Professional Documents
Culture Documents
-------------------------------------------------------------
ورقة
د .نوال السعداوى
---------------------
للؤتمر الدولى السادس للجمعية الفلسفية الردنية
----------------------------------------------------------
عمان ,الردن 20 -- 19 ,أغسطس 2006
--------------------------------------------------------
لم أدهش حين جاءتنى هذه الدعوة لتحدث فى الفلسفة وأنا لست
متخصصة فى هذا الفرع من المعرفة ,الذى تصوره بعض الفلسفة رياضة ذهنية
داخل الرأس داخل الكتب والنظريات المجردة ,بعيدا عن حركة الحياة الحية المتغيرة
على الدوام ,ال أن البعض الخر لم يفصل بين الفلسفة وبين حركة
الحياة اليومية السياسية والجتماعية العامة والخاصة ,والعلوم منها الطب والفيزياء
والرياضيات وعلم النفس والتاريخ والدين وغيرها
منذ الطفولة ) مثل كل الطفا ل ( كنت أشعر بلذة حين أفكر ,تزيد أحيانا عن
.لذة الكل بعد جوع أو شرب الماء بعد العطش
راودتنى أسئلة تراود الطفا ل جميعا من نوع :من خلق النجوم فى السماء ؟
,ويكون الرد :ربنا
ويأتى السؤال الطبيعى من الطفلة أو الطفل :ومن خلق ربنا ؟
كما تحير الفلسفة ,وأحيانا يعمل عقل الطفا ل كلمة ربنا " ال " تحير الطفا ل
بجرأة أكثر من الفلسفة
فى الخوض فيما أطلق عليها المحرمات أو المقدسات ,لن الفلسفة يدركون مخاطر
1
السجن والنفى ان تعرضوا للسلطة الحاكمة سياسيا ودينيا ,لكن الطفا ل ل يعرفون
هذا الخطر ال بعد التربية والتعلم فى المدارس والبيوت
كان معنى هذه الكلمة " ال " يتغير بتغير الشخاص من حولى
بعضهم مثل جدتى الفلحة تقول بلغتها العامية :ربنا هو العدل عرفوه بالعقل
والبعض الخر مثل عمى الشيخ الستاذ بالزهر يقول أن عقل النسان يعجز عن
وكنت أرى الظلم منتشرا من حولى فى حياة الفلحات والفلحين الفقراء فى عائلتى
وقريتى الحزينة الراقدة فى حضن النيل وسط الدلتا
وسألت من أين يأتى الفقر ؟
وجاءنى الرد :ال يخلق الغنى والفقير ,ال يعطى من يشاء بغير حساب ,الرزاق من
عند ال .......الخ
ولم يقبل عقلى الطفولى أبدا هذا الظلم المنسوب الى ال ,لن ال هو العدل الذى
عرفوه
:بالعقل كما قالت جدتى ,ولم يكف عقلى منذ الطفولة عن التساؤل
كيف يمكن أن يكون ربنا ظالما للفقراء وللنساء ومنهم أنا وأمى وأخواتى البنات ؟
.وهو سؤا ل يراود كل الطفا ل بالذكاء الفطرى
2
:الوحدة التى انقسمت
-----------------------
فى الطفولة يعيش الطفا ل الوحدة الطبيعية بين الجسم والعقل والروح والكون والناس
من حولهم مثل طبيعة الحياة الولى فى الحضارات النسانية القديمة قبل نشوء
العبودية
لم تكن طفولة المجتمعات النسانية همجية قائمة على الحرب والقتل والغتصاب
كما تصورها أغلب المؤرخين
الحضارات القديمة فى مصر وبابل وفارس والهند والصين وغيرها ,كانت الفلسفة فيها
قائمة على هذه الوحدة :وحدة الوجود بكل ما فيه من كائنات حية منها النسان
,لم يكن النسان هو الرجل فقط بل الرجل والمرأة ,واللهة أيضا كانت اناثا وذكورا
.قوة الطبيعة الكبرى هى اللهه الم
حدث النقسام مع التطور الجتماعى والسياسى الذى أرسى الفلسفة العبودية ,التى
قسمت الكون الى أرض وسماء ,والنسان الى جسد وروح والمجتمع الى أسياد
وعبيد ,واندرجت النساء مع العبيد
حدث ذلك التغير تدريجيا مع تغير المجتمع من نظام أمومى الى نظام أبوى
فى مصر القديمة مثل لم تفقد الم مكانتها فى الحياة الدينية أو السياسية
كما حدث بعد استقرار النظام البوى ,وأصبح اله سماوى واحد
هو الب الذكر للبشرية جمعاء ,ونتج عن ذلك أن
) أصبح آدم هو أصل البشر وحواء هى فرع منه ) ضلع وربما أعوج
بعبارة أخرى لقد ولد الذكر النثى وليس العكس
وحمل الناس اسم بنى آدم فقط وليس بنى وبنات حواء وأدم
,ظهر اسم حواء فى كتاب العهد القديم كسبب الخطيئة والشر والعصيان
لنها مدت يدها ) عقلها ( الى شجرة المعرفة
منذ نشوء النظام العبودى تغيرت الفلسفة واللغة والدين والسياسة والخلق
لتصبح الذكورة هى الصل ,وبدأ نظام جديد قائم على تقسيم العمل على
) أساس النوع ,الجنس ,فرض على المرأة العمال الجسدية ) والعبيد
باعتبار انها جسد بل عقل ,وأصبح العمل الفكرى ) الفلسفة ( يخص الرجا ل
فقط من الطبقات العليا
3
فى مصر القديمة كانت " نوت " هى الهة السماء وزوجها " جيب " هو
,اله الرض
) كانت البنت ترث الم على العرش :الم البنة الب )الثالوث القديم
بتغير المجتمع وفى فترة النتقا ل التدريجى تصاعد الب من اله الرض الى
,اله السماء وهبطت الم لتصبح الهة الرض والخصوبة والولدة
وتغير الثالوث الى :الب البن الروح القدس ,ترمز الروح القدس الى الم التى
فقدت اسمها وأصبحت تنسب الى الرجل زوجها أو ابنها الذكر
كانت الفلسفة الطبيعية المومية الولى تقوم على الوحدة الكلية للحياة وعلى التعاون
والعدالة والرحمة والمحبة
مع انقسام المجتمع العبودى بدأت فلسفة القوة وسيطرة الب الله الحاكم الذى
يستمد سلطانه من قداسة اللوهية وليس من العدل والرحمة
:وقد قاومت نوت الهة السماء هذه الفلسفة ,ومن وصيتها الى ابنتها ازيس تقول
ل أوصى ابنتى التى ستلى العرش من بعدى أن تكون الهة لشعبها تستمد سلطتها "
من قداسة اللوهية بل أوصيها أن تكون حاكمة رحيمة عادلة ") مصر القديمة 4988
) قبل الميلد
كانت فلسفة العدل والرحمة ل تزال تقاوم فلسفة القوة الصاعدة القائمة على الموا ل
والسلطة المطلقة للذكور فى الدولة والبيت
:ومن فلسفة العدل والرحمة كان " بتاح -حتب " المصرى الذى كتب يقول
" عش فى بيت المودة وامل قلبك بالرحمة أثمن من امتلء خزائنك بالذهب "
وكانت ازيس ترمز الى الحكمة وأختها معا ت ترمز الى العدل
كانت ازيس الهة الحياة والنور ) المعرفة ( ترسم بقرص الشمس فوق رأسها
ال انه مع تغير النظام الى السلطة البوية المطلقة أصبح
أوزوريس زوج ازيس هو صاحب الحكمة ,وابنه حورس الذكر هو وريث العرش
,وليس البنة التى كانت ترث العرش عن الم
اعادة قراءة
التاريخ تكشف القناع عن هذه الحقائق التى
سادت فى تلك الزمنة البعيدة مع تقدم
علم الثار الجديد ,واتضح أن
4
:كلمة فلسفة
( )Philosophy
تعنى فى أصلها اللغوى " :المحب لصوفى" ,وهى الفيلسوفة القديمة التى أهملها
,التاريخ الطبقى البوى ,كما أهمل غيرها من صاحبات الفكر والفلسفة
الفيلسوفة المصرية اليونانية " هيباثيا " التى قتلت فى مصر ) السكندرية ( لنها
.فكرت وتمردت ضد الظلم السا ئد تحت اسم الدين
تأثر اخناتون ونفرتيتى بكتاب طيبة عن الموتى ,لكنهما لم يأخذا منه ال المانة فى
التعامل مع الناس ,وتركا الجزء الستبدادى البوى ,ربما لنهما كانا
,يعملن معا تحت ارشاد الم " تى " أم اخناتون
بدأ اخناتون ونفرتيتى) وتى الم ( ثورة سياسية ودينية وأخلقية واجتماعية فى مصر
من أجل اعا دة قيم العدالة والرحمة والوحدة النسانية القديمة
جاءت صور اخناتون بجسم يشبه النثى أكثر من الذكر ,ورسم على شكل اله
واحد انسانى عاد ل تطل سماؤه من فوق جسم الرض حانية مثل الم ,وتطل
شمسه وضياؤه على الظلم بنور الحق والمعرفة ,وهى الصورة السابقة
لزيس ,التى كانت تحمل قرص الشمس فوق رأسها وتنشر نور الحكمة
والمعرفة على الجميع ,دون تفرقة ,لم
يكن تعدد اللهه الناث والذكور سببا فى أن
.تحجب الشمس ضوءها أو تفرق بين البشر وكلهم عندها سواسية
5
كانت أناشيد ازيس واوزوريس ونفرتيتى واخناتون) وأمه تى( تتجه الى الهة السماء
.والحكمة
:ومن أناشيد مصر القديمة فى عصر ازيس
يا ازيس يا مصدر النور والضياء
يا خالقة الزرع فى الرض
يا من تخرج الحياة من رحمها
كما يخرج جنين الطير من بيضته
أنت أم كل شىء حى
أنت حياة العالم
أنت الم الكبرى للكون
تغير هذا النشيد مع تغير المجتمع المصرى الى النظام الطبقى البوى
اختفت جهود الم تى والزوجة نفرتيتى وأصبح اخناتون وحده صاحب الفلسفة
والمعرفة والناشيد
أخذ موسى نبى الشعب اليهودى بعض أناشيد اخناتون وجعلها أساس فلسفته اليهودية
وأخذ اسم حواء من الحياة باعتبارها أم ,
كل شىء حى كما جاء فى كتاب موسى ) التوراه ( ثم هوى بها الى الخطيئة
حتى ل تنافس الله الجديد الب
فكرة الله السماوى الواحد أخذها موسى عن اخناتون
:من أقوا ل اخناتون
فى مصر يكون النيل تحت أبصار الجميع ,لكن هناك نيل آخر فى السماء من الماء
.الحى لجميع الغرباء فى القطار الخرى
وقا ل اخناتون أيضا :انه على ضفتى نهر الحياة فى السماء توجد قصور يسكن
.فيها ال لن قلب النسان هو مسكنه
وأمر اخناتون بتحطيم تماثيل جميع اللهه السابقة عليه وأغلق معابدها ,وهجر مدينة
طيبة الملكية ) لنها ظالمة ونجسة ( وبنى عاصمة جديدة لمصر أطلق عليها اسم
.مدينة ال
وما يحدث دائما حين يأتى نبى جديد أو ملك أو اليس هذا هو التغيير السياسى
رئيس دولة بأفكار جديدة ؟
لكن الصراع دب بين الملك الجديد وكهنة الملوك السابقة وهزم اخناتون ونفرتيتى
.شر هزيمة وهدم الحكام الجدد تماثيلهما ,ومحو كل آثارهما
6
فى فارس
----------------
ورث زرادشت الصراع بين الجسد والروح
وبين الخير والشر
قبل زرادشت كان " بيما " الذى انشغل بتفسير كلمة ال
) أصبحت البداية هى " كلمة" ) فى البدأ كانت الكلمة
) تحولت الفلسفة الى كلمات وطقوس تقدس الكلمة ) السم
انفصلت الفلسفة عن السياسة والحركات الجتماعية المناهضة للعبودية
كان ملك الملوك فى فارس ظالما مستبدا مثل فرعون مصر ,له عيونه
من الكهنة والجواسيس للكشف عن نوايا العبيد فى قلوبهم الخفية
قتل الملك بسهمه شابا سقط قتيل على الفور ثم سأ ل والد الشاب المسكين
عن رأيه فركع العبد على الرض ساجدا ممرغا جبينه فى التراب بين قدمى الملك
وقا ل :حكمتك يا رب يا ملك الملوك التى ل تعلوها حكمة ورمايتك السديدة
! التى ل تعلوها رماية
وكان الملك ينوى قتله أيضا لنه أنجب ولدا عاصيا لكنه عفا عنه لنه عبد مؤمن
كان التهام بالكفر أو عدم اليمان بحكمة " الله الملك" عقابها الموت
وهى تهمة سادت منذ العبودية وحتى اليوم فى بلد متعددة شرقا وغربا
,وقد لعبت هذه التهمة دورا على مدى العصور فى فصل الفلسفة عن الدين عن الحياة
وتجميد الفكر الفلسفى القديم والمعاصر الحديث داخل قوالب تكرر نفسها عصرا بعد
,عصر ,وتجدد ايمانها بالدين السائد فى ذلك المجتمع ,الذى هو دين الدولة
ينص عليه الدستور ,وان لم ينص عليه الدستور ,أو ان تم الفصل بين الدين
والدولة ,ال أن تهمة الكفر أو اللحاد أو التمرد على السلطة ,ظلت تفزع الفلسفة
والعلماء فى كل عصر حتى عصرنا هذا
7
" واستمد من أمه رسالته فى الحياة ,أن يجلب النور لبناء الظلم
تكررت هذه السطورة فى حياة أغلب النبياء ,فالم المرأة هى التى تهدى ابنها
النبى الى المعرفة
أغلب النبياء والفلسفة لم يكن لهم أب ,أو لم نسمع شيئا عن أبائهم ,وكانت
الم هى التى أخذوا عنها المعرفة وهى التى حمتهم من القتل
على يد السلطة الحاكمة القائمة حينئذ ,ومن حمى النبى موسى من بطش فرعون ال أمه
,ومن حمى عيسى المسيح ال أمه مريم ؟
ما أن ولدته أمه حتى خرج " زرادشت " ضاحكا فى المهد فهرولت أرواح الشر
التى كانت تحيط بجسد أمه ( هاربة فى فزع ,وتهللت الطبيعة كلها (
بالفرح والنور وترنمت الشجار والنهار والرياح بالنشيد العام الجامع ,ورضع
الشجاعة والحكمة من أمه مع حب العد ل والرحمة
عن النفس ) فى مهده تكلم عيسى المسيح ) الكلم مثل الضحك تعبير
أنه سيكون نبيا لنها وانتشر النور ,وتنبأت أم الرسول محمد وهى حامل به
حين كان ينتفض رأت النور ,أما زوجته السيدة خديجة فهى التى طمأنته
رسالة ال .قائل دثرونى دثرونى ,دثرته ثم قالت له انهض بلغ
كادت الرواح الشريرة أن تقتل زرادشت لول قوة أمه وحمايتها له ,كما كاد
أعداء عيسى أن يقتلوه لول أمه السيدة مريم ,وكانت السيدة خديحة زوجة النبى
محمد تكبره بعشرين عاما ,بمثابة الم له ,تمنع عنه أذى قريش وهى من
.أشراف قريش الثرياء ,يخافون قوتها وبأس عشيرتها
8
.ال أن الظلم والحرب والعبودية هى التى سادت وبأشكا ل مختلفة متطورة حتى اليوم
----
حينما سأ ل زرادشت نفسه :ما حكمة ال فى وجود الشر والظلم والحرب ؟
بدأ يشك فى عدا لة ال وحكمته ووجوده ,وكتب كتابه " أفستا " ) تفسير
الحكمة ( حاول فيه البحث عن ال حتى وجده فيما سماه الوطن الواحد لكل
النسانية ,وعرف ال بأنه العد ل الجتماعى والتعاون والمساواة والمحبة والخاء
) والسعى نحو الكما ل ,والهدف النهائى هو العدل ) أو ال
,وقال :لو انك عرفت الحق عرفت ال ,ال هو العد ل
وهذا هو تعريفه " ل" الذى ل يختلف عن تعريف جدتى الفلحة فى مصر التى
" سمعتها وأنا فى السادسة من العمر تقول " :ربنا هو العد ل عرفوه بالعقل
تأثر فلسفة اليونان القديم والغرب الحديث بالفلسفة المصرية والفارسية والهندية
والصينية القديمة مثلما تأثر بها النبياء
بل ان الساطير القديمة والقصص انتقلت عبر التجارة والسفر من الكتب الفلسفية
الى الكتب الدينية
فقد تكررت أسطورة حواء وآدم ,
بأشكا ل مختلفة
فى فارس مثل خلق الله " أهورا مازدا " امرأة ورجل من الطين وأسكنهما حديقة
الزوجين الشريفة ) الجنة با للغة الفرسية ( واشتغل الزوجان معا متعاونين يحب كل
منهما الخر ويخدم كل منهما الخر دون سيطرة من أحد على الخر
كان يسيران وفق قانون العدالة والتعاون والحب القديم
ثم توفى الزوجان ودب الخلف بين ذريتهما الذكور والناث
تسلط الذكور وتنافسوا على الحكم والميراث ونسوا قانون العدالة والتعاون
وعاقبهم " أهورا مازدا " بطوفان من الجليد الذائب ) يشبه طوفان نوح ( فأغرقهم
جميعا ال قلة من الذكور والناث المتمسكة بالعد ل والتعاون ,حاول أن يشكل
منهم فصيلة جديدة من البشر الرقى أو الكثر عدالة وتعاونا
وهكذا استمر االله " أهورا مازدا " فى تجاربه بهذا الطين البشرى ,من أجل
.تطوير الجنس البشرى الى الفضل أو الكثر عدالة وتعاونا مع الخرين
9
,انها رحلة الفلسفة والعلماء المستمرة نحو التغيير الى عالم انسانى أفضل
وهى رحلة المادة من صورتها الولى ) الميبا ( عبر أشكالها وفصائلها المختلفة للوصول
الى النسان العادل الرحيم عند الفلسفة الماديين والمثاليين
) أو ال ) عند المؤمنين بالديان
كان الصراع يدور بين أهورا مازدا ) يعنى النور أو اله الخير ( وأهريمان ) اله الشر
) والظلم ,الشيطان
هذا الصراع الذى بدأته الفلسفة العبودية
,وهو صراع عقيم لنهائى لنه صراع غير طبيعى ,صراع ضد وحدة الوجود
فالظلم والنور موجودان ول يمكن فصل الليل عن النهار أو الجسد عن العقل
أو المادة عن الروح ) الطاقة المشعة من المادة ( وهى طاقة قد تكون غير مرئية
.مثل قوة الكهرباء أو القوى الذرية والنووية وغيرها من أنواع الطاقة
وقد أدت الكتشافات العلمية الى تطور الفلسفة والفكر ,كما أدى التفكير الفلسفى
المتحرر ) من سجن الخوف من بطش السلطة ( الى آفاق علمية أكبر
فلسفة الهند
--------------------------------
:ترابط الجسد بالعقل والظلم بالنور والخير بالشر والمادة بالروح أدى الى القول
ان الشر هو القوة الناتجة عن ال ) الخير ( بينما هو يدبر الشر
رغم تناقضها تكشف هذه المقولة التطور من اليمان الدينى الى الفلسفة المادية
المثالية ثم الجدلية بعد استبدال القوة اللهية بقوة الطاقة أو الحياة
وهى فلسفة قديمة منذ الحضارات المومية فى مصر وفارس وبابل والهند والصين التى
قامت على وحدة الكون والتحام الحياة بالموت والموت بالحياة فى دورة لنهائية
كتاب الوبانيشاد يجمع أفكار فلسفات النساء والرجا ل فى الهند ) 800الى 500
) قبل الميلد
خلصتها :انتزع من نفسك الشهوات وان فشلت ومت فل تيأس ول تحزن فسوف
تولد من جديد وتكرر المحاولة وهكذا دواليك ,الموت ليس نهاية الحياة ,واللم
ضرورى للسعادة مثل الضوء للظلم والموت للحياة
10
هذه الثنائية أو التناقض بين الذكورة والنوثة سادت فى الفلسفة والدين حتى اليوم
جاء فى كتاب التوراة أن الم الوالدة تظل نجسة فى دمها اربعة وستين يوما
.ان ولدت أنثى ,وتنخفض النجا سة الى نصف المدة ) 32يوما ( ان ولدت ذكرا
,والمحيض أذى ) فى القرآن ( يستوجب الطهارة
وتزخر الكتب الدينية والفلسفية بما يفيد سمو الذكورة على النوثة
رغم أن المرأة الم هى التى حمت البشرية من الموت ,وهى التى حمت النبياء
,فى المهد من القتل
ينطبق ذلك على بوذا وأمه التى حمته من القتل على يد أعدائهما
وهجر بوذا أمه المد نسة ليبحث عن أبيه الله الطاهر دون جدوى
ثم تزوج ومنحته اللهه ابنا ذكرا ,وهجر زوجته وعاود البحث
,حاول الشيطان اغواءه ليعود الى أمه وزوجته وابنه دون جدوى
) كان يريد أن يتعلم الحكمة عن طريق اللم والجوع ) اليوجا
تصور أن الوصول الى الروح يكون عبر هلك الجسد ,ال أنه بدل من أن
يرقى فلسفة الوبانيشاد هوى يعض الرض من الجوع مثل كلب يتضور جوعا
ثم عا د الى الكل واشباع الجسد وبدأ يفكر من جديد فى دورة الحياة المملة
فى تكرارها :الولدة والشباب والشيخوخة والموت ثم تكرار ذلك على نحو عبثى
ممل ,ثم وصل أخيرا الى النيرفانا وهى السعادة ببلوغ حياة العدل والرحمة بكل
الكائنات الحية ومنها اليشر
وأوصى بثلث كلمات :الرحمة العدل المحبة
براهما ,ال هو العدل والخير العلى
11
لم يختلف فكر بوذا كثيرا عن مقولة جدتى الفلحة ) ,ربنا هو العدل عرفوه بالعقل ( ولم
يعتبر نفسه رسول من عند ال بل
مكتشفا لقانون اجتماعى طبيعى يجلب السعادة لمن يسعى نحو العدل
والنسانية والرحمة والمحبة
من رسالة القديس وهو المبدأ الذى أخده عنه القديس بولس فى الصحاح 13
,بولس الول الى أهل كورنثوس
قال بوذا " :كما تحمى الم طفلها الوحيد من الذى
,مثلما تحمى حياتها ,لتكن أنت مثل الم فى حبها الشامل الذى يضم الكون كله
حب ل تشوبه شائبة من الكراهية
وهكذا يعود بوذا بعد أن نضج واستوى الى فلسفة الم التى هجرها
فلسفة الصين
-------------------
يرتفع الفيلسوف الى درجة " العظيم " ,وهو لقب لم يكن يحظى به قائد الجيش أو
رئيس دولة فى الصين القديم
فى عهد كونفوشيوس ) 600ق .م ( كانت فلسفة الصين القديمة منذ 20000
) سنة قد عرفت نظرية التطور ) التى نسبت فيما بعد لداروين
تطورت الكائنات من درجات البدائية الولى الى الفكر والنسانية
سر الحكمة مثل الطبيعة الم تعطى دون أن تفكر فى الخذ
السعادة هى النجاح الجماعى وليس الفردى فى تحقيق العد ل والحرية والحب
,فى حياة " لو -تسى " ) 551ق .م ( كانت الم هى التى رعته وهو طفل يتيم الب
جمع بين الفلسفة والموسيقى والعلم والفن
تأثر بأمه وأدرك أن الم المستقلة ل تقل شيئا عن الب ,وأن النفاق
مسئولية الم المستقلة مثل الب ,وأن الم تفقد استقللها ان بقيت فى البيت ولم
,تخرج للعمل بأجر
وهكذا أدرك " لو -تسى" أن " تقسيم العمل بين الب والم على أساس الجنس ",
هو السبب فى اهدار حقوق الم فى المجتمع والسرة وغياب اسمها فى التاريخ
وهى الفكرة التى سادت بعض حركات تحرير المرأة فى عصرنا الحديث .و (
كان يرى أن عدالة الدولة وأمانة الفرد تبدأ فى البيت فى السرة ,ربط بين الخاص
والعام ,وبين القهر الجنسى والقتصادى
! وقال للثرياء :حتى ل يسرق الجوعى ل بد أن تكفوا عن الجشع
12
) طاليس ) 600ق.م
----------------------
انتقل من التأمل فى طبيعة ال الى البحث العلمى وتركيب
الكون ,رأى أن الماء هو الوحدة المادية للوجود
,أما تلميذ طاليس
) أنا كسيماندر ) 575ق .م
---------------------------------
فقد رأى أن وحدة الوجود مادة
دقيقة هى اللمتناهى والتى خرجت منها كل أشكال الحياة والكائنات المائية والطيور
13
بمعنى آخر ,رأى هيراقليتس الوحدة داخل صراع متغير ,أو انسجام داخل
التنوع والختلف ,ربما كانت بذرة فلسفية تساعد على التغيير من الدكتاتورية
والستبداد بالرأى الى احترام التنوع والختلف ,أى ما سميت بالديموقراطية
) ديموقريتس ) 430ق.م
-----------------------------
ساعدته دراسة العلم والطب فى فلسفته القائمة على التفكيك والتحليل ثم الضم
,والتركيب ,وهى العملية اللنهائية العقلية المتصلة بالحياة المادية الواقعية
.والتى أدت الى الكتشافات العلمية والتطور الجتماعى والفلسفى
دخل ديموقريتس بعقله الى عالم الذرة المادى ,درس الذرة ,ورأى فى كل ذرة
حياة أو روح داخلية تهيمن على حركتها
هكذا اقترب ديموقريتس بفلسفته المادية من الكتشاف العلمى الذى أثبت أن
" .النواة الثانية فى الذرة " طاقة " وليست " مادة
هو الذى وضع نظرية الذرة :المادة الصلية الجوهرية للوجود
كانت المادة قبله تتكون من أربع جواهر :الماء ,النار ,الهواء ,الرض
لكنه رأى أن المادة الصلية تتكون من عدد لنهائى من الذرات التى ل تنقسم
14
,رجع بفلسفته الى فكرة العالم الواحد تحت رعاية الخالق الواحد اللنهائى
أقام فكرته التوحيدية على أساس وحدة الوجود ,وأن ال موجود فى كل شىء
لنه كل شىء ,تشبه نظرية سبينوزا أو " المذهب الحلولى " أن ال يحل فى
كل شىء ,ول شىء يشبهه لنه كل الشكا ل .هو الكل فى الكل ,وهو
.الكل فى واحد
) لكن فيثاغرس ) 500ق .م
-----------------------------------
أدرك الوحدة غير المرئية ل ,وان الجسام السماوية تتحرك سويا فى موسيقى
متناغمة ,كان عالم رياضيات يربط بين مبادىء الرياضة والموسيقى ,وقال
الرياضيات أعلى مراتب الفلسفة وأن الفلسفة أعلى مراتب الموسيقى "
وأنشأ أسرة جديدة من النساء والرجا ل يملكون كل شىء معا ويعملون معا
اعتبر " الملكية الخاصة " هى أساس الشقاء والظلم فى العالم
,أراد أن يحقق نوعا يشبه الشتراكية المشاعية أو ما سميت الشيوعية فيما بعد
وكان تأثيره الفكرى كبيرا على من جاء بعده من الفلسفة من سقراط الى
برتراند رسل الى كارل ماركس
) انه سقراط ) 469ق.م
------------------------
فعل الذى أنزل الفلسفة من السماء الى الرض ,ودفع حياته ثمنا لذلك
هو فيلسوف مادى اشتغل بالسياسة ,وهنا الخطورة ,لن نظم الحكم الطبقية
البوية بكافة أشكالها القطاعية والرأسمالية القديمة والحديثة وما بعد الحديثة فى
,عصرنا الحالى
ترحب بأى فيلسوف مادى أو مثالى ,مؤمن أو ملحد ,بشرط أن يبقى فى برجه
العالى بعيدا عن الناس
والحياة السياسية والجتماعية ,وال يكون له أى تأثير حقيقى أو قدرة على تغيير
النظام الحاكم
لهذا حصل أرسطو وافلطون على جوائز الدولة ) مثال أغلب النخب المثقفة
شرقا وغربا فى الماضى والحاضر ( لسبب بسيط :أنهم لم ينزلوا الى الحياة
,الواقعية التى يعيشها الناس ( وحين نزل أرسطو الى الحياة السياسية ناله الذى
.اما سقراط فقد حكم عليه بالعدام وتم تنفيذ الحكم بشرب السم
15
! لم يشتغل سقراط بالسياسة فترة طويلة وقال :النسان المين ل يستمر فى السياسة
,ال انه كان مشغول معظم الوقت بقهر الدولة للنسان
كان قوى الجسم والعقل ,بلغت قوته الى حد الرقة ,البادية فى الرحمة فى
,عينيه
وقا ل ":من خلل المعرفة يمكننا الوصول الى الفضيلة الفردية والعدالة
"الجتماعية
:ونقد زيف الحكم والنتخابات المزورة ,وقا ل
.انها انتخابات حكومة ظالمة تقوم على أصوات العامة الجاهلة
تكاد عبارته هذى الذى نطق بها قبل ميلد المسيح بأربعة قرون ونصف تعبر بالضبط
.عن أحوا ل بلدنا السياسية فى وقتنا هذا ,فى القرن الواحد والعشرين بعد الميلد
واتهم بالكفر والعمل على قلب نظام الحكم ,وهى التهمة الشائعة التى توجه دائما الى
أكثر المفكرين أمانة وحرصا على العدالة والحرية ,وهى أيضا التهمة التى تفزع
.آخرين فيلزموا الصمت أو يتنازلون عن أفكارهم و يشاركون فى النفاق العام
حوكم سقراط أمام 500محلفين من أفراد الشعب ,لم يعرفوا شيئا عن أفكاره سوى
ما أشاعته عنه السلطة ,من أنه شخص مهرج هزلى ملحد مفسد للشباب ,ل
,تهمه ال مكاسبه الشخصية
وخاطب قضاته قائل " توجهون لى تهمة افساد الشباب لمكسب شخصى وأنا لم
آخذ ال الفقر ,وكل ما سعيت اليه هو العدل ,من العار عليكم تكديس الثروة
.بدل من اكتساب الحكمة ,انى أخلع النقاب عن جهلكم المستور
.وقد بكى سجانه وهو يناوله السم لنه أحبه مثل كل من عرفوه
ربما يكون سقراط هو أكثر الفلسفة انسانية فى نظرى ,وأكثرهم قربا الى
مشاعرى ,والى حياتى ,وقد تعرضت أكثر من مرة الى التهمة ذاتها التى تعرض
لها ,وهى الكفر ومحاولة قلب نظام الحكم ,ودخلت السجن أيضا ,ال أن الحاكم
الذى أدخلنى مات مغتال ,وتمتعت فى زنزانتى بحب السجانات ,وخرجت
.من السجن دون أن أشرب السم
أل تتكرر مثل هذه القصص فى حياة أى انسان يفكر ؟ خاصة فى بلدنا حيث
! يكون الحاكم شبيها بفرعون ,وهو صاحب السلطة الوحيد ليس له شريك
16
,لم تستهوينى مدينة افلطون الفاضلة لنها كانت ذهنية فقط ول علقة لها بالواقع
رغم كل ما فيها من قوانين عادلة ,وحكمة بالغة ,تربط القانون بالفلسفة بالدولة
.بالدين بالسعادة والفن والموسيقى وكل ما يتمناه النسان
انها الجنة فوق الرض ,فيها من التحيزات الطبقية الذكورية العنصرية ما يكفينى
,للزهد فيها
وهى جمهورية ديموقراطية عادلة جميلة تنقصها الحرية الحقيقية ومشاعر الحب
! والجمال الحقبقى
17
يختلف أرسطو مع افلطون فى فكرة أساسية ,رأى افلطون أن الحياة تحركها قوى
,خارجية ,أما أرسطو فقد رأى أن هذه القوى داخلية
,وقد آمن الثنان بقوة الهية ,كان اله افلطون مثالى صانع المثل ,متحرك
,وكان اله أرسطو صانع الحركة ,محرك أفعال العالم ال أنه ساكن
,الله فى نظره طاقة أو روح خالصة لم تخلق لكنها خالقة ,وهى ثابتة ل تتحرك
,وقد أخذ هذه الفكرة من نظريته الفلكية الخاطئة ,عن أن الرض هى مركز الكون
,هى المحرك غير المتحرك للسكون
واعترض أرسطو على نظام افلطون المثالى وقال عنه خيالى " يوتوبيا " ,ورفض
فكرة تقسيم الثروة بين الناس بالتساوى كما فى جمهورية افلطون ,وقال :اذا
.قسمت الثروة بين الناس ضعفت المسؤلية الفردية لكل شخص
و امتلك الشجاعة ذات يوم ونقد السكندر الكبر قائل أن الدكتاتوريات أسوأ
أنواع الحكومات ,وصمم السكندر على قتله ,لكنه مات فجأة عام 323ق .م قبل أن
,يقتل أرسطو
واتهم أرسطو من أهل أثينا بخيانة الدولة واللحاد فهرب الى جزيرة " أوبا " فى بحر ايجة
وتجرع السم ومات بعد أن كتب وصية بتحرير عبيده ,رغم نظريته السابقه بأن
العبودية أمر
,عادل تتطلبه طبيعة العبد والمرأة
اما نظريته البيولوجية ) عن أن الجنين يصنعه الحيوان المنوى الذكرى فقط ,وأن
المرأة ليست ال الوعاء الساكن الذى يحمل الجنين ( فقد ثبت انها خاطئة مثل
.نظريته الفلكية
ال أنه كان أكثر تقدما فى رؤيته للفلسفة ذاتها وقا ل :يجب على الفلسفة أن
تكون عمود النار والنور الذى تهتدى به الحركة السياسية والجتماعية
18
وقال ان السيطرة على النفس هى الحرية الوحيدة ,والمن الحقيقى هو رفض الملك
,ل امتلكها
19
يمكن القول أن فلسفة نفرتيتى واخناتون التوحيدية مهدت لفلسفة النبياء من
بعد ,موسى وعيسى وابراهيم واسحاق ويعقوب واسماعيل ومحمد ,ولعبت الديان
التوحيدية الثلث الكبرى بمذاهبها المختلفة المتشعبة دورا فى الثورات و التغيرات
السياسية والقتصادية والجتماعية والخلقية ,فى القارات الخمس ,وفى تثبيت
النظام الطبقى البوى على مقدسات وثوابت دينية ,وعلى نصوص الهية أصبحت هى
,مصدرا لدساتير الدول وقوانيها وقيمها فى الشرق والغرب
,لعبت الكتب الدينية الثلثة :التوراة ,النجيل ,القرآن دورا كبيرا فى هذه التغيرات
بعضها أدى الى محاربة الرق والعبودية ,تحت فكرة :العبودية ل فقط وليست
,لى حاكم من البشر
رغم بعض النصوص الدينية التى أبقت على الرق ,فيما يتعلق بأسرى الحرب من
النساء والرجا ل ,واباحة امتلك العبيد والماء و الجوارى ,ال أن الثورات الشعبية
من العبيد والفقراء والنساء ,والتغيرات القتصادية والجتماعية أدت الى تجميد هذه
,النصوص ,وابطا ل العمل بها
لعب الفلسفة والمفكرين من الرجا ل والنساء ,فى الشرق والغرب ,دورا فى القضاء
,على الرق وبقايا الفكر العبودى
ال أن النظم الحاكمة كانت ) ول تزال ( تتمسك بالنصوص والثوابت التى تحافظ على
مصالحها ومكاسبها وعبيدها وجواريها ,وتشترى الفلسفة ورجا ل الدين الذين يبررون
,الستبداد والحرب وقهر النساء والجراء ,تحت اسم الدين
أصبحت كلمة " الدين " أو " حكم ال " سيفا مسلطا على أعناق الداعين والداعيات
للتحرير النسانى وتحقيق العدالة والحرية للجميع بصرف النظر عن الجنس أو النوع أو
الطبقة أو اللون أو غيرها ,هذه القيم النسانية العليا التى دعى اليها الفلسفة والنبياء
من الرجا ل والنساء ,من ازيس وازوريس ونفرتيتى واخناتون الى موسى وبوذا
وكونفوشيوس وعيسى ومحمد ,ومن سقراط ودموقريتس وارسطو وابيقور الى ابن
سينا والفارابى ورابعة العدوية وابن رشد وهيجل وماركس وانجلز وساتر وسيمون دو
بوفوار وغيرهم
ال أن الصراع الدموى استمر حتى يومنا هذا من أجل المكاسب القتصادية والمادية
,تحت غطاء اليهودية أو المسيحية أو السلم
وقد تعرض النبياء للقتل بمثل ما تعرض كثير من الفلسفة والمفكرين من الرجا ل
.والنساء ,الذين حاربوا العبودية والتفرقة بين البشر
20
21
والمعتزلة و رابعة العدوية التى كانت مثل جدتى الفلحة ,تؤمن أن ال هو العدل والحب
,والرحمة ,وليس ال هو نار جهنم أو جنة عدن أو النصوص أو الطقوس الشائعة
22
حل علم : أثر التقدم العلمى على الفلسفة فى العصر الحديث
-------------------------------------------------
الفلك محل التنجيم ,والكيمياء محل السيمياء ,وعلم الجناس البشرية محل الجن
,والشياطين ,واكتشف كولومبوس عالما جديدا وراء المحيط
,وكوبرنيك اكتشف طريقا جديدا الى النجوم ,وجاليليو اكتشف أن الرض تدور
,
ودارت الفكار فى رؤؤس المفكرين مع دوران الرض ,وبدأت عقول الفلسفة
تضرب فى الخرافات الفلسفية والدينية التى انتشرت فى العصور المظلمة ,حيث
نصبت المشانق والمحارق لكل كافر وكافرة الذين يعارضون أوامر ال ,التى هى
,أوامر الملك أو السلطان
,ربما كانت الضحايا من النساء أكثر من الرجا ل ,هؤلء النساء بنات حواء الثمة
الساحرات الشريرات
اللئى تجرأن على تعاليم الكنيسة وعالجن المرضى بطرق طبية جديدة ,ليست
هى الماء المقدس الذى كان القسس يحتكرونه و يبيعونه للناس ,تحت اسم ال
,الذى بيده الشفاء ,وليس الطبيبات الكافرات الخائنات للوطن
كان الطفا ل ينشدون فى المدارس " :ال الوطن الملك" فى نفس واحد باعتبار أن
,الثلثة واحد واحد
,كان الفساد عاديا وشائعا كما هو اليوم ,والسلطات السياسية والدينية متلحمة
23
فى اللفية الثالثة ,أربعون عاما من الفساد والرشوة أصبح فيها هذا المفكر الكبير
من أثرى الثرياء فى مصر ,من أصوله الفقيرة وهو صبى مراهق الى الكهولة الثرية
,التى تملك المليارات الى جوار العقارات ,الى جوار المجد الوطنى و الفكرى والثقافى و
"أخيرا سقط " القط السمين" بعد أربعين عاما من التستر تحت اسم " ال الوطن الملك
بعد أن فقد " فرانسيس بيكون" عناية الملك وعناية ال والوطن فى وقت واحد ,اعتزل
العالم
,وبدأ يتأمل الكون وأحوال الدنيا المتقلبة
,نقد أفكاره السابقة المتناقضة التى قامت على شهوة المال والخوف من الملك
والتى خدع بها الناس طويل ,من نوع " :ل تنظروا الى أعمالى بل انظروا الى
) كتاباتى ! ) ,العبارة نفسها التى كان يرددها" نجيب محفوظ " فى مصر ول يزا ل
,الفصل بين العمل وبين الفكر مثل الفصل بين الجسد والروح كان ,ول يزال
.الثنائية الفلسفية التى تتسرب منها كافة أشكا ل الفساد والعبودية والستبداد
بدأ فرانسيس بيكون ينقد هذه الثنائية ,ويؤكد أن توزيع الثروة غير العادل يؤدى
,الى الثورة والحرب ,وأن نور المعرفة أبقى من الما ل والسلطة
وطالب بالتخلص من كلمات أرسطو الغامضة من نوع " :ال محرك الكون الذى ل
" يتحرك " أو " خالق الكون الذى لم يخلق " ,أو " علة الوجود التى ل علة لها
,وقا ل بيكون :تبدأ الفلسفة باستخدام الكلمات الواضحة الدقيقة
,وقا ل :الفلسفة تقوم على التجربة والتجريب مثل العلم ,والنسان سيد الكون
,لكن العقل الكبر فى السماء
" وقا ل سبينوزا " :ان الديان تفرق بين الناس وغايتى أن أوحد بينهم
دفعه اضطهاد السلطة الحاكمة الى العتزا ل فى غرفة مع العناكب ,التى راح
,يتأملها ,ويدرك الشبه بينها وبين الناس فى التكالب والتنافس على الماديات
مات بالسل المزمن فى جسده وفى المجتمع من حوله ,ولم يكمل كتابه الخير
بعنوان ":رسالة فى السيا سة " وقد اعتزم تغيير العالم عن طريق السياسة
) بعد أن عجز عن تغييره بالفلسفة ).فكرة لم يكن فكر فيها من قبل
وكان يتصور أنه ل يمكن تغيير النظام السائد ,وقد
,وقع سبينوزا فى الخطأ نفسه الذى وقع فيه فلسفة النظام الطبقى البوى
25
,ترك جون لوك بعد موته فلسفة قائمة على التفكير بوضوح ,ودقة اللغة
.قا ل :الفكر الصحيح يأتى بلغة واضحة
ودعى الى التعددية فى الفكار والراء ,ومناقشة كل شىء بالمنطق والبرهان
.والحكم بعد القتناع العقلى
,لكنه لم يرفض الملكية الخاصة ,وآمن أن الجهد والعمل النشط يزيد الملكية الخاصة
) بشرط أن يبقى للخرين ما يكفيهم كما وكيفا ) نوع من الشتراكية
) وظل مؤمنا بقانون العدالة المقدسة ) ال ( الذى ندركه بالحدس والفطرة
.الحكومة عنده هى عقد اتفاق متبادل قائم على الستقلل والحرية والمساواة
:السلطة تكون فى يد الشعب وليس الملك ,وقسم الحكم الى ثلث سلطات
.التشريعية والتنفيذية والقضائية ,على أن تكون التشربعية هى العلى
هذه الفلسفة كانت البذرة التى أنبتت اعلن الستقلل فى أمريكا بعد مائة عام
من موت جون لوك ,وألهمت الفلسفة من جان جاك روسو الى فولتير فى
) فرنسا الى موهانداس غاندى فى الهند ) 1948 - 1869م
,وهو فيلسوف " المقاومة السلبية" ضد بطش السلطة الداخلية والخارجية
والتى أدت ) رغم نجاحها فى استقلل الهند ( الى اغتياله يوم 25أغسطس
عام 1947م ,بيد رجل هندوكى يتبع فرقة أصولية متعصبة دينيا ,تريد أن
تفرق بين الهندوكيين والمسلمين ,واحداث فتنة طائفية تقسم الهند لحساب
.القوى الخارجية والداخلية المتربصة بالهند بعد استقلله
26
تأثرت بفكر " طه حسين " وكتاباته ,لنه كان شامخ الرأس معتزا بفكره وبصيرته
رغم أنه فاقد البصر ,وأعجبنى كتابه " اليام " ورأيت فيه نفسى رغم اختلف
.الحوا ل والظروف ,ورغم كونه رجل كهل وأنا فتاة فى السادسة عشر من العمر
لم تكن كتب" طه حسين" مقررة علينا فى المدرسة الثانوية ,مثل كتب " عباس
" ,العقاد
أذكر أن كتاب العقاد " عبقرية عمر " كان مقررا علينا فى السنة الثالثة من الدراسة
,فى مدرسة حلوان الثانوية للبنات ,مثل غيرها من مدارس القطر المصرى
كانت الكتب التى أحب قراءتها والتى تلهمنى أفكارا جديدة غير مقررة فى المدرسة
,ول يمكن الحصول عليها بسهولة
,وقد دخلت كلية الطب رغم حبى للدب والفلسفة والموسيقى
وتجمدت أفكارى سنوات الدراسة فى الجامعة ,كما يحدث للتلميذ والطلب فى بلدنا
لم يكن طه حسين يحمل لقب فيلسوف ال أنه كان فى رأيى أفضل من زكى نجيب
محمود الذى كان فيلسوفا بل ربما الفيلسوف الوحيد فى بلدنا ,والذى لم أومن
بفلسفته المثالية وحديثه عن أن الفيلسوف مفكر محايد ل يزج بنفسه فى الحياة
.السياسية ,وكان ذلك تبريرا منه لعدم التعرض للنظام الحاكم المستبد
واصلت قراءاتى فى الفلسفة بعد تخرجى فى كلية الطب عام 1955بعد أن قامت
,ثورة 1952بثلث سنوات ,واجتاحت مصر الفكار الشتراكية ,والماركسية
التى ساهمت فى احداث تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة ,فى بلد
.كثيرة من العالم ومنها مصر
" ربما كان هيجل من أوائل الفلسفة فى الغرب الذين أدركوا مفهموم " الجدل
27
ووضع أساس ما سمى " المثالية الجدلية " ,لكن هيجل ظل منغلقا داخل الفكر
,الطبقى البوى ,وظل يفهم العلقة بين الجسم والعقل على أنها علقة تناقض
:ولهذا يقول هيجل
ان التحربة المباشرة تحفز الفكر لينطلق من حدود التجربة ويدخل فى درب آخر "
" متجاوزا ذاته
أما كارل ماركس وفردريك انجلز فيقولن " :ان الوعى ل يوجد ال فى وجود
" واع ,ووجود الناس هو الستمرار الحقيقى لحياتهم
وقد استطاعت الفلسفة المادية الجدلية أن تطبق هذه الفكرة على طبقة العما ل
والفلحين فى علقتهم بالطبقة الرأسمالية ,لكنها لم تطبق الفكرة ذاتها على المرأة
فى علقتها بالرجل ,بالرغم من أن انجلز اعتبر عبودية المرأة للرجل فى العائلة
,شبيهة بعبودية العامل لصاحب المصنع
لقد أدركت المادية الجدلية مفهوم الوعى الجتماعى الذى جعل الوجود الطبقى هو
الموضوع الخاص للفلسفة المادية الجدلية ,أما الوجود البوى أو استغلل الرجل
.للمرأة وسيطرته عليها فلم يكن موضوعها
لقد تم رفع الصراع الطبقى من اللوعى الجتماعى الى الوعى الجتماعى ,عن
طريق الفلسفة المادية الجدلية والثورات الشتراكية خلل القرن العشرين ,لكن
,الصراع بين الجنسين ظل أسير اللوعى الحتماعى
ذلك لن المرأة لم تقدم بعد فلسفتها المادية الجدلية المتكاملة ,ولم تتحقق بعد
فى الشرق أو فى الغرب الثورة النسائية القادرة على تحويل اللوعى الجتماعى
.الى وعى بقضية المرأة
لفد ركزت المادية التاريخية الجدلية على وعى الطبقة العاملة وتنظيمها وانضا جها
من خلل الصراع الطبقى ,لتكون القوى الثورية لتحقيق المجتمع اللطبقى فى المستقبل
أما وعى النساء وتنظيمهن وانضاجهن من خلل الصراع بين الجنسين ليصبحن القوى
الثورية لتحقيق المجتمع الل أبوى فهذا ما لم تتعرض له الفلسفة المادية التاريخية
الجدلية
ولهذا السبب عجز الفكر المادى الجدلى عن التعبير عن الواقع الذى تعيشه المرأة
,أو عن الصراع الذى تعانيه من جراء سيطرة الرجل عليها فى السرة والدولة
ويمكن القول أن الفلسفة فى مرحلة تاريخية معينة ل تتجاوز الوعى الذى وصل
,اليه الفلسفة فى ذلك الزمان وذلك المكان
ويمكن القول أيضا أن الحركة الفلسفية تنبع من الحركة الجتماعية ,والعكس أيضا
صحيح ,كلهما يؤثر ويتأثر بالخر ,ولم يعد أمام نساء القرن الواحد والعشرين
.سوى القيام بثورتهن الجتماعية والفلسفية فى كل بلد