You are on page 1of 9

‫الدارس اللسانية‬

‫أ‪ -‬القدمة‬

‫قبل أن نتحدث عن الدارس اللسانية‪ ،‬جدير بنا أن نعرف تعريف اللسانية نفسها‪ ،‬لكي ل نقع ف الطأ‪ .‬فاللسانية عند أحد ممد‬
‫قدّور ف الديث عن تعريف اللسانية‪« :‬العلم الذي يدرس اللغة النسانية دراسة علمية تقوم على الوصف ومعاينة الوقائع بعيدا عن النعة‬
‫التعليمية والحكام العيارية»‪ .‬وكلمة "علم" الواردة ف هذا التعريف لا ضرورة قصوى لتمييز هذه الدراسة من غيها‪ ،‬لن أول ما يطلب ف‬
‫الدراسة العلمية هو اتباع طريقة منهجية والنطلق من أسس موضوعية يكن التحقق منها وإثباتا‪.‬‬
‫والعلم ب ث موضو عة درا سة طائ فة معي نة من الظوا هر لبيان حقيقت ها وعنا صرها ونشأت ا وتطور ها ووظائف ها والعلقات ال ت تر بط‬
‫بعضها ببعض‪ ،‬والت تربطها بغيها‪ ،‬وكشف القواني الاضعة لا ف متلف نواحيها‪.‬‬
‫سنتناول ف هذا البحث عن الدارس اللسانية‪ .‬ونبدأ الديث أولّ عن الدارس الل سانيات العربية‪ ،‬ث بعد ذلك عن الدارس اللسانية‬
‫الغربية‪.‬‬

‫ب‪ -‬الدارس اللسانية العربية‬

‫إن علماء العرب‪ ،‬مثل الاحظ والرجان والسكاكي وابن خلدون هم الذين أ سّسوا الدارس اللسانية العربية‪ ،‬وبإمكاننا أن نتحدث‬
‫عنهم ف هذا الديث بداية من الدرسة البيانية مع الاحظ ث مدرسة النظم مع الرجان ث الدرسة الشمولية مع السكاكي لنصل إل الدرسة‬
‫الرتقائية مع ابن خلدون‪.‬‬

‫‪ -1‬الدرسة البيانية مع الاحظ‬

‫كان من الصح أن نقول الدرسة البيانية ‪-‬التبيينية‪ -‬حت نلتزم بعبارة الاحظ وبفكره كما كانا ف عنوان كتابه الشهور «البيان‬
‫والتبيي»‪ ،‬لن إتباع التبيي للبيان الذي كان بالمكان الستغناء عنه ف العنوان طلبا للختصار دفع بالاحظ إل تشم السالك الوعرة‬
‫لستيعاب مدارك الكلم ف جيع مضانا‪ ،‬لن البيان إن كان يعب بالصوص عن هذه الظاهرة اللسانية النسانية الت تثل المانة الت‬
‫عرضها ال على السماوات والرض فأبي أن يملنها وأشفقن منها وحلها النسان لنه كان ظلوما جهول‪ ،‬وهي بالتال ظاهرة غيبية‬
‫بالدر جة الول‪ ،‬فإن ال تبيي موضوع من الا حظ لو صف العلقات الل سانية ال ت تري ف عال الشهادة وت مع ب ي التكلم والخا طب‬
‫وتنقل البيان إل بلغة‪ ،‬والكلم إل رسالة مع ما تتضمنه الرسالة من إلقاء وتلقي ورموز ومعاقد وحال ومقال ومقام كما تشرحه اليوم‬
‫اللسانيات الديثة‪.‬‬
‫والتأ مل ف حقي قة الكلم و ف كيف ية إنشائه وتطويره وعلق ته بالن سان م نذ بدء اللي قة إل أن صار بل غة ف سياسة الكون‬
‫والكلم‪ .‬كل هذا ضمنها ف كتابيه «البيان والتبيي» و«اليوان»‪ ،‬وقد اعتمد ف ذلك على ما جاء ف القرآن خاصة ما جعله أول مثل‬
‫للمدارس الكلمية الستمدة من القرآن الكري‪.‬‬
‫بدأ الاحظ بتلخيص أنواع الدللت ف خسة ل تزيد ول تنقص‪ ،‬هي‪ :‬اللفظ ث الشارة ث العقد ث الط ث النصبة‪ .‬وسر هذا‬
‫التصنيف ل يزال لغزا‪ ،‬لكن يبدو أنه قائم على النظرة الرتقائية الت تتلخص ف عبارة «العال الصغي سليل العال الكبي» الشهية عنده‬
‫حيث ينحدر اللفظ من الشارة‪ ،‬والشارة من العقد‪ ،‬والعقد من الط‪ ،‬والط من النصبة‪.‬‬

‫‪ -2‬مدرسة النظم مع الرجان‬


‫النظم كما ت صوره الرجان يعن كيفية تركيب الكلم انطلقا من الملة البسيطة لي صل إل نظم القرآن ف تراكيبه الصوتية‬
‫والدللية والنحوية والبلغية والسلوبية والغيبية العجازية‪ .‬والنظم باختصار يعن تأليف الروف والكلمات والمل تأليفا خاصا يسمح‬
‫للمتكلم وال سامع أن يرتق يا بف ضل بد يع الترك يب إل مدارك العجاز ف العا ن عل ما بأن العا ن تل الكون وتع مر الفضاء واختيار‬
‫تركيب من التراكيب ف النص كاختيار مسلك من السالك ف الب والبحر قد يؤدي بالسالك يعن التكلم إما إل الوصول إل الغاية الت‬
‫يقصدها ف بر النجاة أو إل الضلل واللك‪ ،‬والنظم كالبناء والنسج يتم ف معاقد النسب والشبكة‪ ،‬فمعاقد النسب تبم اليوط الت‬
‫تذهب طول‪ ،‬ومعاقد الشبكة تبم اليوط الت تذهب عرضا‪ ،‬فإذا نسجت خيوط الطول ف خيوط العرض حصل النظم‪.‬‬

‫‪ -3‬الدرسة الشمولية مع السكاكي‬

‫كتاب السكاكي «مفتاح العلوم ف البلغة»‪ ،‬كان له تأثي كبي على الجيال التالية‪ ،‬فصارت آراؤه مرجعا للدارسي جعلته أكب‬
‫مدرسة لسانية ف العربية‪ ،‬ول يعرف الدارسون مدرسة ماثلة لا من حيث التساع والشمول ف الثقافات الخرى‪.‬‬
‫وقد صنف السكاكي العلوم اللسانية ف شكل شجرة أصلها ثابت ف قواعد اللغة وفروعها ف السماء تشمل جيع أنواع الكلم‪.‬‬
‫والتطور يشمل أول فرعي‪ :‬النحو والصرف‪ ،‬ث يرتقي النحو والصرف إل درجة البلغة‪ ،‬فيخلف علم العان «النحو» وعلم‬
‫البيان «الصرف»‪ ،‬ويلف مقتضى الال ف البلغة مقتضى الوضع ف النحو بإدراج النطق والستدلل ف العملية عملية التحويل كما‬
‫يدرج مع مقت ضى الال مقت ضى القام ومقت ضى القال‪ ،‬ويرت قي من البل غة إل علوم ال سلوب ف م ستوى علم البد يع‪ ،‬فيخلف البيان‬
‫الحسنات اللفظية والعان الحسنات العنوية‪ ،‬ول يعرف العلماء عندنا حت الن أن انتقال السكاكي من البيان إل العانـي ليس شيئا‬
‫آخر سوى انتقال من علم البلغة إل علم السلوب الذي أصبح علما قائما بذاته اليوم‪ ،‬وجعل الكثي من الدباء واللسانيي ل ييزون‬
‫بي الطائف الدقيقة ف البلغة والسلوب‪ ،‬وجعلهم يعدون الوجوه البديعية زبدا رابيا يذهب جفاء ول ينفع الناس‪ .‬وقد ساهم بعض‬
‫أصحاب البديع بتصنعهم وتكلفهم ف تأكيد هذا النطباع‪ ،‬وبعد البديع يرتقي الكلم إل مرتبة الشعر مع العروض والقافية‪ .‬فالعروض‬
‫يلف التراكيب النحوية والعنوية‪ ،‬والقافية تلف البيان‪ ،‬وعند اكتمال هذه الطبقات كلها ينتقل إل الدبية‪ .‬ومفهوم الدب يمع بي‬
‫القول والعمل يعن بي التربية [التأديب] والقول السن‪ ،‬وليس فوق الدب إلّ العجاز القرآنـي الذي ينقل القول والفعل السن إل‬
‫مدارك الغيب حيث يلتقي صواب القول بصواب العمل‪.‬‬
‫وهكذا يطمح السكاكي ف مفتاحه إل النفاذ إل جيع العلوم اللسانية والغيبية‪.‬‬

‫‪ -4‬الدرسة الرتقائية مع ابن خلدوت‬

‫إن النظرية الرتقائية مبنية على طبقات خس متراصفة يعب عنها ابن خلدون بالطوار‪ ،‬ويقصد بالطور الفترة الزمنية الت ينتقل‬
‫فيها الكائن لسانيا كان أو إنسانيا أو حيوانيا من صورته الول إل صورة أخرى كما أن لو كان حقيقة أخرى وليست تطورا داخليا‬
‫لقيقة واحدة تنتقل من طور إل طور حت تنتهي إل غايتها‪.‬‬
‫والطور عند ابن خلدون هو الال عند البلغيي‪ ،‬وقد أخذوه عن التصوفة ووظفها ابن خلدون لبناء نظرية التحصيل وهي تنص‬
‫على أن العن ينشأ أول ما ينشأ عن الفعل‪ ،‬فإذا تكرر الفعل صار صفة‪ ،‬وإذا تكررت الصفة صارت حال (أعن صفة غي ثابتة)‪ ،‬وإذا‬
‫تكررت الال صارت ملكة (أي مقاما كما يقول التصوفة)‬
‫والنظام الما سي هذا يري ف ت سلسل مطرد من أ سفل إل أعلى صعودا‪ ،‬و من أعلى إل أ سفل نزول ف صورة هرم ية أو ف‬
‫شكل شجرة أصلها ضيق وهو واسع‪ ،‬وفرعها واسع وهو ضيق دقيق‪ ،‬هذه الشجرة هي النوال الذي رصت فيه جيع العان الت تعمر‬
‫الكون كلمات كانت أم أشخاصا وأشياء‪.‬‬
‫وهي أعيان متفرقة‪ ،‬إذا جعت ونظمت شكلت أكوانا متراصفة ف منوال عمران واحد‪ ،‬إذا ركبت ف الفعال كانت عمرانا‬
‫فعليا‪ ،‬وإذا ركبت ف أفكار وألفاظ لسانية كانت عمرانا فكريا وكلميا‪ .‬والذوات الت ف آخر كل أفق من العوال مستعدة لن تنقلب‬
‫إل الذوات الت تاورها من السفل والعلى استعدادا طبيعيا كما ف العناصر السمانية البسيطة وكما ف النخل والكرم من آخر أفق‬
‫النبات مع اللزون والصدف من أفق اليوان‪ ،‬وكما ف القردة الت استجمع فيها الكيس والدراك مع النسان صاحب الفكر والروية‪.‬‬
‫وهذا ل يعن أكثر ما يعنيه مبدأ «العال الصغي سليل العال الكبي» الذي بن عليه الاحظ نظريته‪.‬‬
‫وهذا التطور الرتقاؤي إذا طبقناه على الكلم كان الرتقاء كالتال‪،‬ففـي السـفل ندـ الدللت التـ ل تتحدد أبعادهـا إلّ إذا‬
‫أدرجت ف شبكة نوية‪ ،‬والشبكة النحوية ل تظهر قيمتها الكلمية إلّ إذا أدرجت ف الطبقة الت فوقها طبقة البلغة‪ .‬والبلغة الت هي‬
‫مطابقة الكلم لقتضى الال ترتقي إل طبقة السلوب الت تمع العبارة البلغية وتضيف إليها البديع أي إبداعات التكلم‪ ،‬لن السلوب‬
‫هو العلمات الدالة على شخص التكلم أو الصانع للعمران‪.‬‬
‫وكيفية صنع التراكيب الكلمية ككيفية صنع التراكيب العمرانية تضع للذكاء والذق‪ ،‬ولذلك فكر ابن خلدون ف المع بي‬
‫التراكيب العمرانية والتراكيب اللسانية ف علم واحد للتراكيب ساه فقه التراكيب‪ .‬ففقه التراكيب هو كل شيء ف نظرية ابن خلدون‪.‬‬
‫والتراكيب الرتقائية هي وحدها الت تكن من الرتقاء إل مدارك العجاز ف القرآن الكري بيث يكن القول أن التراكيب العنوية تبدأ‬
‫عند العناصر العليا الؤلفة لنظم القرآن الذي ل تدركه إلّ خواص النفوس‪.‬‬
‫وهذه التراك يب أو سع من أن ياط ب ا ف قوا عد معي نة و هي ال ت ي ب تعليم ها للناشئة بال مع في ها ب ي التراك يب الل سانية‬
‫والتراك يب العمل ية ك ما تري بالف عل ف الوا قع اليو مي اليدا ن و ف العلقات ب ي الشخاص ف الحوال والقامات ال ت يعيشون في ها‪،‬‬
‫وهي خلصة منوال ابن خلدون‪.‬‬
‫وفقه التراكيب يتلخص ف نظر ابن خلدون ف مفهوم السلوب‪ ،‬وهو أسى ما توصل إليه التفكي اللدون ف لسانيته الرتقائية‪.‬‬

‫ج‪ -‬الدارس اللسانية الغربية‬

‫لقد لقت آراء سوسي ونظرياته‪ ،‬ف النصف الول من القرن العشرين من النجاح قسطا عظيما‪ ،‬بي عدد كبي من الدارسي وكانت‬
‫معينا لعدد من الدارس قامت على البادئ النظرية الت أرسى سوسي قواعدها‪ ،‬والسس النهجية الت سطر معالها ووضعها‪ 1.‬ومن تلك الدارس‬
‫اللسانية الغربية‪ ،‬هي ‪:‬‬

‫‪ -1‬الدرسة البنيوية ( ‪ )structuralisme‬مع سوسي‬


‫البنيو ية مفهوم يطلق ح سب الشخاص والحوال على مدارس ل سانية متل فة و هو ي ستعمل أحيا نا لتعي ي واحدة أو أك ثر من‬
‫الدارس أو لتعينها جيعا‪ ،‬لن لا مموعة من التصورات والناهج الت يشملها مفهوم البنية ف اللسانيات‪.‬‬
‫فإذا أبعد نا ف الو قت الا ضر البنيو ية التحويل ية (التاب عة للن حو التوليدي)‪ ،‬فإن الدارس الختل فة ال ت تتم ثل في ها هي التوزيع ية‬
‫والوظيف ية والن سقية‪ .‬و هي ال ت تتأ سس علي ها الل سانيات لدرا سة العبارات النجزة بالف عل‪ .‬فالل سانيات ت سعى هكذا إل و ضع نظر ية‬
‫لدراسة النص النجز بعد إنائه وغلق باب تراكيبه باستعمال منهج تليلي (شكلي) يقوم على شكل النص (من صورته الارجية)‪ ،‬و بذا‬
‫تطرح البنيو ية أول مبدأ الضور والشهادة يع ن الوجود ف ال نص‪ .‬فالعال الل سان ي قف ع ند حدود العبارة النجزة بالف عل ( ف مدو نة)‬
‫ماول تفسي البنية يعن هندسة العناصر الوجودة داخل النص وقيامها بذاتا‪ .‬وبالعكس فإن كل ما يس بالتعبي (كيفية تقيق العبارة)‬
‫خاصة صاحب العبارة (وفاعل ها) والال الت أنز في ها ال نص فتترك على جا نب‪ ،‬لنا تع تب ثابتة وغي متبدلة‪ ،‬لكن ي ب الشارة إل‬
‫وجود خلفات جوهر ية حول الوضوع‪ ،‬فمدر سة براغ وعلى رأ سها ياكوب سن وبنفني ست ت تم بدرا سة عل قة التكلم بكل مه يع ن‬
‫وظيفة الكلم وكيفية التعبي عنها‪ .‬أما أتباع دي سوسي (كشارل بال خاصة) فيقترحون لسانيات تنطلق من اللفظ (يعن القول) وهي‬
‫ذات أهية وترفض اللسانيات الت تنظر إل اللغة وحدها‪ .‬وعكسها ند بلومفيلد الذي يرى أنه يستحيل تديد العن وعلقة صاحب‬
‫ال نص بالكون الواق عي‪ ،‬قائل أن هناك عوا مل كثية تتد خل ف ن سج العبارة م ا يع جز على ح صرها وي ستحيل ض بط خ صوصيتها‬

‫‪1‬‬
‫وو صف العلمات البارزة ال ت ل ا دور ف تأل يف القام‪ .‬وهناك خا صية أخرى هامة للبنية هي التمي يز بي معا قد الكلم ف ـي متلف‬
‫وجوهها وبي إنازها أقوال ويترتب عن هذا أننا نستخلص من النص أو من النصوص الختلفة الناجة عن ألفاظ القول نظاما للغة‪.‬‬

‫وهكذا يتعي علي نا دراسة نظام اللغة ك ما يري ف ل ظة من اللحظات عند مطابقت ها لقت ضى الال‪ ،‬و هي دراسة نيية‪ ،‬لن‬
‫الدراسة الزمنية (التاريية) تبدو متنافية مع دراسة اللغة كنظام‪.‬‬

‫‪ -2‬الدرسة النسقية ( ‪ )glossématique‬مع هلمسليف‬


‫العال اللسان الدنركي لويس هلمسليف بكوبنهاجن هو الذي اخترع مفهوم غلوسيماتيك ( ‪ )glossématique‬باشتقاقه‬
‫من الغريقية غلوسة يعن اللغة لتعيي النظرية الستخلصة من نظرية دي سوسي الت تعل من اللغة غاية لذاتا ل وسيلة لتحقيق الغاية‬
‫القصودة بالكلم‪.‬‬
‫والغلو سيماتيك تقوم على الن قد الاد لل سانيات ال ت سبقتها وحادت ف نظرها عن مال الل غة بانت صابا خارج الشبكة اللغوية‬
‫واهتمام ها بالجراءات (غ ي الل سانية) ال ت تدف إل معر فة م صادرها الول ما ق بل التار يخ وجوانب ها الفيزيائ ية والظوا هر الجتماع ية‬
‫والدبية والفلسفية‪ .‬والنسقية تنتصب على العكس من ذلك داخل اللغة فهي تصدر منها وإليها ول ترج عن دائرة اللغة النظور إليها‬
‫على أنا حقل مغلق على نفسه وبنية لذاتا وهي تبحث عن العطيات الثابتة الت تعتمد على الظواهر غي اللسانية‪ ،‬وهي تسعى إل إبراز‬
‫كل ما هو مشترك بي جيع اللغات البشرية‪ ،‬وتكون اللغة بسببه هي مهما تبدل الزمن وتغيت الحداث‪ .‬وهكذا تتلف الغلوسيماتك‬
‫عن النظرة الن سانية‪ ،‬فمظا هر الل غة ل تب صر إلّ مرة واحدة ول تتجدد م ثل الظوا هر الطبيع ية ب يث ي كن درا ستها درا سة علم ية على‬
‫العكس من هذه الظواهر اللسانية‪.‬‬
‫وهكذا تضع الغلوسيماتيك نظرية تتسع إل جيع العلوم النسانية‪ ،‬فكل إجراء عملي يقابله إجراء نظري‪ ،‬و الجراء يكن تليله‬
‫من خلل العناصر الت يشكلها بكيفيات متلفة‪.‬‬
‫والنظر ية هذه ت تم ق بل كل ش يء بالل سانيات‪ ،‬فإذا ثب تت ناعت ها تو سع ب ا إل العلوم الن سانية الخرى‪ ،‬ول كي ي كن قبول‬
‫نتائجها يب أن تتفق والتجربة الفعلية‪ ،‬وقد أسسها هلمسليف على ما ساه مبدأ ‪ l’empirisme‬التجربة الشاهدة‪ ،‬ولكي تتصف‬
‫بذه الاصية يب أن تكون خالية من كل تناقض وأن تتصف بالشمولية وتكون بسيطة سهلة الدراك ما أمكن‪ .‬فالنظرية الستقرائية‬
‫التقليدية حسب هلمسليف تدعي النطلق من الزء إل الكل (من العطيات الاصة إل العامة)‪ ،‬يعن القواني النطقية‪ .‬وهي قبل كل‬
‫شيء تلخيصية وتعميمية‪ ،‬وهي ل تستطيع تاوز الظاهرة اللسانية الاصة‪ ،‬فبعبارات مثل العامل والشرط والاضي والفعول فيه والسم‬
‫والف عل والبتدأ وال ب ل يكن ها أن تنط بق إلّ ف مال العراب‪ ،‬ول ي كن قبول ا كأقسام ل سانية ف هي إذا تتنا قض مع الو صف الل سان‬
‫فالغلوسيماتيك تنطلق من النص اللفوظ العب أو من جيع العبارات اللفوظة الجعولة للتعبي‪ .‬وهذا النص قابل للتقسيم إل أنواع تكون‬
‫بدور ها قابلة للتق سيم إل أ صناف وال صنف ينب غي أن ل ي مل تناق ضا وأن يكون شامل‪ .‬فال مر يتعلق بو صف الواد ذات ا وو صف‬
‫العلقات ال ت ت مع بين ها وال ت تسعى الل سانيات إل و صف علقات ا وتديد ها‪ .‬فالوضوع الوحيد والقيقي لل سانيات هو الل غة ال ت‬
‫يوجه البحث منها وإليها‪ ،‬فبنية النص اللسان الشاهد ف نظر هلمسليف هي الوضوع الوحيد للسانيات‪.‬‬

‫‪ -3‬الدرسة الوظيفية ( ‪)fonctionnelle‬مع ياكوبس] ومارتين‬


‫ل شك ف أن التاه الوظيفي بدأ يبز إل الوجود وتتكون ملمه ف حلقة [مدرسة] براغ [التشيكوسلوفاكية] الت استفادت‬
‫من آراء دي سوسي بقدر ما استغلت منطلقاتا النظرية ف أعمالا وكونت لنفسها نظرية لغوية‪ .‬على أنا ل تدد منهجها إلّ بالنطلق‬
‫من تديد للغة باعتبارها نظاما وظيفيا يرمي إل تكي النسان من التعبي والتواصل‪.‬‬
‫فإذا كان دور اللغة هو توفي أسباب التواصل فإن دراسة اللغة ينبغي أن تراعي ذلك‪ ،‬فكل ما يضطلع بدور ف التواصل ينتمي‬
‫إل اللغة وكل ما ليس له مثل هذا الدور فهو خارج عنها‪ ،‬وبعبارة أخرى فإن العناصر اللغوية هي الت تمل شحنة إعلمية‪ ،‬أما الت ل‬
‫يكن أن نعتبها ذات شحنة إعلمية فل يعتد با اللغوي‪ ،‬فالول وحدها هي الت لا وظيفة‪.‬‬
‫و قد اعتمدت مدر سة براغ هذا النطلق لتدر يس خا صة ال صوات وتض بط منه جا للتمي يز ب ي ما هو وظي في في ها و ما ل يس‬
‫وظيفيا‪ ،‬وكان تروباتزكوي هو الذي بلور فـي أجلى مظهر نتائج أعمالا ف كتابه ‪ :‬مبـادئ الصـوات الوظيفية ( ‪principes‬‬
‫‪.)de phonologie‬‬
‫على أن النظرية الوظيفية ل تتبلور ف كل مظاهرها مع مدرسة براغ‪ ،‬فقد تواصل بناؤها وصقلت مبادؤها ومفاهيمها ف فرنسا‬
‫عن طريق أندري مارتين خاصة‪.‬‬
‫ويكننا أن نستخلص ما كتبه أندري مارتين ثلثة اتاهات رئيسية ذات علقات حيمة فيما بينها كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬اتاه الفونولوجيا (علم الصوات العام) وتعتن بضبط الصوات العامة ووصف صورها (الفونولوجيا الوصفية)؛‬
‫‪ -‬اتاه الفونولوجيا الزمنية (العلم بتطور الصوات عب الزمان)؛‬
‫‪ -‬اتاه اللسانيات العامة‪.‬‬

‫أما القطب الذي تدور عليه رحى الوظيفية فيتمثل ف التقطيع الزدوج‪ :‬التقطيع الول ويتناول الكلمات ف صورتا اللفظية ومن‬
‫حيث مضمونا‪ .‬فبفضل هذا التقطيع يكن الصول على تراكيب غي مدودة من العبارات انطلقا من عدد مدود من القاطع‪.‬‬
‫والتقطيع الثان ل يعن فيه إلّ بالصورة اللفظية‪ ،‬فاستبدال مقطع صوت من القاطع الذكورة بقطع من نفس النوع ل يؤدي ف‬
‫كل حالة إل نفس التغيي العنوي فنقل « ـا» من سال إل زال‪ ،‬ل يغي صورة الدلولت (الت هي متلفة ف أصلها عكس ما هو الال‬
‫عل يه ف التقط يع الول ح يث يكون كتب تُ‪/‬كتب تَ‪ /‬كتب تِ ن فس اللف ظة ك تب أل صقت ب ا أ صوات متل فة‪ :‬ضم ي التكلم والخا طب‬
‫والخاطبة)‪.‬‬
‫والتقطيع الثان إن كان يؤدي إل إناز عشرات من القاطع الصوتية (فونيمات) فهو يؤدي بالصوص إل عشرات اللف من‬
‫الدللت الختلفة وعكس ما يراه ياكوبسن‪ ،‬فإن مارتين ل يرى من الضروري إدخال تقطيع ثالث يهم الصائص الت تيز الروف أما‬
‫الفونولوجية العامة (علم الصوات العامة)‪ ،‬فإن مارتين يرجع الردودية الوظيفية الت هي وظيفة لسانية‪ ،‬إل اختلف الصوات‪ ،‬وانطلقا‬
‫من التمييز الام بي الظواهر الصوتية والظواهر الفونولوجية (الرفية الوظيفية)‪ .‬يضع مارتين ف تقابل الشروط الضرورية للتوصيل حيث‬
‫يشترط وجود أق صى ما ي كن من الوحدات ال ت يشترط في ها أن تكون على جا نب أ كب من الختلف مقا بل بذل أ قل ما ي كن من‬
‫الهد بعدد من الوحدات القل تباينا‪.‬‬
‫والبحث عن النسجام بي هذين الشرطي يؤدي إل القتصاد اللغوي أو إل تسي الردود الوظيفي‪ .‬فكل وحدة من وحدات‬
‫العباراة تصبح خاضعة إل نوعي من الضغوط التقابلة‪:‬‬
‫ضغط نيي ناتج عن تعاقب اللفاظ ف سلسلة الكلم وفيه [تاذب] بي الوحدات التجاورة وضغط عمودي تفرضه الوحدات‬
‫أو الكلمات النحدرة ف السدى والت كان بالمكان أن تل ف ذلك الوضع‪.‬‬
‫فالضغط الول قائم على التماثل والضغط الثان على التباين‪ ،‬وهذه التاه الوظيفي ينقل نفس الوظيفة إل التراكيب النحوية‪.‬‬
‫هكذا ييز مارتين بي الكلمات الوظيفية‪ .‬فيكون التمييز بي الدوات الت لا الصدارة وبي الدوات التممة الت تأت ف آخر الكلمة أو‬
‫بي الصيغ الصرفية الت تعي اليئة أو الهة أو العدد أو أدوات التعريف والتنكي‪.‬‬
‫ويعت مد ياكوب سن من جه ته على وظائف الكلم ( ف نظرة التكلم من كل مه)‪ .‬ونظرة ال سامع وعلى الر سالة وال سياق وعلى‬
‫التصال بي الرسل والتقبل وعلى معقد الكلم ‪ code‬وكلها تساهم ف تديد الوظيفة النفعالية أو التعبيية أو اللفظية النشائية أو‬
‫الشعرية أو وظيفة الد أو الربط للمعان فيما بينها‪.‬‬

‫‪ -4‬الدرسة التوزيعية ( ‪ )distributionnelle‬مع بلومفيلد‬


‫صاحب هذه الدرسة الت أنشئت حوال ‪ 1930‬بالوليات التحدة هو بلومفيلد وضعها كمنهج لسان بنائي مض وكرد فعل‬
‫ضد القائلي بالنحو النظري (التصور ف الذهان فقط)‪ .‬ورد فعلة هذا انطلق فيه من معطيات التجربة الفعلية الت تبي أن أجزاء الكلم‬
‫ل تنتظم ف اللغة بالصدفة ول بالعتباط وإنا بالتساق مع الجزاء الخرى الت تندرج فيها وف أوضاع بعينها دون أوضاع أخرى وهي‬
‫ملحظة قدية جدا لكنها ل تؤسس كمنهج قائم بذاته إ ّل منذ بلومفيلد وقد تأثر فيها با كان يشاهد من تعدد اللغات ف أمريكا كما‬
‫تأثر بآراء بيهفيور ونظريته السلوكية الت تعل ردود الفعل اللسـانية كغيها من الردود تضع القانون الثارة‪ .‬هناك منبة (إثارة) تؤدي‬
‫إل ال ستجابة برد الف عل‪ .‬فالكلم هو ال خر مب ن على الثارة ‪stimulus‬والرد ( ف نوع من العطاء وال خذ للف عل الحرك وف عل‬
‫الستجابة من السامع والرسالة الكلمية ينحصر معناها ف هذا التبادل بملة بي النبه والجيب‪ ،‬وما الكلم إلّ تريك للمعن وللسامع‬
‫وارتداد منهمـا ن و اللفـظ والتكلم‪ .‬فالمـر يتعلق إذا بوصـف أجزاء الكلم التـ ترك وتسـبب الثارة والجزاء التـتنبـه ول تقت ضي‬
‫الواب‪ .‬وهذا يستوجب النطلق من مدونة تمع أصنافا من الكلم ف أحوالا ومقاماتا الختلفة لكتشاف أي الجزاء يرك الجزاء‬
‫الخرى‪ ،‬وأيهما ل يركها عند التركيب‪ ،‬فالعناصر الت يؤدي وجودها بوار عنصر آخر إل تغيي البنية يسمى التوزيع (مثل ما تؤدي‬
‫كيفية توزيع الوراق ف اللعب إل تغيي اللعبة والنتيجة)‪ .‬فالعناصر الت تيط بالنبه وتعل لدعمه أو لبطال مفعول البنية هي الت تشكل‬
‫مادة التوزيع‪.‬‬

‫‪ -5‬الدرسة التوليدية( ‪ )générative‬مع تشومسكي‬


‫إن أي لغوي ف هذه اليام يقيس مركزه الفكري بالنسبة لركز تشومسكي‪ ،‬يقال دائما بأن تشومسكي أحدثت ثورة ف علم‬
‫اللغة ونشر تشومسكي كتابه الول عام ‪ 1957‬وكان كتابا ضئيل الجم مقتضبا‪ ،‬وكانت أفكاره غي مقيدة بالتناول العلمي والفن‬
‫لقضايا هذا العلم إل حد ما‪ ،‬ومع ذلك فقد كان الكتاب ثورة ف الدراسة العلمية للغة ظل تشومسكي بعدها يتحدث بسطوة منقطعة‬
‫النظي ف كافة نواحي النظرية النحوية لسنوات طويلة‪.‬‬
‫والنحو التوليدي هو نظرية لسانية وضعها تشومسكي‪ ،‬ومعه علماء اللسانيات فـي العهد التكنولوجي باساشوسيت (الوليات‬
‫التحدة) فيما بي ‪ 1960‬و ‪ 1965‬بانتقاد النموذج التوزيعـي والنموذج البنيوي فـي مقوماتما الوضعية الباشرة باعتبار أن هذا‬
‫الت صـور ل ي صف إ ّل ال مل النجزة بالف عل ول يك نه أن يف سر عددا كبيا من العطيات الل سانية م ثل اللتباس والجزاء غ ي الت صلة‬
‫ببعضها البعض‪ .‬فوضع هذه النظرية لتكون قادرة على تفسي ظاهرة البـداع لدى التكلم وقدرته على إنشاء جل ل يسبق أن وجدت‬
‫أو فهمت على ذلك الوجه الديد‪.‬‬
‫والنحـو يتمثـل فـ مموع الحصـول اللسـان الذي تراكـم فـ ذهـن التكلم باللغـة يعنـ الكفاءة ‪compétence‬اللسـانية‬
‫والسـتعمال الاص الذي ينجزه التكلم فـ حال مـن الحوال الاصـة عنـد التخاطـب والذي يرجـع إل القدرة ‪performence‬‬
‫الكلمية‪ ،‬والنحو يتألف من ثلثة أجزاء أو مقومات‪:‬‬
‫‪ -‬مقوم تركيب ويعن نظام القواعد الت تدد الملة السموح با ف تلك اللغة‪.‬‬
‫‪ -‬مقوم دلل ويتألف من نظام القواعد الت با يتم تفسي الملة الولدة من التراكيب النحوية‪.‬‬
‫‪ -‬مقوم صوت وحرف يعن نظام القواعد الت تنشئ كلما مقطعا من الصوات ف جل مولدة من التركيب النحوي‪.‬‬

‫والشبكـة النحويـة ‪composante‬يعنـ البنيـة النحويـة مكونـة مـن قسـمي كـبيين‪ .‬الصـل الذي يدد البنيات الصـلية‬
‫والتحويلت الت تكن من النتقال من البنية العميقة التولدة عن الصل إل البنية الظاهرة الت تتجلى ف الصيغة الصوتية وتصبح بعد‬
‫ذلك جل منجزة بالفعل‪.‬‬
‫وهكذا يولد الصل ضربي من التركيب‪:‬‬
‫أول‪ :‬الم سعت صوتا‬
‫ثانيا‪ :‬الطفل يغن‬
‫والقسم التحويلي للنحو يكن من القول‪:‬‬
‫الم سعت أن الطفل يغن‪.‬‬
‫ث الم سعت الطفل يغن‪.‬‬

‫وليست هذه إلّ بنية ملتبسة ل تصبح جلة فعلية منجزة إلّ بنقلها إل القواعد الصوتية والصل مكون من قسمي‪:‬‬
‫أ‪ -‬القسم أو الصل التفريعي وهو مموع القواعد الت تدد العلقات النحوية الت هي العناصر القومة للبنية العميقة وتثيلها ف رموز‬
‫تصنيفية هكذا‪:‬‬
‫ت س ‪ +‬ت ف‪ ،‬و ت س هو رمز للصنف السي‪ ،‬و ت ف رمز للصنف الفعلي‪ ،‬والعلقة النحوية هي علقة الفعل بالفاعل (ت‬
‫= تركيب‪ ،‬س = اسي‪ ،‬ف = فعلي)‪.‬‬
‫ب‪ -‬العجم أو قاموس اللغة هو مموع الوجوه الصرفية العجمية الحددة ف أصناف من الصائص الميزة‪ ،‬فنجد أن كلمة الم تدد ف‬
‫العجم بأنا اسم مؤنث حي إنسان‪ .‬فالصل هو الذي يدد الرموز‪ « :‬ال» أداة التعريف‪ « ،‬س» اسم‪ « ،‬ف» فعل ف الاضر‪.‬‬
‫واامعجم يستبدل كل رمز بكلمة من اللغة‪.‬‬
‫الم (ال ‪ +‬أم) زمان (ز) أنت النسج‪.‬‬
‫قواعد تويل هذه البنية العميقة إل بنية ظاهرة‬
‫ال ‪ +‬أم انتها ‪ +‬زمان ‪ +‬ال ‪ +‬نسيج (الم نسجت)‬
‫وف الوقت ذاته ترج ف قواعد صوتية‪ :‬الم أنت النسيج‪.‬‬
‫فاستنتجنا من خلل الصل مموعة من القومات النهائية ( ‪ )terminales‬والكونات النحوية سواء من حيث العدد أو من حيث‬
‫الال‪.‬‬

‫يضاف إليها الصيغ الصرفية وهي مهيئه لستقبال العان حسب القواعد الوجودة ف الصيغ الدللية ولكي تتحقق تعرض على‬
‫النوال التحويلي‪.‬‬
‫وعمليات التحو يل تقلب البنيات العمي قة إل بنيات ظاهرة دون أن ت س بالتحو يل أي بالتأو يل الدلل الذي يري ف م ستوى‬
‫البنيات العميقة‪ .‬أما التحويلت الت كانت وراء وجود بعض القومات فإنا تتم ف مرحلتي إحداها بالتحويل البنيوي للسلسلة التركيبية‬
‫لكي نعرف هل هي منسجمة مع تويل معي؟ والثان باستبدال بنية هذا التركيب بالزيادة أو بالذف أو بتغيي الوضوع أو بالبدال‪،‬‬
‫فنصل حينئذ إل سلسلة متتالية من التحويلت تتطابق مع البنية الارجية‪ ،‬و هكذا يكون حضور العامل الجهول ف متتالية الصل تؤدي‬
‫إل تغيات تعـل مـن جلة‪ :‬الب يقرأ الريدة ‪ /‬الريدة قرئت مـن الب‪ ،‬وهذه السـلسلة مـن الكلمات التتاليـة تول إل جلة منجزة‬
‫بالفعل ف الستوى الرف والصوت‪ ،‬وهذه القواعد تدد الكلمة الشتقة من التصرف ف النسيج العجمي وف القومات النحوية وتزودها‬
‫ببنية صوتية‪ .‬فالتركيب الرف هو الذي يول الفردة العجمية «الطفل» إل جلة من العـلمات الصوتية‪ :‬ال‪/‬طف‪/‬ل‪ ،‬وعلى النظرية‬
‫التوليد ية أن تعطي نا قاعدة صوتية (عا مة) كون ية ت كن من و ضع قائ مة للوجوه ال صوتية وقائ مة للن سجة المك نة ف هذه التراك يب‬
‫باعتمادها على النسخة الم‪ ،‬أي النسخة الكونية (القادرة على ضبط قائمة بالصائص الصوتية وقائمة على التراكيب المكنة بي هذه‬
‫الصائص والنسجة المكنة الت تلتئم معها‪.‬‬
‫والصائص الصوتية والنظرية يب أن تدنا بنظرية دللية كونية قادرة على وضع قائمة بالفاهيم المكنة‪ ،‬وتتطلب إذن وجود‬
‫أصل كون يكون النسخة الم الت تولد الصائص الدللية‪ .‬وف الخي على هذه النظرية أن تقدم لنا نظرية تضبط التراكيب النحوية‬
‫أع ن (و ضع) قائ مة بالعلقات النحو ية ال صلية وقائ مة بالعمليات التحويل ية ال ت تكون قادرة على إعطاء و صف بنيوي لم يع ال مل‪،‬‬
‫فهذه الواضيع تكون إذن مهام عالية على النحو التوليدي أن يضبطها ف وجوه لسانية كونية ف مستوياتا الثلثة؛ الصوتية والدللية‬
‫والتركيبية‪.‬‬

‫‪ -6‬الدرسة التحويلية( ‪ )transformationnelle‬مع ز‪.‬س‪ .‬هريس‬


‫ويق صد بالتحويل ف الن حو التوليدي التغيات ال ت يدخلها التكلم على النص فين قل البنيات العمي قة الولدة من أصل الع ن إل‬
‫بنيات ظاهرة على سطح الكلم وتضع بدورها إل الصياغة الرفية الناشئة عن التقطيع الصوت‪.‬‬
‫فالتحويل ينطبق إذن على امتداد الصوات اللفوظة (أو الكتوبة) التلحقة ف نص العبارة واليل با نو مقامها الخي ف الملة‪،‬‬
‫يعن اليل بقال من مقالت الني والتاه به نو ني فرعي يكون هو القام الخي‪.‬‬
‫فالتحويل ومقوماته ل يس العن الصلي للجمل ولكن صورة الؤشرات الت هي وحدها قابلة للتغيي (ونقصد بالؤشرات ‪les‬‬
‫‪ marqueurs‬العُ قد ال ت تض فر في ها خيوط الكلم)‪ ،‬فالتحويلت عمليات شكل ية م ضة ت م تراكيب ال مل الولدة من أ صل الع ن‬
‫وت تم بشغور الو قع أو بتبادل الوا قع أو بإعادة صوغ الكلمات أو با ستخلفها (ح يث ي ستخلف الطرف القوم بطرف آ خر مكا نة أو‬
‫بإضافة مقوم جديد له)‪.‬‬
‫والتحويلت تتضمن وجهي أساسبي؛ الول يتم بتحليل البنية‪ ،‬والثان باستبدال البنية‪ .‬والتحليل البنائي ينظر ف التركيب الولد‬
‫من الصل وهل يكن من الصول على بنية قابلة للتحويل أم ل‪ .‬والتحويل البنائي يتمثل ف إحداث تغيات متلفة وف إعادة ترتيب‬
‫البنية ومقوماتا الت هي موضوع التحليل‪.‬‬
‫هذه هي عبارة مولدة من الصل الؤلف من‪:‬‬
‫النفي ‪ +‬الب ‪ +‬ف الاضر ‪ +‬قراءة ‪ +‬الريدة‪ ،‬ما يلخص كالتال‪:‬‬
‫النفي ‪ +‬ني اسي ‪ +‬زمان ‪ +‬فعل‪ +‬ني اسي‪.‬‬

‫فإن هذا التصنيف يؤدي إل التحويل بالنفي ف الملة التالية‪:‬‬


‫«الب ل يقرأ الريدة»‪ ،‬وهناك تويل آخر يس أواخر الكلمات يسمى تويل العقب ‪ terminal‬يؤدي إل نقل العقب إل ما قبل‬
‫الفعل = يقرأ ـ ل يقرأ‪ ،‬وهي تنشأ بعد أن تتم كل التغيات با فيها التغيي الناجم عن مطابقة بي الفعل والفاعل والبتدأ والب مثل‪،‬‬
‫وهذا التحويل يسمى التحويل النهائي ‪ terminal dérivé‬الشتق من الصل‪ ،‬ويثل البنية السطحية للجملة النجزة بالفعل بعد أن‬
‫تكون أدرجت ف الشبكة الصوتية «الب ل يقرأ الريدة»‪.‬‬
‫والتحويل يمل ف الغالب السم الناجم عن العملية‪ ،‬و هكذا يسمى التحويل الناشئ عن التعليق بالوصل تويل وصلي بعد‬
‫التركيب السي‪ ،‬وهو يؤدي إل إدراج جلة بالتركيب السي ف جلة أخرى‪ ،‬كقولنا‪ :‬الولد [الذي جاء] يقرأ الريدة‪.‬‬
‫وأحيانا يطلق الفهوم على القوم موضوع التحويل‪ ،‬و هكذا يكون تغيي القومات ف الفعال الناقصة الت يؤت با لتتميم العن‬
‫(كان ‪ +‬كتب) معولة لوصف التغيي الذي أدخل على القوم (يعن أن جلة كان كتب تدل على فعل الكتابة ف الاضي فقط‪ ،‬فأصبحت‬
‫تدل على وقوع الكتابة قبل فعل آخر) بعد إدخال كان على كتب‪.‬‬
‫‪ -‬د‪-‬الختتام‬

‫نكتفي دراستنا عن الدارس اللسانية‪ ،‬عربيةً كانت أم غربيةً‪ ،‬ونستخلص من تلك الدراسة فيما يلي‪:‬‬
‫إن الدارس اللسانية كما سبق درسها‪ ،‬لا تأثيات كبية ف بناء اللغة وتطورّها‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫إن الدارس الل سانية العرب ية هي‪ :‬الدر سة البيان ية مع الا حظ‪ ،‬ومدر سة الن ظم مع الرجا ن‪ ،‬والدر سة الشمول ية مع ال سكاكي‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫والدرسة الرتقائية مع ابن خلدون‪.‬‬
‫إن الدارس اللسانية الغربية‪ ،‬هي ‪:‬الدر سة البنيوية مع سوسي‪ ،‬والدرسة النسقية مع هلم سليف‪ ،‬والدرسة الوظيفية مع ياكوبسن‬ ‫‪-3‬‬
‫ومارتين‪ ،‬والدرسة التوزيعية مع بلومفيلد‪ ،‬والدرسة التوليدية مع تشومسكي‪ ،‬والدرسة التحويلية مع ز‪.‬س‪ .‬هريس‪.‬‬

You might also like