Professional Documents
Culture Documents
الجز ء الول
ن* َ َ َ َ } أَ
حَزُنو َ
م يَ ْ
ْ ُ ه ل و
ِ ْ َ مه ْ ي لَ ع ف
ٌ ْ وخَ ل ِ هالل َ ء أوليا ن
ّ ِ إ ل
ة
حَيو ِ ْ
شَرى في ال َ ْ
م الب ُ ْن * لهُ ُ َ ْ
كاُنوا ي َت ُّقو َ ْ
مُنوا وَ َن َءآ َ الذي َ
خَرةِ { الد ّن َْيا وَِفي ال ِ
المقدمة
الحمد لّله على أياديه المتواترة ،ونعمه الباطنة والظاهرة،
وصلى الّله على سيدنا ومولنا محمد ذي المعجزات
الباهرة ،والخلق العظيمة الظاهرة ،وعلى آله وصحبه
جرة . أنصارهم والمها ِ
وبعد :فهذا أنموذج يسير ،مغترف من بحر تيار كبير من
العلم العزيز الغزير ،من كلم المام القطب الشهير،
العارف بالّله والدال عليه ،حجة السلم وبركة المسلمين،
غوث البلد والعباد ،أبي الحسنين) ( ،وإمام العارفين،
الشيخ عبدالّله بن علوي بن محمد الحداد باعلوي رضي
الّله عنه ونفع به ،مما جمعه ودونه فقيره وتلميذه الشيخ
أحمد بن عبدالكريم الحساوي الشجار) ( ،بارك الّله له
في ذلك ،وبلغه ما أمله هنالك ،إنه جواد كريم ،وقد أحببت
أن أنقل كلم سيدنا الحبيب برمته ،مع تصرف يسير في
تقديم بعض المقالت ،أو تأخيرها إلى مقالة أخرى ،وإذا
كان في شيء من المكرر زيادة لفظة أو فائدة أثبته
وحذفت المكرر العري عن الزيادة ،وأذكر كلم سيدنا
الحبيب نفع الّله به برمته إل شيئا ً يسيرا ً من كلم
الحساوي المذكور ،مع تلخيصه إذا كان له تعلق بكلم
سيدنا الحبيب نفع الّله به ،كما ستراه إن شاء الّله تعالى،
قال الحساوي المشار إليه لطف الّله به ،آمين :
بسم الّله الرحمن الرحيم ،الحمد لّله وحده ،وصلى الّله
على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ،قال العبد الفقير
إلى كرم الّله الغني الكبير أحمد بن عبدالكريم الحساوي
الشجار ،سامحه الّله وعفا عنه :
ملية جامعة ،وجواهر ج َ
هذه كلمات كلية نافعة ،وحكم ُ
ل أنيسة عالية ،وهي قريبة العهد من نفيسة غالية ،ول ٍ
جْتها من بحر الحكمة غضة من معدنها ،أخر َ موطنها ،طرية َ
جه المتلطمة آناء الليل والنهار ،حتى أ َل َْقْتها) ( الزخار أموا ُ
بأمر الّله على ساحله ،فالتقطها من ظفر بها وكتبها من
فاز بها بأنامله ،وهي لعزتها قليلة الورود ،عزيزة الوجود،
سريعة الشرود ،وكل كلمة منها توازن الدر عند الحرار،
وإن لم تكن لها قيمة عند الجهال الغمار ،إذ ما كل أحد
يعرف قدر اللؤلؤ ،لكن أهله ،ومن عرف عزيز قيمته غاص
له في البحار ،حتى استخرجه من تلك القعار ،ولكن
هذه) ( للدمي قدرةٌ على التوصل إليها ،حتى يبلغها
ويشرف عليها ،وأما) ( الجواهر النفيسة العزيزة ،فل
وصول إليها إل إذا هبت رياح القدار ،فحركت بحور قلوب
أكابر الولياء الحرار ،أخرجتها منها فألقتها على ساحل
ألسنتهم فاحتفظها) ( من وجدها ،وضن عليها من ظفر
بها ،وذاقها وعرف قيمتها من عرفها ،وقد جاء في الخبر:
عن عبدالّله بن عمرو بن العاص رضي الّله عنه :أنه قال:
استأذنت رسول الّله صّلى الله عليه و آله وسّلم أن أقيد
ما سمعته منه ،فأذن لي ،فجاء عنه أنه قال :حفظت عن
رسول الّله صّلى الله عليه و آله وسّلم ألف مثل ،وحزروا
أحاديثه التي رواها أربعة آلف حديث) ( ،وقال أبو هريرة
رضي الّله عنه :كان عبدالّله بن عمرو يكتب ول أكتب،
وكذلك قيد أصحاب المشايخ المتقدمين ما سمعوا من
مشايخهم ،كأصحاب الشيخ عبدالقادر الجيلني رضي الّله
عنه ،قيدوا ما سمعوا منه مما تكلم به على الكرسي وغير
جمع في كتاب ،سمي "جلء الخاطر في كلم ذلك ،فُقيد و ُ
محيي الدين عبدالقادر" ،وكذلك قيد عبدالّله بن بدر
الحبشي ما قيد به) ( كلم الشيخ ابن عربي ،مما تكلم به
في مجالسه وأوقاته ،وما خاطب به غيره ،وما فصله من
مه أو تحدث به مع أصحابه ،أو ن ت ََقد ّ َ
م ْ
علم أو شرح لكلم َ
شئ مما فيه فائدة ،فإذا كان المر كذلك ،
) (1/2
ففي أولئك قدوة وأسوة حسنة ،لمن حذا حذوهم واقتدى
بهم ،وكانوا له حجة ،فإني قد جمعت نبذا ً مما قيدته من
ن عليه بعد الّله ورسوله عمدتنا، م ْ
كلم سيدنا وقدوتنا ،و َ
السيد الشيخ المام القدوة للخاص والعام ،قطب
القطاب ،ونخبة الولياء الحباب ،سيدي الحبيب عبدالّله
بن علوي الحداد علوي ،رضي الّله عنه ونفعنا ببركاته
وأسراره في الدنيا والخرة ،مما تكلم به في مجالسه أو
صله في بيان مسألة ،أو على حديث أو أي شرحه وف ّ
معنى مما سمعناه منه ،فإنه لسان حال الوقت ،وقطب
العصر وإمام الدهر ،وقدوة هذا الن ،ومقدم هذا الزمان،
كما أجمع على ذلك أهل الظاهر وأهل الباطن ،وأهل
الشريعة وأهل الحقيقة ،وأنه المجدد للدين في وقتنا،
وحامل سر الحق فيه ،وحامل اللواءين ،لواء الشريعة
ولواء الحقيقة ،المشتمل عليهما مقام القطبية ،وأنه ل
يحمله عنه بعده من كل الوجوه إل المهدي ،كما قال
رضي الّله عنه مرارًا :عندنا أمانة ل يحملها إل المهدي،
وستقف على تحقيق ذلك في هذا النقل عن كبار
المحققين ،من أهل الظاهر وأهل الباطن ،وأهل النقل
وأهل العقل ،من المكاشفات المحققة لذلك ،والمرائي
الصادقة ،والعلمات الدالة القاطعة به .
) (1/3
صِفه
وهوا به من وَ ْ ذكر شيء مما ن َ ّ
قال السيد الكامل العارف بالّله محمد بن عبدالرحمن
مديحج باعلوي) ( رضي الّله عنه ،وكان من أكابر
العارفين ،وأهل الحقيقة واليقين :كلم السيد عبدالّله
الحداد دواء لهل القلوب المنورة لنه ط َرِيّ من عند ربه،
ُ
ن لنا في هذا الزمان ،والسيد وقال أيضًا :نحن ما أذِ َ
عبدالّله أذن له ،وقال :ل تغتر في هذا الزمان بأحد ،ولو
رأيته يفعل ما يفعل ] أي من الطاعات والكرامات [ ،فإن
أهل الزمان إن لم ينتموا إلى السيد عبدالّله الحداد
بالقلب ،وإل ما جاءوا بشيء ،لن الّله وهبه أمورا ً ل
ُتكّيف ،ل تجلس إل عنده ،فإن الفائدة في مجالسته ،وقال
أيضًا :إن أهل الزمان ل يتأسفون على السيد عبدالّله إل
بعد موته خصوصا ً العلماء ،فإنه حجة عليهم ،وقال سيدنا
عبدالّله نفع الّله به :إن فلنا -وذكره -قال :ما في تريم
إل الفقيه المقدم في التربة ،والسيد عبدالّله الحداد في
الحياء ،ثم قال سيدنا :نعم ذاك قبٌر وهذا باب ،يعني
نفسه الشريفة ،ولكن ما يعرفون الباب حتى يصير قبرًا،
فيعرفون أنه ذلك الباب الذي كانت تنفتح عليهم منه
المور.
وقال السيد العارف أحمد بن عمر الهندوان نفع الّله به:
ما بقي اليوم شيخ مرشد إل السيد عبدالّله الحداد ،قال:
وظهر لي أنه مملي الكون ،وقال السيد العارف أبوبكر بن
ل ،لنهسعيد الجفري :ما رأيت للسيد عبدالّله الحداد مثي ً
س رحماني ،وقد اجتمعت بأزيد من أربعين وليًا ،ما ن ََف ٌ
ساميه ،وقال أيضًا :مجالسة السيد عبدالّله رأيت أحدا ً ي ُ َ
علم من غير تعلم ،وفي مجالسته الخير كله .
وقال السيد العارف علي بن عمر بن حسين بن الشيخ
علي :السيد عبدالّله ظهر في الكمال ،لن أمر التصوف
قد خفي ،ما ظهر اليوم إل ببركته .
) (1/4
أقول :وقد قرأت أنا هذه الرؤيا بهذا اللفظ على سيدنا،
وسمعها وتأملها وهو ساكت لم يتكلم بحرف ،والسكوت
إقرار وتقرير ،وأظن أن هذه الرؤيا قريب من ذكره
لباجبير ماذكر ،وهي تقدمة لذلك المقام العظيم ،كما
تقدم الوحي للنبي صّلى الله عليه و آله وسّلم في الرؤيا
قبل وحي المَلك ،إشارة إلى قوة متابعته للنبي صّلى الله
عليه و آله وسّلم حتى رأى في نفسه شبها ً مما اختص به
النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم من شق صدره ،وإيداع
العلم والحكمة فيه .ومن دقيق متابعته وغزير علمه
وشدة اقتفائه واقتدائه لجده رسول الّله صّلى الله عليه و
آله وسّلم ،أني كثيرا ً ما أسمعه إذا سلم من الركعتين
الولتين من الربع قبل العصر ،يقول :السلم على ملئكة
الّله والمقربين ،وعلى أنبياء الّله والمرسلين ،وعلينا وعلى
عباد الّله الصالحين ،فأردت أن أسأله عن أصل ذلك ،فما
جسرت على سؤاله ،فمر علينا في الدرس بعد العصر،
في قراءة السيد الجليل عمر بن حامد في سنن أبي داؤد
بإسناده إلى سيدنا علي كرم الّله وجهه ،قال :كان النبي
صّلى الله عليه و آله وسّلم يصلي قبل العصر أربعا ً يفصل
بينهما) ( بالتسليم على الملئكة والمقربين ،وعلى النبياء
والمرسلين ،وعلى عباد الّله الصالحين .
وقد رأيت بخط السيد الفاضل عبدالرحمن بن محمد بن
عقيل بن زين باعلوي ،قال :أخبرني السيد الشريف
الفاضل أحمد بن عقيل بن يحيى باعلوي قال :أخبرني
رجل ثقة من أهل مكة أنه تخلف عن زيارة النبي صّلى
الله عليه و آله وسّلم مدة عشر سنين ،قال فرأيت النبي
صّلى الله عليه و آله وسّلم ليلة في المنام ،فقال لي :يا
م لم تزرنا ،أما علمت أن من زار السيد عبدالّله عبدالّله ل ِ َ
ضَيت له سبعون حاجة ،فكيف من زارنا بن علوي الحداد قُ ِ
.
) (1/8
ت إلى حضرة سيدنا نفع الّله به، ورأيت رؤيا أوائل ما وصل ُ
تشهد لمكاشفة ذلك الولي الذي في بلد المغرب للسيد
أبي الطيب ،وهي :أني رأيت كأني وسيدي القطب الشيخ
أبوبكر بن عبدالّله العيدروس صاحب عدن نفع الّله به في
جمع ،وأراه متقشفا ً جدا ً وثيابه خلقان بالية ،إنما عليه
ملحفة متمزقة من كل جانب ،وكأنه في شبه السيد شيخ
بن إبراهيم السقاف ،من أهل قسم) ( ،فتعجبت
واستنكرت من حالته هذه ،وقلت في نفسي لو خلوت به
لفاتشته في ذلك ،حيث إنا كنا نسمع عنه خلف هذا ،فما
لبثت وأنا أشتهي الخلوة به ،أن جاء داع دعا أولئك
الجماعة ،وقال :فلن يدعوكم ،فمضوا إليه ،فخلوت
بالشيخ فأقبلت عليه ،فقلت له :يا شيخ أبابكر ما هكذا ما
نسمع عنك ،أين صولتك ،أين كرامتك التي نسمع عنك،
وإنك كنت تلبس غلمانك وخدامك الثياب الفاخرة
النفيسة ،فما بالك هكذا متقشفًا؟ ،فهكذا صورة ما وقع
في الرؤيا ،فقال رضي الّله عنه :الناس اليوم غير الناس،
والزمان غير الزمان ،كان ذلك في وقتنا ،والوقت لنا،
واليوم الوقت لغيرنا ،فقلت له :ومن هو الذي له الوقت
اليوم ،فقال :الن أريك إياه ،فإذا بالداعي الذي دعا أولئك
الجماعة قد جاء يدعونا ،وقال :فلن يريدكم ،وسمى الذي
سماه لولئك الذين دعوا قبلنا فقام الشيخ مسرعًا،
فقمت معه مجيبين لداعيه ،فمضى بنا إلى باب بيت
يشرف على حوش كبير واسع جدا ً وفيه خلق كثير ،وهو
ملن منهم ،وفيهم الذين كانوا معنا ،وهم مستندون على
الجدار وحافون به ،دائرين عليه كالحلقة ،وفي صدر
المجلس رجل ،هو الذي دعاهم والناس عن يمينه صافين
إلى شماله ،وهم متأدبون معه غاية الدب ،مطرقين
رءوسهم ،ل يتكلمون ول يلتفتون مغضين أبصارهم حياًء
منه ،وهو يبدأ بالمصافحة وبالقهوة ،ول ُيصاَفح في مجلسه
أحد غيره ،وكل من صافحه قابله بوجهه ،ومشى القهقرى
إلى قفاه حتى يجلس ثم يبقى مطرقا ً برأسه ،فلما وقفت
مع
) (1/9
َ
مع كلمكم س ّوقلت له رضي الّله عنه :هل تأذنون لنا أن أت َ َ
إذا سمعتكم تتكلمون؟ ،إذ كل ما نسمعه منكم يحصل لنا
منه فوائد ،فقال رضي الّله عنه :أذِّنا لك تسمع كلمنا ول
مع كلم عظة ،أو فائدة أو علم ،ونحن نأذن لك تتكلم ،فَت َ َ
س ّ
ل نتكلم إل لمرين ،إما لحد حاضر غير مرئي ،أو لجل
رجل في نفسه كلم ل يمكنه يتكلم به ،وكانوا) (
مستعدين للنقل بآلته ،وقد نقل كلمنا أناس كثير نقلوه
بالمعنى ،فأخطأوا في نقله ،فإذا سمعناه منهم ،رأيناهم
مخطئين ،قال رضي الّله عنه :وينبغي أن يعرف الناقل
ده ،وخصوصه ،وعمومه ،وكونه فيه م ودرجاِته ،وقيو َ الكل َ
استثناء ،ويبقى يستمعه من أوله إلى تمامه ،فرب قائل
تسمعه يذم العلماء ،إل أهل الخشية ،والورع ،والتقوى،
فتستعجل وتقول فلن يذم العلماء ،قال :والقيود كمن
سمعنا نقول في التوبة -مثل ً -بعد ذكر شروطها،
ولزومها :أنها تعسر في هذا الزمان ،فيقول قال فلن:
التوبة عسرة فل تمكن ،ول ينقل الكلم من أوله ،فلما
علمنا بذلك من أهل الزمان ،تركنا الخوض معهم والكلم
إل في المجالس العامة ،فيما يتعلق بعبارات الكتب ،فإن
فهموه وإل فعهدته على أهلها ،وقد أقل الّله من ضعفاء
الفهم ،وكذا من أهل النفاق ،وإن كانوا أقل منهم .
وقال رضي الّله عنه :نحن إذا أمرنا بشيء ،أو تكلمنا
بكلم قيدناه ،فكل كلمنا مقيد ،فافهم القيود ول عليك،
لنا عارفين بأحوال أهل الزمان ،وقد عثر عندنا ناس كثير
بترك القيود ،وأخذوا الكلم غير مقيد ،كالناء بل غطاء ،أو
سفًا ،وبعضهم تعنتًا ،وبعضهم الغطاء بل إناء ،بعضهم ت َعَ ّ
ض الناس،
ف فهم ،حتى لما علم بأمرنا بأخذ القيود بع ُ
ضع ْ َ
ُ
قال :ل ينبغي أن نحضر مجلسكم ،فقلنا ل يتعطل
المجلس بغيبتك ،ثم إنه رجع وحضر.
) (1/16
وقال رضي الّله عنه :إذا نقل أحد كلم أحد ،فليذكر الكلم
كله من أوله إلى آخره ،فإن الكلم ُيذكر بالكلم ،وُيعرف
معنى بعضه من بعض ،ول ُيذكر بعضه وُيترك البعض ،فلو
ل فلن كذا فل خير فيه ،فيقول: سمع رجل يقول :إن فَعَ َ
سمعته يقول :ما في فلن خير ،فليس الكلم على هذا
الوجه ،وأحسن التكلم نقل الكلم على وجهه ليعتبر بما
اعتبر ،وقد تكلمنا أيام كنا بالهجيرة يوما ً في التوبة ،فقلنا:
التائب المصر على الذنب ،بأن يقول :استغفر الّله بلسانه،
كن منه فَعََله ،إن هذا ل توبة له، وفي قلبه إنه متى تم ّ
ولكن الستغفار باللسان ل يخلو من خير ،فنقل عنا رجل
ل ،وأن ماكان حاضرًا ،إنا نقول :إن ما للتوبة معنى أص ً
لحد توبة ،فسمعه علي بن عمر بن حسين ،فقال له:
خَزا) ( ما قال هكذا ،وأشياء من الخواطر ما تدخل تحت تَ ْ
الختيار ،يعفى عنها ،كمن ترك ذنبًا ،وإنما تركه لّله ل
لشيء آخر ،ولكن بقيت له في قلبه لذة فيعذر في مثل
هذا ،ول يؤاخذ به ،ثم قال :وأصول الحكام وأصول الدين
كلها في القرآن ،ولكن لمن يعرف ،وهذه الشياء ُتنقل
وُتعرف ،وبعض منها ما يحسن أن ينقل .
أقول :وقد رأيت بخط من نقل عنه رضي الّله عنه أنه
ن في الصل للقذر ،فلما حصل جوابي) ( لم ت ُب ْ َ
قال :إن ال َ
فيها القذر عارضا ً فل يكره ذكر الّله فيها ،فمثل هذا نقل
عنه خطأ ،فلما سمعه أنكره ،وهو الذي أشار إليه بقوله:
معناه منهم رأيناهم مخطئين ،وهو خلف ما نقلناه س ِ
فإذا َ
عنه من قوله الذي نقول به ونختاره فانقلوه عنا ،وقولوا
هذا اختيار فلن ،والذي نقول به :أنه ل ينبغي ذكر الّله في
الجوابي ،ول جواب المؤذن فيها لما فيها من القذر ،ونكره
ذلك فيها ،ولكن إذا خرج منها ينبغي أن يأتي بأذكار
الوضوء ،وجواب المؤذن على وجهه يقضيه بعد ما يخرج
من الجابية ،وهذا خلف ما ذكر عنه صاحب ذلك النقل .
) (1/17
وصافحه رضي الّله عنه رجل أعمى بعنف ،فقال له :أنت
ن يكون الكلم ،ونحن حتى ل حي ٍ ما تفهم الشارة ،أ َوَ ك ُ ّ
مَرّبين َُهم على فهم الشارة وحفظ الكلم ،وستر عيالنا ُ
المعنى المطلوب منه ،وقد كانوا -أي السلف -إذا تكلم
المتقدم بالكلمة ،أخذها الطالب بالقبول وفهم الشارة،
فيحصل له مقصوده ،واليوم يسمعون منا الكلم ول
يفهمونه ،وكلم الشارة ل نسمح به كل حين ،كان الشيخ
ُ
عبدالّله العيدروس يقول :كان في تريم أ ُ
سود ٌ ت َن َْهم فذهبوا
وما بقي اليوم إل هذا السد النهام ،يعني نفسه ،وقد كان
في القرن التاسع ،فما بالك اليوم في القرن الثاني عشر،
ة والصغار ،ل نرغب في الكلم، م ُ
سنا العا ّ جال ِ َ
وإذا حضر م َ
خوفا ً من أن يسمعوا كلما ً لم يفهموه فينقلونه على غير
المعنى الذي أردناه ،ومن كان ولبد ناقل ً شيئا ً فلينقل
أيضا ً سببه الذي حصل من أجله الكلم ،وقد قال لنا بعض
أصحابنا ،إذا تكلمتم في المجلس ،فذاك أحب إلينا من
قراءة الكتب ،فقلنا له :نحن أحب إلينا قراءة الكتب من
الكلم ،لن في الكلم زيادة ونقصًا ،ول نسلم فيه من
الخطأ غالبًا) ( ،والكتب أصدق ،وإن كان فيها شئ فهو
على المصنف ،وهو المسئول عنه ،وأما كلمنا فنحن
المسئولون عنه ،فالقراءة في الكتب أسلم لنا من
الكلم .
أقول :قوله رضي الّله عنه :كان الشيخ عبدالّله الخ،
فافهم الشارة أن سيدنا نفع الّله به عنا بذلك نفسه في
وقته ،وَوَّرى بإسناد القول إلى الشيخ عبدالّله نفع الّله
بهما .
) (1/23
وقال رضي الّله عنه يوم الجمعة ثامن عشر رمضان سنة
1128ثمان وعشرين ومائة وألف :اعمل في هذا الزمان
من الخير ما ل يشق عليك ،ويمكنك المداومة عليه ،فقليل
دائم خير من كثير منقطع ،واشكر على القليل يعطك الّله
شرٍ والُفضيل) ( وأمثالهما،الكثير ،ول تنظر مثل أحوال ب ِ ْ
فإن هؤلء حتى الصحابة رضي الّله عنهم لم يعملوا بمثل
عملهم ،لكن معهم) ( نور النبوة ،وقد سئل بعضهم عن
ذلك ،فقال :كان الصحابة أكثر إيمانًا ،وكان التابعون أكثر
ل ،وأين زمانك اليوم من زمانهم ،فإنك في القرن أعما ً
الثاني عشر ،ولو بعث اليوم من هؤلء واحد لتعجب وقال:
ما ظننا أن الوقت يمتد قبل قيام الساعة إلى الن
والزمان يتناقص ،من ذلك الوقت إلى الن ،ولما رأينا
الزمان يتناقص ،وأثر النقصان ظاهر على أهله ،بنينا أمرنا
في البتداء على ثلثة أشياء ،الول :أن ل نتحكم لحد حتى
نرى فيه أهلية التحكيم ،فلهذا صحبنا كثيرا ً من مشايخنا
من غير أن نتحكم لحد ،بل صحبة مجردة كما هي عادة
السلف ،صحبة بل تحكيم كعادة الحسن البصري وغيره،
كم إل كما يقال صحب فلنا ً ولقي فلنًا ،والثاني :أن ل نح ّ
ل ،فإذا رأيناه متأهل ً لذلك ،وألقى إلينا نفسه من نراه أه ً
كمناه على مقتضى حاله ،والثالث :أن ل نفيد ح ّمنطرحا ً َ
ول نستفيد إل من متأهل للفادة والستفادة ،والناس إذا
سمعوا بأحوال الصالحين ،يظنون أنهم يطلعون على
الغيب) ( ،فمتى أرادوا كاشفوا الناس بخواطرهم ،ويقال:
النبياء يعلمون الغيب من أكثر الوجوه ،والولياء يعلمونه
من بعض الوجوه) ( ،ول يعلم الغيب كله إل الّله ُ }:قل ل ّ
َ
ه{) ( } ،وَل َ ْ
و ب إ ِل ّ الل ُض ال ْغَي ْ َت َوالْر ِ وا ِ م َ
س َ
من في ال ّ م َي َعْل َ ُ
ن ال ْ َ َ
ر{) (. خي ْ ِ م َ
ت ِ ست َك ْث َْر ُ
ب لَ ْ م ال ْغَي ْ َت أعْل َ ُ ك ُن ْ ُ
وقال رضي الّله عنه :علوم الغيب تتفرع إلى أمور كثيرة،
وعلم الغيب المطلق هو لّله خاصة .
) (1/30
وقال رضي الّله عنه :كل رتبة من رتب النبوة تحتها رتبة
من رتب الولية ،وقد يكون ما مع النسان إل خمس رتب،
فيحكمها ويدعو إليها في الظاهر ،وقد يتحقق بها في
الباطن ،فإذا أحكم الرتب كلها وتحقق بها ،صار هو
القطب ،وقد قال بعضهم :أعطيت مقام القطبية ،ولكني
ت فيها غيري . ست َن َب ْ ُ
إ ْ
ورأيت بخط السيد العارف أحمد بن زين الحبشي رحمه
الّله ،قال :حضرت عند سيدنا الحبيب عبدالّله الحداد نفع
الّله به ،فسأله رجل :ما أجزاء الولية؟ ،فقال له في
الحال -أي من غير تفكر :-أربعون جزءًا ،فقال :مكتسبة
أو موهوبة؟ ،فقال :كلها مكتسبة إل جزءا ً واحدًا ،فإذا
وصل إليه اندمجت كلها فيه ،وصارت كلها حلقة ملقاة في
فلة .انتهى .
ت يوما ً بين يدي سيدنا عبدالّله نفع الّله به،بأمره وأنشد ُ
لي أن أنشد بقصيدته التي أولها) (:
ن حبهم والقرب سقى الّله ربعا ً حل فيه الذي أهوى ...و َ
م ْ
كالمن والسلوى
دم طعام لمن حضر ،فقال سيدنا ثم بعدما فرغت ،قُ ّ
ذ :ما يكون الرجل عندهم رجل ً حتى يكون فيه من كل حينئ ٍ
جزٍء من أجزاء النسانية) ( نصيب ،وينقص منه جزء من
كل جزء من أجزاء النفس) ( ،ويختلف الناس في ذلك،
كل على حسب مرتبته ومنزلته عند الّله تعالى ،فالولياء
في ذلك مختلفون ،حتى ينتهي إلى مرتبة القطب ،فهو
أكمل في ذلك من غيره ،ول أحد استوفى من ذلك أكثر
من النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم ،وكلما كمل العبد
صارت الغلبة للعمال الروحانية ،وانغمرت فيها أمور
النفس ،حتى يتوهم فقدها أو كما قال .
طفوقال رضي الّله عنه :على قدر خصوصية النسانَ ،تل ُ
ت نفسه ،والنتفاع العظم في قوة العتقاد . كثافا ُ
ف منازعَ العلوم ،ويعمل بما وقال رضي الّله عنه :ل يعر ُ
علم ،إل ولي أو من هو سائر على سير الولياء .
) (1/35
وقال رضي الّله عنه ما معناه :إن النسان إذا نزل من
درجة النسانية بأن غلب عليه الهوى والشهوة جدًا ،بحيث
تذهب منه المروءة فيصير حيوانا ً بحسب ما غلب عليه،
لن كل حيوان تغلب عليه صفة من هذه الصفاتُ ،يعرف
بها ،ومن غلبت عليه واحدة منها من بني آدم نسب بسببها
إلى ذلك الحيوان الموصوف بها ،فإذا أراد الوصول إلى
الّله ،يحتاج إلى مجاهدة ،حتى يصل إلى درجة النسانية
ل ،وهي ما يختص بها النسان دون بقية الحيوانات ،ثم أو ً
يجاهد أيضا ً حتى يصل إليه ] أي إلى الّله تعالى [ .
وقال رضي الّله عنه :من ازداد في دينه بكثرة الطاعات
وقلة المباحات ،وربما كان المباح بفعلهم طاعة وُزهدا ً في
الدنيا ،فمن كان كذلك فقد ارتقى من درجة اليمان
العامة إلى الخاصة ،ومثله كمثل طير معلق في قفص .
وقد خرج منه ولم يبق إل رجله فيه ،أو على الدرجة
العامة ،إذا لم يترك لزمًا ،ولم يفعل محظورًا ،ولكن لم
يمعن فيما يحمده الشرع كالول ،ول فعل محرما ً أصالة،
فهو متوسط ،وهو الغالب من الناس ،وإن نزل عن هذه
المرتبة ،بأن جعل المباح حرامًا ،وإن لم يقصر في
حرم بشهوة ونحو ذلك ،فهذا م ْالواجب ،كمن ينظر إلى َ
طبعه فاسد ،انحط عن الطبيعة العامة ،إذ لم يقيد الّله
ورسوُله إباحة ذلك على عدمها ،حيث كان ل يقتضيه
الطبع ،فمثال هذا يجب عليه أن يرّقي نفسه ،إما برياضة،
أو عزلة ،أو ارتقاب) ( أو نحو ذلك ،حتى يرجع إلى
الوسط) ( وإن قدر بعد ذلك على الترقي فل ي َت ُْرك .
وقال رضي الّله عنه :طرق التصوف وإن تعددت فهي
طريقة واحدة ،وهي مجاهدة النفس ،والخروج من كل ما
تدعو إليه ،وهذا أمر عسر .
) (1/36
وتكلم رضي الّله عنه ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الثاني
ك الولياء أهل الدراك صحيح من توجههم منها ،فقال :د ََر ُ
إلى الّله في تحصيل ما ينفع ،ودفع ما يضر ،وهم العمدة
ب لهم أو في تحصيل ذلك ،لكن يكون هذا إذا كان المطلو ُ
قال الرعية ،مستقيمين لما طلب منهم ،مجتنبين لما نهوا
صل الولياء لهم ذلك ،كمن عنه ،وأما إذا خالفوا فل يح ّ
يطلب لبنا ً من ثور ،فل تكون الكرامة إل ّ مع الستقامة،
كيف يطلبون حقا ً لنفسهم ،ويضيعون حق ربهم ،وقد ذ ُ ِ
كر
أن بعض الدول) ( أراد دخول البلد في وقت الشيخ عمر
المحضار ،فلم يقدر إذ كانوا مستقيمين ،وآخر في وقت
الشيخ عبدالّله العيدروس ثلث مرات يطلب الدخول ،فلم
كن ،ثم في الثالثة تلقاه الشيخ عبدالّله ،وقال له :إنك ل م ّ
يُ َ
تدخلها الن ،وعادك تدخلها ،فلما تغيروا بعد ذلك دخل
عليهم فأشغلهم .
وقال رضي الّله عنه :أهل البرزخ من الولياء في حضرة
الّله ،فمن توجه إليهم) ( توجهوا إليه) ( .
وقال رضي الّله عنه :أحياء الجسام) ( ما عاد ينفعون ،بل
أحياء الرواح ،لكونهم قريبين من الحضرة اللهية .
وقال رضي الّله عنه :الصالح الحي فيه خصوصية وبشرية،
وربما غلبت إحداهما الخرى ،وخصوصا ً في هذا الزمان
تغلب البشرية ،والميت ما فيه إل الخصوصية فقط .
) (1/41
ثم قال نفع الّله به :طريق الحقيقة طريق الخصوص ،ما
هي إل في ظلمة ل يبصرها العامة) ( لنهم بعدوا من
طريقهم ،فليس من قوتهم معرفة ما يعرفون ،فإن سلموا
إليهم أنفسهم بل اعتراض ،وصلوا ،وإل بقوا متحيرين ،أو
كما قال بمعناه.
وقال رضي الّله عنه لي مرارا ً وكذلك سمعته غير مرة
يقول :طريقتنا طريقة المامة وهي طريقة مظلمة.
وسألته عن معنى كونها مظلمة ،فقال نفع الّله به :المراد
صة ،ومعناه أن يقتدي بمن تأهل فيها ويمتثل الطريق الخا ّ
له ،ول يدبر معه فيها بعقله ،وبما يستصوبه ،فإن العقل ل
مره به ،أو نهاه َ
مجال له فيها) ( ويسلم له في كل ما أ َ
عنه ،وإن كان يرى أن ذلك خطأ ،وأن الصواب عنده
كر عن بعض مشايخ مصر ،واسمه ف ذلك ،كما ذ ُ ِخل ُ
قطب الدين الحنفي ،أنه كان يوما ً يمشي على الماء،
ض جماعته يمشي معه على الماء ،فقال له فأخذ بع َ
الشيخ :قل بسم الشيخ قطب الدين ،ول تقل بسم الّله،
ففعل وهذا عند ذلك المريد ظلمة ،فسار ساعة ثم قال
المريد في نفسه لي شيء ما أقول بسم الّله؟ ،ثم قال
ذلك ،وهذا عنده نور) ( يعني قوله بسم الّله ،فغرق فصاح
بالشيخ ،فالتفت إليه ،وقال :ماذا فعلت؟ ،قال :قلت بسم
الّله ،فقال له الشيخ :ألم أقل لك ل تقل ذلك ،لنك ما
تعرف الّله ] أي حقيقة [ وإنما أنت تعرفني ،وأنا أعرف
الّله ] أي حقيقة [ ،وما مشيت على الماء إل باسم الّله،
فانظر ما أبعد القياس من هذا المر ،فلو كان في
المسجد مريد مثل ً في قراءة قرآن ،أو في أمر ديني،
وهذا عنده ] أي المريد [ نور ،فقال له الشيخ :قم اجلس
في السوق ،أو افعل كذا وكذا من أمر الدنيا ،وهذا عنده
ظلمة ] أي خطأ [ ولكنه ما علم مقصود الشيخ بذلك،
فربما رأى فيه كبرًا ،أو كان جلوسه في المسجد لرياء،
وأراد أن يكسره منه ،فإذا كان في السوق وقلبه متعلق
بالمسجد ،أو بأمر ديني خير من عكس ذلك ،وقد كان
جماعة من الكابر
) (1/63
وقال رضي الّله عنه :كان النبي صّلى الله عليه و آله
وسّلم له قوة ل يطيقها البشر ،وكذلك كان قوة في
الولياء ،لنهم جاهدوا أنفسهم بالرياضات حتى اطمأنت
نفوسهم بقلة الكل ،ولم يعولوا على القوت ،وجميع ما
تسمعه عن الصالحين ليس من الدنيا إنما هو من الخرة،
مَلك ،أو مكاشفة ،أو حصول من رؤية حور ،أو قصور ،أو َ
شيء من الدنيا ،فلم يشغلهم عن الّله ونحو ذلك ،فكل
هذا من الخرة ،قلت له :فلو تكلف النسان شيئًا ،ما
أمكنه أن يحصل له مثل ذلك ،فقال نفع الّله به :ليعرف
دقهم ،كان قدره ول يتعد ّ طوره ،ولهذا إذا قَِبل منهم و َ
ص ّ
مؤمنًا ،وإذا أحبهم كان معهم ،وأين الناس اليوم ،وكم
بينك في الوقت وبين وقت الشيخ عبدالقادر ،إنما أنت في
القرن الثاني عشر ،فهل سمعت هذا القرن يذكر في
شيء من الكلم ،أو في كتاب ،إنما حد ّ ما يذكر الحادي
عشر على الندور أيضًا ،واليوم قد ضعفت الهمم ،وضعف
كل شيء عن الحال الول ،حتى الشجر والنبات ،قلت:
كم السلم واليمان ،فهذا هو فماذا يفعل النسان ،قال ُيح ِ
الذي عليه ،وإذا أراد الّله شيئا ً فما هو ببعيد ،قلت :فما
يريد النسان إل حصول التوحيد والعبودية ،قال :ليعرف
النسان حال نفسه ،ويحبهم فيكون معهم ،فتشمله
المعية ،ويكفيك ما قال الّله تعالى لموسى عليه السلم:
ن{) ( .
ري َ ن ال ّ
شاك ِ ِ م َ ك وَ ُ
كن ّ مآ َءات َي ْت ُ َ }فَ ُ
خذ ْ َ
ذكر ما قال في حرمان الرزق
) (1/65
وقال رضي الّله عنه :قاعدة :الرجل الصالح إذا كان له
وجه وقفا ،جاء الصالحون من وجهه ،وجاء المتفتنون من
شرح) ( قفاه ،مثاله إذا كان الرجل الصالح يحب ال ّ
ويجالس المذمومين من الناس ،فََعل ذلك النذا ُ
ل ،وقالوا:
إنهم اقتدوا به ،وإن بقي على الحالة المعروفة التي عليها
الصالحون اقتدوا به .
وقال رضي الّله عنه :إذا رأيت أحدا ً من الصالحين يتعاطى
أمورا ً منكرة ] أي في ظاهر الشرع [ ،فذاك ينبغي أن
جت ََنب ،وُيعتقد ] أي ُيحسن به الظن [ ،ول ُيفعل كفعله،
يُ ْ
إل من غلبت عليه الحقيقة كما غلبت عليه) ( .
وقال رضي الّله عنه :من سوء أحوال الّزمان وأهله ،أن
يقتدي النسان بالخر في مثالبه وأحواله المذمومة،
ويترك أن يقتدي به في محاسنه وآدابه ،وفي هذا بليتان
إحداهما أنه تضرر باقتدائه ،والخرى أنه نبهه على أمر
كان غافل ً عنه ،أو غير غافل ولكن السكوت عنه أجمل،
فل تقتد إل بالحسن ،ول تنقل إل الحسن ،وهذا القتداء
على هذا الوجه غالب على أهل هذا الزمان ،فترى أحدهم
ل يحسن صلته أو قراءته ،أو ُيربي ،فإذا قيل له في ذلك،
ى) ( فلن ،أو يؤخر الصلة عن وقتها ،ويقول قال وََر ْ
العالم الفلني كذا يفعل ،فمثل هذا إنما تضرر ولم ينتفع
باقتدائه .
وقال رضي الّله عنه :حسن الظن بالمسلمين عمومًا ،هو
المر الواجب ،إل من رأيته على باطل صريح ،فيكون ذلك
سوء ظن ،لنه قادح في الشريعة .وأنت ساير أهل
زمانك ما لم يغلبك الجواز ،فإذا لم تجز المسايرة فل
تساير ،قال سيدنا الشيخ أبوبكر ]بن عبدالّله العيدروس[ :
ل تغالب زمانك يغلبك ... ...كن مساير يسايرك الزمان
) (1/73
وقال رضي الّله عنه :قاعدة :إذا كنت مسموعا ً عند الناس
في أمر دنياهم ،فكن عندهم أيضا ً مسموعا ً في أمر
دينهم ،فإن سمعوا لك في الكل ،وإل ففي البعض ،وإن
سمعوا كلهم أو بعضهم ،ولو واحدا ً أو في وقت دون وقت
وهكذا وإل كنت أحق بالعذاب الوارد في قوله تعالى}:وَإ ِ َ
ذآ
ك قَري ً َ َ َ
مت َْرِفيَها{) ( الية ،فيحل بك مْرَنا ُ
ةأ َ أَرد َْنآ أن ن ّهْل ِ َ ْ َ
قبلهم .ومن يخالط أهل الدولة ،فينبغي أن يفعل ذلك
معهم كفارةً لما صدر منه من مخالطتهم ،ولو معنا نحن
ما نتطهر به ونطهر به مجالسنا منهم فَعَل َْنا) ( ،ول ينبغي
كوا ،فإنهم كعقارب وحّيات ساكنة ،فيزيد في حّر ُأن ي ُ َ
سكونهم ول يحركهم ،وقد قيل :إن بعض الجبابرة قحطت
أرضه جدًا ،فقال لنبي زمانه :قل لربك :يغيثنا ،وتخصب
ك قدرة على أرضنا ،وإل آذيته ،فقال له ذلك النبي :أ َل َ َ
إيذائه وهو مالك السماوات والرض؟ ،فقال :نعم ،أقتل
أولياءه ،فأرسل الّله عليهم الغيث وخصبت تلك الرض .
ة أهل بلد تجاوزوا الحد ،فسلط وذكر رضي الّله عنه ليل ً
الّله عليهم من آذاهم وتكلم فيهم بكلم كثير إلى أن قال:
يحكى عن امرأة منهم ،أنها حملت ابنا ً لها صغيرًا ،وفي
يده حجارة ،فقال لمه :أتجيبين وإل ضربتك بهذه
الحجارة ،فلم تجب فضربها بالحجارة في وجهها ،وقال
الشاعر:
عاقبة الظلم مهلكة وإن تراخت مدة المد
ره فأخرجت روحه من الجسد ش ِكم لقمة دخلت حشا َ
وقال رضي الّله عنه :ما معك في هذا الزمان إل التعريف
باللطف ،بأن تحكي له وتقول :إن هذا واجب عليك ،تثاب
عليه في الخرة ،أو هذا حرام عليك ،تأثم عليه ،ومثل هذا
مد ّا ً فيه
سّرا ،وإل رجع عليك هو وغيره ،كما لو رأيت ُ ِ
ت منهم أن يجعلوه وافيا ً على نقص ،وأنكرت عليهم ،وأرد َ
المعتاد ،ونحو ذلك فبّين له المر الرائق ،في الوقت
لئق ،ويختلف هذا بطبقات الناس . ال ّ
) (1/79
وقال رضي الّله عنه :إذا أعوزك وجود الخير ،فل يعوْزك
القرب منه ،بحيث تكون إليه أقرب من المنهمكين على
الدنيا ،يباتون ويصبحون مهتمين بها ويعملون فيها ،وخذ
من كل شيء بركته ،والميسور ل يسقط بالمعسور ،وإذا
كانت الغايات لتدرك ،فالقليل منها ليترك .
َ
مآءً
هم ّ وقال رضي الّله عنه في قول الّله تعالى }:ل ْ
سَقي َْنا ُ
دقًا{) ( :أي ماء القناعة والزهد ،والزاهد في الدنياغَ َ
المتجرد عنها ،أخف تعبا ً وأكثر راحة من غيره ،إل إن
الضعيف اليقين إذا أرسل الّله إليه نعمة على يد أحد من
الخلق تعلق قلبه به ،ويرى أنه هو المحسن إليه ،ول يمتد
نظره إلى المحسن الحقيقي ،ول ينفعك أحد إل بعد أن
يضع الّله في قلبه ما وضع ،والحركة) ( مع السلمة من
منة الناس ،ما هي إل ّ بركة إن لم يكن فيها إثم .
وقال رضي الّله عنه :ينبغي أن ل يخلي النسان يده في
هذا الزمان من شيء يعيش به ،إذ ل راغب في الخير ول
مبالي بمحتاج ،ولعدم الشكر فيه من الغني ،والصبر من
الفقير ،وينبغي أن يحفظ ماله ويحصنه بإخراج الزكاة .
ل ي َوْم ٍ هُوَ في وقال رضي الّله عنه في قوله تعالى }:ك ُ ّ
َ ْ
كمال ِ َ
م َل الل ّهُ ّ
ن{) ( إن تفسيرها في قوله تعالى } :قُ ِ شأ ٍ
ك{) ( الخ . مل ْ ِال ْ ُ
وقال رضي الّله عنه :ينبغي للنسان أن يحترز من كل ما
تميل نفسه إليه جهده ،خوفا ً من الوقوع في الحرام من
نظر وغيره ،وعلمة النظر بل شهوة أن يكون كنظره إلى
شجرة سواء ،فإن فرق فهو شهوة ،والنسان في هذا في
د{) (، ن في ك َب َ ٍ سا َخل َْقَنا الن ْ َ
تعب ،قال الّله تعالى }:ل ََقد ْ َ
أي مكابدة وجهد شديد ،مع الداعية له إلى المخالفة .
) (1/89
وذكر رضي الّله عنه الناس وأحوالهم ،فقال نفع الّله به:
الناس فيهم ظلم ،منهم المرائي ،ومنهم تارك الزكاة،
ومنهم المخّلط وغير ذلك ،وسواء لو تولى عليهم عادل أو
ظالم ،فهم على حالهم) ( ،فقال له بعض الحاضرين :يا
سيدنا عاد الناس لهم بخت) ( ،حيث كنتم بين أظهرهم
ويرونكم ،فقال رضي الّله عنه :عاد في الزوايا خبايا ،ولو
لم يكن في الزوايا خبايا ،لدكدكت بهم الرض ،لكنهم إذا
كثر الظلم والفساد ،يخرجون من ظهرانيهم إلى الفيافي
والقفار ،يسيحون في الرض ،ويستريحون منهم ،فقلت:
يا سيدنا هل هم في هذا الزمان قد قلوا عما كانوا عليه
سابقا؟ ،فقال :العدد المعلوم المذكور في كلم العلماء
وهم أهل الدائرة ل ينقص ،وما كان خارجا منه فيه نقص .
وقال رضي الّله عنه :قلة العلم مع العمل ،يزكو على
الكثير بل عمل ،إل أن العامل قليل ،فقد ذكر
الشعراوي) ( أنه لم يزل الناس سابقا ً ولحقا ً كثيري
العلم ،قليلي العمل .
وقال رضي الّله عنه :إذا سألت الّله شيئا ً فاسأله أن يكون
في أحسن أوقاته ،وقيد السؤال بالعافية واللطف ،فقد
سمع ابن مسعود رجل يسأل التوبة ،فقال :هذا يسأل
التوبة ولعل توبته في قطع يده ،فليسأل مع ذلك العافية،
وسأل رجل من الّله ،أن يحصل له كل يوم رغيفان ،ولم
يسأل العافية فقدر الّله أن حبس ،وكان قد قام له أحد
من الناس كل يوم برغيفين ،فتذكر بعد ذلك ،فسأل
ك من الحبس . العافية فَُف ّ
) (1/90
وقال رضي الّله عنه :من تأمل أحوال أهل الزمان ،لم ير
معهم آخرة ول دنيا ،لن الخرة إنما هي بالعمل الصالح
وفعل الخير ،وهم ل يفعلون ذلك ،والدنيا التي بأيديهم،
إنما هي مجرد وسواس ،وشغل في أبدانهم وقلوبهم،
حا . ويزيدون) ( بسببها َتلّهفا ً و ُ
ش ّ
وقال رضي الّله عنه ما معناه :من كان معه شيء من
أسباب الدنيا ،كعََقار وتجارة ،وكان قلبه متعلقا ً بذلك ،فقد
وقع في شبكة الشيطان ،فهو متمكن منه كما يطلب ،فل
يهتم به كثيرا ً وإنما يهتم) ( كثيرا ً في اقتناص المتجردين
عنها وطلبهم ،ليوسوس لهم ،ويشغل بواطنهم وجوارحهم
بالهتمام بأمر الرزق والوسوسة فيه ،لن هذا هو مراد
الشيطان ،وقد حصل له في الولين وطلبه من الخرين .
وقال رضي الّله عنه :مات العلم في الصدور والسطور
هم منه ما يلزمه في هذا الزمان ،لن أهله ل يطلب واحد ُ ُ
في حقه وفي حق المتعلقين به .
وقال رضي الّله عنه في حديث) ( )) :لو لم تذنبوا لخلق
الّله قوما ً يذنبون ،فيستغفرون فيغفر لهم (( :يعنى أنك ل
كم، صد ذلك ،ول تنكر وجوده في الكون ،فلّله فيه ِ
ح َ ت َت ََق ّ
كم في ذلك ،إل ليكون الناس درجات ح َ ولو لم يكن من ال ِ
بعضهم فوق بعض ،ومن أنكر وجوده ،أو تقصد فعله ،فهو
عاص فاسق ،وهو كمن يتقصد شرب السم .
وقال رضي الّله عنه :العتماد على المقادير بدعة،
والعتماد على السباب بدعة بل ل بد منهما) ( .
وقال رضي الّله عنه :الرضى بالقضاء هو أن ترضى بكل
ما يجريه الّله عليك باطنا ً وتلتزم جميع أحكامه ظاهرًا،
والرضى مع تضييعها غرور وفتنة .
وقال رضي الّله عنه :ل تخبر الظالم بظلم غيره فيزيد
ظلمه ،لكن َأخف ما استطعت مع المداراة ،ومن ل يرحم
نفسه من عذاب الّله ،حيث وقع في الظلم والمعصية ،فل
ترجو منه أن يرحمكم ،ول يدخل ذلك في خاطرك،
واليمان نور الوجود ،ومن ُفقد منه فهو كله ظلمة .
) (1/92
وقال نفع الّله به :من ألجأك إلى الظلم ،فهو أظلم منك .
وون كلما وقال رضي الّله عنه :أهل الدنيا والنفوس ،ي َْق َ
ذوا به من الشهوات، بلغهم ما يفرحون به ،وكلما ت َغَ ّ
وتهم الحاصلة لهم إنما هي من قوة النفوس وغلبتها وقُ ّ
عليهم ،والصالحون ل تحصل لهم القوة بما ذكر ،والقوة
الحاصلة لهم إنما هي قوة الرواح فيهم ،لن قوة النفس
قد أذابوها بالرياضات والمجاهدات فلم يبق لها فيهم أثر .
وقال رضي الّله عنه :إذا كانت طاقة النسان دون همته،
ما ن ََفع ،يهم بأمر ل يستطيعه .
وطلبه رضي الّله عنه السيد زين العابدين بن مصطفى
دع ثامن شعبان سنة ،1128 العيدروس) ( إلى مكانه :الب َ ْ
فقال له السيد زين العابدين :عاد رؤيتكم يتمتع بها
وى ضعفت ول يمكنها النسان ،فقال نفع الّله به :لكن الُق َ
م بالمر ،ل تساعدنا تساعد النسان على ما يريد ،فربما ن َهِ ّ
عليه القوى ،فالهمة قوية ،والقوى ضعيفة ،والروح أقوى
من الجسم ،وإذا َقوي الروح حصل للجسم قوة ،وإذا
حصل على الروح ما يوجب النقباض انهدم الجسم .
وقال رضي الّله عنه :إذا ُوجدت الهمة ،انبسطت في
البدن ،فيقوى البدن بسبب ذلك ،ويقوى الروح أيضًا.
وقال رضي الّله عنه :اليمان الصادق في قلب المؤمن
كسراج في ظلمة ،يضئ لمن حوله ،ويستدل بضوئه،
واليمان في قلب المنافق) ( كالسراج المكفي فوقه
سفيح) ( .
وقال رضي الّله عنه :صاحب الجاه الجاهل ،سلمته أن
يحيل على غيره ،ويظهر عدم علمه ،ول يتوسط في شئ،
وإل هلك وأهلك ،وذو الجاه العالم ،يعرف ما يزن به
المور ،وعنده نور يعلم به ويفرق ،وتكون أموره في
العتدال كلسان الميزان .
) (1/93
وقال رضي الّله عنه :العلم فضيلة ،ل تتكمل إل بالعمل به
لّله .
وقال رضي الّله عنه :اليمان :اليقين ،وتزعزعه الوهام،
وكلما كثرت ضعف وكلما قَّلت قوي .
وقال رضي الّله عنه :عند الصوفية ،أكثر الفساد إنما هو
من السماع والجتماع ،لهذا كانوا يرغبون في الصمت .
وقال رضي الّله عنه :المداراة هي بذل الدنيا للدين
وللدنيا ،والمداهنة بذل الدين للدنيا وللدين ،ول بأس
ن
ذل الدنيا في المدارة حس ُ من ب َ ْ
بالول ،ويحرم الثاني ،و ِ
ن لمن تكلمه، الكلم من غير كذب ول مجازفة ،واللي ُ
والمدارة هي التي نسميها المراعاة.
وقال رضي الّله عنه :قراءة الفاتحة ،آخر المجلس :عادة
أهل اليمن ورآى بعضهم أن القيامة قامت ،وسمع مناديا ً
ينادي قوموا يا أهل الفاتحة ،فقام أهل اليمن ،وكان رجل
من أهل اليمن ذا فقه وصلح ،يعتاد يختم مجلسه بها
،وكانت له زوجة تكرهه ،وإخوانها وقراباتها يحبونه
ويرغبون فيه لديانته وصلحه ،ويسمع منها من الكلم ما
م تقول له ذلك ،تنكر يكرهه ،فيخبرهم به ،فإذا سألوها :ل ِ َ
ي ،فأتى إليها يوما ً نساء، ذب عل ّ وتقول ما قلته ،بل ك َ َ
وبقيت تتحدث معهن فيه ،وتتكلم بما يسوءه ،فاتفق أنه
كان يسمع كلمهن من حيث لم يشعرن ،فبقي يكتب ما
يسمع منهن ليعرضه على أهلها ،فلما كان في آخر
المجلس قالت لهن :تعالين نقرأ الفاتحة على عادة
الشيخ ،كما يفعله من قراءة الفاتحة على عادته وقراءتها،
فكتبها أيضا ً في جملة ما كتب ،فلما عرض المكتوب،
وأخبرهم بما قلن وأنكرت فقال :هو ذا مكتوب ،وفتح
الورقة فإذا هو لم ير في الورقة مكتوبا ً سوى الفاتحة
فقط ،فعجبوا لذلك ،فينبغي قراءتها رجاء أن ُيمحى جميع
ما حصل في المجلس من مذموم الكلم واللغط ،ومرة
قال :نقرأ الفاتحة في آخر المجلس ،لتكفر ما وقع فيه،
فإن كان المجلس مجلس خير ،فتكفر ما كان من
الخواطر السيئة الختيارية ،أو كما قال .
) (1/98
وقال رضي الّله عنه :قد قلنا يعني أول العمر نريد أن
ننظر ،إن كان نحن من المأذون لهم في السياحة والتنقل،
ل نستصحب أحدا ً معنا لئل يكون بلء وأذىً على الناس،
وإن لم نكن من المأذون لهم في ذلك ،فل بأس إن لحقنا
أحد ٌ أن نتركه على نيته ،في مخالطته لنا.
وقال رضي الّله عنه :لو أن أحدا ً له قدرة على السياحة،
مثل الولين من الصالحين ،وخصوصا ً السياحة في
الحاضرة ،فإنها أسهل ،لكن السياحة تريد قوة قلب وزهد،
وترجع السياحة في القلب ،فيسيح في قطع فََلوات
النفس ،حتى يصل إلى الحق سبحانه وتعالى .
دث وقال رضي الّله عنه :إن الصحابة رضي الّله عنهمَ ،
ح ّ
كل منهم على حسب علمه وما بلغه عن النبي صّلى الله
عليه و آله وسّلم ولهذا كثرت الروايات ،وذلك لختلف
أفعاله وأحواله عليه الصلة والسلم ،ولما كثرت الروايات
عنه عليه السلم وعن الصحابة المأمونين ،وعن التابعين
سرالمقتدين ،إّتسع العلم ،واختلفت القوال ،ومن لم ي َ ِ
على الجادة والتقوى ،لم يكن له إمام إل منافق أو فاسق،
لن الطريق قد تخفى وقد تظهر .
ل هذه المور على المقادير، ح ْ وقال رضي الّله عنه :ل ت ُ ِ
حْلها على هذه القلوب المنصرفة والوجوه المدبرة، بل ِ
َ
ت ما ك َ َ
سب َ ْ صيب َةٍ فَب ِ َ
م ِ
من ّ كم ّصاب َ ُ قال الّله تعالى }:وَ َ
مآ أ َ
َ
م{) ( الية.ديك ُ ْ
أي ْ ِ
ذكر ما يتعلق بالرزق
) (1/99
وقال رضي الّله عنه ما معناه :من كان عنده من الدنيا
قدر كفايته فقط بل زيادة فذاك رزقه المقدر له ،أو زائد ٌ
فما فوق) ( ذلك فهو رزق غيره استخلف فيه ،وهو عنده
أمانة فليراع فيه ما يلزمه وكما ينبغي على مقتضى
الشرع ،ويتصدق منه ويقدم منه لخرته ،قال الّله تعالى :
َ
ن ِفيه{) ( وإن باع منهخل َِفي َ
ست َ ْ
م ْكم ّجعَل َ ُ
ما َ
م ّ
فُقوا ِ
}وَأن ِ
شيئا ً قنع بما تيسر له في الحال ،دون احتكاره والطمع
في غله ،ومهما خرج منه شئ من يده إلى يد آخر بأي
وجه ببيع أو هبة أو صدقة أو غير ذلك ،فقد رجع ذلك إلى
ذر في الزائد أو أسرف فيه أو من هو رزق له ،وإن ب ّ
ضيعه على مقتضى هواه وشهوته ،فهو متعد في حق
غيره ،ومسرف فيه مذموم الحال .
وقال رضي الّله عنه :سمعنا فيما بلغنا :إن لّله ملئكة
موكلين بخزائن أرزاق العباد ،وإن للعبد في كل وقت رزقا ً
معلومًا ،فإذا أطاع العبد ربه وأحسن له المعاملة أمر الّله
الملئكة الموكلين بخزائن أرزاق العباد أن يعجلوا له من
رزقه في الوقت التي ،مع رزقه في الوقت الحاضر،
فيتسع عليه رزقه فيه ،وإذا عصى وأساء المعاملة أمر
خَزنة وقال :ادخروا رزق هذا له في الخزائن ،فيؤخر إلى ال َ
الستقبال ،ويبقى مقترا ً عليه رزقه في الحال الحاضر.
ثم قال نفع الّله به :لعل المراد أن الرزق شئ مقدر
معلوم ،على ما قسم للشخص بل زيادة ول نقصان ،وإنما
يقدم ويؤخر بحسب معاملته لربه ،ولعل هذا في بعض
الناس ،وبعضهم وسع عليه على أي حال ،وبعضهم
بالعكس .
) (1/100
وقال رضي الّله عنه يوم الثنين عاشر جماد أول من
ط ظلم السلطان عيسى بنالسنة المذكورة ،وقد بلغه فر ُ
بدر في شبام ،وجوُره زائدا ً على العادة ،فتكلم في شأنه
كثيرا ثم قال :ما له إل الكثيب الحمر ،وهو تربة عينات،
وكان حينئذ بشبام ،ثم سرح منها صبح يوم الثلثاء منحدرا ً
إلى عينات ،وخرج سيدنا ضحوة يوم الثلثاء المذكور إلى
مسجد إبراهيم بن السقاف الذي شرقي الحاوي ،وبقي
فيه يومه ذلك إلى أن صلينا معه فيه صلة المغرب ليلة
الربعاء .ومما تكلم به في مجلسه في المسجد المذكور
ذلك اليوم ،أن قال :إن الناس ل ينظرون من الشخص إل
إلى عمله ،ل إلى ذاته ،ومن مات وهو محسن تأسفوا
عليه ،أو غير ذلك فرحوا بموته ،ومن مات وهو حسن
العمل بعد قليل من العمر ،فهذا مدة عمره ،ومن مات
كذلك وهو سيئه ،فنقصان عمره من شؤم عمله ،ومن
طال عمره منهما فالمحسن زاده الّله في عمره ببركة
عمله الصالح ،والخر هو عمره المقدر له ،ليزداد من
الشر ،فبعد صلة المغرب والنافلة بعدها سار سيدنا إلى
ه الصعدي، الحاوي وسرنا معه فالتقانا محمد ب ِل َْفْقي ِ ْ
ده شبام ،وكان خادما ً لسيدنا، الملقب بمحيود ،جاء من ب َل َ ِ
ويحفظ ديوانه ،فصافحه وشكا إليه حاله وأحوال الناس
وما حصل عليهم من الظلم الفظيع ،وقال :فلن غُّرم كذا،
ي خمسين قرشا ً وعادتي خمسة وفلن كذا ،وأنا أخذ عل ّ
ومثل هذا فقال سيدنا له :إذا ظلمكم حاكمكم ،فماذا تريد
أن أفعل ،فقال :أريدكم تقبضون بحلقه فتخنقونه وتقتلونه
وتريحونا منه ،أو قال :من شره ،فتبسم سيدنا وضحك
وسكت ،فكان من قضاء الّله وقدره أن عيسى بن بدر
تلك الساعة بعينات في ضيافة له من آل الشيخ أبي بكر
بن سالم ،يتعشى فنشبت قطعة لحم في حلقه ،فل
سه ،وخرجت روحه ،ومات خرجت ول دخلت فانقطع ن ََف ُ
في الحال ،وقُِبر هناك في الكثيب الحمر ،كما ذكر سيدنا
قبل موته بيوم ،وأظن أن كلمه المذكور في المسجد،
فيه
) (1/106
إشارة إليه والّله أعلم .
وقال رضي الّله عنه :إذا أكثر النسان الظلم ولم يزل
يظلم كان كالجريدة الخضراء ،كلما لها ينقص ماؤها
وخضرتها حتى تيبس ،فعند ذلك تسرع النار في إحراقها.
وقال رضي الّله عنه :إن انتفع أهل الزمان بشيء
فَب ِن ِّياتهم) ( ،وإل فجميع أعمالهم مدخولة ،فإن لم يقروا
بهذا فعليهم البيان ،ومثال أهل الزمان كمثل من جاء إلى
سلطان ،يحمل حطبًا) ( ،فماذا يستحق من السلطان ،ما
هو إل أن يشب في حطبه النار ،قال بعضهم :النار فيك
وبالعمال تحرقها الخ ،ثم قال :من جاء بوعاء يطلب فيه
سمنًا) ( أعطوه فيه ،وأهل الزمان ل أوعية لهم طاهرة
يطرح لهم فيها ،وكان فيمن مضى ،إذا جلس النسان إلى
أحد من أهل الدين نحو ثلثة أشهر صار داعيا ً إلى الّله،
وهؤلء ل يمكن ذلك منهم .
وقال رضي الّله عنه لما فرغ القارئ يوما ً من قراءته ،في
"الدعوة التامة" :ما على النسان إل أن يبين ويوضح لهم،
ول عليه إن لم يحفظوه ويعملوا به ،وما هو إل كحديث
أبي هريرة ،لما حدث عنه صّلى الله عليه و آله وسّلم
حديث) ( )) :ل تؤذ جارك ،بقتار قِد ِْرك (( ،ما رأى منهم
الصغاء والقبال ،فقال :مالي أراكم عنها معرضين ،والّله
لرمين بها بين ظهوركم .والناس اليوم تالفين متلفين
خاربين ،فينبغي أن يأخذ النسان منهم حذره ،فإنهم
ضية ،يحذر أن يطرح عليها متاعه ،وإن انتقل مْر ِ
كالرض ال ُ
ة فيها فهو أصلح وأحسن ،وإن ض َ َ
إلى الرض التي ل أَر َ
م الناس على بقي فيها فليحزم بمتاعه ل تأكله .وذ ّ
مقتضى الكثر منهم ،وإن كان فيهم بقية خير ،كما يقال
لقليل المال :إن ما معه مال ،أي كثير ،وإن كان معه
قليل ،أو كما قال .
وقال رضي الّله عنه :ل يكن لك في الدنيا حسيب إل
نفسك ،إن أردت خفة الحساب في الخرة فحاسبها في
الدنيا ،والناس ما يبالون بك ول يدرون ما تقول.
) (1/107
وقال رضي الّله عنه :معنى اجعل القرآن ربيع قلبي ،كما
في الدعاء أي بأن يعمل في القلب من النوار والعلوم،
كما يعمل الربيع في الرض .
وقال رضي الّله عنه :ينبغي للنسان في هذا الزمان أن ل
يتحمل ،فمن الذي سلم من شواغل الزمان كما ينبغي،
زمان ردي ،زمان هم وغم ،وفي هذا المعنى قيل:
المشغول ل يشغل .
وقال رضي الّله عنه :إذا أردت أن تعرف عقل الرجل من
حمقه فاسأله عن مسألة فإن أجابك عنها ،ولم يزد عليها،
فهو عاقل ،وإن أتى بها وذكر كلما في نفسه وتكلم به،
فهو أحمق ،والفرق بينهما أن العاقل صحيح القصد
والعمل ،والحمق صحيح القصد دون العمل ،ومرة قال:
والمجنون فاسد القصد والعمل ،وإن أردت أن تعرف أنه
ثقة أ َوْ ل ،فاسأله واتَقن جوابه ،ثم امكث مدة ثم اسأله
ل ،فإن تكلم ثانيا ً مثل كلمه أو ً
ل ،فهو ثقة، عما سألته أو ً
فإن زاد أو نقص أو لم يكن على ترتيب الول فليس
بثقة .
وقال رضي الّله عنه :أهل هذا الزمان ما يسعهم إل
الجائز ،وقليل فيه) ( ونادر من يرتقي رتبة العزيمة ،فل
حكم له ،ومن أتانا من هذا القليل ل نصدقه حتى نختبره
ونتحقق صدقه ،فإن من ل فيه دين يردعه ول عقل
يحجزه فل يبالي بما يخل في دينه ول مروءته ،فليس
بإنسان .
وقال رضي الّله عنه :من أتانا يطلب الطريق العامة،
أخذنا بخاطره وآنسناه ،ومن أتانا طالبا ً للطريق الخاصة،
استخدمناه وابتليناه ،مجابرة للول باللئق بجنسه،
واختبارا ً للثاني وكسرا ً لنفسه ،أو كما قال .
) (1/108
وقال رضي الّله عنه :ربما نسمع من أفعال أهل البلد ما
ل ينبغي ،فإنه ل يسرنا أن نسمع شيئا ً مما يتعاطونه ،مما
يفعل داخل البلد ،إل كما كذا ،ونحن معهم كامرأة طلقها
زوجها وأخذ غيرها ،ومعها له ولد ،فل بد ما تسأل عنه
س من َ
ويسأل عنها لجل الولد ،ولو كان كل منهما قد أي ِ َ
صاحبه ،كذلك بيننا وبينهم من التعلق كما بين المرأة
المذكورة وزوجها ،من قرابة وصحبة وجوار وغير ذلك،
فما نسأل عنهم إل لذلك ل غير.
وقال رضي الّله عنه :نحن مع أهل الزمان على حد قوله
م{من ْهُ ْ
ت ِس َ شي َعَا ً ل ّ ْ م وَ َ
كاُنوا ِ ن فَّرُقوا ِدين َهُ ْ ن ال ّ ِ
ذي َ تعالى }:إ ِ ّ
) ( لتعرف أحوالهم في دينهم .
ل بدينه لم ي َُبل الّله به، وقال رضي الّله عنه :من لم ي ُب َ ْ
احفظوا هذه القاعدة .
) (1/109
وقال رضي الّله عنه :القرآن كلم الّله ،سماه عزيزا ً لعزة
قدره ،لنه نزل من عزيز على عزيز ،ول يستلذ قراءته إل
أهل البصيرة ومن في قلبه نور ،ويستثقل منه الشياطين،
فمن يمل من قراءته فذلك في قلبه شياطين ،لولهم ما
كان منه ذلك ،إل إن كان مع كثرة القراءة ،فإن البشر من
طبعه الملل ،وقد قال الفضيل :لو كنت عرفت من القرآن
أول ً ما عرفته منه الن ،ما نقلت حديثًا ،يعني لن جميع
العلوم تتفجر من القرآن ،فإذا أعطاه الّله الفهم فيه ،فل
يحتاج إلى تحصيلها من غيره ،وقد أجملها فيه ،والعمدة
على نور القلب .
وقال رضي الّله عنه :من تهاون بطاعة الّله الظاهرة،
ل ،وأول ووقع في معصيته لبد له من الموت ،عاجل ً وآج ً
ما يموت منه قلبه ،وهو الموت العاجل .
وقال رضي الّله عنه :من يضيق من الجلوس في المسجد
والقراءة ،قل لي ذلك لي سبب ،ما هو إل إن في قلوبهم
ضجرونهم من الجلوس فيه ،ومن تلوة القرآن، شياطين ،ي ُ َ
س َرّبه ،فل تصلح قلوبهم حتى تخرج مع أن التالي مجال ٌ
منها الشياطين .والملئكة ل تتبع الشياطين ،وهذا صراط
الّله المستقيم ،حيث حكى عنه أنه قال }:ل َقْعُد َ ّ
ن ل َهُ ْ
م
ن {) ( وهو يجري من ابن ري َ ك{ إلى قوله َ }:
شاك ِ ِ صَراط َ َ
ِ
آدم مجرى الدم ،إن لحق إلى القلب مدخل ً دخل إليه،
شَبه ،ومن أكل طعاما ً حراما ً لم وسببه ل َُقم الحرام وال ّ
يعلم بحرمته فل لوم عليه من حيث ظاهر الشرع ،لكن
يحصل منه تأثير في أمر غير ذلك .
) (1/115
وقال رضي الّله عنه :قعد الشيطان لكل أحد على طريقه
التي يصل بها إلى الّله تعالى ،لنه عدو ممارس عارف
بالطرق ،فجاء لبعضهم في البخل ومحبة الدنيا ،ولخر في
الرياء والكبر وغير ذلك ،وأهل أخلق السوء كل منهم هو
متصف بها ،ويعمل على مقتضاها ،وإن لم يعرف تفصيلها،
ويعبر عنها كالضعيف) ( ،الذي يحب أن يكون أحسن من
غيره ،وإذا فعل أمرا ً أح ّ
ب أن ي َُرى ،فهذه الشياء ونحوها،
هو الرياء والكبر المجبول عليها ،وأما أضدادها كالخلص،
فإنها من ثمرات التوحيد ،ل تهتدي العقول إليها ،حتى
جاءت النبياء ،وعّرفوا الناس التوحيد وثمراته ،وقد يدرك
بالعقل الخالق للكوان ،ولكن لم يهتدوا إليه إل بتعريف
النبياء فمن نظر السماوات والرض وغيرهما ولم يعتقد
أن لها خالقا ً فهو مصاب في عقله ،وما أجهل ممن يفعل
صنما ً بيده ويعبده ،وبعضهم يجعله من سكر فإذا جاع أكله
.
وقال رضي الّله عنه :الهداية بعد اليات ،ما هو ول بد،
ومن تأمل أحواله صّلى الله عليه و آله وسّلم ،علم أنه
قاسى منهم من التعب أمرا ً عظيمًا ،ومن مشركي مكة
ُ
ي في المنافقين كأبي ومنافقي المدينة خصوصًا ،وابن أب ّ
جهل في المشركين ،والنسان محجوج بمجرد عقله ،ولو
لم يكن كتاب ول رسول ،وإن كان في أمور الخرة ب ُعْد ٌ
على العقول ،لكن يلزم بالتكذيب بذلك التكذيب بمن أخبر
به ،وهو الّله ورسوله ،وكنا عزمنا على وضع رسالة في
اللهيات والنبويات وأمور الخرة ،ولكن) ( منعنا منه
اشتغال الناس وعدم إصغائهم ،ولكنا إن شاء الّله سنجعله
في فصل من الفصول العلمية ،أقول :وكلمه هذا في
مجلس الدرس ،بعد العصر في المصلى ،فلما قام ودخل
ودخلت معه إلى الضيقة ،قال لي نفع الّله به :الحذر تعلق
قلبك بشيء من ذلك ،وإن ورد عليك شئ منه فأعرض
عنه ،فقلت :عسى الّله ببركتكم يحفظني من جميع
السوى ،قال :إن شاء الّله .
) (1/116
وقال رضي الّله عنه ما معناه :إذا أراد الّله من عبد أمرًا،
أجراه على خاطره ،وأرسل عليه داعية إلى فعله ،وأنساه
المر الخر المقابل له ،لُيمضي الّله فيه ما أراده منه.
وقال رضي الّله عنه :إن الّله لم يجعل أسراره ،أو قال
وليته إل في من يصلح لذلك ،فإنه يؤهله له وينظفه ،فإذا
صلح فعل ،فما كان إلى اختيار العبد فعلى التدريج ،وما
كان إلى الّله ففي لحظة ،كما إن أحدكم إذا أراد أن يضع
شيئا ً عزيزا ً في مكان فإنه يخم المكان وينزهه ثم يطرحه،
وربما قال :وإذا أراد للعبد خفف عليه ما هو باختياره
ويسره ،أو كما قال .
وقال رضي الّله عنه :من اصطنع معروفا ً إلى من يخاف
من لسانهُ ،نظر إلى اصطناعه إلى أهل الخير
والمستحقين ،فإن كان نحو تسعة أعشاره ،وإل فهو رياء
وكذب .
وقال رضي الّله عنه :العلم مع الرعونة) ( ل ينفع ،كوضع
المسك على الوسخ ،وكان الولون لهم حاجة إلى رياضة
النفس) (.
وقال رضي الّله عنه :إنهم بنوا أمورهم على العلم،
ل ،وإذا احتاجوا إلى الفروعولكنهم يعلمون الصول أو ً
النادرة يحصل لهم فيها فتوح من الّله تعالى .
وقال رضي الّله عنه :وفي قول من قال :من عمل بما
يعلم أورثه الّله علم ما لم يعلم :هو العلم اللدني .
وقال رضي الّله عنه :العالم إذا لم يعمل بعلمه ،ل يقال له
عندنا عالم ،إل أن يقال عالم فاجر ،بأن يوصف بالفجور،
والجهل على هذا أسلم له ،وتقريبه مع هذا الوصف فيه
هدم للدين أكثر .
وقال رضي الّله عنه :ينبغي لمن طلب العلم أن يتعلم
المسائل التي تقع غالبًا ،فإن حصلت مسألة ل علم عنده
فيها ،فيأخذها من الكتب إن أحسن أن يأخذها منها ،وإل
سأل عنها العلماء أهل الدين .
وقال رضي الّله عنه :قيل لبعضهم أيّ أوسع ،العلم أو
الجهل ،فقال :العلم أوسع للمتحري ،والجهل أوسع
للمتجري .
) (1/118
وقال رضي الّله عنه :من تأمل أحوال الصحابة رضي الّله
عنهم ،بعد ما فتح الّله عليهم الفتوح الكثيرة ،رآهم مع
شغلهم إل بالّله ،والذي في
كثرة الدنيا في أيديهم ،ما ُ
أيديهم كأنه ليس هو لهم ،ول بينهم وبين غيرهم فيه مزية،
إل بكونهم يتصرفون فيها فقط ،فقد كان الزبير رضي الّله
عنه له ألف عبد ،يؤدون له الخراج ،فإذا جاءوه به في
مجلس ،ما يقوم من مجلسه حتى لم يبق له منه درهم،
ويفرقه في الحال ،وما الدنيا المذمومة ،إل ما أشغل عن
الّله ،وما لم يشغل عنه فهو زاد الخرة ،وعلى هذا قد
يكون النسان خليا ً من الدنيا وهو مذموم الحال ،حيث
يشتغل باهتمامه بها عن ذكر الّله ،وقد يكون معه من
الدنيا شئ كثير وليس مشغول ً به محمود الحال أو كما
قال .
وقال رضي الّله عنه :ل ُيمسك الدنيا إل الوعية) (
الدنسة ،لن في إمساكها شك ًّا ،والوعية الطاهرة ل
شا ول غدا .تمسكها ،ول يبالي أحدهم إن أصبح ب ِل َ عَ َ
وقال رضي الّله عنه :الفراط في محبة الدنيا يغير العقل
والدين ،لن طبعها السكار .
وقال رضي الّله عنه :علمة اليسر في المور ،أو العسر
فيها يعرف من أوائلها ،إن رأيته يسرا ً فالباقي كذلك ،أو
بالعكس فالباقي مثله .
وقال رضي الّله عنه :محبة الطاعة دليل العناية ،ومحبة
الشر دليل الخذلن ،فعناية الّله تظهر على النسان،
وكذلك خذلنه لن أفعال الّله باطنة ،ول تعرف إل
بظهورها.
وقال رضي الّله عنه :العمدة على اجتماع الرواح،
وبالبدان يكون الجتماع في الدنيا ،وبالرواح يكون
الجتماع في الخرة ،ول عبرة باجتماع البدان مع مفارقة
الرواح .
كلمات تقال عند الوقاع
) (1/121
وقال رضي الّله عنه :ل يفتح على أحد في العلم حتى
يطلبه ويعتقد أنه خلي منه ،لن المظاهر الدنياوية ،قد
تنقص من المظاهر الخراوية .
جّر إلى خير ،فعاقبته إلى خير، وقال رضي الّله عنه :ما َ
جّر إلى شر فعاقبته إلى وإن كان في ظاهره شّر ،وما َ
شر ،وإن كان في ظاهره خيٌر ،والعاقبة للخواتيم أو كما
قال .
وقال رضي الّله عنه :كأن هذا الوقت مقدمة للحشر) (
أعني غير الحشر المنتظر .
وقال رضي الّله عنه :إن الّله أمر بأداء الواجبات ،من
صلة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك ،والعبد يفعل ويرجو
دين لّله ،والّله
القبول ،وهو فيها أقرب من غيرها ،لنها َ
دينه إذا أوصله المديون مطاِلب بها ،وقليل ما أحد يرد َ
إليه ،ولو كان فيه خلل ،وأما النوافل فهي تبرع ،فل تقبل
إل إن كانت على الوجه الكمل .
وقال رضي الّله عنه ما معناه :ل يكون من الرض شئ
من المنافع والفوائد إل وله سبب سماوي ،وبالعكس ل
يحصل شئ من السماء من العقوبات ،من منع قطر أو
ت رأيت عاهة أو أي شئ إل وله سبب أرضي ،وإذا اعتبر َ
جميع الخيرات الدينية والدنيوية كلها إنما هي من السماء،
أو سببه من السماء ،فالقرآن نزل من السماء ،وهو
السبب في الهداية ،والماء نزل من السماء ،وهو السبب
في النبات) (.
وقال رضي الّله عنه :العافية هي الستر للنسان ،وعليها
ول في طلب الدين والدنيا . المع ّ
) (1/124
ناس ،فإن كان كثيرا ً يكفيك وإياهم فتضلع منه ،وإن كان
قليل ً ل تأخذه عليهم ،وخذ منه قدر حصتك ،وخل لهم
الباقي ،قلت :فإن اعتمد النسان على المقادير تعطل،
وإن عمل ما أحسن ،ول عرف كيف العمل .فقال رضي
درات مقدرة مع العمل ،فلالّله عنه :أشياء من المق ّ
در، در يمنعك من العمل ،ول العمل يمنعك من المق ّ المق ّ
ول بد لك من كل المرين ،فتعمل بظاهرك ،وتعتمد على
الّله بباطنك ،فل بد لك أن تزن نفسك بالمرين جميعًا ،أما
سمعت الشيخ علي) ( في الحدائق) ( ،كلما ذكر حديقة
قال :وكيفية الموازنة .
ما قال في القضاء والقدر
وصافحه رضي الّله عنه بعض الفقراء عليل الّرجل ،فقال
نفع الّله به :النسان ضعيف ،ما يريد بطبعه إل العطا دون
المنع ،والعافية دون البل ،وهذا ل يكون ،ولكن عطاء
ومنع ،وعافية وبلء ،وكذلك في كل شيء ،ولكن إذا نزل
بك شيء من ألم تريد دفعه ،أو نفع ترجو حصوله ،فاسع
فيه بما له من السباب ،كتداوي ،حتى يجيك ما يغلبك،
حتى ل تبقى لك قدرة على شيء ،فحينئذ تنح عن طريق
القضا والقدر ،ولو كان للنسان عبد ما يريد منه إل العطاء
الدائم وكل ما يحب ،ول يحتمل من سيده ما يكره ،ضاق
منه سيده وباعه في الحال ،وهذا سر الرياضة والنقياد،
كالزئبق لو ُفتل حصل بفتله قلب العيان ذهبا ً وفضة،
ونحن وإياكم على ما قال الّله تعالى لموسى عليه الصلة
ن {) ( أو كما ري َ ن ال ّ
شاك ِ ِ م َ ك وَك ُ ْ
ن ّ مآ َءات َي ْت ُ َ والسلم} :فَ ُ
خذ ْ َ
قال.
) (1/127
ولما خرج رضي الّله عنه لصلة الظهر يوم السبت ثالث
عشر جماد أول سنة ،1129ذكر لي الكتب التي في
خزانته ،واستخبرني عنها ،ومن جملتها الصحيحان ،فقلت:
أود لو حصل معي كتاب جمع بينهما لجعلت جل مطالعتي
فيه ،فقال نفع الّله به :أنت فيك فضول تحب جمع الكتب،
ل عنايتك بالعلم والعمل ،دون جمع الكتب ،إفهم كلما ً خ ّ
َ
ل ،يغني عن كلم كثير ،فما ينفع كثرة الكتب ك َ َ
مث َ ِ
ل قلي ً
الحمار يحمل أسفارًا ،فخل همك هما ً واحدًا ،ول يتشعب
قلبك في طلب العلم ،والناس ما صحبوا أهل التصوف ،إل
شَعب ،ل يبالي الّله في أي وادي لهذا المعنى ،ومن تتبع ال ُ
شَعب ،حتى في صلته ،فيتتبع أهلكه ويبقى قلبه يتتبع ال ّ
الشعب في طلب العلم ،حتى يتتبعها في النساء والثياب،
وما شاكل ذلك ،وفي مثل هذا المعرض ،قال :وكتاب
واحد من كتب الحياء يكفي من جميع الكتب ،والعلم
المطلوب منه العمل ،وإل فما تنفع لفلفة) ( الكتب ،فكم
أناس جمعوا كتبا ً ولفلفوها ،فما نفعهم ذلك ،فل عاد أحد
يخبرنا بالكتب ،فما مر عليك بعضه قد مر علينا كله مرتين
أو أكثر ،لنا من سنة) ( خمسة عشر سنة إلى الن ونحن
في الكتب ثم أنشد:
ب إهداُء تمر
ض علم الفرائض ...ومن عج ٍ م زيد بع َ
وتعلي ُ
لخيبر
) (1/143
وخرج رضي الّله عنه اليوم الذي بعده ،وهو يوم الحد إلى
السبير ،فتكلم في الطريق ،وذكر أحوال الفقراء في الرد
والخذ ،فقال نفع الّله به :للرد شروط ل بد منها ،أ َوَ كل
أحد يحسن الرد ،فقلت :أ َوَ يشترط في الرد كما فعله من
فعله أن يستوي عنده المال والحجر سواء؟ ،قال :نعم .
قلت :إن ذلك لشديد وأمر غريب ،فقال رضي الّله عنه:
كل أمور الصالحين غريبة ،لن تعلقهم وأمورهم من
الخرة ،فأي شئ من أمورهم ليس بغريب ،واعتمد على
ذلك الكلم الذي ذكرناه لك في طريق الصالح ،فإنه) (
يفهمك أمورا ً لم تكن في بالك ،ويحل لك مشكلت كثيرة
ويوضح لك أشياء إن سألت عنها ،أو قال ربما تسأل عنها،
أو كما قال .
وكان رضي الّله عنه طالعا ً يوما ً من الصالح إلى الحاوي،
وذلك بعد الشراق يوم الجمعة 24جماد آخر من السنة
المذكورة ،فسأل عن غريب قدم منذ يومين ،ظاهر حاله
التجرد وتقليل الطعام ،حتى امتنع من الدخول مع
الجماعة للَعشاء ،ويصوم ،فقال :هل له قيام بالليل؟،
قيل :ما رأيناه ،فقال نفع الّله به :قلة الكل وقلة النوم
متلزمان ،قيل :وكثير من الغرباء عند مجيئهم يعملون
على هذا ،ولكنهم ل يثبتون عليه ،كما قصة فلن حيث أراد
أن يدخل أربعينية) ( ،واستأذنكم في ذلك ،فقال رضي
الّله عنه :ليس ذاك الربعينية المذكورة في طريقة
السابقين ،وتريم فيها أربعينية) (؟ ،وإنما هي أربعينية كذا
في طريقة أصحاب اليمين ،وهذه الطريق ليس فيها
أربعينية ،بل هي طريقة سهلةُ ،تفضي بالنسان إذا واظب
عليها باللحوق بأهل تلك الطريقة ،فربما حصل له في
هذه الطريقة فتوح فالتحق بأهل تلك ،وليس فيها من
طريقة السابقين إل من كل شئ جزء يسير ،وهي طريقة
سهلة ول أربعينية فيها ول مشقة ول خطر .
) (1/145
ولما خرج رضي الّله عنه لصلة العصر يوم الثلثاء 23من
الشهر المذكور ،سأل عن رجل فقير غريب ،سافر في
هذا اليوم ،وهو الذي لم يخبر باسمه ،وإذا سئل عنه ،قال:
التراب ،وسماه سيدنا أبو الفتوح الشامي ،وكان من أهل
حَلب ،فسأل هل معه زاد ،ثم ذكر أحوال أهل التجريد َ
فقال :كانوا إذا احتاج الرجل منهم ،وعرض له شئ أخذ
حاجته فقط ،وََرد ّ الباقي ،وإن لم تكن حاجة رد الكل ،ول
ل ،في الوقت المستقبل ،ثم ذكر يخطر في قلبه الحا ُ
قصة ذلك الرجل المتجرد الذي احتاج فجاءه رجل بحاجته،
وقال له :إني رأيت النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم في
النوم يقول لي اذهب بكذا وكذا إلى فلن في المكان
الفلني ،فإنه محتاج لذلك ،فأتيتك به ،وقال له :إذا احتجت
فتعال إلى عندي ،أقضي حاجتك وأنا في المكان الفلني،
فقال له :ل آتيك ،فإذا أنا احتجت ،يأتي بك أو بغيرك من
أتى بك الن ،الحكاية بمعناها ،فقلت :إن مثل هذا وقع
بصيغة خرق العادة ،من حيث الكرامة ،ول يكون ذلك إل
نادرًا ،فمتى يكون مثل ذلك في كل حين ،والضرورة
تتكرر في كل حين .فقال رضي الّله عنه :نعم إذا خرقت
من نفسك العوائد ،انخرقت لك العوائد ،وهو أمر قد ذكر
المام الغزالي إنه ل يوصل إليه بالهوينا ،بل بعد الل ّت َّيا
واللتي) ( ،فقلت :يعني به شدة الصبر على مثل ذلك،
قال :نعم ،إذا صبر عليه لجل الّله ،كتقوية اليقين ،ل لجل
هوى ،وإل ترى) ( رهبانا ً وفلسفة ونحوهم يتخلون
ويتريضون ما حصلوا شيئًا ،أما سمعت قول بعضهم :قف
على الباب ل لتفتح لك البواب ،تفتح لك البواب ،واخضع
ل لتخضع لك الرقاب ،تخضع لك الرقاب ،فقلت :إن هذا
ل يريده ،فقال ل عنه ،ومع ذلك ك ّ أمر عسر جدًا ،وك ّ
ل غاف ٌ
سم ،ولمانفع الّله به :هذه الشياء إنما هي بالبخت والِق َ
استخلف) ( منه ذلك الغريب المذكور ،مسافرا ً في ذلك
اليوم ،قال سيدنا له :مع الّله نتلحق إن شاء الّله تعالى
في مكة ،ثم
) (1/148
الّله ،إن كان ل عذر له منهم ،بأن كانوا أهله وقرابته ،وإن
كانوا غيرهم ،فمن له منهم بد ّ فيجانبهم ،ول يتابع أحدا ً إل
فيما يجوز ،ويتحرى لنفسه الصواب وما فيه الحتياط،
وهذه المور ل يلزم النظر فيها إل من كان من الخلفاء،
إما خلفاء الظاهر أو خلفاء الباطن ،لن الّله سبحانه
وتعالى جعل أحدا ً في الخصوص وأحدا ً في العموم وأحدا ً
في الخصوص والعموم ،وما خلقهم على حالة واحدة ،ول
دبرهم تدبيرا ً واحدًا ،ول عّين للفعل وجهًا ،فيختلف النظر
باختلف التدابير ،ول يجوز أن يدبر العاَلم تدبيرا ً واحدًا،
ولو كان كذلك ،لحصل من الضرر والفساد والختلل شئ
كثير ،بل دبره سبحانه وتعالى تدبيرًا) ( شتى ،ولو عّين
فعل ً على وجه مخصوص للزم الخذ به ،ول جاز لحدٍ
يتعداه أو كما قال بمعناه .
وجلس إليه نفع الّله به الوفائي) ( فشكا إليه حاله وما به
من البتلء والفقر ،فقال له سيدنا رضي الّله عنه :من
ساعة إلى ساعة فرج ،فتزود فيها من الطاعة ،ومن
التقلل من الدنيا ،فقال :وأي دنيا عندي ،وما تمنيتها ول
طلبتها ،فقال :أحسن ،وما القل من الدنيا إل قربة ،أ َوَ ما
عليك ذنوب تستغفر منها ،قال :بلى ،قال :لكن إذا
أعطيت من غير سؤال فخذ ،قال :فإن قيل لي أتريد كذا
ي نفع الّله وكذا ،فقال :ل ،إنما هذا مشاورة ،ثم التفت إل ّ
به وقال :وكم عطية بلية ،وكم من بلية عطية ،احفظ هذه
ياحساوي .
) (1/150
قال :بلى ،قال :فخّله ،ولو لم يكن فيها إل هذا البيت أو
كما قال في القصة ،فقلت :إذا سمعنا كلمكم في الرجاء
لمثل هؤلء ،ل يكاد يقطع الرجاء من أحد ،وإذا رأينا
ُ
أفعالهم يكاد الرجاء ينقطع منهم ،فقال نفع الّله به :أْر ُ
ج
لغيرك ما ترجو لنفسك) ( ،وأرج لنفسك ما ترجو
لغيرك) ( ،فقد يكون ما في نفس المر خلف ما في
الظن ،كما رأى النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم ،قُط ْ َ
ف
عنب في الجنة لبي جهل ،فأحزنه ذلك فقال :وما لعدو
الّله أبي جهل وللجنة ،حتى ظهر تأويله بإسلم ابنه عكرمة
ب أهل شهد[ ،لن المور بالخواتيم ،إل إنك جان ِ ْ ]واست ُ ْ
المعاصي ،وعظهم وذكرهم ،من غير أن تتكبر عليهم ،أو
ترجو لنفسك خيرا ً منهم ،ثم سألته حينئذ عن حال رجلين،
أو رجل في إحدى الحالتين ،أيهما أحسن وأحب إليكم،
أحدهما غائب منكم وهو متعلق بكم كثيرًا ،وآخر عندكم
ولكنه ليس كالول في التعلق ،فقال رضي الّله عنه:
المتعلق أحسن حال ً من الخر ،وإن كان حاضرًا ،لن في
التعلق منافع كثيرة ،ل تحصل بدونه ،وإن حصل مع
خر ،فقلت :ما يحصل للحاضر من رؤيتكم، الحضور منافع أ ُ َ
والجتماع بكم ،والصلة معكم ،والتعلم منكم ،وغير ذلك،
ل يقابل تعلق الغائب ،فقال :ل ،لن مع المخالطة ل يكاد
يستقيم له شئ يحصل ،بل يفوت بسبب المخامرة ،كالذي
ه ،وفي البعد تغلبمل ّ ُ
يكون مشتاقا ً للطعام ،فإذا شبع َ
رؤية الخصوصية على البشرية ،وفي الجتماع تغلب رؤية
المماثلة والبشرية على رؤية الخصوصية ،وقد قال الشيخ
شَفعت في أحد أبو بكر بن سالم :لو سألت الّله أو قال َ
من الكفار ،ولعيالي وأخدامي ،لرجوت الجابة لولئك
الكفار ،دون الخرين ،لن المخامرة إذا قلت هات كذا ،أو
افعل كذا ،تذهب الحترام ،ولهذا كانوا إذا جاء الطالب
يمكث شهرا ً أو أكثر ،ل يكلمونه بكلمة ،خوفا ً أن يألف
الكلم معهم ،ويقل احترامه ،أو كما قال ،كل ذلك بمسجد
إبراهيم يوم الثلثاء
) (1/154
وقدم رجل على سيدنا نفع الّله به ،فقال له حين قدم:
أريد أن أقرأ ،فقال له :ل تعجل ،ما هكذا يكون الطلب،
فقد كانوا يأتي الطالب ويمكث سنة ل ُيعرف به ،لن أمور
الدين عزيزة عند أهلها ،متقبضين عليها ،وأما أمور الدنيا،
فإن كان عندهم منها شئ ،فهو مبذول ،وهذا هو الفرق
بين أهل الدين وأهل الدنيا ،إن الدنيا مبذولة عندهم ،أقل
الحال المأكول والمشروب ،ولو كل من أراد القراءة
خليناه يقرأ ،لمتل منهم المسجد ،ولكنهم قرأوا وما
حصلوا وقد كان تكفي أحدهم النظرة ،لكون قلوبهم ملنة
من العقيدة والتعظيم وحسن الظن ،والمدد في المشهد،
ونحن بواطننا سليمة على أهل الزمان ،وما بيننا وبينهم
ل ذا النون المصري ،يطلب السم شيء ،وأتى رج ٌ
العظم ،فمكث عنده سنة أظن قال ل يكلمه .
وقال عبدالّله القرشي :كنت آتي شيخي وأجلس تحت
د ،أو كما قال .
سور البلد سنة ل يعرفني أح ٌ
وقال رضي الّله عنه لذلك الرجل يوصيه :كن رجل ً مليحا ً
لربك ،يكن كل شيء لك مليحًا ،فمن كان مليحا ً لربه ،كان
له كل شيء مليحًا ،ومن كان بخلف ذلك ،كان كل شيء
له كذلك ،لن الشياء تابعة لخالقها .
ما قال في آداب مطالعة الحياء
واستأذنه رضي الّله عنه رجل في مطالعة الحياء ،فقال
نفع الّله به :إذا أحكمت التواضع ،ما ننهاك عن مطالعة
الحياء ،ومن ل يعرف حقيقة التواضع ،تكبر بمطالعة
الحياء ،فإن أردت أن تتواضع فطالع فيه ،وفيكم يا أهل
شار) ( من غير حقيقة شيء ،وإذا رأيت كتاب الزمان ،فَ َ
الغرور) ( خلك قائما ً بل شيء ،وصفوة الحياء ربع
المنجيات ،لن المام مخضه حتى انتهى إليها ،جعلها
خلصته ،ونحن مع حضورنا في أوقات فاضلة ،واجتماعنا
بناس أهل فضل ،لم يخطر ببالنا أن نقرأ على الشيخ فلن
المعروف بالخصوص .
) (1/167
وقال رضي الّله عنه :من رأيت له أدنى تعلق بطاعة وإن
قّلت ،أو ميل إليها أو بأحد من الصالحين أو ميل ً ما إليه،
فارج فيه الخير ،وذكر قصة الرجل من أعوان الدولة الذي
يحفظ قصيدة الشيخ أبي بكر العدني) (.
جّر إلى خير فعاقبته إلى خير وإن وقال رضي الّله عنه :ما َ
كان في ظاهره شرًا ،وما جر إلى شر فعاقبته إلى شر
وإن كان في ظاهره خيرًا ،والعاقبة للخواتيم .
وقال رضي الّله عنه :سبحان الّله ،الرجل من أهل هذا
الزمان ،فيه الخلق السوء والعمال السيئة ،ثم مع هذا
يظن ذلك في غيره ،ول يظنه في نفسه ،فينبغي أنه إذا
كان فيه هذا النقص ،أن ل يظنه بغيره ،فيكون نقصا ً آخر،
ولكن كأن النقائص يتبع بعضها بعضًا ،ومثل لذلك بالرجل
يترك الزكاة ،ثم إذا دخل المسجد ،ورأى الجابية غير
حارة) ( ،فيقول :يأكلون الوقف ول يقومون بالمسجد،
كر .وأنه ما قال ذلك إل لمجرد هواه ،ل إنكارا ً للمن َ
كر له رضي الّله عنه أن أناسا ً وزعوا أموالهم ،وفرقوها وذ ُ ِ
وتعسر) ( الزكاة على هذا .فقال :لعل ل نية لهم في
إخراج الزكاة ،فإذا أردت تعرف ذلك فانظر إلى صلتهم
كيف يؤدونها ،فبذلك تعرف قلة رغبتهم في الدين .
وقال رضي الّله عنه لرجل جاء من الحج :هل حججت
قبلها؟ ،قال :نعم ،إل إني كنت إذ ذاك ما معي شيء،
وأحب ما يحصل لي بل شيء .فقال له نفع الّله به :الرزق
والمال كله لربك ،ول فرق بين أن تعطي غيرك أو يعطيك
غيرك ،فكلكم عبيده ،والذي في أيديكم رزقه ،ي ُْعطي
منكم من شاء بالخر ،ويعطي بعضا ً على يد بعض،
فالرزق من حيث الحقيقة واحد ،وكل الناس فيه سواء،
وإنما اختلف وضاق المر فيه من حيث الشريعة أو كما
قال .
) (1/169
وقال رضي الّله عنه لرجل يخاطبه بهذا :ما كان بينك
وبين أهلك فهو صالح على أي حال وإن كان على غير
ذلك ،ولكن اجعل ما بينك وبين الناس يكون صالحا ً .
وذكر رضي الّله عنه المرا والجدال ،فقال نفع الّله به :هو
الذي نسميه المعاشاة ،وهو أن تقول أنت :المر كذا،
ويقول الخر :ل إنما هو كذا ،وكل منكما يحتج بقوله ،يريد
ل ،فإن كان صاحبك محقا ً ظهوره سواء كان حقا ً أو باط ً
فاتبعه ،وإن كان مبطل ً فاتركه ،حتى يتبين له الحق في
وقت آخر ،وإنما يبنى للمحقّ بيت في أعل الجنة ،لكون
د ،وأما سؤال المريد شيخه، حقّ شدي ٌ م ِ
السكوت من ال ُ
فعلى ما قررنا في رسالة المريد ،لكن بشرط إن قال له
اترك السؤال ،أو عادك تسأل في وقت آخر ،أو أنه سيأتي
في الكتاب ،أن يمتثل ،وهذه الداب عند أهل الباطن دون
غيرهم ،كما استدل فيها بقصة موسى والخضر ،وقصتهما
أيضا ً إنما هي لبعض أهل الباطن ،ل كلهم ،وأيضا ً بعضهم
إنما رأيه موافقة أهل الظاهر لجل سلمة نفسه منهم،
ولسلمتهم أيضا ً من النكار ،والوقوع في الشكال ،وقد
شرط على موسى أن ل يسأله ،فلما لم يوافق ذلك العلم
الذي هو عليه ،لم يمكنه السكوت أو كما قال .
وقال رضي الّله عنه :كل علم له أصول ،إذا ضبطها تكاد
تنضبط له الفروع ،ومن أراد أن يتبحر في فن فليأخذ
بأصوله لتتبعها الفروع .
) (1/171
وقال رضي الّله عنه :ما دام النسان معه خبر عن نفسه،
ل ،ولن يكون معه خبر عن الخلق خير له فما هو شيء أص ً
من أن يكون معه خبر عن نفسه ،والخبر عنهم أن
يسمعهم يروون عنه ،ويعرف ذلك عنهم من خارج ،والخبر
عن نفسه على هذا الوجه ،أن يرى أن له منزلة أو أنه
خير من غيره ،أو يذكر فضائله أو كما قال .
وقلت له نفع الّله به :هل ظاهر كلم الشيخ ابن ِ
عَراق،
حيث يذم المتعاطين للسماع ،إنه ينكره فل يقول به أص ً
ل،
أو ينكره من أحد دون أحد .فقال رضي الّله عنه :إنما
ينكره إذا صدر من غير أهله ،على غير الوجه المطلوب
ل ،وعلى هذا الوجه، منه ،ومع المداومة عليه واتخاذه عم ً
كر) ( على غير وجهه ،مذموم حتى من يقرأ القرآن ،وَيذ ُ
حاله ،فكيف بالشعار ونحوها ،والشيء المنهي عنه ،قد
يكون لذاته ،وقد يكون لعارض ،فإذا فُِعل الشيء على
رف الحكم منه ،من كونه مباحا ً أو منهيا ً عنه أو وجهه ،عُ ِ
مندوبا ً إليه ،أو كما قال .
وقال رضي الّله عنه في علمات المنافق الثلث) ( :ما هو
أنه ل َيصدق أبدًا ،فقد يصدق ويوفي ول يخون ،ولكنه
لدنى غرض يكذب ،ولدنى داعية يخون ،ولدنى عذر
يخلف ،وذلك لعدم التقوى فيه .
ذكر العقيدة
وقيل له رضي الّله عنه :لفلن فيكم عقيدة .فقال نفع
الّله به :عقيدة هؤلء في ألسنتهم ،فإذا أردت تعرف
اعتقاد أحد ،فانظر إلى فعله ،واعتقادهم تبع لهويتهم،
ومن له عقيدة في بعض الصالحين ،ثم زالت ،فل عاد
يسأله الدعاء ،إذ ل ينفعه الدعاء حينئذ ،لعدم الواسطة،
كالمطر يرجى حصوله من غير سحاب؟) ( ،وسحاب
الصالحين تعلق القلوب .
وأوصى رضي الّله عنه إلى بعض الظلمة من ولة الجهة،
بأنه إن سألك عنا فقل :إنه ما يسلم عليك ،ول هو راض
عليك ،ويقول لك :الواسطة التي بينك وبينه قد انقطعت
عنك من العام ،ثم قال :ومن له عقيدة إلى آخر ما قال
آنفا ً .
) (1/177
كر له رضي الّله عنه رجل اشتهر بالعلم ،فقال :هل وذ ُ ِ
رأيت أحدا ً مثل المذكورين في "مجمع الحباب" ،وكل من
رأيته مشغول ً بنفسه فل تعده شيئًا ،إل أنه ل يخلو من
خير ،لن الخير له أطراف وحواشي ،كالجند الذين
يمضون إلى الجهاد ،ودرجاتهم شتى ،بعضهم أعلى درجة
من بعض ،وليسوا في درجة واحدة ،فكذلك الخير بعضه
أعلى من بعض .
وذكر رضي الّله عنه ضعف الناس في طلب العلم ،فقال:
ما يربي الناس في أمر دينهم ودنياهم إل الملوك ،تربيهم
بسيرهم وأحوالهم ،وكذلك تفسدهم ،فإذا رأيت فسادا ً
فابحث عنه ،تجد سببه من الملوك الظلمة .
وقال رضي الّله عنه :من أراد الهلك فليظلم ،ول عليه،
لن الظلم كالمغناطيس في جذب الشر ،والعدل
كالمغناطيس في جلب الخير ،أل ترى كيف يرد الّله
المراكب في البحر إلى ظفار وغيرها ،لظلم فلن وقد
سماه .
وقال رضي الّله عنه :ومن كلم الحكماء :إذا لم يكن في
البلد أربعة ،تسارع إليها الهلك :طبيب ،وسلطان ،ونهر،
ومفتي .
وذكر رضي الّله عنه أقواما ً من أهل الجهة ،في حالة تعب
شديد ،فقال :كأن البل إل ّ يدّور لهل حضرموت من أين
ذى وُيشغل ،ثم يؤخذ ماله ،وولة كانوا ،فترى النسان يؤ َ
الجهة خاربة ،وإذا أردت خراب بلد فدلهم عليها ،فيغيرون
حتى قبالها ،وتصير كما في قصة عمر بهم) ( المساجد
الداثرة ،والذي ينبغي للولة ،أن يسعوا في إصلح البلدان،
ولكن هؤلء زبانية الدنيا .
) (1/178
وسئل منه رضي الّله عنه الدعاء بالرحمة ،وألح عليه في
ذلك ،فقال :ادعوا ربكم فإنه سبحانه يحب كثرة
القرقعة) ( على بابه ،ولعل المانع من ذلك ذنوب الناس،
ولكن يرجى منه سبحانه أن يرحم المذنبين لجل البهائم
والصغار ،فإن كان أولئك ليس فيهم خير ،فهؤلء ليس
فيهم خير) ( ،وأيضا ً ليس كل المكلفين أهل معاصي ،بل
فيهم أهل الخير ،وقد بلغنا إن البهائم كل يوم تشكو إلى
من ِعَْنا الرحمة بذنوبهم .فإذا
ربها من بني آدم ،وتقول :إنما ُ
أردتم الرحمة فأطيعوا ربكم ،فإن الرب ما يرحم إل أهل
الطاعة ،والطاعة ما تكون إل فيما يخالف هوى النفس،
وما ينفع القلب والدين من العمال إل ما لم يكن للنفس
فيه هوى ،وخزائنه سبحانه كلها مملوءة ،ول بد من مطر
في الدنيا كل ليلة من ليالي السنة ،إل إن كانوا مطيعين،
جعل الّله الغيث حيث ينفعهم ،وإن كانوا عاصين قال
تعالى :أخروه في الخزائن ،وما بالناس إل المداينات) (،
ومظالمهم بعضهم لبعض ،وقد ورد )) :إن البهائم إذا
قحطت تدعو على بني آدم ،وتقول :إن الّله واخذنا
بذنوبهم (( ،إذ ليس لهن ذنوب ولم يمنعهم سبحانه إل
ليؤدبهم ،فإن العبيد إذا لم يكونوا مستحقين فالسيد
الكريم يؤدبهم ،وذلك لنفسهم ل لنفسه ،ليؤدبوا بذلك
غيرهم ،فإن الدمي محتاج إلى الرزق ،وإل لجعلهم
كالملئكة غير محتاجين للكل ،وعدم الحتياج إلى الشيء
إما لكون ُبنيته ل تقبله ،كالملئكة ل غذاء لهم في الطعام،
أو لكون الّله تعالى لم يجعل له فيه غذاء ،وجعله في
ضب قوت الدواب ،وإنما غيره كالب ُّر ُقو ُ
ت الدمي ،والَق ْ
قوت الملئكة الذي يتلذذون به الُقْرب ،وهذا شأن الرواح،
كما إن الكل شأن الجسام ،ولذة الرواح في غير ما تلتذ
به الشباح ،ول يلتذ الروح بما يلتذ به الجسم ،إل من حيث
المجاورة ،وكل ما يذكر من معاني القرب واللقاء ،وكونه
ل يشتاق إلى جنة ،ول يخاف من نار ،ونحو ذلك مما قد
) (1/188
وذكر رضي الّله عنه الولياء يومًا ،وهو يوم الحد 15صفر
سنة 1125هـ وذلك في طريقه سائرا ً إلى السبير ،فقال:
الولياء يقلون ويكثرون في كل زمان ومكان ،ول يبلغون
عدد النبياء ،إل إن كان الولية العامة ،من كل مؤمن،
فيبلغون أكثر ،وأما الولية الخاصة ،من كونه مؤديا ً
للواجبات ،تاركا ً للمنهيات أو قليلها) ( فل ،وقد كثروا في
وقت الشيخ عبدالقادر ،وما بلغ قدرهم إل إثني عشر ألفًا)
( ،وأهل الزمان إنما يطلبون الكرامات لهواء نفوسهم،
فيريدون أن يتمكنوا من قلب العيان ذهبا ً وفضة،
سْتر
ليستكثروا من الدنيا ،ومن هو على هذا الوصف ،ف َ
ن منها وفعل نحو هذا مك ّ َ
الكرامات عنه رحمة به ،ومن ُ
ض له أحد ب ،فل بد من فََعل ما ل ينبغي له ،أن ي َُقي ّ َ
سل ِ َ
ُ
سِلب منه حاله منهم، من الصالحين فيسلبه ،وكل من ُ
إنما هو لسوء أدبه فيه ،والكرامة ما كانت ثابتة ،وإنما
الكرامة الستقامة ،قلت له :إنما يطلب النسان قوة
اليقين ،والخروج من غوائل النفس ،فقال نفع الّله به:
اليقين إنما هو من السماء ،فاطلبه من الّله تعالى ،ول
ت ُعَْرف غوائل النفس إل عند التجربة .
وسألته رضي الّله عنه عن رجل صحب بعض المشايخ،
قبل تحصل له الهمة في طريق القوم ،ثم حصلت له بعد
فراق الشيخ ،هل يحتاج حينئذ إلى شيخ ،أو تكفيه صحبة
الول ،فقال نفع الّله به :تكفيه إذا قد رباه بظاهر العلم،
ولكن إذا أمكنه صحبة من ينتفع به أيضا ً وتحصل له منه
فائدة فحسن ،فقد كان فلن وذكره ،وهو أكبر تلمذة أبي
مدين ،قال له :إمض إلى الشيخ عبدالقادر واصحبه ،فلما
صحبه قال له الشيخ عبدالقادر يوما ً وزوى له الرض :ماذا
ترى من هنا؟ ،قال :أرى الكعبة ،قال له :ومن هنا ،قال
أرى شيخي أبا مدين ،فقال :تريد أن تصل إليه ،قال :نعم،
تقال :تريد ذلك في لحظة أو كما جئت ،قال :كما جئ ُ
فودعه فسار .
) (1/190
وقال رضي الّله عنه :إذا حصل عليك أمر تكرهه ،لك فيه
خيرة فل تحزن ،ولو كان سارق سرق عليك شيئًا .وأنت ِ
من أهل الحق في أمان ،ول تأمن أهل الباطل .
وقال رضي الّله عنه :كلم الكابر يحتاج إلى تأمل ،ول
يزال يردده ويتأمله ،حتى يظهر له .
وذكر رضي الّله عنه ابن الفارض يوما ً عندما قرئ عليه
شئ من قصائده ،فقال :هو كلم قلب حي في جسم
ميت .
وقال نفع الّله به :ل يتم النشيد إل بثلثة أمور :حسن
الصوت ،والنظم ،والعراب ،قال :ورابع ولعله طيب
الوقت .
وأنشد بين يديه رضي الّله عنه بشيء من نظم ابن
الفارض فيه غزل فقال :كل هذا مليح ،وي ُن َّزل على الروح
وعلى الجنة ،ل على الحقيقة اللهية ،خالق الكل .
ومرة قال :وإذا تكلم المخلوق ،بوصف المخلوق فاللئق
به أن يكون في المخلوق .
ثم ذكر نفع الّله به ابن عربي فقال :فَّنهما واحد ،إل إن
ابن عربي الغالب عليه الصحو ،والغالب على ابن الفارض
كر لبن عربي) ( كلم ابن الفارض ،فقال: الستغراق .وذ ُ ِ
كلمنا واحد ،وإنما كلمه ميدان لكلمي .
وذكر رضي الّله عنه ابن الفارض فقال :إنما عمره 55
سنة ،لن أهل الحوال الغالب إنهم ما تطول أعمارهم ،بل
تأخذهم الحوال ،كالشيخ أبي بكر السكران ،وابنه الشيخ
عبدالّله عمره نحو 55سنة وغيرهما .والحوال المقلقة:
شوق ،أو خوف ،ونحو ذلك ،هذه هي الحوال ،ومن ل
معرفة له يحسب أن الحوال غير هذا .
وأمرني سيدنا أن أنشد وكان ذلك ضحى يوم الجمعة ثاني
ربيع الول سنة ،1124فكان مما أنشدت به قصيدته:
محب ليس يدري من يحب الخ) (.
...فقال رضي الّله عنه :هذه البيات التي أولها ،إذا هبت،
وإن سجعت ،وإن مرت ،وإن عرضت ،هي معنى ما
ذكرناه في التائية .
ل للمثاني الكريمة)
م سماعها لترجيع تا ٍ يذكرها العهد َ القدي َ
(
أي الروح إلى آخر البيات .
) (1/194
ثم قال نفع الّله به :إن النسان مازال محجوبا ً بكثافات
جبه كثيرة ،أو قال كثيفة ،ول ح ُ
نفسه ،وعوارض جسمه ،ف ُ
يمكنه أن يلتذ بما يسمعه من الصوات الموزونة،
والنغمات الطيبة ،ومعرفتها من علم الموسيقى ،ومتى
خرج من ذلك بالمجاهدة ،والرياضة ،لم يزل يترقى في
طلع ويعرف ما لم يكن يعرفه أو ً
ل، معرفة الشياء ،حتى ي ّ
وحينئذ ربما سمع دوران الفلك ،ويحصل له فيها من
اللذة ما يستغرقه ويذهله عن شهوة الكل ،لن لذلك لذة
جب النسان عنها بشهواته الحسية ،ولي ح ِ
يجدها الروحُ ،
شيء يسكر النسان عند سماع شيء من تلك الصوات،
لن فيها بعض لذة له حينئذ ،ول ي ُ َ
شّبه بينها وبين لذة
الفَلك ،وإن حصل له شيء من المور اللهية ،فيحصل له
فيها من اللذة والستغراق شيء عظيم ،ل يقاس بلذة
الفلك ،وفي هذه الشياء ترقّ وت َن َّزل ،ولهذا لما أراد الّله
ي صّلى الله عليه و آله وسّلم غاي َ
ة تعالى أن يبّلغ النب ّ
الكمال ،لم يزل يرقيه وي ُط ِْلعه على الموجودات شيئا ً
هله لسماع فشيئا ً حتى بّلغه إلى درجة التكلم معه ،وأ ّ
كلمه مشافهة مع قرب ،وت َن َّزل لموسى عليه السلم حتى
أسمعه كلمه من الشجرة ،فانظر الفرق بين المرين
اللهيين ول تنظر ما بين النبيين ،وإن كان كل منهما في
مرتبة عالية ،وعلى هذا التنزل والترقي ،ما وقع لبراهيم
الخليل عليه السلم من رؤية الكوكب ،ثم القمر ،ثم
الشمس ،ثم التوجه إلى الحضرة اللهية ،حضرة الذي
َ َ
ن{كي َ م ْ
شرِ ِ ن ال ُ
م َ حِنيفا ً وَ َ
مآ أَنا ِ ض َ
ت َوالْر َ
ماوا ِ } فَط ََر ال َ
س َ
) ( هذا ما حفظته مما تكلم به في المجلس المذكور.
وأمرني رضي الّله عنه أن أنشد ،وذلك بعد صلة عصر
يوم الثلثاء في 28ربيع أول المذكور ،من السنة
المذكورة ،في مسجده الوابين ،فأنشدت بقصيدته التي
أولها) (:
يا هل لخيرتنا من جملة الناس ...يا هل لحبابنا يا هل
لجيرتنا
) (1/195
وقال رضي الّله عنه :من تعلقت همته بالّله ،حصل له
مطلوبه ،ووقع في بحر ما له طرف ،وإن علت همته،
وضعف بدنه حصل له بها ما ل يقدر عليه بدنه ،وتعجز عنه
قوته ،وذكر عند ذلك قصة صاحب الشجرة الذي أرسله
ملك العرب إلى ملك الصين ،ليسأله ما سبب طول
بقائكم في الدنيا وتمتعكم بالملك وأنتم كفار ،ونحن
مسلمون ل يحصل لنا ذلك ،فجاء به إلى شجرة قوية
راسخة ،وقال :ل أجيبك حتى تسقط هذه الشجرة،
فاستبطأ الجواب ،وأراد الرجوع بسرعة ،وتعلقت همته
بسقوط الشجرة ،لما توقف جوابه على سقوطها ،فبقي
أياما ً يتردد إليها ويتمنى سقوطها ،حتى إنها سقطت ،فقال
له :هي جوابكم ،فسار إلى مرسله فأخبره بأمر الشجرة
فأطرق مفكرًا ،ثم قال :قاتله الّله ،ما أحذقه ،فقال له
رسوله :ما معنى ذلك ،قال :معناه يقول إنك رجل واحد،
تعلقت همتك بسقوط هذه الشجرة القوية ،حتى سقطت،
وأنتم تتعلق بكم همم الناس كثير) ( ،تظلمونهم ،كيف
يطول بكم البقاء والتمتع بالملك ،هذا ل يكون ،أو كما
قال.
ما قال في العقيدة
سي ّْبتوقال رضي الّله عنه :إذا كنت ماسك الحبل بيدك فَ َ
سّيب ،فإن الولياء سّيب ُ
فاللوم عليك ل على الحبل ،فمن َ
والصالحين يعتنون بك ،بقدر اعتنائك بهم ،حتى إن رجل ً
قال لبي عيسى المرسي) ( :خاطرك معي ،فقال له:
خاطرك أنت معي ،لن أهل مراتب الولية لهم نواب،
يقومون في مراتبهم عنهم من حيث يشعرون ،ومن حيث
ل يشعرون ،ول ينتفع إل صاحب القلب القوي) ( المنور،
وذو القلب الضعيف) ( والقلب المظلم) ( ،ل ينتفع .
ثم ذكر نفع الّله به قصصا ً من كرامات الولياء ،ثم قال:
من قال لك إن عاد في هذا الزمان شئ من الكرامات ،إل
هم أو كما قال .
إن كان من نور النبوة ،فقد وَ ِ
) (1/204
وقال رضي الّله عنه :الزمان زمان نكد وتشويش ،ل تكاد
تسمع إل ما يسوء ،وقد كانوا) ( إذا أخبروا بشيء تتقدمه
أشياء ومقدمات تسهل ذلك ،وأما اليوم فيجيك المر) (،
مهم إل في الخرة،وكان الصالحون في أحوالهم كل ُ
تشوفهم يتعاطون أمورا ً ما تدخل تحت طاقة البشر،
وانطووا في معرفة القضاء والقدر ،وهؤلء ل يعرفون
القضا والقدر ،ولكنهم ل يصبرون كصبرهم ،طبعُ البشرية .
وقال رضي الّله عنه :ما النسان إل ضايق من الدنيا ،فإنه
ل يرى ول يسمع إل ما يكره ،ولو كنت في صفا وطاعة،
شوشوها عليك ،وهذا زمان صبر ،القوي فيه ضعيف ،ول
مساعد هناك .
ما قال في الصغار وتربيتهم
وذكر رضي الّله عنه الصغار يوما ً فقال :الّله الحافظ،
ولكنك مؤاخذ بالستطاعة ،وعندنا) ( يقولون :الصغير إلى
سبع سنين هو في رقبة أمه ،وقد سقط صغار من سطوح
عالية ،ول يضرهم شيء بلطف الّله ،والفصل في هذا أن
ت على قدر وسع الدائرة ،وما دخل تحت تكلف ما ك ُل ّْف َ
القدار فذاك بحر واسع ل تدخله ،فل مدخل لك فيه .
در بحر واسع فل تلجه . وقد قال سيدنا علي :الَق َ
در ،فقال للسائل :هل وقد سأل رجل بعضهم عن الَق َ
ما أراد ،قال:
ما أراد أو لما أردت ؟ ،فقال :ل ِ َ خلقك ل ِ َ
فيستعملك أيضا ً فيما أراد ،ل فيما أردت ،ول يحصل
للداخل فيه إل الحتجاج للنفس على الرب .
وُأخِبر رضي الّله عنه بصبي صغير أنه يريد الحج في تلك
السنة ،فقال له نفع الّله به :ل تحج هذا العام ،وصحح أول ً
َ
م من الحج ،فصحح صلتك أركان دينك التي هي عليك أل َْز ُ
وزكاتك وصومك ،فإذا صححت هذه كما ينبغي ،فأتمها
بالحج ،لن الحج إنما هو تكميل للركان ،قال الّله تعالى
للنبي صّلى الله عليه و آله وسّلم وأصحابه ،بعد ما تمت
حجتهم }:اليو َ
كم {) ( فمن ل يصحح م ِدين َ ُ ت ل َك ُ ْ
مل ْ ُ
م أك ْ َ
َ ْ َ
الركان ال َُول ،ولم يأت بها على الوجه الكمل ،فما يصنع
بإتمامها قبل إحكامها .
) (1/213
وقال رضي الّله عنه لرجل شكا إليه :ل ت َد ْعُ على من
ظلمك ،فإنك إذا دعوت عليه انتصرت لنفسك ،وإل عاد
دعاؤك عليك ،ولكنك ادع له بالصلح والهداية للصواب،
وأن يؤمنهم في أوطانهم ،ليعود دعاؤك لك .
وذكر رضي الّله عنه أحوال أهل الزمان في وضوئهم
وصلتهم ،فقال :لو أمسكت برأس الرجل في صلته حتى
در الذي ل بد له منه ،ما يطمئن في الركوع والسجود الَق ْ
صلى الصلة الثانية إل باطلة ،فيأتي بها باطلة عمدًا،
وسبب ذلك عدم الرغبة ،وإذا لم تكن رغبة ول لذة ،كيف
يأتي بها كما ينبغي ،فينبغي ويحتاج أن ي ُعَّلم فضيلة الصلة
والوضوء ،ليرغب في ذلك ،فيحصل له في فعل ذلك
رغبة ،وكانوا يأتون) ( بذلك ،وقلوبهم مفتوحة راغبة في
الخير ،ويربون صغارهم على ذلك ،يعلمونهم إياه ،وأما
هؤلء) ( ،فل يعلمون صغارهم إل الرغبة في الدنيا
ومحبتها ،والصغير إذا فسد باطنه ،بأن تأمل أحوال الدنيا
أو النساء أو نحو ذلك ،فل) ( ،كالدمل إنما ينتظر افتقاشه)
( فل ينبغي أن يكون في المجالس التي ل تنبغي من
أسواق ،أو مجالسة المبطلين ،ويعود ثمر هذا شوكًا ،وإنما
ينبغي أن يكون ملزما ً لمجالس الخير كالمساجد وأماكن
القراءات ومجالس الصالحين .
وقال رضي الّله عنه لرجل :الّله لّله في الهمة والصبر،
فإذا لم تج الدنيا إل بالصبر ،فالخرة أولى .
وقال لخر :عليك بالصدق ،واتباع الشريعة ،والشريعة
كالبحر من طبعها الغراق كالبحر ،فينبغي للنسان أن
ي عليه الغرق .
ش َ
خ ِيتطرف وإل ُ
ما قال في الخمول
) (1/214
وقال رضي الّله عنه :محبة الدنيا كلها سوء إن كان ذلك
من مسلم أو من كافر ،وإن اختلفت المزية ،فالكل
مذموم ،وهم سواء في الذم ،لنهم اشتركوا في محبة
العاجل وهو مذموم في جميع الشرائع .
وقال رضي الّله عنه لرجل من أهل بلدة شبام حين
دي أن تكون
استودع منه :الحذر تغبط أهل الدنيا ،وت ُوَ ّ
مثلهم ،فتحاسب في الخرة حساب الغنياء وأنت ما معك
شد َ في لسان حال المولود في صياحه حين ُ
شيء ،وأن ِ
يوضع :
لما تؤذن الدنيا به من همومها يكون بكاء الطفل ساعة
يوضع
وإل فما يبكيه منها وإنها لهون مما كان فيه وأوسع
ما قال في الذي يضيق من القراءة
وقال رضي الّله عنه :إن أهل الزمان في قلوبهم
شياطين ،ولهذا يضيقون من قراءة القرآن ،والجلوس في
المساجد ،ولول ذلك ما ضاقوا ،أل ترى إلى المصروع
الذي دخله الشيطان ،أو قال الذي فيه الجني ،إذا قرأت
عليه القرآن كيف يصيح .
وقال رضي الّله عنه :أهل الزمان ليس في أجسامهم
قلوب ول أرواح ،إنما فيها نفوس شيطانية ،ويعرف هذا
بحركاتهم الظاهرة ،لن المور الغيبية ل تعرف إل
بالحركات الحسية ،على مقتضى ما تدعو إليه ،وعلى
لسانها ،كما يتكلم المدخول من الجان على لسان الجني
الذي فيه .
ما قال في العدل بعد المائتين
ل بعض السلف عن شيء من وقال رضي الّله عنهُ :
سئ ِ َ
العدل يكون بعد المائتين؟ فغضب وقال :كيف يكون ذلك،
وقد قال النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم)) :من استطاع
منكم بعد المائتين أن يموت فليمت((.
ثم قال سيدنا :رأينا في حديث مشهور ،أنه تخرج شياطين
بعد المائتين كان حبسهم سليمان عليه السلم ،فيطلقون
حينئذ ،ويحدثون الناس بما ل يعرفون ،فيأخذون بما
يقولون لهم .
ما قال في النفس
) (1/219
و ...ذكر رضي الّله عنه يوما ً أهل الدنيا فقال :في هذا
الزمان قد ذهبت الدنيا عن أيدي الخيار وصارت في أيدي
الفجار ،أو قال الشرار ،والفقراء كالمتاع في البيت ،هو
الذي يحتاج أن يحفظ ،والغنياء كالحجارة ،ولو أقبل
الناس كلهم على الدنيا ،ما استاهلوا أن يحفظوا ،وإنما
يحفظ الّله خلقه بفقراء وصغار وشيبان ،قال النبي صّلى
الله عليه و آله وسّلم )) :إنما ترحمون بضعفائكم،
وأبغوني فيكم الضعفاء(() ( ،وفي أحد الوجهين في قوله
ت {) ( ض ل َهُد ّ َ
م ْ ضُهم ب ِب َعْ ٍ تعالى }:وَل َوْل َ د َفْعُ اللهِ الّنا َ
س ب َعْ َ
الية ،ولول الضعفاء رحم الّله بهم الكافة لصابهم
العذاب .
حظاية ما قال في ال ِ
ظا) ( ،فقال له :أتعّلم ...وكلمه رضي الّله عنه إنسان ح ّ
سن الدنيا سنون الدنيا ،والذي يح ّ الناس الحظّية ،وتح ّ
أسفل وأخس عند الّله من الذين يعمرون الدنيا ،لن
العمران لها قد تدعو إليه الحاجة كالخياطة ،وإذا قد ورد
م عمران الدنيا فكيف بتحسينها . ذ ّ
...وقال رضي الّله عنه :يقال إذا أردت أن تعرف حال
أحد ،فاسأل عنه أهل بيته وأهل خاصته ،لنه ما يستحيي
منهم ،ويعاملهم بما يفعله في خلوته ،والولي ما يكون
مستورا ً إل عند العامة والمحجوبين ،وإل فهو ظاهر عند
أمثاله ،وعند نفسه ،والولي ما همه ومطلوبه إل الخفا،
ب ،ول تتتبع إل إن رجوت خيرًا ،ودعسل ِ َ
وإن أحب الظهور ُ
الناس تحت ستر الّله ،والولياء ل يحبون الجتماع عليهم،
ومن أحب ذلك فعنده شبهة رياء ،حتى إن من أحب كثرة
مرائي طالب شهرته بعد الموت . الجمع في جنازته ،فهو ُ
) (1/226
...وقال رضي الّله عنه :ل تعُد ّ شيئا ً من يعد ّ نفسه شيئًا،
وإنما الشيء من ل ي َعُد ّ نفسه شيئًا ،ومن قال :أنا أهل
وإن كان كذلك ،قيل له :لست بأهل ،ومن قال :لست أهل ً
وهو كما قال ،قيل له :أنت أهل ،والطرايق الباطنة غير
الطرايق الظاهرة ،هذه شيء وهذه شيء آخر ،كالذي
قال :إن الشيخ عبدالقادر ما رأيت له في الملكوت شيئا ً
من المور ،وُرْوحوا قولوا له ،فكوشف به الشيخ ،فقال
له :أنت تدخل من الدركات السفلى ،وأنا في الدرجات
العليا ،فلم ترني ،وإنك ما وقع لك المر الفلني إل
بشفاعتي ،فصدقه حينئذ ،وهذه أمور ينكرها الظاهر ،ول
هي منكرة .
...وقال رضي الّله عنه :قِّلة العناية بالشيء أمره مشكل
صله ،وإن كان متأهل ً له ،وإنما يدركه بالعناية، جدًا ،ول يح ّ
ن ما أدركه في الزمن القليل ،أدركه في الزمن الطويل . إ ْ
...وقال رضي الّله عنه :لول فتنة تكون قبل خروج
المهدي ،لحببنا أن ندركه ،ولكنا نكره حضور الفتن .
...ومرة قال :المتردد في الفتنة ،كالذي يتردد ماشيا ً في
الرمضاء ،وسط النهار .
خَر شيٌء، ...وذكر رضي الّله عنه رجل ً كان بينه وبين آ َ
دق بكل ما سمع ،والحسن للنسان فقال :إنه سليم يص ّ
دق من اليوم الحتياط ،خصوصا ً في هذا الزمان ،فل ي ُ َ
ص ّ
يمدح ،ول من َيذم ،فإنهم مفتونون ،يصلحون الفاسد،
ويفسدون الصالح) ( .
...وقال رضي الّله عنه :ل يقال في النبي صّلى الله عليه
و آله وسّلم :إنه انتقل من حالة نقص إلى كمال ،بل هو
في الكمال في جميع أحواله ،ومسيره كله في الكمال،
حتى إنه عند ولدته ولد رافعا ً بصَره إلى السماء ،وحتى
مات في الكمال .
ما قال في المراء
) (1/227
...وقال رضي الّله عنه لرجل يوصيه :ل ت ُْقدم على أمر
حتى تتفكر فيه ،وآت المر الذي تطلبه من وجهه الذي
ُيطلب منه ،فإن من دخل داره أو دارا ً فيها متاعه من غير
بابه أنكر عليه في ذلك ،ل لكونه دخل داره أو أخذ متاعه،
بل لكونه دخل من غير الباب ،وقد تكون أمور مرتبة يقدم
بعضها على بعض .
...وقال رضي الّله عنه :ما عاد للناس هوى في الطاعة،
ولو أنك عّلمت أحدا ً مقصرا ً في صلته ،أو قراءته ،أو
شيء من دينه ،ترك المكان الذي أنت فيه ،وإن عّلمته
في مسجد ترك ذلك المسجد ،فما عاد معك إل تقيس
فعله ذلك بتركه ،أيهما أحسن وأولى ،فتطلب ذلك
وتراعيه منه ،ولم يزل الناس يتناقصون ،حتى يبلغ الكتاب
أجله ،ولو بقوا على حال واحدة ،لما قامت الساعة .
...وقال رضي الّله عنه :أمر الخير ل تخليه يضجر بك ،خذ
منه ما استطعت ،فإن النفس تمل حتى في أمور الدنيا
إذا أكثرت منها فكيف بأمور الدين ،ومن كلم سيدنا علي:
ُ
ت عميت ،وعماها عدم رغبتها في إن القلوب إذا أك ْرِهَ ْ
الخير .
ن
ق عنوا ُ ّ
...وقال نفع الله به :الزهد في الدنيا والخل ِ
الولية .
...وقال رضي الّله عنه :ينبغي أن ُيتوسط بين الخوف
والرجا ،لنه إذا اشتد خوفه انقطع ،أل ترى لما ذكر النبي
صّلى الله عليه و آله وسّلم بعث النار كيف جزع الصحابة،
حتى ذكر لهم ياجوج وماجوج ،ومن قد دعاه الّله إلى
الدين فهو على خير ،إذ لو لم ُيرد له ذلك ،لما دعاه إليه،
ولكن ل يغتر ول ينهمك في شهوات الدنيا ،فإن أقل الحال
يشتد عليه الموت بسبب ذلك .
ما قال في كلم ابن الفارض وابن عربي
) (1/229
ت بالمس م َ
فمن يسعَ أو يركب جناحي نعامة ليدرك ما قد ّ ْ
ق
ُيسب ِ
ت بعدها سوابق في أكمامها لم ت أمورا ً ثم غادر َقضي َ
ق
ت َُفت ّ ِ
فلما قرأتها عليه من الكتاب قال نفع الّله به :ما مرادنا إل
نعلمك الستحضار عند المذاكرة ،وأما أنك تجيبها في
الكتاب فذاك سهل ،وكل يعرفه ،فقال السيد عبدالرحمن
ده عيديد ،وكان حاضرًا :ما أحسن فلنًا ،لو كان م ّ
ح ُبن ُ
حاضرا ً ل ََفِهم ،يعني به سالم بافضل بلحاج ،فقال سيدنا
نفع الّله به :ما عليك لكن من ربيناه يفوق غيره ،إل أنه ل
يظهر أثره مع من رباه ،كالسراج في النهار ،لنا نربيه
تربية ل يعلم بها ،وإن كانوا أحسن منه بديهة ،فهو أحسن
منهم بذلك) ( ،وإن كانوا خيرا ً منه في الكلم ،فهو خير
منهم بالوراد ،والكلم فيه إظهار للنفس ،ثم إن التعلم
ممكن ،ولكن إنما العلم بالعمل ،فإذا علمت شيئا ً فأجهد
نفسك في العمل به ،لتعرف النفس أن العلم بل عمل ل
ينفع ،وأن ذلك هو المقصود منه ،انظر إلى ابن علوان
كيف لما اجتهد في تعلم العلم والدب ،حتى أحكمه ليكون
في منزلة أبيه عند السلطان ،وما نفعه إل لما حصلت له
من الّله العناية ،رجع إلى العمل بعلمه ،فانت ُِفعَ به ،فقال
السيد عبدالرحمن :نعم هكذا مليح ،إذا حصل بالغَْرف من
غير كد ،فقال سيدنا :نعم ،ولكن أصِلح ِوعاك من أسفله،
ه من فوقه ،لئل يسقط ما فيه أو يَتطّير) ( ،فيسلم وغَط ّ ْ
لك ما فيه ويحتفظ حتى إن احتجت إليه نفعك ،وإل بقي
عدة كالخزانة ،ثم قام نفع الّله به إلى الصلة ،وهكذا لك ُ
كلمه على عادته ،إذا جلس في الضيقة خارجا ً للصلة،
فإذا نهض منها داخل ً إلى الصلة ،فل عاد يقبل الكلم ،ول
ُيحب إن أحدا ً يكلمه حتى يرد السلم ،اهـ ما أردنا ذكره
من تلك الشارات الحاصلة منه نفع الّله به بالتعريض في
هذه السنة ،وإل فهي كثيرة فيها ،وفي غيرها لكن أكثرها
فيها ،حتى إنه رضي الّله عنه قال لي في شعبان
) (1/241
ثم ذكر قصة الشيخ أبي بكر بن سالم ،ود َْفعه القروش
إلى أولده ،يختبرهم ،وأن ولده الحسين من دون إخوانه،
ربط ما أعطاه إياه في ثوبه ،والبقية لعبوا بها حتى راحت
عليهم ،وفي اليوم الثاني سألهم عن ذلك فأخبروه
والحسين قال :هاهو مربوط في الثوب ،فقال له :تضم
الدنيا ،ستقع عليك الدنيا من السقف ،ثم بعدما كبر وقام
في مجلس أبيه ،فبينما هو جالس مع أصحابه ،إذ وقع في
ب) ( تمر من أوجاب مصفوفة في الدار، ج ُ
المجلس وِ ْ
دنا به الوالد ،إنه
م علينا ما وَعَ َ
فقال الحسين :اليوم ت َ ّ
ستقع عليك الدنيا من السقف .
وقال رضي الّله عنه :ل ت َعُد ّ علما ً إل ما كان محفوظًا ،وما
لم تحفظه فهو علم غيرك ،لنك تنقله عنه ،وإنما يربي
س علماؤهم ،وتربيهم ملوكهم ،وتربيهم شيابتهم، النا َ
واليوم ما شيء من هذا ،وأكثر العلوم ما تلقيناها إل من
الولين على ألسنتهم ،كحضور المجالس ،وإتيان
الصلوات ،وإجابة الدعوات ،ونحو ذلك ،والتأدب مع
الجلساء ،ومعرفة منازل الناس ،ومراعاة حقوقهم
ومعرفتها ،وتنزيل كل إنسان منزلته .
وذكر رضي الّله عنه حضور المساجد ،مع أكل ذي الريح
دا وأنكره ،وأنكر وذم من يتسبب في الكريه ،فذمه ج ّ
م أيضا ً من َيجهر خلف ظهور رائحة كريهة في الجابية ،وذ ّ
المام ،ثم قال :هذه العلوم التي على اللسنة ،وإن كان
في طاعة فيحصل بسوء أدبه ما ل تقابله طاعته ،والدب
ما هو إل ما تربى عليه النسان من صغره ،وأخذه قليل ً
قليل ً حتى يتربى عليه ويتقنه ،ثم يقيس عليه ما في معناه
.
والحاصل :إن التغافل والتجاهل في هذا الزمان ما
أمكن) ( هو الذي ينبغي ويحسن ،لئل يتربوا ويخرجوا إلى
الباطل .
وقال رضي الّله عنه :الدب أن ل تؤذي أحدًا ،وإن أوذيت
صبرت ،وحسن الصحبة والمجالسة بما أمكن) ( ،ثم أنشد
هذا البيت :
ف الّنعال ...إذا جلست مجلسا ً
صّيرت ذاك المجلس ص ّ
بل أدب
ما قال في إنكار بعض العوائد
) (1/245
وقال رضي الّله عنه :علوم الولين كلها سهلة ،إنما هي
حديث وأثر وكلم السابقين ،فهذه كانت علومهم ،والعلم
يزكو إذا كان من الطرفين ،وهو أن يأخذ ذو العلم القليل،
من صاحب العلم الكثير ،وهو أيضا ً يعّلمه ول يمتنع من
تعليمه ،وما عاد اليوم إل عد النخيل والنخاش والتقصيف
يسمى تقصيف الظافير ،وهو إخراج الثمرة من النحر،
ت أمَر البلدت أكلها طير فكانت من رزقه ،ولو وُّلي ُ ولو بقي َ ْ
أو أطاعني الوالي ل َط َّربت) ( على أشياء من العبادات،
وأشياء من العادات ،أن ل ُتفعل إل في بعض الوقات،
كالسرعة بتخبير) ( النخل ،وأن يكونوا فيه كعادة السلف،
ستخلف عندهم ،ويريدون يمنعونه فإن المال مال الّله ُ
م ْ
الفقراء والمساكين ،بل حتى الطيور ،ويجمع النسان ما
يكفي جماعة ،ويجعله عند امرأة ،وتحت نظرها ،وما عاد
الدين إل لزق ،كالطينة تلزقها في الحائط ،فعسى حسن
الخاتمة ،وأنا مؤمل مثل هذا يحصل من بعض من يلي أن
يساعدنا عليه ،والناس اليوم إنما هم عبيد العصا ،وما
معهم سيوف ورماح يقاتلون بها ،فيحصل منهم الرجوع
إلى الصواب قهرًا ،كما أطاعوا في أخذ أموالهم قهرًا،
وكنا مؤملين مثل هذا لكن هذا الرجل) ( ما لزق ،فإذا كان
الولة بأنفسهم يتعاطون الربا ،ويفتيهم في ذلك علماء
السوء ،كيف الحال؟ ،وهؤلء إنما هم أعداء الدين ل ممن
ينصر الدين ،فالولة طلبوا الولية لَيظلموا ،والعلماء
تعلموا العلم ليتوّلوا على الوقاف وأموال اليتامى،
وه مما سَتحّلون بها الربا ونح َ
حَيل ي َ ْ
فيأكلوها ،ويفتوهم ب ِ ِ
حرم الّله عليهم .
وقال رضي الّله عنه :إن أهل الزمان نسوا الّله بترك
حقوقه ،فسلط الّله عليهم ما يشغلهم ،حتى لو د َ
عوا لم
يستجب لهم ،وت ُن ْك ُِر أصواَتهم الملئكة ،لنهم لم يألفوها
بسماع ذكر أو غيره من أمور الطاعة ،كما ورد في حديث:
)) فأنى يستجاب لذلك ((.
ما قال في المضطرب في المحنة
) (1/246
ونحن بحمد الّله ل نبالي بما يفوت منها مما في أيدينا ،إل
إن كان في غير محله ،غارة عمرّية ،وما هي عندنا إل
ل علينا إخراجها ،ولم نخش إل من عدم سه ْ ٌ
جرَبةَ ،كحيثة ِ
الخلص .
در ما وّليناها فلنًا) (،
ومرة قال :لو كان للدنيا عندنا قَ ْ
يعني خادما ً له كان كثير النسيان فربما أعطاه قروشا ً
يشتري بها حاجة فيضعها في طاقة فينساها فتفوت .
وقال رضي الّله عنه :الدنيا ،وما هي الدنيا؟ ،قال بعضهم:
إذا أردت أن تعرف الدنيا فاسأل عنها أحدا ً في سكرات
الموت .
ما قال في التروح والتنقل
وقال رضي الّله عنه :كانوا إذا دخل آذار) ( ،يحبون التفرج
والخروج من الديار ،إلى الخل والقفار ،تنزيها ً للخواطر،
وترّوحا ً للقلوب ،لن الروح في الجسم محصور ،فإن
انحصر الجسم أيضا ً اجتمع حصران ،فيتولد من ذلك ضعف
المزاج ،وهذا طبعنا نحن ،والذي نحبه ونفعله ،إل إن حصل
مانع منه ،وينبغي للنسان أن ل يستقر به مكان ،بل يسير
في أرض الّله ،لعله أن يرى أكمل منه فيقتدي به إن قدر
على ذلك ،وساعده الحال والوقت ،أو يرى معت ََبرا ً فيعتبر،
أو يفيد أو يستفيد ،ثم أشار إلى أبيات) ( :
تغرب عن الوطان في طلب العلى وسافر ففي السفار
خمس فوائد
ة ماجد ب وصحب ُ م وآدا ٌب معيشة وعل ٌ ج هم واكتسا ُ تفّر ُ
فإن قيل في السفار ذل ومحنة وقطع الفيافي وارتكاب
الشدائد
فموت الفتى خير له من حياته يعيش بها ما بين واش
وحاسد
وأهل الزمان لو تعب أحدهم في شيء من أمور الدنيا
رق فيه عشرين عرقة ما عَد ّ هذا ت ََعبًا ،ولغاية التعب ،وعَ ِ
يبالي بذلك ،ولو كان شيء من أمور الدين ،رأى السه َ
ل
عسيرًا ،والقليل كثيرًا ،وقال :من يقدر على هذا.
) (1/252
وقيل له رضي الّله عنه :قد جاء إلى هنا السيد فلن .
وقيل) ( له :إجلس إلى الظهر ،فضحك ،وسكت قلي ً
ل ،كذا
عادته إذا لم يستحسن كلم المتكلم ،ثم قال :ل عاد
صع النصاب المبلولة ،وإل قيل لك :إفتلها ،وكل من كان تم ّ
عنده أحد من المرموقين في الدين أو في الدنيا يحتاج
صل شيئًا ،ونحن نعرف أهل الزمان، إلى أدب ،وإل ما ح ّ
وأنهم مثل الدابة ،إذا وردت الماء ظمآنة ما تلبث إذا
رويت أن تبول فيه ،وأنت إيش لك في الفضول ،تقول
للناس :إجلسوا ،وماذا عليك منهم ،اتركهم وما أرادوا،
ومن جاء عند أحد من أهل التصوف مستفيدا ً أو قال
زائرًا ،فجلس إليه يحادثه بطلت فائدته ،قال ذلك الفقير:
فأعلمونا أنتم بالدب ،وإل فعقولنا ما تهتدي إليه ،فقال
نفع الّله به :اترك كل ما ل يعنيك ،ول تسأل عما ل يتعلق
بك ،فإن جاء أحد من جهة أحد تعرفه ،فاسأله عنه،
والزيادة على ذلك فضول ،قال :فإذا جاء أحد نحب له
الجتماع بكم ،ما نقول له؟ ،قال :قل له تعال العصر ،وقد
جعلنا لهم مجالس ،الّله يبارك لنا ولهم فيها ،ونحن نيتنا
فيهم رجاء أن ينفعنا الّله بهم ،خير من نيتهم فينا،
ومجالسنا مع الناس يلزمنا فيها أمور ليست تلزمكم ،أقل
الحال نسأله هل تزوج ،وهل جاءه أولد ،وكيف هم ،ومثل
ذلك تضييع وقت ،وقد قال لنا بعض مشايخنا الذين أخذنا
عنهم :إذا صافحكم أحد ،فل تسألوا عنه ،فقلنا :إذا جاء
إنسان من ب ُْعد يحتاج إلى السؤال عنه ،وكل أحد يريد منا
كلمًا ،والشيخ عبدالّله العيدروس ،مع أنه ما عاش في
الناس إل خمسا ً وخمسين سنة ،ما مات حتى ترك زيارة
التربة بسبب الناس ،وكثرة شاغلهم ،حتى إنه يصل إلى
طرف التربة ،ويقرأ الفاتحة ثم يرجع ،فهل سمعتم عمن
بلغ سننا هذا كان يجالس الناس كثيرًا ،ويخالطهم مثلنا،
فقيل له :هذا أمر قد اختاره الّله لكم ،قال :فالّله يبارك
لنا فيما اختاره لنا ،قال ذلك وهو جالس في
) (1/256
وقال رضي الّله عنه :ل تقل وأنت في عافية :لو ابتلي ُ
ت
ت ،فإن الغالب إن من يدعي الصبر مع الّله ُيبتَلى، صبر ُ
ت فاصبر ،ول ولكن اسأل الّله تعالى العافية ،فإذا ابتلي َ
تغتر في نفسك بأحوال أقوام بلغ بهم البلء كل مبلغ،
ت لم تصبر ،فكم من قائل :لو فصبروا ،فلعلك لو ابتلي َ
ت ،فلما حل به البلء لم يصبر ،فتراه إذا ابتلني الّله لصبر ُ
ضَرب عليه عرق ،بات سهرانًا ،وأما تحرك له ضرس ،أو َ
أولئك الذين صبروا ،فإنهم انكشفت لهم الخرة
فشاهدوها ،فلم يبالوا بالبلء ،ودانوا أنفسهم فلم يعبأوا
بالرفاهية واستوت هي والشدة عندهم .
واعتذر إليه رضي الّله عنه بعض الفقراء ،ظن أنه رأى
عليه في شيء ،فقال نفع الّله به :ل عاد يقع في
خواطركم إن في خواطرنا عليكم شيئًا ،لنا أصبر منكم،
وأوسع أخلقا ً منكم ،وقد جربنا الزمان ،وجربنا الناس،
جِبنا منه عفونا عنه خُلقان ت ُعْ ُ
فمن فيه عشرة أخلق وفيه ُ
الباقي ،قيل له :فإن لم يكن في النسان شيء ُيحمد،
قال :نرضى منه بقضاء حاجة ،أو فتح كتاب ،ونحو ذلك،
ولو علم الناس بصبرنا على فلن ،في قضاء الحوائج،
لكان تعجبوا منا ،فالحذر تظنون أنه يقع في خواطرنا على
أحد شيء .
ما قال في كلمة ل إله إل الله
) (1/260
وأنشدت بها أيضا ً بأمره بين يديه ،يوم الثلثاء في دار آل
فقيه في 24محرم سنة 1129فقال نفع الّله به لحد
الحاضرين :أسمعت ما فيها من البشارة بالمهدي ،وقد
شر به من قديم ،ولكن أمر الّله تعالى على قدره، بُ ّ
ش ،وسنة ك َث َُر
ح َ
والزمان قد كثر فيه الظلم وت ََفا َ
الخريف) ( قلنا لول أن في الخبر تتقدمه فتن كثيرة ،لقلنا
إنها من سنين المهدي ،ولكنه خارج ول بد ،وإذا ظهرت
ظلل أو قال الظلم ،وناس يتمنونه، الشمس ذهب ال ّ
عون بخروجه ،كل ذلك لجل الدنيا ،ولو كان يعطي وي َد ْ ُ
ل ،وكان جائرًا ،وإنما هو س حقّ الناس ،ما كان عاد ً النا َ
يقسم بيت المال بين الناس بالسوية ،ول يعطي أحدا ً حق
أحد ،ول أحسن من سؤال العافية ،مع ملزمة أمور
التوحيد ،الخاص للخصوص ،والعام للعموم ،والمهدي جامع
بين القطبية والخلفة كما سيدنا علي على مقتضى
الظاهر والباطن ،وهو مجدد لهذا الدين ،ومعنى التجديد
تقرير أمور من الدين بين أيدي الناس ،طال بها العهد
فيهم حتى اخت ََلف فيها اجتهادهم ،فيقررها على الحق ،ل
أنه يخترع من الكتاب والسنة أمرا ً لم يكن .قيل فيحتاج
إلى إلهام ٍ من الحق ،يعرف به الحق من الباطل ،أو تقرير
الصواب ،قال :لكن كشف الولياء ل يعمل به في الشرع،
ل بقوله ،لنه قيل :فالمهدي .قال :أما المهدي فيلزم العم ُ
مقرر من الشارع ،وعلومه كلها وهبية ،يفتح الّله عليه
معاني الكتاب والسنة ،فيقرر الحكام الشرعية على أكمل
وجوهها ،وعلى الوجه المحبوب عند الّله ورسوله ،وهذا هو
علم أهل البيت النبوي ،كما قيل لسيدنا علي رضي الّله
عنه :هل خصكم رسول الّله صّلى الله عليه و آله وسّلم
بعلم دون غيركم ،قال :ل ،إل فهم في كتاب الّله .
) (1/263
وحضر عنده رضي الّله عنه جماعة جاءوا من الحج ،فقال:
الناس مشتاقون إلى النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم
أكثر من شوقهم إلى البيت ،ولكن يمنع من ذلك الضعف،
وقلة الطاقة ،وذكروا من رخص أسعار الحرمين ،فقال:
إذا صلحت أمور الحرمين ،صلحت جميع الجهات ،لن
جميع الناس إنما هم على الّله ورسوله .
وذكر رضي الّله عنه أشياء من أمور الولين ،خلفاء
وغيرهم ،فقال نفع الّله به :أمور التواريخ ل يحتملها ذو
كرات، عب ٌَر ومذ ّ
العقل الضعيف ،لنه يحصل له من ذلك ِ
فل يبلغه عن أحد فاضل ول مفضول ،إل وله حساد ،وعليه
مامين ،وناس يريدون الغدر به ،مع أن الزمان صالح، ن ّ
والناس أهل دين ،والخير ظاهر أظهر من الشر ،فكيف
في زماننا هذا .
) (1/264
أقول :فلهذا كان سيدنا نفع الّله به ،ل يثق بأحد من أهل
الزمان ،حتى يأخذ حذره منه ،وقد قال رضي الّله عنه:
حصل لي مرة بعض مرض في الدماغ والرأس ،فجاءني
فلن بدهن الورد ،فلم أقبله منه ،وهو لنا صديق ،غير
ما نعلم من ضعف عقله ،فلم نثق به ،ونحن ل كرهته ل ِ َ
نقبل من أحد دواء إل أن يكون فيه خصلتان :العقل
ل أحد ،لن الطبائع والنصيحة ،فل ينبغي أن يأمن ك ُ ّ
تختلف ،والجهات تختلف ،والدوية تختلف ،والمقاصد
تختلف ،وقد حصل بيننا كلم وبين رجل ركب معنا في
البحر ،عندما سرنا إلى الحج بسبب الماء ،لما رآنا نأخذ
منه ،ويعطونا أكثر مما يعطونه ،فقال للنوخذا) ( له :هذا
لء جحلة) ( ،أو قالم َماء حملوه معهم ،وقد حملنا معنا َ
أكثر ،فقال :أريد النزول ،ول صبر لي على هذا ،فنزل لي ً
ل،
فلما كان الصبح جاءنا رجل في المركب ،بقدح فيه ماء
مذاب فيه سكر أبيض ،وكان الوقت صيفًا ،وقال :هذا لكم
هدية من بعض المحبين ،يبرد عليكم ،فقلنا :لعله أن يكون
ل ،ثم ناولته لخر لعدم من ذلك الرجل ،فأخذت منه قلي ً
ثقتي به ،لما وقع بيننا وبينه فسألت عنه .فقيل :قد نزل
من الليل ،وكان ذلك من غيره ،وكذلك الملوك ل يأكلون
طعامًا ،ول يشربون ماء ،حتى يأخذ منه الذي أتى به خوفا ً
من وقوع شيء ،وهذا في مقابلة ما يأخذونه من نعيم
م قد يعمل مع النسان الدنيا ،فإنها منغصة ،وأيضا ً َفال ْوَهْ ُ
في شيء ما منه شيء.
تحري النية في المور المباحة
) (1/265
ودخل عليه رضي الّله عنه بعض السادة ثامن نجم النطح،
فقال سيدنا نفع الّله به :في الوقت ُبريد ،وفيه فائدة ،ولو
كرك نعما ً تحصل لك ،وقد لم يكن من فائدته إل أنه يذ ّ
ت فيها ،والفكر أفضل العمال ،ول محل الفكر إل كن َ
الدنيا ،وأما الخرة فل محل له ،وإن وجد فيها فما هو إل
معُ أ َْو حسرات ،كما حكى الّله عنهم} :وََقاُلوا ل َوْ ك ُّنا ن َ ْ
س َ
َ
سِعير{) ( ،لنهم ضيعوا الفكر ب ال ّ حا ِ ما ك ُّنا في أ ْ
ص َ ن َعِْق ُ
ل َ
في وقته ،والقرآن فيه كل شيء ،إل إنه ما يعقله إل
العالمون ،وعهدة بيانه إلى النبي صّلى الله عليه و آله
وسّلم على الجمال ،وتفصيله) ( إلى العلماء وهو
الستنباط ،وشيء بّينه للناس هذا البيان ،لن الستنباط
ليس كالوحي ،والنسان مأمور بالتفرغ للدينيات،
ويصطفي منها ما هو الحسن ،لن أمور الدين مختلطة،
تستخلص بالفكر ،والمور ما تبغا إل همة وفكر وفراغ .
ما قال في قوله تعالى :سنفرغ لكم ،الية
وما قال تعالى } :سنْفرغُ ل َك ُ َ
ن {) ( ،إل أنه ه الث َّقل َ ِ
م أي ّ َ
ْ َ َ ُ
سبحانه أمرهم بأشياء ،وطلب منهم أن يتفرغوا لها ،فلما
لم يتفرغوا كافأهم الّله بما يناسب حالهم ،أو قال مثل
عملهم.
ما قال في عقائد أهل حضرموت
) (1/268
وقال رضي الّله عنه :اعمل لّله خالصًا ،ل لشيء آخر ،ثم
إن أعطاك بعد ذلك شيئًا ،فهو من باب الفضل والمنة ،ول
يسع أمور الخرة إل هذا ،ومن خالفه ممن قال من أهل
جاء الجنة أو خوف النار ،ونقله
مل َر َ
من عَ ِ
ص َ
الشطح :بنق ِ
الناس عنهم ،وسموهم لذلك زنادقة ،لن هذا مذهب
الزنادقة) ( ،وكلما كثر الشطح كثر العتراض ،والخلص
ما يتبين إل بالمتحان ،ولو هو يسمع الكتب وما ُيذكر فيها،
فإن الهوى ل يذهب ،إنما هو مختفي كاللص ،ول يموت،
وإن اختفى قليل ً فما تحس به إل وقد ظهر عند مقتضاه،
انظر قصة الذي دعته نفسه إلى الجهاد ،فخالفها حتى
تبين له أن موجب داعيتها ،أن يموت قتل ً في الجهاد،
فيتحدث الناس أنه استشهد .ما هو إل كن لربك على
نفسك ،حتى يكون لك ،ول تكن لنفسك فل يكون لك ،وقد
دخل الرياء وغلب الهوى على الناس حتى في العبادات،
أو كما قال .
كم ،في قراءة السيد زين ح َ
ومر في القراءة في شرح ال ِ
العابدين ،كلم يتعلق بمحبة المدح وكراهة الذم ،فقال نفع
الّله به :المقصود من ذم النفس الذي يذكرونه ،أن يكون
النسان أجنبّيا من نفسه ،حتى ل يتبعها في باطل ،كالعدو
ل يؤمن ،وإل فل حاجة إلى أن يذم نفسه ،أو يذمه غيره،
بل إن كان ذا علم وصلح ،فمدحه قربة ،ول عبرة بذمه
لنفسه ،بل الشأن إذا جاءه الذم من غيره بديهة) ( ،وإل
فكم إنسان يذم نفسه إظهارًا) ( ،ثم لو ذممَته بما ذم به
نفسه ،قامت عليه القيامة ،ثم قال :التواضع والخمول
نعمتان ،ما ي ُْغبط عليهما أحد .
) (1/275
كر عنده رضي الّله عنه بعض الناس بأدب ،فقال :أكثر وذ ُ ِ
هذه الداب تكون عند الملوك ومن يتصل بهم ،وإنما يكون
الشيء عند ظهور مقتضاه ،فقد يغلب الطبع الدب عند
ظهور مقتضاه ،فإذا ظهر ما يقتضي أحدهما) ( ،ظهر كما
في قصة هِّر بعض الملوك ،لما أدبه فتأدب ،حتى صار
يطرح الشمعة على رأسه ،فلما رأى في بعض اليام لحما ً
مطروحًا ،أو فارا ً مر به طفر) ( له ،ورمى بالشمعة ،فقيل
لصاحبه في ذلك ،فقال :غلب طبُعه أدَبه .
ترك الدب في محله
) (1/276
وقال رضي الّله عنه :كانوا ينظرون لمن يتولى شيئا ً من
المور ،من قضاء أو صدقة مسجد وغير ذلك ،ويعينونه،
فصاروا اليوم ينظرون ويتتبعون له الزلت ،فغلبت
العمومية .
ذم من يدخل وسط الجابية
م نفع الّله به من يدخل وسط الجابية يغتسل ،وقال: ثم ذ ّ
إذا رؤي الماء بعد الدخول متغيرا ً تغييرا ً فاحشا ً حكم
بنجاسته ،كمسئلة الظبية ،مع أن النسان ل يخلو في بدنه
وعورته من نجاسة في الغالب ،خصوصا ً في العوام،
ضْعفاء) ( ونحوهم ،ولكن إذا ضاق المر والمحترفين كال ّ
إّتسع ،قيل :وأيضا ً فيه إسراف ،فقال :نعم ،والّله ل يحب
المسرفين ،وإذا قال الّله في شيء إنه ل يحبه ،فابحث
عنه ما هُوَ لت َْعرفه .
معرفة موازين القرآن
وقد ضاعت من أيديهم الموازين ،حتى يقرأ النسان
القرآن من أوله إلى آخره ،ما يعرف لية معنى ول يهمه
أن يعرفه ،وأعجب من ذلك إن رجال ً ل يقرأون القرآن،
مّلون من سماعه ويضيقون منه ،وكان ينبغي لمثل هؤلء يَ َ
أن يشتاقوا لسماعه ،لعدم ممارستهم ،إذ من يقرأه فربما
به ملل ،وأما هؤلء فما عذرهم ،ثم قال :وما هو الميزان
المذكور في القرآن ،أهو) ( الَقّفان أو موازين البيع) (؟ .
إنما هو تقدير المور ومقايستها ،ونسبة الشيء إلى مثله
ومقابلته بضده ،وأول ما حصل الَغيار من مجيء الزيدية،
وبقيت كالنار تزيد ،ول يدرون ،وكان حصوله باختيار أهل
الجهة واختيار الزيدية) ( ،وكان في الجهة عسف والزيدية
مظهرين الدين ،وما كانوا أهل دهاء ،وأرادوا أن يولوا أحدا ً
منهم ،فغلبوا عليهم لئل يصير في الجهة ظلمان ،أو قال
ف الشيء ظالمان ،وأما اليوم فما هو إل شعق) ( ،ت َل ِ َ
مث َُله إل مثل الرضة) ( ،أو مثل الفار ،فما عاد بالكلية ،وما َ
إل ل تيأس من الّله أن يأتي منه فرج كما قيل :إن أبا
حجاج ،فخرج عمرو القاري) ( خرج من بلده فاّرا من ال َ
إلى مكة ،فبينما هو يطوف أو يسعى سمع رجل ً ينشد) (:
) (1/278
وقال رضي الّله عنه :من طبع النفس إنها إذا ألفت
الراحة ثم حصلت لها مصيبة ،أنها تجزع ،وهذا الطبع
موجود حتى في الكابر ،إل إنه فيهم ضعيف ،وفي غيرهم
قوي ،وأصل اليمان موجود في الكل ،إل إنه عند ذلك
يبقى في الكابر قوّيا ،وفي غيرهم ضعيفا ً .
ما قال في حديث أن ل تغضب
وقال رضي الّله عنه في حديث) ( )) :أن ل تغضب (( :أنه
عليه السلم قال ذلك لرجل كان كثير الغضب ،وكانوا) (
يغضبون غضبا ً شديدًا ،حتى يفعل أحدهم أمورًا ،ويقول
أقوال ً مذمومة من غير ضبط ،وفي الحديث) ( )) :إنما
الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب (( ،أي ل يملكها إذ
ذاك إل قوي ،أعني قوي اليمان والعقل ،فل يقول ول
يفعل إل ما ينبغي له .
ما قال في معنى حديث )) :ما جلس قوم ..الخ ((
وفي حديث) ( )) :ما جلس قوم مجلسا ً ـ ـ الخ (( ،يعني:
أن المجلس ل يخلو أن يكون معمورا ً بحرام أو فضول في
الغالب ،فإذا لم يحصل ذكر يكفر ذلك كان عليهم ت َِره
وحسرة على فعلهم .
بركة ل إله إل الله .وذكر العمود
ل ،فقال له :الّله الّله في الهمة، وأوصى رضي الّله عنه رج ً
وفي الذكر بل إله إل الّله ،فإذا خرجت هذه الكلمة من
الصادق مع الهمة ،يكون لها عمود ،حتى تبلغ إلى عند
ب {) (، م الط ّي ّ ُ
صعَد ُ الك َل ِ ُالعرش ،قال الّله تعالى } :إ ِل َي ْهِ ي َ ْ
ه { وهي الهمة ح َيرفَعُ ُ صال ِ ُ
ل ال ّ وهو ل إله إل الّله َ}:والعَ َ
م ُ
ترفعها إلى أن تبلغ بها إلى عند الحق تعالى .
) (1/281
أقول :ومما هو شاهد لكلم سيدنا نفع الّله به ،ما رأيته
في تاريخ بغداد) ( للخطيب أحمد بن علي بن ثابت بن
عساكر ،من رواية أحمد بن محمد السمرقندي ،بإسناده
ن إ ِل ّسا ِ ح َ جَزآُء ال ِ ْ إلى ابن عباس ،في قوله تعالى } :هَ ْ
ل َ
مْلو ّ
ي ن {) ( ،قال :إن لّله عمودا ً أحمر ،رأسه َ سا ُ
ح َال ِ ْ
على قائمة من قوائم العرش ،وأسفله تحت الرض
السابعة على ظهر الحوت ،فإذا قال العبد :ل إله إل الّله،
تحرك الحوت ،تحرك العمود ،تحرك العرش ،فيقول الّله
تعالى للعرش :اسكن ،فيقول :ل وعزتك ل أسكن حتى
تغفر لقائلها ما أصاب قبلها من ذنب ،فيغفر الّله له .
وقال رضي الّله عنه في معنى)) :ووسعني قلب عبدي
المؤمن (() ( :أي ُوسع معرفة ،وحمل المانة .
ما قال في حديث الئمة من قريش
وفي حديث) ( )) :الئمة من قريش (( ،قال :الئمة في
ل ،بأي ضعيف الدين جاه ً الدين والعلم ،ومن كان منهم َ
وجه يستحق التقديم ،بل يتعين عليه يجتهد أن يصير عالما ً
تقيًا ،ليصير أهل ً للتقدم .
وقد قال الشيخ علي بن أبي بكر رضي الّله عنه:
تفخسس) ( تسلم ،ل تكن عقربا ً تقتل ،كن ذ ََنبا ً في الخير،
ول تكن رأسا ً في الشر ،فإن الرأس أول ما يقطع .
دموا الصبر وقال رضي الّله عنه :أهل الزمان عَ ِ
والحسان ،فإن عدموا اليقين والعياذ بالّله فقدت ثلث
مُته) (.
أثافي) ( الدين ،فانكفأت ب ُْر َ
وقال رضي الّله عنه :طريقتنا إذا أردنا شيئا ً فغال ََبنا فيه
أحد ،تركناه له .
وا) ( منك وقال رضي الّله عنه :الولد في هذا الزمان ،ب َغَ ْ
صبرًا ،وإل حرمتهم وأشغلتهم ،والولد في هذا الزمان ،ل
دا،يؤمن على الهل ،فكيف بالجانب ،لن الدين ضعف ج ّ
ومن ل دين فيه كيف يصح منه الورع ،والورع إنما هو
خوف من الّله ،ومن يفرق بين التمرة والجوهرة) ( ،فل
تأمنه على الورع .
) (1/282
وعتب رضي الّله عنه على رجل في تركه أهله من غير
مراعاة لهم في أمر المعيشة وغيرها .فقال نفع الّله به:
فلن صالح) ( يتزوج ويترك أهله ،ويقول :الّله الرزاق .
ت أخبرت به ،والّله وكل عارف بهذا ،حتى البهائم لو ت َك َّلم ْ
سبحانه ما يعامل الناس بمقتضى الحقيقة ،ولو عاملهم
حرث ،أو تاجر يتجر ،ثم إنه لو حّراث ي َ ْ بمقتضاها ،ما كان َ
عاملهم بذلك ،إنما يريدهم يتفّرغون لعبادته ،أيرزقهم
ويتركهم يأكلون ويشربون وهم جلوس؟ ،ما يتركهم كذلك
.
وقال رضي الّله عنه :كل من أعمال الطاعة ،إذا كان فيه
ف على النفس ،ويسهل عليها ،إن وى ،يخ ّ شيء من الهَ َ
غبتها ،أو كثر كثرت حتى يتجرد للحق قل الهوى قَّلت َر ْ
فقط دون هوى ،فحينئذ يثقل عليها وتشمئز منه .
وقال رضي الّله عنه :ليس مع الّله ومع أوليائه غربة ،إنما
الغربة مع النفس والهوى.
كنم النعيم لهل الجنة ،لتم ّ وقال رضي الّله عنه :إنما ت َ ّ
كنت الجسام في الدنيا ،لن النعيم م ّ
الرواح منهم ،كما ت َ َ
والراحة مع تمكن الرواح ،والتعب والشدة مع تمكن
الجسام ،ولهذا كانت الدنيا سجن المؤمن .
جاب، وقال رضي الّله عنه :الزمان زمان ظ ُْلمة و ِ
ح َ
الطالب والمطلوب ،لن الطالب محجوب بالظلمة ،ظلمة
النفس والهوى ،والمطلوب محجوب بالنور ،العبادة
والذكار ،وليس الول كالثاني .
ح لبيات من قصيدة من نظمه شْر ٌأقول :وفي معنى هذا َ
الشريف ،وهو قوله فيها) (:
جب الكثيفة بالسير عنها غير مقتصر فاقطع الح ْ
واقطع الحجب اللطيفة بالسير فيها غير مغترر) (
فإذا جاوزت مرتقيا ً سدرة السرار والقدر
دكرفتوقف وانتظر علما ً من علوم المر وا ّ
معنى الحرفان المهملن
وقد سألته رضي الّله عنه عن بيت في هذه القصيدة
مرارًا ،وهو يشير لي بالسكوت ،وهو قوله :
وانخفاضا ً فارم بالبصر ...أين أين المهملن عُل ً
) (1/283
دع متكّلم بأن م ّ حال َْينُ ، دعوى على َ وقال رضي الّله عنه :ال ّ
ذكر نفسه بشيء، دع ساكت ،ولم ي َ ْ يقول :أنا كذا وكذا ،وم ّ
صف ولكنه إذا قيل له :إنك جاهل ،أو لم ت َْعرف شيئا ً أو وُ ِ
دع أيضًا ،ولو لم يكن بأي شيء فيه نقص يغضب ،فهذا م ّ
مثل الول .
ثم قال نفع الّله به :إذا حمد النسان نفسه ،وأثنى عليها،
بقوله :نحن ،وأنا ،وكان أبي ،سقط من العين ،ولم يكن لنا
مَقته الّله وأخرجه من الجنة، فيه نظر واعتقاد ،لن إبليس َ
بكلمة واحدة بقوله :أنا خير منه ،فإن هذا ليس بعبودية،
بل تكّبر وَتجّبر ،فليت شعري لو مر على هذا القائل أخص
محبيه من قرابته وغيرهم ،وهو موضوع على شفير القبر
ميتًا ،ورأى قبره إل قدر ذراع فقط ،فما يقول؟ ،أل يقول:
شِفقون م ْ
وطوا) ( قبره ،فأين ك ِْبره ونفسه وافتخاره ،وال ُ غَ ّ
عليه.
كبرهالمتخفي ب ِ
ست َِترة أخس م ْ وقال رضي الّله عنه :صاحب النفس ال ُ
وأشنع من صاحب النفس الظاهرة ،لن هذا ظاهر للناس
يحترزون منه ويخشونه ،والول يظنونه على ظاهره،
ذي فضيلة :إن لي فينشبون) ( به .ومثاله كالذي يقول ل ِ ِ
فيك اعتقادًا ،وإني أتيتك قاصدًا ،ونحو ذلك في الظاهر،
ظهر العداوة وهو على خلف ذلك ،ومثال الخر كالذي ي ُ ْ
ل بمقتضاه . م ُدم المحبة والعتقاد ،فيفهم حاله ،وي َُعا َ وعَ َ
ما قال في معنى حديث :الناس معادن ..الخ
) (1/285
أقول :لعل ذلك بسبب الَغيرة التي حصلت له ،ولم يجتمع
سيدنا بالسيد محمد ،فإنه توفي قبل مسير سيدنا إلى
مكة بنحو ثمان سنين ،لنه توفي في 14ربيع ثاني سنة
،1071وسيدنا حج سنة .1079
قال سيدنا رضي الّله عنه :يقال إن السيد محمد بن علوي
لما جاء طالبا ً إلى السيد عبدالّله بن علي صاحب
الوهط) ( ،قال له السيد عبدالّله :متى ولدت؟ ،قال :سنة
،1002قال :لو عادك أدركت من القرن العاشر لحظة
لحصل لك مطلوبك وأنت قائم في لحظة ،لكنه تركه
عنده مدة طويلة ،يرّوح عليه إذا نام ،ويمل الحوض ،وفي
خل َِقة ،ونحو ذلك حتى حصلت له الرياضة ،ثم بعد ثياب َ
ذلك كان من أمره ما كان .
ومن جملة مسائله التي أراد أن يسأل عنها في الحرمين
من هو متبحر في علم الحديث ،كما سمعته من لفظه:
عن كيفية صلته صّلى الله عليه و آله وسّلم في مرضه؟،
قال :وكانت 17صلة ،وعن من صلى وخطب بهم
مّرت عليهم في مرضه؟ ،وكيف صلوا تلك الجمعة التي َ
الجمعة؟ ،لنه صّلى الله عليه و آله وسّلم صّلى بهم صلة
المغرب من ليلتها لما ابتدأ به المرض ،وقرأ فيها
بالمرسلت ،ولم يصل بهم صلة بعدها ،فكيف صلوها؟،
ومن صلها بهم؟ ،أبوبكر أو غيره؟ ،أو صلوها ظهرًا؟ ،ولم
يذكر أحد من أهل الحديث ذلك .
وكان سيدنا يتعجب من كونه قرأ في المغرب بالمرسلت،
وهو في مرضه الذي مات منه ،فيدل على أنهم كانوا
يطيلون القراءة في الصلة .
وقد رأيت في ورقة من جملة أوراق دفعهن رضي الّله
ي وقال :خلهن عندك ،وإذا فيها من مسائله التي عنه إل ّ
أراد أن يسأل عنها من العلم الظاهر ،ما صورته :الحمد
لّله وحده.
مل َةِ الخبار،
ح َ
مسألة :هل نقل أحد من الحفاظ للحديث و َ
كيف كانت صلة رسول الّله صّلى الله عليه و آله وسّلم
في اليام التي لم يخرج فيها للناس في آخر مرضه الذي
توفي فيه عليه الصلة والسلم ،والجمعة التي مرت
عليهم في مرضه ،كيف صلوها ،هل صلها بهم أبوبكر أو
غيره ،أوصلوها ظهرا ً .
) (1/291
مسألة :لما قبض رسول الّله صّلى الله عليه و آله وسّلم
في بيت عائشة رضي الّله عنها ،ودفن فيه ،هل بقيت
ساكنة في البيت ،على مثل حالها في حياته ،أم انتقلت
منه إلى غيره .
مسألة :الحديث الذي في صحيح البخاري من رواية عمرو
بن العاص ،إن رسول الّله صّلى الله عليه و آله وسّلم
ن
قال )) :آل أبي فلن ليسوا بأوليائي (( الحديث ،هل ب َي ّ َ
أحد من الشراح ،آل فلن من هم ،وهل َرَوى هذا الحديث
أحد من الصحابة غير عمرو بن العاص ،وهل إسناد
الحديث في غاية القوة والثبوت ،أم هو دون ذلك انتهى .
وهذا قليل من كثير مما أراد أن يسأل عنه .
أقول :ذكر المام القسطلني في شرحه على البخاري
على شرحه لهذا الحديث ،قال :وجزم الدمياطي في
حواشيه أن المراد آل أبي العاص بن أمية ،وفي سراج
المريدين لبن العربي أن المراد آل أبي طالب ،وأيده في
الفتح بأنه في مستخرج أبي نعيم ،وسياق الحديث يشعر
بأنهم من قبيلته صّلى الله عليه و آله وسّلم ،وهي قريش
قال السفساقي :من لم يسلم منهم فهو من إطلق الكل
وإرادة البعض ،وحمله الخطابي على ولية القرب
والختصاص ،ل ولية الدين .
قال في شرح المشكاة :المعنى ل أوالي أحدا ً بالقرابة،
إنما أحب الّله لما له من الحق الواجب على العباد ،وأحب
صالحي المؤمنين لوجه الّله ،وأوالي من أوالي باليمان
والصلح ،سواء كان من ذوي رحمي ،أو ل .ولكن أراعي
لذوي الرحم حقهم بصلة الرحم ،انتهى ملخصا ً لكاتبه،
ومتن الحديث :عن عمرو بن العاص :قال رسول الّله
صّلى الله عليه و آله وسّلم )):آل أبي فلن ليسوا
بأوليائي ،إن وليي الّله وصالح المؤمنين ،ولكن لهم رحم
أ َب ُّلها ب ِب ِل َِلها(( ،انتهى .وفي بعض الروايات :آل أبي فلن،
ولم يروه غير عمرو ،وهو صحيح رواه البخاري) ( .
) (1/292
وقال رضي الّله عنه :ما أحسن ذكر الحرمين ،ولو كنا إل
بجدة أو نحوها بالقرب من مكة ،لكنا نعتمر في كل شهر،
ولكن كان أمر الّله مفعول ً .
فقلت له :إن الناس منتظرون ومشاوفون لوعدكم الذي
أنتم موعودون به من العود إلى الحرمين) ( ،فقال :ل،
ذلك قد مضى وقته ،والوعد متوقف على شروط ،ول
ت ،أل ترى إلى العشرة من الصحابة مع كونهم قد م ْ
تَ ّ
بشرهم النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم بالجنة،
ومقطوع لهم بها ،ما ركنوا إلى الوعد ،وما زال بهم
الخوف ،وإنما ذاك أن رجل ً كان يكاشف ،فكاشفنا بأشياء
وقعت صدقًا.
) (1/295
ل المشيئة فيه تفصيل طويل ما وقال رضي الّله عنه :حا ُ
هو حال الجبر ،وفيه كلم طويل يعرفه النسان من أفعاله
الختيارية والضطرارية ،فلينظر النسان كل أمر ،إذا شاء
فََعله ،وإذا شاء تركه ،فهو محل التكليف والثواب
ي
والعقاب ،وهو غير كلم أهل الجبر ،إنه مكتوب عل ّ
ي ،وكلهم محجوجون ،فمن أين علموا أنه كتب ومقدر عل ّ
عليهم ،وقد احتج إبليس لعنه الّله بين يدي الّله تعالى
بهذه الحجة ،فما نفعته :قال الّله سبحانه له :لي شيء
ت أمري ،قال :يا رب هذا أمر قد ت معصيتي ،وعصي َ ارتكب َ
ت أني كتبُته كتبَته علي ،قال الّله سبحانه :متى علم َ
درُته عليك ،قبل الفعل أم بعده؟ ،قال :بل بعده ،قال وقَ ّ
تعالى :بهذا أخذُتك .والتفاصيل الغامضة ما يعرفها إل
العاِلمون ،ولكن الّله من الّله) ( ،وهذه المسألة مذكورة
من زمن رسول الّله صّلى الله عليه و آله وسّلم بوجوهها
ي به إلى النبي صّلى الله ُ
الثلثة ،كما في قصة الذي أت ِ َ
حد ّ في الخمر ،فلم يقل ك ُت ِ َ
ب عليه و آله وسّلم مرارا ً لي ُ َ
علي .
وقال رضي الّله عنه في حديث ابن عباس الذي فيه:
مستقلين )) واعلم أن المة لو اجتمعت (( الخ ،أي غير ُ
بذلك ،بل سعوا فيه ،ووافق القدر في حصوله ،فاليمان
بالقدر إجمال ً واجب ،فل ُيحتج به في فعل معصية أو ترك
طاعة ،فإن هذه بدعة وهي تضر بالعامة ،وهي حجة ل
تنفع ،يحتجون بَقد َرِ الّله ،فاليمان واجب ،وبعد ذلك إذا
ت معصية تب منها واعمل الطاعة وأنت مع ذلك َ
صب ْ َ
أ َ
تؤمن أنها ب َِقدرِ الّله .
مّرة ،وأما وقال رضي الّله عنه :ما الرضا إل بالقضية ال ُ
من وقع له ما يريده فرضي به ،فل يظن أنه رضي بذلك
عن الّله ،وكذلك من يعمل على ما يهواه ،ويقول هذا
م لقضاء سل ّ َ
در علي ،فإن هذا مبتدع ،واللزم عليك أن ت ُ َ مق ّ
ل بطاعته . الّله فيما كرهت ،وتعم َ
) (1/303
صّر على الذنوب مع رجاء العفو وقال رضي الّله عنه :ال ُ
م ِ
ن ،والمعتل مع ذلك بالقضاء والقدر مبتدع ،وهذه متم ّ
مسألة قديمة ،حتى اعتل بها الكفار ،ولكنها شاعت عند
العامة ،فأول ما يلم على المعصية إحتج بذلك ،وجعلوه
كالجبر ،وليس هذا عذرا ً لمن بقي معه الختيار ،أو كما
قال .
وقال رضي الّله عنه :هذه مسألة مهمة في الدين،
إحفظوها :ل يحتج النسان بالقضاء والقدر ،حتى يعطي
الشياء غايتها ،ومن كان طبعه ل يقبل الرياضة ،فل ُتتعب
نفسك معه وُتتعبه .
وسمعته رضي الّله عنه مرارا ً يقول :ل عاد عمدة في ذي
الوقت إل على المقادير فقط ،لنا نرى التدابير والسعي
ما ينفع) ( ،ول يبلغ النسان ما أراده .
وقال رضي الّله عنه :من العجائب أن النسان قد يصيبه
در عليه لم السبب الداعي إلى الهلك ،ولكن حيث لم يق ّ
دا ،فيضره يضره ،وإن عظم السبب ،وقد يصيبه السبب ج ّ
لنه مقدر عليه .
وذكر رضي الّله عنه القضاء والقدر ،فقال :هو مضر
بالعامة ،حتى غّيرهم ،وليس هذا مقصود اليمان ،فإن
مقصوده العمل مع الحتجاج لّله تعالى على النفس ل
بالعكس ،وهذا) ( هو مذهب الجبرية ،ومذهب القدرية خير
ت في ضعَُف ْمنه ) ،وسقط بعد هذا بعض الكلم ( ثم قالَ :
مم ،وضعُفها أكثر من هذا الزمان النيات والمروءات والهِ َ
ضعف الدين .
) (1/307
موها كر له رضي الّله عنه يوما ً رخاء السعار ،فقالَ :
ض ّ وذ ُ ِ
للناس ،وباءوا بإثم احتكارها وحدهم ،لن المحتكر ملعون،
يحشر مع قََتلة النفوس ،وذلك من غير اختيار منهم ،ومن
سره لفعل الشر ،شاء أم أبى، أبغضه الّله وأراد به شرا ً ي َ ّ
ومن أحبه الّله وأراد به خيرا ً ي َ ّ
سره لفعل الخير ،شاء أم
أبى ،وكل فعل يفعله النسان باختياره في الظاهر أو في
الباطن ،ففيه المدح والذم .
وذكر رضي الّله عنه أقواما ً في معرض المدح ،وآخرين
في معرض الذم ،ثم قال :الفعال أحد ُيمدح بها وأحد
يذم ،والسباب من فوق .
وقال رضي الّله عنه في حديث) ( محاجة موسى لدم،
م ،إن هذا أمر قد مضى وتاب منه وقوله :فحج موسى آد ُ
آدم ،وكم قد بقي يبكي ذنبه ،حتى بكى عليه نحو مائتي
سنة ،ما إنه جلس يضحك ويحتج بالقضاء والقدر ،ولو أن
العمل ما هو إل بالقضاء والقدر ،لكن إلى النسان منه
حسبها يثاب ويعاقب ،وهي شعبة ،هي محل التكليف ،وب ِ َ
الختيار ،فما دام يميز بين الفعل والترك ،ويعرف الحسن
منهما ويمكنه ذلك مع الختيار ،فل حجة له ،والحاصل :إن
المدح والذم متعلقان بالختيار ،حتى إن النسان قد يثاب
م به ،كمن يسقط في بئر مع عدمه ،فيما لو فعله معه ل َذ ُ ّ
وهو غافل ،أو فََعل ما فيه تلفه ،وأما المضطر المجبور،
فل ثواب له ،ول عقاب عليه ،لعدم الختيار .
وقال رضي الّله عنه :لم تظهر مجاري القضاء والقدر إل
م في القضاء والقدر بعد تعدي خطة الختيار ،وما يتكل ُ
وفي الرجاء مع العامة في هذا الزمان إل الحمقُ .
وقال رضي الّله عنه :ل يمكن النسان مادام في الدنيا أن
يمسك المحفر ب ُِعروتيه أبدًا ،بل إن تمكن جدا ً قبض
بإحديهما ،وإن حركه كثيرا ً سقط كل ما فيه أو بعضه،
فينبغي أن يأخذ بها) ( بالتي هي أحسن ،لئل يرجع به
خاليًا.
ومر في عقيدة الرائية وقت الدرس قوله :
ول كائن قد كان أو هو كائن سوى بمراد الّله من غير
حاصر
) (1/310
وذكر رضي الّله عنه الزهد فقال :كل الناس راغبون ،إل
دره ،ول إنها رغبة دون رغبة ،فينبغي أن يعرف النسان قَ ْ
دعيًا ،وبهذا تعرف أن الزهد دعي ذلك ،فَيلقى الّله ُ
م ّ ي ّ
عزيز ،وأنت ل ت ُظ ِْهر للناس أنك زاهد ،فإن كنت كذلك فل
ت الّله كذلك دعيا ً ولقي َ
عليك من قول الناس ،وإل صرت م ّ
إذا ظهر لك الحال في الخرة ،وفي الدنيا ما أنت سالم
دعون الزهد ،وهم ب َعْد ُ لم بما أنت عليه ،وقد رأينا أناسا ً ي ّ
يصلحوا لطلب الدنيا لجهلهم وقِّلة ورعهم ،فكيف بالزهد،
دعونها .فيسمعون مثل هذه الشياء في الكتب في َ ّ
ت على كنز ،أو وقال رضي الّله عنه لرجل :ما ترى لو وَقَعْ َ
على مال ،ماذا كنت تصنع ،وانظر أن للنفس حالة قبل
وجود الشيء ،وحالة عند وجوده ،وحالة بعد وجوده ،وإذا
حصلت أمور الدنيا فاسأل من الّله السلمة فيها ،وقبل
حصولها اسأل الّله السلمة منها ،فإنما هي فتنة..
وقال رضي الّله عنه :ل تفعل شيئا ً من أمور الدنيا إل مع
الحاجة الظاهرة إليه ،فإن الستكثار من أمور الدنيا ،ما هو
ل ،فل تجعل لنفسك منها شيئًا ،ول تقل ربما شيء أص ً
تدعو إليه حاجة ،فحاجة الخرة والدين أهم إليك من هذا،
غير إنا ما نحب أن نكثر على الناس فيما هم فيه) (،
وكلما قدر النسان يضّيق على نفسه في هذا الزمان،
لوجه الّله ل لشيء آخر ،فإن ما عند الّله خير وأبقى ،قال:
وهذا عزيز ونادر جدًا ،ومعناه :طمأنينة تحصل في قلبه ل
يضطرب ،ولو ما عنده شيء ،ورزقه في خزائن الّله ،لكن
أين من يطمئن بذلك قلبه .
) (1/314
وقال رضي الّله عنه :ما كان من أمور الدنيا ل تتعلق به،
واتركه لغيرك ،من خادم ونحوه ،واشتغل أنت بأمور الدين
والمور اللهية ،وأمور السماء ملكوتية ،وإن كان فيها
ملك ،لنها من قول كن ،وإن كان فيها مثل أنهار وغيرها، ُ
ملك ،وما ملك ،وأما هذه الرض العليا فهي ُ من أمور ال ُ
فيها كله ملك من الحرث وغيره ،وفيها الحتياج إلى كثرة
الكل والمعاش ،وما أسفل منها ل يحتاجون إل إلى قليل
كالجن .
وقال رضي الّله عنه لبعض الناس يسليه عن شيء ذهب
عليه من المال :الدنيا كلها ما تسوى شيئًا ،وإنما فيها
سْتره واستغناؤه عن الناس ،ويعمل منها صيانة المؤمن و ِ
صالحا ً إن وّفقه الّله ،وإل فما هي شيء أصل ً .
وقال رضي الّله عنه :أهل الدنيا المحبين لها إن كان جعل
ف) ( بسببه في قلوبهم الّله في قلوبهم شيئا ً من الزهد ت َ ُ
خ ّ
استقاموا على الحسن ،وإن حصل لهم غرضهم وهواهم
تعبوا في أنفسهم ،وأتعبوا غيرهم ،إل إن كان حصل لهم
مانع ،والموال الحرام ما تروح إل في الحرام ،ومرة قال:
المال الحرام يرجع من حيث أتى ،كالحية التي دخلت
جحرا ً ليس له إل ثقب واحد ،ولم تدخله إل تلك المرة .
ومرة قال :إذا أردت أن تعرف مال ً هل هو حرام أو حلل،
فانظر فيماذا يصرف في حلل أم حرام ،فإن المال
الحرام يأبى أن يصرف إل فيما هو أصله ،وشّبه رضي الّله
عنه أموال أهل الزمان بالنار ،لكونهم في غير الطريق
يسهل عليهم إخراجه ،وفي الطريق يعسر عليهم ذلك .
وقال رضي الّله عنه في قولهم :يبنون ما ل يسكنون ،أي
إذا أردت أن تسلم من آفات الدنيا ،فل تبن قبل أن
تدعوك الحاجة إلى البناء ،من ضيق منزل ،وكذلك في أمر
المعيشة ،ل تقدر الحاجة إليها قبل وقوعها ،لئل تكون من
الذين يخبأون ما ل يأكلون .
) (1/315
وقال رضي الّله عنه :ل تخص الدعاء بأمور الدنيا فقط إذا
دعوت ،ولكن إذا سألت الّله شيئا ً من أمور الدنيا ،فاسأله
قبله شيئا ً من أمور الخرة ،فإنه سبحانه أكرم من أن
يعطي بعضًا ،ويترك البعض ،بل يعطي ذلك جميعا ً .
وقال رضي الّله عنه :زهد الرجل وخروج الدنيا من قلبه
أدل دليل على ولية الّله له ،وأنه من أولياء الّله .
وقال رضي الّله عنه :خذ من الدنيا ول تتركها تأخذ منك،
وإن كان ول بد فخذ منها وتأخذ منك ،والحذر الحذر أن
تأخذ منك ،ول تأخذ منها.
أقول :والذي ظهر لي أن معنى الخذ منها كما جاء في
الحديث )) :خذ من صحتك لسقمك ،ومن حياتك
كه ذلك والّله أعلم . ذها منه ت َْر ُ لموتك (( ،الخ ،وأخ ُ
وقال رضي الّله عنه :اتباع أمور الدنيا هي قولك :باافعل
شَعب الدنيا ،التي من شعب ُ كذا ،وافعل كذا ،فهذه هي ال ّ
ت ََتبعها ل يبالي الّله به في أي واد من أودية جهنم أهلكه،
ولكن إنما هي أقوال ت َْتبع أوهامًا ،وت َْتبعها العمال ،وأهل
الزمان يريدون صبرًا.
وقال رضي الّله عنه :الدنيا للدين مثل الغشاوة للمصحف،
وما زاد على ذلك فهو مضر ،فقد قال بعضهم :الدين مثل
العمامة ،أي ُيرفع كما ترفع العمامة فوق الرأس ،والدنيا
ضع مامثل النعل ،أي توضع ،واليوم انعكس المر ،أي وُ ِ
من شأنه أن ُيرفع ،وُِرفع ما من شأنه أن يوضع .
وقال رضي الّله عنه :اسأل ربك العافية ،والرضى بالدون
ضل عليك فيها، ن هو فوقك ،وفَ ُ م ْمن أمر الدنيا ،وانظر َ
هل هو يجمع ذلك لينفقه في سبيل الّله أم ل ،ول شك
أنك لست بفاعل خيرا ً منه .
وقال رضي الّله عنه :من تأمل أحوال النبياء ومن تبعهم
من العلماء والصالحين في الدنيا ،عرف أنه لم يسترح
فيها ويطمئن بها إل أحمق جاهل .
) (1/319
م الذي ليس لجل أمور الدين، وقال رضي الّله عنه :الهَ ّ
حْزن،ضيقُ الصدر ،والخر يسمى ال ُ ما فيه فضل ،وهو ِ
م لجلها ،بل والدنيا بجملتها ما تسوى اشتغال القلب بالهَ ّ
هي أحقر وأقل من ذلك .
ل الزمان بالزهد ،فأين وقال رضي الّله عنه :ما طالبنا أه َ
الزهد اليوم ،وإنما طلبنا منهم التوسط ،فيأخذون أموَر
الدين بأيمانهم وأموَر الدنيا بشمائلهم ،وكل الناس في هذا
سواء ،إل بين آخذ بيده ،وآخذ بيديه ،ولو أردنا الزهد التام،
ل َك ُّنا رحنا إلى جبل لبنان) (.
وقال رضي الّله عنه لرجل يباسطه :هل عندك الن
واحدة من كافات الشتاء) ( ،فإذا كان عندك ثنتان أو ثلث
طت كفة، ففيه كفاية ،لن الدنيا كلما علت منها ك ِّفة ،ت َوَ ّ
فإن ارتفعت كلها انحطت كلها .
وذكر رضي الّله عنه أحوال الدنيا ،وأناسا ً مضوا ،فقال:
إنها راحت بالناس ،أحد يروح ،وأحد يجيء ،وعلى هذا
السبيل ،وإنما الشرف :الطاعة وفعل الخير .
دعون أنهم وقال رضي الّله عنه :ل نسّلم لناس ي ّ
طعا ً حتى
متورعون في أمور ينكرون على من يتعاطاها تن ّ
يكون كذلك في جميع الشياء ،وإما إنه يكد ّ نفسه في
درهم ،ويأكل رأس الفيل ،ثم هو ينكر أشياء درج عليها
من هو خير منه .
وذكر رضي الّله عنه التفضيل بين الفقر والغنى ،فقال:
دع التفضيل حتى ترى فقيرا ً و غنيا ً متدينين متمسكين،
ضل أحدهما على الخر ،وأما أهل حتى ترى أحوالهما ،فتف ّ
جة ،فدعهم حتى يجيئك جة ،ول بهم ح ّ الزمان فما فيهم ح ّ
من تحتج به ،فأول ما تحتج على أهل الزمان بالزكاة،
ويكفي في هذا) ( شأن رسول الّله صّلى الله عليه و آله
وسّلم وأصحابه وأن الغالب من أولياء الّله كانوا متجردين
عن الدنيا ،ومن كان في يده شيء منها ،إنما يمسكه
لينفقه ،ول يبالي كيف كان ،وأما هؤلء الذين أحدهم يبيع
ويشتري ،ويقامر ويخون ،وأوقات ل يصلي ،ول يبالي
ضل بينهم ،وُيتركون فيما بينهمبالدين ،فما هؤلء ،فل ُيفا َ
وبين الّله .
) (1/320
وقال رضي الّله عنه :الدنيا مثل البحر ،وإذا رأيت النسان
خف عليه ،وإذا رأيته كلما له كلما له يتوسط البحرَ ،
ج له الخير ،وقد ضرب الّله لها يتقرب إلى الساحل ،فاْر ُ
َ
ماِء{) ( وغيرس َ
ن ال ّ
م َمآٍء أن َْزل َْناهُ ِ
المثال ،وشّبهها } ك َ َ
ذلك ،وقد كان الكابر من السلف قُْرب مماتهم يتجردون
عنها بالكلية ،وكان الشيخ عبدالّله العيدروس رضي الّله
عنه في آخر عمره ،كلما رأى عنده مما فيه زينة الدنيا،
يغّيره ،حتى مسامير الباب.
انظر ما قال في الرياء
وجرى ذكر الرياء في المجلس يومًا ،فقال رضي الّله عنه
سٌر ،تراك تعتقد في نفسك بينك وبين لي :إن الخلص عَ ِ
الّله أنك على حالة مذمومة ،ثم لو قال لك أحد :يا كذا،
تت :لقد تعجب ُ ت ،قل ُعلى الذي تعتقده في نفسك ،غضب َ
من ذلك ،فقال :هذا غضب الطبع ،وقليل من يخرج منه،
فقد غضب النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم ،ولكنك ارم
أنت بنفسك في الرض) ( ،فإن كنت على حالة مرضية
عند الّله ،فيزيدك بذلك رفعة ،وإن كنت على خلف ذلك،
فما تسوى الكلم .
وقال رضي الّله عنه في معنى قول الفضيل رحمه الّله) :
ترك العمل لجل الناس رياء( :أي إن الشيطان مراده
جب ،أو غير ذلك ،حتى ل منك بطلن العمل بالرياء أو العُ ُ
يحصل لك منه نفع ،فإذا تركته بالكلية فذاك مراده منك .
) (1/321
س) (، صد به فاعله النامو َ وقال رضي الّله عنه :كل فعل قَ َ
ل ،كالذي ل يقبله الّله ،ول ينتفع به صاحبه في الخرة أص ً
يفعل بصدقته رياء ،إل أن يكون قد وافقت صدقته مثل ً
يتيما ً محتاجا ً ومضطرًا ،فيحصل له ثواب من وجه آخر،
كأن دعا له بسببه ،أو بنى نحو سقاية يرائي بذلك ،فشرب
منها رجل فقال :الّلهم اغفر لمن بناها ،ففي مثل هذا ل
مانع منه ،وذلك من المروءة إذا ت َك َّرم وأعطى أحدا ً فذاك
شأن العقلء ،وذلك في المباح ،بأن لم يقصد به التقرب،
ول الرياء والمفاخرة ،وقد حكم سيدنا علي بالنهي عن
ذين كل واحد منهما شيخ أكل طعام المتفاخَرين الل َ
جُزر ،ففعل الخر جماعة ،فذبح أحدهما كذا وكذا من ال ُ
أكثر ،وتكرر منهما ذلك مرارًا ،فلما علم بذلك أمر بإلقائه
خْتم ،وُيجعل على المزبلة ،وذلك كمن يوصي أن ُيفعل له َ
على قبره ختمة ،ويجتمع الناس عند ختمه وضيافته ،ونحو
ذلك الذي يقصد به الناموس ،وقد انقلبت أمور التربة
عندنا في هذا الوقت ،كلها لجل الناموس .
وقال رضي الّله عنه :الرياء منه حثيث ،ومنه دقيق ،وتكتبه
الملئكة باختلف أنواعه ،إل إن منه ما ل تطلع عليه
الملئكة ،كالدقيق منه ،لكنها تعرفه بالقرائن ،فتكتبه
بقرائنه .
وقال رضي الّله عنه :من عمل شيئا ً من الطاعات وظن
أنه مخلص في ذلك ،فليجرب نفسه ،فإن عرض له ما
منعه عن ذلك ،وتأسف على عدم فعله ،فهو مخلص ،وإل
فل ،وإن اهتم بفعل طاعة ،وادعى الخلص فيها فليطرح
جميع أغراضه ،فإن بقي على همته فهو مخلص ،وإل فل .
وذكر رضي الّله عنه الرياء فقال :العاقل إذا سمع أحوال
الرياء ،ل يتهم إل نفسه ،ول يتهم غيره ،وأما أهل هذا
الزمان زمان البركة ،إذا سمع ذلك أحدهم ،وعلم أنه فيه
قال :وََرىْ فلن ،ولو أحد أعطاه شيئا ً ما ذكر فلن .
) (1/322
وقال له رضي الّله عنه رجل :إني أريد الحج ،ولكن ما
خُلصت لي النية ،لمجرد قصد الحج ،فإن نفسي تمنيني َ
أن آخذ حجة ،فقال له :إذا أردت أن تعرف النية الدينية،
ذ،
صل كل ما حواليها من النيات الخرى ،فتعرفها حينئ ٍ فَن َ ّ
حّيا الّله النصاف ،بأن ي َّتهم وأين النية الخالصة ،ولكن َ
نفسه في صدق النية ،فإن لم تكن إبل فمعز ،وإن لم
طل ،ولكن ينبغي للنسان أن يحمد الّله حيث يكن وابل فَ َ
لم يجعله ينوي نية سيئة ،ولم ي َِهم بقطع طريق أو مراياه
للناس .
وقال رضي الّله عنه :المسافر معان ،سواء كان سفره
في بر أو بحر ،إل إن عليه أن يحرر النية ،لئل يضي ْعَ سعُيه،
فإن المسافر سفرا ً مباحًا ،سعيه ضائع ،وكذا المسافر
لزيارة أو حج ،إذا لم يصحح النية سعيه ضائع ،إذ معلوم
ج أو جاهد مرائيا ً أن سعيه ضائع ،والرياء هو ح ّ
أن من َ
الفعل بالقصد ،ل الخواطر التي تخطر من غير اختيار ،فإن
قلوب الضعفاء تكثر فيها الخواطر من هذا الجنس ،حتى
يتخلى القلب من الخلق ،وقليل خطورها في قلوب
المتقين ،فإذا خطر فيها خاطر نادرًا ،بادر) ( إلى الرجوع،
م ط َي ْ ٌ
ف سه ُ ْ
م ّ ن ات َّقوا إ ِ َ
ذا َ ذي َن ال ِ وهو معنى قوله تعالى} :إ ِ ّ
ن {) ( ،وذلك حين صُرو َ مب ْ ِم ّذا هُ ْ ن ت َذ َك ُّروا فَإ ِ َ شي ْ َ
طا ِ ن ال ّم َ ِ
يتخلى القلب وينخلع من كل ما سوى الّله تعالى ،وذلك
هو الكبريت الحمر ،الذي يعز وجوده وُيتحدث به ول يوجد
.
وذكر رضي الّله عنه يوما ً المباهاة ،فقال :إن أناسا ً صحبوا
أحدا ً من الصالحين ،فتباهوا بصحبتهم ،فأذهب الّله عنهم
بركتهم ،لن المباهاة بأمور الدنيا ُتذهب البركة ،كيف
المباهاة بأمور الدين ،والناس اليوم نزلوا .
) (1/323
ذاُبه في ثم قال نفع الّله به :رحمة الّله في عذابه ،وعَ َ
رحمته ،وقد يكون الشيء مما ُيرسله الّله على بعض
ظهره العذاب ،وباطنه الرحمة ،فهو في م ْعباده ،يكون َ
الظاهر عذاب ،وفي الباطن رحمة ،فظاهره العذاب
وباطنه الرحمة ،ويكون رحمة وتخفيفا ً في حق أقوام،
وعذابا ً في حق آخرين ،وهو شيء واحد ،كما جاء في
الخبر ما معناه )) :إذا أرسل الّله على قوم عذابا ً فهو
ب للمعتدين ،وثواب للمحسنين (( .وفي قصة الذين تعذي ٌ
يخسف بهم ،وفيهم أهلهم وأسواقهم ،فيبعثون على
نياتهم ،ثم ذكر :إن خمسا ً من المم الذين أهلكهم الّله
بالعذاب ،وقد ذكر الجميع في هذه الية } :فَك ُل ّ أ َ َ
خذ َْنا
ب ِذ َن ْب ِهِ {) ( الية .
أقول :قوله نفع الّله به :للسماء اللهية سريان الخ ،فيه
إشارة لمن يفهم الشارة ،لما يقع في الكون من المظاهر
اللهية ،وقد وقع بعد هذا الكلم ،بنحو أربعة أشهر إل ثلثة
أيام ،وذلك في آخر رمضان من سنة 1124السيل الهائل
ة من النخيل ،فكلمه العظيم ،سيل الحوت الذي أخذ جمل ً
مة له وإشارة إليه ،كشفا ً منه رضي الّله عنه. مقد ّ َ
وقال رضي الّله عنه :أهل البيت ودائع نبوية ،فينبغي لكل
إنسان أن يستوصي بتلك الودائع النبوية ،وهم وإن كثروا
ل يبلغون عشر معشار الخلق ،وأهل بلدتنا في بواطنهم
تعظيم السادة ،ومن طبعهم ذلك ،ولكن هنا أناس ،ذكرهم
مهم ،فإذا مهم وتعظي َ من أصحاب الدولة ،ل يرون احترا َ
أخذوا على هذا مدة ،فما يدرون إل وقد جاءهم مثل هذا
م ولكن ل يعتبرون . السيل العظيم ،وَن َب ََرهُ ْ
وسّلى رضي الّله عنه رجل ً في مال كثير أخذه عليه هذا
السيل ،فقال نفع الّله به :إن الدنيا ما نقص منها زاد َ في
الخرة ،وما الدنيا إل ذاهبة بكل حال .
) (1/326
وذكره يوما ً ــ أعني هذا السيل ــ فقال نفع الّله به :إذا
فعلوا هم ما َيبغون) ( ،فعل الّله بهم سبحانه ما يبغي) (،
لنهم ما اتقوا الّله في حّقه ،فما أبقى فيهم ،وأقوى رابطة
لهم بالّله الصلة وقراءة القرآن ،فانظر ماذا يفعلون
فيهما ،يت َْعتعون في القراءة ،ويقرأ الرجل المقرأ في
ن ََفس واحد ،ول معهم توحيد ] أي كامل [ .
وقال رضي الّله عنه :إنهم غيروا فَغَّير الّله عليهمَ ،
جاَر
خَبر) ( ،فأخذ النخلة بأصلها ،ومثالهم في ة في ال ُ
الدول ُ
مَثل من يقول لرجل: ظلمهم للناس وانتقام الّله منهمَ ،
اترك فلنا ً يضربك أو يقتلك ،فإن فلنا ً يضربه أو يقتله) (،
ك منك ،وسمعنا فيما فإن الغَِير وأعمال السوء نار ،فناُر َ
سمعنا :إن منازل النار مكتوب عليها أسماء أهلها،
يدخلونها بأعمالهم ،وإنما يدخلون الجنة برحمة الّله .
ل يسير ،ول ل يسقط ،ول ك ّ وقال رضي الّله عنه :وما ك ّ
ل الناس يسيرون ،إل منهم سائر إلى صل ،وك ّ ك ّ
ل أحد ي َ ِ
الجنة ،ومنهم سائر إلى النار ،حتى إنه ما يموت أحدهم إل
وهو على باب النار .
) (1/327
وقال له رضي الّله عنه رجل :إن هذا السيل أذّلهم ،فقال:
إن النسان قده ذليل بالنسبة إلى ربه ،وإنما أظهر ذله،
والنسان إذا وقع في شدة أو حصل له مرض ،أو شيء
من المور ،يستبين ضعفه وذله ،وإل فهو ضعيف ذليل من
أصله ،فقد قال سيدنا علي :النسان ضعيف ،تقتله شرقة،
وتؤذيه بقة ،وتنتنه عرقة ،وقال بعضهم :النسان أنف في
ت في الماء. س ٌ
السماء ،وا ْ
وقال رضي الّله عنه :إن هذا السيل أشغلهم عن الِغيبة،
حتى لم يتفرغوا لها ،وبقوا مشغولين به عنها ،والرب
يغضب ويرحم ،والرحمة تحيط بالغضب ،وإذا غضب
ورضي ل يعود إلى الغضب سريعا ً .
وقال رضي الّله عنه :هذا) ( غضب نزل ،وماعاد معهم
فيما مضى إل الستغفار ،ولكنهم يراقبون الّله فيما بقي،
ويخشونه ويتقونه ،ويؤدون حقوقه ،وأفعال القوي) ( قوية،
ل تثبت لها أفعال الضعيف) ( ،لن فعل الضعيف ضعيف،
وحق هؤلء أن ل يتعرضوا لسخطه إل بقدر ما يطيقون،
ول معهم استعداد ،ومن يؤمن بالخرة ،أيصلي صلة غير
معتبرة؟ ،أو يزكي زكاة غير معتبرة؟ ،ول يستحيون من
الّله ومن ملئكتهم الذين يكتبون كلمهم وكثرة هذيانهم،
وإذا أردت تعرف هل في النسان خير أم ل ،فانظر إن
كان يضحك حال جلوسه في المسجد وتلوته القرآن،
فاعرف أن ما فيه خير ،وإذا لم يكن فيه حينئذ خير ،فمتى
يكون ذا خير ،ول يكون جلوسه في المسجد معشار
أوقاته ،فل يجعلها أيضا ً كلها لّله ،ومع هذا تجري عليهم
مذاكرات فل يعتبرون ،والظاهر أن صحائف الشر ل ترفع
إلى الّله ،بل ترد من السماء الدنيا ،وإنما تصعد الملئكة
بصحائف طاهرة فيها الخير ،فترد أو تقبل عند ذلك .
) (1/329
وقل ما ذكر رضي الّله عنه هذا السيل العظيم ،إل تكلم
مهم ،فمما قال فيهم بعد أن قيل له: في مانعي الزكاة وذ ّ
إن الحطب قد كثر للمساجد ،وانتفعوا به لحرارة الماء
لها ،فقال نفع الّله به :إن الحطب ل يعيض في النخل،
لكن حيث استحقوا ذلك بتركهم الزكاة ،يضم النسان كذا
وكذا من التمر ،ولم ُير أنه أعطى فقيرا ً واحدًا ،أما سمعوا
قصة أهل الجنة) ( فيعتبروا بهم ،ول نفع فيهم الوعظ في
الخطب على المنابر والتذكير ،ولو جاءهم من يطلبها) (
سحقة ول إلى دورهم ما أعطوه شيئًا ،فأعطاهم َ
يمهلهم) ( حتى ساعة زمانية ،فليأخذوا من تركهم الزكاة:
َ
مون { م ي َظ ْل ِ ُ
سه ُ ْن ك َُانوا أن ُْف َ مُهم وَل َك ِ ْ ه ل ِي َظ ْل ِ َ ن الل ُ كا َما َ } وَ َ
َ
ما
سُهم {) (} ،وَ َ موا أن ُْف َ ن ظ َل َ ُم وَل َك ِ ْ مَناهُ ْ ما ظ َل َ ْ ) (} ،وَ َ
مين {) ( ،ولم يجعل أحد ظال ِ ِ م ال َ كاُنوا هُ ُ ن َ م وَل َك ِ ْ مَناهُ ْ ظ َل َ ْ
حمل حطب في مسجد ،ولكنه إذا دخل الجابية، منهم لّله ِ
تحسبه كذا ) ونسيت ما قال ( ومن تأمل صنيعه في
النخل ،علم أنه ما جاء إل بقصدها ،وهذا نتيجة قطع
الحطب والتخبير) ( وترك الزكاة ،وقد نهيناهم عن هذه
الشياء فحصل لهم كما حصل لصحاب الجنة من ثقيف
ن * َأن ل ّ خافَُتو َ حيث حكى الّله عنهمَ} :فانط َل َُقوا وَهُ ْ
م ي َت َ َ
ن {) ( إلى آخرها ،وما قصه كي ٌ
س ِم ْ كم ّ م عَل َي ْ ُ خل َن َّها الي َوْ َي َد ْ ُ
الّله في القرآن إنما يراد به العتبار ،ل الحكاية والسمار،
وما يأخذ الّله سبحانه إل بوجه ،يقنمون) ( الثمرة ،وهو) (
ينظر فل يعطى.
وقال رضي الّله عنه :إن هذا السيل عقوبة جاءت على
غفلة ،وعسى أن تكون مصحوبة باللطف ،وما ظننت أن
هذه الهملة) ( يكون منها مثل هذا السيل المهول ،ولم
نسمع بمثله ،ولم يحصل في الكليل الول ول الثاني ما
حصل مثل هذا ،وبين كل سيل من هذه السيول المدة
المتقاربة نحو 74أو 75أو قريبا من ذلك .
) (1/330
أقول :وقل ما جلس رضي الّله عنه مجلسا ً إل وذكر هذا
السيل ،ولهذا طال كلمه فيه ،وكثر ما ذكرناه عنه مما
ل مايتعلق به ،وذلك فيما قارب قرب وقته ،ولما ب َعُد َ قَ ّ
يذكره.
وكنت يوم الثنين في 24شهر رمضان ،قبل مجيء هذا
السيل بيومين ،جالسا ً في حلقة مع جماعة سيدنا نقرأ
القرآن بحضرته بعد صلة الصبح ،كما هو مرتب ذلك في
هذا الوقت ،في العشر الواخر من رمضان ،فبعد ما
قرأت المقرأ وأنا مستند قاعد مستقبل القبلة ،وسيدنا
ل ،فرأيت قبة جالس في المحراب ،إذ أخذني النوم قلي ً
فيها قبر ،ولها باب واحد ،وفي القبة ثقبان ،قبلي وشرقي،
ن عتم ماء يجري إلى القبلي ،فيدخل منه الماء إلى وكأ ّ
القبة ويجري فوق القبر ويسفح منه إلى الثقب الشرقي،
ثم يخرج منه يجري في العتم إلى نخيل كثيرة وبساتين
يسقيها ،وكأن ذلك القبر قبر النبي صّلى الله عليه و آله
وسّلم ،وكأني أقول في نفسي :يا سبحان الّله هذه
البقعة ،أعني البقعة التي ضمت أعضاءه الشريفة ،أفضل
من العرش والكرسي وما دونهما ،وهذا الماء متروك هكذا
يجري عليها ،وفي خاطري أن ذلك الموضع الروضة
الشريفة ،وكأني أتمثل بهذين البيتين ،من قصيدة البكري :
سد َْتها سدرةُ المنتهى ح َك الكبر ...قد َت والفل ُ
حو َ ْ
لما َ
ل بها تزهر ...ودت نجوم الفق لو أنها كانت قنادي َ
وبقيت في رؤياي هذه إلى أن وصلني المقرأ ،فحركني
الذي أقرأ بعده ،فحكيت لسيدنا عندما قام من مجلسه
ذلك ،فقال رضي الّله عنه :هذا أمر بايقع ل يتحمله إل هو
صّلى الله عليه و آله وسّلم ،فلما وقع السيل ثالث يوم
من الرؤيا ،قال نفع الّله به :إنه كان يريد أن ينزل ما هو
أعظم من ذلك ،لكنه صّلى الله عليه و آله وسّلم تحمل
منه ما ل يتحمله غيره .
وقال رضي الّله عنه :إن سيل ً سابقا ً كان يسمى قاحش،
وهذا نابر ،والنبر أشد من القحش ،لنه ينبر الرض فيخرج
منها النخل ،وذاك يقحش ما عليها ،وهذا السيل نابر والّله
جابر.
) (1/331
ُ
أقول :ويشهد لذلك حديث الجامع الصغير) ( )) :إذا أذ ّ َ
ن
في قرية ،آمنها الّله من عذابه في ذلك اليوم (( ،قال
المناوي في شرحه :وهنا فائدة ذكرها المام الرازي :إن
الماء زاد ببغداد يوما ً حتى أشرفت على الغرق ،فرأى
ض الصلحاء كأنه وقف على) ( دجلة ،وهو يقول :ل بع ُ
حول ول قوة إل بالّله ،غرقت بغداد ،فجاء شخصان أي
ت به ،قال: ُ
مر َ
ملكان فقال أحدهما للخر :ما الذي أ ِ
ت
م؟ ،قال :رفع ُ ت عنه ،قال :ول ِ َبتغريق بغداد ،ثم ُنهي ُ
لملئكة) ( الليل ،إن البارحة افتض ببغداد سبعمائة فرج
حرام ،فغضب الّله فأمرني بتغريقها ،ثم رفعت ملئكة
النهار بسبعمائة أذان وإقامة ،فغفر الّله لهؤلء بهؤلء،
ه وقد نقص الماء .انتهى . فانتب َ َ
وقال رضي الّله عنه :أهل هذا الزمان أحاطت بهم
ذنوبهم ،ولو أنهم يمتثلون ويفعلون ما نأمرهم به لكان
فرج الّله عنهم ما بهم ،ولكن راح بهم العصيان .
انظر ما قال فيما يدفع المحن
وقال رضي الّله عنه :إنما تستدفع المتحانات بالصدقات،
سيما المحن المالية ،فإن الجزاء من جنس العمل ،وكانوا)
( يزدادون بالبلء والمحن خضوعا ً وذلة وافتقارا ً إلى الّله
تعالى ،ويجأرون ويكثرون من الصدقات عند ذلك ،وهؤلء)
( ل يزيدهم ذلك إل بخل ً وافتجاعا ً على الدنيا وحرصًا ،وما
بهم إل أعمالهم السيئة ،فحيث لم ينصفوا ويؤدوا حق الّله
من أنفسهم بأنفسهم ،من أداء أوامره واجتناب نهيه كما
ينبغي ،انتصف الّله منهم بنفسه ،والدنيا في أيديهم
كالعدانة فيها الدجاج .
أقول :يعني بالعدانة المزبلة .وحركُتهم في دنياهم
واشتغالهم بأسبابها من غير معاملة صحيحة ،ول نية لّله
صالحة ،مع قلة أو عدم إخراج واجب ومندوب ،كحركة
الدجاج ،وبحثها في المزبلة ،كما قال ابن المقرب الشاعر
الحسائي) ( :
ف في ساحاتهم إل كما ُيحكى عن العنقاء
ل ُيعرف المعرو ُ
) (1/333
ث عَذ َْرةًح ُ
ج ت َُبا ِ حُثوا الّندا) ( فكأنهم د ُ َ
ج ٌ وإذا انَتدوا) ( ب َ َ
بفضاء
م الصديق وفرحة العداء ن حياتهم غ ّ ثكلتهم الباُء إ ّ
وقال رضي الّله عنه :أدركنا زمنا ً إذا وقعت على الناس
شدة وابُتلوا ،رجعوا إلى الّله ،وتابوا واستغفروا ولزموا
الطاعات وتركوا المنهيات ،وخافوا أن قد عجل عليهم من
العذاب في الدنيا ،ثم يرجعون على أنفسهم باللوم على
التفريط ،وأهل هذا الوقت إذا نزل بهم شدة تركوا
الواجبات ،فضل ً عن المندوبات ،وارتكبوا المحرمات ،ثم
إنهم يتمنون ما لم يستحقوا ،فهيهات أنى يكون لهم ذلك .
وقال رضي الّله عنه :أعطوا المحن أحكامها ،فإن من
أعطاها إياها كانت عليه نعمة ،وإل صارت كل محنة
محنتين ،أو ثلثا ً .
انظر ماقال في العلم وفي أهل العلم أو تفسير حديث
وتكلم رضي الّله عنه في العلم فقال :من رأيته يعّلم
العلم النافع ،كعلم كتاب الّله ،وسنة رسول الّله ،وينطق
بذلك ،ثم ل يظهر عليه العمل به ،فذلك عالم سوء ،فإن
لم يكن ما عَّلم من العلوم النافعة ،فل يسمى عالما ً أص ً
ل،
وأما العالم بأحكام الفقه ،لو كان كذا ،لو كان كذا مما لم
ن عَِلم البيع والشراء ولم م ْ
يقع ،فإنما هذا صناعة ل علم ،و َ
يبع ولم يشتر له فضل بذلك؟ ،ل ،بل إن فعل فائدُته أن
يتقي الّله في ذلك ،فالفضل حصل من التقوى ،ل من ذلك
.
ثم تكلم كثيرا ً حتى انجر به الكلم إلى أن قال :ل تنكر
حَته،
صه ونصي َ على أحد من أهل الحق ،ممن علم الّله إخل َ
حتى تختبر ،أو كما قال .
وتكلم رضي الّله عنه في أهل الزمان وَأكثَر ،ثم قال :إن
شهود الزمان فَ َ
سقة ،وكذا قضاته وعدوله ،وإنما ت ُْقَبل
فتاويهم وشهاداتهم للضرورة ،وإذا تأملت حال العُّباد فيه،
فضل ً عن غيرهم ،تراهم في كل مباح من أكل ونوم ونحو
ذلك في غَْفلة ،أين الداب ،أين الذكار الواردة في هذه
الشياء ،هيهات ،ذهب الدين ولم يبق منه إل الرسوم .
) (1/334
فقال نفع الّله به :هذا وصف جامع لصفات القطب ،حتى
يعلم الواقف عليه أن من خالف ذلك لم يكن قطبًا ،إل إن
كان بالمعنى العم ،لن القطب :السيد في كل طائفة،
وهذا الوصف إنما هو في القطب الذي هو أفضل أهل
زمانه من الحياء ،ولو علت درجات أحد منهم) ( ،ول يقوم
في مقام القطبية إل ظاهر ،فإن لم يكن فيه أهلية
للظهور ،يستنيب أحدا ً ممن فيه أهلية للظهور ،فقلت له:
أيكون القطب المتقدم أفضل من المتأخر؟ ،فقال :ل
يشترط ،فقد يكون في المتأخر مزايا لم تكن في المتقدم
لختلف الزمان ،ول يكون في كل زمان إل واحد ،وما ذكر
عن جماعة في زمان واحد أنهم أقطاب ،فلعل أن يكون
كل واحد منهم قطبا ً في جهة .
وقال رضي الّله عنه في حديث) ( )) :من عادى لي وليا ً
فقد آذنته بالحرب(( ،أي أعلمته أني محارب له ،وذلك لن
الولي ل ينتصر لنفسه ،فيكون الّله سبحانه هو الذي ينتصر
له ،ثم أنشد :
ن المير هو الذي ميرا ً يوم عَْزله ...إ ّيكون ِ
ة
لم يُفت سلطن فضله ...إن فات سلطان الولي ِ
وقال رضي الّله عنه :إذا رأيت الّله قد عدل عن كلمة إلى
ما في ذكر أو غيره ،فخذ أخرى في شيء من اللفاظ ،إ ّ
كر ،وإن كانت الخرى تماثلها في اللفظ أو مع بما ذ َ َ
كر في الوضوء) ( :يوم َتبيض ،ويوم َتسود، المعنى ،كما ذ ُ ِ
أي بفتح أوليهما كما جاء في القرآن.
ورأيت بخط ابنه السيد الجليل علوي ،مما نقله عن والده
رضي الّله عنه ،قال سيدي :أهل هذا الزمان أخذوا
منوا بهاالسيوف إل ليقطعوا بها الطريق ،ما أخذوها ليؤ ّ
الطريق ،ويشير بذلك إلى العلماء .انتهى .
وقال سيدنا رضي الّله عنه :قد قلنا لرجل تَفّقه ،فقال:
الفقهاء إل كذا ،يعني يذمهم ،فقلنا له :الزم التقوى
ظمهم الناسوالورع ،فإن أهل التقوى والورع يع ّ
ويعتقدونهم ،فخذ لك سراجا ً ول تبرزه لّلهبوب ينطفئ ،ول
ت ُعِْلقه) ( في النهار ،فل يبقى له أثر ،لن المر إل نبوة .
) (1/337
وقال رضي الّله عنه :هذا مقرا) ( فيه عبرة ،لو تأمل
ص الّله فيه أحوال قوم ،ودعا فيه الناس فيه كفاهم ،قَ ّ
ذر فيه أقواما ً عن الوقوع ح ّقوما ً لستجابة الّله ورسوله ،و َ
في الفتنة ،وأخبر كل ً أن الّله مع المتقين ،ورغبهم في
م الب ّك ْ ُ
م{) ( ص ّ
عن ْد َ اللهِ ال ّب ِدوا ّ
شّر ال ّ ن َ التقوى وهو }:إ ِ ّ
رين{ آخر المقرا . ماك ِ ِ
خي ُْر ال َ
ه َ
إلى }َوالل ُ
وقال رضي الّله عنه :الرجوع في العلم إلى الصول،
وجميع الفروع والنوادر ترجع إليها ،والتصانيف على
مقتضاها وإن اختلفت العبارات فهو قصد كل منهم ،ولهذا
يقول بعضهم :ي ُْفهم من قول فلن كذا ،وُتحمل العبارة
الفلنية على كذا ،ونحو ذلك ،وقد قررها المتقدمون كما
ينبغي ،فأتى هؤلء المتأخرون ،ورأوها محررة ،فأرادوا أن
من يضربوا بسهم معهم ،فأ َّلفوا وعَّرضوا وط َّ
ولوا ،منهم َ
َقاَرب ومنهم من أبعد ،أو كما قال .
) (1/342
جلة الناس في نقل الكلم ،ثم قال: وذكر رضي الّله عنه عَ َ
ما عاد أحسنوا السكوت ول الكلم ،وإذا لم يحسنهما كان
ل شيء ،وما عاد مع النسان اليوم إل يطوي لسانه ،حتى
م ت َْقدُِروا عَل َي َْها إن لم تقع سلمة يقع أقل منها}:وَأ ُ ْ
خَرى ل َ ْ
حا َ َ
دولتين الموية والعباسية، ه ب َِها{) ( ثم ذكر ال ّ ط الل ُ قَد ْ أ َ
ثم قال :الحاصل أنه لم يكن فيهما مثل عمر بن
عبدالعزيز ،ثم امتد الكلم إلى ذكر الئمة ،وقوة العلم
والدين في ذاك الزمان ،ثم قال :وما عاد الناس اليوم إل
في الذيول والكبول ما عاد شيء نور ،وإل كان اهتدى
دى فيها ،ولكن رحمة الّله النسان ،لكنها ظلمة ل ُيهت َ
وة ،وقد قال عليه الصلة والسلم )) :في كل زمان مرج ّ
من أمتي سابقون ،وليجدن ابن مريم من أمتي قوما ً هم
مثل حواريه (( ،وآية من كتاب الّله تكفيك ،فإن لم تعرف
معناها فاسأل عنه) ( أهل العلم به ،وإذا كان في المر
شيء عن النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم ،فل لحد عنه
معدل ،وما كان عن الصحابة فَي ُت َّبع ،وما كان عن غيرهم
فيؤخذ منه وي ُْترك ،كما قال أبو حنيفة :وقد كان الذي عليه
المعول شيء قليل ،إما آية يحفظها ويعرف معناها ،أو
حديث كذلك ،وهذا هو الدين الذي كان من قبل ،وإنما
اتسع المر بعد ذلك ،حتى صار الكتاب الواحد في
مجلدات ،ثم نقحه المام النووي رحمه الّله بعد ذلك هو
دين للدين ،ثم قال :ل يهمك في هذا وحجة السلم المجد ّ َ
الزمان إل نفسك ومن يهمك ،كصاحب السفينة الذي هو
الربان ،فإنه إنما يراعي نفسه خوفا ً من الغرق ،وكذلك
من معه ،لن نفوسهم وأموالهم عنده .
) (1/343
ن ،مرات متعددة، وقال رضي الّله عنه لبعض القراء :تأ ّ
وقال له في بعض المرات :تكرير الكلم ل يحتاج إليه،
فإنه إذا تكرر سقط وَْقعه على النفوس ،ولهذا ترى عيال
العاِلم أكثر تساهل ً في كلمه من غيرهم ،لتكرر كلمه
معهم ،ونحن ما عاد نعاقبهم ،كما كان الولون يعاقبون،
دبرين) ( وهم مقبلين ،وهم من طبقة ونحن من لنا م ْ
ط ََبقات ،وإنما نريد منهم أن يأخذوا ما تيسر مع الصغاء
والستماع ،وفي الحديث )) :في آخر الزمان خير العيال
البنات(( ،لن الولد إذا ك َِبر) ( ما يريد لك معه وجود ،ل
في مال ول أمر ،فإن كثروا كان أكثر لذلك ،والبنت تكون
في ميزانك ،بسبب اهتمامك بها وبمعاشها ،والولد تكون
في ميزانه) (.
وقال رضي الّله عنه :الزمان مفتون ،وكان الزمان الول
إذا أردت خيرا ً نفعك الخر ،واليوم ل اهتمام في ذلك .
وقال رضي الّله عنه :والعلم يؤخذ إل من أهل العلم
المتعلمين ،وأهل الستقامة المستقيمين ،وأما هؤلء الذين
لم يتعلموا كذلك ،فهم ضرر على الناس ،فنصف العاِلم ل
ل غيرك ينظر لك طريقك إن خ ّصر نظرك َ ينفع ،وإذا قَ ُ
خر أو شوك . كان فيها َ
ش ْ
كمه رضي الّله عنه ،فقال :هذا على ح َ
ومرت القراءة في ِ
التحقيق هو الصل ،ولكن أهل الزمان تاركون له ،ولو كان
في شيء من أمور الطب تزاحموا عليه ،والدنيا على
الحقيقة هي التي ل شيء ،الول :إنها مضمونة) (،
والثاني :إنها ذاهبة ،ثم التفت إلى القارئ وهو بعض
القراء ،فقال :وأخرى إن ذ ََنبها أملس) (.
وقال رضي الّله عنه في حديث) ( )) :ماء زمزم لما
شرب له (( ،يعني من شربه لمرض شفاه الّله ،أو لجوع
أشبعه الّله ،أو لحاجة قضاها الّله ،أي لنها في الصل
للستغاثة أغاث الّله بها إسماعيل عليه السلم ،وقد َ
جّربه
الئمة في المطالب ،فوجدوه صحيحا ً من َ
خَبره عليه
الصلة السلم ،ولكن يحتاج لنية وإخلص ما هو لكل
الناس .
) (1/344
من فَِهم أسرار الدين . وقال رضي الّله عنه :الفقيه َ
عْلمه إل ّ أ َّيما أفضل ،أو كذا أفضل من كذا فما هو والذي ِ
إل موسوس .
وقال رضي الّله عنه :ما تظهر بركات الصالح على من
صحبه إل بعد موته .
وقال رضي الّله عنه :ل ُيفتح على أحد في العلم حتى
يطلبه ويعتقد أنه خلي منه ،لن المظاهر الدنياوية قد
تنقص من المظاهر الخراوية .
وقال رضي الّله عنه :من شأن أهل الحق ترك الجدال،
جادُِلوا
وإن جادلوا فبكلمة واحدة ،لقوله تعالى } :وَل َ ت ُ َ
َ أ َهْ َ
ن {) (.
س ُ ح َ
يأ ْب إ ِل ّ ِبال ِّتي هِ َ
ل الك َِتا ِ
وقال رضي الّله عنه لرجل :أتعرف الحديث الوارد في يا
أرحم الراحمين ،فلم يعرفه ،وقال لخر :هل تعرف حديث
يا ذا الجلل والكرام ،فلم يعرفه ،فقال نفع الّله به :راح
بالناس الهتمام بأمر المعيشة ،حتى اشتغلت بذلك
بواطنهم وظواهرهم ،وهم في ذلك كما قيل) (:
فصادف قلبا ً فارغا ً فتمكنا ...أتاني هواها قبل أن أعرف
الهوى
َترّبوا على ذلك من صغرهم حتى ك َِبروا ،ورأوا أقرانهم
على مثل ذلك ،والدنيا لئيمة ،إذا وَقََعت في القلب
ارتحلت عنها الخرة ،لنها كريمة ،فل تكاد تخطر له
الخرة على بال ،إل إن كان نادرًا ،حق اليمان .
وتكلم رضي الّله عنه :في حديث الكلمة التي تقال صباحا ً
ومساء أربع مرات :الّلهم إني أصبحت أشهدك الخ ،وفيه:
)) من قالها مرة أعتق الّله ربعه من النار ،وثنتين نصفه،
وثلثا ً ثلثة أرباعه ،وأربعا ً كله (( ،ثم قال نفع الّله به :إن
عْتق اليوم أو الليلة مما يصيبه في أحدهما من هذا ِ
الذنوب ،فإن قالها مرة صباحا ً أو مساء ،عتق عنه ربع
سيئاته التي أصابها في ذلك اليوم أو في تلك الليلة،
مّرتين نصفها ،وثلثا ً ثلثة أرباعها ،وأربعا ً فكلها ،ولكل من و َ
العتق على قدره خصوص لخصوص وعموم لعموم ،أو كما
قال .
) (1/346
وقال رضي الّله عنه :في حديث )) :إن الّله حمى أمتي
أن تجتمع على ضللة (( ،يعني إنهم ل يجتمعون كلهم
عليها ،بل ل بد من قائم على الحق ولو قليل ،وما ورد
إنهم) ( السواد العظم ،لعله لم يصح ،لنه لم يبق في
زمن بني العباس ،من لم يقل بخلق القرآن إل القليل،
أحد ُيظهره ويدين به ،وأحد ُيظهره ،وظهوره وخفاه
بحسب ملوكهم ،فالناس على دين ملوكهم ،يعني:
ُيظهرون ما يكون عليه ملوكهم ،إما إنه كذلك وإما تقية
وخوفًا.
وقال رضي الّله عنه لرجل وهو يذاكره في النساب :ل بد
لك من معرفة ثلثة أشياء هي ألزم عليك من البحث عن
أشياء ل فائدة فيها :أن تعرف نسب النبي صّلى الله عليه
و آله وسّلم إلى عدنان) ( ،وأن تعرف كم عدد أزواجه،
وأن تعرف العشرة المبشرين بالجنة .
وقال رضي الّله عنه :إن أهل الزمان ما صححوا إيمانهم
بالنظر والسؤال ،حتى إن عامتهم إيمانهم قاصر عن
إيمان المقلدين لقلة بصائرهم ،وقد أدركنا الناس يعلمون
الصغار ) :قل رضيت بالّله ربا ً وبالسلم دينا ً وبمحمد نبيا ً
ل ،ولد بمكة وبعث بها ،وهاجر إلى المدينة ومات ورسو ً
بها( ،فما زال المر ينقص حتى لم يبق لمثال هذه الشياء
أثر ،فإذا كان هذا في أمور اليمان ،الذي هو الصل ،فماذا
يكون غيره ،وعلى هذا ينقص الدين شيئا ً فشيئًا ،حتى
ُيرفع ولم يبق منه شيء ،ثم رجعت فراستهم في أمور
الدنيا .
وقال رضي الّله عنه لي يومًا :أيّ ترى أعم ،الصلح أو
الفلح؟ ،قلت :الّله أعلم ،قال :الصلح عمل ،والفلح
جزاء ،أل ترى حيث يذكر الّله الصلح ،فيذكر أعمال ً يمدح
فاعليها ثم يصفهم بالصلح) ( ،ويذكر ما يجازي به أقواما ً
فعلوا الخير ،ثم يصفهم بالفلح) (.
) (1/347
ه
م ِ
كر مع أ ّ وقال رضي الّله عنه :إن عيسى عليه السلم ذ ُ ِ
في القرآن في نحو أربعين موضعًا ،وذِك ُْره معها في
الغالب ،وقد يفرد أحدهما عن الخر ،وذلك صريحا ً وكناية،
وإنما ك َّرر الّله ذكر مريم ،لن امرأة عمران قالت :رب
إني وضعتها أنثى الخ ،فاستحقرتها لذلك بكونها ل تصلح
وه الّله بذكرها لخدمة بيت المقدس ،فلما استحقرتها ن َ ّ
وكرره ،وفيه دليل على أن كل من اتضعت منزلته عند
الخلق ،ارتفعت عند الخالق ،يعني مع الحسان في جانب
سّر .
الدين والدنيا .وفي ذكر مريم ِ
ضل العلماء بين أزواجه عليه وقال رضي الّله عنهَ :فا َ
عت السلم ،والسكوت عن هذه الشياء أحسن ،لكن إذا د َ َ
الحاجة إلى الكلم ،لم يسع العلماء إل أن يتكلموا
دى إلى الوقوع في الباطل . بالصواب ،وإل أ ّ
وسئل رضي الّله عنه :عن رؤية النبي صّلى الله عليه و
آله وسّلم للنبياء ليلة السراء ،كل واحد منهم في سماء،
أرؤية أرواح أو أجسام؟ ،فقال نفع الّله به :رؤيته لهم على
قدر درجاتهم بالنسبة إلى القرب من الّله تعالى ،ويمكنه
عليه السلم أن يرى الشياء قبل وجودها ،فقيل له :كيف
رؤية آدم لداوود عليهما السلم ،واعجابه حسن صورته،
هل هو في الحسن أكمل من يوسف عليه السلم ،وهو
طلعه على المشهور بذلك؟ ،فقال نفع الّله به :إن الّله أ َ ْ
داوود ،ولم يطلعه على يوسف ،وإل فهو أكمل في
الحسن ،فقد ورد إنه أعطي شطر الحسن ،وإنما أطلع
الّله تعالى آدم على داوود دون يوسف ليظهر تفرده تعالى
بالعلم .
وقال رضي الّله عنه :من سأَلنا عما لم يكن ،لما) (
يكون؟ ،ل نجيبه ،وكثير من الناس سألونا فأجبناهم،
وطلبوا وصايا فكتبناها لهم ،ولكن كلهم لم يبارك لهم في
ذلك لعدم انتفاعهم بذلك ،لنهم إنما أرادوا مجرد علم
يحكونه ،وإنما رأينا البركة حصلت في المكاتبات والوصايا
التي جعلناها لناس من غير سؤال منهم لذلك ،بركة
بالنسبة .
) (1/348
وقال رضي الّله عنه :الناس اليوم كمن يشل المحفر بأحد
أذنيه ،ل عذر من أن ي َط ّّير) ( منه شيء ،لنهم لم يأخذوا
المور بأطرافها .
وقال رضي الّله عنه :الهوى يعمي عن الحق ،كالريح ،إذا
اشتدت تعمي العين عن النظر ،فكذلك الهوى يعمي
البصيرة عن الحق ،والهوى شدة ميل النفس إلى الشيء
شقّ على بالباطل ،ولما رأى نفع الّله به أن هذا الكلم قد َ
من سمعه من الجماعة ،قال لمن كان يخاطبه في
معرض التسهيل :إذا حصل لك شيء من غير تعب أل
تريده ،فكل يريد شيء بل شيء ،أما سمعت قول
بامخرمة :فتشت في قشاشي لقيت فيه ماشي يا الّله
بشيء بل شيء .ولو كنت لم تدر إل وقلنا لك هذا الزاد
دا ،أتريد أن ندخلك والراحلة فقم سافر ،لشق عليك ج ّ
دك في الخلوة ثلثة أيام ،فانظر كيف تخرج هاربًا ،وقُ َ
خدمة لنا ،فمن أمرناه بأذان أو قراءة مثل ً أو بساقة) ( أو
حاجة ،أو أي أمر فهو في الخدمة ،ونحن إذا تكلمنا أسندنا
صدنا الكل ،لنا لو جردنا لكل واحد الكلم إلى واحد ،وقَ ْ
خطابا ً حرنا معهم ،وفي الكلمات تكون عشر كلمات من
الطالب ،وكلمة من المعلم ،وإن تكلم هو بمراده قبل أن
يسأله ،يأخذها ويسكت ،قال له رجل :الّله ينفعنا بكم،
فقال رضي الّله عنه :الّله ينفعكم بنا ،وينفعنا بكم ،فقد
قيل :إن المعلم ينتفع من المتعلم أكثر مما ينتفع المتعلم
منه ،وقد أتكلم مع الجماعة في بعض الوقات بأشياء لم
يفهموها ،لنستذكر بها أشياء كنا نعلمها فنسيناها حتى كأنا
لم نقف عليها ،وقد قرئت علينا رسالة القشيري أكثر من
عشرين مرة) ( ،وإذا مرت علينا كأنا ما سمعناها ،ولول
التبرك بذكر أحوال الصالحين ،تركنا باب الصطلح منها،
لنها أين الن من يعرفها ،ومن يتحقق بها ،وفيها أيضا ً
إشكال ،مثل السكر ،وما استشهد في ذلك من البيات
فإن أكثرها من قول أهل الخمر ،وهذا هو الذي حصل
بسببه العتراض على الصوفية ،ونحن لنا بهذه الشياء
معرفة
) (1/349
عْلمان علم أصول ثم قال رضي الّله عنه :علم الصول ِ
الدين كالعقائد ،ول بد أن يأخذ النسان منه قدر الحاجة،
سر ،ل كعقيدة المام الغزالي ،وعلم أصول الفقه وهو عَ ِ
يكاد ُيفهم ول يجب على كل أحد ،فينبغي أن يأخذ من
الصوَلين قدر الضرورة ،ثم بعد يأخذ في كتب الرقائق
التي ترّقق قلبه وترغبه في الخرة ،وتزهده في الدنيا،
ليأخذ في العبادة فيجتهد فيها ،ويكثر من تلوة القرآن
جهده ،فإذا لم يمكنه) ( في بعض الوقات ،أكث ََر من
الذكر ،ويلزمه في كل أحواله ،فإن العمر قصير والبطالة
ذاهبة بأكثره ،وليجعل غاية اعتنائه ومطالعته في المهم
منها ،فيطالع المهم ويحفظ المهم ،وإن أراد مطالعة غير
ذلك جعله في نادر من الوقات .
وقال رضي الّله عنه :العلم علمان :علم اليمان وعلم
اللسان ،أعني المهم منهما ،فيأخذ من ذلك ما يعرف به
قواعده ويتسلى به .
وذكر رضي الّله عنه أناسا ً فقال :إن الّله ما قبل أعمالهم
لنهم عملوا بل علم ،ولو قبلها لرفعت ورحمهم ،ول يقبل
الّله عمل ً حتى يكون أوله علم وآخره إخلص .
وقال رضي الّله عنه :العمال ُترفع من الرض إلى
السماء ،ثم من هناك ترفع وتقبل ،أو ترد ول تقبل،
وأماكن العبادة والعباد معروفون عند الملئكة لعتيادهم
لنقل العمل منهم من أماكنها ،أل ترى كيف أنكروا بطن
الحوت لنه ليس موضع عبادة ،وعََرفوا صوت يونس عليه
السلم ،فلما سمعوا صوت تسبيح يونس من بطن
الحوت ،قالوا :صوت معروف في مكان مجهول ،لم يدروا
أين هو ،لعدم اعتيادهم لنقل العبادة منه ... .
) (1/352
وقال رضي الّله عنه :لو أدركنا ناسا ً يرغبون في العلم،
لجعلنا واحدا ً يقرأ فقط ونتكلم معه وُنملي عليه والبقية
يستمعون ،ولكن هؤلء ما ب ََغوا إل كثرة قراءة ،ول بالوا
َ
خىس َفِهموا شيئا ً أم ل ،وأنا يعسر علي إخراج الكلم ،ول أ ْ
به ،وقد كانوا إذا حضر أحدهم مجلس علم يتفقد نفسه
صلت من علم أو من زهد في الدنيا ،وأمر ح ّويقول :ماذا َ
القراءة والكلم إنما هو إلى العاِلم والبقية يحفظون
ن بعضهم كان يغضب من الكتابة ،ويقول: ويكتبون ،على أ ّ
ل ،بل احفظوا كما حفظنا ،أو كما قال .
وذكر رضي الّله عنه علم الحديث وأكث ََر فيه ،ثم قال :ما
جمعنا كتب الحديث إل لجل المهدي ،فإنه إذا خرج ل يأخذ
دع مابفتاوي الفقهاء ،بل إنما يأخذ بالكتاب والسنة ،وي َ َ
عداهما ،أما ترى الختلف الحاصل بينهم ،ولول ما جرى
عليه سلفنا من الخذ بمذهب الشافعي ،كان أحببنا أن
نأخذ بمذهب مالك ،لن فيه مسائل إذا تأملتها رأيت أنها
هي السنة ،لنه عالم المدينة ،وعمدته ما أجمع عليه أهل
المدينة ،ولكن الشافعي مالكي ،لنه تلميذه أخذ عنه،
ولكن لما تأخر عن مالك ،وقد أتقن مذهب مالك ،وعثر
على علوم وأحاديث أخرى لم يقف عليها مالك ،فخالفه
في بعض المسائل ،ثم جاء بعده المام أحمد ،وتتبع
ن المذاهب الثلثة لذلك حّرره ،ف َ
كا َ مذهب الشافعي و َ
مذهبا ً واحدا ً .
وسمع رضي الّله عنه في كتاب قرئ عليه فيه :إن اجتماع
أهل المدينة على أمر :إنه سنة ،فقال نفع الّله به :أما قلنا
لكم لول أن سلفنا كانوا على مذهب المام الشافعي
لخذنا بمذهب مالك ،وذلك لنه من أهل المدينة ،وأخذ بما
اجتمع عليه أهل المدينة ،ولكنا نظرنا في ذلك فما رأينا
بينهما كثير خلف ،ومذهب الشافعي مذهب مالك .
أقول :وهذا يدل على أن سيدنا كان مجتهدا ً ل مقلدًا.
) (1/353
وذكر رضي الّله عنه شأن الصلة ،فقال :من رأى صلة
المام مالك بن أنس ،علم أنها السنة ،لن مسكنه
المدينة ،فرأى من اقتدى بصلة رسول الّله صّلى الله
عليه و آله وسّلم ،فهو على القتداء به فيها ،ويليه المام
الشافعي ،لنه من مكة فهو على قدم القتداء ،ولو كان
سن ،والحجاز محل الدين ومنه المام مالك أقدم في ال ّ
خرج ،وهو الوسط فيها ،والمام أحمد أخذ بالحتياط،
والمام أبوحنيفة أخذ بالعلم ،وقول أهل الحجاز جواز
السماع ،أي المامان مالك والشافعي ،وقول أهل العراق
السكوت ،أي المام أحمد وأبوحنيفة ،قال :وينبغي أن
يحفظ وحكاه عن أرجوزة ُألفت في ذلك .
صاص فقال :كانوا يفتشون وتكلم رضي الّله عنه في الُق ّ
أحوالهم وينظرون ماذا جاء وماذا حدث ،وقد ذكر المام
الغزالي إن العلم نافع من حيث إنه ينفع به غيره ،أي نفعا ً
غير نفع العلم) ( به ،فيعّلم أحدا ً يكون يعمل بعلمه خالصا ً
صاص ،ولو به لّله ،كما إن أباسليمان) ( تاب لما سمع الُق ّ
مضل العِل ْ ُ عمل بل علم ما ن ََفعه ذلك ،فمن هذه الحيثية ،فَ ُ
ل ،ويوم تتأمل زمانك ،ترى الناس في نزول ما هم العم َ
صّنف جديدا ً ما ن واحدا ً منهم رأى كتابا ً ُ
في صعود ،ول َوَ ّ
يعجبهم إل من حيث يتنفس به ،ول يتأسف على أحد من
دد إلى الكابر أنه ما أدركه لينتفع به ،ومن الناس من تر ّ
صل الخيار ،فصار منهم ،ومنهم من تردد إليهم ،ول ح ّ
شيئًا ،وإنما جعل مجالستهم كالعادة ،وما ينفع السراج في
الهبوب ،فإنه يذهب ول يبقى ،وإنما ينفع مع القلوب،
حفة ،وما عاد مقصود الناس أن ص ْ
ويكون كالسراج تحت ال ّ
يستمعوا ليعرفوا ،وإنما مرادهم أن يعذروا أنفسهم ،وكان
بعض الناس من أهل تريم راح الهند ،ومدة ما هو هنا ما
صل له جاءنا ول تردد إلينا ،فلما راح الهند طلب أن نح ّ
"رسالة المريد" فتعرف أنهم إنما طلبوا الكتب لهواء
وأغراض ،وقد قال الشيخ أبوبكر بن سالم :
) (1/354
سبه البين ح ْصد ّ عَّنا َ ومن فاتنا يكفيه أنا نفوته ...ومن َ
والقل
وكان الشيخ مع كبر حاله وبلوغه في السلوك ،ما تبعه من
الناس إل القليل ،وقد نفع الّله على أيدينا ناسا ً كثيرا ً أكثر
ممن انتفع على أيدي من قبلنا ،إل إنه نفع على الطريق
العام ،الذي يضطر إلى نفعه الخاص والعام ،الذي جاء فيه
التفصيل عن الّله ورسوله ،ويكفي الناس عن غيره ول
يكفيهم غيره عنه .
وقال رضي الّله عنه :ل ينبغي للطالب أن يبتدئ بمطالعة
كتب الشاذلية حتى يطالع أول ً غيرها قبلها وُيحكمها ،ككتب
المام الغزالي ،ثم يطالع بعد ذلك كتب الشاذلية،
جع يحتج بالقدار ،وبقي كلحم ليستفيد ،فإن ابتدأ بها أول ً َر َ
م.ض ْ على وَ َ
وقال رضي الّله عنه :الناس غافلون ،وإل ففي نفوسنا
أشياء غامضة ،لو رأينا أحدا ً يفهمها لظهرناها وب َّيناها لهم،
من ،وهذا ميراث لنا لكن لما رأيناهم ورأينا أحوالهم ،قلنا ل ِ َ
من سيدنا علي ،فإنه قد شكا ذلك ،إل أن الميراث كلما
طال الزمان ضعف ،وقد سمعنا فيما بلغنا عنه ،أنه لما
دم من يحملها عنه، ازدحمت العلوم في قلبه ،وشكا من عَ َ
أتى إلى بئر وتنفس فيها ،ففاض منها الماء على جوانبها،
فنبت على جوانبها من ذلك شجر اليرع .
وقال رضي الّله عنه :العلوم لها مقار ولها ناس ،فإن
وقعت في أهلها فذاك ،وإل صارت كالهزل ،وإن كانت في
دا ،ومن العلوم ما هو كالّرَوط) ( ،وهي التي الصل ج ّ
صلح نفسه أو ً
ل، توضع مع غير أهلها ،وينبغي للعالم أن يست ْ
صلح العامة . ثم يست ْ
) (1/355
وقال رضي الّله عنه :ما لنا في الشعر رغبة البتة ،وإل
فنحن قادرون على ذلك ،لو أردناه لفعلنا نحو ثلثة
مجلدات ،ولكنا لما رأينا خصوصا ً في هذا الزمان ،الناس
حّثنا ذلك على شيء منها) ( ،لنها تشيع في دا َ
في غفلة ج ّ
ل ،أو ت ُي َّقظ غاف ً
ل، شط عام ًالعامة وغيرهم ،فعسى أن ت ُن َ ّ
وفيها الوعظ والتذكير وغير ذلك ،ولعل أن ت َُرد ّ أحدا ً إلى
القبال على الّله ،ومن طبعي أني ل أذوق بنظم أحفظه،
ولم يبق في الحفظ شيء مما نظمناه ،حتى لول نسمع
من ينشد به لما عرفناه ،وإذا حدثت في الذهن شيء من
القصائد ل نكتبها ،فإذا أخذت مدة ولم ت َُزل عن الخاطر
كتبناها ،وفي شهر رمضان لم يمكّني أن أفعل شيئا ً من
النظم ،ولو بيتا ً واحدًا ،وقد تكلفت ذلك فيه فلم يمكن،
وأما في غيره فل يعسر علي متى أردته منه ،ولم يحصل
منا في رمضان شيء من المؤلفات إل رسالة المريد
والراتب ل غيرهما ،والتحاف) ( ابتدأنا فيه في رمضان
من سنة ،1073وتم في ذي الحجة ،ثم ذكر من استملى
منه كتبه ،وهم مذكورون في غير هذا الموضع ،ثم قال:
وهذه الشياء حمدنا الّله عليها ،وقد كانت في معرض
فسحة ،نجمعها لهم من كتب شتى ،ول هم داريين به ،وما
أنا خائف من جمع ذلك إل من الديوان ،لنه ُيري النسان
أشياء يظهر كأنه ذائق لها ،كما من ذكر عن أحد أنه يوبخ
نفسه ،أنت كذا كنت كذا ،فترى النسان منهم يقول شيئا ً
ثم ينكره ،ويقول :ما قلته ،فهذا قد كان بلسان الحال ،قد
كان ثم راح منه ،لكنا نوينا في الديوان :أن كل ما قلناه
مما لم نكن متلبسين ،على لسان من هو له أهل ومتلبس
به .
) (1/358
وأنشد بين يديه رضي الّله عنه بقصيدته التي مطلعها) (:
قل للذي جد بالظعان يا حادي ،فقال نفع الّله به بعد
تمامها :هي من قديم القصائد ،فإن لم تصح لنا) ( فهي
على لسان من تصح له ،وكذلك كل ما هو بهذا المعنى .
ن نعم الّله على ن أحس ِ وقال رضي الّله عنه :يقال ِ
م ْ
النسان في الدنيا ثلث :أن يرى ولد ولده ،وأن يأكل من
شد بين يديه بشعره ،وقد حصلت لنا غرس يده ،وأن ُين َ
كلها بحمد الّله .
وأنشد عنده بقصيدته) ( :بشر فؤادك بالنصيب الوافي،
ح اليقين أعز مشروب الخ .فقال نفع الّله به عند قوله )را ُ
لنا( :الراح والكأس ونحو ذلك مما يذكر في كلمهم،
المراد به اليقين .
سوح المقام . وأنشد عنده أيضا ً بقصيدته) ( :قل لحبابنا ب ُ
فقال رضي الّله عنه :ل تخلو أبيات من هذه القصيدة من
زحاف ،بالنسبة إلى هذا البحر ،لن ما لنا كثير نظم
كة في بعض القصائد فيه) ( ،وعادتنا إذا اطلعنا على رِ ّ
بعدما أنشأناها كذلك ل نتكلف إصلحه ،وربما فعلنا ذلك
بالقصد ،قال :وفيها أشياء ما توجد في الرائية ،من
فصاحة وغيرها ،ولو شرح هذه البيات عالم منصف ،خلي
عن الحسد والمنافسة ،لتى فيها بجميع مناسك الحج ،ول
ينافس النسان إل أصحابه) ( .
وأنشد أيضا ً بقصيدته) ( :الناس في ضيق وفي حرج .
فلما ُفرغ من إنشادها ،قال نفع الّله به :اللسان الن غير
اللسان في ذلك الوقت ،فيختلف اللسان ،وإن كان
اللسان الحسي واحدًا ،فلسان الحال ولسان الوقت
ولسان الداعي وأمثال ذلك ،فربما يتكلم في البداية ،وفي
النهاية كلم آخر ،وربما تكلم في وقت بكلم يستحسنه،
ثم يكرهه في وقت آخر ،وربما أنكره ،كل ذلك لختلف
اللسنة المتقدم ذكرها ،أو كما قال بمعناه .
) (1/360
وأمر رضي الّله عنه منشدا ً ينشد ،ثم قال :كل ما في
الّنظم من المدح ،فن َّزله على الروح أو الكعبة أو الجنة،
وكل ما كان فيه من الذم ،فن َّزله على النفس والدنيا،
والحذر من تنزيله على ما تنزله العامة عليه ،من كونهم
ينزلونه على الحق سبحانه ،أو على النبي صّلى الله عليه
و آله وسّلم ،فهذا ل يجوز ،فإذا صرح المخلوق بالمخلوق،
فهو بالمخلوق أقمن وأحق ،ويكون في معشوق حلل،
وإن احتمل ذا وذاك فيمكن حمله على شيء من
الحضرات اللهية .
وذ َك ََر رضي الّله عنه :أن لبن عربي نظمًا ،ثم قال :لكن
يرتفع في نظمه ،وآخرون وإن كان معهم حقيقة ،يتنزلون
ظمهم للناس لقوله عليه السلم) ( )) :كلموا كل في ن َ ْ
إنسان بما يعلم ،أتريدون الخ (( ،وهذه الشياء من علوم
الحقائق ،يستحبون بها لكونها ل تتعلق بعمل ول حكم،
ث على ح ّومن حق النظم أن يكون في وعظ أو تذكير ،أو َ
خير ،أو تحذير من شر ،أو تزهيد في الدنيا وترغيب في
الخرة .
وقال رضي الّله عنه لبعض المنشدين :ما فيه ذكر النساء
وأوصافهن أنشده في محاضر العراس ،وما كان فيه
غََزل ونحوه في مجالس الضيافات ،وما فيه ترغيب في
ح للنبي صّلى الله عليه و آله وسّلم وما جرى خير ،أو مد ٌ
مجرى هذا ،ففي مجالس الخيار .
وقال رضي الّله عنه :إن أبا مخرمة قصد السودي،
واجتمع به ،وكان إذ ذاك قد حصل في حضرموت قحط
شديد ،فأنشأ السودي فيه هذه القصيدة ،مكاشف له :
ت بلدك () (مط َّر ْ
ب ُ) غَُري ّ ْ
،والشيخ يعني بامخرمة ،قد يفعل قصائد على ألسنة
العامة يطلبون ذلك منه .
ذكر عنده رضي الّله عنه يوما ً السودي وبامخرمة ،وقيل: و ُ
كان وقتهم صالحًا ،كثير الخير والخيار ،فقال :كان في
وقتهم سحاب يمطر عليهم ،وأما الن فكما قال الجنيد لما
قيل له :أل تفعل السماع؟ ،فقال :لمن؟ ،فقيل :لنفسك،
فقال :مع من؟ ،وهذا لن الشياء إنما هي في أوقاتها ومع
أهلها .
) (1/365
***
تثبيت الفؤاد
بذكر مجالس القطب عبدالله الحداد
الجزء الثاني
الجزء الثاني
ودخل عليه رضي الله عنه السيد زين العابدين بن
مصطفى العيدروس ،وذلك يوم الثلثاء سابع المحرم سنة
1131هـ فمما خاطبه به ،بعد أن ذكر العلماَء وتصانيفهم،
فقال :نقلوا مسائل مقررة ،وإنما زادوا مسائل قريبة،
سّهلوا لما رأوا الناس مالوا عن ت َْرغيبا ً للناس في العلم ،فَ َ
هذه الشاكلة ،وراحوا إلى معاني بعيدة ،كمن رأى مقبل ً
ففتح له الدار ،ثم قال له السيد زين العابدين :على رأيكم
عسى غدوة بالربعاء نسّبر) نبدأ( في المطالعة امتثال ً
لمركم ،فقال :إن شاء الله ،لن مرادنا أن تكونوا على
عادة سلفكم وأجدادكم ،من اعتياد القراءة والّتصدي لها،
ول تنقطع من ب َْيتكم هذه العادة بالكلية ،وشغل الوقت بما
هو الحسن .
أقول :وقدكان سيدنا أمرني أن أطالع مع السيد زين
المذكور ،في البخاري والحياء ضحى يوم السبت ويوم
الربعاء في بيته فطالعنا مدة ،فلما حصل على سيدنا
مرضه الذي في هذه السنة المذكورة تركنا المطالعة ،ثم
ف عنه استأذنه السيد زين في العود إليها ،والبتداء لما خ ّ
من يوم الربعاء المذكور ،واستمرت بنا المطالعة إلى
قرب وفاته رضي الله عنه .
) (2/1
ثم قال نفع الله به :وهذه الكلمات نعتاد نقولها في
كرها ،مراده أن نقولها معمجالسنا ،ل بد لنا أن نقولها وَذ َ َ
السيد زين عند البتداء في كل مطالعة ،فلما خرج السيد
ي أكتبها ،فقال نفع
زين قلت لسيدنا :عساكم تملونها عل ّ
الله به :نحن نكتبها ونرسلها لك في وقت آخر ،ونحن
متريضين ،فربما يحصل فيها غلط الن ،حيث طال بنا
المجلس ،فربما ليس هناك اجتماع خاطر ،ثم قال :يا
حساوي الكلم كثير ،والعمدة إل ّ على صلح القلب ،فلما
ي بخط ابنه السيدكان عشية هذا اليوم ،كتبها وأرسلها إل ّ
زين ،وهي هذه :
بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله ،وصلى الله وسلم
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ،نويت التعليم
والتعلم ،والنفع والنتفاع ،والمذاكرة والتذكير ،والفادة
والستفادة ،والحث على التمسك بكتاب الله وسنة
رسوله ،والدعاء إلى الهدى ،والدللة على الخير ،ابتغاء
وجه الله ومرضاته وقربه وثوابه سبحانه وتعالى ،انتهى ما
أمله السيد الشريف عبدالله بن علوي الحداد باعلوي .
وذكر إنه يقوله عند أول ما يجلس لتعليمه العلم ،وقراءته
عليه ،والله تعالى يستجيب ويتقبل من الجميع بفضله
وكرمه ،وكان ذلك بتاريخ وقت العصر ،يوم الثلثاء لسبع
خلت من المحرم أول سنة إحدى وثلثين ومائة وألف،
انتهى بلفظه .
) (2/2
وسألته رضي الله عنه :عن معنى قول المام الغزالي في
الشهوة والغضب ،أنه يسّلط أحدهما على الخر ،فقال:
الّتسليط العرفي ،أو قال :الحسي ونحوه ،وهو إذا كان
ط َْبعها يقتضي فعل شيء ،فهو الشهوة ،والغضب عليها
ي َْقتضي تركه ،فهو الَغضب ،فإذا غلبتك في الكل حتى
وتت عليك من الفضيلة أكلت كثيرًا ،ثم بعد ُ ذكرت ما فَ ّ
غضبت عليها، وثواب القناعة ،تأسفت على ذلك ،حتى َ
مَثل
مت على أن تخالفها فيما تدعوك إليه ،فهذا َ م ْ
وه َ
مت حتى فاتتك الَفريضة أو قَِيام التسليط المذكور ،أو ن ِ ْ
مت على أن ل تنام إل أربع سفت ،أو عََز ْ الليل حتى تأ ّ
ساعات فغلبتك عَْيناك حتى نمت ست ساعاتَ ،فتعبت
ضب عليها ،وتسليطه على الشهوة من ذلك ،فهذا هو الغَ َ
أو كما قال.
وقلت له رضي الله عنه :إذا كان النسان يعمل شيئا ً من
الطاعات ،ولم يعلم بشيء مما يفسدها ،هل ي َت َط َّرق إليها
مْبطل؟ ،فقال :ل ،إل ّ إن كان يعلم فيها شيئا ً من ُ
المبطلت ،ول عبرة بالوسوسة ول تضر ،فقلت :فإن
صلة ،حتى غَّيرت قلبه ،وأشغلت وقعت الوسوسة في ال ّ
خاطره ،هل يضر ؟ قال :ل ،إل ّ الكمال فل تكون صلته
كاملة ،ودواها العراض عنها.
كك، وقال رضي الله عنه :الدلئل العَْقلية والبراهين تش ّ
حتاجلنها إنما وضعت للمحاججة مع الك ُّفار ،والمؤمن ل ي َ ْ
ل ،فقيل له انظر إن هذا زيد، ن من عرف زْيدا ً مث ً إليها ،ل ّ
مقته الخر ،والبراهين التي عليها إما يشككه فيه ،أو ي َ ْ
كذبواالمعول براهين القرآن ،كيف وك ُّفار قريش لم ي َ ْ
النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم ،في قوله لهم ،إن لكم
ذبوه في الوحدانية وأنهم لم يروه . إلها ً خالقًا ،وإنما ك َ ّ
) (2/23
مّر رجل على أرض فيها حرث ،ومن جملة ومنها :أنه َ
سَرق منه مل مظّلة كانت على رأسه، الحرث غلفق) ( ،فَ َ
مل) ( يرى جميع ثم َوضعها على رأسه ،وسار وصاحب العَ َ
ضحه ،فلما سار عارضه ما فعله وهو ساكت لم ي ُرِد ْ أن ي َْف َ
سَرقه ،فصاح رجل وحركه ،فسقطت) ( وأنتثر) ( َفظنه َ
ددتهصاحب العمل عليه ،وقال :أصلحك الله أردناه ذْريا ً فب ّ
فََزال عن ذلك الرجل ما ظنه به أو كما قال .
وقال رضي الله عنه :بعد ما أكثر المذاكرة َيوما ً ثم قال:
وك َْثرة المذاكرة ل نحّبها ،ولو ذاكرنا أحدا ً من هؤلء غرق
معنا لكثرة ما قرأناه وطالعناه ولقيناه من المشايخ .
وقال رضي الله عنه :العلوم الدينية والعمال الدينية،
مل ،وأما ي َْنبغي أن ل ت ُْفَعل إل ّ مع الجتماع ،ليتم أمره وي َك ْ ُ
المور الدنيوية فما عليه إل أن يخلص فيه ،ول ي َْنبغي
السؤال اليوم إل ّ عن أمور الدين ، ،ول الستيصاء إل ّ بها،
وأما أمور الدنيا فهم مجتهدون فيها من غَْير كلم ،فل
سؤال عنه ،فالحازم ل يوصي، حتاج إلى اليصاء به وال ّ يُ ْ
وهذا موعود به في آخر الزمان ،بأن الناس ُيقبلون
بكليتهم على الدنيا وينسون أمر الدين ،قال والناس ما
واردوا عليه ،كان كالعدم . يتواردون على أمر واحد ،فإذا ت َ َ
حكاية أصحاب السرير والمروحة
) (2/29
كما حكي عن جماعة قصدوا ملكا ً يريدون المنزلة عنده،
جم ،فأمر بالعجم بمنزل وحدهم، وفيهم عََرب ،وفيهم عَ َ
صنعون وبالعرب وحدهم في منزل آخر ،وأراد يرى ما ي َ ْ
خَتبر أحوالهم سياسة منه ،وجعل عند كل فريق منهم لي َ ْ
في منزله سريرا ً واحدًا ،فأما العجم فقدموا واحدا ً منهم
وأجلسوه على السرير ،وبقوا تحته يخدمونه ،منهم من
ح
ذباب ،وي َُروّ ْ ب عنه بالمروحة ال ّ ص) ( له ،ومنهم من ي َذ ُ ّ يف ّ
عليه ،حتى صار كل واحد منهم في خدمة ،وأما العرب
دموا واحدًا ،قال الخر أنا الذي أتقدم فكلما أرادوا أن يق ّ
وتكونون من تحتي ،وقال الخر مثل ذلك ،حتى اختلفوا
بينهم فأمر الملك بطردهم وإبعادهم وأجاز العجم
وأكرمهم ،والعلوم تكلم فيها السابقون ،فجاء من بعدهم
فوجدهم قد سبقوه بكل شيء من دقايق العلم ،وأراد أن
ذكر غير ما ذكروه ،كالذي جاء إلى أرض واسعة ،فارغة يَ ْ
من البناء ،فبنا فيها دارا ً فجاء آخر فرآها مبنية فكّنس،
فجاء آخر فرآها مكنوسة ،ففرش وعلى هذا.
وذكر رضي الله عنه المطالعة فقال :أولى ما ينبغي أن
در حالك ،فإن كنت من يطاَلع كتب المام الغزالي ،على قَ ْ
مْبتدئين ،فالبداية ،وإل فالربعين الصل ،وإل ّ ال ُ
مْعرفة بالعلم ،فطالع في فالمنهاج) ( ،فإن كان لك فَْهم و َ
الحياء ،فإن ك ُْنت ل تعمل بالبداية ،فقل في نفسك :ل
مل القليل ،فل أقدر على الكثير، شك إذا لم أقدر على العَ َ
كمن ليست له دواب قوية َيسني عليها ،فل ي َْزرع كثيرا ً َبل
وف إلى الكثير وهو عاجز طاقته ،ول ي َت َ َ
ش ّ قليل ً على قدر َ
عن القليل ،والحتياط للعلوم أولى من الحتياط للزرع .
) (2/30
سَهنه إلخ أي ترجوه ،ي َْعني هلل ذي الحجة سنة قوله :ت َ ْ
1130هـ ،فثبت كذلك بالثنين ،من غير اشتباه ،كما رجاه
حّقق الله رجاءه ،وكذلك ما ذكر بعده من ن ََفع الله به ،ف َ
صلح المور ،وسكون الفتن ،ثم دعاهم رضي الله عنه،
للدخول عشّية يوم التروية ،وهو َثامن ذي الحجة يوم
الثنين ،فدخلوا عليه ،فلما اطمأن بهم المجلس ،جعل
َيتكّلم فكان كلمه كله كان) ( َتنّفس ،كالفاقد لمجالسه
طش لجريان المذاكرة بعد انقطاعها . المعتادة ،والمَتع ّ
انظر ما قال في الصبر
صبر عليه، ك ال ّمك ِن ُ َوقال رضي الله عنه :إذا ابتليت بما ي ُ ْ
حوه بل إن خرجت صبر) ( إلى الجزع) ( ون َ ْ فل تخرج من ال ّ
ت ُ شكر) ( ،وإذا دامت ال ّ منه ،فاخرج إلى ال ّ
شدائد أل َِف ْ
وكانوا) ( لما ابتلهم الله اتسعت قلوبهم ،بأن أنزل الله
حوا . حَز ُ صَبروا ولم يتز ْ سكينة ف َ في قلوبهم ال ّ
وقال رضي الله عنه :إن المحن التي تصيب المؤمن في
عمله ،قال مْنزلة الحدود على ما َ جَعلها الله له ب َ الدنياَ ،
عْندهورون في الحاوي ِ ذلك نفع الله به لما كثر المتج ّ
دولة ،فقال لهم :هذه عقوبات على أفعالكم خوفا ً من ال ّ
السيئة ،ثم قال إن المحن إلخ .
أقول :يشهد له حديث) ( )) :من أصاب منكم حدًا ،فأقيم
عليه الحد في الدنيا فهو كفارة له (( ،الحديث ،وكان رجل
دمتهم ،وبقي يعاوده وجع في خ ْ
دولة ،فتاب من ِ يَ ْ
كتب لل ّ
الصابع الثلثة التي كان ي َْقبض بها القلم ،فإذا اشتد به
وأسهره ،جاء إلى سيدنا يقول :اتفل عليه ،فيتفل عليه
ويقول له :هذا محل القلم السوء .
مل أحدا ً ويستره في هذا وقال رضي الله عنه :ما يج ّ
صبر على ما تكره صبر ،وفي الحديث ،وفي ال ّ الزمان إل ّ ال ّ
خير كثير .وكم من الضرر في َفلتات اللسان ،والّرجل
صبر ،وأما النساء فلالعاقل هو الذي يسع ،وهو الذي ي َ ْ
حَتملن ذلك ،وبين عقولهن وألسنتهن برزخ . يَ ْ
) (2/38
طن نفسه على وقال رضي الله عنه :ينبغي للنسان أن ي ُوَ ّ
ة فيصل راح ً ما هو من ط َْبع الدنيا من الك َد َِر ،وإن ح ّ َ
عارض ،فقد قيل للجنيد :ن ََراك لم تتعب من شيء فهو َ
أمر يكون عليك من مصائب الدنيا ،فقال :اعتقدت أن
سي على ذلك ،فأنا طنت ن َْف ِ دنيا مصائب ،وَوَ ّ جميع أمور ال ّ
طنه على منواله ،ثم قال مو َ ّكل شيء يرد على نفسي ُ
شْيئين :الِقَيام بوظائف العبودية، سيدنا :عمدة المور على َ
سب إلى نفسه شيئا ً من كل شيء ،ويكون وأن ل ي َن ْ ُ
كالجسم الملقى ،والُقد َْرةُ ت ََتصرف فيه ،كما ذكر عن سهل
الّتستري رحمه الله ،قال :إذا قال العبد أنا أطعت ،وأنا
عليه بقوله تعالى :أنا عملت ،وأنا فعلت ،فيرد ّ الله سبحانه َ
خلقت ،وأنا غََفرت ،وأنا سترت.
سفوا على سف العرب ما تأ ّ وقال رضي الله عنه :ما تأ ّ
شيئين :فراق الحباب ،وفوت الشباب ،وأنشد هذين
البيتين) ( :
شيئان لو بكت الدماَء عليهما ... ...عيناي حتى تؤذنا
بذهاب
لم ي َْبلغ المعشار من حقيهما ... ...فقد الشباب وُفرقَ ُ
ة
الحباب
صبر م المر إل ّ بال ّ وقال رضي الله عنه لرجل به ألم :ما يت ّ
شكر ،فإن أمور الدنيا ما لها تمام أبدًا ،طال المر أو وال ّ
قصر ،لن الدنيا مبنية على النقصان .
صبر صبر على الشيء ،أو ال ّ شْرط ال ّ وقال رضي الله عنهَ :
صبر أرجح من مقابله ،وال يوشك أن عنه ،أن يكون ال ّ
جهحَرجَ ،فيْفعله على الوَ ْ يرجح مقابله عليه ،فََيقع في) ( ال َ
ضعُ رِط ْل ً في كّفة ميزان ،ودونه في المأذون فيه ،كمن ي َ َ
الخرى ،فيرجح ل محالة -قال ذلك -لما مر في قراءة
"قوت القلوب" :إن الولى للمريد ت َْرك التزويج ،إن أمكنه
الصبر .
وقال رضي الله عنه :اثنان لهما أكبر المنة على آل
خَرج بهم من البدع باعلوي ،الشيخ أحمد بن عيسىَ ،
سّلمهم من حمل السلح، والفتن ،والفقيه المقدم َ
والعمومية بكسره السلح لما تفقر) (.
) (2/40
عن ،وأنه زار وذكر مرة رضي الله عنه :أنه سافر إلى د ُوْ َ
الشيخ علي باراس) ( ،وكان من تلمذة شيخه الشيخ عمر
مّنا أن نأخذ منه الطريق ،فامتنعنا العطاس ،قال :فأراد ِ
من أخذت أنت عنه الشيخ عمر ،والسادة وقلنا قد أخذنا عَ ّ
ددهم من ب َْعضهم بعض ،وغيُرهم إنما يستمد منهم، م َ
إنما َ
ح في ذلك ،فلما رأى امتناعنا من الخذ عليه فعل لنا وأل َ ّ
دى عنده ،فَأبْينا من ذلك ،فأنكسرت صْيدة ،وأرادنا ن َت َغَ ّ عَ ِ
طت العصيدة في الرماد ،فقرأنا الفاتحة سَق َالب ُْرمة ،و َ
كره نفع الله به يوما ً جنا ،هكذا بهذا المعنى والّلفظ ذ َ َ خر ْ وَ َ
ضرح َسمعت من يذكر ذلك ممن َ سبير ،و َ في مجلسه بال ّ
جلس ،قال م ْ
جلسه عند باراس ،أنه لما أراد القيام من ال َ م َْ
جْزنا عنك من كل وجه ،وإن ب َْعض باراس :ياسيد عبدالله عَ ِ
الساده من آل الجفري من أهل الخريبة ،كان تلك الليلة
حكى ذلك سّيدنا بالخربية بوادي ليسر ،فَ َ التي بات فيها َ
سيد :أنه رأى تلك الليلة رؤيا ،رأى أن سيدنا عبدالله ال ّ
حنكه السفل بالرض، أقبل على باراس ،فاتحا ً فاه ،و َ
وأعله في السماء ،وباراس بين يديه كالعصفور أقبل عَل َْيه
سيد عمر العطاس معترضه يقول له :ل يا ليلتقمه ،وإذا ال ّ
سّيد عبدالله ،إتركه لجلنا ،فتركه ،ولم سّيد عبدالله ،ل يا َ َ
يعلم الرائي بالواقعة ،إل لما حكى بالرؤيا ،أخبر بما وقع
ما امتنع سيدنا من له معه ،وإنما فعل باراس الَعصيدة ل َ ّ
طريقة خذ ٌ لل ّالخذ عنه ،لن أكل الزاد عند أهل هذا الفن ،أ َ ْ
ممن أكل زاده ،كما قدمناه من كلم سيدنا ) لو يعلم
الناس ما في طعامنا وشرابنا ( إلخ .
جعلون المدد في الّزاد ،لمن لم وقول الشعراوي :إنهم ي َ ْ
مَقامسّيما في هذا الزمان ،ويقوم لهم َ يمكنه الخذِ ،
الّتلقين ،ويصير من تلمذتهم ،ويحصل له منهم المدد .
) (2/42
معنا ،لطالب إذا أراد الجلوس َ وقال رضي الله عنه :ال ّ
نتعذر منه على أي حال ،ولو أنا ما ن َْقدر استندنا له،
سنا معه ،وإنما نتكلف لهل الرسوم . جل َ ْ
و َ
طمح نظرهم ،وسائر م ْوقال رضي الله عنه :أهل الدين َ
دين ،وغافلون عن أمور الدنيا، همومهم كلها في أمر ال ّ
طمح كن غافل ً عنها تغافل ،وأما أهل الغفلة َفم ْ ومن لم ي َ ُ
متهم ،وأفكارهم في أمور الدنيا ،وإن َفعلوا نظرهم وهِ ّ
دين ،فما هو إل ّ من أمور الدنيا، شيئا ً ود َّبروه وظنوه من ال ّ
فيرجع جميع ما يتعاطونه من أمور الدنيا .
وقال رضي الله عنه :من اعتقد في ن َْفسه الهلية ،ن ََقص
حظه ،وإن أهلوه يكفيه علم الله بأهليته ،فإن اعتقدها كان
بخلف ذلك .
وقال رضي الله عنه :من عامل الله على قَد ِْره تعالى،
ل لله على قَد ْرِ نفسه، م َ دره ،وإن عام ٌ
ل عَ ِ جازاه على قَ ْ َ
در نفسه . كان جزاؤه على ق ْ
سط دحقة في وَ َ وقال رضي الله عنه :أهل الباطن على ال ّ
شريعة .وأهل الظاهر على طرف الشريعة . ال ّ
وتكلم رضي الله عنه في أحوال الزمان فقال :فقدت
ل الخير ،يريدون أن المانة ،وفُِقد َ الحياء ،وفُِقد الدين وفِعْ ُ
خْيرهم فما زادهم ذلك إل فَْقرا . ي ُْغنوا أنفسهم بقلة َ
كر له رضي الله عنه رجل حاله ،فقال :هي نفسك إن وذ َ َ
وموها بالّنار . متها فذاك ،وإل ّ قَ ّ أصلحتها وَقو ّ
سنين على وذكر رضي الله عنه يوما ً مرور اليام وال ّ
الغَْفلة ،وذكر هذا النظم :
ن تنظر ساق إلى الجال والعي ُ مّر بنا اليم ت َت َْرى وإنما ن ُ َ تَ ُ
بشي ُم ِب الذي مضى ول ذاهب هذا ال َ فل عائد ذاك ال ّ
شبا ُ
مك َد ُّرال ُ
) (2/43
وشكا إليه نفع الله به رجل من ولد له غير َباٍر ،وليس هو
صبر والمسامحة، في رأيه ،فقال له ما عاد معك إل ّ ال ّ
سَتنكر ،وفي الحديث :عجب ربك صغر ل ت ُ ْ صبوة في ال ّ وال ّ
صبا شعبة من الجنون .وإذا غََلبتك صْبوة له .وال ّ شاب ل َ لِ َ
عها تغلبك . صبر ،ول ت َد َ ْ المور فاغلبها بال ّ
صبيان متقاربة، وقال رضي الله عنه :ط َِباع الّنساء وال ّ
مْيل الكل واحد ،حتى إذا خرج الصبي إلى الكبر رأيته و َ
مشمئزا ً .
ما يريد ،فإن ذلك سفيه م ّ وقال رضي الله عنه :ل تمنع ال ّ
صغار َ
مُر ال ّ عناء بل شئ ،وي َْنقلب عداوة فيما بعد ،وأ ْ
ك عليه، صّليت ل تح ّ حث ،إذا قال َ حتمل الب َ ْ والحريم ل ي َ ْ
خرج منها إل ّ الّتراب ،ثم قال خذ جارة ل ي َ ْ ح َ
كيت ال ِ ح ّ
فإذا َ
هذه الكلمة واحفظها ،أهل الزمان ما لهم نظام ،ل في
حسنونها ،ول دين ،ول في دنيا ،تراك تراهم في صلتهم ل ي ُ ْ
جهم ،فهذه أمور دِْينهم فما بالك ح ّحسنون زكاتهم ،ول َ يُ ْ
بأمور د ُْنياهم ،وفي بعض الخبار يأتي زمان يحج أمراؤهم
سؤال . للنزهة ،وأغنياؤهم للتجارة ،وفَُقراؤهم لل ّ
وم ما عاد ن َُزّر) ( عليهم، صغار الي َ ْ وقال رضي الله عنه :ال ّ
إن جاءت منهم زِْينة ب َّركنا عليهم ،ود َعَْينا لهم ،وإن جاءت
ت فَ ّ
ظا طناها ،قال الله تعالى } :وَل َوْ ك ُن ْ َ سَر ْ منهم عوجا َ
ك {) ( الية ،ولو قابلت حوْل ِ َ
ن َ
م ْ ب ل َن َْف ّ
ضوا ِ ظ الَقل ْ ِ
غَِلي َ
العوجاء بعوجا مثلها ،جاءتك عوجا .
ضْعفهما تأثير في وقال رضي الله عنه :لنشاط البوين و ُ
ضْعفه ،والم أكثر لّنها موضع الحرث ،وهي نشاط الولد و ُ
التي ت ُْعنى به دون الب .
) (2/45
سبير، وتبعه رضي الله عنه رجل بابنه ،يوم الحد إلى ال ّ
جع، وذلك ثامن ذي القعدة سنة 1125هـ فقال :قل له ي َْر ِ
ب ابنه كثيرا ً فل تكون بركة في ذلك الولد، من رأيته يح ّ
لنه ي َْبقى يداريه وَيترّقاه فيتغّير ،فل تعلق قلبك إل ّ بربك،
حنانة فإنما هو محمود سط ،وأما فرط ال َ طلوب الوَ َ م ْ وال َ
للنساِء ،وذلك ط َْبعهن ،ولهذا إذا طلب الرجل ابنه ليضربه،
ف من أبيه تلك المحبة المفرطة، إلتجأ إلى أمه ،وإذا أ َل ِ َ
ي بل أدب منه ،فل يؤدبه ،لنه إنما يعامله) ( بما ب َِق َ
َ
سلطين كيف حسن َتربيته ،أل َ ترى ال ّ يحب) ( ،فل ي ُ ْ
َيدفعون أولدهم إلى من ُيرّبيهم من ب َد ْوٍ أو غيرهم،
خلفه منه أو ن تربيتهم ،ثم إذا ألف منه ذلك أنكر ِ س َح ُ ل ِت َ ْ
مْنزلة ،فماذا ترى ب الجاه وال َ ح ّ من غَْيره ،فيت َوَّلد فيه ُ
صل لهؤلء ،اسمعوا كلمنا ،كل هؤلء ما فيهم خير ،أو ح َ َ
سَرة ثم مَثل من يريد يخّنم ب ِ ْ ُ
مث َلهم ك َ َقال ما فيهم بركة ،و َ
دح الخمول م ْ
ظهور و َم محّبة الجاه وال ّ طال به الكلم في ذ َ ّ
ظهور ،مع توّقيه منه ،وما وما وقع في ابتداء أمره من ال ّ
قالوا له مشايخه في ذلك وأنه شكا ذلك أي ما وقع له من
الظهور للسيد عمر العطاس ،وذكره له ذلك الذي يقّبل
كنوا من تقبيل شيء منه، س حوافر دابته إذالم يَتم ّ النا ُ
ظموني ،إنما وإنه قيل له في ذلك ،فقال :إنهم ما ع ّ
َ
مَنعهم من تعظيم الله ،إلى آخر ما سبق ظموا الّله ،فل أ ْ عَ ّ
ذكره من ذلك الَقب ِْيل ،ثم قال :ل يظهر أحد من أهل
ظهور من الولياء إل بواسطة جميع الولياء من ظاهر ال ّ
وخامل ،وذكر الشعراوي أن من ظهر منهم وفيه كفاية،
مْثله ،يدعون عليه حتى ظهور ِمَنازعته في ُ إذا رام أحد ُ
م ،ولمايهلك ،وقد ذكرت كل ذلك بت َْفصيله فيما تقد َ ّ
استخلف) ( منه ذلك الّرجل ،أبو الولد المذكورُ ،يريد بلده
شبام ،قال له :الحذر أن ت َْغبط أهل الد ُّنيا ،وَت َوَد ّ أن تكون
مثلهم ،فُتحاسب في
) (2/46
سأل النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم، ذكر أن أحدا ً َ م يُ ْ ول َ ْ
ف
منته ،عُْر ٌ ض ّ ونهم عالمين بما ت َعن معنى ل إله إل الله ل ِك َ ْ
مْعروف بينهم ،فإيمانهم أ َْقوى من قلوبهم ،فلو أن محتسبا ً َ
قام على أهل تريم ،لحتاج أن ي َُبين لهم ما يجهلونه،
ويطالبهم بما يعرفونه ،وي ُْنكر عليهم في أمور كثيرة
يتعاطونها ،ذكر منها نفع الله به جملة ،منها أنهم
حُنون) ( دا ِ رجون الصغار) ( ،في مسجد آل باعلوي ،ي ُ َ ح ِ يد َ ْ
وابي ،وي َْتركون ما هو ألزم من ج َسجد وال َ م ْ
الكبار في ال َ
ذلك ،فأين الزكاة وغيرها ،وما كنا نعرف صغيرا ً يقدم في
صف الول في مسجد باعلوي ،وقد كنت إنما أدخله) ( ال ّ
مع الوالد ول أصلي إل في الصف الثالث ،وهذه المور
التي حدثت ما ك ُّنا نعرف منها شيئًا ،ولو توليناهم ،أو تولى
ل يسمع لنا ،لظهرنا لهم أمورا ً غريبة من الحق ما كانوا وا ٍ
َيعرفونها ،وغير ذلك ومثل ذلك وأشباه ذلك ،وكم وكم
أوكما قال .
وذاكرته رضي الله عنه في الكلم المتقدم ،في شأن
مّيز ،بأن يحسن يأكل ،ويستنجي ويتوضأ وحده، الصغير إذا َ
صوم إن أطاقة ،قلت فالعمدة فيؤمر بالصلة لسبع ،وال ّ
في ذلك بالتمييز ،أو بالسن ،أي بلوغ السبع ،قال بهما
سبع ،أيؤمر قال ل ،لنه ل مّيز قبل ال ّ جميعًا ،قلت فلو َ
صليسبع ،ومن ك َّلف الصغير أن ي ُ َ مييزه قبل ال ّ يوثق ب َت َ ْ
طع ،وللمور ويصوم ،كما يصلي ويصوم الكبير فقد بالغ وتن َ ّ
أوائل وأواخر ووسط ،فكل من عمل في أوائلها كما يفعل
طع .فخذ هذه حكمة وقاعدة، في أواخرها ،فهو المتن َ ّ
درجه أو كما قال نفع أيمكن النسان طلوع السطح قبل ال ّ
الله به .
وقلت له نفع الله به :تكلمتم بالمس في ت َْعليم الصغار،
سماع في آذانهم، ولكنه ت ََفل ّ ْ
ت علينا فقال :الّناس اليوم ل َ
ول قابلّية في عقولهم ،فلو كان فيهم قابلية ،لخذوا الكلم
في ذلك الشئ وفي غيره ،فأين نحن اليوم ممن أخذنا
عنهم .
) (2/48
صل في حضرموت، ح َ
دري الذي َ ج َوذكر رضي الله عنه :ال ُ
صغار ،فقال لم أول سنة 1126وقد مات فيه كثير من ال ّ
نعرف منه كثرة الموت هكذا إل ّ من نحو اثنين أو ثلثة،
مّرات ،وإنما قد َيحصل بسببه تغير بعض وقد مر علينا َ
سبب ل هذا الموت ،الحاصل منه ب ِ َ العضاء كالعين ،ولعَ ّ
عدم تنّزه في شْبهة في أنكحتهم إن لم يكن زَِنا أو َ أمور ك ُ
الوَِقاع ،أو عدم ذِك ْرِ الله عنده ،وأين الناس اليوم قد غَِفلوا
سنة أو العفاف ،أو جدًا ،أقل الحال أنه لم يقصد بالنكاح ال ّ
جّرد الشهوة ،واشتغلوا بأولدهم م َكف بصره وإنما مراده ُ
موت ذريع، مّرة في مصر َ كر أنه حصل َ عن الّله ،وقد ذ ُ ِ
وفيها الشيخ أبو عبدالله القرشي وكان من الكابر فدعا
شّفع لهم ،فسمع صوت قائل يقول ل ه في رفع ذلك ،وت َ َ الل َ
تأسف على هؤلء فكل من رأيته مات فهو ولد زَِنا ،فخرج
صر قاصدا ً إلى الخليل فلما قرب منه تلقاه الخليل م ْمن ِ
عليه السلم ،فقال له :يا نبي الله ما أريد ِقرائي منك إل
شّفَعه الله ورفع عنهم مصر َفشَفع فيهم فَ َ شفع لهل ِ أن ت َ ْ
ذلك .
كر له رضي الله عنه رجل أن ابنه مات ،فقال :الناس وذ َ َ
حن ،ومنهم كلهم طحين رحا الموت ،إل ّ أن منهم من َقد ط ُ ِ
من عاده ،فقال الرجل :لكن فيه أنس ،فقال سيدنا :أنت
كفيك ذلك أنسًا ،وسمعنا فيما سمعنا قد آنست أهلك ،في َ ْ
طفا ً
ل ما يخطر له الموت في مرض موته ،ل ُ ْ أن النسان قَ ّ
من الله ،وإل ّ كان انخلع قلبه.
وذكر رضي الله عنه :الجدري) ( فقال :ط َْبعه الحرارة ،إل
دته في الشتاء جَهتنا ظنوه باردًا ،لما رأوا ْ من ِ
ش ّ أن أهل ِ
شديدة صيف ،وهكذا عادة الجروح تكون َ أكثر منه في ال ّ
في وقت البرد ،وإن كان ط َْبعها الحرارة ،وأكثر موت
حْبسهم في الماكن الصغار بعد تقدير الله والجل بسبب َ
الحارة ،وقد أوصيناهم من بعد نجم الطرف ،أن يجعلوا
منعونه من المهب) ( . طب) ( في البراح ،ولكن ي َ ْالمق ّ
) (2/49
شْيئا ً من ظاهر
ي َوسألته يوما ً نفع الله به أن ُيملي عل ّ
سعفني
حفظها عنه ،فلم ي ُ ْأحواله ،من صغره إلى الن ،لن َ ْ
سينا أكثرها ول عاد بقي إل كتابات لم بذلك ،وقال قد ن َ ِ
كرناها لحتاجتنثق بها ،ول عاد معنا دماغ لذكر ذلك ولو ذ َ َ
مّنا شىء ،وقد قلنا لبعض الناس عاد ِ
إلى مجلدات ،ول َ
اشرح بعض القصائد ،فقال :ل أشرح إل بشرط ،أن أجعل
مجلدين أحدهما في ترجمتكم وذكر أحوالكم ،والخر في
شرح القصيدة ،فما أعجبنا ذلك منه ،وأناس مدحونا
ذكرونا بها فأردنا أن ننهاهم عن ذلك ،لكن بقصائد كثيرة ،و َ
خّلينا كل يتولى ماخفنا من عدم الخلص في ن َْهيهم ،ف َ
ت َوَّلى ،ويتد َّرك ما تدرك به ،ونقتدي بالّنبي صّلى الله عليه
و آله وسّلم ،لما قيل فيه النظم ،مما مدح به وأنشد بين
يديه ،ومدحه عمه العباس وغيره ،ونحن هذه الشياء ما
تجئ على بالنا ول نحبها لنا ول لمن نحبه.
) (2/52
ثم قال الشريف المذكور :من علم بما فيه ،مما يمنعه من
دعوة إنماذلك ،ما يلزمه في حقه؟ ،فقال :من بلغته ال ّ
دعوه وُتذكره ،ل أن تعّلمه ،فقد كان النبي يجب عليك ت َ ْ
كة قبل الهجرة ،إنما صّلى الله عليه و آله وسّلم بم ّ
يدعوهم إلى السلم فقط أكثر مما بعدها ،ومن رأيته
يصلي ول َيطمئن في صلته ،وهو عالم بوجوب الطمأنينة،
ل يلزمك أن ت َُعلمه ،إنما أكثر ما يلزم الّتذكيُر ،والنسان
ل المر اليه في تدبير سْعيه ،ولو وُك ّ َ دعي بإجتهاده و َ ي ّ
نفسه لما أحسن ذلك ،ول قدر عليه فضل ً عن غيره ،و
وجدت الموجودات على مقتضى عقل أعقل الخلق ،لو
رجح بعقول جميع الناس ،لما اقتضى أن توجد أحسن مما
وجدت ،ثم أطال الكلم في الصلة فكان من جملة ما
قال فيها :إنها عمود الدين وإنها تجر إلى أمور الدين ،لنها
ت َْنهى عن الفحشاء والمنكر ،وآخر ما تكلم به النبي صّلى
صلة الصلة ،وما ملكت الله عليه و آله وسّلم يوصي بال ّ
أيمانكم ،لنهم كانوا أهل حرب .وأما التهنئة بالبنت ،فل
دليل فيه مأخوذ من تهنئة كعب بن مالك بالتوبة، نعرفه وال ّ
وقوله عليه الصلة والسلم لبي بن كعب) ( :ليهنك العلم
أبا المنذر .
جه للتهنئة بالبنت ،وإنما هي وقال رضي الله عنه :ل وَ ْ
ستشهد من لفظ التهنئة من قوله: على هذا ي ُ ْ بالولد ،وَ َ
ل ضمائره مذكرة، ت ب ِّر وبلغ أشده ،ك ٌ َ
رزقت بره أوَ للبن ِ
ولكن من أراد يحاجج) ( ،قال :وما هو إل كذا ،وما رأينا
في الكتاب إل هكذا .
) (2/56
غبه في مطالعة كتب وأوصى رضي الله عنه رجل ً ور ّ
كتب المام ب على مطالعة ُ المام الغزالي ،فقال :أك ّ
الغزالي ،فإنها في كل الكتب كالخصار في الطعام ،بل
كته شتهه في وقت ت ََر ْ أعلى من ذلك ،فإن الطعام إذا لم ت َ ْ
مع فيها ج َستغنى عنها بحال ،لنه َ إلى وقت أخر ،وهذه ل ي َ ْ
سلف ،وإذا شريعة ،والطريقة ،والحقيقة ،ومواريث ال ّ ال ّ
جاء عند ذكر الحقائق حد لها حدودًا ،وشرط لها شروطًا،
ليتحقق من أرادها ،أنه من دخل إليها من غير بابها أنه
صّنف "الحياء" دع ،وقد رأى بعضهم بعدما ُ ضال م ّ
ن يحثو على رأسه التراب ،فقال له ما بالك .قال: الشيطا َ
صّنف في السلم كتاب ،أخشى أن الناس يتبعونه . ُ
وعلوم الحقائق هذه رأيتها أنها كالّنار المحرقة ،أو كالمياه
ما غرق ،وإل ّ احترق ،ويحس المغرقة ،إذا دخلها النسان إ ّ
النسان إذا نظر إلى الحياء أنه كتاب مطول ،وإنما هو
مختصر) ( وذلك لبلغ مجلدات كثيرة ،وقد قال المام
النووي :كاد الحياء أن يكون قرآنًا ،وهل ذلك لكثرة ما فيه
من آيات القرآن ،للستدلل بها ،أم لكونه معجزا ً فشاَبه
جه ،وهذا أقرب ،ومعنى كونه معجزا ً القرآن من هذا الوَ ْ
سبق إلى مثله ،ويعسر على من أراد أنه على منوال لم ي ُ ْ
صنف مثله التيان بمصنف على نمطه. أن ي ُ َ
وقال رضي الله عنه :الحياء بالّنسبة لما اشتمل عليه
صل ما ذكر فيه لبلغ ستين مجلدًا ،قال: مختصٌر جدًا ،ولو فُ ّ
سمعت عن بعض أهلنا المتقدمين ،أنهم سمعوا آباءهم
كثيرا ً ما يذكرون المام الغزالي ،قالوا له :ما هو الغزالي،
سّيد هو ،يعني شريف ،قال ليس بسيد و لكنه سيد َ
السادات .
وقال رضي الله عنه :إثنان يغار منهما أهل الباطن،
مسلة) ( ويحسدونهما أهل الظاهر ،لنهم إذا طعنوهما ب َ
ط َعََناهم برمح :الشيخ عبدالقادر ،والمام الغزالي .
) (2/57
وقال رضي الله عنه :عن الشيخ عبدالله العيدروس:
جذبها إلى حضرة علم الحياء مغناطيس القلوب ،ي َ ْ
الغيوب .
أقول :وما سمعت سيدنا قط ،يقول في مسألة ذكرها
م له فيها ،بل كّلما تك َّلم في سل ّ ْ
المام الغزالي ،أنه لم ي ُ َ
مسألة ،وفيها كلم لغيره ،يقول إن كلمه هو الراجح ،إل
صغرى وهي الموت، قوله) ( في الموازنة بين القيامتين ،ال ّ
صغرى: والكبرى وهي البعث وما ب َْعده ،وأنه يقال في ال ّ
سّلم له ،فإن الله ولقد جئتمونا فرادى ،فقال :ليس هذا بم َ
سبحانه وتعالى ذكر في غير موضع من القرآن ،إنما يقال
ذلك في القيامة الكبرى .
وذكر يوما ً رضي الله عنه المام الغزالي ،ثم قال :هو
حاسبي ،يتواردون على منهل واحد، سهروردي ،والم َ وال ّ
وإن اختلفت الموارد ،ولكن من في قلبه دغل يَتعّلق) (
أوهن البيوت لبيت العنكبوت .
خَتم السيد زين العابدين بن مصطفى كتاب ولما َ
"الربعين الصل" للمام الغزالي ،تك َّلم كثيرا ً في ذلك
المجلس ،فمن ذلك قال :سبحان الله ،كلم المام
دق من ص َالغزالي يكفي عن غيره ،وغَي ُْره ل يكفي عنه ،و َ
قال :لو يجوز خروج نبي ،كان المام الغزالي ،وث ََبتت
ض
م الرازي وبع ُ مْعجزاته في بعض مؤلفاته ،وقد رأى الما ُ ُ
ي صّلى الله عليه و آله وسّلم ،فقال عليه أصحابه النب ّ
ت قد أدركتني ،فقال :كيف ل أحب ن كن َ السلم) ( :أتحب أ ْ
ه ،أن ل ذلك ،وأنا متأسف على رجل من أمتك ما أدركت ُ
من هو؟ ،قال :المام الغزالي ،فقال ه ،فقالَ : أكون أدركت ُ
عليه السلم :ذاك هو المام الزاهد الفاعل) ( ،حتى عدد
مائة خصلة ،وكذلك ما رآه الشيخ أحمد الزبيدي ليلة مات
الغزالي ،وهو أنه رأى أنه خرج من قبره ،وعرج به من
سماء إلى سماء حتى غاب عنه ،فسأل عنه من هو؟،
فقيل :المام الغزالي .
) (2/58
أقول :قوله أحمد الزبيدي ،ي َْعني الشيخ أحمد الصياد،
وتقدمت قصته هذه ،ومكاشفته ،وكذلك ما رآه الشيخ أبو
الحسن الشاذلي ،نفع الله به آمين ،قال :نمت في
المسجد القصى ،فرأيت خلقا ً كثيرًا ،جاءوا أفواجا ً أفواجًا،
فقلت لرجل في جنبي :ما هذا الجمع؟ ،قال :جميع الّرسل
لج ،فدخلوا شفعوا في الحسين الح ّ والنبياء قد حضروا لي َ ْ
عند محمد صّلى الله عليه و آله وسّلم في إساءة أدب
ظروقعت منه فشّفعهم وقبل شفاعتهم وعفا عنه ،ثم ن َ َ
فإذا نبينا صّلى الله عليه و آله وسّلم جالس على التخت
جميع النبياء والّرسل جالسون على الرض، بانفراده ،و َ
مثل إبراهيم وموسى وعيسى ونوح ،فوقفت أنظر،
سمع كلمهمَ ،فخاطب موسى محمدا ً صّلى الله عليه و َ
وأ ْ
آله وسّلم ،فقال :إنك قلت :علماء أمتي كأنبياء بني
إسرائيل ،فأرني من أمتك واحدًا ،فقال له :هذا ،وأشار
سأله موسى سؤال ً واحدًا ،فأجابه إلى المام الغزالي ،فَ َ
بعشرة أجوبة ،فاعترض عليه موسى بأن الجواب يكون
مطابقا ً للسؤال ،فقال له الغزالي رحمه الله :هذا
العتراض وارد عليك أيضا ً حين سئلت :وما تلك بيمينك
ياموسى ،فكان جوابك أن قلت :هي عصاي أتوكأ عليها،
ت لها وأهش بها على غََنمي ،ولي فيها مآرب آخرى ،فعدد َ
ت كثيرة فابتهر سيدنا موسى من قوله وتعجب غاية صفا ٍ
العجب ،قال :صدقت يامحمد علماء أمتك كأنبيائنا ،قال
الّراوي :فبينما أنا متفكر في جللة قدر نبينا ،وكونه جالسا ً
على الّتخت بانفراده ،والبقية على الرض ،إذ رفسني
جله َرفسة مزعجة ،فانتبهت فإذا بالقّيم يشعل خص برِ ْ ش ْ َ
سجد القصى ،فقال :أتتعجب أن الكل خلقوا م ْ قناديل ال َ
ي ،فلما أقاموا الصلة أفقت، من نوره ،فخررت مغشي ّا ً عل ّ
وطلبت القيم فلم أجده إلى يومي هذا .
) (2/59
وقال رضي الله عنه :لشخص يذكر الدب :خذ مني ،هذه
المراتب تعطي النسان) ( ،سواء كانت مراتب الدين أو
مراتب الدنيا ،أل ترى في مراتب أهل الدنيا ساعة ُيعزل
س حال ،لن المراتب على أصل عنها يكون على أخ ّ
خْلقة ،والخلقة من فعل الله ،بخلف مراتب العمل ،فك ّ
ل ال ِ
مرتبة تعطي صاحبها ما يناسبها سواء كانت المرتبة
محمودة أو مذمومة ،ثم قال :ونحن ما أنكرنا على
فلن) ( ،أنه يشرب الخمر أو ي َْزني) ( ،وإنما قلنا :إنه ما
يعرف أمور المرتبة ،لنها تحتاج إلى رصانة ،وتحتاج إلى
خت من رزانة وتحتاج إلى سر ،وتحتاج إلى معرفة ،والب َ ْ
وراء ذلك ،فمن كان له بخت أنقلبت سيئاته حسنات ومن
خت له بالعكس ،انقلبت حسناته سيئات ،وفَت ْ ُ
كه إنما ل بَ ْ
كان في لسانه ،ل في فعله ،ولو كان فتكه في فعله :لتم
له أمره ،ولكنه في قوله ،ومن كان فَْتكه في لسانه ،فإنه
دره الله ،والمملكة الدينية يهتك ول يفتك ،ولكن وقع ما قَ ّ
من لهن تأمل و َ م ْوالمملكة الدنيوية ل بد ّ لها من تحفظ و ِ
سبق إليها .
علم رأى جميع هذه المور قد ُ
) (2/72
وقال رضي الله عنه :ما غَّير الناس إل الّناس ،حتى الدولة
سَبب غيارهم إل ّ هم ،وإل فأحسن أن تسامح الغني ما َ
لجل الفقير ،ول تطبخ الفقير بمرقة الغني ،والظلم
مُنوا ْ َوات َّقوْا ْ {) ( الية،
ل ال ُْقَرى َءا َ ن أ َهْ َ َ
يمحق ،وتل} :وَل َوْ أ ّ
وهؤلء كذبوا ،وإذا فعل من آمن مثل فعل من لم يؤمن
حصل فيما حصل فيه ،والتكذيب يكون في القلب وفي
القوال والفعال ،وهؤلء كذبوا بأقوالهم وأفعالهم ،والله
أعلم بما في قلوبهم ،وإذا ذبح الرعاة الغنم للذئب ما
بالك؟ ،وقد كان الرعاة يحفظون الغنم عن الذئب ،وهؤلء
ذبحوا الغنم للذئب ،ولكن الله ُيمهل ول ي ُْهمل ،وقد قال
الله تعالى في بعض ما أنزل ،أنا الظالم إن لم أنتقم من
جرا ً
ح َ
ضا أنه تعالى قال :لو كان الظلم َ الظالم ،وجاء أي ً
ملقى في الجنة لخربت الجّنة بسَببه .مع أن الجنة ل
مّنى أناس ضا :إذا صلح الولة والعلماء ت َ َ خرب ،وجاء أي ً تَ ْ
سد الولة من الموات أن يكونوا في الحياء ،و إذا فَ َ
مّنى أناس من الحياء أن يكونوا في الموات، والعلماء ت َ َ
مّنى أن يكون في الموات . والن هنا أحد في الحياء) ( ي َت َ َ
دولة ،فقالوذكر رضي الله عنه :أقواما ً مخالطين لل ّ
درت أحوالهم ،لن الصفا يتكدر بمخالطة أهل الكدر، تك َ ّ
والّناس معهم منذ عشر سنين ،وهم يذوبون كما يذوب
شجر في النار ،وقاعدة أهل هذا الملح في الماء ،وال ّ
ط فية ضب َ
البيت) ( الخراب ،وإل فقاعدة :من له حيل ٌ
مكان ،حتى إذا رؤي منه ذلك ،انضبط المكان الخر ،ولكن
مْلك شيبة ،وَوََقع خرابه بأيدي أهله،
هذا آخر ملكهم ،لنه ُ
شجرة) ( ،وما عاد مع الجزع ثواب بل ضرب في ال ّ وهو كال ّ
عقاب آخر .
) (2/75
خل عليه رضي الله عنه رجل من بيت دولة الجهة، ود َ َ
ن العابدين :لكن رأيتم فلنًا ،ي َْعنيه، فقال لسيدنا السيد ُ زي ُ
حّراقة ناضجة بحيث ُتوري من أول عسى أن يكون له ُ
حنا الُقّراعة) ( في هذا دحة ،فقال :سيدنا :إنا قد ط ََر ْ قَ ْ
الزمان فلم نقدح لحد فيه قط) (.
وقال رضي الله عنه :لله في خلقه مثوبات وعقوبات،
جَعله في فمن أحبه منهم أقامه في المثوبة ،ومن أبغضه َ
العقوبة ،وإذا رأيت أن الّله جعل أحدا ً ينتقم به ممن خالفه
فاعلم أنه يبغضه .
وذكر رضي الله عنه والي اليمن ،فقال :هو ظالم لن
الظلم له صورة ،وإنما هو عقوبة ط ََرحه الله على ِرقاب
الناس ،والوالي الظالم عقوبة ،يعاقب الله سبحانه به أول ً
ثم يعاقبه .
وذكر رضي الله عنه عمر بن جعفر ،فقال :حركاُته كثيرة،
وظ ََفُره قليل وإذا أراد الله بالعبد شيئا ً ] أي من الخير [
ما ،فانظر أمر الله في ج ّ جعل حركاته قليلة ،وظ ََفَره َ
خلقه ،أحد منهم في الراحة وأحد ٌ منهم في التعب ،وأهل
حضرموت ي َْعملون كالمريض الذي ب َعُد َ منه الطبيب ول
معه د ََواء .وليس للناس حاجة بقتل يافع ،ما هو إل ّ
ة
صَف ُ ي َْرفعون أيديهم من الموال التي ما تنبغي لهم ،وَ ِ
العسكري ما هي إل ّ هكذا ،ولو كان أربعة جماعة أردت
تقدم منهم واحدا ً َتعالقوا) ( ،والمر ما هو إل بالنظام ،وقد
صد سّتة نفر بعض الملوك ثلثة منهم عجم وثلثة عرب،
َ قَ َ
مروا واحدا
مْروحة ،فأما العجم فأ ّ رير و ِ
فأمر لكل بس ِ
منهم ،وجعلوا له السرير ،وأعطوا المروحة آخَر منهم،
جَعلوه على الباب بوابًا ،وأما العربي َُرّوح عليه ،والخر َ
مر ،فلما علم الملك فاختلفوا ب َْينهم ،كل منهم يريد أن يؤ ّ
بذلك أمر العجم الثلثة بالقامة عنده ،وأعجبه حالهم،
وط ََرد الثلثة العرب ،وقال هؤلء مفسدون ل خير فيهم،
أو كما قال .
) (2/76
من أنت؟ ،قال :أنا من المشقاص بعد وفاته ،فقال لهَ :
طلق روحه في الدنيا فََق ْ
ط ،ومنهم الط ّل ََقة ،ومنهم من ت ُ ْ
مكث ببدنه في في البرزخ ،ومنهم في الخرة ،ومنهم من ي َ ْ
قبره بل إطلق لروحه ،أو كما قال .
حديثًا :إن الله يأخذ من وذكر رضي الله عنه كلما ً ي ُْروى َ
سْبعين صلة مقبولة ،ثم قال نعم ظالم لمن ظلمه ثواب َ ال ّ
كموه في حسناته يأخذ هذا وزيادة) ( ،لكن مقام ح ّإن َ
ل أو كثر ،لن العدل ل يقتضي هذا ،بل يعطى قدر حقه قَ ّ
مقام الخرة كله عدل ظاهرا ً وباطنًا ،لن أمره إلى الله ل
مْنسوب إلى سواه ،وأما العدل في الدنيا فهو ظاهر ،لنه َ
الخلق ظاهرا ً ومنسوب إلى الله تعالى في الباطن أيضًا،
وكما إن الله تعالى طلب من الخلق العدل في الدنيا
كذلك يعاملهم به في الخرة .
دول الجهة وتكلم رضي الله عنه في أهل الزمان وفي ُ
جْيفة الدنيا ،وهي وفي ك َْثرة ظلمهم فقال :أكبوا على ِ
ضط ُّر غَي َْر َباٍغ
نا ْ حرام إل ّ قدر الضرورة ،قال تعالى }:فَ َ
م ِ
عاٍد{) ( الية ،ومن تأمل أحوالهم عرف أن ما فيهم وَل َ َ
حمة ،ل الدولة على الّرعية ،ول الرعية ب َْعضهم على َر ْ
بعض ،فإذا لم ي ََتراحموا ما ُرحموا ،وأكث ََر في مثل هذا ثم
قال :إنا نحب أن نتنفس مع من نحب،فإن لم نتنفس
خشى عليهم أن يصابوا. وبقي ذلك مكمونا ً في صدرونا ن ْ
) (2/80
ب) ( إنها ضعفت وَت َغَّيرت، جَر ْ وذكر رضي الله عنه جهة ال ِ
فقال نفع الله به :راح بها دعاء أهلها ،إذا حصل عليه
بسببه شيء من المتاعب من نحو دولة أو غيرها قال :الله
ي َْفعل به وي َْفعل ،فغّير ذلك عليهم ،وهذا كما قال الله
ر{) ( الية ،ثم عآَءهُ ِبال ْ َ
خي ْ ِ شّر د ُ َ ن ِبال ّ
سا ُ
لن َ
تعالى } :وَي َد ْعُ ا ِ
همم قال :معك خصلتان يمحقان :تعّلق الدولة ،وتعلق ِ
الناس ،ثم ذكر إفراط ولة الجهة في الظلم ،فقال :لو
مرها ِبسَياسة من غير جاء والي على الجهة يريد أن يد ّ
قتل ول إزعاج ،ما فعل بهم مثل هذا الِفعل ،وقد أمرنا
بعض سلطين الجهة بشيء من المعروف ،وهو السلطان
جل ً ممن محمد بن بدر الكثيري ،فلم َيمتثل ،فأرسلنا إليه َر ُ
يّتصل به ويداخله ،فكّلمه بكلمنا ،فقال :إن فلنا ً يريد مني
أن أسير بسيرة عمر بن عبد العزيز ،وأنا ما أطيق ذلك،
درة لي عليه ،فحكى لنا بقوله هذا ،فقلنا للرجل: ول قُ ْ
حكمك ،ب َل ّْغتنا كلمه ،فهل ت ُب َّلغه كلمنا؟ ،فقال :نعم أبلغه ُ
ي منه ،فقلنا له :قل له يقول لك :تخزى، كلمكم ،وما عل ّ
ما نطلب منك أن تسير بسيرة عمر بن عبدالعزيز ،ل أنت
ول نحن في أنفسنا ول في أهلنا ،ول من هو أحسن منا) (،
وإنما نريد منك أن ت َُقوم وتؤدي من حقوق الله وحقوق
عباده ،ما ل يغّير عليك أمرك الذي تقصده) ( .
وقال رضي الله عنه :جعلنا لمحمد بن بدر قاعدة ،أن
يعمل بكل أمر من أمور الدين والدنيا التي ُيحتاج إليها ،بما
ل يخل عليهم في المر الذي هم بصدده ،فقال أما هذا
فسهل .
ذكر دوعن وآل العمودي
) (2/83
وذكر رضي الله عنه فتنة دوعن ،فقال :إن هذا المثير
للفتنة ،إنما هو ولد منهم ،وليس بطالب رياسة ،إنما هو
معا ً في الكل ،وطال ُ
ب معوا ط َ َ ج ّ
ومن ساعده من البدو ت َ
الكل أمره سهل ،بخلف طالب الّرياسة ،وهو الذي يقوم
على صاحبه منكرا ً عليه أمورا ً يفعلها ،كأن يقول له :إنك
كذا ،مما ين َ
كر كذا و َ
مت الناس وفعلت َ غّيرت الطرق ،وظ َل َ ْ
عليه فيها ،والمور تقابل بأمثالها ،وما أقام الله الولة إل
دين ،وإقامة المعاش بعد إقامة الدين ،وهذا وادي لقامة ال ّ
مَبارك ما يقوم فيه إل ّ من فيه صلح وإقامة لمر الدين، ُ
مْنصب وزاوية ،ل محل مملكة وولية ،حتى إن لنه إل َ
الشيخ عثمان ما أخذه بحرب ول عسكر ،إنما كان شيخ
دخله مع تلمذته وفقرائه ،ومن توّلى منهم طالبا ً زاوية َ
سفك دمه ،كصاحب الّنقعة لما للدنيا فالغالب إنما يموت ب ِ َ
سَلك غيرقتله الّترك ،وكذلك ولد عبد الرحمن لما َ
طريقتهم ،قام عليه آل مطهر فقتلوه ،ومن حين قََتل
ن عمه) ( ،ما تبارك في نفسه ،ول محمد بن مطهر اب َ
تبارك به أحد ،وآل العمودي مالهم بخت في البغي ،قال
ل سيف البغي على أخيه قُِتل به ،ومن س ّ من َ سيدنا عليَ :
حفر لخيه المسلم حفرة وقع فيها ،وآل العمودي بيت
خ) ( لسيدنا الفقيه المقدم ،وكل صلح ،والشيخ سعيد أ ٌ
أهل زاوية وقع بينهم إل آل باعلوي ،وآل العمودي ،أما
سمعتم فيما يقال إن الفقيه المقدم ط ََرح عند الشيخ
جه أصحابه، سعيد شيئا ً من الحوال ،وابن هادي كم حا ّ
فانقلبت العاقبة عليهم ،والبغي ما له عاقبة ،وفي
ك الباغي ((،الحديث) ( )) :لو بغى جبل على جبل ل َد ُ ّ
وخصوصا ً فيما يثير فِْتنة في الناس ،وشاغل ً عليهم ،ول
يقوم في هذا المر إل ّ من فيه علم وديانة ،ليقيم للناس
أمر دينهم ودنياهم ،وهؤلء ما نفعوا الناس ،ل في دينهم
ول دنياهم ،وأي شئ وقع للذين تولوا بل علم ،تراهم
يِتلِتلون الناس ،ومن ل يحسن يصلي ،
) (2/84
دة ظلمهم ،فقال :ل وذكر رضي الله عنه ولة الجهة وش ّ
دع عليهم ،فما عاد معك معهم إل ّ مثل ذاك الذي شكا تَ ْ
أولده إلى بعض الناس ،فقال له :هل دعوت عليهم؟،
صص أحدا ً فقال :نعم ،فقال :أنت الذي أفسدتهم ،ول تخ ّ
دعاء لهم ،وتجّنبهم ول منهم ،بل ُقل :الوالي أو الولة ،وال ّ
شرع ،لن الفاسق معزول صلهم ،لنهم معزولون بحكم ال ّ تَ َ
شرعًا ،وأعظم الفسق ظ ُْلم المسلمين ،فإنهم) ( أهلكوا
صّيروا الناس كدود القبر ،يأكل الحرث والنسل ،حتى َ
بعضه بعضًا ،حتى ت َْبقى ثنتان كبيرتان ،فتأكل إحداهما
الخرى ،ثم تموت .ولكن قاعدة :كلما) ( فعلوه) ( في
الناس من صغير أو كبير ،لبد لهم ما يذوقونه أو قال:
يقعون فيه كاينا ً ما كان ،لن الله سبحانه وتعالى قال فيما
جاء عنه ) :أنا الظالم إن لم أنتقم من الظالم ( ،وإن
خروا إلى أمدٍ ُيريده .أُ ّ
وقال رضي الله عنه :أحكم على ال ّ
ظالم ب ِِفْعله ،لن الله
وعد بأخذ الظالم (*) .
وقال رضي الله عنه :خلفة الخلفاء بعد رسول الله صّلى
الله عليه و آله وسّلم ،أما أبوبكر فبالجماع عليه ،وأما
عمر فبالوصّية من أبي بكر ،وأما عثمان فبالجماع عليه،
سيدنا علي رضي الله عنه فبمبايعة شورى ،وأما َ بعد ال ّ
أهل بدر والمهاجرين والنصار ،وأما معاوية فبتسليم
سيف الحسن بن علي له ومبايعته ،وغيرهم إنما هو بال ّ
والظلم والّتعدي أي سوى عمر بن عبدالعزيز فإنه
بالجتماع عليه ،والمبايعة له ،ورجوعها إليه بعد من كان
قبله من أهل بيته .
ستر ،وإل ّ عاد يصبح وقال رضي الله عنه :اسأل ربك ال ّ
غير هذا ،والب َْيضة فيها وَقْوََقه ،لكن الشهادة فيها المر َ
الخير ،والمور تجري على قليل قليل ،وُيسكت عنها .
) (2/89
كرة يوم الثنين رابع ومر رضي الله عنه ذات يوم وهو ب ُ ْ
رجب سنة 1126بجهة وادي ثبي ،وإذا نخيُله كما هي أيام
خريف فيها ل َِعدم الغيث ،فقال :سبحان الله ،إذا الشتاء ،ل َ
طل من الخريف انقطع منه بمرة، أثمر أثمر بمرة ،وإذا ت َعَ ّ
صبَر
ه تعالى من عباده ال ّ وبهذه الشياء يستخرج الل ُ
والشكَر ،ويوم الربعاء سقى الله تعالى تلك الجهة وغيرها
خْلقه،
دبير َ ببركته ،فقال نفع الله به :إن الله تعالى قائم ب ِت َ ْ
دعاء إظهارا ً لعجزهم وفاقتهم إليه ،ثم وإنما طلب منهم ال ّ
سيول من كل وادي ،حتى إن الغيث كثر جدا ً وك َُثرت ال ّ
دور ،فشكا ضرر ،وسقط بعض ال ّ مّلت) ( الناس وخافوا ال ّ َ
خّفته ،فقال إليه بعض الّناس من ذلك ،وسألوه الدعاء في ِ
ل حوالينا ول علينا ،فقيل :نعم، ح ّ
ل َ رضي الله عنه :هَ ْ
ظهر ،فقرأ بعدها يس بنية فسكت حتى كان صلة ال ّ
ضل الله ،فقال :إن خير ف ب َِف ْ خ ّ اللطف وقَط ِْعه منهم ،ف َ
شر بخيرها ،كما في قصة مب ّ شّرها ُ شّرها ،و َ الدنيا مبشر ب ِ َ
الراعية التي مر عليها عيسى عليه السلم .
وذكر رضي الله عنه الّرحمة أيضًا ،فقال :في بعض الثار
عن الله :إنه سبحانه يقول :عجبت من إياس الدمي
وقُْرب الرحمة منه .لن النسان ظاهُر فعِله أن ي َْقنط
ق
وييأس لعدم حصول الرحمة له ،وظاهر أمور الح ّ
سبحانه حصول الرحمة منه عن قرب ،لن الّرب تعالى
ي هنا بعض سَقط عل َ ّ
دره ،و َ دره والعَب ْد َ على قَ ْ على قَ ْ
د ،ول تستقيم أرض الكد إل الكلم ،ثم قال :وهذه أرض ك َ ّ
جل) ( ،لكونها بمساعدة أمور السماء ويسمى وادي العَ َ
دا لقلة
ضُعفت الن ج ّ سنا وليس فيها أنهار ،وقد َ م ْ أرض َ
طر .ثم أطال الكلم في ذكر دم الَق ْ سما وعَ َ مساعدة ال ّ
أناس قد مضوا ثم قال :إن شاء الله الخلف في بركة
السلف ،وإل ّ فالوقت اليوم والدنيا إل مضادة للحال الول،
دة ،إذا تأملت أحوالهم وقستها ما هي مخالفة بل مضا ّ
بأحوال السابقين .
) (2/96
ساد الزمان والفتن ،فقال :من آن وذكر رضي الله عنه فَ َ
ب
ح ّدد ال ُمات النبي صّلى الله عليه و آله وسّلمَ ،تب ّ
حابة كانوا مجتمعين ،والمر المجتمع ،ولكن في وَْقت ال ّ
ص َ
ن قديم ،وكان ستور ،ثم ب َْعد ذلك ظهر ،وهذا المر ُقده ِ
م ْ م َْ
الناس فيهم أهل الي ََقظة ،يرحم الله بهم أهل الغفلة ،وهنا
لو نظرت إلى الَبوادي ونحوهم لرأيتهم أكثر تضرعا ً إلى
الله منهم ،ولهذا رحمهم ،وترك هؤلء ،وكانوا ]أي
الولون[ إذا حصلت لهم ن ِْعمة ازدادوا تضرعا ً وخشوعًا،
طع وهؤلء إذا حصلت لهم َبطروا ،فترى الواحد منهم يق ّ
سأله فل يعطيه شيئًا ،ثم َتكلم لب) ( ي َ ْ اللحم يأكله والط ّ ّ
في هذا كثيًرا ومما قال :والرحمة ظاهرة ،ما بقي إل
صر أحد من الّتوبة والستغفار، ظهر الّرحمة ،ول عاد يق ّ م ْ َ
والّتصدق بما تيسر ،وذكر كلما ً تقدم ذكره ،من أن ينّقص
بعض المأكول فيتصدق به ،ثم قال :فل عاد تدعو
صدقة ،بل إلى المقاربة ،فإن أهل الزمان دبرين إلى ال ّ الم ْ
عوته إلى الصدقة عْنده شيء ود َ َ دبرون ،فإن من ِ م ْ ُ
سلطان الظالم إذا قلت له في الجور إستثقل كال ّ
اشتغل) ( ،ونحن لعاد أحد يوصينا بالدعاء بالهداية
صلح للمسلمين ،والظ ُْلمة ما هو إل إن القلوب وال ّ
دعاء دعو علينا ما تركناه من ال ّ دا ،ي َ ْ مْعنا أح ً س ِ ظلمة ،ولو َ م ْ ُ
خلت الناس د ََواخل صلح ،ول عاد كلم ،ود َ َ له بالهداية وال ّ
جتمعة . م ْ
ل منهم اتهم صاحبه ،ول عاد شيء قلوب ُ فك ّ
صل من الرحمة في الرض ،ثم ح َ وذكر رضي الله عنه ما َ
قال :سبحان الله الذي عَّلق الشياء بالمشيئة ،فقال:
شآُء{) ( فكيف لو عَّلقها بالمحبة، ن يَ َ
م ْ مت ِهِ َح َص ب َِر ْ
خت َ ّ} يَ ْ
فلو كان كذلك لما أعطاها إل من ُيحب ،وكل بلء يتبعه
رحمة وعافية ،وهذا بلء ساقوه إل بأنفسهم إلى
المسلمين بل نية وبل صلح .
) (2/98
حْرث السماء يضاهي الّتجارة في وقال رضي الله عنهَ :
فُقوا َ
حل ،وفي قوله تعالى} :أن ْ ِ بركته ،فهو أقرب إلى ال ِ
جَنا ل َ ُ َ
نم َ كم ّ خَر ْمآ أ ْ
م ّم{) ( التجارة} ،وَ ِ ما ك َ َ
سب ْت ُ ْ ت َ ن ط َي َّبا ِ م ْ ِ
ض{) (4الحرث . َ
الْر ِ
كر له رضي الله عنه بعض الشراف وفيه خربطة، وذ ُ ِ
دينك ،إما فقال :هذه المور ما تسلك لك إل بشيئك) ( أو ب ِ
سن بك معك مال يحملك ،وإما إن تكون صاحب ِدين ُيح َ
مّر تلك الطريق التي مر بها إل الظن ،وهذا الرجل ما َ
باسمنا ،ول كلمه الناس إل كذلك ،والن إن مر بها ل
ُيعرف ،ول يكلمه أحد ،وهذه حالة الجنون ،وآل باعلوي
سَير المحمودة، معروفون في الجهات بالصلح وال ِ
ومجنونهم صالح ،وما كانوا يعرفون مثل هذه التْفتفات،
ب َ
جل ِ ْ
التي أهلها يدلهم الشيطان على مواضع الغلط }:وَأ ْ
ولة ،والباطل ص ْك{) ( الية ،والحق له َ جل ِ َ ك وََر ِخي ْل ِ َ
م بِ َ عَل َي ْهِ ْ
له دولة .
ضحك، سادة بحسن عقيدة ف َ ض ال ّكر له نفع الله به بع ُ وذ ُ ِ
وسكت ساعة ثم أنشد هذين البيتين :لكل إلى شأو العلى
حركات ... ...ولكن عزيز في الرجال ثبات
غيره :كل من في الوجود طالب صيد ... ...غير أن
الشباك مختلفات
وََذكر رضي الله عنه محّبة الناس للبنين ،وت َْرجيحهم على
الب ََنات ،فقال :هذا من ط َْبع أهل الجاهلية ،والطبايع دائمة
على حالها الول ،فكل أمة طبايع آخرها كطبائع أولها،
وإنما يهونها قوة اليمان والرياضة ،وأكثَر من ذلك حتى
ي هَُنا كلم ،لعّله ما ذ ُ ِ
كر سَقط عل ّ قال :إن بامخرمة قال و َ
من أن طبايع الخرين كطبع الولين ؛ قال يعني بامخرمة :
دويلة كل من ل حَنات ال ّخاف شيء ذا لشيء يا اهل ال ِ
يزيل المنكْر الله يزيله
ح َ
كم ،ولو هو على هَْيئة كلم قال نفع الله به :وفي كلمه ِ
العامة ،فإنه عالم صوفي صاحب رياضة ،ما هو بصوفي
جاهل .
) (2/99
وقال رضي الله عنه :في حديث )) :ل أجمع على عبدي
خوفين ول أمنين ،فإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم
القيامة ،وإن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة ((،
قال :أما خوفه في الدنيا ،فبأن يجتنب ما ُنهي عنه من
حرام ومكروه وفضول ونحو ذلك ،وأمنه بالغفلة عن الله
وتضييع ما ذكر ،ويتناول كل ما يشتهيه ،ويقول كل ما أراد
و ل يبالي ،و ل يمنع نفسه مما ُيذم.
حفظه كله، وتكلم يوما ً رضي الله عنه بكلم ك َِثير لم ن َ ْ
ذكر العلم والمال ،فقال :العلم فمن جملة كلمه أن َ
الظاهر هو دربك) ( الذي تسير عليه ل بد لك منه ،فإذا
سخ ،وبعد دمت على ذلك َر َ معت ،و ُ س ِ صّليت مثل ً على ما َ َ
مرته ،وأما المال فإن المال الحرام ْ
مل ت َظهر ث َ َ رسوخ العَ َ
ذلك أكثر شبهة ،و َ شبهة يروح في ال ّ حَرام ،وال ّ ي َُروح في ال َ
دليل على أصله، ما تروح فيه أموال أهل الزمان ،وهو َ
وى نفسه ،أموال ً غََلطًا) ( من فََترى أحدهم ُيخرج في هَ َ
حْقناد ،وإذا جئنا إلى فِْعل الخير ل َ ِ ح ّ غير ط ََرف ،ومن غير َ
ساقيته يابسة ،وفي الحقيقة هو الدائم وذاك هو الفائت .
شح المطاع ،والهوى المتبع، وذكر رضي الله عنه ال ّ
مّر الثلثة في الحديث ،فقال :قد والستغناء بالرأي ،وقد َ
يكون في النسان الشح ،ولكن ل يضره إل إن أطاعه ،بأن
أطاعه في ترك واجب كالّزكاة ،أو فِْعل حرام كأخذ مال
جّره إلى شح هو الذي َ ك أن ذلك يضره ،وال ّ ش ّ حرام ،فل َ
ل فيه هوى ،لنه من طبع النفس، وى ك ُ ّ ذلك ،وكذلك الهَ َ
فإن اتبعه حتى وقع في حرام ،مما تدعو ه إليه نفسه أو
ك أن ذلك مما يهلك النسان . ش ّ َترك ما ي َْلزمه ،فل َ
منعه من أن َيستشير من هو والستغناء بالرأي ،لكونه ي َ ْ
أعرف منه َفيقع هو في المحذور .
) (2/104
سف عليها ،وما وقال رضي الله عنه :ثلثه أشياء أنا متأ ّ
حصلت لنا إل إن كان بالنية ،التشفيع في صلة التراويح،
وصلة الصبح بوضوء العشاء ،وتخّلي العشر الخيرة يعني
سنة ،أي لم اعتكاف العشر الخيرة من رمضان كما هو ال ّ
يساعده الفراغ على هذه الثلثة في وَْقته الحاضر ،وقد
فََعلها في ابتداء أمره ،فقلت :قد فعلتوها فيما مضى
كفيكم ذلك من فعلها الن ،قال نعم :لكن ذلك الحين في َ ْ
مدة على البصائر، أيام البداية ،والبصيرة ضعيفة ،لن العُ ْ
وي ،والن ك َّلت القوى ذلك الوقت قَ ِ صبر في ولكن ال ّ
َ
صبروضعفت ،والبصيرة أْقوى ،لن المريد حال بدايته ال ّ
صْيرة أضعف ،وفي النهاية الَبصيرة أقوى فيه قوي والب َ ِ
صبر أضعف ،ونحن إل ّ من شواغل الناس وعلئقهم وال ّ
س في باطني ددين إلينا أح ّ أكثر ما كان ،فإن هؤلء المتر ّ
لكل واحد خاطرًا ،فأقول هذا جاء لكذا ،وهذا جاء لكذا،
وأريد مراعاة كل واحد على ما في ن َْفسه فَُرّبما جاء واحد
يستشير وآخر يطلب شيئا ً وعلى هذا ،وهذه المور مع
ضعف شاغل كبير ،وهي مع الّنشاط وتراجع القوة ال ّ
حال النسان إذا كان ضعيفا ً واحتاج مع ذلك أسهل ،وما َ
إلى أن يدبر المور ،ويضع كل شئ موضعه؟ وقد كان
بعض خلفاء بني العباس أ َْفضت إليه الخلفة وهو ابن
سر ،ويقول :أي ثمانين سنة ،فبقي يتأسف في نفسه وي ََتح ّ
صَباه ،قلت: خلفة في هذا السن ،ويود لو حصلت له في ِ
فلو انتبه النسان في بلوغ سنه ،وحال كبره أكان يتأسف
صغر ،قال :نعم قد يتأسف .وقد أن لو كان ذلك في ال ّ
طريق وهو خل في ال ّ ذكر ابن عربي أن بعض أعمامه د َ َ
ابن ثمانين سنة ،ولكن النسان إذا استيقظ في ت ِْلك
وض ما فات ع َالحال ،وأقبل على الله يعطيه الله سبحانه ِ
سبحانه مملوءة من عليه من العمال ،لنه خزائنه ُ
ضعيف ،فلو عمل مادر عمل ابن آدم ال ّالعمال ،وما قَ ْ
مَلكا ً واحدا ً من الملئكة عمله يوازي أعمال
عمل ،فإن َ
جميع بني آدم ،
) (2/106
ولما خرج رضي الله عنه لصلة الَعصر تاسع رمضان سنة
1128سكت ساعة ،ثم ذكر حديث ذهب المفّردون بالجر
وحديث) ( )) :فاز المخّفون (( ،ثم قال :ليس مراده عليه
صلة والسلم في هذا ول في غَْيره أمر الدنيا ،وحاشاه ال ّ
من ذلك ،ولكن إذا أخذ الّلبيب من كلم نبيه صّلى الله
ى لمر دنياه ،فل حرج عليه ،وما في ّ
عليه و آله وسلم معن ً
شئ من أمور النبوات من أولها إلى آخرها إن أمر
المعاش أصل في شئ أبدًا ،وإنما هو عارض ،وإنما بعث
من جعل أمر المعاش أصل ً -إلى الله النبياء ليدعوا َ
الله) ( ،قلت :ومعظم الناس مع ذلك جعلوا أمر المعاش
ول ،وغيره تبع له ،قال: اليوم هو الصل الذي عليه المع ّ
دعوهم من الدنيا إلى الخرة، ولهذا بعث الله النبياء لي َ ْ
قيل :فهو مع ذلك يضطر إليه) ( جدًا ،قال :نعم ،لهذا ميز
ضل بعضها على بعض، الله سبحانه بين المخلوقات ،وف ّ
وإل لشتبهت الملئكة وبنو آدم .والدواب ل فضل لشئ
منها على آخر ،فلو لم يضطر الحيوان إلى المعيشة
لشتبهت المخلوقات ،وقد أحوج الله الناس بعضهم إلى
بعض في جميع حرفهم ،ليعمروا الدنيا وينتظم أمر
المعاش إلى حين ،قلت :وقد يحب النسان أن يكون
متجردا ً للخرة وزاهدا ً في الدنيا ،ولكنه يعجز عن ذلك،
فقال رضي الله عنه :قد ذكر المام الغزالي :أنه لو أكل
الناس الحلل أربعين يوما ً خربت الدنيا ،ولو شاء الله
لهدى الناس جميعًا ،والرجل من أهل العلم) ( ،يتمنى أن
يكون شجرة أو حطبة) ( ونحو ذلك كما قد سمعت في
ترجمة إبراهيم بن أدهم والفضيل ،ول ي ََرون أنفسهم شيئًا،
قلت :وهم مع ذلك في أحسن الحوال ،قال :نعم ،عند
غَْيرهم لعند أنفسهم .
) (2/108
سأله رضي الله عنه رجل إلباسا ً فقال له :قد معك و َ
إلباس ،ولكن َبقي عليك النتظام والسلوك ،فالله الله في
السلوك والنتظام ،واطلب العلم ل تجلس سبهل ً
ل ،فإنه
قبيح بالرجل سيما إن كان خطيبا ً أو معروفًا ،وكان الرجل
خطيبًا ،أن يجلس المجلس أو قال يجلس بين الّناس،
ليس معه شئ من العلم ،لو سئل عن شئ ما عرفه،
وي َْنبغي أن يتطرف من كل شئ .وشكا إليه ذلك الرجل
كثرة الخواطر والوساوس ،فقال نفع الله به :ذلك بسبب
طب ،فإن طاب ذلك لك وإل) (، الخلطة والط ّْعمة ،إذا لم ت ُ َ
فإن كان ول بد فخذ منه القليل ،أي كما يأخذ المضطر،
ومراده القليل من المرين معًا ،الخلطة والطعمة .
وقال رضي الله عنه :ورد أنه ل ينتشر مجلس رسول الله
صّلى الله عليه و آله وسّلم إل متفرقين عن ذواق ،ورأينا
سَبب ما يعتاد شربه
المناسب هنا النتشار عن ماء ،فهو َ
من الماء عند القيام من المجلس .
) (2/109
خ النسان بأنفه ،إن كان من ك ِْبر م ُ وقال رضي الله عنهَ :
ش ْ
خلقأو سوء خلق ،فإنه شؤم ي ُب ِْغضه إلى الخالق وال َ
لها النبي سمة من الله لمن أراد ،ويتو ّ .والخلق الحسنة قِ ْ
صّلى الله عليه و آله وسّلم ،والسيئة) ( أيضا ً قسمة من
لها الشيطان ثم تمثل بهذا البيت : الله لمن أراد ،ويتو ّ
العلم حرب للفتى المتعالي ... ...كالسيل حرب للمكان
العالي
وقال رضي الله عنه لرجل :ن َْفسك منطوية فيك ،أدنى
كلمة تخّليك تفور ،ولهذا ث َُقْلت على الناس فإن الّناس ما
يلينون إل على الوطاء .
وقال رضي الله عنه :ما عاد مجالستنا لهل الزمان
ومداراتنا لهم ،إل كمداوي الجرحى ،والمداراة هي التي
نسميها المراعاة ،ولكّنها إذا كانت بالدين لهل الدنيا فهي
مداهنة) ( ،ولكن الّتودد إلى الناس بحسن الخلق من
شده،ة :الّتثبت في المر ،حتى يتبين ُر ْ المداراة .والت ّوَْءد َ ُ
ذموم والمحمود التأني فيه م ْن وهو َ فإذا تبين فالتأخر توا ٍ
طلوب ،وينبغي أن يداري م ْ حتى يأتي به على الوجه ال َ
الناس بحسن الخلق ،وهذا لمن خالط الناس وعََرف
طبقاتهم وأحوالهم .
انظر ما قال في الغضب
وذكر رضي الله عنه الغضب ،فقال :هو طبيعة في الدمي
لم عليه ،إل ّ إنه ل ي َْنبغي أن مكنه أن ل يغضب ،ول ي ُ َ ل يُ ْ
خرجه من الحق إلى الباطل . ُيكثر منه في ُ ْ
وقال رضي الله عنه على قوله عليه السلم )) :وخالق
ح) (الناس بخلق حسن (( أي ل تجفو على الناس ،ول تش ّ
كون) ( ثقيل ً على الناس ،ول عليهم ،ول ت ُْنكر عليهم ،ول ت َ ُ
عّتابا ً على الناس ،حتى على أهلك وأولدك .
ستجلب خير الخيار وقال نفع الله به :بحسن الخلق ي ُ ْ
ستكفى شر الشرار . وي ُ ْ
) (2/116
النفس أكبر ،لنه دايم ولزم لكل أحد أو كما قال .
وقال رضي الله عنه في قول صاحب "الحياء" :الطريقة
الثالثة في تهذيب الّنفس ،أن ي َّتخذ شيخا ً صفته كذا
صره بعيوب نفسه إلخ ،قال :يكون ذلك فيرشده ويب ّ
بالشارة ،إن كان من أهلها ،وممن ي َْفهم بها ،أو بالّتصريح
في المور التي ل بد منها ،ومن نعم الله عليك أن ل
شافهك بالمر والنهي ،بل بالتعريض . يُ َ
أقول :وهذه سيرته هو رضي الله عنه ،في المّتصلين به
والملزمين له ،ل يكاد يواجه أحدا ً بأمر أو نهي ،إل إن
جب .ومن رآه على أمر فعل ً أو تركًا ،لم يكلمه فيه ،إذا وَ َ
اتسع له فيه العذر شرعًا ،وإن استأذنه أحد أو استشاره
راعى مراده وما يميل إليه كما تقدم ذلك من قوله مرارًا،
ما لم يكن إثما ً أو مذموم العاقبة ،وإذا علم من أحد فعل
مكروه ،أو ترك محمود ،ذكر الفعل بعينه ،وبالغ في ذم ما
ُيكره ،ومدح ما ُيحمد بحضرة فاعل المكروه ،وتارك
المحمود ،كما بالغ في ذم الكلم ،حال انتظار الصلة ،ول
معته قط يقول ذلك ،وكذا إذا م ت َت َك َّلم فما َ
س ِ قال :يا فلن ل ِ َ
كر فوات الفضيلة علم من أحد ت َْرك ما ي َْنبغي فعله ،ذ َ َ
المرتبة على فعله بحضوره ،ومن له بصيرة ي َْفهم الشارة،
دمها ل ُيفيده التصريح بالعبارة ،ومع هذا فله نفع ومن عُ ِ
سَبقت له صة معنوية ،بإذن ربانية ،لمن َ الله به ،ت َْربية خا ّ
طلع عليه الخلق ول من يرّبيه ،ل يختص بها السعادة ،ل ي ّ
حرم منها البعيد ،كما قدسمعته يقول :ومن القريب ،ول ي ُ ْ
شعر بها ،فيا سعد ويا ربيناه يفوق غيره لنا نربيه ت َْربية ل ي َ ْ
جَعلنا الله من َأهلهاوز من حصلت له ،هنيئا ً له هنيئًاَ ، فَ ْ
وممن نالها وفاز بها .
وقال رضي الله عنه :إْلزق بالرض تواضعًا ،فإن الّله ما
خَلق الخلق إل لي ََتواضعوا لعظمته ،وإل ّ فخزائنه مملوءة َ
من العمال ،ول اعتراض على المتواضع .وما َيجد
المعترض؟.
) (2/118
وعاتب رضي الله عنه خادما ً له ،فكان مما قال :إذا
حسنت أخلق الرجل ،ساءت أخلق خادمه ،وأحب إلينا أن
يكون ذلك فيهم ،ول فينا ،وما كنا من حين ابتداء أمرنا
نظن أن نلبس شيئا ً من أمور الدنيا وأسبابها للط َّرف،
حتى صارت المور إلى غير الختيار وأقبل الناس علينا،
فلما رأينا ذلك علمنا إنه إنما كان بسابق) ( ِإلهي ساقهم
شت لنا من المور إلينا ،فيجب علينا الصبر فيه ،وتم ّ
المعاشية أشياء ما يكاد يصدق بها النسان كالمحال،
جب كثيرًا ،وقال: سَتبعدها العقول ،ومن رآها وسمعها تع ّت ْ
بعيد جدا ً أن يكون هذا المر من هذا الباب أو كما قال .
) (2/121
وَذ ُك َِر له رضي الله عنه إن َرجل ً غضب على ابن له ،فرماه
ول ول قوة إل ح ْ
بشفرة ،فكان فيها حتفه ،فقال سيدنا :ل َ
بالله ،إنا لله وإنا إليه راجعون ،هذا سبب الغضب،
شيطان ،فينبغي للنسان أن ل يعمل شيئا ً ضب من ال ّوالغَ َ
حالة الغضب أبدًا ،لن كل شئ يفعله في ت ِْلك الحالة غير
سديد ،وي َُرّيض النسان نفسه بتكلف الصبر ،والمساك
ود ذلك ،فل ي َْغلبه الغضب،ما يقتضيه الغضب ،حتى يتعَ ّ
عَ ّ
وقد أمر النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم ،إنه إذا كان
قائما ً فَْليقعد ،وإن كان قاعدا ً فليقم .وفلن ل يملك نفسه
مى رجل ً عند الغضب حتى يفعل ما يدعوه إليه الغضب ،س ّ
صاه في بعض من آل فلن ،كان في الحاوي خادمًا ،فإذا و ّ
الحوائج ،يراه وعليه أثر الغضب جدًا ،فيزعله ذلك منه .
انظر بعض مكا شفا ته رضي الله عنه
) (2/124
ذكرنا ذلك له فأعطاناها ،وقال :أنا أجوز معه ،وغير ذلك فَ َ
صْرنا نْقضي أمورنا من بعيد ،ومهما علم بشئ قضاه حتى ِ
من غير ما نعلم ،إلى أن جانا هذا الوقت ،وهو سنة 1163
خفي عنه بعض صْرنا ن ْ الذي أقعد القوياء ،وأفقر الغنياءِ ،
خفيها عنهشَفَقة عليه ،وهو يطالبنا بذكرها ،ون ْ الحوائجَ ،
وعن غيره ما استطعنا ،ول يمكن اليوم إل القناعة ،لتغَّير
صواب ،لغلبة البخل مْيلهم عن َ
شاكلة ال ّ الزمان وأهله ،و َ
دعو إليه الّنفوس شح عليهم ،نعوذ بالله من أحوال ما ت َ ْ وال ّ
سّيدنا نفع الله به يقول في وقته ما في هذا الزمان ،وكان َ
واقعة في هذا معناه :لو يتصور النسان هذه المور ال َ
وز وقوع الوقت قبل وقوعها ،هل تقع أم ل؟ ،لكان ل يج ّ
ذلك ،فلو قيل لك :هل يمكن إن رجل ً كان يحسن إلى
الناس ويعطيهم ،إنه سيصير يستعطي ممن كان هو
يعطيه ،لقلت :هذا ما يمكن ،وهذا وقع في هذا الوقت كما
كر وقع ،فكل ذلك مما أشار إليه نفع ل ما ُيستن َ
ترى ،وك ّ
الله به ،وهو من أمارات الساعة .
) (2/126
مرض وقال رضي الله عنه :ينبغي إذا مات أحد فجاءة أو ب ِ َ
ما حّقق موته إ ّ جهيزه ،حتى يت َ ستعجل ب ِت َ ْ خفيف أن ل ي ُ ْ
بتغير ،أو علمة تفيد اليقين ،أو معرفة طبيب حاذق ماهر
في الطب ،ورأينا في بعض كتب الطب ،ذكر علمة وهي
أن ُيجعل عند أنفه قطنة مندوفة مهّباة ،فإن تغيرت بنحو
حياته ،لن ذلك من أثر حرارة أو غيرها ،دل ذلك على َ
م أحوال الناس في النَفس ،ثم أطال الكلم في ذلك ،وذ َ ّ
استعجالهم بالجنائز ،فقال :إنما نحن إذا عََرضت لنا مسألة
ت َك َّلمنا فيها و ب َّينا تساهل الناس فيها ،ول أحسن للنسان
سلفه ،لن للناس سلفا ً هم أهل علم و صلح ،و من اتباع َ
جهيز النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم، يكفيهم المر في ت َ ْ
سّنة يعملون َ
م ما رأوا ُ وته ،أوَ هُ ْ
م ْ
جّهزوه إل لثالث من َ ما َ
جهيز سرعة ب ِت َ ْ عمهم إن مرادهم السنة في ال ّ بها في َز ْ
الميت إل هذه؟ ،و الّتجهيز للميت بعدما يتحقق موته ،ل
ن أنه كتة أو إغماء يظ ّ س ْحصل له َ في الحال ،فرب من ت َ ْ
ضا
خَرج من قبره ،بعد أن دفن عا ّ مات حتى ذكر :إن رجل ً َ
دفن حي ًّا ،و قصته مشهورة يسمى عاض البهام، بإبهامهُ ،
حُثوا عليه رأوه في خر سمع صياحه في قَْبره ،فلما ب َ َ وآ َ
آخر رمق فمات ،وذكروا :إن النسان قد يموت من شم
موت ،وليس ريح الكافور ،فيفزعه وهو حاله ضعيفة فَي َ ُ
ملهم من عمل الدين ،ول من أعمال أهل الجهة فإن عَ َ
جْهل ،فين َْبغي إذا عْلم ،ما هي َ
دولة َ البلد) ( مدولة ،د َْولة ِ
صبح ،أو ضحوة ينتظر به مات عشّية أن ينْتظر به إلى ال ّ
إلى عشية ليتحقق موته ،فإنما التجهيز للميت ل للحي ،أوَ
َ ّ َ ْ
ما رأوا سّنة يعملون بها إل هذه؟ ،فلي شيء ما يطمئّنون
ذوة في المساجد وفي الحزب، في الصلة ،و ي َْتركون الهَ ْ
كيف هذا ،ويريدون ي َْعملون بالسنة ،فينبغي أن يشبه
الماعون الماعون ،ثم ذكر ِقصصا ً وحكايات كثيرة في
وته و أرادوا م ْ
صة) ( هارون الرشيد ،لما ظنوا َ هذا) ( ،كق ّ
جهيزه ،فدخل عليه تَ ْ
) (2/130
وقال رضي الله عنه :إذا أفرط النسان في محبة أمر أو
ذ ،فينعكس بغضه انعكس إلى ضده ،لنه ل ضابط حينئ ٍ
المر ،كذلك الذليل جدا ً لو سمع خربشة يفزع منها يظنها
شيئا ً يخاف منه ،وليس كذلك ،كما ذكر إن رجل ً رأى
جرادة طائرة قاصدة نحوه فظنها سهما ً فصاح فوقعت
عليه ،فسقط وهو يقول بصياح شديد ،أصابني سهم حتى
مات ،وآخر خرج من بعض الحصون ،فسمع ضربة بندق
فظن إن رصاصة وقعت فيه ،فسقط فخرج إليه أهله
فرأوه ملقى ،فلما أفاق قال :إنه أصابني ،إل إنه لما
آتيتموني ذهب ذلك عني .
ومر رضي الله عنه في طريقه من الحاوي إلى السبير
في باجبهان بنساء ضعاف ومنهن عميان ،فسألوه) ( فقال
للخادم :إعتن ،أما لك عناية بالمساكين ،أما ترانا بعد كل
صلة ندعو :إن الله يحبب إلينا المساكين ،يعني في
الدعاء بعد الصلة :اللهم إني أسألك فعل الخيرات ،إلى
أن قال :وحب المساكين ،فقيل :إنهم مساكين بل دين أي
بل صلة قال :ولو ،لن الله يحب المساكين ،ولو أن غنيا ً
بل دين ،وآخر مسكينا ً بل دين ،يكون ذلك المسكين أحب
إلى الله من ذلك الغني ،ففيه وصف مما يحبه الله ،ولو
م ل تصلي؟ ،لقال :ما علي ثوب يعني يعتذر قلت له :ل ِ َ
ي صلة فينكرها. بذلك أو غيره ،ول يقول :ما عل ّ
وذكر رضي الله عنه جماعة من آل الشيخ أبي بكر كانوا
يترددون ثم انقطعوا ،فقال :ماكان بيننا وبينهم شيء من
أمور الدنيا ،ول نالنا منها منهم شيء ،وهم عالمون بذلك،
ولو أرسلوا لنا شيء رديناه ول قبلناه ،وإنما مرادنا منهم
أن يتربوا ويتخلقوا بأخلق سلفهم ،ماهم داريين إنا نربي
الرجل من أولدنا على الخلق الواحد سنين) ( .
ما قال في عقيدة أهل شبام
) (2/132
وذكر رضي الله عنه أهل شبام ،فقال :كان فيها ناس
زهاد ،ول رغبة لهم في الدنيا ،أهل خير ،فصاروا اليوم
كلهم مشغولين بالدنيا ،فصاروا إلى لهو ولعب فإن كان
في أحد خير فهو اتفاق .وكان الفقيه بامجبور إذا جاءه
كمان يتحاكمان يبكي أول ً قبل الحكومة ثم يفتي فانظر ح َ
َ
الن ،وهكذا كانوا ،وما يستجري العامة ،ال باستجراء
العلماء ،وأدركنا كثيرا ً من أهل الحوال في الجهة ،مساتير
ومشاهير ،ولكن انطفى ذلك النور ،واشتعلت بدله نار،
ولو كان هنا أحد من أهل الكشف لرآها نارا ً من أعمالهم
ل من غيرها.
وفي بعض اليام وهو يوم السبت 23ربيع آخر سنة
1132دخل عليه السلطان عمر بن جعفر في داره في
البلد بعد صلة الصبح ،ووصلت من الحاوي وهو داخل،
فوقفت في الضيقة الى أن خرج ،ثم خرج سيدنا وقال:
يوم هو هنا قد ْ جيت ،قلت :نعم ،ولم أجزم بالدخول فقال:
نعم نحن الِغنا ،وهو الَعنا ،إذا دخل علينا لم نخل أحدا ً
يحضر إل إن كان العيال ،لن الناس ليس فيهم أمانة في
حفظ الكلم ،وأيضا ً إذا كل من جاء حضر فما فائدة في
كلم الخلوة ،وكذلك إذا كان عندنا سماع ،إذا خلونا لنمكن
أحدا ً من الحضور إذا كان السماع خاصا ً في خلوة ،فإن
كان ظاهرا ً فل نمنع أحدا ً أو كما قال .
وشكا إليه رضي الله عنه بعض السادة ،من ألم ضرس
أضّر ب ِهِ فقرأ عليه ،ثم قال :يقال بئس الصاحب الضرس،
إذا رأيته ما نفعك) ( ،وبئس الصديق الدرهم ما ينفعك
حتى يفارقك ،ثم قال لي :إحفظهما .
وقال رضي الله عنه :أكثر زلت أهل الزمان في ألسنتهم،
ومعاملتهم الفاسدة ،و يظن أحدهم أنه يتعدى شجرة إلى
فوق يريد الجنة ،وعاد العلم وعاد العمل) ( ،و إذا نظر
دا ،حتى النسان إلى أهل طبقتين وتفاوتهم يرى بينهم ُبع ً
إنهم مايتعارفون ،فإن الزمان إلى نزول .
) (2/135
وقال رضي الله عنه :إذا سار النسان في الدنيا إلى ربه
في طاعته ،سار إليه في الخرة إلى جنته والجنة فوقهم
فهم يمشون في الدنيا تحتها وهي فوقهم ،فإذا كانوا في
الخرة صعدوا إليها) ( ،والعصاة يمشون فوق النار في
الدنيا وهي تحتهم ،فإذا كانوا في الخرة نزلوا إليها .
صعلوك) ( إذا أطاع الله ،نال رتبة
وقال رضي الله عنه :ال ّ
الملوك ،وحصلت له الخرة ،وجاءته الدنيا فتكون من
خلفه) ( ،لن الدنيا كالظل ،إذا استقبلها النسان صارت
خلفه) ( .
من َعَ من المباح فهو محمود،
وقال رضي الله عنه :كل ما َ
مَنع من الخير الصريح ،ولكن ينبغى أن وما المذموم ال ما َ
ُيعرف الفرق بين المور .
وقال رضي الله عنه :ما كان من المور بسبب الضعف،
ة ،فإن الشريعة من ه تعالى فيها كما تعذر الشريع ُ
يعذر الل ُ
عند الله أيضًا .وما استنبطه العلماء فيها فهو من هذا
القبيل ،وهكذا في جميع أمور الرواح المقتضية للترقي
والمقتضية للنزول بحسب الخلق ،فترقى إلى أعلى
عليين وتنزل إلى أسفل سافلين ،تصعد وتنزل في مراقي
الصعود والنحطاط ،ثم ذكر قصة الشيخ أحمد الصياد ،من
أهل زبيد لما رأى كشفا ً وهو بزبيد ،أن المام الغزالي
صعِد َ به من قبره إلى آخر القصة السابقة . ُ
) (2/137
دح الحزم م َ
م الرثاثة فيه ،و َوذكر رضي الله عنه السفر وذ َ ّ
ظر ،ولو إن الرزق مقسوم، والنباهة ،فقال :ما السفر إل ن َ َ
لكن الحركات بها البركات ،والسباب موزعة على
المسببات ،فكم من جالس من غير سعي ،يبقى جائعًا،
وساعيا ً قد نال ما يطلبه ،وهذا جريا ً على الغالب ،وإل
فكم من ساع محروم ،وجالس مرزوق ،وذلك بحسب
القسام المقدرة ،فإن الرزق نوعان :مضمون ومقسوم،
فالمضمون ما به قوام ُبنية البدن ،وذلك لكل موجود إلى
مدة أجله ،والمقسوم ما زاد على ذلك ،والناس فيه
سع عليه والمقّتر. مختلفون ،فمنهم المو ّ
سرق شيء منسوب وذ ُك َِر عنده رضي الله عنه أنه قد ُ
لبعض السادة ممن تقدم ،فقال :تغي َّر الناس اليوم
طعت خل َْتها دواخل ،فهم كما قيل :لو ق ّ وانقلبت قلوبهم ،ود َ َ
النسان قطعتين مابالى ،وأهل هذا الزمان دخلت
بواطَنهم شياطين ،فما عادهم ناس ،فل عاد تلوم
الخذ) ( ،وإنما تلوم المضيع) ( .
وقال رضي الله عنه :إن الله ل يؤاخذ النسان بوساوس
الشيطان إذا كان كارها ً له وعقيدته بخلفه ،وهذا
الوسواس مانقيم له وزنا ً لن عندنا :كلما خرج عن
الختيار ل نرى فيه حرجًا ،وهذا منهي عنه ،حتى في حق
الرجل مع زوجته ،وفي الحديث )) :ل تكونا كالَعيرين) (((،
وقد قال لنا يوما ً فلن :ما أنا مشغول إل من الورود ،ما
أدري كيف نكون ،فقلنا له :ل تشغل نفسك بهذه المور،
صْرها ول تطولها على نفسك ،فكيف وأمور الخرة أل قَ ّ
يكون دخول القبر وسؤاله .
وقال رضي الله عنه :سبحان الله ،يسهن) ( النسان المر
يأتي من جانب ،فيأتي من جانب آخر فلهذا وجب
التسليم .
وقال رضي الله عنه :ل يخلو الزمان من الفاضل من آل
أبي علوي حتى يخرج المهدي ،إما خامل مستور ،أو ظاهر
مشهور .
وقال رضي الله عنه :المريد أو المعتقد في أحد إذا سمع
منه كلمة فيعمل على مقتضاها إن أراد العمل ،ول يثني
فيها الكلم .
) (2/140
وقال له رضي الله عنه رجل :ل تروا علينا في قلة الدب،
فضحك وقال :و نحن وإياكم وما نرى أنفسنا أن نستاهل
حسن الدب إنما هو لهل العلم الذين هم في الكتب
مذكورون ،وعدم رؤية النفس هو الذي يرفع النسان ،فإن
ئ كان متواضعًا ،وإل سلم من الدعوى، كان هناك شي ٌ
وَيقُبح جدا ً أن يدعي من غير حقيقة ،كالمرأة التي تدعي
الجمال ،وهي في غاية القبح ،وإنما يرى النسان نقص
نفسه ،إذا تأمل أحوال السابقين وما كانوا عليه من الجد
والجتهاد ،فعند ذلك يعترف ويتحقق أنه ماهو شيء ول
ينظر إلى أهل زمانه المتشبحين من غير شيء فما
حصلوا من ذلك على طائل .
قف على من يتجاوزون الحد
وقال رضي الله عنه :ثلثة يتجاوزون الحد :المعتقد،
والشاعر ،والعدو ،ليقفون على حد الوسط فيما يتكلمون
به ،المعتِقد في معتَقده ،ول الشاعر فيمن يذمه أو يمدحه
على من عداه) ( ،وإن كان هناك من هو أفضل منه .
وقال رضي الله عنه :مانحب مجيء الناس إلينا ول نحبهم
إل لجلهم ،ول نكرههم إل لجلهم ،وأهل الزمان يفتحون
أقفال الفتنة وهي مقلودة ول يفتحون أبواب الخير إل
بزعمهم) ( ،هذا يفتح باب الفتنة من طرف ،وهذا من
طرف .
وقال رضي الله عنه :ينبغي للنسان أن يقتصر من
الملبوس والمأكول والنوم والكلم على ما ل بد منه ،لنه
سلف والخيار .وخصوصا ً في هذا الزمان، على هذا درج ال ّ
الذي كثر فيه الحرام وقل الحلل والنيات الصالحة ،فإن
سع عليه فُينفق منه إن وفقه الله في كل كان ممن و ّ
الوقات ،وإل ففي بعضها ،وإن كان ممن قتر عليه فما
معه إل ذلك ،أي ما أمكنه .
وقال رضي الله عنه :أصلح الصالحين من ل يرى إنه من
الصالحين .
وقال رضي الله عنه لرجل :الله الله في السكون وترك
الحركة ،واستعن بالله وبكتابه فإن الله خلق النسان
متحركًا ،وقال له :اسكن ،فقد ّْر أن الذي أردته من الناس
قد أعطوكه أمس وبقيت الن بل شيء منه ،وذكر البيات
التي أولها:
) (2/143
كلم رضي الله عنه على بعض الُقّراء وقت القراءة وت ّ
فقال :ليعرف أحدكم الّلفظ أول ً ثم المعنى ،ثم يعمل
ويعّلم ،ولو تركناكم على هذا ما فهمتم ،وليس المراد
مجرد القراءة بل المراد شيء آخر فحاك في صدر الرجل
خوف ،إن تغير خاطره عليه ،فقال عند ذلك :إني ل
أغضب على أحد إذا تعاطى معنا ما يغضب ،إل إن تكلمت
كلمة أو كلمتين) ( ،وإل فل ،وذلك لعدم المخالطة فهذا
من طبعي ،والنسان متردد في الخطْا ،إل إن عصم الله،
وكان عندنا خادم إذا غضبت عليه أعطيته شيئا ً ليزول عني
الغضب عليه ،فيقول ليته يغضب علي كل حين ،وهذه
عادتي إذا تكلمت لحد بما يغضبه ،إني بعد أترضاه بما
يرضيه ،من قول أو عطاء ،ثم قال :مرادنا العيال
والجماعة وأنت تتباركون ،وإل كان جعلنا السيد أحمد) (
إذا جاء يقرأ وحده ،والباقون يستمعون ،نخاف إن العيال
يحتاجون إلى أحد في ذلك أو أنت إن أردت تقرأ -وهذا
قوله لي والقاريء المذكور غيري .
ما قال في التطفيف في الكيل والوزن
وذكر رضي الله عنه من يبخس الكيل والميزان ،وأطنب
مد َْين أهل البخس في ذمه ،فقال :هو من بقية َ
والتطفيف ،فكل من يعمل بعمل قوم فهو منهم ،ثم أطال
سُبوا الكلم حتى قال :لما انفردوا بها وأقبلوا عليها) ( ،ن ُ ِ
إليها ،والكبائر حتى في الجنة محرمة كإتيان المحارم
والزنا وغير ذلك ،ولو كان الخت في بعض الصور حلل ً
في وقت آدم) ( .
وقال رضي الله عنه :قاعدة :إنا إذا عزمنا على أمر
لنظهره للناس ،خوفا ً من عدم الوقوع ،ولكنا نعلقه
بالمشيئة ،ولكنهم ينسون المشيئة ويتعلقون بالقول .
ووقعت ذات يوم مشاجرة بين بعض الناس في الحاوي
فبلغه ذلك ،فقال نفع الله به :إن أناسا ً يقيمون عندنا ،ولم
سن خلقه واستقام على ح ُن َ
م ْيكن فيهم أهلية للجلوس ،ف َ
الصواب فذاك ،ومن خالفه فهو في حبل المقصورة) (،
وحسبه الله .
) (2/145
مُر القضاء والقدر خفي جدًا ،وأمر دقيق ل شيء أخفى َ
وأ ْ
منه .وينبغي أن تفطم عنه العامة بالكلية حتى ل يخوضوا
فيه أبدًا .فإن الخوض فيه زندقة ،ولئل يغتروا ،فإن هذه
أمور دقيقة جدًا ،ول أخفى منها أدق من بيت العنكبوت،
لنها تنزلت قليل ً قلي ً
ل .وكلما لها ت َدِقّ حتى انتهت إلى
العلماء وهي في غاية الضعف والدقة ،فل وصلت إلى
العامة إل ّ وهي شيء ل يكاد ُيدَرك بسبب ذلك ،وفي
الخوض فيها خطر عظيم ،ل ينبغي أن يفشى ،ومنه) (
فّرت القدرية) ( حتى سقطوا في الجانب الخر ،و قد قال
ظمون للحق ] أي الله تعالى [ أو مع ّبعضهم إن القدرية ُ
كما قال انتهى ،ثم ختم المجلس بقراءة الفاتحة ،ودعا
دعاء وفيه مناسبة للمجلس :اللهم أرنا الحق حقا ً بهذا ال ّ
وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطل ً وارزقنا اجتنابه ،اللهم إنا
نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى و العافية واليقين
والّثبات على الحق ،والوفاة على اليمان ،اللهم إنا نسألك
العفو والعافية ،والمعافاة الدائمة ،في الدين والدنيا
والخرة .
وحصل شدة برد وذلك في نجم الطرف ،فقال نفع الله
به :إنه فيما يعتاد عندنا إن البرد بعد دخول الطرف يفتر،
وكان العرب في هذا الوقت ُيخرجون الغنم من الزرائب
لنهم حينئذ قد أمنوا من شدة البرد ،ولكن لعل ذلك لمر
أراده الله ،فإنه سبحانه ُيحدث الحادث) ( للحادث) ( ،مما
ل يعلمه إل هو سبحانه أو بعض ملئكته أعني الموكلين
بتلك المور ل ك ُّلهم ،فإنه بلغنا أن الله تعالى خلق ملئكة
موكلين بالشجار والثمار .وشدة البرد عندنا في ستة
نجوم ،أولها الثريا وآخرها النثرةَ ،يعني النجوم الشبامية،
وهي معروفة عندهم لغالب الناس حتى الفلحين) ( وكثير
من الصغار والعوام .
خل الناس الجنة التقوى وقال رضي الله عنه :أكثر ما ُيد ِ
وحسن الخلق ،وأكثر ما يدخلهم النار الجوفان :البطن
ج ،وقد ورد :أشقى الناس من أدخله أجوفاه النار. والَفْر ُ
) (2/151
كر عباده في الدنيا بذكر وقال رضي الله عنه :إن الله ي ُذ َ ّ
مع الخير كله في ج َ
الوعد والوعيد ،فإذا كان يوم القيامة َ
الجنة لهلها ،وجمع الشر كله في النار لهلها.
وقال رضي الله عنه :إذا فزع النسان من شيء ،أو فعل
به أحد شيئا ً أو هاب من وقوع الشياء ،فيتوضأ ويصلي
صلوة{) صب ْرِ َوال َ
ست َِعيُنوا ِبال ّ
ركعتين ،لن الله تعالى قال} :ا ْ
(.
وقال رضي الله عنه :كان بعض المشايخ إذا أراد شيئا ً أو
دفعه) ( أمر ،طلب من المريدين الدعاء له بذلك ،لن
المشايخ الظاهرين بالمشيخة ،يغلب عليهم الرضاء
بالقضاء ،فل ينزعجون لشيء ،وإنما ينزعج المريدون،
ويتضرعون إلى الله فيه ،ولن الدعاء بلسان الغير
مستجاب ،لما جاء :إن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى
عني بلسان لم تعصني بها ،ومعناه موسى عليه السلم ،اد ُ
أطلب من غيرك أن يدعو لك .
قف على الفرق بين اليثار والمواساة
) (2/152
ماقال في الوجد
وتكلم رضي الله عنه يوما ً في الوجد فقال :من تمكن في
روحه غلب عليه وجد الروح ،ول يظهر عليه وجد البدن،
فإنهم ل يرونه شيئًا ،ومن هو كذلك غلب على كلمه وجد
الروح ،كما إن من غلب عليه أمر الجسم ،غلب على
جد ُ الجسم أو
كلمه الكلم في أمر الجسم ول معه إل وَ ْ
كما قال .
ما قال في الوسواس
وذكر رضي الله عنه :الوساوس في الصلة والتلوة
صل ذلك في "الفصول العلمية" ،وفي والذكر ،وقد فَ ّ
"إتحاف السائل" أكثر ،فقال :ل أحسن للنسان في
الصلة من تركها ] أي الوساوس [ والعراض عنها ،ول
شك إن الخواطر الحاصلة في طاعة تدعوه إلى طاعة
أخرى إنها من الشيطان لنها تسلبه الحضور ،فإن دعته
إلى مباح كان أخس ،فإن كان إلى حرام والعياذ بالله
فالمر أشد ،وإذا لم يمكنه الحضور الكلي التام ،الذي
يعرفه من ذاقه ،وفيه يكون اللسان تابعا ً للقلب ،فل أقل
من أن يجعل القلب تابعا ً للسان ،بحيث يجري عليه معاني
مايجري به اللسان ،ويتأمل مايقرؤه ،ومن العجائب إن
ل خواطره ،لن النفس مجتمعة النسان في حالة الكل ت َِق ّ
على مطلوبها ،فإذا قام إلى الصلة تفتحت عليه الخواطر
من كل جانب لنها خلف مطلوب النفس فتضيق منها.
) (2/173
وقال رضي الله عنه :أمور الخرة كلها محتملة ،ول على
صل ،وقد استدل النسان إل أن يؤمن بها مجملة ،ول يف ّ
ن {)
جا ّ س قَب ْل َهُ ْ
م وَل َ َ م ي َط ْ ِ
مث ْهُ ّ
ن إ ِن ْ ٌ بعضهم بقوله تعالى} :ل َ ْ
( إن الجن مؤمنوهم يدخلون الجنة ،ولما كانوا خلقوا من
النار التي خلق منها إبليس قال العلماء :إنهم ل يرون الله
تعالى ،ولم َيرد ذلك في صريح الخبار وصحيح الحاديث
ث بالرؤية لهن) (، ح حدي ٌ الواردة ،حتى إن النساء لم يص ّ
بل في الحاديث الصحيحة ما يوهم عدم ذلك ،كما في
حديث يؤذن لهل الجنة في مقدار جمعة إلخ ،وفي آخره
فيأتون أهلَيهم ،فيقولون لهم :قد ازددتم بعدنا حسنا
ل ،فهذا شاهد على أنهم أ ُب ُْقوا في منازلهم ،ولم وجما ً
يزوروا معهم.
) (2/182
وقال رضي الله عنه :كان السابقون إذا عملوا شيئا ً للدنيا
جعلوا بعضه للدين ،وقالوا :ل نجعل هذا كله للدنيا ،وهؤلء
عميت بصايرهم ،فل ينفعهم مع ذلك رؤية أبصارهم،
فتراهم يعملون في الدنيا جهدهم ،ول يهتمون للدين
بشيء البتة ،فقيل له :إن النسان قد يهتم بطلب شيء
ولم يكن أهل ً لذلك ،فقال :النسان أهل لكل شيء ،لكنه
يطلب ما يطلبه لطاعة الله ،ومن طريقه .
وقال رضي الله عنه :قلوب أهل الزمان انقلبت في
وجوههم ،فلذلك يحصل للنسان بسببهم خواطر ،ولكن
طلوا من المرين جميعا ً فيبقون بلهذا أهون من أن يتع ّ
قلوب ول وجوه.
وقال رضي الله عنه :أهل الزمان ما يراعي أحدهم إل
نفسه فقط ،أعني نفسه الدنياوية ،لن النفس نفسان،
نفس غذاؤها في لقاء الله ومحبته وذكره ومعرفته،
ونفس غذاؤها في الكل والشرب ،فهذه هي التى أفرط
أهل الزمان في مراعاتها.
وقال رضي الله عنه :ينبغي أن يحترم النسان جانب
الربوبية أو ً
ل ،ثم جانب النبوة ،ثم جانب العلماء العاملين،
ثم جانب أولياء الله لنهم خاصته ،ول يعترض على أحد
ويخصصه ،والمام الغزالي مع كثرة ما اعترض على
علماء السوء لم يخصص أحدا ً بذكر.
فائدة
وقال رضي الله عنه :ينبغي للنسان في هذا الزمان أن
يسير إلى الله بلطف ،ويأخذ نفسه بالتي هي أحسن .
) (2/185
وقال رضي الله عنه :من أتى بأذكار النوم عند المنام
كافُِرون{ ل َياأي َّها ال َ
فتكلم بكلم أجنبي ،ينبغي أن يعيد } قُ ْ
و) الخلص ( فقط لنه ورد أن يأتي بهما آخرا ً فإن انتبه
أثناء الليل ونيته العود إلى النوم يكفيه الول ،فإن قام
وليس نيته العود إلى النوم ،ثم بدا له أن ينام يأتي منه بما
تيسر ،ولم يرد في القيلولة شيء ،ول بأس بيسير منه،
ولو لم يرد إذ ذاك ،فإن أوقاته صّلى الله عليه و آله وسّلم
كانت محفوظة ،ثم تكلم كثيرا ً ثم قال :وأين ملبوسنا
دائرة دائرة ومأكولنا وجميع أشيائنا من الولين ،لكن ال ّ
التوحيد تشملنا ولم يرد في شيء أن فيه النجاة من النار،
أو من مات عليه دخل الجنة ،سوى التوحيد.
وقال رضي الله عنه :خروج الروح عند الموت ،من حيث
سهولة خروجها ،وتعسره على قدر زهده في الدنيا
وانزوائه عنها ،أو رغبته فيها وتعلقه بها ،فمن كان زاهدا ً
فيها فارغ اليد منها سهل عليه خروج الروح ،ومن كان
محبا ً لها وواجدا ً لها عسر عليه خروج الروح ،ويختلف أيضا ً
باختلفه قوةً وضعفًا ،ومثاله :كطير) ( في قفص) ( ،ضجر
ح له القفص فيفر منه مسرعا ً إل من الحبس فيه :فإذا فُت ِ َ
إنه إن لم يعوقه شيء ولم تتعلق رجله بشيء من داخل
من حبل أو غيره واتسع له المخرج خرج بسرعة بل مهلة،
وإن كان شيء مانع أو عائق عن السراع تعوق على قدر
ذلك .
وقال رضي الله عنه :والعمدة على اجتماع الرواح،
وبالبدان يكون الجتماع في الدنيا ،وبالرواح يكون
الجتماع في الخرة ،ول عبرة باجتماع البدان مع مفارقة
الرواح .
) (2/186
وضرب رضي الله عنه مثل ً لدعاء أهل الزمان إلى الخير،
وإنهم ل يجيبون من دعا ،قال :هم كمثل نائم غلب عليه
النوم ،فتنبهه ليقوم للصلة ،وتجر برجله ثم يخالفك وينام،
قال :فإن كان نومه إلى مدة قليلة ،كان أشكل) ( ممن
نومه إلى الموت ،ثم ينتبه حينئذ ،وكل ينتبه إذ ذاك.
وقال رضي الله عنه :قاعدة :إن من تعلق بالدين ثم بعد
ذلك مال إلى الدنيا أصبح بل دين ول دنيا ،فلُيفهم .
م على معصية ،فقيض الله وقال رضي الله عنه :من هَ ّ
م بطاعة فقيض الله عارضا ً منعه منها ،فهو يحبه ،ومن هَ ّ
له مانعا ً منعه منها فهو يبغضه .
وقال رضي الله عنه :كرامات الولياء منذ زمان النبي
صّلى الله عليه و آله وسّلم لم تبلغ معشار عشر معجزاته
عليه السلم ،لن من معجزاته القرآن ،وتحت كل آية
معجزات ل تحصى .
وقال رضي الله عنه :من لم يحسن النظر مع أهل
الباطن ،لم يحصل له منهم ظاهر ول باطن ،وإن حصل له
شئ من الظاهر لم يبارك له فيه .
وقال رضي الله عنه :إذا اجتمع باعث ديني وباعث طبيعي
في أمر ،كان العبد أقوى ما يكون في فعل ذلك ،وغالب
ما ينبعث لهل هذا الزمان الباعث الطبيعي ،وأما القوة
المجردة في فعل ما انبعث له في فعل الدين ،فل يكون
إل لنبي أو قطب ،فإن رأس القطب تحت قدم النبي،
يستمد منه ،فهمة العوام في المور الدينية هي طبيعة
القطب ،والقطب هو الغوث ،وكل من ارتفع في مقام
على غيره فهو قطب أهل ذلك المقام ،أي رئيسهم فيه،
كما يقال قطب الراضين ،وقطب المتوكلين ،ونحو ذلك،
وإذا رأيت إنسانا ً يعمل شيئا ً من أعمال الدين فاتركه
عليه ،ول تذكر له النية وإخلصها ،فإن فعله ذلك نية،
ولعله ل يعرف معنى اخلص النية فيتكدر عليه الحال .
ما قال في المحبة
) (2/188
طف وتجل جدا ً عن وقال رضي الله عنه :معاني المحبة ت َل ْ ُ
التحدث بها ،لن العبارة ل تأتي على معانيها ،ول يمكن
التعبير بالمعاني بحال ،لنها ل تدركها العبارة ،ولهذا ترى
أهل المحبة لما أدركوا من معانيها ما يجل وصفه ول
يمكن كشفه ،واحتاجوا بسبب ذلك إلى التنفس والتروح،
يعبرون عنها بقوالبها التى هي صورها ،والمعاني أرواح
قائمة بها ،وذلك لما عجزوا عن التعبير بالمعنى ،وذلك
كتغزلهم بليلى وسعدى وسلمى ولبنى وهند ودعد ،وغير
ذلك لما ذكر ،أل تسمع إلى ما ذكر :إن رجل ً جاء إلى
بعض النبياء وقال له :ادع الله أن يرزقني ذّرة من محبته
إلى آخر القصة المتقدم ذكرها ،ثم ذكر قصة موسى لما
رأى العصا ثعبانا ً هرب منها ،لن ذلك حصل له بغتة ،ولم
يكن بصدده إنما كان يطلب جذوة من نار ،فلما أن تمّرن
وكلمه ربه لم يقنع بالكلم ،حتى سأل الرؤية ولم يحصل
عليه عند الكلم ما حصل عليه عند الخطاب الول ،لنه قد
تعود وتمرن على ذلك ،وقد جعل الله له في المرة الولى
الشجرة سببا ً لسماع النداء ،وجعل في الثانية الطور سببا ً
لسماع الكلم ،ولهذا لما ُأسري بنبينا محمد صّلى الله
عليه و آله وسّلم لم يفزع في شيء من المواطن ،لنه
مَلك ورؤية من ابتداء أمره إلى منتهاه كان في صحبة ال َ
الملئكة والترقي من حال إلى حال ،فلم يندهش في
جَأه أمر في أول وهلة، شيء منها ،بخلف ما لو كان فَ َ
فإن هذا من طبيعة البشر ،كما وقع لموسى ولنبينا عند
ابتداء الوحي ،لما قال :زملوني ،زملوني ،دثروني .أو كما
قال من جملة ما تكلم به ضحى يوم الثلثاء 24جماد أول
سنة 1124في غرفة السيد حسين بن عمر بلفقيه في
الجحيل .
ما قال في أدب السائل
) (2/189
وقال رضي الله عنه :من تاب من ذنب وفي نفسه إنه إن
تمكن منه فَعََله ،فهو مصّر عليه ،ول توبة له ،وإن انتفى
هذا العزم بعد التوبة ثم رجع بعد ُ بباعث آخر ،صحت توبته
الولى ،وتوقفت إثابته وإثمه على أن يتركه خوفا ً من الله
أو يقتحمه ،وإن تاب كذلك صحت ،والعبرة فيها بالندم .
وفاعل الذنب كمن يأخذ الَقدوم ويهدم ،والقدوم الذنوب،
والمهدوم الدين ،والطاعات بناء له .
ما قال في خداع الشيطان
وقال رضي الله عنه :من دسائس الشيطان أن يشغلك
عن الخير بخير آخر حتى ل تحسن الول ،فل تستعجل
بخير لتفعل خيرا ً آخر ،بل أحسن الذي أنت ملبس له ،ثم
افعل الثاني ،وشغله له بأن يوسوس له ويهممه على
الذي يكون غير ملبس له عما هو ملتبس به فيتعلق قلبه
به عما هو فيه ،وبهذا يعلم إن كل خاطر يخطر للنسان
في الصلة والذكر والقراءة فهو من الشيطان ،وإن كان
مُر بمباح ،بل عما يأمر مُر بخير فضل ً عما يأ ُ خاطر يخطر يأ ُ
بمكروه ،فإن أمر بحرام كان أشد .
انظر إلى هذا التأويل البديع
كف بصره فتعب وقال له رضي الله عنه رجل :إن فلنا ً ُ
لذلك ،وقال :ما مرادي إل لجل أنظر في المصحف فأقرأ
نظرًا ،ورأى النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم في المنام
فقال له :اكتحل بالِعظة ،وإنه سأل عنها فقيل له :هي كل
شجرة ذات شوك ،ويريد منكم تأويل ذلك ،وكيف الكحل
بذلك ،فقال له نفع الله به :قل له :يقول لك :العظة إنما
هي التعاظ والصبر ،فليصبر على ما أصابه ،ول عاد
يسأل ،ول عليك من أهل الزمان ،فإن مطالبهم كلها
دنياوية ،وإنما يسترونها بأمور الدين ،كمن ل مال له،
فيقول :لو أعطاني الله مال ً تصدقت منه ،وفعلت وفعلت،
فانظر لو حصل له مال واجلس له عند داره .
) (2/191
وقال رضي الله عنه :قد يجيء شيخ صاحب طريقة ،وهو
على حق ،ثم يجيئون ناس يترسمون برسومه ،فإن كانوا
على قصد القتداء به ،ليخلون من خير وبركة ،وإن
قصدوا أن يظهروا التشبه به ليظهر أمرهم عند الناس
وُيعرفوا وُيعظموا ،فهؤلء إنما هم أكلة الدنيا قد حبط
عملهم وخاب سعيهم ،وينبغي لمن له سلف صالح ،أن
يتشبهوا بهم ويهتدوا بهديهم ،فإن لم يقدروا على ذلك
فليترسموا برسومهم ،فإنهم إذا فعلوا ذلك بقصد التشبه
بهم ليخلون من خير وبركة ،والكابر ليقتدى بهم في
العوائد والحقائق ،كيف يقدر أن يقتدي بهم في أن يصلي
الصبح بوضوء العشاء كذا مدة ،أو يمكث كذا أياما ً من
الكل ،هكذا ماحفظته على مافهمته من كلمه ،ضحى يوم
الثلثاء 24ربيع الثاني 1124في دار آل فقيه ،عندما
حصل منه التلقين لجماعة من السادة .
وحضر رضي الله عنه في مجمع في داره الشرقية من
الحاوي التي فيها ابنه السيد حسين ،وذلك يوم الحد 18
ذي القعدة سنة ،1126وختم ذلك اليوم السيد الجليل
أحمد بن زين الحبشي كتاب صحيح البخاري ،وحضر من
الطعام ماتيسر كطعام المداد) ( .فمن مجموع ماتكلم به
إنه ذكرت له زوجة السيد أحمد الهندوان توفيت ،فقال:
اللهم إنا نسألك حسن المصير عند المسير ،وحسن الثبات
عند الممات ،ولم يزل يتكلم حتى حضرت القهوة ،فقال:
الفاتحه إن الله يوفق الحياء ،ويرحم الموات ،ويغفر
للجميع ،وكان عادته قراءة الفاتحة عند القهوة وذكر هذا
البيت للبوصيري:
وإذا تحققت العناية فاسترح ... ...وإذا تحققت العناية
فاجهد
) (2/194
وذكر رضي الله عنه الشيخ ابن عربي وذلك عشية الثلثاء
في الحاوي سادس ذي القعدة سنة 1126فقال فيه :إنه
سّلم له أمور الدين والخرة،
تقدم له زهد وصلح في ُ َ
وكذلك ابن الفارض والسهروردي ،وأمثالهم من المتكلمين
بالحقائق ،ثم قال :أمر الله عظيم ،وكل يقول ماهو إل أنا.
كالشمس والقمر ،كل يراهما ،ولهذا مثل الله بهما في
المور اللهية ،ولو ظهر لهم جبريل ،مااستطاعوا النظر
إليه ،لكن الدمي ضعيف ،وهو معذور لضعفه ،ومن
طبيعته التيه ،لكن إذا كان ذلك في محل العفو ،بأن
ليكون متبطرا ً ول كاذبًا ،وقد مثل المام الغزالي في هذا
ل ،وكل منهم صادق، بالفيل ،واختلف مرائيهم فيه مث ً
ولكن إذا لم يكن شعور ،وفيه إشكال فينبغي البيان ممن
يعرفه ،لئل يدخل على الناس منها التعقيد والتشبيه ،وإل
فإن سلم من الناس ماسلم من الله ،فربما ادعاه أحد من
الناس فاغتر به ،فترى ُأناسا ً يروحون يطالعون في
"الفتوحات") ( ونحوها ،ويتركون مطالعة "الحياء" لن
أنفسهم تهوى أمثال ذلك ،وتشمئز من "الحياء" لكون فيه
تبيين الحكام وتعريفها ،فينبغي إجتناب أقاويلهم المعقدة
لئل يدخل منها التشبيه والتعقيد ،فما الفائدة في ذلك،
ومن يحل لهم التعقيد إذا ركب في قلوبهم ،وقد جاء في
القرآن وفي الحديث :إن المور اللهية ل ُتتعقل ول تكيف،
وأين السراء إلى فوق السبع السموات إلى العرش ،من
سماع الخطاب من الشجرة في الرض ،يعني في قصة
السراء بالنبي صّلى الله عليه و آله وسّلم وسمعه لكلم
الله من قاب قوسين ،وتكليم الله لموسى عليه السلم
من الشجرة وسماعه لذلك ،والمتكلم واحد ،والماكن
متباعدة غاية البعد ،ففي هذا دليل على أن المور اللهية
أمرها على غير ماتعرفه العقول ،وأنه ل يسع إل اليمان
بها والتسليم ،والله أعلم ،قال :والغلبات لها أحوال ،وهذه
المسائل لها حقائق عند أهلها ،لكنها لها عندهم أشياء،
وفيها مخاطرة حتى في الدنيا فضل ً عن الدين ،وقد ذكر
) (2/198
ودخل عليه رضي الله عنه السيد زين العابدين ضحى يوم
الثلثاء ثامن عشر شوال سنة ،1131وذلك في الغيلة
في الحاوي ،وطال به المجلس معه ،فكان مما خاطبه به
أن قال بعد ماجرى ذكر السيد علي بن عبدالله ،قال:
كنت أظن أني والسيد علي بن عبدالله يكون موتنا في
هو في جمع في غرفته عام واحد ،فاتفق أني رأيت كأني و ُ
بالسبير ،اجتمعنا لمر يوجب الجتماع من وليمة عرس أو
نحو ذلك ،وكنت جالسا ً في المجلس إلى قبلة ،وهو في
شّرقا ً يريدم َ
المجلس إلى شرق ،وبعد ماتفرقوا قام وسار ُ
الهند ،وكأني أعالجه أن يبقى وليروح ،فأبى وراح،
فأولتها :رجوع روحه وأنه يتوفى هناك ،وأن ل أكون معه
في عام واحد ،قال :ورأيت البارحة أي ليلة الثلثاء
ن رجل ً أعجميا ً وقف فوق هذا الكرسي عندي المذكور ،كأ ّ
في الغيلة ،وجعل يصرخ ويقول :الليلة مات القطب،
وأصبح السيد محمد بن سقاف متوفيا ً تلك الليلة ،قال :ول
أرى الرؤيا تصدق عليه .
) (2/203
أقول :لما حكى سيدنا نفع الله به بالرؤيا هذه للسيد زين
العابدين فحفظتها وأرختها وراحت اليام والليالي ،إلى
ثالث أو رابع جماد أول أو الثاني من السنة التي بعدها
سنة ،1132وإذا بخطوط) ( وصلت من الهند من السيد
أحمد باعمر وغيره إلى سيدنا يعزونه في السيد علي بن
عبدالله وذكروا :إنه توفي ليلة 18شوال المذكور ،وهي
ت فيه ،وتسميته بالقطب توسعة ح ْ
ص ّ
ليلة تلك الرؤيا ف َ
وتوسع من حيث اللغة كما يقال قطب الراجين وقطب
المتوكلين ،وإل فسيدنا هو القطب الغوث والمام المطلق
.وقوله نفع الله به في تأويله رؤياه الولى :أن ل أكون
معه في عام واحد ،إنما خرج عن عام وفاته بعشرين
يومًا ،والكرسي الذي رأى الرجل العجمي يصرخ عليه،
كرسي لسيدنا يجلس عليه ويضع عليه عمامته ،وقوله:
أعجمي أي غير عربي فتكون لغته هندية ،وإنه جاء من
الهند يخبر بذلك ،وكثيرا ً ما يذكر سيدنا السيد َ عليًا ،ويطيل
الكلم فيه حيا ً وميتا ً ويطنب في وصفه ،ومن ذلك قال :لم
نعلم أحدا ً من السادة بقي في الهند ستين سنة مع توقعه
للخروج إل هو ،حتى إن السيد علي الشاطري قال:
ماجلسنا معه مجلسا ً إل ذكر تريمًا ،وتمنى الوصول إليها
وقد رأيناه مرارا ً في الخلء ،ومرارا ً في البلد ،إنه جاء الى
تريم ،وفي كل ذلك وهو يريد الرجوع إلى الهند ،وأنا أشير
عليه بالجلوس ،وعدم الرجوع ،وهو عازم على الرجوع،
فكان ذلك زيارة روحه ،وحفرُته هناك ،ولكن الغريب
شهيد ،لن موت الغربة كئيب ،وإن كان بين أهله وولده،
وقد توفي بعض الصحابة في غير بلده ،فقال النبي صّلى
الله عليه و آله وسّلم :هو شهيد ،يقاس له من موضع
ن ابنه محمد َ بن عبداللهقبره إلى منتهى أثره .وسأل اب َ
بن علي هل بلغكم قدر مدة مرضه؟ ،قال :نعم ،طال
مرضه نحو سنة ،ولكنه لم يمنعه ذلك من عاداته
ومجالسه وصلواته وجميع عوائده ،إل قبل وفاته بثلثة
أيام ،انقطع فيها عن الخروج ،وأعتق جملة عبيد نحو
عشرة ،وأسكت قبل الوفاة بقليل .
) (2/204
وذكر نفع الله به للسيد زين العابدين :إنه كتب إلينا السيد
أحمد باعمر يعزينا في السيدعلي فكتبنا له جوابًا ،وكتبنا
له في الجواب صدر هذا البيت ،وما كان قيس هلكه هلك
واحد ،وتمامه ولكنه بنيان قوم تهدما ،فتركناه خوفا ً من
التفاؤل به ،أو كما قال ،وكان من عادة سيدنا رضي الله
عنه مع السيد علي زيارة التربة معا ً بعد العشاء ،وسمعت
إنهما يقفان بعد الزيارة يتذاكران فيما بينهما في فنهما
ويستغرقان في المذاكرة حتى يطلع الفجر .ولسيدنا نفع
الله به في أبيات كثيرة من قصائد متعددة إشارات إلى
تلك المذاكرات والمسامرات كقوله) (:
ي العهد مجتمع ...على المودة ل بالعاجز وكم حبيب وف ّ
ل
الوك ِ
إلى أن قال :
فهل ترى عائدا ً في الحي مجتمع ...مع الحبة بالبكار
والصل
وبالمسامر من ليل وقد هدأت ...عين الشناة وأهل النقل
والعذل
يدور مابيننا كأس الحديث من الـ ...ـقديم ُنسقى بها في
ل والَعللالنه ِ
ومما نقل عمر باحميد عن سيدنا نفع الله به ،قال :سمعته
م معنى قولنا في القصيدة الرائية :يقول :ما فَهِ َ
خّلفوني في الحمى بقية قوم قد مضوا وخلفتهم ...وهو َ
عندما ساروا
إل السيد علي بن عبدالله العيدروس .
) (2/206
واستخلف منه رضي الله عنه رجل يريد الهند ،فقال له:
م ما الشيء إل ّ هِ ّ
مة ،ول يعين الله العبد في المر حتى ي َهِ ّ
به ،ويشرع فيه ،وقد كان بعضهم إذا أراد أن يرسل أحدا ً
إلى أحد في حاجة فقال :أخاف ما ألحقه ،قال له :اجلس،
ل غيره ،والعمدة على الهمة ،ماهي خفخفه ،وامتث ِ ْ
ل س َ
وأر َ
لفلن فقد وصيناه فيك ،وإذا لم تمتثل فل تلم أحدا ً فيك،
قد البر والصلة إن يسر فاللوم على قليل المتثال ،واعت َ ِ
الله عليك ،حتى يحصل لك ذلك ،فلما أدبر قال سيدنا في
ضعف أرزاق أهل الجهة :إنهم ل يحصل) ( نيل مطلوب إل
ت نحو جماعة أو ة فَوّ َ
بفوات فضيلة ،حتى لو أراد يأكل أكل ً
مَرّفهين، ودين هذه المور ول ُ فضيلة أخرى لنهم ماهم مع ّ
ول تعودوا أن ُيخدموا ،وقد جاء عن ابن عباس :إن
مْرت َك ِم ٍ هبت عليه رياح فبددته، ب ُح ّل َمْثل قلي ِ
أرزاقهم ك ِ
وقد هيأ ربك لك المور وأسبابها فاعمل على ذلك ،وإن
كانت المور مقدرة) (.
خَلق الله في النسان نفسه ليحجبه وقال رضي الله عنهَ :
جبه . ح ُ
بها عنه فإذا أراد تعالى وصول عبد إليه ستر عنه ُ
ولما فرغ القاريء في "شرح الحكم" لبن عباد من
قراءته قال سيدنا نفع الله به :هذه أشياء مفهومة ،وواقع
النسان فيها ،وإذا كان مع النسان أصل اليمان ،فما عدا
ذلك زائد ،فترى النسان إذا عصى رأى نفسه منكسرًا،
وإذا عمل أدنى طاعة ،إذا به يتحمحم) ( .والنسان
طلب منه الكمال ،فهذا أمر عسر، مخلوق على النقص ،و ُ
فليعتبر النسان بقصة آدم ،كيف عمل الطاعة ثم لم يلبث
أن وقع في المعصية ،فوَّرث ذلك لذريته ،فهذه الشياء
في جبلة الدمي ل يخلو منها ،ثم قال :ضعفت في هذا
مُرّوات والهمم ،وضعفها أكثرمن ضعف الزمان النيات وال ُ
الدين .
) (2/209
دا له
ج ّ
أقول :ذكر السيد يوسف الفاسي في رحلته ،إن َ
يقال له :أبو الوكيل ،مقبور في بعض بلدان المغرب ،في
قبيلة من البربر ،وكذلك له ثلثة قبور في ثلث بلدان في
ثلث قبائل ،فتداعى الربع القبائل ،كل يقول إنما قبره
الذي عندنا ،وتماشعوا) ( السيوف للقتال ،واشتكوا إلى
ولده ،فقال :كل منكم يحفر القبر الذي عنده ،ففعلوا
فوجدوه في الربعة القبور ،فسكن غيظهم .
انظر إلى هذه الحكاية فيمن يتبع رأي النساء
وذم رضي الله عنه أحوال المنقادين لزواجهم ،فقال :إن
سليمان بن داود عليهما السلم ،أمر الهدهد أن يمضي
إلى بعض البلدان ،في َعُد ّ رجالها ونساءها ،أيهم أكثر ،وكان
المعلوم من تلك البلدان رجالها أكثر ،فقال له :عددتهم
فإذا عدد النساء أكثر ،فقال :كيف ذلك؟ ،فقال :كل من
رأيته منقادا ً لزوجته عددته امرأة ،فعلى هذا الحساب
صرن أكثر منهم ،فتنبه سليمان عليه السلم من ذلك
لمحبته لبلقيس .
انظر ما قال في البناء
وسأل رضي الله عنه رجل ً عن دارٍ بناه ،فأخبره ،فقال:
كل عمل قد يثاب عليه إل البناء ،والذي ورد النهي به منه
تعلية البنيان دون التوسعة ،وقد جاء :إنه يقال له إذا
أطاله :إلى أين يا أفسق الفاسقين ،وهذه المور من
المباحات إنما هي بالنية) ( ،والقتصار على قدر الحاجة
منها ،وأهل الزمان لم تصح النية لهم في العبادات ،فضل ً
عن العادات .
وقال رضي الله عنه :إن الله سبحانه يستحي أن ينزع
ه ل َ ي ُغَي ُّرن الل َ
النعمة عن شاكر ،ولذلك قال سبحانه } :إ ِ ّ
سِهم{) ( . َ
ما ب ِأن ُْف ِ
حّتى ي ُغَي ُّروا َ
ما ب َِقوْم ٍ َ َ
وقال رضي الله عنه لرجل :هل عادكم ملزمين للحضرة)
(؟ ،قال :نعم ،فقال :الخير ل ينبغي التخاذل عنه ،بل
التعاون فيه والمداومة عليه ،وإنما ينبغي ذلك) ( في
َ
الشر ،والعالم يستنبط ذلك من قوله تعالىَ} :يآ أي َّها اّلذي َ
ن
ة{) (.مع َ ِ
ج ُ
من ي َوْم ِ ال ُ صل َةِ ِ
ذا ُنودِيَ ِلل ّ مُنوا إ ِ َ
آ َ
) (2/211
وقال رضي الله عنه لرجل :كيف أنت؟ ،قال :كذا ،أي
ذم التجلد على اللهيتشكى ،فقال له :قل :بخير ،إنما ي ُ َ
وهو أن يغفل عما عليه من النعم ويقول بلسانه :أنا بخير
وقلبه ملن من الشكوى ،ومن تجلد على الله ابتله ،وإنما
المحمود إذا كان معه بعض بلء فذكر ما عليه لله من
النعم فقال :بخير شاكرا ً على تلك النعم .فقد سئل
الجنيد وبه بعض مرض ،فذكره فقيل له :أتشكو الله؟،
فقال :إنما أذكر قدرة الله علي ،أو كما قال .
وذ ُك َِرت عنده رضي الله عنه الرحمة في الودية ،وإن
لن ،الول كبير ،والثاني صغير سي ْ َ
وادي ثبي حصل فيه َ
وحصل منه خير من الول .فقال نفع الله به :السر في
البركة والشكر ،السر في البركة والشكر ،قاله مرتين،
أبى الله أن يرزق المؤمن إل من حيث ل يحتسب .
وسأله رضي الله عنه بعض السادة :أن يلقنه الذكر ،وكان
ذلك في مجلس القراءة عشية الثنين 23ربيع الخر سنة
،1124فقال :إن هذا ل يكون في المجلس العام ،ول
لعموم الناس ،وإنما هو لطالب مخصوص ،في مجلس
مخصوص ،ول يكون له أيضا ً حتى ُيسأل لُيعرف صدقه،
وشدة تعطشه ،وأنتم ما دريتم بهذه الشياء ،ظننتم أنها
حصلت لنا باردة من غير تعب ،ل ،بل إنما حصلت لنا بعد
التعب الشديد ،لو علمتم بذلك ،فقد سافرنا لجلها إلى
مشايخ ،وزرنا لجلها آخرين ،وصحبنا آخرين ،وما علمتم
بذلك ،ولو أن معي تحت السجادة هذه جواهر مع عدم
مبالتي بها ما فتحتها لهل الزمان ينظرونها ،وهؤلء
الحاضرون ،منهم من ساقِي َُته ملنة ومنهم من ساقيته
مربودة) (.
) (2/216
ح َ
كم صب ِ أو قال هذا مباح لم ي ُ ِ
أيضا عن الحق في آذانه صمم
بلخير يبدي وباليمان يختتم
تم ذلك وإنما أطلنا الكلم لكونه انتشر بين الخلق ،لعل
إنسانا ً إذا سمع قول سيدنا ،وما في ذلك النقل وما أفتى
به الحبر الشهاب القليوبي أن يرعوي قلبه عنه ويتركه.
وذكر رضي الله عنه رجل قد مرض ،فقال :إذا حلت
المقادير ،حارت التدابير ،وليس لهؤلء معقول يدبرون به
أحوالهم ،والغيار يدخل على الجسم مع عدم التحفظ في
الصغر أكثر مما يحصل في الكبر ،لن الصغير جسمه
ضعيف ،أدنى شيء يضره ،والكبير وإن كان ضعيفا ً وأدنى
حبا ً من حال شيء يضره لكنه فيه شدة في بدنه ،مستص َ
القوة ،بخلف الصغير.
وقال رضي الله عنه في قول يحي ابن معاذ في الرسالة:
مك المسك ش ّ طك الخل والخردل ،والعارف ي ُ ِ سع ِ ُ
الزاهد ي ُ ْ
والعنبر :أي إن الزاهد يشدد عليك المر ويتقصى في
الحتياط ،ول تكاد تسمع منه ما فيه سهولة ،بل كل أموره
شديدة .والعارف بخلفه يسّهل عليك المر ،وإذا رآك في
صّرا على شهوة تركك ول ينكد عليك ولكنه م ِ غفلة أو ُ
يرغبك عنه ويذكر لك الفضيلة في تركه ويستجلبك بلطف
ورفق ،فأي الحالين ترى موجبا ً لنقيادك وميلك إلى الحق،
فل يكون التباع إل للثاني .
) (2/219
وقال رضي الله عنه :اغتنم الساعة التى تصفو لك ،فإنها
قل ما تحصل كل حين ،ول يحصل الصفا كل حين ،ثم ذكر
أحوال من تقدم فقال :كم راح ممن قد راح ،وكم خلف
المتقدم للخالف ،أو قال السلف للخلف ،ولكن كأن الله
لم يرد أن ينفع أهل كل زمان إل بأهل زمانهم .
ما قال في أموال أهل البادية
وقال رضي الله عنه :أموال أهل البادية كلها بيت مال،
لنهم ل يدينون بأمور السلم ،وإن أقروا بها ،ل صلة ول
ت عن مثل هؤلء لم أجزم بأنهم مسلمون زكاة ،ولوسئل ُ
أو كافرون ،وهذا هو محل التوقف وقول :ل أدري ،لنهم ل
يقرون بالشهادة تعبدًا ،وإنما يقولونها بغير قصد عندما
يتكلمون أو يتعجبون ،ول يفعلون أركان السلم ،فبهذا
يكاد يحكم بكفرهم ،ولكنهم يقرون بها ،ويعتقدون من
يفعلونها ،فبهذا يرجى أن يكونوا مسلمين ،فظاهر أحوالهم
يمنع أن يقال بإسلمهم ،وباطنهم يمنع أن يقال بكفرهم،
ففي مثل هذا :التوقف أسلم ،لن معهم شبهة إسلم،
فلهذا حسن التوقف فيهم ،ولو قد خرج المهدي لكان أول
من يجاهد هؤلء وأمثاَلهم أو كما قال .
) (2/222
واستوصاه رضي الله عنه رجل فقال له نفع الله به :إزهد
في الدنيا ل تحبها كثيرًا ،فقيل إنهم يحبونها كثيرًا ،فقال:
ماطلبنا منه أن يزهدكزهد الولين ،إنما نطلب أن يخفف
من حبهاويقرب وكان الولون كالشيصة الواحدة في
خيل) ( ،وكله تمر ،والناس اليوم إل كالريع) ( ماَيلقى ال ِ
فيه إن كان فيه صالح إل واحدة أو ماشي ،ثم ذكر حكاية
عن بعض السلف أنه سئل وقيل له :من نعامل من
الناس ،ومن نترك معاملته؟ ،فقال للسائل :عامل من
شئت ،ثم بعد مدة قال له :من أعامل؟ ،قال :عاملهم إل
فلنا ً وفلنًا ،وسأله بعد مدة أخرى كذلك فقال :ل تعامل
إل ّ فلنا ً وفلنًا ،قال :وكانوا في الزمن الول ثمرا ً بل
شوك ،ثم ثمرا ً وفيه شوك ،ثم شوكا ً بل ثمر ،ثم ذكر
ظواهر أحوال الناس فقال :ما مع النسان إل الظواهر .
والبواطن إلى الله ،وربما لو ظهر من البواطن شيء ،ك َ ّ
در
الظواهر ،ول نقول في أحد إنه صالح أو طالح ،فما أنت
جالس في جنبه تعلم أحواله ،ومن أخطأ ،الله أعلم
أصيبت مقاتله ،ثم إنك لو اطلعت على باطنه ينبغي الستر
ن() ( بعد هذه ،ولعل ل ،ينبغي أن تقول في ) ...ولم أت َعَ ّ أو ً
بعدها :أن تقول في الناس إل خيرًا ،وذكر آية ،قال الله
شأ ْ شأ ْ يرحمك ُ َ تعالى } :رب ُ َ
ن يَ َ
م أو ْ إ ِ ْ ن يَ َ َ ْ َ ْ ْ م إِ ْ كم أعْل َ ُ
م ب ِك ُ ْ َ ّ
م {) ( الية ،فاذكر الثمرة ول تعرض للعمل ،ول ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ
سول ً {) ث َر ُ حّتى ن َب ْعَ َ
ن َ ما ك ُّنا ُ
معَذ ِّبي َ يأخذ الله إل بحجة } وَ َ
( ومن قال :يأخذ بل حجة فقد أخطأ ،ول يأخذ إل بذنب،
وإن كان له ذلك ،ول يعامل النسان إل ربه .
ما قال في خلفة الخلفاء الراشدين والرافضة والباضة
) (2/223
وذكر رضي الله عنه أهل الرفض فقال :إنهم أهل باطل ل
ُيذكرون ول ُيعول عليهم في شيء ،وإن كان عندهم يسير
من الحق فإنهم خلطوه في الباطل ،فل يبقى له أثر ،كمن
يجعل زبادا ً في عَذَِرة ،وينبغي لصاحب الحق أن يتركهم،
وإن رأى عندهم شيئا ً من الحق ل ينكره ،لئل يتعللون
ويحتجون عليه بإنكاره ذلك القليل من الحق ،فيستدلون
بذلك على أن كل ما معهم حق ،وأنه أنكره ،وما اعتقدوا
إن سيدنا عليا ً أولى بالخلفة ،فإنه لو ولي بعد النبي صّلى
الله عليه و آله وسّلم لما كان منه إل مثل ما كان لما ولي
في وقته) ( ،ولكن سيدنا أبوبكر رضي به الناس ومنهم
سيدنا علي ،لسابقته وحصوله مع النبي صّلى الله عليه و
آله وسّلم في الغار ،ولكونه صلى بالناس في حياته صّلى
الله عليه و آله وسّلم ،وهو أوصى بها باجتهادٍ لعمر ،وعمر
جعلها في أهل الشورى ،الذين يجتمعون عليه من أحد
ستة ،وهو أي سيدنا علي منهم ،ويكفيه فضيلة ما له من
الفضائل والمزايا ،وإن تأخرت خلفته فإن ذلك أيضا ً زيادة
في فضله) ( ،فقد كان النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم
دا{) ( .الية، ب ل َ ت َذ َْرِني فَْر ً
إذا بعثه في سرية يقولَ } :ر ّ
وما ذكره الرافضة من ذمه بأنه سكت في بعض الشياء
تقية ،فليس سكوته فيها جبنًا ،وإنما هو للبقاء على
المسلمين ،وكراهة منه لشق العصا بين المسلمين،
وأكث ََر) ( نفع الله به في ذمهم والباضة ،فقال :الباضة
والناصبة أبغض إلينا من الشيعة ،لنهم يبغضون أهل
البيت ،وقال بعض الشيعة من أهل المدينة لبعض السادة
من آل أبي علوي :ما تقول في الشيعة والباضة؟ فقال:
بعرة مقسومة نصفين .ورأينا سنة حججنا رجل ً شريفا ً
رافضيا ً قائما ً عند قبر النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم
يصرخ ويقول :يارسول الله ظلمونا وفعلوا بنا ،ويتنصف
كثيرًا ،وإذا به على أمور قد سلفت منذ زمان بعيد ،كما
ل بسيدنا علي وابنه الحسين ،فعجبنا منه .ومن طبع فُعِ َ
الرافضة الجنون ،يدل عليه مثل قصة هذا الرجل ،حتى
قال بعض العلماء :لو أن الرافضة كانوا طيورا ً لكانوا
ُرخمًا ،ولو كانوا دوا ّ
ب لكانوا
) (2/225
ن ،وأقضاكم علي رضي الله عنهم ،انتهى ما حياًء عثما ُ
تكلم به نفع الله به في هذا المجلس .
وقال رضي الله عنه :ما عاد في هذا الزمان إل الملطفة
والمداراة والخذ باللطف ،ول بد أن يدبر الله للناس ما
فيه الخير .
وذكر رضي الله عنه الخطار التي عليها أهل الجهات
فقال :كالهند ونحوهم ،يتربى النسان بين السهام وفي
الحروب ،وما يشبههم في المخاطرة إل الصوفية فإنهم
يخاطرون بأنفسهم في أمور شديدة ل تكاد تدخل في
الطاقة ،وذلك لنهم رموا بأنفسهم ول حسبوها ،فعدوها
في الخرة وإن كانوا في الدنيا ،فما يظهر عليهم من
أشياء غريبة من رؤية ملئكة أو سماع هاتف أو غير ذلك
فكل ذلك من أمور الخرة .
وسئل رضي الله عنه عن قول المام الغزالي في كتاب
التوبة :قد انكشف لرباب القلوب أنه ل عفو عن عبد إل
ب خفي يقتضي العفو عليه ،ول غضب إل بسبب بسب ٍ
باطن يقتضي البعد من الله إلخ ،فقال :نعم ،لما إن
أعطاه الله التوحيد والطاعة وَرَزَقه ذلك ووفقه له ،كان
هذا منه تعالى لعبده من غير سبب ول وسيلة استحق بها
ذلك ،وعند ترتيب المجازاة على العمال ل يكون شيء إل
بسبب .
وقال رضي الله عنه في حديث) ( :من التقط ما تساقط
من الطعام حرم الله جسده على النار ،أي للتواضع
والصيانة وشكر النعمة ،أي لما في ذلك من ذلك.
وقال رضي الله عنه :ل تشاور إل ذا عقل وذا سر إل إن
كان في أمر ظاهر.
ميلة النسان من المر وهو على وقال رضي الله عنهَ :
عدخل يده فيه وبدُنه في البعد عنه ،وبا ِ حق خير من أن ي ُد ْ ِ
المور إذا اضطربت ول قام فيها والي ،يصطلح فيها وجوهُ
الرض إلى أن يقوم والي ،أو كما قال .
وقال رضي الله عنه :بين الناس شياطين من شياطين
الجن خالطوا شياطين النس مثل ما ترى بينهم في
السواق في غلء السعار وظهور ما ُيطلب إخفاؤه ،وكله
من الشواغل والمور السائغة بين الناس .
ما قال في مسير الهند
) (2/227
) (2/228
وقال رضي الله عنه :ل تستقل شيئا ً طرح الله فيه البركة
كائنا ً ما كان ،ول تستكثر شيئا ً نزع الله منه البركة كائنا ً ما
كان ،كقصة صاحب الدينار وهو :إن رجل ً من المم
السالفة اشتد به وبأهله الضر والفاقة ،فجعل يدعو مع
من ،فرأى ليلة من زوجته ،أو قال :يدعو ،وزوجته ت ُؤَ ّ
الليالي كأن قائل ً يقول له :إن في الموضع الفلني مائة
دينار ،فخذها أنفقها في حاجتك وعلى أهلك ،فقال :هل
فيها بركة أم ل؟ ،فقال :ل ،ما فيها بركة ،فقال :ل أريدها،
فأخبر زوجته بذلك فلمته كثيرا ً على عدم قبولها ،فقالت:
كان أخذتها ننتفع بها سواء كان فيها بركة أم ل ،وبقوا
يدعون كذلك ،فرأى القائل يقول له :في موضع كذا
عشرة دنانير ،فقال :هل فيها بركة؟ ،فقال :ل ،ما فيها
بركة ،فقال :ل أريدها ،فأخبر زوجته فلمته كالولى ،فبقوا
في دعائهم كذلك ،فرآه فقال له :في مكان كذا وكذا دينار
واحد فخذه ،فقال :هل فيه بركة؟ ،فقال :نعم فيه بركة،
فمضى إليه وأخذه ،فمر إلى الساحل ليشتري به سمكًا،
فرأى صيادا ً يبيع سمكا ً فاشترى به سمكتين ،فلما أن
شقوهما وجدوا في بطن إحديهما جوهرتين ،كل واحدة
تساوي مائة ألف ،فرزقهما الله ذلك بسبب البركة من
غير مظنته ،إذ من أين للصيد أن يبتلع الجواهر .وفي بعض
ما أوحى الله به إلى من يوحي إليه ،إنه قال سبحانه:
ت بركتي السابع ت أدَرك َ ْ
) إني أنا الله ل إله إل أنا إذا بارك ُ
ت محقتي السابع من الولد ( ت أدرك َ ْ حْق ُ
م َ من الولد ،وإذا َ
ولم يذكر الله تعالى في القرآن شيئا ً من الخير إل ذكر
البركة معه ،وإني تأملت في القرآن ،فرأيت كثيرا ً ما
ب أ َن َْزلَناهُ إ ِل َي ْ َ
ك ن بالبركة ،كقوله تعالى } :ك َِتا ٌ يصف القرآ َ
ك {) ( ،وعلى هذا. هذا ذِك ٌْر ُ
مَباَر ٌ ك {) ( } ،وَ َمَباَر ٌ
ُ
) (2/229
وأوصى رضي الله عنه رجل ً يريد السفر ،فقال له :الله
دين والخرة فإن من الله في الطاعة والهمة وطلب ال ّ
سعى في طلب الدين والخرة يسر الله له دنياه ،ومن
سعى في طلب الدنيا وترك دينه وآخرته فاتته الدنيا
والخرة ،وقد انقلبت همم الناس اليوم إلى ما ل ُيهَتم له،
واستغرقوا فيما ل ُيستغرق فيه ،لن كل أحد إنما يستغرق
ل َيهمه ما ل َيهم غيره على مقتضى فيما يهمه خاصة ،وك ّ
ما ً واحدًا،
مهم هَ ّل ذلك أو ك َُثر ،وقد جعلوا الن هَ ّ
غرضه ،قَ ّ
وهو طلب الدنيا حتى استغرقوا في ذلك عن أمر دينهم
ن على الناس بالحزب) ( ،لذهب وآخرتهم ،ولول أن الله م ّ
بهم إستغراقهم حتى ل يعرفوا يوم الجمعة .
ذكر الهارات
وذكر رضي الله عنه الهارات وهي أوقات الوبا ،وكثرةَ
الموتى فيها فقال :قد مات على ما أحصوا خمسمائة،
وسمعت من يقول :توفى ما بين العيدين عيد الفطر وعيد
الحج نحو أربعة آلف من أهل البلد ومن غرباء وبدو وذلك
سنة 1115وكانت هارة شديدة ،ثم قال :وكل يحب
سلمة نفسه ،ويسعى في منفعتها إل إنهم مختلفون في
القصد ،منهم من يقصد التنعم ومنهم من يقصد الطاعة
ومنهم من يقصد المعصية ول بد لكل من الموت ،تأخرت
المدة أو تقدمت ،إذا لم تبك عليهم بكوا عليك ،ولكن إذا
كان مع النسان عبرة ينبغي أن يتسلى ،لئل يتغير عليه
أمور دينه ودنياه ،وما بقا النسان إل كمن قال له واحد:
سه فتعجب م َ
إني أريد أن أقتلك فقتل من قرب منه ول َ
من ذلك ثم ظهر عليه أثر القتل كمرض ونحوه فاشتد
خوفه ،فإذا صح نسي ذلك ،وقال :عسى يتركني .
) (2/230
وقال رضي الله عنه :اليمان إذا باشر القلب يكون هو
اليقين .
وقال رضي الله عنه :وكل من الكابر غير أهل البيت ل بد
لحدهم علقة وبركة من أحد من أهل البيت .
وقال رضي الله عنه :ما كل أحد يستيقظ ول كل أحد
يسير ] أي إلى الله [ ،ول كل أحد يصل ،وكل الناس
يسيرون ،إل منهم سائر إلى الجنة ،ومنهم سائر إلى النار،
حتى إنه ما يموت أحدهم إل وهو على باب النار .
وقال رضي الله عنه :القطبانية في خصوص وعموم ،قد
يكون قطب أهله ،أو قطب بلده ،فقد قال الشيخ
عبدالرحمن ]أي السقاف[ في ابنه الشيخ عمر :وجدنا عند
عمر أسرارا ً ما كنا نظنها عنده ،فقال الشيخ عمر :أ َوَ قد
أحاط بجميع أسرار الله ،وكان صاحب مجاهدة .
دى به من وقال رضي الله عنه :لبد في المام المقت َ
السيرة والسريرة والصورة ،فالسيرة :الطريقة،
والسريرة هي حسن الخلق ،أن ل يكون فظا ً ول غليظا ً ول
وحشًا.
وقال رضي الله عنه :الجهال صغار العقول ل تجالسهم
فإنهم كالنار ،ول َتج في طريقهم ،وتنح منهم مثل ما تنحى
النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم من أبي جهل وأمثاله،
إل إن أولئك كفار ،والجاهل ما يرجع من شيء .
وقال رضي الله عنه :ينبغي أن يترك السوَء وأعمال
السوء من أول مرة لئل تتحكم فيعسر إذ ذاك تركها ،وقد
جعل الله لك على نفسك بصيرة ،وجعل لغيرك من أولي
البصائر عليك بصيرة ،حتى ينتهي ذلك إلى العلماء ،ثم إلى
النبياء ،ثم إلى الملئكة ،ثم إلى الله تعالى ،ثم تكلم بعد
حُرم ،إلى آخر ما ذلك في التنباك فقال :الصح أنه ي َ ْ
قدمناه .
وقال رضي الله عنه :الحسان إلى الجار :بالحسان إليه
وكف الذى عنه والصبر على أذاه.
قف على هذه المقالة
وقال رضي الله عنه :ربما يصل إلى الجهة أجنبي ،فيرى
أمورا ً فيتعجب أن يكون هنا من يؤبه له مع وجودها،
فنقول كما قال سيدنا علي لما اختلف عليه أهل العراق
فقيل له :إنه يقال ليس لك رأي ،فقال :ل رأي لمن ل
يطاع .
) (2/232
وقال رضي الله عنه :ل أنفع في هذا الزمان من البكاء
والستغفار ،ومن معه خوف من الله في الدنيا آمنه في
الخرة ،وبالعكس ،ول بد من خروج العرق والدموع ،فإن
لم يخرج ذلك في الدنيا) ( خرج في الخرة ،قال الله
تعالى )) :وعزتي وجللي ل أجمع على عبدي خوفين ول
أمنين ،إن هو أمنني في الدنيا أخفته في الخرة ،وإن
من ُْته في الخرة (( ،كما أخبر بذلك عنه َ
خافني في الدنيا أ ّ
ن أ َوْل َِياءَ َ
نبيه عليه السلم ،وقيل في قوله تعالى } :أل َ إ ِ ّ
حَزُنون {) ( :أي لنهم خافوا م يَ ْم وَل َ هُ ْف عَل َي ْهِ ْ الل ّهِ ل َ َ
خو ْ ٌ
وحزنوا في الدنيا ،فل يعاد عليهم ذلك ثانيًا ،فينبغي
للنسان أن يتوب ويتقي ويخاف ،وعسى الله .
وقال رضي الله عنه :إذا خرجت الموعظة بجد وصدق مع
معرفة مقاطع الكلم ،وعدم التشكك ،والوقف حيث
ينبغي أن يقف عليه ،نفعت ،وإل شوشت ولم تنفع .
وقال رضي الله عنه :السير على الطريق العام على
القتداء بالنبي صّلى الله عليه و آله وسّلم مليح ،وفيه
بركة ،وإذا النسان دام عليه وتمسك به يحصل له خير
م للشيخ حاتم مما يحصل من الخلوة ،ومر في القراءة كل ٌ
الهدل ،فقال سيدنا :العارف إذا وصل إلى هذه المثابة،
يعني التقييد بالحقائق لم ُينتفع به ،وإنما ُينتفع به ما دام
متقيدا ً بأمور المعاملة ،وكذلك الشيخ علي بن عمر) ( من
رين فيه ومن أهل الحقائق ،ول يخلو هذا المر من ظاه ِ
خاملين ،ثم ذكر القطب ،فقال :قال بعضهم :القطاب
أربعة :قطب الحوال كأبي يزيد ،وقطب المقامات
كالشيخ سهل بن عبدالله التستري ،وقطب العلوم كالمام
الغزالي ،وقطب الحق كالشيخ أبي الحسن الشاذلي .
وقال رضي الله عنه :ربما حصل إساءة أدب ،فتقل
ن أنت س ْالحظوظ بسبب ذلك ،وإذا أحد أقل الدب فأح ِ
سن منهم . ح ْ الدب حيث ُيحتاج إلى ُ
) (2/233
وقال رضي الله عنه :ل ينبغي للجماعة المجتمعين في
أماكن متقاربة أن تضيق صدروهم فتضيق بهم أماكنهم،
سَعت صدورهم وسعتهم أماكنهم . وإذا وَ ِ
وذكر يوما ً رضي الله عنه المر الخارق للعادة ،وكان ذلك
ضحى يوم الجمعة 13محرم سنة ،1127و 6في نجم
النثرة وكان طالعا ً إلى البلد راكبا ً على حمار لما ماتت
فرسه ،فقال للخادم عكيمان :هل أنت واثق على هذا
الحمّير في طعمه وسقيه ،قال :نعم ،فقال له ولمن هو
من مسايره :لو تكلم الحمار ،فقال :ل ما هو واثق عليَ ،
أول من يشرد منكم؟ ،فقال عكيمان :أنا ،فقلت :وهل
يفزع النسان إذا تكلم نحو الحمار ،فقال :نعم ،لنه خرق
عادة ،فقلت :هل الخارق للعادة ل يحصل لهله إل مع
غيبة ،فقال :نعم ،في حالة تسمى السبات وهي مرتبة بين َ
الوحي والحس ،ل ترتقي إلى درجة الوحي ول تنزل إلى
مرتبة الحواس .قلت :فما صفة تلك الحالة ،فتبسم
وسكت ساعة ،وهذه عادته إذا سئل عما ل يشتهي
السؤال عنه ،أو لم يكون السؤال موافقا ً ثم قال :ما لم
كيفوه ل ن ُك َّيفه نحن ،لن ما ك ُّيف نزل ،فلي شيء يُ َ
ُتضرب المثال ،ما ُتضرب إل لمثل ذلك ،إذ ما كل كلم له
ض العلماء :متى يجدض الجهال بع َجواب ،وقد سأل بع ُ
النسان لذة النوم ،فسكت ،وقال :إن قلت قبل النوم
فليس بنائم ،أو بعده فليس معه حس يدرك به اللذة ،ثم
تمثل بهذا البيت :
ما كل قول له جواب ...جواب ما تكره السكوت
ثم قال :والحسن أن يقال :يجد لذة النوم حالة النعاس،
وهي أوله ،والنسان معه بعض شعور عند ما يتشكك) (،
فانظر كيف أول هذا مزح ،ثم انجر إلى هذا الكلم
العجيب .
) (2/234
ثم ذكر رضي الله عنه صبر أهل العلم على العامة ،فقال:
وأهل العلم والدين يصبرون وذلك شرط ،وقد يكون إما
ابتلء أو طلب فائدة ،فالبتلء كمن يبتلى بأحد سيء
الخلق في جامع أو مجلس تعلم ،أو صحبة سفر ،كما في
قصة الرجل الذي صحبه في سفر رجل سيء الخلق،
فجعل يصبر عليه مدة ما هو معه ،حتى إذا فارقه جعل
يبكي ،فقيل له :ما يبكيك؟ ،قال :أبكي على صبري عليه
مدة ،ثم فارقني ،وبقي خلقه معه ،ثم أمر رضي الله عنه
بإدارة دخون) ( ،ثم قال لمنشد :أنشد حتى ُيفرغ من
الدخون ،وبعد النشيد قال للمنشد يمازحه :هل يمكنك لو
قال لك أحد :هيا نروح نحج ،ولكن بشرط أن ل تخبر أحدا ً
أيمكنك تسكت ،فسكت) ( ،فقال نفع الله به :ل ل،
أستغفر الله ،ولو حتى رؤيا إل إن قال لك :إن أخبرت
أحدا ً تموت فلعل أن ل تخبر أحدًا ،ثم قال :ما ندري أين
جاء خبر بيت الشريف) ( في اختلفهم ،ما هو إل لكونهم
قرابة وإخوان ،فالختلف غير لئق بل ينبغي أن يقول:
الذي يقع لي يقع لخي ،ثم قال :وقد رأيت قبل أن تحصل
جر ،وكأني ح َ
لي الحمى :كأني قائم تحت الكعبة عند ال َ
جرح َأمس محله أملس ليس فيه كسر ،ولكن نفس ال َ
ليس موجودًا ،فقال له السيد عقيل باعقيل) ( :ماذا
أولتوها ،قال :ما أولناها بشيء لن التأويل سمح يقع ذاك
إل في الزمن الول إذا أولت تأخرت مدة وإنما نؤولها
بأمر حادث ثم قرأ الفاتحة ودعا ،فلما ختم الدعاء قاموا
يصافحونه ،وفي جملتهم جماعة كانوا مرضى ،فسأل كل
واحد منهم كيف أنت ،فقال :بخير ،ثم قال رضى الله عنه:
حون لها الناس ،سبحان الله ،على ُلون) ( َ
عرفة إل بايص ّ
بالك أن الناس هنا يقولون عرفة حتى الضواون) ( ما
تأكل فيها اللحم .
) (2/241
خرج بعد ما أتموا ربع القرآن ،دخل وهم يكبرون عند تمام
حزب آخر النعام ،إذ هو مرّتب لهم في إحياء ليلتي
العيدين التكبير عند تمام كل حزب تقييدا ً للتكبير حيث هو
مطلق ،فقيده بذلك خوفا ً أن يترك بمرة ،وابُتديء من
)العراف( بحضرته ،وبقي جالسا ً في حلقة القراءة إلى
أن وصلوا مقرأ وما تكون في شأن )من سورة يونس(،
ثم قام ،ودخلوا عليه ضحوة يوم العيد للمعاودة كما هي
العادة في مثل هذا اليوم ،ثم استأذن جماعة أخرى ليهنوه
بالعيد ،فأذن لهم وأمر لهم بقهوة ،وما كان أمر بها في
تلك المجالس المتقدمة للعيادة ،ثم مكثوا قليل ً بعد القهوة
ثم قرأ الفاتحة ودعا ،ثم خرج من أتى بعد ،وبقي من كان
حاضرا ً قبلهم ،فقال رضي الله عنه :أبدا ً ما تخلفت عن
شهود صلة عرفة إل هذه المرة ،لقلة الختلف فيها،
وعدم اتفاق مرض في هذا الوقت ،وأما صلة عيد الفطر
فتخلفنا عنها ثلث مرات) ( ،غالبها بسبب الختلف
وخطاهم في رؤية الشهر ،فمرة أفطروا ولم نفطر ول
حضرنا الصلة ولكن أمرنا النساء والصغار من أهل بيتنا
بأن من أراد منهم أن يصوم أو يفطر هو بالخيار ،ومرة
أفطرنا ،ولكن لم نحضر العيد لحصول الشبهة ،ولكنها في
هذه المرة )سنة 1118هـ( ضعيفة ،وفي الولى قوية
)سنة 1116هـ( ومرة تخلفنا فيها لبقية مرض كان حصل
معنا وهو )سنة 1070هـ( .وهذا أخف أمراضنا )أي سنة
1130هـ( وإل فقد مرضنا سنة 1070هـ مرضة شديدة
جدًا ،ونحن إل في لطف كبير ،وإل فكم ناس من الكابر
يمكث الواحد الشهرين وأكثر وهو غائب ل حس معه ،وأنا
أود أن أخرج أكثر من هذا والمشي أيضا ً يسهل علي،
وإنما يشق الركوب ،ولكون الناس يناتفون النسان مثل
سارق عينات في نوف وعلى الفرس ،فَيشُغلون وإذا عُّلم
واحد ما تعلم غيره ،وأهل الرض هنا عامة وجلفان ،فقيل
له :إنه كان يكفيهم الرؤية بل مصافحة ،قال :ويا الله إن
وقع لهم منا هذا ،ولكن ما عاد معنا إل الصبر عليهم،
والمور
) (2/243
ثم خرج نفع الله به لصلة العشاء ليلة الجمعة ثاني عشر
من الشهر وحضر من الذكر ما كان يعتاد يحضره غالبا ً
قبل ذلك ،وهو نحو ثلثيه ،ت َعَوّد َ ذلك في هذه السنة أو
قريبا ً منها قبل مرضه هذا ،فإنه هذه اليام قد يحصل له
عذر ،وقد يحضر كل المجلس ول يقوم إل بعد انقضائه بعد
أن يقرأ الفاتحة ،ومنذ حصل عليه هذا المرض ،ما تقدم
لصلة إماما ً بل يقدم أحد العيال) ( ،ول صلى إل قاعدا ً
سوى الركعة الولى حيث تقام الصلة إذا دخل .
) (2/245
ودخل عليه رضي الله عنه ضحوة يوم هذه الجمعة جماعة
معاودين ،فانبسط لهم وتأنسوا عنده ،وعشيته دخلوا
حاشدين معاودين ،على عادتهم في الكثرة إذا دخلوا عليه
في هذا الوقت ،وأمرني بالنشاد فأنشدت بقصيدته )خلها
تجري بعين الله( ...إلخ ،و )بمرحبا ً بالشاذن الغزل( إلخ،
ثم قرأ الفاتحة .وليلة السبت خرج لصلة العشاء ،وبعد
الفراغ من قراءة يس ،قام وأمر بشد الفرس ،فركبها إلى
البلد إلى بيت آل فقيه للمبيت على عادته ،فلما صعد
الدرج وبلغ السطح ،كأنه تعب في الدرج ،فقال :الك َِبر قده
مرض ،فما حصل معه من مرض فهو محاوش) ( له ،ثم
بات نفع الله به عندهم ،وظل ذلك اليوم إلى العصر ،كما
هي عادته أن يبقى عندهم آخر أيام التشريق ،وبعد أن
صلى العصر خرج إلى الحاوي ،ودخلوا عليه عشية الحد،
وفيهم كثرة فتكلم كثيرا ً في أحوال الناس خصوصا ً
وعمومًا ،ثم قال :ل عاد تدعو إل بالصلح ،فإنما العزيز
اليوم إل الصلح ،وأما الدنيا فل عبرة بها ،فقد تكون عند
أقوام ،ثم تنتقل عنهم إلى آخرين ،فل ينبغي أن يحرص
النسان إل فيما يرضي الله ورسوله ،فكلما كان لله
ت في ذلك فهو العمدة ورسوله فما منه بدل ،وكلما أخلص َ
ُ َ
ه
دوا الل َ مُروا إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ
ما أ ِخاِلص {) ( } وَ َ
ن ال َ } أل َ ل ِل ّهِ ال ّ
دي ُ
دين {) ( وكل شيء فهو في القرآن ،إل إن ه ال ّن لَ ُ
صي َ خل ِ ِ م ْ
ُ
الناس ما علموا معناه ،وقد قال الفضيل بن عياض :لو
ت من القرآن أول ً ما علمته منه اليوم ،لما كتبت علم ُ
الحديث ،يعني إنه انكشف له من معاني القرآن آخر وقته
ل ،ثم قرأ الفاتحة بل نشيد ،ثم دعا ما لم ينكشف له أو ً
وصافحوا وخرجوا ،ثم دخلوا عليه رضي الله عنه عشية
الثنين في ،15وفيهم كثرة كالتي قبلها ،فشكا إليه رجل
ضيق الحال ،فقال :ما عاد معك اليوم إل الرضى
والتسليم ،لكن بشرط موافقة المر ،فإذا وافق الرضا
بالقضاء والقدر) ( ،ثم أمرني بقسمة أسوكة ،فبقي يتكلم
ول
) (2/246
وقال رضي الله عنه يومًا :من جاء من القراء خلوه يدخل،
فجاءوا ودخلوا عليه ،وأمرهم بالقراءة فقرأوا ،وهي أول
قراءة وقعت بعد انقطاعها ،وهي قراءة الثنين والخميس،
وبعد تمامها قال للسيد أحمد :قد تفعلون الذكر في خلع
راشد ،قال :نعم ،قال عندكم من يشل مليح ،فذكر ناسا ً
ن شل الذي يلحن يفرق الباطن يلحنون ،فقال :إ ّ
ويشوشه ،ول يقيم الباطن إل المستقيم ،والمور في هذا
الزمان يحتاج فيها إلى المجاوزة ،لكن ل في كل المور،
بل في المور التي يقع فيها الخلل) ( ،كالذين يقرأون
القرآن ويلحنون فيه ،فتر ُ
كهم للقراءة أولى منها ،ثم
سكت قليل ً ثم قال :الفاتحة ،ودعا وخرجوا.
وبعد الظهر من هذا اليوم وهو يوم الثنين 29ذي الحجة
من السنة المذكورة أعني سنة 1130بين الوقتين،
ي ابنه سيدي الحبيب الحسن ،بأمر سيدنا أشرف عل ّ
والده ،وقال لي :طالع لوحك ،باتقع قراءة وقل لفلن
وفلن :يطالعون ألواحهم ،فدخلنا عليه نفع الله به في
الغيلة بعد صلة العصر وقرأنا قراءتنا المعتادة بعد
انقطاعها تلك المدة فاتفق القراءتان ،قراءة ضحوة يوم
الثنين والخميس ،وقراءة عشية كل يوم ،في يوم واحد.
ومما تكلم به في هذا المجلس أن قال :قال أهل التجربة
من أهل الحكمة :ستة أو قال سبعة ل ينبغي أن ُيسكن
إليها ،من جملتها الطبيب والنهر ،وما رأيت باقيها مكتوبا ً
إما إنه لم يذكرها ،أو إني نسيتها ،ثم انجر به الكلم حتى
قال :حكمة المرتبة) ( للمور بعضها على بعض ،حتى إن
النسان إذا تفكر في توارد اللفاظ الواردة في الكتاب
والسنة في هذا الباب يظنها متضادة ومتناقضة ،حيث لم
يعلم وجهها ،فإذا تأمل في معاني مجاريها واطلع عليها،
عرف أنه ل تناقض هناك ،أو كما قال بمعناه على مقتضى
فهمي .
) (2/256
وذكر رضي الله عنه التفكر فقال :إن أهل الزمان ما
خّلوا للتفكر ،بل تناتفهم الخواطر من شيء إلى شيء تَ َ
آخر ،ولو أراد يصلي ركعتين مثل نتفه الشيطان إلى غير
ذلك ،وهذا من الغرور بواسطة الشيطان ،فلو أنه أحسن
ما هو فيه لكان أحسن له من أن يتركه أو يستعجل فيه
ليفعل غيره ،ثم قد يفوت عليه هذا وهذا ،وأما أولئك فقد
أعطاهم الله قلوبا ً قوية ،وأجساما ً قوية ،وأحوال ً قوية،
نفعنا الله ببركاتهم ،وكان داؤد الطائي ما بينه وبين الميت
سَير الولياء اليوم يقول: إل إنه حي ،وإذا سمع النسان ب ِ
ما هذه إل أضغاث أحلم ،فأين هي اليوم ،وإنما المتعنتون
هم الذين يطلبون معرفة أيهم أفضل ،وبيقين :إن النبياء
والولياء بعضهم أفضل ولكن من الذي يعرف ذلك؟ ،وإذا
ف الفضل ،ولكن في ذلك ض الفضائل ببعض ،عُرِ َ ن بع ُ
وُزِ َ
فضول ول حاجة ،وإن دعت حاجة إلى ذلك ينظر بقدرها،
كما قد دعت العلماء الحاجة في أمور العقائد بسبب
المعتزلة إلى تأويل وتفصيل ،فلول ذلك لكان بعد ما يحرز
معتقده ودينه ،ما عليه إل العمل ،ول يوسوس ،إل إن كان
حصلت وسوسة في العمل ،كما تكون في الصلة .وخذه
من هنا معنى حديث قول الله تعالى لدم عليه السلم:
أخرج بعث النار إلخ.
وذكر رضي الله عنه الساعة فقال :أمر الله عظيم ،وما
هي إل بغتات ،ما تأتي والنسان مستعد لها ،إنما هي بغتة
ل ُيعلم بها كما يجيء المطر بغتة وينخسف القمر بغتة من
غير علم للناس بذلك .
قف على هذا الدعاء
وقال رضي الله عنه لبعض السادة :أكثر من الدعاء بهذه
الكلمات ،اللهم ارزقني طيبًا ،واستعملني صالحًا ،وتوفني
مسلمًا ،وألحقني بالصالحين.
وقال رضي الله عنه :ينبغي للنسان أن يفتش عن نفسه
ول ُيخدع بغرورها ،فكم من ي َُبري نفسه من شيء وهو
ملبس له أو نحو ذلك .
) (2/274
ذكر إن بعض عمال سيدنا عمر بن وقال رضي الله عنهُ :
الخطاب رضي الله عنه ،قال له :إني رأيت الشمس
والقمر اختصما ،مع كل واحد منهما جيش وعسكر يحارب
الخر ،وإني قاتلت مع القمر ،فعزله عن عمله ،وقال له:
قاتلت مع الية الممحوة ،فاتفق أنه قاتل مع معاوية ،وكان
في عسكره على سيدنا علي كرم الله وجهه ،ويعني بالية
ن جعَل َْنا ال ّي ْ َ
ل َوالن َّهاَر َءآي َت َي ْ ِ الممحوة القمر ،لقوله تعالى } :وَ َ
صَرةً {) (. مب ْ ِ جعَل َْنا َءآي َ َ
ة الن َّهارِ ُ ة ال ّي ْ ِ
ل وَ َ حوَْنا َءآي َ َ فَ َ
م َ
وقال رضي الله عنه :كلما جاء في حق الفقير من المدح
فالمراد به الفقير من الدنيا ،الغني من عمل الخرة ،ل
الفقير منهما جميعًا ،فإن ذلك شيطان .
وقال رضي الله عنه :من أنفق عمره في غير طاعة أو
وسيلة إلى الطاعة فقد أنفق أعز الشياء في أخس
الشياء .
ودخل رضي الله عنه الضيقة يوم الجمعة تاسع ربيع أول
سنة 1129فرأى صبيا ً يتيما ً فقيرًا ،وكان تلك السنة في
دوك، مسن َِتة جدًا ،فقال له :غَ ّ البلد قحط شديد ،والجهة ُ
قال :نعم لكنه قليل ،فقال :اقنع اليوم بالقليل والشيء
عند ربك ،ثم قال :اليوم من معه شيء يقسمه بينه وبين
مسكين ،ومن ما معه شيء وحصل له قليل يقنع به ،وأما
عت منه البركة، أن يتسخط النسان القليل إذا أ ُعْط َِيه ن ُزِ َ
ومع القلة والضيق ل ينبغي أن يحاذر النسان ،بل يفعل
كل شيء بقدر ،ومن خبأ التمر ل لجل صدقته ،ول لجل
مؤنته ،فهو محتكر ملعون ،وفي الحديث )) :إنه يحشر مع
قتلة النفوس ((.
) (2/275
وقال رضي الله عنه لبعض بني بعض بنيه ،بعدما سأله
عن أحوال بيتهم :قل لمك قال حبيبي) ( :استقنعوا ما
عاد في الوقات الضيقة إل البركة ،وهو سبحانه ما يسيب
خلقه ،ولكن إعرف حقه ،واعمل ما أمرك به ،ثم ذكر
قصة رؤيا الذي رأى الدنانير ،وسأل هل فيها بركة ،ثم
قال :المور خرجت عن أوضاعها ،وقد كان الولون :إن
الثنين ،إذا وقع بينهما نزاع ذهبوا إلى رجل من أهل الدين
والصلح يصلح بينهم .
وقال رضي الله عنه :ل يستقيم أمر كما ينبغي إل ّ مع
العقل والتدبير ،ومن لم يكن كذلك فليستعن بمن هذه
صفته .
وقال رضي الله عنه :الك ِب ُْر ونحوه كالذري تطرحه وهو
حبة ،ولم تشعر به إل وإذا به نخلة أو شجرة كبيرة،
فليبادر إلى قطعه ما زال صغيرًا ،لئل يكبر عليه فيعسر
قطعه حينئذ.
وقال رضي الله عنه :كلما قل عقل النسان كثر تكبره،
ولهذا ترى أكثر الصغار والنساء يتكبرون .
وقال رضي الله عنه :إنما فائدة بلوغ النسان حد
التكليف ،الترقي ،فإن لم يترق فموته قبل ذلك أحسن،
لنه لم يبلغ الحنث ،ويكون حينئذ على الفطرة.
) (2/276
من أعظم المناقب لسيدنا أبي بكر وقال رضي الله عنهِ :
الصديق رضي الله عنه ،أن أسلم أبواه وأدرك أبوه
خلفته ،وحج إلى مكة واجتمع بأبيه ،ولكنه ماجلس إذ ذاك
في مكة إل نصف يوم ،ولما ذكر لبيه إن ابنه صار خليفة
بعد رسول الله صّلى الله عليه و آله وسّلم قال :أ َوَ رضي
ل ،وأذل قريش به ،قالوا :نعم ،قال :سبحان من أعز ذلي ً
عزيزًا ،قال ذلك لنه كان من تيم بن مرة ،وكانت قريش
تعده من أقل بيوتهم ،قال سيدنا في حديث) ( )) :الئمة
من قريش (( أي الئمة في الدين والعلم ،ومن كان منهم
ل ،بأي وجه يستحق التقديم ،بل يتعين ضعيف الدين جاه ً
عليه يجتهد أن يصير عالما ً تقيا ً ليصير أهل ً للتقدم ،وقد
قال الشيخ علي بن أبي بكر لبنه الشيخ عبدالرحمن بن
علي :تفخسس تسلم ،ل تكن عقربا ً تقتل ،وكن ذ ََنبا ً في
الخير ول تكن رأسا ً في الشر ،فإن الرأس أول مايقطع .
مَباِرك
وقال رضي الله عنه :الجنة ممالك ودرجات ،والنار َ
مَعاِرك ودركات ،وقال :أمور الدنيا تابعة لمور الدين و َ
كالظل من الشاخص.
خوّْفه بغير وقال رضي الله عنه :من ل يخاف من الله َ
الله ،لن المراد النكفاف .
وقال رضي الله عنه :الشياء لتظهر عند أوائلها إل لرباب
البصائر ،وإنما تظهر عند أواخرها .
كر عن الكابر من الكلم وقال رضي الله عنه :كلما ذ ُ ِ
الذي ظاهره التبجح ،كقول الشيخ أبي الحسن الشاذلي:
ت عن الله ،وقول أبي العباس :لو حجب ُمنذ أربعين سنة ما ُ
ت عني جنة عدن لحظة ما عددت نفسي من حجب َ ُْ
المؤمنين ،كل هذا مؤول وليس على ظاهره.
) (2/284
أقول :وهذا الذي كان رضي الله عنه ينهى عنه الناس من
متداينات الربا ،وأمور أخر من المناكر الكبار ،التي ل
يحتمل أهل الله الصبرعليه حتى أصابه نفع الله به ما
جرى عليه من ذلك العارض سنة 1115وسنة 1116كما
ذكره تلميذه عبدون بن قطنه) ( ،مما جمعه في رسالته،
ولهذا عاقب الله أهل الجهة حيث لم يمتثلوا أمره بهذه
العقوبة الشنيعة ،التي أخرجتهم من أموالهم وأوطانهم،
ودامت من أول يوم من سنة 1117إلى حين كتابة هذا
النقل سنة ،( )1170وبعد ذلك إلى أن يشاء الله،
ب أوجب لشارات سيدنا وما يومي إليه كلمه مما قَُر َ فأع ِ
ب َعُد َ في حياته وبعد مماته .
وذكر رضي الله عنه ذات يوم ماوقع على الجهة في
أموالهم وأحوالهم ،فقال :ماعاد إل يدعو النسان :اللهم ل
تسلط علينا بذنوبنا من ل يخافك ول يرحمنا ،وقاعدة:
دم) ( ،إذا مث َُلهم مثل سيل ِ
ع ِ الظالم مخذول ،وهؤلء) ( َ
جاء يقول الناس :المتطرف يميل ل يشله ،ولكن السيل
يخفش) ( ،وما فات يخلف الله ،ومظلوم ول ظالم ،ول
عاد ن ََفع فيهم الدعاء ،مع إن المظلوم دعاؤه لبد ما ُيسمع
ولو بعد مدة ،ولكن المظلوم إذا كان ظالما ً ل ُيسمع
دعاؤه وقيل :
المرء يغلط في تصرف حاله ... ...ولربما اختار العناء
على الدعة
بهل ل يحاول حيلة يرجو بها ... ...دفعَ المضرة واجتل َ
المنفعة
وهذه أشياء بذنوب ،منها شيء نسيه النسان ،وشيء ما
استغفر منه ،وشيء فعله وهو يستلذه ،فل عاد تحرك
أحدا ً فيتجرأ ،كقصة ذاك الذي جر أباه من فوق السطح
إلى الضيقة ،فدخل عليه غريم له وطالبه ،وقال له :جريت
أباك إلى هنا ،فأنا أجرك إلى خارج وجره ،وهذه أمور
ف فيها بالله وبالرسول وبالسادة ،ول عاد معهم تقوى خو ّ َْ
كرت عيالك فهكذا علمهم ول ول عقول ول صيانة ،فإذا ذ َ ّ
جّريهم ،وتقول) ( كان فلن فيه أمانة ،وصفته كذا وكذا. تُ َ
) (2/286
خَر
س ّوذكر رضي الله عنه البحر فقال :إن الله قالَ } :
حَر {) ( في غير موضع ،ولم يقل وسخر لكم ل َك ُ ُ
م الب َ ْ
الرض في موضع ،والتسخير إنما يكون فيما يعظم ويهول
ل البحرِ نادٌر ،والغلب وقد قيل :البر ب ُ َ
ن حا ِ س ُ
ح ْ
كم أب َّر .و ُ ُّ
فيه الضطراب ،ثم إن اضطرب أشغل ،أو السكون الكلي
ويشغل أيضًا ،وحكى بعض الصالحين من أهل المغرب،
إنه أراد الحج فتحير هل يسافر برا ً أو بحرًا ،فعزم على أن
ن أول من لقيه يهودي على يشاور أول من يلقاه ،فاتفق أ ّ
بغلة ،فتوقف أول ً عن مشاورته ،ثم استشاره فقال له
مارأينا فيما سمعنا من كتابكم أن الله ذكر البر والبحر في
سْر فيه خير لك ،فسار موضع إل بدأ بالبر قبل البحر ،فَ ِ
م) ( ،وقيل لسيدنا :ما يحصل من البحر سل َ َ
في البر وهو أ ْ
هذا الوقت قليل ،فقال :سبحان الله هذا لمر وإل فسكان
البحر ل تقصير منه) ( ،وإنما ذاك من سكان البر ،إل إن
كان لما كان ذلك نصيبا ً لهل البر ،ومن رحمته سبحانه
وتعالى ولطفه أن قال تعالى } :ظ َهََر الَف َ
ساد ُ ِفي الب َّر
جُعون { ولم يقل حرِ {) ( إلى أن قال } :ل َعَل ّهُ ْ
م ي َْر ِ َوالب َ ْ
لعلهم يهلكون أو يذهبون ،إنما ذلك استجرار منه لعباده
إلى طاعته .
وقال رضي الله عنه :أحسن ما في هذا الزمان قطع
العلئق ،لن الزمان مظلم وخرجت فيه ظلمات الساعة .
وقال رضي الله عنه :من بنى أمره على الفتوح) ( ،فهو
كالبحر ما له في السارحة بارحة.
وقال رضي الله عنه :الحب والبغض موروث ،وإن لم يعلم
الوارث .
ما قال في بلدة قَ َ
سم
) (2/288
سم ذات يوم فقال :سميت وذكر رضي الله عنه قرية قَ َ
سمة بين السادة ،وهي حوطة وإنما تكون مْقت َ َ
بذلك لنها ُ
الحوطة حوطة بالنسبة لعقيدة المعتِقد ،ل المعتَقد ،لنه ل
يعتقد) ( في نفسه ولو كان وليًا ،لنه محجوب بنفسه عن
قلبه ،فإن النفس حجاب القلب ،فإذا قوي القلب انخرق
منه باب إلى النفس )وبعد هذا بياض لعله سقط كلم
رف معناه إل هو ،ومن هو من أهل متعلق به( وهذا ل َيع ِ
مقام الولية .
كر بعضهم :ينبغي أن يفرح النسان وقال رضي الله عنه :ذ َ َ
بحصول الشدة ،لن الرخاء يعقبها ،ويكرهَ الرخاء لن
ض أخدامه حذاءه دم إليه نفع الله به بع ُ الشدة تعقبه ،وق ّ
ليلبسها ،فقال له افتحها لتزول بذلك كراهة لبس الحذاء
قائمًا ،لن السبب فيه خوف السقوط ،فتزول بزواله،
وتناول ابنه السيد علوي رحمه الله الورقة التي كنت أنقل
فيها كلم أبيه سيدنا نفع الله به ،فكتب فيها كلما ً سمعه
منه ،فنقلته هنا من خطه وهو :قال سيدنا :كان بلغنا أن
السلف لما اختلف عليهم ولة المر ،وكثر بينهم القتال،
ساروا إلى عند نبي الله هود عليه السلم ،واستغاثوا بأن
الله يختار للجهة ويجمعها ،ويسلمها لرجل واحد ،فأجيبوا
وقد رأينا هذا اليوم إجتماعا ً في ذلك المحل ،وفيه ناس
من السادة من الحياء والموات ،وهناك من ينشد بشيء
من كلمنا ،ورجونا أن يكون ذلك فرجا ً للجهة وأهلها مما
حل بهم والله أعلم.
أقول :وكان مارأى ضحى يوم الربعاء حادي عشر ربيع
الثاني سنة ،1123ومن الموات السيد حسين بلفقيه،
والسيد حامد بن علوي ،وغيرهما وهي إما رؤية منام أو
تورية عن الكشف ،لكونه أطلق الرؤيا.
) (2/289
وذلك كالصلة وغيرها ،إذا كنت تريد الله فاعبر على النار
إلى الجنة ،وترى الله سبحانه فيها ،ولكن إفهم المقاصد،
وصحح النية .وفساد الطرائق والمقاصد عسر.
وقال رضي الله عنه :إذا لم يكن للنفس نظر بينها وبين
صاحبها تغيرت ،وقد حمل عمر بن الخطاب قربة ماء،
در ،ول أحد أعرف منه وهو خليفة ،وكل شيء ي ُعَْرف بق َ
من نفسه ،وإذا رأيت إنسانا ً ل تنكر ،فرب شيء غير
ض
مرِ َ كبر ونحوه ،ولو َ
مذموم فل تنهه إل إذا علمته عن ِ
اجتهد في إزالته) ( ،واهتمامه بأمر قلبه أهم عليه من أمر
جسمه.
ودخل عليه رضي الله عنه بعض السادة في آخر يوم من
نجم الغَْفر ،فقال سيدنا :في الوقت برد ،على خلف
العادة ول بد لله في ذلك حكمة أقل ما يكون في ذلك
العبرة ،لن النسان إذا رأى ما يخالف عادته يتعجب
فيعتبر ،فيشل رأسه أظن قال :يحركه) ( بخلف ما
يعتاده.
وذكر رضي الله عنه جماعة من السادة فيهم صفاء) ( ،ثم
قال :ذاك كان زمن صفا بل كدر ،واليوم اختلط منه الصفا
والكدر ،أما سمعت قول القائل :يا الله بجنون واضح
و ّ
ل) ( عقل ناصح .
كلمه في ذكر زيارة النبي هود عليه السلم
وقال رضي الله عنه ليلة النصف من شعبان وذكر زيارة
النبي هود على نبينا وعليه أفضل الصلة والسلم :أرى
منصبين في حضرموت ،إما يدمران بالكلية ،أو ينقلب
خيرهما شرًا ،أرى ذلك واقعا ً وظاهرا ً فيهما ،لنا نرى
أهلهما يسعون في خرابهما ،وقال :قواعد الزيارة من
جانب الشيخ أبي بكر قد تغيرت عن قواعدها المعتادة
وأصل الدعاء فيهم إل من الشيخ شهاب الدين ،هو ترك
الشيخ أبابكر يدعو فبقيت عادة لهم .
) (2/292
وقال رضي الله عنه لرجل ثقيل على خواطر الناس ،وهو
مع ذلك يلومهم في عدم إقبالهم عليه :الذي ترجوه من
در إنك ترجوه من الله ،ومن تميز بالدين ل يعلق الناس قَ ّ
ي.قلبه بالناس ،أو يقول للناس :عظموني واصطنعوا إل ّ
واظب على قراءة القرآن والطاعة ،لكن مع الخلص ،ول
عليك من الناس ،إذا رأوه متمسكا ً بالدين عظموه ،وعاده
إل يرد الزائد ،والرزق مقسوم ،لو بغيت ترده ما ارتد إل
بالذنب ،قال النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم )) :إن
العبد قد يصيب الذنب يمنعه الرزق(() ( وأسأل ربك
البركة ،فإن القليل مع البركة كثير ،والكثير مع عدمها
قليل كقصة صاحب الدينار وإذا حصل للنسان رزق،
صَرَفه في الشهوات ،إيش الفائدة هل شيء غير ف َ
الحساب؟ .
ومر في القراءة في تفسير البغوي ،عند قوله تعالى:
م الل ّهِ عَل َْيه{) ( فقال :ينبغي ْ
ما ل َ ْ
م ي ُذ ْك َرِ ا ْ
س ُ } وَل َ ت َأك ُُلوا ِ
م ّ
أن يرشد العامي إلى التسمية عند الذبح ،لما في
القرآن) ( وللخلف في ذلك ،لن أحوالهم الغفلة ،إل إن
كان عنده معرفة بشيء قليل فل يستعملونه ،وقد رتب
الله تعالى لكل أمر يتعاطاه النسان أذكارا ً تخصه من نوم
وانتباه ودخول وخروج ،حتى إلى حد إذا اشترى دابة أو
جارية ونحو ذلك ،فمن فعل جميع ذلك كان متنبهًا ،وإل
فغافل بقدر ما أغفل ،وقد يتعود النسان الذكر في شيء
من هذه المور فيجري على لسانه من غير تقصد ،أو كما
قال .
وقال رضي الله عنه :ما شيء أدل على الزهد من السخا،
والذين يحبون الدنيا ما يحبون الصالح إل لسماحته لهم
بالدنيا.
) (2/294
وقد انقلب الناس اليوم إلى حال آخر ،فلو ألقيت إلى
أحدهم كلمة أو كلمتين من العلم لم يفرح بهما ولم
يتأسف على ما مضى من عمره قبل أن يعرفهما ،ولو
سألته عنهما بعد يوم أو يومين رأيته قد نسيهما ول يهمه
ذلك ،ولو أعطيته أوقية مصفى لكان كم خواطر تخطر له
ظ عليهاحّف َ
فيها ،وكم أمور فعلها ،وكم شهوات أخذها ،وت َ َ
غاية الحفظ لئل تضيع أو كما قال .
ون) ( ول فيه نظر ،ولكن مه َ ّ
وقال رضي الله عنه :فلن ُ
إن شاء الله فيه تقوى ،ومع التهوين وعدم النظر تضيع
على النسان أشياء أكثر مما تضيع مع عدم التقوى ،وأمور
الدين والدنيا ما تستقيم إل بالنظر ،وإل فاتت فكم كرر
الله سبحانه من قوله :انظروا انظروا .وتقدم قوله :إن
والي المر ل بد له من نظر ،إن لم يكن نظر دين كان
نظر دنيا.
أنظر كلمه في الرفق والتواضع
وقال رضي الله عنه :الوطاء) ( محمود في كل شيء،
ط له ،وهو معنى حديث )) :ما فإذا عسر عليك أمر فَت َوَ ّ
كان الرفق في شيء إل زانه ــ ــ ـ الحديث (( ،لن
النسان ل يخلو إما أن يكون حجرا ً أو ماء ،وكلهما ينفع
فيه الوطاء ،فل يسيل الماء إل في الموضع المنخفض،
وأنشد هذا البيت :
العلم حرب للفتى المتعالي ... ...كالسيل حرب للمكان
المعالي
ص من لحق عن حال من وذكر رضي الله عنه الزمان ون َْق َ
سبق فقال :إن النور لم يزل يختفي شيئا ً فشيئًا ،والظلمة
لم تزل تظهر شيئا ً فشيئا ً حتى تقوم الساعة ول أحد
يقول :الله ،ولو إن التي كالذي قبله لم تقم الساعة) (.
) (2/304
وقال رضي الله عنه :عَّز الصدقُ اليوم جدًا ،حتى لو ذ ُك َِر
دق لعدم إلف الناس لذلك، رجل صاحب صدق بارٍ لم يص ّ
دق النسان إل بما يألفه ويفعله ،فلو قيل لهم :إن إذ ل يص ّ
ُ
أحدا ً أعطي عشرة قروش فردها ،أو أخذ حاجته ورد ّ
الباقي لم يصدقوا ،ثم إن النسان اليوم ربما ُتمنيه نفسه
أن لو كان معه مال لفعل به كذا وتصدق ،فإذا تمكن لم
يصبح من ذلك شيء ،وكذا يكون قبل حصوله قانعا ً بثوب
وقوت يوم ،وإذا حصل انبعثت دواعي أخرى ،ولكن اللهم
ارزقنا ما يكفينا ،وامنع عنا ما يطغينا .
قصة الرجل من آل بافضل مع أهله
ثم ذكر :إن رجل ً فقيرا ً من آل أبي فضل كان مع أهله
سالكين ومستريحين بحالهم في بيتهم ،وفي جوارهم
بعض الشراف معه مال ،فبقي الشريف طول ليله مع
أهله في كلم من جهة نفعل كذا ونترك كذا ،فلما رأوا من
حال بافضل وأهله في الراحة غبطوهم براحتهم ،فأعطاه
الشريف شيئا ً من ماله ،وقال له :اتجر فيه ولك الفائدة
انتفع بها ،ورأس المال لنا ،فبقي بافضل مع زوجته طول
ليلهم في كلم ،يقول :نشتري كذا ،وهي تقول :بل
نشتري كذا وعلى هذا ،ثم إنه تفطن وقال للشريف خذ
مالك وأرحنا منه.
أنظر ما قال أيام الخريف
ل القراء يوما ً فسأل رضي الله عنه عنهم وقال :من وق ّ
شأن الخريف التشتت ،لنهم يتقسمون في الوادي وفي
البلد ،وهو موسمهم ،وأهل مكة موسمهم أيام الحج،
طلون) ( فيها لشتغالهم ،إذ يحصلون في هذه المدة فيع ّ
كفايتهم في كل السنة ،وكان من شأن السادة الولين
الرتحال للتخرف والن َّفس ،كانوا أ َوّل ً يحلون ببيت جبير،
سم حتى اجتمع فيها إلى وقت الشيخ عبدالله ،ثم حلوا قَ َ
في نخل يسمى بازياد نحو أربعين سجادة ،وكانوا يعجبهم
حّله ،فإنهم ي َرُِثون النخل التمر بالخصوص لنهم يعتقدون ِ
عن أجدادهم وأسلفهم ،ومن الكلم المنسوب إلى
صل أيام التعطيل ،عطل في أيام
ح ّ
السقاف :من َ
التحصيل .
) (2/305
حّلو على الشجر والمرعى وقال رضي الله عنه لرجلِ :
والن َّفس وإن لم يكن خريف ،فقد كانوا يفعلون ذلك لذلك.
ل جعل الله فيه نفعا ً للخر ،جعل وقال رضي الله عنه :ك ّ
في الرجال نفعا ً للنساء ،ل يوجد إل فيهم ،وفي النساء
ل ،ولو منافع للرجال ل توجد إل فيهن ،وشيء يوجد في ك ُ ّ
لم يجعل النفع إل في أحدهما ،لتعطل جانب العاَلم ،وفي
ما رأينا من عجائب البلدان أن بلدا ً كلها نساء ما فيهم
رجل ،ول يلدن إل النساء ،وسقط عليهم رجل فأرادوا
قتله .
ض أهل السواحلوأرسل لسيدنا رضي الله عنه بع ُ
بشملة ،وطلب منه شيئا ً من اللباس ،فقال نفع الله به :ل
عاد تطالبونا إل بالجزاء الذي ل ينفد ،الفاتحة والدعاء ،ولو
تعلق بنا عشرة أنفس مثل ً كل واحد يأخذ من ثيابنا شيئا ً
لبقينا بل ثياب ،ومن أراد البركة يكفيه أن يجيب ثوب أو
سها له ،وقد ذكر الشيخ عبدالله بن شيخ :إن كوفية ،ن ُل ْب ِ ْ
جميع أهل الجهات إذا أرادوا يتباركون بالصالحين ،جاءوهم
بشيء يعطونهم إياه ،إل أهل حضرموت ،فإنهم إذا أرادوا
البركة طلبوا منهم أن يعطوهم .
ما قال في مسجد آل أبي علوي وليلة ختمه
) (2/306
وقال رضي الله عنه لرجل يعاتبه :لو دخلت الخلوة ما
بارك الله لك فيها لعدم مشاورتك لهل المعرفة ،فإذا كان
أمور الدنيا ول أخس منها ،يستعان عليها بمن يعرفها،
فكيف بأمور الدين .والفعال مع الهوى ليس تحتها طائل،
َ
جفاء ل يبقى ،وإنما يبقى الحق ،ثم تل } :فَأ ّ
ما والهوى كال ُ
جَفاًء {) ( الية ،وقال :إذا أردتم تعرفون الّزب َد ُ فَي َذ ْهَ ُ
ب ُ
الفرق بينهما فاقرأوا الية هذه ،ثم قال :صادف الهوى
أوعية أهل الزمان فارغة فسكن فيها فامتلت به ،ولو
كانت ملنة بالحق لخليت منه ،والهوى عبارة عن خلو
الناء ،فبقدر ما يمتليء يذهب منه وبقدر ما يفرغ يكون
فيه ،وقال للرجل المذكور :أتريد أن نراعي فيك حسن
مرًا،الوفاء ،ولم تراعه معنا ،ل ،ل يحمل شجُر الشوك ث َ َ
قال ذلك للتعليم والتأديب ،ثم قال :ل يطول الرأس في
الدنيا والخرة إل بحسن الوفاء وكان ذلك عادة النبي
صّلى الله عليه و آله وسّلم وأصحابه معه ومع أصحابهم
وأقاربهم حتى من الكفار ،حتى ذلك الرجل) ( في قصته
المشهورة مع سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه،
حيث قال له :لو ل يد ٌ لك عندي لم أكافئك بها لجبتك .ثم
طال كلم سيدنا في الوفاء ،حتى ذكر العمودي صاحب
شيخه الشيخ محمد بن علوي بحسن الوفاء ،حيث اعتكف
سنة) ( ل يفارقه إل وقت الصلة ،قال :ثم وقعت له رؤيا
عند قبره ،فسافر إلى المدينة ،فاجتمعنا به ،وطلب منا أن
كم أبي مدين ،فلما ابتدأ حصل في حلقه ح َ
يقرأ علينا في ِ
شحام) ( ،فقال :أخاف إن السيد محمد ثقل عليه أن أقرأ
عليكم ،فقلنا له :ل ،إنما نحن والسيد محمد شيء) (
وأماثل السادة شيء واحد ،ثم ضرب لذلك مث ً
ل ،فقال:
ونحن معهم كالجوابي مفترقات من فوق ،وملتقيات من
تحت ،أي ولو افترقنا في الظاهر ،فنحن مجتمعون في
الباطن ،ثم قال :ولو ذكرنا سيرة هذا العمودي ،وسيرة
حسين بافضل معنا ،لحتاجت إلى كراريس ،وإنما ذكر
ذلك نفع الله به ليعرف الملزمون قلة وفائهم معه ،ومما
ذكر
) (2/309
وقال رضي الله عنه :ما رأيت مثل رجلين ،أحدهما من
أهل الباطن ،والخر من أهل الظاهر ،يغبطهما أهل
الباطن وأهل الظاهر ،وهما الشيخ عبدالقادر والمام
سبوا للشيخ عبدالقادر كتبا ً فيها أمور منكرة، الغزالي ،ن َ َ
واعترضوا على المام الغزالي وقالوا :ل تجوز مطالعة
كتبه ،حسدا ً منهم وعدوانا ،وكانا في أماكن متسعة،
تحصل فيها المنافسة والمباهاة ،ولكن من مات ل عاد
تذكره إل بخير لمور ،أولها :إن النبي صّلى الله عليه و آله
وسّلم قال :ل تذكروا مساويء موتاكم ،واذكروا
محاسنهم ،والثاني :إنه رجع إلى الله ،ومجازاته إنما هي
عليه سبحانه ،وهو كافيه ،والثالث :إنك إذا خصصت أحدا ً
جّرأ َ أحد على النكار على أحد من أهل بالعتراض ربما ت َ َ
العلم لنكارك على الول ،بل ينبغي إذا بلغك عن أحد ما
تنكر ،أن تقول كما قال النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم:
ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا .وتقدم قوله :اثنان يغار
منهما أهل الباطن ،ويحسدهما أهل الظاهر ،لنهم إذا
طعنوهما بمسلة ط َعََناهم برمح :الشيخ عبدالقادر والمام
الغزالي .
ما قال في الزائر الخاص
) (2/316
وأتاه يوما ً رضي الله عنه بعض الفقراء زائرًا ،فقال له :قد
أمرنا لك عند الخادم بحاجة فاقبضها منه ،فقال :أتيتكم
زائرا ً ل لطلب شيء ،فقال له :ذاك كذلك فإذا أتيت
للزيارة حصل لك النفع الدنيوي ،مع ما حصل لك من
الزيارة من النفع الخروي ،فقد جاء :إن آدم عليه السلم
لما هبط من الجنة إلى الرض نزل معه بأوراق من شجر
الطيب ،ولها من الرائحة الطيبة شيء كثير ،فأتته الظبية
زائرة ،فأعطاها من ذلك الورق فظهر عليها ريحه ،فلما
شم ذلك منها سائر الدواب ،جاءوا لدم فلم يعطهم ،لنها
أتته زائرة ،وهن أتوه لطلب ذلك ،ويشبه هذه الحكاية ،ما
سمعنا :يذكر إن رجلين أتيا إلى سيدنا الشيخ القطب
عبدالله بن أبي بكر العيدروس علوي رضي الله عنه،
وأحدهما نيته الزيارة والتبرك بالشيخ ،والخر نيته حصول
شيء يأكله ،فلما وقفا تحت الباب وكل منها مضمر ما
قصده ،أمر الشيخ الخادم أن ينزل بما أراده ذلك الرجل،
فيعطيه إياه ويصرفه من تحت الباب ،وأمر بالخر فطلع
إلى عند الشيخ فأكرمه وحصل له بحسن قصده من
الشيخ القبال والقبول وأضعاف ما حصل لذلك من
مراده ،مع ما حصل له من الخير الديني ،والمنزلة عند
الله بحصولها له عند أولياء الله ،فسبحان المتفضل المنان
بما يشاء على من يشاء ،والحارم لذلك من أراد ممن لم
يسبق له ما سبق للخر ،وكل ذلك متوقف على حركة
ضغة ]أي القلب[ من حيث صلحها أو فسادها ،وهذا م ْ
ال ُ
معنى الحكاية ،ومثلها ما يحكى عن الشيخ عبدالقادر
قدس الله سره والرجلين معه ،لما وصلوا إلى الرجل
الذي يسمى الغوث ،ويحتجب عن الناس ويظهر لهم متى
ث :العمال أرادوا ،والحكاية مشهورة ،وهذا سّر حدي ِ
بالنيات ،أو كما قال .
) (2/317
في الرئاسة بأن تقول له :أنت فلن ،ومن رآك تفعل هذا
سقطت من عينه ،وإن لم تفعل كذا استحقرك الناس .
وقال له نفع الله به ذلك الرجل المذكور آنفا :ل ترون
علينا فإن السكوت عن هذا أقرب إلى الدب ،فقال :ل
بأس بذلك فإنك تحيي المذاكرة ،وأنت كالصائد ،ونحن ما
نحابي ،إذا كان المجلس وقت فسحة ،ويحسن ذلك
تكلمنا ،وإل قلنا له :أترك الكلم إلى وقت آخر.
وقال رضي الله عنه في قولهم :ل يقيم على معلوم :وأين
هذا ،ل يستقيم إل المجّرد) ( ل يعول على أهل ول مال ول
على أحد.
وذكر رضي الله عنه الصمت فقال :هو محمود إل إنه ل
ينبغي أن يبقى الصامت بل ذكر وفكر .
ما قال في عيد الضحى
وقال رضي الله عنه ضحى يوم الثنين سادس ذي الحجة
سنة :1124مع الناس شغل العيد) ( ،لن هذه العيد
دهمة ،ل تبقي ول تذر، مشهورة في الجهة حتى سموها :ال ّ
ويتكلفون فيها كثيرًا ،حتى قالت العامة :راحت العيد بزينها
دينها وهي أشهر من عيد الفطر بكثير ،مع وبقي همها و َ
إنها في مكة ل تعرف ،لنهم في هذه اليام يكونون
مشغولين بأمر الحج والبيع والشراء ،فقال بعض
الحاضرين :قد ينفق الرجل منهم إذا حج ثلثمائة قرش،
فقال سيدنا :لنهم يتكلفون إذا حجوا أشياء ،ولجل ذلك
قد يشيب الرجل منهم ول يحج ،لستثقاله من تلك العوائد
التي يعتادونها في حجهم ،فقال الرجل :يشبه هذا عندنا
أيام المحلة حيث يتكلفون فيها ،فقال رضي الله عنه:
وكل هذه أوزار يحملونها على ظهورهم ،ما في الك َُلف إل
ك ََلف .
ما قال في عقيدة أهل الجهة
ن ظنهم في س ُح ْ وقال رضي الله عنه :أهل الزمان ُ
الموات أحسن منه في الحياء لعظم حجاب البشرية
فيهم .
) (2/320
وقال له رضي الله عنه رجل :متع الله بحياتكم ،فقال :ما
عاد نرغب في الحياة في هذا الزمان ،لنه زمن إدبار ،وإذا
بقي في حضرموت واحد ٌ أو اثنان يعلمون الناس ظاهرين،
خي َّر بين المغفرة وبين مائة
فيهم كفاية ،ولو إن رجل) ( ُ
قرش ،لختار الدراهم على المغفرة لفرط غفلتهم عن
الدين ورغبتهم في الدنيا ،ولو قيل :كل من طلب العلم
فهو جبري) ( ،لرأيتهم يتبادرون اليه) ( ،ولو كان في
الدول نظر وأدنى رغبة في الدين لحصلوا) ( أمور الدين،
لن معهم منهم بعض رهبة ،فلو قالوا) ( :من صّلى أو من
خّفف عليه مما يؤخذ منه لفعلوا، فعل كذا من أمور الدين ُ
ولكنهم ما يهمهم إل ظلمهم من غير حق ،ووضعه في غير
مستحق كما قال فلن :إنهم طلبوا الزكاة وبالغوا كأخذ
حجاج .عمر بن الخطاب ،وفرقوها كتفريق ال َ
سن ّهِ فقال الرجل :كذاوسأل رضي الله عنه رجل ً عن ِ
خّرق إذا قيل وكذا ،فقال رضي الله عنه :بعض الرجال ال ُ
له :كم سنك؟ ،ربما يذكر دون ذلك ،ويحب أن يكون ما
مضى من عمره قليل ،ويظن أنه إذا كان كذلك أنه بقي له
عمر طويل ،وإن مضى كثير من عمره ،فهو الى الموت
أقرب ،وإن كان يعلم أن الموت يأخذ الصغار والكبار،
يتسلى بذلك ،وهذا من الشك النافع ،الذى هو رحمة
للنسان ،فقد يكون الشك خيرا من العلم في أشياء مثل
هذا ،والعلم خيرا من الشك في أشياء ،وفي الشك في
مثل هذا تسلية وراحة.
ما قال في اعتياد النفس
) (2/321
وطلع رضي الله عنه البلد يوم سابع عشر رجب سنة
1132مدعوا عند ابن أخيه السيد عمر بن علي الحداد،
لما فعل دعوة لختم ولده أحمد حين ختم القرآن ،وكان
هذا مجلسا حافل وتقدم ما تكلم به في هذا المجلس لما
ذكر تشوقه إلى الحج ،وأمر بإنشاد قصيدته )قل لحبابنا
بسوح المقام( لما كان فيها ترحيل منازل سفر الحج،
وبعد الفراغ والبخور خرجوا ،وبقي سيدنا يسلم عليه أهل
البيت ،ثم خرج إلى داره التي في البلد وقال فيها) ( ،ثم
خرج لصلة الظهر في مسجد باعلوي ،وبعدها أنشد
المنشدون وأدير البخور والقهوة ،ثم جاء الخاتم ومعلمه
والمتعلمون ،وقرأ الخاتم ما يعتاد قراءته ،ثم قرأ المعلم
ما يعتاد أيضا ثم دعا سيدنا بالحاضرين فلما ختم الدعاء
عادوا للنشيد والبخور والقهوة إلى أن صلوا العصر ،وكان
ذلك جمعا عظيما حافل ،ولم يكن هناك كلم ينقل ،غير إنه
قال :لم نحضر لختم فيه قبل هذا ،وبعد صلة العصر أمر
السيد أحمد بن زين الحبشي أن يقرأ على قراءته في
شرح السنة للمام البغوي ،فقرأ إلى نحو وقت قيام
سيدنا من مجلس القراءة المعتاد كل يوم بعد العصر ،ثم
قرأ الفاتحة وصافحوه وتفرقوا.
) ذكر ابتداء مرض وفاته نفع الله به (
) (2/324
ولم يزل سيدنا رضي الله عنه مواظبا على عوائده كلها،
من حضور الصلوات وترتيب الوراد ومجالس القراءات
في البكر والعشيات إلى عشية يوم الخميس 27من
شهر رمضان سنة ،1132وقد حصل معه بعض اللم،
وكان ذلك يعاوده ويعتاده وسيأتي ذكره من لفظه هو ،فما
خرج لصلة عصر ذلك الخميس المذكور ،ول للقراءة بل
أمرهم أن يقرأوا على عادتهم في حضوره ،وهو عند
الخلفة من الغيلة يسمع قراءتهم وكان قراءتي في
"إرشاد" اليافعي ووقفي على قصيدة اليافعي فيه ،التي
أولها )قفا حدثاني فالفؤاد عليل( ،فقرأتها فقط ولم أزد
ت
عليها ،وبعد إنقضا القراءة قال نفع الله به :ما قرأ َ
كثيرًا ،قلت :اكتفيت بالقصيدة وحدها لعدم حضوركم
المعتاد ،ثم خرج لصلة العشاء ليلة الجمعة وتراويحها،
ودخل بعد أن ابتدأوا في الذكر ،ول خرج لصلة الجمعة،
بل لما كان وقت طلوعه إلى البلد لجلها قال لي :إطلع
ما بايقع لنا طلوع لنه أشغلنا احتباس راقة ،الظاهر ،ول
أرى لذلك سببا هل هو من ُيبس أو غيره ،وقد يحصل لي
ذلك لكن في وقت يسير ويزول وفي هذه المدة) ( طال
قليل) ( ،ول أستر للنسان من العافية ،وقد قال النبي
صّلى الله عليه و آله وسّلم )) :ولكن عافيتك هي أوسع
لي (( .وخشيت من طول الجلوس يحصل بسببه ألم،
ولكن كما قال الشافعي ،ول ذكره ،فادعوا لنا بالعافية،
ومضى أولده لصلة الجمعة وجلسوا بعدها في الدار
مجلسه المعتاد مع قراءة القرآن على عادته في رمضان
نحو جزءين ،ثم خرجوا وصلوا العصر بالحاوي ،ول خرج
لها وقرأوا بأمره على العادة في الكتب المعتادة في شهر
ن عن ربع من من َبا َ
رمضان ،وقرأت القصيدة التي أولهاَ ) :
نهواه والطلل ( وهو يستمع كالمس ،وخرج لصلة العشاء
ثم بعدها وبعد صلة السنة أشار اليهم لصلة التراويح
بالتنحنح وهذه عادته كل ليلة ،ثم دخل وهذه الليلة أعني
ليلة) ( 29رمضان هي ليلة ختم مصلى الحاوي وما ترك
الحضور وهو يمكنه ،وبعد صلة عصر يوم الحد سلخ
رمضان
) (2/325
وجاء اليه رضي الله عنه ضحى يوم العيد السيد زين
العابدين وأخوه السيد شيخ معاودين وعائدين ،فجلس
لهما مجلسا فسيحا وكنت حاضرا ذلك المجلس المنور،
فقال لهما :سبب ذلك بعد تقدير الله فيما ظهر لي:
التقصير في بعض المور كالتأديب) ( ،وذلك إني خرجت
إلى السادة آل فقيه) ( ليلة الربعاء سادس عشرين من
شهر رمضان ،وقد كان النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم
يترك أمور الدنيا في هذه اليام ،يعني العشر الواخر.
وكان صّلى الله عليه و آله وسّلم يعتكف فيها ،ول يبيت
فيها عند أحد من نسائه كعادته ،لكن فعلنا ذلك استمرارا ً
على إجراء الحقوق والقامة بالجبر من غير داعية لشيء
ول عاد معي طلب لشيء ،ولو كان مع القامة بذلك
استعمال) ( قال هذه الكلمة مزحا ً وتبسطا ً معهما ،وقد
خرجت ليلة ختم الحاوي وصليت العشاء والركعتين بعدها،
لكن مع الحرقة الحاصلة أحس معي لكز في الكلوة فما
أمكنني المقام وأنا عازم إن تنشطت رجعت ،ولكن ما
ينبغي أن يكلف الجسم عمل الهمة ،وقد قالوا :همة
العاقل أقوى من جسمه ،وجسم الجاهل أقوى من همته،
وتقدم قوله :القوى ضعفت ،فل يمكنها تساعد النسان
على ما يريد ،فربما نهم بالمر ل تساعدنا عليه القوى،
فالهمة قوية ،والقوى ضعيفة والروح أقوى من الجسم،
وإذا قوي الروح حصل للجسم قوة) ( ،وإذا حصل على
الروح ما يوجب النقباض انهدم الجسم ،واللكز قد
يحصل ،لكن أداويه بالزباد وغيره ،فيصح ول يحس به أحد،
وهذا فيه زيادة على ذلك ،ولكن الحمد لله حيث العافية
حاصلة ول شي زيادة ،وقد رأى العيال في بعض كتب
الطب عندهم :إنها علة خفيفة وقد كنت حكيت لكم
بالرؤيا التي رأيت فيها السيد علي بن عبدالله وهي إني
رأيت كأني وردت عليه وهو في مجلس مستطيل ،وهو
في طرفه الشرقي وأنا في القبلي ،وبيني وبينه مسافة،
وكأنا جئنا لسبب يوجب الجتماع كالعزأ ونحوه ومعنا من
جرتنا) ( ،وقد كنت قبل وفاته أظن الصغار كثير جاءوا في ُ
أني وإياه متقاربين في الوفاة ،فلما رأيت
) (2/327
ما بيني وبينه من المسافة في المجلس ،قلت :هذا يكون
مسافة مدة ما بيننا وبينه في الوفاة ،وقد تقدم ذكر هذه
الرؤيا بأبسط من هذا عند ذكره للسيد علي المذكور،
وكان مدة ما بين وفاته ووفاة السيد علي سنة ونحو 19
يوما ثم قال :والحمد لله وقد ذكرنا لكم من المعمرين من
آل باعلوي كالسيد عمر بن أحمد عاش 95سنة وعَد ّد َ
جماعة آخرين عمروا ،وذكر عمر كل واحد منهم .
أقول :وذكره لهذه الرؤيا والمعمرين من السادة يشير
إلى إنه يتوفى من هذا المرض ،وأكثر إشاراته رضي الله
عنه إلى وفاته كانت منه سنة 1128كما قدمنا ذكرها فل
نعيده ،وذلك لغُْزرِ قَعْرِ بحر علمه وكتمه السرار وستره
للمغيبات وحفظه الشئون اللهية ،وقد ذكر لي ابنه
رض الوالد م ِ
الحبيب الحسين رحمه الله غير مرة قالَ :
فيما سبق أيام صغري مرضا شديدا ً أشفقنا عليه ،فكنت
سين عنده إذ قال :كان يوما والكريمة بهية رحمها الله جال َ
رض مرضا ً شديدا ً خيف عليه منه، م ِ
السيد عمر بن أحمد َ
وكان ذات يوم عنده ابن وبنت له يحبهما كثيرا ،فجعل
يدعوان له ويقولن :اللهم زد في عمره من أعمارنا،
اللهم زد في عمره من أعمارنا ،ويكرران ذلك كثيرًا ،فصح
ل ،وكان يرى أن ذلك من ذلك المرض ،وعاش عمرا ً طوي ً
ي الوالد قصيدته ) يا زيد له من عمريهما ،قال :وأملى عل ّ
رحمة الله زوري( حين أنشأها في مرض فقال عند ختمها:
) يا رب واختم بخير ،إذ حان حين المسير( فتعبنا من
ن الله عليه بالعافية فأصلحها )إن حان م ّ
ذلك ،ولكن ب َعْد ُ َ
حين المسير( وقال له السيد زين العابدين :ما الذي
يناسبكم من الزاد ،فذكر سيدنا ما يناسبه حينئذ ،وذلك
قبل أن يشتد عليه اللم كثيرا ،فقال :يناسبني الرطب
دع كل ليلة عند الَعشاء من أخذ حبتين كثيرا ،حتى إني لم أ َ
أو ثلث ،وكان الوقت ذلك الحين وقت الرطب فقال له
السيد زين :أيناسبكم التين ،فقال :ل ،لنه حار ،وأرى
الصغار يتولعون به ،فأعطيهم إياه ،وإل
) (2/328
ثم يذكر بعد ذلك فيقول :لو ذكرنا لخليناهم يقبرون فلنا
فيها ،وتكرر منه ذلك ،في نحو ثلثة ماتوا قبله واثنان بقوا
ت نقبرك فيها ،وأحدهما اشتد م ّبعده فقال لكل منهما :إذا ُ
به المرض ،حتى أصبح ل يتكلم فأرسلني سيدي الحبيب
إلى السيد زين يحضه في إصلحها وقال :قل له يسلم
عليك ،ويقول لك هيا اهتم في إصلح هذه التربة ،فإن
فلنا مرض مرضا شديدا ،حتى أصبح ل يتكلم ،ونخشى أن
يموت قبل إصلحها ،فنريد أن يكون قبره فيها ،وما مراده
رضي الله عنه إل أن يحضه حتى يسرع بذلك ،واتفق إن
سيدنا نفع الله به أول من قبر بها ،وذلك بعد أن تشاوروا
أولده المباركون ،أين يقبر ،فاتفق رأيهم أن يقبر في
موضعه هذا.
وتقدم قوله رضي الله عنه :إن النسان أصله قد مزج
بتراب قبره ،وذكر لي السيد علي عيديد ،وكان من
المترددين على سيدنا كثيرا ،قال :سمعت سيدنا الحبيب
في بعض زياراته لما خرج من قبة الشيخ عبدالله بن أبي
بكر العيدروس ،توطأ إلى موضع قبره ،فوقف فيه ،وقال:
َ َ
خي ُْر مَباَركا ً وَأن ْ َ
ت َ ب أن ْزِل ِْني ُ
من َْزل ً ُ بسم اللهَ } :ر ّ
ن {) ( وذلك قبل وفاة سيدنا بسنين فيدل على أن من ْزِِلي َ
ال ُ
هذا يكون منزله بعد ،وموضع قبره ،فأعظم بهذه
المكاشفة العظيمة ،وأمور سيدنا وأحواله رضي الله عنه
م معانيها ،وقد قدمنا عجيبة جدا ،لمن ألهمه الله تعالى فَهْ َ
كثيرا منها في هذا النقل ،فل نعيده وهو نقطة من عجيب
أحواله .
) (2/343
يا عين سحي بدمع الوابل الرذم ... ...على فراق جليل
القدر والشيم
وكذلك رثاه أخوه السيد الفاضل عبد الله بن جعفر مدهر،
نزيل مكة المشرفة بقصيدة عددها 61بيتا أولها :
ما للمكارم آذنت بنفاد ... ...والكون مشتمل بثوب حداد
ورثاة جماعة من أهل حضرموت وأهل الحساء ،وأرخوا
وفاته في قصائدهم ،وقد جمعت ما بلغني من مرثياته ،مع
ع
م َ
س ِ
ما معي من مدائحه التي أنشئت في حياته ،وقد َ
شد َ بها في حضرته ،وتكلم عند سماع بعضها ُ
أكثرها ،وأن ْ ِ
دح بفضيلة فان مدحه م ِ
بما يتعلق بالمدح ،كقوله ) :من ُ
يعود إلى النبي صّلى الله عليه و آله وسّلم لن فضيلته
إنما جاءت عنه ،وصدرت عن النبي صّلى الله عليه و آله
وسّلم ،فمدحه يعود عليه( في كلم كثير قدمنا ذكره في
هذا النقل ،وجعْلنا الجميع مع ترجمته التي من المشرع
الروي مع ما زّيد عليها السيد الجليل أحمد بن زين
الحبشي ،ومع راتبه وجملة أوراده وأذكاره في الصباح
والمساء وبعد الصلوات وفي أوقات أخر وفي أحوال
مختلفة ،كل ذلك في مجموع ،وأضفت اليه شيئا من كلم
مجالسه ،وشيئا لخصته من مكاتباته ،فصار مجموعا مجلدا
ده وعيوُنه ،يسهل صه وُزب ْ ُ ثمرا مجنيا ورطبا جنيا فيه خال ُ
على المطالع ويستحظ منه السامع .والحمد لله على ما
وفق وأعان ،وأمد بالعناية والبيان .
) (2/348
وحيث بلغ بنا النقل إلى ذكر وفاته رضي الله عنه ونفع به
فما بعد الوفاة من كلم ،فلنقتصر منه على ما يسره الله،
وكفى به وإل فل نقدر على استيعاب جميع ما نقلناه من
كلمه ،وهذا نزر يسير من بحر كبير ،يكفي عن كثير،
والغرض الن أن نختم هذا النقل بفائدة حسنة ،وهي في
ذكر ما كان يقرؤه في الصلوات ،من السور واليات ،مما
واظب عليه إلى أن انتقل إلى رحمة الله وقربه ،دون ما
تكرر منه في أوقات دون مواظبة ،لني أرى من نفسي
ومن كل محب أن يتأثر بآثاره ،ويستضيء بأنواره ،ويتبعه
في إيراده وإصداره ،لن في اتباعه والقتداء به ،التباعَ
لسيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
أجمعين ،فمما كان رضي الله عنه مواظبا عليه إلى الوفاة
المعوذتين في أولتي المغرب ليلة الربعاء وليلة السبت،
ما سمعته قرأ فيهما بغيرهما قط ،وفي أولتي صلة
العشاء من ليلة الجمعة ،وأولتي عصر يومها )ألم نشرح(
و )إذا جاء نصر الله( وصبح يوم الجمعة )بسبح( و
)الغاشية( وقال :إن قراءتهما في صبح يوم الجمعة تنوب
عن قراءة )السجدة( و)هل أتى( ،وقد كان نفع الله به
أيام نشاطه يقرؤهما فيهما ،وتنوب في العيد عن )ق( و
)اقتربت( وكذلك فيما تعّين في شيء من الصلوات من
السور المطولت ،فيكفيان عن ذلك ،وأما اليات المداوم
ع عليها إلى الممات فآية } :ربنا تَقبل منا إن َ َ
مي ُس ِ ت ال ّ ك أن ْ َ َ َّ َ ّ ِ ّ ِّ
م {) ( العِليم {) ( } ،وتب عَل َينا إن َ َ
حي ُب الّر ِ وا ُ
ت الت ّ ّ ك أن ْ َ َْ ِّ َُ ْ َ ُ
بعد الفاتحة في ثالثة الظهر والعصر مطلقا ،وفي رابعتهما
ة
خَر ِ ة وَِفي ال ِ سن َ ً
ح َ كذلك أي مطلقاَ } :رب َّنا َءآت َِنا ِفي الد ّن َْيا َ
ب الّنارِ {) ( وفي الجهرية في السكتة ذا َة وَقَِنا عَ َ سن َ ً ح َ َ
ب أوْزِعِْني َ
التي بعد الفاتحة وقبل السورة في الولىَ } :ر ّ
َ َ َ ن أَ ْ َ
م َ
ل ن أعْ َ ي وَعََلى َوال ِد َيّ وَأ ْ ت عَل َ ّ م َك ال ِّتي أن ْعَ ْمت َ َشك َُر ن ِعْ َ أ ْ
ضاهُ حا ت َْر َ صال ِ ًَ
) (2/349
ن {) ( وفي الثانية: حي َ صال ِ ِ ك ال ّ عَبادِ َ ك ِفي ِ مت ِ َ ح َ خل ِْني ب َِر ْ وَأ َد ْ ِ
ي وَعََلى َ ن أَ ْ َ َ
ت عَل َ ّ م َ ك ال ِّتي أن ْعَ ْ مت َ َ شك َُر ن ِعْ َ ب أوْزِعِْني أ ْ } َر ّ
ح ِلي ِفي ذ ُّري ِّتي إ ِّني َ م َ َ َ
صل ِ ْضاهُ وَأ ْ حا ت َْر َ صال ِ ً ل َ ن أعْ َ َوال ِد َيّ وَأ ْ
ن {) ( وقد قال يوما :ل مي َ سل ِ ِ
م ْ ن ال ُ م َ ك وَإ ِّني ِ ت إ ِل َي ْ َ ت ُب ْ ُ
سكوت في الصلة ،ويقرأ في أخيرة المغرب بعد الفاتحة:
َ
ة
خَر ِ ت وَل ِّيي ِفي الد ُن َْيا َوال ِ ض أن ْ َ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ } َفاط َِر ال ّ
َ
ما وَأل ْ ِ
ن {) ( وربما قرأ فيها: حي َ صال ِ ِ حْقِني ِبال ّ سل ِ ً م ْ ت َوَفِّني ُ
ة
م ًح َك َر ْ من ل ّد ُن ْ َ ب ل ََنا ِ } َرب َّنا ل َ ت ُزِغْ قُُلوب ََنا ب َعْد َ إ ِذ ْ هَد َي ْت ََنا وَهَ ْ
ب {) ( وفي ثالثة العشاء بعد الفاتحة: إن َ َ
ها ُ ت الوَ ّ ك أن ْ َ ِّ
لجع َ ْ ن وِل ِ ت َ ْ ما ِ لي َ سب َُقوَنا ِبا ِ ن َ ذي َ وان َِنا ال ّ ِ خ َ } َرب َّنا اغِْفْر ل ََنا وَل ِ ْ
م {) ( حي ٌ ف ّر ِ ؤو ٌ ك َر ُ مُنوا َرب َّنا إ ِن ّ َ ن َءآ َ ذي َ ِفي قُُلوب َِنا ِغل ّ ل ِل ّ ِ
وفي الخيرة منها بعد الفاتحة الية المتقدمة في المغرب:
َ
سّنة الفجر ض { إلخ ،وفي ُ ت َوالْر ِ ماَوا ِ س َ } َفاط َِر ال ّ
مامّنا ِبالل ّهِ وَ َ )الكافرون( و ) الخلص( :أو) ( } ُقوُلوا َءآ َ
ب ل الك َِتا ِ ل َياأ َهْ َ ل إ ِل َي َْنا {) ( الية في الولى و } :قُ ْ أ ُن ْزِ َ
وا {) ( الية في الثانية ،وفي سنة الوضوء )الكافرون( ت ََعال َ ْ
و)الخلص( وكذلك في أولتي المغرب ليلتي الجمعة
والثنين ،وفي صبح يوم الربعاء ) لم يكن( و )الزلزلة(
كثيرا ،وما عدا ذلك فقد يتكرر بل مواظبة فيما نعلم .
) (2/350