Professional Documents
Culture Documents
وبالرغم من المساحة الشاسعة لقاعات القراءة ،إل أن موهبة المعماريين ومهارة النشائيين قد اجتمعت لضفاء
الجاذبية والبساطة على المكان ،من خلل تقسيم قاعات القراءة إلى سبعة مستويات ،في كل منها مساحة
للطلع ومساحة لرفوف الكتب ،بالضافة إلى مكتب معلومات .كما راعى التصميم توزيع المساحات في كل
مستوى بالشكل الذي يوفر الراحة للقراء والزائرين.
كما قسمت المستويات السبعة بالمكتبة حسب الموضوعات والمواد المعرفية بالشكل الذي يخدم كافة النشطة
المصاحبة للمكتبة.
في المستوى الول ،البدروم الرابع ،نجد ما نسميه "جذور المعرفة" أل وهي الفلسفة ،والتاريخ ،والجغرافيا،
والخطوط ،والخرائط.
في المستوى الثاني ،البدروم الثالث :الدب والشعر ،وكتبة طه حسين للمكفوفين ،التي سميت باسم الكاتب
والديب الكبير طه حسين ،والذي سيظل مصدر إلهام لكل المبصرين يذكرهم بما يمكن أن يحققه المكفوفين من
إنجازات
في المستوى الثالث ،البدروم الثاني :الفنون والثقافة ،ومكتبة متخصصة للمواد السمعية والبصرية.
في المستوى الرابع ،البدروم الول :المعارض ،والمراجع العامة ،ومكتبة إيداع مطبوعات المم المتحدة
والتحاد الوروبي .ويربط هذه المستوى معظم أجزاء هذا المجمع الثقافي أسفل ساحة الحضارات .كما يحوي
العديد من المعارض ومتحفين من المتحف الثلثة بالمكتبة )الثار والمخطوطات( ،أما المتحف الثالث الخاص
بتاريخ العلوم فيقع أسفل القبة السماوية في البدروم الثاني ويمكن الوصول إليه فقط من خلل البدروم الول عند
مدخل القبة السماوية .كما يوجد في البدروم الول معرضان ومتحف للمخطوطات ،و يمكن أيضا الوصول إلى
متحف الثار من السللم بمدخل المكتبة الرئيسي.
في المستوى الخامس عند مدخل المكتبة من ساحة الحضارات :أرشيف النترنت ،وعلم الجتماع ،والقانون.
أما المستوى السادس فهو مخصص للعلوم الطبيعية .في هذا المستوى وعلى الناحية الخرى من المكتبة من
المدخل الرئيسي يوجد المدخل للمراكز البحثية ،والمكتبات المتخصصة للنشء والطفل )أعمار من 12-5سنة( ،
وغرفة مخصصة لجمعيات أصدقاء المكتبة حول العالم ،والتي تعد مقرا دائما للجمعية المصرية لصدقاء مكتبة
السكندرية.
وفوق تلك المستويات السبعة ،توجد قاعتان للندوات متصلة بالجزء الداري والبحثي بالمكتبة من خلل
كوبريين.
وتعد خدمات المكتبة على نفس القدر من أهمية وجودة بنائها المعماري :فيسمح السطح المائل للمكتبة بدخول
الضوء الطبيعي ،كما يقاوم الريح ،وتظهر العمدة النيقة وكأنها كاتدرائية للكتب ،كما يوجد بالمكتبة أكبر
حائط غشائي في العالم ،فيقع حوالي 16متر من المبنى تحت مستوى البحر .ويعتبر هذا نجاح هندسي كبير ،
وليس نجاحا معماريا فحسب.
وتتسم المواد المستخدمة في البناء بالبساطة .كما صمم الثاث بأكمله من الخشب الخالص .وتتناسب مكونات
المبنى مع بعضها البعض ،بحيث تظهر الجزاء المختلفة للمبنى مجتمعة في صورة أفضل من كل واحدة منها
على حدا.
وهناك بعض القتراحات الخاصة بالتصميم المعماري الفريد لمبنى المكتبة ،ولكن لم يتم تنفيذها ،ومنها استخدام
سقف المبنى في تجارب بيئية لتجميع الطاقة الشمسية .كما رأى البعض أن هناك حاجة إلى مزيد من الخدمات
بالمبنى أكثر مما كان متوقعا ،وتم إضافة تلك الخدمات إلى التصميم في مراحل التنفيذ ،ومن تلك الخدمات زيادة
عدد المعارض وإنشاء مكتبة متخصصة للطفل .وختاما ،كان هناك زيادة في حجم الخدمات ،وذلك لمواكبة
التصميم الرائع للمبنى والعداد الكبيرة من الزائرين في فترة الفتتاح التجريبي والدي وصل إلى حوالي
200.000زائر في الشهر الواحد ،وذلك قبل تشغيل أي من المتاحف أو المعارض .وبصفة عامة ،تعتبر تلك
النقاط غير ذات أهمية إذا ما قورنت بالنجازات الكبيرة الممثلة في كافة أجزاء المبنى.
وربما يكون أفضل ما أصف به مبنى المكتبة هو كونه يستحق عن جدارة اسم مكتبة السكندرية.
وللسف ،لم يتم تطوير المنطقة المحيطة بالمكتبة أو الهتمام بها بالقدر الكافي الذي يتيح ربط المكتبة بالمباني
التي تقع في الجوار ،سواء مناطق طبيعية أو من صنع النسان .وجاري التخطيط لتنفيذ هذا التطوير في السنوات
القادمة.
وتعتبر بانوراما الميناء القديم بحق من المناظر الطبيعية المتميزة ،فمنظر الخليج بمياهه الهادئة تستريح له العين.
فهو ليس بالخليج متناهي الكبر أو الصغر ،إنما يشعر الزائر بالراحة .فينبغي أن يكون الميناء الشرقي بحق نقطة
محورية للسياحة في السكندرية .ومن هذا المنطلق ،ستصبح مكتبة السكندرية بمثابة المغناطيس أو المرسى
الذي يجتمع حوله الزائرون .وإنه من الطبيعي إذن ربط المكتبة بالسلسلة وبالتطورات السياحية والمرافق الخدمية
المحيطة.
كما ينبغي أن تتضمن خطة التطوير الحضري اهتماما فعليا بحركة المرور ،بما في ذلك أماكن انتظار السيارات
والحافلت ،وإمكانية تطوير العربات التي تجرها الخيول للزائرين ممن يرغبون في الذهاب في نزهة أكثر
ترفيها .ول ينبغي أن تأتي الحاجة الماسة لمزيد من الخدمات على حساب الجودة .ومن هنا تضع مكتبة
السكندرية معاييرها للتصميم والتنفيذ.
فلقد كان بعد التصميم عن محاكاة النماط القديمة في التصميم ،والشكال التقليدية في العمارة مخاطرة بحق .فلقد
نجحت المكتبة في تفادي النقل المتحجر لشكال الماضي وعدم ملءمتها الثقافية .فلقد أطلقت المكتبة العنان
لبتكارات كثيرة ،بعدم الوقوع أسيرة لنمط فكري واحد .إن ارتفاع المبنى بهي اليوم والنجاح الذي حققه ما هو
إل إدانة لللتصاق الدائم بالماضي وتفاصيله .فلقد كان المنهج اليديولوجي الذي يرفض كل ما هو جديد بمثابة
سقطة في السلوب التاريخي الذي انتقده الكثير لسطحيته وعدم ملءمته لروح العصر .وفي هذا الصدد ،يمكن
لهذا المبنى أن يصبح بمثابة نقلة ثقافية لها تأثير على النطاق المحلي ،مما سيساعد المعماريين على اكتساب قدر
من العمق في فهم المعاني التي يحملها تراثهم بطريقة تساعدهم على البتكار بأسلوب يلئم اليوم والغد ،بحيث ل
يصبح هذا التصميم فكرة قد يراها البعض بل أساس.
يعتبر مبنى مكتبة السكندرية مرتبطا ارتباطا وثيقا بنمط العمارة السلمية .ففي أجزاء من قاهرة المماليك ،
يوجد العديد من المباني الكبيرة ذات التصميم الرائع ،يتم الدخول إليها من خلل بوابات صغيرة وجانبية ل
تكشف المساحة الحقيقية للمكان ،وبذلك تتيح فرصة للكتشاف .وتظهر هذه الرؤية بوضوح في تصميم مكتبة
السكندرية .فالزائر قد ل يدرك المساحة الحقيقية للمبنى عند دخوله من المدخل الرئيسي ،كما يعتبر بهو المكتبة
بمثابة نقلة إلى المساحات الداخلية الشاسعة .فإن النتقال بالزائر من المساحات الخلفية الضيقة إلى المساحات
الواسعة والعمدة النيقة والضاءة المبهرة والمساحات الشاسعة يعتبر من النماط المعمارية القديمة ،مثل
المباني التي ترجع إلى العصر القديم حيث كان البناءون يعشقون تصميماتهم ويعتنون بكل التفاصيل كبيرة كانت
أو صغيرة.
في وقت زادت فيه أهمية الشكل على المحتوى ،يعتبر نجاح مجموعة من المعماريين من الشباب حديثي الخبرة
في تنفيذ هذا المبنى وجودة التصميم الذي قدموه بمثابة تحدي للنمط السائد وللساليب المعمارية المتبعة في يومنا
هذا .فهذا يعد تحديا كبيرا ونجاحا ساحقا .
يعتبر تصميم المبنى علمة واضحة وجريئة فيما يتعلق بالجدل الدائر حول علقة الحداثة بالصالة .في كل منتدى
من المنتديات التي تناقش العمارة وعلقتها بواقعناالمعاصر ،دائما ما يتم تقسيم القضايا محل النقاش إلى ما هو
"تقليدي" )عادة ما يعرف من وجهة نظر إسلمية أو فرعونية( وما هو "حديث" )عادة ما يقدم على أنه منفر ،
وغير إنساني( .وفي بعض الحيان ،يأخذ النقاش طريق آخر وهو اعتبار كل ما هو حديث مرتبط بالعلوم
والتكنولوجيا والتقدم ،وأنه ل يمكن لنا أن نظل نحيا في الماضي .ول يعتبر هذا التقسيم خاطئ فنيا ونقديا
فحسب ،بل هو أسلوب فكري غير منتج وهدام .وتعتبر هذه المناقشات غير ذات قيمة ،لما تحويه من أفكار
مكررة ،و العديد من القصص والدلة لدعم وجهات نظر ومواقف مسبقة .كما يعتبر هداما لنه يثير التعاطف
ويعقد المواقف أكثر مما هي عليه.
ول تعتبر تلك المقارنات سليمة من الناحية الفنية لنها تنبع من التبسيط الزائد للقضية والذي تنطوي عليه تلك
المواقف المنقسمة .وكأنه يمكن التقليل من مستوى الفن الراقي الذي تمثله الحضارة السلمية إلى مجرد شكل
تقليدي أو أن الحداثة وهو مفهوم متطور شديد التعقيد يرتبط ارتباطا وثيقا بالمعاصرة يمكن تصويره على أنه
كيان واحد يغطي الواقع المصري المعاصر ،بل أكثر من ذلك بما يمتد من المغرب إلى إندونيسيا ومن الصين
إلى أفريقيا.
كما ل تعتبر تلك المناقشات موضوعية من وجهة النظر النقدية لنها ل تستخدم أدوات النقد التي تساعد على فهم
أعمق .ودون هذا الفهم المتعمق ،لن يحدث أي تقدم من وراء هذه المناقشات.
ومن هنا تقدم مكتبة السكندرية مثال على الفن المعماري في سياق معماري سليم بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
فل يوجد بالمكتبة أية نقل للعمدة الفرعونية أو القواس السلمية .كما ل يوجد بالمبنى أي من الزينات اليونانية
أو الرومانية ،ذلك لكون المكتبة مبنى معاصر يتعلق بالمستقبل أكثر منه بالماضي .فكونه مبنى معاصر يرجع
إلى المواد المستخدمة فيه وارتباطه بالمستقبل من خلل بساطة وجرأة التصميم والبراعة في توزيع المساحات
وكيفية إدارة الضاءة الطبيعية والصناعية .فالمبنى يعد استجابة للبرنامج المستقبلي ،وتحديا للحواجز القليمية ،
وتطلعا للرؤى المستقبلية .كما يتسم المبنى بالناقة وروعة التصميم الذي يلئم الفكار النسانية ،والتي تنادي
بتحرير العقول سعيا للحصول على المعرفة.
إن الفكر المعماري العظيم دائما ما يقودنا إلى إعادة التفكير في المغزى وراء هذا الفكر ،وهذا بكل تأكيد ينطبق
على مبنى المكتبة .فإن روعة التصميم المعماري إنما تذكرنا بأن المعمار يحمل أكثر من كونه شكل أو مجرد
مضمون ،بل قد يمتد إلى أكثر من ذلك من خلل نشر فكرة بعينها .وأنا أعتقد أن الزائرين سيتفقون معي في
الرأي بأن المبنى يعبر عن ما يجب أن نحمله من مشاعر نحو المراكز الثقافية .كما أنه من خلل هذا التصميم
الرائع ينادي بتحرير العقول ...يساعد على البتكار والوصول إلى كل ما فيه خير النسانية ...ويعزز قيم
الحوار والنفتاح على الخر .هذا هو ما يمكن أن يحققه البداع المعماري.