Professional Documents
Culture Documents
تأليف
المام شيخ السلم قطب الدعوة والرشاد
عبد الله بن علوي بن محمد بن أحمد الحداد
الحسيني الحضرمي الشافعي
رحمه الله تعالى
)1044-1132هـ(
المقدمة
الحمدلله رب العالمين ،الذي خلق النسان من طين،
وجعل نسله من ماء مهين ،و أخرج المؤمنين المتواصلين
بالصبر و الحق من زمرة الخاسرين ،باستثنائه إياهم بعد
أن عم بالخسران نوع النسان الذي هو سائر الدميين.
وأمر عباده الذين آمنوا بالتعاون على البر و التقوى،
ي المتقين. وأخبرهم أن أكرمهم عند الله أتقاهم ،و أنه ول ّ
وأنه ما خلق الجن و النس ال ليعبدوه ،ل ليعمروا الدنيا
ويجمعوا الموال ،بل قد حذرهم ذلك على لسان رسوله
ي أن أجمع المال وكن من المين القائل)) :ما أوحي إل ّ
التاجرين ،ولكن أن سّبح بحمد ربك وكن من الساجدين ،و
أعبد ربك حتى يأتيك اليقين(( .فإذا ً سعادة كل أحد و
خلق ،و التفرغ له بقطع كماله في إلتزام المر الذي لجله ُ
ما يمنع منه و يصد عنه من ترهات الحمقاء المغرورين،
وتهويسات الغبياء الباطلين.
) (1/9
عه َو ن أطا َ م ْ م الله به َ ما ُيكرِ ُ شيٍء م ّ صل) :في ذِك ْرِ َ فَ ْ
ه(
جه ِ ت لوَ ْ صاِلحا ِ مل ال ّ عَ ِ
َ ُ
من ذ َك َرٍ أوْ أنَثى وَهُ َ
و صاِلحا ً ّ ل َ م َ ن عَ ِ م ْ قال الله تعالىَ } :
ة{الية ]النحل. [97: حَياةً ط َي ّب َ ً ه َ ن فَل َن ُ ْ
حي ِي َن ّ ُ م ٌ مؤ ْ ِ ُ
ملواُ م وَعَ ِ ُ
منك ْ مُنوا ِ نآ َ ذي َ ّ
ه ال ِ ّ
وقال سبحانه } :وَعَد َ الل ُ
ف ال ّ ِ خل َ َ َْ
من
ن ِ ذي َ ست َ ْ ما ا ْ ض كَ َ خل َِفن ُّهم ِفي الْر ِ ست َ ْ ت ل َي َ ْ حا ِ صال ِ َال ّ
منم وَل َي ُب َد ّل َن ُّهم ّ ضى ل َهُ ْ ذي اْرت َ َ م ال ّ ِ م ِدين َهُ ُ ن ل َهُ ْ مك ّن َ ّ م وَل َي ُ َ قَب ْل ِهِ ْ
منًا{]النور.[55: خوفه َ
مأ ْ ب َعْدِ َ ْ ِ ِ ْ
ت إ ِّنا َل حا ِصال ِ َ مُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ وقال تعالى} :إ ِ ّ
ُ نضيع أ َجر م َ
ري ج ِ ن تَ ْ ت عَد ْ ٍ جّنا ُ م َك ل َهُ ْ ل ،أوْل َئ ِ َ م ً ن عَ َ س َ ح َ نأ ْ ُ ِ ُ ْ َ َ ْ
َ َ
بمن ذ َهَ ٍ ساوَِر ِ نأ َ م ْ ن ِفيَها ِ حل ّوْ َ م اْلن َْهاُر ي ُ َ حت ِهِ ُ من ت َ ْ ِ
ن ِفيَها مت ّك ِِئي َق ّ ست َب َْر ٍ
س وَإ ِ ْ سند ُ ٍ من ُ ضرا ً ّ خ ْن ث َِيابا ً ُسو َ وَي َل ْب َ ُ
مْرت ََفقًا{]الكهف-30: ت ُ سن َ ْ
ح ُب وَ َ وا ُ م الث ّ َك ن ِعْ َعََلى اْل ََرائ ِ ِ
.[31
جع َ ُ
ل سي َ ْ
ت َ حا ِ صال ِ َمُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ
وقال تعالى} :إ ِ ّ
ن وُد ًّا{]مريم ،[96:قال )فيها( ابن عباس م ُ ح َ م الّر ْ ل َهُ ُ
حب ّب ُُهم إلى المؤمنين". م و يُ َحب ّهُ ْ
-رضي الله عنهما " :-ي ُ ِ
) (1/19
وقال رسول الله -صلى الله عليه و سلم" :-إن الله تعالى
قال :من عادى لي وليا ً فقد آذنته بالحرب .وما تقرب إل ّ
ي
ي مما افترضت عليه ،ول يزال عبدي عبدي بشيء أحب إل ّ
ي بالنوافل حتى أحبه .فإذا أحببته كنت سمعه يتقّرب إل ّ
الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به ويده التي يبطش
بها و رجله التي يمشي بها؛ وإن سألني لعطينه ،و لئن
استعاذني لعيذنه".
م الله بهذه المحبة العظيمة التي تصير معها حركات أكرِ ْ
دى ما إفترضه عليه و العبد و سكناته كلها بالله و لله من أ ّ
أكثر من نوافل الطاعات تقربا ً إليه.
ي عبدي شبرا ً وقال عليه الصلة و السلم)) :إذا تقّرب إل ّ
ي ذراعا ً تقربت منه باعًا، تقربت إليه ذراعًا ،وإذا تقرب إل ّ
وإذا أتى يمشي أتيته هرولة((.
ب من ب الر ّ ب العبدِ إلى رّبه بطاعته و خدمته ،و ت ََقّر ُ فت ََقّر ُ
عبده بفضله و رحمته.
و قال عليه الصلة و السلم -فيما يحكي عن رّبه
ن رأت ،ول ت لعبادي الصالحين ما ل عي ٌ سبحانه)) :-أعد َد ْ ُ
ن سمعت ،ول خطر على قلب بشر((. أذ ٌ
ك غنى ،ويديك وفي الزبور)) :ابن آدم أط ِعِْني أمل قَل ْب َ َ
رزقًا ،وجسمك صحة((.
و أوحى الله إلى الدنيا)) :يا دنيا من خدمني فاخدميه،
ومن خدمك فاستخدميه((.
) (1/20
وقال بشر بن الحارث رحمه الله" :ذهب أهل الخير بالدنيا
و الخرة".
و قال يحيى بن معاذ" :أبناء الدنيا تخدمهم العبيد ،وأبناء
الخرة تخدمهم الحرار.
فإن أردت يا أخي أن يكون لك عّز ل ينقضي ،وسؤدد ل
ينقطع ،وشرف ل يذهب ،و مجد ل يبلى؛ فأ َط ِعْ رّبك؛ فإن
الله قد جعل ذلك كّله في طاعته ،يكرم به من أطاعه من
عباده ،وقد أكرم الله عبادا ً أطاعوه فحّررهم من ر ّ
ق
الشهوات ،و طّهر قلوبهم من دنس اللتفات إلى
الفانيات ،وأجرى على أيديهم خوارق العادات وعجائب
الكرامات؛ من الخبار بالمغيبات و إدرار البكرات و إجابة
الدعوات؛ فأصبح الناس يقتبسون من أنوارهم ،و يقتدون
بآثارهم ،و يتوجهون بهم إلى الله في كشف مهماتهم،
شِفُعون بمواطئ ست َ ْ
ويسألونه بحقهم في دفع ملماتهم ،و ي َ ْ
أقدامهم ،و يتبركون بتربة ضرائحهم.
ل من ذلك ،قذف في و قد أكرمهم سبحانه بما هو أج ّ
قلوبهم من نوره ،وحشاها من خالص معرفته و محبته،
وآنسهم في خلواتهم بذكره ؛فاستوحشوا من خليقته ،و
أعد ّ لهم النعيم المقيم في جنات النعيم ،و و وعدهم
و
ك هُ َالنظر إلى وجهه الكريم ،و رضاه عنهم أكبر } :ذ َل ِ َ
ل ذا فَل ْي َعْ َ
م ْ ل هَ َمث ْ ِ
م{]الدخان} ،[57:ل ِ ِ ال َْفوُْز ال ْعَ ِ
ظي ُ
ن{]الصافات[61: مُلو َ ال َْعا ِ
) (1/21
خزي ن ال ِ م َ ما يتَرّتب على المَعصَية ِ شيٍء م ّ صل :في ذِك ْرِ َ فَ ْ
ة
خَر ِ
دنَيا َوال ِ وان َوالَبوار في ال ّ دمار َوالهَ ََوال ّ
م َل ْ
جهَن ّ َه َ ن لَ ُ
رما ً فَإ ِ ّج ِم ْ
ه ُ ت َرب ّ ُ من ي َأ ِ ه َ قال الله تعالى} :إ ِن ّ ُ
حيى{]طه.[74: ت ِفيَها وََل ي َ ْمو ُ يَ ُ
َ َ
ت أن سي َّئا ِن ال ّ مُلو َن ي َعْ َ ذي َب ال ّ ِ س َ ح ِ م َ وقال تعالى} :أ ْ
ن{]العنكبوت ،[4:ومعنى يسبقونا: مو َ حك ُ ُ ما ي َ ْ ساء َ سب ُِقوَنا َيَ ْ
يعجزونا و يفوتونا.
ضَلل ً
ل َ ض ّه فََقد ْ َ سول َ ُ ص الل ّ َ
ه وََر ُ من ي َعْ ِ وقال تعالى } :وَ َ
مِبينا ً {]الحزاب.[36: ّ
و قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم )) :-ل يزني
الزاني حين يزني وهو مؤمن ،ول يسرق السارق حين
يسرق وهو مؤمن ،ول يشرب الخمر حين يشربها وهو
مؤمن((.
وقال عليه الصلة و السلم)) :إذا أذنب العبد ذنبا ُ كانت
سوَد ّ قلبه. نكتة سوداء في قلبه ،وإن عاد زاد ذالك حتى ي َ ْ
ما َ
كاُنوا ن عََلى قُُلوب ِِهم ّ ل َرا َ فذلك قوله تعالى} :ك َّل ب َ ْ
ن{]المطففين.(([14: ي َك ْ ِ
سُبو َ
) (1/22
ومهما وقع منك ذنب ولو على سبيل الندور فعليك أن
تبادر بالتوبة و تحسن الوبة وتكثر الندم و الستغفار ،ول
ل .فإن المؤمن ل يزال في غاية من الخوف تزال خائفا ً وج ً
والوجل وإن أخلص الطاعة وأحسن المعاملة وأنت تعلم
ما كانت عليه النبياء مع عصمتهم و الولياء مع حفظهم
من الخوف و الشفاق مع صلح أعاملهم و قلة ذنوبهم أو
عدمها ،فأنت بذلك أولى وأحرى.
فقد كانوا أعرف منك بسعة رحمة الله و أحسن منك ظن ّا ً
بالله وأصدق منك طمعا ً في عفوه ،وأعظم منك رجاءً في
كرمه وفضله .فاقتد بآثارهم تنج و تسلم ،واتبع سبيلهم
هدي تفز و تغنم ،واعتصم بالله و من يعتصم بالله فقد ُ
إلى صراط مستقيم.
) (1/26
فَ ْ
صل ) :في التحذير من العجاب بالنفس (
وأحذر العجب فإنه من المحبطات.
قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم)) :-العجب يأكل
الحسنات كما تأكل النار الحطب((.
ح وقال -صلوات الله عليه وسلمه)) :-ثلث مهلكاتُ :
ش ّ
مّتبع ،وإعجاب المرء بنفسه((. م َ
طاع ،وهوىً ُ ُ
والعجب عبارة عن نظر النسان إلى نفسه بعين التعظيم
و إلى ما يصدر منه بعين الستحسان .وعنه نشأ الدلل
بالعلم و التعاظم على الناس و الرضى عن النفس.
وهو كما قال ابن عطاء الله -رحمه الله " :-أصل كل
معصية و غفلة وشهوة الرضى عن النفس" انتهى.
ومن رضي عن نفسه عمي عن عيوبها ،ومتى يفلح من
يجهل عيوب نفسه؟
ن السخط ن عي َة ...و لك ّ
ب كليل ٌ
وعين الرضى عن كل عي ٍ
تبدي المساويا
) (1/39
وبعد فمن الحسن أن نختم هذه النبذة بشيء مما ورد في
ولدر ذلك بقاعدة يع ّ م الدنيا وذم مؤثرها .وينبغي أن نص ّ ذ ّ
عليها ويرجع إليها .فنقول و بالله التوفيق:
الدنيا على ثلث طبقات:
فدنيا فيها الثواب ،وأخرى فيها الحساب ،وثالثة فيها
العذاب.
فأما التي فيها الثواب :فهي التي تصل بواسطتها إلى
الخير و تنجو بواسطتها عن قلع الشر ،وهي مطية المؤمن
ومزرعة الخرة ،وهي الكفاف عن الحلل.
وأما التي فيها الحساب :فهي التي ل تشتغل بسببها عن
أداء مأمور ول ترتكب في طلبها أمرا ً محظورًا ،وهذه
الدنيا فيها الحساب الطويل وأربابها هم الغنياء الذين
يسبقهم الفقراء إلى الجنة بنصف يوم وهو خمس مائة
عام.
وأما التي فيها العذاب :فهي التي تقطع عن أداء
المأمورات و توقع في إرتكاب المحظورات ،وهي زاد
جته إلى دار البوار ،وإليه الشارة مد ْرِ َ
صاحبها إلى النار و ُ
بما روي)) :إن الله يأمر بالدنيا إلى النار فتقول :أشياعي
حُقوا بها أشياعها وو أتباعي؟ فيقول سبحانه و تعالى :أل ِ
حُقون بها((. أتباعها ،في ُل ْ َ
) (1/41
مة
خات ِ َ َ
تحتوى على آيات من كتاب الله وأخبار من سنة رسول
الله ص وآثار من حكمة أولياء الله تدل على حقارة الدنيا
وسرعة زوالها وعلى حماقة من اغتربها وركن إلى محالها
وتحمل على الزهد في الدنيا من نظر فيها ،وكان له قلب
أو ألقى السمع وهو شهيد
لمث َ ُ ما َ قال الله تعالى ،وقوله الحق وكلمه الصدق ):إ ِن ّ َ
خت َل َ َ َ
ت ط ب ِهِ ن ََبا ُ ماء َفا ْ س َ ن ال ّ م َ ماء أنَزل َْناهُ ِ حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َال ْ َ
ال َرض مما يأ ْ
ض
ت الْر ُ
َ ذا أ َ َ
خذ َ ِ ى إِ َ
َ ّ تحَ م
ُ عاَ ْ ل الّناس وال َ
ن َ ُ ُ ُ ك ْ ِ ِ ّ َ
َ َ
ن عَل َي َْهآ أَتا َ َ َ
مُرَنا ها أ ْ م َقادُِرو َ ن أهْل َُها أن ّهُ ْ ت وَظ َ ّ خُرفََها َواّزي ّن َ ْ ُز ْ
َ َ َ
س ك َذ َل ِ َ
ك م ِ ن ِبال ْ م ت َغْ َدا ك َأن ل ّ ْ صي ً ح ِ ها َ جعَل َْنا َل َي ْل ً أوْ ن ََهاًرا فَ َ
ن(]يونس. [24: ت ل َِقوْم ٍ ي َت ََفك ُّرو َ ل الَيا ِ ص ُ ن َُف ّ
َ
ة ل َّها ل ِن َب ْل ُوَهُ ْ
م ض ِزين َ ً ْ
ما عَلى الْر ِ
َ جعَل َْنا َ وقال تعالى ):إ ِّنا َ
أ َيه َ
جُرًزا( دا ُ صِعي ً ما عَل َي َْها َ ن َ عُلو َ جا ِ مل ً * وَإ ِّنا ل َ َ ن عَ َ س ُح َ مأ ْ ُّ ْ
]الكهف.[8-7:
َ
م
من ْهُ ْجا ّ مت ّعَْنا ب ِهِ أْزَوا ً ما َ ك إ َِلى َ ن عَي ْن َي ْ َ مد ّ ّ وقال تعالى ):وََل ت َ ُ
خي ٌْر وَأ َب َْقى(]طه ك َ م ِفيهِ وَرِْزقُ َرب ّ َ دنَيا ل ِن َْفت ِن َهُ ْحَياةِ ال ّ َزهَْرةَ ال ْ َ
.[131:
) (1/43
حْرث ِهِ ه ِفي َ خَرةِ ن َزِد ْ ل َ ُ ث اْل ِ حْر َ ريد ُ َ ن يُ ِ كا َ من َ وقال تعالىَ ):
من خَرةِ ِ ه ِفي اْل ِ ما ل َ ُ
من َْها وَ َ ث الد ّن َْيا ُنؤت ِهِ ِ حْر َ ريد ُ َ ن يُ ِ كا َ من َ وَ َ
ب(]الشورى.[20: صي ٍ نّ ِ
ب وَل َهْوٌ وَِزين َ ٌ َ
ة حَياةُ الد ّن َْيا ل َعِ ٌ ما ال ْ َ موا أن ّ َ وقال تعالى ):اعْل َ ُ
َ َ
ثل غَي ْ ٍ مث َ ِل َوالْولدِ ك َ َ وا ِم َكاث ٌُر ِفي اْل ْ م وَت َ َ خٌر ب َي ْن َك ُ ْ وَت ََفا ُ
ح َ َ
ما
طا ً ن ُ كو ُ م يَ ُ صَفّرا ث ُ ّ م ْ ج فَت ََراهُ ُ م ي َِهي ُ ه ثُ ّب ال ْك ُّفاَر ن ََبات ُ ُ ج َ أعْ َ
ما
ن وَ َ وا ٌ ن الل ّهِ وَرِ ْ
ض َ م َ مغِْفَرةٌ ّ ديد ٌ وَ َ ش ِ ب َ ذا ٌ خَرةِ عَ َ وَِفي اْل ِ
مَتاعُ ال ْغُُروِر(]الحديد .[20: حَياةُ الد ّن َْيا إ ِّل َ ال ْ َ
َ
حَياةَ الد ّن َْيا* فَإ ِ ّ
ن من ط ََغى* َوآث ََر ال ْ َ ما َ وقال تعالى ):فَأ ّ
مأ َْوى(]النازعات. [39-37: ي ال ْ َ م هِ َ حي َ ج ِ ال ْ َ
وقال رسول الله -صلى الله عليه و سلم)): -الدنيا ملعونة
ملعون ما فيها إل ذكر الله وعالم ومتعلم ،فلو كانت
الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا ً شربة
ماء(( .
))الدنيا جيفة قذرة(( .
))إن الله تعالى جعل ما يخرج من ابن آدم مثل ً للدنيا (( .
))ما الدنيا في الخرة إل مثل ما يضع أحدكم إصبعه في
اليم فينظر بماذا يرجع(( .
ل أحد يوم القيامة أنه ما أعطي من الدنيا كان نك ّ ))لي َوَد ّ ّ
قوتًا(( .
مخّفون((. ن بين أيديكم عقبة كئودا ً ل يجوزها إل ال ُ )) إ ّ
مخّفين يا رسول الله ؟ )) وقال رجل :هل أنا من ال ُ
فقال :هل عندك قوت يومك؟ قال :نعم ،قال :عندك
قوت غد ؟ قال :ل ،فقال رسول الله -صلى الله عليه و
سلم :-لو كان عندك قوت غد لم تكن المخفين((.
) (1/44
و أوحى الله إلى موسى :يا موسى ،إذا رأيت الغنى مقبل ً
فقل ذنب عجلت عقوبته ،وإذا رأيت الفقر مقبل ً فقل
مرحبا ً بشعار الصالحين .وأوحى الله إلى داود :يا داود،
من آثر هوى دنياه على لذة آخرته فقد استمسك بالعروة
التي ل وثاق لها ،ومن آثر هوى آخرته على لذة دنياه فقد
استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها .
وأوحى الله إلى عيسى :يا عيسى ،قل لبني إسرائيل
ي الدنيا لسلمة يحفظوا عني حرفين :قل لهم ليرضوا بدن ّ
ي الدين لسلمة دنياهم. دينهم ،كما رضي أهل الدنيا بدن ّ
وفي بعض كتب الله المنزلة :أهون ما أنا صانع بالعالم إذا
ركن إلى الدنيا أن أخرج حلوة مناجاتي من قلبه.
مّريويروى عن الله تعالى أنه قال للدنيا)) :يا دنيا ُ ،
لوليائي ول تحّلي لهم فتفتنيهم ((.
وقال علي-كرم الله وجهه :-مثل الدنيا والخرة مثل
المشرق والمغرب على قدر ما تقرب من أحدهما تبعد
ت
ت إحداهما أسخط َ عن الخر ،ومثل الضّرتين إذا أرضي َ
الخرى ،ومثل إناءين أحدهما فارغ والخر ممتلئ بقدر ما
ب في الفارغ ينقص الملن. ص ّت ُ
) (1/48
) (1/50
وقال محمد الباقر رضي الله عنه :ما الدنيا وما عسى أن
تكون ،هل هي إل مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة
أصبتها؟
وقال وهب بن منبه رحمه الله :للجنة ثمانية أبواب ،فإذا
حصل الناس عليها قال لهم الخزنة :وعزة ربنا ل يدخلها
أحد قبل الزاهدين في الدنيا والعاشقين للجنة.
وقال محمد بن سيرين :اختصم رجلن في الرض فأوحى
الله إلى الرض :أن كلميهما ،فقالت لهما :يا مسكينان،
قد ملكني قبلكما ألف أعور فضل ً عن الصحاء.
وقال أبو حازم المدني رحمه الله :ما في الدنيا شيء
يسرك إل وقد لصق به شيء يسوؤك ،الدنيا دار التواء ل
دار استواء ،ومنزل ترح ل منزل فرح ،وموطن شقاء ل
موطن رخاء ،وقالت له امرأته :إن الشتاء قد يهجم ول بد
د،
لنا من الطعام والثياب والحطب ،فقال :من هذا كله ب ُ ّ
ولكن ل ب ُد ّ لنا من الموت ،ثم البعث ،ثم الوقوف بين يدي
الله .ثم الجنة والنار.
وقال رحمه الله :ما تضرب بيدك إلى شيء من الدنيا إل
وتجد فاجرا ً قد سبقك إليه .
) (1/51
وقال بشر بن الحارث رحمه الله :من سأل رّبه الدنيا فقد
سأله طول الوقوف بين يديه ،يعني :للحساب ،وكان ينشد
هذه البيات:
ه
أقسم بالله لرضخ النوى ...وشرب ماء القلب المالح ْ
ه
أحسن للمؤمن من حرصه ...ومن سؤال الوجه الكالح ْ
ى ...مغتبطا ً بالصفقة الرابح ْ
ه ن ذا غن ًن بالله تك ْ فاستغ ِ
ه
اليأس عّز والتقى سؤدد ٌ ...ورغبة النفس لها فاضح ْ
من كانت الدنيا له بّرة ً ...فإنها يوما ً له ذابح ْ
ه
وكان ينشد هذين البيتين لبعض السلف ،رضوان الله
عليهم:
ه
مكرم الدنيا مهان ...مستذل في القيام ْ
ه
م الكرام ْ والذي هانت عليه ...فله ث َ ّ
مرة يصف عليًا ،كرم الله وجهه: ض ُضَراُر بن َوقال ِ
كان يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل وظلمته،
وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ،وقد أرخى الليل
سدوله وغارت نجومه يتململ تململ السليم ،ويبكي بكاء
ل :يا دنيا غُّري غيري :إل ّ
ي الحزين ،قابضا ً على لحيته قائ ً
ك ثلثا ً ل رجعة فيها، وفت قد ب َت َت ّ ِ ي تش ّ ت ،أم إل ّ تعّرض ِ
فعمُرك قصير ،ومجلسك حقير ،وخطرك كبير.آهٍ آهٍ من
قلة الزاد ،وبعد الطريق ،و وحشة السفر .
) (1/55
) (1/58
وقال عليه الصلة والسلم ":يا ابن آدم ،إن كنت تطلب
من الدنيا ما يكفيك ،فالقليل منها يكفيك .وإن كنت تريد
منها فوق ما يكفيك ،فجميع الدنيا بأسرها ل يكفيك .فل
تهلكوا أنفسكم بطلب الدنيا ،واغلبوا أنفسكم عليها بترك
ما فيها ،فعراةً دخلتموها ،وعراةً تخرجون منها ،واسألوا
الله رزق يوم بيوم ،واعلموا أن الله قد جعل الدنيا قلي ً
ل،
وما بقي منها قليل من قليل ،قد شرب صفوه وبقي
كدره.
واعلموا أن الدنيا دار عقوبة وغرور ،فكونوا فيها كرجل
يداوي جرحه ،يصبر على شدة الدواء لما يرجو من الشفاء
وعافية الداء ،فل يغرنكم شاهد الدنيا عن غائب الخرة.
وقال عليه الصلة والسلم)):عجبا ً لكم تعماون للدنيا،
وأنتم ترزقون فيها بغير عمل .ول تعملون للخرة ،وأنتم ل
ترزقون فيها إل بالعمل((.
وتمثلت له الدنيا في صورة امرأة ،عليها من كل زينة،
فقال لها)) :هل لك من زوج((؟ قالت :أزواج كثيرة،
فقال)):فكلهم طلقك أم مات عنك ،أم كلهم قتلت(( ؟!
ت ،قال )) :هل حزنت على أحد منهم ؟(( قالت :كّلهم قتل ُ
ي ول ي ول أحزن عليهم ،ويبكون عل ّ قالت :هم يحزنون عل ّ
أبكي عليهم ،قال)):عجبا ً لزواجك الباقين كيف ل يعتبرون
بأزواجك الماضين(( !!
) (1/61
ومّر على قوم يعبدون الله ،وفيهم رجل نائم ،فقال )):يا
هذا ،قم فاعبد ربك مع أصحابك((،فقال له :قد عبدته
بأفضل من عبادتهم ،زهدت في الدنيا ،فقال له )) :نم
هنيئا ً فقد فُْق َ
ت العابدين (( .أو كما قال.
وقال عليه الصلة والسلم - :وقد سئل عن أولياء الله
الذين ل خوف عليهم ول هم يحزنون -قال )):الذين
نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها،
واهتموا بآجل الدنيا حين اهتم الناس بعاجلها ،وأماتوا منها
ما خشوا أن يميتهم ، ،وتركوا منها ما علموا أنه سيتركهم،
فما عرض لهم من نائلها عارض إل رفضوه ،ول خادعهم
من رفعتها خادع إل وضعوه ،خلقت الدنيا عندهم فما
يجددونها ،وخرجت بينهم فما يعمرونها ،وماتت في
صدورهم فما يحيونها ،بل يهدمومها فيبنون بها آخرتهم،
ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم ،ونظروا إلى أهلها
صرعى قد حلت بهم المثلت ،فل يرون أمانا ً دون ما
يرجون ،ول خوفا دون ما يحذرون ((.
) (1/62
آخر الخاتمة
وبه تكمل ))رسالة المذاكرة مع الخوان والمحبين من
أهل الخير والدين(( ،وما سميتها بهذا السم إل لكوني
وضعتها على سبيل المذاكرة معهم.
ألهمني الله وإياهم رشدنا ،ووقانا شّر أنفسنا.
ل ما أوردته في هذه الرسالة من الخبار والثار نقلته وك ّ
من الكتب الصحيحة المعتمدة ،وقد تركت الفصل بين
الحاديث التي أوردتها في صدر الخاتمة وصّيرتها كأنها
أربعة أحاديث أو خمسة وهي نحو من عشرين ،وما فعلت
ذلك إل لكوني رأيته أو جز وأخصر وأقرب إلى حصول
الثر.
َ
ض
ما ِفي الْر ِ ت وَ َماَوا ِ س َما ِفي ال ّ ه َذي ل َ ُ مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِح ْ و) ال ْ َ
ج ِفي ما ي َل ِ ُ
م َخِبيُر* ي َعْل َ ُم ال ْ َ كي ُ
ح ِخَرةِ وَهُوَ ال ْ َ مد ُ ِفي ال ِ ح ْه ال ْ َ وَل َ ُ
ج ِفيَها ما ي َعُْر ُ ما َينزِ ُ َْ
ماء وَ َ س َ
ن ال ّ م َ ل ِ من َْها وَ َ
ج ِ خُر ُ ما ي َ ْ ض وَ َ الْر ِ
م ال ْغَُفوُر(]سبأ.[2-1: حي ُ وَهُوَ الّر ِ
وصّلى الله على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه وسّلم
إلى يوم البعث والنشور ،وسلم على المرسلين ،والحمد
لله رب العالمين.
وكان الفراغ من إملء هذه الرسالة :يوم الحد قبيل وقت
الظهر سلخ جمادى الول أحد شهور سنة 1069من
الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلة والسلم،
والحمد لله رب العالمين.
) (1/63