You are on page 1of 20

‫) الخوة في الله (‬

‫عناصر الموضوع ‪:‬‬


‫‪ .1‬أهمية الخوة في الله‬
‫‪ .2‬ضرورة تطبيق حقوق الخوة في الواقع‬
‫‪ .3‬من واجبات الخوة‬
‫‪ .4‬بعض سلبيات الجتماعات والمجالس بين الخوة‬
‫‪ .5‬سلبيات وأخطاء في عالم الخوة في الله‬

‫الخوة في الله‪:‬‬
‫الخوة في الله لها أهمية عظيمة‪ ،‬ومما يدل على أهميتها أن الله جل وعل‬
‫رتب عليها الجر العظيم‪ ،‬وهي عبادة نتقرب إلى الله بها‪ ،‬بل قد تكون سببا ً‬
‫من أسباب دخول الجنة‪ .‬والخوة في الله لهم حقوق وواجبات‪ ،‬فمن هذه‬
‫الحقوق‪ :‬الزيارات‪ ..‬قضاء حوائجهم‪ ..‬النصيحة لهم‪ ..‬وغير ذلك‪ .‬وهناك‬
‫أخطاء وسلبيات يرتكبها البعض مع إخوانهم في الله منها‪ :‬كثرة مخالطتهم‬
‫بغير فائدة‪ ..‬عدم التماس العذار لهم‪ ..‬التعلق المحرم‪ ..‬التصرف بأموالهم‬
‫وممتلكاتهم دون إذنهم‪ ..‬إخلف المواعيد‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫أهمية الخوة في الله‪:‬‬


‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ٍ وعلى‬
‫ت‬‫آله وصحبه أجمعين‪ .‬نحمد الله تعالى ‪-‬أيها الخوة‪ -‬أن جمعنا وإياكم في بي ٍ‬
‫من بيوته عز وجل نذكره سبحانه وتعالى‪ ،‬ونتذاكر نعمه‪ ،‬ومنها نعمة الخوة‪،‬‬
‫مةِ َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ث ]الضحى‪.[11:‬نسأل الله عز وجل أن‬ ‫حد ّ ْ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ما ب ِن ِعْ َ‬ ‫قال تعالى‪ :‬وَأ ّ‬
‫يجعل اجتماعنا هذا اجتماعا ً مرحومًا‪ ،‬وأن يجعل تفرقنا بعده تفرقا ً معصومًا‪،‬‬
‫وأن يجعلنا وإياكم من الخوة في الله المتآخين في سبيل الله ول يجعل فينا‬
‫ول معنا شقيا ً ول محرومًا‪ .‬أيها الخوة‪ :‬كما سمعنا في اليات الكريمة قول‬
‫َ‬ ‫الله عز وجل‪ :‬واذ ْك ُروا ن ِعمت الل ّه ع َل َيك ُم إذ ْ ك ُنت َ‬
‫ن قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف ب َي ْ َ‬‫داًء فَأل ّ َ‬ ‫م أع ْ َ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫ْ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مت ِ ِ‬
‫م ب ِن ِعْ َ‬‫حت ُ ْ‬ ‫صب َ ْ‬‫مت ِهِ ]آل عمران‪ [103:‬ل بأي شيء آخر‪ :‬فَأ ْ‬ ‫م ب ِن ِعْ َ‬
‫حت ُ ْ‬‫صب َ ْ‬‫فَأ ْ‬
‫وانا ً ]آل عمران‪ .[103:‬أيها الخوة‪ :‬ل يوجد في دين من الديان‪ ،‬أو‬ ‫خ َ‬ ‫إِ ْ‬
‫مذهب من المذاهب‪ ،‬أو مكان من المكنة شيٌء اسمه الخوة التي هي بهذا‬
‫الطعم إل في السلم‪ ،‬ل يمكن أن يوجد مطلقًا؛ لن هذا الشعور ‪-‬شعور‬
‫الخوة في الله والتآخي في الله‪ -‬نعمة عظيمة ل يشعر بها إل المسلمون‪،‬‬
‫وانا ً ]آل‬ ‫َ‬
‫خ َ‬‫مت ِهِ إ ِ ْ‬ ‫م ب ِن ِعْ َ‬ ‫حت ُ ْ‬ ‫ل يشعر بها إل الذين جعلهم الله إخوة‪ :‬فَأ ْ‬
‫صب َ ْ‬
‫عمران‪ .[103:‬والمجتمع السلمي يقوم على دعامتين أساسيتين‪ :‬اليمان‬
‫َ‬ ‫والخوة‪ :‬واذ ْك ُروا ن ِعمت الل ّه ع َل َيك ُم إذ ْ ك ُنت َ‬
‫ن قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫داًء فَأل ّ َ‬ ‫م أع ْ َ‬‫ُْ ْ‬ ‫ْ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وانا ً ]آل عمران‪ .[103:‬فل يمكن أن يقوم المجتمع‬ ‫َ‬
‫م ب ِن ِ ْ َ ِ ِ ِ ْ َ‬
‫خ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ت‬‫م‬ ‫ع‬ ‫حت ُ ْ‬‫صب َ ْ‬‫فَأ ْ‬
‫السلمي قياما ً صحيحا ً على سوقه كما أمر الله إل بهاتين الدعامتين‬
‫الساسيتين‪ :‬اليمان والخوة‪ ،‬ولذلك أمر الله بالتآخي‪ ،‬وعقد من عنده عز‬
‫خوَةٌ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ما ال ْ ُ‬ ‫وجل عقد الخوة بين المؤمنين‪ ،‬فقال عز وجل‪ :‬إ ِن ّ َ‬
‫]الحجرات‪ [10:‬و)إنما( من فوائدها حصر الخبر في المبتدأ‪ ،‬أو المبتدأ في‬
‫خوَة ٌ ]الحجرات‪ [10:‬أي‪ :‬ليس المؤمنون إل إخوة‪،‬‬ ‫ن إِ ْ‬
‫مُنو َ‬ ‫ما ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫الخبر‪ ..‬إ ِن ّ َ‬
‫ما‬
‫من عظم الخوة أن الله جعلها هي الوصف الكمل للمؤمنين‪ ،‬إ ِن ّ َ‬
‫ن ]الحجرات‪ [10:‬المؤمنون عبارة عن أي شيء؟ عن إخوة‪:‬‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ]الحجرات‪ [10:‬فالخوة تنبثق من التقوى ومن‬ ‫خوَي ْك ُ ْ‬‫نأ َ‬ ‫حوا ب َي ْ َ‬‫صل ِ ُ‬‫فَأ ْ‬
‫السلم‪.‬‬

‫الخوة في الله عبادة‪:‬‬


‫ما هو أساس الخوة؟ العتصام بحبل الله عز وجل‪ ،‬وبمنهج الله عز وجل‪،‬‬
‫وبطريق الله تعالى‪ .‬والخوة عبادة‪ ،‬ولبد أن نعرف أن الخوة عبادة من‬
‫العبادات التي نتقرب بها إلى الله عز وجل‪ ،‬فهي عبادة نتقرب إلى الله بها‬
‫مثلما نتقرب إليه بالصلة أو بالصيام‪ ،‬أو بالحج‪ ..‬بالدعاء‪ ..‬بالتوكل‪ .‬فهي‬
‫عبادة من العبادات الجليلة التي ركب الله تعالى عليها فضل ً عظيما ً منه عز‬
‫وجل‪ ،‬وهي نعمة عظيمة جدًا‪ ،‬نعمة عظيمة ل يحس بها إل من توافرت فيه‬
‫شروط الخوة‪ ،‬وإل فأقول لكم بصراحة‪ :‬إن كثيرا ً من الناس اليوم تجده‬
‫يقول‪ :‬فلن من أعز أصدقائي‪ ،‬أو هذا فلن صديق عزيز‪ ،‬أو هذا فلن كنت‬
‫أنا معه من السنة الفلنية‪ ،‬أو من المرحلة البتدائية‪ ،‬أو كنا معا ً في حارة‬
‫واحدة‪ ،‬هذا فلن من أعز أصدقائي‪ ،‬هذا الكلم ‪-‬أيها الخوة‪ -‬ل يعني مطلقا ً‬
‫أن هذين الرجلين متآخيان في الله‪ ،‬ل‪ .‬فقد تكون العلقة بينهما هي علقة‬
‫تجاذب وتقارب وتوافق نفسي فقط‪ ،‬اثنين يرتاحان لبعض‪ ،‬أما الخوة في‬
‫الله فهي مسألة أعلى من ذلك بكثير‪ ،‬فهي مراتب وصفات ل يحس بها إل‬
‫من عرفها وذاق طعمها‪.‬‬

‫الخوة والمحبة من سبل النجاة‪:‬‬


‫ل عظيم وأجٌر جسيم‬ ‫ومن الدلة على أن الخوة في الله عز وجل لها فض ٌ‬
‫‪-‬وهذا يدلك على خطورتها وعلى عظمها ومنزلتها العالية ‪-‬أن الله عز وجل‬
‫ما ِفي‬
‫وصف أهل الجنة بأنهم إخوة في الله‪ ،‬قال عز من قائل‪ :‬وَن ََزع َْنا َ‬
‫ن ]الحجر‪ [47:‬إذا دخل أهل‬ ‫قاب ِِلي َ‬
‫مت َ َ‬ ‫وانا ً ع ََلى ُ‬
‫سُررٍ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ِغ ّ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫دورِه ِ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ُ‬
‫الجنة الجنة ل يزال في صدورهم بعض الشياء العالقة من الدنيا‪ ،‬فإذا دخلوا‬
‫الجنة نزع الله من صدورهم الغل فصارت عندهم أخوة نقية ما فيها شائبة‬
‫واحدة‪ .‬ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضمن شروط اليمان‬
‫)أن يحب المرء ل يحبه إل لله( إذا صارت هذه القضية فإن الله تعالى يظل‬
‫ل إل ظله ))ورجلن تحابا في‬ ‫هؤلء المتحابين تحت ظل عرشه يوم ل ظ ّ‬
‫الله‪ ،‬اجتمعا عليه وتفرقا عليه( ‪ .‬إذا ً ‪-‬أيها الخوة‪ -‬هذا الحديث الخير الذي‬
‫ذكرته الن يوضح معنى الكلم الذي قلته قبل قليل‪ ،‬وهو أن الخوة في الله‬
‫مرتبة عالية‪ ،‬ولها شروط كثيرة‪ ،‬فلذلك ليس أي اثنين تحابا يظلهم الله في‬
‫ظله‪ ،‬ل‪ .‬بل لبد أن تكون الخوة كما فسرها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬يقول‪) :‬ورجلن تحابا في الله‪ ،‬اجتمعا عليه وتفرقا عليه( اجتمعا من‬
‫أجل الله وعلى منهج الله‪ ،‬والطريق التي ارتضاها الله عز وجل‪ ،‬وتفرقا‬
‫على نفس الشيء‪ ،‬ما تغيرت القضية بالمجلس‪ ،‬لما جلسوا ما تغيروا بل‬
‫تفرقوا على مثلما جلسوا عليه‪ ،‬اجتمعا عليه وتفرقا عليه‪ ،‬سواء في‬
‫المجلس أو في مجالس متفرقة‪ ،‬أو كانت في الدنيا عمومًا‪ ،‬اجتمعا عليه‬
‫وفرق الموت بينهما وهما ما زال على نفس العهد والميثاق الذي أخذه الله‬
‫عليهما‪ .‬أيها الخوة‪ :‬نحن أحيانا ً ل ندقق في العبارات ول ندقق في اليات‬
‫والحاديث‪ ،‬لكنك لو دققت تجد أشياًء توضح لك لماذا القضية عظيمة‬
‫)رجلن تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه( ويقول رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في الحديث الحسن في صحيح الجامع )ما من مسلمين‬
‫يلتقيان فيسلم أحدهما على صاحبه ويأخذ بيده ل يأخذ بيده إل لله‪ ،‬فل‬
‫يفترقان حتى يغفر لهم( والن نحن نلتقي كثيرًا‪ ،‬وكثيرا ً ما يسلم بعضنا على‬
‫بعض‪ ،‬لكن هل توافرت الشروط التي تجعل هذا اللتقاء ينتهي بمغفرة‬
‫الذنوب لكل الطرفين‪) :‬ما من مسلمين يلتقيان فيسلم أحدهما على صاحبه‬
‫ويأخذ بيده ل يأخذ بيده إل لله( لماذا نركز على هذا المفهوم؟ لن‬
‫اللتقاءات التي تحدث اليوم بين الناس ‪-‬أيها الخوة‪ -‬ليست لله‪ ،‬ول في‬
‫ض من الدنيا زائل‪ .‬الن الناس يتلقون فيسلم‬ ‫الله‪ ،‬وإنما هي من أجل عر ٍ‬
‫الواحد على الثاني‪ ،‬ويأخذ بيده ويصافحه‪ ،‬لكن إذا نظرت في الحقيقة لماذا‬
‫يصاحبه؟ ولماذا يسلم عليه؟ ولماذا يأخذ بيده؟ تجد الغرض من وراء هذا‬
‫كله مصلحة دنيوية‪ ،‬الن الناس يلتقون لكن اللقاءات على الماديات الفانية‪:‬‬
‫ل َواْل ِك َْرام ِ ]الرحمن‪ [27:‬فلذلك ل يحس الواحد‬ ‫ذو ال ْ َ‬
‫جل ِ‬ ‫ه َرب ّ َ‬
‫ك ُ‬ ‫ج ُ‬
‫قى وَ ْ‬
‫وَي َب ْ َ‬
‫من هؤلء طعما ً مطلقًا‪ ،‬ل يجدون حلوة ً للقاء؛ لن القضية فيها مصلحة‪،‬‬
‫مسألة مصالح؛ ولذلك تجد الواحد يسلم على الثاني ويقابله ويبتسم بوجهه‬
‫ويرحب به ويكيل له ألفاظ الثناء والمديح فإذا انصرفا وتفرقا‪ ،‬نزل فيه سبا ً‬
‫وشتما ً وغيبة‪ ،‬لماذا؟! من السباب‪ :‬أن أصل اللقاء فاسد‪ ،‬وما بني على‬
‫فاسد فهو فاسد‪ ،‬فأصل اللقاء فاسد وهو الدنيا‪ ،‬فمن الطبيعي أن يتفرقوا‬
‫على أشياء كثيرة من البغضاء والشحناء‪ ،‬وهذه البتسامات والمودة‬
‫الظاهرة هي من أجل متاع دنيوي‪ ،‬لذلك ل يمكن لهؤلء الناس أبدا ً أن‬
‫يرتاحوا بهذه العلقة التي تنشأ بينهما‪.‬‬

‫أجور عظيمة على المحبة في الله‪:‬‬


‫والحب في الله والخوة في الله عميقة جدا ً جدا ً إلى أبعد ما يتصور النسان‬
‫المسلم‪ ،‬وهي عبارة عن محبة متزايدة يدفعها إلى التزايد حديث رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬ما تحاب اثنان في الله تعالى إل كان أفضلهما‬
‫أشدهما حبا ً لصاحبه( انظروا ‪-‬أيها الخوة‪ -‬محاسن الدين السلمي‪ ،‬محاسن‬
‫السلم عظيمة جدًا! أحيانا ً ل نتصور‪ ،‬نتكلم‪ :‬السلم أحسن والسلم أفضل‬
‫والسلم‪ ...‬لكن فسر كلمك‪ :‬كيف السلم أحسن؟ ل تجد تفسيرًا‪ ،‬لكن‬
‫عندما ندقق في اليات والحاديث )إل كان أفضلهما أشدهما حبا ً لصاحبه(‬
‫معناه المحب في ازدياد‪ ،‬وكلما أحببت أخاك أكثر كلما ازددت فضل ً عند‬
‫الله‪ ،‬فمعنى ذلك‪ :‬أن الفراد في المجتمع المسلم متلصقون في غاية‬
‫التلصق‪ ،‬ويحب بعضهم بعضا ً حبا ً جمًا‪ ،‬هكذا يريد الله من المسلمين‪،‬‬
‫ولذلك المجتمع السلمي مجتمع متماسك ل يمكن أن تتخلله الشائعات ول‬
‫الشياء المغرضة ول وشايات العداء ومخططاتهم؛ لنه إذا كان الفراد في‬
‫تلحم‪ ،‬فمن أين ينفذ الشر؟ وكيف ينفذ؟‪ .‬ويقول رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم موضحا ً الجر العظيم للمحبة في الله والخوة في الله وبعض بنودها‪،‬‬
‫يقول عليه الصلة والسلم عن الله عز وجل في حديث قدسي )حقت‬
‫ي ‪-‬صلة‪ ..‬زيارة‪..‬‬
‫ي‪ ،‬وحقت محبتي للمتواصلين ف ّ‬ ‫محبتي للمتحابين ف ّ‬
‫ي‪ ،‬وحقت محبتي للمتزاورين‬ ‫رسالة‪ ..‬بالهاتف‪ -‬وحقت محبتي للمتناصحين ف ّ‬
‫ي( وقال عليه الصلة‬ ‫ي ‪-‬في سبيل الله‪ -‬وحقت محبتي للمتباذلين ف ّ‬ ‫ف ّ‬
‫والسلم أيضًا‪) :‬المتحابون في الله على منابر من نور يغبطهم النبيون‬
‫والصديقون والشهداء( هذا يبين عظم المحبة وفضلها ومنزلة المتحابين في‬
‫الله عند الله عز وجل‪ ،‬يكونون في منابر مرتفعة من نور يغبطهم على هذا‬
‫المكان النبيون والصديقون والشهداء‪ ،‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ))إن الله يقول يوم القيامة‪ :‬أين‬
‫المتحابون بجللي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم ل ظل إل ظلي( رواه‬
‫مسلم ‪ .‬الخوان ‪-‬أيها الخوة‪ -‬سلعة غالية جدا ً ل يمكن أن تجد لها بدي ً‬
‫ل‪ ،‬ولو‬
‫بذلت أعلى السعار‪.‬‬

‫ء‪:‬‬‫م من الشيا ِ‬ ‫م ل شيء يعدله ْ‬ ‫إخوانكم ل شيء أغلى منه ُ‬


‫ل‪ ،‬ل يمكن أن تجد سعرا ً في الدنيا ول عرضا من الدنيا يوازي أو يساوي‬
‫ً‬ ‫وفع ً‬
‫أخا ً واحدا ً في الله‪ ،‬تتآخى أنت وهو في صدق على منهج الله عز وجل‪.‬‬
‫لنأخذ حالة من الحالت التي تبين لنا أهمية الخوة في الله‪.‬‬

‫بالخوة في الله نستطيع مواجهة الحياة‪:‬‬


‫ل بنفسه كثيٌر بإخوانه‪ ،‬الواحد منا لوحده ل يقوى أبدا ً‬
‫المرء ‪-‬أيها الخوة‪ -‬قلي ٌ‬
‫على مواجهة الحياة وظروفها ومشاكلها‪ ،‬والعقبات التي تكون في طريقه‪،‬‬
‫فالمشاكل كثيرة جدًا‪ ،‬والهموم عظيمة‪ ،‬والمهمات صعبة‪ ،‬فأنت الن ‪-‬أيها‬
‫المسلم‪ -‬مكلف بمهمات وستواجهك عقبات أثناء الطريق‪ ،‬إذا ما كنت في‬
‫وسط إخوة في الله عز وجل ستذوب شخصيتك في هذه الحياة الدنيا‬
‫الفانية‪ ،‬وستنهال عليك المصائب من كل جانب‪ ،‬ول من معين‪ .‬وتظهر أهمية‬
‫ف‬
‫الخوة في الله بدلئل كبيرة عندما يكون المسلمون في حالة ضع ٍ‬
‫واضطهاد‪ ،‬وعندما يكون السلم متأخرا ً في نفوس الناس‪ ،‬وعندما ينحسر‬
‫المد السلمي في العالم‪ ،‬ويحس المسلمون بالغربة؛ عند ذلك تنبع أهمية‬
‫ف‬
‫الخوة في الله‪ .‬أيها الخوة‪ :‬إن ما يمر به المسلمون اليوم من ظرو ٍ‬
‫كالليل الحالك‪ ،‬وكالظلمة الشديدة‪ ،‬في خضم هذه الجاهليات العاتية التي‬
‫تصدم المسلمين من كل جانب‪ ،‬يحتاج الفرد المسلم إلى تقوية نفسه‪،‬‬
‫وإلى إيجاد شيٍء يرتكز إليه عندما يواجه هذه المصاعب والتحديات‪،‬‬
‫تحديات كثيرة تواجه المسلمين اليوم‪ ،‬لو لم تكن هناك أخوة في الله تثبت‬
‫هذا المسلم على الدين لتزلزل بفعل العواصف التي تأتي من أعداء‬
‫السلم‪ .‬والمسلمون الن يعيشون في غربة‪ ،‬إذا ما كان هناك أخوة تسهل‬
‫عليك هذه المصائب‪ ،‬وتزيل عنك هذه الوحشة التي تجدها في قلبك‪ ،‬فكيف‬
‫يكون لك الستمرارية في السير في هذا الطريق؟! من هنا كانت الخوة‬
‫في الله مهمة جدًا‪ ،‬مهمة جدا ً في طلب العلم‪ ،‬وفي الدعوة إلى الله‪ ،‬مهمة‬
‫جدا ً في تربية النفس‪ ،‬مهمة جدا ً إذا نزلت بك مصائب وواجهتك عقبات‪ .‬إذا‬
‫فكر النسان ‪-‬أيها الخوة‪ -‬في مواجهة العالم وأعداء السلم لوحده يحس‬
‫أنه ل شيء‪ ،‬ماذا يمكن أن يفعل لكي يغير الواقع‪ ،‬ماذا يمكن أن يفعل‬
‫بمفرده؟ الجواب‪ :‬ل شيء‪ ،‬عندما يفكر منطلقا ً من إخوانه يحس أن هناك‬
‫قوة كبيرة جدا ً تدفعه إلى المام‪ ،‬وتقوي هذه النفسية حتى تجعلها على‬
‫مستوى التحديات‪ ،‬فتقاوم هذه التيارات وتشق طريقها بقوة‪ ،‬هذه النفسية‬
‫التي تدعو إلى الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر‪ ،‬وبدونها ‪-‬أي‪ :‬بدون‬
‫الخوة في الله‪ -‬يشعر النسان بالحباط‪ ،‬ويشعر باليأس ويفقد المل في‬
‫تغيير الواقع‪ .‬وإذا أخذنا نموذجا ً من النماذج التي كانت عليها حياة السلف‬
‫في باب الخوة في الله‪ ،‬كيف كانت مجتمعاتهم؟ كيف كانت جماعاتهم؟‬
‫كيف كانت بيئاتهم؟ كيف كانت مجالسهم العلمية؟ فاستمع معي لما يقوله‬
‫المام أبو حازم العرج رحمه الله تعالى‪ .‬يقول رحمه الله‪ :‬لقد رأيتنا عند‬
‫زيد بن أسلم ‪-‬زيد بن أسلم من العلماء‪ -‬أربعين فقيها ً أدنى خصلة فينا‬
‫التواسي بما في أيدينا‪ ،‬وما رأيت في مجلسه ‪-‬هذا الفقيه‪ -‬متماريين‬
‫ث ل ينفعنا‪ .‬هكذا كانت مجالس السلف ‪،‬‬ ‫‪-‬متجادلين‪ -‬ول متنازعين في حدي ٍ‬
‫هذا هو العموم الشائع‪ ،‬ل يعني أنه لم تكن هناك مشاكل ول أمراض‪ ،‬لكن‬
‫ل واحد‪ ،‬ل توجد مشاكل بينهم‪.‬‬ ‫هكذا كانت مجالسهم‪ ،‬أربعون على قلب رج ٍ‬

‫ضرورة تطبيق حقوق الخوة في الواقع‪:‬‬


‫الن ‪-‬أيها الخوة‪ -‬نحن نتكلم عن الخوة‪ ،‬والخوة لها واجبات كثيرة‪ ،‬وتعداد‬
‫الواجبات قد يكون أكثركم على اطلٍع بمعظمها‪ ،‬فتعداد الواجبات قد يأخذ‬
‫منا وقتا ً نحتاجه في عرض مشاكل أخرى‪ ،‬لكن عندما نتكلم عن الخوة‬
‫حلوتها وواجباتها يجب ‪-‬أيها الخوة‪ -‬أن نكون كما أمرنا الله عز وجل‪ ،‬إن‬
‫َ‬
‫ما ل‬ ‫قوُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫م تَ ُ‬
‫مُنوا ل ِ َ‬
‫نآ َ‬ ‫الله ذم أناسا ً من المؤمنين بقوله‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن ]الصف‪ [2:‬يجب أن نرتفع من مستوى الكلم والنظريات؛ لن‬ ‫فعَُلو َ‬
‫تَ ْ‬
‫الكلم حول الخوة قد يكون سهل ً وجميل ً ومستساغًا‪ ،‬وعندما تقرأ تنبسط‬
‫من الكلم الذي تقرؤه في بعض الكتب‪ ،‬والقصص التي تسمعها عن بعض‬
‫السلف ‪ ،‬وأحدهم ذهب فوجد أخاه في الله غير موجود‪ ،‬فسأل الجارية‪ :‬أين‬
‫ذهب؟ قالت‪ :‬غير موجود‪ .‬قال‪ :‬دلوني على مكان المال‪ ،‬فدلته الجارية‪،‬‬
‫فأخذ ما يحتاج إليه وانصرف‪ ،‬فلما رجع الخ المسلم وعرف ما فعل أخوه‬
‫وأنه أخذ المال الذي يحتاجه ولم يشعر بأي حرج‪ ،‬قال للجارية‪ :‬إن كنت‬
‫صادقة فأنت حرة لوجه الله‪ ،‬ففتش المال فوجده قد أخذ منه فعل ً فعتقت‬
‫الجارية‪ .‬هذا الكلم جميل جدًا‪ ،‬لكن القضية هي الرتفاع من مستوى الكلم‬
‫والنظريات إلى مستوى الواقع العملي والفعال‪ ،‬هنا النقطة‪ ،‬ليست النقطة‬
‫في وصف الخوة والسهاب في عرض المبادئ النظرية‪ ،‬بل المهم الن هو‬
‫التطبيق‪ ،‬لذلك عندما ذكرنا في عنوان المحاضرة‪ :‬الخوة في الله بين‬
‫المفهوم السلمي ‪-‬لن بعض الناس يعرفون المفهوم السلمي‪ -‬والواقع‬
‫الحاضر أو التطبيق الحاضر الذي يحدث الن‪ ،‬المفهوم قد يكون واضحا ً ل‬
‫إشكال فيه‪ ،‬لكن التطبيق كيف؟ كيف نطبق الن؟ هنا ل بد أن نقف‪ ،‬لكن ل‬
‫بأس أن نستعرض وإياكم بعض الحاديث التي ذكرها الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬والتي تبين بعض سمات وصفات الخوة‪.‬‬

‫من واجبات الخوة‪:‬‬


‫إعانة الخ المسلم في قضاء حوائجه‪:‬‬
‫يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪-‬هذا الحديث الحسن الذي رواه‬
‫الطبراني عن ابن عمر مرفوعا ً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم‪) -‬أحب‬
‫الناس إلى الله أنفعهم ‪-‬الذي ينفع أكثر يحبه الله أكثر‪ -‬وأحب العمال إلى‬
‫الله عز وجل سروٌر تدخله على مسلم‪ ،‬أو تكشف عنه كربة ‪-‬واقع في‬
‫مشكلة فتزيلها عنه‪ -‬أو تقضي عنه دينًا( هذا الخ عليه ديون وعليه نقود‬
‫ل‪ -‬وعليه ديون‪ ،‬احتاج لحاجة معينة‪ ،‬صار له حادث سيارة‪ ،‬يبني‬ ‫تزوج ‪-‬مث ً‬
‫بيتًا‪ ،‬صار عليه دين‪) -‬أو تطرد عنه جوعا ً ‪-‬أحيانا ً قد يجوع المسلم‪ ،‬قد يجد‬
‫الطعام أو ل يجده‪ ،‬المهم أن يكون في مناسبة أو في وضع جائع‪ -‬ولئن‬
‫أمشي مع أخي المسلم في حاجته أحب إلي من أن أعتكف في المسجد‬
‫شهرًا( المسجد النبوي الصلة فيه بألف صلة‪ ،‬وفي بعض الروايات‪:‬‬
‫خمسمائة صلة‪ ،‬فشخص يعتكف شهرا ً في المسجد النبوي سيصلي )‪(150‬‬
‫صلة تقريبًا‪ ،‬والعتكاف ليس فيه )‪ (150‬صلة فقط‪ ،‬بل فيه تسبيح وتهليل‬
‫وأجر العتكاف نفسه‪ ،‬فكم سيكون الجر؟ أجر هائل‪ ،‬اعتكاف في المسجد‬
‫النبوي فيه )‪ (150‬صله‪ ،‬وتسبيح بعد كل صلة‪ ،‬وذكر لله‪ ،‬والصلوات التي‬
‫تكون بين الذان والقامة‪ ،‬وأجر العتكاف نفسه‪ ،‬وقراءة القرآن‪ ،‬أجر هائل‬
‫جدا ً وعظيم ل ُيتصور! يقول النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬ولئن أمشي مع‬
‫ي من أن أعتكف في المسجد شهرا(‬ ‫أخي المسلم في حاجته أحب إل ّ‬
‫تمشي مع أخيك المسلم في حاجته‪ ،‬فتأخذ أكثر من أجر العتكاف في‬
‫المسجد النبوي شهرًا‪ ،‬فهذه المسألة تحتاج إلى تفكير؛ لن تصورها صعب‪.‬‬
‫أمشي مع أخي المسلم لقضي له حاجته‪ :‬عنده مشكلة‪ ،‬أو عنده شيء يريد‬
‫مساعدة فيه ‪-‬أي مساعدة‪ -‬فأذهب معه حتى أقضي له حاجته وأزيل عنه‬
‫هذه الكربة أفضل عند الله من العتكاف شهرا ً في المسجد النبوي )ومن‬
‫مشى مع أخيه المسلم في حاجته أثبت الله قدمه يوم تزل القدام( متى‬
‫تزل القدام؟ على الصراط كما قال النبي صلى الله عليه وسلم )الصراط‬
‫أحد من السيف وأدق من الشعرة‪ ،‬مضروب على متن جهنم يعبر عليه‬
‫الناس فتزل القدام( والذي يمشي في حاجة أخيه المسلم حتى يقضيها له‬
‫يثبت الله قدمه يوم تزل القدام‪ .‬فلحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول‪ :‬حتى يقضيها له )ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يقضيها‬
‫له( لن بعض الناس ‪-‬وهذه مشكلة‪ -‬تأتي تكلمه أن عندك مشكلة‪ ،‬فتقول‬
‫له‪ :‬يا أخي! أنا عندي المشكلة الفلنية كذا وكذا‪ ،‬فيقول‪ :‬أبشر ول يهمك‪ ،‬أنا‬
‫مستعد أن أذهب غدًا‪ ،‬وهو يعرف أنه لن يفعل شيئا ً بالموضوع‪ ،‬ولكن من‬
‫باب المجاملة وينتهي المشوار على ل شيء‪ ،‬وهو يعلم سلفا ً وقد يخبئ في‬
‫نفسه وسائل أخرى للوصول إلى المقصود‪ ،‬لكن يقول‪ :‬فلن هذا قد يكون‬
‫واسطة خير‪ ،‬ولكن أنا أريد أن أبقيه لنفسي؛ يمكن أحتاج للشخص هذا في‬
‫يوم من اليام‪ ،‬فما أريد الن أن أستعمل هذه الورقة وأحرقها من أجل‬
‫فلن‪ ،‬فأنا أذهب وأتوسط بكلمتين ول أشد عليه أو ألزم عليه‪ ،‬فيرفض‪،‬‬
‫ولكن من باب رفع الحرج‪ ،‬هذا كل يوم على رأسي‪ ،‬ويعرف أن المشكلة‬
‫لن تنتهي‪ ،‬فلذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم ))حتى يثبتها له( أو على‬
‫القل يتفانى بجهده الكامل حتى لو لم تنتهِ المشكلة لكن بذل جميع ما في‬
‫ق الله‪،‬‬
‫قدرته وجميع ما في وسعه‪ .‬ويقول النبي صلى الله عليه وسلم )ات ِ‬
‫ول تحقرن من المعروف شيئا ً ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي‪،‬‬
‫ث صحيح رواه ابن حبان عن جابر‬ ‫وأن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط( حدي ٌ‬
‫بن سليم الهجيمي رضي الله عنه ))وأن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط(‬
‫الن كثيٌر من المسلمين يتلقون فإذا إشارات العبوس‪ ،‬وجبين هذا مقطب‪،‬‬
‫وهذا متجهم الوجه‪ ،‬هذه حال كثير من المقابلت‪ ،‬والرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول )ابتسامتك في وجه أخيك المسلم صدقة( ول تحقرن من‬
‫المعروف شيئا ً ولو هذه البتسامة؛ لن البتسامة هذه تعبر عن أشياء كثيرة‪.‬‬

‫التزاور حق من حقوق الخوة‪:‬‬


‫ومن حقوق المسلمين على المسلمين ومن حقوق الخوة في الله‪ :‬التزاور‪،‬‬
‫يقول الرسول صلى الله عليه وسلم )(إن رجل ً زار أخا ً له في قرية أخرى‬
‫‪-‬تصور‪ ،‬أي‪ :‬ذهب من قرية إلى قرية‪ ،‬ليس مثلنا الن نتكاسل في الذهاب‬
‫من بيت إلى بيت‪ -‬فأرصد الله له على مدرجته ملكا ً ‪-‬في الطريق‪ -‬فلما أتى‬
‫عليه قال‪ :‬أين تريد؟ قال‪ :‬أريد أخا ً لي في هذه القرية‪ ،‬قال‪ :‬هل لك عليه‬
‫نعمة تربها؟ ‪-‬يعني‪ :‬هل أنت ذاهب إليه تريد منه شيئًا‪ ،‬أي‪ :‬مصلحة معينة؟‪-‬‬
‫قال‪ :‬ل‪ .‬غير أني أحببته في الله فقال الملك‪ :‬فإني رسول الله إليك بأن‬
‫الله قد أحبك كما أحببته فيه( رواه مسلم ‪ ،‬وقال صلى الله عليه وسلم في‬
‫الحديث الصحيح )(أل أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟ ثم ذكر عدة أصناف‬
‫من الرجال‪ -‬ثم قال‪ :‬والرجل يزور أخاه في ناحية المصر ‪-‬يعني‪ :‬في ناحية‬
‫البلد‪ -‬في الله( ليس لنه يحتاج منه شيئًا‪ ،‬ل‪ .‬في الله فقط‪ ،‬فهذا من أنواع‬
‫الناس في الجنة‪ - .‬زيارة المريض‪ :‬ومن الزيارات المؤكدة ‪-‬أيها الخوة‪-‬‬
‫زيارة المريض )وإذا مرض فعده( الن الواحد منا يمرض أخوه المسلم‪،‬‬
‫ويجلس في المستشفى أيامًا‪ ،‬ويشفى من المرض‪ ،‬ويخرج من‬
‫المستشفى‪ ،‬وبعدها يسمع ‪-‬كأنه خبر في نشرة أخبار‪ -‬خبر أخيه هذا كأنه‬
‫خبر عادي‪ :‬صار كذا وكذا‪ ،‬وانتهت الحادثة بكذا وكذا‪ ،‬دخل فلن المستشفى‬
‫فمكث فيها أربعة أيام وأجريت له عملية والن هو في البيت يأخذ نقاهة ‪..‬‬
‫مثل الخبار التي نسمعها للمرضى‪ ،‬هذه حقيقة‪ .‬أشياء كثيرة تعود إلى‬
‫التقصير‪ ،‬والزيارات الن بين المسلمين ليست على المستوى المطلوب‪،‬‬
‫فكثيٌر من الناس يتعذرون بالشغال‪ ،‬وغالب الشغال دنيوية‪ ،‬وتجد الثنين‬
‫عندما يتقابلن يقول أحدهما للخر‪ :‬يا أخي! أنا أعرف أنك مشغول وأنا‬
‫مشغول؛ لذلك ومن أجل هذا ‪-‬أنت مشغول وأنا مشغول‪ -‬ل داعي أني‬
‫أشغلك زيادة ول أنت تشغلني زيادة‪ ،‬فلذلك ل زيارات‪ .‬وهذا ليس صحيحًا‪،‬‬
‫يعني‪ :‬هل يوجد شخص مشغول أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ومع‬
‫ذلك كان يذهب لزيارة أم أيمن ‪ ،‬وهي امرأة كبيرة في السن من النصار‬
‫كان يزورها‪ ،‬وأحدنا الن قد ل يرجو من وراء هذه المرأة نصر السلم ول‬
‫الجهاد ول كذا لكن النبي صلى الله عليه وسلم الذي ل يوجد أحد مشغول ً‬
‫أكثر منه كان يذهب ويزور أم أيمن ويزور غيرها من الصحابة‪ ،‬وكثير من‬
‫الحاديث الفعلية‪ ،‬تجد الراوي يقول‪ :‬وأن الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ذهب ليزور فلنًا‪ ،‬وأن الرسول صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن عبادة ‪،‬‬
‫وأن الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،...‬فزيارات الرسول صلى الله عليه‬
‫ح‬
‫ص صل ٌ‬ ‫وسلم كثيرة‪ .‬وكان المام أحمد رحمه الله تعالى إذا بلغه عن شخ ٍ‬
‫ق أو اتباع ٌ للمر ‪-‬للسنة‪ -‬سأل عنه‪ ،‬وأحب أن تجري بينهما‬
‫م بح ٍ‬‫أو زهد ٌ أو قيا ٌ‬
‫معرفة‪ ،‬وأحب أن يعرف أحواله‪ ،‬المام أحمد كان حريصا ً على جمع أهل‬
‫السنة وتوحيد جهودهم‪ ،‬وكان حريصا ً على زيارتهم في الله‪ ،‬فكان إذا سمع‬
‫عن رجل فيه خير وفيه اتباع للسنة‪ ،‬أحب أن يجري بينه وبين ذلك الرجل‬
‫معرفة‪ ،‬ويزوره‪ ،‬ويلتقي به‪ ،‬ويتحدث إليه‪ ،‬ويتعرف على أخباره‪.‬‬

‫نصيحة الخ المسلم‪:‬‬


‫وكذلك من الواجبات الخوية‪ :‬مسألة النصيحة‪ ،‬يقول الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم )من أفتى بغير علم ٍ كان إثمه على من أفتاه‪ ،‬ومن أشار على‬
‫أخيه بأمرٍ يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه( رواه أبو هريرة وهو حديث‬
‫ل‪ -‬يستشيرني هل يتوظف في المكان الفلني أو‬ ‫حسن‪ .‬شخص جاء ‪-‬مث ً‬
‫الفلني؟ هل الزواج من بيت فلن أو بيت فلن؟ هل يقدم على الخطوة‬
‫الفلنية أم ل؟ وأنا أشرت عليه بأمر غير الذي أعتقد أنا أنه الصحيح فقد‬
‫خنته‪ ،‬والن يحدث من بعض المسلمين حسد وكيد‪ ،‬يقول له‪ :‬أذهب إلى‬
‫الوظيفة الفلنية أم الفلنية؟ يقول‪ :‬ل‪ .‬تلك أحسن‪ ،‬بينما الحقيقة غير هذا‪،‬‬
‫لكن حسد‪ ،‬يقول‪ :‬هذا في الغد يمشي في الوظيفة‪ ،‬ومعه شهادة‪ ،‬فيترقى‬
‫ويصبح أعلى مني‪ ،‬ل‪ .‬دعني أدله خطأ‪ ،‬وأوجهه خطأ‪ ..‬وشخص يقول للثاني‪:‬‬
‫أريد أن أعمل مشروعا ً تجاريًا‪ ،‬ما رأيك أفعل كذا أو كذا؟ فيقول‪ :‬ل‪ .‬هذا‬
‫مشروع فاشل‪ ،‬عليك بالمر الفلني أحسن‪ ،‬لماذا؟ حسدا ً من عند نفسه؛‬
‫ل‪ ،‬وهكذا‪ ..‬أحيانًا‪ :‬شخص يريد أن يعمل‬‫لنه قد يصير أحسن وأكثر منه ما ً‬
‫تجارة وأنت قد تفهم من الموضوع أن هذا المشروع طيب ومناسب ولكن‬
‫تقول‪ :‬انتبه هذه اليام الدنيا ل تساعد‪ ،‬وقد تفشل‪ ،‬ويمكن كذا‪ ،‬أي‪ :‬تثبيط‪،‬‬
‫ليس لن المر مثبط‪ ،‬ل‪ .‬بل حسدا ً من عند نفسك‪ ،‬تشير عليه في أم ٍ‬
‫ر‬
‫وأنت تعلم أن الرشد في غيره‪ ،‬فهذه خيانة وقطع للعلقات الخوية بسكين‬
‫الخيانة‪ .‬والنصيحة ‪-‬أيها الخوة‪)) -‬إذا استنصحك فانصحه( قال العلماء‪ :‬هذه‬
‫واجبة‪ ،‬البدء بالسلم سنة‪ ،‬لكن إذا استنصحك ‪-‬أي‪ :‬طلب منك النصيحة‪-‬‬
‫يجب عليك أن تنصحه‪ ،‬وإذا لم تنصحه تأثم‪ .‬والنصيحة تأخذ عدة أشكال‬
‫ل‪ :‬يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مبينا ً‬ ‫وعدة جوانب‪ :‬فمن النصائح مث ً‬
‫ث من الحاديث الصحيحة‪ ،‬وهو في السلسلة‬ ‫أهمية النصيحة وهو حدي ٌ‬
‫الصحيحة برقم ]‪ )) [926‬المؤمن مرآة المؤمن‪ ،‬والمؤمن أخو المؤمن‪،‬‬
‫يكف ضيعته‪ ،‬ويحوطه من ورائه( أنت الن إذا نظرت إلى المرآة ماذا‬
‫تشاهد؟! أي عيب فيك تشاهده في المرآة‪ .‬يقول المناوي رحمه الله تعالى‬
‫في شرح هذا الحديث‪ :‬فأنت مرآة لخيك يبصر حاله فيك‪ .‬كأنه أنت المرآة‪،‬‬
‫فهو يبصر حاله فيك‪ ،‬وهو مرآة لك تبصر حالك فيه‪ .‬يكف الضيعة‪ ،‬أي‪ :‬يجمع‬
‫عليه معيشته ويضمها إليه‪ ،‬فيلبي له احتياجاته في معيشته‪ ،‬إن كان عنده‬
‫فضل يعود به عليه‪ ،‬ويحوطه من ورائه‪ ،‬يعني‪ :‬يحفظه ويصونه ويذب عنه‬
‫ويدفع عنه من يغتابه أو يلحق به ضررًا‪ ،‬ويعامله بالحسان والشفقة‬
‫ل‪ :‬كنت في مجلس وشخص تكلم‬ ‫والنصيحة‪ ،‬هذه من واجبات الخوة‪ .‬مث ً‬
‫على فلن‪ ،‬أقوم أنا وأثور وأتكلم وأرد عن هذا الغائب‪) :‬ويحوطه من ورائه(‬
‫فإذا حدث كلم من ورائه تجد هذا الخ يذب ويدافع‪ .‬الشاهد‪ :‬أن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم شبه المؤمن للمؤمن بالمرآة‪ ،‬يقول الشارح‪ :‬فكما‬
‫يزيل عنك كل أذىً تكشفه لك المرآة فأزل عنه كل أذى فيه عن نفسه‪،‬‬
‫مثلما أنك إذا نظرت إلى المرآة تزيل الذى عن نفسك‪ ،‬كذلك هذا الخ‬
‫المسلم مثل المرآة‪ ،‬هو الذي يدلك على عيوب نفسك‪ ،‬فأنت ترى به‬
‫عيوبك أنت‪ ،‬فتصلح عيوبك بواسطته هو‪ ،‬ولذلك ‪-‬أيها الخوة‪ -‬الله عز وجل‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬ ‫سرٍ * إ ِّل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خ ْ‬‫في ُ‬‫ن لَ ِ‬
‫سا َ‬‫ن اْل ِن ْ َ‬ ‫صرِ * إ ِ ّ‬ ‫أمر بالتواصي فقال‪َ :‬وال ْعَ ْ‬
‫صب ْرِ ]العصر‪ [3-1:‬ل بد من‬ ‫وا ِبال ّ‬‫ص ْ‬‫وا َ‬ ‫حقّ وَت َ َ‬ ‫وا ِبال ْ َ‬‫ص ْ‬‫وا َ‬‫ت وَت َ َ‬
‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫وَع َ ِ‬
‫التواصي أي‪ :‬التناصح مثل‪ :‬يا فلن! أوصيك بكذا‪ ،‬أي‪ :‬أنصحك بكذا‪ ،‬لبد من‬
‫مد جسور النصيحة بين المسلمين؛ لنك قد ل ترى عيوبك بنفسك لكن‬
‫الخرين يرون عيوبك‪ .‬قال الحسن البصري رحمه الله تعالى‪] :‬إلى من‬
‫ك إلى أخيه المسلم؟ ومن الذي ُيلزمه من أمره‬ ‫يشكو المسلم إذا لم يش ُ‬
‫مثل الذي يلزمه؟ إن المسلم مرآة أخيه‪ ،‬فيه يبصر عيبه‪ ،‬ويغفر له ذنبه‪ ،‬قد‬
‫كان من كان قبلكم من السلف الصالح يلقى الرجل الرجل فيقول‪ :‬يا أخي!‬
‫ما كل ذنوبي أبصر ‪-‬أنا ل أنظر كل ذنوبي‪ -‬ول كل عيوبي أعرف‪ ،‬فإذا رأيت‬
‫خيرا ً فمرني به‪ ،‬وإذا رأيت شرا ً فانهني عنه[‪ .‬والن إذا جئنا على مستوى‬
‫هؤلء الخوة في الله‪ ،‬قد ل تحدث النصيحة ‪-‬أيها الخوة‪ -‬لسباب‪ ،‬منها‪ :‬قد‬
‫يتهيب الخ المسلم من نصح أخيه‪ ،‬قد يكون أكبر منه سنا ً فل ينصحه‪ ،‬قد‬
‫يكون أعلى منه قدرا ً في العلم أو الجاه فيتهيب من نصحه‪ ،‬فتجده يخاف أو‬
‫يصير عنده نوع من الوجل‪ ،‬فلن أكبر مني كيف أقدم له نصيحة؟ فيسكت‪،‬‬
‫أحيانا ً قد يمسك عن النصيحة‪ ..‬ل يقول لخيه ماذا يدور في نفسه‪ ،‬شخص‬
‫ل‪ -‬أسلوبه فظ ويعاملني بقسوة‪ ،‬من الخطأ في بعض النفسيات أن تكتم‬ ‫‪-‬مث ً‬
‫الساليب الخاطئة التي تعامل بها‪ ،‬نفسية كتومة فتتراكم الشياء فيها من‬
‫معاملة خطأ‪ ..‬كلمة خاطئة‪ ..‬أسلوب عنيف ‪ ..‬شيء بعد شيء وقطرة بعد‬
‫قطرة حتى يتدفق السيل الجرار الذي يقطع العلقات ويهدم الجسور بين‬
‫هذا الخ وأخيه‪ ،‬بسبب ماذا؟ بسبب الكتمان‪ ،‬كتمان‪ ..‬كتمان ثم يأتي الوقت‬
‫الذي ينفجر فيه‪ ،‬فإذا انفجر معناه انتهت العملية‪ .‬فلذلك ل بد ‪-‬أيها الخوة‪-‬‬
‫ت خطأ ً وما استطعت أن‬ ‫من المصارحة‪ ،‬ل بد أن نتصارح فيما بيننا‪ ،‬إذا وجد ُ‬
‫أبتلعه تماما ً وبقي في نفسي أثر‪ ،‬ليس صحيحا ً أن أبقي هذا الثر؛ حتى ل‬
‫تتراكم الثار وتنفجر القضية وتنقطع علقتي بهذا الخ‪ ،‬ول أريد أن أقابله‬
‫مرة أخرى‪ ،‬ل‪ .‬لبد أن نتدارك الخطاء أول ً بأول‪ ،‬ونتصارح فيما بيننا‪ ،‬وإل ما‬
‫قمنا بواجب النصيحة والخوة في الله‪ .‬ومن أسباب عدم حدوث النصيحة‪:‬‬
‫ل‪ :‬إنسان ما‬‫اللمبالة‪ ،‬وهي من العوامل المهمة التي تحجب النصيحة‪ ،‬مث ً‬
‫يحس بأهمية النصيحة‪ ،‬ول بقيمتها‪ ،‬فل يبالي بإلقائها ‪-‬النصيحة‪ -‬فيكون سلبيا ً‬
‫يقول‪ :‬دع غيري ينصحه‪ ،‬ل داعي أن أكلف نفسي بالنصيحة‪ ،‬قد يكون هذا‬
‫ف‪،‬‬‫العيب ما رآه أحد ٌ إل أنت‪ ،‬ل بد أن تنصح‪ ،‬وقد يكون كلم واحد غير كا ٍ‬
‫لكن عندما يجتمع الكلم من عدة مصادر يحدث التأثير‪ ،‬فل تقل‪ :‬أنا ل أريد‬
‫أن أتكلم‪ ،‬ل‪ .‬انصح وتكلم‪ ،‬قد يكون كلمك في غاية الهمية‪) :‬ل تحقرن من‬
‫المعروف شيئًا(‪.‬‬

‫حفظ عرض الخ المسلم‪:‬‬


‫وكذلك ‪-‬أيها الخوة‪ -‬حفظ عرض المسلم‪ ،‬والمحافظة على قيمته وصيانته‪،‬‬
‫من المور التي تنتهك الن‪ ..‬غيبة‪ ..‬ونميمة‪ ..‬سب وشتم‪ ..‬انتقاص‪ ..‬أشياء‬
‫كثيرة تقع بسبب عدم استشعار المسلم لحرمة أخيه المسلم‪ ،‬عدم‬
‫م‬
‫ح َ‬ ‫ن ي َأ ْك ُ َ‬
‫ل لَ ْ‬
‫حب أ َحدك ُ َ‬
‫مأ ْ‬
‫َ‬
‫الستشعار بأن اللحوم مسمومة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬أي ُ ِ ّ َ ُ ْ‬
‫مْيتا ً ]الحجرات‪ [12:‬ولذلك ترى في الوقت الذي نحتاج فيه إلى‬ ‫أَ ِ‬
‫خيهِ َ‬
‫تطبيق قواعد الخوة في الله‪ ،‬وصيانة إخواننا المسلمين نجد ألسنة الفتراء‬
‫والكذب والبهتان تنطلق بل حدود في تجريح الخوة المسلمين‪ ،‬وبيان‬
‫عيوبهم ومثالبهم‪ .‬إذا كان الكلم عن عيب الخ في غيبته حرام‪ ،‬فكيف إذا‬
‫ن له؟! كيف‬ ‫كانت القضية غير موجودة في الخ‪ ،‬وإنما هي افتراٌء عليه وبهتا ٌ‬
‫يكون هذا عند الله عز وجل؟ افتراءات تبرر بتبريرات عجيبة‪ ،‬والسلم‬
‫بريٌء منها‪ ،‬بقصد يتوهم صاحبه أنه حسن‪ ،‬أو يتوهم أن هذه مصلحة‪ ،‬فيبدأ‬
‫يجرح ويتكلم‪ ،‬ولكن المسألة عند الله عز وجل بخلف ذلك‪ ،‬كلمة قد تهوي‬
‫بالنسان في النار سبعين خريفًا‪ ،‬كلمة واحدة فكيف بشخص منطلق بل‬
‫حساب‪ ،‬يكيل التهم والسباب والشتائم والتنقص من إخوانه المسلمين‪.‬‬
‫وبعض الناس من منظار التعصب ‪-‬أحيانًا‪ -‬ل يعامل بمبادئ الخوة في الله‬
‫ي من الراء‪،‬‬ ‫ص آخر في رأ ٍ‬ ‫إل من هو على شاكلته‪ ،‬وأما إذا اختلف مع شخ ٍ‬
‫ج من المناهج‪ ،‬أو طريقة من الطرق‪ ،‬فإنه يعامله بالفظاظة والغلظة‬ ‫أو منه ٍ‬
‫ً‬
‫والقسوة التي ل تليق بالمسلم أبدا‪ .‬الرسول صلى الله عليه وسلم قال‬
‫)(المسلم أخو المسلم( ما دام أنه مسلم لبد أن تؤاخيه وهذه الحواجز التي‬
‫توضع أحيانا ً بسبب الخلفات في الراء يجب أن تزول وأل تكون مانعة من‬
‫مد جسور الخوة في الله عز وجل إلى جميع الخوة المسلمين في جميع‬
‫أقطار المعمورة فمتى وصلت إليه فهو أخوك المسلم‪ ،‬الخ المسلم ليس‬
‫من الجيران فقط‪ ،‬ول من القرابة فقط‪ ،‬ول من البلد فقط‪ ،‬ول ممن هو‬
‫على شاكلته‪ ،‬يبقى أخي المسلم هو أخي المسلم ما دام أنه من أهل السنة‬
‫والجماعة ‪ ،‬ما دام أنه على العقيدة الصحيحة‪ ،‬مادام أنه يتمسك بسنة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ما دام أنه ليس مبتدعا ً ول ظالما ً ول فاسقا ً‬
‫فهو يبقى أخي في الله عز وجل‪ ،‬بل إنه حتى لو كان فاسقا ً فإن ابن تيمية‬
‫ن وفسوق؛ لن الله عز‬ ‫رحمه الله يبين فيقول‪ :‬وقد يجتمع في المسلم إيما ٌ‬
‫ن وشر ٌ‬
‫ك‬ ‫وجل يقول في القرآن بإيضاح أنه قد يحصل في المؤمن إيما ٌ‬
‫ن وفسق‪ ،‬لكن ل يجتمع اليمان مع الشرك الكبر ول مع‬ ‫أصغر‪ ،‬أو إيما ٌ‬
‫ن نواليه بحسب ما معه من‬ ‫الكفر‪ ،‬فيقول ابن تيمية رحمه الله‪ :‬وكل إنسا ٍ‬
‫اليمان‪ ،‬ونبغضه بحسب ما هو عليه من الفسق‪ .‬فنواليه ونعاديه في نفس‬
‫الوقت‪ ،‬حتى لو كان فاسقا ً فإن له حقا ً من الموالة‪ ،‬ول بد من الموالة في‬
‫الله‪ .‬فنعود ونقول‪ :‬إن قصر حقوق الخوة في الله على طائفة من‬
‫المسلمين دون الباقي لهو انحراف وقصور في فهم الخوة التي أمر الله‬
‫بها‪ ،‬وينبغي ‪-‬أيها الخوة‪ -‬أن تكون هذه قضية واضحة‪ ،‬ينبغي أن تكون هذه‬
‫المسألة مطبقة في واقعنا وإل فنحن مقصرون‪ .‬فإذًا‪ :‬أيها الخوة! هذا‬
‫الفتراء وهذا البهتان الذي ينطلق أحيانا ً من بعض ألسنة المسلمين ضد‬
‫إخوانهم الخرين‪ ،‬هو من الشياء التي ل ُترضي الله عز وجل‪ ،‬وصار شعار‬
‫بعض المسلمين بدل ً من‪ :‬تعال بنا نؤمن ساعة‪ ،‬صار شعارهم‪ :‬تعال بنا‬
‫نغتب ساعة‪ ،‬فتجد المجالس كلها مؤسسة على الغيبة وعلى القدح‬
‫والنتقاص‪ .‬فإذًا‪ :‬أيها الخوة! الخلف في الرأي ل يفسد للود قضية‪ ،‬كوني‬
‫أختلف أنا وأنت في مسألة فقهية‪ ،‬كوني أختلف أنا وأنت في رأي في‬
‫الدعوة إلى الله والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪-‬البشر من طبيعتهم‬
‫الختلف‪ -‬يحصل بيني وبينك اختلف في الرأي‪ ،‬هذا ل يعني مطلقا ً أن‬
‫أعاديك وأبغضك‪ ،‬أبدًا‪ ،‬فإن الصحابة كانت تقع بينهم خلفات‪ .‬علي بن أبي‬
‫طالب وقع بينه وبين بعض الصحابة حروب باجتهادات‪ ،‬ماذا كان يقول علي‬
‫رضي الله عنه عندما يشتم بعض الذين قاتلوه في المجلس؟ كان ينهى نهيا ً‬
‫شديدا ً عن ذلك‪ ،‬وكان يقول عندما يطلب رأيه فيمن قاتله‪] :‬إخواننا بغوا‬
‫علينا[ هو بويع على أنه خليفة‪ ،‬فحصلت اجتهادات من بعض الناس الخرين‪،‬‬
‫منهم المأجور مرة ومنهم المأجور مرتين‪ ،‬منهم مجتهد مخطئ ومنهم‬
‫مجتهد مصيب‪ ،‬رضي الله عنهم أجمعين‪ ،‬كان يقول‪ :‬إخواننا بغوا علينا‪ ،‬ما‬
‫أخرجهم عن كونهم إخوة أبدًا‪ ،‬إخواننا لكن أخطئوا علينا ‪-‬بغوا علينا‪ -‬لكن ل‬
‫ن اقْت َت َُلوا‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬‫فَتا ِ‬ ‫ن َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫زالوا إخواننا‪ ،‬والله عز وجل قال‪ :‬وَإ ِ ْ‬
‫]الحجرات‪ [9:‬كيف سماهم مؤمنين وهو يقول اقتتلوا؟ ما أخرجهم عن صفة‬
‫اليمان‪ ،‬فلذلك هذا الصنف من الناس الذي يشبهه بعض المفكرين‬
‫المسلمين بالذبابة التي ل تقف إل على الخبث‪ ،‬وتنقل هذا الخبث من مكان‬
‫إلى آخر‪ ،‬هؤلء الذبابيون ‪ -‬إن صحت تسميتهم بذلك‪ -‬يقفون على الخبث‬
‫ويتتبعون سقطات الناس وعيوبهم وأخطاءهم وعوراتهم‪ ،‬ثم يجلسون في‬
‫المجالس ويعيدون ويكررون ما خرجوا به‪ ،‬هؤلء الناس مثل الذباب ل يقع‬
‫إل على الخبائث وينقل هذه الخبائث من مكان إلى آخر‪:‬‬
‫وأغيظ أهلي من بذيء سبابي‬ ‫أنسى عداء المجرمين سياسة‬
‫للظالمين تحيتي ومـودتـي ولهل ديني طعنتي وحـرابي‬
‫ش قابعٌ فـي الغـاب‬ ‫م ل يطاق ومنطـقٌ يأباه وح ٌ‬ ‫هذا جحي ٌ‬
‫مهما كان أيها الخوة‪ ،‬المسلمون في العالم إخوة لنا في الله ما داموا على‬
‫طريقة أهل السنة ‪ ،‬والحساس بأحاسيس الخوة والشعور بمشاعرهم‬
‫عبادة عظيمة‪ .‬وذكر عن الشيخ محمد رضا رحمه الله تعالى؛ الداعية‬
‫المعروف‪ ،‬أنه من فرط اهتمامه بأمور المسلمين ومشاكلهم يكون في حالة‬
‫يذهل فيها عن نفسه‪ ،‬يعني‪ :‬يسرح أحيانا ً وهو في هم عظيم‪ ،‬وهو يفكر في‬
‫واقع المسلمين‪ ،‬وقد حصل له مرة أن أمه اقتحمت عليه خلوته وهو جالس‬
‫يفكر في وضع المسلمين‪ ،‬فرأته واجبا ً فقالت له تمازحه باللهجة العامية‪،‬‬
‫وهو في مصر‪) :‬هو في مسلم مات اليوم في الصين ( أي‪ :‬مادام أنك‬
‫مهموم فأكيد اليوم مسلم مات في الصين‪ .‬فإذًا‪ :‬كان الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم قدوتنا في هذا‪ ،‬كان يشارك المسلمين آلمهم وآمالهم‪ ،‬كان‬
‫يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم‪ ،‬وكان يشاركهم‪ .‬أيها الخوة‪ :‬من المؤسف أن‬
‫تجد أخا ً وقع في مشكلة أو مصيبة وهو مغموم والخر أمامه ينكت ويضحك‪،‬‬
‫وهذا أمامه الن مغموم وذاك ل يعطي له أي اعتبار ول يشاركه في أي‬
‫شعور من مشاعره‪ ،‬فهذا مما يفصم عرى الخوة في الله‪.‬‬

‫التماس العذار‪:‬‬
‫وكذلك من واجبات الخوة‪ :‬أن تلتمس العذار لخيك‪ ،‬والمؤمن يطلب‬
‫المعاذير والمنافق يطلب الزلت‪ ،‬ومن روائع كلم الشافعي رحمه الله‬
‫تعالى أنه كان يقول‪ :‬من صدق في أخوة أخيه قبل علله ‪-‬كل واحد فيه‬
‫عيوب وأخطاء‪ ،‬ل يوجد إنسان كامل‪ -‬وسد خلله‪ ،‬وعفا عن زلِله‪ .‬هذا‬
‫سيخطئ عليك ويزل عليك‪ ،‬فأنت ما هو موقفك؟ أن تعفو عن زلته‪.‬‬

‫بعض سلبيات الجتماعات والمجالس بين الخوة‪:‬‬


‫والن ‪-‬أيها الخوة‪ -‬سنتكلم عن بعض القضايا الواقعية التي تحدث في‬
‫أوساط الخوة في الله‪ ،‬وهذه الشياء من المشاكل التي تواجهنا‪ ،‬ول بد من‬
‫إيجاد الحلول لها‪.‬‬

‫الجتماع والجلوس لغير فائدة‪:‬‬


‫الن نتيجة التقارب الذي يحدث بين المسلمين المتآخين في الله عز وجل‪،‬‬
‫فإنهم يكثرون من الجلوس مع بعضهم‪ ،‬وتتعدد مجالسهم‪ ،‬ويجلسون مع‬
‫بعضعهم كثيرًا‪ ،‬وهذا طبيعي؛ لن الخير ل بد أن ينجذب إليه الخيار‪،‬‬
‫فسيجلسون مع بعضهم‪ ،‬وهذا الجلوس ليس محمودا ً في بعض الحالت‪ ،‬بل‬
‫إنه ينتج عنه مشاكل‪ ،‬ونحن الن نريد أن نناقش بعض هذه المشاكل‪ .‬يقول‬
‫ابن القيم رحمه الله‪ :‬اجتماع الخوان على قسمين‪ :‬اجتماع ٌ على مؤانسة‬
‫الطبع وشغل الوقت؛ وهذا أقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬اجتماع ٌ على التعاون على أسباب النجاة؛ وهذا من أعظم الغنيمة‬
‫وأنفعها‪ .‬والن ليس كل الناس الطيبين إذا اجتمعوا مع بعضهم يخرجون‬
‫بنتائج طيبة‪ ،‬ل‪ .‬أحيانا ً الناس يجتمعون مع بعضهم‪ ،‬لماذا يجتمعون مع‬
‫بعضهم؟ أحيانا ً يكون الجتماع بسبب أن فلنا ً فيه توافق وتجانس بين‬
‫شخصيتي وشخصيته‪ ،‬في مطابقة بين شخصيتي وشخصيته‪ ،‬تآلف هناك أي‪:‬‬
‫أرتاح له ويرتاح لي‪ ،‬المسألة مسألة ارتياح‪ ،‬فنتيجة لذلك نجلس مع بعضنا‬
‫كثيرًا‪ ،‬هذا الجلوس إذا تعدى حدا ً معينا ً فإنه يكون مذمومًا‪ ،‬لماذا؟ لن هذا‬
‫الجلوس هو عبارة عن استئناس بالجالس‪ ،‬وتفكه ومفاكهة بالحديث معه‪،‬‬
‫وإمضاء للوقت‪ ،‬وهذا النسان معاشرته طيبة وحديثه جميل‪ ،‬ونحن نتبادل‬
‫مع بعض أحاسيس وأخبار‪ ،‬يعني‪ :‬ارتياح‪ ،‬ل تتعدى المسألة الرتياح‪ ،‬لذلك‬
‫ص بالحق والصبر‪ ،‬وليس فيه علم شرعي‬ ‫تجد هذا المجلس ما فيه توا ٍ‬
‫يطرح‪ ،‬ول مسائل مفيدة تناقش‪ ،‬وإنما تكون قضايا دنيوية أو أحاسيس‬
‫وأشياء تقال في هذه المجالس لمجرد الرتياح فقط‪ ،‬هذه الشياء يقول‬
‫عنها ابن القيم رحمه الله‪ :‬هذا أقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت‪.‬‬
‫أما النوع الثاني‪ :‬فهو الجتماع على التعاون وعلى أسباب النجاح‪ ،‬التعاون‬
‫لطلب العلم‪ ،‬التعاون للمشاورة والمناقشة في أوضاع المسلمين‪ ،‬وماذا‬
‫يصلح لهم‪ ،‬التعاون والجلوس لحل مشكلة معينة واقع فيها إنسان مسلم أو‬
‫بعض المسلمين‪ ،‬مجالس الوعظ والتذكير وزيادة اليمان‪ ،‬هذه المجالس‬
‫التي تزيد النسان صلة بالرحمن‪ .‬أما إذا كان المجلس بسبب الرتياح ل‬
‫بسبب الذكر ول طلب العلم‪ ،‬بل لمجرد الرتياح والتوافق النفسي‪ ،‬فإن هذا‬
‫المجلس سيكون فيه سلبيات‪ ،‬فمن هذه السلبيات بالضافة إلى ضياع‬
‫الوقت وفساد القلب تزين بعضهم لبعض‪ .‬فتجد الناس إذا جلسوا مع بعض‬
‫كل واحد يداري عيوبه؛ وقد تصبح فيها مجاملت‪ ،‬وكل إنسان يريد أن يظهر‬
‫أحسن ما عنده من الخلق‪ ،‬فل يظهر لخيه على حقيقته‪ ،‬فلذلك إذا غادر‬
‫المجلس تغيرت طباعه‪ ،‬فيسبب تزين بعضهم لبعض‪ ،‬وهذه من آفات‬
‫المجالس‪ ،‬أن الناس يتزينون لبعضهم‪ ،‬ول يبدون أمام بعضهم البعض بكل‬
‫صراحة ووضوح‪ ،‬وإنما يداري العيوب وتنكشف في أماكن أخرى‪ ،‬أحيانًا‪:‬‬
‫ل‪ -‬في مجلس فيظهر له في غاية البشاشة‬ ‫يجلس النسان مع أخيه ‪-‬مث ً‬
‫واللطف‪ ،‬وبغاية الحسن في السلوب والدب‪ ،‬فإذا انقلب إلى بيته وجدت‬
‫علقته بزوجته علقة سيئة جدًا‪ ،‬ل فيها لطف‪ ،‬ول حسن معاملة‪ ،‬ول أدب‪،‬‬
‫ول شيء‪ ،‬لماذا؟ بسبب التزين الذي يحدث في المجالس‪ ،‬يتزين بعضهم‬
‫لبعض‪ .‬هذه من المشاكل‪ .‬وتزداد الخلطة بهؤلء الناس عن مقدارها الذي‬
‫تحتاج إليه‪ ،‬فتتحول إلى شهوة تلهي عن المقصود‪ ،‬وتعطل النسان عن‬
‫القيام بالواجبات‪ ،‬وهذه حاصلة‪ ،‬تجد بعض الناس يجتمعون مع بعض‪،‬‬
‫ويجلسون مع بعض‪ ،‬وقد يكون فيهم خير وليسوا سيئين‪ ،‬ول فيهم منكرات‬
‫ول فسوق؛ لكن تطول بهم مجالس الستئناس والرتياح فتلهيهم عن طلب‬
‫العلم‪ ،‬وعن صلة النافلة‪ ،‬وعن قراءة القرآن‪ ،‬وعن محاسبة النفس‪،‬‬
‫وتلهيهم عن الدعوة إلى الله‪ .‬أيها الخوة‪ :‬ل بد أن نفكر جديا ً أن هناك من‬
‫يحتاج إلى أوقاتنا من الضائعين من المسلمين الذين يحتاجوننا بشدة أكثر‬
‫مما يحتاجه فلن وفلن‪ ،‬عندما نجلس مع بعض لمجرد الستئناس والرتياح‪،‬‬
‫وت عليك أشياء عظيمة جدا ً وواجبات‬ ‫هذه الستئناسات والرتياحات تف ّ‬
‫كبيرة‪ ،‬بدل ما تجلس يا أخي تتكلم في كلم ما نقول كلم محرم بل كلم‬
‫مباح‪ ،‬قم من هذا المجلس واذهب إلى فلن هذا الحائر الضائع‪ ،‬وانصحه‬
‫وكلمه لعل الله أن يهديه على يديك‪ ،‬بدل ً من أن تجلس أنت وتضيع الوقت‬
‫في الكلم مع هؤلء الناس‪ ،‬وأحيانا ً لن طابع المجلس طابع إسلمي‪ ،‬فإن‬
‫هذا الشيء ُيغبش على بعض النظار فل ترى هذا الخطأ‪ ،‬فيقول في عين‬
‫س طيبين‪،‬‬ ‫نفسه‪ :‬أنا أجلس مع إخواني في الله‪ ،‬الحمد لله أنا جالس مع أنا ٍ‬
‫ولذلك ل يفكر في تغيير واقعه‪ ،‬وقد يكون فيه خطأ كبير‪ ،‬أقل ما فيه‬
‫اشتغال بالمفضول عن الفاضل‪ ،‬وهذا مدخل من مداخل الشيطان‪ .‬النطلق‬
‫في المجتمع أفضل من أن تجلس جلسات الرتياح والمؤانسة‪ ،‬انطلق ‪-‬يا‬
‫أخي‪ -‬فهناك في المجتمع منكرات كثيرة تحتاج إلى تغيير بشتى أنواع‬
‫التغيير‪ ،‬هناك أناس يحتاجونك بشدة‪ ،‬هناك أقارب لك يعيشون وهم بحاجة‬
‫إلى شخص ينصحهم‪ ،‬وأحيانا ً عندما تأتي وتكلم الناس تجد هناك إقبال ً‬
‫وتعطشا ً عند كثير من الناس‪ ،‬لكن هذه الستئناسات تشغلك عن هذه‬
‫القضية‪ .‬كان ابن الجوزي رحمه الله يحتال على زائريه‪ ،‬أناس يأتون لتضييع‬
‫الوقات‪ ،‬يقولون‪ :‬هذا ابن الجوزي حسن الكلم والمفاكهة‪ ،‬فيأتونه‬
‫ويزورونه‪ ،‬وابن الجوزي رحمه الله من الناس الذين عندهم عصامية في‬
‫القراءة وطلب العلم‪ ،‬فإذا كل شخص جاء يريد أن يكلمه‪ ،‬وكل شخص يريد‬
‫أن يزوره؛ فمتى يقرأ لنفسه؟ ومتى يبحث؟ ومتى يحاسب نفسه؟ ومتى‬
‫يربي نفسه؟ ومتى يذكر الله؟ ومتى يصلي الصلوات النافلة؟ فكان ابن‬
‫الجوزي رحمه الله يحتال لهؤلء‪ ،‬فيقول‪ :‬فكنت أترك لزيارتهم الشغال التي‬
‫تحتاج إلى وقت ول تحتاج إلى تفكير‪ ،‬يعني‪ :‬كنت أترك الشياء التي تحتاج‬
‫إلى وقت ول تحتاج إلى تفكير هذه أؤخرها إلى أن يجيئني شخص‪ .‬مثل‬
‫ماذا؟ مثل بري القلم‪ ،‬وتقطيع الوراق‪ ،‬فهذه كان يخليها عندما يأتي‬
‫الناس‪ ،‬قال‪ :‬لني أقع في مشكلة إذا رددت الناس قالوا‪ :‬لماذا هذا يردنا؟‬
‫هذا متكبر وهذا وهذا‪ ...‬وإذا أدخلتهم وجلسوا ضاع الوقت وراحت القضية‬
‫في كلم ل فائدة فيه‪ ،‬فصار يرجئ قضية بري القلم وتقطيع الوراق إلى‬
‫أن يأتي الناس‪ ،‬فإذا جاءوا جلس يقطع ويبري ويتكلم معهم حتى ينصرفوا‪،‬‬
‫أي‪ :‬ل بد من الحكمة في تصريف المور‪ ،‬وليس يأتي إنسان فتقول‪ :‬اليوم‬
‫لن أجلس معك؛ لن هذه المجالس كلها كلم ل فائدة فيه‪ .‬فل بد من‬
‫الحكمة والتروي واتخاذ السلوب المناسب‪.‬‬

‫كيفية التعامل مع الخ المذنب‪:‬‬


‫ومن القضايا كذلك التي تحدث في أوساط الخوة‪ :‬قد يستزل الشيطان‬
‫مسلما ً من المسلمين فيوقعه في فاحشة من الفواحش‪ ،‬أو في منكر من‬
‫ت‬‫المنكرات‪ ،‬أو في خطأ شرعي‪ ،‬قد تضعف نفس هذا الخ المسلم في وق ٍ‬
‫من الوقات فيقع في فاحشة أو منكر أو يرتكب معصية‪ ،‬فيكون وقع هذه‬
‫المعصية على نفوس إخوانه كبيرا ً جدًا‪ ،‬لنه من المفترض أنه يبتعد عن هذه‬
‫الشياء‪ ،‬لكن الضعف البشري صفة ملزمة للبشر؛ لن النقص في البشر‬
‫وفي بني النسان مسألة موجودة‪ ،‬فإذا وقع شخص من إخوانك المسلمين‬
‫في هذا الخطأ أو في هذه المعصية ماذا يحدث؟ في الحقيقة ‪-‬أيها الخوة‪-‬‬
‫أن ردود الفعل تتفاوت‪ ،‬فمن ردود الفعل الخاطئة والخطيرة جدا ً ‪-‬بل إن‬
‫عواقبها وخيمة للغاية‪ -‬أن هؤلء الناس المحيطين بهذا الرجل إذا عرفوا أنه‬
‫ل‪ ،‬وينفضون‬ ‫قد وقع بهذه الخطيئة‪ ،‬أو في هذه المعصية‪ ،‬يتبرءون منه حا ً‬
‫عنه‪ ،‬ل يجالسونه‪ ،‬ول يكلمونه ويقاطعونه‪ ،‬ول يسلمون عليه‪ ،‬ول يسألون‬
‫عنه‪ ،‬لنه في نظرهم قد صار فاسقًا‪ ،‬وهذا التصرف تصرف خطير جدًا‪ ،‬بل‬
‫إنه من أعز أمنيات الشيطان‪ ،‬وأعز أمنياته أن يتصرف المسلمون مع أخيهم‬
‫المسلم الذي وقع في المعصية هذا التصرف‪ ،‬وود الشيطان أن يصل إلى‬
‫هذه النتيجة‪ ،‬لماذا؟ لن ذلك المسلم المخطئ الذي ارتكب هذا المنكر‬
‫عندما يرى انفضاض إخوانه من حوله ماذا سيحدث؟ سيبتعد عنهم‪ ،‬ومن‬
‫الذي يجتذبه؟ يجتذبه أعوان الشر وإخوان الشياطين‪ ،‬ويذهب إلى غير ما‬
‫رجعة‪ ،‬بينما لو كانت المور عولجت بأسلوب آخر لكان قد تلفينا الوضع‬
‫ورجعت المياه إلى مجاريها بغير هذه النتائج الخطيرة‪ .‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في قصة‬
‫الصحابي الذي أخطأ وعصى الله وشرب الخمر‪ ،‬وقد أتي به ليجلد‪ ،‬فبينما‬
‫هم يجلدونه أخذوا يسبونه‪ :‬لعنة الله عليه‪ ..‬فقال الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم للصحابة )ل تكونوا عونا ً للشيطان على أخيكم( من المستفيد؟ فأنت‬
‫الن عندما تشتمه علنا ً وتسبه وتلعنه ثم تقاطعه من المستفيد؟ الشيطان‬
‫هو المستفيد وحزب الشيطان هم المستفيدون الوحيدون من هذه‬
‫المعاملة‪ ،‬لذلك يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‪] :‬إذا رأيتم أخاكم‬
‫اقترف ذنبا ً فل تكونوا أعوانا ً للشيطان عليه‪ ،‬كأن تقولوا‪ :‬اللهم أخزه‪ ،‬اللهم‬
‫العنه‪ ،‬ولكن سلوا الله العافية[ لنك يمكن أن تقع بالخطأ الذي وقع فيه‪،‬‬
‫وأنت لست معصومًا‪ ،‬وربما تزل قدمك في يوم من اليام وتضعف نفسك ل‬
‫سمح الله وترتكب هذا الخطأ الذي وقع هو فيه وللن أنت جالس تنتقص‬
‫منه وتخاصم وتعاديه وتقطع علقاتك معه من أجل هذا الخطأ‪ ،‬أنت يبتليك‬
‫الله بما وقع فيه في يوم من اليام‪ .‬فإذا ً في هذه الحالة ماذا يكون التصرف‬
‫الصحيح؟ من قواعد الشريعة ‪-‬أيها الخوة‪ -‬كما قال علماؤنا ‪-‬وهذا كلم مهم‬
‫جدًا‪ -‬أن من كثرت حسناته وعظمت‪ ،‬وكان له في السلم تأثيٌر ظاهر فإنه‬
‫يحتمل منه ما ل يحتمل من غيره‪ ،‬ويعفى عنه مال يعفى عن غيره ‪-‬كلم ابن‬
‫القيم رحمه الله كلم جميل‪ -‬فإن المعصية خبث‪ ،‬والماء إذا بلغ القلتين لم‬
‫يحمل الخبث‪ .‬انظر الستدلل الجميل جدًا‪ ،‬فالماء إذا بلغ قلتين ووقع فيه‬
‫شيٌء من النجاسة‪ ،‬هل تظهر فيه النجاسة؟ ل‪ .‬لنه ماء كثير‪ ،‬وهذا رجل من‬
‫إخوانك في الله له محاسن كثيرة‪ ،‬وله فضائل كثيرة‪ ،‬وله جهود مشكورة‪،‬‬
‫فعندما يقع في خطأ‪ ،‬هذا الخطأ السيئ الذي وقع فيه بجانب الحسنات‬
‫الكثيرة التي عنده‪ :‬ماذا تكون؟ نقطة في شيٍء كثير من الماء‪ ،‬فلذلك يقول‬
‫ابن القيم رحمه الله‪ :‬ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعمر‬
‫)) وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدرٍ فقال‪ :‬اعملوا ما شئتم فقد‬
‫غفرت لكم؟!( قالها في أي مناسبة؟ في قصة حاطب بن أبي بلتعة ؛ و‬
‫حاطب بن أبي بلتعة صحابي جليل جدا ً شهد معركة بدر ‪ ،‬وقاتل مع‬
‫المسلمين‪ ،‬وأهل بدر غفر لهم الله عز وجل‪ ،‬و حاطب بن أبي بلتعة فعل‬
‫خطأ ً عظيمًا‪ ،‬فلقد أرسل رسالة إلى كفار قريش يخبرهم فيها أن رسول‬
‫م على المسير إليهم في فتح مكة ‪ ،‬أليس‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم عاز ٌ‬
‫هذا الخطأ خيانة كبيرة للمسلمين؟ إرسال خبر إلى الكفار لكي يستعدوا‬
‫ويتأهبوا وتضيع الفرصة على المسلمين خيانة عظيمة‪ ،‬وخطأ كبير جدًا‪ ،‬لكن‬
‫حاطب رضي الله عنه له حسنات هائلة‪ ،‬فهو صحابي جليل‪ ،‬وقد ناصر‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم وناصر السلم‪ ،‬وخرج في معركة بدر وقاتل‬
‫وفي غيرها من المعارك‪ ،‬ونصر الله ورسوله في مواقف كثيرة جدًا‪ ،‬ويطلب‬
‫العلم مع المسلمين ويدعو معهم إلى الله عز وجل‪ ،‬ومرة وقع في هذا‬
‫ف نفسي‪ ،‬فكيف عالج النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫الخطأ بسبب ضع ٍ‬
‫المور؟ عمر رضي الله عنه كان غضوبًا‪ ،‬قال‪ :‬أقتل الرجل‪ ،‬فهذا قد نافق‬
‫وهو جاسوس‪ ،‬أأضرب عنقه؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لـعمر‬
‫مهدئًا‪) :‬وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد‬
‫غفرت لكم؟!( هذا الكلم لـعمر‪ .‬أما ما قال لـحاطب ‪ :‬فالرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم أتى به بهدوء وقال له )ما حملك على هذا( أو ً‬
‫ل‪ :‬معرفة‬
‫ل‪ :‬إذا وقع شخص من‬ ‫السباب‪ ،‬فهذا من أوائل المور‪ ،‬كيف نواجه المر؟ أو ً‬
‫إخواننا المسلمين في خطأ أو معصية ‪-‬أيها الخوة! هذا منهج مهم جدا ً نسأل‬
‫ل‪ :‬ل نواجه هذا المخطئ أو هذا العاصي‬ ‫الله أن يوفقنا وإياكم لتباعه‪ -‬أو ً‬
‫الذي وقع في المعصية بالسب والشتم واللعن ونصفه بالفسق والفجور‪،‬‬
‫وثانيًا‪ :‬ل نغير علقتنا معه ونقطعها‪ ،‬كما ذكرنا قبل قليل‪ .‬ثالثًا‪ :‬ل بد أن‬
‫نعرف عذره‪ ،‬وكيف وقع في هذا الخطأ‪ ،‬وكيف ارتكبه‪ .‬أحيانا ً قد يكون‬
‫الرجل عنده عذر قوي‪ ،‬حاطب رضي الله عنه وأرضاه كان عنده بعض‬
‫العذر والرسول صلى الله عليه وسلم استفهم من حاطب ‪ ،‬أجلس حاطبا ً‬
‫وقال )ما حملك على هذا( ما حملك على ما صنعت؟ لنك أحيانا ً إذا تبين لك‬
‫عذر الشخص يمكن أن يتلشى كل ما في نفسك عليه‪ ،‬فقد تعذره في هذا‬
‫الشيء الذي وقع فيه‪ ،‬فقد يكون وقع فيه بغير إرادته‪ ،‬وقد يكون الشيء‬
‫الذي أنت تصورته عن وضعه غير صحيح‪ .‬فل بد إذا ً ‪-‬أيها الخوة‪ -‬من معرفة‬
‫العذر‪ ،‬ثم بعد ذلك تقدر المور وينظر إلى عذر هذا الرجل‪ :‬ما هي قوته؟‬
‫هل يعاتب؟ هل يوبخ؟ والتوبيخ من وسائل التعزير‪ ،‬إذا كانت مقاطعته‬
‫مفيدة ‪-‬مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع كعب بن مالك‪ُ -‬تفعل‪.‬‬
‫فـكعب بن مالك متى قاطعه النبي صلى الله عليه وسلم؟ لما كان مجتمع‬
‫المدينة كله مسلما ً تقريبًا‪ ،‬قاطع الرسول صلى الله عليه وسلم كعبا ً ‪،‬‬
‫وأفادت القطيعة‪ ،‬لكن إذا قاطعت الن أحد المسلمين الذين يخطئون‪ ،‬ماذا‬
‫تكون النتيجة؟ آلف من أهل الشر ينتظرونه ليتلقفوه‪ .‬فإذا ً مقاطعته في‬
‫هذه الحالة تكون من عدم الحكمة‪ ،‬فلذلك ل بد من الحسان إليه‪ ،‬ونعظه‬
‫في الله موعظة‪ ،‬ونذكره بعقوبة هذا الجرم الذي وقع فيه عند الله‪ ،‬وإذا‬
‫تاب واستغفر وحسنت حاله فقد يرجع التائب إلى درجة أعلى من الدرجة‬
‫التي كان فيها قبل الذنب‪ ،‬كما ذكره ابن القيم رحمه الله‪ ،‬يقول‪ :‬من‬
‫التائبين من يعود إلى درجة أعلى مما كان عليه قبل أن يقع في الذنب‪،‬‬
‫ومنهم إلى نفس الدرجة‪ ،‬ومنهم من يرجع إلى أقل منها‪ ،‬بحسب حاله‬
‫وتوبته وإنابته‪ .‬ل بد من إحسان الظن بالخوة‪ ،‬ل بد أن نحسن الظن بإخواننا‬
‫ونلتمس العذر لهم‪ ،‬وأن نحمل المر على أحسن أوجهه‪ ،‬حتى نحصل على‬
‫أفضل النتائج‪ ،‬ونسد أي ثغرة من الثغرات التي يفتحها الشيطان‪ ،‬يقول أحد‬
‫السلف ‪ :‬إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فل تدعه لجل ذلك‪ ،‬فإن أخاك‬
‫يعوج مرة ويستقيم أخرى‪ .‬وقال أحدهم لرجل من السلف وقد انقلب‬
‫صاحبه عن الستقامة ‪-‬أي‪ :‬رجل من السلف له صاحب‪ ،‬وهذا الصاحب‬
‫انقلب عن الستقامة‪ ،‬فقيل لهذا الرجل‪ :-‬أل تقطعه وتهجره؟ ‪-‬يعني‪ :‬هذا‬
‫الرجل الن أصبح عاصيا ً لماذا ل تقطعه وتهجره؟ ‪-‬فقال‪ :‬إنه الن أحوج ما‬
‫ي‪ .‬بمعنى‪ :‬أنه عندما وقع في عثرته فأنا آخذ بيده‪ ،‬عندما يكون‬
‫يكون إل ّ‬
‫الشخص مستقيما ً قد ل يحتاج لحد‪ ،‬لكن عندما يقع في الخطيئة ويقع في‬
‫المعصية تكون حاجته لخوانه في الله أكثر من حاجته قبل المعصية بكثير‪.‬‬
‫إذا ً ل بد من تقدير هذه النقطة‪ ،‬وإذا ما قدرت ضاع هذا المسكين‪ ،‬حاجة‬
‫المخطئ لخوانه بعد الخطيئة أعظم من حاجته إليهم قبل أن يخطئ‪ ،‬فإنه‬
‫فعل ً يحتاج الن إلى انتشال‪ ،‬ويحتاج إلى إصلح‪ ،‬وتغيير حاله وإعادته مرة‬
‫ل‪ -‬مناسبة لعب أو حفلة‪،‬‬‫أخرى‪ .‬كذلك بعض الناس إذا كانت المناسبة ‪-‬مث ً‬
‫فإنهم يحضرون كلهم في المجلس‪ ،‬أما إذا كانت مناسبة علم شرعي‪ ،‬فإنك‬
‫ترى بعضهم يتخلفون‪ ،‬فهؤلء ليسوا بإخوة في الله حقيقة‪ ،‬ولو كانوا كذلك‬
‫لحرصوا على ما يرضي الله‪ ،‬ولجتمعوا عليه وتفرقوا‪.‬‬

‫سلبيات وأخطاء في عالم الخوة في الله‪:‬‬


‫التعلق بين المتآخين‪:‬‬
‫وقد تتحول ‪-‬وهذه من الممارسات الخاطئة في قضية الخوة‪ -‬الخوة في‬
‫ل آخر من الشكال التي ل ترضي الله عز وجل‪ ،‬فقد يحصل‬ ‫الله إلى شك ٍ‬
‫الغلو في باب الخوة لدرجة أنها تخرج عن مفهومها السلمي الصحيح‪،‬‬
‫ن من ألوان التعلق القلبي بالمخلوقين‬ ‫وتتحول من أخوةٍ في الله إلى لو ٍ‬
‫وصورهم‪ ،‬فتجد بدل ً من العلقة الخوية القائمة على التناصح والستفادة‬
‫تنقلب هذه العلقة إلى علقة تعلق وتجاذب بين المتجالسين أو المتآخيين‪،‬‬
‫تخرج بها عن حدها الشرعي وتوقع النسان في مهاوٍ كثيرة‪ ،‬فتفسد عليه‬
‫ص بشخص آخر تعلقا ً مذمومًا‪ ،‬لدرجة أنه قد يفكر‬ ‫ً‬
‫قلبه‪ ،‬فأحيانا يتعلق شخ ٍ‬
‫فيه في الصلة‪ ،‬فهو في الصلة ل يدري متى تنتهي الصلة حتى يذهب‬
‫يقابل هذا الرجل؛ لنه تعلق به تعلقا ً قلبيًا‪ ،‬تعلق بشخصيته وما تعلق بعمله‬
‫الصالح ول بمنهجه وطريقته وعلمه‪ ،‬ول تعلق به كقدوة‪ ،‬ولكن تعلق به‬
‫ل‪ ،‬فهنا تنقلب القضية من أخوة في‬ ‫كصورة وشكل‪ ،‬أو كظرافة وخفة دم مث ً‬
‫الله إلى أشياء أخرى خطيرة‪ ،‬فتأخذ المور مجرىً آخر‪ ،‬ويصبح قلب‬
‫النسان متعلقا ً بشخصية هذا الرجل‪ ،‬فدائما ً يطرأ على باله فيتذكره ويتعلق‬
‫قلبه به‪ ،‬ويشتغل قلبه عن حب الله عز وجل بحب هذا الرجل محبة غير‬
‫ل‪ -‬وعن ذكر‬ ‫شرعية ل ترضي الله عز وجل‪ ،‬وينشغل قلبه عن الصلة ‪-‬مث ً‬
‫الله تعالى‪ ،‬ويكون همه هو الجلوس إلى هذا الرجل والستئناس إليه‪ ،‬وقد‬
‫يحدث هذا المر في نطاق النساء كثيرًا؛ لن النساء فيهم عاطفة بطبعهم‪،‬‬
‫ولذلك تجد أشكال ً كثيرة من النجذاب‪ .‬بعض الناس أحيانا ً يصل بهم المر‬
‫لدرجة التعلق ولدرجة أنه ل يستطيع فراق الشخص الخر مطلقًا‪ ،‬فإذا غاب‬
‫ل يدري متى يرجع إليه‪ ،‬وإذا فقد صوته تجده أحيانا ً يتصل بالهاتف ليسمع‬
‫صوته فقط ويكلمه أي كلم‪ ،‬ثم يقفل السماعة‪ ،‬وبعد قليل لنه ل يقدر على‬
‫مفارقة صوته يتصل مرة أخرى وما عنده كلم فيقفل التلفون‪ ،‬ثم مرة ثالثة‬
‫وهكذا تأخذ القضية أشكال ً عجيبة وصورا ً ل ترضي الله عز وجل‪ .‬فهذه‬
‫القضايا من التعلق من أحسن من كتب في علجها ابن القيم رحمه الله‬
‫تعالى في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ‪ ،‬فإن السؤال‬
‫الموجه إليه في هذا الكتاب‪ ،‬هو قضية التعلق‪ ،‬فأجاب عنه رحمه الله إجابة‬
‫شافية وافية‪ ،‬وذكر أشياء كثيرة في النصف الثاني من الكتاب‪ ،‬فليراجعها‬
‫من شاء‪ ،‬المهم أن نفرق بين الخوة وبين التعلقات الشخصية‪ ،‬وأل يلبس‬
‫التعلق الشخصي لبوس الخوة في الله‪ ،‬ول يلبس على المسلمين هذا‬
‫المر‪ ،‬فتخرج القضية عن حدودها الشرعية‪.‬‬

‫التساهل في احتشام الهل من الخ في الله‪:‬‬


‫كذلك ‪-‬أيها الخوة‪ -‬من الشياء الخاطئة التي في أوساط الخوة في الله‪:‬‬
‫التساهل في العلقات بأهل الخ في الدخول عليه وعلى بيته‪ ،‬فأحيانا ً‬
‫النسان يدخل بيت أخيه وقد ل يكون الخ موجودًا‪ ،‬قد يكون في البيت نساء‬
‫ويتساهل النسان في الدخول‪ ،‬قد تظهر أمامه أشياء ل يجوز له أن يراها‪،‬‬
‫قد يطلع على عورات ل يجوز له الطلع عليها‪ ،‬أحيانا ً من كثرة الدخول‬
‫والخروج يكون هناك نوع من اللفة بين الرجل وبين النساء في بيت أخيه‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وهذه قضية‬ ‫وأحيانا ً قد يفتحون له الباب فيرى شكل المرأة أو منظرها مث ً‬
‫ل ترضي الله عز وجل‪ ،‬فل بد من المحافظة على الحدود الشرعية‪ ،‬صحيح‬
‫أن هذا بيت أخي ولي الحق أن أدخل فيه وأجلس وأستريح‪ ،‬ولكن هذا ل‬
‫يعني أن أطلع على حرماته ويحصل هذا التساهل وهذه اللفة التي تؤدي‬
‫إلى انكشاف العورات وأن أرى ما ل يرضي الله تعالى‪ ،‬وأحيانا ً تحدث‬
‫س تكون بدايتها هذه القضية‪ .‬كذلك يحصل التساهل أحيانا ً بين‬ ‫قصص ومآ ٍ‬
‫بعض الخوة في القعود مع بعضهم ومع أهلهم‪ ،‬مثل ً أناس يذهبون في رحلة‬
‫إلى البحر‪ ،‬وكل واحد منهم يأخذ زوجته معه‪ ،‬هؤلء أناس نفكر أنهم إخوان‬
‫في الله‪ ،‬فماذا يحصل في النهاية؟ اجتماع ٌ عام‪ ،‬وتصير القضية خلطة‪،‬‬
‫وتصير المسألة مجلس منكر من المنكرات‪ ،‬ويتداخل الرجال مع النساء‪،‬‬
‫بفعل تطور المور‪ ،‬التي قد تكون بدايتها طيبة لكن تكون النهاية مأساوية‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وعدم‬ ‫فيجب التزام حدود الشرع في فصل النساء عن الرجال فصل ً كام ً‬
‫نظر الرجل إلى المرأة الجنبية‪ .‬كذلك ‪-‬أيها الخوة‪ -‬الخوة في الله ل تعني‬
‫عدم التزام الداب السلمية مع الخ المسلم‪ ،‬يعني‪ :‬إهمال قضية السلم‪،‬‬
‫أو إهمال قضية الستئذان‪ ،‬فمن الداب السلمية أنك تستأذن قبل أن‬
‫تدخل‪ ،‬أحيانا ً يصبح الواحد معتادا ً على أخيه المسلم فيدخل عليه من غير أن‬
‫يستأذن‪ ،‬وقد يكون الخ في حالة غير مستعد فيها لستقبال الناس‪ ،‬وهذا‬
‫داخل على غرفته أو داخل على بيته وخارج‪ ..‬هذا ليس صحيحًا‪ ،‬نعم هو‬
‫أخوك في الله وبينكما عشرة عمر‪ ،‬ولكن في نفس الوقت ل بد أن تحافظ‬
‫على آداب الستئذان‪ ،‬ول بد أن تستأذن‪ ،‬ول تدخل حتى يسمح لك بالدخول‪،‬‬
‫وأل تؤدي العشرة وكثرة الخلطة إلى هذه القضية‪.‬‬

‫التصرف بمال الخ من دون إذنه‪:‬‬


‫ل‪ -‬التصرف في ممتلكات الخ بغير إذنه أو استشارته‪ ،‬أحيانا ً‬ ‫كذلك ‪-‬مث ً‬
‫شخص يقول‪ :‬هذا أخي في الله‪ ،‬آخذ سيارته وهو ل يعلم‪ ،‬ويأتي هذا الخ‬
‫ت عصيب وضيق فل يجد السيارة‪ ،‬من الذي أخذها؟‬ ‫يحتاج السيارة في وق ٍ‬
‫فلن من الناس‪ ،‬كيف؟ والله أنا وأنت مالي مالك‪ ،‬وسيارتك وسيارتي‪ .‬يا‬
‫أخي! مهما كان ل بد أن تستأذن؛ لن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول‬
‫س منه( واحد يحتاج كتابا ً دراسيا ً أو‬‫ئ مسلم إل بطيب نف ٍ‬ ‫)ل يحل مال امر ٍ‬
‫علميا ً أو غيره‪ ،‬يأتي أخ له فيدخل على بيت هذا فيأخذ الكتاب من غير‬
‫استئذان‪ ،‬وبعد ذلك يأتي هذا المسكين يبحث عن الكتاب فل يجده‪ ،‬قد‬
‫يكون عنده امتحان‪ ،‬قد يكون عنده واجب‪ ،‬قد يكون عند شيء‪ ،‬فل يدري‬
‫هذا الشيء‪ ،‬هذا غير صحيح‪ ،‬فالخوة في الله ل تعني أن تأخذ ممتلكات هذا‬
‫الشخص بغير إذنه‪.‬‬

‫إسقاط الحترام بين الخوة‪:‬‬


‫كذلك مناداته بأحب السماء إليه‪ ،‬فبعض الناس يعتاد على أخيه اعتيادا ً‬
‫مذمومًا‪ ،‬فيسقط الحترام والهيبة‪ ،‬وهذه مسألة مهمة‪ ،‬أحيانا ً الناس الذين‬
‫يعيشون في أجواء الخوة تسقط فيما بينهم قضية احترام المسلم لخيه‬
‫المسلم‪ ،‬فيتعدى عليه بألفاظ‪ ،‬قد يناديه باسم ٍ قبيح‪ ،‬قد يغلط عليه في‬
‫السلوب‪ ،‬ثم يقول‪ :‬ل مشكلة‪ ،‬يعني‪ :‬أخوة‪ ،‬حسنًا‪ :‬الخوة ل يعني أن‬
‫تسقط هيبة أخيك المسلم من نفسك‪ ،‬بل ل بد أن يكون له احترام وتقدير‪،‬‬
‫ل‪ -‬يتكلم مع أخيه المسلم بكلم غير‬ ‫وأحيانا ً الشخص حتى أمام الناس ‪-‬مث ً‬
‫لئق وبكلم غير مناسب‪ ،‬لماذا؟ لنه أخذ عليه كثيرًا‪ ،‬ما أصبح هناك احترام‪،‬‬
‫وهذه من الشياء الواقعة التي ينبغي النتباه إليها‪.‬‬

‫المزاح الثقيل والتساهل في المواعيد‪:‬‬


‫كذلك ‪-‬أيها الخوة‪ -‬المزاح الثقيل‪ ،‬واحد يمزح مع أخيه ويقول‪ :‬هذا أخي في‬
‫الله‪ ،‬ويمزح معه مزاحا ً قد يؤلمه ويجرح شعوره‪ ،‬بينما لو ذهب ليمزح مع‬
‫إنسان آخر ستجده لبقا ً ويستخدم ألفاظا ً مناسبة في مكانها‪ ،‬لكن إذا جلس‬
‫مع أخيه المسلم الذي تعود عليه أخرج كلما ً غير مناسب‪ .‬كذلك من المور‬
‫التي تحدث‪ :‬التساهل في المواعيد‪ ،‬يقول‪ :‬ما دام أن هذا أخي في الله فإنه‬
‫مقدر لظروفي‪ ،‬إذا ً دعني أتأخر ساعة أو نصف ساعة‪ ،‬ليس مهمًا‪ ،‬فيتساهل‬
‫النسان في مواعيده‪ ،‬ولكن إذا واعد رجل ً آخر ما بينه وبينه معرفة كبيرة‬
‫تجده يأتي بالضبط والدقة والموعد‪ ،‬ويريد أن يعطي الشخص الخر فكرة‬
‫مهمة عن احترام المسلم للمواعيد‪ ،‬وأن من إذا وعد أخلف تعتبر فيه صفة‬
‫من صفات المنافق‪ ،‬لكن إذا جاء مع أخيه يقول‪ :‬ل يهم‪ ،‬هذا أخي في الله‪.‬‬
‫اتركنا نتأخر‪ ..‬ما في مشكلة وهو سوف يسامحنا أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫التساهل في تقديم الخدمات‪:‬‬
‫كذلك من القضايا التي تحدث‪ :‬التساهل في تقديم الخدمات لخوانك‬
‫المسلمين‪ ،‬بحجة أن هذا أخ مسلم ول يحتاج أن أبذل معه جهدا ً وأقدم له‪،‬‬
‫ب عني‪ ،‬لكن أخي‬ ‫معونة قد أدعو واحدا ً إلى عشاء وأتكلف له لنه غري ٌ‬
‫المسلم القريب مني من الممكن أطعمه أي شيء‪ ،‬أو أن ل أتكلف بأن‬
‫أدعوه إلى الوليمة‪ ،‬يعني هذا قريب ويحتاج‪ ،‬الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ماذا قال في الحديث )أو تطرد عنه جوعا( أوليس الخ المسلم القريب منك‬
‫والملتزم بالسلم أكثر من واجبك أن تكرمه؟ ألم يقل الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم )ل تصحب إل مؤمنًا‪ ،‬ول يأكل طعامك إل تقي( ؟! ما معنى أن‬
‫يأتي الغريب فتكرمه وتضيفه وعندما يأتي أخوك المسلم تقدم له أي‬
‫شيء؟‬

‫الحسد‪:‬‬
‫كذلك ‪-‬أيها الخوة‪ -‬من المشاكل التي تقع أحيانا ً بين الخوة في الله‪ :‬قضية‬
‫الحسد‪ ،‬وتنتج هذه المسألة ‪-‬وسبق أن تكلمنا فيها‪ -‬نتيجة بروز موهبة عند‬
‫ل‪ :‬في حسن صوته‪ ،‬أو جمال خطه‪ ،‬أو فصاحته‪ ،‬أو جودة‬ ‫هذا الخ‪ ،‬مث ً‬
‫أسلوبه‪ ،‬أو جاذبيته‪ ،‬أو نجاحه في الدعوة إلى الله عز وجل‪ ،‬هنا يأتي‬
‫الشيطان فيثير هذه الشياء‪ ،‬فيقول‪ :‬لماذا فلن أحسن مني؟ ولماذا كذا‪..‬‬
‫فتنطلق الحقاد ويحس المسلم بشعور الحسد نحو أخيه‪ ،‬وهذا خطأ ٌ عظيم!‬
‫الحسد من المراض القاتلة التي تحرق الحسنات‪ ،‬والمفروض أن النسان‬
‫يفرح إذا ظهرت موهبة من أخيه المسلم حتى يستفيد السلم منها‪،‬‬
‫والمفروض أن تفرح بهذا الشيء‪ ،‬وأن تفرح لهذه الموهبة التي وهبها الله‬
‫أخيك‪ .‬سبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬أشهد أن ل إله إل أنت‪ ،‬أستغفرك وأتوب‬
‫ل اللهم وسلم على نبينا محمد ٍ وعلى آله وصحبه‪ ،‬والحمد لله أول ً‬ ‫إليك‪ .‬وص ّ‬
‫وآخرًا‪.‬‬

You might also like