Professional Documents
Culture Documents
ونحن نُتْبع ذلك بذكر فصول نافعة فى َهدْيه فى الطب الذى تطبّب به ،ووصفه لغيره ،ونبيّنُ ما فيه من
ل أكثرِ الطباء عن الوصول إليها ،وأن نسبة طِبهم إليها كنِسبة طِب العجائز إلى طِبهم، الحِكمة التى َتعْجَزُ عقو ُ
فنقول وبال المستعان ،ومنه نستمد الحَوْل والقوة:
ن فِى قُلُو ِبهِم مّ َرضٌ وَا ْلكَافِرُونَ مَاذَا أَرَا َد الُ ِب َهذَا َمثَلً}[المدثر .]31:
وقال تعالى{ :وَِليَقُولَ اّلذِي َ
ق من دُعى إلى تحكيم القرآن والسّـنّة ،فأبَى وأعرض{ :وَإذَا دُعُواْ إلَى الِ َورَسُولِهِ وقال تعالى فى حَ ّ
عنِينَ * َأفِى قُلُو ِبهِم مّ َرضٌ َأمِ ا ْرتَابُو ْا أَمْ
ق يَ ْأتُواْ إَليْهِ ُمذْ ِ
ق ّم ْنهُمْ ّمعْرِضُونَ * وَإن َيكُن ّلهُمُ ا ْلحَ ّ
حكُ َم َبيْ َنهُ ْم إذَا فَرِي ٌ
ِليَ ْ
ن أَن يَحِيفَ الُ عََل ْيهِ ْم وَ َرسُولُهُ ،بَلْ أُوَل ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ}[النور ،]50-48 :فهذا مرض الشّبهات يَخَافُو َ
والشكوك.
(يتبع)...
@
فصل
ل عَلَى ا ْلمَرِيضِ
ج وَ َ
ل عَلَى الَعْ َرجِ حَرَ ٌ
عمَى حَ َرجٌ َو َ
س عَلَى الَ ْ
وأمّا مرض البدان ..فقال تعالىَ{ :ليْ َ
حَ َرجٌ} [الفتح []17 :النور .]61 :وذكر مرض البدن فى الحج والصومِ والوضوء لس ّر بديع يُبيّن لك عظمة
القرآن ،والستغنا َء به لمن فهمه وعَقَله عن سواه ،وذلك أن قواعد طِب البدان ثلثة :حِفظُ الصحة ،والحِميةُ عن
المؤذى ،واستفراغُ المواد الفاسدة .فذكر سبحانه هذه الصول الثلثة فى هذه المواضع الثلثة.
ص َدقَةٍ أَوْ
صيَامٍ أَوْ َ
ن ِمنْكُم مّرِيضاً َأوْ بِ ِه َأذًى مّن رّ ْأسِهِ َف ِفدْيَةٌ مّن ِ
وقال فى آية الحجَ { :فمَن كَا َ
حكّة ،أو غيرهما ،أن يحلِق رأسه ى من رأسه ،من قمل ،أو ِ نُسُك}[البقرة ،]196 :فأباح للمريض ،ومَن به أذَ ً
فى الحرام استفراغاً لمادة البخرة الرديئة التى أوجبت له الذى فى رأسه باحتقانها تحتَ الشّعر ،فإذا حلق
رأسه ،تفتحت المسامُ ،فخرجت تلك البخرة منها ،فهذا الستفراغ يُقاس عليه كُلّ استفراغ يؤذى انحباسُهُ.
والشياء التى يؤذى انحباسها ومدافعتها عشرة :الدّمُ إذا هاج ،والمنىّ إذا تبّيغ ،والبولُ ،والغائطُ،
والريحُ ،والقىءُ ،والعطاسُ ،والنومُ ،والجوعُ ،والعطشُ .وكل واحد من هذه العشرة يُوجب حبسُه داء من الدواء
بحسبه.
ب منه؛ كما
وقد نبّه سبحانه باستفراغ أدناها ،وهو البخارُ المحتقِن فى الرأس على استفراغ ما هو أصع ُ
هى طريقةُ القرآن التنبيهُ بالدنى على العلى.
فأمّا طبّ القلوب ..فمسلّم إلى الرّسلِ صلوات ال وسلمه عليهم ،ول سبيل إلى حصوله إل من
ح القلوب أن تكون عارِفة بربّها ،وفاطرِها ،وبأسمائه ،وصفاته ،وأفعاله، جهتهم وعلى أيديهم ،فإن صل َ
وأحكامه ،وأن تكون مُؤثِرةً لمرضاته ومحابّه ،متجنّبةً ل َمنَاهيه و َمسَاخطه ،ول صحة لها ول حياةَ ألبتةَ إل بذلك،
ن ذلك،ل إلى تلقّيه إل من جهة الرّسل ،وما يُظن من حصول صِحّة القلب بدون اتّباعهم ،فغلط ممن يَظُ ّ ول سبي َ
وإنما ذلك حياةُ نفسه البهيمية الشهوانية ،وصِحّتها وقُوّتها ،وحيا ُة قلبه وصحته ،وقوته عن ذلك بمعزل ،ومَن لم
يميز بين هذا وهذا ،فليبك على حياة قلبه ،فإنه من الموات ،وعلى نوره ،فإنه منغمِسٌ فى بحار الظلمات.
فصل
نوعٌ قد فطر ال عليه الحيوانَ ناطقَه وبهيمَه؛ فهذا ل يحتاج فيه إلى معالجة طبيب ،كطب الجوع،
والعطش ،والبرد ،والتعب بأضدادها وما يُزيلها.
والثانى ..ما يحتاج إلى فكر وتأمل ،كدفع المراض المتشابهة الحادثة فى المزاج ،بحيثُ يخرج بها عن
العتدال ،إما إلى حرارة ،أو بُرودة ،أو يبوسة ،أو رطوبة ،أو ما يتركب من اثنين منها ،وهى نوعان :إما
ق بينهما أنّ أمراضَ الكيفية تكون
ب مادة ،أو بحدوث كيفية ،والفر ُصبَا ِ
مادية ،وإما كيفية ،أعنى إما أن يكون بان ِ
بعد زوال المواد التى أوجبتها ،فتزولُ موادها ،ويبقى أثرُها كيفية فى المزاج.
وأمراض المادة أسبابها معها تمدّها ،وإذا كان سببُ المرض معه ،فالنظر فى السبب ينبغى أن يقع أولً،
ثم فى المرض ثانياً ،ثم فى الدواء ثالثاً .أو المراض اللية وهى التى تُخ ِرجُ العضو عن هيئته ،إما فى شكل ،أو
تجويفٍ ،أو مجرىً ،أو خشونةٍ ،أو ملسةٍ ،أو عددٍ ،أو عظمٍ ،أو وضعٍ ،فإن هذه العضاء إذا تألّفت وكان منها
ج عن العتدال فيه يسمى تفرقَ التصال ،أو المراضِ العامة التى تعم البدن سمى تألّفها اتصالً ،والخرو ُ
المتشابهة واللية.
ض المتشابهة :هى التى يخرُج بها المزاجُ عن العتدال ،وهذا الخروجُ يسمى مرضًا بعد أن
والمرا ُ
يَضُرّ بالفعل إضراراً محسوساً.
وهى على ثمانية أضرب :أربعة بسيطة ،وأربعة مركّبة ،فالبسيطةُ :البارد ،والحار ،والرّطب ،واليابس.
والمركّبةُ :الحارّ الرّطب ،والحار اليابس ،والبارد الرّطب ،والبارد اليابس ،وهى إما أن تكون بانصباب مادة ،أو
بغير انصباب مادة ،وإن لم يضر المرض بالفعل يُسمى خروجًا عن العتدال صحة.
وللبدن ثلثةُ أحوال :حال طبيعية ،وحال خارجة عن الطبيعية ،وحال متوسطة بين المرين .فالولى:
بها يكون البدن صحيحاً ،والثانية :بها يكون مريضاً .والحال الثالثة :هى متوسطة بين الحالتين ،فإن الضد ل
ينتقل إلى ضدّه إل بمتوسط ،وسببُ خروج البدن عن طبيعته ،إمّا من داخله ،لنه مركّب من الحار والبارد،
والرطب واليابس ،وإما من خارج ،فلن ما يلقاه قد يكونُ موافقاً ،وقد يكون غيرَ موافق ،والضررُ الذى يلحق
النسان قد يكون من سوء المزاج بخروجه عن العتدال ،وقد يكون مِن فساد العضو؛ وقد يكون من ضعف فى
ن ما العتدالُ فى
ل فى عدم زيادته ،أو نقصا ُ
القُوَى ،أو الرواح الحاملة لها ،ويرجع ذلك إلى زيادةِ ما العتدا ُ
ل ما العتدالُ فى تفرّقه ،أو امتدادُ ما العتدالُ فى
ل فى اتصاله ،أو اتصا ُ
ق ما العتدا ُ
عدم نقصانه ،أو تفرّ ِ
انقباضه؛ أو خروجِ ذى وضع وشكل عن وضعه وشكله بحيث يُخرجه عن اعتداله.
ص منه ما يضرّه زيادَته،فالطبيب :هو الذى يُفرّقُ ما يضرّ بالنسان جمعُه ،أو يجم ُع فيه ما يضرّه تفرّقه ،أو ينقُ ُ
أو يزي ُد فيه ما يضرّه نقصُه ،فيجلِب الصحة المفقودة ،أو يحفظُها بالشكل والشبه؛ ويدفعُ العِلّةَ الموجودة بالضد
والنقيض ،ويخرجها ،أو يدفعُها بما يمنع من حصولها بالحِمية ،وسترى هذا كله فى َهدْى رسول ال صلى ال
عليه وسلم شافياً كافياً بحَوْل ال وقُوّته ،وفضله ومعونته
فصل
فكان من َهدْيِه صلى ال عليه وسلم فعلُ التداوى فى نفسه ،والم ُر به لمن أصابه مرض من أهله
ل هذه الدوية المركّبة التى تسمى ((أقرباذين)) ،بل وأصحابه ،ولكن لم يكن مِن َهدْيه ول َهدْى أصحابه استعما ُ
طبّ الُممسوْرته ،وهذا غالبُ ِ
كان غالبُ أدويتهم بالمفردات ،وربما أضافُوا إلى المفرد ما يعاونه ،أو َيكْسِر َ
على اختلف أجناسِها من العرب والتّرك ،وأهل البوادى قاطبةً ،وإنما عُنى بالمركبات الرومُ واليونانيون ،وأكثرُ
ب الهند بالمفردات
طِ ّ
وقد اتفق الطباء على أنه متى أمكن التداوى بالغذاء ل ُي ْعدَل عنه إلى الدواء ،ومتى أمكن بالبسيط ل
ُيعْدَل عنه إلى المركّب.
قالوا :وكل داء قدر على دفعه بالغذية والحِمية ،لم يُحا َولْ دفعه بالدوية.قالوا :ول ينبغى للطبيب أن
يولعَ بسقى الدوية ،فإنّ الدواء إذا لم يجد فى البدن دا ًء يُحلّله ،أو وجد داءً ل يُوافقه ،أو وجد ما يُوافقه فزادت
طبّهم بالمفردات غالباً ،وهم
كميتهُ عليه ،أو كيفيته ،تشبّث بالصحة ،وعبث بها ،وأربابُ التجارِب من الطباء ِ
أحد ِفرَق الطبّ الثلث.
طبّ الطّرَقية والعجائز إلى طِبهم ،وقد ونحن نقول :إن ههنا أمرًا آخرَ ،نسبةُ طِب الطبّاء إليه كنسبة ِ
ن ما عندهم من العلم بالطّب منهم مَن يقول :هو قياس .ومنهم مَن يقول :هو حذّاقهم وأئمتُهم ،فإ ّ
اعترف به ُ
حدْسٌ صائب .ومنهم مَن يقول :أُخذ كثير منه من الحيوانات تجربة .ومنهم مَن يقول :هو إلهامات ،ومنامات ،و َ
البهيمية ،كما نشاهد السنانير إذا أكلت ذواتِ السموم َت ْع ِمدُ إلى السّرَاجَ ،فتَلغ فى الزيت تتداوى به ،وكما رؤيت
ت إذا خرجت مِن بطون الرض ،وقد عَشيت أبصارُها تأتى إلى ورق الرازيانج ،ف ُتمِرّ عيونها عليها .وكما الحيّا ُ
عُهد مِن الطير الذى يحتقن بماء البحر عند انحباس طبعه ،وأمثال ذلك مما ذُكِ َر فى مبادئ الطب.
وأين يقع هذا وأمثال ُه من الوحى الذى يُوحيه ال إلى رسوله بما ينفعه ويضره ،فنسبة ما عندهم مِن
الطب إلى هذا الوحى كنِسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به النبياء ،بل ههنا من الدوية التى تَشفى من
المراض ما لم يهتد إليها عقولُ أكابر الطباء ،ولم تصل إليها عُلومُهم وتجاربهم وأقيستهم ،من الدوية القلبية،
ل عليه ،واللتجاء إليه ،والنطراحِ والنكسا ِر بين يديه،
والروحانية ،وقوة القلب ،واعتمادِه على الِ ،والتوك ِ
ن إلى الخلق ،وإغاثةِ الملهوف ،والتفريجِ عن والتذلّلِ له ،والصدقةِ ،والدعاءِ ،والتوبةِ ،والستغفارِ ،والحسا ِ
ن هذه الدوية قد جَ ّربْتها الُممُ على اختلف أديانها ومِللها ،فوجدوا لها من التأثير فى الشفاء ما ل
المكروب ،فإ ّ
يصل إليه علمُ أعلم الطباء ،ول تجربتُه ،ول قياسُه.
فهذان نوعان من الطب النبوى ،نحن بحَوْل ال نتكلم عليهما بحسب الجهد والطاقة ،ومبلغ علومِنا
القاصرة ،ومعارِفنا المتلشية جداً ،وبضاعتِنا المُزْجاة ،ولكنّا نستو ِهبُ مَن بيده الخي ُر كلّه ،ونستمد من فضله،
فإنه العزيز الوهّاب.
فصل
روى مسلم فى ((صحيحه)) :من حديث أبى ال ّز َبيْر ،عن جابر بن عبد ال ،عن النبىّ صلى ال عليه
عزّ وجَلّ)).
وسلم أنه قال(( :لِكلّ داءٍ دواءٌ ،فإذا ُأصِيبَ دَوَاءُ الدّاءِ ،برأ بإذن الِ َ
وفى ((الصحيحين)) :عن عطاءٍ ،عن أبى هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم(( :ما أنزل
ل مِنْ دا ٍء إل َأنْزَلَ لَهُ شِفَاءً)).
ا ُ
ت عندَ النبىّ
وفى ((مسند المام أحمد)) :من حديث زياد بن عِلقة عن أُسامةَ ابن شَريكٍ ،قال(( :كن ُ
صلى ال عليه وسلم ،وجاءت العرابُ ،فقالوا :يا رسول ال؛ َأ َن َتدَاوَى ؟ فقال:
عزّ وجَلّ لم يضَعْ دا ًء إل َوضَعَ لَهُ شِفا ًء غيرَ داءٍ واحدٍ)) ،قالوا :ما هو ؟ قال:
(( َنعَمْ يا عبادَ الِ َتدَاوَوْا ،فإنّ الَ َ
((الهَ َرمُ)).
جهِلَهُ)).
جهِلَ ُه مَنْ َ
شفَاءً ،عَِلمَ ُه مَنْ عَِلمَهُ و َ
ل دَاءً إل أنزل له ِ
ل لم ُينْزِ ْ
وفى لفظٍ(( :إنّ ا َ
ل مَن أنكرها ،ويجوزُ أن يكون فقد تضمّنت هذه الحاديثُ إثبات السباب والمسبّبات ،وإبطالَ قو ِ
قوله((لكل داءٍ دواء)) ،على عمومه حتى يتناول الدواءَ القاتِلة ،والدواء التى ل يُمكن لطبيب أن يُبرئها ،ويكون
طوَى عِلمَها عن البَشَر ،ولم يجعل لهم إليه سبيلً ،لنه ل عِلم ل قد جعل لها أدويةً تُبرئها ،ولكن َال عَزّ وجَ ّ
للخلق إل ما علّمهم ال ،ولهذا علّق النبىّ صلى ال عليه وسلم الشّفا َء على مصادفة الدواء لِلداء ،فإنه ل شىءَ من
ضدّ ،وكلّ داء له ضد من الدواء يعالَج بضدّه ،فعلّق النبىّ صلى ال عليه وسلم البُرءَ بموافقة المخلوقات إل له ِ
ن الدواء متى جاوز درجة الداء فى الكيفية ،أو زاد فى الكمية الداء للدواء ،وهذا قد ٌر زائدٌ على مجرد وجوده ،فإ ّ
على ما ينبغىَ ،نقَلَه إلى داء آخر ،ومتى قصر عنها لم يَفِ بمقاومته ،وكان العلج قاصراً ،ومتى لم يقع المُداوِى
على الدواء ،أو لم يقع الدواء على الداء ،لم يحصُل الشفاء ،ومتى لم يكن الزمان صالحًا لذلك الدواء ،لم ينفع،
ومتى كان البدنُ غيرَ قابل له ،أو القوةُ عاجزةً عن حمله ،أو ثَمّ مانعٌ يمن ُع من تأثيره ،لم يحصل البُرء لعدم
المصادفة ،ومتى تمت المصادفة حصلَ البر ُء بإذن ال ول بُدّ ،وهذا أحسنُ المحمَليْن فى الحديث.
ف الخارج منه، والثانى :أن يكون مِن العام المراد به الخاصُ ،ل سيما والداخل فى اللّفظ أضعاف أضعا ِ
ن ال لم يضع دا ًء يَ ْقبَلُ الدواء إل وضع له دواء ،فل يَدخل فى هذا ن المراد أ ّ
وهذا يُستعمل فى كل لسان ،ويكو ُ
ىءٍ بَِأمْرِ
الدواء التى ل تقبل الدواء ،وهذا كقوله تعالى فى الرّيح التى سلّطها على قوم عاد { :تُ َدمّ ُر كُلّ شَ ْ
َرّبهَا}[الحقاف ]25 :أى :كل شىء يقبلُ التدمير ،ومِن شأن الرّيح أن تدمّره ،ونظائرُه كثيرة.
ط بعضِهاق الضداد فى هذا العالَم ،ومقاومةَ بعضِها لبعض ،ودفْعَ بعضِها ببعض ،وتسلي َ ومَن تأمّل خلْ َ
على بعض ،تبيّن له كمالُ قدرة الرب تعالى ،وحِكمتُه ،وإتقانُه ما صنعه ،وتف ّردُه بالربوبية ،والوحدانية ،والقهر،
ن كل ما سواه فله ما يُضاده ويُما ِنعُه ،كما أنه الغنىّ بذاته ،وكُلّ ما سِواه محتاجٌ بذاته.
وأ ّ
وفى الحاديث الصحيح ِة المرُ بالتداوى ،وأنه ل ُينَافى التوكل ،كما ل يُنافيه دفْع داء الجوع ،والعطش،
ت لمس ّببَاتها قدراً
والحرّ ،والبرد بِأضدادها ،بل ل تتم حقيق ُة التوحيد إل بمباشرة السباب التى نَصَبها ال مقتضيا ٍ
وشرعاً ،وأن تعطيلها ي َقدَحُ فى نفس التوكل ،كما يَ ْقدَحُ فى المر والحكمة ،ويضعفه من حيث يظن مُعطّلُها أنّ
ل ما ينفع تركها أقوى فى التوكل ،فإن تركها عجزاً يُنافى التوكلَ الذى حقيقتُه اعتمادُ القلب على ال فى حصو ِ
العبد فى دينه ودنياه ،ودفْعِ ما يضرّه فى دينه ودنياه ،ول بد مع هذا العتماد من مباشرة السباب؛ وإل كان
معطّلً للحكمة والشرع ،فل يجعل العبدُ عجزه توكلً ،ول توكّلَه عجزاً.
وفيها رد على مَن أنكر التداوى ،وقال :إن كان الشفاء قد ُقدّرَ ،فالتداوى ل يفيد ،وإن لم يكن قد ُقدّرَ،
فكذلك .وأيضاً ،فإنّ المرض حصل ب َقدَر ال ،وقدَرُ ال ل ُيدْفَع ول يُرد ،وهذا السؤال هو الذى أورده العراب
ل الصحابة ،فأعَلمُ بال وحكمته وصفاتِه من أن يُورِدوا ِمثْلَ على رسول ال صلى ال عليه وسلم .وأما أفاض ُ
هذا ،وقد أجابهم النبىّ صلى ال عليه وسلم بما شفى وكفى ،فقال :هذه الدويةُ وال ّرقَى والتّقَى هى مِن َقدَر ال،
ل إلى الخروج عن َقدَرِه بوجه ما، فما خرج شىءٌ عن َقدَره ،بل يُ َردّ َقدَرُه ب َقدَرِه ،وهذا ال ّردّ مِن َقدَره .فل سبي َ
وهذا كردّ َقدَ ِر الجوع ،والعطش ،والحرّ ،والبرد بأضدادها ،وكردّ َقدَرِ العدُوّ بالجهاد ،وكلٌ من َقدَرِ ال :الدَافِعُ،
والمدفوعُ ،وال ّدفْعُ.
ب عليك أن ل تُباشر سببًا من السباب التى تَجِلبُ بها منفعة ،أو َتدَفعُ ويقال لمُوردِ هذا السؤال :هذا يُوج ُ
ل إلى وقوعهما، بها مضرّة ،لن المنفعة والمضرّة إن ُقدّرَتا ،لم يكن بدٌ من وقوعهما ،وإن لم تُقدّر لم يكن سبي ٌ
ب الدّين والدنيا ،وفسادُ العالَم ،وهذا ل يقوله إل دافعٌ للحق ،معا ِندٌ له ،فيَذكر ال َقدَ َر ليدفعَ حُجةَ وفى ذلك خرا ُ
عبَ ْدنَا
ل مَا َ
ق عليه ،كالمشركين الذين قالوا{ :لَوْ شَاءَ الُ مَا َأشْ َر ْكنَا َولَ آبَا ُؤنَا}[النعام ،]148 :و{ لَوْ شَا َء ا ُ المُح ّ
حجّة ال عليهم بالرّسُل. ل آبَا ُؤنَا}[النحل ،]35 :فهذا قالوه دفعاً ل ُ ن َو َ
ىءٍ نّحْ ُ
مِن دُونِهِ مِن شَ ْ
فإن قال :إن كان َقدّر لى السّببَ ،فعلتُه ،وإن لم يُقدّره لى لم أتمكن من فعله.
ج من عبدِك ،وولدِك ،وأجيرِك إذا احتَجّ به عليك فيما أمرتَه به ،ونهيتَه عنه قيل :فهل تقبل هذا الحتجا َ
فخالَفَك ؟ ،فإن قبلته ،فل تَلُ ْم مَنْ عصاك ،وأخذ مالك ،وقَذفَ عِ ْرضَك ،وضيّع حقوقَك ،وإن لم تَقبلْه ،فكيف يكونُ
مقبولً منك فى دفع حُقوق ال عليك ..وقد روى فى أثر إسرائيلى(( :أنّ إبراهي َم الخليلَ قال :يا ربّ؛ ِممّن
سلُ الدّوَا َء عَلَى يَ َديْهِ ))
ل أُرْ ِ
طبِيبِ؟ قالَ :رجُ ٌ
الدّاء ؟ قالِ :منّى .قال :ف ِممّنْ الدّوَاءُ ؟ قال :منى .قالَ :فمَا بَالُ ال ّ
ب ذلك
وفى قوله صلى ال عليه وسلم(( :لكلّ داءٍ دواء)) ،تقويةٌ لنفس المريضِ والطبيبِ ،وحثٌ على طل ِ
الدوا ِء والتفتيشِ عليه ،فإنّ المريض إذا استشعرتْ نفسُه أن لِدائه دوا ًء يُزيله ،تعلّق قلبُه بروح الرجاء ،وبَردت
ت حرارتُه الغريزية ،وكان ذلك سببًا لقوة ب الرجاء ،ومتى قَويتْ نفسُه انبعث ْ عنده حرارة اليأس ،وانفتَحَ له با ُ
ت هذه الرواح ،قويت ال ُقوَى التى هى حاملةٌ لها ،فقهرت الرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية ،ومتى قوي ْ
ض البدان على ب إذا علم أنّ لهذا الداءِ دوا ًء أمكنه طلبُه والتفتيشُ عليه .وأمرا ُ
ض ودفعتْه.وكذلك الطبي ُ المر َ
وِزَانِ أمراض القلوب ،وما جعل ال للقلب مرضاً إل جعل له شفا ًء بضده ،فإنْ علمه صاحبُ الداء واستعمله،
وصادف دا َء قلبِه ،أبرأه بإذن ال تعالى.
فصل
في َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى الحتماء من التخم ،والزيادة فى الكل على قدر الحاجة ،والقانون الذى
ينبغى مراعاتُه فى الكل والشرب
حسْبِ
فى ((المسند)) وغيره :عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال(( :ما مَلَ آ َدمِىٌ وِعاءً شَرًا مِنْ بطنٍ ،بِ َ
طعَامِهِ ،وثُُلثٌ ِلشَرَابِه ،وثُُلثٌ ِلنَفَسِه)).
ن كان ل ُبدّ فَاعلًَ ،فثُُلتٌ ِل َ
ص ْلبَه ،فإ ْ
ت يُ ِقمْنَ ُ
ابنِ آد َم لُقيْما ٌ
ت فى البدن حتى أضرّتْ بأفعاله الطبيعية، ض مادية تكون عن زيادة مادة أفرط ْ المراض نوعان :أمرا ٌ
ل الطعام على البدن قبل هضم الوّل ،والزيادةُ فى القدر الذى يَحتاج إليه ض الكثريةُ ،وسببها إدخا ُ وهى المرا ُ
ل الغذيةِ القليل ِة النفع ،البطيئةِ الهضم ،وإلكثارُ من الغذية المختلفة التراكيب المتنوعة ،فإذا مل البدن ،وتناو ُ
ى بطنه من هذه الغذية ،واعتاد ذلك ،أورثته أمراضاً متنوعة ،منها بطئُ الزوالِ وسريعُه ،فإذا توسّط فى الدم ّ
الغذاء ،وتناول مِنه قد َر الحاجة ،وكان معتدلً فى كميته وكيفيته ،كان انتفاعُ البدن به أكثرَ من انتفاعه بالغذاء
الكثير ومراتبُ الغذاء ثلثة :أحدها :مرتبة الحاجة .والثانية :مرتبة الكفاية .والثالثة :مرتبة الفضلةُ .فأخبر النبىّ
ص ْلبَه ،فل تسقط ق ّوتُه ،ول تضعف معها ،فإن تجاوزها ،فليأكلْ فى ت يُ ِقمْن ُ
صلى ال عليه وسلم :أنه يكفيه لُقيما ٌ
ث بطنه ،ويدع الثُلُث الخر للماء ،والثالثَ للنَفَس ،وهذا من أنفع ما للبدن والقلب ،فإنّ البطن إذا امتل من ثُلُ ِ
الطعام ضاق عن الشراب ،فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النَفَس ،وعرض له الكربُ والتعب بحمله بمنزلة
ل الجوارح عن الطاعات ،وتحركها فى الشهوات حامل الحمل الثقيل ،هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب ،وكس ِ
شبَعُ ،فامتلءُ البطن من الطعام مضرٌ للقلب والبدن .هذا إذا كان دائماً أو أكثرياً .وأما إذا كان التى يستلزمها ال ّ
فى الحيان ،فل بأس به ،فقد شرب أبو هريرة بحضرة النبى صلى ال عليه وسلم من اللّبن ،حتى قال :واّلذِى
شبِعوا
ق ل أجدُ له مَسْلَكاً ،وأكل الصحابةُ بحضرته مراراً حتى َ بعثكَ بالح ّ
ولما كان فى النسان جز ٌء أرضىّ ،وجزءٌ هوائىّ ،وجزءٌ مائىّ ،قسم النبى صلى ال عليه وسلم ،طعامَه
وشرابَه ونَ َفسَه على الجزاء الثلثة فإن قيل :فأين حظ الجزء النارى ؟
سطُ ْقسَاته.
قيل :هذه مسأل ٌة تكلّم فيها الطباء ،وقالوا :إنّ فى البدن جزءاً نارياً بالفعل ،وهو أحد أركانه وأ ْ
ونازعهم فى ذلك آخرون من العقلء من الطباء وغيرهم وقالوا :ليس فى البدن جزءٌ نارى بالفعل،
واستدلوا بوجوه:
أحدُها :أنّ ذلك الجزء النارى إما أن يُدعى أنه نزل عن الثير ،واختلط بهذه الجزاء المائية والرضية،
أو يقال :إنه تولّد فيها وتكوّن ،والول مستبعَد لوجهين ،أحدهما :أنّ النار بالطبع صاعدة ،فلو نزلت ،لكانت
بقاسِ ٍر من مركزها إلى هذا العالَم .الثانى :أن تلك الجزاء النارية ل ُبدّ فى نزولها أن تعبُرَ على كُرة الزّمهرير
التى هى فى غاية البرد ،ونحن نشاهد فى هذا العالَم أنّ النار العظيمة تنطفئ بالماء القليل ،فتلك الجزاء
الصغيرة عند مرورها بكُرة الزّمهرير التى هى فى غاية البرد ونهاية العِظَم ،أولى بالنطفاء.
وأما الثانى :وهو أن يقال :إنها تكوّنت ههنا فهو أبعد وأبعد ،لن الجسم الذى صار نارًا بعد أن لم يكن
كذلك ،قد كان قبلَ صيرورته إما أرضاً ،وإما ماءً ،وإما هواء لنحصار الركان فى هذه الربعة ،وهذا الذى قد
صار نارًا أولً ،كان مختلطاً بأحد هذه الجسام ،ومتصلً بها ،والجسم الذى ل يكون نارًا إذا اختلط بأجسام
عظيمة ليست بنار ول واح ٍد منها ،ل يكونُ مستعداً لن ينقلب نارًا لنه فى نفسه ليس بنار ،والجسام المختلطة
باردة ،فكيف يكون مستعدًا لنقلبه نارًا ؟
فإن قلتمِ :لمَ ل تكون هناك أجزاء نارية تقلب هذه الجسام ،وتجعلها ناراً بسبب مخالطتها إياها ؟
فإن قلتم :إنّا نرى مِن رش الماء على النّوَرَة المطفأة تنفصل منها نار ،وإذا وقع شعاعُ الشمس على
البِلّورة ظهرت النار منها ،وإذا ضربنا الحجر على الحديد ،ظهرت النار ،وكل هذه النارية حدثت عند الختلط،
وذلك يُبطل ما قررتموه فى القسم
الول أيضاً.
قال المنكرون :نحن ل ُن ْنكِرُ أن تكونَ المُصاكّة الشديدة محدثةً للنار ،كما فى ضرب الحجارة على
س محدثةً للنار ،كما فى البِلّورة ،لكنّا نستبعد ذلك جداً فى أجرام النبات
الحديد ،أو تكونَ قوةُ تسخين الشم ِ
والحيوان ،إذ ليس فى أجرامها من الصطكاك ما يُوجب حدوثَ النار ،ول فيها مِن الصفاء والصّقال ما يبلغ إلى
حدّ البِلّورة ،كيف وشعاعُ الشمس يقع على ظاهرها ،فل تتولّد النار ألبتة ،فالشّعاع الذى يصل إلى باطنها كيف
يولد النار ؟
الوجه الثالث :أنه لو كان فى الحيوان والنبات جزءٌ نارىٌ بالفعل ،لكان مغلوباً بالجزء المائى الذى فيه،
وكان الجز ُء النارى مقهوراً به ،وغلبةُ بعض الطبائع والعناصر على بعض يقتضى انقلبَ طبيعة المغلوب إلى
ب تلك الجزاء النارية القليلة جدًا إلى طبيعة الماء الذى هو ضد النار.
طبيعة الغالب ،فكان يلزمُ بالضرورة انقل ُ
ن ال سبحانه وتعالى ذكر خَلْق النسان فى كتابه فى مواضع متعددة ،يُخبِرُ فى بعضهاالوجه الرابع :أ ّ
أنه خلقه من ماء ،وفى بعضها أنه خََلقَ ُه من تراب ،وفى بعضها أنه خلقه من المركّب منهما وهو الطين ،وفى
س والرّيح حتى صار صَلصالً كالفَخّار،
خلَقَ ُه من صَلصال كال َفخّار ،وهو الطينُ الذى ضربته الشم ُ
بعضها أنه َ
خبِر فى موضع واحد أنه خلقه من نار ،بل جعل ذلك خاصي َة إبليس. ولم يُ ْ
الوجه الخامس :أنّ غاية ما يستدلون به ما يُشاهدون مِن الحرارة فى أبدان الحيوان ،وهى دليل على
الجزاء النارية ،وهذا ل يدل ،فإن أسباب الحرارة أع ّم من النار ،فإنها تكون عن النار تارة ،وعن الحركة
أُخرى ،وعن انعكاس الشعة ،وعن سخونة الهواء ،وعن مجاورة النار ،وذلك بواسطة سخونة الهواء أيضاً،
وتكون عن أسباب ُأخَر ،فل يلزم من الحرارة النار.
ن التراب والماء إذا اختلطا فل بد لهما من حرارة تقتضى طبخَهما قال أصحاب النار :من المعلوم أ ّ
وامتزاجَهما ،وإل كان كُ ٌل منهما غير ممازج للخر ،ول متحداً به ،وكذلك إذا أَلقينا البذرَ فى الطين بحيث ل
س فسد ،فل يخلو ،إما أن يحصل فى المركّب جسم ُمنْضِج طابخ بالطبع أو ل ،فإن يصل إليه الهواءُ ول الشم ُ
حصل ،فهو الجزء النارى ،وإن لم يحصل ،لم يكن المركّبُ مسخنًا بطبعه ،بل إن سخن كان التسخين عرضياً،
فإذا زال التسخينُ العَرَضى ،لم يكن الشىء حارًا فى طبعه ،ول فى كيفيته ،وكان بارداً مطلقاً ،لكن من الغذية
والدوية ما يكون حاراً بالطبع ،فعلمنا أن حرارتها إنما كانت ،لن فيها جوهراً نارياً.
وأيضاً ..فلو لم يكن فى البدن جزءٌ مسخن لوجب أن يكون فى نهاية البرد ،لن الطبيعة إذا كانت
مقتضية للبرد ،وكانت خالية عن المعاون والمعارض ،وجب انتها ُء البرد إلى أقصى الغاية ،ولو كان كذلك لما
ل عن مثله ،وإذاحصل لها الحساس بالبرد ،لن البرد الواصل إليه إذا كان فى الغاية كان مثلَه ،والشى ُء ل ينفعِ ُ
س به ،وإذا لم يحس به لم يتألم عنه ،وإن كان دونه فعد ُم النفعال يكون أولى ،فلو لم يكن فى لم ينفعِلْ عنه لم يُحِ ّ
ل مَن يقول :الجزاء البدن جزءٌ مسخن بالطبع لما انفعل عن البرد ،ول تألّم به .قالوا :وأدلتكم إنما ُتبْطِلُ قو َ
النارية باقية فى هذه المركبات على حالها ،وطبيعتها النارية ،ونحن ل نقول بذلك ،بل نقول :إنّ صورتها
النوعية تفسد عند المتزاج.
(يتبع)...
قال الخرونِ :ل َم ل يجوز أن يُقال :إن الرض والماء والهواء إذا اختلطت ،فالحرارةُ المنضجة @
الطابخة لها هى حرارةُ الشمس وسائرِ الكواكب ،ثم ذلك المركّب عند كمال نضجه مستعد لقبول الهيئة التركيبية
بواسطة السخونة نباتاً كان أو حيواناً أو معدناً ،وما المانع أن تلك السخونة والحرارة التى فى المركّبات هى
بسبب خواص وقُوَى يُحدِثها ال تعالى عند ذلك المتزاج ل من أجزاء نارية بالفعل ؟ ول سبيل لكم إلى إبطال
هذا المكان ألبتة ،وقد اعترف جماعة من فضلء الطباء بذلك
ن فى البدن حرارةً وتسخيناً ،ومَن يُنكر ذلك ؟
وأما حديث إحساس البدن بالبرد ،فنقول :هذا يدل على أ ّ
لكن ما الدليلُ على انحصار المسخن فى النار ؟ فإنه وإن كان كل نار مسخناً ،فإن هذه القضيةَ ل تنعكس كليةً
ض المسخن نار.بل عكسُها الصادقُ :بع ُ
وأما قولكم بفساد صورة النّار النوعية ،فأكثر الطباء على بقاء صورتها النوعية ،والقولُ بفسادها قو ٌ
ل
ن على بقاء الركان أجمع على ل متأخّرِيكم ،فى كتابه المسمى بـ ((الشفاء)) ،وبرهَ َ
فاسد قد اعترف بفساده أفض ُ
طبائعها فى المركّبات ..وبال التوفيق.
فصول
[فى علج النبى صلى ال عليه وسلم للمرضى بالدوية الطبيعية وكان علجه صلى ال عليه وسلم للمرض
ثلثة أنواع]
ونحن نذكر النواع الثلثةَ من َهدْيه صلى ال عليه وسلم ،فنبدأ بذكر الدوية الطبيعية التى وصفها
واستعملها ،ثم نذكر الدوية اللهية ،ثم المركّبة.
وهذا إنما نُشير إليه إشارة ،فإنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما ُبعِثَ هادياً ،وداعيًا إلى ال ،وإلى
خبِرَهم أخبا َر
جنّته ،ومعرّفًا بال ،ومبيّنًا للُمة مواقع رضاه وآمراً لهم بها ،ومواقِعَ سَخَطِه وناهياً لهم عنها ،و ُم ْ
النبياء والرّسُل وأحوالهم مع أُممهم ،وأخبار تخليق العالَم ،وأمر المبدأ والمعاد ،وكيفية شقاوة النفوس وسعادتها،
وأسباب ذلك.
وأما طبّ البدان ..فجاء من تكميل شريعته ،ومقصوداً لغيره ،بحيث إنما يُستعمل عند الحاجة إليه ،فإذا
قدر على الستغناء عنه ،كان صرْفُ الهممِ والقُوَى إلى علج القلوب والرواح ،وحفظِ صحتها ،و َدفْ ِع أسقامِها،
ح البدن بدون إصلح القلب ل ينفع ،وفسادُ البدن مع سدُها هو المقصودُ بالقصد الول ،وإصل ُ وحِمايتها مما يُف ِ
إصلح القلب َمضَ ّرتُه يسيرة جداً ،وهى مَضَرّ ٌة زائلة تعقبها المنفعة الدائمة التامة ..وبال التوفيق.
فصول
ونحن نذكر النواع الثلثةَ من َهدْيه صلى ال عليه وسلم ،فنبدأ بذكر الدوية الطبيعية التى وصفها
واستعملها ،ثم نذكر الدوية اللهية ،ثم المركّبة.
وهذا إنما نُشير إليه إشارة ،فإنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم إنما ُبعِثَ هادياً ،وداعيًا إلى ال ،وإلى
خبِرَهم أخبارَ
جنّته ،ومعرّفًا بال ،ومبيّنًا للُمة مواقع رضاه وآمراً لهم بها ،ومواقِعَ سَخَطِه وناهياً لهم عنها ،و ُم ْ
النبياء والرّسُل وأحوالهم مع أُممهم ،وأخبار تخليق العالَم ،وأمر المبدأ والمعاد ،وكيفية شقاوة النفوس وسعادتها،
وأسباب ذلك.
وأما طبّ البدان ..فجاء من تكميل شريعته ،ومقصوداً لغيره ،بحيث إنما يُستعمل عند الحاجة إليه ،فإذا
قدر على الستغناء عنه ،كان صرْفُ الهممِ والقُوَى إلى علج القلوب والرواح ،وحفظِ صحتها ،و َدفْ ِع أسقامِها،
ح البدن بدون إصلح القلب ل ينفع ،وفسادُ البدن مع سدُها هو المقصودُ بالقصد الول ،وإصل ُ وحِمايتها مما يُف ِ
إصلح القلب َمضَ ّرتُه يسيرة جداً ،وهى مَضَرّ ٌة زائلة تعقبها المنفعة الدائمة التامة ..وبال التوفيق.
فصل
حمّى أو
ثبت فى ((الصحيحين)) :عن نافع ،عن ابن عمرَ ،أن النبى صلى ال عليه وسلم قال(( :إ ّنمَا ال ُ
حمّى مِنْ فَيحِ جَهنمَ ،فَأبْ ِردُوُهَا بِا ْلمَاءِ)).
شدّةُ ال ُ
ِ
ص ببعضهم ،فالول :كعامة خطابه، خطابُ النبى صلى ال عليه وسلم نوعان :عامٌ لهل الرض ،وخا ٌ
ستَ ْدبِروهَا ،ولكنْ شرّقوا ،أ ْو غَ ّربُوا)) .فهذا ليس
ل تَ ْ
ل بَولٍ ،و َ
طوَ
ستَقْبلُوا القِبلَةَ بغائ ٍ
والثانى :كقوله(( :لَ تَ ْ
س ْمتِها ،كالشام وغيرها .وكذلك قوله: بخطاب لهل المشرق والمغرب ول العراق ،ولكن لهل المدينة وما على َ
ب قبلَةٌ)).ن المَشْ ِرقِ وال َمغْرِ ِ
((مَا بي َ
حمّياتِ التى
وإذا عُرف هذا ،فخطابُه فى هذا الحديث خاصٌ بأهل الحجاز ،وما والهم ،إذ كان أكثرُ ال ُ
حمّى اليومية العَرَضية الحادثةِ عن شدة حرارة الشمس ،وهذه ينفعُها الماء البارد شُرباً
تَعرض لهم من نوع ال ُ
ث منه بتوسط الروح والدم فى الشرايين والعروق إلى حمّى حرارةٌ غريبة تشتعل فى القلب ،وتنب ّ واغتسالً ،فإن ال ُ
جميع البدن ،فتشتعل فيه اشتعالً يضر بالفعال الطبيعية.
عَرَضية :وهى الحادثةُ إما عن الورم ،أو الحركة ،أو إصابةِ حرارة الشمس ،أو ال َقيْظ الشديد ...ونحو
ذلك.
ومرضية :وهى ثلث ُة أنواع ،وهى ل تكون إل فى مادة أُولى ،ثم منها يسخن جميع البدن .فإن كان مبدأ
حمّى يوم ،لنها فى الغالب تزول فى يوم ،ونهايتُها ثلثة أيام ،وإن كان مبدأُ تعلقها
تعلقها بالروح سميت ُ
بالخلط سميت عفنية ،وهى أربعة أصناف :صفراوية ،وسوداوية ،وبلغمية ،ودموية .وإن كان مبدأ تعلقها
حمّى دِق ،وتحت هذه النواع أصنافٌ كثيرة. بالعضاء الصلبة الصلية ،سميت ُ
وأما الرّمدُ الحديثُ والمتقادمُ ،فإنها تُبرئ أكثَر أنواعه بُرءًا عجيبًا سريعاً ،وتنفع من الفالج ،واللّقْوَة،
والتشنج المتلئى ،وكثيرًا من المراض الحادثة عن الفضول الغليظة.
ت من جهنم ليستدلّ بها العبادُ عليها ،ويعتبروا بها ،ثم إنّ الن ذلك أَنموذَجٌ ورقيقةٌ اش ُتقَ ْ
أحدهما :أ ّ
سبحانه قدّر ظهورها بأسبابٍ تقتضيها ،كما أنّ الروحَ والفرح والسرور واللّذة من نعيم الجنّة أظهرها ال فى هذه
الدار عِبرةً ودللةً ،وقدّر ظهورَها بأسباب توجبها.
صيّرَه
وقوله(( :فَابْ ِردُوُها)) ،رُوى بوجهين :بقطع الهمزة وفتحها ،رُباعىّ :من ((أبْ َردَ الشىءَ)) :إذا َ
خنَه)) :إذا صيّره سخناً. سَبارداً ،مثل ((أَ ْ
َفمَنْ ِلنَارٍ عَلَى الحْشَــــاءِ َتتّ ِقدُ ؟ َه ْبنِى بَ َردْتُ ِببَ ْردِ ا ْلمَـاءِ ظَا ِهرَهُ
جمْ َرةَ
ب هذا القول بما رواه البخارىّ فى ((صحيحه)) ،عن أبى َ والثانى :أنه ماء زمزمَ ،واحتج أصحا ُ
حمّى فقال :أبردها عنك بماءِ زمزمَ، خذَتْنى الْ ُ
س بمكةَ ،فأ َس ابن عبا ٍى قالُ :كنْتُ ُأجَاِل ُ
ضبَع ّ
ن ال ّ
نَصْ ِر بن عمرا َ
ج َهنّم ،فأبْردوها بالماء)) أو قال(( :بماءِ َزمْ َزمَ)).حمّى من َفيْحِ َ
فإنّ رَسولَ ال صلى ال عليه وسلم قال(( :إن ال ُ
جزَم به لكان أمراً لهل مكةَ بماء زمزمَ ،إذ هو متيسر عندهم ،ولغيرهم بما عندهم وراوى هذا قد شك فيه ،ولو َ
من الماء.
ف مَن قال :إنه على عمومه ،هل المراد به الصدقة بالماء ،أو استعماله ؟ على قولين .والصحيح ثم اختل َ
حمّى
ل عليه استعمالُ الماء البارد فى ال ُ ن الذى حمل مَن قال :المرادُ الصدقةُ به أنه أشك َ أنه استعمال ،وأظن أ ّ
خمِد لهيب العطش عن الظمآن ولم يَفه ْم وجهه مع أنّ لقوله وجهاً حسناً ،وهو أنّ الجزا َء مِن جنس العمل ،فكما أُ ْ
حمّى عنه جزاءً وِفاقاً ،ولكن هذا يُؤخد مِن ِفقْه الحديث وإشارته ،وأما المراد به ل لهيبَ ال ُ
بالماء البارد ،أخ َمدَ ا ُ
فاستعماله.
ل مِنَ
ش عليهِ الما َء البا ِردَ ثلثَ ليا ٍ
ح ُدكُم ،فَ ْليُرَ ّ
س يَرفعه(( :إذَا حُ ّم أَ َ
وقد ذكر أبو نعيم وغيره من حديث أنَ ٍ
السّحَرِ)).
عنْكُمْ بالماءِ
ج َهنّمََ ،فنَحّوهَا َ
حمّى كِي ٌر مِن كِيرِ َ
وفى ((سنن ابن ماجَه)) عن أبى هُرير َة يرفعه(( :ا ْل ُ
البَاردِ)).
ع ْنكُم
حمّى قطعةٌ من النّارِ ،فَأبْ ِردُوهَا َ سمُرَ َة يرفعُه(( :ا ْل ُ وفى ((المسند)) وغيره ،من حديث الحسن ،عن َ
غتَسَلَ.غهَا عَلَى رَأْسِه فَا ْبالماءِ البارِد)) ،وكان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم إذا حُ ّم دَعَا بِ ِق ْربَة من ماءٍ ،فََأفْرَ َ
سّبهَا
عنْدَ رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فَ َ حمّى ِ وفى ((السنن)) :من حديث أبى هرير َة قال :ذُكِرَت الْ ُ
حدِيدِ)).
خبَثَ الْ َ
سّبهَا فإنها َتنْفِى ال ّذنُوبَ ،كما َتنْفِى النّارُ َ
رجلٌ ،فقال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم(( :لَ تَ ُ
حمّى يتبعها حِمية عن الغذية الرديئة ،وتناول الغذيةِ والدويةِ النافعة ،وفى ذلك إعانةٌ على لما كانت ال ُ
تنقية البدن ،ونَفْى أخباثِه وفضوله ،وتصفيته من مواده الردية ،وتفعل فيه كما تفعل النارُ فى الحديد فى نَفْىِ
خَبثه ،وتصفيةِ جوهره ،كانت أشبهَ الشياء بنار الكير التى تُصَفّى جوهر الحديد ،وهذا القدرُ هو المعلوم عند
أطباء البدان.
ب من وسخه ودَرَنه ،وإخراجها خبائثَه ،فأم ٌر يعلمه أطبا ُء القلوب ،ويجدونه كما
وأما تصفيتها القل َ
أخبرهم به نبيّهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ولكن مرض القلب إذا صار مأيُوساً من برئه ،لم ينفع فيه هذا
العلج.
جعِى
مَـاذَا تريدُ ؟ فقُلتُ :أن ل تَرْ ِ ت عَلَى تَرْحَالِها
قَاَلتْ و َق ْد عَ َزمَ ْ
فقلتُ :تبّا له إذ سَبّ ما نهى رسولُ ال صلى ال عليه وسلم عن سَـبّه .ولو قال:
ع
:أَهْلً بها مِنْ زَائِرٍ َومُـــ َودّ ِ صبّها
ب لِ َ
ت ُمكَفّرَ ُة ال ّذنُـو ِ
زَارَ ْ
عنّى سريعاً.
لكان أولى به ،ولقلعت عنه .فأقلعت َ
والثانى :أنها تؤثر فى البدن تأثيرًا ل يزول بالكلية إلى سنة ،كما قيل فى قوله صلى ال عليه وسلم:
خمْرَ ل ْم تُ ْقبَلْ ل ُه صَلةٌ أَربعينَ يوْماً)) :إنّ أثر الخمر يَبقى فى جوف العبد ،وعروقه ،وأعضائه
ب ال َ
شرِ َ
((مَنْ َ
أربعين يوماً ..وال أعلم.
حمّى وَإ ّ
ن حدَكُ ْم ال ُ
ت َأ َ
خدِيجٍ يرفعُه(( :إذا َأصَابَ ْ وقد روى الترمذىّ فى ((جامعه)) من حديث رافِع بن َ
ل َنهْراً جارياً ،فَلْيستقبلْ جَ ْريَةَ المَا ِء بعدَ ال َفجْ ِر و َقبْلَ طُلُوعِ
ستَقبِ ْ
حمّى قِطْع ٌة مِنَ النّا ِر فَ ْليُطفئهَا بالمَاءِ البَا ِردِ ،ويَ ْ
ال ُ
ن بَرِىءَ،
ت ثلثةَ أيامٍ ،فإ ْ
غمَسَا ٍ
ث َ
صدّقْ َرسُولَك .وينغمِسُ فيهِ ثل َ
عبْ َدكَ ،و َ
ف َ
ش ْمسِ ،وليقلْ :بِسْمِ الِ ،الّلهُ ّم اشْ ِ
ال ّ
وإل ففِى خمسٍ ،فإن لمْ يبرَأْ فى خمس ،فسبع ،فإن لم يبرأ فى سبع فتسع ،فإنها ل تكادُ تُجاوز تسعًا بإذنِ الِ)).
قلت :وهو ينفع فعله فى فصل الصيف فى البلد الحارة على الشرائط التى تقدّمت ،فإنّ الماء فى ذلك
الوقت أبردُ ما يكون ل ُبعْدِه عن ملقاة الشمس ،ووفور ال ُقوَى فى ذلك الوقت لما أفادها النوم ،والسكون ،وبرد
ب الخالصة،
حمّى العَرَضية ،أو الغِ ّ
الهواء ،فتجتمع فيه قوةُ القُوَى ،وقوةُ الدواء ،وهو الماء البارد على حرارة ال ُ
أعنى التى ل ورم معها ،ول شىء من العراض الرديئة والمواد الفاسدة ،فيُطفئها بإذن ال ،ل سيما فى أحد
اليام المذكورة فى الحديث ،وهى اليام التى يقع فيها بُحرَان المراضُ الحادةُ كثيراً ،سيما فى البلد المذكورة،
لرّقةِ أخلط سكانها ،وسُرعة انفعالهم عن الدواء النافع.
فصل
خدْرِىّ(( ،أنّ رجلً أتى النبىّ صلى ال فى ((الصحيحين)) :من حديث أبى المتوكّل ،عن أبى سعيد ال ُ
سقِهِ عسلً)) ،فذهب ثم رجع ،فقال: ق بطنُهُ فقال (( :ا ْ
ن أخى يشتكى بطنَه وفى رواية :استطل َ عليه وسلم ،فقال :إ ّ
سقِه عَسَلً)).
ستِطْلقاً ،مرتين أو ثلثًا كل ذلك يقولُ له(( :ا ْ ن عنه شيئاً وفى لفْظ :فلَم ي ِزدْه إل ا ْ قد سقيتُه ،فلم يُغ ِ
ب بَطْنُ َأخِيكَ)).
ق الُ ،و َكذَ َ صدَ َ
فقال لهُ فى الثالثةِ أو الرابعةَِ (( :
والعسل فيه مناف ُع عظيمة ،فإنه جلءٌ للوساخ التى فى العروق والمعاء وغيرها ،محلّلٌ للرطوبات أكلً
وطِلءً ،ناف ٌع للمشايخ وأصحابِ البلغم ،ومَن كان مِزاجه بارداً رطباً ،وهو م ّغذّ ملين للطبيعة ،حافِظ لِ ُقوَى
ب لكيفيات الدوية الكريهة ،منقّ للكبد والصدرُ ،مدِرّ للبول ،موافقٌ للسعال المعاجين ولما استُودِع فيهُ ،مذْهِ ٌ
الكائن عن البلغم ،وإذا شُ ِربَ حاراً بدُهن الورد ،نفع من نهش الهوام ،وشرب الفيون ،وإن شُ ِربَ وحده ممزوجاً
حفِظَ طراوته ثلثَةَ أشهر، ل فيه اللّح ُم الطرىَّ ،
جعِ َ
طرِ القتّال ،وإذا ُ
بماء نفع من عضة الكَ ْلبِ الكَلِبِ ،وأكلِ الفُ ُ
جعِل فيه ال ِقثّاء ،والخيارُ ،والقرعُ ،والباذنجان ،ويحفظ كثيرًا من الفاكهة ستة أشهر ،ويحفظ جثة وكذلك إن ُ
صئْبانَه ،وطوّل الشّعرَ ،وحسّنه، ظ المين .وإذ لطخ به البدن المقمل والشّعر ،قتل قَملَه و ِ الموتى ،ويُسمى الحاف َ
حفِظَ صحتَها ،وصحة اللّثةِ، ونعّمه ،وإن اكتُحل به ،جل ظُلمة البصر ،وإن استُنّ به بيّضَ السنان وصقَلها ،و َ
خمْ َل المعدة ،ويدفعُ الفضلت عنها، طمْثَ ،ولعقُه على الريق يُذهب البلغم ،ويَغسِلَ َ ويفتح أفوا َه العُروقِ ،و ُيدِرّ ال ّ
سدَد الكبد والطحال سدَدَها ،ويفعل ذلك بالكبد والكُلَى والمثانة ،وهو أقلّ ضرراً ل ُ ويسخنها تسخينًا معتدلً ،ويفتح ُ
من كل حلو.
وهو غِذاء مع الغذية ،ودواء مع الدوية ،وشراب مع الشربة ،وحلو مع الحلوى ،وطِلء مع الطلية،
ومُفرّح مع المفرّحات ،فما خُلِقَ لنا شى ٌء فى معناه أفض َل منه ،ول مثلَه ،ول قريبًا منه ،ولم يكن معوّل القدماء
ث العهد حدث قريباً ،وكان النبى إل عليه ،وأكثرُ كتب القدماء ل ذِكر فيها للسكر ألبتة ،ول يعرفونه ،فإنه حدي ُ
صلى ال عليه وسلم يشربه بالماء على الرّيق ،وفى ذلك سِ ٌر بديع فى حفظ الصحة ل يُدركه إل الفطن الفاضل،
وسنذكر ذلك إن شاء ال عِند ذكر َهدْيه فى حفظ الصحة.
شهْرٍ ،لَمْ
ن َلعِقَ العَسَل ثَلثَ غدَوَاتٍ كُلّ َ
وفى ((سنن ابن ماجه)) مرفوعاً من حديث أبى هريرة(( :مَ ْ
صبْه عَظِي ٌم مِنَ البَلءِ)) ،وفى أثر آخر(( :عَليْكُم بالشّفَا َءيْنِ :ال َعسَلِ والقُرآنِ)) ،فجمع بين الطب البَشَرى
يُ ِ
واللهى ،وبين طب البدان ،وطب الرواح ،وبين الدواء الرضى والدواء السمائى.
خمَةٍ
ق بطنه عن تُ َ إذا عُ ِرفَ هذا ،فهذا الذى وصف له النبىّ صلى ال عليه وسلم العَسَل ،كان استطل ُ
ل فيهأصابته عن امتلء ،فأمره بشُرب العسل لدفع الفُضول المجتمعة فى نواحى ال َمعِدَةَ والمعاء ،فإن العس َ
جِلء ،ودفع للفضول ،وكان قد أصاب ال َمعِدَةَ أخلط َلزِجَةٌ ،تمنع استقرارَ الغذاء فيها للزوجتها ،فإن ال َمعِدَةَ لها
خمْلٌ كخمل القطيفة ،فإذا علقت بها الخلطُ اللّزجة ،أفسدتها وأفسدت الغِذاء ،فدواؤها بما يجلُوها من تلك
َ
ل مِن أحسن ما عُولج به هذا الداءُ ،ل سيما إن مُزج بالماء الحار.
ل جِلء ،والعس ُالخلط ،والعس ُ
وفى تكرار سقيه العسلَ معنى طبى بديع ،وهو أن الدوا َء يجب أن يكون له مقدار ،وكمية بحسب حال
الداء ،إن قصر عنه ،لم يُزله بالكلية ،وإن جاوزه ،أوهى القُوى ،فأحدث ضررًا آخر ،فلما أمره أن يسقيَه العسل،
سقاه مقدارًا ل يفى بمقاومة الداءِ ،ول يبلُغ الغرضَ ،فلما أخبره ،علم أنّ الذى سقاه ل يبلُغ مقدار الحاجة ،فلما
تكرر تردادُه إلى النبىّ صلى ال عليه وسلم ،أكّد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء ،فلما تكررت
الشرباتُ بحسب مادة الداء ،بَرَأ ،بإذن ال ،واعتبار مقاديرِ الدوية ،وكيفياتها ،ومقدار قوة المرض والمريض
من أكبر قواعد الطب.
وفى قوله صلى ال عليه وسلم(( :صدَقَ ال وكذَبَ بطنُ أخيكَ)) ،إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء ،وأن
ن ل َكذِب البطن ،وكثرة المادة الفاسدة فيه ،فأمَره بتكرار الدواء لكثرة
بقاء الداء ليس لِقصور الدواء فى نفسه ،ولك ْ
المادة.
فصل
فصل
حفْصَ َة بنت سِيرِينَ ،قالت :قال أنسُ ابن مالكٍ :قال رسول ال صلى ال
وفى ((الصحيحين)) أيضاً :عن َ
ل مُسْلِم)).
عليه وسلم(( :الطّاعُونُ شهادةٌ لك ّ
الطاعون من حيث اللّغة :نوعٌ من الوباء ،قاله صاحب ((الصحاح)) ،وهو عند أهل الطب :ورمٌ ردئ
قتّال يخرج معه تلهّب شديد مؤلم جدًا يتجاوز المقدار فى ذلك ،ويصير ما حوله فى الكثر أسود أو أخضر ،أو
لبْط ،وخلف الُذن ،والرنبة،
أكمد ،ويؤول أمره إلى التقرح سريعاً .وفى الكثر ،يحدث فى ثلثة مواضع :فى ا ِ
وفى اللحوم الرخوة.
غدّةٌ
وفى أثر عن عائشة :أنها قالت للنبىّ صلى ال عليه وسلم :الطعن قد عرفناه ،فما الطاعون؟ قالُ (( :
لبْط)).
ق وا ِ
َكغُدّ ِة البَعي ِر يَخْ ُرجُ فى المَرَا ّ
خرّاجُ فى اللحوم الرخوة ،والمغابن ،وخلف الُذن والرنبة ،وكان من جنس قال الطباء :إذا وقع ال ُ
سدُ العض َو ويُغيّر ما
سمّىّ ،يف ِ
سمّى طاعوناً ،وسببُه دم ردئ مائل إلى العُفونة والفساد ،مستحيل إلى جوهر ُ فاسدُ ،
يليه ،وربما رَشَح دَماً وصديداً ،ويؤدّى إلى القلب كيفية رديئة ،فيحدث القىء والخفقان والغَشى ،وهذا السم وإن
ل ورم يؤدى إلى القلب كيفية رديئة حتى يصيرَ لذلك قتّالً ،فإنه يختصّ به الحادث فى اللّحم الغُددى، كان يَعُ ّم كُ ّ
ف الُذن لقربهما لنه لرداءته ل يقبلُه من العضاء إل ما كان أضعف بالطبع ،وأردؤُه ما حدث فى البط وخل َ
من العضاء التى هى أرأس ،وأسلمه الحمر ،ثم الصفر .والذى إلى السواد ،فل يفلت منه أحدٌ.
ل وباءٍ طاعوناً،
ن وباءٌ ،وليس ك ّ
ن بين الوباء والطاعون عمومًا وخصوصاً ،فكلّ طاعو ٍ
والتحقيقُ أ ّ
وكذلك المراضُ العامة أع ّم من الطاعون ،فإنه واحد منها ،والطواعينُ خرّاجات وقروح وأورام رديئة حادثة
فى المواضع المتقدم ذكرها.
قلت :هذه القروح ،والورام ،والجراحات ،هى آثار الطاعون ،وليست نفسَه ،ولكن الطباء لما
لم تُدرك منه إل الثر الظاهر ،جعلوه نفسَ الطاعون.
والثانى :الموت الحادث عنه ،وهو المراد بالحديث الصحيح فى قوله(( :الطاعونُ شَهادةٌ لكلّ مُسلمٌ)).
ل عَلى َبنِى
والثالث :السبب الفاعل لهذا الداء ،وقد ورد فى الحديث الصحيح(( :أَن ُه بقيةُ رِجز أُرسِ َ
إسرائيلَ)) ،وورد فيه(( :أنهُ َوخْزُ الجنّ)) ،وجاء(( :أنهُ دَعوةُ نبىّ)).
ل تُخبر بالمور وهذه العلل والسباب ليس عند الطباء ما يدفعها ،كما ليس عندهم ما يدل عليها ،والرّسُ ُ
الغائبة ،وهذه الثار التى أدركوها من أمر الطاعون ليس معهم ما ينفى أن تكون بتوسط الرواح ،فإن تأثيرَ
ل الناس بالرواح وتأثيراتِها ،وانفعالِالرواح فى الطبيعة وأمراضها وهلكها أمر ل ينكره إل مَنْ هو أجه ُ
الجسام وطبائعها عنها ،والُ سبحانه قد يجعل لهذه الرواح تصرفاً فى أجسام بنى آدمَ عند حدوث الوباء ،وفسادِ
الهواء ،كما يجعل لها تصرفًا عند بعضِ المواد الرديئة التى تُحدث للنفوس هيئة رديئة ،ول سيما عند هيجان
الدم ،والمِرّةِ السوداء ،وعند هَيجان المنَىّ ،فإنّ الرواح الشيطانية تتمكن مِن فعلها بصاحب هذه العوارض ما ل
صدَقة،
تتمكّن من غيره ،ما لم يدفعها دافع أقوى من هذه السباب من الذّكر ،والدعاء ،والبتهال والتضرع ،وال ّ
وقراءة القرآن ،فإنه يستنزل بذلك من الرواح المَلَكية ما يقهُر هذه الرواح الخبيثَة ،ويُبطل شرّها ويدفع
ل هذه الرواح الطيبة واستجلبِ تأثيرَها .وقد جرّبنا نحنُ وغيرُنا هذا مراراً ل يُحصيها إل ال ،ورأينا لستنزا ِ
قُربها تأثيراً عظيمًا فى تقوية الطبيعة ،ودفع المواد الرديئة ،وهذا يكون قبل استحكامها وتمكنها ،ول يكاد ينخرم،
فمَن وفّقه ال ،بادر عند إحساسه بأسباب الشر إلى هذه السباب التى تدفعها عنه ،وهى له من أنفع الدواء ،وإذا
ل إنفاذَ قضائه و َقدَره ،أغفل قلبَ العبد عن معرفتها وتصوّرِها وإرادتها ،فل يشعر بها ،ول عزّ وجَ ّ
أراد ال َ
يُريدها ،ليقضى ال فيه أمرًا كان مفعولً.
وسنزيد هذا المعنى إن شاء ال تعالى إيضاحاً وبياناً عند الكلم على التداوى بال ّرقَى ،والعُوَذ النبوية،
والذكار ،والدعوات ،وفعل الخيرات ،ونُبيّن أن نِسبة طب الطباء إلى هذا الطب النبوى ،كنسبة طب الطرْقية
حذّاقهم وأئمتهم ،ونبين أن الطبيعة النسانية أشد شىء انفعالً عن الرواح، والعجائز إلى طبهم ،كما اعترف به ُ
وأن قُوَى العُوَذ ،وال ّرقَى ،والدعوات ،فوق قُوَى الدوية ،حتى إنها تُبطل قُوَى السموم القاتلة.
والمقصود :أنّ فساد الهواء جزء من أجزاء السبب التام ،والعِلّة الفاعلة للطاعون ،فإن فساد جوهر
ب لحدوث الوباء وفساده ،يكون لستحالة جوهره إلى الرداءة ،لغلبة إحدى الكيفيات الرديئة عليه، الهواء الموجِ ُ
س ّميّة فى أى وقت كان من أوقات السنة ،وإن كان أكثر حدوثه فى أواخر الصيف ،وفى كالعفونة ،وال ّنتَن ،وال ّ
الخريف غالباً لكثرة اجتماع الفضلت المرارية الحادة وغيرها فى فصل الصيف ،وعدم تحللها فى آخره ،وفى
الخريف لبرد الجو ،و َردْغَة البخرة والفضلت التى كانت تتحلل فى زمن الصيف ،فتنحصر ،فتسخن ،وتعفن،
فتحدث المراض العفنة ،ول سيما إذا صادفت البدن مستعداً ،قابلً ،رهِلً ،قليل الحركة ،كثيرَ المواد ،فهذا ل
يكاد يُفْلِت مِن العطب.
ح الفصول فيه فصل الربيع؛ قال ((بقراط)) :إن فى الخريف أشد ما تكون من المراض ،وأقتل، وأص ّ
ح الوقات كلها وأقلّها موتاً ،وقد جرت عادةُ الصيادلة ،ومجهزى الموتى أنهم يستدينونَ،
وأما الربيعُ ،فأص ّ
ويتسلّفون فى الربيع والصيف على فصل الخريف ،فهو ربيعُهم ،وهم أشوقُ شىء إليه ،وأفرحُ بقدومه.
قال ال ّتمِيمىّ فى كتاب ((مادة البقاء)) :أشدّ أوقات السنة فساداً ،وأعظُمها بلية على الجساد وقتان،
أحدهما :وقتُ سقوط الثّريا للمغيب عند طلوع الفجر .والثانى :وقت طلوعها من المشرِق قبل طلوع الشمس على
العالَم ،بمنزلة من منازل القمر ،وهو وقت تصرّ ِم فصل الربيع وانقضائه ،غير أن الفسادَ الكائن عند طلوعها أقلّ
ضررًا من الفساد الكائن عند سقوطها.
وفى الحديث قولٌ ثالث ولعله أولى القوال به أنّ المراد بالنّجْم :الثّريا ،وبالعاهة :الفة التى تلحق
الزروع والثمار فى فصل الشتاء وصدر فصل الربيع ،فحصل المن عليها عند طلوع الثّريا فى الوقت المذكور،
ولذلك نهى صلى ال عليه وسلم عن
بيع الثمرة وشرائها قبل أن يبدُوَ صلحُها .والمقصود :الكلم على َهدْيِه صلى ال عليه وسلم عند وقوع
الطاعون.
فصل
نهى النبى صلى ال عليه وسلم عن الدخول إلى الرض التى هو بها أو الخروج منها
وقد جمع النبىّ صلى ال عليه وسلم للُمة فى نهيه عن الدخول إلى الرض التى هو بها ،ونهيهِ عن
الخروج منها بعد وقوعه كمالَ التحرز منه ،فإنّ فى الدخول فى الرض التى هو بها تعرضاً للبلء ،وموافا ًة له
فى محل سلطانه ،وإعانةً للنسان على نفسه ،وهذا مخالف للشرع والعقل ،بل تجنّبُ الدخول إلى أرضه من باب
الحِمية التى أرشد ال سبحانه إليها ،وهى حِمية عن المكنة ،والهوية المؤذية.
أحدّهما :حمل النفوس على الثقة بال ،والتوكل عليه ،والصبرِ على أقضيته ،والرّضَى بها.
فإن قيل :ففى قول النبىّ صلى ال عليه وسلم(( :ل تخرجوا فِراراً مِنهُ)) ،ما يُبطل أن يكون أراد هذا
ج لعارض ،ول يحبس مسافرًا عن سفره ؟ المعنى الذى ذكرتموه ،وأنه ل يمنع الخرو َ
قيل :لم يقل أحدٌ طبيبٌ ول غيره إنّ الناس يتركون حركاتِهم عند الطواعين ،ويصيرون بمنزلة
الجماداتِ ،وإنما ينبغى فيه التقلّل من الحركة بحسب المكان ،والفا ّر منه ل موجب لحركته إل مجرد الفِرار
منه ،ودعتُه وسكونُه أنفع لقلبه وبدنه ،وأقربُ إلى توكله على ال تعالى ،واستسلمه لقضائه .وأما مَن ل يستغنى
عن الحركة كالصُـنّاع ،والُجراء ،والمسافرين ،والبُرُد ،وغيرهم فل يقال لهم :اتركوا حركاتِكم جملةً ،وإن
أُمروا أن يتركوا منها ما ل حاجة لهم إليه ،كحركة المسافر فارّا منه ..وال تعالى أعلم.
حكَم:
وفى المنع من الدخول إلى الرض التى قد وقع بها عدةُ ِ
ش والمعاد.
الثانى :الخذُ بالعافية التى هى مادةُ المعا ِ
س َد فيمرضون.
ن وفَ َ
الثالث :أن ل يستنشِقُوا الهوا َء الذى قد عَفِ َ
الرابع :أن ل يُجاوروا المرضى الذين قد مَرِضُوا بذلك ،فيحصل لهم بمجاورتهم من جنس أمراضهم.
طيَرَة والعَدوى ،فإنها تتأثر بهما ،فإن الطّيرة على مَن تطيّرَ بها.
الخامس :حِميةُ النفوس عن ال ّ
ى عن التعرض لسباب التلف. وبالجملة ففى النهى عن الدخول فى أرضه المرُ بالحذر والحِمية ،والنه ُ
وفى النهى عن الفِرار منه المر بالتوكل ،والتسليم ،والتفويض ،فالولُ :تأديب وتعليم ،والثانى :تفويض وتسليم.
فصل
جتَوَوا المدينة ،فشكوا ذلك إلى النّبىّ صلى العكَل على النّبىّ صلى ال عليه وسلم ،فا ْ (( َقدِمَ رَهْطٌ من عُ َر ْينَةَ وَ ُ
عليه وسلم ،فقال لو خرجُتم إلى ِإبِل الصدقة فشربتم من أبوالها وألبانها ،ففعلوا ،فلما صحّوا ،عمدوا إلى الرّعَاةِ
خذُوا ،فَ َقطَعَ
فقتلُوهم ،واستاقُوا البل ،وحاربُوا ال ورسوله ،فبعث رسولُ ال صلى ال عليه وسلم فى آثارهم ،فُأ ِ
ع ُي َنهُم ،وألقاهم فى الشمس حتى ماتوا)).
سمَلَ أ ْجَلهُم ،و َ أيد َيهُم ،وأر ُ
والدليل على أن هذا المرض كان الستسقاء ،ما رواه مسلم فى ((صحيحه)) فى هذا الحديث أنهم قالوا:
((إنّا اجتوينا المدينة ،فعظمت بطونُنا ،وارتهشت أعضاؤنا)) ....وذكر تمام الحديث.
والجَوَى :داء من أدواء الجوف والستسقاء :مرض مادى سببه مادة غريبة باردة تتخلّل العضاء فتربو
لها إما العضاء الظاهرة كلها ،وإما المواضع الخالية من النواحى التى فيها تدبير الغِذاء والخلط ،وأقسامُه
ى وهو أصعبها وزقىّ ،وطبلىّ. ثلثة :لحم ّ
ق معتدل ،وإدرارٌ بحسبولما كانت الدوية المحتاجُ إليها فى علجه هى الدوية الجالبة التى فيها إطل ٌ
الحاجة وهذه الُمور موجودةٌ فى أبوال البل وألبانها ،أمرهم النبىّ صلى ال عليه وسلم بشربها ،فإنّ فى لبن
اللّقَاح جل ًء وتلييناً ،وإدراراً وتلطيفاً ،وتفتيحاً للسدَد ،إذ كان أكث ُر رعيِها الشيح ،والقيصوم ،والبابونج،
لذْخِر ،وغير ذلك من الدوية النافعة للستسقاء. والقحوان ،وا ِ
ض ل يكون إل مع آفة فى الكبد خاصة ،أو مع مشاركة ،وأكثرها عن السدَد فيها ،ولبن اللّقاحِ وهذا المر ُ
العربية ناف ٌع من السدَد ،لما فيه من التفتيح ،والمنافع المذكورة.
قال الرازىّ :لبن اللّقاح يشفى أوجاعَ الكبد ،وفساد المِزاج .وقال السرائيلى :لبن اللّقاح أرقّ اللبان،
ق البطن ،وتفتيح السدَد،حدّة ،وأقلّها غِذاء .فلذلك صار أقواها على تلطيف الفضول ،وإطل ِ وأكثرُها مائيّة و ِ
ص اللبان بتطرِية
ويدل على ذلك ملوحتُه اليسيرة التى فيه لفراط حرارة حيوانية بالطبع ،ولذلك صار أخ ّ
الكبد ،وتفتيح سُددها ،وتحليلِ صلبة الطحال إذا كان حديثاً ،والنفع من الستسقاء خاصة إذا استُعمل لحرارته
التى يخرج بها من الضّرْع مع بول الفصيل ،وهو حار كما يخرج من الحيوان ،فإن ذلك مما يزيد فى ملوحته،
وتقطيعه الفضولَ ،وإطلقهِ البطن فإن تعذّر انحدارُه وإطلقُه البطن ،وجب أن يُطلق بدواء مسهل.
قال صاحب القانون :ول يُلتفت إلى ما يقال :من أن طبيعة اللّبن مضادة لِعلج الستسقاء .قال :واعلم أنّ
ن إنساناً
ن هذا اللّبن شديد المنفعة ،فلو أ ّ
لبن النّوق دواءٌ نافع لما فيه من الجِلء برفق ،وما فيه من خاصية ،وأ ّ
ب ذلك فى قوم ُدفِعوا إلى بلد العرب ،فقادتهم الضرور ُة إلى ذلك، جرّ َ
ى به ،وقد ُ
شفِ َ
أقام عليه بدل الماء والطعام ُ
فعُوفوا .وأنفعُ البوال :بَوْل الجمل العرابى ،وهو النجيب ..انتهى.
وفى القصة :دليلٌ على التداوى والتطبّب ،وعلى طهارة بول مأكول اللّحم ،فإن التداوى بالمحرّمات غير
جائز ،ولم يُؤمروا مع قرب عهدهم بالسلم بغسل أفواههم ،وما أصابته ثيابُهم من أبوالها للصلة ،وتأخيرُ البيان
ل يجوزُ عن وقت الحاجة.
وعلى مقاتلة الجانى بمثل ما فعل ،فإن هؤلء قتلوا الراعىَ ،وسملُوا عينيه ،ثبت ذلك فى ((صحيح
مسلم)).
وعلى أنه إذا اجتمع فى حق الجانى ح ٌد وقِصاصٌ استوفيا معاً ،فإن النبىّ صلى ال عليه وسلم قطع
أيديَهم وأرجُلَهم حداً ل على حِرابهم ،و َقتََلهُم لقتلهم الراعى.
وعلى أن المحارب إذا أخذ المالَ ،و َقتَل ،قُطِعت يده ورجله فى مقام واحد و ُقتِل.
وعلى أن قتل الغِيلةِ يُوجب قتل القاتل حداً ،فل يُسقطه العفو ،ول تُعتبر فيه المكافأة ،وهذا مذهبُ أهل
المدينة ،وأحد الوجهين فى مذهب أحمد ،اختاره شيخنا ،وأفتى به.
فصل
ى ينفع من النزف ،ويمنعه .و ُيذَرّ على الجراحات الطريةَ ،ف َيدْمُلُها،
وقال صاحب القانون :البَ ْردِ ّ
س المصرى كان قديمًا يُعمل منه ،ومزاجُه بارديابس ،ورماده نافع من أَكلَةِ الفم ،ويحبسُ نَ َفثَ الدمِ، والقرطا ُ
ويمنع القروح الخبيثة أن تسعى.
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى العلج بشُرب العسل ،والحجامة ،والكىّ
ى صلى ال عليه وسلم ،قال: فى ((صحيحِ البخارى)) :عن سعيد بن جُبيرٍ ،عن ابن عباس ،عن النّبِ ّ
جمٍ ،و َكيّةِ نارٍ ،وأنا أنْهى ُأمّتى عن ا ْل َكىّ)).
شرْط ِة مِحْ َ
ش ْربَةِ عسلٍ ،و َ
((الشّفَاءُ فى ثلثٍُ :
قال أبو عبد ال الما َزرِى :المراض المتلئية :إما أن تكون دموية ،أو صفراوية ،أو بلغمية ،أو
سوداوية .فإن كانت دموية ،فشفاؤها إخراجُ الدم ،وإن كانت من القسام الثلثةِ الباقية ،فشفاؤها بالِسهال الذى
يَليق بكل خِلط منها ،وكأنه صلى ال عليه وسلمَ :نبّهَ بالعسل على المسهلت ،وبالحِجامة على الفَصْد ،وقد قال
عيَا الدواءُ ،فآخِ ُر الطبّ ا ْلكَىّ .فذكره صلى ال
حجَمٍ))؛ فإذا أ ْ
ن الفصدَ يدخل فى قوله(( :شَرْط ِه مِ ْ
بعض الناس :إ ّ
عليه وسلم فى الدوية ،لنه يُستعمل عند غلبة الطباع لقُوى الدوية ،وحيث ل ينف ُع الدواءُ المشروب .وقوله:
ب أن َأ ْكتَوِى)) .إشار ٌة إلى أن يؤخّرَ العلجَ به حتى((وأنا أنْهى ُأمّتى عن الكَىّ)) ،وفى الحديث الخر(( :وما أُح ّ
ف من ألمتَدفَع الضرور ُة إليه ،ول يعجل التداوى به لما فيه من استعجال اللم الشديد فى دفع أل ٍم قد يكون أضع َ
الكَىّ ...انتهى كلمه.
ض المِزاجية :إما أن تكون بمادة ،أو بغير مادة ،والمادية منها ،إما حارةٌ ،أو
وقال بعض الطباءِ :المرا ُ
باردةٌ ،أو رَطبةٌ ،أو يابسةٌ ،أو ما تركّب منها ،وهذه الكيفيات الربع ،منها كيفيتان فاعلتان :وهما الحرارةُ
والبرودةُ؛ وكيفيتان منفعلتان :وهما الرطوبة واليبوسة ،ويلزم من غلبة إحدى الكيفيتين الفاعلتين استصحابُ
كيفية منفعِلَة معها ،وكذلك كان لكل واحد من الخلط الموجودة فى البدن ،وسائر المركّبات كيفيتان :فاعلةٌ
ومنفعلةٌ.
ن أصل المراض المِزاجية هى التابعة لقوى كيفيات الخلط التى هى فحصل مِن ذلك أ ّ @
الحرار ُة والبرودةُ ،فجاء كلم النبوة فى أصل معالجة المراض التى هى الحارة والباردة على طريق التمثيل،
فإن كان المرض حاراً ،عالجناه بإخراج الدم ،بال َفصْد كان أو بالِحجامة ،لن فى ذلك استفراغاً للمادة ،وتبريداً
للمِزاج .وإن كان بارداً عالجناه بالتسخين ،وذلك موجود فى العسل ،فإن كان يحتاج مع ذلك إلى استفراغ المادة
الباردة ،فالعسلُ أيضاً يفعل فى ذلك لما فيه من النضاج ،والتقطيع ،والتلطيف ،والجِلء ،والتليين ،فيحصل بذلك
استفراغ تلك المادة برفق وأمْنٍ من نكاية المسهلت القوية.
ل واحد من المراض المادية ،إما أن يكون حادًا فيكون سري َع وأما الكَىّ :فلنّ ك ّ
الفضاء لحد الطرفين ،فل يُحتاج إليه فيه ،وإما أن يكون ُم ْزمِناً ،وأفضلُ علجه بعد الستفراغ الكىّ فى
العضاء التى يجوز فيها الكَىّ .لنه ل يكون مزمنًا إل عن مادة باردة غليظة قد رسخت فى العضو ،وأفسدتْ
مِزاجَه ،وأحالتْ جميع ما يصل إليه إلى مشابهة جوهرها ،فيشتعل فى ذلك العضو ،فيستخرج بالكىّ تلك المادةُ
ى لتلك المادة.
من ذلك المكان الذى هو فيه بإفناء الجزء النارى الموجود بالك ّ
خذَ معالجة المراض المادية جميعها ،كما استنبطنا معالجةَ المراضِ فتعلمنا بهذا الحديث الشريف أ ْ
جهَـنّمَ ،فأب ِردُوهَا بالماء))
حمّى مِن َفيْحِ َ
ن شدةَ ال ُ
الساذَجةِ من قوله صلى ال عليه وسلم(( :إ ّ
فصل
ف عن كثير بن سَليم، جبَارَ َة بن ال ُمغَلّس وهو ضعي ٌوأما الحِجَامةُ ،ففى ((سنن ابن ماجه)) من حديث ُ
ى بى بملٍ إل قالُوا:
سرِ َ
ت ليل َة أُ ْ
س بن مالكٍ يقولُ :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :ما مَرَرْ ُ ت َأنَ َ قال :سَمع ُ
يا محمدُ؛ مُ ْر ُأ ّم َتكَ بِالحِجَامَةِ)).
حجَامَةِ يا
وروى الترمذى فى ((جامعه)) من حديث ابن عباس هذا الحديث ،وقال فيه(( :عليكَ بال ِ
ح ّمدُ)).
مُ َ
ن رسول ال صلى ال عليه وسلم حجمَ ُه أبُو حمَيدٍ الطويل ،عن أنس ،أ ّ وفى ((الصحيحين)) أيضاً ،عن ُ
خيْ ُر مَا َتدَاويْت ْم بِهِ ا ْلحِجَامَةَ)).
ط ْيبَةَ ،فأمَ َر ل ُه بصَاعينِ مِن طعامٍ ،وكلّمَ مواليهُ ،فخفّفُوا عنهُ مِن ضريبتِهِ ،وقالَ (( :
َ
س غِلمةٌ ثلثةٌن لبن عبا ٍ عكْرمَةَ يقولُ(( :كا َت ِوفى ((جامع الترمذىّ)) عن عبّاد بن منصور ،قال :سمِع ُ
ن عليه ،وَعَلَى أهلِهِ ،وواحدٌ لحجمِهِ ،وحجمِ أهلِهِ .قال :وقال ابنُ عباسٍ :قال نبىّ ال ن يُغل ِ ن اثنَا ِ
حجّامُون ،فكا َ
َ
جلُو البَصَرَ)) .وقال :إنّ رَسولَ الِ خفّ الصّ ْلبَ ،ويَ ْ
ب بالدّمَِ ،ويُ ِ
حجّامُ َيذْهَ ُ
صلى ال عليه وسلمِ (( :نعْ َم العبدُ ال َ
حجَامَةِ)) .وقالَ:ج بِهِ ،ما م ّر عَلَى مَلٍ مِن الملئك ِة إلّ قالُوا(( :عليكَ بال ِ ث عُرِ َ صلى ال عليه وسلم حي ُ
خيْرَ ما
حدَى وَعِشرينَ)) ،وقال(( :إنّ َ سبْ َع عَشْرَةَ ،ويَوْ َم تِسْ َع عَشْرَةََ ،ويَوْمَ إ ْ
ن فيهِ يَوْمَ َ
جمُو َ
حتَ ِ
((إنّ خيرَ مَا ت ْ
سعُوطُ والّلدُودُ والحِجَامَةُ والمَشِىّ ،وإنّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ُلدّ ،فقالَ(( :مَن َل ّدنِى)) ؟ تَدَاو ْيتُ ْم بِهِ ال ّ
ح ٌد فى ال َبيْتِ إل ُلدّ ،إلّ العباسَ)) .قال :هذا حديث غريب ،ورواه ابن ماجَه. َفكُّلهُمْ أمسكُوا .فقال(( :ل يبقَى أ َ
فصل
حجَامَة :فإنها ُتنَقّى سطح البدن أكث َر من ال َفصْد ،والفصدُ لعماق البدن أفضلُ ،والحِجَامَةُ
وأما منافعُ ال ِ
تستخْ ِرجُ الدّمَ من نواحى الجلد.
قلتُ :والتحقيقُ فى أمرها وأمْ ِر الفصد ،أنهما يختلفان باختلف الزمانِ ،والمكانِ ،والسنانِ ،والمزجةِ،
فالبلدُ الحارةُ ،والزمنةُ الحارةُ ،والمزجة الحارة التى دَمُ أصحابها فى غاية النّضج الحجامةُ فيها أنف ُع من
ج الحِجَامَةِ ما ل يُخرجه الفصد،ق ويخرج إلى سطح الجسد الداخل ،فتُخرِ ُ ن الدّ َم ينضج ويَرِ ّ
الفصد بكثير ،فإ ّ
ن ل يَقْوَى على الفَصد.
ولذلك كانت أنفعَ للصبيان من الفصد ،وِلمَ ْ
ل من الفصد ،وتُستحب فى وسط الشهر، ن البلد الحارةَ الحجام ُة فيها أنفعُ وأفض ُ وقد نص الطباء على أ ّ
وبعد وسطه .وبالجملة ،فى الربع الثالث من أرباع الشهر ،لن الدم فى أول الشهر لم يكن بعدُ قد هاج و َتبَيّغَ،
وفى آخره يكون قد سكن ،وأما فى وسطه و ُب َعيْدَه ،فيكون فى نهاية التّ َزّيدِ.
حجَامة ل فى أول الشهر ،لن الخلط ل تكون قد تحرّكت قال صاحب القانون :ويُؤمر باستعمال ال ِ
ط الشهر حين تكون الخلط هائج ًة بالغةً فى تزايدها وهاجت ،ول فى آخره لنها تكون قد نقصَت ،بل فى وَسَ ِ
حجَامَة
خيْرُ ما تداويتم به ال ِ
لتزيد النور فى جُرم القمر .وقد رُوِى عن النبى صلى ال عليه وسلم أنه قالَ (( :
خيْرُ الدوا ِء الحِجَامَةُ
صدُ)) .وفى حديثَ (( :
والفَ ْ
وفصد الكحل :ينفع من المتلء العارض فى جميع البدن إذا كان دمويّا ،وكذلك إذا كان الدم قد فسد فى
جميع البدن.
وفصد القيفال :ينفع من العلل العارضة فى الرأس والرقبة من كثرة الدم أو فساده.
والحجامة على الخدعين :تنفع من أمراض الرأس ،وأجزائه ،كالوجه ،والسنان ،والذنين ،والعينين،
والنف ،والحلق إذا كان حدوث ذلك عن كثرة الدّم أو فساده ،أو عنهما جميعاً.
خدَعَيْن والكَاهِلِ)).
قال أنس رضى ال تعالى عنه(( :كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم يحتجمُ فى ال ْ
وفى ((الصحيحين)) عنه(( :كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم يحتجم ثلثاً :واحدةً علىكاهله ،واثْنتين
عيْن))
خدَ َ
على ال ْ
وفى ((الصحيح)) عنه(( :أنه احتجم وهو محرمٌ فى رأسه لِصداع كان به)).
خدَعَيْنِ
وفى ((سنن ابن ماجه)) عن علىّ(( :نزل جبريلُ على النبى صلى ال عليه وسلم بحجامة ال ْ
والكَا ِهلِ)).
وفى ((سنن أبى داود)) من حديث جابر(( :أنّ النبىّ صلى ال عليه وسلم احتجم فى وَركه من وثءٍ كان
به)).
فصل
حدُوَةُ.
واختلف الطباءُ فى الحِجَامَ ِة على نُقرةِ القفا ،وهى :ال َق َم ْ
حدُوَةِ ،فإنها
حجَامَة فى جَوْ َزةِ القَم ْ
وذكر أبو نعيم فى كتاب ((الطب النبوىّ)) حديثاً مرفوعاً(( :عََليْكم بال ِ
جذَامَ.
تشفى من خمسة أَدواءٍ)) ،ذكر منها ال ُ
سبْعينَ داءً)).
حدُوَةِ ،فإنها شفا ٌء من ا ْث َنيْنِ و َ
حجَامَة فى جَوْ َزةِ ال َقمْ ْ
وفى حديث آخر(( :عليكم بال ِ
وروى أنّ أحمد بن حنبل احتاج إليها ،فاحتجم فى جانبى قفاه ،ولم يحتجم فى النّقرة.
وممن كرهها صاحب ((القانون)) ،وقال :إنها تُورث النّسيان حقاً ،كما قال سيدنا ومولنا وصاحب
شريعتنا محمدٌ صلى ال عليه وسلم ،فإنّ مؤخّر الدماغ موضع الحفظ ،والحِجَامَة تُذهبه ..انتهى كلمه.
حجَامَ ِة إنما تُضعف مؤخّرَ الدماغ إذا استُعمِلَتْ
ث ل يَثبُت ،وإن ثبت فال ِ
وردّ عليه آخرون ،وقالوا :الحدي ُ
لغير ضرورة ،فأما إذا استُعملت لغلبة الدم عليه ،فإنها نافعة له طبًا وشرعاً ،فقد ثبت عن النبىّ صلى ال عليه
ل فى ذلك ،واحتَجَمَ فى غير القفا بحسب ما دعت ن مِن قفاه بحسب ما اقتضاه الحا ُوسلم أنه اح َتجَ َم فى عدةِ أماك َ
إليه حاجتُه.
فصـــل
والحِجَامَةُ تحت الذقن تنف ُع من وجع السنان والوجه والحلقوم ،إذا اس ُت ْعمِلَت فى وقتها؛ وتُنقّى الرأس
وال َف ّكيْن.
صدِ الصّافِنِ؛ وهو عِرق عظيم عند الكعب ،وتنفع من قروح ب عن فَ ْ والحِجَامَةُ على ظهر القدم تَنو ُ
ل ْن َثيَيْنِ.
حكّةِ العارِضة فى ا ُ
طمْثِ ،وال ِ
الفَخِذين والساقين ،وانقطاعِ ال ّ
والحِجَامةُ فى أسفل الصدر نافع ٌة من دماميل الفخذِ ،وجَ َربِه ،و ُبثُورِه ،ومن النّقْرِس ،والبواسيرِ والفِيل
حكّةِ الظهر.
وِ
فصل
حجَامة
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى أوقات ال ِ
س ْبعَةَ
حتَجِ ُم فى الخدَعَين والكاهل ،وكان يحتجم لِ َ
وفيه عن أنس(( :كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم َي ْ
حدَى وعِشرِينَ)).
عشَرَ ،وفى إ ْ
سعَةَ َ
عَشَرَ ،وتِ ْ
عشَرَ ،أو
سعَةَ َ
شرَ ،أو تِ ْ
س ْبعَةَ عَ َ
حجَامة فَ ْل َيتَحَرّ َ
وفى ((سنن ابن ماجه)) عن أنس مرفوعاً(( :مَنْ أراد ال ِ
ح ِدكُم الدّمُ ،فيقتلَه)).
حدَى وعِشرِينَ ،ل َي َتبَيّغ بأ َ
إْ
شرَة ،أو
عشْرَةَ ،أو تِسْ َع عَ ْ
سبْع َجمَ لِ َ
حتَ َ
وفى ((سنن أبى داود)) مِن حديث أبى هريرة مرفوعاً(( :مَن ا ْ
شرِينَ ،كانَتْ شِفا ًء من كلّ داءٍ)) ،وهذا معناه من كل دا ٍء سببه غلبة الدّم.
حدَى وعِ ْ
إْ
قال الخَلل :أخبرنى عصمةُ بن عصام ،قال :حدّثنا حَنبل ،قال :كان أبو عبد ال أحمد بن حنبل يحتجِمُ
ى ساعة كانت.
أىّ وقت هاج به الدّم ،وأ ّ
وقال صاحب ((القانون)) :أوقاتُها فى النهار :الساعة الثانية أو الثالثة ،ويجب توقيها بعد الحمّام إل فيمن
دَمُه غليظ ،فيجب أن يستحِمّ ،ثم يستجم ساعة ،ثم يحتجم ..انتهى.
واختيار هذه الوقات للحِجَامة ،فيما إذا كانت على سبيل الحتياط والتحرز من الذى ،وحفظًا للصحة.
ج إليها وجب استعمالها.
وأما فى مُداواة المراض ،فحيثما وُجد الحتيا ُ
وفى قوله(( :ل َيتَ َبيّغْ بأحدِكم الدّ ُم فيقتلَهُ)) ،دللة على ذلك ،يعنى لئل َي َتبَيّغ ،فحذف حرف الجر مع
((أَن)) ،ثم حُذفت
((أَن)) .و ((ال ّت َبيّغُ)) :ال َهيْجُ ،وهو مقلوب البغى ،وهو بمعناه ،فإنه بغى الدم وهيجانه .وقد تقدّم أنّ المام أحمد
ى وقتٍ احتاج من الشهر. كان يحتجم أ ّ
فصل
وأما اختيارُ أيام السبوع للحِجَامة ،فقال الخَلّل فى ((جامعه)) :أخبرنا حرب بن إسماعيل ،قال :قلت
لحمد :تُكره الحِجَامة فى شىء من اليام ؟ قال :قد جاء فى الربعاء والسبت.
وفى كتاب ((الفراد)) للدّا َرقُطْنىّ ،من حديث نافع قال :قال لى عبد ال ابن عمرَ (( :ت َبيّغَ بى الدم ،فابْغِ
لى حجّاماً؛ ول يكن صبيّا ول شيخًا كبيراً ،فإنى سمعتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول(( :الحِجَامَةِ تزِيدُ
حدَ،سبْتَ ،وال َ ج ُمعَةَ ،وال ّخمِيسَ ،وال ُ جمُوا ال َ
حتَ ِ
جمُوا على اسم ال تعالى ،ول ت ْ حتَ ِ
حفْظاً ،والعاقِلَ عقلً ،فا ْ
الحَافِظَ ِ
جمُوا ال ْث َنيْن ،وما كان من جُذا ٍم ول بَرَصٍ ،إل نزلَ يوم الربعاء)) .قال الدّا َرقُطْنى :تَفَ ّر َد به زيا ُد بن ح َت ِ
وا ْ
جمُوا يوم الربعاء)). حتَ ِ
جمُــوا يومَ ال ْث َنيْن والثّلثَاء ،ول تَ ْ
حتَ ِ
يحيى ،وقد رواه أَيوب عن نَافع ،وقال فيه(( :وا ْ
فصل
حجَامة ،وأنها تكون فى الموضع الذى وفى ضمن هذه الحاديث المتقدمَةِ استحبابُ التداوى ،واستحبابُ ال ِ
يقتضيه الحالُ؛ وجوا ُز احتجامِ ا ْلمُحْرِم :وإنْ آل إلى قطع شىء من الشّعر ،فإن ذلك جائز .وفى وجوب الفديةِ
عليه نظر ،ول يَقوَى الوجوبُ ،وجوازُ احتجا ِم الصائم ،فإنّ فى ((صحيح البخارىّ)) أَنّ رسول ال صلى ال
ح َتجَمَ وهو صائم)) ،ولكن :هل يُفطِ ُر بذلك ،أم ل ؟ مسألة أُخرى ،الصوابُ :الفِطرُ بالحِجامة، عليه وسلم ((ا ْ
لصحته عن رسول ال صلى ال عليه وسلم من غير معارضٍ ،وأصحّ ما يعا َرضُ به حديثُ حِجَامته وهو صائم،
ن الصوم كان فرضاً .الثانى :أنه كان مقيماً .الثالث: ولكنْ ل يَدلّ على عدم الفِطر إل بعد أربعة أُمور .أحدها :أ ّ
جمُ
ن هذا الحديث متأخرٌ عن قوله(( :أفطَرَ الحا ِ أنه لم يكن به مرضٌ احتاج معه إلى الحِجَامة .الرابع :أ ّ
والمحجُومُ)).
ت هذه المقدّمات الربعُ ،أمكن الستدللُ بفعله صلى ال عليه وسلم على بقاء الصوم مع فإذا ثبتَ ْ
حجَامة وغيرها ،أو مِن رمضان لكنه فى حجَامة ،وإل فما المانعُ أن يكونَ الصومُ نفلً يجوز الخروجُ منه بال ِ ال ِ
ض إلى الفِطر ،أو يكونَ
حضَر ،لكن دعت الحاج ُة إليها كما تدعو حاجة مَن بِهِ مر ٌ السّفر ،أو مِن رمضان فى ال َ
حضَر من غير حاجة إليها ،لكنه مُبقّى على الصل .وقولهَ(( :أ ْفطَر الحاجمُ فرضًا من رمضانَ فى ال َ
والمحجومُ)) ،ناقل ومتأخّر .فيتعيّن المصيرُ إليه ،ول سبيل إلى إثبات واحدة من هذه المقدمات الربع؛ فكيف
بإثباتها كلها.
وفيها :دليلٌ على استئجار الطبيبِ وغيره مِن غير عقد إجارة ،بل يُعطيه أُجرة المِثل ،أو ما يُرضيه.
وفيها :دليلٌ على جواز التكسّبِ بصناعة الحِجَامة ،وإن كان ل يَطيب للحُ ّر أكلُ أُجرتِ ِه من غير تحريم
ن النبىّ صلى ال عليه وسلم أعطاه أجرَه ،ولم َي ْمنَعه من أكله ،وتسميتُهُ إياه خبيثًا كَتسميته للثوم والبصل عليه ،فإ ّ
خبيثين ،ولم يلزم مِن ذلك تحريمُهما.
ن للعبد أن
ل الخراجَ على عبده كُلّ يومٍ شيئًا معلوماً بقدر طاقته ،وأ ّ
وفيها :دليلٌ على جواز ضرب الرج ُ
سبُه كلّه خراجاً ولم يكن لتقديره فائدة ،بل ما زاد يتصرّف فيما زاد على خراجه ،ولو ُمنِع من التصرف ،لكان ك ْ
على خراجه ،فهو تمليكٌ من سيده له يتصرّف فيه كما أراد ..وال أعلم.
فصل
ى بن كعب
ن النبىّ صلى ال عليه وسلم بعَثَ إلى ُأبَ ّ
ثبت فى ((الصحيح)) من حديث جابر بن عبد ال ،أ ّ
طَبيباً ،ف َقطَعَ له عِرْقاً وكَواه عليه.
ل من النصار ُرمِى فى أكْحَلِه ِبمِشْقَصٍ ،فأمر النبىّ صلى ال عليه وسلم به
وفى لفظ آخر :أنّ رج ً
فكُوِىَ.
(يتبع)...
ضفُوهُ)).
ت له الكَىّ ،فقال(( :اكْوُو ُه وارْ ِ
ل ُنعِ َ
ى صلى ال عليه وسلم برج ٍ وقال أبو عُبيدٍ :وقد ُأتِىَ النب ّ @
قال أبو عُبيدةَ :الرّضْفُ :الحجارة تُسخّنُ ،ثم يُكمدُ بها.
وقال الفضل بن دُكَين :حدّثنا سُفيانُ ،عن أبى الزّبير ،عن جابرٍ :أنّ النبىّ صلى ال عليه وسلم كَواهُ فى
أكْحَلِه.
حىٌ.
ب والنّبىّ صلى ال عليه وسلم َ
جنْ ِ
وفى ((صحيح البخارى)) من حديث أنس ،أنه كُ ِوىَ من ذاتِ ال َ
ب أن
ق عليه وفيه(( :ومَا أُحِ ّ
وقد تقدّم الحديث المتفَ ُ
ن النّبىّ صلى ال عليه وسلم َنهَى عن الكَىّ ن بن حصينٍ ،أ ّ وفى ((جامع الترمذى)) وغيره عن عِمرا َ
ن ول أ ْنجَحْنَ.
قال :فا ْبتُلِينَا فاكْتويْنا فما أفلحْنا ،ول أنجحنا .وفى لفظُ :نهِينا عن الكَىّ وقال :فما أفْلَحْ َ
ى مستعملٌ فى
ف ف َيهِْلكَ .والك ّ
قال الخطابىّ :إنما كَوى سعداً ليَ ْر َقأَ الدمُ من جُرحه ،وخاف عليه أنْ َينْزِ َ
هذا الباب ،كما ُيكْوَى مَن تُقطع يدُه أو رِجلُه.
ى عن الكىّ ،فهو أن يَكتوىَ طلبًا للشفاء ،وكانوا يعتقدون أنه متى لم يَكتوَ ،هلَك ،فنهاهم عنه
وأما النه ُ
لجل هذه النيّةِ.
صيْنٍ خاصةً ،لنه كان به ناصُورٌ ،وكان موضعه خطِراً ،فنهاه عن
وقيل :إنما نَهى عنه عِمران بن حُ َ
ى منصرفًا إلى الموضع المخوف منه ..وال أعلم. ن النه ُ
شبِهُ أن يكو َ
كيّه ،فيُ ْ
ى الصحيح لئل يَعتلّ ،فهذا الذى قيل فيه(( :لمْ يتوكلْ مَن اكتوَى)) ،لنه
وقال ابن قتيبة :الكىّ جنسانِ :ك ّ
يُريد أن يَدفعَ ال َقدَرَ عن نفسه.
والثانى :كىّ الجرْح إذا َنغِلَ ،والعُض ِو إذا قُطعَ ،ففى هذا الشفاءُ.
وأما إذا كان الكىّ للتداوى الذى يجو ُز أن ينجَع ،ويجوز أن ل ينجع ،فإنه إلى الكراهة أقربُ ..انتهى.
نل
وثبت فى ((الصحيح)) فى حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنّةَ بغير حساب أنهم ((الذي َ
ستَرقُونَ ،ول يكتوُونَ ،ول يتطيّرُونَ ،وعَلَى رب ِهمْ يتوكّلُونَ)).
يَ ْ
ت أحاديثُ الكىّ أربعةَ أنواع ،أحدُها :فعلُه ،والثانى :عد ُم محبته له ،والثالث :الثناء على مَنفقد تضمن ْ
تركه ،والرابع :النهى عنه ،ول َتعَارُض بينها بحمدِ ال تعالى ،فإنّ فِعلَه يدلّ على جوازه ،وعدمَ محبتِه له ل يدلّ
ى عنه ،فعلى سبيل الختيار على المنع منه .وأما الثناءُ على تاركِه ،فيدلّ على أنّ تَ ْركَه أولى وأفضلُ .وأما النه ُ
ج إليه ،بل يفعل خوفًا من حدوث الداء ..وال أعلم. والكراهة ،أو عن النوع الذى ل يُحتا ُ
فصل
أخرجا فى ((الصحيحين)) من حديث عطاء بن أبى رباح ،قال :قال ابنُ عباسٍ :ألَ ُأرِيكَ امْرَأَ ًة مِن أَهْلِ
جنّةِ ؟ قلتُ :بَلَى .قَالََ :هذِهِ المَرْأَ ُة السّ ْودَاءَُ ،أتَت النبىّ صلى ال عليه وسلم فقَالَتْ :إنّى أُصْ َرعُ ،وَإنّى َأ َتكَشّفُ؛
الْ َ
ك أن يُعا ِف َيكِ)) ،فقالت :أصبرُ .قالتْ: لل ِ
تا َ
شئْتِ دعو ُ
صبَرْتِ وَلكِ الجنّةُ؛ وإنْ ِ شئْتِ َ فَا ْدعُ ال لى ،فقَالَ(( :إنْ ِ
فإنى أتكشّفُ ،فَادعُ ال أن ل أتكشّف ،فدعا لها.
ص ْرعُ الرواح ،فأئْمتُهم وعقلؤهم يعترفون به ،ول يدفعونه ،ويعترفون بأنّ علجه بمقابلةُ وأما َ
الرواحِ الشريفةِ الخيّر ِة العُلْويّة لتلك الرواح الشّريرة الخبيثة ،فتدافع آثارها ،وتعارضُ أفعالَها وتُبطلها ،وقد
ض عِلج الصّ ْرعِ ،وقال :هذا إنما ينفع من الصّرْع الذى س َببُه نص على ذلك ((بقراط)) فى بعض كتبه ،فذكر بع َ
الخلط والمادة .وأما الصّرْع الذى يكون من الرواح ،فل ينفع فيه هذا العلج.
وأما جهل ُة الطباء وَس َقطُهم وسفَلتُهم ،ومَن يعت ِقدُ بالزندقة فضيلة ،فأُولئك يُنكِرون صَ ْرعَ الرواح ،ول
يُقرون بأنها تُؤثر فى بدن المصروع ،وليس معهم إل الجهلُ ،وإل فليس فى الصناعة الطبية ما يَدفع ذلك،
والحِسّ والوجودُ شاهدٌ به ،وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الخلط ،هو صادق فى بعض أقسامه ل فى كلّها.
وقدما ُء الطباء كانوا يُسمون هذا الصّ ْرعَ :المرضَ اللهى ،وقالوا :إنه من الرواح.
وأما ((جالينوس)) وغيرُه ،فتأوّلُوا عليهم هذه التسمية ،وقالوا :إنما سمّوه بالمرض اللهى لكون هذه
العِلّة تَحدُث فى الرأس ،فَتضُرّ بالجزء اللهى الطاهر الذى مسكنُه الدماغُ.
وهذا التأويل نشأ لهم من جهلهم بهذه الرواح وأحكامِها ،وتأثيراتها ،وجاءت زنادقةُ الطباء فلم يُثبتوا
ط وحده.
إل صَرْع الخل ِ
ج هذا النوع يكون بأمرين :أمْ ٍر من جهة المصروع ،وأمْرٍ من جهة المعالِج ،فالذى من جهةوعِل ُ
صدْقِ توجهه إلى فاطر هذه الرواح وبارئها ،والتعوّذِ الصحيح الذى قد تواطأ
المصروع يكون بقوةِ نفسه ،و ِ
ع محاربةِ ،والمحَارب ل يتمّ له النتصاف من عدوه بالسلح إل بأمرين :أن ن هذا نو ُ
عليه القلبُ واللّسان ،فإ ّ
يكون السلح صحيحاً فى نفسه جيداً ،وأن يكون الساعدُ قوياً ،فمتى تخلّف أحدُهما لم يُغن السلح كثيرَ طائلٍ،
فكيف إذا عُدِمَ المران جميعاً :يكونُ القلب خراباً من التوحيد ،والتوكل ،والتقوى ،والتوجه ،ول سلحَ له.
ن }[المؤمنون :
جعُو َ
عبَثًا وََأّنكُمْ إَل ْينَا لَ تُرْ َ
س ْبتُ ْم َأّنمَا خََل ْقنَاكُ ْم َ
وكان كثيرًا ما يَقرأ فى أُذن المصروعَ{ :أفَحَ ِ
.]115
وحدّثنى أنه قرأها مرة فى أُذن المصروع ،فقالت الروح :نعمْ ،ومد بها صوته .قال :فأخذتُ له عصا،
ت لذلك الضرب .ففى شكّ الحاضرون أنه يمو ُ ى من الضرب ،ولم يَ ُ وضربتُه بها فى عروق عنقه حتى كَلّتْ يدَا َ
ت لها :هو ل يُرِيدُ أَنْ َيحُجّن أحُجّ به .فقل ُ
ت لها :هو ل يحبك .قالتْ :أنَا أُريد أ ْ حبّه ،فقل ُ
أثناء الضرب قالت :أَنا أُ ِ
ج منه ،قال :ف َقعَدَم َعكِ ،فقالتْ :أنا أدَعُه كَرامةً لكَ ،قال :قلتُ :ل ولكنْ طاع ًة لِ ولرسولِه ،قالتْ :فأنا أخرُ ُ
ب كُلّه ؟ فقال :وعلى المصروعُ يَلتفتُ يمينًا وشمالً ،وقال :ما جاء بى إلى حضرة الشيخ ؟ قالوا له :وهذا الضر ُ
ب ألبتة.
أى شىء يَض ِربُنى الشيخ ولم ُأ ْذنِبْ ،ولم يَشعُرْ بأنه وقع به الضر ُ
وكان يعالِجُ بآية الكرسىّ ،وكان يأمر بكثرة قراءتها المصروع ومَن يعالجه بها وبقراءة المعوّذتين.
وبالجملة ..فهذا النوعُ من الصّرْع ،وعلجه ل يُنكره إل قليلُ الحظ من العلم والعقل والمعرفة ،وأكثرُ تسلطِ
الرواح الخبيثةِ على أهل ِه تكون من جهة قِلّ ِة دينِهم ،وخرابِ قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذّكرِ ،والتعاويذِ،
ل ل سلح معه ،وربما كان عُريانًا فيُؤثر فيه ح الخبيثةُ الرجلَ أعز َ
ت النبوية والِيمانيّةَ ،فتَلْقَى الرو ُ
والتحصّنا ِ
هذا.
ت أكثرَ النفوسِ البَشَريةِ صَرْعَى هذه الرواحِ الخبيثةِ ،وهى فى أسرِها وقبضتِها
ف الغِطاء ،لرأي َ
ولو كُشِ َ
تسوقُها حيثُ شاءتْ ،ول يُمكنُها المتناعُ عنها ول مخالفتها ،وبها الصّ ْرعُ العظمُ الذى ل يُفيقُ صاحبُه إل عند
المفارق ِة والمعاينةِ ،فهناك يتَحقّقُ أنه كان هو المصروعَ حقيقةً ،وبال المستعان.
ج هذا الصّرْع باقتران العقل الصحيح إلى اليمان بما جاءتْ به الرّسُل ،وأن تكون الجنّةُ والنا ُر وعل ُ
ت والفات بهم ،ووقوعَها خلل ديارهم كمواقع ل الدنيا ،وحلول ال َمثُول ِ
ب عينيه وقِبلَة قَ ْلبِه ،ويستحضر أه َ
نُص َ
ث ل يرى إل مصروعاً، عمّتِ البليّةُ به بحي ُ
القَطْر ،وهُم صَرعَى ل يُفيقون ،وما أشدّ داءَ هذا الصّ ْرعِ ،ولكن لما َ
ب خلفه.عيْنَ المستنكَرِ المستغرَ ِ
لم يَص ْر مستغرَبًا ول مستنكراً ،بل صار لكثرة المصروعين َ
فإذا أراد ال بعبدٍ خيرًا أفاقَ من هذه الصّرْعة ،ونظر إلى أبناء الدنيا مصروعين حولَه يميناً وشما ً
ل
ق به الجنونُ ،ومنهم مَن يُفيق أحيانًا قليلةً ،ويعودُ إلى جنونه ،ومنهم مَن ف طبقاتهم ،فمنهم مَن أطبَ َ على اختل ِ
عمَل أهلِ الفاقةِ والعقل ،ثم ُيعَا ِودُه الصّ ْرعُ فيق ُع فى التخبط.
عمِل َن أُخرى ،فإذا أفاق َيُفيق مرةً ،ويُجَ ّ
فصل
ع وتتكشّفُ ،يجوز أن يكون صَرْعُها من إذا عُرِف هذا ،فهذه المرأة التى جاء الحديث أنها كانت تُص َر ُ
هذا النوع ،فوعدها النبىّ صلى ال عليه وسلم الجنّة بصبرها على هذا المرض ،ودعا لها أن ل تتكشّف،
وخيّرها بين الصبر والجنّة ،وبين الدعاء لها بالشفاء مِن غير ضمان ،فاختارت الصبرَ والجنّةَ.
والظاهر :أنّ صَرْع هذه المرأة كان من هذا النوع ،ويجو ُز أن يكون من جهة الرواح ،ويكون رسول
ال صلى ال عليه وسلم قد خيّرها بين الصبر على ذلك مع الجنّة ،وبين الدعاء لها بالشفاء ،فاختارت الصبرَ
والسّترَ ..وال أعلم.
فصل
روى ابن ماجه فى ((سننه)) من حديث محمد بن سِيرين ،عن أنس بن مالك ،قال :سمعتُ رسول ال
عرَا ِبيّةٍ ُتذَابُ ،ث ّم تُجزُّأ ثلثةَ أجزاءٍ ،ثُ ّم يُشْ َربُ على
ق النّسَا أ ْليَةُ شاةٍ أ ْ
عرْ ِ
صلى ال عليه وسلم يقول(( :دواءُ ِ
ق فى كلّ يومٍ جُ ْزءٌ)).
الرّي ِ
ق النّسَاء :وج ٌع يبتدى ُء مِن مَ ْفصِل ال َورِك ،وينزل مِن خلفٍ على الفخذ ،وربما على الكعب ،وكلما
عِرْ ُ
خذُ ،وهذا الحديثُ فيه معنى لّغوى ،ومعنى طبى.
طالت مدتُه ،زاد نزولُه ،وتُه َزلُ معه الرجلُ وال َف ِ
فأما المعنى اللّغوى :فدليلٌ على جواز تسمية هذا المرض بِعرْقِ النّسَا خلفاً لمن منع هذه التسمية ،وقال:
النّسَا هو العِ ْرقُ نفسه ،فيكونُ من باب إضافة الشىء إلى نفسه ،وهو ممتنعٌ.
ض الحالّ بالعِرْق؛ والضافة فيه من باب إضافة الشىء إلى محلّ ِه وموضعه.الثانى :أنّ النّسَا هو المر ُ
ق ممتد من مفْصل الورك ،وينتهى إلى آخر القدم وراءَ
قيل :وسمى بذلك لن ألمه يُنسِى ما سواه ،وهذا العِرْ ُ
الكعب من الجانب الوحشى فيما بين عظم الساق والوتر.
ن هذا خطابٌ للعرب ،وأهل والثانى :خاصٌ بحسب هذه الُمور أو بعضها ،وهذا من هذا القِسم ،فإ ّ
ج من أنفع العلج لهم ،فإنّ هذا المرض يَحدث ن هذا العِل َ
الحجاز ،ومَن جاوَرَهم ،ول سيما أعراب البوادى ،فإ ّ
من ُيبْس ،وقد يحدث من مادة غليظة لَ ِزجَة ،فعلجُها بالسهال و((ال ْليَةُ)) فيها الخاصيّتان :النضاج ،والتليين،
ض يَحتاج عِلجُه إلى هذين المرين. ففيها النضاج ،والخراج .وهذا المر ُ
وفى تعيينِ الشاةِ العرابيةِ لقِل ُة فضولِها ،وصِغرُ مقدارِها ،ولُطف جوهرها ،وخاصيّةُ مرعاها لنها
ت إذا تغذّى بها الحيوانُ ،صار فى لحمه ب البَرّ الحارةَ ،كالشّيحِ ،وال َقيْصُوم ،ونحوهما ،وهذه النباتا ُترعى أعشا َ
ف منها ،ول سيما اللية ،وظهو ُر فعل هذه النباتاتِ فى من طبعِها بعد أن يُلَطّفَها تغذيةً بها ،ويُكسبَها مزاجاً ألطَ َ
اللّبن أقوى منه فى اللّحم ،ولكنّ الخاصيةَ التى فى اللية من النضاج والتّ ْليِين ل تُوجد فى اللّبن .وهذا كما تقدّم
أنّ أدويةَ غالب الُمم والبوادى هى بالدوية المفردة ،وعليه أطباءُ الهند.
وأما الروم واليونانُ ،فيَع َتنُون بالمركّبة ،وهم متفِقون كُلّهم على أنّ مِن مهارة الطبيب أن يداوى بالغِذاء،
فإن عجز فبالمُفرد ،فإن عجز ،فبما كان أقلّ تركيباً.
وقد تقدّم أنّ غالب عاداتِ العرب وأهل البوادى المراضُ البسيطةُ ،فالدوية البسيطة ُتنَاسبها ،وهذا
ث عن تركيب الغذية وتنوعها واختلفِها، ض المركّبة ،فغالباً ما تحد ُ
لبساطةِ أغذيتهم فى الغالب .وأما المرا ُ
فاختيرت لها الدوية المركّبة ..وال تعالى أعلم.
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى علج يبس الطبع واحتياجه إلى ما يُمشيه ويُلينه
ت عبد ال ابن أُم حرام ،وكان قد صلّى مع وفى ((سنن ابن ماجه)) عن إبراهيم بن أبى عَبلة ،قال :سمع ُ
رسول ال صلى ال عليه وسلم ال ِقبْلتين يقول :سمعتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول(( :عليكم بالسّنا
سنُوت ،فإنّ فيهما شفا ًء مِنْ كلّ دا ٍء إل السّامَ)) ،قيل :يا رسول ال؛ وما السّـــامُ ؟ قال:
وال ّ
((الموتُ)).
ت تستمشين)) ؟ أى :تلينين الطبع حتى يمشى ،ول يصير بمنزلة الواقف ،فيؤذى قوله(( :بماذا كن ِ
شيّا على وزن فعيل .وقيل :لن المسهول يكثر المشى والختلف
باحتباس النّجْوِ .ولهذا سمى الدوا ُء المسهل مَ ِ
للحاجة.
عرْقشبْرُم ،وهو من جملة الدوية اليتوعية ،وهو :قِشر ِ وقد روى(( :بماذا تستشفين)) ؟ فقالت :بال ّ
حمْرة ،الخفيفُ الرقيقُ الذى يُشبه الجلد
شجرة ،وهو حارٌ يابس فى الدرجة الرابعة ،وأجودُه المائل إلى ال ُ
الملفوف ،وبالجملة فهو من الدوية التى أوصى الطبا ُء بترك استعمالها لخطرها ،وفرطِ إسهالها.
ن هذا من التباع الذى يُقصد به تأكيد الول ،ويكون بين التأكيد اللّفظى والمعنوى، والثانى وهو الصواب :أ ّ
ن بالقاف.
ن قَسَ ٌ
ن بَسَنٌ ،أى :كامل الحُسْن .وقولهم :حَسَ ٌ
ولهذا يُراعون فيه إتباعه فى أكثر حروفه ،كقولهم :حَسَ ٌ
ن َليْطانٌ ،وحارٌ جارٌ ،مع أنّ فى الجار معنى آخر ،وهو الذى يجر الشىء الذى يُصيبه من شدة شيْطا ٌ
ومنهَ :
حرارته وج ْذبِه له ،كأنه ينزعه ويسلخهُ .و((يار)) إما لغة فى ((جار)) كقولهم :صِهرى وصِهريج ،والصهارى
والصهاريج ،وإما إتباع مستقل.
وأما ((السّنا)) ،ففيه لغتان :المد والقصر ،وهو نبت حِجازى أفضلُه المكىّ ،وهو دواء شريف مأمون
سهِلُ الصفراءَ والسوداءَ ،ويقوّى جِ ْرمَ القلب ،وهذهب من العتدال ،حارٌ يابس فى الدرجة الولى ،يُ ْالغائلة ،قري ٌ
فضيلة شريفة فيه ،وخاصيته النف ُع من الوسواس السوداوى ،ومن الشّقاق العارض فى البدن ،ويفتح ال َعضَل
حكّة ،والصّرْع ،وشرب مائه وينفع من انتشار الشعر ،ومن ال ُقمّل والصّداعَ العتيق ،والجرب ،والبثور ،وال ِ
طبِخَ معه شىء مطبوخًا أصلحُ مِن شربه مدقوقاً ،ومقدا ُر الشربة منه ثلثة دراهمَ ،ومن مائه :خمسة دراهم .وإن ُ
من زهر البنفسج والزبيب الحمر المنزوع العَجَم ،كان أصلحَ.
حكّة .والشّربةُ مِن
قال الرازىّ :السّناء والشاهترج يُسْهلن الخلط المحترقة ،وينفعان من الجرب وال ِ
كل واحد منهما من أربعة دراهم إلى سبعة دراهم.
سكِىّ.
س ْك َ
عمْرو بن بكر ال ّ
حكاهما َ
ى عن بعض العراب.
حكاهما أبو حنيف َة الدّينَوَرِ ّ
سنّى الحافظ.
حكاهما أبو بكر بن ال ّ
(يتبع)...
الثامن :أنه العَسل الذى يكون فى زِقاق السمن ،حكاه عبد اللّطيف البغدادى. @
قال بعض الطباء :وهذا أجدر بالمعنى ،وأقرب إلى الصواب؛ أى :يخلط السّناء مدقوقًا بالعسل المخالط
للسمن ،ثم يُلعق فيكون أصلحَ من استعماله مفرداً لما فى العسل والسمن من إصلح السّنا ،وإعانته له على
السهال ..وال أعلم.
سعُوطُ والّلدُودُ
خيْ َر مَا َتدَاوَيتُم به ال ّ
وقد روى الترمذىّ وغيره من حديث ابن عباس يرفعه(( :إنّ َ
والحِجَامةُ وال َمشِىّ)).
فصل
فى ((الصحيحين)) من حديث قَتادةَ ،عن أنس بن مالك قال(( :رخّص رسولُ الِ صلى ال عليه وسلم
س الحري ِر لِحكّ ٍة كانت بهما)).
لعبد الرّحمن بن عَ ْوفٍ ،وال ّز َبيْر بن العوّام رضى ال تعالى عنهما فى ُلبْ ِ
ل إلى
وفى رواية(( :أنّ عبدَ الرّحمن بن عَوْف ،وال ّزبَير بن العوّام رضى ال تعالى عنهما ،ش َكوْا ال َقمْ َ
ص الحرير ،ورأيتُه عليهما)).
النبى صلى ال عليه وسلم ،فى غَزاةٍ لهما ،فَرَخّص لهما فى ُقمُ ِ
والجواز :أصح الروايتين عن المام أحمدَ ،وأصحُ قولى الشافعى ،إذ الصلُ عد ُم التخصيص،
جدَ فيه ذلك المعنى ،إذ الحك ُم َيعُم ب ُعمُوم
ل مَن وُ ِ
ت إلى كُ ّ
ق بعض الُمة لمعنى تعدّ ْ
والرخص ُة إذا ثبتت فى ح ّ
سببه.
ث الرّخصةِ يُحتمل اختصاصُها بعبد الرّحمن بنومَن منع منه ،قال :أحاديثُ التّحريم عامةٌ ،وأحادي ُ
عَوف وال ّزبَيْر ،ويُحتمل تَعديها إلى غيرهما .وإذا اح ُتمِلَ المران ،كان الخذ بالعموم أولى ،ولهذا قال بعض
ت الرّخص ُة مَنْ بعدهما ،أم ل ؟
الرواة فى هذا الحديث :فل أدرى أبَلغ ِ
والصحيح :عمو ُم الرّخصة ،فإنه عُرْف خطاب الشرع فى ذلك ما لم يُصرّحْ بالتخصيص ،وعدم إلحاق
غير مَن رخّص له أوّل به ،كقوله لبى بُرْدة فى تضحيته بالجذعة من ال َمعْز:
((تجزيكَ ولن تَجْزىَ عن أح ٍد َبعْدَك)) ،وكقوله تعالى لنبيه صلى ال عليه وسلم فى نكاح مَن وهبتْ نفسَها له:
{خَالِصَ ًة ّلكَ مِن دُونِ ا ْلمُ ْؤ ِمنِينَ}[الحزاب .]50 :
وتحري ُم الحرير :إنما كان سداً للذرِيعة ،ولهذا أُبيح للنساء ،وللحاجة ،والمصلح ِة الراجحة ،وهذه قاعدةُ ما
حرُمَ النظر سدًا لذريعة الفعل ،وأُبيح منه ما حُرّم لسد الذرائع ،فإنه يُباح عند الحاجة والمصلحة الراجحة ،كما َ
تدعو إليه الحاجةُ والمصلحةُ الراجحة ،وكما حَ ُرمَ التنفلُ بالصلة فى أوقات النهى سداً لذريعة المشابهة
الصوريةِ ب ُعبّاد الشمس ،وأبيحت للمصلحة الراجحة ،وكما حَرُمَ رِبا الفضلِ سدًا لذريعةِ رِبا النّسيئة ،وأُبيح منه
حبِير ِلمَا
ل ويَحْ ُرمُ من لباس الحرير فى كتاب(( :التّ ْما تدعو إليه الحاجة من العَرَايا ،وقد أش َبعْنا الكلم فيما يَحِ ّ
ل َويَحْ ُرمُ من لِباس الحَريرِ)).
يَح ّ
فصل
ن الحرير من الدوية المتخَذةِ من الحيوان ،ولذلك ُيعَد فى الدوية الحيوانية، وأما المر الطبىّ :فهو أ ّ
ل الموقع ،ومِن خاص ّيتِه تقويةُ القلب ،وتَفريحُه ،والنفع من كثير لن مخرجَه من الحيوان ،وهو كثيرُ المنافع ،جلي ُ
حلَ به ،والخا ُم منه وهو من أمراضه ،ومِن غلبة المِرّةِ السوداء ،والدوا ِء الحادثة عنها ،وهو مُقوٍ للبصر إذا اكتُ ِ
خ َذ منه
المستعمَلُ فى صناعة الطب حار يابس فى الدرجة الولى .وقيل :حار رطب فيها .وقيل :معتدل .وإذا اتّ ِ
ملبوسٌ كان معتدل الحرارة فى مزاجه ،مسخّنًا للبدن ،وربما برد البدن بتسمينه إياه.
قلتُ :والملبسُ ثلثة أقسام :قسمٌ يُسخن البدن ويُدفئه ،وقسمٌ يُدفئه ول يُسخنه ،وقسمٌ ل يُسخنه ول يدُفئُه،
وليس هناك ما يُسخنه ول يُدفئه ،إذ ما يُسخنه فهو أولى بتدفئته ،فملبسُ الوبار والصواف تُسخن وتُدفىء،
ب الصوف حارة يابسة، وملبسُ ال َكتّان والحرير والقطن تُدفى ُء ول تُسخن .فثياب ال َكتّان باردة يابسة ،وثيا ُ
ن من القطن وأقل حرار ًة منه. ب القطنِ معتدلةُ الحرارة ،وثيابُ الحرير ألي ُوثيا ُ
قال صاحب ((المنهاج))(( :وُلبْسه ل يُسخن كالقُطن ،بل هو معتدل ،وكُلّ لباس أملسَ صقيلٍ ،فإنه أقلّ
حرَى أن يُلبسَ فى الصيف ،وفى البلد الحارة))إسخانًا للبدن ،وأقلّ عونًا فى تحلل ما يتحلل منه ،وأ ْ
ب الحرير كذلك ،وليس فيها شىء من ال ُيبْس والخشونة الكائنين فى غيرها ،صارت نافعة ولمّا كانت ثيا ُ
س وخشونةٍ ،فلذلك رخّص رسولُ ال صلى ال عليه وسلم حكّة ل تكونُ إل عن حرارة ويب ٍ حكّة ،إذ ال ِ
من ال ِ
ب الحرير أبعدُ عن توّلدِ القمل فيها ،إذ كان مِزَاجُها
حكّةِ ،وثيا ُلل ّز َبيْر وعبدِ الرّحمن فى لباس الحرير لمداوا ِة ال ِ
مخالفاً لِمزاج ما يتوّلدُ منه القمل.
وأما القسمُ الذى ل يُدفىء ول يُسخن ،فالمتخَذ من الحديدِ ،والرصاص ،والخشب ،والتّراب ...ونحوها،
س الحرير أعدلَ اللباس وأو َفقَه للبدن ،فلماذا حرّمتْه الشريعة الكامل ُة الفاضلةُ التى أباحت
فإن قيل :فإذا كان لبا ُ
الطيباتِ ،وحرّمت الخبائث؟
ومنهم مَن يُجيبُ عنه بأن خُلِقَ فى الصل للنساء ،كالحلية بالذهب ،فَحَ ُرمَ على الرجالِ لما فيه من مَفسدةِ
شبّه الرجالِ بالنساء.
تَ َ
خيَلء والعُجْب.
ومنهم مَن قال :حَ ُرمَ لما يُورثُه من الفَخْر وال ُ
خنّثِ ،وضدّ الشّهامة والرجولةِ ،فإن ُلبْسه ومنهم مَن قال :حَ ُرمَ لما يُورثه بملمسته للبدن من الُنوثةِ والتّ َ
يُكسبُ القلبَ صفة من صفات الناث ،ولهذا ل تكاد تجدُ مَن يَلبَسُه فى الكثر إل وعلى شمائله من التخنّثِ
والتأنّثِ ،والرّخَاو ِة ما ل يَخفى ،حتى لو كان من أشهم الناس وأكثرِهم فحوليةِ ورُجولية ،فل بد أن َينْقُصَه ُلبْسُ
الحرير منها ،وإن لم يُذه ْبهَاَ ،ومَن غَلُظتْ طِباعُه و َكثُ َفتْ عن فهم هذا ،فليُسَلّم للشارع الحكيم ،ولهذا كان أصح
القولين :أنه يَحرم على الولى أن يُلبسه الصبىّ لما يَنشأ عليه من صفات أهل التأنيث.
ى من حديث أبى موسى الشعرىّ ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه قال(( :إنّ الَ وقد روى النسائ ّ
أحلّ لِناثِ ُأ ّمتِى الحري َر والذّهبَ ،وحَ ّرمَه عَلى ُذكُورِها)).
ل لِنا ِثهِم)).
وفى لفظٍ(( :حُرّ َم لِباسُ الحَري ِر والذّهَبِ عَلى ذُكو ِر ُأمّتى ،وأُحِ ّ
حذَيفة ،قال(( :نهى رسولُ ال صلى ال عليه وسلم عن ُلبْس الحرير وفى ((صحيح البخارى)) عن ُ
خرَة)).
س عليه)) ،وقال(( :هُو لهم فى الدّنيا ،ولكم فى ال ِ
والدّيباجِ ،وأن يُجلَ َ
فصل
روى الترمذى فى ((جامعه)) من حديث زيد بن أرقمَ ،أنّ النبىّ صلى ال عليه وسلم ،قال(( :تَدَاوَوْا مِنْ
ط البَحْرى وال ّزيْتِ)).
جنْبِ بالقُسْ ِ
ذاتِ ال َ
وذاتُ الجنب عند الطباء نوعان :حقيقى وغيرُ حقيقى .فالحقيقى :ورمٌ حار يَعْ ِرضُ فى نواحى الجَنب
ب عن رياح غليظة مؤذيةٍ ض فى نواحى الجن ِفى الغشاء المستبطن للضلع .وغير الحقيقى :ألم يُشبهه َيعْرِ ُ
حدِث وجعاً قريباً من وجع ذات الجنب الحقيقى ،إل أن الوجعَ فى هذا القسم ممدودٌ ،وفىتحتقِن بين الصّفاقات ،فتُ ْ
الحقيقى ناخسٌ.
قال صاحبُ ((القانون)) :قد يعرِضُ فى الجنبِ ،والصّفاقات ،والعَضَل التى فى الصدر ،والضلع،
ت الجنب .وقد تكون أيضًا أوجاعًا فى هذه ونواحيها أورا ٌم مؤذية جداً موجِعةٌ ،تسمى شَوْصةً َوبِرساماً ،وذا َ
العضاء ليست من ورم ،ولكن من رياح غليظة ،فيظن أنها من هذه العِلّة ،ول تكون منها.
ت الجنب اشتقاقًا من مكان اللم ،لن معنى ذات الجنب: ن كُلّ وجع فى الجنب قد يُسمى ذا َ قال :واعلم أ ّ
ب إليه ،وعليه
ن نُسِ َ
عرَضَ فى الجنب ألمٌ عن أى سبب كا َ ض به ههنا َوجَعُ الجنب ،فإذا َ
صاحبةُ الجنب ،والغر ُ
ل مَن به وجعُ جنب، حمّام .قيل :المراد به ك ّ
ب ذات الجنبِ ينتفعون بال َ
حمِلَ كلم ((بقراط)) فى قوله :إنّ أصحا َُ
حمّى.
أو وجعُ رِئة من سوء مِزاج ،أو من أخلط غليظة ،أو لذاعة من غير ورم ول ُ
قال بعضُ الطباء :وأما معنى ذات الجنب فى لغة اليونان ،فهو ورمُ الجَنب الحار ،وكذلك ور ُم كل
واحد من العضاء الباطنة ،وإنما سمى ذاتَ الجنب ور ُم ذلك العضو إذا كان ورماً حارًا فقط.
والعلج الموجود فى الحديث ،ليس هو لهذا القسم ،لكن للقسم الثانى الكائن عن الريح الغليظة ،فإ ّ
ن
ق دقاً ناعماً،
ط البحرى وهو العود الهندى على ما جاء مفسّراً فى أحاديث ُأخَر صِنفٌ من ال ُقسْط إذا دُ ّ القُسْ َ
ل لمادته، وخُلِط بالزيت المسخن ،ودُِلكَ به مكانُ الريح المذكور ،أو ُلعِق ،كان دوا ًء موافقاً لذلك ،نافعًا له ،محلّ ً
مُذْهِباً لها ،مقويًا للعضاء الباطنة ،مفتحاً للسّدد ،والعودُ المذكور فى منافعه كذلك.
س البطن ،ويُقوى العضاء الباطنة ،ويطرُد الريح ،ويفتح قال المسيحىّ :العود :حار يابس ،قابض يحب ُ
السّدد ،ناف ٌع من ذات الجنب ،ويُذهب فضلَ الرطوبة ،والعُود المذكور جيد للدماغ .قال :ويجوز أن ينفع القُسْط
مِن ذات الجنب الحقيقيةِ أيضاً إذا كان حدوثها عن مادة بلغمية ،ل سيما فى وقت انحطاط العِلّة ..وال أعلم.
وذاتُ الجنب :من المراض الخطرة ،وفى الحديث الصحيح :عن أُم سلمةَ ،أنها قالت :بدأ رسولُ ال
خفّ عليه ،خرجَ وصلّى بالناس ،وكان كلّما وَجَد ثِقَلً، صلى ال عليه وسلم بمرضِه فى بيت ميمُونةَ ،وكان كلّما َ
غمِرَ عليه مِن شدةِ الوجع ،فاجتمع عنده نساؤه ،وعمّه صلّ بالناس)) ،واشتد شكواه حتى ُ قال(( :مُرُوا أبا بكرٍ فليُ َ
ع َميْس ،فتشاوروا فى لدّهِ ،فَلدّوه وهو مغمورٌ ،فلما أفاق قال: العباس ،وُأمّ الفضل بنت الحارث ،وأسماءُ بنت ُ
جئْنَ من ههُنا)) ،وأشار بيده إلى أرضِ الحبشةِ ،وكانت أُ ّم سلمةَ وأسماءُ ((مَن فعل بى هذا ؟ هذا من عمل نساءٍ ِ
َلدّتاهُ ،فقالوا :يا رسولَ ال؛ خشِينَا أن يكون بكَ ذاتُ الجنب .قالَ (( :فبِ َم َل َددْ ُتمُونى)) ؟ قالوا :بالعُودِ الهندىّ،
ت عليكم أنْ ل ل ِليَ ْق ِذ َفنِى بذلك الدّاءِ)) ،ثم قال(( :عَ َزمْ ُ
ت من زيت .فقال(( :ما كان ا ُ س وقَطِرَا ٍوشى ٍء من َورْ ٍ
عمّىَ ال َعبّاس)).
َيبْقى فى البيتِ أحدٌ إل ُلدّ إل َ
وفى ((الصحيحين)) عن عائشةَ رضى ال تعالى عنها قالتَ :لدْدنَا رسولَ ال صلى ال عليه وسلم،
فأشار أن ل تَُلدّونِى ،فقلنا :كراهِيةُ المريض للدواءِ ،فلما أفاق قال(( :ألم أ ْن َهكُمْ أن تَُلدّونِى ،ل َيبْقَى منكم أحدٌ إل
ش َه ْدكُم)).
عمّى العباس ،فإنّه َلمْ يَ ْ
غيْ َر َ
ُلدّ َ
قال أبو عبيد عن الصمعىّ :الّلدُودُ :ما يُسقى النسان فى أحد شِقّى الفمُ ،أخِذ من َلدِيدَى الوادى ،وهما
جانباه .وأما الوَجُورُ :فهو فى وسط الفم.
قلت :واللّدود بالفتح :هو الدواءُ الذى يَُلدّ به .والسّعوطُ :ما أُدخل من أنفه.
وفى هذا الحديث من الفقه معاقبةُ الجانى بمثل ما فعل سواء ،إذا لم يكن فِعلُه محرماً لحق ال ،وهذا هو
ب المقطوع به لبضعةَ عشر دليلً قد ذكرناها فى موضع آخر ،وهو منصوص أحمد ،وهو ثابت عن الصوا ُ
الخلفاء الراشدين ،وترجمة المسألة بالقِصاص فى اللّطمة والضربة ،وفيها عدةُ أحاديث ل مُعا ِرضَ لها ألبتة،
ل بها.
فيتعين القو ُ
فصل
صدَاع والشقيقة
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى علج ال ّ
صدِع ،غَلّفَ
روى ابن ماجه فى ((سننه)) حديثاً فى صحته نظر :أنّ النبى صلى ال عليه وسلم كان إذا ُ
ن ال من الصّداعِ)).
رأسَه بالحنّاءِ ،ويقول(( :إنّ ُه نافعٌ بإذ ِ
والخامس :يكون من قروح تكون فى المعدة ،فيألم الرأس لذلك الورم لتصال العصب المنحدر من
الرأس بالمعدة.
والسادس :من ريح غليظة تكون فى المعدة ،فتص َعدُ إلى الرأس فتصدعه.
والثامن :صُداع يحصل من امتلء المعدة من الطعام ،ثم ينحدر ويبقى بعضُه نيئاً ،فيصدَع الرأس ويثقله.
والعاشر :صداع يحصُل بعد القىء والستفراغ ،إما لغلبة اليبس ،وإما لتصاعد البخرة من المعدة إليه.
حلّلها.
ض من شدة البرد ،وتكاثفِ البخرة فى الرأس وعدم ت َ
والثانى عشر :ما َيعْرِ ُ
والرابع عشر :ما يحدُث مِن ضغط الرأس وحمل الشىء الثقيل عليه.
والخامس عشر :ما يحدُث مِن كثرة الكلم ،فتضعف قو ُة الدماغ لجله.
والسابع عشر :ما يحدُث من العراض النفسانية ،كالهموم ،والغموم ،والحزان ،والوساوس ،والفكار
الرديئة.
والثامن عشر :ما يحدُث من شدة الجوع ،فإن البخرة ل تجد ما تعمل فيه ،فتكثر وتتصاعد إلى الدماغ
فتؤلمه.
فصل
عصْبُ
وفى ((الصحيح)) :أنه قال فى مرض موته(( :وَا َرأْسَاهُ)) .وكان يُعصّبُ رأسه فى مرضه ،و َ
الرأس ينفع فى وجع الشقيقة وغيرها من أوجاع الرأس.
@
فصل
وعِلجه يختلف باختلف أنواعه وأسبابه ،فمنه ما علجُه بالستفراغ ،ومنه ما علجُه بتناول الغذاء،
ومنه ما عِلجُه بالسّكون والدّعة ،ومنه ما عِلجُه بالضّمادات ،ومنه ما علجُه بالتبريد ،ومنه ما علجُه
بالتسخين ،ومنه ما عِلجُه بأن يجتنب سماعَ الصواتِ والحركات.
حنّاء ،هو جزئى ل كُلّى ،وهو علج نوع من أنواعِه، إذا عُ ِرفَ هذا ،فعِلجُ الصّداع فى هذا الحديث بال ِ
حنّاء نفعاً ظاهراً ،وإذا دُقّ
فإن الصّداع إذا كان من حرارة ملهبة ،ولم يكن من مادةٍ يجب استفراغها ،نفع فيه ال ِ
ض ّمدَ به ،سكنت أوجاعُه ،وهذا ل ت به الجبهةُ مع الخل ،سكن الصّداع ،وفيه قوة موافقة للعصب إذا ُ ض ّمدَ ْ
و ُ
ض ّمدَ به موض ُع الورم الحار شدّ به العضاء ،وإذا ُيختصّ بوجع الرأس ،بل يعُ ّم العضاءَ ،وفيه قبض تُ َ
والملتهب ،سكّنه.
ل ال صلى ال عليه وسلم ما شَكا وقد روى البخارى فى ((تاريخه)) ،وأبو داود فى ((السنن)) أنّ رسو َ
حنّاء)).
ضبْ بال ِ
ختَ ِ
جمْ)) ،ول شَكى إليه وجَعاً فى رجَليْه إل قال له(( :ا ْ
حتَ ِ
إليه أحدٌ وجَعاً فى رأسِهِ إل قال له(( :ا ْ
ب النبىّ صلى
وفى الترمذى :عن سَ ْلمَى أُمّ راف ٍع خادمِة النبى صلى ال عليه وسلم قالتْ :كان ل يُصي ُ
حنّا َء
ال عليه وسلم قرح ٌة ول شَوْكةٌ ،إل َوضَع عليها ال ِ
فصل
وحُكى أنّ رجلً تشقّ َقتْ أظافي ُر أصابِع يده ،وأنه بذل لمن يُبرئه مالً ،فلم يجد ،فوصفت له امرأة ،أن
يشرب عشرة أيام حِناء ،فلم يُ ْقدِم عليه ،ثم نقعه بماء وشربه ،فبرأ ورجعت أظافيرُه إلى حسنها.
ضمّ َد به بقايا الورام الحارةت به الظفار معجوناً حسّنها ونفعها ،وإذا عُجِنَ بالسمن و ُحنّاء إذا أُل ِزمَ ْ
وال ِ
التى تَرْشَحُ ما ًء أصفر نفعها ،ونفع من الجرَب المتقرّح المزمن منفعة بليغة ،وهو ُينْبت الشع َر ويقويه ،و ُيحَسّنه،
ويُقوّى الرأس ،وينفع من النّفّاطات ،والبُثور العارضة فى الساقين والرّجْلين ،وسائر البدن.
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى معالجة المرضى بترك إعطائهم ما يكرهونه من الطعام والشراب ،وأنهم ل
يُكرَهون على تناولهما
ج َهنِى ،قال :قال رسولُ ال صلى ال روى الترمذى فى ((جامعه)) ،وابنُ ماجه ،عن عقبة بن عامر ال ُ
ط ِع ُمهُم و َيسْقِيهمْ)).
ل يُ ْ
ل عَزّ وجَ ّ
عليه وسلم(( :ل ُتكْرِهوا مَرضاكُم عَلَى الطّعامِ والشّرابِ ،فإنّ ا َ
سيّما للطباء، قال بعضُ فضلء الطباء :ما أغزرَ فوائدَ هذه الكلمة النبوية المشتملة على حِكم إلهية ،ل ِ
ض إذا عاف الطعامَ أو الشراب ،فذلك لشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض، ولمن يُعالِج المرضى ،وذلك أنّ المري َ
أو لسقوط شهوته ،أو نُقْصانها لضعف الحرارة الغريزية أو خمودها ،وكيفما كان ،فل يجوز حينئذ إعطا ُء الغِذاء
فى هذه الحالة.
ض ما يتحلل منها ،فتجذب ف الطبيعة به عليها عِو َ ن الجوعَ إنما هو طلبُ العضاء للغذاء لتُخلِ َ واعلم أ ّ
ب الغِذاء، حسّ النسان بالجوع ،فيطل ُ ب إلى المعدة ،فيُ ِ
العضاء القصوى من العضاء الدنيا حتى ينتهىَ الجذ ُ
جدَ المرض ،اشتغلت الطبيعةُ بمادته وإنضاجها وإخراجها عن طلب الغذاء ،أو الشراب ،فإذا ُأكْرِهَ وإذا وُ ِ
ت به الطبيعة عن فعلها ،واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المريضُ على استعمال شىء من ذلك ،تعطلّ ْ
سيّما فى أوقات البُحْران ،أو ضعفِ الحار الغريزى أو المرض ودفعه ،فيكون ذلك سببًا لضرر المريض ،ول ِ
خمودِه ،فيكون ذلك زيادةً فى البلية ،وتعجيل النازلة المتوقّعةَ .ول ينبغى أن يُسـتعمل فى هذا الوقتِ والحال إل
ف قِوامه من الشربة ن بما َلطُ َ
ظ عليه قوّته ويُقويها مِن غير استعمال مزعج للطبيعة ألبتة ،وذلك يكو ُ ما يحف ُ
ل مِزاجه كشراب اللّينوفر ،والتفاح ،والورد الطّرِى ،وما أشبه ذلك ،ومن الغذية مرق والغذية ،واعتد َ
طرَة الموافقة ،والخبار السارة ،فإنّ الطبيبَ خادمُ الفراريج المعتدلة الطيبة فقط ،وإنعاش قواه بالراييح العَ ِ
الطبيعة ،ومعينها ل معيقها.
واعلم أنّ الدم الجيد هو ال ُمغَذّى للبدن ،وأنّ البلغم دم فج قد نضج بعضَ النضج ،فإذا كان بعض
غذّت به
عدِم الغذاءُ ،عطفت الطبيعةُ عليه ،وطبخته ،وأنضجته ،وصيّرته دماً ،و َالمرضى فى بدنه بلغم كثير ،و ُ
العضاء ،واكتفت به عما سواه ،والطبيعةُ هى القوة التى وكلها ال سبحانه بتدبير البدن وحفظه وصحته،
وحراسته مدة حياته.
واعلم أنه قد يُحتاج فى النّدرة إلى إجبار المريض على الطعام والشراب ،وذلك فى المراض
ق الذى قد دلّ على
التى يكون معها اختلطُ العقل ،وعلى هذا فيكونُ الحديثُ من العامّ المخصوص ،أو من المُطْلَ ِ
تقييده دليلٌ ،ومعنى الحديث :أنّ المريضَ قد يعيش بل غذاء أيامًا ل يعيش الصحيحُ فى مثلها.
ف زائد على ما وفى قوله صلى ال عليه وسلم(( :فإنّ ال يُط ِعمُهم و َيسْقِيهِم)) معنى لطي ٌ
ل الطبيعة ذكره الطبا ُء ل يعرفُه إل مَن له عناية بأحكام القُلوب والرواح ،وتأثيرها فى طبيعة البَدن ،وانفعا ِ
س إذا حصل لها ما يشغَلُها مِن عنها ،كما تنفعل هى كثيراً عن الطبيعة ،ونحن نُشير إليه إشارةً ،فنقول :النّ ْف ُ
س بجوع ول عطش ،بل ول حر ت به عن طلب الغِذاء والشراب ،فل تُحِ ّ محبوبٍ أو مكرو ٍه أو مَخُوف ،اشتغلَ ْ
حسّ به ،وما من أحد إل وقد وجدَ فى نفسه ذلك أو ول برد ،بل تشتغل به عن الحساس المؤلم الشديد اللم ،فل تُ ِ
ى التفريح،
شيئًا منه ،وإذا اشتغلتْ النفس بما دهمها ،وورد عليها ،لم تُحِسّ بألم الجوع ،فإن كان الوارد مفرّحاً قو ّ
ت به ،وانتعشتْ قُواها ،وتضاعفَت ،وجرت الدمويةُ فى الجسد حتى تظهر فى سطحه، قام لها مَقا َم الغِذاء ،فشبع ْ
ئ به ،فل تطلبُ فيُشرِقُ وجهه ،وتظهر دمويتهُ ،فإنّ الفرح يُوجبُ انبساطَ دم القلب ،فينبعثُ فى العروق ،فتمتل ُ
ظفِ َرتْ بما
ب إليها ،وإلى الطبيعة منه ،والطبيعةُ إذا َ
العضاءُ حَظّها من الغذاءِ المعتاد لشتغالها بما هو أح ّ
تُحبّ ،آثرتْه على ما هو دونه.
وإن كان الواردُ مؤلماً أو محزناً أو مخوفاً ،اشتغلتْ بمحاربتِه ومُقاومتِه ومُدافعته عن طلب الغذاء ،فهى
ت فى هذا الحرب ،انتعشت قواها ،وأخلَفت عليها فى حال حربها فى شغل عن طلب الطعام والشراب .فإن ظفر ْ
نظيرَ ما فاتها من قوة الطعام والشراب ،وإن كانت مغلوبةً مقهورة ،انحطّتْ قواها بحسب ما حصل لها من ذلك،
ب بينها وبين هذا العدوّ سِجالً ،فالقو ُة تظهرُ تار ًة وتختفى أُخرى ،وبالجملة فالحربُ بينهما على
وإن كانت الحر ُ
مثال الحرب الخارج بين العدوين المتقاتلين ،والنصرُ للغالبِ ،والمغلوب إما قتيل ،وإما جريح ،وإما أسير.
فالمريض :له مَددٌ مِنَ ال تعالى يُغذيه به زائداً على ما ذكره الطباء من تغذيته بالدم ،وهذا المَددُ بحسب
عزّ وجَلّ ،فيحصُل له من ذلك ما يُوجب له قُرباً من ربه ،فإنّ العبدَضعفِه وانكسارِه وانطِراحِه بين يدى ربه َ
أقربُ ما يكون من ربه إذا انكسر قلبُهُ ،ورحمةُ ربه عندئذٍ قريبة منه ،فإن كان وليًا له ،حصل له من الغذية
ش به قواه أعظ َم مِن قوتها ،وانتعاشها بالغذية البدنية ،وكلما قَوى إيمانُه
القلبية ما تَقْوى به قُوَى طبيعته ،وتَنتع ُ
جدَ فى نفسه من هذه حبّه لربه ،وأُنسُه به ،وفرحُه به ،وقَوى يقينه بربه ،واشتد شوقه إليه ورضاه به وعنه ،و َ وُ
القوة ما ل ُيعَبّ ُر عنه ،ول يُدركُه وصف طبيب ،ول يَنالُه علمه.
ومَن غَلُظ طبعُه ،و َكثُفتْ نفسُه عن فهم هذا والتصديق به ،فلينظرْ حالَ كثير من عُشّاقِ الصور الذين قد
س من هذا عجائبَ فى امتلتْ قلوبُهم بحُب ما يعشَقوُنه من صُورةٍ ،أو جاهٍ ،أو مال ،أو علم ،وقد شاهد النا ُ
أنفسهم وفى غيرهم.
وقد ثبت فى ((الصحيح)) :عن النبىّ صلى ال عليه وسلم ،أنه كان يُواصلُ فى الصّيام اليامَ
ظلّ يُط ِعمُنى َربّى ويَسْقِينى)).
ت َكهَ ْي َئ ِتكُمْ إنى أَ َ
ت العددِ ،وينهَى أصحابه عن الوِصال ويقول(( :لس ُ
ذوا ِ
وأيضاً فإنه فرق بينه وبينهم فى نفس الوِصال ،وأنه يَقدِ ُر منه على ما ل يقدِرُون عليه ،فلو كان يأكلُ
ن قَلّ نصيبُه من غذاء الرواح والقلوب، ستُ َك َه ْيئَ ِتكُم )) ،وإنما َفهِ َم هذا من الحديث مَ ْ
ويشرب بفمه ،لم يَقُلْ(( :لَ ْ
ق تأثير الغِذاء الجسمانىّ ..وال الموفق. وتأثيرِهِ فى القوة وإنعاشِها ،واغتذائها به فو َ
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى علج ال ُعذْرة وفى العلج بالسّعوط
ل ال صلى ال عليه وسلم وفى ((السنن)) و((المسند)) عنه من حديث جابر بن عبد ال قال :دَخَلَ رسو ُ
ل مَنخرا ُه دماً ،فقال(( :ما هذا)) ؟ فقالوا :به العُذرةُ ،أو وَجعٌ فى رأسه ،فقال: صبِىٌ يَسِي ُ
على عائشة ،وعِندَها َ
حكّه بماءٍ ،ثم
خ ْذ قُسْطاً ِه ْن ِديّاً فَ ْلتَ ُ
عذْرَةٌ أو َوجَعٌ فى رأسِه ،فَ ْلتَأ ُ
ب وََلدَها ُ
ن أَوْل َدكُنّ ،أيّما امرأةٍ أصا َ
((وَيلكُنّ ،ل تَ ْقتُل َ
صنِعَ ذلك بالصبىّ ،فبَرَأَ.
ت عائشةُ رضى ال عنها ف ُ سعِطْهُ إيّاهُ)) فأمَر ْ تُ ْ
وقيل :ال ُعذْرَةُ :قرحة تخرج فيما بين الذُن والحلق ،وتَعرض للصبيان غالباً.
وأما نفعُ السّعوط منها بال ُقسْط المحكوك ،فلن ال ُعذْرَةُ مادتُها دم يغلب عليه البلغمُ ،لكن تولده فى أبدان
شدّ اللّهاةَ ويرفعها إلى مكانها ،وقد يكون نفعُه فى هذا الداء بالخاصية ،وقدف يَ ُ
الصبيان أكثر ،وفى ال ُقسْط تجفي ٌ
ينفع فى الدواء الحارة ،والدوية الحارة بالذات تارة ،وبالعرض أُخرى .وقد ذكر صاحب ((القانون)) فى
معالجة سُقوط الّلهَاة :القُسطَ مع الشّب اليمانىّ ،وبذر المـرو.
ى المذكور فى الحديث :هو العود الهندى ،وهو البيض منه ،وهو حلو ،وفيه منافعُ عديدة. ط البحر ّ
والقُسْ ُ
وكانوا يُعالجون أولدَهم بغَمز اللّهاة ،وبالعِلَق ،وهو :شىء يُعلّقونه على الصبيان ،فنهاهم النبىّ صلى ال عليه
ل عليهم. وسلم عن ذلك ،وأرشدهم إلى ما هو أنفعُ للطفال ،وأسه ُ
ب فى النف ،وقد يكون بأدوية مفردة ومُركّبة ُتدَق وتُنخل وتُعجن وتُجفف ،ثم تُحَلّ والسّعوطُ :ما يُصَ ّ
عند الحاجة ،ويُسعط بها فى أنف النسان ،وهو مستلقٍ على ظهره ،وبين كتفيه ما يرفعُهما لتنخفض رأسُه،
ط من الوصول إلى دماغه ،ويُستخرج ما فيه من الداء بالعطاس ،وقد مدح النبى صلى ال عليه فيتمكن السّعو ُ
وسلم التداوىَ بالسّعوط فيما يُحتاج إليه فيه.
ستَعطَ)).
ن النبىّ صلى ال عليه وسلم ا ْ
وذكر أبو داودَ فى ((سننه))(( :أ ّ
فصل
ت مرضاً ،فأتَانِى رسولُ ال روى أبو داود فى ((سننه)) من حديث مُجاهدٍ ،عن سعد ،قال(( :مَرض ُ
ل مَفْؤُودٌ
حتّى َوجَدتُ بَ ْردَها على فؤادى ،وقال لى :إ ّنكَ رجُ ٌ صلى ال عليه وسلم َيعُودنى ،فَ َوضَعَ َيدَه بين ثَديَىّ َ
ن بِنَواهُنّ ،ثم
خ ْذ سبعَ َتمَراتٍ من عَجْوَ ِة المدينةِ ،ف ْليَجأْهُ ّ
ث بن كََلدَةَ من ثَقِيفٍ ،فإنّه رج ٌل يتطبّبُ ،فلْيأْ ُ
ف ْأتِ الحارَ َ
ِليَُل ّدكَ ِبهِنّ)).
المفؤود :الذى أُصيب فؤادُه ،فهو يشتكيه ،كالمبطون الذى يشتكى بطنه.
وفى ال ّتمْر خاصيّةٌ عجيب ٌة لهذا الداء ،ول سِـيّما تم َر المدينة ،ول سِـيّما العجوة منه ،وفى كونها سبعاً
خاصيةٌ أُخرى ،تُدرَك بالوحى ،وفى ((الصحيحين)) :من حديث عامر بن سعد بن أبى َوقّاصٍ ،عن أبيه قال:
سمٌ ول
ضرّهُ ذلك اليومَ َ
ت من َتمْ ِر العَاِليَة لم يَ ُ
صبّحَ بسبعِ َتمَرَا ٍ
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم(( :مَنْ َت َ
حرٌ)).
سِ ْ
ل حاف ٌ
ظ ب فيها .وقيل :معتدل ،وهو غذاءٌ فاض ٌ وال ّتمْرُ حا ٌر فى الثانية ،يابس فى الُولى .وقيل :رط ٌ
سيّما لمن اعتاد ال ِغذَا َء به ،كأهل المدينة وغيرهم ،وهو من أفضل الغذية فى البلد الباردةِ والحارةِ للصحة ل ِ
التى حرارتُها فى الدرجة الثانية ،وهو لهم أنف ُع منه لهل البلد البارِدةِ ،لبرودةِ بواطن سكانها ،وحرارةِ بواطن
سكان البلد الباردة ،ولذلك يُكثِرُ أهلُ الحجاز واليمن والطائف ،وما يليهم مِن البلد المشابهةِ لها من الغذية
ضعُون فى أطعمتهم من الفُلْفُل وال ّزنْجبيل ،فوقَ ما
الحارة ما ل يتَأتّى لغيرهم ،كال ّتمْر والعسل ،وشاهدناهم يَ َ
ت من َيتَنَقّل يضعه غيرُهم نح َو عشرة أضعاف أو أكثر ،ويأكلون ال ّزنْجبيل كما يأكل غيرُهم الحَلْوى ،ولقد شاهد ُ
به منهم كما يتنقل بالنّقْلِ ،ويوافقهم ذلك ول يضرّهم لبرودةِ أجوافهم ،وخروج الحرارة إلى ظاهر الجسد ،كما
تُشا َهدُ ميا ُه البار تب ُردُ من الصيف ،وتسخن فى الشتاء ،وكذلك تُنضج المعدة من الغذية الغليظة فى الشتاء ما
ل تُنضجه فى الصيف.
وأما أهل المدينة ،فال ّتمْر لهم يكاد أن يكونَ بمنزلة الحِنطة لغيرهم ،وهو قوتُهم ومادتُهم ،وتمرُ العاليةِ مِن
أجود أصناف تمرهم ،فإنه متينُ الجسم ،لذيذُ الطعم ،صادق الحلوة ،وال ّتمْر يدخل فى الغذية والدوية
والفاكهة ،وهو يُوافق أكثر البدان ،مقوّ للحار الغريزى ،ول يتولّد عنه من الفَضلت الرديئة ما يتولّد عن غيره
من الغذية والفاكهة ،بل يمنع لمن اعتاده مِن تعفن الخلط وفسادِها.
ن للمكنة اختصاصًا بأّل المدينة ومَن جاوَرَهم ،ول ري َ
وهذا الحديثُ من الخطاب الذى أُريد به الخاصّ ،كأه ِ
ينفع كثير من الدوية فى ذلك المكان دونَ غيره ،فيكون الدواء الذى قد ينبت فى هذا المكان نافعًا من الداء ،ول
يوجد فيه ذلك النف ُع إذا نبت فى مكان غيره لتأثير نفس التّربة أو الهواء ،أو هما جميعاً ،فإنّ للرض خواص
وطبائع يُقارب اختلفُها اختلفَ طبائع النسان ،وكثي ٌر من النبات يكون فى بعض البلد غذا ًء مأكولً ،وفى
ب أدويةٍ لقوم أغذية لخرين ،وأدوية لقوم من أمراض هى أدويةٌ لخرينَ فى أمراض سمّا قاتلً ،ورُ ّ
بعضها ُ
سواها؛ وأدوية لهل بلدٍ ل تُناسب غيرهم ،ول تنفعهم.
ق به)) وأمر النبىّ صلى ال عليه وسلم فى ق به من ُأمّهِ)) ،وفى ثالثةُ(( :أمّهُ أحَ ّ
وفى رواية أخرى(( :أبُوه أح ّ
ب عليه من سبعِ قِ َربٍ ،وسَخّر ال الريحَ على قوم عادٍ سبع ليالَ ،ودَعَا النبىّ صلى ال عليه وسلم مرضه أن يُصَ ّ
حبّةٍ أنبتت سبعَ ق بِ َ
ص َدقَةَ المتصدّ ِ
عفُ به َ
ل على قومه بسب ٍع كسبعِ يوسف ،و َمثّلَ الُ سبحانه ما يُضا ِ أن يُعينَه ا ُ
حبّةٍ ،وَالسّنابل التى رآها صاحبُ يوسفَ سبعاً ،والسنين التى زرعوها دأْباً سبعاً، سنابل فى كلّ سُنبلة مائة َ
لمّة بغير حساب سبعون ألفاً. عفُ الصدقة إلى سبعمائة ضِعف إلى أضعاف كثيرة ،ويدخل الجنَّة من هذه ا ُ وتُضا َ
شفْعٌ
ى العدد كله وخواصه ،فإن العددَ َ ن لهذا العدد خاصيّة ليست لغيره ،والسبعة جمعت معان َ فل ريب أ ّ
شفْع :أول وثان .وال َوتْر :كذلك ،فهذه أربع مراتب :شفع أول ،وثان .ووتر أول ،وثان ،ول تجتمع هذه و َوتْرٌ .وال َ
شفْع وال َوتْر ،والوائل
ل مِن سبعة ،وهى عدد كامل جامع لمراتب العدد الربعة ،أعنى ال َ المراتبُ فى أق ّ
شفْع الول الثنين ،وبالثانى الربعة ،وللطباء والثوانى ،ونعنى بال َوتْر الول ،الثلثة ،وبالثانى الخمسة؛ وبال َ
سيّما فى البحارين .وقد قال ((بقراط)) :كل شىء فى هذا العالَم فهو مقدّر على سبعة اعتناءٌ عظيم بالسبعة ،ول ِ
أجزاء ،والنجوم سبعة ،واليام سبعة ،وأسنان الناس سبعة ،أولها طفل إلى سبع ،ثم صبى إلى أربع عشرة ،ثم
مُراهِقٌ ،ثم شابٌ ،ثم كهلٌ ،ثم شيخٌ ،ثم هَ ِرمٌ إلى منتهى العمر ،وال تعالى أعلم بحكمته وشرعه ،وقدره فى
تخصيص هذا العدد ،هل هو لهذا المعنى أو لغيره ؟
ونفع هذا العدد مِن هذا ال ّتمْر من هذا البلد من هذه البقعة بعينها من السّم والسّحر ،بحيث تمنع إصابته،
من الخواصّ التى لو قالها ((بقراط)) و((جالينوس)) وغيرهما من الطباء ،لتلقّاها عنهم الطباءُ بالقبول
حدْسُ والتخمين والظنّ ،فمَن كلمُه كلّه يقينٌ ،وقطعٌ وبرهانٌ
ن القائل إنما معه ال َ
والذعان والنقياد ،مع أ ّ
ووحىٌ ،أولى أن تُتلقى أقوالُه بالقبول والتسليم ،وترك العتراض .وأدوية السّموم تارة تكون بالكيفية ،وتارة
تكون بالخاصية كخواص كثير من الحجار والجواهر واليواقيت ..وال أعلم.
فصل
ث مِن العام المخصوص ،ويجوز نفعُه ويجوز نف ُع ال ّتمْر المذكور فى بعض السموم ،فيكونُ الحدي ُ
ن مِن شرط انتفاع لخاصية تلك البلد ،وتلك التّرْبة الخاصة من كل سُمّ ،ولكن ههنا أمر ل بد من بيانه ،وهو أ ّ
ن كثيرًا من المعالجات العليل بالدواء قبولَه ،واعتقاد النف ُع به؛ فتقبله الطبيعة ،فتستعين به على دفع العِلّة ،حتى إ ّ
حسْن القبول ،وكمال التلقّى ،وقد شاهد الناس من ذلك عجائب ،وهذا لن الطبيعة يشتد قبولُها ينفع بالعتقاد ،و ُ
له ،وتفرحُ النفس به ،فتنتعشُ القُوّة ،ويقوى سلطانُ الطبيعة ،وينبعثُ الحار الغريزى ،فيُساعد على دفع المؤذى،
وبالعكس يكون كثير من الدوية نافعاً لتلك العِلّة ،فيقطعُ عملَه سوءُ اعتقاد العليل فيه ،وعد ُم أخذ الطبيعة له
بالقبول ،فل يجدى عليها شيئاً .واعتب ْر هذا بأعظم الدوية والشفية ،وأنفعِها للقلوب والبدان ،والمعاش والمعاد،
والدنيا والخرة ،وهو القرآن الذى هو شفا ٌء مِن كل داء ،كيف ل ينفع القلوب التى ل تعتقد فيه الشفاء والنفع ،بل
ل يزيدها إل مرضاً إلى مرضها ،وليس لِشفاء القلوب دواءٌ قَطّ أنف َع مِن القرآن ،فإنه شفاؤها التام الكامل الذى ل
يُغادر فيها سقماً إل أبرأه ،ويحفظ عليها صحتها المطلقة ،ويحميها الحمية التامة من كل مؤذٍ ومُضرٍ ،ومع هذا
فإعراضُ أكث ِر القلوب عنه ،وعدم اعتقادها الجازم الذى ل ريب فيه أنه كذلك ،وعد ُم استعماله ،والعدول عنه
إلى الدوية التى ركبها بنو جنسها حال بينها وبين الشفاء به ،وغلبت العوائدُ ،واشتد العراض ،وتمكنت العللُ
والدوا ُء المزمنة من القلوب ،وتربّى المرضى والطباء على علج بنى جنسهم وما وضعه لهم شيوخُهم ،ومَنْ
ل أعيَا عليهم عِلجُها، يُعظمونه ويُحسنون به ظنونهم ،فعظم المصابُ ،واستحكم الداءُ ،وتركّبت أمراضٌ وعل ٌ
وكلمّا عالجوها بتلك العلجات الحادثة تفاقَمَ أمرها ،وقويت ،ولسانُ الحال يُنادى عليهم:
ب الشّفَا ِء وما إليهِ وصولُ
قُرْ ُ جمّةٌ
ب والعَجائِبُ َ
ومِنَ العَجائِ ِ
ل
ظهُورِهَا مَحْمو ُ
والماءُ فوق ُ كَا ْلعِيسِ فى الْبيْدَا ِء يَ ْقتُُلهَا الظّما
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى دفع ضرر الغذية والفاكهة وإصلحها بما يدفع ضررها ،ويُقوّى نفعَها
طبَ
ثبت فى ((الصحيحين)) من حديث عبد ال بن جعفر ،قال(( :رأيتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم يأكل الرّ َ
بال ِقثّاء)).
والرّطب :حارٌ رَطْبٌ فى الثانيةُ ،يقَوّى ال َم ِعدَة الباردة ،ويُوافقها ،ويزيد فى الباه ،ولكنه سريعُ التعفّن ،معطّش
صدّع مُوَلّد للسّدد ،ووجع المثانة ،ومُضِرٌ بالسنان ،والقثاء بارد رطب فى الثانية ،مسكن للعطش، ُمعَكّر للدم ،مُ َ
جفّف بزره ،ودُقّ واستُحِْلبَ
منعِش للقُوَى بشمه لما فيه من العطرية ،مُطفى ُء لحرارة ال َمعِدَة الملتهبة ،وإذا ُ
بالماء ،وشُرِب ،سكّن العطش ،وأدرّ البول ،ونفع من وجع المثانة .وإذا دُقّ و ُنخِل ،ودُلك به السنان ،جلها،
ختَج ،نفع من عضة الكلب الكَلِب. عمِل منه ضماد مع ال َم ْيبَ ْ
وإذا دُقّ ورقُه و ُ
وبالجملة :فهذا حار ،وهذا بارد ،وفى كل منهما صلحُ الخر ،وإزالة لكثر ضرره ،ومقاومة كل كيفية بضدها،
ودفع سَوْرتِها بالُخرى ،وهذا أصل العِلج كله ،وهو أصل فى حفظ الصحة ،بل علم الطب كله يُستفاد من هذا.
ضرّة لما
ح لها وتعديلٌ ،ودفعٌ لما فيها من الكيفيات المُ ِ
وفى استعمال ذلك وأمثالِهِ فى الغذية والدوية إصل ٌ
سمّنونى بكلّ شىء ،فلم يُقابلها ،وفى ذلك عَوْنٌ على صحة البدن ،و ُقوّته وخِصبِه ،قالت عائشة رضى ال عنهاَ :
سمّنونى بال ِقثّاء والرّطَب ،فسمنت.
سمْن ،ف َ
أَ
ل أحدِهما
وبالجملة :فدفعُ ضررِ البارد بالحار ،والحار بالبارد ،والرّطبِ باليابس ،واليابس بالرّطب ،وتعدي ُ
سنُوت ،وهو العسل الذى بالخر من أبلغ أنواع العلجات ،وحفظ الصحة .ونظي ُر هذا ما تقدّم من أمره بالسّنا وال ّ
سنَا ،ويُعدله ،فصلوات ال وسلمه على مَن بُعث بعمارة القلوب والبدان، ح به ال ّ
فيه شىء من السمن يصل ُ
وبمصالح الدنيا والخرة.
فصل
الدواء كله شيئان :حِمي ٌة وحفظ صحة .فإذا وقع التخليطُ ،احتِيجَ إلى الستفراغ الموافق ،وكذلك مدارُ الطب كله
على هذه القواعد الثلثة.
والحِمية حِميتان :حِمية عمّا يجلِبُ المرض ،وحِمية عما يزيده ،فيقف على حاله ،فالولى :حِمية الصحاءِ.
والثانية :حِمية المرضى .فإنّ المريض إذا احتمى ،وقف مرضُه عن التزايد ،وأخذت ال ُقوَى فى دفعه .والصل
جدُوا
ستُ ُم النّسَا َء فََلمْ تَ ِ
لمَ ْ
حدٌ مّنكُم مّنَ ا ْلغَائِطِ أَوْ َ
سفَ ٍر أَوْ جَا َء َأ َ
فى الحِمية قوله تعالى{ :وَإن ُك ْنتُم مّ ْرضَى أَ ْو عَلَى َ
ض من استعمال الماء ،لنه يضرّه. حمَى المري َ طيّباً} [المائدة َ ،] 6:ف َ صعِيداً َ
مَا ًء َف َت َيمّمُواْ َ
ل علىّ رسول ال صلى ال عليه وفى ((سنن ابن ماجه)) وغيره ،عن أُ ّم المنذِر بنت قيس النصارية ،قالت :دَخَ َ
ى ناقِ ٌه من مرض ،ولنا دوالى مُعلّقة ،فقام رسولُ ال صلى ال عليه وسلم يأكل منها ،وقام وسلم ومعه علىّ ،وعل ٌ
حتّى كفّ .قالت :وصنعت ل ال صلى ال عليه وسلم يقول لعلىّ(( :إنك ناقِةٌ)) َ ى يأكل منها ،فط ِفقَ رسو ُ عل ّ
صبْ ،فإنه أنف ُع َلكَ)) ،وفى لفظ فقال: شعيراً وسِلْقاً ،فجئت به ،فقال النبىّ صلى ال عليه وسلم لعلىّ(( :مِنْ هذا أَ ِ
ق َلكَ)).صبْ ،فإنه أوفَ ُ
((مِنْ هذا فَأ ِ
ت على النبىّ صلى ال عليه وسلم وبين يديه خبزٌ وتمرٌ، صهَيْبٍ ،قال :قدمِ ُ
وفى ((سنن ابن ماجه)) أيضًا عن ُ
فقال(( :ادْنُ َفكُلْ)) ،فأخذتُ تمرًا فأكلتُ ،فقال(( :أتأكُلُ تمرًا و ِبكَ َرمَدٌ)) ؟ فقلت :يا رسول ال؛ أمضُ ُغ مِنَ
الناحية الخرى ،فتبسّم رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ح ُدكُم
حمِى أ َ
وفى حديث محفوظ عنه صلى ال عليه وسلم (( :إنّ الَ إذا أحبّ عبداً ،حماه مِنَ الدّنيا ،كما يَ ْ
طعَامِ والشّرابِ)).
مريضَه عَنِ ال ّ
ب الحِمية ،والحِمية عندهم للصحيح فى المضرة بمنزلة التخليط للمريض والنّاقِه ،وأنف ُع
س الطّ ّ
وقال الحارث :رأ ُ
ما تكون الحِمية للنّاق ِه من المرض ،فإنّ طبيعته لم ترجع بعدُ إلى قُوّتها ،والقوة الهاضمة ضعيفة ،والطبيعة قابلة،
والعضاء مستعدة ،فتخليطُه يُوجب انتكاسَها ،وهو أصعب من ابتداءِ مرضه.
ن الدّوالىَ
ى من الكل من الدّوالى ،وهو ناقِ ٌه أحسنَ التدبير ،فإ ّ ن فى منع النبىّ صلى ال عليه وسلم لعل ّ واعلم أ ّ
طبُ تعُلّقُ فى البيت للكل بمنزلة عناقي ِد ال ِعنَب ،والفاكهةُ تضرّ بالناقِه من المرض لسُرعة
َأ ْقنَا ٌء من الرّ َ
استحالتها ،وضعف الطبيعة عن دفعها ،فإنها لم تتمكن بعد من قُوّتها ،وهى مشغولةٌ بدفع آثار العِلّة ،وإزالتها مِن
البدن.
وفى الرّطَبِ خاص ًة نوع ثقلٍ على ال َمعِدَة ،فتشتغل بمعالجتِه وإصلحه عما هى بصدده من إزالة بقية المرض
ق والشعيرُ ،أمره أن يُصيب منه ،فإنه وآثاره ،فإما أن تقف تلك البقية ،وإما أن تتزايدَ ،فلمّا وُضع بين يديه السّلْ ُ
ف والتليين ،وتقوي ِة الطبيعة ما هو أصلَح
من أنفع الغذية للناقِه ،فإنّ فى ماء الشعير من التبريد والتغذية ،والتلطي ِ
طبِخَ بأُصول السّلق ،فهذا مِن أوفق الغذاء لمن فى َم ِعدَتِهِ ضعفٌ ،ول يتولّد عنه من الخلط سيّما إذا ُ
للناقِه ،ول ِ
ما يُخاف منه.
عمَرُ رضى ال عنه مريضاً له ،حتى إنه من شدة ما حماه كان َيمَصّ النّوَى.
حمَى ُ
وقال زيدُ بن أسلمَ :
وبالجملة :فالحِمية من أنفع الدوية قبل الداء ،فتمنع حصولَه ،وإذا حصل ،فتمنع تزايدَه وانتشارَه.
فصل
ن كثيرًا مما يُحمى عنه العليلُ والناقِه والصحيحُ ،إذا اشتدت الشهوة إليه ،ومالت إليه ومما ينبغى أن يُعلم أ ّ
الطبيعة ،فتناول منه الشىءَ اليسي َر الذى ل َتعْجِ ُز الطبيعةُ عن هضمه ،لم يضرّه تناوُله ،بل ربما انتفع به ،فإنّ
الطبيعة وال َمعِدَة تتلقيانه بالقبول والمحبّة ،فيُصلحان ما يُخشى مِن ضرره ،وقد يكون أنف َع مِن تناول ما تكرهه
ل ال ّتمَرَاتِ اليسيرة،
ص َهيْبًا وهو أرمدُ على تناو ِ
الطبيعةُ ،وتدفعهُ من الدواء ،ولهذا أقرّ النبىّ صلى ال عليه وسلم ُ
ضرّه.
وعلم أنها ل تَ ُ
ن النبىّ صلى ال عليه وسلم عادَ عكْ ِرمَةَ ،عن ابن عباس ،أ ّومن هذا ما رواه ابن ماجه فى ((سننهِ)) من حديث ِ
خبْ َز بُرّ وفى لفظٍ :أش َتهِى َك ْعكَاً فقال النبىّ صلى ال عليه وسلم: رَجُلً ،فقال له(( :ما تَش َتهِى)) ؟ فقال :أش َتهِى ُ
ط ِعمْهُ)).
ض أح ِدكَم شيئاً ،فَ ْليُ ْ
ن عندَهُ خُب ُز بُرّ ،فَليبعَثْ إلى أخيه)) ،ثم قال(( :إذا اش َتهَى مري ُ
((مَن كا َ
ض إذا تناول ما يشتهيه عن جُوع صادق طبيعى ،وكان فيه ضررٌ ففى هذا الحديث سرٌ طبىٌ لطيف ،فإنّ المري َ
حبَة الطبيعة يدفع
صدْق شهوتِهِ ،وم َ
ما ،كان أنفعَ وأقلّ ضرراً مما ل يشتهيه ،وإن كان نافعاً فى نفسه ،فإنّ ِ
ضررَه ،وبُغض الطبيعة وكراهتها للنافع ،قد يَجِْلبُ لها منه ضرراً.
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى علج الرّم ِد بالسكون ،والدّعةِ ،وت ْركِ الحركةِ ،والحِميةِ مما يَهيج الرّمد
وذكر أبو ُنعَيْم فى كتاب ((الطب النبوى)) :أنه صلى ال عليه وسلم ((كان إذا َر ِمدَتْ عينُ امرأ ٍة من نسائه لم
حتّى تَبرََأ عينُها)).
يأ ِتهَا َ
ب أحد الخلطالرّمدُ :ورمٌ حار يَعرِضُ فى الطبقة الملتحمة من ال َعيْن ،وهو بياضُها الظاهر ،وسببُه انصبا ُ
ث منها قِسطٌ إلى جَوْهر ال َعيْن ،أو ضرب ٌة تُصيب
الربعة ،أو ريحٌ حارة تكثُر كميتها فى الرأس والبدن ،فينبعِ ُ
ض لها ،ولجل ذلك يَرِمُ
عرَ َ ال َعيْن ،فتُرسل الطبيعةُ إليها مِن الدّم والروح مقدارًا كثيراً ،تَرُو ُم بذلك شفاءَها مما َ
س يوجب ضده. العضو المضروب ،والقيا ُ
واعلم أنه كما يرتفعُ من الرض إلى الجو بُخاران ،أحدهما :حار يابس ،والخرُ :حارٌ رَطب ،فينعقدان سحاباً
متراكماً ،ويمنعان أبصارَنا مِن إدراك السماء ،فكذلك يرتف ُع من قعر ال َمعِدَة إلى منتهاها مِثلُ ذلك ،فيمنعانِ
شتّى ،فإن قويت الطبيعةُ على ذلك ودفعته إلى الخياشيم ،أحدث الزّكامَ ،وإن دفعته إلى النظرَ ،ويتولّد عنهما عِلَلٌ َ
جنْبِ ،أحدث الشّوْصةَ ،وإن دفعتْه إلى الصدر ،أحدث النّزلةَ، اللّهاة وال َمنْخِرَين ،أحدث الخُناقَ ،وإن دفعتْه إلى ال َ
خبْطَةَ ،وإن دفعته إلى ال َعيْن ،أحدث رمداً ،وإن انحدر إلى الجوف ،أحدث وإن انحدر إلى القلب ،أحدث ال َ
سيَلنَ ،وإن دفعته إلى منازل الدّماغ ،أحدث النّسيانَ ،وإن ترطبت أوعيةُ الدماغ منه وامتلت به عروقُه، ال ّ
أحدث النو َم الشديد ،ولذلك كان النوم رَطباً ،والسهرُ يابساً .وإن طلب البخارُ النفوذَ من الرأس ،فلم يقدِرْ عليه،
سطَ
شقّى الرأس ،أعقبه الشقيقة ،وإن ملك ِقمّةَ الرأس وو َ أعقبه الصّداع والسهر ،وإن مال البخار إلى أحد ِ
ت منه أرياحٌ ،أحدث العُطاسَ، الهامة ،أعقبه داءُ البَيْضة ،وإن برد منه حِجابُ الدماغ أو سخن أو ترطّب وهاج ْ
وإن أهاج الرطوبة البلغمية فيه حتى غلب الحار الغريزى ،أحدث الغماءَ والسّكاتَ ،وإن أهاج المِرّ َة السوداءَ
حتى أظلم هوا ُء الدماغ ،أحدث الوسواس ،وإن فاض ذلك إلى مجارى العَصَب ،أحدث الصّرْع الطبيعىّ ،وإن
ترطبت مجام ُع عصب الرأس وفاض ذلك فى مجاريه ،أعقبه الفالِج ،وإن كان البُخار من مِرّةٍ صفرا َء ملتهبة
محمية للدماغ ،أحدث البِرْسامَ ،فإن شَرَكه الصد ُر فى ذلك ،كان سرساماً ،فافهم هذا الفصلَ.
ع حركة كلية عامة يتحرّك فيها البدن وقُواه ،وطبيعته وأخلطه ،والروحُ والنفس ،فكلُ حركة وبالجملة :فالجِما ُ
فهى مثيرة للخلط مرققةٌ لها تُوجب دفعَها وسيلنها إلى العضاء الضعيفة ،وال َعيْنُ فى حال رمدها أضعفُ ما
جمَاع.
تكون ،فأضرّ ما عليها حركةُ ال ِ
فصل
عبَ ْيدٍ فى ((غريب الحديث)) من حديث أبى عثمانَ ال ّنهْدِىّ :أنّ قومًا مرّوا بشجرةٍ فأكلُوا منها ،فكأنما ذكر أبو ُ
شنَانِ ،وصُـبّوا عليهم فيما بينت بهم ريحٌ ،فأجمد ْتهُم ،فقال النبىّ صلى ال عليه وسلم(( :قَرّسُوا الماءَ فى ال ّ مرّ ْ
عبَيْد(( :قَرّسُوا)) :يعنى بَرّدوا .وقولُ الناس :قد قَ َرسَ البردُ ،إنما هو من هذا بالسين ليس الذا َنيْن)) ،ثم قال أبو ُ
جدُ ِد لنها
ن دون ال ُ
بالصاد .والشّنان :السقِيةُ والقِ َربُ الخُلقانُ :يُقال للسّقاء :شَنٌ ،وللقِربة :شَـنّة .وإنما ذكر الشّنا َ
أشدّ تبريداً للماء .وقوله(( :بين الذَانَين)) ،يعنى :أذانَ الفجر والقامة ،فسمى القامة أذاناً ..انتهى كلمه.
ل علج هذا الداء إذا كان وقوعُهج مِن النبىّ صلى ال عليه وسلم من أفض ِ قال بعضُ الطباء :وهذا العل ُ
بالحجاز ،وهى بلد حارة يابسةٌ ،والحارُ الغريزىّ ضَعيف فى بواطن سكانها ،وصبّ الماء البارد عليهم فى
جمْعَ الحار الغريزى المنتشر فى البدن الحامل لجميع قُواه ،فيقوى
الوقت المذكور وهو أبردُ أوقاتِ اليوم يوجبُ َ
القوة الدافعة ،ويجتمعُ من أقطار البدن إلى باطنه الذى هو محلّ ذاك الداء ،ويستظهر بباقى القُوَى على دفع
جلّ،
المرض المذكور ،فيدفعه بإذن ال عَزّ و َ
جبُوا من
ضعَتْ له الطباءُ ،وعَ ِ
خ َ
ولو أن ((بقراط)) أو ((جالينوس)) أو غيرَهما ،وصف هذا الدواء لهذا الداء ،ل َ
كمال معرفته.
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى إصلح الطعام الذى يقع فيه الذّباب وإرشاده إلى دفع مَضَرّات السموم
بأضدادها
فى ((الصحيحين)) من حديث أبى هُريرة ،أنّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم قال(( :إذا وقَعَ اّلذَبابُ فى إناءِ
شفَاءً)).
ح ِدكُم ،فامْقُلُوه ،فإنّ فى أحد جنَاحيهِ داءً ،وفى الخرِ ِ
أَ
طبّىٌ
هذا الحديث فيه أمران :أمرٌ فقهىٌ ،وأمرٌ ِ
ن الذّباب إذا مات فى ماء أو مائع ،فإنه ل يُنجّسه ،وهذا قول فأما الفقهى ..فهو دليلٌ ظاهر الدللةِ جدًا على أ ّ
ن النبىّ صلى ال عليه وسلم أمر جمهور العلماء ،ول يُعرف فى السّلَف مخالفٌ فى ذلك .ووَجهُ الستدلل به أ ّ
سيّما إذا كان الطعامُ حاراً .فلو كان يُنجسه لكان
بمَقْلِهِ ،وهو غمسُه فى الطعام ،ومعلو ٌم أنه يموت من ذلك ،ول ِ
ى هذا الحكمُ إلى كل ما ل نفس له عدّ َ
أمرًا بإفساد الطعام ،وهو صلى ال عليه وسلم إنما أمر بإصلحه ،ثم ُ
سائلة ،كالنحلة وال ّز ْنبُور ،والعنكبوت ،وأشباهِ ذلك .إذ الحك ُم َيعُمّ بعُموم عِّلتِه ،وينتفى لنتفاء سببه ،فلما كان سبب
التنجيس هو الدم المحتقن فى الحيوان بموته ،وكان ذلك مفقوداً فيما ل دم له سائل انتفى الحكم بالتنجيس لنتفاءِ
عِلّّته.
ثم قال مَن لم يحكم بنجاسة عظم الميتةِ :إذا كان هذا ثابتاً فى الحيوان الكامل مع ما فيه من الرّطوبات،
والفضلت ،وعدم الصلبة ،فثبوته فى العظم الذى هو أبعدُ عن الرّطوبات والفضلت ،واحتقان الدم أولى ،وهذا
فى غاية القوة ،فالمصيرُ إليه أولى.
ى وعنه تلقاها
وأول مَن حُفظ عنه فى السلم أنه تكلّم بهذه اللّفظة ،فقال :ما ل نفسَ له سائلة؛ إبراهيم النخَع ّ
الفقهاءُ والنفس فى اللّغةُ :يعَبّر بها عن الدم ،ومنه نَفَست المرأة بفتح النون إذا حاضت ،ونُفِست بضمها إذا
ولدت.
ع َبيْد :معنى ((امْقُلُوه)) :اغمسوه ليخرج الشفاء منه ،كما خرج الداءُ ،يقال للرجلين:
وأما المعنى الطبىّ ،فقال أبو ُ
هما يَتمَاقلن ،إذا تغاطّا فى الماء.
حكّة العارِضة عن لسعِه ،وهى بمنزلة السّلح ،فإذا سمّـيّ ًة يدل عليها الورم ،وال ِ
ن فى الذّباب عندهم قُوّةً ُ
واعلم أ ّ
سقط فيما يؤذيه ،اتقاه بسلحه ،فأمر النبىّ صلى ال عليه وسلم أن يُقابلَ تلك السّمية بما أودعه ال سبحانه فى
س كُلّه فى الماء والطعام ،فيقابل المادةَ السّمية المادة النافعة ،فيزول ضررُها. جناحه الخر من الشفاء ،فيُغم َ
ب ل يهتدى إليه كبار الطباء وأئمتهم ،بل هو خارجٌ من مِشكاة النُبوّة ،ومع هذا فالطبيب العالِم العارِف ط ٌ وهذا ِ
الموفّق يخضع لهذا العلج ،ويُ ِقرّ لمن جاء به بأنه أكملُ الخلق على الطلق ،وأنه مُ َؤيّد بوحى إلهى خارج عن
القُوَى البَشَرية.
وقد ذكر غي ُر واحد من الطباء أن لسع الزّنبور والعقرب إذا دُِلكَ موضعه بالذّباب نفع منه نفعاً بيّناً ،وسكّنه،
شعْرَة بعد قطع ك به الورمُ الذى يخرج فى شعر ال َعيْن المسمّى َ وما ذاك إل للمادة التى فيه من الشفاء ،وإذا دُِل َ
رؤوس الذّباب ،أبرأه.
فصل
ل ال صلى ال
ذكر ابن السّنى فى كتابه عن بعض أزواج النبىّ صلى ال عليه وسلم ،قالت :دخل علىّ رسو ُ
عنْ َدكِ ذَرِيرةٌ)) ؟ قلت :نعم.
عليه وسلم وقد خرج فى أصبعى َبثْرَةٌ ،فقالِ (( :
الذّرِيرةُ :دواء هندى يُتخذ من قَصب الذّريرة ،وهى حارة يابسة تنف ُع مِن أورام ال َم ِعدَة وال َكبِدِ والستسقاء ،وتُقوّى
القلب لطيبها،
وفى ((الصحيحين)) عن عائشة أنها قالت :ط ّيبْتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم بيَدِى بذَرِيرةٍ فى حَجّةِ الوَداع
حلّ والحْرَامِ.
لل ِ
وال َبثْرَة :خُراج صغير يكون عن مادة حارة تدفعها الطبيعة ،فتسترقّ مكانًا من الجسد تخرج منه ،فهى محتاجة
ن فيها إنضاجًا وإخراجًا مع طِيب رائحتها ،مع أنّ
إلى ما يُنضجها ويُخرجها ،والذّريرةُ أحدُ ما يفعل بها ذلك ،فإ ّ
فيها تبريداً للنارية التى فى تلك المادة ،ولذلك قال صاحب ((القانون)) :إنه ل أفضل لحرق النار من الذّرِيرة
بدُهنِ الوردِ والخل.
فصل
[فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى علج الورام والخُرَاجات التى تبرأ بال َبطّ والبَ ْزلِ]
ت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم على رجل يعودُه بظهره ورمٌ ،فقالوا :يا يُذكر عن علىّ أنه قال :دخل ُ
رسول ال؛ بهذه ِمدّةٌ .قال(( :بُطّوا عنه)) ،قال علىّ :فما بَرِحتُ حتى بُطّتْ ،والنبىّ صلى ال عليه وسلم شاهدٌ.
جوَى البطن ،فقيل :يا رسول
ط بطن رجل أ ْ
ن النبىّ صلى ال عليه وسلم أمر طبيبًا أن َيبُ ّ
ويُذكر عن أبى هريرة :أ ّ
طبّ؟
ال؛ هل ينفع ال ّ
ب إليه ،ويُوجد فى أجناس المراض كُلّها ،والموادُ الورم :مادة فى حجم العضو لفضل مادة غيرِ طبيعية تنص ّ
ل ورم حار يؤول خرَاجاً ،وك ّ
التى تكون عنها من الخلط الربعة ،والمائية ،والريح ،وإذا اجتمع الورمُ سُمى ُ
أمره إلى أحد ثلثة أشياء :إما تحلل ،وإما جمع ِمدّة ،وإما استحالةٍ إلى الصّلبة .فإن كانت القوة قوية ،استولت
ح الحالت التى يؤول حالُ الورم إليها ،وإن كانت دون ذلك ،أنضجت المادة، على مادة الورم وحلّلته ،وهى أصل ُ
وأحالتها مِدّ ًة بيضاءَ ،وفتحت لها مكانًا أسالتها منه .وإن نقصَت عن ذلك أحالت المادة ِمدّةً غير مستحكمة
النّضج ،وعجزت عن فتح مكان فى العضو تدفعُها منه ،فيُخاف على العضو الفساد بطُول لبثها فيه ،فيحتاجُ
حينئذ إلى إعانة الطبيب بالبَطّ ،أو غيره لخراج تلك المادة الرديئة المفسدة للعضو.
ن منها:
جوَى البطن)) ،فالجَوى يُقال على معا ٍ
ط بطن رجل أ ْ وأما قوله فى الحديث الثانى(( :إنه أمر طبيبًا أن َيبُ ّ
الماءُ ال ُمنْتِنُ الذى يكون فى البطن يحدُث عنه الستسقاءُ.
وقد اختلف الطباء فى بزله لخروج هذه المادة ،فمنعته طائف ٌة منهم لخطرِه ،وبُع ِد السلمة معه ،وجوّزته طائفةٌ
طبْلىّ:
أُخرى ،وقالت :ل علج له سواه ،وهذا عندهم إنما هو فى الستسقاء الزّقىّ .فإنه كما تقدم ثلثة أنواعَ :
وهو الذى ينتفخ معه البطن بمادة ريحية إذا ضُربت عليه سُمع له صوتٌ كصوت الطّبل ،ولحمىّ :وهو الذى
يربُو معه لحم جميع البدن بمادة بلغمية تفشُو مع الدم فى العضاء ،وهو أصعبُ من الول ،و ِزقّىّ :وهو الذى
يجتمع معه فى البطن السفل مادةٌ رديئة يُسمع لها عند الحركة خَضخض ٌة كخضخضةِ الماء فى الزّق ،وهو أردأ
أنواعه عند الكثرين من الطباء .وقالت طائفة :أردأ أنواعه ((اللّحْمىّ)) لعموم الفة به.
ومن جملة علج الزّقى إخراج ذلك بالبَزْل ،ويكون ذلك بمنزلة فصد العروق لخراج الدم الفاسد ،لكنه خطِرٌ
كما تقدّم ،وإن ثبت هذا الحديث ،فهو دليلٌ على جواز بزله ..وال أعلم.
فصل
ف ما اعتاده من الغذية
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى تغذية المريض بألط ِ
ض النّافع
وفى ((السنن)) من حديث عائشة أيضاً ،قالت :قال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم(( :عليكُمْ بالبَغي ِ
ل البُرْمةُ على النارِ حتىالتّ ْلبِينِ)) ،قالت :وكان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم إذا اشتكَى أح ٌد من أهله لم تَز ْ
ينتهىَ أحدُ ط َر َفيْهِ .يَعنى َيبْرَأ أو يموت.
التّلْبين :هو الحِسَا ُء الرقيقُ الذى هو فى قِوَام اللّبن ،ومنه اشتُق اسمُه ،قال ال َهرَوىّ :سميت تَلبينةً لشبهها باللّبن
ت أن تعرِفَ فضل ق النضيج ل الغليظ النّىءُ ،وإذا شئ َ لبياضِها ورقتِها ،وهذا الغِذَاءُ هو النافع للعليل ،وهو الرقي ُ
ف فضل ماء الشعير ،بل هى ماءُ الشعير لهم ،فإنها حِساء متّخذ من دقيق الشعير بنُخالته ،والفرق التّلْبينَةِ ،فاعر ْ
بينها وبين ماء الشعير أنه يُطبخ صِحاحاً ،والتّلبينَة تُطبخ منه مطحوناً ،وهى أنفع منه لخروج خاصيّ ِة الشعير
بالطحن ،وقد تقدّم أنّ للعاداتِ تأثيراً فى النتفاع بالدوية والغذية ،وكانت عادةُ القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه
مطحونًا ل صِحاحاً ،وهو أكث ُر تغذيةً ،وأقوى فعلً ،وأعظمُ جلءً ،وإنما اتخذه أطباءُ المدن منه صِحَاحًا ليكونَ
ل ماءِ الشعير
ق وألطفَ ،فل يَثقُل على طبيعة المريض ،وهذا بحسب طبائع أهل المدن ورَخاوتِها ،وثِق ِ أر ّ
المطحون عليها .والمقصودُ :أنّ ماء الشعير مطبوخاً صِحاحاً يَن ُفذُ سريعاً ،ويَجلُو جَل ًء ظاهراً ،ويُغذى غِذاءً
لطيفاً .وإذا شُرِب حاراً كان جلؤه أقوى ،ونفوذُه أسرَع ،وإنْماؤه للحرارة الغريزية أكثرَ ،وتلميسُه لسطوح
ال َم ِعدَة أوفق.
وقولُه صلى ال عليه وسلم فيها(( :مجمةٌ لفؤاد المريض)) ،يُروى بوجهين؛ بفتح الميم والجيم ،وبضم الميم،
وكسر الجيم .والول :أشهر .ومعناه :أنها مُريح ٌة له ،أى:
ن قُوى الحزين تَضعُفُ باستيلء اليُبْس على أعضائه ،وعلى َمعِدته خاص ًة لتقليل الغذاء ،وهذا وقد يُقال :إ ّ
ض كثيرًا ما يجتمع فى َم ِعدَته خَلْطٌحسَاء يرطبها ،ويقويها ،ويغذّيها ،ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض ،لكن المري َ ال ِ
حدُره ،ويُميعُه ،ويُعدّل كيفيتَه،
حسَاءُ يَجلُو ذلك عن ال َمعِدَة و َيسْرُوه ،ويَ ْ
مرارى ،أو بَ ْل َغمِى ،أو صَديدى ،وهذا ال ِ
سيّما ِلمَن عادتُه الغتذاءُ بخبز الشعير ،وهى عادة أهل المدينة إذ ذاك ،وكان هو ويَكسِرُ سَوْرَته ،فيُريحها ول ِ
غالبَ قُوتِهم ،وكانت الحِنطةُ عزيزة عندهم ..وال أعلم.
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى علج المرضى بتطييب نفوسهم وتقوية قلوبهم
روى ابن ماجه فى ((سننه)) من حديث أبى سعيد الخُدرىّ ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم(( :إذا
ب نَفْسَ المريضِ)).
طيّ ُ
ن ذَِلكَ ل يَ ُردّ شيئاً ،وَهُ َو يُ َ
دَخَ ْلتُم على المَرِيضَِ ،ف َنفّسوا لَهُ فى الجَلِ ،فإ ّ
س العليل من الكلم
وفى هذا الحديث نوعٌ شريفٌ جدًا من أشرف أنواع العلج ،وهو الرشاد إلى ما يُطيّبُ نف َ
الذى تقوى به الطبيعة ،وتنتعشُ به القُوّة ،وينبعِثُ به الحا ّر الغريزى ،فيتساعدُ على دفع العِلّة أو تخفيفها الذى
هو غايةُ تأثير الطبيب.
خفّتها ،فإنّ
ل ما يسُرّه عليه ،له تأثيرٌ عجيب فى شفاء عِلّته و ِ
وتفريح نفس المريض ،وتطييبُ قلبه ،وإدخا ُ
عدُ الطبيعة على دفع المؤذى ،وقد شاهد الناس سكثيرًا من المرضى تنتعِ ُ
ش الرواح وال ُقوَى تقوى بذلك ،فتُسَا ِ
قواه بعيادة مَن يُحبونه ،ويُعظّمونه ،ورؤيتهم لهم ،ولُطفهم بهم ،ومكالمتهم إياهم ،وهذا أح ُد فوائد عيادة المرضى
ع يعود على العائد ،ونوعٌ يعود التى تتعلق بهم ،فإنّ فيها أربعة أنواع من الفوائد :نوعٌ يرجع إلى المريض ،ونو ٌ
على أهل المريض ،ونوعٌ يعود على العامة.
@ وقد تقدّم فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم أنه كان يسأل المريض عن شكواه ،وكيف يجده ويسأله عما يشتهيه،
جبْهته ،وربما وضعها بين ثد َييْه ،ويدعو له ،ويصف له ما ينفعه فى عِلّته ،وربما توضّأ وصَبّ
ويضع يده على َ
طهُورٌ إنْ شَاءَ ال)) ،وهذا من كمال اللّطف،
ض من وَضوئه ،وربما كان يقولُ للمريض(( :ل بَأْسَ ، على المري ِ
وحُسن العلج والتدبير.
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى علج البدان بما اعتادته من الدوية والغذية ،دون ما لم َتعْ َتدْه
ث يظن أنه ض من حي ُ هذا أصلٌ عظيمٌ من أُصول العِلج ،وأنفعُ شىء فيه ،وإذا أخطأه الطبيبُ ،أضرّ المري َ
ينفعه ،ول َي ْعدِلُ عنه إلى ما يجدهُ من الدوية فى كُتب الطب إل طبيب جاهل ،فإن ملءمةَ الدوية والغذية
للبدان بحسب استعدادها وقبولها ،وهؤلء أهل البوادى والكارُون وغيرُهم ل ينجَ ُع فيهم شراب اللينوفر والوردِ
حضَر وأهل الرّفاهيةَ ل تجدى عليهم، طرّى ول المغلى ،ول يُؤثر فى طباعهم شيئاً ،بل عامةُ أدوية أهلِ ال َ ال َ
والتجربة شاهدة بذلك،ومَن تأمل ما ذكرناه من العلج النبوىّ ،رآه كُلّه موافقًا لعادةِ العليل وأرضه ،وما نشأ
عليه .فهذا أصلٌ عظيمٌ من أُصول العلج يجب العتناءُ به ،وقد صرّح به أفاضلُ أهل الطب حتى قال طبيبُ
طبّهم الحارثُ ابن كََلدَةَ ،وكان فيهم كأبقراط فى قومه :الحِميةُ رأس الدواء ،وال َمعِدةُ بيتُ الداء؛العرب بل أ َ
ك عن الكل يَعنى به الجوع ،وهو من عتَاد .وفى لفظ عنه :الزْ ُم دَوَاءٌ ،والزم :المسـا ُ
وع ّودُوا كُ ّل بدنٍ ما ا ْ
ف منل فى عِلجها من المستفرغات إذا لم يُخَ ْ أكبر الدوية فى شــفاء المراض المتلئية كلّها بحيثُ إنه أفض ُ
حدّتها وغليانها.
كثرة المتلء ،و َهيَجانِ الخلط ،و ِ
ب من ثلث طبقات ،مؤلّفةٍ ت الداء)) .ال َم ِعدَةُ :عضو عصبىٌ مجوّفٌ كال َقرْعَةِ فى شكلها ،مُركّ ٌوقوله(( :ال َمعِدَ ُة بي ُ
ف إحدى الطبقات بالطول ،والُخرى بالعَرْض، من شظايا دقيقةٍ عصبية تُسمى اللّيفَ ،ويُحيط بها لحم ،ولي ُ
خمْل ،وهى محصورة فى وسط البطن، والثالثةِ بال َورْب ،وف ُم ال َم ِعدَة أكثر عصباً ،وقعرُها أكثر لحماً ،فى باطنها َ
ت على هذه الصفة لحكمةٍ لطيفة من الخالق الحكيم سبحانه ،وهى بيتُ الداء، وأميَلُ إلى الجانب اليمن قليلً ،خُِلقَ ْ
ج الغذاء وينحدِرُ منها بعد ذلك إلى ال َكبِد والمعاء ،ويتخلّف منه فيها ل للهضم الول ،وفيها يَنضَ ُ وكانت مَحَ ً
ت قد عجزت القو ُة الهاضمة عن تمام هضمها ،إما لكثرةِ الغذاء ،أو لرداءته ،أو لسو ِء ترتيبٍ فى فضل ٌ
استعماله ،أو لمجموع ذلك ،وهذه الشياء بعضُها مما ل يتخلّص النسان منه غالباً ،فتكونُ ال َم ِعدَة بيت الداء
لذلك ،وكأنه يُشير بذلك إلى الحثّ على تقليل الغذاء ،ومنْعِ النفس مِن اتّباع الشهوات ،والتحرّ ِز عن الفضلت.
وأما العادةُ ..فلنها كالطبيعة للنسان؛ ولذلك يُقال(( :العاد ُة طبعٌ ثانٍ)) ،وهى قو ٌة عظيمة فى البدن ،حتى إن
أمرًا واحداً إذا قيس إلى أبدان مختلفة العادات ،كان مختلِف النسبة إليها .وإن كانت تلك البدانُ متفقةً فى الوجوه
ل الشياء الحارة ،والثانى :عُ ّودَ
ن ثلثة حارةُ المزاج فى سن الشباب ،أحدُها :عُ ّودَ تناوُ َ الُخرى مثالُ ذلك أبدا ٌ
ل الشياء المتوسطة ،فإن الول متى تناول عسلً لم يضر به .والثانى: ل الشياء الباردة .والثالث :عُ ّودَ تناوُ َ
تناوُ َ
متى تناوله ،أضرّ به .والثالث :يض ّر به قليلً .فالعاد ُة ركنٌ عظيم فى حفظ الصحة ،ومعالج ِة المراض ،ولذلك
جاء العلجُ النبوىّ بإجراء كل بدن على عادته فى استعمال الغذية والدوية وغيرِ ذلك.
فصل
ت إلى
ذكر عبد الرزّاق ،عن معمر ،عن الزّهْرىّ ،عن عبد الرحمن بن كعب ابن مالك :أنّ امرأ ًة يهوديةً أهدَ ْ
صدَقة،
ن ال ّ
حذِرَتْ أن تقولَ :مِ َ
خيْبَر ،فقال(( :ما هذه)) ؟ قالتْ :هَديّةٌ ،و َ
النبىّ صلى ال عليه وسلم شا ًة مَصِْليّ ًة بِ َ
سكُوا)) ،ثم قال للمرأة(( :هل ل منها ،فأكل النبِىّ صلى ال عليه وسلم ،وأكل الصحابةُ ،ثُم قال(( :أم ِ فل يأك ُ
ت هذه الشّاة)) ؟ قالتْ :مَن أخبَرَك بهذا ؟ قال(( :هذا العظ ُم لساقها)) ،وهو فى يده ،قالتْ :نعمْ .قال: س َممْ ِ
َ
ت نبيّا لم يَضرّك ،قال :فاحتَجَم النبىّ صلى ((لِمَ)) ؟ قالتْ :أردتُ إن كنتَ كاذبًا أن يَستريحَ منك النّاسُ ،وإن كن َ
جمُوا؛ فاحتَجَموا ،فمات بعضُهم. ال عليه وسلم ثلثةً على الكا ِهلِ ،وأ َمرَ أصحابَه أن يَحت ِ
جمَه
حَل من الشّاةَ ، وفى طريق أُخرى(( :واح َتجَمَ رسولُ ال صلى ال عليه وسلم على كا ِهلِه مِنْ أجْل الذى أكَ َ
أبو هِندٍ بالقَرْنِ والشّفْرة ،وهو مولىً لبنى َبيَاضَ َة من النصار ،وبقى بعد ذلك ثلثَ سنين حتى كان وجعُه الذى
ل ْبهَرِ
ن انْقِطَاعِ ا َ
خ ْيبَرَ حتى كان هذا أوا َ لكْلَةِ التى أكَ ْلتُ مِن الشّاةِ يومَ َ
جدُ من ا ُ
تُوفى فيه ،فقال(( :ما زِ ْلتُ أ ِ
ِمنّى)) ،فتُوفى رسول ال صلى ال عليه وسلم شهيداً ،قاله موسى بن عُقبةَ.
معالج ُة السّ ّم تكونُ بالستفراغات ،وبالدوية التى تُعارض فعل السّم وتُبطله ،إما بكيفياتها ،وإما بخواصها .فمَن
عدِمَ الدواءَ ،فليبادر إلى الستفراغ الكُلّى وأنفعُه الحجامةُ ،ول سيما إذا كان البلد حاراً ،والزمانُ حاراً ،فإن القوة
َ
ل إلى القلب ،فيكون الهلكُ ،فالدمُ هو المنفذ س ِميّةَ تَسرى إلى الدم ،فتَنبعِثُ فى العروق والمجارى حتى تصِ َ ال ّ
س ِميّة التى
الموصل للسّم إلى القلب والعضاء ،فإذا بادر المسمُومُ وأخرج الدم ،خرجتْ معه تلك الكيفيةُ ال ّ
خالطتْه ،فإن كان استفراغاً تاماً لم يَضرّه السّم ،بل إما أن يَذهبَ ،وإما أن يَضعفَ فتقوى عليه الطبيعة ،فتُبطل
فعلَه أو تُضعفه.
ولما احتجم النبىّ صلى ال عليه وسلم ،احتجمَ فى الكاهل ،وهو أقربُ المواضع التى يمكن فيها الحجامة إلى
س ِميّة مع الدم ل خُروجًا كُليّا ،بل بَقِىَ أثرُها مع ضعفه لما يُريد ال سبحانه من تكميلِ القلب ،فخرجت المادةُ ال ّ
ى الُ أمراً كان ب الفضل كُلّها له ،فلما أراد ال إكرامَه بالشهادة ،ظهر تأثيرُ ذلك الثر الكامِن من السّم ليَقض َ مرات ِ
س َتكْبَ ْرتُ ْم فَ َفرِيقاً
سكُمُ ا ْ
مفعولً ،وظهر سِرّ قوله تعالى لعدائه من اليهودَ{ :أ َفكُّلمَا جَا َءكُمْ رَسُولٌ ِبمَا لَ َتهْوَى َأنْ ُف ُ
كَ ّذ ْبتُمْ َوفَرِيقًا تَ ْقتُلُونَ}[البفرة ،]87 :فجاء بلفظ ((كَذّبتم)) بالماضى الذى قد وقع منه ،وتحقق ،وجاء بلفظ:
((تَقتلُون)) بالمستقبل الذى يتوقّعونه ويَنتظرونه ..وال أعلم.
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى علج السّحر الذى سحرته اليهودُ به
قد أنكر هذا طائفةٌ من الناس ،وقالوا :ل يجو ُز هذا عليه ،وظنوه نقصاً وعيباً ،وليس المرُ كما زَعَموا ،بل هو
من جنس ما كان يَعتَريه صلى ال عليه وسلم من السقام والوجاع ،وهو مرض من المراض ،وإصابتُه به
حرَ رسولُكإصابته بالسّ ّم ل فرقَ بينهما.وقد ثبت فى ((الصحيحين)) عن عائشة رضى ال عنها ،أنها قالت(( :سُ ِ
ل إليه أنه يأتى نِساءه ،ولم يَأ ِتهِنّ)) ،وذلك أشدّ ما يكون مِن السّحر.
خيّ ُ
ال صلى ال عليه وسلم حتى إنْ كان َليُ َ
ض من العلل يجوز عليه صلى ال عليه وسلم كأنواع ض من المراض ،وعار ٌ عيَاض :والسّحر مر ٌ قال القاضى ِ
ح فى نُبوته ،وأمّا كونُه يُخيّل إليه أنه فعل الشىء ولم يفعله ،فليس فى هذا ما
المراض ممّا ل يُنكَرُ ،ول يَقدَ ُ
يدخل عليه داخلةً فى شىء من صدقه ،لقيام الدليل والجماعِ على عصمته من هذا ،وإنّما هذا فيما يجوز طُرُوّه
عليه فى أمر دنياه التى لم يُبعث لسببها ،ول فُضّل مِن أجلها ،وهو فيها عُرض ٌة للفات كسائر البَشَر ،فغي ُر بعيد
أنه يُخيّ َل إليه من أُمورها ما ل حقيق َة له ،ثم يَنجلى عنه كما كان.
والمقصود :ذِكرُ َه ْديِه فى علج هذا المرض ،وقد رُوى عنه فيه نوعان:
ح عنه صلى ال عليه وسلم أنه سأل ربّه سبحانه فى ذلك؛ فدُلّ أحدهما وهو أبلغُهما :استخراجُه وإبطاله ،كما ص ّ
جفّ طَ ْلعَةِ َذكَر ،فلمّا استَخْرَجه ،ذهب ما به ،حتى كأنّما شطٍ و ُمشَاطَةٍ ،و ُ
عليه ،فاستَخْرَجه من بئر ،فكان فى مِ ْ
طبُوبُ ،وهذا بمنزلة إزال ِة المادة الخبيثة وق ْلعِها مِن الجسدط من عِقال ،فهذا من أبلغ ما يُعالَجُ به المَ ْ
ُأنْشِ َ
بالستفراغ.
ى صلى ال
وقد ذكر أبو عُبيدٍ فى كتاب ((غريب الحديث)) له بإسناده ،عن عبد الرحمن بن أبى َليْلَى ،أنّ النب ّ
طبّ ،قال أبو عُبيد :معنى طُبّ :أى :سُحِرَ.
حتَجمَ على رأسه ب َقرْنٍ حين ُ
عليه وسلم ا ْ
ل علمُه ،وقال :ما للحجامة والسّحرِ ؟ وما الرابط ُة بين هذا الداء وهذا الدواء ؟ ولو وَجد وقد أشكَل هذا على مَن قَ ّ
ل والتسليم ،وقال :قد
ل ((أبقراطَ)) ،أو ((ابنَ سينا)) أو غيرَهما قد نَصّ على هذا العلجَِ ،لتَلقّاه بالقبو ِ هذا القائ ُ
ك فى معرفته وفضله. شّنَصّ عليه مَن ل يُ َ
فاعلم أنّ مادة السّحر الذى أُصيب به صلى ال عليه وسلم انتهت إلى رأسه إلى إحدى قُواه التى فيه بحيث كان
يُخيّل إليه أنه يفعل الشى َء ولم يفعله ،وهذا تصرّف من الساحر فى الطبيعة والمادة الدموية بحيث غلبت تلك
المادة على البطن المقدم منه ،فغيّرت مِزاجه عن طبيعته الصلية.
والسّحر :هو مركّب من تأثيرات الرواح الخبيثة ،وانفعال القُوَى الطبيعية عنها وهو سحر التمريحات وهو أشدّ
ل الحجام ِة على ذلك المكان الذى
ما يكون من السّحر ،ول سيّما فى الموضع الذى انتهى السّحرُ إليه ،واستعما ُ
ت على القانون الذى ينبغى. تضررت أفعالُه بالسّحر من أنفع المعالجة إذا اس ُتعْمِل ْ
ل بالشياء التى
ستَفْ َرغَ يجب أَن تُستفرغ من المواضع التى هى إليها أمي ُ
قال ((أبقراط)) :الشيا ُء التى ينبغى أن تُ ْ
تصلُح لستفراغها.
وقالت طائفة من الناس :إنّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم لما أُصيب بهذا الداءِ ،وكان يُخيّل إليه أنه فعل
الشىء ولم يفعله،ظَنّ أن ذلك عن مادة دموية أو غيرها مالت إلى جهة الدماغ ،وغلبت على البطن المقدّم منه،
فأزالت مِزاجه عن الحالة الطبيعية له ،وكان استعمالُ الحجامة إذ ذاك مِن أبلغ الدوية ،وأنفع المعالجة ،فاحتجم،
سحِرَ ،عدل إلى ن ذلك من السّحر ،فلما جاءه الوحىُ من ال تعالى ،وأخبره أنه قد ُ وكان ذلك قبل أن يُوحى إليه أ ّ
العلج الحقيقىّ وهو استخراجُ السّحر وإبطالُه ،فسأل ال سبحانه ،فدلّه على مكانه ،فاستخرجه ،فقام كأنما ُأنْشِطَ
من عِقال ،وكان غايةُ هذا السّحر فيه إنما هو فى جسده ،وظاهِر جوارحه ،ل على عقلِه وقلبِه ،ولذلك لم يكن
يعتقدُ صحة ما يُخيّل إليه من إتيان النساء ،بل يعلم أنه خيال ل حقيقة له ،ومثلُ هذا قد يَحدُثُ من بعض
المراض ..وال أعلم.
فصل
ومن أنفع علجات السّحر الدوية اللهية ،بل هى أدويتُه النافعة بالذات ،فإنه من تأثيرات الرواح الخبيثة
ت التى تُبْطِلُ فعلها وتأثيرها،
السّفْلية ،ودفعُ تأثيرها يكون بما يُعا ِرضُها ويُقاومها من الذكار ،واليات ،والدعوا ِ
ع ّدتُه وسلحُه،
ل واحدٍ منهما ُ وكلما كانت أقوى وأشدّ ،كانت أبلغَ فى النّشْرةِ ،وذلك بمنزلة التقاءِ جيشين مع ك ّ
ب إذا كان ممتلئاً من ال مغمورًا بذكره ،وله من التوجّهات فأيّهما غلب الخر ،قهره ،وكان الحكم له ،فالقل ُ
ل به يُطابق فيه قلبه لسانه ،كان هذا مِن أعظم السباب التى تمنع والدعوات والذكار والتعوّذات وردٌ ل يُخِ ّ
إصابة السّحر له ،ومن أعظم العلجات له بعد ما يُصيبه.
وعند السّحَرَة :أنّ سِحرَهم إنما َيتِمّ تأثيره فى القلوب الضعيفة المنفعِلة ،والنفوس الشهوانية التى هى معلّقةٌ
ضعُف حظّه من الدين جهّال ،وأهل البوادى ،ومَن َ بالسّفليات ،ولهذا فإن غالب ما يؤثّر فى النساءِ ،والصبيان ،وال ُ
ب له من الوراد اللهية والدعوات والتعوّذات النبوية. والتوكل والتوحيد ،ومَن ل نصي َ
وبالجملة ..فسلطانُ تأثيرِه فى القُلوب الضعيفة المنفعلة التى يكون ميلُها إلى السّفليات ،قالوا :والمسحورُ هو الذى
يُعين على نفسه ،فإنّا نجد قلبه متعلقاً بشىء كثير اللتفات إليه ،فيتسلّط على قلبه بما فيه مِن الميل واللتفات،
والرواح الخبيثة إنما تتسلّطُ على أرواح تلقاها مستعِدّة لتسلّطِها عليها بميلها إلى ما يناسب تلك الرواح الخبيثة،
عدّة معها ،وفيها مَيلٌ إلى ما
وبفراغِها من القوة اللهية ،وعدم أخذها للعُدّة التى تُحاربها بها ،فتجدها فارغة ل ُ
يُناسبها؛ فتتسلّط عليها ،ويت َمكّن تأثيرُها فيها بالسّحر وغيره ..وال أعلم.
فصل
ن النبى صلى ال عليه وسلم قاءَ، روى الترمذىّ فى ((جامعه)) عن مَعدان بن أبى طلحةَ ،عن أبى الدرداء :أ ّ
ص َببْتُ له َوضُوءَه .قال الترمذى :وهذا
صدَقَ ،أنا َ
فتوضّأ فلقيتُ ثَوْبان فى مسجد دِمَشق ،فذكرتُ له ذلك ،فقالَ :
أصح شىء فى الباب.
القىءُ :أحد الستفراغات الخمسة التى هى أُصول الستفراغ ،وهى :السهال ،والقىء ،وإخراج الدم ،وخروج
البخرة والعَرق .وقد جاءت بها السّـنّة.
وأما الستفراغ بالعَرق ..فل يكون غالباً بالقصد ،بل بدفع الطّبيعة له إلى ظاهر الجسد ،فيُصادف المسا ّم مفتّحةً،
فيخرج منها.
فأما الول :فل يَسُوغُ حبسُه ودفعه إل إذا أفرط وخِيف منه التلفُ ،فيُقطع بالشياء التى تُمسكه .وأما الثانى:
فأنفعُه عند الحاجة إذا رُوعى زمانُه وشروطه التى تُذكر.
أحدها :غلبة المِرّة الصفراء ،وطُفوّها على رأس المعدة ،فتطلب الصعودَ.
الثالث :أن يكون مِن ضعف ال َمعِدَة فى ذاتها ،فل َتهْضم الطعام ،فتقذفه إلى جهة فوق
الرابع :أن يُخالطها خلط ردىء ينصبّ إليها ،فيسىء هضمَها ،ويُضعف فعلها
الخامس :أن يكون من زيادة المأكول أو المشروب على القدر الذى تحتمله ال َم ِعدَة ،فتعجز عن إمساكه ،فتطلب
دفعه وقذفه.
السادس :أن يكون مِن عدم موافقة المأكول والمشروب لها ،وكراهِتها له ،فتطلب دفعه وقذفه.
السابع :أن يحصُل فيها ما يُثوّر الطعا َم بكيفيته وطبيعته ،فتقذف به.
ن النفس و َتهَوّعِها.
الثامن :القَرَف ،وهو مُوجِب غثَيا ِ
التاسع :من العراض النفسانية ،كاله ّم الشديد ،والغم ،والحزن ،وغلبة اشتغال الطبيعة وال ُقوَى الطبيعية به،
واهتمامها بوروده عن تدبير البدن ،وإصلح الغِذاء ،وإنضاجه ،وهضمه ،فتق ِذفُه ال َمعِدَة ،وقد يكون لجل تحرّك
الخلط عند تخبّط النفس ،فإن كل واحد من النفس والبدن ينفعل عن صاحبه ،ويؤثر فى كيفيته.
العاشر :نقل الطبيعة بأن يرى مَن يتقيأ ،فيغلبه هو القىء من غير استدعاء ،فإن الطبيعة نَقّالة.
حذِق فى الكحْل ،فجلس كحّالً .فكان إذا فتح عينَ الرجل، حذّاق الطباء ،قال :كان لى ابن أُخت َ
وأخبرنى بعض ُ
ل الطبيعة ،فإنها
ب ذلك ؟ قال :نق ُ
ت له :فما سب ُ
ورأى الرّمد وكحّلهَ ،رمِد هو ،وتكرر ذلك منه ،فترك الجلوسَ .قل ُ
نَقّالة ،قال :وأعرِفُ آخرَ ،كان رأى خُراجًا فى موضع من جسم رجل يحكّه ،فحك هو ذلك الموضع ،فخرجت
فيه خُراجة.
قلتُ :وكلّ هذا ل بد فيه من استعداد الطبيعة ،وتكون المادة ساكن ًة فيها غير متحركة ،فتتحرك لسبب من هذه
السباب ،فهذه أسبابٌ لتحرك المادة ل أنها هى الموجبة لهذا العارض.
فصل
فى أنّ القىء أنفع فى البلد الحارة والسهال أنفع فى البلد الباردة
ولما كانت الخلط فى البلد الحارة ،والزمنة الحارة تَ ِرقّ وتنجذب إلى فوق ،كان القىء فيها أنفع .ولما كانت
فى الزمنة الباردة والبلد الباردة تغلُظ ،ويصعب جذبها إلى فوق ،كان استفراغُها بالسهال أنفع.
فصل
حدّ البصر ،ويزيل ثقل الرأس ،وينفع قروح الكُلَى ،والمثانة ،والمراض والقىءُ يُنقّى ال َمعِدَة ويُقوّيها ،ويُ ِ
المزمنة :كالجذام ،والستسقاء ،والفالِج ،والرّعشة ،وينفع اليَرَقان.
وينبغى أن يستعمله الصحيح فى الشهر مرتين متواليتين من غير حفظ دور ،ليتداركَ الثانى ما قصر عنه الول،
وينقى الفضلتِ التى انصبّت بسببه ،والكثا ُر منه يَضر ال َم ِعدَة ،ويجعلها قابلة للفضول ،ويضر بالسنان
ف فى الصدر ،أو دقيقُ
ص َدعَ عَرَقاً ،ويجب أن يجتنبه مَن به ورمٌ فى الحلق ،أو ضع ٌ والبصر والسمع ،وربما َ
سرُ الجابة له.الرقبة ،أو مستعدٌ لنَفْث الدم ،أو عَ ِ
وأمّا ما يفعله كثير ممن يسىء التدبير ،وهو أن يمتلئ من الطعام ،ثم يَق ِذفَه ،ففيه آفاتٌ عديدة؛ منها :أنه ُيعَجّ ُ
ل
ل المَرَاقّ،ف الحشاء ،وهُزا ِالهَرَم ،ويُوقع فى أمراض رديئة ،ويَجعل القى َء له عادة .والقى ُء مع اليُبوسة ،وضع ِ
ف المُستقىء خطرٌ.
أو ضع ِ
صبَ العينين ،ويقمط البطن، وأح َمدُ أوقاتِه الصيفُ والربيع دون الشتاء والخريف ،وينبغى عند القىء أن يَعْ ِ
طكَى ،وماءُ الورد ينفعه
صَل الوجه بماء بارد عند الفراغ؛ وأن يشرب عقيبه شراب التفاح مع يسير من مُ ْ ويغسِ َ
نفعًا بيّناً.
والقىء يستفرغ من أعلى المعدة ،ويجذب من أسفل ،والسهال بالعكس ،قال ((أبقراط)) :وينبغى أن يكون
الستفراغ فى الصيف من فوق أكثرَ من الستفراغ بالدواء ،وفى الشتاء من أسفل.
فصل
طبِي َبيْن
حذَق ال ّ
@فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى الرشاد إلى معالجة أ ْ
ذكر مالك فى ((موطئه)) :عن زيد بن أسلمَ ،أنّ رجلً فى زمان رسول ال صلى ال عليه وسلم أصابه جُ ْرحٌ،
ل ال صلى ال عليه فاحتَقَن الجُ ْرحُ الدّم .وأن الرجلَ دعا رجَُليْن من بنى أنمار ،فنَظَرا إليه فزعما أنّ رسو َ
ل ال ؟ فقال(( :أنزلَ الدواءَ الذى أنزلَ الداء)).
وسلم ،قال لهماَ(( :أيّكما أطَبّ))؟ فقال :أوَ فى الطّبّ خيرٌ يا رسو َ
ت عليه ال ِقبْلةُ ،فإنه يُقّلدُ أعل َم مَن يَجدُه ،وعلى هذا فَطَر ال عبادَه ،كما أن المسافر فى البرّ والبحر
وكذلك مَن خَفي ْ
صدُ ،وعليه يَعتمِدُ ،فقد اتفقتْ على هذا الشريعةُ
ق الدليَليْن وأخبَرِهما ،وله يَق ِ
إنّما سكونُ نفسه ،وطمأنينتُه إلى أحْذ ِ
والفِطر ُة والعقلُ.
وقولُه صلى ال عليه وسلم(( :أنزل الدواءَ الذى أنزلَ الداءَ)) ،قد جاء مثلُه عنه فى أحاديث كثيرةٍ ،فمنها ما رواه
عمرو بن دِينا ٍر عن هِلل بن يِسَافٍ ،قال(( :دخلَ رسولُ ال صلى ال عليه وسلم على مريض يَعودُه ،فقال:
((أرسِلُوا إلى طَبيبٍ)) ،فقال قائلٌ :وأنتَ تقولُ ذلك يا رسولَ ال ؟
ل لم ُينْزِلْ دا ًء إلّ أن َزلَ له دَواءً)).
ن ال عَزّ وجَ ّ
قال(( :نعمْ ،إ ّ
وفى ((الصحيحين)) من حديث أبى هريرةَ يَرفعُه(( :ما أنزلَ الُ من دا ٍء إل أنزلَ له شفاء)) ،وقد تقدّم هذا
الحديثُ وغيرُه.
واختُِلفَ فى معنى ((أنزل الدا َء والدواء)) ،فقالت طائفةٌ :إنزالُه إعل ُم العِباد به ،وليس بشىء ،فإن النبىّ صلى
ال عليه وسلم أخب َر بعموم النزال لكل دا ٍء ودوائه ،وأكث ُر الخلق ليعلمون ذلك ،ولهذا قال(( :عَِلمَه مَن عَِلمَه،
جهِلَه)).
جهِلَه مَن َ
وَ
ن الملئكة موكّلَةٌ وقالت طائفةٌ :إنزالُهما بواسطةِ الملئكة الموكلين بمباشرة الخلق من داء ودواء وغي ِر ذلك ،فإ ّ
بأمر هذا العالَم ،وأمر النوع النسانىّ من حين سقوطِه فى رَحِم ُأمّه إلى حين موتِه ،فإنزالُ الداء والدواء مع
ث من ن عامة الدواء والَدوية هى بواسطة إنزال ال َغيْ ِ ب من الوجهين قبله .وقالت طائفةٌ :إ ّ
الملئكة ،وهذا أقر ُ
السماء الذى تَتولّد به الغذيةُ ،والَقواتُ ،والدويةُ ،والدواءُ ،وآلتُ ذلك كله ،وأسبابُه ومكمّلتُه؛ وما كان منها
مِن المعادن العُلوية ،فهى تَنزل مِن الجبال ،وما كان منها من الودية والنهار والثمار ،فداخلٌ فى اللّفظ على
ب والكتفاءِ عن الفعلين بفعل واحد يتضمنهما ،وهو معروف من لغة العرب ،بل وغيرها من الُمم، طريق التغلي ِ
كقول الشاعر:
ع ْينَاهَـا
غدَتْ َهمّالَةً َ
حتّى َ
عَل ْفتُها ِتبْنًا َومَاءً بارداً َ
وقول الخر:
سيْفـًا َو ُرمْحَــا
غدَا ُمتَقَلّداً َ
ك قَ ْد َ
وَرَأيْتُ َزوْج ِ
وقول الخر:
ب وَا ْل ُعيُونا
ن يَوْماً َوزَجّجْنَ الْحَواجِ َ
ت بَرَزْ َ
إذَا مَا الغَانِيا ُ
جلّ ،وتمامِ ربوبيته ،فإنه كما ابتلى عبادَه بالدواء ،أعانهم عليها بما يسّرَهُ لهم
ب عَزّ و َ
وهذا من تمام حكمة الر ّ
من الدوية ،وكما ابتلهم بالذنوب أعانهم عليها بالتوبة ،والحسناتِ الماحية والمصائب المكفّرة ،وكما ابتلهم
ج ْندٍ من الرواح الطيبة ،وهم الملئكة ،وكما ابتلهم بالشهوات بالرواح الخبيثةِ من الشياطين ،أعانهم عليها ب ُ
أعانهم على قضائها بما يسّرَ ُه لهم شرعًا وقدْرًا مِن المشتهيات اللّذيذة النافعة ،فما ابتلهم سُبحانه بشىء إل
أعطاهم ما يستعينُون به على ذلك البلء ،ويدفعُونه به ،ويبقى التفاوتُ بينهم فى العلم بذلك ،والعلم بطريق
حصوله والتوصل إليه ..وبال المستعان.
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى تضمين مَن طبّ الناس وهو جَاهِلٌ بالطّب
روى أبو داود ،والنسائىّ ،وابن ماجه ،من حديث عمرو ابن شعيب ،عن أبيه ،عن جده ،قال :قال رسول ُال
ب َقبْلَ ذلك ،فهو ضَامِنٌ)).
ب ولم يُعْلَم ِمنْهُ الطّ ّ
صلى ال عليه وسلم(( :مَنْ تطبّ َ
هذا الحديث يتعلق به ثلثة أُمور :أم ٌر لُغوى ،وأم ٌر فِقهى ،وأمرٌ طبى.
فالطّب بكسر الطاء فى لغة العرب ،يقال على معانٍ .منها الصلح .يقال :طببتُه :إذا أصلحته .ويقال :له طِبٌ
بالمور .أى :لُطفٌ وسياسة .قال الشاعر:
طبِيبُ
خبِيرٌ ِبَأدْوَا ِء النّسَاءِ َ
ن تَسْأَلُونى بِالنّسَـــا ِء فَإنّنى َ
فَإ ْ
ن نَصِيبُ
ل مَالُـه فََل ْيسَ لَ ُه مِنْ ُودّهِ ّ
إذَا شَابَ َرأْسُ ا ْلمَ ْرءِ َأوْ قَ ّ
وقال عنترةُ:
ستَ ْلئِمِ
خذِ الْفَا ِرسِ ا ْلمُ ْ
ب بِأَ ْ
ع فَإ ّننِى طَ ٌ
إنْ ُت ْغ ِدفِى دُونى ا ْلقِــنَا َ
ومنها :السّحر؛ يقال :رجل مطبوب ،أى :مسحور ،وفى ((الصحيح)) من حديث عائشة لـمّا سحرت يهودُ رسولَ
ع ْندَ رأسه وعند رجليه ،فقال أحدهما :ما بالُ الرّجُلِ ؟ قال الخر:
ن ِ
ال صلى ال عليه وسلم ،وجلس المَلكَا ِ
طبّه ؟ قال :فلن اليهودىّ. طبُوبٌ .قال :مَن َ
مَ ْ
جنُونُ ؟
ك أَمْ ُ
طّب َ
حرٌ كَانَ ِ
عنّى أَسِ ْ
ن َ
حسّا َ
ن ُمبْلِغٌ َ
َألَ مَ ْ
ئ السّحْرُ
ت َه َكذَا وإن ُكنْتَ َمسْحُوراً فل بَرِ َ
طبُوبًا فَل زِلْ َ
فإن ُكنْتَ مَ ْ
حبّك أسألُ
قال الجوهرى :ويقال للعليل :مسحور .وأنشد البيت .ومعناه :إن كان هذا الذى قد عرانى منكِ ومِن ُ
ل دوامه ،ول أريدُ زواله ،سواء أكان سحرًا أو مرضاً.
ا َ
طبّبَ)) ولم يقل :مَن طَبّ ،لن لفظ التّفعل يدل على تكلّف الشىء والدخول ن تَ َ
وقوله صلى ال عليه وسلم(( :مَ ْ
فيه بُعسر وكُلفة ،وأنه ليس من أهله ،كتَحَلّم وتشجّع وتصبّر ونظائرِها ،وكذلك َبنَوْا تكلّف على هذا الوزن ،قال
الشاعر:
ن ومَنْ تَ َقيّسَا *
عيْل َ
س َ
* َوقَي َ
وأما المر الشرعىّ :فإيجابُ الضمان على الطبيب الجاهل ،فإذا تعاطى عِلمَ الطّب وعمله ،ولم يتقدم له به
غرّ َر بالعليل ،فيلزمه
معرفة ،فقد هَجم بجهله على إتلفِ النفس ،وأ ْقدَم بالتهوّر على ما لم يعلمه ،فيكون قد َ
الضمانُ لذلك ،وهذا إجماع من أهل العلم.
قال الخطّابىّ :ل أعلم خلفاً فى أن المعالِج إذا تعدّى ،فتَلِفَ المريضُ كان ضامناً ،والمتعاطى علمًا أو عملً ل
يعرفه متعد ،فإذا تولّد من فعله التلف ضمن الدية ،وسقط عنه القَودُ ،لنه ل يست ِبدّ بذلك بدون إذن المريض
وجناي ُة المُتطبب فى قول عامة الفقهاء على عاقَِلتِه.
أحدها :طبيب حاذق أعطى الصنعةَ حقّها ولم تجن يده ،فتولّد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع ،ومن جهة
ن فيه ،وهذا كما إذا مَن يطبّه تلفُ العضو أو النفس ،أو ذهابُ صفةٍ ،فهذا ل ضمان عليه اتفاقاً ،فإنها سِراية مأذو ٍ
ختَنَ الصبىّ فى وقت ،وسِـنّه قابل للختان ،وأعطى الصنعةَ حقّهاَ ،فتَلِفَ العضو أو الصبىّ ،لم يضمن ،وكذلك إذا َ
ف به ،لم يضمن ،وهكذا سِراية كُلّ بَطّ مِن عاقل أو غيرِه ما ينبغى بطّه فى وقته على الوجه الذى ينبغى َفتَلِ َ
مأذون فيه لم يتعدّ الفاعل فى سببها ،كسِراية الحدّ بالتفاق .وسِراي ِة القِصاص عند الجمهور خلفاً لبى حنيفة فى
إيجابه الضمان بها ،وسِراية التعزير ،وضربِ الرجل امرأته ،والمُعلّم الصبىّ ،والمستأجر الدابة ،خلفاً لبى
ب الدابة .وقاعد ُة الباب إجماعاً ونزاعاً :أنّ ضرْ َ حنيفة والشافعى فى إيجابهما الضمانَ فى ذلك ،واستثنى الشافعى َ
سِراية الجناية مضمونةٌ بالتفاق ،وسِراية الواجب ُم ْهدَرةٌ بالتفاق ،وما بينهما ففيه النزاع .فأبو حنيفة أوجب
ى بين المقدّر ،فأهدر ضمانه ،وبين غي ِر ال ُم َقدّر فأوجبَ ق الشافع ّ
ضمانَه مطلقاً ،وأحمد ومالكٌ أهدرا ضمانه ،وفرّ َ
ن الذن ضمانه .فأبو حنيفة نظر إلى أن الذن فى الفعل إنما وقع مشروطاً بالسلمة ،وأحمد ومالك نظرا إلى أ ّ
ن ال ُم َقدّر ل يمكن النقصان منه ،فهو بمنزلة النص ،وأما غيرُ المُ َقدّر أسقط الضمانَ ،والشافعىّ نظر إلى أ ّ
ظنّة العُدوان. ف بها ،ضمن ،لنه فى مَ ِ كالتّعزيرات ،والتأديبات فاجتهاديةٌ ،فإذا تَلِ َ
فصل
ف به ،فهذا إن علم المجنىّ عليه أنه جاهل ل عِلْ َم له ،وَأذِنَ
طبّه ،فتَلِ َ
ل باشرت يدُه مَن يَ ُ
القسمُ الثانى :متطبّبٌ جاهِ ٍ
ل على أنه غرّ العليل، له فى طِبه لم يضمن ،ول تُخالف هذه الصورة ظاه َر الحديث ،فإنّ السّياق وقوة الكلم يد ّ
ضمِنَ الطبيبُ ما ض أنه طبيب ،وأذن له فى طِبه لجل معرفتهَ ، وأوهمه أنه طبيب ،وليس كذلك ،وإن ظنّ المري ُ
ف به ،ضمنه، حذْقه فتَلِ َ
ل يظن أنه وصفه لمعرفته و ِ
جنت يده ،وكذلك إن وصف له دواء يستعملُه ،والعلي ُ
والحديثُ ظاهر فيه أو صريح.
فصل
ب حاذِق ،أُذن له ،وأعطى الصّنعة حقها ،لكنه أخطأت يدُه ،وتعدّت إلى عضو صحيح فأتلفه، القسم الثالث :طبي ٌ
جنَايةُ خطإٍ ،ثم إن كانت الثّلُث فما زاد ،فهو على
مِثل :أن سبقت يدُ الخاتن إلى ال َكمَرَةِ ،فهذا يضمَنُ ،لنها ِ
عاقَِلتِه ،فإن لم تكن عاقلةٌ ،فهل تكون الدّيَة فى ماله ،أو فى بيت المال ؟ على قوليْن ،هما روايتان عن أحمد.
وقيل :إن كان الطبيب ذِمّيا ،ففى ماله؛ وإن كان مسلماً ،ففيه الروايتان ،فإن لم يكن بيتُ المال ،أو تعذّر تحميلُه،
فهل تسقط ال ّديَة ،أو تجب فى مال الجانى ؟ فيه وجهان أشهرهما :سقوطها.
فصل
ب الحاذِق الماهر بصناعته ،اجتهد فوصف للمريض دواءً ،فأخطأ فى اجتهاده ،فقتله ،فهذا القسم الرابع :الطبي ُ
ن دِيةَ المريض فى بيت المال .والثانية :أنها على عاقلة الطبيب ،وقد نص
يُخرّج على روايتين؛ إحداهما :أ ّ
عليهما المامُ أحمد فى خطإ المام والحاكم.
فصل
القسم الخامس :طبيبٌ حاذق ،أعطى الصنعةَ حقها ،فقطع سِ ْلعَ ًة من رجل أو صبى ،أو مجنون بغير إذنه ،أو إذن
ل غير مأذون فيه ،وإن أذن لهختَنَ صبيًا بغير إذن وَليّه َفتَلِفَ ،فقال أصحابُنا :يضمن ،لنه تولّد من فع ٍ
وَليّه ،أو َ
ل أنْ ل يضمَن مطلقًا لنه محسنٌ ،وما على المُحسنين من البالغ ،أو وَِلىّ الصبى والمجنون ،لم يضمن ،ويحتمِ ُ
ى فى إسقاطِ الضمان ،وإن لم يكن متعدّياً ،فل وجه لضمانه. سبيلٍ .وأيضًا فإنه إن كان متعدّياً ،فل أثر لذن الول ّ
فإن قلتَ :هو متعدّ عند عدم الذن ،غير متع ّد عند الذن.
قلتُ :العُدوان وعدمه إنما يرجع إلى فعله هو ،فل أثر للذن وعدمه فيه ،وهذا موضع نظر.
فصل
ص الناس
وسواء أكان طبه لحيوان بهيمٍ ،أو إنسان ،فاسمُ الطبيب يُطلق لغةً على هؤلء كلهم ،كما تقدّم ،وتخصي ُ
له ببعض أنواع الطباء عُرْفٌ حادث ،كتخصيص لفظ الدابة بما يخصّها به كُلّ قوم.
فصل
ب حدوثه ما هى ؟
الثانى :النظر فى سببه من أى شىء حدث ،والعِلّةُ الفاعلةُ التى كانت سب َ
ن المريض.
السادس :سِ ّ
السابع :عادته.
(يتبع)...
الثانى عشر :النظر فى قوة الدواء ودرجته ،والموازنة بينها وبين قوة المريض.
ب منها ،فمتى
ل قصده إزالة تلك العِلّة فقط ،بل إزالتُها على وج ٍه يأمن معه حدوث أصع َ
الثالث عشر :أل يكون ك ّ
ب منها ،أبقاها على حالها ،وتلطيفها هو الواجب ،وهذا
علّةٍ أُخرى أصع َ كان إزالتها ل يأمن معها حدوث ِ
ب منه.
كمرض أفواه العروق ،فإنه متى عُولج بقطعه وحبسه خِيف حدوث ما هو أصع ُ
ل من العلج بالغذاء إلى الدواء إل عند تعذّرِه ،ول ينت ِقلُ إلى
الرابع عشر :أن يُعالِج بالسهل فالسهل ،فل يَنتقِ ُ
الدواء المركّب إل عند تعذرِ الدواء البسيط ،فمن حذق الطبيب علجُه بالغذية بدل الدوية ،وبالدوية البسيطة
بدل المركّبة.
الخامس عشر :أن ينظر فى العِلّة ،هل هى مما يمكن علجُها أو ل ؟ فإن لم يُمكن علجُها ،حفظ صِناعته
وحُرمتَه ،ول يحمِلُه الطمع على علج ل يفيد شيئاً .وإن أمكن علجها ،نظر هل يمكن زوالُها أم ل ؟ فإن علم
أنه ل يمكن زوالُها ،نظر هل يمكن تخفيفُها وتقليلُها أم ل ؟ فإن لم يمكن تقليلُها ،ورأى أنّ غاية المكان إيقافُها
وقط ُع زيادتها ،قصد بالعلج ذلك ،وأعان القوة ،وأضعف المادة
السادس عشر :أل يتعرّض للخلط قبل نُضجه باستفراغ ،بل يقصد إنضاجه ،فإذا تمّ نضجُه ،بادر إلى استفراغه.
خبْرة باعتلل القلوب والرواح وأدويتها ،وذلك أصل عظيم فى علج البدان ،فإنّ السابع عشر :أن يكون له ِ
انفعال البدن وطبيعته عن النفس والقلب أمرٌ مشهود ،والطبيب إذا كان عارفاً بأمراض القلب والروح
ل البدن
خبْرة له بذلك وإن كان حاذقًا فى علج الطبيعة وأحوا ِوعلجهما ،كان هو الطبيبَ الكاملَ ،والذى ل ِ
ل طبيب ل يداوى العليل ،بتفقّد قلبه وصلحه ،وتقويةِ روحه وقُواه بالصدقة ،وفعل الخير، ف طبيب .وك ّ
نص ُ
ب قاصر .ومن أعظم علجات المرض فعلُ والحسان ،والقبال على ال والدار الخرة ،فليس بطبيب ،بل متطبّ ٌ
الخير والحسان والذّكر والدعاء ،والتضرع والبتهال إلى ال ،والتوبة ،ولهذه الُمور تأثيرٌ فى دفع العلل،
وحصول الشفاء أعظ ُم من الدوية الطبيعية ،ولكن بحسب استعداد النفس وقبولِها وعقيدتِها فى ذلك ونفعه.
التاسع عشر :أن يستعمل أنواع العِلجات الطبيعية واللهية ،والعلج بالتخييل ،فإنّ لِحذّاق الطباء فى التخييل
أُمورًا عجيبة ل يصل إليها الدواء ،فالطبيب الحاذق يستعين على المرض بكل مُعين.
ستّة أركان :حفظ الصحة الموجودة ،وردّ العشرون :وهو مِلك أمر الطبيب أن يجعل علجَه وتدبيرَه دائراً على ِ
ل أدنى المفسد َتيْن لزالة
الصحة المفقودة بحسب المكان ،وإزالة العِلّة أو تقليلها بحسب المكان ،واحتما ُ
ل طبيب ل أعظمهما ،وتفويتُ أدنى المصلح َتيْن لتحصيل أعظمهما ،فعلى هذه الُصول السّـتّة مدارُ العلج ،وك ّ
خيّته التى يرجع إليها ،فليس بطبيب ..وال أعلم.
تكون هذه أ ِ
فصل
ولما كان للمرض أربعةُ أحوال :ابتداءٌ ،وصُعودٌ ،وانتهاءٌ ،وانحطاطٌ؛ تعيّن على الطبيب مراعا ُة كل حال من
أحوال المرض بما يُناسبها ويليق بها ،ويستعمِلُ فى كل حال ما يجبُ استعمالُه فيها .فإذا رأى فى ابتداء المرض
أنّ الطبيعة محتاجة إلى ما يُحَرّك الفضلت ويستفرِغُها لنضجها ،بادر إليه ،فإن فاته تحريك الطبيعة فى ابتداء
المرض لعائق منع من ذلك ،أو لضعف القوة وعدم احتمالها للستفراغ ،أو لبرودة الفصل ،أو لتفريط وقع،
حذَ َر كل الحَذ ِر أن يفعل ذلك فى صعود المرض ،لنه إن فعله ،تحيّرت الطبيعة لشتغالها بالدواء، فينبغى أن يَ ْ
وتخلّت عن تدبير المرض ومقاومته بالكلية ،ومثاله :أن يجى َء إلى فارس مشغول بمواقعة عدوه ،فيشغله عنه
بأمر آخر ،ولكن الواجب فى هذه الحال أن يُعين الطبيعة على حفظ القوة ما أمكنه.
فإذا انتهى المرض ووقف وسكن ،أخذ فى استفراغه ،واستئصال أسبابه ،فإذا أخذ فى النحطاط ،كان أولى
بذلك .ومثالُ هذا مثال العدو إذا انتهت قُوّته ،وفرغ سِلحُه ،كان أخذُه سهلً ،فإذا ولّى وأخذ فى الهرب ،كان
شوْكتُه إنما هى فى ابتدائه ،وحال استفراغه ،وسعة قُوّته ،فهكذا الداء والدواء سواء.
حدّته و َ
أسهلَ أخذاً ،و ِ
فصل
ل إلى الصعب ،ويتدّرج من الضعف إلى القوى إل َومِن حِذق الطبيب أنه حيث أمكن التدبير بالسهل ،فل َيعْدِ ُ
أن يخاف فَوتَ القُوّة حينئذ ،فَيجبُ أن يبتدىء بالقوى ،ول يُقيم فى المعالجة على حال واحدة فتألفُها الطبيعة،
جسُر على الدوية القوية فى الفصول القوية ،وقد تقدّم أنه إذا أمكنه العِلجُ بالغذاء ،فل ويَقِلّ انفعالُها عنه ،ول تَ ْ
ض أحا ٌر هو أم بارد ؟ فل يقدم حتى يتبيّن له ،ول يُجرّبه بما يخاف عاقبته، يُعالِج بالدواء ،وإذا أشكل عليه المر ُ
ول بأس بتجرِبته بما ل يضرّ أثرُه.
إحداها :أن يكون بُرء الخر موقوفاً على بُرئه كالورم والقُرحة ،فإنه يبدأ بالورم.
الثالثة :أن يكون أحدهما أه َم من الخر ،كالحاد والمزمن ،فيبدأ بالحاد .ومع هذا فل يغفُلُ عن الخر .وإذا اجتمع
المرض والعَرَض ،بدأ بالمرض ،إل أن يكون العَ َرضُ أقوى كالقُولنج ،فيُسكن الوجع أولً ،ثم يُعالج السّدة .وإذا
ض عن المعالجة بالستفراغ بالجوع أو الصوم أو النوم ،لم يستفرغه ،وكُلّ صحة أراد حفظها، أمكنه أن يعتا َ
ل منها ،نقلها بالضد.
حفظها بالمثل أو الشبه ،وإن أراد نقلها إلى ما هو أفض ُ
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى التحرز من الدواء المعدية بطبعها ،وإرشاده الصحاءَ إلى مجانبة أهلها
ثبت فى ((صحيح مسلم)) من حديث جابر بن عبد ال ،أنه كان فى َوفْد َثقِيف رجلٌ مجذومٌ ،فأرسل إليه النبىّ
صلى ال عليه وسلم (( :ا ْرجِعْ َف َقدْ با َي ْعنَاكَ)).
وروى البخارى فى ((صحيحه)) تعليقاً مِن حديث أبى هريرة ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه قال(( :فِ ّر مِنَ
سدِ)).
جذُو ِم َكمَا تَفِ ّر مِنَ ال َ
ا ْلمَ ْ
ض عَلَى
وفى ((الصحيحين)) من حديث أبى هُريرة ،قال :قال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم(( :ل يُو ِردَنّ ُممْرِ ٌ
مُصِحّ)).
حيْنِ)).
جذُومََ ،وبَ ْينَك َو َب ْينَهُ قِيدُ ُرمْحٍ أَوْ ُرمْ َ
ويُذكر عنه صلى ال عليه وسلم(( :كَلّمْ ا ْلمَ ْ
ن هذه الحاديث معارَضةٌ بأحاديثَ ُأخَر تُبطلها وتُناقضها ،فمنها :ما رواه الترمذى، وقد ظنّ طائفة مِن الناس أ ّ
صعَةِ،
جلٍ مجذومٍ ،فأدخلها معه فى ال َق ْ
من حديث عبد ال بن عمر (ان رسول ال صلى ال عليه وسلم أخذ ب َيدِ ر ُ
ل عليه)) ،ورواه ابن ماجه.
وقال(( :كُلْ باسم ال ،ثِقَ ًة بال ،وتوكّ ً
طيَرَة)).
وبما ثبت فى ((الصحيح)) ،عن أبى هُريرة ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه قال(( :ل عَدوَى ول ّ
ونحن نقول :ل تعارُض بحمد ال بين أحاديثه الصحيحة .فإذا وقع التعارضُ ،فإما أن يكون أحدُ الحديثين ليس
ط فيه بعضُ الرواة مع كونه ثق ًة ثَبتاً ،فالثقةُ َيغْلَطُ ،أو يكونُ أح ُد الحديثين مِن كلمه صلى ال عليه وسلم وقد غَلِ َ
ل النسخ ،أو يكونُ التعارضُ فى فهم السامع ،ل فى فى نفس كلمه صلى ال عليه ناسخًا للخر إذا كان مما يَ ْقبَ ُ
وسلم ،فل بُ ّد مِن وجه من هذه الوجوه الثلثة .وأما حديثان صحيحان صريحان متناقضان مِن كل وجه ،ليس
جدَ فى كلم الصادق المصدوق الذى ل يخرج من ل أن يُو َ
أحدُهما ناسخًا للخر ،فهذا ل يُوجد أصلً ،ومعاذَ ا ِ
بين شفتيه إل الحقّ ،والفةُ مِن التقصير فى معرفة المنقول ،والتمييز بين صحيحه ومعلوله ،أو من القُصور فى
فهم مُراده صلى ال عليه وسلم ،وحمل كلمه على غير ما عناه به ،أو منهما معاً .ومن ههنا وقع من الختلف
والفساد ما وقع ..وبال التوفيق.
قال ابن قتيبة فى كتاب ((اختلف الحديث)) له حكايةً عن أعداء الحديث وأهله :قالوا :حديثان متناقضان رويتُم
ن النّ ْقبَةَ تقع بمِشْ َفرِ البَعي ِر ،
طيَرَة)) .وقيل له :إ ّ
عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه قال (( :ل عَدوَى ول ّ
ل،
ب لذلك الب ُ
فيجرَ ُ
قال (( :فما أعدَى الولَ)) ؟ ،ثم رويتُم (( :ل يُوردُ ذو عاهة على مُصِحّ)) و((وفِ ّر من المجذو ِم فِرارَك من
سدِ)) ،وأتاه رجل مجذوم ليُبايَعه بَيْعة السلم ،فأرسل إليه ال َبيْعةَ ،وأمَره بالنصراف ،ولم يأذن له ،وقال ال َ
ف ل يُشبه بعضُه بعضاً . (( :الشّؤ ُم فى المرأة والدا ِر والدّابةِ)) ..قالوا :وهذا كُلّه مختلِ ٌ
والعدوى جنسان ؛ أحدهما :عدوى الجُذام ،فإنّ المجذوم تشتدّ رائحتُه حتى يُسْ ِقمُ مَن أطال مجالسته ومحادثته ،
ج ِذمَتْ ،وكذلك جعُه فى شِعا َر واحد ،فيُوصِل إليها الذى ،وربما ُ وكذلك المرأةُ تكونُ تحتَ المجذوم ،فتُضا ِ
ق ونُ ْقبٌ .والطباء تأمر أل يُجالَس المسلول ول سلٌ ودِ ٌ
ولدُه يَنزِعُون فى الكِبر إليه ،وكذلك مَن كان به ِ
المجذُوم ،ول يُريدون بذلك معنى العدوى ،وإنما يُريدون به معنى تغيّرِ الرائحة ،وأنها قد تُسْ ِقمْ مَن أطال
ب فإذااشتمامَها ،والطباء أبع ُد الناس عن اليمان بيُمن وشُؤم ،وكذلك النّقْبةُ تكون بالبعير وهو جَ َربٌ رَط ٌ
خالط البلَ أو حاكّها ،وأوَى فى مَباركها ،وصل إليها بالماء الذى يَسيل منه ،وبالنّطف نحو ما به ،فهذا هو
المعنى الذى قال فيه النبىّ صلى ال عليه وسلم (( :ل يُو َردُ ذو عاهة على مُصِح)) ،كَرِ َه أن يُخالط ال َمعْيُوه
حكّته نحو مما به .
الصحيحَ ،لئل ينالَه مِن نَطَفه و ِ
ف العدوى ،وقد قال صلى ال س الخرُ من العدوى ،فهو الطاعونُ ينز ُل ببلد ،فيخرُج منه خو َ قال :وأما الجن ُ
خرُجُوا
خرُجُوا ِمنْه ،وإذا كان ِببَلَ ٍد ،فل تَدْخُلُوه)) .يريد بقوله :ل تَ ْ
عليه وسلم (( :إذا وقَعَ ِببََلدٍ وأ ْنتُم به ،فل تَ ْ
ن الفِرا َر مِن َقدَر ال يُنجيكم من ال ،ويُريد بقوله : مِن البلد إذا كان فيه كأنكم تظنون أ ّ
ب لعيشكم ،
((وإذا كان ببلد فل تدخلوه)) ،أى :مُقامُكم فى الموضع الذى ل طاعون فيه أسْكنُ لقلوبكم ،وأطي ُ
ل مكروةٌ أو جائح ٌة ،فيقول :أعدتْنى بشؤمها ،فهذا هوومن ذلك المرأ ُة تُعرف بالشؤم أو الدارُ ،فينال الرج َ
عدْوَى)) .
العدوى الذى قال فيه رسولُ ال صلى ال عليه وسلم (( :ل َ
وقالت فِرْقة أُخرى :بل الم ُر باجتنابِ المجذوم والفِرار منه على الستحباب ،والختيار ،والرشاد .وأما
ن هذا ليس بحرام . الكل معه ،ففَعلُه لبيانِ الجواز ،وأ ّ
ب بهذين الخطابين جزئى ل كلى .فكلّ واحد خاطبه النبىّ صلى ال عليه وسلم وقالت فِرْقة أُخرى :بل الخطا ُ
ى التوكل تدفع قوةُ توكله قُوّ َة العدوى ،كما تدفع قوةُ
ى اليمان ،قو ّض الناس يكون قو ّ
بما يليق بحاله ،فبع ُ
الطبيعة قو َة العِلّة فتُبطلها ،وبعضُ الناس ل يَقوى على ذلك ،فخاطبه بالحتياط والخذ بالتحفظ ،وكذلك هو
صلى ال عليه وسلم فَعل الحالتين معًا ،لتقتدى به الُمة فيهما ،فيأخذ مَن قَوى من أُمته بطريقة التوكل والقُوّة
والثقة بال ،ويأخذ مَن ضَعف منهم بطريقة التحفظ والحتياط ،وهما طريقان صحيحان .أحدهما :للمؤمن
القوى ،والخر :للمؤمن الضعيف ،فتكون لكل واحد من الطائفتين حُجّ ٌة وقُدوةٌ بحسب حالهم وما يناسبهم ،
ى ،وقرن تركَه بالتوكل ،وتَ َركَ الطّيرة ،ولهذا وهذا كما أنه صلى ال عليه وسلم كَوى ،وأثنَى على تارِك الك ّ
نظائ ُر كثيرة ،وهذه طريقة لطيفةٌ حسنة جداً مَن أعطاها حقّها ،ورُزِق فقْه نَفْسه فيها ،أزالت عنه تعارضاً
كثيرًا يظنه بالسّـنّةِ الصحيحة .
ل الداء منه بواسطة الملمسة ن المر بالفِرار منه ،ومجانبتِه لمر طبيعى ،وهو انتقا ُ
وذهبت فِرقة أُخرى إلى أ ّ
والمخالطة والرائحة إلى الصحيح ،وهذا يكون مع تكرير المخالطة والملمسة له ،وأما أكلُه معه مقداراً يسيراً
من الزمان لمصلحة راجحة ،فل بأس به ،ول تحصُل العدوى مِن مرّ ٍة واحدة ولحظة واحدة ،فنَهى سداً
ض بين المرين . للذريعة ،وحِمايةً للصحة ،وخالطه مخالطةً ما للحاجة والمصلحة ،فل تعارُ َ
ن هذا المجذومُ الذى أكل معه به من الجُذام أمرٌ يسير ل يُعدى مثله ،وليسوقالت طائفة أُخرى :يجوز أن يكو َ
ج ْذمَى كُلّهم سواءً ،ول العدوى حاصلة من جميعهم ،بل منهم مَن ل تضرّ مخالطته ،ول تُعدى ،وهو مَن الْ َ
أصابه من ذلك شىء يسير ،ثم وقف واستمر على حاله ،ولم ُي ْعدِ بقيةَ جسمه ،فهو أن ل يعدِىَ غيره أولى
وأحرى .
ن المراض المعدية تُعدى بطبعها من غير إضافة إلى ال وقالت فِرقة أُخرى :إنّ الجاهلية كانت تعتقد أ ّ
سبحانه ،فأبطل النبىّ صلى ال عليه وسلم اعتقادَهم ذلك ،وأكل مع المجذوم ل ُيبَيّنَ لهم أنّ ال سبحانه هو الذى
يُمرض ويَشفى ،ونهى عن القُرب منه ليتبينَ لهم أنّ هذا من السباب التى جعلها ال مُفضية إلى مسبباتها ،ففى
ل بشىء ،بل الربّ سبحانه إن شاء سلبها قواها ،فل تؤثر شيئاً نهيه إثباتُ السباب ،وفى فعله بيان أنها ل تستقِ ّ
،وإن شاء أبقى عليها قُواها فأثّرت .
حكِمَ
وقالت فِرقة أُخرى :بل هذه الحاديث فيها الناسخ والمنسوخ ،فيُنظر فى تاريخها ،فإن عُلِ َم المتأخر منها ُ ،
بأنه الناسخ ،وإل توقفنا فيها .
عدّوى)) ،وقالت :وقالت فِرقة أُخرى :بل بعضُها محفوظ ،وبعضها غي ُر محفوظ ،وتكلمت فى حديث (( :ل َ
ك فيه فتركه ،وراجعوه فيه ،وقالوا :سمعناك تُحدّث به ،فأبى أن يُحدّث
ل ،ثم ش ّ
قد كان أبو هريرة يرويه أ ّو ً
به .
قال أبو سلمة :فل أدرى ،أنسىَ أبو هريرة ،أم نَسخَ أحدُ الحديثين الخَر ؟
ث ل يثبت ول ى صلى ال عليه وسلم أخذ بيدِ مجذوم ،فأدخلها معه فى القصعة ،فحدي ٌ وأما حديثُ جابر :أنّ النب ّ
حسّنه .وقد قال شعبة وغيرُه :اتقوا هذه صحّحْه ولم يُ َ
يَصِحّ ،وغاية ما قال فيه الترمذى :إنه غريب ،لم يُ َ
ب .قال الترمذى :ويُروى هذا من فعل عمر ،وهو أثبت ،فهذا شأنُ هذين الحديثين اللّذين عُورض بهما الغرائ َ
ح عن رسول ال صلى ال ث النهى ،أحدهما :رجع أبو هريرة عن التحديث به وأنكره ،والثانى :ل يَصِ ّ أحادي ُ
ل من هذا ..وبال عليه وسلم ،وال أعلم ،وقد أشبعنا الكلم فى هذه المسألة فى كتاب ((المفتاح)) ،بأطو َ
التوفيق.
فصل
روى أبو داود فى ((سننه)) من حديث أبى الدرداء رضى ال عنه قال :قال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم :
حرّم)) .
ل ِلكُلّ داءٍ دواءً َ ،فتَدَاوَوْا ،ول َتدَاوَوْا بِا ْلمُ َ
جعَ َ
((إنّ الَ َأنْزَلَ الدّا َء وَالدّوَاء ،وَ َ
خبِيثِ .
ن الدّوَاءِ ال َ
وفى ((السنن)) عن أبى هريرة ،قال :نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عَ ِ
سوَيد الجُعفىّ ،أنه سأل النبىّ صلى ال عليه وسلم عن الخمر ،فنهاه ،أو وفى ((صحيح مسلم)) عن طارق بن ُ
كَرِ َه أن يص َنعَها ،فقال :إنما أصنعُها للدواء ،فقال (( :إنّه َليْسَ ِبدَوَا ٍء ولكنّهُ دَاءٌ )) .
ت بِالدّوَاءِ))
جعَل فى الدّواء ،فقال (( :إ ّنهَا دَاءٌ ولَيسَ ْ
وفى ((السنن)) أنه صلى ال عليه وسلم سُئل عن الخمر يُ ْ
رواه أبو داود ،والترمذى.
صرُها
وفى ((صحيح مسلم)) عن طارق بن سُويدٍ الحضرمى ؛ قال :قلت :يا رسول ال ؛ إنّ بأرضنا أعنابًا نَعت ِ
شفَاءٍ َوَل ِكنّهُ دَاءٌ)) .
س بِ ِ
ن ذَِلكَ َليْ َ
ت :إنّا نستشفى للمريض قال (( :إ ّ
فنشرب منها ،قال (( :ل)) .فراجعتُه ،قل ُ
ن طبيباً ذَكر ضِ ْفدَعاً فى دوا ٍء عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فنهاه عن َقتْلِها .
وفى ((سنن النسائى)) أ ّ
ل ،فهو ع فما ذكرْنا من هذه الحاديثِ وغيرها .وأمّا العق ُ ل وشرعًا ،أمّا الشر ُ المعالجة بالمحرّمات قبيحةٌ عق ً
أنّ الَ سبحانه إنما حرّمه لخُبثه ،فإنه لم يُحَرّم على هذه الُمة طَيباً عقوب ًة لها ،كما حرّمه على بنى إسرائيلَ
ت َلهُمْ}[النساء ،]160 :وإنما حرّم على هذه الُمة ما ت أُحِلّ ْ
طّيبَا ٍ
ن هَادُواْ حَ ّر ْمنَا عََل ْيهِمْ َ
بقوله َ { :فبِظُ ْلمٍ مّنَ اّلذِي َ
ب أن يُطَلبَ به الشّفا ُء من السقام والعِلل ،
س ُ
حَرّم لخبثه ،وتحريمُه له حِمية لهم ،وصيانة عن تناوله ،فل يُنا ِ
فإنه وإن أثّر فى إزالتها ،لكنه ُيعْ ِقبُ سَقَمًا أعظمَ منه فى القلب بقوة الخُبث الذى فيه ،فيكون ال ُمدَاوَى به قد سعى
سقْم القلب . فى إزالة سُقْم البدن ب ُ
ض على الترغيب فيه وملبسته ، وأيضاً فإنّ تحريمه يقتضى تجنّبه والبُعدَ عنه بكُلّ طريق ،وفى اتخاذه دواء ح ٌ
ص عليه صاحبُ الشريعة ،فل يجوز أن يُتخذ دواءً .
ضدّ مقصود الشارع ،وأيضًا فإنه داء كما ن ّ وهذا ِ
سيّما
س تميل إليه ذريعةً إلى تناوله للشهوة واللّذة ،ل ِسيّما إذا كانت النفو ُ
وأيضاً فإنّ فى إباحة التداوى به ،ول ِ
ع سدّ الذريعة إلى ب لِشفائها ،فهذا أحبّ شىءٍ إليها ،والشار ُإذا عرفت النفوسُ أنه نافع لها مزيلٌ لسقامِها جال ٌ
ن بينَ س ّد الذريعة إلى تناوله ،و َفتْحِ الذريعة إلى تناوله تناقضًا وتعارضًا .
بأّ
تناوله بكُ ّل ممكن ،ول ري َ
وأيضاً فإنّ فى هذا الدواء المحرّم من الدواء ما يزيدُ على ما يُظَن فيه من الشّفاء ،ولنفرضْ الكلم فى ُأمّ
الخبائث التى ما جعل ال لنا فيها شفاءً َقطّ ،فإنها شديدةُ المضرّة بالدماغ الذى هو مركزُ العقل عند الطباء ،
وكثير من الفقهاء والمتكلمين .
قال ((أبقراط)) فى أثناء كلمه فى المراض الحادة :ضرر الخمرة بالرأس شديد .لنه يُسرع الرتفاع إليه .
ويرتفع بارتفاعه الخلط التى تعلو فى البدن ،وهو لذلك يضر بالذهن .
وقال صاحب ((الكامل)) :إنّ خاصية الشّراب الضرا ُر بالدماغ والعَصَب .
ث لمساعدته الطبيعةُ على دفع المرض به كالسموم ،ولحوم الفاعى وغيرها من أحدهما :تعافُه النفس ول تنبعِ ُ
ل لها ،فيصير حينئذ دا ًء ل دواء .
المستقذرات ،فيبقى كَلً على الطبيعة مثق ً
والثانى :ما ل تَعافُه النفس كالشراب الذى تستعمِلُه الحوامل مثلً ،فهذا ضررُه أكث ُر من نفعه ،والعقلُ يقضى
بتحريم ذلك ،فالعقلُ والفِطرةُ مطابقٌ للشرع فى ذلك .
ط الشفاء بالدواء تلقّيه بالقبول ،واعتقادُ منفعته ، وهاهنا سِرٌ لطيف فى كون المحرّمات ل يُستشفَى بها ،فإنّ شر َ
ك من الناس أينماوما جعل ال فيه من بركة الشفاء ،فإنّ النافعَ هو المبارَك ،وأنف ُع الشياءِ أبركُها ،والمبا َر ُ
ل بينه وبين اعتقاد بركتها حلّ ،ومعلوم أنّ اعتقاد المسلم تحريمَ هذه ال َعيْن مما يَحو ُ كان هو الذى يُنتفَع به حيث َ
ومنفعتها ،وبين حُسن ظنه بها ،وتلقّى طبعه لها بالقبول ،بل كلّما كان العبدُ أعظمَ إيمانًا ،كان أكره لها وأسوأ
ل اعتقادُ
اعتقادًا فيها ،وطبعُه أكره شىء لها ،فإذا تناولها فى هذه الحال ،كانت داءً له ل دواء إل أن يزو َ
ط إل على وجه داء الخُبث فيها ،وسو ُء الظن والكراهةُ لها بالمحبة ،وهذا يُنافى اليمان ،فل يتناولها المؤمن قَ ّ
..وال أعلم .
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى علج ال َقمْلِ الذى فى الرأس وإزالته
ل فيه ،فالخارجُ :الوسخُ والدنس المتراكم فى القمل يتولّد فى الرأس والبدن من شيئين :خارج عن البدن وداخ ٍ
سطح الجسد ،والثانى :من خلط ردىء عفن تدفعُه الطبيعة بين الجلد واللّحم ،فيتعفّنُ بالرّطوبة الدموية فى
البَشَ َرةِ بعد خُروجها من المسام ،فيكون مِنه القملُ ،وأكث ُر ما يكون ذلك بعد العلل والسقام ،وبسبب الوساخ ،
ق النبىّ
وإنما كان فى رؤوس الصبيان أكثر لكثرة رطوباتهم وتعاطيهم السباب التى تُولّد القمل ،ولذلك حَلَ َ
صلى ال عليه وسلم رؤوسَ بنى جعفر .
ومن أكبر عِلجه حَ ْلقُ الرأس لِتنفتح مسامّ البخرَة ،فتتصاعد البخرة الرديئة ،فتضعفُ مادة الخلط ،وينبغى
أن يُطلى الرأس بعد ذلك بالدوية التى تقتل القمل ،وتمنع تولّده .
وحلقُ الرأس ثلثة أنواع ؛ أحدها :نُسُك وقُربة .والثانى :بِدعة وشرك .والثالث :حاجة ودواء .
ج أو العُمرة .
فالول :الحلق فى أحد النّسُكين ،الح ّ
ق الرأس لغير ال سبحانه .كما يحلِقها المريدُون لشيوخهم ،فيقول أحدهم :أنا حلقتُ رأسى لفلن ، والثانى :حل ُ
ع وعُبودية وذُل ،ولهذا كان وأنت حلقتَه لفلن ،وهذا بمنزلة أن يقول :سجدتُ لفلن ،فإنّ حَ ْلقَ الرأس خضو ٌ
ن من أركانه ل يَتِ ّم إل به .فإنه وضعُ النواصى بين يدى ربها من تمام الحجّ ،حتى إنه عند الشافعى رك ٌ
ل لعِزّته ،وهو من أبلغ أنواع العبودية ،ولهذا كانت العربُ إذا أرادت إذللَ السير خضوعًا لعظمته ،وتذل ً
خ الضلل والمزاحِمون للربوبية الذين أساسُ مشيختهم على عتْقَه ،حلقوا رأسه وأطلقُوه ،فجاء شيو ُ منهم و ِ
الشّرك والبدعة ،فأرادوا مِن مريديهم أن يتعبّدوا لهم ،فزيّنوا لهم حَلْقَ رؤوسهم لهم ،كما زيّنوا لهم السجودَ
ن السجود ل هو وض ُع الرأس لهم ،وسمّوه بغير اسمه ،وقالوا :هو وض ُع الرأس بين يدى الشيخ ،ولعَمرُ ال إ ّ
بين يديه سبحانه ،وزيّنوا لهم أن ينذُروا لهم ،ويتوبُوا لهم ،ويَحِلفُوا بأسمائهم ،وهذا هو اتخاذُهم أرباباً وآلهةً
عبَاداً لّى مِنل لِلنّاسِ كُونُوْا ِ حكْ َم وَال ّنبُوّ َة ثُمّ َيقُو َ
ب وَالْ ُ
شرٍ أَن يُ ْؤ ِتيَهُ الُ ا ْل ِكتَا َ
مِن دُونِ ال ،قال تعالى { :مَا كَانَ ِلبَ َ
لئِكَةَ
خذُواْ ا ْلمَ َ
ن * َولَ َي ْأمُ ُركُ ْم أَن َتتّ ِ ل وََلكِن كُونُواْ َربّانِيّينَ ِبمَا ُكنْتُ ْم ُتعَّلمُونَ ا ْل ِكتَابَ َوبِمَا ُك ْنتُمْ َتدْرُسُو َ
دُونِ ا ِ
وَال ّن ِبيّينَ أَ ْربَابًا َ ،أيَ ْأمُ ُركُم بِا ْلكُ ْفرِ َب ْعدَ إذْ َأ ْنتُم مّسِْلمُونَ}[آل عمران.]80-79 :
ف العبودية عبوديةُ الصلة ،وقد تقاسمها الشيوخُ والمتشبهون بالعلماء والجبابرة ،فأخذ الشيوخُ منها @ وأشر ُ
أشرفَ ما فيها ،وهو السجود ،وأخذ المتشبهون بالعلماء منها الركوعَ ،فإذا لقىَ بعضُهم بعضًا ركع له كما
يركع ال ُمصَلّى لربه سواء ،وأخذ الجبابر ُة منهم القيا َم ،فيقوم الحرار والعبيد على رؤوسهم عبوديةً لهم ،وهم
جلوس ،وقد نهى رسولُ ال صلى ال عليه وسلم عن هذه الُمور الثلثة على التفصيل ،فتعاطِيها مخالفةٌ
حدٍ)) .وأنكر على ُمعَاذٍ َلمّا سَجد له
جدَ ل َ
سُحدٍ أنْ يَ ْ
لَصريحة له ،فنَهى عن السجود لغير ال وقال (( :ل يَنْبغِى َ
جوّزه لغير ال مُراغمَ ٌة لِ ورسوله ، وقال (( :مَهْ)) .وتحري ُم هذا معلوم من دينه بالضرورة ،وتجوي ُز مَن َ
وهو من أبلَ ِغ أنواع العبودية ،فإذا جَوّز هذا المُش ِركُ هذا النوعَ للبَشَر ،فقد جوّز العبودية لغير الِ ،وقد صَ ّ
ح
حنِى له ؟ قال (( :ل)) .قيل َ :أيَ ْلتَ ِزمُه و ُي َقبّلُهُ ؟ قال (( :ل)) .قيل َ :أيُصافِحُه ؟
ل يَلقَى أخاه َأ َينْ َ
أنه قيل له :الرّجُ ُ
قال (( :نعم)) .
{وَادْخُلُواْ ا ْلبَابَ سُجّداً}[البقرة ]58 :أى :منحنين ،وإل فل يُمكن الدخول على الجباه ،وصَحّ عنه النهىُ عن
القيام ،وهو جالس ،كما ُتعَظّم العاج ُم بعضُها بعضًا ،حتى منع مِن ذلك فى الصلة ،وأمرَهم إذا صَلّى جالساً
أن ُيصَلّوا جلوسًا ،وهم أصحاء ل عُذرَ لهم ،لئل يقوموا على رأسه وهو جالس ،مع أنّ قيامَهم ل ،فكيف إذا
كان القيا ُم تعظيمًا وعبودي ًة لغيره سبحانه .
ن النفوس الجاهلة الضالة أسقطتْ عبوديةَ ال سبحانه ،وأشركت فيها مَن ُتعَظّمه مِن الخلق ، والمقصود ..أ ّ
ت لغيره ،وحَلَ َقتْ لغيره ، فسجدت لغير ال ،وركعت له ،وقامت بين يديه قيامَ الصلة ،وحلفت بغيره ،ونذرَ ْ
ق ،بل عظّمته بالحب ،والخوف ،والرجاء ،والطاعة ،كما ُيعَظّم الخال ُ وذبحت لغيره ،وطافت لِغير بيته ،و َ
ب العالمين ،وهؤلء هم المضادون لدعوة الرّسُل ،وهم الذين بربهم ت مَن تعبُده من المخلوقين بر ّ أشد ،وسوّ ْ
سوّيكُم بِ َربّ
ل إن ُكنّا لَفِى ضَلَلٍ ُمبِينٍ إذْ نُ َ يَعدِلون ،وهم الذين يقولون وهم فى النار مع آلهتهم يختصمون { :تَا ِ
ل،حبّو َنهُ ْم كَحُبّ ا ِ
خذُ مِنْ دُونِ الِ َأنْدَاداً يُ ِ س مَن َيتّ ِ
ا ْلعَاَلمِينَ}[الشعراء ، ]98 :وهم الذين قال ال فيهم َ {:ومِنَ النّا ِ
ك به .فهذا فصل معترض ن يُشْ َر َ
حبّا لِ}[البقرة ]165 :وهذا كُلّه مِن الشّرك ،وال ل يغفر أَ ْ شدّ ُ
وَاّلذِينَ آ َمنُوا أَ َ
صدَ الكلم فيه ..وال الموفق . فى َهدْيه فى حلق الرأس ،ولعله أه ّم مما ُق ِ
فصول
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى العلج بالدوية الروحانية اللهية المفردة ،والمركّبة منها ،ومن الدوية
الطبيعية
فصل
ق ولو كان
روى مسلم فى ((صحيحه)) عن ابن عباس ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :ال َعيْنُ حَ ٌ
سبَقتْ ُه ال َعيْنُ)) .
ق ال َقدَرِ ،لَ َ
ىءٌ سَابَ َ
شَ ْ
حقٌ)) .
وفى ((الصحيحين)) من حديث أبى هريرة ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :ال َعيْنُ َ
ن.
وفى ((سنن أبى داود)) عن عائشة رضى ال عنها ،قالت :كان يُؤمَرُ العائِنُ فيتوضّأ ،ثم َي ْغتَسِلُ منه ال َمعِي ُ
ى من ال َعيْن .
ستَ ْرقِ َ
وفى ((الصحيحين)) عن عائشة قالت :أمرنى النبىّ صلى ال عليه وسلم أو َأمَرَ أن نَ ْ
عيَين َة ،عن عمرو بن دينار ،عن عروة بن عامر ،عن عُبيد بن رفاعة وذكر الترمذى ،من حديث سفيان بن ُ
ع َميْس قالت :يا رسولَ ال ؛ إنّ َبنِى جعفر تُصيبُهم العَينُ ،أفأست ْرقِى لهم ؟ فقال :
ى ،أنّ أسماء بنت ُ الزّرَق ّ
سبَ َقتْهُ ال َعيْنُ)) قال الترمذى :حديث حسن صحيح . سبِقُ القضاءَ ل َ
شىْ ٌء يَ ْ
((نعم فَلَوْ كان َ
سهْلَ
وروى مالك رحمه ال ،عن ابن شهابٍ ،عن أبى أُمامةَ بن سهل بن حنيفٍ ،قال :رأى عامرُ بن ربيعة َ
سهْلٌ ،فأتى رسولُ ال صلى ال خبّأة ،قال :فُلبِطَ َ ت كاليوم ول جِ ْل َد مُ َ ل ،فقال :والِ ما رأي ُ حنَيف يغتسِ ُ
بن ُ
ل له)) ،فغسل له عامرٌغتَسِ ْ
ت؟اْ
ظ عليه ،وقال (( :عَل َم يَ ْقتُلُ أح ُدكُم أخا ُه ؟ ألَ بَ ّركْ َعليه وسلم عامراً ،فتَ َغيّ َ
ح مع الناس .
ب عليه ،فرا َ وجهَه ويديه ومِرفَ َقيْه ورُكبتيه ،وأطرافَ رِجليه ،وداخِلَة إزاره فى قدح ،ثم ص ّ
وروى مالك رحمه ال أيضًا عن محمد بن أبى أُمامة بن سهل ،عن أبيه هذا الحديث ،وقال فيه (( :إنّ العيْنَ
ق ،توضّ ْأ لهُ)) ،فتوضّأ له .
حٌ
ق ال َقدَرَ
ق ،ولو كان شىءٌ سَابَ َ
وذكر عبد الرزّاق ،عن َم ْعمَرٍ ،عن ابن طاووس ،عن أبيه مرفوعًا (( :ال َعيْنُ حَ ٌ
ح. س ُتغْسِلَ أحدُك ْم ،فَ ْل َي ْغتَسِلْ)) ،ووصْله صحي ٌ
سبَ َقتْهُ ال َعيْنُ ،وإذا ا ْ
َ ،ل َ
قال الزّهْرى :يُ ْؤمَر الرجل العائن بقدح ،فيُدخِلُ كفّه فيه ،فيتمضمض ،ثم َيمُجّه فى القدح ،ويغسِلُ وجهه فى
ب على رُكبته اليُمنى فى ال َقدَح ،ثم يُدخِ ُل يده اليُمنى ،فيصُبّ على رُكبته
القدح ،ثم يُدخِل يده اليُسرى ،فيصُ ّ
خلَة إزارِ ِه ،ول يُوضع ال َقدَحُ فى الرض ،ثم يُصَبّ على رأس الرجل الذى تُصيبه العينُ اليُسرى ،ثم َيغْسِلُ دا ِ
من خلفه صبةً واحد ًة .
جنّية .فقد صح عن ُأمّ سلمةَ ،أنّ النبىّ صلى ال عليه وسلم رأى فى بيتها عيْنٌ ِ
عيْنٌ إنسية ،و َ عيْنان َ :
وال َعيْن َ
ستَْرقُوا لها ،فإنّ بها النّظرَة)) .
جاريةً فى وجهها سَ ْفعَ ٌة ،فقال (( :ا ْ
ل ال ِقدْرَ)) .
جمَ َ
جلَ ال َقبْ َر ،وال َ
خلُ الر ُ
ن لتُدْ ِ
ويُذكر عن جابر يرفعه (( :إنّ ال َعيْ َ
ل نصيبُهم مِن السمع والعقل أمْ َر ال َعيْن ،وقالوا :إنما ذلك أوها ٌم ل حقيق َة لها ،وهؤلء مِن فأبطلت طائف ٌة ممن ق ّ
س،
أجهل الناس بالسّم ِع والعقل ،ومِن أغلظهم حِجابًا ،وأكثفِهم طِباعًا ،وأبعدِهم معرف ًة عن الرواح والنفو ِ
وصفاتها وأفعالِها وتأثيراتها ،وعقلءُ الُمم على اختلفِ مِللهم ونِحلهم ل تدفَعُ أمر ال َعيْن ،ول تُنكره ،وإن
اختلفوا فى سببه وجهة تأثير ال َعيْن .
ص وكيفياتٍ ل سبحانه خلق فى الجسام والرواح قُوَى وطبائع مختلفة ،وجعل فى كثير منها خوا ّ ول ريب أنّ ا َ
مؤثرة ،ول يمكن لعاقل إنكا ُر تأثير الرواح فى الجسام ،فإنه أمر مُشا َهدٌ محسوس ،وأنت ترى الوج َه كيف
شمُه ويَستحى منه ،ويصفرّ صُفرة شديدة عند نظر مَن يخافُه إليه ،وقد يحمَرّ حُمر ًة شديدة إذا نظر إليه مَن يحت ِ
شاهد الناسُ مَن يَسقَم من النظر وتضعُف قواه ،وهذا كُلّه بواسطة تأثير الرواح ،ولشدة ارتباطها بال َعيْن يُنسب
الفعل إليها ،وليست هى الفاعلة ،وإنما التأثيرُ للرّوح .والرواحُ مختلفة فى طبائعها وقواها وكيفياتها
ل سبحانه رسولَه أن يستعيذَ به من شره . ح الحاسد مؤذية للمحسود أذىً بيّناً .ولهذا أمر ا ُ وخواصها ،فرو ُ
وتأثيرُ الحاسد فى أذى المحسود أم ٌر ل يُنكره إل مَن هو خارج عن حقيق ِة النسانية ،وهو أصل الصابة بال َعيْن
ف بكيفية خبيثة ،و ُتقَابِلُ المحسود ،فتؤثّ ُر فيه بتلك الخاصّية ،وأشبهُ الشياء ،فإنّ النفس الخبيثة الحاسدة تتكيّ ُ
ت بكيفية خبَيثةٍ ت عدوّها ،انبعثت منها قوة غضبية ،وتكيّف ْ بهذا الفعى ،فإن السّمّ كامِنٌ فيها بالقوة ،فإذا قابل ْ
مؤذية ،فمنها ما تشتدّ كيفيتُها وتقوى حتى تؤثر فى إسقاط الجنين ،ومنها ما تؤثر فى طمس البصر ،كما قال
حبَلَ)) . ل ْبتَر ،وذى الطّ ْف َيتَيْن مِنَ الحيّات (( :إنّهمَا يَل َتمِسَان ال َبصَ َر ،ويُسقطان ال َ
النبىّ صلى ال عليه وسلم فى ا َ
ث تلك النفس ،وكيفيتها الخبيثة خبْ ِومنها :ما تُؤثر فى النسان كيفيتُها بمجرد الرؤية من غير اتصال به ،لشدة ُ
ل علمُه ومعرفته بالطبيعة والشريعة ، المؤثرة ،والتأثيرُ غيرُ موقوف على التصالت الجسمية ،كما يظنّه مَن ق ّ
بل التأثيرُ يكون تارةً بالتصال ،وتارةً بالمقابلة ،وتارةً بالرؤية ،وتار ًة بتوجه الرّوح نح َو مَن يُؤثر فيه ،وتارةً
بالدعية وال ّرقَى والتعوّذات ،وتارةً بالوهم والتخيّل ،ونفسُ العائن ل يتوقفُ تأثيرُها على الرؤية ،بل قد يكون
أعمى ،فيُوصف له الشىء ،فتؤثّرُ نفسه فيه ،وإن لم يره ،وكثي ٌر من العائنين يُؤثر فى ال َمعِين بالوصف من
س ِمعُو ْا ال ّذكْرَ} [القلم ]51 :وقال غير رؤية ،وقد قال تعالى لنبيه{:وَإن َيكَادُ اّلذِينَ كَ َفرُو ْا َليُزِْلقُو َنكَ بَِأبْصَارِهِ ْم َلمّا َ
ت فِى ا ْلعُ َقدِ * َومِن شَرّ
شرّ النّفّاثَا ِق إذَا َو َقبَ * َومِن َ ق * مِن شَ ّر مَا خَلَقَ * َومِن شَ ّر غَاسِ ٍ { :قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ا ْلفَلَ ِ
س َد } فكلّ عائنٌ حاس ٌد ،وليس كلّ حاسد عائناً سدٍ إذَا حَ َحَا ِ
فلمّا كان الحاسد أعمّ من العائن ،كانت الستعاذ ُة منه استعاذةً من العائن ،وهى سهام تخرج من نفس الحاسد
والعائن نحوَ المحسود وال َمعِين تُصيبُه تارةً وتُخطئه تارة ،فإن صادفْته مكشوفًا ل وِقاية عليه ،أثّرتْ فيه ،ول
حذِراً شاكىَ السّلح ل منفذَ فيهِ للسهام ،لم تُؤثر فيه ،وربما ُردّتْ السهامُ على صاحبها ، بُ ّد ،وإن صادفته َ
حسّىّ سواء ،فهذا مِن النفوس والرواح ،وذاك مِن الجسام والشباح .وأصلُه مِن إعجاب وهذا بمثابة الرمى ال ِ
سمّها بنظرة إلى ال َمعِين ،وقد َيعِينُ الرجلُ
العائن بالشىء ،ثم تتبعه كيفيةُ نفسِه الخبيثة ،ثم تستعينُ على تنفيذ ُ
ن من النوع النسانى ،وقد قال أصحابُنا وغيرُهم نفسَه ،وقد يَعينُ بغير إرادته ،بل بطبعه ،وهذا أردأ ما يكو ُ
ق عليه إلى الموت ،وهذا هو الصوابُ قطعاً . ن مَن عُ ِرفَ بذلك ،حبَسه الما ُم ،وأجرَى له ما يُنفِ ُ
من الفقهاء :إ ّ
فصل
حنَيفٍ ،قالع ،وقد روى أبو داود فى ((سننه)) عن سهل بن ُ ى لهذه العِلّة ،وهو أنوا ٌوالمقصودُ :العلجُ النبو ّ
ى ذلك إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ، ل ،فدخلتُ ،فاغتسلتُ فيه ،فخرجتُ محموماً ،فنُمِ َ :مررْنا بَسيْ ٍ
س ،أوت :يا سيدى ؛ وال ّرقَى صالحة ؟ فقال (( :ل رُقيةَ إل فى نَفْ ٍ
ت َيتَعَ ّوذُ)) .قال :فقل ُ
فقال (( :مُرُوا أبا ثاب ٍ
حمَ ٍة ،أو َلدْغَةٍ)) .
ُ
ونحو (( :أعو ُذ بكلماتِ الِ التّامّاتِ التى ل يُجَا ِوزُهُنّ بَ ٌر ول فاجرٌ ،مِن شَرّ ما خلق وذرَأ وبرَأ ،ومِن شَرّ ما
ش ّر
شرّ ما يخرُج مِنها ،ومِن َشرّ ما ذرأ فى الرض ،ومِن َ ج فيها ،ومِن َ ينزلُ من السماء ،ومِن شَ ّر ما يَعرُ ُ
ل ،إل طارقًا يَطرُق بخير يا رحمن)) . ل والنهار ،ومِن شَرّ طَوَارق اللي ِ ِفتَنِ اللي ِ
ومنها (( :أَعُوذُ بكلماتِ الِ التامّ ِة مِن غضبه وعِقَابه ،ومِن شرّ عباده ،ومِن َهمَزات الشياطينِ وأن
يَحضُرونِ)) .
ت تكشِفُ
خذٌ بناصيته ،الّلهُمّ أن َ
ت من شرّ ما أنت آ ِ
ج ِهكَ الكريم ،وكلماتِك التامّا ِ
ومنها (( :الّلهُ ّم إنى أعوذُ بو ْ
ج ْن ُدكَ ،ول يُخَلفُ وعدُك ،سبحانَك وبحمدِك)) .
المأثَ َم وال َمغْرَمَ ،الّل ُهمّ إنه ل ُيهْزَمُ ُ
ومنها (( :أَعُوذُ بوجه الِ العظي ِم الذى ل شى َء أعظ ُم منه ،وبكلماتِه التامّات التى ل يُجاوزُِهن بَ ٌر ول فاجرٌ ،
شرّ كُلّ ذى ش ّر ل أُطيقت منها وما لم أعلم ،مِن شَرّ ما خلق وذرَأ وبرأ ،ومن َ سنَى ،ما علم ُحْ وأسماءِ ال ال ُ
ن ربّى على صِراط مستقيم)). خذٌ بناصيته ،إ ّ
تآِ
ل ذى شَرّ أن َ
شرّ كُ ّشرّه ،ومِن َ
ل كان ،وما لم ش العظيم ،ما شاء ا ُ ت ،عليك توكلتُ ،وأنتَ ربّ العر ِ ومنها (( :الّلهُمّ أنت ربّى ل إله إل أن َ
ن ال قد أحاط بكل شىء علماً ، ل على كُلّ شىء قدي ٌر ،وأ ّحوْلَ ول قُوّة إل بال ،أعلم أنّ ا َ يش ْأ لم يكن ،ل َ
ل دابةٍ أنتَ
شرّ نفسى ،وشَرّ الشيطانِ وشِرْكه ،ومِن شَ ّر كُ ّك مِن َ وأحصَى كُلّ شى ٍء عدداً ،الّلهُ ّم إنى أعوذُ ِب َ
ن ربّى على صِراط مستقيم)) . آخذٌ بناصيتها ،إ ّ
ل شىء ،ت بربى وربّ كُ ّ وإن شاء قال (( :تحصّنتُ بالِ الّذى ل إله إل ُهوَ ،إلهى وإله كُلّ شىء ،واعتصم ُ
ل ،حسبىَ حوْلَ ول قُوّ َة إل بال ،حسبىَ الُ و ِنعْ َم الوكي ُ
ت ،واستَ ْدفَعتُ الشرّ بل َ
ى الذى ل يمو ُ
وتوكلتُ على الح ّ
ى الذى هو حسبى ،حسبىَ ق مِنَ المرزوق ،حسب َ ى الخَالِقُ من المخلوق ،حسبىَ الراز ُ الربّ مِن العباد ،حسب َ
سمِعَ ال لمنْ دعا ،ليس وراء الِ الذى بيده ملكوتُ كُلّ شى ٍء ،وهو يُجي ُر ول يُجَا ُر عليه ،حسبىَ ال و َكفَى َ ،
ب العرشِ العظيم)) . ت ،وهُوَ ر ّمرمَى ،حسبىَ ال ل إله إل ُهوَ ،عليه توكل ُ
فصل
ك عليه ،كما قال النبى وإذا كان العائنُ يخشى ضررَ عينه وإصابتهَا للمَعين ،فليدفع شرّها بقوله :الّلهُ ّم بَا ِر ْ
ت :الّل ُهمّ با ِركْ عليه .
ت )) أى :قل َ صلى ال عليه وسلم لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حُنيف(( :أل ب ّركْ َ
ومما يُدفع به إصابةَ ال َعيْن قولُ (( :ما شاء ال ل قُوّة إل بال)) ،روى هشام ابن عروة ،عن أبيه ،أنه كان إذا
جبُه ،أو دخل حائطًا مِن حِيطانه ،قال (( :ما شاء ال ،ل قُوّة إل بال)) .
رأى شيئًا يُع ِ
ومنها ُرقْـيَةُ جِبريل عليه السّل ُم للنبىّ صلى ال عليه وسلم التى رواها مسلم فى ((صحيحه)) (( :باسمِ الِ َأ ْرقِيكَ
ل يَشفِيكَ ،باس ِم الِ أ ْرقِيكَ)) .
عيْنِ حَاسدٍ ا ُ
س أو َ
ك ،مِنْ شَ ّر كُلّ نف ٍ
شىْ ٍء يُؤذي َ
،مِنْ كُلّ َ
ت مِن القرآن ،ثم يشربَها .قال مجاهد :ل بأس أن يكتُبَ القرآنَ ، ورأى جماعة من السّلَف أن تُكتب له اليا ُ
ض ،ومثلُه عن أبى قِلبَةَ .ويذكر عن ابن عباس :أنه أمر أن ُيكَتبَ لمرأة َتعَسّ َر عليهاويغسِلَه َ ،ويْس ِقيَه المري َ
وِلدُها أث ٌر من القرآن ،ثم يُغسل وتُسقى .وقال أيوب :رأيتُ أبا قِلبَ َة كتب كتابًا من القرآن ،ثم غسله بماء ،
وسقاه رجلً كان به وج ٌع .
فصل
خلَةِ إزاره
فى أمر العائن بغسل مَغابنِهِ وأطرافه ودا ِ
ن بغسل مَغابنِهِ وأطرافه وداخِلَ ِة إزاره ،وفيه قولن ؛ أحدهما :أنه فرجُه .والثانى :أنه ومنها :أن يُؤمر العائِ ُ
طرفُ إزاره الداخل الذى يلى جسدَه من الجانب اليمن ،ثم يُصَبّ على رأس ال َمعِين مِن خلفه بغتة ،وهذا مما
ن ذلك
شكّ فيه ،أو فعله مجرّبًا ل يعتقد أ ّ
ج الطباء ،ول ينتفِعُ به مَن أنكره ،أو سَخِ َر منه ،أو َ ل ينالُه عِل ُ
ينفعُه .
وإذا كان فى الطبيعة خواصٌ ل َتعْرِفُ الطبا ُء عِلَلَها ألبتةَ ،بل هى عندهم خارج ٌة عن قياس الطبيعة تفعل
ن فى المعالجة بهذا الستغسال بالخاصّية ،فما الذى يُنكره زنادقتهم وجهلتُهم من الخواص الشرعية ،هذا مع أ ّ
ج تأثير النفسسمّ الحيّة فِى لحمها ،وأنّ عل َ
ن تِرياق ُ
ل الصحيحة ،و ُتقِ ّر لمناسبته ،فاعلم أ ّ ما تشه ُد له العقو ُ
الغضَبية فى تسكين غضبها ،وإطفاء ناره بوضع يَ ِدكَ عليه ،والمسح عليه ،وتسكينِ غضبه ،وذلك بمنزلة
ت ،ولذلك ُأمِرَ
ت عليها الماء ،وهى فى يده حتى طُفئ ْ رجل معه شُعلة من نار ،وقد أراد أن يَق ِذفَك بها ،فصبِبِ َ
ن إلى ال َمعِين ،فإنّ دواء
ن أن يقول (( :الّل ُهمّ با ِركْ عََليْه)) ليدفع تلك الكيفية الخبيثة بالدعاء الذى هو إحسا ٌ العائِ ُ
ضدّه .ولما كانت هذه الكيفيةُ الخبيثة تظهر فى المواضِع الرقيقة من الجسد ،لنها تطلب النفوذَ ،فل الشىء ب ِ
سيّما إن كان كنايةً عن ال َفرْج ،فإذا غُسَِلتْ بالماء ،بطل تأثيرها
تجد أرقّ مِن المغابن ،وداخِلَةِ الزار ،ول ِ
وعملها ،وأيضًا فهذه المواضع للرواح الشيطانية بها اختصاص .
سمّية .
ب بتلك ال ّ
والمقصود :أنّ غسلها بالماء يُطفىء تلك النارية ،ويَذه ُ
ق المواضع وأسرعها تنفيذاً ،فيُطفىء تلك النارية وفيه أمر آخر ،وهو وُصول أثرِ الغسل إلى القلب من أر ّ
خفّ أث ُر اللسعة عن سمّية بالماء ،فيشفى ال َمعِين ،وهذا كما أنّ ذواتِ السموم إذا ُقتِلت بعد لَسعها َ ،
وال ّ
ف اللم ،وهذاالملسوع ،ووَجد راحة ،فإن أنفسَها تمدّ أذاها بعد لَسعها ،وتُوصِله إلى الملسوع .فإذا ُقتَِلتْ ،خَ ّ
مُشَاهَد .وإن كان من أسبابه فرحُ المَلسوع ،واشتفاءُ نفسه بقتل عدوّه ،فتقوى الطبيعة على اللم ،فتدفعه .
قيل :هو فى غاية المناسبة ،فإنّ ذلك الماء ماء طُفىء به تلك النارية ،وأبطل تلك الكيفية الرديئة من الفاعل ،
فكما طُفئت به النارية القائمة بالفاعِل طُفئت به ،وأبطلت عن المحل المتأثر بعد ملبسته للمؤثر العائِن ،والماءُ
عدّة طبيعية ذكرها الطباء ،فهذا الذى طُفىء به نارية العائِن ،ل يُستنكر
الذى يُطفأ به الحدي ُد يدخُل فى أدوية ِ
أن يدخل فى دواء يُناسب هذا الداء .
وبالجملة ..فطب الطبائعية وعلجُهم بالنسبة إلى العلج النبوىّ ،كطب الطّرقية بالنسبة إلى طبهم ،بل أقل ،
ت الذى بينهم وبين النبياء أعظ ُم ،وأعظ ُم من التفاوت الذى بينهم وبين الطّرقية بما ل يُد ِركُ النسان
ن التفاو َ
فإ ّ
مقداره ،فقد ظهر لك عقدُ الخاء الذى بين الحِكمة والشرع ،وعدمُ مناقضة أحدهما للخر ،والُ يهدى مَن
حجّة البالغة .
يشاء إلى الصواب ،ويفتحُ لمن أدام قرعَ باب التوفيق منه كُلّ باب ،وله النعمة السابغة ،وال ُ
فصل
فى ستر محاسن مَن يُخاف عليه العَيْن بما يردها عنه
ومن علج ذلك أيضاً والحتراز منه سترُ محاسن مَن يُخاف عليه ال َعيْن بما يردّها عنه ،كما ذكر البغوىّ فى
سمُوا نُو َنتَه ،لئل تُصيبه ال َعيْن ،
ن عثمان رضى ال عنه رأى صبياً مليحًا ،فقال :دَ ّ
كتاب ((شرح السّـنّة)) :أ ّ
سمُوا نونته)) أى :سَ ّودُوا نونته ،والنونة :النّقرة التى تكون فى ذقن الصبىّ ثم قال فى تفسيره :ومعنى ((د ّ
الصغير .
وقال الخطّابى فى ((غريب الحديث)) له عن عثمان :إنه رأى صبياً تأخذه ال َعيْن ،فقال :دسّموا نونته .فقال
أبو عمرو :سألت أحمد بن يحيى عنه ،فقال :أراد بالنونة :النّقرة التى فى ذقنه .والتدسيمُ :التسويد .أراد :
سَ ّودُوا ذلك الموضع من ذقنه ،ليرد ال َعيْن .قال ومن هذا حديثُ عائش َة ان رسول ال صلى ال عليه وسلم
خطب ذاتَ يومٍ ،وعلى رأسهِ عِمامةٌ دَسْماء أى :سوداء أراد الستشهاد على اللّفظة ،ومن هذا أخذ الشاعرُ
قَوله :
فصل
ومن ال ّرقَى التى تردّ ال َعيْن ما ذُكر عن أبى عبد ال السّاجى ،أنه كان فى بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة
فارِهَةٍ ،وكان فى الرفقة رجل عائن ،قلّما نظر إلى شىء إل أتلفه ،قيل لبى عبد ال :احفَظْ ناقَتكَ مِنَ العائِن ،
خبِرَ العائِنُ بقوله ،فتَحيّنَ غَيبة أبى عبد ال ،فجاء إلى رَحْله ،فنَظر إلى
فقال :ليس له إلى ناقتى سبيل ،فُأ ْ
خبِرَ أنّ العائِنَ قد عانها ،وهى كما ترى ،فقال :دُلّونى
الناق َة ،فاضطربتْ وسقطت ،فجاء أبو عبد ال ،فُأ ْ
ب قا ِبسٌ ،ردّت عين العائن عليه س ،وشِها ٌ حجَ ٌر يابِ ٌ
حبْسٌ حابسٌ ،و َ ل ،فوقف عليه ،وقال :بسمِ الِ َ ، عليه .فدُ ّ
صرُ
صرَ كَ ّر َتيْنِ َينْقَِلبْ إَل ْيكَ ا ْلبَ َ
ل تَرَى مِن فُطُو ٍر * ثُمّ ارْجِعِ ا ْلبَ َ
،وعلى أحبّ الناس إليه { ،فَا ْرجِعِ ا ْلبَصَ َر هَ ْ
س بها . ح َدقَتا العائنِ ،وقامت الناقةُ ل بأ َ حسِيرٌ}[الملك ]4-3 :فخرجتْ َ خَاسِئًا وَهُوَ َ
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى العلج العام لكل شكوى بالرّقية اللهية
روى أبو داود فى ((سننه)) :من حديث أبى الدرداء ،قال :سمعتُ رسولَ الِ صلى ال عليه وسلم يقول :
س ُمكَ َ ،أمْ ُركَ فى السّماء
ل َ :ربّنا الَ الذى فى السّماء ،تقدّسَ ا ْ خ له فلْيقُ ْ
((مَن اشتكى منكم شيئاً ،أو اشتكاهُ أ ٌ
طّيبِين ،
ب ال ّ
ح َمتُك فى السّماءِ ،فاجعل رحمتكَ فى الرض ،واغفر لنا حُ ْو َبنَا وخطايانا أنتَ ر ّ ض كما رَ ْ
والر ِ
أنْزِلْ رحم ًة من رحمتك ،وشفا ًء من شفائك على هذا الوَجَع ،ف َيبْرأ بإذْنِ الِ)) .
خدْرِى ،أنّ جبريلَ عليه السلم أتى النبىّ صلى ال عليه وسلم فقال :يا وفى ((صحيح مسلم)) عن أبى سعيد ال ُ
ك ،مِن شَرّ
ل شى ٍء يُؤذي َ
ل أَرقيكَ مِن كُ ّ
ل عليه السلم (( :باس ِم ا ِت ؟ فقال (( :نعم)) .فقال جبري ُ محمدُ ؛ أشتكيْ َ
ل أرقيكَ)) .ل يَشفيكَ ،باسمِ ا ِ
عيْن حاسدٍ ا ُ
س أو َ
كُلّ نفْ ٍ
حمَةُ :ذوات
حمَةٍ)) ،وال ُ
عيْنٍ ،أو ُ
فإن قيل :فما تقولون فى الحديث الذى رواه أبو داود (( :ل رُقيةَ إل من َ
السّموم كلها ؟
فالجواب :أنه صلى ال عليه وسلم لم يُ ِردْ به نفىَ جواز الرّقية فى غيرها ،بل المرادُ به :ل رُقية أولى وأنفعُ
ن سهل ابن حُنيف قال له لما أصابته ال َعيْن :أوَ فى ال ّرقَى
حمَة ،ويدل عليه سياقُ الحديث ،فإ ّ منها فى ال َعيْن وال ُ
خير ؟ فقال (( :ل رُقيةَ إل فى َنفْسٍ
حمَةٍ)) ويدل عليه سائ ُر أحاديث ال ّرقَى العامة والخاصة ،وقد روى أبو داود من حديث أنس قال :قال رسولُ أو ُ
حمَةٍ ،أو دَ ٍم يَرْقأُ)) .
عيْنٍ ،أو ُ
ال صلى ال عليه وسلم (( :ل ُر ْقيَ َة إل مِن َ
حمَةِ
وفى ((صحيح مسلم)) عنه أيضاً ((:رخّص رسولُ الِ صلى ال عليه وسلم فى الرّقية من ال َعيْن وال ُ
وال ّنمْلَةِ)) .
فصل
@ أخرجا فى ((الصحيحين)) من حديث أبى سعيد الخدرى ،قال (( :انْطَلقَ نَ َفرٌ من أصحابِ النبىّ صلى ال
ضيّفُوهُم ،فُل ِدغَ ستَضَافوهم ،فأبَوْا أن يُ َ
عليه وسلم فى سفرةٍ سافرُوها حتى نزلوا على حىّ مِن أحياءِ العرب ،فا ْ
ط الذين نزلوا لعلهم أن سعَوْا له بكُلّ شىء ل َينْ َفعُه شىء ،فقال بعضهم :لو أتيتُم هؤلءِ الرّه َ ى َ ،ف َسّيدُ ذلك الح َّ
سّيدَنا ُلدِغَ ،وسَعينا له بكُلّ شىء ل َينْ َفعُهُ َ ،فهَلْ ط ؛ إنّ َ
يكون عند بعضهم شىء .فأتوهم ،فقالوا :يا أ ّيهَا الرّه ُ
ستَضَفْنا ُكمْ ،فلم تَضيّفُونَا ،فما أنا بَرَاقٍ
ل إنى لَرْقى ،ولكن ا ْ عنْدَ أحدٍ منكم من شىء ؟ فقال بعضُهم :نعم وا ِ ِ
ح ْمدُ لِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ }، ل ،فصالَحُوهم على قطيعٍ من الغنم ،فانطَلقَ َيتْفُل عليه ،ويقرأ { :ال َ جعْ ًجعَلُوا لنا ُ
حتى تَ ْ
جعَْلهُم الذى صالحوهم عليه ،فقال بعضُهم : ل ،فانطلق يمشى وما به قََلبَةٌ ،قال :فأوفَوْهُم ُ ط من عِقَا ٍ فكأنما أُنشِ َ
سمُوا ،فقال الذى َرقَى :ل تفعلوا حتى نأتىَ رسولَ الِ صلى ال عليه وسلم ،فنذكُ َر له الذى كان ،فننظُرَ ما اقت ِ
يأمرُنا َ ،ف َقدِمُوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فذكروا له ذلك ،فقال (( :وما ُيدْريكَ أنّها ُر ْقيَةٌ)) ؟ ،ثم
سمُوا واضْرِبوا لى َم َعكُم سهماً)) . ص ْبتُم ،اق ِ
قال (( :قد أ َ
خيْ ُر الدّوَاءِ
وقد روى ابن ماجه فى ((سننه)) من حديث على قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم َ (( :
القُرآنُ)) .
ب العالمين ،الذى فَضْلُ ُه على كل ن بكلم ر ّ ص ومناف ُع مُجرّبة ،فما الظ ّ ومن المعلوم أنّ بعض الكلم له خوا ّ
كلمٍ كفضلِ الِ على خلقه الذى هو الشفاءُ التام ،والعِصْمةُ النافعة ،والنورُ الهادى ،والرحمة العامة ،الذى لو
حمَةٌ
ن مَا هُوَ شِفَا ٌء َورَ ْ
ل مِنَ ا ْلقُرْآ ِ
ص ّدعَ من عظمته وجللته .قال تعالى َ { :و ُننَزّ ُ أُنزِلَ على جبل لتَ َ
ح القولين ،كقوله تعالى { :وَعَدَ لّ ْلمُ ْؤ ِمنِينَ}[السراء . ]82 :و((مِن)) ههنا لبيان الجنس ل للتبعيض ،هذا أصَ ّ
ت ِمنْهُم ّمغْفِرَ ًة وََأجْرًَا عَظِيماً}[الفتح ]29:وكُّلهُ ْم مِن الذين آمنوا وعملوا عمِلُواْ الصّالِحَا ِ
الُ اّلذِينَ آ َمنُواْ وَ َ
الصالحات ،فما الظنّ بفاتحة الكتاب التى لم يُنزل فى القرآن ،ول فى التوراة ،ول فى النجيل ،ول فى
الزّبور مِثلُها ،المتضمنة لجميع معانى كتب ال ،المشتملة على ذكر أُصول أسماء الرب تعالى ومجامعها ،
وهى :ال ،والرّب ،والرحمن ،وإثبات المعاد ،وذك ِر التوحيدين :توحيدِ الربوبية ،وتوحيدِ اللهية ،وذكر
الفتقار إلى الربّ سُبحانه فى طلبِ العانة وطلب الهداية ،وتخصيصه سبحانه بذلك ،وذكر أفضل الدعاء على
الطلق وأنفعِهِ وأف َرضِه ،وما العبادُ أحوج شى ٍء إليه ،وهو الهدايةُ إلى صِراطه المستقيم ،المتضمن كمالَ
معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أم َر به ،واجتنابِ ما َنهَى عنه ،والستقامة عليه إلى الممات ،ويتضمن ِذكْر
أصنافِ الخلئق وانقسامهم إلى ُمنْعمٍ عليه بمعرفة الحق ،والعمل به ،ومحبته ،وإيثاره ،ومغضوب عليه
بعدُوله عن الحق بعد معرفته له ،وضال بعدم معرفته له .وهؤلء أقسامُ الخليقة مع تضمنها لثبات ال َقدَر ،
والشرع ،والسماء ،والصفات ،والمعاد ،والنبوات ،وتزكيةِ النفوس ،وإصلح القلوب ،وذكر عدل ال
وإحسانه ،وال ّردّ على جميع أهل البدع والباطل ،كما ذكرنا ذلك فى كتابنا الكبير ((مدارج السالكين)) فى
شرحها .وحقيقٌ بسور ٍة هذا بعضُ شأنها ،أن يُستشفى بها من الدواء ،ويُرقَى بها اللّديغُ .
ض المر كُلّه إليه ،والستعانة ل ،وتفوي ِ وبالجملة ..فما تضمنته الفاتح ُة مِن إخلص العبودية والثناء على ا ِ
ب ال ّنعَم ،وتدفَعُ النّقَم ،من أعظم الدوية
به ،والتوكل عليه ،وسؤاله مجامع ال ّنعَم كُلّها ،وهى الهداية التى تجل ُ
الشافية الكافية .
فصل
فى أنّ لتأثير الرّقَى بالفاتحة وغيرها سراً بديعاً فى علج ذواتِ السّموم
وبالجملة ..فن ْفسُ الراقى تُقابل تلك النفوس الخبيثة ،وتزيدُ بكيفية نفسه ،وتستعين بالرّقية وبالنفثِ على إزالة
ذلك الثر ،وكلّما كانت كيفيةُ نَفَس الراقى أقوى ،كانت الرّقيةُ أت ّم ،واستعانتُهُ بنفْثه كاستعانة تلك النفوسِ
الرديئة بلسعها .
وفى النفث سِ ٌر آخر ،فإنه مما تستعين به الرواح الطيبة والخبيثة ،ولهذا تفعلُه السّحَر ُة كما يفعلَهُ أهلُ اليمان .
ل أنفاسَها
ف بكيفية الغضب والمحاربة ،وتُرسِ ُ ت فِى ا ْلعُ َقدِ} ،وذلك لن النفْس تتكيّ ُ
شرّ النّفّاثَا ِ
قال تعالى َ { :ومِن َ
سِهاماً لها ،وتمدّها بالنفْث والتفْل الذى معه شىء مِن الرّيق مصاحب لكيفية مؤثرة ،والسواحِ ُر تستعين بالنفث
استعانةً بيّنةً ،وإن لم تتصل بجسم المسحور ،بل تنفثُ على العُقدة وتعقِدها ،وتتكلم بالسّحْر ،فيعمل ذلك فى
المسحور بتوسط الرواح السّفلية الخبيثة ،فتقابِلُها الرّوح الزكية الطيبة بكيفية الدفع والتكلم بالرّقية ،وتستعينُ
بالنفث ،فأ ّيهُما َقوِىَ كان الحك ُم له ،ومقابلةُ الرواح بعضها لبعض ،ومحاربتُها وآلتها مِن جنس مقابلة الجسام
ل فى المحاربة والتقابلِ للرواح والجسام آلتها وجندها ،ولكن مَن غلب ،ومحاربتها وآلتها سواء ،بل الص ُ
حسّ عليه ،و ُب ْعدِهِ من عالَم
س ل يشعرُ بتأثيرات الرواح وأفعاِلهَا وانفعال ِتهَا لستيلء سُلطان ال ِعليه الحِ ّ
الرواح ،وأحكامها ،وأفعالها .
ت بمعانى الفاتحة ،واستعانت بالنفث والتفْل ،قابلت ذلك الثَر الذىن الرّوح إذا كانت قوي ًة وتكيّف ْ
والمقصود ..أ ّ
حصل من النفوس الخبيثة ،فأزالته ..وال أعلم .
فصل
ل الِ صلى ال عليه وسلم ش ْيبَةَ فى ((مسنده)) ،من حديث عبد ال بن مسعود ،قال :بينا رسو ُ روى ابن أبى َ
ل ال َعقْرَبَ
يُصلّى ،إذ سجد فََلدَغَتْه عقربٌ فى أُصبعه ،فانصرفَ رسولُ الِ صلى ال عليه وسلم وقال َ(( :لعَنَ ا ُ
جعَلَ يَضَعُ موضِ َع اللّدغة فى الماء والمِلحِ ،ويقرأُ
غيْرَه)) ،قال :ثُ ّم دعا بإنا ٍء فيه ماء ومِلح َ ،ف َ
ما تَ َدعُ نبيّا ول َ
حدٌ ،وال ُمعَ ّو َذتَيْن} حتى سكنتْ .
ل أَ َ
ل هُوَ ا ُ
{ :قُ ْ
ى ،فإنّ فى سورة الخلص مِن كمال ن المرين :الطبيعىّ والله ّ ففى هذا الحديث العلجُ بالدواء المركّب مِ َ
ى كُلّ شركة عنه ،وإثباتِ الصّمديّةِ المستلزمةِ ل ،المستلزِمة نف َ
ح ِديّة ِ
التوحيد العِلمى العتقادى ،وإثبات ال َ
صدُه الخليق ُة ،وتتوجه إليه ،عُلويّها
ل كمال له مع كونِ الخلئق تَص ُمدُ إليه فى حوائجها ،أى :تق ِ لثبات كُ ّ
فءِ عنه المتضمن لنفى الصل ،والفرع والنظير ،والمماثل مما اختصّت به وسُفليّها ،ونفى الوالد والولد ،والكُ ْ
ث القرآن ،ففى اسمه ((الصمد)) إثباتُ كل الكمال ،وفى نفى الكُفْ ِء التنزيهُ عن الشبيه وصارت تعدِلُ ثُلُ َ
والمثال .وفى ((الحد)) نفىُ كُلّ شريك لذى الجلل ،وهذه الُصول الثلثة هى مجام ُع التوحيد .
والستعاذة مِن شَ ّر الحاسد تتضمن الستعاذَة مِن النفوس الخبيثة المؤذية بحسدها ونظرها .
والسور ُة الثانية :تتضمن الستعاذة مِن شَ ّر شياطين النس والجن ،فقد جمعت السورتان الستعاذة من كُلّ
شَ ّر ،ولهما شأنٌ عظيم فى الحتراس والتحصن من الشرور قبل وقوعها ،ولهذا أوصى النبىّ صلى ال عليه
ى فى ((جامعه)) وفى هذا سِرٌ عظيم فى استدفاع ب كُلّ صلةٍ ،ذكره الترمذ ّ عقِ َ
وسلم عُقبةَ بن عامر بقراءتهما َ
الشرو ِر من الصلة إلى الصلة .وقال :ما َتعَوّذ المتعوّذون بمثلهما .وقد ذُكر أنه صلى ال عليه وسلم سُحِرَ
فى إحدى عشرةَ عُقدة ،وأنّ جبريلَ نزل عليه بهما ،فجعَلَ كُلّما قرأ آية منهما انحلّتْ عُقدة ،حتى انحلّتْ العُقَد
عقَال .
ط من ِ
كُلّها ،وكأنما ُأنْشِ َ
سيّما لدغة العقرب ،قال صاحب وأما العلج الطبيعى فيه ،فإنّ فى المِلح نفعاً لكثير من السّموم ،ول ِ
((القانون)) :يُضمّد به مع بذر الكتان للسع العقرب ،وذكره غيرُه أيضًا .وفى المِلح من القوة الجاذبة المحلّلة
ما يَجذِبُ السّموم ويُحللها ،وَلمّا كان فى لسعها قو ٌة نارية تحتاج إلى تبريد وجذب وإخراج جمع بين الما ِء المبرد
ب وإخراج ،وهذا أتم ما يكون من العلج وأيسره وأسهله ،وفيه تنبيه على أنّ لنار اللّسعة ،والمِلح الذى فيه جذ ٌ
علج هذا الداء بالتبريد والجذب والخراج ..وال أعلم .
وقد روى مسلم فى ((صحيحه)) عن أبى هُريرة قال :جاء رجلٌ إلى النبىّ صلى ال عليه وسلم ،فقال :يا
ت مِنْ
ل التّامّا ِ
تا ِ
سيْتَ :أعُوذُ بكلما ِ
ت مِنْ عقربٍ َلدَغْتنى البارحةَ فقال (( :أما لو ُقلْتَ حِينَ أ ْم َ
رسول ال ؛ ما لقي ُ
خلَقَ ،
شَرّ ما َ
ن الدوية الطبيعية اللهية تنف ُع مِن الداء بعد حصوله ،وتمنَعُ من وقوعه ،وإن وقع لم يقع وقوعاً مضراً واعلم أ ّ
،وإن كان مؤذيًا ،والدوية الطبيعية إنما تنف ُع ،بعد حصول الداء ،فالتعوّذاتُ والذكار ،إما أن تمنعَ وقوعَ
هذه السباب ،وإما أن تحو َل بينها وبين كمالِ تأثيرها بحسب كمال التعوذ وقوته وضعفه ،فال ّرقَى والعُوَذ
ستَعمل لحفظ الصحة ،ولزالة المرض ،أما الول :فكما فى ((الصحيحين)) من حديث عائشة كان رسولُ الِ تُ ْ
ح بهما وجهه ،وما ح ٌد وال ُمعَ ّوذَ َتيْن .ثم يمس ُ
ل أَ َ
ل هُوَ ا ُ
صلى ال عليه وسلم إذا أوى إلى فراشِهِ نَ َفثَ فى َك ّفيْهِ { :قُ ْ
بلغت يدُه من جسده}.
ب العَرْ ِ
ش وكما فى حديث عُوذة أبى الدرداء المرفوع (( :الّلهُمّ أنت َربّى ل إله إل أنت عليكَ تَ َوكّلْتُ وأنتَ رَ ّ
صبْه
صبْ ُه مُصيبة حتى يُمسى ،ومَن قالها آخر نهارِ ِه لم تُ ِ العظيم)) ،وقد تقدّم وفيه (( :مَن قالها أوّل نهارِ ِه لم تُ ِ
صبِح)) .
مُصيبةٌ حتى يُ ْ
وكما فى ((الصحيحين)) (( :مَن قَرََأ ال َيتَيْن مِن آخرِ سُور ِة البقرةِ فى َليْلَةٍ كَ َفتَاهُ)) .
ل التّامّاتِ
ل فقال :أَعُوذُ بكلمات ِا ِ
ل مَنْ ِز ً
وكما فى ((صحيح مسلم)) عن النبىّ صلى ال عليه وسلم (( :مَن نَزَ َ
ل مِن َمنْزِل ِه ذِلكَ)) .
حتّى يَ ْرتَحِ َ
ق ،لم َيضُرّهُ شَىءٌ َ
مِن شرَّ ما خَلَ َ
وكما فى ((سنن أبى داود)) أنّ رسولَ الِ صلى ال عليه وسلم كان فى السفر يقول باللّيل ((:يا أرضُ ؛ َربّى
حيّةِ
سدٍ وأسْ َودٍ ،ومِن ال َ
ل مِن أ َ
ل مِن شَ ّركِ وشَ ّر ما فِيكِ ،وشَ ّر ما َيدُبّ عليكِ ،أعوذُ با ِ و َرّبكِ الُ ،أَعُوذُ با ِ
ن البََلدِ ،ومن والدٍ وما وََلدَ)) .
ب ،ومِن ساك ِ والعقر ِ
وأما الثانى :فكما تقدّم من الرّقية بالفاتحة ،والرّقية للعقرب وغيرها مما يأتى .
فصل
وفى ((سنن أبى داود)) عن الشّفَاء بنت عبد ال ،قالت :دخل علىّ رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنا عِند
حفْصَة ،فقال (( :أل ُتعَلّمينَ هذه رُقية ال ّنمْلةِ كما عَّل ْمتِيها الكتابةَ)) .
َ
ن نملة َتدِبّ
حبَه يُحس فى مكانه كأ ّ
سمّى نملةً ،لن صا ِ
ال ّنمْلَة :قُروح تخرج فى الجنبين ،وهو داء معروف ،و ُ
خطّ
عليه وَتعضّه ،وأصنافها ثلثة ،قال ابن قتيبة وغيرُه :كان المجوسُ يزعمون أنّ ولد الرجل من أُخته إذا ُ
شفِىَ صاحبها ،ومنه قول الشاعر:
على النّملَةِ ُ ،
ط عَلَى ال ّنمْلِ
شرٍ كِرا ٍم وََأنّا لَ نَخُ ّ
غيْ َر عُ ْرفٍ ِل َمعْ َ
ب فِينَا َ
عيْ َ
َولَ َ
ن الشّفَاء بنتَ عبد ال كانت تَرقى فى الجاهلية من ال ّنمْلَة ،فلمّا هاجرت إلى النبىّ صلى ال وروى الخَلّل :أ ّ
عليه وسلم وكانت قد بايعته بمكة ،قالت :يا رسول ال ؛ إنّى كنت أرقى فى الجاهلية من النّمْلَة ،وإنى أُري ُد أن
ضهَا عليكَ ،فعرضت عليه فقالت :بسم الِ ضَلّت حتى تعود مِن أفواهها ،ول تَضُرّ أحدًا ،الّلهُمّ اكشف أعْ ِر َ
ل خَمرٍ صدُ مَكاناً نظيفًا َ ،و َتدُْلكُهُ على حجر بخَ ّ
ب الناسِ ،قال :ترقى ِبهَا عَلَى عُودٍ سب َع مَرات ،وتق ِالبأسَ ر ّ
حاذق ،و َتطْلِيه على النّمْلَ ِة .وفى الحديث :دليلٌ على جواز تعليم النساء الكتابة .
فصل
حيّة
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى ُر ْقيَة ال َ
وفِى ((سنن ابن ماجه)) من حديث عائشة (( :رخّص رسولُ الِ صلى ال عليه وسلم فى ال ّر ْقيَة من الحيّةِ
والعقرب)) .
حيّ ٌة ،فقال النبى غ بعض أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم َ ويُذكر عن ابن شهاب الزّهْرى ،قال َ :لدَ َ
حيّ ِة ،فلما
ل مِن رَاقٍ)) ؟ فقالوا :يا رسول ال ؛ إن آل حزم كانوا يَ ْرقُون رُقيةَ ال َ
صَلى ال عليه وسلم (( :هَ ْ
ت عن ال ّرقَى تركوها ،فقال (( :ادْعُو عُمارة بن حزم)) فدعوه ،فعرضَ عليه رُقاه ،فقال (( :ل بأسَ بها)) َنهَيْ َ
فأذن له فيها فرقاه .
فصل
أخرجا فى ((الصحيحين)) عن عائشة قالت (( :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا اشتكى النسانُ أو كانت
ل ،تُ ْربَةُ
ن سبّابَتَهُ بالرض ،ثم رفعها وقال (( :بسْ ِم ا ِ
به قَرحةٌ أو جُرحٌ ،قال بأصبعه :هكذا ووضع سفيا ُ
سقِيمُنا بإذنِ َربّنا)) .
شفَى َ
أرضِنا بِرِيقَةِ بعضِنا ،يُ ْ
سيّما عند هذا من العلج الميسر النافع المركّب ،وهى معالجة لطيفة يُعالج بها القُروحُ والجِراحات الطرية ،ل ِ
ن طبيعة التراب الخالص باردةٌ يابسة مجفّفةٌ عدم غيرِها من الدوية إذ كانت موجودة بكل أرض ،وقد عُِلمَ أ ّ
سيّما فى البلد الحارّة ،لرطوبات القروح والجراحات التى تمنع الطبيعةُ من جودة فعلها ،وسرع ِة اندمالها ،ل ِ
ج حا ٍر ،فيجتمِعُ حرارة
وأصحاب المزجة الحارّة ،فإنّ القُروح والجِراحات يتبعُها فى أكثر المر سوءُ مزا ٍ
البلد والمزاجُ والجِراحُ ،وطبيعةُ التراب الخالص باردة يابسة أشدّ مِن برودة جميع الدوية المفردة الباردة ،
ف ،ويتبعها أيضاً كثر ُة الرطوبات جفّ َ
غسِلَ و ُ
سيّما إن كان الترابُ قد ُ
ل برودةُ الترابِ حرار َة المرض ،ل ِ فتُقَابِ ُ
ف لها ،مُزِيلٌ لشدة يبسه وتجفيفه للرطوبة الرديئة المانعة من برئها ، الرديئة ،والسيلن ،والتّراب ُمجَفِ ٌ
ويحصل به مع ذلك تعديلُ مزاج العضو العليل ،ومتى اعتدل مزاج العضو قويت قواه المدبرة ،ودفعت عنه
اللم بإذن ال .
ومعنى الحديث :أنه يأخذ مِن ريق نفسه على أصبعه السبابة ،ثم يضعها على التراب ،فيعلَق بها منه شىء ،
فيمسح به على الجُرح ،ويقول هذا الكلم لما فيه من بركة ذكر اسم ال ،وتفويض المر إليه ،والتوكل عليه ،
ضمّ أحدُ العلجين إلى الخر ،فَيقْوَى التأثير .
فين َ
وهل المراد بقوله (( :تُ ْربَةُ أَرضِنا)) جميع الرض أو أرضُ المدينة خاصة ؟ فيه قولن ،ول ريبَ أنّ مِن
التُربة ما تكون فيه خاصية ينفع بخاصيته من أدواءٍ كثيرة ،ويشفى بها أسقامًا رديئة .
قال ((جالينوس)) :رأيتُ بالسكندرية مَطحُولين ،ومُستسقين كثيرًا ،يستعملون طين مصر ،ويطلُون به على
سُوقهم ،وأفخاذهم ،وسواعدهم ،وظهورهم ،وأضلعهم ،فينتفعون به منفعة َبيّنة .قال :وعلى هذا النحو فقد
ينفع هذا الطلء للورام العفنة والمترهّلة الرخوة ،قال :وإنّى لعرفُ قوماً ترهّلَت أبدانُهم كُلّها من كثرة
استفراغ الدم من أسفل ،انتفعوا بهذا الطين نفعاً َبيّناً ،وقومًا آخرين شَفَوْا به أوجاعًا مزمنة كانت متمكنة فى
ل.بعض العضاء تمكنًا شديدًا ،فبرأت وذهبت أص ً
وقال صاحب ((الكتاب المسيحى)) :قُوّة الطين المجلوب من ((كنوس)) وهى جزيرة المصطكى قوة تجلو
وتغسل ،وتُنبت اللحمَ فى القروح ،وتختم القُروح ..انتهى .
ب تُربة على وجه الرض وأبركها ،وقد خالطت ريقَ رسولِ ال وإذا كان هذا فى هذه التُرْبات ،فما الظنّ بأطي ِ
صلى ال عليه وسلم ،وقارنت رُقيته باسم ربه ،وتفويض المر إليه ،وقد تقدم أن قُوَى ال ّر ْقيَة وتأثيرَها بحسب
الراقى ،وانفعال المرقى عن ُر ْقيَته ،وهذا أمر ل يُنكره طبيب فاضل عاقل مسلم ،فإن انتفى أحد الوصاف ،
فليقل ما شاء .
فصل
روى مسلم في ((صحيحه)) عن عثمان بن أبي العاص (( ،أنه شكى إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وجعاً
سمِ ال
س ِدكَ وقُل :بِ ْ
يجده في جسده منذ أسلم ،فقال النبيّ صلى ال عليه وسلم (( :ضع يَ َدكَ عَلَى الّذي َتأَلّ َم مِنْ جَ َ
ل سبع مرات :أعوذُ ِبعِزّ ِة ال وقُدرَتهِ منْ شَ ّر مِا أجدُ وأُحَاذِر)) ففي هذا العلج من ذكر ال ، ثلثًا ،وقُ ْ
والتفويض إليه ،والستعاذة بعزته وقدرته من شر اللم ما يَذهب به ،وتكراره ليكونَ أنجعَ وأبلغ ،كتكرار
الدواء لخراج المادة ،وفي السبع خاصية ل توجد في غيرها ،وفي ((الصحيحين)) :أن النبي صلى ال عليه
س ،واشفِ أنت ب الناس ،أَذهِب الباَ َ وسلم (( ،كان يعوّذُ بعض أهله ،يمسح بيده اليمنى ،ويقول (( :اللهمّ رَ ّ
شفَاء إل شفاؤُك ،شفا ًء ل يغادرُ سَقَماً)) .ففي هذه الرُقية توسل إلى ال بكمال زبوبيته ،وكما الشّافي ،ل ِ
رحمته بالشفاء ،وأنه وحده الشافي ،وأنه ل شفاء إل شِفاؤُه ،فتضمنت التوسل إليه بتوحيده وإحسانه وربوبيته
.
فصل
قال تعالى { :وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا :إنا ل وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من
ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}[البقرة . ]155 :وفي ((المسند)) عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال (( :ما من
جعُونَ ،اللهم أجرنِي في مُصيبَتى وأخلفْ لي خيراً منهَا ،إل
ل :إنّا ل وإنّا إليه رَا ِ
حدٍ تصيبُه مصِيبَةٌ فيقو ُ
أَ َ
ف لهُ خَيرًا منها)).أجاَرَه ال في مصِي َبتِهِ ،وأخل َ
وهذه الكلمة من أبلغ علج المصاب ،وأنفعه له في عاجلته وآجلته ،فأنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقق
العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته.
أحدهما :أن العبد وأهله وماله ملك ل عز وجل حقيقة ،وقد جعله عند العبد عارية ،فإذا أخذه منه ،فهو
كالمعير يأخذ متاعه من المستعير ،وأيضا فإنه محفوف ِبعَدَمينِ :عدم قبله ،وعدم بعده ،وملك العبد له متعة
معارة في زمن يسير ،وأيضا فإنه ليس الذي أوجده من عدمه ،حتى يكون ملكه حقيقةً ،ول هو الذي يحفظه من
الفات بعد وجوده ،ول يبقى عليه وجوده ،فليس له فيه تأثير ،ول ملك حقيقي ،وأيضا فإنه متصرف فيه
بالمر تصرف العبد المأمور المنهي ،ل تصرف الملك ،ولهذا ل يباح له من التصرفات فيه إل ما وافق أمر
مالكه الحقيقي .
والثاني :أن مصير العبد ومرجعه إلى ال موله الحق ،ول بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره ،ويجيء ربه فرداً
كما خلقه أول مرة بل أهل ول مال ولعشيرة ،ولكن بالحسنات والسيئات ،فإذا كانت هذه بداية العبد وما خُوّله
ونهايته ،فكيف يفرح بموجود ،أو يأسى على مفقود ،ففكره فى مبدئه ومعاده من أعظم علج هذا الداء ،ومن
ن ما أصابه لم يكن ليُخطئه ،وما أخطأه لم يكن ليُصيبه .قال تعالى { :مَا َأصَابَ مِن علجه أن يعلم علم اليقين أ ّ
ل تَأْسَوْ ْا عَلَى مَا
ل يَسِيرٌ * ّلكَيْ َ
ك عَلَى ا ِ
ل أَن ّنبْرَأَهَا ،إنّ ذَِل َ
ب مّن َقبْ ِل فِى ِكتَا ٍسكُ ْم إ ّ
ل فِى َأنْفُ ِ
ض َو َمّصِيبَةٍ فِى الَرْ ِ
ختَالٍ َفخُورٍ}[الحديد .]22 : ب كُلّ مُ ْح ّ
ل لَ يُ ِ فَا َتكُ ْم َولَ تَ ْفرَحُو ْا ِبمَا آتَاكُ ْم * وَا ُ
ب به ،فيجد ربه قد أبقى عليه مثله ،أو أفضل منه ،وادّخر له إن صبرَ
ومن علجه أن ينظر إلى ما أُصي َ
ى ما هو أعظ ُم من فوات تِلك المصيبةِ بأضعافٍ مُضاعفة ،وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هى .ورضِ َ
ومن عِلجه أن يُطفئَ نا َر مصيبته ببرد التأسّى بأهل المصائب ،وليعلم أنه فى كل وادٍ بنو سعد ،ولينظر َيمْن ًة ،
فهل يرى إل مِحنةً ؟ ثم ليعطف يَسْر ًة ،فهل يرى إل حسر ًة ؟ ،وأنه لو فتّش العالَم لم ير فيهم إل مبتلىً ،إما
ت قليلً ،أبكتْ
ل ،إن أضحك ْ بفوات محبوب ،أو حصول مكروه ،وأنّ شرو َر الدنيا أحلمُ نوم أو كظلّ زائ ٍ
عبْرة
ل ،وما ملت داراً خير ًة إل ملتها َ
ت قليلً ،منعت طوي ً
ت دهراً ،وإن َمتّع ْ
ت يومًا ،ساء ْ
كثيرًا ،وإن سَرّ ْ
،ول سرّته بيومِ سرور إل خبأتْ له يو َم شرور .
قال ابن مسعود رضى ال عنه :لكل فرح ٍة تَرْحة ،وما مُلِىءَ بيتٌ فرحاً إل مُلِى َء تَرحًا .
حدّثه عن أمرها ،فقالت :أصبحنا ذا صباح ،وما فى العرب أحدٌ إل يرجونا ،ثم أمسينا وماوسألها رجلٌ أن تُ َ
فى العرب أحد إل يرحمُنا .
عزّها ،فقيل لها :ما يُبكيكِ ،لعل أحدًا آذاك ؟ قالت :ل ،
وبكت أختها حُرقَ ُة بنت النّعمان يومًا ،وهى فى ِ
ت غَضارة فى أهلى ،وقلّما امتلت دارٌ سرورًا إل امتلت حُزنًا . ولكن رأي ُ
ت لها :كيف رأيتِ عبراتِ الملوك ؟ فقالت :ما نحنُ فيه اليومَ
ت عليها يومًا ،فقل ُقال إسحاق بنُ طلحة :دخل ُ
جدُ فى الكتب أنه ليس مِن أهل بيت يعيشون فى خيْرة إل سيُعقَبون بعدها عَبرة ، خي ٌر مما كنا فيه المس ،إنّا ن ِ
وأنّ الدهر لم يظهر لقوم بيوم يحبونه إل بَطَن لهم بيوم يكرهونه ،ثم قالت :
ومِن عِلجها :أن يعلم أنّ فوت ثواب الصبر والتسليم ،وهو الصلةُ والرحمة والهداية التى ض ِمنَها ال على
الصبر والسترجاع ،أعظ ُم مِن المصيبة فى الحقيقة .
ن الجَ َزعَ يُشمت عدوه ،ويسوء صديقه ،ويُغضب ربه ،ويَس ّر شيطانه ،ويُحبط ومِن عِلجها :أن يعلم أ ّ
أجره ،ويُضعف نفسه ،وإذا صبرَ واحتسب أنضى شيطانه ،وردّه خاسئًا ،وأرضى ربه ،وس ّر صديقه ،
ت والكمال العظم ،ل لط ُم الخدودِ وساء عدوه ،وحمل عن إخوانه ،وعزّاهم هو قبل أن ُيعَزّوه ،فهذا هو الثبا ُ
،وشقّ الجيوب ،والدعاءُ بال َويْل والثّبور ،والسخَطُ على المقدور .
ن ما يُعقبه الصبرُ والحتساب من اللّذة والمسرّة أضعافُ ما كان يحصُل له ببقاء ما ومِن عِلجها :أن يعلم أ ّ
ت الحمد الذى يُبنى له فى الجنّة على حمده لربه واسترجاعه ،فلينظرْب به لو بقى عليه ،ويكفيه من ذلك بي ُ أُصي َ
ت الحمد فى جنّة الخلد ؟
:أىّ المصيبتين أعظمُ ؟ مصيب ُة العاجلة ،أو مصيبةُ فواتِ بي ِ
وفى الترمذى مرفوعًا (( :يَ َودّ ناسٌ يَ ْومَ القيامة أنّ جُلُودَهُم كانت تُقْ َرضُ بالمقارِيض فى الدّنيا لما يَرَوْنَ من
ثوابِ أهلِ البلءِ)) .
ضّيعْتَ ُه عِوَضُ
ل إنْ َ
ضيّ ْعتَهُ عِ َوضٌ َومَا مِنَ ا ِ
ى ٍء إذَا َ
مِنْ كُلّ شَ ْ
ومن عِلجها :أن يعلم أنّ حظه من المصيبة ما تُحدثه له ،فمن رضى ،فله الرّضى ،ومن سخِط ،فله
السّخَط ،فحظّك منها ما أحدثته لك ،فاختر خيرَ الحظوظ أو شرّها ،فإن أحدثت له سخطاً وكفرًا ُ ،كتِب فى
ب فى ديوان ديوان الهالكين ،وإن أحدثت له جزعاً وتفريطاً فى ترك واجب ،أو فى فعل ُمحَرّم ُ ،كتِ َ
ت له اعتراضاً على ال ، ب فى ديوان المغبونين ،وإن أحدث ْ المفرّطين ،وإن أحدثتْ له شكايةً وعدم صب ٍر ُ ،كتِ َ
ب فى ديوان الصابرين ، وقدحًا فى حكمته ،فقد قرع باب الزندقة أو ولَجه ،وإن أحدثت له صبراً وثباتًا ل ُ ،كتِ َ
ب فى ديوان ب فى ديوان الراضين ،وإن أحدثت له الحمدَ والشك َر ُ ،كتِ َ وإن أحدثت له الرّضى عن ال ُ ،كتِ َ
ب فى ديوانالشاكرين ،وكان تحتَ لواء الحمد مع الحمّادين ،وإن أحدثت له محبةً واشتياقاً إلى لقاء ربه ُ ،كتِ َ
المُحبّين المخلصين .
ث محمود بن لبيد يرفعه (( :إنّ الَ إذا أحبّ قوماً ابتلهُم ،فمَن وفى ((مسند المام أحمد)) والترمذىّ ،من حدي ِ
ع )) .
ى فَلَهُ الرّضى ،ومَن سَخِط فَلَهُ السّخْطُ)) .زاد أحمد (( :ومَن جَزِع فَلَ ُه الجَ َز ُ
ضَرَ ِ
خرُ أمره إلى صبر الضطرار ،وهو غي ُر محمود ول ومِن عِلجها :أن يعلم أنه وإن بلغ فى الجَزَع غايتَه ،فآ ِ
مُثاب ،قال بعض الحكماء :العاقلُ يفعل فى أوّل يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام ،ومَن لم يصبْر
صبْ َر الكِرَام ،سل سُلُوّ البهائم
َ
(يتبع)...
سرّها
ن أنفع الدوية له موافق ُة ربه وإلهه فيما أحبّه ورضيه له ،وأن خاصيّة المحبة و ِ
ومِن عِلجها :أن يعلم أ ّ
ب ما يُسخطه ،فقد شهد على نفسه بكذبه ،
حبّه ،وأح ّ
ط مَا يُ ِ
موافقةُ المحبوب ،فمَن ادّعى محبة محبوب ،ثم سَخِ َ
ت إلى محبوبه .
وتَمقّ َ
وهذا دواءٌ وعِلجٌ ل يَعمل إل مع المُحبّين ،ول يُمكن كُلّ أحد أن يتعالج به .
ومِن عِلجها :أن يُوازِن بين أعظم اللّذتين والتمتعين ،وأدْ َومِهما :لذّ ِة تمتعه بما أُصيب به ،وَلذّ ِة تمتّعه بثواب
ح مِن كل وجه ،فليعلم ح ،فليحمدِ ال على توفيقه ،وإن آثر المرجو َ ال له ،فإن ظهر له الرجحان ،فآثر الراجِ َ
أنّ مصيبتَه فى عقله وقلبه ودينه أعظمُ مِن مصيبته التى أُصيب بها فى دنياه
ن الذى ابتله بها أحك ُم الحاكمين ،وأرحمُ الراحمين ،وأنه سبحانه لم يُرسل إليه البل َء
ومِن عِلجها :أن يعلم أ ّ
ليُهلكه به ،ول ليُعذبه به ،ول ليَجْتاحَه ،وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه ،وليسمع تضرّعه
ص الشكوى إليه .
وابتهالَه ،وليراه طريحًا ببابه ،لئذاً بجنابه ،مكسورَ القلب بين يديه ،رافعاً قص َ
قال الشيخ عبد القادر :يا ُبنَىّ ؛ إنّ المصيبةَ ما جاءت ِلتُهِل َككَ ،وإنّما جاءت لتمتحِنَ صبرك وإيمانَك ،يا ُبنَىّ ؛
سبُعُ ل يأكل الميت َة .
سبُ ٌع ،وال ّ
ال َقدَرُ َ
خبَثاً
والمقصود :أنّ المصيبة كِيرُ العبدِ الذى يُسبَك به حاصله ،فإما أن يخرج ذهبًا أحمر ،وإما أن يخرج َ
كله ،كما قيل :
حدِيدِ
خبَثِ ا ْل َ
جيْناً فَأ ْبدَى ا ْلكِيرُ عَنْ َ
س َب ْكنَاه و َنحْسِبـــُ ُه لُ َ
َ
فإن لم ينفعه هذا الكِيرُ فى الدنيا ،فبيْنَ يديه الكِيرُ العظم ،فإذا علم العبد أنّ إدخاله كِيرَ الدنيا ومَسبكَها خي ٌر له
من ذلك الكِير والمسبك ،وأنه ل بد من أحد الكِيرَين ،فليعلم قد َر نعمة ال عليه فى الكِير العاجل .
ومِن عِلجها :أن يعلم أنه لول ِمحَنُ الدنيا ومصائبُها ،لصاب العب َد مِن أدْواء ال ِكبْ ِر والعُجب والفرعنة وقسوة
ل ،فمن رحمةِ أرحم الراحمين أن يتفقّده فى الحيان بأنواع من أدوية ب هلكه عاجلً وآج ً القلب ما هو سب ُ
المصائب ،تكون حِمية له من هذه الدواء ،وحِفظًا لصحة عُبوديتهِ ،واستفراغًا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة
ن مَن يرحمُ ببلئه ،ويبتلى بنعمائه كما قيل: منه ،فسبحا َ
عتَوْا ،والُ سبحانه إذا أراد بعبد طغَوا ،و َبغَوْا ،و َ
فلول أنه سبحانه يداوى عباده بأدوية المحن والبتلء ،ل َ
خيراً سقاه دوا ًء من البتلء والمتحان على قدر حاله يستف ِرغُ به من الدواء المهلكة ،حتى إذا هذّبه ونقّاه
ف مراتب الدنيا ،وهى عبوديتُه ،وأرفع ثواب الخرة ،وهو رؤيتُه وقُربه ومِن عِلجها : وصفّاه ،أهّلَه لشر ِ
أن يعلم أنّ مرارةَ الدنيا هى بعينها حلوةُ الخرة ،يَقِلبُها ال سبحانه كذلك ،وحلوة الدنيا بعينها مرارةُ
ى عليك هذا ،فانظر خفِ َ
الخرة ،ولَنْ ينتقل مِن مرارة منقطعة إلى حلوة دائمة خيرٌ له من عكس ذلك .فإن َ
شهَواتِ))
جنّةُ بال َمكَار ِه ،وحُفّتِ النّارُ بال ّ
إلى قول الصادق المصدوق (( :حُفّتِ ال َ
وفى هذا المقام تفاوتت عقولُ الخلئق ،وظهرت حقائقُ الرجال ،فأكثرُهم آثرَ الحلوةَ المنقطعة على الحلوة
الدائمة التى ل تزول ،ولم يحتمل مرار َة ساعةٍ لِحلوة البد ،ول ذُلّ ساع ٍة لِعزّ البد ،ول مِحنةَ ساع ٍة لعافيةِ
ن الحاضر عنده شهادةٌ ،والمنتظر غيبٌ ،واليمان ضعيفٌ ،وسلطانُ الشهوة حاكم ،فتوَلّد من ذلك البد ،فإ ّ
إيثا ُر العاجلة ،ورفضُ الخرة ،وهذا حال النظر الواقع على ظواهر الُمور ،وأوائلها ومبادئها ،وأما النظر
ن آخ ُر .
الثاقب الذى يَخرِق حُجُب العاجلة ،ويُجاوزه إلى العواقب والغايات ،فله شأ ٌ
فادع نفسك إلى ما أع ّد ال لوليائه وأهل طاعته من النعيم المقيم ،والسعادة البدية ،والفوز الكبر ،وما أعدّ
ق بك ،وكُلٌ َي ْعمَلُ
ى القس َميْن ألي ُ
لهل البطالة والضاعة من الخزى والعقاب والحسرات الدائمة ،ثم اخترْ أ ّ
طلْ هذا العلج ،فشدةُ الحاجة إليه عَلَى شَاكَِلتِهِ ،و ُكلّ أحد يصبُو إلى ما يُناسبه ،وما هو الَوْلَى به ،ول تست ِ
من الطبيب والعليل دعت إلى بسطه ،وبال التوفيق.
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى علج الكرب والهم والغم والحزن
أخرجا فى ((الصحيحين)) من حديث ابن عباس ،أنّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم كان يقول عند الكَرْب :
سبْع ،و َربّ
سمَواتِ ال ّ
ش العَظِي ُم ،ل إل َه إل الُ َربّ ال ّ
حلِيمُ ،ل إلهَ إل الُ ربّ العر ِ
ل العَظِيمُ ال َ
((ل إل َه إل ا ُ
الرْض
ش الكَرِيمُ)) .
ب ال َعرْ ِ
رَ ّ
وفى ((جامع الترمذىّ)) عن أنس ،أنّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم (( ،كان إذا حَ َزبَهُ أم ٌر ،قال (( :يا حَىّ يا
َقيّو ُم برحم ِتكَ أستغيثُ)) .
ب:
صدّيق ،أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم قال (( :دَعَواتُ المكرو ِ وفى ((سنن أبى داود)) ،عن أبى بكر ال ّ
ح لى شَأنى كُلّهُ ،ل إله إل أنْتَ)) .
عيْنٍ ،وأصْلِ ْ
ح َم َتكَ أرجُو ،فَل َتكِ ْلنِى إلى نَفْسى طَ ْرفَ َة َ
الّلهُمّ َر ْ
ت تقوليهِنّ
عمَيس قالت :قال لى رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :أل أُعّل ُمكِ كلما ٍ
وفيها أيضًا عن أسماء بنت ُ
عنْدَ الكَرْبِ أو فى الكَ ْربِ:
ِ
ب عبدًا هَ ٌم ول وفى ((مسند المام أحمد)) عن ابن مسعود ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم قال (( :ما أصا َ
ى قضاؤكَ ، ح ْك ُمكَ ،عَدْلٌْ ف ّ
ض فِىّ ُ
صيَتى بيَ ِدكَ ،مَا ٍعبْ ِدكَ ،ابنُ أم ِتكَ ،نا ِن َ ع ْب ُدكَ ،اب ُ
ن فقال :الّلهُ ّم إنّى َحُزْ ٌ
ت به فى عِ ْلمِ خلْقِك ،أو استأثَرْ َ ك ،أو أنز ْلتَه فِى ِكتَا ِبكَ ،أو عَّل ْمتَهُ أحدًا من َ
سَت به نَفْ َ
س ّميْ َ
سمٍ هُ َو لكَ َ اسأُلكَ بكل ا ْ
ب َهمّى ،إل أذْهَبَ الُ صدْرى ،وجِلءَ حُزنى ،وذَهَا َ جعَل القُرْآنَ العظيم رَبيعَ قَ ْلبِى ،ونُورَ َ عنْ َدكَ :أن تَ ْب ِ ال َغيْ ِ
حُ ْزنَه و َهمّهُ ،وأ ْبدَلَهُ مكانَهُ فرحاً)) .
ل ال صلى ال عليه وسلم (( :دعو ُة ذى النّون إذْ وفى ((الترمذىّ)) عن سعد بن أبى َوقّاص ،قال :قال رسو ُ
سبْحَا َنكَ إنّى كُنتُ مِنَ الظّاِلمِينَ َ ،لمْ َي ْدعُ بها رجلٌ مسلمٌ فى شىءٍ
دَعَا َربّهُ وهو فى بَطْنِ الحُوتِ { :لَ إل َه إل أَنتَ ُ
ستُجِيبَ له)) .
ط إل ا ْقَ ّ
وفى رواية (( :إنّى لعل ُم كِ ْلمَةً ل يقوُلهَا مكْروبٌ إل فرّج ال عنه :كَِلمَةَ أخى يُونُس)) .
وفى ((سنن أبى داود)) عن أبى سعيد الخدرى ،قال :دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات يوم المسجد ،
غيْرِ َو ْقتِك فى المسجدِ فى َ ل له :أبو ُأمَامة ،فقال (( :يا أبا أُمامة ؛ ما لى أرَا َ فإذا هو برجل من النصار يُقا ُ
ل عَزّك كلماً إذا أنت قُ ْلتَهُ أذهبَ ا ُ ل ال ،فقال (( :أل أُعَّل ُم َ الصّلةِ)) ؟ فقال :هُمومٌ َل ِز َمتْنى ،وديونٌ يا رسو َ
ت :الّلهُ ّم إنّى
سيْ َ
حتَ وَإذَا أمْ َصبَ ْت :بلى يا رسول ال ،قال (( :قُلْ إذا أ ْ جلّ َه ّمكَ وقَضَى َديْ َنكَ)) ؟ قال :قل ُ وَ
ل ،وأعُوذُ ِبكَ من غََلبَةِ ن والبُخْ ِ جبْ ِ
ل ،وأعوذُ ِبكَ من ال ُ ن ،وأعو ُذ ِبكَ من ال َعجْ ِز والكَسَ ِ أعُوذُ ِبكَ من الهَمّ والحَزَ ِ
ل َهمّى ،وقَضى عنى َديْنِى . ت ذلك ،فأذهب ال عَ ّز وجَ ّ ال ّديْنِ َو َقهْرِ الرّجَال)) ،قال :ففعل ُ
وفى ((سنن أبى داود)) ،عن ابن عباس ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :مَن لَزِ َم الستغفا َر ،
حتَسِب))
حيْثُ ل يَ ْ
خرَجاً ،ور َزقَ ُه مِن َ
ق مَ ْ
ل هَ ّم فَرَجاً ،ومِن كُلّ ضِي ٍ
ل لَ ُه من ك ّ
جعَلَ ا ُ
َ
جنّة .
وثبت فى ((الصحيحين)) :أنها كَنزٌ من كنوز ال َ
جنّة .
ب من أبواب ال َ
وفى ((الترمذى)) :أنها با ٌ
هذه الدوية تتضمّن خمسةَ عشرَ نوعاً من الدواء ،فإن لم تقو على إذهاب دا ِء الهَ ّم والغَمّ والحزن ،فهو دا ٌء قد
استحكم ،وتمكنت أسبابه ،ويحتاج إلى استفراغ كُلّى ..
الرابع :تنزيه الرّب تعالى عن أن يظلم عبده ،أو يأخذه بل سبب من العبد يُوجب ذلك .
الخامس عشر :البراءة من الحَوْل وال ُقوّة وتفويضُهما إلى مَن هُما بيدِه .
فصل
خلق ال سبحانه ابن آدمَ وأعضاءَه ،وجعل لكل عُضو منها كمالً إذا فقده أحسّ باللم ،وجعل ِلمَلِكها وهو القلب
كمالً ،إذا فقده ،حضرتْه أسقامُه وآلمُه من الهموم والغموم والحزان .
ق لمعرفةِ فاطره ومحبته وتوحيده والسرور به ،والبتهاج بحبه ،والرضى عنه ،والتوكل عليه ، ب :خُلِ َ
والقل ُ
ب إليه مِن كل ما سواه ، والحب فيه ،والبغض فيه ،والموالة فيه ،والمعاداة فيه ،ودوام ذكره ،وأن يكون أح ّ
جلّ فى قلبه مِن كل ما سواه ،ول نعيمَ له ول سرو َر ول لذّ َة ،بل ول حياة إل
وأ ْرجَى عنده مِن كل ما سواه ،وأ َ
بذلك ،وهذا له بمنزلة الغِذاء والصحة والحياة ،فإذا فَ َقدَ غذاءه وصحته وحياته ،فالهمومُ والغموم والحزان
ن مقيم عليه .
ب إليه ،ورهْ ٌ
مسارعةٌ مِن كل صَوْ ٍ
ت هذه الُمور وأمثالها هى أسبابُها ل سببَ لها سِواها ،فدواؤه الذى ل دواءَ له
وإذا تأملتَ أمراض القلب ،وجد َ
ض يُزال بالضد ،والصّحةُسواه ما تضمنتْهُ هذه العلجات النبوية من الُمور المضادة لهذه الدواء ،فإنّ المر َ
تُحفظ بالمِثْل ،فصحتُه تُحفظ بهذه الُمور النبوية ،وأمراضُه بأضدادها .
ب الخير والسرور واللّذة والفرح والبتهاج ،والتوبةُ استفراغٌ للخلط والمواد الفاسدة فالتوحيد ..يفتح للعبد با َ
ب أسقامه ،وحِميةٌ له من التخليط ،فهى ُتغْلِق عنه بابَ الشرور ،فيُفتَح له بابُ السعادة والخيرالتى هى سب ُ
بالتوحيد ،و ُيغْلَق باب الشرور بالتوبة والستغفار .
قال بعض المتقدمين من أئمة الطب :مَن أراد عافية الجسم ،فليقلّلْ مِن الطعام والشراب ،ومَن أراد عافية
القلب ،فليت ُركْ الثام .
وقال ثابت بن ُقرّةَ :راحةُ الجسم فى قِلّة الطعام ،وراحةُ الرّوح فى قِلّة الثام ،وراحةُ اللّسان فى قِلّة الكلم .
والذنوبُ للقلب ،بمنزلة السّموم ،إن لم تُهلكْه أضعفتْه ،ول بُدّ ،وإذا ضعُفت قوته ،لم يقدرْ على مقاومة
المراض ،قال طبيبُ القلوب عبدُ ال ابن المُبارَك :
ل إدْمَانُهـَا
ث الذّ ّ
ب ُتمِيتُ ا ْلقُلـُوبَ َو َق ْد يُورِ ُ
ت الذنُو َ
رََأيْ ُ
صيَا ُنهَا
ك عِ ْ
ب َوخَيرٌ ِل َنفْسِــ َ
حيَاةُ الْقُلـُو ِ
ب َ
َوتَ ْركُ الذّنُو ِ
فالهوى أكب ُر أدوائها ،ومخالفتُه أعظ ُم أدويتها ،والنفس فى الصل خُِلقَتْ جاهلة ظالمة ،فهى لجهلِها تظن
طبُها ،ولظلمِها ل تقبل مِن الطبيب الناصح ،بل تضَعُ الداء موضِعَ شِفاءَها فى اتباع هواها ،وإنما فيه تلفُها وع َ
الدواء فتعتمده ،وتضعُ الدواء موضع الداء فتجتنبه ،فيتوّلدُ مِن بين إيثارِها للداء ،واجتنابِها للدواء أنواعٌ من
ب ذلك على ال َقدَر ،
السقام والعِلل التى تُعيِى الطباء ،ويتعذّرُ معها الشفاء .والمصيب ُة العظمى ،أنها تُ َركّ ُ
ح به اللّسان .
فتُبرّىء نفسَها ،وتلو ُم ربّها بلسان الحال دائمًا ،وَيقوَى اللّومُ حتى يُصرّ َ
وإذا وصل العليلُ إلى هذه الحال ،فل يُطمَع فى بُرئه إل أن تتداركه رحمة من ربه ،فيُحييه حياةً جديدة ،
ويرزقُه طريقةً حميدة ،فلهذا كان حديث ابن عباس فى دُعاء الكرب مشتملً على توحيد اللهية والربوبية ،
ووصف الرب سبحانه بالعظمة والحلم ،وهاتان الصفتان مستلزمتان لكمال القُدرة والرحمة ،والحسان
ى ،والعرش الذى هو سقفُ المخلوقات وأعظمها . ى والسّفل ّ
والتجاوز ،ووصفِه بكمال ربوبيته للعالَم العُلو ّ
والرّبوبية التامة تستل ِزمُ توحيدَه ،وأنه الذى ل تنبغى العبادةُ والحبّ والخوفُ والرجاء والجلل والطاعة إل له
ب كل نقص وتمثيل عنه .وحِلمُه يستلزم كمال رحمته .وعظمتُه المطلقة تستلزمُ إثباتَ كل كمال له ،وسل َ
وإحسانه إلى خلقه .
فعِلْمُ القلب ومعرفتُه بذلك توجب محبته وإجلله وتوحيدَه ،فيحصل له من البتهاج واللّذة والسرور ما يدفع عنه
ألم الكرب والهم والغم ،وأنت تجدُ المريض إذا ورد عليه ما يسرّ ُه ويُفرحه ،ويُقوّى نفسه ،كيف تقوى الطبيعة
ل هذا الشفاء للقلب أولى وأحرى .على دفع المرض الحسّى ،فحصو ُ
ثم إذا قابلتَ بين ضيق الكرب وسعة هذه الوصاف التى تضمّنها دعاءُ الكرب ،وجدته فى غاية المناسبة لتفريج
هذا الضيق ،وخروج القلب منه إلى سعَةِ البهجة والسرور ،وهذه الُمورُ إنما يُصدّق بها مَن أشرقت فيه
أنوارُها ،وباشر قلبُه حقائقَها .
ى يا َقيّو ُم ،برحمتِك أستغيثُ)) فى دفع هذا الداء مناسبة بديعة ،فإنّ صفة الحياة وفى تأثير قوله (( :يا ح ّ
متضمّن ٌة لجميع صفات الكمال ،مستلزمة لها ،وصفة ال َقيّومية متضمنة لجميع صفات الفعال ،ولهذا كان اسمُ
حىّ ال َقيّوم ،والحياة التامة تُضاد جميعَ
سئِلَ به أعطى :هو اسمُ ال َ ى به أجاب ،وإذا ُ ال العظ ُم الذى إذا دُع َ
ن ول شىء من الفات .ونقصانُ جنّة لم يلحقهم هَ ٌم ول غَ ٌم ول حَزَ ٌ
السقام واللم ،ولهذا َلمّا َكمُلَتْ حياة أهل ال َ
ى المطلق التام الحياة ل يفوتُه صِفة ل القيومية لكمال الحياة ،فالح ّ الحياة تضر بالفعال ،وتنافى القيومية ،فكما ُ
ل ممكنٌ ألبتة ،فالتوسل بصفة الحياة وال َقيّومية له تأثيرٌ فى إزالة ما يُضادّ الكمال ألبتة ،وال َقيّوم ل يتعذّ ُر عليه فع ٌ
الحياة ،ويضُ ّر بالفعال .
والمقصود :أن لسم الحىّ ال َقيّوم تأثيراً خاصاً فى إجابة الدعوات ،وكشف الكُربات .
ن رجلً دعا ،فقال :الّلهُ ّم إنّى أسأُلكَ بأنّ َلكَ حبّان)) أيضًا :من حديث أنس أ ّ وفى ((السنن)) و((صحيح ابن ِ
ض ،ياذا الجلل والكرام ،يا حىّ يا َقيّو ُم ،فقال النبى ن ،بديعُ السّمواتِ والر ِ ت المنّا ُ
ح ْمدَ ،ل إلَهَ إل أن َ
الْ َ
ل به أعْطَى)) . سئِ َ
ب ،وإذا ُ
ل باسمِهِ العْظَم الذى إذا دُعِىَ به أجا َ
صلى ال عليه وسلم (( :لقد دَعَا ا َ
ى يا َقيّومُ)) .
ولهذا كان النبىّ صلى ال عليه وسلم إذا اجتهد فى الدعاء ،قال (( :يَا ح ّ
ت ال َقدَر ،وأنّ أحكام الرّبّ تعالى نافذةٌ فى عبده ماضيةٌ فيه ،ل انفكاكَ له عنها ،ول حِيلةَ له فى
أحدهما :إثبا ُ
دفعها .
ل فى هذه الحكام ،غير ظالم لعبده ،بل ل يخرُج فيها عن موجب العدل والحسان ، والثانى :أنه سبحانه عد ٌ
فإنّ الظلم سببه حاجةُ الظالم ،أو جهلُه ،أو سفهُه ،فيستحيلُ صدور ُه ممن هو بكل شىء علي ٌم ،ومَن هو غنىٌ
ن هو أحكم الحاكمين ،فل تخرُج ذَرّ ٌة مِن مقدوراته عن حِكمته ل شىء فقي ٌر إليه ،ومَ ْ عن كل شىء ،وك ّ
ت مشيئته وقُدرته ،ولهذا قال نبىّ ال هودٌ وحمده ،كما لم تخرج عن قُدرته ومشيئته ،فحِكمته نافذة حيثُ نفذ ْ
ش ِركُونَ *مِن ش َهدُواْ َأنّى بَرِى ٌء ّممّا تُ ْشهِدُ الَ وَا ْسلّم ،وقد خَوّفه قومُه بآلهتهم {:إنّى ُأ ْ صَلّى ال على نبينا وعليه و َ
ص َي ِتهَا ،إنّ
خذٌ ِبنَا ِ
جمِيعًا ثُمّ ل ُتنْظِرُونِ * إنّى تَ َوكّ ْلتُ علَى الِ َربّى وَ َرّبكُم * مّا مِن دَابّ ٍة إلّ هُ َو آ ِ
دُونِهِ َ ،فكِيدُونِى َ
ستَقِيمٍ}[هود ، ]57-54 :أى مع كونه سبحانه آخذاً بنَواصى خلقه وتصريفهم كما يشاء ، ط مّ ْ
صرَا ٍ
َربّى عَلَى ِ
ف فيهم إل بالعدل والحكمة ،والحسان والرحمة .فقوله (( :ماضٍ فىّ فهو على صراطٍ مستقيمٍ ل يتصرّ ُ
ل فِىّ قضاؤكَ)) ،مطابقٌ لقوله : عدْ ٌ
ص َي ِتهَا} ،وقولُه َ (( :
خذٌ ِبنَا ِ
ح ْك ُمكَ)) ،مطابقٌ لقوله { :مَا مِن دَابّةٍ إلّ ُهوَ آ ِ ُ
ل إلى ّربّه بأسمائه التى سمّى بها نفسه ما عَلِ َم العبادُ منها ستَقِيمٍ} [هود ، ]57 :ثم توسّ َ
علَى صِرَاطٍ مّ ْ
{إنّ َربّى َ
ل ،وهذه وما لم يعلموا .ومنها :ما استأثره فى علم الغيب عنده ،فلم يُطلع عليه مَلَكاً مُقرّبًا ،ول نبيّا مرس ً
الوسيلةُ أعظمُ الوسائل ،وأحبّها إلى ال ،وأقربُها تحصيلً للمطلوب .
ن ربيعُ القلوب ،وأن يجعلَه شفاءَثم سأله أن يجعلَ القرآن لِقلبه كالربيع الذى يرتَع فيه الحيوانُ ،وكذلك القرآ ُ
ل الداء ،ويُعيدُ البدن إلى صحته واعتداله ،وأن يجعله لحُزنه غمّه ،فيكونُ له بمنزلة الدواء الذى يستأصِ ُ
َهمّه و َ
ل عنهحرَى بهذا العلج إذا صدق العليل فى استعماله أن يُزي َ كالجِلء الذى يجلو الطّبوعَ والصديةَ وغيرها ،فأ ْ
داءه ،ويُعقبه شفاءً تامًا ،وصحةً وعافيةً ..وال الموفق .
ف العبد بظلمه وذنبه ما هو من ب تعالى ،واعترا ِ
ن فيها من كمال التوحيد والتنزيه للر ّ وأما دعوةُ ذى النون ..فإ ّ
ب والهَمّ والغَ ّم ،وأبلغِ الوسائل إلى ال سبحانه فى قضاء الحوائج ،فإنّ التوحي َد والتنزيه
أبلغ أدوي ِة الكَر ِ
ب كُلّ نقصٍ وعيب وتمثيل عنه .والعترافُ بالظلم يتضمّن إيمانَ العبد يتضمنان إثبات كل كمال لِ ،وسل َ
ف بعبوديته ،بالشرع والثواب والعقاب ،ويُوجب انكسارَه ورجوعَه إلى ال ،واستقالته عثرتَه ،والعترا َ
وافتقاره إلى ربه ،فههنا أربعةُ أُمور قد وقع التوسلُ بها :التوحيد ،والتنزيه ،والعبودية ،والعتراف .
ل أُمة أنّ وأما تأثيرُ الستغفار فى دفع الهّمّ والغَمّ والضّـيق ،فِلمَا اشت َركَ فى العلم به أهلُ الملل وعقلءُ كُ ّ
ن أهلها إذا المعاصىَ والفسا َد تُوجب الهَ ّم والغَمّ ،والخوفَ والحُزن ،وضيقَ الصدر ،وأمراض القلب ،حتى إ ّ
جدُونه فى صدورهم من الضيق والهَ ّم والغَ ّم ،كما قضَوْا منها أوطارَهم ،وسئمتها نفوسُهم ،ارتكبوها دفعًا لما يَ ِ
قال شيخُ الفسوق:
ت ِمنْهَا ِبهَا
ت عَلَى َلذّةٍ َوأُخْرَى َتدَا َويْ ُ
َوكَ ْأسٍ شَ ِربْ ُ
وإذا كان هذا تأثير الذنوب والثام فى القلوب ،فل دواءَ لها إل التوبةُ والستغفار
ل القلبوأما الصّلةُ ..فشأنها فى تفريح القلب وتقويته ،وشرحِه وابتهاجه ولذّته أكبرُ شأن ،وفيها من اتصا ِ
ل جميع البدن وقُواهف بين يديه ،واستعما ِ
ج بمناجاته ،والوقو ِ
والروح بال ،وقربه والتنعم بذكره ،والبتها ِ
وآلته فى عبوديته ،وإعطاء كل عضو حظّه منها ،واشتغالهِ عن التعلّق بالخلق وملبستهم ومحاوراتهم ،
ب قُوى قلبه وجوارحه إلى ربه وفاطره ،وراحتِه من عدوّه حالةَ الصلة ما صارت به من أكبر الدوية وانجذا ِ
ب العليلة ،فهى كالبدان ل تُناسبها إل
والمفرّحات والغذية التى ل تُلئم إل القلوبَ الصحيحة .وأمّا القلو ُ
الغذية الفاضلة .
فالصلةُ من أكبر العَوْن على تحصيل مصالح الدنيا والخرة ،ودفع مفاسد الدنيا والخرة ،وهى منها ٌة عن الثم
،ودافعةٌ لدواء القلوب ،ومَطْ َردَةٌ للدا ِء عن الجسد ،ومُنوّر ٌة للقلب ،ومُبيّضَةٌ للوجه ،ومُنشّطةٌ للجوارح
والنفس ،وجالِبةٌ للرزق ،ودافعةٌ للظلم ،وناصِر ٌة للمظلوم ،وقامِعةٌ لخلط الشهوات ،وحافِظةٌ للنعمة ،
ودافِعةٌ للنّقمة ،ومُنزِل ٌة للرحمة ،وكاشِفة لل ُغمّة ،ونافِعةٌ من كثير من أوجاع البطن .
ل ال صلى ال عليه وسلم وقد روى ابن ماجه فى ((سننه)) من حديث مجاهد ،عن أبى هريرة قال :رآنى رسو ُ
ل ال ،قال
ش َكمَتْ دَ ْردْ)) ؟ قال :قلتُ :نعم يا رسو َ
وأنا نائم أشكو مِن وجع بطنى ،فقال لى (( :يا أبا هُ َريْرَة ؛ أ ِ
صلّ ،فإنّ فى الصّلةِ شِفَاءً)) .
(( :قُ ْم فَ َ
@ وقد رُوى هذا الحديثُ موقوفاً على أبى هُرَير َة ،وأنه هو الذى قال ذلك لمجاهد ،وهو أشب ُه .ومعنى هذه
ك بط ُنكَ ؟
اللفظةِ بالفارسى :أيوج ُع َ
فإن لم ينشرح صد ُر زنديق الطباء بهذا العلج ،فيُخاطَبُ بصناعة الطب ،ويقالُ له :الصل ُة رياضة النفس
والبدن جميعًا ،إذ كانت تشتمِلُ على حركات وأوضاع مختلفة مِن النتصاب ،والركوع ،والسجود ،
والتورّك ،والنتقالت وغيرها من الوضاع التى يتحرّك معها أكثرُ المفاصل ،وينغمِزُ معها أكث ُر العضاء
ن فى هذه الحركات تقويةٌ وتحليلٌ الباطنة ،كال َمعِدَة ،والمعاء ،وسائر آلت النّفَس ،والغذاء ،فما يُنكر أن يكو َ
سيّما بواسطة قوةِ النفس وانشراحِها فى الصلة ،فتقوى الطبيعة ،فيندفع اللم . للمواد ،ول ِ
وأمّا تأثيرُ ((ل حَ ْولَ ول قُوّ َة إل بال)) فى دفع هذا الدا ِء ،فلِما فيها من كمالِ التفويضِ ،والتبرّى من الحَوْل
والقُوّة إل به ،وتسلي ِم المر كله له ،وعدمِ منازعته فى شىء منه ،وعموم ذلك لكلّ تحوّلٍ من حَال إلى حال
ل وحدَه ،فل يقوم لهذه الكلمة شىء . ى ،والقو ِة على ذلك التحول ،وأنّ ذلك كُلّه با ِ ى والسّفل ّ
فى العالَم العُلو ّ
ل مََلكٌ من السماء ،ول يَصعَدُ إليها إل بـ ((لَ حَ ْولَ ول قُوّ َة إلّ بال)) ،ولها تأثيرٌ
وفى بعض الثار :إنه ما ينزِ ُ
عجيب فى طرد الشيطان ..وال المستعان .
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى علجِ الفَزَع ،والرَقِ المانِع من النوم
روى الترمذىّ فى ((جامعه)) عن بُريدةَ قال :شكى خالدٌ إلى النبىّ صلى ال عليه وسلم ،فقال :يا رسول ال ؛
ق ،فقال النبىّ صلى ال عليه وسلم :ما أنام الليل مِن الرَ ِ
ت ،ور ّ
ب ت ،ورَبّ ال َرضِينَ َ ،ومَا َأقَلّ ْ سمَواتِ السّـبْع َومَا أظَلّ ْ ك فَ ُقلْ :الّلهُمّ َربّ ال ّ
شَ((إذا أ َويْتَ إلى فِرَا ِ
عزّ
ىَ ،ى عَلَ ّ
ى أحدٌ ِم ْنهُمْ ،أَ ْو يَبْغ َ
ن يَفْرُطَ عل ّ
ن لَى جارًا مِنْ شَرّ خَ ْل ِقكَ كُّلهِ ْم جميعًا أ ْ ت ،كُ ْشيَاطينِ وما أضَلّ ْ ال ّ
غيْرُك)) .جلّ َثنَـا ُؤكَ ،ول إل َه َ جَارُك ،و َ
وفيه أيضًا :عن عمرو بن شُعيب ،عن أبيه ،عن جده أنّ رسولَ الِ صلى ال عليه وسلم ،كان ُيعَّلمُهم مِنَ
ن ،وأعُو ُذ ِبكَ رَبّشيَاطِي ِ
عبَادِه َ ،ومِنْ َهمَزَاتِ ال ّ
عقَابِ ِه ،وَش ّر ِ
الفَ َزعِ (( :أعُوذُ ِبكَِلمَاتِ الِ التامّ ِة مِنْ غَضِب ِه ،و ِ
ن مَن عَ َقلَ من بنيه ،ومَن لم َيعْ ِقلْ كتبه ،فأعلقه عليه ، عمْرو ُيعَّلمُه ّ أنْ يَحضُرُونِ)) ،قال :وكان عبد ال بن َ
ول يخفى مناسب ُة هذه العُوذَةِ لعلج هذا الدا ِء .
فصل
يُذكر عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده قال :قال رسولُ الِ صلى ال عليه وسلم (( :إذَا رَأيتُمُ الحَرِيقَ
ن التكبي َر يُط ِفئُهُ)) .
َف َكبّروا ،فإ ّ
ق منها ،وكان فيه من الفساد العام ما ُينَاسب الشيطان لما كان الحريقُ سببهُ النا ُر ،وهى مادةُ الشيطان التى خُلِ َ
ب بطبعها العل َو والفسادَ ،وهذان المران بمادته وفعلِه ،كان للشيطان إعانةٌ عليه ،وتنفيذ له ،وكانت النارُ تطل ُ
وهما العلوّ فى الرض والفسادُ هما َهدْىُ الشيطان ،وإليهما يدعو ،وبهما يُهِلكُ بنى آدم ،فالنار والشيطان كل
ن وفِعلَ ُه .
ل تَقمَعُ الشيطا َ
عزّ وجَ ّمنهما يُريد العلو فى الرض والفسادَ ،وكبرياءُ الرب َ
فصل
ل البدن وصحته وبقاؤه إنما هو بواسطة الرطوبة المقاوِمةِ للحرارة ،فالرطوبة مادته ،والحرارةُ
لما كان اعتدا ُ
جهَا ،وتدفع فضلتِها ،وتُصلحها ،وتلطفها ،وإل أفسدتْ البدن ولم يمكن قيامُه ،وكذلك الرطوبةُ هى
تُنضِ ُ
ل واحدة منهما بصاحبتها ،وقِوام ستْه وأفسدته ،فقِوامُ كُ ّ غِذاءُ الحرارة ،فلول الرطُوبة ،لحرقتْ البدن وأيبَ َ
البدنِ بهما جميعًا ،وكُ ٌل منهما مادة للُخرى ،فالحرارة مادة للرطوبة تحفظها وتمنعها من الفساد والستحالة ،
والرطوبة مادة للحرارة تغذُوها وتحمِلُها ،ومتى مالتْ إحداهما إلى الزيادة على الُخرى ،حصل لمزاج البدن
النحرافُ بحسب ذلك ،فالحرار ُة دائماً تُحَلّلُ الرطوبة ،فيحتاجُ البدن إلى ما به يُخلَف عليه ما حلّلتْه الحرارة
ت الحرارةُ عن تحليل فضلته ، ل ،ضعُف ِ لضرورة بقائهِ وهو الطعامُ والشرابُ ،ومتى زاد على مقدار التحل ِ
ض المتنوعة بحسب تنوّع موادّها ،وقبولِ ت فى البدن ،وأفسدتْ ،فحصلت المرا ُ فاستحالتْ موا ّد رديئة ،فعاث ْ
س ِرفُواْ}[العراف ، ]31 :العضاء واستعدادِها ،وهذا كُلّه مستفَادٌ من قوله تعالى َ { :وكُلُواْ وَاشْ َربُو ْا َولَ تُ ْ
فأرشدَ عِباده إلى إدخالِ ما يُقِي ُم البدنَ من الطعام والشراب عِوَضَ ما تحلّل منه ،وأن يكون بقدر ما ينتفعُ به
البدنُ فى الكمّية والكيفية ،فمتى جاوز ذلك كان إسرافًا ،وكلهما مانعٌ من الصحة جالبٌ للمرض ،أعنى عدم
الكل والشرب ،أو السراف فيه .
فحفظ الصحة كله فى هاتين الكلمتين اللهيتين ،ول ريب أنّ البدن دائماً فى التحلل والستخلف ،وكُلّما كثر
التحلّل ضعفت الحرارة لفناء مادتها ،فإنّ كثرةَ التحلل تُفنى الرطوبة ،وهى مادة الحرارة ،وإذا ضعفت
ف الهضم ،ول يزال كذلك حتى تَفنى الرطوب ُة ،وتنطفئ الحرارة جمل ًة ،فيستكملُ العبدُ الجلَ الحرارة ،ضع َ
ل إليه .فغايةُ علج النسان لنفسه ولغيره حراس ُة البدن إلى أن يصل إلى هذه الحالة ،ل ل له أن يَصِ َ
الذى كتب ا ُ
ل لبَشَر فىأنه يستلزمُ بقاءَ الحرارة والرطوبة اللّتين بقاءُ الشباب والصحة والقوّة بهما ،فإنّ هذا مما لم يحصُ ْ
هذه الدار ،وإنما غايةُ الطبيب أن يحمىَ الرطوبةَ عن مفسداتها من العفونة وغيرها ،ويحمىَ الحرارة عن
ن به قامت السمواتُ والرضُ مُضعِفاتها ،ويعدل بينهما بالعدل فى التدبير الذى به قام بدنُ النسان ،كما أ ّ
وسائرُ المخلوقات ،إنما قوامُها بالعدل
ى النبىّ صلى ال عليه وسلم وجده أفضلَ َهدْى يُمكن حِفظُ الصّحة به ،فإنّ حفظها موقوفٌ على ومَن تأمّل َهدْ َ
حُسن تدبير المطعم والمشرب ،والملبس والمسكن ،والهواء والنوم ،واليقظة والحركة ،والسكون والمَنكَح ،
ت هذه على الوجه المعتدل الموافق الملئم للبدن والبلد والسّنّ والعادة ،كان
والستفراغ والحتباس ،فإذا حصَل ْ
أقربَ إلى دوام الصحة أو غلبتها إلى انقضاء الجل
ل ِنعَم ال على عبده ،وأجزل عطاياه ،وأوفر مِنحه ،بل العافيةُ المطلقة أجَلّ
ولـمّا كانت الصحةُ والعافيةُ من أجَ ّ
ال ّنعَمِ على الطلق ،فحقيق لمن رُزق حظاً مِن التوفيق مراعاتها وحِفظها وحمايتُها عمّا يُضادها .
وقد روى البخارىّ فى ((صحيحه)) من حديث ابن عباس ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
ن فيهما كثي ٌر مِنَ الناس :الصّحّةُ والفَرَاغُ)) .
ن َمغْبُو ٌ
(( ِنعْ َمتَا ِ
ع َبيْد ال بن مِحصَن النصارى ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم وفى ((الترمذى)) وغيره من حديث ُ
ت لَ ُه الدّنيا)) .وفى ((الترمذى)) ت يَ ْومِهِ ،فكأنما حِيزَ ْ
عنْدَ ُه قُو ُ
سدِهِ ،آمناً فى سِ ْربِهِ ِ ،
صبَحَ ُمعَافىً فى جَ َ (( :مَن أ ْ
ل ما يُسْألُ عنه ال َعبْدُ يومَ القيامَ ِة مِنَ
أيضًا من حديث أبى هريرة ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه قال (( :أوّ ُ
س َمكَ ،ونُ َر ّوكَ مِنَ الماءِ البارد)) .ومن هاهنا قال مَن قال مِن السّلَف فى جْ ال ّنعِيم ،أن يُقال له :أََل ْم نُصِحّ َلكَ ِ
سئَلُنّ يَ ْو َم ِئذٍ عَنِ ال ّنعِيمِ}[التكاثر ]8 :قال :عن الصحة قوله تعالى { :ثُ ّم َلتُ ْ
سلِ
ل؛ َ
ن النبىّ صلى ال عليه وسلم قال للعباس (( :يا عباس ،يا عَ ّم رسول ا ِ
وفى ((مسند المام أحمد)) :أ ّ
خرَة)) .الَ العافِيةَ فى الدّ ْنيَا وال ِ
صدّيق ،قال :سمعتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم يقول (( :سَلُوا الَ اليَقينَ والمُعافا َة ،وفيه عن أبى بكر ال ّ
فما أُوتِىَ أحدٌ َب ْعدَ اليقينِ خَيرًا من
العافية)) ،فجمع بين عافيتى الدّينِ والدنيا ،ول َيتِمّ صلح العبد فى الدارين إل باليقين والعافية ،فاليقين يدفع
عنه عقوبات الخرة ،والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا فى قلبه وبدنه .
ى أحدٌ َب ْعدَ
وفى ((سنن النسائى)) من حديث أبى هريرة يرفعه (( :سَلُوا الَ العَفْوَ والعافي َة والمُعافاة ،فما أُوتِ َ
يقينٍ خيراً من مُعافاةٍ)) .وهذه الثلثة تتضمّن إزالة الشرور الماضية بالعفو ،والحاضرة بالعافية ،وَالمستقبلة
بالمعافاة ،فإنها تتضمن المداومةَ والستمرارَ على العافية .
ى من أن
وقال عبد الرحمن بن أبى ليلى :عن أبى الدرداء ،قلت :يا رسول ال ؛ لن أُعافَى فأشكُر أحبّ إل ّ
ب َم َعكَ العا ِفيَةَ)) .
ل يُحِ ّ
أُبتََلى فأصبر ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :ورسولُ ا ِ
ل ال بعد الصلواتِ ويُذكر عن ابن عباس أنّ أعرابياً جاء إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال له :ما أسأ ُ
ل العَافِي َة فى الدّنيا والخرَة)) .
لا َ
الخمس ؟ فقال (( :سَلِ الَ العافيةَ)) ،فأعاد عليه ،فقال له فى الثالثة (( :سَ ِ
وإذا كان هذا شأنَ العافية والصح ِة ،فنذكُرُ من َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى مراعاة هذه الُمور ما يتبيّنُ لمن
ن،
ل َهدْى على الطلق ينال به حفظَ صح ِة البدن والقلب ،وحياة الدّنيا والخرة ،وال المستعا ُ نظر فيه أنه أكم ُ
ل ول قُوّة إل بال .
وعليه التّكلن ،ول حَوْ َ
فصل
س على نوع واحد من الغذية ل فأما المطعمُ والمشرب ،فلم يكن مِن عادته صلى ال عليه وسلم حبسُ النف ِ
ن ذلك يضر بالطبيعة جدًا ،وقد سيتعذّر عليها أحيانًا ،فإن لم يتناول غيرَه ،ضعفَ أو يتعدّاه إلى ما سواه ،فإ ّ
هلكَ ،وإن تناول غيره ،لم تقبله الطبيعة ،واسْتضرّ به ،فقصرها على نوع واحد دائماً ولو أنه أفضل الغذية
خطرٌ مُضر.بل كان يأكل ما جرت عادةُ أهل بلده بأكله مِنَ اللّحم ،والفاكهة ،والخُبز ،والتمر ،وغيره مما
ذكرناه فى َهدْيه فى المأكول ،فعليك بمراجعته هناك
وكان إذا عافت نفسُه الطعامَ لم يأكله ،ولم يُحمّلْها إيّاه على كُره ،وهذا أصل عظيم فى حفظ الصحة ،فمتى أكل
النسان ما تعافه نفسه ،ول تشتهيه ،كان تضرّره به أكثر من انتفاعه .قال أنس :ما عابَ رسولُ ال صلى ال
ل منه .ولمّا ُقدّ َم إليه الضّبّ المشوىّ لم يأك ْل منه ،ط ،إن اشتهاه أكلَه ،وإل تركه ،ولم يأك ْ
عليه وسلم طعاماً قَ ّ
جدُنى أعافُه)) .فراعى عادتَه وشهوتَه ،فلمّا ض قَوْمى ،فأ ِفقيل له :أهو حرامٌ ؟ قال (( :ل ،ولكنْ لم يكن بأر ِ
سكَ عنه ،ولم يَمنع مِن أكله مَن يشتهيه ،ومَنْ عادتُه لم يكن يعتادُ أكله بأرضه ،وكانت نفسُه ل تشتهيه ،أم َ
أكلُه .
س ّم فيه .وفى ((الصحيحين)) ُ(( :أتِىَ رسولُ ال ع ،ومقدم الشاة ،ولذلك ُ وكان يحبّ اللّحم ،وأحبّه إليه الذرا ُ
صلى ال عليه وسلم بلحم ،ف ُرفِع إليه الذراع ،وكانت تُعجبُه)) .وذكر أبو عُبيدة وغيره عن ضباعَة بنت
ن أط ِعمِينا من شاتكم ،فقالت ت فى بيتها شا ًة ،فأرسل إليها رسولُ ال صلى ال عليه وسلم أ ْ الزّبير ،أنها ذَبح ْ
للرسول :ما بقىَ عندَنا إلّ الرّقب ُة ،وإنى لستحى أنْ أُرسلَ بها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فرجع
خيْر ،وأبعدُها مِنَل لها َ :أرْسِلى ِبهَا ،فإنّها هاديةُ الشّاةِ وأقْ َربُ إلى ال َ
ل فأخبره ،فقال (( :ارْجِعْ إليها فق ْالرسو ُ
الذَى)) ول ريب أن أخفّ لح ِم الشاة لحمُ الرقبة ،ولحمُ الذراع والعَضُد ،وهو أخفّ على ال َمعِدَة ،وأسرعُ
انهضامًا ،وفى هذا مراعا ُة الغذية التى تجمع ثلثةَ أوصاف ؛ أحدها :كثر ُة نفعها وتأثيرها فى ال ُقوَى .الثانى
خ ّفتُها على ال َم ِعدَة ،وعدمُ ثقلها عليها .الثالث :سرع ُة هضمها ،وهذا أفضل ما يكون من الغِذاء .والتغذّى ِ :
باليسير من هذا أنفعُ من الكثير من غيره .
ل ،وهذه الثلثة أعنى :اللّحم والعسل والحلواء من أفضل الغذية ،وأنفعها للبدن وكان يُحب الحَلْواءَ والعس َ
وال َكبِد والعضاء ،وللغتذاء بها نفعٌ عظيم فى حفظ الصحة والقوة ،ول ينفِ ُر منها إل مَن به عِلّ ٌة وآفة .وكان
جدَ له إدامًا ،فتار ًة يَأ ِدمُه باللّحم ويقول (( :هُوَ سَـّيدُ طعامِ أهلِ الدّنيا والخرةِ)) رواه ابن
يأكُلُ الخبز مأدُومًا ما وَ َ
ماجه وغيره ((وتارة بالبطيخ ،وتار ًة بالتمر ،فإنه وضع تمرة على كِسْرة شعير ،وقال (( :هذا إدا ُم هذه)) .
وفى هذا من تدبير الغذاء أنّ خبز الشعير بارد يابس ،والتمر حار رطب على أصح القولين ،فأَدمُ خبزِ الشعير
ل ،ويقول ِ (( :نعْ َم الدَامُ الخَلّ)) ،
سيّما لمن تلك عادتُهم ،كأهل المدينة ،وتارةً بالخَ ّ به من أحسن التدبير ،ل ِ
ل ،وسببُ الحديث أنه جهّا ُ وهذا ثناءٌ عليه بحسب مقتضى الحال الحاضر ،ل تفضيلٌ له على غيرِه ،كما يظن ال ُ
ع ْن َدكُم مِن إدَامٍ)) ؟ قالوا :ما عِندَنا إلّ خَل .فقال ِ (( :نعْمَ
دخَلَ على أهله يوماً ،فقدّموا له خبزًا ،فقال(( :هَل ِ
ن أكل الخبز مأدومًا من أسباب حِفظ الصحة ،بخلف القتصار على أحدهما الدامُ الخَلّ)) .والمقصود :أ ّ
س ِمىَ الُد ُم أُدماً :لصلحه الخبزَ ،وجعلِه ملئمًا لحفظ الصحة .ومنه قوله فى إباحته للخاطب النظرَ وحده .و ُ
ب إلى اللتئام والموافقة ،فإنّ الزوجَ يدخل على بصيرة ،فل يندَم . (( :إنه أحْرَى أنْ يُؤدَ َم بيْنَهما)) ،أى :أقر ُ
وكان يأكل من فاكهة بلده عند مجيئها ،ول يَحتمِى عنها ،وهذا أيضاً من أكبر أسباب حفظ الصحة ،فإنّ ال
سبحانه بحكمته جعل فى كل بلد ٍة من الفاكهة ما ينتفِ ُع به أهلُها فى وقتِ ِه ،فيكونُ تناولُه من أسباب صحتِهم
وعافيتِهم ،ويُغنى عن كثير من الدوية ،و َقلّ مَن احتَمى عن فاكهة بلده خشيةَ السّقم إل وهو مِن أسقم الناس
جسماً ،وأبعدِهم من الصحة والقوة .وما فى تلك الفاكهة من الرطوبات ،فحرار ُة الفصل والرض ،وحرارةُ
ح َتمِله ،ولم يُفسد بها
سرِفْ فى تناولها ،ولم يُحمّلْ منها الطبيعةَ فوق ما تَ ْ
جهَا وتدفع شرها إذا لم يُ ْ
ال َم ِعدَة تُنضِ ُ
سدَها بشرب الماء عليها ،وتناولِ الغذاء بعد التحلّى منها ،فإن القُوَلنْج كثيرًا ما يَحدث الغذاء قبل هضمه ،ول أف َ
عند ذلك ،فمَن أكل منها ما ينبغى فى الوقت الذى ينبغى على الوجه الذى ينبغى ،كانت له دواءً نافعاً .
فصل
ل الرج ُل وهو منبطحٌ على وجهه .وقد فُسّر التكاءُ بالتربّع ،وفُسّر وروى ابن ماجه فى ((سننه)) أنه نَهى أن يأك َ
بالتكاء على الشىء ،وهو العتمادُ عليه ،و ُفسّر بالتكاء على الجنب .والنواعُ الثلثة من التكاء ،فنوعٌ
منها يض ّر بالكل ،وهو التكاء على الجنب ،فإنه يمنعُ مجرَى الطعام الطبيعى عن هيئته ،ويَعوقُه عن سرعة
نفوذه إلى ال َم ِعدَة ،ويضغطُ ال َمعِدَةَ ،فل يستحكم فتحُها للغذاء ،وأيضًا فإنها تميل ول تبقى منتصبة ،فل يصل
ل كما
الغذاء إليها بسهولة .وأما النوعان الخران :فمن جلوس الجبابرة المنافى للعبودية ،ولهذا قال (( :آكُ ُ
ن قدمِه
ل العبد)) وكان يأكل وهو ُمقْعٍ ،ويُذكر عنه أنه كان يجلس للكل ُمتَورّكاً على ركبتيه ،ويضعُ بط َ يأكُ ُ
ل ،وأدبًا بين يديه ،واحتراماً للطعام وللمؤاكِل ،فهذه
اليُسْرى على ظهر قدمه اليمنى تواضعاً لربه عَ ّز وجَ ّ
ن العضاء كلها تكون على وضعها الطبيعى الذى خلقها ال سبحانه عليه الهيئة أنف ُع هيئات الكل وأفضلُها ،ل ّ
مع ما فيها من الهيئة الدبية ،وأجودُ ما اغتذى النسان إذا كانت أعضاؤه على وضعها الطبيعى ،ول يكون
ب الطبيعى ،وأردأ الجلسات للكل التكاءُ على الجنب ،لما تقدم من كذلك إل إذا كان النسان منتصباً النتصا َ
أن المَرِىء ،وأعضاء الزدراد تضيقُ عند هذه الهيئة ،وال َم ِعدَةُ ل تبقى على وضعها الطبيعى ،لنها تنعصر
مما يلى البطن بالرض ،ومما يلى الظهر بالحجاب الفاصل بين آلت الغذاء ،وآلت التنفس
وإن كان المراد بالتكاء العتماد على الوسائد والوطاء الذى تحت الجالس ،فيكون المعنى أَنى إذا أكلت لم أقعد
ل بُلْغةً كما يأكل العبد .
متكئاً على الوْطِية والوسائد ،كفعل الجبابرة ،ومَن يُرِيد الكثار من الطعام ،لكنى آكُ ُ
فصل
وكان يأ ُكلُ بأصابعه الثّلث ،وهذا أنف ُع ما يكون من الكلت ،فإنّ الكل بأصبع أو أُصبعين ل يَستلذّ به الكل ،
ول يُمريه ،ول يُشبعه إل بعدَ طول ،ول تفرحُ آلتُ الطعام وال َمعِدَ ُة بما ينالها فى كل أكلة ،فتأخذَها على
ض ،كما يأخذ الرجل حقّه حبّةً أو ح ّبتَين أو نح َو ذلك ،فل يلتذّ بأخذه ،ول يُسَ ّر به ،والكل بالخمسة
إغما ٍ
والراح ِة يُوجب ازدحا َم الطعام على آلته ،وعلى ال َمعِدَةُ ،وربما انسدّت اللت فمات ،وتُغصبُ اللتُ على
دفعه ،وال َم ِعدَةُ على احتماله ،ول يجد له لذةً ول استمرا ًء ،فأنفعُ الكل أكلُه صلى ال عليه وسلم وأكلُ مَن
اقتدى به بالصابع الثلث .
فصل
ط بين لبن وسمك ،ول بين لبن وحامض ومَن تدبّر أغذيته صلى ال عليه وسلم وما كان يأكل ُه ،وجَده لم يجمع قَ ّ
،ول بين غذائين حارّين ،ول بارِدين ،ول لَ ِزجَين ،ول قابضين ،ول مُسهلين ،ول غليظين ،ول مُرخيين ،
ول مستحيلين إلى خلط واحد ،ول بين مختلفَين كقابض ومسهل ،وسريع الهضم وبطيئه ،ول بين شَوىّ
ى وقَديد،ول بين لبن وبيض ،ول بين لحم ولبن ،ولم يكن يأكل طعاماً فى وقت شدة وطبيخ ،ول بين طَر ّ
حرارته ،ول طبيخاً بائتًا يُسخّن له بالغد ،ول شيئًا من الطعمة العَ ِفنَ ِة والمالحة ،كالكَوامخ والمخلّلت ،
والملوحات .وكل هذه النواع ضار موّلدٌ لنواع من الخروج عن الصحة والعتدال .وكان يُصلح ضرر بعض
ل ،فيكسرُ حرار َة هذا ببرودة هذا ،ويُبوس َة هذا برطُوبة هذا ،كما فعل فى الغذية ببعض إذا وَجد إليه سبي ً
ت الغذية ب نقيع التمر يُلطّف به َك ْيمُوسا ِ
س ،ويشر ُ حيْ ُ
ال ِقثّاء والرّطَب ،وكما كان يأكل التمر بالسّمن ،وهو ال َ
ف من تمر ،ويقول (( :تَ ْركُ العَشاءِ َمهْرَمةٌ)) ،ذكره الترمذىّ فى الشديدة وكان يأمر بالعَشاء ،ولو بك ّ
((جامعه)) ،وابن ماجه فى ((سننه))
وذكر أبو نُعيم عنه أنه كان ينهى عن النوم على الكل ،ويذكر أنه يُقسى القلب ،ولهذا فى وصايا الطباء لمن
عقِبه ،فإنه مضر جدًا ،وقال ت ولو مِائة خطوة ،ول ينام َ ى بعد العَشاء خُطوا ٍ
أراد حفظ الصحة :أن يمش َ
مسلموهم :أو يُصلّى عقيبَه ليستقرّ الغِذاء بقعرِ ال َمعِدَة ،فيسهلَ هضمه ،ويجودَ بذلك .ولم يكن من َهدْيه أن
سيّما إن كان الماء حاراً أو بارداً ،فإنه ردى ٌء جداً .قال الشاعر :
ب على طعامه فيُفسده ،ول ِ يشر َ
ب أكل الفاكهة ، جمَاع ،وعقيبَ الطعامِ وقبله ،وعقي َب الرياضة ،والتعبِ ،وعقيبَ ال ِ ويُكره شرب الماء عقي َ
ف لحفظ
ل مِن بعض ،وعقب الحمّام ،وعند النتباه من النوم ،فهذا كُلّهُ منا ٍ ب بعضِها أسه َ وإن كان الشربُ عقي َ
الصحة ،ول اعتبار بالعوائد ،فإنها طبائع ثوانٍ .
فصل
ج بالماء البارد ،وفى وأما َهدْيه فى الشراب ،فمن أكمل َهدْىٍ يحفظ به الصحة ،فإنه كان يشرب العسلَ الممزو َ
ل الطباء ،فإنّ شُربه ولعقَه على الرّيق يُذيب البلغم ،هذا مِن حفظ الصحة ما ل يَهتدى إلى معرفته إل أفاض ُ
خمْل ال َمعِدَة ،ويجلُو لزوجتها ،ويدفع عنها الفضلت ،ويُسخنها باعتدال ،ويفتحُ سددها ،ويفعل مثل ويغسِلُ َ
ذلك بال َكبِد والكُلَى والمثَانة ،وهو أنفع لل َمعِدَة من كل حلو دخلها ،وإنما يضر بالعَرَض لصاحب الصّفراء لح ّدتِه
ل ،فيعودُ حينئذ لهم نافعًا جداً ،وشربه أنفع من كثير من حدّة الصفراء ،فربما هيّجها ،ودفعُ مضرّته لهم بالخ ّ
وِ
سيّما لمن لم يعتد هذه الشربة ،ول أِلفَها طبعُه ،فإنه إذا شربها ل الشربة المتخذة من السكر أو أكثرِها ،ول ِ
ل ،وتبنى أُصولً تلئمه ملءمةَ العسل ،ول قريبًا منه ،والمحكّ ُم فى ذلك العادة ،فإنها تهدم أُصو ً
صفَىْ الحلوة والبرودة ،فمن أنفع شىء للبدن ،ومن أكبر أسباب حفظ الصحة ، جمَعَ و ْ
وأما الشراب إذا َ
ن ،حصَلتْ به التغذيةُ
وللرواح والقُوى ،والكبد والقلب ،عشقٌ شديدٌ له ،واستمدادٌ منه ،وإذا كان فيه الوصفا ِ
،وتنفيذُ الطعام إلى العضاء ،وإيصاله إليها أتمّ تنفيذ .
والماء البارد رطب يقمع الحرارة ،ويحفظ على البدن رطوباته الصلية ،ويرد عليه بدل ما تحلّل منها ،
ق الغِذاء ويُنفِذه فى العروق .
ويُرقّ ُ
واختلف الطباء :هل يُغذّى البدن ؟ على قولين :فأثبتت طائف ٌة التغذية به بنا ًء على ما يشاهدونه من النمو
سيّما عند شدة الحاجة إليه .
والزيادة والقوة فى البدن به ،ول ِ
ن والنبات قد ٌر مشترك مِن وجوه عديدة منها :النموّ والغتذا ُء والعتدال ،وفى النبات قوةُقالوا :وبينَ الحيوا ِ
حسّ تُناسبه ،ولهذا كان غِذا ُء النبات بالماء ،فما يُنكر أن يكون للحيوان به نوعُ غذاء ،وأن يكون جزءًا من ِ
غذائه التام .
ن قوة الغذاء ومعظمه فى الطعام ،وإنما أنكرنا أن ل يكون للماء تغذية ألبتة .قالوا : قالوا :ونحن ل ننكر أ ّ
وأيضاً الطعام إنما يُغذّى بما فيه من المائية ،ولولها لما حصلت به التغذي ُة .قالوا :ولن الماء مادة حياة
الحيوان والنبات ،ول ريب أنّ ما كان أقربَ إلى مادة الشىء ،حصلت به التغذية ،فكيف إذا كانت مادته
ل التغذية بما هو
ىءٍ حَىّ}[النبياء ،]30 :فكيف ننكِرُ حصو َ جعَ ْلنَا مِنَ ا ْلمَا ِء كُلّ شَ ْ
الصلية ،قال ال تعالى { :وَ َ
مادة الحياة على الطلق ؟
قالوا :وقد رأينا العطشان إذا حصل له الرّىّ بالماء البارد ،تراجعت إليه قواه ونشاطُه وحركته ،وصب َر عن
ن ل ينتفِعُ بالقد ِر الكثير مِن الطعام ،ول يجد به القوة
الطعام ،وانتفع بالقدر اليسير منه ،ورأينا العطشا َ
ن الماءَ يُن ِفذُ الغذاء إلى أجزاء البدن ،وإلى جميع العضاء ،وأنه ل يتم أمر الغذاء والغتذاءَ ،ونحن ل ننكِ ُر أ ّ
إل به ،وإنما ننكر على مَن سلب قو َة التغذية عنه ألبتة ،ويكاد قولُه عندنا يدخُل فى إنكار الُمورالوجدانية .
وأنكرت طائفةٌ أُخرى حصولَ التغذية به ،واحتجّت بأُمور يرجعُ حاصِلُها إلى عدم الكتفاء به ،وأنه ل يقو ُم
مقام الطعام ،وأنه ل يزيد فى نموّ العضاء ،ول يخلف عليها بدل ما حلّلتْه الحرارةُ ،ونحو ذلك مما ل ينكره
أصحاب التغذية ،فإنهم يَجعلون تغذيته بحسب جوهره ،ولطافته ورقته ،وتغذيةُ كل شىء بحسبه ،وقد شُوهد
الهواءُ الرّطب البارد اللّين اللّذيذ يُغذّى بحسبه ،والرائحة الطيبة تُغذّى نوعاً من الغذاء ،فتغذية الماء أظهر
وأظهر .
والمقصودُ :أنه إذا كان بارداً ،وخالطه ما يُحليه كالعسل أو الزبيب ،أو التمر أو السكر ،كان من أنفع ما
ظ عليه صحته ،فلهذا كان أحبّ الشرابِ إلى رسولِ ال صلى ال عليه وسلم البا ِردَ الحلوَ . يدخل البدن ،وحفِ َ
والماءُ الفاتِ ُر ينفخ ،ويفعل ض ّد هذه الشياء .
ولما كان الماء البائت أنف َع من الذى يُشرب وقتَ استقائه ،قال النبىّ صلى ال عليه وسلم وقد دخل إلى حائط
ل من ماءٍ بات فى شَـنّة)) ؟ فأتاه به ،فشرب منه ،رواه البخارى ولفظُه (( :إنْ كان أبى الهيثم بن التيهان (( :هَ ْ
عنَا)) .والماء البائت بمنزلة العجين الخمير ،والذى شُرِب لوقته بمنزلة الفطير ، شنّة وإلّ كَرَ ْ
عنْ َدكَ ماءٌ باتَ فى َ
ِ
س َت ْعذَبُ له
ن ال ّنبِىّ صلى ال عليه وسلم كان يُ ْ
وأيضاً فإنّ الجزاء الترابية والرضية تُفارقه إذا بات ،وقد ُذكِر أ ّ
الماء ،ويَختار البائت منه .وقالت عائشة :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يُستقى له الماء العذب مِن بئر
السقيا .
سيّما أسقيةَ
والماء الذى فى ال ِقرَب والشنان ،ألذّ من الذى يكون من آنية الفَخّار والحجار وغيرهما ،ول ِ
س النبىّ صلى ال عليه وسلم ماءً بات فى شَـنّة دون غيرها من الوانى ،وفى الماء إذا وُضع الدمَ ،ولهذا التَم َ
فى الشّنان ،وقِرب الدم خاصةٌ لطيف ٌة لما فيها من المسامّ المنفتحةِ التى يرشَح منها الماء ،ولهذا كان الماء فى
الفَخّار الذى يرشح ألذّ منه ،وأبردُ فى الذى ل يرشَح ،فصلةُ ال وسلمه على أكمل الخلق ،وأشرفهم نفسًا ،
وأفضلهم َهدْيًا فى كل شىء ،لقد دَلّ أُمته على أفضل الُمور وأنفعها لهم فى القلوب والبدان ،والدّنيا والخرة
قالت عائشةُ :كان أحبّ الشرابِ إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم الحُلوَ البا ِردَ .وهذا يحتمل أن يريد به الماءَ
العذبَ ،كمياه العيون والبار الحلوة ،فإنه كان يُستعذَب له الماء .ويحتملُ أن يريد به الما َء الممزوجَ بالعسل ،
ب .وقد يُقال وهو الظهر :يعمّهما جميعاً
أو الذى نُقِعَ فيه التمرُ أو الزبي ُ
عنَا)) ،فيه دليلٌ على جواز الكَرْع ،وهو وقولُه فى الحديث الصحيح (( :إن كان عندكَ ماء باتَ فى شَنٍ وإل كَرَ ْ
عيْن دعت الحاج ُة فيها إلى الكَرْع بالفم ،أو ض وال ِمقْراةِ ونحوها ،وهذه وال أعلم واقع ُة َ الشرب بالفم من الحو ِ
ح ّرمُه ،ويقولون :إنه يَُض ّر بال َم ِعدَة ،وقد رُوىن يكرهُه ،والطبا ُء تكادُ تُ َ قاله مبيّنًا لجوازه ،فإنّ مِن الناس مَ ْ
ى صلى ال عليه وسلم نهانا أنْ نشرب على بطوننا ،وهو فى حديث ل أدرى ما حالُه عن ابن عمر ،أنّ النب ّ
ف باليد الواحدة وقال :
ن نغترِ َع ،ونهانا أ ْالكَ ْر ُ
خمّراً ))
ن يكونَ مُ َ
حتّى يَختبِرَه إل أ ْ
ب ،ول يَشْرَبْ بالّليْلِ مِن إنَاءٍ َ
(( ل يَلَغْ أح ُدكُم َكمَا يَلَغُ الكل ُ
فصل
ك الوْلى ،ى ليس للتحريم ،بل للرشاد وتر ِ فقالت طائفةٌ :هذا ناسخٌ للنهى ،وقالت طائف ٌة :بل مبيّنٌ أنّ النه َ
ل ،فإنه إنما شَ ِربَ قائماً للحاجة ،فإنه جاء إلى زمز َم ،وهم يَستَقُون
ض بينهما أص ً
وقالت طائف ٌة :ل تعارُ َ
منها ،فاستَقَى فناولُوه الدّل َو ،فشرب وهو قائم ،وهذ كان موضعَ حاجة .
@ فصل
وفى ((صحيح مسلم)) من حديث أنس بن مالك ،قال :كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم يَتنفّسُ فى الشّراب
ل (( :إنه أرْوَى وأمْرَُأ وأبْرَأُ)) .الشراب فى لسان الشارع وحمَلَةِ الشرع :هو الماء ،ومعنى تنفّسِه ثلثاً ،ويقو ُ
فى الشراب :إبانتُه ال َقدَح عن فيه ،وتنفّسُه خارجَه ،ثم يعود إلى الشراب ،كما جاء مصرّحاً به فى الحديث
ح ،ولكنْ ِل ُيبِنِ الناءَ عن فيهِ))
ح ُدكُم فَل يَتنفّسْ فى ال َقدَ ِ
شرِبَ أ َ
الخر (( :إذا َ
جمّة ،وفوائ ٌد مهمة ،وقد نبّه صلى ال عليه وسلم على مَجامِعها ،بقوله (( :إنه أروَى وفى هذا الشرب حِكمٌ َ
ل من البُرء ،وهو الشّفاء ،أى يُبرىء من شدة وأمرَأ وأبرأ)) فأروَى :أشدّ ريّاً ،وأبلغُه وأنفعُه ،وأبرُأ :أفع ُ
سكّن الدفعةُ الثانية ما عجزت الُولى عن تسكينه ،والثالثةُ العطش ودائه لتر ّددِه على ال َمعِدَة الملتهبة دفعاتٍ ،فتُ َ
ما عجزت الثانية عنه ،وأيضًا فإنه أسل ُم لحرارة ال َم ِعدَة ،وأبقَى عليها من أن يَهجُم عليها الباردُ وَهْلةً واحدة ،
و َنهْلةً واحدة .وأيضاً فإنه ل يُروِى
وأيضاً فإنه أسل ُم عاقبةً ،وآمنُ غائلةً مِن تناوُل جميع ما يُروِى دفعةً واحدة ،فإنه يُخاف منه أن يُطفىء الحرارة
الغريزية بشدة برده ،وكثرةِ كميته ،أو يُضعفَها فيؤدّى ذلك إلى فساد مزاج ال َمعِدَة وال َكبِد ،وإلى أمراض رديئة
،خصوصاً فى سكان البلد الحارة ،كالحجاز واليمن ونحوهما ،أو فى الزمنة الحارة كشدة الصيف ،فإن
ن الحار الغريزى ضعيف فى بواطن أهلها ،وفى تلك الزمنة الحارة الشرب وَهْلَ ًة واحدةً مَخُوفٌ عليهم جدًا ،فإ ّ
.
ب فى بدنه :إذا دخله ،وخالطه بسهولة ولذة ونفع .ومنه وقوله (( :وأ ْمرَأُ)) :هو أفعلُ مِن مَرِئ الطعامُ والشرا ُ
َ { :فكُلُو ُه َهنِيئًا مّرِيئاً}[النساء ، ]4 :هنيئًا فى عاقبته ،مريئًا فى مذاقه .وقيل :معناه أنه أسرعُ انحدارًا عن
المَرِىء لسهولته وخفته عليه ،بخلف الكثير ،فإنه ل يسهُل على المرىء انحدارُه .
ص به ،
ومن آفات الشرب َنهْلَةً واحدة أنه يُخاف منه الشّرَق بأن ينسدّ مجرى الشراب لكثرة الوارد عليه ،فيغَ ّ
ن من ذلك .
فإذا تنفّس رُويداً ،ثم شرب ،أمِ َ
ومن فوائده :أنّ الشارب إذا شرب أول مرة تصاعد البخا ُر الدخانىّ الحارّ الذى كان على القلب والكبد لورود
ل الماء البارد ،وصعودُ البخار ، جتْه الطبيع ُة عنها ،فإذا شرِب مر ًة واحدةً ،اتفق نزو ُ
الماء البارد عليه ،فأخر َ
ب بالماء ،ول يُمرئُه ،ول يتم ِريّه .
فيتدافعان ويتعالجان ،ومن ذلك يحدُث الشَرقُ والغصّة ،ول يهْنأ الشار ُ
ب أحدُكُم فَ ْل َيمَُصّ
ى ،وغيرُهما عن النبىّ صلى ال عليه وسلم (( :إذا شَرِ َ وقد روى عبد ال بن المبارك ،وال َب ْيهَق ّ
الماءَ َمصًّا ،ول َيعُبّ عبّا ،فإنّه مِن ال ُكبَادِ)) .وال ُكبَاد بضم الكاف وتخفيف الباء هو وجع الكبد ،وقد عُلم
بالتجرِبة أنّ ورود الماء جمل ًة واحدة على الكبد يؤلمها ويُضعفُ حرارتَها ،وسببُ ذلك المضادةُ التى بين
حرارتها ،وبين ما ورد عليها من كيفية المبرود وكميته .ولو ورد بالتدريج شيئاً فشيئًا ،لم يضاد حرارتَها ،
صبّه قليلً قليلً .
ب الماء البارد على ال ِقدْر وهى تفور ،ل يضرّها َ ص ّ
ولم يُضعفْها ،وهذا مثالُه َ
وقد روى الترمذىّ فى ((جامعه)) عنه صلى ال عليه وسلم (( :ل تَشْ َربُوا نَفَساً واحدًا كَشُ ْربِ البَعي ِر ،ولكن
غتُمْ)) .ح َمدّوا إذَا أنتُمْ فَرَ ْ
ش ْرِبُتم وا ْ
اش َربُوا َم ْثنَى وثُلثَ ،وسمّوا إذا أنتم َ
ضرّته .
وللتسمية فى أول الطعام والشراب ،وحمد ال فى آخره تأثيرٌ عجيب فى نفعه واستمرائه ،ودفع مَ َ
فصل
س ِمعْتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم وقد روى مسلم فى ((صحيحه)) من حديث جابر بن عبد ال ،قال َ :
ل فِيهَا وِبا ٌء ل َيمُ ّر بإناءٍ ليس عليه غِطَاءٌ ،أو
سنَ ِة َليْلَةً ينزِ ُ
يقول (( :غطّوا النا َء ،وَأ ْوكُوا السّقاءَ ،فإنّ فى ال ّ
سِقاءٍ ليس عليه وِكا ٌء إل َوقَعَ فيه من ذلك الدّاء)) .
وهذا مما ل تنالُه علوم الطباء ومعارفُهم ،وقد عرفه مَن عرفه من عقلء الناس بالتجربة .قال اللّيث بن سعد
أحدُ رواة الحديث :العاج ُم عندنا يتّقون تلك الليلة فى السنة ،فى كانُونَ الول منها .
ض عليه عُوداً .وفى عرض العود عليه من الحكمة ،أنه ل ينسى ح عنه أنه أم َر بتخمير الناء ولو أن يَعرِ َوصَ ّ
تخميرَه ،بل يعتادُه حتى بالعود ،وفيه :أنه ربما أراد الدّ َبيّب أن يسقط فيه ،فيم ّر على العود ،فيكون العودُ
جسرًا له يمنعه من السقوط فيه.
ب عديدة ،منها :أنّ تر ّددَ أنفاس الشارب فيه يُكسبه زُهومة ورائحة كريهة يُعاف لجلها .ومنها : وفى هذا آدا ٌ
أنه ربما غلب الداخِلُ إلى جوفه من الماء ،فتضرّر به .ومنها :أنه ربما كان فيه حيوان ل يشعر به،فيؤذيه .
ن الشرب كذلك يمل ومنها :أنّ الماء ربما كان فيه قَذاةٌ أو غيرُها ل يراها عند الشرب ،فتَلِج جوفه .ومنها :أ ّ
حكَم.
البطن من الهواء ،فيضيقُ عن أخذ حظّه من الماء ،أو يُزاحمه ،أو يؤذيه ،ولغير ذلك من ال ِ
فإن قيل :فما تصنعون بما فى ((جامع الترمذي)) :أنّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم دعا بإداوة يو َم ُأحُد ،
ب منها مِن َفيّها .قلنا :نكتفى فيه بقول الترمذى :هذا حديثٌ ليس إسناده
شرِ َ
خُنثْ َفمَ الدَاوَة)) ،ثُمّ َ
فقال (( :ا ْ
ف من قِبلِ حفظه ،ول أدرى سمع من عيسى ،أو ل ...انتهى . ى يُضعّ ُبصحيح ،وعبد ال ابن عمر العُمر ّ
يريد عيسى بن عبد ال الذى رواه عنه ،عن رجل من النصار .
فصل
ى ،قال (( :نهى رسولُ ال صلى ال عليه وسلم عن الشّرب وفى ((سنن أبى داود)) من حديث أبى سعيد الخُدر ّ
ح ،وأن ينفُخَ فى الشّراب)) .وهذا من الداب التى تتم بها مصلح ُة الشارب ،فإن الشّرب من ثُ ْلمِة
من ثُ ْلمَةِ ال َقدَ ِ
عدّةُ مفاسد :
ال َقدَح فيه ِ
ن ما يكون على وجه الماء من قَذىً أو غيره يجتمع إلى الثّلْمة بخلف الجانب الصحيح .
أحدها :أ ّ
الثانى :أنّه ربما شوّش على الشارب ،ولم يتمكن من حسن الشرب من الثّلْمة .
الثالث :أنّ الوسخ والزّهومة تجتمِ ُع فى الثّلْمة ،ول يصل إليها الغَسلُ ،كما يصل إلى الجانب الصحيح .
ل العيب فى ال َقدَح ،وهى أردأُ مكان فيه ،فينبغى تجنّبه ،وقصدُ الجانب الصحيح ،فإنّ
ن الثّلْمة مح ّ
الرابع :أ ّ
الردىء من كل شىء ل خير فيه ،ورأى بعض السّلَف رجلً يشترى حاجة رديئة ،فقال :ل تفعل ،أما عَلِمتَ
أنّ الَ نزع البركة من كل ردىء .
الخامس :أنّه ربما كان فى الثّلْمة شقٌ أو تحديدٌ يجرح فم الشارب ،ولغي ِر هذه من المفاسد .
فإن قيل :فما تصنعون بما فى ((الصحيحين)) من حديث أنس (( ،أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم كان
يتنفّسُ فى الناء ثلثاً)) ؟ .
قيل :نُقابلُه بالقبول والتسليم ،ول مُعارضة بينه وبين الول ،فإن معناه أنه كان يتنفس فى شربه ثلثًا َ ،وذَكَرَ
النا َء لنه آلة الشرب ،وهذا كما جاء فى الحديث الصحيح :أنّ إبراهيم ابن رسول ال صلى ال عليه وسلم
مات فى الّثدْى ،أى :فى مُدة الرّضاع .
فصل
وكان صلى ال عليه وسلم يشرب اللّبن خالصاً تار ًة ،ومُشَوباً بالماء أُخرى .وفى شرب اللّبن الحلو فى تلك
سيّما اللبنَ الذى
ب البدن ،و َرىّ الكبد ،ول ِ
البلد الحارة خالصًا ومَشوباً نفعٌ عظيم فى حفظ الصحة ،وترطي ِ
ترعى دوابّه الشيحَ وال َقيْصو َم والخُزَامَى وما أشبهها ،فإن لبنها غذا ٌء مع الغذية ،وشرابٌ مع الشربة ،ودواءٌ
مع الدوية .
طعِمنا
ك لنا فيه ،وأ ْ
ل :الّلهُمّ با ِر ْوفى جامع ((الترمذى)) عنه صلى ال عليه وسلم (( :إذا أكل أحدكم طعاماً فيلقُ ْ
ئ منَ الطعام والشرابِ إلّ جزِ ُ ك لنا فيه ،و ِزدْنا منه ،فإنه ليس شى ٌء يُ ْ
خيرًا منه ،وإذا سُقى لبنًا فليقل :الّلهُمّ با ِر ْ
اللبنُ)) .قال الترمذى :هذا حديث حسن .
فصل
وثبت فى ((صحيح مسلم)) أنه صلى ال عليه وسلم كان ُينْ َبذُ له أوّل الليل ،ويشربُه إذا أصبح يومَه ذلك ،
والليلةَ التى تجى ُء ،والغَد ،واللّيلةَ الُخرى ،والغَد إلى العصر ،فإن بقى منه شىءٌ سقاه الخادِمَ ،أو أمر به
ب. فَصُ ّ
وهذا النبيذ :هو ما يُطرح فيه تم ٌر يُحليه ،وهو يدخل فى الغذاء والشراب ،وله نفع عظيم فى زيادة القوة ،
وحفظِ الصحة ،ولم يكن يشربه بع َد ثلث خوفًا من تغيّره إلى السكار .
فصل
فى تدبيره صلى ال عليه وسلم الملبس
وكان من أتم ال َهدْى ،وأنفعه للبدن ،وأخفّه عليه ،وأيسره لُبسًا وخَلعًا ،وكان أكثر لُبسه الردية والُزُر ،وهى
س القميص ،بل كان أحبّ الثياب إليه . أخفّ على البدن من غيرها ،وكان يلب ُ
ولم تكن عِمامته بالكبيرة التى يؤذى الرأس حملُها ،ويضعفُه ويجعله عُرْضةً للضعف والفات ،كما يُشَاهَد من
حال أصحابها ،ول بالصغيرة التى تقص ُر عن وقاية الرأس من الحر والبرد ؛ بل وَسَطًا بين ذلك ،وكان يُدخلها
سيّما عِند ركوب الخيلتحت حَنكه ،وفى ذلك فوائدُ عديدة :فإنها تقى العنق الحر والبرد ،وهو أثبت لها ،ول ِ
والبل ،والك ّر والف ّر ،وكثير من الناس اتخذ الكلَليب عوضًا عن الحنك ،ويا بُعدَ ما بينهما فى النفع والزينة ،
وأنت إذا تأملت هذه اللّبسة وجدتها من أنفع اللّبسات وأبلغِها فى حفظ صحة البدن وقوته ،وأبعدها من التكلف
والمشقة على البدن .
وكان يلبسُ الخِفاف فى السفر دائماً ،أو أغلب أحواله لِحاجة الرّجلين إلى ما يقيهما من الحر والبرد ،وفى
حضَر أحياناً .
ال َ
ولم يكن مِن َهدْيه لُبس الحمر ،ول السود ،ول المصبّغ ،ول المصقول
وأما الحُلّة الحمراء التى لبسها ،فهى الرداءُ اليمانىّ الذى فيه سوادٌ وحُمرة وبياض ،كالحُلّ ِة الخضراء ،فقد
لبس هذه وهذه ،وقد تقدّم تقري ُر ذلك ،وتغليطُ مَن زعم أنه لبس الحمر القانى بما فيه كفاية .
فصل
فصل
فنقول :النوم حالة للبدن يَتبعُها غوْر الحرارةِ الغريزية والقُوى إلى باطن البدن لطلب الراحة ،وهو نوعان :
طبيعى ،وغيرُ طبيعى .
حسّ والحركة الرادية ،ومتى أمسكتْ هذه القُوَى فالطبيعى :إمساك القُوى النفسانية عن أفعالها ،وهى قُوَى ال ِ
ستَرخى ،واجتمعتْ الرطوباتُ والبخرةُ التى كانت تتحلّل وتتفرّق بالحركات واليقظة فى عن تحريك البدن ا ْ
الدماغ الذى هو مبدأ هذه القُوَى ،فيتخدّ ُر ويَسترخِى ،وذلك النومُ الطبيعى .
ت على الدماغ استيل ًء ل تقدِرُوأمّا النومُ غي ُر الطبيعى ،فيكونُ لعَرض أو مرض ،وذلك بأن تستولىَ الرطوبا ُ
ل الدماغب المتلء مِن الطعام والشراب ،فتُثقِ ُ اليقظ ُة على تفريقها ،أو تصعد أبخرةٌ رَطبة كثيرة كما يكون عقي َ
ك القُوَى النفسانية عن أفعالها ،فيكون النوم .
وتُرخيه ،فَيتخدّرَ ،ويقع إمسا ُ
س مِن
وللنوم فائدتان جليلتان ،إحداهما :سكونُ الجوارح وراحتُها مما يَعرض لها من التعب ،فيُريح الحوا ّ
نَصَب اليقظة ،ويُزيل العياء والكَلل .
والثانية :هضم الغذاء ،ونُضج الخلط لن الحرارة الغريزية فى وقت النوم تَغور إلى باطن البدن ،فتُعين
على ذلك ،ولهذا يبرد ظاهره ويحتاج النائم إلى فضل ِدثَار .
وأنفعُ النوم :أن ينا َم على الشّق اليمن ،ليستقرّ الطعام بهذه الهيئة فى ال َمعِدَة استقراراً حسناً ،فإن ال َم ِعدَة أميَ ُ
ل
ل ليُسرعَ الهضم بذلك لستمالة ال َم ِعدَة على ال َكبِد ،ثم إلى الجانب اليسر قليلً ،ثم يَتحوّل إلى الشّق اليسر قلي ً
يَستق ّر نومُه على الجانب اليمن ،ليكون الغِذاء أسرعَ انحداراً عن ال َم ِعدَة ،فيكونُ النوم على الجانب اليمن
بُداءة نومه ونهايتَه ،وكثرةُ النوم على الجانب اليسر مضرٌ بالقلب بسبب ميل العضاء إليه ،فتنصبّ إليه
المواد .
وأردأُ النو ِم النومُ على الظهر ،ول يَضرّ الستلقاء عليه للراحة من غير نوم ،وأردُأ منه أن ينامَ منبطحاً على
وجهه ،وفى ((المسند)) و((سنن ابن ماجه)) ،عن أبى أُمامةَ قال :م ّر النبىّ صلى ال عليه وسلم على رجُلٍ
ج َهّن ِميّةٌ)) .
نائم فى المسجد منبطح على وجهه ،فضرَبه برجله ،وقال (( :قُمْ أ ِو ا ْقعُ ْد فإ ّنهَا نومةٌ َ
قال ((أبقراطٌ)) فى كتاب ((التّقدِمة)) :وأما نومُ المريض على بطنه من غير أن يكون عادتُه فى صحته جرتْ
بذلك ،فذلك يدلّ على اختلط عقل ،وعلى أل ٍم فى نواحى البطن ،قال الشُرّاح لكتابه :لنه خالف العادة الجيدة
إلى هيئة رديئة من غير سبب ظاهر ول باطن .
والنو ُم المعتدل ممكّنٌ للقُوَى الطبيعية من أفعالها ،مريحٌ للقوة النفسانية ُ ،مكْثرٌ من جوهر حاملها ،حتى إنه
ل ،ويُفسد
ض الرطوبية والنواز َ ئ يُورث المرا َ
ربّما عاد بإرخائه مانعًا من تحلّل الرواح .ونومُ النهار رد ٌ
ت الهاجِرة ،
ب ،ويُكسل ،ويُضعف الشهوة ،إلّ فى الصّيفِ وق َ اللّون ،ويُورث الطّحال ،ويُرخى العص َ
وأردؤه نو ُم أول النهار ،وأردُأ منه النو ُم آخره بعدَ العصر ،ورأى عبد ال بن عباس ابنًا له نائماً نومة
ص ْبحَةِ ،فقال له :قم ،أتنام فى الساعة التى تُقسّ ُم فيها الرزاق ؟
ال ّ
ق ،وحُرق ،وحُمق .فالخُلق :نومة الهاجرة ،وهى خُلق رسول ال صلى ال وقيل :نوم النهار ثلثة :خُل ٌ
عليه وسلم .والحُرق :نومة الضحى ،تُشغل عن أمر الدنيا والخرة .والحُمق :نومة العصر .قال بعض
س عَقلُه ،فل يلومنّ إل نفسه .وقال الشاعر :
السّلَف :مَن نام بعد العصر ،فاختُلِ َ
جنُونُ
صيْـرِ ُ
خبَالً َونَ ْومَاتُ ا ْلعُ َ
ن نَ ْومَاتِ الضّحَى تُورِثُ ا ْل َفتَى َ
َألَ إ ّ
والنومُ فى الشمس يُثير الدا َء الدّفين ،ونومُ النسان بعضُه فى الشمس ،وبعضُه فى الظل ردىء ،وقد روى أبو
داود فى ((سننه)) من حديث أبى هريرة ،قال :قال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم (( :إذا كان أحدكم فى
س و َبعْضُهُ فى الظّل ،فَ ْل َيقُمْ)) .
شمْ ِ
ص عنه الظّلّ ،فصار َبعْضُهُ فى ال ّ
ش ْمسِ َفقَلَ َ
ال ّ
حصَيب (( ،أنّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم نهى أنْ وفى ((سنن ابن ماجه)) وغيره من حديث بُريدَةَ بن ال ُ
يق ُعدَ الرّجُ ُل بين الظّلّ والشمس)) ،وهذا تنبيه على منع النوم بينهما .
ج َعكَ
ضَت مَ ْ
ب ،أنّ رسول ال صلى ال عليه وسلم قال (( :إذا أ َتيْ َ وفى ((الصحيحين)) عن البَرَاء بن عازِ ٍ
جهْتُ
ت نَفْسِى إليكَ ،ووَ ّ ك اليمنِ ،ثم قل :الّلهُمّ إنّى أسْلم ُ
ك للصّلة ،ثم اضطّجِعْ على شِ ّق َ فتوضّ ْأ ُوضُو َء َ
ظهْرى إليكَ ،رَغبةً ورَهبةً إليكَ ،ل ملجَأ ول َمنْجا منك إلّ ك ،وألج ْأتُ َك ،وفَوّضْتُ أمرى إلي َ ى إلي َ
وجْه ِ
ت مِن ليلتِك ِ ،متّ على إليكَ ،آمَنتُ بكتا ِبكَ الذى أنْزَ ْلتَ ،ونب ّيكَ الذى أرْسلتَ .واجع ْلهُنّ آخر كل ِمكَ ،فإن مِ ّ
الفِطْرة)) .
وفى ((صحيح البخارى)) عن عائشة أنّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم (( ،كان إذا صلّى ركعتى الفجرِ يعنى
سُـ ّنتَها اضْطّجَعَ على شِقّه اليمنِ)) .
وقد قيل :إنّ الحكمة فى النوم على الجانب اليمـن ،أن ل يستغرقَ النائم فى نومه ،لن القلب فيه ميلٌ إلى جهة
اليسار ،فإذا نام على جنبه اليمن ،طلب القلبُ مُستقَرّه من الجانب اليسر ،وذلك يمنع من استقرار النائم
واستثقاله فى نومه ،بخلف قراره فى النوم على اليسار ،فإنه مُست َقرّه ،فيحصُل بذلك الدّع ُة التامة ،فيستغرق
النسان فى نومه ،ويَستثقِل ،فيفوتُه مصالح دينه ودنياه .
ى الذى ل يموت ،وأهلُ الجنّة ل ولما كان النائ ُم بمنزلة الميت ،والنو ُم أخو الموت ولهذا يستحيل على الح ّ
س بدنه أيضاً ض لها من الفات ،ويح ُر ُ ينامون فيها كان النائم محتاجاً إلى مَن يحرُس نفسه ،ويحفظُها مما َيعْرِ ُ
ى صلى ال عليه وسلم النائ َم أن من طوارق الفات ،وكان ربّه وفاطرُه تعالى هو المتولى لذلك وحدَه .علّم النب ّ
ى بها كمال حفظِ ال له ،وحراسته لنفسه وبدنه ، ل كلماتِ التفويضِ واللتجاء ،والرغبة والرهبة ،ليَستدع َيقو َ
وأرشده مع ذلك إلى أن يَستذكِ َر اليمانَ ،وينا َم عليه ،ويجعلَ التكلّمَ به آخرَ كلمه ،فإنه ربما توفاه ال فى
منامه ،فإذا كان اليمانُ آخِ َر كلمه دخل الجنّة ،فتضمّن هذا ال َهدْىُ فى المنام مصالحَ القلب والبدن والروح فى
ت به أُمتُه كُلّ خير
النوم واليقظة ،والدنيا والخرة ،فصلواتُ ال وسلمُه على مَن نال ْ
وقوله (( :أسلَمتُ نفْسى إليكَ)) ؛ أى :جعلتُها مُسّلمَةً لك تسلي َم العبدِ المملوك نفسَه إلى سيده ومالكه .
وتوجيهُ وجهه إليه :يتضمّن إقبالَه بالكلّية على ربه ،وإخلص القصد والرادة له ،وإقراره بالخضوع والذل
ى لِ َومَنِ ا ّت َبعَنِ .وذكر الوج َه إذ هو أشرفُ ما فى
جهِ َ
ل أَسَْل ْمتُ َو ْ
والنقياد ،قال تعالى { :فَإنْ حَاجّوكَ َفقُ ْ
جمَ ُع الحواس ،وأيضاً ففيه معنى التوجّهِ والقصدِ من قوله : النسان ،ومَ ْ
وتفويض المر إليه :ردّ ُه إلى ال سبحانه ،وذلك يُوجب سُكون القلب وطمأنينتَه ،والرّضى بما يقضيه ويختارُه
له مما يحبه ويرضاه ،والتفويضُ من أشرف مقامات العبودية ،ول عِلّة فيه ،وهو من مقامات الخاصة خلفاً
لزاعمى خلف ذلك .
ن مَن
ضمّنُ قو َة العتماد عليه ،والثقة به ،والسكونَ إليه ،والتوكلَ عليه ،فإ ّ
وإلجاءُ الظّهر إليه سبحانه :يَت َ
ط.ق ،لم يخف السقو َ أسند ظهره إلى ركن وثي ٍ
ولـمّا كان للقلب قوّتان :قوة الطلب ،وهى الرغبة ،وقوة الهرب ،وهى الرهبة ،وكان العبد طالباً لمصالحه ،
هارباً من مضارّه ،جمع المرين فى هذا التفويض والتوجّه ،فقال (( :رغبةً ورهبةً إليك)) .
جيَه من نفسه ، ثم أثنى على ربه ،بأنه ل مَلجأ للعبد سواه ،ول منجا له منه غيره ،فهو الذى يلجأ إليه العب ُد ليُن ِ
ك من عُقُو َب ِتكَ ،وأعوذُ ِبكَ ِم ْنكَ)) ،فهو سبحانه ك ،وب ُمعَافَا ِت َطَ ك مِن سَخَ ِ كما فى الحديث الخر (( :أَعُوذُ بِ ِرضَا َ
الذى يُعيذ عبدَه ويُنجيه من بأسه الذى هو بمشيئته وقُدرته ،فمنه البلءُ ،ومنه العان ُة ،ومنه ما يُطلب النجاةُ
ب كلى مما منه ،ويُستعا ُذ به مما منه ،فهو ر ّ منه ،وإليه اللتجا ُء فى النجاة ،فهو الذى يُلجأ إليه فى أن يُنج َ
ل مَن ذَال هُوَ}[النعام { ،]17 :قُ ْ ف لَهُ إ ّ
ل كَاشِ َ
ضرّ فَ َ سكَ الُ بِ ُ شىء ،ول يكون شىء إل بمشيئته { :وَإن َيمْسَ ْ
حمَةً }[الحزاب ]17 : ن َأرَادَ ِبكُمْ سُوءًا َأوْ َأرَادَ ِبكُمْ رَ ْ
صمُكُم مّنَ الِ إ ْ
اّلذِى َيعْ ِ
ثُمّ ختم الدعاءَ بالقرار باليمان بكتابه ورسوله الذى هو مَلكُ النجاة ،والفوز فى الدنيا والخرة ،فهذا َه ْديُه فى
نومه .
فصل
فصل
(يتبع)...
@
وأمّا تدبيرُ الحركة والسكون ،وهو الرياضة ،فنذك ُر منها فصلً يُعلم منه مطابقةُ َه ْديِه فى ذلك لكملِ أنواعِه
وأحمدِها وأصوبِها ،فنقول :
من المعلوم افتقا ُر البدن فى بقائه إلى الغذاء والشراب ،ول يَصير الغذا ُء بجملته جزءاًمن البدن ،بل ل بد أن
ضرّ بكميتهيبقى منه عند كل هضم بقية ما ،إذا كثُرتْ على ممر الزمان اجتمع منها شىء له كمي ٌة وكيفية ،في ُ
س ِميّة ،ول
ل البدن ،ويُوجبَ أمراضَ الحتباس ،وإن استفرغ تأذّى البدن بالدوية ،لن أكثرها ُ بأن يسد ويُثق َ
تخلو من إخراج الصالح المنتفَع به ،ويضر بكيفيته ،بأن يسخن بنفسه ،أو بالعَفِن ،أو يبردُ بنفسه ،أو يضعف
الحرارة الغريزية عن إنضاجه .
غتْ ،والحركةُ أقوى السباب فى منع توّلدِها ،فإنها تُسخّن وسدد الفضلت ل محال َة ضار ٌة ،تُ ِركَتْ أو استُفرِ َ
العضاء ،وتُسيل فضلتِها ،فل تجتمعُ على طول الزمان ،وتُع ّودُ البدنَ الخف َة والنشاط ،وتجعلُه قابلً للغذاء ،
ت ،وتُؤمن جميعَ المراض المادية وأكثر المراض المِزاجية إذا وتُصلّب المفاصِل ،وتُقوّى الوتارَ والرباطا ِ
استُعمِلَ القد ُر المعتدل منها فى وقته ،وكان باقى التدبير صواباً .
ت الرياضة بعدَ انحدار الغذاء ،وكمال الهضم ،والرياض ُة المعتدلة هى التى تحم ّر فيها البَشْرة ،وتربُو ووق ُ
ت رياضتُه قَ ِوىَ ،وخصوصاً على و َيتَ َندّى بها البدنُ ،وأما التى يلزمُها سيلنُ العرق فمفرِط ٌة ،وأىّ عضو كثر ْ
ن مَن استكثَر من الحفظ قويتْ حافِظتُه ،ومَن استكث َر من الفكر ل قوة فهذا شأنُها ،فإ ّ
نوع تلك الرياضة ،بل ك ّ
ت قُ ّوتُه المفكّرة ،ولكل عضو رياضةٌ تخصّه ،فللصدرِ القراء ُة ،فليبتدئ فيها من الخِفية إلى الجهر قوي ْ
بتدريج ،ورياضةُ السمع بسمعِ الصوات ،والكلم بالتدريج ،فينتقل من الخف إلى الثقل ،وكذلك رياضةُ
اللّسان فى الكلم ،وكذلك رياض ُة البصر ،وكذلك رياضةُ المشى بالتدريج شيئاً فشيئاً .
ن الصلة نفسَها فيها من حِفظِ صحة البدن ،وإذابةِ أخلطه وفضلته ،ما هو من أنفع شىء له سوى ول َريْبَ أ ّ
ما فيها مِن حفظِ صحة اليمان ،وسعاد ِة الدنيا والخرة ،وكذلك قيامُ الليل مِن أنفع أسباب حفظ الصحة ،ومن
أمنع الُمور لكثير من المراض المزمنة ،ومن أنشط شىء للبدن والروح والقلب ،كما فى ((الصحيحين)) عن
ع َقدٍ ،يَضربُ ث ُ حدِكُم إذا هو نامَ ثل َ سأَشيْطَانُ على قا ِفيَةِ رأ ِ
النبى صلى ال عليه وسلم ،أنه قال (( :يَع ِقدُ ال ّ
ت عُ ْقدَةٌ
ن تَوَضَّأ ،انحلّ ْ
ع ْقدَةٌ ،فإ ْ
ل ،فار ُقدْ ،فإنْ هو استيقَظ ،فذكَرَ الَ انحلّتْ ُ ل عُ ْقدَةٍ :عََل ْيكَ َليْلٌ طوي ٌ
على كُ ّ
س كَسْلنَ)) . خبِيثَ النّفْ ِ
صبَحَ َع ْقدُهُ كُّلهَا ،فأصبحَ نشيطاً طَـيّبَ الن ْفسِ ،وإلّ أ ْ
ثانيةٌ ،فإنْ صَلّى انحلّتْ ُ
وفى الصوم الشرعى من أسبابِ حفظ الصحة ورياضةِ البدن والنفس ما ل يدفعُه صحيحُ الفطرة .
وأما الجهادُ وما فيه من الحركات الكلية التى هى من أعظم أسباب القوة ،وحفظ الصحة ،وصلب ِة القلب والبدن
ج ،وفعلُ ،ودفعِ فضلتهما ،وزوالِ الهم والغم والحزن ،فأمر إنّما يعرفه مَن له منه نصيبٌ ،وكذلك الح ّ
المناسك ،وكذلك المسابق ُة على الخيل ،وبالنّصال ،والمشىُ فى الحوائج ،وإلى الخوان ،وقضاءُ حقوقهم ،
جمُعات والجماعات ،وحركةُ الوضوء وعيادة مرضاهم ،وتشييعُ جنائزهم ،والمشىُ إلى المساجد لل ُ
والغتسال ،وغير ذلك .
ظ الصحة ،ودفع الفضلت ،وأما ما شُرع له من التوصّل به إلى وهذا أقلّ ما فيه الرياضةُ المعينة على حف ِ
خيرات الدنيا والخرة ،ودفع شرورهما ،فأمرٌ وراء ذلك .
ب البدان والقلوب ،وحفظِ صحتها ،ودفع أسقامهما ،ول مزيدَ على ذلك
ن َه ْديَه فوق كل َهدْىٍ فى ط ّ
فعلمتَ أ ّ
لمن قد أحضر رشده ..وبال التوفيق .
فصل
الثانى :إخراجُ الماء الذى يضر احتباسُه واحتقانُه بجملة البدن .
ل هناك
الثالث :قضاءُ الوَطر ،ونيلُ اللّذة ،والتمتعُ بالنعمة ،وهذه وحدَها هى الفائدةُ التى فى الجنّة ،إذ ل تناسُ َ
ل. ،ول احتقانَ يستفرِغُه النزا ُ
جمَاع من أحد أسـباب حفظ الصحة .قال ((جالينوسُ)) :الغالبُ على جوهر ن ال ِ
وفضـلءُ الطباء :يرون أ ّ
ى النّا ُر والهوا ُء ،ومِزاجُه حار رطب ،لن كونه من الدم الصافى الذى تغتذى به العضاءُ الصلية ،وإذا ال َمنِ ّ
ثبت فضلُ ال َمنِىّ ،فاعلم أنه ل ينبغى إخراجُه إل فى طلب النسل ،أو إخراجُ المحتقن منه ،فإنه إذا دام
س والجنون ،والصّرْع ،وغي ُر ذلك ،وقد يُبرئ استعمالُه مناحتقانُه ،أحدث أمراضًا رديئة ،منها :الوسوا ُ
سمّية تُوجب أمراضًا رديئة كما ذكرنا ، هذه المراض كثيراً ،فإنه إذا طال احتباسُه ،فسد واستحال إلى كيفية ُ
جمَاع .
ولذلك تدفعُه الطبيعةُ بالحتلم إذا كثر عندها من غير ِ
ى ،فإن احتاج إليه يوماً قدَر عليه ، وقال بعض السّلَف :ينبغى للرجل أن يتعاهد من نفسه ثلثًا :أن ل يدعَ المش َ
ح ،ذهب ماؤها . جمَاعَ ،فإن البئر إذا لم تُنز ْ
وينبغى أن ل يدَع الكل ،فإن أمعاءه تضيق ،وينبغى أن ل يدَع ال ِ
ت قُوى أعصابه ،وانسدّت مجاريها ،وتقلّص ذَكرُه جمَاعَ مدةً طويلة ،ضعف ْ وقال محمد بن زكريا :مَن ترك ال ِ
ت عليهم كآبةٌ بل
سرَتْ حركا ُتهُم ،ووقع ْ
ت أبدا ُنهُم ،وعَ ُ
.قال :ورأيتُ جماعة تركوه لنوع من التقشف ،فب ُردَ ْ
ت شهوا ُتهُم وهض ُمهُم ..انتهى .
سبب ،وقَلّ ْ
ل ذلك للمرأة ،فهو ينفعومن منافعه :غضّ البصر ،وكفّ النفس ،والقدر ُة على العِفّة عن الحرام ،وتحصي ُ
ب إلىّ مِن
حبّ َ
نفسه فى دنياه وأُخراه ،وينفع المرأة ،ولذلك كان صلى ال عليه وسلم يتعاهدُه ويُحبُه ،ويقول ُ (( :
دُ ْنيَاكُ ُم :النّسَاءُ والطّيبُ)) .
وفى كتاب ((الزهد)) للمام أحمد فى هذا الحديث زيادةٌ لطيفة ،وهى (( :أصبرُ عن الطعام والشراب ،ول
أصب ُر عنهنّ )) .
ل َممَ)) .
وحثّ على التزويج ُأمّته ،فقال (( :تَزَوّجوا ،فإنّى مُكاث ٌر ِبكُمُ ا ُ
عبُكَ)) .
ل ِبكْرًا تُلعِبُها وتُل ِ
ولما تزوج جابر ثيّبًا قال له (( :هَ ّ
وروى ابن ماجه فى ((سننه)) من حديث أنس بن مالك قال ،قال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم (( :مَن أراد
طهّرًا ،فَ ْل َيتَزَوّج الحَرَائِرَ)) .وفى ((سننه)) أيضاً من حديث ابن عباس يرفعه ،قال (( :لم
أنْ يَ ْلقَى الَ طاهرًا مُ َ
نَرَ لل ُمتَحا ّبيْن ِمثْلَ النّكاحِ)) .
ع،
وفى ((صحيح مسلم)) من حديث عبد ال بن عمر ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :الدّنيا َمتَا ٌ
خيْ ُر متاع الدّنْيا المرأ ُة الصّاِلحَةُ)) .
وَ
ت الدين ،وفى ((سنن النسائى)) عن وكان صلى ال عليه وسلم يُحرّض أُمته على نكاح البكار الحسان ،وذوا ِ
ل ال صلى ال عليه وسلم :أىّ النساءِ خير ؟ قال (( :التى تَسُرّهُ إذا نَظَ َر ،وتُطِيعُهُ أبى هريرةَ قال :سُئل رسو ُ
إذا َأمَ َر ،ول تُخَالِفُه فيما يَكَرَ ُه فى نفسِها ومالِهِ)) .
جمَالِها ،
سبِها ،ولِ َ
وفى ((الصحيحين)) عنه ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم ،قال (( :تُنكَحُ المرأةُ لمالِها ،وِلحَ َ
ت َيدَاكَ)) .
ت الدّين ،تَ ِربَ ْ
وِلدِي ِنهَا ،فاظْ َفرْ بذا ِ
وكان يَحثّ على نكاح الوَلُود َ ،ويَكرهُ المرأة التى ل تلد ،كما فى ((سنن أبى داودَ)) عن َمعْقِل بن يَسار ،أنّ
حسَبٍ وجمالٍ ،وإنّها لَ تَِلدُ ، ل جاء إلى النبىّ صلى ال عليه وسلم ،فقال :إنى أصَبتُ امرأ ًة ذاتَ َ رج ً
َأفََأتَزَوّجُها ؟ قال (( :ل)) ،ثم أتاه الثاني َة َ ،ف َنهَاه ،ثم أتاه الثالثةَ ،فقال (( :تَزَوّجُوا ال َودُودَ الوَلُو َد ،فإنّى ُمكَاثِرٌ
ِبكُمْ)) .
وممّا ينبغى تقد ُيمُه على الجِماع ملعبةُ المرأة ،وتقبيلُها ،ومصّ لِسانها ،وكان رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،يُلعبُ أهله ،ويُقَبلُها
ص لِسَانَها)) .
وروى أبو داود فى ((سننه)) :أنه صلى ال عليه وسلم ((كان يُقبّلُ عائش َة ،ويم ّ
عبَةِ)) .
ويُذكر عن جابر بن عبد ال قال َ (( :نهَى رسولُ ال صلى ال عليه وسلم عن المُواقع ِة قبلَ المُلَ َ
ل عند كل واحدة منهن ،فروى وكان صلى ال عليه وسلم ربما جامع نساءَه كُلّهن بغُسل واحد ،وربما اغتَسَ َ
سلٍ واحد .
ن النبىّ صلى ال عليه وسلم كان يَطوفُ على نسائه بغُ ْ مسلم فى (( صحيحه )) عن أنس أ ّ
وروى أبو داود فى ((سننه)) عن أبي رافع مولَى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،أنّ رسولَ ال صلى ال عليه
ت :يا رسول ال ؛ لو اغتسلتَ غُسلً
ل ،فقل ُ
ل عند كلّ امرأةٍ منهنّ غُس ًوسلم طاف على نسائه فى ليلة ،فاغتَسَ َ
طيَبُ)) .
طهَرُ وأ ْ
واحدًا ،فقال (( :هذا أزكى وأ ْ
طهْر
ب النفس ،وإخلفِ بعض ما تحلّل بالجِماع ،وكمالِ ال ُ سلِ والوضوء بعد الوطء من النشاطِ ،وطي ِ وفى الغُ ْ
ل النظافة التى يُحبها ال ،والنظافة ،واجتماع الحار الغريزى إلى داخل البدن بعد انتشاره بالجِماع ،وحصو ِ
ويُبغض خلفها ما هو مِن أحسن التدبير فى الجِماع ،وحفظ الصحة والقُوَى فيه .
فصل
وأنف ُع الجِماع :ما حصلَ بعد الهضم ،وعند اعتدال البدن فى حرّه وبرده ،ويُبوسته ورطوبته ،وخَلئه
ل وأقل من ضرره عند خُلوّه ،وكذلك ضررُه عند كثرة الرطوبة أقلّ وامتلئه َ .وضَرَرُه عند امتلء البدن أسه ُ
منه عند اليبوسة ،وعند حرارته أقلّ منه عند برودته ،وإنما ينبغى أن يُجامِعَ إذا اشتدتْ الشهو ُة ،وحصَلَ
النتشا ُر التام الذى ليس عن تكلّفٍ ،ول فكرٍ فى صورة ،ول نظ ٍر متتابع .
ل التعلّق بينها وبين مُجامعها ،وامتلءِ قلبها من محبته ،وعدم تقسيم هواها وفى جِماع البِكر من الخاصّية وكما ِ
ت بِكراً )) ،وقد ل تَزوّج َ
بينه وبين غيره ،ما ليس لل َثيّب .وقد قال النبىّ صلى ال عليه وسلم لجابر (( :ه ّ
ن له ،من أهل جعِلْ َ
ط ِم ْثهُنّ أحدٌ قبلَ مَن ُ
جعل ال سبحانه من كمالِ نساء أهل الجنّة من الحُور العين ،أنّهن لم يَ ْ
ت بشجرةٍ قد أُ ْرتِعَ فيها ،وشجرةٍ لم يُ ْرتَعْ فيها ، الجنّة .وقالت عائش ُة للنبىّ صلى ال عليه وسلم :أرأيْتَ لو مَ َررْ َ
ففى أيّهما كنتَ تُرتِ ُع بعيرَك ؟ قال (( :فى التى لم يُ ْرتَعْ فيها )) .تريد أنه لم يأخذ بكرًا غيرَها .
ل الجِماع أن يعلوَ الرجلُ المرأ َة ،مُستفرِشًا لها بعدَ المُلعبة والقُبلة ،وبهذا سُميت المرأة فِراشاً ،
وأحسنُ أشكا ِ
كما قال صلى ال عليه وسلم (( :الوَلدُ لِلفِراش )) ،وهذا من تمام قَوّامية الرجل على المرأة ،كما قال تعالى :
ن عَلَى النّسَاءِ} [النساء ، ]34 :وكما قيل : ل قَوّامُو َ
{الرّجَا ُ
وفيه وجه آخ ُر ،وهو أنها تَنعطِفُ عليه أحياناً ،فتكونُ عليه كاللّباس ،قال الشاعر :
ت عََليْهِ ِلبَاسَا
ت َفكَانَ ْ
إذَا مَا الضّجِي ُع ثَنَى جِيدَها َتثَنّ ْ
وأردأُ أشكاله أن تعلُوَهُ المرأ ُة ،ويُجا ِمعَها على ظهره ،وهو خلفُ الشكل الطبيعى الذى طبع ال عليه الرجل
ن ال َمنِىّ يتعسّرُ خروجُه كلّه ،فربما بقى فى العضو منه
ع الذكر والُنثى ،وفيه من المفاسد ،أ ّ
والمرأة ،بل نو َ
ن ويفسد ،فيضر . فيتعف ُ
وأيضاً :فإنّ الرّحِم ل يتمكن من الشتمال على الماء واجتماعِهِ فيه ،وانضمامِهِ عليه ل َتخْلِيقِ الولد .
ل بها طبعاً وشرعاً ،وإذا كانت فاعلة خالفتْ مقتضى الطبع والشرع .
وأيضاً :فإنّ المرأة مفعو ٌ
جّببَة )) :ال ُم ْن َكبّة على وجهها ،و((الصمام الواحد)) :ال َفرْج ،وهو موضع الح ْرثِ والولد .
و(( المُ َ
ى من النبياء ،ومَن نسب إلى بعض السّلَف إباحة وطء الزوجة فى
وأما الدّبرُ :فلم ُيبَحْ قَطّ على لسان نب ّ
دُبُرها ،فقد غلط عليه .
وفى لفظ لحمد وابن ماجه (( :ل َينْظُرُ الُ إلى َرجُلٍ جَامَعَ امرأتَه فى ُدبُرِها)).
وفى (( مصنّف وكِيع )) :حدثنى زمْعة بن صالح ،عن ابن طاووس ،عن أبيه ،عن عمرو بن دينار ،عن
عبد ال بن يَزيد ؛ قال :قال عمر بن الخطاب رضى ال عنه :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :إنّ الَ
ن )) .
ن )) ،وقال مَرّة (( :فى أدبارِهِ ّ
ق ،ل تأتُوا النّسَاءَ فى أعجازِهِ ّ
ستَحْيى من الح ّ
ل يَ ْ
طلْق ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :ل تأتوا النّسَاءَ فى
وفى (( الترمذى )) :عن على بن َ
ق )) .
ن ،فإن ال ل يستحى من الح ّ
أعجازِهِ ّ
ى ،قال :حدّثنا محمد بن عدِى :من حديثه عن المحامِلى ،عن سعيد بن يحيى المو ّ وفى (( الكامل )) لبن َ
ن ))
حمزَ َة ،عن زيد بن رَفيع ،عن أبى عُبيدة ،عن عبد ال بن مسعود يرفعه (( :ل تأتوا النّسَاءَ فى أعْجَازِهِ ّ
.
ى ،عن أبى ذرّ مرفوعًا (( :مَنْ أتى الرّجَال والنّسَاءَ فى أ ْدبَارِهنّ ،
وروينا فى حديث الحسن بن على الجوهر ّ
فقد َكفَ َر )) .
حيُوا
ستَ ْ
وروى إسماعيل بن عيّاش ،عن سُهيل بن أبى صالح ،عن محمد ابن ال ُم ْنكَدِر ،عن جابر يرفعه (( :ا ْ
ن )) .شهِ ّ
ق ،ل ت ْأتُوا النّسَاءَ فى حُشُو ِ
ستَحيى مِنَ الح ّ
مِنَ ال ،فإنّ الَ ل يَ ْ
حدّثنى
سئِل قتادة عن الذى يأتى امرأته فى ُدبُرِها ؛ فقال َ :
وقال البغوىّ :حدثنا ُه ْدبَةُ ،حدثنا همّام ،قال ُ :
صغْرى )) .طيّةُ ال ّ
شعَيب ،عن أبيه ،عن جده ،أنّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم قال (( :تلك اللّو ِ عمرو بن ُ
شعَيب ،
وقال أحمد فى (( مسنده )) :حدّثنا عبد الرحمن ،قال :حدّثنا همّام ،أُخبِرنا عن قتادَ َة ،عن عمرو بن ُ
عن أبيه ،عن جده ،فذكره .
وفى (( المسند )) أيضًا :عن ابن عباس ،قال :جاء عم ُر بنُ الخطاب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،
ت .فقال (( :وما الذى أهل َككَ )) ؟ قال :حَوّ ْلتُ رَحْلى البا ِرحَةَ ،قال :فلم يَ ُردّ عليه فقال :يا رسول ال :هلك ُ
ش ْئتُمْ} [البقرةَ ]223 :أ ْقبِلْ وَأ ْدبِرْ ،واتّقِ
شيئًا ،فأوحى ال إلى رسوله{ :نِسَا ُءكُمْ حَ ْرثٌ ّل ُكمْ َف ْأتُواْ حَ ْر َثكُ ْم َأنّى ِ
ح ْيضَةَ والدّبُ َر )) .
ال َ
وفى (( الترمذى )) :عن ابن عباس مرفوعًا (( :ل َينْظُرُ الُ إلى َرجُلٍ أتى رَجُلً أو امرأ ًة فى ال ّدبُ ِر )) .
وروينا من حديث أبى على الحسن بن الحسين بن دُومَا ،عن البَراء بن عازِب يرفعه (( :كَ َفرَ بالِ العظيم
سعَ ًة
جدَ َث ،وناكحُ المرأةِ فى ُدبُرِها ،ومانِعُ الزكا ِة ،ومَن وَ َ عشر ٌة من هذه الُمة :القاتِلُ ،والسّاحِ ُر ،وال ّديّو ُ
حرَمٍ
ب ،ومَن نكَح ذَاتَ مَ ْ ح من أهلِ الحر ِ خمْرِ ،والسّاعِى فى ال ِفتَنِ ،وبائعُ السّل ِ ب ال َج ،وشار ُ ت ولم يَحُ ّ
فما َ
منه )) .
وقال عبد ال بن وهب :حدّثنا عبد ال بن لَهيعةَ ،عن مِشرَح بن هاعانَ ،عن عقبةَ بن عامر ،أنّ رسولَ ال
ن )) ؛ يعنى :أ ْدبَارِهِنّ .
شهِ ّ
صلى ال عليه وسلم قال (( :مَ ْلعُونٌ مَن يأتى النّسَاءَ فى محا ّ
وفى (( مسند الحارث بن أبى أُسامة )) من حديث أبى هريرة ،وابن عباس قال :خطبنا رسولُ ال صلى ال
جلّ ،وعظنا فيها وقال (( :مَن عليه وسلم قبل وفاته ،وهى آخِرُ خُطب ٍة خطبها بالمدينة حتى لحق بال عَ ّز وَ َ
ص ِبيًّا ،حُشِ َر يَوْ َم القيامة ،وريحُ ُه أ ْنتَنُ مِنَ الجِيف ِة يتأذّى به النّاسُ حتى يَدْخُلَ
َنكَحَ امرأَ ًة فى ُدبُرِها أو رجلً أو َ
شدّ عليه مَسامي ُر من
ت من نارٍ ،ويُ َ ل أجرَ ُه ،ول يَ ْقبَلُ منه صَرْفاً ول عدلً ،و ُيدْخَلُ فى تابو ٍ حبَطَ ا ُ
النّار ،وأَ ْ
نارٍ)) ،قال أبو هريرة :هذا لمن لم يتب.
وقال الشافعي :أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع ،قال :أخبرني عبد ال بن علي بن السائب ،عن عمرو
بن أحيحة بن الجلح ،عن خزيمة بن ثابت ،أن رجل سأل النبي صلى ال عليه وسلم عن إتيان النساء في
ي الخُ ْر َبتَينِ ،أو في أي الخَ ْر َزتَينِ ،أو
أدبارهن ،فقال(( :حلل)) ،فلما ولى ،دعاه فقال (( :كيف قُلتَ ،في أ ّ
ستَحيِي مِنَ الحَق ،ل
ن ال ل يَ ْ
ن دُبُرِهاَ في ُدبُرِهَا ،فل ،إ ّ
ن أمنْ ُدبُرهَا في ُقبُلهَا ؟ َف َنعَم .أم مِ ْ
ص َفتَي ِ
ي الخَ ْ
في أ ّ
تأتوا النّساَء في أَدبارهِنّ)).
قال الربيع :فقيل للشافعي :فما تقول ؟ فقال :عمي ثقة ،وعبد ال بن علي ثقة ،وقد أثنى على النصاري خيراً
،يعني عمرو بن الجلح ،وخزيمة ممن ل يشك في ثقته ،فلست أرخص فيه ،بل انهي عنه.
قلت :ومن هاهنا نشأ الغلط على من نقل عنه الباحة من السلف والئمة ،فإنهم أباحوا أن يكون الدّبر طريقًا
إلى الوطء في الفرج ،فيطأ من الدبر ل في الدبر ،فاشتبه على السامع ((من)) بـ ((في)) ولم يظن بينهما فرقًا ،
فهذا الذي أباحه السلف والئمة ،فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه.
وقد دلت الية على تحريم الوطء في دُبرها من وجهين :أحدهما :أنه أباح إتيانها في الحرث ،وهو موضع
حيْثُ َأمَ َركُمُ ال} [البقرة:
ش الذي هو موضع الذى ،وموضع الحرث هو المراد من قوله { :مِنْ َ الولد ل في الحُ ّ
ش ْئتُمْ} [البقرة ]223 :وإتيانُها في قبلها مِن دبرها مستفادٌ من الية أيضا ،
]222الية قال َ { :ف ْأتُواْ حَ ْر َثكُ ْم َأنّى ِ
لنه قال :أنى شئتم ،أي :من أين شئتم من أمام أو من خلف .قال ابن عباس :فأتوا حرثكم ،يعني :الفرج .
ش الذي هو محل الذى اللزم مع وإذا كان ال حرّم الوطءَ في الفرج لجل الذى العارض ،فما الظنّ بالح ّ
زيادة المفسدة بالتعرض لنقطاع النسل والذريعة القريبة جداً من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان.
(يتبع)...
طرَها ،ول
@ وأيضًا :فللمرأة حق على الزوج في الوطء ،ووطؤها في دُبرها يفوّتُ حقها ،ول يقضي و َ
يُحَصّل مقصودها.
وأيضاً :فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل ،ولم يخلق له ،وإنما الذي هيئ له الفرج ،فالعادلون عنه إلى ال ّدبُر
خارجون عن حكمة ال وشرعه جميعاً .
وأيضاً :فإن ذلك مضر بالرجل ،ولهذا ينهي عنه عقل ُء الطباء منِ الفلسفة وغيرهم ،لن للفرج خاصية في
اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه والوط ُء فى ال ّدبُر ل يعين على اجتذاب جميع الماء ،ول يخرج كلّ
المحتقن لمخالفته للمر الطبيعى .
وأيضاً :يضر من وجه آخَر ،وهو إحواجُه إلى حركات متعبةٍ جدًا لمخالفته للطبيعة .
وأيضاً :فإنه يضرّ بالمرأة جدًا ،لنه واردٌ غريب بعيدٌ عن الطباع ،مُنافر لها غايةَ المنافرة .
س ّودُ الوجه ،ويُظلم الصدر ،ويَطمِسُ نور القلب ،ويكسو الوجه وحش ًة تصير عليه كالسّيماء
وأيضاً :فإنه يُ َ
يع ِرفُها مَن له أدنى فراسة .
وأيضاً :فإنه يُوجب النّفرة والتباغض الشديد ،والتقاطع بين الفاعل والمفعول ،ول بُ ّد .
وأيضاً :فإنه يُفسد حال الفاعل والمفعول فسادًا ل يكادُ يُرجَى بعده صلح ،إل أن يشاءَ ال بالتوبة النصوح .
ضدّها .كما يُذهب بالمَ َودّة بينهما ،ويُبدلهما بها تباغضاً
ب بالمحاسن منهما ،ويكسوهما ِ
وأيضاً :فإنه يُذه ُ
وتلعُناً .
وأيضاً :فإنه من أكبر أسباب زوال ال ِنعَم ،وحُلول النِقَم ،فإنه يوجب اللّعنةَ والمقتَ من ال ،وإعراضه عن
فاعله ،وعدم نظره إليه ،فأىّ خير يرجوه بعد هذا ،وأىّ شر يأمنُه ،وكيف حياة عبد قد حلّتْ عليه لعنة ال
ومقته ،وأعرض عنه بوجهه ،ولم ينظر إليه .
وأيضاً :فإنه يُذهب بالحياءِ جمل ًة ،والحياءُ هو حياة القلوب ،فإذا فقدها القلبُ ،استحسَن القبيح ،واستقبحَ
الحسن ،وحينئذٍ فقد استَحكَم فسادُه .
ن عن طبعه إلى طبع لم يُركّب ال عليه شيئًا من وأيضاً :فإنهُ يُحيل الطباعَ عما َر ّكبَها ال ،ويُخرج النسا َ
الحيوان ،بل هو طبع منكوس ،وإذا ُنكِسَ الطبعُ انتكس القلب ،والعمل ،والهدى ،فيستطيبُ حينئذٍ الخبيثَ من
العمال والهيئات ،ويفسد حاله وعملُه وكلمه بغير اختياره .
وأيضاً :فإنه يُورث مِنَ المهانة والسّفال والحقَارة ما ل يورثه غيره .
وأيضاً :فإنه يكسو العبدَ مِن حُلّة المقت والبغضاء ،وازدراءِ الناس له ،واحتقارِهم إيّاه ،واستصغارِهم له ما
ك الدنيا
س ،فصلة ال وسلمه على مَن سعاد ُة الدنيا والخرة فى َهدْيِه واتباعِ ما جاء به ،وهل ُ هو مشا َهدٌ بالح ّ
والخرة فى مخالفة َه ْديِه وما جاء به .
فصل
ب بعضُها أشدّ من بعض .والتحري ُم العارض منه أخفّ من اللزم ، فالضار شرعًا :المحرّم ،وهو مرات ُ
كتحريم الحرام ،والصيام ،والعتكاف ،وتحريم المُظاهِ ِر منها قبل التكفير ،وتحريمِ وطء الحائض ...ونحو
جمَاع .
ذلك ،ولهذا ل ح ّد فى هذا ال ِ
ق لِ ،وحقّ للزوج
حقّان :ح ّ
ل ،كالجنبية ،فإن كانت ذاتَ زوج ،ففى وطئها َوالثانى :ما يمكن أن يكون حل ً
ب يلحقهم العارُ بذلك صار فيه أربعةُ حقوق ،
.فإن كانت مُكرَهة ،ففيه ثلثةُ حقوق ،وإن كان لها أهل وأقار ُ
ضرّةُ هذا النوع بحسب درجاته فى التحريم .
فإن كانت ذات َمحْرَم منه ،صار فيه خمسةُ حقوق .فمَ َ
وأما الضار طبعًا ،فنوعان أيضًا :نوعٌ ضار بكيفيته كما تقدّم ،ونوعٌ ضار بكميته كالكثار منه ،فإنه يُسقط
القُوّة ،ويُضر بالعصب ،ويُحدث الرّعش َة ،والفالج ،والتشنج ،ويُضعف البصر وسائ َر القُوَى ،ويُطفئُ
ى ،ويجعلها مستعدة للفضلت المؤذية . الحرارةَ الغريزية ،ويُوسع المجار َ
ن معتدلٍ ل على جوع ،فإنه يُضعف الحار وأنفعُ أوقاته ،ما كان بعد انهضام الغذاء فى ال َمعِدَة وفى زما ٍ
الغريزى ،ول على شبع ،فإنه يُوجب أمراضًا شديدةً ،ول على تعب ،ول إثْ َر حمّام ،ول استفراغٍ ،ول
انفعالٍ نفسانى كالغمّ والهمّ والحزنِ وشدةِ الفرح .
وأجودُ أوقاته بعد َهزِيع من الليل إذا صادف انهضا َم الطعام ،ثم يغتسل أو يتوضأ ،وينا ُم عليه ،وينا ُم عقبه ،
َفتَراجَ ُع إليه قواه ،وليحذ ِر الحركة والرياضة عقبه ،فإنها مضرة جدًا .
فصل
فى َهدْيه صلى ال عليه وسلم فى عِلج العشق
ف لسائر المراض فى ذاته وأسبابه وعِلجه ،وإذا تمكّنَ واستحكم ،ع ّز ض من أمراض القلب ،مخال ٌ هذا مر ٌ
ل سبحانه فى كتابه عن طائفتين من الناس :من النّسَاء ، ل داؤُه ،وإنّما حكاه ا ُ على الطباء دواؤه ،وأعيا العلي َ
ف ،وحكاه عن قوم لوط ،فقال تعالى إخباراً وعشاقِ الصبيان المُرْدان ،فحكاه عن امرأة العزيز فى شأن يوس َ
ل تَ ْفضَحُونِ * وَاتّقُواْ ن هَؤُل ِء ضيفىَ فَ َ لإّ ن * قَا َ
س َتبْشِرُو َ
عنهم لـمّا جاءت الملئكةُ لوطًا َ { :وجَاءَ أَ ْهلُ ا ْلمَدِينَةِ يَ ْ
سكْ َر ِتهِمْ
ك إ ّنهُمْ َلفِى َ
ل هَؤُل ِء َبنَاتِى إن ُك ْنتُمْ فَاعِلِينَ * َل َعمْ ُر َ خزُونِ * قَالُو ْا أَ َو َلمْ َن ْن َهكَ عَنِ ا ْلعَاَلمِينَ *قَا َل َولَ تُ ْ
ا َ
َيعْ َمهُونَ}[الحجر . ]73-68 :
ى به فى شأن زينب بنت جَحْش ، ق قدره أنه ابتُلِ َ ض مَن لم يقدرسولَ ال صلى ال عليه وسلم ح ّ وأمّا ما زعمه بع ُ
سكْها)) حتى أنزل ن مُقَلّبِ القُلُوبِ)) .وأخذتْ بقلبه ،وجعل يقول لزيد بن حارث َة (( :أمْ ِ وأنه رآها فقال (( :سُبحا َ
سكَ مَا الُ خفِى فِى نَ ْف ِ جكَ وَاتّقِ الَ َوتُ ْ ك عََل ْيكَ زَ ْو َ س ْت عََليْهِ َأمْ ِ
ل عََليْهِ وََأ ْن َعمْ َ
ل لِّلذِى َأ ْنعَمَ ا ُ
ال عليه { :وَإذْ تَقُو ُ
ن ذلك فى شأن العشق ،وصنّف ق أَن تَخْشَاهُ}[الحزاب ، ]37 :فظنّ هذا الزاعمُ أ ّ خشَى النّاسَ وَالُ َأحَ ّ ُمبْدِيهِ َوتَ ْ
ل هذا القائل بالقرآن بعضهم كتاباً فى العشق ،وذكر فيه عشق النبياء ،وذكر هذه الواقعة ،وهذا من جه ِ
وبالرّسُل ،وتحمِيلهِ كلمَ ال ما ل يحتمِلُه ،ونسبتِه رسولَ ال صلى ال عليه وسلم إلى ما برّأَه ال منه ،فإنّ
ل ال صلى ال عليه وسلم قد تبنّاه ،وكان يُدعى ((زيد ت زيدِ بن حارث َة ،وكان رسو ُ زينبَ بنت جحش كانت تح َ
بن محمد)) ،وكانت زينبُ فيها شَممٌ وترفّع عليه ،فشاور رسولَ ال صلى ال عليه وسلم فى طلقها ،فقال له
ق ال)) ،وأخفى فى نفسه أن يتزوّجَها إن طلّقها ك واتّ ِ جَ سكْ عليكَ زو َ رسولُ ال صلى ال عليه وسلم َ(( :أمْ ِ
زيد ،وكان يخشى من قالةِ الناس أنه تزوّج امرأة ابنه ،لن زيداً كان يُدعى ابنَه ،فهذا هو الذى أخفاه فى
نفسه ،وهذه هى الخشية من الناس التى وقعت له ،ولهذا ذكر سبحانه هذه الية ُيعَ ّددُ فيها نعمه عليه ل يُعاتبه
حلّه لهل أحق أن يخشاه ،فل يتحرّج ما أ َ نا َ ل ال له ،وأ ّ س فيما أح ّ فيها ،وأعلمه أنه ل ينبغى له أن يخشى النا َ
ى ُأ ّمتُه به فى ذلك ،ويتزوج لجل قول الناس ،ثم أخبره أنه سبحانه زوّجه إيّاها بعد قضاء زيدٌ وطرَه منها لتقتد َ
ل َأ ْبنَا ِئكُمُ اّلذِينَ مِنْ
لئِ ُ
الرجل بامرأ ِة ابنه من التبنّى ،ل امرأ ِة ابنه ِلصُلبه ،ولهذا قال فى آية التحريم { :وَحَ َ
حدٍ مّن رّجَاِلكُمْ}[الحزاب ، ]40 :وقال فى ح ّمدٌ َأبَا أَ َ
ل ِبكُمْ}[النساء ، ]23:وقال فى هذه السورة { :مَا كَانَ مُ َ أَصْ َ
ب عن رسول ال ل هذا الذ ّ ل َأدْعِيَا َءكُ ْم َأ ْبنَا َءكُ ْم ،ذَِلكُ ْم قَوُْلكُم بَِأفْوَا ِه ُكمْ} [الحزاب ، ]4 :فتأمّ ْ جعَ َ أولها َ { :ومَا َ
صلى ال عليه وسلم ،و َدفْع طعنِ الطاعنين عنه ،وبال التوفيق .
ب نساءه ،وكان أحبّهن إليه عائشةُ رضى ال عنها ،ولم تكن تبلُغُ نعم ..كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ُيحِ ّ
خذْتُ
ت ُمتّخِذاً من أهل الرض خليلً لتّ َ
محبتُه لها ول لحد سِوَى ربه نهايةَ الحب ،بل صح أنه قال (( :لو كن ُ
حمَن)) .
ح َبكُم خَلِيلُ الرّ ْ
أبا بكرٍ خليلً)) ،وفى لفظ (( :وإنّ صَا ِ
فصل
صوَر إنما تُبتلى به القلوبُ الفارغة مِن محبة ال تعالى ،ال ُمعْرِضةُ عنه ،المتعوّض ُة بغيره عنه ،فإذا وعشقُ ال ّ
امتلَ القلبُ من محبة ال والشوق إلى لقائه ،دفَع ذلك عنه مرضَ عشق الصور ،ولهذا قال تعالى فى حقّ
عبَا ِدنَا ا ْلمُخَْلصِينَ}[يوسف ، ]24 :فدلّ على أن
عنْهُ السّوءَ وَالْ َفحْشَا َء ،إنّ ُه مِنْ ِ
ف َ
ك ِلنَصْرِ َ
يوسف { :كَذَِل َ
ب عليه من السوء والفحشاء التى هى ثمرتُه ونتيجتُه ،فصرفُ المسبب ب لدفع العشق وما يترتّ ُ الخلص سب ٌ
ف لسببه ،ولهذا قال بعضُ السّلَف :العشقُ حركة قلب فارغ ،يعنى فارغاً مما سوى معشوقه .قال تعالى : صر ٌ
صبَحَ فُؤَا ُد أُ ّم مُوسَى فَارِغاً}[القصص ،]11 :إن كَادَتْ َلتُ ْبدِى بِ ِه أى :فارغاً من كل شىء إل من موسى {وََأ ْ
ط محبتها له ،وتعلّقِ قلبها به لفر ِ
ق،
والعشق مُ َركّب من أمرين :استحسانٍ للمعشوق ،وطمع فى الوصول إليه ،فمتى انتفى أحدهُما انتفى العش ُ
ت عِلّ ُة العشق على كثير من العقلء ،وتكلم فيها بعضهم بكلم يُرغَب عن ذكره إلى الصواب . وقد أعي ْ
جلّ فى خلقه وأمره على وقوع التناسب والتآلف بين الشباه ،وانجذا ِ
ب فنقول :قد استقرت حكمة ال عَزّ و َ
الشىء إلى مُوافقه ومجانسه بالطبعِ ،وهُروبه من مخالفه ،ونُفرته عنه بالطبع ،فسِ ّر التمازج والتصال فى
ق ،وسِ ّر التباين والنفصال ،إنما هو بعدم التشاكل ل ،والتواف ُ العالم العُلوى والسّفلى ،إنما هو التناسبُ والتشاك ُ
ضدّ عن ضده هارب ،وعنه ل إلى مثلِه مائلٌ ،وإليه صائرٌ ،وال ّ والتناسب ،وعلى ذلك قام الخلق والمر ،فالمِثْ ُ
سكُنَ إَل ْيهَا} [العراف ،]189 :
جهَا ِليَ ْ
ل ِمنْهَا َزوْ َ
جعَ َ
حدَ ٍة وَ َ
خلَ َقكُم مّن نّ ْفسٍ وَا ِ
ناف ٌر ،وقد قال تعالى { :هُوَ اّلذِى َ
فجعل سُبحانه عِلّةَ سكون الرّجل إلى امرأته كونَها مِن جنسه وجوهره ،فعِلّةُ السكون المذكور وهو الحب كونُها
منه ،فدل على أن العِلّة ليست بحُسن الصورة ،ول الموافقة فى القصد والرادة ،ول فى الخلق وال ُهدَى ،وإن
كانت هذه أيضاً من أسباب السكون والمحبة .
ف منها
جنّدةٌ ،فما تَعارَ َ
جنُودٌ مُ َ
ى صلى ال عليه وسلم أنه قال (( :الرْواحُ ُ وقد ثبت فى ((الصحيح)) عن النب ّ
ن امرأة بمكةَختََلفَ)) .وفى ((مسند المام أحمد)) وغيره فى سبب هذا الحديث :أ ّ ائْتلَف ،وما تَناكَرَ منها ا ْ
س ،فقال النبىّ صلى ال عليه وسلم : ك الناسَ ،فجاءت إلى المدينة ،فنزلتْ على امرأة تُضِحكُ النا َ كانت تُضِح ُ
ث.
جّندَةٌ)) ...الحدي َ
جنُودٌ مُ َ
((الرواحُ ُ
ق شريعته بين متماثلين أبداً ،ول تجم ُع بين ح ْكمُ مثله ،فل ُتفَرّ ُ
ت شريعتُه سُبحانه أنّ حُكم الشىء ُ
وقد استقر ْ
مضادّين ،ومَن ظنّ خِلف ذلك ،فإمّا لِقلّة علمه بالشريعة ،وإما لِتقصيره فى معرفة التماثُل والختلف ،وإمّا
لنسبته إلى شريعته ما لم يُنزلْ به سلطانًا ،بل يكونُ من آراء الرجال ،فبحكمتِه وعدلِه ظهر خَلقُه وشرعُه ،
وبالعدل والميزان قام الخلقُ والشرع ،وهو التسوي ُة بين المتمائَليْن ،والتفريق بين المختل َفيْن .
قال عمر بن الخطاب رضى ال عنه وبعدَه الما ُم أحمد رحمه ال :أزواجهم أشباهُهم ونُظراؤهم .
ل صاحب عملٍ بشكله ونظيره ،ف ُقرِن بين وقال تعالى { :وَإذَا النّفُوسُ ُزوّجَتْ}[التكوير ]7 :أى :قُرِن ك ّ
جنّة ،وقُرِن بين المتحابّين فى طاعة الشيطان فى الجحيم ،فالمرءُ مع مَن َأحَبّ شاء أو المتحابّين فى ال فى ال َ
حبّ المَر ُء قَوْمًا إلّ حُشِ َر َم َعهُم))
أبَى ،وفى ((مستدرك الحاكم)) وغيره عن النبى صلى ال عليه وسلم (( :ل يُ ِ
.
والمحبة أنواع متعددة ؛ فأفضلها وأجلّها :المحبةُ فى ال ول ؛ وهى تستل ِزمُ محب َة ما أحبّ الُ ،وتستلزِ ُم محبةَ
ال ورسوله .
ومنها :محبة التفاق فى طريق ٍة ،أو دين ،أو مذهب ،أو نِحْلة ،أو قرابة ،أو صناعة ،أو مرادٍ ما .
ومنها :محبةٌ ل َنيْل غرض من المحبوب ،إمّا مِن جاهه أو من ماله أو مِن تعليمه وإرشاده ،أو قضاء وطر
ن مَن َودّك لمر ،ولّى عنك عند انقضائه .
منه ،وهذه هى المحبة العَرَضية التى تزول بزوال مُوجِبها ،فإ ّ
فإن قيل :فإذا كان سببُ العشق ما ذكرتم من التصال والتناسب الروحانى ،فما بالُه ل يكون دائمًا مِنَ الطرَفين
ج الروحانى ،لكانت المحبةُ ل النفسى والمتزا َ ،بل تجدُه كثيراً من طرف العاشق وحده ،فلو كان سببُه التصا َ
مشتركة بينهما .
ف عنه مسبّبه لفوات شرط ،أو لوجود مانع ،وتخلّف المحبة من الجانب الخر ل
فالجواب :أنّ السبب قد يتخلّ ُ
بد أن يكون لحد ثلثة أسباب :
فصل
والمقصود :أنّ العشق لما كان مرضاً مِن المراض ،كان قابلً للعلج ،وله أنواع مِن العِلج ،فإن كان مما
للعاشق سبيلٌ إلى وصل محبوبه شرعًا وقدْرًا ،فهو علجه ،كما ثبت فى
((الصحيحين)) من حديث ابن مسعود رضى ال عنه ،قال :قال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم (( :يا معشر
شبَاب ؛ مَن استطاع منكم الباء َة فلْيتزوّج ،ومَن لم يستطِ ْع فعليه بالصّوْم ،فإنّه له وِجَاءٌ)) .فدَل المحبّ على ال ّ
ل عنه إلى
علجين :أصلىّ ،وبدلىّ .وأمره بالصلى ،وهو العلج الذى وُضع لهذا الداء ،فل ينبغى العدو ُ
غيره ما وَجد إليه سبيلً .
وروى ابن ماجه فى ((سننه)) عن ابن عباس رضى ال عنهما ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه قال َ(( :ل ْم
نَرَ للمُتحا ّبيْنِ ِمثْلَ النّكاح)) .وهذا هو المعنى الذى أشار إليه سبحانه عقيب إحلل النساء حرائرِهن وإمائهن عند
ضعِيفاً}[النساء ]28 :فذكرُ تخفيفِه فى هذا الموضع ، ق النْسَانُ َ
عنْكُ ْم ،وَخُلِ َ
ف َ
خفّ َ
الحاجة بقوله { :يُرِيدُ الُ أَن يُ َ
وإخبارُه عن ضعف النسان يدل على ضعفه عن احتمال هذه الشهوة ،وأنه سبحانه خفّف عنه أمرها بما أباحه
ت يمينُه ،ثم أباح له أن يتزوّج بالماء إن
ع ،وأباح له ما شاء مما ملك ْ له من أطايب النساء مَثْنى وثُلثَ ورُبا َ
احتاج إلى ذلك علجًا لهذه الشهوة ،وتخفيفًا عن هذا الخُلق الضعيف ،ورحمةً به .
فصل
وإن كان ل سبيلَ للعاشق إلى وِصال معشوقه قدْراً أو شرعًا ،أو هو ممتنع علي ِه من الجهتين ،وهو الداء
ن النفسَ متى يئستْ من الشىء ،استراحت منه ،ولم تلتفت س منه ،فإ ّ العُضال ،فمِن علجه ،إشعارُ نفسه اليأ َ
ض العشق مع اليأس ،فقد انحرف الطبعُ انحرافًا شديداً ،فينتقل إلى عِلج آخ َر ،وهو إليه ،فإن لم يَزلْ مر ُ
ن تعلّق القلب بما ل مطمع فى حصوله نوعٌ من الجنون ،وصاحبه بمنزلة مَن يعشق علجُ عقله بأن يعلم بأ ّ
ن معها فى فلكها ،وهذا معدودٌ عند جميع العقلء فى زُمرة الشمس ،وروحُه متعلقة بالصعود إليها والدّوَرا ِ
المجانين .
وإن كان الوِصال متعذراً شرعاً ل قدراً ،فعِلجُه بأن يُنزله منزلة المتعذر قدرًا ،إذ ما لم يأذن فيه ال ،فعِلجُ
العبد ونجاتُه موقوف على اجتنابه ،فليُشعرْ نفسَه أنه معدوم ممتنع ل سبيلَ له إليه ،وأنه بمنزلة سائر
ب إليه ،المحالت ،فإن لم تُجبْه النّ ْفسُ المّارة ،فليتركْه لحد أمرين :إما خشية ،وإما فواتِ محبوب هو أح ّ
ن بين َنيْل محبوب سريع الزوال بفوات وأنفع له ،وخير له منه ،وأدْوَ ُم َلذّةً وسروراً ،فإن العاقل متى وازَ َ
ت ،فل تبعْ َلذّة البد التى ل خطرَ لها بلذّةمحبوب أعظمَ منه ،وأدو َم ،وأنفعَ ،وألذّ أو بالعكس ،ظهر له التفاو ُ
ساعة تنقلبُ آلمًا ،وحقيقتُها أنها أحلمُ نائم ،أو خيالٌ ل ثبات له ،فتذهبُ اللّذة ،وتبقى التبع ُة ،وتزولَ الشهوة
،وتبقَى الشّقوة .
الثانى :حصولُ مكروه أشقّ عليه مِن فوات هذا المحبوب ،بل يجتمع له المران ،أعنى :فوات ما هُو أح ّ
ب
إليه من هذا المحبوب ،وحصولُ ما هو أكر ُه إليه من فوات هذا المحبوب ،فإذا تيقّن أنّ فى إعطاء النفسِ حظّها
ل من صبره عليهما بكثير ، ن صبره على فوته أسه ُ من هذا المحبوب هذين المرين ،هان عليه تركُه ،ورأى أ ّ
فعقلُه ودينه ،ومروءته وإنسانيته ،تأمُره باحتمال الضرر اليسير الذى ينقِلبُ سريعًا لذّةً وسروراً وفرحاً لدفع
هذين الضررين العظيمين .وجَهلُه وهواه ،وظلمه وطيشه ،وخفته يأمره بإيثار هذا المحبوب العاجل بما فيه
جالبًا عليه ما جلب ،والمعصو ُم مَن عصمه ال .
فإن عجزت عنه هذه الدوية كلها لم يبق له إل صِدقُ اللجأ إلى مَن يُجيب المضطَر إذا دعاه ،وليطرح نفسه بين
ق لذلك ،فقد قرع باب التوفيق ،فل َيعِفّيديه على بابه ،مستغيثاً به ،متضرعاً ،متذللً ،مستكينًا ،فمتى ُوفّ َ
ب بذكر المحبوب ،ول يفضحْه بين الناس ويُعرّضه للذى ،فإنه يكون ظالماً متعديًا . شبّ ْ
وليكتُم ،ول يُ َ
ول يغترّ بالحديث الموضوع على رسول ال صلى ال عليه وسلم الذى رواه سُويد بن سعيد ،عن علىّ بن
مُسْه ٍر ،عن أبى يحيى ال َقتّات ،عن مجاهد ،عن ابن عباس رضى ال عنهما ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم ،
ورواه عن أبى مسهر أيضًا ،عن هشام بن عروةَ ،عن أبيه ،عن عائشة ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم ،
جشُون ،عن عبد العزيز بن أبى حازم ،عن ابن ورواه ال ّز َبيْر بن َبكّار ،عن عبد الملك ابن عبد العزيز بن الما ِ
شقَ
أبى نجيح ،عن مجاهد ،عن ابن عباس رضى ال عنهما ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه قال (( :مَنْ عَ ِ
ل لَهُ ،وأدخَلَ ُه الجنّة)) .
ن عَشِقَ وكتم وعفّ وصب َر ،غفر ا ُ ف ،فماتَ فهو شهيدٌ)) وفى رواية (( :مَ ْ ،فعَ ّ
ن الشهادة
ث ل يصِحّ عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ول يجوز أن يكونَ من كلمه ،فإ ّ ن هذا الحدي َ فإ ّ
حصُولها ،وهى نوعان : صدّيقية ،ولها أعمال وأحوال ،هى شرط فى ُ
درج ٌة عالية عند ال ،مقرون ٌة بدرجة ال ّ
عام ٌة وخاص ٌة .
ق واحداً منها .وكيف يكون العشقُ الذى هو شِ ْركٌ فى س مذكورة فى ((الصحيح)) ليس العش ُ والعامةُ خم ٌ
المحبة ،وفراغُ القلب عن ال ،وتمليكُ القلب والروح ،والحب لغيره تُنال به درج ُة الشهادة ،هذا من المحال ،
ق كل إفساد ،بل هو خمرُ الروح الذى يُسكرها ،ويصدّها عن ذكر ال وحبّه ، ن إفساد عشق الصور للقلب فو َ فإ ّ
ق ُلبّ
س به ،ويُوجب عبودية القلب لغيره ،فإنّ قلبَ العاشق ُمتَعّبدٌ لمعشوقه ،بل العش ُ
والتلذذِ بمناجاته ،والن ِ
العبودية ،فإنها كمال الذل ،والحب والخضوع والتعظيم ،فكيف يكون تعبّد القلب لغير ال مما تُنال به درجةُ
س ،كان غلطاً ووهمًا ،ول أفاضل الموحّدين وساداتهم ،وخواص الولياء ،فلو كان إسنادُ هذا الحديث كالشم ِ
يُحفظ عن رسول ال صلى ال عليه وسلم لفظُ العشق فى حديث صحيح ألبتة .
ل ،ومنه حرا ٌم ،فكيف يُظَن بالنبىّ صلى ال عليه وسلم أنه يحكم على كُلّ عاشقٍ يكتُم ثم إنّ العشق منه حل ٌ
و َيعِفّ بأنه شهيد ،فترَى مَن يعشق امرأةَ غيره ،أو يعشق المُرْدانَ والبغَايا ،يَنال بعشقه درج َة الشهداء ،وهل
ق مرض من المراض التى جعل ف المعلوم من دينه صلى ال عليه وسلم بالضرورة ؟ كيف والعش ُ هذا إل خل ُ
ستَحَبل سبحانه لها الدويةَ شرعاً وقدراً ،والتداوى منه إما واجب إن كان عشقاً حراماً ،وإما مُ ْ ا ُ
وأنت إذا تأملت المراضَ والفاتِ التى حكم رسول ال صلى ال عليه وسلم لصحابها بالشهادة ،وجدتها من
ق ،والغرِيقِ ،وموتِ المرأة يقتُلها
المراض التى ل علج لها ،كالمطعون ،والمَبْطُون ،والمجنون ،والحري ِ
ج لها ،وليست أسبابُها محرّمة ،ول يترتب ن هذه بليَا من ال ل صُنع للعبد فيها ،ول عِل َ ولدُها فى بطنها ،فإ ّ
ف هذا فى إبطال نسبة هذا الحديثِ إلى عليها مِن فساد القلب وتعبّده لغير ال ما يترتب على العشق ،فإن لم يك ِ
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقّلدْ أئمةَ الحديث العالمين به وبعلله ،فإنه ل يُحفظ عن إمام واحد منهم َقطّ أنه
شهد له بصحة ،بل ول بحُسن ،كيف وقد أنكروا على سُويدٍ هذا الحديث ،ورموه لجله بالعظائم ،واستحلّ
عدِىّ فى ((كامله)) :هذا الحديث أحدُ ما أُنكر على سُويد ،وكذلك قال بعضُهم غزوَه لجله .قال أبو أحمد بن َ
ال َبيْهقى :إنه مما أُنكر عليه ،وكذلك قال ابن طاهر فى ((الذخيرة)) وذكره الحاكم فى ((تاريخ نيسابور)) ،
وقال :أنا أتعجب من هذا الحديث ،فإنه لم يحدّث به عن غير سُويد ،وهو ثقة ،وذكره أبو الفرج بن الجوزى
ق يرفعه أ ّولً عن سُويد ،فعُوتب فيه ،فأسقط النبىّ صلى ال فى كتاب ((الموضوعات)) ،وكان أبو بكر الزر ُ
عليه وسلم وكان ل يُجاوِ ُز به ابنَ عباس رضى ال عنهما .
ل هذا الحديث من حديث هشام بن عروة ،عن أبيه ،عن عائشة رضى ال ومن المصائب التى ل تُحتمل جع ُ
ل أن
ل هذا البتة ،ول يحتمِ ُ
عنها ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم .ومَن له أدنى إلمام بالحديث وعلله ،ل يحتمِ ُ
يكونَ من حديث الماجشون ،عن ابن أبى حازم ،عن ابن أبى نَجيح ،عن مجاهد ،عن ابن عباس رضى ال
س سويدَ بن سعيد راوىَ هذا الحديث
عنهما مرفوعاً ،وفى صحته موقوفًا على ابن عباس نظ ٌر ،وقد رمى النا ُ
بالعظائم ،وأنكره عليه يحيى بن َمعِين وقال :هو ساقط كذّاب ،لو كان لى فرس ورمح كنت أغزوه ،وقال
المام أحمد :متروك الحديث .وقال النسائى :ليس بثقة ،وقال البخارى :كان قد عمىَ فيلقن ما ليس من حديثه
حبّان :يأتى بالمعضلت عن الثقات يجبُ مجانبةُ ما روى ..انتهى .
،وقال ابن ِ
وعِيبَ على مسلم إخراجُ حديثه ،وهذه حالُه ،ولكن مسلم روى من حديثه ما تابعه عليه غيرُه ،ولم ينف ِر ْد به ،
ولم يكن منكراً ول شاذاً بخلف هذا الحديث ..وال أعلم .
فصل
ح مطيةُ القُوَى ،والقُوَى تزداد بالطيب ،وهو ينفعُ الدماغَ لما كانت الرائحةُ الطيبة غذاءَ الروح ،والرو ُ
ح ،وهو أصدقُ شىء للروح ، ط الرو َ ح القلب ،و َيسُرّ النفس ويَبسُ ُ
والقلب ،وسائر العضاء الباطنية ،ويُفرّ ُ
طيّبين
وأشدّه ملءمةً لها ،وبينه وبين الروح الطيبة نِسب ٌة قريبة .كان أح َد المحبو َبيْن من الدنيا إلى أطيب ال َ
صلوات ال عليه وسلمه .
ب.
وفى (( صحيح البخارى )) :أنه صلى ال عليه وسلم كان ل يَ ُردّ الطّي َ
وفى ((سنن أبى داود)) و((النسائي)) ،عن أبى هرير َة رضى ال عنه ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم (( :مَن
طيّبُ الرّائِحَةِ)).
حمِلِ َ
خفِيفُ المَ ْ
ض عَلَيهِ طِيبٌ ،فَل يَ ُردّ ُه ،فَإنّهُ َ
عُرِ َ
ف يُحِبّ
ب ،نَظِي ٌ حبّ الطّي َ ب يُ ِ
طيّ ٌ
وفى ((مسند البزّار)) :عن النبيّ صلى ال عليه وسلم أنه قال (( :إنّ الَ َ
ج َمعُون الكُبّ
شّبهُوا بِال َيهُودِ يَ ْ
حبّ الجُو َد َ ،فنَظّفُوا أ ْفنَا َءكُم وسَاحَا ِتكُم ،ول تَ َ
حبّ الكَرَ َم ،جَوادٌ يُ ِ
النّظَافَ َة َ ،كرِيمٌ يُ ِ
فى دُورِهِمْ)) .الكُب :الزبالة .
س ِمنْهُ)).
ب أَنْ َيمَ ّ
ن لَهُ طِي ٌ
ن كَا َ
س ْبعَةِ أيّا ٍم ،وَإ ْ
ل فِى كُلّ َ
ن َيغْتَسِ َ
ل مُسْلِ ٍم أَ ْ
حقّا عَلَى كُ ّ
ن لِ َ
ح عنه أنه قال (( :إ ّ
وصَ ّ
ن الملئكة تُحبه ،والشياطين تنفِ ُر عنه ،وأحبّ شيءٍ إلى الشياطين الرائح ُة المنتنة
وفى الطيب من الخاصية ،أ ّ
حبّ الرائحة الخبيثة ،وكل روح تميل إلى ح الخبيثة تُ ِ
حبّ الرائحة الطيبة ،والروا ُح الطيبة تُ ِ
الكريهة ،فالروا ُ
ت للطيبين ،والطيبون للطيبات ،وهذا وإن كان ما يناسبها ،فالخبيثات للخبيثين ،والخبيثون للخبيثات ،والطيبا ُ
فى النساء والرجال ،فإنه يتناولُ العمالَ والقوالَ ،والمطاعم والمشارب ،والملبس والروائح ،إما بعموم
لفظه ،أو بعموم معناه .
وفى ((سنن ابن ماجه)) وغيره عن ابن عباس رضى ال عنهما قال :كانت للنبىّ صلى ال عليه وسلم ُمكْحُلَةٌ
عيْنٍ .
ل َ
ل مِنها ثلثًا فى كُ ّ
َيكْتَحِ ُ
وفى ((الترمذي)) :عن ابن عباس رضى ال عنهما ،قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا اكتحَلَ
يجعلُ فى اليمنَى ثلثاً ،يبتدىء بها ،ويختم بها ،وفى اليُسْرى ثنتين .
ت الشّعرَ)) .
وفى ((سنن ابن ماجه)) عن سالم ،عن أبيه يرفعه (( :عََل ْيكُم بال ْثمِ ِد ،فإنّ ُه يَجْلُو البَصَر ،و ُينْبِ ُ
وفى كتاب أبى نُعيم (( :فإنه َم ْنبَتَةٌ للشّعر ،مذهبة للقذَى ،مصْفاة للبصر)) .
وفى ((سنن ابن ماجه)) أيضًا :عن ابن عباس رضى ال عنهما يرفعه (( :خي ُر أكْحالِكم الثمد ،يجلُو البَصَ َر ،
ويُنبت الشّعرَ)) .
فصل
فى ذكر شىء من الدوية والغذية المفردة التى جاءت على لسانه صلى ال عليه وسلم مرتبة على حروف
المعجم
حرف الهمزة
إ ْثمِدٌ :هو حجر الكحل السود ،يُ ْؤتَى به من أصبِهانَ ،وهو أفضلُه ،ويؤتَى به من جهة المغرب أيضاً ،وأجودُه
س ليس فيه شىء من الوساخ. السريعُ التفتيتِ الذى لفُتاته بصيصٌ ،وداخلُه أمل ُ
ومزاجُه بارد يابس ينفعُ العين ويُقوّيها ،ويشد أعصابَها ،ويحفظُ صِحتها ،ويُذهب اللّحم الزائد فى القُروح
ويُدملها ،ويُنقّى أوساخها ،ويجلوها ،ويُذهب الصداع إذا اكتُحل به مع العسل المائى الرقيق ،وإذا دُقّ وخُِلطَ
شكَرِيشةٌ ،ونفع من التنفّط الحادث بسببه ،وهو ببعض الشحوم الطرية ،ولُطخ على حرق النار ،لم تعرض فيه خُ ْ
جعِ َل معه شى ٌء من المسك.
سيّما للمشايخ ،والذين قد ضعفت أبصارُهم إذا ُ أجود أكحال العين ل ِ
ُأتْرُج :ثبت فى ((الصحيح)) :عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه قالَ (( :مثَلُ المؤمن الذى يقرأ القرآن ،ك َمثَلِ
طيّبٌ)).
طيّبٌ ،وريحُها َ
لتْرُجّةِ ،ط ْعمُها َ
اُ
وفى الُترج منافع كثيرة ،وهو مركّب من أربعة أشياء :قشر ،ولحم ،وحمض ،وبزر ،ولكل واحد منها مِزاج
يخصّه ،فقشره حار يابس ،ولحمُه حار رطب ،وحمضُه بارد يابس ،وبزرُه حار يابس.
ب ال ّن ْكهَةَ إذا
ح فسادَ الهواء والوباء ،ويُطيّ ُ
ومن منافع قشره :أنه إذا جُعل فى الثياب منع السوسَ ،ورائحتُهُ تُصْلِ ُ
جعِلَ فى الطعام كالبازِير ،أعان على الهضم .قال صاحب ((القانون)): أمسكه فى الفم ،ويُحلّل الرياح ،وإذا ُ
ضمَادَاً ،وحُرَاقةُ قِشره طِل ٌء جيد للبَرَص ..انتهى. وعُصَارة قشره تنفع مِن نهْش الفاعى شرباً ،وقِشرُه ِ
وأمّا لحمه :فملطّف لحرارة ال َم ِعدَة ،نافعٌ لصحاب المِرّة الصفراء ،قامِعٌ للبخارات الحارة .وقال الغافِقىّ :أكل
لحمه ينفع البواسير ..انتهى.
وأمّا حمضُه :فقابضٌ كاسر للصفراء ،ومسكنٌ للخفقان الحار ،ناف ٌع من اليَ َرقَان شربًا واكتحالً ،قاط ٌع للقىء
سكّن غِ ْلمَ َة النساء،
الصفراوىُ ،مشَهّ للطعام ،عاقل للطبيعة ،نافع من السهال الصفراوى ،وعُصَارَ ُة حمضه يُ َ
وينفع طِلَ ًء من الكََلفِ ،ويُذهب بالقَوْباء ،ويُستدَل على ذلك مِن فعله فى الحِبر إذا وقَعَ فى الثياب قََلعَه ،وله قوةٌ
حدّة المِرّة الصفراء ،وتُزِيلُ الغ ّم العارض تُلطّف ،وتقطع ،وتبرد ،وتُطفئُ حرارة الكبد ،وتُقوّى ال َمعِدَة ،وتمنع ِ
منها ،وتسكن العطش.
ضبَ على قوم من الطباء ،فأمر بحبسهم ،وخيّرهم أُدماً ل يزيد لهم عليه ،فاختارُوا ن بعض الكاسرة غَ ِ و ُذكِرَ أ ّ
الترج ،فقيل لهمِ :لمَ اخترتموه على غيره ؟ فقالوا :لنه فى العاجل ريحانٌ ،ومنظره مفرح ،وقشرُه طيب
حمْضُه أُدم ،وحبّه تِرياق ،وفيه دُهنٌ.
الرائحة ،ولحمه فاكهة ،و َ
حبّ
شبّ َه به خلصةُ الوجود ،وهو المؤمن الذى يقرأ القرآن ،وكان بعضُ السّلَف يُ ِ
وحقيقٌ بشىء هذه منافعه أن يُ َ
النظر إليه لما فى منظره من التفريح.
ل ،لكان
أَ ُرزّ :فيه حديثان باطلن موضوعان على رسولِ ال صلى ال عليه وسلم ؛ أحدهما :أنه ((لو كان رج ً
حليماً)) ،الثانى (( :كُلّ شىء أخرجتْه الرضُ ففيه دا ٌء وشفا ٌء إل الَ ُرزّ :فإنه شفا ٌء ل داءَ فيه)) ذكرناهما
تنبيهاً وتحذيرًا من نسبتهما إليه صلى ال عليه وسلم .
ل المُؤمِنِ َمثَلُ
ى صلى ال عليه وسلم فى قولهَ (( :مثَ ُ صنَ ْوبَر .ذكره النب ّ أَ ْرزٌ بفتح الهمزة وسكون الراء :وهو ال ّ
ل قائمةً على ق َمثَلُ الَ ْرزَ ِة ل تَزَا ُ
ل ال ُمنَافِ ِ
الخامَةِ من الزرع ،تُفيئُها الرّياحُ ،تُقي ُمهَا َمرّةً ،وتُميُلهَا أُخْرى ،و َمثَ ُ
جعَافُها مَرّ ًة واحدةً)).ن انْ ِ
أصْلِها حتى يكو َ
حبّه حار رطب ،وفيه إنضاجٌ وتليين ،وتحليل ،ولذعٌ يَذهب بنقعه فى الماء ،وهو عَسِرُ الهضم ،وفيه تغذيةٌ وَ َ
ب الرّمان المُزّ.
كثيرةٌ ،وهو جيدٌ للسّعال ،ولتنقيةِ رطوبات الرّئة ،ويَزِيدُ فى ال َمنِىّ ،ويُوِلدُ مغصاً ،وتِ ْريَاقُه حَ ّ
إذْخِرٌ :ثبت فى ((الصحيح)) ،عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال فى مكةَ(( :ل يُختَلَى خَلَها)) ،قال له العباس
رضى ال عنه :إل الذْخِرَ يا رسولَ الِ؛ فإنه لِ َق ْينِهم ولبيوتِهِم ،فقال(( :إل الذْخِرَ)).
حرف الباء
سرُ
بِطّيخٌ :روى أبو داود والترمذىّ ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم ،أنه كان يأكل البِطيخَ بالرّطَبِ ،يقولَ (( :نكْ ِ
حَ ّر َهذَا ببَ ْردِ هذا ،و َب ْردَ هَذا بِحَ ّر هذا)).
ح منها شىء غي ُر هذا الحديث الواحد ،والمرادُ به الخضر ،وهو باردٌ رطب، وفى البِطّيخ عد ُة أحاديث ل يَصِ ّ
وفيه جِلءٌ ،وهو أسرعُ انحدارًا عن ال َمعِدَة من ال ِقثّاء والخيار ،وهو سري ُع الستحالة إلى أى خلط كان صادفه
فى ال َم ِعدَة ،وإذا كان آكَلُ ُه مَحْرُورًا انتفع به جداً ،وإن كان َمبْروداً دفع ضررُه بيسير من ال ّزنْجَبيل ونحوه،
غثّى وقيّأَ .وقال بعض الطباء :إنه قبل الطعام يَغسلُ البطن غسلً، وينبغى أكلُه قبل الطعام ،و ُيتْبَعُ به ،وإلّ َ
ويُذهب بالداء أصلً.
بَلَحٌ :روى النسائى وابن ماجه فى ((سننهما)) :من حديث هشام ابن عروةَ ،عن أبيه ،عن عائشةَ رضى ال عنها
ل البَلَحَ
ن إذا نظرَ إلى ابنِ آد َم يأكُ ُ
ح بال ّتمْرِ ،فإنّ الشيطا َ
قالت :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (( :كُلُوا البل َ
ث بال َعتِيق )).
ل الحَدي َ
ى ابنُ آدمَ حتى أكَ َ
بالتمْرِ يقولَُ :بقِ َ
قلت :الباءُ فى الحديث بمعنى (( مع ))؛ أى :كُلُوا هذا معَ هذا .قال بعض أطباء السلم :إنّما أمر النبىّ صلى ال
عليه وسلم بأكل البلح بالتمر ،ولم يأمُرْ بأكل البُسْر مع التمر ،لن البلحَ بارد يابس ،والتمرَ حار رطب ،ففى كُلّ
ن كُلّ واحد منهما حارٌ ،وإن كانت حرارةُ التمر أكثر ،ول منهما إصلحٌ للخر ،وليس كذلك البُسْر مع ال ّتمْرِ ،فإ ّ
ينبغى من جهة الطّبّ الجم ُع بين حارّين أو باردَين ،كما تقدّم.
وفى هذا الحديث :التنبيهُ على صحةِ أصل صناعة الطب ،ومراعا ِة التدبير الذى يصلُح فى دفع كيفيات الغذية
والدوية بعضِها ببعض ،ومراعا ِة القانون الطبى الذى تُحفظ به الصحة.
وفى البلح برودةٌ ويبوسةٌ ،وهو ينفع الفمَ والّلثَة وال َم ِعدَة ،وهو ردىءٌ للصدر والرّئة بالخشونة التى فيه ،بطى ٌء
صرِم لشجرة العنب ،وهما جميعاً يُولّدان رياحاً ،و َقرَاقِرَ ،ونفخاً ،ول فى ال َم ِعدَة يسي ُر التغذية ،وهو للنخلة كالحِ ْ
سيّما إذا شُرب عليهما الماء ،ودفعُ مضرتهما بال ّتمْر ،أو بالعسل والزّبد. ِ
ن أبا الهيثم بن ال ّتيْهان ،لما ضافه النبىّ صلى ال عليه وسلم وأبو بكر وعمر بُسْرٌ :ثبت فى ((الصحيح)) :أ ّ
ت لنا من رُطَبهِ)) فقال:
ق وهو من النخلة كال ُعنُقودِ من العنب فقال له(( :هلّ انت َقيْ َ رضى ال عنهما ،جاءهم بِعذْ ٍ
طبِهِ.
سرِهِ ورُ َ
ت أنْ َت ْنتَقُوا من بُ ْ
أحبب ُ
البُسْر :حار يابس ،ويُبسه أكثرُ من حرّه ،يُنشّفُ الرطوبةَ ،و َيدْبَ ُغ المعدة ،وَيحبِسُ البطن ،وينفع اللّثة والفم،
وأنفعه ما كان هشّاً وحُلواً ،وكثر ُة أكله وأكل البَلح يُحدث السّدد فى الحشاء.
ض الدّجاج على سائر بيض الطير ،وهو معتدل يميل إلى البرودة
ث على العتيق ،وبي ُ
يُختار من البيض الحدي ُ
قليلً.
قال صاحب ((القانون)) :ومُحّهُ :حار رطب ،يُولّد دماً صحيحًا محموداً ،ويُغذى غذاءً يسيراً ،ويُسرعُ النحدارَ
من المعدة إذا كان رِخواً.
وقال غيره :مُحّ البيض :مسكن لللم ،مملسٌ للحلق وقصبة الرئة ،نافع للحلق والسّعال وقُروح الرئة والكُلَى
خذَ بدُهن اللّوز الحلو ،ومنضجٌ لما فى الصدر ،ملين له ،مسهل لخشونة سيّما إذا أُ ِ
والمثانة ،مذهِبٌ للخشونة ،ل ِ
ق النار أو ما الحلق ،وبياضه إذا قُطِ َر فى العين الوارمة ورماً حاراً ،برّده ،وسكّن الوجع ،وإذا لُطخ به حر ُ
ط بال ُكنْدُر ،ولُطخ
خلِ َ
يعرض له ،لم يدَعه يتنفّط ،وإذا لُطخ به الوجع ،منع الحتراق العارض من الشمس ،وإذا ُ
على الجبهة ،نفع من النزلة.
وذكره صاحب ((القانون)) فى الدوية القلبية ،ثم قال :وهو وإن لم يكن من الدوية المطلقة فإنه مما له مدخل
فى تقوية القلب جداً ،أعنى الصفرةَ ،وهى تجمع ثلثة معان :سرعة الستحالة إلى الدم ،وقِلّة الفضلة ،وكون الدم
المتولّد منه مجانسًا للدم الذى يغذو القلبَ خفيفًا مندفعًا إليه بسرعة ،ولذلك هو أوفقُ ما يُتلفى به عاديةُ المراض
المحلّلة لجوهر الروح.
جدِ)).
وثبت عنه فى ((الصحيحين))(( :أنه منع آكِلَه من دُخُولِ المَسْ ِ
والبصل :حار فى الثالثة ،وفيه رطوبة فَضليّة ينفعُ من تغير المياه ،ويدف ُع ريحَ السموم ،ويفتّق الشهوة ،ويقوّى
ال َم ِعدَة ،و ُيهَيج الباه ،ويزيد فى ال َمنِىّ ،ويُحسّن اللّون ،ويقطع البلغم ،ويجلُو ال َمعِدَة ،وبِزره يُذهب ال َبهَق ،ويدلّك به
شمّهُ مَن شَرِب دوا ًء مسهلً منعه من القىء والغثيان حول داء الثعلب ،فينفع جداً ،وهو بالملح يقلع الثآلِيل ،وإذا َ
ط بمائه ،نَقّى الرأس ،ويُقطّر فى الُذن لثقَل السمع والطّنين والقيح ،والماء وأذهب رائحة ذلك الدواء ،وإذا اس ُتعِ َ
الحادث فى الُذنين ،وينفع فى الماء النازل فى العينين اكتحالً يُكتَحَل ببزره مع العسل لبياض العين ،والمطبوخ
منه كثي ُر الغذاء ينفع مِن اليَرَقانِ والسّعال ،وخشونةِ الصدر ،و ُيدِرّ البَوْل ،ويلين الطبع ،وينفع مِن عضة الكلب
سذَاب ،وإذا احتُمل ،فتح أفواهَ البواسير. ل عليها ماؤه بملح و َ غير الكَلِب إذا نُطِ َ
وأما ضررُه :فإنه يورث الشّقِيقة ،ويُصدّع الرأس ،ويُولّد أرياحاً ،ويُظلم البصر ،وكثر ُة أكله تُورث النسيان،
ويُفسد العقل ،ويُغيّر رائحةَ الفم وال ّنكْهة ،ويُؤذى الجليسَ ،والملئكة ،وإماتتُه طبخاً تُذهب بهذه المضرّاتِ منه.
سذَاب عليه.
ويُذهب رائحته مض ُغ ورق ال ّ
با ِذنْجان :فى الحديث الموضوع المختلَق على رسـول ال صلى ال عليه وسلم:
ل عن النبياء ،وبعد ..فهو ل له)) ،وهذا الكلم مما يُستقبح نسبته إلى آحاد العقلء ،فض ً((الباذِنجانُ لما ُأكِ َ
نوعان :أبيضُ وأسودُ ،وفيه خلف ،هل هو بارد أو حار ؟ والصحيحُ :أنه حار ،وهو مُوَلّد للسوداء والبواسير،
والسّدد والسرطان والجُذام ،ويُفسد اللّون ويُسوّده ،ويُضر بنتن الفم ،والبيضُ منه المستطيل عا ٍر من ذلك.
حرف التاء
ع أهْلُهُ)).
جيَا ٌ
وثبت عَنه أنه قال(( :بيتٌ ل َتمْرَ فيه ِ
وثبتَ عنه أنه أكل التّمرَ بالزّبدِ ،وأكل ال َتمْرَ بالخبز ،وأكله مفرداً.
وهو حار فى الثانية ،وهل هو رَطب فى الُولى ،أو يابس فيها ؟ .على قولين .وهو مق ّو للكبد ،مُليّن للطبع ،يزيد
صنَوْبر ،ويُبرىء من خشونة الحلق ،ومَن لم يعتدْه كأهل البلد الباردة فإنهُ يُورث حبّ ال ّ
سيّما مع َ
فى الباه ،ول ِ
خشْخاش ،وهو من أكثر الثمار تغذيةً للبدن لهم السّدد ،ويُؤذى السنان ،ويهيج الصّداع .ودفعُ ضرره باللّوز وال َ
بما فيه من الجوهر الحار الرطب ،وأكلُه على الريق يقتُل الدود ،فإنه مع حرارته فيه قو ٌة تِرْياقيّة ،فإذا ُأدِيمَ
استعمالُه على الريق ،خفّف مادة الدود ،وأضعفه وقلّله ،أو قتله ،وهو فاكهة وغذاء ،ودواء وشراب وحَلوى.
ظ من الضرر))
حفِ َ
سذَاب قبْلَ أخذِ السّمّ القاتل ،نفع ،و َ
((جالينوسُ))(( :وإذا أُكل مع الجَوْز وال ّ
ويُذكر عن أبى الدّرْداء :أُ ْهدِى إلى النبىّ صلى ال عليه وسلم طبقٌ من تينٍ ،فقال:
شعِير الصحيح.
تَلبينةٌ :قد تقدّم أنها ما ُء الشّعير المطحون ،وذكرنا منافعها ،وأنها أنف ُع لهل الحجاز من ماء ال ّ
حرف الثاء
ى بالماءِ والثّلْجِ
ثَلْجٌ :ثبت فى ((الصحيح)) عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه قال(( :الّلهُمّ اغْسِلْنى مِنْ خطايا َ
والبَ َردِ)).
ن الداء يُداوَى بضده ،فإنّ فى الخطايا من الحرارة والحريق ما يُضاده الثلجُ والبَ َردُ،وفى هذا الحديث من الفقه :أ ّ
ن فى الماء البارد من تصليب الجسم وتقويته ما والماءُ البارد ،ول يقال :إنّ الماء الحار أبلغُ فى إزالة الوسخ ،ل ّ
ب مداواتها بما ينظّفُ القلب و ُيصّْلبُهُ ،فذكر
ليس فى الحار ،والخطايا تُوجب أثرين :التدنيس والرخاء ،فالمطلو ُ
الماء البارد والثلج والبَرَد إشارةٌ إلى هذين المرين.
غلِطَ مَن قال :حارٌ ،وشُبهته تَولّد الحيوان فيه ،وهذا ل يدل على حرارته ،فإنهوبعد ..فالثلجُ بارد على الصح ،و َ
يتولّد فى الفواكه الباردة ،وفى الخَلّ ،وأما تعطيشه ،فلتهييجه الحرارةَ ل لحرارتِه فى نفسه ،ويض ّر ال َمعِدَة
سكّنها.
ن من حرارة مفرطةَ ، والعصب ،وإذا كان وجعُ السنا ِ
طبْخاً)) .وأُهدى إليه طعا ٌم فيه ثومٌ ،فأرسل بهثُومٌ :هو قريب من البصل ،وفى الحديث(( :مَن أكََلهُما ف ْليُ ِم ْت ُهمَا َ
ى أُناجى مَنْ ل ُتنَاجِى))
ل به إلىّ ؟ فقال(( :إن ّ
إلى أبى أيوب النصارىّ ،فقال :يارسولَ ال؛ َتكْرهه وتُ ْرسِ ُ
وبعد فهو حار يابس في الرابعة ،يسخن تسخنياً قوياً ،ويجفف تجفيفاً بالغاً ،نافع للمبرودين ،ولمن مزاجه بلغمي،
ولمن أشرف على الوقوع في الفالج ،وهو مجفف للمني ،مفتح للسدد ،محلل للرياح الغليظة ،هاضم للطعام،
قاطع للعطش ،مطلق للبطن ،مدر للبول ،يقوم في لسع الهوام وجميع الورام الباردة مقام الترياق ،وإذا دق
وعمل منه ضماد على نهش الحيات ،أو على لسع العقارب ،نفعها وجذب السموم منها ،ويسخن البدن ،ويزيد في
حرارته ،ويقطع البلغم ،ويحلل النفخ ،ويصفي الحلق ،ويحفظ صحة أكثر البدان ،وينفع من تغير المياه،
والسعال المزمن ،ويؤكل نيئًا ومطبوخاً ومشوياً ،وينفع من وجع الصدر من البرد ،ويخرج العلق من الحلق وإذا
دق مع الخل والملح والعسل ،ثم وضع على الضرس المتأكل ،فتته وأسقطه ،وعلى الضرس الوجع ،سكن
وجعه .وإن دق منه مقدار درهمين ،وأخذ مع ماء العسل ،أخرج البلغم والدود ،وإذا طلي بالعسل على البهق،
نفع.
ومن مضاره :أنه يصدع ،ويضر الدماغ والعينين ،ويضعف البصر والباه ،ويعطش ،ويهيج الصفراء ،ويجيف
رائحة الفم ،ويذهب رائحته أن يمضغ عليه ورق السذاب.
ثريد :ثبت في ((الصحيحين)) عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال(( :فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على
سائر الطعام)).
والثريد وإن كان مركباً ،فإنه مركب من خبز ولحم ،فالخبز أفضل القوات ،واللحم سيد الدام ،فإذا اجتمعا لم
يكن بعدهما غاية.
وتنازع الناس أيهما أفضل ؟ والصواب أن الحاجة إلى الخبز أكثر وأعم ،واللحم أجل وأفضل ،وهو أشبه بجوهر
البدن من كل ما عداه ،وهو طعام أهل الجنة ،وقد قال تعالى لمن طلب البقل :والقثاء ،والفوم ،والعدس ،والبصل:
{أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} [البقرة ،]62 :وكثير من السلف على أن الفوم الحنطة ،وعلى هذا
فالية نص على أن اللحم خير من الحنطة.
حرف الجيم
جمار :قلب النخل ،ثبت في ((الصحيحين)) :عن عبد ال بن عمر قال :بينا نحن عند رسول ال صلى ال عليه
وسلم جلوس ،إذ أتي بجمار نخلة ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم(( :إن من الشجر شجرة مثل الرجل المسلم ل
يسقط ورقها ..الحديث)) .والجمار :بارد يابس في الولى ،يختم القروح ،وينفع من نفث الدم ،واستطلق البطن،
وغلبه المرة الصفراء ،وثائرة الدم ،وليس برديء الكيموس ،ويغذو غذاء يسيراً ،وهو بطيء الهضم ،وشجرته
كلها منافع ،ولهذا مثلها النبي صلى ال عليه وسلم بالرجل المسلم لكثرة خيره ومنافعه.
جبن :في ((السنن)) عن عبد ال بن عمر قال(( :أتي النبي صلى ال عليه وسلم بجبنة في تبوك ،فدعا بسكين،
وسمى وقطع)) رواه أبو داود ،وأكله الصحابة رضي ال عنهم بالشام ،والعراق ،والرطب منه غير المملوح جيد
للمعدة ،هين السلوك في العضاء ،يزيد في اللحم ،ويلين البطن تليينًا معتدلً ،والمملوح أقل غذاء من الرطب،
وهو رديء للمعدة ،مؤذ للمعاء ،والعتيق يعقل البطن ،وكذا المشوي ،وينفع القروح ويمنع السهال .وهو بارد
رطب ،فإن استعمل مشوياً ،كان أصلح لمزاجه ،فإن النار تصلحه وتعدله ،وتلطف جوهره ،وتطيب طعمه
ورائحته .والعتيق المالح ،حار يابس ،وشيه يصلحه أيضاً بتلطيف جوهره ،وكسر حرافته لما تجذبه النار منه
من الجزاء الحارة اليابسة المناسبة لها ،والمملح منه يهزل ،ويولد حصاة الكلى والمثانة ،وهو رديء للمعدة،
وخلطة بالملطفات أردأ بسبب تنفيذها له إلى المعدة.
حرف الحاء
(يتبع)...
@حبة السوداء :ثبت في ((الصحيحين)) :من حديث أبي سلمة ،عن أبي هريرة رضي ال عنه ،أن رسول ال
صلى ال عليه وسلم قال(( :عليكم بهذة الحبة السوداء ،فإن فيها شفاء من كل داء إل السام)) .السام :الموت.
الحبة السوادء :هي الشونيز في لغة الفرس ،وهي الكمون السود ،وتسمى الكمون الهندي ،قال الحربي ،عن
الحسن :إنها الخردل ،وحكى الهروي :أنها الحبة الخضراء ثمرة البطم ،وكلهما وهم ،والصواب :أنها الشونيز.
وهي كثيرة المنافع جداً ،وقوله(( :شفاء من كل داء)) ،مثل قوله تعالى{ :تدمر كل شيء بأمر ربها} [الحقاف:
]25أي :كل شيء يقبل التدمير ونظائره ،وهي نافعة من جميع المراض الباردة ،وتدخل في المراض الحارة
اليابسة بالعرض ،فتوصل قوى الدوية الباردة الرطبة إليها بسرعة تنفيذها إذا أخذ يسيرها.
وقد نص صاحب ((القانون)) وغيره ،على الزعفران في قرص الكافور لسرعة تنفيذه وإيصاله قوته ،وله نظائر
يعرفها حذاق الصناعة ،ول تستبعد منفعة الحار في أمراض حارة بالخاصية ،فإنك تجد ذلك في أدوية كثيرة،
منها :النزروت وما يركب معه من أدوية الرمد ،كالسكر وغيره من المفردات الحارة ،والرمد ورم حار باتفاق
الطباء ،وكذلك نفع الكبريت الحار جدًا من الجرب.
والشونيز حار يابس في الثالثة ،مذهب للنفخ ،مخرج لحب القرع ،نافع من البرص وحمى الربع ،والبلغمية مفتح
للسدد ،ومحلل للرياح ،مجفف لبلة المعدة ورطوبتها .وان دق وعجن بالعسل ،وشرب بالماء الحار ،أذاب
الحصاة التي تكون في الكليتين والمثانة ،ويدر البول والحيض واللبن إذا أديم شربه أياماً ،وإن سخن بالخل،
وطلي على البطن ،قتل حب القرع ،فإن عجن بماء الحنظل الرطب ،أو المطبوخ ،كان فعله في إخراج الدود
أقوى ،ويجلو ويقطع ،ويحلل ،ويشفي من الزكام البارد إذا دق وصير في خرقة ،واشتم دائماً ،أذهبه.
ودهنه نافع لداء الحية ،ومن الثآليل والخيلن ،وإذا شرب منه ثقال بماء ،نفع من البهر وضيق النفس ،والضماد
به ينفع من الصداع البارد ،وإذا نقع منه سبع حبات عدداً في لبن امرأة ،وسعط به صاحب اليرقان ،نفعه نفعاً
بليغاً.
وإذا طبخ بخل ،وتمضمض به ،نفع من وجع السنان عن برد ،وإذا استعط به مسحوقاً ،نفع من ابتداء الماء
العارض في العين ،وإن ضمد به مع الخل ،قلع البثور والجرب المتقرح ،وحلل الورام البلغمية المزمنة،
والورام الصلبة ،وينفع من اللقوة إذا تسعط بدهنه ،وإذا شرب منه مقدار نصف مثقال إلى مثقال ،نفع من لسع
الرتيلء ،وإن سحق ناعمًا وخلط بدهن الحبة الخضراء ،وقطر منه في الذن ثلث قطرات ،نفع من البرد
العارض فيها والريح والسدد.
وإن قلي ،ثم دق ناعماً ،ثم نقع في زيت ،وقطر في النف ثلث قطرات أو أربع ،نفع من الزكام العارض معه
عطاس كثير.
وإذا أحرق وخلط بشمع مذاب بدهن السوسن ،أو دهن الحناء ،وطلي به القروح الخارجة من الساقين بعد غسلها
بالخل ،نفعها وأزال القروح.
وإذا سحق بخل ،وطلي به البرص والبهق السود ،والحزاز الغليظ ،نفعها وأبرأها.
وإذا سحق ناعماً ،واستف منه كل يوم درهمين بماء بارد من عضه كلب كلب قبل أن يفرغ من الماء ،نفعه نفعاً
بليغاً ،وأمن على نفسه من الهلك .وإذا استعط بدهنه ،نفع من الفالج والكزاز ،وقطع موادهما ،وإذا دخن به،
طرد الهوام.
وإذا أذيب النزروت بماء ،ولطخ على داخل الحلقة ،ثم ذر عليها الشونيز ،كان من الذرورات الجيدة العجيبة
النفع من البواسير ،ومنافعه أضعاف ما ذكرنا ،الشربة منه درهمان ،وزعم قوم أن الكثار منه قاتل.
حرير :قد تقدم أن النبي صلى ال عليه وسلم أباحه للزبير ،ولعبد الرحمن بن عوف من حكة كانت بهما ،وتقدم
منافعه ومزاجه ،فل حاجة إلى إعادته.
حرف :قال أبو حنيفة الدينوري :هذا هو الحب الذي يتداوى به ،وهو الثفاء الذي جاء فيه الخبر عن النبي صلى
ال عليه وسلم ،ونباته يقال له :الحرف ،وتسميه العامة :الرشاد ،وقال أبو عبيد :الثفاء :هو الحرف.
قلت :والحديث الذي أشار إليه ،ما رواه أبو عبيد وغيره ،من حديث ابن عباس رضي ال عنهما ،عن النبي
صلى ال عليه وسلم أنه قال(( :ماذا في المرين من الشفاء ؟ الصبر والثفاء)) رواه أبو داود في المراسيل.
وقوته في الحرارة واليبوسة في الدرجة الثالثة ،وهو يسخن ،ويلين البطن ،ويخرج الدود وحب القرع ،ويحلل
أورام الطحال ،ويحرك شهوة الجماع ،ويجلو الجرب المتقرح والقوباء.وإذا ضمد به مع العسل ،حلل ورم
الطحال ،وإذا طبخ مع الحناء أخرج الفضول التي في الصدر ،وشربه ينفع من نهش الهوام ولسعها ،وإذا دخن
به في موضع ،طرد الهوام عنه ،ويمسك الشعر المتساقط ،وإذا خلط بسويق الشعير والخل ،وتضمد به ،نفع من
عرق النسا ،وحلل الورام الحارة في آخرها.
وإذا تضمد به مع الماء والملح أنضج الدماميل ،وينفع من السترخاء في جميع العضاء ،ويزيد في الباه،
ويشهي الطعام ،وينفع الربو ،وعسر التنفس ،وغلظ الطحال ،وينقي الرئة ،ويدر الطث ،وينفع من عرق النّسا،
ووجع حقّ الوَرِك مما يخرج من الفضول ،إذا شرب أو احتقن به ،ويجلو ما في الصدر والرئة من البلغم اللزج.
وإن شرب منه بعد سحقه وزن خمسة دراهم بالماء الحار ،أسهل الطبيعة ،وحلل الرياح ،ونفع من وجع القولنج
البارد السبب ،وإذا سحق وشرب ،نفع من البرص.
وإن لطخ عليه وعلى البهق البيض بالخل ،نفع منهما ،وينفع من الصداع الحادث من البرد والبلغم ،وإن قلي،
وشرب ،عقل الطبع ل سيما إذا لم يسحق لتحلل لزوجته بالقلي ،وإذا غسل بمائه الرأس ،نقاه من الوساخ
والرطوبات اللزجة.
قال جالينوس :قوته مثل قوة بزر الخردل ،ولذلك قد يسخن به أوجاع ال َورِك المعروفة بالنّسا ،وأوجاع الرأس،
وكل واحد من العلل التي تحتاج إلى تسخين ،كما يسخن بزر الخردل ،وقد يخلط أيضًا في أدوية يسقاها أصحاب
الربو من طريق أن المر فيه معلوم أنه يقطع الخلط الغليظة تقطيعاً قوياً ،كما يقطعها بزر الخردل ،لنه شبيه
به في كل شيء.
حلبة :يذكر عن النبي صلى ال عليه وسلم ،أنه عاد سعد بن أبي وقاص رضي ال عنه بمكة ،فقال :ادعوا لي
طبيباً ،فدعي الحارث بن كلدة ،فنظر إليه فقال :ليس عليه بأس ،فاتخذوا له فريقة ،وهي الحلبة مع تمر عجوة
رطب يطبخان ،فيحساهما ،ففعل ذلك ،فبرئ وقوة الحلبة من الحرارة في الدرجة الثانية ،ومن اليبوسة في
الولى ،وإذا طبخت بالماء ،لينت الحلق والصدر والبطن ،وتسكن السعال والخشونة والربو ،وعسر النفس،
وتزيد في الباه ،وهي جيدة للريح والبلغم والبواسير ،محدرة الكيموسات المرت ِبكَة في المعاء ،وتحلل البلغم
اللزج من الصدر ،وتنفع من الدبيلت وأمراض الرئة ،وتستعمل لهذا الدواء في الحشاء مع السمن والفانيذ.
وإذا شربت مع وزن خمسة دراهم فُوةٍ ،أدرت الحيض ،وإذا طبخت ،وغسل بها الشعر جعدته ،وأذهبت
الحزاز.ودقيقها إذا خلط بالنطرون والخل ،وضمد به ،حلل ورم الطحال ،وقد تجلس المرأة في الماء الذي
طبخت فيه الحلبة ،فتنتفع به من وجع الرحم العارض من ورم فيه .وإذا ضمد به الورام الصلبة القليلة الحرارة،
نفعتها وحللتها ،وإذا شرب ماؤها ،نفع من المغص العارض من الرياح ،وأزلق المعاء.
وإذا أكلت مطبوخة بالتمر ،أو العسل ،أو التين على الريق ،حللت البلغم اللزج العارض في الصدر والمعدة،
ونفعت من السعال المتطاول منه.
وهي نافعة من الحصر ،مطلقة للبطن ،وإذا وضعت على الظفر المتشنج أصلحته ،ودهنها ينفع إذا خلط بالشمع
من الشقاق العارض من البرد ،ومنافعها أضعاف ما ذكرنا.
ويذكر عن القاسم بن عبد الرحمن ،أنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم(( :استشفوا بالحلبة)) وقال
بعض الطباء :لو علم الناس منافعها ،لشتروها بوزنها ذهباً.
حرف الخاء
وروى أبو داود فى (سننه) أيضا ،من حديث ابن عمر رضى ال عنه ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
ل من القوم فاتخذه ،فجاء به ،فقال:
سمْنٍ ولَبنٍ)) ،فقام رج ٌسمْراءَ مَُلبّقَةٍ ب َ
خبْزَ ًة بَيضا َء من بُرّةٍ َ
ن عندى ُ
تأّ
(( َودِدْ ُ
ضبّ .فقال(( :ار َفعْهُ)).عكّةِ َ سمْنُ)) ؟ فقال :فى ُ ((فى أىّ شى ٍء كان هذا ال ّ
ث النهى عن قطع الخبز بالسكين ،فباطل ل أصل له عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وإنما وأما حدي ُ
ح أيضاً.
سكّين ،ول يَصِ ّ
المروىّ :النهى عن قطع اللّحم بال ّ
ت أحمد عن حديث أبى معشرٍ ،عن هشام بن عروة ،عن أبيه ،عن عائشة رضى ال عنها ،عن قال ُم َهنّا(( :سأل ُ
ل العاجِم)) .فقال :ليس بصحيح ،ول سكّين ،فإن ذلك من ِفعْ ِ حمَ بال ّ
النبىّ صلى ال عليه وسلم(( :ل تقطعوا اللّ ْ
ث المغيرة يعنى بحديث عمرو بن أُمية :كان النبىّ صلى يُعرف هذا ،وحديثُ عمرو بن أُميّةَ خلف هذا ،وحدي ُ
جنْبٍ فشُوِىَ ،ثم أخذَ الشّ ْفرَةَ ،فجعل
ال عليه وسلم يحت ّز مِن لحم الشاة .وبحديث المغيرة أنه لمّا أضافه أمَ َر بِ َ
يَحُزّ.
فصل
وأحمدُ أنواع الخبز أجودُها اختماراً وعجناً ،ثم خبزُ ال ّتنّور أجودُ أصنافه ،وبعدَه خبزُ الفرن ،ثم خب ُز المَلّة فى
خذَ من الحنطة الحديثة.المرتبة الثالثة ،وأجودُه ما اتّ ِ
شكَار.
وأكثرُ أنواعه تغذيةً خبزُ السّميذ ،وهو أبطؤها هضماً لِقلّة نخالته ،ويتلُوه خبز الحُوّارَى ،ثم الخُ ْ
حنْطة خاصيّةٌ ،وهو أنه يُسمّن سريعاً ،وخبز القطائف يُوَلّد خلطاً غليظاً ،والفَتيتُ نفّاخ بطى ُء الهضم،
وفى خبز ال ِ
والمعمول باللّبن مسدّد كثير الغذاء ،بطىء النحدار.
حنْطة.
وخب ُز الشعير بارد يابس فى الُولى ،وهو أقل غذاءً من خب َز ال ِ
ل ال صلى ال عليه وسلم خَلٌ :روى مسلم فى ((صحيحه)) :عن جابر بن عبد ال رضى ال عنهما ،أنّ رسو َ
خلّ)).
خلٌ ،فدعا به ،وجعل يأكُلُ ويقولِ (( :نعْمَ الدَا ُم الخَلِّ ،نعْ َم الدَامُ ال َ
سأل أهلَه الدَامَ ،فقالوا :ما عندنَا إل َ
وفى ((سنن ابن ماجه)) عن أُ ّم سعد رضى ال عنها عن النبىّ صلى ال عليه وسلم:
ت فيه الخَلّ)).
خلّ ،فإنه كان إدا َم النبياء قبلى ،ولَ ْم يَ ْفتَقِر بي ٌ
(( ِنعْمَ الدَا ُم الخَلّ ،الّلهُ ّم بَا ِركْ فى ال َ
ى التجفيف ،يمنع من انصباب المواد، ب عليه ،وهو يابس فى الثالثة ،قو ّ الخَل :مركّب من الحرارة ،والبرودة أغل ُ
ضرَر الدوية القتّالة ،ويُحَلّل اللّبنَ ويُلطّف الطبيعة ،وخَلّ الخمر ينفع المعدة الملتهبة ،و َي ْقمَعُ الصّ ْفرَاء ،ويدفع َ
ل البطن ،ويقط ُع العطش ،ويمنع الور َم حيث يُريد جمَدا فى الجوف ،وينفع الطّحَالَ ،ويدبغ ال َمعِدة ،ويَعقِ ُ
والدم إذا َ
أن يحدث ،ويُعين على الهضم ،ويُضاد البلغم ،ويُلطّف الغذية الغليظة ،و ُيرِقّ الدم.
وإذا شُرِب بالملح ،نفع من أكل الفُطُر القتّال ،وإذا احتُسى ،قطع العلق المتعلق بأصل الح َنكِ ،وإذ تُمضمض به
مُسَخّناً ،نفع من وجع السنان ،وقوّى الّلثَة.
ى به ،والنملةِ والورام الحارة ،وحرق النار ،وهو مُشَهّ للكل ،مُطيّب لل َمعِدة ،صَالح
طلِ َ
وهو نافع للدّاحِس ،إذا ُ
للشباب ،وفى الصيف لسكان البلد الحارة.
ى يرفعه:
خِلَلٌ :فيه حديثان ل يَثبُتان ،أحدهما :يُروى من حديث أبى أيوب النصار ّ
حرف الدال
دُهْنٌ :روى الترمذى فى كتاب ((الشمائل)) من حديث أنس بن مالك رضى ال عنهما ،قال(( :كان رسول ال
ح لِحيته ،وُي ْكثِرُ ال ِقنَاعَ كأن ثَ ْوبَه ثَوْبُ َزيّاتٍ)).
صلى ال عليه وسلم يُكثِ ُر دُهْنَ رأسِهِ ،وتسري َ
طبَهُ ،وإن
ل بعد الغتسال بالماء الحار ،حسّنَ البدنَ ور ّ
الدّهن يسد مسا َم البدن ،ويمنع ما يتحلّل منه ،وإذا اس ُت ْعمِ َ
ت عنه.
صبَةِ ،ودفع أكثر الفا ِ دُهن به الشّعر حسّنه وطوّله ،ونفع من الحَ ْ
والدّهْن فى البلد الحارة كالحجاز ونحوه من آكد أسباب حفظ الصحة وإصلح البدن ،وهو كالضرورى لهم،
ج إليه أهلُها ،واللحاح به فى الرأس فيه خط ٌر بالبصر.
وأما البلدُ الباردة ،فل يحتا ُ
شيْرَج.
وأنفع الدهان البسيطة :الزيت ،ثم السمن ،ثم ال ّ
ب الدماغ،
وأما المركّبة :فمنها بارد رطب ،كدُهن البنفسج ينفع من الصّداع الحار ،ويُنوّم أصحاب السهر ،ويُرطّ ُ
سهّلُ حركة المفاصل،حكّة اليابسة فينفعُها ،ويُ َ
وينفعُ مِن الشّقاق ،وغلبة اليبس ،والجفاف ،ويُطلَى به الجرب ،وال ِ
ويصلح لصحاب المزجة الحارة فى زمن الصيف ،وفيه حديثان باطلن موضوعان على رسول ال صلى ال
ل دُهن ال َبنَفْسَج على سائر الدهان ،كَفَضْلى على سائرِ الناس)) .والثانى(( :فضلُ
عليه وسلم ،أحدُهما(( :فض ُ
دُهن البنفسَج على سائر الدهان ،كفضل السلم على سائر الديان)).
ومنها :حارٌ رطب ،كدُهْن البان ،وليس دُهنَ زهره ،بل دُهن يُستخرج من حبّ أبيض أغبرَ نحو ال ُفسْتق ،كثيرِ
ل بلغماً
سهّ ُ الدّهنية والدسم ،ينفع من صلبة العصب ،ويُليّنه ،وينفع من البَرَش ،وال ّنمَش ،والكَلَفِ ،وال َبهَقِ ،ويُ َ
غليظاً ،ويُلين الوتار اليابسة ،ويُسخّن العصب ،وقد رُوى فيه حديث باطل مختلَق ل أصل له(( :ادّ ِهنُوا بالبانِ،
فإنه أحظى لكم عند نسائكم)).ومن منافعه أنه يَجلو السنان ،ويُكسبَها بهجةً ،و ُينَ ّقيَها من الصدأَ ،ومَن مسح به
حقْوَه ومذَاكِيره وما والها ،نفع من برد الكُل َيتَين، ى ول شُقاق ،وإذا دهن به ِوجهَه وأطرافه لم يُصبه حص ً
وتقطير البَوْل.
حرف الذال
ذُبَابٌ :تقدّم فى حديث أبى هريرة المتفق عليه فى أمره صلى ال عليه وسلم ِب َغمْسِ الذّباب فى الطعام إذا سقط
فيه لجل الشّفَاء الذى فى جناحه ،وهو كالتّرْياق للسّمّ الذى فى الجناح الخر ،وذكرنا منافع الذّباب هناك.
ذَهَبٌ :روى أبو داود ،والترمذى(( :أنّ النبىّ صلى ال عليه وسلم رَخّص ل َع ْرفَجَ َة ابن أسعدَ َلمّا قُطع أنفُهُ يومَ
خذَ أنفًا من ذَهبٍ)) .وليس خذَ أنفًا من وَ ِرقٍ ،فَأنْتَن عليه ،فأمَرَه النبىّ صلى ال عليه وسلم أن َيتّ ِ
الكُلب ،واتّ َ
لعَ ْرفَجَ َة عندهم غي ُر هذا الحديث الواحد.
ومن خواصه أنه إذا ُدفِنَ فى الرض ،لم يضره الترابُ ،ولم يَنقُصه شيئاً ،وبُرَادتُهُ إذا خُلِطت بالدوية ،نفعتْ
جفَان العارض من السوداء ،وينفع من حديث ال َنفْس ،والحزن ،والغم ،والفزع ،والعشق، من ضعف القلب ،والرّ َ
جذَام ،وجمي ِع الوجاعِ والمراض ويُسمّن البدن ،ويُقوّيه ،ويُذهب الصفار ،ويُحسّنِ اللّون ،وينفع من ال ُ
السّ ْودَا ِويّةِ ،ويَدخل بخاصيّة فى أدوية داء الثعلب ،وداء الحية شُرباً وطِلءً ،ويجلو ال َعيْن ويُقوّيها ،وينفع من
كثير من أمراضها ،ويُقوّى جميع العضاء.
وله خاصيّة عجيبة فى تقوية النفوس ،لجلِها ُأبِيحَ فى الحرب والسّلحِ منه ما أُبيح ،وقد روى الترمذى من
حديث مَزِيدَة العَصَرى رضى ال عنه ،قال :دخل رسولُ الِ صلى ال عليه وسلم يومَ ال َفتْح ،وعلى سيفِ ِه ذَهَبٌ
وفِضةٌ.
س حُبّ
ن لِلنّا ِ
ت به ،سلها عن غيره من محبوباتِ الدنيا ،قال تعالىُ {:زيّ َ ظفِرَ ْ
وهو معشوقُ النفوس التى متى َ
ل المُسَ ّومَ ِة وَال ْنعَا ِم وَا ْلحَرْثِ}[آل
خيْ ِ
ب وَا ْلفِضّ ِة وَالْ َ
ت مِنَ النّسَا ِء وَا ْل َبنِينَ وَا ْل َقنَاطِيرِ ا ْل ُم َقنْطَرَ ِة مِنَ الذّهَ ِ
شهَوَا ِ
ال ّ
عمران .]14 :
طعَتِ
ى الُ به ،وبه قُ ِ
صَل بيْنَ الخلِيقةِ وبيْنَ فوزِهَا الكبر يومَ َمعَادها ،وأعظمُ شىء عُ ِ هذا وإنه أعظم حائ ٍ
ت المحارمُ ،و ُم ِنعَتِ الحقوق ،وتَظَالَ َم العباد ،وهو المُرَغّب فى الدنيا وعاجِلِها،
حلّ ِ
ت الدّماءُ ،واستُ ِ
الرحامُ ،وأُرِيق ِ
ى به من باطلٍ ،ونُصِ َر به ظالمٌ،ت به من حقّ ،وأُحيِ َوالْمزَهّد فى الخرة وما أعدّه الُ لوليائه فيها ،فكم ُأمِي َ
و ُقهِ َر به مظلومٌ .وما أحسن ما قال فيه الحَرِيرىّ:
جهَيْـنِ كا ْل ُمنَافِـقِ
َتبّاً لَ ُه مِنْ خَـا ِدعٍ ُممَـــاذِقِ أصْ َفرَ ذِى َو ْ
ق وَلَوْنِ عاشِــــقِ
ن ِلعَينِ الرّامِـقِ زِينَة مَعشُو ٍ
َيبْـدُو بوَصْ َفيْ ِ
سخْـطِ الْخالِقِ
ق َيدْعُو إلى إ ْر ِتكَابِ ُ
عنْدَ ذَوِى ا ْلحَقَائِـــ ِ
حبّ ُه ِ
وَ ُ
ل مَطْلَ ا ْلعَائِقِ
ل مِنْ طَــا ِرقِ َولَ اشتكى ا ْل َممْطُو ُ
َولَ اشْمأَ ّز باخِ ٌ
(يتبع)...
لئِقِ
ق وَشَ ّر ما فِيهِ مِنَ الْخَـــــ َ
س ُتعِيذَ من حَسُودٍ رَاشِـ ِ
@وَل ا ْ
ل إذَا َفرّ فِــــرَارَ البـِـقِ
عنْكَ فى ا ْلمَضَـايِقِ إ ّ
أنْ ل ْيسَ ُي ْغنِى َ
حرف الراء
عيْنًا }
ج ِنيّا * َفكُلِى وَاشْ َربِى َوقَرّى َ
ط عََل ْيكِ ُرطَباً َ
ج ْذعِ النّخْلَةِ تُسَاقِ ْ
طبٌ :قال ال تعالى لمريَمَ{ :وَ ُهزّى إَل ْيكِ بِ ِ
رُ َ
[مريم .]25 :
ل ال ِقثّاءَ بالرّطَبِ)).
وفى ((الصحيحين)) عن عبد ال بن جعفر ،قال(( :رأيتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم يأكُ ُ
ل أن ُيصَلّىَ،
طرُ على رُطَباتٍ َقبْ َ
ل ال صلى ال عليه وسلم يُفْ ِ وفى ((سنن أبى داود)) ،عن أنس قال(( :كان رسو ُ
ت من ماءٍ)).
ن لم تكُنْ رُطباتٍ فتمراتٍ ،فإن لم تكن َتمَراتٍ ،حَسَا حسْوَا ٍ
فإ ْ
ب البدنَ ،ويوافق
طبِ طبعُ المياه حار رَطب ،يُقوّى المعدة الباردة ويُوافقها ،ويزيد فى الباه ،ويُخصِ ُ طبْعُ الرّ َ
أصحابَ المزجة الباردة ،ويَغذُو غِذا ًء كثيراً.
ل المدينة وغيرِها من البلد التى هو فاكهتُهم فيها ،وأنفعها للبدن ،وإن كان مَن
وهو مِن أعظم الفاكهة موافق ًة له ِ
صدَاعٌ وسوداءٌ ،ويُؤذى
لم َي ْعتَدْهُ يُسرعُ التعفّن فى جسده ،ويَتوّلدُ عنه دم ليس بمحمود ،ويحدث فى إكثاره منه ُ
جبِين ونحوه. أسنانه ،وإصلحُه بالسّكنْ َ
ف جداً ،فإن الصوم وفى فِطر النبى صلى ال عليه وسلم من الصوم عليه ،أو على التمر ،أو الماء تدبيرٌ لطي ٌ
جدُ الكبدُ فيها ما تَج ِذبُه وتُرسله إلى القُوَى والعضاء ،والحل ُو أسرع شىء وصولً يُخلى المعدة من الغذاء ،فل تَ ِ
سيّما إن كان رطباً ،فيشتدّ قبولها له ،فتنتفع به هى وال ُقوَى ،فإن لم يكن ،فالتمرُ
إلى الكبد ،وأحبّه إليها ،ول ِ
ب المعدة ،وحرارة الصوم ،فتنتبهُ بعده للطعام ،وتأخذه ت الماء تُطفىء لهي َلحلوته وتغذيته ،فإن لم يكن ،فحسوا ُ
بشهوة.
حمِلِ
ف ال َم ْ
عرِضَ عليه َريْحَانٌ ،فَل يَ ُردّهُ ،فإنّه خَفي ٌ
وفى ((صحيح مسلم)) عن النبىّ صلى ال عليه وسلم(( :مَن ُ
ب الرّائِحَةِ)).
طَـيّ ُ
شمّرٌوفى ((سنن ابن ماجه)) :من حديث أُسامةَ رضى ال عنه ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه قال(( :أل مُ َ
خطَرَ لها ،هى وربّ ال َكعْبَةِ ،نُو ٌر َيتَلْلُ ،وَ َريْحَانَ ٌة َتهْتَزّ ،وقَصْ ٌر مَشِيدٌ ،و َنهْرٌ مُطّ ِردٌَ ،و َثمَرَ ٌة جنّ َة ل َ
جنّةِ ،فإنّ ال َ
لل َ
حبْرَةٍ َونَضْرَةٍ ،فى دُورٍ عالية سليمة بهيّة)) ،قالوا: جمِيلةٌ ،وحَُللٌ كثيرةٌ فِى َمقَامٍ َأبَداً ،فى َ
سنَا ُء َ
حْنَضِيجَةٌَ ،وزَوْجةٌ َ
ن شاء ال. نعمْ يا رسول ال ،نحن المشمّرون لها ،قال(( :قولوا :إنْ شاء ال تعالى)) ،فقال القوم :إ ْ
ل أهل بلد يخصونه بشىء من ذلك ،فأهلُ الغرب يخصونه بالس ،وهو الذى الرّيحان كلّ نبت طيّب الريح ،فك ّ
حبَق.
يع ِرفُه العرب من الرّيحان ،وأهلُ العراق والشام يخصّونه بال َ
فأما السُ ،فمزاجُه بارد فى الُولى ،يابس فى الثانية ،وهو مع ذلك مركّب من قُوَى متضادة ،والكث ُر فيه
الجوهرُ الرضىّ البارد ،وفيه شىءٌ حار لطيف ،وهو يُجفّف تجفيفاً قوياً ،وأجزاؤه متقارب ُة القُوّة ،وهى قوةٌ
قابضة حابسة من داخل وخارج معاً.
وهو قاطع للسهال الصفراوىّ ،دافع للبخار الحار الرّطب إذا شُمّ ،مفرّح للقلب تفريحًا شديداً ،وشمّه مانع
للوباء ،وكذلك افتراشُه فى البيت.
ويُبرىء الورام الحادثة فى الحاِل َبيْن إذا وُضع عليها ،وإذا دُقّ ورقُه وهو غَضٌ وضُ ِربَ بالخل ،و ُوضِعَ على
حقَ ورقه اليابس ،وذُ ّر على القروح ذواتِ الرطوبة نفعها ،ويُقوّى العضاء الرأس ،قطع الرّعاف ،وإذا سُ ِ
ضمّ َد به ،وينفع داء الداحِس ،وإذا ذُرّ على البثورِ والقروحِ التى فى اليدين والرّجْلين ،نفعها.
الواهية إذا ُ
ف الرطوباتِ الفضلية ،وأذهب َنتْنَ البط ،وإذا جُلس فى طبيخه ،نفع من ك به البدنُ قطع العَرَق ،ونشّ َ
وإذا دُِل َ
صبّ على كسور العِظام التى لم تَلتحِمْ ،نفعها.
خراريج المَقْعدة والرّحم ،ومن استرخاء المفاصل ،وإذا ُ
ب عليه
سكُ الشعر المتساقط ويُسَ ّودُه ،وإذا دُقّ ورقُه ،وصُ ّ
ويجلو قشورَ الرأس وقروحَه الرّطبة ،وبُثورَه ،ويُم ِ
حمْرة ،والورام
ض ّمدَ به ،وافق القُروح الرّطبة والنملة وال ُ
ماء يسير ،وخُِلطَ به شىءٌ من زيت أو دُهن الورد ،و ُ
الحادة ،والشرى والبواسير.
وحَـبّه نافع من نفْث الدم العارض فى الصدر والرّئة ،دابغٌ لل َم ِعدَة وليس بضا ّر للصدر ول الرئة لجلوته،
ستِطلق البطن مع السّعال ،وذلك نادر فى الدوية ،وهو ُمدِ ٌر للبَوْل ،نافع من لذع المثانة، وخاصيتُه النفعُ من ا ْ
وعضّ ال ّر َتيْلء ،ولسْع العقارب ،والتخلل بعِرْقه مُضِر ،فليُحذَر.
جنّةِ))
ح بحبّةٍ من ُرمّانِ ال َ ويُذكر عن ابن عباس موقوفاً ومرفوعاً(( :ما مِن ُرمّانٍ من ُرمّانِكم هذا إل وهو مُلقّ ٌ
غ ال َم ِعدَةِ)).
حمِه ،فإنه دبا ُ
ى أنه قال(( :كُلُوا ال ّرمّانَ بِش ْ
ب وغيره عن عل ّ
شبَهُ .وذكر حَر ٌ
والموقوفُ أ ْ
حل ُو ال ّرمّان حار رطب ،جيدٌ لل َمعِدَة ،مقوٍ لها بما فيه من قبْضٍ لطيف ،نافع للحلق والصدر والرّئة ،جيدٌ للسّعال،
وماؤه مَُليّن للبطنَ ،يغْذى البدن غِذا ًء فاضلً يسيراً ،سريعُ التحلّل ل ّرقّته ولطافته ،ويُولّد حرارة يسيرة فى المعدة
حمُومين ،وله خاصيّة عجيبة إذا أُكل بالخبز يمنعه من الفساد فى وريحاً ،ولذلك يُعين على الباه ،ول يصلح لل َم ْ
المعدة.وحامضه بارد يابس ،قابض لطيف ،ينفع ال َمعِدَة الملتهبة ،و ُيدِ ّر البَوْل أكثرَ من غيره من ال ّرمّان ،ويُسكّنُ
الصّفْراء ،ويقطع السهال ،ويمنع القىء ،ويُلطّف الفضول ،ويُطفىءُ حرارة الكبد ،ويُ َقوّى العضاء ،نافع من
ئ المِرّة
خفَقان الصّفراوى ،واللم العارضة للقلب ،وفم المعدة ،ويُقوّى ال َم ِعدَة ،ويدفع الفُضول عنها ،ويُطف ُ ال َ
الصفراء والدم
حلَ به ،قطع الصفرة من ال َعيْن، طبِخَ بيسير من العسل حتى يصير كالمرهم ،واكتُ ِ وإذا استُخرجَ ماؤه بشَحْمه ،و ُ
ونقّاها من الرطوبات الغليظة ،وإذا لُطخ على الّلثَة ،نفع من الَكلة العارضة لها ،وإن استُخرج ماؤهما
ت ال َع ِفنَةَ المُرّية ،ونفع مِن حُميّات الغب المُتطاوِلة.
حدَر الرّطوبا ِ
بشحمهما ،أطلَق البطن ،وأ ْ
ب ال ّرمّان مع
وأما ال ّرمّان المزّ ،فمتوسط طبعًا وفعلً بين النوعين ،وهذا أ ْميَلُ إلى لطافة الحامض قليلً ،وحَ ّ
العسل طِلءٌ للداحِس والقروح الخبيثة ،وأقماعُه للجراحات ،قالوا :ومَن ابتلع ثلثةً من جُن ُبذِ ال ّرمّان فى كل سنة،
أمِنَ مِنَ الرّمد سنته كلّها.
حرف الزاي
سسْهُ
غ ْر ِبيّةٍ َيكَادُ َز ْي ُتهَا يُضِى ُء وََلوْ َلمْ َتمْ َ
ش ْر ِقيّةٍ َولَ َ
شجَرَ ٍة ّمبَا َركَةٍ َز ْيتُونَ ٍة ل َ
َزيْتٌ :قال تعالى{ :يُوقَدُ مِن َ
نَارٌ}[النور ]35 :
ى وابن ماجه من حديث أبى هريرة رضى ال عنه ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه قال(( :كُلُوا وفى الترمذ ّ
شجَرَ ٍة ُمبَارَكةٍ)).
ت وادّ ِهنُوا به ،فإنّه من َ
الزّي َ
ولل َب ْيهَقِى وابن ماجه أيضاً :عن ابن عمر رضى ال عنه ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم(( :ا ْئتَ ِدمُوا
جرَةٍ ُمبَارَكةٍ)).
بالزّيتِ ،وادّ ِهنُوا به ،فإنه من شَ َ
ت حار رطب فى الُولى ،وغَلِط مَن قال :يابسٌ ،والزّيت بحسب زيتونه ،فالمعتصَ ُر من النّضيج أعدلُه ال ّزيْ ُ
ط بين الزّي َتيْن ،ومن السود يُسخّن ويُرطّب
ج فيه برودةٌ ويُبوسة ،ومن الزيتون الحمر متوس ٌ
وأجوده ،ومن الفَ ّ
باعتدال ،وينفع من السّموم ،ويُطلق البطن ،ويُخرج الدود ،والعتيقُ منه أشد تسخيناً وتحليلً ،وما استُخْ ِرجَ منه
شيْب.
بالماء ،فهو أقلّ حرارةً ،وألطفُ وأبلغ فى النفع ،وجميعُ أصنافه مليّنة للبَشْرة ،وتُبطىءُ ال َ
وماء الزّيتون المالح يمنع من تنفّط حرق النار ،ويَشُد الّلثَةَ ،وورقهُ ينفع من الحُمرة ،والنّملة ،والقُروح الوَسِخة،
والشّرَى ،ويمنع العَرَق ،ومنافعه أضعاف ما ذكرنا.
ى بُسْ ٍر السّلَميّيْن رضى ال عنهما ،قال :دخل علينا رسولُ ال صلى ُز ْبدٌ :روى أبو داود فى ((سننه)) ،عن ابنَ ْ
ب الزّبدَ وال ّتمْرَ.
ال عليه وسلم ،فقدّمنا له زُبداً وتمراً ،وكان يُحِ ّ
لذُ َنيْن
الزّبد حار رطب ،فيه منافعُ كثيرة ،منها النضاجُ والتحليل ،ويُبرىء الورامَ التى تكون إلى جانب ا ُ
ض فى أبدان النّساء والصبيان إذا استُعمِلَ وحده ،وإذا ُلعِقَ منه،
والحاِل َبيْن ،وأورام الفم ،وسائر الورام التى تَعرِ ُ
ج الَورام العارضة فيهانفع في نفْث الدّم الذى يكون مِن الرئة ،وأنضَ َ
وهو مَُليّن للطبيعة والعصب والورام الصلبة العارضة من المِرّة السوداء والبلغم ،ناف ٌع من اليُبس العارض فى
ى به على منابت أسنان الطفل ،كان معيناً على نباتها وطلوعها ،وهو نافع من السّعال العارض طلِ َ
البدن ،وإذا ُ
من البرد واليبس ،ويُذهب القُوباء والخشونة التى فى البدن ،ويَُليّن الطبيعة ،ولكنه يُضْعف شهوة الطعام ،ويذهب
ح كل منهما
بوخامته الحلو ،كالعسل والتمر ،وفى جمعه صلى ال عليه وسلم بين التمر وبينه من الحكمة إصل ُ
بالخر
ب يُطيّبُ ال ّنكْهَةَ ،ويُذيبُ البلغم)) .والثانى: صحّان .أحدهماِ (( :نعْمَ الطعامُ ال ّزبِي ُ .زَبيبٌ :رُوى فيه حديثان ل يَ ِ
ب ال ّنكْهةَ)) .وهذا
شدّ ال َعصَبَ ،ويُطفىء الغضَبَ ،ويُصفّى اللّونَ ،ويُطيّ ُ (( ِنعْمَ الطعا ُم الزّبيبُ يُذهبُ النَصَبَ ،ويَ ُ
سمِن شحمه أيضًا ل يصح فيه شىء عن رسول ال صلى ال عليه وسلم .وبعد ..فأجودُ الزّبيب ما َكبُر جسمه ،و َ
حبّه.وجُرْم الزبيب حارٌ رطب فى الُولى ،وحَـبّه بارد يابس ،وهو صغُرَ َ
جمُه ،و َق قشره ،ونُزِع عَ َ ولحمه ،ورَ ّ
كالعنب المتّخَذ منه :الحلوُ منه حار ،والحامضُ قابض بارد ،والبيضُ أشد قبضًا من غيره ،وإذا ُأكِلَ لحمُه،
وافق قصبة الرّئة ،ونفع من السّعال ،ووجع الكُلَى ،والمثَانة ،و ُيقَوّى ال َم ِعدَة ،ويَُليّن البَطْن.
ل غِذا ًء من التّين اليابس ،وله قوةٌ منضِجة هاضمة قابضة محلّلة باعتدال،غذَا ًء مِن العنب ،وأق ّ والحلو اللّح ِم أكثرُ ِ
وهو بالجملة يُقَوّى ال َمعِدَة وال َكبِد والطّحال ،ناف ٌع من وجع الحلق والصدر والرّئة والكُلَى والمثانة ،وأعدلُه أن
عجَمه. يؤكل بغير َ
وفيه نف ٌع للحفظ :قال الزّهْرى :مَن أحبّ أن يحفظ الحديث ،فليأكل الزبيبَ .وكان المنصور يذكر عن جده عبد
جمُه داء ،ولحمُه دواء.
ال بن عباس :عَ َ
جبِيلً}[النسان ]17:
جهَا َزنْ َ
ن مِزَا ُ
ن فِيهَا كَأْسًا كَا َ
سقَوْ َ
جبِيلٌ :قال تعالىَ { :ويُ ْ
َزنْ َ
ى رضى ال عنه قال :أهدى ملك الرّوموذكر أبو نُعيم فى كتاب ((الطب النبوى)) من حديث أبى سعيد الخُدر ّ
إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم جَرّةَ زَنجبيلٍ ،فأطع َم كلّ إنسان قطعة ،وأطعمنى قطعة.
الزنجبيل حا ٌر فى الثانية ،رطب فى الُولى ،مُسْخّن مُعين على هضم الطعام ،مَُليّن للبطن تليينًا معتدلً ،نافع من
سدد ال َكبِ ِد العارِض ِة عن البرد والرّطوبة ،ومن ظُلمة البصر الحادثة عن الرّطوبة أكلً واكتحالً ،مُعين على
جمَاع ،وهو مُحلّل للرياح الغليظة الحادثة فى المعاء وال َمعِدَة.
ال ِ
حرف السين
حبٌ يُشبه ال َكمّون، سمْن .الثالث :أنه َ سمْن يخرج خططًا سوداءَ على ال ّ عكّة ال ّ
ب ُ أحدها :أنه العسل .الثانى :أنه رُ ّ
شبِتّ .السادس :أنه ال ّتمْر .السابع :أنه الرّا ْزيَانج.
وليس بكمون .الرابع :الكمونُ الكِ َرمْانىّ .الخامس :أنه ال ّ
جلٌ :روى ابن ماجه فى ((سننه)) :من حديث إسماعيل ابن محمد الطلحى ،عن نقيب بن حاجب ،عن أبى سفَرْ َ
َ
سعيدِ ،عن عبد الملك الزّبيرى ،عن طلحة بن عُبيد ال رضى ال عنه قال :دخلتُ على النبىّ صلى ال عليه
جمّ الفُؤادَ)).
وسلم وبيدِه سَفَ ْرجَلة ،فقال(( :دُو َنكَها يا طَ ْلحَةُ ،فإنها تُ ِ
ت النبىّ صلى ال عليه وسلم وهو فى جماعةٍ من أصحابه ،وبيده ى من طريق آخرَ ،وقال(( :أتي ُ ورواه النسائ ّ
ب النّفْسَ ،وتَذهَبُ
شدّ القَ ْلبَ ،وتُطيّ ُ
ت إليه ،دحَا بها إِلىّ ثم قال(( :دُو َنكَها أبا ذَرٍ؛ فإنّها تَ ُ
سفرجلة يُقّلبُها ،فلمّا جلس ُ
صدْرِ))
بِطَخَاءِ ال ّ
ل برودة ف فى ذلك باختلف طعمه ،وكلّه بارد قابض ،جيد لل َم ِعدَة ،والحل ُو منه أق ّ والسفرجل بارد يابس ،ويختل ُ
سكّن العطشَ والقىء ،ويُدِ ّر البَوْل، ويُبساً ،وأ ْميَلُ إلى العتدال ،والحامِضُ أشدّ قبضاً ويُبساً وبرودة ،وكُلّه يُ َ
عدِ البخرة إذا ل الطبع ،وينفع من قرحة المعاء ،ونفْث الدّم ،والهيْضَة ،وينف ُع من ال َغثَيان ،ويمنع من تصا ُ ويَعقِ ُ
اس ُت ْعمِلَ بعد الطعام ،وحُرَاقةُ أغصانه وورقه المغسولة كالتوتياء فى فعلها.
وهو قبل الطعام يقبض ،وبعده يُليّن الطبع ،ويُسرع بانحدار الثفل ،والكثارُ منه ُمضِرٌ بالعصب ،مُولّد للقُوَلنْج،
ويُطْفىء المِرّة الصفراء المتولدة فى المعدة.
وأجودُ ما ُأكِلَ مشوياً أو مطبوخًا بالعسل ،وحَـبّه ينفع من خشونة الحلق ،وقصبة الرّئة ،وكثير من المراض،
ودُهنه يمنع العَرَق ،ويُقَوّى ال َم ِعدَة ،والمربّى منه ُيقَوّى ال َم ِعدَة والكَبِد ،ويشد القلب ،ويُطيّب النّفَس.
جمّ الفؤاد :تُريحه .وقيل :تفتحُه وتوسعه ،مِن جمام الماءِ ،وهو اتساعه وكثرته ،والطّخاء للقلبُ مِثلُ ومعنى تُ ِ
غشْى ،تقول :ما فى السماء طخاءٌ ،أى :سحابٌ وظُلمة. ال َغيْم على السماء .قال أبو عُبيدٍ :الطّخاء ثِ َقلٌ و َ
وفيهما :أنه صلى ال عليه وسلم كان إذا قا َم من اللّيل يَشُوصُ فَاهُ بالسّوَاكِ.
وفى ((صحيح مسلم)) :أنه صلى ال عليه وسلم كان إذا دَخَلَ بيته ،بدأ بِالسّوَاكِ.
ح عنه
ث فيه كثيرة ،وصَحّ عنه من حديث أنه استاك عند موته بسواك عبد الرحمن بن أبى بكر ،وصَ ّ والحادي ُ
أنه قال(( :أ ْكثَ ْرتُ عََل ْيكُم فى السّوَاكِ)).
خذَ السّواكُ من خشب الراك ونحوه ،ول ينبغى أن يُؤخذ من شجرة مجهولة ،فربما كانت سُماً، وأصلح ما اتُ ِ
وينبغى القصدُ فى استعماله ،فإن بالغ فيه ،فربما أذهب طَلَوةَ السنان وصقالتها ،وهيأَها لقبولِ البخرة
المتصاعدة من ال َم ِعدَة والوساخ ،ومتى استُعمل باعتدال ،جل السنان ،وقوّى العمود ،وأطلق اللّسَان ،ومنع
شهّى الطّعام.
حفَر ،وطيّب النّكهة ،ونقّى الدّمَاغ ،و َ ال َ
وأجود ما استُعمل مبلولً بماء الورد ،ومن أنفعه أُصولُ الجَوْز .قال صاحب ((التيسير))(( :زعموا أنه إذا استاك
حدّ الذهنَ))
س من اليام ،نقّى الرأس ،وصفّى الحواسّ ،وأ َ
به المستاك كلّ خام ٍ
ح ال َم ِعدَة،
وفى السّوَاك عدة منافع :يُطيّب الفم ،ويشد الّلثَةَ ،ويقطع البلغم ،ويجلو البصرَ ،ويُذهب بالحَفَر ،ويُص ّ
ط للقراءة ،والذّكر والصلة ،ويطرُد سهّل مجارى الكلم ،و ُينَشّ ُ
ويُصفّى الصوت ،ويُعين على هضم الطعام ،و ُي َ
ب الملئكة ،ويُكثر الحسنات. النوم ،ويُرضى الرّبّ ،و ُيعْجِ ُ
ب كلّ وقت ،ويتأكد عند الصلة والوضوء ،والنتباهِ من النوم ،وتغيير رائحة الفم ،ويُستَحب للمفطر ويُستحَ ّ
والصائم فى كل وقت لعموم الحاديث فيه ،ولحاجة الصائم إليه ،ولنه مرضاةٌ للرّبّ ،ومرضاتُه مطلوبة فى
طهَرَ ٌة للفم ،والطهور للصائم من أفضل أعماله.
الصوم أشدّ من طلبِها فى الفِطر ،ولنه مَ ْ
وفى ((السنن)) :عن عامر بن ربيعة رضى ال عنه ،قال :رأيتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ما ل ُأحْصى
يَستاكُ ،وهو صائمٌ.
وأجمع الناسُ على أنّ الصائم يتمضمض وجوبًا واستحباباً ،والمضمض ُة أبل ُغ مِنَ السّواك ،وليس ل غرضٌ فى
التقرّب إليه بالرائحة الكريهة ،ول هى من جنس ما شُ ِرعَ التعّبدُ به ،وإنما ذكر طِيب الخُلوف عند ال يوم القيامة
حثّا منه على الصوم؛ ل حثاً على إبقاء الرائحة ،بل الصائمُ أحوجُ إلى السّوَاك من المْفطرِ.
ك عند ال يوم القيامة ،بل يأتى الصائمُ يوم القيامة، ف الذى يُزيله السّوَا ُ
ب الخُلُو ِ
وأيضاً فإنّ السّوَاك ل يمنعُ طي َ
ن الجريحَ يأتى يوم القيامة ،ولو ُ
ن ب من المسك علمةً على صيامه ،ولو أزاله بالسّوَاك ،كما أ ّ ف فمِه أطي ُوخُلو ُ
ح المسك ،وهو مأمور بإزالته فى الدنيا. دم جُرحه لونُ الدم ،وريحُه ري ُ
وأيضاً فإنّ الخُلوف ل يزولُ بالسّوَاك ،فإنّ س َببَه قائم ،وهو خُلو ال َم ِعدَة عن الطعام ،وإنما يزولُ أثره ،وهو
المنع ِقدُ على السنان والّلثَة.
ستَحب لهم فى الصيام ،وما يُكره لهم ،ولم يجعلِ السّوَاكَ من
ى صلى ال عليه وسلم علّم ُأمّته ما يُ ْ
وأيضاً فإنّ النب ّ
القسم المكروه ،وهو يعلم أنهم يفعلونه ،وقد حضّهم عليه بأبلغ ألفاظِ العموم والشمول ،وهم يُشاهدونه يَستاك وهو
صائم مرارًا كثيرة تَفُوتُ الحصاء ،ويعلم أنهم يقتدون به ،ولم يقل لهم يومًا من الدهر :ل تستاكوا بعد الزوال،
وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع ..وال أعلم.
سَـمْنٌ :روى محمـد بن جرير الطبرى بإســناده ،من حديث صُهيب يرفعُه ((عليكم بألبان البقَرِ ،فإنها شفاءٌ،
س ْمنُها دَواءٌ ،ولُحومُها داء)) رواه عن أحمد بن الحسن الترمذى ،حدّثنا محمد ابن موسى النسائى ،حدّثنا دَفّاع
وَ
ل السّـدوسى ،عن عبد الحميد بن صَيفى بن صُهيب ،عن أبيه ،عن جده ،ول يثبت ما فى هذا السناد. ابن دَغْفَ ٍ
والسمن حار رطب فى الُولى ،وفيه جِلء يسير ،ولطافة وتفشية الورام الحادثة مِن البدان الناعمة ،وهو أقوى
من الزّبد فى النضاج والتليين ،وذكر ((جالينوس)) :أنه أبرأ به الورامَ الحادثة فى الُذن ،وفى الرنبة ،وإذا
دُِلكَ به موضعُ السنان ،نبتت سريعاً ،وإذا خُِلطَ مع عسل ولَ ْوزٍ مُرّ ،جل ما فى الصدر والرئة ،والكَيموساتِ
سيّما إذا كان مزاجُ صاحبها بلغمياً.الغليظة اللّزِجة ،إل أنه ضار بال َمعِدَةِ ،
ب مع العسل نفع من شرب السّمّ القاتل ،ومِن لدغ الحيّات والعقارب ،وفى
شرِ َ
وأما سمن البقر وال َمعِزِ ،فإنه إذا ُ
س بشىءٍ أفضل مِنَ السمن.كتاب ابن السّنى :عن على بن أبى طالب رضى ال عنه قال :لم يَسْتشفِ النا ُ
س َمكٌ :روى المام أحمد بن حنبل ،وابن ماجه فى ((سننه)) :من حديث عبد ال بن عمر ،عن النبىّ صلى ال َ
س َمكُ والجَرَادُ ،وال َكبِدُ والطّحَالُ)).
ن و َدمَانِ :ال ّ
عليه وسلم أنه قال(( :أُحِلّتْ لنا َم ْيتَتا ِ
ب العهد بالتملّح ،وهو حار يابس ،وكلما تقادم عهدُه ازداد حرّه ويبسه ،والسّلور وأما المالح ،فأجودُه ما كان قري َ
جرّىّ ،واليهودُ ل تأكله .وإذا ُأكِلَ طريّا ،كان مليّنًا للبطن ،وإذا مُلّحَ وعتق وُأكِلَ،منه كثير اللزوجة ،ويسمى ال ِ
ق وَ ُوضِعَ مِن خارجٍ ،أخرج السّلَى والفضول من عُمق البدن من صفّى قصبة الرئة ،وجوّد الصوتَ ،وإذا دُ ّ
ن له قوة جاذبة.
طريق أ ّ
وماء ملح الجِرّىّ المالح إذا جلسَ فيه مَن كانت به قرحة المعاء فى ابتداء العِلّة ،وافقه بجذبه الموادّ إلى ظاهر
ن به ،أبرأ من عِرْق النّسَا.
البدن ،وإذا احتُقِ َ
(يتبع)...
ى صلى ال عليه وسلم فى @ وفى ((الصحيحين)) :من حديث جابر بن عبد ال رضى ال عنه قال(( :بعثنا النب ّ
خبَطَ ،فألقى لنا
ع شديد ،حتى أكلنا ال َ حلَ ،فأصابنا جو ٌ
ثلثمائة راكب ،وأميرُنا أبو عُبيدة بن الجرّاح ،فأتينا السا ِ
البح ُر حوتاً يقال لها :عنبر ،فأكلنا منه نِصفَ شهرٍ ،وائتدمنا ب َودَكِه حتى ثابت أجسامُنا ،فأخذ أبو عبيدة ضلعًا من
أضلعه ،وحمل َرجُلً على بعيره ،ونصبه ،فمرّ تحته)).
ى وأبو داود ،عن ُأمّ المُنذِر ،قالت :دخل علىّ رسولُ الِ صلى ال عليه وسلم ومعه على سِلْقٌ :روى الترمذ ّ
رضى ال عنه ،ولنا دَوَالٍ معلّقةٌ ،قالت
ى معه يأكُلُ ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم(( :مَهْ يا :فجعل رسولُ الِ صلى ال عليه وسلم يأكُلُ وعل ٌ
صبْ من هذا، ى فإ ّنكَ ناقِهٌ)) ،قالت :فجعلتُ لهم سِلْقاً وشعيراً ،فقال النبىّ صلى ال عليه وسلم(( :يا علىّ؛ فأ ِ
عل ّ
ق َلكَ)) .قال الترمذىّ :حديثٌ حسن غريب. فإنه أوفَ ُ
ب منهما ،وفيه برود ٌة ملطّفة ،وتحليلٌ ،وتفتيحٌ .وفى السّلق حار يابس فى الُولى ،وقيل :رطب فيها ،وقيل :مُ َركّ ٌ
ى بمائه ،ويقتل القمل ،ويُطلَى بهالسود منه قبضٌ ونف ٌع من داء الثعلب ،والكَلَف ،والحَزَارِ ،والثآليل إذا طُِل َ
س َددَ ال َك ِبدِ والطّحال.
القُ َوبَاء مع العسل ،ويفتح ُ
سيّما مع العدس ،وهما رديئان ،والبيضُ :يَُليّن مع العدس ،ويُحْقَن بمائه للسهال، ل البطن ،ول ِ وأسودُه يَعقِ ُ
ى والتّوَابِل
وينفع من القُوَلنْج مع المَرِ ّ
وهو قليل الغذاء ،ردىء ال َكيْمُوس ،يحرق الدمَ ،ويُصلحه الخل والخَ ْردَل ،والكثار منه يُولّد القبض والنفخ.
حرف الشين
شُونيزٌ :هو :الحبّة السوداء ،وقد تقدّم فى حرف الحاء.
جمّ ٌة مِن
شبْ ُرمُ شجر صغير وكبير ،كقامة الرجل وأرجح ،له قُضبانٌ حُمر ملمّعة ببياض ،وفى رؤوس قضبانه ُ ال ّ
ب صغير مثل البُطْم ،فى قدره،وَرق ،وله نَوْرٌ صِغار أصفرُ إلى البياض ،يسقط ويخلفه مراودُ صِغار فيها حَ ٌ
ق عليها قُشورٌ حُمر ،والمستعمَل منه ِقشْرُ عرُوقه ،ولبنُ قضبانه.
أحم ُر اللّون ،ولها عرو ٌ
سهّلُ السوداء ،وال َك ْيمُوسات الغليظة ،والما َء الصفر ،والبلغمُ ،مكْ ِربٌ، وهو حارٌ يابس فى الدرجة الرابعة ،و ُي َ
ل أن يُنقَعَ فى اللّبن الحليب يومًا وليلة ،ويُغيّ َر عليه اللّبنُ فى اليوم ُمغَثّ ،والكثا ُر منه يقتل ،وينبغى إذا استُعمِ َ
ط معه الورود وال َكثِيراءُ ،ويُشرب بماء العسل ،أو عصير مرتين أو ثلثاً ،ويُخْرَج ،ويُجفّفُ فى الظل ،ويُخلَ ُ
شبْرُم ،فل خي َر فيه، ن ال ّ
ح َنيْن :أمّا لب ُ
ال ِعنَب ،والشّ ْربَ ُة مِنه ما بيْنَ أربع دوانِق إلى دانِ َقيْن على حسب القوة ،قال ُ
ت كثيرًا من الناسول أرى شُربه ألبتة ،فقد َقتَلَ به أطبا ُء الطّرقا ِ
شعِيرٌ :روى ابن ماجه :من حديث عائشة ،قالت :كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم إذا أخذ أحدًا من أهْلِهِ َ
سوْا ِمنْهُ ،ثم يقول(( :إنّه ل َي ْرتُو فُؤادَ الحزينِ ويَسْرُو فُؤادَ
صنِعَ ،ثم أمرهم فَحَ َعكُ ،أ َمرَ بالحَسَا ِء مِنَ الشّعيرِ ،ف ُ
الوَ ْ
ج ِههَا)).
سرُو إحداكُنّ الوَسَخَ بالماءِ عن وَ ْالسّقِيم كما تَ ْ
ف ويُزِيلُ.
شدّه ويُقوّيه .و ((يَسرو)) :يكشِ ُ
ومعنى ((يرتوه)) :ي ُ
وقد تقدّم أنّ هذا هو ماء الشعير المغلى ،وهو أكث ُر غِذاءً من سويقه ،وهو نافع للسّعال ،وخشونةِ الحلق ،صالح
حدّة الفُضول ،مُدِ ٌر للبَوْلِ ،جَلء لما فى ال َمعِدَة ،قاطِ ٌع للعطش ،مُطْفِى ٌء للحرارة ،وفيه قوة يجلو بها ويُلَطّف
ل َقمْع ِ
ويُحَلّل.
وصفته :أن يُؤخذ مِن الشعير الجيدِ المرضوضِ مقدارٌ ،ومن الماء الصافى العذبِ خمس ُة أمثاله ،ويُلقى فى ِقدْر
خمُساه ،ويُصفّى ،ويُستعملَ منه مقدار الحاجة مُحَلً.
نظيف ،ويُطبخ بنار معتدلة إلى أن يَبقى منه ُ
حنِيذٍ}[هود :
شِــوَاءٌ :قال ال تعالى فى ضيافة خليـله إبراهيم عليه السلم لضيافهَ { :فمَا َلبِثَ أَن جَاءَ ِبعِجْلٍ َ
]79
وفى الترمذى :عن أُمّ سلمة رضى ال عنها(( ،أنها قرّبت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم جنباً مشوياً ،فأكل
منه ثم قام إلى الصلة ولم يتوضأ)) .قال الترمذى :حديثٌ صحيح.
وفيه أيضاً :عن عبد ال بن الحارث ،قال :أكلنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم شِواءً فى المسجد.وفيه أيضاً:
ت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات ليلة ،فأمر بجنبٍ ،فشُوِىَ ،ثم أخذ عن المغيرَة بن شُعبة قال(( :ضِف ُ
ت يَدَاهُ)).
الشّفْرَة ،فجعل يَحُ ّز لى بها منه ،قال :فجاء بلل يُؤذّن للصلة ،فألقى الشّفْرَة فقال(( :مَا لَه تَ ِربَ ْ
أنفع الشِواء شِواء الضأن الحَوْلىّ ،ثم العِجلِ اللّطيف السمين ،وهو حارٌ رطب إلى اليبوسة ،كثيرُ التوليد للسّوداء،
وهو من أغذية القوياء والصحاء والمرتاضين ،والمطبوخُ أنفع وأخف على المعدة ،وأرطبُ منه ،ومن
المُطجّن.
حنِيذ.
وأردؤه المشوى فى الشمس ،والمشوى على الجمر خير من المشوى باللّهب ،وهو ال َ
شعِيرِ،
ن يهوديًا أضاف رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ،فقدّم له خُبزَ َ حمٌ :ثبت فى ((المسند)) عن أنس(( أ ّ شَ ْ
سنِخَةُ)) :المتغيرة.
سنِخَةً)) ،و((الهالة)) :الشّحْم المذاب ،واللْية .و((ال ّ
وإهالَةً َ
لل
خ ْيبَرَ ،فالتزمتُه وقلتُ :وا ِ
حمٍ يَ ْومَ َ
وثبت فى ((الصحيح)) :عن عبد ال بن ُمغَفّل ،قال ((:دُلّى جِرَابٌ من شَ ْ
حكُ ،ولم يقل شيئاً)). أُعطى أحداً منه شيئاً ،فالتفتّ ،فإذا رسولُ الِ صلى ال عليه وسلم َيضْ َ
أجود الشح ِم ما كان مِن حيوان مكتمل ،وهو حارٌ رطب ،وهو أقلّ رطوبةً من السمن ،ولهذا لو أُذيب الشحمُ
والسمن كان الشَح ُم أسرعَ جموداً.
وهو ينفع من خشونة الحلق ،ويُرخى ويعفن ،ويُدفع ضرره بالّليْمون المملُوح ،والزنجبيل ،وشح ُم المَعز أقبضُ
الشحوم ،وشحم التّيوس أشدّ تحليلً ،وينفع مِن قروح المعاء ،وشح ُم العَنز أقوى فى ذلك ،ويُحتقَن به للسّحَج
والزّحِير.
حرف الصاد
سئَُلكَ رِزْقاً ،نّحْنُ نَ ْر ُز ُقكَ ،وَا ْلعَا ِقبَةُ لِلتّ ْقوَى}[طه ]132 :
ل نَ ْ
طبِ ْر عََل ْيهَاَ ،
ك بِالصّلَةِ وَاصْ َ
وقال تعالى{ :وَ ْأمُ ْر أَهَْل َ
وفى ((السنن))(( :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا حَ َزبَهُ أ ْمرٌ ،فَ ِزعَ إلى الصّلةِ)).
والصلة مجلبةٌ للرزق ،حافظة للصحة ،دافعة للذى ،مطردة للَدواء ،مقوّية للقلب ،مبيّضة للوجه ،مُ ْفرِحةٌ
للنفس ،مُذهبة للكسل ،منشّطةٌ للجوارح ،ممدّة للقُوَى ،شارحِة للصّدر ،مغذّية للروح ،مُنوّرة للقلب ،حافِظةٌ
للنعمة ،دافعة للنقمة ،جالِبة للبركة ،مُبعِدة من الشيطان ،مُقرّبة من الرحمن.
وبالجملة ..فلها تأثير عجيب فى حفظ صحة البدن والقلب ،وقواهما ،ودفع المواد الرديئة عنهما ،وما ابتُلى
ظ المُصَلّى منهما أقلّ ،وعاقبتُه أسلم.
رجلن بعاهةٍ أو داءٍ أو مِحنةٍ أو بَليةٍ إل كان ح ّ
سيّما إذا أُعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً ،فما استُ ْد ِفعَتْوللصلة تأثي ٌر عجيب فى دفع شُرور الدنيا ،ول ِ
ل عَزّ وجَلّ ،وعلى ن الصلة صِلةٌ با ِح ُهمَا بمثل الصلة ،وسِ ّر ذلك أ ّ
جِلبَت مصاِل ُ
شرو ُر الدّنيا والخرة ،ول استُ ْ
ض عليه ل تُفتح عليه من الخيرات أبوابَها ،وتُقط ُع عنه من الشرور أسبابَها ،وتُفِي ُ قدر صِلَةِ العبد بربه عَزّ وجَ ّ
موادَ التوفيق مِن ربه عَزّ وجَلّ ،والعافية والصحة ،والغنيمة والغِنى ،والراحة والنعيم ،والفراح والمسرّات،
كلها محضرةٌ لديه ،ومسارِع ٌة إليه.
ف اليمان)) ،فإنّهُ ما ِهيّة مُركّبة من صبر وشكر ،كما قال بعضُ السّلَف :اليمانُ نصفان: صبْرٌ(( :الصبر نِص ُ
َ
شكُورٍ}[إبراهيم .]5 :
صبّارٍ َ
ت ِلكُلّ َ
ن فِى ذَِلكَ ليَا ٍ
صبْرٌ ،ونِصفٌ شكرٌ ،قال تعالى{ :إ ّ
نِصفٌ َ
ضّيعُها ،وصبرٌ صبْرٌ على فرائض ال ،فل يُ َ سدِ ،وهو ثلثةُ أنواعَ :
جَصبْرُ من اليمان بمنزلة الرأسِ مِنَ ال َ
وال ّ
عن مَحارمه ،فَل يرتكِبُها ،وصبرٌ على أقضيته وأقداره ،فل يتسخّطُها ،ومَن استكمَلَ هذهِ المراتبَ الثلث،
استكمَل الصبرَ .ولذةُ الدنيا والخرة ونعيمها ،والفوزُ والظف ُر فيهما ،ل يَصِل إليه أحدٌ إل على جِسْر الصبر ،كما
صبْرِ.
ل أحد إلى الجنّةِ إل على الصّراطِ ،قال عم ُر ابن الخطاب رضى ال عنه :خي ُر عيشٍ أدركناه بال ّ ل يَصِ ُ
ى أبو
ل الِ صلى ال عليه وسلم ،حين تُوفّ َل علىّ رسو ُ وفى ((السنن)) لبى داود :من حديث ُأمّ سََلمَة ،قالت :دخ َ
ل الِ ،ليس فيه طيِبٌ،صبِرٌ يا رسو َ
صبِرَاً ،فقال(( :ماذا يا ُأمّ سلمةَ)) ؟ فقلت :إنما هو َ
ت علىّ َ
سلمةَ ،وقد جعل ُ
شبّ الوَجْهَ ،فَل تجعليه إل بالليل)) ونَهى عنه بالنهار. قال(( :إنّهُ يَ ُ
سيّما الهندىّ منه ،يُنقّى الفُضول الصفراوية التى فى الدماغ وأعصابِ البصر ،وإذا طُلِ َ
ى صبِ ُر كثيرُ المنافع ،ل ِ
ال ّ
صدَاع ،وينفع من قُروح النف والفمِ ،ويُسهل السّوداء والمالِيخُولْيا.
على الجبهة والصّدغ بدُهن الورد ،نفع من ال ّ
ب منه
صبِرُ الفارسى يُذكى العقل ،و ُيمِدّ الفؤاد ،ويُنقّى ال ُفضُول الصفراويةَ والبلغميّةَ مِن ال َمعِدَة إذا شُرِ َ
وال ّ
مِلْعقتان بماء ،ويردّ الشهوةَ الباطلة والفاسدة ،وإذا شُرِب فى البرد ،خِيف أن يُسهل دماً
جنّ ٌة من أدواء الروح والقلب والبدن ،منا ِفعُه تفوت الحصاء ،وله تأثيرٌ عجيب فى حفظ الصحة، صَ ْومٌ :الصوم ُ
سيّما إذا كان باعتدالٍ وقصدٍ فى أفضلِ أوقاته شرعاً،
س عن تناول مؤذياتها ،ول ِ
وإذابةِ الفضلتِ ،وحبْسِ النف ِ
وحاجَ ُة البدنِ إليه طبعاً.
وهو يدخلُ فى الدوية الروحانية والطبيعية ،وإذا راعى الصائ ُم فيه ما ينبغى مراعاتُه طبعًا وشرعاً ،عظُمَ انتفاعُ
قلبه وبدنه به ،وحبس عنه الموادّ الغريبةَ الفاسدةَ التى هو مستعدٌ لها ،وأزال الموادّ الرديئة الحاصلة بحسب
ظ منه ،ويُعينه على قيامه بمقصود الصوم وسرّه وعلته كماله ونقصانه ،ويحفظ الصائ َم مما ينبغى أن يُتحفّ َ
ص من بين العمال بأنه الغائية ،فإن القصدَ منه أمر آخر ورا َء تركِ الطعام والشراب ،وباعتبار ذلك المر اختُ ّ
جنّ ًة بين العبد وبين ما يؤذى قلبه وبدنه عاجلً وآجلً ،قال ال تعالى{ :يَا َأّيهَا اّلذِينَ ل سبحانه ،ولـمّا كان وقايةً و ُ
ب عَلَى اّلذِينَ مِنْ َقبِْلكُ ْم َلعَّلكُ ْم تَتّقُونَ}[البقرة .]188 :فأحدُ مقصودَى الصيام
صيَامُ َكمَا ُكتِ َ
ب عََل ْيكُمُ ال ّ
آ َمنُوا ُكتِ َ
جنّةُ والوِقاية ،وهى حِمية عظيمةُ النفع ،والمقصودُ الخر :اجتماعُ القلب والهم على ال تعالى ،وتوفيرُ قُوَى ال ُ
النفس على محابّه وطاعته ،وقد تقدّم الكلمُ فى بعض أسرار الصوم عند ذكر َهدْيه صلى ال عليه وسلم فيه.
حرف الضاد
ل صلى ال عليه وسلم سُئل عنه لمّا ُقدّم ضَـبٌ :ثبت فى ((الصحيحين)) من حــديث ابن عباس ،أنّ رسولَ ا ِ
ل بين يديه وعلى ج ُدنِى أَعَافُهُ ،وُأكِ َ
ض قَ ْومِى ،فأ ِ
إليه ،وامتنعَ من أكله :أحرا ٌم هو ؟ فقال(( :ل ،ولكنْ لم يكن بأر ِ
مائدته وهو َينْظُرُ))
وفى ((الصحيحين)) من حديث ابن عمر رضى ال عنهما ،عنه صلى ال عليه وسلم قال:
وهو حارٌ يابس ،يُقوّى شهوة الجِماع ،وإذا دُقّ ،و ُوضِعَ على موضع الشّوْكة اجتذَبها.
ض ْفدِعٌ :قال المام أحمدُ :الضّف َدعُ ل يَحِل فى الدواء ،نهى رسولُ ال صلى ال عليه وسلم عن قتلها ،يري ُد
ِ
ن طبيباً ذكر ضِفدعاً فى الحديثَ الذى روا ُه فى ((مسنده)) من حديث عثمان بن عبد الرحمن رضى ال عنه(( أ ّ
دواء عندَ رسول ال صلى ال عليه وسلم فنهاه عن قتلها)).
قال صاحب القانون :مَن أكل مِن دم الضّ ْفدَع أو جُرمه ،ورِم بدنُه ،و َك َمدَ لونُه ،وقذف ال َمنِىّ حتى يموت ،ولذلك
ترك الطباءُ استعماله خوفاً من ضرره.
حرف الطاء
ت قُرّةُ
ى من دُنياكُم :النّساءُ والطّيبُ ،وجُعل ْ
حبّبَ إل ّ
طِيبٌ :ثبت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قالُ (( :
عيْنى فى الصّلة)).
َ
ق عليه.
وكان صلى ال عليه وسلم يُكثِ ُر التطيّبَ ،وتشتدّ عليه الرائحةُ الكريهة ،وتَشُ ّ
غذَا ُء الروح التى هى مطيةُ القُوَى ،والقُوَى تتضاعف وتزيدُ بالطّيبِ ،كما تزيدُ بالغذاء والشراب، والطّيبُ ِ
سرّ غَيبتُه ،ويَثقُلُ على الروح ث الُمور المحبوبة ،وغَيبةِ مَن تَ ُ والدّعَةِ والسرورِ ،ومعاشرةِ الحبةِ ،وحدو ِ
حمّى للبدن، ن القُوَى ،وتَجلب الهم والغم ،وهى للروح بمنزلة ال ُ مشاهدتُه ،كالثّقلء وال ُبغَضاء ،فإنّ مُعاشرتهم تُوهِ ُ
ب ال سبحانَه الصحابةَ بنهيُهم عن التخلّق بهذا الخُلُق فى معاشرة وبمنزلة الرائحة الكريهة ،ولهذا كان مما حبّ َ
حدِيثٍ
س َت ْأنِسِينَ لِ َ
ط ِع ْمتُمْ فَا ْنتَشِرُو ْا َولَ مُ ْ
رسول ال صلى ال عليه وسلم لتأذّيه بذلك ،فقال{ :إذَا دُعِيتُ ْم فَادْخُلُو ْا فَإذَا َ
ى مِنَ الْحَقّ}[الحزاب]53-52 : ل يَسْـتَحْ ِ
حىِ ِم ْنكُمْ ،وَالُ َ
ى َفيَسْـتَ ْ
ن يُ ْؤذِى النّبِ ّ
* إنّ ذِلكُ ْم كَا َ
ن الطّيب كان من أحبّ الشياء إلى رسولِ الِ صلى ال عليه وسلم ،وله تأثيرٌ فى حفظ الصحة، والمقصود أ ّ
ودفع كثير من اللم وأسبابها ،بسبب قوة الطبيعة به.
ح منها شىء مثل حديث(( :مَنْ أكل الطّينَ ،فقد أعانَ على قتلِ نفسِه))، طِينٌ :ورد فى أحاديث موضوعة ل يَصِ ّ
ح َميْراء؛ ل تأكلى الطّينَ فإنه يَعصِ ُم البَطْنَ ،و ُيصَفّ ُر اللّونَ ،ويُذهِبُ بَهاءَ الوَجْهِ)).
ومثلُ حديث(( :يا ُ
سدّ
ل له عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،إل أنه ردى ٌء مؤذٍ ،ي ُ وكلّ حديث فى الطين فإنه ل يصح ،ول أص َ
ح الفم.ق البطن ،ويُوجب ن ْفثَ الدّم وقرو َ
ى التجفيف ،ويمنع استطل َ
مجارى العروق ،وهو بارد يابس ،قو ّ
ح مّنضْ ُودٍ}[الواقعة ،]29 :قال أكثر المفسّرين :هو المَوْز .و((المنضودُ)) :هو الذى قد
طَلْحٌ :قال تعالى{ :وَطَلْ ٍ
ضدَ بعضُه على بعض ،كالمُشْط .وقيل: نُ ّ
وهو حارٌ رطب ،أجودُه النضيج الحلو ،ينفع مِن خشونة الصدر والرئة والسّعال ،وقروح الكُلْي َتيْن ،والمثانة،
و ُيدِرّ البَوْل ،ويزيد فى ال َمنِىّ ،و ُيحَ ّركُ الشهوة للجِماع ،ويُليّن البطن ،ويُؤكل قبل الطعام ،ويَضر ال َم ِعدَة ،ويزيد
سقَاتٍ ّلهَا طَلْ ٌع نَضِيدٌ}[ق:
ل بَا ِ
فى الصفراء والبلغم ،ودفعُ ضرره بالسكر أو العسل طَلْعٌ :قال تعالى{ :وَالنّخْ َ
خلٍ طَ ْل ُعهَا َهضِيمٌ}[الشعراء ]148 :
، ]10وقال تعالىَ { :ونَ ْ
ضدَ
طل ُع النخل :ما يبدو من ثمرته فى أول ظهوره ،وقشرُه يسمى الكُفُرّى ،و((النضيدُ)) :ال َمنْضود الذى قد نُ ّ
بعضُه على بعض ،وإنما يُقال له
ق ال ُكفُرّى عنه.
وأما ((الهضيم)) :فهو المنضم بعضُه إلى بعض ،فهو كالنضيد أيضاً ،وذلك يكون قبل تَشَقّ ِ
ن ذلك يُغنى شيئاً)) ،فبلغهم ،فتركوه ،فلم يَصْلُحْ ،فقال النبىّ صلى ال عليه وسلم(( :إنما هُوَ ظَنٌ ،فإن ((ما أَظُ ّ
جلّ،
ن ال عَزّ و َ ئ ويُصيبُ ،ولكنْ ما قلتُ لكم ع ِ
ن يُخطِ ٌ
شرٌ ِمثُْلكُمْ ،وإنّ الظَ ّ
كان يُغنى شيئاً ،فاصنَعوهُ ،فإنّما أنا بَ َ
فلن أكذِبَ على الِ)) ..انتهى.
حبَل
طل ُع النخل ينفع من الباه ،ويَزيد فى المُباضَعة .ودقيقُ طلعه إذا تحمّلتْ به المرأةُ قبل الجِماع أعان على ال َ
سكّن ثائرة الدم مع غلظةٍ
إعان ًة بالغة ،وهو فى البرودة واليُبوسة فى الدرجة الثانيةُ ،يقَوّى ال َم ِعدَة ويُجفّفها ،ويُ َ
وبط ِء هضم.
ول يحتمِلُه إل أصحابُ المزجة الحارّة ،ومَن أكثرَ منه فإنه ينبغى أن يأخذ عليه شيئًا من الجُوَراشات الحارّة،
جمّارُ يجرى مجراه ،وكذلك البلحُ ،والبُسْرُ ،والكثا ُر منه يض ّر بال َم ِعدَة ل الطبع ،ويُقوّى الحشاء ،وال ُ
وهو يَعقِ ُ
والصدر ،وربما أورث القُوَلنْج ،وإصلحُه بالسمن ،أو بما تقدّم ذكرُه.
حرف العين
عنَبٌ :فى ((ال َغيْلنيّات)) من حديث حَبيب بن يَسَار ،عن ابن عباس رضى ال عنه قال :رأيتُ رسـولَ ال صلى
ِ
ل العِنبَ خَرْطاً.
ال عليه وسلم يأك ُ
قال أبو جعفر العقيلىّ :ل أصلَ لهذا الحديث ،قلتُ :وفيه داودُ بن عبد الجبار أبو سُلَيم الكوفىّ ،قال يحيى بن
مَعين :كان يكذب.
ب والبِطيخَ.
ب العن َ
ويُذكر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم :أنه كان يُح ّ
وقد ذكر ال سبحانه ال ِعنَبَ فى ستة مواضع مِن كتابه فى جملة نعمه التى أنعم بها على عباده فى هذه الدار وفى
جنّة ،وهو من أفضلِ الفواكه وأكثرِها منافعَ ،وهو يُؤكل رطباً ويابساً ،وأخضرَ ويانعاً ،وهو فاكهةٌ مع الفواكه، ال َ
حبّات :الحرارة ب مع الشربة ،وطبعُه طبعُ ال َت مع القواتِ ،وأُدمٌ مع الدام ،ودواءٌ مع الدوية ،وشرا ٌ وقو ٌ
والرطوبةُ ،وجيدُه ال ُكبّارُ المائىّ ،والبيضُ أحمدُ من السود إذا تساويا فى الحلوة ،والمتروكُ بعد قطفه يومين
أو ثلثة أحمدُ من المقطوف فى يومه ،فإنه مُنفِخ مُطلِق للبطن ،والمعلّقُ حتى يَضمُرَ قشره جيدٌ للغذاء ،مقوّ
عجَ ُم ال ِعنَب كان أكثر تليينًا للطبيعة ،والكثارُ منه مصدع للرأس،
للبدن ،وغِذاؤه كغذاء التّين والزّبيب ،وإذا أُلقَى َ
ودفع مضرته بال ّرمّان المُزّ.
(يتبع)...
سمّن ،ويَغذو جيدُه غِذاءً حسناً ،وهو أحدُ الفواكه الثلث التى هى ملوك
سهّل الطبع ،ويُ َ
@ ومنفعةُ ال ِعنَب يُ َ
الفواكه ،هو والرّطَب والتين.
قال ابن جُ َريْج :قال الزّهرىّ :عليك بالعسل ،فإنه جيد للحفظ.
عَجْوَةٌ :فى ((الصحيحين)) :من حديث سعد بن أبى وقّاص رضى ال عنه ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه
حرٌ)).
ت عَجْوَةٍ ،لَ ْم يَضُرّهُ ذلك اليومَ سُ ٌم ول سِ ْ
سبْ ِع َتمَرا ٍ
صبّحَ بِ َ
قال(( :مَن تَ َ
وفى ((سنن النسائى)) وابن ماجه :من حديث جابر ،وأبى سعيد رضى ال عنهما ،عن النبىّ صلى ال عليه
شفَاءٌ لِ ْل َعيْنِ)).
ن ،وماؤها ِ
جنّةِ ،وهى شِفا ٌء مِنَ السّمّ ،وال َكمْأ ُة مِنَ المَ ّ
وسلم(( :ال َعجْوَ ُة مِنَ ال َ
ن هذا فى عجوة المدينة ،وهى أحدُ أصناف التمر بها ،ومن أنفع تمر الحجاز على الطلق ،وهو وقد قيل :إ ّ
صِنف كريم ،ملذذ ،متين للجسم والقوة ،مِن ألين التمر وأطيبه وألذه.
وقد تقدّم ذك ُر التمر وطبعه ومنافعه فى حرف التاء ،والكل ُم على دفع العَجْوَة للسّمّ والسّحْر ،فل حاجة لعادته.
عَنبَرٌ :تقدّم فى ((الصحيحين)) من حديث جابر ،فى قصة أبى عُبيدةَ ،وأكلِهم من العنبر شهراً ،وأنهم تز ّودّوا من
لحمه وشَائِقَ إلى المدينة ،وأرسلوا منه إلى النبىّ صلى ال عليه وسلم ،وهو أح ُد ما يدل على أنّ إباحة ما فى
البحر ل يَختصّ بالسمك ،وعلى أن ميتته حلل.
ن البحر ألقاه حياً ،ثم جَزَ َر عنه الماء ،فمات ،وهذا حلل ،فإنّ موتَه بسبب مفارقته للماء،ض على ذلك بأ ّ واعتُرِ َ
وهذا ل يَصِحّ ،فإنهم إنما وجدوه ميتاً بالساحل ،ولم يُشاهدوه قد خرج عنه حيّاً ،ثم جَ َزرَ عنه الماء.
ل ما ذكروه لم يجز أن يكون شرطاً فى الباحة ،فإنه ل يُباح الشىء مع الشك فى سبب وأيضاً :فلو ُقدّرَ احتما ُ
إباحته ،ولهذا َمنَعَ النبىّ صلى ال عليه وسلم من أكل الصيد إذا وجده الصا ِئدُ غريقاً فى الماء للشك فى سبب
موته ،هل هو اللة
أم الماء ؟
وأما العنبرُ الذى هو أحدُ أنواع الطّيب ،فهو مِن أفخر أنواعه بعد المسك ،وأخطأ مَن قدّمه على المسك ،وجعله
طيَبُ الطّيب)) ،وسيأتى إن سيدَ أنواع الطّيب ،وقد ثبت عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه قال فى المِسْك(( :هُوَ أ ْ
جنّة ،والكُثبانُ التى هى مقاعدُص بها المسكُ ،حتى إنه طِيبُ ال َ
شاء ال تعالى ذكرُ الخصائص والمنافع التى خُ ّ
ك ل من عَنبرٍ.
سٍصدّيقين هناك مِن مِ ْ
ال ّ
وبعد ..فضروبُه كثيرة ،وألوانه مختلفة ،فمنه البيضُ ،والشهبُ ،والحمرُ ،والصفرُ ،والخضرُ ،والزرقُ،
والسودُ ،وذو اللوان.
ت منه
س فى عُنصره ،فقالت طائفة :هو نبات يَنبُت فى قعر البحر ،فيبتِلعُه بعض دوابه ،فإذا َثمِلَ ْ وقد اختلف النا ُ
َقذَفتْه رَجِيعاً ،فيقذِفُه البحر إلى ساحله.
ث دابة
عيْن فى البحر ،والذى يُقال :إنه َزبَد البحر ،أو رو ُ
وقال صاحب ((القانون)) :هو فيما يُظَن ينبع مِن َ
بعيدٌ ..انتهى.
ومزاجه حار يابس ،مق ّو للقلب ،والدماغ ،والحواس ،وأعضاء البدن ،نافع من الفالج واللّقْوة ،والمراض
البلغمية ،وأوجاع ال َمعِدَة الباردة ،والرياح الغليظة ،ومن السّدد إذا شُرب ،أو طُِلىَ به من خارج ،وإذا ُتبُخّر به،
نفع من الزّكام ،والصّداع ،والشّقِيقة الباردة.
عُودٌ :العود الهندى نوعان؛ أحدهما :يُستعمل فى الدوية وهو الكُسْت ،ويقال له :القُسْط ،وسيأتى فى حرف
القاف.
جمَرٍ؛ وهو ما يُتجمّر به مِن عود وغيره ،وهو أنواع :أجودُها :الهندى ،ثم الصّينى ،ثم
و((المجامر)) :جمع مِ ْ
القَمارى ،ثم المنْدَلى.
ويقال :إنه شجر يُقطع ويُدفن فى الرض سنة ،فتأكل الرض منه ما ل ينفع ،ويبقى عودُ الطّيب ،ل تعمل فيه
ب فيه.
الرض شيئاً ،ويتعفّن منه قِشرُه وما ل طِي َ
وهو حارٌ يابس فى الثالثة ،يفتح السّدد ،ويكسر الرياح ،ويُذهب بفضل الرّطوبة ،ويُقوّى الحشاء والقلب
س البطن ،وينفع مِن سَلَس البَوْل الحادث عن برد المثانة.
ويُفرحه ،وينفع الدماغ ،ويُقوّى الحواس ،ويحبِ ُ
قال ابن سمجون :العود ضروب كثيرة يجمعها اسم الَلُوّة ،ويُستعمل من داخل وخارج ،ويُتجمّرُ به مفردًا ومع
غيره ،وفى الخلط للكافور به عند التجمير معنى طبى ،وهو إصلحُ كل منهما بالخر ،وفى التجمّر مراعاةُ
ح البدان.
جوهر الهواء وإصلحُه ،فإنه أحدُ الشياء الستة الضرورية التى فى صلحها صل ُ
عدَسٌ :قد ورد فيه أحاديثُ كُّلهَا باطلة على رسولِ ال صلى ال عليه وسلم ،لم يَقُلْ شيئًا منها ،كحديث (( :إنه
َ
ن سبعين نبيًا ))ُقدّس على لسا ِ
وحديث (( :إنه يرق القلب ،و ُيغْزِ ُر الدّمعة ،وإنه مأكول الصالحين)) ،وأرفع شىء جاء فيه وأصحه ،أنه شهوةُ
اليهود التى قدّموها على المنّ والسلوَى ،وَهُو قَرِينُ الثوم والبصل فى الذكر.
ل الطبيعة .والخرى :يُطلقها ،وقشره حار وطبعه طب ُع المؤنث ،بارد يابس ،وفيه قوتان متضادّتان .إحداهما :يَعقِ ُ
يابس فى الثالثة ،حِرّيف مُطْلِق للبطن ،وترِياقُه فى قشره ،ولهذا كان صِحاحهُ أنفعَ من مطحونه ،وأخفّ على
ضرّ بالماليخوليا ضرراً
ال َم ِعدَة ،وأقلّ ضرراً ،فإنّ ُلبّه بطىءُ الهضم لبرودته ويُبوسته ،وهو مولّد للسّوداء ،ويَ ُ
بيّناً ،ويَضُ ّر بالعصاب والبصر.
ب السوداء ،وإكثارهم منه يُولّد لهم أدواء رديئة :كالوسواس ،والجذام، وهو غليظُ الدم ،وينبغى أن يتجنبه أصحا ُ
حمّى الربّع ،ويُقلل ضرره السلقُ ،والسفاناخ ،وإكثار الدّهن ،وأردأ ما ُأكِلَ بالنمكسود ،وليُتجنب خلط الحلوة وُ
جبُ الورام الباردة ،والرياحَ
به ،فإنه يُورث سُدداً كبديّة ،وإدمانه يُظلم البصر لشدة تجفيفه ،و ُيعَسّر البَوْل ،ويُو ِ
الغليظة .وأجودُه :البيضُ السمينُ ،السريع النّضج.
ط الخليل الذى يُقدّمه لضيافهَ ،ف َكذِبٌ مفترَى ،وإنما حكى الُ عنه الضيافَة
ل أنه كان سِما َ جهّا ُ
وأما ما يظنّه ال ُ
حنِيذ.
بالشّوَاء ،وهو العِجل ال َ
وذكر البيهقى عن إسحاق قال :سُئل ابنُ المبارك عن الحديث الذى جاء فى ال َعدَس ،أنه ُقدّسَ على لسان سبعين
نبيّا ،فقال :ول على لسان نبى واحد ،وإنّه لمؤذ منفخ ،مَن حدثكم به ؟ قالوا :سَلم بن سالم ،فقال :عمّن ؟ قالوا:
عنك .قال :وعنى أيضاً،،؟
حرف الغين
غيْثٌ :مذكور فى القرآن فى عِدة مواضع ،وهو لذيذ السم على السمع ،والمسمّى على الروح والبدن ،تبتهجُ َ
سيّما إذا كان مِن
ل المياه ،وألط ُفهَا وأنف ُعهَا وأعظ ُمهَا بركة ،ول ِ
ع بذكره ،والقلوب بوروده ،وماؤُه أفض ُ
السما ُ
سحاب راعد ،واجتمع فى مستنقعات الجبال.
ب من سائر المياه ،لنه لم تَطُلْ ُمدّته على الرض ،فيَكتسب من يُبوستها ،ولم يُخالطه جوهر يابس،
وهو أرط ُ
ولذلك يتغيّر ويتعفّن سريعاً للطافته وسرعة انفعاله.
قال مَن رجّح ال َغيْث الشتوى :حرار ُة الشمس تكون حينئذ أقلّ ،فل تجتذِب من ماء البحر إل ألْطفَه ،والجوّ صافٍ
ل من البخرة الدخانيّة ،والغبار المخالط للماء ،وكُلّ هذا يوجب لطفه وصفاءه ،وخُلوّه من مخالط. وهو خا ٍ
ف بذلك الماء،
وقال مَن رجّح الرّبيعى :الحرارة تُوجب تحلّلَ البخرة الغليظة ،وتُوجب رِقة الهواء ولطافته ،فيخِ ّ
ل أجزاؤه الرضية ،وتُصادِف وقتَ حياة النبات والشجار وطِيب الهواء وتَقِ ّ
ل صلى ال عليه وسلم، وذكر الشافعى رحمه ال عن أنس بن مالك رضى ال عنهما ،قالُ :كنّا مع رسولِ ا ِ
عهْدٍ بِ َربّه)) ،وقد تقدّم فى َهدْيه
ث َحدِي ُ
فأصابنا مطرٌَ ،فحَسَر رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ثوبَه ،وقال(( :إنّهُ َ
ل مجيئه. فى الستسقاء ذكر استمطاره صلى ال عليه وسلم وتبركه بماء ال َغيْث عند أوّ َ
حرف الفاء
فَاتِحَةُ ا ْلكِتاب :وُأمّ القرآن ،والسبعُ المثانى ،والشفا ُء التام ،والدواءُ النافع ،والرّقي ُة التامة ،ومفتاح ال ِغنَى والفلح،
وحافظةُ القوة ،ودافعةُ الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارَها وأعطاها حقّها ،وأحسنَ تنزيلها على
دائه ،وعَرَفَ وج َه الستشفاء والتداوى بها ،والسرّ الذى لجله كانت كذلك.
ولما وقع بعضُ الصحابة على ذلك ،رقى بها اللّديغ ،فبرأ لوقته .فقال له النبىّ صلى ال عليه وسلم(( :وما أدراك
أنّها ُر ْقيَة)).
ومَن ساعده التوفيق ،وأُعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرارِ هذه السورة ،وما اشتملت عليه مِنَ التوحيد،
ومعرفةِ الذات والسماء والصفات والفعال ،وإثباتِ الشرع وال َقدَر والمعاد ،وتجريدِ توحيد الربوبية واللهية،
وكمال التوكل والتفويض إلى مَن له المر كُلّه ،وله الحمدُ كُلّه ،وبيده الخي ُر كُلّه ،وإليه يرجع الم ُر كُلّه،
ط معانيها بجلب مصالحهما ،ودفع والفتقار إليه فى طلب الهداية التى هى أصلُ سعادة الدارين ،وعَلِمَ ارتبا َ
مفاسدهما ،وأنّ العاقبةَ المطلقة التامة ،والنعمةَ الكاملة مَنوط ٌة بها ،موقوفةٌ على التحقق بها ،أغنته عن كثير من
الدوية والرّقى ،واستفتح بها من الخير أبوابه ،ودفع بها من الشر أسبابَه.
ق ذلك .وما تحقّق عبدٌ بها ،واعتصم بها ،وعقل عمن تكلّم بها،
ول َعمْرُ ال إنّ شأنها لعظ ُم من ذلك ،وهى فو َ
وأنزلها شفاءً تاماً ،وعِصمةً بالغةً ،ونورًا مبيناً ،وفهمها وفهم لوازمَها كما ينبغى ووقع فى بدعةٍ ول شِركٍ ،ول
ض من أمراض القلوب إل لِماماً ،غيرَ مستقر. أصابه مر ٌ
جنّة ،ولكن ليس كل واحد يُحسن الفتح بهذا هذا ..وإنها المفتاح العظم لكنوز الرض ،كما أنها المفتاحُ لكنوز ال َ
المفتاح ،ولو أنّ طُلبَ الكنوز وقفوا على سر هذه السورة ،وتحقّقُوا بمعانيها ،وركّبوا لهذا المفتاح أسناناً،
وأحسنُوا الفتح به ،لوصلوا إلى تناول الكُنو ِز من غير معاوِق ،ول ممانع.
ن ل تعالى حكمةٌ بالغة فى إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر ولم نقل هذا مجازفةً ول استعارةً؛ ،بل حقيقةً ،ولك ْ
ح خبيثة
العالَمين ،كما لَه حكمة بالغة فى إخفاء كنوز الرض عنهم .والكنو ُز المحجوبة قد استُخدمَ عليها أروا ٌ
ح عُلْوية شريفة غالبة لها بحالها اليمانى ،معها منه أسلحةٌ ل بين النس وبينها ،ول تقهرُها إلّ أروا ٌ شيطانية تحو ُ
ل تقومُ لها الشياطين ،وأكثرُ نفوس الناس ليست بهذه المَثابة ،فل يُقا ِومُ تلك الرواح ول يَ ْقهَرُها ،ول ينال من
سلبِها شيئاً ،فإنّ مَن قتل قتيلً فله سلبه
شعَب اليمان)) من حديث عبد حنّاء ،وهى من أطيب الرياحين ،وقد روى البيهقى فى كتابه (( ُغيَةٌ :هى نَوْ ُر ال ِ
فَا ِ
غيَةُ)) ،وروى فيه أيضاً، ال بن بُريدَة ،عن أبيه رضى ال عنه يرفعه (( :سيدُ الرّياحين فى الدنيا والخرة الفا ِ
غيَةُ)) .وال
حبّ الرّياحين إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم الفا ِ عن أنس بن مالك رضى ال عنه ،قال(( :كان أ َ
أعلم بحال هذين الحديثين ،فل نشهد على رسول ال صلى ال عليه وسلم بما ل نعلم صِحته.
فِضّةٌ :ثبت أنّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم كان خا ِتمُه من فِضّة ،وفَصّه منه ،وكانت َقبِيعةُ سيفِه فِضّة ،ولم
ح عنه المنع من الشّرب فى آنيتها ،وبابُ يصح عنه فى المنع من لباس الفِضّة والتحلّى بها شى ٌء البتة ،كما صَ ّ
ق من باب اللباس والتحلى ،ولهذا يُباح للنساء لباسًا وحليةً ما يحرُم عليهن استعمالُه آنيةً ،فل يلزم من النية أضي ُ
تحريم النية تحريمُ اللباس والحلية.
ق بالعيون
ن أهل الدنيا بينهم ،وصاحبُها مرمو ٌ والفِضّة سِ ٌر من أسرار ال فى الرض وطلسم الحاجات ،وإحسا ُ
ل مجالستُه ،ول معاشرتُه ،ول بينهم ،معظّمٌ فى النفوس ،مُصدّرٌ فى المجالس ،ل تُغلق دونه البواب ،ول تُمَ ّ
سمِ َع قوله ،وإن شَفَ َع ُقبِلَتْ شفاعتُه ،وإن
يُستثقل مكانه ،تُشير الصابعُ إليه ،وتعقِد العيون نِطاقها عليه ،إن قال ُ
ب فكُفء ل يُعاب ،وإن كان ذا شيبة بيضاء فهى أجمل عليه من حِلية الشباب. خطَ َت شهادتُه ،وإن َ
شهد ُزكّي ْ
وهى من الدوية المفرحة النافعةِ من الهمّ والغمّ والحزن ،وضعف القلب وخفقانه ،وتدخُلُ فى المعاجين ال ُكبّار،
وتجتذب بخاصيتها ما يتولّد فى القلب من الخلط الفاسدة ،خصوصًا إذا أُضيفت إلى العسل المصفّى،
والزعفران.
طنِهِ نارَ
ب فى آنيةِ الذّهَب وال ِفضّة إنما يُجَ ْرجِ ُر فى بَ ْ
فى ((الصحيح)) من حديث أُم سلمة أنه قال(( :الذى يشر ُ
ج َهنّمَ)).
َ
ح عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال(( :ل تشربوا فى آنيةِ الذّهبِ والفِضّةِ ،ول تأكُلُوا فى صِحَافِهما ،فإنها َلهُم وص ّ
فى ال ّدنْيا ولكم فى الخِرَةِ)).
ن العِلّة وال أعلم ما ُيكْسِب استعمالُها القلبَ من الهيئة ،والحالة المنافية للعبودية منافا ًة ظاهرة ،ولهذا
فالصواب أ ّ
عَلّل النبىّ صلى ال عليه وسلم بأنها للكفار فى ال ّدنْيا ،إذ ليس لهم نصيب مِن العبودية التى ينالون بها فى الخرة
ى بالدنيا وعاجِلهَا
نعيمها ،فل يصلُح استعمالُها لعبيد ال فى الدنيا ،وإنما يستعمِلُها مَنْ خرج عن عبوديته ،ورَضِ َ
من الخرة.
حرف القاف
ظ الصحة
وقد تقدّم فى أول الكلم على الطب بيانُ إرشاد القرآن العظيم إلى أُصوله ومجامعه التى هى حف ُ
والحِميةُ ،واستفراغُ المؤذى ،والستدللُ بذلك على سائر أفراد هذه النواع.
ب أدوائها وعلجها .قال { :أَ َو َلمْ َيكْ ِفهِ ْم َأنّا َأنْزَ ْلنَا عََل ْيكَ
وأما الدوية القلبية ،فإنه يذكرها مُفصّلةً ،ويذكر أسبا َ
ب ُيتْلَى عََل ْيهِمْ}[العنكبوت ، ]51 :فمَن لم يَشْفِه القرآنُ ،فل شفاه ال ،ومَن لم يَكفِه ،فل كفاه ال. ا ْل ِكتَا َ
ِقثّاءٌ :فى ((السنن)) :من حديث عبد ال بن جعفر رضى ال عنه ((أنّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم كان يأكلُ
ى وغيره.
ال ِقثّاءَ بالرّطب)) .ورواه الترمذ ّ
ال ِقثّاء بارد رطب فى الدرجة الثانية ،مطفى ٌء لحرارة ال َم ِعدَة الملتهبة ،بطىء الفساد فيها ،نافعٌ من وجع المثانة،
ورائحتُه تنفع من الغَشْى ،وبِزرُه ُيدِرّ البَوْل ،وورقهُ إذا اتّخِذ ضِماداً ،نفع من عضة الكلب.
وهو بطىءُ النحدار عن ال َمعِدة ،وبرده مُضِ ٌر ببعضها ،فينبغى أن يُستعم َل معه ما يُصلحه ويكسر برودته
ورطوبته ،كما فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ أكله بالرّطب ،فإذا أُكل بتمر أو زبيب أو عسل عدّله.
ط وكُسْت:
قُسْ ٌ
بمعنى واحد .وفى ((الصحيحين)) :من حديث أنس رضى ال عنه ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم(( :خيرُ ما
سطُ البَحْرِىّ)).
تدا َو ْيتُم به الحِجامةُ والقُ ْ
وفى ((المسند)) :من حديث أُ ّم قيـس ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم(( :عليكم بهذا العُود الهندىّ ،فإنّ فيه سَـ ْبعَةَ
جنْبِ)).
أشْــفِيةٍ منها ذاتُ ال َ
ض الذى يُقَال له :البحرىّ .والخر :الهندىّ ،وهو أشدّهما حراً ،والبيضُ ألينهُما،
القُسْط :نوعان .أحدهما :البي ُ
ومنافعُهما كثيرة جداً.
وهما حاران يابسان فى الثالثة ،يُنشّفان البلغم ،قاطعانِ للزّكام ،وإذا شُ ِربَا ،نفعا من ضعف ال َكبِدِ وال َمعِدَة ومن
سمُوم ،وإذا طُِلىَ به الوجهُ معجوناً بالماء حمّى الدّوْرِ والرّبع ،وقطعا وج َع الجنب ،ونفعا مِن ال ّ بردهما ،ومِن ُ
والعسل ،قَلَ َع الكَلَف.
(يتبع)...
ب الطباء ،وأنّ
ب النبياء أقلّ من نسبةِ طِب الطّرقيّة والعجائز إلى طِ ّ ب الطباء بالنسبة إلى طِ ّ وقد تقدّم أنّ طِ ّ
بيْن ما يُلقّى بالوحى ،وبيْن ما يُلَقّى بالتجربة ،والقياسِ من الفرْق أعظ َم مما َبيْن ال َقدَم والفرق.
جهّال وجدوا دوا ًء منصوصاً عن بعض اليهود والنصارى والمشركين من الطباء ،لتلقّوْه ولو أنّ هؤلء ال ُ
بالقبول والتسليم ،ولم يتوقّفُوا على تجربته.
ق ممن
نعم ..نحن ل ننكِ ُر أنّ للعادة تأثيراً فى النتفاع بالدواء وعدمه ،فمَن اعتاد دواءً وغذاءً ،كان أنفعَ له ،وأوف َ
لم يَعتدْه ،بل ربما لم ينتفع به مَن لم يعتده.
وكلمُ فضلء الطباء وإن كان مطلَقًا فهو بحسب المزجة والزمنة ،والماكن والعوائد ،وإذا كان التقييدُ بذلك
ل يقدح فى كلمهم ومعارفهم ،فكيف يقدح فى كلم الصادق المصدوق ،ولكن نفوس البَشَر مركبةٌ على الجهل
والظلم ،إل مَن أيّده ال بروح اليمان ،ونَوّ َر بَصيرته بنور ال ُهدَى.
سكّرِ :جاء فى بعض ألفاظ السّـنّة الصحيحة فى الحَوض(( :ماؤه أحلى من السكّر )) ول أعرف
ب ال ّ
قَصَ ُ
((السكر)) فى الحديث إل فى هذا الموضع.
والسكر حادث لم يتكلم فيه متقدّمو الطباء ،ول كانوا يعرفونه ،ول يَصِفونه فى الشربة ،وإنما يعرفون العسل،
ويُدخلونه فى الدوية.
وقصبُ السكر حارٌ رطب ينفع من السّعال ،ويجلو الرطوبةَ والمثانة ،وقصبةَ الرّئة ،وهو أشدّ تليينًا من السكر،
ب السكر بعدن مَصّ قص َ وفيه معونةٌ على القىء ،و ُيدِ ّر البَوْل ،ويزيد فى الباه .قال عفان بن مسلم الصفّار :مَ ْ
طعامه ،لم يزل يومَه أجمعَ فى سرور ..انتهى.
وهو ينفع من خشونة الصدر والحلق إذا شُوِىَ ،ويُولّد رياحاً دفعُها بأن يُقشّ َر ويُغسل بماء حار.
حرف الكاف
حمّى رقعةً فيها :بسم ال الرحمن حمّى :قال المرْوَ ِزىّ :بَلَغَ أبا عبد ال أنى حُممتُ ،فكتب لى من ال ُ ب لِل ُ
ِكتَا ٌ
لمًَا عَلَى إبْرَاهِيمَ *وََأرَادُواْ بِ ِه َكيْداً
الرحيم ،بسم ال ،وبال ،محمدٌ رسول ال{ ،قُ ْلنَا يَا نَارُ كُونِى بَرْداً َوسَ َ
ب هذا الكتابِ لخْسَرِينَ}[النبياء ،]70-69 :الّلهُمّ ربّ جبرائيلَ ،وميكائيلَ ،وإسرافيلَ ،اشفِ صاح َ جعَ ْلنَا ُهمُ ا َ
فَ َ
جبَرُو ِتكَ ،إلهَ الحق آمين.
بِحَوْلِك وقُ ّو ِتكَ و َ
قال حربٌ :ولم يُشدّ ْد فيه أحمد بن حنبل .قال أحمد :وكان ابن مسعود يكرهه كراهةً شديدة جدّا .وقال أحمد وقد
سئِل عن التمائ ُم ُتعَلّق بعد نزول البلء ؟ قال :أرجو أن ل يكونَ به بأس.
ُ
كتاب لعُسْر الولدة :قال الخَلل :حدّثنى عبدُ ال بن أحمد ،قال :رأيتُ أبى يكتب للمرأة إذا عَسُ َر عليها ولدُتها
فى جا ٍم أبيض ،أو شىء نظيف ،يكتُبُ حديث ابن عباس رضى ال عنه :ل إله إل ال الحليمُ الكريمُ ،سبحان ال
ن لَ ْم يَ ْل َبثُواْ إلّ سَاعَ ًة مّنْ َنهَارٍ،
ن مَا يُوعَدُو َ
ح ْمدُ لِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ { :كَأنّهُ ْم يَوْ َم يَرَوْ َ ربّ العرش العظيم ،الْ َ
ضحَاهَا}[النازعات]46 : شيّةً أَوْ ُعِلغٌ}[الحقاف{ ، ]35 :كََأّنهُ ْم يَوْ َم يَرَ ْو َنهَا َل ْم يَ ْلبَثُوا إلّ َ بَ َ
سرَ عليها
ن أبا عبد ال جاءه رجل فقال :يا أبا عبد ال؛ تكتبُ لمرأة قد عَ ُقال الخَلل :أنبأنا أبو بكر المَرْوزىّ :أ ّ
ولدُها منذ يومين ؟ فقال :قُلْ له :يَجِئ بجامٍ واسِع ،وزعفرانٍ ،ورأيتُهُ يكتب لغير واحد.
ويُذكر عن عِكرمةَ ،عن ابن عباس ،قال :مَرّ عيسى صلّى ال على نبيّنا وعليه وسَلّم على بقرة قد اعتَرَضَ
س مِنَ النفسِ ،وياق النف َ
ولدُها فى بطنها ،فقالت :يا كلمةَ ال؛ ادعُ ال لى أن يُخَلّصَنى مما أنا فيه .فقال :يا خال َ
شمّه .قال:
ت بولدها ،فإذا هى قائمة تَ ُصهَا .قال :فرم ْ خلّ ْ
ن النفسَِ ،
ج النفسَ مِ َ
خرِ َ
س مِنَ النفسِ ،ويا مُ ْ
ص النف َ
مخلّ َ
عسُ َر عَلى المرأة ولدُها ،فاكتبْه لها .وكل ما تقدم من الرقى ،فإن كتابته نافعة. فإذا َ
ورخص جماعة من السلف في كتابة بعض القرآن وشربه ،وجعل ذلك من الشفاء الذي جعل ال فيه.
كتاب آخر لذلك :يكتب في إناء نظيف{ :إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت * وإذا الرض مدت * وألقت
ما فيها وتخلت} [النشقاق ،]4-1 :وتشرب منه الحامل ،ويرش على بطنها.
كتاب للرعاف :كان شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال يكتب على جبهته{ :وقيل يا أرض ابلعي ماءك ،ويا سماء
أقلعي وغيض الماء وقضي المر} [هود .]44 :وسمعته يقول :كتبتها لغير واحد فبرأ ،فقال :ول يجوز كتابتها
بدم الراعف ،كما يفعله الجهال ،فإن الدم نجس ،فل يجوز أن يكتب به كلم ال تعالى.
كتاب آخر له :خرج موسى عليه السلم برداء ،فوجد شعيباً ،فشده بردائه {يمحو ال ما يشاء ويثبت وعنده أم
الكتاب} [الرعد.]39 :
كتاب آخر للحزاز :يكتب عليه{ :فأصابها إعصار فيه نار ،فاحترقت} [البقرة ]266 :بحول ال وقوته.
كتاب آخر له :عند اصفرار الشمس يكتب عليه{ :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من
رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ،ويغفر لكم وال غفور رحيم} [الحديد.]28 :
كتاب آخر للحمى المثلثة :يكتب على ثلث ورقات لطاف :بسم ال فرّت ،بسم ال مرت ،بسم ال قلت ،ويأخذ كل
يوم ورقة ،ويجعلها في فمه ،ويبتلعها بماء.
كتاب آخر لعرق النسا :بسم ال الرحمن الرحيم ،اللهم رب كل شيء ،ومليك كل شيء ،وخالق كل شيء ،أنت
خلقتني ،وأنت خلقت النّسا ،فل تسلطه علي بأذى ،ول تسلطني عليه بقطع ،واشفني شفاء ل يغادر سقماً ،ل
شافي إل أنت.
كتاب للعرق الضارب :روى الترمذي في ((جامعه)) :من حديث ابن عباس رضي ال عنهما :أن رسول ال
صلى ال عليه وسلم كان يعلمهم من الحمى ،ومن الوجاع كلها أن يقولوا(( :بسم ال الكبير ،أعوذ بال العظيم
من شر كل عرق نعار ،ومن شر حر النار)).
كتاب لوجع الضرس :يكتب على الخد الذي يلي الوجع :بسم ال الرحمن الرحيم{ :قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم
السمع والبصار والفئدة قليلً ما تشكرون} [النحل ،]78 :وإن شاء كتب{ :وله ما سكن في الليل والنهار وهو
السميع العليم} [النعام.]13 :
كتاب للخراج :يكتب عليه{ :ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفًا فيذرها قاعاً صفصفًا ل ترى فيها عوجاً
ول أمتاً} [طه.]105 :
كمأة :ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال(( :الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين)) ،أخرجاه في
((الصحيحين)).
قال ابن العرابي :الكمأة :جمع ،واحده كمء ،وهذا خلف قياس العربية ،فإن ما بينه وبين واحده التاء ،فالواحد
منه بالتاء ،وإذا حذفت كان للجمع .وهل هو جمع ،أو اسم جمع ؟ على قولين مشهورين ،قالوا :ولم يخرج عن
هذا إل حرفان :كمأة وكمء ،وجبأة وجبء ،وقال غير ابن العرابي :بل هي على القياس :الكمأة للواحد ،والكمء
للكثير ،وقال غيرهما :الكمأة تكون واحداً وجمعاً.
واحتج أصحاب القول الول بأنهم قد جمعوا كمئاً على أكمؤ ،قال الشاعر:
والكمأة تكون في الرض من غير أن تزرع ،وسميت كمأة لستتارها ،ومنه كمأ الشهادة :إذا سترها وأخفاها،
والكمأة مخفية تحت الرض ل ورق لها ،ول ساق ،ومادتها من جوهر أرضي بخاري محتقن في الرض نحو
سطحها يحتقن ببرد الشتاء ،وتنميه أمطار الربيع ،فيتولد ويندفع نحو سطح الرض متجسداً ،ولذلك يقال لها:
جدري الرض ،تشبيهاً بالجدري في صورته ومادته ،لن مادته رطوبة دموية ،فتندفع عند سن الترعرع في
الغالب ،وفي ابتداء استيلء الحرارة ،ونماء القوة.
وهي مما يوجد في الربيع ،ويؤكل نيئاً ومطبوخاً ،وتسميها العرب :نبات الرعد لنها تكثر بكثرته ،وتنفطر عنها
الرض ،وهي من أطعمة أهل البوادي ،وتكثر بأرض العرب ،وأجودها ما كانت أرضها رملية قليلة الماء.
وهي أصناف :منها صنف قتال يضرب لونه إلى الحمرة يحدث الختناق.
وهي باردة رطبة في الدرجة الثالثة ،رديئة للمعدة ،بطيئة الهضم ،وإذا أدمنت ،أورثت القولنج والسكتة والفالج،
ووجع المعدة ،وعسر البول ،والرطبة أقل ضررًا من اليابسة ومن
ن المنّ الذى أُنزل على بنى إسرائيل لم يكن هذا الحلو فقط ،بل أشياءُ كثيرة مَنّ ال عليهم بها من أحدهما :أ ّ
النبات الذى يُوجد عفوًا من غير صنعة ول عِلج ولحرث ،فان المن مصدر بمعنى المفعول أى ((ممنون)) به
فكل ما رزقه ال العبد عفوا بغير كسب منه ول علج ،فهو مَنٌ محضٌ ،وإن كانت سائر نعمه َمنّا منه على
ن بل واسطة العبد ،وجعل سبحانه قُوتَهم ص منها ما ل كسب له فيه ،ول صُنعَ باسم ((المنّ)) ،فإنه مَ ٌ
عبده ،فخ ّ
بالتّيه ((الكمأة)) ،وهى تقومُ مقام الخبز ،وجعل أُدمهم ((السّلْوى)) ،وهو يقوم مقام اللّحم ،وجعل حَلواهم
((الطلّ)) الذى ينزلُ على الشجار يقوم لهم مقام الحلوى .ف َكمُل عيشهُم.
وتأمل قوله صلى ال عليه وسلم (( :الكمأة من المنّ الذى أنزله ال على بنى إسرائيل)) فجعلها من جملته ،وفرداً
ن عليه عُرْفاً حادثاً.
من أفراده ،والترنْجبين الذى يسقط على الشجار نوع من المَنّ ،ثم غلب استعمال المَ ّ
ن ال ُمنَزّل من السماء ،لنه يُجمع من غير تعب ول كلفة ول زرع بِزر ول
شبّهَ الكمأ َة بالمَ ّ
والقول الثانى :أنه َ
سقى.
ل سبحانه أتقن كُلّ شىء صنعه ،وأحسن كُلّ شىء خلقه ،فهو عند مبدإ خلقه برى ٌء من الفات والعلل، فاعلم أنّ ا َ
ت بعد ذلك بأُمور أُخَر من مجاورة ،أو امتزاج واختلط،
ق له ،وإنما تعرِضُ له الفا ُ تا ّم المنفعة لما هُيىء وخُلِ َ
أو أسباب أُخَر تقتضى فسادَه ،فلو تُ ِركَ على خِلقته الصلية من غير تعلق أسباب الفساد به ،لم يفسد.
ن جميع الفساد فى جَوّه ونباته وحيوانه وأحوالِ أهله ،حادثٌ بعد ومَنْ له معرفة بأحوال العالَم ومبدئه يعرِف أ ّ
خلقه بأسباب اقتضت حدوثَه ،ولم تزل أعمالُ بنى آدَم ومخالفتُهم للرّسُل تُحدث لهم من الفساد العام والخاص ما
يجلب عليهم من اللم ،والمراض ،والسقام ،والطواعين ،والقحوط ،والجدوب ،وسلب بركات الرض،
ضهَا بعضاً.
وثمارها ،ونباتها ،وسلب منافعها ،أو نقصانها أُموراً متتابعة يتلو بع ُ
ولقد كانت الحبوب من الحِنطة وغيرها أكبرَ مما هى اليوم ،كما كانت البركةُ فيها أعظمَ .وقد روى المام أحمد
ب عليها :هذا كان ينبُت أيا َم
بإسناده :أنه وجد فى خزائن بعض بنى أميةَ صرة فيها حِنط ٌة أمثال نوى التمر مكتو ٌ
العدل .وهذه القصة ،ذكرها فى ((مسنده)) على أثر حديث رواه
ل سبحانه أعمال البَرّ والفاجر مقتضياتٍ لثارها فى هذا العالَم اقتضاءً ل بد منه ،فجعل منعَ الحسان وقد جعل ا ُ
جدْبِ ،وجعَلَ ظل َم المساكين ،والبخسَ فى المكاييل
ط وال َ
والزكاة والصدقة سبباً لمنع ال َغيْث من السماء ،والقح ِ
ستُرْحِموا ،ول
والموازين ،وتعدّى القَوّىّ على الضعيف سببًا لجَوْر الملوك والولة الذين ل يَرحمون إن ا ْ
َيعْطِفُون إن استُعطِفُوا ،وهم فى الحقيقة أعمالُ الرعايا ظهرت فى صور وُلتهم ،فإنّ الَ سبحانه بحكمته وعدله
يُظهِرُ للناس أعمالَهم فى قوالِب وصو ٍر تناسبها ،فتارةً بقحط وجدب ،وتارة بعدوّ ،وتارةً بولة جائرين ،وتارةً
بأمراضٍ عامة ،وتار ًة بهُموم وآلم وغموم تحضُرها نفوسُهم ل ينفكّونَ عنها ،وتار ًة بمنع بركات السماء
ق عليهم الكلمة ،وليصي َر كل
والرض عنهم ،وتار ًة بتسليط الشياطين عليهم تَؤُزّهم إلى أسباب العذاب أزّاًِ ،لتَحِ ّ
سيّر بصيرته بين أقطار العالَم ،فيُشاهدُه ،وينظر مواقعَ عدل ال وحكمته ،وحينئذ ق له .والعاقل يُ َمنهم إلى ما خُلِ َ
عهُم خاصةً على سبيل النجاة ،وسائر الخلق على سبيل الهلك سائرون ،وإلى دار البَوار َيتَبيّنُ له أنّ الرّسُلَ وأتبا َ
ب لحكمه ،ول رادَ لمره ..وبال التوفيق صائرون ،والُ بالغُ أمرِه ،ل ُمعَقّ َ
أحدها :أنّ ماءَها يُخلَط فى الدوية التى يُعالَج بها ال َعيْنُ ،ل أنه يُستعمل وحده ،ذكره أبو عُبيد.
ب فضلتِه ورطوبتَه
الثانى :أنه يُستعمل بحْتًا بعد شَـيّها ،واستقطار مائها ،لنّ النار تُلطّفه وتُنضجه ،وتُذِي ُ
المؤذية ،وتُبقى المنافع.
ن المراد بمائها الماءُ الذى يحدث به من المطر ،وهو أولُ َقطْر ينزل إلى الرض ،فتكون الضافة
الثالث :أ ّ
إضافةَ اقتران ،ل إضافة جزء ،ذكره ابن الجوزى ،وهو أبعدُ الوجوه وأضعفها.
وقيل :إن استُعمل ماؤها لتبريد ما فى ال َعيْن ،فماؤها مجرّداً شفاء ،وإن كان لغير ذلك ،فمركّب مع غيره.
ط َيبُه)).
((عليكم بالسْ َودِ ِمنْهُ ،فإنّه أ ْ
الكَباث بفتح الكاف ،والباء الموحدة المخففة ،والثاء المثلثة ثمرُ الراك .وهو بأرض الحجاز ،وطبعُه حار يابس،
ومنافعُه كمنافع الراك :يُقَوّى المعدة ،ويُجيدُ الهضمَ ،ويجلُو البلغمَ ،وينفعُ مِن أوجاع الظهر ،وكثي ٍر من الدواء.
قال ابن جُلْجُل :إذا شُ ِربَ طحينُه ،أدرّ البَوْلَ ،ونقّى المثانة ،وقال ابنُ رضوان :يُ َقوّى ال َمعِدَة ،ويُمسكُ الطبيعة.
َكتَمٌ :روى البخارىّ فى ((صحيحه)) :عن عثمان بن عبد ال ابن مَوْهَب ،قال :دخلنا على ُأمّ سَلَمة رضى ال
حنّاء وال َكتَمِ.
عنها ،فأخرجت إلينا شعَرًا من شعر رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فإذا هو مخضوبٌ بال ِ
حنّاءُ
ب ال ِ
شيْ َ
ن أحسنَ ما غيّ ْرتُم به ال ّ
ى صلى ال عليه وسلم أنه قال(( :إ ّ
وفى ((السنن الربعة)) :عن النب ّ
وال َكتَمُ)).
ل قد
وفى ((سنن أبى داود)) :عن ابن عباس رضى ال عنهما ،قال :مَرّ على النبىّ صلى ال عليه وسلم رج ٌ
حنّاء ،فقال:
خضَبَ بال ِ
َ
ضبَ
خرُ قد خَ َ
ن من هذا)) ،فمرّ آ َ
حنّاءِ وال َكتَم ،فقال(( :هذا أحس ُ
ضبَ بال ِ حسَنَ هذا)) ؟ ،فم ّر آخرُ قد خَ َ
((ما أ ْ
ن من هذا كُلّهِ)).بالصّفرة ،فقال (( :هذا أحس ُ
وقال الكِندى :بزر الكَتَم إذا اكتُحِلَ به ،حلّل الماء النازل فى العين وأبرأها.
وقد ظن بعض الناس أنّ ال َكتَمَ هو الوَسْمة ،وهى ورق النّيل ،وهذا وهَمٌ ،فإن الوَسْمة غير ال َكتَم .قال صاحب
ت له ورق طويل يَضرِبُ ((الصحاح))(( :ال َكتَم بالتحريك :نبت يُخلط بالوَسْمة يُختضَب به .قيل :وال َوسْمة نبا ٌ
لونه إلى الزرقة أكب ُر من ورق الخِلف ،يُشبه ورق اللّوبياء ،وأكبرُ منه ،يُؤتى به من الحجاز واليمن.
فإن قيل :قد ثبت فى ((الصحيح)) عن أنس رضى ال عنه ،أنه قال(( :لم يختضِب النبىّ صلى ال عليه وسلم)).
ش ِهدَ به غيرُ أنس رضى ال عنه على النبىّ صلى ال عليه وسلم
ل عن هذا وقال :قد َ قيل :قد أجاب أحمد بن حنب ٍ
شهِدَ بمنزلة مَن لم يشهدْ ،فأحمدُ أثبتَ خِضاب النبىّ صلى ال عليه وسلم ،ومعه جماعة
أنه خَضَبَ .وليس مَنْ َ
من المحدّثين ،ومالك أنكره.
ى به ورأسُه ولحيتُه
ى عن الخِضاب بالسواد فى شأن أبى قُحاف َة لمّا ُأتِ َ فإن قيل :قد ثبت فى ((صحيح مسلم)) النه ُ
جّنبُوهُ السّوَاد)) .والكت ُم يُسَوّد الشعرَ.
شيْبَ و َ
غيّرُوا هذا ال ّ
كال ّثغَامة بياضاً ،فقالَ (( :
ب التدليس ،كخِضاب شعر الجارية ،والمرأةِ الكبيرة تغرّخضَاب بالسّوَاد المنهى عنه خِضا ُ الجواب الثانى :أنّ ال ِ
خضَاب الشيخ َيغُرّ المرأ َة بذلك ،فإنه من الغش والخِداع ،فأما إذا لم يتضمن تدليساً ول
الزوج ،والسيدَ بذلك ،و ِ
خِداعاً ،فقد صحّ عن الحسن والحسين رضى ال عنهما أنهما كانا يخضِبان بالسّواد ،ذكر ذلك ابن جرير عنهما
فى كتاب ((تهذيب الثار)) ،وذكره عن عثمان ابن عفان ،وعبد ال بن جعفر ،وسعد بن أبى وقاص ،وعُقب َة بن
عامر ،والمغيرة بن شعبة ،وجرير بن عبد ال ،وعمرو بن العاص.
وحكاه عن جماعة من التابعين ،منهم :عمرو بن عثمان ،وعلى بن عبد ال بن عباس ،وأبو سلمة بن عبد
الرحمن ،وعبد الرحمن بن السود ،وموسى بن طلحة ،والزّهْرى ،وأيوب ،وإسماعيل بن معدى كرب.
وحكاه ابن الجوزى عن محارب بن دِثار ،ويزيد ،وابن جُريج ،وأبى يوسفَ ،وأبى إسحاق ،وابن أبى ليلى،
وزياد بن عَلقة ،وغَيلن بن جامع ،ونافع بن جُبير ،وعمرو بن على المُ َقدّمى ،والقاسم بن سلم
@
حبَلَةُ ،ويُكره تسميتها كَرْماً ،لما روى مسلم فى ((صحيحه)) عن النبىّ صلى ال عليه كَرْمٌ :شجرة ال ِعنَب ،وهى ال َ
ل المُسِْلمُ)) .وفى رواية(( :إنما الكَرْ ُم قَ ْلبُ المُ ْؤمِنِ))،
وسلم أنه قال(( :ل يقولَنّ أح ُدكُمْ لل ِعنَبِ الكَرْمَ ،الكَرْمُ :الرّجُ ُ
حبَلَةُ)).
وفى أُخرى(( :ل تقولوا :الكرمُ ،وقُولُوا :ال ِعنَبُ وال َ
أحدهما :أنّ العرب كانت تُسمى شجرة ال ِعنَب الكَرْمَ ،لكثرة منافعها وخيرها ،فكره النبىّ صلى ال عليه وسلم
تسميَتها باسم يُهيّج النفوس على محبتها ومحبة ما يُتخذ منها من المسكر ،وهو أُمّ الخبائث ،فكره أن يُسمّى أصلُه
بأحسن السماء وأجمعها للخير.
س المِسْكينُ بالطّوّافِ)) .أى :أنكم تُسمون شجر َة شدِيدُ بالصّرَعَةِ)) ،و((َليْ َوالثانى :أنه من باب قولهَ(( :ليْسَ ال ّ
ب المؤمن أو الرجل المسلم أولى بهذا السم منه ،فإنّ المؤمنَ خي ٌر كُلّه ونفع ،فهو ال ِعنَب كَرْمًا لكثرة منافعه ،وقل ُ
من باب التنبيه والتعريف لما فى قلب المؤمن من الخير ،والجود ،واليمان ،والنور ،والهدى ،والتقوى،
حبَلَةِ باردة يابسة ،وورقُها
حبَلَة له.وبعد ..فقو ُة ال َ والصفات التى يستحق بها هذا السم أكث ُر من استحقاق ال َ
صدَاع سكنته ،ومن الورام ض ّمدَ بها من ال ّ وعلئقها وعرمُوشها مبرد فى آخر الدرجة الُولى ،وإذا ُدقّت و ُ
شرِبت سكّنت القىء ،وعقلت البطن ،وكذلك إذا مُضغت قلوبها الحارة والتهاب المعدة .وعُصارةُ قضبانه إذا ُ
الرطبة .وعُصارةُ ورقها ،تنفع من قروح المعاء ،ونفْث الدم وقيئه ،ووجع ال َمعِدَة .ودمعُ شجره الذى يُحمل على
ب والجَ َربَ المتقرح وغيره ،وينبغى غسل خ به ،أبرأ القُوَ َ ب أخرج الحصاة ،وإذا لُطِ َ القضبان ،كالصمغ إذا شُرِ َ
العضو قبل استعمالها بالماء والنّطْرون ،وإذا تمسّح بها مع الزيت حلق الشعر ،ورمادُ قضبانه إذا تُض ّمدَ به مع
الخل ودُهْن الورد والسّذاب ،نفع من الورم العارض فى الطّحال ،وقو ُة دُهْن زهرة الكَرْم قابضة شبيهةٌ بقوة دُهْن
الورد ،ومنافعها كثيرة قريبة من منافع النخلة.
ح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،أنه قال(( :مَن أكَلَهُ ثم نا َم عليه ،نام كَ َرفْس :روى فى حديث ل يصِ ّ
طيّبةٌ ،وينامُ آمناً من وَجَعِ الضراسِ والسنانِ)) ،وهذا باطل على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ولكن و َنكْهتُهُ َ
ى منه يُطيّب النكهة جدّا ،وإذا عُلّق أصله فى الرقبة نفع من وجع السنان.
البُسْتان ّ
وهو حارٌ يابس ،وقيل :رطب مفتّح لسُداد ال َكبِد والطّحال ،وورقُه رطبًا ينف ُع ال َمعِدَة وال َك ِبدَ الباردة ،و ُيدِرّ البَوْل
حبّه أقوى فى ذلك ،ويُهيّج الباه ،وينف ُع مِن البَخَر .قال الرازىّ :وينبغى أن يُجتنب طمْث ،ويُفتّت الحصاة ،و َ
وال ّ
ف من لدغ العقارب.أكله إذا خِي َ
ل ال ُكرّاث ثم نامَ
ح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بل هو باطل موضوع(( :مََن َأكَ َ كُرّاثٌ :فيه حديث ل يصِ ّ
عتَزَلَهُ الملَكُ ِل َنتَنِ نَ ْك َهتِه حتى يُصْبحَ)).
عليه نام آمنًا مِنْ ريح البَوَاسيرِ وا ْ
ى وشامىّ ،فالنبطىّ :البقلُ الذى يوضع على المائدة .والشامىّ :الذى له رؤوس ،وهو حار يابس وهو نوعانَ :نبَط ّ
عجِنَ ب َقطِرَانٍ ،و ُبخّرَت به
ق بزره ،و ُ
مُصدّع ،وإذا طُبخَ وُأكِلَ ،أو شُرِب ماؤه ،نفع من البواسير الباردة .وإن سُحِ َ
س التى فيها الدودُ نثرها وأخرجها ،ويُسكّن الوجع العارض فيها ،وإذا دُخنت المقعد ُة ببزره خَفّت الضرا ُ
البواسير ،هذا كله فى الكُرّاث ال َنبَطى.
صدّع ،ويُرى أحلمًا رديئةً ،ويُظلم البصر ،ويُنتن النّكهة ،وفيه إدرارٌ للبَوْل
وفيه مع ذلك فساد السنان والّلثَة ،و ُي َ
والطّمث ،وتحريكٌ للباه ،وهو بطىءُ الهضم.
حرف اللم
طيْ ٍر ّممّا
ش َتهُونَ}[الطور ،]22 :وقال { :وََلحْمِ َ
حمٌ :قال ال تعالى{ :وََأ ْم َددْنَاهُم ِبفَا ِكهَةٍ َولَحْ ٍم ّممّا يَ ْ
لَ ْ
ش َتهُونَ}[الواقعة. ]21 :يَ ْ
طعَامِ)).
وفى ((الصحيح)) عنه صلى ال عليه وسلم((:فضلُ عائشةَ على النّساءِ كفضلِ الثّريدِ على سا ِئرِ ال ّ
وقال الزّهْرى :أكل اللّحْم يَزي ُد سبعين قوّة ،وقال محمد بن واسع :اللّحْم يزيد فى البصر ،ويُروى عن على بن
أبى طالب رضى ال عنه:
ص البَطْنَ ،و ُيحَسّنُ الخُُلقَ)) ،وقال نافع :كان ابن عمر إذا كان رمضانُ لم
خمِ ُ
صفّى اللّوْنَ ،ويُ ْ
((كُلُوا اللّحْمَ ،فإنه يُ َ
يَ ُفتْه اللّحْم ،وإذا سافر لم يفته اللّحْمَ .ويُذكر عن علىّ :مَن تركه أربعين ليلة ساء خُلُقه.
صنِيع
طعُوا اللّحْمَ بالسكّين ،فإنه من َ
وأما حديث عائشة رضى ال عنها ،الذى رواه أبو داود مرفــوعاً(( :ل َتقْ َ
سكِين فى
ح عنه صلى ال عليه وسلم مِن قَطعِه بال ّ العَاجِم ،وانْهشُوهُ ،فإنه أَ ْهنَأُ وأمرأُ)) .فرده المام أحمد بما ص ّ
حديثين ،وقد تقدّما.
لحم الضأن :حار فى الثانية ،رطب فى الُولى ،جيده الحَوْلىّ ،يُوّلدُ الدم المحمود القوى لمن جاد هضمُه ،يصلح
لصحاب المزجة الباردة والمعتدلة ،ولهل الرياضات التامة فى المواضع والفصول الباردة ،نافع لصحاب
ف ردىء ،وكذلك لح ُم النّعاج ،وأجوده :لحمُ ال ّذكَر
المِرّة السوداء ،يُقوّى الذهن والحفظ .ولحم الهَ ِر ِم والعَجي ِ
السود منه ،فإنه أخف وألذ وأنفع ،والخصىّ أنفعُ وأجود ،والحمر من الحيوان السمين أخفّ وأجو ُد غذاءً،
ع مِن ال َمعْز أقل تغذية ،ويطفو فى ال َم ِعدَة.
جذَ ُ
وال َ
وأفضل اللّحْم عائذه بالعظم ،واليمن أخف وأجود من اليسر ،والمقدم أفضل من المؤخر ،وكان أحبّ الشاة إلى
ل ما عل منه سوى الرأس كان أخفّ وأجود مما سَفَل ،وأعطى رسول ال صلى ال عليه وسلم مقدمها ،وك ّ
ن الداء فيهما)).
الفرزدقُ رجلً يشترى له لحماً وقال له(( :خذ المقدّم ،وإياك والرأسَ والبطنَ ،فإ ّ
ولحم العنق جيد لذيذ ،سري ُع الهضم خفيف ،ولحم الذراع أخفّ اللّحْم وألذّه وألطفه وأبعدُه من الذى ،وأسرعُه
انهضاماً.
ظهْرِ)).
حمُ ال ّ
طيَبُ اللّحْ ِم لَ ْ
ظهْر كثير الغذاء ،يُولّد دماً محموداً .وفى ((سنن ابن ماجه)) مرفوعاً(( :أ ْ
ولحم ال ّ
لحمُ ال َمعْز :قليل الحرارة ،يابس ،وخِلْطُه المتولد منه ليس بفاضل وليس بجيد الهضم ،ول محمود الغذاء .ولحمُ
ال ّتيْس ردى ٌء مطلقاً ،شديد اليُبس ،عَسِ ُر النهضام ،مُولّد للخلط السوداوى.
قال الجاحظ :قال لى فاضل من الطباء :يا أبا عثمان؛ إياك ولح َم ال َمعْز ،فإنه يُورث الغم ،ويُحرّك السوادءَ،
خبِلُ الولد.
ل يَ ْ
ويُورث النسيان ،ويُفسد الدم ،وهو وا ِ
ب العهد بالوِلدة ،وهو أسرعُ هضمًا لما فيهجدْى :قريب إلى العتدال ،خاصةً ما دام رَضيعاً ،ولم يكن قري َ لحم ال َ
من قُوّة اللّبن ،مُليّن للطبع ،موافق لكثر الناس فى أكثر الحوال ،وهو ألطفُ مِن لحم الجمل ،والد ُم المتولد عنه
معتدل.
ل ال َكدّ والتعب
لحم البَقَر :بارد يابس ،عَسِ ُر النهضام ،بطىءُ النحدار ،يُوَّلدُ دماً سوداوياً ،ل يصلُح إل له ِ
الشديد ،ويُورث إدمانُه المراضَ السوداوية ،كال َبهَق والجَرَب ،والقُوباء والجُذام ،وداء الفيل ،والسّرَطانِ،
حمّى الرّبع ،وكثير من الورام ،وهذا لمن لم يعتده ،أو لم يَدفعْ ضررَه بالفُلفُل والثّوم والدارصينى والوسواس ،و ُ
والزنجبيل ونحوهَ ،و َذكَرُه أقلّ بُرودةً ،وأُنثاه أقلّ يبساً.
ولح ُم العِجل ول سِـيّما السمينَ مِن أعدل الغذية وأطيبِها وألذها وأحمدِهَا ،وهو حار رطب ،وإذا انهضم غذّى
غذاءً قوياً.
لحم الفَـرَس :ثبت فى ((الصحيح)) عن أسماءَ رضى ال عنها ،قالت :نَحرْنا فرساً فأكلناه على عهدِ رسول ال
حمُرِ .أخرجاه
صلى ال عليه وسلم .وثبت عنه صلى ال عليه وسلم أنه أذن فى لحوم الخيل ،ونَهى عن لحوم ال ُ
فى الصحيحين.
ول يثبت عنه حديثُ المِقدام بن معدى كرب رضى ال عنه أنه نهى عنه .قاله أبو داود وغيره من أهل الحديث
واقترانُه بالبغالِ والحَميرِ فى القرآن ل يدل على أنّ حكم لحمه حكم لحومها بوجه من الوجوه ،كما ل يدُلّ على
أنّ حكمها فى السهم فى الغنيمة حك ُم الفَرَس ،وال سبحانه يَ ْقرِنُ فى الذّكْ ِر بين المُتماثِلت تارةً ،وبين المختلفات،
وبين المتضادّات ،وليس فى قولهِ{ :لتَ ْر َكبُوهَا} ما يمنع من أكلها ،كما ليس فيه ما يمن ُع من غير الركوب من
ض لهما.
ل منافعها ،وهو الركوبُ ،والحديثان فى حِلّها صحيحان ل ُمعَارِ َ وجوه النتفاع ،وإنما نَصّ على أج ّ
ق ما بين الرافضة وأهل السّـنّة ،كما أنه أحد الفروق بين اليهود وأهل السلم .فاليهود والرافضة لحم الجَملَ :فرْ ُ
ل الِ صلى ال عليه وسلمتَ ُذمّه ول تأكله ،وقد عُلِمَ بالضطرار من دين السلم حِلّه ،وطالَما أكله رسو ُ
سفَراً
حضَراً و َ وأصحابُه َ
ولحم الفَصيل منه مِن ألذّ اللّحوم وأطيبها وأقواها غِذاءً ،وهو لمن اعتاده بمنزلة لحم الضأن ل يضرّهم ألبتة ،ول
ن فيه
يُولّد لهم داء ،وإنما ذمّه بعضُ الطباء بالنسبة إلى أهل الرفاهية مِن أهل الحَضَر الذين ل يعتادوه ،فإ ّ
سرُ النهضام ،وفيه قو ٌة غيرُ محمودة ،لجلها أمر النبىّ صلى ال عليه حرارة و ُيبْساً ،وتوليداً للسّوداء ،وهو عَ ِ
وسلم بالوضوء مِن أكله فى حديثين صحيحين ل معارض لهما ،ول يصح تأويل ُهمَا بغسل اليد ،لنه خلفُ
المعهود من الوضوء فى كلمه صلى ال عليه وسلم ،لتفريقه بينه وبين لحم الغنم ،فخيّر بين الوضوء وتركه
ل على ذلك فى قوله(( :مَن حمِ َ
حمِلَ الوضوءُ على غسل اليد فقط ،ل ُ
منها ،وحتّم الوضوء من لحوم البل .ولو ُ
س فَرْجَ ُه فَ ْل َيتَوَضَأ)).
م ّ
الثانى :أنّ الجهة مختلفة ،فالمرُ بالوضوء منها بجهة كونها لح َم إبل سواء أكان نِيئاً ،أو مطبوخاً ،أو قديداً ،ول
ن مَسّ النارِ ليس بسبب للوضوء ،فأينَ نأّ
تأثيرَ للنار فى الوضوء .وأمّا تركُ الوضوء مما مسّتِ النّار ،ففيه بيا ُ
أحدُهما مِن الخر ؟ هذا فيه إثباتُ سبب الوضوء ،وهو كونُه لح َم إبل ،وهذا فيه نفىٌ لسبب الوضوء ،وهو كونُه
ض بينهما بوجه.
س النار .فل تعار َ
ممسو َ
ن هذا ليس فيه حكايةُ لفظ عام عن صاحب الشرع ،وإنما هو إخبا ٌر عن واقعة فعل فى أمرين ،أحدهما: الثالث :أ ّ
متقدّم على الخر ،كما جاء ذلك مبيّناً فى نفس الحديث(( :أنهم قرّبوا إلى النبىّ صلى ال عليه وسلم لحماً ،فأكل،
ثم حضرتِ الصلة ،فتوضأ فصلّى ،ثم قرّبوا إليه فأكل ،ثم صلّى ،ولم يتوضأ ،فكان آخِ ُر المرين منه تركَ
الوضو ِء مما مسّت النارُ)) ،هكذا جاء الحديثُ ،فاختصره الراوى لمكان الستدللِ ،فأين فى هذا ما يصلُح لنسخ
المر بالوضوء منه ،حتى لو كان لفظاً عامًا متأخراً مقاوِماً ،لم يصلح للنسخ ،ووجب تقدي ُم الخاص عليه ،وهذا
فى غاية الظهور.
لحم الضّب :تقدّم الحديثُ فى حِلّه ،ولحمه حار يابس ،يُقوّى شهوة الجِماع.
ح الصيد وأحمدُه لحماً ،وهو حارٌ يابس ،وقيل :معتدل جداً ،نافع للبدان المعتدلة
ل أصــل ُ
ـ لحم الغـزال :الغزا ُ
الصحيحة ،وجيّده الخِشْف.
ـ لحم الظّبى :حارٌ يابس فى الُولى ،مجفّف للبدن ،صالح للبدان الرطبة.
قال صاحب ((القانون)) :وأفضلُ لحومِ الوحش لح ُم الظّبىِ مع ميله إلى السوداوية.
ـ لحم حمار ال َوحْش :ثبت فى ((الصحيحين)) :من حديث أبى قتادة رضى ال عنه(( :أنهم كانوا مع رسولِ ال
حمَا َر وحش ،فأمَرُهم النبىّ صلى ال عليه وسلم بأكله وكانوا
عمَرِهِ ،وأنه صادَ ِ
صلى ال عليه وسلم فى بعض ُ
مُحْ ِرمِين ،ولم يكن أبو قتادة ُمحْرِماً)).
حمُرَ الوحش)).
وفى ((سنن ابن ماجه)) :عن جابر قال(( :أكلْنا زمنَ خيبرَ الخيلَ و ُ
لحمه حار يابس ،كثيرُ التغذية ،مُولّد دماً غليظاً سوداوياً ،إل أنّ شحمَه نافع مع دُهْن القُسط لوجع الظّهر والرّيح
الغليظة المرخية للكُلَى ،وشحمُه جيد لِ ْلكَلَفِ طِلءً ،وبالجملة فلحومُ الوحوش كُّلهَا تُولّد دماً غليظاً سوداوياً،
وأحمدُه الغزال ،وبعده الرنب.
جنِين َذكَاةُ
جنّة :غير محمودة لحتقان الدم فيها ،وليست بحرام لقوله صلى ال عليه وسلم(( :ذَكَاةُ ال َ
لحوم ال ِ
ُأمّهِ)).
حيّا ف ُيذّكيه ،وأوّلوا الحديثَ على أن المراد به أنّ ذكاته كذكاة ُأمّه .قالوا: ل العراق مِن أكله إل أن ُيدْ ِركَه َ
ومنعَ أه ُ
ل الِ صلى ال عليه وسلم ،فقالُوا :يا فهو حُجّة على التحريم ،وهذا فاسد ،فإنّ أول الحديث أنهم سألوا رسو َ
ن ذكاتَهُ ذَكا ُة ُأمّهِ)).
شئْتُم فإ ّ
رسولَ ال؛ نذبحُ الشاةَ ،فنجدُ فى بطنها جنيناً ،أفنأكلهُ ؟ فقال(( :كُلُوهُ إنْ ِ
ل فهو جزء من أجزاء الُم ،فذكا ُتهَا ذكاةٌ لجميع أجزائها ،وهذا هو حمْ ً
وأيضاً :فالقياسُ يقتضى حِلّهُ ،فإنه ما دامَ َ
ت عنه
الذى أشار إليه صاحبُ الشرع بقوله(( :ذكاتُه ذكا ُة ُأمّه)) ،كما تكون ذكاتُها ذكاةَ سائر أجزائها ،فلو لم تأ ِ
حلّه.
السّـنّةُ الصريحة بأكله ،لكان القياسُ الصحيحُ يقتضى ِ
والنمكسودُ :حارٌ يابس مجفّف ،جّيدُه من السمين الرطب ،يضرّ بالقُولنْج ،ودفعُ مضرّته طبخُه باللّبن والدّهْن،
ويصلح للمزاج الحار الرطب.
فصل
ش َتهُونَ}[الواقعة.]21 :
طيْ ٍر ّممّا يَ ْ
حمِ َ
قال ال تعالى { :وَلَ ْ
الدّجاج :ففى ((الصحيحين)) من حديث أبى موسى ((أنّ النبىّ صلى ال عليه وسلم أكل لحمَ الدّجاجِ)).
خلْطِ ،يَزيد فى الدِماغ وال َمنِىّ ،ويُصف ّ
ى وهو حارٌ رطب فى الُولى ،خفيفٌ على ال َم ِعدَة ،سريعُ الهضم ،جيدُ ال َ
ن مداومَة أكله تُورث الصوت ،و ُيحَسّنُ اللّون ،ويُقَوّى العقل ،ويُ َولّد دماً جيداً ،وهو مائل إلى الرطوبة ،ويقال :إ ّ
النّقْرس ،ول يثبت ذلك.
ق منه دواء ينفع القُولنج والرّبو والرّياح الغليظة إذا طُبخَ بماء
ولح ُم الديك :أسخنُ مزاجاً ،وأقلّ رطوبة ،والعتي ُ
صيّها محمودُ الغِذَاء ،سريعُ النهضام ،والفَراريجُ سريعة الهضمِ ،مُليّنة للطبع ،والدّ ُم المتولد
شبْث ،وخ ِ
القُرْطُم وال ّ
منها دمٌ لطيف جيد.
حدّ البصر.
ف لطيف ،سري ُع النهضام ،مُولّد للدم المعتدل ،والكثا ُر منه يُ ِ
لحم الدّرّاج :حارٌ يابس فى الثانية ،خفي ٌ
ـ لحم ال َوزّ :حارٌ يابس ،ردىء الغذاء إذا أُعتِيد ،وليس بكثير الفضول.
حبَارَى :فى ((السنن)) من حديث بُ َريْهِ بن عمر بن سَفينةَ ،عن أبيه ،عن جدّه رضى ال عنه قال ((:أكلتُـ لحم ال ُ
حبَارَى)). حمَ ُ
مع رسول ال صلى ال عليه وسلم لَ ْ
(يتبع)...
س خفيف ،وفى حرّه وبرده خلفٌ ،يُوَلّد دماً سوداوياً ،ويصلُح لصحاب الكَ ّد والتعب، @ لحم الكُرْكىّ :ياب ٌ
وينبغى أن يُترك بعد ذبحه يوماً أو يومين ،ثم يؤكل.
ن النبىّ
ـ لحم العصافير وال َقنَابِر :روى النسائِى فى ((سننه)) :من حديث عبد ال بن عمرو رضى ال عنه ،أ ّ
ل عنها)) .قيل: ن يَ ْقتُل عُصفورًا فما فوقَهُ بغير حَقّ ِه إلّ سألَهُ الُ عَ ّز وجَ ّ
صلى ال عليه وسلم قال(( :ما من إنسا ٍ
يا رسول ال؛ وما حقّه ؟ قال(( :تَذْبحُه فتأكُلُهُ ،ول َتقْطَعُ رأس ُه وتَرْمى به)).
ت رسولَ ال صلى ال عليه وسلم يقول(( :مَنْ وفى ((سننه)) أيضاً :عن عمرو بن الشّريد ،عن أبيه قال :سمع ُ
عبَثاً ،ولم يَ ْقتُلْنى ِل َمنْ َفعَةٍ)).
ن فُلنًا َقتََلنِى َ
عبَثاً ،عَجّ إلى ال يقولُ :يا ربّ؛ إ ّ
عصْفُوراً َ
َقتَلَ ُ
ت أدمغتها
ل للطبيعة ،يَزيدُ فى الباه ،ومرقُه يَُليّن الطبع ،وينفع المفاصِل ،وإذا ُأكِلَ ْ
ولحمُه حارٌ يابس ،عاقِ ٌ
بالزنجبيل والبصل ،هيّجَتْ شهوَة الِجماع ،وخَلطُها غير محمود.
حمَام :حارٌ رطب ،وحشـيّه أقل رطوبةً ،وفراخُه أرطب خاصية ،ما ُربّى فى الدّور وناهضُه أخف لحماً، ـ لحم ال َ
خدَرِ والسّكتة والرّعشة ،وكذلك شَ ّم رائحة أنفاسها .وأكلُ وأحمدُ غذاءً ،ولح ُم ذكورها شفا ٌء من السترخاء وال َ
جيّد للكُلَى ،يزيدُ فى الدم ،وقد روى فيها حديثٌ باطل ل أصل له عن رسول ال فِراخها معينٌ على النساء ،وهو َ
خذْ زوجًا مِن الحَمام)) .وأجودُ من هذا الحديث أنه صلى ال عليه وسلم :أنّ رجلً شكى إليه الوَحدة ،فقال(( :اتّ ِ
شيْطَانَةً)).
ن َيتْبَعُ َ
شيْطا ٌصلى ال عليه وسلم رأى رجلً يتبعُ حمامةً ،فقالَ (( :
وكان عثمان بن عفان رضى ال عنه فى خطبته يأمر بقتل الكلب وذبح الحمام.
ـ لحم القَطَا :يابس ،يُولّد السوداء ،ويحبِسُ الطبع ،وهو من شر الغذاء ،إل أنه ينفع من الستسقاء.
ـ الجــراد :فى ((الصحيحين)) :عن عبد ال بن أبى أ ْوفَى قال(( :غزونا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم سبعَ
ل الجَرَادَ)).
غَزَواتٍ ،نأكُ ُ
وهو حارٌ يابس ،قليل الغذاء ،وإدامةُ أكله تُورث الهزال ،وإذا ُتبُخّ َر به نفع من تقطير البَوْل وعُسرِه ،وخصوصاً
للنساء ،ويُتبخّر به للبواسير ،وسِمانُه يُشوى ويُؤكل للسع العقرب ،وهو ضار لصحابِ الصّرع ،ردىء الخَلط.
فصل
وينبغى أن ل يُداوَمَ على أكل اللّحم ،فإنه يُورث المراض الدموية والمتلئية ،والحمّيات الحادّة ،وقال عمر بن
ن ال يبغض أهل البيت اللّحمى .ذكره ضرَاوةً كضراوة الخَمر ،وإ ّ
الخطاب رضى ال عنه :إياكم واللّحم ،فإنّ له َ
مالك فى الموطأ عنه.
ل لبناً،
ط َعمَهُ الُ طَعامًا فَ ْليَقُلْ :الّلهُ ّم بَا ِركْ لنا فيه ،وار ُزقْنا خَيرًا منهَ ،ومَن سقاه ا ُ
وفى ((السنن)) مرفوعاً(( :مَن أ ْ
ب إل الّلبَن)).
جزِئ من الطعام والشرا ِ ك لنا فيه ،و ِزدْنا منه ،فإنى ل أعلم ما يُ ْ فَ ْليَقُلْ :الّلهُ ّم بَا ِر ْ
ج ْبنِيةِ،
اللّبن :وإن كان بسيطاً فى الحس ،إل أنه مُركّب فى أصل الخِلقة تركيباً طبيعيًا من جواه َر ثلثةٍ :ال ُ
ج ْبنِيةُ :باردة رطبة ،مُغذّية للبدن .والسّمنيةُ :معتدلة الحرارة والرطوبة ملئمة للبدنوالسّمنيةِ ،والمائيّةِ .فال ُ
النسانى الصحيح ،كثيرةُ المنافع .والمائيةُ :حارة رطبة ،مُطْلِقة للطبيعة ،مُرطّبة للبدن .واللّبنُ على الطلق
ب مِنَ المعتدل .وقيل :ق ّوتُه عند حلبه الحرارةُ والرطوبةُ ،وقيل :معتدل فى الحرارة والبرودة. أبردُ وأرط ُ
ل برودةً،
وأجودُ ما يكون اللّبن حين يُحلب ،ثم ل يزال تنقصُ جُودتُه على ممر الساعات ،فيكونُ حين يُحلب أق ّ
وأكثرَ رطوبةً ،والحامِض بالعكس ،ويُختار اللّبن بعد الولدة بأربعين يوماً ،وأجودُه ما اشتد بياضُه ،وطاب
ريحُه ،ولذّ طعمُه ،وكان فيه حلوةٌ يسيرة ،ودُسومةٌ معتدِلة ،واعتدل قِوَامه فى الرّقة والغِلَظِ ،وحُِلبَ من حيوان
فتيٍ صحيح ،معتدِلِ اللّحم ،محمودِ المرعَى والمَشربَ.
غذَاءً حسناً ،وينفع مِن الوَسواس والغم والمراض وهو محمودٌ يُوَلّد دمًا جيداً ،ويُرَطّب البدنَ اليابس ،ويغذو ِ
ب مع العسل نقّى القُروح الباطنة من الخلط العفنة .وشُربُه مع السكر يُحسّنُ اللّون جداً. شرِ َالسوداويّة ،وإذا ُ
والحليب يتدارك ضرر الجِماع ،ويُوافق الصدر والرئة ،جيد لصحاب السّل ،ردىء للرأس وال َم ِعدَة ،والكبد
والطّحال ،والكثا ُر منه مضرٌ بالسنان والّلثَة ،ولذلك ينبغى أن يُتمضمض بعدَه بالماء ،وفى ((الصحيحين)) :أ ّ
ن
النبىّ صلى ال عليه وسلم شرب لبناً ،ثم دعا بماء فتمضمض وقال(( :إنّ لَ ُه دَسَماً)).
وهو ردىء للمحمومين ،وأصحاب الصّداع ،مؤذٍ للدماغ ،والرأس الضعيف .والمُداومةُ عليه تُحدث ظلمة البصر
والغِشاء ،ووجع المفاصل ،وسُدة الكبد ،والنفخ فى المعدة والحشاء ،وإصلحُه بالعسل والزنجبيل المربى
ونحوه ،وهذا كُلّ ُه لمن لم يعتدْه.
ـ لبن الضّأْن :أغلظُ اللبان وأرط ُبهَا ،وفيه من الدّسومة والزّهومة ما ليس فى لبن الماعِز والبقر ،يُوَّلدُ فضو ً
ل
بلغميّا ،ويُحدِث فى الجل ِد بياضًا إذا أُدمن استعمالُه ،ولذلك ينبغى أن يُشاب هذا اللّبنُ بالماء ليكون ما نال البدنُ
منه أقل ،وتسكينُه للعطش أسرع ،وتبريدُه أكثر.
ـ لبن ال َمعْز :لطيف معتدل ،مُطْلِق للبطن ،مُرَطّب للبدن اليابس ،نافع مِن قروح الحلق ،والسّعال اليابس ،ونفث
الدم.
واللّبنُ المطلَقُ أنف ُع المشروبات للبدن النسانىّ لما اجتمع فيه من التغذية والدّموية ،ولعتيادِهِ حالَ الطفولية،
وموافقتِ ِه للفطرة الصلية.
ح من َلبَنٍ،
خمْرٍ ،و َقدَ ٍح من َ ى به ب َقدَ ٍسرِ َ
ى ليل َة أُ ْ
وفى ((الصحيحين))(( :أنّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم أُت َ
ت ُأ ّمتُكَ)) .والحامضخمْرَ ،غَ َو ْ
خذْتَ ال َ ل الذى َهدَاك لِلفِطْ َرةِ ،لو أ َ
فنظر إليهما ،ثم أخذ اللّبنَ ،فقال جبريل :الحمدُ ِ
ضمُهُ وتنتفعُ به. منه بطىء الستمراء ،خامُ الخِلط ،وال َم ِعدَة الحارة ته ِ
ـ لبن البَقَر :يَغذُو البدن ،ويُخصبه ،ويُطلق البطن باعتدال ،وهو من أعدل اللبان وأفضلها بين لبن الضأن ولبن
المعز ،فى ال ّرقَة والغِلظ والدّسم.
وفى ((السنن)) :من حديث عبد ال بن مسعود يرفعه(( :عليكم بألبانِ البَقَرِ ،فإنها تَ ُر ّم من كُلّ الشّجَرِ)).
ـ لبن البلِ :تقدّم ذكره فى أول الفصل ،وذكر منافعه ،فل حاجة لعادته.
ص ْعتَرِ)) ،ول يصحّـ ُلبَانٌ :هو ال ُك ْندُرُ :قد ورد فيه عن النبىّ صلى ال عليه وسلم(( :بَخّروا ُبيُوتَكُم باللّبان وال ّ
ب بالنّسيان.
عنه ،ولكن يُروى عن علىّ أنه قال لرجل شكا إليه النسيانَ :عليك باللّبان ،فإنه يُشَجّع القلبَ ،ويَذْهَ ُ
سكّر على الريق جيدٌ للبَوْل والنّسيان .ويُذكر عن أنس ويُذكر عن ابن عباس رضى ال عنهما أنّ شُربه مع ال ّ
خذْ منه شربةًرضى ال عنه أنه شكا إليه رجلٌ النسيانَ ،فقال :عليك بال ُكنْدُر وان َقعْ ُه مِن اللّيل ،فإذا أصبحتَ ،ف ُ
جّيدٌ للنّسيان.
على الرّيق ،فإنه َ
ظ ما ينطبعُ
ولهذا سبب طبيعى ظاهر ،فإن النّسيانَ إذا كان لسوء مزاج بارد رطب يغلبُ على الدماغ ،فل يحفَ ُ
فيه ،نفع منه اللّبان ،وأمّا إذا كان النّسيانُ لغلبة شىء عارض ،أمكن زوالُه سريعًا بالمرطبات .والفرق بينهما أنّ
ى يتبعه سهر ،وحفظ الُمور الماضية دون الحالية ،والرّطوبى بالعكس. اليبوس ّ
والمقصود :أنّ اللّبان مسخّن فى الدرجة الثانية ،ومجفّف فى الُولى ،وفيه قبض يسير ،وهو كثي ُر المنافع ،قليل
ط ُردُ
ضمُ الطعام ،وي ْ
المضار ،فمن منافعه :أن ينفع مِن قذف الدم ونزفه ،ووجع ال َمعِدَة ،واستطلق البطن ،ويه ِ
الرّياح ،ويجلُو قروح ال َعيْن ،ويُنبت اللّحم فى سائر القروح ،ويُ َقوّى ال َم ِعدَة الضعيفة ،ويُسخّنها ،ويُجفف البلغم،
و ُينَشّف رطوباتِ الصدر ،ويجلو ظُلمة البصر ،ويمنع القروح الخبيثة من النتشار ،وإذا ُمضِغَ وحدَه ،أو مع
صعْتر الفارسىّ جلب البلغم ،ونفع من اعتقالِ اللّسان ،ويزيدُ فى الذهن ويُذكيه ،وإن بُخّ َر به ماء ،نفع من ال ّ
الوباء ،وطيّبَ رائحة الهواء.
حرف الميم
سّيدُ الشّراب ،وأحد أركان العالَم ،بل ركنُه الصلى ،فإنّ السمواتِ خُلِ َقتْ من بُخَارِه،
ماءٌ :مادةُ الحياة ،و َ
ض مِن َزبَده ،وقد جعل ال منه كُلّ شىءٍ حىّ. والر َ
وقد اختُلِف فيه :هل يَغذُو ،أو يُنفذ الغذاءَ فقط ؟ على قولين ،وقد تقدّما ،وذكرنا القول الراجح ودليله.
وهو بارد رطب ،يَقمعُ الحرارة ،ويحفظ على البدن رطوباتِهِ ،ويرُد عليه بدلَ ما تحلّلَ منه ،ويُرقّق الغذاء،
ويُنفذه فى العروق.
الثالث :مِن طعمه بأن يكون عذبَ الطعم حُلوَه ،كماء النّيل والفُرَات.
ق القِوام.
الرابع :مِن وزنه بأن يكون خفيفاً رقي َ
ب المجرى والمسلك.
الخامس :مِن مجراه ،بأن يكون طيّ َ
السابع :مِن برُوزه للشمس والرّيح ،بأن ل يكون مختفياً تحت الرض ،فل تتمكن الشمس والريح من قُصارته.
ت المخالطة له.
التاسع :مِن كثرته بأن يكونَ له كثرة يدفع الفضل ِ
العاشر :مِن مصبه بأن يكون آخذاً من الشّمال إلى الجنوب ،أو من المغرب إلى المشرق.
جيْحونَ.
سيْحونَ ،و َ
وإذا اعتبرتَ هذه الوصاف ،لم تجدها بكمالها إل فى النهار الربعة :النيلِ ،والفُرات ،و َ
سيْحَانُ،
ل ال صلى ال عليه وسلمَ (( :
وفى ((الصحيحين)) من حديث أبى هُريرة رضى ال عنه قال :قال رسو ُ
ل من أنها ِر الجنّة)).
جيْحَانُ ،والنّيلُ ،والفُرَاتُ ،كُ ٌ
وَ
وتُعتبر خِفة الماء من ثلثة أوجه ،أحدها :سُرعة قبوله للحر والبرد .قال ((أبقراط)) :المَاء الذى يسخُن سريعاً،
ف المياه.
ويبرُد سريعًا أخ ّ
الثانى :بالميزان.
ن بماءين مختلفين ،ثم يُجففا بالغاً ،ثُم توزنا ،فأيتهما كَانت أخفّ ،فماؤها
الثالث :أن ُتبَل قُطنتان متساويتا الوز ِ
كذلك.
والماءُ وإن كان فى الصل بارداً رطباً ،فإن قُوّته تنتقِلُ وتتغيّرُ لسباب عارضة تُوجب انتقالها ،فإن الماء
ف للشّمال المستورَ عن الجهات الُخَر يكون بارداً ،وفيه يبس مكتسب من ريح الشّمال ،وكذلك الحكمُ المكشو َ
لخَر.
على سائر الجهات ا ُ
والما ُء الذى ينبُع من المعادن يكونُ على طبيعة ذلك ال َمعْدِنِ ،ويؤثر فى البدن تأثيره.
جمَاع،والما ُء العذب نافع للمرضى والصحاء ،والباردُ منه أنف ُع وألذّ ،ول ينبغى شربُه على الريق ،ول عَقيبَ ال ِ
ول النتبا ِه من النوم ،ول عَقيبَ الحمّام ،ول عَقيبَ أكل الفاكهة ،وقد تقدّم .وأما على الطعام ،فل بأس به إذا
اضطّر إليه ،بل يتعيّنُ ول يُكثر منه ،بل يتمصّصُه مصّا ،فإنه ل يضرّه ألبتة ،بل يُقَوّى المعدة ،ويُنهض الشهوة،
ويُزيل العطش.
ض ّد ما ذكرناه ،وبائتُه أجودُ مِن طريّه وقد تقدّم .والباردُ ينفع من داخل أكث َر مِن نفعه
والماء الفاتر ينفخ ويفعل ِ
من خارج ،والحارّ بالعكسِ ،وينف ُع الباردُ مِن عفونة الدم ،وصعود البخرة إلى الرأس ،ويدفع العفوناتِ ،ويُوافق
المزجةَ والسنان والزمانَ والماكنَ الحارّة ،ويضر على كل حالة تحتاج إلى نُضج وتحليل ،كالزكام
ن عليه يُحدث انفجارَ الدّم والنزلتِ ،وأوجاعَ الصدر. والورام ،والشديدُ البرودةِ منهُ يُؤذى السنان ،والدما ُ
والبارد والحار بإفراط ضارّان للعصب ولكثر العضاء ،لن أحدَهما محلّل ،والخر ُم َكثّف ،والماء الحار
سكّن لذع الخلط الحادة ،ويُحلّل ويُنضج ،ويُخرج الفضول ،ويُرطّب وُيسَخّن ،ويُفسد الهضمَ شربُه ،ويَطفُو يُ َ
بالطعام إلى أعلى المعدة ويُرخيها ،ول يُسرع فى تسكين العطش ،ويُذبل البدن ،ويُؤدى إلى أمراض رديئة،
ويضرّ فى أكثر المراض على أنه صالح للشيوخ ،وأصحاب الصّ ْرعِ ،والصّداع البارد ،والرّمد .وأنفعُ ما
استُعمل مِن خارج.
ول يصحّ فى الماء المسخّن بالشمس حديثٌ ول أثر ،ول كرهه أح ٌد من قدماء الطباء ،ول عابوه ،والشديدُ
السخونةِ يُذيب شحم الكُلَى.
ج والبَرَد :ثبت فى ((الصحيحين)) :عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه كان يدعو فى الستفتاح وغيره: ـ ماء الثّلْ ِ
((الّلهُ ّم اغْسِلنى من خطاياى بماءِ الثّلْجِ والبَ َردِ)).
الثلج له فى نفسه كيفية حادة دُخانية ،فماؤه كذلك ،وقد تقدّم وجهُ الحكمة فى طلب الغسل مِن الخطايا بمائه لما
ب البدان والقلوب ،ومعالجةُ أدوائها
ب من التبريد والتّصْلِيب والتقوية ،ويُستفاد من هذا أصلُ ط ّ
يحتاج إليه القل ُ
بضدها.
ن ل يخلو ى المدفونة تحت الرض ثقيل ،لن أحدهما محتقِ ٌ ماء البار وال ُقنِىّ :مياهُ البار قليلة اللّطافة ،وماء ال ُقنِ ّ
ب عن الهواء ،وينبغى أل يُشربَ على الفور حتى يصمدَ للهواء ،وتأتىَ عليه ليلةٌ، عن تعفّن ،والخر محجو ٌ
سيّما إذا كانت تر ُبتَها رديئَةٌ ،فهذا الماء وبىءٌ
وأردؤه ما كانت مجاريه مِن رَصاص ،أو كانت بئره معطّلة ،ول ِ
وخيم.
وثبت فى ((الصحيح)) :عن النبىّ صلى ال عليه وسلم ،أنه قال لبى ذَ ّر وقد أقام بين الكعبة وأستارِهَا أربعينَ
ط ْعمٍ)) .وزاد غيرُ مسلم
طعَامُ ُ
ما بين يومٍ وليلةٍ ،ليس له طعامٌ غيرُه؛ فقال النبىّ صلى ال عليه وسلم(( :إنها َ
سقْمٍ)).
بإسناده(( :وشفاءُ ُ
وفى ((سنن ابن ماجه)) :من حديث جابر بن عبد ال ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه قال(( :ماءُ َزمْ َز َم لِما
شُ ِربَ له)) .وقد ضعّف هذا الحديثَ طائفةٌ بعبد ال ابن المؤمّل راويه عن محمد بن المنكدر .وقد روينا عن عبد
ن ابن أبى الموالى حدّثنا عن محمد بن ال ُم ْن َكدِر ،عن جابر ال بن المبارَك ،أنه لمّا حَجّ ،أتى َزمْ َزمَ ،فقال :الّلهُ ّم إ ّ
رضى ال عنه ،عن نبيّك صلى ال عليه وسلم أنه قال(( :ماءُ زمزمَ لما شُ ِربَ له)) ،وإنّى أشربُه لظمإ يوم
القيامة ..وابن أبى الموالى ثقة ،فالحديث إذاً حسن ،وقد صحّحه بعضُهم ،وجعله بعضُهم موضوعاً ،وكِل القولين
فيه مجازفة.
وقد جربتُ أنا وغيرى من الستشفاء بماء زمز َم أُموراً عجيبة ،واستشفيتُ به من عدة أمراض ،فبرأتُ بإذن ال،
ف مع الناسجدُ جوعاً ،ويطو ُ
ت العدد قريباً من نصف الشهر ،أو أكثر ،ول ي ِوشاهدتُ مَن يتغذّى به اليامَ ذوا ِ
كأحدهم ،وأخبرنى أنه ربما بقى عليه أربعين يوماً ،وكان له قو ٌة يجامع بها أهله ،ويصوم ،ويطوف مراراً.
ـ ماء النّيل :أحد أنها ِر الجنّة ،أصلُه مِن وراء جبال القمر فى أقصى بلد الحبشة مِن أمطار تجتمِعُ هناك ،وسيول
يمدّ بعضُها بعضاً ،فيسوقُه ال تعالى إلى الرض الجُ ُرزِ التى ل نبات لها ،فيُخرج به زرعاً ،تأكل منه النعام
والنام .ولما كانت الرضُ التى يسوقه إليها إبْليزًا صلبة ،إن أُمطرت مطر العادة ،لم ترو ،ولم تتهيأ للنبات،
ش والمصالح ،فأمط َر البلدَ البعيدة ،ثم ساق
ت المساكنَ والسّاكِن ،وعطّلتْ المعاي َ
وإن أُمطرت فوق العادة ،ضرّ ْ
تلك المطارَ إلى هذه الرض فى نهر عظيم ،وجعل سبحانه زيادَته فى أوقات معلومة على قدرِ ِرىّ البلد
وكِفايتها ،فإذا أروى البلدَ وعمّها ،أذن سبحانَه بتناقُصِ ِه وهُبوطه لتتم المصلح ُة بالتمكن مِن الزرع ،واجتمع فى
هذا الماء المورُ العشرة التى تقدّم ذكرُها ،وكان من ألطف المياه وأخفها وأعذبها وأحلها.
وبعد ..فالغتسالُ به نافع من آفات عديدة فى ظاهر الجلد ،وشربُه مُضِ ٌر بداخله وخارجه ،فإنه يُطلق البطن،
حكّة وجرباً ،ونفخاً وعطشاً ،ومَن اضطر إلى شربه فله طرق من العلج يدفعُ به مضرتَه. ويُهزل ،ويُحدث ِ
(يتبع)...
@ منها :أن يُجعل فى قدِر ،ويُجعل فوق القِدر قصباتٌ وعليها صوفٌ جديد منفوش ،ويُوقد تحت القِدر حتى
يرتفع بخارُها إلى الصّوف ،فإذا كثُر عَصَره ،ول يزال يفعل ذلك حتى يجتمع له ما يريد ،فيحصل فى الصّوف
عذُبَ ،ويبقى فى ال ِقدْرِ الزّعاق.
من البُخار ما َ
ومنها :أن يُحفر على شاطئه حُفرة واسعة يرشُح ماؤه إليها ،ثم إلى جانبها قريبًا منها أُخرى ترشَح هى إليها ،ثم
ب الماءُ .وإذا ألجأتْه الضرورةُ إلى شُرب الماء ال َكدِرِ ،فعِلجُه أن يُلقَى فيه نَوى المِشمش ،أو ثالثةٌ إلى أن يعذُ َ
ب إلى أسفل. ن كُدرته ترس ُ
قطعة من خشب الساج ،أو جمرًا ملتهبًا يُطفُأ فيه ،أو طيناً أ ْر َمنِيّا ،أو سَويقَ حِنطة ،فإ ّ
مِسْـكٌ :ثبت فى ((صحيح مسلم)) ،عن أبى سعيد الخُدرىّ رضى ال عنه ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم أنه
سكُ)).
قال(( :أطيبُ الطّيبِ المِ ْ
حرِمَ ويومَ
ب النبىّ صلى ال عليه وسلم قبل أن يَ ْ
وفى ((الصحيحين)) عن عائشة رضى ال عنها(( :كنتُ أُطيّ ُ
سكٌ)).
ب فيه مِ ْ
النّحْ ِر قبل أن يطوفَ بالبيت بطي ٍ
مَرْ َزنْجُوش :ورد فيه حديث ل نعلم صحته(( :عليكم با ْلمَرْ َزنْجُوش ،فإنه جيدٌ لِلخُشامِ)) .و((الخُشام)) :الزّكام.
وهو حارٌ فى الثالثة يابس فى الثانية ،ينفع شمّه من الصّداع البارد ،والكائن عن البلغم ،والسوداء ،والزّكام،
والرياح الغليظة ،ويفتح السّدد الحادثة فى الرأس والمنخرين ،ويُحلّل أكثرَ الورام الباردة ،فينف ُع مِن أكثر
حبَل ،وإذا دُقّ ورقُه اليابس ،و ُك ِمدَ به،
الورام والوجاع الباردة الرّطبة ،وإذا اح ُتمِل ،أد ّر الطّمث ،وأعان على ال َ
ضمّد به مع الخل ،نفع لسعة العقرب .ودُهنه نافع لوجع الظهر أذهب آثا َر الدّم العارض تحت ال َعيْن ،وإذا ُ
ط بمائه مع دُهن اللّوز المُر،
والرّكبتين ،ويُذهب بالعياء ،ومَن أ ْدمَن شمّه لم ينزل فى عينيه الماء ،وإذا اس ُتعِ َ
فتح سُدد المنخرين ،ونفع مِن الريح العارضة فيها ،وفى الرأس
مِلحٌ :روى ابن ماجه فى ((سننه)) :من حديث أنس يرفعه(( :سَـيّدُ إدا ِمكُم المِلحُ)) .وسيد الشىء :هو الذى
يُصلحه ،ويقومُ عليه ،وغالبُ الدام إنما يصلح بالملح.
طعَا ُم إل
ح ال ّ
طعَام ،ول يَصلُ ُ
شكُ أن تكونوا فى النّاس ِمثْلَ المِلْحِ فى ال ّ
سيُو ِ
وفى ((مسند البزّار)) مرفوعاًَ (( :
بالمِلْحِ)).
ت من
ن الَ أنزلَ أربعَ بركا ٍ
ى فى ((تفسيره)) :عن عبد ال بن عمر رضى ال عنهما مرفوعاً(( :إ ّ وذكر البغو ّ
حدِيدَ ،والنارَ ،والماءَ ،والمِلْحَ)) .والموقوف أشبَهُ.
سمَاء إلى ال ْرضِ :ال َ
ال ّ
ح يُصلِح أجسام الناس وأطعمتهم ،ويُصلِح كُلّ شىء يُخالطه حتى الذّهبَ وال ِفضّة ،وذلك أن فيه قوةً تزيدُ المِلْ ُ
الذهبَ صُفرةً ،وال ِفضّ َة بياضاً ،وفيه جِلءٌ وتحليل ،وإذهابٌ للرطوبات الغليظة ،وتنشيفٌ لها ،وتقويةٌ للبدان،
ق الظّفَرَة. ل به ،قلع اللّحم الزائد من ال َعيْن ،ومحَ َ ومنعٌ من عفونتها وفسادها ،ونفعٌ من الجرب المتقرّح .وإذا اكتُحِ َ
ن أصحابِ ك به بطو ُ ح الخبيثة من النتشار ،ويُحدِرُ البراز ،وإذا دُِل َ والندرانى أبل ُغ فى ذلك ،ويمنعُ القرو َ
شدّ اللّثة ويُقويها ،ومنافعه كثيرة جدّا الستسقاء ،نفعهم ،ويُنقى السنانَ ،ويدفعُ عنها العُفُونة ،وي ُ
حرف النون
نَخْلٌ :مذكور فى القرآن فى غير موضع ،وفى ((الصحيحين)) :عن ابن عمر رضى ال عنهما ،قال :ب ْينَا نحن
ن مِن الشّجَرِ جمّارِ نخلة ،فقال النبىّ صلى ال عليه وسلم(( :إ ّ عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ،إذ ُأتِىَ ب ُ
خبِرُونى ما ِهىَ ؟ فوقع الناسُ فى شجر البوادى ،فوقع فى ط وَ َرقُها ،أ ْ
شَجَر ًة َمثَلُها َمثَلُ الرّجُلِ المسلِ ِم ل يَسقُ ُ
سنّا ،فسكتّ ،فقال رسول ال صلى ت فإذا أنا أصغرُ القوم ِ نفسى أنها النخلة ،فأردتُ أن أقول :هى النخلة ،ثم نظر ُ
ب إلىّ من كذا وكذا .ففى هذا ن قُ ْل َتهَا أح ّ
ن تكو َ
ت ذلك لعمرَ ،فقال :لَ ْ ال عليه وسلم(( :هى النّخْلَةُ)) ،فذكر ُ
الحديث إلقاءُ العالِ ُم المسائلَ على أصحابه ،وتمرينُهم ،واختبا ُر ما عندهم.
ب المثال والتشبيه.
وفيه ضر ُ
وفيه ما كان عليه الصحابةُ من الحياء من أكابرهم وإجللهم وإمساكهم عن الكلم بين أيديهم .وفيه فرحُ الرجل
ف بحضرة أبيه ،وإن لم يَعرفه البُ،ب بما َيعْرِ ُ
بإصابة ولده ،وتوفيقه للصواب وفيه أنه ل يُكره للولد أن يُجي َ
وليس فى ذلك إساءةُ أدب عليه.وفيه ما تضمنه تشبيهُ المسلم بالنخلة من كثرة خيرها ،ودوامِ ظلها ،وطيبِ
ثمرها ،ووجودِهِ على الدوام.
وثمرُها يؤكل رطبًا ويابساً ،وبلحاً ويانعاً ،وهو غذاء ودواء وقوت وحَلْوى ،وشرابٌ وفاكهة ،وجذُوعها للبناء
واللت والوانى ،ويُتخَذ مِن خُوصها الحُصُر والمكاتِل والوانى والمراوح ،وغير ذلك ،ومن ليفها الحبالُ
ل ثمرتها ونباتها وحسنُف للبل ،ويدخل فى الدوية والكحال ،ثم جما ُوالحشايا وغيرها ،ثم آخر شىء نواها عل ٌ
هيئتها ،وبهج ُة منظرها ،وحسنُ نضد ثمرها ،وصنعته وبهجته ،ومسرّةُ النفوس عند رؤيته ،فرؤيتها مذكّرة
ل قدرته ،وتما ِم حكمته ،ول شىء أشبَهُ بها من الرجل المؤمن ،إذ هو خيرٌ
لفاطرها وخالقها ،وبديع صنعته ،وكما ِ
كُلّهُ ،ونف ٌع ظاهرٌ وباطن.
وهى الشجرة التى حَنّ جِذعُها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم لما فارقه شوقًا إلى قُربه ،وسماع كلمه،
ت عيسى عليه السلم.
وهى التى نزلتْ تحتها مريمُ لما ولد ْ
طبِخَ
وهو حارٌ يابس فى الثانية ،وأصلُه يُدمل القروحَ الغائرة إلى العَصَب ،وله قوة غَسّالة جَاِليَةٌ جَابِذَةٌ ،وإذا ُ
سنّة والعسل ،نقّى طبِخَ مع الكِرْ ِ شرِبَ ماؤه ،أو ُأكِلَ مسلوقاًَ ،هيّج القىء ،وجذبَ الرطوبة من قعر ال َم ِعدَة ،وإذا ُ وُ
سرَةِ النضج.
ت العَ ِ
خ القُروح ،وفجّر ال ّدبَيْلَ ِ
أوسا َ
وزهرُه معتدل الحرارة ،لطيفٌ ينفع الزّكام البارد ،وفيه تحليل قوى ،ويفتحُ سُدد الدماغ والمنخرين ،وينف ُع من
غرِسَ ،صار شقّ بصلُه صَلِيباً ،و ُ
ق منه إذا ُ
حرَ ْ
الصّداع الرطب والسّوداوى ،ويص َدعُ الرؤوس الحارة ،والمُ ْ
مضاعَفاً ،ومَن أ ْدمَن شمّه فى الشتاء أمِنَ من البِرْسام فى الصيف ،وينف ُع مِن أوجاع الرأس الكائنة من البلغم
ب والدماغ ،وينف ُع من كثير من أمْراضها .وقال صاحب والمِرّة السوداء ،وفيه من العِطرية ما يُقوّى القل َ
((التيسير))(( :شمّه يُذهب بصَرْع الصبيان)).
ى صلى ال عليه وسلم كان إذا اطَّلى بدأ نُوَرةٌ :روى ابن ماجه :من حديث أُمّ سلمة رضى ال عنها ،أنّ النب ّ
بعورتِه ،فطَلَها بالنّوَرة ،وسائِرَ جسدِه أهلُه ،وقد ورد فيها عدةُ أحاديث هذا أمثَلُها.
ن بن داودَ.
ص ِنعَتْ له النّوَرةُ :سليما ُ
ل مَن دخل الحمّام ،و ُ
وقد قيل :إنّ أو َ
وأصلُها :كِ ْلسٌ جزآن ،وزِرْنيخ جزء ،يُخلطان بالماء ،ويُتركان فى الشمس أو الحمّام بقدر ما َتنْضَجُ ،وتشتد
حنّاء لذهاب زُرقته .ثم يُطلى به ،ويجلِس ساعة َريْثَما يعمل ،ول ُيمَس بماء ،ثم يُغسل ،ويُطلى مكانها بال ِ
نار ّيتِها.
سكّن الصفراء ،ويَغذو البدنَ، وال َنبِق :ثمر شجر السدر يعقِل الطبيعة ،وينفع من السهال ،ويدبُغ ال َمعِدَة ،ويُ َ
صلِحُ
ويُشهّى الطّعام ،ويُولّد بلغماً ،وينفع الذّرَب الصفراوىّ ،وهو بطىء الهضم ،وسَويقُه يُقوّى الحشا ،وهو يُ ْ
المزجة الصفراوية ،وتُدفع مضرتُه بالشهد .واختُلِفَ فيه ،هل هو رطب أو يابس ؟ على قولين .والصحيح :أنّ
رطبه بارد رطب ،ويابسه بارد يابس.
حرف الهاء
ل صلى ال عليه وسلم ،ول يثبُت مثلها ،بل هى موضوعة.. ح عن رسول ا ِ ِهنْ َدبَا :ورد فيها ثلثةُ أحاديث ل تصِ ّ
جنّةِ تَقْطُر عليه)) .الثانى(( :مَنت من ال َ أحدها(( :كُلُوا الهِن َدبَا َء ول َتنْفُضُوهُ فإنه ليس يو ٌم مِنَ اليام إل وقَطَرا ٌ
ق ال ِهنْدبَاء إل وعليها قَطْ َرةٌ
سمٌ ول سِحرٌ)) .الثالث(( :ما مِنْ َورَقةٍ من وَرَ ِل فيهِ َل الهِندبَاء ،ثم نام عليها لم يَحِ ّ أكَ َ
جنّةِ)).
من ال َ
وبعد ..فهى مستحيلة المزاج ،منقلبةٌ بانقلب فصول السنة ،فهى فى الشتاء باردة رطبة ،وفى الصيف حارة
ف معتدِلة ،وفى غالب أحوالِها تميلُ إلى البرودة وال ُيبْس ،وهى قابضة مبردةٌ ،جيد ٌة يابسة ،وفى الرّبيعِ والخري ِ
ى منها ،فهى أجود لل َمعِدَة ،وأشد قبضاً ،وتنفع مِن
طبِخَت وأُكلت بِخَلّ ،عقَلتِ البطن وخاصةٌ البَر ّ
لل َم ِعدَة ،وإذا ُ
ضعفها.
وإذا تُضمّد بها ،سلبت اللتهاب العارض فى ال َم ِعدَة ،وتنفع من النقْرس ،ومن أورام ال َعيْن الحارة .وإذا تُضمّد
بَوَ َرقِها وأُصولها ،نفعت من لسع العقرب.وهى تُ َقوّى ال َمعِدَة ،وتفتح السّدد العارضة فى ال َكبِد ،وتنفع مِن أوجاعها
سدَد الطّحال والعروق والحشاء ،و ُتنَقّى مجارى الكُلَى.حارّها وباردِها ،وتفتح ُ
سيّما إذا خُلِط به ماء الرّا َزيَانَج الرطب،
وأنف ُعهَا لل َك ِبدِ أمرّها ،وماؤها المعتَصَر ينفع من اليَرَقان السدَدى ،ول ِ
وإذا دُقّ ورقُها ،و ُوضِع على الورام الحارة برّدها وحلّلها ،ويجلو ما فى ال َم ِعدَة ،ويُطفئُ حرارة الدّم والصفراء.
وأصلحُ ما أُكلت غير مغسولة ول منفوضة ،لنها متى غُسلت أو نُفِضَت ،فارقتها قُ ّوتُها ،وفيها مع ذلك قوة
تِرياقية تنف ُع مِن جميع السموم.
حلَ بمائها ،نفع من العَشَا ،ويدخل ورقُها فى الترياق ،وينف ُع من لدغ العقرب ،ويُقاوِم أكثرَ السموم ،وإذا
وإذا اكتُ ِ
ب عليه الزيتُ ،خلّص من الدوية القتّالة ،وإذا اعتُصِرَ أصُلهَا ،وشُرِبَ ماؤه ،نفع من لسع اعتُصِرَ ماؤها ،وصُ ّ
الفاعى ،ولسع العقرب ،ولسع الزنبور ،ولبن أصلها يجلو بياضَ العَيْن.
حرف الواو
وَ ْرسٌ :ذكر الترمذى فى ((جامعه)) :من حديث زيد بن أرْقمَ ،عن النبىّ صلى ال عليه وسلم (( أنه كان ينعَتُ
جنْبِ)) ،قال قتادةُ :يَُلدّ به ،ويَُلدّ من الجانبِ الذى يشتكِيه.
ت والوَ ْرسَ من ذات ال َ
ال ّزيْ َ
ض العربِ ،ول مِن أرض س يُزرع زرعاً ،وليس ببَرّىّ ،ولستُ أعرفه بغيرِ أر ِ قال أبو حنيفة اللّغوىّ :ال َورْ ُ
العرب بغير بلد اليمن .وقوتُه فى الحرارة واليُبوسة فى أوّل الدرجة الثانية ،وأجودُه الحم ُر الّليّن فى اليد،
ى به ،وله قوةٌ قابضة صابغة ،وإذا حكّة ،والبثور الكائنة فى سطح البدن إذا طُِل َ
القليلُ النّخالة ،ينفع من الكَلَفِ ،وال ِ
ب من منافع القُسْط البحرىّ، شُ ِربَ نفع مِن ال َوضَحِ ،ومقدا ُر الشربة منه وزنُ درهم.وهو فى مزاجه ومنافعه قري ٌ
حكّة والبثورِ والسّفعة نفع منها ،والثوبُ المصبوغ بال َورْس يُقوّى على الباه. وإذا لُطخ به على ال َبهَق وال ِ
سمَةً :هى :ورق النيل ،وهى تُسوّد الشعر ،وقد تقدّم قريباً ذكرُ الخلف فى جواز الصبغ بالسواد ومَن فعله.
وْ
حرف الياء
يَقْطِينٌ :وهو ال ّدبّاء والقرع ،وإن كان اليقطينُ أعمّ ،فإنه فى اللّغة :كل شجر ل تقومُ على ساق ،كالبّطيخ والقِثاء
شجَرَ ًة مّن يَ ْقطِينٍ }[الصافات]146:
والخيار .قال ال تعالى{ :وََأ ْنبَ ْتنَا عََليْهِ َ
شجَرَ ًة مّن
فإن قيل :ما ل يقومُ على ساق يُسمى نَجْماً ل شجراً ،والشجر :ما له ساق قاله أهل اللّغة فكيف قالَ { :
يَقْطِينٍ}[الصافات ]146:؟.فالجواب :أنّ الشجر إذا أُطلِقَ ،كان ما له ساق يقوم عليه ،وإذا ُقّيدَ بشى ٍء تقيّد به،
ق بين المطلقَ والمقيّد فى السماء باب مهمٌ عظيم النفع فى الفهم ،ومراتب اللّغة.
فالفر ُ
واليقطين المذكور فى القرآن :هو نبات ال ّدبّاء ،وثمره يُسمى الدّبّاء والق ْرعَ ،وشجرة اليقطين.وقد ثبت فى
((الصحيحين)) :من حديث أنس بن مالك ،أنّ خياطاً دعا رسولَ الِ صلى ال عليه وسلم لطعام صنَعه ،قال أنسٌ
ت مع رسولِ ال صلى ال عليه وسلم ،فقرّب إليه خُبزًا من شعير ،ومرَقًا فيه ُدبّا ٌء و َقدِيدٌ، رضى ال عنه :فذهب ُ
حبّ الدّبّا َء من ذلك حفَةِ ،فلم أزل أُ ِ
قال أنس :فرأيتُ رسولَ الِ صلى ال عليه وسلم يَتتبّ ُع ال ّدبّاء من حَوالى الصّ ْ
ك من شجرةٍ ما ت على أنس بن مالك رضى ال عنه ،وهو يأكل القَرْع ،ويقول :يا ل ِ اليوم.وقال أبو طالُوتَ :دخل ُ
حبّ رسول ال صلى ال عليه وسلم إيّاكِ. أحبّك إلىّ ل ُ
وفى ((ال َغيْلنيّات)) :من حديث هشام بن عروة ،عن أبيه ،عن عائشةَ رضى ال عنها قالت :قال لى رسولُ ال
ب الحَزِين)).
شدّ قَلْ َ
ختُم ِقدْراً ،فأكثِروا فيها من ال ّدبّاء ،فإ ّنهَا تَ ُ
صلى ال عليه وسلم(( :يا عائشةُ؛ إذا ط َب ْ
اليقطين :بارد رطب ،يغذو غِذاءً يسيراً ،وهو سريعُ النحدارِ ،وإن لم يفسُد قبل الهضم ،تولّد منه خِ ْلطٌ محمود،
خرْدل ،تولّد منه خِلطٌ حِرّيف ،وبالملح
ومِن خاصيته أنه يتولّد منه خِلط محمود مجانس لما يصحبُه ،فإن ُأكِلَ بال َ
غذَا البدن غِذا ًء جيداً.
خِلطٌ مالح ،ومع القابض قابضٌ ،وإن طُبخَ بالسفرجل َ
ب عليهم البلغمُ،ى يغذو غذاءً رطبًا بلغمياً ،وينفع المَحْرورين ،ول يُلئم ال َمبْرودين ،ومَن الغال ُ وهو لطيفٌ مائ ٌ
سلَ به الرأسُ ،وهو مُليّن للبطن كيف اس ُت ْعمِل ،ول ب أو غُ ِ
ب الصّداع الحار إذا شُرِ َ
وماؤه يقطعُ العطش ،ويُذه ُ
يتداوَى المحرورون بمثله ،ول أعج َل منه نفعاً.ومن منافعه :أنه إذا ُلطِخَ بعجين ،وشُوِىَ فى الفرن أو ال ّتنّور،
حمّى الملتهبة ،وقطع العطش ،وغذّى غِذاءً سكّن حرارة ال ُ ب ببعض الشربة اللّطيفةَ ، خرِج ماؤه وشُرِ َ
واستُ ْ
حسناً ،وإذا شُ ِربَ بترنْجبين وسَفَ ْرجَل مربّى أسهل صفراءَ محضةً.
عمِلَ منه
قوُ
ب ماؤه بشى ٍء من عسل ،وشىءٍ من نَطْرون ،أحدَرَ بلغمًا ومِرّة معاً ،وإذا دُ ّطبِخَ القرعُ ،وشُرِ َ
وإذا ُ
ضِمادٌ على اليافوخ ،نفع من الورام الحارة فى الدماغ.
فصول متفرقة
وقد رأيتُ أن أخ ِتمَ الكلمَ فى هذا البابِ بفصلٍ مختصر عظيمِ النفع فى المحاذِرِ ،والوصايا الكلية النافعةِ لِتتمّ
منفعةُ الكتاب
ومَن جمع فى َم ِعدَته البيض والسمكَ ،فأصابه فالِج أو لَقْوةٌ ،فل يلومَنّ إل نفسَه.
ن إل نفسه.
ل الحمّا َم وهو ممتلئ ،فأصابه فالجٌ ،فل يلومَ ّ
ومَن دخ َ
ن إل نفسَه.
ومَن جمع فى َمعِدته اللّبنَ والسّمكَ ،فأصابه جُذام ،أو بَرَصٌ أو ِنقْرِسٌ ،فل يلومَ ّ
ن إل نفسَه.
خبّلً ،فل يلومَ ّ
ومَن احتَلَم ،فلم يغتسلْ حتى َوطِىءَ أهلَه ،فولدتْ مجنونًا أو مَ َ
ن إلّ نفسَه)).
ومَن نظر فى المرآة ليلً ،فأصابه لَقْوة ،أو أصابه داء ،فل يلومَ ّ
فصل
خ َتيَشُوع(( :احذ ْر أن تجمعَ ال َبيْضَ والسّمكَ ،فإنهما يُورثان القُولنْج والبواسير ،ووج َع الضراس))
وقال ابن بَ ْ
سمَك المالح والفتصاد بعد الحمّام يُولّد ال َبهَق
وإدامةُ أكل ال َبيْض يُوَلّد الكَلَف فى الوجه ،وأكلُ الملوحة وال ّ
والجَرَب.
ى يُوّلدُ الفالج.
س َمكِ الطر ّ
الغتسالُ بالماء البارد بعد أكل ال ّ
وقال أبقراط(( :القلل مِن الضار ،خي ٌر مِن الكثار من النافع)) ،وقال(( :استديموا الصحة بتركِ التكاسل عن
ك المتلء من الطعام والشراب)). التعب ،وبتر ِ
وقال بعضُ الحكماء(( :مَن أراد الصّحة ،فليجوّد الغِذاء ،وليأكل على نقاء ،وليشرب على ظمإٍ ،وليُقلّلْ مِن شُرب
ش بعدَ العَشاء ،ول ينم حتى َيعْرِضَ نفسَه على الخَلء ،وليحذر دخول الحمّام الماء ،ويتم ّددْ بعد الغداء ،و َيتَم ّ
ل القديد اليابس بالليل ُمعِينٌ على الفناء،
ب المتلء ،ومرةٌ فى الصيف خي ٌر من عشرٍ فى الشتاء ،وأك ُ عقي َ
ومجامعةُ العجائز ُتهْ ِرمُ أعمارَ الحياءِ ،وتُسقِم أبدان الصحاء)).
ى رضى ال عنه ،ول َيصِحّ عنه ،وإنما بعضُه مِن كلم الحارث بن كلَدَ َة طبيبِ العرب،
ويُروى هذا عن عل ّ
وكلمِ غيره.
وقال الحارث (( :مَن سَرّه البقاء ول بقاء فليُباكِرِ الغَداء ،ول ُيعَجّل العَشَاء ،وليُخفّف الرّداء ،ول ُيقِلّ غِشيان
النساء)).
ل الحمّام على المتلء ،وأكلُ القديد، وقال الحارث(( :أربعةُ أشيا َء تهدِ ُم البدن :الجِماعُ على البِطْنة ،ودخو ُ
وجِماعُ العجوز)).ولما اح ُتضِرَ الحارث اجتمع إليه الناسُ ،فقالوا :مُرْنا بأمر ننتهى إليه مِن بعدك .فقال(( :ل
تتزوجوا من النساء إل شابةً ،ول تأكلوا من الفاكهة إل فى أوان نُضجها ،ول يتعالجَنّ أحدُكم ما احتمل بدنه
الداء ،وعليكم بتنظيف ال َمعِدَة فى كل شهر ،فإنها مُذيبة للبلغم ،مُهلكة للمِرّة ،مُنبتة للحم ،وإذا تَغدّى أحدكم ،فلينم
ش أربعين خطوةً)). على إثر غدائه ساعة ،وإذا تعشّى فليم ِ
صفْ لى صِفة آخذُها عنك ،فقال(( :ل تنكِحْ إل شابةً ،ول تأكُلْ وقال بعض الملوك لطبيبه :لعلّك ل تبقَى لى ،ف ِ
جدْ مض َغ الطعام ،وإذا ل الفاكهةَ إل فى نُضجها ،وأ ِ ب الدواء إل من عِلّة ،ول تأكُ ِ مِن اللّحم إل َفتّياً ،ول تشر ِ
ت ليلً فل تنم حتى تمشىَ ولو خمسين خطوة ،ول تأكلنّ حتى تجوع ،ول أكلتَ نهارًا فل بأس أن تنامَ ،وإذا أكل َ
خذَ منك ،ول تأكلَنّ طعاماً وفى َم ِع َدتِك طعامٌ،
حمّام قبلَ أن يأ ُجمَاع ،ول تحبِس البَوْل ،وخُذ مِن ال َتتكارَهَنّ على ال ِ
ع بقيئة تُنقّى
ك أن تأكل ما تعجز أسنانُك عن مضغِه ،فتعجِزَ َم ِع َدتُك عن هضمه ،وعليك فى كل أسبو ٍ وإيا َ
جسمَك ،و ِنعْ َم الكنزُ الدمُ فى جسدك ،فل تُخْ ِرجْه إل عند الحاجة إليه ،وعليك بدخول الحمّام ،فإنه يُخرج مِن
صلُ الدوية إلى إخراجه)). الطباق ما ل تَ ِ
س ال َكتّان))
ل مِن غير جِماع ،وُلبْ ُ
@ وقال الشافعى(( :أربعةٌ تُقوّى البدن :أكلُ اللّحم ،وشمّ الطّيب ،وكثرةُ الغس ِ
وأربعةُ تُوهِن البدن :كثرةُ الجِماع ،وكثرةُ الهم ،وكثرةُ شرب الماء على الرّيق ،وكثرةُ أكل الحامِض.
ن البصر :النظرُ إلى القذَرِ ،وإلى المصلوبِ ،وإلى فَرْجِ المرأة ،والقعو ُد مستدبِرَ ال ِقبْلَة.
وأربعةُ توهِ ُ
ستُق ،والخرّوب.
جمَاع :أكلُ العصافير ،والطْرِيفل ،والفُ ْ
وأربعةُ تزيدُ فى ال ِ
ك الفُضول مِن الكلم ،والسّواكُ ،ومجالس ُة الصّالحين ،ومجالس ُة العلماء)).
وأربعةُ تزيد فى العقل :تَ ْر ُ
ل مَنْ حَفِظَها فهو جديرٌ أن ل يعتلّ إل عِلّة الموت :ل تأكُلْ طعاماً وفى
ب المأمون(( :عليك بخصا ٍ وقال طبي ُ
ك وكثرةَ
َمعِ َدتِك طعام ،وإيّاكَ أن تأكل طعاماً ُي ْتعِبُ أضراسكَ فى مضغه ،فتعجزُ َم ِع َدتُك عن هضمه ،وإيا َ
الجِماع ،فإنه يُطفىء نور الحياة ،وإياك ومجامعة العجوز ،فإنه يُورث موت ال َفجْأة ،وإياكَ والفصدَ إل عند
الحاجة إليه ،وعليك بالقىء فى الصّيف)).
وقيل لجالينوسَ :ما َلكَ ل تمرَضُ ؟ فقال (( :لنى لم أجمع بين طعامَين رديئين ،ولم ُأدْخِلْ طعاماً على طعام،
حبِسُ فى ال َمعِدَة طعامًا تأذّيتُ به)).
ولم َأ ْ
فصل
وأربعةُ أشياء تُمرض الجسم :الكل ُم الكثير ،والنومُ الكثير ،والكلُ الكثير ،والجِماعُ الكثير.
ت فى البدن.
ل عن العمل ،ويُولّد الرطوبا ِ
والنو ُم الكثير :يُصفّرُ الوجه ،ويُعمى القلب ،ويُهيّجُ العَيْن ،ويُكسِ ُ
ف القُوَى ،ويُجفّف رطوباتِ البدن ،ويُرخى العصبَ ،ويُورث السّدد ،و َيعُمّ
والجِماعُ الكثيرَ :ي ُهدّ البدن ،ويُضع ُ
ص الدماغ لكثرة ما يتحلّل به من الروح النفسانىّ ،وإضعافُه أكثر من إضعاف جميع ضررُه جميعَ البدن ،ويخ ّ
المستفرِغات ،ويَستفرغ مِن جوهر الروح شيئًا كثيراً.
فصل
ح ْميَةُ المعتدلة نافعة .وقال جالينوسُ لصحابه(( :اجتنِبواح ْميَةُ المفرطة فى الصحة ،كالتخليط فى المرض .وال ِ وال ِ
ثلثاً ،وعليكم بأربع ،ول حاج َة بكم إلى طبيب :اجتنبوا الغُبار ،والدخان ،والنّتن ،وعليكم بالدّسم ،والطّيب،
والحَلْوى ،والحمّام ،ول تأكلوا فوقَ شِبعكم ،ول تتخلّلوا بالباذَرُوج والرّيحان ،ول تأكلوا الجَوزَ عند المساء ،ول
ى مَن افتَصد ،فإنه مخاطر ُة الموت ،ول ينمْ مَن به زُكمةٌ على قفاه ،ول يأكل مَن به غَ ٌم حامِضاً ،ول يُسرعِ المش َ
حمّى الباردة فى الشمسِ ،ول تق َربُوا ب ال ُ
يتقيّأ مَن تؤلمه عينُه ،ول تأكلُوا فى الصيف لحماً كثيراً ،ول ينمْ صاح ُ
ن من العلل ،ومَن دََلكَ جسمه الباذَنجان العتيق المبزر ،ومَن شرب كُلّ يوم فى الشتاء قدحًا من ماء حار ،أمِ َ
صطَكى رومى، حكّة ،ومَن أكل خمسَ سَوْسنات مع قليل من مُ ْ ن الجرَب وال ِ فى الحمّام بقشُور ال ّرمّان أمِنَ مِ َ
ف َم ِعدَتُه ول تفسُد ،ومَن أكل بِزر البطّيخ مع السكر ،نظّف
ل عمره ل تضعُ َ وعودٍ خام ،ومسك ،بقى طو َ
حصَى مِن َم ِعدَته ،وزالت عنه حُرْقة البَوْل)). ال َ
فصل
وأربعةٌ تُفرح :النظ ُر إلى الخُضرةِ ،وإلى الما ِء الجارى ،والمحبوب ،والثمار.
وأربعةٌ تُظلم البصر :المشىُ حافياً ،والتصبّحُ والتمسى بوجه البغيض والثقيل والعدو ،وكثرةُ البكاء ،وكثرةُ النظر
فى الخط الدقيق.
شمّ الروائح
ل الطعام الحلو والدّسم ،و َ
وأربعةٌ تُقوّى الجسمُ :لبْسُ الثوب الناعم ،ودخولُ الحمّام المعتدل ،وأك ُ
الطيبة.
وأربعةٌ تُيبس الوجه ،وتُذهب ماءه وبهجته وطلوته :ال َكذِبُ ،والوقاحةُ ،وكثرةُ السؤال عن غير علم ،وكثرةُ
الفجور
ن أكل
ضرّ بالفهم والذهن :إدما ُ
صبْحة ،وقِلّ ُة الصلة ،والكَسَلُ ،والخيانةُ .وأربعةٌ تَ ُوأربعةٌ تمنع الرّزق :نومُ ال ّ
الحامض والفواكه ،والنومُ على القفا ،والهمّ ،والغمّ.
وأربعةٌ تَزيد فى الفهم :فراغُ القلب ،و ِقلّةُ التملّى من الطعام والشراب ،وحُسنُ تدبير الغذاء بالشياء الحُلوة
والدّسِمة ،وإخراجُ الفَضلت ال ُمثْقِلَ ِة للبدن.
وممّا يضرّ بالعقل :إدمانُ أكل البصل ،والباقِل ،والزّيتون ،والباذِنجان ،وكَثرةُ الجِماع ،والوحدةُ ،والفكارُ،
سكْرُ ،و َكثْر ُة الضّحِك ،والغم.
وال ّ
فصل
والمر فوق ما ذكرناه ،وأعظمُ مما وصفناه بكثير ،ولكن فيما ذكرناه تنبيهٌ باليسير على ما وراءه ،ومَن لم
يرزُقه الُ بصيرة على التفصيل ،فليعل ْم ما بيْنَ القوّةِ المؤيّدةِ بالوحى من عند الِ ،والعلو ِم التى رزقها الُ
ل والبصائر التى منحهم ال إياها ،وبين ما عند غيرهم. النبياءَ ،والعقو ِ
ولعل قائلً يقولُ :ما ل َهدْىِ الرسولِ صلى ال عليه وسلم ،وما لِهذا الباب ،وذكْرِ قُوى الدوية ،وقوانين العِلج،
ن هذاوتدبيرِ أمر الصحة ؟ وهذا مِن تقصير هذا القائل فى فهم ما جاء به الرسولُ صلى ال عليه وسلم ،فإ ّ
ن الفهم عن ال ورسوله
وأضعافَه وأضعافَ أضعافه مِن فهم بعض ما جاء به ،وإرشادِه إليه ،ودللته عليه ،وحُس ُ
ن يشاءُ من عباده.
ل به على مَ ْ
مَنٌ َيمُنّ ا ُ
فقد أوجدناك أُصولَ الطّب الثلثة فى القرآن ،وكيف تُنكر أن تكونَ شريعةُ المبعوث بصلح الدنيا والخرة
مشتملةً على صلح البدان ،كاشتمالها على صلح القلوب ،وأنها مُرشدة إلى حِفظ صحتها ،ودفع آفاتها بطُرق
كُليّة قد ُوكِلَ تفصيلُها إلى العقل الصحيح ،والفِطرة السليمة بطريق القياس والتنبيه واليماء ،كما هو فى كثير من
ق العبدُ تضلّعًا مِن كتاب ال وسُـنّة رسوله ،وفهماً
مسائل فروع الفقه ،ول تكن ممن إذا جهل شيئاً عاداه .ولو رُزِ َ
ل كَلمٍ سواه ،ولستنبَطَ جميعَ العلو ِم الصحيحة منه. تاماً فى النصوص ولوازمها ،لستغنَى بذلك عن كُ ّ
فمدا ُر العلوم كلها على معرفة ال وأمره وخَلْقِه ،وذلك مُسْلّم إلى الرّسُل صلوات ال عليهم وسلمه ،فهم أعلمُ
الخلق بال وأمرِه وخَ ْلقِه وحِكمته فى خلقه وأمره.
وقد روى الما ُم أحمد فى ((مسنده)) :من حديث َبهْز بن حكيم ،عن أبيه ،عن جده رضى ال عنه ،قال :قال
ظهَر أث ُر كرامتهارسـول ال صلى ال عليه وسلم (( :أنتُمْ تُ َوفّون سبعين ُأمّةً أنتُم خَيرُها وأكْ َرمُها على الِ)) .ف َ
ت عليهم علومُ الُمم قبلَهمض ْ
على ال سبحانه فى علومهم وعقولهم ،وأحلمهم و ِفطَرهم ،وهم الذين عُرِ َ
ل إلى ما أفاض الُ سبحانه وتعالى عليهم مِن وعقولهم ،وأعمالُهم ودرجاتُهم ،فازدادوا بذلك عِلمًا وحلماً وعقو ً
علمه وحلمه
ولذلك كانت الطبيعة الدمويّةُ لهم ،والصفراويّ ُة لليهود ،والبلغميّةُ للنصارى ،ولذلك غََلبَ على النصارى البلدةُ،
ل والشجاعةُ
ب على اليهود الحزنُ والهمّ والغمّ والصّغار ،وغَلَبَ على المسلمين العق ُ وقِلّةُ الفهم والفِطنةِ ،وغَلَ َ
والفهمُ والنجدةُ ،والفرحُ والسرور.
ولذلك كانت الطبيعة الدمويّ ُة لهم ،والصفراويّةُ لليهود ،والبلغميّةُ للنصارى ،ولذلك غََلبَ على النصارى البلدةُ
ب على اليهود الحزنُ والهمّ والغمّ والصّغار ،وغََلبَ على المسلمين العقلُ والشجاعةُ
،وقِلّ ُة الفهم والفِطنةِ ،وغَلَ َ
والفهمُ والنجدةُ ،والفرحُ والسرور .