You are on page 1of 37

‫سلسلة كتب المام الحداد )‪(6‬‬

‫**********رسالة المذاكرة **********‬


‫مع الخوان المحبين من أهل الخير والدين‬
‫********************************‬

‫تأليف‬
‫المام شيخ السلم قطب الدعوة والرشاد‬
‫عبد الله بن علوي بن محمد بن أحمد الحداد‬
‫الحسيني الحضرمي الشافعي‬
‫رحمه الله تعالى‬
‫)‪1044-1132‬هـ(‬

‫الناشر دار الحاوي للطباعة والنشرو‬


‫التوزيع‬
‫الطبعة الولى سنة ‪1413‬هـ‬
‫الطبعة الثانية سنة ‪1418‬هـ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫عل ّمت ََنا إن ّ َ َ‬


‫ت‬
‫ك أن َ‬ ‫ِ‬ ‫ما َ ْ‬ ‫م ل ََنا إ ِل ّ َ‬‫عل ْ َ‬‫ك لَ ِ‬
‫حان َ َ‬
‫سب ْ َ‬
‫} ُ‬
‫م{‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬‫م ال ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫عِلي ُ‬
‫]البقرة‪.[32:‬‬

‫المقدمة‬
‫الحمدلله رب العالمين‪ ،‬الذي خلق النسان من طين‪،‬‬
‫وجعل نسله من ماء مهين‪ ،‬و أخرج المؤمنين المتواصلين‬
‫بالصبر و الحق من زمرة الخاسرين‪ ،‬باستثنائه إياهم بعد‬
‫أن عم بالخسران نوع النسان الذي هو سائر الدميين‪.‬‬
‫وأمر عباده الذين آمنوا بالتعاون على البر و التقوى‪،‬‬
‫ي المتقين‪.‬‬ ‫وأخبرهم أن أكرمهم عند الله أتقاهم‪ ،‬و أنه ول ّ‬
‫وأنه ما خلق الجن و النس ال ليعبدوه‪ ،‬ل ليعمروا الدنيا‬
‫ويجمعوا الموال‪ ،‬بل قد حذرهم ذلك على لسان رسوله‬
‫ي أن أجمع المال وكن من‬ ‫المين القائل‪)) :‬ما أوحي إل ّ‬
‫التاجرين‪ ،‬ولكن أن سّبح بحمد ربك وكن من الساجدين‪ ،‬و‬
‫أعبد ربك حتى يأتيك اليقين((‪ .‬فإذا ً سعادة كل أحد و‬
‫خلق‪ ،‬و التفرغ له بقطع‬ ‫كماله في إلتزام المر الذي لجله ُ‬
‫ما يمنع منه و يصد عنه من ترهات الحمقاء المغرورين‪،‬‬
‫وتهويسات الغبياء الباطلين‪.‬‬
‫) ‪(1/9‬‬

‫و صلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين و خاتم‬


‫ة للعالمين‪ ،‬و على آله و أصحابه‬
‫النبيين‪ ،‬الذي أرسله رحم ً‬
‫وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫جماع الخير الخير و ملكه تقوى الله في‬‫أما بعد‪ :‬فإن ِ‬
‫السّر و العلنية‪ ،‬في الغيب و الشهادة؛ و التقوى هي‬
‫الخصلة التي تجمع لصاحبها خير الدنيا و الخرة‪ .‬و لعظم‬
‫موقعها من الدين وجللة قدرها عند العلماء الراسخين‬
‫صدروا بها الخطب و المواعظ و الوضايا‪ .‬ولكونها جامعة‬
‫للخير كله اكنفي بذكرها في الوصية الواجبة في الخطبة‪،‬‬
‫من إستوصاهم‪.‬‬ ‫وكثيرا ً ما يقتصر عليها الكابر في وصيةِ َ‬
‫و التقوى وصية الله رب العالمين للولين و الخرين‪ .‬قال‬
‫تعالى } ول ََقد وصينا ال ّذي ُ‬
‫م‬‫م وَإ ِّياك ُ ْ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ْ َ ّ َْ‬
‫َ‬
‫ه {]النساء ‪.[131:‬‬ ‫ن ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬
‫أ ِ‬
‫َ‬
‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و قال سبحانه و تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ديدا ً {]الحزاب‪.[70:‬‬ ‫وَُقوُلوا قَوْل ً َ‬
‫س ِ‬
‫َ‬
‫ه{‬ ‫حقّ ت َُقات ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫و قال عز و جل‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫]آل عمران‪.[102:‬‬
‫م{التغابن ‪ ،16‬أي‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫وقال تعالى‪َ} :‬فات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ه ن َْفسا ً إ ِّل‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫افرغوا الطاقة والمكان في ذلك‪َ} :‬ل ي ُك َل ّ ُ‬
‫ها{]الطلق‪، [7:‬‬ ‫ما آَتا َ‬‫َ‬
‫) ‪(1/10‬‬

‫واليات في المر بالتقوى كثيرة‪ .‬و قد جمع الله للمتقين‬


‫خيرات الدنيا و الخرة‪ ،‬فمن ذلك المخرج من الشدة‪ ،‬و‬
‫ق الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫من ي َت ّ ِ‬ ‫الرزق من حيث ل يحتسبون؛ قال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ب{]الطلق‪-2:‬‬ ‫س ُ‬ ‫حت َ ِ‬ ‫ث َل ي َ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خَرجًا‪ ،‬وَي َْرُزقْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫جَعل ل ّ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪. [3‬‬
‫ه‬
‫ب ِفي ِ‬ ‫ب ل َ َري ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا ُ‬ ‫و من ذلك الهدى‪ ،‬قال تعالى‪} :‬ذ َل ِ َ‬
‫ن{]البقرة‪.[2:‬‬ ‫مت ِّقي َ‬ ‫دى ل ّل ْ ُ‬ ‫هُ ً‬
‫ه{‬ ‫م الل ّ ُ‬‫مك ُ ُ‬ ‫ه وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫ومنها العلم‪ ،‬قال تعالى‪َ} :‬وات ُّقوا ْ الل ّ َ‬
‫]البقرة‪.[282:‬‬
‫ومنها الفرقان و الكفارة للسيئات والمغفرة للذنوب‪ ،‬قال‬
‫م فُْرَقانا ً وَي ُك َّفْر‬ ‫جَعل ل ّك ُ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬‫سبحانه و تعالى‪ } :‬إن ت َت ُّقوا ْ الل ّ َ‬
‫م {]النفال‪ .[29:‬قال بعض‬ ‫م وَي َغِْفْر ل َك ُ ْ‬‫سي َّئات ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عنك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫المفسرين‪ :‬يجعل لكم فرقانا ً هداية في قلوبكم تفرقون‬
‫بها بين الحق و الباطل‪.‬‬
‫ن{‬ ‫مت ِّقي َ‬ ‫ي ال ْ ُ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫ومنها الولية‪ ،‬قال الله تعالى‪َ} :‬والل ّ ُ‬
‫]الجاثية‪.[19:‬‬
‫َ‬
‫موا ْ أ ّ‬
‫ن‬ ‫ومنها المعية‪ ،‬قال الله سبحانه و تعللى‪َ} :‬واعْل َ ُ‬
‫ن{]البقرة‪ ،[194:‬أي بالنصر و الرعاية و‬ ‫مع َ ال ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه َ‬
‫الحراسة‪.‬‬
‫) ‪(1/11‬‬

‫جي‬ ‫م ن ُن َ ّ‬‫ومنها المناجاة‪ ،‬قال الله سبحانه و تعالى‪ } :‬ث ُ ّ‬


‫ن ات َّقوا {]مريم ‪.[72:‬‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫خل ْدِ ال ِّتي‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫جن ّ ُ‬‫ومنها الوعد بالجنة‪ ،‬قال عز من قائل‪َ } :‬‬
‫م‬
‫عند َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مت ِّقي َ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬‫ن{ ]الفرقان‪} ،[15:‬إ ِ ّ‬ ‫مت ُّقو َ‬‫عد َ ال ْ ُ‬‫وُ ِ‬
‫ُ‬
‫ن غَي َْر‬‫مت ِّقي َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫جن ّ ُ‬ ‫ت الن ِّعيم ِ {]القلم‪} ،[34:‬وَأْزل َِف ِ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫َ‬
‫ب َِعيدٍ {]ق‪.[31:‬‬
‫إلى غير ذلك من الخيرات الجميلة‪ ،‬والفضائل الجليلة‪،‬‬
‫والمواهب الجزيلة‪ .‬و يكفي في شرف التقوى ان الله‬
‫ذكرها في أكثر من تسعين موضعا ً من كتابه‪.‬‬
‫وفي المر بالتقوى وفضيلته‪ ،‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪)) :‬اتق الله حيثما كنت‪ ،‬و اتبع السيئة الحسنة‬
‫تمحها‪ ،‬و خالق الناس بخلق حسن((‪ .‬وقال عليه الصلة و‬
‫السلم‪)) :‬أوصيكم بتقوى الله والسمع و الطاعة وإن تأمر‬
‫عليكم عبد حبشي((‪ ..‬الحديث‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة و السلم‪)) :‬اتقوا النار ولو بشق تمرة‪،‬‬
‫فإن لم تجدو فبكلمة طيبة((‪.‬‬
‫وكان عليه الصلة و السلم يقول في دعائه‪)) :‬اللهم اني‬
‫اسألك الهدى و التقى و العفاف و الغنى((‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة و السلم‪)) :‬ل فضل لبيض على أسود‬
‫ول لعربي على عجمي إل بتقوى الله‪ ،‬أنتم من آدم وآدم‬
‫من تراب((‪.‬‬
‫) ‪(1/12‬‬

‫وقيل‪ :‬يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال‪)) :‬أتقاهم((‪..‬‬


‫الحديث‪.‬‬
‫وروي أنه عليه الصلة و السلم قال‪)) :‬ل تأكل ال طعام‬
‫تقي‪ ،‬ول يأكل طعامك ال تقي((‪.‬‬
‫وقالت عائشة رضي الله عنها‪)) :‬ما عجب رسول الله‬
‫شيء من الدنيا ول أعجبه أحد إل أن يكون ذا تقى((‪.‬‬
‫ج على التقوى زرعُ‬‫وقال علي كرم الله وجهه‪" :‬إّنه ل ي َِهي ُ‬
‫قوم"‪ ،‬ومعنى يهيج يهلك‪.‬‬
‫وقال قتادة‪" :‬مكتوب في التوراة‪ :‬اتق الله ومت حيث‬
‫شئت"‪.‬‬
‫وقال العمش‪" :‬من كان رأس ماله التقوى كلت اللسنة‬
‫عن وصف ربحه"‪.‬‬
‫وكان بشر الحافي ينشد‪:‬‬
‫م وهم في‬ ‫ي حياةٌ ل نفاذ َ لها ‪ ...‬قد مات قو ٌ‬ ‫موت التق ّ‬
‫الناس أحياُء‬
‫وفضائل التقوى و المتقين أكثر من أن ُتحصر‪ ،‬و قد بسط‬
‫الكلم في التقوى المام الغزالي في منهاجه‪ .‬و قد لخصنا‬
‫من كلمه بعض ما ذكرناه‪.‬‬
‫) ‪(1/13‬‬

‫فصل‪ ) :‬في معاني التقوى(‬


‫قال المام الغزالي‪ :‬التقوى في القرأن تطلق على ثلث‬
‫معاني‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬بمعني الخشية و الهيبة‬
‫والثاني‪ :‬بمعنى الطاعة و العبادة‬
‫و الثالث‪ :‬بمعنى تنزيه القلب عن الذنوب‪ ،‬و هذا هو‬
‫الحقيقة ‪ ...‬انتهى مختصرًا‪.‬‬
‫وعلى الجملة‪ ،‬فالتقوى عبارة عن اّتقاء سخط الله و‬
‫عقابه ‪ ،‬و بامتثال ما به أمر‪ ،‬واجتناب ما عنه نهى و زجر‪.‬‬
‫و حقيقة التقوى أن ل ياراك مولك حيث نهاك‪ ،‬ول يفقدك‬
‫حيث أمرك‪.‬‬
‫) ‪(1/14‬‬
‫فصل ‪) :‬في جزاء العمال(‬
‫وقد علمت أولو القلوب السليمة والعقول المستقيمه‬
‫أنهم يجزون ما يعملون‪ ،‬و يحصدون ما يزرعون‪ ،‬و كما‬
‫دموه يقدمون‪ .‬و كيف ليعلمون‬ ‫يدينون ُيدانون‪ ،‬وعلى ماق ّ‬
‫ذالك ويوِقنون بما هنالك وهم يسمعون ما به يؤمنون‪،‬‬
‫ويصدقون من تزيل الله المحكم وحديث نبيه ‪-‬صلى الله‬
‫ور‬ ‫عليه وسلم‪ -‬ما يوجب العلم واليقين القطعي ُلمن ن ّ‬
‫الله قلبه وشرح صدره‪ .‬فأحضر قلبك وأصغ بأذِنك إلي‬
‫ف من ذلك لعلك بسماعه تستيقض من غفلتك وتتنبه‬ ‫طر ٍ‬
‫ع‬
‫م ل َينَف ُ‬ ‫من نومتك فتعمل لنفسك صالحا ً تنجو به }ي َوْ َ‬
‫ل ول بنون‪ ،‬إّل م َ‬
‫سِليم ٍ {]الشعراء‪:‬‬ ‫ب َ‬ ‫ه ب َِقل ْ ٍ‬ ‫ن أَتى الل ّ َ‬ ‫ما ٌ َ َ ُ َ ِ َ ْ‬ ‫َ‬
‫‪.[89 -88‬‬
‫َْ‬
‫ض‬
‫ما ِفي ا َلْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَل ِل ّهِ َ‬
‫ل ِيجزي ال ّذي َ‬
‫سُنوا‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫جزِيَ ال ّ ِ‬ ‫مُلوا وَي َ ْ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫ؤوا ب ِ َ‬ ‫سا ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ ْ ِ َ ِ َ‬
‫سَنى {]النجم‪.[31:‬‬ ‫ح ْ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫سعْي َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫سَعى‪ ،‬وَأ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ن إ ِّل َ‬ ‫سا ِ‬ ‫لن َ‬ ‫ِ‬ ‫س لِ ْ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬وَأن ل ّي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن إ َِلى َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫جَزاء ال َوَْفى‪ ،‬وَأ ّ‬ ‫جَزاهُ ال ْ َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ف ي َُرى‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫َ‬
‫منت ََهى{]النجم ‪.[42-:39‬‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وقال تعالى‪} :‬ل ّيس بأ َمان ِيك ُم ول أ َمان ِ َ‬
‫من‬ ‫ب َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ي أهْ ِ‬ ‫َ ّ‬ ‫ْ َ ِ َ ّ ْ َ‬
‫ن الل ّهِ وَل ِي ّا ً وَل َ‬ ‫دو ِ‬ ‫من ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫جد ْ ل َ ُ‬ ‫جَز ب ِهِ وَل َ ي َ ِ‬ ‫سوءا ً ي ُ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫من ذ َك َرٍ أوْ أنَثى وَهُ َ‬
‫و‬ ‫ت ِ‬ ‫حا َ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫من ي َعْ َ‬ ‫صيرًا‪ ،‬وَ َ‬ ‫نَ ِ‬
‫ن ن َِقيرًا{‬ ‫مو َ‬ ‫ة وَل َ ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ك ي َد ْ ُ‬ ‫ن فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫]النساء‪.[124-123:‬‬
‫) ‪(1/15‬‬

‫من‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫خْيرا ً ي ََر ُ‬‫ل ذ َّرةٍ َ‬ ‫مث َْقا َ‬


‫ل ِ‬ ‫م ْ‬‫من ي َعْ َ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬فَ َ‬
‫ه{]الزلزلة‪.[8-7:‬‬ ‫شّرا ً ي ََر ُ‬ ‫ل ذ َّرةٍ َ‬ ‫مث َْقا َ‬
‫ل ِ‬ ‫م ْ‬
‫ي َعْ َ‬
‫ت‬
‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫سعََها ل ََها َ‬ ‫ه ن َْفسا ً إ ِل ّ وُ ْ‬‫ف الل ّ ُ‬ ‫قال تعالى‪} :‬ل َ ي ُك َل ّ ُ‬
‫ت{]البقرة‪.[286:‬‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬ ‫وَعَل َي َْها َ‬
‫ساء فَعَل َي َْها‬ ‫ل صاِلحا ً فَل ِنْفسه وم َ‬
‫نأ َ‬ ‫َ ِ ِ َ َ ْ‬ ‫م َ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬‬
‫د{]فصلت‪.[46:‬‬ ‫ك ب ِظ َّلم ٍ ل ّل ْعَِبي ِ‬ ‫ما َرب ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ر‬
‫خي ْ ٍ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مل َ ْ‬‫ما عَ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ل ن َْف ٍ‬ ‫جد ُ ك ُ ّ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬ي َوْ َ‬
‫مدا ً‬ ‫محضرا ً وما عَمل َت من سوٍء تود ل َو أ َن بينها وبين َ‬
‫هأ َ‬ ‫ُ َ َ َ ّ ْ ّ َََْ َََْ ُ‬ ‫ِ ْ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ْ َ‬
‫ف ِبال ْعَِباِد{]آل‬ ‫ؤو ُ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ه ن َْف َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫حذ ُّرك ُ ُ‬ ‫ب َِعيدا ً وَي ُ َ‬
‫عمران‪.[30:‬‬
‫م ت ُوَّفى‬‫ن ِفيهِ إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ‬‫جُعو َ‬ ‫وما ً ت ُْر َ‬ ‫و قال تعالى‪َ} :‬وات ُّقوا ْ ي َ ْ‬
‫ن{]البقرة‪.[281:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ل ن َْف ٍ‬ ‫كُ ّ‬
‫و يقال أن هذه الية آخر آية نزلت من القرآن‪.‬‬
‫وقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ )) : -‬إن روح‬
‫القدس نفث في روعي‪ :‬عش ما عشت فإنك ميت‪ ،‬و‬
‫أحبب ما أحببت فإنك مفارقه‪ ،‬و أعمل ما شئت فإنك‬
‫مجزى به((‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة و السلم‪ )) :‬البر ل ُيبلى‪ ،‬و الذمب ل‬
‫ُينسى‪ ،‬و الديان ل ُيفنى‪ ،‬كما تدين ُتدان((‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة و السلم فيما يرويه عن ربه‪ )) :‬يا‬
‫عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها‪،‬‬
‫فمن وجد خيرا ً فليحمد الله‪ ،‬ومن وجد غير ذلك فل يلوم ّ‬
‫ن‬
‫إل نفسه((‪.‬‬
‫) ‪(1/16‬‬

‫وقال عليه الصلة و السلم‪ )) :‬ل تسبوا الموتى فقد‬


‫أفضوا إلى ما قدموا((‪.‬‬
‫د‪" :‬إن العبد قد يرفع على سيده في درجات الجنة ‪..‬‬ ‫و ور ِ َ‬
‫ب هذا كان عبدي في الدنيا‪ ،‬فيقول‬ ‫فيقول السيد‪ :‬أيا ر ّ‬
‫سبحانه إنما جزيته بعمله"‪.‬‬
‫وقال علي كرم الله و جهه‪" :‬الدنيا دار عمل ول جزاء‬
‫فيها‪ ،‬و الخرة دار جزاء و ل عمل فيها‪ .‬فأعملوا في دار ل‬
‫جزاء فيها لدارٍ ل عمل فيها"‪ .‬و قال الحسن البصري‬
‫‪-‬رحمه الله‪" :-‬يقول الله لهل الجنة‪ :‬ادخلوا الجنة‬
‫برحمتي وأخلدوا فيها بنياتكم الصالحة‪ ،‬و اقتسموها‬
‫بأعمالكم"‪.‬‬
‫و ما ذكرته من الدلة على وقوع المجازاة أردت به التنبيه؛‬
‫و إل فهو أمر معلوم للخاص و العام؛ معروف ل يكاد‬
‫يخفى منه شيٌء على الغبياء من العوام‪.‬‬
‫) ‪(1/17‬‬

‫فصل‪) :‬في رضا الله و سخطه(‬


‫وقد جعل الله بمشيئته رضاه في طاعته‪ ،‬و سخطه في‬
‫معصيته‪ .‬و وعد من أطاعه دخول جنته برحمته‪ ،‬و أوعد‬
‫ك‬‫من عصاه دخول ناره بعدله و حكمته‪ ،‬فقال تعالى‪ } :‬ت ِل ْ َ‬
‫من‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫من ي ُط ِِع الل ّ َ‬ ‫دود ُ الل ّهِ وَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ُ‬
‫ص‬ ‫ك ال َْفوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ن ِفيَها وَذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫من ي َعْ ِ‬ ‫م‪ ،‬وَ َ‬ ‫ظي ُ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر َ‬ ‫تَ ْ‬
‫خاِلدا ً ِفيَها وَل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه َنارا ً َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫دود َهُ ي ُد ْ ِ‬ ‫ح ُ‬‫ه وَي َت َعَد ّ ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وَ َر ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ن {]النساء‪.[14-13:‬‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ب ّ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عَ َ‬
‫و قد أمر سبحانه عباده الذين آمنوا بالمسارعة الى‬
‫مغفرته و جنته‪ .‬وأن يقوا أنفسهم وأهليهم نارا ً بامتثال‬
‫عوا ْ إ َِلى‬ ‫سارِ ُ‬ ‫أمره و إجتناب معصيته‪ .‬فقال تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫عد ّ ْ‬ ‫ضأ ِ‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ضَها ال ّ‬ ‫جن ّةٍ عَْر ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫مغِْفَرةٍ ّ‬ ‫َ‬
‫ن {]آل عمران‪.[133:‬‬ ‫مت ِّقي َ‬ ‫ْ‬
‫ل ِل ُ‬
‫م َنارا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَأهِْليك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫مُنوا ُقوا أنُف َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫وقال تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫داد ٌ َل‬ ‫ش َ‬ ‫ظ ِ‬ ‫ة ِغَل ٌ‬ ‫مَلئ ِك َ ٌ‬ ‫جاَرةُ عَل َي َْها َ‬ ‫ح َ‬‫س َوال ْ ِ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫وَُقود ُ َ‬
‫َ‬
‫ن {]التحريم‪.[6:‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما ي ُؤْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م وَي َْفعَُلو َ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صو َ‬ ‫ي َعْ ُ‬
‫) ‪(1/18‬‬

‫عه َو‬ ‫ن أطا َ‬ ‫م ْ‬ ‫م الله به َ‬ ‫ما ُيكرِ ُ‬ ‫شيٍء م ّ‬ ‫صل‪) :‬في ذِك ْرِ َ‬ ‫فَ ْ‬
‫ه(‬
‫جه ِ‬ ‫ت لوَ ْ‬ ‫صاِلحا ِ‬ ‫مل ال ّ‬ ‫عَ ِ‬
‫َ ُ‬
‫من ذ َك َرٍ أوْ أنَثى وَهُ َ‬
‫و‬ ‫صاِلحا ً ّ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قال الله تعالى‪َ } :‬‬
‫ة{الية ]النحل‪. [97:‬‬ ‫حَياةً ط َي ّب َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫ن فَل َن ُ ْ‬
‫حي ِي َن ّ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ملوا‬‫ُ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫وقال سبحانه‪ } :‬وَعَد َ الل ُ‬
‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫َْ‬
‫من‬
‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫خل َِفن ُّهم ِفي الْر ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫ال ّ‬
‫من‬‫م وَل َي ُب َد ّل َن ُّهم ّ‬ ‫ضى ل َهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫م ِدين َهُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مك ّن َ ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬ ‫قَب ْل ِهِ ْ‬
‫منًا{]النور‪.[55:‬‬ ‫خوفه َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ب َعْدِ َ ْ ِ ِ ْ‬
‫ت إ ِّنا َل‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ُ‬ ‫نضيع أ َجر م َ‬
‫ري‬ ‫ج ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ُ‬ ‫م َ‬‫ك ل َهُ ْ‬ ‫ل‪ ،‬أوْل َئ ِ َ‬ ‫م ً‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ ْ َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫من ذ َهَ ٍ‬ ‫ساوَِر ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِفيَها ِ‬ ‫حل ّوْ َ‬ ‫م اْلن َْهاُر ي ُ َ‬ ‫حت ِهِ ُ‬ ‫من ت َ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن ِفيَها‬ ‫مت ّك ِِئي َ‬‫ق ّ‬ ‫ست َب َْر ٍ‬
‫س وَإ ِ ْ‬ ‫سند ُ ٍ‬ ‫من ُ‬ ‫ضرا ً ّ‬ ‫خ ْ‬‫ن ث َِيابا ً ُ‬‫سو َ‬ ‫وَي َل ْب َ ُ‬
‫مْرت ََفقًا{]الكهف‪-30:‬‬ ‫ت ُ‬ ‫سن َ ْ‬
‫ح ُ‬‫ب وَ َ‬ ‫وا ُ‬ ‫م الث ّ َ‬‫ك ن ِعْ َ‬‫عََلى اْل ََرائ ِ ِ‬
‫‪.[31‬‬
‫جع َ ُ‬
‫ل‬ ‫سي َ ْ‬
‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫وقال تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن وُد ًّا{]مريم‪ ،[96:‬قال )فيها( ابن عباس‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م الّر ْ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫حب ّب ُُهم إلى المؤمنين"‪.‬‬ ‫م و يُ َ‬‫حب ّهُ ْ‬
‫‪-‬رضي الله عنهما‪ " :-‬ي ُ ِ‬
‫) ‪(1/19‬‬

‫وقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه و سلم‪" :-‬إن الله تعالى‬
‫قال‪ :‬من عادى لي وليا ً فقد آذنته بالحرب‪ .‬وما تقرب إل ّ‬
‫ي‬
‫ي مما افترضت عليه‪ ،‬ول يزال عبدي‬ ‫عبدي بشيء أحب إل ّ‬
‫ي بالنوافل حتى أحبه‪ .‬فإذا أحببته كنت سمعه‬ ‫يتقّرب إل ّ‬
‫الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به ويده التي يبطش‬
‫بها و رجله التي يمشي بها؛ وإن سألني لعطينه‪ ،‬و لئن‬
‫استعاذني لعيذنه"‪.‬‬
‫م الله بهذه المحبة العظيمة التي تصير معها حركات‬ ‫أكرِ ْ‬
‫دى ما إفترضه عليه و‬ ‫العبد و سكناته كلها بالله و لله من أ ّ‬
‫أكثر من نوافل الطاعات تقربا ً إليه‪.‬‬
‫ي عبدي شبرا ً‬ ‫وقال عليه الصلة و السلم‪)) :‬إذا تقّرب إل ّ‬
‫ي ذراعا ً تقربت منه باعًا‪،‬‬ ‫تقربت إليه ذراعًا‪ ،‬وإذا تقرب إل ّ‬
‫وإذا أتى يمشي أتيته هرولة((‪.‬‬
‫ب من‬ ‫ب الر ّ‬ ‫ب العبدِ إلى رّبه بطاعته و خدمته‪ ،‬و ت ََقّر ُ‬ ‫فت ََقّر ُ‬
‫عبده بفضله و رحمته‪.‬‬
‫و قال عليه الصلة و السلم ‪-‬فيما يحكي عن رّبه‬
‫ن رأت‪ ،‬ول‬ ‫ت لعبادي الصالحين ما ل عي ٌ‬ ‫سبحانه‪)) :-‬أعد َد ْ ُ‬
‫ن سمعت‪ ،‬ول خطر على قلب بشر((‪.‬‬ ‫أذ ٌ‬
‫ك غنى‪ ،‬ويديك‬ ‫وفي الزبور‪)) :‬ابن آدم أط ِعِْني أمل قَل ْب َ َ‬
‫رزقًا‪ ،‬وجسمك صحة((‪.‬‬
‫و أوحى الله إلى الدنيا‪)) :‬يا دنيا من خدمني فاخدميه‪،‬‬
‫ومن خدمك فاستخدميه((‪.‬‬
‫) ‪(1/20‬‬
‫وقال بشر بن الحارث رحمه الله‪" :‬ذهب أهل الخير بالدنيا‬
‫و الخرة"‪.‬‬
‫و قال يحيى بن معاذ‪" :‬أبناء الدنيا تخدمهم العبيد‪ ،‬وأبناء‬
‫الخرة تخدمهم الحرار‪.‬‬
‫فإن أردت يا أخي أن يكون لك عّز ل ينقضي‪ ،‬وسؤدد ل‬
‫ينقطع‪ ،‬وشرف ل يذهب‪ ،‬و مجد ل يبلى؛ فأ َط ِعْ رّبك؛ فإن‬
‫الله قد جعل ذلك كّله في طاعته‪ ،‬يكرم به من أطاعه من‬
‫عباده‪ ،‬وقد أكرم الله عبادا ً أطاعوه فحّررهم من ر ّ‬
‫ق‬
‫الشهوات ‪ ،‬و طّهر قلوبهم من دنس اللتفات إلى‬
‫الفانيات‪ ،‬وأجرى على أيديهم خوارق العادات وعجائب‬
‫الكرامات؛ من الخبار بالمغيبات و إدرار البكرات و إجابة‬
‫الدعوات؛ فأصبح الناس يقتبسون من أنوارهم‪ ،‬و يقتدون‬
‫بآثارهم‪ ،‬و يتوجهون بهم إلى الله في كشف مهماتهم‪،‬‬
‫شِفُعون بمواطئ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ويسألونه بحقهم في دفع ملماتهم‪ ،‬و ي َ ْ‬
‫أقدامهم‪ ،‬و يتبركون بتربة ضرائحهم‪.‬‬
‫ل من ذلك ‪ ،‬قذف في‬ ‫و قد أكرمهم سبحانه بما هو أج ّ‬
‫قلوبهم من نوره‪ ،‬وحشاها من خالص معرفته و محبته‪،‬‬
‫وآنسهم في خلواتهم بذكره ؛فاستوحشوا من خليقته‪ ،‬و‬
‫أعد ّ لهم النعيم المقيم في جنات النعيم‪ ،‬و و وعدهم‬
‫و‬
‫ك هُ َ‬‫النظر إلى وجهه الكريم‪ ،‬و رضاه عنهم أكبر‪ } :‬ذ َل ِ َ‬
‫ل‬ ‫ذا فَل ْي َعْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ل هَ َ‬‫مث ْ ِ‬
‫م{]الدخان‪} ،[57:‬ل ِ ِ‬ ‫ال َْفوُْز ال ْعَ ِ‬
‫ظي ُ‬
‫ن{]الصافات‪[61:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ال َْعا ِ‬
‫) ‪(1/21‬‬

‫خزي‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما يتَرّتب على المَعصَية ِ‬ ‫شيٍء م ّ‬ ‫صل‪ :‬في ذِك ْرِ َ‬ ‫فَ ْ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬
‫دنَيا َوال ِ‬ ‫وان َوالَبوار في ال ّ‬ ‫دمار َوالهَ َ‬‫َوال ّ‬
‫م َل‬ ‫ْ‬
‫جهَن ّ َ‬‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫رما ً فَإ ِ ّ‬‫ج ِ‬‫م ْ‬
‫ه ُ‬ ‫ت َرب ّ ُ‬ ‫من ي َأ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬إ ِن ّ ُ‬
‫حيى{]طه‪.[74:‬‬ ‫ت ِفيَها وََل ي َ ْ‬‫مو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت أن‬ ‫سي َّئا ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫وقال تعالى‪} :‬أ ْ‬
‫ن{]العنكبوت‪ ،[4:‬ومعنى يسبقونا‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ساء َ‬ ‫سب ُِقوَنا َ‬‫يَ ْ‬
‫يعجزونا و يفوتونا‪.‬‬
‫ضَلل ً‬
‫ل َ‬ ‫ض ّ‬‫ه فََقد ْ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫من ي َعْ ِ‬ ‫وقال تعالى‪ } :‬وَ َ‬
‫مِبينا ً {]الحزاب‪.[36:‬‬ ‫ّ‬
‫و قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه و سلم‪ )) :-‬ل يزني‬
‫الزاني حين يزني وهو مؤمن‪ ،‬ول يسرق السارق حين‬
‫يسرق وهو مؤمن‪ ،‬ول يشرب الخمر حين يشربها وهو‬
‫مؤمن((‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة و السلم‪)) :‬إذا أذنب العبد ذنبا ُ كانت‬
‫سوَد ّ قلبه‪.‬‬ ‫نكتة سوداء في قلبه‪ ،‬وإن عاد زاد ذالك حتى ي َ ْ‬
‫ما َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ن عََلى قُُلوب ِِهم ّ‬ ‫ل َرا َ‬ ‫فذلك قوله تعالى‪} :‬ك َّل ب َ ْ‬
‫ن{]المطففين‪.(([14:‬‬ ‫ي َك ْ ِ‬
‫سُبو َ‬
‫) ‪(1/22‬‬

‫وقال عليه الصلة و السلم‪)) :‬قسوة القلب من كثرة‬


‫الذنوب((‪.‬‬
‫وقال ‪-‬صلى الله عليه و سلم‪)) :-‬إن العبد ليحرم الرزق‬
‫لذنب يصيبه((‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫وأوحى الله إلى موسى ‪-‬عليه السلم‪" :-‬يا موسى أّول‬
‫من مات من خلقي إبليس ‪-‬لعنه الله‪ -‬لنه أّول من‬
‫عصاني‪ ،‬ومن عصاني كتبته ميتًا"‪ .‬وقال سعيد بن المسيب‬
‫‪-‬رحمه الله‪" :-‬ما أكرمت العباد نفسها بمثل طاعة الله‪،‬‬
‫ول أهانتها بمثل معصية الله‪ ،‬ويكفي المؤمن من نصر الله‬
‫له أن يرى عدّوه يعمل بالمعاصي"‪.‬‬
‫وقال محمد بن واسع‪" :‬الذنب على الذنب يميت القلب"‪.‬‬
‫وقال بعض السلف‪" :‬إن كنت تعصي الله وأنت ترى أنه‬
‫يراك فأنت مستهزىء بنظر الله‪ ،‬وإن كنت تعصيه وترى‬
‫أنه ل يراك فأنت كافر"‪ .‬وقيل لوهيب بن الورد‪" :‬هل يجد‬
‫م‬
‫لذة العبادة من يعصي الله؟ قال‪:‬ل‪ ،‬ول من يه ّ‬
‫بالمعصية"‪.‬‬
‫وكان السلف الصالح يقولون‪" :‬المعاصي بريد الكفر‪ ،‬أي‬
‫رسوله"‪.‬‬
‫وعلى الجملة فعلمة السقوط من عين الله والكون في‬
‫مقت الله العمل بمعصية الله‪ .‬فالمصّر عليها مقيت‬
‫ي الشيطان و بغيض أهل اليمان‪ .‬فإياك يا‬
‫الرحمن وول ّ‬
‫ض لسخط الله و عقابه بارتكاب معصيته‪.‬‬
‫أخي و التعّر َ‬
‫) ‪(1/23‬‬

‫ومهما دعتك نفسك إلى ارتكابها فذكرها بإطلع الله عليك‬


‫من عصاه من أليم‬ ‫عد الله َ‬
‫وفها بما توَ ّ‬
‫و نظره إليك‪ ،‬وخ ّ‬
‫العذاب و عظيم العقاب‪ .‬ولو لمن يكن في ارتكابها إل‬
‫فوات منازل الصادقين وحرمان ثواب المحسنين لكان‬
‫كافيا ً ‪.‬‬
‫كيف ؟ و في ارتكابها العار والنار ‪ ،‬وسخط الجبار وغضبه‬
‫الذي ل تقوم له السماوات و الرض‪ ،‬نسأل الله العافية‬
‫بمّنه‪.‬‬
‫) ‪(1/24‬‬

‫صل‪ ) :‬في العمل الصالح و التوبة (‬ ‫فَ ْ‬


‫قال رسول الله صلى الله عليه و سلم‪)) :‬من سرته‬
‫حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن((‪.‬‬
‫ظم فرحك‬ ‫فإذا وفقك الله أيها المؤمن للعمل بطاعته فل ْي َعْ ُ‬
‫ولتبالغ في شكر الذي أكرمك بخدمته و اختارك لمعاملته‪،‬‬
‫وأسئلة أن يقبل منك بفضله ما يسره عليك من صالح‬
‫العمل‪.‬‬
‫م‬
‫ي ‪-‬كّرم الله وجهه‪" :-‬كونوا بقبول العمل أه ّ‬ ‫قال عل ّ‬
‫ل عمل مقبول"‪.‬‬ ‫منكم بالعمل‪ ،‬فأنه ل يق ّ‬
‫ول تزل معترفا ً بتقصيرك عن القيام بواجب حق ربك‬
‫عليك ‪،‬و إن عظم في طاعته جدك وتشميرك‪ ،‬فإن حقه‬
‫عليك عظيم‪ .‬أوجدك من العدم و أسبغ عليك النعم‬
‫وته أطعته‪ ،‬و‬ ‫وعاملك بالفضل والكرم‪ ،‬و بحوله و ق ّ‬
‫بتوفيقه و رحمته عبدته‪.‬‬
‫ود وجه قلبك؛ بإتيان‬ ‫وإياك أن تدنس قميص إيمانك‪ ،‬وتس ّ‬
‫ما نهاك عنه مولك‪.‬‬
‫) ‪(1/25‬‬

‫ومهما وقع منك ذنب ولو على سبيل الندور فعليك أن‬
‫تبادر بالتوبة و تحسن الوبة وتكثر الندم و الستغفار‪ ،‬ول‬
‫ل‪ .‬فإن المؤمن ل يزال في غاية من الخوف‬ ‫تزال خائفا ً وج ً‬
‫والوجل وإن أخلص الطاعة وأحسن المعاملة وأنت تعلم‬
‫ما كانت عليه النبياء مع عصمتهم و الولياء مع حفظهم‬
‫من الخوف و الشفاق مع صلح أعاملهم و قلة ذنوبهم أو‬
‫عدمها‪ ،‬فأنت بذلك أولى وأحرى‪.‬‬
‫فقد كانوا أعرف منك بسعة رحمة الله و أحسن منك ظن ّا ً‬
‫بالله وأصدق منك طمعا ً في عفوه‪ ،‬وأعظم منك رجاءً في‬
‫كرمه وفضله‪ .‬فاقتد بآثارهم تنج و تسلم‪ ،‬واتبع سبيلهم‬
‫هدي‬ ‫تفز و تغنم‪ ،‬واعتصم بالله و من يعتصم بالله فقد ُ‬
‫إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫) ‪(1/26‬‬

‫صل‪ ) :‬في أهم أسباب النصراف إلى الدنيا (‬ ‫فَ ْ‬


‫فلما كانت هذه الدار قد أسست على المحن والفات و‬
‫شيت بالمشغلت و‬ ‫ح ِ‬‫عجنت بالمنغصات و المكدرات و ُ‬
‫الملهيات‪ ،‬كثرت لذلك الصوارف عن الطاعات وتوفرت‬
‫الدواعي إلى المخالفات‪ ،‬ثم إنها وإن كثرت تلك الصوارف‬
‫وتوفرت تلك الدواعي‪ ،‬تكاد تحصر في أربع أشياء‪ :‬أحدها‪:‬‬
‫الجهل؛ الثاني‪ :‬ضعف اليمان؛ الثالث‪ :‬طول المل؛ الرابع‪:‬‬
‫أكل الحرام و الشبهات‪.‬‬
‫ونحن إن شاء الله نشير إلى كل واحد من هذه الربعة‬
‫بكلمات وجيزة تنبه على ذمها وضرورة التثبط عنها‪ ،‬و‬
‫سبيل الخلص منها‪ ،‬وبالله التوفيق‪.‬‬
‫) ‪(1/27‬‬
‫صل‪ ) :‬في التحذير من الجهل (‬ ‫فَ ْ‬
‫ل ضرر‪ ،‬وهو‬ ‫أما الجهل ‪ :‬فهو أصل كل شّر و منشأ ك ّ‬
‫وأهله داخلون في عموم قوله ‪-‬صلى الله عليه و سلم‪:-‬‬
‫مو‬ ‫مل ُْعو ٌ‬
‫ن ما فيها إل ذكر الله و عال ٌ‬ ‫ة َ‬‫مل ُْعون َ ٌ‬
‫))الدنيا َ‬
‫متعلم((‪ .‬ويروى‪" :‬إن الله لما خلق الجهل قال له اقبل‬
‫فأدبر‪ ،‬فقال له أدبر فأقبل‪ ،‬فقال له‪ :‬و عزتي ما خلقت‬
‫ي منك‪ ،‬و لجعلنك في شرار خلقي((‪ .‬وقال‬ ‫خلقا ً أبغض إل ّ‬
‫علي ‪-‬كرم الله وجهه‪" :-‬ل عدوّ أعدى من الجهل‪ ،‬والمرء‬
‫م الجهل معلوم بالنقل و العقل‪ ،‬ل يكاد‬ ‫عدوّ ما جهل؛ و ذ ّ‬
‫يخفى على أحد"‪ .‬والجهل واقع في ترك الطاعات وفعل‬
‫المعاصي شاء أم أبى فإنه ل يدري أي شيء الطاعة التي‬
‫أمره الله بفعلها‪ ،‬ول أي شيء المعصية التي نهاه الله عن‬
‫ارتكابها‪ ،‬ول يخرج من ظلمات الجهل ال بور العلم‪ ،‬ولله‬
‫دّر الشيخ علي بن أبي بكر‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫الجهل نار لدين المرء يحرقه ‪ ...‬والعلم ماء لتلك النار‬
‫يطفيها‬
‫) ‪(1/28‬‬

‫فعليك أن تعلم ما أوجب الله عليك علمه‪ ،‬وليس بواجب‬


‫عليك أن تتسع في العلم‪ ،‬بل عليك أن تتعلم ما ل يصلح‬
‫إيمانك بدونه من علوم اليمان‪ .‬وعليك أن تتعلم كيف‬
‫تؤدي ما افترض الله عليك من طاعته‪ ،‬وكيف تتجنب ما‬
‫نهاك عنه من معصيته‪ .‬وجوبا ً فوريا ً في الفوريات‪ ،‬و‬
‫سَعات‪.‬‬ ‫موسعا ً في ال ُ‬
‫مو َ ّ‬
‫وقد كان مالك بن دينار ‪-‬رحمه الله‪ -‬يقول‪" :‬من طلب‬
‫العلم لنفسه فالقليل منه يكفيه‪ ،‬ومن طلب العلم للناس‬
‫فحوائج الناس كثيرة"‪.‬‬
‫) ‪(1/29‬‬

‫صل‪) :‬في التحذير من ضعف اليمان(‬ ‫فَ ْ‬


‫وأما ضعف اليمان ‪ :‬فهو بلية عظيمة‪ ،‬وخلة ذميمة تنشأ‬
‫عنها أمور مذمومة‪ :‬مثل ترك العمل بالعلم‪ ،‬و ترك المر‬
‫و الهتمام بالرزق و خوف الخلق إلى غير ذلك من‬
‫الخلق المشؤومة‪ ،‬و على قدر إيمان العبد يكون امتثاله‬
‫للمر واجتنابه للنهي‪ .‬وأول دليل على ضعف إيمانه تركه‬
‫للموافقات و ارتكابه للمخالفات‪ .‬فعلى كل مؤمن أن‬
‫يسعى في تقوية إيمانه‪ .‬والمور التي يقوى بها اليمان و‬
‫يزيد ثلثة‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يصغي بسمعه إلى اليات و الخبار التي فيها‬
‫ذكر الوعد و الوعيد و أمور الخرة‪ ،‬وإلى قصص النبياء‬
‫وما أ ُّيدوا به من المعجزات‪ ،‬وما ح ّ‬
‫ل بمعانديهم من‬
‫المثلت‪ .‬وإلى ما كان عليه السلف الصالح من الزهادة‬
‫في الدنيا و الرغبة في الخرة؛ وإلى غير ذلك من الدلة‬
‫السمعية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن ينظر بعين الستبصار و الستدلل إلى ملكوت‬
‫السموات و الرض و ما بينهما من عجائب اليات و بدائع‬
‫المصنوعات‪.‬‬
‫) ‪(1/30‬‬

‫الثالث‪ :‬أن يواظب على العمل بالصالحات و يحترز من‬


‫الوقوع في المعاصي و السيئات‪ ،‬فإن اليمان قول و‬
‫ل هذه‬‫ل بالمعصية‪ .‬وك ّ‬
‫عمل‪ ،‬يزيد بالطاعة و يق ّ‬
‫المذكورات يزيد بها اليمان ويقوى بها اليقان‪ ،‬والله‬
‫المستعان‪.‬‬
‫) ‪(1/31‬‬

‫صل‪ ) :‬في التحذير من طول المل (‬ ‫فَ ْ‬


‫وأما طول المل ‪ :‬فهو مذموم جدًا‪ ،‬بل هو الذي يدعو إلى‬
‫خراب الخرة و عمار الدنيا‪ ،‬وقد قال رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه و سلم‪ )) :-‬ينجو أوّ ُ‬
‫ل هذه المة بالزهد في الدنيا‬
‫و قصر المل‪ ،‬ويهلك آخرها بالحرص و طول المل((‪.‬‬
‫و قال عليه الصلة و السلم‪)) :‬من الشقاء أربع‪ :‬جمود‬
‫العين‪ ،‬وقسوة القلب‪ ،‬والحرص‪ ،‬وطول المل((‪.‬‬
‫ل‬
‫ومن دعائه عليه الصلة والسلم‪)) :‬أعوذ بك من كل أم ٍ‬
‫يلهيني((‪.‬‬
‫وقال علي كرم الله وجهه‪ " :‬أخوف ما أخاف عليكم اّتباع‬
‫الهوى و طول المل‪.‬‬
‫أما اّتباع الهوى فيصد ّ عن الحق‪ ،‬وأما طول المل فينسي‬
‫الخرة"‪.‬‬
‫ومن المأثور‪ :‬من طال أمله ساء عمله ‪.‬‬
‫فطول المل عبارة عن استشعار طول البقاء في الدنيا‪.‬‬
‫ل من صاحبه على فرط الحماقة و نهاية الغباوة ؛‬ ‫وهو دا ّ‬
‫ل له مساءً ‪:‬‬ ‫سك بالوهم‪ ،‬ولو ِقي َ‬
‫م ّ‬
‫م و تَ َ‬
‫فإنه قد ضّيع الحز َ‬
‫هل تثق بالبقاء إلى الصباح ؟ أو صباحا ً ‪ :‬هل تثق بالبقاء‬
‫إلى المساء ؟ لقال ‪ :‬ل‪.‬‬
‫) ‪(1/32‬‬

‫ثم هو يعمل لدنياه عمل من ل يموت حتى لو أنه ُأخبر أنه‬


‫يخلد في الدنيا لم يجد موضعا ً للزيادة على ما هو عليه‬
‫من الحرص و الرغبة في الدنيا‪.‬‬
‫من هذه صفته ؟‬ ‫م ّ‬‫فمن أعظم حماقة ِ‬
‫ثم ان طول المل أصل لجملة من سيئات الخلق و‬
‫العمال التي تثبط عن الطاعة‪ ،‬وتدعو إلى الوقوع في‬
‫المعصية‪ ،‬مثل الحرص و البخل و خوف الفقر‪ .‬ومن‬
‫أعظمها قبحا ً الستئناس بالدنيا ‪ ،‬و الخذ في عمارتها‪ ،‬و‬
‫السعي لجمع حطامها‪ ،‬وقد قال عليه الصلة و السلم‪:‬‬
‫من عمرها فليس مني((‪.‬‬ ‫ت لخراب الدنيا‪ ،‬ف َ‬ ‫)) ب ُعِث ْ ُ‬
‫و عن طول المل يكون التسويف‪ ،‬وهو العقيم الذي ل ي َل ِد ُ‬
‫ط‪ .‬يقال إن أكثر صياح أهل النار من سوف‪ ،‬فل‬ ‫خيرا ً ق ّ‬
‫وف يتثاقل عن الطاعات و يؤخر التوبة عن‬ ‫يزال المس ّ‬
‫َ‬
‫خْرت َِني‬ ‫ول أ ّ‬ ‫ب لَ ْ‬
‫السيئات حتى ينزل به الموت؛ فيقول‪َ } :‬ر ّ‬
‫َ‬
‫ن {]المنافقون‪:‬‬ ‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫كن ّ‬ ‫صد ّقَ وَأ َ ُ‬ ‫ب فَأ ّ‬
‫ري ٍ‬
‫ِ‬ ‫ل قَ‬‫ج ٍ‬
‫َ‬
‫إ َِلى أ َ‬
‫جل َُها{‬ ‫َ‬ ‫ه ن َْفسا ً إ ِ َ‬
‫جاء أ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫خَر الل ّ ُ‬ ‫‪ ،[10‬فيقال له‪} :‬وََلن ي ُؤَ ّ‬
‫َ‬
‫من ت َذ َك َّر‬ ‫ما ي َت َذ َك ُّر ِفيهِ َ‬
‫كم ّ‬ ‫مْر ُ‬‫م ن ُعَ ّ‬‫]المنافقون‪} ،[11:‬أوَل َ ْ‬
‫ذيُر{]فاطر‪ .[37:‬فيخرج من الدنيا بخسارة ل‬ ‫جاءك ُ ُ‬
‫م الن ّ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫صر يا أخي أملك ! وليكن‬
‫آخر لها‪ ،‬و ندامة ل انتهاء لها؛ فق ّ‬
‫أجلك نصب عينيك‪ ،‬وأملك وراء ظهرك‪.‬‬
‫) ‪(1/33‬‬

‫واستعن على ذلك بالكثار من ذكر هادم اللذات و مفرق‬


‫الجماعات‪ ،‬وتفكر فيما اندرج أمامك من المعارف و‬
‫القربات‪ .‬واستشعر فرب الموت فإنه أقرب غائب ينتظر‪،‬‬
‫وفا ً هجومه في جميع الحالت‪ .‬وقد‬ ‫وكن مستعدا ً له متخ ّ‬
‫كان رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يقول‪)) :‬والذي‬
‫نفسي بيده ما رفعت طرفي وظننت أني اخفضه حتى‬
‫أقبض‪ ،‬ول أكلت لقمة فظننت أني أسيغها حتى أغص بها‬
‫من الموت(( ‪ ...‬الحديث‪ ،‬وربما ضرب عليه السلم بيده‬
‫على الحائط للتيمم‪ ،‬فيقال له‪ :‬إن الماء منك قريب‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬ل أدري لعلي ل أبلغه‪.‬‬
‫وكان الصديق رضي الله عنه ينشد‪:‬‬
‫ك‬
‫شرا ِ‬
‫كل امرىء مصبح في أهل ِهِ ‪ ...‬والموت أدنى من ِ‬
‫ه‬
‫نعل ِ ِ‬
‫قال حجة السلم ‪-‬رحمه الله‪ :-‬اعلم أن الموت ل يهجم‬
‫ت مخصوص ولب ُد ّ من هجومه‪ ،‬فالستعداد له أولى‬ ‫في وق ٍ‬
‫من الستعداد للدنيا‪.‬‬
‫) ‪(1/34‬‬

‫صل‪) :‬في التحذير من أكل الحرام و الشبهات(‬ ‫فَ ْ‬


‫وأما تناول الحرام و الشبهات فهو ل محالة يصرف عن‬
‫الطاعة‪ ،‬و يدعو إلى المعصية‪ ،‬وقد ُروِيَ مرفوعا ً إلى‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه و سلم‪)) :-‬من أكل الحلل‬
‫أطاعت جوارحه شاء أم أبى‪ ،‬ومن أكل الحرام عصت‬
‫جوارحه شاء أم أبى((‪.‬‬
‫ه تعمل"‪.‬‬‫ت فمثل ُ ُ‬
‫شئ َ‬ ‫وفي الخبر أو الثر‪" :‬ك ُ ْ‬
‫ل ما ِ‬
‫وقال بعض العارفين‪ :‬ما قطع الخلق عن الحق وأخرجهم‬
‫من دائرة الولية إل عدم تفتيشهم عن هذه اللقمة ‪.‬‬
‫وآكل الحرام و الشبهة وإن أطاع الله فطاعته غير‬
‫مقبولة؛ لن الله إنما يتقبل من المتقين‪ ،‬و الله طيب ل‬
‫يقبل إل طيبًا؛ فأمسك أخي عن تناول الحرام وجوبًا‪ ،‬و‬
‫عن تناول الشبهات ورعًا‪ ،‬و عليك بطلب الحلل‪ ،‬فإن‬
‫طلبه فريضة بعد الفريضة‪ ،‬فإذا ضفرت به فكل منه قصدا ً‬
‫‪ ،‬والبس منه قصدا ً ‪ ،‬ول تسرف فإن الحلل ل يحتمل‬
‫ل شّر‪،‬‬ ‫السرف ‪ ،‬وإّياك و الشبع فإنه من الحلل مبدأ ك ّ‬
‫فكيف من الحرام ؟‬
‫) ‪(1/35‬‬

‫وقال عليه الصلة و السلم‪ )) :‬ما مل ابن آدم وعاء شّرا ً‬


‫من بطنه حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه‪ ،‬فإن كان ل‬
‫محالة ؛ فثلث لطعامه و ثلث لشرابه وثلث لنفسه(( ‪ ،‬و‬
‫السلم ‪.‬‬
‫) ‪(1/36‬‬

‫ث على الخلص (‬ ‫صل ‪ ) :‬في الح ّ‬ ‫فَ ْ‬


‫ن{‬‫دو ِ‬ ‫س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫لن َ‬‫ن َوا ْ ِ‬‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬‫خل َْق ُ‬ ‫ما َ‬
‫قال الله تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫]الذاريات‪.[56:‬‬
‫َ‬
‫ة‬‫سع َ ٌ‬ ‫ضي َوا ِ‬ ‫ن أْر ِ‬‫مُنوا إ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫عَبادِيَ ال ّ ِ‬
‫و قال تعالى‪َ} :‬يا ِ‬
‫ن {]العنكبوت‪.[56:‬‬ ‫فَإ ِّيايَ َفاعْب ُ ُ‬
‫دو ِ‬
‫فعليك أيها المؤمن ‪-‬وّفقك الله‪ -‬بالتفرغ لعبادة ربك بقطع‬
‫ما يقطع عنها من القواطع‪ ،‬وصرف ما يصرف عنها من‬
‫الصوارف و الموانع‪.‬‬
‫واعلم أن العبادة ل تصح بدون العلم‪ ،‬و العلم و العبادة ل‬
‫ينفعان ال مع الخلص‪ .‬فعليك به فإنه القطب الذي عليه‬
‫ول‪ .‬وهو كما قال أبو‬ ‫المدار والصل الذي عليه المع ّ‬
‫القاسم القشيري ‪-‬رحمه الله‪ :-‬الخلص إفراد الحق في‬
‫الطاعة بالقصد‪ ،‬وهو أن تقصد بطاعتك التقّرب إلى الله‬
‫دة عند‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬‫م ْ‬ ‫ن تصن ٍّع لمخلوق أو اكتساب َ‬ ‫م ْ‬
‫دون شيء آخر ِ‬
‫الناس‪ ،‬أو محبة مدح من الخلق أو معنى من المعاني‬
‫ح أن يقال‪ :‬الخلص‬
‫سوى التقرب إلى الله"‪ .‬قال‪" :‬ويص ّ‬
‫تصفية الفعل عن ملحظة الخلق"‪ .‬انتهى‪ ،‬وهو القصد في‬
‫هذا الباب‪.‬‬
‫) ‪(1/37‬‬

‫صل ‪ ) :‬في التحذير من الّريا (‬ ‫فَ ْ‬


‫و إّياك و الرياء فإنه يحبط العمل و يبطل الثواب ‪ ،‬و‬
‫ماه رسول الله صّلى الله‬ ‫يوجب المقت والعقاب ‪ ،‬وقد س ّ‬
‫ك الصغَر ‪.‬‬ ‫عليه وسّلم الشر َ‬
‫و في الحديث عنه صّلى الله عليه وسّلم ‪ )) :‬اول خلق‬
‫الله ُتصلى بهم النار يوم القيامة ثلثة ‪ :‬رجل قرأ القرآن‬
‫ل إنه‬‫شهِد َ و ما قاتل إل لُيقا َ‬ ‫ل أنه قارئ ‪ ،‬و رجل است ُ ْ‬ ‫لُيقا َ‬
‫دق منه صدقة ليقال إنه جواد((‬ ‫جري ‪ ،‬ورجل له مال تص ّ‬
‫الحديث مختصر بمعناه ‪.‬‬
‫و الرياء عبارة عن طلب المنزلة عند الناس بعمل ُيتقّرب‬
‫ت‬
‫بمثله إلى الله تعالى‪ ،‬كالصلة والصيام ‪ ،‬فإذا احسس َ‬
‫ن الخلص منه بترك العمل ‪،‬‬ ‫من نفسك بالرياء فل تطلب ّ‬
‫فتكون قد أرضيت الشيطان ؛ بل عليك أن تنظر‪ ،‬فك ّ‬
‫ل‬
‫عمل ل تستطيع أن تعمله إل حيث يراك الناس ؛ كالحج‬
‫والجهاد و طلب العلم وصلة الجماعة و ما جرى مجرى‬
‫ذلك ؛ فعليك أن تفعله ظاهرا ً كما أمرك الله ‪ ،‬و جاهد‬
‫نفسك و استعن بالله ‪ ،‬و أما ما ل يكون من العمال بهذه‬
‫المثابة؛ كالصيام و القيام والصدقة و التلوة ؛ فعليك في‬
‫ن فعلها في‬ ‫مثل هذه العمال بالمبالغة في كتمانها ؛ فإ ّ‬
‫مل القتداء‬ ‫ن الرياء و أ ّ‬‫م َ‬‫من أ ِ‬ ‫سرِ أفضل مطلقا ً ‪ ،‬إل ل َ‬ ‫ال ّ‬
‫واكن من أهله ‪.‬‬
‫) ‪(1/38‬‬

‫فَ ْ‬
‫صل‪ ) :‬في التحذير من العجاب بالنفس (‬
‫وأحذر العجب فإنه من المحبطات‪.‬‬
‫قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه و سلم‪)) :-‬العجب يأكل‬
‫الحسنات كما تأكل النار الحطب((‪.‬‬
‫ح‬ ‫وقال ‪-‬صلوات الله عليه وسلمه‪)) :-‬ثلث مهلكات‪ُ :‬‬
‫ش ّ‬
‫مّتبع‪ ،‬وإعجاب المرء بنفسه((‪.‬‬ ‫م َ‬
‫طاع‪ ،‬وهوىً ُ‬ ‫ُ‬
‫والعجب عبارة عن نظر النسان إلى نفسه بعين التعظيم‬
‫و إلى ما يصدر منه بعين الستحسان‪ .‬وعنه نشأ الدلل‬
‫بالعلم و التعاظم على الناس و الرضى عن النفس‪.‬‬
‫وهو كما قال ابن عطاء الله ‪-‬رحمه الله‪ " :-‬أصل كل‬
‫معصية و غفلة وشهوة الرضى عن النفس" انتهى‪.‬‬
‫ومن رضي عن نفسه عمي عن عيوبها‪ ،‬ومتى يفلح من‬
‫يجهل عيوب نفسه؟‬
‫ن السخط‬ ‫ن عي َ‬‫ة ‪ ...‬و لك ّ‬
‫ب كليل ٌ‬
‫وعين الرضى عن كل عي ٍ‬
‫تبدي المساويا‬
‫) ‪(1/39‬‬

‫ب الدنيا (‬ ‫صل ‪ ) :‬في التحذير من ح ّ‬ ‫فَ ْ‬


‫قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه و سلم‪)) :-‬حب الدنيا‬
‫رأس كل خطيئة((‪.‬‬
‫س كل خطيئة‪ ،‬وأصل كل بلية‪ ،‬وأساس‬ ‫فإذا كان حّبها رأ َ‬
‫كل رذية ‪،‬ومعدن كل فتنة ‪ ،‬ومنبع كل محنة‪ ،‬وهو أمر قد‬
‫م في هذا الزمان ضرره و طار شرره وعظم خطره و‬ ‫ع ّ‬
‫أطبق عليه الخاص والعام و تظاهر الناس به بل احتشام‬
‫كأنه ل عار فيه ول ملم‪ .‬وقد تمكن من قلوبهم كل‬
‫التمكن‪ ،‬فأتمر لهم الحرص البالغ على عمارة الدنيا و جمع‬
‫الحطام‪ ،‬فغدوب وراحوا بشبكاتهم لصطياد الشبهات و‬
‫الحرام‪ .‬كأن الله قد فرض عليهم عمارة الدنيا كما فرض‬
‫الصلة و الصيام‪.‬‬
‫ت أنواُر اليقين‬‫س ْ‬
‫م َ‬‫دين وط ُ ِ‬
‫م ال ّ‬
‫ت معال ُ‬ ‫س ْ‬
‫ولذلك د ََر َ‬
‫مت‬ ‫ح َ‬‫ل الهدى واقت ُ ِ‬ ‫سب ُ‬
‫ت ُ‬ ‫كرين‪ ،‬وعََف ْ‬ ‫ست ألسنة المذ ّ‬ ‫خّر َ‬ ‫و ُ‬
‫ل الردى‪ .‬وهذه والله هي الفتنة العمياء الصماء‬ ‫سب ُ‬ ‫ُ‬
‫مة السوداء التي ل ُيجاب فيها من دعا ول ُيسمع‬ ‫المدلهِ ّ‬
‫فيها من نادى‪ .‬حقّ ما أخبر به سيد النبياء ‪-‬صلى الله‬
‫عليه و سلم‪ -‬إذ يقول‪)) :‬لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال‪،‬‬
‫ولكل أمة عجل و عجل أمتي الدينار و الدرهم((‪ .‬معناه‬
‫‪-‬والله أعلم‪ :-‬أن لكل أمة شيئا ً يشتغلون به عن عبادة‬
‫الله تعالى كل الشتغال كما اشتغلت بنو إسرائيل بعبادة‬
‫العجل عن عبادة الله تعالى‪.‬‬
‫) ‪(1/40‬‬

‫وبعد فمن الحسن أن نختم هذه النبذة بشيء مما ورد في‬
‫ول‬‫در ذلك بقاعدة يع ّ‬ ‫م الدنيا وذم مؤثرها‪ .‬وينبغي أن نص ّ‬ ‫ذ ّ‬
‫عليها ويرجع إليها‪ .‬فنقول و بالله التوفيق‪:‬‬
‫الدنيا على ثلث طبقات‪:‬‬
‫فدنيا فيها الثواب‪ ،‬وأخرى فيها الحساب‪ ،‬وثالثة فيها‬
‫العذاب‪.‬‬
‫فأما التي فيها الثواب‪ :‬فهي التي تصل بواسطتها إلى‬
‫الخير و تنجو بواسطتها عن قلع الشر‪ ،‬وهي مطية المؤمن‬
‫ومزرعة الخرة‪ ،‬وهي الكفاف عن الحلل‪.‬‬
‫وأما التي فيها الحساب‪ :‬فهي التي ل تشتغل بسببها عن‬
‫أداء مأمور ول ترتكب في طلبها أمرا ً محظورًا‪ ،‬وهذه‬
‫الدنيا فيها الحساب الطويل وأربابها هم الغنياء الذين‬
‫يسبقهم الفقراء إلى الجنة بنصف يوم وهو خمس مائة‬
‫عام‪.‬‬
‫وأما التي فيها العذاب‪ :‬فهي التي تقطع عن أداء‬
‫المأمورات و توقع في إرتكاب المحظورات‪ ،‬وهي زاد‬
‫جته إلى دار البوار‪ ،‬وإليه الشارة‬ ‫مد ْرِ َ‬
‫صاحبها إلى النار و ُ‬
‫بما روي‪)) :‬إن الله يأمر بالدنيا إلى النار فتقول‪ :‬أشياعي‬
‫حُقوا بها أشياعها و‬‫و أتباعي؟ فيقول سبحانه و تعالى‪ :‬أل ِ‬
‫حُقون بها((‪.‬‬ ‫أتباعها‪ ،‬في ُل ْ َ‬
‫) ‪(1/41‬‬

‫وأعلم أن طلب الدنيا على أنواع‪:‬‬


‫فمنهم من يطلبها على نية صلة القربين و مواساة‬
‫ب إن وافق عمله‬ ‫المقلين‪ ،‬وهذا ُيعد ّ من السخياء وله ثوا ٌ‬
‫نيته‪ .‬ولكنه لحكمة عنده لن الحكيم ل يطلب أمرا ً ل‬
‫يدري ما ذا يكون الحال عند حصوله؛ وليعتبر من كان‬
‫مشار إليه في قوله‬ ‫يطلبها على هذه النية بقصة ثعلبة ال ُ‬
‫صد ّقَ ّ‬
‫ن‬ ‫ضل ِهِ ل َن َ ّ‬‫من فَ ْ‬ ‫ن آَتاَنا ِ‬ ‫ه ل َئ ِ ْ‬ ‫عاهَد َ الل ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫تعالى‪} :‬وَ ِ‬
‫ن {]التوبة‪ ...[75:‬اليات‪.‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬‫وَل َن َ ُ‬
‫وكم من طالب نيته نيل الشهوات و التمتع باللذات‪ ،‬وهذا‬
‫ُيعد ّ في جملة البهائم ويدخل في حيز النعام‪ .‬وإلى نوعه‬
‫ن أ َْو‬
‫مُعو َ‬ ‫س َ‬‫م يَ ْ‬
‫الشارة بقوله تعالى‪} :‬أ َم تحسب أ َ َ‬
‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ ّ‬
‫ل هُ َ‬ ‫كاْل َن َْعام ِ ب َ ْ‬ ‫م إ ِّل َ‬
‫سِبيل ً {]الفرقان‪:‬‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫مأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ي َعِْقُلو َ‬
‫‪.[44‬‬
‫وكم من طالب يطلب الدنيا ليفاخر بها و يكاثر بها و يباهي‬
‫بها‪ ،‬وهو معدود من الحمقى المغرورين‪ ،‬بل من‬
‫م{]البقرة‪،[ 60:‬‬ ‫م ْ‬ ‫المثبورين‪ ،‬و }قَد عَل ِم ك ُ ّ ُ‬
‫شَرب َهُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ل أَنا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن {]القصص‪:‬‬ ‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬‫ن ُ‬ ‫ما ت ُك ِ ّ‬‫م َ‬ ‫ك ي َعْل َ ُ‬ ‫}وََرب ّ َ‬
‫‪.[69‬‬
‫دعي أمرا ً ليس‬ ‫فانصح يا أخي لنفسك‪ ،‬وإياك أن تغشها فت ّ‬
‫من نيتك‪ ،‬فتكون قد جمعت بين الفلس‪ ،‬و الدعوى؛‬
‫ن{‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫سَرا ُ‬ ‫خ ْ‬ ‫ك هُوَ ال ْ ُ‬ ‫فتخسر الدنيا و الخرة‪} :‬ذ َل ِ َ‬
‫]الحج‪ .[11:‬إذا تقّرر هذا فلنشرع في الخاتمة و نقول‪:‬‬
‫) ‪(1/42‬‬

‫مة‬
‫خات ِ َ‬ ‫َ‬
‫تحتوى على آيات من كتاب الله وأخبار من سنة رسول‬
‫الله ص وآثار من حكمة أولياء الله تدل على حقارة الدنيا‬
‫وسرعة زوالها وعلى حماقة من اغتربها وركن إلى محالها‬
‫وتحمل على الزهد في الدنيا من نظر فيها ‪ ،‬وكان له قلب‬
‫أو ألقى السمع وهو شهيد‬
‫ل‬‫مث َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫قال الله تعالى‪ ،‬وقوله الحق وكلمه الصدق‪ ):‬إ ِن ّ َ‬
‫خت َل َ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ط ب ِهِ ن ََبا ُ‬ ‫ماء َفا ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ماء أنَزل َْناهُ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ‬‫ال ْ َ‬
‫ال َرض مما يأ ْ‬
‫ض‬
‫ت الْر ُ‬
‫َ‬ ‫ذا أ َ َ‬
‫خذ َ ِ‬ ‫ى إِ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫ح‬‫َ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫عا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل الّناس وال َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ ِ ِ ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن عَل َي َْهآ أَتا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مُرَنا‬ ‫ها أ ْ‬ ‫م َقادُِرو َ‬ ‫ن أهْل َُها أن ّهُ ْ‬ ‫ت وَظ َ ّ‬ ‫خُرفََها َواّزي ّن َ ْ‬ ‫ُز ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ك َذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫م ِ‬ ‫ن ِبال ْ‬ ‫م ت َغْ َ‬‫دا ك َأن ل ّ ْ‬ ‫صي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ها َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬‫ل َي ْل ً أوْ ن ََهاًرا فَ َ‬
‫ن(]يونس‪. [24:‬‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َت ََفك ُّرو َ‬ ‫ل الَيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن َُف ّ‬
‫َ‬
‫ة ل َّها ل ِن َب ْل ُوَهُ ْ‬
‫م‬ ‫ض ِزين َ ً‬ ‫ْ‬
‫ما عَلى الْر ِ‬
‫َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫وقال تعالى‪ ):‬إ ِّنا َ‬
‫أ َيه َ‬
‫جُرًزا(‬ ‫دا ُ‬ ‫صِعي ً‬ ‫ما عَل َي َْها َ‬ ‫ن َ‬ ‫عُلو َ‬ ‫جا ِ‬ ‫مل ً * وَإ ِّنا ل َ َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُّ ْ‬
‫]الكهف‪.[8-7:‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬‫جا ّ‬ ‫مت ّعَْنا ب ِهِ أْزَوا ً‬ ‫ما َ‬ ‫ك إ َِلى َ‬ ‫ن عَي ْن َي ْ َ‬ ‫مد ّ ّ‬ ‫وقال تعالى‪ ):‬وََل ت َ ُ‬
‫خي ٌْر وَأ َب َْقى(]طه‬ ‫ك َ‬ ‫م ِفيهِ وَرِْزقُ َرب ّ َ‬ ‫دنَيا ل ِن َْفت ِن َهُ ْ‬‫حَياةِ ال ّ‬ ‫َزهَْرةَ ال ْ َ‬
‫‪.[131:‬‬
‫) ‪(1/43‬‬

‫حْرث ِهِ‬ ‫ه ِفي َ‬ ‫خَرةِ ن َزِد ْ ل َ ُ‬ ‫ث اْل ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫ريد ُ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫وقال تعالى‪َ ):‬‬
‫من‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫ه ِفي اْل ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫من َْها وَ َ‬ ‫ث الد ّن َْيا ُنؤت ِهِ ِ‬ ‫حْر َ‬ ‫ريد ُ َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫وَ َ‬
‫ب(]الشورى‪.[20:‬‬ ‫صي ٍ‬ ‫نّ ِ‬
‫ب وَل َهْوٌ وَِزين َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا ل َعِ ٌ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫وقال تعالى‪ ):‬اعْل َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ث‬‫ل غَي ْ ٍ‬ ‫مث َ ِ‬‫ل َوالْولدِ ك َ َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫كاث ٌُر ِفي اْل ْ‬ ‫م وَت َ َ‬ ‫خٌر ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫وَت ََفا ُ‬
‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫طا ً‬ ‫ن ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫صَفّرا ث ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ج فَت ََراهُ ُ‬ ‫م ي َِهي ُ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫ب ال ْك ُّفاَر ن ََبات ُ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫أعْ َ‬
‫ما‬
‫ن وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬
‫ض َ‬ ‫م َ‬ ‫مغِْفَرةٌ ّ‬ ‫ديد ٌ وَ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫وَِفي اْل ِ‬
‫مَتاعُ ال ْغُُروِر(]الحديد ‪.[20:‬‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا إ ِّل َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا* فَإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫من ط ََغى* َوآث ََر ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫وقال تعالى‪ ):‬فَأ ّ‬
‫مأ َْوى(]النازعات‪. [39-37:‬‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫م هِ َ‬ ‫حي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه و سلم‪)): -‬الدنيا ملعونة‬
‫ملعون ما فيها إل ذكر الله وعالم ومتعلم ‪ ،‬فلو كانت‬
‫الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا ً شربة‬
‫ماء(( ‪.‬‬
‫))الدنيا جيفة قذرة(( ‪.‬‬
‫))إن الله تعالى جعل ما يخرج من ابن آدم مثل ً للدنيا (( ‪.‬‬
‫))ما الدنيا في الخرة إل مثل ما يضع أحدكم إصبعه في‬
‫اليم فينظر بماذا يرجع(( ‪.‬‬
‫ل أحد يوم القيامة أنه ما أعطي من الدنيا كان‬ ‫نك ّ‬ ‫))لي َوَد ّ ّ‬
‫قوتًا(( ‪.‬‬
‫مخّفون((‪.‬‬ ‫ن بين أيديكم عقبة كئودا ً ل يجوزها إل ال ُ‬ ‫)) إ ّ‬
‫مخّفين يا رسول الله ؟‬ ‫)) وقال رجل ‪ :‬هل أنا من ال ُ‬
‫فقال ‪ :‬هل عندك قوت يومك؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال‪ :‬عندك‬
‫قوت غد ؟ قال‪ :‬ل ‪ ،‬فقال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه و‬
‫سلم ‪ :-‬لو كان عندك قوت غد لم تكن المخفين((‪.‬‬
‫) ‪(1/44‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم‪)):‬الدنيا حلوة خضرة وإن الله‬


‫مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ‪ ،‬فاتقوا الدنيا واتقوا‬
‫النساء‪ ،‬فوالله ما الفقر أخشى عليكم‪ ،‬إنما أخشى أن‬
‫تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم‬
‫فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم((‬
‫))إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح لكم من زينة الدنيا‬
‫وزهرتها ((‪)) ،‬احذروها فإنها أسحر من هاروت وماروت ((‬
‫))الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر((‬
‫))إن الله يذود الدنيا عن عبده المؤمن كما يذود الراعي‬
‫الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة((‬
‫ب الدنيا((‬
‫ب ل ُيغَفُر ح ّ‬
‫))ذن ٌ‬
‫ب دنياه أضّر‬‫ب آخرته أضّر بدنياه ‪ ،‬ومن أح ّ‬ ‫))من أح ّ‬
‫بآخرته؛ فآثروا ما يبقى على ما يفنى((‬
‫مّرة الخرة ((‬‫مّرة الدنيا‪ ،‬حلوة الخرة‪ ،‬حلوة الدنيا ‪ُ ،‬‬ ‫)) ُ‬
‫من قال هكذا‬ ‫))الكثرون هم القّلون يوم القيامة إل َ‬
‫وهكذا((‬
‫) ‪(1/45‬‬

‫ن بأقوام يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة‬ ‫))لُيجاَء ّ‬


‫فتجعل هباء منثورا ً ويؤمر بهم إلى النار‪ ،‬كانوا يصلون‬
‫ويصومون ويأخذون هينة من الليل‪ ،‬فإذا لح لهم شيء‬
‫من الدنيا وثبوا عليه((‬
‫وقال صلوات الله عليه وسلمه‪)) :‬مالي وللدنيا إنما مثل‬
‫الدنيا كراكب سار في يوم صائف فقال تحت شجرة‬
‫ساعة ثم راح((‬
‫))من أصبح آمنا ً في سربه معافى في جسده عنده قوت‬
‫يومه فكأنما حيزت إليه الدنيا بحذافيرها ((‬
‫))بعثت لخراب الدنيا فمن عمرها فليس مني((‬
‫))من كانت نيته الخرة جعل الله غناه في قلبه وجمع له‬
‫شمله وأتته الدنيا وهي راغمة‪ ،‬من كانت نيته الدنيا جعل‬
‫الله الفقر بين عينيه وشتت عليه أمره ولم يأته من الدنيا‬
‫إل ما كتب الله له ((‬
‫))كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من‬
‫أهل القبور(())إزهد في الدنيا يحبك الله ‪ ،‬وازهد فيما في‬
‫أيدي الناس يحبك الناس ((‪ .‬وقال عليه الصلة والسلم ‪:‬‬
‫))الدنيا دار من ل دار له ومال من ل مال له ولها يجمع‬
‫من ل عقل له وعليها يحزن من ل علم له وعليها يحسد‬
‫من ل فقه له وبها يفرج من ل يقين له((‪.‬‬
‫) ‪(1/46‬‬

‫))ما يسكن حب الدنيا قلب عبد إل التاط منها بثلث‪:‬‬


‫شغل ل ينفك عناه‪ ،‬وفقر ل يدرك غناه‪ ،‬وأمل ل ينال‬
‫منتهاه((‪.‬‬
‫))إن الدنيا والخرة طالبتان ومطلوبتان‪ ،‬فطالب الخرة‬
‫تطلبه الدنيا حتى يستوفي رزقه‪ ،‬وطالب الدنيا تطلبه‬
‫الخرة حتى يأخذ الموت بعنقه((‪.‬‬
‫))أل وإن السعيد من آثر باقية يدوم نعيمها على فانية ل‬
‫ينفد عذابها‪ ،‬وقدم لما يقدم عليه مما هو الن في يديه‬
‫قبل أن يخلفه لمن يسعد بإنفاقه وقد شقي هو بجمعه‬
‫واحتكاره((‬
‫)) تعس عبد الدنيا وانتكس فإذا شيك فل انتقش((‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪)):‬الزهادة في الدنيا تريح‬
‫القلب والبدن‪ ،‬والرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن‪،‬‬
‫واالبطالة تقسي القلب((‪.‬‬
‫))إن النور إذا دخل القلب انشرح له وانفسح‪ ،‬قيل ‪ :‬فهل‬
‫لذلك من علمة إلى دار الخلود والستعداد للموت قبل‬
‫نزوله((‪.‬‬
‫) ‪(1/47‬‬

‫و أوحى الله إلى موسى‪ :‬يا موسى ‪ ،‬إذا رأيت الغنى مقبل ً‬
‫فقل ذنب عجلت عقوبته‪ ،‬وإذا رأيت الفقر مقبل ً فقل‬
‫مرحبا ً بشعار الصالحين‪ .‬وأوحى الله إلى داود‪ :‬يا داود‪،‬‬
‫من آثر هوى دنياه على لذة آخرته فقد استمسك بالعروة‬
‫التي ل وثاق لها‪ ،‬ومن آثر هوى آخرته على لذة دنياه فقد‬
‫استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها ‪.‬‬
‫وأوحى الله إلى عيسى‪ :‬يا عيسى‪ ،‬قل لبني إسرائيل‬
‫ي الدنيا لسلمة‬ ‫يحفظوا عني حرفين‪ :‬قل لهم ليرضوا بدن ّ‬
‫ي الدين لسلمة دنياهم‪.‬‬ ‫دينهم‪ ،‬كما رضي أهل الدنيا بدن ّ‬
‫وفي بعض كتب الله المنزلة‪ :‬أهون ما أنا صانع بالعالم إذا‬
‫ركن إلى الدنيا أن أخرج حلوة مناجاتي من قلبه‪.‬‬
‫مّري‬‫ويروى عن الله تعالى أنه قال للدنيا‪)) :‬يا دنيا ‪ُ ،‬‬
‫لوليائي ول تحّلي لهم فتفتنيهم ((‪.‬‬
‫وقال علي‪-‬كرم الله وجهه‪ :-‬مثل الدنيا والخرة مثل‬
‫المشرق والمغرب على قدر ما تقرب من أحدهما تبعد‬
‫ت‬
‫ت إحداهما أسخط َ‬ ‫عن الخر‪ ،‬ومثل الضّرتين إذا أرضي َ‬
‫الخرى‪ ،‬ومثل إناءين أحدهما فارغ والخر ممتلئ بقدر ما‬
‫ب في الفارغ ينقص الملن‪.‬‬ ‫ص ّ‬‫ت ُ‬
‫) ‪(1/48‬‬

‫وقال رضي الله عنه‪ :‬وجدت الدنيا ستة أشياء‪ :‬مطعوم‬


‫وأطيبه العسل وهو مذقة ذباب‪ ،‬ومشروب وأحسنه الماء‬
‫وهو الذي يستوي فيه البّرو الفاجر‪ ،‬و مشموم وأذكاه‬
‫المسك‪ ،‬وهو دم فأرة‪ ،‬وملبوس وألينه الحرير وهو نسج‬
‫ل عليها‬‫دودة‪ ،‬ومركوب وأنفسه الفرس وهي التي ُيقت َ ُ‬
‫ل‪ ،‬وحسبك أن المراة‬ ‫ل في مبا ٍ‬‫الرجال‪ ،‬ومنكوح وهو مبا ٍ‬
‫س ما فيها‪.‬‬ ‫صد ُ منها أخ ّ‬
‫تزين بأحسن ما عندها وُيق َ‬
‫وقال رضي الله عنه‪ :‬طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين‬
‫في الخرة‪ ،‬أولئك قوم اتخذوا الرض بساطًا‪ ،‬وترابها‬
‫فراشًا‪ ،‬وماءها طيبًا‪ ،‬والدعاء والقرآن شعارا ً ودثارًا‪،‬‬
‫فرفضوا الدنيا على منهاج عيسى‪ ،‬عليه الصلة والسلم‪،‬‬
‫وفي المعنى أنشدوا‪:‬‬
‫أن لله رجال ً فطنا ‪ ...‬طّلقوا الدنيا وخافوا الفتنا‬
‫نظروا فيها فلما علموا ‪ ...‬أنها ليست لحي وطنا‬
‫جعلوها لجة واتخذوا ‪ ...‬صالح العمال فيها سفنا‬
‫وقال سعيد بن المسيب ‪ ،‬رحمه الله‪ :‬الدنيا نذلة‪ ،‬وهي‬
‫بكل نذل أشبه ‪ ،‬وأنذل منها من يأخذها من غير وجهها‪.‬‬
‫وللمتنبي في المعنى‪:‬‬
‫م‬‫ه الشيِء منجذب إليه ‪ ...‬وأشبهنا بدنيانا الطغا ُ‬ ‫وشب ُ‬
‫م‬‫ط القتا ُ‬ ‫ش وانح ّ‬ ‫ولو لم يعل إل ذو محل ‪ ...‬تعالى الجي ُ‬
‫) ‪(1/49‬‬

‫وقال الحسن البصري رحمه الله‪ :‬فضح الموت الدنيا؛ فلم‬


‫خَلقًا‪ ،‬وأكل‬‫ه أمرا ً لبس َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ح َ‬‫ب فيها فرحًا‪َ ،‬ر ِ‬ ‫يترك لذي ل ّ‬
‫كسرة‪ ،‬ولزق بالرض‪ ،‬وبكى على الخطيئة‪ ،‬ودأب في‬
‫العبادة‪.‬‬
‫ب الدنيا ذهب منه‬ ‫بح ّ‬ ‫وقال رحمه الله‪ :‬إذا دخل القل َ‬
‫خوف الخرة‪ ،‬و إياكم ما سشغل من الدنيا فإنه لم يفتح‬
‫دة أبواب من‬ ‫عبد على نفسه بابا ً من الدنيا إل سد ّ عليه ع ّ‬
‫عمل الخرة‪.‬‬
‫وقال رحمه الله ‪ :‬مسكين ابن آدم يستقل ماله و ل‬
‫ل عمله‪ ،‬يفرح بمصيبته في دينه‪ ،‬و يجزع بمصيبته‬ ‫يستق ّ‬
‫في دنياه‪ ،‬على السقام والمراض أسست هذه الدنيا‪،‬‬
‫ح من السقام ‪ ،‬وتبرأ من المراض‪ ،‬هل تقدر أن‬ ‫ك تص ّ‬ ‫هَب ْ َ‬
‫تنجو من الموت ؟ ولله در القائل‪:‬‬
‫ت يأتيكا‬ ‫س المو ُ‬ ‫دنيا تواتيكا ‪ ...‬ألي َ‬ ‫ب ال ّ‬‫هَ ِ‬
‫دنيا لشانيكا‬ ‫ب الدنيا ‪ ...‬د َِع ال ّ‬‫أل يا طال َ‬
‫ل يكفيكا‬ ‫مي ِ‬‫ل ال ِ‬ ‫فما تصنعُ بالدنيا ‪ ...‬وظ ّ‬
‫ك‬‫ك الدهُر ‪ ...‬كذاك الدهُر ُيبكي َ‬ ‫كما أضحك َ‬

‫) ‪(1/50‬‬
‫وقال محمد الباقر رضي الله عنه‪ :‬ما الدنيا وما عسى أن‬
‫تكون‪ ،‬هل هي إل مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة‬
‫أصبتها؟‬
‫وقال وهب بن منبه رحمه الله ‪ :‬للجنة ثمانية أبواب‪ ،‬فإذا‬
‫حصل الناس عليها قال لهم الخزنة‪ :‬وعزة ربنا ل يدخلها‬
‫أحد قبل الزاهدين في الدنيا والعاشقين للجنة‪.‬‬
‫وقال محمد بن سيرين ‪ :‬اختصم رجلن في الرض فأوحى‬
‫الله إلى الرض ‪ :‬أن كلميهما‪ ،‬فقالت لهما ‪ :‬يا مسكينان‪،‬‬
‫قد ملكني قبلكما ألف أعور فضل ً عن الصحاء‪.‬‬
‫وقال أبو حازم المدني رحمه الله ‪ :‬ما في الدنيا شيء‬
‫يسرك إل وقد لصق به شيء يسوؤك‪ ،‬الدنيا دار التواء ل‬
‫دار استواء‪ ،‬ومنزل ترح ل منزل فرح‪ ،‬وموطن شقاء ل‬
‫موطن رخاء‪ ،‬وقالت له امرأته‪ :‬إن الشتاء قد يهجم ول بد‬
‫د‪،‬‬
‫لنا من الطعام والثياب والحطب‪ ،‬فقال‪ :‬من هذا كله ب ُ ّ‬
‫ولكن ل ب ُد ّ لنا من الموت‪ ،‬ثم البعث‪ ،‬ثم الوقوف بين يدي‬
‫الله‪ .‬ثم الجنة والنار‪.‬‬
‫وقال رحمه الله‪ :‬ما تضرب بيدك إلى شيء من الدنيا إل‬
‫وتجد فاجرا ً قد سبقك إليه ‪.‬‬
‫) ‪(1/51‬‬

‫ي فيما زوى عني من الدنيا‬ ‫وقال رحمه الله‪ :‬نعمة الله عل ّ‬


‫ي منها ‪.‬‬ ‫ي فيما صرفه إل ّ‬ ‫أفضل من نعمته عل ّ‬
‫م ‪ ،‬وما بقي منها أماني‪.‬‬ ‫حل ُ ٌ‬
‫وقال ‪ :‬ما مضى من الدنيا ف ُ‬
‫وأنشدوا في المعنى‪:‬‬
‫ب بمثلها ل ُيخد َعُ‬ ‫ن اللبي َ‬‫ل ‪ ...‬إ ّ‬ ‫ل زائ ٍ‬‫ف أو كظ ّ‬‫كعبور طي ٍ‬
‫ولبي طيب المتنبي‪:‬‬
‫وكم من يعشق الدنيا قديما ً ‪ ...‬ولكن ل سبيل إلى الوصال‬
‫ك في منامك من‬ ‫ك في حياتك من حبيب ‪ ...‬نصيب ُ َ‬ ‫نصيب ُ َ‬
‫خيال‬
‫وقال لقمان عليه السلم‪ :‬من باع دنياه بآخرته ربحهما‬
‫جميعًا‪ ،‬ومن باع آخرته بدنياه خسرهما جميعًا‪.‬‬
‫ن الدنيا بحر عميق قد غرق فيه ناس‬ ‫وفي وصيته لبنه‪ :‬إ ّ‬
‫كثير‪ ،‬فلتكن سفينتك فيه تقوى الله‪ ،‬وحشوها اليمان‪ ،‬و‬
‫ك تنجو ‪ ،‬و ما أراك ناجيا ً !‬
‫شراعها التوكل؛ لعل ّ َ‬
‫وقال مالك بن دينار رحمه الله‪ :‬إذا سقم البدن ل ينجع‬
‫فيه طعام ول شراب ول نوم ول راحة‪ ،‬وكذلك القلب إذا‬
‫غلبه حب الدنيا لم تنفعه الموعظة‪ ،‬وقال لصحابه‪ :‬أنا‬
‫أدعو وأمنوا أنتم‪ :‬اللهم ل تدخل بيت مالك من الدنيا ل‬
‫قليل ول كثير‪،‬‬
‫) ‪(1/52‬‬

‫وكان إذا خرج من منزله يشد بابه بحبل ويقول ‪ :‬لول‬


‫الكلب تركته مفتوحًا‪.‬‬
‫وكان يقول ‪ :‬ل يبلغ العبد منازل الصديقين حتى يدع‬
‫امرأته كأنها أرملة ويأوي إلى الكلب‪.‬‬
‫ومّر على رجل يغرس فسيل ً فغاب يسيرًا‪ ،‬ثم مّر وقد‬
‫أثمر الفسيل ‪ ،‬فسأل عن غارسه‪ ،‬فقيل له ‪ :‬مات‪ ،‬فأنشأ‬
‫يقول‪:‬‬
‫ل‬ ‫ل قبل الم ْ‬
‫م ُ‬‫ل دنيا لتبقى له ‪ ...‬فمات المؤ ّ‬ ‫م ُ‬‫مؤ ّ‬
‫ل‬‫ي َُرّبي فسيل ً وُيعنى به ‪ ...‬فعاش الفسيل ومات الرج ْ‬
‫ولبي العتاهية‪:‬‬
‫ن القبوَر وداَره لم‬ ‫كم عامرٍ دارا ً ليسكن ظ ِّلها ‪َ ...‬‬
‫سك َ َ‬
‫َيسك ُ ِ‬
‫ن‬
‫وفي بعض الثار‪)):‬ل تزال ل إله إل الله تنفع قائليها ما لم‬
‫يؤثروا صفقة دنياهم على دينهم ‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك وقالوها‬
‫قال الله ‪ :‬كذبتم لستم بها صادقين((‪.‬‬
‫وكان بعض السلف يقول ‪ :‬يا من يمسك السماء أن تقع‬
‫على الرض إل بإذنه أمسك عني الدنيا‪ .‬ودخل إبراهيم بن‬
‫أدهم على المنصور‪ ،‬فقال ‪ :‬يا إبراهيم‪ ،‬ما تقول‪ :‬فأنشده‪:‬‬
‫نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ‪ ...‬فل ديننا يبقى ول ما ُنرقّ ُ‬
‫ع‬
‫) ‪(1/53‬‬
‫م عن‬ ‫ص ْ‬
‫وقال إنسان لداود الطائي‪ :‬أوصني ‪ ،‬فقال له‪ُ :‬‬
‫ل فطَرك الخرة‪ ،‬وفِّر من الناس ِفرارك من‬ ‫الدنيا وأجع ْ‬
‫السد‪.‬‬
‫ورآه رجل في المنام وهو يعدو فقال له‪ :‬يا أبا سليمان‪ ،‬ما‬
‫ما استيقظ قيل‬ ‫ت من السجن‪ ،‬فل ّ‬ ‫لك ؟ فقال‪ :‬الن أفل ُ‬
‫له ‪ :‬مات داود الطائي‪.‬‬
‫شّر كّله في‬ ‫ل ال ّ‬‫جع ِ َ‬ ‫وقال الفضيل بن عياض رحمه الله ‪ُ :‬‬
‫ل الخيُر كّله في‬ ‫جع ِ َ‬‫ة في الدنيا‪ ،‬و ُ‬ ‫ه الرغب َ‬‫ح ُ‬‫ل مفتا ُ‬ ‫جع ِ َ‬‫بيت و ُ‬
‫حه الزهادةَ في الدنيا‪ ،‬وقال رحمه الله‪ :‬لو‬ ‫مفتا ُ‬‫ل ِ‬ ‫جع ِ َ‬‫بيت و ُ‬
‫كانت الدنيا ذهبا ً يفنى والخرة خزفا ً يبقى لكان ينبغي لنا‬
‫أن نؤثر خزفا ً يبقى على ذهب يفنى‪ ،‬فكيف والدنيا خزف‬
‫يفنى والخرة ذهب يبقى؟‪.‬‬
‫وقال رحمه الله‪ :‬لو أتيت بالدنيا وقيل لي خذها حلل ً بل‬
‫حساب‪ ،‬لكنت أستقذرها كما يستقذر أحدكم الجيفة إذا‬
‫مر بها أن تصيب ثوبه‪.‬‬
‫وقال المام الشافعي رحمه الله‪ :‬لو كنت الدنيا تباع في‬
‫ما أرى فيها من الفات‪،‬‬ ‫السوق لما اشتريتها برغيف‪ .‬ل ِ َ‬
‫وقال رحمه الله‪:‬‬
‫سيق إلينا عذبها‬ ‫ومن يجهل الدنيا فإني طعمتها ‪ ...‬و ِ‬
‫وعذابها‬
‫فلم أرها إل غرورا ً وباطل ً ‪ ...‬كما لح في ظهر الفلة‬
‫سرابها‬
‫وما هي إل جيفة مستحيلة ‪ ...‬عليها كلب همهن اجتذابها‬
‫ما لهلها ‪ ...‬وإن تجذبها جاذبتك‬ ‫ت سل ً‬ ‫عش َ‬ ‫فإن تجتنبها ِ‬
‫كلبها‬
‫) ‪(1/54‬‬

‫وقال بشر بن الحارث رحمه الله‪ :‬من سأل رّبه الدنيا فقد‬
‫سأله طول الوقوف بين يديه‪ ،‬يعني‪ :‬للحساب‪ ،‬وكان ينشد‬
‫هذه البيات‪:‬‬
‫ه‬
‫أقسم بالله لرضخ النوى ‪ ...‬وشرب ماء القلب المالح ْ‬
‫ه‬
‫أحسن للمؤمن من حرصه ‪ ...‬ومن سؤال الوجه الكالح ْ‬
‫ى ‪ ...‬مغتبطا ً بالصفقة الرابح ْ‬
‫ه‬ ‫ن ذا غن ً‬‫ن بالله تك ْ‬ ‫فاستغ ِ‬
‫ه‬
‫اليأس عّز والتقى سؤدد ٌ ‪ ...‬ورغبة النفس لها فاضح ْ‬
‫من كانت الدنيا له بّرة ً ‪ ...‬فإنها يوما ً له ذابح ْ‬
‫ه‬
‫وكان ينشد هذين البيتين لبعض السلف‪ ،‬رضوان الله‬
‫عليهم‪:‬‬
‫ه‬
‫مكرم الدنيا مهان ‪ ...‬مستذل في القيام ْ‬
‫ه‬
‫م الكرام ْ‬ ‫والذي هانت عليه ‪ ...‬فله ث َ ّ‬
‫مرة يصف عليًا‪ ،‬كرم الله وجهه‪:‬‬ ‫ض ُ‬‫ضَراُر بن َ‬‫وقال ِ‬
‫كان يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل وظلمته‪،‬‬
‫وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه‪ ،‬وقد أرخى الليل‬
‫سدوله وغارت نجومه يتململ تململ السليم‪ ،‬ويبكي بكاء‬
‫ل‪ :‬يا دنيا غُّري غيري‪ :‬إل ّ‬
‫ي‬ ‫الحزين‪ ،‬قابضا ً على لحيته قائ ً‬
‫ك ثلثا ً ل رجعة فيها‪،‬‬ ‫وفت قد ب َت َت ّ ِ‬ ‫ي تش ّ‬ ‫ت ‪ ،‬أم إل ّ‬ ‫تعّرض ِ‬
‫فعمُرك قصير‪ ،‬ومجلسك حقير ‪ ،‬وخطرك كبير‪.‬آهٍ آهٍ من‬
‫قلة الزاد ‪ ،‬وبعد الطريق‪ ،‬و وحشة السفر ‪.‬‬
‫) ‪(1/55‬‬

‫وقال بعض السلف‪ :‬مسكين ابن آدم رضي بدار حللها‬


‫ب بنعيمه‪،‬‬ ‫س َ‬ ‫حّله ُ‬
‫حو ِ‬ ‫حساب وحرامها عذاب‪ ،‬إن أخذه من ِ‬
‫ذب به‪.‬‬‫حّله عُ ّ‬
‫وإن أخذه من غير ِ‬
‫وقال المأمون رحمه الله‪ :‬ما أحسب أحدا ً يصف الدنيا‬
‫‪-‬يعني من الشعراء‪ -‬بمثل ما وصفها به الحسن بن هانئ‬
‫في قوله ‪:‬‬
‫إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ‪ ...‬له عن عدو في ثياب‬
‫ق‬
‫صدي ُ‬
‫ك ‪ ...‬وذو نسب في الهالكين‬ ‫ن هال ٍ‬‫ك واب ُ‬‫وما الناس إل هال ٌ‬
‫ق‬
‫عري ُ‬
‫وقال يحيى بن معاذ ‪ -‬رحمه الله ‪ :-‬ليكن نظرك في الدنيا‬
‫اعتبارًا‪ ،‬وزهدك فيها اختيارًا‪ ،‬وأخذك منها اضطرارًا‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬رحمه الله ‪ :-‬تركت الدنيا لكثرة عنائها‪ ،‬ولقلة‬
‫غنائها‪ ،‬ولسرعة فنائها‪ ،‬ولحسد شر كائها‪.‬‬
‫وقال أيضًا‪ :‬الدنيا حانوت إبليس‪ ،‬من أخذ منه شيئا ً تبعه‬
‫حتى يأخذه‪ .‬الدنيا من أولها إلى آخرها ل تساوي غم‬
‫ساعة‪ ،‬فكيف بغم عمرك مع قلة نصيبك منها؟‬
‫وقال بعض الصالحين‪:‬‬
‫ومن يحمد الدنيا لعيش يسّره ‪ ...‬فسوف لعمري عن‬
‫قريب يلومها‬
‫إذا أدبرت كانت على المرء حسرة ‪ ...‬و إن أقبلت كانت‬
‫كثيرا ً همومها‬
‫) ‪(1/56‬‬

‫ودعا الرشيد بشرية ماء‪ ،‬فأتي بها ـ وكان ابن السماك‬


‫عنده ـ فقال له‪ :‬أرأيت لو حيل بينك وبين هذه الشربة‪،‬‬
‫ف‬
‫أكنت تشتريها بملكك؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقال ابن السماك‪ :‬أ ٍ‬
‫لدنيا ل تساوي شربة ماء‪.‬‬
‫وقيل لبعض المتقدمين ممن طال عمره‪ :‬صف لنا الدنيا‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬بيت له بابان‪ ،‬دخلت من أحدهما وخرجت من‬
‫الخر‪ ،‬ورأيت سنيات بلء وسنيات رخاء‪ ،‬ومولود يولد‬
‫وهالك يهلك‪ ،‬فلول من يلد مابقي منهم أحد‪ ،‬ولول من‬
‫يهلك ما وسعتهم الدنيا‪.‬‬
‫وقال بعض الحكماء ‪ :‬الدنيا خراب‪ ،‬وأخرب منها قلب من‬
‫يعمرها‪ .‬والخرة عمار‪ ،‬وأعمر منها قلب من يطلبها‪.‬‬
‫وقيل لحكيم آخر‪ :‬الدنيا لمن؟ فال‪ :‬لمن تركها‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫فالخرة لمن ؟ قال‪ :‬لمن طلبها‪.‬‬
‫وقيل لبعض الزهاد‪ :‬كيف رأيت الدنيا ؟ قال‪ :‬تخلق‬
‫البدان‪ ،‬و تجدد المال‪ ،‬وتقرب المنية‪ ،‬وتبعد المنية‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫فما حال أهلها ؟ قال‪ :‬من ظفر بها تعب‪ ،‬ومن فاتته‬
‫نصب‪.‬‬
‫ولله د َّر من يقول‪:‬‬
‫ه‬
‫ت علي ِ‬ ‫أرى الدنيا لمن هي في يديه ‪ ...‬عذابا ً كّلما ك َث َُر ْ‬
‫ه‬
‫ل من هانت علي ِ‬ ‫مك ّ‬ ‫صغْرٍ ‪ ...‬وُتكرِ ُ‬‫ن لها ب ُ‬ ‫مك ْرِ ِ‬
‫مي َ‬ ‫تهين ال ُ‬
‫ه‬
‫ج إلي ِ‬ ‫ت محتا ٌ‬ ‫خذ ْ ما أن َ‬‫ه ‪ ...‬و ُ‬‫ت عن شيء فَد َعْ ُ‬ ‫إذا استغني َ‬
‫) ‪(1/57‬‬
‫قال المام حجة السلم في الحياء‪ :‬أما بعد ‪ ،‬فإن الدنيا‬
‫عدوّةٌ لله ‪ ،‬و عدّوة لولياء الله ‪ ،‬و عدّوة لعداء الله ‪.‬‬
‫ما عداوتها لله ‪ :‬فإنها قطعت الطريق على عباد الله ‪ ،‬و‬ ‫أ ّ‬
‫لذلك لم ينظر إليها مذ خلقها ‪.‬‬
‫ما عداوتها لولياء الله ‪ :‬فإنها تزينت لهم بزينتها ‪ ،‬و‬ ‫وأ ّ‬
‫متهم بزهرتها و نضارتها ‪ ،‬حتى تجّرعوا مرارة الصبر في‬ ‫ع ّ‬
‫مقاطعتها ‪.‬‬
‫ما عداوتها لعداء الله ‪ :‬فإنها استدرجتهم بمكرها و‬ ‫وأ ّ‬
‫ولوا‬‫مكيدتها ‪ ،‬و اقتنصتهم بشبكتها ‪ ،‬حتى وثقوا بها و ع ّ‬
‫جت ََنوا منها حسرة‬ ‫عليها‪ ،‬فخذلتهم احوج ما كانوا إليها ‪ ،‬فا ْ‬
‫م من السعادة أبد َ الباد ‪ ،‬فهم على‬ ‫طع منها الكباد ‪ ،‬ث ّ‬ ‫تتق ّ‬
‫فراقها يتحسرون ‪ ،‬و من مكائدها يستغيثون فل ُيغاثون ‪،‬‬
‫ن( ]المؤمنون‪:‬‬ ‫مو ِ‬ ‫ؤوا ِفيَها َول ت ُك َل ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫خ َ‬‫ل لهم ‪):‬ا ْ‬ ‫بل ي َُقا ُ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا ِبال َ ِ‬
‫خَرةِ فَل َ‬ ‫شت ََروُا ْ ال ْ َ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ك ال ّ ِ‬ ‫‪ُ) ،[108‬أول َئ ِ َ‬
‫ن(]البقرة‪ .[86:‬انتهى ‪.‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م ُين َ‬ ‫ب وَل َ هُ ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫ف عَن ْهُ ُ‬
‫خّف ُ‬ ‫يُ َ‬
‫و على الجملة فاليات و الخبار و الثار في هذا الباب‬
‫أكثر من أن ُتحصى ‪ ،‬و أبعد من أن تستقصى ‪ ،‬و فيما‬
‫أشرنا إليه كفاية‪ ،‬و عبرة لمن يعتبر ‪ ،‬و تذكرة لمن‬
‫ب ( ]غافر‪.[13:‬‬ ‫من ي ُِني ُ‬ ‫ما ي َت َذ َك ُّر إ ِّل َ‬ ‫كر ؛)وَ َ‬ ‫يتذ ّ‬

‫) ‪(1/58‬‬

‫و لنختم هذه الخاتمة بذكر شيء من كلم رأس الزاهدين‬


‫و حجة الله عليهم عيسى ابن مريم على نبينا و عليه‬
‫أفضل الصلة والسلم ‪.‬‬
‫قال عيسى عليه السلم ‪:‬‬
‫الدنيا قنطرة فاعبروها ول تعمروها‪ .‬يا طالب الدنيا لتبر‬
‫بها تركك لها أبر وأبر‪.‬‬
‫ل يجتمع حب الدنيا والخرة في قلب مؤمن‪ ،‬كما ل يجتمع‬
‫الماء والنار في إناء وأحد‪.‬‬
‫وقال عيسى عليه السلم‪:‬الدنيا عرض حاضر حاضر‪ ،‬يأكل‬
‫منه البر والفاجر‪ .‬والخرة وعد صادق‪ ،‬يحكم فيه ملك‬
‫قادر‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪)):‬لتتخذوا الدنيا رب ّا ً فتتخذكم‬
‫عبيدًا‪ ،‬اكنزوا كنزكم عند من ل يضيعه‪ ،‬فإن صاحب كنز‬
‫الدنيا يخاف عليها الفة‪ ،‬وصاحب كنز الله ل يخاف عليه‬
‫الفة((‪.‬وكان عليه الصلة والسلم يقول‪)):‬إذامي ‪ :‬الجوع‪،‬‬
‫وشعاري‪ :‬الخوف‪ ،‬ولباسي ‪ :‬الصوف ‪ ،‬وصلتي في‬
‫الشتاء‪ :‬مشارق الشمس‪ ،‬وسراجي ‪ :‬القمر‪ ،‬ودابتي‪:‬‬
‫رجلي‪ ،‬وطعامي وفاكهتي‪ :‬ما أنبتت الرض‪ ،‬أبيت وليس‬
‫لي شيء‪ ،‬وأصبح وليس لي شيء‪ ،‬وما أجد على الرض‬
‫أغنى مني((‪.‬‬
‫) ‪(1/59‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم‪)):‬عجبت لغافل ليس بمغفول‬


‫عنه‪ ،‬وبمؤمل دنيا والموت يطلبه‪ ،‬ولباني قصر والقبر‬
‫ب الفردوس يباعدان من زهرة‬ ‫مسكنه‪ ،‬إن خشية الله وح ّ‬
‫الدنيا‪ ،‬ويورثان الصبر على المشقة‪ ،‬وإن أكل الشعير‬
‫والنوم على المزابل مع الكلب لقليل في طلب‬
‫الفردوس((‪.‬‬
‫وكان يقول ‪ :‬يا معشر الحواريين‪ :‬قد أكببت لكم الدنيا‬
‫على وجهها‪ ،‬فل تنعشوها بعدي‪.‬‬
‫وقالوا له‪ :‬ما لك تمشي على الماء‪ ،‬ونحن ل نستطيع‬
‫المشي عليه؟ قال‪ :‬كيف منزلة الدينار والدرهم عندكم ؟‬
‫قالوا‪ :‬حسنة رفيعة‪ ،‬قال‪ :‬لكنها عندي بمنزلة الحجر‬
‫والمدر‪.‬‬
‫وتوسد حجرا‪ ،‬فأتاه إبليس فقال له‪ :‬يا عيسى‪ ،‬ركنت إلى‬
‫الدنيا‪ ،‬فرمى إليه بالحجر‪ ،‬وقال‪ :‬ما عندي منها غير هذا‪.‬‬
‫واشتد عليه المطر والبرق والرعد يومًا‪ ،‬فرفعت له خيمة‬
‫فقصدها‪ ،‬فإذا فيها امرأة فتركها‪.‬‬
‫ورأى مغارة فأتاها ‪ ،‬فرأى بها سبعًا‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهم جعلت‬
‫لكل مأوى ولم تجعل لي مأوى‪ ،‬فإوحى الله إليه ‪ :‬مأواك‬
‫في مستقر رحمتي‪ ،‬لزوجنك آلفا ً من الحور العين‪،‬‬
‫ولطعمن أهل الجنة في عرسك آلفا ً من السنين‪.‬‬
‫) ‪(1/60‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم‪ ":‬يا ابن آدم‪ ،‬إن كنت تطلب‬
‫من الدنيا ما يكفيك‪ ،‬فالقليل منها يكفيك‪ .‬وإن كنت تريد‬
‫منها فوق ما يكفيك‪ ،‬فجميع الدنيا بأسرها ل يكفيك‪ .‬فل‬
‫تهلكوا أنفسكم بطلب الدنيا‪ ،‬واغلبوا أنفسكم عليها بترك‬
‫ما فيها‪ ،‬فعراةً دخلتموها‪ ،‬وعراةً تخرجون منها‪ ،‬واسألوا‬
‫الله رزق يوم بيوم‪ ،‬واعلموا أن الله قد جعل الدنيا قلي ً‬
‫ل‪،‬‬
‫وما بقي منها قليل من قليل‪ ،‬قد شرب صفوه وبقي‬
‫كدره‪.‬‬
‫واعلموا أن الدنيا دار عقوبة وغرور‪ ،‬فكونوا فيها كرجل‬
‫يداوي جرحه‪ ،‬يصبر على شدة الدواء لما يرجو من الشفاء‬
‫وعافية الداء‪ ،‬فل يغرنكم شاهد الدنيا عن غائب الخرة‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪)):‬عجبا ً لكم تعماون للدنيا‪،‬‬
‫وأنتم ترزقون فيها بغير عمل‪ .‬ول تعملون للخرة‪ ،‬وأنتم ل‬
‫ترزقون فيها إل بالعمل((‪.‬‬
‫وتمثلت له الدنيا في صورة امرأة‪ ،‬عليها من كل زينة‪،‬‬
‫فقال لها‪)) :‬هل لك من زوج((؟ قالت‪ :‬أزواج كثيرة‪،‬‬
‫فقال‪)):‬فكلهم طلقك أم مات عنك‪ ،‬أم كلهم قتلت(( ؟!‬
‫ت‪ ،‬قال‪ )) :‬هل حزنت على أحد منهم ؟((‬ ‫قالت‪ :‬كّلهم قتل ُ‬
‫ي ول‬ ‫ي ول أحزن عليهم‪ ،‬ويبكون عل ّ‬ ‫قالت‪ :‬هم يحزنون عل ّ‬
‫أبكي عليهم‪ ،‬قال‪)):‬عجبا ً لزواجك الباقين كيف ل يعتبرون‬
‫بأزواجك الماضين(( !!‬
‫) ‪(1/61‬‬

‫ومّر على قوم يعبدون الله‪ ،‬وفيهم رجل نائم‪ ،‬فقال‪ )):‬يا‬
‫هذا‪ ،‬قم فاعبد ربك مع أصحابك((‪،‬فقال له‪ :‬قد عبدته‬
‫بأفضل من عبادتهم ‪ ،‬زهدت في الدنيا ‪ ،‬فقال له‪ )) :‬نم‬
‫هنيئا ً فقد فُْق َ‬
‫ت العابدين ((‪ .‬أو كما قال‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪ - :‬وقد سئل عن أولياء الله‬
‫الذين ل خوف عليهم ول هم يحزنون ‪ -‬قال ‪)):‬الذين‬
‫نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها‪،‬‬
‫واهتموا بآجل الدنيا حين اهتم الناس بعاجلها‪ ،‬وأماتوا منها‬
‫ما خشوا أن يميتهم‪ ، ،‬وتركوا منها ما علموا أنه سيتركهم‪،‬‬
‫فما عرض لهم من نائلها عارض إل رفضوه‪ ،‬ول خادعهم‬
‫من رفعتها خادع إل وضعوه‪ ،‬خلقت الدنيا عندهم فما‬
‫يجددونها‪ ،‬وخرجت بينهم فما يعمرونها‪ ،‬وماتت في‬
‫صدورهم فما يحيونها ‪ ،‬بل يهدمومها فيبنون بها آخرتهم‪،‬‬
‫ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم‪ ،‬ونظروا إلى أهلها‬
‫صرعى قد حلت بهم المثلت‪ ،‬فل يرون أمانا ً دون ما‬
‫يرجون‪ ،‬ول خوفا دون ما يحذرون ((‪.‬‬
‫) ‪(1/62‬‬

‫آخر الخاتمة‬
‫وبه تكمل ))رسالة المذاكرة مع الخوان والمحبين من‬
‫أهل الخير والدين((‪ ،‬وما سميتها بهذا السم إل لكوني‬
‫وضعتها على سبيل المذاكرة معهم‪.‬‬
‫ألهمني الله وإياهم رشدنا‪ ،‬ووقانا شّر أنفسنا‪.‬‬
‫ل ما أوردته في هذه الرسالة من الخبار والثار نقلته‬ ‫وك ّ‬
‫من الكتب الصحيحة المعتمدة‪ ،‬وقد تركت الفصل بين‬
‫الحاديث التي أوردتها في صدر الخاتمة وصّيرتها كأنها‬
‫أربعة أحاديث أو خمسة وهي نحو من عشرين‪ ،‬وما فعلت‬
‫ذلك إل لكوني رأيته أو جز وأخصر وأقرب إلى حصول‬
‫الثر‪.‬‬
‫َ‬
‫ض‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬‫ذي ل َ ُ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬‫ح ْ‬ ‫و) ال ْ َ‬
‫ج ِفي‬ ‫ما ي َل ِ ُ‬
‫م َ‬‫خِبيُر* ي َعْل َ ُ‬‫م ال ْ َ‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬‫خَرةِ وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫مد ُ ِفي ال ِ‬ ‫ح ْ‬‫ه ال ْ َ‬ ‫وَل َ ُ‬
‫ج ِفيَها‬ ‫ما ي َعُْر ُ‬ ‫ما َينزِ ُ‬ ‫َْ‬
‫ماء وَ َ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫من َْها وَ َ‬
‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫م ال ْغَُفوُر(]سبأ‪.[2-1:‬‬ ‫حي ُ‬ ‫وَهُوَ الّر ِ‬
‫وصّلى الله على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه وسّلم‬
‫إلى يوم البعث والنشور‪ ،‬وسلم على المرسلين‪ ،‬والحمد‬
‫لله رب العالمين‪.‬‬
‫وكان الفراغ من إملء هذه الرسالة‪ :‬يوم الحد قبيل وقت‬
‫الظهر سلخ جمادى الول أحد شهور سنة ‪ 1069‬من‬
‫الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلة والسلم‪،‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫) ‪(1/63‬‬

‫مباحث الرسالة ‪:‬‬


‫المقدمة‬
‫فصل‪ ) :‬في معاني التقوى(‬
‫فصل ‪) :‬في جزاء العمال(‬
‫فصل‪) :‬في رضا الله و سخطه(‬
‫فصل‪) :‬في ذكر شيء مما يكرم الله به من أطاعه و‬
‫عمل الصالحات لوجهه(‬
‫فصل‪ :‬في ذكر شيء مما يترتب على المعصية من الخزي‬
‫والدمار والهوان والبوار في الدنيا والخرة‬
‫فصل‪ ) :‬في العمل الصالح و التوبة (‬
‫فصل‪ ) :‬في أهم أسباب النصراف إلى الدنيا (‬
‫فصل‪ ) :‬في التحذير من الجهل (‬
‫فصل‪) :‬في التحذير من ضعف اليمان(‬
‫فصل‪ ) :‬في التحذير من طول المل (‬
‫فصل‪) :‬في التحذير من أكل الحرام و الشبهات(‬
‫فصل ‪ ) :‬في الحث على الخلص (‬
‫فصل ‪ ) :‬في التحذير من الريا (‬
‫فصل‪ ) :‬في التحذير من العجاب بالنفس (‬
‫فصل ‪ ) :‬في التحذير من حب الدنيا (‬
‫الدنيا على ثلث طبقات‪:‬‬
‫طلب الدنيا على أنواع‪:‬‬
‫خاتمة‬
‫)‪(/‬‬

You might also like