها إلى الضدّ من ذلك أيضا ً .فقد انقلبت الدواعي على حدود الكــون واصــبح
مة علــى ك والقلق بل العلم المطلق والسيطرة التا ّ منشأ هذه الملحظة ليس الش ّ
الشياء .
عب البحـث بشـأن الـدواعي إلـى الترجيـح المغربي :ومن هنا سيدي الرئيـس تشـ ّ
جح فكان يدور حول دواعي النقص ل دواعي الكمال .إن الســؤال والترجيح بل مر ّ
عن الزمان الذي خلق اللــه فيــه العــالم والمؤســس علــى التنزيــه والكمــال اقلــب
النيلي 91-----------------------------------------
حينما أبوا قلب المفاهيم وانتج خلف المأمول عند محاولة الجابة عليه ،لنــك
ل للخالق فقد خالفت المــر الــذي ابتــدأت منــه فــي ل فع ٍ حينما تسأل عن سبب ك ّ
التنزيه إذ أنك تسأل في الواقع عن دواعي النقص .
ه داخل حدود الكون ول صلة له بــالله دثون عنه هو إل ٌ المشرقي :وإذن فالذي يتح ّ
مموه ّ
دث عنه الرسل والنبياء .إنه إلــه الفلســفة والمتكلميــن الــذي ص ـ ّ الذي يتح ّ
ف عن إله الرسل .فالرســل ل يعبــدون هــذا ه مختل ٌ صيصا ً ليلئم ذائقتهم ،إنه إل ٌ خ ّ
ق إلهه الذي يعبد . ل فري ٍالله الفلسفي ول الفلسفة يعبدون إله الرسل ،إن لك ّ
وره ومعرفته المغربي :إن منطق الرسل هو :انتم تعبدون الله الذي يمكنكم تص ّ
ه يعرفــه ،ونحــن نعبــد اللــه الــذي ل يمكــن أن يعرفــه أحــد .مــاذا نجنــي مــن إلـ ٍ
ة لمخلــوقيه … إنــه إلــه ل حال لنــه موضــوع دراس ـ ٍ ف على ك ّ ه مزي ّ ٌ المألوه ؟ إنه إل ٌ
ق هــو المفــترق عــن جميــع قة .فــالله الح ـ ّ ب من اللوهية الح ّ ل ليس له نصي ٌ باط ٌ
الموجودات بكونه ل يكون موضوعا ً للمعرفة .إن المعرفة تتعّلق بالحركة فقط .
المشرقي :إذن فالحركــة هـي حركــة الموجــودات ،ومـا الزمـان إل ّ مظهــر لتلــك
الحركة .فالوجود في الواقع ما هو إل ّ تعاقب للسكون والحركــة وهــو الــذي نعب ّــر
عنه بالزمان ،لن هذا التموضع المكاني والتغّير هو الزمان .فالوجود تموضع في
ل جرم أو جسيم أو موجود مــا هــو الزمان أو زمان للتموضع ،فهو ) زمكان ( .وك ّ
إل ّ زمكان .
الرئيـس :لقد نفى المتكّلمون في دفاعهم وجود الزمــان قبــل العــالم .أو ليــس
هذا هو عين ما نقوله الن ؟
المغربي :لقد نفى المتكلمون الزمان وحــده وتركــوا لنفســهم وللخريــن تصــور
ق بيد أنه عديم الزمان .فمن هنــا أوقعهــم الفلســفة فــي حفيرتهــم ، وجود ساب ٍ
ف عن ما نقوله الن . فهذا مختل ٌ
الرئيـس :وما تلك الحفيرة المشتركة ؟
المشرقي :تلك هي التي أدركوا فيها التلزم بين الحركة والجسم والزمــان ولــم
كنهم من إثبات أو نفي قــدم يدركوا التلحم .لقد حسبوا أن التلزم بين الثلثة يم ّ
الشياء أو حدوثها من خلل قدم أو حدوث أحــدها كالزمــان أو الحركــة مثل ً ،ومــا
د ثنــائي التكــوين بطــبيعته ومحـال ظهــوره إل ّ ء واح ٍ علموا أنهم يتكّلمون عن شي ٍ
بهذا الزدواج وله أسماء مختلفة ،فالحديث عــن الزمــان هــو حــديث عــن الحركــة
ث عــن د من الظرفين هــو حــدي ٌ وتموضعها الذي هو المكان ،والحديث عن أي واح ٍ
ّ
الخــر ومجمعهمــا وهــو الحركــة .فــالبراهين ســارت كلهــا بــافتراض وجــود أحــد
الظرفين دون الظرف الخر أو المجموع دون أفراده .
الرئيـس :لقد تخّلص الشاعرة من المشكلة كلها بقولهم إن الوجــود ينعــدم بيــن
ة وأخرى لحظ ٍ
المغربي :وما أدراك سيدي الرئيـس أن هذا الفرض الذي أثار ســخرية الفلســفة
هو المتعّين وإن كان الذي ألجأهم إليه العجز ،فــإن تذبــذب جســيمات الــذرة بيــن
الوجود والعدم في آخر البحــاث لينطــوي علــى تأييــد الشــاعرة مثلمــا يؤي ّــد تلــك
سك بفناءه . صة العجيبة التي ذكرها سيادتكم عن الوجود المتم ّ الق ّ
الرئيـس :آ … نعم إنه يؤّيد براهما الحكيم حينما قال لظّله قائل ً :هــا أنــت تكــون
ت أخــي ) كنكــر ( يــدعو قــائل ً : مّرة وتفنى مّرة فأين المشكلة ؟ .ولطالمــا ســمع ُ
إلهي عبدك الفاني بين يديك .لكن للشيخ الرئيـس تخريجا ً آخــر مفــاده أن واجــب
خر الوجود بذاته هو واجب الوجود من جميع جهــاته وفــي جميــع أحــواله ،فــإذا تــأ ّ
ة مــن جهــاته فيفقــد وجــوبه ،وإذن خلق العالم عنه أصبح ممكن الوجود فــي جه ـ ٍ
فالعالم ممكن الوجود بالفرض فقط وأل ّ فهو واجب الوجــود بغيــره فتثبــت أزليــة
م عليه بالــذات ل بالزمــان .أو كمــا قــال ة له ،إل ّ أن الله متقدّ ٌ العالم وانعدام بداي ٍ
النيلي ----------------------------------------- 92
ر بل كل مــا هــو ممكــن لــه خر عن وجوده وجود منتظ ٍ ر ) :ل يتأ ّ آخ( ٍ عفي موض ٍ
(1
فهو واجب له ( .
المشرقي :إن كان ذلك للحفاظ على وحدة الذات فقد ابتــدأ البرهــان بتقســيمها
حينما قال :جهاته وأحواله .ولكنهم قــالوا وراء الفــارابي ومــن ســبقه بمراتــب
د مــن ذلــك الزمــان المطلــق أو ن واحـ ٍ الوجود فهل تلكم المراتب ظهرت في زمــا ٍ
زمان الوجود أم ظهرت تباعا ً ؟ وهل الشـيخ الرئيــس نفسـه غيـر منتظـر وجـوده
ي قضاءا ً مبرما ً وجوبا ً على اللــه ؟! وإن م حتما ً ومقض ٌ قبل وجوده أم وجوده محتو ٌ
ول فمن ذا يبرهن أن هذا الوجود ل ُينَتظُر منه إل ّ ما كــان كان المقصود الكّلي ال ّ
وما سيكون ؟ لقد ألغى اختيار الله بهذا الفرض فأصبح مجبورا ً مقهورا ً على خلق
ب كــثير الشــبه بآلهــة قريــش ،فــإن ه عجي ـ ٌ العالم بمقتضى وجوب ذاته ،وإنه لل ٌ
ل الحوال ،وهــو قــد أفقــدها الختيــار .لقــد ب في ك ّ وجوب كونها مادية هو وجو ٌ
عــل .فالعل ّــة اســم مقصــو ٌ
د كدت تسميتهم الله بالعل ّــة الولــى هــذا التلزم المفت َ أ ّ
فظهار التلزم مع المعلول فهــو مقي ّـدٌ بمــا خلــق .لــذا يمكننــا القــول أن فقــدان
ن لوجوب الوجود من حيث كان دفاعا ً عنه . الختيار هو فقدا ٌ
ة من لعبهم ل تعني شيئا ً ة لفظي ٌ دم بالذات دون الزمان هو لعب ٌ المغربي :إن التق ّ
دم دد .ك ـل مــا فــي المــر أن التق ـ ّّ د بيد أنه في الواقع متع ـ ّ ه واح ٍ سوى القرار بإل ٍ
الذاتي يستلزم أن نحترم الله أكثر من مخلوقاته مثلما نفّرق بيــن أخــوين تــوأمين
ق ً ً
أحدهما أكبر من الخر عرفا لنه أكبر التوأمين ظهورا .ومع ذلك فل بدّ من ســب ٍ
ي للــه علـى ق زمــان ّ
ي لحد التوأمين ،لكن الشيخ مصّر علــى عـدم وجــود ســب ٍ زمان ّ
العالم ! هبنا رضينا أن يكون اللـه والعـالم تـوأمين فكيــف نرضــى بـالخرى ؟ .إن
ور العــالم بغيــر زمـان إنمـا ق أو مـع تصـ ّ ن مطلـ ٍ ور زما ٍ دم بالذات سواء مع تص ّ التق ّ
ة. ظ ملتوي ٍ ه للعالم بجوار الله بألفا ٍ ينطوي على تألي ٍ
المشرقي :ومع ذلك فإن المشــكلة المزعومــة لــم ُتحــل مــن قبــل الفلســفة ول
م ذهنـي ل المتكّلمين ،ذلك أن ) النعدام الذهني ( للعـالم قبـل وجـوده هــو انعـدا ٌ
م فإن نهاية البحــث تق ـّرر أن العــالم م معناه وجودٌ دائ ٌ يرتبط بزمان فهو إذن انعدا ٌ
موجودٌ منذ الزل .
ه على مقــاس العــالم أو هــو عــن منشــأ المغربي :قد نسأل هل البحث هو عن إل ٍ
ورنا عــن ق بين طريقتين :هل نغّير تص ـ ّ مة فر ٍ ق ؟ ،فث ّ ه مطل ٍ العالم بعد القرار بإل ٍ
ورنا عــن اللــه ليلئم مــا نريــده للعــالم أم نغي ّــر مــا نعرفــه عــن العــالم ليلئم تصـ ّ
الله ؟ .إن الذي حدث ويحدث للن هو أنهم فعلوا الولى عن طريق الثانيــة لكــي
ر و ٍ ل يقال لهم :أنتـم تغّيـرون صـفات واجـب الوجـود ليلئم مـا تريــدونه مـن تصـ ّ
للعالم .وذلك هو ما أوحينا لهم .
كز اليحاء على عدم التحّرش بصفات الله بل يجــري تحويــل غيــره المشرقي :يتر ّ
لحصول المطلــوب مــن المشــابهة _ إذن فليكــن العــالم أزليــا شــبيها ً بخــالقه .إن
ذة هذه قد نجحــت نجاح ـا ً عظيم ـا ً علــى كافــة الصــعدة ،وهــي نفــس طريقتنا الف ّ
طريقتنا المستعملة في اللغة ،فقد أوحينا إليهم من قبل أن ل تقولــوا أن كلمــه
يشبه كلم الخلق ،بل قولوا أن دلئل العجاز هي في كلمنا وكلمه ،وأن أســرار
البلغة هي في كلمنا وكلمه سواء بسواء ،ففي كلمه مجاز وفي كلمنا كــذلك ،
وفي كلمه تقديم وتأخير وتكرار وفي كلمنا كذلك ،وفــي كلمــه حــذف وزيــادات
ة
سخت تلك القواعد فإنك تسمع من يقول -صراح ً وفي كلمنا كذلك ،وبعد إن تر ّ
– بشأن أّية مشكلة في كلمه ) :إنما نزل بين أظهرنــا وحــاكى بأســاليبه أســاليبنا
وجرت قواعده على قواعدنا ( ! .
)(1
الشفاء /ج / 374/ 2وكذلك النجاة . 372 /
النيلي 93-----------------------------------------
الرئيـس :فما الذي يقوله الشيخ بشأن انعدام الرادة مع عــالم ٍ واجــب الوجــود
بغيره ؟
المغربي :أجاب على ذلك بقوله ) :إنهم يرون أي المعترضون أن مــا مــن شــأنه
أن يفعل فقط فل قدرة له ،وهذا ليس بصادق ( ! .
الرئيـس :لماذا ؟
المغربي :لنه يزعم ) أنه إذا كـان الشـيء الـذي يفعلـه فقـط مـن غيـر أن يشـأ
وة ،ولكــن إذا كــان يفعــل باختيــار إل ّ أنــه دائم ويريد فذلك ليــس لــه قــدرة ول ق ـ ّ
الرادة ول يتغّير وإرادته وجودا ً اّتفاقيا فإنه يفعل بقدرة ( .
ً
الرئيـس :فما معنى هذا ؟
ً
المغربي :ل أدري معنى هذه اللتواءات في كلمه ،إذ هو مثل القائل أن زيــدا ل
وره وهو غير فاعل ،فإذا قيل لــه :فهــو إذن شأن له سوى أن يفعل ول يجوز تص ّ
مسلوب الرادة فسيقول :كل إنه يفعل ما يفعل باختياره بيد أنه يفعــل دومــا ً ول
يمكن إل ّ يفعل وقتا ً ما مطلقا ً .
المشرقي :وهكذا أجاب الشيخ على العتراض قائل ً ) :ليــس إذا صــدق قولنــا إذا
لم يشأ لم يفعل يلزم أن يصدق :لكنه لم يشأ وقتا ً ما ( !! فما الذي يلزم إذن ؟
ت ،فــإن ي وقـ ٍ قق في أ ّ المغربي :وما فائدة تلك المشيئة إذا كانت مستحيلة التح ّ
ذلك هو كقول القائل :زيدٌ إذا شاء كتــب وإذا لــم يشــأ لــم يكتــب .فيقــول الشــيخ
ور أنه لم يكتب وقتا ً ما !!! .الناتج الوحيــد الرئيـس له :صدقت ولكن إّياك أن تتص ّ
ة مزّيفة . هو أنه ) مقهوٌر ( على الكتابة دوما ً فهي مشيئ ٌ
عبات هــذا الشــكال المتعل ّــق بالزمــان ، ت أنكــم تفهمــون تشـ ّ الرئيـس :قــد فهمـ ُ
فاخبروني الن أين مكمن المغالطة في المبحث بأكمله ؟
المشرقي :إنها تكمن في أن التفريق بين مشيئة الفعل ومشيئة عدم الفعل هــو
ق سوفسطائي ،فإن إرادة الفعل إرادة ،وإرادة عدم الفعــل هــي عيــن تلــك تفري ٌ
الرادة .إذ ل معنى للرادة سوى اختيار أحد الفعال وعدم اختيــار الخــرى والــتي
د.ت واح ٍ هي عدمها في وق ٍ
ل كفعل الخلق وهذا هو المغربي :إن أخي المشرقي يقول إن عدم الخلق هو فع ٌ
ه
ل اخــترت ُ ُ ت عــدم الســفر فــإنه فع ـ ٌ ل .فأنك لو قلت لي :تعال نســافر واخــتر ُ الح ّ
ل أو عدمه . مثلما لو اختُر فعل السفر ،فهو كذلك في كل فع ٍ
ً
الرئيـس :إذن فبإمكان المرء أن يؤمن بـأن اللــه لـم يـزل فـاعل ومــا كــان عـديم
الرادة وقتا ً ما ولو مع انعدام العالم فيسقط المبحث بأكمله ،يا لك من مارد ! .
ل البحــث وجميــع مــا تف ـّرع ل سيادة الرئيـس .فيسقط ك ّ المغربي :وذلك هو الح ّ
لمــة فاع ـ ٍ موا الله بالفاعل المطبوع ؟ فمن الواضح أنــه ليــس ث ّ منه .أل تراهم س ّ
ع إل ّ وهو مقهوٌر على الفعل ! وحينما لم يشأ خلق العالم كــان فــاعل لعــدم
ً مطبو ٍ
ٌ
دعي أن الفاعل المطبــوع ســاقط عــن العتبــار الخلق .أما أخي المشرقي فإنه ي ّ
ّ
في البناء اللغوي لن كل اسم مفعول متعلق بالفعل ل يمكن أن يوصف به الله .
فالفاعل المطبوع ل يصلح أن يكون إلها ً ولو كان مطبوعا ً بذاته .إنما تصلح أسماء
قف عند فاعلها مثــل محمــود ومشــكور المفعول التي ل تتعّلق بفعله هو وإنما تتو ّ
ومعبود فهي أفعال الحامدين والشاكرين والعابدين .
المشرقي :وإذن فأصل المشكلة في هذا المبحــث هــو الخلــط بيــن إرادة الفعــل
ل يستلزم ل والخرى ليست فعل ً مع إن كل فع ٍ وعدم الفعل والزعم أن الولى فع ٌ
الفعل وعدم فعل عدمه .والخرى هي زعمهــم بالتفــاق علــى أن فعــل اللــه إن
ض فهــو محــال لنــه يلــزم منــه اســتكماله بــالغير وهــو زعــم ً
كــان تابعــا لغــر ٍ
سوفسطائي ،لن الله أخبر عن طريق رسله – وهم مقّرون على زعمهم بكلمه
ض فإنما هو كافٌر بــألوهيته . وكلم رسله ، -أخبر أن الزاعم أنه يفعل من غير غر ٍ
النيلي ----------------------------------------- 94
ما أسقطنا هذين الشكالين المزعومين فقد أسقطنا المبحــث بــأكمله .أمــا فل ّ
ض مــا ،بيــد أن ً
س ،إذ أن الله يفعل دوما لغــر ٍ المحال الثاني المزعوم فهو معكو ٌ
المــر ينقلــب خــارج حــدود الكــون وخــارج المخلــوق ،فــإن الغــرض ل ينتــج منــه
استكماله بالغير وإنما يلزم منه استكمال الغير به .
ر مــن الشــكالت ،فكــم ل عدٍد كبي ٍ ة واحدةً قد تكفي لح ّ الرئيـس :نعم … إن جمل ً
ل ذلــك الشــكال صرفوا من الوقت والكلم ؟ وكم هو عدد الذين شــاركوا فــي ح ـ ّ
المزعوم ؟ وكم هو عدد الدارسين لهم ؟
مارد الحصاء :لقد كتب فيها الشهرستاني في ) نهاية القدام ( وابن سينا في )
العرشّية ( و ) الشفاء ( و ) النجاة ( والفارابي في ) الدعاوي ( و ) الفصــوص ( و
) السياسات المدنية ( و ) الجمع بين آراء الحكيمين ( وعشرات الرســائل الخــرى
والطوسي في ) المطارحات ( و ) شرح التجريد ( ،وأبو البركات في ) المعتــبر (
والغزالي في ) التهــافت ( وابــن رشــد فــي ) تهــافت التهــافت ( ،والــرازي فــي
) الربعيــن ( والكــاتبي فــي ) المطارحــات ( وأبــو ســعديا فــي ) المانــات ( ،
والماتريدي في ) التوحيــد ( ،والشــعرية فــي كتبهــم ،والمعتزلــة فــي كتبهــم ،
وكانت في ) نقد العقول ( ،وهيجل في ) الجدل ( ،وشوبنهور في ) الطبيعــة ( ،
ســرين عــدا عــن مئات وفة والعرفانيين والعلماء والمف ّ وعشرات آخرين من المتص ّ
الدراسات وألوف الدارسين .
الرئيـس :فهؤلء الدارسون الجدد يقولون :أن بمقدورنا أن نجمع بين الطريقين
ه (كما فعل الفلسفة مــن قبــل ،ل كمــا يقــول المــاديون ) أزلية العالم ووجود إل ٍ
((1
) أزلية المادة من غير إله (وإن العلم يساندنا في ذلك .
المغربي :لقد كان ذلك من إيحائنا لهم سيدي الرئيـس .فلقد قاســوا ذلــك علــى
دعى أن الجرام ل يطــرأ عليهــا الفســاد ،والكــون الجرام السماوية لن ارسطو إ ّ
ة تنتهــي ددوا عــددها بعشــر ٍ وهي جواهر زكية وعاقلة ولها نفوس .وكــانوا قــد ح ـ ّ
بالحادي عشر وهو فلك القمر .يقول الفارابي ) :يفيض من الول أي الله وجــود
سم أصل ً ول في مادة .فهو يعقل الول ويعقل ذاتــه . الثاني وهو جوهٌر غير متج ّ
ويلزم عنه وجود ثـالث وبمـا هـو متجـوهر بـذاته يلـزم عنـه وجـود السـماء الول .
ل بجوهره وفيما يتجوهر من ذاته يلزم عنه وجــود كــرة الكــواكب والثالث أيضا ً عق ٌ
ع .وهــذا أيضـا ً ل فــي مــادة فهــو الثابتة! وبما يعقله من الول يلزم عنه وجود راب ٍ
يعقل ذاته ويعقل الول وفيما يتجوهر من ذاته يلزم عنه وجود كوكب زحــل وبمــا
يعقله من الول يلزم وجــود خــامس … ( .وهكــذا يســتمّر الفــارابي فــي معادلــة
قل والتجوهر لنتاج المشتري ثم المريخ ثــم الشــمس ثــم الزهــرة ثــم عطــارد التع ّ
وأخيرا ً القمر الذي ينتج الحادي عشر ) :وهذا الحادي عشر هو أيضا وجوده ل في
مادة ويعقل ذاته ويعقل الول وعنده ينتهي الوجود وعند كرة القمر ينتهي وجــود
دة ملحظات : الجرام السماوية ( .!! ((2وقد تلحظ أّيها الرئيـس هنا ع ّ
ع، قـ ُل ،وأتو ّمـ ُ
ن ،وأحت ِ الولى :إنه مثل من سبقه ومن تله ل يقــول :أظـ ّ
دث كما لو كان قد شهد خلق السماوات ب وما شابهها من اللفاظ ،بل يتح ّ وأحس ُ
رضـا عــن النــص المنـّزل الــذي أك ّــد علــى عــدم وجــود مــن شــهد تلــك ً والرض مع ِ
((3
التكوينات ،بل لم يشهدوا خلق آخرها وهو أنفسهم .
الثانية :إنه جعل الله محــدودا إذ هــو بهــذا المنظــار العلمــي أكــبر قليل ً مــن
نصف مجموعتنا الشمسية .
حوار بين الفلسفة والمتكّلمين – 166 /د .حسام الدين اللوسي . )(1
)(2
آراء أهل المدينة الفاضلة . 46 /
النيلي ----------------------------------------- 102
لنفسهم شهادة بالخلود واللوهية والبقاء خلفا ً لبقّية الخلق – لن الله الذي
ل فيهم . أنكره ماركس أصل ً ح ّ
الرئيـس :وكيف ذلك ؟
سم الوجـود إلـى مراتـب لـم يكـن اللـه فـي هـذا التقسـيم أول المشرقي :لما ق ّ
سما هو الخر إلى مراتب في وجوده : ً موجود وحسب ،بل كان مق ّ
فأول المراتب :الذات اللهية .
والثانية :الحـديـة .
والثالثة :الواحـديـة .
والرابعة :اللـوهيـة .وهذه هي مرتبة ظهور الشياء وهي كمــا قــال ) :مــن
هذه الحضرة تتعّين الكثرة (
والخامسة :الرحمـانيـة .
والسادسة :الربـوبيـة .
والسابعة :المـالكيــة .
والثامنة :السماء والصفات النفسية .
ن أنها صــفات اللــه فهــو واهــم . والتاسعة :هي الجلليـة .وإذا كان المرء يظ ّ
ّ
لن الكثرة ابتدأت من اللوهية وهي المرتبة الرابعــة .وإذن فك ـل مــا بعــدها هــي
صفات مشتركة بين الخالق والمخلوق .علما ً أنه لم يأت بصفة الخالق ولم يذكرها
مطلقا ً من مجموع الصفات لنها مخالفة لفكرة التقسيم .قال ) :المرتبة الثامنة
ق كمال الذات إل ّ بها ( هي الصفات والسماء النفسية وهي أربعة ل يتعّين لمخلو ٍ
.
والعاشرة :الجمـاليـة .
والحادية عشر :السماء الفعلية .
والثانية عشر :هي عالم المكـان وهـي آخـر التنـّزلت اللهيـة والعقـل الول
أول التنّزلت .
والثالثة عشر :العقل الول .
والرابعة عشر :الروح العظم .
والخامسة عشر :العرش .
والسادسة عشر :الكرسي .
والسابعة عشر :الملئكة .
… وهكذا إلى المرتبة التاسعة والثلثين :وهي الحيوانات والمرتبة الربعين وهي
ق تعالى مت مراتب الوجود وكمل العالم وظهر الح ّ النسان فقال ) :وبالنسان ت ّ
ق وهو الذات ) أي المرتبة الولى ( وهو الصفات ) ( ثم قال ) :فالنسان هو الح ّ
أي المراتب من ثمانية إلى عشرة ( وهو العرش وهــو الكرســي وهــو اللــوح وهــو
ق وهو الخلق وهو الحــادث القلم وهو الملك وهو … وهو … ( إلى قوله ) وهو الح ّ
وهو القديم ،فلله دّر مــن عــرف نفســه معرفــتي إياهــا لنــه عــرف رب ّــه معرفتــه
ل والهوان والقرار بالعبودّية في لنفسه ( . ((1أفرأيت سيدي كيف أبدلنا طريق الذ ّ
عقول هؤلء إلى الطريق المناقض :طريق المشاركة مع الله في صــفاته ليكــون
ق وهو العرش وهو النور … إلى آخر الصفات والتجّليات ؟ وقــد هو الذات وهو الح ّ
خدمنا في ذلك مقولة أحد الرسل ) :من عرف نفسه فقد عــرف رب ّــه ( .فلهــذه
المقولة معنيان :ما أراده ذلك الرسول وبّينه أحد الولياء بقـوله :مـن عـرف أنـه
ة،ط وأنه يستحيل إلى جيفــ ٍ خرج من طريق البول مرتين وأن نصفه ممتلئ بالغائ ٍ
ّ
ب ل يمكن أن ُيعَرف .وهــو فهــم ل يقبلــه إل المق ـّر فمن عرف ذلك عرف أن الر ّ
ّ
ى آخــر هــو مــا أردنــاه :أن العبــارة أحلــت بالواقع الموضوعي للشياء .ولها معن ـ ً
مراتب الوجود وحقيقة ك ّ
ل موجود . 42-1 / )(1
103 النيلي -----------------------------------------
ب ،لذلك أكثر المتصوفة وأهل الكشف من الستشــهاد بهــذه ل الر ّالنفس مح ّ
لج والبسطامي والحافي وآخــرون ما تلميحا ً أو تصريحا ً حتى إذا أعلن الح ّ العبارة أ ّ
ة زعــم الزاعمــون أن تلــك شــطحات مــن شــطحات من هذه الطبقة عنهــا صــراح ً
م على فكرة المعنى الخر لهذه المقولة ّ
الصوفية بينما التأسيس الصوفي كله قائ ٌ
ً
– فكرة عبادة الذات بالنيابة عن عبادة الله .ومع ذلك فإن هناك تناقضا آخــر ولــو
جهوا ألى أنفسهم ليعرفوا رّبهم كمــا تقــّرره بهذا المعنى :فإن المتصوفة لم يتو ّ
ب ،وزعمــوا أنهــم عرفــوا جهوا لمعرفــة الوجـود بأســره ومنــه الــر ّ العبارة ،بل تو ّ
خرا :فلله دّر من عــرف نفســه معرفــتي إياهــا ! ً أنفسهم كما قال هذا الشيخ مفا ِ
فكأن معرفة الله والوجود بأسره أهون من معرفة النفــس ! بينمــا ق ـّررت الكتــب
المنّزلة أن خلق السماوات والرض أكبر مــن خلــق الناس ـ _((2فض ـل ً عــن أن تص ـ ّ
ح
ة ما مع خالق السماوات والرض . مقارن ٌ
دون عليك قولك إذا زعموا أن ما ابتدءوا بــه مــن ) النــا ( الرئيـس :لكأني بهم ير ّ
ة ذلك المرسل :اعرف نفسك تعرف رّبك . ق لمقول ِ في الغرب إنما هو تطبي ٌ
د ليعرف نفسه ؟ ن واح ٍ مارد الشمال :ومن ذا يحاول أن يعرف حّريته وقيده في آ ٍ
كانت تلك بداية على يد ) جول لكي ( و ) ســكرتان ( ،لكنهمــا لــم يشــتهرا شــهرة
) هيوم ( و ) هيجل ( و ) نيتشه ( و ) ميكافيللي ( _ فالمشرق والمغرب ينساهما
.
الرئيـس :ل تزعجني أّيها المارد بهذه السماء المنسّية ! هّيا ارتجــز قــل لــي مــن
أنت ،هّيا ارتجزوا فقد انزعجت غاية النزعاج .
) شــعروا أن الرئيـــس يريــد منهــم فعل ً أن يرتجــزوا لــترتفع معنويــات المجمــع
الشيطاني فارتجزوا وابتدأ المشرقي (
سس النفاق .أنــا أصــل الشــقاق . المشرقي :أنا مبتدع فلسفة الشراق .أنا مؤ ّ
أنا الكامن بين الماق والحداق .
مارد الشمال :أنا مارد الشمال .أنا مصطنع البلبال .أنــا مخــترع عبــادة الصــنام
وجاعل النسان معّلقا ً بالمحال والمال .أنا الوبال .
المغربـي :أنـا زعيــم الغـرب .أنـا المــوحي بقيـاس نفـس النسـان علـى نفـس
ل كرب . جج الحرب .أنا مصدر ك ّ الكلب .أنا مؤ ّ
مر القــروم .أنــا نــار مارد الجنوب :أنا مونادو المشؤوم .أنا مجّزء العلوم .أنا مد ّ
السموم .أنا النا المعلوم .
الرئيـس :كّلكم أجاد والفائز موناد ! لكنكــم لــم تخــبروني بشــيء عــن أصــل هــذا
المبحث ،أعني إدراك وجود الله وكيفية البرهنة على هذا الوجود .
دد فــي البــدء أســس نظريــة المغربي :إن أصــله يــا ســيدي هــو الدراك الــذي يحـ ّ
كرت ..فقد كاد )باسكال ( أن يقضي علينا لــول ديكــارت المعرفة .يا للهول ! تذ ّ
العظيم الذي جعل الناس ينسون فلسفة باسكال التي نثرها في أوراقه المبعثرة
قبيل موته ولم يبق منه في ذاكرة التلميذ سوى ) أوانيه المستطرقة ( !
د أكثر ء جدي ٍ المشرقي :يا للمبالغات التي يذكرها المغربي ! لم يأت باسكال بشي ٍ
ّ
ي .إن النسان هو الذي يعيننا على نفسه ،وكلما ممل ذكره من قبل مائة ألف نب ّ
سكه أقوى .أل تــراه هــرع يؤي ّــد كــارل كانت الفكرة أسوأ كان تشبثه بها أشدّ وتم ّ
ماركس حينما اكتشف بذكائه الحادّ ما يريده النسان ؟ فكــأني بــه يقــول ) :أّيهــا
ء تبحث … عــن ي شي ٍ ل القيم والمشغوف بالتفلسف _ عن أ ّ الحمق – الرافض لك ّ
ء أيها المنحدر من البرمائيـات والقـرود العليـا ؟ ل أحسـبك تبحـث إل ّ عـن ي شي ٍ أ ّ
ً ً
أصلك القديم ،وسأجعلك كما تريد كائنا اقتصاديا نحسب قدرته الحصانية ونأخذها
ذ ستكون فاض ـل ً رغــم أنفــك .لكنــك مــع ة ونسّلمه علفه اليومي ،وعندئ ٍ منه كامل ً
)(2
القرآن الكريم /سورة غافر /آية . 57
النيلي ----------------------------------------- 104
دس ون المــر ..فــإني أراك تق ـ ّ ذلــك تبحــث عــن الدكتاتوريــة ،وهــذا مــا يه ـ ّ
قــن ( الطواغيت في عين الوقت الــذي ترفضــهم فيــه ! ســأجعلك إذن ) الس ـّيد ال ِ
ة مختلفــة ة واحــد ٍ الوحد في العالم … وهذا بالطبع ل يمكن أن يحدث إل ّ في حالــ ٍ
عن الحالة المعتادة التي يكون فيها السّيد في مقابلــة العبــد ،وهــذه الحالــة هــي
ة
ة دكتاتوري ـ ٍ في أن نكون كلنا سادة في دولة العبيــد ،وأن نمــارس دورنــا كشــغيل ٍ
ســر ة تف ّ تحسب قدرتها الحصانية بنفسها .وأنا أعلم أيضا ً أنك تحتــاج إلــى فلســف ٍ
لك وجودك سّيدا ً مستعبدا ً أو حصانا ً دكتاتوريا ً مستبدّا ً ،فليكن التناقض في صميم
الوجود وليساعدني العلم الذي ل تعلم الجماهير إنه من نتاج مبدأ عــدم التنــاقض
… والمعذرة لــك يــا صــديقي طــاليس الــوفي المعــذرة فــإني ســألغي مبــدأ عــدم
التنــاقض مؤقتـا ً فقـط مـن أجـل أن تســمو روح الجمـاهير ..وسـأودعكم الن يـا
أصدقائي ..باي باي أرسطو باي باي سقراط ! باي باي ديموكراتيس ..بــاي بــاي
ليكتريو … ( وانقطع صوته لن الجماهير احتشدت خلفــه ولــم يكمــل الرجــل بعــد
توديعه لعمدة الحكمة السبعة ! ..
الرئيـس :لكن العزيز كارل ماركس لم يبرهن علــى عــدم وجــود اللــه كمــا حــاول
ص ر لم يــدركه الخــرون أم هــو نقـ ٌ الخصم البرهنة على وجوده .أهو ذكاءٌ منه لم ٍ
في فكرته لم يتلفاه ؟
ن فــي هــذا ر لم يدركه الخــرون .ذلــك أن كـ ّ
ل كــائ ٍ المغربي :بل هو ذكاءٌ منه لم ٍ
العالم يدرك جيدا ً حقيقة الله ،لن مثلها مثل الواحد مع الثنين والثلثة إلى آخــر
العداد في علقة الواحــد بــالكثرة فــي المفهــوم الرياضــي المحــض الخــالي مــن
ع ،فيقول الخر :برهـن علـى ذلـك الوحدات .فالمرء يقول أن للمثلث ثلثة أضل ٍ
فيقول :أحسب الضلع هذا واحد وهذا اثنان وهذا ثلثة … لكن إذا قــال الخــر :
ن علــى هذا ل يكفي ..برهن أن الواحد هو واحد ،فمن أين يأتي له المــرء ببرهــا ٍ
هذا ؟ فالواحد كونه واحدا ً هو برهان نفســه إذ لــوله لمــا عرفنــا الثنيــن والثلثــة
وإلى آخر العداد .إن من المعقــول نوع ـا ً مــا أن تســألني :مــا الثلثــة ؟ وأجيبــك
فأقول :هي ثلثة آحاد .ولكن هل يعقل أن تطلــب منــي برهان ـا ً علــى أن أع ـّرف
الواحد عن طريق الثلثة ؟ لن الصل هو أني ما كنت أعــرف الثلثــة إل ّ بالواحــد .
خُلقيــة ل علقــة لهــا بنظريــة المعرفــة مــاذا يعنــي إذن إنكــار اللــه ؟ إنــه مســألة ُ
كد للنسان دوما ً أنه يحتاج إلــى برهــان عليهــا ،لننــا إذا مطلقا ً ..ولذلك فنحن نؤ ّ
أسقطنا ما يرتكز عليه الحساب العقلي كّله فقد ســلبناه عقلــه كل ّــه مــن غيــر أن
ل ،بل تبحث يعلم .لقد أدرك هذا الرجل ) ماركس ( أن الجماهير ل تبحث عن دلي ٍ
ة يضــيع فيهــا الــدليل ! فكــرةٌ ل وجــود للعـدد الحقيقــي فيهــا ،فكــرةٌ ل عن فكــر ٍ
تنطوي على القضّية الرياضية من أن الواحد هو فكرة الواحد في الرياضيات دوما ً
.تحتاج الجماهير إذن إلى من يسلب منها عقلها وعلمها بالشــياء ..فــأنكر كــارل
ماركس لجل الجماهير الحقيقة الثابتــة ! وجــاء أنجلــز ليــبرهن علــى غبــاء أولئك
الذين يعتقدون أن الواحد هو واحدٌ دوما ً !!
ء استطاع إثبات ذلك ؟ ي شي ٍ الرئيـس :وبأ ّ
المغربي :عن طريق العلم نفسه ! ليس المطلوب من المرء إل ّ أن يقلب حقــائق
د العلم فتؤمن به الجماهير ! لن أنجلز يقول :أن واحدا ً من الماء مضافا ً إلى واح ٍ
من التراب ل ينتج اثنين مــن الطيــن _ وإذن فالواحــد ليــس واحــدا ً علــى الــدوام .
دق وليــس لنهــا تريــد أن تتعل ّــم .إذ ليــس لهــا دق لنها تريد أن تص ّ والجماهير تص ّ
حاجة إلى التعّلم فحقيقة ثبــوت الواحــد بالمـاء والطيــن تمـارس يوميـا ً مــن قبــل
حملت أحدهم عشرين كيلوغراما من المــاء دقوا بنقيضها .لنك لو ّ جميع الذين ص ّ
ن لسرع في نســيان أنجلــز ولنكــر ً
وعشرين كيلوغراما من التراب على شكل طي ٍ
ما ً أن يكون الطين دون المجموع الذي هــو أربعيــن كيلــو غرام ـا إذا كــانت
ً إنكارا ً تا ّ
105 النيلي -----------------------------------------
أجور التحميل تدفع مقابل الوزن .جمع أنجلــز الحجــوم لخفــاء إبقــاء الــوزن
ثابتا ً ..نعم أما أنا فأذكى منه لني رأيت النجار يوما ً قــد جمــع عشــرة مــع ثمانيــة
ر .كم كان يعجبنــي أن فكان الناتج واحدا ً ! لقد كانت قطعا ً من الخشب لصنع سري ٍ
أوحي له بها ،فأنا أيضا ً حافظت على الوحدات لنها قطع ،وإذا كان ) دوهرنــك (
ف عن هذه الترهات المنافية للعلم والمنطـق هو الوحيد الذي صاح بوجه أنجلز ليك ّ
ت أعظــم كــانت مــدعاة فل أنجلز بالردّ عليها في ) أنتي دوهرنك ( بترها ٍ ..فقد تك ّ
لتأييد الجماهير ! .لقد كان ماركس وأنجلز سيدي الرئيـس من ألدّ أعداء المادية ،
ولقد أوحينا إليهما التأكيد على المادية والــدفاع عنهــا لننــا نــدرك جيــدا ً أن إنكــار
النظمة الصارمة والحقائق الثابتة في حركة المادة هو شيء سيثير علينــا ســخط
علماء الطبيعة جميعا ً ،فكان ل بدّ لنا من الرتكاز على ما نحــن أعــداء لــدودين لــه
كمثل الساحر حينما يستخدم أسماء الله الحسنى .إن المادة هي خلــق اللــه ..إن
المادة هي مثل كتبه المنّزلة ل بدّ لنا من النتساب لها .
ل طــاقتي مــع الزمــر الــتي تحــت مارد التلف :لقد قمــت ســيدي الرئيـــس وبكـ ّ
أمرتي بإتلف ) دوهرنــك ( ..والبقــاء علــى ) أنــتي دوهرنــك ( _ فهــل تــرى فــي
المشرق دوهرنك ؟ حتى في ألمانيا يصعب جدً الحصول على دوهرنك ! .
الرئيـس :وفقتم لجميع الشرور .ولكني أريد أن أسألكم سؤال ً شخصيا ً آخر هو :
وليــس العــارف َ
كيف كفرتم بالله وأنتم على هذا القــدر الواســع مــن المعرفــة ؟ أ َ
ق ؟ ما تقولون أّيها المل ؟ . ق هو المح ّ بالح ّ
ق سيدي الرئيـس بل المعـّرف بــالحق والــذي ق هو المح ّ مونادو :ليس العارف بالح ّ
ً
ل دوم ـا . ل الناس عته فهــو مبط ـ ٌ ق الذي يض ّ يهدي الناس إليه .وأما العارف بالح ّ
ً
ق ل بدّ أن يكون عارفا بنقيضه فمعرفتنا شيءٌ واختيارنا شيءٌ آخٌر .والعارف بالح ّ
ح أن يقــال : ق وهو ل يمّيزه عن الباطل ؟ فهل يص ّ وهو الباطل إذ كيف يعرف الح ّ
ل وشريٌر ؟ فالرسل أعلم الخلق بالشرور العارف بالباطل أو العالم بالشرور مبط ٌ
ومع ذلك فهم أخيار .
المغربي :ومن هنا جاء أحد المناطقة إلى أحد الرســل فحــاججه الرســول طــويل ً
ق ولكــن قلــبي ل يطــاوعني علــى فقــال المنطيــق ) :واللــه إن مــا تقــوله لحــ ّ
ل .. اّتباعك ( ،فكان ذلك الرسول يقول له ) هل ّ رحلت عنــي ( فقــال :إنــي راح ـ ٌ
فمشى قليل ً ثم رحل إلى عالم الموات .
ف إلى الختيار .فالذي اختــار الشــر طريق ـا ً المشرقي :إن المعرفة هي حدٌ مضا ٌ
فإن المعرفة تزيده شّرا ً والذي اختار الخير فإن المعرفة تزيده خيرا .
ً
الرئيـس :فكيف اعتمد الفلسفة على نظرية المعرفة لتأسيس الخلق ؟
المغربي :وهل يجهل الفلسفة أن العقول اختلف حسابها للشياء تبعا ً للختيار؟
لكننا أوحينا بذلك كي ل يتمّيز الخير من الشّر وندخل بمعرفتنا للشياء فــي جملــة
ة هو الكثر خيــرا ً ..ومــن هنــا أصــبحنا الخيار ،لن الناس يظنون أن الكثر معرف ً
مــة التمييــز مع إخواننا شياطين النس ومردتهم من خيار الخلــق،فضــاع علــى العا ّ
كنا من أن نقودهم كم تقاد القطعان !. بين الخير والشّر وتم ّ
ف بالشـّر ر مـن أن يمّيـزوا بيـن عـار ٍ د غير منظو ٍ المشرقي :ولن يتمكنوا وإلى أم ٍ
ف بالخير وهو من الشرار .ولكن أل تأذن لنا يــا ســيدي وهو من الخيار وبين عار ٍ
الرئيـس أن نسألك كما سألتنا ؟ .
مر نظر الرئيـس على ظهر اللوحة الموضوعة علــى يمينــه ولــم يحّركــه إلــى ) تس ّ
ة والــتي هــي عبــارة عــن ة وأدقّ صــنع ٍ الجدران التي بناها العفاريت بأقصى ســرع ٍ
ف من صخر النكوكمي المعــدني الســود ث ُّبتــت ة كالثلج قام عليها سق ٌ ح بّلوري ٍ ألوا ٍ
ُ
بالصماغ الزرنيخية ،وكان البـاب المصـنوع مـن الرصــاص الحمـر قـد ثب ّــت علـى
ة
ر مصقول ٍ ة ،وقد ب ُّلطت الرضية بصخو ٍ ة ولطاف ٍ ق ٍت بد ّ
ع من حجر الدم منحو ٌ مصرا ٍ
النيلي ----------------------------------------- 106
ق من غابات ت ساب ٍ جِلبت في وق ٍ ل هذه المواد كانت قد ُ من الزاج الزرق ،وك ّ
ماة الرز الصــخرية المنتشــرة علــى ســطح أكــبر أقمــار الرض السادســة المســ ّ
ع قصــيٌر بيــن مــارد الريــح وق أو ذي الكتاف .وكــان قــد حــدث نــزا ٌ بالكوكب المط ّ
دعى أن التفاؤل يقضي ببناء الهيكل مــن ومارد الماء انتهى بانتصار الول حينما ا ّ
ً
و ذي الكتــاف مســتقبل ، مواد خارجية ل من مواد الغوص لعّلهم يرجعون إلى غــز َ
وزعم أنه راعى في البناء الشروط الربعة لعمل الشياطين وهي التستر بــالظلم
والستعلء على الجواء والبحــار والــدخول والخــروج بالنــار وأخيــرا ً القــدرة علــى
النفاذ من الجهات الربعة .ولم في الهيكل من المفارش سوى المقاعــد العاريــة
ل ملساءَ مــن الجرانيــت الحمــر ن القمري مثّبتة على أرج ٍ مس ّ المنحوتة من حجر ال ِ
ة تقابلها طاولة الرئيـس المصــنوعة مــن البريــز الخــالص ة صلد ٍ بمسامير من فض ٍ
ة وحيــدةٌ مــن ســطت عليــه مخملـ ٌ ك خليط الحديد والفيناديوم ،ب ُ ِ سّلح بأسل ٍ والذي ُ
عل َــق ي م ـّزق ذكــرا ً مــن ال َ م يخلب اللبــاب لشــاهٍين مخلــب ّ العبقري طُّرز عليها رس ٌ
لمـ ُ ب يتأ ّ س قريـ ٍ ل الجهات حــتى تســاقط بعضــه علــى طــاوو ٍ وتطاير ريشه في ك ّ
دمت في إبراز ألوانها سبعون نوعا من مياه المعادن .بينمــا كــانت اللوحــة واسُتخ ِ
ب الــزان ومســاميرها مــن طرة بخش ـ ِ المقابلة للحضور والوحيدة فــي الهيكــل مــؤ ّ
ة غايــة القبــح وهــي ة قبيح ـ ٌ ن طفل ٌ سم عليها وبإتقا ٍ العاج وهي من جلد الحيوان ُر ِ
تج ـّر امــرأة فاتنــة الحســن مــن شــعرها فــي الوحــال والمــرأة تســتغيث ،وقــد
دمت في تلك اللوحة جميع اللــوان المســتخَرجة مــن البــدان الحي ّــة .وكــان اسُتخ ِ
مر علــى ظهــر هــذه اللوحــة حينمــا ســأله المشــرقي وأجــابه نظر الرئيـس قد تس ّ
قائل ً (
الرئيـس :ليس من العادة أن يسألني أحدٌ من الخلق إل ّ شــقيقي ) كنكــر ( ،لكــن
إذا كانت السئلة بخصوصه فإني ُأجيب .
المشرقي :إنها بخصوصه سيدي الرئيـس ،فقد قارب حدسي أنــه أفضــل منــك ،
فإن صدق حدسي فـإني أتســائل ُ :تـرى مـا الــذي جعـل هـذا الشـطر أفضـل مـن
الشطر الخر إذا كانا في الصل شيئا ً واحدا ً ما ينبغي له أن يكون إل ّ منشطرا ً ؟
الرئيـس :يا لك من خبيث !
دمني مونادو :إذا كان الرئيـس يرى أنه سيجيب على المسألة فلينظر فــي أن يق ـ ّ
بين يديه .
دم . ! .. الرئيـس :تق ّ
ل فّر إلى أبيه على الذي فّر من أبيــه . مونادو :إن فضله على شقيقه كفضل رج ٍ
فالول طلب رضاه والثاني خاف سخطه ،الول رجاه والثاني خشاه .
د أم بعقلين مختلفين ؟ ل واح ٍ المشرقي :فهل اّتخذا هذا القرار بعق ٍ
مونادو :بعقلين مختلفين طبعا ً ! .
المشرقي :أفكان لهما عقلن قبل وجودهما أم بعده ؟ ! .
) يضحك الرئيـــس ورأسـه يرتفـع وينخفــض علـى الطاولــة ،وضــحك مونـادو مـن
بعده (
م تضحك ؟ ً
المشرقي ) مخاطبا مونادو ( :ل ِ َ
مونادو :الرئيـس يضحك أيضا ً فلم ل تسأله ؟
ب ل أعلمه . المشرقي :الرئيـس ربما يضحك لننا نتحاور أو لسب ٍ
مونادو :الرئيـس يضحك منك ! .
المشرقي :وكيف ؟
خره عن الوجود ! . دم العقل أو تأ ّ مونادو :لنك تسأل عن تق ّ
د
ون عــاقل قبــل وجــوده فل ب ـ ًّ المشرقي :بالطبع لنه ل يعقل أن يكون هذا المك ّ
إذن أن يكون عاقل ً بعد وجوده .
107 النيلي -----------------------------------------
دما ً ول متــأخرا ً ،إنكد ما يثير الضحك .إن العقل ليس متق ّ مونادو :ل زلت تؤ ّ
س به فل وجود بغير عقل ول عقل بغير وجود ! ء آخر وانحبا ٌ ق بشي ٍ العقل هو تعل ّ ٌ
ّ
ق، فلم يكن قبله ول بعده بل كان هو ومعه .إذ ل يمكن أن يظهــر شــيءٌ إل ّ بتعل ـ ٍ
ب التع ّ
قل . وهذا التعّلق هو ل ّ
المشرقي :المادة إذن عاقلة ؟ .
ت عالقة .. ت عاقلة ؟ ! يا صديقي أنا قل ُ مونادو :أنا قل ُ
المشــرقي :لقــد زعمــت أن العقــل مــع المــادة ل ســابق ول لحــق وإذن فمعهــا
عقلها .
مونادو :بلى بلى معها عقلها لكنها ليست عاقلة !! بل معقولة .
المشرقي :أتريدني أن أخرج من هذه القاعــة مجنونـا ً ؟ كيــف يكــون فــي الشــيء
عقل وليس عاقل ً ؟
مونادو :نعم يكون ذلك ول يكون غير ذلك أبدا ً ،لنه سيقع التناقض .أل تــرى أن
النسان يكــون فــي يــده ورجلــه العقــل أي مــا يقي ّــد حركتــه ولــذلك ل يكــون هــو
ل ولكنــه ت البعيــر ؟ وإذن يكـون فـي البعيــر عقـ ٌ العاقل ؟ أل تراهم يقولون عقلـ ُ
ليس هو الواضع ؟ يا أخي إذا كان ) العقل ( يفقدك عقلك هكذا فاجعل بــدل ً عنــه
لفظ الحبس أو القيد ..فلنتكّلم هكــذا :المــادة معهــا عقلهــا قيــدها ول يمكــن أن
تظهر بغير عقل بغير قيد ،وإذن فهي غير عاقلة غير قــادرة علــى تقييــد نفســها
فهي معقولة مقّيدة بوجود فنائها وفناء وجودها .
المشرقي :فما يكون هذا العقل ؟
مونادو :إنه المادة .فالمادة هي العقل والعقل هو المادة ! أل تــرى هــذا العقــل
ء من المادة ؟ أل ترى كيف اعتقلت النواة جسيماتها وعلقــت ل جز ٍ الذي هو في ك ّ
بها جسيماتها ؟ ولتلــك الجــزاء أجــزاءٌ أدقّ قي ّــدت بعضــها البعــض وعلقــت بعضــها
ببعض ،فأّنى لها بالنفراد والوحدة أمام اللوهية ؟
المشرقي :أفل يكون الذي فيه عقل عاقل ً قط ؟
يم بذاته له خصائصه المختلفة .فــإلى أ ّ ن قائ ٌ
ل تعاقب صوتي هو كيا ٌ مونادو :إن ك ّ
د
د فل ب ـ ّ ء ترمي ؟ إن كنت تريد أن يكون الشيء عاقل ً ومعقــول فــي آ ٍ
ن واح ـ ٍ شي ٍ
ظ آخر فالمفعول غير الفاعل والمكسور غير الكاسر وإذا كان لك من استعمال لف ٍ
العالم معقول ً ومقّيدا ً بذاته فأنى له أن يكــون عــاقل لغيــره ! مــا لــك تــدافع أيهــا
صل من خللها إلــى المشرقي ؟ أظننت أنك إذ تسأل الرئيـس هذه المسائل ستتو ّ
إثبات أول عبارتين في الناموس فتفــوز بالجــائزة ؟ هيهــات إنمــا فتنــك الرئيـــس
حينما ضاعف لك الجائزة المنتظرة ليكشــف مقــدار معرفتــك وفتنــك تــارةً أخــرى
صل إلى ما ترمي إليــه ولــو حينما قال لك مخاطبا ً ) :يا لك من خبيث ( ،فلن تتو ّ
أهلكت نفسك .
المشرقي :دعك من علمك بنفسي ونفس الرئيـس وأجب على المسألة أل يكون
المعقول عاقل ً لغيره قط ؟
ل!ل فهو عاق ٌ ل معقو ٍ مونادو :بلى ك ّ
المشرقي ) ملتفتا إلى الرئيـس ( :أل ترى يا سيدي جنون هذا المارد ؟ فقد قال ً
قبل لحظة واحدة :المعقول ل يكون عاقل ً ! .
الرئيـس :إن الخبث الذي يجدي نفعا ً هو في تطبيق المعرفة ل في تحصيلها ! .
مونادو :فاغلق فمك إذن أّيها الماكر في تحصيل المعرفة ل في تطبيقها ! فــإني
ما قلت المعقول ل يكون عاقل ً ! بل قلت تحديــدا ً ل يكــون عـاقل ً لغيـره .أفتعلـم
ء وليــس مقي ّــدا ً بشــيء ..إنــه الخــر .. من هو غيره ؟ غيُره ما ليس معقــول ً بشــي ٍ
ل لنفسه فقط ..لقــد أعمــاك ء فيه معقول فهو عاق ٌ ل جز ٍل وك ّ والعالم كّله معقو ٌ
ل، ل غير معقو ٍ خبثك الشنيع في تحصيل المعرفة عن صفة الخر فصفته أنه عاق ٌ
النيلي ----------------------------------------- 108
وأصبحت مثل النسان الذي لم ينتبه إلى تلك الصفة التي هي أولى العبارتين
فــي النــاموس والوحيــدة المســبوقة بفعــل المــر ) قــل ( ،فلــو كــانت معقولــة
لمعقولية الموصوف لما قال :قل ! .فإذا لم تستفد مــن الكتــب المنّزلــة فــانظر
ونا النسان ؟ ل بها عد ّ لنفسك كم ارتكبت من الحماقات وكم فاتك من أشياء تض ّ
المشرقي :أل ترى يا سيدي أنه هو الــذي فــاته تضــليل النســان فقــد أثبــت الن
عال وما أكثرهم ! قول القائلين بالعقل الول الف ّ
الرئيـس :إن الخبث في تحصيل المعرفة نقيض للخبث في تطبيقها !
مونادو :لقد بدأت أشفق عليك أّيها المشرقي .فهذا تحــذير آخــر مــن الرئيـــس ،
عال عند هؤلء يعقل الخر الذي ) هو ( ،والذي جاء بعد فعل المــر فإن العقل الف ّ
في العبارة .فإذا كان يعقل الذي هو فقد حصل المطلوب من التضليل ،فإنه إما
أن يكون إلها ً آخر وإما أن يكون العالم عين الذي هو فهو إله نفسه ،أما أنــا فقــد
ل ولكنه ل يعقل غيره قط . ل فهو عاق ٌ ل معقو ٍ قلت أن ك ّ
ل مريدٌ وقادٌر على الختيار ! ل معقو ٍ المشرقي :إذن فك ّ
ن أن اللــه يخلــق مونادو :يا لخضوعك للنسان ! ما أشدّ إتباعك للنسان حينما تظ ّ
ل فهو مريد .من أين تــأتي للشــيء ل معقو ٍ ما ل يعي ول يفهم ول يختار ! نعم ك ّ
قدرةٌ على الظهور إذا لم يكن حـّرا ً ؟ .إن الشــيء الوحيــد الممكــن أن يوجــد هــو
الحّرية ،فإذا لم يقدر على الختيار لم يقدر على النشطار فيفنى من حيث يوجد
ء كهذا فقــد بلغــت مــن سك كي يبقى ؟ .وإذا افترضت وجود شي ٍ ء يتم ّ ي شي ٍ ! بأ ّ
ً
الجهل أقصاه لنك تفترض وجود معــدوم ..إنــه تمام ـا مثــل الــذي يفــترض وجــود
واحدين في العداد .إن الله ل يقدر أصل ً أن يخلق شيئا ً معدوم الرادة ومسلوب
الحّرية لنه ل يقدر أن يخلق إلها ً آخر .
المشرقي :إذن فالله مسلوب الرادة ! اسمع سيدي الرئيـس !
ً
الرئيـس :إنه لم يقل ذلك .بل قال ســيكون هــذا المخلــوق إلهـا مســلوب الرادة
وهي عبارة خاطئة كّلها إذ يتنافى وسطها مع الطرفين .فهي ناتج لقولك بوجود
مخلوق مسلوب الرادة .
ر يبقيه مقابل الفناء الذي ي قرا ٍمونادو :لن هذا المخلوق ل قدرة له على اتخاذ أ ّ
ه مــن ل بدّ منه _ فكيف إذن يبقى موجودا ً ؟ ل بدّ أن يكون موجــودا ً بــذاته فهــو إلـ ٌ
ة ! يـا هـذا أل تـرى فـي الكتـب ة ثالثـ ٍ د مـن جهـ ٍ ة وغيـر مريـ ٍ ق من جه ٍ ة ومخلو ٍ جه ٍ
ّ ّ ّ ً
المنّزلة أن الله ما خلــق شــيئا إل كلمــه ؟ أفــتراهُ يكلــم مــن ل يعــي ويــأمر مــن ل
يختار ؟ .سيدي الرئيـس :إن هذا الشيطان لم يستفد من الكتب المنّزلة مطلقا ً !
قى في هذه المناصب زورا ً ! إنه ينكر الحّرية التي هي وجــود العــالم ومــن لقد تر ّ
يدري لعّله سيحاول إثباتها في _ ما بعد الوجود _ كما يفعل النسان تمامــا ً ،فهــو
ل يخدم الشياطين بشيء إذا كانت حدود معرفته بحدود معرفة النسان للشياء .
قف عــن العبــارات الــتي تريــد أن تشــغلني بهــا عــن الحفــرة الــتي المشرقي :تو ّ
ّ
ت فيها الن ،فاخبرني عن هذا الشيء الذي كلمه الله كلمــه قبــل أن يوجــده وقع َ
أم بعد أن أوجده ؟
ة منكرةً ؟ أنــت الــذي زمت هزيم ً ه ِ
ء تبحث أّيها الماكر بعد إن ُ ي شي ٍ مونادو :عن أ ّ
كد أن المنفعل ل بدّ أن يجهل كيف انفعل إذا كان هذا المنفعل هو العــالم كنت تؤ ّ
كّله ،تريد عن طريق الـ ) متى ( أن تتسلل إلى الـ ) كيف ( ؟ هيهــات ! .ل يتكل ّــم
الله مثل الخلق عنــدما يبــدأ الخلــق ،لــم يكّلمــه قبــل اليجــاد ول بعــد اليجــاد بــل
التكليم هو عين اليجاد وحاُله ..أتريد أن تنفذ إلى الموصوف عن طريق الصفة ؟
.إن معرفة الصفة غير ملزمة لمعرفة الموصوف ..لن تلك هــي الصــفة الولــى
ن
ل شــيء ول برهــان عليهــا ،فهــي برهــا ٌ والبديهية الولى الــتي هــي برهــان كـ ّ
ة نعرفها عنه . ة بعدها فهي أول صف ٍ ل صف ٍ نك ّ لنفسها وبرها ُ
109 النيلي -----------------------------------------
المشرقي :فاخبرني إذن كيف حصلت الكثرة ؟
مونادو :هكذا سل منذ البداية فلماذا الدوران ؟ أتحصل الكثرة من الواحــد أم مــن
الوحدة ؟ أجبني أنت ! .
المشرقي :تحصل من الواحد .
مونادو :كذبت ! ل تحصل الكـثرة مـن الواحـد ول مـن الوحـدة ،إنمـا تحصـل مـن
الثنين .لن في الثنين واحدٌ وواحدٌ آخٌر ،بينما ل يوجد اثنين في الواحد .
المشرقي :فكيف تحصل الكثرة وما علقتها بالواحد ؟
مونادو :تحصل من الثنين وعلقتها به أنها تنشأ به .
المشرقي :قلت للتو أن الكثرة ل تحصل من الواحد !
مونادو :ول زلت أقول ذلك ،فهي ل تحصل من الواحد ,إنما تحصل بــه .أل تــرى
أنك ل تقدر أن تأتي بما هو بعد الثنين إل ّ منها وباستعمال الواحد الجديد ؟
المشرقي ) يقهقه عاليا ً ( :اسمعوا يا شياطين الجان ،لقــد برهــن مونــادو علــى
غياب الواحد من حيث ل يعلم !
فل ! فليشهد الجمع أني أشهدُ علــى مونادو :وهل أريد غير هذا القرار أّيها المغ ّ
غياب الواحد .هيا أرني واحدا ً وحده في هذا الوجود ل ثاني لــه ! أرنــي مــن هــذه
الموجودات شيئا ً واحدا ً يكــون واحــدا ً فــي الحقيقــة ل زوج لــه ول مك ـّرر لــه مــن
سبه وتبدأ بالواحــد فهــو ء تح َل شي ٍ أفراده ول مثيل له ! فأين هو هذا الواحد ؟ .ك ّ
ت العدّ أصبح ثانيا ً أو عاشرا ً أو كما يحلــو لـك ،فـأرني واحـدا ً واحد بالعدد إذا عكس َ
ً
هو واحدٌ فعل ً ! ل ثاني له ويبقى واحدا على الدوام .
) يضرب المشرقي على رأس المقعد الحجري فيحدث صوتا ً ثم يقول (
المشرقي :انتبهوا أيها الجمع ..انتبهوا ..
مه حصاة ويقول ( ) يخرج من ك ّ
ل المشرقي :هذه حصاةٌ واحدةٌ ل ثاني لها مــن حيــث خطوطهــا وألوانهــا فــي ك ـ ّ
الحصى الذي في الوجود ! لقد وقع الجنوبي !
دم الجنوبي نحو الرئيـس ويضرب على الطاولة الذهبية ويخاطب الرئيـس ( ) يتق ّ
مونادو :اعذرني أّيها الرئيـس إذ أضرب على طاولتك فقد اقترب الفوز
مه حصاة أخرى ويقول ( ) ثم أنه يخرج من ك ّ
ة لها في الوزن ..إنها مثيلتهـا فـي وزنهــا تمامـا ً هّيـا مونادو :هذه حصاةٌ مساوي ٌ
زنوهما بأدقّ الوزان !
) تنهمك مجموعة من الجان في وزن الحصاتين وفي الثناء يواصل الجنوبي قائل ً
(
ة أخـرى ة دون حيثيـ ٍ د مـن حيثيـ ٍ مونادو :أتحسب أّيهــا المشـرقي أن تـأتيني بواحـ ٍ
د حقيقي ،وعدا ذلك فهو يتجــّزأ . وينطلي المر على المجمع ؟ إن هذا ليس بواح ٍ
ّ
ل وجودنا وبه فقط نحيا ونتعامل ونتعلم ونحسب ونجمع ونثيب إذن فالواحد هو ك ّ
ل رق ـم ٍ آخــر ! ً
ونعاقب وبه نوجد ومع ذلك فإننا ل نبلغه ول ندري ما هو خلف ـا لك ـ ّ
ده أبســط دها حــدودا ً لن ح ـ ّ فهو أكثر ما نعرفه من الشياء إبهاما ً ،ولذلك فهو أح ّ
ف ،لنــه ده أنه الحقيقة الوحيدة التي بها نكون وتعريفــه أبســط تعري ـ ٍ الحدود ! ح ّ
وحده الذي ل نعّبر عنه إل ّ بمثل ) ل أدري ( ،أ ,الذي هو هو ول ندري ما هــو فهــو
ء.ل شي ٍالحدّ من ك ّ
الرئيـس :إن الذي هرب من أبيه كي ل يسخطه في طبعه ش ـّر كتمــه .قــال فــي
ذات نفسه :هذا أبي وأخشى أن أواجهه فأسخطه .أما الــذي بقــي فــي موضــعه
كنه مــن فقد كان في طبعه خيـٌر اعتمــده .قــال فــي ذات نفســه :هــذا أبــي فــأم ّ
معاقبتي لعّله يرضى .فقال الب للول الهارب :هربت من وجهي وكتمت ش ـّرك
عني فأجازيك بأن تفرغ شّرك على أعدائي وأسّلطك عليهم ،وقال للثاني الصابر
النيلي ----------------------------------------- 110
ُ
ي ولجأت إلى جواري فإني أجيرك ،وأجازيك عل فعلــك بــأن تفــرغ ت إل ّ
:فرر َ
ل دائم ـا ً تبحــث عــن خيرك كّله على أوليائي .ثم قال للول :هذا هو قدرك ستظ ّ
ل دائما ً تبحث عن الخيار ! ثم قــال : الشرار ! وقال للثاني :هذا هو قدرك ستظ ّ
دمني إذ خرني عندما قال :أنا مــن ؟ وأبــي مــن ؟ والثــاني قـ ّ ل ،فالول أ ّ هذا عد ٌ
ذ يذهب مع أحدهما حسب قوله . ل يذهب بعدئ ٍ ل قائ ٍ قال :أبي من وأنا من ؟ فك ّ
ً
ت يواصل الرئيـس قائل ( ة سكو ٍ ) بعد فتر ِ
ً
الرئيـس :اكتبوا هذا القرار ُ ) :يعّين مونادو بن ســامورا البــرع زعيمـا لشــياطين
الرض الثالثة في مجموعة الشــمس الســاطعة إحــدى مجموعــات مج ـّرة الطريــق
اللبني في العنقود المجري السابع ويكون نافذا ً هذا القرار قبل تاريخه بألف سنة
مع مكافآتها المنصوص عليها ( ..
) قام الرئيـس باتجاه الباب ثم قال (
الرئيـس :سأعود لحقا ً لقرأ عليكــم مقــررات هــذه الجلســة فقــد أوشــكت علــى
النتهاء …
ب ل صو ٍ ) وحالما خرج الرئيـس هجمت جحافل من الجان خصوم الشياطين من ك ّ
طمت الجدران البّلورية وهوى السقف ،وُأضرمت النار بنيــران المشــاعل فــي وح ّ
ملــةورت المخ ّ ة فــي الهــواء فــي حيــن تكـ ّ القاعة وتطايرت شظايا اللوحة مشــتعل ً
العبقرية تحت الطاولة الذهبية التي اتكأت على جانبها ..لحظات وانتهت المعركة
ة
ة متباعد ٍ ت منتظم ٍ ل المجاور وهو يقهقه بدفقا ٍ التي راقبها الرئيـس من على الت ّ
نن أوشك أن يخمــد أو بركــا ٍ :هه … هه … هه … تشتبه على السمع بدفقات بركا ٍ
ل( ابتدأ الثوران .ثم نادى الرئيـس من أعلى الت ّ
الرئيـس :أعيدوا تنظيم الزمر … … ) ورجع الصدى كما لو كان يصدر مــن جميــع
قمم الجبــال وعــن كــل الموجــودات الرضــية :أعيــدووووو … تنظيــم م م م م …
ك قــط أن هــذا ليــس صــدى وإنمــا هــو صــوت الزمرررررر .لكن الرئيـس لــم يش ـ ّ
) كنكــر ( ! (