Professional Documents
Culture Documents
************************************
رسالة المعاونة والمظاهرة والمؤازرة
للّراغبين من المؤمنين في سلوك طريق
الخرة
************************************
تأليف
المام شيخ السلم قطب الدعوة والرشاد
عبد الله بن علوي بن محمد بن أحمد الحداد
الحسيني الحضرمي الشافعي
رحمه الله تعالى
)1044-1132هـ(
ول يستطيع أحد أن ينفع خلق الله بمثل دعوتهم إلى الله
تعالى ،بتعريفهم ما يجب له من التوحيد والطاعة،
وتذكيرهم بآياته وآلئه وتبشيرهم برحمته ،وتحذيرهم من
سخطه الواقع بالمتعرضين له من الكافرين والفاسقين.
وقد حثني على امتثال هذا المر العظيم ،وأكد رغبتي في
السعي إلى تحصيل هذا الوعد الكريم الواقعين في اليات
والخبار التي ذكرتها وما في معناها مما لم أذكره سؤال
أخ من السادة ،صادق في الرادة ،سالك لسبيل السعادة،
ة ينتفع بها ،فأجبته إلى ذلك
التمس مني أن أكتب له وصي ً
راغبا ً فيما تقدم من المتثال للوامر والفوز بالثواب وفي
معونة الله تعالى ،وأن يكون سبحانه في حاجتي على
وفق ما أخبر به رسوله عنه في قوله عليه الصلة
والسلم" :من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" وأنا
أستغفر الله ،ول أقول :أن نيتي في وضع هذه الرسالة
مقصورة على هذه المقاصد الحسنة الدينية ،كيف وأنا
أعلم ما عندي من الشهوات الخفية ،والحظوظ النفسية،
والرادات الدنيوية) ،وما أبرئ نفسي إن النفس لمارة
بالسوء إل ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم( والنفس
عدّو ،والعدو ل يؤمن .بل هي أعدى العداء ،كما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم" :أعدى عدوك نفسك
التي بين جنبيك" .ولله در القائل حيث يقول:
توق نفسك ل تأمن غوائلها……فالنفس أخبث من سبعين
شيطانا ً
اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي.
اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ،وأستغفرك
لما ل أعلم.
ت فصول هذه الرسالة بقولي في أول كل فصل در ُ
وقد ص ّ
منها" :وعليك" بكذا قاصدا ً بذلك مخاطبة نفسي وأخي
الذي كان سببا ً في وضعها خصوصًا ،وسائر من وقف
عليها من المسلمين عمومًا.
) (1/3
واحذر أن تنام بعد صلة الصبح فإنه يمنع الرزق ،أو بعد
صلة العصر فإنه يورث الجنون ،أو قبل صلة العشاء فإنه
يورث الرق.
وإذا رأيت في منامك ما يسّرك من الرؤيا فاحمد الله
وأوله بخير مناسب يكون كذلك ،وإذا رأيت ما يسوءك
فتعوذ بالله من الشر واتفل عن يسارك ثلثا ً وتحول إلى
جنبك الخر ول تحدث بها أحدا ً فإنها ل تضرك ،وإذا قص
عليك أحد الرؤيا فل تؤولها حتى يسأل منك ذلك أو
تستأذنه فيه.
وإذا أكلت أو شربت فابدأ باسم الله واختم بالحمد لله،
وكل واشرب بيمينك ،وإذا قدم إليك طعام فقل :اللهم
بارك لنا فيما رزقتنا وأطعمنا خيرا ً منه إل أن يكون لبنا ً
فقل :وزدنا منه فإنه ل شيء خير منه كما ورد.
)وعليك( بغسل اليدين قبل الطعام وبعده ،وبتصغير
اللقمة ،وتدقيق المضغ ،ول تمدد يدك إلى الطعام حتى
ل من نواحي القصعة ول تأكل من تبتلع ما في فمك ،وك ْ
وسطها فإن البركة تنزل عليه ،وإذا سقطت لقمتك فأمط
ما بها من أذى ثم كلها ول تدعها للشيطان ،والَعق أصابعك
والقصعة بعد الفراغ ،وكل بالسبابة والوسطى والبهام،
وإن احتجت إلى الستعانة بالبقية في نحو الرز فل بأس.
وإذا أكلت مع غيرك فكل مما يليك إل الفاكهة ،ول تكثر
النظر إلى الحاضرين في حال أكلهم ،وتحدث معهم بما
يناسب الحال ،ول تتكلم والطعام في فمك ،وإن غلبك
بصاق أو مخاط فالو برأسك عنهم أو قم إلى موضع آخر.
وإذا أكلت عند قوم فاثن عليهم وادع لهم بخير وقل بعد
الفراغ من الكل :الحمد لله .اللهم كما أطعمتني طيبا ً
فاستعملني صالحًا ،الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام
ورزقنيه من غير حول مني ول قوة .فمن قال ذلك غفر له
ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
ول تتكلف الدام لكل طعام ،ول تعب طعاما ً قط وإن كان
رديئَا.
) (1/42
ثم إن المؤمن الكامل ل يدع شيئا ً مما يقربه إلى الله وإن
كان له في تركه ألف عذر حتى يعلم أن تركه أحب إلى
الله من فعله ،وهذا أقل ما يتفق ،ولذلك تحمل الكمل من
أهل الله في فعل ما يقربهم إلى الله أمورا ً تعجز عن
حملها الجبال الرواسي .وأما من ضعف إيمانه وقل يقينه
وقصرت معرفته بالله فل يعول في ترك ما افترضه الله
عليه إل على سقوط الحرج )ولكل درجات مما عملوا
وليوفيهم أعمالهم وهم ل يظلمون(.
)وعليك( بحمل كل من لك عليه ولية من ولد وزوجة
ومملوك على فعل الصلوات المكتوبة .فإن امتنع أحد من
هؤلء من فعلها فعليك بوعظه وتخويفه ،فإن تمرد أو أصر
على الترك فعليك بضربه وتعنيفه ،فإن إمتنع ولم ينزجر
عن الترك فعليك بمقاطعته ومدابرته فإن تارك الصلة
شيطان بعيد عن رحمة الله ،متعرض لغضبه ولعنته ،تحرم
مولته وتجب معاداته على كل مسلم ،وكيف ل وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم" :العهد الذي بيننا
وبينهم الصلة فمن تركها فقد أشرك" وقد قال صلى الله
عليه وسلم" :ل دين لمن ل صلة له وإنما مثل الصلة من
الدين كمثل الرأس من الجسد".
)وعليك( بالتفرغ يوم الجمعة من جميع أشغال الدنيا،
واجعل هذا اليوم الشريف خالصا ً لخرتك ،فل تشتغل فيه
إل بمحض خير ومجرد القبال على الله ،وأحسن المراقبة
لساعة الجابة وهي ساعة تكون في كل يوم جمعة ل
يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرا ً ويستعيذه من شر إل
استجاب الله له.
)وعليك( بالبكور إلى الجمعة ولو أن تروح إليها قبل
الزوال ،وبالقرب من المنبر ،والنصات للخطبة ،واحذر أن
تشتغل عنه بذكر أو فكر ،فضل ً عن اللغو وحديث النفس،
واستشعر في نفسك أنك مقصود بجميع ما تسمعه من
الوعظ والوصية واقرأ بعد السلم وأنت ثان رجليك وقبل
أن تتكلم الفاتحة والخلص والمعوذتين "سبعا ً سبعًا" وقل
أيضا ً بعد النصراف من الصلة سبحان الله العظيم
وبحمده "مائة مرة" ففي الخبر ما يدل على فضل ذلك
وبالله التوفيق.
فصل
) (1/50
ومن لزم الصبر على هذا الوجه أكرمه الله بحسن الخلق
وهو رأس الفضائل وملك الكمالت.
وقال صلى الله عليه وسلم" :لشيء أثقل في الميزان
من حسن الخلق وإن العبد َليبلغ بحسن خلقه درجة
صاحب الصلة والصيام".
وقال عليه السلم" :أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا ً يوم
خُلقًا".
القيامة أحسنكم ُ
وقال ابن المبارك رحمه الله تعالى :حسن الخلق بسط
الوجه وبذل المعروف وكف الذى.
وقال المام الغزالي نفع الله به :حسن الخلق هيئة
راسخة في النفس تصدر عنها الخلق الجميلة بسهولة.
)ورابعها الصبر عن الشهوات( وهي كل ما تميل النفس
إليه من مباحات الدنيا ،ويحصل كمال الصبر عنها بكف
النفس باطنا ً عن التفكير فيها والميل إليها ،وظاهرا ً بكفها
عن طلبها والتعريج عليها ،ويبعث على هذا الصبر العلم
بما في طلب الشهوات وتناولها من الشغل عن الله وعن
عبادته ومن التعرض للوقوع في الشبهات والمحرمات
ومن هيجان الحرص على الدنيا وحب البقاء فيها والتمتع
بشهواتها ،قال أبو سليمان الداراني رحمه الله ترك شهوة
واحدة أنفع للقلب من عبادة سنة ومن أدمن الصبر عن
الشهوات أكرمه الله بإخراج حبها من قلبه حتى يصير
يقول كما قال بعض العارفين أشتهي أن أشتهي لترك ما
أشتهي فل أجد ما أشتهي وبالله التوفيق.
فصل
)وعليك( بالشكر لله على ما أنعم به عليك ،وما بك من
نعمة في ظاهرك وباطنك ودينك ودنياك إل وهي من الله،
قال الله تعالى) :وما بكم من نعمة فمن الله( ولله عليك
من النعم ما تعجز عن عده وحده وإحصائه فضل ً عن
القيام بشكره )وإن تعدوا نعمة الله ل تحصوها( ولو أن
الفقير المريض من الموحدين تفكر فيما لله عليه من
النعم لشغله أداء شكره عن مكابدة الصبر فعليك ببذل
الستطاعة في شكر ربك ثم بالعتراف بالعجز عن القيام
بما يجب عليك من شكره.
) (1/83
وأوحى الله إلى داود عليه السلم) :يا داود( بشر المذنبين
وأنذر الصديقين .فقال :وكيف أبشر المنذرين وأنذر
الصديقين؟ فقال :بشر المذنبين أنه ل يتعاظمني ذنب أن
أغفره ،وأنذر الصديقين أن ل يعجبوا بأعمالهم فإني ل
أضع عدلي ول حسابي على أحد إل هلك) .يا داود( كتبت
الرحمة على نفسي وقضيت المغفرة على من
استغفرني .أغفر الذنوب جميعها صغيرها وكبيرها ول يكبر
ذلك علي ول يتعاظمني فل تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ول
تقنطوا من رحمتي فإن رحمتي وسعت كل شيء
ورحمتي سبقت غضبي ،وخزائن السماوات والرض بيدي
والخير كله بيدي .ولم أخلق شيئا ً مما خلقت لحاجة كانت
مني إليه؛ ولكن لتعلم قدرتي ،ويعلم الناظرون في حكم
تدبيري وصنعي) .يا داود( اسمع مني والحق أقول :من
لقيني من عبادي وهو يخاف عذابي لم أعذبه بناري )يا
داود( اسمع مني والحق أقول :من لقيني من عبادي وهو
مستح من معاصيه أنسيت حفظته ذنبه ولن أساله عنه)يا
داود( اسمع مني والحق أقول :لو أن عبدا ً من عبادي
عمل حشو الدنيا ذنوبا ً وهو مصر عليها ثم ندم واستغفرني
مرة واحدة وعلمت من قلبه أنه ل يريد أن يعود إليها أبدا ً
ألقيتها عنه أسرع من هبوط الطائر من السماء إلى
الرض ،قال داود إلهي لك الحمد من أجل ذلك ل ينبغي
لمن يعرفك أن يقطع رجاءه عنك.
) (1/98