Professional Documents
Culture Documents
الكنز الثري
في
مناقب الجعفري
للعارف بالله تعالى سيدى
الباب الول
الولالمام الجعفري
الفصل حياة
الحقائق التاريخية في
النسب والنشأة
النسب الشريف
لقد نال شيخنا المام الجعفQQري -رضQQي ا عنQQه -شQQرف القرابQQة مQQن
رسول ا -صلى ا عليه وآله وسلم -فاسمه :صالح بن محمد بن صQQالح بQQن
محمد بQQن رفQQاعي الQQذي تمتQQد سلسQQلة نسQQبه الشQQريف لتتصQQل بسQQيدنا جعفQQر
الصادق بن سيدنا محمد الباقر بن سيدنا علي زين العابدين بQQن مولنQQا المQQام
الحسين -رضي ا تعالى عنه وأرضاه -بن المام علي بن أبي طQQالب -رضQQي
ا تعالى عنه وكرم ا وجهه ،فجQQدة مولنQQا المQQام الجعفQQري هQQي السQQيدة
فاطمة الزهراء بنت سيدنا ومولنا رسول ا -صلى ا عليه وآله وسلم.-
وللجعافرة نسب كثيرة محفوظة قديمة ،ومن الذين ظهر فيهم النسب الشريف
السيد الشريف إسماعيل النقشبندي وتلميذه الشQQيخ السQQيد موسQQى المرغنQQاني
ول تزال ذرياتهم تحتفظ بتلك النسب كثيرة الفروع المباركة.
وقد كان شيخنا المام الجعفري -رضي ا عنQQه -فQQي بQQداياته ل يصQQرح بهQQذه
النسبة مع أنه كان يشعر منذ صغره بأنه من ذرية المام سيدنا جعفر الصادق-
رضي ا عنه -إلى أن وجد في بعض الوراق أن نسبة والQQده :جعفQQري .ثQQم
توالت البشارات التي تصدق هذه النسبة ،يقول شيخنا المام الجعفري -رضQQي
ا عنه» :-فأول رؤيQQا رأيQQت فيهQQا السQQيدة زينQQب -رضQQي ا عنهQQا -بنQQت أميQQر
المؤمنين سيدنا علي -رضي ا عنه وكرم ا وجهه -فسلمت عليها وهي في
مقامها من وراء حجاب ومدت لي يدها وهي مستترة وقالت لي :كيQQف حالQQك
::الكنز الثرى :: 3
وفي هذه البيات أشار الشيخ إلى رؤيا أخرى رأى فيها جQQدته السQQيدة فاطمQQة
الزهراء -رضي ا عنها.-
ويقول المام الجعفQQري فQQي أحQQد كتبQQه» :قبQQل ذهQQابي إلQQى الحQQج عQQام ثلث
وتسعين وثلثمائة وألQQف رأيQQت سQQيدنا الحسQQين -رضQQي ا عنQQه -فQQي مقQQامه
وسلمت عليه ،ومن محبتي فيه قلت له :من أنا؟ قال :الجعفري .قلت له :إننQQي
من ذريتك ،وإن أهلي يشبهونك -كأنني أعرفه بQQأنني مQQن ذريتQQه -فرفQQع صQQوته
قائل :vسام وحام ويافث أبناء نوح عليه السلم أنا أعرفهم وأعرف ذراريهم ثQQم
شرع يشرح في ذرية سيدنا نوح -عليه السلم -ففهمت مQQن كلمQQه -رضQQي ا
عنه -كيف ل عرف ذريتي وقد أطلعني ا -تعالى -على ذرية أبناء نوح -عليهQQا
لسلم ،-وقد قالوا :النسب يظهره العلم ويخفيه الجهل وينفع صQQاحبه إذا أيقQQن
به واحترمه وعمل ما ينجيه من النار ويخلصه من غضب ا تعالى ،قال -عليQQه
الصلة والسلم» :من بطأ به عمله لم يسQQرع بQQه نسQQبه« أي :مQQن كQQان عملQQه
سيئvا وأخره عن دخول الجنة ل يدخله نسبه الجنة« ]فتح وفيض ص .[95 ،94
السQرة الشريفQة
الجد :الشيخ صالح بن محمد رفاعي..
ومولنا المام الجعفري أصله مصري ،فجد والده من بلدة إسQQنا ،وجQQد والQQدته
من جعافرة قناة من بلدة اسمها البياضية ،وكان عندما يزور هذه البلدة يحضر
عمدتها شيئvا من بلحها ،ويقول لQQه :هQQذا مQQن نخQQل جQQدتك الQQتي هQQاجرت إلQQى
السQQودان ،وأمQQا والQQده فينتهQQي نسQQبه إلQQى الجعQQافرة الQQذين يسQQكنون بلQQدة
»الحليلة« .وكان يقول :إن جدنا كان ي‹عرف بالرفQQاعي ،وقQQد هQQاجر إلQQى دنقل
بالسودان واستقر هناك ،وكان مQQن علمQQاء الزهQQر العQQاملين ،فقQQد كQQان يقيQQم
حلقة لتحفيظ القرآن الكريم وحلقة لتQQدريس العلQQم النQQافع فQQي مسQQجد دنقل،
وكان منصرفvا بقلبه وعله وسائر جوارحه إلى العلم والقQQرآن ،وقQQد تQQرك أمQQور
الزراعة وإدارة شئون منزله إلQQى ابنQQه -محمQQد صQQالح -فهQQو الQQذي كQQان يتQQولى
فلحة الرض وأشرف على تزويج إخوته البنين والبنات قبل أن يتزوج هو.
وقد كان لهذه السيرة العطرة للجد أثرها العميق فQQي سQQلوك الحفيQQد -مولنQQا
::الكنز الثرى :: 5
المام الجعفري -رضي ا عنه -فقد ورث عنه حب العلم والعبادة والعراض
عن زخرف الحياة الدنيا -كما سيأتي في الحديث عن نشأته الولى.-
وكان المام الجعفري يحب جQQده حبQQvا عQQبرت عنQQه القصQQائد الQQتي مQQدحه فيهQQا
مشيرvا إلى علمه وفضله ووليته ،يقول في إحدى قصائده:
يرد للصلة على محمQQد وجدي الجعفري له دوي•
وعلمه وكQم للخلق أرشQد ويحفظ للكتاب كتاب ربي
ويحفظ للدلئل حفظ صدر ويقرؤها ويسمعه محمQQد
]الديوان ج 2ص [185
ومن محبته له سعى إلى ملقاة بعض معاصريه ،فعرف منهم بعQQض منQQاقبه،
ومن أجلuها علمه وتعليمه للقرن الكريم ،وقد حفظ عنه كثير مQQن مشQQايخ دنقل
القرآن الكريم ،وتلقوا على يديه أسرار القراءة ،ومسائل أحكام التجويد ،يقول
مولنا المام الجعفري مشيرvا إلى ذلك:
حفيظvا مجيدvا للكتاب فكQم وقد كان جدي الجعفري مرتQل v
قQQرا
تلقوه عنه حافظQين بل مQQQرا وعلمQQه إني رأيت جماعQQة
وللعلم والقQرآن قد كQان شريف له من أل جعفر نسQQبة
مخQبرا
تعم لل طيبيQن وجعفQQQQQرا عليQه رضQاء ا ينQزل دائمvا
]الديوان ج 2ص [278
ومن البيات السابقة نعرف أن جد الشيخ كQQان ذا صQQلة قويQQة بالتصQQوف ،فقQQد
كانت له أوراده ،ومنها دلئل الخيرات للمام الجزولي -رضي ا عنه -كما كان
كثير الصلة على سيدنا ومولنا رسول ا -صلى ا عليه وآله وسلم.-
يقول شيخنا -رضي ا تعالى عنه -يمدح جده -رضي ا عنه:-
لشيخ الفضل مصحوب الكمال رضQQQاء ا يغشQQQى بQQQالتوالي
وترتيQQQب علQQQى مQQQر الليQQQالي فQQQذاك الجعفQQQري لQQQه كمQQQال
::الكنز الثرى :: 6
عشرة حجة كان يمشي فيها على رجليQQه بيQQن المناسQQك ،وكQQان يقQQوم بخدمQQة
الحجاج ورعاية مصالحهم ،وكQQان يحمQQل سQQلحه ليQQدفع عنهQQم قطQQاع الطQQرق
الذين كانوا يخرجون لقطع الطريق على الحجQQاج وسQQلب متQQاعهم ،وقQQد أشQQار
شيخنا المام الجعفري -رضي ا عنه -إلى ذلك في إحدى قصائده فقال:
بمQQQدح عظيQQQم أنQQQار الQQQديارا وبشQQQراك حقQQQvا أيQQQا والQQQدي
يكQQون نجQQاتي إذا الشQQر ثQQارا جQQQزائي عليQQQه رضQQQاك الQQQذي
حججQQت اعتمQQرت وزرت مQQرارا وأنQQQQت بخيQQQQر وقQQQQد زرتQQQQه
]الQQQQQQديوان ج 3ص
[371
وكان والد المام الجعفري يحضر من السودان إلQQى مصQQر ليQQزور أجQQداده مQQن
أهل البيت وليزور مشاهد الولياء والصالحين ،وكان يزور ابنه الشيخ صالح في
الزهر وقد ذكر المام الجعفري قصة عن والده -رحمه ا -تQQدل علQQى مQQدى
ما كان يتخلق به من أخلق الصالحين الذين ع‹رفوا بالحياء والورع ،يقQQول :إن
الوالد كان في آخر زيارة له بمصر كلما ذهب إلى مكان بالقاهرة يولي وجهQQه
إلى الحQQائط ويمسQQك ذقنQQه بيQQده ،وأنQQا ل أسQQتطيع سQQؤاله عQQن ذلQQك تهيبQQvا لQQه
واحترامvا فلما هم uبركوب القطار ليسافر إلى دنقل قلت له :يا والدي لماذا كنت
كلما ذهبت إلى مكان تدير وجهك إلى الحائط ،وتمسك ذقنك بيدك فقQQال لQQي:
يا ولدي :كلما رأيت امرأة سافرة متبرجة واريت وجهي عنها وقلت :يا رب أبعQQد
هذا السن نفتن وننظر إلى النساء؟ ولم يكQQن العQQري والسQQفور كحQQاله اليQQوم،
ولكنه من شدة ورعه كان يفعل ذلك ،وهذه الشمائل الزكية تزكي هذا النسب
الشريف ،وقد ظل -رضي ا عنه -ملزمvا للعبادة والصلة -مواظبQQvا علQQى أداء
الصلوات الخمس في جماعة ،حريصvا على أن يكون فQQي الصQQف الول طQQوال
عمره الذي أربى على التسعين عامvا.
وقد قال المام الجعفري -رضي ا عنه -في رثاء والده -رحمه ا:-
في قبرك السامي لدى مQQولك مQQا المQQوت إل راحQQة فQQي جنQQة
::الكنز الثرى :: 8
الوالQQQدة :
::الكنز الثرى :: 9
أما والدة الشيخ -رضي ا عنه -فقد كان له عندها مكانة عزيزة وكQQان الثيQQر
الحبيب إلى قلبها لذا كانت شديدة التعلق به ،كثيرة الحنين إليه ،يقول عنها ابنها
المام الجعفري :عندما سافر من السودان إلى الزهر كQQانت والQQدتي ل تطبQQخ
طعامvا أحبه فQQي غيQQابي ،وكQQانت تقQQول :ل أحQQب أن آكQQل طعامQQvا يحبQQه ولQQدي
الحبيب في غيابه.
وعندما تخرج الشيخ من الزهر وعمل فيه طلبQQت منQQه والQQدته أن يرسQQل إليهQQا
جزءvا من راتبه ،ل لحاجة إلى المال ،ولكن لتفرح بأن ابنها قد تخQQرج وصQQار لQQه
راتب ينفق منه على أسرته ،فكان الشيخ يرسل إليها خمسين قرشQQvا كQQل شQQهر
من راتبه الذي كان مقداره ثلثة جنيهات وخمسة وسبعين قرشvا.
وكانت محبة الشيخ لوالدته محبة شديدة ،تدل على الوفاء والبر والرحمة ،وفي
المرة الوحيدة التي لم يذهب فيها للحج منذ بدأ رحلت الحج مQQن سQQنة 1952
وهي سنة 1962م ،فقد حالت ظروف طQQارئة دون سQQفره مQQن القQQاهرة إلQQى
الحجاز ،ذهب إلى السودان ليسافر من هناك ،ولكن لQQم يكQQن لQQه نصQQيب فQQي
الحج ،فلم يستطع أن يسافر إلى الحجاز من السودان أيضvا ،فذهب إلى بلQQدته
ليقضي أيام عيد الضحى مع والدته فQQإذا بهQQا تقQQول لQQه بلسQQان الم الصQQالحة
الطاهرة الولية التقيQQة :كيQQف تQQذهب إلQQى الحQQج وتQQتركني؟ وأنQQا منQQذ عQQام قQQد
اشتريت خروفvا للضحية وأنا أدعو ا تعالى أن يأكل منه ابني الشيخ صالح؟!
تلك كانت لمحة موجزة عن أسرة مولنا المام الجعفري ،وهي أسرة ظهQQرت
عليها دلئل شرف النسب .وزكuى نسبتهم إلى جQQدهم المQQام جعفQQر الصQQادق-
رضي ا عنه -صدق فعالهم وكريم خصالهم ،يقول مولنا المQQام الجعفQQري-
رضي ا عنه:-
وفQQQQQQQQQي البلد ظQQQQQQQQQاهره˜ قبQQQQQQQQQQQائل الجعQQQQQQQQQQQافره˜
نQQQQQQQQورvا بهQQQQQQQQم سQQQQQQQQناه قQQQQQQد أدركQQQQQQت مفQQQQQQاخره
وأطعمQQQQQQQQQوا الطعامQQQQQQQQQا قQQQQQQQد ورثQQQQQQQوا إقQQQQQQQداما
بهQQQQQQQQم لQQQQQQQQه أشQQQQQQQQباه وأحسQQQQQQQQQQنوا الكلمQQQQQQQQQQا
:: الكنز الثرى:: 10
عمي ،فكان يقول له :دعه وشأنه ،وكQان عنQQدنا دكانQQان فكنQQت إذا حضQQر أحQQد
الفقراء أعطيته مما فيهما ول آخذ منه شيئvا ،ولما ذب أبQQي إلQQى سQQيدي محمQQد
الشريف ليسأله عن هذا الحال قQQال لQQه :أنسQQيت أنQQك قQQد وهبتQQه للQQه تعQQالى؟
أرسل ولدك إلى الزهر.
وكان عمر الشيخ في ذلك الوقت ستة عشر عامvا ،وكان قد أتم حفQQظ القQQرآن
الكريم في مسجد دنقل العتيق الذي يوجد فيه قبر سيدي عبد العالي ،وعمQQره
أربعة عشر عامvا .في هQQذه السQQن الصQQغيرة الQQتي يحلQQو فيهQQا للطفQQال اللهQQو
واللعب ،ولكن الجعفري لQQم يكQQن كبقيQQة الطفQQال ،فلQQم يكQQن يشQQاركهم فQQي
لهوهم ،بل كان دائمvا منصرفvا إلى المسجد ،وكانت أمQQه إذا س‹QQئلت عنQQه تقQQول:
إنه في المسجد يحفظ القرآن وكان يحكي عن حاله في ذلك الQQوقت فيقQQول:
كنت منQQذ طفولQQتي مشQQغوفvا بQQالعلم وحفQQظ القQQرآن وكنQQت ملزمQQvا للمصQQحف
الشريف ،وكنت عندما أنام أضعه بجواري ،فQQإذا اسQQتيقظت فQQي أي وقQQت مQQن
الليل أعود إلى المصحف للقراءة والترتيب ،وقد حفظ المام الجعفري القQQرآن
الكريم على يد فضيلة الشيخ :علي أبي عوف السنهوري والشيخ السQQيد حسQQن
أفندي -وكلهما حفظ القرآن عن جده الشQQيخ صQQالح -وتلقQQى علQQومه الولQQى
في الفقه على فضيلة الشيخ علي محمد جوي من علماء الزهر ،وكQQان إمQQام
مسجد دنقل العتيق.
الشيخ في مرحلة الشبيبة :
وكان الشيخ صالح ملزمvا لضريح سيدي عبد العالي الكائن بمسجد دنقل ،وقد
اتصل مبكرvا بالسيد محمد الشريف بن سيدي عبد العQQالي بQQن السQQيد الشQQريف
أحمد بن إدريس -رضي ا عنهم أجمعين -فأخQQذ الطريQQق عنQه وكQQان عمQره
في ذلك الوقت تسعة عشر عامvا وكان السQQيد محمQQد الشQQريف يختصQQه بمزيQQد
العناية ،وينظر إليه نظرة خاصة ،ويروي لنا المام الجعفري هذه الحكايQة عنQه
يقول :كنت صبيvا صغيرvا عندما كان الشي يلقQQاني قQQائل :vمرحبQQvا شQQيخنا! فكنQQت
أخجل من نفسي وأتساءل عجبvا :كيQQف يقQQول لQQي :مرحبQQvا شQQيخنا وأنQQا صQQبي
صغير وحوله كبار المشايخ؟ وسيأتي تفسير هQQذه الشQQارة عنQQد الحQQديث عQQن
::الكنز الثرى :: 13
ل تحصQQل مQQن مجQQرد النظQQر فQQي الكتQQب ومطالعQQة الصQQحف فQQالعلم النQQافع،
والمعارف اللدنية ،ل تؤخذ إل من أفQQواه العلمQQاء العQQارفين ،ومQQن مجالسQQتهم
والنظر إليهم ومراقبة أفعالهم والقتداء بأحوالهم ،وقد أرى سيدنا عبQQد العQQالي
شيخ‘ن‘ا المام الجعفري صدق مقالته عندما سافر إلى الزهQQر ،وفQQي أول درس
حضره ليتلقى العلQQم مQQن صQQدور الرجQQال ،جلQQس أمQQام عQQال’م الزهQQر الجليQQل
المحدuث الكبير ،الشيخ محمد إبراهيم السQQمالوطي ،وقQQد تجلQQت الكرامQQة الQQتي
تحققت بكلم سيدنا عبد العالي لشيخنا ،عنQQدما كQQان أول مQQا تلقQQاه مQQن صQQدر
الشيخ السمالوطي هو ما كان يقQQرؤه مQQن الكتQQب قبQQل هQQذه الرؤيQQا مباشQQرة،
يقول شيخنا المام الجعفQQري -رضQQي ا عنQQه ...» :-وحضQQرت الشQQيخ محمQQد
إبراهيم السمالوطي المحد”ث وهو يدرس شرح النQQووي علQQى صQQحيح مسQQلم،
فجلست عنده ،وسمعته يقرأ حديث )ل هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ،وإن
استنفرتم فانفروا(« ]فتح وفيض ص .[12
رحلة الشيخ الولى إلى الزهر:
وقد صح العزم من سيدي صالح الجعفري -رضQQي ا عنQQه -علQQى أن يجاهQQد
في سبيل العلم فشمر عن ساعد الجد ،وبدأ رحلته إلى مصر -بلد الزهر -وقQQد
كانت رحلة شاقة وذلك لطول المسافة ووعورة الطريق بين مصQQر والسQQودان
فكان السفر من دنقل -مثل -vيتم عن طريQQق الQQبر ،وكQQان المسQQافرون يركبQQون
المراكب الشراعية من دنقل إلى »كرuمة« ومن كر˜مة يركبون العربQQات اللQQواري
في الصحراء والجبال إلى »عقبات« ثم إلى »حلفQQا« فيركبQQون صQQنادل النقQQل
والمراكب إلى الشللت ثم إلى أسوان ومنها إلى القاهرة ،والطريق بين دنقل
والشللت كلها جبال شاهقة ،وبينها وديان عميقQQة ،وكQQان المسQQافرون يQQبيتون
فيها ليالي طويلة ،وقد أشار شيخنا الجعفري -رضي ا عنه -إلى هذه الرحلQQة
الطويلQQة فQQي قصQQيدته الQQتي مQQدح فيهQQا آل الQQبيت -رضQQي ا عنهQQم أجمعيQQن-
وأسماها البردة الحسنية الحسينية في مدح آل خير البرية فقال:
حتى أتيت إليهQQم فQQي ديQQارهم سريت من بلد أسعى إلQQى بلQQد
أرجو الله شهودvا في جمQQالهم وبت في جبل مQQن بعQQده جبQQل
::الكنز الثرى :: 15
]الQQQQQQديوان ج 5ص
[843
وهكذا كانت رحلة المام الجعفري إلى مصر وكان عمره آنذاك عشQQرين عامQQvا
تقريبvا ،وكان قد نجب ولدvا هو سيدي عبد الغني ،وبنتQQvا هQQي السQQيدة »فتحيQQة«
ولما وصل إلى مصر التحق بالزهر الشريف ولزمQQه ملزمQQة تامQQة فمQن أجQQل
طلب العلم هاجر من بلده وموطنه وترك أهله وولده ،فلم يكن ليضQQيع لحظQQة
بغير استفادة علم أو معرفة من علماء الزهر العلم فQQي ذلQQك الQQوقت ،وقQQد
وصف المام الجعفري بنفسه صورة ليوم من أيQQام حيQاته فQQي الزهQر فقQال:
»كان الشيخ يوسف الدجوي -رحمه ا -يقQQرأ الQQدرس فQQي الزهQQر ،مQQن بعQد
صلة الفجQQر إلQى السQعة السQابعة والنصQQف ،وكنQQا نحضQر عليQه ،وبعQد انتهQQاء
الدرس نخرج من الزهر ونQQذهب إلQQى مسQQجد المQQام الحسQQين ،فنجQQد الشQQيخ
محمد السمالوطي جالسQQvا يQQدرuس فنجلQQس عنQQده حQQتى الثامنQQة ،وبعQQد انتهQQاء
درسه نعود مرة أخرى إلى الزهر حيث تبدأ دروس الفقه ،وفي فترة الجQQازة
كنا نحضر دائمvا عند الشيخ السمالوطي في مسجد المQQام الحسQQين] « ..درس
الجمعة .[1/35
أحواله مع شيوخ العلم :
وكان مQن أوائل العلمQQاء الQQذين حضQر الشQQيخ دروسQهم الشQيخ عبQد الرحمQQن
عليش ،يقول المام الجعفري -رضي ا عنه» :-عند حضوري من بلدي كQQان
من أول الذين لقيتهم الشيخ عليQش ،وقQQد تعلمQت منQQه فQQوائد لقولهQQا للنQQاس،
فجزاه ا خر الجزاء« ولم يكن الشيخ عنQQد حضQQوره إلQQى الزهQQر خاليQQvا مQQن
العلوم التي تدرس به فإنه كان قد حصuل كQQثيرvا مQQن العلQQوم والمعQQارف الQQتي
تدرس به ،وحفظ من كتب الحديث ما يسQQره ا تعQQالى لQQه ،وقQQد تجلQQى ذلQQك
واضحvا عندما التقى بأحQQد علمQQاء الزهQQر المعQQدودين فQQي ذلQQك الQQوقت وهQQو
الشيخ محمد خطاب السبكي ،وكQQان ذلQQك اللقQQاء بعQد حضQQوره مQQن السQودان
بشهرين ،وكانت تلك المناظرة التي يجدر بنا أن نقف أمامها متملين ما فيها من
دروس وعبر ،فإن فيها أدلة واضحة على علم المام الجعفري الفياض الغزير،
::الكنز الثرى :: 16
وفيها أيضQQvا كشQQف لحقيقQQة منهQQج الشQQيخ السQQبكي الQQذي يجQQاهر بعQQد مQQدعي
النتساب إلى منهجQQه بالعQQداوة لQQزائري آل الQQبيت -رضQQي ا عنهQQم أجمعيQQن-
يروي لنا المام الجعفري -رضي ا عنه -قصة هذا اللقQQاء فيقQQول» :والشQQيخ
محمود خطاب السبكي -اللهQQم اغفQQر لQQه فإنQQك غفQQور ،وارحمQQه فإنQQك رحيQQم-
حضرت عليه الدرس ،وكان يجلس أمامه خمسة وخمسون طالبQQvا ،فلمQا انتهQى
من درسه قام يريد الخروج ،فقمت إليه -وكنت قQQد حضQQرت مQQن بلدي حQQديثvا-
فتناولت يده لقبلها ،فمنعني من ذلك ،فقلت له» :أخرج أبو داود في سننه فQQي
باب وفد عبد القيس أنهم ألقوا بأنفسهم من فوق دوابهم ،وابتQQدروا يQQد النQQبي-
صلى ا عليه وآله وسلم -ور’جله فقبلوهما« ،فما أنت بأورع من رسQQول ا-
صلى ا عليه وآله وسلم -فنظر إلي uمليvا ،ثم التفت إلQQى مQQن حQQوله ،ثQم قQQال
لي :من أين أنت؟ قلت :من بلد ا! وكان قد مضى علي uشهران في الزهر،
فالتفت إلى من معه ،ثم قال لهم :انظروا إلى هQQذا ،لQQه شQQهران فQQي الزهQQر،
ويخاطبني بسنن أبي داود ،وفي الزهر من له ثمانون سنة ول يدري أين سنن
أبي داود .كان هذا جوابه ،وأنا أشكره ،لنه امتثل للدليل وكان بعQQد ذلQQك كلمQQا
سلمت عليه يرسل يده لي فأقبلها ،فأنا أشكره ،لنQه اقتنQQع بالQدليل وأشQهد لQه
يوم القيامة بهذا عند ا تعالى« ]درس الجمعة ج 2ص .[156
وحين وفد الشيخ إلى القاهرة ساءه شيوع التQQبرج والختلط بيQQن الكQQثير مQQن
أهلها على غير ما ألفه في بلده دنقل التي نشأ فيها نشأة الزهد والعلم ولزوم
المساجد للعبادة ،ولم يكن هناك في بلدته اختلط النسQQاء بالرجQQال أو ظهQQور
النساء بهذا المظهر الذي فوجئ به عندما خQQرج فQQي شQQوارع القQQاهرة فأخQQذه
الضيق من زحامهQا ،واختلط النسQQاء بالرجQQال فيهQا -حQتى هQم uبQQالعودة إلQى
بلده ،ولكنه قرر أن يزور مولنا المام الحسين -رضي ا عنه -ولما فرغ مQQن
الزيارة ،لقيه شيخه العارف محمد إبراهيم السمالوطي -رضي ا عنه -فكان
أن كاشفه بما يدور في خاطره قائل :vل تظن أن الولياء يعيشون في الخلوات
ويفرون من الناس في المغارات فقط ولكن الولي الصادق هو الQQذي يعيQQش
::الكنز الثرى :: 17
وسط العقارب فل تتمكن من لدغه ،فامكث هنا وجاهد نفسك ،وجاهد هؤلء
النفر من الناس!! فقال الشيخ صالح في نفسه :هذا شيخ عارف لن أفارقه ما
حييت ،وقد لزمه بالفعل حتى وفاته وكان درس الشيخ السمالوطي في علوم
الحديث ،وكان يلقيه في مسجد مولنا المام الحسين -رضي ا عنQQه -وهكQQذا
انطلق الشيخ في طريق العلم ،فلQQم يQQترك شQQيخvا إل وأخQQذ عنQQه وجلQQس فQQي
حلقته ،وكان يسهر ليله في العبادة والذكر وتلوة القرآن وكان يجب السر فQQي
العبادة ،وكان يقول :إن للعبQQادة لQQذة ل تعQQدلها لQQذة ،فكQQان يمسQQك المسQQبحة
اللفية ،ويظل يQQدور بهQQا فQQي صQQحن الزهQQر يسQQبح ا -تعQQالى -حQQتى صQQلة
الصبح ،وكان يقول :كنت في شبابي أختم القرآن كل ثلثة أيام وهذا ل يكQQون
إل بتوفيق ا -تعالى.-
ولم يكن الشيخ وهو بالزهر منقطع الصلة عن والده ،فكان والده يرسل إليQQه
كل شهر عشرة جنيهات ،وهو مبلغ كبير في وقته فQQي الثلثينQQات ولكQQن الشQQيخ
صالحvا كان ينفقها على فقراء الطلبة في الزهر ،وكان يعيش بينهم ويشاركهم
طعامهم البسيط ،بل إنه في بعض الوقQQات كQQان ل يجQQد طعامQQvا يQQأكله فيQQبيت
طاويvا تأسيvا برسول ا -صلى ا عليه وعلى آله وسلم -وكQQان يحQQدث أبنQQاءه
ومريديه عن هذه اليام فيقولك كنا نبي علQQى الطQQوى ليQQالي كQQثيرة ،بQQل إننQQي
مكثت أربعة أيام ل أجد ما آكله ،وكنت أزور بعض معارفي فكان يسألني :هل
تريد أن تأكل؟ فكان الحياء والخجل يغلبانني فأرد قائل :vقد أكلت ،وهكQQذا بلQQغ
بي الجوع حدvا جعلني أبكي قبل النوم ،فجاءني السQQيد أحمQQد البQQدوي -رضQQي
ا عنه -في المقام وعلى وجهه لثامان ،ثم كشف عن وجهه ،فوجQQدته أبيQQض
كالقمر ثم وضع يده على وجهي وقال :لماذا تبكي يا شيخ صالح؟ فقلت :مQQن
شدة الحاجة ،فقال لي :سيوسع ا عليك إن شاء ا ،ولكن ل تنس إخوانQQك
فاستيقظت من نومي فرحvا مستبشرvا ،وقلت :لك عندي ذلك وسأزورك كل عام
زيارتين على القل.
وكان الشيخ صالح الجعفري -رضي ا عنه -حريصvا على السQQتفادة مQQن كQQل
::الكنز الثرى :: 18
لحظة يجلس فيها مستمعvا للدرس ،فكان كير السؤال فQQي الQQدرس للسQQتفادة
والستزادة مما عند شيخ الحلقة من علQQوم ومعQQارف ،وقQQد قQQال مQQرة لشQQيخه
السمالوطي :أنا أسألك كثيرvا ،وأنت تQQرد علQى uكQQثيرvا ،وإخQQواني يQQدفعونني مQQن
ظهر ،فقلت له الشيك السمالوطي :أنت عليك أن تسأل .ونحQQن نجيQQب ،فعليQQك
أن تتحمل لسع النحل ،حتى تحصل على العسل!
ولم يكتف الشيخ بالدروس العامرة التي كان يحضرها بين عمدة الزهQQر ،بQQل
سعى إلى العلم خارجه أيضvا ،فكان يخQQرج مQQن الزهQQر ليحضQQر درس العل uمQQة
الشيخ الشبراوي في مسجد »النور« الملحق بقصQQر عابQQدين ،وذات يQQوم تQQأخر
الشيخ الشبراوي عن الحضور إلى الQQدرس ،فنهQQض شQQيخنا الجعفQQري وجلQQس
مكان شيخه وألقى الدرس ،وفي أثنQQاء ذلQQك حضQQر الشQQيخ الشQQبراوي فوقQQف
بعيدvا ليستمع لتلميذه النجيب ،وهو فرح به مسرور ،فلما فرغ مQQن درسQQه قQQال
له :ما شاء ا! ما شاء ا! إنك لست في حاجة إلى حضور درسي بعد اليوم
وقد عرفت الن أنك تستطيع أن تجلس وتدرس العلم للناس ،فقال له شQQيخنا
المام الجعفري :أنا ل استغني عQQن درسQQك أبQدvا ،وإنمQQا جلسQQت مكانQك حQQتى
تحضر.
يقول مولنا المام الجعفري -رضي ا تعQQالى عنQQه» :-عنQQدما نظمQQت الQQبردة
الحسنية الحسينية ،وكQQانت مQQن أول مQQا نظمQQت ،ذهبQQت مQQع الشQQيخ الشQQبراوي
لزيارة المام الشافعي -رضي ا عنه -فأعطيت له القصQQيدة ليقرأهQQا فجعQQل
كلما قرأ بيتvا أو بيتين يقول لي :أأنت نظمت هذا؟ فأقول :نعم ،فيقول لQQي :مQQا
شاء ا! ما شاء ا! ،واستمر على ذلك حتى انتهى من قراءة القصيدة كلها.
ويبدو أن لذة العبادة وحلوة العلم ،واستغراق الشيخ في حيQاته بQالزهر ،قQQد
جعله ل يفكر في أهله ووطنQQه فQQي دنقل بالسQQودان ،فQQدفع الحنيQQن والشQQوق
والده إلQQى أن رسQل لQQه خطابQvا يQQذكره بQأهله ووطنQQه ،ويQQدعوه إلQQى زيQارتهم
بالسودان ،وقد و‹جد هذا الخطاب بيQQن أوراق الشQQيخ بعQQد انتقQQاله وهQQذا نQQص
الخطاب:
::الكنز الثرى :: 19
»فQQي يQQوم 5/2/1940م ...حضQQرة الشQQيخ صQQالح محمQQد صQQالح ...دام ...بعQQد
السلم عليكم ...أتعشم أن تكون بكامل الصحة كما نحن كذلك ،حضQQرت مQQن
الحج بخير وصحة جيدة ،وكذلك الوالدة ،إن شاء ا تكون كذلك ،وأنا أتعشQQم
أن تسمع مني لتحضر لدنقل تأخذ معنQQا شQQهرvا واح Qدvا ،وبعQQد ذلQQك ترجQQع إلQQى
مصر ،أرجوك الرجاء الخاص أن تحضر لنQQا ولQQو شQQهرvا واح Qدvا بQQدنقل يQQا إبنQQي
ضروري من حضورك ،وإذا لم تحضر فأنا مضطر أن أحضر لمصر ،المQQل أن ل
تكلفني مصاريف لحضوري مصر ،أتعشم أن تسمع قQQولي ،ولزم مQQن إفQQادتي
والسلم ...والدك محمد صالح محمد.
ولكن الوالد لم يحتمل فراق ابنه أكثر من ذلك ،فلم ينتظر ليحضQQر إليQQه ،ولكنQQه
ذهب إلى القاهرة ليزوره ،وقد استقبل الشيخ صالح الجعفQQري والQQده أحسQQن
استقبال ،وقام على خدمته ،ولزمه في زيارته لهل البيت -رضي ا عنهم.
وقد ذكرنا خبر تلك الزيارة ،وما حدث فيها فيما مضى من الكتاب .وكQQذلك كQQان
الشيخ -رضي ا تعالى عنه -بارvا بوالدته ،فكان يرسل إليها -كما ذكرنا -جQQزءvا
من راتبه عندما تعيQQن فQQي الزهQر ،وكQQان يحفQQظ كQQثيرvا مQQن كلمهQQا ودعواتهQQا
المباركات ،وفيما يلي نص خطاب أرسله غليها -ويلحظ في هQQذا الخطQQاب أن
الشيخ -رضي ا تعالى عنه -يبس”ط الكلم ،ويسهل اللفاظ ،ويصQQوغ عبQQارات
قريبة من طريقة أهل السودان في كلمهم ،يقول:
»يQQا والQQدتي السQQلم عليQQك ورحمQQة ا وبركQQاته ،إن شQQاء ا عمQQرك يطQQول
وخيرك كثير ،والبركة حاصلة ،وإن شاء ا الشيء اللQQي تعQQوزيه توجQQديه بيQQن
يديك ،اليد السعيدة سعيدة ،وبيت الكرام عند ا مكروم ،البركة ما تدخل تحت
التراب ،والحمد لله بركتنا مشر”ق معانا ،مغر”ب معانQQا ،ولنQQا رب اسQQمه الكريQQم،
ولنا رزق مضمون ل يأكله ديب ،ول يمنعه عدو ول حبيب«.
وعندما بل”غ الشيخ صالح الجعفري -رضي ا عنQQه -نبQQأ انتقQQال والQQده إلQQى دار
البقاء مل قلبه حزن نبيل ،عب“ر عنه نثرvا وشعرvا ،وتمثل ذلك في صQQورة خطQQاب
خاطب فيه الشيخ روح والده -رحمه ا -وتأمل جيدvا محتوى هذا الخطاب أيها
::الكنز الثرى :: 20
القارئ الكريم ،تجد في كلماته صفاء النفس ،وعمق اليمان ،ورقQQة الشQQعور،
وقQQوة عاطفQQة البQQن تجQQاه والQQده ،فلQQم تخرجQQه مصQQيبة المQQوت عQQن منهجQQه،
وطريقته ،ولم يفقده ألم الفراق ثباته ورباطة جأشه ،وإنما يخاطب فيه والQQده
مخاطبQQة الحQQي للحQQي -وإن اختلفQQت العQQوالم -ول نريQQد الطالQQة فQQي تقQQديم
الخطاب ،فها هQQي عبQQاراته مسQQطورة تكشQQف عQQن الحQQال ،وتغنQQي عQQن بليQQغ
المقال» :بسم ا الرحمن الرحيم ،وصلى ا على مولنQQا محمQQد وعلQQى آلQQه
في كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم ا ،أيهQQا السQQيد الوالQQد الحQQاج محمQQد
صالح محمد الجعفري السلم عليكم ورحمة ا وبركاته ،فQQي عQQالم برزخQQك،
وفي روضتك ،حيث تسمع وترى ،وتبصر ما ل نرى ،أسلم عليك من قلب حزين،
برحمة ا يود رؤيتك ،ولكن الحكم لله ،فإذا حجبت عن بصQQري ،فلQQم تحجQQب
عن بصيرتي ،وإذا غبت عن المكان ،فلم تغب عن الج‘نQQان ،قQQد م Qن uا عليQQك
بنعمة عظيمة ،ووهبك حياة طيبة كريمة ،واليوم أنت في ضيافة الكريم الكرم
في راحة تامة ،ونعيم أعظم ،وقد من uا عليQQك بشQQيء لQQم تنلQQه بلسQQانك ول
بيديك ،وهو اتصالك بمن أنت منهم ،وهم أجQQدادك الجعQQافرة فهنيئvا لQQك اليQQوم
بمجاورتك لتلك الرواح النقية الطاهرة ،ولقQQد كنQQت تمشQQي علQQى آثQQارهم فQQي
حياتك ،واليوم تفQرج بلقQائهم بعQد مماتQك ،ولقQد أخQQبرتني أنQك ووالQدك كنتمQا
تجلسان لسماع دروس بحر العلوم المتلطمة أمواجها والشمس التي أضQQاءت
الحبة بسراجها ،الزاهد التقي ،والشريف الولي السيد عبد المتعال الدريسQQي-
رضي ا عنه -فهنيئvا يا والدي ،فلطالما تمتQع نظQرك بQالنظر إلQQى ذلQQك الQQوجه
البراق ،وتشنuف سمعك بذلك العلم الترياق ،الذي تلقاه السيد عبد المتعال عن
شيخه الفاضل المفضQQال ،عل uمQQة الزمQQان ،وفريQQد الوان ،ذي النQQوار البQQاهرة،
والعلQQوم الظQQاهرة والعبQQادة والمجاهQQدات ،والمQQواعظ والرشQQادات ،الحQQافظ
المتقن لما يرويه ،والفقيه المحقق لما يحكيه ،الذي سار على قدم شيخه ولQQم
يخالف قيد شعرة والذي أعطى شيخه حقه من الجلل وعQرف قQدره ،السQيد
محمد بن علي السنوسي الدريسي ،وهو قد تلقى عن شQQيخه :شQQيخ الشQQيوخ
::الكنز الثرى :: 21
ولم يلبث الشيخ أن نفض عن نفسه غبار الحزن ،فنهض إلى دروسQQه ومضQQى
مجد§ا مجتهدا في تحصQQيل علQQوم بQQالزهر الشQQريف الQQذي لQQم يكQQن يفQQارقه إل
لزيارة جده المام الحسين -رضي ا عنه -ومشاهد أهل البيت ،وكان -رضQQي
ا عنه -يقول :بلد¨ فيها مولنا المام الحسين ل يفضQQلها إل المدينQQة الQQتي فيهQQا
جد›ه -عليه الصلة والسلم -ولول وجود مولنا المQQام الحسQQين مQQا بقيQQت فQQي
مصر ،وسنعقد فصل vخاصvا لعلقة مولنا المام الجعفري بآل البيت -رضي ا
تعالى عنهم أجمعين.
وجاء وقت الحصار ،فقد أتم الشيخ صالح الجعفري دراسة علوم الدين واللغة
وغيرها في ساحة الزهر المعمور ،في وقت لم يكن التشعيب والتخصص قد
عرف طريقه إلى الزهر ،فكان طالب العلم ينتقل بين دروس العلم المختلفQQة
كما تنتقل النحلة النشيطة من زهرة إلى أخرى ،فتمتQQص غQQذاءها مQQن رحيQQق
هذه وتلك ،فيخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيQQه شQQفاء للنQQاس .حصQQل
الشيخ صالح الجعفري على شهادة العالميQQة الهليQQة مQQن الزهQQر فQQي نظQQامه
القديم.
عQودة إلى دنقQل :
أراد الشيخ أن يدخل البهجة والسرور على أهله في دنقل فسافر إليهم بعد أن
نال شهادة العالمية الهلية ،ففرحوا به كثيرvا ،وطلبوا منه أن يبقى معهم ،فلQQم
يشأ أن يغضبهم ،وبقي بينهم قرابة ثلثQQة أشQQهر ،ثQQم رأى فQQي المنQQام السQQيدة
زينب والسيدة سكينة -رضي ا عنهما -تتحدثان قائلتين :إن الشيخ صQQالح قQQد
تركنا وانشغل بزوجته وأولده ،فاستيقظ من نومه متأثرvا ،وجعل يبكي ويقQQول
إنني لم أنشغل عنكم يا آل البيت بزوجتي وأولدي ،ولكQQن الطريQQق بيQQن دنقل
والشللت مغلق ،فهل تفتحون لي الطريق لهب إلى مصر؟
يقول المام الجعفري مكمل vرواية ما حدث» :وفي اليوم الثالث ف‹تQQح الطريQQق
ورجعQQت إلQQى مصQQر وبحثQQت عQQن عمQQل فلQQم أجQQد إل عمل vبزاويQQة صQQغيرة
بالصنادقية ومكثت فيها ثلثة أشهر ،حتى أتاني رجل وقال لQQي :هنQQاك وظيفQQة
في الرواق العباسي فتقدمت إليها وع‹ينت في الزهر.
::الكنز الثرى :: 23
هزة تحرك النفوس ،وتعصف باللباب ،وما أن انتهى الخطيب من مرثاته ،حتى
سأله عنه الستاذ الكبر معجبvا ،ثQQم بQQادر بتعيينQQه مدرسQQvا فQQي الجQQامع الزهQQر،
فأضفى عليه تعيينه الرسمي رسوخvا أخرس ألسنة من كانوا يضQQيقون بسQQلفية
الشيخ لحاجة في نفوسهم ،ويرونه يتجاوز الوضع المناسب لمثله ،حين يتصQQدر
للوعظ يوميvا ،دون ملل ،وهم قلة قليلة ،عرفت خطأهم المتحامل ،فاستكانت
إلى الحق بعد جموح] « ..مجلة الزهر عدد شوال سنة 1399ه Qسبتمبر سQQنة
1979م ص 1874وما بعدها[.
ولمuا عرف الزهر نظام التخصص ،واستحدثت الكليات ،اتجه الشQQيخ إلQQى كليQQة
الشريعة السلمية ،حيث نال منها شQQهادة العالميQQة مQQع إجQQازة اتQQدريس سQQنة
1952م ،وكان قد التحق قبل ذلك بكلية أصول الدين لمدة سQQنتين درس فيهQQا
علومvا لم يكن قد درسها من قبل ولم تكن موافقة لطبعه ومواهبه كما تحدث
الشيخ عن نفسه«.
::الكنز الثرى :: 25
الفصل الثاني
علقة المام الجعفري بالزهر
)الزهر( اسم ارتبط بتاريخ السQQلم والمسQQلمين -منQQذ إنشQQائه -فهQQو الجامعQQة
السلمية العريقة ،التي تحفظ علوم الشريعة والحقيقQQة ،وهQQو بقعQQة طQQاهرة
مباركة من أرض السلم ،يفد إليها المسلمون من كل مكان ،فيتلقQQون دقQQائق
العلوم ولطائف المعارف من أفواه علمائه العاملين المخلصين ،ويتزودون من
علومهم وأخلقهم ،ثم يعودون إلى بلدهQQم ،دعQQاة نQQافعين مخلصQQين لQQدينهم
وأمتهم ،قادرين على الدفاع عن عقيدتهم ،حاملين أنQQوار العلQQم والهدايQQة إلQQى
بني جلدتهم ،محققين في أنفسهم وأهليهم قول الحQQق تبQQارك وتعQQالى) :و‘م‘QQا
ك‘ان‘ ال˜م‹ؤ˜م’ن‹ون‘ ل’ي‘ن˜ف’ر‹وا ك‘اف“ة vف‘ل‘و˜ل ن‘ف‘ر‘ م’ن˜ ك‹ل” ف’ر˜ق‘ة sم’ن˜ه‹م˜ ط‘ائ’ف‘ Qة¨ ل’ي‘ت‘ف‘ق“ه‹QQوا ف’QQي
الد”ين’ و‘ل’ي‹ن˜ذ’ر‹وا ق‘و˜م‘ه‹م˜ إ’ذ‘ا ر‘ج‘ع‹وا إ’ل‘ي˜ه’م˜ ل‘ع‘ل“ه‹م˜ ي‘ح˜ذ‘ر‹ون‘( )التوبة.(122:
ولقد كان الزهر -في عصره الزاهر -عامرvا بالعلماء العارفين ،الQQذين جمعQQوا
بين الشريعة والحقيقة ،ولم يقفوا عنQQد ح Qد uالتحصQQيل وافهQQم ،ولكنهQQم عملQQوا
بهذه العلوم في أنفسهم ،ثم اتجهQQوا بهQQا إلQQى النQQاس يرشQQدونهم ويعلمQQونهم،
فأفاض ا تعالى على قلوبهم من النوار والسرار ،ما جعلهم هداة مهQQديuين،
فعلقQQت بهQQم قلQQوب التلميQQذ والمريضQQين ،لمQQا وجQQدوه عنQQدهم مQQن الصQQدق
والخلص في القول والعمل ،وتحقق فيهم قول المصطفى -صQQلى ا عليQQه
وآله وسلم) :-من عمل بما علم أورثه ا علم ما لم يعلم( ]رواه أبو نعيم في
الحلية[ .وإذا كان المر على هذا النحو ،فل عجب في أن تظل قلوب المسلمين
متعلقة بالزهر وعلمائه ،وأن يكQQون منتهQQى أمQQل طلب العلQQم فQQي سQQائر بلد
المسلمين أن يتعلموا في الزهر الشريف ويجلسوا بين يدي علمائه.
ولقد كQQان المQQام الجعفQQري -رضQQي ا تعQQالى عنQQه -شQQديد التعلQQق بQQالزهر
المعمور متصل vبه اتصال vروحيvا ،حبvا له محبQQة قلبيQQة خالصQQة ،ترجQQم عنهQQا نQQثرvا
وشعرvا في مناسبات شQتى ،وهQذه بعQض كلمQQات عنQه] :منQQبر الزهQر -ديQوان
خطب الشيخ ص [18-15
»الزهر هو الزهر :شرع إلهي ،وميراث محمدي ،محفوظ بحفظ ما فيQQه ،لنQQه
::الكنز الثرى :: 26
حوى القرآن وما فيه من فنون )إ’ن“ا ن‘ح˜ن‹ ن‘ز“ل˜ن‘ا الذ”ك˜ر‘ و‘إ’ن“ا ل‘ه‹ ل‘ح‘اف’ظ‹ون‘( )الحجQQر:
.(9ترفرف فوقه روح صاحب السنة؛ إذ فيه سنته النبوية ،وعلمQQاء أمتQQه الQQذين
هم ورثتQQه وخلفQQاؤه ،فهQQو مكQQان نظQQر ا -تعQQالى -وعنQQايته ،وموضQQع الQQذين
استشهد بهم على وحدانيته) ،ش‘ه’د‘ الل“ه‹ أ‘ن“ه‹ ل إ’ل‘ه‘ إ’ل “ ه‹و‘ و‘ال˜م‘لئ’ك‘ة‹ و‘أ‹ول‹و ال˜ع’ل˜ Qم’(
)آل عمران :من الية (18فهو يحوي العدل ،وبه العدالة ت‹عرف ،ومنه ت‹بعث ،ل
ي‹ظ˜ل’م‹ إذا أظلم الكQون -،وفيQه نQور ا ،-اسQQتنارت بQه القلQوب ،وهQديت بهQديه
الشعوب ،قوي الحجuة ،واضح المحجQQuة ،فيQQه استبصQQار لجميQQع المسQQلمين )ق‘Qد˜
ج‘QQاء‘ك‹م˜ م’ Qن‘ الل“ Qه’ ن‹QQور¨ و‘ك’ت‘QQاب¨ م‹ب’ي Qن¨( )المQQائدة :مQQن اليQQة (15مرفQQوع الQQذكر
والدرجات برفع ا تعالى لعلمائه ،فل يخفضه خQQافض ،فمQQن دنQQا منQQه ر‹فQQع،
ومن عاداه وضع ،له سيف قاطع وبرهان ساطع ،وتجارة لن تبور ،ومنافع في
مشارق الرض ومغاربها ،فهو كQQالغيث للنبQQات )ي‘ر˜ف‘ Qع’ الل“ Qه‹ ال“ Qذ’ين‘ آم‘ن‹QQوا م’ن˜ك‹Qم˜
و‘ال“ذ’ين‘ أ‹وت‹وا ال˜ع’ل˜م‘ د‘ر‘ج‘ات) (sالمجادلة :مQQن اليQQة (11هQQم الQQذين اصQQطفاهم
ا ،فهم صفوة ا في عباده بعد رسله ،فلله تعالى اصطفاء في كل زمQQان،
وجعل لمصر الحظ الوافر مQQن هQQذا الصQQطفاء ،بأزهرهQQا الQQذي رفQQع شQQأنها،
وأعلى ذكرها ،وجعلها كعبة للقاصين ،ورحمQQة للمسQQلمين) ،ث‹Qم“ أ‘و˜ر‘ث˜ن‘QQا ال˜ك’ت‘QQاب‘
ال“ذ’ين‘ اص˜ط‘ف‘ي˜ن‘ا م’ن˜ ع’ب‘اد’ن‘ا( )فاطر :من الية (32ول يكون وارثvا حقvا حتى يعلم
ما في الكتاب ،وللزهر في ذلك القQQدم الراسQQخ ،والبQQاع الطويQل ،واليQQد العليQQا،
ولقد جعل ا الزهر موضع التفقه فQQي الQQدين ،وإليQQه الهجQQرة والن“فQQرة ،وبQQه
النQQذار للشQQعوب والمQQم ،فهQQو أزهQQر المQQة المحمديQQة علQQى اختلف ألسQQنتهم
وألوانهم) ،ف‘ل‘و˜ل ن‘ف‘ر‘ م’ن˜ ك‹ل” ف’ر˜ق‘ة sم’ن˜ه‹Qم˜ ط‘ائ’ف‘Qة¨ ل’ي‘ت‘ف‘ق“ه‹QQوا ف’QQي الQد”ين’ و‘ل’ي‹ن˜Qذ’ر‹وا
ق‘و˜م‘ه‹م˜ إ’ذ‘ا ر‘ج‘ع‹وا إ’ل‘ي˜ه’م˜ ل‘ع‘ل“ه‹م˜ ي‘ح˜ذ‘ر‹ون‘( )التوبة :من الية .(122
وهو مكان لزيادة العلم الذي أرشد ا -تعالى -إليها نبيuه -صلى ا عليه وآلQQه
وسلم -بقوله) :و‘ق‹ل˜ ر‘ب” ز’د˜ن’ي ع’ل˜ما( )طQه :من الية .(114
وهو مكان الحسنى وزيادة )ل’ل“ذ’ين‘ أ‘ح˜س‘ن‹وا ال˜ح‹س˜ن‘ى و‘ز’ي‘اد‘ة¨ ( )يونس :من الية
(26فالحسنى هي العلم ،والزيادة :هي الزيادة منه ،والتفهم فيه ،والتبحر في
::الكنز الثرى :: 27
معانيه وهذا في الدنيا ،وفيه رجال المعاهدة الصادقون ،الذين حQQافظوا علQQى
التراث المحمدي uمن غير تبديل ول تغيير ،من مات منهم مات على ذلQQك ،ومQQن
عاش منهم عاش على ذلك) ،م’ن‘ ال˜م‹ؤ˜م’ن’ين‘ ر’ج‘ال¨ ص‘د‘ق‹وا م‘ا ع‘اه‘د‹وا الل“ه‘ ع‘ل‘ي˜QQه’
ف‘م’ن˜ه‹م˜ م‘ن˜ ق‘ض‘ى ن‘ح˜ب‘ه‹ و‘م’ن˜ه‹م˜ م‘ن˜ ي‘ن˜ت‘ظ’ر‹ و‘م‘ا ب‘د“ل‹وا ت‘ب˜د’يل ) (vالحQQزاب (23:وفيQQه
رجال المر والستنباط ،الذين أمر ا الشعوب أن ترد المQQر إليهQQم )و‘ل‘Qو˜ ر‘د›وه‹
إ’ل‘ى الر“س‹ول’ و‘إ’ل‘ى أ‹ول’ي ال‘م˜ر’ م’ن˜ه‹م˜ ل‘ع‘ل’م‘ه‹ ال“ Qذ’ين‘ ي‘س˜ Qت‘ن˜ب’ط‹ون‘ه‹ م’ن˜ه‹ Qم˜ ( )النسQQاء:
من الية (83وأولو المر :هQم أولQQو العلQم ،لقQQوله تعQQالى )لعلمQه( ..ول يخلQQو
شعب من الشعوب إل وفيه أشباله .أسو˜د¨ :عمائمهم تيجانهم ،وعدتهم إيمانهم،
وما من خير إل وهم قادته والداعون إليه ،ففي الجهاد هQQم السQQابقون ،وفQQي
الراء هم المفكQQرون ،ارتضQQاهم ا حملQQة لQQدينه ،وأئمQQة لعبQQاده ،ومرشQQدين
لخلقه ،فهم مصابيح المم ،وأقمار الشعوب ،وبهم إصلح المجتمع ،يحQQافظون
عليQQه مQQن الوحQQوش الضQQارية ،والكQQوارث السQQامuة ،والعقQQائد الزائفQQة ،والراء
الفاسدة ،ومن عبث العابثين ،وتخريف المخرفين ،ل يضQQل شQQعب وفيQQه منهQQم
عال’م ،فهم الزائرون على المنابر وهم الخطبQQاء فQQي النQQوادي ،والكQQاتبون فQQي
الصحف والمجلت .أقوالهم كالسنuة تقطع كل قول ضال ،uوتزجر كQQل منQQافق،
وتهدي كل حائر ،وتبين الغوامض من المور ،والمشكلت من المسائل.
فمن أكرمهم أكرمه اله ،ومن أعرض عنهQم فقQQد أعQرض عQن ا ،مجالسQهم
مجالس ا ،يقولون بقوله ،ويهدون لحكامه ،ويحافظون على حرماته ،فمQQن
أحبهم فبحب ا أحبهم ،فهم أهل ا وخاصته ،وخلصة خليقته...
وعند هذا الحد uانتهت هذه الكلمة الطيبة الجامعة الQQتي أخQQرج لنQQا فيهQQا المQQام
الجعفري جواهر كلمه ،ونفائس درر حكمه ،فترجم عن أصدق معاني الحQQب
نحو الزهر المعمور ،وما حب›ه للزهر إل حب›ه للعلم الشريف الذي يدرس فيQQه،
فإنك -أيها القارئ الكريم -لو أمعنت النظر في معاني هذا الكلم ،لوجدته في
حقيقة المر ثناء على العلم وهل العلم ،يضاف إلى ذلك اقترانه باسم السيدة
فاطمة الزهراء -رضي ا تعالى عنها -فنال ذلك المعهد العلمي شQQرف ذلQQك
::الكنز الثرى :: 28
وإذا كان القرآن الكريم هو أكبر معجزات النبي -صQQلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم-
فإن »الزهر قQQام بQدور كQQبير فQQي حفQQظ هQQذه المعجQQزات :فQQالقرآن وعلQQومه:
تدرس في الزهر ،والفقه بمذاهبه الربعة فQQي الزهQQر ،وكتQQب اللغQQة وعلQQوم
النحو والصرف في الزهر ،والمعاني والبيان والبديع ،والتوحيد وعلم الحQQديث،
ومصطلح الحديث ،وكتب الصحاح كالبخاري ومسلم ،والمنطق الذي نعQQرف بQQه
التوحيد ،ونرد على الفلسفة :في الزهر ،وما من علم إل وهو موجود بالزهر
الشريف ،وكان العال’م يمكث بQQه اثنQQي عشQQر عامQQvا علQQى القQQل ليأخQQذ شQQهادة
العالمية ،وبعدها يستطيع أن يقول :أنا مالكي ،أو شافعي ،ول يزيد على ذلك،
وإنما يتخصص في مذهب واحد فقط« ]درس الجمعة .[2/135
::الكنز الثرى :: 29
بالزهر الشQQريف ،فاسQQتمع إليQQه وهQQو يQQدرس الحQQديث وعلQQومه وكQQان الشQQيخ
السمالوطي يشرح الحاديث بإسهاب وتفصيل ،وكان تلميQQذه الجعفQQري يتلقQQاه
بالفهم والرضا والقبول ،نأخQQذ مثQQال vعلQQى ذلQQك مQQا حكQQاه الشQQيخ عQQن شQQرحه
لحديث »احفظ ا يحفظك« يقول المام الجعفري:
»ومما من uاله به علي uأنQQن تلقيQQت هQQذا الحQQديث بشQQرحه عQQن شQQيخي الشQQيخ
محمد السمالوطي بالمسجد الحسيني ،شرع يشرح فيه مQQن بعQQد العصQQر إلQQى
ق‹رب المغرب ،وكان ذلك في شهر رمضان المبQQارك ،ومQQن كلمQQه »احفQQظ ا
في أوامره يحفظك في دينك وفQQي جسQQمك وفQQي مالQQك ،وفQQي ذريتQQك وفQQي
زوجتك وفي أهلك وفQQي حياتQQك وفQQي موتQQك وفQQي قQQبرك وفQQي بعثQQك وفQQي
المحضر« ومن ثقة المام الجعفري في علم شيخه السQQمالوطي كQQان عنQQدما
يستشهد بأحد الحاديث النبوية الشQQريفة كQQان يسQQند هQQذه الروايQQة إلQQى شQQيخه
المحدuث ،فقد قال بعد أن روى قول النبي -صQQلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم» -إن
الحرم ل يؤمن فارvا بدم وفل فارvا بخربة« »الخربة« هي الناقQQة ،وتلقيQQت ذلQQك
عن فم الشيخ السمالوطي الذي قرأه في صحيح مسلم.
وقQد أشQرنا أيضQvا إلQQى أن لشQQيخ السQمالوطي يQدvا فQي تQوجيه تلميQQذه المQQام
الجعفري إلى الصبر على ما قد يجده حوله من فتن ،وذلك عندما لقيه خارجQQvا
من مقصورة مولنا المام الحسين -رضي ا تعالى عنه -فكاشQQفه بمQQا يQQدور
في نفسه وناصحه تلك النصيحة الغالية التي أجملها في قوله» :الولي الصادق
هو الذي يمكث وسط العقارب ول تتمكن من لدغه«.
يقول المام الجعفري -رضي ا تعالى عنه» -وكانت تلك أول كلمQQة سQQمعتها
من الشيخ السمالوطي ،فتعجبت من ذلك وقلت ..أيوجQQد فQQي هQQذا البلQQد مثQQل
هذا الرجل من أرباب القلوب والكشف ثم أتركها؟ فجلست في درسه وأحببتQQه
وكنت أحضر درسه في مسجد مولنQQا الحسQQين -رضQQي ا تعQQالى عنQQه -ولن
الرواح جنQQود مجنQQدة ،فقQQد تQQآلف الروحQQان واتصQQل قلQQب الجعفQQري بشQQيخه
السمالوطي الذي كان من أرباب الكشف والتصال برسول ا -صلى ا عليه
::الكنز الثرى :: 31
وآله وسلم -وهذا ما كشفته لنا القصة الQQتي ذكرهQQا الشQQيخ فQQي أحQQد دروسQQه
فقال] :درس الجمعة [1/65
»وكنت أجلس في درس الشيخ السمالوطي علQى يميQن الكرسQQي الQذي كQQان
يجلس عليه ،فقلت بقلبي :هل النبي -صلى ا عليQه وآلQQه وسQQلم -مQQع الشQQيخ
كما يقول؟ فقال الشيخ لي :نعم يا ولد ،نعم يا ولد ،نعم يا ولد.
ولم يقتصر درس الشيخ السمالوطي -رحمه ا -علQQى شQQرح الحQQديث النبQQوي
الشريف ،لكنه كان يدرس علم التوحيQQد كمQQا أفQQاد بQQذلك تلميQQذه الشQQيخ صQQالح
الجعفري -رضي ا تعالى عنه -حيQQن قQQال» :وقQQد أعQQد الشQQيخ السQQمالوطي
رسالة في علم التوحيد في تفسير قوله تعالى) :ل ي‹س˜أ‘ل‹ ع‘م“ا ي‘ف˜ع‘ل‹ ( )النبياء:
من الية (23فقال في تفسيرها» :إن ا -تعالى -حكيم ،إذا فعQQل فعل vكQQان
لحكمة ،والحكيم هو الذي يفعل الشياء محكمة ولحكمة ،فهو ل ي‹سQQأل لمQQاذا
فعلت كذا؟ إنما ي‹سأل الجاهل :لماذا فعلت كذا؟ وقد نتج عن فعلك كذا وكQQذا،
أما الحق تبارك وتعالى فهو يعلم حقQQائق المخلوقQQات وعواقبهQQا ،فQQإذا فعلهQQا:
فعل عن علم وخبرة بعواقب المور ،وأمQQا مQQا سQQواه فQQإنهم يفعلQQون وهQQم ل
يعلمون حقيقة ما يعملون ،فيقعQQون فQQي الخطQQأ ،ولQQذلك قQQال ا تعQQالى) :ل
ي‹س˜أ‘ل‹ ع‘م“ا ي‘ف˜ع‘ل‹ و‘ه‹م˜ ي‹س˜أ‘ل‹ون‘( )النبياء.(23:
الشيخ محمد بخيت المطيعي] :هو مفتي الديار المصرية 1339-1333ه[Q
وقدم له الشيخ بقQوله» :شQيخي الشQQيخ محمQد بخيQQت المطيعQي -رحمQه ا-
عاش 103سنة ،وظل يتردد علQQى الجQQامع الزهQQر ليQQدرس فيQه حQQتى تQQوفي-
رحمه ا -وكان يدرس في الرواق العباسي ،uكان ذات مرة يقرأ الQQدرس فQQي
تفسير آية الصبر وهي قوله تعالى )إ’ن“م‘ا ي‹و‘ف“ى الص“اب’ر‹ون‘ أ‘ج˜ر‘ه‹م˜ ب’غ‘ي˜ر’ ح’س‘اب(s
)الزمر :من الية (10فأراد أن يضرب مثال vعل الصبر كيف يكون؟ فقQQال :كQQأن
يسب› »دخيل ا« صالح ،و»صالح« يصبر.
وكان الشيخ »دخيل ا« زميل الشيخ صالح الجعفري في الدراسة ،وكان قQQد
شتمه قبل حضQQورهما درس الشQQيخ ،فكQQان ذلQQك كشQفvا للشQQيخ محمQQد بخيQQت
::الكنز الثرى :: 32
المطيعي -رحمه ا تعQQالى -ويبQQدو واض Qحvا مQQن كلم المQQام الجعفQQري عQQن
شيخه محمد بخيت المطيعي -عليه الرحمة والرضQQوان -إنQه كQQان يQدرس علQم
التفسير ،وعنه أخذ الشيخ صالح الجعفري -رضي ا تعالى عنه وعن أجداده-
علوم التفسير واقتدى به في افتتاح درسه ،إذ كان الشيخ المطيعي يفتح درسه
بهاتين اليتين الشريفتين )س‹ب˜ح‘ان‘ك‘ ل ع’ل˜م‘ ل‘ن‘ا إ’ل “ م‘ا ع‘ل“م˜ت‘ن‘QQا( )البقQQرة :مQQن اليQQة
(32الية) ،و‘ع’ن˜د‘ه‹ م‘ف‘ات’ح‹ ال˜غ‘ي˜ب’ ل ي‘ع˜ل‘م‹ه‘ا إ’ل “ ه‹و‘ ( )النعام :من الية (59الية،
فكان المام الجعفري يفتتح درسه بافتتاح شيخه الذي حضر عليه .وقد اسQQتمر
في حضور دروس الشيخ المطيعي حتى انتقQل -رحمQه ا -وقQد بقQي علمQه
النافع بعد وفاته -شأن العلماء العQQارفين -يقQQول المQQام الجعفQQري وهQQو يعQدu
مناقب شيخه الشيخ المطيعي -عليه الرحمة والرضوان» -وبعQد وفQاته -رحمQه
ا -ظهر أشخاص ينQQادون بترجمQQة القQQرآن إلQQى اللغQQات الجنبيQQة فوجQQد عنQQد
الشيخ ضمن كتبه رسالة سمuاها الشيخ »حجة ا عل خليقته« قال فيها :ومن
ترجم القرآن إلى اللغات بغير العربية فقد كفQQر ،لن ا تعQQالى يقQQول) :ق‹ر˜آنQQا
ع‘ر‘ب’يuا غ‘ي˜ر‘ ذ’ي ع’Qو‘ج) (sالزمQر :مQQن اليQة ،(28ويقQQول) :إ’ن“QQا أ‘ن˜ز‘ل˜ن‘QQاه‹ ق‹ر˜آنQQا ع‘ر‘ب’يQuا
ل‘ع‘ل“ك‹م˜ ت‘ع˜ق’ل‹ون‘( )يوسف.(2:
الشQQيخ حQQبيب ا QالشQQنقيطي] :من علماء المغQQرب الراسQQخين تQQوفي بمصQQر
1363ه[Q
العال’م العل uمة الحافظ المجاهد في سبيل الحق ،من بلدة شQQنقيط بQQالمغرب،
وفد إلى مصر حيث تصدر للتدريس والتأليف وهQQو صQQاحب »زاد المسQQلم فيمQQا
اتق عليه البخاري ومسلم«.
ولقد كانت هناك صلة روحية قوية بين الشيخ الشنقيطي وتلميذه الشيخ صQQالح
الجعفQQري ،يحكQQي لنQQا عنهQQا المQQام الجعفQQري فيقQQول» :شQQيخي حQQبيب ا
الشنقيطي -رحمه ا -لقد شاهدت منه كرامQQات منهQQا :أننQQي ذهبQQت إلQQى بيتQQه
بجوار القلعة ناويvا بقلبي أن أستأذنه في أن أكون مقرئvا له متن حديث البخاري
ومسلم ،فلما وصلت البيت ،وجلست بغرفQQة السQQتقبال ،وهQQي أول مQQرة أزوره
::الكنز الثرى :: 33
بها ،جاءني متبسمvا ،فلما سلمت عليه وقبلQQت يQQده ،قQQال لQQي» :أنQQت الQQذي -إن
شاء ا -ستكون سرادvا لي هذا العام« ومعنى »سرادvا« :مقرئvا ،والحمQQد للQQه
قد لزمته إلى الممات ،ونزلت قبره ،ولحدته بيدي«.
وواضح من كلم المام الجعفري أن سعيه للقراءة أمام شيخه هو للستفادة
من توجيه شيخه ،وتقويم نطقه ،وقد أذن له شQQيخه بقQQراءة الQQدرس ثقQQة بQQه،
وقد أحفظ ذلك بعض زملئه في درس شيخه الشنقيطي ،يقول الجعفري:
وكنت أقرأ للخوان الحاضرين درسQQvا قبQQل حضQQوره بالمسQQجد الحسQQيني ،فQQإذا
عارضني إنسان أو شاغبني يهمس لي في أذني عنQQد جلوسQQه علQQى الكرسQQي
بقوله» :يعاكسونك وأنت خير منهم« كأنه كان معي ،ثم يأتي في درسQQه بكQQل
موضع حرفت فيه شيئvا ،أو ذكرته ناقصvا ،كأنه كان جالسvا معي يسمع مQQا قلتQQه
وقد حصل ذلك منه مرات كثيرة ،وكان إذا حصل له عذر يرسQQل لQQي تلمي Qذvا أن
أقرأ الدرس نيابة عن الشيخ.
وفي يوم أرسل لي ورقة مكتوبة بخط يده فيها» :قد وكلتك بقQQراءة الQQدرس«
فتعجبت من ذلك :لماذا غيuر الشيخ عQادته مQن المشQافهة إلQى المكاتبQة؟ ومQا
أشعر إل ومدير المساجد قد حضQQر وأنQQا أقQQرأ الQQدرس ،فسQQألني :وهQQل وكلQQك
الشيخ؟ قلت :نعم ،قال :وأين التوكيل؟ قدمت له الورقة المرسلة مQQن الشQQيخ،
ففرح بها ،ودعا لي بخير ،فكانت هذه كرامة منه -رحمه ا تعQQالى -وغفQQر لQQه
وأسكنه فسيح الجنان ،فإنه كان يحبني كثيرvا ويقول لي .أنت بركة الدرس ،قQQد
أجزتك بجميع إجازاتي ومؤلفاتي ]المنتقى النفيس ص .[178-17
ولقد كان الشيخ حبيب ا الشQQنقيطي متنQQوع المعQQارف ،غزيQQر العلQQم ،طQQالت
صحبة المام الجعفري له ،وأكثر الخذ عنه ،والشارة إليه فQQي كتبQQه ودروسQQه،
يقول وهو يصف طريقته في التQQدريس ،ويشQQير إلQQى آثQQاره العلميQQة ...» :وقQQد
لزمته خمس عشرة سنة ،وكان يبدأ الحديث ،فيغوص في بحر التراجم وشرح
الحديث ،ويأتي بتفسير آيات قرآنية ومسائل فقهية وأصولية ،وغير ذلك.
فقد كان يحفظ القرآن الكريم بالقراءات ،ومعه بذلك إجازة مQQن بلده ،وألQQuف
::الكنز الثرى :: 34
كتابvا أسماه »تيسير العسير في علم التفسير وله نظم فQQي القQQرآن بQQالقراءات
السبع حللت من رموز الشQQيخ الشQQاطبي -رحمQQه ا -ولQQه منظومQQة فQQي أدلQQة
التوسل ،وكان يقول :عليك بشرحي على زاد المسلم فإنني ما تركت فيه شاذة
ول فQQاذة ،وكQQان مQQن أقQQوى أسQQباب محبQQة المQQام الجعفQQري لشQQيخه العلمQQة
الشنقيطي ما كان عليه من صلح وتقوى وحب للصالحين ،يقل عنه :وكQQان لQQه
حب عظيم لمولنا الشيخ السيد أحمQد بQن إدريQQس -رضQQي ا عنQه -ولQQذريته،
ومن محبة الجعفري لشيخه أنه حرص على نشر تراثQQه ،فقQQد قQQام بطبQQع أحQQد
مؤلفاته في إثبات حياة النبي -صلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم -فQQي قQQبره يقQQول:
]المنتقى النفيس ص [182
فما يحصي المصنف مQQا يقQQول تQQQQQواترت الدلQQQQQة والنقQQQQQول
كبQQQدر التQQQم ليQQQس لQQQه أفQQQول بQQأن المصQQطفى حQQي uطQQري
ول لحمvا وأثبQت ما أقQQQQول ولم تأكQل له الغبQQراء جسQمvا
وهذه البيات مQQن قصQQيدة طويلQQة شQQرحها شQQيخنا المحQد”ث الشQQيخ حQQبيب ا
الشنقيطي رحمه ا ،وقد طبعتها مع شرحها فQQي رسQQالة مخصوصQQة سQQميتها
»دافعة الشقاق« وقد أكرمه ا تعالى بالتصال برسQQول ا صQQلى ا عليQQه
وعلى آله وسلم ،روى ذلك عنه تلميذه المام الجعفري -في ختام ما رواه عنه
يقول» :لقد سمعت منه رحمه ا أعجوبة ذكرها فQQي أثنQQاء درسQQه بالمسQQجد
الحسيني في شهر رمضان قال» :كنت معتكفQQvا بالمسQQجد النبQQوي فQQي العشQQر
الواخر من رمضان فخطQQر بقلQQبي مQQا مQن uا تعQQالى بQه علQQى سQQيدي أحمQQد
الرفاعي رضي ا عنه من تسليمه ومصافحته لرسول ا صلى ا عليه وآله
وسلم .فدنوت من المقصورة النبوية وسلمت على رسQQول ا صQQلى ا عليQQه
وآله وسلم وأنشدته البيتين الQQذين أنشQQدهما سQQيدي أحمQQد الرفQQاعي فمQد uلQQي
صلى ا عليه وآله وسلم يده الشريفة فقبلتها« أه .Qوهذه القصة ما سQQمعتها
منQQه إل فQQي العQQام الQQذي ق‹بQQض فيQQه ]المنتقQQى النفيQQس مQQن ص .[178-177
وبروحه الشفافة الراقية كان يتصل بالسلف الصQQالح رضQQي ا تعQQالى عنهQQم،
::الكنز الثرى :: 35
فقد حكى عنه تلميذه المام الجعفري رضي ا تعالى عنه أنQQه قQQال» :رأيQQت
عمر بن الخطاب رضي ا عنه فQQي النQQوم فقلQQت لQQه يQا أميQQر المQQؤمنين ،أنQQت
موجود والحال هكذا قال لي بصوت عال فيه أثر الغضQQب دعQQك مQQن أصQQحاب
هذا الزمن فإن ا تعالى ل يعبأ بهم ،وهل يصQQلح العطQQار مQQا أفسQQد الطهQQر،
ماذا أفعل« ]درس الجمعة .[2/52
من لطائف استنباطه من المعارف ما نقله عنه المام الجعفري بقوله :إن للQQه
تعالى مكرvا يمكر به بإبليس فيسQQلطه فيجعلQQه مسQQلطvا علQQى الصQQالحين ،فQQإذا
استجابوا له ثم تابوا وندموا ندمvا شديدvا رفعهم ا بذلك درجة فيغضب إبليس
ويتحسر على ذلك ]درس الجمعة .[2/180
وقد توفي العل uمة حبيب ا الشنقيطي رحمQQه ا فQQي شQQهر صQQفر 1363ه.Q
وقد شهد المام الجعفري رضQQي ا عنQQه وفQQاته ،ودخQQل قQQبره ،ولحQQده بيQQده
الشريفة.
العلuّuمة يوسف الدجوي:
هو العلمة المحقق المحدuث المفسر يوسف بن أحمد بن نصر الدجوي ،عضو
جماعة كبار العلماء بالزهر الشريف العالم العارف الصالح ،يروي لنQQا تلميQQذه
المام الجعفري رضي ا تعالى عنه قصته معه فيقول» :وقد لزمQQت درسQQه
بعد صلة الصبح بالجامع الزهر الشريف بالرواق العباسي سبع سQQنين ،وكQQان
السيد الحسن الدريسي إذا جاء من السودان يلقاني في درسه ،وبعد الدرس
يسلم على الشيخ فيفرح فرحvا عظيمvا ،ويقول السيد أحمQQد بQQن إدريQQس قطQQب
ل كالقطاب ،وكان الشيخ الQQدجوي قQQد أخQQذ الطريقQQة الدريسQQية عQQن شQQيخي
السيد محمد الشريف رضي ا عنQQه ،والشQQيخ الQQدجوي مQQن هيئة كبQQار علمQQاء
الزهر ،وله مؤلفات نافعة ،ومقالت قيمQQة فQQي مجلQQة الزهQQر الشQQريف ،ولمQQا
نظمت المنظومة المسماة :البردة الحسنية الحسينية ،أهديت إليه نسخة«.
وقد حضرت عليه التفسير من سورة »محمد« صلى ا عليه وآله وسلم -إلQQى
آخر سورة »الناس« .ثم ابتدأ شرح البخاري بعده ،وكان يحفظ القرآن العظيم
بالتجويد والقراءات ،ويذكر أقوال المفسرين .ويعرب الية إعرابvا دقيقQQvا ،ويQQبين
::الكنز الثرى :: 36
اللفاظ اللغوية فيها ،ويتعرض للحكQQام الفقهيQQة علQQى المQQذاهب ،وكQQان يقQQرأ
الحديث بالسند ،ويترجم لرجاله ترجمة طريفة ،ويذكر أقوال vكQQثيرة عQQن ش‹QQراح
الحديث ،وكان له الباع الطويل في مسائل التصQQوف ،والنتصQQار للصQQوفية ولQQه
أبحاث كثيرة قيمة في أدلة التوسQQل بQQالنبي صQQلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم ،ذكQQر
أكثرها في مجلة الزهر المسماة في ذلك الوقت »نور السلم« فعليQQك بهQQذه
المجلة لجل أقوال هذا الشيخ فإنها نافعة .وكان رحمه ا مQQرة يقQQرأ حQQديث
سؤال القبر في البخاري ،وكنت قد ذاكرت شرح الكرماني على البخاري ،ورأيت
فيه أن النبي -صلى ا عليه وآله وسلم -يظهر للمسئول عنQد قQول الملQك لQه:
»ما تقول في هذا الرجل«؟ وبعد انتهاء الدرس قب“لQQت يQده ،وقلQQت لQه :يقQول
الشيخ الكرماني :إنه صلى ا عليه وآله وسلم يظهر للمسQQئول ،فQQوكزني فQQي
صدري وقال لي :أنا ذاكرت شرح الكرماني ،واطلعت فيه على هQQذه المسQQألة،
ل’م‘ا لم تذكرني في الدرس حتى يسمعها مني الناس؟.
وكان مرة يتكلم عن رؤية النبي -صلى ا عليه وآلQQه وسQQلم -منامQQvا فقQQال :إن
الشيطان ل يتمثل به -صلى ا عليه وآله وسلم -إذا جاء فQQي صQQورته الصQلية
والمعتمد أنه -أيضvا -ل يتمثل به في غير صورته الصلية ،قلت لQQه :روى شQQيخنا
السيد أحمد بن إدريس -رضي ا عنه -في كتابه المسQمى »روح السQنة« أنQه
صلى ا عليه وآله وسلم قال :من رآني فقد رآني فإني أظهر في كل صQQورة
ففرح فرحvا عظيمvا ،وقال لي :هQQذا الحQQديث هQQو الQQدليل علQQى أن الشQQيطان ل
يتمثل به صلى ا عليه وآله وسلم .ولقد جاء فQQي غيQر صQورته الصQQلية ،أنQQت
مبارك يا شيخ صالح ،نفع ا بك المسلمين« ]الذخيرة المعجلة ص .[29-27
ولقد أنشدنا الشيخ الدجوي بدرس التفسير بالجامع الزهر عام 1360ه:Q
وأبحQQQQت جسQQQQمي مQQQQن أراد ولقQQQد جعلتQQQك فQQQي الفQQQؤاد
جلوسQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQي محQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQدثي
وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي فالجسم منك للجليس مQQؤانس
]المنتقQQى النفيQQس ص
::الكنز الثرى :: 37
[125
وقد توفي العل uمة الشيخ يوسف الQQدجوي -رحمQQه ا تعQQالى رحمQQة واسQQعة-
في 5صفر سنة 1365ه Qعن ثمان وسبعين سنة ،أي بعد وفاة الشQQيخ حQQبيب
ا الشنقيطي بسنتين.
الشيخ علي الشQائب :
يقول المام الجعفري في بيان أحوال شيخه معه :في أول عQQام حضQQرت فيQQه
الشيخ علي الشائب -رحمQQه ا -وكQQان يدرسQQها ]أي منظومQQة الشQQيخ اللقQQاني
المسماة :جوهرة المريد في علم التوحيد[ فقQQد كQQان هQQذا الكلم فQQي سQQياق
الحديث عن حفظ الشيخ لها غيبvا ،متنvا وشرحvا ،وكان من العلماء الصالحين.
وكان إذا دخل قبQQة سQQيدنا الحسQQين -رضQQي ا عنQQه -ل يتكلQQم مQQع أحQQد أبQدvا،
ويحصل له حال خشوع عجيب ،كأنه يشQQاهده وينQQزل عليQه عQرق كQQثير ،وكنQQت
أدرس عليه أيضvا شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ،وفQQي ليلQQة مQQن الليQQالي
رأيت النبي -صلى ا عليه وآله وسلم -في النQQوم وكQQان يحQQدثني فQQي مسQQألة
علمية أخطأت فيها ،فغضب -صلى ا عليه وآله وسلم -وقQQال لQQي» :يQQا ولQQد«
وذلك من ضمن كلم يطول ،فلمQQا أصQQبحت وحضQQرت فQQي الQQدرس قلQQت فQQي
نفسي وأنا جالس :يقول لي النبي -صلى ا عليه وآله وسلم -يا ولد فهQQل أنQQا
صغير؟ فالتفت إلي uالشيخ وهو يدرس وقال :نما قلنا لك يا ولد كعادة العQQرب
ل لنك صغير
ومرة رأيت وجهه صار في صورة عجيبة ،وبلحية طويلة ،ثQQم تح Qوuل إلQQى وجQQه
آخر ،فقلت في نفسي ،ما هذا؟ رد الشيخ علي uوهو يدرس :هذا الQQوجه الQذي
رأيته هو وجه سيدنا الحسين -رضي ا عنه -والثاني وجه المام الليث -رضي
ا عنه -م رجع إلى درسه ،إلى المكان الذي كان يقرأ فيه ،وأمثال هذا الشيخ
عند الصوفية يسمuون أرباب القلQQوب ،ولعلهQQم يكونQQون المحQدuثين الQQذين منهQQم
سيدنا عمر -رضي ا عنه -كما في حديث البخاري ]فتح وفيض ص .[22
الشيخ عبد الرحمن عليش :
وكان من أوائل العلماء الذين لقيهم المام الجعفري عند دخوله ساحة الزهر
::الكنز الثرى :: 38
الشريف قادمvا من السودان ،يقول عنQQه» :أول مQQا حضQQرت مQQن بلدي وجQQدت
الشيخ عليش يدرس في الزهر وقد علمني فوائد لخبر بها النQQاس ،جQQزاه ا
خير الجزاء«.
ويقول عنه أيضvا» :شيخنا الشيخ عليش كان يقول لي :يا صالح إيQQاك والغيQQب،
الغيب من صفات ا ،ل تتهجم على الغيب؛ لن ا تعالى -يغار على غيبه«.
الشيخ محمد الغنيمي :
قال المام الجعفي عنQQه» :كنQQت أحضQQر درس الشQQيخ الغنيمQQي ،وكنQQت أسQQأله
كثيرvا ،فكان إخواني الطلب يدفعونني من ظهري ،فكان الشيخ الغنيمي يقول
لي :عليك أن تتحمل الضرب ،وتسأل ،وعلينا أن نجيب«.وكان الشQQيخ الغنيمQQي-
رحمه ا -يدرس الحديث ،ويشرح صحيح البخاري للطلب وكان يتخذ مجلسQQه
في الدرس في الجامع الزهر الشريف ،وقد نقل عنQQه المQQام الجعفQQري فQQي
معرض حديثه عن »وصول ثQQواب قQQراءة القQQرآن إلQQى الميQQت« فقQQال» :وقQQد
ألهمني ا تعالى -منذ ثلثين سنة وأنا أقQQر فQQي البخQQاري حينمQQا درسQQته علQQى
الشيخ محمود الغنيمي -رحمه ا -بعد صلة الصبح بالقبلQQة القديمQQة بالجQQامع
الزهر ،ترجم البخاري بقوله )باب قراءة فاتحQQة الكتQQاب علQQى الجنQQازة( ،وقQQال
الحسن :يقرأ على الطفل فاتحة الكتاب ..إلى آخر ما ذكره الشيخ.
الشيخ حسن مدكQور :
وقد كان المام الجعفQQري يجلQQس فQQي حلقتQQه الQQتي كQQان يQQدرس فيهQQا الفقQQه
المالكي ،يقول :بعد أن ذكر قول الشاعر:
خلقvا من أبي سعQيد غريبvا كل يوم تبدي صروف الليQالي
قال الجعفري -رضي ا عنه -هذا البيت كQQان يتمثQQل بQQه كQQثيرvا شQQيخنا الشQQيخ
حسن مدكور المالكي -رحمه ا -درسنا عليه كتاب) :الشQQرح الصQQغير( للشQQيخ
الدردير -رضي ا عنه -ثلث سنين بالجامع الزهر الشريف.
وبعد :فإن هؤلء العلم الذين ذكرنا جانبvا مQQن سQيرتهم ،وأشQرنا إلQQى علقQQة
المام الجعفري بهم ،لم يكونوا وحدهم الذين جلس الشيخ صالح في حلقات
دروسهم ،بل كانوا أشهر من اتصل بهم ونقل عنهQم.
::الكنز الثرى :: 39
وقد ذكر المام الجعفري -رضي ا عنه -أسماء مشQQايخه جملQQة واحQQدة فQQي
أحد كتبه ]المعاني الرقيقة ص ،[112-111فذكر فيما يلي أسماءهم:
قال رضي ا عنه» :ومن مشايخي الذين أدركتهQQم ممQQن جمعQQوا بيQQن العلQQم
والتصوف :شيخي العارف بالله تعالى :السيد محمQQد الشQQريف بQQن السQQيد عبQQد
العالي بن السيد أحمد بن إدريQQس -رضQQي ا تعQQالى عنهQQم -والشQQيخ محمQQد
إبراهيم السمالوطي ،والشيخ يوسف الدجوي ،والشيخ علي الشQQائب ،والشQQيخ
حسن مدكور ،والشيخ عبد الرمن عليش ،والشيخ محمد أبو القاسم الحجQQازي،
والسيد عبد الحي الكتاني ،واليخ أبو الخير المدني شيخ علماء سQQوريا ،والسQQيد
أحمد الشريف الغماري ،والسيد عبد ا الشريف الغماري ،والشيخ علي أدهم
المالكي السوداني،والشيخ حسن مشاط مQQن علمQQاء مكQQة المكرمQQة ،والشQQيخ
محمد الحلبي ،والسيد عبد الخQQالق الشQQبراوي ،والشQQيخ محمQQد عطيQQة البقلQQي،
والشيخ مصطفى صفوت ،والشيخ محمQQد حسQQنين مخلQQوف العQQدوي ،والشQQيخ
محمد العناني شيخ السادة المالكية .والشيخ عبد الحليم إبراهيم ،والشQQيخ أبQQو
يوسف ،والشيخ أحمد وديدي من بلدة رومى بالسودان ،والشQQيخ علQQي محمQQد
جوي إمام وخطيب مسجد دنقل ،والشيخ سيد حسن أفندي ،والشيخ علQQي بQQن
عQQوف ،والشQQيخ أحمQQد النجQQار المدرسQQان بمسQQجد دنقل -رحمهQQم ا تعQQالى
أجمعين -وغيرهم من مشايخ الزهر الشريف.
ومن مشايخي الصالحين الشيخ عبد ا عثمان التنبكتي -رحمه ا تعالى.-
في عالم البرزخ عن الشيخ سليم البشري -رحمه ا -هذا الحديث» :عQQن للQQه
ملئكة يبلغوني عن أمتي الصلة والسلم«.
قلت :وهذا الحديث في الجامع الصغير.
ولقQQد كQQان مولنQQا المQQام الجعفQQري كQQثير الشQQارة إلQQى منQQاقب أعلم الزهQQر
السابقين ،وتذكير الناس بمكارم أخلقهم ،فقد روي عن الشيخ سليم البشQQري
أنه اشترى يومvا قفطانvا جديدvا ،فجQQاءه عQQال’م ليQQزوره ،فQQأدرك الشQQيخ أن ذلQQك
الرجل ليس عنده ثياب جديQQدة يرتQQديها فQQي العيQQد ،فأعطQQاه قفطQQانه الجديQQد،
ومعه جبة وعمامة ،فتمنع الرجل ،وقال له :هذا قفطانك يا مولنا ،كيف آخQQذه
منك وأنQQت لQQم تلبسQQه؟ فQQأبى الشQQيخ سQQليم البشQQري إل أن يعطيQQه لQQه ،وقQQال
لولده :لو كان هذا القفطان من نصيبي أنا ما حضر هذا الرجل في مثل هذه
الساعة ،إنما هو له ! وكانت عند الشيخ سليم البشQQري طلمبQQة ميQQاه فQQي بيQQت،
فجاء رجل ليشرب منها ،فنادى الشيخ وأمر له بطعام ولحQQم ،فقQQال الرجQQل :ل
أريد طعامvا ،بل أريد مال ،vوكان يجلس عند الشيخ سليم :الشQQيخ السQQمالوطي-
وكان عديله -فغضب من رفض الرجل للطعام ،ولكن الشيخ سليم -رضQQي ا
عنه -قال له :يQQا محمQQد أترضQQى أن ي‹قQQال إن سQQائل vوقQQف ببQQاب شQQيخ الزهQQر
فطرده؟ ثم أعطى الرجل مال ،vوأطعمه الطعام ،وهو يقول له :ك‹ل ،فهذا بيت
شيخ الزهر!
ثم جاء له جماعة من أهل السودان ،فرحب بهQQم قQQائل :vأهل vوسQQهل vيQQا أهQQل
السودان الطيبين! ثQم أفطQروا معQه بعQد المغQرب ،وسQمعوا القQرآن ،إلQQى أن
تسحروا قبيل الفجر.
ويروي المام الجعفري للحاضQQرين فQQي درسQQه قصQQة الشQQيخ حسQQن العQQدوي
الحمزاوي ،وارتحاله من بلده إلى الزهر ،فيقول عنه» :بعد أن حفQQظ القQQرآن
الكريم ،صحبه طلبة العلم معهم من بلده إلى الزهر ،ولQQم يكQQن معQQه شQQيء
من المال ،فأصابه جوع شQديد واشQتد بQه الهQuم ،فسQمع رجل vينQادي :يQا أهQل
الكرم ،فقال له :أين هم أهل الكرم الذين تناديهم؟ فأخQQذه الرجQQل مQQن يQده،
::الكنز الثرى :: 41
وذهب به إلى قبQQة مولنQQا الحسQQين ليل ،vفوجQQد مQQن يقQQدم لQQه خQQبزvا وطعامQQvا،
واستمر على هذا الحال ،إلى أن أتم دراسته وحصل على الشهادة من الزهر.
وفجأة حدثت فتنة بين علماء الزهر بعضهم قال :إن رأس مولنا الحسين هنا
في مصر ،وبعضهم قال :ل ،وكان الشيخ الحمزاوي من القائلين بوجود الرأس
في مصر ،فرأى مولنا الحسين في الرؤيا يقول لQQه :كيQQف تقQول :إن الموجQQود
هنا رأسي؟ هل كنت تأخذ نصيبك من الخبز واللحم من الراس بدون الجسQQد؟
فلما أصQQبح الصQQباح ذهQQب الشQيخ الحمQزاوي ووقQQف بيQن علمQاء الزهQر فQQي
المسQQجد الحسQQيني وقQQال :وا ،وا ،وا :إن سQQيدنا الحسQQين هنQQا برأسQQه
وجسده وروحه ،ومن يومها صار الشQQيخ الحمQQزاوي يكتQQب عQQن نفسQQه :خQQادم
العتاب الحسينية ،ثم تفجرت العلوم اللدنية في قلبه حQQتى صQQار شQQيخ السQQادة
المالكية ،وكان الشيخ محمد إبراهيم السمالوطي من أقرب تلميQQذه إليQQه .ثQQم
يلفت المام الجعفري النظار إلى ما كان عليه علماء الزهر في ذلQQك العصQQر
الزاهر فيقول ]درس الجمعة ج 2ص :[52
ولقد كان مشايخ الزهر أصحاب محبة وعقيدة ،وكانت زيارة المام الشQQافعيu
يوم الجمعة عادة حميدة كانوا حريصين عليها.
مع الشيخ علي الصعيدي العدوي :
يروى أن الشيخ علي الصعيدي كQQان يقQQول لتلميQQذه الQQدردير -رضQQي ا عنQQه-
يقولون :إنك ترى رسQول ا -صQلى ا عليQه وآلQه وسQلم -كQQثيرvا ،فQإذا رأيتQه
فاسأله عن حالي ،ففعل فرأى النبي -صلى ا عليه وآله وسلم -يقول له :إنه
رجل صالح ،غير أنه به جفوة ،فلما سQQمع الشQQيخ الصQQعيدي ذلQQك الكلم بكQQى
كثيرvا ،فسله تلميذه الدردير :ما يبكيك؟ قال :يعاتبني رسول ا -صلى ا عليه
وآله وسلم -على تقصQQيري فQQي زيQQارته ،وقQQد تقQQدمت بQQي السQن uول أسQQتطيع
تحمل مشقة السفر ،فإذا رأيته مرة أخرى فأخبره بذلك ،ففعQQل ،فQQرأى النQQبي-
صلى ا عليه وآله وسلم -يقول له :قQQل لQQه -أي للشQQيخ الصQQعيدي» -أنQQا عنQQد
المام الشافعي كل يوم جمعQة مQQن بعQد صQQلة العصQQر إلQQى الفجQQر ،فليQQأتني
هناك« فذهب الشيخ علي الصQQعيدي العQQدوي إلQى علمQQاء الزهQر ،وأخQQبرهم
::الكنز الثرى :: 42
بذلك ،وأصبحت عادة عندهم أن يزوروا المام الشافعي كل يQQوم جمعQة فQQوج
يتبعه فوج ،من العصر إلى الفجر في ذلك العصر الزاهر وقت أن كان العلمQQاء
علماء ،والطلبة طلبة حقvا.
مع الشيخ محمد عبده :
اهتم كذلك المام الجعفري -رضي ا عنه -بأخبار الشيخ محمد عبده -رحمQQه
ا تعالى -كان ينقل في دروسه كثيرvا مQQن نQQوادره وينQQاقش بعQQض المواقQQف
التي كان للشيخ محمد عبده رأيه الذي لم يوافق فيه أهل التصQQوف -كالزيQQارة
وغيرها -ومع ذلك الختلف في الرأي ،فإن المام الجعفري كان يحترم عقلية
الشيخ محمد عبده ،ويعجب باجتهQQاده فQQي الQQدفاع عQQن مبQQادئ السQQلم أمQQام
غزوات بعض المستشرقين ومجادلت بعض الفرنجة الQQذين لقيهQQم فQQي أثنQQاء
إقامته بباريس في فرنسا ]انظر :درس الجمعة ج 1ص .[110-108
مع الشيخ محمد عليش :
ومن علماء الزهر السابقين الذين كان للمام الجعفري حال معهم:
الشيخ محمد عليش شيخ السادة المالكية -فQQي وقتQQه -وقQQد اتصQQل بQQه المQQام
الجعفري اتصال vروحيvا ،وقام بنقل رسالته التي صنفها في علQم التوحيQQد ،وقQد
ذكر المام الجعفري -رضي ا تعالى عنه -بعض مQQا كQQان بينQQه وبيQQن الشQQيخ
محمد عليش من أسرار فقال] :فتح وفيض ص » [35-34وقQQد اسQQتخرت ا-
تعالى -في نقل الرسالة التي تسمى» :تقريب العقائد السنية بالدلة القرآنيQQة«
لفضيلة الشيخ محمد عليش شيخ السQQادة المالكيQQة بالجQQامع الزهQQر الشQQريف-
رحمه ا تعالى -لكونها رسالة مختصرة في علQQم التوحيQQد ،وقQQد أقQQام الدلQQة
على كل ما ذكره من اليات القرآنية.
وحينما جئت الزهر استقبلني منامvا وأرشدني إلى ما فيه الفتوح -والحمQQد للQQه-
وقد حصل لي من فتح ا تعالى ما أشكر ا تعالى عليه على الدوام ،فلذلك
أحبه كثيرvا وأشكره بصالح الدعاء له.
وإن بعض الخوان يقولون :قد حصل بينه وبين الشيخ ابن السنوسQQي -رضQQي
ا عنه -شيء بسبب وشاية الواشين الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ،كان
::الكنز الثرى :: 43
في نفسي شيء من ذلك الذي حصل ،وكنت محتارvا فQQي المQQر ،حQQتى قQQابلني
رجل بليبيا بمدينة طرابلس ،وأخبرني بQQأن عنQQده الرسQQالة الQQتي أرسQQلها الشQQيخ
محمد عليش -رحمه ا -إلى الشيخ سQQيدي ابQQن السنوسQQي -رضQQي ا عنQه-
يعتذر له فيها ،ويخبره بأنه بلغه شيء فغضب من أجلQQه ،ولمQQا تQQبين لQQه الحQQق
استسمح الستاذ الشيخ سيدي ابن السنوسي -رضي ا عنه -وعندما سQQمعت
ذلك فرح قلبي كثيرvا ،لن هذا الخبر وافق ما في قلبي ،لن بيني وبيQQن الشQQيخ
محمد عليش سرvا ل يعلمه إل ا -وأنا أكتب هذه الكلمات حضر بجواري رجل
ليبي أهل علم وقرآن وقQQال لQQي :بلغنQQي أن الشQQيخ عليQQش -رحمQQه ا -ألQQuف
رسالة يثني على سيدي الشيخ ابن السنوسي -رضي ا عنه -وأقر فيها بعلمه
وفضله ،وفي عزمي -إن شاء ا -البحQQث عنهQQا حQQتى ت‹طبQQع ويقرؤهQQا النQQاس
جميعvا ،وهذه الرسالة التوحيدية التي جمعها الشيخ عليش -رحمه ا.
ثم نقلها المام الجعفري كاملة ،وأتبعها منظومة نظمها المQQام الجعفQQري فQQي
علم التوحيد ]انظر :فتح وفيض من ص .[62-36
وكذلك كان المام الجعفري يحكي لتلميذ ومريديه أخبار الشيخ محمQQد عليQQش
مع الخديوي توفيق عندما طلب منه أن يصQQدر فتQQوى ل توافQQق الشQQرع ،فQQأبى
الشيخ عليش أن يفعل ذلك ،مما أدى إلى سجنه ثم وفاته في السجن -رحمQQه
ا -شهيدvا في سبيل الحق والعلم.
مع الشيخ الدردير :
أما عن محبته للعل uمة العال’م العارف بالله -تعالى -سيدي أحمد الدردير -رضي
ا تعالى عنه -فقد فاقت وزادت ،فما أكثر ما نقل عنه المQQام الجعفQQري مQQن
علQQومه ومعQQارفه ،وكQQم مQQن مQQرة استشQQهد فيهQQا بمنظومQQاته ]درس الجمعQQة
[2/145في التوحيQQد والتوسQQل بأسQQماء ا الحسQQنى ]درس الجمعQQة [2/101
وكان يثني عليه وعلى علومه ويرشد تلميذه إلى منQQاقبه وآثQQاره ،وكQQان يصQQفه
بقوله» :أبو البركات الدردير :من سلطين علماء الزهر وأساطينه ،كوكب مQQن
كوكب العلماء ،ونجم زاهر ،قال في الخريدة:
للواحد المختار جل uوعل واعلم بأن التأثير ليس إل
::الكنز الثرى :: 44
]الديوان [9/62
وكان المام الجعفري يزور المام العارف سQQيدي أحمQQد الQQدردير كQQثيرvا ،وكQQان
يوصي أبناءه من محQQبين ومريQدين بزيQارته ،وقQQد مQQدحه فQQي إحQدى قصQQائده
فقال] :الديوان [9/62
أرجQQو رضQQاك وربنQQا لQQك أحمQQد يا أحمد الQQدردير جئتQQك قاص Qدvا
للQQQه فQQQي أمQQQر أريQQQد وأقصQQQد مستشفعvا متوسQQل vبQQك سQQيدي
لمQQQا أتيتQQQك زائرvا يQQQا أحمQQQد فبجQQQQاه أحمQQQQد ل أر‘د› بخيبQQQQة
ومQQودة ترضQQي وعلمQQvا يرشQQد أرجQQو الكريQQم كرامQQة وصQQيانة
يهQQQدي الفQQQؤاد بنQQQوره ويQQQودد والنصر والتوفيQQق والنQQور الQQذي
::الكنز الثرى :: 45
الباب الثاني
م‘ن˜هج المام الجعفري uالعلميu
تمهيد في ف‘ض˜ل الع’ل˜م ومنزلة العلماء:
إن uغاية التصوف وثمرته معرفة الحق -سبحانه وتعالى -ول تتحقQQق المعرفQQة
بغير العلم ،وإذا كان التصQQوف ي‹سQم“ى طريقQvا فQإن السQالك يQه ل يسQتطيع أن
يصل إلى غايته ،ول يأمن من الضلل في دروبه ومسالكه بغير دليQQل ومرشQQد،
وبغير النوار التي ت‹بQد”د الظلمQQات مQن أمQQامه ،وتلQك السQبل كلهQا يتوصQQل إليهQا
بالعلم.
وإذا كان العلم -كاصطلح -هو العتقاد الجازم المطابق للواقع عن دليل .فإنه
عند أهل التصوف :النور الذي يخرجهم من ظلمات المعاصي ،ويحررهQQم مQQن
أغلل المادة ،فهو سفينتهم التي يجتازون بها بحار المعرفة ،حQQتى يصQQلوا˜ إلQQى
شاطئ الحقيقة.
ولقد عرفنا -مما سبق -أن المام الجعفري uقد ارتاد رياض العلم م‹ذ˜ كان ص‘بي§ا
ي‘ل˜ه‹و أقرانه ويلعبون ،فقد نشأ -رضي ا عنه -في بيئة علم وديQQن -ولم“QQا كQQان
التصوف هو طريقه ومنهج حياته نظر المام الجعفري إلى طلب العلQQم نظQQرة
صوفية خالصة ،فقد طلبه في صغره ليكون وسيلته وطريقته إلى حضQQرة ربQQه
وموله ،واتخذه زادvا ليعينه على استواء غرس شريعته ،لتطيQQب ثمQQار حقيقتQQه،
ومن أجQQل ذلQك يقQول فQQي قصQQيدته الم‹سQم“اة »الوصQي“ة الجعفري“Qة«] :ديQQوان
الجعفري [7/143
ف‘سر˜ت‹ به فأدركني الن“ب’ي› طلبت الع’ل˜م‘ في صغري لربي”
فالعلم عند القوم :عبادة ومنهج وسلوك.
ولقد قرأنا معvا -فيما سبق تلك النصيحة الغالية التي أسداها سيدي عبد العالي
بن السQيد أحمQد بQن إدريQس إلQى تلميQQذه المQQام الجعفQري uرضQQي ا عنهQم
أجمعين -عندما رآه في النوم يقول له:
»العلم يؤخذ من صدور الرجال ل من الك‹ت‹ب« فصح“ العQQزم مQQن الشQQيخ علQQى
العمل بتلك النصيحة ،فشد“ الرحال إلى مصر بلد الزهر الشريف ،ليأخQQذ العلQQم
::الكنز الثرى :: 46
غ‘ض§ا ط‘ر’ي§ا من صدور الرجال ،وقد وعى توجيه شيخه »سQQيدي عبQQد العQQالي«،
وصار يرشد به ط‹ل “به في كل uوقت ،يقول:
»والعلم ل ي‹د˜ر‘ك‹ إل “ بالتلق”ي عن المشايخ زمنvا طويل ،vكما قال المام الشافعيu
رضي ا عنه:
سQQأ‹ن˜ب’يك‘ عQQن تفصQQيلها ب’ب‘يQQان’ أخي لQQن تنQQال العلQQم إل بسQت“ةs
وص‹QQح˜ب‘ة‹ أ‹س˜QQت‘اذ sوط‹QQول‹ ز‘م‘QQان’ ذكQQاء¨ وحQQرص¨ واجتهQQاد¨ وب‹ل˜غ‘Qة¨
]فتQQح وفيQQض :ص 11ومQQا
بعدها[
وقد دخل المام الجعفري uالطريق من باب العلم ،وسار فيه بالعلم ،فقد جذبه
العلم إلى الطريQQق الحمQQدي uالQQذي مه“QQده وسQو“اه السQQيد أحمQQد بQQن إدريQQس،
وأر˜س‘ى قواعده على العلم ،يحدثنا عن ذلك المام الجعفري -uرضي ا عنQQه-
فيقول» :ولقد كان شيخنا السيد أحمد بن إدريس -رضي ا عنه -طالبvا للعلQQم
من صغره بعد أن حفظ القرآن ،وكان يسافر إلى العلماء ،ويتغQر“ب مQQن أجQQل
طلب العلم ،فلم“ا أراد ا أن يظهره أظهره بالعلم في عهQQد العلمQQاء الكQQابر«
]فتح وفيض :ص .[13-12
ومQQن الثQQابت لQQدى علمQQاء التص Qو›ف أن التص Qو›ف -ع’ل˜مQQvا وطريقQQة -لQQه ركنQQان:
الشريعة والحقيقة ،وهما متلزمان تلزم الروح والجسQQد ،ل تتحقQQق الحيQQاة إل
بهما معvا،ومرتبطان ارتباط الظل uبأصله ،ل يتصور وجQQود أحQQدهما بغيQQر وجQQود
الخر ،فل يعقل أن ي‘د“ع’ي أحد¨ الوصQQول إلQQى الحقيقQQة بQدون أن يعلQم ويفقQه
أسرار الشريعة ،وأيضvا فإن“ م‘ن˜ يظن uأنه ليس في حاجQQة إلQQى علQQوم الحقيقQQة
ما دام قد تفق“ه وتشر“ع -فإن وقوفه عند حد uالشريعة وحدها يحرمه من جنQQي
ثمارها ،ويكون كم‘ن˜ سار في طريق ليس له نهاية أو أطلق س‘Qه˜مvا مQQن كنQQانته
لم يحد”د له غاية ،وقد أشار المام الجعفري -uرضي ا عنه -إلى ذلك بقوله:
»بحر شريعتك لوله ما كانت حقيقتك ،وبحر حقيقتك لوله مQQا ت‘م“ Qت˜ شQQريعتك،
قال أبو عبد ا المام مالك بن أنس -رضي ا عنه» :-من تصو“ف ولم يتفق“ه˜
::الكنز الثرى :: 47
فقد تزندق ،ومن تفق“ه ولم يتصو“ف˜ فقد ت‘ف‘س“ق ،ومن جمع بينهما فقد تحق“ق«
]اللهام النافع ص .[44-43
وليس الناس سواء في طلب العلم ،فمنهم من يطلQQب العلQQم لغQQرض أو ن‘ف˜QQع
دنيوي ،uومنهم من يطلبQQه ابتغQQاء مرضQQاة ا تعQQالى ،وقصQدvا لنفQQع المسQQلمين
وتعليمهم مع العمل بمقتضى العلم ،وانتفاع العال’م به في نفسه قبQQل تعليمQQه
لغيره ،وذلك الصuن˜ف مQQن العلمQQاء ينQQال رضQQاه ا سQQبحانه وتعQQالى ،ويفيQQض
العلم الل“دني uعلى قلبه ،قال ا تعالى) :و‘ع‘ل“م˜ن‘اه‹ م’ن˜ ل‘د‹ن“ا ع’ل˜ما( )الكهQQف :مQQن
الية .(65
وقد قال المصطفى -صلى ا عليه وآله وسلم» :-م‘ن˜ ع‘م’ Qل‘ بمQQا ع‘ل’ Qم‘ أو˜ر‘ث‘ Qه‹
ا ع’ل˜م‘ ما لم ي‘ع˜ل‘م˜« ]رواه أبو نعيم في الحلية[.
وقد استنبط المام الجعفري -uرضي ا عنه -من الية والحديث هذه الفQQائدة:
»والعلم ع’ل˜م‘ان :ك‘س˜ب’ي• ،ووراثي uقال عليه الصQQلة والسQQلم» :م‘ Qن˜ ع‘م’QQل بمQQا
علم أورثه ا علم ما لم يعلم« ...فالكسبي› يؤخذ من صدور الرجال كما قQQال
لي سيدي عبد العالي -رضي ا عنه -قبل مجيئي إلQQى الزهQQر »العلQQم يؤخQQذ
من صدور الرجال ل من الك‹ت‹ب« ،وال˜و‘ه˜ب’ي› :هو مQQا يفيQQض علQQى قلQQب العQQال’م
العارف ،وهو درجات ..وبحسب الد“رج‘ات تتنزل الفيوضQQات] « ..ي‹نظQQر :اللهQQام
النافع ص .[53-52
وإن صحبة الشيخ العال’م العارف والنظر إليه ،والخQQذ عنQQه مشQQافهة يQQه فQQوائد
جليلة ل ينالها قارئ الكتب ،فإن الول ينظر أحوال شيخه ،ويقتدي بما يراه فيQQه
من مكارم الخلق ،وينقQQل عنQQه العلQQم بالس“Qن‘د والروايQQة ،ويتعلQQم منQQه قواعQQد
التجويد وأحكام التلوة ،ويستفيد منه كيفية إلقاء الدروس ،ومخاطبة الناس.
كما أن الشيخ يقوم بتقويم سلوك تلميذه ،وإرشاده إلى الص“و‘اب ،وإبعاده عQQن
النحراف والضلل ،ولقد كانت الص› Qح˜بة هQQي أهQQم قواعQQد مدرسQQة الجعفQQريu
العلمية ،سار عليها في حياته ،وجعلها من علمات طريقQQه -يقQQول فQQي إحQQدى
منظوماته:
::الكنز الثرى :: 48
الفصل الول
منزلة المام الجعفري uفي علم التفسير
إن“ علم التفسير كان -ول يزال -من أجمع علوم العرب ،وأعمها نفعvا وأشQQرفها
مقصدvا؛ لن العلم الذي ي‹ع˜Qر‘ف‹ بQQه تأويQQل القQQرآن ،ومعرفQQة أحكQQامه ،وأسQQباب
نزوله ومقاصده ،وغريبه ،وناسخه ومنسوخه ،وغير ذلك.
وقد نال المام الجعفري uح‘ظ§ا و‘اف’رvا من أسرار علم التفسير -دراسQQة وتدريسQQvا
وتأليفvا -فقد أكرمه ا تعالى بنخبة من أعلم الزهر في مجال التفسير ،ومQن
هؤلء:
الشيخ يوسف الدجوي ،والشيخ الشبراوي ،والشيخ علي الشQQائب ...،وغيرهQQم،
كما أنه طالع في كثير من كتب التفسير ،ونقل عنها ،وأشار إليها فQQي كQQثير مQQن
مؤلفاته ،ومن هذه التفاسير:
تفسير المام القرطبي ]المعاني الرقيقة ص ،[22والعل uمة فخر الدين الQQر“از’ي
]المعQQQاني الرقيقQQQة ص ،[104وتفسQQQير الخQQQازن ]فتQQQح وفيQQQض ص ،[219
والبيضاوي ]المنتقى النفيس ص ،[161وحاشية الص“اوي على الجلليQQن ]درس
الجمعة ،[2/58وتفسير اللوسي ]المعاني الرقيقة ص .[7
ولم يكن يكتفي بالنقل فقط ،ولكنه كان شرح ويستنبط ،وي‹ن‘اق’ش ،وي‹ص‘ن”ف من
علومه ،ومعارفه الشيء الكثير مع ابتعQQاده عQQن الغQQراب ،وميلQQه إلQQى سQQهولة
اللفاظ ،ومخاطبة العقول قبل السماع ،نأخذ مثال vعلى ذلك:
قول المام الجعفري -uرضي ا عنه» :-قال القرطبي -رحمه ا -عنQQد قQQوله
تعالى )ال“ذ’ين‘ ي‹ؤ˜م’ن‹ون‘ ب’ال˜غ‘ي˜ب’( )البقرة :من الية .(3
الغيب :ما غاب عنا ،قال الشاعر:
ي‹ص‘ل›ون للوثان’ ق‘ب˜ل م‹ح‘م“د’ .أهQ وبالغيب آمنا وقد كانا قومنQا
نعم الغيب :هو ما غاب عنا ،وينقسم إلى قسمين:
غ‘ي˜ب حقيقي ،وهو الذي ل يعلمه إل ا -سبحانه وتعالى -ويQQدخل فيQQه الح Qقu
سبحانه وتعالى.
والثاني :غيب¨ إضافي¨ وهو الذي يكون لبعض الخلق شQQهادة ،وللبعQQض الخQQر
::الكنز الثرى :: 50
غيبvا ،فما وراء السماء الدنيا غيب بالنسبة لنا ،شهادة بالنسبة ل’س‹ك“انها ،والكعبQQة
غيب لمن كان بالهند -مثل -vشهادة بالنسبة للطائفين بها.
وإذا دخل عليك إنسان وفي جيبه مائة دينار ،وأنت ل تعلم فهQQي بالنسQQبة إليQQك
غيب ،وبالنسبة إليه شهادة.
وهذا الغيب الضافي uينقسم إلى قسمين:
إلى ممكن الوصول إليه ،كالكعبة ،والدنانير ...،وغير ذلك.
وإلى غير ممكن :كالوصول إلى السماء وسكانها ،والجنة والنار ...،وغيQQر ذلQQك.
والقسم الممكن الوصQQول إليQQه قQQد يQQدرك بالسQQباب العاديQQة المتعارفQQة ،كQQأن
يسافر إلى الكعبة ،أو ي‹د˜خ’ل يده إلى ج‘ي˜ب صاحب الدنانير ثم يخرجها ،فيعدها،
ويعرفها ،أو ي‹ك˜ش‘ف له وهو في بلQQده فيQQرى الكعبQQة ،أو ي‹ك˜ش‘QQف لQQه عQQن عQQدد
الدنانير ،أو ي‹ك˜ش‘ف له أيضvا عن الغيب الذي ل وصول إليه بطريق العادة «..أهQ
]المعاني الرقية ص .[23-22
ويبدو من هQQذا المثQل مQQن تفسQQير المQQام الجعفQQري uللقQQرآن الكريQم اهتمQQامه
بمخاطبQQة العقQQل ،وإيضQQاح المعنQQى عQQن طريQQق اسQQتعمال التصQQوير والتعQQبير
بالمحس“ات عن المعقولت ،فوض“ح معنى »الغيب« بصورة تريح العقل وتقنعه
عن طريق ض‘ر˜ب المثل ،واستخدام التنظير.
وبدهي uأن مQQن يتصQQدى لتفسQQير القQQرآن لبQد uلQQه مQQن اللمQQام بعلQQوم العربيQQة
ومعرفة دقائقها من نحو وصرف ،وفقه باللغة ،ومعرفة القQQراءات وأسQQرارها.
وقد تحق ذلك كله للمام الجعفري -uرضي ا عنه -فنراه فQQي تفسQQيره ليQQات
القرآن الكريم يستعين بكل علومه ومعارفه ،فيشرح معاني المفQQردات ،وي‹ب‘ي”QQن
وجوه القراءات ،فنراه مثل vيقول عند تفسير قلQه تعQالى) :و‘ات“خ’Qذ‹وا م’Qن˜ م‘ق‘QQام’
إ’ب˜ر‘اه’يم‘ م‹ص‘لuى) (vالبقرة :من الية :(125
»وقرئ بفتح الخاء -في قراءة -ومعناها أن المم السابقة كQQانت تصQQلي فيQQه،
وش‘ر˜ع ما قبلنا ش‘ر˜ع¨ لنا ،ما لم يرد ناسخ ،ومعنى قراءة الكسر :أي ص‘ل›وا˜ فيه...
«]درس الجمعة .[2/12
::الكنز الثرى :: 51
كما كان يلفت القارئ إلى الحروف المقطعة في أوائل السور :ومن ذلك قوله
فQQي تفسQQير أول سQQورة »طQQه«» :اختلQQف العلمQQاء فQQي معنQQى »طQQه« قQQال
السيوطي :ا أعلم بمراده منها ،وكQQذلك قQQال فQQي جميQQع الحQQرف المقطعQQة
الخرى التي ب‹دئت بها سور من القرآن الكريم.
وجماعة قالوا :بطه« منادى محذوف منه ياء النداء ،والمعنى يا طQQه مQQا أنزلنQQا
عليك القرآن ل’ت‘ش˜قى ،وكذلك »يس« معناه :يا يس إنك لمن المرسلين ،وهQQذه
من أسماء النبي -uصلى ا عليه وآلQQه وسQQلم .-وجماعQQة قQQالوا» :طQQه« طQQاء،
وهاء ،من الحرف المقطعة.
وجماعة قالوا :كل حرف يدل uعلى اسم من أسمائه -تعالى -فمعنى» :طاء«:
طاهر ،ومعنى »هاء« :هادي.
وجماعة قالوا» :طه« اسم للسورة فQQالمعنى :هQQذه سQQورة »طQQه« .وجماعQQة
قالوا :هذا فعل أمر معناه :طأها ،أي :د‹س’ الرض بقQQدمك؛ لن النQQبي -uصQQلى
ا عليه وآله وسلم -كان يقوم الليل كله ،وإذا أدركه التعQQب كQQان يرفQQع قQQدمه
عن الرض حتى يريحها .وبعضهم قال »طه« :جاءت فQQي أول السQQورة تنبيهQQvا
للمستمعين أي :انتبهوا جاءكم كلم غريب؛ لن العQQرب لQQم تكQQن تعQQرف كلمQQة
»طQه« و»يQس« ونحوهمQا :آيQات وأدلQة علQى أن القQرآن ليQQس مخلوقQQvا مQن
المخلوقات ،وإنما هو كلم ا تعالى ،وأيضvا فإن معناه :القرآن من”QQي ،وليQQس
من محمد -صلى ا عليه وآله وسلم -والنبي -uصلى ا عليه وآله وسQQلم -لQQم
يQQأت فQQي بدايQQة أي حQQديث مQQن الحQQاديث بمثQQل »ق« أو »ن« أو »طQQه« أو
»يس« ...وهكذا .فهذه خلصة القوال في تفسيره قوله تعالى »طQQه« وا-
تعالى -أعلم بالصواب منها« .انتهى كلم الجعفري uرضي ا عنه.
هو دليQل واضQQح علQى فيQض علمQه ،وقQوة حفظQه ،وح‹س˜Qن عرضQه ،وبلغQQة
أسلوبه ،فلو قرأت عددvا كبيرvا مQQن كتQQب التفسQQير فQQي بيQQان معنQQى »طQQه« لمQQا
استطعت أن تخرج بهذه الحصيلة الوافرة من الراء والتفسQQيرات ،وقQQد أضQQاف
إليها المام الجعفري -uرضي ا عنه -من ش‘ Qر˜حه وتعليلQQه ،واسQQتنبط هQQو مQQن
::الكنز الثرى :: 52
فهمه الدقيق ،وفكره المتuقد ما جعQQل القQQارئ يخQQرج شQQبعان ر‘ي“QQان مQQن هQQذه
المائدة الحافلة بأطايب الثمار.
وإذا عرفت أيها القارئ الكريQQم أن هQQذا التفسQQير السQQابق للحQQرف المقطعQQة،
وأكثر تفسير الجعفري uللقرآن الكريم كQQان يلقيQQه مشQQافهة فQQي درسQQه العQQامر
بالزهر الشريف ،ولم يكتبه بنفسه فQQي كتQQاب مسQQتقل ،ولكنQQه فيQQض الخQQاطر
ووحي القريحة ،وإلهام ا تعالى لسيدي صالح التقي uمن فيض )و‘ع‘ل“م˜ن‘اه‹ م’ن˜
ل‘د‹ن“ا ع’ل˜ما( )الكهف :من الية -(65لو عرفت ذلك فانظر أي uعال’م قد تشر“ف بQQه
هذا العصر ،وأي uكنز ثمين قد انتفع به معاصروه! ولنه -رضQQي ا عنQQه -كQQان
يخاطب بتفسيره الحاضرين ،كان ينتقل بهم مQQن ف Qن uإلQQى ف Qن ،uويجيQQب علQQى
مختلف السئلة في أثناء تفسيره ،كان حريصvا على إفQQادة مسQQتمعيه باسQQتنباط
الحكام الفقهية من اليات التي يفسرها ،ومن أمثلة ذلك:
إجابته على سؤال و‹ج”ه إليه حول الدليل على أن حيQQاة النQQبي -صQQلى ا عليQQه
وآله وسلم -بعد الموت تزيد على حياة الشQQهداء فقQQال» :الQQدليل قQQوله تعQQالى
)و‘م‘ا ك‘ان‘ ل‘ك‹Qم˜ أ‘ن˜ ت‹Qؤ˜ذ‹وا ر‘س‹QQول‘ الل“Qه’ و‘ل أ‘ن˜ ت‘ن˜ك’ح‹QQوا أ‘ز˜و‘اج‘Qه‹ م’Qن˜ ب‘ع˜Qد’ه’ أ‘ب‘QQدا(
)الحزاب :من الية (53فتحريم تزويج نسائه -صلى ا عليه وآله وسلم -بعQQد
موته ،وإباحة تزويج نساء الشهداء دليل ظاهر على أن حياته -صQQلى ا عليQQه
وآله وسلم -أرقى من حياة الشQQهداء ،وقQQد منQQع الشQQرع زواج المQQرأة إذا غQQاب
عنها زوجها حي§ا حتى يتبين المQQر ،وأبQQاح تزويQQج جميQQع م‘ Qن˜ مQQات أزواجهQن uإذا
انقضت عدتهن ،إذا علمت كلمي هذا فاعلم أنه -صلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم-
أحياه ا بعد الموت كما كان -صلى ا عليه وآله وسلم -ولغيرته على نسQQائه
حر“م ا تزويجهن uعلى الغير« ]المنتقى النفيس ص .[164-163
ومعلوم لدى علماء التفسير أن الحديث هQQو مQQن أهQQم مصQQادر تفسQQير القQQرآن
الكريم ،بل إن بعض المفس”رين اقتصر في تفسيره على الحQQاديث ،ورواياتهQQا
المختلفة كابن كثير.
وعلى أية حال فإن التفسير بالحديث هو المنهج الغQQالب عنQQد كبQQار المفس”QQرين
::الكنز الثرى :: 53
كQQابن جريQQر الطQQبري ،والسQQيوطي فQQي الQQدر uالمنثQQور وغيرهمQQا كQQثير .والمQQام
الجعفري -uرضي ا عنه -له باع طويل في ميدان التفسQQير بالحQQديث ،بQQل إنQQه
استنبط من التفسير بالحديث فوائد جليلة لم يصل إليها غيره ممQQن سQQبقه مQQن
المفس”رين ،وإليك أيها القارئ الكريم هذا المثال من تفسير المام الجعفري:u
»قال تعالى) :ي‘خ˜ر‹ج‹ م’ن˜ ب‘ي˜ن’ الص›ل˜ب’ و‘الت“ر‘ائ’ب’( )الطارق (7:قيQQل :ص‹Qل˜ب الرجQQل
وترائب المرأة ،وفي الحديث »ومن أين يكون الشQQبه؟« ]رواه البخQQاري[ ،قQQال
ذلك -صلى ا عليه وآله وسلم -لم المؤمنين عائشQQة -رضQQي ا عنهQQا -حيQQن
أنكرت ماء المرأة ،ثم أثبت -صلى ا عليه وآله وسلم -أن الجنين يتخل“QQق مQQن
ماء أمه وأبيه ،ولذا تارة يشبه أباه ،وتارة يشبه مه ،فيكون الحديث هذا موافقvا
لتفسير الية الذي ذكرته لك آنفvا.
وقد ذكر الشيخ محمد عبده -رحمه ا -هذا التفسير الQQذي سQQبقه إليQQه غيQQره،
ولم ي‹د‘ل”ل هو ول غيره بالحديث الذي ذكرتQQه ،وذلQQك مQQن ف‘ض˜QQل ا علQي uفلQQه
الحمد ،ولQQه الشQكر ،وهQQذا التصQQال الجسQQماني هQو الQQذي يتسQQبب بQه عطQQف
الوالدين على الذرuي ،وعطف الذرuية على الوالدين ،ولول ذلك ما حصل عطف،
ولذلك فإن اللقيط ل عاطف عليه إل “ أ‹مuه« ]المنتقى النفيس ص .[119
كما أن المام الجعفري -uرضي ا عنه -حريصvا في تفسيره على البتعاد عQQن
السرائيليات المدسوسة على كتب التفسير ،وكان يدحضها وي‹ب‘ي”ن أوجQQه الكQQذب
والتلفيق فيها ،مQQع تنQQبيه السQQامعين -والقQQارئين -إلQQى وجQQوب مراعQQاة عصQQمة
النبياء ،ومراعاة الدب معهم في ذكر قصصهم وتفسير ما ورد من القرآن في
حقهم.
نأخذ مثال vعلى هذا المنهج ما قQQاله فQQي أثنQQاء تفسQQيره لليQQة )و‘ه‘Qل˜ أ‘ت‘QQاك‘ ن‘ب‘Qأ‹
ال˜خ‘ص˜م’ إ’ذ˜ ت‘س‘ Qو“ر‹وا ال˜م’ح˜ Qر‘اب‘( )ص (21:uومQQا بعQQدها مQQن صQQورة »ص« قQQال
رضي ا عنه:
»قال العلماء :النبياء معصومون من الصغائر قبل النبوة وبعدها .وقيQQل :هQم
معصومون بعد النبوة ل قبلها ،فعلى هذا القول إذا نظرنا إلى القول بأن إخوة
::الكنز الثرى :: 54
يوسف كانوا أنبياء ،فإنهم قبل نبوتهم كانوا غير معصQQومين ففعلQQوا مQQا فعلQQوا،
وعندما أصبحوا أنبياء تابوا إلى ربهم.
أما الرسل فإنهم معصومون قبل النبوة وبعدها ،أم“ا الرسQQول -صQQلى ا عليQQه
وآله وسلم -فمعصوم قبل النبوة وبعدها من كل شيء يشين.
ومن أراد التفسير فعليQه بتفسQير الشQيخ الص“QQاوي فQQي أربعQة أجQزاء ،وتفسQQير
الحافظ ابن كثير.
أم“ا ما ذكر من أن داود -عليه السلم -كانت عنده تسع وتسعون زوجة ،وكQQانت
عند جاره زوجة ...الخ القصة فإن ذلQك مQQن السQQرائيليات] « ...درس الجمعQة
.[2/58
وعندما كان يقرأ في أحد دروسه عبارة وردت في تفسير الجلليQQن عنQQد قQQوله
تعالى )و‘ل‘ق‘د˜ ه‘م“ت˜ ب’ه’ و‘ه‘م“ ب’ه‘ا ل‘و˜ل أ‘ن˜ ر‘أى ب‹ر˜ه‘ان‘ ر‘ب”ه’( )يوسف :من الية (24
أن معنى ذلك :لول أن رأى برهان ربه لجامعها -قال الجعفري:u
»ليس هكذا تفسير كلم رب uالعالمين ،ول يليق ذلك بعصمة النبياء ،ويوسQQف
نبي uورسول .قال تعالى) :و‘ك‘ذ‘ل’ك‘ ي‘ج˜ت‘ب’يك‘ ر‘ب› Qك‘( )يوسQQف :مQQن اليQQة (6يعنQQي:
يصطفيك ربك )و‘ي‹ع‘ل”م‹ك‘ م’ن˜ ت‘أ˜و’يل’ ال‘ح‘اد’يث’ و‘ي‹ت’م› ن’ع˜م‘ت‘ Qه‹ ع‘ل‘ي˜ Qك‘( )يوسQQف :مQQن
الية (6بالنبوة والرسالة )ك‘م‘ا أ‘ت‘م“ه‘ا ع‘ل‘QQى أ‘ب‘و‘ي˜Qك‘ م’Qن˜ ق‘ب˜Qل‹ إ’ب˜ر‘اه’يQم‘ و‘إ’س˜Qح‘اق‘(
)يوسف :من الية (6وإسحاق جده ،وكان نبي§ا ورسول ،vوإبراهيم جده ،أي ج Qدu
والده ،وكان نبيvا ورسول ،vفتمام النعمة بالقياس على تمام نعمة أجداده ،يعني
الرسالة ،والنبوة ثابتة للرسل عليهم الصلة والسلم وهم معصومون بإجمQQاع،
فكيف يكون معصومvا م‘ن˜ هذه صفته؟
هل يليق أن ننسب إلى يوسف أن يقصد الجماع -وهو حرام -لول أن ي‹م‘ث“ل لQQه
والده فيضربه على صدره فتخرج شهوته ،وهQذا متحقQQق فQQي أقQل uواحQQد مQن
المؤمنين لو رأى أباه وكQQان قQQد ه‘Qم“ بQQأي uف’ع˜QQل لمتنQQع عنQQه؟!] ...مQQن دروس
المام الجعفري uتحت الطبع[.
ثQQم ي‹ب‘ي”QQن المQQام الجعفQQري› -رضQQي ا عنQQه -الس” Qر“ وراء هQQذه السQQرائيليات
::الكنز الثرى :: 55
المدسوسة فيقول:
»وكم من علم مدسوس على العلماء ،والمقصQQود منQQه التشQQكيك فQQي العلQQم،
وص‘ر˜ف الذهان عن احترام النبياء ،ول تخفQQى مQQا تحQQت ذلQQك مQQن الغQQراض
الدنيئة وهي دعوى إلحاد وتشكيك؛ لن الشك في عصمة النبيQQاء يشQQكك فQQي
أقدارهم وصدقهم ،والتشكك في عصمة الرسل يشQQكك فQQي رسQQالتهم وأنهQQا
من عند ا تعالى ،فل يليق إطلقvا أن نؤول كلم ا ونصرفه تصQQريفvا يخQQرج
عن علم التوحيد الذي جاء به القرآن والسنة.« ...
ثم شرع المام الجعفري -رضي ا عنه -يفس”QQر اليQة ،ويزيQل اللبQQس ،ويرفQع
الش›ب‘ه عنها -فيقول:
»وقوله تعالى) :و‘ل‘ق‘د˜ ه‘م“ Qت˜ ب’ Qه’( )يوسQQف :مQQن اليQQة (24علQQى ظQQاهره؛ لن
التأويل لهذا المعنى يؤيده ما قبله بمعنى :أن“ »زليخا« هم“ت˜ به قاصQQدة ح‘م˜لQQه
على مواقعتها؛ لن القرآن شهد لهذا المعنQى بقQوله) :و‘غ‘ل“ق‘Qت’ ال‘ب˜Qو‘اب‘ و‘ق‘QQال‘ت˜
ه‘ي˜ت‘ ل‘ك‘( )يوسف :مQQن اليQQة (23يعنQQي :هيئت‹ لQQك أي :تزينQQت لQQك ،وأصQQبحت
مستعدة لنيل المراد) .ق‘ال‘ م‘ع‘اذ‘ الل“ه’( )يوسف :من الية .(23
وقوله تعالى )و‘ه‘م“ ب’ه‘ا ل‘و˜ل أ‘ن˜ ر‘أى ب‹ر˜ه‘ان‘ ر‘ب”ه’( )يوسف :مQQن اليQQة (24ليQQس
على ظاهره؛ لن صرف المعنى على الظاهر في هذه المرة ل يؤيده الدليل.
وفي هذه الية تقديم وتأخير وحذف أي :هناك جملة مقدمة ،وجملة مQQؤخرة،
وبينهم كلم محذوف ي‹ف˜ه‘م‹ بدقة النظر في كتاب ا تعالى ،وتدب›ره على ضQQوء
بلغة القرآن العربي ببركة النبي uالعربي -صلى ا عليه وآله وسلم -وتفصQQيل
ذلك أن ا تعالى يقول) :و‘ه‘م“ ب’ه‘ا ل‘و˜ل أ‘ن˜ ر‘أى ب‹ر˜ه‘ان‘ ر‘ب”ه’( يعني :لول أن رأى
برهان ربه كان قد ه‘م“ بها كما هم“ت˜ به ،ولكنه لما كQQان نبيQQvا ورسQQول vبعصQQمة
النبياء والرسل ،ونحن قد أوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هQQذا وهQQم ل يشQQعرون،
وم’ن˜ بين ما أوحينا إليه كQQل مQQا سQQيحدث عنQQد »زليخQQا« ومQQا بعQQده مQQن بQQاقي
القصة ،لم“ا كان يوسف كذلك لم ي‘ه‹م“ بها ،ولم تراوده نفسه لحظة واحدة فQQي
معصية ا تعالى -وجواب »لول« ليس هو »ل‘ج‘ام‘ع‘ه‘ا« كمQا جQQاء فQي تفسQير
::الكنز الثرى :: 56
الجللين ،ولكن جواب »لول« ظهر لنا بذلك أنQQه »ل‘م‘ Qم“ بهQQا« وفQQرق كQQبير بيQQن
الجوابين:
فالله تعالى نفى عنه الهم“ نفسه ،ون‘ف˜ى الهم uفيه ن‘ف˜ي ق‘ص˜د الجمQQاع ،والجمQQاع
تمQQام الق‘ص˜QQد ،وهQو نتيجQQة لQQه ،ون‘ف˜QQي المقدمQQة ينفQQي بالضQQرورة نتيجQة هQQذه
المقدمة ،وهذا ما يليق بعصمة النبياء ،ويوافق كلم ا تعالى -في حيQQن أن
إثبات الهم ،uوتقدير جواب لول »لجامعها« فيه عدم لياقة لمقام النبياء وهو ما
يخالف علم التوحيد الذي يثبت للنبياء والمرسلين العصمة ،والفطانة ،والمانة،
التبليغ ون‘ف˜ي إحدى هذه الص”ف‘ات نقص في حق” المرسلين -عليهم وعلQQى نبينQQا
الصلة والسلم « ...انتهى كلم المام الجعفري.u
وهو بما قدمه من علم غزير واستنباط دقيQQق ،وف‘ه˜Qم لسQQرار التعQQبير ودقQQائق
اللغة ،وما و‹هب من علم لدني uجعله يصل إلى ذلك التفسQQير الQQذي لQQم ي‹س˜ Qب‘ق˜
إلى مثله ،مما ي‘ض‘ع‹ه‹ في مصاف كبار المفسرين في عصره.
والمام الجعفري uصوفي uق‘ل˜بQQvا وقالبQQvا ،يحمQQل روح الصQQوفي uفQQي سQQائر كلمQQه
فكثيرvا ما نجده يفسر بعض اليQQات تفسQQيرvا صQQوفيvا إشQQاريvا ،فنQQراه مثل vيفس”QQر
كلمة »نفس« فيقول:
»نفس¨ :أولها نون متحركة ،وآخرها نون ساكنة ،فحركتها اضطرابvا قبل ذكرهQQا،
وسكونها طمأنينتها بعد ذكر ا )أ‘ل ب’ذ’ك˜ر’ الل“ه’ ت‘ط˜م‘ئ’ن› ال˜ق‹ل‹وب‹( )الرعد :من اليQQة
،(28وتارة تكون مع الشQQيطان ،فتكQQون نونهQQا نفورهQQا ،والفQQاء :فرارهQQا مQQن
الحق إلى الباطل )ك‘أ‘ن“ه‹م˜ ح‹م‹ر¨ م‹س˜ت‘ن˜ف’ر‘ة¨ .ف‘ر“ت˜ م’ Qن˜ ق‘س˜ Qو‘ر‘ة) (sالمQQدثر(51-50 :
والس”ين :تسويلها لصاحبها )و‘ك‘ذ‘ل’ك‘ س‘Qو“ل‘ت˜ ل’QQي ن‘ف˜س’QQي( )طQQQه :مQQن اليQQة ،(96
)أ‘ف‘م‘ن˜ ز‹ي”ن‘ ل‘ه‹ س‹وء‹ ع‘م‘ل’ه’ ف‘ر‘آه‹ ح‘س‘نا( )فاطر :من الية .(8
وإذا كانت مع ا تعالى -ف‘ن‹ون‹ه‘ا :نور¨ يلوح لها عند ذكر ربها )ف‘ه‹و‘ ع‘ل‘ى ن‹QQور sم’ Qن˜
ر‘ب”ه’( )الزمر :من اليQQة ،(22والفQQاء :فتQQح ا لهQQا بعQQد نصQQرها علQQى شQQيطانها
وهواها )ن‘ص˜ر¨ م’ن‘ الل“ه’ و‘ف‘ت˜ح¨ ق‘ر’يب¨( )الصف :من الية ،(13والسQQين :س‹ Qب‹ل ا
الموصلة إليه )و‘ال“ذ’ين‘ ج‘اه‘د‹وا ف’ين‘ا ل‘ن‘ه˜د’ي‘ن“ه‹م˜ س‹Qب‹ل‘ن‘ا( )العنكبQQوت :مQQن اليQQة ،(69
::الكنز الثرى :: 57
ويحتمل أن تكون النون إشارة إلى النصر ،فيكQQون بعQQد نصQQر ا تعQQالى يQQأتي
فتحه )إ’ذ‘ا ج‘اء‘ ن‘ص˜ر‹ الل“ه’ و‘ال˜ف‘ت˜ح‹( )النصر.« ...(1:
ومن هذا المشرب الصوفي تفجرت ينابيع المعاني ،فكثيرvا ما نجده يشرع فQQي
تفسير آية بمعنى ،ثم يشرحها بآخر ،ثم بآخر ،ثم بآخر ...،وهكذا ...وهQQذا يQQدل›
دللة واضحة على إمداد ا تعالى وعنايته ،ومن ذلك ما قاله في تفسير قQQوله
تعالى )و‘ال“ذ’ي ق‘د“ر‘ ف‘ه‘د‘ى( )العلى:(3 :
»من بحر جواهر معانيها :والذي قدر لك فQQي الزل أن تكQQون م‹س˜ Qل’مvا ،فهQQداك
إلى السلم ،وهذه نعمة من أعظم الن’عم وأجلuها -قQQال سQيدنا علQي uكQQرم ا
وجهه ورضي ا عنه» -فلك الحمد على ما جعلتني من أمة محمد -صQQلى ا
عليه وآله وسلم -وهو أفضل النبيي”ن دعوة ،وأفضلهم شفاعة ،وأقربهم منزلQQة«
أي :ق‘د“ر˜ت‘ لي ذلك ثم هديتني إليه.
والذي قد“ر لك العلم ،فهداك على طلبه وتحصيله حتى ص’ر˜ت‘ عالمvا ،والذي قد“ر
لك الولية ،فهداك إلى منشورها -وهو الذكر -وهو الذي قد“ر لك شQQيخvا عارفQQvا
يرشدك ،فهداك غليه ،والذي قد“ر لك التجارة ،فQأ‘ل˜ه‘م قلبQQك ح‹ب“هQQا وهQQداك إليهQQا
حتى صرت تاجرvا ،والذي قدر“ فلنة زوجة لك ،فهداك إليها فتزوجت بها ،فولدت
لك ما شاء ا أن تلد ،والذي قد“ر لك المصيبة وأ‘ل˜ه‘م‘ك الصبر وهداك إليه ،ل’ت‘ن‘ال
صلوات من ربك ورحمة وهداية.
والذي قد“ر لك الحج ،فهداك إلى السفر في العالم الذي أج“ل‘ه‹ لك ،والQQذي ق Qد“ر
لك الصلوات فهداك إليها ،والذي قد“ر لك المكان الذي تصل”ي فيه وهQQداك إليQQه،
والذي قد“ر لك الصوم وهQQداك إليQQه ،فصQQمت فQQي العQQوام الQQتي شQQاءها لQQك،
والماكن التي أرادها لك ،والذي قد“ر لك المعصQQية ،فهQQداك إلQQى التوبQQة ،ف‘ت‹ب˜Qت‘
ل’ت‘ن‘ال‘ مغفرته.
والذي قد“ر لك التخل”ي ،فهداك إلى الب‹ع˜د عن الشهوات والضللت ،والQQذي ق Qدuر
لك الحسان ،فهداك إلى النفاق مما أعطQQاك ا مQQن العلQQم والمQQال ،والQQذي
قد“ر لك المرض فهداك إلى الدواء فتداويت وشفيت ،لتعالج مQQا أنQQزل مQQن داء
::الكنز الثرى :: 58
الية .(28
والذي قد“ر لهم الغرق في بحQQر الح Qب uاللهQQي ،فهQQداهم إلQQى التمسQQك بQQأنوار
الشرع المحمدي ،uفحملهم علQQى سQQفينة النجQQاة ،وهQQي تجQQري بهQQم فQQي بحQQر
حقائق دقائق »إذا تقر“ إلي“ العبد‹ شبرvا تقربQت‹ إليQه ذراعQvا« ]المنتقQى النفيQQس
ص .[142-140
انتهى هذا الفيض الجعفري uمن مدد معاني الية )و‘ال“ Qذ’ي ق‘ Qد“ر ف‘ه‘ Qد‘ى( .وهQQذا
انفس الطويل الطاهر ،والعلم الربQQاني الموهQQوب كQQان امتQQدادvا لشQQعاع أنQQوار
إشراقات تجليات علوم شيخه السيد أحمد بن إدريس -رضي ا عنه -فقد كان
كما يروي عنه المام الجعفري] uالمنتقى النفيس ص :[140 ،139
ي‹ف‘س”ر الية الواحدة ويطيل ويبدع ويجدد في تفسيرها الس“اعات بل اليام! نعم
يروي عنه أنه جعل ي‹ف‘س”ر قول ا -تعالى) :-ت‘ب‘QQار‘ك‘ ال“Qذ’ي ج‘ع‘Qل‘ ف’QQي الس“Qم‘اء’
ب‹ر‹وجا و‘ج‘ع‘ل‘ ف’يه‘ا س’ر‘اجا و‘ق‘م‘را م‹ن’يرا( )الفرقان .(61:فظل“ يفسرها طيلة ثلثة
أيام كل يQQوم يضQQيف وي‹جQد”د ويبQدع -وا سQبحانه وتعQالى -يقQQول فQQي كتQابه
العزيز) :ق‹ل˜ إ’ن“ ال˜ف‘ض˜ل‘ ب’ي‘د’ الل“ه’ ي‹ؤ˜ت’يه’ م‘ن˜ ي‘ش‘اء‹ و‘الل“ه‹ و‘اس’ع¨ ع‘ل’ي Qم¨( )آل عمQQران:
من الية .(73
درس الجمعQة:
ذكرنا فيما سبق أن أكثر ما تركه المام الجعفQQري uمQن التفسQQير كQان يبث›Qه فQQي
د‘ر˜سه العامر الذي كان يلقيه كل يوم جمعQQة بQالزهر الشQQريف ،وقQد يس“Qر ا
تعالى الطريق إلى ن‘ش˜ر هQQذه الQQدروس بعQQد جم˜عهQQا ممQQا سQجuل مQQن دروس
الشيخ ،ومما دو“نه أبناؤه الذين سعدوا بالحضور في درسه المبارك ،وقQد ق‹Qد”م
له بمقدمة وافية عن درس الجمعة وأهم ملمح م‘ن˜هج المام الجعفري -uرضي
ا عنه -فيه ]ي‹ر‘اجع مقدمة الجزء الول من درس الجمعة[.
ولقد كان المام الجعفري -uفي معظم دروسه -يبدأ باليات التي يريد تفسيرها
ثم يبدأ في شرح المراد منها ،مستفيدvا مQQن علQQومه ومعQQارفه ومQQواهبه ،فكQQان
يقف بالس“امعين على دلل الحرف وأسرار التركيب اللفظي والج‹م‘ل’ي في الية،
ويلفت النظار إلى بلغة القرآن ،مع التعريQQج علQQى سQQائر العلQQوم الQQتي تخQQدم
::الكنز الثرى :: 60
تفسير القرآن الكريم مثQQل المنطQQق والفلسQQفة وعلQQم الحQQديث وعلQQم التوحيQQد
والسيرة والتاريخ السلمي ،كما كان كثير الوقQQوف عنQQد مسQQائل علQQم التوحيQQد
الم‹تعل”قQQة بالتفسQQير نحQQو عصQQمة النبيQQاء ،أو الكلم علQQى صQQفات ا تعQQالى
وأسمائه وغير ذلك.
فكانت علوم اللغة ،وعلوم السQQلم تتلقQQى جميعهQQا لتصQQب فQQي بحQQر العلQQوم
الجامع في درس المام الجعفري.u
وهكذا كانت حلقات درس الشيخ -رضQQي ا عنQQه -حافلQQة بالسQQرار والنQQوار،
جامعة لسائر أنواع المعارف والعلQQوم ،كمQQا كQQان الشQQيخ ي‹ر‘ب”QQي أرواح مريQQديه،
ويتفقد أحوالهم ،فكان ي‹ش’ير‹ إلى أهم المشكلت الجتماعية الQQتي تحQQدث فQQي
المجتمع ،فكان يرشد تلميذه إلى العلج الشافي والQQدواء النQQاجع ،وكQQان مQQن
يحر درسه يجد في كلمه ح‘ل § لمشكلته إم“ا بالتلميح ،وما بالتصريح ،وكان يجيب
على مختلف السئلة بصبر وأناة ،وسQQعة صQQدر ل يعنQQف سQQائل ،vول يسQQفه رأي
أحد مهما كان .كما كان المام الجعفري -uرضي ا عنQQه -يخQQاطب السQQامعين
بما يناسب ف‘ه˜م‘ه‹م˜ ومسQQتوى إدراكهQQم ،ويوصQQل العلQQم إلQQى عقQQولهم وقلQQوبهم
بأسQQلوب س‘Qه˜ل بسQQيط م‹حب“QQب إلQQى القلQQوب ،ممQQتزج بQQالطرائف والنQQوادر الQQتي
تجذبهم وترو”ح عنهم وتدفع عن عقولهم الكآبة والملل.
وقد شهد دروسه كثير من العلماء الذين شهدوا له بالعلم والفقQQه ،وحسQQبنا مQQا
ذكره أحد هؤلء العلماء المحققين وهو الستاذ الدكتور محمد رجQQب الQQبيومي
أستاذ الدب والبلغة بجامعة الزهر و‘م’م“ا قاله» :نعم ! كان الناس مع الشQQيخ
في تواجد وانجذاب ،فقد أوسع لهم من نفسه ما لم يجدوه لدى سواه ،ويجيئه
المصاب في ولده باكيvا متفجعvا ويظن أن السماوات قد انطبقQQت علQQى الرض
ل’ف‘ق˜د حبيبه ،فيبتسم الشيخ في هدوء ،ويقQQول لQQه :أب˜ش’Qر˜ يQQا ب‹ن‘Qي“ فQQإن ا قQQد
اختارك لبتلئه ،والكرام م‹ر˜زءون ،إن رسول ا -صلى ا عليه وآلQQه وسQQلم-
وهو أحب uخ‘ل˜ق ا إليه جميعvا قد ا‹بتلي ب’ف‘ق˜د أولده في حياته ما عدا فاطمQQة
وما كان ا ليبتليه بذلك إل وهو يدuخر له أعظم المثوبة فQQي جنQQuات الرضQQوان،
::الكنز الثرى :: 61
ويجيئه المحزون لمعصQQية ارتكبهQQا ،في˜س’ Qر uإليQQه بخطئه ،يقQQول لQQه الشQQيخ :ق‹Qم˜
واغتسل ،وقص uشعرك وأظافرك ،وع‹د˜ وسأخبرك .فإذا أتم“ المQQذنب مQQا أشQQار
به عليه ،خف“ إلى الشيخ فتهل“ل للقائه،وقQQQال لQQه :أب˜ش’Qر˜ هQQذه توبQQة لQQن تكQQون
مقبولة لدى ا إذا عدت إلى فعلتك السابقة ،هاأنت ذا قد نزعت كQQل أثQQر فQQي
جسمك للمعصية ،حين تطهرت وحلقت ونظفت ،لقد و‹لدت من جديد ،وسيعفو
ا عم“ا سلف ،وإياك ثم إياك ،ثم يقرأ قول ا:
)و‘ال“ذ’ين‘ إ’ذ‘ا ف‘ع‘ل‹وا ف‘اح’ش‘ة vأ‘و˜ ظ‘ل‘م‹وا أ‘ن˜ف‹س‘ Qه‹م˜ ذ‘ك‘ Qر‹وا الل“ Qه‘ ف‘اس˜ Qت‘غ˜ف‘ر‹وا ل’ Qذ‹ن‹وب’ه’م˜
و‘م‘ن˜ ي‘غ˜ف’ر‹ الذ›ن‹وب‘ إ’ل “ الل“Qه‹ و‘ل‘Qم˜ ي‹ص’Qر›وا ع‘ل‘QQى م‘QQا ف‘ع‘ل‹QQوا و‘ه‹Qم˜ ي‘ع˜ل‘م‹QQون‘ .أ‹ول‘ئ’ك‘
ج‘ز‘اؤ‹ه‹م˜ م‘غ˜ف’ر‘ة¨ م’ن˜ ر‘ب”ه’م˜ و‘ج‘ن“ات¨ ت‘ج˜ر’ي م’ن˜ ت‘ح˜ت’ه‘ا ال‘ن˜ه‘QQار‹ خ‘ال’ Qد’ين‘ ف’يه‘QQا و‘ن’ع˜Qم‘
أ‘ج˜ر‹ ال˜ع‘ام’ل’ين‘( )آل عمران.(136-135:
فيستمع المذهب مستبش Qرvا ،ويخQQرج عازمQQvا علQQى الطاعQQة ،نادمQQvا علQQى الزل“QQة،
وخيال الشيخ الكبير في خاطره ،يراوحه ويغاديه ،فهو يعتقد أن الشيخ م‘و˜ضQQع
س’ر”ه ،وأنه سنده في النائبات] ...رسالة المسجد ص .[127
ثم يصف الستاذ الدكتور محمد رجب البيومي السQQتاذ بجامعQQة الزهQQر منهجQQه
في الدرس فيقول ...» :فكم من مسائل شائكة تتعلQQق بالسياسQQة المتربصQQة،
س‹ئل عنها الشيخ صالح في حلقت الدرس ،حين ع‹ذ”ب المجاهدون فQQي سQQبيل
ا ،وتقاذفتهم المنافي السحيقة ل لشQQيء إل أن يقولQQوا :ربuنQQا ا ،كQQم س‹Qئ’ل
الشيخ عن هؤلء المجاهدين ،ومنهم تلميذه وأصدقاؤه ،فصدع بكلمة الحQQق،
وخلع عمامته ،وتوج“ه إلى السماء رافعvا كف“ي˜ه أن ينصر حماة دينه ،وقQQد انتقQQل
بالدروس ذات عشية لهذه المناسبة من موضوعه الصلي -وكQQان فQQي الزكQQاة-
إلى تفسير قول ا عز وجل ) :أ‘م˜ ح‘س’ب˜ت‹م˜ أ‘ن˜ ت‘د˜خ‹ل‹وا ال˜ج‘ن“ Qة‘ و‘ل‘م“QQا ي‘ Qأ˜ت’ك‹م˜ م‘ث‘ Qل‹
ال“ذ’ين‘ خ‘ل‘و˜ا م’ن˜ ق‘ب˜ل’ك‹م˜ م‘س“ت˜ه‹م‹ ال˜ب‘أ˜س‘اء‹ و‘الض“ Qر“اء‹ و‘ز‹ل˜ز’ل‹QQوا ح‘ت“QQى ي‘ق‹QQول‘ الر“س‹QQول‹
و‘ال“ذ’ين‘ آم‘ن‹وا م‘ع‘ه‹ م‘ت‘ى ن‘ص˜ر‹ الل“ه’ أ‘ل إ’ن“ ن‘ص˜ر‘ الل“ه’ ق‘ر’يب¨( )البقرة.(214:
حيث أفاض ا على لسانه من روائع المعQQاني ،ونفQQائس الحكQQم ،كQQأن مQQددvا
روحي§ا قد تدف“ق على لسانه ،مرتفعvا من زواخر قلبه المتلطمة وكم للشيخ في
::الكنز الثرى :: 62
ساحات درسه من وثبات وجدانية ل ندري م’ن˜ أين جQQاءت فقQQد قرأنQQا مQQا يقQQرأ
الناس في كتب التفسير وصحائف الحديث ،ولكننا لم نر هQQذا الش“ Qر˜ح المتQQدفق
النابض لحد من سابقيه في هذه الية الكQQبرى ،وقQQد ر‹زق الشQQيخ حلوة فQQي
الصوت تجعل سامعه يتخيل أنه أمام موسيقى تصQQدح ،ل أمQQام إنسQQان يتكلQQم،
والصوت الندي uإذا استلهم القلب العاطفي المتقد جاء ببدع مQQن فنQQون البيQQان،
يبحث عن تأثيرها أساتذة فن uاللقQاء ،فل يهتQدون إلQى أصQQولها الحقيقيQQة ذات
الولQQوج الناشQQب فQQي مطQQاوي الفئدة ،ولفQQائف الحشQQاء والكبQQود] «...رسQQالة
المسجد ص .[125 ،124
انتهى كلم الستاذ الدكتور محمد رجب البيومي عن سبحات المQQام الجعفQQريu
المحلقة في دروسه ،وقد صو“رها بأبلغ عبارة ،وأفادنا عنها أعظم إفادة بحيQQث
تستحق أن تكون م’س˜ك الختام عن المام الجعفري -uالم‹ف‘س”ر.
الفصل الثاني
منزلة المام الجعفري في علم الحديث
لقد كانت صلة المام الجعفري بالحديث – رواية ودرايQQة – صQQلة قويQQة عميقQQة
الثر لم تقتصر على مجرد تحصيل علم الحديث على يد نخبة من أكQQابر علمQQاء
الزهQQر وقتهQQم كالشQQيخ حQQبيب ا الشQQنقيطي ،والعلمQQة محمQQد إبراهيQQم
السمالوطي وغيرهم ،وإنما كان المام الجعفري -رضي ا عنه – ينظQQر إلQQى
الحديث النبوي الشريف نظرة صوفية خاصة خالصQQة ،فهQQو كQQان يQQراه ويفهمQQه
على أنه كل النبي – صلى ا عليه وآله وسلم – فكانت محبته له محبته لقائله
حQQبيب ا ،وحQQبيب الملئكQQة ،وحQQب النبيQQاء والمرسQQلين ،وحQQبيب الوليQQاء
والصالحين ،وحبيب جميع المسلمين سيدنا ومولنا رسول ا – صلى ا عليه
وآله وسلم – .
ويحكى لنا المام الجفعري بدايته الولى مع الحديث وروايته فيقول» -:قQQال –
عليه الصلة والسلم » - :-إذا مررتم بريQQاض الجنQQة فQQارتعوا« ك ومQQا ريQQاض
الجنة يا رسول ا ؟ قال » :حلق الذكر« ]رواه البيهقي[.
::الكنز الثرى :: 63
هذا الحديث أول ما سمعته عن شيخي العارف بالله – تعالى – السQQيد محمQQد
الشريف ابن العارف بالله – تعالى – السيد عبQQد العQQالي ابQQن العQQارف بQQالله –
تعالى – سيدى ومولي الشريف السيد أحمد بQQن إدريQQس – رضQQي ا تعQQالى
عنهم أجمعين – قال السيد محمد الشQQريف – رضQQي ا تعQQالى عنQQه - :يؤخQQذ
من هذا الحديث استحباب الجتماع على مجالس الذكر ،وأن العارفين يتلذذون
بذكر ا – تعالى – كما يتلذذ أهل الجنQQة بنعيمهQQا ]المعQQاني الرقيقQQة :ص [12
وممQQن أجQQاز شQQيخنا الجعفQQري بروايQة الحQQديث بالسQQند السQيد محمQQد إدريQس
النوسي – قال في كتابه المنتقي النفيس-:
»يقول صالح بن محمد بن العارف بالله – تعQQالى -الشQQيخ صQQالح الجعفQQري-:
أروي بالجازة المباركة بالسند المتصل عن السيد محمد إدريس السنوسي عن
شيخه العارف بالله – تعالى السيد -السيد أحمد بن الشQQريف السنوسQQي ،عQQن
شيخه العارف بالله – تعالى – السيد أحمد الريني عن شQQيخه العQQالم العلمQQة
والبحر الفهامة الحافظ المحدث السيد محمد بن على السنوسQQي ،عQQن شQQيخه
العارف بQQاله – تعQQالى – سQQيدنا المQQام المحQQدث ،الحQQافظ المفسQQر ،الصQQوفي
النحريQQر ،والمرشQQد لطريQQق الحQQق بQQالحق ،القطQQب النفيQQس ،صQQاحب البيQQان
والتدريس ،سيدنا ومولنا السيد أحمد بQQن إدريQQس الشQQريف الحسQQني – رضQQي
ا عنه – بسنده المتصل قال :وعنه – صلى ا عليه وآله وسلم – أنQQه قQQال :
]المنتقي النفيس -: [103
»إنما يسلط على بني آدم ما يخافه ابن آدم ،ولو أن ابن آدم لم يخف غيQQر ا
لم يتسلط عليه أحد ،وإنما وكل ابن آدم لمن رجا ابن آدم ،ولو أن ابن آدم لQQم
يرج إل ا لم يكله ا إلى غيره« ]المنتقي النفيس :ص .[103
والمام الجعفري -رضي ا عنه – كما تشهد بذلك مؤلفاته قد طالع في كQQثير
من كتب الحديث وقرأها ،وحفظ منها ،وفهم واستنبط ،ففي كتبه نجد إشQQارات
كثيرة إلى كتب الصحاح والسQQنن ،ومQQن ذلQك :صQQحيح البخQQاري ]فتQQح وفيQض:
[199وصحيح مسلم ]فتح وفيض [301 – 271 – 270 :وسنن أبي داود ]فتح
::الكنز الثرى :: 64
ل يجوز ،ولم يأتوا بحQديث علQى ذلQك ،وقQد وجQدت أحQQاديث كQQثيرة تQدل علQى
التوسل بالنبي – صلى ا عليه وآله وسلم – فعنQQدى :الحQQدب إلQQى أن أتبQQع
الحديث ولو كان ضعيفا ،وأترك قول من منع ،ولو أاقQم الحجQQة بالعقQل ]فتQQح
وفيض :ص .[212
ولن الحديث علم له قواعده وأحكامه فقد كان المQQام الجعفQQري -رضQQي ا
عنه – يهتم بها ،وهو يحاور المجادلين في قضية التوسل وغيرها ،فكان يخQQرج
الحديث ويهتم بإسناده إلى مصادره ،ول سQQيما إذا كQQان الموضQQوع مثQQار خلف
ونقاش ،عند ذلك كان المام الجعفري -رضQQي ا عنQQه – يسQQتخرج مQQن كنQQوز
معارفه لليء العلم ودرره ،نقرأ معا ما ذكره من مصادر لرواية حQQديث جQQاب
بن عبد ا حين سأل النبي – صلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم – عQQن أول شQQيء
خلقه ا تعالى فقال-:
»أول ما خلق ا نور نبيك يا جابر« ]أخرجه الحافظ عبد الرزاق في مسنده[.
قال المQQام الجعفQQي – رضQQي ا عنQQه – وهQQو يشQQرح كلم السQQيد أحمQQد بQQن
إدريس عن نور النبي – صلى ا عليه وآله وسلم -: -
»أشار – رضي ا تعالى عنه – بذلك إلى الحديث الذي أخرجQQه الحQQافظ عبQQد
الرزاق في مسنده ،ونقله عنه العلمة الشيخ أحمد القسQQطلني -رحمQQه ا –
ونقله العلمة الشيخ النبهاني فQQي كتQQابه )النQQوار المحمديQQة( ،ونقلQQه كQQثير مQQن
المحدثين وأرباب السير ،ونقله الفقيه العلمة الصوفي الشQQيخ أحمQQد الQQدردير-
رضي ا تعالى عنه – وكذلك العلمة المحQQدث الشQQيخ ابQQن حجQQر الهيثمQQي –
رحمه ا تعالى « ]المعاني الرقيقة .[39 – 38 :
ويتجلى علمه بفقه الحديث وقدرته على السQQتفادة منQQه فQQي إثبQQات صQQحة مQQا
استدل به الصوفية على مشروعية »الخلوة« فقد قال-:
»الصوفية حينما استدلوا على الخلوة بحديث الغار ،وأنه سنة عنQQه – صQQلى ا
عليه وآله وسلم -قالوا لهم :إن حQQديث الغQQار كQQان قبQQل الرسQQالة ،والسQQنة ل
تثبت إل بعدها.
::الكنز الثرى :: 66
أجاب بعض شراح البخQQاري بQQأن الخلQQوة حصQQلت منQQه – صQQلى ا عليQQه وآلQQه
وسلم – بعد الرؤيا الصالحة التي جعلتها السQيدة عائشQة – رضQQي ا عنهQا –
من الوحي وترجم لها البخاري على أنها من الوحي ،واستدلوا بقولها-:
»فكان ل يرى رؤيا إلى جاءت كفلQQق الصQQبح ،ثQQم حبQQب إليQQه الخلء« ]صQQحيح
البخاري[ فالخلوة جاءته بعد الرؤيا الصالحة ،فهي ناشئة عنها ،والرؤيا الصالحة
من الوحي ،فعل النبي – -صلى ا عليه وآله وسQQلم – بعQQد الQQوحي يسQQمي
سنة فالخلوة سنة« ]الذخيرة المعجلة :ص .[45
ويشير رضي ا عنه – إلى بعض أحكام الحQQديث كالناسQQخ والمنسQQوخ ،وذلQك
عندما يناقش قضية – فرعية – وهي زيارة القبور ،وكان ينقل بعض الحاديث
مخرجة موثقة من مسند عبد الرزاق الصنعاني اليمني ،قال-:
باب زيارة القبور في الحديث 7604حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن
عكرمة مولى ابن عباس – رضي ا عنهما -قال :قال رسول ا – صQQلى ا
عليه وآله وسلم : -
»لعن ا زوارات القبور« ]رواه الترمذي[.
قال المام الجعفري :هذات الحديث تقQQدم ذكQQره وشQQرحه ،وإنQQي أرجQQح كلم
الحافظ أبي بكر العربي في شرحه المسQQمي :العارضQQة علQQى سQQنن الحQQافظ
أبي عيسى الترمذي حيث قال :هذه الجملة وهQQي »لعQQن ا زوارات القبQQور«
منسوخة بقوله – صلى ا عليه وآله وسلم : -
»كنت نهيتكم عن زيارة القبول أل فزوروها« ]رواه الترمذي[.
قال المام الجعفQQري :هQQذا الحQQديث تقQQدم ذكQQره وشQQرحه ،وإنQQي أرجQQح كلم
الحافظ أبي بكر العربي في شرحه المسQQمي :العارضQQة علQQى سQQنن الحQQافظ
أبي عيسى الترمذي حيث قال :هذه الجملة وهQQي »لعQQن ا زوارات القبQQور«
منسوخة بقوله – صلى ا عليه وآله وسلم : -
»كنت نهيتكم عن زيارة القبول أل فزوروها« ]أخرجه عبد الرازق[.
وهذا الكلم أعجبني كثيرا ،ومما يؤيده أن الحافظ عبد الرازق أخرجه بعد هذا
::الكنز الثرى :: 67
معناها ،وهو أنه – عليه الصلة والسلم »من زار القبول فليس منQQا« ]أخرجQQه
الحافظ عبد الرزاق[.
قال الجعفري - :هذا الحديث منسوخ كما علمت كالسQQابق قبلQQه ،ومQQا رأيتQQه إل
في هQذا الكتQاب ،عQQن التQQابعي وهQو قتQادة ،وأمQQا الحQديث الولQQى فقQQد روي
مرفوعا في سنن الترمذي ]فتح وفيض :ص . [273كلم الجعفري ويبدو مQQن
خلل عرض منهج المام الجعفري في الستشهاد بالحديث النبوى الشريف أنه
يسير على طريقته العامة في سائر حياته وهي :أنه يجتهد في تحرير المسائل
والستدلل عليها ،ثم يبين أن لكل صاحب رأي وعلم اجتهاده ،ول يحاول إلQQزام
مخالفة رأيQQه-ج مQQادامت القضQQية تتعلQQق بQQالفروع الQQتي ل يضQQر الختلف فيهQQا
بأصول العقيدة وجذورها .يقول – رضي ا عنه-:
»وأما حديث توسQQل سQQيدنا آدم -عليQQه السQQلم – بQQالنبي صQQلى ا عليQQه وآلQQه
وسلم .فقد أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه ،ورأي الحاكم أنQQه صQQحيح،
ومن تكلم في هذا الحديث أو طعن فيه فله رأيه ،واعلم أن الحصة ظنية ،وأن
الطعن ظني ،كل بني رأيه على اجتهاد ظهر له ،فاختر لنفسك مQQا يحلQQو ،وإنQQي
أختار رأي الحاكم واجتهاده اتباعا وتقليدا لمشايخي – رضQQي ا عنهQQم] -فتQQح
وفيض :ص .[120
وفي موضوع آخر -وهو أولية نبوة المصطفي – صلى ا عليه وآله وسQQلم –
يقول الجعفري -رضي ا عنه-:
»وذكر الشيخ الخازن في تفسيره أن ابن تيمية يقول - :إن حديث » :كنQQت نبيQQا
وآدم بين الروح والجسد« ]رواه أحمد والحاكم[ فيQQه ضQQعف ،وكQQان علQQى ابQQن
تيمية أن يقول :ضعيف إسناده من هذه الرواية ،وصQQحيح معنQQاه لجQQل روايQQة
الترمذي ،والحديث إذا جاء بسند صحيح ،ثم جاء بسند ضعيف علمنا به ،إستنادا
إلى الرواية الصحيحة ،وهQQذه الحQQاديث الثلثQQة لQQم يQQرد لفظهQQا ،وإنمQQا المQQراد
معناها ،وهو أنه – عليه الصلة والسلم – جعله ا – تعQQالى – نبيQQا قبQQل آدم
عليه السلم« ]فتح وفيض :ص [220 – 219فالصل عند المQQام الجعفQQري
::الكنز الثرى :: 69
أن النسان مهما اطلع وتبحر في سائر العلوم فإنه لم يستوعبها كلهQQا ،وإن مQQا
غاب عنك ربما يكQQون عنQQد غيQQرك ،كمQQا أنQQه يقQQر بالفضQQل للسQQابقين ،ويعQQرف
للحافظين ،من العلماء قدرهم ،هذه هي القاعدة التي كان المQQام الجعفQQري
يسير عليها في كتبه ودروسه ومناقشاته ،نستمع إليه وهQQو يحQQدثنا عQQن شQQيخه
العلمة محمد بخيت المطيعى – لنعرف على أي نهج كان – رضQQي ا عنQQه –
يسير - :
»رأيت سؤال vوجه إليه فQQي إحQQدى المجQQالت السQQلمية عQQن الحيوانQQات الQQتي
تدخل الجنة وهي :ناقة سيدنا صالح – عليه السلم – وكبش سQQيدنا إسQQماعيل
– عليه السلم – ومملة سيدنا سليمان – عليه السلم – وهدهد سيدنا سليمان
– عليه السلم – وبقرة بني إسرائيل ،وحمQQار العزيQQز – عليQQه السQQلم – وكلQQب
أهل الكهف – رضي ا عنهم – وحوت سيدنا يونس – عليه السQQلم – وبQQراق
سيدنا محمد – صلى ا عليه وآله وسلم – فأجاب رضي ا عنه-:
لم أر ذلك في كتاب أبدا إل في شرح الشيخ أبي البركات الدردير رضي ا عنه
في شرحه لمعراج الحافظ نجم الدين الغيطي – رحمه ا.
يقول المام الجعفري - :إن إطلع الشيخ محمQQد بخيQQت ليQQس كQQإطلع الشQQيخ
الدردير – رضي ا عنه – ول يصح أن يقول الشيخ الدردير ذلك من نفسه.
وقال العلماء :من حفظ حجة على من لم يحفظ.
وقد قQQال الحQQافظ العراقQQي – رحمQQه ا – حينمQQا اطلQQع علQQى كتQQاب الحيQQاء
للغزالي :رحم ا أبات محمد لقد اطلعQQت لQQه علQQى أحQQاديث مQQا وجQQدتها فQQي
الموضوعات.
قلت :لعل ذلك من سعة اطلع الشيخ الغزالQQي رحمQQه ا ]فتQQح وفيQQض :ص
[221 : 220ومع أن المQQام الجعفQQري – رضQQي ا عنQQه – لQQم يصQQنف كتابQQا
مستقل vفي الحديث فإن القارئ فQQي كتبQQه يجQQد فيهQQا زادا وفيQQرا فQQي الحQQديث
رواية ودراية لو جمع في كتQQاب مسQQتقل لغنQQي وأفQQاد ،ولعQQل مرجQQع ذلQك أن
المام الجعفQري -رضQي ا عنQه – لQم يكQن يQQولي التصQQنيف والتQQأليف عنايQة
::الكنز الثرى :: 70
»قاتQQل عليQQه الصQQلة والسQQلم » :إن ا حQQرم علQQى الرض أن تأكQQد أجسQQاد
النبياء«.
مروى على أوس بن أوس من حديث طويل أخرجه أبQQو داود ،والمQQام أحمQQد،
والنسائي ،وابن ماجه ،والدارمي ،والبيهقي فQQي كتQQاب الQQدعوات الكQQبير ،وابQQن
خزيمة ،وابن حبان في صحيحه ،والطبراني في الكبير ،وسعيد بن منصور فQQي
سننه ،وابن أبي شيبة والحاكم وصححه ،وأيضا النووي – رحمهم ا أجمعين.
وقد نظمت بفضل ربي المخرجين لهذا الحديث لكشرتهم ليسهل حفظهم-:
هذه لمحات موجزة عن منهQج المQQام الجعفQQري رضQQي ا عنQQه فQQي دراسQة
الحديث وعلومه ،وهي على وجازتها تنQم عQن علQم غزيQر ومعQارف موهوبQQة،
وقدرة فائقة على الشرح والتحليل والستنباط ومQQن أراد المزيQQد فعليQQه بشQQرح
المام – رضي ا عنه – للحاديث النبوية التي في درس الجمعة ،وفQQي كتبQQه
الخرى مثل كتاب :المنتقي النفيس ،وكتاب فتQQح وفيQQض وفضQQل مQQن ا فQQي
شرح كلمة ل إله إل ا محمد رسول ا.
الفصل الثالث
» منزلة المام الجعفري في علم التوحيد«
::الكنز الثرى :: 73
وقال العلماء :إن علم التوحيد واجب عيني على كل فرد رجل وامQQرأة ويكQQون
النسان بتركه عاصيا ،وقQQد وفقنQQي ا تعQQالى إلQQى منظومQQة صQQغيرة جامعQQة
لمسائل التوحيد ،فعلى كل مريد أن يجتهد في حفظها حتى يوفقني ا تعالى
إلى شرح لها ،يبين جملها باختصQQار إن شQQاء ا تعQQالي ،وقQQد طبعQQت وحQQدها
مستقلة ،وطبعت في هذا الكتاب واسمها :مفيدة العوام«.
»مقيدة العوام«
نظم مولنا الشيخ صالح الجعفري رضي ا عنه:
الجعفري صالح نسQQل الQQولي يقQQول راجQQي رحمQQه الQQرب
معلQQQQQم للعلQQQQQم والقQQQQQرآن العلمQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQي
ننجQQو بQQه مQQن ربقQQة الترديQQد الجعفQQQري سQQQاكن الجنQQQان
على النبي المصطفي محمQQد الحمQQQد للQQQه علQQQى التوحيQQQد
ألقى بها النجQQاة يQQوم الحشQQر ثم الصلة بالسلم السQQرمدي
فQQرض محتQQم علQQى العبيQQد وآلQQه أهQQQل التقQQQي والطهQQر
لكنهQQQا فQQQي علمهQQQا كQQQبيرة وبعQQد فQQالعلم بQQذا التوحيQQد
أرجQQQو بهQQQا مQQQوائد الكQQQرام وهQQQQذه أرجQQQQوزة صQQQQغيرة
قبولهQQا فQQي البQQدو والمصQQار سQQQQميتها مفيQQQQدة العQQQQوام
وافتQQح لهQQم خQQزائن السQQرار وأسQQQأل ا الكريQQQم البQQQاري
واليسQQر والتوفيQQق والفQQادة ونفQQQع حQQQافظ لهQQQا وقQQQاري
يQQQاحي يQQQا قيQQQوم يQQQا مريQQQد أرجQQو بهQQا القبQQول والسQQعادة
معرفQQQQة المهيمQQQQن الQQQQديان ودفQQQع حاسQQQد ومQQQا يريQQQد
فQQQQي حقQQQQه والمسQQQQتحيل قد أوجQQب ا علQQى النسQQان
فاحتسQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQب فQQواجب معرفQQة لمQQا يجQQب
ومثQQQQل ذا لرسQQQQله محتQQQQم ومQQا يجQQوز إن عرفQQت فQQالزم
كQQل كمQQال قQQد أتQQي إجمQQال v فQQواجب فQQي حقQQه تعQQالى
مQQQن المصQQQير راجQQQع إليQQQه ويسQQQQتحيل ضQQQQده عليQQQQه
::الكنز الثرى :: 75
انتهت هذه المنظمة التي جمعت أهل مسائل علم التوحيد ،وهي ما يجQQب للQQه
::الكنز الثرى :: 79
تعالى ،وما يستحيل ،وما يجوز ،وما يجب للرسل وما يستحيل وما يجوز.
ويتضح فيها تمكن المام الجعفري -رضي ا عنه – من هذا الفن وهو نظQQم
العلوم ،ويظهر فيها تأثره بما سQQبقه مQQن منظومQQات ول سQQيما نظQQم »جQQوهرة
المريد في علم التوحيد« للعلمة إبراهيم اللقاني ول سيما عن قوله:
كل النام فهمها على الول وهذه الخمسون واجب على
فل تكن في المر ذا ترديد تنبيك عنها كلمة التوحيد
فقد أضاف ،ووضح المام الجعفري -رضي ا عنه – إلى منQQا نظمQQه العلمQQة
اللقاني بقوله:
شهادتا السلم فاطرح المرا وجامع معني الذي تقررا
ولقد كان رضي ا عنه -كثير الستشهاد بنظم الجوهرة ]المعاني الرقيقة،[8 :
مع الستعانة بشرح العلمة الQQبيجوري عليهQQا ]بفتQQح وفيQQض ،[32 : 21 :ومQQن
المصادر التي رجع إليها المام الجعفري كثيرا :منظمة سيدى أحمد الدردير في
التوحيد المسماه:
الخريQQدة ]منQQبر الزهQQر ،[42 :والعلمQQة الشQQيباني الزهQQري فQQي منظQQومته
المسماه :الشيبانية ]المعاني الرقيقة [88 :أو منظمة الزهريQQة ]فتQQح وفيQQض:
[136وجامع كرامات الولياء للنبهاني ]المعاني الرقيقة ،[23 :وأيضا فإنه نشQQر
رسالة الشيخ محمد عليش شيخ السادة المالكية بالجامع الزهر الشQQريف فQQي
وقته ،وهي رسالة مختصرة في علم التوحيد اسمها» :تقريQQب العقQQائد السQQنية
بالدلة القرآنية«] .فتح وفيض.[59 - 36 :
ومسائل علم التوحيد التي تعرض لها رضي ا عنه بالشQQرح والتعليQQق كQQثيرة،
وهو عندما يناقشها يستدل عليها باليات القرآنية ،والحQQاديث النبويQQة الشQQريفة،
وأقوال الئمة المجتهدين ،وهو يتناول المسائل برؤية ممحصة ،وفهم ثاقب فل
ينقل أقوال العلماء السابقين وفقط .بل يناقشها ويختار الراجح منها.
كما أنه – رضي ا عنه – كان يخاطب أبناءه ومريديQQة فيعلمهQQم كيQQف يكQQون
التعرض لمسائل التوحيد والعقيدة ،فمنهج التربية عنده يساير منهج التعليم.
::الكنز الثرى :: 80
اسQQتمع معنQQا أيهQQا القQQارئ الكريQQم إلQQى حQQديثه عQQن مسQQألة »عصQQمة النبQQاء
والمرسلين« يقول رضي ا عنه ] :أنظر المنتقي النفيس :ص .[153 - 150
»مسألة :واعلم يا أخانا في ا يQامن وفقQه ا :أنQه – صQQلى ا عليQه وآلQه
وسلم -معصوم قبل النبوة وبعدها عن الصغائر والكبائر ،وكيف ل يكون كذلك
وقد قال – صلى ا عليه وآله وسلم:-
»أدبني ربي فأحسن تأديبي« )النباء .(101 :
فهذا الحديث أعظم دليل على العصمة قبل النبوة وبعQQدها ،إن المربQQي يغفQQل
عهن مربيه ،فيقع في الخطأ وا تعالى ليس كذلك ،ومن أدبQQه لQQه وتربيتQQه أن
شرح صدره عند الطفولة؛ ليلتقي عهد الطفولة بعزة وكرامة واستعداد ،فكQQان
– صلى ا عليه وآله وسلم – من أكمل الرجال حتى لقب بالمين ،وعند تمQQام
الربعين شق صدره الشريف – صلى ا عليه وآلQQه وسQQلم -ليسQQتقبل الQQوحي
وعهد النبوة والرسالة ،وليلة المعQراج شQق صQQدره الشQQريف – صQلى ا عليQه
وآله وسلم – لجل السQQراء والمعQQراج ،فهQQو – صQQلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم –
معصوم مدة حياته كلها ،محوط بعناية ربه وحفظه ،ومستعد للخيرات والبركات
والكمالت.
فإذا أخلصت لله ،وشرعت في عبادته فل تكفر فQQي معصQQيته ،فQQإن لحQQظ لQQك
فيها؛ لنه سبحانه يغار على عباده ،وأهل حضQQرة ذكQQره ،ويحقQQق فيهQQم هQQذه
الوصاف التي يحبها ويرضاها لهم .قال تعQQالى) - :إ’ن“ ال“ Qذ’ين‘ س‘ Qب‘ق‘ت˜ ل‘ه‹Qم˜ م’ن“QQا
ال˜ح‹س˜ن‘ى أ‹ول‘ئ’ك‘ ع‘ن˜ه‘ا م‹ب˜ع‘د‹ون‘( )النبياء. (101:
الحسنى :اليمان والسلم والتوفيق للقيام بالواجبات ،وترك المنهيات ،معبدون
في الدنيا عما يغضب ا تعQالى مQQن تQرك واجQQب ،أو ارتكQاب محQQرم قQQول vأو
فعل ،vظاهرا أو باطنا ،وفي الخرة مبعدون عن النار وعذابها.
إذا علمت ذلك فاعلم أن النبياء – عليهم السلم – هم سادات من سبقت لهQQم
الحسنى ،وسادت من وعدهم ا تعالى بالحياة الطيبة .ويقول ا – تعالى –
) الل“ه‹ أ‘ع˜ل‘م‹ ح‘ي˜ث‹ ي‘ج˜ع‘ل‹ ر’س‘ال‘ت‘ه‹ ()النعام :من الية . (124
::الكنز الثرى :: 81
يعني :قبل أن يرسل رسول vيعلم سQQبحانه بQQه ،ويهيئه لتلQQك الرسQQالة بالعصQQمة
والستعداد الروحي والخلقي.
وعلQQى ذلQQك فالQQذي أعتقQQده أن نبينQQا محمQQدا – صQQلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم –
معصوم قبل النبوة وبعدها من كل صغيرة وكبيرة وعادة مذمومQQة ،قQQد تQQوله
ا ولية تسمو على كل ولية قال تعالى-:
)إن ولي ا الذي نزل الكتاب( )العراف (196 :أي :تولى ا أمري كلQQه فQQي
جميع أحوالي وتطوراتي ،وفي هذا المعني يقال» :تولى ا – سبحانه – نQQبيه
وأدبه فأحسن تأديبه ،ورباه فأحسن تربيته«.
ومن المسائل التي يحثها رضي ا عنQQه فQQي كتبQQه ودروسQQه :مسQQألة الكرامQQة
]فتح وفيض ،[280ورؤية المQQولى – عQQز وجQQل – فQQي الQQدنيا يقظQQة ]المنتقQQي
النفيس ،.[88 : 87 :وحكم المقلد في التوحيد ]فتح وفيض ... ،[63وغيرها.
وقد سار – رضي ا عنه – في سائر مسائل التوحيد على مذهب أهل السQQنة
وكان يسير على منهج المام أبي الحسQQن الشQQعري -رضQQي ا عنQQه – يقQQول
في إحدى منظماته:
ومالك إمامنا في المذهب وعقدنا كالشعري الطيب
يقول رضي ا عنه:
»واعلم أن طريقنا هذا مبني علQQى الكتQQاب والسQQنة ،وفقQQه المQQذاهب الربعQQة،
وعقيدة الشعري في التوحيد ،وأبي القاسم الجنيQQد فQQي التصQQوف -رضQQي ا
عنهم أجمعين« ]مفاتح كنوز السموات والرض :ص .[13
الفصل الرابع
» منزلة المام الجعفري في علم الفقه والتشريع السلمي«
أسلفنا أن المام الجعفري -رضي ا عنQQه – قQQدر درس الفقQQه علQQى يQQد كبQQار
علماء عصره ،ومنهم الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصQQرية فQQي
وقته ،وأنه كان مالكي المذهب ،ولكنه كان ل يقتصر في دروسه وفتاويه علQQى
مذهب المام مالQQك .بQQل يختQQار الراجQQح مQQن أقQQوال المQQذاهب الربعQQة ،وكQQان
::الكنز الثرى :: 82
حريصا على تنبيه السامعين في دروسه والقارئين في كتبه إلQQى مكانQQة الئمQQة
الربعة وفضلهم ،وأنهم اجتهدوا في فهم القرآن الكريم وتفسQQيره ،واسQQتنبطوا
الحكام من الحاديث مع سبقهم وقربهم من رسول ا – صلى ا عليه وآله
وسلم.
يقول – رضي ا عنه – مرشدا vومعلما ومقوما لعوجاج بعض مQQدعي العلQQم
الذين يعترضون على المذاهب-:
»ومل العلماء كتبهQQم بالحQQاديث الصQQحيحة المنقحQQة للعمQQل ،وأول مQQن ألQQف:
المام أبو عبد ا مالك بن أنQQس اليمنQQي المQQدني مسQQكنا – رضQQي ا عنQQه –
فجمع كتابا سماه »الموطأ« وجعله أبوابا ميسرة للفهم.
ومن العجب في هذا الزمن ومما يؤسف :أن بعض الناس يقول :ل مالك ،ول
شافعي ،ول أبا حنيفة ،ول ابن حنبل« لماذا؟ يقQQول لQك :أنQا مجتهQQد ،أنQا علQQى
الكتاب والسنة.
جاءني رجل أعجبتني هيئته ،وقال لي :ل أعرف الئمQQة .بQQل أنQQا علQQى الكتQQاب
والسنة ،ففرحت له :هل تحفظ القQQرآن؟ قQQال :ل ليQQس بQQواجب ،فهQQذا الرجQQل
مجادل ،مجادل .قلت له :هل تحفظ السنة؟ قال :ل.
قلت له :أبشر فإنك قد دخلت في قوله تعالى) :و‘م‘ن˜ أ‘ظ˜ل‘م‹ م’م“ Qن’ اف˜ت‘ Qر‘ى ع‘ل‘QQى
الل“ه’ ك‘ذ’با ()النعام :من الية . (93فقQQد افQQتريت علQQى ا – تعQQالى – وادعيQQت
أنك تحفظ لكتابه ،وأنت جاهل بكتابه ،وافQQتريت علQQى النQQبي – صQQلى ا عليQه
وآله وسلم – وادعيت أنك تعمل بالسنة وأنت جاهل بالسنة.
السيوطي :جمع مائة ألف حديث صحيحة ،ومات قبQQل أن يسQQتكمل الحQQاديث،
وأنت لم تحفظ حديثا واحدا من مائة ألف حديث .هذه عجائب الزمان.
المام أحمد :نقول عن صدره ثلثين ألف مQQن الحQQاديث الصQQحيحة بأسQQانيدها
سبحانه ا!.
قال علماء الحديث من السQQلف الصQQالح :إذا روي المQQام مQQالكم الحQQديث فقQQد
جاوز القنطرة يعني :ل يسأل عنQQه بعQQد ذلQQك ،فهQQو حQQديث صQQحيح ،رحQQم ا
::الكنز الثرى :: 83
الزهر وعلماء الزهر ،حينما جمعوا كتب المذاهب الربعة وقرروها فQQي هQQذا
المسجد ،ومنعوا أي مذهب آخر أن يدرس في هذا الزهر ،واستمر الحال إلى
يومنQQا هQQذا .أسQQأل ا تعQQالى أن يQQديمه؛ لن الQQدين هQQو الفقQQه ،والفقQQه هQQو
المذاهب الربعة .وما معني المذاهب الربعة؟.
الفهQQم الQQذي فهمQQه مالQQك مQQن الكتQQاب والسQQنة ،والفهQQم الQQذي فهمQQه أسQQتاذنا
الشافعي من الكتاب والسنة ،والفهم الذي فهمه أبو حنيفة من الكتاب والسنة،
والفهم الذي فهمه ابن حنبل من الكتاب والسQQنة ،ولQQم يQQأتوا بشQQيء مQQن عنQQد
أنفسهم.
مذهب :يعني الشيء الذي ذهب إليه المام من التفسير ،ومن شرح الحQQاديث
النبوية.
وبالعقل :بالله عليك :لو وجدت عالما في زماننا هذا مل طبقQQا الرض علمQQا –
هل تسلم أنه أعلم من مالك؟.
الئمة الربعة من السلف الصالح ،روي البخاري عن عمران بن حسين -رضQQي
ا عنه – أن رسول ا – صلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم – قQQال »خيQQر القQQرون
فرني« أي :مائة سنة »ثم الذين يلونهم« مائة سنة »ثQQم الQQذين يلQQونهم« مQQائة
سنة »ثم يأتي أناس كغثاء السيل« أي :كالوساخ التي تكون في السيل.
فالئمة الربعة من خير القرون – والحمد لله – وهذه معجQQزة للنQQبي – صQQلى
ا عليه وآله وسلم – لم يسبق لها مثال« ]انظر :منبر الزهر :ص .[50 -47
ويبسط المام الجعفري – رضي ا عنه – معني الفقQQه والتفقQQه – فيقQQول -:
»الفقه في اللغة :هو الفهم ،وعرفه العلماء بأنه الحكام الشQQرعية المكتسQQبة
من أدلتها التفصيلية »القرآن والسنة النبوية« فQQالقرآن والسQQنة :دليQQل إجمQQالي،
وقوله تعالى )و‘أ‘ق’يم‹وا الص“لة‘ ()البقرة :من الية (43دليQQل تفصQQيلي ،وقQQوله –
صلى ا عليه وآله وسلم» - :إنما العمال بالنيات« ]دليل تفصQQيلي يؤخQQذ منQQه
وجوب النية في العمال كلها.
ومن لم يعلم الحكام وجب عليه تقليد إمQQام مQQن المجتهQQدين الQQذي اسQQتنبطوا
::الكنز الثرى :: 84
الحكام التفصيلية من أدلتها الجماليQQة ،وأمQQا مQQن يقQQول :ل أتبQQع الئمQQة ،فهQQو
أجهل من حمار أم عمرو:
إذا ذهب الحمار بأم عمرو فل رجعت ول رجع الحمار
وقد قال المام إبراهيم اللقاني في منظومته جوهرة التوحيد-:
كذا أبو القاسم هداه المة فمالك وسائر الئمة
كذا حكى القوم بلفظ يفهم فواجب تقليد حبر منهم
ويحدد – رضي ا عنه – مصادر التشريع السلمي -الQQتي يقQQوم عليهQQا الفقQQه
على اختلف مذاهبه فيحصرها في:
»الكتاب ،والسQQنة ،والجمQQاع والقيQQاس ،وهQQذه الربعQQة متفQQق عليهQQا« ]درس
الجمعة .[2/175
وأما عن تراثه – رضي ا عنه – الذي تركه في علQم الفقQQه ،فهQQو يتمثQQل فQQي
الكثير من الحكام والتفاوى الفقهية التي ملت دروسه من إجابات على أسQئلة
الحاضرين ،أو شرح لحكام العبادات التي ترتبط بالمناسQQبات كالصQQيام والحQQج،
وله أيضا كتاب »أسرار الصيام« أفرد فQQي آخQQره فصQQل vلبيQQان أحكQQام الصQQيام-
على مذهب المام مالك -في وجازة وإفادة ،وله أيضا رسالة في أحكام الحج
وبيان مناسكه.
وقد كان رضي ا عنه – يميل في فتاويه إلى الشرح والتبسQQيط لنQQه يريQQد أن
يفقه الجميع الحكم الفقهي على اختلف مداركهم ،وأيضQQا فQQإنه كQQان ينQQاقش
كثيرا المسائل التي يدور حولها خلف بين الئمة -وهي في الفQQروع -فيعQQرض
كل رأي ،ويبين وجهته ،كما تحدث عن القنوت وأحكQQامه فQQي المQQذاب الربعQQة،
فعرضها هذا العرض الشافي الوافي – فقال-:
»المام أبو حنيفة ل يقنت فQQي الصQQبح ،ويقنQQت فQQي الQQوتر قبQQل الركQQوع سQQرا،
والمام الشافعي :يقنت جهرا في الصبح بعند الرفع من الركوع ،والمام مالQQك
يقنت سرا بعد قراءة الفاتحQة والسQورة قبQQل الركQوع .وإذا صQلى مالQQك خلQف
شافعي ،فعليه أن يتبعه في التأمين أي :يقول آمين ،وإذا صلى شافعي خلف
::الكنز الثرى :: 85
ومن هذه الحكام :صلة التراويح في رمضان وعQQدد ركعاتهQا ]درس الجمعQة
،[1/143وختام الصلة جهرا ]درس الجمعة ....،[1/28وغير ذلك.
يقول رضي ا عنه في مدح أئمة المذاهب الربعة رضوان ا عليهم :
الفصل الخامس
» منزلة المام الجعفري في السيرة والشمائل«
كان اتصال المام الجعفري بالسيرة والشمائل اتصال vمبكQرا قQQد سQبل اتصQQاله
::الكنز الثرى :: 87
وقبل رأسها من أجQQل مQQدحها لQQذاته المكملQQة النورانيQQة .أخرجQQه هQQذا الحQQديث
الحافظ أسيوطي رحمه ا في الخصائص الكبرى وحسن إسQQناده وارتضQQاه.
فعليك يا أخانا في ا تعالى بالكثار من الصلة على رسQQول ا – صQQلى ا
عليه وآله وسQQلم – ول سQQيما بالصQQلة العظيميQQة تنQQل مQQا نQQاله الواصQQلون مQQن
مشاهدة ذاتQه وميحQQاه .وكQQان الصQQحابة – رضQQي ا عنهQQم – إذا سQQاروا فQQي
طريق مظلم صحبهم النور يضيء لهم فإذا تفرقوا انقسم النور وصار مQQع كQQل
واحد نور يوصله إلى داره المعنية .وذلك من نوره – صلى ا عليه وآله وسلم
. -أخرج ذلكم البخاري رحمه ا وحكاه .ول تزال رؤيته – صلى ا عليه وآله
وسلم – يقظة مستمرة لصحاب الطريقة المحمدية الحمدية .وقد رأوه يقظة
كما حصل لشيخنا السيد أحمد بن إدريس رضي ا عنه وأرضاه.
وقد نقل ذلك السيد السنوسي – رضي ا عنه – فQQي كتبQQه الظQQاهرة الجليQQة.
وقد حصل له ذلك أيضا ،ول يزال مستمرا ذلك الفصل لمن سلك طريقه وذكQQر
ورده وتله.
)اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولنا محمد خير البريQQة وعلQQى آلQQه فQQي
كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم ا(.
وقد تعرض شيخنا المام رضي ا عنه إلى مباحث مQQن مسQQائل السQQيرة فQQي
كتابه )فتح وفيض وفضل من ا( ناقش فيها بعض قضايا السيرة التي تحتاج
إلى بسط واستدلل ومنها:
فصل في حكمه دفنه – صلى ا عليه وآله وسلم – في الرض ]فتح وفيض:
.[78 – 69
وبعضها يبدو منها إشراقات الفهم الصوفي مثل »فيض مQQن ا فQQي الحQQرف
الخمسة الكلمة »محمد« – صلى ا عليQQه وآلQه وسQلم ]فتQQح وفيQض – 79 :
.[110
وبعضها متصل بحديث القرآن عن النبي – صQQلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم – فQQي
قوله )ق‹ل˜ إ’ن“م‘ا أ‘ن‘ا ب‘ش‘ر¨ م’ث˜ل‹ك‹م˜ ()الكهف :من الية ] . (110فتح وفيQQض : 219 :
::الكنز الثرى :: 90
.[229
وبعضها يكشف عن مدى مكانة النبي– صلى ا عليه وآله وسلم لدى أصحابه
كفصل )التبرك بآثاره صلى ا عليه وآله وسلم( ]فتQQح وفيQQض ،[229 :وتقبيQQل
يده – صلى ا عليه وآله وسلم ]فتح وفيض.[293 :
وفي ديوان الجعفري – رضي ا عنه – تجد حديثا فياضا عن النQQبي وشQQمائله
وأخلقه ومعجزاته وحقوقه ،نرجي الحQQديث عنQQه إلQQى البQQاب الخQQاص بQQديوان
الجعفري في الجزء الثاني إن شاء ا.
الفصل السادس
» منزلة المام الجعفري في علم العربية«
يعد علم العربية – بأقسامه المتعددة -أساسا في تكوين ثقافة العالم ،وبدون
هذه العلوم ل يستقيم اللسان ،ول يتضح للعالم بيان.
ولقد اهتم المام الجعفري – رضي ا عنQQه – بعلQQوم اللغQQة جميعهQQا ،وتلقQQي
دروسها على يد نخبة من علمائهQQا منهQQم الشQQيخ علQQى الشQQائب – رحمQQه ا –
وامتد اهتمامه بالغة وعلومها ليصل إلى درجة التأليف ،فألف »نظم الجروميQQة
في علم العربية« -يقول في مطلعها – رضي ا عنه-:
ومن ثنايا ما عرضت لك من نمQQاذج تشQQرق علينQQا روح الجعفQQري الQQذي عشQQق
التوجيه والرشاد ،فبثه في مؤلفاته كلها ،حتى وهQQو يؤلQQف فQQي علQQم العربيQQة،
ويمثل لقواعدها.
ولن نجد كلما أصدق ،ول أبلغ من كلم أحد العلماء الQQذين عاصQQروا المQQام –
رضي ا عنه – وهو الشيخ محمد محي الQQدين محمQQد حQQاج السQQوداني تلميQQذ
المام الجعفري ،وزميله في سنوات الدراسة ،وقد أهدى إليه الجعفQQري كتQQابيه
»البردة احسنية الحسينية« و »نظم الجرومية« ،وقد أرخ لهذا الخطاب بتاريخ:
28جمادي الثاني سنة 1373ه ،Qوفيما يلي نص الخطاب:
الباب الثالث
منهج المام الجعفري الصوفي
الفصل الول
سلوك المام الجعفري الطريقة الحمدية
سلك المام الجعفري رضي ا عنه – طريق السيد الشريف حمد بن إدريس
– رضي ا عنه – وهي تقوم علQى أسQس التصQQوف السQQلمي الحQق :علQى
تجرد القلب في إخلص العبادة لله تعالى ،واللQQتزام بQQالقرآن والسQQنة .يحQQدثنا
عنها أحد تلميذ السQQيد أحمQQد بQQن إدريQQس ،وهQQو القاضQQي الحسQQن بQQن أحمQQد
عاكش:
»واعلم أن طريقته هي اتباع الكتاب والسنة ،وكان يقول :التصوف هو تجريQQد
القلب لله تعالى ،وهو في الحقيقة :علم الوراثة الذي نتيجته :علم المشار إليQQه
في حديث:
»من عمل بما علم أورثه ا علم مالم يعلم« ]رواه أبو نعيم في الحليQQة عQQن
أنس[.
ويزيدنا تلميذه السي عبد الرحمن بQQن سQQلمان الهQQدل غنQQاء وفQQائدة فيقQQول:
::الكنز الثرى :: 93
»وهذا السيد الجليل طريقته السالك لها ،والداعي إليهQQا :القبQQال بالكيلQQة علQQى
تدبر معاتني كتاب ا تعالى ،ولقد ذكر لي – عافاه ا –أنه مكث عدة سQQنين
ل شQQغل لQQه إل تلوة كتQQاب ا ،والتعQQرض لنفحQQات أسQQرار علQQومه ،ولطQQائف
رقائقه وفهومه ،حتى منح ا به مامنح ،وفتح بما فتQQح«] .المنتقQQي النفيQQس :
[13
وطريقته – رضي ا عنه – قائمة على ارتبا سالكها بآخرته وهي دار المتقين،
ورجاء العابدين ،ومنتهي أمل المؤمنين.
ومن أبرز سمات هذه الطريقة :كثرة الصلة على النبي -صلى ا عليQQه وآلQQه
وسلم – فهي أعظم ما يترقي به المريد بعد أن يصحح بQQدايته ويقQQول سQQلوكه
على طرق الكتاب والسنة ،فيزداد قربا واتصال vمن جميع الوجود برسول ا -
صلى ا عليه وآله وسلم .
ثم إن الغاية العظمي من هذا الطريق هي الستقامة على نجه النبي -صQQلى
ا عليه وآله وسلم – واتباع طريقته ،وقد كان السيد أحمQQد بQQن إدريQQس يؤكQQد
هذه القاعة بقوله) :الستقامة عندنا هي غاية الكرامة(.
وكان يقول :جل قصدنا اتباع -صQQلى ا عليQه وآلQه وسQلم – وخطQQوة القQQدم
بالقدم ،فإنه كثيراص وما رآني أمشي خلفه ،واضعا قدمي حيQQث يضQQع قQQدمه،
فيقول لي :امش في طريقي حتى يوصلك إلينا ،وإذا وصQQلت إلينQQا وصQQلت إلQQى
حضرة »كان ا ول شيء معه« ]المننتقي النفيس :ص .[15
فقد تلقي الطريق عنQه السQQيد محمQد بQن علQQى السنوسQQي ،فصQQار إمامQQا فQQي
المعارف والعلوم ،وتلقاها عنه السيد محمد عثمان الميرغني ،فشرب من بحر
الحقيقة سر الشريعة السائغ الهني ،وتلقاها عنه السيد إبراهيم الرشيد ،فشرب
من بحر العلم المفيدن وتلقاها عنه السيد ابن الهQQدل ،فشQQرب مQQن بحQQر كQQل
علم عليه المعول ،وبحبه السيد أحمد من مكة إلى زبيQQد تحQQول ،وتلقاهQQا عنQQه
الشQQيخ المQQدني ظQQافر ،فنQQال تطهيQQر البQQاطن والظQQاهر ،وتلقاهQQا عنQQه السQQيد
السواكني المجذوب ،فنال السر الموهوب ،وتلقاها عنQQه البليQQابي ،فQQدخل فQQي
زمرة الحبQQاب وتلقاهQQا عنQQه الشQQيخ الحسQQن السQQوداني ،فنQQال غايQة المQQاني،
وتلقاها عنه الشيخ عبد ا أبو المعالي ،فنال بها الرتب العوالي ،وتلقاها عنQQه
الشيخ التوم السوداني ،فدخل حضرة القQرب والمعQQاني ،وتلقاهQQا عنQه الشQQيخ
المكي ،فصار عن مQQآثر شQQيخه يقQQول ويحكQQي ،وتلقاهQQا عنQه الشQQيخ عبQQد ا
السني ،فغرف من كل فن ،وتلقاها عنه خلق كQQثيرون فنQQالوا السQQر المصQQون،
وتلميذهم أخQQذوا عنهQم ،فصQاروا أقمQار الQQدياجي ،كQQل يرشQد النQQاس ،ولربQه
يناجي«] .شهد مشاهدة الرواح التقية :ص .[6 – 5
بهذه الكوكبة اللمعة من العلم انتشرت طريقة السQQيد أحمQQد ابQQن إدريQQس –
رضي ا تعالى عنه – في اليمن والحجاز ومصر والشQQام وبلد الQQترك والهنQQد
وحضر موت والسودان وجاوة والمغQQرب وليبيQQا والصQQومال والحبشQQة ،وأقبلQQت
الناس على أسانيده وعلومه وأوراده.
جذور الطريقة الجعفرية-:
أخذ شيخنا الجعفري – رضي ا تعالى عنه وعن أجداده – الطريق الدريسية
عن شيخه السيد محمد الشريف سبط السيد أحمد بن إدريس – رضي ا عنه
– يقول – رضي ا عنه-:
»وقد أجازني هذا الطريق شيخي وأستاذي ،مربQQي المريQQدين الشQQريف السQQيد
محمد عبد العالي ،عن والQQده السQQيد عبQد العQQالي عQن شQQيخه العلمQQة السQQيد
محمد بن على السنوسي ،عن شيخه العارف بالله السيد أحمQQد بQQن إدريQQس –
رضي ا عنهم أجمعين « ]المنتقي النفيس :ص .[207
::الكنز الثرى :: 95
ولقد كان – رضي ا عنه – على اتصال وثيق وارتباط روحي عميق بمشQQايخ
الطريق الحمدى ،وكان لهQQم أثQQر فQQي تربيQQة – صQQوفيا – يقظQQة ومنامQQا وكQQان
لشيخه الذي تلقي عنه الطريق -السيد محمد الشريف – الثر الكبر في نفسQQه،
فكم صاحبه ولزمه ،وراقب حالة ،واقتدى بQQأقواله وأفعQQاله ،وكQQان يثنQQي عليQQه
كثيرا في كتبه ،وفي دروسه وفي قصائده ،ومما قاله عنه- :
»ولشيخي هذا أسرار وكرامات ونفحات وعجائب وغرائب ،سره مكتوم ،وأمره
معلوم ،ظاهره باطن ،وباطنه ظاهر ،له سيف قاطع ،ونور سQQاطع ،وقQQد ورث
عن جده ووالده أحوال ،vونال منن بركتها منال ، vكان مرة يمشQQي خلQQف والQQده
ببلدة »نقل« بالسودان والناس يزدحمQQون بالقبQQال والجلل ،وحQQدثته نفسQQه:
هل أنا إذا بلغت عمر والدي هذا يكون لي من الحترام والكرام ما حصل له؟
فالتفت إليه والده سيدى عبد العالي -رضي ا عنه – وقال له :وأكثر من هذا
يا محمد .فكان ما قال« ]المنتقي النفيس :ص .[111
ومن كثرة ملزمة الجعفري لشيخه وحبه له ،حب شيخه له حدث بينهما اتصQQال
قلبي وروحي ،وكان السيد محمد الشQQريف ينظQQر إلQQى تلميQQذ الجعفQQري نظQQرة
خاصة ،ويجعله دائما موضع نظرة وعنايته ورعايته فكان بينهما حوار واتصQQال،
ولو لم تنطق الشفاه بالكلمات ،وهذا ما ترويه لنQQا هQQذه القصQQة الQQتي يحكيهQQا
المام الجعفري – رضي ا عنه – يقول » :كنت مرة جالسا عنده بسفينة في
مصر عند زيارته الخيرة لها – وكان مريضا فقلت في نفسي :ما هذا المرض؟
سبحان ا! فرفع رأسه وقال بصوت مرتفع :ابتلء ا ابني ..وهكذا كان نQQداؤه
لي حتى في البلد )أي دنقل( إما أن يقول :يا شيخنا ،وإما أن يقول :يا إبنQQي«
]فتح وفيض :ص .[23
وقد استفاد – رضي ا عنه – من مدرسة شيخه الصوفية ،وتربي على آدابها،
ونهل من معارفها وعلومها ،فحملت مدرسة الجعفري الصوفية فيمQQا بعQQد بيQQن
طياتها كثيرا من ملمح مدرسة شيخه التي كان تعتمQQد علQQى التربيQQة مQQن خلل
الداب والرشادات التي وضعها المام الجعفري فQQي كتبQQه ،ومQن ذلQك يعQرف
::الكنز الثرى :: 96
مشرب الطريقة الجعفرية ويعرف نسبها يقول – رضي ا عنQQه – محQQدثا عQQن
شيخه السيد محمد الشريف :
»سمعت من شيخي واستاذي )السيد محمد الشريف( الذي كان سببا لQQي فQQي
الخير الكثير أخذت عنه العهQQد منQQذ خمسQQين وثلثيQQن عامQQا )أي :حQQوالي عQQام
1347ه Qوكان عمره 19عاما( ]اللهام النافع ،[59 – 58 :وذكرت معه كثيرا،
وخدمته ولزمته ،ورأيت منه الكرامات والبركات ،وهو السيد محمد عبد العQQالي
الملقQQب بالسQQيد الشQريف ،يقQول» :ثلثQة علQى خطQQر :ابQQن الشQQيخ ،وزوجتQQه،
وتلميذه المقرب؛ لنه ابنه يعتمد على جاه والده ،ويتكاسل عن العمل ،إمQQا أذا
اتبع والده نQQال حقيQQن :حQQق العمQQل ،وحQQق القرابQQة .والزوجQQة :يخشQQي عليهQQا
مخالفة أمر الشيخ وغضبه ،أما إذا أطاعته فلهQQا حقQQان :حQQق العمQQل بQQالوراد،
وحق الزوجية.
والمريد المقرب لدى الشيخ ربما اطلع على عبادة الشيخ فاستقلها في نظQQره،
أو يرى شيئا ل يعجبه فيظن سوءا فيهلك ،أما إذا أخلص للشيخ كان له حقQQان:
حق الوراد ،وحق الخدمة للشيخ ]نفس المرجQQع والصQفحات[» .وسQQألت مQQرة
شيخي السيد محمد عبد العالي الدريسي – رضي ا عنه – عن الذكر فقال:
العارف بالله تعالى لو حرك عصا بيده هكذا ،لكان ذلك ذكرا« [فتQQح وفيQQض :
ص . [160
»وقد سمعت عن شQQيخي السQQيد محمQQد الشQQريف – رضQQي ا عنQQه – يقQQول:
العارف بالله تعالى تخاطبه الشجار والجمQQادات ،وتقQول لQه :أنQا خلقQQت لكQذا
وكذا من المنافع فل يلتفت إليها ،ويقول لها :ل أريQQد إل وجQQه ا تعQQالى ،فQQإن
التفت إليها واشتغل بمنافعها منع وقفل دونه البQاب« وحينمQا كQQان يتكلQم بهQQذا
الكلم رأيته يبكي وتتقاطر دموعه ،وبينما هQQو فQQي هQQذا الحQQال إذ أقبQQل عليQQه
رجب يسمي الشيخ عثمان عوض ا من »كابتوت« فقال السيد :مرحبا يا أبQQا
هاشم ،فقال له للسيد :دعني من كلمك هذا « ]المعاني الرقيقة :ص .[116
وكان السيد محمد الشريف يحب تلميذه حبا جما ،ول يطبق أن يراه بعيدا عنه،
::الكنز الثرى :: 97
أو يلتمس وردا غير ورده ،شأنه في ذلك شأن أربQQاب الطريQQق الQQذين يغQQارون
على طريقتهم وأورادها -يقول المام الجعفري -رضي ا عنه-:
»لما توفي السيد عبد ا النابلسي – وذلك بعQQد وفQQاة السQQيد محمQQد الشQQريف
رضي ا عنه – قQQال لQQي بعQQض الخQQوان مQQن السQQودان :أن السQQيد عبQQد ا
النابلسي يأتيك في النوم ،فتحدث معQQه بمQQا تريQQد ،واطلQQب منQQه فQQائدة لقضQQاء
الحوائج ،وبعد العشاء قرأت له سورة الفاتحQQة ،وسQQورة »يQQس« ونمQQت ناويQQا
مقابلته ،ففي أول منامي رأيت أننQQي أدخQQل بQQاب غرفQQة ،ورأيQQت السQQيد محمQQد
الشريف عبد العالي شيخي جالسا على سرير ،فقال بغضQQب وقQQد رفQQع يQQديه:
ماذا تريد من السيد عبد ا النابلسي؟ ألم نأذن لQQك بQQالحزاب والوراد؟ مثQQل
هذا كثير عند والدي ،فاستيقظت من منامي وأنا في تعجب مQQن أمQQرى هQQذا «
]اللهام النافع .[99 :
تلك كانت بعض إشارات لحوال المام الجعفري – رضي ا عنه – مع شيخه
في الطريق الحمدى ،ونقل إليQQه أسQQرارها ،وقQQد نقلنQQا فQQي الفصQQل الول مQQا
حديث من شيخه معه من بشارته لQQه بإقبQQال النQQاس عليQQه وازدحQQامهم حQQوله،
وذكرنا أن بشارته قد تحققQQت بتحلQQق النQQاس حQQول المQQام الجعفQQري بQالزهر
الشريف ،وقد شاهد ذلك السيد محمد الشريف عند زيارته لمر ،ووقQQوفه علQQى
حلقة دروس تلميذه الجعفQQري وفرحQQه واستبشQQاره بQذلك ،ولقQQد كQQانت فرحQQة
الجعفري أشد مQQن فرحQQة أسQQتاذه ،فقQQد قQQام لQQه ورحQQب بQQه ،وعQQرف النQQاس
الحاضرين بشيخه وسبب نعمته ،وغارس نبت علومه ومعارفه ]يراجQQع الفصQQل
الول[.
وما أكثر ما جاء من مدحه – رضي ا عنه – لشيخه السيد محمد الشQريف –ج
رضي ا عنه – ومن ذلك قوله في إحدى قصائده:
محمدا الذي أحيا السنينا وعم بفضلك النجل المفدى
فضQQQQائله علQQQQت فQQQQي وكQQان القطQQب ل يQQدري
العالمينQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQا لفQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQرد
::الكنز الثرى :: 98
الفصل الثاني
::الكنز الثرى :: 99
»ما هذا الطريق إل متابعة رسول ا -صلى ا عليه وآله وسلم -في القوال
والفعال ،ظاهرvا وباطنvا« ]لوامع البروق النورانية.[2 :
»واعلم يQQا أخانQQا أن طريقنQQا هQQذا كلQQه حسQQاب ومحاسQQبة واقQQتراب ومراقبQQة«
]اللهام النافع :ص .[84
»طريقنا هذا طريق شرعي ،على قدم محمدي .uطريقنا هذا من سلكه يوسQQع
له في رزقه ،ويبارك له فيه؛ لنه وقف على باب :يا دنيا م‘ن˜ خدمني فاخدميه«
]انظر :المنتقى النفيس :ص .[138
»وإن“ المتQQابع لطريقQQة المQQام الجعفQQري uوإرشQQاداته لمريQQديه فQQي دروسQQه
وحضراته وكتبه ليلتفت إلى الرتباط الوثيق بين منهجه ،ومنهج السيد أحمد بQQن
إدريس في تربية المريد ،وفي مزايا الطريقQتين .ول عجQب فQQي ذلQك التشQابه،
فقد سار الجعفري uعلى قدم السيد أحمد بن إدريس ،وجاهد مثلما جاهد ،كما
أن uكليهما كان يتصل برسول ا -صلى ا عليه وآله وسلم -اتصال vخاصvا ،كما
أن إخلص المام الجعفري -uرضQQي ا عنQQه -للطريQQق الحمQQدي ،ومحQQافظته
على أوراده ودعوة الناس إليها أكسبه ح Qب uشQQيخ الطريQQق ،وثقتQQه بQQه ،فQQورث
حاله ،وشرب من منهله الصuوفي الع‘ذ˜ب.
يقول الجعفري -uرضي ا عنه» :-وقد أجاد شيخنا »الشQQفا« القطQQب النفيQQس
مولنا السيد أحمد بن إدريس -رضQQي ا عنQQه -حينمQQا وكلنQQا إلQQى رسQQول ا-
صلى ا عليه وآله وسلم -يتولuى تربيتنا ،وقد شاهد كير من إخواننQQا ذلQQك إلQQى
يومنا هذا ،فاختص uا الخذين لطريقQه المحمQدي بالتربيQة المحمديQة ،وكQأن
السيد لحظ حين تلقيه الذكر الخاص uبه ،وأنه منه الجمع بين الحضQQرتين وهQQو
»ل إله إل ا محمد رسول ا« ،وكQQذلك فQQي قQQوله» :واج˜م‘ Qع˜ بينQQي وبينQQه...
الخ« مما يزيد على التربية؛ لن الجمع والملزمة يزيQQدان علQQى التربيQQة ،فامتQQاز
هذا الطريق في أوراده بهذه الميزات المميزات له ،وأن احبه كQQانت لQQه القQQدم
الراسخة في المتابعة المحمدية الظاهرة في جميQQع أحQQواله ،فكQQانت الرابطQQة
بينه وبين رسول اله -صلى ا عليه وآله وسلم -رابطة قوية متينQQة وقQQالوا :إنu
::الكنز الثرى :: 101
كل مريد يرث من مقام شيخه وحاله علQQى قQQدر اجتهQQاده واسQQتعداده ،ووثQQوق
الشيخ به« ]اللهام النافع :ص .[79
»فعليك يا أخانا في ا تعالى أن تفكر ،فإن التفكير من تمام اليمان ل ت‘ن˜QQس
أنك بأخذك للو’ر˜د المحمدي uالحمدي uصرت فQQي كفالQQة النQبي -uصQلى ا عليQه
وآله وسلم -والدليل على قولي هذا لك :رؤيتك له -صلى ا عليه وآله وسلم-
منامvا.
وكان -صلى ا عليه وآله وسلم -يرشQQد النQQاس بالQQدروس العلميQQة ،وبQQالقرآن
العظيم ،وقد تبعه شيخنا سيدي أحمد بن إدريس -رضQQي ا عنQQه -فQQي ذلQQك،
فكان يرشد الناس بالقرآن الكريم والع’ل˜م ،واستمر uعلى ذلك حQQتى لقQQي ربQQه،
وقد سألت‹ ا -تعالى -أن يوفقني إلى ما كان عليه شيخنا العالم الشQQيخ ابQQن
إدريس صاحب العلم النفيس -رضي ا عنه.
فعلى جميع إخوان أن يساعدوني في حضور الدروس العلميQQة ،وأن يحفظQQوا
شيئvا من القرآن الكريم ،وإن شاء ا سنجعل مكانvا مخصوصvا للخوان لحفظ
القرآن الكريم ،فما عندنا إل الدروس ،وحفظ القرآن.
فأعينوني بعلو uهمتكم ،فما جمعتكم إل على هQQذا الQQدرس الQQذي فيQQه تفسQQير
القرآن ،وشرح الحاديث النبوية ،والفقQQه فQQي الQQدين ،وحفQQظ القQQرآن وتلوتQQه،
فالعبادة لله وحده ،والعلماء هم الوارثون المرشQQدون ،قQQال -صQQلى ا عليQQه
وآله وسلم» :-العلماء ورثة النبياء« ]رواه ابQQن النجQQار عQQن أنQQس -رضQQي ا
عنه[ ]انظر :أعطار أزهار ص .[144-143
وبعد هذه العجالة التي نقلنا فيها من كلم المام الجعفري - uرضQQي ا عنQQه-
على طريقته ومعالمها ومشربها نقتطف من ديوانه بعض أزاهير قصائده التي
عمرت بشرح طريقته ،وبيان منهج ،وقد حرص -رضQQي ا عنQQه -علQQى تكQQرار
هذه المعالم في قصائده ليتربى uمريدون على هذه المبادئ ،وهم يسQQمعونها
تتردuد في القصائد التي يمدح بها المادحون فQQي الحضQQرة الجعفريQة ،أو يراهQQا
مريد الطريقة ماثلة أمامه وهو ي‹ط‘الع ديوانه -رضي ا عنه -بأجزائه العشرة:
::الكنز الثرى :: 102
وكما ذكرنا أن الجعفري - uرضي ا عنه -في طريقه ودعوته قد توحuد وامتزج
بطريق السيد أحمد بن إدريس -رضي ا عنQQه -فصQQار كلمQQه علQQى الطريQQق
الجعفري uل ينفصل عن كلمه علQQى الطريQQق الحمQQدي فضQه‹م‘ا يخرجQQان مQQن
مشكاة واحدة :
يقول -رضي ا عنه:-
ن‘ث‘QQQQQQر العلQQQQQQوم بل ز‘غ‘QQQQQQل˜ السQQQQيد ابQQQQن إدريQQQQس مQQQQن
بQQQالو’ر˜د أحلQQQى مQQQن العسQQQل نعQQQQQم المQQQQQام أتQQQQQى لنQQQQQا
إن السQQQQQعيد بهQQQQQا اشQQQQQتغل أحزابQQQQQQQQQQQه صQQQQQQQQQQQلواته
ولشQQQم‘ن˜ تلهQQQا قQQQد كفQQQل عQQQQQQQن جQQQQQQQدuه م‘ر˜وي“QQQQQQQة
ق’ب‘QQQQQل‘ الحوالQQQQQة وابتهQQQQQدل وأحQQQQQQالكم نحQQQQQQو الQQQQQQذي
هQQQQQQذا كلم قQQQQQQد حصQQQQQQل أهQQQQQل الطريQQQQQق ت‘ف‘ه“م‹QQQQQوا˜
للبQQQQQQاب جهل ˜ قQQQQQQد قفQQQQQQل م‘QQQQQن˜ شQQQQQك فيQQQQQه فQQQQQإنه
::الكنز الثرى :: 103
فالشيخ يوضح بصورة قاطعة أن سالك هذا الطريق ل تنكشQQف لQQه أسQQرارها،
ول تدنو منه ثمارها إل إذا لزم العلم وجلQQس فQQي مجالسQQه ،فقQQد دعQQا لهQQل
درسه بالبركة والرحمة والرضوان فقال -رضي ا عنه:-
وأ‹ه‘ي˜ل الق‹Qر˜ب أصQQحاب الرuح’QQم كQQل مQQن يسQQمع درسQQي ع‹م“ Qه‹
أحمد بQQن إدريQQس بحQQر العلQQم كQQQل مQQQن يأخQQQذ ور˜د شQQQيخه
ع‘QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQمu تQQQQابع الس›QQQQنة فQQQQي أفعQQQQاله
سQQار س‘QQي˜ر المصQQطفى فQQوق كQQل م‘QQن˜ سQQار ولQQم يعرفنQQا
القQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQدم
ذاك في ب‹ع˜ Qد sطريقQQي كQQالع‘ل‘م˜
][5/742
فالعلم هو المعراج الذي يرقى بQQه السQQuالك فQQي مQQدارج الطريQQق ،ليصQQل إلQQى
نهايته ،يقول -رضي ا عنه:-
وم‘QQQن˜ يأخQQQذ بQQQه قQQQد طQQQار طريقتنQQQQQQQا بهQQQQQQQا ع’ل˜QQQQQQQم¨
وشQQQQاهد حضQQQQرة المختQQQQار عل فQQQQي الجQQQQو uكQQQQالملك
ومن“QQQQQQا العلQQQQQQم والخبQQQQQQار وصQQQار فQQQي عقQQQدنا يمشQQQي
ونحQQQQQQي قلبQQQQQQه المحتQQQQQQار ن‹ن‘QQQQQQQQQQQQQاجيه ن‹ر‘ق”يQQQQQQQQQQQQQه
ي‹لقينQQQQQQQQQQQا بل أغيQQQQQQQQQQQار ي‹ش‘QQQQQQQاهد ودuنQQQQQQQا حQQQQQQQتى
][10/49-50
وهكذا وضحت السبيل ،وعرف الغرض ،ولم يترك رضي ا عنQQه لحQQد غيQQره
أن يغ‘ي”ر أو يبد”ل في طريقته ،فهي طريقة شQQرعية علميQQة ،تسQQتند إلQQى الكتQQاب
والسنة ،ل مجال فيها للهو ول ل’ط‘ب˜ل sأو ز‘م˜ر ،sول مكان فيها لعابث م‘اج’ن ،وإنمQQا
::الكنز الثرى :: 105
الطريق الجعفري:u
يقول -رضي ا عنه: -
وأ‹ثني بحمد ا’ بQQاري الخليق Qة’ شQQQQرعت ببسQQQQم ا نظQQQQم
وآل sوأصQQحاب نجQQوم الهدايQQة’ ذخيرتQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQي
فعجQQQuل إليQQQه وادخلQQQن uبنيQQQuة’ صQQلة علQQى المبعQQوث للنQQاس
بحضرة إخوان أقQQاموا لحضQQرة رحمQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة
بمQQدح رسQQول ا خيQQر البريQQuة طريقQQي طريQQق القQQوم أهQQل
وتسQQQمع‹ درس العلQQQم يQQQأتي الحقيقQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة
بحكمQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة وداوم علQQQQى الوراد والQQQQذكر
لتتلو مع الخوان كنQQز السQQعادة’ دائمQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQvا
ودعQQواته كنQQز¨ لهQQل الطريقQQة ففي الحQQرة النQQوار والس Qر uيQQا
بQدنيا وأخQQرى فQQي جنQQان sع‘ل’ي“Qة’ فQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQتى
وعلQQQم¨ وإرشQQQاد¨ وحQQQب• ب’ه‘ي˜بQQQة’ وأفضQQل ذكQQر ا تتلQQو كتQQابه
وحQQج• كQQثير¨ والطQQواف بكعبQQة’ فشQQم”ر أخQQا التوفيQQق واد˜خ‹QQل
وإن كنت ذا ت‘ج˜ر sفربح‹ التجQQارة’ لحضQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQرة
وإن كنت ذا ص‹ن˜ع sنعمت بص‘ن˜عة’ ففيQQه مQQن السQQرار مQQا جQQلu
أنا الشQQيخ وابQQن إدريQQس شQQيخ حصQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQره‹
العنايQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة’ وهذا طريق¨ جQQامع الخيQQر كلQQuه
وشيخي هو ابQQن إدريQQس بحQQر هنQQاء¨ وي‹س˜QQر¨ والغنQQى وصQQيانة
الحقيقQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة’ وس‘QQت˜ر وتوفيQQق وبQQر uورحمQQة
وفي النQQوم أحيانQQا وفQQي حQQال وإن كنت ذا أرض فبو‹رك ن‘ب˜ت‹ه‘QQا
يقظQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQةs وإن كنت ذا غ‘ز˜ل فغزلQQك نQQافع¨
مكائد لشQQيطان فاح˜ Qذ‘ر˜ لغفل Qة’ طريقي طريق ا فيQQه منQQافع¨
ظلم¨ فل تركQQQن إلQQQى س‹QQQوء أنا الشQQيخ عQQن شQQيخي تلقي Qت‹
ظ‹ل˜مQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة’ و’ر˜ج‘هQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQا
::الكنز الثرى :: 107
بذكر sلرب uالعQQرش ذك Qرvا بهم“ Qة’ آتاني رسول ا بQQالو’ر˜د منحQQة
يرد› شياطين النفQQوس بس‹QQر˜عة’ ف‘ب‹ع˜دك عنuا حيث ما كنQQت غفلQQة
ول ت‘ن˜QQس‘ قQQرب ا فQQي كQQل وذ’ك˜QQرك للرحمQQن نQQور¨ وتركQQه
لمحQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة’ هواتف‹ شيطان تQQوالت˜ فر‹د“هQQا
تقد“م في الميQQدان بيQQن الحب“ Qة’ فما خQQاب ذو ذك Qر sلQQرب ¥جللQQه
إليك وقQد نQوديت هي“QQا لحضQرة’ فل تنس م‘ن˜ ل‘و˜له‹ ما كنت كائنvا
وقQQQد رشQQQحوك القQQQوم أهQQQل فإن˜ كنQQت مقQQدامvا فهQQذا مجQQال
الحقيقQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة’ م‘QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQن˜
لQQه قQQدم التحقيQQق بيQQن البري“QQة فل تجعQQQل الشQQQيطان يQQQأتي
أنيس¨ لهل الذكر في كل ليلQQة موسوسQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQvا
لتسبح في النوار حQQال التلوة أيحسQQن منQQك السQQوء إن كنQQت
ومQQQQدح رسQQQQول ا مQQQQاحي عQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQاقل v
الضQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQللة’ وبQايعت شQQيخvا للعلQوم محققQQvا
لدى حضرة القرآن ك‹ Qل uع‘ش’ Qي“ة’ عليQQQك بحفQQQظ sللكتQQQاب فQQQإنه
وبعد صلة الصبح خيQQر التلوة وتتلQQQوه جQQQوف الليQQQل والليQQQل‹
على خير مبعوث إلى خير أم“QQة’ مظلQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQم¨
بأسرار علم sمن علوم الحقيق Qة’ طريقQQي هQQو القQQرآن والعلQQم
]الديوان [91-8/90 والت›ق‘QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQى
حQQال تلميQQذي إذا مQQا رأيتهQQم
وبعQQد غQQروب الشQQمس يتلQQون
و’ر˜د‘هQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQم
صQQلة وتسQQليم¨ مQQن ا دائم¨
تقبQQل دعQQاء الجعفQQري uوم‹QQد“ه‹
::الكنز الثرى :: 108
الفصل الثالث
آداب الطريق في مدرسة المام الجعفري
الدب في اللغة معناه :الشيء المستحب.
وهو في اصطلح الصوفية :أل “ تنظر إلى م‘ن˜ فوقك ،وأل uتحقQQر م‘Qن˜ دونQQك أي:
تعرف قدر نفسك وحدودها ،فل تتجاوزها.
وقد اشترط الصوفية للمريد آدابvا يراعيها مع ا في عبادته ،ومQQع رسQQول ا-
صلى ا عليه وآله وسلم -ومع شيخ الطريق المرب”ي والد الروح ،ومع إخQQوانه
في الطريق ،ومع جميع المسمين.
وفي الطريقة الجعفرية استيفاء كامQQل لهQQذه الداب ،وإرشQQادات واضQQحة مQQن
شيخ الطريقة سيدي صالح الجعفري -رضي ا عنه -إلى بناء الطريق.
ولنبدأ بأهم الداب وأعظمها ،وهو :الدب مع ا تعالى:
أول : vأدب المريد مع ا تعالى:
غاية التصو›ف :الوصQQول إلQQى معرفQQة ا تعQQالى معرفQQة العبوديQQة والخلص
والمحبة ،أو كما ي‹ع‘ب“ر عنه بمقام الحسان ،وهو أن تعبQQد ا كأنQQك تQQراه ،فQQإن
لم تكن تراه فهو يراك.
ول يستطيع الس“الك في الطريQQق أن يصQQل إلQQى شQQيء مQQن ذلQQك إل بالتمس›Qك
بالداب ،والتري›ض بألوان المجاهدات ،والتحلQQuي بمكQQارم الخلق ،والمسQQارعة
إلى الخيرات ،والكثار من ألوان الطاعات.
وقد عني مؤسس الطريقة الجعفرية بتربية المريQQدين ،وتعليمهQQم الداب الQQتي
يجب عليهم أن يلتزموا بها في معاملتهم مع ا -تعالى -وأول هذه الداب:
الخQQلص :
وهو قاعدة أساسية في الطريق إلى ا تعالى ،وهو غاية التصQQو›ف وثمرتQQه،
وعليه مدار قبول العمال ،وقQQد أفQQرد لQQه المQQام الجعفQQري - uرضQQي ا عنQQه-
فصل vخاص§ا مQQن كتQQابه »اللهQQام النQQافع لكQQل قاصQQد« .بQQدأ فيQQه بشQQرح معنQQى
الخلص ،وحقيقته -فقال:
»الخلص لله تعالى هو :أن يقصد بعمله وقوله و‘ج˜ه ا تعالى ،فQQإذا قصQQده
وجده ،وإذا وجده عبده ،وإذا عبده قر“به ،وإذا قر“به يتجلuى عليه بتجلuي الفعال،
::الكنز الثرى :: 109
»اعلم يا م‘ن˜ توجuه إليه فؤادنا ،وخاطبنQQاه بروحنQQا :أن المريQQد إذا قصQQد بعملQQه
وجه ا تعQQالى خرجQQت روحQQه مQQن جسQQده ،وهQQذا هQQو غسQQلها حQQتى تتلقQQى
مشاهدة من تلشت أمام معرفة ك‹ن˜ه ذاته العقول ،بمصباح مQQن أمQQره ل مQQادة
له ول أ‹فول ،فتسقى في حضرة أنسه ما في و‘ص˜ف’ه ابن الفارض -رضQQي ا
عنه -يقول:
ونور¨ ول نار¨ وروح¨ ول ج’س˜م‹ صفاء¨ ،ول ماء ول‹ط˜ف¨ ول ه‘Qو‘ى
وبهذا الشراب الذي تشرفت بشاربيه البرازخ يكون المريد مريدvا وي‹وص‘ف بالثابت
الراسخ.
والحذر كل الحذر من الزلل بعد الرسوخ في طريق ا) ،ف‘ت‘ز’ل“ ق‘د‘م¨ ب‘ع˜د‘ ث‹ب‹وت’ه‘ا
و‘ت‘ذ‹وق‹وا الس›وء‘ ب’م‘ا ص‘د‘د˜ت‹م˜ ع‘ن˜ س‘ب’يل’ الل“ه’( )النحل :من الية .(94
فما زل“ م‘ن˜ عرف ،وم‘ن˜ عرف ما انحرف ]اللهام النافع :ص .[115
عملك إذا لم يكن مخلصvا لوجه ا تعالى -ل يقبله ا -فأين إخلصك؟ وهQQل
خرجت من سجن نسك أم ل تزال في أقفاصك؟ وهل بلغك عنQQه كيQQف كQQان؟
وكيف أحرمت ح‘ل˜فه في الصلة وأض‘ع˜ت‘ الركان؟ وهل وق‘ف˜ت‘ الوقفQQتين حQQتى
تقفهما لله ولغيره ،ولم يخيل إليك أن عزتك عنQQدهم) .و‘ل’ل“ Qه’ ال˜ع’ Qز“ة‹ و‘ل’ر‘س‹QQول’ه’(
)المنافقون :من الية .(8
وماذا عليك لو نفضت يديك منها ن‘فض الق“ديد ،وتهيأت للتجلي اللهي ففQQي ك Qلu
نفس sتجل ¥جديد ،هذا عسلنا فيه شفاء للناس ما يصلح معQQه الحنظQQل ،طQQوبى
لعبد عرف مQQوله وعليQQه توك“QQل ،وعلQQى وجQQه الكريQQم أ‘ق˜ب‘QQل« ]شQQهد مشQQاهدة
الرواح التقيQQة» [78 :كل“مQQا خرقQQت العQQادة فQQي إخلصQQك أطلقQQت مQQن وخيQQم
أقفاصك ،حتى تصل بQQه إلQQى مQQا وصQQل المخلصQQون م‘ Qن˜ تجل“QQى عليهQQم الحQQق
سبحانه بنعمة الخلص الس“اري في السر uالس“اري ،وبه يفتح لشQQعاع شمسQQه،
فتضيء جوانب قلبه ،فيشاهد رئيس حزب ا مع حزبQQه )أ‹ول‘ئ’ك‘ ح’ Qز˜ب‹ الل“ Qه’ أ‘ل
إ’ن“ ح’ز˜ب‘ الل“ه’ ه‹م‹ ال˜م‹ف˜ل’ح‹ون‘( )المجادلة :من اليQQة ] (22انظQQر :اللهQQام النQQافع،
ص .[110
::الكنز الثرى :: 111
فالخلص كما يجليه لنا المام الجعفري - uرضي ا عنه -بأنوار معرفته يزيQQل
الغشاوة من على عيني المريد ،فيجعله يQQرى أسQQرار العبQQادة بنQQور ا تعQQالى
فتنكشف له الحقائق ،ويذوق حلوة الذكر ،وي‹ب˜صQQر مQQا كQQان غائبQQvا عنQQه بسQQبب
رؤيته لنفسه ،ونظره إلى عمله -يقول -رضي ا عنه:
»اعلم يا م‘ن˜ هداه ا إلى دينه ،وم‘ن“ عليQQه بعيQQن يقينQQه أنQQك إذا أخلصQQت للQQه
تعالى في عملك ،وأقبلت عليه بقلبك ،أقبل الحق uسQQبحانه وتعQQالى -عليQQك وإذا
أقبل عليك صارت الدنيا والخرة كأنهما بين يديك ،وتغلبت روحك على جسQQمك
فبرزت ،أنوار أقوالك على أقوالك فلمعت ،وآثار أفعالك على أفعالك فسطعت،
فصار جسمك عيونvا إلهية للتجلQQي ،وتQQأهبت روحQك للتخلQQي ،ورددت قQQول ابQQن
الفارض -رضي ا عنه:
م‹ذ˜ ص‘ار‘ ب‘ع˜ض’ي‘ ك‹ل”ي ف‘ص’ر˜ت‹ م‹وس‘ى ز‘م‘ان’ي
فصرت تسمع القرآن منك لم“ا تكر“م عليك ،ورضي عنQQك ،وجعQQل لسQQانك ممQر§ا
للوحي اللهي ،المنزل على الق‘ل˜ب المحمدي ،uوجعل قلبك مهبط الف‘ه˜م الر“باني،
ومحل التنزل لذلك الس”ر uالخفي] «uاللهام النافع ،ص .[109
وقد كرر الكلم على الخلص ،ودوره في تربية المريQQد ،وإعQQانته علQQى نفسQQه
المuارة بالس›وء ،فهو الم‘ن˜ج‘QQى والخلص مQQن ظلمQQة النفQQس ،وحجQQاب الهQQوى-
يقول رضي ا عنه:
ت‘ن˜جو‹ من ال‘ق˜ف‘اص’ عليك بالخQQQلص
ب‘اب¨ ب’أ‘م˜QQر’ ا˜ ]الديوان [7/96 ف‘ف’يQه’ ل’ل˜خ‘QQQQل‘ص’
الص”QQد˜ق :
وهو صفة ملزمة لبن الطريق ل تنفك عنQQه ،ول يحيQQد عنهQQا قيQQد أنملQQة ،وهQQو
داخل في باب الخلص للQQه تعQQالى ،فQQإن المريQQد الصQQادق هQQو الQQذي تطQQابق
أقواله أفعاله ،ويصدق باطنه ظاهره.
ومعنى الصدق في الطريق أن يعزم المريد علQQى اللQQتزام بكQQل مQQا عاهQQد بQه
شيخه عليه ،وأن يجتهد ويسعى في سبيل تنفيذ أوامر شيخه الذي يQQأمره بكQQل
خير ،ويحذره من كل شر ،uوأن يكQQون صQQادقvا مQQع ا تعQQالى ،فل يظهQQر أمQQام
::الكنز الثرى :: 112
الناس بمظهر العابد الناسك ،وقلبه مظلم مليء بالحقد ،والضQQغينة ،أو˜ ي‹س’QQيء
معاملة الناس ،ويغلظ لهم القول ،فالصدق هو مطية العابد الQQتي يخQQترق بهQQا
جبال الجهالة ،والسيف الذي يقطع به رءوس الهوى والضللة .يقول الجعفري
-رضي ا عنه:-
»الص”د˜ق جواد قوي ،uوس‘ي˜ف بت“ار .فاركب جوادك يا عبد ا ،وادخل بQQه ميQQدان
الرجال )م’ن‘ ال˜م‹ؤ˜م’ن’ين‘ ر’ج‘ال¨ ص‘د‘ق‹وا م‘ا ع‘اه‘د‹وا الل“ه‘ ع‘ل‘ي˜ه’( )الحزاب :مQQن اليQQة
(23واضرب بسيفك شيطانك ،وأهواء نفسك ،م‹ج‘اهدvا بكتاب ربك )و‘ج‘اه’د˜ه‹م˜
ب’ه’ ج’ه‘ادا ك‘ب’يرا( )الفرقان :مQQن اليQQة .(52أي :بQQالقرآن حQQتى ت‹ك˜ت‘QQب مQQع الQQذين
عرفوا الحق ولزموا الوراد ،وجاهدوا في سبيل ربهم حق uالجهQQاد )و‘ج‘اه’ Qد‹وا
ف’ي الل“ه’ ح‘ق“ ج’ه‘اد’ه’( )الحج :من الية ] « (78المعاني الرقيقة :ص .[56
التقQQQوى :
وهي كلمة جامعة لكل خصال المؤمنين ،وتندرج تحتها سQQائر أنQQواع الطاعQQات،
فالتقوى هي اليمان ،وهي الحسان ،وهي عبادة ا تعالى حق uالعبادة.
وقد تكل“م عليها المام الجعفQQري - uرضQي ا عنQه -وبي“Qن أسQQرارها ومقاماتهQا
وآثارها في نفس المريد ،بما يغني عن كل كلم ،فإليك أيها القارئ هذه الد›ر‘ر
الس“ن’ي“ة:
»ت‘ق˜و‘ى :التاء :إشارة إلى التوك›ل ،والقQQاف :إلQQى القناعQQة ،والQQواو :إلQQى الQQورع،
والياء :إلى اليقين ،أو التاء :إشQQارة إلQQى التوحيQQد ،والقQQاف :إلQQى القيQQام بح Qقu
الخالق والعبيد ،والواو :إلQQى الو‘ج˜QQد والش›Qه‹ود ،واليQQاء :إلQQى اليقظQQة لكQQل يQQوم
مضى ثم ل يعود ،ق‹لت‹:
ل’ق‘QQQQQو˜له’ وعQQQQQامل vم‹ط’يع‘ّQQQQQvا ت‘ق˜QQو‘ى اللQQه أن ت‹QQر‘ى سQQميعvا
و‘ه‘QQQQQاج’رvا م‘ج‘QQQQQال’س‘ الو˜ز‘ار’ مؤيQQQQQQدvا لسQQQQQQنة الم‹خ˜تQQQQQQار’
في القول والزهQQد مQQع الو˜ر‘اد’ بالج Qد uفQQي العمQQال والس“ Qد‘اد’
ومرشQQQQQدvا مؤي“QQQQQدvا بQQQQQالح’ل˜م’ وأن˜ تكQQQQو‹ن‘ قQQQQQارئvا للع’ل˜QQQQم
فالتقوى هي مطيQة كQQل خيQQر يصQل بهQا النسQان إلQى خيQQري الQدنيا والخQQرة،
::الكنز الثرى :: 113
فإن النبي -صلى ا عليه وآله وسلم -قQQد فتQQح لمتQQه بQQاب الطمئنQQان القلQQبيu
الذي هو حياة الروح وسرها ،ونور القلQQب ،وقQQائد العقQQل إلQQى فكQQر مQQع تQQؤدة
وسكينة ،وذلك هو بركة ذكر ا الكبر )أ‘ل ب’Qذ’ك˜ر’ الل“Qه’ ت‘ط˜م‘ئ’ن› ال˜ق‹ل‹QQوب‹( )الرعQQد:
من الية (28وفتح لها بQاب الرضQQا ،وعل“مهQQا كيQQف ترضQQى بقضQQاء ا وقQQدره،
فرضيت أمة محمد -صلى ا عليه وآله وسلم -صاحب الجQQاه العظيQQم بقضQQاء
ا وقدره ،ح‘س˜بما عل“مها نبيهQQا -صQQلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم -فنQQالت مQQن ا
تعالى أن قال في شأن رجالها )ر‘ض’ي‘ الل“ه‹ ع‘ن˜ه‹م˜ و‘ر‘ض‹وا ع‘ن˜ه‹( )البينة :من اليQQة
(8رضوا بقضاء ا تعالى ،وصبروا على أحكامه ،فنالوا من ا تعالى الرضا.
ق‹ل˜ت‹ في تائيتي بف‘ض˜ل ربي” :
عليم¨ بنا يقضي بحQQق ¥وحكمQQة رضQQينا بحكQQم ا فينQQا فQQإنه
ينQQQال مQQQن الرضQQQوان أعظQQQم وكل الذي يرضQQى بحكQQم إلهQQه
روضQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة ويلقQQى عليQQه ا فيهQQا رضQQاءه
بدار خلQQود فQQي شQQهود ونعمQQة فكن واثقvا بالله وارض بحكمه
ول تلتفQQت يومQQvا لQQدار القطيعQQة
]الديوان [8/46
وإذا ترددت في أمرين أو أمور فجاءك أمر غير مرادك فQQاعلم أن هQQذا باختيQQار
ا فارض به )و‘ر‘ب›ك‘ ي‘خ˜ل‹ق‹ م‘ا ي‘ش‘اء‹ و‘ي‘خ˜ت‘QQار‹( )القصQQص :مQQن اليQQة ،(68وفQQي
::الكنز الثرى :: 117
الحديث» :اللهم خ’ر˜ لي واخ˜ت‘ر˜ لي« فل تسخط ول تحQQزن ،وكQQن راض Qيvا بحكQQم
ربك واصبر عليه« ]انظر :أسرار الصيام.[41-35 :
جل“ العليم بمQا يQأتي ومQQا كان‘QQا سل”م إليك أمQQورvا ل‘س˜QQت تعلمهQQا
واسQQQتغفر ا تو“ابQQQvا ودي§ان‘QQQا ول تضق بQQأمور قQQد فتنQQت بهQQا
]الديوان [6/943
»وإن أردت تدبير مر من المور فاتق ا الذي معك بتQQدبيره ،والQQذي ق Qد“ر لQQك
رزقك ،ودبره لك قبل خلقك بخمسمائة ألف عام« ]أسرار الصيام.[35 :
ق‹ل˜ت‹ في لمQيتي :
دب“QQر الشQQيا قQQديما فQQي الز‘ل˜ اتQQQQرك التQQQQدبير للQQQQه الQQQQذي
بقضQQاء sكQل› شQQيء sقQQد ح‘ص‘Qل˜ ليQQQQس بالتQQQQدبير شQQQQيء زائد
]أسرار الصيام[36 :
قال تعالى) :ي‹د‘ب”ر‹ ال‘م˜ر‘ م’ن‘ الس“م‘اء’ إ’ل‘ى ال‘ر˜ض’( )السجدة :من الية .(5
ل تك‹QQQن˜ مثQQQل أ‹ن‘QQQاس د‘ب“QQQر‹وا سQQQQQQلم ال‘م˜QQQQQQر لQQQQQQه مبتهل v
يQQQأتي أم˜QQQر ا’ QQQل ي‘س˜QQQت‘أ˜خ’ر‹ دب“QQQQQQر المQQQQQQر إلهQQQQQQي أزل v
]الديوان [9/98
الحرص على الط“اعات وتجن›ب المعاصي :
وهذا أول ما يعاهد المريد شيخه عليه ،وإن الحد“ الفاصQQل الQQذي يلتقQQي عنQQده
المريد مع شيخه هو الطاعة ،وبدايQQة الفQQتراق بينهمQQا عنQQد جنQQوح المريQQد إلQQى
المعاصي والمخالفة.
يقول مولنQQا المQQام الجعفQQري -رضQQي ا عنQQه» :-يQا أخانQQا فQQي ا تعQالى:
تجمعنا الطاعة ،وتفر”ق بيننا المعصية ،فعليك بطاعQQة ا تعQQالى ،والحQQذر كQQل
الحذر من معصية ا تعالى« ]مفاتح كنوز السماوات والرض.[13 :
»اعلم يا عبد ا :أن الطاعة حق ،uوالمعيQQة باطQQل ،واسQQتلزم الطاعQQة سQQابق،
واختيار المعصية لحQQق ،والح Qق uيزهQQق الباطQQل ،فمQQن أقبQQل علQQى الطاعQQات
زهقت معاصيه لحقية الطاعة ،وبطلن المعصية.
فمن اختار المعصية فقد اختار اللحق ،وأصل الختيQQار يكQQون للس“QQابق .ولهQQذا
::الكنز الثرى :: 118
يفرح الطائع بطاعته؛ لنه اختار السابق ،ووضع الشQQيء فQQي موضQعه )ف‘ب’Qذ‘ل’ك‘
ف‘ل˜ي‘ف˜ر‘ح‹وا( )يونس :من اليQQة ،(58وينQQدم فاعQQل المعصQية لنQه اختQQار الل “حQQق
ووضع الشيء في غير موضعه ،ولم يكون موفيvا لستلزامه الس“ابق ]المعQQاني
الرقيقة .[12 :وعلمة صاحب الحب uاللهي أنه كلمQQا ازدادت محبتQQه للQQه تعQQالى
ظهرت عليه موافقة الكتاب والسنة ،والمبادرة إلى إقام الصلة ،وإيتاء الزكQQاة،
والحج ،والصوم ،وفعل الخيرات ،وترك المنكرات؛ لن المعصية والحب uضQQدان
ل يجتمعان ،ومن ادعى اجتماعهما فقد كذب ،إذ رفيق المحبة الطاعة ،ورفيق
الب‹غ˜ض المعصية )ق‹ل˜ إ’ن˜ ك‹ن˜ت‹م˜ ت‹ح’ب›ون‘ الل“ه‘ ف‘ات“ب’ع‹ون’ي ي‹ح˜ب’ب˜ك‹م‹ الل“Qه‹( )آل عمQQران:
من الية ،(31قلت في تائيتي:
وللب‹غ˜QQQQض ع’ص˜QQQQي‘ان ل‘ه˜QQQQل’ علمQQة‹ حQQب uا طاعQQة أمQQره
الش“QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQق‘او‘ة‹ وم‘ Qن˜ ي Qد“ع’ ح‹ Qب uالل Qه’ وي‘ع˜ص Qه’
فQQذلك كQQذ“اب¨ رفيQQق‹ الج‘ه‘الQQة’
]انظQQر :أسQQرار الصQQيام ،ص
[37
المسارعة إلى العمال الصالحة :
وهي السباب التي يتوصل بها المريد إلى رضا ا تعالى ،وهي للروح بمنزلQQة
الغذاء للجسد ،وهQQذا مQQا ن‘ب“QQه عليQQه المQQام الجعفQQري -رضQQي ا عنQQه -وهQQو
يخاطب ابن الطريق بهذه القوال والح’ك‘م» :اعلم يا أخانا فتح ا عليك فتQQوح
العارفين به المقبلين عليه :أن الروح الحي“ة باليمان غذاؤها العمQQال الصQQالحة
الحي“ة ،فهي دائمvا أبدvا تتغذى بها ،كما يتغذuى الجسم الحي بأنواع الطعام الحيuة
بالفيتامينات ،ول يرضى بالتراب والحجر ،فإذا مات سكن التراب والحجر.
كما أن الكافر المحكوم عليه بالموت يكتفي بالمعاصQQي الميتQQة المجQQردة عQQن
فيتامينQQات الحيQQاة ،فالعمQQال الصQQالحة للرواح الصQQالحة ،والعمQQال الخبيثQQة
للنفس الخبيثة قال عليه الصلة والسلم» :اعملوا فكل• ميس“ر¨ لمQQا خ‹لQQق لQQه«
]رواه مسلم[.
»اعلم يا أخانا في ا تعالى أن الخاطر الذي يخطر بقلبك طالبvا منQQك فعل vأو
::الكنز الثرى :: 119
قول vفاع˜رض˜ه على الكتاب والسنة ،فإن قبله فاعلم أنه من المل‘ك فسارع فQQي
إنفاذه ،وإن لم يقبله ففر uمنك فرارك من السبع ،واعلQQم أنQQه مQQن الشQQيطان«
]المعاني الرقيقة [32 :يقول -رضي ا عنه:-
وإيQQQاك والقQQQول القبيQQQح مQQQن سQQميع¨ بصQQير¨ ق‹ Qل˜ ل’ق‘ Qو˜ل يحبQQه
الج‘ه˜QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQل’ ول تفعQQل الفعQQل القبيQQح لنQQه
يراك فل تغضب إلهQQك بالفعQQل وكQQQن فQQQاعل vللخيQQQر يرضQQQاك
برضوانه العلى تعيQQش بل ذل” خQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQالقي
بصQQQير¨ سQQQميع¨ سQQQامع القQQQول ول تغضQQQبن“ ا يومQQQvا فQQQإنه
والفعQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQل’ ت‘QQر‘ منQQه مQQا يرضQQيك إن كنQQت
بأفعالQك الحسQنى لQQدى الQQوعر مخلصQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQvا
والس“QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQه˜ل’
]الديوان [101-8/100
فهما سبيلن واضحان أمام النسان ،ولكل منهما نهاية مرسومة وغرض م‹حد“د
فمن اتجه إلى طريق المعاصي والساءة فنهايته الخسران والهلك في الQQدنيا
والخرة ومن هدي إلى طريق الخير والحسان والطاعQQات ،فعQQاقبته الحسQQنى
والحسان والنعيم في الدنيا والخرة:
يقول سيدي صاحب النوار والسرار والكرمات:
ويغضب مولنQQا ل’فع˜QQل السQQاءة رضاه لمن قد قام بQQالمر يQQا فQQتى
فعالك للحسنى وفعQQل القبيحQQة سQQبيلن فQQي الQQدنيا لQQدارين وص“QQل
وإن سQQرت فQQي الخQQرى فQQدار فQQإن سQQرت فQQي الحسQQنى وصQQلت
العقوبQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة إلQQQQQQQQQQQQQQQQQQى الهنQQQQQQQQQQQQQQQQQQا
وقولك في الفحشا أسأت‹ بزلتي وقولQQQك فQQQي الحسQQQنى قضQQQاه
ول تنسب الفحشا لQQرب الجللQQة لتشQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQكرن˜
]الديوان [4/589 فهذا هو المطلوب إن كنQQت حاذقQQvا
وما أكثر البيات التي جاءت في ديوان المام الجعفQQري تQQدعو إلQى تQدب›ر آيQات
ا في الكون ،وتسQQبح بحمQQد ا وشQQكره علQQى نعمQQه فQQي الخ‘ل˜QQق واليجQQاد
والرزق ،وألوان النعيم التي م‘ن˜ يشكر ا تعالى عليهQQا ،ويQQداوم علQQى الحمQQد،
ول يستخدم تلQQك فQQي غيQQر طاعQQة ا ،فQQإن ذلQQك النعيQQم سيسQQتمر معQQه يQQوم
القيامة ،ولكن على صQQورة أخQQرى ،إنQQه نعيQQم سQQرمدي مقيQQم ،وسQQرور دائم ل
ينقطع -يقول -رضي ا عنه -في إحدى قصائده:
ف‘ه‹QQم‹ العبيQQد‹ ل‘QQه بغيQQر م’QQر‘اء’ ا رب• واحQQQد¨ خلQQQق الQQQورى
أحيQQQاهم‹ بQQQالروح بعQQQد فنQQQاء آثQQQار قQQQدرته بQQQدائع صQQQنعه
::الكنز الثرى :: 121
وإذا كان الكون كله ميدانvا فسيحvا لتأمQQل قQQدرة ا الخQالق -سQبحانه وتعQالى-
فإن التفك›ر في أحوال النسان واختلف خ‘ل˜قه وخ‹ل‹قQQه ،وتبQQاين أحQQوال النQQاس
بين غني uوفقير،وصحيح وسقيم ،وعالم وجاهل ،هذا ذاكQر¨ للQQه تعQQالى حاضQQر
القلب ،وذاك غافل¨ له sنائم.
فسبحان ا العظيم الذي خلق النسان فسو“اه ،وألهمه فجوره وتقواه .والن
تعال نتأمل معvا هذه التسابيح الجعفرية -يقول رضي ا عنه:
ا فQQQQQر“ق بينهQQQQQم بعطQQQQQاء’ الن“اس‹ في الدنيا كما شاهدتهم
وكذا الفقيQQر ي‹ع‘Qد› فQي الفقQQراء’ متوسQQط فQQي رزقQQه أو مكQQثر
هذا سمين¨ ذاك فQQي الض›Qع‘فاء’ هQQذا طويQQل ذا قصQQير¨ شخصQQه
أولدهQQم جQQاءت بغيQQر سQQواء’ ألQQQوانهم ولغQQQاتهم وبلدهQQQم
ونظQQامه يعلQQو علQQى العليQQاء’ سبحان م‘ن˜ خلق العباد بحكمة
هQQذا يمQQوت مفQQارق الحيQQاء’ هذا مريض ذا صQQحيح يQQا فQQتى
والض“QQاحكون لمضQQحك وعنQQاء’ ب‘QQQاك sقQQQد أحQQQل“ لQQQه البكQQQا
ج‘ Qو˜ف’ الظلم بحضQQرة وبكQQاء’ والذاكرون تراهم‹ في و‘ج˜د’هم˜
ج‹ث‘ثQQQvا مQQع المQQQوات والحيQQQاء’ والنQQائمون تراهQQم‹ فQQي ليلهQQم
ج‘ع‘ل‘ت˜QQQه‹ منقQQQادvا بغيQQQر عطQQQاء قQQد سQخ“ر الب‘ح˜QQر البQي“ بقQQدرة
ضQQاقت بنQا الQQدنيا مQQن العQداء فمتى الرجوع إلى الله وقQQوله
][7/190-193
التوكل على ا تعالى :
يقول شيخنا الجعفري -رضي ا عنه:-
::الكنز الثرى :: 123
»التوك›ل :تفوض المر للوكيل ،والرجاء تعل›ق القلب بما عند الوكيل ،فمن توكل
على ا ورجا ا تعالى لم يكله ا إلى غيره في جميع المور.
ورحم ا القائل:
وق‹ل˜QQت‹ لقلQQبي جفQQاك الجليQQل فوضQQQQQت أمQQQQQري لخQQQQQالقي
وهQQو حسQQبي ونعQQم الوكيQQل يQQQQQQدبرني ول علQQQQQQم لQQQQQQي
وما من رسول أو نبي uأو ولي uإل uوقد توكل على ا تعالى ،ورجا ا تعQQالى،
وتوكل الصوفية توك›ل ذوق شهودي uبالوراثة المحمدية على سبيل قوله -صQQلى
ا عليه وآله وسلم» :-انصرفوا عني أيها النQQاس فقQQد عصQQمني ا« ]أسQQباب
النزول للواحدي[ وذلQك لم“Qا نQزل قQQوله سQبحانه )و‘الل“Qه‹ ي‘ع˜ص’Qم‹ك‘ م’Qن‘ الن“QQاس’(
)المائدة :من الية .(67
وقول الخليل حين أرادوا إلقاءه في النار جاءه جبريل -عليه السلم -فقال له:
هل لك حاجة؟ فقال :أما إليك فل ،أم“ا إلى ا تعالى فعلمه بحالي يغني عن
سؤالي.
قال ابن عباس -رضي ا عنهما» :-كان آخر قول إبراهيم -عليه السلم -حين
أ‹لقي في النار ح‘س˜بي اله ونعم الوكيل« ]رواه البخاري[.
والتوك›ل على ا حصن حصينة ،ودرع واقية ،وبه تحصل للقلب أحوال ع‘ش˜ر:
الولى :الطمأنينة إلى ا تعالى.
الثانية :سكون القلب إلى قضQQاء ا تعQالى وقQQدره مQQع وجQQود حلوة يQQدركها
القلب عند حلول القضاء والقدر.
الثالثة :جمع هم uالقلب بعد شتاته.
الرابعة :حول الشجاعة عند مقتضياتها.
الخامسة :الثبات في مواقف الفرار.
السادسة :عدم التفكر فيما سيقع في المستقبل.
السابعة :عدم الحزن والخوف والجزع.
الثامنة :عدم التوج›ه إلى الخ‘ل˜ق بقلبه.
::الكنز الثرى :: 124
بأسQQبابها تQQأتي المQQور لحكم Qة’ فل تتركن˜ كسب المعالي فإنما
ولبد“ من ك‘س˜Qب sيكQQون بزوجQة’ فمQQن رام للولد يQQدعو إلهQQه
ولبQQد مQQن يQQوم sيسQQير بسQQفرة’ ومن رام حج البيت ينوي بقلبQQه
ويمسك عن أكل وش‹ر˜ب وق‹ب˜ل Qة’ ومQQن رام صQQوم الشQQهر ينQQوي
لثبQQات أسQQباب الشQQفاء’ بشQQربة’ بقلبQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQه
فمQQن ضQQمن أسQQباب خQQوارق ومQQQن رام أن ي‹ش˜QQQفى ففQQQي
عQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQادة النحQQQQQQQQQQQQQQQل آيQQQQQQQQQQQQQQQة
وفي عرش بلقيس أمQQور¨ لمQQن
درى
ومن هذه البيات السابقة يتضح منهجه -رضي ا عنه -وطريقته في التعامQQل
مع الحياة فهو يسير على ن‘ه˜ج العلمQاء العQارفين ،وأئمQة التصQو›ف المحققيQQن،
الذين التزموا آداب الك‘س˜ب والمعاش ،وفر“قوا بين التوك›QQل والتواكQQل ،فالسQQعي
والعمل والخذ بالسباب كلها أمور تعين على عبQQادة ا تعQQالى ول حQظ“ فيهQQا
لحب الدنيا والنغماس في شهواتها وملذاتها.
وهذا المنهج في السQQعي وطلQQب الQQرزق هQQو امتثQQال لمQQر ا تعQQالى لعبQQاده
جميعvا ،بقوله )ه‹و‘ ال“ذ’ي ج‘ع‘ل‘ ل‘ك‹م‹ ال‘ر˜ض‘ ذ‘ل‹ول vف‘ام˜ش‹وا ف’ي م‘ن‘اك’ب’ه‘ا و‘ك‹ل‹وا م’QQن˜
ر’ز˜ق’ه’ و‘إ’ل‘ي˜ه’ الن›ش‹ور‹( )الملك.(15:
والنبي› -صلى ا عليه وآله وسلم -قد حث“ على العمل ورغب فيه ،وأثنى على
العاملين في أكثر من حديث ،وأعطQQى القQQدوة مQQن نفسQQه فكQQان يعمQQل بيQQده
الشريفة وكذل كان النبياء -عليهم السلم -من قبله يعملون.
فهذا المنهج سائر على الكتاب والسنة يذكرنا المQQام الجعفQQري بهQQذه الحقQQائق
فيقول في إحدى قصائده:
ت‘ن˜س‘ الحQQديث فQQواجب¨ ت‘ت‘س‘ Qب“ب‹ فQQالله يك˜QQر‘ه‹ عبQQده الب‘ط“QQال‘ ل
هذا طريق الدين يا م‘ن˜ يرغ Qب‹ بزراعQQQQة sبتجQQQQارة sأو صQQQQنعةs
دل“QQت علQQى السQQعي الQQذي هQQو واقQQرأ كلم ا )فام˜ش‹QQوا˜( إنهQQا
::الكنز الثرى :: 126
فالروح مستقر وما سواه فان ،sوكحركاتك وسكناتك والزمان ،فما بقQQي ذكQQرك
البقاء ،وما فني ذكرك الفناء ،فهل وصلت حتى تتصQQل ،أم تريQQد ن تم Qد uرجلQQك
قبل الوصول ،ويدك قبQQل الQQدخول؟ بQQل غبQQت ومQQا غQQاب ،وتQQواريت بالحجQQاب،
وأردت الدخول مQQن غيQQر بQQاب ،فكQQم سQمعت كلمQQه )ح‘ت“QQى ي‘س˜Qم‘ع‘ ك‘لم‘ الل“Qه’(
)التوبة :من الية ، (6وكم ذكرت أيامه )و‘ذ‘ك”ر˜ه‹م˜ ب’أ‘ي“ام’ الل“ه’( )إبراهيم :من الية
] « ..(5اللهام النافع.[183 :
»إذا أكثرت من هذا الذكر ستفتح لك أبواب ما خطرت لك ببال« ]اللهام النافع:
.[179
»ان˜ف’ عن نسك ما سواه لQQترتقي ،فمQQا دخQQل الحضQQرة إل القلQQب النقQQي ،فQQإذا
ظفرت بالنقاوة ذ‹ق˜ت لذكر ربك حلوة إذا بقلبك حل“ ،لحلوة غير العبQQادة عنQQك
جل“ت˜ ،فإذا جلت عنك الغيار ،أ‹زيلQQت عQQن قلبQQك السQQتار ،وهبطQQت عليQQه أنQQواع
السرار ،عند كل نفس وحركة وقول وفعل ،وحي“اك ابن الفQQارض -رحمQQه ا-
بقوله:
ي‘د˜ريه’ م‘ن˜ ك‘ان‘ م’ث˜ل’ي ]اللهام النافع :ص [175 ولح‘ س’QQر• خفQي•
»النس بالذكر :التلذذ به ،ووجود حلوته في القلب يكQQون تQQارة بQQأمرين :حQQال
الر›وح وهو :الصفاء الذي يكQQون عنQQد التلوة ،كالQQذوق عنQQد الطعQQام .والثQQاني:
الوقت المناسب كضوء النهار عنQQد القQQراءة ،فكمQQا أن الحQQوال تتفQQاوت كQQذلك
الوقات تتفاوت« ]اللهام النافع :ص .[99
وإذا نظرنا إلى ديوان المام الجعفري -uرضي ا عنه -فإننا نجد قصQQائد الQQذكر
تمثل الجانب الكبر منه ،فهي قصائد نظمهQQا الشQQيخ ليQQذكر ا تعQQالى بهQQا فQQي
الحضرات وفي سائر الوقات ،وفيها يتحدث -رضي ا عنه -عن فQQوائد الQQذكر،
فقول:
تسQQاق إلQQى الرuضQQوان سQQوقvا ول ت‘ن˜س ذكر ا ت‘ل˜ق‘اه حاضQQرvا
م‹يس“QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQرا وتحيا سQQعيدvا مQQا حييQQت بQQذكره
فمن نسي الذكQQار يومQQvا تحي“QQرا فسب”ح وهلuل واحمQQد ا دائمQQvا
::الكنز الثرى :: 128
تر الخير منساقvا إليك وم‹حضQQرا وم‘ن˜ ذكر الرحمن يزداد ص‘ف˜وه
يعيش سQQعيدvا ل يكQQون مغيQQرا فما الص“ف˜و والعرفان إل “ لQQذاكرs
رأى الQQQQذكر ح‹ل˜QQQQوvا والزمQQQQان
معطQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQuرا
]الديوان [2/276
وا سبحانه وتعالى يحب من عباده الQQذاكرين )ف‘QQاذ˜ك‹ر‹ون’ي أ‘ذ˜ك‹ر˜ك‹ Qم˜( )البقQQرة:
من الية .(152
»أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحرك“ت بي شفتاه« ]رواه ابن ماجة[.
لتحيا سعيدvا فQQي الحيQQاة وفQQي تلذ“ذ بذ’ك˜ر ا فQQي الس”QQر والج‘ه˜QQر
الق‘ب˜QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQر’ ول تشQQتغل بQQالغير فQQالغير فتنQQة
وكQQQل• س‘QQQي‘ف˜ن‘ى واللقQQQاء لQQQدى وشاهد جنQQان الخ‹ل˜QQد بQQل دخولهQQا
الحشQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQر وشم”ر عQQن الغيQQار وانهQQض إلQQى
فروضQQتها النQQوار فQQي حضQQرة العل
الQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQذكر وشQاهد قريبQQvا كنQQت عنQه بمعQزل
وق˜ل’ع˜ عن البيداء والط“لل الق‘ف˜QQر وفQQQي جنQQQة الفQQQردوس ت‘ل˜قQQQى
وفي جنة الموات تدخل بالمر رضQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQاءه
وتلقى رسول ا يلقاك بالبشر وتنظQQQQQر للرواح تهQQQQQتز لل”ق‘QQQQQا
ولو كQQانت الطQQواد د‹ك“QQت علQQى فطQQQاروا ومQQQا طQQQاروا وطQQQارت
الف‘QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQو˜ر’ قلQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQوبهم
إلQQQى المل العلQQQى ركQQQائبهم فنQQالوا مQQن العلQم اللQQدني uقطQرة
تجQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQري ولQQQو كتبQQQوا ل‘و˜حQQQvا للح‘ سQQQناؤه
فنQQالوا بهQQا ع’ل˜مQQvا يفQQوق علQQى فسبحان م‘ن˜ أعطQQى أحبQQة ذ’ك˜QQره’
البحQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQر و‘ص’ Qر˜ فانيQQvا فQQي ا عنQQد فنائهQQا
ولو كتبوا س’ف˜رvا ل‘سQف‘ر‘ كQQالفجر وم‘ن˜ لم ي‘م‹Qت˜ حي§Qا يQرى ل’و‹ج‹QQوده
من المل العلى نفائس كالQQد›ر” فQQإن“ حجQQا النفQQس رؤيQQة نفسQQها
::الكنز الثرى :: 129
فإن“ فناء النفQQس فاتحQQة الس”Qر” سلم¨ على أه˜QQل الممQQات فQQإنهم
مع الحي” موجود¨ وفQQي ق‘ف‘QQص ومQQQا ه‘م“ه‹QQQم˜ إل “ لقQQQاء حQQQبيبهم
ال‘س˜QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQر’ إذا قيQQل يQQا أللQQه هQQامت عقQQولهم
وفQQي م‘ح˜و’ه‘QQا م‘ح˜QQو‹ السQQتائر هنيئvا لعبQQQد sقQQQام للQQQه مخلصQQQvا
والغ‘ي˜QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQر’ وصل“ى صلة الصبح والنجم ثاقب
بموتهم‹ نال‹وا الحياة مQQع الص“ Qب˜ر’ ونادى بجوف الليQQل والليQQل عQQاكر¨
وأنQQواره تهQQدي القلQQوب إلQQى ومQQا حQQاجتي إل شQQهودك دائمQQvا
الخيQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQر’ وفQQي الحجQQب طQQردي وابتعQQادي
وتسبح م’ن˜ و‘ج˜د sكأجنحة الط“ي˜Qر’ وشQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQقوتي
بعيQQQدvا عQQQن الهQQQواء ينشQQQئ سQQلم علQQى أهQQل المحبQQة إنهQQم
للش›QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQك˜ر مليئون بQQQQQالوار والش“QQQQQه˜د دائر¨
فعاش سعيدvا في الحياة مدى
العمQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQر
حبيQQبي قريQQب¨ قQQد رفعQQت لQQه
أمQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQري
بقلQQبي وروحQQي ل تغيQQب عQQن
السQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQر”
فل قد“ر المولى حجQQابي مQQدى
الQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQدهر
غريقQQQون فQQQي د‘م˜QQQع المحبQQQة’
كQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQالن“ه˜ر
ش‹ه‹ود بق‘ل˜ب sفQQي الحيQQاة وفQQي
الق‘ب˜QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQر’
]الديوان [424-3/422
فأهل الذكر هم الهائمون في حب uا تعالى ،الذاكرون له في ليلهم ويQومهم،
::الكنز الثرى :: 130
وفي يقظتهم ونومهم ،وهؤلء المنعمون بذكر ا تتزاحم النQQوار حQQولهم ،ول
يشقى بهQQم جليسQQهم ،فمQQن حQQولهم تتن“QQزل الرحمQQات ،وفQQي مجالسQQهم ت‹ق˜ب‘Qل‹
الدعوات ،وفي مجالس الذكر يحلو للذاكرين الر“ت˜ع في روضات الجن“ات ،وهQQذه
المعاني وردت في آيات القرآن البينات المعجزات ،وأي“دتها أحاديث المصطفى-
صلى ا عليه وآله وسلم -سيuد السQQادات .قQQال تعQQالى )و‘ال Qذ“اك’ر’ين‘ الل“Qه‘ ك‘ث’يQQرا
و‘الذ“اك’ر‘ات’ أ‘ع‘د“ الل“ه‹ ل‘ه‹م˜ م‘غ˜ف’ر‘ة vو‘أ‘ج˜را ع‘ظ’يما( )الحزاب ،(35:وقQQال -صQQلى ا
عليه وآله وسلم» :-إذا مررتم برياض الجنة فQQارتعوا˜« فقQQال الحاضQQرون :ومQQا
رياض الجنة؟ فقال لهم -صQQلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم» :-حلQQق الQQذكر« ]رواه
الترمذي[«.
وقد نظر المام الجعفري -uرضي ا عنه -إلى معنى الية والحديث في فضQQل
مجالس الQQذكر وعب“Qر عنهQا فQQي أبيQQات محكمQة النسQQج ،قويQة الصQQياغة ،جزلQة
اللفاظ ،عذبة المنهل فقال وهو يصف مجالس الQQذكر ،ويQبي”ن منزلQQة الQQذاكرين
فيها عند ا ،وأحوالهم:
اذ˜ك‹ر˜ ف‘ف’ي الذ”ك˜ر’ م‘ن˜ج‘اة¨ م’ن‘ الز“ل‘ Qل’ يا م‘ن˜ يري Qد‹ ش’ Qف‘اء’ القلQQب مQQن
ا فيQQQه’ مQQQع الملك والر›س‹QQQل’ ع’ل‘QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQلs
والوجد أبكى رجQQال vفيQQه بالم‹ق‘ Qل’ ومجلQQQس الQQQذكر فيQQQه الخيQQQر
أعلى السماوات ذكرvا خالي المثل’ أجمعQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQه
دام‹QQو˜ا علQQى الQQذكر فQQي البكQQار الرتع فيQQه كQQذا الجنQQات مغدقQة
وال‹ص‹QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQل’ ا يQQذكرهم بيQQن الملئك فQQي
يكسQQوهم‹ ا بQQالنوار والح‹ل‘QQل’ ا يفتQQح أبQQواب السQQماء ل’م‘Qن˜
فيهQQا المQQان لمQQن يخشQQى علQQى الذاكرون لهم في ذكرهم ن’ع‘م¨
م‘ه‘QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQل’ يا حضرة الذكر فيها كQQل غاليQQة
مطيQQة الQQذكر تQQدني غايQQة المQQل فإن˜ ازدت وصال vفالوصال بهQQا
نعQQم السQQرور الQQذي يQQأتي علQQى وإن أردت سرورvا فالسرور بهQQا
عجQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQل يQQا واقفQQvا عنQQد ذكQQر ا مبتهل v
::الكنز الثرى :: 131
أبشر بخير لQQك العليQQاء فQQي الزل دار الشQQراب بهQQا والقلQQب آنيQQة
والروح تشربه أحلى مQQن العسQQل ذكQQQر المهيمQQQن للرواح راويQQQة
يQQديرها أفضQQل النبQQاء والرسQQل محمQQد أحمQQد الممQQدوح قQQدوتنا
نور المهيمن في سهل وفي جبل ختم النبوة يوم الحشر شQQافعنا
ي‹ف‘ر”ج الك‘ر˜ب يوم الك‘Qر˜ب والوجQل’ لQQQه النبQQQوة قQQQد كQQQانت نبQQQوته
مQQن بQQل آدم قبQQل الق‘ب˜QQل وال‹و‘ل’ نعم الحريص علينQQا فQQي تقلبنQQا
في مجلس الذكر ج“اب¨ لكل ولQQي يا ذاكر ا أ‘ب˜ش’ر˜ إن˜ ظفرت بQQه
تكفيQQك نظرتQQه بQQالقلب فابتهQQل المسQQك فQQاح لمQQن بالليQQل قQQد
والنQQور لح كمثQQل البQQدر والش› Qع‘ل ذكQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQروا
لول العنايQQة د‹ك“ الجسQQم كالجبQQل والQQروح تهQQتز مQQن آثQQار جQQذبته
كل الخلئق من ع‘ل˜ي‘اه‹ فQQي و‘ج‘Qل’ وم‘ن˜ تجل“ى عليهQQم ل شQQبيه لQQه
معتقQQvا مQQن قQQديم مشQQرب ال‹و‘ل’ جاء البشير لهم يسبقهم‹ عط Qرvا
مظاهر الحق uفQQي خ‘ل˜QQق بل زلQل’ من ك Qف uأحمQQد مشQQهودvا لمQQن
فمنه Qم‹ عQQالم¨ يهQQدي إلQQى الس› Qب‹ل’ شQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQهدوا
ي‘ه˜QQQد’ي الطريQQQق لهQQQل الQQQذكر الن“اس‹ إذ˜ ذ‘اك‘ أن‘ Qو‘اع¨ مشQQاربهم
والعمQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQل’ ومنهم‹ وارث للقوم فQQي حشQQم
كالليث يسكن في الجام والق‹ل‘QQل’ ومنهم‹ صامت¨ في حQQال جQQذبت’ه’
أو˜ زارع بيQQن أغصQQان لQQدى طل Qل’ ومنهم‹ بائع¨ في السوق تبصQQره
ومنهQQم‹ حامQQل¨ للس“QQي˜ف’ والسQQل’ ومنهم‹ حاكم¨ بالع‘د˜ل’ ذ‹و ش‘ Qر‘فs
]الديوان [720-5/717
من أهم الداب التي يجب على المريد أن يراعيها في سلوكه مQQع ا -تعQQالى-
عدم التغالي فيما يقوله أو يعتقده في جانب الحق سبحانه وتعالى:
كأن تحدثه نفسه برؤية الحق يقظة ،أو يرى نQQورvا منQQه ،أو يسQQمع لQQه كلمQQvا ،أو
يشم uله رائحة.
كل ذلك من صفات الحوادث ،ومستحيل على الحق -سQQبحانه وتعQQالى ،-يقQQول
الجعفQQري -uرضQQي ا عنQQه» :-الحQQق سQQبحانه وتعQQالى ل ي‹QQرى فQQي الQQدنيا،
والعارفون أنفسهم يعترفون بذلك كما هQQو مس‘Qط“ر فQQي كتبهQم .قQال سQلطان
العارفين سيدنا ومولنا أحمد بن إدريس -رضي ا عنQQه -فQQي أحزابQQه» :سQQل
النبي› -صلى ا عليه وآله وسQQلم -جبريQQل -عليQQه السQQلم -قQQوله» :هQQل رأيQQت
ر‘ب“ك؟ فانتفض وقال :إن بيني وبينه سبعين حجابvا من نور لو دنوت من أدناهQQا
لحترقت« ]أوراد السيد أحمد بن إدريس :ص .[59
وقال في الشيبانية -وهي المنظومة الزهرية:
]المنتقى فذلك زنديق طغى وت‘مر“د‘ا ومن قال في دار الحياة رأيته
النفيس :ص [87
ومنها :الخوض في أخبار الغيب ،والكثار من الحQQديث عQQن الQر›ؤى والكرامQQات،
فذلك ي‹دخل في القلب الغرور ،ويسله صفة التخفي” والتواري وهQQي مQQن أهQQم
فات السالكين:
يقول المام الجعفري -رضي ا عنه» :-ول تتهجم على الغيب ،ول تتكلQQم بQQه
فإنك إن كنت صادقvا فقد خالفت طريQQق القQQوم فQQي أنهQQم يحبQQون السQQتر ،وإن
كنت كاذبvا فتلك صفة شنعاء ،وقد حذر منها أهل الطريق مريQQديهم« ]الQQذخيرة
المعجلة :ص .[25
ثانيvا :أدب المريد مع النبي -عليه الصلة والسلم:
إن السQQالك فQQي طريQQق ا -تعQQالى -يجQQب عليQQه أن يعQQرف حقQQوق النQQبي
المصطفى -صلى ا عليه وآله وسلم -وما يجب له نحو أ‹مته ،وأن يعرف هQQذا
النبي الكريم معرفة تامQQة مQQن جميQQع الوجQQوه ،فبQQذلك يتحقQQق لQQه القQQرب ثQQم
التصال برسول ا -صلى ا عليه وآلQQه وسQQلم -وبQQذلك يتحقQQق القQQرب مQQن
::الكنز الثرى :: 135
الحضرة اللهية..
وأولى هذه الداب الواجبة تجاه رسول ا -صلى ا عليه وآلQQه وسQQلم -هQQي
امتلء القلب بمحبته -صلى ا عليه وآله وسلم -حبvا يفوق حب النفس والهل
والمال ،وأن يتحقق المريد بهذا وترسخ قدمه فيه حتى تكQQون جميQQع جQQوارحه
مصدقة لهذا ،وإل أصبحت دعواه بل برهان..
وعلى هذا الصل العظيQQم تبنQQى معظQQم حقQQوق النQQبي -صQQلى ا عليQQه وآلQQه
وسلم -التي يجQQب علQQى المسQQلم أن يراعيهQQا فQQي التQQأدب معQQه -عليQQه الصQQلة
والسلم -فلزوم محبته -صلى ا عليه وآله وسلم -تورث متQQابعته ،ومناصQQحته،
وتعظيم أمره ،وتعظيQQم حرمتQQه حيQQvا وميتQQvا ،وبQQر آلQQه وذريتQه ،وتQQوقير أصQQحابه
وإعظام جميع ما ي‹نسب إليه ،وكQQثرة الصQQلة والسQQلم عليQQه ،ومتابعQQة زيQQارته-
صلى ا عليه وآله وسلم -إلQQى آخQQر مQQا تزخQQر بQQه مؤلفQQات المQQام الجعفQQري
النثرية والشعرية ]راجع السيرة النبوية المحمدية ،ص .[74
محبته -صلى ا عليه وآله وسلم:-
وهي أساس الطريق إلى حضرته ،ومفتاح باب الوصول إلى رؤيتQQه -صQQلى ا
عليه وآله وسلم -فمن أهQم معQالم طريQق المQQام الجعفQري -المحبQQة القلبيQQة
الخالصة ،والتصال الباطن والظاهر برسول ا -صلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم-
فحبه -صلى ا عليه وآله وسلم -فرض وهو دليQQل اليمQQان فل يكمQQل إيمQQان
مؤمن إل بحبه -صلى ا عليه وآلQQه وسQQلم -لن محبتQQه -صQQلى ا عليQQه وآلQQه
وسلم -تعني طاعته ،وطاعته -صلى ا عليه وآله وسQQلم -توصQQل المQQرء إلQQى
حب uا تعالى ،وهو سبحانه وتعالى يقول) :ق‹ل˜ إ’ن˜ ك‹ن˜ت‹م˜ ت‹ح’ب›ون‘ الل“ه‘ ف‘ات“ب’ع‹ون’ي
ي‹ح˜ب’ب˜ك‹م‹ الل“ه‹ و‘ي‘غ˜ف’ر˜ ل‘ك‹م˜ ذ‹ن‹وب‘ك‹م˜ و‘الل“ه‹ غ‘ف‹ور¨ ر‘ح’يم¨( )آل عمران.(31:
فسالك هذا الطري الجعفري له اتصال مباشر برسول ا -صلى ا عليه وآله
وسلم -ومن فضل ا تعالى أن جعل أبنQQاء الطريQQق فQQي كفالQQة رسQQول ا-
صلى ا عليه وآله وسلم -وقد نقلنا ما ذكره المام الجعفري -فيما سبق -عن
هذه الخصوصية التي تميز بهQQا الطريQQق الجعفQQري ،وهQQذا التصQQال ل يتحقQQق
للمريد بمجرد انتسابه لطريقة المام الجعفري ولكنه يحتاج إلQQى جهQQاد طويQQل،
::الكنز الثرى :: 136
وتربية للنفس حتى تتخلص من ظلماتها ،وتتجQQرد عQQن شQQهواتها ،وتتخلQQى عQQن
حظوظها ،فتكون أهل vلهذا التصال الذي هو ثمQQرة طريQQق المQQام الجعفQQري،
الذي يبين لنا ما يجب أن يكون المريد عليه مQQن المحبQQة والشQQوق الQQدائم إلQQى
النبي -صلى ا عليه وآله وسلم -فيقول:
»واعلم أنه ل يؤمن أحد حتى يكون رسول ا -صQQلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم-
أحب“ إليه من نفسه وولده ووالده وسائر الخليقة النسانية ،إذ محبته هي محبة
لله تعالى ،وطاعته هQQي طاعQة ا تعQالى ،ول تغفQQل عQQن صQQفي uا تعQالى
وم‹ج˜ت‘ب‘اه‹« ]السيرة النبوية المحمدية.[74 :
فمحبة النبي -صلى ا عليه وآله وسلم -حصن للمريد ،يلوذ بQQه عنQQد الشQQدائد،
وهو سلح قQQوي يحQارب بQه الشQQيطان والنفQQس والهQQوى ،قQQول مولنQQا المQQام
الجعفري] uالديوان :[2/317
ليQQQQQQس يفنQQQQQQى بالQQQQQQدهور حQQQQب خيQQQQر الخلQQQQق كنQQQQز¨
وشQQQQQQQQQQQفاء لصQQQQQQQQQQQدور حبQQQQQQه حصQQQQQQن حصQQQQQQين
ل مQQQQQن السQQQQQبع الهصQQQQQور ل تبQQQQQQQالي مQQQQQQQن عQQQQQQQدو
فQQQQQQQي حيQQQQQQQاء vونفQQQQQQQور إن رآك السQQQQQQQQبع‹ ول“QQQQQQQQى
ذو سQQQQQQQQQQلح كQQQQQQQQQQالمير حبQQQQQQQQه جنQQQQQQQQد¨ قQQQQQQQQوي¨
ومحبة النبي -صلى ا عليه وآله وسلم -دعا إليهQQا القQQرآن الكريQQم -الQQذي هQQو
كلم ا -وكذلك دلت عليه الحاديث النبوية الشQQريفة ،يشQQير إلQQى ذلQQك سQQيدي
العارف بالله الشيخ صالح الجعفري فيقول ]الديوان :[305-2/304
قQQQرأ الكتQQQاب وسQQQائر الخبQQQار م‘QQن˜ حبQQه رضQQه وديQQن لQQذي
يرويه عن أنس فكQQن بالقQQاري اقQQQرأ حQQQديثvا للبخQQQاري” الQQQذي
دلت على الهQQادي كبQQدر سQQاري )إن الQQQذين يبايعونQQQك( إنمQQQا
ينجيQQك ربQQي مQQن عQQذاب النQQار اعQQQرف فضQQQائله ولزم حبQQQه
وهQQو الوسQQيلة للكريQQم البQQاري فهQQو النجQQاة لمQQن أراد نجQQاته
وهذه الطاعة مستمرة فQQي حيQQاة النQQبي -صQQلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم -وبعQQد
مماته ،فهو -صلى ا عليه وآله وسلم -حي uفي قQبره يصQلي ،وكQذلك النبيQاء
جميعهم أحياء في قبورهم يصلون ،فيجب علQQى المريQQد أن يعتقQQد بقلبQQه أنQQه-
صلى ا عليه وآله وسلم -حي في قبره يسمع من يصلي عليه ويسQQلم ،ويQQرد
عليه السلم ،وأنه ينظر إلى زائريه ،ويسعد برؤيته كل محب على قدر اجتهQQاده
وعلى حسب قوة محبته وصدق اعتقاده ،يقول شيخنا المام الجعفري -رضQQي
ا عنه:-
وقد دل“ القرآن على حياة النQQبي -صQQلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم -وحيQQاة جميQQع
النبيين والمرسلين -عليهم السQQلم -بعQQد وفQQاتهم أيضQQvا ،وذلQQك أن ا -تعQQالى-
قال) :و‘ل ت‘ح˜س‘ب‘ن“ ال“ذ’ين‘ ق‹ت’ل‹وا ف’ي س‘ب’يل’ الل“ه’ أ‘م˜و‘اتا ب‘ل˜ أ‘ح˜ي‘اء¨ ع’ن˜د‘ ر‘ب”ه’م˜ ي‹ر˜ز‘ق‹ون‘(
)آل عمران.(169:
فهذه الية تدل على حياة جميع النبيQQاء بمفهQQوم الموافقQQة ،وذلQQك أن النبيQQاء
أولى بتلك المنقبة من الشهداء ،وتQQدل علQQى حيQQاة نبينQQا -صQQلى ا عليQQه وآلQQه
وسلم -بعموم لفظهQQا؛ وذلQQك أن ا -تعQQالى جمQQع لQQه -صQQلى ا عليQQه وآلQQه
وسلم -بين النبوة والرسالة والشهادة -كما صح ذلQQك -قQQال السQQيوطي -رحمQQه
ا -وما من نبي إل وقد جمع بين النبوة والشهادة.
ومما يدل على أنه -صلى ا عليه وآله وسلم -حي• بجسQQمه وروحQQه قQQول ا
تعالى) :و‘م‘ا ك‘ان‘ الل“ه‹ ل’ي‹ع‘ذ”ب‘ه‹م˜ و‘أ‘ن˜ت‘ ف’يه’م˜( )لنفال :من الية .(33
وضمير »وأنت« إنما يدل على الروح والجسد والحياة ،فيلزم من وجوده -صلى
ا عليه وآله وسلم -كما هو ر‘ف˜ع‹ العذاب ،وقد رفع وهو فيهم ،كقوله تعQQالى:
)و‘إ’ذ‘ا ك‹ن˜ Qت‘ ف’يه’ Qم˜ ف‘ Qأ‘ق‘م˜ت‘ ل‘ه‹ Qم‹ الص“QQلة‘( )النسQQاء :مQQن اليQQة (102أي :معهQQم
بجسمك وروحQQك ،وقQQول ا تعQQالى )إ’ن“ ال“Qذ’ين‘ ي‹ب‘اي’ع‹ون‘Qك‘ إ’ن“م‘Qا ي‹ب‘QQاي’ع‹ون‘ الل“Qه‘(
)الفتح :من الية (10والبيعة ل تنفع إل بالقرار بالشهادتين حينمQQا كQQان -صQQلى
ا عليه وآله وسلم -بين أصحابه -رضQQي ا عنهQQم -وبعQQد أن لحQQق بQQالرفيق
العلى بقيت البيعة كما هي ،فلو لم يكن حي§ا بعد الموت ،ورسQQالته -صQQلى ا
::الكنز الثرى :: 139
وفيها أيضvا أنواع حسية ومعنوية ،وتفريج للشدائد والكروب الدنيوية والخرويQQة
::الكنز الثرى :: 140
وفيهQQا فتQQوح علQQى المريQQد بأسQQرار العلQQوم والحقQQائق ،يقQQول مولنQQا المQQام
الجعفري] :الديوان [3/391
فبالسQQحار صQQل uعلQQى محمQQد وإن ضاقت بQQك الحQQوال يومQQvا
على عبQQد يصQQلي علQQى محمQQد يصQQلي ا رب العQQرش عشQرvا
فعج”QQل بالصQQلة علQQى محمQQد وفQQQي مQQQائة يصQQQلي ا ألفQQQvا
فما أحلى الصلة علQQى محمQQد ول تQQQترك رسQQQول ا يومQQQvا
ونQQQور مسQQQتمد مQQQن محمQQQد شQQQفاء للقلQQQوب لهQQQا ضQQQياء
لمن أهدى الصلة على محمQQد بهQQQا يسQQQر¨ وتفريQQQج لكQQQربs
تنQQQور بالصQQQلة علQQQى محمQQQد بهQQQا السQQQرار والنQQQوار تQQQترى
مQQQن المختQQQار سQQQيدنا محمQQQد فيQQQا مQQQن عنQQQده سQQQر تبQQQدى
ول تنQQس الصQQلة علQQى محمQQد تعلQQم حفQQظ سQQرك يQQا أخانQQا
بفتQQح ا صQQل” علQQى محمQQد إذا مQQا شQQئت أن تحظQQى قريبQQvا
لمن ذكروا الصلة على محمQQد وتفسQQQير وعلQQQم ذي معQQQاني
إلQQى كنQQز الصQQلة علQQى محمQQد تQQQوجه إن أردت قضQQQاء ديQQQن
بجQQQQاه نبينQQQQا طQQQQه محمQQQQد تجQQQد فرجQQQvا قريبQQQvا يQQQا أخانQQQا
وقد جعل المام الجعفري -قQQدس ا سQQره -الصQQلة علQQى النQQبي -صQQلى ا
عليه وآله وسلم -ترياقvا شافيvا ودواء vناجعQQvا لظلمQQات النفQQس وقسQQوة القلQQب..
قال -رضي ا عنه -في كتابه »المنتقى النفيس«:
»فQQائدة مجربQQة« :إذا أظلمQQت نفسQQك ،أو قسQQا قلبQQك ،وضQQاق صQQدرك ،وغQQاب
رشدك ،وأظلمت أنوارك ،وكثرت أوزارك فوجه قلبك إلى رحمQQة ا للعQQالمين-
صلى ا عليه وآله وسلم -بحQQب وشQQوق مصQQليvا ومسQQلمvا عليQQه ،مادحQQvا باكيQQvا،
فبإذن ا -تعالى -تنقلب ظلمة نفسك نورvا ،وقسوة قلبك لينQvا ،وضQQيق صQQدرك
انشراحvا ،وكثرة أوزارك توبQة تعقبهQQا مغفQرة ،وعنQQد ذلQك يهQدأ بالQك ،وينصQQلح
حالQQك ،ويكQQثر سQQرورك وحبQQورك ،وتQQذهب همومQQك ،وتQQزداد علومQQك ،ويQQزداد
نشاطك في الطاعات ،ويمحQQى هجومQQك علQQى المخالفQQات ،ويقQQوى إسQQلمك،
::الكنز الثرى :: 141
ويزداد إيمانك ،وتنقضي الحاجات ،وتنصلح النيات ،وتفتح أبواب سادتك وتقفQQل
أبواب شقاوتك ،فجرب تجQQد ،فQQإذا ظفQQرت فQQزد ،وقQQد جعQQل ا فQQي السQQماء
بروجا ،ولكن جعل السماوات كلها بروجvا له -صلى ا عليه وآله وسQلم -حيQQث
شرفت كل سماء بشمسه المنيرة البهية إلى ما فوق السماء السابعة ]المنتقى
النفيس..[145 :
ومن علمات محبة النبي -صلى ا عليه وآلQQه وسQQلم -كQQثرة زيQQارته والتشQQوق
إلQQى روضQQته الشQQريفة ،فQQالحنين إليهQQا غنQQاء المحQQبين وغQQذاء أرواح الQQذاكرين،
فبالزيارة يحصل القرب والنس ،ويكسي المريد بالنوار ،وتفوح عليه العطQQار،
ثم إنها صلة ومودة وقربة لرسول ا خير الخلق -صلى ا عليه وآلQQه وسQQلم-
يقول مولنا المام الجعفري -رضي ا تعالى عنه:-
»وعليك يا أخانا فQQي ا تعQQالى بزيQQارة النQQبي -صQQلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم،-
وزيارة أهل بيته رضي ا عنهم ،والصحابة ،والصالحين أولي الدرجات العلية،
فإن كل من زارهم وسلم عليهم رأوه ورد›وا سلمه ،فيا سعد من سلuم عليهQQم
بقلب سليم ويا بشراه«.
»وأما زيارته صلى ا عليه وآله وسلم في روضته الشQQريفة فقQQد أوجQQب ذلQQك
بعض علماء المة السلمية ،وقيل :سنة ،وهذا القول كل مQQن الئمQQة الربعQQة
قال به وارتضاه ،وقد ورد أنه صلى ا عليه وآله وسلم يرد السلم علQQى مQQن
سلuم عليه عند الروضة الشريفة ،فيالها من مزية«.
ويشفع صلى ا عليه وآله وسلم لكل من زاره شفاعة تدخل صQQاحبها الجنQQة،
وينال من الخلد أعله ،ويكون عند ذلك فرحvا مسرورvا:
هQQQذه أنQQQوار طQQQه العربQQQي مهجQQQتي قQQد نلQQت كQQQل الرب
وبدت مQQن خلQQف تلQQك الحجQQب هQQQذه أنQQQواره قQQQد ظهQQQرت
خQQQاتم الرسQQQل خيQQQار العQQQرب أبشQQQQري يQQQQا نفQQQQس‹ هQQQQذا
ومQQQن الجQQQود قبQQQول المQQQذنب المصQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQطفى
يQQQا رسQQQول ا إنQQQي مQQQذنب
::الكنز الثرى :: 142
»وإن من زاره -صلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم -يكسQQى حلل vمQQن النQQور مطQQرزة
بالنوار الجللية ،ويشرب شراب العارفين ،فتستنير روحه حتى يعرف من وقف
بين يديه ومن أكرمه وسقاه«.
»وقد قال العلماء :ما وص“ل‘ إلى السنة فهو سنة ،فالمشي أو شد الرحQQل إلQQى
زيارته -صلى ا عليه وآله وسلم -سنة فعليQQة ،أي يثQQاب فاعلهQQا ثQQواب السQQنة؛
لنه -صلى ا عليه وآله وسلم -زار المقQQابر وأمQQر بزيارتهQQا ،فهQQي سQQنة قوليQQة
وفعلية ،فيا سعد من أحيا سنة رسول ا«.
وقال -صلى ا عليه وآله وسلم» :-ما بيQQن منQQبري وبيQQت عائشQQة روضQQة مQQن
رياض الجنة« .وقد قال شراح البخاري :هي روضة حقيقية .فهل لQQك يQQا أخانQQا
في ا أن تصلي في الجنة ،فتكون مم“ن أحبه ربه وحباه«.
»وقد تشرف مسجده -صلى ا عليه وآله وسلم -بنسبته إليه ،فصارت الصQQلة
فيه بألف ،sسواء كانت فرضية أو نفلية«.
»ومن صلى في مسجده -صلى ا عليه وآله وسلم -أربعين صلة كتب ا له
براءة من العذاب ومن النفاق ومن النار« أخرجه المام أحمد ورواه .ولQQوله-
صلى ا عليه وآله وسلم -لكان مسجده كبقية المساجد بل فضQQل ول مزيQQة«
]السيرة النبوية المحمدية 80-76 :باختصار[.
ومن آداب المريد مع النبي -صلى ا عليه وآله وسلم -أن يلزم الدب والوقQQار
فQQي زيQQارته ،وأن يعطيQQه حقQQه مQQن التعظيQQم والكبQQار فQQي السQQلم والتحيQQة
والوقQQوف والنصQQراف كمQQا كQQان الصQQحابة -رضQQي ا عنهQQم -يفعلQQون ،فهQQو
يخاطب رسول ا -صلى ا عليه وآله وسلم -وهو يعلم أنه حي في روضQQته
الشريفة يرى ويسمع ويشاهد زواره ،يقول مولنا المام الجعفري -رضQQي ا
عنه:-
»وإذا دخلت مسجده -صلى ا عليه وآله وسلم -أحQس“ قلبQQك بزيQQارة اليمQان
والطمأنينة ،ل سيما عند مواجهته وإلقاء التحية ،وكم من محQQب قQQد عله النQQور
وفاضت من شدة الفرح بالدموع عيناه ،فيالهQQا مQQن سQQاعة كل“مQQا ذكرتهQQا الQQروح
::الكنز الثرى :: 143
مناديvا :أي ربي ،أغثني بغوثك السريع ،وخذني لتوفيقك إلQQى زيQQارة هQQذا النQQبي
الشفيع -صلى ا عليه وآلQQه وسQQلم -وم‹Qن“ علQي uبرحمتQQك الواسQQعة ،وفضQQلك
الكبير ،كما مننت على إخواني الزائرين له -صلى ا عليه وآله وسلم.
أيها المريد :يجب عليك دائمvا أبدvا سQQرمدvا أن تنظQQر إلQQى حQQب النQQبي -صQQلى ا
عليه وآله وسلم -في قلبك وأن تزنه بميزان القرآن والسنة وهل هو أحب إليك
من نفسك ،ومن أولدك ووالديك ،وهل قلبك مشتاق إليه -صلى ا عليه وآلQQه
وسلم -وهل عيناك تبكQQي عليQه شQQوقvا ،وهQQل لسQQانك يمQدحه لن مQQدحه مQQن
العبادة ،وهل أنت تصلي وتسلم عليه -صلى ا عليه وآله وسلم -كثيرvا ،وهQQل
قلبك يحب متابعته -صلى ا عليه وآله وسلم.-
فإذا كنت كذلك فأبشر بالسعادتين في الدنيا والخرة.
وإذا لم تكن كذلك فعليك يا أخانا بالجد والجهاد ومجاهدة نفسك ،وقراءة كتب
الصوفية ،وقراءة كتب المحبين ،كالغزالي والنبهQQاني ،لعQQل ا أن يم Qن uعليQQك
كما م‘ن“ عليهم إنه جواد كريم ]الذخيرة المعجلة.[22 :
فيجب على المريد أن يعرف طريق الوصول إلى الحبيب المصطفى -صلى ا
عليه وآله وسلم .-ومن أقصر الطQQرق الموصQQلة إليQQه :كQQثرة الزيQQارة ،ومQQن لQQم
يستطع فعليه بالكثار من التشوق والحنين إليها ومQQدحه -صQQلى ا عليQQه وآلQQه
وسلم -ومعرفQة أوصQQافه واستحضQQار صQQورته النورانيQة -صQQلى ا عليQه وآلQه
وسلم -يوجه مولنا المام الجعفQQري -رضQQي ا تعQQالى عنQQه -هQQذه النصQQيحة
لمريد طريقته ،فيقول:
أيها المحب› لرسول ا -صلى ا عليه وآله وسلم -أل أدلك على أقرب الطرق
الموصلة إليه من غير تعب ول مشقة ،أل وهي مدائحه سماعvا وإنشQQادvا ،بقلQQب
سليم ،وحب عظيم ،مع تصورك له بقلبك ،وذلك يكون:
بتصورك روضته الشريفة إن كانت سبقت لك زيارته. -
باستحضار صورته المنامية إن كنت رأيته في النوم. -
باستحضار صورته بواسطة الشQQمائل المنقولQQة فQQي كتQQب السQQنة -
::الكنز الثرى :: 145
ويقول سبحانه وتعالى) :و‘ات“ب’ع˜ س‘ب’يل‘ م‘ن˜ أ‘ن‘اب‘ إ’ل‘ي“( )لقمان :من الية .(15
قال الشيخ أحمد بن زروق» :والنابة ل تكون إل بعلم واضQQح وعمQQل صQQحيح،
وحال ثابت ل ينقضه كتاب¨ ول سنة«.
وفي الحديث الشريف» :مثل الجليس الصالح والسوء كحامQQل المسQQك ونافQQخ
الكير ،فحامل المسك إما أن يحذيك ،وإما أن تبتاع منه ،وإمuا أن تجد منQQه ريحQQvا
طيبة ،ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ،وإما أن تجد ريحvا خبيثة« ]رواه البخاري
ومسلم[.
والشيخ نما يعي مريده ثمرة تجاربه الطويلة الشاقة ،حسبة لQQوجه ا تعQQالى،
ل يسأله عليها أجرvا ،وذلك الشيخ المربي المعلم يشQترط فيQQه أن يكQQون عالمQvا
عامل vورعvا تقيvا ،كما يقول مولنا المام الجعفري -رضي ا عنه:-
ليهتQQQدي بQQQه إلQQQى الصQQQواب يصQQحب شQQيخ العلQQم والكتQQاب
وعمQQQQل بQQQQه هQQQQو الوليQQQQة فليس بعQQد العلQQم مQQن هدايQQة
]اللهQQQام النQQQافع:
[65
فالغاية من سلوك المريد في طريق شيخه ،والقتداء به فQQي أقQQواله وأفعQQاله
الوصول إلى مرضاة ا تعالى ،وهذا ل يتأتى للمريQQد إل بصQQحبة شQQيخ يتسQQلح
بالعلم ويصدقه العمل وبذلك يسQQتطيع الشQQيخ أن يحمQQي المريQQد مQQن كQQل مQQا
يمنعه من الوصول إلى ا -تعالى -من أنواع الجهل والغرور ،ودواعي الهQQوى
الموقعة في ظلمة القلب ،وانطفاء نور البصيرة ،يقول مولنا المام الجعفري-
رضي ا عنه -في إحدى قصائده:
طريقQQQQه ولوراد الطريQQQQق تل الشيخ يحمي مريدvا جاء معتنقvا
كالشQQQمس والضQQQوء خQQQذ مQQQن روحQQان فQQي جسQQد مQQن فQQرط
قربهQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQم مثل قربهمQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQا
والشيخ فيها لمن يأتي لقQQد كفل انظQQر لعQQالم أرواح تجQQد عجبQQا
يكسون فيهQا حريQرvا مبQQدعvا حلل عQQQوالم أدهشQQQت مQQQن كQQQان
::الكنز الثرى :: 147
يقول مولنا المام الجعفري في بيان ما يجب أن يكون عليه الشيخ المربي:
فالعارف بالله -تعالى -هو الذي عرف ا -تعالى -وقام بحقه ،وعرف رسول
ا -صلى ا عليه وآله وسلم -وقام بحقه ،وعرف أوليQQاء ا -تعQQالى -وقQQام
بحقهم ،وعرف المؤمنين وتخلuص من تبعاتهم والعارف :من عرف نفسه ،كمQQا
قال المام علي -كرم ا وجهه» -من عرف نفسه فقQQد عQQرف ا« فQQالنفس
بها كمالت ونقائص ،فمن عرف الكمالت فأبرزها ،والنقائص فعالجهQQا فQQذلك
العارف.
»عارف« :العين علم ،واللف انفصال عن السuوى ،اتصال بمQQن علQQى العQQرش
استوى ،والراء رغبة في الخرة ،والفاء فQQرار إلQQى ا تعQQالى ]اللهQQام النQQافع
.[52-51
فمثل هذا العارف ل يصمد الشيطان أمام أنواره ،ول تستعصي نفQQس المريQQد
على تهQQذيبه وإرشQQاده ،ومQQن أسQQعدته اليQQام بمثQQل هQQذا الشQQيخ فليحمQQد ا-
تعالى -على أن وص“له إليه ،وليلزم طريقه وليجاهد بمجاهدته ،حتى يصل إلQQى
ما وصل إليه من رقي ،يقول مولنا المام الجعفري -رضي ا عنه:-
من غير هاد sله ما كان منتص Qرvا مQQن جQQاء يبغQQي طريQQق ا
قد ضQQل سQQعيك يQQا هQQذا فكQQن يعQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQبره
حQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQذرا كيQQQف المسQQQير ولQQQم تعQQQرف
خف المQQام تQQرى أتبQQاعه زمQQرا مسQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQالكها
فاجعQQل إمامQQك شQQيخvا للعلQQوم فاتبع طريقة أهQQل ا خQQالص
قQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQرا لكQQل قQQوم إمQQام يقتQQدون بQQه
أهدى السQQبيل وأحكامQQvا هنQQاك طريقة القوم قرآن وسQQنة مQQن
::الكنز الثرى :: 148
والخوارق والتجليات ،ولذلك يقول سيدي عبد السلم السمر -رضي ا عنه:-
انصQQQQQQQح˜ واخQQQQQQQدم˜ ب‹ن‘ي“QQQQQQQا ل تخQQQQQالف شQQQQQيخvا رب“QQQQQاك
تنQQQQQQQال الرتبQQQQQQQة العليQQQQQQQا أنQQQت شQQQجرة وهQQQو مس˜QQQقاك
وفي قوله )إعرف مقامي وزيuا( إشارة إلى مQQا يتوقQQف الفتQQوح عليQQه ،فمعرفQQة
مقام الشQQيخ وجQQدان قلQQبي روحQQاني ،تظهQQر للمريQQد إشQQارة فQQي عQQالم الملQك
والملكوت ،على حسب قوة معرفة المريQQد بشQQيخه ،وأول خQQارق للعQQادة ينQQاله
المريد يشاهده في شيخه ،ومنه ينتقل إلQQى المريQQد علQQى حسQQب صQQدقه علQQى
سبيل الوراثة ،وقد قال سيدي أحمد بن إدريس للسQQيد ابQQن السنوسQQي -رضQQي
ا عنهما» :-أنا أنت وأنت أنا« وقالها سيدي ابن السنوسي لتلميذه سيدي عبQQد
العالي بن السيد أحمد بن إدريس -رضي ا عنهم -بعد أن رباه وعلمه ولقنQه
الوراد )أنا أنت ،وأنت أنا( وكان يحضر أحيانvا في مجلسه )بجغبوب ببرقة( وهو
يدرس الحاء للغزالي لن سيدي عبد العالي درس الحيQQاء فQQي حيQQاة شQQيخه
بمسجد جغبوب ،وفي ذلك سر عظيم لن الشيخ يم›د تلميذه حينما يحضر درسvا
مددvا روحانيvا ،ويكQQون ذلQك كQQالختم لQه بQأنه صQQار أهل vلهQQذا المقQQام ]المنتقQQى
النفيس.[110-109 :
ملزمة أوراد الشيخ واتباع ما أمر به :
ويكون ذلك بملزمة أوراد الشيخ وعدم اللتفات إلى غيرها ،فإنما أوراد الشيخ
هي التي تصلح نفس المريد ل غيرها ،ففيها المدد والسر ،لنها أ‹خQQذت بQQالذن
من الحضرة النبوية المستمرة من الحضرة العلية الربانية ،يقول شيخ الطريQQق
الجعفQQري» :إعلQQم أن لكQQل شQQيخ طريQQق عقQQاقير فQQي أوراده تصQQلح لولده
السالكين طريقة ففيها فيتامينات التقوية والتغذية ،وفيها بلسQQم الشQQفاء ،وفيهQQا
::الكنز الثرى :: 151
ما يهدي النفس ،ويقQQوي الQروح ،فمQQن أراد الوصQQول فل وصQول لQQه إل بQأوراد
شيخه ،فهي سبيله وباب وصوله ،وهي روحه وريحانه« ]اللهام النافع.[70 :
السير على طريق الشيخ وعدم مخالفة منهجه :
وهذا أساس التباع عنQQد القQQوم ،ول معنQQى للنتسQQاب إلQQى شQQيخ مQQع مخالفQQة
نهجه ،فإن المريد يعاهد شيخه أمام ا -تعQQالى -علQQى مبQQادئ وسQQلوك ،فQQإن
انحراف أو غير أو قصر أو ترك ،فإنه يكون قد نبذ عهده مع شيخه وراء ظهره،
فيحرم من المدد وينقطع عنه التصال ،وبقدر ابتعاده عن الشQQيخ ينفQQر الشQQيخ
منه ،يقول سيدي العارف بالله الشيخ صالح الجعفري -رضي ا عنه:-
»ول يكون ابن الطريق ابنvا لشيخه حتى يكون على قQQدمه ،فQQإن خQQالف نهجQQه
كان وجوده كعدمه )قالوا :يا رسول ا أ‘م’ن قلة sنحن ي‘و˜مئذ؟ قال :ل؛ بل أنتم
يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل( ]رواه أبو داود[ ،وقال ا تعالى) :ق‹ل˜ ل
ي‘س˜ت‘و’ي ال˜خ‘ب’يث‹ و‘الط“ي”ب‹ و‘ل‘و˜ أ‘ع˜ج‘ب‘ك‘ ك‘ث˜ر‘ة‹ ال˜خ‘ب’يث’( )المائدة :من الية (100فمQQا
الرث إل بالتباع ،ومن لم يتuبع ح‹ر’م الرث وضاع ،فكQQم للشQQيخ مQQن دور تك’Qظ›
وت‘ئ’ظ› من جواهر السرار والمعاني ،من أسرار السQنة وجQQواهر القQQرآن ،فمQQن
لم يعرف ما أبعده عنا ،ومن لم يعرف القرآن اختطفQQه الشQQيطان ،فمQQن كQQان
بعيدvا عن الشيخ فهو البعيد ،ومن اختطفه الشيطان فهو الطريد] « ...الQQذخيرة
المعجلة.[10 :
»وإياك ونسيان الشيخ والغفلQQة عنQQه ،فQQإن ذلQQك مQQن أكQQبر القواطQQع لQQك ،فمQQا
الطريق إل كدورة الفلك ،فإن استطعت إل uتغل عن ذكر ربQQك طرفQQة عيQQن ول
اقل من ذلك فكن ،ومعنى »ل تغفل عن الشيخ« أي عن متابعته الQQتي طالمQQا
قرأتها عيناك أو سمعتها أذناك ،وهناك أسرار¨ منهQQا تسQQري ،وعلQQوم فQQي بحQQور
تجري ،فمن قطع شهوات نفسه وجاء طريقنا إل وقابله نQQور لمQQع ،فكQQم مQQن
ولي فتحنا له أبوابvا عزuت على غيره ،وكم من مجد uكشف عن عQQالم الملكQQوت
بأحزابه ،فكم من أهل القدم الراسخ الذي ل تزلزله شبهة بوجه مQQن الوجQQوه،
وتمسك بالكتاب والسنة ،فإنهما طريق شيخنا أبQQي العبQQاس العرائشQQي سQQيدنا
ومولنا السيد أحمد بن إدريس -رضي ا عنه« ]المنتقى النفيس.[192-191 :
::الكنز الثرى :: 152
»نفر› منك كما يفر› الطيQQر إذا خQQالفت حالنQQا ،وقQQد كنQQا معQQك كرواسQQي الجبQQال،
وكالملئكة إذا رأوا الكلب أو سQمعوه ،أو الصQQورة ،أو سQمعوا صQQوت الجQQرس
]أي يفر الشيخ من المريد المخالف لطريقه مثل مQQا ذكQQر فQQالعطف إنمQQا علQQى
قوله )كما تفر الطير([ ،كذلك الرواح العالية هذا حالها معQQك ،فل تنQQس قQQولي
هذا« ]شهد مشاهدة الرواح التقية ،ص .[9
أن يكون راسخ العقيدة في شيخه :
لنه على قدر العتقاد يكون التباع والنقياد ،ويحدث الستعداد لتلقQQي المQQداد
فمن أجل ذلك يوصي المام الجعفري ابن الطريق أن يكون واثقvا موقنQQvا بQQأن
طريق شيخه يسير على نهج الكتاب والسنة ،يقول -رضي ا عنه:-
»اعلم ثم اعلم ثم اعلم :أن طريقنا هQQذا جعلQQك فQQي كفالQQة إمQQام المرسQQلين-
صلى ا عليه وآله وسلم -يتولى تربيتك كما يربي الوالد ولده ،فهل أيقن قلبك
بهذا الحديث؟ وكيف حالك وأيش حالك أمام رسول ا -صQQلى ا عليQQه وآلQQه
وسلم؟ فهل تريد أن تلتفت إلى غير طريقنا لتتخذ لQQك شQQيخvا آخQQر غيQQر النQQبي-
صلى ا عليه وآله وسلم؟ فتلعب بك الهواء ،وتميد بك الغبراء؟ فمQQا عرفنQQا
من تفلuت منا ،ول أخذ الحقائق عنا ،ول شرب من رحيقنا من تQQرك سQQوقنا ،ول
ورد وردنا من ترك ورادنا ،ول دندن ول دنا ،ول حل بقلبQQه ود›نQQا ،شQQاهد بقلبQQك
أن المربي ناظر إليك ،ليصب ميQQازيب الرحمQQة عليQQك« »فمQQا أهQQل الطريQQق إل
رجال صدقوا ما عاهدوا عليه ،اتصلت أرواحهم بمربيها فكان المر منQQه وإليQQه«
]شهد مشاهدة الرواح التقية.[6 :
»من له شيخ فليشرد إليه عند الوسواس ،وليجس بين يديه فإنه ترياق الغيار،
ول تنظر إليه نظرك إليه ،ولكن انظر إليه ظاهرvا ،ولشيخه باطنQQvا ،واسQتمع إليQQه
ظاهرvا وإلى شيخه باطنvا ،تر العجQQب العجQQاب ،ويفتQQح لQQك البQQاب ،ويسQهل لQك
الوصول ،ويؤذن لك في الدخول ،وحسن ظنك به مطيتك السريعة ،حتى تأخQQذ
مالك عنده من وديعة ،فهو الترجمان بينك وبيQQن أهQQل الQQبرازخ ،أهQQل التحقيQQق
والقدم الراسخ«.
»والشيخ المنظور إليه بالنظرين :رؤيته تقر› به العين ،يذكرك ا مQQرآه ،ويQQدني
::الكنز الثرى :: 153
»وما صدود نفسQQك عنهQQا إل لنفاسQQتها ،ومQQا تقاعسQQت عنهQQا إل لتقاعسQك عQQن
الكتاب والسنة اللQQذين همQQا أصQQل لهQQا ،ومنبQQع فيQQض فيضQQانها ،وشQQمس قمQQر
لمعانها« »فما أردته من أوراد غيرنا ففيها أ‹ودع وزيادة ،وذلQQك مQQن فضQQل ا
علينا )ل’ل“ذ’ين‘ أ‘ح˜س‘ن‹وا ال˜ح‹س˜ن‘ى و‘ز’ي‘اد‘ة¨( )يونس :من الية .(26
فكم أشغلت نفسك عنا بأمور تريد فتح أبوابها فما فتحت لك البواب ،وأحزابنQQا
مفتوحة لك أبوابها ،وتعرفك ح‹ج“ابهQQا ،وقQQد أذنQQاك بهQQا كمQQا أ‹ذن لنQQا مQQن ينبQQوع
الحقائق الوجود -صلى ا عليه وآله وسلم.«-
»فادن أيها المريد من حضرة الشيخ تنل ما تريد ،وفوق ما تريد ،لن كل شQQيخ
مQQأذون مQQن الحضQQرة العليQQة النبويQQة ،ففQQي أوراده إمQQدادات لتبQQاعه وأولده،
وبالعكوف على الوراد والملزمة والمداومة يظهر لك ما أشرنا به إليQQك ،لكQQن
بشرط الستقامة التي هي خيQر¨ مQQن ألQQف كرامQQة ،لمQQن اسQQتقام فQQي طريقنQQا
وتبتل ،عليه البركات تتنزل« ]اللهام النافع.[48-47 :
فعلى المريد أن يعرف أنه مع والد الروح الQQذي يربيQQه ويرقيQQه ،وأن ينظQQر إلQQى
شيخه نظرة محبة خاصة ،كما ينظر شيخه إليه نظرة تربية خالصة ،وأن يعتقQQد
المريد بقلبه أن تربية الشيخ له شجرة مثمرة معمرة ،تمتد بعد انتقQQال الشQQيخ،
لن عQQالم الرواح غيQQر عQQالم الشQQباح ،ومQQن ظQQن أن اتصQQاله بالشQQيخ انقطQQع
بوفاته ،فذلك دليل حجبQه وفQواته ،يقQول مولنQQا المQQام الجعفQري -رضQQي ا
عنه:-
»من حكuم العادات ح‹رم من البركات ،ومQQن نظQQر إلQى غيQQره ح‹QQرم مQQن خيQQره
وميره )إي إمداده من الميرة وهي الطعQQام( ومQQن قQQال إنQQه قQQد مQQات عQQوقب
بالفوات ،فانظر بعيني قلبك إلى من نظQQر إليQQك بهمQQا ،ول تكQQن مQQن الغQQافلين،
فكم من غارف غرف ،فهل بلغك ذلك حتى تشمر عن سQQاعد ج Qدuك لتغQQرف«
]اللهام النافع.[41 :
ومن أدب المريد مع شيخه أن يطارد وساوس الشيطان الذي ل يحب للنسQQان
الستقامة على طريقة الشيخ -وهي طريق ا -فيزين له أن يتجQQه إلQQى شQQيخ
::الكنز الثرى :: 155
فاستقلها في نظره ،أو يرى شيئvا ل يعجبه فيظن سوءvا فيهلQك ،أمQQا إذا أخلQQص
للشيخ كان له حق“ان :حق الوراد وحQQق الخدمQQة للشQQيخ« ]اللهQQام النQQافع59 :
نقل vعن توجيه السيد محمد الشريف لبنه في الطريق سيدي صالح الجعفري-
رضي ا عن الجميع[.
فالحذر كل الحذر من الخروج على طريق الشيخ أو المجادلة في كلمQQه ففيهQQا
الحجب والقطع والب‹عد والطرد ،وهاهو الشQQيخ المQQام الجعفQQري يقفQQك علQQى
الطريقة المثلى لمعاملة شيخك فيقول لك:
وتكQQQQون كQQQQالمقبور لل“ح“QQQQاد فعليQQك أن ترضQQى بكQQل مقQQاله
دون الذي تعطQQاه مQQن إسQQعاد واحذر علQQوك إن رأيQQت مقQQامه
فQQQاق المريQQQد لشQQQيخه بأيQQQاد يعطيQQك ربQQك مQQا يشQQاء وربمQQا
وطريقQQQQQه إل بفتQQQQQح sبQQQQQادي لكن مQQن الداب حفQQظ مقQQامه
واحQQذر مQQن العQQداء والحسQQاد واحفQQظ مقQQام الشQQيخ واتبQQع
]الديوان [45-43-9/42 أمQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQره
وهذا ما عناه المام بقوله ،وهو يذكر المQQور الQQتي يتوقQQف عليهQQا الفتQQوح فQQي
الطريق ...» :أل يعلو على شيخه بحال من الحوال مهما وبQQت لQQه المعلومQQات
ومهما كشفت له مكاشفات ،ويرى نفسه فرعvا لشيخه ،ودائمvا سرمدvا تتوق إليه
روحه ،كما قال سيدي عبQQد الكريQQم الجيلQQي -رضQQي ا عنQQه) :-أصQQلي الهQQوى
والفرع يطلب أصله( « ]أعطار أزهار أغصان.[142 :
أما المنظومة فقد ضمنها معظQQم الداب الQQتي أشQQرنا إليهQQا فيمQQا سQQبق ،وهQQي
تتحدث عن حب المريد لشيخه وأثره في نفسه ،وعقيدة المريد في شيخه في
حياته وبعد انتقاله وغير ذلك ،وعدة المنظومة 53ثلثة وخمسQQون بيتQQvا ،وفيهQQا
أيضvا حديث الشيخ عن الذكر بالوراد ،وختمها بدعوات صالحات لبناء الطريقة،
وسنذكر لك أيها القارئ العزيز البيات التي يتحدث فيهQQا المQQام الجعفQQري عQQن
علقة المريد بشيخ الطريق يقول:
ليهتQQQدي بQQQه إلQQQى الصQQQواب يصQQحب شQQيخ العلQQم والكتQQاب
وعمQQQQل بQQQQه هQQQQو الوليQQQQة فليس بعQQد العلQQم مQQن هدايQQة
لعمQQQQل بQQQQه وكQQQQن مطيعQQQQvا فاسQQمع مقQQاله وكQQن سQQريعvا
وكنQQQت محبوبQQQvا لQQQديه سQQQرuا فالشيخ أنQQت إن أطعQQت المQQرا
كQQQذاك قربQQQه بقQQQدر القQQQرب ومQQQدد الشQQQيخ بقQQQدر الحQQQب
ل سQQيما إن غبQQت فQQي رؤيQQاه وكلمQQQQQQا ذكرتQQQQQQه تلقQQQQQQاه
فل تكQQQQن مصQQQQاحبvا سQQQQوانا تلQQك معQQاني الQQذوق يQQا أخانQQا
وربنQQQا العظيQQQم مQQQا أدركتQQQه إدراكنQQQQQا الدراك إن أردتQQQQQه
فل تمQQل عQQن منهجQQي وفنQQي إن الحمQQQى لQQQذاكر يQQQا ابنQQQي
وشQQQQQQيخنا لجQQQQQQده وكلنQQQQQQا طريقنQQQا الكتQQQاب ثQQQم السQQQنة
وعقQQQدنا كالشQQQعري الطي”QQQب ومالQQك¨ إمامنQQا فQQي المQQذهب
فيQQQه شQQQفاء للQQQذي قQQQد أقبل ووردنQQا كQQالمزن يهمQQي عسQQل
فQQQQالغيث‹ منهQQQQل¨ بل تنQQQQاهي فأسQQQرعوا نحQQQوي عبQQQاد ا
ول تغيبنQQQا كمQQQن قQQQد غQQQابوا فمQQQا حجبنQQQا عنكQQQم الQQQتراب
وفQQي القلQQوب ينQQزل المقQQال بل نحQQن فQQي القلQQوب ل نQQزال
غيثQQQvا مريعQQQvا هQQQاطل vوعم“QQQا فQQQإن رأيQQQت قQQQد رأيQQQت ث‘م“QQQا
فQQذاك محجQQوب وعنQQه سQQرنا ومQQQن رآنQQQا كQQQالتراب صQQQرنا
مQQداره المحبQQوب عبQQد العQQالي ومQQن رآه ف المقQQام العQQالي
يموت في العقبى على اليمان فQQذاك قQQد دوى ومQQن درانQQي
::الكنز الثرى :: 158
]اللهQQQام النQQQافع:
[65
أما القصيدة فهي لمية تقع في 45خمسة وأربعين بيتvا ،بدأها الشQQيخ -رضQQي
ا عنه -بالحديث عن القتداء والتباع ثم انتقل إلQQى الكلم عQن الQQذكر ولQذته
ومشاهدات الذاكرين ،ثم انتهي إلى الحديث عن آداب المريد مع شيخه ،يقول:
أولك ل تخQQQرج عليQQQه تجQQQادل‹ واسمع كلم الشيخ واذكر بالذي
فرضاه عنك هو المير العQQادل‹ فبه الفتوح بQQإذن ربQQك فاصQQطبر
عطاك من ودر sفQQذاك العاج Qل‹ طهQQر فQQؤادك نحQQوه وخQQذ الQQذي
أفسدت ما قد كان فهو تضاؤل‹ واترك سواه فإن نظQQرت لغيQQره
يQQأبى التعQQدد والQQد¨ لQQك كافQQل‹ فأبو الطريق أبQQى الت“ع‘ Qد›د‘ مثلمQQا
أنQQQت الليقQQQط‹ ولل“ق’يQQQط’ رزائل‹ فQQQإذا رأيQQت أبQQvا سQQواه فإنمQQQا
نهQQQج الئمQQQة عQQQارفون وائل فQQأحفظ لشQQيخك مQQا اسQQتطعت
فQQإذا تركQQت فمQQا عليQك يناضQQل وكQQQQQQQQQQQQQQQن علQQQQQQQQQQQQQQQى
أبنQاء ر‹وح sفQQي الع‹ل يQا فاضQل‹ والشQQQيخ للوراد جنQQQد¨ حQQQارس¨
فرسان لي Qل sأو أسQQود جحافQQل وإذا تلQQQوت فQQQأنت مQQQن أبنQQQائه
]الديوان [194-10/192 مQQع إخQQوة وأحبQQة لQQو خلتهQQم
وفي قصيدة أخرى يتحدث عن لزوم اتباع طريق الشيخ وملزمQQة أوراده ،ومQQا
يترتب على ذلك من نتائج في نفس المريد ،فيقول:
أهل الطريق شيوخ أهل الحال’ نظروا إليك من المقام العQQالي
واقبQQل علينQQا تحQQظ بالقبQQال’ الQQزم طريقتنQQا تنQQل مQQا تبتغQQي
أم أنQQت موثQQوق مQQن الثقQQال’ فQQQانظر لنفسQQQك هQQQل ذكQQQرت
مشQQQغول‹ بالQQQدنيا وبQQQالموال’ بQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQوردهم
لبكيت مQQن تQQرك sومQQن إهمQQال’ أQو أنQQت فQQي سQQوق المشQQاغل
وعلمQQت أن السQQر فQQي القبQQال’ تQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQائه
فانهض لوردك ل تكن كالقالي وتركت وردvا لQQو عرفQQت مقQQامه
::الكنز الثرى :: 159
)الزمر :من الية ،(22والفاء :فتح ا لها بعد نصرها علQQى شQQيطانها وهواهQQا
)ن‘ص˜ر¨ م’ن‘ الل“ه’ و‘ف‘ت˜ح¨ ق‘ر’يب¨( )الصف :من الية (13والسين :سQQبل ا الموصQQلة
إليه) ،و‘ال“ذ’ين‘ ج‘اه‘د‹وا ف’ين‘ا ل‘ن‘ه˜د’ي‘ن“ه‹م˜ س‹ب‹ل‘ن‘ا( )العنكبQQوت :مQQن اليQة ،(69ويحتمQQل
أن تكون النون إشارة إلى النصر فيكون بعد نصر ا -تعالى -يأتي فتحQQه )إ’ذ‘ا
ج‘اء‘ ن‘ص˜ر‹ الل“ه’ و‘ال˜ف‘ت˜ح‹( )النصر] (1:وانظر :المنتقى النفيس.[99 :
وقQQد أورد شQQيخنا المQQام الجعفQQري مقالQQة الشQQيخ الQQدردير فQQي هQQذا المقQQام:
»واعلم أن طريق أهل الحق مدارها على الصدق ،ورأس مالها الذل ،ونهايتها
الغرق ،وقال العارفون :حكم القدوس أل يدخل حضرته أرباب النفوس ،كQQثرة
الكلم توجب عدم الحترام ،كثرة مصاحبة الناس توجب الفلس ل يطهر مQQن
الرعونات إل من خالف نفسه فQQي الشQQهوات ،وذكQQر ا فQQي جميQQع الحQQالت..
ومن لم يحرق البداية لم تشرق له النهاية ،من لQم يخQQالف النفQQس والشQيطان
لQQم يتحقQQق بصQQفات أهQQل العرفQQان ،مQQن لQQم يكQQن عب Qدvا للرحمQQن فهQQو عبQQد
للشيطان ..فانظر أيهما يستحق العبادة ]المنتقى النفيس.[99 :
المجاهQQدة :
ويقصد بها مجاهدة النفس ومغالبة هواها ،ومحاربة كل ما يبعQQد المريQQد عQQن
سلوكه ويشغله عن طريقه ،يقول مولنا المام العQQال’م الشQQيخ المربQQي سQQيدي
صالح الجعفري -رضي ا عنه -مخاطبvا المريد:
»تجQQرد مQQن محيQQط الشQQهوات ومخيQQط الهQQوى إلQQى عرفQQان قدسQQك بQQالوادي
المقدس طوى ،فعساك أن تسمع النداء لترتحQQل عQQن الفيQQاء ،فمQQا فQQاء مQQن
شغله فيء ،ول سرى نحو كثبQQان طQQي ،ول طQQوى بعيQQس ج’Qد“ه البيQQداء طQQي،
وكيف يطوى من شغلته عQQن عرفQQاته م Qي ،uفمQQا سQQبحت أرواحهQQم إل بأجنحQQة
عمالهم ،ول نشطت أفكارهم إل بقلة آمالهم« ]المعاني الرقيقة :ص .[25
وهQذه الكلمQات العذبQة الQQتي يخQاطب بهQا المQQام الجعفQQري أرواح المريQدين،
ويناجي بها قلوبهم ،توجه المريدين إلى أن الجسQQد طQQبيعته كثيفQQة ،وأن الQQروح
شفافة نورانية فإذا أشبع النسان جسده ،وأعطاه ما يريده من شهواته ،تغلبت
كثافة الجسد على شفافية الروح فإذا هي تحبس وتعاق وتحجQQب ،وأن القQQوم
::الكنز الثرى :: 161
لم تنهض أرواحهم ،ولم تنكشQQف لهQQم الحقQQائق إل بكQQثرة مجاهQQدتهم لنفQQس
والهوى وإعراضهم عن الشهوات ،وقلة أملهم في الدنيا ،وهذه القاعدة المهمة
أ‘و˜ل‘ه‘ا المام الجعفري عناية فائقة ،وكرر الكلم عليها كثيرvا في نظمQQه ونQQثره،
ودونك أيها القارئ العزيز هذه الدرر من كلم سQQيدي المQQام العQQارف ،سQQيدي
الشيخ صالح الجعفري -رضي ا تعالى عنه وأرضاه:-
»النسان له أصلن :التراب والروح ،فمن أخلQQد إلQQى الرض واتبQQع هQQواه فقQQد
رجع إلى أصله الترابي ،ومن طه“ر نفسه ونو“رها بأنوار العلم والعمل فقد رجع
إلى أصله الروحاني« ]المعاني الرقية :ص .[45
»لبد للمريد القاصد من جد ¥واجتهQQاد ،بل كسQQل ول رقQQاد ،حQQتى ينQQال مQQا نQQاله
العارفون ،ويدرك ما أدركه المحققون ،فل وصول إلى غيب مع ارتكاب الQQذنب
والعيب ،ول دنو للواني إل لرباب الورد في الوان ،ول وضوء بماء غيبهQQم ،إل
لمن شرب تسنيم شربهم ،فمQQن دفQQع المهQQور سQQيقت إليQQه الجQQور« ]المعQQاني
الرقيقة :ص .[50
وفي الحق أن المجاهدة مقام رفيQQع فQQي التصQQوف ولQQه دور¨ كQQبير فQQي تربيQQة
النفس وترقيتها ،ولبد للمريد أن يسير في الطريق من أوله ويجاهد كما جاهد
شيخه فقد يظن أن الطريق سهل ،وأن الفتوح ينال بقليل من القQQول والعمQQل،
ومن هنا كان توجيه المام الجعفري إلى أبناء الطرق أن الطريق أمQQر صQQعب
ليس بالسهل ول يجتمع للمريد فيه حظه من الدنيا مQع حظQه مQQن الخQرة ،فل
مجال في الطريق للهو sأو زهو ،ول يفلح فيها من يخلد إلى طول الرقاد وكثرة
النوم ،هذا هوا لطريق لمن يريد الفلح ،يقول مولنا المام -رضي ا عنه:-
»أفق من غفلتك وأنا نيتQQك ،وعليQQك بأحزابنQQا الQQتي تغسQQل قلبQQك بمQQاء الغيQQب،
وتجعلك ذا سر ¥وبر ،فما طلبته من أمر آخرتك ففي بحارها الزاخرة ،وما طلبته
من أمور دنياك ففي جواهرها المتناثرة ،فما أسوأ حظ من تكاسQQل عQQن خيQQر
أخراه وما أشغله عن ذلك إل شيطانه وهواه ،فما أراك بعد هQذا الحQال إل أن
توالينا موالة الروح للجسد ،ولقد طال زمQQان معرفتQQك بنQQا ،وإنQQا لنأسQQف غايQQة
::الكنز الثرى :: 162
السف عليك إذ لم تشرب من شربنا ،فما أعددناه إل لمثالك ،فجرد قلبQQك عQQن
حبك لنفسك ومالك ،ول تعتمد على ما درسته من علوم ،ول على إقبال الناس
عليك ،فإنما القبال هو إقبال الحق عليك ،وإقبالك عليه«.
»أما آن لك أن تجول بروحك في الحزاب الخمس الQQتي هQQي بعQQدد الصQQلوات
الخمس ،وما أثقلها إل على م‘ن˜ خشع ،وما أبعد معانيها إل لمن اتبع ،فQQات“بع مQQا
بلغك من حالنا وتخلuق به ،وما حالنا إل الكتاب والسنة ،فهل أنت كذلك؟«.
ولقد فررنا من ملكها ووظائفها فرارك من السد ،ولم يكن لنا مع Qو“ل إل علQQى
الواحد الحد ،وكان حظنا منها ما بلغQQك ،فهQQل بلغQQت بQQه مQQا أردت ،أم تريQQد أن
تصل بغير ما بلغك عن شيخك ،فإن قوافله سارت مشر”قة وسرت‘ مغر”با.
شتان بين مشر”ق ومغرuب سارت مشر”قة وسرت‘ مغر”با
»فروحنا مع من يشبه روحنا ،وحالنا مع من يشبه حالنQQا ،فهيQQئ روحQQك لQQذلك،
ودعك من وسواسك وخيالك ،فلو ك‹شف لك الحجاب لرأيت العجب العجاب«.
»فما صلينا فيها بالجرة ،ول شغلتنا عن شهوده كسوة ،ول مال قلبنا إلى زهو،
ول لهانا عن الحق لهو ،فجاهد نفسك للتخلص من جميع ذلك لتصل إلى مناك
فقد آن أوان رحيلك ،فما خلد فيها من سبقك ،وإلى متى أنت مشQQغول بQQدنياك
والجهاد عليك ،واعلم بأن راحتك في مد” راحتك إلى خيQQر مQQن تمQد› ليQQه اليQQدي
واجعلها عن مدuها إلى سواه في قيد ،Qفإذا مQQددتها إليQQه كسQQيت العQQزة ،وإلQQى
غيره كسيت الذلة ،فشتان بين عز ¥وذ‹ل ،ومفضال sوك‘ل.«u
»أيش هذا النوم الكثير ،كأنك قد خلقQQت للطعQQام والمنQQام؟ إذا لQQم تص‹QQم أنQQت
فم‘ن’ الذي يصوم؟ وإذا لم تقم أنت فمن الذي يقوم؟ أيقوم العراب وسQQكان
البوادي؟ أم قطاع الطريق وأرباب النوادي؟«.
»كيف تركته ومQQا تركنQQاه؟ وكيQQف هجرتQQه ومQQا هجرنQQاه؟ فهQQو طريقنQQا وعليQQه
المعوuل في الوصول فما عنQQدنا مQQن بQQدع لكQQل مبQQدعات ،ول خرافQQات ،ولكQQن
ح’كم¨ بينات« ]المعاني الرقيقة.[58 :
والمام الجعفري يروض نفس المريد فهي فQي بQداياتها كالحصQQان الجامQQح ل
::الكنز الثرى :: 163
يسلم راكبه من العثرات ،ول يلين لصاحبه ول ينقاد ،فهو يQQوجه المريQQد إلQQى أن
يراقب نفسه بنفسه وأن ينهض بها إلى الجهاد الكبر ،لتترقى من نفQQس عQQدوة
أمارة بالسوء إلى نفQQس لوامQQة ،إلQQى أن تعلQQو فتصQQل ،إلQQى أن تكQQون راضQQية
مرضية ،ولكQQن ذلQQك أمQQر شQQاق ل يصQQل إليQQه المريQQد إل بكQQثير عمQQل ،وصQQدق
مجاهدة ،يقول مولنا المام الجعفري:
»ما الطريق إل موصل ،فل تجعله قاطعvا بهجرانQQك مQQورده العQQذب ،فل ركبQQت
مركب القرب لتصل ،ول جذبتك جواذب الجذب ،الهجQQرة قبQQل الفتQQح ،وأنQQت مQQا
هQQاجرت حQQتى يفتQQح لQQك البQQاب ،ولكنQQك أخلQQدت إلQQى الرض :أرض نفسQQك
فأرضيتها ،واتبعت غير منهج أولي اللباب«.
»إن حجابك عنا رؤيتك لنفسك ،وغفلتQQك عQQن حظيQQرة قدسQQك ،وإن سفاسQQف
أمورك اشتغالك بدار غرورك ،أو ميول قلبك إليها لتغني ،إذ كلما مال إليها مQQال
عنا«.
»فمن قطع شهوات نفسه وجاء طريقنا إل وقابله نور لمع.« ...
»إن النفس المارة بالسQQوء تQQأمر صQQاحبها بالسQQوء الQQذي يغضQQب ا تعQQالى،
وكيف تغضب نفسك الذي خلقك فسQQواك وأحسQQن صQQورتك ،ورزقQQك وحQQافظ
عليك وجعلك سQQميعvا بصQQيرvا ،وكرuمQك تكريمQQا ،ألQم تسQتح مQن خالقQQك؟ كيQQف
تغضQبه؟ أتطيQع أوامQQر نفسQك المQQuارة وتعصQQى م‘Qن خلقQك ،فQQأين العقQQل يQا
أخQي؟«.
»فالمؤمن الكامل العاقل الصبور هو الذي أجاب ربQQه ،وخQQالف نفسQQه وهQQواه
وشيطانه ،وسQارع إلQى الطاعQQات قبQQل الممQات ،فQQإن العمQار غيQر مضQمونة،
والمنايا غير مأمونة ،فجامع المال يموت ويترك ماله ،وجامع العمال الصQQالحة
يموت وي‹دفن معه عمله فيعرف حاله«.
وإذا كان المام الجعفري -رضي ا عنQQه -قQQد وضQQح أمQQر المجاهQQدة للمريQQد،
وبيuن له أهميتها في التربية -ودرجتها في الترقية في الطريق وذلك في كلمQQه
المنثور الذي بثه في كتبه التي تدور فQQي معظمهQQا حQQول تربيQQة المريQQدين مثQQل
::الكنز الثرى :: 164
»اللهام النافع لكل قاصد« وهو شرح »لرسالة القواعد« الQQتي وضQQعها السQيد
أحمQQد بQQن إدريQQس -رضQQي ا عنQQه -وكتQQاب »المعQQاني الرقيقQQة« و»الQQذخيرة
المعجلة للرواح المعطلة« و»أسرار الصيام« وغيرها ،فQQإن المQQام الجعفQQري
وجه أبناء الطريقة إلى مجاهدة النفس والهوى والشيطان ،وذلك في قصائده
الQQتي تمل ديQQوانه العQQامر ،لغQQرض تربQQوي ،إذ˜ إن هQQذه القصQQائد تQQتردد فQQي
الحضرات ويسمعها أبنQQاء الطريQQق ومنهQQم مQQن ل يقQQرأ ول يكتQQب ،ومنهQم مQQن
تشغله أعماله عن مطالعQQة الكتQQب ،فيجQQد فQQي القصQQائد الQQتي يمQQدح بهQQا فQQي
الحضرة بغيته من التأدب بQQآداب الطريQق والتخلQQق بQQأخلق التصQQوف الكريمQة
وإليك أيها القارئ الكريم مقتطفات من قصائد الشQQيخ يQQدعو فيهQQا المريQQد إلQQى
المجاهدة ويرسم له الطريق إليها ،يقول -رضي ا عنه:-
إلى كQQل مQQا يرضQQي علQQى كQQل فجاهد تشاهد فالجهاد وسQQيلة
حالQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة وفي الشرح أنباء تفيدك عنQQدما
تشQQQاهد شQQQرح النظQQQم بعQQQد فبالروح فQQاقرأ إن أردت لفهمQه
القصQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQيدة واحذر لسوء الظن واعلم بQQأنه
فما الروح إل آية فQQي الفطانQQة وفيه اشتغال الروح بالغير فتنة
يQQؤدي إلQQى فهQQم بغيQQر حقيقQQة عليك بنفس إن ملكQQت زمامهQQا
وسQQQلم لQQQرب العQQQرش شQQQأن تQQذكر )إليQQه( إن فيهQQا مواعظQQا
الخليقQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة وفQQي مQQا تكQQون العلQQم فQQاعلم
ملكQQت جميQQع المQQر مQQن غيQQر بQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQأنه
مريQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة
وفي كQQاف )كQQدحا( كQQي تسQQير
بهمQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة
عليم فحاذر عن أمQQور الجهالQQة
]الديوان [30-8/29
وفي البيات إشارات إلى لون مQQن ألQQوان مجاهQQدة النفQQس وهQQي المجاهQQدة
::الكنز الثرى :: 165
بالقرآن الكريQQم وذلQQك بتQQدبر آيQQاته الQQتي ترشQQد النسQQان إلQQى حقيقQQة النفQQس
ووجوب مجاهدتها ومن هذه اليات قول ا تبارك وتعالى) :ي‘QQا أ‘ي›ه‘QQا ال’ن˜س‘QQان‹
إ’ن“ك‘ ك‘اد’ح¨ إ’ل‘ى ر‘ب”ك‘ ك‘د˜حا ف‘م‹لق’يه’( )النشقاق (6:وقوله عQQز وجQQل )و‘م‘QQا ت‘ك‹QQون‹
ف’ي ش‘أ˜ن sو‘م‘ا ت‘ت˜ل‹و م’ن˜ه‹ م’ن˜ ق‹ر˜آن sو‘ل ت‘ع˜م‘ل‹ون‘ م’ن˜ ع‘م‘ل sإ’ل “ ك‹ن“ا ع‘ل‘ي˜ك‹QQم˜ ش‹QQه‹ودا إ’ذ˜
ت‹ف’يض‹ون‘ ف’يه’( )يونس :من الية .(61
ومن طرق المجاهدة :إضعاف شQهوة النفQQس والتخلQص مQQن سQلطانها الQQذي
يقوم بالطعام والشراب من أجل ذلك جاء الصQQوم والQQذكر وكQQثرة السQQهر فQQي
العبادات ،يقول مولنا المام:
تركQQن إليهQQا وعاديهQQا بل سQQلم فاصQQQرف لنفسQQQك عQQQن سQQQوء
بالصوم والذكر فالشQQهوات لQQم الطريQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQق ول
تQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQدم وراعها واجتهد في صرف شهوتها
أسQQرار غيQQب لعبQQد قQQام فQQي كQQم نQQال بالصQQوم صQQوام وكQQم
الحQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQرب كشQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQفت
]الديوان [5/832
وفي المجاهدة بالذكر والوراد يقول إمامنا الجعفري :
سلكوا فحال القوم حال طيQQب فإذا أردت طريقهم فاسلك كما
ل يغفلون عن الذي هو أقQQرب ج’QQQQد• وعQQQQزم واجتهQQQQاد دائم
لبQQد مQQن يQQوم تطيQQر وتQQذهب الQQQQروح غاليQQQQة فل تهملنهQQQQا
هو روحها وغذاؤها هو أطيQQب فنعيمهQQا القQQرآن والQQذكر الQQذي
]الديوان [7/257
ويقول أيضvا :
نحQQQQQQQو بيQQQQQQQت ا ل‘QQQQQQQب” جQQQQQQQرد النفQQQQQQQس لQQQQQQQرب
لسQQQQت تQQQQدري علQQQQم غيQQQQب ل تفكQQQQQQQر فQQQQQQQي أمQQQQQQQور
وادخلQQQن فQQQي جمQQQع سQQQرب فQQQQQQالزم البQQQQQQاب وجاهQQQQQQد
بصQQQQQQQQQQQلة أو بجQQQQQQQQQQQذب تلQQQQQQQق سQQQQQQQهار الليQQQQQQQالي
]الديوان [54-1/53
ومن أهم طرق مجاهدة النفس وقهرها وترقيتها بعQQد تجريQQدها مQQن عيوبهQQا:
::الكنز الثرى :: 166
المحافظQQة علQQى الوراد والكثQQار مQQن تلوتهQQا باللسQQان والقلQQب ،يقQQول المQQام
الجعفري:
ومQQQن غQQQاب عQQQن أوراده صQQQار وجاهد تشاهد فالجهاد فضQQيلة
كالمنسQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQي ويQQا تQQارك الوراد قQQد صQQرت
وضيعت مQQا قQQد كQQان مQQن خضQQر مفلسQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQا
الغQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQرس ومهما عصيت ا ل تنس ذكره
ول تقفلQQن البQQاب دونQQك باليQQأس
]الديوان [3/448
ومنها أيضvا الخلوة أي البتعاد عن مجالس القيل والقال والقلل من الجلوس
مع الناس إل لحاجة أو مصلحة أو صلة رحم أو مجلس علم وذكر وقQQرآن ومQQا
إلى ذلك.
وما خاب عبد قQQد يظQQل بخلQQوة فسQQارع وجاهQQد فالجهQQاد بQQه
تخلى عن الغيار يQQدعو بخيفQQة المنQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQى
]الديوان [1/93 خ‹ل‹QQو• وخلQQوات وخ‘QQل• طعQQامه
وأخيرvا فإن الشيخ يحذر المريد مQQن مغبQQة النقيQQاد للنفQQس والهQQوى فQQإن ذلQQك
حجاب مانع وسيف قاطع يصده عن ذكQQر ا ويخQQذله عQQن الطاعQQات ويجعلQQه
عبدvا ذليل vلشهواته ومن ثQQم كQQرر المQQام الجعفQQري تنبيهQQاته لبنQQاء الطريقQQة أل
يستجيبوا للنفس والهوى بل عليهQQم بمخالفتهQQا وقهرهQQا وعيانهQQا .يقQQول الشQQيخ
المربuي:
لعلك أن تحظQQى بس Qر uعبيرهQQا تلمQQس لهQQذي الQQدار وانشQQق
بأقوالهQQQا حQQQتى رمتQQQه ببيرهQQQا عبيرهQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQا
إذا كان إبليس اللعين سQQميرها ول تQQك ممQQن طQQاوع النفQQس
وكيQQQف تسQQQير النفQQQس أنQQQي واقتQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQدى
مسQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQيرها فمQQا النفQQس إل للسQQمو عQQدوة
]الديوان [124-7/123 ففكQQQر أخQQQا التوفيQQQق وانظQQQر
::الكنز الثرى :: 167
لحالهQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQا
وإذا كانت النفس المارة بالسوء أرضية الطبع أسيرة للوسواس الخناس ،فQQإن
الهوى أيضvا يدفع صاحب النفس المQQارة بالسQQوء إلQQى مجافQQاة الحQQق ،ورؤيQQة
النفس ومعاداة الخلق ،ومن ث‘م“ يخاطب المام الجعفQQري أبنQQاء الطريQQق بهQQذا
الخطاب قائل :v
ملQQQك الهQQQوى أعنQQQاقهم فQQQي إحذر هQQواك فQQإنه يهQQوى بمQQن
الهاويQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة إن القوي هو الذي غلب الهوى
ليQQQس الQQQذي غلQQQب السQQQود كم من مريد قد أضر uبه الهQQوى
الضQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQارية
لو كان يعقل مQQا تمنQQى الفانيQQة
]المعQQQاني الرقيقQQQة:
[71
السحاب ،رأوها فعرفوها زائلة فعرفتهم ،فأقبلت عليهQQم بعQQد إعراضQQهم عنهQQا
فخدمتهم ،فهي تتشرب بخدمتهم إذ هم رأوا العار في خدمتها ،وهي تفر› إليهم
لعلو قدرهم إذ هم فQQروا منهQQا لخسQQتها لبسQQوا لفتنتهQQا الQQدروع ،وتحصQQنوا مQQن
غوائلها بالخشQQوع ،أمQQدهم ا بجنQQوده ،فمQQا ضQQعفوا ومQQا اسQQتكانوا ،ولحبهQQم
لربهم أعلنوا« ]المعاني الرقيقة.[21 :
ثم يتجQQه المQQام الجعفQQري إلQQى تQQوجيه المريQQد إلQQى قيمQQة هQQذا السQQلوك فQQي
الطريق ،فيقول:
»اعلم يا أخانا أن علو الهمة يبلغ بصاحبه القمة ،فإذا علت فقد عل بها صQQاحبها
وعلوها بQQالله وفQQي ا ،وهQQو التQQوجه الخQQالص المحQQض إلQQى حضQQرة الحQQق
سQQبحانه ،ويQQا عبQQد ا :كلمQQا علQQت همتQQك طهQQرت ذمتQQك ،وكلمQQا ازددت فQQي
الطاعات علوت في الدرجات ،علو في الحياة وفي الممات« ]المعاني الرقيقة:
.[64
»من كانت همته في الرض فهو فيها وإن كان يمشي عليها -ومن كانت همته
في عبادة رب السماء ،متشبهvا بسكانها فهو فيها وإن كان بQQالغبراء ،فل غرابQQة
إذا خرقت له العوائد ،ونوعت له الموائد ،فقد هQQام بهمتQه ،وذاق كQQأس محبتQQه
وقدح زناد قلبه بزاد الشوق ،فاستنارت جوانبه ،فصارت الجمادات تخQQاطبه وتل
الشفاء ،فشفا قلبه فشف ،uونهQQض جسQQمه فخ Qف ،uفجاهQQد فشQQاهد سQQبل ا
فهQQدي إليهQQا بQQالله ،قQQال ا تعQQالى )و‘ال“ Qذ’ين‘ ج‘اه‘QQد‹وا ف’ين‘QQا ل‘ن‘ه˜QQد’ي‘ن“ه‹م˜ س‹ Qب‹ل‘ن‘ا(
)العنكبوت :من الية ] (69المعاني الرقيقة ،ص .[64
»اعلم أن روحك أنزلت من السماء ،وجسدك من الرض ،فإن عملت بما أنزله
ا من السماء رفعت أعمالك إلى السماء ،وتاقت روحك إلى العلياء ،وإن لم
تعمل به أخلج جسمك بروحك وعملQQك إلQQى الرض ،فل تفتQQح لQQك ول لعملQQك
أبواب السماء«.
»حرuك بعلو uهمتك زمQQام راحلتQQك ،لعQQل بQQذلك تتحQQرك أعمالQQك بريQQاح شQQوقك
فتضطرب أمواج بحر عملك مخلصvا للديان ،فيخرج منه اللؤلؤ والمرجQQان ،فتتلل
::الكنز الثرى :: 169
الصوفي ينظر إليها نظرة صوفية خاصة :ينظر إليها على أنها دار الغرور ،وإلQQى
متاعها على أنه حطام زائل وبهرج زائف ،وهذه النظرة شQQرعية ل شQQائبة فيهQQا
ول تعارض بينها وبين السعي في طلب الQQرزق والمشQQي فQQي منQQاكب الرض،
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تبين للمسلم حقيقة الدنيا وقيمتها ،ومنهQQا قQQوله
تعالى) :اع˜ل‘م‹وا أ‘ن“م‘ا ال˜ح‘ي‘اة‹ الد›ن˜ي‘ا ل‘ع’ب¨ و‘ل‘ه˜Qو¨ و‘ز’ين‘Qة¨ و‘ت‘ف‘QQاخ‹ر¨ ب‘ي˜ن‘ك‹Qم˜ و‘ت‘ك‘QQاث‹ر¨ ف’QQي
ال‘م˜و‘ال’ و‘ال‘و˜لد’ ك‘م‘ث‘ل’ غ‘ي˜ث sأ‘ع˜ج‘ب‘ ال˜ك‹ف“ار‘ ن‘ب‘ات‹ه‹ ث‹م“ ي‘ه’يج‹ ف‘ت‘ر‘اه‹ م‹ص˜ف‘رuا ث‹م“ ي‘ك‹QQون‹
ح‹ط‘اما و‘ف’ي الخ’ر‘ة’ ع‘ذ‘اب¨ ش‘د’يد¨ و‘م‘غ˜ف’ر‘ة¨ م’ن‘ الل“ه’ و‘ر’ض˜و‘ان¨ و‘م‘ا ال˜ح‘ي‘اة‹ الد›ن˜ي‘ا إ’ل “
م‘ت‘اع‹ ال˜غ‹ر‹ور’( )الحديد (20:وما أكثر ما جاء من الحاديث النبوية الشQQريفة الQQتي
تذم الQQدنيا ومتاعهQQا الQQزائل وتQQبين هوانهQQا عنQQد ا وعنQQد الخلQQص مQQن عبQQاده
المؤمنين .يقول المام الجعفري في هذا المعنى:
»حب الدنيا ظمأ ووله وقلق ،فأذهب ظمأ روحك بزهدها في الفانيQQة ورغبتهQQا
في الباقية ،فإذا رغبQQت زهQQدت ،وإذا زهQQدت وجQQدت ،وإذا و‘ج‘QQدت‘ ج‹ Qد˜ت‘ ،وإذا
ج‹دت‘ عدت ،وإذا عدت وصلت ،وإذا وصلت اتصلت« ]اللهام النافع ،ص .[163
»فوا عجباه منك ثم واعجباه ،ماذا تريد من جيفة يؤذيك ريحهQQا ،ويثقلQQك أكلهQQا
ويطغيك قربها ،ويعاديQQك أهلهQQا ،إن أقبلQQت عليهQQا شQQغلتك ،وإن أعرضQQت عنهQQا
خدمتك ،وإن أنتها أكرمتك ،وإن أكرمتها أهانتQQك ،قولهQQا يضQQحك أهلهQQا ،وفعلهQQا
يبكيهم ،عجوز شمطاء في صورة فتاة حسنة ،عدوة لحباب ا تعQQالى ،فلمQQا
عادوها ذللها لهم سيدها ،فصارت طوع أمرهم ،تخيف غيرهم وهم أخافوها،
وتستعبد غيرهم وهم أستعبدوها«.
»تهيأ يا عبد ا بروحك ،وأنصت بقلبك لما سQQيلقى عليQQك :إن حQQب الQQدنيا فQQي
قلب المريد )ك‘م‘ث‘ل’ ال˜ع‘ن˜ك‘ب‹QQوت’ ات“خ‘Qذ‘ت˜ ب‘ي˜تQا و‘إ’ن“ أ‘و˜ه‘Qن‘ ال˜ب‹ي‹QQوت’ ل‘ب‘ي˜Qت‹ ال˜ع‘ن˜ك‘ب‹Qوت’(
)العنكبوت :من الية .(41
فحرك نسمات ربك الماحية لنعوتك ،لتمحو معها بيوت عنكبوتك ،فما حل“ حQQب
إلهي في بيت عنكبوت ،ل والذي نفس بيده حتى يموت ،فتخ Qل“ عQQن سفاسQQف
أمورك وانظر بعين قلبك إلينا وما سطرته يدك من سطورك.
::الكنز الثرى :: 171
»إن حجابك عنا رؤيتك لنفسQQك ،وغفلتQQك عQQن حظيQQرة قدسQQك وإن سفاسQQف
أمورك اشتغالك بدار غرورك ،أو ميول‹ قلبك إليها لتغني ،إذ كلما مال إليها مQQال
عنا« ]اللهام النافع.[72-71 :
»إياك إياك والدنيا ،فل تقبل عليها أخا التجلي ،وعنها أدب’ر˜ وول ،uفو الذي نفسي
بيده إنك لتاركها غصبvا ،فاتركها باختيارك تزدد حبvا وقربvا ،اغسQQل قلبQQك وطهQQره
من حب الجيفة« ]المعاني الرقيقة.[100 :
»عليك بالعراض عن الدنيا ما استطعن فإن الذي يقبل عليها بيننا وبينه حجاب
القطيعة ،فمQQا دعونQQاكم إلينQQا لنطعمكQم الجيفQQة ،ولكQن لتQQدعوا ربكQم خشQية
وخيفة« ]اللهام النافع.[22 :
فالزهد في الدنيا والعراض عنها واحتقارها ل لذاتها ول لمظاهر النعيم فيهQQا-
حاش لله -فإن كل ما فيها من نعم ا تعالى المستوجبة للحمد والشكر ،وقد
دعانا ا سبحانه وتعالى إلى الخذ بنصيبنا منها والمتع بأكلها وشربها والنتفاع
بخيراتها وسخر لنا دوابها وليلها ونهارها وشمسها وقمرها وأنهارهQQا وبحارهQQا،
ولكن المقصود بالزدراء والحتقار هو حب هذه الشهوات والنقياد لهQQا لQQذاتها
ل لغاياتها ،فإن ذلك الحب ل يجتمع معه أبدvا حب ا تعالى ول حب الخرة..
وقد عرض المام الجعفQQري لقQQوال العلمQQاء فQQي بيQQان حقيقQQة الزهQQد وبيQQان
مراتبه ،ثم ذكر ما فتح ا عليه به من فتQQوح فQQي تفسQQير الزهQQد وبيQQان أسQQرار
حروفه ،بما يدل على أننا أمام عقل ملهم وقلم موهQQوب ،وعلQQم لQQدني ،يقQQول
مولنا المام صاحب السرار والنوار:
»قال العلماء :الزهد هو العراض عن الشيء لستصQQغاره ،وإعQQراض الهمQQة
عنه لحتقاره من قولهم :شيء زهيد ،أي :قليل.
قال المام أحمد بن حنبل -رضي ا عنQQه» -الزهQQد ثلثQQة أحQQرف :زاي وهQQاء
ودال ،إشارة إلى العراض عن زينة الدنيا ،وعن الهوى وعن الدعاوى«.
وقلت بفضل ربي -تعQالى :-الزهQQد ثلثQة أحQQرف ،كQل حQQرف يشQير إلQى سQبع
صفات ،وهي زينة القلب بالحكم والمعارف ،زهوق الباطل وخيالت الدنيا وما
::الكنز الثرى :: 172
فيها )و‘ق‹ل˜ ج‘اء‘ ال˜ح‘ق› و‘ز‘ه‘ق‘ ال˜ب‘اط’ل‹( )السراء :من الية ) ،(81ل‘ز‹ل˜ف‘ى و‘ح‹س˜QQن‘
م‘آب) (sص :uمن الية (40في الدنيا والخرة.
زيادة الهدى )و‘ي‘ز’يد‹ الل“ه‹ ال“ذ’ين‘ اه˜ت‘د‘و˜ا ه‹دى) (vمريم :من اليQQة (76اهتQQدوا إلQQى
أن ا حقن وأن الخرة باقية وأن الدنيا فانية ،زوال حب الدنيا عن قلوبهم لمuا
علموا أنها جيفة وطلبها كلب ،زجر القلب النفس عن توجهها إلى حطام الدنيا
ولذاتها ،ز’يuه بزي uالصالحين من أهل التقى والفلح والدين.
والهاء تشير إلى سبع صفات ،وهي:
هQQدايته :أي إلQQى س‹QQب‹ل ا الموصQQلة إلQQى حظيQQرة قدسQQه ،هبQQاته الباقيQQات
الصالحات لمuا زهد في الصور الفانيات ،هجرته للذات لمuا هجر اللذات ،هيمانه
بحب ا عن كل شيء له ،هيونته بعد قسQQوته ،همQQه الخQQرة ومQQا فيهQQا بعQد
زهده في الدنيا وما فيها ،هبوطه إلى أرض التواضع )إ’ن“ أ‘ر˜ض’ي و‘اس’ع‘ة¨ ف‘إ’ي“QQاي‘
ف‘اع˜ب‹Qد‹ون’( )العنكبQQوت :مQQن اليQQة ) ،(56و‘ع’ب‘QQاد‹ الر“ح˜م‘Qن’ ال“Qذ’ين‘ ي‘م˜ش‹QQون‘ ع‘ل‘Qى
ال‘ر˜ض’ ه‘و˜نا( )الفرقان :من الية .(63
وللدال سبع صفات ،وهي:
دللته على ا تعالى ،لم“ا غاب عQQن نفسQQه الفانيQQة ،ديQQدنه دوام ذكQQر ا؛ لن
الدنيا تشغل من تعلق بها عن ذكر ربQQه سQQبحانه ،دعQQواه حمQQد ا تعQQالى لمQQا
يرى غيره من المغترين المغروريQQن ،دوام التQQوجه إلQQى ا تعQQالى مQQع التلQQذذ
بمناجاته وتلوة ذكره الحكيم دنوه من حضرة التقديس بكثرة الذكر الذي هQQو
منشور الولية ،دخوله حضرة القرب اللهي ،ووقوفه عند السماع العام ،الQQذي
يدرك بالذواق ما اللحظة فيه خير من ألف عام.
فهذه إحدى وعشرون ،من ضرب سبعة في ثلثة ،بقدر عQQدد الQQواجب والجQQائز
لله تعالى فمن تحقق بالصفات المتقدمة وهي الحدى والعشرون جاز لQQه أن
يدخل حضرة القدس التي هي حضرة ا عز وجل ،الذي لQQه عشQQرون صQQفة
واجبة ،وصفة جائزة.
وقلت بفضل ربي تعالى :
لمQQQن يريQQQد حضQQQرة للماجQQQد إحدى وعشرون صفات الزاهد
::الكنز الثرى :: 173
فتخل“ق أيها الكريم؛ بهذا الخلق العظيم ،أسQQأل ا تعQQالى أن يوفقنQQا أجمعيQQن
إلى العمل بهذه القوال في جميع الحوال ،حتى تكون صQQفاتنا كاملQQة مكملQQة
من جميع الوجوه ]راجع :اللهام النافع 169-164باختصار[.
وقول -رضي ا عنه -محددvا درجة الهتمام بالدنيا عند أبناء الطريق:
فرزقQQك مكتQQوب ليQQوم القيامQQة ول تطلQQب الQQدنيا بQQذكر إلههQQا
يريQQQد بQQQذكر ا أنتQQQن جيفQQQة فكم من فتى أضحى وأمسQQى
رأى الحQQQق مشQQQهودvا بعيQQQن مهQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQرول
البصQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQيرة فمQQا نQQاله إل التأسQQف عنQQدما
على نهج أبنائي أهيل الطريقQQة ول سQQيما إن كQQان يزعQQم أنQQه
و‘ع’QQش˜ مثلمQQا عاشQQوا بزهQQد فدع زينة الدنيا وحاذر غرورهQQا
وعفQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQة فإن جاءت الدنيا فعجل ببQQذلها
::الكنز الثرى :: 174
فمجلس العلم فيه سائر الفتوح والمدادات :فيه الذكر وفيه العلم ،وفيه القرآن
فمن جلس فيه لن يعدم الخيرات ،ولن يحرم من البركات ،يقول سيدي العالم
العارف العامل سيدي صالح الجعفري – رضى ا عنه ]الديوان .[7/258
لسQQيما العلQQم الQQذي هQQو مطلQQب فاشرب شراب الخلQQد فQQي حلقQQاته
واشQQهد خيQQار الخلQQق فيهQQا تجQQذب وانشQQQQق نسQQQQيم المسQQQQك فQQQQي
والQQQQذكر نQQQQور سQQQQائق ويرغQQQQب حضQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQراتهم
فQQQالعلم مفتQQQاح لكQQQل فضQQQيلة
في دروسهم وتربيتهم بيQQن الشQQرعية والحقيقQQة ،فهQQؤلء الQQذين ينفQQع علمهQQم،
وتثمر تربيتهم ،لنهم ينظرون إلى القلوب ،ويخQQاطبون الضQQمائر ،بمQQا لهQQم مQQن
نظر ثاقب ،وبصيرة نافذة ،وبما وهبهم ا تعالى من الفتوح ،وما رزقهQQم مQQن
القبول والمحبQQة عنQQد النQQاس ،هQQؤلء العلم يجQQذب شQQيخنا المQQام الجعفQQري
القلوب إليهم بهذه الكلمات الطيبات:
الولياء يذكرونك ا تعالى ،بما لديهم مQQن جQQواذب جQQذبتهم ،وروائح روحتهQQم
وعرفان عرفهم ،وقرب عزهم ،ونور سطع منهم ،وسQQر سQQرى إليهQQم ،وفيQQض
فاض عليهم من معدن الفيوضات ،وكلم تسمعه كالمدام تارة ،تراهم صفوفا
على القدام.
ملزمة النوافل:
ومن الداب التي ينبغي للمريد أن يتحلى بها بعد أداء الفرائض :حرصQQه
على النوافل في سائر الطاعات التي شرعها ا – تعالى :
يقQQول القطQQب الQQولي سQQيدي صQQالح الجعفQQري – رضQQى ا عنQQه» :ل تتهQQاون
بالنوافل فإن سوقها عند ا حافل ،ومملؤة بالجحافل ،ولها عند ا شQQأن أي
شأن ،حيث جعلت الحق سبحانه – لك سمعا وبصرا يا إنسان ..فعليك بحافQQل
سوقها بالليل إذا عسعس ،وبالصبح إذا تنفس ،وفي الضحى والسQQحار ،وفQQي
البراري والقفار ،حتى يتحقق فيك معنى الحديث القدسي.
)ول يزال عبدي يتقرب إلى uبالنوافل حتى أحبه ،فإذا أحببته كنQQت سQQمعه الQQذي
يسمع به ،وبصره الذي يبصر به ،ويده التي يبطش بها ،ورجله التي يمشي بها،
وإن سألني لعطينه ،ولئن استعاذني لعيذنه ،وما ترددت عن شيء أنا فQQاعله
تQQرددي عQQن نفسQQي عبQQدي المQQؤمن ،يكQQره المQQوت وأنQQا أكQQره مسQQاءته( رواه
البخاري.
)كنت سمعه ..الخ( أي :كان حQQبي فQQي سQQمعه وبصQQره وجميQQع جQQوارحه ،لن
الحب القلبي إذا زاد سرى إلى جميع الجوارح ،وزيادته تكون بسبب حQQب ا –
تعالى – لعبده الذي يجعل الحب اللهQQي سQQاريا فQQي جميQQع أجQQزائه ..فالمQQدار
::الكنز الثرى :: 177
على حب ا – تعالى لك ،ل على حبQQك لQQه ،وبحبQQك لQQه عبQQدته ،وبعبادتQQك لQQه
أحبك ،فل تنس الحب وأسبابه ،واجعل نوافلك مدامك حتى تبصر مرامك..
قال ابن الفارض – رضى ا عنه:
ونفلي مدامي والحبيب منادمي ]اللهام النافع.[91-90 /
ويقول الغوث الرباني الولي النقي سيدي صالح الجعفري:
كمQQن عرفQQوا المحبQQوب فQQي ليلهQQم تQQQذلل تبتQQQل ثQQQم قQQQدم نQQQوافل
صQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQلوا فكQQان لهQQم سQQمعا وكQQانوا بQQه لQQه
علQQى العهQQد قQQد وفQQوا وفQQي حبهQQم فإن شQQئت أن تحيQQا سQQعيدا فهQQذه
جلQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQوا
سبيل ذوي السعاد ساروا وما ملQQوا
]المعQQQاني الرقيقQQQة
[52
وفي هذا حث من المام لبنائه على التذلل والتعبد بالكثار من الذكر والنوافل
فإن رأس مال المريد هو أداء فراض ا – تعالى – التي أوجبها عليهQQا ،وأداء
النوافل هو الربح الذي يربحه ..فعلى قدر الكثار يكون الربح..
وكل ركن من أركان السلم له نافلة ،فالشهادتان :نفلهما الكثار مQQن ذكQQر ا
– تعالى – والصلة على النبي – صلى ا عليه وآله وسQQلم – والصQQلة :نفلهQQا
أداء السنن والمستحبات ،والزكاة :نفلها الصدقة ،والصوم :نفله صQQوم الرواتQQب
كيوم عرفه وعاشوراء والثنين والخميس ..الخ والحج :نفلQQه تكQQراره بعQQد أداء
::الكنز الثرى :: 178
الفريضة ...وهكذا.
محاسبة النفس:
إن محاسبة النفس هي السبيل إلى تهذيب النفس وتنقية العمال ،وهي تربية
المريد على هضم النفس وعQQدم الغQQترار بالعمQQل ،ومؤاخQQذة النفQQس ولومهQQا
على تقصيرها وإسرافها في المعاصي وإن كانت صغيرة حقيQQرة ،وهQQي تنشQQأ
عن مراقبة ا تعالى في السر والعلن فهو سبحانه )ي‘ع˜ل‘م‹ خ‘ائ’ن‘ Qة‘ الع˜ي‹ Qن’ و‘م‘QQا
ت‹خ˜ف’ي الص›د‹ور‹( ]غافر) ، [19:و‘ه‹و‘ م‘ع‘ك‹م˜ أ‘ي˜ن‘ م‘ا ك‹ن˜ت‹م˜ ( ]الحديد :من الية .[4
والمراقبة والمحاسبة من الداب التي ينبغي على المريد أن يلزمهQQا وأن يسQQير
على منهجها طQQول حيQQاته ،حQQتى ل يغQQتر بعملQQه ،وحQQتى ل يسQQتمر فQQي غفلتQQه
ونومه.
ولنستمع إلى المام الجعفري – رضى ا عنه – وهQQو يقQQرر هQQذا المبQQدأ فQQي
طريقته ،وهو يشرح القول المأثور:
»حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزن عليكم«.
يقول سيدي العالم العارف المربي:
»المحاسQQبة أنQQواع :فيحاسQQب نفسQQه علQQى الختلس ،وعلQQى الحQQرف فQQي
القرطاس ،وعلى البرق إذا لمع ،وحمام البك إذا سQQجع ،وهQQل ذكرهQQا الQQبرق
بريق الحمى ،وسجع الحمام لدمع همي ،وقول المهيمن )إذ هما( ]إشارة إلى
الية الكريمة )ث‘ان’ي‘ اث˜ن‘ي˜ن’ إ’ذ˜ ه‹م‘ا ف’QQي ال˜غ‘QQار’()التوبQQة :مQQن اليQQة (40أي :يتQQذكر
المريد حمام الغار الذي أفرخ وباض على فم غار ثور عند هجQQرة المصQQطفى
صلى ا عليه وآلQQه وسQQلم ،فالشQQيء بالشQQيء يQQذكر ،والQQذنب بالتوبQQة ي‹غفQQر،
ويحاسب النفس على نفاستها وتكريمها )و‘ل‘ق‘د˜ ك‘ر“م˜ن‘ا ب‘ن’QQي آد‘م‘ ( ]السQراء :مQQن
الية ،[70وعلى تعليمها بعد جهلها )ع‘ل“م‘ الن˜س‘ان‘ م‘ا ل‘م˜ ي‘ع˜ل‘م˜( ]العلق [5 :وعلى
خطاها على الرض وأين سارت )و‘ن‘ك˜ت‹ب‹ م‘ا ق‘د“م‹وا و‘آث‘ار‘ه‹م˜( ]يQuس :مQQن اليQQة
[12وعلى غفلة حجبتها ،ونظرة سمتها ،وفي الحديث النبوي:
»النظرة سهم مسموم من سQQهام إبليQQس« ]رواه الطQQبراني والحQQاكم[ .وعلQQى
::الكنز الثرى :: 179
كلمة قالتها ،لو مزجت بالبحار لمزجتها ،أل وهي الغيبة التي أجمع العلماء على
أنها من الكبائر ،ول تجوز غيبة المسلم مطلقا على أي حال من الحوال ،وهذا
هو ظاهر الكتاب والسنة ،ويحاسQQب نفسQه علQى تركهQQا مQن العلQم مQا وجQQب،
وعلى المال ما اكتسب ،ومن أيQQن طريقQQه ،ومQQن أيQQن جQQاء وإلQQى أيQQن ذهQQب،
وعلى الموت إذا نزل بإنسان وهل ذكره ذلك موته وفراقQQه الهQQل والخQQوان،
وعلى ما أنبتت الرض من الزرع والزهور ،وهQQل ذكQQره ذلQQك العبQQث والنشQQور،
وعلى النار إذا أججت ،وهل ذكرته الجحيم التي سعرت ،وعلى رؤيته للحQQدائق
والثمار ،وهQQل ذكQQره ذلQك دار القQQرار ،وعلQQى نظQره إلQQى المبQQدعات ،والجبQQال
الراسيات ،والبحار الطامحات ،والرتع السارحات والطفال والمهQQات ،والسQQفن
الجاريات ،وهل تذكرت نفسه عند ذلQQك قQQوله تعQQالى )و‘م’Qن˜ آي‘QQات’ه’ ال˜ج‘Qو‘ار’ ف’QQي
ال˜ب‘ح˜ر’ ك‘الع˜لم’( ]الشورى [32:أم ظن أنه على غفلته عن ذلQQك ل يلم إذا كQQان
كذلك فما الفرق بينه وبين النعام؟.
»خلقك ا أيها النسان لتحاسب نفسك ،وتارة تهوي مع الهQQاوين )ث‹Qم“ ر‘د‘د˜ن‘QQاه‹
أ‘س˜QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQف‘ل‘ س‘QQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQاف’ل’ين‘(
)التين) ،(5:و‘م‘ن˜ ي‘ح˜ل’ل˜ ع‘ل‘ي˜ه’ غ‘ض‘ب’ي ف‘ق‘د˜ ه‘و‘ى()طQه :من الية .(81
فعجل بحسابك قل أن يعجل بذهابك ،فليس بعد الذهاب من الدنيا من رجعة
وليس بعد ترك المحاسبة من فجعة« ]اللهام النافع.[84-82 /
»ل تهملن جوادك عنQQد السQQباق ،ول يعوقQQك عQQن نهوضQQك عQQائق سQQباق ،وأن
تحاسب نفسك على قلقها وعدم صبرها على المكث في المساجد ،التي هQQي
بيوت ا تعالى ،وأعلمها أنها إذ ذاك تنال ثواب المرابط في سبيل ا تعQQالى،
وهو الذي يكون حارسا بين الكفار والمسلمين ،قال – عليه الصلة والسلم –
»وانتظQQار الصQQلة بعQQد الصQQلة ،فQQذلكم الربQQاط« ]رواه مسQQلم[ وأن تحاسQQب
نفسك بعدم الرضا بقليل عيشك وأنه يجب عليك الرضQQا بمQQا قسQQم ا تعQQالى
لك ،قال – تعالى – )ن‘ح˜ن‹ ق‘س‘م˜ن‘ا ب‘ي˜ن‘ه‹م˜ م‘ع’يش‘ت‘ه‹م˜ ف’ي ال˜ح‘ي‘اة’ ال Qد›ن˜ي‘ا ()الزخQQرف:
من الية ] (32ينظر اللهام النافع.[91 /
::الكنز الثرى :: 180
وهذه وصية أخرى من شيخ الطريق المام الجعفري للمريد حتى ل تضQQل بQQه
المسالك ،ويقي نفسه شر المهالك يقول – رضى ا عنه-:
»يلزم المريد الصادق أن يحتفظ في طريقه بأمور:
الول :الخلص :وهو كما قال الشيخ النQQووي – رحمQQه ا – أن يريQQد بعملQQه
وجه ا تعالى ،ويلزم على ذلك أن يشاهد ربه بقلبه قبل القول والفعل.
الثاني :أن يجعل قوله وفعله على نهج الشريعة الغراء؛ لن ا ل يقبل قQQول ،v
ول عمل vإل إذا كان على وفق شريعته.
الثالث :أل ينظر إلى عمله حتى يعجب به أو يغتر ،وإنما ينظر إلى أنه نعمة من
نعم ا عليه بفضله وتوفيقه سبحانه وتعالى ،فيقدم شQQكرا للQQه تعQQالى عليQQه،
فإذا فعل ذلك زاده ا تعالى ،قال تعالى) :ل‘ئ’ن˜ ش‘ك‘ر˜ت‹م˜ ل‘ز’يد‘ن“ك‹م˜ ( )إبراهيQQم:
من الية .(7
الرابع :ل يفضل نفسه بعمله على غيره ،ويرى نفسه عبدا لله.
الخامس :أن يتبرأ من حوله وقوته إلى ا تعالى ،ويقول :اللهم إني أبQQرأ مQQن
حولي وقوتي إلى حولك وقوتك ،في كل قQQول أو فعQQل وفقتنQQي فيQQه إلQQى مQQا
تحبه وترضاه ،فإنه ل حول ول قوة إل بالله العلي العظيم.
وبعد الخلص والتبري من الحول والقوة :الجهاد ،وهQQو علQQى قسQQمين :جهQQاد
النفس :أي كفها وبعدها عن مخالفة ا تعالى ،وشهواتها وهواها.
قال تعالى) :و‘أ‘م“ا م‘ن˜ خ‘اف‘ م‘ق‘ام‘ ر‘ب”ه’ و‘ن‘ه‘ى الن“ف˜ Qس‘ ع‘ Qن’ ال˜ه‘ Qو‘ى * ف‘ Qإ’ن“ ال˜ج‘ن“ Qة‘
ه’ي‘ ال˜م‘أ˜و‘ى( )النازعQات.(41-40:
وقال – صلى ا عليه وآله وسلم – )ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما
جئت به( ]رواه الQQديلمي فQQي الفQQردوس[ ،وقQQال سQQيدي عبQQد الرحيQQم الQQبرعي
اليمني:
إن اتبQQQQQQQاع الهQQQQQQQوى هQQQQQQQوان ل تتبQQQQع النفQQQQس فQQQQي هواهQQQQا
وقال الشاعر:
فQQQإذا هQQQويت فقQQQد لقيQQQت هوانQQQا نون الهQQوان مQQن الهQQوى مسQQروقة
::الكنز الثرى :: 181
)عشر مرات( ثم التفت إلQQى أورادك بقQQوة ،فقQQد أمQQر ا – تعQQالى – بالنشQQاط
والقوة في العبادة ،قال ا – تعالى – )ي‘ا ي‘ح˜ي‘ى خ‹ذ’ ال˜ك’ت‘اب‘ ب’ق‹و“ة)( sمريم :مQQن
الية .(12
وقد ذم ا – تعالى – أقواما يأتون إلى عبادته بالكسل – وهQQم المنQQافقون –
قال ا تعالى) :و‘إ’ذ‘ا ق‘QQام‹وا إ’ل‘QQى الص“QQلة’ ق‘QQام‹وا ك‹س‘QQال‘ى ()النسQQاء :مQQن اليQQة
.(142
فالعلج هنا الستعاذة ،وأما عند الوسوسة في العبQQادة فعلجهQQا قQQد دلنQQا ا
تعالى عليه ،في قوله )إ’ن“ ال“ذ’ين‘ ات“ق‘و˜ا إ’ذ‘ا م‘س“ه‹م˜ ط‘ائ’ف¨ م’ Qن‘ الش“ Qي˜ط‘ان’ ت‘ Qذ‘ك“ر‹وا
ف‘QQإ’ذ‘ا ه‹QQم˜ م‹ب˜ص’QQر‹ون‘( )العQQراف (201:قQQال الجلل رحمQQه الQQه) :طQQائف( أي
وسواس) ،تذكروا( أن ا ناظر إليهم )فإذا هم مبصرون( أي مبصQQرون سQQبيل
النجQQاة .انتهQQى كلم الجلل) .قلQQت( وهQQذا الQQذي أشQQرت بQQه إليQQك أول vمQQن
المشاهدة الربانية عند العبادة ،لتصرف عنك وساوس الشيطان.
وكما أن في الطاعات أنواع المنافع للروح كذلك في المعاصQQي أنQQواع المضQQار
للروح ،فامنع نفسك عن جميQQع المعاصQQي قQQول vوفعل ،vظQQاهرا وباطنQQا ،لتمنQQع
نفسك عن جميع المضار.
واعلم يا عبد ا – وفقني ا وإياك إلى البعQQد عQQن كQQل معصQQية ،صQQغيرة أو
كبيرة – أن العبد له مظهر ،يظهر فيه في عالم الغيب ،أمام ا تعQQالى ،وأمQQام
ملئكته بملبس يلبسها ،فإن فعل الطاعات كانت ملبسه نقية طاهرة سابغة،
وإن فعل المعاصي كانت ملبسه غير ذلQQك ،قQQال ا تعQQالى )و‘ل’ب‘QQاس‹ الت“ق˜Qو‘ى
ذ‘ل’ك‘ خ‘ي˜ر¨ ()العراف :من الية .(26
فافهم كلمي هذا ،وفكر فيه دائما أبدا ،وانظQQر إلQQى كسQQاء نفسQQك :كيQQف هQQو
الن؟ فإذا رأيته لبQQاس التقQQوى فسQارع إلQQى شQكر ربQك ،وإذا رأيتQه غيQر ذلQك
فسارع إلى خلعه بالتوبة والستغفار ،قال ا تعQQالى )و‘س‘QQار’ع‹وا إ’ل‘QQى م‘غ˜ف’ Qر‘ةs
م’ن˜ ر‘ب”ك‹م˜ ()آل عمران :من اليQQة ،(133وقQQال ا تعQQالى )ف‘ف’ Qر›وا إ’ل‘QQى الل“ Qه’ (
)الذريات :من الية .(50
::الكنز الثرى :: 183
واعلم أن للطاعات لذات لدى الروح تكردها المعاصي ،لن المعاصي أمراض،
قال البوصيري – رحمه ا :-
وينكر الفم طعم المQQاء مQQن سQQقم قد تنكر العين ضوء الشQQمس مQQن
رمQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQد
لن لذة الطاعات في العبادة تنتج من المحبة القلبية لله تعQQالى ،وتسQQري فQQي
جميع العمال القوليQQة والفعليQQة ،كسQQريان المQQاء فQQي الغصQQون ،وهQQذا شQQأن
الواصلين.
»واعلم يا أخانا في ا تعالى أن حب الولياء وحسن الظQQن بهQQم مQQن فضQQل
ا تعالى ،قال تعالى) :ذ‘ل’ك‘ ف‘ض˜ل‹ الل“ه’ ي‹ؤ˜ت’يه’ م‘ن˜ ي‘ش‘اء‹ ()الجمعة :من الية .(4
ففضل ا ليQQس بQQالقوة ،وليQQس بQQالعلم ،وليQQس بالفصQQاحة ،ول بالبلغQQة ،ول
بالذكاء ،ولكن :بالمشيئة اللهية فقط.
ومن أحب الصالحين يكفيه بشرى النبي – صلى ا عليه وآله وسلم – كما في
الصحيحين وهو أن إعرابيا سأل النبي – صلى ا عليQQه وآلQQه وسQQلم – الرجQQل
يحب القوم ولما يلحق بهم ،قال – صلى ا عليه وآله وسلم – »أنت مQQع مQQن
أحببت« ]رواه الشيخان[.
وفي صحيح مسلم بعد أن روى الحQQديث أنQQس بQQن مالQQك – رضQQى ا عنQQه –
قال) :وإني أحب النبي – صلى ا عليه وآله وسلم -وأبا بكQQر وعمQQر ،وأرجQQو
أن أكون معهم وإن لم أعمل مثل عملهم( ومعنى )لما يلحق بهم( لما بمعنQQى
لم ،أي لم يبلغ منزلتهم في العبادة والطاعة.
فكل من ذهب إلى المدينة المنورة ،وزار سيد السادات ،وخيQQر البريQQات ،سQQيدنا
ومولنا محمدا – صلى ا عليه وآله وسلم – يقال له :أنت مع من أحببت ،وإذا
ذهب إلى زيارة أهل البقيع – رضى ا عنهم – يقال له :أنت مع من أحبت.
وإذا ذهب إلى زيارة سيد الشهداء سيدنا حمزة بن عبQQد المطلQQب – رضQQى ا
عنه – يقال له :أنت مع من أحببت ،وإذا جاء لزيارة أبي عبد ا سيدنا الحسين
– رضى ا عنه – يقال له :أنت مع من أحببت ،وإذا ذهب على زيارة أهل بيت
::الكنز الثرى :: 184
النبوة أجمعين يقال له :أنت مع من أحببت ،وإذا ذهQQب لزيQQارة الصQQالحين فQQي
مشاهدهم في أي مكان كانوا يقال له :أنت مع من أحببت.
واسمع يا عبد ا ،وأنصت إلى uبإذني روحك ،عسى ا أن يهديني وإياك إلQQى
أسراره التي في الكون ،كما قال سيدي أبو مدين – رضى ا عنه – )لله فQQي
الكون أسرار ت‹رى فيه( أن المعية أنواع:
النوع الول :الحسي ،uوذلك إذا كنت عند قبورهم.
النوع الثاني :المعنوي ،وهو إذا سلمت عليهم ،وجلست مع أرواحهم.
النوع الثالث :البرزخي ،وهو إذا كنت معهم في النوم.
النوع الرابع :الوجداني ،وهو إذا كنت في أي مكQQان ،وشQQاهدت واحQQدا منهQQم
بقلبك ،وقرأت له الفاتحة ،أو شيئا من القرآن ،ودعوت ا تعالى له.
النوع الخامس :لرباب خوارق العQQادات ،ممQن كشQف ا لهQم الحجQQب ،ومQن
ذلك رؤيته – صلى ا عليه وآله وسلم – يقظة ،ودليلها :حديث البخQQاري ،قQQال
صلى ا عليه وآله وسلم )من رآني في النوم فسيراني في اليقظة(.
والمعية الكبرى :هي التي تكون في جنة عدن فQQي دار السQQلم ،قQQال تعQQالى:
)ف‘أ‹ول‘ئ’ك‘ م‘ع‘ ال“ذ’ين‘ أ‘ن˜ع‘م‘ الل“ه‹ ع‘ل‘ي˜ه’م˜ م’ن‘ الن“ب’ي”ين‘ و‘الص”د”يق’ين‘ و‘الش›ه‘د‘اء’ و‘الص“ال’ح’ين‘
و‘ح‘س‹ن‘ أ‹ول‘ئ’ك‘ ر‘ف’يقQQا()النسQQاء :مQQن اليQQة ] (69يراجQQع فتQQح وفيQQض 139-128
باختصار(.
عدم اختلط المريد بالمنكرين والمدعين:
ومن الخطار التي قد يتعQQرض لهQQا المريQQد فQQي طريقQQه :اختلطQQه بQQالمنكرين
وأعداء التصوف فهؤلء حقدهم دفين ،وصQQدورهم مملQQؤة حقQQدا ،ل يعرفQQون
للحب أو للمودة طريقا وقد يتحايلون في التسلل إلى المريد ،ويدخلون إليه من
مداخل شQQتى قQQد ل يفطQQن إليهQQا المريQQد ،فيقQQع فQQي شQQراكهم ،وتنطلQQي عليQQه
حججهم ،ومن أجQQل ذلQQك حQQذر المQQام الجعفQQري أبنQQاء الطريQQق منهQQم كQQثيرا،
ووصف أحوال هؤلء المنكرين وطريقهم حتى ل ينخQQدع بهQQم النQQاس ،فيقQQول
عنهم:
»ومن الوبال على المريد انتماؤه للمQQدعين ممQQن يQQدعون الجتهQQاد ،وينكQQرون
::الكنز الثرى :: 185
]اللهام النافع
62-63-64-65باختصار[
::الكنز الثرى :: 186
]الديوان[6/1017 /
::الكنز الثرى :: 187
فإن ابن الطريق ل تليق به المخاصمة ،وإغضاب إخوانه :يقول رضى ا عنه:
ويQQألفوك وهQQذا الوصQQف محمQQود كQQQن هينQQQا لينQQQا للقQQQوم تQQQألفهم
البعد عن الغيبة:
وهي من العيوب المذمومة في النفس البشرية ،ووجودها في من ينتسب إلى
الطريقة أشد عيبا ،وأقبح سلوكا؛ لن حفظ اللسان خلق إسQQلمي رفيQQع ،ومQQن
أشد الناس تمسكا به أهل الطريق ،فأنت ترى الشيخ – رضى ا عنه – يشQQير
إلى أن الجهر بالسوء من القول مبغوض عند ا ،وعند الملئكة الكرام ،قQQال
تعالى) :ل ي‹ح’ب› الل“ه‹ ال˜ج‘ه˜ر‘ ب’الس›وء’ م’ن‘ ال˜ق‘و˜ل’ إ’ل م‘ Qن˜ ظ‹ل’ Qم‘ و‘ك‘QQان‘ الل“ Qه‹ س‘ Qم’يعا
ع‘ل’يما( )النساء.(148:
وقد ورد في الحديث أنه – صلى ا عليه وآله وسلم -أخذ بلسانه وقال :كف
عليك هذا – يعني معاذا – فقال معQاذ :قلQQت يQا نQبي ا وإنQQا لمؤاخQQذون بمQا
نقول :فقال :ثكلتك أمك ،وهل يكب الناس في النار على وجQQوههم – أو قQQال
على مناخرهم – إل حصائد ألسنتهم( ]رواه الترمذي[.
وقال – عليه الصلة والسلم» :من يضمن لي مQQا بيQQن لحييQQه ومQا بيQن رجليQه
أضمن له الجنة« ]رواه البخاري[.
فمن فكر في هذه اليات الكريمة ،وتلك الحاديث الصحيح حافظ على لسQQانه
تمام المحافظة ل سيما بعد أن علم أن الملك يكتب عليه كل كلمة يقولها.
قال تعالى) :م‘ا ي‘ل˜ف’ظ‹ م’ن˜ ق‘و˜ل sإ’ل ل‘Qد‘ي˜ه’ ر‘ق’ي Qب¨ ع‘ت’يQد¨( )ق ،(18:uوقQQال سQQبحانه:
)م‘ال’ ه‘ذ‘ا ال˜ك’ت‘اب’ ل ي‹غ‘اد’ر‹ ص‘ Qغ’ير‘ة vو‘ل ك‘ب’ي Qر‘ة vإ’ل أ‘ح˜ص‘QQاه‘ا ()الكهQQف :مQQن اليQQة
.(49
ويقول ا تعالى) :و‘ل ي‘غ˜ت‘ب˜ ب‘ع˜ض‹ك‹م˜ ب‘ع˜ضا أ‘ي‹ح’ب› أ‘ح‘د‹ك‹م˜ أ‘ن˜ ي‘أ˜ك‹ Qل‘ ل‘ح˜ Qم‘ أ‘خ’ي Qه’
م‘ي˜تQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQQا
ف‘ك‘ر’ه˜ت‹م‹وه‹ ()الحجرات :من الية .(12
::الكنز الثرى :: 188
»ينهانا ربنا عن الغيب التي منشؤها سوء الظن والريبة ،وهي ذكرك أخاك بما
يكره ،وإن كان فيه فل تحرك لسQQانك بمQQا يرديQQك ويQQؤذيه ،سQQكين الحقQQد ذات
الحQQدين تقطQQع الصQQلت ،وتQQورث اللم ،تمQQزق العQQراض تمزيQQق الوحQQوش
الضارية التي ل تعقل قيمة ما تمزقه ،أو النار المحرقة الQQتي ل تعQرف غلQو مQQا
تحرقه ،فهي القنبلة التي تسطو على البرياء ،وتهدم بيوت الصالحين والولياء،
مهنة من أرذل المهن مزرعة البغضQQاء والفتQQن ،وأصQQل العQQدوات والحQQن ،داء
عضال يؤدي الصاحب والجيران ،ويكدر صفو الحباب والخوان.
ترى النسان في نعمة وسرور ،وفرح وحبور ،فإذا قيل له فلن قال عليك كQQذا
سرعان ما يتغير الصفو بالكدر ،والفرح بالحزن ،والحلم بالغضب.
فما أشQبه المغتQQاب فQQي هQذه الحالQQة بQالعقرب ذات لزيQل المسQQموم ،واليQQوم
المشؤوم ،وقد لعنها النبي – صلى ا عليه وآله وسلم – حيث يقول:
)لعن ا العقرب ما تدع نبيا ول غيره إل لدغتهم( ]رواه الQQبيهقي فQQي شQQعب
اليمان[ ]منبر الزهر ،ص .[154-153
وكثيرا مQQا كQQان شQQيخنا – رضQQى ا عنQQه – يرشQQد أبنQQاء الطريQQق إلQQى مكQQارم
الخلق ،وينهاهم عن الخوض في أعراض الناس ،وتناقل الخبار – يقول في
إحدى قصائده:
وصQQQاحب القيQQQل محQQQروق بنيQQQران القيل والقQQال وصQQف ل يجQQوز لنQQا
][6/1017
ولكن الذي ينبغي لهل الطريق أن يسQQايروا أهQQل الصQQلح والتقQQوى ،ويقتQQدوا
بهم في أقوالهم وأفعالهم .يقول مولنا الجعفري – رضى ا عنه : -
»فسر في طريقهم عساك أن تشرب مQQن رحيقهQم ،فمQQا احتQار مQQن سQار ،ول
عطلته المنغصات والكدار – بل هم في فرح من فرح أهل الجنة ،الQQذين هQQم
::الكنز الثرى :: 189
في جوار ا ،وفرحهم لله ،أول دعائهم تسبيح ،وأخره حمد وشكر) :د‘ع˜Qو‘اه‹م˜
ف’يه‘QQا س‹Qب˜ح‘ان‘ك‘ الل“ه‹Qم“ و‘ت‘ح’ي“ت‹ه‹Qم˜ ف’يه‘QQا س‘QQلم¨ و‘آخ’Qر‹ د‘ع˜Qو‘اه‹م˜ أ‘ن’ ال˜ح‘م˜Qد‹ ل’ل“Qه’ ر‘ب”
ال˜ع‘ال‘م’ين‘( )يونس] (10:انظر :شهد مشاهدة الروح التقية :ص .[10
وبقوله سبحانه) :و‘إ’ذ‘ا م‘ا غ‘ض’ب‹وا ه‹م˜ ي‘غ˜ف’ر‹ون‘()الشورى :من الية .(37وبقQQوله
)و‘ي‘د˜ر‘أ‹ون‘ ب’ال˜ح‘س‘ن‘ة’ الس“ي”ئ‘ة‘ ()الرعد :من الية .(22يعني :من قQQدم إليهQQم سQQيئة
قدموا إليه حسنة.
وهذه الصفة من أجل مكارم الخلق ،وقد وعد ا فاعلها بQQأن عQQدوه يكQQون
بعد العداوة ناصرا ،محبا حبا عظيما ،فتلQQك مكافQQأة معجلQQة فQQي الQQدنيا للQQذين
يتصفون بهذه الصفة الكريمة« ]اللهام النافع.[156 ،
»أطعم الجائع ،اسق الظمآن ،اكس العريان ،ع‹د المريض ،فرج عن المكروب
اقض حوائج ذي الحاجات ،وافعQQل الخيQQر مQQع خلQQق ا لجQQل ا ،تجQQد ربQك
وربهم عندك ،فمن راعى مخلوقا لجل خQQالقه فقQQد راعQQى الخQQالق سQQبحانه«
]نفس المرجع.[169 ،
وإن الصوفية يقتدون في مكارم الخلق بسيدنا رسQول ا – صQلى ا عليQه
وآله وسلم – الذي لم يكن فظا ول غليQQظ القلQQب .بQQل كQQان بQQالمؤمنين رؤوفQQا
رحيما ،وها هو ذا شيخنا الجعفري – رضى ا عنه – ي‹ربي أبناءه على مكارم
الخلق ،فيقول:
وابن الطريق ل يليق به أن ينطق بالفاحش من الكلم ،أو يغلظ القول للنQQاس
وهو يخاطبهم .بل عليه أن يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به:
يقول مولنا المام – رضى ا عنه : -
ول تفQQQه بقبيQQQQح القQQQول للنQQQQاس اسمع لغيرك مQQا يرضQQيك مسQQمعه
أو كان يغضبها مQQن منطQQق قاسQQي النفس ميزان ما يرضيك مQQن أحQQد
ومQQQا يسQQQيء فل تQQQذكره للنQQQاس فاجعل لغيرك ما يرضيك يرض به
::الكنز الثرى :: 191
التواضع والنكسار:
ومن أدب المريQQد مQQع إخQQوانه :أل يتعQQالى عليهQQم وأن يتواضQQع لهQQم ويعQQاملهم
معاملة حسنة فإن الكبر داء يبغض إلى سائر الناس ،فما بالنا بأهQQل التواضQQع
والنكسار؟
إن التصوف إنما بني على التواضع وهضQQم النفQQس والتخفQQي ،فل مجQQال فيQQه
للغرور أو التعالي – يقول الشيخ المربي سيدي صQQالح الجعفQQري – رضQQى ا
عنه:
»وإذا حدثتك نفسك بأنك خير من إخوانك ،فQQإن ذلQك مQQن دسQQائس النفQQس أو
أنك تعلم الغيب ،أو أنQك شQيخ مQQع الشQQيخ فQذلك غQQرور ،فل تلتفQQت إليQه وكQQن
متواضعا لخوانك ،قال الشيخ أبو مدين – رضى ا عنه :-
وخQQQل حظQQQك مهمQQQا قQQQدموك ورا فانهض إليهم وتأدب في مجالسهم
ومن كلمهم رضى ا عنهم» :من جلس مع الوليQQاء وظQQن فQQي نفسQQه أنQQه
منهم ح‹رم من بركاتهم« .فل تر نفسك بين إخوانكم إل أنQQك مQQن أقلهQQم ،لعQQل
ا أن يمن عليك بما من به على المتواضعين المنكسرين« ]الذخيرة المعجلة:
ص .[25
يقول شيخنا – رضى ا عنه : -
ضدا كما نQQاله المرفQQوع فQQي الجبQQل ومQQQQن تعQQQQالى علQQQQى الخQQQQوان
عQQز العنايQQة مQQن جQQاف ومنتعQQل ومQQن تواضQQع للخQQوان نانQQل بQQذا
إل بصQQQQQبر وإل يQQQQQؤت بالفشQQQQQل فالخلق كالنحل ل ترجى منافعهم
»ومن الوبال على المريد رؤيته لنفسه شيخا مع الشيخ قبل أن يQQأذن لQQه« ثQQم
ساق الشيخ حكاية مروية عن بعض تلميذ المام أبQQي حامQQد الغزالQQي رضQQى
ا عنه وقد تعدى طوره ،فرده الشيخ ردا جميل ،vوفي القصة درس نافع في
هذا السياق فراجعها« ]راجع المام النافع.[60-59 :
وبعد ..
فمنهج المام الجعفري – رضى ا عنه – في تربيته لبنائه يكون قد تم بهQQذه
الداب ،وهي في مجملها تتحقق باتبQQاع المريQQد لشQQيخه فQQي أقQQواله وأفعQQاله،
فمن سار على دربه كان في قربه ،ونال من ورده ،ومن خQQالف طريقQQه حQQرم
من رحيقه.
يقول مولنا – رضى ا عنه : -
مQQQا نقQQQل المغQQQرور فQQQي التجلQQQي يQQQا طQQQالب الQQQدنيا فعنQQQا ولQQQي
ول بنQQQQQQQو طريقنQQQQQQQا ترضQQQQQQQاه مQQا نقبQQل المQQدفون فQQQي هQQواه
فحQQQQQQQQاله مQQQQQQQQآله سQQQQQQQQراب إيQQQش جQQQال مQQQن يقبلهQQQا لعQQQاب
مQQا دمQQت فQQي المسQQير فQQي عQQدول هيهQQQات هيهQQQات عQQQن الوصQQQول
واسQQQلكه تلQQQق الشQQQيخ يQQQا أخانQQQا اعQQرف طريQQق الشQQيخ كيQQف كانQQا
لكQQQQQQثيرة الهQQQQQQواء التفريQQQQQQق قQQد حجQQب النQQاس عQQن الطريQQق
الواضQQQQQح الصQQQQQوفي والجلQQQQQي وابتعQQQدوا عQQQن نهجهQQQا السQQQني