You are on page 1of 1225

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫التفسير الميسر‬
‫تم بحمد الله ومنته في شهر صفر من عام ‪ 1425‬نقل‬
‫هذا التفسير المهم من موقع مجمع الملك فهد لطباعة‬
‫المصحف نقله أحد محبي القرآن الكريم‬
‫فل تنسوه من دعائكم ول تنسوا من كان سببا في ذلك‬
‫جعلني الله وإياكم من أهل القرآن حقا‬
‫من وجد خطأ فليرسله على العنوان التالي‬
‫‪bnm678@gawab,com‬‬
‫ونحن له من الشاكرين‬
‫ومن كان لديه اقتراح فليتفضل به على العنوان‬
‫السابق‬

‫‪1‬‬
‫‪ -1‬سورة الفاتحة‬
‫(بسم الله الرحمن الرحيم )‪(1‬‬
‫سورة الفاتحة سميت هذه السورة بالفاتحة; لنه يفتتح بها القرآن‬
‫العظيم‪ ,‬وتسمى المثاني; لنها تقرأ في كل ركعة‪ ,‬ولها أسماء أخر‪.‬‬
‫ه( علم على الرب‬ ‫أبتدئ قراءة القرآن باسم الله مستعينا به‪) ,‬الل ِ‬
‫‪-‬تبارك وتعالى‪ -‬المعبود بحق دون سواه‪ ,‬وهو أخص أسماء الله‬
‫ن( ذي الرحمة العامة‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬
‫تعالى‪ ,‬ول يسمى به غيره سبحانه‪) .‬الّر ْ‬
‫م( بالمؤمنين‪ ,‬وهما‬ ‫حي ِ‬ ‫الذي وسعت رحمته جميع الخلق‪) ,‬الّر ِ‬
‫اسمان من أسمائه تعالى‪ ،‬يتضمنان إثبات صفة الرحمة لله تعالى‬
‫كما يليق بجلله‪.‬‬

‫ن )‪(2‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ح ْ‬
‫ن( الثناء على الله بصفاته التي كّلها أوصاف‬ ‫ب الَعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫مد ُ للهِ َر ّ‬
‫ح ْ‬
‫)ال َ‬
‫مٌر‬ ‫َ‬
‫كمال‪ ,‬وبنعمه الظاهرة والباطنة‪ ،‬الدينية والدنيوية‪ ،‬وفي ضمنه أ ْ‬
‫لعباده أن يحمدوه‪ ,‬فهو المستحق له وحده‪ ,‬وهو سبحانه المنشئ‬
‫للخلق‪ ,‬القائم بأمورهم‪ ,‬المربي لجميع خلقه بنعمه‪ ,‬ولوليائه‬
‫باليمان والعمل الصالح‪.‬‬

‫حيم ِ )‪(3‬‬
‫ن الّر ِ‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫الّر ْ‬
‫م(‪ ,‬بالمؤمنين‪,‬‬
‫حي ِ‬
‫ن( الذي وسعت رحمته جميع الخلق‪) ,‬الّر ِ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫)الّر ْ‬
‫وهما اسمان من أسماء الله تعالى‪.‬‬

‫ن )‪(4‬‬
‫دي ِ‬
‫ك ي َوْم ِ ال ّ‬‫مال ِ ِ‬
‫َ‬
‫وهو سبحانه وحده مالك يوم القيامة‪ ,‬وهو يوم الجزاء على‬
‫العمال‪ .‬وفي قراءة المسلم لهذه الية في كل ركعة من صلواته‬
‫ث له على الستعداد بالعمل الصالح‪,‬‬ ‫تذكير له باليوم الخر‪ ,‬وح ّ‬
‫والكف عن المعاصي والسيئات‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ن )‪(5‬‬
‫ست َِعي ُ‬ ‫ك ن َعْب ُد ُ وَإ ِّيا َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫إ ِّيا َ‬

‫إنا نخصك وحدك بالعبادة‪ ,‬ونستعين بك وحدك في جميع أمورنا‪,‬‬


‫فالمر كله بيدك‪ ,‬ل يملك منه أحد مثقال ذرة‪ .‬وفي هذه الية دليل‬
‫على أن العبد ل يجوز له أن يصرف شيًئا من أنواع العبادة كالدعاء‬
‫والستغاثة والذبح والطواف إل لله وحده‪ ,‬وفيها شفاء القلوب من‬
‫داء التعلق بغير اله‪ ,‬ومن أمراض الرياء والعجب‪ ,‬والكبرياء‪.‬‬

‫م )‪(6‬‬
‫ست َِقي َ‬ ‫ط ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫صَرا َ‬
‫اهْدَِنا ال ّ‬
‫د ُّلنا‪ ,‬وأرشدنا‪ ,‬ووفقنا إلى الطريق المستقيم‪ ,‬وثبتنا عليه حتى‬
‫نلقاك‪ ,‬وهو السلم‪ ،‬الذي هو الطريق الواضح الموصل إلى رضوان‬
‫الله وإلى جنته‪ ,‬الذي د ّ‬
‫ل عليه خاتم رسله وأنبيائه محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فل سبيل إلى سعادة العبد إل بالستقامة عليه‪.‬‬

‫ط ال ّذي َ‬
‫ضاّلي َ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬
‫م َول ال ّ‬ ‫ضو ِ‬ ‫م غَي ْرِ ال ْ َ‬
‫مغ ْ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬
‫م َ‬
‫ن أن ْعَ ْ‬
‫ِ َ‬ ‫صَرا َ‬
‫ِ‬
‫ديقين والشهداء‬‫طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والص ّ‬
‫والصالحين‪ ,‬فهم أهل الهداية والستقامة‪ ,‬ول تجعلنا ممن سلك‬
‫طريق المغضوب عليهم‪ ,‬الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به‪ ,‬وهم‬
‫اليهود‪ ,‬ومن كان على شاكلتهم‪ ,‬والضالين‪ ,‬وهم الذين لم يهتدوا‪,‬‬
‫فضلوا الطريق‪ ,‬وهم النصارى‪ ,‬ومن اتبع سنتهم‪ .‬وفي هذا الدعاء‬
‫شفاء لقلب المسلم من مرض الجحود والجهل والضلل‪ ,‬ودللة‬
‫على أن أعظم نعمة على الطلق هي نعمة السلم‪ ,‬فمن كان‬
‫أعرف للحق وأتبع له‪ ,‬كان أولى بالصراط المستقيم‪ ,‬ول ريب أن‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أولى الناس بذلك‬
‫بعد النبياء عليهم السلم‪ ,‬فدلت الية على فضلهم‪ ,‬وعظيم‬
‫منزلتهم‪ ,‬رضي الله عنهم‪ .‬ويستحب للقارئ أن يقول في الصلة‬
‫بعد قراءة الفاتحة‪) :‬آمين(‪ ,‬ومعناها‪ :‬اللهم استجب‪ ,‬وليست آية من‬
‫سورة الفاتحة باتفاق العلماء; ولهذا أجمعوا على عدم كتابتها في‬
‫المصاحف‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -2‬سورة البقرة‬

‫الم )‪(1‬‬
‫طعة في أوائل السههور فيههها‬‫هذه الحروف وغيرها من الحروف المق ّ‬
‫إشارة إلى إعجاز القرآن; فقد وقع بههه تحههدي المشههركين‪ ,‬فعجههزوا‬
‫كب من هذه الحروف التي تتكههون منههها لغههة‬ ‫عن معارضته‪ ,‬وهو مر ّ‬
‫ل عجز العرب عن التيان بمثله ‪-‬مع أنهم أفصههح النههاس‪-‬‬ ‫العرب‪ .‬فد َ ّ‬
‫على أن القرآن وحي من الله‪.‬‬

‫ن )‪(2‬‬ ‫دى ل ِل ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫ب ِفيهِ هُ ً‬ ‫ك ال ْك َِتا ُ‬
‫ب ل َري ْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ش ّ‬
‫ك أنههه مههن عنههد اللههه‪ ,‬فل‬ ‫ذلك القرآن هو الكتاب العظيم الذي ل َ‬
‫يصح أن يرتاب فيه أحد لوضوحه‪ ,‬ينتفههع بههه المتقههون بههالعلم النههافع‬
‫والعمل الصالح وهم الذين يخافون الله‪ ,‬ويتبعون أحكامه‪.‬‬

‫ن )‪(3‬‬ ‫فُقو َ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬


‫م ُين ِ‬ ‫م ّ‬
‫صلة وَ ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫مو َ‬ ‫ن ِبال ْغَي ْ ِ‬
‫ب وَي ُِقي ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫سهههم ول عقهولهم‬ ‫دقون بهالغيب الهذي ل تهدركه حوا ّ‬ ‫صه ّ‬ ‫وهم الذين ي ُ َ‬
‫وحههدها; لنههه ل ي ُْعههرف إل بههوحي اللههه إلههى رسههله‪ ,‬مثههل اليمههان‬
‫بالملئكة‪ ,‬والجنة‪ ,‬والنار‪ ,‬وغير ذلك ممهها أخههبر اللههه بههه أو أخههبر بههه‬
‫رسوله‪) ،‬واليمان‪ :‬كلمة جامعة للقرار بالله وملئكته وكتبه ورسههله‬
‫واليوم الخر والقدر خيره وشره‪ ،‬وتصديق القههرار بههالقول والعمههل‬
‫بالقلب واللسان والجوارح( وهههم مههع تصههديقهم بههالغيب يحههافظون‬
‫حا وَْفق ما شههرع اللههه لنههبيه‬ ‫على أداء الصلة في مواقيتها أداًء صحي ً‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ومما أعطينههاهم مههن المههال يخرجههون‬
‫صدقة أموالهم الواجبة والمستحبة‪.‬‬

‫م‬ ‫ن قَب ِْله َ‬


‫ك وَب ِههالخَرةِ هُه ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫مهها أ ُن ْهزِ َ‬
‫ل ِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْه َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫ُيوقُِنو َ‬
‫دقون بما ُأنزل إليك أيها الرسول من القرآن‪ ,‬وبما أنزل‬ ‫ص ّ‬
‫والذين ي ُ َ‬
‫من قبلك على الرسل‬ ‫ُ‬
‫إليك من الحكمة‪ ,‬وهي السنة‪ ,‬وبكل ما أنزل ِ‬
‫دقون بدار الحياة بعد‬‫ص ّ‬
‫من كتب‪ ,‬كالتوراة والنجيل وغيرهما‪ ,‬وي ُ َ‬
‫الموت وما فيها من الحساب والجزاء‪ ،‬تصديقا بقلوبهم يظهر على‬
‫ألسنتهم وجوارحهم وخص يوم الخرة; لن اليمان به من أعظم‬

‫‪4‬‬
‫البواعث على فعل الطاعات‪ ,‬واجتناب المحرمات‪ ,‬ومحاسبة‬
‫النفس‪.‬‬

‫ن )‪(5‬‬‫حو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مْفل ِ ُ‬ ‫م وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫دى ِ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك عََلى هُ ً‬
‫مههن‬
‫أصحاب هذه الصفات يسههيرون علههى نههور مههن ربهههم وبتوفيههق ِ‬
‫جههوا مههن‬
‫خالقهم وهاديهم‪ ,‬وهم الفائزون الذين أدركوا ما طلبههوا‪ ,‬ون َ َ‬
‫شّر ما منه هربوا‪.‬‬
‫إن ال ّذين ك ََفروا سواٌء عَل َيهم ءَأنذ َرته َ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫م ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫م لَ ْ‬
‫م ُتنذِْرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬‫ْ َُ ْ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ُ‬
‫إن الذين جحدوا ما أنزل إليك من ربك اسههتكباًرا وطغيان ًهها‪ ,‬لههن يقههع‬
‫وفتهم وحذرتهم مههن عههذاب اللههه‪ ,‬أم تركههت‬ ‫منهم اليمان‪ ,‬سواء أخ ّ‬
‫ذلك؛ لصرارهم على باطلهم‪.‬‬

‫َ‬
‫شاوَةٌ وَل َُههه ْ‬
‫م‬ ‫م ِغ َ‬ ‫م وَعََلى أب ْ َ‬
‫صارِهِ ْ‬ ‫معِهِ ْ‬
‫س ْ‬‫م وَعََلى َ‬
‫ه عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬‫م الل ّ ُ‬
‫خت َ َ‬‫َ‬
‫م )‪(7‬‬‫ظي ٌ‬‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عَ َ‬
‫طبع الله على قلوب هؤلء وعلههى سههمعهم‪ ,‬وجعههل علههى أبصههارهم‬
‫مههن بعههد مهها تههبّين لهههم الحههق‪ ,‬فلههم‬ ‫غطاء; بسبب كفرهم وعنادهم ِ‬
‫يوفقهم للهدى‪ ,‬ولهم عذاب شديد في نار جهنم‪.‬‬

‫ن )‪(8‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م بِ ُ‬
‫ما هُ ْ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَِبال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫خرِ وَ َ‬ ‫ن ي َُقو ُ‬
‫لآ َ‬ ‫م ْ‬
‫س َ‬
‫ن الّنا ِ‬
‫م ْ‬
‫وَ ِ‬
‫ومن النهاس فريهق يهتردد متحّيهًرا بيهن المهؤمنين والكهافرين‪ ,‬وههم‬
‫المنافقون الذين يقولون بألسنتهم‪ :‬صد ّقَْنا بالله وباليوم الخر‪ ,‬وهههم‬
‫في باطنهم كاذبون لم يؤمنوا‪.‬‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن إ ِل ّ أنُف َ‬
‫سه ُ ْ‬ ‫عو َ‬‫خد َ ُ‬‫ما ي َ ْ‬
‫مُنوا وَ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫عو َ‬
‫خادِ ُ‬
‫يُ َ‬
‫‪(9‬‬
‫يعتقدون بجهلهم أنهم يخادعون الله والذين آمنوا بإظهارهم اليمههان‬
‫وإضمارهم الكفههر‪ ,‬ومهها يخههدعون إل أنفسهههم; لن عاقبههة خههداعهم‬
‫سون بذلك; لفساد قلوبهم‪.‬‬ ‫ح ّ‬ ‫من فرط جهلهم ل ي ُ ِ‬ ‫تعود عليهم‪ .‬و ِ‬
‫َ‬
‫مها َ‬
‫كهاُنوا‬ ‫م بِ َ‬
‫ب أِليه ٌ‬ ‫عه َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫مَرضا ً وَل َُهه ْ‬
‫م َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ض فََزاد َهُ ْ‬‫مَر ٌ‬ ‫ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫ي َك ْذُِبو َ‬
‫ك وفسههاد فههاب ُْتلوا بالمعاصههي الموجبههة لعقههوبتهم‪,‬‬ ‫فههي قلههوبهم ش ه ّ‬
‫‪5‬‬
‫فزادهم الله ش ً‬
‫كا‪ ,‬ولهم عقوبة موجعة بسبب كذبهم ونفاقهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫حو َ‬
‫صل ِ ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ُ‬
‫ح ُ‬ ‫ض َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫دوا ِفي الْر ِ‬
‫س ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫م ل ت ُْف ِ‬ ‫ذا ِقي َ‬
‫وَإ ِ َ‬
‫وإذا ُنصههحوا ليكّفههوا عههن الفسههاد فههي الرض بههالكفر والمعاصههي‪,‬‬
‫وإفشاء أسرار المؤمنين‪ ,‬وموالة الكافرين‪ ,‬قالوا كهذًبا وجهدال إنمها‬
‫نحن أهل الصلح‪.‬‬
‫َ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫ن وَل َك ِ ْ‬
‫ن ل يَ ْ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫دو َ‬
‫س ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مْف ِ‬ ‫م هُ ْ‬
‫أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫ن هذا الذي يفعلونه ويزعمون أنه إصلح ههو عيهن الفسهاد‪ ,‬لكنههم‬ ‫إ ّ‬
‫سون‪.‬‬‫ح ّ‬ ‫بسبب جهلهم وعنادهم ل ي ُ ِ‬
‫َ‬
‫س هَفَهاءُ‬
‫ن ال ّ‬
‫مه َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫مهها آ َ‬ ‫س َقاُلوا أن ُؤْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫م َ‬‫ما آ َ‬ ‫مُنوا ك َ َ‬
‫مآ ِ‬‫ل ل َهُ ْ‬
‫ذا ِقي َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫سَفَهاُء وَل َك ِ ْ‬ ‫م ال ّ‬‫م هُ ْ‬ ‫أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫مُنوا ‪-‬مثل إيمان الصحابة‪ ،‬وهو اليمان بالقلب‬ ‫وإذا قيل للمنافقين‪ :‬آ ِ‬
‫دق مثههل تصههديق ضههعاف‬ ‫َ‬
‫صه ّ‬ ‫دلوا وقههالوا‪ :‬أن ُ َ‬ ‫واللسان والجوارح‪ ,-‬جهها َ‬
‫سَفهِ سواء؟ فرد ّ الله عليهههم‬ ‫العقل والرأي‪ ,‬فنكون نحن وهم في ال ّ‬
‫ه مقصور عليهم‪ ,‬وهم ل يعلمون أن ما هم فيه هو الضلل‬ ‫سَف َ‬‫بأن ال ّ‬
‫والخسران‪.‬‬

‫م قَههاُلوا إ ِن ّهها‬ ‫طين ِهِ ْ‬ ‫وا إ َِلى َ‬


‫ش هَيا ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ذا َ‬ ‫مُنوا َقاُلوا آ َ‬
‫مّنا وَإ ِ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ذا ل َُقوا ال ّ ِ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬
‫م ْ‬‫ن ُ‬‫ح ُ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫معَك ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ َ‬ ‫َ‬
‫دقنا بالسههلم مثلكههم‪,‬‬ ‫هؤلء المنافقون إذا قابلوا المؤمنين قالوا‪ :‬ص ّ‬
‫وإذا انصرفوا وذهبههوا إلههى زعمههائهم الكفههرة المتمرديههن علههى اللههه‬
‫خّفون‬ ‫سهت َ ِ‬
‫كدوا لهم أنهم على ملة الكفر لم يتركوهها‪ ,‬وإنمها كهانوا ي َ ْ‬ ‫أ ّ‬
‫بالمؤمنين‪ ,‬ويسخرون منهم‪.‬‬

‫ن )‪(15‬‬
‫مُهو َ‬ ‫م ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬
‫م ي َعْ َ‬ ‫مد ّهُ ْ‬ ‫ست َهْزِئُ ب ِهِ ْ‬
‫م وَي َ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬
‫دا‪ ,‬ويجههازيهم‬
‫حْيرة وترد ً‬
‫الله يستهزئ بهم وُيمهلهم; ليزدادوا ضلل و َ‬
‫على استهزائهم بالمؤمنين‪.‬‬

‫مهها ك َههاُنوا‬
‫م وَ َ‬
‫جههاَرت ُهُ ْ‬
‫ت تِ َ‬
‫ح ْ‬
‫ما َرب ِ َ‬ ‫ة ِبال ْهُ َ‬
‫دى فَ َ‬ ‫ضلل َ َ‬ ‫نا ْ‬
‫شت ََرْوا ال ّ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫دي َ‬‫مهْت َ ِ‬ ‫ُ‬

‫‪6‬‬
‫أولئك المنافقون باعوا أنفسهم في صفقة خاسرة‪ ,‬فأخذوا الكفر‪,‬‬
‫سروا الهداية‪ .‬وهذا هو‬ ‫وتركوا اليمان‪ ,‬فما كسبوا شيًئا‪ ,‬بل َ‬
‫خ ِ‬
‫الخسران المبين‪.‬‬

‫َ‬
‫ب الل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫حهوْل َ ُ‬
‫ه ذ َهَه َ‬ ‫مهها َ‬
‫ت َ‬
‫ضههاَء ْ‬ ‫ست َوْقَد َ ن َههارا ً فَل َ ّ‬
‫مهها أ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي ا ْ‬ ‫م كَ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫مث َل ُهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(17‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫ت ل ي ُب ْ ِ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م ِفي ظل َ‬ ‫َ‬
‫م وَت ََركهُ ْ‬ ‫ب ُِنورِهِ ْ‬
‫حال المنافقين الذين آمنوا ‪-‬ظاهًرا ل باطًنا‪ -‬برسالة محمد صلى‬
‫ت ضللهم‬ ‫الله عليه وسلم‪ ,‬ثم كفروا‪ ,‬فصاروا يتخبطون في ظلما ِ‬
‫ل جماعة‬‫شبه حا َ‬‫وهم ل يشعرون‪ ,‬ول أمل لهم في الخروج منها‪ ,‬ت ُ ْ‬
‫في ليلة مظلمة‪ ,‬وأوقد أحدهم ناًرا عظيمة للدفء والضاءة‪ ,‬فلما‬
‫سطعت النار وأنارت ما حوله‪ ,‬انطفأت وأعتمت‪ ,‬فصار أصحابها‬
‫في ظلمات ل يرون شيًئا‪ ,‬ول يهتدون إلى طريق ول مخرج‪.‬‬

‫ن )‪(18‬‬
‫جُعو َ‬ ‫ي فَهُ ْ‬
‫م ل ي َْر ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫م ب ُك ْ ٌ‬
‫م عُ ْ‬ ‫ص ّ‬
‫ُ‬
‫مي عن‬ ‫م عن سماع الحق سماع تدبر‪ ,‬ب ُ ْ‬
‫كم عن النطق به‪ ,‬عُ ْ‬ ‫ص ّ‬
‫هم ُ‬
‫إبصار نور الهداية; لذلك ل يستطيعون الرجوع إلى اليمان الذي‬
‫تركوه‪ ,‬واستعاضوا عنه بالضلل‪.‬‬

‫السماِء فيه ظ ُل ُمات ورعْهد وب هرقٌ يجعل ُههو َ‬ ‫َ‬


‫م‬
‫صههاب ِعَهُ ْ‬
‫نأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ٌ ََ ْ‬ ‫َ ٌ ََ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ّ َ‬ ‫ن‬‫م ْ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫صي ّ ٍ‬‫أوْ ك َ َ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫حيط ِبالكافِ ِ‬ ‫م ِ‬
‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫ت َوالل ُ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫حذ ََر ال َ‬
‫ق َ‬ ‫ِفي آ َ‬
‫ع ِ‬
‫وا ِ‬‫ص َ‬
‫ال ّ‬ ‫ن‬
‫م ْ‬‫ِ‬ ‫م‬
‫ذان ِهِ ْ‬
‫ل فريق آخر من المنافقين يظهر لهم الحق تارة‪,‬‬ ‫شبه حا ُ‬
‫أو ت ُ ْ‬
‫ل جماعة يمشون في العراء‪ ,‬فينصب‬ ‫ويشكون فيه تارة أخرى‪ ,‬حا َ‬
‫عليهم مطر شديد‪ ,‬تصاحبه ظلمات بعضها فوق بعض‪ ,‬مع قصف‬
‫الرعد‪ ,‬ولمعان البرق‪ ,‬والصواعق المحرقة‪ ,‬التي تجعلهم من شدة‬
‫الهول يضعون أصابعهم في آذانهم; خوًفا من الهلك‪ .‬والله تعالى‬
‫محيط بالكافرين ل يفوتونه ول يعجزونه‪.‬‬

‫شهوا فيهه وإ َ َ‬ ‫َ‬ ‫خط َ ُ َ‬


‫ذا أظ ْل َه َ‬
‫م‬ ‫م َ ْ ِ ِ َِ‬ ‫م َ‬ ‫ضههاَء ل َهُه ْ‬
‫ما أ َ‬‫م ك ُل ّ َ‬
‫صاَرهُ ْ‬ ‫ف أب ْ َ‬ ‫كاد ُ ال ْب َْرقُ ي َ ْ‬ ‫يَ َ‬
‫ه عَل َههى‬ ‫َ‬
‫ن الل ّه َ‬
‫م إِ ّ‬
‫صههارِهِ ْ‬
‫م وَأب ْ َ‬ ‫معِهِ ْ‬ ‫س ْ‬‫ب بِ َ‬‫ه ل َذ َهَ َ‬
‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫موا وَل َوْ َ‬ ‫م َقا ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫‪7‬‬
‫يءٍ قَ ِ‬
‫ديٌر )‪(20‬‬ ‫كُ ّ‬
‫ل َ‬
‫ش ْ‬
‫يقارب البرق ‪-‬من شدة لمعانه‪ -‬أن يسلب أبصارهم‪ ,‬ومع ذلك‬
‫وا في ضوئه‪ ,‬وإذا ذهب أظلم الطريق عليهم‬ ‫فكّلما أضاء لهم م َ‬
‫ش ْ‬
‫فيقفون في أماكنهم‪ .‬ولول إمهال الله لهم لسلب سمعهم‬
‫ت‪ ,‬إنه على كل شيء‬‫وأبصارهم‪ ,‬وهو قادر على ذلك في كل وق ٍ‬
‫قدير‪.‬‬

‫َ‬
‫م ل َعَل ّك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ن قَب ْل ِك ُه ْ‬
‫مه ْ‬
‫ن ِ‬ ‫م َوال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خل ََقك ُ ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫دوا َرب ّك ُ ْ‬
‫س اعْب ُ ُ‬
‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ن )‪(21‬‬ ‫ت َت ُّقو َ‬
‫نداء من الله للبشر جميًعا‪ :‬أن اعبدوا الله الذي رّباكم بنعمه‪,‬‬
‫وخافوه ول تخالفوا دينه; فقد أوجدكم من العدم‪ ,‬وأوجد الذين من‬
‫قبلكم; لتكونوا من المتقين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه‪.‬‬

‫مهاءً‬
‫ماءِ َ‬ ‫سه َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ماَء ب َِناًء وَأ َن َْز َ‬ ‫ض فَِراشا ً َوال ّ‬
‫س َ‬
‫َ‬
‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫جع َ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مو َ‬‫م ت َعْل َ ُ‬
‫دادا ً وَأن ْت ُ ْ‬‫جعَُلوا ل ِل ّهِ أن َ‬ ‫ت رِْزقا ً ل َك ُ ْ‬
‫م َفل ت َ ْ‬ ‫مَرا ِ‬‫ن الث ّ َ‬ ‫م ْ‬‫ج ب ِهِ ِ‬
‫خَر َ‬‫فَأ ْ‬
‫)‪(22‬‬
‫طا; لتسهل حياتكم عليها‪ ,‬والسماء‬ ‫ربكم الذي جعل لكم الرض بسا ً‬
‫محكمة البناء‪ ,‬وأنزل المطر من السحاب فأخرج لكم به من ألوان‬
‫الثمرات وأنواع النبات رزًقا لكم‪ ,‬فل تجعلوا لله نظراء في العبادة‪,‬‬
‫وأنتم تعلمون تفّرده بالخلق والرزق‪ ,‬واستحقاِقه العبودية‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫ْ‬
‫مث ْل ِه ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ما ن َّزل ْن َهها عَل َههى عَب ْهدَِنا فَهأُتوا ب ِ ُ‬
‫سههوَرةٍ ِ‬ ‫م ّ‬
‫ب ِ‬ ‫م ِفي َري ْ ٍ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫صادِِقي َ‬
‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬
‫ن ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫داَءك ُ ْ‬
‫شه َ َ‬‫عوا ُ‬ ‫َواد ْ ُ‬
‫ك مههن القههرآن الههذي‬ ‫شه ّ‬ ‫وإن كنتم ‪-‬أيها الكههافرون المعانههدون‪ -‬فههي َ‬
‫ن َّزلناه على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وتزعمون أنههه ليههس‬
‫من عند الله‪ ,‬فهاتوا سورة تماثل سورة من القرآن‪ ,‬واستعينوا بمن‬
‫من أعوانكم‪ ,‬إن كنتم صادقين في دعواكم‬ ‫تقدرون عليه ِ‬

‫ن ت َْفعَل ُههوا فَههات ُّقوا الن ّههاَر ال ّت ِههي وَُقود ُهَهها الن ّهها ُ‬
‫س‬ ‫م ت َْفعَل ُههوا وَل َه ْ‬
‫ن ل َه ْ‬
‫ف َ هإ ِ ْ‬
‫‪8‬‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫ري َ‬ ‫ت ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫جاَرةُ أ ُ ِ‬
‫عد ّ ْ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫ح َ‬
‫جزتههم الن ‪-‬وسههتعجزون مسههتقبل ل محالههة‪ -‬فههاتقوا النههار‬ ‫فههإن ع َ‬
‫باليمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وطاعة الله تعالى‪ .‬هههذه النههار‬
‫ت للكافرين بالله ورسله‬ ‫حط َُبها الناس والحجارة‪ ,‬أ ُ ِ‬
‫عد ّ ْ‬ ‫التي َ‬
‫َ‬
‫حت َِههها‬
‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬
‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬‫م َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫تأ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫شْر ال ّ ِ‬‫وَب َ ّ‬
‫ذا ال ّ ِ‬
‫مَرةٍ رِْزقا ً َقاُلوا هَ َ‬ ‫َ‬
‫ن قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬‫ذي ُرزِقَْنا ِ‬ ‫ن ثَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ما ُرزُِقوا ِ‬
‫من َْها ِ‬ ‫الن َْهاُر ك ُل ّ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬‫م ِفيَها َ‬ ‫مط َهَّرةٌ وَهُ ْ‬‫ج ُ‬‫م ِفيَها أْزَوا ٌ‬ ‫شاِبها ً وَل َهُ ْ‬
‫مت َ َ‬‫وَأُتوا ب ِهِ ُ‬
‫وأخبر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أهل اليمان والعمل الصالح خبًرا يملؤهم‬
‫سروًرا‪ ,‬بأن لهم في الخرة حدائق عجيبة‪ ,‬تجري النهار تحت‬
‫قصورها العالية وأشجارها الظليلة‪ .‬كّلما رزقهم الله فيها نو ً‬
‫عا من‬
‫الفاكهة اللذيذة قالوا‪ :‬قد َرَزَقنا الله هذا النوع من قبل‪ ,‬فإذا ذاقوه‬
‫دا في طعمه ولذته‪ ,‬وإن تشابه مع سابقه في‬ ‫وجدوه شيًئا جدي ً‬
‫اللون والمنظر والسم‪ .‬ولهم في الجّنات زوجات مطّهرات من كل‬
‫ي كالبول والحيض‪ ,‬والمعنوي كالكذب وسوء‬ ‫ألوان الدنس الحس ّ‬
‫خُلق‪ .‬وهم في الجنة ونعيمها دائمون‪ ,‬ل يموتون فيها ول يخرجون‬ ‫ال ُ‬
‫منها‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ما ال ّه ِ‬‫ما فَوْقََها فَأ ّ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫ض ً‬‫ما ب َُعو َ‬ ‫مث َل ً َ‬
‫ب َ‬ ‫ضرِ َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫حِيي أ ْ‬ ‫ست َ ْ‬‫ه ل يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مهها َ‬
‫ذا‬ ‫ن َ‬ ‫ن ك ََفهُروا فَي َُقول ُههو َ‬ ‫ذي َ‬‫ما ال ّ ِ‬
‫م وَأ ّ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬‫م ْ‬‫حق ّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫ن أن ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫مُنوا فَي َعْل َ ُ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬
‫ل ِبههِ إ ِل ّ‬‫ضه ّ‬ ‫دي ِبههِ ك َِثيهرا ً وَ َ‬
‫مهها ي ُ ِ‬ ‫ل ب ِهِ ك َِثيرا ً وَي َهْه ِ‬
‫ض ّ‬‫مث َل ً ي ُ ِ‬ ‫ذا َ‬‫ه ب ِهَ َ‬‫أَراد َ الل ّ ُ‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫سِقي َ‬ ‫ال َْفا ِ‬
‫إن الله تعالى ل يستحيي من الحق أن يذكر شيًئا ما‪ ,‬ق ّ‬
‫ل أو كثر‪,‬‬
‫ولو كان تمثيل بأصغر شيء‪ ,‬كالبعوضة والذباب ونحو ذلك‪ ,‬مما‬
‫جز كل ما ي ُعَْبد من دون الله‪ .‬فأما المؤمنون‬ ‫ضربه الله مثل ل ِعَ ْ‬
‫فيعلمون حكمة الله في التمثيل بالصغير والكبير من خلقه‪ ,‬وأما‬
‫ضْرب المثل بهذه‬ ‫من َ‬ ‫سخرون ويقولون‪ :‬ما مراد الله ِ‬ ‫الكفار فَي َ ْ‬
‫الحشرات الحقيرة؟ ويجيبهم الله بأن المراد هو الختبار‪ ,‬وتمييز‬
‫سا كثيرين عن‬ ‫المؤمن من الكافر; لذلك يصرف الله بهذا المثل نا ً‬
‫الحق لسخريتهم منه‪ ,‬ويوفق به غيرهم إلى مزيد من اليمان‬
‫رف عن الحق إل‬ ‫ص ِ‬
‫دا; لنه ل ي َ ْ‬
‫والهداية‪ .‬والله تعالى ل يظلم أح ً‬
‫الخارجين عن طاعته‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫مهَر الل ّه ُ‬
‫ه ب ِه ِ‬ ‫مهها أ َ‬ ‫ميَثاقِهِ وَي َْقط َُعو َ‬
‫ن َ‬ ‫ن ب َعْدِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن عَهْد َ الل ّهِ ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫ن َينُق ُ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫سُرو َ‬
‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ك هُ ْ‬‫ض أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫ن ِفي ال َ‬ ‫َ‬ ‫دو‬‫ُ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫يو‬
‫ُ‬ ‫ن‬‫ْ‬
‫أَ‬

‫الذين ينكثون عهد الله الذي أخذه عليهم بالتوحيد والطاعة‪ ,‬وقد‬
‫كده بإرسال الرسل‪ ,‬وإنزال الكتب‪ ,‬ويخالفون دين الله كقطع‬ ‫أ ّ‬
‫الرحام ونشر الفساد في الرض‪ ,‬أولئك هم الخاسرون في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬

‫َ‬ ‫كنت َ‬
‫حِييك ُه ْ‬
‫م ث ُه ّ‬
‫م‬ ‫ميت ُك ُ ْ‬
‫م ث ُه ّ‬
‫م يُ ْ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫م يُ ِ‬ ‫واتا ً فَأ ْ‬
‫حَياك ُ ْ‬ ‫م َ‬
‫مأ ْ‬‫ن ِبالل ّهِ وَ ُ ُ ْ‬
‫ف ت َك ُْفُرو َ‬
‫ك َي ْ َ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫جُعو َ‬‫إ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬
‫كيف تنكرون ‪-‬أّيها المشركون‪ -‬وحدانية الله تعالى‪ ,‬وتشركون به‬
‫غيره في العبادة مع البرهان القاطع عليها في أنفسكم؟ فلقد كنتم‬
‫أمواًتا فأوجدكم ونفخ فيكم الحياة‪ ,‬ثم يميتكم بعد انقضاء آجالكم‬
‫التي حددها لكم‪ ,‬ثم يعيدكم أحياء يوم البعث‪ ,‬ثم إليه ترجعون‬
‫للحساب والجزاء‪.‬‬

‫َ‬
‫ماِء‬ ‫وى إ ِل َههى ال ّ‬
‫سه َ‬ ‫سهت َ َ‬
‫ما ْ‬‫ميعها ً ث ُه ّ‬
‫ج ِ‬‫ض َ‬‫مهها فِههي الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫خل َقَ ل َك ُ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫م )‪(29‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬‫ت وَهُوَ ب ِك ُ ّ‬ ‫ماَوا ٍ‬
‫س َ‬ ‫سب ْعَ َ‬ ‫ن َ‬‫واهُ ّ‬ ‫س ّ‬‫فَ َ‬
‫خَلق لجلكههم كههل مهها فههي الرض مههن الّنعههم الههتي‬ ‫ه وحده الذي َ‬ ‫الل ُ‬
‫ن سههبع سههموات‪,‬‬ ‫واه ّ‬ ‫تنتفعون بها‪ ,‬ثم قصد إلى خلق السموات‪ ,‬فس ّ‬
‫مه ‪-‬سبحانه‪ -‬محيط بجميع ما خلق‬ ‫وهو بكل شيء عليم‪ .‬فعِل ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ِفيَها‬ ‫ة َقاُلوا أت َ ْ‬
‫جع َ ُ‬ ‫خِليَف ً‬
‫ض َ‬ ‫ل ِفي الْر ِ‬ ‫ع ٌ‬‫جا ِ‬‫ملئ ِك َةِ إ ِّني َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬
‫ل َرب ّ َ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ك قَهها َ‬
‫ل‬ ‫س لَ َ‬ ‫ك وَن َُقد ّ ُ‬‫مدِ َ‬‫ح ْ‬
‫ح بِ َ‬‫سب ّ ُ‬ ‫ن نُ َ‬
‫ح ُ‬
‫ماَء وَن َ ْ‬ ‫سِف ُ‬
‫ك الد ّ َ‬ ‫سد ُ ِفيَها وَي َ ْ‬ ‫ن ي ُْف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬‫ما ل ت َعْل ُ‬ ‫م َ‬ ‫إ ِّني أعْل ُ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس حين قال ربك للملئكة‪ :‬إني جاعل فههي‬
‫ضهها لعمارتههها‪ .‬قههالت‪ :‬يهها رّبنهها عل ّ ْ‬
‫منهها‬ ‫ما يخلههف بعضهههم بع ً‬ ‫الرض قو ً‬
‫ن من شأنهم الفسههاد فههي‬ ‫َ‬
‫دنا ما الحكمة في خلق هؤلء‪ ,‬مع أ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫وأْر ِ‬
‫الرض واراقههة الههدماء ظلمهها وعههدواًنا ونحههن طههوع أمههرك‪ ,‬ننّزهههك‬
‫جههدك بكههل صههفات الكمههال‬ ‫التنزيههه اللئق بحمههدك وجللههك‪ ،‬ونم ّ‬
‫والجلل؟ قال الله لهم‪ :‬إني أعلم ما ل تعلمون من الحكمههة البالغههة‬
‫في خلقهم‬
‫‪10‬‬
‫ل أ َن ْب ُِئون ِههي‬ ‫م عَل َههى ال ْ َ‬
‫ملئ ِك َهةِ فََقهها َ‬ ‫ض هه ُ ْ‬
‫م عََر َ‬‫ماَء ك ُل ّهَهها ث ُه ّ‬‫س َ‬
‫َ‬
‫م ال ْ‬ ‫وَعَل ّ َ‬
‫م آد َ َ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫ن ُ‬ ‫ماِء هَ ُ‬ ‫َ‬
‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ؤلء إ ِ ْ‬ ‫س َ‬‫ب ِأ ْ‬
‫وبياًنا لفضل آدم عليه السلم عّلمههه اللههه أسههماء الشههياء كلههها‪ ,‬ثههم‬
‫عرض مسمياتها على الملئكة قههائل لهههم‪ :‬أخههبروني بأسههماء هههؤلء‬
‫الموجههودات‪ ,‬إن كنتههم صههادقين فههي أنكههم أ َْولههى بالسههتخلف فههي‬
‫الرض منهم‬
‫عل ْم ل َنا إل ّ ما عَل ّمتنا إن َ َ‬
‫م )‪(32‬‬‫كي ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ت ال ْعَِلي ُ‬
‫ك أن ْ َ‬ ‫ْ ََ ِّ‬ ‫كل ِ َ َ ِ َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫َقاُلوا ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫قالت الملئكة‪ :‬ننّزهك يا رّبنا‪ ,‬ليس لنا علم إل ما عّلمتنا إياه‪ .‬إنك‬
‫أنت وحدك العليم بشئون خلقك‪ ,‬الحكيم في تدبيرك‪.‬‬

‫م أ َقُه ْ‬ ‫ل يا آدم أ َنبئ ْهم بأ َسمائ ِهم فَل َمهها أ َنبهأ َهُم بأ َسهمائ ِهم قَهها َ َ‬
‫ل‬ ‫ل أل َه ْ‬ ‫ْ ِ ْ َ ِ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ّ‬ ‫َقا َ َ َ ُ ْ ِ ُ ْ ِ ْ َ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫مهها ُ‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫ن وَ َ‬‫دو َ‬‫مهها ت ُب ْه ُ‬ ‫ض وَأعْل َه ُ‬
‫م َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬
‫س َ‬
‫ب ال ّ‬ ‫م إ ِّني أعْل َ ُ‬
‫م غَي ْ َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت َك ْت ُ ُ‬
‫جزوا عن‬‫قال الله‪ :‬يا آدم أخبرهم بأسماء هذه الشياء التي ع َ‬
‫معرفتها‪ .‬فلما أخبرهم آدم بها‪ ,‬قال الله للملئكة‪ :‬لقد أخبرتكم أني‬
‫أعلم ما خفي عنكم في السموات والرض‪ ,‬وأعلم ما تظهرونه وما‬
‫تخفونه‪.‬‬

‫َ‬
‫سهت َك ْب ََر‬ ‫دوا إ ِل ّ إ ِب ِْليه َ‬
‫س أب َههى َوا ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫م فَ َ‬
‫سه َ‬ ‫دوا لد َ َ‬
‫ج ُ‬ ‫ملئ ِك َهةِ ا ْ‬
‫سه ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ قُل َْنا ل ِل ْ َ‬
‫ن )‪(34‬‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫وَ َ‬

‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس تكريم الله لدم حين قال سبحانه‬
‫ما له وإظهاًرا لفضله‪ ,‬فأطاعوا جميًعا إل‬
‫للملئكة‪ :‬اسجدوا لدم إكرا ً‬
‫دا‪ ,‬فصار من الجاحدين بالله‪,‬‬ ‫إبليس امتنع عن السجود تكبًرا وحس ً‬
‫العاصين لمره‪.‬‬

‫وقُل ْنا يا آدم اسك ُ َ‬


‫ش هئ ْت ُ َ‬
‫ما‬ ‫ث ِ‬ ‫من ْهَهها َرغَههدا ً َ‬
‫حي ْه ُ‬ ‫كل ِ‬‫ة وَ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫ج َ‬
‫ك‬ ‫ت وََزوْ ُ‬ ‫ن أن ْ َ‬‫َ َ َ َ ُ ْ ْ‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫كوَنا ِ‬ ‫جَرةَ فَت َ ُ‬
‫ش َ‬‫هَذِهِ ال ّ‬ ‫جَرةَ َول ت َْقَرَبا‬ ‫ش َ‬‫َول ت َْقَرَبا هَذِهِ ال ّ‬
‫‪(35‬‬

‫‪11‬‬
‫وقال الله‪ :‬يا آدم اسكن أنت وزوجك حواء الجنة‪ ,‬وتمتعا بثمارها‬
‫تمتًعا هنيًئا واسًعا في أي مكان تشاءان فيها‪ ,‬ول تقربا هذه الشجرة‬
‫حتى ل تقعا في المعصية‪ ,‬فتصيرا من المتجاوزين أمر الله‪.‬‬

‫كان َهها ِفي ههِ وَقُل ْن َهها اهْب ِط ُههوا‬ ‫َ‬ ‫ش هي ْ َ‬ ‫َ‬
‫مهها َ‬
‫م ّ‬
‫مهها ِ‬‫جه ُ َ‬ ‫ن عَن ْهَهها فَأ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫طا ُ‬ ‫مهها ال ّ‬ ‫فَأَزل ّهُ َ‬
‫مَتاعٌ إ َِلى ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫ست ََقّر وَ َ‬
‫م ْ‬‫ض ُ‬‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ض عَد ُوّ وَل َك ُ ْ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬‫ضك ُ ْ‬‫ب َعْ ُ‬
‫ن وسوس لهما حتى أكل من‬ ‫فأوقعهما الشيطان في الخطيئة‪ :‬بأ ْ‬
‫الشجرة‪ ,‬فتسبب في إخراجهما من الجنة ونعيمها‪ .‬وقال الله لهم‪:‬‬
‫ضا ‪-‬أي آدم وحواء والشيطان‪-‬‬ ‫اهبطوا إلى الرض‪ ,‬يعادي بعضكم بع ً‬
‫ولكم في الرض استقرار وإقامة‪ ,‬وانتفاع بما فيها إلى وقت انتهاء‬
‫آجالكم‪.‬‬

‫م )‪(37‬‬ ‫حي ُ‬ ‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬


‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫ب عَل َي ْهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ت فََتا َ‬‫ما ٍ‬ ‫ن َرب ّهِ ك َل ِ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫فَت َل َّقى آد َ ُ‬
‫ت‪ ,‬ألهمه الله إياههها توبههة واسههتغفاًرا‪ ,‬وهههي‬ ‫م بالقبول كلما ٍ‬ ‫فتلقى آد ُ‬
‫َ‬
‫من َهها ل َن َك ُههون َ ّ‬
‫ن‬ ‫م ت َغِْفهْر ل َن َهها وت َْر َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن ل َه ْ‬ ‫سَنا وإ ِ ْ‬‫مَنا أن ُْف َ‬ ‫قوله تعالى‪) :‬رب َّنا ظ َل َ ْ‬
‫ن( فتاب الله عليه‪ ,‬وغفر له ذنبه إنه تعالى هههو التههواب‬ ‫ري َ‬
‫س ِ‬ ‫خا ِ‬‫من ال َ‬ ‫ِ‬
‫من عباده‪ ,‬الرحيم بهم‬ ‫لمن تاب ِ‬
‫ْ‬
‫دايَ َفل‬
‫ن ت َب ِهعَ هُ ه َ‬ ‫دى فَ َ‬
‫مه ْ‬ ‫مّني هُ ً‬ ‫ما ي َأت ِي َن ّك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ميعا ً فَإ ِ ّ‬‫ج ِ‬‫من َْها َ‬
‫طوا ِ‬‫قُل َْنا اهْب ِ ُ‬
‫ن )‪(38‬‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬
‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬
‫خو ْ ٌ‬‫َ‬
‫قال الله لهم‪ :‬اهبطوا من الجنههة جميعًهها‪ ,‬وسههيأتيكم أنتههم وذريههاتكم‬
‫المتعاقبة ما فيه هدايتكم إلى الحق‪ .‬فمن عمل بها فل خوف عليهم‬
‫فيما يستقبلونه من أمر الخرة ول هم يحزنون على مهها فههاتهم مههن‬
‫أمور الدنيا‬

‫ن)‬ ‫وال ّذين ك ََفروا وك َذ ّبوا بآيات ِنا أ ُول َئ ِ َ َ‬


‫دو َ‬
‫خال ِه ُ‬
‫م ِفيهَهها َ‬
‫ب الّنارِ هُ ْ‬
‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫كأ ْ‬ ‫َ ُ ِ َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ َ‬
‫‪(39‬‬
‫والذين جحدوا وكذبوا بآياتنا المتلوة ودلئل توحيدنا‪ ,‬أولئك الذين‬
‫يلزمون النار‪ ,‬هم فيها خالدون‪ ,‬ل يخرجون منها‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫دي‬ ‫ت عَل َي ْك ُه ْ‬
‫م وَأوْفُههوا ب ِعَهْه ِ‬ ‫مِتي ال ّت ِههي أن ْعَ ْ‬
‫مه ُ‬ ‫ل اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬
‫سَراِئي َ‬
‫َيا ب َِني إ ِ ْ‬
‫‪12‬‬
‫ُ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫ف ب ِعَهْدِك ُ ْ‬
‫م وَإ ِّيايَ َفاْرهَُبو ِ‬ ‫أو ِ‬
‫يا ذرية يعقوب اذكروا نعمي الكثيرة عليكههم‪ ,‬واشههكروا لههي‪ ,‬وأتمههوا‬
‫وصيتي لكم‪ :‬بأن تؤمنوا بكتبي ورسلي جميعًهها‪ ,‬وتعملههوا بشههرائعي‪.‬‬
‫فإن فعلتم ذلك ُأتمم لكم ما وعههدتكم بههه مههن الرحمههة فههي الههدنيا‪,‬‬
‫والنجاة في الخرة‪ .‬وإّيايَ ‪-‬وحههدي‪ -‬فخههافوني‪ ,‬واحههذروا نقمههتي إن‬
‫نقضتم العهد‪ ,‬وكفرتم بي‬

‫كون ُههوا أ َوّ َ‬


‫ل ك َههافِرٍ ب ِههِ َول‬ ‫م َول ت َ ُ‬
‫معَك ُه ْ‬
‫مهها َ‬‫دقا ً ل ِ َ‬
‫صه ّ‬
‫م َ‬ ‫ت ُ‬
‫َ‬
‫ما أنَزل ْه ُ‬ ‫مُنوا ب ِ َ‬
‫َوآ ِ‬
‫ن )‪(41‬‬ ‫منا ً قَِليل ً وَإ ِّيايَ َفات ُّقو ِ‬
‫شت َُروا ِبآَياِتي ث َ َ‬‫تَ ْ‬
‫وآمنوا‪ -‬يا بني إسرائيل‪ -‬بالقرآن الذي أنَزل ُْته على محمد نبي الله‬
‫ورسوله‪ ,‬موافًقا لما تعلمونه من صحيح التوراة‪ ,‬ول تكونوا أول‬
‫فريق من أهل الكتاب يكفر به‪ ,‬ول تستبدلوا بآياتي ثمًنا قليل من‬
‫حطام الدنيا الزائل‪ ,‬وإياي وحدي فاعملوا بطاعتي واتركوا‬
‫معصيتي‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫موا ال ْ َ‬
‫حقّ وَأن ْت ُ ْ‬ ‫حقّ ِبال َْباط ِ ِ‬
‫ل وَت َك ْت ُ ُ‬ ‫سوا ال ْ َ‬
‫َول ت َل ْب ِ ُ‬
‫ول تخِلطوا الحق الذي بّينته لكم بالباطل الذي افتريتموه‪ ,‬واحههذروا‬
‫كتمان الحق الصريح من صفة نبي الله ورسههوله محمههد صههلى اللههه‬
‫عليه وسلم التي في كتبكههم‪ ,‬وأنتههم تجههدونها مكتوبههة عنههدكم‪ ،‬فيمهها‬
‫تعلمون من الكتب التي بأيديكم‪.‬‬
‫َ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫كاةَ َواْرك َُعوا َ‬
‫معَ الّراك ِِعي َ‬ ‫صلةَ َوآُتوا الّز َ‬
‫موا ال ّ‬
‫وَأِقي ُ‬
‫وادخلوا في دين السلم‪ :‬بأن تقيموا الصلة على الوجه الصحيح‪,‬‬
‫كما جاء بها نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وتؤدوا‬
‫الزكاة المفروضة على الوجه المشروع‪ ,‬وتكونوا مع الراكعين من‬
‫أمته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫ب أ ََفل‬ ‫َ‬ ‫أ َتأ ْمرون الناس بههال ْبر وتنس هو َ‬


‫ن ال ْك ِت َهها َ‬
‫م ت َت ْل ُههو َ‬ ‫س هك ُ ْ‬
‫م وَأن ْت ُه ْ‬ ‫ن أنُف َ‬
‫َ ُ ُ َ ّ َ ِ ِّ ََ َ ْ َ‬
‫ن )‪(44‬‬‫ت َعِْقُلو َ‬
‫ل علمائكم حين تأمرون الناس بعمههل الخيههرات‪,‬‬ ‫ما أقبح حاَلكم وحا َ‬
‫وتتركون أنفسكم‪ ,‬فل تأمرونها بالخير العظيم‪ ,‬وهو السههلم‪ ,‬وأنتههم‬
‫تقرءون التوراة‪ ,‬التي فيها صههفات محمههد صههلى اللههه عليههه وسههلم‪,‬‬
‫‪13‬‬
‫حا‬
‫ووجوب اليمان به!! أفل تستعملون عقولكم استعمال صحي ً‬

‫ن )‪(45‬‬
‫شهِعي َ‬ ‫صههلةِ وَإ ِن ّهَهها ل َك َِبيهَرةٌ إ ِل ّ عَل َههى ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫صب ْرِ َوال ّ‬
‫ست َِعيُنوا ِبال ّ‬
‫َوا ْ‬
‫َ‬ ‫ال ّذين يظ ُنو َ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ َرا ِ‬
‫م وَأن ّهُ ْ‬ ‫ملُقو َرب ّهِ ْ‬‫م ُ‬‫ن أن ّهُ ْ‬
‫ِ َ َ ّ َ‬
‫واستعينوا في كل أموركم بالصبر بجميع أنواعه‪ ,‬وكذلك الصلة‪.‬‬
‫وإنها لشاقة إل على الخاشعين الذين يخشون الله ويرجون ما‬
‫ل وعل بعد الموت‪ ,‬وأنهم إليه‬‫عنده‪ ,‬ويوقنون أنهم ملقو رّبهم ج ّ‬
‫راجعون يوم القيامة للحساب والجزاء‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ضهل ْت ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَأن ّههي فَ ّ‬ ‫ت عَل َي ْ ُ‬
‫كه ْ‬ ‫مِتي ال ّت ِههي أن ْعَ ْ‬
‫مه ُ‬ ‫ل اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬
‫سَراِئي َ‬‫َيا ب َِني إ ِ ْ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫مي َ‬‫عََلى ال َْعال َ ِ‬
‫كروا نعمي الكههثيرة عليكههم‪ ,‬واشههكروا لههي عليههها‪,‬‬ ‫يا ذرية يعقوب تذ ّ‬
‫ضْلتكم على عاَلمي زمههانكم بكههثرة النبيههاء‪ ,‬والكتههب‬ ‫وتذكروا أني فَ ّ‬
‫المنّزلة كالتوراة والنجيل‬

‫ة َول‬ ‫من َْها َ‬


‫شَفاعَ ٌ‬ ‫شْيئا ً َول ي ُْقب َ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫س َ‬‫ن ن َْف ٍ‬‫س عَ ْ‬‫زي ن َْف ٌ‬‫ج ِ‬‫وما ً ل ت َ ْ‬‫َوات ُّقوا ي َ ْ‬
‫ن )‪(48‬‬ ‫صُرو َ‬‫م ُين َ‬
‫ل َول هُ ْ‬ ‫من َْها عَد ْ ٌ‬
‫خذ ُ ِ‬‫ي ُؤْ َ‬
‫وخافوا يوم القيامة‪ ,‬يوم ل يغني أحد عن أحد شيًئا‪ ,‬ول يقبل الله‬
‫شفاعة في الكافرين‪ ,‬ول يقبل منهم فدية‪ ,‬ولو كانت أموال الرض‬
‫جميًعا‪ ,‬ول يملك أحد في هذا اليوم أن يتقدم لنصرتهم وإنقاذهم من‬
‫العذاب‪.‬‬

‫ن‬
‫حو َ‬‫ب ي ُهذ َب ّ ُ‬‫ذا ِ‬‫سههوَء ال ْعَ ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫مون َك ُ ْ‬‫سههو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫ل فِْرعَ هوْ َ‬‫نآ ِ‬ ‫مه ْ‬
‫م ِ‬ ‫جي ْن َههاك ُ ْ‬
‫وَإ ِذ ْ ن َ ّ‬
‫َ‬
‫م )‪(49‬‬ ‫ظي ٌ‬‫م عَ ِ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م ْ‬‫م َبلٌء ِ‬ ‫م وَِفي ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ساَءك ُ ْ‬
‫ن نِ َ‬
‫حُيو َ‬
‫ست َ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫أب َْناَءك ُ ْ‬
‫واذكروا نعمتنا عليكم حيههن أنقههذناكم مههن بطههش فرعههون وأتبههاعه‪,‬‬
‫من ذ َْبح أبنائكم‪ ,‬وترك بنههاتكم‬ ‫وهم ُيذيقونكم أشد ّ العذاب‪ ,‬فُيكِثرون ِ‬
‫للخدمة والمتهان‪ .‬وفي ذلك اختبار لكم مههن ربكههم‪ ,‬وفههي إنجههائكم‬
‫منه نعمة عظيمة‪ ,‬تسههتوجب شههكر اللههه تعههالى فههي كههل عصههوركم‬
‫وأجيالكم‬
‫َ‬ ‫م وَأ َغَْرقَْنا آ َ‬ ‫َ‬
‫م َتنظ ُُرو َ‬
‫ن)‬ ‫ن وَأن ْت ُ ْ‬
‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫جي َْناك ُ ْ‬ ‫م ال ْب َ ْ‬
‫حَر فَأن ْ َ‬ ‫وَإ ِذ ْ فََرقَْنا ب ِك ُ ْ‬
‫‪(50‬‬
‫‪14‬‬
‫صْلنا بسببكم البحر‪ ,‬وجعلنا فيه طرًقهها‬
‫واذكروا نعمتنا عليكم‪ ,‬حين فَ َ‬
‫ة‪ ,‬فعبرتم‪ ,‬وأنقههذناكم مههن فرعههون وجنههوده‪ ,‬ومههن الهلك فههي‬‫يابس ً‬
‫الماء‪ .‬فلما دخل فرعون وجنوده طرقكم أهلكناهم في المههاء أمههام‬
‫أعينكم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن ب َعْهدِهِ وَأن ْت ُه ْ‬
‫مه ْ‬
‫ل ِ‬ ‫م ال ْعِ ْ‬
‫جه َ‬ ‫خ هذ ْت ُ ْ‬
‫م ات ّ َ‬ ‫ن ل َي ْل َ ً‬
‫ة ثُ ّ‬ ‫سى أْرب َِعي َ‬ ‫وَإ ِذ ْ َواعَد َْنا ُ‬
‫مو َ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫مو َ‬‫ظال ِ ُ‬‫َ‬

‫واذكروا نعمتنا عليكم‪ :‬حين واعدنا موسى أربعين ليلة لنزال‬


‫ة ونوًرا لكم‪ ,‬فإذا بكم تنتهزون فرصة غيابه هذه المدة‬
‫التوراة هداي ً‬
‫دا لكم من‬‫القليلة‪ ,‬وتجعلون العجل الذي صنعتموه بأيديكم معبو ً‬
‫دون الله ‪ -‬وهذا أشنع الكفر بالله‪ -‬وأنتم ظالمون باتخاذكم العجل‬
‫إلًها‪.‬‬

‫ن )‪(52‬‬‫شك ُُرو َ‬ ‫ك ل َعَل ّك ُ ْ‬


‫م تَ ْ‬ ‫ن ب َعْدِ ذ َل ِ َ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬‫م عََفوَْنا عَن ْك ُ ْ‬
‫ثُ ّ‬
‫م تجاوزنا عن هذه الفعلة المنكرة‪ ,‬وقَب ِل َْنا توبتكم بعد عودة‬ ‫ث ّ‬
‫موسى; رجاَء أن تشكروا الله على نعمه وأفضاله‪ ,‬ول تتمادوا في‬
‫الكفر والطغيان‪.‬‬

‫ن )‪(53‬‬‫دو َ‬ ‫ن ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫ب َوال ُْفْرَقا َ‬
‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫وَإ ِذ ْ آت َي َْنا ُ‬
‫مو َ‬
‫واذكروا نعمتنا عليكم حين أعطينا موسى الكتاب الفارق بين الحههق‬
‫والباطل ‪-‬وهو التوراة‪ ;-‬لكي تهتدوا من الضللة‬
‫ل موسههى ل َِقهومه يهها قَهوم إنك ُهم ظ َل َمته َ‬
‫م‬ ‫خههاذِك ُ ْ‬ ‫سهك ُ ْ‬
‫م ِبات ّ َ‬ ‫م أنُف َ‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫ْ ِ ِّ ْ‬ ‫ْ ِ ِ َ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقا َ ُ َ‬
‫َ‬
‫عن ْهد َ‬‫م ِ‬ ‫خي ْهٌر ل َك ُه ْ‬
‫م َ‬‫م ذ َل ِك ُه ْ‬
‫سهك ُ ْ‬‫م فَههاقْت ُُلوا أنُف َ‬‫ل فَُتوب ُههوا إ ِل َههى ب َههارِئ ِك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ال ْعِ ْ‬
‫م )‪(54‬‬ ‫حي ُ‬‫ب الّر ِ‬
‫وا ُ‬ ‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫َبارِئ ِك ُ ْ‬
‫م فََتا َ‬
‫واذكروا نعمتنا عليكم حين قال موسى لقومه‪ :‬إنكم ظلمتم‬
‫أنفسكم باتخاذكم العجل إلًها‪ ,‬فتوبوا إلى خالقكم‪ :‬بأن ي َْقتل بعضكم‬
‫ضا‪ ,‬وهذا خير لكم عند خالقكم من الخلود البدي في النار‪,‬‬ ‫بع ً‬
‫ن الله عليكم بَقبول توبتكم‪ .‬إنه تعالى هو التواب‬‫فامتثلتم ذلك‪ ,‬فم ّ‬
‫من عباده‪ ,‬الرحيم بهم‪.‬‬‫لمن تاب ِ‬

‫‪15‬‬
‫َ‬
‫خ هذ َت ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫جهْ هَرةً فَأ َ‬ ‫حت ّههى ن َهَرى الل ّه َ‬
‫ه َ‬ ‫ن ل َه َ‬
‫ك َ‬ ‫سى ل َ ْ‬
‫ن ن ُؤْ ِ‬
‫م َ‬ ‫مو َ‬ ‫م َيا ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ قُل ْت ُ ْ‬
‫عَق ُ َ‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫م َتنظ ُُرو َ‬
‫ة وَأن ْت ُ ْ‬ ‫صا ِ‬‫ال ّ‬
‫واذكروا إذ قلتم‪ :‬يا موسى لن نصدقك في أن الكلم الذي نسمعه‬
‫عَياًنا‪ ,‬فنزلت نار من السماء‬
‫منك هو كلم الله‪ ,‬حتى نرى الله ِ‬
‫رأيتموها بأعينكم‪ ,‬فَقت َل َْتكم بسبب ذنوبكم‪ ,‬و ُ‬
‫جْرأتكم على الله‬
‫تعالى‪.‬‬

‫ن )‪(56‬‬‫شك ُُرو َ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬


‫م تَ ْ‬ ‫موْت ِك ُ ْ‬
‫ن ب َعْدِ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ب َعَث َْناك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫من بعد موتكم بالصاعقة; لتشكروا نعمههة اللههه عليكههم‪,‬‬ ‫ثم أحييناكم ِ‬
‫فهذا الموت عقوبة لهم‪ ,‬ثم بعثهم الله لستيفاء آجالهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫ن ط َي َّبا ِ‬ ‫وى ك ُُلوا ِ‬
‫م ْ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫م ّ‬‫م ال ْ َ‬‫م وَأنَزل َْنا عَل َي ْك ُ ْ‬‫ما َ‬‫م ال ْغَ َ‬‫وَظ َل ّل َْنا عَل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(57‬‬ ‫مو َ‬‫م ي َظ ْل ِ ُ‬
‫سه ُ ْ‬‫كاُنوا أنُف َ‬ ‫ن َ‬ ‫موَنا وَل َك ِ ْ‬‫ما ظ َل َ ُ‬‫م وَ َ‬ ‫ما َرَزقَْناك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫واذكههروا نعمتنهها عليكههم حيههن كنتههم تههتيهون فههي الرض; إذ جعلنهها‬
‫ن‪ ,‬وهههو‬ ‫حّر الشمس‪ ,‬وأنزلنا عليكههم الم ه ّ‬ ‫السحاب مظلل عليكم من َ‬
‫سلوى وهو طير‬ ‫صمغ طعمه كالعسل‪ ,‬وأنزلنا عليكم ال ّ‬ ‫شيء يشبه ال ّ‬
‫سماَنى‪ ,‬وقلنا لكم‪ :‬كلوا من طّيبات ما رزقناكم‪ ,‬ول تخالفوا‬ ‫يشبه ال ّ‬
‫دينكم‪ ,‬فلم تمتثلوا‪ .‬وما ظلمونا بكفران النعم‪ ,‬ولكن كانوا أنفسهههم‬
‫يظلمون; لن عاقبة الظلم عائدة عليهم‬

‫خل ُههوا‬
‫م َرغَههدا ً َواد ْ ُ‬ ‫شهئ ْت ُ ْ‬‫ث ِ‬ ‫حي ْه ُ‬ ‫ة فَك ُُلوا ِ‬
‫من ْهَهها َ‬ ‫خُلوا هَذِهِ ال َْقْري َ َ‬
‫وَإ ِذ ْ قُل َْنا اد ْ ُ‬
‫ن)‬‫س هِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫زيد ُ ال ْ ُ‬‫س هن َ ِ‬‫م وَ َ‬ ‫خ َ‬
‫طاَياك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ة ن َغِْفْر ل َك ُ ْ‬‫حط ّ ٌ‬ ‫جدا ً وَُقوُلوا ِ‬ ‫س ّ‬
‫ب ُ‬ ‫ال َْبا َ‬
‫‪(58‬‬
‫واذكروا نعمتنا عليكم حين قلنا‪ :‬ادخلوا مدينة "بيت المقدس" فكلوا‬
‫مههن طيباتههها فههي أي مكههان منههها أكل هنيًئا‪ ,‬وكونههوا فههي دخههولكم‬
‫ضعْ عن ّهها ذنوبنهها‪ ,‬نسههتجب لكههم‬ ‫خاضعين لله‪ ,‬ذليلين له‪ ,‬وقولوا‪ :‬رّبنا َ‬
‫ونعف ونسترها عليكم‪ ,‬وسنزيد المحسنين بأعمالهم خيًرا وثواًبا‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م فَأنَزل َْنها عََلهى اّله ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ل َُهه ْ‬‫ذي ِقيه َ‬ ‫موا َقهوْل ً غَْيهَر اّله ِ‬
‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬
‫فَب َد ّ َ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫سُقو َ‬ ‫كاُنوا ي َْف ُ‬‫ما َ‬ ‫ماِء ب ِ َ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫جزا ً ِ‬‫موا رِ ْ‬ ‫ظ َل َ ُ‬

‫‪16‬‬
‫دل الجائرون الضالون من بني إسرائيل قول الله‪ ,‬وحّرفوا القول‬ ‫فب ّ‬
‫والفعل جميًعا‪ ,‬إذ دخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا‪ :‬حبة في‬
‫شعرة‪ ,‬واستهزءوا بدين الله‪ .‬فأنزل الله عليهم عذاًبا من السماء;‬
‫بسبب تمردهم وخروجهم عن طاعة الله‪.‬‬

‫ت‬‫جَر ْ‬‫جَر َفههانَف َ‬ ‫ك ال ْ َ‬


‫ح َ‬ ‫صا َ‬‫ب ب ِعَ َ‬‫ضرِ ْ‬‫مهِ فَُقل َْنا ا ْ‬‫سى ل َِقوْ ِ‬
‫مو َ‬ ‫سَقى ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ ا ْ‬
‫ست َ ْ‬
‫م ك ُل ُههوا َوا ْ‬ ‫شرةَ عَينا ً قَد عَل ِم ك ُ ّ ُ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬‫شهَرُبوا ِ‬ ‫م ْ‬
‫شَرب َهُ ْ‬ ‫س َ‬‫ل أَنا ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه اث ْن ََتا عَ ْ َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫دي َ‬‫س ِ‬
‫مْف ِ‬ ‫ض ُ‬‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫ق الل ّهِ َول ت َعْث َ ْ‬ ‫رِْز ِ‬
‫واذكروا نعمتنا عليكم ‪-‬وأنتم عطاش في الت ّْيه‪ -‬حين دعانا موسى‬
‫‪-‬بضراعة‪ -‬أن نسقي قومه‪ ,‬فقلنا‪ :‬اضرب بعصاك الحجر‪ ,‬فضرب‪,‬‬
‫فانفجرت منه اثنتا عشرة عيًنا‪ ,‬بعدد القبائل‪ ,‬مع إعلم كل قبيلة‬
‫بالعين الخاصة بها حتى ل يتنازعوا‪ .‬وقلنا لهم‪ :‬كلوا واشربوا من‬
‫رزق الله‪ ,‬ول تسعوا في الرض مفسدين‪.‬‬

‫ج‬‫خهرِ ْ‬ ‫ك يُ ْ‬ ‫حدٍ َفاد ْعُ ل َن َهها َرب ّه َ‬ ‫صب َِر عََلى ط ََعام ٍ َوا ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫سى ل َ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م َيا ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ قُل ْت ُ ْ‬
‫ن ب َْقل ِهَهها وَقِّثائ ِهَهها‬ ‫َ‬ ‫ج ل َن َهها ِ‬ ‫َ‬ ‫ل ََنا ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ت الْر ُ‬ ‫مهها ت ُن ْب ِه ُ‬
‫م ّ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ض يُ ْ‬ ‫ت الْر ُ‬ ‫ما ت ُن ْب ِ ُ‬ ‫م ّ‬
‫َ‬ ‫وُفومها وعَدسها وبصل ِها َقا َ َ‬
‫و‬
‫ذي هُه َ‬ ‫ذي هُهوَ أد ْن َههى ِبال ّه ِ‬ ‫ن ال ّه ِ‬ ‫ست َب ْدُِلو َ‬ ‫ل أت َ ْ‬ ‫ِ َ َ َ ِ َ ََ َ َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫م الذ ّل ه ُ‬
‫ة‬ ‫ت عَلي ْهِ ه ْ‬ ‫ض هرِب َ ْ‬‫م وَ ُ‬ ‫س هألت ُ ْ‬ ‫مهها َ‬ ‫م َ‬ ‫ن لك ُه ْ‬ ‫صههرا فَ هإ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ْهٌر اهْب ِطههوا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ن الل ّهِ ذ َل ِه َ‬
‫ت‬ ‫ن ِبآي َهها ِ‬ ‫م ك َههاُنوا ي َك ُْف هُرو َ‬ ‫ك ب ِهأن ّهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ة وََباُءوا ب ِغَ َ‬ ‫سك َن َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ن )‪(61‬‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْت َ ُ‬ ‫وا وَ َ‬‫ص ْ‬ ‫ما عَ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫حقّ ذ َل ِ َ‬ ‫ن ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫ن الن ّب ِّيي َ‬‫الل ّهِ وَي َْقت ُُلو َ‬
‫طرتههم‬ ‫واذكروا حين أنزلنا عليكم الطعام الحلو‪ ,‬والطيههر الشهههي‪ ,‬فب ِ‬
‫النعمة كعادتكم‪ ,‬وأصههابكم الضههيق والملههل‪ ,‬فقلتههم‪ :‬يهها موسههى لههن‬
‫نصبر على طعام ثابت ل يتغير مع اليام‪ ,‬فادع لنا ربك يخرج لنا من‬
‫ضههر‪ ,‬والقثههاء والحبههوب الههتي‬ ‫خ َ‬ ‫مهها مههن البقههول وال ُ‬ ‫نبات الرض طعا ً‬
‫تؤكل‪ ,‬والعدس‪ ,‬والبصل‪ .‬قال موسى ‪-‬مسههتنكًرا عليهههم‪ :-‬أتطلبههون‬
‫هذه الطعمة التي هي أقل قدًرا‪ ,‬وتتركون هذا الههرزق النههافع الههذي‬
‫اختاره الله لكم؟ اهبطوا من هذه البادية إلهى أي مدينهة‪ ,‬تجهدوا مهها‬
‫اشتهيتم كثيًرا في الحقول والسواق‪ .‬ولمهها هبطههوا تههبّين لهههم أنهههم‬
‫دمون اختيههارهم ‪-‬فههي كههل مههوطن‪ -‬علههى اختيههار اللههه‪ ,‬وي ُهؤِْثرون‬ ‫ي َُق ّ‬
‫ة الههذل وفقههر‬ ‫صهَف ُ‬ ‫شهواتهم على ما اختاره الله لهم; لذلك لزمتهههم ِ‬
‫النفوس‪ ,‬وانصرفوا ورجعوا بغضب مههن اللههه; لعراضهههم عههن ديههن‬
‫ما وعدواًنا;‬ ‫الله‪ ,‬ولنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين ظل ً‬

‫‪17‬‬
‫وذلك بسبب عصيانهم وتجاوزهم حدود ربهم‪.‬‬

‫ن ب ِههالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫مه َ‬ ‫نآ َ‬ ‫مه ْ‬
‫ن َ‬ ‫صههاب ِِئي َ‬
‫صههاَرى َوال ّ‬‫دوا َوالن ّ َ‬ ‫ها ُ‬
‫ن َ‬ ‫مُنوا َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫إِ ّ‬
‫ل صاِلحا ً فَل َه َ‬
‫م َول‬ ‫عن ْد َ َرب ِّههه ْ‬
‫م ِ‬‫جُرهُ ْ‬‫مأ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫م َ َ‬ ‫صاِلحا ً وَعَ ِ‬‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫خرِ وَعَ ِ‬‫َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫ن )‪(62‬‬ ‫حَزُنو َ‬‫م يَ ْ‬‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬
‫َ‬
‫دقوا بههالله ورسههله‪ ,‬وعملههوا‬ ‫إن المؤمنين من هذه المههة‪ ,‬الههذين صه ّ‬
‫بشرعه‪ ,‬والذين كانوا قبل بعثة محمد صههلى اللههه عليههه وسههلم مههن‬
‫المم السالفة من اليهود‪ ,‬والنصارى‪ ,‬والصابئين‪ -‬وهههم قههوم بههاقون‬
‫دقوا‬ ‫على فطرتهم‪ ,‬ول دين مقرر لهم يتبعونه‪ -‬هههؤلء جميعًهها إذا ص ه ّ‬
‫صهها‪ ,‬وبيههوم البعههث والجههزاء‪ ,‬وعملههوا عمل‬ ‫حا خال ً‬ ‫بالله تصديًقا صههحي ً‬
‫مرضًيا عند الله‪ ,‬فثوابهم ثابت لهم عند ربهم‪ ,‬ول خوف عليهم فيمهها‬
‫يستقبلونه من أمر الخرة‪ ،‬ول هم يحزنون على ما فاتهم مههن أمههور‬
‫مهها للنههبيين‬ ‫الدنيا‪ .‬وأما بعد بعثة محمههد صههلى اللههه عليههه وسههلم خات ً‬
‫والمرسلين إلى الناس كافة‪ ,‬فل يقبل الله من أحد ديًنا غير ما جههاء‬
‫به‪ ,‬وهو السلم‪.‬‬

‫مهها آت َي ْن َههاك ُ ْ‬
‫م ب ُِقهوّةٍ‬ ‫م الط ّههوَر ُ‬
‫خه ُ‬
‫ذوا َ‬ ‫م وََرفَعْن َهها فَهوْقَك ُ ْ‬ ‫ميث َههاقَك ُ ْ‬ ‫وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫خذ َْنا ِ‬
‫ن )‪(63‬‬ ‫م ت َت ُّقو َ‬‫ما ِفيهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫َواذ ْك ُُروا َ‬
‫ذنا العهههد المؤك ّههد منكههم باليمههان‬ ‫خ ْ‬‫واذكروا ‪-‬يا بني إسرائيل‪ -‬حين أ َ َ‬
‫بالله وإفراده بالعبادة‪ ,‬ورفعنا جبل الطور فوقكم‪ ,‬وقلنا لكم‪ :‬خههذوا‬
‫الكتاب الذي أعطيناكم بجدٍ واجتهههاد واحفظههوه‪ ,‬وإل أطبقنهها عليكههم‬
‫الجبل‪ ،‬ول تنسوا التوراة قول وعمل كي تتقوني وتخافوا عقابي‪.‬‬

‫ن‬
‫مه ْ‬
‫م ِ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫مت ُه ُ‬
‫ح َ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُه ْ‬
‫م وََر ْ‬ ‫ك فَل َ ْ‬
‫ول فَ ْ‬
‫ض ُ‬ ‫ن ب َعْدِ ذ َل ِ َ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬‫م ت َوَل ّي ْت ُ ْ‬‫ثُ ّ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫س‬
‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫خهذِ الميثههاق وَرفْههع الجبههل‬ ‫ثههم خههالفتم وعصههيتم مههرة أخههرى‪ ,‬بعههد أ َ ْ‬
‫ل الله عليكم ورحمته بالتوبة‪ ,‬والتجاوز عن‬ ‫ض ُ‬ ‫ما‪ .‬فلول فَ ْ‬ ‫كشأنكم دائ ً‬
‫خطاياكم‪ ,‬لصرتم من الخاسرين في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫كوُنههوا ِقههَرد َةً‬ ‫ت فَُقل َْنا ل َهُ ْ‬


‫م ُ‬ ‫سب ْ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م ِفي ال ّ‬ ‫ن اعْت َد َْوا ِ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وَل ََقد ْ عَل ِ ْ‬
‫مت ُ ْ‬
‫ن )‪(65‬‬ ‫سِئي َ‬
‫خا ِ‬ ‫َ‬
‫ل من البأس بأسلفكم من أهل‬‫ولقد علمتم ‪-‬يا معشر اليهود‪ -‬ما ح ّ‬
‫القرية التي عصت الله‪ ،‬فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت‪،‬‬
‫فاحتالوا لصطياد السمك في يوم السبت ‪ ،‬بوضع ال ّ‬
‫شباك وحفر‬
‫‪18‬‬
‫الب َِرك‪ ،‬ثم اصطادوا السمك يوم الحد حيلة إلى المحرم‪ ،‬فلما فعلوا‬
‫ذلك‪ ،‬مسخهم الله قردة منبوذين‪.‬‬

‫ن )‪(66‬‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫عظ َ ً‬ ‫خل َْفَها وَ َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫ما َ‬
‫ن ي َد َي َْها وَ َ‬
‫ما ب َي ْ َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫ها ن َ َ‬
‫كال ً ل ِ َ‬ ‫فَ َ‬
‫فجعلنا هذه القرية عبرة لمن بحضرتها من القرى‪ ,‬يبلغهم خبرها‬
‫ذنوب‪ ,‬وجعلناها‬ ‫وما ح ّ‬
‫ل بها‪ ,‬وعبرة لمن يعمل بعدها مثل تلك ال ّ‬
‫تذكرة للصالحين; ليعلموا أنهم على الحق‪ ,‬فيثبتوا عليه‪.‬‬

‫حوا ب ََقَرةً َقاُلوا أ َت َت ّ ِ‬ ‫ل موسى ل َِقومه إن الل ّه يأ ْمرك ُ َ‬


‫خذ َُنا‬ ‫ن ت َذ ْب َ ُ‬‫مأ ْ‬ ‫َ َ ُ ُ ْ‬ ‫ْ ِ ِ ِ ّ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقا َ ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل أَ ُ‬
‫ن )‪(67‬‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫جاهِِلي َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫نأ ُ‬
‫كو َ‬ ‫عوذ ُ ِبالل ّهِ أ ْ‬ ‫هُُزوا ً َقا َ‬
‫واذكروا يا بني إسرائيل جناية أسلفكم‪ ,‬وكثرة تعنتهم وجدالهم‬
‫لموسى عليه الصلة والسلم‪ ,‬حين قال لهم‪ :‬إن الله يأمركم أن‬
‫تذبحوا بقرة‪ ,‬فقالوا ‪-‬مستكبرين‪ :-‬أتجعلنا موضًعا للسخرية‬
‫والستخفاف؟ فرد ّ عليهم موسى بقوله‪ :‬أستجير بالله أن أكون من‬
‫المستهزئين‪.‬‬

‫ل إ ِن َّها ب ََق هَرةٌ ل فَههارِ ٌ‬


‫ض‬ ‫ه ي َُقو ُ‬ ‫ي َقا َ‬
‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫ما هِ َ‬‫ن ل ََنا َ‬ ‫َقاُلوا اد ْعُ ل ََنا َرب ّ َ‬
‫ك ي ُب َي ّ ْ‬
‫ن )‪(68‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ك َفافْعَُلوا َ‬
‫ما ت ُؤْ َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ن ب َي ْ َ‬
‫وا ٌ‬‫َول ب ِك ٌْر عَ َ‬
‫قالوا‪ :‬ادع لنا رّبك يوضح لنهها صههفة هههذه البقههرة‪ ,‬فأجههابهم‪ :‬إن اللههه‬
‫رمة‪ ,‬ول صغيرة فَت ِّية‪ ,‬وإنما هههي‬ ‫يقول لكم‪ :‬صفتها أل تكون مسّنة هَ ِ‬
‫متوسطة بينهما‪ ,‬فساِرعوا إلى امتثال أمر ربكم‪.‬‬

‫صههْفَراءُ‬ ‫ه ي َُقو ُ‬
‫ل إ ِن َّها ب ََقههَرةٌ َ‬ ‫ما ل َوْن َُها َقا َ‬
‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫ن ل ََنا َ‬ ‫َقاُلوا اد ْعُ ل ََنا َرب ّ َ‬
‫ك ي ُب َي ّ ْ‬
‫ن )‪(69‬‬ ‫ري َ‬ ‫سّر الّناظ ِ ِ‬ ‫َفاقِعٌ ل َوْن َُها ت َ ُ‬
‫فعادوا إلى جدالهم قائلين‪ :‬ادع لنا ربك يوضههح لنهها لونههها‪ .‬قههال‪ :‬إنههه‬
‫من ينظر إليها‪.‬‬ ‫سّر َ‬‫صْفرة‪ ,‬ت َ ُ‬ ‫يقول‪ :‬إنها بقرة صفراء شديدة ال ّ‬

‫شههاءَ‬ ‫ه عَل َي َْنا وَإ ِّنهها إ ِ ْ‬


‫ن َ‬ ‫ن ال ْب ََقَر ت َ َ‬
‫شاب َ َ‬ ‫ي إِ ّ‬ ‫ن ل ََنا َ‬
‫ما هِ َ‬ ‫َقاُلوا اد ْعُ ل ََنا َرب ّ َ‬
‫ك ي ُب َي ّ ْ‬
‫ن )‪(70‬‬ ‫دو َ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫مهْت َ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬

‫‪19‬‬
‫قال بنو إسرائيل لموسى‪ :‬ادع لنا ربك يوضح لنا صفات أخرى غير‬
‫ه علينا ماذا نختار؟‬ ‫ما سبق; لن البقر ‪-‬بهذه الصفات‪ -‬كثير فا ْ‬
‫شت َب َ َ‬
‫وإننا ‪-‬إن شاء الله‪ -‬لمهتدون إلى البقرة المأمور بذبحها‪.‬‬

‫ث‬‫ح هْر َ‬ ‫س هِقي ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ل إ ِن ّهَهها ب ََق هَرةٌ ل ذ َل ُههو ٌ‬ ‫ه ي َُقههو ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ض َول ت َ ْ‬ ‫ل ت ُِثي هُر الْر َ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬
‫دوا‬ ‫مهها ك َهها ُ‬ ‫ها وَ َ‬
‫حو َ‬ ‫ت ب ِههال ْ َ‬
‫حقّ فَ هذ َب َ ُ‬ ‫جئ ْ َ‬
‫ن ِ‬‫ة ِفيهَهها قَههاُلوا ال َ‬ ‫شهي َ َ‬
‫ةل ِ‬ ‫م ٌ‬‫س هل ّ َ‬
‫م َ‬‫ُ‬
‫ن )‪(71‬‬ ‫ي َْفعَُلو َ‬
‫قال لهم موسى‪ :‬إن الله يقول‪ :‬إنههها بقههرة غيههر مذللههة للعمههل فههي‬
‫حراثة الرض للزراعة‪ ,‬وغير معدة للسقي من الساقية‪ ,‬وخالية مههن‬
‫العيوب جميعها‪ ,‬وليس فيها علمة من لون غير لههون جلههدها‪ .‬قههالوا‪:‬‬
‫الن جئت بحقيقة وصف البقههرة‪ ,‬فاضههطروا إلههى ذبحههها بعههد طههول‬
‫دد‬‫المراوغة‪ ,‬وقد قاربوا أل يفعلوا ذلك لعنادهم‪ .‬وهكذا شههددوا فش ه ّ‬
‫الله عليهم‬
‫ْ‬
‫ن )‪(72‬‬ ‫م ت َك ْت ُ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ج َ‬
‫خرِ ٌ‬
‫م ْ‬ ‫م ِفيَها َوالل ّ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫م ن َْفسا ً َفا ّ‬
‫داَرأت ُ ْ‬ ‫وَإ ِذ ْ قَت َل ْت ُ ْ‬
‫ل يدفع عن نفسه تهمة‬‫سا فتنازعتم بشأنها‪ ,‬ك ّ‬
‫واذكروا إذ قتلتم نف ً‬
‫من قَْتل القتيل‪.‬‬
‫القتل‪ ,‬والله مخرج ما كنتم تخفون ِ‬

‫م آي َههات ِهِ ل َعَل ّك ُه ْ‬


‫م‬ ‫ريك ُه ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫موَْتى وَي ُ ِ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ضَها ك َذ َل ِ َ‬
‫ك يُ ْ‬ ‫فَُقل َْنا ا ْ‬
‫ضرُِبوهُ ب ِب َعْ ِ‬
‫ن )‪(73‬‬ ‫ت َعِْقُلو َ‬
‫فقلنا‪ :‬اضربوا القتيل بجزء من هذه البقرة المذبوحة‪ ,‬فإن الله‬
‫سيبعثه حًيا‪ ,‬ويخبركم عن قاتله‪ .‬فضربوه ببعضها فأحياه الله وأخبر‬
‫بقاتله‪ .‬كذلك ُيحيي الله الموتى يوم القيامة‪ ,‬ويريكم‪ -‬يا بني‬
‫إسرائيل‪ -‬معجزاته الدالة على كمال قدرته تعالى; لكي تتفكروا‬
‫بعقولكم‪ ,‬فتمتنعوا عن معاصيه‪.‬‬

‫ن‬‫سهوَةً وَإ ِ ّ‬ ‫شهد ّ قَ ْ‬ ‫جهاَرةِ أ َوْ أ َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫كال ْ ِ‬


‫ي َ‬ ‫ك فَهِ َ‬ ‫ن ب َعْدِ ذ َل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت قُُلوب ُك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م قَ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ه‬
‫من ْه ُ‬‫ج ِ‬ ‫خ هُر ُ‬‫شّققُ فَي َ ْ‬ ‫ما ي َ ّ‬ ‫من َْها ل َ َ‬‫ن ِ‬ ‫ه ال َن َْهاُر وَإ ِ ّ‬‫من ْ ُ‬
‫جُر ِ‬ ‫ما ي َت ََف ّ‬ ‫جاَرةِ ل َ َ‬‫ح َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫مُلو َ‬‫ما ت َعْ َ‬
‫ل عَ ّ‬ ‫ه ب َِغافِ ٍ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫شي َةِ الل ّهِ وَ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ط ِ‬ ‫ما ي َهْب ِ ُ‬ ‫من َْها ل َ َ‬
‫ن ِ‬ ‫ماُء وَإ ِ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫)‪(74‬‬

‫‪20‬‬
‫ولكنكم لم تنتفعوا بذلك; إذ بعد كل هذه المعجزات الخارقة اشتدت‬
‫ن أمام اليات الباهرة‬
‫قلوبكم وغلظت‪ ,‬فلم ي َن ُْفذ إليها خير‪ ,‬ولم ت َل ِ ْ‬
‫ماء‪ ,‬بل هي‬‫التي أريتكموها‪ ,‬حتى صارت قلوبكم مثل الحجارة الص ّ‬
‫ب منه‬
‫أشد منها غلظة; لن من الحجارة ما يتسع وينفرج حتى تنص ّ‬
‫ة‪ ,‬ومن الحجارة ما يتصدع فينشق‪,‬‬ ‫المياه صًبا‪ ,‬فتصير أنهاًرا جاري ً‬
‫فتخرج منه العيون والينابيع‪ ,‬ومن الحجارة ما يسقط من أعالي‬
‫من خشية الله تعالى وتعظيمه‪ .‬وما الله بغافل عما تعملون‪.‬‬ ‫الجبال ِ‬

‫أ َفَتط ْمعو َ‬
‫م الل ّه ِ‬
‫ه‬ ‫ن َ‬
‫كل َ‬ ‫مُعو َ‬
‫س َ‬
‫م يَ ْ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ريقٌ ِ‬‫ن فَ ِ‬ ‫كا َ‬‫م وَقَد ْ َ‬‫مُنوا ل َك ُ ْ‬‫ن ي ُؤْ ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫ن )‪(75‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫م ي َعْل ُ‬ ‫ُ‬
‫ما عََقلوهُ وَهُ ْ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬‫حّرُفون َ ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م يُ َ‬
‫أيها المسلمون أنسيتم أفعال بني إسههرائيل‪ ,‬فطمعههت نفوسههكم أن‬
‫دق اليهود ُ بدينكم؟ وقد كههان علمههاؤهم يسههمعون كلم اللههه مههن‬ ‫يص ّ‬
‫صْرِفه إلى غير معناه الصههحيح بعههد مهها عقلههوا‬ ‫التوراة‪ ,‬ثم يحرفونه ب ِ َ‬
‫حقيقته‪ ,‬أو بتحريف ألفاظه‪ ,‬وهههم يعلمههون أنهههم يحرفههون كلم رب‬
‫دا وكذًبا‬ ‫العالمين عم ً‬

‫ض َقهاُلوا‬ ‫ضههُ ْ َ‬
‫م إ ِلهى َ ب َْعه ٍ‬ ‫خل ب َعْ ُ‬‫ذا َ‬ ‫مّنها وَإ ِ َ‬ ‫مُنوا َقهاُلوا آ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذا ل َُقوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫م أَفل ت َعِْقُلو َ‬
‫عن ْد َ َرب ّك ُ ْ‬ ‫جوك ُ ْ‬
‫م ب ِهِ ِ‬ ‫حا ّ‬ ‫م ل ِي ُ َ‬‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ح الل ّ ُ‬‫ما فَت َ َ‬‫م بِ َ‬‫حد ُّثون َهُ ْ‬ ‫أت ُ َ‬
‫‪(76‬‬
‫هؤلء اليهود إذا لقوا الذين آمنوا قالوا بلسانهم‪ :‬آمّنا بدينكم‬
‫شر به في التوراة‪ ,‬وإذا خل بعض هؤلء المنافقين‬ ‫ورسولكم المب ّ‬
‫دثون المؤمنين بما بّين الله‬ ‫من اليهود إلى بعض قالوا في إنكار‪ :‬أتح ّ‬
‫لكم في التوراة من أمر محمد; لتكون لهم الحجة عليكم عند ربكم‬
‫يوم القيامة؟ أفل تفقهون فتحذروا؟‬

‫أ َول يعل َمو َ‬


‫ن )‪(77‬‬
‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬
‫ن وَ َ‬
‫سّرو َ‬
‫ما ي ُ ِ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫نأ ّ‬‫َ َْ ُ َ‬
‫أيفعلون ك ّ‬
‫ل هذه الجرائم‪ ,‬ول يعلمون أن الله يعلم جميع ما يخفونه‬
‫وما يظهرونه؟‬

‫َ‬ ‫ومنه ُ‬
‫م إ ِل ّ ي َظ ُّنو َ‬
‫ن )‪(78‬‬ ‫ن هُ ْ‬
‫ي وَإ ِ ْ‬
‫مان ِ ّ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬
‫ب إ ِل ّ أ َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫مّيو َ‬
‫مأ ّ‬‫َ ِ ُْ ْ‬

‫‪21‬‬
‫ومن اليهود جماعة يجهلون القراءة والكتابة‪ ,‬ول يعلمون التوراة‬
‫وما فيها من صفات نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪,‬‬
‫ب وظنون فاسدة‪.‬‬ ‫وما عندهم من ذلك إل أكاذي ُ‬

‫َ‬
‫عن ْهدِ الل ّه ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِ‬ ‫مه ْ‬‫ذا ِ‬ ‫م ي َُقول ُههو َ‬
‫ن هَ ه َ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫ديهِ ْ‬
‫ب ب ِأي ْ ِ‬‫ن ال ْك َِتا َ‬
‫ن ي َك ْت ُُبو َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ل ِل ّ ِ‬
‫فَوَي ْ ٌ‬
‫َ‬
‫مهها‬
‫م ّ‬
‫م ِ‬ ‫ل ل َهُه ْ‬
‫م وَوَي ْه ٌ‬‫ديهِ ْ‬ ‫مهها ك َت َب َه ْ‬
‫ت أي ْه ِ‬ ‫م ّ‬
‫م ِ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫منا ً قَِليل ً فَوَي ْ ٌ‬ ‫شت َُروا ب ِهِ ث َ َ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫ن )‪(79‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫ي َك ْ ِ‬
‫فهلك ووعيد شديد لحبار السوء من اليهود الذين يكتبون الكتاب‬
‫بأيديهم‪ ,‬ثم يقولون‪ :‬هذا من عند الله وهو مخالف لما أنزل الله‬
‫على نبّيه موسى عليه الصلة والسلم; ليأخذوا في مقابل هذا‬
‫عرض الدنيا‪ .‬فلهم عقوبة مهلكة بسبب كتابتهم هذا الباطل بأيديهم‪,‬‬
‫ولهم عقوبة مهلكة بسبب ما يأخذونه في المقابل من المال‬
‫الحرام‪ ,‬كالرشوة وغيرها‪.‬‬

‫عن ْهد َ الل ّههِ عَهْههدا ً‬


‫م ِ‬ ‫ل َأات ّ َ‬
‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫دود َةً قُ ْ‬
‫مع ْ ُ‬
‫َ‬
‫سَنا الّناُر إ ِل ّ أّياما ً َ‬
‫م ّ‬ ‫ن تَ َ‬‫وََقاُلوا ل َ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(80‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ن عََلى الل ّهِ َ‬ ‫م ت َُقوُلو َ‬‫ه عَهْد َهُ أ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫خل ِ َ‬ ‫فَل َ ْ‬
‫ن يُ ْ‬
‫ما قليلة العدد‪.‬‬
‫وقال بنو إسرائيل‪ :‬لن تصيبنا النار في الخرة إل أيا ً‬
‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول مبطل دعواهم‪ :-‬أعندكم عهد من الله بهذا‪,‬‬
‫فإن الله ل يخلف عهده؟ بل إنكم تقولون على الله ما ل تعلمون‬
‫بافترائكم الكذب‪.‬‬

‫خطيئ َته فَأ ُول َئ ِ َ َ‬ ‫بَلى من ك َسب سيئ َ ً َ‬


‫م‬
‫ههه ْ‬
‫ب الّنارِ ُ‬
‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫كأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫حاط َ ْ‬
‫ت ب ِهِ َ ِ ُ ُ‬ ‫ة وَأ َ‬ ‫َ َ َ ّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(81‬‬‫دو َ‬
‫خال ِ ُ‬
‫ِفيَها َ‬
‫جّرته إلى الكفر‪,‬‬
‫م الله ثابت‪ :‬أن من ارتكب الثام حتى َ‬‫حك ْ ُ‬
‫ف ُ‬
‫من جميع جوانبه وهذا ل يكون إل فيمن‬‫واستولت عليه ذنوبه ِ‬
‫أشرك بالله‪ ,‬فالمشركون والكفار هم الذين يلزمون نار جهنم‬
‫ة ل تنقطع‪.‬‬
‫ملزمة دائم ً‬

‫وال ّهذين آمنههوا وعَمل ُههوا الصههال ِحات أ ُول َئ ِ َ َ‬


‫م ِفيهَهها‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫جن ّهةِ هُه ْ‬ ‫حا ُ‬
‫صه َ‬
‫كأ ْ‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ ِ َ َ ُ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫دو َ‬
‫خال ِ ُ‬
‫َ‬
‫‪22‬‬
‫دقوا بالله ورسله‬‫ن الذين ص ّ‬
‫ت في مقابل هذا‪ :‬أ ّ‬
‫وحكم الله الثاب ُ‬
‫صا‪ ,‬وعملوا العمال المتفقة مع شريعة الله التي أوحاها‬ ‫تصديًقا خال ً‬
‫ة ل تنقطع‪.‬‬
‫ة دائم ً‬
‫إلى رسله‪ ,‬هؤلء يلزمون الجنة في الخرة ملزم ً‬

‫سههانا ً‬ ‫ه وَِبال ْ‬ ‫ن إ ِل ّ الل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وإذ ْ أ َ‬


‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫دو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ئي‬
‫ِ‬ ‫را‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ثا‬ ‫مي‬
‫ِ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ذ‬‫خ‬‫َ‬ ‫َِ‬
‫َ‬
‫مههوا‬‫سههنا ً وَأِقي ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫س ُ‬ ‫للن ّهها ِ‬ ‫ن وَُقول ُههوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫كي‬‫سهها ِ‬
‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫وَِذي ال ُْقْرب َههى َوال ْي َت َهها َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(83‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫م إ ِل ّ قَِليل ً ِ‬ ‫م ت َوَل ّي ْت ُ ْ‬ ‫كاةَ ث ُ ّ‬ ‫صلةَ َوآُتوا الّز َ‬ ‫ال ّ‬
‫دا‪ :‬بأن تعبدوا‬‫دا مؤك ً‬ ‫خ ْ‬
‫ذنا عليكم عه ً‬ ‫واذكروا يا بني إسرائيل حين أ َ‬
‫الله وحده ل شريك له‪ ,‬وأن تحسنوا للوالدين‪ ,‬وللقربين‪ ,‬وللولد‬
‫الذين مات آباؤهم وهم دون بلوغ الحلم‪ ,‬وللمساكين‪ ,‬وأن تقولوا‬
‫ضتم‬ ‫َ‬
‫للناس أطيب الكلم‪ ,‬مع أداء الصلة وإيتاء الزكاة‪ ,‬ثم أعَْر ْ‬
‫ونقضتم العهد ‪-‬إل قليل منكم ثبت عليه‪ -‬وأنتم مستمرون في‬
‫إعراضكم‪.‬‬

‫خرجههو َ‬ ‫وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫س هك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن أنُف َ‬
‫َ‬ ‫مههاَءك ُ ْ‬
‫م َول ت ُ ْ ِ ُ‬ ‫ن دِ َ‬
‫كو َ‬ ‫س هِف ُ‬
‫ل تَ ْ‬ ‫ميَثاقَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫خذ َْنا ِ‬
‫َ‬ ‫ديارك ُم ث ُ َ‬
‫ن )‪(84‬‬ ‫دو َ‬‫شه َ ُ‬‫م تَ ْ‬‫وَأن ْت ُ ْ‬ ‫م‬‫م أقَْرْرت ُ ْ‬‫َِ ِ ْ ّ‬
‫دا في‬
‫دا مؤك ً‬
‫ذنا عليكم عه ً‬ ‫واذكروا ‪-‬يا بني إسرائيل‪ -‬حين أ َ َ‬
‫خ ْ‬
‫ضا من‬
‫التوراة‪ :‬يحرم سفك بعضكم دم بعض‪ ,‬وإخراج بعضكم بع ً‬
‫دياركم‪ ,‬ثم اعترفتم بذلك‪ ,‬وأنتم تشهدون على صحته‪.‬‬

‫ؤلء تْقتُلو َ‬ ‫ثُ َ‬


‫م‬ ‫ن دَِيهارِهِ ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫كه ْ‬‫من ْ ُ‬‫ريقها ً ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن فَ‬ ‫جو َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م وَت ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ن أنُف َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫م هَ ُ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫م وَهُ ه َ‬ ‫دوهُ ْ‬ ‫ساَرى ت َُفهها ُ‬ ‫مأ َ‬ ‫ن ي َأُتوك ْ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫م ِبال ِث ْم ِ َوالعُد َْوا ِ‬ ‫ن عَلي ْهِ ْ‬ ‫ت َت َظاهَُرو َ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫ض فَ َ‬‫ن ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ب وَت َك ُْفُرو َ‬ ‫ض ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن ب ِب َعْ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م أفَت ُؤْ ِ‬ ‫جه ُ ْ‬‫خَرا ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫حّر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ة‬
‫مه ِ‬‫م ال ِْقَيا َ‬‫حي َههاةِ الهد ّن َْيا وَي َهوْ َ‬ ‫خْزيٌ ِفي ال ْ َ‬ ‫م إ ِل ّ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫ن ي َْفعَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جَزاُء َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(85‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫ه ب َِغافِ ٍ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫شد ّ ال ْعَ َ‬ ‫ن إ َِلى أ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ي َُر ّ‬
‫ضا من‬ ‫ضا‪ ,‬وُيخرج بعضكم بع ً‬
‫ثم أنتم يا هؤلء يقتل بعضكم بع ً‬
‫وى كل فريق منكم على إخوانه بالعداء بغًيا وعدواًنا‪.‬‬‫ديارهم‪ ,‬وي َت ََق ّ‬
‫وأن يأتوكم أسارى في يد العداء سعيتم في تحريرهم من السر‪,‬‬
‫بدفع الفدية‪ ,‬مع أنه محرم عليكم إخراجهم من ديارهم‪ .‬ما أقبح ما‬
‫تفعلون حين تؤمنون ببعض أحكام التوراة وتكفرون ببعضها! فليس‬

‫‪23‬‬
‫ذل وفضيحة في الدنيا‪ .‬ويوم القيامة‬‫من يفعل ذلك منكم إل ُ‬ ‫جزاء َ‬
‫دهم الله إلى أفظع العذاب في النار‪ .‬وما الله بغافل عما‬
‫ير ّ‬
‫تعملون‪.‬‬

‫ب‬ ‫م ال ْعَه َ‬
‫ذا ُ‬ ‫ف عَن ْهُه ْ‬ ‫خَرةِ َفل ي ُ َ‬
‫خّفه ُ‬ ‫شت ََرْوا ال ْ َ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا ِبال ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ن )‪(86‬‬ ‫صُرو َ‬
‫م ُين َ‬ ‫َول هُ ْ‬
‫أولئك هم الذين آثروا الحياة الدنيا على الخرة‪ ,‬فل يخفف عنهم‬
‫من عذاب الله‪.‬‬
‫العذاب‪ ,‬وليس لهم ناصر ينصرهم ِ‬

‫ن‬
‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬‫ل َوآت َي َْنا ِ‬ ‫س ِ‬‫ن ب َعْدِهِ ِبالّر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب وَقَّفي َْنا ِ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫وَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مهها ل‬ ‫ل بِ َ‬‫سههو ٌ‬
‫م َر ُ‬ ‫جههاَءك ُ ْ‬‫مهها َ‬ ‫س أفَك ُل ّ َ‬ ‫ح الُق هد ُ ِ‬
‫ْ‬
‫ت وَأي ّهد َْناهُ ب ِهُرو ِ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ِ‬
‫مْري َ َ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫ريقا ً ت َْقت ُُلو َ‬‫م وَفَ ِ‬ ‫ريقا ً ك َذ ّب ْت ُ ْ‬‫م فََف ِ‬‫ست َك ْب َْرت ُ ْ‬
‫ما ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫وى أنُف ُ‬ ‫ت َهْ َ‬
‫ولقد أعطينا موسى التوراة‪ ,‬وأتبعناه برسل من بني إسرائيل‪,‬‬
‫ويناه بجبريل‬
‫وأعطينا عيسى ابن مريم المعجزات الواضحات‪ ,‬وق ّ‬
‫عليه السلم‪ .‬أفكلما جاءكم رسول بوحي من عند الله ل يوافق‬
‫أهواءكم‪ ,‬استعليتم عليه‪ ,‬فك ّ‬
‫ذبتم فريًقا وتقتلون فريًقا؟‬

‫ن )‪(88‬‬ ‫م فََقِليل ً َ‬
‫ما ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه ب ِك ُْفرِهِ ْ‬ ‫ل ل َعَن َهُ ْ‬ ‫وََقاُلوا قُُلوب َُنا غُل ْ ٌ‬
‫ف بَ ْ‬
‫وقال بنو إسرائيل لنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫وا‪ ,‬بل‬‫قلوبنا مغطاة‪ ,‬ل ي َن ُْفذ إليها قولك‪ .‬وليس المر كما اد ّعَ ْ‬
‫قلوبهم ملعونة‪ ,‬مطبوع عليها‪ ,‬وهم مطرودون من رحمة الله‬
‫بسبب جحودهم‪ ,‬فل يؤمنون إل إيماًنا قليل ل ينفعهم‪.‬‬

‫ل‬‫ن قَب ْه ُ‬ ‫مه ْ‬‫م وَك َههاُنوا ِ‬‫معَهُه ْ‬


‫ما َ‬‫صد ّقٌ ل ِ َ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫م ك َِتا ٌ‬
‫جاَءهُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫ما عََرُفوا ك ََفُروا ب ِهِ فَل َعَْنهه ُ‬
‫ة‬ ‫م َ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬‫ن ك ََفُروا فَل َ ّ‬ ‫ن عََلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حو َ‬‫ست َْفت ِ ُ‬‫يَ ْ‬
‫ن )‪(89‬‬ ‫ري َ‬ ‫الل ّهِ عََلى ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬
‫وحين جاءهم القرأن من عند الله مصدقا لما معهم من التوراة‬
‫جحدوه‪ ,‬وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وكانوا قبل بعثته‬
‫ي‬
‫ب مبعث نب ّ‬ ‫يستنصرون به على مشركي العرب‪ ,‬ويقولون‪ :‬قَُر َ‬
‫‪24‬‬
‫ما جاءهم الرسول الذي‬ ‫آخرِ الزمان‪ ,‬وسنتبعه ونقاتلكم معه‪ .‬فل ّ‬
‫من‬
‫ة الله على كل َ‬‫صد َْقه كفروا به وكذبوه‪ .‬فلعن ُ‬
‫عرفوا صفاِته و ِ‬
‫كفر بنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وكتابه الذي‬
‫أوحاه الله إليه‪.‬‬

‫َ‬ ‫مهها َأن هَز َ‬ ‫شتروا به َأنُفسه َ‬


‫ل‬ ‫ه ب َْغيها ً أ ْ‬
‫ن ي ُن َهّز َ‬ ‫ل الل ّه ُ‬ ‫ن ي َك ُْفُروا ب ِ َ‬‫مأ ْ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ما ا ْ َ َ ْ ِ ِ‬ ‫س َ‬‫ب ِئ ْ َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫عب َههادِ ِ‬‫ن ِ‬ ‫مه ْ‬‫شههاُء ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مه ْ‬‫ضل ِهِ عَل َههى َ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ن ي ُن َّز َ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ضل ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫الل ّ ُ‬
‫ن )‪(90‬‬ ‫مِهي ٌ‬‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬‫ن عَ َ‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ب وَل ِل ْ َ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ب عََلى غَ َ‬ ‫ض ٍ‬‫فََباُءوا ب ِغَ َ‬
‫ح ما اختاره بنو إسرائيل لنفسهم; إذ استبدلوا الكفر باليمان‬ ‫قَب ُ َ‬
‫دا لنزال الله من فضله القرآن على نبي الله ورسوله‬ ‫ما وحس ً‬‫ظل ً‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فرجعوا بغضب من الله عليهم بسبب‬
‫جحودهم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬بعد غضبه عليهم‬
‫وة محمد صلى الله عليه‬ ‫بسبب تحريفهم التوراة‪ .‬وللجاحدين نب ّ‬
‫ب يذّلهم ويخزيهم‪.‬‬‫وسلم عذا ٌ‬

‫مهها ُأنهزِ َ‬
‫ل عَل َي ْن َهها‬ ‫ن بِ َ‬
‫م ُ‬‫ه قَههاُلوا ن ُهؤْ ِ‬ ‫ل الل ّه ُ‬‫مهها َأنهَز َ‬ ‫من ُههوا ب ِ َ‬
‫مآ ِ‬ ‫ل ل َهُه ْ‬
‫ذا ِقيه َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫م ت َْقت ُل ُههو َ‬
‫ن‬ ‫ل فَل ِه َ‬
‫م قُ ه ْ‬‫معَهُه ْ‬ ‫مهها َ‬‫دقا ً ل ِ َ‬‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫حقّ ُ‬ ‫ما وََراَءهُ وَهُوَ ال ْ َ‬ ‫ن بِ َ‬‫وَي َك ُْفُرو َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(91‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ن ُ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫أن ْب َِياَء الل ّهِ ِ‬
‫دقوا بما أنزل الله من القرآن‪,‬‬
‫وإذا قال بعض المسلمين لليهود‪ :‬ص ّ‬
‫دق بما أنزل الله على أنبيائنا‪ ,‬ويجحدون ما أنزل الله‬ ‫قالوا‪ :‬نحن نص ّ‬
‫بعد ذلك‪ ,‬وهو الحق مصدًقا لما معهم‪ .‬فلو كانوا يؤمنون بكتبهم حًقا‬
‫دقها‪ .‬قل لهم ‪-‬يا محمد‪ :-‬إن كنتم مؤمنين‬ ‫لمنوا بالقرآن الذي ص ّ‬
‫من قبل؟‬ ‫بما أنزل الله عليكم‪ ,‬فلماذا قتلتم أنبياء الله ِ‬

‫َ‬
‫م‬
‫ن ب َعْهدِهِ وَأن ْت ُه ْ‬
‫مه ْ‬
‫ل ِ‬ ‫م ال ْعِ ْ‬
‫جه َ‬ ‫خهذ ْت ُ ْ‬
‫م ات ّ َ‬ ‫سى ِبال ْب َي ّن َهها ِ‬
‫ت ث ُه ّ‬ ‫مو َ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫وَل ََقد ْ َ‬
‫ن )‪(92‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫ظال ِ ُ‬
‫ولقد جاءكم نبي الله موسى بالمعجزات الواضحات الدالة على‬
‫مل والضفادع‪ ,‬وغير ذلك مما ذكره‬ ‫صدقه‪ ,‬كالطوفان والجراد والُق ّ‬
‫دا‪ ,‬بعد ذهاب‬
‫الله في القرآن العظيم‪ ,‬ومع ذلك اتخذتم العجل معبو ً‬
‫موسى إلى ميقات ربه‪ ,‬وأنتم متجاوزون حدود الله‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫م ب ُِقهوّةٍ‬‫مهها آت َي ْن َههاك ُ ْ‬‫ذوا َ‬ ‫خه ُ‬ ‫م الط ّههوَر ُ‬ ‫م وََرفَعْن َهها فَهوْقَك ُ ْ‬ ‫ميث َههاقَك ُ ْ‬ ‫خذ َْنا ِ‬‫وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫م‬‫ل ب ِك ُْفرِهِ ه ْ‬
‫جه َ‬ ‫م ال ْعِ ْ‬
‫شرُِبوا ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫صي َْنا وَأ ُ ْ‬
‫معَْنا وَعَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫مُعوا َقاُلوا َ‬ ‫س َ‬ ‫َوا ْ‬
‫ن ُ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(93‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫مان ُك ُ ْ‬
‫م ب ِهِ ِإي َ‬ ‫مُرك ُ ْ‬‫ما ي َأ ُ‬
‫س َ‬ ‫ل ب ِئ ْ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫دا بَقبول ما جاءكم به موسى‬‫دا مؤك ً‬
‫ذنا عليكم عه ً‬ ‫واذكروا حين أ َ َ‬
‫خ ْ‬
‫من التوراة‪ ,‬فنقضتم العهد‪ ,‬فرفعنا جبل الطور فوق رؤوسكم‪,‬‬
‫د‪ ,‬واسمعوا وأطيعوا‪ ,‬وإل أسقطنا‬ ‫وقلنا لكم‪ :‬خذوا ما آتيناكم بج ّ‬
‫الجبل عليكم‪ ,‬فقلتم‪ :‬سمعنا قولك وعصينا أمرك; لن عبادة العجل‬
‫قد امتزجت بقلوبكم بسبب تماديكم في الكفر‪ .‬قل لهم ‪-‬أيها‬
‫ح ما يأمركم به إيمانكم من الكفر والضلل‪ ,‬إن كنتم‬ ‫الرسول‪ :-‬قَب ُ َ‬
‫دقين بما أنزل الله عليكم‪.‬‬ ‫مص ّ‬

‫س‬
‫ن الن ّهها ِ‬
‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫مه ْ‬
‫ة ِ‬
‫صه ً‬ ‫عن ْهد َ الل ّههِ َ‬
‫خال ِ َ‬ ‫خهَرةُ ِ‬‫داُر ال ِ‬
‫م ال ّ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫ن َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن )‪(94‬‬ ‫صادِِقي َ‬
‫م َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫مو ْ َ‬‫وا ال ْ َ‬‫من ّ ْ‬‫فَت َ َ‬
‫دعون أن الجنة خاصة بهم;‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لليهود الذين ي ّ‬
‫لزعمهم أنهم أولياء الله من دون الناس‪ ,‬وأنهم أبناؤه وأحباؤه‪ :‬إن‬
‫عوا على الكاذبين منكم أو من غيركم بالموت‪,‬‬ ‫كان المر كذلك فاد ْ ُ‬
‫إن كنتم صادقين في دعواكم هذه‪.‬‬

‫م ِبال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن )‪(95‬‬
‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ديهِ ْ‬
‫ت أي ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫من ّوْهُ أَبدا ً ب ِ َ‬
‫ما قَد ّ َ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫ن ي َت َ َ‬
‫دا; لما يعرفونه من صدق النبي محمد صلى الله‬ ‫ولن يفعلوا ذلك أب ً‬
‫عليه وسلم ومن كذبهم وافترائهم‪ ,‬وبسبب ما ارتكبوه من الكفر‬
‫والعصيان‪ ,‬المؤَد ّي َْين إلى حرمانهم من الجنة ودخول النار‪ .‬والله‬
‫تعالى عليم بالظالمين من عباده‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ول َتجدنه َ‬


‫م‬‫حهد ُهُ ْ‬ ‫شَر ُ‬
‫ي َهوَد ّ أ َ‬
‫كوا‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫م ْ‬‫حَياةٍ وَ ِ‬‫س عََلى َ‬ ‫ِ‬ ‫ص الّنا‬‫حَر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ َ ِ َُّ ْ‬
‫َ‬ ‫مُر أ َل ْ َ‬
‫مهَر َوالل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫ن‬
‫بأ ْ‬‫ي ُعَ ّ‬
‫ذا ِ‬‫ن ال ْعَه َ‬ ‫مه ْ‬‫ح هه ِ ِ‬
‫حزِ ِ‬‫مَز ْ‬
‫مهها هُهوَ ب ِ ُ‬
‫سن َةٍ وَ َ‬
‫ف َ‬ ‫ل َوْ ي ُعَ ّ‬
‫ن )‪(96‬‬ ‫مُلو َ‬‫ما ي َعْ َ‬ ‫صيٌر ب ِ َ‬ ‫بَ ِ‬
‫ن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن اليهود أشد الناس رغبة في طول الحياة‬ ‫م ّ‬ ‫ولتعل َ‬
‫أّيا كانت هذه الحياة من الذّلة والمهانة‪ ,‬بل تزيد رغبتهههم فههي طههول‬

‫‪26‬‬
‫الحياة على رغبات المشركين‪ .‬يتمنى اليهودي أن يعيش ألف سههنة‪,‬‬
‫ول ي ُْبعده هذا العمر الطويل إن حصل من عذاب الله‪ .‬واللههه تعههالى‬
‫ل يخفى عليه شيء من أعمالهم وسههيجازيهم عليههها بمهها يسهتحقون‬
‫من العذاب‪.‬‬

‫دقا ً‬
‫صه ّ‬ ‫ن الل ّههِ ُ‬
‫م َ‬ ‫ه عََلى قَل ْب ِ َ‬
‫ك ب ِهإ ِذ ْ ِ‬ ‫ه ن َّزل َ ُ‬
‫ل فَإ ِن ّ ُ‬
‫ري َ‬ ‫ن عَد ُوّا ً ل ِ ِ‬
‫جب ْ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن )‪(97‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫شَرى ل ِل ْ ُ‬ ‫دى وَب ُ ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَهُ ً‬
‫ما ب َي ْ َ‬
‫لِ َ‬
‫قل‪-‬أيها الرسول‪ -‬لليهود حين قالوا‪ :‬إن جبريل هو عدونا من‬
‫الملئكة‪ :‬من كان عدًوا لجبريل فإنه نّزل القرآن على قلبك بإذن‬
‫الله تعالى مصد ًّقا لما سبقه من كتب الله‪ ,‬وهادًيا إلى الحق‪,‬‬
‫دقين به بكل خير في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫ومبشًرا للمص ّ‬

‫ن الل ّه َ‬
‫ه عَهد ُّو‬ ‫ل ف َ هإ ِ ّ‬ ‫مي َ‬
‫كا َ‬ ‫ري َ‬
‫ل وَ ِ‬ ‫جب ْ ِ‬
‫سل ِهِ وَ ِ‬ ‫ن عَد ُوّا ً ل ِل ّهِ وَ َ‬
‫ملئ ِك َت ِهِ وَُر ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬‫َ‬
‫ن )‪(98‬‬ ‫ري َ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬
‫من عادى الله وملئكته‪ ،‬ورسله من الملئكة أو البشر‪ ،‬وبخاصة‬
‫ل؛ لن اليهود زعموا أن جبريل عدوهم‪،‬‬ ‫ل وميكا ُ‬‫مَلكان جبري ُ‬
‫ال َ‬
‫دا منهما فقد عادى‬
‫وميكال ولّيهم ‪ ،‬فأعلمهم الله أنه من عادى واح ً‬
‫ضا‪ ،‬فإن الله عدو للجاحدين ما أنزل على‬‫الخر‪ ،‬وعادى الله أي ً‬
‫رسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫ن )‪(99‬‬ ‫ما ي َك ُْفُر ب َِها إ ِل ّ ال َْفا ِ‬


‫سُقو َ‬ ‫ت وَ َ‬
‫ت ب َي َّنا ٍ‬ ‫وَل ََقد ْ َأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ك آَيا ٍ‬
‫ولقد أنزلنا إليك‪-‬أيها الرسول‪ -‬آيات بينات واضحات تدل على أّنك‬
‫رسول من الله صدقا وحقا‪ ،‬وما ينكر تلك اليات إل الخارجون عن‬
‫دين الله‪.‬‬

‫عاهَدوا عَهدا ً نبذ َه فَريق منهم ب ْ َ‬ ‫َ‬


‫ن )‪(100‬‬
‫مُنو َ‬ ‫ل أك ْث َُرهُ ْ‬
‫م ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ََ ُ ِ ٌ ِ ُْ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ ُ‬‫أوَك ُل ّ َ‬
‫دا‬
‫ما أقبح حال بني إسرائيل في نقضهم للعهود!! فكلما عاهدوا عه ً‬
‫رمون العهد اليوم‬‫طرح ذلك العهد فريق منهم‪ ,‬ونقضوه‪ ,‬فتراهم ي ُب ْ ِ‬
‫دقون بما جاء به نبي الله ورسوله‬ ‫دا‪ ,‬بل أكثرهم ل يص ّ‬
‫وينقضونه غ ً‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫ن‬
‫مه ْ‬‫ري هقٌ ِ‬ ‫م َ ن َب َهذ َ فَ ِ‬
‫معَهُ ه ْ‬‫ما َ‬‫صد ّقٌ ل ِ َ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬‫سو ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬‫وَل َ ّ‬
‫ال ّذي ُ‬
‫ن)‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬
‫مههو َ‬ ‫م ك َهأن ّهُ ْ‬ ‫ب الل ّههِ وََراَء ظ ُهُههورِهِ ْ‬ ‫ن أوت ُههوا ال ْك ِت َهها َ‬
‫ب ك ِت َهها َ‬ ‫ِ َ‬
‫‪(101‬‬
‫ولما جههاءهم محمههد رسههول اللههه صههلى اللههه عليههه وسههلم بههالقرآن‬
‫الموافق لما معهم من التوراة طرح فريق منهم كتاب الله‪ ,‬وجعلوه‬
‫وراء ظهورهم‪ ,‬شأنهم شأن الجهال الذين ل يعلمون حقيقته‬

‫ن‬ ‫ما ُ‬ ‫س هل َي ْ َ‬
‫مهها ك ََفهَر ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫سهل َي ْ َ‬
‫ك ُ‬ ‫مل ْه ِ‬ ‫ن عَل َههى ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫شهَيا ِ‬ ‫ما ت َت ُْلو ال ّ‬ ‫َوات ّب َُعوا َ‬
‫ل عَل َههى‬ ‫ُ‬
‫مهها أن هزِ َ‬ ‫حَر وَ َ‬ ‫سه ْ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ن الن ّهها َ‬ ‫مههو َ‬ ‫ن ك ََف هُروا ي ُعَل ّ ُ‬ ‫طي َ‬ ‫ش هَيا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وَل َك ِه ّ‬
‫هاروت وماروت وما يعل ّمان م َ‬ ‫ال ْ َ َ‬
‫مهها‬ ‫حّتى ي َُقههول إ ِن ّ َ‬ ‫حدٍ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ل َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َُ َ ِ ِ ْ‬ ‫ن ب َِباب ِ َ‬ ‫ملك َي ْ ِ‬
‫ه‬
‫ج ِ‬ ‫مْرءِ وََزوْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫ن ب ِهِ ب َي ْ َ‬ ‫ما ي َُفّرُقو َ‬ ‫ما َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ة َفل ت َك ُْفْر فَي َت َعَل ّ ُ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫ح ُ‬ ‫نَ ْ‬
‫وما هُم بضارين به م َ‬
‫م َول‬ ‫ض هّرهُ ْ‬‫مهها ي َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مههو َ‬ ‫ن الل ّههِ وَي َت َعَل ّ ُ‬ ‫حدٍ إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ْ ِ َ ّ َ ِ ِ ِ ْ‬ ‫َ َ‬
‫س‬‫ق وَل َب ِئ ْ َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫مهه ْ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫ه ِفي ال ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫شت ََراهُ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫موا ل َ َ‬ ‫م وَل ََقد ْ عَل ِ ُ‬ ‫َينَفعُهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(102‬‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْل َ ُ‬ ‫م ل َوْ َ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫شَرْوا ب ِهِ أنُف َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن به السحرةَ على عهد ملك سليمان‬ ‫دث الشياطي ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫واتبع اليهود ما ت ُ َ‬
‫ن الشههياطين هههم‬ ‫سههحر‪ ,‬ولك ه ّ‬ ‫بن داود‪ .‬وما كفر سليمان وما ت َعَّلم ال ّ‬
‫دا لدينهم‪ .‬وكذلك‬ ‫الذين كفروا بالله حين عّلموا الناس السحر; إفسا ً‬
‫كين هاروت وماروت‪ ,‬بههأرض‬ ‫سحر الذي ُأنزل على المل َ َ‬ ‫اتبع اليهود ال ّ‬
‫"بابل" فههي "العههراق"; امتحان ًهها وابتلء مههن اللههه لعبههاده‪ ,‬ومهها يعل ّههم‬
‫ذراه من تعلم السحر‪ ,‬ويقول لههه‪:‬‬ ‫الملكان من أحد حتى ينصحاه ويح ّ‬
‫سحر وطاعة الشياطين‪ .‬فيتعلم الناس من الملكيههن‬ ‫ل تكفر بتعلم ال ّ‬
‫دثون بههه الكراهيههة بيههن الزوجيههن حههتى يتفرقهها‪ .‬ول يسههتطيع‬ ‫حه ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬
‫دا إل بإذن الله وقضائه‪ .‬وما يتعلم السحرة‬ ‫السحرة أن يضروا به أح ً‬
‫إل شًرا يضرهم ول ينفعهم‪ ,‬وقد نقلته الشياطين إلى اليهود‪ ,‬فشههاع‬
‫ضلوه على كتاب الله‪ .‬ولقد علههم اليهههود أن مههن اختههار‬ ‫فيهم حتى ف ّ‬
‫سحر وترك الحق ما له في الخرة من نصيب في الخيههر‪ .‬ولههبئس‬ ‫ال ّ‬
‫ضا عههن اليمههان ومتابعههة‬ ‫ما باعوا به أنفسهم من السحر والكفر عو ً‬
‫عظوا‪.‬‬ ‫م يثمر العمل بما وُ ِ‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫الرسول‪ ,‬لو كان لهم ِ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫خي ْهٌر ل َهوْ ك َههاُنوا ي َعْل َ ُ‬
‫مههو َ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ َ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫وا ل َ َ‬
‫مُثوب َ ٌ‬ ‫مُنوا َوات َّق ْ‬ ‫وَل َوْ أن ّهُ ْ‬
‫مآ َ‬
‫‪(103‬‬

‫‪28‬‬
‫ولو أن اليهود آمنوا وخافوا الله ليقنوا أن ثواب الله خير لهم من‬
‫سحر ومما اكتسبوه به‪ ,‬لو كانوا يعلمون ما يحصل باليمان‬ ‫ال ّ‬
‫والتقوى من الثواب والجزاء علما حقيقيا لمنوا‪.‬‬

‫َ‬
‫مُعوا‬ ‫عَنهها وَُقوُلههوا انظ ُْرَنهها َوا ْ‬
‫سهه َ‬ ‫مُنههوا ل ت َُقوُلههوا َرا ِ‬
‫نآ َ‬ ‫َيهها أي َّههها اّلهه ِ‬
‫ذي َ‬
‫م )‪(104‬‬ ‫َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫وَل ِل ْ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬
‫يا أيها الذين آمنوا ل تقولوا للرسول محمد صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫راعنا‪ ,‬أي‪ :‬راعنا سمعك‪ ،‬فافهم عنا وأفهمنا; لن اليهود كانوا‬
‫يقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم يلوون ألسنتهم بها‪ ,‬يقصدون‬
‫سّبه ونسبته إلى الرعونة‪ ,‬وقولوا‪ -‬أيها المؤمنون‪ -‬بدل منها‪ :‬انظرنا‪,‬‬
‫دنا‪ ,‬وهي تؤدي المعنى المطلوب نفسه واسمعوا‬ ‫أي انظر إلينا وتعهّ ْ‬
‫ما يتلى عليكم من كتاب ربكم وافهموه‪ .‬وللجاحدين عذاب موجع‪.‬‬

‫شركي َ‬ ‫ما يود ال ّذين ك ََفروا م َ‬


‫ل عَل َي ْك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ن ي ُن َّز َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ ِ ِ َ‬ ‫ب َول ال ْ ُ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ن أه ْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ّ ِ َ‬
‫ل‬‫ضه ِ‬‫ذو ال َْف ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫شههاُء َوالل ّه ُ‬
‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫مت ِهِ َ‬
‫ح َ‬
‫ص ب َِر ْ‬ ‫خت َ ّ‬‫ه يَ ْ‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬
‫خي ْرٍ ِ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ظيم ِ )‪(105‬‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ما يحب الكفار من أهل الكتاب والمشركين أن ُينّزل عليكم أدنى‬
‫ما‪ ,‬أو نصًرا أو بشارة‪ .‬والله يختص‬‫خير من ربكم قرآًنا أو عل ً‬
‫من عباده بالنبوة والرسالة‪ .‬والله ذو العطاء‬ ‫من يشاء ِ‬ ‫برحمته َ‬
‫الكثير الواسع‪.‬‬

‫خير منها أ َو مث ْل ِها أ َل َم تعَله َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫ن الّله َ‬
‫ه‬ ‫مأ ّ‬‫ْ َْ ْ‬ ‫ت بِ َ ْ ٍ ِ ْ َ ْ ِ َ‬ ‫سَها ن َأ ِ‬
‫ن آي َةٍ أوْ ُنن ِ‬‫م ْ‬
‫خ ِ‬‫س ْ‬‫ما َنن َ‬‫َ‬
‫ديٌر )‪(106‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬
‫عَلى ك ُ ّ‬
‫زلها من القلوب والذهان نأت بأنفع لكم منها‪,‬‬ ‫دل من آية أو ن ُ ِ‬
‫ما نب ّ‬
‫ل حكمة‪ .‬ألم تعلم ‪-‬أيها‬
‫أو نأت بمثلها في التكليف والثواب‪ ,‬ولك ٍ‬
‫النبي‪ -‬أنت وأمتك أن الله قادر ل يعجزه شيء؟‬

‫َ‬ ‫أ َل َم تعل َ َ‬
‫ن الّلهه ِ‬
‫ه‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ك ال ّ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫مأ ّ‬ ‫ْ َْ ْ‬
‫صيرٍ )‪(107‬‬ ‫ي َول ن َ ِ‬‫ن وَل ِ ّ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬

‫‪29‬‬
‫ت ‪-‬أيها النبي‪ -‬أنت وأمتك أن الله تعالى هو المالك‬
‫أما علم َ‬
‫المتصرف في السموات والرض؟ يفعل ما يشاء‪ ,‬ويحكم ما يريد‪,‬‬
‫ويأمر عباده وينهاهم كيفما شاء‪ ,‬وعليهم الطاعة والَقبول‪ .‬وليعلم‬
‫ي يتولهم‪ ,‬ول نصير‬ ‫من عصى أن ليس لحد من دون الله من ول ّ‬
‫يمنعهم من عذاب الله‪.‬‬

‫أ َم تريدون أ َن ت َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ن قَب ْه ُ‬
‫ل وَ َ‬ ‫مه ْ‬
‫سههى ِ‬
‫مو َ‬
‫ل ُ‬ ‫س هئ ِ َ‬
‫مهها ُ‬ ‫سول َك ُ ْ‬
‫م كَ َ‬ ‫سأُلوا َر ُ‬
‫ْ ُ ِ ُ َ ْ َ ْ‬
‫ل )‪(108‬‬ ‫سِبي ِ‬ ‫واَء ال ّ‬
‫س َ‬
‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن فََقد ْ َ‬
‫ما ِ‬ ‫ل ال ْك ُْفَر ِبا ِ‬
‫لي َ‬ ‫ي َت َب َد ّ ْ‬
‫بل أتريدون‪ -‬أيها الناس‪ -‬أن تطلبوا من رسولكم محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم أشياء بقصد العناد والمكابرة‪ ,‬كما ط ُل ِ َ‬
‫ب مثل ذلك من‬
‫موسى‪ .‬علموا أن من يختر الكفر ويترك اليمان فقد خرج عن‬
‫ضلل‪.‬‬‫صراط الله المستقيم إلى الجهل وال ّ‬

‫سههدا ً‬ ‫ود ك َِثير م َ‬


‫ح َ‬‫م ك ُّفههارا ً َ‬
‫مان ِك ُ ْ‬
‫ن ب َعْدِ ِإي َ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫دون َك ُ ْ‬‫ب ل َوْ ي َُر ّ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أه ْ ِ‬ ‫ٌ ِ ْ‬ ‫َ ّ‬
‫َ‬
‫حت ّههى‬‫حوا َ‬ ‫صهَف ُ‬‫حقّ فَههاعُْفوا َوا ْ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ن ل َهُ ْ‬‫ما ت َب َي ّ َ‬
‫ن ب َعْدِ َ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫سه ِ ْ‬‫عن ْدِ أنُف ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مْ ْ‬
‫ِ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر )‪(109‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مرِهِ إ ِ ّ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬‫ي الل ّ ُ‬
‫ي َأت ِ َ‬
‫تمنى كثير من أهل الكتاب أن يرجعوكم بعد إيمانكم كفاًرا كما كنتم‬
‫ل تعبدون الصنام; بسبب الحقد الذي امتلت به نفوسهم من‬ ‫من قب ُ‬
‫بعد ما تبّين لهم صدق نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه‬
‫ما كان منهم من إساءة وخطأ‪,‬‬ ‫وسلم فيما جاء به‪ ,‬فتجاوزوا ع ّ‬
‫واصفحوا عن جهلهم‪ ,‬حتى يأتي الله بحكمه فيهم بقتالهم )وقد جاء‬
‫ووقع(‪ ,‬وسيعاقبهم لسوء أفعالهم‪ .‬إن الله على كل شيء قدير ل‬
‫يعجزه شيء‪.‬‬

‫كاةَ وما ت َُقد ّموا َ‬ ‫َ‬


‫دوهُ‬
‫جه ُ‬
‫خي ْهرٍ ت َ ِ‬
‫ن َ‬
‫مه ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫لنُف ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫صلةَ َوآُتوا الّز َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫وَأِقي ُ‬
‫صيٌر )‪(110‬‬ ‫مُلو َ‬
‫ن بَ ِ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫ِ‬
‫واشتغلوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬بأداء الصلة على وجهها الصحيح‪ ,‬وإعطاء‬
‫ن كل خير تقدمونه لنفسكم تجدون‬ ‫الزكاة المفروضة‪ .‬واعلموا أ ّ‬
‫ثوابه عند الله في الخرة‪ .‬إنه تعالى بصير بكل أعمالكم‪,‬‬
‫وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫هودا ً أ َو نصارى ت ِل ْ َ َ‬
‫م ُقهه ْ‬
‫ل‬ ‫مان ِي ّهُ ْ‬
‫كأ َ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬‫ة إ ِل ّ َ‬
‫جن ّ َ‬‫ل ال ْ َ‬‫خ َ‬‫ن ي َد ْ ُ‬‫وََقاُلوا ل َ ْ‬
‫ن )‪(111‬‬ ‫صادِِقي َ‬‫م َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫هان َك ُ ْ‬‫هاُتوا ب ُْر َ‬
‫َ‬
‫اّدعى ك ّ‬
‫ل من اليهود والنصارى أن الجنة خاصة بطائفته ل يدخلها‬
‫غيرهم‪ ,‬تلك أوهامهم الفاسدة‪ .‬قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أحضروا‬
‫دعون إن كنتم صادقين في دعواكم‪.‬‬ ‫دليلكم على صحة ما ت ّ‬

‫ف‬
‫خهوْ ٌ‬
‫عْنهد َ َرّبههِ َول َ‬
‫جُرهُ ِ‬ ‫بَلى من أ َسل َم وجهه ل ِل ّه وهُو محسن فَل َ َ‬
‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫ِ َ َ ُ ْ ِ ٌ‬ ‫َ ْ ْ َ َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(112‬‬ ‫حَزُنو َ‬‫م يَ ْ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م َول هُ ْ‬
‫ن الجنة تختص بطائفة دون غيرها‪ ,‬وإنما‬
‫ليس المر كما زعموا أ ّ‬
‫من أخلص لله وحده ل شريك له‪ ,‬وهو متبع للرسول‬ ‫يدخل الجّنة َ‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم في كل أقواله وأعماله‪ .‬فمن فعل‬
‫ذلك فله ثواب عمله عند ربه في الخرة‪ ,‬وهو دخول الجنة‪ ,‬وهم ل‬
‫يخافون فيما يستقبلونه من أمر الخرة‪ ,‬ول هم يحزنون على ما‬
‫فاتهم من حظوظ الدنيا‪.‬‬

‫ت‬‫سه ْ‬‫صههاَرى ل َي ْ َ‬ ‫ت الن ّ َ‬ ‫يٍء وَقَههال َ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫صاَرى عََلى َ‬ ‫ت الن ّ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ت ال ْي َُهود ُ ل َي ْ َ‬


‫وََقال َ ْ‬
‫ن‬
‫مههو َ‬‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّه ِ‬‫ك قَهها َ‬‫ب ك َهذ َل ِ َ‬ ‫ن ال ْك ِت َهها َ‬‫م ي َت ُْلو َ‬ ‫يٍء وَهُ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ال ْي َُهود ُ عََلى َ‬
‫ن)‬ ‫خت َل ُِفههو َ‬‫كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫مةِ ِفي َ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬‫م ي َوْ َ‬ ‫حك ُ ُ‬
‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫م َفالل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ل قَوْل ِهِ ْ‬‫مث ْ َ‬
‫ِ‬
‫‪(113‬‬
‫وقالت اليهود‪ :‬ليست النصارى على شيء من الدين الصحيح‪,‬‬
‫وكذلك قالت النصارى في اليهود وهم يقرؤون التوراة والنجيل‪,‬‬
‫وفيهما وجوب اليمان بالنبياء جميًعا‪ .‬كذلك قال الذين ل يعلمون‬
‫من مشركي العرب وغيرهم مثل قولهم‪ ,‬أي قالوا لكل ذي دين‪:‬‬
‫لست على شيء‪ ,‬فالله يفصل بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه‬
‫من أمر الدين‪ ,‬ويجازي كل بعمله‪.‬‬
‫ِ‬

‫َ‬ ‫وم َ‬
‫س هَعى فِههي‬ ‫ه وَ َ‬
‫م ُ‬
‫سه ُ‬ ‫جد َ الل ّهِ أ ْ‬
‫ن ي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ‬ ‫سا ِ‬‫م َ‬‫من َعَ َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫م ّ‬‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬‫َ َ ْ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ها إ ِل ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خَراب َِها أوْلئ ِ َ‬
‫خْز ٌ‬‫م ِفي الد ّن َْيا ِ‬ ‫ن له ُ ْ‬
‫خائ ِِفي َ‬ ‫خلو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬
‫مأ ْ‬ ‫ن له ُ ْ‬‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(114‬‬ ‫ظي ٌ‬‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬‫خَرةِ عَ َ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫وَل َهُ ْ‬

‫‪31‬‬
‫ل أحد أظلم من الذين منعوا ذِك َْر الله في المساجد من إقام‬
‫دوا في تخريبها بالهدم أو‬
‫الصلة‪ ,‬وتلوة القرآن‪ ,‬ونحو ذلك‪ ,‬وج ّ‬
‫الغلق‪ ,‬أو بمنع المؤمنين منها‪ .‬أولئك الظالمون ما كان ينبغي لهم‬
‫أن يدخلوا المساجد إل على خوف ووجل من العقوبة‪ ,‬لهم بذلك‬
‫صغار وفضيحة في الدنيا‪ ,‬ولهم في الخرة عذاب شديد‪.‬‬ ‫َ‬

‫َ‬
‫ع‬
‫سه ٌ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه َوا ِ‬ ‫ه الل ّههِ إ ِ ّ‬
‫جه ُ‬ ‫ما ت ُوَّلوا فَث َ ّ‬
‫م وَ ْ‬ ‫ب فَأي ْن َ َ‬ ‫شرِقُ َوال ْ َ‬
‫مغْرِ ُ‬ ‫وَل ِل ّهِ ال ْ َ‬
‫م ْ‬
‫م )‪(115‬‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫ولله جهتا شروق الشمس وغروبههها ومهها بينهمهها‪ ,‬فهههو مالههك الرض‬
‫كلها‪ .‬فأي جهة توجهتم إليها في الصلة بأمر الله لكم فإنكم مبتغون‬
‫وجهه‪ ,‬لم تخرجوا عن ملكه وطاعته‪ .‬إن الله واسع الرحمة بعبههاده‪,‬‬
‫عليم بأفعالهم‪ ,‬ل يغيب عنه منها شيء‬

‫ل‬ ‫ت َوال َْرض ُ‬


‫كهه ّ‬ ‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫سهه َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ه بَ ْ‬
‫حان َ ُ‬ ‫ه وََلدا ً ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬
‫وََقاُلوا ات ّ َ‬
‫ِ‬
‫ن )‪(116‬‬ ‫لَ ُ‬
‫ه َقان ُِتو َ‬
‫دا‪ ,‬تن هّزه‬
‫وقالت اليهود والنصارى والمشركون‪ :‬اتخذ الله لنفسههه ول ه ً‬
‫مهن فهي السهموات‬ ‫الله ‪-‬سبحانه‪ -‬عن هذا القول الباطهل‪ ,‬بهل كهل َ‬
‫خرون تحههت‬ ‫والرض ملكه وعبيده‪ ,‬وهههم جميعًهها خاضههعون لههه‪ ,‬مسه ّ‬
‫تدبيره‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫ن فَي َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه كُ ْ‬ ‫مرا ً فَإ ِن ّ َ‬
‫ما ي َُقو ُ‬ ‫ذا قَ َ‬
‫ضى أ ْ‬ ‫ض وَإ ِ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ديعُ ال ّ‬
‫بَ ِ‬
‫‪(117‬‬
‫والله تعالى هو خالق السموات والرض على غير مثال سبق‪ .‬وإذا‬
‫در أمًرا وأراد كونه فإنما يقول له‪" :‬كن" فيكون‪.‬‬
‫ق ّ‬

‫ْ‬
‫ن‬ ‫ل ال ّ ه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ه أ َوْ ت َأِتيَنا آي َ ٌ‬
‫ة ك َذ َل ِ َ‬
‫ك َقا َ‬ ‫مَنا الل ّ ُ‬
‫ول ي ُك َل ّ ُ‬‫ن لَ ْ‬
‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫وََقا َ‬
‫ن)‬‫ت ل َِقوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫م قَد ْ ب َي ّّنا الَيا ِ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫شاب َهَ ْ‬‫م تَ َ‬‫ل قَوْل ِهِ ْ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫‪(118‬‬
‫وقال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم لنبي الله ورسوله محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم على سبيل العناد‪ :‬هل يكلمنا الله مباشرة‬
‫ليخبرنا أنك رسوله‪ ,‬أو تأتينا معجزة من الله تدل على صدقك‪.‬‬
‫ومثل هذا القول قالته المم من قب ُ‬
‫ل لرسلها عناًدا ومكابرة; بسبب‬
‫‪32‬‬
‫ضلل‪ ,‬قد أوضحنا‬ ‫تشابه قلوب السابقين واللحقين في الكفر وال ّ‬
‫ما؛ لكونهم مؤمنين بالله تعالى‪،‬‬
‫دقون تصديًقا جاز ً‬‫اليات للذين يص ّ‬
‫مّتبعين ما شرعه لهم‪.‬‬

‫حي هم ِ )‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ج ِ‬ ‫حا ِ‬
‫صه َ‬
‫نأ ْ‬‫ْ‬ ‫سأ َ ُ‬
‫ل عَ ه َ‬
‫ذيرا ً َول ت ُ ْ‬
‫شيرا ً وَن َ ِ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬
‫حقّ ب َ ِ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫إ ِّنا أْر َ‬
‫‪(119‬‬
‫إنا أرسلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بالدين الحق المؤيد بالحجج والمعجزات‪,‬‬
‫فبّلغه للناس مع تبشير المؤمنين بخيري الدنيا والخرة‪ ,‬وتخويف‬
‫المعاندين بما ينتظرهم من عذاب الله‪ ,‬ولست ‪-‬بعد البلغ‪ -‬مسئول‬
‫من كفر بك; فإنهم يدخلون النار يوم القيامة‪ ،‬ول يخرجون‬
‫عن كفر َ‬
‫منها‪.‬‬

‫دى‬ ‫ن هُ ه َ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫مل ّت َهُه ْ‬
‫م قُ ه ْ‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬ ‫ك ال ْي َُهود ُ َول الن ّ َ‬ ‫ضى عَن ْ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ن ال ْعِل ْهم ِ َ‬
‫مهها‬ ‫مه ْ‬‫ك ِ‬‫جههاَء َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ب َعْد َ ال ّ ِ‬
‫واَءهُ ْ‬‫ت أه ْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬‫دى وَل َئ ِ ْ‬ ‫الل ّهِ هُوَ ال ْهُ َ‬
‫صيرٍ )‪(120‬‬ ‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫لَ َ‬

‫ولن ترضى عنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬اليهود ول النصارى إل إذا تركت‬


‫ت دينهم‪ .‬قل لهم‪ :‬إن دين السلم هو الدين الصحيح‪.‬‬ ‫دينك واتبع َ‬
‫ولئن اتبعت أهواء هؤلء بعد الذي جاءك من الوحي ما لك عند الله‬
‫مة عامة وإن‬ ‫ي ينفعك‪ ,‬ول نصير ينصرك‪ .‬هذا موجه إلى ال ّ‬ ‫من ول ّ‬
‫ِ‬
‫كان خطاًبا للنبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫ن ي َك ُْف هْر‬
‫م ْ‬
‫ن ب ِهِ وَ َ‬
‫مُنو َ‬ ‫حقّ ِتلوَت ِهِ أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ي ُؤْ ِ‬ ‫ب ي َت ُْلون َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬‫ن آت َي َْناهُ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي ُ َ‬
‫ن )‪(121‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ك هُ ْ‬‫ب ِهِ فَأوْل َئ ِ َ‬
‫الذين أعطينههاهم الكتههاب مههن اليهههود والنصههارى‪ ,‬يقرؤونههه القههراءة‬
‫الصحيحة‪ ,‬ويتبعونه حق التباع‪ ,‬ويؤمنون بما جههاء فيههه مههن اليمههان‬
‫برسل الله‪ ,‬ومنهم خههاتمهم نبينهها ورسههولنا محمههد صههلى اللههه عليههه‬
‫دلون ما جاء فيه‪ .‬هؤلء هم الذين يؤمنههون‬ ‫وسلم‪ ,‬ول يحرفون ول يب ّ‬
‫بالنبي محمد صلى الله عليههه وسههلم وبمهها أنههزل عليههه‪ ,‬وأمهها الههذين‬
‫دلوا بعض الكتاب وكتموا بعضه‪ ,‬فهؤلء كفار بنبي الله محمد صلى‬ ‫ب ّ‬
‫الله عليه وسلم وبما أنزل عليههه‪ ,‬ومههن يكفههر بههه فههأولئك هههم أشههد‬
‫الناس خسراًنا عند الله‬

‫‪33‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ضهل ْت ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَأن ّههي فَ ّ‬ ‫ت عَل َي ْ ُ‬
‫كه ْ‬ ‫مِتي ال ّت ِههي أن ْعَ ْ‬
‫مه ُ‬ ‫ل اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬
‫سَراِئي َ‬‫َيا ب َِني إ ِ ْ‬
‫ن )‪(122‬‬ ‫مي َ‬ ‫عََلى ال َْعال َ ِ‬
‫يا ذرية يعقوب اذكروا نعمي الكثيرة عليكم‪ ,‬وأني فَ ّ‬
‫ضلتكم على‬
‫عاَلمي زمانكم بكثرة أنبيائكم‪ ,‬وما ُأنزل عليهم من الكتب‪.‬‬

‫من ْهَهها عَهد ْ ٌ‬


‫ل َول‬ ‫شهْيئا ً َول ي ُْقب َه ُ‬
‫ل ِ‬ ‫س َ‬‫ن ن َْف ٍ‬
‫س عَ ْ‬
‫زي ن َْف ٌ‬ ‫وما ً ل ت َ ْ‬
‫ج ِ‬ ‫َوات ُّقوا ي َ ْ‬
‫ن )‪(123‬‬ ‫صُرو َ‬
‫م ُين َ‬
‫ة َول هُ ْ‬ ‫شَفاعَ ٌ‬ ‫َتنَفعَُها َ‬
‫وخافوا أهوال يوم الحساب إذ ل تغني نفس عن نفس شيًئا‪ ,‬ول‬
‫يقبل الله منها فدية تنجيها من العذاب‪ ,‬ول تنفعها وساطة‪ ,‬ول أحد‬
‫ينصرها‪.‬‬

‫ماما ً‬ ‫َ‬ ‫عل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وإذ ْ ابتَلى إبراهيم ربه بك َلمات فَأ َ‬
‫س إِ َ‬
‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫لل‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫جا‬
‫َ‬ ‫ني‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫قا‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َِْ ِ َ َ ّ ُ ِ ِ َ ٍ‬ ‫َِ َْ‬
‫ن )‪(124‬‬ ‫مي َ‬ ‫دي ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ل عَهْ ِ‬ ‫ن ذ ُّري ِّتي َقا َ‬
‫ل ل ي ََنا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل وَ ِ‬
‫واذكر‪-‬أيها النبي‪ -‬حين اختبر الله إبراهيم بما شرع له من تكاليف‪,‬‬
‫داها وقام بها خير قيام‪ .‬قال الله له‪ :‬إني جاعلك قدوة للناس‪.‬‬‫فأ ّ‬
‫ب اجعل بعض نسلي أئمة فضل منك‪ ,‬فأجابه الله‬ ‫قال إبراهيم‪ :‬ر ّ‬
‫ة في الدين‪.‬‬
‫سبحانه أنه ل تحصل للظالمين المام ُ‬

‫منها ً َوات ّ ِ‬ ‫َ‬


‫م‬‫هيه َ‬
‫مَقههام ِ إ ِب َْرا ِ‬
‫ن َ‬ ‫مه ْ‬‫ذوا ِ‬ ‫خه ُ‬ ‫س وَأ ْ‬‫ِ‬ ‫ة ِللن ّهها‬‫مَثاب َه ً‬‫ت َ‬ ‫جعَل ْن َهها ال ْب َي ْه َ‬
‫وَإ ِذ ْ َ‬
‫َ‬
‫ن ط َهّهَرا ب َي ْت ِههي ِللط ّههائ ِِفي َ‬
‫ن‬ ‫لأ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬‫سه َ‬‫م وَإ ِ ْ‬
‫هيه َ‬ ‫صّلى وَعَهِهد َْنا إ ِل َههى إ ِب َْرا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫جودِ )‪(125‬‬ ‫س ُ‬ ‫ن َوالّرك ِّع ال ّ‬ ‫َوال َْعاك ِِفي َ‬
‫واذكر ‪-‬أيها النبي‪ -‬حين جعلنا الكعبة مرجًعا للناس‪ ,‬يأتونه‪ ,‬ثم‬
‫يرجعون إلى أهليهم‪ ,‬ثم يعودون إليه‪ ,‬ومجمًعا لهم في الحج‬
‫والعمرة والطواف والصلة‪ ,‬وأمًنا لهم‪ ,‬ل ي ُِغير عليهم عدو فيه‪.‬‬
‫خذوا من مقام إبراهيم مكاًنا للصلة فيه‪ ,‬وهو الحجر الذي‬ ‫وقلنا‪ :‬ات ِ‬
‫وقف عليه إبراهيم عند بنائه الكعبة‪ .‬وأوحينا إلى إبراهيم وابنه‬
‫إسماعيل‪ :‬أن طّهرا بيتي من كل رجس ودنس; للمتعبدين فيه‬
‫بالطواف حول الكعبة‪ ,‬أو العتكاف في المسجد‪ ,‬والصلة فيه‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫َ‬
‫ت‬‫مهَرا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬‫مه ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫منا ً َواْرُزقْ أهْل َه ُ‬
‫ذا ب ََلدا ً آ ِ‬
‫ل هَ َ‬ ‫جع َ ْ‬‫با ْ‬ ‫م َر ّ‬ ‫هي ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل إ ِب َْرا ِ‬
‫ُ‬
‫ه قَِليل ً ث ُه ّ‬
‫م‬ ‫مت ّعُ ُ‬‫ن ك ََف هَر فَ هأ َ‬
‫مه ْ‬ ‫ل وَ َ‬‫خ هرِ قَهها َ‬ ‫م ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬‫من ْهُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫م َ‬
‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫صيُر )‪(126‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫ب الّنارِ وَب ِئ ْ َ‬ ‫ذا ِ‬‫ضط َّرهُ إ َِلى عَ َ‬ ‫أ ْ‬
‫دا‬
‫ب اجعل "مكة" بل ً‬‫واذكر ‪-‬أيها النبي‪ -‬حين قال إبراهيم داعًيا‪ :‬ر ّ‬
‫ص بهذا الرزق‬‫خ ّ‬
‫آمًنا من الخوف‪ ,‬وارزق أهله من أنواع الثمرات‪ ,‬و ُ‬
‫من آمن منهم بالله واليوم الخر‪ .‬قال الله‪ :‬ومن كفر منهم فأرزقه‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ما إلى عذاب النار‪ .‬وبئس‬‫عا قليل ثم ألجُئه مرغ ً‬
‫في الدنيا وأمتعه متا ً‬
‫المرجع والمقام هذا المصير‪.‬‬

‫من ّهها إ ِن ّه َ‬
‫ك‬ ‫ل َرب َّنا ت ََقب ّه ْ‬
‫ل ِ‬ ‫عي ُ‬
‫ما ِ‬
‫س َ‬ ‫ن ال ْب َي ْ ِ‬
‫ت وَإ ِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫عد َ ِ‬ ‫م ال َْق َ‬
‫وا ِ‬ ‫هي ُ‬‫وَإ ِذ ْ ي َْرفَعُ إ ِب َْرا ِ‬
‫َ‬
‫م )‪(127‬‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬‫ت ال ّ‬ ‫أن ْ َ‬
‫واذكر ‪-‬أيها النبي‪ -‬حين رفع إبراهيم وإسماعيل أسس الكعبة‪ ,‬وهما‬
‫يدعوان الله في خشوع‪ :‬ربنا تقبل مّنا صالح أعمالنا ودعاءنا‪ ,‬إنك‬
‫أنت السميع لقوال عبادك‪ ,‬العليم بأحوالهم‪.‬‬

‫ة لَ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ن لَ َ‬
‫س هك ََنا‬
‫مَنا ِ‬
‫ك وَأرَِنا َ‬ ‫م ً‬
‫سل ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ة ُ‬ ‫ن ذ ُّري ّت َِنا أ ّ‬
‫م ً‬ ‫م ْ‬
‫ك وَ ِ‬ ‫مي ْ ِ‬
‫سل ِ َ‬
‫م ْ‬‫جعَل َْنا ُ‬
‫َرب َّنا َوا ْ‬
‫م )‪(128‬‬ ‫وتب عَل َينا إن َ َ‬
‫حي ُ‬ ‫ب الّر ِ‬‫وا ُ‬
‫ت الت ّ ّ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫َْ ِّ‬ ‫َُ ْ‬
‫ربنا واجعلنا ثابت َْين على السلم‪ ,‬منقاد َْين لحكامك‪ ,‬واجعل من‬
‫صْرنا بمعالم عبادتنا لك‪ ,‬وتجاوز‬
‫ذريتنا أمة منقادة لك‪ ,‬باليمان‪ ,‬وب ّ‬
‫عن ذنوبنا‪ .‬إنك أنت كثير التوبة والرحمة لعبادك‪.‬‬

‫م ال ْك ِت َهها َ‬
‫ب‬ ‫ك وَي ُعَل ّ ُ‬
‫مه ُ ه ْ‬ ‫م ي َت ْل ُههو عَل َي ْهِ ه ْ‬
‫م آَيات ِه َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫سول ً ِ‬‫م َر ُ‬ ‫ث ِفيهِ ْ‬ ‫َرب َّنا َواب ْعَ ْ‬
‫َ‬
‫م )‪(129‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬ ‫م إ ِن ّ َ‬
‫ك أن ْ َ‬ ‫ة وَي َُز ّ‬
‫كيهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬
‫ربنا وابعث في هذه المة رسول من ذرية إسماعيل يتلو عليهم‬
‫آياتك ويعلمهم القرآن والسنة‪ ,‬ويطهرهم من الشرك وسوء‬
‫الخلق‪ .‬إنك أنت العزيز الذي ل يمتنع عليه شيء‪ ,‬الحكيم الذي‬
‫يضع الشياء في مواضعها‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫صهط ََفي َْناهُ‬
‫ه وَل ََقهد ْ ا ْ‬
‫سه ُ‬
‫ه ن َْف َ‬
‫سهِف َ‬‫ن َ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬
‫مه ْ‬ ‫هي َ‬ ‫مل ّةِ إ ِب َْرا ِ‬
‫ن ِ‬
‫ب عَ ْ‬ ‫ن ي َْرغَ ُ‬ ‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(130‬‬ ‫حي َ‬‫صال ِ ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫خَرةِ ل َ ِ‬ ‫ه ِفي ال ِ‬ ‫ِفي الد ّن َْيا وَإ ِن ّ ُ‬
‫ول أحد ُيعرض عن دين إبراهيم ‪-‬وهو السلم‪ -‬إل سفيه جاهل‪ ,‬ولقد‬
‫اخترنا إبراهيم في الدنيا نبّيا ورسول وإنه في الخرة لمن الصالحين‬
‫الذين لهم أعلى الدرجات‪.‬‬

‫ل ل َه ربه أ َسل ِم َقا َ َ‬


‫ن )‪(131‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ت ل َِر ّ‬ ‫سل َ ْ‬
‫م ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫إ ِذ ْ َقا َ ُ َ ّ ُ ْ ْ‬
‫وسبب هذا الختيار مسارعته للسلم دون تردد‪ ,‬حين قال له ربه‪:‬‬
‫دا له‪ .‬فاستجاب إبراهيم وقال‪ :‬أسلمت لرب‬ ‫أخلص نفسك لله منقا ً‬
‫دا ومحبة وإنابة‪.‬‬
‫صا وتوحي ً‬‫العالمين إخل ً‬

‫ن‬
‫دي َ‬ ‫صط ََفى ل َك ُ ْ‬
‫م ال ه ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ها ْ‬ ‫ي إِ ّ‬
‫ب َيا ب َن ِ ّ‬
‫م ب َِنيهِ وَي َعُْقو ُ‬
‫هي ُ‬ ‫صى ب َِها إ ِب َْرا ِ‬ ‫وَوَ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(132‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ُ‬‫ن إ ِل ّ وَأن ْت ُ ْ‬ ‫َفل ت َ ُ‬
‫موت ُ ّ‬
‫ب أبناءهما على الثبات على السلم قائل َْين‪ :‬يا‬
‫م ويعقو ُ‬‫ث إبراهي ُ‬
‫وح ّ‬
‫أبناءنا إن الله اختار لكم هذا الدين‪ -‬وهو دين السلم الذي جاء به‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪ -‬فل تفارقوه أيام حياتكم‪ ,‬ول يأتكم‬
‫الموت إل وأنتم عليه‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫مهه ْ‬‫ن ِ‬ ‫دو َ‬‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫ت إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل ل ِب َِنيهِ َ‬ ‫مو ْ ُ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫ضَر ي َعُْقو َ‬ ‫ح َ‬ ‫داَء إ ِذ ْ َ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫حقَ إ َِله ها ً‬‫سه َ‬ ‫ل وَإ ِ ْ‬‫عي َ‬
‫ما ِ‬ ‫سه َ‬‫م وَإ ِ ْ‬‫هي ه َ‬
‫ك إ ِب َْرا ِ‬ ‫ك وَإ ِل َ َ‬
‫ه آَبائ ِ َ‬ ‫دي َقاُلوا ن َعْب ُد ُ إ ِل َهَ َ‬ ‫ب َعْ ِ‬
‫ن )‪(133‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫حدا ً وَن َ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫َوا ِ‬
‫ب‪ ,‬إذ جمع أبناءه‬
‫ت يعقو َ‬
‫أكنتم أيها اليهود حاضرين حين جاء المو ُ‬
‫وسألهم ما تعبدون من بعد موتي؟ قالوا‪ :‬نعبد إلهك وإله آبائك‬
‫دا‪ ,‬ونحن له منقادون‬
‫إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلًها واح ً‬
‫خاضعون‪.‬‬

‫َ‬ ‫ت ِل ْ َ ُ‬
‫مهها‬ ‫سهأُلو َ‬
‫ن عَ ّ‬ ‫م َول ت ُ ْ‬ ‫مهها ك َ َ‬
‫سهب ْت ُ ْ‬ ‫ت وَل َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ت ل ََها َ‬
‫ما ك َ َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ة قَد ْ َ‬‫م ٌ‬
‫كأ ّ‬
‫ن )‪(134‬‬ ‫مُلو َ‬‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫َ‬

‫‪36‬‬
‫مالكم‪ ,‬ول‬ ‫ُ‬
‫ت‪ ,‬لهم أعمالهم‪ ,‬ولكم أع َ‬ ‫ض ْ‬ ‫مة من أسلفكم قد م َ‬‫تلك أ ّ‬
‫ل سيجازى‬ ‫سألون عن أعمالكم‪ ,‬وك ّ‬ ‫سألون عن أعمالهم‪ ,‬وهم ل ي ُ ْ‬‫تُ ْ‬
‫دا إل إيماُنه وتقواه‪.‬‬
‫بما فعله‪ ,‬ل يؤاخذ أحد بذنب أحد‪ ,‬ول ينفعُ أح ً‬

‫َ‬
‫حِنيف ها ً وَ َ‬
‫مهها‬ ‫م َ‬
‫هي ه َ‬ ‫مل ّ َ‬
‫ة إ ِب َْرا ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫دوا قُ ْ‬
‫ل بَ ْ‬ ‫هودا ً أوْ ن َ َ‬
‫صاَرى ت َهْت َ ُ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫وََقاُلوا ُ‬
‫ن )‪(135‬‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫كا َ‬‫َ‬

‫مة محمد صلى الله عليه وسلم‪ :‬ادخلوا في دين‬ ‫وقالت اليهود ل ّ‬
‫اليهودية تجدوا الهداية‪ ,‬وقالت النصارى لهم مثل ذلك‪ .‬قل لهم ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ :-‬بل الهداية أن نتبع‪ -‬جميًعا‪ -‬ملة إبراهيم‪ ,‬الذي مال عن‬
‫كل دين باطل إلى دين الحق‪ ,‬وما كان من المشركين بالله تعالى‪.‬‬

‫ل‬‫عي َ‬
‫ما ِ‬ ‫سه َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬
‫هيه َ‬ ‫ل إ َِلهى إ ِب َْرا ِ‬ ‫مها ُأنهزِ َ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬
‫ل إ ِل َي َْنها وَ َ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَ َ‬‫ُقوُلوا آ َ‬
‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مهها أوت ِه َ‬‫سههى وَ َ‬ ‫عي َ‬ ‫سههى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُ‬ ‫مهها أوت ِه َ‬ ‫ط وَ َ‬ ‫سَبا ِ‬
‫ب َوال ْ‬ ‫حقَ وَي َعُْقو َ‬ ‫س َ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(136‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ح ُ‬‫م وَن َ ْ‬‫من ْهُ ْ‬
‫حدٍ ِ‬‫نأ َ‬ ‫م ل ن َُفّرقُ ب َي ْ َ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫الن ّب ِّيو َ‬
‫دقنا بالله الواحد‬
‫قولوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬لهؤلء اليهود والّنصارى‪ :‬ص ّ‬
‫المعبود بحق‪ ,‬وبما أنزل إلينا من القرآن الذي أوحاه الله إلى نبيه‬
‫ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وما أنزل من الصحف إلى‬
‫إبراهيم وابنيه إسماعيل وإسحاق‪ ,‬وإلى يعقوب والسباط ‪-‬وهم‬
‫من ولد يعقوب الذين كانوا في قبائل بني إسرائيل الثنتي‬ ‫النبياء ِ‬
‫ُ‬
‫عشرة‪ -‬وما أعطي موسى من التوراة‪ ,‬وعيسى من النجيل‪ ,‬وما‬
‫ُأعطي النبياء جميًعا من وحي ربهم‪ ,‬ل نفرق بين أحد منهم في‬
‫اليمان‪ ,‬ونحن خاضعون لله بالطاعة والعبادة‪.‬‬

‫م فِههي‬
‫مهها هُه ْ‬ ‫ن ت َوَل ّه ْ‬
‫وا فَإ ِن ّ َ‬ ‫دوا وَإ ِ ْ‬ ‫م ب ِهِ فََقهد ْ اهْت َه َ‬
‫منت ُ ْ‬ ‫ما آ َ‬
‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬
‫مُنوا ب ِ ِ‬
‫نآ َ‬‫فَإ ِ ْ‬
‫م )‪(137‬‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬‫س ِ‬ ‫ه وَهُوَ ال ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫سي َك ِْفيك َهُ ْ‬‫ق فَ َ‬‫شَقا ٍ‬ ‫ِ‬
‫ن آمن الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم بمثل الذي آمنتم به‪,‬‬‫فإ ْ‬
‫مما جاء به الرسول‪ ,‬فقد اهتدوا إلى الحق‪ ,‬وإن أعرضوا فإنما هم‬
‫في خلف شديد‪ ,‬فسيكفيك الله ‪-‬أيها الرسول‪ -‬شّرهم وينصرك‬
‫عليهم‪ ,‬وهو السميع لقوالكم‪ ,‬العليم بأحوالكم‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ة الل ّه وم َ‬
‫ن )‪(138‬‬
‫دو َ‬
‫عاب ِ ُ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ح ُ‬
‫ة وَن َ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬
‫صب ْغَ ً‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫ِ َ َ ْ‬ ‫صب ْغَ َ‬
‫ِ‬
‫من فطرة‬
‫ن ِ‬
‫الزموا دين الله الذي فطركم عليه‪ ,‬فليس هناك أحس ُ‬
‫الله التي فطر الناس عليها‪ ,‬فالزموها وقولوا نحن خاضعون‬
‫مطيعون لربنا في اتباعنا مّلة إبراهيم‪.‬‬

‫ل أ َتحاجوننا في الل ّه وهُو ربنا وربك ُم ول َنا أ َعْمال ُنهها ول َك ُه َ‬


‫مههال ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م أعْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِ َ َ َ َّ ََ ّ ْ َ َ‬ ‫قُ ْ ُ َ ّ َ َ ِ‬
‫ن )‪(139‬‬ ‫صو َ‬‫خل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ح ُ‬
‫وَن َ ْ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول لهل الكتاب‪ :-‬أتجادلوننا في توحيد الله والخلص‬
‫له‪ ,‬وهو رب العالمين جميًعا‪ ,‬ل يختص بقوم دون قوم‪ ,‬ولنا أعمالنا‬
‫طاعة ل نشرك به‬‫ولكم أعمالكم‪ ,‬ونحن لله مخلصو العبادة وال ّ‬
‫شيًئا‪ ,‬ول نعبد أح ً‬
‫دا غيره‪.‬‬

‫سهَبا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ط ك َههاُنوا‬ ‫ب َوال ْ‬ ‫حقَ وَي َعُْقو َ‬ ‫س َ‬‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫ما ِ‬
‫س َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬ ‫م ت َُقوُلو َ‬
‫ن إِ ّ‬ ‫أ ْ‬
‫ل أ َأ َنتم أ َعْل َم أ َم الل ّه وم َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬
‫ش هَهاد َةً‬ ‫ن ك َت َه َ‬‫م ْ‬
‫م ّ‬
‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬
‫ُ َ َ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫صاَرى قُ ْ ْ ُ ْ‬ ‫هودا ً أوْ ن َ َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(140‬‬ ‫مُلو َ‬‫ما ت َعْ َ‬ ‫ل عَ ّ‬‫ه ب َِغافِ ٍ‬‫ما الل ّ ُ‬‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫م ْ‬‫عن ْد َهُ ِ‬‫ِ‬
‫بل أتقولون مجادلين في الله‪ :‬إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق‬
‫ويعقوب والسباط‪ -‬وهم النبياء الذين كانوا في قبائل بني إسرائيل‬
‫الثنتي عشرة من ولد يعقوب‪ -‬كانوا على دين اليهود أو النصارى؟‬
‫وهذا كذب; فقد ب ُِعثوا وماتوا قبل نزول التوراة والنجيل‪ .‬قل لهم‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أأنتم أعلم بدينهم أم الله تعالى؟ وقد أخبر في‬
‫القرآن بأنهم كانوا حنفاء مسلمين‪ ,‬ول أحد أظلم منكم حين تخفون‬
‫دعون خلفها افتراء على الله‪.‬‬ ‫شهادة ثابتة عندكم من الله تعالى‪ ,‬وت ّ‬
‫ص لها ومجازيكم‬
‫ح ٍ‬ ‫م ْ‬
‫وما الله بغافل عن شيء من أعمالكم‪ ,‬بل هو ُ‬
‫عليها‪.‬‬

‫َ‬ ‫ت ِل ْ َ ُ‬
‫مهها‬ ‫سهأُلو َ‬
‫ن عَ ّ‬ ‫م َول ت ُ ْ‬ ‫مهها ك َ َ‬
‫سهب ْت ُ ْ‬ ‫ت وَل َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ت ل ََها َ‬
‫ما ك َ َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ة قَد ْ َ‬‫م ٌ‬
‫كأ ّ‬
‫ن )‪(141‬‬ ‫مُلو َ‬‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫َ‬

‫ت‪ ,‬لهم أعمالهم ولكم أعمالكم‪ ,‬ول‬ ‫ُ‬


‫ض ْ‬ ‫مة من أسلفكم قد م َ‬‫تلك أ ّ‬
‫سألون عن أعمالكم‪ .‬وفي الية قطع‬ ‫سألون عن أعمالهم‪ ,‬وهم ل ي ُ ْ‬‫تُ ْ‬
‫للتعلق بالمخلوقين‪ ,‬وعدم الغترار بالنتساب إليهم‪ ,‬وأن العبرة‬
‫‪38‬‬
‫باليمان بالله وعبادته وحده‪ ,‬واتباع رسله‪ ,‬وأن من كفر برسول‬
‫منهم فقد كفر بسائر الرسل‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الجزء الثاني‪:‬‬

‫م ال ّت ِههي ك َههاُنوا عَل َي ْهَهها‬


‫ن قِب ْل َت ِهِه ْ‬
‫م عَ ْ‬ ‫ما وَل ّهُ ْ‬‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬‫م ْ‬ ‫سَفَهاءُ ِ‬
‫ل ال ّ‬ ‫سي َُقو ُ‬ ‫َ‬
‫سهت َِقيم ٍ )‬ ‫م ْ‬‫ط ُ‬ ‫صهَرا ٍ‬ ‫شههاُء إ ِل َههى ِ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬‫دي َ‬ ‫ب ي َهْ ِ‬ ‫شرِقُ َوال ْ َ‬
‫مغْرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ل ل ِل ّهِ ال ْ َ‬
‫قُ ْ‬
‫‪(142‬‬
‫سيقول الجهال وضعاف العقول من اليهود وأمثالهم‪ ,‬في سخرية‬
‫واعتراض‪ :‬ما الذي صرف هؤلء المسلمين عن قبلتهم التي كانوا‬
‫صّلون إلى جهتها أول السلم; )وهي "بيت المقدس"( قل لهم‬ ‫يُ َ‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ :-‬المشرق والمغرب وما بينهما ملك لله‪ ,‬فليست‬
‫من يشاء من عباده إلى‬ ‫جهة من الجهات خارجة عن ملكه‪ ,‬يهدي َ‬
‫طريق الهداية القويم‪ .‬وفي هذا إشعار بأن الشأن كله لله في‬
‫جْهنا‪.‬‬
‫جَهنا ت َوَ ّ‬
‫امتثال أوامره‪ ,‬فحيثما وَ ّ‬

‫داَء عَل َ‬ ‫سههطا ً‬ ‫ك جعل ْناك ُم أ ُ‬


‫ن‬‫س وَي َك ُههو َ‬ ‫ِ‬ ‫ها‬‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫هى‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫ش‬ ‫هوا‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ن‬‫كو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ َ َ َ ْ‬
‫ت عَل َي ْهَهها إ ِل ّ ل ِن َعْل َه َ‬
‫م‬ ‫كنه َ‬ ‫ة ال ّت ِههي ُ‬ ‫جعَل َْنا ال ِْقب ْل َه َ‬ ‫ما َ‬ ‫شِهيدا ً وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬‫سو ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫ت ل َك َِبيَرةً إ ِل ّ عَل َههى‬ ‫كان َ ْ‬‫ن َ‬ ‫ب عََلى عَِقب َي ْهِ وَإ ِ ْ‬ ‫ن َينَقل ِ ُ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ن ي َت ّب ِعُ الّر ُ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫س ل ََرُءو ٌ‬ ‫ه ِبالّنا ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مان َك ُ ْ‬ ‫ضيعَ ِإي َ‬ ‫ه ل ِي ُ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫دى الل ّ ُ‬ ‫ن هَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫م )‪(143‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫وكما هديناكم ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬إلى الطريق الصحيح في الدين‪,‬‬
‫جعلناكم أمة خياًرا عدول لتشهدوا على المم في الخرة أن رسلهم‬
‫بّلغتهم رسالت ربهم‪ ,‬ويكون الرسول في الخرة كذلك شهي ً‬
‫دا‬
‫عليكم أّنه بّلغكم رسالة ربه‪ .‬وما جعلنا ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قبلة "بيت‬
‫المقدس" التي كنت عليها‪ ,‬ثم صرفناك عنها إلى الكعبة به "مكة"‪,‬‬
‫إل ليظهر ما علمناه في الزل؛ علما يتعلق به الثواب والعقاب لنميز‬
‫من هو ضعيف‬ ‫من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيث توجهت‪ ,‬و َ‬ ‫َ‬
‫دا عن دينه لشكه ونفاقه‪ .‬وإن هذه الحال التي‬ ‫اليمان فينقلب مرت ً‬
‫هي تحول المسلم في صلته من استقبال بيت المقدس إلى‬
‫ن عليهم‬
‫استقبال الكعبة لثقيلة شاقة إل على الذين هداهم وم ّ‬
‫باليمان والتقوى وما كان الله ليضيع إيمانكم به واتباعكم لرسوله‪,‬‬

‫‪40‬‬
‫ويبطل صلتكم إلى القبلة السابقة‪ .‬إنه سبحانه وتعالى بالناس‬
‫لرءوف رحيم‪.‬‬

‫ك‬‫جه َ َ‬‫ل وَ ْ‬‫ها فَوَ ّ‬ ‫ضا َ‬ ‫ة ت َْر َ‬‫ك قِب ْل َ ً‬


‫ماِء فَل َن ُوَل ّي َن ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ِفي ال ّ‬ ‫جه ِ َ‬‫ب وَ ْ‬ ‫قَد ْ ن ََرى ت ََقل ّ َ‬
‫ش هط َْرهُ وَإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫جههوهَك ُ ْ‬ ‫م فَوَل ّههوا وُ ُ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫حَرام ِ وَ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شط َْر ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ال ّذين ُأوتوا ال ْكتاب ل َيعل َمو َ‬
‫مهها‬‫ل عَ ّ‬ ‫ما الل ّ ُ‬
‫ه ب َِغافِ ٍ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ن أن ّ ُ‬‫َِ َ َْ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬
‫ن )‪(144‬‬ ‫مُلو َ‬‫ي َعْ َ‬
‫ول وجهك ‪-‬أيههها الرسههول‪ -‬فههي جهههة السههماء‪ ,‬مههرة بعههد‬ ‫قد نرى تح ّ‬
‫مرة; انتظاًرا لنزول الوحي إليك في شههأن القبلههة‪ ,‬فلنصههرفنك عههن‬
‫"بيت المقههدس" إلههى قبلههة تحبههها وترضههاها‪ ,‬وهههي وجهههة المسههجد‬
‫ل وجههك إليههها‪ .‬وفهي أي مكههان كنتههم ‪-‬أيهها‬ ‫الحههرام بهه "مكههة"‪ ,‬فههو ّ‬
‫المسههلمون‪ -‬وأردتههم الصههلة فتوجهههوا نحههو المسههجد الحههرام‪ .‬وإن‬
‫الذين أعطاهم الله علم الكتاب من اليهههود والنصههارى َليعلمههون أن‬
‫تحويلك إلى الكعبة هو الحق الثابت في كتبهم‪ .‬وما الله بغافل عمهها‬
‫يعمل هؤلء المعترضون المشككون‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‬

‫ت ب َِتاب ٍِع‬ ‫َ‬ ‫ما ت َب ُِعوا قِب ْل َت َ َ‬ ‫ب ب ِك ُ ّ‬ ‫ول َئ ِن أ َتيت ال ّذي ُ‬


‫ما أن ْ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ل آي َةٍ َ‬ ‫ن أوُتوا الك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ْ َْ َ‬
‫َ‬
‫مهها‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ت أه ْ َ‬‫ن ات ّب َعْ َ‬‫ض وَل َئ ِ ْ‬ ‫ة ب َعْ ٍ‬‫م ب َِتاب ٍِع قِب ْل َ َ‬‫ضه ُ ْ‬ ‫ما ب َعْ ُ‬ ‫م وَ َ‬‫قِب ْل َت َهُ ْ‬
‫ن )‪(145‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِإذا ً ل َ ِ‬ ‫ن ال ْعِل ْم ِ إ ِن ّ َ‬‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫جاَء َ‬ ‫َ‬
‫ولئن جئت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الذين ُأعطوا التوراة والنجيل بكل حجة‬
‫جهك إلى الكعبة في الصلة هو الحق من عند‬ ‫وبرهان على أن تو ّ‬
‫دا واستكباًرا‪ ,‬وما أنت بتابع قبلتهم مرة‬
‫الله‪ ,‬ما تبعوا قبلتك عنا ً‬
‫أخرى‪ ,‬وما بعضهم بتابع قبلة بعض‪ .‬ولئن اتبعت أهواءهم في شأن‬
‫القبلة وغيرها بعد ما جاءك من العلم بأنك على الحق وهم على‬
‫الباطل‪ ,‬إنك حينئذ لمن الظالمين لنفسهم‪ .‬وهذا خطاب لجميع‬
‫المة وهو تهديد ووعيد لمن يتبع أهواء المخالفين لشريعة السلم‪.‬‬

‫ال ّذين آتيناهُم ال ْكتاب يعرُفونه ك َما يعرُفو َ‬


‫م‬ ‫ريقا ً ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ن فَ ِ‬
‫م وَإ ِ ّ‬
‫ن أب َْناَءهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َِ َ َْ ِ َ ُ َ َْ ِ‬ ‫ِ َ ََْ ْ‬
‫ن )‪(146‬‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫حقّ وَهُ ْ‬ ‫ل َي َك ْت ُ ُ‬
‫مو َ‬
‫الذين أعطيناهم التوراة والنجيل من أحبار اليهود وعلماء النصارى‬
‫دا صلى الله عليه وسلم رسول الله بأوصافه‬ ‫ن محم ً‬ ‫يعرفون أ ّ‬

‫‪41‬‬
‫المذكورة في كتبهم‪ ,‬مثل معرفتهم بأبنائهم‪ .‬وإن فريًقا منهم‬
‫دقه‪ ,‬وثبوت أوصافه‪.‬‬ ‫ص ْ‬
‫ليكتمون الحق وهم يعلمون ِ‬

‫ن )‪(147‬‬
‫ري َ‬
‫مت َ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ك َفل ت َ ُ‬
‫كون َ ّ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حق ّ ِ‬
‫الذي أنزل إليك ‪-‬أيها النبي‪ -‬هو الحق من ربك‪ ,‬فل تكونن من‬
‫الشاكين فيه‪ .‬وهذ وإن كان خطابا للرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫فهو موجه للمة‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ت بِ ُ‬
‫كه ْ‬ ‫مها ت َ ُ‬
‫كوُنهوا َيهأ ِ‬ ‫ن َ‬‫ت أي ْ َ‬
‫خي َْرا ِ‬‫ست َب ُِقوا ال ْ َ‬
‫موَّليَها َفا ْ‬‫ة هُوَ ُ‬ ‫جه َ ٌ‬ ‫ل وِ ْ‬‫وَل ِك ُ ّ‬
‫ديٌر )‪(148‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ميعا ً إ ِ ّ‬ ‫ج ِ‬‫ه َ‬‫الل ّ ُ‬
‫جه إليها كل واحد منها في صلته‪,‬‬‫ولكل أمة من المم قبلة يتو ّ‬
‫فبادروا ‪ -‬أيها المؤمنون‪ -‬متسابقين إلى فِْعل العمال الصالحة التي‬
‫شرعها الله لكم في دين السلم‪ .‬وسيجمعكم الله جميعا يوم‬
‫القيامة من أي موضع كنتم فيه‪ .‬إن الله على كل شيء قدير‪.‬‬

‫ق‬ ‫ه ل َل ْ َ‬
‫حه ّ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬
‫حهَرام ِ وَإ ِن ّه ُ‬ ‫سه ِ‬ ‫شط َْر ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫جه َ َ‬‫ل وَ ْ‬‫ت فَوَ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫خَر ْ‬‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫وَ ِ‬
‫ن )‪(149‬‬ ‫مُلو َ‬
‫ما ت َعْ َ‬‫ل عَ ّ‬ ‫ما الل ّ ُ‬
‫ه ب َِغافِ ٍ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬‫م ْ‬‫ِ‬
‫جه‬
‫ت ‪-‬أيها النبي‪ -‬مسافًرا‪ ,‬وأردت الصلة‪ ,‬فو ّ‬
‫ج َ‬‫خَر ْ‬
‫ومن أي مكان َ‬
‫جهك إليه لهو الحق الثابت من‬
‫ن تو ّ‬
‫وجهك نحو المسجد الحرام‪ .‬وإ ّ‬
‫ربك‪ .‬وما الله بغافل عما تعملونه‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫مهها‬
‫ث َ‬ ‫حي ْه ُ‬ ‫ح هَرام ِ وَ َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫سه ِ‬ ‫م ْ‬‫ش هط َْر ال ْ َ‬
‫ك َ‬ ‫جه َ َ‬ ‫ل وَ ْ‬‫ت فَوَ ّ‬ ‫ج َ‬‫خَر ْ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ة إ ِل ّ ال ّه ِ‬‫جه ٌ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ُ‬‫س عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن ِلل ُّنا ِ‬ ‫شط َْرهُ ل ِئ َل ّ ي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م َ‬ ‫جوهَك ُ ْ‬ ‫م فَوَّلوا وُ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ُ‬
‫م‬‫م وَل َعَل ّك ُه ْ‬ ‫مت ِههي عَل َي ْك ُه ْ‬ ‫م ن ِعْ َ‬‫شهوِْني وَلت ِه ّ‬ ‫خ َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬‫خ َ‬ ‫م َفل ت َ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫موا ِ‬‫ظ َل َ ُ‬
‫ن )‪(150‬‬ ‫دو َ‬ ‫ت َهْت َ ُ‬
‫جه إلى المسجد الحرام‪,‬‬ ‫ومن أى مكان خرجت ‪-‬أيها النبي‪ -‬فتو ّ‬
‫وحيثما كنتم ‪-‬أيها المسلمون‪ ,-‬بأي قطر من أقطار الرض فوّلوا‬
‫وجوهكم نحو المسجد الحرام; لكي ل يكون للناس المخالفين لكم‬
‫احتجاج عليكم بالمخاصمة والمجادلة‪ ,‬بعد هذا التوجه إليه‪ ,‬إل أهل‬

‫‪42‬‬
‫الظلم والعناد منهم‪ ,‬فسيظّلون على جدالهم‪ ,‬فل تخافوهم‬
‫وخافوني بامتثال أمري‪ ,‬واجتناب نهيي; ولكي أتم نعمتي عليكم‬
‫باختيار أكمل الشرائع لكم‪ ,‬ولعلكم تهتدون إلى الحق والصواب‪.‬‬

‫كَ َ‬
‫م‬ ‫م وَي ُعَل ّ ُ‬
‫مك ُه ْ‬ ‫كيك ُه ْ‬
‫م آَيات ِن َهها وَي َُز ّ‬ ‫م ي َت ُْلو عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫سول ً ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫سل َْنا ِفيك ُ ْ‬‫ما أْر َ‬‫َ‬
‫ن )‪(151‬‬ ‫مو َ‬ ‫كوُنوا ت َعْل َ ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ة وَي ُعَل ّ ُ‬
‫مك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫كما أنعمنا عليكم باستقبال الكعبة أرسلنا فيكم رسول منكم يتلو‬
‫عليكم اليات المبينة للحق من الباطل‪ ,‬ويطهركم من دنس الشرك‬
‫وسوء الخلق‪ ,‬ويعلمكم الكتاب والسنة وأحكام الشريعة‪ ,‬ويعلمكم‬
‫من أخبار النبياء‪ ,‬وقصص المم السابقة ما كنتم تجهلونه‪.‬‬

‫َ‬
‫شك ُُروا ِلي َول ت َك ُْفُرو ِ‬
‫ن )‪(152‬‬ ‫َفاذ ْك ُُروِني أذ ْك ُْرك ُ ْ‬
‫م َوا ْ‬
‫أمر تعالى المؤمنين بذكره‪ ،‬ووعد عليه أفضل الجزاء‪ ،‬وهو الثناء‬
‫ن ذكره‪ ,‬وخصوني ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬بالشكر‬ ‫م ْ‬
‫في المل العلى على َ‬
‫قول وعمل ول تجحدوا نعمي عليكم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن)‬
‫ري َ‬
‫صههاب ِ ِ‬
‫معَ ال ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫صلةِ إ ِ ّ‬
‫صب ْرِ َوال ّ‬
‫ست َِعيُنوا ِبال ّ‬
‫مُنوا ا ْ‬
‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪(153‬‬
‫يا أيها المؤمنون اطلبوا العون من الله في كل أموركم‪ :‬بالصبر‬
‫على النوائب والمصائب‪ ,‬وترك المعاصي والذنوب‪ ,‬والصبر على‬
‫الطاعات والقربات‪ ,‬والصلة التي تطمئن بها النفس‪ ,‬وتنهى عن‬
‫الفحشاء والمنكر‪ .‬إن الله مع الصابرين بعونه وتوفيقه وتسديده‪.‬‬
‫وفي الية‪ :‬إثبات معّية الله الخاصة بالمؤمنين‪ ,‬المقتضية لما سلف‬
‫ذكره; أما المعية العامة‪ ,‬المقتضية للعلم والحاطة فهي لجميع‬
‫الخلق‪.‬‬

‫ل فههي سهبيل الل ّهه أ َمهوات به ْ َ‬


‫حي َههاءٌ وَل َك ِه ْ‬
‫نل‬ ‫لأ ْ‬ ‫ِ ْ َ ٌ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ن ي ُْقت َه ُ ِ‬ ‫َول ت َُقوُلوا ل ِ َ‬
‫مه ْ‬
‫ن )‪(154‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫تَ ْ‬

‫‪43‬‬
‫ول تقولوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬فيمن ُيقتلون مجاهدين في سبيل الله‪:‬‬
‫هم أموات‪ ,‬بل هم أحياء حياة خاصة بهم في قبورهم‪ ,‬ل يعلم‬
‫سون بها‪ .‬وفي هذا دليل على‬
‫كيفيتها إل الله ‪ -‬تعالى‪ ,-‬ولكنكم ل ُتح ّ‬
‫نعيم القبر‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف َوال ْ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬


‫س‬
‫ل َوالنُف ه ِ‬
‫وا ِ‬
‫مه َ‬
‫ن ال ْ‬
‫م ْ‬
‫ص ِ‬
‫جوِع وَن َْق ٍ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫يٍء ِ‬
‫ش ْ‬‫م بِ َ‬‫وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ‬
‫ن )‪(155‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫ت وَب َ ّ‬
‫شْر ال ّ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫َوالث ّ َ‬
‫ولنختبرنكم بشيء يسير من الخوف‪ ،‬ومن الجوع‪ ,‬وبنقص من‬
‫الموال بتعسر الحصول عليها‪ ,‬أو ذهابها‪ ,‬ومن النفس‪ :‬بالموت أو‬
‫الشهادة في سبيل الله‪ ,‬وبنقص من ثمرات النخيل والعناب‬
‫والحبوب‪ ,‬بقّلة ناتجها أو فسادها‪ .‬وب ّ‬
‫شر ‪-‬أيها النبي‪ -‬الصابرين على‬
‫سّرهم من حسن العاقبة في الدنيا‬ ‫هذا وأمثاله بما يفرحهم وي َ ُ‬
‫والخرة‪.‬‬

‫ال ّذين إ َ َ‬
‫ن )‪(156‬‬ ‫ة َقاُلوا إ ِّنا ل ِل ّهِ وَإ ِّنا إ ِل َي ْهِ َرا ِ‬
‫جُعو َ‬ ‫صيب َ ٌ‬
‫م ِ‬
‫م ُ‬
‫صاب َت ْهُ ْ‬
‫ذا أ َ‬‫ِ َ ِ‬
‫من صفة هؤلء الصابرين أنهم إذا أصابهم شيء يكرهونه قالوا‪ :‬إّنا‬
‫عبيد مملوكون لله‪ ,‬مدّبرون بأمره وتصريفه‪ ,‬يفعل بنا ما يشاء‪ ,‬وإنا‬
‫إليه راجعون بالموت‪ ,‬ثم بالبعث للحساب والجزاء‪.‬‬

‫ن)‬
‫دو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مهْت َه ُ‬ ‫ة وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ه ْ‬ ‫مه ٌ‬
‫ح َ‬
‫م وََر ْ‬
‫ن َرب ّهِ ه ْ‬
‫مه ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ص هل َ َ‬
‫وا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك عَل َي ْهِه ْ‬
‫‪(157‬‬
‫أولئك الصابرون لهم ثناء من ربهم ورحمة عظيمة منه سبحانه‪,‬‬
‫وأولئك هم المهتدون إلى الرشاد‪.‬‬

‫َ‬
‫مهَر َفل‬ ‫ت أوْ اعْت َ َ‬‫ج ال ْب َي ْه َ‬‫حه ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬‫شهَعائ ِرِ الل ّههِ فَ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مْروَةَ ِ‬ ‫صَفا َوال ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫م)‬ ‫شههاك ٌِر عَِليهه ٌ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫خْيرا ً فَإ ِ ّ‬
‫ن ت َط َوّعَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما وَ َ‬‫ف ب ِهِ َ‬‫ن ي َط ّوّ َ‬ ‫ح عَل َي ْهِ أ ْ‬
‫جَنا َ‬
‫ُ‬
‫‪(158‬‬
‫إن الصفا والمروة‪ -‬وهما جبلن صغيران قرب الكعبة من جهة‬
‫الشرق‪ -‬من معالم دين الله الظاهرة التي تعّبد الله عباده بالسعي‬

‫‪44‬‬
‫جا أو معتمًرا‪ ,‬فل إثم عليه ول حرج في‬
‫من قصد الكعبة حا ّ‬ ‫بينهما‪ .‬ف َ‬
‫أن يسعى بينهما‪ ,‬بل يجب عليه ذلك‪ ,‬ومن فعل الطاعات طواعية‬
‫صا بها لله تعالى‪ ,‬فإن الله تعالى شاكر يثيب على‬‫من نفسه مخل ً‬
‫دا‬
‫القليل بالكثير‪ ,‬عليم بأعمال عباده فل بضيعها‪ ,‬ول يبخس أح ً‬
‫مثقال ذرة‪.‬‬

‫َ‬
‫مهها ب َي ّن ّههاهُ‬
‫ن ب َعْهدِ َ‬‫مه ْ‬
‫دى ِ‬ ‫ت َوال ْهُه َ‬ ‫ن ال ْب َي ّن َهها ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما أنَزل َْنا ِ‬ ‫ن َ‬‫مو َ‬ ‫ن ي َك ْت ُ ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ُ‬
‫ن )‪(159‬‬ ‫ه وَي َل ْعَن ُهُ ْ‬
‫م الل ّ ِ‬
‫عُنو َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ك ي َل ْعَن ُهُ ْ‬
‫ب أوْل َئ ِ َ‬ ‫س ِفي ال ْك َِتا ِ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫خفون ما أنزلنا من اليات الواضحات الدالة على نبوة‬ ‫إن الذين ي ُ ْ‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به‪ ,‬وهم أحبار اليهود وعلماء‬
‫النصارى وغيرهم ممن يكتم ما أنزل الله من بعد ما أظهرناه للناس‬
‫في التوراة والنجيل‪ ,‬أولئك يطردهم الله من رحمته‪ ,‬ويدعو عليهم‬
‫باللعنة جميع الخليقة‪.‬‬

‫ب‬ ‫ك أ َتههوب عَل َيه هم وأ َ‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫إل ّ ال ّذين تابوا وأ َص هل َحوا وبينههوا فَ هأ ُ‬
‫وا ُ‬
‫ّ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ت‬‫ال‬ ‫ها‬
‫ه‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫و‬ ‫ََُّ‬ ‫ِ َ َ ُ َ ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫م )‪(160‬‬ ‫حي ُ‬‫الّر ِ‬
‫إل الذين رجعوا مستغفرين الله من خطاياهم‪ ,‬وأصلحوا ما‬
‫أفسدوه‪ ,‬وب َّينوا ما كتموه‪ ,‬فأولئك أقبل توبتهم وأجازيهم بالمغفرة‪,‬‬
‫وأنا التواب على من تاب من عبادي‪ ,‬الرحيم بهم; إذ وفقُتهم للتوبة‬
‫وقبلتها منهم‪.‬‬

‫ة الل ّههِ َوال ْ َ‬


‫ملئ ِك َهةِ‬ ‫م ل َعْن َ ُ‬ ‫م ك ُّفاٌر أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا وَ َ‬
‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫إِ ّ‬
‫ن )‪(161‬‬ ‫َ‬
‫مِعي َ‬‫ج َ‬
‫سأ ْ‬ ‫َوالّنا ِ‬
‫إن الذين جحدوا اليمان وكتموا الحق‪ ,‬واستمروا على ذلك حتى‬
‫ماتوا‪ ,‬أولئك عليهم لعنة الله والملئكة والناس أجمعين بالطرد من‬
‫رحمته‪.‬‬

‫م ُينظ َُرو َ‬
‫ن )‪(162‬‬ ‫ب َول هُ ْ‬ ‫م ال ْعَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫ف عَن ْهُ ْ‬
‫خّف ُ‬
‫ن ِفيَها ل ي ُ َ‬
‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫َ‬

‫‪45‬‬
‫دائمين في اللعنة والنار‪ ,‬ل يخفف عنهم العذاب‪ ,‬ول هم يمهلون‬
‫بمعذرة يعتذرون بها‪.‬‬

‫م )‪(163‬‬
‫حي ُ‬
‫ن الّر ِ‬
‫م ُ‬
‫ح َ‬ ‫حد ٌ ل إ ِل َ َ‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ الّر ْ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬
‫ه َوا ِ‬ ‫وَإ ِل َهُك ُ ْ‬
‫وإلهكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬إله واحد متفرد في ذاته وأسمائه وصفاته‬
‫وأفعاله وعبودية خلقه له‪ ,‬ل معبود بحق إل هو‪ ,‬الرحمن المتصف‬
‫بالرحمة في ذاته وأفعاله لجميع الخلق‪ ,‬الرحيم بالمؤمنين‪.‬‬

‫ك ال ّت ِههي‬‫ل َوالن َّهارِ َوال ُْفل ْ ِ‬ ‫ت وال َ‬


‫ف الل ّي ْ ِ‬ ‫خِتل ِ‬ ‫ض َوا ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫ِ‬
‫خل ْ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫مههاءٍ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ماِء ِ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ما َينَفعُ الّنا َ‬ ‫حرِ ب ِ َ‬‫ري ِفي ال ْب َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن ك ُه ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ح‬
‫ف الّري َهها ِ‬ ‫ري ِ‬ ‫صه ِ‬ ‫داب ّهةٍ وَت َ ْ‬‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ِفيَها ِ‬ ‫موْت َِها وَب َ ّ‬
‫ض ب َعْد َ َ‬ ‫حَيا ب ِهِ الْر َ‬ ‫فَأ ْ‬
‫ت ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(164‬‬ ‫ض لَيا ٍ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫خرِ ب َي ْ َ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫حا ِ‬
‫س َ‬
‫َوال ّ‬
‫إن في خلق السموات بارتفاعها واتساعها‪ ,‬والرض بجبالها‬
‫وسهولها وبحارها‪ ,‬وفي اختلف الليل والنهار من الطول والقصر‪,‬‬
‫والظلمة والنور‪ ,‬وتعاقبهما بأن يخلف كل منهما الخر‪ ,‬وفي السفن‬
‫الجارية في البحار‪ ,‬التي تحمل ما ينفع الناس‪ ,‬وما أنزل الله من‬
‫السماء من ماء المطر‪ ,‬فأحيا به الرض‪ ,‬فصارت مخضّرة ذات‬
‫بهجة بعد أن كانت يابسة ل نبات فيها‪ ,‬وما نشره الله فيها من كل‬
‫ب على وجه الرض‪ ,‬وما أنعم به عليكم من تقليب الرياح‬ ‫ما د ّ‬
‫وتوجيهها‪ ,‬والسحاب المسّير بين السماء والرض ‪-‬إن في كل‬
‫ت على وحدانية الله‪ ,‬وجليل نعمه‪ ,‬لقوم‬ ‫الدلئل السابقة ليا ٍ‬
‫يعقلون مواضع الحجج‪ ,‬ويفهمون أدلته سبحانه على وحدانيته‪,‬‬
‫واستحقاقه وحده للعبادة‪.‬‬

‫َ‬
‫ب الل ّههِ‬
‫حه ّ‬ ‫م كَ ُ‬‫حب ّههون َهُ ْ‬‫دادا ً ي ُ ِ‬ ‫ن الل ّههِ أنه َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬‫مه ْ‬‫خهذ ُ ِ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬‫مه ْ‬‫س َ‬ ‫ن الن ّهها ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫بأ ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫موا إ ِذ ْ ي ََروْ َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫حب ّا ً ل ِل ّهِ وَل َوْ ي ََرى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫شد ّ ُ‬ ‫مُنوا أ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫ديد ُ ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ب )‪(165‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫ش ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ميعا ً وَأ ّ‬ ‫ال ُْقوّةَ ل ِل ّهِ َ‬
‫ج ِ‬
‫ومع هذه البراهين القاطعة يتخذ فريق من الناس من دون الله‬
‫ما وأوثاًنا وأولياء يجعلونهم نظراء لله تعالى‪ ,‬ويعطونهم من‬
‫أصنا ً‬
‫المحبة والتعظيم والطاعة‪ ,‬ما ل يليق إل بالله وحده‪ .‬والمؤمنون‬

‫‪46‬‬
‫أعظم حبا لله من حب هؤلء الكفار لله وللهتهم; لن المؤمنين‬
‫أخلصوا المحبة كلها لله‪ ,‬وأولئك أشركوا في المحبة‪ .‬ولو يعلم‬
‫الذين ظلموا أنفسهم بالشرك في الحياة الدنيا‪ ,‬حين يشاهدون‬
‫عذاب الخرة‪ ,‬أن الله هو المتفرد بالقوة جميًعا‪ ,‬وأن الله شديد‬
‫العذاب‪ ,‬لما اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونهم من دونه‪ ,‬ويتقربون‬
‫بهم إليه‪.‬‬

‫م‬ ‫ب وَت ََقط ّعَه ْ‬


‫ت ب ِهِه ْ‬ ‫ن ات ّب َعُههوا وََرأ َْوا ال ْعَه َ‬
‫ذا َ‬ ‫ن ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ات ّب ُِعوا ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫إ ِذ ْ ت َب َّرأ ال ّ ِ‬
‫ب )‪(166‬‬ ‫سَبا ُ‬ ‫َ‬
‫ال ْ‬
‫عند معاينتهم عذاب الخرة يتبرأ الرؤساء المتبوعون ممن اتبعهم‬
‫على الشرك‪ ,‬وتنقطع بينهم كل الصلت التي ارتبطوا بها في الدنيا‪:‬‬
‫من القرابة‪ ,‬والّتباع‪ ,‬والدين‪ ,‬وغير ذلك‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مّنهها َ‬
‫كههذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ما ت َب َّرُءوا ِ‬‫م كَ َ‬ ‫ن ل ََنا ك َّرةً فَن َت َب َّرأ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ات ّب َُعوا ل َوْ أ ّ‬‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬
‫وََقا َ‬
‫يريهم الل ّ َ‬
‫ن الن ّههارِ )‬
‫مه ْ‬ ‫ن ِ‬
‫جي َ‬
‫خههارِ ِ‬ ‫م بِ َ‬
‫مهها هُه ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِه ْ‬
‫سَرا ٍ‬ ‫ح َ‬‫م َ‬ ‫مال َهُ ْ‬‫ه أعْ َ‬‫ُ‬ ‫ُ ِ ِ ْ‬
‫‪(167‬‬
‫وقال التابعون‪ :‬يا ليت لنا عودة إلى الدنيا‪ ,‬فنعلن براءتنا من هؤلء‬
‫مّنا‪ .‬وكما أراهم الله شدة عذابه يوم‬
‫الرؤساء‪ ,‬كما أعلنوا براءتهم ِ‬
‫القيامة يريهم أعمالهم الباطلة ندامات عليهم‪ ,‬وليسوا بخارجين من‬
‫دا‪.‬‬
‫النار أب ً‬

‫ممهها فِههي ال َ‬ ‫يا أ َ‬


‫ت‬
‫وا ِ‬‫خط ُه َ‬ ‫حلل ً ط َّيبها ً َول ت َت ّب ِعُههوا ُ‬
‫ْ‬
‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫هوا‬‫ه‬‫س ك ُل ُ‬‫ُ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫شههاءِ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫سوِء َوالَف ْ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫مُرك ُ ْ‬‫ما ي َأ ُ‬
‫ن )‪ (168‬إ ِن ّ َ‬ ‫مِبي ٌ‬
‫م عَد ُوّ ُ‬ ‫ه لك ُ ْ‬‫َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(169‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ت َُقوُلوا عََلى الل ّهِ َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫يا أيها الناس كلوا من رزق الله الذي أباحه لكم في الرض‪ ,‬وهو‬
‫الطاهر غير النجس‪ ,‬النافع غير الضار‪ ,‬ول تتبعوا طرق الشيطان‬
‫في التحليل والتحريم‪ ,‬والبدع والمعاصي‪ .‬إنه عدو لكم ظاهر‬
‫العداوة إنما يأمركم الشيطان بكل ذنب قبيح يسوُءكم‪ ,‬وبكل‬
‫معصية بالغة القبح‪ ,‬وبأن تفتروا على الله الكذب من تحريم الحلل‬
‫وغيره بدون علم‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ما أ َل َْفي َْنا عَل َي ْههِ آَباَءن َهها‬
‫ل ن َت ّب ِعُ َ‬‫ه َقاُلوا ب َ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫ما َأنَز َ‬
‫م ات ّب ُِعوا َ‬‫ل ل َهُ ْ‬
‫ذا ِقي َ‬‫وَإ ِ َ‬
‫ن )‪(170‬‬ ‫دو َ‬ ‫شْيئا ً َول ي َهْت َ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ل ي َعِْقُلو َ‬ ‫ن آَباؤُهُ ْ‬ ‫كا َ‬‫أ َوَل َوْ َ‬

‫وإذا قال المؤمنون ناصحين أهل الضلل‪ :‬اتبعوا ما أنزل الله من‬
‫القرآن والهدى‪ ,‬أصّروا على تقليد أسلفهم المشركين قائلين‪ :‬ل‬
‫نتبع دينكم‪ ,‬بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا‪ .‬أيتبعون آباءهم ولو كانوا ل‬
‫يعقلون عن الله شيًئا‪ ,‬ول يدركون رش ً‬
‫دا؟‬

‫داءً‬‫معُ إ ِل ّ د ُعَههاءً وَن ِه َ‬‫سه َ‬


‫مهها ل ي َ ْ‬ ‫ل ال ّه ِ‬
‫ذي ي َن ْعِهقُ ب ِ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ك َ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مث َ ُ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(171‬‬ ‫م ل ي َعِْقُلو َ‬ ‫ي فَهُ ْ‬‫م ٌ‬
‫م عُ ْ‬ ‫م ب ُك ْ ٌ‬‫ص ّ‬‫ُ‬
‫وصفة الذين كفروا وداعيهههم إلههى الهههدى واليمههان كصههفة الراعههي‬
‫الذي يصيح بالبهههائم ويزجرههها‪ ,‬وهههي ل تفهههم معههاني كلمههه‪ ,‬وإنمهها‬
‫دوا أسماعهم‬ ‫مس ّ‬ ‫ص ّ‬‫تسمع النداء ود َوِيّ الصوت فقط‪ .‬هؤلء الكفار ُ‬
‫مههي ل تههرى‬ ‫عن الحههق‪ ,‬ب ُك ْههم أخرسههوا ألسههنتهم عههن النطههق بههه‪ ,‬عُ ْ‬
‫أعينهم براهينه الباهرة‪ ,‬فهم ل يعملون عقولهم فيما ينفعهم‬
‫َ‬
‫شهك ُُروا ل ِّلههِ إ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫مها َرَزقَْنهاك ُ ْ‬
‫م َوا ْ‬ ‫ن ط َي َّبها ِ‬
‫ت َ‬ ‫مُنوا ك ُُلوا ِ‬
‫مه ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن )‪(172‬‬ ‫دو َ‬‫م إ ِّياهُ ت َعْب ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫ذة الحلل التي رزقناكم‪,‬‬ ‫يا أيها المؤمنون كلوا من الطعمة المستل َ ّ‬
‫حّلون الخبائث‪,‬‬
‫ول تكونوا كالكفار الذين يحرمون الطيبات‪ ,‬ويست ِ‬
‫واشكروا لله نعمه العظيمة عليكم بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم‪,‬‬
‫إن كنتم حًقا منقادين لمره‪ ,‬سامعين مطيعين له‪ ,‬تعبدونه وحده ل‬
‫شريك له‪.‬‬

‫ما أ ُهِ ّ‬
‫ل ب ِههِ ل ِغَي ْهرِ الل ّههِ‬ ‫زيرِ وَ َ‬
‫خن ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَل َ ْ‬
‫ة َوالد ّ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫مي ْت َ َ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬
‫حّر َ‬
‫ما َ‬
‫إ ِن ّ َ‬
‫م )‪(173‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫م عَل َي ْهِ إ ِ ّ‬‫عادٍ َفل إ ِث ْ َ‬‫ضط ُّر غَي َْر َباٍغ َول َ‬ ‫نا ْ‬‫م ْ‬‫فَ َ‬
‫إنما حرم الله عليكم ما يضركم كالميتة التي لم تذبح بطريقة‬
‫شرعية‪ ,‬والدم المسفوح‪ ,‬ولحم الخنزير‪ ,‬والذبائح التي ذبحت لغير‬
‫ل الله عليكم وتيسيره أنه أباح لكم أكل هذه‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ض ِ‬ ‫م ْ‬
‫الله‪ .‬و ِ‬

‫‪48‬‬
‫المحرمات عند الضرورة‪ .‬فمن ألجأته الضرورة إلى أكل شيء‬
‫منها‪ ,‬غير ظالم في أكله فوق حاجته‪ ,‬ول متجاوز حدود الله فيما‬
‫ُأبيح له‪ ,‬فل ذنب عليه في ذلك‪ .‬إن الله غفور لعباده‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫من ها ً قَِليل ً‬
‫ن ب ِههِ ث َ َ‬‫ش هت َُرو َ‬ ‫ب وَي َ ْ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬‫ن َ‬‫مو َ‬ ‫ن ي َك ْت ُ ُ‬‫َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫إِ ّ‬
‫ْ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ة‬
‫مه ِ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬‫ه َيههوْ َ‬‫م الل ّه ُ‬‫مه ُ ْ‬‫م إ ِل ّ الّناَر َول ي ُك َل ّ ُ‬ ‫طون ِهِ ْ‬ ‫ن ِفي ب ُ ُ‬ ‫ما ي َأك ُُلو َ‬ ‫ك َ‬
‫َ‬
‫م )‪(174‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬‫م عَ َ‬‫م وَل َهُ ْ‬ ‫كيهِ ْ‬‫َول ي َُز ّ‬

‫خفون ما أنزل الله في كتبه من صفة محمد صلى الله‬ ‫إن الذين ي ُ ْ‬
‫عليه وسلم وغير ذلك من الحق‪ ,‬ويحرصون على أخذ عوض قليل‬
‫من عرض الحياة الدنيا مقابل هذا الخفاء‪ ,‬هؤلء ما يأكلون في‬
‫مقابلة كتمان الحق إل نار جهنم تتأجج في بطونهم‪ ,‬ول يكلمهم الله‬
‫يوم القيامة لغضبه وسخطه عليهم‪ ,‬ول يطهرهم من دنس ذنوبهم‬
‫وكفرهم‪ ,‬ولهم عذاب موجع‪.‬‬

‫ب ِبههال ْ َ‬
‫مغِْفَرةِ فَ َ‬
‫مهها‬ ‫دى َوال َْعهه َ‬
‫ذا َ‬ ‫ة ِبال ُْههه َ‬
‫ضههلل َ َ‬ ‫نا ْ‬
‫شههت ََرْوا ال ّ‬ ‫ك اّلهه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫م عََلى الّنارِ )‪(175‬‬ ‫َ‬
‫صب ََرهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫أولئك المتصفون بهذه الصفات استبدلوا الضللة بالهدى وعذاب‬
‫الله بمغفرته‪ ,‬فما أشد جراءتهم على النار بعملهم أعمال أهل‬
‫النار!! يعجب الله من إقدامهم على ذلك‪ ,‬فاعجبوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬من‬
‫جراءتهم‪ ,‬ومن صبرهم على النار ومكثهم فيها‪ .‬وهذا على وجه‬
‫الستهانة بهم‪ ,‬والستخفاف بأمرهم‪.‬‬

‫ذ َل َ َ‬
‫خت َل َُفههوا فِههي ال ْك ِت َهها ِ‬
‫ب‬ ‫نا ْ‬ ‫ن ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ب ب ِههال ْ َ‬
‫حقّ وَإ ِ ّ‬ ‫ل ال ْك ِت َهها َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ن َّز َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬‫ِ‬
‫ق ب َِعيدٍ )‪(176‬‬ ‫شَقا ٍ‬‫ل َِفي ِ‬
‫ذلك العذاب الذي استحقوه بسبب أن الله تعالى نّزل كتبه على‬
‫رسله مشتملة على الحق المبين‪ ,‬فكفروا به‪ .‬وإن الذين اختلفوا‬
‫في الكتاب فأمنوا ببعضه وكفروا ببعضه‪ ,‬لفي منازعة ومفارقة‬
‫بعيدة عن الرشد والصواب‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ال ْب ِّر َ‬
‫مه ْ‬ ‫ب وَل َك ِ ّ‬ ‫ق َوال ْ َ‬
‫مغْرِ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ت ُوَّلوا وُ ُ‬
‫جوهَك ُ ْ‬
‫م قِب َ َ‬ ‫س ال ْب ِّر أ ْ‬
‫ل َي ْ َ‬
‫‪49‬‬
‫ل عََلههى‬ ‫ما َ‬ ‫ن َوآَتى ال ْ َ‬ ‫ب َوالن ّب ِّيي َ‬ ‫ملئ ِك َةِ َوال ْك َِتا ِ‬ ‫خرِ َوال ْ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫آ َ‬
‫ن وَِفي‬ ‫سائ ِِلي َ‬ ‫ل َوال ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ َ‬ ‫كي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫حب ّهِ ذ َِوي ال ُْقْرَبى َوال ْي ََتا َ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫صهلةَ َوآَتهى الّز َ‬ ‫َ‬
‫دوا‬
‫هه ُ‬ ‫عا َ‬‫ذا َ‬ ‫م إِ َ‬‫ن ب ِعَْههدِهِ ْ‬ ‫موُفهو َ‬ ‫كهاةَ َوال ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ب وَأَقا َ‬ ‫الّرَقا ِ‬
‫س أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫صهد َُقوا‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّه ِ‬ ‫ن الَبهأ ِ‬
‫حيه َ ْ‬ ‫ضّراِء وَ ِ‬ ‫ساِء َوال ّ‬ ‫ن ِفي ال ْب َأ َ‬ ‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬
‫َوال ّ‬
‫ن )‪(177‬‬ ‫مت ُّقو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫وَأ ُوْل َئ ِ َ‬

‫ليس الخير عند الله‪ -‬تعالى‪ -‬في التوجه في الصلة إلى جهة‬
‫المشرق والمغرب إن لم يكن عن أمر الله وشرعه‪ ,‬وإنما الخير‬
‫ده ل شريك‬ ‫دا وح َ‬
‫دق به معبو ً‬
‫كل الخير هو إيمان من آمن بالله وص ّ‬
‫له‪ ,‬وآمن بيوم البعث والجزاء‪ ,‬وبالملئكة جميًعا‪ ,‬وبالكتب المنزلة‬
‫عا ‪-‬مع‬
‫كافة‪ ,‬وبجميع النبيين من غير تفريق‪ ,‬وأعطى المال تطوّ ً‬
‫شدة حبه‪ -‬ذوي القربى‪ ,‬واليتامى المحتاجين الذين مات آباؤهم‬
‫وهم دون سن البلوغ‪ ,‬والمساكين الذين أرهقهم الفقر‪,‬‬
‫والمسافرين المحتاجين الذين ب َُعدوا عن أهلهم ومالهم‪ ,‬والسائلين‬
‫الذين اضطروا إلى السؤال لشدة حاجتهم‪ ,‬وأنفق في تحرير‬
‫الرقيق والسرى‪ ,‬وأقام الصلة‪ ,‬وأدى الزكاة المفروضة‪ ,‬والذين‬
‫يوفون بالعهود‪ ,‬ومن صبر في حال فقره ومرضه‪ ,‬وفي شدة‬
‫القتال‪ .‬أولئك المتصفون بهذه الصفات هم الذين صدقوا في‬
‫إيمانهم‪ ,‬وأولئك هم الذين اتَقوا عقاب الله فتجنبوا معاصيه‪.‬‬

‫َ‬
‫حّر‬‫حهّر ب ِههال ْ ُ‬‫ص فِههي ال َْقت ْل َههى ال ْ ُ‬‫صهها ُ‬ ‫م ال ِْق َ‬ ‫ب عَل َي ْك ُه ْ‬ ‫مُنوا ك ُت ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫يءٌ َفات ّب َههاعٌ‬‫شه ْ‬ ‫خي ههِ َ‬ ‫ن أَ ِ‬‫مه ْ‬
‫ه ِ‬‫ي ل َه ُ‬
‫ن عُِف َ‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َوال ْعَب ْد ُ ِبال ْعَب ْدِ َوالنَثى ِبالنَثى فَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مه ْ‬‫ة فَ َ‬ ‫مه ٌ‬
‫ح َ‬ ‫ن َرب ّك ُه ْ‬
‫م وََر ْ‬ ‫مه ْ‬
‫ف ِ‬ ‫خِفي ٌ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫داٌء إ ِل َي ْهِ ب ِإ ِ ْ‬
‫ف وَأ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫َ‬
‫م )‪(178‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ك فَل َ ُ‬ ‫دى ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫اعْت َ َ‬
‫يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه فرض الله عليكم‬
‫أن تقتصوا من القاتل عمدا بقتله‪ ,‬بشرط المساواة والمماثلة‪ُ :‬يقتل‬
‫الحر بمثله‪ ,‬والعبد بمثله‪ ,‬والنثى بمثلها‪ .‬فمن سامحه ولي المقتول‬
‫بالعفو عن القتصاص منه والكتفاء بأخذ الدية ‪-‬وهي قدر مالي‬
‫محدد يدفعه الجاني مقابل العفو عنه‪ -‬فليلتزم الطرفان بحسن‬
‫الخلق‪ ,‬فيطالب الولي بالدية من غير عنف‪ ,‬ويدفع القاتل إليه حقه‬
‫من غير تأخير ول نقص‪ .‬ذلك العفو مع أخذ الدية تخفيف‬ ‫بإحسان‪ِ ,‬‬
‫من قتل‬ ‫من ربكم ورحمة بكم; لما فيه من التسهيل والنتفاع‪ .‬ف َ‬

‫‪50‬‬
‫صا في‬ ‫القاتل بعد العفو عنه وأ َ ْ‬
‫خذ ِ الدية فله عذاب أليم بقتله قصا ً‬
‫الدنيا‪ ,‬أو بالنار في الخرة‪.‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(179‬‬ ‫ب ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َت ُّقو َ‬ ‫حَياةٌ َيا أوِْلي الل َْبا ِ‬
‫ص َ‬ ‫م ِفي ال ِْق َ‬
‫صا ِ‬ ‫وَل َك ُ ْ‬
‫ولكم في تشريع القصاص وتنفيذه حياة آمنة ‪-‬يا أصحاب العقول‬
‫ما‪.‬‬
‫السليمة‪ ;-‬رجاء تقوى الله وخشيته بطاعته دائ ً‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫ة ل ِل ْ َ‬
‫وال ِهد َي ْ ِ‬ ‫خْيرا ً ال ْوَ ِ‬
‫صي ّ ُ‬ ‫ن ت ََر َ‬
‫ك َ‬ ‫ت إِ ْ‬‫مو ْ ُ‬‫م ال ْ َ‬
‫حد َك ُ ْ‬
‫ضَر أ َ‬
‫ح َ‬‫ذا َ‬‫م إِ َ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ك ُت ِ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(180‬‬ ‫حّقا ً عََلى ال ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫ف َ‬‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫َوالقَْرِبي َ‬
‫فرض الله عليكم إذا حضر أحدكم علمات الموت ومقدماته ‪-‬إن‬
‫ترك مال‪ -‬الوصية بجزء من ماله للوالدين والقربين مع مراعاة‬
‫العدل; فل يدع الفقير ويوصي للغني‪ ,‬ول يتجاوز الثلث‪ ,‬وذلك حق‬
‫ثابت يعمل به أهل التقوى الذين يخافون الله‪ .‬وكان هذا قبل نزول‬
‫دد الله فيها نصيب كل وارث‪.‬‬
‫آيات المواريث التي ح ّ‬

‫ن الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫ن ي ُب َهد ُّلون َ ُ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ه عَل َههى ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مه ُ‬ ‫ه فَإ ِن ّ َ‬
‫مهها إ ِث ْ ُ‬ ‫مع َ ُ‬
‫سه ِ‬
‫ما َ‬
‫ه ب َعْهد َ َ‬‫ن ب َد ّل َ ُ‬
‫م ْ‬‫فَ َ‬
‫م )‪(181‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫من غَّير وصية الميت بعدما سمعها منه قبل موته‪ ,‬فإنما الذنب‬‫ف َ‬
‫دل‪ .‬إن الله سميع لوصيتكم وأقوالكم‪ ,‬عليم بما‬‫من غّير وب ّ‬
‫على َ‬
‫تخفيه صدوركم من الميل إلى الحق والعدل أو الجور والحيف‪,‬‬
‫وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَل َي ْههِ إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫م َفل إ ِث ْه َ‬ ‫ص هل َ َ‬
‫ح ب َي ْن َهُ ه ْ‬ ‫جَنفا ً أوْ إ ِْثم ها ً فَأ ْ‬
‫ص َ‬
‫مو ٍ‬
‫ن ُ‬‫م ْ‬
‫ف ِ‬ ‫خا َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬‫فَ َ‬
‫م )‪(182‬‬
‫حي ٌ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه غَُفوٌر َر ِ‬
‫ص ميل عن الحق في وصيته على سبيل الخطأ أو‬ ‫من مو ٍ‬‫من علم ِ‬‫ف َ‬
‫ي وقت الوصية بما هو العدل‪ ،‬فإن لم يحصل‬ ‫العمد‪ ,‬فنصح الموص َ‬
‫له ذلك فأصلح بين الطراف بتغيير الوصية; لتوافق الشريعة‪ ,‬فل‬
‫ذنب عليه في هذا الصلح‪ .‬إن الله غفور لعباده‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ب عَل َههى ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مهها ك ُِته َ‬
‫م كَ َ‬
‫صهَيا ُ‬ ‫ب عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫مُنوا ك ُت ِ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن )‪(183‬‬ ‫م ت َت ُّقو َ‬‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬فرض الله عليكم‬
‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫الصيام كما فرضه على المم قبلكم; لعلكم تتقون ربكم‪ ,‬فتجعلون‬
‫بينكم وبين المعاصي وقاية بطاعته وعبادته وحده‪.‬‬

‫م‬ ‫ها‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫كان منك ُم مريضا ً أ َو عََلى سَفر فَعِدةٌ من أ َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫دا‬ ‫دو‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫يام‬ ‫أَ‬
‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫و‬ ‫َ‬
‫خْيرا فهُ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ن ت َطوّعَ َ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫نف َ‬ ‫كي ٍ‬
‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ة ط ََعا ُ‬ ‫ه فِد ْي َ ٌ‬ ‫طيُقون َ ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫خَر وَعََلى ال ّ ِ‬ ‫أُ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(184‬‬ ‫مو َ‬‫م ت َعْل َ ُ‬‫كنت ُ ْ‬‫ن ُ‬‫م إِ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫موا َ‬ ‫صو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫ه وَأ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫فرض الله عليكم صيام أيام معلومة العدد وهي أيام شهر رمضان‪.‬‬
‫ضا يشق عليه الصوم‪ ,‬أو مسافًرا فله أن يفطر‪,‬‬ ‫فمن كان منكم مري ً‬
‫خر بقدر التي أفطر فيها‪ .‬وعلى الذين‬ ‫ُ‬
‫وعليه صيام عدد من أيام أ َ‬
‫يتكلفون الصيام ويشقّ عليهم مشقة غير محتملة كالشيخ الكبير‪,‬‬
‫جى شفاؤه‪ ,‬فدية عن كل يوم يفطره‪ ,‬وهي‬ ‫والمريض الذي ل ي ُْر َ‬
‫عا منه فهو خير له‪,‬‬
‫طعام مسكين‪ ,‬فمن زاد في قدر الفدية تبر ً‬
‫مل المشقة‪ -‬من إعطاء الفدية‪ ,‬إن كنتم‬ ‫وصيامكم خير لكم ‪-‬مع تح ّ‬
‫تعلمون الفضل العظيم للصوم عند الله تعالى‪.‬‬

‫شهر رمضان ال ّذي ُ‬


‫دى‬ ‫ن ال ْهُ َ‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫س وَب َي َّنا ٍ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫لل‬
‫ِ‬ ‫دى‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫رآ‬
‫ْ‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ل ِفيهِ ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ز‬ ‫أن‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ُ َ َ َ َ‬
‫َ‬
‫ريضا ً أوْ عَل َههى‬ ‫م ِ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ص ْ‬ ‫شهَْر فَل ْي َ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫شهِد َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َوال ُْفْرَقا ِ‬
‫ن فَ َ‬
‫سهَر‬ ‫م ال ْعُ ْ‬ ‫ريهد ُ ب ِك ُه ْ‬ ‫سهَر َول ي ُ ِ‬ ‫م ال ْي ُ ْ‬ ‫ه ب ِك ُ ْ‬‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫خَر ي ُ ِ‬ ‫ن أ َّيام ٍ أ ُ َ‬
‫م ْ‬‫سَفرٍ فَعِد ّةٌ ِ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫ش هك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م وَل َعَل ّك ُه ْ‬‫داك ُ ْ‬ ‫مهها هَ ه َ‬ ‫ه عَل َههى َ‬ ‫مُلوا ال ْعِد ّةَ وَل ِت ُك َب ُّروا الل ّه َ‬ ‫وَل ِت ُك ْ ِ‬
‫‪(185‬‬
‫شهر رمضان الذي ابتدأ الله فيه إنزال القرآن في ليلة القدر; هداية‬
‫للناس إلى الحق‪ ,‬فيه أوضح الدلئل على هدى الله‪ ,‬وعلى الفارق‬
‫ما‬
‫حا مقي ً‬‫بين الحق والباطل‪ .‬فمن حضر منكم الشهر وكان صحي ً‬
‫خص للمريض والمسافر في الفطر‪ ,‬ثم يقضيان‬ ‫فليصم نهاره‪ .‬وُير ّ‬
‫عدد تلك اليام‪ .‬يريد الله تعالى بكم اليسر والسهولة في شرائعه‪,‬‬
‫ول يريد بكم العسر والمشقة‪ ,‬ولتكملوا عدة الصيام شهًرا‪,‬‬
‫ولتختموا الصيام بتكبير الله في عيد الفطر‪ ,‬ولتعظموه على هدايته‬

‫‪52‬‬
‫لكم‪ ,‬ولكي تشكروا له على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق‬
‫والتيسير‪.‬‬

‫عي إ ِ َ‬
‫ذا د َعَههاِني‬ ‫دا ِ‬
‫ب د َعْوَةَ اله ّ‬‫جي ُ‬
‫ُ‬
‫بأ ِ‬ ‫ري ٌ‬‫عَباِدي عَّني فَإ ِّني قَ ِ‬ ‫ك ِ‬‫سأ َل َ َ‬‫ذا َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ن )‪(186‬‬ ‫دو َ‬‫ش ُ‬ ‫مُنوا ِبي ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َْر ُ‬ ‫جيُبوا ِلي وَل ْي ُؤْ ِ‬ ‫فَل ْي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫وإذا سألك ‪-‬أيها النبي‪ -‬عبادي عني فقل لهم‪ :‬إني قريب منهم‪,‬‬
‫ُأجيب دعوة الداعي إذا دعاني‪ ,‬فليطيعوني فيما أمرتهم به ونهيتهم‬
‫عنه‪ ,‬وليؤمنوا بي‪ ,‬لعلهم يهتدون إلى مصالح دينهم ودنياهم‪ .‬وفي‬
‫هذه الية إخبار منه سبحانه عن قربه من عباده‪ ,‬القرب اللئق‬
‫بجلله‪.‬‬

‫َ‬ ‫أُ ِ‬
‫م‬
‫م وَأن ْت ُه ْ‬ ‫س ل َك ُه ْ‬‫ن ل ِب َهها ٌ‬ ‫م هُ ه ّ‬ ‫سههائ ِك ُ ْ‬‫ث إ ِل َههى ن ِ َ‬ ‫صَيام ِ الّرفَ ُ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫م ل َي ْل َ َ‬‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ختانو َ‬ ‫ل ِباس ل َهن عَل ِم الل ّ َ‬
‫م وَعََفهها‬ ‫ب عَل َي ْك ُه ْ‬ ‫م فََتا َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ن أنُف َ‬ ‫م تَ ْ َ ُ َ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫م ُ‬ ‫ه أن ّك ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ ُ ّ‬
‫حت ّههى‬ ‫شَرُبوا َ‬ ‫ُ‬
‫م وَك ُلوا َوا ْ‬ ‫َ‬
‫ه لك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ب الل ُ‬ ‫ما ك َت َ َ‬ ‫ن َواب ْت َُغوا َ‬ ‫شُروهُ ّ‬ ‫ن َبا ِ‬ ‫م َفال َ‬ ‫عَن ْك ُ ْ‬
‫خيهط ال َسهود مهن ال َْفجهر ُثه َ‬ ‫خي ْ ُ َ‬
‫مههوا‬ ‫م أت ِ ّ‬‫ْ ِ ّ‬ ‫ْ َ ِ ِ ْ‬ ‫ن ال ْ َ ْ ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ط الب ْي َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ي َت َب َي ّ َ‬
‫جدِ ت ِل ْه َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫سهها ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن فِههي ال ْ َ‬ ‫م عَههاك ُِفو َ‬ ‫ن وَأن ْت ُ ْ‬‫شُروهُ ّ‬ ‫ل َول ت َُبا ِ‬ ‫م إ َِلى الل ّي ْ ِ‬ ‫صَيا َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن)‬ ‫م ي َت ُّقههو َ‬ ‫س ل َعَل ّهُ ه ْ‬
‫ه آي َههات ِهِ ِللن ّهها ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫ها ك َذ َل ِ َ‬ ‫دود ُ الل ّهِ َفل ت َْقَرُبو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ُ‬
‫‪(187‬‬
‫ن ستر‬ ‫أباح الله لكم في ليالي شهر رمضان جماعَ نسائكم‪ ,‬ه ّ‬
‫وحفظ لكم‪ ,‬وأنتم ستر وحفظ لهن‪ .‬علم الله أنكم كنتم تخونون‬
‫أنفسكم; بمخالفة ما حّرمه الله عليكم من مجامعة النساء بعد‬
‫العشاء في ليالي الصيام ‪-‬وكان ذلك في أول السلم‪ ,-‬فتاب الله‬
‫دره الله‬ ‫سع لكم في المر‪ ,‬فالن جامعوهن‪ ,‬واطلبوا ما ق ّ‬ ‫عليكم وو ّ‬
‫لكم من الولد‪ ,‬وكلوا واشربوا حتى يتب َّين ضياء الصباح من سواد‬
‫الليل‪ ،‬بظهور الفجر الصادق‪ ,‬ثم أتموا الصيام بالمساك عن‬
‫المفطرات إلى دخول الليل بغروب الشمس‪ .‬ول تجامعوا نساءكم‬
‫أو تتعاطوا ما يفضي إلى جماعهن إذا كنتم معتكفين في المساجد;‬
‫لن هذا يفسد العتكاف )وهو القامة في المسجد مدة معلومة بنّية‬
‫التقرب إلى الله تعالى(‪ .‬تلك الحكام التي شرعها الله لكم هي‬
‫حدوده الفاصلة بين الحلل والحرام‪ ,‬فل تقربوها حتى ل تقعوا في‬
‫الحرام‪ .‬بمثل هذا البيان الواضح يبين الله آياته وأحكامه للناس; كي‬
‫وه‪.‬‬ ‫يتقوه ويخ َ‬
‫ش ْ‬
‫‪53‬‬
‫حك ّههام ِ ل ِت َهأ ْك ُُلوا‬
‫ل وَت ُهد ُْلوا ب ِهَهها إ ِل َههى ال ْ ُ‬‫م ِبال َْباط ِه ِ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬‫وال َك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َول ت َأك ُُلوا أ ْ‬
‫َ‬ ‫فَريقا ً من أ َ‬
‫ن )‪(188‬‬ ‫مو َ‬‫م ت َعْل َ ُ‬
‫س ِبال ِث ْم ِ وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ‬
‫ول يأكل بعضكم مال بعض بسبب باطل كاليمين الكاذبة‪ ,‬والغصب‪,‬‬
‫والسرقة‪ ,‬والرشوة‪ ,‬والربا ونحو ذلك‪ ,‬ول تلقوا بالحجج الباطلة إلى‬
‫الحكام; لتأكلوا عن طريق التخاصم أموال طائفة من الناس‬
‫بالباطل‪ ,‬وأنتم تعلمون تحريم ذلك عليكم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ك عَن ال َ‬ ‫يسأ َ‬


‫س ال ْب ِهّر ب ِهأ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ج‬
‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫وا‬ ‫س‬
‫ِ َ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫لل‬
‫ِ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫قي‬‫ِ‬ ‫وا‬ ‫م‬
‫َ‬
‫َ َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ة‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫َ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫مه ْ‬‫ت ِ‬ ‫ن ات َّقههى وَأت ُههوا ال ْب ُي ُههو َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن ال ْب ِهّر َ‬‫ن ظ ُُهورِهَهها وَل َك ِه ّ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬‫ت َأُتوا ال ْب ُُيو َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(189‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬ ‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫واب َِها َوات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫أب ْ َ‬
‫يسألك أصحابك ‪-‬أيها النبي‪ :-‬عن الهلة وتغّير أحوالها‪ ,‬قل لهم‪:‬‬
‫ه الهلة علمات يعرف بها الناس أوقات عباداتهم المحددة‬ ‫جعل الل ُ‬
‫بوقت مثل الصيام والحج‪ ,‬ومعاملتهم‪ .‬وليس الخير ما تعودتم عليه‬
‫في الجاهلية وأول السلم من دخول البيوت من ظهورها حين‬
‫رمون بالحج أو العمرة‪ ,‬ظانين أن ذلك قربة إلى الله‪ ,‬ولكن‬ ‫ح ِ‬
‫تُ ْ‬
‫ن اتقى الله واجتنب المعاصي‪ ,‬وادخلوا البيوت من‬ ‫م ِ‬ ‫الخير هو فِعْ ُ‬
‫ل َ‬
‫أبوابها عند إحرامكم بالحج أو العمرة‪ ,‬واخشوا الله تعالى في كل‬
‫أموركم‪ ,‬لتفوزوا بكل ما تحبون من خيري الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ب‬
‫حه ّ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫دوا إ ِ ّ‬ ‫ن ي َُقات ُِلون َك ُ ْ‬
‫م َول ت َعْت َه ُ‬ ‫ل الل ّهِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وََقات ُِلوا ِفي َ‬
‫سِبي ِ‬
‫ن )‪(190‬‬ ‫دي َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫معْت َ ِ‬
‫وقاتلوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬لنصرة دين الله الذين يقاتلونكم‪ ,‬ول‬
‫ل من ل يحل قتله من‬ ‫مْثلة‪ ،‬والُغلول‪ ،‬وقَت ْ ِ‬
‫ترتكبوا المناهي من ال ُ‬
‫النساء والصبيان والشيوخ‪ ،‬ومن في حكمهم‪ .‬إن الله ل يحب الذين‬
‫يجاوزون حدوده‪ ,‬فيستحلون ما حّرم الله ورسوله‪.‬‬

‫ة‬‫م َوال ِْفت ْن َه ُ‬‫جههوك ُ ْ‬ ‫ث أَ ْ‬


‫خَر ُ‬ ‫حي ْه ُ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جوهُ ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م وَأ َ ْ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫ث ث َِقْفت ُ ُ‬
‫حي ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫َواقْت ُُلوهُ ْ‬
‫ه‬
‫م ِفي ِ‬ ‫حّتى ي َُقات ُِلوك ُ ْ‬ ‫حَرام ِ َ‬‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫عن ْد َ ال ْ َ‬‫م ِ‬ ‫ل َول ت َُقات ُِلوهُ ْ‬ ‫ن ال َْقت ْ ِ‬‫م ْ‬‫شد ّ ِ‬ ‫أَ َ‬
‫ن )‪(191‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫جَزاُء ال ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫م َفاقْت ُُلوهُ ْ‬
‫م ك َذ َل ِ َ‬ ‫ن َقات َُلوك ُ ْ‬‫فَإ ِ ْ‬

‫‪54‬‬
‫واقتلوا الذين يقاتلونكم من المشركين حيث وجدتموهم‪,‬‬
‫وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه وهو "مكة"‪ .‬والفتنة‬
‫‪-‬وهي الكفر والشرك والصد عن السلم‪ -‬أشد من قتلكم إياهم‪ .‬ول‬
‫ما لحرماته حتى يبدؤوكم‬‫تبدؤوهم بالقتال عند المسجد الحرام تعظي ً‬
‫بالقتال فيه‪ ,‬فإن قاتلوكم في المسجد الحرام فاقتلوهم فيه‪ .‬مثل‬
‫ذلك الجزاء الرادع يكون جزاء الكافرين‪.‬‬

‫م )‪(192‬‬
‫حي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫وا فَإ ِ ّ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ن انت َهَ ْ‬
‫فإن تركوا ما هم فيه من الكفر وقتالكم عند المسجد الحرام‪,‬‬
‫ودخلوا في اليمان‪ ,‬فإن الله غفور لعباده‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫وا َفل عُد َْوا َ‬


‫ن‬ ‫ن ل ِل ّهِ فَإ ِ ْ‬
‫ن انت َهَ ْ‬ ‫دي ُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ة وَي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م َ‬‫وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫ن )‪(193‬‬ ‫مي َ‬ ‫إ ِل ّ عََلى ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫واستمروا‪ -‬أيها المؤمنون‪ -‬في قتال المشركين المعتدين‪ ,‬حتى ل‬
‫تكون فتنة للمسلمين عن دينهم ول شرك بالله‪ ,‬ويبقى الدين لله‬
‫صا ل ي ُعَْبد معه غيره‪ .‬فإن كّفوا عن الكفر والقتال فك ُّفوا‬
‫وحده خال ً‬
‫عنهم; فالعقوبة ل تكون إل على المستمرين على كفرهم‬
‫وعدوانهم‪.‬‬

‫دى‬ ‫ن اعْت َه َ‬ ‫ص فَ َ‬
‫مه ْ‬ ‫صهها ٌ‬ ‫ت قِ َ‬ ‫مهها ُ‬
‫حُر َ‬ ‫حهَرام ِ َوال ْ ُ‬ ‫شههْرِ ال ْ َ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫حهَرا ُ‬ ‫شههُْر ال ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مههوا أ ّ‬ ‫ه َواعْل َ ُ‬
‫م َوات ُّقوا الّلهه َ‬‫دى عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ما اعْت َ َ‬‫ل َ‬ ‫دوا عَل َي ْهِ ب ِ ِ‬
‫مث ْ ِ‬ ‫م َفاعْت َ ُ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ن )‪(194‬‬ ‫مت ِّقي َ‬‫مع َ ال ْ ُ‬‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫قتالكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬للمشركين في الشهر الذي حّرم الله‬
‫القتال فيه هو جزاء لقتالهم لكم في الشهر الحرام‪ .‬والذي يعتدي‬
‫حّرم الله من المكان والزمان‪ ,‬يعاقب بمثل فعله‪ ,‬ومن‬ ‫على ما َ‬
‫جنس عمله‪ .‬فمن اعتدى عليكم بالقتال أو غيره فأنزلوا به عقوبة‬
‫مماثلة لجنايته‪ ,‬ول حرج عليكم في ذلك; لنهم هم البادئون‬
‫بالعدوان‪ ,‬وخافوا الله فل تتجاوزوا المماثلة في العقوبة‪ ,‬واعلموا‬
‫أن الله مع الذين يتقونه ويطيعونه بأداء فرائضه وتجنب محارمه‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫س هُنوا إ ِ ّ‬ ‫م إ ِل َههى الت ّهْل ُك َهةِ وَأ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫ل الل ّهِ َول ت ُل ُْقوا ب ِأي ْ ِ‬
‫ديك ُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬
‫فُقوا ِفي َ‬ ‫وَأن ِ‬
‫ن )‪(195‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ه يُ ِ‬‫الل ّ َ‬
‫واستمروا‪ -‬أيها المؤمنون‪ -‬في إنفاق الموال لنصرة دين الله‬
‫تعالى‪ ,‬والجهاد في سبيله‪ ,‬ول توقعوا أنفسكم في المهالك بترك‬
‫الجهاد في سبيل الله‪ ,‬وعدم النفاق فيه‪ ,‬وأحسنوا في النفاق‬
‫صا لوجه الله تعالى‪ .‬إن الله يحب‬
‫والطاعة‪ ,‬واجعلوا عملكم كله خال ً‬
‫أهل الخلص والحسان‪.‬‬

‫وأ َت ِموا ال ْحج وال ْعمرةَ ل ِل ّه فَإ ُ‬


‫ي َول‬ ‫ن ال ْهَهد ْ َ ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫سَر ِ‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫صْرت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫َ ّ َ ُ ْ َ‬ ‫َ ّ‬
‫ريضا ً أوْ ب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫م ِ‬‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫حل ّ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫حّتى ي َب ْل ُغَ ال ْهَد ْيُ َ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫حل ُِقوا ُرُءو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أَ ً‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫منت ُه ْ‬‫ذا أ ِ‬ ‫ك ف َ هإ ِ َ‬ ‫س ٍ‬ ‫صد َقَةٍ أوْ ن ُ ُ‬ ‫صَيام ٍ أوْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫سهِ فَِفد ْي َ ٌ‬ ‫ن َرأ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذى ِ‬
‫م‬ ‫صَيا ُ‬ ‫جد ْ فَ ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ي فَ َ‬ ‫ن ال ْهَد ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سَر ِ‬ ‫ست َي ْ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ج فَ َ‬ ‫ح ّ‬‫مَرةِ إ َِلى ال ْ َ‬ ‫مت ّعَ ِبال ْعُ ْ‬‫تَ َ‬
‫مل َه ٌ‬ ‫م ت ِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ة ذ َل ِه َ‬ ‫كا ِ‬‫شهَرةٌ َ‬ ‫ك عَ َ‬ ‫جعْت ُ ْ‬ ‫ذا َر َ‬ ‫سب ْعَةٍ إ ِ َ‬ ‫ج وَ َ‬ ‫ح ّ‬‫َثلث َةِ أّيام ٍ ِفي ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ل َم يك ُ َ‬
‫ن الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫مههوا أ ّ‬ ‫ه َواعْل َ ُ‬ ‫حَرام ِ َوات ُّقوا الل ّه َ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ال ْ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن أهْل ُ ُ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫ب )‪(196‬‬ ‫ديد ُ ال ْعَِقا ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫ن‪ ,‬خالصين لوجه الله تعالى‪ .‬فإن منعكم‬ ‫مي ْ ِ‬‫وأّدوا الحج والعمرة تا ّ‬
‫عن الذهاب لتمامهما بعد الحرام بهما مانع كالعدو والمرض‪,‬‬
‫ح ما تيسر لكم من البل أو البقر أو الغنم تقرًبا‬ ‫فالواجب عليكم ذ َب ْ ُ‬
‫خُرجوا من إحرامكم بحلق شعر الرأس أو‬ ‫إلى الله تعالى; لكي ت َ ْ‬
‫تقصيره‪ ,‬ول تحلقوا رؤوسكم إذا كنتم محصرين حتى ينحر المحصر‬
‫حصر فيه ثم يحل من إحرامه‪ ,‬كما نحر‬ ‫هديه في الموضع الذي ُ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في "الحديبية" ثم حلق رأسه‪ ,‬وغير‬
‫المحصر ل ينحر الهدي إل في الحرم‪ ,‬الذي هو محله في يوم العيد‪,‬‬
‫ضا‪,‬‬‫اليوم العاشر وما بعده من أيام التشريق‪ .‬فمن كان منكم مري ً‬
‫حَلق‪,‬‬
‫رم‪َ -‬‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬
‫أو به أذى من رأسه يحتاج معه إلى الحلق ‪-‬وهو ُ‬
‫وعليه فدية‪ :‬بأن يصوم ثلثة أيام‪ ,‬أو يتصدق على ستة مساكين‬
‫لكل مسكين نصف صاع من طعام‪ ,‬أو يذبح شاة لفقراء الحرم‪.‬‬
‫حة‪ :‬فمن استمتع بالعمرة إلى الحج وذلك‬ ‫فإذا كنتم في أمن وص ّ‬
‫حّرم عليه بسبب الحرام بعد انتهاء عمرته‪ ,‬فعليه ذبح‬ ‫باستباحة ما ُ‬
‫ما تيسر من الهدي‪ ,‬فمن لم يجد هَد ًْيا يذبحه فعليه صيام ثلثة أيام‬
‫في أشهر الحج‪ ,‬وسبعة إذا فرغتم من أعمال الحج ورجعتم إلى‬
‫أهليكم‪ ,‬تلك عشرة كاملة ل بد من صيامها‪ .‬ذلك الهَد ْيُ وما ترتب‬

‫‪56‬‬
‫عليه من الصيام لمن لم يكن أهله من ساكني أرض الحرم‪ ,‬وخافوا‬
‫الله تعالى وحافظوا على امتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ,‬واعلموا‬
‫أن الله شديد العقاب لمن خالف أمره‪ ,‬وارتكب ما عنه زجر‪.‬‬

‫سههوقَ‬ ‫ث َول فُ ُ‬ ‫ج َفل َرفَه َ‬ ‫حه ّ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫ض ِفيهِ ّ‬ ‫ن فََر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت فَ َ‬‫ما ٌ‬‫معُْلو َ‬ ‫شهٌُر َ‬ ‫ج أَ ْ‬ ‫ح ّ‬‫ال ْ َ‬
‫خْيههَر‬
‫ن َ‬‫دوا فَإ ِ ّ‬ ‫ه الل ّ ُ‬
‫ه وَت ََزوّ ُ‬ ‫م ُ‬‫خي ْرٍ ي َعْل َ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ت َْفعَُلوا ِ‬‫ج وَ َ‬ ‫ل ِفي ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫دا َ‬‫ج َ‬‫َول ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب )‪(197‬‬ ‫وى َوات ُّقوِني َيا أوِْلي الل َْبا ِ‬ ‫الّزادِ الت ّْق َ‬
‫وقت الحج أشهر معلومات‪ ,‬وهي‪ :‬شوال‪ ,‬وذو القعههدة‪ ,‬وعشههر مههن‬
‫ذي الحجة‪ .‬فمن أوجب الحههج علههى نفسهه فيهههن بههالحرام‪ ,‬فيحهرم‬
‫عليه الجماع ومقدماته القولية والفعلية‪ ,‬ويحرم عليههه الخههروج عههن‬
‫طاعة الله تعالى بفعل المعاصي‪ ,‬والجههدال فههي الحههج الههذي يههؤدي‬
‫إلى الغضب والكراهية‪ .‬وما تفعلوا من خير يعلمه اللههه‪ ,‬فيجههازي كل‬
‫دا من الطعام والشراب لسفر الحج‪,‬‬ ‫على عمله‪ .‬وخذوا لنفسكم زا ً‬
‫دا من صالح العمال للدار الخرة‪ ,‬فههإن خيههر الههزاد تقههوى اللههه‪,‬‬ ‫وزا ً‬
‫وخافوني يا أصحاب العقول السليمة‬
‫ل َيس عَل َيك ُم جناح أ َن تبتُغوا فَضل ً من ربك ُم فَإ َ َ‬
‫ت‬‫ن عََرَفا ٍ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ذا أفَ ْ‬
‫ضت ُ ْ‬ ‫ْ ِ ْ َ ّ ْ ِ‬ ‫ْ ْ ُ َ ٌ ْ ََْ‬ ‫ْ َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬‫م ِ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫داك ُ ْ‬
‫ما هَ َ‬ ‫شعَرِ ال ْ َ‬
‫حَرام ِ َواذ ْك ُُروهُ ك َ َ‬ ‫عن ْد َ ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫َفاذ ْك ُُروا الل ّ َ‬
‫ن )‪(198‬‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫قَب ْل ِهِ ل َ ِ‬
‫ليس عليكم حرج في أن تطلبوا رزًقا من ربكم بالربح من التجارة‬
‫في أيام الحج‪ .‬فإذا دفعتم بعد غروب الشمس راجعين من‬
‫"عرفات" ‪-‬وهي المكان الذي يقف فيه الحجاج يوم التاسع من ذي‬
‫الحجة‪ -‬فاذكروا الله بالتسبيح والتلبية والدعاء عند المشعر الحرام‬
‫‪"-‬المزدلفة"‪ ,-‬واذكروا الله على الوجه الصحيح الذي هداكم إليه‪,‬‬
‫ولقد كنتم من قبل هذا الهدى في ضلل ل تعرفون معه الحق‪.‬‬

‫ث ُم أ َفيضوا من حي ُ َ‬
‫ن الل ّه َ‬
‫ه غَُفههوٌر‬ ‫سهت َغِْفُروا الل ّه َ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫س َوا ْ‬ ‫ث أَفا َ‬
‫ض الن ّهها ُ‬ ‫ِ ْ َ ْ‬ ‫ّ ِ ُ‬
‫م )‪(199‬‬
‫حي ٌ‬
‫َر ِ‬
‫وليكن اندفاعكم من "عرفات" التي أفاض منها إبراهيم عليه‬
‫السلم مخالفين بذلك من ل يقف بها من أهل الجاهلية‪ ,‬واسألوا‬
‫الله أن يغفر لكم ذنوبكم‪ .‬إن الله غفور لعباده المستغفرين‬
‫التائبين‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫ش هد ّ ذِك ْههرا ً‬‫م أ َوْ أ َ َ‬
‫م آب َههاَءك ُ ْ‬‫ه ك َهذِك ْرِك ُ ْ‬‫م َفاذ ْك ُُروا الل ّ َ‬ ‫سك َك ُ ْ‬
‫مَنا ِ‬
‫م َ‬ ‫ذا قَ َ‬
‫ضي ْت ُ ْ‬ ‫فَإ ِ َ‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬‫خ هَرةِ ِ‬ ‫ه فِههي ال ِ‬ ‫مهها ل َه ُ‬‫ل َرب َّنا آت َِنا فِههي الهد ّن َْيا وَ َ‬ ‫ن ي َُقو ُ‬
‫م ْ‬‫س َ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فَ ِ‬
‫ق )‪(200‬‬ ‫خل ٍ‬ ‫َ‬
‫فإذا أتممتم عبادتكم‪ ,‬وفرغتم من أعمال الحج‪ ,‬فأكثروا من ذكر‬
‫الله والثناء عليه‪ ,‬مثل ذكركم مفاخر آبائكم وأعظم من ذلك‪ .‬فمن‬
‫الناس فريق يجعل همه الدنيا فقط‪ ,‬فيدعو قائل ربنا آتنا في الدنيا‬
‫دا‪ ,‬وهؤلء ليس لهم في الخرة حظ ول نصيب;‬ ‫صحة‪ ,‬ومال وأول ً‬
‫مهم على الدنيا‪.‬‬ ‫لرغبتهم عنها وقَ ْ‬
‫صرِ هَ ّ‬

‫ة وَقِن َهها‬
‫س هن َ ً‬
‫ح َ‬
‫خَرةِ َ‬
‫ة وَِفي ال ِ‬
‫سن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫ن ي َُقو ُ‬
‫ل َرب َّنا آت َِنا ِفي الد ّن َْيا َ‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫وَ ِ‬
‫ب الّنارِ )‪(201‬‬ ‫ذا َ‬ ‫عَ َ‬
‫ومن الناس فريق مؤمن يقول في دعائه‪ :‬ربنا آتنا في الدنيا عافية‬
‫حا‪ ,‬وغير ذلك من أمور الدين والدنيا‪,‬‬ ‫ورزًقا وعل ً‬
‫ما نافًعا‪ ,‬وعمل صال ً‬
‫وفي الخرة الجنة‪ ,‬واصرف عّنا عذاب النار‪ .‬وهذا الدعاء من أجمع‬
‫الدعية‪ ,‬ولهذا كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬كما ثبت‬
‫في الصحيحين‪.‬‬

‫ب )‪(202‬‬
‫سا ِ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫س ِ‬ ‫سُبوا َوالل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫م ّ‬
‫ب ِ‬
‫صي ٌ‬
‫م نَ ِ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ل َهُ ْ‬
‫أولئك الداعون بهذا الدعاء لهم ثواب عظيم بسبب ما كسبوه من‬
‫ص أعمال عباده‪,‬‬
‫ح ٍ‬
‫م ْ‬
‫العمال الصالحة‪ .‬والله سريع الحساب‪ُ ,‬‬
‫ومجازيهم بها‪.‬‬

‫َ‬
‫م عَل َي ْهِ‬ ‫ن َفل إ ِث ْ َ‬
‫ِ‬ ‫مي ْ‬
‫ل ِفي ي َوْ َ‬ ‫ج َ‬
‫ن ت َعَ ّ‬‫م ْ‬ ‫ت فَ َ‬
‫دا ٍ‬‫دو َ‬‫مع ْ ُ‬‫ه ِفي أّيام ٍ َ‬ ‫َواذ ْك ُُروا الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِل َي ْه ِ‬
‫ه‬ ‫مهوا أن ّك ُه ْ‬ ‫ه َواعْل َ ُ‬‫ن ات َّقههى َوات ُّقههوا الّله َ‬‫مه ْ‬‫م عَل َي ْهِ ل ِ َ‬
‫خَر َفل إ ِث ْ َ‬ ‫ن ت َأ ّ‬
‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(203‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬‫تُ ْ‬
‫حا وتكبيًرا في أيام قلئل‪ ,‬وهي أيام التشريق‪:‬‬
‫واذكروا الله تسبي ً‬
‫الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة‪ .‬فمن‬
‫منى" قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر‬ ‫أراد التعجل وخرج من " ِ‬
‫منى" حتى‬‫بعد رمي الجمار فل ذنب عليه‪ ,‬ومن تأخر بأن بات به " ِ‬
‫‪58‬‬
‫يرمي الجمار في اليوم الثالث عشر فل ذنب عليه‪ ,‬لمن اتقى الله‬
‫في حجه‪ .‬والتأخر أفضل; لنه تزّود في العبادة واقتداء بفعل النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬وخافوا الله‪ -‬أيها المسلمون‪ -‬وراقبوه في‬
‫شرون بعد موتكم‬ ‫ح َ‬
‫كل أعمالكم‪ ,‬واعلموا أنكم إليه وحده ت ُ ْ‬
‫للحساب والجزاء‪.‬‬

‫ه عَل َههى َ‬
‫مهها‬ ‫شهِد ُ الل ّه َ‬ ‫ه ِفي ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَي ُ ْ‬ ‫ك قَوْل ُ ُ‬‫جب ُ َ‬
‫ن ي ُعْ ِ‬ ‫م ْ‬‫س َ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫م ْ‬
‫وَ ِ‬
‫صام ِ )‪(204‬‬ ‫َ‬
‫ِفي قَل ْب ِهِ وَهُوَ أل َد ّ ال ْ ِ‬
‫خ َ‬
‫وبعض الناس من المنافقين يعجبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كلمه الفصيح‬
‫دا‬
‫ظا من حظوظ الدنيا ل الخرة‪ ,‬ويحلف مستشه ً‬ ‫الذي يريد به ح ّ‬
‫بالله على ما في قلبه من محبة السلم‪ ,‬وفي هذا غاية الجرأة‬
‫على الله‪ ,‬وهو شديد العداوة والخصومة للسلم والمسلمين‪.‬‬

‫ك ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫سه َ‬
‫ل‬ ‫ث َوالن ّ ْ‬
‫ح هْر َ‬ ‫س هد َ ِفيهَهها وَي ُهْل ِه َ‬
‫ض ل ِي ُْف ِ‬
‫سَعى فِههي الْر ِ‬ ‫ذا ت َوَّلى َ‬‫وَإ ِ َ‬
‫ب ال َْف َ‬
‫ساد َ )‪(205‬‬ ‫ح ّ‬
‫ه ل يُ ِ‬‫َوالل ّ ُ‬
‫شط في الرض ليفسد‬ ‫جد ّ ون َ ِ‬
‫وإذا خرج من عندك أيها الرسول‪َ ,‬‬
‫فيها‪ ,‬ويتلف زروع الناس‪ ,‬ويقتل ماشيتهم‪ .‬والله ل يحب الفساد‪.‬‬

‫م وَل َب ِئ ْ َ‬
‫س‬ ‫جهَن ّه ُ‬
‫ه َ‬
‫سهب ُ ُ‬ ‫ه ال ْعِهّزةُ ب ِههال ِث ْم ِ فَ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ه أَ َ‬
‫خهذ َت ْ ُ‬ ‫ق الل ّه َ‬ ‫ل ل َه ُ‬
‫ه ات ّه ِ‬ ‫ذا ِقي َ‬
‫وَإ ِ َ‬
‫مَهاد ُ )‪(206‬‬ ‫ال ْ ِ‬
‫صح ذلك المنافق المفسد‪ ,‬وقيل له‪ :‬اتق الله واحذر عقابه‪,‬‬ ‫وإذا ن ُ ِ‬
‫ف عن الفساد في الرض‪ ,‬لم يقبل النصيحة‪ ,‬بل يحمله الكبر‬ ‫وك ُ ّ‬
‫سُبه جهنم وكافيته عذاًبا‪,‬‬ ‫وحمّية الجاهلية على مزيد من الثام‪ ,‬فَ َ‬
‫ح ْ‬
‫ولبئس الفراش هي‪.‬‬

‫ف‬ ‫ضهاةِ الّلههِ َوالّله ُ‬


‫ه َرُءو ٌ‬ ‫مْر َ‬
‫ه اب ْت َِغهاَء َ‬
‫سه ُ‬
‫ري ن َْف َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫شه ِ‬ ‫مه ْ‬
‫س َ‬
‫ن الّنها ِ‬
‫مه ْ‬
‫وَ ِ‬
‫ِبال ْعَِبادِ )‪(207‬‬

‫‪59‬‬
‫وبعض الناس يبيع نفسه طلًبا لرضا الله عنه‪ ,‬بالجهاد في سبيله‪,‬‬
‫والتزام طاعته‪ .‬والله رءوف بالعباد‪ ,‬يرحم عباده المؤمنين رحمة‬
‫واسعة في عاجلهم وآجلهم‪ ,‬فيجازبهم أحسن الجزاء‪.‬‬

‫َ‬
‫ت‬ ‫خط ُه َ‬
‫وا ِ‬ ‫ة َول ت َت ّب ِعُههوا ُ‬ ‫سهل ْم ِ َ‬
‫كافّه ً‬ ‫خل ُههوا فِههي ال ّ‬
‫من ُههوا اد ْ ُ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫َيا أي ّهَهها ال ّه ِ‬
‫ن )‪(208‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫م عَد ُوّ ُ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫يا أيها الذين آمنوا بالله رًبا وبمحمد نبًيا ورسول وبالسلم ديًنا‪,‬‬
‫ادخلوا في جميع شرائع السلم‪ ,‬عاملين بجميع أحكامه‪ ,‬ول تتركوا‬
‫منها شيًئا‪ ,‬ول تتبعوا طرق الشيطان فيما يدعوكم إليه من‬
‫المعاصي‪ .‬إنه لكم عدو ظاهر العداوة فاحذروه‪.‬‬

‫َ‬
‫م‬
‫كي ه ٌ‬
‫ح ِ‬
‫زي هٌز َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫ت َفاعْل َ ُ‬
‫موا أ ّ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ُ‬
‫جاَءت ْك ُ ْ‬
‫ما َ‬
‫ن ب َعْدِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن َزل َل ْت ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫)‪(209‬‬
‫فإن انحرفتم عن طريق الحق‪ ,‬من بعد ما جاءتكم الحجج الواضحة‬
‫من القرآن والسنة‪ ,‬فاعلموا أن الله عزيز في ملكه ل يفوته شيء‪,‬‬
‫حكيم في أمره ونهيه‪ ,‬يضع كل شيء في موضعه المناسب له‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫مههام ِ َوال ْ َ‬
‫ملئ ِك َه ُ‬ ‫ن ال ْغَ َ‬
‫مه ْ‬ ‫ه فِههي ظ ُل َه ٍ‬
‫ل ِ‬ ‫م الل ّه ُ‬ ‫ل َينظ ُهُرو َ‬
‫ن إ ِل ّ أ ْ‬
‫ن ي َهأت ِي َهُ ْ‬ ‫هَ ه ْ‬
‫موُر )‪(210‬‬ ‫ُ‬ ‫مُر وَإ َِلى الل ّهِ ت ُْر َ‬ ‫َ‬ ‫وَقُ ِ‬
‫جع ُ ا ل ُ‬ ‫ي ال ْ‬‫ض َ‬
‫ما ينتظر هؤلء المعاندون الكافرون بعد قيام الدلة البينة إل أن‬
‫يأتيهم الله عز وجل على الوجه اللئق به سبحانه في ظ َُلل من‬
‫السحاب يوم القيامة; ليفصل بينهم بالقضاء العادل‪ ,‬وأن تأتي‬
‫الملئكة‪ ,‬وحينئذ يقضي الله تعالى فيهم قضاءه‪ .‬وإليه وحده ترجع‬
‫أمور الخلئق جميعها‪.‬‬

‫ن‬ ‫ة الل ّهِ ِ‬


‫مهه ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي ُب َد ّ ْ‬
‫ل ن ِعْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ن آي َةٍ ب َي ّن َةٍ وَ َ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ل كَ ْ‬
‫م آت َي َْناهُ ْ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫س ْ‬
‫ل ب َِني إ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ب )‪(211‬‬ ‫ْ‬
‫ديد ُ العَِقا ِ‬
‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬‫ه فَإ ِ ّ‬‫جاَءت ْ ُ‬
‫ما َ‬
‫ب َعْدِ َ‬
‫سل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بني إسرائيل المعاندين لك‪ :‬كم أعطيناهم من‬
‫آيات واضحات في كتبهم تهديهم إلى الحق‪ ,‬فكفروا بها كلها‪,‬‬

‫‪60‬‬
‫حّرفوها عن مواضعها‪ .‬ومن يبدل نعمة الله ‪-‬وهي‬ ‫وأعرضوا عنها‪ ,‬و َ‬
‫دينه‪ -‬ويكفر بها من بعد معرفتها‪ ,‬وقيام الحجة عليه بها‪ ,‬فإن الله‬
‫تعالى شديد العقاب له‪.‬‬

‫ن‬ ‫مُنههوا َوال ّه ِ‬


‫ذي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬‫خُرو َ‬‫س َ‬ ‫ن ك ََفُروا ال ْ َ‬
‫حَياةُ الد ّن َْيا وَي َ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ل ِل ّ ِ‬ ‫ن‬
‫ُزي ّ َ‬
‫ب )‪(212‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬
‫شاُء ب ِغَي ْرِ ِ‬‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫مةِ َوالل ّ ُ‬
‫ه ي َْرُزقُ َ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫فَوْقَهُ ْ‬
‫م ي َوْ َ‬ ‫وا‬
‫ات َّق ْ‬
‫سن للذين جحدوا وحدانية الله الحياةُ الدنيا وما فيها من‬
‫ح ّ‬
‫ُ‬
‫الشهوات والملذات‪ ,‬وهم يستهزئون بالمؤمنين‪ .‬وهؤلء الذين‬
‫يخشون ربهم فوق جميع الكفار يوم القيامة; حيث يدخلهم الله‬
‫أعلى درجات الجنة‪ ,‬وينزل الكافرين أسفل دركات النار‪ .‬والله‬
‫من خلقه بغير حساب‪.‬‬ ‫من يشاء ِ‬
‫يرزق َ‬

‫ل‬ ‫ن وََأنهَز َ‬ ‫منهذِِري َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫مب َ ّ‬


‫ن ُ‬ ‫ه الن ّب ِّيي َ‬ ‫ث الل ّ ُ‬ ‫حد َةً فَب َعَ َ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫سأ ّ‬
‫ُ‬
‫ن الّنا ُ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫ف‬ ‫خت ََلهه َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫خت َل َُفوا ِفيهِ وَ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫س ِفي َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫حك ُ َ‬
‫م ب َي ْ َ‬ ‫حقّ ل ِي َ ْ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ه‬‫دى الّلهه ُ‬ ‫م فَهَ َ‬‫ت ب َْغيا ً ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ُ‬‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أوُتوهُ ِ‬ ‫ذي َ‬‫ِفيهِ إ ِل ّ ال ّ ِ‬
‫شههاءُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مه ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ه ي َهْ ه ِ‬ ‫حقّ ب ِإ ِذ ْن ِهِ َوالل ّه ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬‫خت َل َُفوا ِفيهِ ِ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫مُنوا ل ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ست َِقيم ٍ )‪(213‬‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫إ َِلى ِ‬
‫كان الناس جماعة واحدة‪ ,‬متفقين على اليمان بالله ثم اختلفوا في‬
‫من أطاع الله‬‫دينهم‪ ,‬فبعث الله النبيين دعاة لدين الله‪ ,‬مبشرين َ‬
‫بالجنة‪ ,‬ومحذرين من كفر به وعصاه النار‪ ,‬وأنزل معهم الكتب‬
‫السماوية بالحق الذي اشتملت عليه; ليحكموا بما فيها بين الناس‬
‫خت ََلف في أمر محمد صلى الله عليه وسلم‬ ‫فيما اختلفوا فيه‪ ,‬وما ا ْ‬
‫دا إل الذين أعطاهم الله التوراة‪ ,‬وعرفوا ما فيها‬
‫ما وحس ً‬‫وكتابه ظل ً‬
‫من الحجج والحكام‪ ,‬فوّفق الله المؤمنين بفضله إلى تمييز الحق‬
‫من الباطل‪ ,‬ومعرفة ما اختلفوا فيه‪ .‬والله يوّفق من يشاء من‬
‫عباده إلى طريق مستقيم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أ َم حسبتم أ َن تدخُلوا ال ْجنة ول َما يأ ْ‬


‫ن قَب ْل ِك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ْ‬ ‫مهه‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫م‬‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ ّ َ َ ّ َ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ ْ َ ْ ُ‬
‫ْ‬
‫مُنههوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل َواّلهه ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل الّر ُ‬ ‫حّتى ي َُقو َ‬ ‫ضّراُء وَُزل ْزُِلوا َ‬
‫ساُء َوال ّ‬‫م ال ْب َأ َ‬
‫ست ْهُ ْ‬‫م ّ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ب )‪(214‬‬ ‫ري ٌ‬‫صَر اللهِ قَ ِ‬ ‫ن نَ ْ‬‫صُر اللهِ أل إ ِ ّ‬‫مَتى ن َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫مع َ ُ‬ ‫َ‬

‫‪61‬‬
‫ما يصبكم من البتلء‬ ‫بل أظننتم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬أن تدخلوا الجنة‪ ,‬ول ّ‬
‫مثل ما أصاب المؤمنين الذين مضوا من قبلكم‪ :‬من الفقر‬
‫والمراض والخوف والرعب‪ ,‬وُزلزلوا بأنواع المخاوف‪ ,‬حتى قال‬
‫رسولهم والمؤمنون معه ‪-‬على سبيل الستعجال للنصر من الله‬
‫تعالى‪ :-‬متى نصر الله؟ أل إن نصر الله قريب من المؤمنين‪.‬‬

‫ن‬ ‫َ‬
‫ن َوالقَْرِبيهه َ‬ ‫خي ْرٍ فَل ِل ْ َ‬
‫واِلههد َي ْ ِ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬
‫َ‬
‫ما أنَفْقت ُ ْ‬‫ل َ‬‫ن قُ ْ‬ ‫فُقو َ‬ ‫ما َ‬
‫ذا ُين ِ‬ ‫ك َ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬‫يَ ْ‬
‫ه‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه ب ِه ِ‬ ‫خي ْرٍ فَهإ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ت َْفعَُلوا ِ‬
‫ل وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن ال ّ‬‫ن َواب ْ ِ‬‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫م َ‬‫مى َوال ْ َ‬ ‫َوال ْي ََتا َ‬
‫م )‪(215‬‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫يسلك أصحابك ‪-‬أيها النبي‪ -‬أي شيء ينفقون من أصناف أموالهم‬
‫من ينفقون؟ قل لهم‪ :‬أنفقوا أيّ خير‬‫تقرًبا إلى الله تعالى‪ ,‬وعلى َ‬
‫يتيسر لكم من أصناف المال الحلل الطيب‪ ,‬واجعلوا نفقتكم‬
‫للوالدين‪ ,‬والقربين من أهلكم وذوي أرحامكم‪ ,‬واليتامى‪ ,‬والفقراء‪,‬‬
‫والمسافر المحتاج الذي ب َعُد َ عن أهله وماله‪ .‬وما تفعلوا من خير‬
‫فإن الله تعالى به عليم‪.‬‬

‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬ ‫َ‬


‫خْيههٌر‬ ‫هوا َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬ ‫عسى أ ْ‬ ‫ل وَهُوَ ك ُْرهٌ ل َك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫م ال ِْقَتا ُ‬
‫ب عَل َي ْك ُ ْ‬‫ك ُت ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫شّر ل َك ُ ْ‬
‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬ ‫حّبوا َ‬‫ن تُ ِ‬‫سى أ ْ‬ ‫م وَعَ َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫)‪(216‬‬
‫فرض الله عليكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬قتال الكفار‪ ,‬والقتال مكروه لكم‬
‫من جهة الطبع; لمشقته وكثرة مخاطره‪ ,‬وقد تكرهون شيًئا وهو‬
‫في حقيقته خير لكم‪ ,‬وقد تحبون شيًئا لما فيه من الراحة أو اللذة‬
‫العاجلة‪ ,‬وهو شر لكم‪ .‬والله تعالى يعلم ما هو خير لكم‪ ,‬وأنتم ل‬
‫تعلمون ذلك‪ .‬فبادروا إلى الجهاد في سبيله‪.‬‬

‫ن‬‫ص هد ّ عَه ْ‬ ‫ل ِفيهِ ك َِبيٌر وَ َ‬ ‫ل قَِتا ٌ‬ ‫ل ِفيهِ قُ ْ‬ ‫حَرام ِ قَِتا ٍ‬ ‫شهْرِ ال ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ه أك ْب َُر ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ج أهْل ِهِ ِ‬ ‫خَرا ُ‬ ‫حَرام ِ وَإ ِ ْ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ وَك ُْفٌر ب ِهِ َوال ْ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م عَ‬ ‫دوك ُ ْ‬‫حّتى ي َُر ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َُقات ُِلون َك ُ ْ‬‫ل َول ي ََزاُلو َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ال َْقت ْ‬ ‫ْ‬ ‫ة أك ْب َُر ِ‬
‫م‬ ‫َوال ِْفت ْن َ ُ‬
‫ك‬ ‫ت وَهُ هوَ ك َههافٌِر فَ هأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن ِدين ِهِ فَي َ ُ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ن ي َْرت َدِد ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عوا وَ َ‬ ‫طا ُ‬‫ست َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫خهَرةِ وَأوْل َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م ِفيهَهها‬ ‫ب الن ّههارِ هُه ْ‬ ‫حا ُ‬‫صه َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫مال ُهُ ْ‬‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(217‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫َ‬

‫‪62‬‬
‫يسألك المشركون ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن الشهر الحرام‪ :‬هل يحل فيه‬
‫القتال؟ قل لهم‪ :‬القتال في الشهر الحرام عظيم عند الله‬
‫مْنعكم الناس من دخول السلم‬ ‫استحلله وسفك الدماء فيه‪ ,‬و َ‬
‫مْنع‬
‫بالتعذيب والتخويف‪ ,‬وجحودكم بالله وبرسوله وبدينه‪ ,‬و َ‬
‫المسلمين من دخول المسجد الحرام‪ ,‬وإخراج النبي والمهاجرين‬
‫ما عند الله من‬‫منه وهم أهله وأولياؤه‪ ,‬ذلك أكبر ذنًبا‪ ,‬وأعظم جر ً‬
‫القتال في الشهر الحرام‪ .‬والشرك الذي أنتم فيه أكبر وأشد من‬
‫القتل في الشهر الحرام‪ .‬وهؤلء الكفار لم يرتدعوا عن جرائمهم‪,‬‬
‫بل هم مستمرون عليها‪ ,‬ول يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن‬
‫السلم إلى الكفر إن استطاعوا تحقيق ذلك‪ .‬ومن أطاعهم منكم‬
‫‪-‬أيها المسلمون‪ -‬وارتد ّ عن دينه فمات على الكفر‪ ,‬فقد ذهب عمله‬
‫في الدنيا والخرة‪ ,‬وصار من الملزمين لنار جهنم ل يخرج منها‬
‫دا‪.‬‬
‫أب ً‬

‫ل الل ّههِ أ ُوْل َئ ِ َ‬


‫ك‬ ‫س هِبي ِ‬
‫دوا فِههي َ‬
‫جاهَ ه ُ‬
‫جُروا وَ َ‬ ‫ن هَهها َ‬
‫ذي َ‬‫من ُههوا َوال ّه ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫م )‪(218‬‬ ‫ه غَُفوٌر َر ِ‬
‫حي ٌ‬ ‫ة الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫م َ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬‫جو َ‬ ‫ي َْر ُ‬
‫دقوا بالله ورسوله وعملوا بشرعه والذين تركوا‬
‫ص ّ‬
‫إن الذين َ‬
‫ديارهم‪ ,‬وجاهدوا في سبيل الله‪ ,‬أولئك يطمعون في فضل الله‬
‫وثوابه‪ .‬والله غفور لذنوب عباده المؤمنين‪ ,‬رحيم بهم رحمة‬
‫واسعة‪.‬‬

‫س‬ ‫ها‬‫ه‬‫ّ‬ ‫ن‬‫لل‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ها‬


‫ه‬‫َ‬ ‫ن‬‫م‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ر‬
‫ٌ‬ ‫ه‬ ‫بي‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬‫ٌ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ث‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ها‬
‫ه‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫في‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫م‬‫َ‬ ‫مرِ َوال ْ‬ ‫ْ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫سأ َ ُ‬
‫لو‬ ‫يَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل ال ْعَْف هوَ ك َهذ َل ِ َ‬ ‫ن قُ ه ْ‬ ‫ذا ُينِفُقههو َ‬ ‫مهها َ‬ ‫ك َ‬ ‫سأُلون َ َ‬ ‫ما وَي َ ْ‬ ‫ن ن َْفعِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما أك ْب َُر ِ‬ ‫مه ُ َ‬ ‫وَإ ِث ْ ُ‬
‫ة‬
‫خهَر ِ‬ ‫ن )‪ (219‬فِههي الهد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫م ت َت ََفك ّهُرو َ‬ ‫ت ل َعَل ّك ُه ْ‬ ‫م الي َهها ِ‬ ‫ه ل َك ُه ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ي ُب َي ّ ُ‬
‫خال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫وان ُك ُ ْ‬ ‫خ َ‬‫م فَإ ِ ْ‬ ‫طوهُ ْ‬ ‫ن تُ َ‬ ‫خي ٌْر وَإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح ل َهُ ْ‬‫صل ٌ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫مى قُ ْ‬ ‫ن ال ْي ََتا َ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫سأُلون َ َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫َ‬
‫زيههٌز‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه لعْن َت َك ُ ْ‬ ‫شاءَ الل ّ ُ‬ ‫ح وَل َوْ َ‬ ‫صل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سد َ ِ‬ ‫مْف ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫م )‪(220‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫يسألك المسلمون ‪-‬أيها النبي‪ -‬عن حكم تعاطي الخمر شرًبا وبيًعا‬
‫وشراًء‪ ,‬والخمر كل مسكر خامر العقل وغطاه مشروًبا كان أو‬
‫خذ ُ المال أو إعطاؤه‬ ‫مأكول ويسألونك عن حكم القمار ‪-‬وهو أ َ ْ‬
‫بالمقامرة وهي المغالبات التي فيها عوض من الطرفين‪ ,-‬قل لهم‪:‬‬
‫في ذلك أضرار ومفاسد كثيرة في الدين والدنيا‪ ,‬والعقول‬
‫‪63‬‬
‫والموال‪ ,‬وفيهما منافع للناس من جهة كسب الموال وغيرها‪,‬‬
‫دان عن ذكر الله وعن الصلة‪,‬‬ ‫وإثمهما أكبر من نفعهما; إذ يص ّ‬
‫ويوقعان العداوة والبغضاء بين الناس‪ ,‬ويتلفان المال‪ .‬وكان هذا‬
‫در الذي ينفقونه من أموالهم‬‫دا لتحريمهما‪ .‬ويسألونك عن الَق ْ‬ ‫تمهي ً‬
‫در الذي يزيد على حاجتكم‪ .‬مثل‬ ‫عا وصدقة‪ ,‬قل لهم‪ :‬أنفقوا الَق ْ‬ ‫تبر ً‬
‫ذلك البيان الواضح يبّين الله لكم اليات وأحكام الشريعة; لكي‬
‫تتفكروا فيما ينفعكم في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ويسألونك ‪-‬أيها النبي‪ -‬عن اليتامى كيف يتصرفون معهم في‬
‫معاشهم وأموالهم؟ قل لهم‪ :‬إصلحكم لهم خير‪ ,‬فافعلوا النفع لهم‬
‫ما‪ ,‬وإن تخالطوهم في سائر شؤون المعاش فهم إخوانكم في‬ ‫دائ ً‬
‫الدين‪ .‬وعلى الخ أن يرعى مصلحة أخيه‪ .‬والله يعلم المضيع‬
‫لموال اليتامى من الحريص على إصلحها‪ .‬ولو شاء الله لضّيق‬
‫وشقّ عليكم بتحريم الخالطة‪ .‬إن الله عزيز في ملكه‪ ,‬حكيم في‬
‫خلقه وتدبيره وتشريعه‪.‬‬

‫َ‬
‫شهرِك َ ٍ‬
‫ة‬ ‫م ْ‬‫ن ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫خْيهٌر ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مَنه ٌ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ة ُ‬ ‫مه ٌ‬‫ن وَل َ‬ ‫م ّ‬‫حّتى ي ُؤْ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫كا ِ‬ ‫شرِ َ‬ ‫م ْ‬‫حوا ال ْ ُ‬ ‫َول َتنك ِ ُ‬
‫َ‬
‫خي ْهٌر‬
‫ن َ‬ ‫م ٌ‬ ‫من ُههوا وَل َعَب ْهد ٌ ُ‬
‫م هؤ ْ ِ‬ ‫حّتى ي ُؤْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حوا ال ْ ُ‬ ‫م َول ُتنك ِ ُ‬ ‫جب َت ْك ُ ْ‬‫وَل َوْ أعْ َ‬
‫عو إ ِل َههى‬ ‫ن إ ِل َههى الن ّههارِ َوالل ّه ُ‬
‫ه ي َهد ْ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ك ي َهد ْ ُ‬‫م أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫جب َك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ك وَل َوْ أعْ َ‬ ‫شرِ ٍ‬ ‫م ْ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(221‬‬ ‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬‫س ل َعَل ّهُ ْ‬‫ن آَيات ِهِ ِللّنا ِ‬ ‫مغِْفَرةِ ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَي ُب َي ّ ُ‬ ‫جن ّةِ َوال ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ول تتزوجوا ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬المشركات عابدات الوثان‪ ,‬حتى‬
‫يدخلن في السلم‪ .‬واعلموا أن امرأة مملوكة ل مال لها ول‬
‫ة بالله‪ ,‬خير من امرأة مشركة‪ ,‬وإن أعجبتكم‬ ‫حسب‪ ,‬مؤمن ً‬
‫المشركة الحرة‪ .‬ول ت َُزّوجوا نساءكم المؤمنات ‪-‬إماء أو حرائر‪-‬‬
‫دا مؤمًنا مع‬‫للمشركين حتى يؤمنوا بالله ورسوله‪ .‬واعلموا أن عب ً‬
‫فقره‪ ,‬خير من مشرك‪ ,‬وإن أعجبكم المشرك‪ .‬أولئك المتصفون‬
‫من يعاشرهم إلى ما يؤدي به إلى‬ ‫بالشرك رجال ونساًء يدعون كل َ‬
‫النار‪ ,‬والله سبحانه يدعو عباده إلى دينه الحق المؤدي بهم إلى‬
‫الجنة ومغفرة ذنوبهم بإذنه‪ ,‬ويبين آياته وأحكامه للناس; لكي‬
‫يتذكروا‪ ,‬فيعتبروا‪.‬‬

‫ض‬‫حي ه ِ‬ ‫م ِ‬‫ساَء فِههي ال ْ َ‬


‫َ‬
‫ل هُوَ أًذى َفاعْت َزُِلوا الن ّ َ‬ ‫ض قُ ْ‬‫ِ‬ ‫حي‬
‫م ِ‬‫ن ال ْ َ‬
‫ْ‬ ‫ك عَ‬‫سأ َُلون َ َ‬
‫وَي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫مَرك ُ ْ‬ ‫ثأ َ‬‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬‫ن فَأُتوهُ ّ‬ ‫ذا ت َط َهّْر َ‬
‫ن فَإ ِ َ‬‫حّتى ي َط ْهُْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫َول ت َْقَرُبوهُ ّ‬
‫‪64‬‬
‫ن )‪(222‬‬ ‫مت َط َهّ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫ح ّ‬
‫ن وَي ُ ِ‬
‫واِبي َ‬
‫ب الت ّ ّ‬
‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫ويسألونك عن الحيض‪ -‬وهو الدم الذي يسيل من أرحام النساء‬
‫جب ِّلة في أوقات مخصوصة‪ ,-‬قل لهم ‪-‬أيها النبي‪ :-‬هو أذى مستقذر‬ ‫ِ‬
‫يضر من ي َْقَرُبه‪ ,‬فاجتنبوا جماع النساء مدة الحيض حتى ينقطع‬
‫الدم‪ ,‬فإذا انقطع الدم‪ ,‬واغتسلن‪ ,‬فجامعوهن في الموضع الذي‬
‫أحّله الله لكم‪ ,‬وهو القبل ل الدبر‪ .‬إن الله يحب عباده المكثرين‬
‫من الستغفار والتوبة‪ ,‬ويحب عباده المتطهرين الذين يبتعدون عن‬
‫الفواحش والقذار‪.‬‬

‫شئ ْت ُم وقَد ّموا َ‬ ‫ث ل َك ُم فَأ ْتوا حرث َك ُ َ‬


‫سك ُ ْ‬
‫م َوات ُّقوا‬ ‫لنُف ِ‬ ‫ُ‬ ‫م أّنى ِ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫حْر ٌ‬
‫م َ‬ ‫ساؤُك ُ ْ‬
‫نِ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(223‬‬ ‫شْر ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ملُقوهُ وَب َ ّ‬
‫م ُ‬ ‫ه َواعْل َ ُ‬
‫موا أن ّك ُ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫خرج منها‬ ‫نساؤكم موضع زرع لكم‪ ,‬تضعون النطفة في أرحامهن‪ ,‬فَي َ ْ‬
‫الولد بمشيئة الله‪ ,‬فجامعوهن في محل الجماع فقط‪ ,‬وهو القبل‬
‫دموا لنفسكم أعمال صالحة بمراعاة أوامر‬ ‫بأي كيفية شئتم‪ ,‬وقَ ّ‬
‫شر‬‫الله‪ ,‬وخافوا الله‪ ,‬واعلموا أنكم ملقوه للحساب يوم القيامة‪ .‬وب ّ‬
‫المؤمنين ‪-‬أيها النبي‪ -‬بما يفرحهم ويسّرهم من حسن الجزاء في‬
‫الخرة‪.‬‬

‫ة ل َيمان ِك ُ َ‬
‫س‬
‫ن الّنا ِ‬
‫حوا ب َي ْ َ‬
‫صل ِ ُ‬
‫ن ت َب َّروا وَت َت ُّقوا وَت ُ ْ‬
‫مأ ْ‬‫ْ‬ ‫ض ً ْ َ‬ ‫جعَُلوا الل ّ َ‬
‫ه عُْر َ‬ ‫َول ت َ ْ‬
‫م )‪(224‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ول تجعلوا ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬حلفكم بالله مانًعا لكم من البر وصلة‬
‫عوا إلى فعل شيء‬ ‫الرحم والتقوى والصلح بين الناس‪ :‬بأن ت ُد ْ َ‬
‫منها‪ ,‬فتحتجوا بأنكم أقسمتم بالله أل تفعلوه‪ ,‬بل على الحالف أن‬
‫يعدل عن حلفه‪ ,‬ويفعل أعمال البر‪ ,‬ويكفر عن يمينه‪ ,‬ول يعتاد ذلك‪.‬‬
‫والله سميع لقوالكم‪ ,‬عليم بجميع أحوالكم‪.‬‬

‫َ‬
‫ت‬ ‫مهها ك َ َ‬
‫سهب َ ْ‬ ‫خهذ ُك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫م وَل َك ِه ْ‬
‫ن يُ َ‬
‫ؤا ِ‬ ‫ه ب ِههالل ّغْوِ فِههي أي ْ َ‬
‫مههان ِك ُ ْ‬ ‫م الل ّه ُ‬ ‫خذ ُك ُ ْ‬
‫ؤا ِ‬ ‫ل يُ َ‬
‫م )‪(225‬‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫ه غَُفوٌر َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫قُُلوب ُك ُ ْ‬
‫ل يعاقبكم اللههه بسههبب أيمههانكم الههتي تحلفونههها بغيههر قصههد‪ ,‬ولكههن‬
‫يعاقبكم بما قصد َْته قلوبكم‪ .‬والله غفور لمن تاب إليههه‪ ,‬حليههم بمههن‬
‫‪65‬‬
‫عصاه حيث لم يعاجله بالعقوبة‪.‬‬

‫ن الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫ن فَههاُءوا فَهإ ِ ّ‬ ‫ص أ َْرب َعَةِ أ َ ْ‬
‫شههُرٍ فَهإ ِ ْ‬ ‫م ت ََرب ّ ُ‬
‫سائ ِهِ ْ‬
‫ن نِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ي ُؤُْلو َ‬
‫ن ِ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م )‪(226‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫غَُفوٌر َر ِ‬
‫للذين يحلفون بالله أن ل يجامعوا نساءهم‪ ,‬انتظار أربعة أشهر‪ ,‬فإن‬
‫رجعوا قبل فوات الشهر الربعة‪ ,‬فإن الله غفور لما وقع منهم مههن‬
‫الحلف بسبب رجوعهم‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫م )‪(227‬‬
‫ميعٌ عَِلي ٌ‬
‫س ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫موا ال ّ‬
‫طلقَ فَإ ِ ّ‬ ‫ن عََز ُ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫وإن عقدوا عزمهم علههى الطلق‪ ,‬باسههتمرارهم فههي اليميههن‪ ,‬وتههرك‬
‫الجماع‪ ,‬فإن اللهه سههميع لقههوالهم‪ ,‬عليههم بمقاصههدهم‪ ,‬وسههيجازيهم‬
‫على ذلك‪.‬‬

‫ل ل َه ه َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مه َ‬ ‫ن ي َك ْت ُ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫حه ّ ُ ّ‬ ‫ة قُُروٍء َول ي َ ِ‬ ‫ن َثلث َ َ‬ ‫سه ِ ّ‬‫ن ب ِأنُف ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ت ي َت ََرب ّ ْ‬ ‫مط َل َّقا ُ‬‫َوال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫خرِ وَب ُُعول َت ُهُ ّ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬‫ن كُ ّ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مه ِ ّ‬ ‫حا ِ‬‫ه ِفي أْر َ‬ ‫خل َقَ الل ّ ُ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ذي عَل َي ْهِه ّ‬ ‫ل ال ّه ِ‬
‫مث ْه ُ‬‫ن ِ‬ ‫صههلحا ً وَل َهُه ّ‬ ‫دوا إ ِ ْ‬ ‫ن أَرا ُ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫ن فِههي ذ َل ِه َ‬ ‫حقّ ب َِرد ّهِه ّ‬ ‫أ َ‬
‫م )‪(228‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ة َوالل ّ ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن د ََر َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫ف وَِللّر َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫والمطلقات ذوات الحيض‪ ,‬يجب أن ينتظرن دون نكههاح بعههد الطلق‬
‫مدة ثلثة أطهار أو ثلث حيضات علههى سههبيل العههدة; ليتأكههدن مههن‬
‫فراغ الرحم من الحمل‪ .‬ول يجوز لهن تزوج رجل آخر في أثناء هذه‬
‫العههدة حههتى تنتهههي‪ .‬ول يحههل لهههن أن يخفيههن مهها خلههق اللههه فههي‬
‫أرحامهن من الحمل أو الحيض‪ ,‬إن كانت المطلقههات مؤمنههات حًقهها‬
‫بالله واليوم الخر‪ .‬وأزواج المطلقات أحق بمراجعتهههن فههي العههدة‪.‬‬
‫وينبغي أن يكون ذلك بقصد الصلح والخير‪ ,‬وليههس بقصههد الضههرار‬
‫تعذيًبا لهن بتطويل العدة‪ .‬وللنساء حقههوق علهى الزواج‪ ,‬مثهل الههتي‬
‫عليهن‪ ,‬على الوجه المعروف‪ ,‬وللرجههال علههى النسههاء منزلههة زائدة‬
‫من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف والِقوامة على الههبيت وملههك‬
‫الطلق‪ .‬والله عزيز له العزة القهاهرة‪ ,‬حكيههم يضهع كهل شههيء فهي‬
‫موضعه المناسب‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫ل لَ ُ‬ ‫َ‬ ‫سا ٌ‬ ‫ال ّ‬
‫م‬ ‫كهه ْ‬ ‫حهه ّ‬‫ن َول ي َ ِ‬ ‫سا ٍ‬‫ح َ‬ ‫ح ب ِإ ِ ْ‬
‫ري ٌ‬ ‫ِ‬ ‫س‬
‫ف أو ْ ت َ ْ‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن َفإ ْ‬ ‫مّرَتا ِ‬ ‫طلقُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫دود َ الل ّههِ فَ هإ ِ ْ‬ ‫حه ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫خاَفا أل ّ ي ُِقي َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫شْيئا ً إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫موهُ ّ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ُ‬‫م ّ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬‫ن ت َأ ُ‬‫أ ْ‬
‫ت ب ِهِ ت ِل ْ َ‬ ‫خْفت َ‬
‫دود ُ‬ ‫حهه ُ‬‫ك ُ‬ ‫ما افْت َد َ ْ‬ ‫ما ِفي َ‬ ‫ح عَل َي ْهِ َ‬ ‫دود َ الل ّهِ َفل ُ‬
‫جَنا َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫م أل ّ ي ُِقي َ‬ ‫ِ ُ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫ُ‬
‫دود َ الل ّهِ فَأوْل َئ ِ َ‬
‫ن )‪(229‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫ن ي َت َعَد ّ ُ‬‫م ْ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫دو َ‬ ‫الل ّهِ َفل ت َعْت َ ُ‬
‫الطلق الذي تحصل به الرجعة مرتان‪ ,‬واحههدة بعههد الخههرى‪ ,‬فحكههم‬
‫الله بعد كل طلقة هو إمساك المههرأة بههالمعروف‪ ,‬وحسههن العشههرة‬
‫بعد مراجعتها‪ ,‬أو تخلية سبيلها مع حسن معاملتها بأداء حقوقها‪ ,‬وأل‬
‫يذكرها مطلقها بسوء‪ .‬ول يحل لكههم‪ -‬أيههها الزواج‪ -‬أن تأخههذوا شههيًئا‬
‫مما أعطيتموهن من المهر ونحوه‪ ,‬إل أن يخاف الزوجههان أل يقومهها‬
‫بالحقوق الزوجية‪ ,‬فحينئذ يعرضان أمرهما على الولياء‪ ,‬فههإن خههاف‬
‫الولياء عدم إقامة الزوجين حدود الله‪ ,‬فل حرج على الزوجين فيما‬
‫تدفعه المرأة للزوج مقابههل طلقههها‪ .‬تلههك الحكههام هههي حههدود اللههه‬
‫الفاصلة بين الحلل والحرام‪ ,‬فل تتجاوزوها‪ ,‬ومن يتجاوز حدود اللههه‬
‫تعالى فأولئك هم الظالمون أنفسهم بتعريضها لعذاب الله‪.‬‬

‫ن ط َل َّقهَهها‬
‫ح َزْوج ها ً غَي ْهَرهُ فَهإ ِ ْ‬‫حّتى َتنك ِ َ‬ ‫ن ب َعْد ُ َ‬
‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ط َل َّقَها َفل ت َ ِ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫دود َ الل ّهِ وَت ِل ْه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دود ُ‬‫حه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ح ُ‬
‫ما ُ‬ ‫ن ي ُِقي َ‬‫ن ظ َّنا أ ْ‬‫جَعا إ ِ ْ‬‫ن ي َت ََرا َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ح عَل َي ْهِ َ‬
‫جَنا َ‬ ‫َفل ُ‬
‫ن )‪(230‬‬ ‫مو َ‬ ‫الل ّهِ ي ُب َي ّن َُها ل َِقوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬
‫ل لههه إل إذا تزوجههت‬ ‫فإن طّلق الرجل زوجته الطلقة الثالثة‪ ,‬فل تح ه ّ‬
‫حا وجامعها فيه ويكههون الههزواج عههن رغبههة‪ ,‬ل‬ ‫جا صحي ً‬‫رجل غيره زوا ً‬
‫بنية تحليل المرأة لزوجها الول‪ ,‬فههإن طلقههها الههزوج الخههر أو مههات‬
‫عنها وانقضت عدتها‪ ,‬فل إثم على المههرأة وزوجههها الول أن يتزوجهها‬
‫بعقد جديد‪ ,‬ومهر جديد‪ ,‬إن غلب على ظنهما أن يقيمهها أحكههام اللههه‬
‫الههتي شههرعها للزوجيههن‪ .‬وتلههك أحكههام اللههه المحههددة يبينههها لقههوم‬
‫يعلمون أحكامه وحدوده; لنهم المنتفعون بها‪.‬‬

‫ف أ َْو‬ ‫َ‬ ‫ذا ط َل ّْقتهههم النسهههاَء فَبل َغْههه َ‬


‫معْهههُرو ٍ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫كوهُ ّ‬ ‫سههه ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ن فَأ ْ‬ ‫جل َهُههه ّ‬‫نأ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ّ َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ك‬ ‫ل ذ َل ِه َ‬‫ن ي َْفعَ ه ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫دوا وَ َ‬‫ضَرارا ً ل ِت َعْت َه ُ‬
‫ن ِ‬ ‫كوهُ ّ‬ ‫س ُ‬
‫م ِ‬ ‫ف َول ت ُ ْ‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حوهُ ّ‬ ‫سّر ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة اللهِ عَلي ْك ُه ْ‬ ‫م َ‬ ‫ً‬
‫ت اللهِ هُُزوا َواذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ذوا آَيا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه َول ت َت ّ ِ‬ ‫س ُ‬‫م ن َْف َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فََقد ْ ظل َ‬
‫موا‬ ‫ه َواعْل َ ُ‬ ‫م ب ِهِ َوات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫مةِ ي َعِظ ُك ُ ْ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫م )‪(231‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أ ّ‬

‫‪67‬‬
‫وإذا ط َّلقتم النساء فقاربن انتهاء عدتهن‪ ,‬فراجعوهن‪ ,‬ونيتكم القيام‬
‫عا وعرًفا‪ ,‬أو اتركوهن حتى‬ ‫بحقوقهن على الوجه المستحسن شر ً‬
‫تنقضي عدتهن‪ .‬واحذروا أن تكون مراجعتهن بقصد الضرار بهن‬
‫لجل العتداء على حقوقهن‪ .‬ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه‬
‫وا‪.‬‬
‫باستحقاقه العقوبة‪ ,‬ول تتخذوا آيات الله وأحكامه لعًبا وله ً‬
‫واذكروا نعمة الله عليكم بالسلم وتفصيل الحكام‪ .‬واذكروا ما‬
‫أنزل الله عليكم من القرآن والسنة‪ ,‬واشكروا له سبحانه على هذه‬
‫كركم الله بهذا‪ ,‬ويخوفكم من المخالفة‪ ,‬فخافوا‬ ‫النعم الجليلة‪ُ ,‬يذ ّ‬
‫الله وراقبوه‪ ,‬واعلموا أن الله عليم بكل شيء‪ ,‬ل يخفى عليه‬
‫شيء‪ ,‬وسيجازي كل بما يستحق‪.‬‬

‫ن‬ ‫ذا ط َل ّْقتم النساَء فَبل َغْن أ َجل َهن َفل تعضُلوهُن أ َن ينكح َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫جُههه ّ‬ ‫ن أْزَوا َ‬ ‫ّ ْ َ ِ ْ َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ َ َ ُ ّ‬ ‫ُ ْ ّ َ‬
‫ن ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م ُ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ظ ب ِهِ َ‬ ‫ك ُيوعَ ُ‬ ‫ف ذ َل ِ َ‬ ‫معُْرو ِ‬‫م ِبال ْ َ‬‫وا ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ض ْ‬
‫ذا ت ََرا َ‬ ‫إِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫مههو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُه ْ‬ ‫ه ي َعْل َه ُ‬
‫م وَأط ْهَُر َوالل ّ ُ‬ ‫كى ل َك ُ ْ‬
‫م أْز َ‬ ‫خرِ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫‪(232‬‬
‫واذا طّلقتم نساءكم دون الثلث وانتهت عدتهن من غير مراجعة‬
‫لهن‪ ,‬فل تضيقوا ‪-‬أيها الولياء‪ -‬على المطلقات بمنعهن من العودة‬
‫عا‬
‫إلى أزواجهن بعقد جديد إذا أردن ذلك‪ ,‬وحدث التراضي شر ً‬
‫وعرًفا‪ .‬ذلك يوعظ به من كان منكم صادق اليمان بالله واليوم‬
‫ك العضل وتمكين الزواج من نكاح زوجاتهم أكثر نماء‬ ‫الخر‪ .‬إن ت َْر َ‬
‫وطهارة لعراضكم‪ ,‬وأعظم منفعة وثواًبا لكم‪ .‬والله يعلم ما فيه‬
‫صلحكم وأنتم ل تعلمون ذلك‪.‬‬

‫َ‬ ‫كههامل َين ل ِمهه َ‬ ‫ن َ َ‬ ‫ن أ َْولد َ ُ‬


‫م‬‫ن ي ُِتهه ّ‬ ‫ن أَراد َ أ ْ‬ ‫ن َ ِ ْ ِ َ ْ‬ ‫حههوْلي ْ ِ‬ ‫ههه ّ‬ ‫ضههعْ َ‬ ‫ت ي ُْر ِ‬ ‫دا ُ‬ ‫واِلهه َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ف‬ ‫ف ل ت ُك َل ّه ُ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ب ِههال ْ َ‬ ‫س هوَت ُهُ ّ‬‫ن وَك ِ ْ‬ ‫ه رِْزقُهُ ه ّ‬ ‫موُْلودِ ل َ ُ‬ ‫ة وَعََلى ال ْ َ‬ ‫ضاعَ َ‬ ‫الّر َ‬
‫ه ب ِوَل َهدِهِ وَعَل َههى‬ ‫موْل ُههود ٌ َله ُ‬ ‫ها َول َ‬ ‫ضههاّر َوال ِهد َةٌ ب ِوَل َهدِ َ‬ ‫سعََها ل ت ُ َ‬ ‫س إ ِل ّ وُ ْ‬ ‫ن َْف ٌ‬
‫َ‬
‫ح‬
‫جَنا َ‬ ‫شاوُرٍ َفل ُ‬ ‫ما وَت َ َ‬ ‫من ْهُ َ‬‫ض ِ‬ ‫ن ت ََرا ٍ‬ ‫صال ً عَ ْ‬ ‫دا فِ َ‬ ‫ن أَرا َ‬ ‫ك فَإ ِ ْ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫مث ْ ُ‬
‫ث ِ‬ ‫وارِ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫عَل َيهما وإن أ َردت َ‬
‫م‬ ‫سل ّ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫م إِ َ‬‫ح عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫جَنا َ‬‫م َفل ُ‬ ‫ضُعوا أْولد َك ُ ْ‬ ‫ست َْر ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ِْ َ َِ ْ َ ُْ ْ‬
‫َ‬
‫صههيٌر )‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلههو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫موا أ ّ‬ ‫ه َواعْل َ ُ‬ ‫ف َوات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫‪(233‬‬
‫وعلى الوالدات إرضاع أولدهن مدة سنتين كاملتين لمن أراد إتمام‬
‫الرضاعة‪ ,‬ويجب على الباء أن يكُفلوا للمرضعات المطلقات‬
‫‪68‬‬
‫عا وعرًفا; لن الله‬‫طعامهن وكسوتهن‪ ,‬على الوجه المستحسن شر ً‬
‫سا إل قدر طاقتها‪ ,‬ول يحل للوالدين أن يجعلوا المولود‬‫ل يكلف نف ً‬
‫وسيلة للمضارة بينهما‪ ,‬ويجب على الوارث عند موت الوالد مثل ما‬
‫يجب على الوالد قبل موته من النفقة والكسوة‪ .‬فإن أراد الوالدان‬
‫فطام المولود قبل انتهاء السنتين فل حرج عليهما إذا تراضيا‬
‫وتشاورا في ذلك; ليصل إلى ما فيه مصلحة المولود‪ .‬وإن اتفق‬
‫الوالدان على إرضاع المولود من مرضعة أخرى غير والدته فل‬
‫حرج عليهما‪ ,‬إذا سّلم الوالد للم حّقها‪ ،‬وسّلم للمرضعة أجرها بما‬
‫يتعارفه الناس‪ .‬وخافوا الله في جميع أحوالكم‪ ,‬واعلموا أن الله بما‬
‫تعملون بصير‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫ة أَ ْ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫شه ُ ٍ‬ ‫ن أ َْرب َعَ َ‬
‫سه ِ ّ‬‫ن ب ِأنُف ِ‬‫ص َ‬
‫وال ّذين يتوفّون منك ُم ويذ َرو َ‬
‫ن أْزَواجا ً ي َت ََرب ّ ْ‬ ‫َ ِ َ َُ َ ْ َ ِ ْ ْ ََ ُ َ‬
‫َ‬ ‫ذا بل َغْ َ‬
‫ن‬‫س هه ِ ّ‬
‫ن فِههي أنُف ِ‬ ‫مهها فَعَل ْه َ‬
‫م ِفي َ‬ ‫ح عَل َي ْك ُ ْ‬
‫جَنا َ‬‫ن َفل ُ‬ ‫جل َهُ ّ‬‫نأ َ‬ ‫شرا ً فَإ ِ َ َ َ‬ ‫وَعَ ْ‬
‫خِبيٌر )‪(234‬‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬‫ما ت َعْ َ‬ ‫ف َوالل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫معُْرو ِ‬‫ِبال ْ َ‬
‫والذين يموتون منكم‪ ,‬ويتركون زوجات بعدهم‪ ,‬يجب عليهن‬
‫النتظار بأنفسهن مدة أربعة أشهر وعشرة أيام‪ ,‬ل يخرجن من‬
‫ن‪ ,‬ول يتزوجن‪ ,‬فإذا انتهت المدة المذكورة‬
‫منزل الزوجية‪ ,‬ول يتزي ّ ّ‬
‫فل إثم عليكم يا أولياء النساء فيما يفعلن في أنفسهن من الخروج‪,‬‬
‫عا‪ .‬والله سبحانه وتعالى‬
‫والتزين‪ ,‬والزواج على الوجه المقرر شر ً‬
‫خبير بأعمالكم ظاهرها وباطنها‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫َ َ‬
‫م فِههي‬ ‫سههاِء أوْ أك َْننت ُه ْ‬ ‫خط ْب َهةِ الن ّ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مه ْ‬‫م ب ِهِ ِ‬ ‫ضت ُ ْ‬‫ما عَّر ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ح عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫جَنا َ‬
‫َول ُ‬
‫َ‬ ‫َأنُفسك ُم عَل ِم الل ّ َ‬
‫ن‬ ‫س هّرا ً إ ِل ّ أ ْ‬‫ن ِ‬ ‫دوهُ ّ‬ ‫عه ُ‬ ‫وا ِ‬
‫ن ل تُ َ‬ ‫ن وَل َك ِ ْ‬ ‫ست َذ ْك ُُرون َهُ ّ‬
‫م َ‬ ‫ه أن ّك ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬‫جل َه ُ‬
‫بأ َ‬ ‫حّتى ي َب ْل ُهغَ ال ْك ِت َهها ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬ ‫موا عُْقد َةَ الن ّ َ‬
‫كا‬ ‫معُْروفا ً َول ت َعْزِ ُ‬ ‫ت َُقوُلوا قَوْل ً َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫مههوا أ ّ‬ ‫ح هذ َُروهُ َواعْل َ ُ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫س هك ُ ْ‬
‫مهها فِههي أنُف ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫َواعْل َ ُ‬
‫م )‪(235‬‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫غَُفوٌر َ‬
‫من طلب الزواج‬ ‫ول إثم عليكم ‪-‬أيها الرجال‪ -‬فيما ت ُل َ ّ‬
‫محون به ِ‬
‫ن أزواجهن‪ ،‬أو المطلقات طلًقا بائًنا في أثناء‬ ‫بالنساء المتوّفى عنه ّ‬
‫ضا فيما أضمرتموه في أنفسكم من نية‬ ‫عدتهن‪ ,‬ول ذنب عليكم أي ً‬
‫الزواج بهن بعد انتهاء عدتهن‪ .‬علم الله أنكم ستذكرون النساء‬
‫دات‪ ,‬ولن تصبروا على السكوت عنهن‪ ,‬لضعفكم; لذلك أباح‬ ‫المعت ّ‬
‫حا أو إضماًرا في النفس‪ ,‬واحذروا أن‬ ‫لكم أن تذكروهن تلمي ً‬
‫‪69‬‬
‫تواعدوهن على النكاح سًرا بالزنى أو التفاق على الزواج في أثناء‬
‫ب فيها الزواج‪ ,‬ول‬‫العدة‪ ,‬إل أن تقولوا قول ي ُْفَهم منه أن مثلها ي ُْرغَ ُ‬
‫تعزموا على عقد النكاح في زمان العدة حتى تنقضي مدتها‪.‬‬
‫واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فخافوه‪ ,‬واعلموا أن الله‬
‫غفور لمن تاب من ذنوبه‪ ,‬حليم على عباده ل يعجل عليهم‬
‫بالعقوبة‪.‬‬

‫ل جناح عَل َيك ُم إن ط َل ّْقتم النساَء ما ل َهم تمسههوهُ َ‬


‫ن‬ ‫ضههوا ل َهُه ّ‬
‫ن أوْ ت َْفرِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ّ َ‬ ‫ْ ْ ِ ْ‬ ‫ُ َ َ‬
‫مَتاعها ً‬ ‫مْقت ِهرِ قَهد َُرهُ َ‬ ‫سهِع قَهد َُرهُ وَعَل َههى ال ْ ُ‬‫مو ِ‬‫ن عَل َههى ال ْ ُ‬‫مت ُّعوهُ ّ‬
‫ة وَ َ‬
‫ض ً‬
‫ري َ‬ ‫فَ ِ‬
‫ن )‪(236‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫حّقا ً عََلى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ل إثم عليكم ‪-‬أيها الزواج‪ -‬إن طلقتم النساء بعد العقد عليهن‪,‬‬
‫وقبل أن تجامعوهن‪ ,‬أو تحددوا مهًرا لهن‪ ,‬ومّتعوهن بشيء ينتفعن‬
‫به جبًرا لهن‪ ,‬ودفًعا لوحشة الطلق‪ ,‬وإزالة للحقاد‪ .‬وهذه المتعة‬
‫سَعة رزقه‪,‬‬
‫در َ‬‫تجب بحسب حال الرجل المطّلق‪ :‬على الغني قَ ْ‬
‫عا‪ ,‬وهو‬
‫عا على الوجه المعروف شر ً‬ ‫وعلى الفقير قَ ْ‬
‫در ما يملكه‪ ,‬متا ً‬
‫حق ثابت على الذين يحسنون إلى المطلقات وإلى أنفسهم بطاعة‬
‫الله‪.‬‬

‫وإن ط َل ّْقتموهُن من قَبه َ‬


‫ة‬
‫ضه ً‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ن فَ‬ ‫م ل َهُه ّ‬ ‫ن وَقَهد ْ فََر ْ‬
‫ضهت ُ ْ‬ ‫سههوهُ ّ‬
‫م ّ‬ ‫ن تَ َ‬‫لأ ْ‬ ‫ّ ِ ْ ْ ِ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ح وَأ ْ‬ ‫كا ِ‬‫ذي ب ِي َدِهِ عُْقد َةُ الن ّ َ‬ ‫ن أوْ ي َعُْفوَ ال ّ ِ‬ ‫ن ي َعُْفو َ‬‫م إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ما فََر ْ‬
‫ضت ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ُ‬‫فَن ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مل ُههو َ‬
‫مهها ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬‫ن الل ّه َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُه ْ‬ ‫وا ال َْف ْ‬
‫ضه َ‬ ‫سه ْ‬‫وى َول َتن َ‬ ‫ب ِللت ّْق َ‬‫ت َعُْفوا أقَْر ُ‬
‫صيٌر )‪(237‬‬ ‫بَ ِ‬
‫وإن طّلقتم النساء بعد العقد عليهن‪ ,‬ولم تجامعوهن‪ ,‬ولكنكم‬
‫ألزمتم أنفسكم بمهر محدد لهن‪ ,‬فيجب عليكم أن تعطوهن نصف‬
‫مح المطلقات‪ ,‬فيتركن نصف المهر‬ ‫ن ُتسا ِ‬
‫المهر المتفق عليه‪ ,‬إل أ ْ‬
‫المستحق لهن‪ ,‬أو يسمح الزوج بأن يترك للمطلقة المهر كله‪,‬‬
‫وتسامحكم أيها الرجال والنساء أقرب إلى خشية الله وطاعته‪ ,‬ول‬
‫تنسوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬الفضل والحسان بينكم‪ ,‬وهو إعطاء ما ليس‬
‫بواجب عليكم‪ ,‬والتسامح في الحقوق‪ .‬إن الله بما تعملون بصير‪,‬‬
‫غبكم في المعروف‪ ,‬ويحّثكم على الفضل‪.‬‬ ‫ُير ّ‬

‫‪70‬‬
‫موا ل ِل ّهِ َقان ِِتي َ‬
‫ن )‪(238‬‬ ‫س َ‬
‫طى وَُقو ُ‬ ‫صلةِ ال ْوُ ْ‬
‫ت َوال ّ‬ ‫صل َ َ‬
‫وا ِ‬ ‫ظوا عََلى ال ّ‬
‫حافِ ُ‬
‫َ‬
‫حافظوا ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬على الصلوات الخمس المفروضة‬
‫بالمداومة على أدائها في أوقاتها بشروطها وأركانها وواجباتها‪,‬‬
‫وحافظوا على الصلة المتوسطة بينها وهي صلة العصر‪ ,‬وقوموا‬
‫في صلتكم مطيعين لله‪ ,‬خاشعين ذليلين‪.‬‬

‫خْفتم فَرجال ً أ َو رك ْبانا ً فَإ َ َ‬


‫مهها‬
‫م َ‬ ‫مهها عَل ّ َ‬
‫مك ُه ْ‬ ‫م َفاذ ْك ُُروا الل ّ َ‬
‫ه كَ َ‬ ‫منت ُ ْ‬
‫ذا أ ِ‬‫ِ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ن ِ ُ ْ ِ َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(239‬‬ ‫مو َ‬‫كوُنوا ت َعْل َ ُ‬
‫م تَ ُ‬ ‫لَ ْ‬
‫فإن خفتم من عدو لكم فصلوا صلة الخوف ماشين‪ ,‬أو راكبين‪,‬‬
‫على أي هيئة تستطيعونها ولو باليماء‪ ,‬أو إلى غير جهة القبلة‪ ,‬فإذا‬
‫زال خوفكم فصّلوا صلة المن‪ ,‬واذكروا الله فيها‪ ,‬ول تنقصوها عن‬
‫هيئتها الصلية‪ ,‬واشكروا له على ما عّلمكم من أمور العبادات‬
‫والحكام ما لم تكونوا على علم به‪.‬‬

‫مَتاعها ً إ َِلهى‬ ‫صهي ّ ً َ‬ ‫وال ّذين يتوفّون منك ُم ويهذ َرو َ‬


‫م َ‬‫جِهه ْ‬
‫ة لْزَوا ِ‬ ‫ن أْزَواجها ً وَ ِ‬ ‫َ ِ َ َُ َ ْ َ ِ ْ ْ ََ ُ َ‬
‫ن ِفهي‬ ‫مها فَعَل ْه َ‬‫م ِفهي َ‬ ‫ح عَل َي ْك ُه ْ‬ ‫ن َفل ُ‬
‫جن َهها َ‬ ‫جه َ‬
‫خَر ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ج فَإ ِ ْ‬ ‫ل غَي َْر إ ِ ْ‬
‫خَرا ٍ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حو ْ ِ‬
‫َ‬
‫م )‪(240‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬‫ه عَ ِ‬‫ف َوالل ّ ُ‬ ‫معُْرو ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫سه ِ ّ‬‫أنُف ِ‬
‫ن‪:‬‬
‫ة له ّ‬
‫والزواج الذين يموتون ويتركون زوجات بعدهم‪ ,‬فعليهم وصي ً‬
‫مّتعن سنه تامة من يوم الوفاة‪ ,‬بالسكنى في منزل الزوج من‬ ‫أن ي ُ َ‬
‫غير إخراج الورثة لهن مدة السنة; جبًرا لخاطر الزوجة‪ ,‬وبًرا‬
‫بالمتوّفى‪ .‬فإن خرجت الزوجات باختيارهن قبل انقضاء السنة فل‬
‫إثم عليكم ‪-‬أيها الورثة‪ -‬في ذلك‪ ,‬ول حرج على الزوجات فيما فعلن‬
‫في أنفسهن من أمور مباحة‪ .‬والله عزيز في ملكه‪ ,‬حكيم في أمره‬
‫ونهيه‪ .‬وهذه الية منسوخة بقوله تعالى‪ ) :‬والذين يتوفون منكم‬
‫جا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشًرا(‪.‬‬‫ويذرون أزوا ً‬

‫ن )‪(241‬‬ ‫حّقا ً عََلى ال ْ ُ‬


‫مت ِّقي َ‬ ‫ف َ‬ ‫مَتاعٌ ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫مط َل َّقا ِ‬
‫ت َ‬ ‫وَل ِل ْ ُ‬
‫وللمطلقات متاع من كسوة ونفقة على الوجه المعروف‬
‫عا‪ ,‬حًقا على الذين يخافون الله ويتقونه في أمره‬
‫المستحسن شر ً‬
‫ونهيه‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫م ت َعِْقُلو َ‬
‫ن )‪(242‬‬ ‫م آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫ك ي ُب َي ّ ُ‬
‫مثل ذلك البيان الواضح في أحكام الولد والنساء‪ ,‬يبّين الله لكم‬
‫آياته وأحكامه في كل ما تحتاجونه في معاشكم ومعادكم; لكي‬
‫تعقلوها وتعملوا بها‪.‬‬

‫ل‬‫ت فََقهها َ‬ ‫م هو ْ ِ‬‫حذ ََر ال ْ َ‬ ‫م أ ُُلو ٌ‬


‫ف َ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫جوا ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫أل َ ْ‬
‫ن أ َك َْثههَر‬
‫س وَل َك ِ ّ‬‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ل عَ َ‬
‫لى‬ ‫ٍ‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ذو‬‫ُ‬ ‫ه لَ‬
‫َ‬ ‫ن الل ّ‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬
‫ل َهم الل ّه موتوا ث ُم أ َ‬
‫ّ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫ن )‪(243‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫س ل يَ ْ‬ ‫الّنا ِ‬
‫ألم تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قصة الذين فّروا من أرضهم ومنازلهم‪,‬‬
‫وهم ألوف كثيرة; خشية الموت من الطاعون أو القتال‪ ,‬فقال لهم‬
‫الله‪ :‬موتوا‪ ,‬فماتوا دفعة واحدة عقوبة على فرارهم من قدر الله‪,‬‬
‫ثم أحياهم الله تعالى بعد مدة; ليستوفوا آجالهم‪ ,‬وليتعظوا ويتوبوا؟‬
‫إن الله لذو فضل عظيم على الناس بنعمه الكثيرة‪ ,‬ولكن أكثر‬
‫الناس ل يشكرون فضل الله عليهم‪.‬‬

‫َ‬
‫م )‪(244‬‬
‫ميعٌ عَِلي ٌ‬
‫س ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ل الل ّهِ َواعْل َ ُ‬
‫موا أ ّ‬ ‫وََقات ُِلوا ِفي َ‬
‫سِبي ِ‬
‫وقاتلوا ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬الكفار لنصرة دين الله‪ ,‬واعلموا أن الله‬
‫سميع لقوالكم‪ ,‬عليم بنّياتكم وأعمالكم‪.‬‬

‫ض هَعافا ً ك َِثي هَرةً‬ ‫عَفه ل َه َ‬


‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫سههنا ً فَي ُ َ‬
‫ضهها ِ ُ‬ ‫ح َ‬‫ه قَْرضا ً َ‬ ‫ض الل ّ َ‬ ‫ذي ي ُْقرِ ُ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(245‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ط وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬
‫س ُ‬‫ض وَي َب ْ ُ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه ي َْقب ِ ُ‬
‫من ذا الذي ينفق في سبيل الله إنفاًقا حسًنا احتساًبا للجر‪,‬‬
‫فيضاعفه له أضعافا كثيرة ل تحصى من الثواب وحسن الجزاء؟‬
‫والله يقبض ويبسط‪ ,‬فأنفقوا ول تبالوا; فإنه هو الرزاق‪ُ ,‬يضّيق على‬
‫من يشاء من عباده في الرزق‪ ,‬ويوسعه على آخرين‪ ,‬له الحكمة‬ ‫َ‬
‫البالغة في ذلك‪ ,‬وإليه وحده ترجعون بعد الموت‪ ,‬فيجازيكم على‬
‫أعمالكم‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫َ‬
‫ي‬ ‫سههى إ ِذ ْ قَههاُلوا ل ِن َب ِه ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ب َعْ هدِ ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬‫مل ٍ ِ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ْ َ‬ ‫أل َ ْ‬
‫ب‬ ‫ن ك ُت ِه َ‬‫م إِ ْ‬‫س هي ْت ُ ْ‬
‫ل عَ َ‬ ‫ل هَ ه ْ‬ ‫ل الل ّهِ قَهها َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫مِلكا ً ن َُقات ِ ْ‬ ‫ث ل ََنا َ‬ ‫م اب ْعَ ْ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ل الل ّههِ وَقَ هد ْ‬ ‫س هِبي ِ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫ما ل ََنا أ َل ّ ن َُقات ِ َ‬ ‫ل أل ّ ت َُقات ُِلوا َقاُلوا وَ َ‬
‫عَل َيك ُم ال ْقتا ُ َ‬
‫ْ ْ ِ َ‬
‫َ‬ ‫أُ ْ‬
‫م‬ ‫وا إ ِل ّ قَِليل ً ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ت َوَل ّ ْ‬‫م ال ِْقَتا ُ‬‫ب عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن دَِيارَِنا وَأب َْنائ َِنا فَل َ ّ‬
‫ما ك ُت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جَنا ِ‬‫خرِ ْ‬
‫ن )‪(246‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ِبال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ألم تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قصة الشراف والوجهاء من بني إسرائيل‬
‫من بعد زمان موسى; حين طلبوا من نبيهم أن يولي عليهم ملكا‪,‬‬
‫يجتمعون تحت قيادته‪ ,‬ويقاتلون أعداءهم في سبيل الله‪ .‬قال لهم‬
‫رض عليكم القتال في سبيل الله‬ ‫ن فُ ِ‬
‫نبيهم‪ :‬هل المر كما أتوقعه إ ْ‬
‫أنكم ل تقاتلون; فإني أتوقع جبنكم وفراركم من القتال‪ ,‬قالوا‬
‫مستنكرين توقع نبيهم‪ :‬وأي مانع يمنعنا عن القتال في سبيل الله‪,‬‬
‫جَنا عدّونا من ديارنا‪ ,‬وأبعدنا عن أولدنا بالقتل والسر؟‬ ‫وقد أ َ ْ‬
‫خَر َ‬
‫جُبنوا وفّروا‬
‫فلما فرض الله عليهم القتال مع المِلك الذي عّينه لهم َ‬
‫عن القتال‪ ,‬إل قليل منهم ثبتوا بفضل الله‪ .‬والله عليم بالظالمين‬
‫الناكثين عهودهم‪.‬‬

‫ن‬‫كههو ُ‬ ‫مِلكا ً َقاُلوا أ َّنههى ي َ ُ‬ ‫ت َ‬‫طاُلو َ‬ ‫م َ‬ ‫ث ل َك ُ ْ‬ ‫ه قَد ْ ب َعَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬


‫م إِ ّ‬‫م ن َب ِي ّهُ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬‫وََقا َ‬
‫ك عَل َينا ونح َ‬
‫ل‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مهها ِ‬ ‫مه ْ‬
‫ة ِ‬ ‫س هع َ ً‬
‫ت َ‬ ‫م ي ُهؤْ َ‬‫ه وَل َه ْ‬
‫من ْه ُ‬‫ك ِ‬ ‫مل ْ ِ‬
‫حقّ ِبال ْ ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫َْ ََ ْ ُ‬ ‫مل ْ ُ‬‫ه ال ْ ُ‬
‫لَ ُ‬
‫سم ِ َوالّلهه ُ‬
‫ه‬ ‫ج ْ‬ ‫ة ِفي ال ْعِل ْم ِ َوال ْ ِ‬ ‫سط َ ً‬ ‫م وََزاد َهُ ب َ ْ‬ ‫صط ََفاهُ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ها ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫م )‪(247‬‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫مل ْك َ ُ‬‫ي ُؤِْتي ُ‬
‫مل ِ ً‬
‫كا إجابة‬ ‫وقال لهم نبيهم‪ :‬إن الله قد أرسل إليكم طالوت َ‬
‫لطلبكم‪ ,‬يقودكم لقتال عدوكم كما طلبتم‪ .‬قال كبراء بني إسرائيل‪:‬‬
‫كا علينا‪ ,‬وهو ل يستحق ذلك؟ لنه ليس من‬ ‫مل ِ ً‬
‫كيف يكون طالوت َ‬
‫سبط الملوك‪ ,‬ول من بيت النبوة‪ ,‬ولم ي ُْعط كثرة في الموال‬
‫يستعين بها في ملكه‪ ,‬فنحن أحق بالملك منه; لننا من سبط‬
‫الملوك ومن بيت النبوة‪ .‬قال لهم نبيهم‪ :‬إن الله اختاره عليكم وهو‬
‫سَعة في العلم وقوة في الجسم‬ ‫سبحانه أعلم بأمور عباده‪ ,‬وزاده َ‬
‫من يشاء من عباده‪,‬‬ ‫ليجاهد العدو‪ .‬والله مالك الملك يعطي ملكه َ‬
‫والله واسع الفضل والعطاء‪ ,‬عليم بحقائق المور‪ ,‬ل يخفى عليه‬
‫شيء‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ة ِ‬
‫كين َ ٌ‬
‫سه ِ‬
‫ت ِفي ههِ َ‬
‫م الت ّههاُبو ُ‬ ‫مل ْك ِههِ أ ْ‬
‫ن ي َهأت ِي َك ُ ْ‬ ‫ة ُ‬
‫ن آي َ َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫م ن َب ِي ّهُ ْ‬ ‫وََقا َ‬
‫‪73‬‬
‫ن ِفههي‬
‫ة إِ ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫مل ُ ُ‬
‫ح ِ‬
‫ن تَ ْ‬
‫هاُرو َ‬ ‫سى َوآ ُ‬
‫ل َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫كآ ُ‬ ‫ما ت ََر َ‬
‫م ّ‬‫ة ِ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫م وَب َِقي ّ ٌ‬
‫ن )‪(248‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫ة ل َك ُ ْ‬ ‫ك لي َ ً‬‫ذ َل ِ َ‬

‫وقال لهم نبيهم‪ :‬إن علمة ملكه أن يأتيكم الصندوق الذي فيه‬
‫التوراة ‪-‬وكان أعداؤهم قد انتزعوه منهم‪ -‬فيه طمأنينة من ربكم‬
‫تثبت قلوب المخلصين‪ ,‬وفيه بقية من بعض أشياء تركها آل موسى‬
‫وآل هارون‪ ,‬مثل العصا وُفتات اللواح تحمله الملئكة‪ .‬إن في ذلك‬
‫لعظم برهان لكم على اختيار طالوت مل ً‬
‫كا عليكم بأمر الله‪ ,‬إن‬
‫كنتم مصدقين بالله ورسله‪.‬‬

‫ب‬ ‫ش هرِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ب ِن َهَ هرٍ فَ َ‬ ‫مب ْت َِليك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬


‫ه ُ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫جُنودِ َقا َ‬ ‫ت ِبال ْ ُ‬ ‫طاُلو ُ‬‫ل َ‬ ‫ص َ‬ ‫ما فَ َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ه‬
‫ة ب ِي َدِ ِ‬ ‫ف غُْرفَ ً‬ ‫ن اغْت ََر َ‬ ‫م ْ‬ ‫مّني إ ِل ّ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ه فَإ ِن ّ ُ‬‫م ُ‬‫م ي َط ْعَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬‫مّني وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ه فَل َي ْ َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ِ‬
‫ُ‬
‫ه قَههالوا ل‬ ‫مع َ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫جاوََزهُ هُوَ َوال ِ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫م فَل ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه إ ِل ّ قَِليل ً ِ‬‫من ْ ُ‬ ‫شرُِبوا ِ‬ ‫فَ َ‬
‫ل ال ّذين يظ ُنو َ‬
‫ملقُههو الل ّه ِ‬
‫ه‬ ‫م ُ‬ ‫ن أن ّهُ ه ْ‬‫ِ َ َ ّ َ‬ ‫جُنودِهِ َقا َ‬ ‫ت وَ ُ‬ ‫جاُلو َ‬ ‫م بِ َ‬‫ة ل ََنا ال ْي َوْ َ‬‫طاقَ َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫ري َ‬ ‫صههاب ِ ِ‬‫م هعَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّههِ َوالل ّه ُ‬ ‫ة ك َِثيَرةً ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫ت فِئ َ ً‬ ‫ن فِئ َةٍ قَِليل َةٍ غَل َب َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫كَ ْ‬
‫‪(249‬‬
‫فلما خرج طالوت بجنوده لقتال العمالقة قال لهم‪ :‬إن الله‬
‫ممتحنكم على الصبر بنهر أمامكم تعبرونه; ليتمّيز المؤمن من‬
‫المنافق‪ ,‬فمن شرب منكم من ماء النهر فليس مني‪ ,‬ول يصلح‬
‫للجهاد معي‪ ,‬ومن لم يذق الماء فإنه مني; لنه مطيع لمري وصالح‬
‫خص واغترف غُْرفة واحدة بيده فل لوم عليه‪ .‬فلما‬ ‫من تر ّ‬‫للجهاد‪ ,‬إل َ‬
‫وصلوا إلى النهر انكبوا على الماء‪ ,‬وأفرطوا في الشرب منه‪ ,‬إل‬
‫عدًدا قليل منهم صبروا على العطش والحر‪ ,‬واكتفوا بغُْرفة اليد‪,‬‬
‫وحينئذ تخلف العصاة‪ .‬ولما عبر طالوت النهر هو والقلة المؤمنة‬
‫معه ‪-‬وهم ثلثمائة وبضعة عشر رجل لملقاة العدو‪ ,‬ورأوا كثرة‬
‫دتهم‪ ,‬قالوا‪ :‬ل قدرة لنا اليوم بجالوت وجنوده الشداء‪,‬‬ ‫عدوهم وع ّ‬
‫كرون إخوانهم بالله وقدرته‬ ‫فأجاب الذين يوقنون بلقاء الله‪ ,‬ي ُذ َ ّ‬
‫قائلين‪ :‬كم من جماعة قليلة مؤمنة صابرة‪ ,‬غلبت بإذن الله وأمره‬
‫جماعة كثيرة كافرة باغية‪ .‬والله مع الصابرين بتوفيقه ونصره‪,‬‬
‫وحسن مثوبته‪.‬‬

‫َ‬
‫ص هْبرا ً وَث َب ّه ْ‬
‫ت‬ ‫جن ُههودِهِ قَههاُلوا َرب ّن َهها أفْ هرِغْ عَل َي ْن َهها َ‬‫ت وَ ُ‬ ‫جههاُلو َ‬
‫ما ب َهَرُزوا ل ِ َ‬‫وَل َ ّ‬
‫صْرَنا عََلى ال َْقوْم ِ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(250‬‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫مَنا َوان ْ ُ‬
‫دا َ‬‫أقْ َ‬
‫‪74‬‬
‫ولما ظهروا لجالوت وجنوده‪ ,‬ورأوا الخطر رأي العين‪ ,‬فزعوا إلى‬
‫ما‪,‬‬
‫الله بالدعاء والضراعة قائلين‪ :‬ربنا أنزل على قلوبنا صبًرا عظي ً‬
‫من هول‬ ‫وثبت أقدامنا‪ ,‬واجعلها راسخة في قتال العدو‪ ,‬ل تفر ِ‬
‫الحرب‪ ,‬وانصرنا بعونك وتأييدك على القوم الكافرين‪.‬‬

‫ة‬
‫مه َ‬ ‫حك ْ َ‬‫ك َوال ْ ِ‬‫مل ْ ه َ‬
‫ه ال ْ ُ‬‫ت َوآَتاهُ الل ّ ُ‬ ‫جاُلو َ‬ ‫داُوود ُ َ‬
‫ل َ‬‫ن الل ّهِ وَقَت َ َ‬ ‫م ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫موهُ ْ‬ ‫فَهََز ُ‬
‫ت‬
‫س هد َ ْ‬ ‫ض ل ََف َ‬ ‫م ب ِب َعْه ٍ‬ ‫ض هه ُ ْ‬ ‫ول د َفْهعُ الل ّههِ الن ّهها َ‬
‫س ب َعْ َ‬ ‫شههاُء وَل َه ْ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫م ّ‬
‫ه ِ‬‫م ُ‬ ‫وَعَل ّ َ‬
‫ل عََلى ال َْعال َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(251‬‬ ‫مي َ‬ ‫ض ٍ‬‫ذو فَ ْ‬ ‫ه ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ض وَل َك ِ ّ‬‫الْر ُ‬
‫ت قائد َ الجبابرة‪,‬‬
‫فهزموهم بإذن الله‪ ,‬وقتل داود ‪-‬عليه السلم‪ -‬جالو َ‬
‫وأعطى الله عز وجل داود بعد ذلك الملك والنبوة في بني‬
‫إسرائيل‪ ,‬وعَّلمه مما يشاء من العلوم‪ .‬ولول أن يدفع الله ببعض‬
‫ضا‪ ,‬وهم أهل المعصية‬ ‫الناس ‪-‬وهم أهل الطاعة له واليمان به‪ -‬بع ً‬
‫كن الطغيان‪,‬‬ ‫لله والشرك به‪ ,‬لفسدت الرض بغلبة الكفر‪ ,‬وتم ّ‬
‫وأهل المعاصي‪ ,‬ولكن الله ذو فضل على المخلوقين جميًعا‪.‬‬

‫ن )‪(252‬‬
‫سِلي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫ك لَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬
‫حقّ وَإ ِن ّ َ‬ ‫ها عَل َي ْ َ‬
‫ت الل ّهِ ن َت ُْلو َ‬ ‫ت ِل ْ َ‬
‫ك آَيا ُ‬
‫صها عليك ‪-‬أيها النبي‪ -‬بالصدق‪ ,‬وإنك‬
‫تلك حجج الله وبراهينه‪ ,‬نق ّ‬
‫لمن المرسلين الصادقين‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫الجزء الثالث‬

‫ه وََرفَعَ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ن ك َل ّ َ‬
‫م ْ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫ٍ‬ ‫م عََلى ب َعْ‬ ‫ضه ُ ْ‬ ‫ضل َْنا ب َعْ َ‬ ‫ل فَ ّ‬ ‫س ُ‬‫ك الّر ُ‬ ‫ت ِل ْ َ‬
‫س‬ ‫ُ‬ ‫د‬‫ق‬‫ُ‬ ‫ت وَأ َي ّد َْناهُ ب ُِروح ال ْ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ِ‬ ‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ت َوآت َي َْنا ِ‬ ‫جا ٍ‬‫م د ََر َ‬ ‫ضه ُ ْ‬‫ب َعْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ال ْب َي َّنا ُ‬
‫ت‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬‫ما َ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ما اقْت َت َ َ‬ ‫ه َ‬‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫ما‬
‫ه َ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن ك ََفَر وَل َوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن وَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬ ‫خت َل َُفوا فَ ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫ريد ُ )‪(253‬‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ي َْفعَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫اقْت َت َُلوا وَل َك ِ ّ‬
‫ن‬
‫ضل الله بعضهم على بعض‪ ,‬بحسب ما م ّ‬ ‫هؤلء الرسل الكرام ف ّ‬
‫من كلمه الله كموسى ومحمد عليهما الصلة‬ ‫الله به عليهم‪ :‬فمنهم َ‬
‫والسلم‪ ,‬وفي هذا إثبات صفة الكلم لله عز وجل على الوجه‬
‫ة كمحمد صلى الله‬ ‫ت عالي ً‬‫من رفعه الله درجا ٍ‬ ‫اللئق بجلله‪ ,‬ومنهم َ‬
‫عليه وسلم‪ ,‬بعموم رسالته‪ ,‬وختم النبوة به‪ ,‬وتفضيل أمته على‬
‫جميع المم‪ ,‬وغير ذلك‪ .‬وآتى الله تعالى عيسى ابن مريم عليه‬
‫من ولد أعمى بإذن الله‬ ‫السلم البينات المعجزات الباهرات‪ ,‬كإبراء َ‬
‫من به برص بإذن الله‪ ,‬وكإحيائه الموتى بإذن الله‪ ,‬وأيده‬ ‫تعالى‪ ,‬و َ‬
‫من بعد‬‫بجبريل عليه السلم‪ .‬ولو شاء الله أل يقتتل الذين جاؤوا ِ‬
‫من بعد ما جاءتهم البينات ما اقتتلوا‪ ,‬ولكن وقع‬ ‫هؤلء الرسل ِ‬
‫من أصر على‬ ‫من ثبت على إيمانه‪ ,‬ومنهم َ‬ ‫الختلف بينهم‪ :‬فمنهم َ‬
‫كفره‪ .‬ولو شاء الله بعد ما وقع الختلف بينهم‪ ,‬الموجب للقتتال‪,‬‬
‫من يشاء لطاعته واليمان به‪ ,‬ويخذل‬ ‫ما اقتتلوا‪ ,‬ولكن الله يوفق َ‬
‫من يشاء‪ ,‬فيعصيه ويكفر به‪ ،‬فهو يفعل ما يشاء ويختار‪.‬‬ ‫َ‬

‫ع‬ ‫ْ‬ ‫يا أ َيها ال ّذين آمنوا َأنفُقوا مما رزقْناك ُم من قَب َ‬
‫م ل ب َي ْ ٌ‬
‫ي ي َوْ ٌ‬‫ن ي َأت ِ َ‬
‫لأ ْ‬ ‫ِ ّ َ َ َ ْ ِ ْ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫ن )‪(254‬‬ ‫مو َ‬ ‫ّ‬
‫م الظال ِ ُ‬
‫ن هُ ْ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫ْ‬
‫ة َوال َ‬ ‫ة َول َ‬
‫شَفاعَ ٌ‬ ‫ّ‬
‫خل ٌ‬‫ِفيهِ َول ُ‬
‫دقتم رسوله وعملتم بهديه أخرجوا الزكاة‬‫يا من آمنتم بالله وص ّ‬
‫دقوا مما أعطاكم الله قبل مجيء يوم القيامة حين‬‫المفروضة‪ ,‬وتص ّ‬
‫من عذاب الله‪ ,‬ول‬ ‫ل بيع فيكون ربح‪ ,‬ول مال تفتدون به أنفسكم ِ‬
‫صداقة صديق ُتنقذكم‪ ,‬ول شافع يملك تخفيف العذاب عنكم‪.‬‬
‫والكافرون هم الظالمون المتجاوزون حدود الله‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ْ‬
‫ما ِفي‬ ‫ه َ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ة َول ن َوْ ٌ‬ ‫خذ ُهُ ِ‬
‫سن َ ٌ‬ ‫م ل ت َأ ُ‬ ‫ي ال َْقّيو ُ‬‫ح ّ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ ال ْ َ‬‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫م َ‬‫عن ْد َهُ إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْن ِهِ ي َعْل َ ُ‬‫شَفعُ ِ‬ ‫ذي ي َ ْ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض َ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫شاءَ‬ ‫ما َ‬ ‫مهِ إ ِل ّ ب ِ َ‬ ‫عل ْ ِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫طو َ‬‫حي ُ‬ ‫م َول ي ُ ِ‬ ‫خل َْفهُ ْ‬‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ما وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ‬
‫ي‬ ‫حْفظ ُهُ َ‬ ‫ض َول ي َُئود ُهُ ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬‫ه ال ّ‬ ‫سي ّ ُ‬ ‫سعَ ك ُْر ِ‬ ‫وَ ِ‬
‫م )‪(255‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ي الذي له جميع‬‫الله الذي ل يستحق اللوهية والعبودية إل هو‪ ,‬الح ّ‬
‫معاني الحياة الكاملة كما يليق بجلله‪ ,‬القائم على كل شيء‪ ,‬ل‬
‫سَنة أي‪ :‬نعاس‪ ,‬ول نوم‪ ,‬كل ما في السموات وما في‬ ‫تأخذه ِ‬
‫الرض ملك له‪ ,‬ول يتجاسر أحد أن يشفع عنده إل بإذنه‪ ,‬محيط‬
‫علمه بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها‪ ,‬يعلم ما بين‬
‫أيدي الخلئق من المور المستقبلة‪ ,‬وما خلفهم من المور الماضية‪,‬‬
‫طلعُ أحد من الخلق على شيء من علمه إل بما أعلمه الله‬ ‫ول ي َ ّ‬
‫وأطلعه عليه‪ .‬وسع كرسيه السموات والرض‪ ,‬والكرسي‪ :‬هو‬
‫موضع قدمي الرب ‪-‬جل جلله‪ -‬ول يعلم كيفيته إل الله سبحانه‪ ,‬ول‬
‫يثقله سبحانه حفظهما‪ ,‬وهو العلي بذاته وصفاته على جميع‬
‫مخلوقاته‪ ,‬الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء‪ .‬وهذه الية‬
‫أعظم آية في القرآن‪ ,‬وتسمى‪) :‬آية الكرسي(‪.‬‬

‫ت‬ ‫طا ُ‬
‫غو ِ‬ ‫ن ي َك ُْفْر ِبال ّ‬ ‫ي فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن الغَ ّ‬
‫م ْ‬ ‫شد ُ ِ‬‫ن الّر ْ‬ ‫ن قَد ْ ت َب َي ّ َ‬ ‫ل إ ِك َْراهَ ِفي ال ّ‬
‫دي ِ‬
‫م ل ََها َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫صا َ‬ ‫ك ِبال ْعُْروَةِ ال ْوُث َْقى ل انِف َ‬‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ فََقد ْ ا ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫وَي ُؤْ ِ‬
‫م ْ‬
‫م )‪(256‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬‫س ِ‬ ‫َ‬
‫لكمال هذا الدين واتضاح آياته ل ُيحتاج إلى الكراه عليه لمن ُتقبل‬
‫منهم الجزية‪ ,‬فالدلئل بينة يتضح بها الحق من الباطل‪ ,‬والهدى من‬
‫من يكفر بكل ما عُِبد من دون الله ويؤمن بالله‪ ,‬فقد ثبت‬ ‫الضلل‪ .‬فَ َ‬
‫واستقام على الطريقة المثلى‪ ,‬واستمسك من الدين بأقوى سبب‬
‫ل انقطاع له‪ .‬والله سميع لقوال عباده‪ ,‬عليم بأفعالهم ونياتهم‪,‬‬
‫وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫ن‬ ‫ت إ َِلى الّنورِ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ما ِ‬‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جه ُ ْ‬‫خرِ ُ‬ ‫مُنوا ي ُ ْ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ي ال ّ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه وَل ِ ّ‬
‫ت أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الّنورِ إ َِلى الظ ّل ُ َ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫جون َهُ ْ‬‫خرِ ُ‬ ‫ت يُ ْ‬ ‫غو ُ‬ ‫م ال ّ‬
‫طا ُ‬ ‫َ‬
‫ك ََفُروا أوْل َِياؤُهُ ْ‬
‫ن )‪(257‬‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬‫أ ْ‬
‫الله يتولى المؤمنين بنصره وتوفيقه وحفظه‪ ,‬يخرجهم من ظلمات‬
‫الكفر‪ ,‬إلى نور اليمان‪ .‬والذين كفروا أنصارهم وأولياؤهم النداد‬
‫والوثان الذين يعبدونهم من دون الله‪ُ ,‬يخرجونهم من نور اليمان‬
‫إلى ظلمات الكفر‪ ,‬أولئك أصحاب النار الملزمون لها‪ ,‬هم فيها‬
‫باقون بقاء أبدًيا ل يخرجون منها‪.‬‬

‫مل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ك إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫ن آَتاهُ الل ّ ُ‬ ‫م ِفي َرب ّهِ أ ْ‬ ‫هي َ‬
‫ج إ ِب َْرا ِ‬ ‫حا ّ‬‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬
‫أل َ ْ‬
‫م‬ ‫ت َقا َ‬ ‫ُ‬ ‫إبراهيم ربي ال ّذي يحيي ويميت َقا َ َ ُ‬
‫هي ُ‬‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيي وَأ ِ‬ ‫ل أَنا أ ْ‬ ‫َُ ِ ُ‬ ‫ِ ُ ْ ِ‬ ‫َِْ ِ ُ َ ّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت‬‫ب فَب ُهِ َ‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م ْ‬ ‫ت ب َِها ِ‬‫ق فَأ ِ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه ي َأِتي ِبال ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫فَإ ِ ّ‬
‫ن )‪(258‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫دي ال َْقوْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬‫ذي ك ََفَر َوالل ّ ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫من حال هذا الذي جادل إبراهيم‬ ‫هل رأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أعجب ِ‬
‫مْلك‬
‫عليه السلم في توحيد الله تعالى وربوبيته; لن الله أعطاه ال ُ‬
‫من رّبك؟ فقال عليه السلم‪ :‬ربي الذي‬ ‫م‪َ :‬‬
‫فتجّبر وسأل إبراهي َ‬
‫يحيي الخلئق فتحيا‪ ,‬ويسلبها الحياة فتموت‪ ,‬فهو المتفرد بالحياء‬
‫ت قَت َْله‪ ,‬وأستبقي‬‫من أرد ُ‬
‫والماتة‪ ,‬قال‪ :‬أنا أحيي وأميت‪ ,‬أي أقتل َ‬
‫من أردت استبقاءه‪ ,‬فقال له إبراهيم‪ :‬إن الله الذي أعبده يأتي‬ ‫َ‬
‫سّنة اللهية بأن‬ ‫بالشمس من المشرق‪ ,‬فهل تستطيع تغيير هذه ال ّ‬
‫تجعلها تأتي من المغرب; فتحّير هذا الكافر وانقطعت حجته‪ ,‬شأنه‬
‫شأن الظالمين ل يهديهم الله إلى الحق والصواب‪.‬‬

‫ة عََلى عُروشها َقا َ َ‬ ‫أ َوْ َ‬


‫حِيي‬ ‫ل أّنى ي ُ ْ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫خاوِي َ ٌ‬ ‫ي َ‬ ‫ري َةٍ وَهِ َ‬ ‫مّر عََلى قَ َْ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫ت َقا َ‬
‫ل‬ ‫م ل َب ِث ْ َ‬ ‫ل كَ ْ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫م ب َعَث َ ُ‬
‫عام ٍ ث ُ ّ‬ ‫ة َ‬ ‫مائ َ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫موْت َِها فَأ َ‬
‫مات َ ُ‬ ‫ه ب َعْد َ َ‬ ‫هَذِهِ الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫م َ‬
‫ك‬ ‫عام ٍ َفانظ ُْر إ َِلى ط ََعا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مائ َ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل ل َب ِث ْ َ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫ض ي َوْم ٍ َقا َ‬ ‫وما ً أوْ ب َعْ َ‬ ‫ت يَ ْ‬ ‫ل َب ِث ْ ُ‬
‫س َوانظ ُْر‬ ‫ِ‬ ‫ة ِللّنا‬ ‫ك آي َ ً‬ ‫جعَل َ َ‬ ‫ك وَل ِن َ ْ‬ ‫مارِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َوانظ ُْر إ َِلى ِ‬ ‫سن ّ ْ‬‫م ي َت َ َ‬ ‫ك لَ ْ‬‫شَراب ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ل أعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫حما ً فَل َ ّ‬ ‫ها ل َ ْ‬‫سو َ‬ ‫م ن َك ْ ُ‬ ‫ها ث ُ ّ‬ ‫شُز َ‬ ‫ف ُنن ِ‬ ‫ظام ِ ك َي ْ َ‬ ‫إ َِلى ال ْعِ َ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر )‪(259‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أ ّ‬

‫‪78‬‬
‫دمت‬ ‫أو هل رأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مثل الذي مّر على قرية قد ته ّ‬
‫ت على عروشها‪ ,‬فقال‪ :‬كيف يحيي الله هذه القرية بعد‬ ‫خو َ ْ‬
‫دورها‪ ,‬و َ‬
‫موتها؟ فأماته الله مائة عام‪ ,‬ثم رد ّ إليه روحه‪ ,‬وقال له‪ :‬كم قدر‬
‫ما أو بعض يوم‪ ,‬فأخبره بأنه‬ ‫الزمان الذي لبثت ميًتا؟ قال‪ :‬بقيت يو ً‬
‫بقي ميًتا مائة عام‪ ,‬وأمره أن ينظر إلى طعامه وشرابه‪ ,‬وكيف‬
‫حفظهما الله من التغّير هذه المدة الطويلة‪ ,‬وأمره أن ينظر إلى‬
‫ما متفرقة؟ وقال له‪:‬‬ ‫حماره كيف أحياه الله بعد أن كان عظا ً‬
‫ولنجعلك آية للناس‪ ,‬أي‪ :‬دللة ظاهرة على قدرة الله على البعث‬
‫بعد الموت‪ ,‬وأمره أن ينظر إلى العظام كيف يرفع الله بعضها على‬
‫ما‪ ,‬ثم يعيد‬ ‫بعض‪ ,‬ويصل بعضها ببعض‪ ,‬ثم يكسوها بعد اللتئام لح ً‬
‫عياًنا اعترف بعظمة الله‪ ,‬وأنه على‬ ‫فيها الحياة؟ فلما اتضح له ذلك ِ‬
‫كل شيء قدير‪ ,‬وصار آية للناس‪.‬‬

‫ف تحي ال ْموتى َقا َ َ‬ ‫َ‬


‫ل‬‫ن َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل أوَل َ ْ‬
‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫َ َْ‬ ‫ب أرِِني ك َي ْ َ ُ ْ َ ِ‬ ‫م َر ّ‬ ‫هي ُ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬‫وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ك ثُ ّ‬
‫م‬ ‫ن إ ِل َي ْ َ‬‫صْرهُ ّ‬ ‫ن ْ الط ّي ْرِ فَ ُ‬
‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫خذ ْ أْرب َعَ ً‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫ن قَل ِْبي َقا َ‬ ‫مئ ِ ّ‬‫ن ل ِي َط ْ َ‬ ‫ب ََلى وَل َك ِ ْ‬
‫ك سعيا ً واعْل َ َ‬
‫ن‬‫مأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن ي َأِتين َ َ َ ْ َ‬ ‫م اد ْعُهُ ّ‬ ‫جْزءا ً ث ُ ّ‬‫ن ُ‬ ‫من ْهُ ّ‬
‫ل ِ‬ ‫جب َ ٍ‬
‫ل َ‬ ‫ل عََلى ك ُ ّ‬ ‫جع َ ْ‬‫ا ْ‬
‫م )‪(260‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬طلب إبراهيم من ربه أن يريه كيفية البعث‪,‬‬
‫فقال الله له‪ :‬أ ََولم تؤمن؟ قال‪ :‬بلى‪ ,‬ولكن أطلب ذلك لزداد يقيًنا‬
‫على يقيني‪ ,‬قال‪ :‬فخذ أربعة من الطير فاضممهن إليك واذبحهن‬
‫وقطعهن‪ ,‬ثم اجعل على كل جبل منهن جزًءا‪ ,‬ثم ناِدهن يأتينك‬
‫مسرعات‪ .‬فنادى إبراهيم عليه السلم‪ ,‬فإذا كل جزء يعود إلى‬
‫موضعه‪ ,‬وإذا بها تأتي مسرعة‪ .‬واعلم أن الله عزيز ل يغلبه شيء‪,‬‬
‫حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره‪.‬‬

‫َ‬ ‫ل ال ّذين ينفُقو َ‬


‫ع‬
‫سب ْ َ‬
‫ت َ‬ ‫حب ّةٍ أن ْب َت َ ْ‬
‫ل َ‬ ‫ل الل ّهِ ك َ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫وال َهُ ْ‬
‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ُ ِ‬ ‫مث َ ُ‬‫َ‬
‫ع‬
‫س ٌ‬
‫ه َوا ِ‬ ‫ّ‬
‫شاُء َوالل ُ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬‫ف لِ َ‬ ‫ع ُ‬‫ضا ِ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ّ‬
‫حب ّةٍ َوالل ُ‬
‫ة َ‬‫مائ َ ُ‬ ‫َ‬
‫سن ْب ُلةٍ ِ‬
‫ل ُ‬‫ل ِفي ك ُ ّ‬
‫سَناب ِ َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(261‬‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫من أعظم ما ينتفع به المؤمنون النفاقُ في سبيل الله‪ .‬ومثل‬
‫و ِ‬
‫ت‬
‫المؤمنين الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة ُزِرع ْ‬

‫‪79‬‬
‫في أرض طيبة‪ ,‬فإذا بها قد أخرجت ساًقا تشعب منها سبع شعب‪,‬‬
‫لكل واحدة سنبلة‪ ,‬في كل سنبلة مائة حبة‪ .‬والله يضاعف الجر‬
‫لمن يشاء‪ ,‬بحسب ما يقوم بقلب المنفق من اليمان والخلص‬
‫التام‪ .‬وفضل الله واسع‪ ,‬وهو سبحانه عليم بمن يستحقه‪ ,‬مطلع‬
‫على نيات عباده‪.‬‬

‫من ّا ً َول‬ ‫َ‬ ‫ال ّذين ينفُقو َ‬


‫ما أنَفُقوا َ‬‫ن َ‬‫م ل ي ُت ْب ُِعو َ‬ ‫ل الل ّهِ ث ُ ّ‬‫سِبي ِ‬
‫م ِفي َ‬ ‫وال َهُ ْ‬‫م َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ ً‬
‫ن )‪(262‬‬ ‫حَزُنو َ‬
‫م يَ ْ‬‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬‫م َول َ‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬‫م ِ‬ ‫جُرهُ ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫ذى ل َهُ ْ‬
‫الذين يخرجون أموالهم في الجهاد وأنواع الخير‪ ,‬ثم ل يتبعون ما‬
‫ل‬ ‫من أع َ‬
‫طوه ول أذى بقول أو فِعْ ٍ‬ ‫من ّا ً على َ‬
‫أنفقوا من الخيرات َ‬
‫يشعره بالتفضل عليه‪ ,‬لهم ثوابهم العظيم عند ربهم‪ ,‬ول خوف‬
‫عليهم فيما يستقبلونه من أمر الخرة‪ ,‬ول هم يحزنون على شيء‬
‫فاتهم في هذه الدنيا‪.‬‬

‫م)‬
‫حِلي ٌ‬
‫ي َ‬ ‫صد َقَةٍ ي َت ْب َعَُها أ َ ً‬
‫ذى َوالل ّ ُ‬
‫ه غَن ِ ّ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫خي ٌْر ِ‬
‫مغِْفَرةٌ َ‬
‫ف وَ َ‬
‫معُْرو ٌ‬
‫ل َ‬‫قَوْ ٌ‬
‫‪(263‬‬
‫ف في السؤال‪ ,‬خير‬
‫من إلحا ٍ‬
‫من السائل ِ‬‫كلم طيب وعفو عما بدر ِ‬
‫من صدقة يتبعها من المتصدق أذى وإساءة‪ .‬والله غني عن صدقات‬
‫العباد‪ ,‬حليم ل يعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬

‫ن َوال َ َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ذي ُينِف ُ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫ذى َ‬ ‫م ّ‬‫م ِبال ْ َ‬ ‫مُنوا ل ت ُب ْط ُِلوا َ‬
‫صد ََقات ِك ُ ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‬‫وا ٍ‬‫صْف َ‬
‫ل َ‬ ‫مث َل ُ ُ‬
‫ه كَ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫خرِ فَ َ‬‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫م ُ‬ ‫س َول ي ُؤْ ِ‬ ‫ه رَِئاَء الّنا َ ِ‬ ‫مال َ ُ‬‫َ‬
‫ما‬
‫م ّ‬‫يٍء ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫صْلدا ً ل ي َْقدُِرو َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل فَت ََرك َ ُ‬‫ه َواب ِ ٌ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫ب فَأ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ت َُرا ٌ‬
‫ن )‪(264‬‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫دي ال َْقوْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫سُبوا َوالل ّ ُ‬ ‫كَ َ‬

‫يا من آمنتم بالله واليوم الخر ل ت ُذ ْهُِبوا ثواب ما تتصدقون به بالم ّ‬


‫ن‬
‫والذى‪ ,‬فهذا شبيه بالذي يخرج ماله ليراه الناس‪ ,‬فُيثنوا عليه‪ ,‬وهو‬
‫ل يؤمن بالله ول يوقن باليوم الخر‪ ,‬فمثل ذلك مثل حجر أملس‬
‫عليه تراب هطل عليه مطر غزير فأزاح عنه التراب‪ ,‬فتركه أملس‬

‫‪80‬‬
‫ل شيء عليه‪ ,‬فكذلك هؤلء المراؤون تضمح ّ‬
‫ل أعمالهم عند الله‪,‬‬
‫ول يجدون شيًئا من الثواب على ما أنفقوه‪ .‬والله ل يوفق الكافرين‬
‫لصابة الحق في نفقاتهم وغيرها‪.‬‬

‫م‬ ‫ل ال ّذين ينفُقون أ َموال َهم ابت َِغاَء مرضاة الل ّه وتث ْبيتا ً م َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫سه ِ ْ‬
‫ن أن ُْف ِ‬‫ِ ْ‬ ‫ِ ََ ِ‬ ‫َ ْ َ ِ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ ْ‬ ‫ِ َ ُ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫صب َْها‬
‫م يُ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫ن فَإ ِ ْ‬ ‫ت أك ُل ََها ِ‬
‫ضعَْفي ْ ِ‬ ‫ل َفآت َ ْ‬
‫صاب ََها َواب ِ ٌ‬‫جن ّةٍ ب َِرب ْوَةٍ أ َ‬
‫ل َ‬ ‫مث َ ِ‬‫كَ َ‬
‫صيٌر )‪(265‬‬ ‫ن بَ ِ‬‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ل َوالل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ل فَط َ ّ‬ ‫َواب ِ ٌ‬
‫خا بصدق‬ ‫دا راس ً‬‫ومثل الذين ينفقون أموالهم طلًبا لرضا الله واعتقا ً‬
‫وعده‪ ,‬كمثل بستان عظيم بأرض عالية طيبة هطلت عليه أمطار‬
‫غزيرة‪ ,‬فتضاعفت ثمراته‪ ,‬وإن لم تسقط عليه المطار الغزيرة‬
‫فيكفيه رذاذ المطر ليعطي الثمرة المضاعفة‪ ,‬وكذلك نفقات‬
‫مط ِّلع‬
‫المخلصين ُتقبل عند الله وُتضاعف‪ ,‬قّلت أم كُثرت‪ ,‬فالله ال ُ‬
‫على السرائر‪ ,‬البصير بالظواهر والبواطن‪ ,‬يثيب كل بحسب‬
‫إخلصه‪.‬‬

‫َ‬ ‫أ َيود أ َحدك ُ َ‬


‫حت َِها‬
‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب تَ ْ‬ ‫ل وَأعَْنا ٍ‬ ‫خي ٍ‬ ‫ن نَ ِ‬‫م ْ‬‫ة ِ‬‫جن ّ ٌ‬‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن تَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫مأ ْ‬‫َ َ ّ َ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ضعََفاءُ‬
‫ة ُ‬‫ه ذ ُّري ّ ٌ‬‫ه ال ْك ِب َُر وَل َ ُ‬ ‫صاب َ ُ‬‫ت وَأ َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ل الث ّ َ‬ ‫ن كُ ّ‬‫م ْ‬
‫ه ِفيَها ِ‬‫الن َْهاُر ل َ ُ‬
‫َ‬
‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م الَيا ِ‬‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ت ك َذ َل ِ َ‬
‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫حت ََرقَ ْ‬‫صاٌر ِفيهِ َناٌر َفا ْ‬ ‫فَأ َ‬
‫صاب ََها إ ِعْ َ‬
‫ن )‪(266‬‬ ‫ت َت ََفك ُّرو َ‬
‫أيرغب الواحد منكم أن يكون له بستان فيه النخيل والعناب‪,‬‬
‫تجري من تحت أشجاِره المياه العذبة‪ ,‬وله فيه من كل ألوان‬
‫الثمرات‪ ,‬وقد بلغ الك َِبر‪ ,‬ول يستطيع أن يغرس مثل هذا الغرس‪,‬‬
‫وله أولد صغار في حاجة إلى هذا البستان وفي هذه الحالة هّبت‬
‫عليه ريح شديدة‪ ,‬فيها نار محرقة فأحرقته; وهكذا حال غير‬
‫المخلصين في نفقاتهم‪ ,‬يأتون يوم القيامة ول حسنة لهم‪ .‬وبمثل‬
‫هذا البيان يبّين الله لكم ما ينفعكم; كي تتأملوا‪ ,‬فتخلصوا نفقاتكم‬
‫لله‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫جَنا ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫خَر ْ‬‫ما أ َ ْ‬‫م ّ‬‫م وَ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن ط َي َّبا ِ‬‫م ْ‬ ‫فُقوا ِ‬
‫َ‬
‫مُنوا أن ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫من ا ل َ‬
‫ذيهِ إ ِل ّ أ ْ‬
‫ن‬ ‫خ ِ‬
‫م ِبآ ِ‬ ‫ن وَل َ ْ‬
‫ست ُ ْ‬ ‫فُقو َ‬
‫ه ُتن ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫موا ال ْ َ‬ ‫م ُ‬‫ض َول ت َي َ ّ‬‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫َ‬
‫ميد ٌ )‪(267‬‬ ‫ح ِ‬‫ي َ‬ ‫ه غَن ِ ّ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ضوا ِفيهِ َواعْل َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ت ُغْ ِ‬
‫يا من آمنتم بي واتبعتم رسلي أنفقوا من الحلل الطيب الذي‬
‫كسبتموه ومما أخرجنا لكم من الرض‪ ,‬ول تقصدوا الرديء منه‬
‫طيتموه لم تأخذوه إل إذا تغاضيتم عما فيه‬ ‫ُ‬
‫لتعطوه الفقراء‪ ,‬ولو أع ِ‬
‫من رداءة ونقص‪ .‬فكيف ترضون لله ما ل ترضونه لنفسكم؟‬
‫واعلموا أن الله الذي رزقكم غني عن صدقاتكم‪ ,‬مستحق للثناء‪,‬‬
‫محمود في كل حال‪.‬‬

‫ْ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬
‫مغِْفَرةً ِ‬
‫م َ‬ ‫شاِء َوالل ّ ُ‬
‫ه ي َعِد ُك ُ ْ‬ ‫م ِبال َْف ْ‬
‫ح َ‬ ‫م ال َْفْقَر وَي َأ ُ‬
‫مُرك ُ ْ‬ ‫ن ي َعِد ُك ُ ْ‬‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬‫ال ّ‬
‫م )‪(268‬‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫ضل ً َوالل ّ ُ‬‫وَفَ ْ‬
‫هذا البخل واختيار الرديء للصدقة من الشيطان الذي يخوفكم‬
‫الفقر‪ ,‬ويغريكم بالبخل‪ ,‬ويأمركم بالمعاصي ومخالفة الله تعالى‪,‬‬
‫والله سبحانه وتعالى يعدكم على إنفاقكم غفراًنا لذنوبكم ورزقا‬
‫واسعا‪ .‬والله واسع الفضل‪ ,‬عليم بالعمال والنّيات‪.‬‬

‫ُ‬
‫خْيرا ً ك َِثيرا ً وَ َ‬
‫ما‬ ‫ة فََقد ْ أوت ِ َ‬
‫ي َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫ن ي ُؤْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاُء وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬
‫م َ‬ ‫ي ُؤِْتي ال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب )‪(269‬‬ ‫ي َذ ّك ُّر إ ِل ّ أوُْلوا الل َْبا ِ‬
‫من يشاء من عباده‪ ,‬ومن أنعم‬ ‫يؤتي الله الصابة في القول والفعل َ‬
‫الله عليه بذلك فقد أعطاه خيًرا كثيًرا‪ .‬وما يتذكر هذا وينتفع به إل‬
‫أصحاب العقول المستنيرة بنور الله وهدايته‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ه وَ َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ن ن َذ ْرٍ فَإ ِ ّ‬
‫م ْ‬ ‫ن ن ََفَقةٍ أوْ ن َذ َْرت ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما أنَفْقت ُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫صارٍ )‪(270‬‬ ‫َ‬ ‫ِلل ّ‬
‫ن أن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬
‫وما أعطيتم من مال أو غيره كثير أو قليل تتصدقون به ابتغاء‬
‫مرضات الله أو أوجبتم على أنفسكم شيًئا من مال أو غيره‪ ,‬فإن‬
‫مط ِّلع على نياتكم‪ ,‬وسوف يثيبكم على ذلك‪ .‬و َ‬
‫من‬ ‫الله يعلمه‪ ,‬وهو ال ُ‬
‫‪82‬‬
‫منع حق الله فهو ظالم‪ ,‬والظالمون ليس لهم أنصار يمنعونهم من‬
‫عذاب الله‪.‬‬

‫ها ال ُْفَقَراءَ فَهُوَ َ‬


‫خي ٌْر‬ ‫ها وَت ُؤُْتو َ‬‫خُفو َ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫ي وَإ ِ ْ‬‫ما هِ َ‬ ‫ت فَن ِعِ ّ‬‫صد ََقا ِ‬ ‫دوا ال ّ‬ ‫ن ت ُب ْ ُ‬‫إِ ْ‬
‫خِبيٌر )‪(271‬‬ ‫ن َ‬‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫ه بِ َ‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫سي َّئات ِك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬‫م وَي ُك َّفُر عَن ْك ُ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫م ما تصدقتم به‪ ,‬وإن تسّروا بها‪,‬‬‫إن تظهروا ما تتصدقون به لله فن ِعْ َ‬
‫وتعطوها الفقراء فهذا أفضل لكم; لنه أبعد عن الرياء‪ ,‬وفي‬
‫الصدقة ‪-‬مع الخلص‪ -‬محو لذنوبكم‪ .‬والله الذي يعلم دقائق المور‪,‬‬
‫ل يخفى عليه شيء من أحوالكم‪ ,‬وسيجازي كل بعمله‪.‬‬

‫ر‬
‫خي ْ ٍ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫فُقوا ِ‬
‫ما ُتن ِ‬
‫شاُء وَ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬
‫دي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َهْ ِ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬‫داهُ ْ‬ ‫ك هُ َ‬ ‫س عَل َي ْ َ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫فَ َ‬
‫ف‬
‫خي ْرٍ ي ُوَ ّ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫فُقوا ِ‬ ‫جهِ الل ّهِ وَ َ‬
‫ما ُتن ِ‬ ‫ن إ ِل ّ اب ْت َِغاَء وَ ْ‬‫فُقو َ‬ ‫ما ُتن ِ‬‫م وَ َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫لنُف ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(272‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬‫إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫لست ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مسئول عن توفيق الكافرين للهداية‪ ,‬ولكن‬
‫من يشاء لدينه‪ ,‬ويوفقه له‪ .‬وما تبذلوا من مال‬ ‫الله يشرح صدور َ‬
‫ي َعُد ْ عليكم ن َْفُعه من الله‪ ,‬والمؤمنون ل ينفقون إل طلًبا لمرضاة‬
‫صوا‬‫الله‪ .‬وما تنفقوا من مال ‪-‬مخلصين لله‪ -‬توفوا ثوابه‪ ,‬ول ت ُن َْق ُ‬
‫شيئا من ذلك‪ .‬وفي الية إثبات صفة الوجه لله تعالى على ما يليق‬
‫به سبحانه‪.‬‬

‫ضْربا ً ِفي‬ ‫ِللُفَقراِء ال ّذي ُ‬


‫ن َ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ل الل ّهِ ل ي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫سِبي ِ‬
‫صُروا ِفي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫ماهُ ْ‬‫سي َ‬
‫م بِ ِ‬ ‫ف ت َعْرِفُهُ ْ‬ ‫ن الت ّعَّف ِ‬
‫م ْ‬‫ل أغْن َِياَء ِ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬
‫ح َ‬
‫ض يَ ْ‬‫الْر َ ِ‬
‫م )‪(273‬‬ ‫ه ب ِهِ عَِلي ٌ‬‫ن الل ّ َ‬
‫خي ْرٍ فَإ ِ ّ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫فُقوا ِ‬ ‫ما ُتن ِ‬ ‫حافا ً وَ َ‬ ‫س إ ِل ْ َ‬‫ن الّنا َ‬ ‫سأُلو َ‬‫يَ ْ‬
‫اجعلوا صدقاتكم لفقراء المسلمين الذين ل يستطيعون السفر;‬
‫من ل يعرفهم‬‫طلًبا للرزق لشتغالهم بالجهاد في سبيل الله‪ ,‬يظنهم َ‬
‫غير محتاجين إلى الصدقة; لتعففهم عن السؤال‪ ,‬تعرفهم بعلماتهم‬
‫وآثار الحاجة فيهم‪ ,‬ل يسألون الناس بال ُ‬
‫كلّية‪ ,‬وإن سألوا اضطراًرا‬

‫‪83‬‬
‫من مال في سبيل الله فل يخفى‬ ‫حوا في السؤال‪ .‬وما تنفقوا ِ‬
‫لم ي ُل ِ ّ‬
‫مه يوم القيامة‪.‬‬
‫على الله شيء منه‪ ,‬وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأت ّ‬

‫ة فَل َه َ‬ ‫سّرا ً وَ َ‬ ‫ال ّذين ينفُقو َ‬


‫عن ْد َ‬‫م ِ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫علن ِي َ ً‬ ‫ل َوالن َّهارِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫م ِبالل ّي ْ‬ ‫وال َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫م‬
‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ُ ِ‬
‫ْ‬
‫ن الّرَبا ل‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ن )‪ (274‬ال ّ ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م َول َ‬ ‫َرب ّهِ ْ‬
‫َ‬
‫م‬‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫س ذ َل ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َُقو ُ‬
‫َ‬
‫جاءَهُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫عاد َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫عظ َ ٌ ِ ْ َ ّ ِ‬ ‫مو ْ ِ‬‫َ‬
‫ن )‪(275‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فَأوْل َئ ِ َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬
‫خرجون أموالهم مرضاة لله ليل ونهاًرا مسّرين ومعلنين‪,‬‬ ‫الذين ي ُ ْ‬
‫فلهم أجرهم عند ربهم‪ ,‬ول خوف عليهم فيما يستقبلونه من أمر‬
‫الخرة‪ ,‬ول هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا‪ .‬ذلك‬
‫من‬ ‫التشريع اللهي الحكيم هو منهاج السلم في النفاق لما فيه ِ‬
‫سد ّ حاجة الفقراء في كرامة وعزة‪ ,‬وتطهير مال الغنياء‪ ,‬وتحقيق‬
‫التعاون على البر والتقوى; ابتغاء وجه الله دون قهر أو إكراه الذين‬
‫يتعاملون بالربا ‪-‬وهو الزيادة على رأس المال‪ -‬ل يقومون في‬
‫الخرة من قبورهم إل كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من‬
‫الجنون; ذلك لنهم قالوا‪ :‬إنما البيع مثل الربا‪ ,‬في أن كل منهما‬
‫حلل‪ ,‬ويؤدي إلى زيادة المال‪ ,‬فأكذبهم الله‪ ,‬وبّين أنه أحل البيع‬
‫وحّرم الربا; لما في البيع والشراء من نفع للفراد والجماعات‪ ,‬ولما‬
‫في الربا من استغلل وضياع وهلك‪ .‬فمن بلغه نهي الله عن الربا‬
‫فارتدع‪ ,‬فله ما مضى قبل أن يبلغه التحريم ل إثم عليه فيه‪ ,‬وأمره‬
‫إلى الله فيما يستقبل من زمانه‪ ,‬فإن استمّر على توبته فالله ل‬
‫يضيع أجر المحسنين‪ ,‬ومن عاد إلى الربا ففعله بعد بلوغه نهي الله‬
‫عنه‪ ,‬فقد استوجب العقوبة‪ ,‬وقامت عليه الحجة‪ ,‬ولهذا قال‬
‫ن(‬ ‫سبحانه‪) :‬فَُأول َئ ِ َ َ‬
‫دو َ‬
‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬
‫ب الّنارِ هُ ْ‬
‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫كأ ْ‬

‫ل ك َّفارٍ أ َِثيم ٍ )‬
‫ب كُ ّ‬
‫ح ّ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬
‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫م َ‬
‫يَ ْ‬
‫‪(276‬‬

‫‪84‬‬
‫يذهب الله الربا كله أو يحرم صاحبه بركة ماله‪ ,‬فل ينتفع به‪ ،‬وينمي‬
‫الصدقات ويكثرها‪ ،‬ويضاعف الجر للمتصدقين‪ ,‬ويبارك لهم في‬
‫ح ّ‬
‫ل أكل الربا‪,‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬
‫صّر على كفره‪ُ ,‬‬
‫م ِ‬
‫أموالهم‪ .‬والله ل يحب كل ُ‬
‫متمادٍ في الثم والحرام ومعاصي الله‪.‬‬

‫َ‬
‫كاةَ ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫وا الّز َ‬
‫صلةَ َوآت َ ْ‬‫موا ال ّ‬ ‫ت وَأَقا ُ‬
‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬
‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(277‬‬ ‫حَزُنو َ‬
‫م يَ ْ‬
‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬‫خو ْ ٌ‬
‫م َول َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬
‫م ِ‬‫جُرهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫دوا‬
‫إن الذين صدقوا الله ورسوله‪ ,‬وعملوا العمال الطيبة‪ ,‬وأ ّ‬
‫الصلة كما أمر الله ورسوله‪ ,‬وأخرجوا زكاة أموالهم‪ ,‬لهم ثواب‬
‫عظيم خاص بهم عند ربهم ورازقهم‪ ,‬ول يلحقهم خوف في آخرتهم‪,‬‬
‫ول حزن على ما فاتهم من حظوظ دنياهم‪.‬‬

‫َ‬
‫م‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ي ِ‬
‫ما ب َِق َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(278‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ُ‬
‫يا من آمنتم بالله واتبعتم رسوله خافوا الله‪ ,‬واتركوا طلب ما بقي‬
‫لكم من زيادة على رؤوس أموالكم التي كانت لكم قبل تحريم‬
‫الربا‪ ,‬إن كنتم محققين إيمانكم قول وعمل‪.‬‬

‫ْ‬
‫م فَل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬
‫سول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫حْر ٍ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫فَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(279‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن َول ت ُظ ْل َ ُ‬‫مو َ‬‫م ل ت َظ ْل ِ ُ‬
‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سأ ْ‬ ‫ُرُءو ُ‬
‫فإن لم ترتدعوا عما نهاكم الله عنه فاستيقنوا بحرب من الله‬
‫ل الربا فلكم أ َ ْ‬
‫خذ ُ ما لكم‬ ‫ورسوله‪ ,‬وإن رجعتم إلى ربكم وتركتم أ َك ْ َ‬
‫دا بأخذ ما زاد على رؤوس‬ ‫من ديون دون زيادة‪ ,‬ل ت َ ْ‬
‫ظلمون أح ً‬
‫أموالكم‪ ,‬ول يظلمكم أحد بنقص ما أقرضتم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫صد ُّقوا َ‬
‫ن تَ َ‬
‫سَرةٍ وَأ ْ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ‬
‫مي ْ َ‬ ‫ذو عُ ْ‬‫ن ُ‬‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(280‬‬ ‫مو َ‬‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫‪85‬‬
‫سر الله‬‫وإن كان المدين غير قادر على السداد فأمهلوه إلى أن يي ّ‬
‫له رزًقا فيدفع إليكم مالكم‪ ,‬وإن تتركوا رأس المال كله أو بعضه‬
‫ل ذلك‪,‬‬‫ض َ‬‫وتضعوه عن المدين فهو أفضل لكم‪ ,‬إن كنتم تعلمون فَ ْ‬
‫وأّنه خير لكم في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ت‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫س َ‬
‫ل ن َْف ٍ‬ ‫ن ِفيهِ إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ‬
‫م ت ُوَّفى ك ُ ّ‬ ‫وما ً ت ُْر َ‬
‫جُعو َ‬ ‫َوات ُّقوا ي َ ْ‬
‫ن )‪(281‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫ما ترجعون فيه إلى الله‪ ,‬وهو يوم القيامة‪,‬‬
‫واحذروا ‪-‬أيها الناس‪ -‬يو ً‬
‫حيث تعرضون على الله ليحاسبكم‪ ,‬فيجازي كل واحد منكم بما‬
‫عمل من خير أو شر دون أن يناله ظلم‪ .‬وفي الية إشارة إلى أن‬
‫اجتناب ما حرم الله من المكاسب الربوية‪ ,‬تكميل لليمان وحقوقه‬
‫من إقام الصلة وإيتاء الزكاة وعمل الصالحات‪.‬‬

‫َ‬ ‫يا أ َ‬
‫مى َفاك ْت ُُبوهُ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ن إ َِلى أ َ‬ ‫ْ ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫د‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ين‬
‫َ‬ ‫دا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫آ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ه الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م ُ‬ ‫ما عَل ّ َ‬ ‫ب كَ َ‬ ‫ن ي َك ْت ُ َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫كات ِ ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫ل َول ي َأ َ‬ ‫ب ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫كات ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ب ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫وَل ْي َك ْت ُ ْ‬
‫شْيئا ً‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ه َول ي َب ْ َ‬ ‫ه َرب ّ ُ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫حقّ وَل ْي َت ّ‬ ‫ذي عَل َي ْهِ ال ْ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مل ِ ْ‬ ‫ب وَل ْي ُ ْ‬ ‫فَل ْي َك ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫ل هُ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫طيعُ أ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ضِعيفا ً أوْ ل ي َ ْ‬ ‫سِفيها ً أوْ َ‬ ‫حقّ َ‬ ‫ذي عَل َي ْهِ ال ْ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫كوَنا‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫جال ِك ُ ْ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫شِهيد َي ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫شه ِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ل َوا ْ‬ ‫ه ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫ل وَل ِي ّ ُ‬ ‫مل ِ ْ‬ ‫فَل ْي ُ ْ‬
‫َ‬ ‫مَرأ ََتا‬
‫ما‬‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫داِء أ ْ‬ ‫شه َ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ن ِ‬ ‫ضو ْ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل َوا ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن فََر ُ‬ ‫ِ‬ ‫جل َي ْ‬‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫موا أ ْ‬ ‫سأ ُ‬ ‫عوا َول ت َ ْ‬ ‫ما د ُ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫داُء إ ِ َ‬ ‫شه َ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫خَرى َول ي َأ َ‬ ‫ما ال ْ‬ ‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫فَت ُذ َك َّر إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫تك ْتبوه صِغيرا ً أ َو ك َبيرا ً إَلى أ َجل ِه ذ َل ِك ُ َ‬
‫م‬‫عن ْد َ الل ّهِ وَأقْوَ ُ‬ ‫ط ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م أقْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ُُ ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ديُرون ََها ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ضَرةً ت ُ ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫جاَرةً َ‬ ‫ن تِ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫شَهاد َةِ وَأد َْنى أل ّ ت َْرَتاُبوا إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ِلل ّ‬
‫ب‬ ‫كات ِ ٌ‬ ‫ضاّر َ‬ ‫م َول ي ُ َ‬ ‫ذا ت ََباي َعْت ُ ْ‬ ‫دوا إ ِ َ‬ ‫شه ِ ُ‬ ‫ها وَأ َ ْ‬ ‫ح أ َل ّ ت َك ْت ُُبو َ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫س عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫فَل َي ْ َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ه وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫م َوات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫سوقٌ ب ِك ُ ْ‬ ‫ه فُ ُ‬ ‫ن ت َْفعَُلوا فَإ ِن ّ ُ‬ ‫شِهيد ٌ وَإ ِ ْ‬ ‫َول َ‬
‫م )‪(282‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم إذا‬ ‫يا من آمنتم بالله واتبعتم رسوله محم ً‬
‫تعاملتم بد َْين إلى وقت معلوم فاكتبوه; حف ً‬
‫ظا للمال ودفًعا للنزاع‪.‬‬
‫من عّلمه الله الكتابة‬
‫وْليُقم بالكتابة رجل أمين ضابط‪ ,‬ول يمتنع َ‬
‫عن ذلك‪ ,‬وْليقم المدين بإملء ما عليه من الد ّْين‪ ,‬وليراقب ربه‪ ,‬ول‬
‫ينقص من دينه شيئا‪ .‬فإن كان المدين محجوًرا عليه لتبذيره‬

‫‪86‬‬
‫وإسرافه‪ ,‬أو كان صغيًرا أو مجنوًنا‪ ,‬أو ل يستطيع النطق لخرس به‬
‫ل الملء عن المدين القائم‬ ‫أو عدم قدرة كاملة على الكلم‪ ,‬فليتو ّ‬
‫مْين بال ِغَْين عاقل َْين من أهل‬
‫بأمره‪ ,‬واطلبوا شهادة رجلين مسل َ‬
‫العدالة‪ .‬فإن لم يوجد رجلن‪ ,‬فاطلبوا شهادة رجل وامرأتين‬
‫كرتها الخرى‪ ,‬وعلى‬ ‫ت إحداهما ذ ّ‬ ‫سي َ ْ‬
‫ترضون شهادتهم‪ ,‬حتى إذا ن َ ِ‬
‫من دعاهم إلى الشهادة‪ ,‬وعليهم أداؤها إذا ما‬ ‫الشهداء أن يجيبوا َ‬
‫دين قليل أو كثيًرا إلى وقته‬ ‫مّلوا من كتابة ال ّ‬ ‫دعوا إليها‪ ,‬ول ت َ َ‬
‫المعلوم‪ .‬ذلكم أعدل في شرع الله وهديه‪ ,‬وأعظم عوًنا على إقامة‬
‫دين وقدره‬ ‫الشهادة وأدائها‪ ,‬وأقرب إلى نفي الشك في جنس ال ّ‬
‫وأجله‪ .‬لكن إن كانت المسألة مسألة بيع وشراء‪ ،‬بأخذ سلعة ودفع‬
‫ثمنها في الحال‪ ،‬فل حاجة إلى الكتابة‪ ,‬ويستحب الشهاد على ذلك‬
‫منًعا للنزاع والشقاق‪ ،‬ومن الواجب على الشاهد والكاتب أداء‬
‫الشهادة على وجهها والكتابة كما أمر الله‪ .‬ول يجوز لصاحب الحق‬
‫من عليه الحق الضرار بالك ُّتاب والشهود‪ ،‬وكذلك ل يجوز للك ُّتاب‬ ‫و َ‬
‫والشهود أن يضاّروا بمن احتاج إلى كتابتهم أو شهادتهم‪ ،‬وإن تفعلوا‬
‫ما نهيتم عنه فإنه خروج عن طاعة الله‪ ،‬وعاقبة ذلك حاّلة بكم‪.‬‬
‫وخافوا الله في جميع ما أمركم به‪ ،‬ونهاكم عنه‪ ،‬ويعلمكم الله جميع‬
‫ما يصلح دنياكم وأخراكم‪ .‬والله بكل شيء عليم‪ ،‬فل يخفى عليه‬
‫شيء من أموركم‪ ،‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫ة فَإ َ‬ ‫كاِتبا ً فَرِ َ‬


‫ن‬
‫م َ‬‫نأ ِ‬ ‫ض ٌ ِ ْ‬ ‫مْقُبو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ها ٌ‬ ‫دوا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫مت ِ‬ ‫سَفرٍ وَل َ ْ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ه َول ت َك ْت ُ ُ‬
‫موا‬ ‫ق الل ّ َ‬
‫ه َرب ّ ُ‬ ‫مان َت َ ُ ْ‬
‫ه وَلي َت ّ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م َ‬‫ذي اؤْت ُ ِ‬ ‫م ب َْعضا ً فَل ْي ُؤَد ّ ال ّ ِ‬‫ضك ُ ْ‬‫ب َعْ ُ‬
‫م )‪(283‬‬ ‫ن عَِلي ٌ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬‫م قَل ْب ُ ُ‬ ‫مَها فَإ ِن ّ ُ‬
‫ه آث ِ ٌ‬ ‫ن ي َك ْت ُ ْ‬
‫م ْ‬‫شَهاد َةَ وَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫من يكتب لكم فادفعوا إلى صاحب‬ ‫وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا َ‬
‫الحق شيًئا يكون عنده ضماًنا لحّقه إلى أن يرد ّ المدي ُ‬
‫ن ما عليه من‬
‫دين‪ ,‬فإن وثق بعضكم ببعض فل حرج في ترك الكتابة والشهاد‬
‫مة المدين‪ ,‬عليه أداؤه‪ ,‬وعليه أن‬ ‫دين أمانة في ذ ّ‬‫والرهن‪ ,‬ويبقى ال ّ‬
‫يراقب الله فل يخون صاحبه‪ .‬فإن أنكر المدين ما عليه من دين‪,‬‬
‫من حضر وشهد‪ ,‬فعليه أن يظهر شهادته‪ ,‬ومن أخفى‬ ‫وكان هناك َ‬
‫مط ِّلع على‬
‫هذه الشهادة فهو صاحب قلب غادر فاجر‪ .‬والله ال ُ‬
‫السرائر‪ ,‬المحيط علمه بكل أموركم‪ ,‬سيحاسبكم على ذلك‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫م أ َْو‬ ‫سك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ما ِفي أنُف ِ‬‫دوا َ‬ ‫ن ت ُب ْ ُ‬
‫ض وَإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫س َ‬ ‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ل ِل ّهِ َ‬
‫شاءُ َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬
‫ب َ‬‫شاءُ وَي ُعَذ ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ه فَي َغِْفُر ل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ب ِهِ الل ّ ُ‬‫سب ْك ُ ْ‬
‫حا ِ‬‫خُفوهُ ي ُ َ‬ ‫تُ ْ‬
‫ديٌر )‪(284‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عََلى ك ُ ّ‬
‫لله ملك السموات والرض وما فيهما مل ً‬
‫كا وتدبيًرا وإحاطة‪ ,‬ل‬
‫يخفى عليه شيء‪ .‬وما تظهروه مما في أنفسكم أو تخفوه فإن الله‬
‫يعلمه‪ ,‬وسيحاسبكم به‪ ,‬فيعفو عمن يشاء‪ ,‬ويؤاخذ من يشاء‪ .‬والله‬
‫قادر على كل شيء‪ ,‬وقد أكرم الله المسلمين بعد ذلك فعفا عن‬
‫حديث النفس وخطرات القلب ما لم يتبعها كلم أو عمل‪ ,‬كما ثبت‬
‫ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫ن ِبالل ّهِ‬
‫م َ‬
‫لآ َ‬‫ن كُ ّ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن َرب ّهِ َوال ْ ُ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫ل بِ َ‬‫سو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬
‫آ َ‬
‫َ‬
‫معَْنا‬‫س ِ‬ ‫سل ِهِ وََقاُلوا َ‬
‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حدٍ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫سل ِهِ ل ن َُفّرقُ ب َي ْ َ‬ ‫ملئ ِك َت ِهِ وَك ُت ُب ِهِ وَُر ُ‬‫وَ َ‬
‫صيُر )‪(285‬‬ ‫م ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫ك َرب َّنا وَإ ِل َي ْ َ‬ ‫وَأ َط َعَْنا غُْفَران َ َ‬

‫دق وأيقن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بما أوحي إليه‬ ‫ص ّ‬
‫حقّ له أن ُيوقن‪ ,‬والمؤمنون كذلك صدقوا وعملوا بالقرآن‬ ‫من ربه و ُ‬
‫دق بالله ربا ً وإلًها متصًفا بصفات الجلل‬
‫العظيم‪ ,‬كل منهم ص ّ‬
‫ما‪ ,‬وأنه أنزل كتًبا‪ ,‬وأرسل إلى خلقه‬ ‫والكمال‪ ,‬وأن لله ملئكة كرا ً‬
‫رسل ل نؤمن ‪-‬نحن المؤمنين‪ -‬ببعضهم وننكر بعضهم‪ ,‬بل نؤمن بهم‬
‫جميًعا‪ .‬وقال الرسول والمؤمنون‪ :‬سمعنا يا ربنا ما أوحيت به‪,‬‬
‫وأطعنا في كل ذلك‪ ,‬نرجو أن تغفر ‪-‬بفضلك‪ -‬ذنوبنا‪ ,‬فأنت الذي‬
‫رّبيتنا بما أنعمت به علينا‪ ,‬وإليك ‪-‬وحدك‪ -‬مرجعنا ومصيرنا‪.‬‬

‫ت َرب َّنا‬ ‫ما اك ْت َ َ‬


‫سب َ ْ‬ ‫ت وَعَل َي َْها َ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫سعََها ل ََها َ‬ ‫ه ن َْفسا ً إ ِل ّ وُ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫ل ي ُك َل ّ ُ‬
‫ْ‬
‫مل ْت َ ُ‬
‫ه‬ ‫ح َ‬ ‫ما َ‬ ‫صرا ً ك َ َ‬ ‫ل عَل َي َْنا إ ِ ْ‬‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫خط َأَنا َرب َّنا َول ت َ ْ‬ ‫سيَنا أ َوْ أ َ ْ‬‫ن نَ ِ‬ ‫خذ َْنا إ ِ ْ‬ ‫ل تُ َ‬
‫ؤا ِ‬
‫ف عَّنا‬ ‫ة ل ََنا ب ِهِ َواعْ ُ‬ ‫طاقَ َ‬‫ما ل َ‬ ‫مل َْنا َ‬
‫ح ّ‬‫ن قَب ْل َِنا َرب َّنا َول ت ُ َ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫عََلى ال ّ ِ‬
‫صْرَنا عََلى ال َْقوْم ِ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(286‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ولَنا َفان ُ‬ ‫م ْ‬‫ت َ‬ ‫مَنا أن ْ َ‬ ‫ح ْ‬‫َواغِْفْر ل ََنا َواْر َ‬
‫من عباده ما ل‬ ‫دين الله يسر ل مشقة فيه‪ ,‬فل يطلب الله ِ‬
‫يطيقونه‪ ,‬فمن فعل خيًرا نال خيًرا‪ ,‬ومن فعل شّرا ً نال شّرًا‪ .‬ربنا ل‬
‫تعاقبنا إن نسينا شيًئا مما افترضته علينا‪ ,‬أو أخطأنا في فِْعل شيء‬
‫من‬‫نهيتنا عن فعله‪ ,‬رّبنا ول تكلفنا من العمال الشاقة ما كلفته َ‬
‫‪88‬‬
‫مل َْنا ما ل نستطيعه من‬
‫ح ّ‬
‫قبلنا من العصاة عقوبة لهم‪ ,‬ربنا ول ت ُ َ‬
‫التكاليف والمصائب‪ ,‬وامح ذنوبنا‪ ,‬واستر عيوبنا‪ ,‬وأحسن إلينا‪ ,‬أنت‬
‫من جحدوا دينك وأنكروا‬ ‫مالك أمرنا ومدبره‪ ,‬فانصرنا على َ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم‪ ,‬واجعل‬ ‫وحدانيتك‪ ,‬وك ّ‬
‫ذبوا نبيك محم ً‬
‫العاقبة لنا عليهم في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪ -3‬سورة آل عمران‬

‫الم )‪(1‬‬
‫سبق الكلم عليها في أول سورة البقرة‪.‬‬

‫ي ال َْقّيو ُ‬
‫م )‪(2‬‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬
‫الل ّ ُ‬
‫هو الله‪ ,‬ل معبود بحق إل هو‪ ,‬المتصف بالحياة الكاملة كما يليق‬
‫بجلله‪ ,‬القائم على كل شيء‪.‬‬

‫ن ي َهد َي ْهِ وَأ َن ْهَز َ‬


‫ل الت ّهوَْراةَ‬ ‫مها ب َي ْه َ‬‫دقا ً ل ِ َ‬‫صه ّ‬‫م َ‬ ‫حقّ ُ‬ ‫ب ب ِههال ْ َ‬ ‫ك ال ْك ِت َهها َ‬‫ل عَل َي ْه َ‬ ‫ن َهّز َ‬
‫ن ك ََفههُروا‬ ‫ن اّلهه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫ل ال ُْفْرَقا َ‬ ‫س وَأ َن َْز َ‬ ‫دى ِللّنا ِ‬ ‫ل هُ ً‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل )‪ِ (3‬‬ ‫جي َ‬‫َوال ِن ْ ِ‬
‫ذو ان ْت َِقام ٍ )‪(4‬‬ ‫زيٌز ُ‬ ‫ه عَ ِ‬‫ديد ٌ َوالل ّ ُ‬‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ت الل ّهِ ل َهُ ْ‬ ‫ِبآَيا ِ‬
‫ن َّزل عيك القرآن بالحق الذي ل ريب فيه‪ ,‬مصد ًّقا لما قبله من كتب‬
‫ورسل‪ ,‬وأنزل التوراة على موسى علبه السلم‪ ,‬والنجيل على‬
‫عيسى عليه السلم من قبل نزول القرآن; لرشاد المتقين إلى‬
‫اليمان‪ ,‬وصلح دينهم ودنياهم‪ ,‬وأنزل ما يفرق بين الحق والباطل‪.‬‬
‫والذين كفروا بآيات الله المنزلة‪ ,‬لهم عذاب عظيم‪ .‬والله عزيز ل‬
‫ي َُغاَلب‪ ,‬ذو انتقام بمن جحد حججه وأدلته‪ ,‬وتفّرده باللوهية‪.‬‬

‫َ‬ ‫خَفى عَل َي ْهِ َ‬


‫ماِء )‪(5‬‬
‫س َ‬
‫ض َول ِفي ال ّ‬
‫يٌء ِفي الْر ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل يَ ْ‬ ‫إِ ّ‬

‫‪89‬‬
‫إن الله محيط علمه بالخلئق‪ ,‬ل يخفى عليه شيء في الرض ول‬
‫في السماء‪ ,‬ق ّ‬
‫ل أو كثر‪.‬‬

‫ه إ ِل ّ هُهوَ ال ْعَ ِ‬
‫زيهُز‬ ‫شههاُء ل إ ِل َه َ‬ ‫م فِههي ال َْر َ‬
‫حههام ِ ك َي ْه َ‬
‫ف يَ َ‬ ‫صهوُّرك ُ ْ‬ ‫هُوَ ال ّه ِ‬
‫ذي ي ُ َ‬
‫م )‪(6‬‬‫كي ُ‬‫ح ِ‬‫ال ْ َ‬
‫هو وحده الذي يخلقكم في أرحام أمهاتكم كما يشاء‪ ,‬من ذكر‬
‫وأنثى‪ ,‬وحسن وقبيح‪ ,‬وشقي وسعيد‪ ,‬ل معبود بحق سواه‪ ,‬العزيز‬
‫الذي ل ُيغاَلب‪ ,‬الحكيم في أمره وتدبيره‪.‬‬

‫ك ال ْكتههاب منهه آيههات محك َمههات هُه ُ‬ ‫ذي أ َن َْز َ‬


‫ب‬‫م ال ْك ِت َهها ِ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َِ َ ِ ْ ُ َ ٌ ُ ْ َ ٌ‬ ‫ل عَل َي ْه َ‬
‫شابهات فَأ َ‬
‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫ه‬
‫من ْه ُ‬
‫ه ِ‬ ‫شههاب َ َ‬‫مهها ت َ َ‬
‫ن َ‬ ‫م َزي ْغٌ فَي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ما‬
‫ّ‬ ‫مت َ َ ِ َ ٌ‬ ‫خُر ُ‬ ‫وَأ ُ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن فِههي‬ ‫خو َ‬ ‫سه ُ‬ ‫ه َوالّرا ِ‬ ‫ه إ ِل ّ الل ّه ُ‬ ‫م ت َأِويل َ ُ‬ ‫ما ي َعْل َ ُ‬
‫اب ْت َِغاَء ال ِْفت ْن َةِ َواب ْت َِغاَء ت َأِويل ِهِ وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب )‪(7‬‬ ‫ما ي َذ ّك ُّر إ ِل ّ أوُْلوا الل َْبا ِ‬ ‫عن ْدِ َرب َّنا وَ َ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫مّنا ب ِهِ ك ُ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ال ْعِل ْم ِ ي َُقوُلو َ‬
‫هو وحده الذي أنزل عليك القرآن‪ :‬منه آيات واضحات الدللة‪ ,‬هن‬
‫أصل الكتاب الذي ُيرجع إليه عند الشتباه‪ ,‬وي َُرد ّ ما خالفه إليه‪ ,‬ومنه‬
‫آيات أخر متشابهات تحتمل بعض المعاني‪ ,‬ل يتعّين المراد منها إل‬
‫بضمها إلى المحكم‪ ,‬فأصحاب القلوب المريضة الزائغة‪ ,‬لسوء‬
‫قصدهم يتبعون هذه اليات المتشابهات وحدها; ليثيروا الشبهات‬
‫عند الناس‪ ,‬كي يضلوهم‪ ,‬ولتأويلهم لها على مذاهبهم الباطلة‪ .‬ول‬
‫يعلم حقيقة معاني هذه اليات إل الله‪ .‬والمتمكنون في العلم‬
‫يقولون‪ :‬آمنا بهذا القرآن‪ ,‬كله قد جاءنا من عند ربنا على لسان‬
‫دون متشابهه إلى محكمه‪,‬‬ ‫رسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وير ّ‬
‫وإنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها الصحيح أولو العقول‬
‫السليمة‪.‬‬

‫ة إنه َ َ‬ ‫ن ل َهد ُن ْ َ‬
‫ت‬
‫ك أْنه َ‬ ‫مه ً ِ ّ‬
‫ح َ‬
‫ك َر ْ‬ ‫ب ل ََنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫َرب َّنا ل ت ُزِغْ قُُلوب ََنا ب َعْد َ إ ِذ ْ هَد َي ْت ََنا وَهَ ْ‬
‫ب )‪(8‬‬ ‫ال ْوَ ّ‬
‫ها ُ‬
‫رف قلوبنا عن اليمان بك بعد أن مننت علينا‬
‫ص ِ‬
‫ويقولون‪ :‬يا ربنا ل ت َ ْ‬
‫بالهداية لدينك‪ ,‬وامنحنا من فضلك رحمة واسعة‪ ,‬إنك أنت الوهاب‪:‬‬
‫من تشاء بغير حساب‪.‬‬ ‫كثير الفضل والعطاء‪ ,‬تعطي َ‬

‫‪90‬‬
‫ف ال ْ ِ‬
‫ميَعاد َ )‪(9‬‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل يُ ْ‬ ‫ب ِفيهِ إ ِ ّ‬
‫س ل ِي َوْم ٍ ل َري ْ َ‬
‫معُ الّنا ِ‬
‫جا ِ‬ ‫َرب َّنا إ ِن ّ َ‬
‫ك َ‬
‫ش ّ‬
‫ك فيه‪ ,‬وهو‬ ‫يا ربنا إنا ن ُِقّر ونشهد بأنك ستجمع الناس في يوم ل َ‬
‫ت به عبادك‪.‬‬
‫يوم القيامة‪ ,‬إّنك ل ُتخلف ما وعَد ْ َ‬

‫شههْيئا ً‬
‫ن الّلهههِ َ‬ ‫َ‬ ‫إن ال ّذين ك ََفروا ل َن تغْن ِي عَنه َ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫وال ُهُ ْ‬
‫م َول أْولد ُهُ ْ‬ ‫م َ‬
‫مأ ْ‬‫ْ ُ َ ُْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫م وَُقود ُ الّنارِ )‪(10‬‬
‫ك هُ ْ‬‫وَأ ُوْل َئ ِ َ‬

‫إن الذين جحدوا الدين الحق وأنكروه‪ ,‬لن تنفعهم أموالهم ول‬
‫أولدهم من عذاب الله شيًئا إن وقع بهم في الدنيا‪ ,‬ولن تدفعه‬
‫عنهم في الخرة‪ ,‬وهؤلء هم حطب النار يوم القيامة‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬
‫م الل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫م ك َهذ ُّبوا ِبآَيات ِن َهها فَأ َ‬
‫خ هذ َهُ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ه ْ‬
‫مه ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن َوال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل فِْرعَهوْ َ‬ ‫بآ ِ‬‫ك َد َأ ِ‬
‫ب )‪(11‬‬ ‫ديد ُ ال ْعَِقا ِ‬ ‫ه َ‬
‫ش ِ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬‫ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫شأن الكافرين في تكذيبهم وما ينزل بهم‪ ,‬شأن آل فرعون والذين‬
‫من قبلهم من الكافرين‪ ,‬أنكروا آيات الله الواضحة‪ ,‬فعاجلهم‬
‫بالعقوبة بسبب تكذيبهم وعنادهم‪ .‬والله شديد العقاب لمن كفر به‬
‫ذب رسله‪.‬‬‫وك ّ‬

‫س ال ْ ِ‬
‫مَهاد ُ )‪(12‬‬ ‫م وَب ِئ ْ َ‬ ‫ن إ َِلى َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫ح َ‬
‫شُرو َ‬ ‫ست ُغْل َُبو َ‬
‫ن وَت ُ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قُ ْ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ ،-‬للذين كفروا من اليهود وغيرهم والذين استهانوا‬
‫در"‪ :‬إنكههم سهت ُهَْزمون فههي الههدنيا وسههتموتون علههى‬ ‫بنصرك فههي "ب َه ْ‬
‫مهها لكههم‪ ,‬وبئس‬ ‫شهها دائ ً‬ ‫الكفر‪ ,‬وتحشرون إلى نار جهنههم; لتكههون فرا ً‬
‫الفراش‬

‫خهَرى‬‫ل الل ّههِ وَأ ُ ْ‬‫سهِبي ِ‬


‫ل ِفي َ‬ ‫ة ت َُقات ِ ُ‬ ‫ن ال ْت ََقَتا فِئ َ ٌ‬
‫ة ِفي فِئ َت ْ َي ْ ِ‬ ‫م آي َ ٌ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫كا َ‬‫قَد ْ َ‬
‫ن فِههي‬‫شاُء إ ِ ّ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬
‫صرِهِ َ‬ ‫ن َوالل ّ ُ‬
‫ه ي ُؤَي ّد ُ ب ِن َ ْ‬ ‫ْ‬
‫م َرأيَ العَي ْ ِ‬ ‫مث ْل َي ْهِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫كافَِرةٌ ي ََروْن َهُ ْ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صارِ )‪(13‬‬ ‫ك ل َعِب َْرةً لوِْلي الب ْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬

‫قد كان لكم ‪-‬أيها اليهود المتكبرون المعاندون‪ -‬دللة عظيمة في‬
‫در"‪ :‬جماعة تقاتل من أجل دين الله‪,‬‬
‫جماعتين تقابلتا في معركة "ب َ ْ‬
‫وهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه‪ ,‬وجماعة أخرى كافرة‬
‫‪91‬‬
‫بالله‪ ,‬تقاتل من أجل الباطل‪ ,‬ترى المؤمنين في العدد مثليهم رأي‬
‫العين‪ ,‬وقد جعل الله ذلك سبًبا لنصر المسلمين علبهم‪ .‬والله يؤّيد‬
‫بنصره من يشاء من عباده‪ .‬إن في هذا الذي حدث ل َِعظة عظيمة‬
‫لصحاب البصائر الذين يهتدون إلى حكم الله وأفعاله‪.‬‬

‫مَقن ْط َهَر ِ‬
‫ة‬ ‫طيرِ ال ْ ُ‬‫ن َوال َْقَنا ِ‬‫ساِء َوال ْب َِني َ‬‫ن الن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫شه َ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬‫س ُ‬‫ِ‬ ‫ن ِللّنا‬
‫ُزي ّ َ‬
‫مت َههاعُ‬ ‫ث ذ َل ِه َ‬
‫ك َ‬ ‫مةِ َوال َن ْعَههام ِ َوال ْ َ‬
‫ح هْر ِ‬ ‫سو ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ضةِ َوال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫ب َوال ِْف ّ‬ ‫ن الذ ّهَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ب )‪(14‬‬ ‫مآ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫عن ْد َهُ ُ‬ ‫ه ِ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا َوالل ّ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ب الشهوات من النساء والبنين‪ ,‬والموال الكثيرة‬ ‫سن للناس ح ّ‬‫ح ّ‬‫ُ‬
‫من الذهب والفضة‪ ,‬والخيل الحسان‪ ,‬والنعام من البل والبقر‬
‫خذة للغراس والزراعة‪ .‬ذلك زهرة الحياة الدنيا‬‫والغنم‪ ,‬والرض المت ّ َ‬
‫وزينتها الفانية‪ .‬والله عنده حسن المرجع والثواب‪ ,‬وهو الجّنة‪.‬‬

‫قُ ْ َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ري ِ‬‫جه ِ‬‫ت تَ ْ‬
‫جّنا ٌ‬
‫م َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬
‫وا ِ‬‫ن ات َّق ْ‬
‫ذي َ‬‫م ل ِل ّ ِ‬
‫ن ذ َل ِك ُ ْ‬
‫م ْ‬‫خي ْرٍ ِ‬‫م بِ َ‬‫ل أؤُن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫حت َِها ال َن َْهاُر َ‬
‫ن‬‫مه ْ‬
‫ن ِ‬‫وا ٌ‬
‫ضه َ‬‫مط َهَّرةٌ وَرِ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن ِفيَها وَأْزَوا ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫صيٌر ِبال ْعَِبادِ )‪(15‬‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬أأخبركم بخير مما ُزّين للّناس في هذه الحياة‬
‫الدنيا‪ ,‬لمن راقب الله وخاف عقابه جنات تجري من تحت قصورها‬
‫وأشجارها النهار‪ ,‬خالدين فيها‪ ,‬ولهم فيها أزواج مطهرات من‬
‫الحيض والنفاس وسوء الخلق‪ ,‬ولهم أعظم من ذلك‪ :‬رضوان من‬
‫الله‪ .‬والله مط ِّلع على سرائر خلقه‪ ,‬عالم بأحوالهم‪ ,‬وسيجازيهم‬
‫على ذلك‪.‬‬

‫ب الّنارِ )‪(16‬‬ ‫مّنا َفاغِْفْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَقَِنا عَ َ‬


‫ذا َ‬ ‫ن ي َُقوُلو َ‬
‫ن َرب َّنا إ ِن َّنا آ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫دا‬
‫هؤلء العباد المتقون يقولون‪ :‬إننا آمنا بك‪ ,‬واتبعنا رسولك محم ً‬
‫ح عنا ما اقترفناه من ذنوب‪ ,‬ونجنا من‬ ‫م ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فا ْ‬
‫عذاب النار‪.‬‬

‫َ‬
‫حاِر‬
‫سه َ‬
‫ن ِبال ْ‬
‫ري َ‬
‫سهت َغِْف ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫من ِْفِقي َ‬ ‫ن َوال َْقان ِِتي َ‬
‫صادِِقي َ‬
‫ن َوال ّ‬
‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬
‫ال ّ‬
‫)‪(17‬‬
‫‪92‬‬
‫هم الذين اتصفوا بالصبر على الطاعات‪ ,‬وعن المعاصي‪ ,‬وعلى ما‬
‫يصيبهم من أقدار الله المؤلمة‪ ,‬وبالصدق في القوال والفعال‬
‫وبالطاعة التامة‪ ,‬وبالنفاق سرا وعلنية‪ ,‬وبالستغفار في آخر الليل;‬
‫مظ ِّنة القبول وإجابة الدعاء‪.‬‬
‫لنه َ‬

‫شهد الل ّه أ َنه ل إل َه إل ّ هُو وال ْملئ ِك َ ُ ُ‬


‫طل‬ ‫ة وَأوُْلوا ال ْعِل ْهم ِ َقاِئمها ً ِبال ِْق ْ‬
‫سه ِ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ُ ّ ُ‬ ‫َ ِ َ‬
‫م )‪(18‬‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬‫زيُز ال ْ َ‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ ال ْعَ ِ‬
‫إ ِل َ َ‬
‫ن شهادته بشهادة الملئكة وأهههل‬ ‫شهد الله أنه المتفرد باللهية‪ ,‬وقََر َ‬
‫ل مشهود عليه‪ ,‬وهو توحيده تعالى وقيامه بالعدل‪ ,‬ل‬ ‫العلم‪ ,‬على أج ّ‬
‫إله إل هو العزيز الذي ل يمتنع عليه شيء أراده‪ ,‬الحكيم في أقههواله‬
‫وأفعاله‬
‫ف ال ّهذي ُ‬
‫ن‬‫مه ْ‬‫ب إ ِل ّ ِ‬‫ن أوت ُههوا ال ْك ِت َهها َ‬‫ِ َ‬ ‫خت َل َ َ‬
‫ما ا ْ‬‫م وَ َ‬ ‫سل ُ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ ال ِ ْ‬‫ن ِ‬‫دي َ‬‫ن ال ّ‬
‫إِ ّ‬
‫ع‬
‫ري ُ‬
‫سهه ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ت الل ّهِ فَإ ِ ّ‬ ‫ن ي َك ُْفْر ِبآَيا ِ‬‫م ْ‬‫م وَ َ‬‫م ب َْغيا ً ب َي ْن َهُ ْ‬
‫م ال ْعِل ْ ُ‬
‫جاَءهُ ْ‬‫ما َ‬‫ب َعْدِ َ‬
‫ب )‪(19‬‬ ‫سا ِ‬‫ح َ‬‫ال ْ ِ‬
‫إن الدين الذي ارتضاه الله لخلقه وأرسل به رسله‪ ,‬ول ي َْقَبل غيره‬
‫هو السلم‪ ,‬وهو النقياد لله وحده بالطاعة والستسلم له‬
‫ختموا‬‫بالعبودية‪ ,‬واتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ُ‬
‫من أحد بعد بعثته‬ ‫بمحمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬الذي ل يقبل الله ِ‬
‫ديًنا سوى السلم الذي ُأرسل به‪ .‬وما وقع الخلف بين أهل الكتاب‬
‫من اليهود والنصارى‪ ,‬فتفرقوا شيًعا وأحزاًبا إل من بعد ما قامت‬
‫دا طلًبا‬‫الحجة عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب; بغًيا وحس ً‬
‫للدنيا‪ .‬ومن يجحد آيات الله المنزلة وآياته الدالة على ربوبيته‬
‫وألوهيته‪ ,‬فإن الله سريع الحساب‪ ,‬وسيجزيهم بما كانوا يعملون‪.‬‬

‫ن ُأوُتههوا‬ ‫ذي َ‬‫ل ل ِل ّ ِ‬


‫ن ات ّب َعَِني وَقُ ْ‬ ‫م ْ‬‫جِهي ل ِل ّهِ وَ َ‬‫ت وَ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫سل َ ْ‬‫لأ ْ‬
‫ك فَُق ْ َ‬ ‫جو َ‬ ‫حا ّ‬‫ن َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مهها‬ ‫ن ت َوَل ّه ْ‬
‫وا فَإ ِن ّ َ‬ ‫موا فََقد ْ اهْت َه َ‬
‫دوا وَإ ِ ْ‬ ‫سل َ ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬‫مت ُ ْ‬‫سل َ ْ‬
‫ن أأ ْ‬ ‫مّيي َ‬‫ب َوال ّ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫صيٌر ِبال ْعَِبادِ )‪(20‬‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫ك ال َْبلغُ َوالل ّ ُ‬‫عَل َي ْ َ‬

‫فإن جادلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أهل الكتاب في التوحيد بعد أن أقمت‬


‫دا‪,‬‬
‫الحجة عليهم فقل لهم‪ :‬إنني أخلصت لله وحده فل أشرك به أح ً‬
‫وكذلك من اتبعني من المؤمنين‪ ,‬أخلصوا لله وانقادوا له‪ .‬وقل لهم‬
‫ولمشركي العرب وغيرهم‪ :‬إن أسلمتم فأنتم على الطريق‬
‫‪93‬‬
‫المستقيم والهدى والحق‪ ,‬وإن توليتم فحسابكم على الله‪ ,‬وليس‬
‫ي إل البلغ‪ ,‬وقد أبلغتكم وأقمت عليكم الحجة‪ .‬والله بصير‬
‫عل ّ‬
‫بالعباد‪ ,‬ل يخفى عليه من أمرهم شيء‪.‬‬

‫حهقّ وَي َْقت ُل ُههو َ‬


‫ن‬ ‫ن ب ِغَي ْهرِ َ‬ ‫ت الل ّههِ وَي َْقت ُل ُههو َ‬
‫ن الن ّب ِّييه َ‬ ‫ن ي َك ُْفُرو َ‬
‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫ذي ْ َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫إِ ّ‬
‫ب أ َِليم ٍ )‪(21‬‬‫ذا ٍ‬ ‫م ب ِعَ َ‬‫شْرهُ ْ‬ ‫س فَب َ ّ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ْ‬‫ط ِ‬‫س ِ‬ ‫ن ِبال ِْق ْ‬
‫مُرو َ‬ ‫ن ي َأ ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫إن الذين يجحدون بالدلئل الواضحة وما جاء به المرسلون‪,‬‬
‫ما بغير حق‪ ,‬ويقتلون الذين يأمرون بالعدل‬
‫ويقتلون أنبياء الله ظل ً‬
‫شرهم بعذاب موجع‪.‬‬ ‫واتباع طريق النبياء‪ ,‬فب ّ‬

‫َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫مهها ل َهُ ه ْ‬
‫م ِ‬ ‫خهَرةِ وَ َ‬ ‫مههال ُهُ ْ‬
‫م فِههي الهد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫حب ِط َه ْ‬
‫ت أعْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ك ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫ري َ‬‫ص ِ‬ ‫َنا ِ‬
‫أولئك الذين بطلت أعمالهم في الدنيا والخرة‪ ,‬فل ُيقبل لهم عمل‪,‬‬
‫وما لهم من ناصرٍ ينصرهم من عذاب الله‪.‬‬

‫أ َل َم ترى إَلى ال ّذي ُ‬


‫ب الل ّههِ‬
‫ن إ ِل َههى ك ِت َهها ِ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬
‫ب ي ُد ْعَوْ َ‬ ‫م ْ‬‫صيبا ً ِ‬‫ن أوُتوا ن َ ِ‬‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ََ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫ضو َ‬‫معْرِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫م وَهُ ْ‬‫من ْهُ ْ‬
‫ريقٌ ِ‬ ‫م ي َت َوَّلى فَ ِ‬
‫م ثُ ّ‬
‫م ب َي ْن َهُ ْ‬‫حك ُ َ‬
‫ل ِي َ ْ‬
‫أرأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أعجب من حال هؤلء اليهود الذين أتاهم الله‬
‫دعون إلى ما‬ ‫حظا من الكتاب فعلموا أن ما جئت به هو الحق‪ ,‬ي ُ ْ‬
‫جاء في كتاب الله ‪-‬وهو القرآن‪ -‬ليفصل بينهم فيما اختلفوا فيه‪,‬‬
‫ب كثير منهم حكم الله; لن من عادتهم‬ ‫ْ‬
‫فإن لم يوافق أهواءهم ي َأ َ‬
‫العراض عن الحق؟‬

‫َ‬ ‫ك بأ َ‬
‫ت وَغَّرهُه ْ‬
‫م فِههي‬ ‫دا ٍ‬
‫دو َ‬ ‫سهَنا الن ّههاُر إ ِل ّ أّيامها ً َ‬
‫معْه ُ‬ ‫م ّ‬
‫ن تَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫له‬ ‫لوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قها‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ذ َل ِ َ ِ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َْفت َُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ِدين ِهِ ْ‬
‫ذلك النصراف عن الحق سببه اعتقاد فاسد لدى أهل الكتاب;‬
‫ما قليلة‪ ,‬وهذا العتقاد أدى إلى جرأتهم على‬ ‫بأنهم لن يع ّ‬
‫ذبوا إل أيا ً‬
‫دعوا‬
‫خ َ‬
‫الله واستهانتهم بدينه‪ ,‬واستمرارهم على دينهم الباطل الذي َ‬
‫به أنفسهم‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫ت‬ ‫مهها ك َ َ‬
‫سهب َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ت ك ُه ّ‬
‫ل ن َْفه ٍ‬ ‫ب ِفيهِ وَوُفّي َ ْ‬
‫م ل ِي َوْم ٍ ل َري ْ َ‬
‫معَْناهُ ْ‬
‫ج َ‬
‫ذا َ‬ ‫فَك َي ْ َ‬
‫ف إِ َ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫سبوا في يوم ل شك في‬ ‫فكيف يكون حالهم إذا جمعهم الله ليحا َ‬
‫وقوعه ‪-‬وهو يوم القيامة‪ ،-‬وأخذ كل واحد جزاَء ما اكتسب‪ ,‬وهم ل‬
‫يظلمون شيئا؟‬

‫ن‬
‫مه ْ‬‫م ّ‬‫ك ِ‬‫مْله َ‬
‫شهاُء وَت َْنهزِعُ ال ْ ُ‬ ‫ن تَ َ‬‫مه ْ‬ ‫ك َ‬ ‫مْله َ‬
‫ك ت ُؤِْتي ال ْ ُ‬‫مل ْ ِ‬
‫ك ال ْ ُ‬‫مال ِ َ‬
‫م َ‬‫ل الل ّهُ ّ‬
‫قُ ْ‬
‫يءٍ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫ك عََلى ك ُ ّ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫خي ُْر إ ِن ّ َ‬ ‫شاُء ب ِي َدِ َ‬‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء وَت ُذِ ّ‬
‫ل َ‬ ‫ن تَ َ‬‫م ْ‬‫شاُء وَت ُعِّز َ‬ ‫تَ َ‬
‫ديٌر )‪(26‬‬ ‫قَ ِ‬
‫من لك الملك كّله‪ ,‬أنت‬‫قل ‪-‬أيها النبي متوجها إلى ربك بالدعاء‪ :-‬يا َ‬
‫من خلقك‪,‬‬ ‫من تشاء ِ‬
‫الذي تمنح الملك والمال والتمكين في الرض َ‬
‫من‬‫وتسلب الملك ممن تشاء‪ ,‬وتهب العزة في الدنيا والخرة َ‬
‫تشاء‪ ,‬وتجعل الذّلة على من تشاء‪ ,‬بيدك الخير‪ ,‬إنك ‪-‬وحدك‪ -‬على‬
‫كل شيء قدير‪ .‬وفي الية إثبات لصفة اليد لله تعالى على ما يليق‬
‫به سبحانه‪.‬‬

‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ي ِ‬
‫حه ّ‬‫ج ال ْ َ‬‫خهرِ ُ‬‫ل وَت ُ ْ‬ ‫ج الن ّهَههاَر فِههي الل ّي ْه ِ‬
‫ل ِفي الن ّهَههارِ وَُتول ِه ُ‬ ‫ج الل ّي ْ َ‬
‫ُتول ِ ُ‬
‫ب )‪(27‬‬‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫شاُء ب ِغَي ْرِ ِ‬‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬
‫ي وَت َْرُزقُ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫مي ّ َ‬‫ج ال ْ َ‬
‫خرِ ُ‬‫ت وَت ُ ْ‬‫مي ّ ِ‬‫ال ْ َ‬
‫ومن دلئل قدرتك أنك ُتدخل الليل في النهار‪ ,‬وُتدخل النهار في‬
‫الليل‪ ,‬فيطول هذا ويقصر ذاك‪ ,‬وُتخرج الحي من الميت الذي ل‬
‫حياة فيه‪ ,‬كإخراج الزرع من الحب‪ ,‬والمؤمن من الكافر‪ ,‬وُتخرج‬
‫من‬
‫الميت من الحي كإخراج البيض من الدجاج‪ ,‬وترزق من تشاء َ‬
‫خلقك بغير حساب‪.‬‬

‫كافري َ‬
‫ل‬‫ن ي َْفعَه ْ‬‫مه ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م هؤ ْ ِ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬‫مه ْ‬ ‫ن أوْل ِي َههاَء ِ‬‫ن ال ْ َ ِ ِ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫خذ ْ ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ي َت ّ ِ‬
‫َ‬
‫م الّلهه ُ‬
‫ه‬ ‫حذ ُّرك ُ ْ‬
‫م ت َُقاةً وَي ُ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫يٍء إ ِل ّ أ ْ‬
‫ن ت َت ُّقوا ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ك فَل َي ْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫صيُر )‪(28‬‬ ‫م ِ‬ ‫ه وَإ َِلى الل ّهِ ال ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن َْف َ‬
‫ينهى الله المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء بالمحبة والنصرة من‬
‫ريء منه‪ ,‬إل‬
‫رئ من الله‪ ,‬والله ب ِ‬
‫من يتولهم فقد ب ِ‬
‫دون المؤمنين‪ ,‬و َ‬
‫‪95‬‬
‫أن تكونوا ضعاًفا خائفين فقد ر ّ‬
‫خص الله لكم في مهادنتهم اتقاء‬
‫لشرهم‪ ,‬حتى تقوى شوكتكم‪ ,‬ويحذركم الله نفسه‪ ,‬فاتقوه وخافوه‪.‬‬
‫وإلى الله وحده رجوع الخلئق للحساب والجزاء‪.‬‬

‫خُفوا ما في صدورك ُ َ‬
‫مهها فِههي‬ ‫ه وَي َعْل َه ُ‬
‫م َ‬ ‫ه الل ّه ُ‬ ‫دوهُ ي َعْل َ ْ‬
‫مه ُ‬ ‫م أوْ ت ُب ْ ُ‬‫ُ ُ ِ ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر )‪(29‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض َوالل ّ ُ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬
‫ت وَ َ‬‫وا ِ‬‫م َ‬
‫س َ‬‫ال ّ‬
‫قل ‪-‬أيها النبي‪ -‬للمؤمنين‪ :‬إن تكتموا ما استقر في قلوبكم من‬
‫ف على الله منه‬
‫خ َ‬
‫ممالة الكافرين ونصرتهم أم تظهروا ذلك ل ي َ ْ‬
‫ن علمه محيط بكل ما في السماوات وما في الرض‪ ,‬وله‬ ‫شيء‪ ,‬فإ ّ‬
‫القدرة التامة على كل شيء‪.‬‬

‫سههوءٍ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مل َ ْ‬‫ما عَ ِ‬‫ضرا ً وَ َ‬ ‫ح َ‬‫م ْ‬‫خي ْرٍ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مل َ ْ‬‫ما عَ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ٍ‬ ‫جد ُ ك ُ ّ‬
‫ل ن َْف‬ ‫م تَ ِ‬
‫ي َوْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫ه َرُءو ٌ‬‫ه َوالل ّه ُ‬‫سه ُ‬ ‫م الل ّه ُ‬
‫ه ن َْف َ‬ ‫مدا ً ب َِعيههدا ً وَي ُ َ‬
‫حهذ ُّرك ُ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫ت َوَد ّ ل َوْ أ ّ‬
‫ن ب َي ْن ََها وَب َي ْن َ ُ‬
‫ِبال ْعَِبادِ )‪(30‬‬
‫وفي يوم القيامة بوم الجزاء تجد كل نفس ما عملت من خير‬
‫ينتظرها موفًرا لُتجَزى به‪ ,‬وما عملت من عمل سّيئ تجده في‬
‫دا‪.‬‬
‫ضا‪ ,‬فتتمنى لو أن بينها وبين هذا العمل زمًنا بعي ً‬
‫انتظارها أي ً‬
‫دة عقابه‬ ‫فاستعدوا لهذا اليوم‪ ,‬وخافوا بطش الله الجبار‪ .‬ومع ش ّ‬
‫فإنه سبحانه رءوف بالعباد‪.‬‬

‫م‬ ‫ه وَي َغِْف هْر ل َك ُه ْ‬


‫م ذ ُن ُههوب َك ُ ْ‬ ‫م الل ّه ُ‬
‫حب ِب ْك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫حّبو َ‬
‫م تُ ِ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫م )‪(31‬‬ ‫حي ٌ‬‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬إن كنتم تحبون الله حقا فاتبعوني وآمنوا بي‬
‫ح ذنوبكم‪ ,‬فإنه غفور لذنوب عباده‬‫ظاهًرا وباطًنا‪ ,‬يحببكم الله‪ ,‬ويم ُ‬
‫المؤمنين‪ ,‬رحيم بهم‪ .‬وهذه الية الكريمة حاكمة على كل من ادعى‬
‫محبة الله ‪-‬تعالى‪ -‬وليس متبًعا لنبيه محصد صلى الله عيه وسلم‬
‫حق التباع‪ ,‬مطيًعا له في أمره ونهيه‪ ,‬فإنه كاذب في دعواه حتى‬
‫يتابع الرسول صلى الله عليه وسلم حق التباع‪.‬‬

‫قُ ْ َ‬
‫ن)‬ ‫ب ال ْك َههافِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫حه ّ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬
‫وا فَإ ِ ّ‬ ‫ل فَإ ِ ْ‬
‫سو َ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬
‫ه َوالّر ُ‬ ‫لأ ِ‬
‫‪96‬‬
‫‪(32‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أطيعوا الله باتباع كتابه‪ ,‬وأطيعوا الرسول باتباع‬
‫سنته في حياته وبعد مماته‪ ,‬فإن هم أعرضوا عنك‪ ,‬وأصروا على ما‬
‫من كفر وضلل‪ ,‬فليسوا أهل لمحبة الله; فإن الله ل يحب‬ ‫هم عليه ِ‬
‫الكافرين‪.‬‬

‫ن‬ ‫ن عََلى ال ْعَههال َ ِ‬


‫مي َ‬ ‫مَرا َ‬
‫ع ْ‬ ‫م َوآ َ‬
‫ل ِ‬ ‫هي َ‬ ‫م وَُنوحا ً َوآ َ‬
‫ل إ ِب َْرا ِ‬ ‫صط ََفى آد َ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ها ْ‬ ‫إِ ّ‬
‫)‪(33‬‬
‫حا وآل إبراهيم وآل عمران‪ ,‬وجعلهم أفضل‬
‫إن الله اختار آدم ونو ً‬
‫أهل زمانهم‪.‬‬

‫م )‪(34‬‬
‫ميعٌ عَِلي ٌ‬
‫س ِ‬ ‫ض َوالل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن ب َعْ ٍ‬
‫م ْ‬
‫ضَها ِ‬ ‫ذ ُّري ّ ً‬
‫ة ب َعْ ُ‬
‫هؤلء النبياء والرسل سلسلة ط ُْهر متواصلة في الخلص لله‬
‫وتوحيده والعمل بوحيه‪ .‬والله سميع لقوال عباده‪ ,‬عليم بأفعالهم‪,‬‬
‫وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫حهّررا ً‬ ‫مها ِفهي ب َط ْن ِههي ُ‬


‫م َ‬ ‫ت َله َ‬
‫ك َ‬ ‫ب إ ِّنهي َنهذ َْر ُ‬ ‫ن َر ّ‬‫مَرا َ‬
‫ع ْ‬ ‫مَرأ َةُ ِ‬ ‫إ ِذ ْ َقال َ ْ‬
‫تا ْ‬
‫ل مني إن َ َ‬
‫م )‪(35‬‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫س ِ‬‫ت ال ّ‬‫ك أن ْ َ‬ ‫فَت ََقب ّ ْ ِ ّ ِ ّ‬
‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما كان من أمر مريم وأمها وابنها عيسى عليه‬
‫وته لله‬ ‫ُ‬
‫السلم; لترد ّ بذلك على من ادعوا ألوهية عيسى أو بن ّ‬
‫ب إني جعلت لك‬ ‫سبحانه‪ ,‬إذ قالت امرأة عمران حين حملت‪ :‬يا ر ّ‬
‫ما في بطني خالصا لك‪ ,‬لخدمة "بيت المقدس"‪ ,‬فتقّبل مني; إنك‬
‫أنت وحدك السميع لدعائي‪ ,‬العليم بنيتي‪.‬‬

‫فَل َما وضعتها َقال َت رب إني وضعتها أ ُنَثهى والّله َ‬


‫ت‬‫ضهعَ ْ‬
‫مها وَ َ‬ ‫م بِ َ‬‫ه أعَْله ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َُْ ْ‬ ‫ْ َ ّ ِّ‬ ‫ّ َ َ ََْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ك وَذ ُّري ّت ََها ِ‬ ‫ها ب ِ َ‬
‫عيذ ُ َ‬ ‫م وَإ ِّني أ ِ‬
‫مْري َ َ‬
‫مي ْت َُها َ‬
‫س ّ‬ ‫س الذ ّك َُر َ‬
‫كالن َْثى وَإ ِّني َ‬ ‫وَل َي ْ َ‬
‫جيم ِ )‪(36‬‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ال ّ‬

‫‪97‬‬
‫ب إني وضعتها أنثى ل‬ ‫م حملها ووضعت مولودها قالت‪ :‬ر ّ‬ ‫فلما ت ّ‬
‫ت‪ ,‬وسوف‬ ‫ضع َ ْ‬
‫تصلح للخدمة في "بيت المقدس" ‪-‬والله أعلم بما و َ‬
‫يجعل الله لها شأًنا‪ -‬وقالت‪ :‬وليس الذكر الذي أردت للخدمة‬
‫وم بها‪ ,‬وإني‬‫كالنثى في ذلك; لن الذكر أقوى على الخدمة وأقْ َ‬
‫صنتها بك هي وذرّيتها من الشيطان المطرود‬ ‫ميتها مريم‪ ,‬وإني ح ّ‬‫س ّ‬
‫من رحمتك‪.‬‬

‫َ‬
‫خه َ‬
‫ل‬ ‫سنا ً وَك َّفل ََها َزك َرِّيا ك ُل ّ َ‬
‫ما د َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن وَأن ْب َت ََها ن ََباتا ً َ‬ ‫ٍ‬ ‫س‬
‫ح َ‬ ‫ل َ‬ ‫فَت ََقب ّل ََها َرب َّها ب َِقُبو ٍ‬
‫ل يهها مري ه َ‬
‫ك هَ ه َ‬
‫ذا‬ ‫م أن ّههى ل َه ِ‬ ‫ها رِْزقا ً قَهها َ َ َ ْ َ ُ‬ ‫عن ْد َ َ‬ ‫جد َ ِ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫حَرا َ‬ ‫م ْ‬ ‫عَل َي َْها َزك َرِّيا ال ْ ِ‬
‫ب )‪(37‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫شاُء ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬‫ه ي َْرُزقُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫ت هُوَ ِ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ذرها أحسن َقبول‪ ,‬وتوّلى ابنتها‬‫فاستجاب الله دعاءها وقبل منها ن َ ْ‬
‫سر الله لها زكريا عليه السلم‬‫مريم بالرعاية فأنبتها نباًتا حسًنا‪ ,‬وي ّ‬
‫كافل فأسكنها في مكان عبادته‪ ,‬وكان كّلما دخل عليها هذا المكان‬
‫ك هذا الرزق‬ ‫وجد عندها رزًقا هنيًئا معد ّا ً قال‪ :‬يا مريم من أين ل ِ‬
‫من‬‫الطيب؟ قالت‪ :‬هو رزق من عند الله‪ .‬إن الله ‪-‬بفضله‪ -‬يرزق َ‬
‫من خلقه بغير حساب‪.‬‬ ‫يشاء ِ‬

‫ك‬ ‫ة ط َي ّب َه ً‬
‫ة إ ِن ّه َ‬ ‫ن ل َهد ُن ْ َ‬
‫ك ذ ُّري ّه ً‬ ‫مه ْ‬
‫ب ِلي ِ‬
‫ب هَ ْ‬
‫ل َر ّ‬ ‫عا َزك َرِّيا َرب ّ ُ‬
‫ه َقا َ‬ ‫هَُنال ِ َ‬
‫ك دَ َ‬
‫عاِء )‪(38‬‬ ‫ميعُ الد ّ َ‬‫س ِ‬ ‫َ‬
‫من رزقه وفضله توجه إلى‬ ‫عندما رأى زكريا ما أكرم الله به مريم ِ‬
‫حا مبار ً‬
‫كا‪ ,‬إنك سميع‬ ‫دا صال ً‬
‫ب أعطني من عندك ول ً‬ ‫ربه قائل يا ر ّ‬
‫الدعاء لمن دعاك‪.‬‬

‫َ‬
‫شهُر َ‬
‫ك‬ ‫ه ي ُب َ ّ‬‫ن الّله َ‬‫بأ ّ‬ ‫حهَرا ِ‬ ‫م ْ‬‫صهّلي ِفهي ال ْ ِ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ههوَ َقهائ ِ ٌ‬
‫ة وَ ُ‬ ‫كه ُ‬‫ملئ ِ َ‬‫ه ال ْ َ‬
‫فََناد َت ْ ُ‬
‫ن)‬‫حي َ‬
‫صههال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مه ْ‬ ‫صورا ً وَن َب ِي ّا ً ِ‬ ‫سّيدا ً وَ َ‬
‫ح ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مةٍ ِ‬‫دقا ً ب ِك َل ِ َ‬
‫ص ّ‬‫م َ‬ ‫حَيى ُ‬ ‫ب ِي َ ْ‬
‫‪(39‬‬
‫فنادته الملئكة وهو واقف بين يدي الله في مكان صلته يدعوه‪ :‬أن‬
‫دق‬‫ص ّ‬
‫الله يخبرك بخبر يسّرك‪ ,‬وهو أنك سترزق بولد اسمه يحيى‪ ,‬ي ُ َ‬
‫بكلمة من الله ‪-‬وهو عيسى ابن مريم عليه السلم‪ ،-‬ويكون يحيى‬
‫دا في قومه‪ ,‬له المكانة والمنزلة العالية‪ ,‬وحصوًرا ل يأتي‬
‫سي ً‬

‫‪98‬‬
‫الذنوب والشهوات الضارة‪ ,‬ويكون نبي ّا ً من الصالحين الذين بلغوا‬
‫صلح ذروته‪.‬‬
‫في ال ّ‬

‫ل‬ ‫مَرأ َت ِههي عَههاقٌِر قَهها َ‬ ‫م وَقَد ْ ب َل َغَِني ال ْك ِب َهُر َوا ْ‬‫غل ٌ‬ ‫ن ِلي ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ب أ َّنى ي َ ُ‬ ‫ل َر ّ‬‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ك أل ّ‬ ‫ل آي َت ُه َ‬
‫ة قَهها َ‬ ‫ل ِلي آي َ ً‬ ‫جع َ ْ‬ ‫با ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫شاُء )‪َ (40‬قا َ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫ه ي َْفعَ ُ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫تك َل ّم الناس َثلث َه َ َ‬
‫ي‬‫شه ّ‬ ‫ح ِبال ْعَ ِ‬ ‫ك ك َِثيهرا ً وَ َ‬
‫سهب ّ ْ‬ ‫مههزا ً َواذ ْك ُهْر َرب ّه َ‬ ‫ة أي ّههام ٍ إ ِل ّ َر ْ‬ ‫ُ َ ّ َ‬
‫كارِ )‪(41‬‬ ‫َوال ِب ْ َ‬

‫ب أّنى يكون لي غلم مع أن الشيخوخة‬ ‫حا متعجًبا‪ :‬ر ّ‬


‫قال زكريا فر ً‬
‫قد بلغت مني مبلغها‪ ,‬وامرأتي عقيم ل تلد؟ قال‪ :‬كذلك يفعل الله‬
‫ما يشاء من الفعال العجيبة المخالفة للعادة قال زكرّيا‪ :‬رب اجعل‬
‫ل بها على وجود الولد مني; ليحصل لي السرور‬ ‫ة أستد ّ‬‫لي علم ً‬
‫والستبشار‪ ,‬قال‪ :‬علمتك التي طلبتها‪ :‬أل تستطيع التحدث إلى‬
‫الناس ثلثة أيام إل بإشارة إليهم‪ ,‬مع أنك سويّ صحيح‪ ,‬وفي هذه‬
‫المدة أكث ِْر من ذكر ربك‪ ,‬وص ّ‬
‫ل له أواخر النهار وأوائله‪.‬‬

‫ص هط ََفا ِ‬
‫ك‬ ‫ك وَط َهّ هَر ِ‬
‫ك َوا ْ‬ ‫ص هط ََفا ِ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ها ْ‬ ‫م إِ ّ‬
‫مْري َه ُ‬
‫ة َيا َ‬‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫وَإ ِذ ْ َقال َ ْ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫مي َ‬ ‫ساِء ال َْعال َ ِ‬
‫عََلى ن ِ َ‬
‫ك‬‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حين قالت الملئكة‪ :‬يا مريم إن الله اختار ِ‬
‫ك على نساء العالمين‬ ‫ك من الخلق الرذيلة‪ ,‬واختار ِ‬
‫لطاعته وطّهر ِ‬
‫في زمانك‪.‬‬

‫ن )‪(43‬‬ ‫دي َواْرك َِعي َ‬


‫معَ الّراك ِِعي َ‬ ‫ج ِ‬
‫س ُ‬ ‫م اقْن ُِتي ل َِرب ّ ِ‬
‫ك َوا ْ‬ ‫مْري َ ُ‬
‫َيا َ‬
‫يا مريم داومي على الطاعهة لربههك‪ ,‬وقههومي فههي خشههوع وتواضهع‪,‬‬
‫ك من نعمه‬‫واسجدي واركعي مع الراكعين; شكًرا لله على ما أول ِ‬
‫ك وما ك ُنت ل َديهم إذ ْ يل ُْقههو َ‬
‫م‬ ‫ن أْقل َ‬
‫مه ُ ه ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َِْ ْ ِ ُ‬ ‫حيهِ إ ِل َي ْ َ َ َ‬ ‫ب ُنو ِ‬ ‫ن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬
‫خت َ ِ‬ ‫ت ل َد َي ْهِ ْ‬
‫م إ ِذ ْ ي َ ْ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬
‫م وَ َ‬ ‫مْري َ َ‬
‫ل َ‬ ‫م ي َك ُْف ُ‬‫أي ّهُ ْ‬
‫ذلك الذي قصصناه عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من أخبار الغيب التي‬
‫أوحاها الله إليك‪ ,‬إذ لم تكن معهم حين اختلفوا في كفالة مريم‬

‫‪99‬‬
‫جَرْوا القرعة للقاء‬
‫أّيهم أحق بها وأولى‪ ,‬ووقع بينهم الخصام‪ ,‬فأ ْ‬
‫أقلمهم‪ ,‬ففاز زكريا عليه السلم بكفالتها‪.‬‬

‫ح‬
‫سي ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫م ُ‬
‫س ُ‬‫ها ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫مة ٍ ِ‬ ‫ك ب ِك َل ِ َ‬
‫شُر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي ُب َ ّ‬ ‫م إِ ّ‬
‫مْري َ ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬
‫ة َيا َ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫إ ِذ ْ َقال َ ْ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫مَقّرِبي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫جيها ً ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫خَرةِ وَ ِ‬ ‫م وَ ِ‬‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ِ‬
‫وما كنت ‪ -‬يا نبي الله ‪ -‬هناك حين قالت الملئكة‪ :‬يا مريم إن الله‬
‫ك بولد يكون وجوده بكلمة من الله‪ ,‬أي يقول له‪" :‬كن"‪,‬‬ ‫ي ُب َ ّ‬
‫شْر ِ‬
‫فيكون‪ ,‬اسمه المسيح عيسى ابن مريم‪ ,‬له الجاه العظيم في الدنيا‬
‫والخرة‪ ,‬ومن المقربين عند الله يوم القيامة‪.‬‬

‫ن )‪(46‬‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫س ِفي ال ْ َ‬
‫مهْدِ وَك َهْل ً وَ ِ‬ ‫وَي ُك َل ّ ُ‬
‫م الّنا َ‬
‫ويكلم الناس في المهد بعد ولدته‪ ,‬وكذلك يكلمهم في حال كهولته‬
‫وة والدعوة والرشاد‪ ,‬وهو‬
‫بما أوحاه الله إليه‪ .‬وهذا تكليم النب ّ‬
‫معدود من أهل الصلح والفضل في قوله وعمله‪.‬‬

‫ك الّله ُ‬
‫ه‬ ‫ل َ‬
‫كهذ َل ِ ِ‬ ‫شهٌر َقها َ‬ ‫سهِني ب َ َ‬ ‫س ْ‬‫م َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن ِلي وَل َد ٌ وَل َ ْ‬‫كو ُ‬‫ب أ َّنى ي َ ُ‬ ‫ت َر ّ‬‫َقال َ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫كو ُ‬‫ن فَي َ ُ‬
‫ه كُ ْ‬‫ل لَ ُ‬‫ما ي َُقو ُ‬‫مرا ً فَإ ِن ّ َ‬ ‫ضى أ ْ‬‫ذا قَ َ‬‫شاُء إ ِ َ‬ ‫خل ُقُ َ‬
‫ما ي َ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫قالت مريم متعجبة من هذا المر‪ :‬أن ّههى يكههون لههي ولههد وأنهها لسههت‬
‫ك ليههس‬ ‫مل َههك‪ :‬هههذا الههذي يحههدث له ِ‬ ‫ي؟ قههال لههها ال َ‬ ‫بذات زوج ول ب َغِ ّ‬
‫جد ما يشاء من العدم‪ ,‬فههإذا أراد‬ ‫بمستبعد على الله القادر‪ ,‬الذي يو ِ‬
‫كن" فيكون‬ ‫إيجاد شيء فإنما يقول له‪ُ " :‬‬

‫جي َ‬
‫ل )‪(48‬‬ ‫لن ِ‬
‫ة َوالت ّوَْراةَ َوا ِ‬
‫م َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫ه ال ْك َِتا َ‬ ‫وَي ُعَل ّ ُ‬
‫م ُ‬
‫ويعلمه الكتابة‪ ,‬والسداد في القول والفعل‪ ,‬والتوراة التي أوحاها‬
‫الله إلى موسى عليه السلم‪ ,‬والنجيل الذي أنزل الله عليه‪.‬‬

‫خل ُه ُ‬
‫ق‬ ‫م أ َن ّههي أ َ ْ‬ ‫ن َرب ّك ُه ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِبآي َةٍ ِ‬ ‫جئ ْت ُك ُ ْ‬‫ل أّني قَد ْ ِ‬
‫ورسول ً إَلى بِني إسراِئي َ َ‬
‫ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ََ ُ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ وَأب ْرِ ُ‬
‫ئ‬ ‫ِ‬ ‫ن طْيرا ب ِإ ِذ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫خ ِفيهِ فَي َ ُ‬ ‫ن ك َهَي ْئ َةِ الطي ْرِ فَأنُف ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن الطي‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫م ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مهها‬
‫ن وَ َ‬ ‫مهها ت َهأك ُُلو َ‬ ‫م بِ َ‬‫ن الل ّههِ وَأن َب ّئ ُك ُه ْ‬ ‫موَْتى ب ِهإ ِذ ْ ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ح ِ‬
‫ص وَأ ْ‬ ‫ه َوالب َْر َ‬ ‫م َ‬‫الك ْ َ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫مني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫ة ل َك ُ ْ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫م إِ ّ‬‫ن ِفي ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ت َد ّ ِ‬
‫‪100‬‬
‫ويجعله رسول إلى بني إسرائيل‪ ,‬ويقول لهم‪ :‬إني قد جئتكم بعلمة‬
‫ل على أني مرسل من الله‪ ,‬وهي أني أصنع لكم من‬ ‫من ربكم تد ّ‬
‫الطين مثل شكل الطير‪ ,‬فأنفخ فيه فيكون طيًرا حقيقيا بإذن الله‪,‬‬
‫من به برص‪ ,‬وُأحيي من كان ميًتا بإذن‬ ‫من وُِلد أعمى‪ ,‬و َ‬
‫وأشفي َ‬
‫َ‬
‫دخرون في بيوتكم من طعامكم‪ .‬إن‬ ‫الله‪ ,‬وأخبركم بما تأكلون وت ّ‬
‫في هذه المور العظيمة التي ليست في قدرة البشر لدليل على‬
‫دقين حجج الله وآياته‪ ,‬مقّرين‬‫أني نبي الله ورسوله‪ ,‬إن كنتم مص ّ‬
‫بتوحيده‪.‬‬

‫م‬
‫حهّر َ‬ ‫ض اّله ِ‬
‫ذي ُ‬ ‫م ب َْعه َ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫كه ْ‬ ‫ن الّتهوَْراةِ وَل ُ ِ‬
‫حه ّ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن َيهد َيّ ِ‬
‫ما ب َي ْ َ‬ ‫دقا ً ل ِ َ‬
‫ص ّ‬‫م َ‬ ‫وَ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(50‬‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬‫م َفات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬
‫م ِبآي َةٍ ِ‬ ‫جئ ْت ُك ُ ْ‬
‫م وَ ِ‬‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ل لكم بوحي من الله بعض ما‬ ‫وجئتكم مصدًقا بما في التوراة‪ ,‬ولح ّ‬
‫حّرمه الله عليكم تخفيًفا من الله ورحمة‪ ,‬وجئتكم بحجة من ربكم‬
‫على صدق ما أقول لكم‪ ,‬فاتقوا الله ول تخالفوا أمره‪ ,‬وأطيعوني‬
‫فيما أبلغكم به عن الله‪.‬‬

‫م )‪(51‬‬
‫ست َِقي ٌ‬
‫م ْ‬ ‫صَرا ٌ‬
‫ط ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬
‫م َفاعْب ُ ُ‬
‫دوهُ هَ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫إن الله الذي أدعوكم إليه هو وحده ربي وربكم فاعبدوه‪ ,‬فأنا وأنتم‬
‫سواء في العبودية والخضوع له‪ ,‬وهذا هو الطريق الذي ل اعوجاج‬
‫فيه‪.‬‬

‫صههاِري إ ِل َههى الل ّههِ قَهها َ‬ ‫ل مه َ‬ ‫َ‬


‫ل‬ ‫ن أن ْ َ َ‬‫م ال ْك ُْفهَر قَهها َ َ ْ‬ ‫من ْهُه ْ‬
‫سى ِ‬ ‫عي َ‬‫س ِ‬‫ح ّ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما أ َ‬
‫مّنا ِبالل ّهِ َوا ْ‬ ‫ال ْحواريون نح َ‬
‫ن )‪(52‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬
‫شهَد ْ ب ِأّنا ُ‬ ‫صاُر الل ّهِ آ َ‬‫ن أن ْ َ‬‫َ َ ِّ َ َ ْ ُ‬
‫فلما استشعر عيسى منهم التصميم على الكفر نادى في أصحابه‬
‫من يكون معي في نصرة دين الله؟ قال أصفياء عيسى‪:‬‬ ‫خّلص‪َ :‬‬
‫ال ُ‬
‫دقنا بالله واتبعناك‪ ,‬واشهد‬
‫نحن أنصار دين الله والداعون إليه‪ ,‬ص ّ‬
‫أنت يا عيسى بأنا مستسلمون لله بالتوحيد والطاعة‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(53‬‬
‫دي َ‬
‫شاهِ ِ‬ ‫ل َفاك ْت ُب َْنا َ‬
‫معَ ال ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ما أن َْزل ْ َ‬
‫ت َوات ّب َعَْنا الّر ُ‬ ‫مّنا ب ِ َ‬
‫َرب َّنا آ َ‬

‫‪101‬‬
‫دقنا بما أنزلت من النجيل‪ ,‬واتبعنا رسولك عيسى عليه‬‫ربنا ص ّ‬
‫السلم‪ ,‬فاجعلنا ممن شهدوا لك بالوحدانية ولنبيائك بالرسالة‪ ,‬وهم‬
‫أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يشهدون للرسل بأنهم بّلغوا‬
‫أممهم‪.‬‬

‫ن )‪(54‬‬
‫ري َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬
‫ماك ِ ِ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫مك ََر الل ّ ُ‬
‫مك َُروا وَ َ‬
‫وَ َ‬
‫ومكر الذين كفروا من بني إسرائيل بعيسى عليه السلم‪ ,‬بأن و ّ‬
‫كلوا‬
‫شَبه عيسى على رجل دّلهم عليه‬ ‫به من يقتله ِغْيلة‪ ,‬فألقى الله َ‬
‫فأمسكوا به‪ ,‬وقتلوه وصلبوه ظنا ً منهم أنه عيسى عليه السلم‪,‬‬
‫والله خير الماكرين‪ .‬وفي هذا إثبات صفة المكر لله ‪-‬تعالى‪ -‬على‬
‫ما يليق بجلله وكماله; لنه مكر بحق‪ ,‬وفي مقابلة مكر الماكرين‪.‬‬

‫ن‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫مط َهُّر َ‬ ‫ي وَ ُ‬‫ك إ ِل َ ّ‬ ‫ك وََرافِعُ َ‬ ‫مت َوَّفي َ‬
‫سى إ ِّني ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ه َيا ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫إ ِذ ْ َقا َ‬
‫م هةِ ث ُه ّ‬
‫م‬ ‫ن ك ََفُروا إ َِلى ي َهوْم ِ ال ِْقَيا َ‬ ‫ذي َ‬‫ك فَوْقَ ال ّ ِ‬ ‫ن ات ّب َُعو َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ع ُ‬ ‫جا ِ‬‫ك ََفُروا وَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫خت َل ُِفو َ‬ ‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ِفي َ‬‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫حك ُ ُ‬‫م فَأ ْ‬ ‫جعُك ُ ْ‬‫مْر ِ‬‫ي َ‬ ‫إ ِل َ ّ‬
‫ومكر الله بهم حين قال الله لعيسى‪ :‬إني قابضك من الرض من‬
‫ي ببدنك وروحك‪ ,‬ومخلصك من‬ ‫غير أن ينالك سوء‪ ,‬ورافعك إل ّ‬
‫الذين كفروا بك‪ ,‬وجاعل الذين اتبعوك أي على دينك وما جئت به‬
‫منوا‬
‫عن الله من الدين والبشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وآ َ‬
‫بمحمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬بعد بعثنه‪ ,‬والتزموا شريعته ظاهرين‬
‫ي مصيركم جميًعا‬ ‫على الذين جحدوا نبوتك إلى يوم القيامة‪ ,‬ثم إل ّ‬
‫صل بينكم فيما كنتم فيه تختلفون من أمر عيسى‬ ‫يوم الحساب‪ ,‬فأف ِ‬
‫عليه السلم‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما ل َهُ ه ْ‬
‫م‬ ‫ديدا ً ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫خَرةِ وَ َ‬ ‫ذابا ً َ‬
‫ش ِ‬ ‫ن ك ََفُروا فَأعَذ ّب ُهُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فَأ ّ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫ري َ‬
‫ص ِ‬‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫ما الذين كفروا بالمسيح من اليهود أو غََلوا فيه من النصارى‪,‬‬ ‫فأ ّ‬
‫دا في الدنيا‪ :‬بالقتل وسل ْ ِ‬
‫ب الموال وإزالة‬ ‫فأعذبهم عذاًبا شدي ً‬
‫من ناصر ينصرهم ويدفع عنهم‬ ‫الملك‪ ,‬وفي الخرة بالنار‪ ,‬وما لهم ِ‬
‫عذاب الله‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫وأ َما ال ّذين آمنوا وعَمُلوا الصال ِحات فَيوّفيه ُ‬
‫ب‬
‫حهه ّ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫جوَرهُ ْ‬
‫مأ ُ‬‫ّ َ ِ ُ َ ِ ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫َ ّ‬
‫ن )‪(57‬‬‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫وأما الذين آمنوا بالله ورسله وعملوا العمال الصالحة‪ ,‬فيعطيهم‬
‫الله ثواب أعمالهم كامل غير منقوص‪ .‬والله ل يحب الظالمين‬
‫بالشرك والكفر‪.‬‬

‫كيم ِ )‪(58‬‬ ‫ت َوالذ ّك ْرِ ال ْ َ‬


‫ح ِ‬ ‫ن الَيا ِ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ك ن َت ُْلوهُ َ‬
‫علي ْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬

‫صه عليك في شأن عيسى‪ ,‬من الدلئل الواضحة على‬ ‫ذلك الذي نق ّ‬
‫صحة رسالتك‪ ,‬وصحة القرآن الحكيم الذي يفصل بين الحق‬
‫والباطل‪ ,‬فل شك فيه ول امتراء‪.‬‬

‫ن‬
‫كه ْ‬ ‫ل َله ُ‬
‫ه ُ‬ ‫م َقها َ‬
‫ب ثُ ّ‬
‫ن ت َُرا ٍ‬
‫م ْ‬ ‫خل ََق ُ‬
‫ه ِ‬ ‫م َ‬
‫ل آد َ َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ ك َ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫سى ِ‬
‫عي َ‬ ‫مث َ َ‬
‫ل ِ‬ ‫ن َ‬‫إِ ّ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫كو ُ‬‫فَي َ ُ‬

‫خل ْقَ الله لعيسى من غير أب مث َُله كمثل خلق الله لدم من غير‬
‫ن َ‬
‫إ ّ‬
‫أب ول أم‪ ,‬إذ خلقه من تراب الرض‪ ,‬ثم قال له‪" :‬كن بشًرا" فكان‪.‬‬
‫فدعوى إلهية عيسى لكونه خلق من غير أب دعوى باطلة; فآدم‬
‫عليه السلم خلق من غير أب ول أم‪ ,‬واتفق الجميع على أنه عَْبد‬
‫من عباد الله‪.‬‬

‫ن )‪(60‬‬
‫ري َ‬
‫مت َ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َفل ت َك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حق ّ ِ‬
‫الحق الذي ل شك فيه في أمر عيسى هو الذي جاءك ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ -‬من ربك‪ ,‬فدم على يقينك‪ ,‬وعلى ما أنت عليه من ترك‬
‫الفتراء‪ ,‬ول تكن من الشا ّ‬
‫كين‪ ,‬وفي هذا تثبيت وطمأنة لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫وا ن َهد ْعُ أ َب َْناَءن َهها‬


‫ل ت ََعال َ ْ‬ ‫ن ال ْعِل ْم ِ فَُق ْ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬‫جاَء َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬‫م ْ‬ ‫ك ِفيهِ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫حا ّ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫فَ َ‬
‫ل ل َعْن َه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫جع َ ْ‬‫ل فَن َ ْ‬‫م ن َب ْت َهِ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫سَنا وَأن ُْف َ‬‫م وَأن ُْف َ‬‫ساَءك ُ ْ‬
‫ساَءَنا وَن ِ َ‬
‫م وَن ِ َ‬ ‫وَأب َْناَءك ُ ْ‬
‫ن )‪(61‬‬ ‫الل ّهِ عََلى ال ْ َ‬
‫كاذِِبي َ‬
‫‪103‬‬
‫من جادلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬في المسيح عيسى ابن مريم من بعد‬ ‫ف َ‬
‫ما جاءك من العلم في أمر عيسى عليه السلم‪ ,‬فقل لهم‪ :‬تعالوا‬
‫ضر أبناءنا وأبناءكم‪ ,‬ونساءنا ونساءكم‪ ,‬وأنفسنا وأنفسكم‪ ,‬ثم‬‫ح ِ‬‫نُ ْ‬
‫نتجه إلى الله بالدعاء أن ُينزل عقوبته ولعنته على الكاذبين في‬
‫قولهم‪ ,‬المصّرين على عنادهم‪.‬‬

‫ه ل َهُ هوَ ال ْعَ ِ‬


‫زي هُز‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن إ ِل َهٍ إ ِل ّ الل ّ ُ‬
‫ه وَإ ِ ّ‬ ‫م ْ‬
‫ما ِ‬ ‫ص ال ْ َ‬
‫حق ّ و َ َ‬ ‫ذا ل َهُوَ ال َْق َ‬
‫ص ُ‬ ‫ن هَ َ‬‫إِ ّ‬
‫م )‪(62‬‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬‫ال ْ َ‬
‫إن هذا الذي أنبأتك به من أمر عيسى لهو النبأ الحق الذي ل شك‬
‫فيه‪ ,‬وما من معبود يستحق العبادة إل الله وحده‪ ,‬وإن الله لهو‬
‫العزيز في ملكه‪ ,‬الحكيم في تدبيره وفعله‪.‬‬

‫ن )‪(63‬‬ ‫دي َ‬
‫س ِ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬
‫مْف ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬
‫وا فَإ ِ ّ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫فإن أعرضوا عن تصههديقك واتباعههك فهههم المفسههدون‪ ,‬واللههه عليههم‬
‫بهم‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‬

‫م أ َل ّ ن َعْب ُهد َ إ ِل ّ‬‫واٍء ب َي ْن َن َهها وَب َي ْن َك ُه ْ‬


‫سه َ‬
‫مة ٍ َ‬‫وا إ َِلى ك َل ِ َ‬ ‫ب ت ََعال َ ْ‬ ‫ل َيا أ َهْ َ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن الل ّهِ فَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضَنا ب َْعضا ً أْرَبابا ً ِ‬ ‫خذ َ ب َعْ ُ‬ ‫شْيئا ً َول ي َت ّ ِ‬ ‫ك ب ِهِ َ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ه َول ن ُ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫وا فَُقوُلوا ا ْ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫دوا ب ِأّنا ُ‬ ‫شه َ ُ‬ ‫ت َوَل ّ ْ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ :‬تعال َ ْ‬
‫وا إلى‬
‫خص الله وحده‬ ‫كلمة عدل وحق نلتزم بها جميًعا‪ :‬وهي أن ن َ ُ‬
‫بالعبادة‪ ,‬ول نتخذ أي شريك معه‪ ,‬من وثن أو صنم أو صليب أو‬
‫طاغوت أو غير ذلك‪ ,‬ول يدين بعضنا لبعض بالطاعة من دون الله‪.‬‬
‫فإن أعرضوا عن هذه الدعوة الطيبة فقولوا لهم ‪ -‬أيها المؤمنون‬
‫‪ : -‬اشهدوا علينا بأنا مسلمون منقادون لربنا بالعبودية والخلص‪.‬‬
‫جه إلى‬
‫جه إلى اليهود والنصارى‪ ,‬تو ّ‬ ‫والدعوة إلى كلمة سواء‪ ,‬كما ُتو ّ‬
‫من جرى مجراهم‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َيا أ َهْ َ‬


‫جيهه ُ‬
‫ل‬ ‫لن ِ‬ ‫ما أن ْزِل َ ْ‬
‫ت الت ّوَْراةُ َوا ِ‬ ‫م وَ َ‬
‫هي َ‬
‫ن ِفي إ ِب َْرا ِ‬
‫جو َ‬‫حا ّ‬
‫م تُ َ‬
‫ب لِ َ‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(65‬‬ ‫ن ب َعْدِهِ أَفل ت َعِْقُلو َ‬‫م ْ‬‫إ ِل ّ ِ‬

‫‪104‬‬
‫يا أصحاب الكتب المنزلة من اليهود والنصارى‪ ,‬كيف يجادل كل‬
‫منكم في أن إبراهيم عليه السلم كان على مّلته‪ ,‬وما ُأنزلت‬
‫التوراة والنجيل إل من بعده؟ أفل تفقهون خطأ قولكم‪ :‬إن إبراهيم‬
‫كان يهوديا ً أو نصرانيًا‪ ,‬وقد علمتم أن اليهودية والنصرانية حدثت‬
‫بعد وفاته بحين؟‬

‫َ َ‬
‫س ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما ل َي ْ َ‬
‫ن ِفي َ‬
‫جو َ‬
‫حا ّ‬
‫م تُ َ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫م فَل ِ َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م ب ِهِ ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫جت ُ ْ‬
‫ج ْ‬‫حا َ‬ ‫ؤلِء َ‬ ‫م هَ ُ‬‫هاأن ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م َوالل ّ ُ‬
‫عل ْ ٌ‬ ‫ب ِهِ ِ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم‬ ‫ها أنتم يا هؤلء جادلتم رسول الله محم ً‬
‫من أمر دينكم‪ ,‬مما تعتقدون صحته في كتبكم‪,‬‬ ‫فيما لكم به علم ِ‬
‫م تجادلون فيما ليس لكم به علم من أمر إبراهيم؟ والله يعلم‬ ‫فل ِ َ‬
‫المور على خفائها‪ ,‬وأنتم ل تعلمون‪.‬‬

‫ن‬ ‫سِلما ً وَ َ‬
‫ما ك َهها َ‬ ‫حِنيفا ً ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫صَران ِي ّا ً وَل َك ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ي َُهودِي ّا ً َول ن َ ْ‬
‫هي ُ‬‫ن إ ِب َْرا ِ‬
‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(67‬‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ما كان إبراهيم يهوديا ً ول نصرانيًا‪ ,‬فلم تكن اليهودية ول النصرانية‬
‫ما لربه‪,‬‬
‫إل من بعده‪ ,‬ولكن كان متبًعا لمر الله وطاعته‪ ,‬مستسل ً‬
‫وما كان من المشركين‪.‬‬

‫من ُههوا‬
‫نآ َ‬ ‫ي َوال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ات ّب َعُههوهُ وَهَه َ‬
‫ذا الن ّب ِه ّ‬ ‫م ل َل ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫هي َ‬
‫س ب ِهإ ِب َْرا ِ‬ ‫إِ ّ َ َ‬
‫ن أوْلى الّنا ِ‬
‫ن )‪(68‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ي ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه وَل ِ ّ‬
‫ن أحق الناس بإبراهيم وأخصهم به‪ ,‬الذين آمنوا به وصدقوا‬ ‫إ ّ‬
‫برسالته واتبعوه على دينه‪ ,‬وهذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫ي المؤمنين به المتبعين شرعه‪.‬‬
‫والذين آمنوا به‪ .‬والله ول ّ‬

‫َ‬ ‫ةم َ‬
‫م‬
‫س هه ُ ْ‬ ‫ض هّلو َ‬
‫ن إ ِل ّ أن ُْف َ‬ ‫مهها ي ُ ِ‬ ‫ضّلون َك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ب ل َوْ ي ُ ِ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ن أه ْ ِ‬ ‫ت َ‬
‫طائ َِف ٌ ِ ْ‬ ‫وَد ّ ْ‬
‫ن )‪(69‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫وَ َ‬

‫‪105‬‬
‫تمّنت جماعة من اليهود والنصارى لو يضلونكم ‪ -‬أيها المسلمون ‪-‬‬
‫عن السلم‪ ,‬وما يضلون إل أنفسهم وأتباعهم‪ ,‬وما يدرون ذلك ول‬
‫يعلمونه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َيا أ َهْ َ‬


‫ن )‪(70‬‬
‫دو َ‬
‫شه َ ُ‬ ‫ت الل ّهِ وَأن ْت ُ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫م ت َك ُْفُرو َ‬
‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ب لِ َ‬
‫يا أهل التوراة والنجيل لم تجحدون آيات الله التي أنزلها على‬
‫دا صلى الله عليه وسلم هو‬ ‫رسله في كتبهم‪ ,‬وفيها أن محم ً‬
‫الرسول المنتظر‪ ,‬وأن ما جاءكم به هو الحق‪ ,‬وأنتم تشهدون‬
‫بذلك؟ ولكنكم تنكرونه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َيا أ َهْ َ‬


‫م‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫حهقّ وَأن ْت ُه ْ‬ ‫حهقّ ِبال َْباط ِه ِ‬
‫ل وَت َك ْت ُ ُ‬
‫مههو َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ت َل ْب ِ ُ‬
‫سههو َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ب ل ِه َ‬
‫ن )‪(71‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫م تخلطون الحق في كتبكم بما حرفتموه‬ ‫يا أهل التوراة والنجيل ل ِ َ‬
‫خفون ما فيهما من صفة محمد‬ ‫وكتبتموه من الباطل بأيديكم‪ ,‬وت ُ ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وأن دينه هو الحق‪ ,‬وأنتم تعلمون ذلك؟‬

‫من ُههوا‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ذي أ ُن ْزِ َ‬
‫ل عَل َههى ال ّه ِ‬ ‫مُنوا ِبال ّ ِ‬
‫بآ ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ةم َ‬
‫ن أه ْ ِ‬
‫طائ َِف ٌ ِ ْ‬‫ت َ‬ ‫وََقال َ ْ‬
‫ن )‪(72‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫خَرهُ ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َْر ِ‬ ‫ه الن َّهارِ َواك ُْفُروا آ ِ‬ ‫ج َ‬
‫وَ ْ‬
‫دقوا بالذي ُأنزل على‬
‫وقالت جماعة من أهل الكتاب من اليهود‪ :‬ص ّ‬
‫الذين آمنوا أول النهار واكفروا آخره; لعلهم يتشككون في دينهم‪,‬‬
‫ويرجعون عنه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ي ُهؤَْتى أ َ‬
‫ح هد ٌ‬ ‫دى الل ّهِ أ ْ‬ ‫دى هُ َ‬ ‫ن ال ْهُ َ‬‫ل إِ ّ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫ن ت َب ِعَ ِدين َك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مُنوا إ ِل ّ ل ِ َ‬
‫َول ت ُؤْ ِ‬
‫ل ما ُأوِتيت َ‬
‫ل ب ِي َهدِ الل ّههِ ي ُهؤِْتيهِ‬ ‫ن ال َْف ْ‬
‫ض َ‬ ‫م قُ ْ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫عن ْد َ َرب ّك ُ ْ‬‫م ِ‬ ‫جوك ُ ْ‬ ‫حا ّ‬ ‫م أو ْ ي ُ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫مث ْ َ َ‬‫ِ‬
‫م )‪(73‬‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫من تبع دينكم فكان يهوديًا‪ ,‬قل لهم‬
‫حا إل ل َ‬
‫دقوا تصديًقا صحي ً‬
‫ول تص ّ‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن الهدى والتوفيق هدى الله وتوفيقه لليمان‬
‫الصحيح‪ .‬وقالوا‪ :‬ل تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين‬
‫فيتعلمون منكم فيساووكم في العلم به‪ ,‬وتكون لهم الفضلية‬

‫‪106‬‬
‫عليكم‪ ,‬أو أن يتخذوه حجة عند ربكم يغلبونكم بها‪ .‬قل لهم ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ : -‬إن الفضل والعطاء والمور كلها بيد الله وتحت تصرفه‪,‬‬
‫ع‬
‫س ُ‬
‫يؤتيها من يشاء ممن آمن به وبرسوله‪ .‬والله واسع عليم‪ ,‬ي َ َ‬
‫بعلمه وعطائه جميع مخلوقاته‪ ,‬ممن يستحق فضله ونعمه‪.‬‬

‫ل ال ْعَ ِ‬
‫ظيم ِ )‪(74‬‬ ‫ذو ال َْف ْ‬
‫ض ِ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬
‫مت ِهِ َ‬
‫ح َ‬
‫ص ب َِر ْ‬
‫خت َ ّ‬
‫يَ ْ‬
‫من يشاء بالنبوة والهداية إلى أكمل‬‫من خلقه َ‬
‫إن الله يختص ِ‬
‫الشرائع‪ ,‬والله ذو الفضل العظيم‪.‬‬

‫ْ‬
‫ن‬
‫ن إِ ْ‬‫مه ْ‬‫م َ‬ ‫من ْهُ ه ْ‬‫ك وَ ِ‬ ‫ه ب ِِقنط َههارٍ ي ُهؤَد ّهِ إ ِل َي ْه َ‬‫من ْ ُ‬‫ن ت َأ َ‬‫ن إِ ْ‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ب َ‬ ‫ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا‬
‫ِ‬ ‫ن أ َهْ‬‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫م قَههاُلوا‬ ‫َ‬ ‫ت عَل َي ْههِ َقاِئمها ً ذ َل ِه َ‬ ‫ديَنارٍ ل ي ُؤَد ّهِ إ ِل َي ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ك ب ِهأن ّهُ ْ‬ ‫مه َ‬‫ما د ُ ْ‬ ‫ك إ ِل ّ َ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ت َأ َ‬
‫ن عَل َههى الل ّههِ ال ْك َهذِ َ‬ ‫ل وَي َُقول ُههو َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ب وَهُه ْ‬ ‫سهِبي ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫مّييه َ‬ ‫س عَل َي ْن َهها فِههي ال ّ‬ ‫ل َي ْه َ‬
‫ن )‪(75‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫ده‬
‫ن تأمنه على كثير من المال يؤ ّ‬ ‫من إ ْ‬‫ومن أهل الكتاب من اليهود َ‬
‫ده‬
‫ن تأمنه على دينار واحد ل يؤ ّ‬‫من إ ْ‬‫إليك من غير خيانة‪ ,‬ومنهم َ‬
‫اليك‪ ,‬إل إذا بذلت غاية الجهد في مطالبته‪ .‬وسبب ذلك عقيدة‬
‫فاسدة تجعلهم يستحّلون أموال العرب بالباطل‪ ,‬ويقولون‪ :‬ليس‬
‫علينا في أكل أموالهم إثم ول حرج; لن الله أحّلها لنا‪ .‬وهذا كذب‬
‫على الله‪ ,‬يقولونه بألسنتهم‪ ,‬وهم يعلمون أنهم كاذبون‪.‬‬

‫بَلى م َ‬
‫ن )‪(76‬‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ن أوَْفى ب ِعَهْدِهِ َوات َّقى فَإ ِ ّ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ليس المر كما زعم هؤلء الكاذبون‪ ,‬فإن المتقي حقا ً هو من أوفى‬
‫بما عاهد الله عليه من أداء المانة واليمان به وبرسله والتزم هديه‬
‫وشرعه‪ ,‬وخاف الله عز وجل فامتثل أمره وانتهى عما نهى عنه‪.‬‬
‫والله يحب المتقين الذين يتقون الشرك والمعاصي‪.‬‬

‫خلقَ ل َهُ ه ْ‬
‫م‬ ‫كل َ‬ ‫من ها ً قَِليل ً أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫م ثَ َ‬ ‫مان ِهِ ْ‬
‫َ‬
‫ن ب ِعَهْدِ الل ّهِ وَأي ْ َ‬ ‫شت َُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫إِ ّ‬
‫م‬‫كيهِ ه ْ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫م هةِ َول ي َُز ّ‬ ‫م ي َهوْ َ‬‫ه َول ي َن ْظ ُُر إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خَرةِ َول ي ُك َل ّ ُ‬
‫مه ُ ْ‬ ‫ِفي ال ِ‬
‫َ‬
‫م )‪(77‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫وَل َهُ ْ‬

‫‪107‬‬
‫إن الذين يستبدلون بعهد الله ووصيته التي أوصى بها في الكتب‬
‫سا من عرض الدنيا‬‫ضا وبدل خسي ً‬ ‫التي أنزلها على أنبيانهم‪ ,‬عو ً‬
‫وحطامها‪ ,‬أولئك ل نصيب لهم من الثواب في الخرة‪ ,‬ول يكلمهم‬
‫الله بما يسرهم‪ ,‬ول ينظر إليهم يوم القيامة بعين الرحمة‪ ,‬ول‬
‫يطهرهم من دنس الذنوب والكفر‪ ,‬ولهم عذاب موجع‪.‬‬

‫وإن منهم ل ََفريقا ً يل ْوو َ‬


‫مهها‬
‫ب وَ َ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬
‫م ْ‬‫سُبوهُ ِ‬
‫ح َ‬ ‫م ِبال ْك َِتا ِ‬
‫ب ل ِت َ ْ‬ ‫ن أل ْ ِ‬
‫سن َت َهُ ْ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫َِ ّ ِ ُْ ْ‬
‫عن ْهدِ الل ّه ِ‬
‫ه‬ ‫ن ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫عن ْهدِ الل ّههِ وَ َ‬
‫مهها هُهوَ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن ه ُ هو َ ِ‬ ‫ب وَي َُقوُلو َ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬
‫م ْ‬‫هُوَ ِ‬
‫ن )‪(78‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫ب وَهُ ْ‬ ‫ن عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ‬ ‫وَي َُقوُلو َ‬
‫ة يحرفون الكلم عن مواضعه‪ ,‬ويبدلون كلم‬ ‫من اليهود َلجماع ً‬
‫وإن ِ‬
‫الله; ليوهموا غيرهم أن هذا من الكلم المنزل‪ ,‬وهو التوراة‪ ,‬وما‬
‫هو منها في شيء‪ ,‬ويقولون‪ :‬هذا من عند الله أوحاه الله إلى نبيه‬
‫موسى‪ ,‬وما هو من عند الله‪ ,‬وهم لجل دنياهم يقولون على الله‬
‫الكذب وهم يعلمون أنهم كاذبون‪.‬‬

‫كان ل ِب َ َ‬
‫س‬
‫ل ِللّنهها ِ‬ ‫م ي َُقو َ‬ ‫م َوالن ّب ُوّةَ ث ُ ّ‬ ‫ب َوال ْ ُ‬
‫حك ْ َ‬ ‫ه ال ْك َِتا َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬‫ن ي ُؤْت ِي َ ُ‬‫شرٍ أ ْ‬ ‫ما َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مههو َ‬ ‫ّ‬
‫م ت ُعَل ُ‬ ‫ُ‬
‫مهها كن ْت ُه ْ‬ ‫ن بِ َ‬‫ن كوُنوا َرّبان ِّيي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ وَلك ِ ْ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ً‬
‫عَبادا ِلي ِ‬ ‫كوُنوا ِ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(79‬‬ ‫سو َ‬ ‫م ت َد ُْر ُ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ب وَب ِ َ‬‫ال ْك َِتا َ‬
‫ما بين‬
‫ما ينبغي لحد من البشر أن ُينّزل الله عليه كتابه ويجعله حك ً‬
‫خلقه ويختاره نبيًا‪ ,‬ثم يقول للناس‪ :‬اعبدوني من دون الله‪ ,‬ولكن‬
‫يقول‪ :‬كونوا حكماء فقهاء علماء بما كنتم ت ُعَّلمونه غيركم من وحي‬
‫ما وفقًها‪.‬‬ ‫الله تعالى‪ ,‬وبما تدرسونه منه حف ً‬
‫ظا وعل ً‬

‫م ِبال ْك ُْفرِ ب َعْد َ إ ِذ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ة والنبيي َ‬ ‫ول يأ ْمرك ُم أ َ‬


‫ن أْرَبابا ً أي َأ ُ‬
‫مُرك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ئ‬‫مل‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫ذوا‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُ َ ْ‬
‫ن )‪(80‬‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬
‫م ُ‬‫أن ْت ُ ْ‬
‫وما كان لحد منهم أن يأمركم باتخاذ الملئكة والنبيين أرباًبا‬
‫ل ‪-‬أيها الناس‪ -‬أن يأمركم بالكفر بالله‬ ‫تعبدونهم من دون الله‪ .‬أ َي ُعَْق ُ‬
‫بعد انقيادكم لمره؟‬

‫جههاءَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫مهةٍ ث ُه ّ‬ ‫ب وَ ِ‬
‫ن ك َِتا ٍ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن لَ َ‬
‫ما آت َي ْت ُك ُ ْ‬ ‫ميَثاقَ الن ّب ِّيي َ‬
‫ه ِ‬ ‫وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫خذ َ الل ّ ُ‬
‫‪108‬‬
‫م وَأ َ َ‬
‫خ هذ ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل مصدقٌ ل ِما معك ُم ل َتؤْمنن به ول َتنصرنه َقا َ َ َ‬
‫ل أأقَْرْرت ُه ْ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ِ ُ ّ ِ ِ َ َْ ُ ُ ّ ُ‬ ‫سو ٌ ُ َ ّ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ري قَههاُلوا أقَْرْرن َهها قَهها َ‬
‫ن‬‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫معَك ُه ْ‬‫دوا وَأن َهها َ‬ ‫ش هه َ ُ‬‫ل َفا ْ‬ ‫صه ِ‬
‫م إِ ْ‬‫عَل َههى ذ َل ِك ُه ْ‬
‫ن )‪(81‬‬ ‫دي َ‬ ‫ال ّ‬
‫شاهِ ِ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ أخذ الله سبحانه العهد المؤكد على جميع‬
‫ن آتيتكم من كتاب وحكمة‪ ,‬ثم جاءكم رسول من عندي‪,‬‬ ‫النبياء‪ :‬ل َئ ِ ْ‬
‫مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرّنه‪ .‬فهل أقررتم واعترفتم بذلك‬
‫وأخذتم على ذلك عهدي الموثق؟ قالوا‪ :‬أقررنا بذلك‪ ,‬قال‪ :‬فليشهد ْ‬
‫بعضكم على بعض‪ ,‬واشهدوا على أممكم بذلك‪ ,‬وأنا معكم من‬
‫الشاهدين عليكم وعليهم‪ .‬وفي هذا أن الله أخذ الميثاق على كل‬
‫نبي أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وأخذ الميثاق على أمم‬
‫النبياء بذلك‪.‬‬

‫ن )‪(82‬‬ ‫م ال َْفا ِ‬
‫سُقو َ‬ ‫ك فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫ن ت َوَّلى ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫فَ َ‬
‫م ْ‬
‫فمن أعرض عن دعوة السلم بعد هذا البيان وهذا العهد الذي‬
‫أخذه الله على أنبيائه‪ ,‬فأولئك هم الخارجون عن دين الله وطاعة‬
‫ربهم‪.‬‬

‫وع ها ً‬ ‫َ‬ ‫أ َفَغَير دين الل ّه يبُغون ول َ َ‬


‫ض طَ ْ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫سه َ‬
‫ن ِفي ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫سل َ َ‬
‫م َ‬ ‫هأ ْ‬‫َ َ ُ‬ ‫ِ َْ‬ ‫َْ ِ ِ‬
‫ن )‪(83‬‬ ‫جُعو َ‬‫وَك َْرها ً وَإ ِل َي ْهِ ي ُْر َ‬
‫أيريد هؤلء الفاسقون من أهل الكتاب غير دين الله ‪-‬وهو السلم‬
‫من في‬‫الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬مع أن كل َ‬
‫السموات والرض استسلم وانقاد وخضع لله طواعية ‪-‬كالمؤمنين‪-‬‬
‫ما عنهم عند الشدائد‪ ,‬حين ل ينفعهم ذلك وهم الكفار‪ ,‬كما‬ ‫ورغ ً‬
‫جعون يوم المعاد‪ ,‬فيجازي كل‬‫خضع له سائر الكائنات‪ ,‬وإليه ُير َ‬
‫بعمله‪ .‬وهذا تحذير من الله تعالى لخلقه أن يرجع إليه أحد منهم‬
‫على غير ملة السلم‪.‬‬

‫عي َ‬
‫ل‬ ‫ما ِ‬
‫سه َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ل عَل َههى إ ِب َْرا ِ‬
‫هيه َ‬ ‫مهها أ ُن ْهزِ َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬
‫ل عَل َي ْن َهها وَ َ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَ َ‬
‫لآ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مه ْ‬‫ن ِ‬‫سى َوالن ّب ِي ّههو َ‬ ‫عي َ‬ ‫سى وَ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫ط وَ َ‬ ‫سَبا ِ‬ ‫ب َوال ْ‬ ‫حقَ وَي َعُْقو َ‬ ‫س َ‬‫وَإ ِ ْ‬
‫ربهم ل نَفرقُ بي َ‬
‫ن )‪(84‬‬ ‫مو َ‬‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬‫ح ُ‬ ‫م وَن َ ْ‬‫من ْهُ ْ‬‫حدٍ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ ّ‬ ‫َ ِّ ْ‬

‫‪109‬‬
‫دقنا بالله وأطعنا‪ ,‬فل رب لنا غيره‪ ,‬ول‬‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬ص ّ‬
‫معبود لنا سواه‪ ,‬وآمّنا بالوحي الذي أنزله الله علينا‪ ,‬والذي أنزله‬
‫على إبراهيم خليل الله‪ ,‬وابنيه إسماعبل وإسحاق‪ ,‬وابن ابنه يعقوب‬
‫بن إسحاق‪ ,‬والذي أنزله على السباط ‪-‬وهم النبياء الذين كانوا في‬
‫من ولد يعقوب‪ -‬وما أوتي موسى‬ ‫قبائل بني إسرائيل الثنتي عشرة ِ‬
‫وعيسى من التوراة والنجيل‪ ,‬وما أنزله الله على أنبيائه‪ ,‬نؤمن‬
‫بذلك كله‪ ,‬ول نفرق بين أحد منهم‪ ,‬ونحن لله وحده منقادون‬
‫مِقّرون له بالربوبية واللوهية والعبادة‪.‬‬
‫بالطاعة‪ُ ,‬‬

‫ن‬
‫مه ْ‬
‫خهَرةِ ِ‬
‫ه وَهُهوَ ِفهي ال ِ‬
‫من ْه ُ‬
‫ل ِ‬ ‫سهلم ِ ِدينها ً فََله ْ‬
‫ن ي ُْقَبه َ‬ ‫ن ي َب ْت َِغ غَي َْر ال ِ ْ‬
‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(85‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬‫ال ْ َ‬
‫ومن يطلب ديًنا غير دين السلم الذي هو الستسلم لله بالتوحيد‬
‫والنقياد له بالطاعة‪ ,‬والعبودية‪ ,‬ولرسوله النبي الخاتم محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم باليمان به وبمتابعته ومحبته ظاهًرا وباطًنا‪ ,‬فلن‬
‫ُيقبل منه ذلك‪ ,‬وهو في الخرة من الخاسرين الذين بخسوا‬
‫أنفسهم حظوظها‪.‬‬

‫َ‬
‫ق‬
‫حه ّ‬ ‫سههو َ‬
‫ل َ‬ ‫ن الّر ُ‬
‫دوا أ ّ‬ ‫م وَ َ‬
‫ش هه ِ ُ‬ ‫مان ِهِ ْ‬‫وما ً ك ََفُروا ب َعْد َ ِإي َ‬ ‫دي الل ّ ُ‬
‫ه قَ ْ‬ ‫ك َي ْ َ‬
‫ف ي َهْ ِ‬
‫ن )‪(86‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫دي ال َْقوْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ُ‬ ‫جاَءهُ ْ‬‫وَ َ‬
‫ما جحدوا نبوة محمد صلى‬ ‫كيف بوفق الله لليمان به وبرسوله قو ً‬
‫دا صلى الله علبه‬‫الله عليه وسلم بعد إيمانهم به‪ ,‬وشهدوا أن محم ً‬
‫وسلم حق وما جاء به هو الحق‪ ,‬وجاءهم الحجج من عند الله‬
‫والدلئل بصحة ذلك؟ والله ل يوفق للحق والصواب الجماعة‬
‫الظلمة‪ ,‬وهم الذين عدلوا عن الحق إلى الباطل‪ ,‬فاختاروا الكفر‬
‫على اليمان‪.‬‬

‫ن )‪(87‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة الل ّهِ َوال ْ‬ ‫م لَ‬ ‫ن عَل َ‬ ‫ك جزاؤُهُم أ َ‬‫َ‬ ‫أ ُوْل َ‬
‫مِعي َ‬
‫ج َ‬
‫سأ ْ‬‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫وال‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ئ‬‫مل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬
‫س‬
‫ن عليهم لعنة الله والملئكة والنا ِ‬
‫أولئك الظالمون جزاؤهم أ ّ‬
‫أجمعين‪ ,‬فهم مطرودون من رحمة الله‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫م ي ُن ْظ َُرو َ‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫ب َول هُ ْ‬ ‫م ال ْعَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫ف عَن ْهُ ْ‬
‫خّف ُ‬
‫ن ِفيَها ل ي ُ َ‬
‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫َ‬
‫ماكثين في النار‪ ,‬ل ُيرفع عنهم العذاب قليل ليستريحوا‪ ,‬ول ُيؤخر‬
‫عنهم لمعذرة يعتذرون بها‪.‬‬

‫إل ّ ال ّذين تابوا من بعد ذ َل ِ َ َ‬


‫م )‪(89‬‬
‫حي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫صل َ ُ‬
‫حوا فَإ ِ ّ‬ ‫ك وَأ ْ‬ ‫ِ ْ َْ ِ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫ِ‬
‫إل الذين رجعوا إلى ربهم بالتوبة النصوح من بعد كفرهم وظلمهم‪,‬‬
‫وأصلحوا ما أفسدوه بتوبتهم فإن الله يقبلها‪ ,‬فهو غفور لذنوب‬
‫عباده‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫م‬
‫ل ت َهوْب َت ُهُ ْ‬ ‫دوا ك ُْفههرا ً ل َه ْ‬
‫ن ت ُْقب َه َ‬ ‫دا ُ‬ ‫م ث ُه ّ‬
‫م اْز َ‬ ‫ن ك ََفهُروا ب َعْهد َ ِإي َ‬
‫مههان ِهِ ْ‬ ‫ن ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن )‪(90‬‬ ‫ضاّلو َ‬‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ْ‬‫وَأ ُوْل َئ ِ َ‬

‫إن الذين كفروا بعد إيمانهم واستمروا على الكفر إلى الممات لن‬
‫ُتقبل لهم توبة عند حضور الموت‪ ,‬وأولئك هم الذين ضّلوا السبيل‪,‬‬
‫فأخط َ ُ‬
‫ؤوا منهجه‪.‬‬

‫لُء ال َ‬ ‫ل من أ َ‬
‫ض‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫د‬‫ح‬‫َ‬ ‫م ك ُّفاٌر فَل َ ْ‬
‫ن ي ُْقب َ َ ِ ْ‬ ‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا وَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫دى ب ِهِ أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ن )‪(91‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬
‫م وَ َ‬‫ب أِلي ٌ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬ ‫هبا ً وَل َوْ افْت َ َ‬‫ذَ َ‬
‫إن الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وماتوا على‬
‫الكفر بالله ورسوله‪ ,‬فلن ُيقبل من أحدهم يوم القيامة ملء الرض‬
‫ذهًبا; ليفتدي به نفسه من عذاب الله‪ ,‬ولو افتدى به نفسه فِْعل‪.‬‬
‫أولئك لهم عذاب موجع‪ ,‬وما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫الجزء الرابع ‪:‬‬

‫ن الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫يءٍ فَإ ِ ّ‬ ‫ن َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬
‫فُقوا ِ‬
‫ما ت ُن ْ ِ‬
‫ن وَ َ‬
‫حّبو َ‬
‫ما ت ُ ِ‬
‫م ّ‬
‫فُقوا ِ‬ ‫ن ت ََناُلوا ال ْب ِّر َ‬
‫حّتى ت ُن ْ ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫م )‪(92‬‬ ‫ب ِهِ عَِلي ٌ‬
‫لن تدركوا الجنة حتى تتصدقوا مما تحبون‪ ,‬وأي شيء تتصدقوا به‬
‫مهما كان قليل أو كثيًرا فإن الله به عليم‪ ,‬وسيجازي كل منفق‬
‫بحسب عمله‪.‬‬

‫ل عََلى ن َْف ِ‬
‫سهههِ‬ ‫سَراِئي ُ‬ ‫م إِ ْ‬‫حّر َ‬‫ما َ‬ ‫ل إ ِل ّ َ‬ ‫حل ّ ل ِب َِني إ ِ ْ‬
‫سَراِئي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل الط َّعام ِ َ‬
‫كا َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ل التوراة قُ ْ ْ‬ ‫من قَب َ‬
‫ن‬
‫صادِِقي َ‬‫م َ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل فَأُتوا ِبالت ّوَْراةِ َفات ُْلو َ‬
‫ها إ ِ ْ‬ ‫ن ت ُن َّز َ ّ ْ َ ُ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ِ ْ ْ ِ‬
‫)‪(93‬‬
‫كل الطعمة الطّيبة كانت حلل لبناء يعقوب عليه السلم إل ما‬
‫من قبل أن ت ُن َّزل‬
‫حّرم يعقوب على نفسه لمرض نزل به‪ ,‬وذلك ِ‬
‫التوراة‪ .‬فلما ن ُّزلت التوراة حّرم الله على بني إسرائيل بعض‬
‫الطعمة التي كانت حلل لهم; وذلك لظلمهم وبغيهم‪ .‬قل لهم ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ : -‬هاتوا التوراة‪ ,‬واقرؤوا ما فيها إن كنتم محقين في‬
‫دعواكم أن الله أنزل فيها تحريم ما حّرمه يعقوب على نفسه‪ ,‬حتى‬
‫تعلموا صدق ما جاء في القرآن من أن الله لم يحرم على بني‬
‫إسرائيل شيًئا من قبل نزول التوراة‪ ,‬إل ما حّرمه يعقوب على‬
‫نفسه‪.‬‬

‫ن)‬ ‫م الظ ّههال ِ ُ‬


‫مو َ‬ ‫ك فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ه ْ‬ ‫ن ب َعْدِ ذ َل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ الك َذِ َ‬
‫ب ِ‬ ‫م ْ‬‫فَ َ‬
‫‪(94‬‬
‫من كذب على الله من بعد قراءة التوراة ووضوح الحقيقة‪,‬‬ ‫ف َ‬
‫فأولئك هم الظالمون القائلون على الله بالباطل‪.‬‬

‫ن)‬
‫كي َ‬
‫شههرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫كا َ‬ ‫حِنيفا ً وَ َ‬
‫ما َ‬ ‫م َ‬
‫هي َ‬ ‫مل ّ َ‬
‫ة إ ِب َْرا ِ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬
‫ه َفات ّب ُِعوا ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل َ‬
‫‪(95‬‬

‫‪112‬‬
‫دق الله فيما أخبر به وفيما شرعه‪ .‬فإن‬ ‫ص َ‬
‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪َ -‬‬
‫كنتم صادقين في محبتكم وانتسابكم لخليل الله إبراهيم عليه‬
‫السلم فاتبعوا مّلته التي شرعها الله على لسان محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ,‬فإنها الحق الذي ل شك فيه‪ .‬وما كان إبراهيم عليه‬
‫دا‪.‬‬
‫السلم من المشركين بالله في توحيده وعبادته أح ً‬

‫ن )‪(96‬‬ ‫دى ل ِل َْعال َ ِ‬


‫مي َ‬ ‫مَباَركا ً وَهُ ً‬
‫ة ُ‬ ‫س ل َل ّ ِ‬
‫ذي ب ِب َك ّ َ‬ ‫ضعَ ِللّنا ِ‬
‫ت وُ ِ‬ ‫ن أ َوّ َ‬
‫ل ب َي ْ ٍ‬ ‫إِ ّ‬
‫إن أول بيت ُبني لعبادة الله في الرض لهو بيت الله الحرام الذي‬
‫في "مكة"‪ ,‬وهذا البيت مبارك تضاعف فيه الحسنات‪ ,‬وتتنزل فيه‬
‫الرحمات‪ ,‬وفي استقباله في الصلة‪ ,‬وقصده لداء الحج والعمرة‪,‬‬
‫صلح وهداية للناس أجمعين‪.‬‬

‫س‬ ‫َ‬ ‫نآ ِ ً ّ‬ ‫ه َ‬‫خل َ ُ‬


‫منا وَل ِلهِ عَلى الن ّهها ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫م ْ‬
‫م وَ َ‬‫هي َ‬
‫م إ ِب َْرا ِ‬
‫مَقا ُ‬‫ت َ‬‫ت ب َي َّنا ٌ‬
‫ِفيهِ آَيا ٌ‬
‫ن‬‫عه ْ‬
‫ي َ‬‫ه غَِنه ّ‬‫ن الّله َ‬
‫ن ك ََفهَر َفهإ ِ ّ‬
‫مه ْ‬ ‫سهِبيل ً وَ َ‬‫طاعَ إ ِل َْيههِ َ‬‫سهت َ َ‬
‫نا ْ‬‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ج ال ْب َي ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(97‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫في هذا البيت دللت ظاهرات أنه من بناء إبراهيم‪ ,‬وأن الله ع ّ‬
‫ظمه‬
‫جر الذي كان‬ ‫ح َ‬
‫وشّرفه‪ ,‬منها‪ :‬مقام إبراهيم عليه السلم‪ ,‬وهو ال َ‬
‫يقف عليه حين كان يرفع القواعد من البيت هو وابنه إسماعيل‪,‬‬
‫ن على نفسه فل يناله أحد بسوء‪ .‬وقد‬ ‫َ‬
‫م َ‬
‫ومن دخل هذا البيت أ ِ‬
‫أوجب الله على المستطيع من الناس في أي مكان قَ ْ‬
‫صد َ هذا البيت‬
‫لداء مناسك الحج‪ .‬ومن جحد فريضة الحج فقد كفر‪ ,‬والله غني‬
‫خْلقه‪.‬‬
‫جه وعمله‪ ,‬وعن سائر َ‬ ‫عنه وعن ح ّ‬

‫ش هِهيد ٌ عَل َههى َ‬


‫مهها‬ ‫ت الل ّههِ َوالل ّه ُ‬
‫ه َ‬ ‫م ت َك ُْف هُرو َ‬
‫ن ِبآي َهها ِ‬ ‫ب ل ِه َ‬ ‫ل َيا أ َهْ َ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن )‪(98‬‬ ‫مُلو َ‬‫ت َعْ َ‬
‫م تجحدون‬‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ :‬ل ِ َ‬
‫ت على أن دين الله هو السلم‪ ,‬وتنكرون ما في‬ ‫حجج الله التي دل ّ ْ‬
‫كتبهم من دلئل وبراهين على ذلك‪ ,‬وأنتم تعلمون؟ والله شهيد‬
‫على صنيعكم‪ .‬وفي ذلك تهديد ووعيد لهم‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫وجا ً‬
‫ع َ‬
‫ن ت َب ُْغون ََها ِ‬
‫م َ‬
‫نآ َ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬‫ص ّ‬
‫م تَ ُ‬ ‫ب لِ َ‬ ‫ل َيا أ َهْ َ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(99‬‬ ‫مُلو َ‬
‫ما ت َعْ َ‬
‫ل عَ ّ‬‫ه ب َِغافِ ٍ‬‫ما الل ّ ُ‬
‫داُء وَ َ‬ ‫م ُ‬
‫شه َ َ‬ ‫وَأن ْت ُ ْ‬
‫م تمنعون من السلم من‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لليهود والنصارى‪ :‬ل ِ َ‬
‫يريد الدخول فيه تطلبون له زيًغا وميل عن القصد والستقامة‪,‬‬
‫ت به هو الحق؟ وما الله بغافل عما تعملون‪,‬‬ ‫وأنتم تعلمون أن ما جئ ُ‬
‫وسوف يجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫يا أ َيها ال ّذين آمنوا إن تطيعوا فَريقا ً من ال ّذي ُ‬


‫دوك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫ب ي َُر ّ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ َ ُ ِ ْ ُ ِ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫ن )‪(100‬‬ ‫ري َ‬ ‫م َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬
‫ب َعْد َ ِإي َ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إن تطيعوا جماعة‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫من اليهود والنصارى ممن آتاهم الله التوراة والنجيل‪ ,‬يضلوكم‪,‬‬
‫شَبه في دينكم; لترجعوا جاحدين للحق بعد أن كنتم‬ ‫ويلقوا إليكم ال ّ‬
‫مؤمنين به‪ ,‬فل تأمنوهم على دينكم‪ ,‬ول تقبلوا لهم رأًيا أو مشورة‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫سههول ُ ُ‬
‫ه وَ َ‬ ‫ت الّلههِ وَِفيك ُه ْ‬
‫م َر ُ‬ ‫م ت ُت َْلى عَل َي ْك ُه ْ‬
‫م آي َهها ُ‬ ‫ف ت َك ُْفُرو َ‬
‫ن وَأن ْت ُ ْ‬ ‫وَك َي ْ َ‬
‫ست َِقيم ٍ )‪(101‬‬‫م ْ‬ ‫ط ُ‬‫صَرا ٍ‬ ‫م ِبالل ّهِ فََقد ْ هُدِيَ إ َِلى ِ‬ ‫ص ْ‬‫ي َعْت َ ِ‬
‫وكيف تكفرون بالله ‪-‬أيها المؤمنون ‪ ،-‬وآيات القرآن تتلى عليكم‪,‬‬
‫من‬‫وفيكم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يبلغها لكم؟ و َ‬
‫يتوكل على الله ويستمسك بالقرآن والسنة فقد وُّفق لطريق‬
‫واضح‪ ,‬ومنهاج مستقيم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مو َ‬
‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن إ ِل ّ وَأن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫موت ُ ّ‬
‫حقّ ت َُقات ِهِ َول ت َ ُ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫)‪(102‬‬

‫دقوا الله ورسوله‪ ،‬وعملوا بشرعه‪ ,‬خافوا الله حق‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫كر فل‬‫كر فل يكفر‪ ,‬وُيذ َ‬
‫خوفه‪ :‬وذلك بأن يطاع فل ُيعصى‪ ,‬وُيش َ‬
‫ينسى‪ ,‬وداوموا على تمسككم بإسلمكم إلى آخر حياتكم; لتلقوا‬
‫الله وأنتم عليه‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫م إ ِذ ْ‬‫كهه ْ‬‫ة الل ّهِ عَل َي ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ميعا ً َول ت ََفّرُقوا َواذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫موا ب ِ َ‬‫ص ُ‬
‫َواعْت َ ِ‬
‫م عَل َههى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك ُنت َ‬
‫وان ها ً وَك ُن ْت ُه ْ‬‫خ َ‬‫مت ِههِ إ ِ ْ‬‫م ب ِن ِعْ َ‬‫حت ُ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬
‫صب َ ْ‬ ‫ن قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫داًء فَأل ّ َ‬
‫ف ب َي ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ُْ ْ‬
‫م آَيههات ِهِ ل َعَل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫كهه ْ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ن الل ّ ُ‬ ‫من َْها ك َذ َل ِ َ‬
‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫م ِ‬‫ن الّنارِ فَأن َْقذ َك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حْفَرةٍ ِ‬ ‫شَفا ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(103‬‬ ‫دو َ‬ ‫ت َهْت َ ُ‬
‫سكوا جميًعا بكتاب ربكم وهدي نبيكم‪ ,‬ول تفعلوا ما يؤدي إلى‬ ‫وتم ّ‬
‫فرقتكم‪ .‬واذكروا نعمة جليلة أنعم الله بها عليكم‪ :‬إذ كنتم ‪-‬أيها‬
‫المؤمنون‪ -‬قبل السلم أعداء‪ ,‬فجمع الله قلوبكم على محبته‬
‫ومحبة رسوله‪ ,‬وألقى في قلوبكم محبة بعضكم لبعض‪ ,‬فأصبحتم‬
‫‪-‬بفضله‪ -‬إخوانا متحابين‪ ,‬وكنتم على حافة نار جهنم‪ ,‬فهداكم الله‬
‫جاكم من النار‪ .‬وكما بّين الله لكم معالم اليمان الصحيح‬ ‫بالسلم ون ّ‬
‫فكذلك يبّين لكم كل ما فيه صلحكم; لتهتدوا إلى سبيل الرشاد‪,‬‬
‫وتسلكوها‪ ,‬فل تضلوا عنها‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ول ْتك ُن منك ُ ُ‬


‫ن‬
‫ن عَ ْ‬
‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬
‫خي ْرِ وَي َأ ُ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬
‫م ٌ‬
‫مأ ّ‬ ‫َ َ ْ ِ ْ ْ‬
‫ن )‪(104‬‬ ‫حو َ‬ ‫مْفل ِ ُ‬‫م ال ْ ُ‬
‫ك هُ ْ‬‫من ْك َرِ وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ال ْ ُ‬
‫ولتكن منكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬جماعة تدعو إلى الخير وتأمر‬
‫عا وعقل وتنهى عن المنكر‪,‬‬ ‫عرف حسنه شر ً‬ ‫بالمعروف‪ ,‬وهو ما ُ‬
‫عا وعقل وأولئك هم الفائزون بجنات النعيم‪.‬‬
‫عرف قبحه شر ً‬ ‫وهو ما ُ‬

‫م ال ْب َي ّن َهها ُ‬
‫ت‬ ‫جههاَءهُ ْ‬
‫مهها َ‬
‫ن ب َعْهدِ َ‬ ‫خت َل َُفههوا ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ن ت ََفّرقُههوا َوا ْ‬ ‫كال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫كون ُههوا َ‬
‫َول ت َ ُ‬
‫م )‪(105‬‬ ‫ظي ٌ‬
‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬‫م عَ َ‬‫ك ل َهُ ْ‬‫وَأ ُوْل َئ ِ َ‬

‫ول تكونوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬كأهل الكتاب الذين وقعت بينهم العداوة‬
‫والبغضاء فتفّرقوا شيًعا وأحزاًبا‪ ,‬واختلفوا في أصول دينهم من بعد‬
‫ب عظيم موجع‪.‬‬ ‫أن اتضح لهم الحق‪ ,‬وأولئك مستحقون لعذا ٍ‬

‫يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فَأ َما ال ّذين اسودت وجههوهُه َ‬
‫م أك ََفْرت ُه ْ‬
‫م‬ ‫ُ ْ‬ ‫ِ َ ْ َ ّ ْ ُ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ َ ََْ ّ ُ ُ ٌ ََ ْ َ ّ ُ ُ ٌ‬
‫ن )‪(106‬‬ ‫م ت َك ُْفُرو َ‬
‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ب بِ َ‬ ‫ذوُقوا ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬
‫م فَ ُ‬ ‫ب َعْد َ ِإي َ‬
‫ض وجوه أهل السعادة الذين آمنوا بالله ورسوله‪,‬‬‫يوم القيامة ت َب ْي َ ّ‬
‫سوَد ّ وجوه أهل الشقاوة ممن كذبوا رسوله‪,‬‬
‫وامتثلوا أمره‪ ,‬وت َ ْ‬
‫خا‪:‬‬
‫دت وجوههم‪ ,‬فيقال لهم توبي ً‬
‫وعصوا أمره‪ .‬فأما الذين اسو ّ‬
‫‪115‬‬
‫أكفرتم بعد إيمانكم‪ ,‬فاخترتم الكفر على اليمان؟ فذوقوا العذاب‬
‫بسبب كفركم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن)‬
‫دو َ‬
‫خال ِه ُ‬ ‫مهةِ الل ّههِ هُ ه ْ‬
‫م ِفيهَهها َ‬ ‫م فَِفههي َر ْ‬
‫ح َ‬ ‫جوهُهُ ْ‬
‫ت وُ ُ‬
‫ض ْ‬
‫ن اب ْي َ ّ‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وَأ ّ‬
‫‪(107‬‬
‫شروا به من الخير‪,‬‬‫ت وجوهم بنضرة النعيم‪ ,‬وما ب ُ ّ‬
‫ض ْ‬
‫وأما الذين ابي ّ‬
‫دا‪.‬‬
‫فهم في جنة الله ونعيمها‪ ,‬وهم باقون فيها‪ ,‬ل يخرجون منها أب ً‬

‫ن)‬ ‫ري هد ُ ظ ُْلم ها ً ل ِْلعههال َ ِ‬


‫مي َ‬ ‫ما الل ّه ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬
‫حقّ وَ َ‬ ‫ها عَل َي ْ َ‬
‫ت الل ّهِ ن َت ُْلو َ‬ ‫ت ِل ْ َ‬
‫ك آَيا ُ‬
‫‪(108‬‬
‫صها عليك ‪-‬أيها‬‫هذه آيات الله وبراهينه الساطعة‪ ,‬نتلوها ونق ّ‬
‫دا من خلقه‪ ,‬ول‬‫الرسول‪ -‬بالصدق واليقين‪ .‬وما الله بظالم أح ً‬
‫بمنقص شيًئا من أعمالهم; لنه الحاكم العدل الذي ل يجور‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ض وَإ ِل َههى الّلههِ ت ُْر َ‬ ‫َ‬


‫مههوُر )‬
‫جهعُ ال ُ‬ ‫مهها فِههي الْر ِ‬
‫ت وَ َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫سه َ‬ ‫وَل ِل ّهِ َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬
‫‪(109‬‬
‫ك له وحده خلًقهها وتههدبيًرا‪,‬‬ ‫ولله ما في السموات وما في الرض‪ ,‬مل ٌ‬
‫ومصير جميع الخلئق إليه وحده‪ ,‬فيجازي كل على قدر استحقاقه‬
‫ك ُنتم خير أ ُمة أ ُخرجت للناس تأ ْ‬
‫ن ال ْ ُ‬
‫منك َِ‬
‫ر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫َ َ ْ‬‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ت‬‫و‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫رو‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫رو‬ ‫م‬
‫ُْ ْ َ َْ ّ ٍ ْ ِ َ ْ ِ ّ ِ َ ُ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫مُنههو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫خْيرا ً ل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ب لَ َ‬ ‫ن أ َهْ ُ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَل َوْ آ َ‬
‫م َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫وَت ُؤْ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(110‬‬ ‫سُقو َ‬ ‫م ال َْفا ِ‬ ‫وَأك ْث َُرهُ ْ‬
‫أنتم ‪ -‬يا أمة محمد ‪ -‬خير المم وأنفع الناس للناس‪ ,‬تأمرون‬
‫عا وعقل وتنهون عن المنكر‪,‬‬ ‫عرف حسنه شر ً‬ ‫بالمعروف‪ ,‬وهو ما ُ‬
‫ما‬
‫عا وعقل وتصدقون بالله تصديًقا جاز ً‬
‫عرف قبحه شر ً‬‫وهو ما ُ‬
‫يؤيده العمل‪ .‬ولو آمن أهل الكتاب من اليهود والنصارى بمحمد‬
‫صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند الله كما آمنتم‪ ,‬لكان‬
‫خيرا لهم في الدنيا والخرة‪ ,‬منهم المؤمنون المصدقون برسالة‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم العاملون بها‪ ,‬وهم قليل‪ ,‬وأكثرهم‬
‫الخارجون عن دين الله وطاعته‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫ن)‬
‫ص هُرو َ‬ ‫َ‬
‫م ي ُوَّلوك ُ ْ‬
‫م الد ْب َههاَر ث ُه ّ‬
‫م ل ي ُن ْ َ‬ ‫ن ي َُقات ُِلوك ُ ْ‬ ‫م إ ِل ّ أ َ ً‬
‫ذى وَإ ِ ْ‬ ‫ضّروك ُ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن يَ ُ‬
‫‪(111‬‬
‫لن يضركم هؤلء الفاسقون من أهل الكتاب إل ما يؤذي أسماعكم‬
‫من ألفاظ الشرك والكفر وغير ذلك‪ ,‬فإن يقاتلوكم ي ُهَْزموا‪ ,‬ويهربوا‬
‫موّلين الدبار‪ ,‬ثم ل ينصرون عليكم بأي حال‪.‬‬

‫ن‬‫مه ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن الّلههِ وَ َ‬


‫حب ْه‬ ‫ْ‬ ‫مه‬
‫ل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قُفههوا إ ِل ّ ب ِ َ‬
‫حب ْه‬ ‫مهها ث ُ ِ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ة أ َي ْه‬
‫م الذ ّل ّه ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ضرِب َ ْ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ة ذ َل ِه َ‬
‫ك ب ِهأن ّهُ ْ‬ ‫س هك َن َ ُ‬
‫م ْ‬‫م ال ْ َ‬‫ت عَل َي ْهِ ه ْ‬ ‫ن الل ّهِ وَ ُ‬
‫ضرِب َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ض ٍ‬ ‫س وََباُءوا ب ِغَ َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫وا‬ ‫ح هقّ ذ َل ِه َ‬ ‫َ‬ ‫ت الل ّهِ وَي َْقت ُُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ُْفُرو َ‬ ‫َ‬
‫صه ْ‬ ‫مهها عَ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ن النب َِياَء ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬
‫ن )‪(112‬‬ ‫دو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْت َ ُ‬ ‫وَ َ‬

‫ما ل يفارق اليهود‪ ,‬فهم أذلء‬


‫جعل الله الهوان والصغار أمًرا لز ً‬
‫جدوا‪ ,‬إل بعهد من الله وعهد من الناس يأمنون به‬ ‫محتقرون أينما وُ ِ‬
‫على أنفسهم وأموالهم‪ ,‬وذلك هو عقد الذمة لهم وإلزامهم أحكام‬
‫ضربت عليهم‬ ‫السلم‪ ,‬ورجعوا بغضب من الله مستحقين له‪ ,‬و ُ‬
‫الذّلة والمسكنة‪ ,‬فل ترى اليهوديّ إل وعليه الخوف والرعب من‬
‫أهل اليمان; ذلك الذي جعله الله عليهم بسبب كفرهم بالله‪,‬‬
‫وتجاوزهم حدوده‪ ,‬وقَْتلهم النبياء ظل ً‬
‫ما واعتداء‪ ,‬وما جّرأهم على‬
‫هذا إل ارتكابهم للمعاصي‪ ,‬وتجاوزهم حدود الله‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ل َيسوا سواًء م َ‬


‫ت الل ّهِ آن َههاءَ الل ّي ْه ِ‬
‫ل‬ ‫ة ي َت ُْلو َ‬
‫ن آَيا ِ‬ ‫ة َقائ ِ َ‬
‫م ٌ‬ ‫م ٌ‬
‫بأ ّ‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ن أه ْ ِ‬
‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ‬
‫ن )‪(113‬‬ ‫دو َ‬
‫ج ُ‬‫س ُ‬
‫م يَ ْ‬‫وَهُ ْ‬
‫ليس أهل الكتاب متساوين‪ :‬فمنهم جماعة مستقيمة على أمر الله‬
‫مؤمنة برسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬يقومون الليل مرتلين‬
‫آيات القرآن الكريم‪ ,‬مقبلين على مناجاة الله في صلواتهم‪.‬‬

‫ْ‬
‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْك َه ِ‬
‫ر‬ ‫ن ع َه ْ‬
‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬‫مُرو َ‬‫خرِ وَي َأ ُ‬‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫مُنو َ‬‫ي ُؤْ ِ‬
‫ن )‪(114‬‬ ‫ُ‬
‫ت وَأوْل َئ ِ َ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬‫وَي ُ َ‬
‫يؤمنون بالله واليوم الخر‪ ,‬ويأمرون بالخير كله‪ ,‬وينهون عن الشر‬
‫كّله‪ ,‬ويبادرون إلى فعل الخيرات‪ ,‬وأولئك ِ‬
‫من عباد الله الصالحين‪.‬‬
‫‪117‬‬
‫ن )‪(115‬‬ ‫م ِبال ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫ن ي ُك َْفُروهُ َوالل ّ ُ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫خي ْرٍ فَل َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ما ي َْفعَُلوا ِ‬
‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ل أو ك َُثر من أعمال الخير تعمله هذه الطائفة المؤمنة‬
‫وأيّ عمل ق ّ‬
‫فلن يضيع عند الله‪ ,‬بل ُيشكر لهم‪ ,‬ويجازون عليه‪ .‬والله عليم‬
‫بالمتقين الذين فعلوا الخيرات وابتعدوا عن المحرمات; ابتغاء‬
‫رضوان الله‪ ,‬وطلًبا لثوابه‪.‬‬

‫شههْيئا ً‬
‫ن الّلهههِ َ‬ ‫َ‬ ‫إن ال ّذين ك ََفروا ل َن تغْن ِي عَنه َ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫وال ُهُ ْ‬
‫م َول أْولد ُهُ ْ‬ ‫م َ‬‫مأ ْ‬ ‫ْ ُ َ ُْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ن )‪(116‬‬ ‫َ‬ ‫وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬
‫ب الّنارِ هُ ْ‬
‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫كأ ْ‬
‫إن الذين كفروا بآيات الله‪ ,‬وكذبوا رسله‪ ,‬لن تدفع عنهم أموالهم‬
‫ول أولدهم شيًئا من عذاب الله في الدنيا ول في الخرة‪ ,‬وأولئك‬
‫أصحاب النار الملزمون لها‪ ,‬ل يخرجون منها‪.‬‬

‫َ‬
‫ت‬‫صههاب َ ْ‬
‫صهّر أ َ‬ ‫ح ِفيهَهها ِ‬‫ٍ‬ ‫ل ِريه‬ ‫مث َ ِ‬‫حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ‬ ‫ن ِفي هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫فُقو َ‬ ‫ما ي ُن ْ ِ‬‫ل َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫س هه ُ ْ‬‫ن أن ُْف َ‬
‫ه وَلك ِه ْ‬
‫م الل ُ‬‫مه ُ ْ‬
‫ما ظل َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م فَأهْلكت ْ ُ‬ ‫سه ُ ْ‬
‫موا أن ُْف َ‬‫ث قَوْم ٍ ظل ُ‬ ‫حْر َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(117‬‬ ‫مو َ‬‫ي َظ ْل ِ ُ‬
‫ل ما ينفق الكافرون في وجوه الخير في هذه الحياة الدنيا وما‬ ‫مث َ ُ‬
‫َ‬
‫ت على زرع قوم‬ ‫يؤملونه من ثواب‪ ,‬كمثل ريح فيها برد شديد هَب ّ ْ‬
‫ق الريح منه شيًئا‪ .‬وهؤلء‬ ‫كانوا يرجون خيره‪ ,‬وبسبب ذنوبهم لم ت ُب ْ ِ‬
‫الكافرون ل يجدون في الخرة ثواًبا‪ ,‬وما ظلمهم الله بذلك‪ ,‬ولكنهم‬
‫ظلموا أنفسهم بكفرهم وعصيانهم‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫دوا‬ ‫خب َههال ً وَ ّ‬
‫م َ‬‫م ل ي َهأُلون َك ُ ْ‬‫دون ِك ُ ْ‬‫ن ُ‬‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫ذوا ب ِ َ‬
‫طان َ ً‬ ‫خ ُ‬
‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫خفي صدورهُ َ‬ ‫ما عَن ِتم قَد بدت ال ْبغْضاُء م َ‬
‫م أك ْب َُر َقههد ْ‬‫ُ ُ ُ ْ‬ ‫ما ت ُ ْ ِ‬‫م وَ َ‬‫واهِهِ ْ‬ ‫ن أفْ َ‬‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ْ ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(118‬‬ ‫ُ‬
‫م ت َعِْقلو َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ت إِ ْ‬‫م الَيا ِ‬ ‫َ‬
‫ب َي ّّنا لك ُ ْ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ل تتخذوا‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫طلعونهم على أسراركم‪,‬‬ ‫الكافرين أولياء من دون المؤمنين‪ ,‬ت ُ ْ‬
‫فهؤلء ل ي َْفُترون عن إفساد حالكم‪ ,‬وهم يفرحون بما يصيبكم من‬
‫ضرر ومكروه‪ ,‬وقد ظهرت شدة البغض في كلمهم‪ ,‬وما تخفي‬
‫صدورهم من العداوة لكم أكبر وأعظم‪ .‬قد بي ّّنا لكم البراهين‬
‫‪118‬‬
‫والحجج‪ ,‬لتتعظوا وتحذروا‪ ,‬إن كنتم تعقلون عن الله مواعظه وأمره‬
‫ونهيه‪.‬‬

‫ذا ل َُقههوك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ب ك ُل ّهِ وَإ ِ َ‬
‫ن ِبال ْك َِتا ِ‬‫مُنو َ‬ ‫م وَت ُؤْ ِ‬ ‫حّبون َك ُ ْ‬
‫م َول ي ُ ِ‬ ‫حّبون َهُ ْ‬‫م أ ُْولِء ت ُ ِ‬ ‫َ َ‬
‫هاأن ْت ُ ْ‬
‫موُتهوا‬ ‫ل ُ‬ ‫ظ ُقه ْ‬ ‫ن الغَْيه ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫مه َ‬‫م ال ََنا ِ‬ ‫ضهوا عَل َي ْ ُ‬
‫كه ْ‬ ‫وا عَ ّ‬ ‫خَله ْ‬
‫ذا َ‬ ‫مّنها وَإ ِ َ‬‫َقاُلوا آ َ‬
‫دورِ )‪(119‬‬ ‫ص ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬‫م بِ َ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب ِغَي ْظ ِك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬
‫ها هوذا الدليل على خطئكم في محبتهم‪ ,‬فأنتم تحبونهم وتحسنون‬
‫إليهم‪ ,‬وهم ل يحبونكم ويحملون لكم العداوة والبغضاء‪ ,‬وأنتم‬
‫تؤمنون بالكتب المنزلة كلها ومنها كتابهم‪ ,‬وهم ل يؤمنون بكتابكم‪,‬‬
‫فكيف تحبونهم؟ وإذا لقوكم قالوا ‪-‬نفاًقا‪ : -‬آمّنا وصد ّْقنا‪ ,‬وإذا خل‬
‫ضوا أطراف أصابعهم‬ ‫بعضهم إلى بعض بدا عليهم الغم والحزن‪ ,‬فعَ ّ‬
‫من شدة الغضب‪ ,‬لما يرون من ألفة المسلمين واجتماع كلمتهم‪,‬‬
‫وإعزاز السلم‪ ,‬وإذللهم به‪ .‬قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬موتوا بشدة‬
‫غضبكم‪ .‬إن الله مط ِّلع على ما تخفي الصدور‪ ,‬وسيجازي كل على‬
‫من خير أو شر‪.‬‬ ‫دم ِ‬
‫ما ق ّ‬

‫ن‬
‫حهوا ب َِهها وَإ ِ ْ‬
‫ة ي َْفَر ُ‬ ‫سهي ّئ َ ٌ‬‫م َ‬ ‫صهب ْك ُ ْ‬‫ن تُ ِ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬‫سهؤْهُ ْ‬ ‫ة تَ ُ‬‫سهن َ ٌ‬‫ح َ‬ ‫سهك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬‫ن تَ ْ‬‫إِ ْ‬
‫ط)‬ ‫حي ه ٌ‬‫م ِ‬ ‫ن ُ‬‫مل ُههو َ‬
‫مهها ي َعْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫شْيئا ً إ ِ ّ‬‫م َ‬ ‫م ك َي ْد ُهُ ْ‬
‫ضّرك ُ ْ‬ ‫صب ُِروا وَت َت ُّقوا ل ي َ ُ‬‫تَ ْ‬
‫‪(120‬‬
‫من‬‫ومن عداوة هؤلء أنكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬إن نزل بكم أمٌر حسن ِ‬
‫نصر وغنيمة ظهرت عليهم الكآبة والحزن‪ ,‬وإن وقع بكم مكروه من‬
‫هزيمة أو نقص في الموال والنفس والثمرات فرحوا بذلك‪ ,‬وإن‬
‫تصبروا على ما أصابكم‪ ,‬وتتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه‪ ,‬ل‬
‫يضركم أذى مكرهم‪ .‬والله بجميع ما يعمل هؤلء الكفار من الفساد‬
‫محيط‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫ع‬
‫مي ٌ‬
‫سه ِ‬ ‫ل َوالل ّه ُ‬
‫ه َ‬ ‫ع هد َ ل ِل ِْقت َهها ِ‬
‫مَقا ِ‬
‫ن َ‬
‫مِني َ‬ ‫ن أ َهْل ِ َ‬
‫ك ت ُب َهوّئُ ال ْ ُ‬
‫م هؤ ْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬‫وَإ ِذ ْ غَد َوْ َ‬
‫م )‪(121‬‬ ‫عَِلي ٌ‬

‫‪119‬‬
‫دة الحرب‪,‬‬
‫سا عُ ّ‬
‫ت من بيتك لب ً‬
‫ج َ‬
‫خَر ْ‬‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حين َ‬
‫زل كل واحد في منزله للقاء المشركين‬ ‫صفوف أصحابك‪ ,‬وت ُن ْ ِ‬ ‫تنظم‬
‫حد"‪ .‬والله سميع لقوالكم‪ ,‬عليم بأفعالكم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫في غزوة "أ ُ‬

‫ما وَعََلى الل ّههِ فَل ْي َت َوَك ّه ْ‬ ‫طائ َِفتان منك ُ َ‬


‫ل‬ ‫شل َوالل ّ ُ‬
‫ه وَل ِي ّهُ َ‬ ‫ن ت َْف َ‬
‫مأ ْ‬‫ت َ َ ِ ِ ْ ْ‬ ‫إ ِذ ْ هَ ّ‬
‫م ْ‬
‫ن )‪(122‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫سِلمة وبني حارثة حين‬ ‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما كان من أمر بني َ‬
‫ي;‬ ‫ُ‬
‫حدثتهم أنفسهم بالرجوع مع زعيمهم المنافق عبد الله بن أب ّ‬
‫خوًفا من لقاء العدو‪ ,‬ولكن الله عصمهم وحفظهم‪ ,‬فساروا معك‬
‫متوكلين على الله‪ .‬وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون‪.‬‬

‫ش هك ُُرو َ‬
‫ن)‬ ‫ه ل َعَل ّك ُه ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫م أ َذِل ّه ٌ‬
‫ة فَههات ُّقوا الل ّه َ‬
‫َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه ب ِب َد ْرٍ وَأن ْت ُه ْ‬ ‫وَل ََقد ْ ن َ َ‬
‫صَرك ُ ْ‬
‫‪(123‬‬
‫ولقد نصركم الله ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬به "بدر" على أعدائكم المشركين‬
‫ددكم‪ ,‬فخافوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه;‬
‫ددكم وعُ َ‬
‫مع قلة عَ َ‬
‫لعلكم تشكرون له نعمه‪.‬‬

‫ل ل ِل ْمؤْمِنين أ َل َهن يك ْفيك ُه َ‬


‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ف ِ‬ ‫م َرب ّك ُه ْ‬
‫م ب َِثلث َهةِ آل ٍ‬ ‫م هد ّك ُ ْ‬
‫ن يُ ِ‬
‫مأ ْ‬‫ْ َ ِ َ ْ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫إ ِذ ْ ت َُقو ُ‬
‫ن )‪(124‬‬ ‫من َْزِلي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ملئ ِك َةِ ُ‬
‫ق‬
‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما كان من أمر أصحابك في "بدر" حين ش ّ‬
‫دد للمشركين‪ ,‬فأوحينا إليك أن تقول لهم‪ :‬ألن‬ ‫م َ‬
‫عليهم أن يأتي َ‬
‫من َْزلين من‬
‫تكفيكم معونة ربكم بأن يمدكم بثلثة آلف من الملئكة ُ‬
‫السماء إلى أرض المعركة‪ ,‬يثبتونكم‪ ,‬ويقاتلون معكم‪.‬‬

‫ْ‬
‫م َرب ّك ُه ْ‬
‫م‬ ‫مهدِد ْك ُ ْ‬ ‫ن فَهوْرِهِ ْ‬
‫م هَ ه َ‬
‫ذا ي ُ ْ‬ ‫مه ْ‬
‫م ِ‬‫صهب ُِروا وَت َت ُّقههوا وَي َهأُتوك ُ ْ‬ ‫ب َل َههى إ ِ ْ‬
‫ن تَ ْ‬
‫ن )‪(125‬‬ ‫مي َ‬‫سو ّ ِ‬
‫م َ‬‫ملئ ِك َةِ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬‫ف ِ‬ ‫سةِ آل ٍ‬ ‫م َ‬
‫خ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫دد‪ .‬وبشارة أخرى لكم‪ :‬إن تصبروا على لقاء‬ ‫م َ‬
‫بلى يكفيكم هذا ال َ‬
‫العدو وتتقوا الله بِفْعل ما أمركم به واجتناب ما نهاكم عنه‪ ,‬ويأت‬
‫كفار "مكة" على الفور مسرعين لقتالكم‪ ,‬يظنون أنهم‬

‫‪120‬‬
‫ومين‬
‫يستأصلونكم‪ ,‬فإن الله يمدكم بخمسة آلف من الملئكة مس ّ‬
‫أي‪ :‬قد أعلموا أنفسهم وخيولهم بعلمات واضحات‪.‬‬

‫ن‬ ‫صُر إ ِل ّ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما الن ّ ْ‬ ‫ن قُُلوب ُك ُ ْ‬
‫م ب ِهِ وَ َ‬ ‫م وَل ِت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫شَرى ل َك ُ ْ‬ ‫ه الل ّ ُ‬
‫ه إ ِل ّ ب ُ ْ‬ ‫جعَل َ ُ‬
‫ما َ‬‫وَ َ‬
‫كيم ِ )‪(126‬‬ ‫ح ِ‬‫زيزِ ال ْ َ‬ ‫عن ْدِ الل ّهِ ال ْعَ ِ‬
‫ِ‬
‫وما جعل الله هذا المداد بالملئكة إل بشرى لكم يبشركم بها‬
‫ولتطمئن قلوبكم‪ ,‬وتطيب بوعد الله لكم‪ .‬وما النصر إل من عند‬
‫الله العزيز الذي ل يغاَلب‪ ,‬الحكيم في تدبيره وفعله‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(127‬‬ ‫خائ ِِبي َ‬ ‫ن ك ََفُروا أوْ ي َك ْب ِت َهُ ْ‬
‫م فَي َن َْقل ُِبوا َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ِي َْقط َعَ ط ََرفا ً ِ‬
‫م ْ‬
‫در" ليهلك فريًقا مههن الكفههار بالقتهل‪ ,‬ومهن‬ ‫وكان نصر الله لكم به "ب ْ‬
‫نجا منهم من القتل رجع حزيًنا قد ضاقت عليه نفسههه‪ ,‬ي َ ْ‬
‫ظهههر عليههه‬
‫الخزي والعار‬

‫م َ‬ ‫شيٌء أ َو يتوب عَل َيه َ‬ ‫َ‬ ‫س لَ َ‬


‫ن‬
‫مو َ‬
‫ظههال ِ ُ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫م أوْ ي ُعَذ ّب َهُ ْ‬
‫ِْ ْ‬ ‫ْ َُ َ‬ ‫مرِ َ ْ‬
‫ن ال ْ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫)‪(128‬‬
‫ليس لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من أمر العباد شيء‪ ,‬بل المر كله لله‬
‫تعالى وحده ل شريك له‪ ,‬ولعل بعض هؤلء الذين قاتلوك تنشرح‬
‫صدورهم للسلم فيسلموا‪ ,‬فيتوب الله عليهم‪ .‬ومن بقي على‬
‫كفره يعذبه الله في الدنيا والخرة بسبب ظلمه وبغيه‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫شاُء وَي ُعَ هذ ّ ُ‬
‫ب َ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬
‫ض ي َغِْفُر ل ِ َ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬
‫ت وَ َ‬‫وا ِ‬
‫م َ‬‫س َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬ ‫وَل ِل ّهِ َ‬
‫م )‪(129‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬
‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫يَ َ‬
‫ولله وحده ما في السموات وما في الرض‪ ,‬يغفر لمن يشاء من‬
‫عباده برحمته‪ ,‬ويعذب من يشاء بعدله‪ .‬والله غفور لذنوب عباده‪,‬‬
‫رحيم بهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫ه ل َعَل ّك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ة َوات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ضاعََف ً‬ ‫ضَعافا ً ُ‬
‫م َ‬ ‫مُنوا ل ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(130‬‬ ‫حو َ‬ ‫ت ُْفل ِ ُ‬
‫‪121‬‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه احذروا الربا‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫بجميع أنواعه‪ ,‬ول تأخذوا في القرض زيادة على رؤوس أموالكم‬
‫وإن قّلت‪ ,‬فكيف إذا كانت هذه الزيادة تتضاعف كلما حان موعد‬
‫سداد الدين؟ واتقوا الله بالتزام شرعه; لتفوزوا في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ن )‪(131‬‬
‫ري َ‬ ‫ت ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫َوات ُّقوا الّناَر ال ِّتي أ ُ ِ‬
‫عد ّ ْ‬
‫اجعلوا لنفسكم وقاية بينكم وبين النار التي هُّيئت للكافرين‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(132‬‬
‫مو َ‬
‫ح ُ‬ ‫ل ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت ُْر َ‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬
‫ه َوالّر ُ‬ ‫وَأ ِ‬
‫وأطيعوا الله ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬فيما أمركم به من الطاعات وفيما‬
‫نهاكم عنه من أكل الربا وغيره من الشياء‪ ,‬وأطيعوا الرسول;‬
‫لترحموا‪ ,‬فل تعذبوا‪.‬‬

‫َ‬
‫ض‬
‫ت َوالْر ُ‬
‫وا ُ‬
‫م َ‬
‫سه َ‬
‫ضهَها ال ّ‬
‫جن ّهةٍ عَْر ُ‬ ‫ن َرب ّك ُه ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫مه ْ‬ ‫عوا إ َِلى َ‬
‫مغِْفَرةٍ ِ‬ ‫سارِ ُ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(133‬‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫أُ ِ‬
‫عد ّ ْ‬
‫وبادروا بطاعتكم لله ورسوله لغتنام مغفرة عظيمة من ربكم وجنة‬
‫واسعة‪ ,‬عرضها السموات والرض‪ ,‬أعدها الله للمتقين‪.‬‬

‫ن‬ ‫ظ َوال َْعاِفي َ‬


‫ن عَ ْ‬ ‫ن ال ْغَي ْ َ‬
‫مي َ‬ ‫ضّراءِ َوال ْ َ‬
‫كاظ ِ ِ‬ ‫سّراِء َوال ّ‬‫ن ِفي ال ّ‬ ‫فُقو َ‬ ‫ن ي ُن ْ ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(134‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫س َوالل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫الّنا ِ‬
‫الذين ينفقون أموالهم في اليسر والعسر‪ ,‬والذين يمسكون ما في‬
‫من ظلمهم‪ .‬وهذا هو‬ ‫أنفسهم من الغيظ بالصبر‪ ,‬وإذا قَ َ‬
‫دروا عََفوا ع ّ‬
‫الحسان الذي يحب الله أصحابه‪.‬‬

‫َ‬ ‫ش ً َ‬
‫ه َفا ْ‬
‫س هت َغَْفُروا‬ ‫م ذ َك َُروا الّلهه َ‬
‫سه ُ ْ‬
‫موا أن ُْف َ‬ ‫ة أوْ ظ َل َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا فَعَُلوا َفا ِ‬‫ن إِ َ‬‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫مهها فَعَل ُههوا وَهُه ْ‬
‫م‬ ‫صّروا عَل َههى َ‬ ‫م يُ ِ‬‫ه وَل َ ْ‬
‫ب إ ِل ّ الل ّ ُ‬‫ن ي َغِْفُر الذ ُّنو َ‬
‫م ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ل ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫ن )‪(135‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬

‫‪122‬‬
‫والذين إذا ارتكبوا ذنًبا كبيًرا أو ظلموا أنفسهم بارتكاب ما دونه‪,‬‬
‫ذكروا وعد الله ووعيده فلجأوا إلى ربهم تائبين‪ ,‬يطلبون منه أن‬
‫يغفر لهم ذنوبهم‪ ,‬وهم موقنون أنه ل يغفر الذنرب إل الله‪ ,‬فهم‬
‫لذلك ل يقيمون على معصية‪ ,‬وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله‬
‫عليهم ‪.‬‬

‫حت ِهَهها ال َن ْهَههاُر‬


‫ن تَ ْ‬
‫مه ْ‬
‫ري ِ‬
‫جه ِ‬
‫ت تَ ْ‬
‫جن ّهها ٌ‬
‫م وَ َ‬
‫ن َرب ّهِه ْ‬ ‫م ْ‬‫مغِْفَرةٌ ِ‬ ‫جَزاؤُهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك َ‬
‫خال ِدين فيها ون ِع َ‬
‫ن )‪(136‬‬ ‫مِلي َ‬ ‫جُر ال َْعا ِ‬
‫مأ ْ‬‫َ ِ َ ِ َ َ ْ َ‬
‫أولئك الموصوفون بتلك الصفات العظيمة جزاؤهم أن يستر الله‬
‫ذنوبهم‪ ,‬ولهم جنات تجري من تحت أشجارها وقصورها المياه‬
‫م أجر العاملين‬
‫دا‪ .‬ون ِعْ َ‬
‫العذبة‪ ,‬خالدين فيها ل يخرجون منها أب ً‬
‫المغفرة والجنة‪.‬‬

‫ن‬ ‫ف َ‬
‫كها َ‬ ‫سهيُروا ِفهي ال َْرض َفهان ْ ُ‬
‫ظروا ك َْيه َ‬ ‫ن فَ ِ‬
‫سهن َ ٌ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫قَد ْ َ‬
‫ِ‬
‫ن )‪(137‬‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫َ‬
‫ما ُأصيبوا يوم "ُأحد" تعزية لهم بأنه قد‬
‫يخاطب الله المؤمنين له ّ‬
‫مضت من قبلكم أمم‪ ,‬ابُتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين فكانت‬
‫العاقبة لهم‪ ,‬فسيروا في الرض معتبرين بما آل إليه أمر أولئك‬
‫المكذبين بالله ورسله‪.‬‬

‫ن )‪(138‬‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫عظ َ ٌ‬
‫مو ْ ِ‬
‫دى وَ َ‬
‫س وَهُ ً‬
‫ن ِللّنا ِ‬ ‫هَ َ‬
‫ذا ب ََيا ٌ‬
‫هذا القرآن بيان وإرشاد إلى طريق الحق‪ ,‬وتذكير تخشع له قلوب‬
‫صوا بذلك; لنهم هم‬
‫خ ّ‬
‫المتقين‪ ,‬وهم الذين يخشون الله‪ ,‬و ُ‬
‫المنتفعون به دون غيرهم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(139‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫م ال َعْل َوْ َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ْ‬
‫َول ت َهُِنوا َول ت َ ْ‬
‫ضُعفوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬عن قتال عدوكم‪ ,‬ول تحزنوا لما‬
‫ول ت ْ‬
‫ُ‬
‫أصابكم في "أحد"‪ ,‬وأنتم الغالبون والعاقبة لكم‪ ,‬إن كنتم مصدقين‬
‫بالله ورسوله مّتبعين شرعه‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫داوِل َُها‬ ‫مث ُْلهه وت ِْله َ َ‬
‫م ُنه َ‬‫ك الّيها ُ‬ ‫ح ِ ُ َ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫س ال َْقوْ َ‬
‫م ّ‬ ‫ح فََقد ْ َ‬ ‫م قَْر ٌ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬‫م َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫ب‬‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫داَء َوالل ّ ُ‬ ‫م ُ‬
‫شه َ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫خذ َ ِ‬‫مُنوا وَي َت ّ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫س وَل ِي َعْل َ َ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ن )‪(140‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫إن أصابتكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬جراح أو قتل في غزوة "ُأحد" فحزنتم‬
‫لذلك‪ ,‬فقد أصاب المشركين جراح وقتل مثل ذلك في غزوة "بدر"‪.‬‬
‫صّرفها الله بين الناس‪ ,‬نصر مرة وهزيمة أخرى‪ ,‬لما‬ ‫وتلك اليام ي ُ َ‬
‫في ذلك من الحكمة‪ ,‬حتى يظهر ما علمه الله في الزل ليميز الله‬
‫ما منكم بالشهادة‪ .‬والله ل‬ ‫من غيره‪ ,‬وي ُك ْرِ َ‬
‫م أقوا ً‬ ‫المؤمن الصادق ِ‬
‫يحب الذين ظلموا أنفسهم‪ ,‬وقعدوا عن القتال في سبيله‪.‬‬

‫ن )‪(141‬‬ ‫ري َ‬ ‫حق َ ا ل ْ َ‬


‫كافِ ِ‬ ‫م َ‬
‫مُنوا وَي َ ْ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬
‫ص الل ّ ُ‬
‫ح َ‬
‫م ّ‬
‫وَل ِي ُ َ‬
‫وهذه الهزيمة التي وقعت في "ُأحد" كانت اختباًرا وتصفية‬
‫كا للكافرين‪.‬‬‫صا لهم من المنافقين وهل ً‬ ‫للمؤمنين‪ ,‬وتخلي ً‬

‫أ َم حسبت َ‬
‫من ْك ُه ْ‬
‫م‬ ‫دوا ِ‬
‫جاهَه ُ‬
‫ن َ‬ ‫ه ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م الل ّه ُ‬
‫مهها ي َعْل َه ْ‬
‫ة وَل َ ّ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬
‫جن ّه َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ن )‪(142‬‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬ ‫وَي َعْل َ َ‬
‫م ال ّ‬
‫يا أصحاب محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬أظننتم أن تدخلوا الجنة‪,‬‬
‫ولم ت ُب َْتلوا بالقتال والشدائد؟ ل يحصل لكم دخولها حتى ت ُْبتلوا‪,‬‬
‫ويعلم الله ‪-‬علما ظاهرا للخلق‪ -‬المجاهدين منكم في سبيله‪,‬‬
‫والصابرين على مقاومة العداء‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ول ََقد ك ُنتم تتمنون ال ْمهوت مهن قَبه َ‬


‫م‬ ‫ن ت َل َْقهوْهُ فََقهد ْ َرأي ْت ُ ُ‬
‫مههوهُ وَأن ْت ُه ْ‬ ‫لأ ْ‬‫َ ْ َ ِ ْ ْ ِ‬ ‫َ ْ ُْ ْ ََ َ ّ ْ‬
‫ن )‪(143‬‬ ‫ت َن ْظ ُُرو َ‬
‫ولقد كنتم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬قبل غزوة "ُأحد" تتمنون لقاء العدو;‬
‫ظي به‬‫ح ِ‬
‫لتنالوا شرف الجهاد والستشهاد في سبيل الله الذي َ‬
‫إخوانكم في غزوة "بدر"‪ ,‬فها هو ذا قد حصل لكم الذي تمنيتموه‬
‫وطلبتموه‪ ,‬فدونكم فقاتلوا وصابروا‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫ل‬ ‫ت أ َوْ قُِتهه َ‬ ‫مهها َ‬
‫خل َت من قَبل ِه الرس ُ َ‬
‫ل أفَإ ِْين َ‬ ‫ل قَد ْ َ ْ ِ ْ ْ ِ ّ ُ‬ ‫سو ٌ‬ ‫مد ٌ إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ح ّ‬
‫م َ‬‫ما ُ‬ ‫وَ َ‬
‫شهْيئا ً‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫ضهّر الل ّه َ‬
‫ن يَ ُ‬‫ب عََلى عَِقب َي ْهِ فَل َه ْ‬
‫ن ي َن َْقل ِ ْ‬
‫م ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫م عََلى أعَْقاب ِك ُ ْ‬ ‫ان َْقل َب ْت ُ ْ‬
‫ن )‪(144‬‬ ‫ري َ‬
‫شاك ِ ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫زي الل ّ ُ‬ ‫ج ِ‬‫سي َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫وما محمد إل رسول من جنس الرسل الذين قبله يبلغ رسالة ربه‪.‬‬
‫أفإن مات بانقضاء أجله أو قُِتل كما أشاعه العداء رجعتم عن‬
‫جعُ منكم عن دينه فلن‬ ‫دينكم‪ ,,‬تركتم ما جاءكم به نبيكم؟ ومن ير ِ‬
‫من ثبت على‬ ‫ما‪ .‬أما َ‬‫يضر الله شيًئا‪ ,‬إنما يضر نفسه ضرًرا عظي ً‬
‫اليمان وشكر ربه على نعمة السلم‪ ,‬فإن الله يجزيه أحسن‬
‫الجزاء‪.‬‬

‫َ‬
‫ب‬ ‫ن ي ُهرِد ْ ث َه َ‬
‫وا َ‬ ‫مه ْ‬‫جل ً وَ َ‬ ‫ن الل ّهِ ك َِتابا ً ُ‬
‫م هؤ َ ّ‬ ‫ت إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ن تَ ُ‬‫أ ْ‬ ‫س‬
‫ن ل ِن َْف ٍ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬
‫ري َ‬
‫شاك ِ ِ‬ ‫زي ال ّ‬ ‫ج ِ‬
‫سن َ ْ‬
‫من َْها وَ َ‬‫خَرةِ ن ُؤْت ِهِ ِ‬‫ب ال ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ن ي ُرِد ْ ث َ َ‬‫م ْ‬‫وَ َ‬ ‫الد ّن َْيا ن ُؤْت ِهِ ِ‬
‫من َْها‬
‫)‪(145‬‬
‫لن يموت أحد إل بإذن الله وقدره وحتى يستوفي المدة التي قدرها‬
‫جل‪ .‬ومن يطلب بعمله عََرض الدنيا‪ ,‬نعطه ما‬ ‫الله له كتاًبا مؤ ّ‬
‫ظ له في الخرة‪ ,‬ومن يطلب بعمله‬ ‫قسمناه له من رزق‪ ,‬ول ح ّ‬
‫الجزاء من الله في الخرة نمنحه ما طلبه‪ ,‬ونؤته جزاءه وافًرا مع‬
‫ما َله في الدنيا من رزق مقسوم‪ ,‬فهذا قد َ‬
‫شك ََرنا بطاعته وجهاده‪,‬‬
‫وسنجزي الشاكرين خيًرا‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م فِههي‬
‫صههاب َهُ ْ‬
‫مهها أ َ‬‫مهها وَهَن ُههوا ل ِ َ‬‫ن ك َِثيهٌر فَ َ‬ ‫ه رِب ّّيو َ‬
‫مع َ ُ‬ ‫ي َقات َ َ‬
‫ل َ‬ ‫ن ن َب ِ ّ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫وَك َأي ّ ْ‬
‫ن )‪(146‬‬ ‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬‫ه يُ ِ‬‫كاُنوا َوالل ّ ُ‬
‫ست َ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ضعُُفوا وَ َ‬ ‫ما َ‬‫ل الل ّهِ وَ َ‬‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫كثير من النبياء السابقين قاتل معهم جموع كثيرة من أصحابهم‪,‬‬
‫ما نزل بهم من جروح أو قتل; لن ذلك في سبيل‬ ‫فما ضعفوا ل ِ َ‬
‫جزوا‪ ,‬ول خضعوا لعدوهم‪ ,‬إنما صبروا على ما أصابهم‪.‬‬‫ربهم‪ ,‬وما عَ َ‬
‫والله يحب الصابرين‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َقاُلوا َرب َّنا اغِْفْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَإ ِ ْ‬
‫سهَرافََنا فِههي أ ْ‬
‫مرِن َهها‬ ‫م إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ن قَوْل َهُ ْ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫صْرَنا عََلى ال َْقوْم ِ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(147‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫مَنا َوان ْ ُ‬ ‫ت أقْ َ‬
‫دا َ‬ ‫وَث َب ّ ْ‬

‫‪125‬‬
‫وما كان قول هؤلء الصابرين إل أن قالوا‪ :‬ربنا اغفر لنا ذنوبنا‪ ,‬وما‬
‫من تجاوزٍ في أمر ديننا‪ ,‬وثّبت أقدامنا حتى ل نفّر من قتال‬
‫وقع منا ِ‬
‫من جحد وحدانيتك ونبوة أنبيائك‪.‬‬ ‫عدونا‪ ,‬وانصرنا على َ‬

‫ن‬
‫س هِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫حه ّ‬ ‫خَرةِ َوالل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ن ثَ َ‬
‫وا ِ‬ ‫س َ‬
‫ح ْ‬
‫ب الد ّن َْيا وَ ُ‬
‫وا َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه ثَ َ‬ ‫َفآَتاهُ ْ‬
‫)‪(148‬‬
‫فأعطى الله أولئك الصابرين جزاءهم في الدنيا بالنصر على‬
‫أعدائهم‪ ,‬وبالتمكين لهم في الرض‪ ,‬وبالجزاء الحسن العظيم في‬
‫من أحسن عبادته لربه‬ ‫الخرة‪ ,‬وهو جنات النعيم‪ .‬والله يحب ك ّ‬
‫ل َ‬
‫ومعاملته لخلقه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَل َههى أعَْقههاب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫دوك ُه ْ‬
‫ن ك ََف هُروا ي َُر ّ‬ ‫طيُعوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن تُ ِ‬
‫مُنوا إ ِ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(149‬‬ ‫ري َ‬‫س ِ‬
‫خا ِ‬ ‫فَت َن َْقل ُِبوا َ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬إن تطيعوا الذين‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫جحدوا ألوهيتي‪ ,‬ولم يؤمنوا برسلي من اليهود والنصارى‬
‫والمنافقين والمشركين فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه‪ ,‬يضلوكم‬
‫دوا عن دينكم‪ ,‬فتعودوا بالخسران المبين‬‫عن طريق الحق‪ ,‬وترت ّ‬
‫والهلك المحقق‪.‬‬

‫ن )‪(150‬‬
‫ري َ‬
‫ص ِ‬
‫خي ُْر الّنا ِ‬ ‫ولك ُ ْ‬
‫م وَهُوَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫بَ ْ‬
‫إنهم لن ينصروكم‪ ,‬بل الله ناصركم‪ ,‬وهو خير ناصر‪ ,‬فل يحتاج معه‬
‫إلى نصرة أحد‪.‬‬

‫ما ل َ ْ‬
‫م ي ُن َّز ْ‬
‫ل‬ ‫كوا ِبالل ّهِ َ‬
‫شَر ُ‬‫ما أ َ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا الّرعْ َ‬
‫ب بِ َ‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬‫سن ُل ِْقي ِفي قُ ُ ْلو ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(151‬‬ ‫مي َ‬ ‫وى ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫م الّناُر وَب ِئ ْ َ‬
‫س َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫طانا ً وَ َ‬
‫سل ْ َ‬
‫ب ِهِ ُ‬
‫سنقذف في قلوب الذين كفروا أشد ّ الفزع والخوف بسبب‬
‫إشراكهم بالله آلهة مزعومة‪ ,‬ليس لهم دليل أو برهان على‬
‫استحقاقها للعبادة مع الله‪ ,‬فحالتهم في الدنيا‪ :‬رعب وهلع من‬

‫‪126‬‬
‫المؤمنين‪ ,‬أما مكانهم في الخرة الذي يأوون إليه فهو النار; وذلك‬
‫ما لهم‪.‬‬
‫بسبب ظلمهم وعدوانهم‪ ,‬وساء هذا المقام مقا ً‬

‫ذا‬‫حت ّههى إ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫شل ْت ُ ْ‬


‫ذا فَ ِ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫م ب ِإ ِذ ْن ِهِ َ‬ ‫سون َهُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه وَعْد َهُ إ ِذ ْ ت َ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫صد َقَك ُ ْ‬ ‫وَل ََقد ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حب ّههو َ‬ ‫مهها ت ُ ِ‬‫م َ‬ ‫مهها أَراك ُه ْ‬ ‫ن ب َعْهدِ َ‬‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صهي ْت ُ ْ‬‫مرِ وَعَ َ‬ ‫م ِفي ال ْ‬ ‫م وَت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫شل ْت ُ ْ‬‫فَ ِ‬
‫م‬‫م عَن ْهُه ْ‬ ‫صهَرفَك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫خهَرةَ ث ُه ّ‬ ‫ريهد ُ ال ِ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُه ْ‬‫ريد ُ الهد ّن َْيا وَ ِ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(152‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل عََلى ال ْ ُ‬ ‫ض ٍ‬ ‫ذو فَ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫م وَل ََقد ْ عََفا عَن ْك ُ ْ‬ ‫ل ِي َب ْت َل ِي َك ُ ْ‬
‫ولقد حقق الله لكم ما وعدكم به من نصر‪ ,‬حين كنتم تقتلون‬
‫جُبنتم وضعفتم عن‬ ‫ُ‬
‫الكفار في غزوة "أحد" بإذنه تعالى‪ ,‬حتى إذا َ‬
‫القتال واختلفتم‪ :‬هل تبقون في مواقعكم أو تتركونها لجمع الغنانم‬
‫من يجمعها؟ وعصيتم أمر رسولكم حين أمركم أل تفارفوا‬ ‫مع َ‬
‫أماكنكم بأي حال‪ ,‬حّلت بكم الهزيمة من بعد ما أراكم ما تحبون‬
‫من يطلب‬ ‫من يريد الغنائم‪ ,‬وأن منكم َ‬
‫من النصر‪ ,‬وتبّين أن منكم َ‬
‫الخرة وثوابها‪ ,‬ثم صرف الله وجوهكم عن عدوكم; ليختبركم‪ ,‬وقد‬
‫علم الله ندمكم وتوبتكم فعفا عنكم‪ ,‬والله ذو فضل عظيم على‬
‫المؤمنين‪.‬‬

‫م‬‫خَراك ُه ْ‬‫م فِههي أ ُ ْ‬ ‫عوك ُ ْ‬


‫ل ي َهد ْ ُ‬‫سههو ُ‬ ‫ح هدٍ َوالّر ُ‬
‫َ‬
‫ن عَل َههى أ َ‬ ‫وو َ‬ ‫ن َول ت َل ْ ُ‬ ‫دو َ‬ ‫صع ِ ُ‬ ‫إ ِ َذ ْ ت ُ ْ‬
‫َ‬
‫م َوالل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫صههاب َك ُ ْ‬
‫مهها أ َ‬ ‫م َول َ‬ ‫حَزُنوا عََلى َ‬
‫مهها فَههات َك ُ ْ‬ ‫م ل ِك َْيل ت َ ْ‬ ‫ما ً ب ِغَ ّ‬
‫م غَ ّ‬ ‫فَأَثاب َك ُ ْ‬
‫ن )‪(153‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫من أمركم حين أخذتم تصعدون‬ ‫اذكروا ‪-‬يا أصحاب محمد‪ -‬ما كان ِ‬
‫ما اعتراكم من‬ ‫الجبل هاربين من أعدائكم‪ ,‬ول تلتفتون إلى أحد ل ِ َ‬
‫الدهشة والخوف والرعب‪ ,‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت‬
‫ي عباد َ الله‪ ,‬وأنتم ل‬
‫في الميدان يناديكم من خلفكم قائل إل ّ‬
‫ما وضيًقا‬‫تسمعون ول تنظرون‪ ,‬فكان جزاؤكم أن أنزل الله بكم أل ً‬
‫ما; لكي ل تحزنوا على ما فاتكم من نصر وغنيمة‪ ,‬ول ما ح ّ‬
‫ل‬ ‫وغ ّ‬
‫بكم من خوف وهزيمة‪ .‬والله خبير بجميع أعمالكم‪ ,‬ل يخفى عليه‬
‫منها شيء‪.‬‬

‫شههى َ‬‫ة ن َُعاسها ً ي َغْ َ‬ ‫ل عَل َيك ُهم مهن بعهد ال ْغَه َ‬ ‫م أ َن َْز َ‬
‫من ْك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ة ِ‬ ‫طائ َِف ه ً‬ ‫من َه ً‬
‫مأ َ‬‫ّ‬ ‫ْ ْ ِ ْ َْ ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫جاهِل ِّيه ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫ظه ّ‬ ‫حهقّ َ‬‫ن ِبهالل ّهِ غَْيهَر ال ْ َ‬ ‫م ي َظ ُّنو َ‬
‫سه ُ ْ‬
‫م أن ُْف ُ‬ ‫ة قَد ْ أهَ ّ‬
‫مت ْهُ ْ‬ ‫طائ َِف ٌ‬‫وَ َ‬

‫‪127‬‬
‫ه ل ِل ّهِ ي ُ ْ‬ ‫لإ ّ َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫خُفو َ‬ ‫مَر ك ُل ّ ُ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫يٍء قُ ْ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫مرِ ِ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ل ََنا ِ‬ ‫ن هَ ْ‬ ‫ي َُقوُلو َ‬
‫مهها قُت ِل ْن َهها‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي ءٌ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫مرِ َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ل ََنا ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن ل َوْ َ‬ ‫ك ي َُقوُلو َ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ل ي ُب ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫أن ُْف ِ‬
‫ل إ ِل َههى‬ ‫م ال َْقت ْه ُ‬‫ب عَل َي ْهِه ْ‬ ‫ن ك ُت ِه َ‬ ‫ذي َ‬‫م ل َب َهَرَز ال ّه ِ‬
‫م ِفي ب ُي ُههوت ِك ُ ْ‬ ‫ل ل َوْ ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫هاهَُنا قُ ْ‬ ‫َ‬
‫مهها فِههي قُل ُههوب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ص َ‬ ‫حه َ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَل ِي ُ َ‬‫دورِك ُ ْ‬ ‫صه ُ‬‫ما ِفي ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬‫م وَل ِي َب ْت َل ِ َ‬ ‫جعِهِ ْ‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫دورِ )‪(154‬‬ ‫ص ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ثم كان من رحمة الله بالمؤمنين المخلصين أن ألقى في قلوبهم‬
‫م اطمئناًنا وثقة في وعد الله‪ ,‬وكان‬ ‫م وغ ّ‬
‫من بعد ما نزل بها من ه ّ‬
‫شي طائفة منهم‪ ,‬وهم أهل الخلص واليقين‪,‬‬ ‫من أثره نعاس غَ ِ‬
‫ت عزيمتهم‬ ‫ُ‬
‫ضعَُف ْ‬‫مهم خلص أنفسهم خاصة‪ ,‬و َ‬ ‫وطائفة أخرى أه ّ‬
‫شِغلوا بأنفسهم‪ ,‬وأساؤوا الظن بربهم وبدينه وبنبيه‪ ,‬وظنوا أن‬ ‫و ُ‬
‫م أمر رسوله‪ ,‬وأن السلم لن نقوم له قائمة‪ ,‬ولذلك‬ ‫الله ل ي ُت ِ ّ‬
‫تراهم نادمين على خروجهم‪ ,‬يقول بعضهم لبعض‪ :‬هل كان لنا من‬
‫اختيار في الخروج للقتال؟ قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن المر كّله‬
‫خفون في‬ ‫در خروجكم وما حدث لكم‪ ,‬وهم ي ُ ْ‬ ‫لله‪ ,‬فهو الذي ق ّ‬
‫أنفسهم ما ل يظهرونه لك من الحسرة على خروجهم للقتال‪,‬‬
‫يقولون‪ :‬لو كان لنا أدنى اختيار ما قُِتلنا هاهنا‪ .‬قل لهم‪ :‬إن الجال‬
‫در الله أنكم تموتون‪ ,‬لخرج الذين‬ ‫بيد الله‪ ,‬ولو كنتم في بيوتكم‪ ,‬وق ّ‬
‫كتب الله عليهم الموت إلى حيث ي ُْقتلون‪ ,‬وما جعل الله ذلك إل‬
‫ليختبر ما في صدوركم من الشك والنفاق‪ ,‬وليميز الخبيث من‬
‫الطيب‪ ,‬ويظهر أمر المؤمن من المنافق للناس في القوال‬
‫والفعال‪ .‬والله عليم بما في صدور خلقه‪ ,‬ل يخفى عليه شيء من‬
‫أمورهم‪.‬‬

‫ن‬ ‫ش هي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫س هت ََزل ّهُ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫مهها ا ْ‬
‫ن إ ِن ّ َ‬
‫مَعا ِ‬ ‫م ال ْت ََقى ال ْ َ‬
‫ج ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م ي َوْ َ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬
‫وا ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫م )‪(155‬‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫ه غَُفوٌر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫سُبوا وَل ََقد ْ عََفا الل ّ ُ‬
‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬‫ض َ‬ ‫ب ِب َعْ ِ‬
‫إن الذين فّروا منكم ‪-‬يا أصحاب‪ -‬محمد عن القتال يوم التقى‬
‫المؤمنون والمشركون في غزوة "ُأحد"‪ ,‬إنما أوقعهم الشيطان في‬
‫هذا الذنب ببعض ما عملوا من الذنوب‪ ,‬ولقد تجاوز الله عنهم فلم‬
‫يعاقبهم‪ .‬إن الله غفور للمذنبين التائبين‪ ,‬حليم ل يعاجل من عصاه‬
‫بالعقوبة‪.‬‬

‫ن ك ََف هُروا وَقَههاُلوا ل ِ ْ‬ ‫َ‬


‫م إِ َ‬
‫ذا‬ ‫وان ِهِ ْ‬
‫خه َ‬ ‫كال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫كون ُههوا َ‬
‫من ُههوا ل ت َ ُ‬
‫نآ َ‬ ‫َيا أي ّهَهها ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪128‬‬
‫مهها قُت ِل ُههوا‬‫مههاُتوا وَ َ‬‫مهها َ‬ ‫عن ْهد ََنا َ‬‫كاُنوا ِ‬ ‫كاُنوا غُّزى ل َوْ َ‬ ‫ضَرُبوا ِفي ال َْرض أ َوْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫مهها‬
‫ه بِ َ‬ ‫ت َوالل ّه ُ‬
‫مي ه ُ‬ ‫ي وَي ُ ِ‬‫حه ِ‬‫ه يُ ْ‬ ‫م َوالل ّه ُ‬‫سَرةً ِفي قُل ُههوب ِهِ ْ‬
‫ح ْ‬ ‫ك َ‬‫ه ذ َل ِ َ‬‫ل الل ّ ُ‬‫جع َ َ‬‫ل ِي َ ْ‬
‫صيٌر )‪(156‬‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ل ُتشابهوا‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫الكافرين الذين ل يؤمنون بربهم‪ ,‬فهم يقولون لخوانهم من أهل‬
‫الكفر إذا خرجوا يبحثون في أرض الله عن معاشهم أو كانوا مع‬
‫الغزاة المقاتلين فماتوا أو قُِتلوا‪ :‬لو لم يخرج هؤلء ولم يقاتلوا‬
‫ما وحزًنا‬‫وأقاموا معنا ما ماتوا وما ُقتلوا‪ .‬وهذا القول يزيدهم أل ً‬
‫وحسرة تستقر في قلوبهم‪ ,‬أما المؤمنون فإنهم يعلمون أن ذلك‬
‫بقدر الله فيهدي الله قلوبهم‪ ,‬ويخفف عنهم المصيبة‪ ,‬والله يحيي‬
‫ن انتهى‬ ‫م ِ‬‫در له الحياة ‪-‬وإن كان مسافًرا أو غازًيا‪ -‬ويميت َ‬ ‫من ق ّ‬
‫َ‬
‫ما‪ -‬والله بكل ما تعملونه بصير‪ ,‬فيجازيكم به‪.‬‬ ‫أجله ‪-‬وإن كان مقي ً‬

‫َ‬
‫ما‬
‫م ّ‬
‫خي ٌْر ِ‬
‫ة َ‬
‫م ٌ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ْ‬
‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫م لَ َ‬
‫مغِْفَرةٌ ِ‬ ‫ل الل ّهِ أوْ ُ‬
‫مت ّ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن قُت ِل ْت ُ ْ‬
‫م ِفي َ‬ ‫وَل َئ ِ ْ‬
‫ن )‪(157‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ولئن قُِتلتم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬وأتم تجاهدون في سبيل الله أو متم‬
‫في أثناء القتال‪ ,‬ليغفرن الله لكم ذنوبكم‪ ,‬وليرحمنكم رحمة من‬
‫عنده‪ ,‬فتفوزون بجنات النعيم‪ ,‬وذلك خير من الدنيا وما يجمعه‬
‫أهلها‪.‬‬

‫ول َئ ِن مت َ‬
‫ن )‪(158‬‬
‫شُرو َ‬ ‫م ل ٍَلى الل ّهِ ت ُ ْ‬
‫ح َ‬ ‫م أوْ قُت ِل ْت ُ ْ‬
‫َ ْ ُ ّ ْ‬
‫ولئن انقضت آجالكم في هذه الحياة الدنيا‪ ,‬فمتم على فُُرشكم‪ ,‬أو‬
‫قتلتم في ساحة القتال‪ ,‬للى الله وحده ُتحشرون‪ ,‬فيجازيكم‬
‫بأعمالكم‪.‬‬

‫ضههوا‬ ‫ب لن َْف ّ‬ ‫ظ ال َْقل ْه ِ‬‫ت فَظ ّا ً غَِلي ه َ‬ ‫م وَل َوْ ك ُن ْ َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬‫ن الل ّهِ ل ِن ْ َ‬
‫م ْ‬‫مة ٍ ِ‬‫ح َ‬ ‫ما َر ْ‬ ‫فَب ِ َ‬
‫َ‬
‫مهرِ فَهإ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫م فِههي ال ْ‬ ‫شههاوِْرهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سهت َغِْفْر ل َهُه ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ف عَن ْهُه ْ‬ ‫ك فَههاعْ ُ‬ ‫حوْل ِ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(159‬‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مت َوَك ِّلي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫ل عََلى الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ت فَت َوَك ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عََز ْ‬
‫ن الله عليك فكنت‬ ‫فبرحمة من الله لك ولصحابك ‪-‬أيها النبي‪ -‬م ّ‬
‫ف أصحابك‬
‫صَر َ‬
‫خلق قاسي القلب‪ ,‬لن ْ َ‬ ‫رفيًقا بهم‪ ,‬ولو كنت سّيئ ال ُ‬
‫‪129‬‬
‫من حولك‪ ,‬فل تؤاخذهم بما كان منهم في غزوة "ُأحد"‪ ,‬واسأل الله‬
‫‪-‬أيها النبي‪ -‬أن يغفر لهم‪ ,‬وشاورهم في المور التي تحتاج إلى‬
‫ضه‬ ‫َ‬
‫م ِ‬
‫مشورة‪ ,‬فإذا عزمت على أمر من المور ‪-‬بعد الستشارة‪ -‬فأ ْ‬
‫دا على الله وحده‪ ,‬إن الله يحب المتوكلين عليه‪.‬‬
‫معتم ً‬

‫صهُرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ذا ال ّه ِ‬
‫ذي ي َن ْ ُ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫خذ ُل ْك ُ ْ‬
‫م فَ َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬‫غال ِ َ‬ ‫ه َفل َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫صْرك ُ ْ‬
‫ن ي َن ْ ُ‬
‫إِ ْ‬
‫ن )‪(160‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن ب َعْدِهِ وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫إن يمددكم الله بنصره ومعونته فل أحد يستطيع أن يغلبكم‪ ,‬وإن‬
‫يخذلكم فمن هذا الذي يستطيع أن ينصركم من بعد خذلنه لكم؟‬
‫وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون‪.‬‬

‫ل ومن يغل ُ ْ ْ‬ ‫َ‬


‫م ت ُهوَّفى‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫مة ِ ث ُ ّ‬ ‫ما غَ ّ‬
‫ل ي َوْ َ‬ ‫ت بِ َ‬
‫ل ي َأ ِ‬ ‫ن ي َغُ ّ َ َ ْ َ ْ‬‫يأ ْ‬ ‫ن ل ِن َب ِ ّ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(161‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬‫ت وَهُ ْ‬
‫سب َ ْ‬‫ما ك َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ن َْف ٍ‬‫كُ ّ‬
‫ن أصحابه بأن يأخذ شيًئا من الغنيمة غير ما‬
‫خو َ‬
‫ي أن ي َ ُ‬
‫وما كان لنب ّ‬
‫اختصه الله به‪ ,‬ومن يفعل ذلك منكم يأت بما أخذه حامل له يوم‬
‫ضح به في الموقف المشهود‪ ,‬ثم ُتعطى كل نفس جزاَء‬ ‫القيامة; لُيف َ‬
‫ما كسبت وافًيا غير منقوص دون ظلم‪.‬‬

‫م‬ ‫أ َفَمن اتبع رضوان الل ّهه ك َمهن بههاءَ بسهخط مهن الل ّهه و ْ‬
‫جهَن ّه ُ‬
‫مهأَواهُ َ‬
‫ِ َ َ‬ ‫ِ َ َ ٍ ِ ْ‬ ‫ِ َ ْ َ‬ ‫َ ْ َّ َ ِ ْ َ َ‬
‫صيُر )‪(162‬‬ ‫م ِ‬‫س ال ْ َ‬
‫وَب ِئ ْ َ‬
‫ب على‬‫مك ِ ٌ‬
‫ل يستوي من كان قصده رضوان الله ومن هو ُ‬
‫المعاصي‪ ,‬مسخط لربه‪ ,‬فاستحق بذلك سكن جهنم‪ ,‬وبئس‬
‫المصير‪.‬‬

‫مُلو َ‬
‫ن )‪(163‬‬ ‫ما ي َعْ َ‬
‫صيٌر ب ِ َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫ه بَ ِ‬ ‫ت ِ‬
‫جا ٌ‬
‫م د ََر َ‬
‫هُ ْ‬
‫أصحاب الجنة المتبعون لما يرضي الله متفاوتون في الدرجات‪,‬‬
‫وأصحاب النار المتبعون لما يسخط الله متفاوتون في الدركات‪ ,‬ل‬
‫يستوون‪ .‬والله بصير بأعمالهم ل يخفى عليه منها شيء‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫م ي َت ْل ُههوا‬ ‫ث فيهم رسول ً م َ‬
‫س هه ِ ْ‬
‫ن أن ُْف ِ‬
‫ِ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ ب َعَ َ ِ ِ ْ َ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه عََلى ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫م ّ‬‫ل ََقد ْ َ‬
‫ن قَب ْه ُ‬
‫ل‬ ‫مه ْ‬ ‫ن ك َههاُنوا ِ‬
‫ة وَإ ِ ْ‬
‫م َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫م وَي ُعَل ّ ُ‬
‫مه ُ ْ‬ ‫م آَيات ِهِ وَي َُز ّ‬
‫كيهِ ْ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ن )‪(164‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ل َِفي َ‬
‫لقد أنعم الله على المؤمنين من العرب; إذ بعث فيهم رسول من‬
‫أنفسهم‪ ,‬يتلو عليهم آيات القرآن‪ ,‬ويطهرهم من الشرك والخلق‬
‫الفاسدة‪ ,‬ويعلمهم القرآن والسنة‪ ,‬وإن كانوا من قبل هذا الرسول‬
‫ي وجهل ظاهر‪.‬‬ ‫لفي غ ّ‬

‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ل ه ُ هو َ ِ‬ ‫م أ َن ّههى هَه َ‬
‫ذا قُه ْ‬ ‫مث ْل َي َْها قُل ْت ُ ْ‬‫م ِ‬
‫صب ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ة قَد ْ أ َ‬
‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬‫م ُ‬ ‫صاب َت ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ما أ َ‬
‫َ‬
‫أوَل َ ّ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر )‪(165‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫عن ْدِ أن ُْف ِ‬ ‫ِ‬
‫أولما أصابتكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬مصيبة‪ ,‬وهي ما ُأصيب منكم يوم‬
‫در"‪ ,‬قلتم‬ ‫ُ‬
‫"أحد" قد أصبتم مثليها من المشركين في يوم "ب ْ‬
‫متعجبين‪ :‬كيف يكون هذا ونحن مسلمون ورسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فينا وهؤلء مشركون؟ قل لهم ‪-‬أيها النبي‪ : -‬هذا الذي‬
‫مَر رسولكم‬ ‫أصابكم هو من عند أنفسكم بسبب مخالفتكم أ ْ‬
‫وإقبالكم على جمع الغنائم‪ .‬إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد‪,‬‬
‫ل معّقب ‌لحكمه‪.‬‬

‫َ‬
‫ن)‬
‫مِني َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م هؤ ْ ِ‬ ‫ن الل ّههِ وَل ِي َعْل َه َ‬
‫ن فَب ِهإ ِذ ْ ِ‬
‫معَهها ِ‬ ‫م ال ْت ََقههى ال ْ َ‬
‫ج ْ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬
‫م ي َهوْ َ‬ ‫ما أ َ‬‫وَ َ‬
‫‪(166‬‬
‫ع‬ ‫ُ‬
‫م ُ‬
‫ج ْ‬
‫من جراح أو قتل في غزوة "أحد" يوم التقى َ‬ ‫وما وقع بكم ِ‬
‫المؤمنين وجمع المشركين فكان النصر للمؤمنين أول ثم‬
‫للمشركين ثانًيا‪ ,‬فذلك كله بقضاء الله وقدره‪ ,‬وليظهر ما علمه الله‬
‫في الزل؛ ليميز المؤمنين الصادقين منكم‪.‬‬

‫ل الّلههِ أ َْو‬ ‫سهِبي ِ‬ ‫وا َقهات ُِلوا ِفهي َ‬ ‫م ت ََعهال َ ْ‬ ‫ل ل َُهه ْ‬ ‫ن َنهافَُقوا وَِقيه َ‬ ‫ذي َ‬‫م اّله ِ‬‫وَل ِي َعْل َ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫من ْهُه ْ‬
‫ب ِ‬ ‫م ل ِل ْك ُْفهرِ ي َهوْ َ‬
‫مئ ِذٍ أقْهَر ُ‬ ‫م ه ُه ْ‬ ‫اد ْفَُعوا َقاُلوا ل َوْ ن َعْل َ ُ‬
‫م قَِتال ً لت ّب َعْن َههاك ُ ْ‬
‫ل ِليمههان يُقول ُههون بهأ َْفواههم مهها ل َيهس فههي قُل ُههوبهم والل ّه َ‬
‫مهها‬‫م بِ َ‬‫ه أعْل َه ُ‬‫ُ‬ ‫ِِ ْ َ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫ِ ِ ْ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ َ ِ َ‬
‫ن )‪(167‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َك ْت ُ ُ‬

‫‪131‬‬
‫وليعلم المنافقين الذين كشف الله ما في قلوبهم حين قال‬
‫المؤمنون لهم‪ :‬تعالوا قاتلوا معنا في سبيل الله‪ ,‬أو كونوا عوًنا لنا‬
‫دا لكنا معكم‬ ‫بتكثيركم سوادنا‪ ,‬فقالوا‪ :‬لو نعلم أنكم تقاتلون أح ً‬
‫عليهم‪ ,‬هم للكفر في هذا اليوم أقرب منهم لليمان; لنهم يقولون‬
‫بأفواههم ما ليس في قلوبهم‪ .‬والله أعلم بما ُيخفون في صدورهم‪.‬‬

‫ن‬ ‫ما قُت ُِلوا قُه ْ‬


‫ل فَههاد َْرُءوا عَه ْ‬ ‫عوَنا َ‬ ‫دوا ل َوْ أ َ َ‬
‫طا ُ‬ ‫م وَقَعَ ُ‬ ‫وان ِهِ ْ‬ ‫ن َقاُلوا ل ِ ْ‬
‫خ َ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(168‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ت إِ ْ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫مو ْ َ‬ ‫سك ُ ْ‬‫أن ُْف ِ‬
‫هؤلء المنافقون هم الذين قعدوا وقالوا لخوانهم الذين أصيبوا مع‬
‫المسلمين في حربهم المشركين يوم "ُأحد"‪ :‬لو أطا َ‬
‫عنا هؤلء ما‬
‫قتلوا‪ .‬قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬فادفعوا عن أنفسكم الموت إن‬
‫كنتم صادقين في دعواكم أنهم لو أطاعوكم ما قتلوا‪ ,‬وأنكم قد‬
‫نجوتم منه بقعودكم عن القتال‪.‬‬

‫م‬ ‫ول تحسبن ال ّذين قُت ُِلوا في سبيل الل ّه أ َمواتها ً به ْ َ‬


‫عن ْهد َ َرب ّهِه ْ‬
‫حي َههاٌء ِ‬
‫لأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ ّ‬
‫ن )‪(169‬‬ ‫ي ُْرَزُقو َ‬
‫ن ‪-‬أيها النبي‪ -‬أن الذين قتلوا في سبيل الله أموات ل‬‫ول تظن ّ ّ‬
‫سون شيًئا‪ ,‬بل هم أحياء حياة برزخية في جوار ربهم الذي‬ ‫ح ّ‬
‫يُ ِ‬
‫جاهدوا من أجله‪ ,‬وماتوا في سبيله‪ ,‬يجري عليهم رزقهم في الجنة‪,‬‬
‫وُينّعمون‪.‬‬

‫م‬ ‫م ي َل ْ َ‬
‫حُقوا ب ِهِ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫شُرو َ‬‫ست َب ْ ِ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ضل ِهِ وَي َ ْ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ما آَتاهُ ْ‬‫ن بِ َ‬‫حي َ‬ ‫فَرِ ِ‬
‫ن )‪(170‬‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬‫م َول هُ ْ‬‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م أ َل ّ َ‬
‫خو ْ ٌ‬ ‫خل ِْفهِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫من عظيم‬ ‫ن الله عليهم‪ ,‬فأعطاهم ِ‬ ‫م ّ‬
‫متهم السعادة حين َ‬ ‫لقد عَ ّ‬
‫جوده وواسع كرمه من النعيم والرضا ما ت ََقّر به أعينهم‪ ,‬وهم‬
‫يفرحون بإخوانهم المجاهدين الذين فارقوهم وهم أحياء; ليفوزوا‬
‫مهم أنهم سينالون من الخير الذي نالوه‪ ,‬إذا‬ ‫كما فازوا‪ ,‬ل ِعِل ْ ِ‬
‫استشهدوا في سبيل الله مخلصين له‪ ,‬وأن ل خوف عليهم فيما‬

‫‪132‬‬
‫يستقبلون من أمور الخرة‪ ,‬ول هم يحزنون على ما فاتهم من‬
‫حظوظ الدنيا‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬
‫مِني َ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫ل وَأ ّ‬ ‫ن الل ّهِ وَفَ ْ‬
‫ض ٍ‬ ‫م ْ‬
‫مة ٍ ِ‬
‫ن ب ِن ِعْ َ‬
‫شُرو َ‬
‫ست َب ْ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫‪(171‬‬
‫وإنهم في فرحة غامرة بما ُأعطوا من نعم الله وجزيل عطائه‪ ,‬وأن‬
‫ميه ويزيده من فضله‪.‬‬‫الله ل يضيع أجر المؤمنين به‪ ,‬بل ين ّ‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫ح ل ِل ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ال َْقهْر ُ‬
‫صهاب َهُ ْ‬
‫مهها أ َ‬
‫ن ب َْعهدِ َ‬
‫مه ْ‬
‫ل ِ‬
‫سههو ِ‬‫جاُبوا ل ِّلههِ َوالّر ُ‬‫ست َ َ‬
‫نا ْ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫م )‪(172‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬
‫جٌر عَ ِ‬
‫وا أ ْ‬‫م َوات َّق ْ‬
‫من ْهُ ْ‬‫سُنوا ِ‬
‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫الذين لّبوا نداء الله ورسوله وخرجوا في أعقاب المشركين إلى‬
‫"حمراء السد" بعد هزيمتهم في غزوة "ُأحد" مع ما كان بهم من‬
‫آلم وجراح‪ ,‬وبذلوا غاية جهدهم‪ ,‬والتزموا بهدي نبيهم‪ ,‬للمحسنين‬
‫منهم والمتقين ثواب عظيم‪.‬‬

‫م‬ ‫م فََزاد َ ُ‬
‫ههه ْ‬ ‫شوْهُ ْ‬ ‫مُعوا ل َك ُ ْ‬
‫م َفا ْ‬
‫خ َ‬ ‫س قَد ْ َ‬
‫ج َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫ن َقا َ‬
‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ل )‪(173‬‬ ‫كي ُ‬‫م ال ْوَ ِ‬
‫ه وَن ِعْ َ‬‫سب َُنا الل ّ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫مانا ً وََقاُلوا َ‬‫ِإي َ‬
‫وهم الذين قال لهم بعض المشركين‪ :‬إن أبا سفيان ومن معه قد‬
‫أجمعوا أمرهم على الرجوع إليكم لستئصالكم‪ ,‬فاحذروهم واتقوا‬
‫لقاءهم‪ ,‬فإنه ل طاقة لكم بهم‪ ,‬فزادهم ذلك التخويف يقيًنا وتصديًقا‬
‫بوعد الله لهم‪ ,‬ولم ي َث ِْنهم ذلك عن عزمهم‪ ,‬فساروا إلى حيث شاء‬
‫وض إليه تدبير‬ ‫الله‪ ,‬وقالوا‪ :‬حسبنا الله أي‪ :‬كافينا‪ ,‬ون ِْعم الوكيل المف ّ‬
‫عباده‪.‬‬

‫ن‬
‫وا َ‬
‫ضه َ‬
‫سههوٌء َوات ّب َعُههوا رِ ْ‬
‫م ُ‬
‫سه ُ ْ‬
‫س ْ‬
‫م َ‬ ‫ل لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وَفَ ْ‬
‫ض ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫َفان َْقل َُبوا ب ِن ِعْ َ‬
‫مة ٍ ِ‬
‫ظيم ٍ )‪(174‬‬ ‫ل عَ ِ‬ ‫ض ٍ‬‫ذو فَ ْ‬‫ه ُ‬ ‫الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫فرجعوا من "حمراء السد" إلى "المدينة" بنعمة من الله بالثواب‬
‫الجزيل وبفضل منه بالمنزلة العالية‪ ,‬وقد ازدادوا إيماًنا ويقيًنا‪,‬‬
‫وأذلوا أعداء الله‪ ,‬وفازوا بالسلمة من القتل والقتال‪ ,‬واتبعوا‬

‫‪133‬‬
‫رضوان الله بطاعتهم له ولرسوله‪ .‬والله ذو فضل عظيم عليهم‬
‫وعلى غيرهم‪.‬‬

‫ن ك ُن ْت ُه ْ‬
‫م‬ ‫خههاُفوِني إ ِ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ف أ َوْل َِياَءهُ َفل ت َ َ‬
‫خاُفوهُ ْ‬ ‫خو ّ ُ‬
‫ن يُ َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ما ذ َل ِك ُ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪(175‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫وفكم أنصاره‪ ,‬فل‬‫إّنما المثّبط لكم في ذلك هو الشيطان جاءكم يخ ّ‬
‫تخافوا المشركين; لّنهم ضعاف ل ناصر لهم‪ ,‬وخافوني بالقبال‬
‫دقين بي‪ ,‬ومتبعين رسولي‪.‬‬‫على طاعتي إن كنتم مص ّ‬

‫ش هْيئا ً‬‫ه َ‬‫ض هّروا الل ّه َ‬ ‫ن يَ ُ‬‫م ل َه ْ‬‫ن ِفي ال ْك ُْفرِ إ ِن ّهُ ه ْ‬‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬‫حُزن ْ َ‬
‫َول ي َ ْ‬
‫يريد الل ّ َ‬
‫م )‪(176‬‬ ‫ظيهه ٌ‬
‫ب عَ ِ‬ ‫عهه َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫خَرةِ وَل َهُ ْ‬ ‫حظ ّا ً ِفي ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ه أل ّ ي َ ْ‬
‫جع َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِ ُ‬
‫ب‬‫ذا ٌ‬ ‫م عَه َ‬‫شهْيئا ً وَل َُهه ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ضهّروا الّله َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ن لَ ْ‬‫ما ِ‬ ‫شت ََرْوا ال ْك ُْفَر ِبا ِ‬
‫لي َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫إِ ّ‬
‫م )‪(177‬‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬
‫ن إلى قلبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء الكفاُر بمسارعتهم‬ ‫خل الحز َ‬ ‫ل ي ُد ْ ِ‬
‫في الجحود والضلل‪ ,‬إنهم بذلك لن يضروا الله‪ ,‬إنما يضرون‬
‫أنفسهم بحرمانها حلوة اليمان وعظيم الثواب‪ ,‬يريد الله أل يجعل‬
‫لهم ثواًبا في الخرة; لنهم انصرفوا عن دعوة الحق‪ ,‬ولهم عذاب‬
‫شديد ‪ ،‬إن الذين استبدلوا الكفر باليمان لن يضروا الله شيًئا‪ ,‬بل‬
‫ضرر فِعِْلهم يعود على أنفسهم‪ ,‬ولهم في الخرة عذاب موجع‪.‬‬

‫َ‬
‫مل ِههي‬
‫مهها ن ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ َ‬ ‫خي ْهٌر ل َن ُْف ِ‬
‫س هه ِ ْ‬ ‫مِلي ل َهُ ه ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ك ََفُروا أن ّ َ‬
‫ما ن ُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫سب َ ّ‬
‫ح َ‬ ‫َول ي َ ْ‬
‫ن )‪(178‬‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫دوا إ ِْثما ً وَل َهُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫دا ُ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫م ل ِي َْز َ‬
‫َ‬
‫ن الجاحدون أننا إذا أط َْلنا أعمارهم‪ ,‬ومتعناهم ب ُ‬
‫متع الدنيا‪,‬‬ ‫ول يظن ّ‬
‫ولم تؤاخذهم بكفرهم وذنوبهم‪ ,‬أنهم قد نالوا بذلك خيًرا لنفسهم‪,‬‬
‫ما وطغياًنا‪ ,‬ولهم عذاب‬ ‫إنما نؤخر عذابهم وآجالهم; ليزدادوا ظل ً‬
‫يهينهم ويذّلهم‪.‬‬

‫ميَز ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ث ِ‬
‫خِبي َ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬
‫حّتى ي َ ِ‬ ‫ن عََلى َ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫ه ل ِي َذ ََر ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫َ‬
‫‪134‬‬
‫ن‬‫مه ْ‬
‫جت َب ِههي ِ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ب وَل َك ِه ّ‬
‫م عَل َههى ال ْغَي ْه ِ‬
‫ه ل ِي ُط ْل ِعَك ُ ْ‬
‫ن الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ب وَ َ‬‫الط ّي ّ ِ‬
‫جهٌر‬ ‫شاُء َفآمنوا بالل ّه ورسهل ِه وإن تؤْمنههوا وتتُقههوا فَل َك ُه َ‬ ‫ن يَ َ‬
‫مأ ْ‬‫ْ‬ ‫ََّ‬ ‫ِ ُ ِ ِ َُ ُ ِ َِ ْ ُ ِ ُ‬ ‫م ْ‬
‫سل ِهِ َ‬ ‫ُر ُ‬
‫م )‪(179‬‬ ‫ظي ٌ‬‫عَ ِ‬
‫عكم أيها المصدقون بالله ورسوله العاملون بشرعه‬ ‫ما كان الله لي َد َ َ‬
‫ميَز‬
‫على ما أنتم عليه من التباس المؤمن منكم بالمنافق حتى ي َ ِ‬
‫الخبيث من الطيب‪ ,‬فُيعرف المنافق من المؤمن الصادق‪ .‬وما كان‬
‫من حكمة الله أن يطلعكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬على الغيب الذي يعلمه‬ ‫ِ‬
‫من عباده‪ ,‬فتعرفوا المؤمن منهم من المنافق‪ ,‬ولكنه يميزهم‬
‫من يشاء؛‬ ‫بالمحن والبتلء‪ ,‬غير أن الله تعالى يصطفي من رسله َ‬
‫ليطلعه على بعض علم الغيب بوحي منه‪ ,‬فآمنوا بالله ورسوله‪ ,‬وإن‬
‫تؤمنوا إيماًنا صادًقا وتتقوا ربكم بطاعته‪ ,‬فلكم أجر عظيم عند الله‪.‬‬

‫خْيرا ً ل َهُ ْ‬
‫م ب َه ْ‬
‫ل‬ ‫ضل ِهِ هُوَ َ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ما آَتاهُ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ن ي َب ْ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سب َ ّ‬‫ح َ‬ ‫َول ي َ ْ‬
‫ث‬‫ميهَرا ُ‬ ‫مهةِ وَل ِل ّههِ ِ‬
‫م ال ِْقَيا َ‬
‫خل ُههوا ب ِههِ ي َهوْ َ‬
‫مهها ب َ ِ‬‫ن َ‬ ‫سهي ُط َوُّقو َ‬ ‫م َ‬ ‫شهّر ل َهُه ْ‬ ‫ه ُ هو َ َ‬
‫مُلو َ‬ ‫َ‬
‫خِبيٌر )‪(180‬‬ ‫ن َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ض َوالل ّ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫ول يظنن الذين يبخلون بما أنعم الله به عليهم تفضل منه أن هذا‬
‫البخل خير لهم‪ ,‬بل هو شّر لهم; لن هذا المال الذي جمعوه‬
‫سيكون طوًقا من نار يوضع في أعناقهم يوم القيامة‪ .‬والله سبحانه‬
‫وتعالى هو مالك الملك‪ ,‬وهو الباقي بعد فناء جميع خلقه‪ ,‬وهو خبير‬
‫بأعمالكم جميعها‪ ,‬وسيجازي كل على قدر استحقاقه‪.‬‬

‫ل ال ّذين َقاُلوا إن الل ّه فَقير ونح َ‬


‫سههن َك ْت ُ ُ‬
‫ب‬ ‫ن أغْن َِيههاءُ َ‬‫َ ِ ٌ ََ ْ ُ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ِ َ‬ ‫ه قَوْ َ‬ ‫معَ الل ّ ُ‬ ‫ل ََقد ْ َ‬
‫س ِ‬
‫ق)‬‫ري ه ِ‬ ‫ح ِ‬‫ب ال ْ َ‬
‫ذا َ‬‫ذوقُههوا عَه َ‬ ‫حهقّ وَن َُقههو ُ‬
‫ل ُ‬ ‫م ال َن ْب ِي َههاَء ب ِغَي ْهرِ َ‬
‫ما َقاُلوا وَقَت ْل َهُ ْ‬‫َ‬
‫‪(181‬‬
‫لقد سمع الله قول اليهود الذين قالوا‪ :‬إن الله فقير إلينا يطلب منا‬
‫أن نقرضه أموال ونحن أغنياء‪ .‬سنكتب هذا القول الذي قالوه‪,‬‬
‫من قَْتل آبائهم لنبياء الله ظل ً‬
‫ما‬ ‫وسنكتب أنهم راضون بما كان ِ‬
‫وعدواًنا‪ ,‬وسوف نؤاخذهم بذلك في الخرة‪ ,‬ونقول لهم وهم في‬
‫النار يعذبون‪ :‬ذوقوا عذاب النار المحرقة‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫س ب ِظ َل ّم ٍ ل ِل ْعَِبيدِ )‪(182‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ل َي ْ َ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫م وَأ ّ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما قَد ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك بِ َ‬
‫دمتموه في حياتكم الدنيا من‬
‫ذلك العذاب الشديد بسبب ما ق ّ‬
‫المعاصي القولية والفعلية والعتقادية‪ ,‬وأن الله ليس بظلم للعببد‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫حت ّههى ي َأت ِي َن َهها ب ُِقْرب َهها ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫سههو ٍ‬ ‫ن ل َِر ُ‬
‫م َ‬ ‫ه عَهِد َ إ ِل َي َْنا أل ّ ن ُؤْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن َقاُلوا إ ِ ّ‬
‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ْ‬
‫م فَل ِه َ‬
‫م‬ ‫ذي قُل ْت ُه ْ‬ ‫ت وَِبال ّ ِ‬‫ن قَب ِْلي ِبال ْب َي َّنا ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬
‫م ُر ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬‫ل قَد ْ َ‬ ‫ه الّناُر قُ ْ‬ ‫ت َأك ُل ُ ُ‬
‫ن )‪(183‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬
‫موهُ ْ‬‫قَت َل ْت ُ ُ‬
‫عوا إلى السلم قالوا‪ :‬إن الله أوصانا في‬ ‫هؤلء اليهود حين د ُ ُ‬
‫من جاءنا يقول‪ :‬إنه رسول من الله‪ ,‬حتى يأتينا‬ ‫دق َ‬
‫التوراة أل نص ّ‬
‫بصدقة يتقرب بها إلى الله‪ ,‬فتنزل نار من السماء فتحرقها‪ .‬قل لهم‬
‫ل‬‫‪-‬أيها الرسول‪ : -‬أنتم كاذبون في قولكم; لنه قد جاء آباءكم رس ٌ‬
‫من ِقبلي بالمعجزات والدلئل على صدقهم‪ ,‬وبالذي قلتم من‬
‫م قََتل آباؤكم هؤلء النبياء إن‬‫التيان بالقربان الذي تأكله النار‪ ,‬فَل ِ َ‬
‫كنتم صادقين في دعواكم؟‬

‫ر‬ ‫جههاُءوا ِبال ْب َي ّن َهها ِ‬


‫ت َوالّزب ُه ِ‬ ‫ن قَب ْل ِه َ‬
‫ك َ‬ ‫مه ْ‬ ‫سه ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫ك فََقهد ْ ك ُهذ ّ َ‬
‫ب ُر ُ‬ ‫ن ك َهذ ُّبو َ‬
‫ف َ هإ ِ ْ‬
‫مِنيرِ )‪(184‬‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫َوال ْك َِتا ِ‬
‫ذبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء اليهود وغيرهم من أهل الكفر‪ ,‬فقد‬‫فإن ك ّ‬
‫من قبلك‪ ,‬جاءوا أقوامهم‬ ‫ذب المبطلون كثيًرا من المرسلين ِ‬‫ك ّ‬
‫بالمعجزات الباهرات والحجج الواضحات‪ ,‬والكتب السماوية التي‬
‫ب البّين الواضح‪.‬‬
‫هي نور يكشف الظلمات‪ ,‬والكتا ِ‬

‫ة ال ْمهوت وإنمهها توفّهو ُ‬


‫ن‬‫مه ْ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫م هة ِ ف َ َ‬ ‫م ي َهوْ َ‬‫جههوَرك ُ ْ‬ ‫نأ ُ‬‫ذائ َِق ُ َ ْ ِ َ ِ ّ َ ُ َ ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ٍ‬ ‫كُ ّ‬
‫ل ن َْف‬
‫مت َههاعُ‬ ‫مهها ال ْ َ‬
‫حي َههاةُ الهد ّن َْيا إ ِل ّ َ‬ ‫ة فََقهد ْ فَههاَز وَ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫جن ّه َ‬ ‫ن الّنارِ وَأ ُد ْ ِ‬
‫خ َ‬ ‫ح عَ ْ‬ ‫حزِ َ‬‫ُز ْ‬
‫ال ْغُُرورِ )‪(185‬‬
‫كل نفس ل بد ّ أن تذوق الموت‪ ,‬وبهذا يرجع جميع الخلق إلى ربهم;‬
‫ليحاسبهم‪ .‬وإنما ُتوّفون أجوركم على أعمالكم وافية غير منقوصة‬
‫جاه من النار وأدخله الجنة فقد نال‬ ‫يوم القيامة‪ ,‬فمن أكرمه ربه ون ّ‬
‫غاية ما يطلب‪ .‬وما الحياة الدنيا إل متعة زائلة‪ ,‬فل تغتّروا بها‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫ل َتبل َون في أ َموال ِك ُم وأ َنُفسك ُم ول َتسهمعن مهن ال ّهذي ُ‬
‫ب‬‫ن أوت ُههوا ال ْك ِت َهها َ‬
‫ِ َ‬ ‫ْ َ ْ ِ ْ َ َ ْ َ ُ ّ ِ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُْ ُ ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صهب ُِروا وَت َت ُّقههوا فَهإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ذى ك َِثيههرا ً وَإ ِ ْ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫شهَر ُ‬
‫كوا أ ً‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫مورِ )‪(186‬‬ ‫ُ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ن عَْزم ِ ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬
‫ن ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬في أموالكم بإخراج النفقات الواجبة‬ ‫ل َت ُ ْ‬
‫خت َب َُر ّ‬
‫والمستحّبة‪ ,‬وبالجوائح التي تصيبها‪ ,‬وفي أنفسكم بما يجب عليكم‬
‫ل بكم من جراح أو قتل وفَْقد للحباب‪ ,‬وذلك‬ ‫من الطاعات‪ ,‬وما يح ّ‬
‫ن من اليهود‬ ‫حتى يتمّيز المؤمن الصادق من غيره‪ .‬ولَتسمعُ ّ‬
‫والنصارى والمشركين ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك‬
‫والطعن في دينكم‪ .‬وإن تصبروا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬على ذلك كله‪,‬‬
‫وتتقوا الله بلزوم طاعته واجتناب معصيته‪ ,‬فإن ذلك من المور‬
‫التي ُيعزم عليها‪ ,‬وينافس فيها‪.‬‬

‫خذ َ الل ّه ميَثاقَ ال ّذي ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ أ َ َ‬


‫ه‬ ‫س َول ت َك ْت ُ ُ‬
‫مههون َ ُ‬ ‫ه ِللن ّهها ِ‬‫ب ل َت ُب َي ّن ُن ّه ُ‬
‫ن أوُتوا ال ْك ِت َهها َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ ِ‬
‫ن)‬ ‫شهت َُرو َ‬ ‫مهها ي َ ْ‬ ‫منها ً قَِليل ً فَب ِئ ْ َ‬
‫س َ‬ ‫شهت ََرْوا ِبههِ ث َ َ‬ ‫ذوهُ وََراَء ظ ُُههورِهِ ْ‬
‫م َوا ْ‬ ‫فَن َب َ ُ‬
‫‪(187‬‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ أخذ الله العهد الموثق على الذين آتاهم‬
‫الله الكتاب من اليهود والنصارى‪ ,‬فلليهود التوراة وللنصارى‬
‫النجيل; ليعملوا بهما‪ ,‬ويبينوا للناس ما فيهما‪ ,‬ول يكتموا ذلك ول‬
‫سا مقابل‬‫يخفوه‪ ,‬فتركوا العهد ولم يلتزموا به‪ ,‬وأخذوا ثمنا بخ ً‬
‫كتمانهم الحق وتحريفهم الكتاب‪ ,‬فبئس الشراء يشترون‪ ,‬في‬
‫تضييعهم الميثاق‪ ,‬وتبديلهم الكتاب‪.‬‬

‫م ي َْفعَل ُههوا‬ ‫حبو َ‬ ‫َ‬


‫ما ل َ ْ‬
‫دوا ب ِ َ‬
‫م ُ‬
‫ح َ‬‫ن يُ ْ‬‫نأ ْ‬ ‫ما أَتوا وَي ُ ِ ّ َ‬‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬‫ن ي َْفَر ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬‫ل تَ ْ‬
‫َ‬
‫م )‪(188‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ب وَل َهُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫م ْ‬‫مَفاَزةٍ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫سب َن ّهُ ْ‬
‫ح َ‬‫َفل ت َ ْ‬
‫ول تظنن الذين يفرحون بما أ ََتوا من أفعال قبيحة كاليهود‬
‫والمنافقين وغيرهم‪ ,‬ويحبون أن يثني عليهم الناس بما لم يفعلوا‪,‬‬
‫فل تظنهم ناجين من عذاب الله في الدنيا‪ ,‬ولهم في الخرة عذاب‬
‫موجع‪ .‬وفي الية وعيد شديد لكل آت لفعل السوء معجب به‪,‬‬
‫ي عليه الناس ويحمدوه‪.‬‬‫ولكل مفتخر بما لم يعمل‪ ,‬لُيثن َ‬

‫‪137‬‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ت وال َ‬
‫يءٍ قَ ِ‬
‫ديٌر )‪(189‬‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫ض َوالل ّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ك ال ّ‬ ‫وَل ِل ّهِ ُ‬
‫ولله وحده ملك السموات والرض وما فيهما‪ ,‬والله على كل شيء‬
‫قدير‪.‬‬

‫ت ُ‬ ‫َ‬
‫لوِلههي‬ ‫ف الل ّي ْ ِ‬
‫ل َوالن َّهارِ لَيا ٍ‬ ‫خِتل ِ‬
‫ض َوا ْ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ق ال ّ‬ ‫ن ِفي َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫ب )‪(190‬‬ ‫الل َْبا ِ‬
‫إن في خلق السموات والرض على غير مثال سابق‪ ,‬وفي تعاُقب‬
‫صًرا لدلئل وبراهين عظيمة على‬
‫الليل والنهار‪ ,‬واختلفهما طول وقِ َ‬
‫وحدانية الله لصحاب العقول السليمة‪.‬‬

‫ق‬ ‫ن ِفي َ ْ‬ ‫م وَي َت ََفك ُّرو َ‬ ‫ه قَِياما ً وَقُُعودا ً وَعََلى ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ن ي َذ ْك ُُرو َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫خلهه ِ‬ ‫جُنوب ِهِ ْ‬
‫َ‬
‫ذي َ‬
‫ب الّناِر‬ ‫حان َ َ‬
‫ك فَِقَنا عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ذا َباط ِل ً ُ‬
‫ت هَ َ‬ ‫خل َْق َ‬
‫ما َ‬
‫ض َرب َّنا َ‬‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬
‫ال ّ‬
‫)‪(191‬‬
‫دا وعلى جنوبهم‪,‬‬ ‫ما وقعو ً‬‫الذين يذكرون الله في جميع أحوالهم‪ :‬قيا ً‬
‫وهم يتدبرون في خلق السموات والرض‪ ,‬قائلين‪ :‬يا ربنا ما أوجدت‬
‫رف عنا عذاب النار‪.‬‬ ‫ص ِ‬‫هذا الخلق عبًثا‪ ,‬فأنت منّزه عن ذلك‪ ,‬فا ْ‬

‫خزيت هه ومهها ِللظ ّههال ِمين م ه َ‬ ‫َ‬ ‫َرب َّنا إ ِن ّ َ‬


‫صههارٍ )‬
‫ن أن ْ َ‬
‫ِ َ ِ ْ‬ ‫ل الّناَر فََق هد ْ أ ْ َ ْ َ ُ َ َ‬
‫خ ْ‬
‫ن ت ُد ْ ِ‬
‫م ْ‬
‫ك َ‬
‫‪(192‬‬
‫خْله النار بذنوبه فقد‬
‫من ُتد ِ‬
‫جنا من النار‪ ,‬فإنك ‪-‬يا ألله‪َ -‬‬
‫يا ربنا ن ّ‬
‫فضحته وأهنته‪ ,‬وما للمذنبين الظالمين لنفسهم من أحد يدفع عنهم‬
‫عقاب الله يوم القيامة‪.‬‬

‫ربنا إننا س همعنا منادي ها ً ينههادي ل ِليمهها َ‬


‫من ّهها َرب ّن َهها‬ ‫من ُههوا ب َِرب ّك ُه ْ‬
‫م َفآ َ‬ ‫نآ ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫َُ ِ‬ ‫َ َّ َِّ َ ِ ْ َ ُ َ ِ‬
‫َ‬
‫معَ الب َْرارِ )‪(193‬‬ ‫سي َّئات َِنا وَت َوَفَّنا َ‬‫َفاغِْفْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَك َّفْر عَّنا َ‬
‫يا ربنا إننا سمعنا مناديا ‪-‬هو نبيك محمد صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫ينادي الناس للتصديق بك‪ ,‬والقرار بوحدانيتك‪ ,‬والعمل بشرعك‪,‬‬

‫‪138‬‬
‫دقنا رسالته‪ ,‬فاغفر لنا ذنوبنا‪ ,‬واستر عيوبنا‪,‬‬
‫فأجبنا دعوته وص ّ‬
‫وألحقنا بالصالحين‪.‬‬

‫ف‬
‫خِلهه ُ‬
‫ك ل تُ ْ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫مةِ إ ِّنهه َ‬ ‫خزَِنا ي َوْ َ‬
‫ك َول ت ُ ْ‬ ‫ما وَعَد ْت ََنا عََلى ُر ُ‬
‫سل ِ َ‬ ‫َرب َّنا َوآت َِنا َ‬
‫ميَعاد َ )‪(194‬‬ ‫ال ْ ِ‬
‫يا ربنا أعطنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من نصر وتمكين وتوفيق‬
‫دا‬
‫خلف وع ً‬
‫وهداية‪ ,‬ول تفضحنا بذنوبنا يوم القيامة‪ ,‬فإنك كريم ل ت ُ ْ‬
‫ت به عبادك‪.‬‬
‫وَعَد ْ َ‬

‫ن ذ َك َرٍ أ َوْ أ ُن َْثى‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ل ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫عا ِ‬‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ضيعُ عَ َ‬


‫ُ‬
‫م أّني ل أ ِ‬
‫َفاستجاب ل َهم ربه َ‬
‫ْ َ َ َ ُ ْ َ ُّ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ذوا فِههي‬ ‫م وَأو ُ‬ ‫ن دِي َههارِهِ ْ‬ ‫مه ْ‬‫جههوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫جُروا وَأ ْ‬ ‫ها َ‬
‫ن َ‬‫ذي َ‬‫ض َفال ّ ِ‬ ‫ن ب َعْ ٍ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ضك ُ ْ‬‫ب َعْ ُ‬
‫ري‬
‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل َن ّهُ ْ‬‫م َولد ْ ِ‬ ‫سي َّئات ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَن ْهُ ْ‬‫سِبيِلي وََقات َُلوا وَقُت ُِلوا لك َّفَر ّ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ب )‪(195‬‬ ‫وا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫عن ْد َهُ ُ‬‫ه ِ‬ ‫عن ْدِ اللهِ َوالل ُ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬‫وابا ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر ث َ َ‬‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫حا‬
‫من عمل منهم عمل صال ً‬ ‫فأجاب الله دعاءهم بأنه ل يضيع جهد َ‬
‫وة الدين وَقبول العمال والجزاء‬ ‫ذكًرا كان أو أنثى‪ ,‬وهم في أ ُ ُ‬
‫خ ّ‬
‫ة في رضا الله تعالى‪ ,‬وُأخرجوا من‬ ‫عليها سواء‪ ,‬فالذين هاجروا رغب ً‬
‫ديارهم‪ ,‬وأوذوا في طاعة ربهم وعبادتهم إّياه‪ ,‬وقاتلوا وقُِتلوا في‬
‫ن الله عليهم ما ارتكبوه من‬ ‫سبيل الله لعلء كلمته‪ ,‬ليستر ّ‬
‫المعاصي‪ ,‬كما سترها عليهم في الدنيا‪ ,‬فل يحاسبهم عليها‪,‬‬
‫وليدخلّنهم جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها النهار جزاء‬
‫من عند الله‪ ,‬والله عنده حسن الثواب‪.‬‬

‫ن ك ََفُروا ِفي ال ِْبلدِ )‪(196‬‬ ‫ب ال ّ ِ‬


‫ذي َ‬ ‫ك ت ََقل ّ ُ‬
‫ل ي َغُّرن ّ َ‬

‫ل تغتر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بما عليه أهل الكفر بالله من بسطة في‬
‫سَعة في الرزق‪ ,‬وانتقالهم من مكان إلى مكان للتجارات‬‫العيش‪ ,‬و َ‬
‫ما قليل يزول هذا كّله عنهم‪ ,‬ويصبحون‬
‫وطلب الرباح والموال‪ ,‬فع ّ‬
‫مرتهنين بأعمالهم السيئة‪.‬‬

‫ل ث ُم ْ‬
‫س ال ْ ِ‬
‫مَهاد ُ )‪(197‬‬ ‫م وَب ِئ ْ َ‬
‫جهَن ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫مَتاعٌ قَِلي ٌ ّ َ‬
‫مأَواهُ ْ‬ ‫َ‬

‫‪139‬‬
‫متاع قليل زائل‪ ,‬ثم يكون مصيرهم يوم القيامة إلى النار‪ ,‬وبئس‬
‫الفراش‪.‬‬

‫ن‬
‫دي َ‬ ‫حت ِهَهها ال َن ْهَههاُر َ‬
‫خال ِه ِ‬ ‫ن تَ ْ‬
‫مه ْ‬
‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬‫جّنا ٌ‬‫م َ‬ ‫م ل َهُ ْ‬
‫وا َرب ّهُ ْ‬
‫ن ات َّق ْ‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫ل َك ِ ْ‬
‫خي ٌْر ل ِل َب َْرارِ )‪(198‬‬‫عن ْد َ الل ّهِ َ‬
‫ما ِ‬‫عن ْدِ الل ّهِ وَ َ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ِفيَها ن ُُزل ً ِ‬
‫لكن الذين خافوا ربهم‪ ,‬وامتثلوا أوامره‪ ,‬واجتنبوا نواهيه‪ ,‬قد أعد ّ‬
‫الله لهم جنات تجري من تحت أشجارها النهار‪ ,‬هي منزلهم الدائم‬
‫ل يخرجون منه‪ .‬وما عد الله أعظم وأفضل لهل الطاعة مما يتقلب‬
‫فيه الذين كفروا من نعيم الدنيا‪.‬‬

‫مهها أ ُن ْهزِ َ‬
‫ل‬ ‫م وَ َ‬ ‫مهها أ ُن ْهزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْك ُه ْ‬ ‫ن ب ِههالل ّهِ وَ َ‬‫م ُ‬‫ن ي ُؤْ ِ‬‫م ْ‬ ‫ب لَ َ‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫وإن م َ‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫َِ ّ ِ ْ‬
‫ُ‬
‫م‬‫ك ل َهُ ه ْ‬
‫من ها ً قَِليل ً أوْل َئ ِ َ‬ ‫ت الل ّههِ ث َ َ‬ ‫ن ِبآي َهها ِ‬‫ش هت َُرو َ‬ ‫ن ل ِل ّههِ ل ي َ ْ‬ ‫ش هِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م َ‬‫إ ِل َي ْهِ ه ْ‬
‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ب )‪(199‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫دا‪ ,‬وبما‬
‫دا وإلًها معبو ً‬
‫دق بالله رّبا واح ً‬ ‫ضا من أهل الكتاب َليص ّ‬ ‫وإن بع ً‬
‫زل إليهم من التوراة والنجيل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫زل إليكم من هذا القرآن‪ ,‬وبما أن ِ‬ ‫أن ِ‬
‫متذللين لله‪ ,‬خاضعين له‪ ,‬ل يشترون بآيات الله ثمًنا قليل من حطام‬
‫الدنيا‪ ,‬ول يكتمون ما أنزل الله‪ ,‬ول يحرفونه كغيرهم من اهل‬
‫الكتاب‪ .‬أولئك لهم ثواب عظيم عنده يوم يلقونه‪ ,‬فيوفيهم إياه غير‬
‫ن الله سريع الحساب‪ ,‬ل يعجزه إحصاء أعمالهم‪,‬‬ ‫منقوص‪ .‬إ ّ‬
‫ومحاسبتهم عليها‪.‬‬

‫َ‬
‫ه ل َعَل ّك ُه ْ‬
‫م‬ ‫صههاب ُِروا وََراب ِط ُههوا َوات ُّقههوا الّله َ‬
‫صهب ُِروا وَ َ‬
‫من ُههوا ا ْ‬
‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(200‬‬ ‫حو َ‬ ‫ت ُْفل ِ ُ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اصبروا على‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫طاعة ربكم‪ ,‬وعلى ما ينزل بكم من ضر وبلء‪ ,‬وصابروا أعداءكم‬
‫حتى ل يكونوا أشد صبًرا منكم‪ ,‬وأقيموا على جهاد عدوي وعدوكم‪,‬‬
‫وخافوا الله في جميع أحوالكم; رجاء أن تفوزوا برضاه في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫‪ -4‬سورة النساء‬

‫َ‬
‫خل َهقَ ِ‬
‫من ْهَهها‬ ‫حهد َةٍ وَ َ‬‫َوا ِ‬ ‫س‬‫ن ن َْف ٍ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خل ََقك ُ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫س ات ُّقوا َرب ّك ُ ْ‬‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ه‬
‫ن ب ِه ِ‬ ‫سههاَءُلو َ‬
‫ذي ت َت َ َ‬‫ال ّ ِ‬ ‫ساًء َوات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫جال ً ك َِثيرا ً وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬‫من ْهُ َ‬
‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬‫َزوْ َ‬
‫م َرِقيبا ً )‪(1‬‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫َوال َْر َ‬
‫حا َ‬
‫يا أيها الناس خافوا الله والتزموا أوامره‪ ,‬واجتنبوا نواهيه; فهو الذي‬
‫خلقكم من نفس واحدة هي آدم عليه السلم‪ ,‬وخلق منها زوجها‬
‫وهي حواء‪ ,‬ونشر منهما في أنحاء الرض رجال كثيًرا ونساء‬
‫ضا‪ ,‬واحذروا أن‬
‫سأل به بعضكم بع ً‬ ‫كثيرات‪ ,‬وراقبوا الله الذي ي َ ْ‬
‫تقطعوا أرحامكم‪ .‬إن الله مراقب لجميع أحوالكم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫وال َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ب َول ت َأك ُُلوا أ ْ‬
‫م َ‬ ‫ث ِبالط ّي ّ ِ‬ ‫م َول ت َت َب َد ُّلوا ال ْ َ‬
‫خِبي َ‬ ‫وال َهُ ْ‬
‫م َ‬
‫مى أ ْ‬ ‫َوآُتوا ال ْي ََتا َ‬
‫حوبا ً ك َِبيرا ً )‪(2‬‬ ‫َ‬
‫ن ُ‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫إ َِلى أ ْ‬
‫م َ‬
‫من مات آباؤهم وهم دون البلوغ‪ ,‬وكنتم عليهم أوصياء‪,‬‬ ‫وأعطوا َ‬
‫أموالهم إذا وصلوا سن البلوغ‪ ,‬ورأيتم منهم قدرة على حفظ‬
‫أموالهم‪ ,‬ول تأخذوا الجّيد من أموالهم‪ ,‬وتجعلوا مكانه الرديء من‬
‫أموالكم‪ ,‬ول تخلطوا أموالهم بأموالكم; لتحتالوا بذلك على أكل‬
‫ما‪.‬‬
‫ما عظي ً‬
‫أموالهم‪ .‬إن من تجرأ على ذلك فقد ارتكب إث ً‬

‫خْفت َ‬
‫ن‬
‫مه َ‬‫م ِ‬ ‫ب ل َك ُه ْ‬
‫مهها ط َهها َ‬‫حوا َ‬‫مى فَههانك ِ ُ‬ ‫طوا فِههي ال ْي َت َهها َ‬ ‫سه ُ‬ ‫م أل ّ ت ُْق ِ‬‫ن ِ ُ ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫مل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫كهه ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حد َةً أوْ َ‬ ‫م أل ّ ت َعْدُِلوا فَ َ‬
‫وا ِ‬ ‫خْفت ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ث وَُرَباعَ فَإ ِ ْ‬ ‫مث َْنى وَُثل َ‬ ‫ساِء َ‬ ‫الن ّ َ‬
‫َ‬
‫ك أد َْنى أل ّ ت َُعوُلوا )‪(3‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ذ َل ِ َ‬‫مان ُك ُ ْ‬ ‫أي ْ َ‬
‫وإن خفتم أل تعدلوا في يتامى النساء اللتي تحت أيديكم بأن ل‬
‫تعطوهن مهورهن كغيرهن‪ ,‬فاتركوهن وانكحوا ما طاب لكم من‬
‫النساء من غيرهن‪ :‬اثنتين أو ثلًثا أو أربًعا‪ ,‬فإن خشيتم أل تعدلوا‬
‫بينهن فاكتفوا بواحدة‪ ,‬أو بما عندكم من الماء‪ .‬ذلك الذي شرعته‬
‫لكم في اليتيمات والزواج من واحدة إلى أربع‪ ,‬أو القتصار على‬
‫جوْرِ والتعدي‪.‬‬
‫واحدة أو ملك اليمين‪ ,‬أقرب إلى عدم ال َ‬

‫‪141‬‬
‫ه ن َْفسها ً‬
‫من ْه ُ‬
‫يءٍ ِ‬ ‫ن َ‬
‫شه ْ‬ ‫ن ل َك ُه ْ‬
‫م عَه ْ‬ ‫ن ط ِب ْ َ‬ ‫حل َ ً‬
‫ة فَإ ِ ْ‬ ‫صد َُقات ِهِ ّ‬
‫ن نِ ْ‬ ‫ساَء َ‬ ‫َوآُتوا الن ّ َ‬
‫ريئا ً )‪(4‬‬ ‫فَك ُُلوهُ هَِنيئا ً َ‬
‫م ِ‬
‫وأعطوا النساء مهورهن‪ ,‬عطية واجبة وفريضة لزمة عن طيب‬
‫نفس منكم‪ .‬فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء من المهر فوهَْبنه‬
‫لكم فخذوه‪ ,‬وتصّرفوا فيه‪ ,‬فهو حلل طيب‪.‬‬

‫َ‬
‫م قَِياما ً َواْرُزُقوهُ ْ‬
‫م ِفيَها‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫م ال ِّتي َ‬
‫جع َ َ‬ ‫وال َك ُ ْ‬
‫م َ‬‫سَفَهاَء أ ْ‬‫َول ت ُؤُْتوا ال ّ‬
‫معُْروفا ً )‪(5‬‬ ‫م قَوْل ً َ‬ ‫م وَُقوُلوا ل َهُ ْ‬
‫سوهُ ْ‬ ‫َواك ْ ُ‬
‫ول تؤتوا ‪-‬أيها الولياء‪ -‬من ي ُب َ ّ‬
‫ذر من الرجال والنساء والصبيان‬
‫أموالهم التي تحت أيديكم فيضعوها في غير وجهها‪ ,‬فهذه الموال‬
‫هي التي عليها قيام حياة الناس‪ ,‬وأنفقوا عليهم منها واكسوهم‪,‬‬
‫وقولوا لهم قول معروًفا من الكلم الطيب والخلق الحسن‪.‬‬

‫شههدا ً‬ ‫م ُر ْ‬ ‫من ْهُ ه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫س هت ُ ْ‬


‫ن آن َ ْ‬ ‫ح ف َ هإ ِ ْ‬ ‫ذا ب َل َغُههوا الن ّك َهها َ‬ ‫حت ّههى إ ِ َ‬ ‫مى َ‬ ‫َواب ْت َل ُههوا ال ْي َت َهها َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َفادفَعوا إل َيه َ‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬‫ن ي َك َْبهُروا وَ َ‬ ‫دارا ً أ ْ‬ ‫سهَرافا ً وَِبه َ‬ ‫م َول ت َأك ُُلو َ‬
‫هها إ ِ ْ‬ ‫وال َهُ ْ‬
‫َ‬ ‫مه‬‫مأ ْ‬ ‫ْ ُ ِ ِْ ْ‬
‫ْ‬
‫م‬ ‫ذا د َفَعْت ُه ْ‬
‫ف ف َ هإ ِ َ‬‫معُْرو ِ‬ ‫ل ِبال ْ َ‬ ‫ن فَِقيرا ً فَل ْي َأك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف وَ َ‬ ‫ست َعِْف ْ‬ ‫ن غَن ِي ّا ً فَل ْي َ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫سيبا ً )‪(6‬‬ ‫ح ِ‬ ‫م وَك ََفى ِبالل ّهِ َ‬ ‫دوا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫شه ِ ُ‬ ‫م فَأ َ ْ‬ ‫وال َهُ ْ‬ ‫م َ‬
‫مأ ْ‬
‫إل َيه َ‬
‫ِ ِْ ْ‬
‫من تحت أيديكم من اليتامى لمعرفة قدرتهم على حسن‬ ‫واختبروا َ‬
‫علمتم‬ ‫التصرت في أموالهم‪ ,‬حتى إذا وصلوا إلى سن البلوغ‪ ,‬و َ‬
‫حا في دينهم‪ ,‬وقدرة على حفظ أموالهم‪ ,‬فسّلموها لهم‪,‬‬ ‫منهم صل ً‬
‫ول تعتدوا عليها بإنفاقها في غير موضعها إسراًفا ومبادرة لكلها‬
‫من كان صاحب مال منكم فليستعفف‬ ‫قبل أن يأخذوها منكم‪ .‬و َ‬
‫بغناه‪ ,‬ول يأخذ من مال اليتيم شيًئا‪ ,‬ومن كان فقيًرا فليأخذ بقدر‬
‫حاجته عند الضرورة‪ .‬فإذا علمتم أنهم قادرون على حفظ أموالهم‬
‫حُلم وسلمتموها إليهم‪ ,‬فأ َ ْ‬
‫شِهدوا عليهم; ضماًنا‬ ‫بعد بلوغهم ال ُ‬
‫لوصول حقهم كامل إليهم; لئل ينكروا ذلك‪ .‬ويكفيكم أن الله شاهد‬
‫عليكم‪ ,‬ومحاسب لكم على ما فعلتم‪.‬‬

‫مهها‬
‫م ّ‬
‫ب ِ‬
‫صههي ٌ‬
‫سههاِء ن َ ِ‬ ‫ن َوال َقَْرب ُههو َ‬
‫ن وَِللن ّ َ‬ ‫دا ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫وال ِه َ‬ ‫ما ت َهَر َ‬
‫م ّ‬
‫ب ِ‬
‫صي ٌ‬
‫ل نَ ِ‬
‫جا ِ‬
‫ِللّر َ‬

‫‪142‬‬
‫ل من َ‬
‫مْفُروضا ً )‪(7‬‬
‫صيبا ً َ‬
‫ه أوْ ك َث َُر ن َ ِ‬
‫ما قَ ّ ِ ْ ُ‬
‫م ّ‬ ‫ن َوال َقَْرُبو َ‬
‫ن ِ‬ ‫دا ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫وال ِ َ‬ ‫ت ََر َ‬

‫للذكور ‪-‬صغاًرا أو كباًرا‪ -‬نصيب ‪+‬شرعه الله فيما تركه الوالدان‬


‫والقربون من المال‪ ,‬قليل كان أو كثيًرا‪ ,‬في أنصبة محددة واضحة‬
‫فرضها الله عز وجل لهؤلء‪ ,‬وللنساء كذلك‪.‬‬

‫ذا حضر ال ْقسم َ ُ‬


‫ن فَههاْرُزُقوهُ ْ‬
‫م‬ ‫كي ُ‬
‫سهها ِ‬ ‫مى َوال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ة أوُْلوا ال ُْقْرب َههى َوال ْي َت َهها َ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫وَإ ِ َ َ َ َ‬
‫معُْروفا ً )‪(8‬‬ ‫م قَوْل ً َ‬‫ه وَُقوُلوا ل َهُ ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫ب الميت ممن ل حقّ لهم في‬ ‫ة الميراث أقار ُ‬
‫وإذا حضر قسم َ‬
‫من ل مال لهم‬ ‫التركة‪ ,‬أو حضرها من مات آباؤهم وهم صغار‪ ,‬أو َ‬
‫فأعطوهم شيًئا من المال على وجه الستحباب قبل تقسيم التركة‬
‫على أصحابها‪ ,‬وقولوا لهم قول حسًنا غير فاحش ول قبيح‪.‬‬

‫خههاُفوا عَل َي ْهِه ْ‬


‫م‬ ‫ضهَعافا ً َ‬ ‫خل ِْفهِه ْ‬
‫م ذ ُّري ّه ً‬
‫ة ِ‬ ‫ن َ‬
‫مه ْ‬‫ن ل َهوْ ت ََرك ُههوا ِ‬ ‫ش ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خ َ‬ ‫وَل ْي َ ْ‬
‫ديدا ً )‪(9‬‬‫س ِ‬‫ه وَل ْي َُقوُلوا قَوْل ً َ‬
‫فَل ْي َت ُّقوا الل ّ َ‬
‫ف الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغاًرا ضعاًفا خافوا‬ ‫ول ْي َ َ‬
‫خ ِ‬
‫عليهم الظلم والضياع‪ ,‬فليراقبوا الله فيمن تحت أيديهم من اليتامى‬
‫وغيرهم‪ ,‬وذلك بحفظ أموالهم‪ ,‬وحسن تربيتهم‪ ,‬ود َْفع الذى عنهم‪,‬‬
‫وليقولوا لهم قول موافقا للعدل والمعروف‪.‬‬

‫م َنههارا ً‬ ‫ن ِفي ب ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫إن ال ّذين يأ ْك ُُلو َ‬


‫طون ِهِ ْ‬ ‫ما ي َأك ُُلو َ‬
‫مى ظ ُْلما ً إ ِن ّ َ‬
‫ل ال ْي ََتا َ‬
‫وا َ‬
‫م َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ً‬
‫سِعيرا )‪(10‬‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ص لو ْ َ‬
‫سي َ ْ‬‫وَ َ‬
‫إن الذين يعَْتدون على أموال اليتامى‪ ,‬فيأخذونها بغير حق‪ ,‬إنما‬
‫جج في بطونهم يوم القيامة‪ ,‬وسيدخلون نارا يقاسون‬ ‫يأكلون ناًرا تتأ ّ‬
‫حّرها‪.‬‬

‫ظا ُ‬ ‫حه ّ‬ ‫َ‬


‫سههاءً‬ ‫ن نِ َ‬ ‫ن ك ُه ّ‬ ‫ن ف َ هإ ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫لنث َي َي ْه‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬‫م ِللذ ّك َرِ ِ‬ ‫ه ِفي أْولدِك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫صيك ُ ْ‬ ‫ُيو ِ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ف وَلَبههوَي ْ ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫حد َةً فَل ََها الن ّ ْ‬ ‫ت َوا ِ‬ ‫ن َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫ك وَإ ِ ْ‬ ‫ما ت ََر َ‬‫ن ث ُل َُثا َ‬
‫ن فَل َهُ ّ‬ ‫فَوْقَ اث ْن َت َي ْ ِ‬
‫ه‬‫ن ل َه ُ‬ ‫م ي َك ُه ْ‬ ‫ن ل َه ْ‬‫ه وَل َد ٌ فَإ ِ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫ما ت ََر َ‬ ‫م ّ‬‫س ِ‬ ‫سد ُ ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫حدٍ ِ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ل ِك ُ ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ول َد وورث َ َ‬
‫ن‬‫مه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫س هد ُ ُ‬ ‫م ههِ ال ّ‬ ‫خوَةٌ فَل ّ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه إِ ْ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫ث فَإ ِ ْ‬ ‫مهِ الث ّل ُ ُ‬‫واهُ فَل ّ‬ ‫ه أب َ َ‬ ‫َ ٌ َ َ ِ ُ‬
‫‪143‬‬
‫بعد وصية يوصي بها أ َو دين آباؤُك ُم وأ َبنههاؤُك ُم ل تهدرون أ َيه ه َ‬
‫م أقْهَر ُ‬
‫ب‬ ‫َ ُْ َ ُّ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫َِ ْ َْ ٍ َ‬ ‫َْ ِ َ ِ ّ ٍ ُ ِ‬
‫كيما ً )‪(11‬‬ ‫ن عَِليما ً َ‬
‫ح ِ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ن الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫ض ً‬ ‫م ن َْفعا ً فَ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫يوصيكم الله ويأمركم في شأن أولدكم‪ :‬إذا مات أحد منكم وترك‬
‫دا‪ :‬ذكوًرا وإناًثا‪ ,‬فميراثه كله لهم‪ :‬للذكر مثل نصيب النثيين‪ ,‬إذا‬ ‫أول ً‬
‫لم يكن هناك وارث غيرهم‪ .‬فإن ترك بنات فقط فللبنتين فأكثر ثلثا‬
‫دي الميت لكل‬ ‫ما ترك‪ ,‬وإن كانت ابنة واحدة‪ ,‬فلها النصف‪ .‬ولوال ِ َ‬
‫دا أو‬
‫واحد منهما السدس إن كان له ولد‪ :‬ذكًرا كان أو أنثى‪ ,‬واح ً‬
‫أكثر‪ .‬فإن لم يكن له ولد وورثه والداه فلمه الثلث ولبيه الباقي‪.‬‬
‫فإن كان للميت إخوة اثنان فأكثر‪ ,‬ذكوًرا كانوا أو إناًثا‪ ,‬فلمه‬
‫السدس‪ ,‬وللب الباقي ول شيء للخوة‪ .‬وهذا التقسيم للتركة إنما‬
‫يكون بعد إخراج وصية الميت في حدود الثلث أو إخراج ما عليه‬
‫رض لهم الرث ل تعرفون أيهم‬ ‫من د َْين‪ .‬آباؤكم وأْبناؤكم الذين فُ ِ‬
‫دا منهم على‬ ‫أقرب لكم نفًعا في دنياكم وأخراكم‪ ,‬فل تفضلوا واح ً‬
‫الخر‪ .‬هذا الذي أوصيتكم به مفروض عليكم من الله‪ .‬إن الله كان‬
‫ما فيما شرعه لهم‪.‬‬ ‫ما بخلقه‪ ,‬حكي ً‬ ‫علي ً‬

‫ف ما تر َ َ‬
‫ن‬‫ن ل َهُ ه ّ‬ ‫ن ك َهها َ‬ ‫ن وَل َهد ٌ فَ هإ ِ ْ‬ ‫ن ل َهُه ّ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫ك أْزَوا ُ‬ ‫ص ُ َ ََ‬ ‫م نِ ْ‬ ‫وَل َك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن وَل َهُ ه ّ‬ ‫ن ب ِهَهها أوْ د َي ْه ٍ‬ ‫صههي َ‬ ‫صي ّةٍ ُيو ِ‬ ‫ن ب َعْدِ وَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ت ََرك ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫م الّرب ُعُ ِ‬ ‫وَل َد ٌ فَل َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫مهه ُ‬ ‫ن الث ّ ُ‬ ‫م وَل َد ٌ فَل َهُ ّ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م وَل َد ٌ فَإ ِ ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ما ت ََرك ْت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫الّرب ُعُ ِ‬
‫َ‬
‫ث‬ ‫ل ي ُههوَر ُ‬ ‫جه ٌ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ن ك َهها َ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ن ب َِها أوْ د َي ْه ٍ‬ ‫صو َ‬ ‫صي ّةٍ ُتو ُ‬ ‫ن ب َعْدِ وَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ت ََرك ْت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كههاُنوا‬ ‫ن َ‬ ‫س فَإ ِ ْ‬ ‫سد ُ ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫من ْهُ َ‬‫حدٍ ِ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ت فَل ِك ُ ّ‬ ‫خ ٌ‬ ‫خ أو ْ أ ْ‬ ‫هأ ٌ‬ ‫مَرأةٌ وَل َ ُ‬ ‫ة أو ْ ا ْ‬ ‫كلل َ ً‬ ‫َ‬
‫صههى ب ِهَهها أ َْو‬ ‫ص هي ّةٍ ُيو َ‬ ‫ن ب َعْ هدِ وَ ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫كاُء ِفي الث ّل ُ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ك فَهُ ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫أك ْث ََر ِ‬
‫َ‬
‫م )‪(12‬‬ ‫حِلي ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫صي ّ ً‬‫ضاّر وَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن غَي َْر ُ‬ ‫د َي ْ ٍ‬
‫ولكم ‪-‬أيها الرجال‪ -‬نصف ما ترك أزواجكم بعد وفاتهن إن لم يكن‬
‫لهن ولد ذكًرا كان أو أنثى‪ ,‬فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن‪,‬‬
‫ترثونه من بعد إنفاذ وصيتهن الجائزة‪ ,‬أو ما يكون عليهن من د َْين‬
‫لمستحقيه‪ .‬ولزواجكم ‪ -‬أيها الرجال ‪ -‬الربع مما تركتم‪ ,‬إن لم يكن‬
‫لكم ابن أو ابنة منهن أو من غيرهن‪ ,‬فإن كان لكم ابن أو ابنة فلهن‬
‫الثمن مما تركتم‪ ,‬يقسم الربع أو الثمن بينهن‪ ,‬فإن كانت زوجة‬
‫واحدة كان هذا ميراًثا لها‪ ,‬من بعد إنفاذ ما كنتم أوصيتم به من‬
‫الوصايا الجائزة‪ ,‬أو قضاء ما يكون عليكم من د َْين‪ .‬وإن مات رجل‬
‫أو امراة وليس له أو لها ولد ول والد‪ ,‬وله أو لها أخ أو أخت من أم‬

‫‪144‬‬
‫فلكل واحد منهما السدس‪ .‬فإن كان الخوة أو الخوات لم أكثر‬
‫من ذلك فهم شركاء في الثلث يقسم بينهم بالسوية ل فرق بين‬
‫الذكر والنثى‪ ,‬وهذا الذي فرضه الله للخوة والخوات لم يأخذونه‬
‫ميراًثا لهم من بعد قضاء ديون الميت‪ ,‬وإنفاذ وصيته إن كان قد‬
‫أوصى بشيء ل ضرر فيه على الورثة‪ .‬بهذا أوصاكم ربكم وصية‬
‫نافعة لكم‪ .‬والله عليم بما يصلح خلقه‪ ,‬حليم ل يعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬

‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ري ِ‬
‫جه ِ‬
‫ت تَ ْ‬
‫جن ّهها ٍ‬
‫ه َ‬‫خل ْ ُ‬ ‫سههول َ ُ‬
‫ه ي ُهد ْ ِ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِهعْ الل ّه َ‬‫م ْ‬‫دود ُ الل ّهِ وَ َ‬ ‫ح ُ‬
‫ك ُ‬ ‫ت ِل ْ َ‬
‫م )‪(13‬‬ ‫ظي ُ‬‫ك ال َْفوُْز ال ْعَ ِ‬‫ن ِفيَها وَذ َل ِ َ‬‫دي َ‬ ‫حت َِها ال َن َْهاُر َ‬
‫خال ِ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫تلك الحكام اللهية التي شرعها الله في اليتامى والنساء‬
‫من عند الله العلبم الحكيم‪.‬‬
‫والمواريث‪ ,‬شرائعه الدالة على أنها ِ‬
‫من يطع الله ورسوله فيما شرع لعباده من هذه الحكام وغيرها‪,‬‬ ‫و َ‬
‫يدخله جنات كثيرة الشجار والقصور‪ ,‬تجري من تحتها النهار‬
‫بمياهها العذبة‪ ,‬وهم باقون في هذا النعيم‪ ,‬ل يخرجون منه‪ ,‬وذلك‬
‫الثواب هو الفلح العظيم‪.‬‬

‫خال ِههدا ً ِفيهَهها وَل َه ُ‬


‫ه‬ ‫ه ن َههارا ً َ‬
‫خل ْ ُ‬
‫دود َهُ ي ُهد ْ ِ‬
‫ح ُ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه وَي َت َعَد ّ ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي َعْ ِ‬‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫مِهي ٌ‬
‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬‫عَ َ‬
‫ص الله ورسوله‪ ,‬بإنكاره لحكام الله‪ ,‬وتجاوزه ما شرعه‬ ‫من ي َعْ ِ‬
‫و َ‬
‫الله لعباده بتغييرها‪ ,‬أو تعطيل العمل بها‪ ,‬يدخله ناًرا ماكًثا فيها‪ ,‬وله‬
‫عذاب يخزيه ويهينه‪.‬‬

‫ْ‬
‫من ْك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ة ِ‬ ‫ن أ َْرب َعَ ً‬
‫دوا عَل َي ْهِ ّ‬‫شه ِ ُ‬‫ست َ ْ‬‫م َفا ْ‬‫سائ ِك ُ ْ‬
‫ن نِ َ‬
‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫ح َ‬
‫ش َ‬ ‫ن ال َْفا ِ‬
‫َوالل ِّتي ي َأِتي ََ‬
‫َ‬
‫ل‬‫جَعهه َ‬‫ت أوْ ي َ ْ‬ ‫مههوْ ُ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫حّتى ي َت َوَّفاهُ ّ‬ ‫ت َ‬‫ن ِفي ال ْب ُُيو ِ‬‫كوهُ ّ‬‫س ُ‬ ‫م ِ‬ ‫دوا فَأ ْ‬ ‫شهِ ُ‬‫ن َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫سِبيل ً )‪(15‬‬ ‫ن َ‬ ‫ه ل َهُ ّ‬‫الل ّ ُ‬
‫واللتي يزنين من نسائكم‪ ,‬فاستشهدوا ‪-‬أيها الولة والقضاة‪ -‬عليهن‬
‫أربعة رجال عدول من المسلمين‪ ,‬فإن شهدوا عليهن بذلك‬
‫فاحبسوهن في البيوت حتى تنتهي حياتهن بالموت‪ ,‬أو يجعل الله‬
‫لهن طريًقا للخلص من ذلك‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫مهها إ ِ ّ‬
‫ضوا عَن ْهُ َ‬ ‫صل َ َ‬
‫حا فَأعْرِ ُ‬ ‫ما فَإ ِ ْ‬
‫ن َتاَبا وَأ ْ‬ ‫ذوهُ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م َفآ ُ‬ ‫ن ي َأت َِيان َِها ِ‬‫ذا ِ‬‫َوالل ّ َ‬
‫حيما ً )‪(16‬‬ ‫وابا ً َر ِ‬ ‫ن تَ ّ‬‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ذوهما بالضرب والهجر‬ ‫واللذان يقعان في فاحشة الزنى‪ ,‬فآ ُ‬
‫دمان من العمال‬ ‫ما وقع منهما وأصلحا بما يق ّ‬ ‫والتوبيخ‪ ,‬فإن تابا ع ّ‬
‫الصالحة فاصفحوا عن أذاهما‪ .‬ويستفاد من هذه الية والتي قبلها‬
‫ن وُيؤذ َي ْ َ‬
‫ن‪,‬‬ ‫س َ‬ ‫أن الرجال إذا فعلوا الفاحشة ي ُؤْذ َْون‪ ,‬والنساء ي ُ ْ‬
‫حب َ ْ‬
‫فالحبس غايتة الموت‪ ,‬والذية نهايتها إلى التوبة والصلح‪ .‬وكان هذا‬
‫في صدر السلم‪ ,‬ثم ُنسخ بما شرع الله ورسوله‪ ,‬وهو الرجم‬
‫للمحصن والمحصنة‪ ,‬وهما الحران البالغان العاقلن‪ ,‬اللذان جامعا‬
‫في نكاح صحيح‪ ,‬والجلد ُ مائة جلدة‪ ,‬وتغريب عام لغيرهما‪ .‬إن الله‬
‫ما بهم‪.‬‬‫كان توابا على عباده التائبين‪ ,‬رحي ً‬

‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ن ِ‬ ‫جَهال َهةٍ ث ُه ّ‬
‫م ي َُتوب ُههو َ‬ ‫سوَء ب ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬‫مُلو َ‬
‫ن ي َعْ َ‬ ‫ة عََلى الل ّهِ ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ما الت ّوْب َ ُ‬
‫إ ِن ّ َ‬
‫كيما ً )‪(17‬‬ ‫ُ‬
‫ح ِ‬‫ه عَِليما ً َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬
‫م وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ب فَأوْل َئ ِ َ‬
‫ك ي َُتو ُ‬ ‫ري ٍ‬‫قَ ِ‬
‫إّنما يقبل الله التوبة من الذين يرتكبون المعاصي والذنوب بجهل‬
‫منهم لعاقبتها‪ ,‬وإيجابها لسخط الله ‪-‬فكل عاص لله مخطًئا أو‬
‫ما بالتحريم ‪-‬ثم‬
‫دا فهو جاهل بهذا العتبار‪ ,‬وإن كان عال ً‬ ‫م ً‬
‫متع ّ‬
‫يرجعون إلى ربهم بالنابة والطاعة قبل معاينة الموت‪ ,‬فأولئك يقبل‬
‫ما في تدبيره وتقديره‪.‬‬ ‫ما بخلقه‪ ,‬حكي ً‬
‫الله توبتهم‪ .‬وكان الله علي ً‬

‫َ‬
‫م‬
‫ح هد َهُ ْ‬ ‫ض هَر أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا َ‬‫حت ّههى إ ِ َ‬
‫ت َ‬‫س هي َّئا ِ‬
‫ن ال ّ‬‫مل ُههو َ‬
‫ن ي َعْ َ‬ ‫ة ل ِل ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ت الت ّوْب َه ُ‬‫سه ْ‬ ‫وَل َي ْ َ‬
‫ك أ َعَْتههد َْنا‬
‫م ك ُّفاٌر أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ن وَهُ ْ‬
‫موُتو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ن َول ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫ل إ ِّني ت ُب ْ ُ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ذابا ً أ َِليما ً )‪(18‬‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫صّرون على ارتكاب المعاصي‪ ,‬ول‬ ‫وليس َقبول التوبة للذين ي ُ ِ‬
‫يرجعون إلى ربهم إلى أن تأتيهم سكرات الموت‪ ,‬فيقول أحدهم‪:‬‬
‫إني تبت الن‪ ,‬كما ل ُتقبل توبة الذين يموتون وهم جاحدون‪,‬‬
‫منكرون لوحدانية الله ورسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫أولئك المصّرون على المعاصي إلى أن ماتوا‪ ,‬والجاحدون الذين‬
‫يموتون وهم كفار‪ ,‬أعتدنا لهم عذاًبا موجًعا‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫ل ل َك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ض هُلوهُ ّ‬‫سههاَء ك َْره ها ً َول ت َعْ ُ‬ ‫ن ت َرُِثوا الن ّ َ‬
‫ْ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ح ّ‬
‫مُنوا ل ي َ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ش هُروهُ ّ‬ ‫عا ِ‬
‫مب َي ّن َهةٍ وَ َ‬ ‫ح َ‬
‫ش هة ٍ ُ‬ ‫ن ب َِفا ِ‬ ‫ن ي َأِتي َ‬‫ن إ ِل ّ أ ْ‬‫موهُ ّ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ُ‬
‫ض َ‬ ‫ل ِت َذ ْهَُبوا ب ِب َعْ ِ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ه ِفيهه ِ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫شْيئا ً وَي َ ْ‬
‫جع َ َ‬ ‫هوا َ‬ ‫ن ت َك َْر ُ‬‫سى أ ْ‬ ‫ن فَعَ َ‬ ‫موهُ ّ‬ ‫ن ك َرِهْت ُ ُ‬ ‫ف فَإ ِ ْ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫خْيرا ً ك َِثيرا ً )‪(19‬‬ ‫َ‬
‫يا أيها الذين آمنوا ل يجوز لكم أن تجعلوا نساء آبائكم من جملة‬
‫ركتهم‪ ,‬تتصرفون فيهن بالزواج منهن‪ ,‬أو المنع لهن‪ ,‬أو تزويجهن‬‫تَ ِ‬
‫للخرين‪ ,‬وهن كارهات لذلك كله‪ ,‬ول يجوز لكم أن تصاّروا أزواجكم‬
‫وأنتم كارهون لهن; ليتنازلن عن بعض ما آتيتموهن من مهر ونحوه‪,‬‬
‫إل أن يرتكبن أمرا فاحشا كالزنى‪ ,‬فلكم حيننذ إمساكهن حتى‬
‫تأخذوا ما أعطيتموهن‪ .‬ولتكن مصاحبتكم لنسائكم مبنية على‬
‫التكريم والمحبة‪ ,‬وأداء ما لهن من حقوق‪ .‬فإن كرهتموهن لسبب‬
‫من السباب الدنيوية فاصبروا; فعسى أن تكرهوا أمًرا من المور‬
‫ويكون فيه خير كثير‪.‬‬

‫ن ِقنط َههارا ً َفل‬ ‫وإ َ‬


‫داهُ ّ‬
‫حه َ‬
‫م إِ ْ‬
‫ج َوآت َي ْت ُه ْ‬ ‫مك َهها َ‬
‫ن َزو ٍْ‬ ‫ج َ‬ ‫ل َزو ٍْ‬ ‫دا َ‬‫س هت ِب ْ َ‬
‫ما ْ‬‫ن أَرد ْت ُه ْ‬‫َِ ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫مِبينا )‪(20‬‬ ‫ه ب ُهَْتانا وَإ ِْثما ُ‬ ‫خ ُ‬
‫ذون َ ُ‬ ‫شْيئا أت َأ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ذوا ِ‬‫خ ُ‬‫ت َأ ُ‬
‫من‬‫وإن أردتم استبدال زوجة مكان أخرى‪ ,‬وكنتم قد أعطيتم َ‬
‫تريدون طلقها مال كثيًرا مهًرا لها‪ ,‬فل يحل لكم أن تأخذوا منه‬
‫شيًئا‪ ,‬أتأخذونه كذًبا وافتراًء واض ً‬
‫حا؟‬

‫وك َيف تأ ْ‬
‫ميَثاق ها ً‬ ‫من ْك ُه ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ض وَأ َ َ‬
‫خ هذ ْ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫م إِ َ‬
‫لى‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ض‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ضى‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫ذونه وقَد أ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫غَِليظا ً )‪(21‬‬
‫ل لكم أن تأخذوا ما أعطيتموهن من مهر‪ ,‬وقد استمتع كل‬ ‫وكيف يح ّ‬
‫ظا من إمساكهن‬‫ن منكم ميثاًقا غلي ً‬
‫خذ ْ َ‬
‫منكما بالخر بالجماع‪ ,‬وأ َ‬
‫بمعروف أو تسريحهن بإحسان؟‬

‫ه ك َهها َ‬
‫ن‬ ‫س هل َ َ‬
‫ف إ ِن ّه ُ‬ ‫سههاءِ إ ِل ّ َ‬
‫مهها قَهد ْ َ‬ ‫ن الن ّ َ‬
‫مه ْ‬ ‫ح آب َههاؤُك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما ن َك َه َ‬
‫حوا َ‬‫َول َتنك ِ ُ‬
‫سِبيل ً )‪(22‬‬‫ساَء َ‬ ‫مْقتا ً وَ َ‬
‫ة وَ َ‬ ‫ح َ‬
‫ش ً‬ ‫َفا ِ‬
‫من تزوجه آباؤكم من النساء إل ما قد سلف منكم‬ ‫ول تتزوجوا َ‬
‫ومضى في الجاهلية فل مؤاخذة فيه‪ .‬إن زواج البناء من زوجات‬
‫‪147‬‬
‫آبائهم أمر قبيح يفحش ويعظم قبحه‪ ,‬وبغيض يمقت الله فاعله‪,‬‬
‫جا ما كنتم تفعلونه في جاهليتكم‪.‬‬
‫وبئس طريًقا ومنه ً‬

‫ت‬ ‫م وَب ََنا ُ‬‫خالت ُك ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مات ُك ُ ْ‬ ‫م وَعَ ّ‬ ‫وات ُك ُ ْ‬


‫خ َ‬‫م وَأ َ َ‬ ‫م وَب ََنات ُك ُ ْ‬ ‫مَهات ُك ُ ْ‬ ‫مأ ّ‬
‫حرمت عَل َيك ُ ُ‬
‫ْ ْ‬ ‫ُ ّ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال َ‬
‫ة‬
‫ضاعَ ِ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫وات ُك ُ ْ‬‫خ َ‬‫م وَأ َ‬ ‫ضعْن َك ُ ْ‬‫م الل ِّتي أْر َ‬ ‫مَهات ُك ُ ْ‬ ‫ت وَأ ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫ت ال ْ‬ ‫خ وَب ََنا ُ‬ ‫ُ ِ‬
‫م الل ّت ِههي‬ ‫سههائ ِك ُْ‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫ُ ُ ِ ْ ِ ْ ِ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫هو‬‫ه‬ ‫ج‬ ‫ح‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫م َ ُ ِ َ ِ ْ ََ َ ُِ ْ‬
‫ك‬ ‫ب‬ ‫ئ‬ ‫با‬‫ر‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ئ‬‫سا‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ها‬ ‫وَأ ّ‬
‫ل‬‫حلئ ِ ُ‬ ‫م وَ َ‬‫ح عَل َي ْك ُه ْ‬ ‫جن َهها َ‬ ‫ن َفل ُ‬ ‫م ب ِهِه ّ‬ ‫خل ْت ُه ْ‬ ‫كون ُههوا د َ َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ن ل َه ْ‬ ‫ن ف َ هإ ِ ْ‬ ‫م ب ِهِه ّ‬ ‫خل ْت ُه ْ‬ ‫دَ َ‬
‫س هل َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ما قَهد ْ َ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫خت َي ْ ِ‬
‫ن ال ْ‬ ‫مُعوا ب َي ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫صلب ِك ُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫أب َْنائ ِك ُ ْ‬
‫حيما ً )‪(23‬‬ ‫ن غَُفورا ً َر ِ‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫من جهة‬ ‫دات ِ‬
‫حّرم الله عليكم نكاح أمهاتكم‪ ,‬ويدخل في ذلك الج ّ‬
‫الب أو الم‪ ,‬وبناتكم‪ :‬ويشمل بنات الولد وإن نزلن‪ ,‬وأخواتكم‬
‫الشقيقات أو لب أو لم‪ ,‬وعماتكم‪ :‬أخوات آبائكم وأجدادكم‪,‬‬
‫وخالتكم‪ :‬أخوات أمهاتكم وجداتكم‪ ,‬وبنات الخ‪ ,‬وبنات الخت‪:‬‬
‫ويدخل في ذلك أولدهن‪ ,‬وأمهاتكم اللتي أرضعنكم‪ ,‬وأخواتكم من‬
‫الرضاعة ‪-‬وقد حّرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاع‬
‫ما يحرم من النسب‪ -‬وأمهات نسائكم‪ ,‬سواء دخلتم بنسائكم‪ ,‬أم لم‬
‫ن غالًبا في‬‫تدخلوا بهن‪ ,‬وبنات نسائكم من غيركم اللتي يترب ّي ْ َ‬
‫ن في حجوركم‪,‬‬ ‫مات فإن لم يك ّ‬ ‫محّر َ‬
‫بيوتكم وتحت رعايتكم‪ ,‬وهن ُ‬
‫ولكن بشرط الدخول بأمهاتهن‪ ,‬فإن لم تكونوا دخلتم بأمهاتهن‬
‫ن قبل الدخول فل جناح عليكم أن تنكحوهن‪ ,‬كما‬ ‫وطلقتموهن أو مت ْ َ‬
‫حّرم الله عليكم أن تنكحوا زوجات أبنائكم الذين من أصلبكم‪ ,‬ومن‬
‫من أبنائكم من الرضاع‪ ,‬وهذا التحريم يكون بالعقد عليها‪,‬‬ ‫ُ‬
‫ألحق بهم ِ‬
‫دخل البن بها أم لم يدخل‪ ,‬وحّرم عليكم كذلك الجمع في وقت‬
‫واحد بين الختين بنسب أو رضاع إل ما قد سلف ومضى منكم في‬
‫الجاهلية‪ .‬ول يجوز كذلك الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها كما‬
‫ما بهم‪,‬‬
‫جاء في السنة‪ .‬إن الله كان غفوًرا للمذنبين إذا تابوا‪ ,‬رحي ً‬
‫فل يكلفهم ما ل يطيقون‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫الجزء الخامس ‪:‬‬
‫َ‬
‫ب الل ّل ِ‬
‫ه‬ ‫م ك ِت َللا َ‬ ‫مللان ُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َل ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ء إ ِل ّ َ‬ ‫سا ِ‬‫ن الن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫صَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫حلل ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫وال ِك ْ‬ ‫م َ‬‫غللوا ِبللأ ْ‬ ‫ن ت َب ْت َ ُ‬‫مأ ْ‬ ‫وَراءَ ذَل ِكلل ْ‬ ‫مللا َ‬ ‫م َ‬ ‫ل لكلل ْ‬ ‫وأ ِ‬ ‫م َ‬ ‫علي ْكلل ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ه ّ‬ ‫فللآُتو ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ّ‬‫من ْ ُ‬‫ه ِ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫عت ُ ْ‬‫مت َ ْ‬ ‫ست َ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫ف َ‬‫ن َ‬‫حي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫غي َْر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫صِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫أُ‬
‫د‬‫ع ِ‬ ‫ن بَ ْ‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م بِ ِ‬
‫ضي ْت ُ ْ‬ ‫ما ت ََرا َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫علي ْك ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫جَنا َ‬ ‫ول ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ض ً‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫جو‬ ‫ُ‬
‫كيما )‪(24‬‬ ‫ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ً‬
‫عِليما َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ه كا َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ة إِ ّ‬ ‫ض ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫سب َي ُْتم‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ويحرم عليكم نكاح المتزوجات من النساء‪ ,‬إل َ‬
‫منهن في الجهاد‪ ,‬فإنه يحل لكم نكاحهن‪ ,‬بعد استبراء‬
‫أرحامهن بحيضة‪ ,‬كتب الله عليكم تحريم نكاح هؤلء‪,‬‬
‫ما أحله الله لكم أن‬
‫من سواهن‪ ,‬م ّ‬ ‫وأجاز لكم نكاح َ‬
‫تطلبوا بأموالكم العفة عن اقتراف الحرام‪ .‬فما‬
‫استمتعتم به منهن بالنكاح الصحيح‪ ,‬فأعطوهن مهورهن‪,‬‬
‫م‬‫التي فرض الله لهن عليكم‪ ,‬ول إثم عليكم فيما ت ّ‬
‫التراضي به بينكم‪ ,‬من الزيادة أو النقصان في المهر‪,‬‬
‫ما بأمور‬‫بعد ثبوت الفريضة‪ .‬إن الله تعالى كان علي ً‬
‫عباده‪ ,‬حكيما في أحكامه وتدبيره‪.‬‬

‫َ‬
‫ت‬ ‫صللَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫كلل َ‬ ‫ن َين ِ‬ ‫ول ً أ ْ‬ ‫طلل ْ‬ ‫م َ‬ ‫كلل ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫سللت َطِ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن َللل ْ‬ ‫ملل ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫مَنللا ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫فت ََيللات ِك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬‫ت َ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن‬ ‫ن ب ِ لإ ِذْ ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫حو ُ‬ ‫فللانك ِ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫عل ٍ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫م ب ِِإي َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ه أَ ْ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫غْيللَر‬ ‫ت َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫صللَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِبللال َ‬ ‫ه ّ‬ ‫جللوَر ُ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ه ّ‬ ‫وآُتللو ُ‬ ‫ن َ‬ ‫هلل ّ‬ ‫هل ِ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬ ‫ف لإ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫خل َ‬
‫ن أت َي ْ ل َ‬ ‫ف لإ ِ ْ‬ ‫صل ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫ذا أ ْ‬ ‫دا ٍ‬ ‫خل َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ول ُ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ٍ‬ ‫ف َ‬ ‫سللا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫عل َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ص لَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫عل َللى ال ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن نِ ْ‬ ‫ه ّ‬ ‫ِ‬ ‫عل َي ْ‬‫ف َ‬ ‫ة َ‬ ‫ش ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫فا ِ‬ ‫بِ َ‬
‫خشي ال ْعن َت من ْك ُم َ‬
‫والّللل ُ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫كلل ْ‬ ‫خي ٌْر ل َ ُ‬ ‫صب ُِروا َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫ن َ ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫م )‪(25‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫َ‬

‫ومن ل قدرة له على مهور الحرائر المؤمنات‪ ,‬فله أن‬


‫ينكح غيرهن‪ ,‬من فتياتكم المؤمنات المملوكات‪ .‬والله‬
‫تعالى هو العليم بحقيقة إيمانكم‪ ,‬بعضكم من بعض‪,‬‬
‫فتزوجوهن بموافقة أهلهن‪ ,‬وأعطوهن مهورهن على ما‬

‫‪149‬‬
‫تراضيتم به عن طيب نفس منكم‪ ,‬متعففات عن الحرام‪,‬‬
‫غير مجاهرات بالزنى‪ ,‬ول مسرات به باتخاذ أخلء‪ ,‬فإذا‬
‫تزوجن وأتين بفاحشة الزنى فعليهن من الحدّ نصف ما‬
‫من نكاح الماء بالصفة‬ ‫على الحرائر‪ .‬ذلك الذي أبيح ِ‬
‫المتقدمة إنما أبيح لمن خاف على نفسه الوقوع في‬
‫الزنى‪ ,‬وشق عليه الصبر عن الجماع‪ ,‬والصبر عن نكاح‬
‫الماء مع العفة أولى وأفضل‪ .‬والله تعالى غفور لكم‪,‬‬
‫رحيم بكم إذ أذن لكم في نكاحهن عند العجز عن نكاح‬
‫الحرائر‪.‬‬

‫قب ْل ِك ُل ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬
‫مل ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن ال ّل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سلن َ َ‬ ‫دي َك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫هل ِ‬‫وي َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ل َك ُل ْ‬ ‫ريدُ الل ّ ُ‬
‫ه ل ِي ُب َي ّل َ‬ ‫يُ ِ‬
‫م )‪(26‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫عِلي ٌ‬
‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫ب َ‬ ‫وي َُتو َ‬
‫َ‬
‫يريد الله تعالى بهذه التشريعات‪ ,‬أن يوضح لكم معالم‬
‫دينه القويم‪ ,‬وشرعه الحكيم‪ ,‬ويدلكم على طرق النبياء‬
‫والصالحين من قبلكم في الحلل والحرام‪ ,‬ويتوب عليكم‬
‫بالرجوع بكم إلى الطاعات‪ ,‬وهو سبحانه عليم بما يصلح‬
‫شأن عباده‪ ,‬حكيم فيما شرعه لكم‪.‬‬

‫َ‬
‫ت‬
‫وا ِ‬
‫ه َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ش َ‬ ‫عو َ‬
‫ن ي َت ّب ِ ُ‬ ‫ريدُ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وي ُ ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ب َ‬‫ن ي َُتو َ‬ ‫ريدُ أ ْ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫َ‬
‫ظيما )‪(27‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ع ِ‬‫مي ْل َ‬ ‫ميلوا َ‬ ‫ن تَ ِ‬‫أ ْ‬
‫والله يريد أن يتوب عليكم‪ ,‬ويتجاوز عن خطاياكم‪ ,‬ويريد‬
‫الذين ينقادون لشهواتهم وملذاتهم أن تنحرفوا عن‬
‫الدين انحرا ً‬
‫فا كبيًرا‪.‬‬

‫عيفا ً )‪(28‬‬ ‫يريد الل ّ َ‬


‫ض ِ‬
‫ن َ‬
‫سا ُ‬
‫لن َ‬
‫قا ِ‬
‫خل ِ َ‬
‫و ُ‬
‫م َ‬‫عن ْك ُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫خ ّ‬
‫ف َ‬ ‫ن يُ َ‬
‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫ُ ِ ُ‬
‫يريد الله تعالى بما شرعه لكم التيسللير‪ ,‬وعللدم التشللديد‬
‫عليكم; لنكم خلقتم ضعفاء‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫إ ِل ّ‬ ‫م ِبال َْباطِ ل ِ‬
‫ل‬ ‫م ب َي ْن َك ُل ْ‬‫وال َك ُ ْ‬
‫مل َ‬ ‫مُنوا ل ت َأك ُُلوا أ ْ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫َيا أي ّ َ‬
‫ن‬‫إِ ّ‬ ‫م‬‫س لك ُ ْ‬ ‫قت ُل ُللوا َأن ُ‬
‫ف َ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُل ْ‬
‫ض ِ‬
‫ن ت َلَرا ٍ‬ ‫ع ْ‬
‫جاَرةً َ‬ ‫ن تِ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫حيما ً )‪(29‬‬ ‫م َر ِ‬‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫‪150‬‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ل يحل‬‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫لكم أن يأكل بعضكم مال بعض بغير حق‪ ,‬إل أن يكون‬
‫ق الشرع والكسب الحلل عن تراض منكم‪ ,‬ول يقتل‬ ‫و ْ‬
‫ف َ‬ ‫َ‬
‫ضا فتهلكوا أنفسكم بارتكاب محارم الله‬‫بعضكم بع ً‬
‫ما في كل ما أمركم به‪,‬‬
‫ومعاصيه‪ .‬إن الله كان بكم رحي ً‬
‫ونهاكم عنه‪.‬‬

‫ن‬ ‫ه ن َللارا ً َ‬
‫وك َللا َ‬ ‫صِلي ِ‬
‫ف نُ ْ‬
‫و َ‬
‫س ْ‬ ‫وظُْلما ً َ‬
‫ف َ‬ ‫وانا ً َ‬
‫عد ْ َ‬
‫ك ُ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬‫ع ْ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫ف َ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬
‫َ‬
‫سيرا )‪(30‬‬‫ً‬ ‫ه يَ ِ‬ ‫ّ‬
‫على الل ِ‬ ‫َ‬ ‫ك َ‬‫ذَل ِ َ‬

‫ومن يرتكب ما نهى الله عنه من أخذ المال الحرام‬


‫كالسرقة والغصب والغش معتدًيا متجاوًزا حد الشرع‪,‬‬
‫فسوف يدخله الله ناًرا يقاسي حّرها‪ ,‬وكان ذلك على‬
‫الله يسيًرا‪.‬‬

‫سلي َّئات ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫عن ْك ُل ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ن ُك َ ّ‬
‫فلْر َ‬ ‫عن ْل ُ‬
‫ن َ‬
‫و َ‬
‫هل ْ‬ ‫جت َن ُِبوا ك َب َللائ َِر َ‬
‫مللا ت ُن ْ َ‬ ‫ن تَ ْ‬‫إِ ْ‬
‫ريما ً )‪(31‬‬ ‫خل ً ك َ ِ‬ ‫مد ْ َ‬
‫م ُ‬‫خل ْك ُ ْ‬‫ون ُدْ ِ‬
‫َ‬
‫إن تبتعدوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬عن كبائر الذنوب كالشراك‬
‫ل النفس بغير الحق وغير‬ ‫بالله وعقوق الوالدين و َ‬
‫قت ْ ِ‬
‫فر عنكم ما دونها من الصغائر‪ ,‬وندخلكم مدخل‬ ‫ذلك‪ ,‬نك ّ‬
‫ما‪ ,‬وهو الجّنة‪.‬‬‫كري ً‬

‫ل‬
‫جللا ِ‬‫ض ِللّر َ‬‫ٍ‬ ‫عل‬ ‫عل َللى ب َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ض لك ُ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ه بَ ْ‬ ‫ه ب ِل ِ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬
‫ف ّ‬ ‫ما َ‬ ‫وا َ‬‫من ّ ْ‬‫ول ت َت َ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سللألوا‬ ‫وا ْ‬‫ن َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ما اك ْت َ َ‬‫م ّ‬‫ب ِ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ء نَ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫وِللن ّ َ‬ ‫سُبوا َ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬ ‫م ّ‬‫ب ِ‬ ‫صي ٌ‬ ‫نَ ِ‬
‫عِليما ً )‪(32‬‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ب ِك ُ ّ‬‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ه إِ ّ‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫ن َ‬
‫ف ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ضل الله به بعضكم على بعض‪ ,‬في‬ ‫ول تتمنوا ما ف ّ‬
‫المواهب والرزاق وغير ذلك‪ ,‬فقد جعل الله للرجال‬
‫نصيًبا مقدًّرا من الجزاء بحسب عملهم‪ ,‬وجعل للنساء‬
‫طكم من‬ ‫ع ِ‬‫نصيًبا مما عملن‪ ,‬واسألوا الله الكريم الوهاب ي ُ ْ‬
‫ما‪,‬‬
‫فضله بدل من التمني‪ .‬إن الله كان بكل شيء علي ً‬
‫وهو أعلم بما يصلح عباده فيما قسمه لهم من خير‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫واّللل ِ‬
‫ن َ‬ ‫قَرُبو َ‬ ‫وال َ ْ‬‫ن َ‬ ‫دا ِ‬
‫وال ِ َ‬‫ك ال ْ َ‬ ‫ما ت ََر َ‬
‫م ّ‬‫ي ِ‬ ‫وال ِ َ‬‫م َ‬‫عل َْنا َ‬‫ج َ‬ ‫ل َ‬ ‫ول ِك ُ ّ‬‫َ‬
‫علللى ك ُل ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن َ‬‫ه ك َللا َ‬ ‫ن الل ل َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫صلليب َ ُ‬
‫م نَ ِ‬ ‫ه ْ‬‫فآُتو ُ‬ ‫م َ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫قد َ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫هيدا ً )‪(33‬‬ ‫ش ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ولكل واحد منكم جعلنا ورثة يرثون مما ترك الوالدان‬
‫والقربون‪ ,‬والذين تحالفتم معهم باليمان المؤكدة على‬
‫در‬
‫ق ّ‬‫النصرة وإعطائهم شيًئا من الميراث فأعطوهم ما ُ‬
‫لهم‪ .‬والميراث بالتحالف كان في أول السلم‪ ,‬ثم ُرفع‬
‫عا على كل‬ ‫مطّل ِ ً‬
‫حكمه بنزول آيات المواريث‪ .‬إن الله كان ُ‬
‫شيء من أعمالكم‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫عَلى‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ض ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ه بَ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ء بِ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫عَلى الن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫وا ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ُ‬ ‫الّر َ‬
‫ت‬ ‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ف ُ‬ ‫مللا َأن َ‬
‫قان َِتللا ٌ‬ ‫حا ُ‬ ‫صللال ِ َ‬ ‫فال ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫وال ِ ِ‬ ‫ملل َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ملل ْ‬ ‫قللوا ِ‬ ‫وب ِ َ‬ ‫ض َ‬ ‫علل ٍ‬ ‫بَ ْ‬
‫ن‬
‫ه ّ‬ ‫شللوَز ُ‬ ‫ن نُ ُ‬ ‫فو َ‬ ‫خا ُ‬ ‫والل ِّتي ت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ظ الل ّ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ت ل ِل ْ َ‬ ‫ظا ٌ‬ ‫ف َ‬ ‫حا ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ن َ‬
‫ف لإ ِ ْ‬ ‫ه ّ‬ ‫رُبو ُ‬ ‫ضل ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ضللا ِ‬‫م َ‬ ‫فللي ال ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫هل ّ‬ ‫جُرو ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫عظُللو ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫عل ِي ّ لا ً ك َِبيللرا ً )‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سِبيل ً إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫عل َ‬‫َ‬ ‫غوا‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫فل‬ ‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ع‬‫ْ‬ ‫أ َطَ‬
‫ِ‬
‫‪(34‬‬
‫وامون على توجيه النساء ورعايتهن‪ ,‬بما‬ ‫الرجال ق ّ‬
‫مة والتفضيل‪ ,‬وبما‬ ‫قوا َ‬
‫خصهم الله به من خصائص ال ِ‬
‫أعطوهن من المهور والنفقات‪ .‬فالصالحات‬
‫المستقيمات على شرع الله منهن‪ ,‬مطيعات لله تعالى‬
‫ولزواجهن‪ ,‬حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن بما‬
‫ن عليه بحفظ الله وتوفيقه‪ ,‬واللتي تخشون منهن‬ ‫اؤتم ّ‬
‫فعهن عن طاعتكم‪ ,‬فانصحوهن بالكلمة الطيبة‪ ,‬فإن‬ ‫تر ّ‬
‫لم تثمر معهن الكلمة الطيبة‪ ,‬فاهجروهن في الفراش‪,‬‬
‫جران فيهن‪,‬‬‫ه ْ‬
‫ول تقربوهن‪ ,‬فإن لم يؤثر فعل ال ِ‬
‫فاضربوهن ضرًبا ل ضرر فيه‪ ,‬فإن أطعنكم فاحذروا‬
‫من‬‫ي الكبير ولّيهن‪ ,‬وهو منتقم م ّ‬ ‫ظلمهن‪ ,‬فإن الله العل ّ‬
‫ن وبغى عليهن‪.‬‬ ‫ظلمه ّ‬

‫كمللا ً‬ ‫ح َ‬
‫و َ‬‫ه َ‬‫هِللل ِ‬‫ن أَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫كما ً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫عُثوا َ‬
‫فاب ْ َ‬ ‫ما َ‬‫ه َ‬
‫قاقَ ب َي ْن ِ ِ‬ ‫ش َ‬‫م ِ‬ ‫فت ُ ْ‬‫خ ْ‬‫ن ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫و ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ه كللا َ‬ ‫ن اللل َ‬ ‫ما إ ِ ّ‬‫ه َ‬
‫ه ب َي ْن َ ُ‬‫ق الل ُ‬‫ف ْ‬ ‫صلحا ي ُ َ‬ ‫دا إ ِ ْ‬ ‫ري َ‬
‫ن يُ ِ‬
‫ها إ ِ ْ‬ ‫هل ِ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫‪152‬‬
‫خِبيرا ً )‪(35‬‬
‫عِليما ً َ‬
‫َ‬
‫قا بينهما يؤدي إلى‬‫وإن علمتم ‪-‬يا أولياء الزوجين‪ -‬شقا ً‬
‫ما عدل من أهل الزوج‪,‬‬ ‫الفراق‪ ,‬فأرسلوا إليهما حك ً‬
‫ما عدل من أهل الزوجة; لينظرا ويحكما بما فيه‬ ‫وحك ً‬
‫المصلحة لهما‪ ,‬وبسبب رغبة الحكمين في الصلح‪,‬‬
‫واستعمالهما السلوب الطيب يوفق الله بين الزوجين‪.‬‬
‫إن الله تعالى عليم‪ ,‬ل يخفى عليه شيء من أمر عباده‪,‬‬
‫خبير بما تنطوي عليه نفوسهم‪.‬‬

‫سللانا ً‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وِبال ْ َ‬ ‫ش لْيئا ً َ‬ ‫ه َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ول ت ُ ْ‬ ‫دوا الل ّل َ‬


‫وال ِلدَي ْ ِ‬ ‫كوا ب ِل ِ‬ ‫شل ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫جللا ِ‬ ‫ْ‬
‫وال َ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ذي ال ُ‬
‫كي ِ‬ ‫سللا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وال َ‬ ‫ن َ‬ ‫كي ِ‬ ‫سللا ِ‬ ‫م َ‬ ‫وال َ‬ ‫مى َ‬ ‫والي ََتا َ‬ ‫قْرَبى َ‬ ‫وب ِ ِ‬‫َ‬
‫ل‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِذي ال ُ‬
‫واب ْ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫ب ِبال َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫ب َ‬ ‫جن ُ ِ‬‫ر ال ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫وال َ‬ ‫قْرَبى َ‬
‫َ‬
‫خللورا ً‬ ‫ف ُ‬ ‫خَتال ً َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ح ّ‬‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫)‪(36‬‬
‫كا فللي‬ ‫واعبدوا الله وانقادوا له وحده‪ ,‬ول تجعلوا له شري ً‬
‫دوا‬ ‫الربوبيلللة والعبلللادة‪ ,‬وأحسلللنوا إللللى الواللللدين‪ ,‬وأ ّ‬
‫حقوقهمللا‪ ,‬وحقللوق القربيللن‪ ,‬واليتللامى والمحتللاجين‪,‬‬
‫والجار القريب منكم والبعيد‪ ,‬والرفيق في السللفر وفللي‬
‫الحضللر‪ ,‬والمسللافر المحتللاج‪ ,‬والمماليللك مللن فتيللانكم‬
‫وفتياتكم‪ .‬إن الله تعالى ل يحللب المتكللبرين مللن عبللاده‪,‬‬
‫المفتخرين على الناس‪.‬‬
‫س ِبال ْب ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬
‫ما آَتا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫وي َك ْت ُ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫وي َأ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ن ي َب ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫هينا ً )‪(37‬‬ ‫م ِ‬ ‫ذابا ً ُ‬ ‫ع َ‬‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬‫عت َدَْنا ل ِل ْ َ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫الذين يمتنعون عن النفاق والعطاء مما رزقهم الله‪,‬‬
‫م الله عليهم‪,‬‬
‫ع َ‬
‫ويأمرون غيرهم بالبخل‪ ,‬ويجحدون ن ِ َ‬
‫ويخفون فضله وعطاءه‪ .‬وأعددنا للجاحدين عذاًبا مخزًيا‪.‬‬

‫َ‬
‫ه‬‫ب ِللالل ّ ِ‬ ‫ن‬
‫من ُللو َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ول ي ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫رَئاءَ الن ّللا ِ‬
‫ِ‬ ‫م‬‫ه ْ‬‫وال َ ُ‬
‫مل َ‬‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬
‫ن ُين ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫َ‬
‫رينا ً‬ ‫َ‬
‫ق ِ‬ ‫ساءَ‬
‫ف َ‬ ‫ً‬
‫رينا َ‬ ‫ه َ‬
‫ق ِ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا ُ‬ ‫ال ّ‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬ ‫ر َ‬‫خ ِ‬
‫وم ِ ال ِ‬ ‫ْ‬
‫ول ِبالي َ ْ‬ ‫َ‬
‫)‪(38‬‬

‫‪153‬‬
‫وأعتدنا هذا العذاب كذلك للذين ينفقون أموالهم رياءً‬
‫دا وعمل ول بيوم‬
‫ة‪ ,‬ول يصدقون بالله اعتقا ً‬
‫وسمع ً‬
‫القيامة‪ .‬وهذه العمال السيئة مما يدعو إليها الشيطان‪.‬‬
‫ما فبئس الملزم والقرين‪.‬‬ ‫ومن يكن الشيطان له ملز ً‬

‫مللا‬
‫م ّ‬ ‫وَأن َ‬
‫ف ُ‬
‫قللوا ِ‬ ‫ر َ‬
‫خل ِ‬ ‫وال ْي َل ْ‬
‫وم ِ ال ِ‬ ‫ه َ‬‫ب ِللالل ّ ِ‬ ‫مُنوا‬‫وآ َ‬‫م لَ ْ‬‫ه ْ‬ ‫ذا َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ما َ‬‫و َ‬
‫َ‬
‫عِليما ً )‪(39‬‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫بِ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫كا َ‬‫و َ‬‫ه َ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫َرَز َ‬
‫ق ُ‬
‫دا‬
‫دقوا بالله واليوم الخر اعتقا ً‬
‫ي ضرر يلحقهم لو ص ّ‬
‫وأ ّ‬
‫وعمل وأنفقوا مما أعطاهم الله باحتساب وإخلص‪,‬‬
‫والله تعالى عليم بهم وبما يعملون‪ ,‬وسيحاسبهم على‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ها‬ ‫ع ْ‬
‫ف َ‬ ‫ضللا ِ‬
‫ة يُ َ‬
‫س لن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫ن ت َل ُ‬
‫ك َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ل ذَّر ٍ‬
‫ة َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫قللا َ‬ ‫ه ل ي َظْل ِل ُ‬
‫م ِ‬ ‫ن الل ّل َ‬‫إِ ّ‬
‫ظيما ً )‪(40‬‬ ‫جرا ً َ‬ ‫َ‬
‫ع ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن ل َدُن ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وي ُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫َ‬
‫دا من جزاء عمله مقدار ذرة‪,‬‬‫إن الله تعالى ل ينقص أح ً‬
‫وإن تكن زنة الذرة حسنة فإنه سبحانه يزيدها ويكثرها‬
‫لصاحبها‪ ,‬ويتفضل عليه بالمزيد‪ ,‬فيعطيه من عنده ثواًبا‬
‫كبيًرا هو الجنة‪.‬‬

‫عل َللى َ‬
‫هل ُ‬ ‫جئ َْنا ب ِ َ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫ذا جئ َْنا من ك ُ ّ ُ‬ ‫فك َي ْ َ‬‫َ‬
‫ء‬
‫ؤل ِ‬ ‫ك َ‬ ‫و ِ‬
‫د َ‬
‫هي ٍ‬
‫ش ِ‬ ‫م ٍ‬
‫لأ ّ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ف إِ َ ِ‬
‫هيدا ً )‪(41‬‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫فكيف يكون حال الناس يوم القيامة‪ ,‬إذا جاء الله من كل‬
‫أمة برسولها ليشهد عليها بما عملت‪ ,‬وجاء بك ‪-‬أيها‬
‫دا على أمتك أنك بلغتهم رسالة‬ ‫الرسول‪ -‬لتكون شهي ً‬
‫رّبك‪.‬‬

‫م‬
‫هل ْ‬
‫وى ب ِ ِ‬
‫سل ّ‬ ‫ل ل َل ْ‬
‫و تُ َ‬ ‫سو َ‬
‫وا الّر ُ‬
‫ص ْ‬
‫ع َ‬
‫و َ‬‫فُروا َ‬ ‫ن كَ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ودّ ال ّ ِ‬
‫ذ يَ َ‬‫مئ ِ ٍ‬
‫و َ‬
‫يَ ْ‬
‫ديثا ً )‪(42‬‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫مو َ‬‫ول ي َك ْت ُ ُ‬ ‫ض َ‬‫الْر ُ‬

‫‪154‬‬
‫يوم يكون ذلك‪ ,‬يتمنى الذين كفروا بالله تعالى وخالفوا‬
‫الرسول ولم يطيعوه‪ ,‬لو يجعلهم الله والرض سواء‪,‬‬
‫فيصيرون تراًبا‪ ,‬حتى ل يبعثوا وهم ل يستطيعون أن‬
‫ُيخفوا عن الله شيًئا مما في أنفسهم‪ ,‬إذ ختم الله على‬
‫ت عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون‪.‬‬‫هد َ ْ‬ ‫أفواههم‪ ,‬و َ‬
‫ش ِ‬

‫قربوا الصلةَ َ‬ ‫َ‬


‫حّتللى‬ ‫كاَرى َ‬ ‫سلل َ‬ ‫م ُ‬ ‫وأن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫مُنوا ل ت َ ْ َ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫َيا أي ّ َ‬
‫سُلوا‬ ‫غت َ ِ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫عاب ِ‬ ‫جُنبا ً إ ِل ّ َ‬
‫ول ُ‬ ‫ن َ‬‫قوُلو َ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫موا َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مل ْ‬‫م ِ‬ ‫من ْك ُل ْ‬
‫ح لد ٌ ِ‬ ‫جللاءَ أ َ‬ ‫و َ‬ ‫رأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫سل َ‬‫عل َللى َ‬ ‫و َ‬ ‫ضللى أ ْ‬ ‫مْر َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫عيدا ً‬ ‫صلل ِ‬ ‫ماءً َ‬ ‫َ‬ ‫ساءَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫موا َ‬ ‫م ُ‬
‫فت َي َ ّ‬ ‫دوا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م تَ ِ‬‫فل ْ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫ست ُ ْ‬‫م ْ‬‫ول َ‬ ‫طأ ْ‬ ‫غائ ِ ِ‬ ‫ال َ‬
‫وا ً‬ ‫فامس لحوا بوجللوهك ُم َ‬
‫فل ّ‬ ‫ع ُ‬‫ن َ‬ ‫ه ك َللا َ‬ ‫ن الل ّل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫وأي ْل ِ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫ِ ُ ُ‬ ‫طَّيبلا ً َ ْ َ ُ‬
‫فورا ً )‪(43‬‬ ‫غ ُ‬ ‫َ‬

‫دقوا بالله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ل‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬


‫تقربوا الصلة ول تقوموا إليها حال السكر حتى تميزوا‬
‫وتعلموا ما تقولون‪ ,‬وقد كان هذا قبل التحريم القاطع‬
‫للخمر في كل حال‪ ,‬ول تقربوا الصلة في حال الجنابة‪,‬‬
‫ول تقربوا مواضعها وهي المساجد‪ ,‬إل من كان منكم‬
‫مجتاًزا من باب إلى باب‪ ,‬حتى تتطهروا‪ .‬وإن كنتم في‬
‫حال مرض ل تقدرون معه على استعمال الماء‪ ,‬أو حال‬
‫سفر‪ ,‬أو جاء أحد منكم من الغائط‪ ,‬أو جامعتم النساء‪,‬‬
‫فلم تجدوا ماء للطهارة فاقصدوا تراًبا طاهًرا‪ ,‬فامسحوا‬
‫وا عنكم‪,‬‬‫بوجوهكم وأيديكم منه‪ .‬إن الله تعالى كان عف ّ‬
‫غفوًرا لكم‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ش لت َُرو َ‬ ‫ن ال ْك ِت َللا ِ‬
‫ب يَ ْ‬ ‫صلليبا ً ِ‬
‫مل ْ‬ ‫ن أوت ُللوا ن َ ِ‬‫ذي َ‬ ‫م ت َلَر إ ِل َللى ال ّل ِ‬‫أل َل ْ‬
‫َ‬
‫ل )‪(44‬‬ ‫سِبي َ‬ ‫ضّلوا ال ّ‬ ‫ن تَ ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬
‫وي ُ ِ‬‫ة َ‬‫ضلل َ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ألم تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر اليهود الذين ُأعطوا ح ّ‬
‫ظا‬
‫من العلم مما جاءهم من التوراة‪ ,‬يستبدلون الضللة‬
‫بالهدى‪ ,‬ويتركون ما لديهم من الحجج والبراهين‪ ,‬الدالة‬
‫على صدق رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم‪,‬‬
‫ويتمنون لكم ‪-‬أيها المؤمنون المهتدون‪ -‬أن تنحرفوا عن‬
‫الطريق المستقيم; لتكونوا ضالين مثلهم‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫صيرا ً‬ ‫فى ِبالل ّ ِ‬
‫ه نَ ِ‬ ‫ول ِي ّا ً َ‬
‫وك َ َ‬ ‫فى ِبالل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫وك َ َ‬ ‫دائ ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫م ب ِأ َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫عل َ ُ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫َ‬
‫)‪(45‬‬
‫والله سبحانه وتعالى أعلم منكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬بعداوة‬
‫هؤلء اليهود لكم‪ ,‬وكفى بالله ولّيا يتولكم‪ ,‬وكفى به‬
‫نصيًرا ينصركم على أعدائكم‪.‬‬

‫ن‬‫قول ُللو َ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ضل ِ‬


‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫عل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْك َل ِل َ‬ ‫فو َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫دوا ي ُ َ‬ ‫ها ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫س لن َت ِ ِ‬‫عن َللا ل َي ّ لا ً ب ِأل ْ ِ‬ ‫وَرا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ٍ‬ ‫م‬
‫س َ‬ ‫م ْ‬ ‫غي َْر ُ‬ ‫ع َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫وا ْ‬ ‫صي َْنا َ‬ ‫ع َ‬ ‫و َ‬‫عَنا َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫م ْ‬ ‫سل َ‬ ‫وا ْ‬ ‫عن َللا َ‬ ‫وأطَ ْ‬ ‫عَنا َ‬ ‫م ْ‬‫سل ِ‬ ‫قاُلوا َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و أن ّ ُ‬ ‫ول َ ْ‬‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬‫في ال ّ‬ ‫عنا ً ِ‬ ‫وط َ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ه ب ِك ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هل ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ه ْ‬
‫عن َ ُ‬ ‫نل َ‬ ‫ولك ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ق َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫خْيرا ل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫وانظْرَنا لكا َ‬ ‫َ‬
‫قِليل ً )‪(46‬‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫فل ي ُ ْ‬ ‫َ‬

‫ما‬
‫من اليهود فريق دأبوا على تبديل كلم الله وتغييره ع ّ‬
‫هو عليه افتراء على الله‪ ,‬ويقولون للرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ :‬سمعنا قولك وعصينا أمرك واسمع مّنا ل‬
‫سمعت‪ ,‬ويقولون‪ :‬راعنا سمعك أي‪ :‬افهم عنا وأفهمنا‪,‬‬
‫يلوون ألسنتهم بذلك‪ ,‬وهم يريدون الدعاء عليه بالرعونة‬
‫حسب لغتهم‪ ,‬والطعن في دين السلم‪ .‬ولو أنهم قالوا‪:‬‬
‫سمعنا وأطعنا‪ ,‬بدل و"عصينا"‪ ,‬واسمع دون "غير‬
‫مسمع"‪ ,‬وانظرنا بدل "راعنا" لكان ذلك خيًرا لهم عند‬
‫الله وأعدل قول ولكن الله طردهم من رحمته; بسبب‬
‫كفرهم وجحودهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فل‬
‫يصدقون بالحق إل تصدي ً‬
‫قا قليل ل ينفعهم‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬
‫مللا‬ ‫دقا ً ل ِ َ‬ ‫صل ّ‬‫م َ‬ ‫مللا ن َّزل ْن َللا ُ‬‫من ُللوا ب ِ َ‬‫بآ ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك ِت َللا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬‫َيا أي ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫هللا أ ْ‬ ‫ر َ‬‫عَلى أدَْبا ِ‬ ‫ها َ‬ ‫فن َُردّ َ‬
‫َ‬
‫جوها ً َ‬ ‫و ُ‬‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ن َطْ ِ‬ ‫لأ ْ‬
‫َ‬
‫قب ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫عللول ً )‬ ‫ف ُ‬ ‫م ْ‬
‫ه َ‬ ‫مُر الّللل ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬
‫ت َ‬ ‫سب ْ ِ‬
‫ب ال ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫عّنا أ ْ‬ ‫ما ل َ َ‬ ‫م كَ َ‬‫ه ْ‬ ‫ن َل ْ َ‬
‫عن َ ُ‬
‫‪(47‬‬
‫دقوا واعملللوا بمللا نّزلنللا مللن القللرآن‪,‬‬ ‫يا أهل الكتاب‪ ,‬ص ل ّ‬
‫قا لما معكم من الكتب مللن قبللل أن نأخللذكم بسللوء‬ ‫مصد ً‬
‫ل الظهللور‪ ,‬أو نلعللن‬ ‫قب َ َ‬ ‫صنيعكم‪ ,‬فنمحو الوجوه ونحولها ِ‬
‫هللؤلء المفسللدين بمسللخهم قللردة وخنللازير‪ ,‬كمللا لعن ّللا‬
‫‪156‬‬
‫من أصحاب السبت‪ ,‬الللذين ُنهللوا عللن الصلليد فيلله‬ ‫اليهود ِ‬
‫فلم ينتهوا‪ ,‬فغضب الللله عليهللم‪ ,‬وطردهللم مللن رحمتلله‪,‬‬
‫ذا في كل حال‬ ‫وكان أمر الله ناف ً‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مل ْ‬ ‫ن ذَل ِل َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫دو َ‬‫مللا ُ‬
‫ف لُر َ‬ ‫غ ِ‬
‫وي َ ْ‬
‫ه َ‬‫ك ب ِل ِ‬‫شَر َ‬‫ن يُ ْ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫غ ِ‬‫ه ل يَ ْ‬‫ن الل ّ َ‬
‫إِ ّ‬
‫ظيما ً )‪(48‬‬ ‫ع ِ‬‫فت ََرى إ ِْثما ً َ‬ ‫قد ْ ا ْ‬‫ف َ‬ ‫ك ِبالل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ر ْ‬
‫ش ِ‬ ‫ن يُ ْ‬‫م ْ‬
‫و َ‬‫شاءُ َ‬ ‫يَ َ‬
‫دا من‬
‫من أشرك به أح ً‬ ‫إن الله تعالى ل يغفر ول يتجاوز ع ّ‬
‫مخلوقاته‪ ,‬أو كفر بأي نوع من أنواع الكفر الكبر‪,‬‬
‫ما دون الشرك من الذنوب‪ ,‬لمن يشاء‬ ‫ويتجاوز ويعفو ع ّ‬
‫من عباده‪ ,‬ومن يشرك بالله غيره فقد اختلق ذنًبا‬
‫ما‪.‬‬
‫عظي ً‬

‫ن‬
‫مل ْ‬
‫كلي َ‬ ‫ل الّلل ُ‬
‫ه ي َُز ّ‬ ‫م َبل ْ‬
‫ه ْ‬
‫سل ُ‬ ‫ن َأن ُ‬
‫ف َ‬ ‫ن ي َُز ّ‬
‫كلو َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى اّلل ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫أل َ ْ‬
‫فِتيل ً )‪(49‬‬ ‫ن َ‬‫مو َ‬‫ول ي ُظْل َ ُ‬
‫شاءُ َ‬ ‫يَ َ‬
‫ألم تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر أولئك الذين ُيثنون على‬
‫أنفسهم وأعمالهم‪ ,‬ويصفونها بالطهر والبعد عن‬
‫من‬‫السوء؟ بل الله تعالى وحده هو الذي يثني على َ‬
‫قصون‬ ‫من عباده‪ ,‬لعلمه بحقيقة أعمالهم‪ ,‬ول ُين َ‬‫يشاء ِ‬
‫من أعمالهم شيًئا مقدار الخيط الذي يكون في شق َنواة‬
‫التمرة‪.‬‬

‫مِبينللا ً‬
‫ه إ ِْثما ً ُ‬ ‫وك َ َ‬
‫فى ب ِ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ه ال ْك َ ِ‬
‫ذ َ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬
‫ن َ‬ ‫انظُْر ك َي ْ َ‬
‫ف يَ ْ‬
‫فت َُرو َ‬
‫)‪(50‬‬
‫انظر إليهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬متعجًبا من أمرهم‪ ,‬كيف‬
‫يختلقون على الله الكذب‪ ,‬وهو المنّزه عن كل ما ل يليق‬
‫فا عن فساد‬‫به؟ وكفى بهذا الختلق ذنًبا كبيًرا كاش ً‬
‫معتقدهم‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫جب ْ ِ‬‫ن ِبال ْ ِ‬‫مُنو َ‬
‫ؤ ِ‬‫ب يُ ْ‬‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫صيبا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن أوُتوا ن َ ِ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫أل َ ْ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّل ِ‬ ‫م ْ‬‫دى ِ‬ ‫ه َ‬‫ء أَ ْ‬
‫ؤل ِ‬ ‫ه ُ‬‫فُروا َ‬‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬‫ن ل ِل ّ ِ‬
‫قوُلو َ‬ ‫وي َ ُ‬
‫ت َ‬
‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬

‫‪157‬‬
‫سِبيل ً )‪(51‬‬
‫مُنوا َ‬
‫آ َ‬
‫ألم تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر أولئك اليهود الذين ُأعطوا‬
‫ظا من العلم يصدقون بكل ما ُيعبد من دون الله من‬ ‫ح ّ‬
‫الصنام وشياطين النس والجن تصديقا يحملهم على‬
‫التحاكم إلى غير شرع الله‪ ,‬ويقولون للذين كفروا بالله‬
‫تعالى وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪ :‬هؤلء‬
‫قا من أولئك الذين آمنوا؟‬‫ل طري ً‬‫م‪ ,‬وأعد ُ‬ ‫الكافرون أ ْ‬
‫قو ُ‬

‫ُ‬
‫جلدَ َلل ُ‬
‫ه‬ ‫فَلل ْ‬
‫ن تَ ِ‬ ‫ن الّلل ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن ي َل ْ َ‬
‫عل ْ‬ ‫مل ْ‬
‫و َ‬ ‫م الّلل ُ‬
‫ه َ‬ ‫هل ْ‬ ‫ن لَ َ‬
‫عن َ ُ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ول َئ ِ َ‬‫أ ْ‬
‫صيرا ً )‪(52‬‬ ‫نَ ِ‬
‫م ضللهم‪ ,‬طردهم الله‬ ‫أولئك الذين ك َث َُر فسادهم وع ّ‬
‫من يطرده الله من رحمته فلن تجد‬‫نعالى من رحمته‪ ,‬و َ‬
‫له من ينصره‪ ,‬ويدفع عنه سوء العذاب‪.‬‬

‫قيللرا ً )‬ ‫ف لِإذا ً ل ي ُ ْ‬ ‫َ‬


‫س نَ ِ‬
‫ن الن ّللا َ‬
‫ؤت ُللو َ‬ ‫مل ْ ِ‬
‫ك َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ب ِ‬
‫صي ٌ‬
‫م نَ ِ‬ ‫م لَ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫أ ْ‬
‫‪(53‬‬
‫دا منه‬ ‫بل ألهم حظ من الملك‪ ,‬ولو أوتوه لما أعطوا أح ً‬
‫شيًئا‪ ,‬ولو كان مقدار النقرة التي تكون في ظهر الّنواة‪.‬‬

‫َ‬
‫د‬
‫قل ْ‬ ‫ف َ‬
‫ه َ‬‫ض لل ِ ِ‬
‫ف ْ‬ ‫ن َ‬‫مل ْ‬‫ه ِ‬‫م الل ّل ُ‬ ‫ه ْ‬‫ما آَتا ُ‬ ‫عَلى َ‬‫س َ‬‫ن الّنا َ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ُ‬‫م يَ ْ‬
‫أ ْ‬
‫ظيملا ً )‬‫ع ِ‬ ‫مْلكلا ً َ‬‫م ُ‬
‫ه ْ‬‫وآت َي َْنا ُ‬
‫ة َ‬‫م َ‬ ‫وال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬
‫ب َ‬ ‫هي َ‬ ‫آت َي َْنا آ َ‬
‫ل إ ِب َْرا ِ‬
‫‪(54‬‬
‫دا صلى الله عليه وسلم على ما‬ ‫بل أيحسدون محم ً‬
‫أعطاه الله من نعمة النبوة والرسالة‪ ,‬ويحسدون أصحابه‬
‫على نعمة التوفيق إلى اليمان‪ ,‬والتصديق بالرسالة‪,‬‬
‫واتباع الرسول‪ ,‬والتمكين في الرض‪ ,‬ويتمنون زوال‬
‫هذا الفضل عنهم؟ فقد أعطينا ذرية إبراهيم عليه‬
‫السلم ‪-‬من َ‬
‫قب ْ ُ‬
‫ل‪ -‬الكتب‪ ,‬التي أنزلها الله عليهم وما‬
‫أوحي إليهم مما لم يكن كتابا مقروءا‪ ,‬وأعطيناهم مع‬
‫ذلك ملكا واسعا‪.‬‬
‫‪158‬‬
‫م‬
‫هن ّل َ‬
‫ج َ‬ ‫وك َ َ‬
‫فللى ب ِ َ‬ ‫ه َ‬
‫عن ْل ُ‬
‫ص لد ّ َ‬
‫ن َ‬
‫مل ْ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫و ِ‬
‫ه َ‬
‫ن بِ ِ‬
‫م َ‬
‫نآ َ‬‫م ْ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫ف ِ‬‫َ‬
‫عيرا ً )‪(55‬‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫دق برسالة‬ ‫من ص ّ‬ ‫فمن هؤلء الذين أوتوا ح ّ‬
‫ظا من العلم‪َ ,‬‬
‫من‬‫محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وعمل بشرعه‪ ,‬ومنهم َ‬
‫أعرض ولم يستجب لدعوته‪ ,‬ومنع الناس من اتباعه‪.‬‬
‫عر بكم‪.‬‬
‫وحسبكم ‪-‬أيها المكذبون‪ -‬نار جهنم تس ّ‬

‫ت‬‫ج ْ‬ ‫ضل َ‬ ‫م ن َللارا ً ك ُل ّ َ‬


‫مللا ن َ ِ‬ ‫ه ْ‬
‫صِلي ِ‬ ‫ف نُ ْ‬ ‫و َ‬‫س ْ‬ ‫فُروا ِبآَيات َِنا َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫إِ ّ‬
‫ن الل ّل َ‬
‫ه‬ ‫ب إِ ّ‬‫ذا َ‬ ‫عل َ‬‫قوا ال ْ َ‬ ‫ذو ُ‬ ‫هللا ل ِي َل ُ‬ ‫جل ُللودا ً َ‬
‫غي َْر َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ب َدّل َْنا ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫جُلودُ ُ‬ ‫ُ‬
‫كيما ً )‪(56‬‬ ‫ح ِ‬‫زيزا ً َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫َ‬

‫إن الذين جحدوا ما أنزل الله من آياته ووحي كتابه‬


‫ودلئله وحججه‪ ,‬سوف ندخلهم ناًرا يقاسون حّرها‪ ,‬كلما‬
‫دا أخرى; ليستمر عذابهم‬ ‫احترقت جلودهم بدّْلناهم جلو ً‬
‫وألمهم‪ .‬إن الله تعالى كان عزيًزا ل يمتنع عليه شيء‪,‬‬
‫ما في تدبيره وقضائه‪.‬‬‫حكي ً‬

‫ري‬ ‫جل ِ‬‫ت تَ ْ‬‫جن ّللا ٍ‬


‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫خل ُ ُ‬ ‫س لن ُدْ ِ‬
‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ج‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وا ٌ‬‫هللا أْز َ‬‫في َ‬
‫م ِ‬ ‫هل ْ‬‫هللا أب َللدا ل ُ‬ ‫في َ‬‫ن ِ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِل ِ‬
‫هللاُر َ‬ ‫هللا الن ْ َ‬ ‫حت ِ َ‬‫ن تَ ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫ِ‬
‫م ظِل ّ ظَِليل ً )‪(57‬‬ ‫ه ْ‬ ‫خل ُ ُ‬
‫ون ُدْ ِ‬‫هَرةٌ َ‬ ‫مطَ ّ‬ ‫ُ‬
‫والذين اطمأنت قلوبهم باليمان بالله تعالى والتصديق‬
‫برسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬واستقاموا‬
‫على الطاعة‪ ,‬سندخلهم جنات تجري من تحتها النهار‪,‬‬
‫دا ول يخرجون منها‪ ,‬ولهم فيها أزواج‬‫ينعمون فيها أب ً‬
‫دا في‬ ‫من كل أذى‪ ,‬وندخلهم ظل كثي ً‬
‫فا ممت ً‬ ‫طهرها الله ِ‬
‫الجنة‪.‬‬

‫م‬ ‫حك َ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬‫وإ ِ َ‬
‫ها َ‬ ‫ت إ َِلى أ َ ْ‬
‫هل ِ َ‬ ‫ماَنا ِ‬ ‫َ‬
‫دوا ال َ‬ ‫ؤ ّ‬‫ن تُ َ‬ ‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫مُرك ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ه ي َأ ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ه إِ ّ‬ ‫عظُك ُل ْ‬
‫م ب ِل ِ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ع ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه نِ ِ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫موا ِبال ْ َ‬
‫عد ْ ِ‬ ‫حك ُ ُ‬‫ن تَ ْ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫صيرا ً )‪(58‬‬ ‫ميعا ً ب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬‫الل ّ َ‬

‫‪159‬‬
‫إن الللله تعللالى يللأمركم بللأداء مختلللف المانللات‪ ,‬الللتي‬
‫اؤتمنتم عليها إلى أصحابها‪ ,‬فل تفرطوا فيهللا‪ ,‬ويللأمركم‬
‫بالقضاء بين الناس بالعدل والقسط‪ ,‬إذا قضلليتم بينهللم‪,‬‬
‫م ما يعظكم الله به ويهديكم إليه‪ .‬إن الله تعالى كللان‬ ‫ع َ‬
‫ون ِ ْ‬
‫عا على سائر أعمالكم‪ ,‬بصيًرا بها‪.‬‬ ‫م ّ‬
‫طل ً‬ ‫عا لقوالكم‪ُ ,‬‬ ‫سمي ً‬
‫ل ُ‬ ‫يا أ َيها ال ّذين آمُنوا أ َطيعوا الل ّه َ‬
‫وِلللي‬ ‫وأ ْ‬ ‫سو َ َ‬ ‫عوا الّر ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫وأ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫َ ّ َ‬
‫ه‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫دوهُ إ ِللى اللل ِ‬ ‫ء َ‬
‫فلُر ّ‬ ‫ي ٍ‬ ‫فلي َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫َ‬
‫شل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عت ُ ْ‬
‫ن ت َن َللاَز ْ‬‫فلإ ِ ْ‬ ‫كل ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫مل ِ‬
‫ال ْ‬
‫خي ْلٌر‬
‫ك َ‬ ‫ر ذَل ِل َ‬
‫خل ِ‬‫وم ِ ال ِ‬ ‫وال ْي َل ْ‬‫ه َ‬‫ن ِبالل ّ ِ‬‫مُنو َ‬ ‫م تُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫والّر ُ‬ ‫َ‬
‫ويل )‪(59‬‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ت َأ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪,‬‬‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫استجيبوا لوامر الله تعالى ول تعصوه‪ ,‬واستجيبوا‬
‫للرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الحق‪,‬‬
‫وأطيعوا ولة أمركم في غير معصية الله‪ ,‬فإن اختلفتم‬
‫في شيء بينكم‪ ,‬فأرجعوا الحكم فيه إلى كتاب الله‬
‫تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬إن‬
‫كنتم تؤمنون حق اليمان بالله تعالى وبيوم الحساب‪.‬‬
‫ذلك الردّ إلى الكتاب والسنة خير لكم من التنازع والقول‬
‫بالرأي‪ ،‬وأحسن عاقبة ومآل‪.‬‬

‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫مللا‬‫و َ‬‫ك َ‬ ‫ز َ‬‫ما أن ِ‬‫مُنوا ب ِ َ‬
‫مآ َ‬ ‫ه ْ‬
‫ن أن ّ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ع ُ‬‫ن ي َْز ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫أل َ ْ‬
‫موا إ ِل َللى الطّللا ُ‬ ‫َ‬ ‫ُأن‬
‫د‬
‫قل ْ‬ ‫و َ‬‫ت َ‬‫غو ِ‬ ‫حاك َ ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬‫ِ‬ ‫ك يُ‬‫قب ْل ِ َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ز َ‬
‫ل ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ضللل ً‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ضلل ّ ُ‬‫ن يُ ِ‬‫نأ ْ‬ ‫شلي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ريلدُ ال ّ‬ ‫وي ُ ِ‬‫ه َ‬ ‫فلُروا ِبل ِ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬
‫مُروا أ ْ‬ ‫أ ِ‬
‫عيدا ً )‪(60‬‬ ‫بَ ِ‬
‫ألم تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر أولئك المنافقين الذين‬
‫دعون اليمان بما ُأنزل إليك ‪-‬وهو القرآن‪ -‬وبما ُأنزل‬‫ي ّ‬
‫إلى الرسل من قبلك‪ ,‬وهم يريدون أن يتحاكموا في‬
‫صل الخصومات بينهم إلى غير ما شرع الله من‬ ‫ف ْ‬ ‫َ‬
‫الباطل‪ ,‬وقد ُأمروا أن يكفروا بالباطل؟ ويريد الشيطان‬
‫دا‪ .‬وفي هذه الية‬ ‫دا شدي ً‬
‫أن يبعدهم عن طريق الحق‪ ,‬بع ً‬
‫دليل على أن اليمان الصادق‪ ,‬يقتضي النقياد لشرع‬
‫الله‪ ,‬والحكم به في كل أمر من المور‪ ,‬فمن زعم أنه‬

‫‪160‬‬
‫مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله‪ ,‬فهو كاذب‬
‫في زعمه‪.‬‬

‫ل‬ ‫وإ ِل َللى الّر ُ‬


‫سللو ِ‬ ‫ل الل ّل ُ‬
‫ه َ‬ ‫مللا َأنلَز َ‬
‫وا إ ِل َللى َ‬
‫عال َ ْ‬
‫م تَ َ‬
‫ه ْ‬ ‫ل لَ ُ‬‫قي َ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫َ‬
‫دودا )‪(61‬‬‫ً‬ ‫عن ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ص ُ‬
‫ك ُ‬ ‫ن َ‬
‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫ن يَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫مَنا ِ‬
‫ت ال ُ‬‫َرأي ْ َ‬
‫وإذا ُنصح هؤلء‪ ,‬وقيل لهم‪ :‬تعالوا إلى ما أنزل الله‪,‬‬
‫وإلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وهديه‪,‬‬
‫ت الذين يظهرون اليمان ويبطنون الكفر‪ ,‬يعرضون‬ ‫صْر َ‬
‫أب َ‬
‫ضا‪.‬‬
‫عنك إعرا ً‬

‫ءو َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫فإ َ َ‬ ‫فك َي ْ َ‬‫َ‬


‫ك‬ ‫جللا ُ‬ ‫م ُثلل ّ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫دي ِ‬
‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ّ َ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬
‫ذا أ َ‬ ‫ِ‬
‫فيقا ً )‪(62‬‬ ‫َ‬
‫و ِ‬
‫وت َ ْ‬‫سانا ً َ‬
‫ح َ‬ ‫ن أَردَْنا إ ِل ّ إ ِ ْ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫فو َ‬‫حل ِ ُ‬‫يَ ْ‬
‫فكيف يكون حال أولئك المناففين‪ ,‬إذا حّلت بهم مصيبة‬
‫بسبب ما اقترفوه بأيديهم‪ ,‬ثم جاؤوك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫يعتذرون‪ ,‬ويؤكدون لك أنهم ما قصدوا بأعمالهم تلك إل‬
‫الحسان والتوفيق بين الخصوم‪.‬‬

‫م‬
‫هل ْ‬
‫عن ْ ُ‬
‫ض َ‬
‫ر ْ‬ ‫ف لأ َ ْ‬
‫ع ِ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫لو‬
‫ل‬‫قل ُ‬‫ُ‬ ‫لي‬‫ل‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫لا‬
‫ل‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬‫م الل ّ‬
‫ُ‬ ‫عل َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ك ال ّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫ول َ‬
‫ْ‬
‫أُ‬
‫ول ً ب َِليغا ً )‪(63‬‬ ‫ق ْ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫في َأن ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ق ْ‬‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عظْ ُ‬ ‫و ِ‬‫َ‬
‫أولئك هم الذين يعلم الللله حقيقللة مللا فللي قلللوبهم مللن‬
‫ذرهم ملن سللوء مللا هللم عليله‪,‬‬ ‫ل عنهللم‪ ,‬وحل ّ‬ ‫النفاق‪ ,‬فتو ّ‬
‫وقل لهم قول مؤثًرا فيهم زاجًرا لهم‪.‬‬
‫ع بإذْن الل ّ له ول َ ل َ‬ ‫ل إ ِل ّ ل ِي ُ َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِذْ‬‫هل ْ‬‫و أن ّ ُ‬ ‫ِ َ ْ‬ ‫طا َ ِ ِ ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬‫ما أْر َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هل ْ‬ ‫غفَر ل ُ‬ ‫س لت َ ْ‬
‫وا ْ‬
‫ه َ‬‫غفُروا الل ل َ‬ ‫س لت َ ْ‬
‫ءوك فا ْ‬ ‫جا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫س ُ‬ ‫موا أنف َ‬ ‫ظل ُ‬
‫حيما ً )‪(64‬‬ ‫وابا ً َر ِ‬ ‫ه تَ ّ‬‫دوا الل ّ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫و َ‬‫ل لَ َ‬ ‫سو ُ‬‫الّر ُ‬
‫عث َْنا من رسول من رسلنا‪ ,‬إل ليستجاب له‪ ,‬بأمر‬
‫وما ب َ‬
‫الله تعالى وقضائه‪ .‬ولو أن هؤلء الذين ظلموا أنفسهم‬
‫باقتراف السيئات‪ ,‬جاؤوك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬في حياتك‬

‫‪161‬‬
‫تائبين سائلين الله أن يغفر لهم ذنوبهم‪ ,‬واستغفرت‬
‫ما‪.‬‬
‫لهم‪ ,‬لوجدوا الله تواًبا رحي ً‬

‫م‬ ‫م ثُل ّ‬
‫هل ْ‬‫جَر ب َي ْن َ ُ‬ ‫ش َ‬‫ما َ‬ ‫في َ‬‫ك ِ‬ ‫مو َ‬‫حك ّ ُ‬‫حّتى ي ُ َ‬
‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬
‫ؤ ِ‬‫ك ل يُ ْ‬‫وَرب ّ َ‬‫فل َ‬ ‫َ‬
‫س لِليما ً‬ ‫َ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬‫وي ُ َ‬
‫ت َ‬‫ضي ْ َ‬
‫ق َ‬ ‫ما َ‬‫م ّ‬‫حَرجا ً ِ‬‫م َ‬‫ه ْ‬‫س ِ‬
‫ف ِ‬‫في أن ُ‬ ‫دوا ِ‬ ‫ج ُ‬‫ل يَ ِ‬
‫)‪(65‬‬
‫أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة أن هؤلء ل يؤمنون‬
‫ما فيما وقع بينهم من نزاع في‬‫حقيقة حتى يجعلوك حك ً‬
‫حياتك‪ ,‬ويتحاكموا إلى سنتك بعد مماتك‪ ,‬ثم ل يجدوا في‬
‫أنفسهم ضي ً‬
‫قا مما انتهى إليه حكمك‪ ,‬وينقادوا مع ذلك‬
‫دا تامًا‪ ,‬فالحكم بما جاء به رسول الله صلى الله‬
‫انقيا ً‬
‫عليه وسلم من الكتاب والسنة في كل شأن من شؤون‬
‫الحياة من صميم اليمان مع الرضا والتسليم‪.‬‬

‫فس ل ك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و أ َّنا ك َت َب َْنا َ‬


‫ن‬ ‫مل ْ‬‫جللوا ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫قت ُل ُللوا أن ُ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫هل ْ‬ ‫ِ‬ ‫عل َي ْ‬ ‫ول َ ْ‬
‫َ‬
‫مللا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫علللوهُ إ ِل قِليل ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫علللوا َ‬ ‫مف َ‬ ‫هل ْ‬
‫و أن ّ ُ‬ ‫ولل ْ‬ ‫م َ‬ ‫هل ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫مللا ف َ‬ ‫م َ‬‫رك ْ‬ ‫ِدي َللا ِ‬
‫وِإذا ً‬ ‫َ‬
‫شللدّ ت َث ِْبيتللا ً )‪َ (66‬‬ ‫وأ َ‬ ‫م َ‬ ‫هلل ْ‬‫خْيللرا ً ل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كللا َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن ِبلل ِ‬‫ظللو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ُيو َ‬
‫ص لَراطا ً‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ه ْ‬
‫ه لدَي َْنا ُ‬ ‫ول َ َ‬
‫ظيم لا ً )‪َ (67‬‬ ‫ع ِ‬‫جللرا ً َ‬ ‫ن ل َدُّنا أ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫لت َي َْنا ُ‬
‫قيما ً )‪(68‬‬ ‫ست َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ولو أوجبنا على هؤلء المنافقين المتحاكمين إلى‬
‫ضا‪ ,‬أو أن يخرجوا من‬ ‫الطاغوت أن يقتل بعضهم بع ً‬
‫ديارهم‪ ,‬ما استجاب لذلك إل عدد قليل منهم‪ ,‬ولو أنهم‬
‫عا لهم‪ ,‬وأقوى‬‫استجابوا لما ُينصحون به لكان ذلك ناف ً‬
‫ما في الدنيا‬
‫ليمانهم‪ ,‬ولعطيناهم من عندنا ثواًبا عظي ً‬
‫والخرة‪ ,‬ولرشدناهم ووفقناهم إلى طريق الله القويم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ل َ ُ‬
‫م الل ّل ُ‬
‫ه‬ ‫عل َ‬
‫ن أن ْ َ‬‫ذي َ‬‫ع ال ّل ِ‬‫مل َ‬
‫ك َ‬ ‫ول َئ ِ َ‬
‫ف لأ ْ‬ ‫سللو َ‬
‫والّر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ع الل ّ َ‬ ‫ن ي ُطِ ْ‬‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫حي َ‬ ‫صللال ِ ِ‬
‫وال ّ‬ ‫ء َ‬‫دا ِ‬
‫ه َ‬
‫شل َ‬ ‫وال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫قي َ‬ ‫دي ِ‬‫صل ّ‬
‫وال ّ‬‫ن َ‬‫ن الن ّب ِّيي ل َ‬ ‫مل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫هل ْ‬ ‫ِ‬ ‫عل َي ْ‬‫َ‬
‫فيقا ً )‪(69‬‬ ‫ك َر ِ‬ ‫ول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫س َ‬‫ح ُ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬

‫‪162‬‬
‫ومن يستجب لوامر الله تعالى وهدي رسوله محمد‬
‫عظُ َ‬
‫م شأنهم‬ ‫صلى الله عليه وسلم فأولئك الذين َ‬
‫من أنعم الله تعالى عليهم‬ ‫وقدرهم‪ ,‬فكانوا في صحبة َ‬
‫مل تصديقهم بما‬ ‫بالجنة من النبياء والصديقين الذين ك ُ‬
‫دا وقول وعمل والشهداء في‬ ‫جاءت به الرسل‪ ،‬اعتقا ً‬
‫ن هؤلء رفقاء في‬ ‫س َ‬
‫ح ُ‬
‫سبيل الله وصالح المؤمنين‪ ,‬و َ‬
‫الجنة‪.‬‬

‫عِليما ً )‪(70‬‬ ‫فى ِبالل ّ ِ‬


‫ه َ‬ ‫وك َ َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ُ‬
‫ل ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫ذَل ِ َ‬

‫ذلك العطاء الجزيل من الله وحده‪ .‬وكفى بالله عليما‬


‫ق منهم الثواب الجزيل بما‬
‫من َيستح ّ‬‫يعلم أحوال عباده‪ ,‬و َ‬
‫قام به من العمال الصالحة‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫فللُروا‬
‫و ان ِ‬
‫تأ ْ‬‫فُروا ث َُبا ٍ‬
‫فان ِ‬ ‫حذَْرك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫خ ُ‬
‫ذوا ِ‬ ‫مُنوا ُ‬
‫نآ َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َيا أي ّ َ‬
‫ميعا ً )‪(71‬‬ ‫ج ِ‬‫َ‬
‫يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم بالستعداد لعدوكم‪,‬‬
‫فاخرجوا لملقاته جماعة بعد جماعة أو مجتمعين‪.‬‬

‫َ‬
‫د‬ ‫ل َ‬
‫قل ْ‬ ‫ة َ‬
‫قللا َ‬ ‫صلليب َ ٌ‬
‫م ِ‬ ‫صللاب َت ْك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫نأ َ‬ ‫ف لإ ِ ْ‬‫ن َ‬‫ن ل َي ُب َطّئ َ ّ‬ ‫م لَ َ‬
‫مل ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ن ِ‬‫وإ ِ ّ‬‫َ‬
‫هيدا ً )‪(72‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش ِ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ع ُ‬‫م َ‬‫ن َ‬‫م أك ُ ْ‬‫ي إ ِذْ ل َ ْ‬
‫عل َ ّ‬
‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ع َ‬‫أن ْ َ‬
‫ن منكم لنفًرا يتأخر عن الخروج لملقاة العداء‬‫وإ ّ‬
‫در عليكم‬ ‫متثاقل ويثبط غيره عن عمد وإصرار‪ ,‬فإن ُ‬
‫ق ّ‬
‫صبتم بقتل وهزيمة‪ ,‬قال مستبشًرا‪ :‬قد حفظني الله‪,‬‬ ‫ُ‬
‫وأ ِ‬
‫حين لم أكن حاضًرا مع أولئك الذين وقع لهم ما أكرهه‬
‫لنفسي‪ ,‬وسّره تخلفه عنكم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن ب َي ْن َ ُ‬
‫كلل ْ‬ ‫كلل ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م تَ ُ‬ ‫قول َ ّ‬
‫ن ك َأ ْ‬ ‫ه ل َي َ ُ‬‫ن الل ّ ِ‬‫م َ‬
‫ل ِ‬‫ض ٌ‬
‫ف ْ‬ ‫م َ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬
‫نأ َ‬ ‫ول َئ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ظيما ً )‪(73‬‬ ‫وزا ً َ‬ ‫فوَز َ‬ ‫َ‬
‫فأ ُ‬‫م َ‬ ‫ودّةٌ َيا ل َي ْت َِني ُ‬
‫ع ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬‫م َ‬‫ت َ‬ ‫كن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه َ‬‫وب َي ْن َ ُ‬‫َ‬

‫‪163‬‬
‫دا‬
‫ولئن نالكم فضل من الله وغنيمة‪ ,‬ليقولن ‪-‬حاس ً‬
‫متحسًرا‪ ,‬كأن لم تكن بينكم وبينه مودة في الظاهر‪ : -‬يا‬
‫ليتني كنت معهم فأظفر بما ظَ ِ‬
‫فروا به من النجاة‬
‫والنصرة والغنيمة‪.‬‬

‫ال لدّن َْيا‬ ‫ن ال ْ َ‬


‫حي َللاةَ‬ ‫ش لُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫ذي َ‬‫ه ال ّل ِ‬
‫ل الل ّل ِ‬ ‫س لِبي ِ‬
‫فللي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قات ِ ْ‬‫فل ْي ُ َ‬
‫َ‬
‫قت َل ْ َ‬
‫ب‬‫غل ِل ْ‬‫يَ ْ‬ ‫و‬‫لأ ْ‬ ‫في ُ ْ‬ ‫ل الل ّل ِ‬
‫ه َ‬ ‫س لِبي ِ‬
‫فللي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن يُ َ‬
‫قات ِل ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫و َ‬‫ة َ‬‫خَر ِ‬‫ب ِللال ِ‬
‫ظيما ً )‪(74‬‬ ‫جرا ً َ‬ ‫َ‬ ‫ف نُ ْ‬ ‫َ‬
‫ع ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ؤِتي ِ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫ف َ‬
‫فليجاهد في سبيل نصرة دين الله‪ ,‬وإعلء كلمته‪ ,‬الذين‬
‫يبيعون الحياة الدنيا بالدار الخرة وثوابها‪ .‬ومن يجاهد‬
‫ب‪ ,‬فسوف نؤتيه‬ ‫غل ِ ْ‬
‫ل أو ي َ ْ‬ ‫صا‪ ,‬في ُ ْ‬
‫قت َ ْ‬ ‫في سبيل الله مخل ً‬
‫ما‪.‬‬
‫أجًرا عظي ً‬

‫ن‬‫مل ْ‬‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ضل َ‬ ‫ست َ ْ‬‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬


‫ه َ‬‫ل الل ّل ِ‬‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫م ل تُ َ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ملل ْ‬ ‫جَنا ِ‬‫ر ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َرب َّنا أ ْ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫دا ِ‬ ‫ول ْ َ‬
‫وال ْ َِ‬
‫ء َ‬ ‫سا ِ‬‫والن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ِ‬ ‫الّر َ‬
‫عل‬ ‫ج َ‬‫وا ْ‬‫ول ِي ّا ً َ‬‫ك َ‬ ‫ن ل َدُن ْ َ‬ ‫م ْ‬‫عل ل ََنا ِ‬‫ج َ‬‫وا ْ‬ ‫ها َ‬ ‫هل ُ َ‬ ‫ظال ِم ِ أ ْ‬‫ة ال ّ‬ ‫قْري َ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ذ ِ‬‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫صيرا ً )‪(75‬‬ ‫ك نَ ِ‬‫ن ل َدُن ْ َ‬ ‫م ْ‬‫ل ََنا ِ‬
‫وما الذي يمنعكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬عن الجهاد في سبيل‬
‫نصرة دين الله‪ ,‬ونصرة عباده المستضعفين من الرجال‬
‫والنساء والصغار الذين اعُتدي عليهم‪ ,‬ول حيلة لهم ول‬
‫وسيلة لديهم إل الستغاثة بربهم‪ ,‬يدعونه قائلين‪ :‬ربنا‬
‫أخرجنا من هذه القرية ‪-‬يعني "مكة "‪ -‬التي ظََلم أهلها‬
‫أنفسهم بالكفر والمؤمنين بالذى‪ ,‬واجعل لنا من عندك‬
‫ولي ّا ً يتولى أمورنا‪ ,‬ونصيًرا ينصرنا على الظالمين‪.‬‬

‫ف لُروا‬‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬‫وال ّل ِ‬


‫ه َ‬‫ل الل ّل ِ‬
‫س لِبي ِ‬‫فللي َ‬ ‫ن ِ‬‫قللات ُِلو َ‬‫من ُللوا ي ُ َ‬‫نآ َ‬ ‫ال ّل ِ‬
‫ذي َ‬
‫شي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن إِ ّ‬
‫طا ِ‬ ‫ول َِياءَ ال ّ‬‫قات ُِلوا أ ْ‬
‫ف َ‬
‫ت َ‬ ‫طا ُ‬
‫غو ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قات ُِلو َ‬‫يُ َ‬
‫عيفا ً )‪(76‬‬ ‫ض ِ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫طا ِ‬‫شي ْ َ‬ ‫ك َي ْدَ ال ّ‬
‫دا وعمل يجاهدون في‬ ‫الذين صدَ ُ‬
‫قوا في إيمانهم اعتقا ً‬
‫سبيل نصرة الحق وأهله‪ ,‬والذين كفروا يقاتلون في‬

‫‪164‬‬
‫سبيل البغي والفساد في الرض‪ ,‬فقاتلوا أيها المؤمنون‬
‫أهل الكفر والشرك الذين يتوّلون الشيطان‪ ,‬ويطيعون‬
‫أمره‪ ,‬إن تدبير الشيطان لوليائه كان ضعي ً‬
‫فا‪.‬‬

‫صلللةَ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قي ُ‬ ‫وأ َ ِ‬‫م َ‬ ‫دي َك ُ ْ‬


‫َ‬
‫فوا أي ْ ِ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫أل َ ْ‬
‫م‬ ‫هل ْ‬
‫من ْ ُ‬‫ق ِ‬ ‫ري ل ٌ‬
‫ف ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ل إِ َ‬ ‫قت َللا ُ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫هل ْ‬ ‫ِ‬ ‫عل َي ْ‬ ‫ب َ‬ ‫مللا ك ُت ِل َ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫كاةَ َ‬ ‫وآُتوا الّز َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫قاُلوا َرب َّنا ِللل َ‬ ‫و َ‬‫ة َ‬ ‫شي َ ً‬ ‫خ ْ‬ ‫شد ّ َ‬ ‫وأ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ة الل ّ ِ‬ ‫شي َ ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫س كَ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫و َ‬ ‫ش ْ‬‫خ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫مت َللا ُ‬‫ل َ‬ ‫قل ْ‬‫ب ُ‬ ‫ري ل ٍ‬ ‫ق ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫خْرت ََنا إ َِلى أ َ‬ ‫ول أ ّ‬ ‫ل لَ ْ‬‫قَتا َ‬ ‫عل َي َْنا ال ْ ِ‬‫ت َ‬ ‫ك َت َب ْ َ‬
‫فِتيل ً )‬ ‫ن َ‬ ‫مللو َ‬‫ول ت ُظْل َ ُ‬ ‫قللى َ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫مل ْ‬ ‫خي ٌْر ل ِ َ‬ ‫خَرةُ َ‬ ‫وال ِ‬ ‫ل َ‬‫قِلي ٌ‬ ‫الدّن َْيا َ‬
‫‪(77‬‬
‫ألم تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمر أولئك الذين قيل لهم قبل‬
‫الذن بالجهاد‪ :‬امنعوا أيديكم عن قتال أعدائكم من‬
‫المشركين‪ ,‬وعليكم أداء ما فرضه الله عليكم من الصلة‪,‬‬
‫والزكاة‪ ,‬فلما فرض عليهم القتال إذا جماعة منهم قد‬
‫تغير حالهم‪ ,‬فأصبحوا يخافون الناس ويرهبونهم‪,‬‬
‫كخوفهم من الله أو أشد‪ ,‬ويعلنون عما اعتراهم من‬
‫ت علينا القتال؟ هل‬ ‫َ‬
‫جب ْ َ‬
‫و َ‬
‫مأ ْ‬‫شدة الخوف‪ ,‬فيقولون‪ :‬ربنا ل ِ َ‬
‫أمهلتنا إلى وقت قريب‪ ,‬رغبة منهم في متاع الحياة‬
‫الدنيا‪ ,‬قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬متاع الدنيا قليل‪,‬‬
‫والخرة وما فيها أعظم وأبقى لمن اتقى‪ ,‬فعمل بما‬
‫دا شيًئا‪,‬‬ ‫ُ‬
‫أمر به‪ ,‬واجتنب ما ُنهي عنه‪ ,.‬ل يظلم ربك أح ً‬
‫ولو كان مقدار الخيط الذي يكون في شق َنواة التمرة‪.‬‬

‫َ‬
‫ة‬
‫ش لي ّدَ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ج ُ‬ ‫فللي ب ُلُرو ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫كنت ُل ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ول َ ْ‬‫ت َ‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬‫م ال ْ َ‬ ‫رك ّ ْ‬ ‫كوُنوا ي ُدْ ِ‬ ‫ما ت َ ُ‬ ‫أي ْن َ َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬
‫صللب ْ ُ‬‫ن تُ ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬
‫ه َ‬ ‫د الّللل ِ‬‫عن ْ ِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ذ ِ‬‫ه ِ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ة يَ ُ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫صب ْ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫مللا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫د الللل ِ‬ ‫عْنلل ِ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫لك ّ‬ ‫ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫د َ‬ ‫عن ْ ِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ذ ِ‬‫ه ِ‬‫قولوا َ‬‫ُ‬ ‫ة يَ ُ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ديثا )‪(78‬‬ ‫ً‬ ‫ح ِ‬‫ن َ‬ ‫هو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫كا ُ‬ ‫وم ِ ل ي َ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ْ‬
‫ء ال َ‬ ‫ؤل ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫َ‬
‫أينما تكونوا يلحقكم الموت في أي مكان كنتم فيه عند‬
‫حلول آجالكم‪ ,‬ولو كنتم في حصون منيعة بعيدة عن‬
‫ساحة المعارك والقتال‪ .‬وإن يحصل لهم ما يسّرهم من‬
‫متاع هذه الحياة‪ ,‬ينسبوا حصوله إلى الله تعالى‪ ,‬وإن‬
‫وقع عليهم ما يكرهونه ينسبوه إلى الرسول محمد صلى‬
‫‪165‬‬
‫ما‪ ,‬وما علموا أن ذلك كله‬
‫الله عليه وسلم جهالة وتشاؤ ً‬
‫من عند الله وحده‪ ,‬بقضائه وقدره‪ ,‬فما بالهم ل يقاربون‬
‫ي حديث تحدثهم به‪.‬‬‫مأ ّ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ف ْ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫سلي ّئ َ ٍ‬
‫ة‬ ‫ن َ‬
‫مل ْ‬ ‫ك ِ‬‫صللاب َ َ‬‫مللا أ َ‬ ‫و َ‬
‫ه َ‬‫ن الل ّل ِ‬
‫مل ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ة َ‬ ‫سلن َ ٍ‬
‫ح َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫صاب َ َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫َ‬
‫ش لهيدا ً‬ ‫َ‬
‫ه َ ِ‬‫فى ِبالل ّ ِ‬ ‫وك َ َ‬‫سول ً َ‬ ‫س َر ُ‬ ‫ك ِللّنا ِ‬ ‫سل َْنا َ‬‫وأْر َ‬‫ك َ‬ ‫س َ‬
‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫)‪(79‬‬
‫من خير ونعمة فهو من الله‬ ‫ما أصابك ‪-‬أيها النسان‪ِ -‬‬
‫تعالى وحده‪ ,‬فضل وإحساًنا‪ ,‬وما أصابك من جهد وشدة‬
‫فبسبب عملك السيئ‪ ,‬وما اقترفته يداك من الخطايا‬
‫والسيئات‪ .‬وبعثناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لعموم الناس رسول‬
‫دا على صدق‬‫تبلغهم رسالة ربك‪ ,‬وكفى بالله شهي ً‬
‫رسالتك‪.‬‬

‫مللا‬ ‫وّلى َ‬
‫ف َ‬ ‫ن تَل َ‬
‫ملل ْ‬
‫و َ‬
‫ه َ‬ ‫ق لدْ أ َطَللا َ‬
‫ع الّللل َ‬ ‫ف َ‬
‫ل َ‬
‫سللو َ‬‫ع الّر ُ‬ ‫ن ي ُطِ ل ْ‬ ‫ملل ْ‬
‫َ‬
‫فيظا ً )‪(80‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ َ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫أْر َ‬
‫من يستجب للرسول صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ويعمل‬
‫بهديه‪ ,‬فقد استجاب لله تعالى وامتثل أمره‪ ,‬ومن أعرض‬
‫عن طاعة الله ورسوله فما بعثناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على‬
‫هؤلء المعترضين رقيًبا تحفظ أعمالهم وتحاسبهم‬
‫عليها‪ ,‬فحسابهم علينا‪.‬‬

‫م‬‫هلل ْ‬‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬


‫فلل ٌ‬ ‫ت َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫د َ‬
‫ك ب َي ّ َ‬ ‫عن ْ ِ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ذا ب ََرُزوا ِ‬ ‫فإ ِ َ‬‫ة َ‬ ‫ع ٌ‬ ‫ن َ‬
‫طا َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وي َ ُ‬‫َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫هل ْ‬ ‫عن ْ ُ‬‫َ‬ ‫ض‬‫ر ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن َ‬
‫ف لأ ْ‬ ‫مللا ي ُب َي ّت ُللو َ‬
‫ب َ‬ ‫والل ّل ُ‬
‫ه ي َك ْت ُل ُ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ذي ت َ ُ‬ ‫غي َْر ال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫كيل ً )‪(81‬‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬‫فى ِبالل ّ ِ‬ ‫وك َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫وك ّ ْ‬‫وت َ َ‬ ‫َ‬
‫ظهر هؤلء المعرضون‪ ,‬وهم في مجلس رسول الله‬ ‫وي ُ ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬طاعتهم للرسول وما جاء به‪ ,‬فإذا‬
‫ابتعدوا عنه وانصرفوا عن مجلسه‪ ,‬دّبر جماعة منهم ليل‬
‫غير ما أعلنوه من الطاعة‪ ,‬وما علموا أن الله يحصي‬
‫عليهم ما يدبرون‪ ,‬وسيجازيهم عليه أتم الجزاء‪ ,‬فتول‬

‫‪166‬‬
‫عنهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ول تبال بهم‪ ,‬فإنهم لن يضروك‪,‬‬
‫وتوكل على الله‪ ,‬وحسبك به ولي ّا ً وناصًرا‪.‬‬

‫دوا‬
‫جل ُ‬ ‫ه لَ َ‬
‫و َ‬ ‫ر الل ّل ِ‬ ‫د َ‬
‫غي ْل ِ‬ ‫عن ْ ِ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫كا َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫قْرآ َ‬ ‫فل ي َت َدَب ُّرو َ‬ ‫أَ َ‬
‫خِتلفا ً ك َِثيرا ً )‪(82‬‬ ‫ها ْ‬ ‫في ِ‬ ‫ِ‬
‫أفل ينظر هؤلء في القرآن‪ ,‬وما جاء به من الحق‪ ,‬نظر‬
‫تأمل وتدبر‪ ,‬حيث جاء على نسق محكم يقطع بأنه من‬
‫من عند غيره لوجدوا فيه‬‫عند الله وحده؟ ولو كان ِ‬
‫اختل ً‬
‫فا كثيًرا‪.‬‬

‫دوهُ‬ ‫و َر ّ‬ ‫ول َل ْ‬‫ه َ‬ ‫عوا ب ِ ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ف أَ َ‬ ‫و ِ‬ ‫خ ْ‬‫و ال ْ َ‬ ‫َ‬


‫نأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫مٌر ِ‬
‫َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫جاءَ ُ‬
‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ه اللل ِ‬ ‫ملل ُ‬ ‫عل ِ َ‬‫مل َ‬ ‫هلل ْ‬‫من ْ ُ‬‫ر ِ‬ ‫ملل ِ‬ ‫وِلللي ال ْ‬ ‫وإ ِلللى أ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سللو ِ‬ ‫إ َِلللى الّر ُ‬
‫م‬‫عت ُ ْ‬‫ه لت ّب َ ْ‬ ‫مت ُ ُ‬‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬‫ض ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ول َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬ ‫ه ِ‬‫طون َ ُ‬‫ست َن ْب ِ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫قِليل ً )‪(83‬‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫طا َ‬‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫مٌر‬
‫وإذا جاء هؤلء الذين لم يستقر اليمان في قلوبهم أ ْ‬
‫قا بالمن الذي يعود خيره على السلم‬ ‫يجب كتمانه متعل ً‬
‫والمسلمين‪ ,‬أو بالخوف الذي يلقي في قلوبهم عدم‬
‫الطمئنان‪ ,‬أفشوه وأذاعوا به في الناس‪ ,‬ولو ردّ هؤلء‬
‫ما جاءهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى‬
‫م حقيقة معناه أهل الستنباط‬ ‫أهل العلم والفقه ل َ َ‬
‫عل ِ َ‬
‫ل الله عليكم ورحمكم لتبعتم‬‫ض َ‬ ‫ف ّ‬ ‫ن تَ َ‬
‫منهم‪ .‬ولول أ ْ‬
‫الشيطان ووساوسه إل قليل منكم‪.‬‬

‫ض‬‫حللّر ْ‬ ‫و َ‬ ‫سلل َ‬
‫ك َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه ل ت ُك َّللل ُ‬
‫ف إ ِل ّ ن َ ْ‬ ‫ل الّللل ِ‬ ‫سللِبي ِ‬ ‫فللي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قاِتلل ْ‬‫ف َ‬‫َ‬
‫ْ‬ ‫عسى الل ّ َ‬
‫والل ّل ُ‬
‫ه‬ ‫ن كَ َ‬
‫ف لُروا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّل ِ‬
‫ف ب َلأ َ‬ ‫ن ي َك ُل ّ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن َ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫كيل ً )‪(84‬‬ ‫وأ َ َ‬
‫شدّ َتن ِ‬
‫ْ‬
‫شدّ ب َأسا ً َ‬ ‫أَ َ‬
‫فجاهد ‪-‬أيها النبي‪ -‬في سبيل الله لعلء كلمته‪ ,‬ل تلزم‬
‫ض المؤمنين على القتال‬‫ح ّ‬‫فعل غيرك ول تؤاخذ به‪ ,‬و ُ‬
‫غبهم فيه‪ ,‬لعل الله يمنع بك وبهم بأس‬ ‫والجهاد‪ ,‬ور ّ‬

‫‪167‬‬
‫الكافرين وشدتهم‪ .‬والله تعالى أشد قوة وأعظم عقوبة‬
‫للكافرين‪.‬‬

‫ع‬
‫ف ْ‬‫ش َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬
‫ب ِ‬ ‫صي ٌ‬‫ه نَ ِ‬‫ن لَ ُ‬‫ة ي َك ُ ْ‬
‫سن َ ً‬‫ح َ‬‫ة َ‬ ‫ع ً‬‫فا َ‬‫ش َ‬ ‫ع َ‬ ‫ف ْ‬‫ش َ‬
‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫على ك ُ ّ‬‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫و َ‬
‫كا َ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬
‫ل ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ه كِ ْ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬ ‫ة ي َك ُ ْ‬‫سي ّئ َ ً‬‫ة َ‬ ‫ع ً‬
‫فا َ‬‫ش َ‬ ‫َ‬
‫قيتا ً )‪(85‬‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ع لحصول غيره على الخير يكن له بشفاعته‬ ‫س َ‬
‫من ي َ ْ‬
‫ع ليصال الشر إلى غيره‬‫س َ‬
‫نصيب من الثواب‪ ,‬ومن ي َ ْ‬
‫يكن له نصيب من الوزر والثم‪ .‬وكان الله على كل شيء‬
‫دا وحفي ً‬
‫ظا‪.‬‬ ‫شاه ً‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الّللل َ‬
‫ه‬ ‫هللا إ ِ ّ‬
‫دو َ‬
‫و ُر ّ‬
‫هللا أ ْ‬
‫من ْ َ‬
‫ن ِ‬
‫س َ‬
‫ح َ‬
‫حّيوا ب ِأ ْ‬ ‫ة َ‬
‫ف َ‬ ‫حي ّ ٍ‬‫م ب ِت َ ِ‬ ‫حّييت ُ ْ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫سيبا )‪(86‬‬ ‫ح ِ‬‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫على ك ّ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬‫كا َ‬ ‫َ‬

‫دوا عليه بأفضل مما سّلم‬‫وإذا سّلم عليكم المسلم فر ّ‬


‫ة‪ ,‬أو ردوا عليه بمثل ما سّلم‪ ,‬ولكل ثوابه‬ ‫لف ً‬
‫ظا وبشاش ً‬
‫وجزاؤه‪ .‬إن الله تعالى كان على كل شيء مجازًيا‪.‬‬

‫ه‬
‫فيلل ِ‬
‫ب ِ‬
‫ة ل َري ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫وم ِ ا ل ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫م إ َِلى ي َ ْ‬
‫عن ّك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫و ل َي َ ْ‬
‫ج َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬
‫ه إ ِل ّ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ديثا ً )‪(87‬‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬‫ه َ‬‫ن الل ّ ِ‬ ‫م ْ‬‫صدَقُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫َ‬
‫الله وحده المتفرد باللوهية لجميع الخلق‪ ,‬ليجمعنكم‬
‫يوم القيامة‪ ,‬الذي ل شك فيه‪ ,‬للحساب والجزاء‪ .‬ول أحد‬
‫أصدق من الله حديًثا فيما أخبر به‪.‬‬

‫فئ َت َين والل ّ َ‬


‫سُبوا‬ ‫ما ك َ َ‬‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬
‫س ُ‬‫ه أْرك َ َ‬
‫ُ‬ ‫ن ِ ْ ِ َ‬ ‫قي َ‬‫ف ِ‬ ‫في ال ْ ُ‬
‫مَنا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫ف َ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫ج َ‬
‫ن تَ ِ‬‫فل َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫ضل ِ ْ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬
‫ه َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ن أَ َ‬
‫ض ّ‬ ‫م ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ه ُ‬
‫ن تَ ْ‬
‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬‫أت ُ ِ‬
‫َ‬
‫سِبيل ً )‪(88‬‬ ‫ه َ‬ ‫لَ ُ‬
‫فما لكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬في شأن المنافقين إذ اختلفتم‬
‫فرقتين‪ :‬فرقة تقول بقتالهم وأخرى ل تقول بذلك؟‬
‫والله تعالى قد أوقعهم في الكفر والضلل بسبب سوء‬

‫‪168‬‬
‫أعمالهم‪ .‬أتودون هداية من صرف الله تعالى قلبه عن‬
‫دينه؟ ومن خذله الله عن دينه‪ ,‬واتباع ما أمره به‪ ,‬فل‬
‫طريق له إلى الهدى‪.‬‬

‫ذوا‬ ‫خل ُ‬ ‫فل ت َت ّ ِ‬ ‫واءً َ‬ ‫سل َ‬


‫ن َ‬ ‫كون ُللو َ‬ ‫فت َ ُ‬
‫فُروا َ‬ ‫ما ك َ َ‬‫ن كَ َ‬ ‫فُرو َ‬ ‫و ت َك ْ ُ‬‫دوا ل َ ْ‬ ‫و ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫وا‬‫ول ّل ْ‬‫ن تَ َ‬ ‫ف لإ ِ ْ‬‫ه َ‬‫ل الل ّل ِ‬ ‫س لِبي ِ‬
‫فللي َ‬ ‫جُروا ِ‬ ‫هللا ِ‬
‫حت ّللى ي ُ َ‬ ‫ول َِياءَ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫م‬‫هل ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ذوا ِ‬ ‫خل ُ‬‫ول ت َت ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫مو ُ‬ ‫ج لدْت ُ ُ‬‫و َ‬‫ث َ‬
‫حي ْل ُ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫قت ُل ُللو ُ‬‫وا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ذو ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫صيرا ً )‪(89‬‬ ‫ول ن َ ِ‬ ‫ول ِي ّا ً َ‬ ‫َ‬
‫تمّنى المنافقون لكم أيها المؤمنون‪ ,‬لو تنكرون حقيقة‬
‫ما آمنت به قلوبكم‪ ,‬مثلما أنكروه بقلوبهم‪ ,‬فتكونون‬
‫معهم في النكار سواء‪ ,‬فل تتخذوا منهم أصفياء لكم‪,‬‬
‫حتى يهاجروا في سبيل الله‪ ,‬برهاًنا على صدق إيمانهم‪,‬‬
‫فإن أعرضوا عما دعوا إليه‪ ,‬فخذوهم أينما كانوا‬
‫واقتلوهم‪ ,‬ول تتخذوا منهم ولي ّا ً من دون الله ول نصيًرا‬
‫تستنصرونه به‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن إ َِلللى َ‬
‫ميَثللاقٌ أ ْ‬
‫و‬ ‫م ِ‬‫هلل ْ‬ ‫وب َي ْن َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وم ٍ ب َي ْن َ ُ‬
‫كلل ْ‬ ‫قلل ْ‬ ‫صللُلو َ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫إ ِل ّ اّللل ِ‬
‫قات ُِلوا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫م ُ‬‫و َ‬‫ق ْ‬ ‫و يُ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬
‫دوُر ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫صَر ْ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ءوك ُ ْ‬ ‫جا ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫عت ََزل ُللوك ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ف لإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قات َُلوك ُ ْ‬ ‫فل َ َ‬‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫سل ّطَ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫شاءَ الل ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫عل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه لكل ْ‬ ‫ل اللل ُ‬ ‫ج َ‬‫ملا َ‬ ‫مف َ‬ ‫سلل َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫وا إ ِلي ْكل ْ‬ ‫وألق ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ي ُقات ِلوك ْ‬ ‫فل ْ‬
‫سِبيل ً )‪(90‬‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ َ‬
‫علي ْ ِ‬
‫لكن الذين يتصلون بقوم بينكم وبينهم عهد وميثاق فل‬
‫تقاتلوهم‪ ,‬وكذلك الذين أَتوا إليكم وقد ضاقت صدورهم‬
‫وكرهوا أن يقاتلوكم‪ ,‬كما كرهوا أن يقاتلوا قومهم‪ ,‬فلم‬
‫يكونوا معكم ول مع قومهم‪ ,‬فل تقاتلوهم‪ ,‬ولو شاء الله‬
‫تعالى لسّلطهم عليكم‪ ,‬فلقاتلوكم مع أعدائكم من‬
‫المشركين‪ ,‬ولكن الله تعالى صرفهم عنكم بفضله‬
‫وقدرته‪ ,‬فإن تركوكم فلم يقاتلوكم‪ ,‬وانقادوا اليكم‬
‫مستسلمين‪ ,‬فليس لكم عليهم من طريق لقتالهم‪.‬‬

‫م كُ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫ل‬ ‫ه ْ‬
‫م ُ‬
‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬
‫ق ْ‬ ‫وي َأ َ‬ ‫مُنوك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ي َأ َ‬
‫نأ ْ‬‫دو َ‬
‫ري ُ‬
‫ن يُ ِ‬
‫ري َ‬
‫خ ِ‬
‫نآ َ‬
‫دو َ‬
‫ج ُ‬
‫ست َ ِ‬
‫َ‬
‫‪169‬‬
‫فت ْن َ ل ُ‬
‫م‬ ‫زل ُللوك ُ ْ‬‫عت َ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ن لَل ْ‬‫ف لإ ِ ْ‬ ‫هللا َ‬‫في َ‬ ‫سللوا ِ‬ ‫ة أْرك ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫دوا إ ِل َللى ال ْ ِ‬ ‫مللا ُر ّ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫وا ْ‬ ‫خل ُ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وي َك ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وي ُل ُ‬
‫ه ْ‬ ‫قت ُلللو ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫ذو ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫دي َ ُ‬ ‫فوا أي ْل ِ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قوا إ ِلي ْك ْ‬ ‫َ‬
‫مِبينللا ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سلطانا ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫م َ‬‫علَنا لك ُ ْ‬ ‫ج َ‬‫م َ‬ ‫ولئ ِك ُ ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫مو ُ‬‫فت ُ ُ‬‫ق ْ‬‫ث ثَ ِ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫َ‬
‫)‪(91‬‬
‫ما آخرين من المنافقين يودون الطمئنان‬ ‫ستجدون قو ً‬
‫على أنفسهم من جانبكم‪ ,‬فيظهرون لكم اليمان‪,‬‬
‫ويودون الطمئنان على أنفسهم من جانب قومهم‬
‫الكافرين‪ ,‬فيظهرون لهم الكفر‪ ,‬كلما أعيدوا إلى موطن‬
‫الكفر والكافرين‪ ,‬وقعوا في أسوأ حال‪ .‬فهؤلء إن لم‬
‫ينصرفوا عنكم‪ ,‬ويقدموا إليكم الستسلم التام‪ ,‬ويمنعوا‬
‫أنفسهم عن قتالكم فخذوهم بقوة واقتلوهم أينما‬
‫كانوا‪ ,‬وأولئك الذين بلغوا في هذا المسلك السّيئ حدّا ً‬
‫من عداهم‪ ,‬فهم الذين جعلنا لكم الحجة البينة‬ ‫يميزهم ع ّ‬
‫على قتلهم وأسرهم‪.‬‬

‫منا ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬


‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫قت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫خطَأ َ‬ ‫منا ً إ ِل ّ َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫قت ُ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫م‬
‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة إ ِل َللى أ ْ‬ ‫ً‬
‫ن‬ ‫ه إ ِل ّ أ ْ‬ ‫هل ِل ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫س لل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ُ‬ ‫وِدي َل ٌ‬ ‫ة َ‬‫من َ ٍ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫قب َ ٍ‬ ‫ريُر َر َ‬ ‫ح ِ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫خطَأ َ‬ ‫َ‬
‫ريلُر‬ ‫ح ِ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫و ُ‬ ‫هل َ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫و ل َك ُ ْ‬ ‫عد ُ ّ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫قوا َ‬ ‫صد ّ ُ‬ ‫يَ ّ‬
‫ة‬ ‫دَيلل ٌ‬ ‫ف ِ‬ ‫ميَثاقٌ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫وب َي ْن َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫وم ٍ ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫من َ ٍ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬‫ة ُ‬ ‫قب َ ٍ‬ ‫َر َ‬
‫َ‬
‫د‬
‫جل ْ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ن ل َل ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫ف َ‬‫ة َ‬ ‫من َل ٍ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫قب َل ٍ‬ ‫ري لُر َر َ‬ ‫ح ِ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫هل ِل ِ‬ ‫ة إ ِل َللى أ ْ‬ ‫م ٌ‬‫س لل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫عِليم لا ً‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّل ُ‬ ‫وك َللا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫وب َ ً‬‫ن تَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫عي ْ ِ‬ ‫مت ََتاب ِ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫هَري ْ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫ف ِ‬
‫كيما ً )‪(92‬‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ول يحق لمؤمن العتداء على أخيه المؤمن وقتله بغير‬
‫حق‪ ,‬إل أن يقع منه ذلك على وجه الخطأ الذي ل عمد‬
‫فيه‪ ,‬ومن وقع منه ذلك الخطأ فعليه عتق رقبة مؤمنة‪,‬‬
‫وتسليم دية مقدرة إلى أوليائه‪ ,‬إل أن يتصدقوا بها عليه‬
‫ويعفوا عنه‪ .‬فإن كان المقتول من قوم كفار أعداء‬
‫للمؤمنين‪ ,‬وهو مؤمن بالله تعالى‪ ,‬وبما أنزل من الحق‬
‫على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فعلى قاتله‬
‫عتق رقبة مؤمنة‪ ,‬وإن كان من قوم بينكم وبينهم عهد‬
‫وميثاق‪ ,‬فعلى قاتله دية تسلم إلى أوليائه وعتق رقبة‬
‫مؤمنة‪ ,‬فمن لم يجد القدرة على عتق رقبة مؤمنة‪,‬‬

‫‪170‬‬
‫فعليه صيام شهرين متتابعين; ليتوب الله تعالى عليه‪.‬‬
‫ما فيما‬
‫وكان الله تعالى عليما بحقيقة شأن عباده‪ ,‬حكي ً‬
‫شرعه لهم‪.‬‬

‫هللا‬ ‫خال ِللدا ً ِ‬


‫في َ‬ ‫م َ‬
‫هن ّل ُ‬‫ج َ‬
‫ؤهُ َ‬ ‫ج لَزا ُ‬
‫ف َ‬‫مللدا ً َ‬ ‫ع ّ‬ ‫من لا ً ُ‬
‫مت َ َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ُ‬‫قت ُل ْ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫مل ْ‬‫و َ‬‫َ‬
‫ظيما ً )‪(93‬‬ ‫ذابا ً َ‬ ‫َ‬
‫ع ِ‬ ‫ع َ‬
‫ه َ‬ ‫عد ّ ل َ ُ‬
‫وأ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ول َ َ‬
‫عن َ ُ‬ ‫ه َ‬‫عل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬‫غ ِ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫د على مؤمن فيقتله عن عمد بغير حق فعاقبته‬ ‫عت َ ِ‬
‫ومن ي َ ْ‬
‫ه من‬‫دا فيها مع سخط الله تعالى عليه وطَْرِد ِ‬
‫جهنم‪ ,‬خال ً‬
‫رحمته‪ ,‬إن جازاه على ذنبه وأعدّ الله له أشد العذاب‬
‫بسبب ما ارتكبه من هذه الجناية العظيمة‪ .‬ولكنه سبحانه‬
‫يعفو ويتفضل على أهل اليمان فل يجازيهم بالخلود‬
‫في جهنم‪.‬‬

‫َ‬
‫ول‬ ‫فت َب َي ُّنللوا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬
‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ضَرب ْت ُ ْ‬‫ذا َ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫َيا أي ّ َ‬
‫ن‬ ‫غللو َ‬‫منلا ً ت َب ْت َ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫سل َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫سللل َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫قللى إ ِل َي ْك ُل ْ‬ ‫ن أ َل ْ َ‬ ‫مل ْ‬ ‫قول ُللوا ل ِ َ‬ ‫تَ ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫م ك َِثيَرةٌ ك َذَل ِ َ‬ ‫غان ِ ُ‬‫م َ‬‫ه َ‬ ‫عن ْدَ الل ّ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ة الدّن َْيا َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫عَر َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مل ُللو َ‬‫ع َ‬ ‫مللا ت َ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ه ك َللا َ‬‫ن الل ّل َ‬ ‫م َ‬
‫فت َب َي ّن ُللوا إ ِ ّ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ل َ‬
‫ف َ‬ ‫قب ْ ُ‬ ‫َ‬
‫خِبيرا ً )‪(94‬‬ ‫َ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه إذا‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫خرجتم في الرض مجاهدين في سبيل الله فكونوا على‬
‫بينة مما تأتون وتتركون‪ ,‬ول تنفوا اليمان عمن بدا منه‬
‫شيء من علمات السلم ولم يقاتلكم; لحتمال أن‬
‫يكون مؤمًنا يخفي إيمانه‪ ,‬طالبين بذلك متاع الحياة‬
‫الدنيا‪ ,‬والله تعالى عنده من الفضل والعطاء ما يغنيكم‬
‫به‪ ,‬كذلك كنتم في بدء السلم تخفون إيمانكم عن‬
‫ن الله عليكم‪ ,‬وأعّزكم باليمان‬‫م ّ‬
‫قومكم من المشركين ف َ‬
‫والقوة‪ ,‬فكونوا على بّينة ومعرفة في أموركم‪ .‬إن الله‬
‫طلع على دقائق أموركم‪,‬‬ ‫تعالى عليم بكل أعمالكم‪ ,‬م ّ‬
‫وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫غيلر أ ُ‬
‫ر‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ض‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫لي‬
‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫ن َ ْ ُ‬
‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مل ْ‬ ‫مل ْ‬
‫ن ِ‬
‫دو َ‬
‫عل ُ‬ ‫وي ال ْ َ‬
‫قا ِ‬ ‫سلت َ ِ‬
‫ل يَ ْ‬
‫‪171‬‬
‫ل‬‫ضل َ‬
‫ف ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫سل ِ‬ ‫ف ِ‬‫وَأن ُ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫وال ِ ِ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫ه ب ِلأ ْ‬‫ل الل ّل ِ‬
‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫م َ‬‫وال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫جل ً‬ ‫ْ‬
‫على ال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وأن ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن دََر َ‬‫دي َ‬ ‫ع ِ‬
‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬‫وال ِ ِ‬
‫م َ‬ ‫ن ب ِأ ْ‬‫دي َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫الل ُ‬
‫عل َللى‬
‫ن َ‬ ‫دي َ‬ ‫هل ِ‬‫جا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬‫ل الل ّل ُ‬ ‫ضل َ‬ ‫ف ّ‬ ‫و َ‬‫س لَنى َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬‫ع لدَ الل ّل ُ‬ ‫و َ‬ ‫وك ُل ّ َ‬ ‫َ‬
‫ظيما ً )‪(95‬‬ ‫جرا ً َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ع ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫دي َ‬ ‫ع ِ‬ ‫قا ِ‬
‫ل يتساوى المتخلفون عن الجهاد في سبيل الله ‪-‬غير‬
‫أصحاب العذار منهم‪ -‬والمجاهدون في سبيل الله‪,‬‬
‫ضل الله تعالى المجاهدين على‬ ‫بأموالهم وأنفسهم‪ ,‬ف ّ‬
‫القاعدين‪ ,‬ورفع منزلتهم درجة عالية في الجنة‪ ,‬وقد‬
‫وعد الله كل من المجاهدين بأموالهم وأنفسهم‬
‫حوا في‬
‫والقاعدين من أهل العذار الجنة ِلما بذلوا وض ّ‬
‫ضل الله تعالى المجاهدين على‬ ‫سبيل الحق‪ ,‬وف ّ‬
‫القاعدين ثواًبا جزيل‪.‬‬

‫حيم لا ً )‬
‫فللورا ً َر ِ‬ ‫ن الل ّل ُ‬
‫ه َ‬
‫غ ُ‬ ‫وك َللا َ‬
‫ة َ‬
‫م ً‬
‫ح َ‬
‫وَر ْ‬
‫فَرةً َ‬
‫غ ِ‬
‫م ْ‬
‫و َ‬
‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬
‫جا ٍ‬
‫دََر َ‬
‫‪(96‬‬
‫هذا الثواب الجزيل منازل عالية في الجنات من الله‬
‫تعالى لخاصة عباده المجاهدين في سبيله‪ ,‬ومغفرة‬
‫لذنوبهم ورحمة واسعة ينعمون فيها‪ .‬وكان الله غفوًرا‬
‫ما بأهل طاعته‪ ,‬المجاهدين في‬ ‫لمن تاب إليه وأناب‪ ,‬رحي ً‬
‫سبيله‪.‬‬

‫م‬‫فيل َ‬ ‫قللاُلوا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫ِ‬ ‫سل‬
‫ف ِ‬ ‫مي َأن ُ‬ ‫ة ظَللال ِ ِ‬‫ملئ ِك َل ُ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ه ْ‬ ‫فا ُ‬‫و ّ‬
‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ت َك ُل ْ‬
‫ن‬ ‫قللاُلوا أل َل ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫فللي الْر‬ ‫ن ِ‬‫في َ‬ ‫ع ِ‬‫ضل َ‬‫ست َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قاُلوا ك ُّنا ُ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ُ‬
‫ْ‬ ‫ول َئ ِ َ‬ ‫فيها َ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هّنلل ُ‬‫ج َ‬
‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫وا ُ‬‫مللأ َ‬ ‫ك َ‬ ‫فللأ ْ‬ ‫جُروا ِ َ‬ ‫ها ِ‬‫فت ُ َ‬‫ة َ‬ ‫ع ً‬
‫س َ‬‫وا ِ‬ ‫ه َ‬‫ض الل ّ ِ‬ ‫أْر ُ‬
‫صيرا ً )‪(97‬‬ ‫م ِ‬‫ت َ‬ ‫ساءَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫فاهم الملئكة وقد ظلموا أنفسهم بقعودهم‬ ‫إن الذين تو ّ‬
‫خا‬
‫في دار الكفر وترك الهجرة‪ ,‬تقول لهم الملئكة توبي ً‬
‫لهم‪ :‬في أي شيء كنتم من أمر دينكم؟ فيقولون‪ :‬كنا‬
‫ضعفاء في أرضنا‪ ,‬عاجزين عن دفع الظلم والقهر عنا‪,‬‬
‫فيقولون لهم توبيخا‪ :‬ألم تكن أرض الله واسعة فتخرجوا‬

‫‪172‬‬
‫من أرضكم إلى أرض أخرى بحيث تأمنون على دينكم؟‬
‫فأولئك مثواهم النار‪ ,‬وقبح هذا المرجع والمآب‪.‬‬

‫نل‬ ‫ول ْللل َ‬


‫دا ِ‬ ‫وال ْ ِ‬
‫ء َ‬
‫سلللا ِ‬
‫والن ّ َ‬
‫ل َ‬
‫جلللا ِ‬
‫ن الّر َ‬‫مللل ْ‬ ‫ن ِ‬
‫في َ‬‫ع ِ‬ ‫ضللل َ‬
‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬‫إ ِل ّ ال ْ ُ‬
‫سِبيل ً )‪(98‬‬‫ن َ‬ ‫دو َ‬‫هت َ ُ‬
‫ول ي َ ْ‬ ‫حيل َ ً‬
‫ة َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫طي ُ‬‫ست َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ويعذر من ذاك المصير العجزة من الرجال والنساء‬
‫والصغار الذين ل يقدرون على دفع القهر والظلم عنهم‪,‬‬
‫ول يعرفون طري ً‬
‫قا يخلصهم مما هم فيه من المعاناة‪.‬‬

‫وا ً‬ ‫عسللى الل ّل َ‬ ‫َ ُ‬


‫ع ُ‬
‫فل ّ‬ ‫ن الل ّل ُ‬
‫ه َ‬ ‫وك َللا َ‬
‫م َ‬
‫هل ْ‬
‫عن ْ ُ‬
‫و َ‬ ‫ع ُ‬
‫فل َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫ول َئ ِ َ‬
‫ك َ َ‬ ‫ف لأ ْ‬
‫فورا ً )‪(99‬‬ ‫َ‬
‫غ ُ‬

‫فهؤلء الضعفاء هم الذين ُيرجى لهم من الله تعالى‬


‫وا‬
‫العفو; لعلمه تعالى بحقيقة أمرهم‪ .‬وكان الله عف ً‬
‫غفوًرا‪.‬‬

‫غما ً ك َِثيرا ً‬ ‫مَرا َ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬


‫ض ُ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫جد ْ ِ‬ ‫ه يَ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫جْر ِ‬ ‫ها ِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ث ُل ّ‬
‫سللول ِ ِ‬‫وَر ُ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫جرا إ ِلى الل ل ِ‬ ‫ها ِ‬ ‫م َ‬‫ه ُ‬ ‫ن ب َي ْت ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ج ِ‬ ‫خُر ْ‬
‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬‫ع ً‬ ‫س َ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫فللورا ً‬ ‫غ ُ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫ف َ‬
‫ت َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن الل ُ‬‫وكا َ‬ ‫ه َ‬‫على الل ِ‬ ‫جُرهُ َ‬ ‫عأ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫و ُ‬‫م ْ‬‫ه ال َ‬ ‫رك ُ‬ ‫ي ُدْ ِ‬
‫حيما ً )‪(100‬‬ ‫َر ِ‬
‫من يخرج من أرض الشرك إلى أرض السلم فراًرا‬ ‫و َ‬
‫دا نصرة دينه‪ ,‬يجد في‬ ‫بدينه‪ ,‬راجًيا فضل ربه‪ ,‬قاص ً‬
‫الرض مكاًنا ومتحول ينعم فيه بما يكون سبًبا في قوته‬
‫وذلة أعدائه‪ ,‬مع السعة في رزقه وعيشه‪ ,‬ومن يخرج من‬
‫دا نصرة دين الله ورسوله صلى الله عليه‬ ‫بيته قاص ً‬
‫وسلم‪ ,‬وإعلء كلمة الله‪ ,‬ثم يدركه الموت قبل بلوغه‬
‫مقصده‪ ,‬فقد ثبت له جزاء عمله على الله‪ ,‬فضل منه‬
‫ما بعباده‪.‬‬
‫وإحساًنا‪ .‬وكان الله غفوًرا رحي ً‬

‫عل َيك ُلم جن َللا َ‬ ‫في ال َْر‬


‫ص لُروا‬‫ق ُ‬‫ن تَ ْ‬‫حأ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ ُ‬ ‫س َ ْ‬ ‫فل َي ْ َ‬‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫م ِ‬‫ضَرب ْت ُ ْ‬
‫ذا َ‬‫وإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫خ ْ‬
‫فلللُروا إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬
‫م الللل ِ‬
‫فت ِن َكللل ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫فت ُللل ْ‬ ‫ن ِ‬‫ة إِ ْ‬
‫صلللل ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫مللل ْ‬ ‫ِ‬
‫‪173‬‬
‫مِبينا ً )‪(101‬‬
‫وا ً ُ‬
‫عد ُ ّ‬ ‫كاُنوا ل َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن َ‬
‫ري َ‬
‫ف ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كا ِ‬
‫وإذا سافرتم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬في أرض الله‪ ,‬فل حرج ول‬
‫إثم عليكم في قصر الصلة إن خفتم من عدوان الكفار‬
‫عليكم في حال صلتكم‪ ,‬وكانت غالب أسفار المسلمين‬
‫في بدء السلم مخوفة‪ ,‬والقصر رخصة في السفر حال‬
‫المن أو الخوف‪ .‬إن الكافرين مجاهرون لكم بعداوتهم‪,‬‬
‫فاحذروهم‪.‬‬

‫م‬ ‫هلل ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ق ْ‬‫فل ْت َ ُ‬ ‫صلةَ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت لَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ق ْ‬ ‫فأ َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫في‬


‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫م َ‬
‫فللإ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫خلل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ملل ْ‬ ‫فلي َكوُنللوا ِ‬ ‫ج ُ‬‫سلل َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه ْ‬ ‫حت َ ُ‬ ‫سللل ِ َ‬ ‫ذوا أ ْ‬ ‫ولي َأ ُ‬ ‫عللك َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫عل َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫صللوا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت طائ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م َ‬ ‫صللوا َ‬ ‫فلي ُ َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫خلَرى لل ْ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫فل ٌ‬ ‫ولت َلأ ِ‬ ‫م َ‬ ‫وَرائ ِكل ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫غ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫حذَْر ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫فلللو َ‬ ‫و تَ ْ‬ ‫فُروا ل ل ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ودّ ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫حت َ ُ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫ولي َأ ُ‬ ‫َ‬
‫مي َْلل ً‬ ‫عل َي ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول‬ ‫حلدَةً َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫م َ‬ ‫كل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ميُلو َ‬ ‫في َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫عت ِك ُ ْ‬ ‫مت ِ َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫حت ِك ُ ْ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مطَ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ضى أ ْ‬ ‫مْر َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫و ُ‬ ‫رأ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذى ِ‬ ‫مأ ً‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫جَنا َ‬ ‫ُ‬
‫ع لدّ ل ِل ْك َللا ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫هأ َ‬ ‫ن الل ّل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ح لذَْرك ُ ْ‬ ‫ذوا ِ‬ ‫خل ُ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫حت َك ُ ْ‬ ‫س لل ِ َ‬ ‫عوا أ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫تَ َ‬
‫هينا ً )‪(102‬‬ ‫م ِ‬ ‫ذابا ً ُ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫وإذا كنت ‪-‬أيها النبي‪ -‬في ساحة القتال‪ ,‬فأردت أن‬
‫تصلي بهم‪ ,‬فلتقم جماعة منهم معك للصلة‪ ,‬وليأخذوا‬
‫سلحهم‪ ,‬فإذا سجد هؤلء فلتكن الجماعة الخرى من‬
‫خلفكم في مواجهة عدوكم‪ ,‬وتتم الجماعة الولى‬
‫ركعتهم الثانية وُيسّلمون‪ ,‬ثم تأتي الجماعة الخرى التي‬
‫لم تبدأ الصلة فليأتموا بك في ركعتهم الولى‪ ,‬ثم‬
‫من عدوهم‬ ‫يكملوا بأنفسهم ركعتهم الثانية‪ ,‬وليحذروا ِ‬
‫وليأخذوا أسلحتهم‪ .‬ودّ الجاحدون لدين الله أن تغ ُ‬
‫فلوا‬
‫عن سلحكم وزادكم; ليحملوا عليكم حملة واحلة‬
‫فيقضوا عليكم‪ ,‬ول إثم عليكم حيننذ إن كان بكم أذى من‬
‫مطر‪ ,‬أو كنتم في حال مرض‪ ,‬أن تتركوا أسلحتكم‪ ,‬مع‬
‫أخذ الحذر‪ .‬إن الله تعالى أعدّ للجاحدين لدينه عذاًبا‬
‫يهينهم‪ ,‬ويخزيهم‪.‬‬

‫عل َللى‬
‫و َ‬ ‫عللودا ً َ‬
‫ق ُ‬ ‫قَيام لا ً َ‬
‫و ُ‬ ‫ه ِ‬‫فللاذْك ُُروا الل ّل َ‬‫صلةَ َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ضي ْت ُ ْ‬‫ق َ‬‫ذا َ‬ ‫َ‬
‫فإ ِ َ‬
‫صلللةَ ك َللان َ ْ‬
‫ت‬ ‫ن ال ّ‬ ‫صلللةَ إ ِ ّ‬
‫موا ال ّ‬ ‫فأ َ ِ‬
‫قي ُ‬ ‫م َ‬ ‫ذا اطْ ْ‬
‫مأَننت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫م َ‬‫جُنوب ِك ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫‪174‬‬
‫قوتا ً )‪(103‬‬
‫و ُ‬ ‫ن ك َِتابا ً َ‬
‫م ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫َ‬
‫ديتم الصلة‪ ,‬فأديموا ذكر الله في جميع أحوالكم‪,‬‬
‫فإذا أ ّ‬
‫دوا الصلة كاملة‪ ,‬ول تفّرطوا فيها‬
‫فإذا زال الخوف فأ ّ‬
‫فإنها واجبة في أوقات معلومة في الشرع‪.‬‬

‫ْ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫ن َ‬
‫فلإ ِن ّ ُ‬ ‫مو َ‬‫كون ُللوا ت َلأل َ ُ‬‫ن تَ ُ‬
‫وم ِ إ ِ ْ‬‫قل ْ‬‫ء ال ْ َ‬
‫غللا ِ‬‫فللي اب ْت ِ َ‬ ‫هن ُللوا ِ‬‫ول ت َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وكللا َ‬ ‫ن َ‬‫جللو َ‬‫ما ل ي َْر ُ‬ ‫ه َ‬
‫ن الل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫وت َْر ُ‬
‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ت َأل ُ‬ ‫نك َ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َأل ُ‬
‫كيما ً )‪(104‬‬ ‫ح ِ‬‫عِليما ً َ‬‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ول تضعفوا في طلب عدوكم وقتاله‪ ,‬إن تكونوا تتألمون‬
‫من القتال وآثاره‪ ,‬فأعداؤكم كذلك يتألمون منه أشد‬
‫اللم‪ ,‬ومع ذلك ل يكفون عن قتالكم‪ ,‬فأنتم أولى بذلك‬
‫منهم‪ ,‬لما ترجونه من الثواب والنصر والتأييد‪ ,‬وهم ل‬
‫ما في‬‫ما بكل أحوالكم‪ ,‬حكي ً‬‫يرجون ذلك‪ .‬وكان الله علي ً‬
‫أمره وتدبيره‪.‬‬

‫مللا أ ََرا َ‬
‫ك‬ ‫س بِ َ‬
‫ِ‬ ‫لا‬
‫ل‬‫ّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ق‬
‫ّ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ب ِبال ْ‬
‫َ‬ ‫تا‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬‫ك ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫إ ِّنا َأنَزل َْنا إ ِل َ‬
‫صيما ً )‪(105‬‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫خائ ِِني َ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫ول ت َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫إنا أنزلنا إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن مشتمل على الحق;‬
‫صرك‬‫عا بما أوحى الله إليك‪ ,‬وب َ ّ‬
‫لتفصل بين الناس جمي ً‬
‫به‪ ,‬فل تكن للذين يخونون أنفسهم ‪-‬بكتمان الحق‪-‬‬
‫عا عنهم بما أيدوه لك من القول المخالف للحقيقة‪.‬‬ ‫مداف ً‬

‫حيما ً )‪(106‬‬
‫فورا ً َر ِ‬ ‫ن َ‬
‫غ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫فْر الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫غ ِ‬
‫ست َ ْ‬
‫وا ْ‬
‫َ‬
‫واطلب من الله تعالى المغفرة في جميع أحوالك‪ ,‬إن‬
‫الله تعالى كان غفوًرا لمن يرجو فضله ونوال مغفرته‪,‬‬
‫ما به‪.‬‬
‫رحي ً‬

‫ب‬
‫حل ّ‬ ‫ن الل ّل َ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫م إِ ّ‬
‫ه ْ‬
‫سل ُ‬ ‫ن َأن ُ‬
‫ف َ‬ ‫خت َللاُنو َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫ع ْ‬‫ل َ‬ ‫جاِد ْ‬‫ول ت ُ َ‬‫َ‬
‫ً‬
‫وانا أِثيما )‪(107‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ن َ‬
‫خ ّ‬‫ن َ‬‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫‪175‬‬
‫ول تدافع عن الذين يخونون أنفسهم بمعصية الله‪ .‬إن‬
‫ت خيانته‪ ,‬وكثر ذنبه‪.‬‬ ‫عظُ َ‬
‫م ْ‬ ‫من َ‬
‫الله ‪-‬سبحانه‪ -‬ل يحب َ‬

‫م‬‫هلل ْ‬
‫ع ُ‬‫م َ‬‫و َ‬ ‫ه َ‬
‫و ُ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ست َ ْ‬‫ول ي َ ْ‬‫س َ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫فو َ‬‫خ ُ‬
‫ست َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫مل ُللو َ‬
‫ن‬ ‫ع َ‬‫مللا ي َ ْ‬‫ه بِ َ‬‫ن الل ّل ُ‬‫كا َ‬‫و َ‬
‫ل َ‬ ‫و ِ‬ ‫ق ْ‬‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬‫ضى ِ‬‫ما ل ي َْر َ‬‫ن َ‬‫إ ِذْ ي ُب َي ُّتو َ‬
‫حيطا ً )‪(108‬‬ ‫م ِ‬‫ُ‬
‫فا من اطلعهم على أعمالهم‬ ‫يستترون من الناس خو ً‬
‫السيئة‪ ,‬ول يستترون من الله تعالى ول يستحيون منه‪,‬‬
‫وهو عّز شأنه معهم بعلمه‪ ,‬مطلع عليهم حين يدّبرون‬
‫‪-‬ليل‪ -‬ما ل يرضى من القول‪ ,‬وكان الله ‪-‬تعالى‪ -‬محي ً‬
‫طا‬
‫بجميع أقوالهم وأفعالهم‪ ,‬ل يخفى عليه منها شيء‪.‬‬

‫َ َ‬
‫جللاِد ُ‬
‫ل‬ ‫ن يُ َ‬
‫م ْ‬ ‫ة الدّن َْيا َ‬
‫ف َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬
‫عن ْ ُ‬‫م َ‬ ‫جادَل ْت ُ ْ‬
‫ء َ‬ ‫ؤل ِ‬ ‫ه ُ‬‫م َ‬ ‫هاأن ْت ُ ْ‬
‫عل َ‬ ‫قيامة أ َ‬
‫كيل ً )‪(109‬‬ ‫و ِ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫كو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫م ال ْ ِ َ َ ِ‬ ‫و َ‬ ‫م يَ ْ‬‫ه ْ‬‫عن ْ ُ‬‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ها أنتم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬قد حاججتم عن هؤلء الخائنين‬
‫لنفسهم في هذه الحياة الدنيا‪ ,‬فمن يحاجج الله تعالى‬
‫عنهم يوم البعث والحساب؟ ومن ذا الذي يكون على‬
‫هؤلء الخائنين وكيل يوم القيامة؟‬

‫َ‬
‫د‬
‫جل ْ‬ ‫فْر الل ّ ل َ‬
‫ه يَ ِ‬ ‫غ ِ‬
‫س لت َ ْ‬ ‫ه ث ُل ّ‬
‫م يَ ْ‬ ‫س ُ‬
‫ف َ‬ ‫و ي َظْل ِ ْ‬
‫م نَ ْ‬ ‫سوءا ً أ ْ‬‫ل ُ‬ ‫م ْ‬‫ع َ‬
‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫حيما )‪(110‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فورا َر ِ‬ ‫َ‬
‫هغ ُ‬ ‫ّ‬
‫الل َ‬
‫م على عمل سّيئ قبيح‪ ,‬أو يظلم نفسه‬ ‫د ْ‬ ‫ومن ي ُ ْ‬
‫ق ِ‬
‫بارتكاب ما يخالف حكم الله وشرعه‪ ,‬ثم يرجع إلى الله‬
‫ما على ما عمل‪ ,‬راجًيا مغفرته وستر ذنبه‪ ,‬يجد الله‬ ‫ناد ً‬
‫ما به‪.‬‬‫تعالى غفوًرا له‪ ,‬رحي ً‬

‫ن الل ّل ُ‬
‫ه‬ ‫وك َللا َ‬
‫ه َ‬
‫سل ِ‬ ‫عل َللى ن َ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ه َ‬ ‫مللا ي َك ْ ِ‬
‫س لب ُ ُ‬ ‫ب إ ِْثما ً َ‬
‫فإ ِن ّ َ‬ ‫ن ي َك ْ ِ‬
‫س ْ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬
‫َ‬
‫كيما ً )‪(111‬‬ ‫ح ِ‬‫عِليما ً َ‬‫َ‬

‫‪176‬‬
‫ومن يعمد إلى ارتكاب ذنب فإنما يضر بذلك نفسه‬
‫ما‬
‫ما بحقيقة أمر عباده‪ ,‬حكي ً‬
‫وحدها‪ ,‬وكان الله تعالى علي ً‬
‫فيما يقضي به بين خلقه‪.‬‬

‫ريئا ً َ‬ ‫خطيئ َ ً َ‬
‫ملل َ‬
‫ل‬ ‫حت َ َ‬ ‫ف َ‬
‫قللدْ ا ْ‬ ‫ه بَ ِ‬ ‫و إ ِْثما ً ث ُ ّ‬
‫م ي َْرم ِ ب ِ ِ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ب َ ِ‬ ‫س ْ‬‫ن ي َك ْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬‫َ‬
‫مِبينا ً )‪(112‬‬ ‫وإ ِْثما ً ُ‬
‫هَتانا ً َ‬
‫بُ ْ‬
‫دا ثم‬‫ومن يعمل خطيئة بغير عمد‪ ,‬أو يرتكب ذنًبا متعم ً‬
‫مل‬ ‫سا بريئة ل جناية لها‪ ,‬فقد تح ّ‬‫يقذف بما ارتكبه نف ً‬
‫كذًبا وذنًبا بّينا‪.‬‬

‫َ‬ ‫ت َ‬
‫ن‬‫مأ ْ‬ ‫هل ْ‬‫من ْ ُ‬‫ة ِ‬‫فل ٌ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ه ّ‬‫ه لَ َ‬ ‫مت ُل ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وَر ْ‬ ‫ك َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ه َ‬‫ل الل ّ ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ول َ‬ ‫ول َ ْ‬‫َ‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫شل ْ‬ ‫مل ْ‬‫ض لّرون َك ِ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫و َ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ن إ ِل أنف َ‬ ‫ضلو َ‬ ‫ما ي ُ ِ‬‫و َ‬ ‫ضلوك َ‬ ‫يُ ِ‬
‫م‬ ‫عل َ ُ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫عل ّ َ‬
‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫حك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫وال ْ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫عل َي ْ َ‬‫ه َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫وَأنَز َ‬ ‫َ‬
‫ظيما )‪(113‬‬ ‫ً‬ ‫ع ِ‬ ‫ك َ‬ ‫علي ْ َ‬‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ورحمك‬ ‫م ّ‬
‫ولول أن الله تعالى قد َ‬
‫بنعمة النبوة‪ ,‬فعصمك بتوفيقه بما أوحى إليك‪ ,‬لعزمت‬
‫ك عن طريق‬ ‫زّلو َ‬
‫جماعة من الذين يخونون أنفسهم أن ي ُ ِ‬
‫ن بذلك إل أنفسهم‪ ,‬وما يقدرون على‬ ‫زّلو َ‬
‫الحق‪ ,‬وما ي ُ ِ‬
‫إيذائك لعصمة الله لك‪ ,‬وأنزل الله عليك القرآن والسنة‬
‫من قبل‪,‬‬‫المبينة له‪ ,‬وهداك إلى علم ما لم تكن تعلمه ِ‬
‫ما‪.‬‬‫ل أمًرا عظي ً‬ ‫صك الله به من فض ٍ‬ ‫وكان ما خ ّ‬

‫ق َ‬ ‫َ‬
‫و‬‫ةأ ْ‬ ‫ص لد َ َ ٍ‬‫م لَر ب ِ َ‬
‫نأ َ‬ ‫مل ْ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬
‫ه ْ‬ ‫وا ُ‬
‫جل َ‬ ‫ن نَ ْ‬‫مل ْ‬ ‫ر ِ‬ ‫ف َللي ك َِثي ل ٍ‬ ‫خي ْ لَر ِ‬‫ل َ‬
‫غللاءَ‬ ‫ل ذَل ِل َ‬
‫ك اب ْت ِ َ‬ ‫عل ْ‬ ‫ف َ‬‫ن يَ ْ‬‫مل ْ‬‫و َ‬‫س َ‬ ‫ن ال َن ّللا ِ‬‫ح ب َي ْل َ‬ ‫صللل ٍ‬ ‫و إِ ْ‬‫فأ ْ‬ ‫ع لُرو ٍ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ظيما ً )‪(114‬‬ ‫ع ِ‬ ‫جرا ً َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ف نُ ْ‬
‫ؤِتي ِ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬‫ة الل ّ ِ‬
‫ضا ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫َ‬
‫ل نفع في كثير من كلم الناس سّرا ً فيما بينهم‪ ,‬إل إذا‬
‫كان حديًثا داعًيا إلى بذل المعروف من الصدقة‪ ,‬أو‬
‫الكلمة الطيبة‪ ,‬أو التوفيق بين الناس‪ ,‬ومن يفعل تلك‬
‫المور طلًبا لرضا الله تعالى راجًيا ثوابه‪ ,‬فسوف نؤتيه‬
‫عا‪.‬‬
‫ثواًبا جزيل واس ً‬

‫‪177‬‬
‫ع‬
‫وي َت ّب ِل ْ‬
‫دى َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫هل َ‬ ‫ن ل َل ُ‬
‫ما ت َب َي ّل َ‬
‫د َ‬ ‫ع ِ‬‫ن بَ ْ‬‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ق الّر ُ‬‫ق ْ‬‫شا ِ‬‫ن يُ َ‬
‫م ْ‬
‫و َ‬‫َ‬
‫ت‬‫سللاءَ ْ‬ ‫و َ‬
‫م َ‬‫هن ّل َ‬
‫ج َ‬
‫ه َ‬‫صل ِ ِ‬‫ون ُ ْ‬
‫ولى َ‬ ‫ّ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ول ِ‬ ‫ن نُ َ‬
‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ْ‬
‫ل ال ُ‬‫سِبي ِ‬‫غي َْر َ‬‫َ‬
‫صيرا ً )‪(115‬‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم من بعد ما‬
‫قا غير طريق المؤمنين‪ ,‬وما‬ ‫ظهر له الحق‪ ,‬ويسلك طري ً‬
‫جه إليه‪ ,‬فل نوفقه‬
‫هم عليه من الحق‪ ,‬نتركه وما تو ّ‬
‫للخير‪ ,‬وندخله نار جهنم يقاسي حّرها‪ ,‬وبئس هذا‬
‫المرجع والمآل‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫مل ْ‬ ‫ن ذَل ِل َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫دو َ‬
‫مللا ُ‬‫ف لُر َ‬
‫غ ِ‬
‫وي َ ْ‬‫ه َ‬‫ك ب ِل ِ‬‫شَر َ‬‫ن يُ ْ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫غ ِ‬‫ه ل يَ ْ‬‫ن الل ّ َ‬
‫إِ ّ‬
‫عيدا ً )‪(116‬‬ ‫ضلل ً ب َ ِ‬‫ل َ‬ ‫ض ّ‬‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ك ِبالل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ر ْ‬
‫ش ِ‬ ‫ن يُ ْ‬‫م ْ‬
‫و َ‬‫شاءُ َ‬ ‫يَ َ‬
‫إن الله تعالى ل يغفر أن يشرك به‪ ,‬ويغفر ما دون‬
‫الشرك من الذنوب لمن يشاء من عباده‪ .‬ومن يجعل لله‬
‫عدَ عن الحق‬ ‫تعالى الواحد الحد شري ً‬
‫كا من خلقه‪ ,‬فقد ب َ ُ‬
‫دا كبيًرا‪.‬‬
‫بع ً‬

‫ريدا ً‬ ‫طانا ً َ‬
‫م ِ‬ ‫شي ْ َ‬
‫ن إ ِل ّ َ‬
‫عو َ‬
‫ن ي َدْ ُ‬ ‫ه إ ِل ّ إ َِناثا ً َ‬
‫وإ ِ ْ‬ ‫دون ِ ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫عو َ‬
‫ن ي َدْ ُ‬
‫إِ ْ‬
‫)‪(117‬‬
‫ما يعبد المشركون من دون الله تعالى إل أوثاًنا ل تنفع‬
‫دا على الله‪ ,‬بلغ‬‫ول تضر‪ ,‬وما يعبدون إل شيطاًنا متمر ً‬
‫في الفساد والفساد حدّا ً كبيًرا‪.‬‬

‫فُروضا ً )‪(118‬‬ ‫صيبا ً َ‬


‫م ْ‬ ‫عَباِد َ‬
‫ك نَ ِ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل ل َت ّ ِ‬
‫خذ َ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫و َ‬
‫قا َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫لَ َ‬
‫عن َ ُ‬
‫طرده الله تعالى من رحمته‪ .‬وقال الشيطان‪ :‬لتخذن‬
‫ما في إغوائهم قول وعمل‪.‬‬
‫ءا معلو ً‬
‫من عبادك جز ً‬
‫ِ‬

‫ن ال َن ْ َ‬
‫عللام ِ‬ ‫ذا َ‬‫نآ َ‬‫فل َي ُب َت ّك ُل ّ‬
‫م َ‬ ‫هل ْ‬‫مَرن ّ ُ‬‫ول ُ‬‫م َ‬ ‫هل ْ‬ ‫من ّي َن ّ ُ‬
‫ول َ‬ ‫م َ‬ ‫ض لل ّن ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ول ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ً‬
‫ول ِي ّا ِ‬‫ن َ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا َ‬‫خذْ ال ّ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬‫م ْ‬
‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ق الل ِ‬‫خل َ‬‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫غي ُّر ّ‬ ‫َ‬
‫فلي ُ َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مَرن ّ ُ‬
‫ول ُ‬ ‫َ‬
‫‪178‬‬
‫مِبينا ً )‪(119‬‬
‫سَرانا ً ُ‬
‫خ ْ‬
‫سَر ُ‬
‫خ ِ‬ ‫ف َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫دو ِ‬
‫ُ‬
‫عدَّنهم بالماني‬
‫من تبعني منهم عن الحق‪ ,‬ول ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ولصر َ‬
‫ف ّ‬
‫الكاذبة‪ ,‬ولدعوّنهم إلى تقطيع آذان النعام وتشقيقها‬
‫لما أزينه لهم من الباطل‪ ,‬ولدعوّنهم إلى تغيير خلق‬
‫الله في الفطرة‪ ,‬وهيئة ما عليه الخلق‪ .‬ومن يستجب‬
‫للشيطان ويتخذه ناصًرا له من دون الله القوي العزيز‪,‬‬
‫فقد هلك هل ً‬
‫كا بي ًّنا‪.‬‬

‫غُرورا ً )‪(120‬‬
‫ن إ ِل ّ ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫م ال ّ‬
‫ه ْ‬
‫عد ُ ُ‬
‫ما ي َ ِ‬
‫و َ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫مّني ِ‬
‫وي ُ َ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫عد ُ ُ‬
‫يَ ِ‬
‫يعد الشيطان أتباعه بالوعود الكاذبة‪ ,‬ويغريهم بالماني‬
‫عدهم إل خديعة ل صحة لها‪ ,‬ول‬ ‫الباطلة الخادعة‪ ,‬وما ي َ ِ‬
‫دليل عليها‪.‬‬

‫حيصا ً )‪(121‬‬ ‫ك ْ‬ ‫ُ‬


‫م ِ‬
‫ها َ‬
‫عن ْ َ‬
‫ن َ‬
‫دو َ‬
‫ج ُ‬
‫ول ي َ ِ‬
‫م َ‬
‫هن ّ ُ‬
‫ج َ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫وا ُ‬ ‫ول َئ ِ َ َ‬
‫مأ َ‬ ‫أ ْ‬
‫أولئك مآلهم جهنم‪ ,‬ول يجدون عنها معدل ول ملجًأ‪.‬‬

‫ري‬‫جل ِ‬ ‫ت تَ ْ‬‫جن ّللا ٍ‬‫م َ‬ ‫خل ُ ُ‬


‫ه ْ‬ ‫س لن ُدْ ِ‬
‫ت َ‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬
‫و َ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مل ْ‬ ‫ق لا ً َ‬
‫و َ‬ ‫ح ّ‬
‫ه َ‬ ‫ع لدَ الل ّل ِ‬‫و ْ‬‫ها أب َللدا ً َ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫هار َ‬ ‫ها الن ْ َ‬ ‫حت ِ َ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫قيل ً )‪(122‬‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ ِ‬‫م ْ‬ ‫صدَقُ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫دقوا في إيمانهم بالله تعالى‪ ,‬وأتبعوا اليمان‬‫ص َ‬
‫والذين َ‬
‫بالعمال الصالحة سيدخلهم الله ‪-‬بفضله‪ -‬جنات تجري‬
‫دا‪ ,‬وعدا من‬‫من نحت أشجارها النهار ماكثين فيها أب ً‬
‫الله تعالى الذي ل يخلف وعده‪ .‬ول أحد أصدق من الله‬
‫تعالى في قوله ووعده‪.‬‬

‫سللوءا ً‬
‫ل ُ‬‫مل ْ‬
‫ع َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫مل ْ‬ ‫ب َ‬‫ل ال ْك ِت َللا ِ‬ ‫هل ِ‬‫ي أَ ْ‬
‫مان ِ ّ‬
‫َ‬
‫ول أ َ‬ ‫م َ‬ ‫مان ِي ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫س ب ِأ َ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫صيرا ً )‪(123‬‬ ‫ول ن َ ِ‬‫ول ِي ّا ً َ‬‫ه َ‬‫ن الل ّ ِ‬‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جد ْ ل َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ول ي َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫جَز ب ِ ِ‬
‫يُ ْ‬

‫‪179‬‬
‫ل ُينال هذا الفضل العظيم بالماني التي تتمنونها أيها‬
‫المسلمون‪ ,‬ول بأماني أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪,‬‬
‫وإنما ُينال باليمان الصادق بالله تعالى‪ ,‬وإحسان العمل‬
‫الذي يرضيه‪ .‬ومن يعمل عمل سيًئا يجز به‪ ,‬ول يجد له‬
‫سوى الله تعالى ولي ّا ً يتولى أمره وشأنه‪ ,‬ول نصيًرا‬
‫ينصره‪ ,‬ويدفع عنه سوء العذاب‪.‬‬

‫مل ْ‬ ‫ل من الصال ِحات من ذَك َلر أ َ ُ‬


‫ن‬
‫م ٌ‬
‫ؤ ِ‬ ‫و ُ‬
‫هل َ‬ ‫و أنث َللى َ‬
‫و ُ‬ ‫ٍ ْ‬ ‫ّ َ ِ ِ ْ‬ ‫م ْ ِ ْ‬ ‫ع َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫قيرا )‪(124‬‬‫ً‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ولئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬ ‫ول ي ُظل ُ‬‫ة َ‬
‫جن ّ َ‬
‫ن ال َ‬
‫خلو َ‬ ‫ك ي َدْ ُ‬ ‫فأ ْ‬
‫ومن يعمل من العمال الصالحة من ذكر أو أنثى‪ ,‬وهو‬
‫مؤمن بالله تعالى وبما أنزل من الحق‪ ,‬فأولئك يدخلهم‬
‫قصون من ثواب‬ ‫الله الجنة دار النعيم المقيم‪ ,‬ول ي ُن ْ َ‬
‫أعمالهم شيًئا‪ ,‬ولو كان مقدار النقرة في ظهر النواة‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫وات َّبلل َ‬
‫ن َ‬
‫س ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬
‫و ُ‬ ‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫ه َ‬‫ه ل ِل ّ ِ‬‫ه ُ‬
‫ج َ‬ ‫و ْ‬‫م َ‬ ‫سل َ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫ن ِدينا ً ِ‬‫س ُ‬
‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫َ‬
‫ً‬
‫خِليل )‪(125‬‬ ‫م َ‬‫هي َ‬ ‫ه إ ِب َْرا ِ‬ ‫ّ‬
‫خذَ الل ُ‬ ‫وات ّ َ‬ ‫ً‬
‫حِنيفا َ‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬‫ة إ ِب َْرا ِ‬ ‫ّ‬
‫مل َ‬ ‫ِ‬
‫ل أحد أحسن ديًنا ممن انقاد بقلبه وسائر جوارحه لله‬
‫تعالى وحده‪ ,‬وهو محسن‪ ,‬واتبع دين إبراهيم وشرعه‪,‬‬
‫مائل عن العقائد الفاسدة والشرائع الباطلة‪ .‬وقد‬
‫اصطفى الله إبراهيم ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬واتخذه‬
‫صفي ّا ً من بين سائر خلقه‪ .‬وفي هذه الية‪ ,‬إثبات صفة‬
‫خّلة لله ‪-‬تعالى‪ -‬وهي أعلى مقامات المحبة‪,‬‬‫ال ُ‬
‫والصطفاء‪.‬‬

‫َ‬
‫ل‬ ‫ن الل ّل ُ‬
‫ه ب ِك ُل ّ‬ ‫وك َللا َ‬
‫ض َ‬
‫فللي الْر ِ‬
‫مللا ِ‬
‫و َ‬
‫ت َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫في ال ّ‬
‫ما ِ‬ ‫ه َ‬‫ول ِل ّ ِ‬
‫َ‬
‫ً‬
‫حيطا )‪(126‬‬ ‫م ِ‬
‫ء ُ‬‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ولله جميع ما في هذا الكون من المخلوقات‪ ,‬فهي ملك‬
‫له تعالى وحده‪ .‬وكان الله تعالى بكل شيء محي ً‬
‫طا‪ ,‬ل‬
‫يخفى عليه شيء من أمور خلقه‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫ما ي ُت َْلللى‬ ‫و َ‬‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫في ِ‬ ‫م ِ‬ ‫فِتيك ُ ْ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ء ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫في الن ّ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫فُتون َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ه ّ‬ ‫ء اللت ِللي ل ت ُ ْ‬
‫ؤُتللون َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫سللا ِ‬ ‫مى الن ّ َ‬ ‫في ي ََتا َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ْ‬
‫في الك َِتا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫علي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مل ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫في َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ضل َ‬ ‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬ ‫وال ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫حللو ُ‬ ‫ن َتنك ِ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫غُبو َ‬ ‫وت َْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫ما ك ُت ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مل ْ‬ ‫عل ُللوا ِ‬ ‫ف َ‬‫مللا ت َ ْ‬‫و َ‬‫ط َ‬ ‫سل ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫مى ِبال ْ ِ‬ ‫موا ل ِل ْي َت َللا َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دا ِ‬ ‫ول ْ َ‬‫ال ْ ِ‬
‫عِليما ً )‪(127‬‬ ‫ه َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫ر َ‬ ‫خي ْ ٍ‬ ‫َ‬
‫يطلب الناس منك ‪-‬أيها النبي‪ -‬أن تبين لهم ما أشكل‬
‫مه من قضايا النساء وأحكامهن‪ ,‬قل الله‬ ‫ه ُ‬ ‫عليهم َ‬
‫ف ْ‬
‫تعالى يبّين لكم أمورهن‪ ,‬وما يتلى عليكم في الكتاب‬
‫في يتامى النساء اللتي ل تعطونهن ما فرض الله تعالى‬
‫لهن من المهر والميراث وغير ذلك من الحقوق‪ ,‬وتحبون‬
‫نكاحهن أو ترغبون عن نكاحهن‪ ,‬ويبّين الله لكم أمر‬
‫الضعفاء من الصغار‪ ,‬ووجوب القيام لليتامى بالعدل‬
‫وترك الجور عليهم في حقوقهم‪ .‬وما تفعلوا من خير‬
‫ما‪ ,‬ل يخفى عليه شيء منه‬ ‫فإن الله تعالى كان به علي ً‬
‫ول من غيره‪.‬‬

‫عَراضللا ً َ‬ ‫َ‬ ‫مَرأ َةٌ َ‬


‫ح‬
‫جَنللا َ‬‫فل ُ‬ ‫و إِ ْ‬ ‫شللوزا ً أ ْ‬ ‫ها ن ُ ُ‬
‫عل ِ َ‬
‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫خا َ‬ ‫نا ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضلَر ْ‬ ‫ح ِ‬‫وأ ْ‬ ‫خي ْلٌر َ‬‫ح َ‬ ‫صلل ُ‬ ‫وال ّ‬ ‫صللحا َ‬ ‫مللا ُ‬ ‫ه َ‬
‫حا ب َي ْن َ ُ‬ ‫صلل ِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬
‫ما أ ْ‬ ‫ه َ‬‫عل َي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫مللا‬
‫ن بِ َ‬ ‫ه ك َللا َ‬‫ن الل ّل َ‬ ‫قللوا َ‬
‫ف لإ ِ ّ‬ ‫وت َت ّ ُ‬‫س لُنوا َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫ح َ‬ ‫شل ّ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫الن ُ‬
‫خِبيرا ً )‪(128‬‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫تَ ْ‬
‫عا عنها‪ ,‬وتعالًيا عليها أو‬‫وإن علمت امرأة من زوجها ترف ً‬
‫فا عنها فل إثم عليهما أن يتصالحا على ما تطيب‬ ‫انصرا ً‬
‫به نفوسهما من القسمة أو النفقة‪ ,‬والصلح أولى‬
‫وأفضل‪ .‬وجبلت النفوس على الشح والبخل‪ .‬وإن‬
‫تحسنوا معاملة زوجاتكم وتخافوا الله فيهن‪ ,‬فإن الله‬
‫ما ل يخفى عليه‬ ‫كان بما تعملون من ذلك وغيره عال ً‬
‫شيء‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫َ‬
‫فل‬‫م َ‬ ‫ص لت ُ ْ‬‫حَر ْ‬‫و َ‬ ‫ول َ ل ْ‬
‫ء َ‬‫سللا ِ‬‫ن الن ّ َ‬ ‫دُلوا ب َي ْ ل َ‬
‫ع ِ‬‫ن تَ ْ‬
‫عوا أ ْ‬ ‫طي ُ‬‫ست َ ِ‬‫ن تَ ْ‬‫ول َ ْ‬‫َ‬
‫وت َت ّ ُ‬
‫قللوا‬ ‫حوا َ‬ ‫ص لل ِ ُ‬‫ن تُ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬
‫ة َ‬‫ق ِ‬‫عل ّ َ‬
‫م َ‬‫كال ْ ُ‬
‫ها َ‬ ‫فت َذَُرو َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫ميُلوا ك ُ ّ‬ ‫تَ ِ‬
‫حيما ً )‪(129‬‬ ‫فورا ً َر ِ‬ ‫غ ُ‬‫ن َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫فإ ِ ّ‬ ‫َ‬

‫‪181‬‬
‫ولن تقدروا ‪-‬أيها الرجال‪ -‬على تحقيق العدل التام بين‬
‫النساء في المحبة وميل القلب‪ ,‬مهما بذلتم في ذلك من‬
‫الجهد‪ ,‬فل تعرضوا عن المرغوب عنها كل العراض‪,‬‬
‫فتتركوها كالمرأة التي ليست بذات زوج ول هي مطلقة‬
‫سمكم بين‬ ‫فتأثموا‪ .‬وإن تصلحوا أعمالكم فتعدلوا في َ‬
‫ق ْ‬
‫زوجاتكم‪ ,‬وتراقبوا الله تعالى وتخشوه فيهن‪ ,‬فإن الله‬
‫ما بهم‪.‬‬
‫تعالى كان غفوًرا لعباده‪ ,‬رحي ً‬

‫سللعا ً‬
‫وا ِ‬ ‫ن الل ّل ُ‬
‫ه َ‬ ‫وك َللا َ‬
‫ه َ‬
‫عت ِ ِ‬
‫سل َ‬
‫ن َ‬
‫مل ْ‬ ‫ن الل ّل ُ‬
‫ه ك ُل ّ ِ‬ ‫فّر َ‬
‫ن ي َت َ َ‬
‫غ ِ‬
‫قا ي ُ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫كيما )‪(130‬‬ ‫ً‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫وإن وقعت الفرقة بين الرجل وامرأته‪ ,‬فإن الله تعالى‬
‫يغني كل منهما من فضله وسعته; فإنه سبحانه وتعالى‬
‫واسع الفضل والمنة‪ ,‬حكيم فيما يقضي به بين عباده‪.‬‬

‫ن‬ ‫صي َْنا ال ّ ِ‬ ‫ول َ َ‬ ‫َ‬ ‫ول ِل ّ ِ‬


‫ذي َ‬ ‫و ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ض َ‬
‫في َالْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫و َ‬‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬
‫في ال ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ن ت َكف لُروا‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫وإ ِ ْ‬ ‫ه َ‬‫ن ات ّقوا الل َ‬ ‫مأ ْ‬‫وإ ِّياك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن قب ْل ِك ْ‬ ‫م ْ‬
‫ب ِ‬‫أوُتوا الك َِتا َ‬
‫غن ِّيللا ً‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫و َ‬ ‫ض َ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫و َ‬
‫ت َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫س َ‬‫في ال ّ‬ ‫ما ِ‬‫ه َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ميدا ً )‪(131‬‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ولله ملك ما في السموات وما في الرض وما بينهما‪.‬‬
‫ولقد عهدنا إلى الذين ُأعطوا الكتاب من قبلكم من‬
‫اليهود والنصارى‪ ,‬وعهدنا إليكم كذلك ‪-‬يا أمة محمد‪-‬‬
‫بتقوى الله تعالى‪ ,‬والقيام بأمره واجتناب نهيه‪ ,‬وبي ّّنا‬
‫لكم أنكم إن تجحدوا وحدانية الله تعالى وشرعه فإنه‬
‫سبحانه غني عنكم; لن له جميع ما في السموات‬
‫دا في صفاته‬ ‫والرض‪ .‬وكان الله غني ّا ً عن خلقه‪ ,‬حمي ً‬
‫وأفعاله‪.‬‬

‫كيل ً‬
‫و ِ‬ ‫فى ب ِللالل ّ ِ‬
‫وك َ َ‬ ‫َ‬ ‫ول ِل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ض َ‬
‫في الْر ِ‬
‫ما ِ‬
‫و َ‬
‫ت َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫في ال ّ‬
‫ما ِ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬
‫)‪(132‬‬

‫‪182‬‬
‫ولله ملك ما في هذا الكون من الكائنات‪ ,‬وكفى به‬
‫ما بشؤون خلقه حاف ً‬
‫ظا لها‪.‬‬ ‫سبحانه قائ ً‬

‫عَلى‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫إن ي َ ْ‬


‫ن الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫و َ‬
‫كا َ‬ ‫ن َ‬
‫ري َ‬
‫خ ِ‬
‫ت ِبآ َ‬
‫وي َأ ِ‬
‫س َ‬
‫ها الّنا ُ‬
‫م أي ّ َ‬‫هب ْك ُ ْ‬
‫شأ ي ُذْ ِ‬ ‫ِ ْ َ‬
‫ديرا ً )‪(133‬‬ ‫ك َ‬
‫ق ِ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫إن يشأ الله ُيهل ّ‬
‫كم أيها الناس‪ ,‬ويأت بقوم آخرين‬
‫غيركم‪ .‬وكان الله على ذلك قديًرا‪.‬‬

‫ة‬
‫خ لَر ِ‬
‫وال ِ‬
‫ب ال لدّن َْيا َ‬
‫وا ُ‬ ‫عن ْدَ الل ّ ِ‬
‫ه ثَ َ‬ ‫ب الدّن َْيا َ‬
‫ف ِ‬ ‫وا َ‬ ‫ريدُ ث َ َ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫صيرا )‪(134‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ميعا ب َ ِ‬ ‫س ِ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫كا َ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫من يرغب منكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬في ثواب الدنيا ويعرض‬
‫عن الخرة‪ ,‬فعند الله وحده ثواب الدنيا والخرة‪,‬‬
‫فليطلب من الله وحده خيري الدنيا والخرة‪ ,‬فهو الذي‬
‫عا لقوال عباده‪ ,‬بصيًرا‬
‫يملكهما‪ .‬وكان الله سمي ً‬
‫بأعمالهم ونياتهم‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫َ‬
‫داءَ ل ِل ّ ل ِ‬
‫ه‬ ‫ه َ‬ ‫شل َ‬ ‫ط ُ‬ ‫سل ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ِبال ْ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫قل ّ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫مُنوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫َيا أي ّ َ‬
‫َ‬ ‫وال َ ْ‬ ‫فسك ُم أ َ‬ ‫عَلى َ‬
‫و‬‫غن ِّيللا ً أ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬‫قَرِبي َ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫د‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫و ال ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أن‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫قيرا َ‬ ‫َ‬
‫وإ ِ ْ‬
‫دلوا َ‬ ‫عل ِ‬‫ن تَ ْ‬ ‫وى أ ْ‬ ‫هل َ‬ ‫عللوا ال َ‬ ‫فل ت َت ّب ِ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ولى ب ِ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫فالل ُ‬ ‫ف ِ‬
‫خِبيرا ً )‪(135‬‬ ‫َ‬
‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬ ‫ضوا َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫و تُ ْ‬ ‫ووا أ ْ‬ ‫ت َل ْ ُ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬كونوا‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫قائمين بالعدل‪ ,‬مؤدين للشهادة لوجه الله تعالى‪ ,‬ولو‬
‫كانت على أنفسكم‪ ,‬أو على آبائكم وأمهاتكم‪ ,‬أو على‬
‫أقاربكم‪ ,‬مهما كان شأن المشهود عليه غنّيا أو فقيًرا;‬
‫فإن الله تعالى أولى بهما منكم‪ ,‬وأعلم بما فيه‬
‫صلحهما‪ ,‬فل يحملّنكم الهوى والتعصب على ترك العدل‪,‬‬
‫وإن تحرفوا الشهادة بألسنتكم فتأتوا بها على غير‬
‫حقيقتها‪ ,‬أو تعرضوا عنها بترك أدائها أو بكتمانها‪ ,‬فإن‬
‫ما بدقائق أعمالكم‪ ,‬وسيجازيكم بها‪.‬‬ ‫الله تعالى كان علي ً‬

‫‪183‬‬
‫َ‬
‫ذي‬ ‫ب ال ّ ل ِ‬ ‫وال ْك ِت َللا ِ‬‫ه َ‬ ‫سللول ِ ِ‬‫وَر ُ‬‫ه َ‬ ‫من ُللوا ب ِللالل ّ ِ‬ ‫مُنوا آ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫َيا أي ّ َ‬
‫فللْر‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬‫م ْ‬‫و َ‬
‫ل َ‬ ‫ن َ‬
‫قب ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬‫ذي َأنَز َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫وال ْك َِتا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫عَلى َر ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َّز َ‬
‫ر‬
‫خل ِ‬ ‫وم ِ ال ِ‬ ‫وال َْيلل ْ‬‫ر َ‬ ‫خل ِ‬ ‫وم ِ ال ِ‬ ‫وال ْي َ ْ‬‫ه َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫وُر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫وك ُت ُب ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ملئ ِك َت ِ ِ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬ ‫ِبالل ّ ِ‬
‫عيدا ً )‪(136‬‬ ‫ضلل ً ب َ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬
‫َ‬

‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه داوموا‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬


‫على ما أنتم عليه من التصديق الجازم بالله تعالى‬
‫وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ومن طاعتهما‪,‬‬
‫وبالقرآن الذي نزله عليه‪ ,‬وبجميع الكتب التي أنزلها الله‬
‫على الرسل‪ .‬ومن يكفر بالله تعالى‪ ,‬وملئكته المكرمين‪,‬‬
‫وكتبه التي أنزلها لهداية خلقه‪ ,‬ورسله الذين اصطفاهم‬
‫لتبليغ رسالته‪ ,‬واليوم الخر الذي يقوم الناس فيه بعد‬
‫دا‬
‫عدَ بع ً‬
‫موتهم للعرض والحساب‪ ,‬فقد خرج من الدين‪ ,‬وب َ ُ‬
‫كبيًرا عن طريق الحق‪.‬‬

‫دوا‬
‫دا ُ‬
‫م اْز َ‬ ‫م كَ َ‬
‫ف لُروا ث ُل ّ‬ ‫مُنوا ث ُ ّ‬ ‫مآ َ‬‫فُروا ث ُ ّ‬ ‫م كَ َ‬ ‫مُنوا ث ُ ّ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫إِ ّ‬
‫سِبيل ً )‪(137‬‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫دي َ ُ‬‫ه ِ‬‫ول ل ِي َ ْ‬‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫فَر ل َ ُ‬
‫غ ِ‬‫ه ل ِي َ ْ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫فرا ً ل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬ ‫كُ ْ‬

‫إن الذين دخلوا في اليمان‪ ,‬ثم رجعوا عنه إلى الكفر‪,‬‬


‫ثم عادوا إلى اليمان‪ ,‬ثم رجعوا إلى الكفر مرة أخرى‪,‬‬
‫ثم أصّروا على كفرهم واستمروا عليه‪ ,‬لم يكن الله‬
‫ليغفر لهم‪ ,‬ول ليدلهم على طريق من طرق الهداية‪,‬‬
‫التي ينجون بها من سوء العاقبة‪.‬‬

‫ذابا ً أ َِليما ً )‪(138‬‬


‫ع َ‬
‫م َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ْ‬
‫َ‬
‫ن ب ِأ ّ‬
‫قي َ‬
‫ف ِ‬ ‫شْر ال ْ ُ‬
‫مَنا ِ‬ ‫بَ ّ‬
‫شر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬المنافقين ‪-‬وهم الذين يظهرون‬ ‫ب ّ‬
‫عا‪.‬‬
‫اليمان ويبطنون الكفر‪ -‬بأن لهم عذاًبا موج ً‬

‫َ‬
‫ن‬
‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ملل ْ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫ملل ْ‬‫ول َِيللاءَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ري َ‬‫ف ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫كللا ِ‬ ‫ذو َ‬‫خلل ُ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫اّللل ِ‬
‫ذي َ‬
‫ميعا ً )‪(139‬‬ ‫ج ِ‬
‫ه َ‬ ‫عّزةَ ل ِل ّ ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬‫فإ ِ ّ‬‫عّزةَ َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫ه ْ‬ ‫عن ْدَ ُ‬‫ن ِ‬ ‫غو َ‬ ‫أ َي َب ْت َ ُ‬
‫الذين يوالون الكافرين‪ ,‬ويتخذونهم أعواًنا لهم‪ ,‬ويتركون‬
‫ولية المؤمنين‪ ,‬ول يرغبون في مودتهم‪ .‬أيطلبون بذلك‬
‫‪184‬‬
‫النصرة والمنعة عند الكافرين؟ إنهم ل يملكون ذلك‪,‬‬
‫فالنصرة والعزة والقوة جميعها لله تعالى وحده‪.‬‬

‫َ‬
‫فُر‬ ‫ت الل ّ ِ‬
‫ه ي ُك ْ َ‬ ‫م آَيا ِ‬ ‫عت ُ ْ‬
‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن إِ َ‬
‫بأ ْ‬ ‫في ال ْك َِتا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫ل َ‬ ‫قدْ ن َّز َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫فللي‬ ‫ضللوا ِ‬ ‫خو ُ‬ ‫حت ّللى ي َ ُ‬ ‫فل ت َ ْ‬ ‫هللا َ‬ ‫ُ‬
‫م َ‬ ‫هل ْ‬
‫ع ُ‬ ‫م َ‬
‫دوا َ‬ ‫عل ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫هَزأ ب ِ َ‬ ‫ست َ ْ‬‫وي ُ ْ‬‫ها َ‬ ‫بِ َ‬
‫ن‬‫قي َ‬ ‫ف ِ‬‫من َللا ِ‬‫ع ال ْ ُ‬‫م ُ‬ ‫جللا ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّل َ‬‫م إِ ّ‬ ‫هل ْ‬‫مث ْل ُ ُ‬‫م ِإذا ً ِ‬ ‫ه إ ِن ّك ُل ْ‬‫ر ِ‬ ‫غي ْل ِ‬‫ث َ‬ ‫دي ٍ‬ ‫حل ِ‬ ‫َ‬
‫ميعا ً )‪(140‬‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫هن ّ َ‬‫ج َ‬‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬
‫كا ِ‬‫وال ْ َ‬ ‫َ‬
‫وقد نزل عليكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬في كتاب ربكم أنه إذا‬
‫سمعتم الكفر بآيات الله والستهزاء بها فل تجلسوا مع‬
‫الكافرين والمستهزئين‪ ,‬إل إذا أخذوا في حديث غير‬
‫حديث الكفر والستهزاء بآيات الله‪ .‬إنكم إذا‬
‫جالستموهم‪ ,‬وهم على ما هم عليه‪ ,‬فأنتم مثلهم; لنكم‬
‫رضيتم بكفرهم واستهزائهم‪ ,‬والراضي بالمعصية‬
‫كالفاعل لها‪ .‬إن الله تعالى جامع المنافقين والكافرين‬
‫قون فيها سوء العذاب‪.‬‬ ‫عا‪ ,‬يل ْ َ‬
‫في نار جهنم جمي ً‬

‫َ‬
‫م‬‫قاُلوا أل َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫فت ْ ٌ‬‫م َ‬‫ن ل َك ُ ْ‬‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫ن ي َت ََرب ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫و ْ‬
‫ذ‬ ‫ح ِ‬ ‫س لت َ ْ‬
‫م نَ ْ‬ ‫قللاُلوا أل َ ل ْ‬ ‫ب َ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬
‫كا ِ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫م َ‬ ‫عك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫و َ‬‫م َيل ْ‬ ‫م ب َي ْن َ ُ‬
‫كل ْ‬ ‫كل ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ه يَ ْ‬‫فلالل ّ ُ‬‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬‫مل ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫كل ْ‬‫ع ُ‬ ‫من َ ْ‬‫ون َ ْ‬
‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫َ‬
‫سللِبيل ً )‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬‫ف ِ‬‫كا ِ‬‫ه ل ِل ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ول َ ْ‬‫ة َ‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫‪(141‬‬
‫المنافقون هم الذين ينتظرون ما يح ّ‬
‫ل بكم ‪-‬أيها‬
‫ن الله عليكم‬
‫المؤمنون‪ -‬من الفتن والحرب‪ ,‬فإن م ّ‬
‫بفضله‪ ,‬ونصركم على عدوكم وغنمتم‪ ,‬قالوا لكم‪ :‬ألم‬
‫نكن معكم نؤازركم؟ وإن كان للجاحدين لهذا الدين َ‬
‫قدٌْر‬
‫دمناه‬ ‫من النصر والغنيمة‪ ,‬قالوا لهم‪ :‬ألم نساعدكم بما ق ّ‬
‫كم من المؤمنين؟ فالله تعالى يقضي بينكم‬ ‫م ُ‬
‫ح ِ‬
‫لكم ون َ ْ‬
‫قا‬‫وبينهم يوم القيامة‪ ,‬ولن يجعل الله للكافرين طري ً‬
‫للغلبة على عباده الصالحين‪ ,‬فالعاقبة للمتقين في‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫موا‬ ‫قللا ُ‬‫ذا َ‬
‫وإ ِ َ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫ع ُ‬‫خللاِد ُ‬
‫و َ‬
‫هل َ‬
‫و ُ‬‫ه َ‬‫ن الل ّل َ‬
‫عو َ‬
‫خللاِد ُ‬
‫ن يُ َ‬‫قي َ‬‫ف ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَنا ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ول ي َذْك ُُرو َ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا َ‬‫ءو َ‬‫ساَلى ي َُرا ُ‬‫موا ك ُ َ‬ ‫قا ُ‬‫ة َ‬‫صل ِ‬ ‫إ َِلى ال ّ‬
‫قِليل ً )‪(142‬‬ ‫إ ِل ّ َ‬

‫ن طريقة هؤلء المنافقين مخادعة الله تعالى‪ ,‬بما‬ ‫إ ّ‬


‫يظهرونه من اليمان وما يبطنونه من الكفر‪ ,‬ظّنا أنه‬
‫يخفى على الله‪ ,‬والحال أن الله خادعهم ومجازيهم‬
‫بمثل عملهم‪ ,‬وإذا قام هؤلء المنافقون لداء الصلة‪,‬‬
‫قاموا إليها في فتور‪ ,‬يقصدون بصلتهم الرياء‬
‫والسمعة‪ ,‬ول يذكرون الله تعالى إل ذكًرا قليل‪.‬‬

‫ضل ِ ْ‬
‫ل‬ ‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬
‫و َ‬
‫ء َ‬
‫ؤل ِ‬ ‫ول إ َِلى َ‬
‫ه ُ‬ ‫ء َ‬
‫ؤل ِ‬ ‫ك ل إ َِلى َ‬
‫ه ُ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫مذَب ْذَِبي َ‬
‫ن ب َي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫سِبيل ً )‪(143‬‬‫ه َ‬ ‫َ‬
‫جد َ ل ُ‬
‫ن تَ ِ‬ ‫َ‬
‫فل ْ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫الل ُ‬
‫حْيرة‬
‫من شأن هؤلء المنافقين التردد وال َ‬ ‫ن ِ‬
‫إ ّ‬
‫والضطراب‪ ,‬ل يستقرون على حال‪ ,‬فل هم مع‬
‫المؤمنين ول هم مع الكافرين‪ .‬ومن يصرف الله قلبه‬
‫عن اليمان به والستمساك بهديه‪ ,‬فلن تجد له طري ً‬
‫قا‬
‫إلى الهداية واليقين‪.‬‬

‫َ‬ ‫ذوا ال ْك َللا ِ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مل ْ‬ ‫ول ِي َللاءَ ِ‬
‫أ ْ‬ ‫ن‬
‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫خل ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬‫َيا أي ّ َ‬
‫مِبين لا ً )‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طانا ً ُ‬
‫س لل ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫عل َي ْك ُل ْ‬
‫ه َ‬ ‫عُلوا ل ِل ّ ِ‬
‫ج َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫نأ ْ‬‫دو َ‬‫ري ُ‬‫ن أت ُ ِ‬ ‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫‪(144‬‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ل‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫توالوا الجاحدين لدين الله‪ ,‬وتتركوا موالة المؤمنين‬
‫دة أعدائكم أن تجعلوا لله تعالى‬
‫ومودتهم‪ .‬أتريدون بمو ّ‬
‫عليكم حجة ظاهرة على عدم صدقكم في إيمانكم؟‬

‫َ‬
‫م‬ ‫جد َ ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ول َ ْ‬
‫ن تَ ِ‬ ‫ر َ‬
‫ن الّنا ِ‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫س َ‬
‫ف ِ‬ ‫ك ال ْ‬
‫في الدّْر ِ‬
‫ن ِ‬
‫قي َ‬
‫ف ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَنا ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫صيرا ً )‪(145‬‬ ‫نَ ِ‬

‫‪186‬‬
‫إن المنافقين في أسفل منازل النار يوم القيامة‪ ,‬ولن‬
‫تجد لهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ناصًرا يدفع عنهم سوء هذا‬
‫المصير‪.‬‬

‫م‬‫هلل ْ‬‫صوا ِدين َ ُ‬‫خل َ ُ‬ ‫وأ َ ْ‬


‫ه َ‬ ‫موا ِبالل ّ ِ‬ ‫ص ُ‬‫عت َ َ‬‫وا ْ‬
‫حوا َ‬ ‫صل َ ُ‬
‫إل ّ ال ّذين َتابوا َ‬
‫وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬
‫جرا ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ت الل ّ ُ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ف يُ ْ‬‫و َ‬ ‫س ْ‬‫و َ‬‫ن َ‬‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ع ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ك َ‬‫ول َئ ِ َ‬
‫فأ ْ‬‫ه َ‬‫ل ِل ّ ِ‬
‫ظيما ً )‪(146‬‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫إل الذين رجعوا إلى الله تعالى وتابوا إليه‪ ,‬وأصلحوا ما‬
‫أفسدوا من أحوالهم باطًنا وظاهًرا‪ ,‬ووالوا عباده‬
‫المؤمنين‪ ,‬واستمسكوا بدين الله‪ ,‬وأخلصوا له سبحانه‪,‬‬
‫فأولئك مع المؤمنين في الدنيا والخرة‪ ,‬وسوف يعطي‬
‫ما‪.‬‬‫الله المؤمنين ثواًبا عظي ً‬

‫ن الل ّل ُ‬
‫ه‬ ‫وك َللا َ‬
‫م َ‬
‫من ْت ُل ْ‬
‫وآ َ‬ ‫شلك َْرت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذاب ِك ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫عل َ‬ ‫ل الل ّل ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫عل ُ‬ ‫مللا ي َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫َ‬
‫عِليما ً )‪(147‬‬ ‫كرا ً َ‬ ‫شا ِ‬ ‫َ‬
‫ما يفعل الله بعذابكم إن أصلحتم العمل وآمنتم بالله‬
‫من سواه‪ ,‬وإنما يعذب‬‫ورسوله‪ ,‬فإن الله سبحانه غني ع ّ‬
‫العباد بذنوبهم‪ .‬وكان الله شاكًرا لعباده على طاعتهم له‪,‬‬
‫ما بكل شيء‪.‬‬ ‫علي ً‬

‫الجزء السادس ‪:‬‬

‫ميعا ً‬
‫سه ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن ظ ُل ِ َ‬
‫م وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال َْقوْ ِ‬
‫ل إ ِل ّ َ‬ ‫م ْ‬
‫سوءِ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫جهَْر ِبال ّ‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬
‫ل يُ ِ‬
‫عَِليما ً )‪(148‬‬
‫ب الله أن َيجهر أحد ٌ بقول السوء‪ ,‬لكن ُيباح للمظلوم أن َيذ ُ‬
‫كر‬ ‫ح ّ‬
‫ل يُ ِ‬
‫م ْ‬
‫ظلمته‪ .‬وكان الله سميًعا لما‬ ‫ظالمه بما فيه من السوء; ليبّين َ‬
‫ما بما تخفون من ذلك‪.‬‬ ‫تجهرون به‪ ,‬علي ً‬

‫‪187‬‬
‫ن عَُف هوّا ً‬ ‫َ‬ ‫خْيرا ً أ َوْ ت ُ ْ‬
‫ن الل ّه َ‬
‫ه ك َهها َ‬ ‫سههوءٍ فَهإ ِ ّ‬
‫ن ُ‬
‫خُفوهُ أوْ ت َعُْفههوا عَه ْ‬ ‫دوا َ‬
‫ن ت ُب ْ ُ‬
‫إِ ْ‬
‫ديرا ً )‪(149‬‬ ‫قَ ِ‬
‫ما أن ُيظهر‬
‫ن المؤمن‪ :‬إ ّ‬
‫دب الله تعالى إلى العفو‪ ,‬ومّهد له بأ ّ‬‫نَ َ‬
‫ما أن ُيخفيه‪ ,‬وكذلك مع الساءة‪ :‬إما أن يظهرها في حال‬ ‫الخير‪ ,‬وإ ّ‬
‫النتصاف من المسيء‪ ,‬وإما أن يعفو ويصفح‪ ,‬والعفوُ أفض ُ‬
‫ل; فإن‬
‫من صفاته تعالى العفو عن عباده مع قدرته عليهم‪.‬‬

‫إن ال ّذين يك ُْفرون بالل ّه ورسل ِه ويريدو َ‬


‫ن الل ّهِ وَُر ُ‬
‫سل ِهِ‬ ‫ن ي َُفّرُقوا ب َي ْ َ‬‫نأ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ َ ِ ِ َُ ُ ِ َُ ِ ُ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫َ‬
‫ك‬‫ن ذ َل ِه َ‬
‫ذوا ب َي ْه َ‬‫خه ُ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬
‫نأ ْ‬‫دو َ‬‫ري ه ُ‬ ‫ض وَن َك ُْفُر ب ِب َعْ ه ٍ‬
‫ض وَي ُ ِ‬ ‫ن ب ِب َعْ ٍ‬
‫م ُ‬ ‫وَي َُقوُلو َ‬
‫ن ن ُؤْ ِ‬
‫سِبيل ً )‪(150‬‬ ‫َ‬
‫إن الذين يكفرون بالله ورسله من اليهود والنصارى‪ ,‬ويريدون أن‬
‫يفرقوا بين الله ورسله بأن يؤمنوا بالله ويكذبوا رسله الذين‬
‫أرسلهم إلى خلقه‪ ,‬أو يعترفوا بصدق بعض الرسل دون بعض‪,‬‬
‫ن بعضهم افتروا على رّبهم‪ ,‬ويريدون أن يتخذوا طريًقا‬ ‫ويزعموا أ ّ‬
‫إلى الضللة التي أحدثوها والبدعة التي ابتدعوها‪.‬‬

‫مِهينا ً )‪(151‬‬
‫ذابا ً ُ‬
‫ن عَ َ‬
‫ري َ‬ ‫حّقا ً وَأ َعْت َد َْنا ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬
‫أولئك هم أهل الكفر المحّقق الذي ل شك فيه‪ ,‬وأعتدنا للكافرين‬
‫عذاًبا يخزيهم ويهينهم‪.‬‬

‫ف‬
‫س هو ْ َ‬ ‫م أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫من ْهُه ْ‬
‫حهدٍ ِ‬
‫وال ّذين آمنوا بالل ّه ورسل ِه ول َم يَفرُقوا بي َ‬
‫نأ َ‬‫َْ َ‬ ‫َ ِ َ َ ُ ِ ِ َُ ُ ِ َ ْ ُ ّ‬
‫حيما ً )‪(152‬‬
‫ه غَُفورا ً َر ِ‬ ‫يؤِْتيه ُ‬
‫ن الل ّ ُ‬ ‫م وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫جوَرهُ ْ‬
‫مأ ُ‬‫ُ ِ ْ‬
‫وة رسله أجمعين‪ ,‬ولم‬ ‫دقوا بوحدانية الله‪ ,‬وأقّروا بنب ّ‬
‫ص ّ‬
‫والذين َ‬
‫يفرقوا بين أحد منهم‪ ,‬وعملوا بشريعة الله‪ ,‬أولئك سوف يعطيهم‬
‫ما‪.‬‬
‫جزاءهم وثوابهم على إيمانهم به وبرسله‪ .‬وكان الله غفوًرا رحي ً‬

‫س هأ َُلوا‬
‫ماِء فََق هد ْ َ‬ ‫سه َ‬‫ن ال ّ‬‫ْ‬ ‫مه‬‫م ك َِتاب ها ً ِ‬
‫ل عَل َي ْهِ ْ‬
‫ن ت ُن َّز َ‬ ‫َ‬
‫بأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ك أ َهْ ُ‬
‫ل ال ْك َِتا‬ ‫سأ َل ُ َ‬‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫عَق ُ‬ ‫صهها ِ‬
‫م ال ّ‬ ‫جهْ هَرةً فَأ َ‬
‫خ هذ َت ْهُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ك فََقههاُلوا أرِن َهها الل ّه َ‬ ‫ن ذ َل ِه َ‬ ‫مه ْ‬ ‫سى أك ْب ََر ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫‪188‬‬
‫ن‬ ‫م ال ْب َي ّن َهها ُ‬
‫ت فَعََفوْن َهها عَه ْ‬ ‫جههاَءت ْهُ ْ‬
‫مهها َ‬
‫ن ب َعْدِ َ‬
‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫ج َ‬‫ذوا ال ْعِ ْ‬
‫خ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫م ات ّ َ‬ ‫مه ِ ْ‬ ‫ب ِظ ُل ْ ِ‬
‫مِبينا ً )‪(153‬‬ ‫طانا ً ُ‬
‫سل ْ َ‬ ‫سى ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ك َوآت َي َْنا ُ‬ ‫ذ َل ِ َ‬

‫يسألك اليهود ‪-‬أيها الرسول‪ -‬معجزة مثل معجزة موسى تشهد لك‬
‫ة‪ ,‬مثل مجيء‬ ‫حًفا من الله مكتوب ً‬
‫ص ُ‬
‫بالصدق‪ :‬بأن تنزل عليهم ُ‬
‫موسى باللواح من عند الله‪ ,‬فل تعجب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فقد سأل‬
‫أسلفهم موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬ما هو أعظم‪ :‬سألوه أن يريهم الله‬
‫صِعقوا بسبب ظلمهم أنفسهم حين سألوا أمًرا ليس من‬ ‫ة‪ ,‬فَ ُ‬
‫علني ً‬
‫حّقهم‪ .‬وبعد أن أحياهم الله بعد الصعق‪ ,‬وشاهدوا اليات البينات‬
‫على يد موسى القاطعة بنفي الشرك‪ ,‬عبدوا العجل من دون الله‪,‬‬
‫فَعفونا عن عبادتهم العجل بسبب توبتهم‪ ,‬وآتينا موسى حجة‬
‫صدق ن ُب ُوِّته‪.‬‬
‫عظيمة تؤّيد ِ‬

‫جدا ً وَقُل َْنهها‬


‫س ّ‬
‫ب ُ‬‫خُلوا ال َْبا َ‬ ‫م وَقُل َْنا ل َهُ ْ‬
‫م اد ْ ُ‬ ‫ميَثاقِهِ ْ‬ ‫طوَر ب ِ ِ‬‫م ال ّ‬
‫وََرفَعَْنا فَوْقَهُ ْ‬
‫ميَثاقا ً غَِليظا ً )‪(154‬‬ ‫م ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت وَأ َ َ‬
‫خذ َْنا ِ‬ ‫سب ْ ِ‬‫دوا ِفي ال ّ‬ ‫م ل ت َعْ ُ‬‫ل َهُ ْ‬
‫ورفعنا فوق رؤوسهم جبل الطور حين امتنعوا عن اللتزام بالعهد‬
‫المؤكد الذي أعطوه بالعمل بأحكام التوراة‪ ,‬وأمرناهم أن يدخلوا‬
‫دا‪ ,‬فدخلوا يزحفون على أستاههم‪,‬‬ ‫ج ً‬
‫س ّ‬
‫باب "بيت المقدس" ُ‬
‫دوا‪ ,‬وصادوا‪ ,‬وأخذنا‬‫دوا بالصيد في يوم السبت فاعت َ‬
‫وأمرناهم أل ي َعْت َ ُ‬
‫دا‪ ,‬فنقضوه‪.‬‬
‫دا مؤك ً‬ ‫عليهم عه ً‬

‫ق‬
‫حه ّ‬ ‫م ال َن ْب ِي َههاَء ب ِغَي ْهرِ َ‬
‫ت الل ّهِ وَقَت ْل ِهِ ْ‬
‫م ِبآَيا ِ‬ ‫م وَك ُْفرِهِ ْ‬‫ميَثاقَهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ضه ِ ْ‬
‫ما ن َْق ِ‬‫فَب ِ َ‬
‫ن إ ِل ّ قَِليل ً‬ ‫م َفل ي ُؤْ ِ‬
‫من ُههو َ‬ ‫ه عَل َي َْها ب ِك ُْفرِهِ ْ‬
‫ل ط َب َعَ الل ّ ُ‬ ‫م قُُلوب َُنا غُل ْ ٌ‬
‫ف بَ ْ‬ ‫وَقَوْل ِهِ ْ‬
‫)‪(155‬‬
‫فلعّناهم بسبب نقضهم للعهود‪ ,‬وكفرهم بآيات الله الدالة على‬
‫ما واعتداًء‪ ,‬وقولهم‪ :‬قلوبنا عليها‬
‫صدق رسله‪ ,‬وقتلهم للنبياء ظل ً‬
‫أغطية فل تفقه ما تقول‪ ,‬بل طمس الله عليها بسبب كفرهم‪ ,‬فل‬
‫يؤمنون إل إيماًنا قليل ل ينفعهم‪.‬‬

‫ظيما ً )‪(156‬‬
‫م ب ُهَْتانا ً عَ ِ‬ ‫م عََلى َ‬
‫مْري َ َ‬ ‫وَب ِك ُْفرِهِ ْ‬
‫م وَقَوْل ِهِ ْ‬

‫‪189‬‬
‫وكذلك لعّناهم بسبب كفرهم وافترائهم على مريم بما نسبوه إليها‬
‫من الزنى‪ ,‬وهي بريئة منه‪.‬‬

‫مهها قَت َل ُههوهُ‬


‫ل الل ّههِ وَ َ‬
‫سههو َ‬
‫م َر ُ‬‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬‫سي َ‬ ‫م ِ‬ ‫م إ ِّنا قَت َل َْنا ال ْ َ‬
‫وَقَوْل ِهِ ْ‬
‫مهها‬
‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬‫ش ّ‬‫خت َل َُفوا ِفيهِ ل َِفي َ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬
‫م وَإ ِ ّ‬ ‫شب ّ َ‬‫ن ُ‬ ‫صل َُبوهُ وَل َك ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫ما قَت َُلوهُ ي َِقينا ً )‪(157‬‬ ‫ن وَ َ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِل ّ ات َّباعَ الظ ّ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ب ِهِ ِ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫وبسبب قولهم ‪-‬على سبيل التهكم والستهزاء‪ : -‬هذا الذي يدعي‬
‫لنفسه هذا المنصب )قتلناه(‪ ,‬وما قتلوا عيسى وما صلبوه‪ ,‬بل‬
‫ه من‬‫صلبوا رجل شبيًها به ظّنا منهم أنه عيسى‪ .‬ومن اّدعى قَت ْل َ ُ‬
‫اليهود‪ ,‬ومن أسلمه إليهم من النصارى‪ ,‬كلهم واقعون في شك‬
‫م لديهم إل اتباع الظن‪ ,‬وما قتلوه متيقنين بل شاكين‬ ‫عل ْ َ‬
‫حي َْرة‪ ,‬ل ِ‬
‫و َ‬
‫متوهمين‪.‬‬

‫كيما ً )‪(158‬‬ ‫زيزا ً َ‬


‫ح ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫ه إ ِل َي ْهِ وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬
‫ل َرفَعَ ُ‬
‫بَ ْ‬
‫بل رفع الله عيسى إليه ببدنه وروحه حّيا‪ ,‬وطّهره من الذين كفروا‪.‬‬
‫ما في تدبيره وقضائه‪.‬‬‫وكان الله عزيًزا في ملكه‪ ,‬حكي ً‬

‫وإن م َ‬
‫ن‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫م هةِ ي َك ُههو ُ‬ ‫م هوْت ِهِ وَي َهوْ َ‬ ‫ن ب ِهِ قَب ْ َ‬
‫ل َ‬ ‫ب إ ِل ّ ل َي ُؤْ ِ‬
‫من َ ّ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ن أهْ ِ‬
‫َِ ْ ِ ْ‬
‫شِهيدا )‪(159‬‬ ‫ً‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م َ‬
‫وإنه ل يبقى أحد ٌ من أهل الكتاب بعد نزول عيسى آخر الزمان إل‬
‫آمن به قبل موته عليه السلم‪ ,‬ويوم القيامة يكون عيسى ‪-‬عليه‬
‫دقه‪.‬‬
‫من ص ّ‬ ‫من ك ّ‬
‫ذبه‪ ,‬وتصديق َ‬ ‫دا بتكذيب َ‬
‫السلم‪ -‬شهي ً‬

‫م‬
‫صهد ّهِ ْ‬ ‫ت ل َهُه ْ‬
‫م وَب ِ َ‬ ‫ت أُ ِ‬
‫حل ّه ْ‬ ‫م ط َي ّب َهها ٍ‬
‫مَنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫حّر ْ‬
‫دوا َ‬
‫ها ُ‬
‫ن َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫م ْ‬‫فَب ِظ ُل ْم ٍ ِ‬
‫ل الل ّهِ ك َِثيرا ً )‪(160‬‬
‫سِبي ِ‬‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫حّرم الله‬
‫فبسبب ظلم اليهود بما ارتكبوه من الذنوب العظيمة َ‬
‫دهم أنفسهم‬ ‫عليهم طيبات من المأكل كانت حلل لهم‪ ,‬وبسبب ص ّ‬
‫وغيرهم عن دين الله القويم‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫ل وَأ َعْت َهد َْنا‬
‫س ِبال َْباط ِه ِ‬ ‫وا َ‬
‫ل الن ّهها ِ‬ ‫م َ‬
‫خذهم الربا وقَد نهوا عَنه وأ َك ْل ِه َ‬
‫مأ ْ‬‫ِ ْ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫وَأ ْ ِ ِ ْ ّ َ َ ْ ُ ُ‬
‫َ‬
‫ذابا ً أ َِليما ً )‪(161‬‬
‫م عَ َ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ن ِ‬
‫ري َ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬
‫وبسبب تناولهم الربا الذي نهوا عنه‪ ,‬واستحللهم أموال الناس بغير‬
‫من هؤلء اليهود عذاًبا‬
‫استحقاق‪ ,‬وأعتدنا للكافرين بالله ورسوله ِ‬
‫موجًعا في الخرة‪.‬‬

‫ك‬‫ل إ ِل َي ْه َ‬‫ما ُأنهزِ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬


‫مُنو َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ِفي ال ْعِل ْم ِ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫خو َ‬ ‫س ُ‬‫ن الّرا ِ‬ ‫ل َك ِ ْ‬
‫ن‬
‫من ُههو َ‬ ‫ن الّزك َههاةَ َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مؤُْتو َ‬‫صلةَ َوال ْ ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مي َ‬ ‫مِقي ِ‬ ‫ك َوال ْ ُ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬‫م ْ‬‫ل ِ‬‫ما ُأنزِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ظيما ً )‪(162‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جرا ً عَ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سن ُؤِْتيهِ ْ‬‫ك َ‬ ‫خرِ أوْل َئ ِ َ‬ ‫ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫ن المتمكنون في العلم بأحكام الله من اليهود‪ ,‬والمؤمنون بالله‬ ‫لك ِ‬
‫ورسوله‪ ,‬يؤمنون بالذي أنزله الله إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وهو القرآن‪,‬‬
‫وبالذي أنزل إلى الرسل من قبلك كالتوراة والنجيل‪ ,‬ويؤّدون‬
‫الصلة في أوقاتها‪ ,‬ويخرجون زكاة أموالهم‪ ,‬ويؤمنون بالله وبالبعث‬
‫ما‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬
‫والجزاء‪ ,‬أولئك سيعطيهم الله ثواًبا عظي ً‬

‫حي ْن َهها إ ِل َههى‬ ‫َ‬ ‫حي َْنا إ َِلى ُنو‬ ‫ك كَ َ‬ ‫َ‬


‫ن ب َعْهدِهِ وَأوْ َ‬
‫مه ْ‬
‫ن ِ‬‫ح َوالن ّب ِّيي َ‬
‫ٍ‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ َ‬‫إ ِّنا أوْ َ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫عي َ‬
‫سههى وَأي ّههو َ‬ ‫عي َ‬
‫ط وَ ِ‬
‫سهَبا ِ‬‫ب َوال ْ‬ ‫حقَ وَي َعُْقههو َ‬ ‫سه َ‬‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫ما ِ‬‫سه َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هيه َ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫داُوود َ َزُبورا ً )‪(163‬‬ ‫ن َوآت َي َْنا َ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬‫ن وَ ُ‬‫هاُرو َ‬ ‫س وَ َ‬ ‫وَُيون ُ َ‬
‫إنا أوحينا اليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بتبليغ الرسالة كما أوحينا إلى نوح‬
‫والنبيين من بعده‪ ,‬وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب‬
‫والسباط ‪-‬وهم النبياء الذين كانوا في قبائل بني إسرائيل الثنتي‬
‫عشرة من ولد يعقوب‪ -‬وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان‪.‬‬
‫وآتينا داود زبوًرا‪ ,‬وهو كتاب وصحف مكتوبة‪.‬‬

‫م عَل َي ْه َ‬
‫ك‬ ‫ص هه ُ ْ‬
‫ص ْ‬ ‫سهل ً ل َه ْ‬
‫م ن َْق ُ‬ ‫ن قَب ْه ُ‬
‫ل وَُر ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫م عَل َي ْه َ‬
‫ك ِ‬ ‫صَناهُ ْ‬
‫ص ْ‬‫سل ً قَد ْ قَ َ‬ ‫وَُر ُ‬
‫سى ت َك ِْليما ً )‪(164‬‬ ‫مو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫وَك َل ّ َ‬
‫وأرسلنا رسل قد قصصناهم عليك في القرآن من قبل هذه الية‪,‬‬
‫ما؛‬
‫ورسل لم نقصصهم عليك لحكمة أردناها‪ .‬وكلم الله موسى تكلي ً‬
‫تشريًفا له بهذه الصفة‪ .‬وفي هذه الية الكريمة‪ ,‬إثبات صفة الكلم‬
‫‪191‬‬
‫لله ‪-‬تعالى‪ -‬كما يليق بجلله‪ ,‬وأنه سبحانه كلم نبيه موسى ‪-‬عليه‬
‫السلم‪ -‬حقيقة بل وساطة‪.‬‬

‫ة ب َعْهد َ‬
‫جه ٌ‬ ‫س عَل َههى الل ّههِ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫ن ِللن ّهها ِ‬‫ن ل َل ّ ي َك ُههو َ‬‫من هذِِري َ‬
‫ن وَ ُ‬‫ري َ‬ ‫شه ِ‬ ‫س هل ً ُ‬
‫مب َ ّ‬ ‫ُر ُ‬
‫كيما ً )‪(165‬‬ ‫ح ِ‬‫زيزا ً َ‬
‫ه عَ ِ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫ل وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫س ِ‬
‫الّر ُ‬
‫شرين بثوابي‪ ,‬ومنذرين بعقابي; لئل‬ ‫خْلقي ُ‬
‫مب ّ‬ ‫ت رسل إلى َ‬ ‫سل ْ ُ‬
‫أر َ‬
‫يكون للبشر حجة يعتذرون بها بعد إرسال الرسل‪ .‬وكان الله عزيًزا‬
‫ما في تدبيره‪.‬‬
‫في ملكه‪ ,‬حكي ً‬

‫ل إل َيه َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫ة يَ ْ‬
‫ش هه َ ُ‬ ‫مههِ َوال ْ َ‬
‫ملئ ِك َه ُ‬ ‫ه ب ِعِل ْ ِ‬
‫ك أنَزل َه ُ‬ ‫مهها أنهَز َ ِ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬
‫شههَد ُ ب ِ َ‬ ‫ل َك ِ ْ‬
‫شِهيدا ً )‪(166‬‬ ‫وَك ََفى ِبالل ّهِ َ‬
‫إن يكفر بك اليهود وغيرهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فالله يشهد لك بأنك‬
‫رسوله الذي أ َن َْز َ‬
‫ل عليه القرآن العظيم‪ ,‬أنزله بعلمه‪ ,‬وكذلك‬
‫الملئكة يشهدون بصدق ما أوحي إليك‪ ,‬وشهادة الله وحدها كافية‪.‬‬

‫ضلل ً ب َِعيدا ً )‪(167‬‬


‫ضّلوا َ‬
‫ل الل ّهِ قَد ْ َ‬
‫سِبي ِ‬
‫ن َ‬
‫دوا عَ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا وَ َ‬
‫ص ّ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫وتك‪ ,‬وصدوا الناس عن السلم‪ ,‬قد ب َُعدوا عن‬‫إن الذين جحدوا ن ُب ُ ّ‬
‫دا‪.‬‬
‫دا شدي ً‬ ‫طريق الحق ب ُعْ ً‬

‫ريق ها ً‬
‫م طَ ِ‬ ‫ه ل ِي َغِْفَر ل َهُ ْ‬
‫م َول ل ِي َهْدِي َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫موا ل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا وَظ َل َ ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫)‪(168‬‬
‫إن الذين كفروا بالله وبرسوله‪ ,‬وظلموا باستمرارهم على الكفر‪,‬‬
‫لم يكن الله ليغفر ذنوبهم‪ ,‬ول ليدلهم على طريق ينجيهم‪.‬‬

‫سيرا ً )‪(169‬‬
‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬
‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ن ِفيَها أ ََبدا ً وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫م َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫إ ِل ّ ط َ ِ‬
‫ريقَ َ‬
‫دا‪ ,‬وكان ذلك على الله يسيًرا‪ ,‬فل‬
‫إل طريق جهنم ماكثين فيها أب ً‬
‫يعجزه شيء‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫خْيرا ً ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫كهه ْ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫م َفآ ِ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬
‫حقّ ِ‬‫ل ِبال ْ َ‬‫سو ُ‬
‫م الّر ُ‬‫جاَءك ُ ْ‬
‫س قَد ْ َ‬ ‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ه عَِليمها ً‬ ‫َ‬
‫ن الل ّه ُ‬
‫ض وَك َهها َ‬‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫سه َ‬ ‫ن ل ِل ّههِ َ‬
‫مهها فِههي ال ّ‬ ‫ن ت َك ُْفُروا فَإ ِ ّ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫كيما ً )‪(170‬‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫يا أيها الناس قد جاءكم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫دقوه واتبعوه‪ ,‬فإن اليمان به‬ ‫ص ّ‬‫بالسلم دين الحق من ربكم‪ ,‬فَ َ‬
‫خيرلكم‪ ,‬وإن ُتصّروا على كفركم فإن الله غني عنكم وعن إيمانكم;‬
‫ما بأقوالكم‬‫لنه مالك ما في السموات والرض‪ .‬وكان الله علي ً‬
‫ما في تشريعه وأمره‪ .‬فإذا كانت السموات والرض‬ ‫وأفعالكم‪ ,‬حكي ً‬
‫قد خضعتا لله تعالى كوًنا وقدًرا خضوع سائر ملكه‪ ,‬فأولى بكم أن‬
‫تؤمنوا بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وبالقرآن الذي‬
‫عا حتى يكون الكون كّله خاضًعا‬ ‫أنزله عليه‪ ,‬وأن تنقادوا لذلك شر ً‬
‫عا‪ .‬وفي الية دليل على عموم رسالة نبي الله‬ ‫لله قدًرا وشر ً‬
‫ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫مهها‬ ‫حقّ إ ِن ّ َ‬ ‫م َول ت َُقوُلوا عََلى الل ّهِ إ ِل ّ ال ْ َ‬ ‫ب ل ت َغُْلوا ِفي ِدين ِك ُ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫َيا أ َهْ َ‬
‫ح‬ ‫م وَُرو ٌ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ها إ َِلى َ‬ ‫ه أ َل َْقا َ‬ ‫ل الل ّهِ وَك َل ِ َ‬
‫مت ُ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م َر ُ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫سي ُ‬‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه إ ِل َ ٌ‬
‫ه‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫خْيرا ً ل َك ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ َ‬ ‫ة انت َُهوا َ‬ ‫سل ِهِ َول ت َُقوُلوا َثلث َ ٌ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وَُر ُ‬ ‫ه َفآ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬‫مهها فِههي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬ ‫سه َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ه وَل َد ٌ ل َ ُ‬
‫ن لَ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬‫حد ٌ ُ‬ ‫َوا ِ‬
‫كيل ً )‪(171‬‬ ‫وَك ََفى ِبالل ّهِ وَ ِ‬
‫يا أهل النجيل ل تتجاوزوا العتقاد الحق في دينكم‪ ,‬ول تقولوا على‬
‫دا‪ .‬إنما المسيح عيسى‬ ‫ة ول ول ً‬ ‫الله إل الحق‪ ,‬فل تجعلوا له صاحب ً‬
‫خل ََقه بالكلمة التي أرسل‬
‫ابن مريم رسول الله أرسله الله بالحق‪ ,‬و َ‬
‫بها جبريل إلى مريم‪ ,‬وهي قوله‪" :‬كن"‪ ,‬فكان‪ ,‬وهي نفخة من الله‬
‫دقوا بأن الله واحد وأسلموا له‪,‬‬ ‫تعالى نفخها جبريل بأمر ربه‪َ ,‬فص ّ‬
‫دقوا رسله فيما جاؤوكم به من عند الله واعملوا به‪ ,‬ول تجعلوا‬ ‫وص ّ‬
‫عيسى وأمه مع الله شريكين‪ .‬انتهوا عن هذه المقالة خيًرا لكم مما‬
‫أنتم عليه‪ ,‬إنما الله إله واحد سبحانه‪ .‬ما في السموات والرض‬
‫كه‪ ,‬فكيف يكون له منهم صاحبة أو ولد؟ وكفى بالله وكيل على‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫تدبير خلقه وتصريف معاشهم‪ ,‬فتوكلوا عليه وحده فهو كافيكم‪.‬‬

‫ف ال ْمسي َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ن وَ َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫مَقّرُبو َ‬ ‫ن عَْبدا ً ل ِل ّهِ َول ال ْ َ‬
‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫حأ ْ‬‫َ ِ ُ‬ ‫سَتنك ِ َ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن يَ ْ‬
‫‪193‬‬
‫ميعا ً )‪(172‬‬ ‫م إ ِل َي ْهِ َ‬
‫ج ِ‬ ‫ح ُ‬
‫شُرهُ ْ‬ ‫ست َك ْب ِْر فَ َ‬
‫سي َ ْ‬ ‫عَباد َت ِهِ وَي َ ْ‬
‫ن ِ‬
‫ف عَ ْ‬ ‫سَتنك ِ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫ف‬ ‫ْ‬
‫دا لله‪ ,‬وكذلك لن يأن َ َ‬ ‫لن ي َأنف ولن يمتنع المسيح أن يكون عب ً‬
‫مَقّربون من القرار بالعبودية لله تعالى‪ .‬ومن يأنف عن‬ ‫الملئكة ال ُ‬
‫النقياد والخضوع ويستكبر فسيحشرهم كلهم إليه يوم القيامة‪,‬‬
‫ل بينهم بحكمه العادل‪ ,‬ويجازي كل بما يستحق‪.‬‬ ‫ويفص ُ‬

‫ن‬ ‫فَأ َما ال ّذين آمنوا وعَمُلوا الصال ِحات فَيوّفيه ُ‬


‫مه ْ‬‫م ِ‬‫زيهد ُهُ ْ‬‫ِ‬ ‫م وَي َ‬
‫جوَرهُ ْ‬ ‫مأ ُ‬ ‫ّ َ ِ ُ َ ِ ْ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذابا أِليم ها َول‬ ‫م ع َه َ‬ ‫س هت َك ْب َُروا فَي ُعَهذ ّب ُهُ ْ‬
‫س هَتنك َُفوا َوا ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬
‫مهها ال ه ِ‬
‫ض هل ِهِ وَأ ّ‬‫فَ ْ‬
‫صيرا ً )‪(173‬‬ ‫ن الل ّهِ وَل ِي ّا ً َول ن َ ِ‬
‫دو ِ‬‫ن ُ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ن ل َهُ ْ‬
‫دو َ‬ ‫ج ُ‬‫يَ ِ‬
‫دقوا بالله اعتقاًدا وقول وعمل واستقاموا على‬
‫ص ّ‬
‫ما الذين َ‬‫فأ ّ‬
‫دهم من فضله‪ ,‬وأما الذين‬ ‫شريعته فيوفيهم ثواب أعمالهم‪ ,‬ويزي ُ‬
‫امتنعوا عن طاعة الله‪ ,‬واستكبروا عن التذلل له فيعذبهم عذاًبا‬
‫موجًعا‪ ,‬ول يجدون لهم ولّيا ينجيهم من عذابه‪ ,‬ول ناصًرا ينصرهم‬
‫من دون الله‪.‬‬

‫مِبينهها ً )‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫م ُنههورا ً ُ‬
‫م وَأنَزل َْنا إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫ها ٌ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬
‫م ب ُْر َ‬ ‫س قَد ْ َ‬
‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫‪(174‬‬
‫يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم‪ ,‬وهو رسولنا محمد‪ ,‬وما‬
‫جاء به من البينات والحجج القاطعة‪ ,‬وأعظمها القرآن الكريم‪ ,‬مما‬
‫دى‬‫يشهد بصدق نبوته ورسالته الخاتمة‪ ,‬وأنزلنا إليكم القرآن ه ً‬
‫ونوًرا مبيًنا‪.‬‬

‫َ‬
‫ه‬
‫من ْه ُ‬
‫م هة ٍ ِ‬
‫ح َ‬ ‫خل ُهُ ْ‬
‫م فِههي َر ْ‬ ‫موا ب ِههِ فَ َ‬
‫سهي ُد ْ ِ‬ ‫مُنوا ب ِههالل ّهِ َواعْت َ َ‬
‫صه ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫فَأ ّ‬
‫ست َِقيما ً )‪(175‬‬ ‫م ْ‬‫صَراطا ً ُ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ِ‬
‫ديهِ ْ‬
‫ل وَي َهْ ِ‬ ‫وَفَ ْ‬
‫ض ٍ‬
‫دا وقول وعمل واستمسكوا بالنور‬
‫دقوا بالله اعتقا ً‬
‫ما الذين ص ّ‬
‫فأ ّ‬
‫ُ‬
‫الذي أنزل إليهم‪ ,‬فسيدخلهم الجنة رحمة منه وفضل ويوفقهم إلى‬
‫سلوك الطريق المستقيم المفضي إلى روضات الجنات‪.‬‬

‫ه وَل َهد ٌ‬
‫س ل َه ُ‬
‫ك ل َي ْه َ‬
‫مهُرؤٌ هَل َه َ‬ ‫كلل َةِ إ ِ ْ‬
‫نا ْ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ي ُْفِتيك ُ ْ‬ ‫ست َْفُتون َ َ‬
‫ك قُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪194‬‬
‫ن َ‬
‫كان َت َهها‬ ‫ن ل ََها وَل َد ٌ فَإ ِ ْ‬‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ك وَهُوَ ي َرِث َُها إ ِ ْ‬ ‫ما ت ََر َ‬‫ف َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ت فَل ََها ن ِ ْ‬ ‫خ ٌ‬‫ه أُ ْ‬ ‫وَل َ ُ‬
‫سههاًء فَِللهذ ّك َ ِ‬
‫ر‬ ‫جههال ً وَن ِ َ‬ ‫خهوَةً رِ َ‬ ‫كاُنوا إ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ك وَإ ِ ْ‬ ‫ما ت ََر َ‬ ‫م ّ‬‫ن ِ‬ ‫ما الث ّل َُثا ِ‬ ‫ن فَل َهُ َ‬‫ِ‬ ‫اث ْن َت َي ْ‬
‫َ‬ ‫ل َ ّ ُ‬
‫م)‬ ‫يءٍ عَِلي ه ٌ‬ ‫شه ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُه ّ‬ ‫ضّلوا َوالل ّ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ن الل ّ ُ‬‫ن ي ُب َي ّ ُ‬‫حظ النث َي َي ْ ِ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫‪(176‬‬

‫يسألونك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن حكههم ميههراث الكللههة‪ ,‬وهههو مههن مههات‬
‫وليس له ولد ٌ ول والد‪ ,‬قههل‪ :‬اللههه ي ُههبّين لكههم الحكههم فيههها‪ :‬إن مههات‬
‫امرؤ ليس له ولد ول والد‪ ,‬وله أخت لبيه وأمه‪ ,‬أو لبيه فقط‪ ,‬فلههها‬
‫نصف تركته‪ ,‬ويرث أخوها شقيًقا كان أو لب جميع مالههها إذا مههاتت‬
‫ة أختههان فلهمهها‬
‫وليس لها ولههد ول والههد‪ .‬فههإن كههان لمههن مههات كلله ً‬
‫الثلثان مما ترك‪ .‬وإذا اجتمع الذكور من الخوة لغيههر أم مههع النههاث‬
‫فللههذكر مثههل نصههيب النههثيين مههن أخههواته‪ .‬ي ُههبّين اللههه لكههم قسههمة‬
‫المواريث وحكم الكللة‪ ,‬لئل تضلوا عن الح هقّ فههي أمههر المههواريث‪.‬‬
‫والله عالم بعواقب المور‪ ,‬وما فيها من الخير لعباده‪.‬‬

‫‪ – 5‬سورة المائدة‬

‫ما ي ُت َْلى‬ ‫ب َهيم ُ َ‬


‫ة الن َْعام ِ إ ِل ّ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫م‬‫ت ل َك ُ ْ‬‫حل ّ ْ‬‫مُنوا أ َوُْفوا ِبال ْعُُقودِ أ ُ ِ‬
‫نآ َ‬
‫َ‬
‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ريد ُ )‪(1‬‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫حك ُ ُ‬
‫م َ‬ ‫يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م إِ ّ‬‫حُر ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫حّلي ال ّ‬
‫صي ْدِ وَأن ْت ُ ْ‬ ‫م غَي َْر ُ‬
‫م ِ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫مههوا عهههود اللههه‬ ‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬أت ِ ّ‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫دوا العهههود‬ ‫َ‬
‫الموثقههة‪ ,‬مههن اليمههان بشههرائع الههدين‪ ,‬والنقيههاد لههها‪ ,‬وأ ّ‬
‫لبعضكم على بعض من المانات‪ ,‬والبيوع وغيرههها‪ ,‬ممهها لههم يخههالف‬
‫حه ّ‬
‫ل‬ ‫كتاب الله‪ ,‬وسنة رسوله محمد صلى اللههه عليههه وسههلم‪ .‬وقههد أ َ‬
‫ل والبقههر والغنههم‪ ,‬إل مهها بّينههه‬ ‫الله لكم البهيمة من النعام‪ ,‬وهي الب ُ‬
‫لكم من تحريم الميتة والدم وغير ذلههك‪ ,‬ومههن تحريههم الصههيد وأنتههم‬
‫محرمون‪ .‬إن الله يحكم ما يشاء وَْفق حكمته وعدله‪.‬‬

‫َ‬
‫م َول ال َْهههد ْ َ‬
‫ي‬ ‫حَرا َ‬ ‫شهَْر ال ْ َ‬‫شَعائ َِر الل ّهِ َول ال ّ‬ ‫حّلوا َ‬ ‫مُنوا ل ت ُ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫وانا ً‬
‫ضه َ‬
‫م وَرِ ْ‬‫ن َرب ّهِه ْ‬‫مه ْ‬ ‫ضهل ً ِ‬‫ن فَ ْ‬‫م ي َب ْت َُغو َ‬
‫حَرا َ‬‫ت ال ْ َ‬
‫ن ال ْب َي ْ َ‬ ‫َول ال َْقلئ ِد َ َول آ ّ‬
‫مي َ‬
‫‪195‬‬
‫َ‬ ‫صه َ‬
‫ن‬
‫م عَ ه ْ‬ ‫دوك ُ ْ‬‫صه ّ‬
‫ن َ‬ ‫ن قَ هوْم ٍ أ ْ‬ ‫م َ‬
‫ش هَنآ ُ‬ ‫من ّك ُه ْ‬
‫جرِ َ‬ ‫دوا َول ي َ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫حل َل ْت ُه ْ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ذا َ‬
‫َ‬
‫وى َول ت َعَههاوَُنوا‬‫دوا وَت َعَههاوَُنوا عَل َههى ال ْب ِهّر َوالت ّْقه َ‬ ‫ن ت َعْت َ ُ‬ ‫حَرام ِ أ ْ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬
‫م ْ‬‫ال ْ َ‬
‫ب )‪(2‬‬ ‫ديد ُ ال ْعَِقا ِ‬ ‫ه َ‬
‫ش ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ن َوات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫عََلى ال ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫دوا حههدود‬‫دقوا الله ورسههوله وعملههوا بشههرعه ل تتع ه ّ‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫حّلوا القتهال فهي الشههر الحهرم‪ ,‬وههي‪ :‬ذو‬ ‫اللهه ومعهالمه‪ ,‬ول تسهت ِ‬
‫القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب‪ ,‬وكان ذلك فههي صههدر السههلم‪,‬‬
‫دي‪ ,‬ول ما قُل ّد َ منه; إذ كههانوا يضههعون القلئد‪,‬‬ ‫حّلوا حرمة الهَ ْ‬
‫ول تست ِ‬
‫ة علهى أن البهيمهة‬ ‫وهي ضفائر من صوف أو وََبر في الرقههاب علمه ً‬
‫حّلوا قتال قاصدي البيت الحرام‬ ‫ست َ ِ‬
‫هَد ْيٌ وأن الرجل يريد الحج‪ ,‬ول ت َ ْ‬
‫الذين يبتغون من فضل الله ما يصلح معايشهم ويرضههي ربهههم‪ .‬وإذا‬
‫مل َّنكهم ب ُْغهض قهوم مهن‬‫ل لكهم الصهيد‪ ,‬ول يح ِ‬ ‫حللتم من إحرامكم ح ّ‬
‫أجل أن منعوكم من الوصول إلى المسجد الحرام ‪-‬كما حههدث عههام‬
‫"الحديبية"‪ -‬على ترك العدل فيهههم‪ .‬وتعههاونوا ‪-‬أيههها المؤمنههون فيمهها‬
‫بينكم‪ -‬على فِْعل الخير‪ ,‬وتقوى اللهه‪ ,‬ول تعههاونوا علهى مها فيهه إثههم‬
‫ومعصية وتجاوز لحدود الله‪ ,‬واحذروا مخالفة أمههر اللههه فههإنه شههديد‬
‫العقاب‪.‬‬

‫ل ل ِغَي ْهرِ الل ّههِ ب ِههِ‬ ‫مهها أ ُهِه ّ‬ ‫زيهرِ وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫خن‬‫م ال ْ ِ‬‫ح ُ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫ة َوالد ّ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫مي ْت َ ُ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫مهها‬‫سهب ُعُ إ ِل ّ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مهها أك َه َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫حه ُ‬‫طي َ‬ ‫ة َوالن ّ ِ‬ ‫مت ََرد ّي َه ُ‬ ‫موُْقوذ َةُ َوال ْ ُ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫خن َِق ُ‬
‫من ْ َ‬‫َوال ْ ُ‬
‫موا ب ِههال َْزلم ِ ذ َل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫سه ٌ‬ ‫م فِ ْ‬ ‫كه ْ‬ ‫سه ُ‬ ‫ست َْق ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ب وَأ ْ‬ ‫صه ِ‬ ‫ح عََلهى الن ّ ُ‬ ‫ما ذ ُب ِ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ذ َك ّي ْت ُ ْ‬
‫شهوِْني ال ْي َهوْ َ‬
‫م‬ ‫خ َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫شهوْهُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َفل ت َ ْ‬ ‫ن ِدين ِك ُه ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ال ّ ِ‬ ‫م ي َئ ِ َ‬ ‫ال ْي َوْ َ‬
‫م ِدينهها ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل َ‬ ‫م ال ِ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫ضي ُ‬ ‫مِتي وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫أك ْ َ‬
‫م )‪(3‬‬ ‫حي ٌ‬‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ف ل ِث ْم ٍ فَإ ِ ّ‬ ‫جان ِ ٍ‬ ‫مت َ َ‬ ‫صةٍ غَي َْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضط ُّر ِفي َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فَ َ‬
‫حّرم الله عليكم الميتة‪ ,‬وهي الحيوان الذي تفارقه الحياة بدون‬
‫مراق‪ ,‬ولحم الخنزير‪ ,‬وما ذ ُ ِ‬
‫كر‬ ‫ذكاة‪ ,‬وحّرم عليكم الدم السائل ال ُ‬
‫سها حتى‬ ‫حِبس ن ََف ُ‬ ‫عليه غير اسم الله عند الذبح‪ ,‬والمنخنقة التي ُ‬
‫ضربت بعصا أو حجر حتى ماتت‪,‬‬ ‫ماتت‪ ,‬والموقوذة وهي التي ُ‬
‫وت في بئر‬ ‫دية وهي التي سقطت من مكان عال أو هَ َ‬ ‫مت ََر ّ‬
‫وال ُ‬
‫ضَرب َْتها أخرى بقرنها فماتت‪ ,‬وحّرم‬ ‫فماتت‪ ,‬والنطيحة وهي التي َ‬
‫الله عليكم البهيمة التي أكلها السُبع‪ ,‬كالسد والنمر والذئب‪ ,‬ونحو‬
‫ذلك‪ .‬واستثنى ‪-‬سبحانه‪ -‬مما حّرمه من المنخنقة وما بعدها ما‬
‫أدركتم ذكاته قبل أن يموت فهو حلل لكم‪ ,‬وحّرم الله عليكم ما‬

‫‪196‬‬
‫ذ ُِبح لغير الله على ما ُينصب للعبادة من حجر أو غيره‪ ,‬وحّرم الله‬
‫سم لكم أو لم يقسم بالزلم‪ ,‬وهي‬ ‫عْلم ما قُ ِ‬
‫عليكم أن تطلبوا ِ‬
‫القداح التي كانوا يستقسمون بها إذا أرادوا أمًرا قبل أن يقدموا‬
‫عليه‪ .‬ذلكم المذكور في الية من المحرمات ‪-‬إذا ارُتكبت‪ -‬خروج‬
‫عن أمر الله وطاعته إلى معصيته‪ .‬الن انقطع طمع الكفار من‬
‫صْرُتكم عليهم‪ ,‬فل‬
‫دينكم أن ترتدوا عنه إلى الشرك بعد أن ن َ‬
‫تخافوهم وخافوني‪ .‬اليوم أكملت لكم دينكم دين السلم بتحقيق‬
‫النصر وإتمام الشريعة‪ ,‬وأتممت عليكم نعمتي بإخراجكم من‬
‫ظلمات الجاهلية إلى نور اليمان‪ ,‬ورضيت لكم السلم ديًنا‬
‫فالزموه‪ ,‬ول تفارقوه‪ .‬فمن اضطّر في مجاعة إلى أكل الميتة‪,‬‬
‫دا لثم‪ ,‬فله تناوله‪ ,‬فإن الله غفور له‪ ,‬رحيم به‪.‬‬ ‫وكان غير مائل عم ً‬

‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫م ِ‬‫مت ُه ْ‬ ‫مهها عَل ّ ْ‬‫ت وَ َ‬ ‫م الط ّي ّب َهها ُ‬ ‫ل ل َك ُه ْ‬ ‫ل أُ ِ‬
‫حه ّ‬ ‫م قُ ه ْ‬ ‫ل ل َهُه ْ‬‫ح ّ‬ ‫ذا أ ُ ِ‬
‫ما َ‬ ‫ك َ‬‫سأ َُلون َ َ‬‫يَ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫سهك ْ َ‬‫م َ‬ ‫مهها أ ْ‬ ‫ه فَك ُل ُههوا ِ‬
‫م ّ‬ ‫م الل ّه ُ‬ ‫مك ُه ْ‬ ‫مهها عَل ّ َ‬
‫م ّ‬
‫ن ِ‬ ‫ن ت ُعَل ّ ُ‬
‫مههون َهُ ّ‬ ‫مك َل ِّبيه َ‬‫ح ُ‬‫وارِ ِ‬ ‫ج َ‬‫ال ْ َ‬
‫ب)‬ ‫سهها ِ‬‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫سه ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬‫م الل ّهِ عَل َي ْهِ َوات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َواذ ْك ُُروا ا ْ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫‪(4‬‬
‫ل لهم أ َك ُْله؟ قل لهم‪ :‬أ ُ ِ‬
‫ح ّ‬
‫ل‬ ‫يسألك أصحابك ‪-‬أيها النبي‪ : -‬ماذا أ ُ ِ‬
‫ح ّ‬
‫لكم الطيبات وصيد ُ ما د َّربتموه من ذوات المخالب والنياب من‬
‫الكلب والفهود والصقور ونحوها مما ي ُعَّلم‪ ,‬تعلمونهن طلب الصيد‬
‫لكم‪ ,‬مما علمكم الله‪ ,‬فكلوا مما أمسكن لكم‪ ,‬واذكروا اسم الله‬
‫عند إرسالها للصيد‪ ,‬وخافوا الله فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه‪ .‬إن‬
‫الله سريع الحساب‪.‬‬

‫ل ل َك ُهم الط ّيبههات وط َعههام ال ّهذي ُ‬ ‫م أُ ِ‬


‫م‬ ‫ل ل َك ُه ْ‬ ‫حه ّ‬‫ب ِ‬ ‫ن أوت ُههوا ال ْك ِت َهها َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َّ ُ َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫حه ّ‬ ‫ال ْي َوْ َ‬
‫ن‬‫مه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫صهَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َوال ْ ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫من َهها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫صهَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َوال ْ ُ‬ ‫ل ل َهُه ْ‬ ‫حه ّ‬‫م ِ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫وَط ََعا ُ‬
‫ذا آتيتموهُ ُ‬ ‫ال ّذي ُ‬
‫ن غَي ْهَر‬ ‫ص هِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫جههوَرهُ ّ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ّ‬ ‫م إِ َ َ ْ ُ ُ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مل ه ُ‬ ‫حب ِهط عَ َ‬ ‫ن فََقهد ْ َ‬ ‫مهها ِ‬‫لي َ‬ ‫ن ي َك ُْفهْر ِبا ِ‬ ‫م ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫دا ٍ‬ ‫خ َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ن َول ُ‬ ‫حي َ‬ ‫سافِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫وَهُوَ ِفي ال ِ‬
‫ل لكم‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫ومن تمام نعمة الله عليكم اليوم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬أن أ َ‬
‫ب شرعهم‪-‬‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬‫كوها َ‬‫ح اليهود والنصارى ‪-‬إن ذ ّ‬ ‫الحلل الطيب‪ ,‬وذبائ ُ‬
‫ل لكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬نكاح‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫حلل لكم وذبائحكم حلل لهم‪ .‬وأ َ‬
‫ن الحرائر من النساء المؤمنات‪ ,‬العفيفات عن‬ ‫المحصنات‪ ,‬وهُ ّ‬
‫‪197‬‬
‫ح الحرائر العفيفات من اليهود والنصارى إذا‬
‫الزنى‪ ,‬وكذلك نكا َ‬
‫عّفاء غير مرتكبين للزنى‪ ,‬ول متخذي‬
‫ن مهورهن‪ ,‬وكنتم أ ِ‬ ‫أعطيتموهُ ّ‬
‫منتم من التأثر بدينهن‪ .‬ومن يجحد شرائع اليمان فقد‬ ‫عشيقات‪ ,‬وأ ِ‬
‫بطل عمله‪ ,‬وهو يوم القيامة من الخاسرين‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫م وَأْيههدِي َك ُ ْ‬ ‫جوهَك ُ ْ‬ ‫سُلوا وُ ُ‬ ‫صلةِ َفاغْ ِ‬ ‫م إ َِلى ال ّ‬ ‫مت ُ ْ‬‫ذا قُ ْ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫جل َك ُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن ك ُن ْت ُه ْ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫م إ ِله َهى الك َعْ َب َي ْه ِ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫حوا ب ُِرُءو ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫ق َوا ْ‬ ‫ِ‬ ‫مَرافِ‬ ‫إ َِلى ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُه ْ‬‫حد ٌ ِ‬ ‫جاَء أ َ‬ ‫سَفرٍ أوْ َ‬ ‫ضى أوْ عََلى َ‬ ‫مْر َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫جُنبا ً َفاط ّهُّروا وَإ ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫صهِعيدا ً ط َّيبها ً‬ ‫َ‬
‫مههوا َ‬ ‫م ُ‬ ‫مههاًء فَت َي َ ّ‬ ‫دوا َ‬ ‫جه ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫سههاَء فَل َه ْ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫سهت ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ط أو ْ ل َ‬ ‫ال ْغَههائ ِ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل عَل َي ْك ُه ْ‬ ‫جع َ ه َ‬ ‫ه ل ِي َ ْ‬‫ري هد ُ الل ّه ُ‬ ‫مهها ي ُِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫م ِ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫م وَأي ْ ِ‬ ‫جوهِك ُ ْ‬ ‫حوا ب ِوُ ُ‬ ‫س ُ‬‫م َ‬ ‫َفا ْ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫مت َ ُ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫م وَل ِي ُت ِ ّ‬ ‫ريد ُ ل ِي ُط َهَّرك ُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ج وَل َك ِ ْ‬ ‫حَر ٍ‬ ‫َ‬
‫يا أيها الذين آمنوا إذا أردتم القيام إلى الصلة‪ ,‬وأنتم على غير‬
‫صل‬ ‫مْرَفق‪ :‬ال ِ‬
‫مْف َ‬ ‫طهارة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم مع المرافق )وال ِ‬
‫ضد( وامسحوا رؤوسكم‪ ,‬واغسلوا أرجلكم مع‬ ‫الذي بين الذراع والعَ ُ‬
‫الكعبين )وهما‪ :‬العظمان البارزان عند ملتقى الساق بالقدم( ‪ .‬وإن‬
‫أصابكم الحدث الكبر فتطهروا بالعتسال منه قبل الصلة‪ .‬فإن‬
‫كنتم مرضى‪ ,‬أو على سفر في حال الصحة‪ ,‬أو قضى أحدكم‬
‫حاجته‪ ,‬أو جامع زوجته فلم تجدوا ماء فاضربوا بأيديكم وجه الرض‪,‬‬
‫وامسحوا وجوهكم وأيديكم منه‪ .‬ما يريد الله في أمر الطهارة أن‬
‫ة عليكم‪ ,‬ورحمة بكم‪ ,‬إذ جعله‬ ‫ضّيق عليكم‪ ,‬بل أباح التيمم توسع ً‬
‫يُ َ‬
‫مم من تمام النعم التي‬ ‫بديل للماء في الطهارة‪ ,‬فكانت رخصة التي ّ‬
‫تقتضي شكر المنعم; بطاعته فيما أمر وفيما نهى‪.‬‬

‫معَْنا‬
‫سه ِ‬ ‫م ب ِههِ إ ِذ ْ قُل ْت ُه ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َواث ََقك ُ ْ‬ ‫ميَثاقَ ُ‬
‫م وَ ِ‬‫ة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫َواذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫دورِ )‪(7‬‬ ‫ص ُ‬‫ت ال ّ‬‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬‫ه عَِلي ٌ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫وَأط َعَْنا َوات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬
‫شَرعه لكم‪ ,‬واذكروا عهده الذي‬ ‫واذكروا نعمة الله عليكم فيما َ‬
‫أخذه تعالى عليكم من اليمان بالله ورسوله محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬والسمع والطاعة لهما‪ ,‬واتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم‬
‫سّرونه في نفوسكم‪.‬‬ ‫م بما ت ُ ِ‬
‫عنه‪ .‬إن الله علي ٌ‬

‫َ‬
‫م‬ ‫من ّ ُ‬
‫كهه ْ‬ ‫جرِ َ‬
‫ط َول ي َ ْ‬ ‫داءَ ِبال ِْق ْ‬
‫سهه ِ‬ ‫ن ل ِل ّهِ ُ‬
‫شه َ َ‬ ‫مي َ‬
‫وا ِ‬ ‫مُنوا ُ‬
‫كوُنوا قَ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪198‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫وى َوات ُّقههوا الل ّه َ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ن قَوْم ٍ عََلى أل ّ ت َعْدُِلوا اعْدُِلوا هُوَ أقَْر ُ‬
‫ب ِللت ّْق ه َ‬ ‫شَنآ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫خِبيٌر ب ِ َ‬
‫ه َ‬‫الل ّ َ‬
‫منوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كونوا‬ ‫يا أيها الذين آ َ‬
‫ض‬ ‫وامين بالحق‪ ,‬ابتغاء وجه الله‪ُ ,‬‬
‫شهداء بالعدل‪ ,‬ول يحملنكم ب ُغْ ُ‬ ‫ق ّ‬
‫دلوا بين العداء والحباب على درجة سواء‪,‬‬ ‫قوم على أل تعدلوا‪ ,‬اع ِ‬
‫فذلك العدل أقرب لخشية الله‪ ,‬واحذروا أن تجوروا‪ .‬إن الله خبير‬
‫بما تعملون‪ ,‬وسيجازيكم به‪.‬‬

‫َ‬
‫م)‬
‫ظي ه ٌ‬
‫ج هٌر عَ ِ‬
‫مغِْفَرةٌ وَأ ْ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫‪(9‬‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات أن يغفر لهم‬
‫وعد الله الذين ص ّ‬
‫ذنوبهم‪ ,‬وأن يثيبهم على ذلك الجنة‪ ,‬والله ل يخلف وعده‪.‬‬

‫وال ّذين ك ََفروا وك َذ ّبوا بآيات ِنا أ ُول َئ ِ َ َ‬


‫حيم ِ )‪(10‬‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ج ِ‬ ‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫كأ ْ‬ ‫َ ُ ِ َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ َ‬
‫والذين جحدوا وحدانية الله الدالة على الحق المبين‪ ,‬وك ّ‬
‫ذبوا بأدلته‬
‫التي جاءت بها الرسل‪ ,‬هم أهل النار الملزمون لها‪.‬‬

‫سه ُ‬ ‫ة الل ّه عَل َيك ُم إذ ْ هَم قَ هو َ‬ ‫َ‬


‫طوا‬ ‫ن ي َب ْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫م َ‬‫مُنوا اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ه وَعَل َههى الل ّههِ فَل ْي َت َوَك ّه ْ‬ ‫إل َيك ُم أ َيديهم فَك َ ّ َ‬
‫ل‬ ‫م َوات ُّقههوا الل ّه َ‬
‫م عَن ْك ُه ْ‬‫ف أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫ِ ْ ْ ْ َُِ ْ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اذكروا ما أنعم‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫ن‪ ,‬وإلقاِء الرعب في قلوب أعدائكم‬ ‫الله به عليكم من نعمة الم ِ‬
‫الذين أرادوا أن يبطشوا بكم‪ ,‬فصرفهم الله عنكم‪ ,‬وحال بينهم‬
‫وبين ما أرادوه بكم‪ ,‬واتقوا الله واحذروه‪ ,‬وتوكلوا على الله وحده‬
‫في أموركم الدينية والدنيوية‪ ,‬وِثقوا بعونه ونصره‪.‬‬

‫ش هَر ن َِقيب ها ً‬ ‫ي عَ َ‬ ‫م اث ْن َه ْ‬ ‫ل وَب َعَث ْن َهها ِ‬


‫من ْهُ ه ْ‬ ‫س هَراِئي َ‬ ‫ميَثاقَ ب َِني إ ِ ْ‬‫ه ِ‬ ‫وَل ََقد ْ أ َ َ‬
‫خذ َ الل ّ ُ‬
‫م الّز َ‬ ‫ل الل ّه إني معك ُم ل َئ ِ َ‬
‫سِلي‬ ‫م ب ُِر ُ‬ ‫من ْت ُ ْ‬
‫كاةَ َوآ َ‬ ‫صلةَ َوآت َي ْت ُ ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن أقَ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫وََقا َ‬
‫َ‬
‫م‬‫س هي َّئات ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن عَن ْك ُه ْ‬ ‫سههنا ً لك َّف هَر ّ‬ ‫ح َ‬‫ه قَْرض ها ً َ‬ ‫م الل ّه َ‬ ‫م وَأقَْر ْ‬
‫ض هت ُ ْ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫وَعَّزْرت ُ ُ‬
‫‪199‬‬
‫َ‬
‫من ْك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ن ك ََفهَر ب َعْهد َ ذ َل ِه َ‬
‫ك ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ري ِ‬‫ج ِ‬‫ت تَ ْ‬
‫جّنا ٍ‬
‫م َ‬‫خل َن ّك ُ ْ‬
‫َولد ْ ِ‬
‫ل )‪(12‬‬ ‫سِبي ِ‬‫واَء ال ّ‬
‫س َ‬
‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫فََقد ْ َ‬
‫كد على بني إسرائيل أن يخلصوا له‬‫ولقد أخذ الله العهد المؤ ّ‬
‫العبادة وحده‪ ,‬وأمر الله موسى أن يجعل عليهم اثني عشر عريًفا‬
‫بعدد فروعهم‪ ,‬يأخذون عليهم العهد بالسمع والطاعة لله ولرسوله‬
‫ولكتابه‪ ,‬وقال الله لبني إسرائيل‪ :‬إني معكم بحفظي ونصري‪ ,‬لئن‬
‫دقتم‬
‫أقمتم الصلة‪ ,‬وأعطيتم الزكاة المفروضة مستحقيها‪ ,‬وص ّ‬
‫ن‬
‫برسلي فيما أخبروكم به ونصرتموهم‪ ,‬وأنفقتم في سبيلي‪ ,‬لكّفر ّ‬
‫ت تجري من تحت قصورها النهار‪,‬‬ ‫كم جنا ٍ‬‫خل َن ّ ُ‬
‫عنكم سيئاتكم‪ ,‬ولد ْ ِ‬
‫فمن جحد هذا الميثاق منكم فقد عدل عن طريق الحق إلى طريق‬
‫الضلل‪.‬‬

‫م‬‫ن ال ْك َل ِه َ‬
‫حّرُفههو َ‬ ‫ة يُ َ‬ ‫م َقا ِ‬
‫سي َ ً‬ ‫جعَل َْنا قُُلوب َهُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫م ل َعَّناهُ ْ‬‫ميَثاقَهُ ْ‬ ‫م ِ‬‫ضه ِ ْ‬
‫ما ن َْق ِ‬‫فَب ِ َ‬
‫ة‬ ‫ل ت َط ّل ِهعُ عَل َههى َ‬
‫خائ ِن َه ٍ‬ ‫ما ذ ُك ُّروا ب ِهِ َول ت َهَزا ُ‬ ‫حظ ّا ً ِ‬
‫م ّ‬ ‫سوا َ‬ ‫ضعِهِ وَن َ ُ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ن)‬ ‫س هِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫حه ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫ح إِ ّ‬‫صَف ْ‬
‫م َوا ْ‬ ‫ف عَن ْهُ ْ‬‫م َفاعْ ُ‬ ‫م إ ِل ّ قَِليل ً ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ِ‬
‫‪(13‬‬
‫كدة طردناهم من رحمتنا‪,‬‬ ‫فبسبب نقض هؤلء اليهود لعهودهم المؤ ّ‬
‫وجعلنا قلوبهم غليظة ل تلين لليمان‪ ,‬يبدلون كلم الله الذي أنزله‬
‫كروا به‪ ,‬فلم يعملوا‬‫على موسى‪ ,‬وهو التوراة‪ ,‬وتركوا نصيًبا مما ذ ُ ّ‬
‫غدًرا‪ ,‬فهم على‬‫ةو َ‬‫به‪ .‬ول تزال ‪-‬أيها الرسول‪ -‬تجد من اليهود خيان ً‬
‫منهاج أسلفهم إل قليل منهم‪ ,‬فاعف عن سوء معاملتهم لك‪,‬‬
‫من أحسن العفو والصفح إلى من‬ ‫واصفح عنهم‪ ,‬فإن الله يحب َ‬
‫أساء إليه‪) .‬وهكذا يجد أهل الزيغ سبيل إلى مقاصدهم السيئة‬
‫جزوا عن التحريف‬ ‫بتحريف كلم الله وتأويله على غير وجهه‪ ,‬فإن ع َ‬
‫من شرع الله الذي ل يثبت‬ ‫والتأويل تركوا ما ل يتفق مع أهوائهم ِ‬
‫عليه إل القليل ممن عصمه الله منهم(‪.‬‬

‫مهها ذ ُك ّهُروا‬ ‫حظ ّها ً ِ‬


‫م ّ‬ ‫سوا َ‬ ‫م فَن َ ُ‬ ‫ميَثاقَهُ ْ‬
‫خذ َْنا ِ‬‫صاَرى أ َ َ‬ ‫ن َقاُلوا إ ِّنا ن َ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َْ‬‫وَ ِ‬
‫ف ي ُن َب ّئ ُهُه ْ‬
‫م‬ ‫س هو ْ َ‬ ‫ضاَء إ َِلى ي َهوْم ِ ال ِْقَيا َ‬
‫م هة ِ و َ َ‬ ‫داوَةَ َوال ْب َغْ َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬‫ب ِهِ فَأغَْري َْنا ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ه بِ َ‬‫الل ّ ُ‬

‫‪200‬‬
‫دعوا أنهم أتباع المسيح عيسى ‪-‬وليسوا كذلك‪-‬‬ ‫وأخذنا على الذين ا ّ‬
‫العهد المؤكد الذي أخذناه على بني إسرائيل‪ :‬بأن ُيتابعوا رسولهم‬
‫دلوا دينهم‪ ,‬وتركوا نصيًبا مما ذكروا به‪ ,‬فلم‬
‫وينصروه ويؤازروه‪ ,‬فب ّ‬
‫يعملوا به‪ ,‬كما صنع اليهود‪ ,‬فألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم‬
‫القيامة‪ ,‬وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون يوم الحساب‪,‬‬
‫وسيعاقبهم على صنيعهم‪.‬‬

‫ن‬
‫خُفههو َ‬ ‫مهها ك ُن ْت ُه ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫م ك َِثيرا ً ِ‬
‫م ّ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫سول َُنا ي ُب َي ّ ُ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬
‫م َر ُ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ب قَد ْ َ‬ ‫َيا أ َهْ َ‬
‫ن)‬‫مِبي ه ٌ‬‫ب ُ‬ ‫ن الل ّههِ ن ُههوٌر وَك ِت َهها ٌ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬ ‫ن ك َِثيرٍ قَد ْ َ‬
‫ب وَي َعُْفو عَ ْ‬‫ن ال ْك َِتا ِ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫‪(15‬‬
‫يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى‪ ,‬قد جاءكم رسولنا محمد صلى‬
‫خفونه عن الناس مما‬‫الله عليه وسلم يبّين لكم كثيًرا مما كنتم ت ُ ْ‬
‫في التوراة والنجيل‪ ,‬ويترك بيان ما ل تقتضيه الحكمة‪ .‬قد جاءكم‬
‫من الله نور وكتاب مبين‪ :‬وهو القرآن الكريم‪.‬‬

‫ت‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬
‫ما ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫جه ُ ْ‬
‫خرِ ُ‬
‫سلم ِ وَي ُ ْ‬ ‫سب ُ َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫ه ُ‬‫وان َ ُ‬
‫ض َ‬
‫ن ات ّب َعَ رِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫دي ب ِهِ الل ّ ُ‬ ‫ي َهْ ِ‬
‫ست َِقيم ٍ )‪(16‬‬ ‫م ْ‬
‫ط ُ‬‫صَرا ٍ‬‫م إ َِلى ِ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫إ َِلى الّنورِ ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَي َهْ ِ‬
‫يهدي الله بهذا الكتاب المبين من اتبع رضا الله تعالى‪ ,‬طرق المن‬
‫والسلمة‪ ,‬ويخرجهم بإذنه من ظلمات الكفر إلى نور اليمان‪,‬‬
‫ويوفقهم إلى دينه القويم‪.‬‬

‫مل ِه ُ‬
‫ك‬ ‫ن يَ ْ‬‫مه ْ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫م قُ ه ْ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬
‫سي ُ‬‫م ِ‬‫ه هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ن َقاُلوا إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ََقد ْ ك ََفَر ال ّ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫شيئا ً إ َ‬
‫ن ِفهي‬ ‫مه ْ‬ ‫ه وَ َ‬‫مه ُ‬‫م وَأ ّ‬ ‫مْرَيه َ‬ ‫ن َ‬ ‫ح اْبه َ‬ ‫سهي َ‬‫م ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬‫ن ي ُهْل ِ َ‬‫ن أَراد َ أ ْ‬ ‫ن الل ّهِ َ ْ ِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ي َ َ‬
‫شاءُ‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫ما ي ْ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬‫ض وَ َ‬‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ميعا ً وَل ِل ّهِ ُ‬ ‫ج ِ‬
‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫ديٌر )‪(17‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫لقد كفر النصارى القائلون بأن الله هو المسيح ابن مريم‪ ,‬قل ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ -‬لهؤلء الجهلة من النصارى‪ :‬لو كان المسيح إلًها كما‬
‫من‬ ‫ُ‬
‫مه و َ‬‫دعون لَقدَر أن يدفع قضاء الله إذا جاءه بإهلكه وإهلك أ ّ‬
‫ي ّ‬
‫في الرض جميًعا‪ ,‬وقد ماتت أم عيسى فلم يدفع عنها الموت‪,‬‬
‫كذلك ل يستطيع أن يدفع عن نفسه; لنهما عبدان من عباد الله ل‬

‫‪201‬‬
‫ل على أنه بشر كسائر بني‬ ‫يقدران على دفع الهلك عنهما‪ ,‬فهذا دلي ٌ‬
‫آدم‪ .‬وجميع الموجودات في السموات والرض ملك لله‪ ,‬يخلق ما‬
‫يشاء ويوجده‪ ,‬وهو على كل شيء قدير‪ .‬فحقيقة التوحيد توجب‬
‫تفّرد الله تعالى بصفات الربوبية واللوهية‪ ,‬فل يشاركه أحد من‬
‫خلقه في ذلك‪ ,‬وكثيًرا ما يقع الناس في الشرك والضلل بغلوهم‬
‫في النبياء والصالحين‪ ,‬كما غل النصارى في المسيح‪ ,‬فالكون كله‬
‫ده إلى‬
‫مَر ّ‬
‫لله‪ ,‬والخلق بيده وحده‪ ,‬وما يظهر من خوارق وآيات َ‬
‫الله‪ .‬يخلق سبحانه ما يشاء‪ ,‬ويفعل ما يريد‪.‬‬

‫م ي ُعَ هذ ّب ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل فَل ِه َ‬
‫حب ّههاؤُهُ قُ ه ْ‬ ‫ن أ َب َْناُء الل ّههِ وَأ َ ِ‬ ‫ح ُ‬‫صاَرى ن َ ْ‬ ‫ت ال ْي َُهود ُ َوالن ّ َ‬ ‫وََقال َ ْ‬
‫بذ ُنوبك ُم ب ْ َ‬
‫شههاءُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مهه ْ‬‫ب َ‬ ‫شاُء وَي ُعَذ ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خل َقَ ي َغِْفُر ل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫شٌر ِ‬‫م بَ َ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ِ ُ ِ ْ َ‬
‫َ‬
‫صيُر )‪(18‬‬ ‫م ِ‬‫ما وَإ ِل َي ْهِ ال ْ َ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬
‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫وَل ِل ّهِ ُ‬
‫وزعم اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه‪ ,‬قل لهم ‪-‬أيها‬
‫ذبكم بذنوبكم؟ فلو كنتم أحبابه ما عذبكم‪,‬‬ ‫الرسول‪َ : -‬فليّ شيء يع ّ‬
‫ل سائر بني‬ ‫فالله ل يحب إل من أطاعه‪ ,‬وقل لهم‪ :‬بل أنتم خلقٌ مث ُ‬
‫سأ ُْتم جوزيتم‬
‫آدم‪ ,‬إن أحسنُتم جوزيتم بإحسانكم خيرا‪ ,‬وإن أ َ‬
‫بإساءتكم شّرا‪ ,‬فالله يغفر لمن يشاء‪ ,‬ويعذب من يشاء‪ ,‬وهو مالك‬
‫صّرفه كما يشاء‪ ,‬وإليه المرجع‪ ,‬فيحكم بين عباده‪ ,‬ويجازي‬ ‫الملك‪ ,‬ي ُ َ‬
‫كل بما يستحق‪.‬‬

‫ل‬‫سه ِ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫م عََلى فَت ْهَرةٍ ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬


‫سول َُنا ي ُب َي ّ ُ‬‫م َر ُ‬‫جاَءك ُ ْ‬‫ب قَد ْ َ‬ ‫َيا أ َهْ َ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫َ‬
‫ذيٌر َوالل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫شيٌر وَن َه ِ‬‫م بَ ِ‬‫جاَءك ُ ْ‬
‫ذيرٍ فََقد ْ َ‬ ‫شيرٍ َول ن َ ِ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫م ْ‬
‫جاَءَنا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ت َُقوُلوا َ‬ ‫أ ْ‬
‫ديٌر )‪(19‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عََلى ك ُ ّ‬
‫يا أيها اليهود والنصارى قد جاءكم رسولنا محمد صلى الله عليه‬
‫دة من الزمن بين إرساله‬‫م ّ‬
‫وسلم‪ُ ,‬يبّين لكم الحق والهدى بعد ُ‬
‫بإرسال عيسى ابن مريم; لئل تقولوا‪ :‬ما جاءنا من بشير ول نذير‪,‬‬
‫شر‬ ‫عذَر لكم بعد إرساله إلبكم‪ ,‬فقد جاءكم من الله رسو ٌ‬
‫ل يب ّ‬ ‫فل ُ‬
‫من عصاه‪ .‬والله على كل شيء قدير من عقاب‬ ‫ذز َ‬
‫من آمن به‪ ,‬وُين ِ‬
‫َ‬
‫العاصي وثواب المطيع‪.‬‬

‫جع َ ه َ‬
‫ل‬ ‫ة الل ّههِ عَل َي ْك ُه ْ‬
‫م إ ِذ ْ َ‬ ‫مهِ َيا قَ هوْم ِ اذ ْك ُهُروا ن ِعْ َ‬
‫مه َ‬ ‫سى ل َِقوْ ِ‬
‫مو َ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل ُ‬
‫‪202‬‬
‫َ‬ ‫فيك ُ َ‬
‫ن)‬ ‫ن ال ْعَههال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫حههدا ً ِ‬
‫مه ْ‬ ‫تأ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي ُهؤْ ِ‬ ‫مُلوكا ً َوآَتاك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫م أن ْب َِياءَ وَ َ‬
‫ِ ْ‬
‫‪(20‬‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ قال موسى عليه السلم لقومه‪ :‬يا بني‬
‫إسرائيل اذكروا نعمة الله عليكم‪ ,‬إذ جعل فيكم أنبياء‪ ,‬وجعلكم‬
‫كا تملكون أمركم بعد أن كنتم مملوكين لفرعون وقومه‪ ,‬وقد‬ ‫ملو ً‬
‫دا من عاَلمي زمانكم‪.‬‬
‫منحكم من نعمه صنوًفا لم يمنحها أح ً‬

‫دوا عََلههى‬ ‫َ‬


‫ه ل َك ُ ْ‬
‫م َول ت َْرت َ ّ‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫ة ال ِّتي ك َت َ َ‬
‫س َ‬ ‫ض ال ْ ُ‬
‫مَقد ّ َ‬ ‫خُلوا الْر َ‬ ‫َيا قَوْم ِ اد ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(21‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫أد َْبارِك ُ ْ‬
‫م فَت َن َْقل ُِبوا َ‬
‫يا قوم ادخلوا الرض المقدسة ‪-‬أي المطهرة‪ ,‬وهي "بيت المقدس"‬
‫من فيها من الكفار‪,‬‬
‫وما حولها‪ -‬التي وعد الله أن تدخلوها وتقاتلوا َ‬
‫ول ترجعوا عن قتال الجبارين‪ ,‬فتخسروا خير الدنيا وخير الخرة‪.‬‬

‫جههوا‬
‫خُر ُ‬ ‫خل ََها َ‬
‫حت ّههى ي َ ْ‬ ‫ن وَإ ِّنا ل َ ْ‬
‫ن ن َهد ْ ُ‬ ‫وما ً َ‬
‫جّباِري َ‬ ‫ن ِفيَها قَ ْ‬ ‫سى إ ِ ّ‬‫مو َ‬ ‫َقاُلوا َيا ُ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫خُلو َ‬ ‫من َْها فَإ ِّنا َ‬
‫دا ِ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫من َْها فَإ ِ ْ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ِ‬
‫ما أشداء أقوياء‪ ,‬ل طاقة لنا بحربهم‪,‬‬‫قالوا‪ :‬يا موسى‪ ,‬إن فيها قو ً‬
‫وإّنا لن نستطيع دخولها وهم فيها‪ ,‬فإن يخرجوا منها فإّنا داخلون‪.‬‬

‫خاُفو َ‬
‫م ال َْبا َ‬
‫ب‬ ‫خُلوا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما اد ْ ُ‬‫ه عَل َي ْهِ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ن أن ْعَ َ‬
‫َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬‫جل ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ن)‬‫مِني َ‬ ‫م هؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫ن وَعََلى الل ّهِ فَت َوَك ّل ُههوا إ ِ ْ‬‫غال ُِبو َ‬‫م َ‬‫موهُ فَإ ِن ّك ُ ْ‬‫خل ْت ُ ُ‬ ‫فَإ ِ َ‬
‫ذا د َ َ‬
‫‪(23‬‬
‫قال رجلن من الذين يخشون الله تعالى‪ ,‬أنعم الله عليهما بطاعته‬
‫وطاعة نبّيه‪ ,‬لبني إسرائيل‪ :‬ادخلوا على هؤلء الجبارين باب‬
‫ذا بالسباب‪ ,‬فإذا دخلتم الباب غلبتموهم‪ ,‬وعلى الله‬ ‫خ ً‬
‫مدينتهم‪ ,‬أ ْ‬
‫دقين رسوله فيما جاءكم به‪ ,‬عاملين‬ ‫مص ّ‬
‫كلوا‪ ,‬إن كنتم ُ‬‫وحده فتو ّ‬
‫بشرعه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ت وََرّبهه َ‬
‫ك‬ ‫موا ِفيَها َفاذ ْهَ ْ‬
‫ب أْنهه َ‬ ‫دا ُ‬ ‫خل ََها أَبدا ً َ‬
‫ما َ‬ ‫ن ن َد ْ ُ‬‫سى إ ِّنا ل َ ْ‬
‫مو َ‬ ‫َقاُلوا َيا ُ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫دو َ‬ ‫هاهَُنا َقا ِ‬
‫ع ُ‬ ‫فََقاِتل إ ِّنا َ‬

‫‪203‬‬
‫دا ما دام الجبارون فيها‪,‬‬
‫قال قوم موسى له‪ :‬إنا لن ندخل المدينة أب ً‬
‫فاذهب أنت وربك فقاتلهم‪ ,‬أما نحن فقاعدون هاهنا ولن نقاتلهم‪.‬‬
‫وهذا إصراٌر منهم على مخالفة موسى عليه السلم‪.‬‬

‫ن ال ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ك إل ّ نْفسههي وأ َ‬


‫ُ‬ ‫ل رب إني ل أ َ‬
‫ِ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ها‬
‫ه‬‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ف‬‫ها‬
‫ه‬ ‫ف‬ ‫هي‬
‫ه‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫َقا َ َ ّ ِ ّ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫ال َْفا ِ‬
‫سِقي َ‬
‫جه موسى إلى ربه داعًيا‪ :‬إني ل أقدر إل على نفسي وأخي‪,‬‬‫تو ّ‬
‫فاحكم بيننا وبين القوم الفاسقين‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ن ِفهي ال َ‬ ‫ة عَل َيهم أ َ‬


‫ض َفل َتهأ َ‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ههو‬
‫ُ‬ ‫تي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ه‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫عي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ر‬‫ْ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫م ٌ‬‫حّر َ‬
‫م َ‬‫ل فَإ ِن َّها ُ‬
‫َقا َ‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫سِقي َ‬ ‫عََلى ال َْقوْم ِ ال َْفا ِ‬
‫دسة محّرم على‬ ‫قال الله لنبيه موسى عليه السلم‪ :‬إن الرض المق ّ‬
‫هؤلء اليهود دخولها أربعين سنة‪ ,‬يتيهون في الرض حائرين‪ ,‬فل‬
‫تأسف ‪-‬يا موسى‪ -‬على القوم الخارجين عن طاعتي‪.‬‬

‫ل مه َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫حهدِهِ َ‬‫نأ َ‬ ‫حقّ إ ِذ ْ قَّرب َهها قُْرَبانها ً فَت ُُقب ّه َ ِ ْ‬ ‫م ِبال ْ َ‬‫ي آد َ َ‬
‫م ن َب َأ اب ْن َ ْ‬‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫َوات ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مت ِّقيهه َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ما ي َت ََقب ّ ُ‬ ‫ك َقا َ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ل لقْت ُل َن ّ َ‬ ‫خرِ َقا َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫م ي ُت ََقب ّ ْ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫‪(27‬‬
‫ي آدم قابيل‬ ‫خَبر ابن َ ْ‬
‫واقصص ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على بني إسرائيل َ‬
‫ل منهما قرباًنا ‪-‬وهو ما ي َُتقّرب به‬ ‫ق‪ :‬حين قَ ّ‬
‫دم ك ّ‬ ‫وهابيل‪ ,‬وهو خبٌر ح ٌ‬
‫إلى الله تعالى ‪ -‬فتقّبل الله ُقربان هابيل; لنه كان تقّيا‪ ,‬ولم يتقّبل‬
‫ل أخاه‪ ,‬وقال‪ :‬لقتلّنك‪,‬‬ ‫ُقربان قابيل; لنه لم يكن تقّيا‪ ,‬فحسد قابي ُ‬
‫َفرد ّ هابيل‪ :‬إنما يتقبل الله ممن يخشونه‪.‬‬

‫ك ل َقْت ُل َه َ‬
‫دي إ ِل َي ْه َ‬ ‫َ‬
‫ك إ ِن ّههي‬ ‫ط يَ ِ‬
‫س ٍ‬ ‫ك ل ِت َْقت ُل َِني َ‬
‫ما أَنا ب َِبا ِ‬ ‫ي ي َد َ َ‬ ‫ت إ ِل َ ّ‬
‫سط َ‬ ‫ل َئ ِ ْ‬
‫ن بَ َ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ف الل ّ َ‬
‫ه َر ّ‬ ‫خا ُ‬ ‫أَ َ‬
‫جد ُ مني‬ ‫ي يد َ‬
‫ك لتقُتلني ل ت َ ِ‬ ‫ت إل ّ‬
‫مد َد ْ َ‬ ‫ظا أخاه‪َ :‬لئ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ل واع ً‬
‫وقال هابي ُ‬
‫ب الخلئق أجمعين‪.‬‬ ‫مثل فْعلك‪ ,‬وإني أخشى الله ر ّ‬

‫‪204‬‬
‫كون م َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جَزاءُ‬ ‫ب الّنارِ وَذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫حا ِ‬
‫ص َ‬
‫نأ ْ‬‫ك فَت َ ُ َ ِ ْ‬
‫م َ‬
‫مي وَإ ِث ْ ِ‬
‫ن ت َُبوَء ب ِإ ِث ْ ِ‬
‫إ ِّني أِريد ُ أ ْ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫إني أريد أن ترجع حامل إثم قَْتلي‪ ,‬وإثمك الذي عليك قبل ذلك‪,‬‬
‫فتكون من أهل النار وملزميها‪ ,‬وذلك جزاء المعتدين‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(30‬‬
‫ري َ‬
‫س ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ح ِ‬ ‫ه فَأ ْ‬
‫صب َ َ‬ ‫ل أَ ِ‬
‫خيهِ فََقت َل َ ُ‬ ‫ه قَت ْ َ‬
‫س ُ‬ ‫ت لَ ُ‬
‫ه ن َْف ُ‬ ‫فَط َوّعَ ْ‬
‫سه أن يقتل أخاه‪ ,‬فقتله‪ ,‬فأصبح من الخاسرين‬ ‫فََزّينت لقابي َ‬
‫ل نف ُ‬
‫الذين باعوا آخرتهم بدنياهم‪.‬‬

‫سهوْأ َةَ أ َ ِ‬
‫خيههِ‬ ‫واِري َ‬ ‫ه ك َي ْه َ‬
‫ف ي ُه ُ َ‬ ‫ض ل ِي ُرِي َه ُ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫ث ِفي ال َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ه غَُرابا ً ي َب ْ َ‬ ‫ث الل ّ ُ‬ ‫فَب َعَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خههي‬ ‫س هوْأةَ أ ِ‬ ‫ب فَ هأَوارِيَ َ‬ ‫ذا ال ْغَُرا ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫نأ ُ‬
‫كو َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫جْز ُ‬ ‫ل َيا وَي ْل ََتا أعَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫فَأ َ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫َ‬ ‫مي‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫د‬‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ص‬‫ْ‬
‫ل أخاه لم يعرف ما يصنع بجسده‪ ,‬فأرسل الله غراًبا‬ ‫لما قتل قابي ُ‬
‫مي ًّتا; ليدل قابيل كيف‬
‫يحفر حفرةً في الرض ليدفن فيها غراًبا َ‬
‫ت أن أصنع مثل‬‫جب قابيل‪ ,‬وقال‪ :‬أعجز ُ‬ ‫جثمان أخيه؟ فتع ّ‬‫يدفن ُ‬
‫ن قابيل أخاه‪ ,‬فعاقبه الله‬‫صنيع هذا الغراب فأست َُر عورة أخي؟ فد َفَ َ‬
‫بالندامة بعد أن رجع بالخسران‪.‬‬

‫ل نَ ْ ً‬ ‫ك ك َتبنا عََلى بِني إسراِئي َ َ‬ ‫م َ‬


‫س‬‫فسا ب ِغَي ْرِ ن َْف َه ٍ‬ ‫ن قَت َ َ‬‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ل أن ّ ُ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ َ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َو فَسادٍ ِفي ال َ‬
‫حَياهَهها فَك َأن ّ َ‬
‫مهها‬ ‫نأ ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫ميعها ً وَ َ‬‫ج ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل الن ّهها َ‬ ‫ما قَت َ َ‬ ‫ض فَك َأن ّ َ‬‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫م ب َعْد َ‬ ‫ن ك َِثيرا ً ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫سل َُنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ميعا ً وَل ََقد ْ َ‬ ‫ج ِ‬
‫س َ‬ ‫حَيا الّنا َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫سرُِفو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض لَ ُ‬ ‫ك ِفي الْر ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬

‫عنا لبني اسرائيل أنه من قتل نفسا‬ ‫بسبب جناية القتل هذه َ‬
‫شَر ْ‬
‫بغير سبب من قصاص‪ ,‬أو فساد في الرض بأي نوع من أنواع‬
‫الفساد‪ ,‬الموجب للقتل كالشرك والمحاربة فكأنما قتل الناس‬
‫جميًعا فيما استوجب من عظيم العقوبة من الله‪ ,‬وأنه من امتنع‬
‫عن قَْتل نفس حّرمها الله فكأنما أحيا الناس جميًعا; فالحفاظ على‬
‫حرمة إنسان واحد حفاظ على حرمات الناس كلهم‪ .‬ولقد أتت بني‬
‫عوهم إليه من‬‫إسرائيل رسُلنا بالحجج والدلئل على صحة ما د َ‬
‫‪205‬‬
‫اليمان بربهم‪ ,‬وأداء ما فُرِ َ‬
‫ض عليهم‪ ,‬ثم إن كثيًرا منهم بعد مجيء‬
‫الرسل إليهم لمتجاوزون حدود الله بارتكاب محارم الله وترك‬
‫أوامره‪.‬‬

‫سههادا ً‬ ‫ن ِفي ال َ‬
‫ض فَ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫سعَوْ َ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه وَي َ ْ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫حارُِبو َ‬
‫ن يُ َ‬
‫ذي َ‬‫جَزاُء ال ّ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫وا ِ‬‫ف أوْ ُينَف ْ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫جل ُهُ ْ‬
‫م وَأْر ُ‬ ‫ديهِ ْ‬‫صل ُّبوا أوْ ت َُقط ّعَ أي ْ ِ‬‫ن ي َُقت ُّلوا أوْ ي ُ َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م)‬ ‫ظيه ٌ‬
‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خهَرةِ عَه َ‬‫م فِههي ال ِ‬ ‫دنَيا وَل َهُه ْ‬ ‫خْزيٌ ِفي ال ّ‬ ‫م ِ‬‫ك ل َهُ ْ‬‫ض ذ َل ِ َ‬‫الْر ِ‬
‫‪(33‬‬
‫إنما جزاء الذين يحاربون الله‪ ,‬ويبارزونه بالعداوة‪ ,‬ويعتدون على‬
‫أحكامه‪ ,‬وعلى أحكام رسوله‪ ,‬ويفسدون في الرض بقتل النفس‪,‬‬
‫صّلبوا مع القتل )والصلب‪ :‬أن ي ُ َ‬
‫شد ّ‬ ‫وسلب الموال‪ ,‬أن ي َُقّتلوا‪ ,‬أو ي ُ َ‬
‫طع يد ُ المحارب اليمنى ورجله اليسرى‪,‬‬ ‫الجاني على خشبة( أو ت ُْق َ‬
‫ده اليسرى ورجُله اليمنى‪ ,‬أو ُينَفوا إلى بلد غير‬ ‫ب ُتقطعْ ي ُ‬
‫فإن لم ي َت ُ ْ‬
‫بلدهم‪ ,‬وُيحبسوا في سجن ذلك البلد حتى َتظهر توبُتهم‪ .‬وهذا‬
‫ل في الدنيا‪ ,‬ولهم في‬‫ده الله للمحاربين هو ذ ّ‬ ‫الجزاء الذي أع ّ‬
‫الخرة عذاب شديد إن لم يتوبوا‪.‬‬

‫َ‬ ‫إل ّ ال ّذين تابوا من قَب ه َ‬


‫ن الل ّه َ‬
‫ه غَُفههوٌر‬ ‫م فَههاعْل َ ُ‬
‫موا أ ّ‬ ‫ن ت َْق هدُِروا عَل َي ْهِ ه ْ‬
‫لأ ْ‬‫ِ ْ ْ ِ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫ِ‬
‫م )‪(34‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫من أتى من المحاربين من قبل أن تقدروا عليهم وجاء طائًعا‬ ‫لكن َ‬
‫ما فإنه يسقط عنه ما كان لله‪ ,‬فاعلموا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬أن الله‬ ‫ناد ً‬
‫غفور لعباده‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫سههيل َ َ‬ ‫َ‬
‫دوا فِههي‬
‫جاهِه ُ‬
‫ة وَ َ‬ ‫ه َواب ْت َغُههوا إ ِل َي ْههِ ال ْوَ ِ‬
‫مُنوا ات ُّقههوا الل ّه َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬‫سِبيل ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬خافوا الله‪,‬‬
‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫وت ََقّربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه‪ ,‬وجاهدوا في سبيله; كي‬
‫تفوزوا بجناته‪.‬‬

‫ن ل َهم ما ِفي ال َ‬ ‫إن ال ّذين ك ََفروا ل َو أ َ‬


‫دوا‬
‫ه ل ِي َْفَتهه ُ‬
‫مع َ ُ‬ ‫مث ْل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ميعا ً وَ ِ‬
‫ج ِ‬
‫ض َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫‪206‬‬
‫َ‬
‫م )‪(36‬‬
‫ب أِلي ٌ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ما ت ُُقب ّ َ‬
‫ل ِ‬ ‫ب ي َوْم ِ ال ِْقَيا َ‬
‫مة ِ َ‬ ‫ن عَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ب ِهِ ِ‬
‫إن الذين جحدوا وحدانية الله‪ ,‬وشريعته‪ ,‬لو أنهم سلكوا جميع ما‬
‫في الرض‪ ,‬وملكوا مثله معه‪ ,‬وأرادوا أن يفتدوا أنفسهم يوم‬
‫القيامة من عذاب الله بما ملكوا‪ ,‬ما َتقّبل الله ذلك منهم‪ ,‬ولهم‬
‫موجع‪.‬‬
‫عذاب ُ‬

‫يريدو َ‬
‫ب‬ ‫عه َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫من َْهها وَل َُهه ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬
‫جي َ‬
‫خهارِ ِ‬
‫م بِ َ‬
‫هه ْ‬
‫مهها ُ‬
‫ن الّنارِ وَ َ‬
‫م ْ‬
‫جوا ِ‬
‫خُر ُ‬
‫ن يَ ْ‬
‫نأ ْ‬‫ُ ِ ُ َ‬
‫م )‪(37‬‬‫مِقي ٌ‬
‫ُ‬
‫يريد هؤلء الكافرون الخروج من النار لما يلقونه من أهوالها‪ ,‬ول‬
‫سبيل لهم إلى ذلك‪ ,‬ولهم عذاب دائم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن الل ّه ِ‬
‫ه‬ ‫مه ْ‬ ‫سَبا ن َ َ‬
‫كال ً ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫جَزاءً ب ِ َ‬ ‫ة َفاقْط َُعوا أي ْدِي َهُ َ‬
‫ما َ‬ ‫سارِقَ ُ‬‫سارِقُ َوال ّ‬‫َوال ّ‬
‫م )‪(38‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫زيٌز َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه عَ ِ‬
‫والسارق والسارقة فاقطعوا ‪-‬يا ولة المر‪ -‬أيديهما بمقتضى‬
‫ة‬
‫خذهما أموال الناس بغير حق‪ ,‬وعقوب ً‬‫الشرع‪ ,‬مجازاة لهما على أ َ ْ‬
‫يمنع الله بها غيرهما أن يصنع مثل صنيعهما‪ .‬والله عزيز في ملكه‪,‬‬
‫حكيم في أمره ونهيه‪.‬‬

‫َ‬
‫ن الل ّه َ‬
‫ه غَُفههوٌر‬ ‫ب عَل َي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َُتو ُ‬ ‫صل َ َ‬
‫ح فَإ ِ ّ‬ ‫ن ب َعْدِ ظ ُل ْ ِ‬
‫مهِ وَأ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ب ِ‬
‫ن َتا َ‬
‫م ْ‬‫فَ َ‬
‫م )‪(39‬‬ ‫حي ٌ‬‫َر ِ‬
‫من بعد سرقته‪ ,‬وأصلح في كل أعماله‪ ,‬فإن الله يقبل‬ ‫فمن تاب ِ‬
‫توبته‪ .‬إن الله غفور لعباده‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫ن يَ َ‬ ‫ت وال َ‬ ‫ُ‬ ‫مل ْ‬ ‫ه لَ‬ ‫ن الل ّ‬ ‫أ َل َم تعل َم أ َ‬


‫شاءُ وَي َغِْف هُر‬ ‫م ْ‬ ‫ض ي ُعَذ ّ ُ‬
‫ب َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َْ ْ‬
‫ديٌر )‪(40‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬
‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬
‫لِ َ‬
‫مدّبره ومالكه‪ ,‬وأنه‬
‫ألم تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن الله خالق الكون و ُ‬
‫تعالى الفّعال لما يريد‪ ,‬يعذب من يشاء‪ ,‬ويغفر لمن يشاء‪ ,‬وهو على‬
‫كل شيء قدير‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّه ِ‬‫مه ْ‬ ‫ن ِفهي ال ْك ُْفهرِ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫سهارِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬‫ك اّله ِ‬ ‫حُزْنه َ‬ ‫ل ل يَ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫َيا أي َّها الّر ُ‬
‫ن‬‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫سه ّ‬ ‫دوا َ‬ ‫ن هَهها ُ‬ ‫ن ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مه ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ن قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬
‫م‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫مّنا ب ِأ َفْ‬‫َقاُلوا آ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لل ْك َذب سماعون لَقوم آخريهن ل َهم يهأ ْ‬
‫ن ب َعْهدِ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫هو‬
‫ه‬ ‫ف‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫تو‬‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ ِ ِ َ ّ ُ َ ِ ْ ٍ َ ِ َ‬
‫مواضعِه يُقوُلون إ ُ‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬ ‫ح هذ َُروا وَ َ‬ ‫م ت ُؤْت َوْهُ َفا ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذوهُ وَإ ِ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ذا فَ ُ‬ ‫م هَ َ‬ ‫ن أوِتيت ُ ْ‬ ‫َ ِ ْ‬ ‫َ َ ِ ِ َ‬
‫ُ‬
‫م ي ُهرِد ْ الل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫ن ل َه ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫شْيئا ً أوْل َئ ِ َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫ك لَ ُ‬ ‫مل ِ َ‬‫ن تَ ْ‬ ‫ه فَل َ ْ‬ ‫ي ُرِد ْ الل ّ ُ‬
‫ه فِت ْن َت َ ُ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ظي ٌ‬
‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ عَ َ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫خْزيٌ وَل َهُ ْ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا ِ‬ ‫م ل َهُ ْ‬‫ن ي ُط َهَّر قُُلوب َهُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫)‪(41‬‬
‫يا أيها الرسول ل يحزنك الذين يسارعون في جحود نبوتك من‬
‫المنافقين الذين أظهروا السلم وقلوبهم خالية منه‪ ,‬فإني ناصرك‬
‫عليهم‪ .‬ول يحزنك تسّرع اليهود إلى إنكار نبوتك‪ ,‬فإنهم قوم‬
‫يستمعون للكذب‪ ,‬ويقبلون ما ي َْفَتريه أحباُرهم‪ ,‬ويستجيبون لقوم‬
‫دلون كلم الله من‬ ‫آخرين ل يحضرون مجلسك‪ ,‬وهؤلء الخرون ي ُب َ ّ‬
‫دلناه‬
‫بعد ما عََقلوه‪ ,‬ويقولون‪ :‬إن جاءكم من محمد ما يوافق الذي ب ّ‬
‫وحّرفناه من أحكام التوراة فاعملوا به‪ ,‬وإن جاءكم منه ما يخالفه‬
‫فاحذروا قبوله‪ ,‬والعمل به‪ .‬ومن يشأ الله ضللته فلن تستطيع ‪-‬أيها‬
‫ن هؤلء المنافقين‬ ‫الرسول‪ -‬د َفْعَ ذلك عنه‪ ,‬ول تقدر على هدايته‪ .‬وإ ّ‬
‫ل‬‫واليهود لم ي ُرِدِ الله أن يطّهر قلوبهم من دنس الكفر‪ ,‬لهم الذ ّ‬
‫والفضيحة في الدنيا‪ ,‬ولهم في الخرة عذاب عظيم‪.‬‬

‫م أ َْو‬
‫م ب َي ْن َهُ ه ْ‬‫حك ُ ْ‬‫ك فَهها ْ‬ ‫جههاُءو َ‬
‫ن َ‬‫ت ف َ هإ ِ ْ‬‫ح ِ‬ ‫سه ْ‬ ‫ن ِلل ّ‬
‫َ‬
‫ب أك ّههاُلو َ‬ ‫ن ل ِل ْك َهذِ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ت‬‫مه َ‬ ‫حك َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ش هْيئا ً وَإ ِ ْ‬
‫ك َ‬ ‫ض هّرو َ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫م فَل َه ْ‬ ‫ض عَن ْهُ ه ْ‬ ‫ن ت ُعْهرِ ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬‫ض عَن ْهُ ه ْ‬ ‫أعْهرِ ْ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫طي َ‬
‫س ِ‬‫مْق ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫ط إِ ّ‬‫س ِ‬ ‫م ِبال ِْق ْ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬‫حك ُ ْ‬‫َفا ْ‬
‫هؤلء اليهود يجمعون بين استماع الكذب وأكل الحرام‪ ,‬فإن جاؤوك‬
‫يتحاكمون إليك فاقض بينهم‪ ,‬أو اتركهم‪ ,‬فإن لم تحكم بينهم فلن‬
‫يقدروا على أن يضروك بشيء‪ ,‬وإن حكمت فاحكم بينهم بالعدل‪.‬‬
‫إن الله يحب العادلين‪.‬‬

‫ن ب َْعههدِ‬
‫م ْ‬ ‫م ي َت َوَل ّوْ َ‬
‫ن ِ‬ ‫م الل ّهِ ث ُ ّ‬
‫حك ْ ُ‬
‫م الت ّوَْراةُ ِفيَها ُ‬
‫عن ْد َهُ ْ‬‫ك وَ ِ‬ ‫مون َ َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫ف يُ َ‬‫وَك َي ْ َ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ما أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ِبال ْ ُ‬ ‫ك وَ َ‬‫ذ َل ِ َ‬

‫‪208‬‬
‫ن صنيع هؤلء اليهود عجيب‪ ,‬فهم يحتكمون إليك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬ ‫إ ّ‬
‫وهم ل يؤمنون بك‪ ,‬ول بكتابك‪ ,‬مع أن التوراة التي يؤمنون بها‬
‫من بعد حكمك إذا لم ُيرضهم‪,‬‬ ‫عندهم‪ ,‬فيها حكم الله‪ ,‬ثم يتوّلون ِ‬
‫فجمعوا بين الكفر بشرعهم‪ ,‬والعراض عن حكمك‪ ,‬وليس أولئك‬
‫المتصفون بتلك الصفات‪ ,‬بالمؤمنين بالله وبك وبما تحكم به‪.‬‬

‫إنا َأنزل ْنا التوراةَ فيها هُدى ونور يحك ُهم بههها النبيههون ال ّهذي َ‬
‫موا‬ ‫س هل َ ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِّّ َ‬ ‫ُ َِ‬ ‫َُ ٌ َ ْ‬ ‫ً‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ِّ‬
‫كاُنوا‬‫ب الل ّهِ وَ َ‬ ‫حِف ُ‬ ‫َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ن ك َِتا ِ‬
‫م ْ‬‫ظوا ِ‬ ‫ست ُ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫حَباُر ب ِ َ‬‫ن َوال ْ‬ ‫دوا َوالّرّبان ِّيو َ‬ ‫ها ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬
‫منها ً‬
‫شهت َُروا ِبآي َههاِتي ث َ َ‬‫شهوِْني َول ت َ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫س َوا ْ‬ ‫َ‬ ‫وا الن ّهها‬
‫ْ‬ ‫شه‬ ‫خ َ‬ ‫داَء َفل ت َ ْ‬ ‫شه َ َ‬ ‫عَل َي ْهِ ُ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ك هُ ْ‬ ‫ه فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫ما َأنَز َ‬ ‫م بِ َ‬‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫قَِليل ً وَ َ‬
‫إنا أنزلنا التوراة فيها إرشاد من الضللة‪ ,‬وبيان للحكام‪ ,‬وقد حكم‬
‫بها النبّيون ‪-‬الذين انقادوا لحكم الله‪ ,‬وأقروا به‪ -‬بين اليهود‪ ,‬ولم‬
‫حّرفوها‪ ,‬وحكم بها عُّباد اليهود وفقهاؤهم‬
‫يخرجوا عن حكمها ولم ي ُ َ‬
‫الذين يرّبون الناس بشرع الله; ذلك أن أنبياءهم قد استأمنوهم‬
‫على تبليغ التوراة‪ ,‬وفِْقه كتاب الله والعمل به‪ ,‬وكان الربانيون‬
‫والحبار شهداء على أن أنبياءهم قد قضوا في اليهود بكتاب الله‪.‬‬
‫ويقول تعالى لعلماء اليهود وأحبارهم‪ :‬فل تخشوا الناس في تنفيذ‬
‫ضّركم‪ ,‬ولكن اخشوني‬ ‫حكمي; فإنهم ل يقدرون على نفعكم ول َ‬
‫ضا‬
‫ت عو ً‬‫فإني أنا النافع الضار‪ ,‬ول تأخذوا بترك الحكم بما أنزل ُ‬
‫حقيًرا‪ .‬الحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر‪ ،‬فالذين‬
‫يبدلون حكم الله الذي أنزله في كتابه‪ ,‬فيكتمونه ويجحدونه‬
‫ويحكمون بغيره معتقدين حله وجوازه فأولئك هم الكافرون‪.‬‬

‫ف بهها َ‬ ‫َ‬ ‫س ِبالن ّْفس َوال ْعَي ْ َ ْ‬ ‫َ‬


‫ف‬‫لن ِ‬ ‫ن َوالن ه َ ِ‬ ‫ن ِبالعَي ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن الن ّْف َ‬ ‫م ِفيَها أ ّ‬ ‫وَك َت َب َْنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫ن َوال ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َوال ُذ ُ َ‬
‫ص هد ّقَ ب ِههِ فَهُ ه َ‬
‫و‬ ‫ن تَ َ‬‫م ْ‬ ‫ص فَ َ‬ ‫صا ٌ‬ ‫ح قِ ُ َ‬
‫جُرو َ‬ ‫س ّ‬‫ن ِبال ّ‬ ‫س ّ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ن ِبالذ ُ ِ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ه فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫ما َأنَز َ‬ ‫حك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫م يَ ْ‬‫ن لَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ك َّفاَرةٌ ل َ ُ‬
‫وفََرضنا عليهم في التوراة أن النفس ت ُْقَتل بالنفس‪ ,‬والعين ت ُْفَقأ‬
‫ن ت ُْقل َ ُ‬
‫ع‬ ‫دع بالنف‪ ,‬والُذن ت ُْقطع بال ُ‬
‫ذن‪ ,‬والس ّ‬ ‫ج َ‬‫بالعين‪ ,‬والنف ي ُ ْ‬
‫ص في الجروح‪ ,‬فمن تجاوز عن حقه في‬ ‫ن‪ ,‬وأّنه ي ُْقت َ ّ‬
‫بالس ّ‬
‫معتدي فذلك تكفير لبعض ذنوب المعتدى عليه‬ ‫القتصاص من ال ُ‬
‫ة لها‪ .‬ومن لم يحكم بما أنزل الله في القصاص وغيره‪,‬‬ ‫وإزال ٌ‬
‫فأولئك هم المتجاوزون حدود الله‪.‬‬
‫‪209‬‬
‫ن‬‫مه ْ‬
‫ي َهد َي ْهِ ِ‬ ‫ن‬
‫مهها ب َي ْه َ‬‫دقا ً ل ِ َ‬‫صه ّ‬‫م َ‬‫م ُ‬ ‫مْري َه َ‬
‫ن َ‬‫سى اب ْه ِ‬ ‫م ب ِِعي َ‬‫عََلى آَثارِهِ ْ‬ ‫وَقَّفي َْنا‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ي َهد َي ْهِ ِ‬ ‫ن‬‫مهها ب َي ْه َ‬‫دقا ً ل ِ َ‬‫صه ّ‬‫م َ‬‫دى وَن ُههوٌر وَ ُ‬ ‫ل ِفيهِ هُ ً‬ ‫جي َ‬‫لن ِ‬
‫َوآت َي َْناهُ ا ِ‬ ‫الت ّوَْراةِ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫عظ َ ً‬‫مو ْ ِ‬‫دى وَ َ‬ ‫وَهُ ً‬ ‫الت ّوَْراةِ‬
‫وأتبعنا أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم مؤمًنا بما في التوراة‪,‬‬
‫عامل بما فيها مما لم ينسخه كتابه‪ ,‬وأنزلنا إليه النجيل هاديا إلى‬
‫دا على صدق‬ ‫من حكم الله‪ ,‬وشاه ً‬ ‫الحق‪ ,‬ومبي ًّنا لما جهله الناس ِ‬
‫التوراة بما اشتمل عليه من أحكامها‪ ,‬وقد جعلناه بياًنا للذين‬
‫يخافون الله وزاجًرا لهم عن ارتكاب المحّرمات‪.‬‬

‫ه‬ ‫ما َأنَز َ‬


‫ل الل ّ ُ‬ ‫حك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِفيهِ وَ َ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫ل بِ َ‬‫جي ِ‬
‫لن ِ‬
‫لا ِ‬ ‫م أ َهْ ُ‬
‫حك ُ ْ‬‫وَل ْي َ ْ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫سُقو َ‬‫م ال َْفا ِ‬‫ك هُ ْ‬ ‫فَأ ُوْل َئ ِ َ‬

‫سل إليهم عيسى بما أنزل الله فيه‪.‬‬ ‫ُ‬


‫وليحكم أهل النجيل الذين أر ِ‬
‫ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الخارجون عن أمره‪,‬‬
‫العاصون له‪.‬‬

‫منا ً‬
‫مهَي ْ ِ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬
‫ب وَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ِ‬‫ما ب َي ْ َ‬ ‫دقا ً ل ِ َ‬‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫حقّ ُ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫وََأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫جههاءَ َ‬ ‫مهها َ‬ ‫م عَ ّ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ه َول ت َت ّب ِهعْ أهْ ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫عَل َي ْهِ َفا ْ‬
‫شههاَء الل ّهه ل َجعل َك ُه ُ‬ ‫من َْهاجا ً وَل َهوْ َ‬
‫ة‬‫مه ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫شْرعَ ً‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫حقّ ل ِك ُ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ت إ ِل َههى الل ّه ِ‬
‫ه‬ ‫خي ْهَرا ِ‬ ‫س هت َب ُِقوا ال ْ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫مهها آت َههاك ُ ْ‬ ‫م فِههي َ‬ ‫ن ل ِي َب ْل ُهوَك ُ ْ‬ ‫حد َةً وَل َك ِ ْ‬ ‫َوا ِ‬
‫ن )‪(48‬‬ ‫خت َل ُِفو َ‬ ‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ما ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ميعا ً فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعُك ُ ْ‬‫مْر ِ‬ ‫َ‬
‫وأنزلنا إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن‪ ,‬وكل ما فيه حقّ يشهد على‬
‫صدق الكتب قبله‪ ,‬وأنها من عند الله‪ ,‬مصدًقا لما فيها من صحة‪،‬‬
‫خا لبعض شرائعها‪ ,‬فاحكم بين‬ ‫ومبي ًّنا لما فيها من تحريف‪ ،‬ناس ً‬
‫المحتكمين إليك من اليهود بما أنزل الله إليك في هذا القرآن‪ ,‬ول‬
‫تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهوائهم وما اعتادوه‪,‬‬
‫فقد جعلنا لكل أمة شريعة‪ ,‬وطريقة واضحة يعملون بها‪ .‬ولو شاء‬
‫الله لجعل شرائعكم واحدة‪ ,‬ولكنه تعالى خالف بينها ليختبركم‪,‬‬
‫فيظهر المطيع من العاصي‪ ,‬فسارعوا إلى ما هو خير لكم في‬
‫الدارين بالعمل بما في القرآن‪ ,‬فإن مصيركم إلى الله‪ ,‬فيخبركم‬
‫بما كنتم فيه تختلفون‪ ,‬ويجزي كل بعمله‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫ل الل ّهه ول تتب هع أ َهْ هواَءهُم واح هذ َرهُ َ‬ ‫مهها َأن هَز َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ْ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َِّ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُه ْ‬
‫م ب َي ْن َهُ ه ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ك فَإن تول ّوا َفاعْل َ َ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫ري هد ُ الل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫ما ي ُ ِ‬‫م أن ّ َ‬
‫ْ‬ ‫ه إ ِل َي ْ َ ِ ْ َ َ ْ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ب َعْ ِ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ي َْفت ُِنو َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫سُقو َ‬ ‫س ل ََفا ِ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫ن ك َِثيرا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫ض ذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫م وَإ ِ ّ‬ ‫م ب ِب َعْ ِ‬ ‫صيب َهُ ْ‬‫ن يُ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫واحكم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بين اليهود بما أنزل الله إليك في القرآن‪ ,‬ول‬
‫دوك عن بعض ما‬ ‫تتبع أهواء الذين يحتكمون إليك‪ ,‬واحذرهم أن يص ّ‬
‫ما تحكم به‬
‫أنزل الله إليك فتترك العمل به‪ ,‬فإن أعرض هؤلء ع ّ‬
‫ب اكتسبوها‬
‫فاعلم أن الله يريد أن يصرفهم عن الهدى بسبب ذنو ٍ‬
‫من قبل‪ .‬وإن كثيًرا من الناس َلخارجون عن طاعة ربهم‪.‬‬

‫أ َفَحك ْم ال ْجاهل ِية يبُغون وم َ‬


‫كما ً ل َِقههوْم ٍ ُيوقُِنههو َ‬
‫ن)‬ ‫ن الل ّهِ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫َ َ َ ْ‬ ‫َ ِ ّ ِ َْ‬ ‫ُ َ‬
‫‪(50‬‬
‫أيريد هؤلء اليهود أن تحكم بينهم بما تعارف عليه المشركون عبدةُ‬
‫من‬‫دا و َ‬
‫الوثان من الضللت والجهالت؟! ل يكون ذلك ول يليق أب ً‬
‫شْرعه‪ ,‬وآمن به‪,‬‬ ‫من الله في حكمه لمن عقل عن الله َ‬‫أعدل ِ‬
‫وأيقن أن حكم الله هو الحق؟‬

‫م أ َوْل ِي َههاءُ‬
‫ض هه ُ ْ‬
‫َ‬
‫صاَرى أوْل ِي َههاَء ب َعْ ُ‬ ‫ذوا ال ْي َُهود َ َوالن ّ َ‬ ‫خ ُ‬
‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫ظههال ِ ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫دي ال َْقوْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫م إِ ّ‬‫من ْهُ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫م فَإ ِن ّ ُ‬‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ي َت َوَل ّهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض وَ َ‬‫ب َعْ ٍ‬
‫)‪(51‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى حلفاَء وأنصاًرا على‬
‫دون المؤمنين‪ ,‬فاليهود يوالي بعضهم‬ ‫أهل اليمان; ذلك أنهم ل ُيوا ّ‬
‫ضا‪ ,‬وكذلك النصارى‪ ,‬وكل الفريقين يجتمع على عداوتكم‪ .‬وأنتم‬ ‫بع ً‬
‫ضا‪ .‬ومن يتولهم منكم‬ ‫ضكم بع ً‬
‫‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬أجدُر بأن ينصر بع ُ‬
‫فإنه يصير من جملتهم‪ ,‬وحكمه حكمهم‪ .‬إن الله ل يوفق الظالمين‬
‫الذين يتولون الكافرين‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫شههى أ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ِفيِهم ي َُقول ُههو َ‬
‫ن نَ ْ‬ ‫عو َ‬
‫سارِ ُ‬
‫ض يُ َ‬‫مَر ْ ٌ‬‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫ذي َ‬‫فَت ََرى ال ّ ِ‬
‫تصيبنا دائ ِرةٌ فَعسى الل ّه أ َن يأت ِي بال َْفت َ َ‬
‫حوا‬ ‫عن ْهدِهِ فَي ُ ْ‬
‫صهب ِ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫مرٍ ِ‬
‫ح أو ْ أ ْ‬
‫ُ ْ َ َ ِ ِْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ِ ََ َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(52‬‬ ‫مي َ‬
‫م َنادِ ِ‬
‫سه ِ ْ‬‫سّروا ِفي أنُف ِ‬ ‫ما أ َ‬ ‫عََلى َ‬

‫‪211‬‬
‫يخبر الله تعالى عن جماعة من المنافقين أنهم كانوا يبادرون في‬
‫موادة اليهود لما في قلوبهم من الش ّ‬
‫ك والنفاق‪ ,‬ويقولون‪ :‬إنما‬
‫دهم خشية أن يظفروا بالمسلمين فيصيبونا معهم‪ ,‬قال الله‬ ‫نوا ّ‬
‫تعالى ذكره‪ :‬فعسى الله أن يأتي بالفتح ‪-‬أي فتح "مكة"‪ -‬وينصر‬
‫ن َب ِّيه‪ ,‬وي ُظ ِْهر السلم والمسلمين على الكفار‪ ,‬أو ُيهّيئ من المور ما‬
‫تذهب به قوةُ اليهود والّنصارى‪ ,‬فيخضعوا للمسلمين‪ ,‬فحينئذٍ يندم‬
‫المنافقون على ما أضمروا في أنفسهم من موالتهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ؤلِء ال ّذي َ‬ ‫َ‬


‫م‬
‫م إ ِن ّهُه ْ‬
‫مههان ِهِ ْ‬ ‫موا ب ِههالل ّهِ َ‬
‫جهْهد َ أي ْ َ‬ ‫سه ُ‬‫ن أقْ َ‬
‫مُنوا أهَ ُ َ ِ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬
‫وَي َُقو ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(53‬‬ ‫ري َ‬‫س ِ‬
‫خا ِ‬‫حوا َ‬‫صب َ ُ‬ ‫مال ُهُ ْ‬
‫م فَأ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬‫حب ِط َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫لَ َ‬
‫معَك ُ ْ‬
‫جبين من حال المنافقين ‪-‬إذا‬ ‫متع ّ‬
‫وحينئذ يقول بعض المؤمنين لبعض ُ‬
‫شف أمرهم‪ :-‬أهؤلء الذين أقسموا بأغلظ اليمان إنهم ل َ َ‬
‫مَعنا؟!‬ ‫كُ ِ‬
‫بطلت أعمال المنافقين التي عملوها في الدنيا‪ ,‬فل ثواب لهم‬
‫عليها; لنهم عملوها على غير إيمان‪ ,‬فخسروا الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف ي َأِتي الل ّه ُ‬
‫ه ب َِق هوْم ٍ‬ ‫سو ْ َ‬‫ن ِدين ِهِ فَ َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ي َْرت َد ّ ِ‬
‫م ْ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‬‫دو َ‬
‫جاهِه ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫عهّزةٍ عَل َههى ال ْك َههافِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ن أَ ِ‬‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ه أذِل ّةٍ عََلى ال ْ ُ‬
‫حبون َ‬
‫م وَي ُ ِ ّ َ ُ‬‫حب ّهُ ْ‬‫يُ ِ‬
‫ن يَ َ‬
‫شاُء‬ ‫م ْ‬‫ل الل ّهِ ي ُؤِْتيهِ َ‬‫ض ُ‬‫ك فَ ْ‬ ‫ة لئ ِم ٍ ذ َل ِ َ‬ ‫م َ‬‫ن ل َوْ َ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫ل الل ّهِ َول ي َ َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ِفي َ‬
‫م )‪(54‬‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه من يرجع منكم‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫عن دينه‪ ,‬ويستبدل به اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك‪ ,‬فلن يضّروا‬
‫حّبهم ويحبونه‪ ,‬رحماء‬ ‫الله شيًئا‪ ,‬وسوف يأتي الله بقوم خير منهم ي ُ ِ‬
‫داء على الكافرين‪ ,‬يجاهدون أعداء الله‪ ,‬ول يخافون‬ ‫بالمؤمنين أش ّ‬
‫من فضل الله يؤتيه من أراد‪ ,‬والله‬ ‫دا‪ .‬ذلك النعام ِ‬
‫في ذات الله أح ً‬
‫واسع الفضل‪ ,‬عليم بمن يستحقه من عباده‪.‬‬

‫صلةَ وَي ُؤُْتو َ‬


‫ن‬ ‫ن ال ّ‬
‫مو َ‬
‫ن ي ُِقي ُ‬ ‫مُنوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَل ِي ّك ُ ْ‬
‫إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫م َراك ُِعو َ‬ ‫كاةَ وَهُ ْ‬ ‫الّز َ‬

‫‪212‬‬
‫إنما ناصركم ‪-‬أّيها المؤمنون‪ -‬الله ورسوله‪ ,‬والمؤمنون الذين‬
‫يحافظون على الصلة المفروضة‪ ,‬ويؤدون الزكاة عن رضا نفس‪,‬‬
‫وهم خاضعون لله‪.‬‬

‫م ال ْغَههال ُِبو َ‬
‫ن)‬ ‫ب الل ّهِ هُ ْ‬
‫حْز َ‬ ‫مُنوا فَإ ِ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ل الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي َت َوَ ّ‬
‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫‪(56‬‬
‫ومن وثق بالله وتوّلى الله ورسوله والمؤمنين‪ ,‬فهو من حزب الله‪,‬‬
‫وحزب الله هم الغالبون المنتصرون‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫م هُ هُزوا ً وَل َِعب ها ً ِ‬‫ذوا ِدين َك ُه ْ‬ ‫خه ُ‬‫ن ات ّ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ذوا ال ّه ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬ ‫ال ّذي ُ‬
‫م‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫م َوال ْك ُّفههاَر أوْل ِي َههاَء َوات ُّقههوا الل ّه َ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬
‫ب ِ‬ ‫ِ َ‬
‫ن )‪(57‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ُ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ل تتخذوا الذين‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫يستهزئون ويتلعبون بدينكم من أهل الكتاب والكفاَر أولياَء‪ ,‬وخافوا‬
‫الله إن كنتم مؤمنين به وبشرعه‪.‬‬

‫ذوها ه هزوا ً ول َعب ها ً ذ َل ه َ َ‬


‫م ق َ هو ْ ٌ‬
‫مل‬ ‫ك ب ِهأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫خه ُ َ ُ ُ‬ ‫م إ ِل َههى ال ّ‬
‫صههلةِ ات ّ َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ذا ن َههاد َي ْت ُ ْ‬
‫ن )‪(58‬‬ ‫ي َعِْقُلو َ‬
‫ذن مؤذنكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬بالصلة سخر اليهود والنصارى‬‫وإذا أ ّ‬
‫والمشركون واستهزؤوا من دعوتكم إليها؛ وذلك بسبب جهلهم‬
‫بربهم‪ ،‬وأنهم ل يعقلون حقيقة العبادة‪.‬‬

‫مهها ُأنهزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْن َهها‬ ‫مّنا ب ِههالل ّهِ وَ َ‬
‫َ‬
‫مّنا إ ِل ّ أ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ِ‬‫مو َ‬ ‫ل َتنِق ُ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ب هَ ْ‬ ‫ل َيا أ َهْ َ‬‫قُ ْ‬
‫ل وأ َ َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫سُقو َ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫ن أك ْث ََرك ُ ْ‬‫ن قَب ْ ُ َ ّ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫وَ َ‬
‫دونه‬‫ج ُ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المستهزئين من أهل الكاب‪ :‬ما ت َ ِ‬
‫مطعًنا أو عيًبا هو محمدة لنا‪ :‬من إيماننا بالله وكتبه المنزلة علينا‪,‬‬
‫وعلى من كان قبلنا‪ ,‬وإيماننا بأن أكثركم خارجون عن الطريق‬
‫المستقيم!‬

‫‪213‬‬
‫ل هَ ْ ُ‬
‫ب‬ ‫ضهه َ‬ ‫ه الّلهه ُ‬
‫ه وَغَ ِ‬ ‫ن ل َعَن َ ُ‬
‫م ْ‬‫عن ْد َ الل ّهِ َ‬ ‫مُثوب َ ً‬
‫ة ِ‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬‫م ْ‬
‫شّر ِ‬ ‫م بِ َ‬‫ل أن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫كان ها ً‬ ‫ُ‬
‫ت أوْل َئ ِ َ‬ ‫خَناِزيَر وَعَب َد َ ال ّ‬ ‫م ال ِْقَرد َةَ َوال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ك َ‬
‫شّر َ‬ ‫غو َ‬‫طا ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫جع َ َ‬‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫ل )‪(60‬‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬
‫سِبي ِ‬
‫واِء ال ّ‬ ‫س َ‬‫ن َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫وَأ َ‬
‫قل ‪-‬أيها النبي‪ -‬للمؤمنين‪ :‬هل أخبركم بمن ُيجاَزى يوم القيامة‬
‫من جزاء هؤلء الفاسقين؟ إنهم أسلفهم الذين طردهم‬ ‫جزاًء أشد ّ ِ‬
‫خْلقهم‪ ,‬فجعل منهم القردة‬ ‫س َ‬
‫خ َ‬ ‫م َ‬
‫ضب عليهم‪ ,‬و َ‬‫الله من رحمته وغَ ِ‬
‫والخنازير‪ ,‬بعصيانهم وافترائهم وتكبرهم‪ ,‬كما كان منهم عُّباد‬
‫ض(‪ ,‬لقد ساء‬ ‫الطاغوت )وهو كل ما عُِبد من دون الله وهو را ٍ‬
‫سعُْيهم في الدنيا عن الطريق الصحيح‪.‬‬ ‫ل َ‬‫مكانهم في الخرة‪ ,‬وض ّ‬

‫جههوا ب ِههِ َوالل ّه ُ‬


‫ه‬ ‫خَر ُ‬ ‫خُلوا ِبال ْك ُْفرِ وَهُ ْ‬
‫م قَد ْ َ‬ ‫م َقاُلوا آ َ‬
‫مّنا وَقَد ْ د َ َ‬ ‫جاُءوك ُ ْ‬‫ذا َ‬‫وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(61‬‬ ‫مو َ‬‫كاُنوا ي َك ْت ُ ُ‬
‫ما َ‬ ‫أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬
‫وإذا جاءكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬منافقو اليهود‪ ,‬قالوا‪ :‬آمّنا‪ ,‬وهم مقيمون‬
‫على كفرهم‪ ,‬قد دخلوا عليكم بكفرهم الذي يعتقدونه بقلوبهم‪ ,‬ثم‬
‫خرجوا وهم مصّرون عليه‪ ,‬والله أعلم بسرائرهم‪ ,‬وإن أظهروا‬
‫خلف ذلك‪.‬‬

‫َ‬
‫ت‬
‫ح َ‬
‫سه ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫ن فِههي ال ِث ْهم ِ َوال ْعُ هد َْوا ِ‬
‫ن وَأك ْل ِهِ ه ْ‬ ‫عو َ‬
‫سارِ ُ‬‫م يُ َ‬ ‫وَت ََرى ك َِثيرا ً ِ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ن )‪(62‬‬ ‫مُلو َ‬‫كاُنوا ي َعْ َ‬‫ما َ‬ ‫ل َب ِئ ْ َ‬
‫س َ‬
‫وترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كثيًرا من اليهود يبادرون إلى المعاصي من‬
‫قول الكذب والزور‪ ,‬والعتداء على أحكام الله‪ ,‬وأ ْ‬
‫كل أموال الناس‬
‫بالباطل‪ ,‬لقد ساء عملهم واعتداؤهم‪.‬‬

‫َ‬
‫ت‬
‫ح َ‬
‫سه ْ‬ ‫م وَأك ْل ِهِ ه ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫ن قَ هوْل ِهِ ْ‬
‫م ال ِث ْه َ‬ ‫ن َوال َ ْ‬
‫حب َههاُر عَه ْ‬ ‫م الّرّبان ِّيو َ‬ ‫لَ ْ‬
‫ول ي َن َْهاهُ ْ‬
‫ن )‪(63‬‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل َب ِئ ْ َ‬
‫هل ينهى هؤلء الذين يسارعون في الثم والعدوان أئمُتهم‬
‫وعلماؤهم‪ ,‬عن قول الكذب والزور‪ ,‬وأكل أموال الناس بالباطل‪,‬‬
‫لقد ساء صنيعهم حين تركوا النهي عن المنكر‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫ما َقاُلوا ب َه ْ‬ ‫َ‬
‫داهُ‬
‫ل ي َه َ‬ ‫م وَل ُعُِنوا ب ِ َ‬ ‫ديهِ ْ‬
‫ت أي ْ ِ‬ ‫ة غُل ّ ْ‬ ‫مغُْلول َ ٌ‬ ‫ت ال ْي َُهود ُ ي َد ُ الل ّهِ َ‬ ‫وََقال َ ْ‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬‫ك ِ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْه َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َِثيرا ً ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫زيد َ ّ‬ ‫شاُء وَل َي َ ِ‬ ‫ف يَ َ‬ ‫ن ُينِفقُ ك َي ْ َ‬ ‫سوط ََتا ِ‬ ‫مب ْ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫مه ِ‬‫ضاَء إ ِل َههى ي َهوْم ِ ال ِْقَيا َ‬‫داوَةَ َوال ْب َغْ َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫ك ط ُغَْيانا ً وَك ُْفرا ً وَأل َْقي َْنا ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫سههادا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض فَ َ‬ ‫ن فِههي الْر ِ‬ ‫س هعَوْ َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬‫ب أط َْفأهَهها الل ّه ُ‬ ‫حْر ِ‬ ‫دوا َنارا ً ل ِل ْ َ‬ ‫ما أوْقَ ُ‬ ‫ك ُل ّ َ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫مْف ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬‫ه ل يُ ِ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ُيطلع الله ن َب ِّيه على شيء من مآثم اليهود ‪-‬وكان مما ُيسّرونه فيما‬
‫ل علينا‬‫خ َ‬
‫بينهم‪ -‬أنهم قالوا‪ :‬يد الله محبوسة عن فعل الخيرات‪ ,‬ب َ ِ‬
‫ت أيديهم‪,‬‬ ‫دب وقحط‪ .‬غُل ّ ْ‬
‫ج ْ‬‫بالرزق والتوسعة‪ ,‬وذلك حين لحقهم َ‬
‫ل الخيرات‪ ,‬وطردهم الله من رحمته‬ ‫أي‪ :‬حبست أيديهم هم عن فِعْ ِ‬
‫بسبب قولهم‪ .‬وليس المر كما يفترونه على ربهم‪ ,‬بل يداه‬
‫جَر عليه‪ ,‬ول مانع يمنعه من النفاق‪ ,‬فإنه الجواد‬ ‫ح ْ‬
‫مبسوطتان ل َ‬
‫الكريم‪ ,‬ينفق على مقتضى الحكمة وما فيه مصلحة العباد‪ .‬وفي‬
‫الية إثبات لصفة اليدين لله سبحانه وتعالى كما يليق به من غير‬
‫تشبيه ول تكييف‪ .‬لكنهم سوف يزدادون طغياًنا وكفًرا بسبب‬
‫حقدهم وحسدهم; لن الله قد اصطفاك بالرسالة‪ .‬ويخبر تعالى أن‬
‫ضا‪ ,‬وينفر‬
‫طوائف اليهود سيظلون إلى يوم القيامة يعادي بعضهم بع ً‬
‫بعضهم من بعض‪ ,‬كلما تآمروا على الكيد للمسلمين بإثارة الفتن‬
‫وإشعال نار الحرب رد ّ الله كيدهم‪ ,‬وفّرق شملهم‪ ,‬ول يزال اليهود‬
‫يعملون بمعاصي الله مما ينشأ عنها الفساد والضطراب في‬
‫الرض‪ .‬والله تعالى ل يحب المفسدين‪.‬‬

‫م‬ ‫م وَل َد ْ َ‬
‫خل َْنههاهُ ْ‬ ‫سههي َّئات ِهِ ْ‬ ‫وا ل َك َّفْرَنا عَن ْهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫مُنوا َوات َّق ْ‬
‫بآ َ‬ ‫ن أ َهْ َ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫َ‬
‫وَل َوْ أ ّ‬
‫ت الن ِّعيم ِ )‪(65‬‬ ‫جّنا ِ‬‫َ‬
‫دقوا الله ورسوله‪ ,‬وامتثلوا أوامر الله‬
‫ولو أن اليهود والنصارى ص ّ‬
‫واجتنبوا نواهيه‪ ,‬لكّفرنا عنهم ذنوبهم‪ ,‬ولدخلناهم جنات النعيم في‬
‫الدار الخرة‪.‬‬

‫م ل َك َل ُههوا‬‫ن َرب ّهِ ه ْ‬


‫مه ْ‬‫م ِ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْهِ ه ْ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫جي َ‬‫لن ِ‬
‫ِ‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫را‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫و‬‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫موا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫ول َو أ َنهم أ َ‬
‫َ ْ ُّ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سههاءَ‬ ‫م َ‬ ‫صد َةٌ وَك َِثيهٌر ِ‬
‫من ْهُه ْ‬ ‫مْقت َ ِ‬ ‫ة ُ‬‫م ٌ‬‫مأ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫م ِ‬‫جل ِهِ ْ‬
‫ت أْر ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن تَ ْ‬‫م ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫ن فَوْقِهِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫مُلو َ‬‫ما ي َعْ َ‬ ‫َ‬

‫‪215‬‬
‫زل عليك أيها‬ ‫ُ‬
‫ولو أّنهم عملوا بما في التوراة والنجيل‪ ,‬وبما أن ْ ِ‬
‫ل‪ ,‬فأنزلنا‬‫ل سبي ٍ‬ ‫الرسول ‪ -‬وهو القرآن الكريم ‪ -‬لُرِزقوا من ك ّ‬
‫من أهل‬ ‫ن ِ‬
‫عليهم المطر‪ ,‬وأنبتنا لهم الثمر‪ ,‬وهذا جزاء الدنيا‪ .‬وإ ّ‬
‫الكتاب فريًقا معتدل ثابًتا على الحق‪ ,‬وكثير منهم ساء عمُله‪ ,‬وضل‬
‫عن سواء السبيل‪.‬‬

‫مهها ب َل ّْغهه َ‬
‫ت‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م ت َْفعَ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك وَإ ِ ْ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ل ب َل ّغْ َ‬
‫سو ُ‬ ‫َ‬
‫َيا أي َّها الّر ُ‬
‫ن)‬‫ري َ‬‫م ال ْك َههافِ ِ‬
‫دي ال َْقهوْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫س إِ ّ‬‫ن الّنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬‫م َ‬
‫ص ُ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ه ي َعْ ِ‬ ‫سال َت َ ُ‬‫رِ َ‬
‫‪(67‬‬
‫صرت‬‫زل إليك من ربك‪ ,‬وإن ق ّ‬ ‫يا أيها الرسول بّلغ وحي الله الذي أن ِ‬
‫ت منه شيًئا‪ ,‬فإنك لم ت ُب َّلغ رسالة رّبك‪ ,‬وقد بّلغ‬
‫م َ‬‫في البلغ فَك َت َ ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم رسالة ربه كاملة‪ ,‬فمن زعم أنه كتم شيًئا‬
‫زل عليه‪ ,‬فقد أعظم على الله ورسوله الفرية‪ .‬والله تعالى‬ ‫مما أن ِ‬
‫حافظك وناصرك على أعدائك‪ ,‬فليس عليك إل البلغ‪ .‬إن الله ل‬
‫من حاد عن سبيل الحق‪ ,‬وجحد ما جئت به من عند‬ ‫يوفق للرشد َ‬
‫الله‪.‬‬

‫جيه َ‬
‫ل‬ ‫لن ِ‬
‫مههوا ُ الت ّهوَْراةَ َوا ِ‬‫حّتى ت ُِقي ُ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫ب لَ ْ‬
‫ست ُ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ل َيا أ َهْ َ‬
‫قُ ْ‬
‫ك‬‫ن َرب ّ َ‬‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬
‫ما أنزِ َ‬
‫م َ‬ ‫ن ك َِثيرا ً ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫م وَل َي َ ِ‬
‫زيد َ ّ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م ْْ‬‫م ِ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(68‬‬ ‫ري َ‬ ‫س عََلى ال َْقوْم ِ ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ط ُغَْيانا ً وَك ُْفرا ً َفل ت َأ َ‬
‫ظ من‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لليهود والنصارى‪ :‬إنكم لستم على ح ّ‬
‫الدين ما دمتم لم تعملوا بما في التوراة والنجيل‪ ,‬وما جاءكم به‬
‫محمد من القرآن‪ ,‬وإن كثيًرا من أهل الكتاب ل يزيدهم إنزا ُ‬
‫ل‬
‫القرآن إليك إل تجب ًّرا وجحوًدا‪ ,‬فهم يحسدونك; لن الله بعثك بهذه‬
‫الرسالة الخاتمة‪ ,‬التي ب َّين فيها معايبهم‪ ,‬فل تحزن ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫على تكذيبهم لك‪.‬‬

‫ن ب ِههالل ّهِ‬
‫مه َ‬
‫نآ َ‬‫مه ْ‬‫صههاَرى َ‬ ‫ن َوالن ّ َ‬ ‫صاب ُِئو َ‬
‫دوا َوال ّ‬
‫ها ُ‬
‫ن َ‬ ‫مُنوا َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن )‪(69‬‬ ‫حَزُنو َ‬‫م يَ ْ‬
‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫صاِلحا ً َفل َ‬
‫خو ْ ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫خرِ وَعَ ِ‬

‫‪216‬‬
‫إن الذين آمنوا )وهم المسلمون( واليهود‪ ,‬والصابئين )وهم قوم‬
‫باقون على فطرتهم‪ ,‬ول دين مقرر لهم يتبعونه( والنصارى )وهم‬
‫أتباع المسيح( من آمن منهم بالله اليمان الكامل‪ ,‬وهو توحيد الله‬
‫والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به‪ ,‬وآمن باليوم‬
‫الخر‪ ,‬وعمل العمل الصالح‪ ,‬فل خوف عليهم من أهوال يوم‬
‫القيامة‪ ,‬ول هم يحزنون على ما تركوه وراءهم في الدنيا‪.‬‬

‫خذ ْنا ميَثاقَ بن ِههي إسهراِئي َ َ‬ ‫َ‬


‫م‬
‫جههاَءهُ ْ‬ ‫سهل ً ك ُل ّ َ‬
‫مهها َ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫سهل َْنا إ ِل َي ْهِه ْ‬
‫ل وَأْر َ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ل ََقد ْ أ َ َ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(70‬‬ ‫ريقا ً ي َْقت ُُلو َ‬‫ريقا ً ك َذ ُّبوا وَفَ ِ‬ ‫م فَ ِ‬‫سه ُ ْ‬
‫وى أنُف ُ‬‫ما ل ت َهْ َ‬ ‫سو ٌ‬
‫ل بِ َ‬ ‫َر ُ‬
‫كد على بني إسرائيل في التوراة بالسمع‬ ‫لقد أخذنا العهد المؤ ّ‬
‫والطاعة‪ ,‬وأرسلنا إليهم بذلك رسلنا‪ ,‬فَن ََقضوا ما ُأخذ عليهم من‬
‫العهد‪ ,‬واتبعوا أهواءهم‪ ,‬وكانوا كلما جاءهم رسول من أولئك‬
‫الرسل بما ل تشتهيه أنفسهم عاد َْوه‪ :‬فكذبوا فريًقا من الرسل‪,‬‬
‫وقتلوا فريًقا آخر‪.‬‬

‫مههوا‬
‫م عَ ُ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ه ْ‬
‫م ث ُه ّ‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫م َتا َ‬ ‫موا ث ُ ّ‬ ‫ص ّ‬‫موا وَ َ‬ ‫ة فَعَ ُ‬‫ن فِت ْن َ ٌ‬
‫كو َ‬ ‫سُبوا أ َل ّ ت َ ُ‬
‫ح ِ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(71‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬
‫صيٌر ب ِ َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه بَ ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫موا ك َِثيٌر ِ‬ ‫ص ّ‬‫وَ َ‬
‫ن هؤلء الُعصاة أن الله لن يأخذهم بالعذاب جزاء عصيانهم‬ ‫وظ ّ‬
‫موا عن الهدى فلم يبصروه‪,‬‬ ‫وهم‪ ,‬فمضوا في شهواتهم‪ ,‬وع ُ‬ ‫وعُت ُ ّ‬
‫موا عن سماع الحقّ فلم ينتفعوا به‪ ,‬فأنزل الله بهم بأسه‪,‬‬ ‫ص ّ‬‫و َ‬
‫موا‪ ,‬بعدما تبين‬
‫مي كثيٌر منهم‪ ,‬وص ّ‬ ‫فتابوا فتاب الله عليهم‪ ,‬ثم عَ ِ‬
‫ق‪ ,‬والله بصير بأعمالهم خيرها وشرها وسيجازيهم عليها‪.‬‬ ‫لهم الح ّ‬

‫ح ي َهها‬
‫سههي ُ‬
‫م ِ‬‫ل ال ْ َ‬
‫م وََقا َ‬‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬‫سي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ن َقاُلوا إ ِ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ََقد ْ ك ََفَر ال ّ ِ‬
‫م‬
‫حهّر َ‬ ‫ك ِبالل ّهِ فََقهد ْ َ‬
‫شرِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬‫م ْ‬ ‫ه َ‬‫م إ ِن ّ ُ‬‫ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ل اعْب ُ ُ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ب َِني إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ما ِلل ّ‬ ‫ْ‬
‫صارٍ )‪(72‬‬ ‫ن أن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫مأَواهُ الّناُر وَ َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫يقسم الله تعالى بأن الذين قالوا‪ :‬إن الله هو المسيح ابن مريم‪ ,‬قد‬
‫كفروا بمقالتهم هذه‪ ,‬وأخبر تعالى أن المسيح قال لبني إسرائيل‪:‬‬
‫اعبدوا الله وحده ل شريك له‪ ,‬فأنا وأنتم في العبودية سواء‪ .‬إنه من‬

‫‪217‬‬
‫مست ََقّره‪,‬‬
‫يعبد مع الله غيره فقد حّرم الله عليه الجنة‪ ,‬وجعل النار ُ‬
‫وليس له ناصٌر ُينق ُ‬
‫ذه منها‪.‬‬

‫ح هد ٌ‬
‫ه َوا ِ‬ ‫ن إ ِل َههٍ إ ِل ّ إ ِل َه ٌ‬
‫مه ْ‬ ‫ث َثلث َةٍ وَ َ‬
‫مهها ِ‬ ‫ه َثال ِ ُ‬‫ن الل ّ َ‬‫ن َقاُلوا إ ِ ّ‬ ‫ل ََقد ْ ك ََفَر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫م)‬ ‫ب أِليهه ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عهه َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫س ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ل َي َ َ‬
‫ما ي َُقوُلو َ‬ ‫م َينت َُهوا عَ ّ‬‫ن لَ ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫‪(73‬‬
‫ن الله مجموع ثلثة أشياء‪ :‬هي‬ ‫لقد كفر من النصارى من قال‪ :‬إ ّ‬
‫م هؤلء النصارى أنه ليس‬ ‫الب‪ ,‬والبن‪ ,‬وروح القدس‪ .‬أما عَل ِ َ‬
‫للناس سوى معبود واحد‪ ,‬لم يلد ولم يولد‪ ,‬وإن لم ينته أصحاب‬
‫صيب َّنهم عذاب مؤلم موجع‬
‫هذه المقالة عن افترائهم وكذبهم لي ُ ِ‬
‫بسبب كفرهم بالله‪.‬‬

‫َ‬
‫م )‪(74‬‬
‫حي ٌ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫ن إ َِلى الل ّهِ وَي َ ْ‬
‫ست َغِْفُرون َ ُ‬ ‫أَفل ي َُتوُبو َ‬
‫ما قالوا‪,‬‬
‫أفل يرجع هؤلء النصارى إلى الله تعالى‪ ,‬ويتولون ع ّ‬
‫ويسألون الله تعالى المغفرة؟ والله تعالى متجاوز عن ذنوب‬
‫م بهم‬‫التائبين‪ ,‬رحي ٌ‬

‫خل َهت مهن قَبل ِهه الرسه ُ ُ‬


‫ه‬
‫مه ُ‬
‫ل وَأ ّ‬ ‫ل قَهد ْ َ ْ ِ ْ ْ ِ ّ ُ‬ ‫سو ٌ‬ ‫م إ ِل ّ َر ُ‬‫مْري َ َ‬‫ن َ‬
‫ح اب ْ ْ ُ‬
‫سي ُ‬‫م ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مانظْر ك َي ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫كاَنا ي َأ ُ‬
‫ة َ‬
‫م انظهْر أن ّههى‬‫ت ث ُه ّ‬
‫م الَيا ِ‬
‫ن له ُ ْ‬
‫ف ن ُب َي ّ ُ‬ ‫ن الطَعا َ‬ ‫كل ِ‬ ‫ديَق ٌ‬ ‫ص ّ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(75‬‬ ‫كو َ‬ ‫ي ُؤْفَ ُ‬

‫ل كمن تقدمه من‬ ‫ما المسيح ابن مريم عليه السلم إل رسو ٌ‬
‫ما وعمل وهما كغيرهما‬ ‫ُ‬
‫ما عل ً‬
‫دقت تصديًقا جاز ً‬ ‫ص ّ‬‫مه قد َ‬ ‫الرسل‪ ,‬وأ ّ‬
‫من يحتاج الى‬ ‫من البشر يحتاجان إلى الطعام‪ ,‬ول يكون إلًها َ‬
‫مل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حال هؤلء الكفار‪ .‬لقد وضحنا‬ ‫الطعام ليعيش‪ .‬فتأ ّ‬
‫دعونه في أنبياء الله‪ .‬ثم‬‫ة على وحدانيتنا‪ ,‬وُبطلن ما ي َ ّ‬ ‫ت الدال َ‬ ‫العلما ِ‬
‫ضّلون عن الحق الذي َنهديهم إليه‪ ,‬ثم انظر كيف‬ ‫هم مع ذلك ي َ ِ‬
‫ُيصرفون عن الحق بعد هذا البيان؟‬

‫قُ ْ َ‬
‫و‬ ‫ض هّرا ً َول ن َْفع ها ً َوالل ّه ُ‬
‫ه هُ ه َ‬ ‫ك ل َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬
‫ما ل ي َ ْ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫دو َ‬ ‫ل أت َعْب ُ ُ‬
‫م )‪(76‬‬‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫س ِ‬
‫ال ّ‬
‫‪218‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء الكفرة‪ :‬كيف تشركون مع الله من ل‬
‫جل ْ ِ‬
‫ب نفع لكم؟ والله هو السميع لقوال‬ ‫ضّركم‪ ,‬ول على َ‬
‫ي َْقدُِر على َ‬
‫عباده‪ ,‬العليم بأحوالهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ل َيا أ َهْ َ‬


‫واءَ‬
‫حهقّ َول ت َت ّب ِعُههوا أهْه َ‬‫م غَي ْهَر ال ْ َ‬‫ب ل ت َغُْلوا فِههي ِدين ِك ُه ْ‬
‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫قَوم قَد ضّلوا من قَب ُ َ‬
‫ل )‪(77‬‬ ‫سِبي ِ‬‫واِء ال ّ‬ ‫س َ‬
‫ن َ‬ ‫ضّلوا عَ ْ‬ ‫ضّلوا ك َِثيرا ً وَ َ‬
‫ل وَأ َ‬ ‫ِ ْ ْ‬ ‫ْ ٍ ْ َ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للنصارى‪ :‬ل تتجاوزوا الحقّ فيما تعتقدونه من‬
‫أمر المسيح‪ ,‬ول تتبعوا أهواءكم‪ ,‬كما اّتبع اليهود أهواءهم في أمر‬
‫الدين‪ ,‬فوقعوا في الضلل‪ ,‬وحملوا كثيًرا من الناس على الكفر‬
‫بالله‪ ,‬وخرجوا عن طريق الستقامة الى طريق الَغواية والضلل‪.‬‬

‫ن‬
‫سههى اب ْه ِ‬
‫عي َ‬
‫داُوود َ وَ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ل عََلى ل ِ َ‬
‫سا ِ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫ل ُعِ َ‬
‫ن )‪(78‬‬ ‫دو َ‬ ‫وا وَ َ‬
‫كاُنوا ي َعْت َ ُ‬ ‫ص ْ‬
‫ما عَ َ‬‫ك بِ َ‬‫م ذ َل ِ َ‬
‫مْري َ َ‬
‫َ‬
‫يخبر تعالى أنه طرد من رحمته الكافرين من بني إسرائيل في‬
‫الكتاب الذي أنزله على داود ‪-‬عليه السلم‪ -‬وهو الّزبور‪ ,‬وفي‬
‫الكتاب الذي أنزله على عيسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وهو النجيل; بسبب‬
‫عصيانهم واعتدائهم على حرمات الله‪.‬‬

‫كاُنوا ي َْفعَُلو َ‬
‫ن )‪(79‬‬ ‫ما َ‬ ‫منك َرٍ فَعَُلوهُ ل َب ِئ ْ َ‬
‫س َ‬ ‫ن ُ‬
‫ن عَ ْ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا ل ي َت ََناهَوْ َ‬
‫ضهم‬
‫كان هؤلء اليهود ُيجاهرون بالمعاصي ويرضونها‪ ,‬ول ي َْنهى بع ُ‬
‫ضا عن أيّ منكر فعلوه‪ ,‬وهذا من أفعالهم السيئة‪ ,‬وبه استحقوا‬ ‫بع ً‬
‫دوا من رحمة الله تعالى‪.‬‬ ‫أن ي ُط َْر ُ‬

‫م‬ ‫ترى ك َِثيرا ً منهم يتول ّون ال ّذين ك ََفروا ل َبئ ْس ما قَدمت ل َهه َ‬
‫س هه ُ ْ‬
‫م أنُف ُ‬
‫ّ َ ْ ُ ْ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ُْ ْ ََ َ ْ َ‬ ‫ََ‬
‫م وَِفي ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(80‬‬‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬
‫م َ‬
‫ب هُ ْ‬‫ذا ِ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬
‫ط الل ّ ُ‬
‫خ َ‬
‫س ِ‬
‫ن َ‬
‫أ ْ‬
‫ت ََرى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كثيًرا من هؤلء اليهود يتخذون المشركين أولياء‬
‫لهم‪ ,‬ساء ما عملوه من الموالة الني كانت سبًبا في غضب الله‬
‫عليهم‪ ,‬وخلودهم في عذاب الله يوم القيامة‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫م أ َوْل ِي َههاَء‬ ‫خه ُ‬
‫ذوهُ ْ‬ ‫مهها ات ّ َ‬ ‫مهها ُأن هزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْههِ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوالن ّب ِ ّ‬
‫ي وَ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫كاُنوا ي ُؤْ ِ‬‫وَل َوْ َ‬
‫ن )‪(81‬‬ ‫سُقو َ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن ك َِثيرا ً ِ‬‫وَل َك ِ ّ‬
‫ولو أن هؤلء اليهود الذين يناصرون المشركين كانوا قد آمنوا بالله‬
‫تعالى والنبي محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وأقّروا بما أنزل إليه‬
‫‪-‬وهو القرآن الكريم‪ -‬ما اتخذوا الكفار أصحاًبا وأنصاًرا‪ ,‬ولكن كثيًرا‬
‫منهم خارجون عن طاعة الله ورسوله‪.‬‬

‫كوا‬ ‫ن أَ ْ‬
‫ش هَر ُ‬ ‫َ‬ ‫من ُههوا ال ْي َهُههود َ َوال ّه ِ‬
‫ذي‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫داوَةً ل ِل ّه ِ‬
‫ذي‬ ‫س ع َه َ‬ ‫ِ‬ ‫ن أَ َ‬
‫ش هد ّ الن ّهها‬ ‫ل َت َ ِ‬
‫ج هد َ ّ‬
‫ن‬ ‫ول َتجدن أ َقْربهم مودة لل ّذين آمنوا ال ّذين َقاُلوا إنهها نصههارى ذ َله َ َ‬
‫ك ب ِهأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ َ َ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َُ ْ َ َ ّ ً ِ ِ َ َ ُ‬ ‫َ َ ِ َ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫م ل يَ ْ‬ ‫ن وَُرهَْبانا ً وَأن ّهُ ْ‬ ‫سي َ‬‫سي ِ‬ ‫م قِ ّ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫دقوك وآمنوا بك‬ ‫ن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أشد ّ الناس عداوة للذين ص ّ‬ ‫لتجد ّ‬
‫د; لعنادهم‪ ,‬وجحودهم‪ ,‬وغمطهم الحق‪ ,‬والذين‬ ‫واتبعوك‪ ,‬اليهو َ‬
‫ن أقربهم مودة‬‫أشركوا مع الله غيره‪ ,‬كعبدة الوثان وغيرهم‪ ,‬ولتجد ّ‬
‫للمسلمين الذين قالوا‪ :‬إنا نصارى‪ ,‬ذلك بأن منهم علماء بدينهم‬
‫دا في الصوامع متنسكين‪ ,‬وأنهم متواضعون ل‬ ‫متزهدين وعّبا ً‬
‫يستكبرون عن َقبول الحق‪ ,‬وهؤلء هم الذين قبلوا رسالة محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وآمنوا بها‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫الجزء السابع ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬
‫مهها‬
‫م ّ‬
‫مِع ِ‬
‫ن الد ّ ْ‬
‫م ْ‬
‫ض ِ‬‫م ت َِفي ُ‬
‫ل ت ََرى أعْي ُن َهُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫ل إ َِلى الّر ُ‬ ‫مُعوا َ‬ ‫س ِ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ذا َ‬
‫ن )‪(83‬‬ ‫دي َ‬ ‫معَ ال ّ‬
‫شاهِ ِ‬ ‫مّنا َفاك ْت ُب َْنا َ‬ ‫حقّ ي َُقوُلو َ‬
‫ن َرب َّنا آ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫عََرُفوا ِ‬
‫م ْ‬
‫ومما يدل على قرب مودتهم للمسلمين أن فريًقا منهم )وهم وفد‬
‫الحبشة لما سمعوا القرآن( فاضت أعينهم من الدمع فأيقنوا أنه‬
‫دقوا بالله واتبعوا رسوله‪,‬‬
‫حقّ منزل من عند الله تعالى‪ ,‬وص ّ‬
‫مة محمد عليه‬ ‫وتضرعوا إلى الله أن يكرمهم بشرف الشهادة مع أ ّ‬
‫السلم على المم يوم القيامة‪.‬‬

‫َ‬
‫ع‬ ‫خل ََنا َرب َّنا َ‬
‫مهه َ‬ ‫ن ي ُد ْ ِ‬ ‫حقّ وَن َط ْ َ‬
‫مع ُ أ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬
‫جاَءَنا ِ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَ َ‬
‫ما َ‬ ‫ما ل ََنا ل ن ُؤْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(84‬‬ ‫حي َ‬ ‫ال َْقوْم ِ ال ّ‬
‫صال ِ ِ‬
‫وقالوا‪ :‬وأيّ لوم علينا في إيماننا بالله‪ ,‬وتصديقنا بالحق الذي جاءنا‬
‫به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله‪ ,‬واتباعنا له‪ ,‬ونرجو أن‬
‫يدخلنا ربنا مع أهل طاعته في جنته يوم القيامة؟‬

‫َ‬
‫ن ِفيهَهها‬
‫دي َ‬ ‫حت ِهَهها ال َن ْهَههاُر َ‬
‫خال ِه ِ‬ ‫ن تَ ْ‬
‫مه ْ‬
‫ري ِ‬
‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬ ‫ما َقاُلوا َ‬
‫جّنا ٍ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫فَأَثاب َهُ ْ‬
‫ن )‪(85‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬‫م ْ‬ ‫جَزاُء ال ْ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫وَذ َل ِ َ‬

‫فجزاهم الله بما قالوا من العتزاز بإيمانهم بالسلم‪ ,‬وطلبهم أن‬


‫يكونوا مع القوم الصالحين‪ ,‬جنات تجري من تحت أشجارها النهار‪,‬‬
‫ولون عنها‪ ,‬وذلك جزاء إحسانهم‬
‫ماكثين فيها ل يخرجون منها‪ ,‬ول ُيح ّ‬
‫في القول والعمل‪.‬‬

‫وال ّذين ك ََفروا وك َذ ّبوا بآيات ِنا أ ُول َئ ِ َ َ‬


‫حيم ِ )‪(86‬‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ج ِ‬ ‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫كأ ْ‬ ‫َ ُ ِ َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ َ‬
‫والذين جحدوا وحدانية الله وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه‬
‫ذبوا بآياته المنزلة على رسله‪ ,‬أولئك هم أصحاب النار‬‫وسلم‪ ,‬وك ّ‬
‫الملزمون لها‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫دوا إ ِ ّ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬
‫م َول ت َعَْتهه ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬
‫ما أ َ‬ ‫موا ط َي َّبا ِ‬
‫ت َ‬ ‫حّر ُ‬
‫مُنوا ل ت ُ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫دي َ‬
‫معْت َ ِ‬‫ب ال ْ ُ‬‫ح ّ‬‫ه ل يُ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫يا أيها الذين آمنوا ل تحّرموا طيبات أحّلها الله لكم من المطاعم‬
‫سع الله عليكم‪ ,‬ول تتجاوزوا‬
‫والمشارب ونكاح النساء‪ ,‬فتضيقوا ما و ّ‬
‫حدود ما حّرم الله‪ .‬إن الله ل يحب المعتدين‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫من ُههو َ‬ ‫م ب ِههِ ُ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي أن ْت ُ ْ‬ ‫حلل ً ط َّيبا ً َوات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ما َرَزقَك ُ ْ‬ ‫وَك ُُلوا ِ‬
‫م ّ‬
‫)‪(88‬‬
‫وتمتعوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬بالحلل الطيب مما أعطاكم الله ومنحكم‬
‫إياه‪ ,‬واتقوا الله بامتثال أوامره‪ ,‬واجتناب نواهيه; فإن إيمانكم بالله‬
‫يوجب عليكم تقواه ومراقبته‪.‬‬

‫َ‬
‫م‬ ‫مهها عَّق هد ْت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫خهذ ُك ُ ْ‬ ‫ؤا ِ‬‫ن يُ َ‬ ‫م وَل َك ِه ْ‬ ‫مههان ِك ُ ْ‬‫ه ب ِههالل ّغْوِ فِههي أي ْ َ‬ ‫م الل ّه ُ‬ ‫خذ ُك ُ ْ‬‫ؤا ِ‬ ‫ل يُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مههو َ‬ ‫مهها ت ُط ْعِ ُ‬ ‫ط َ‬ ‫سه ِ‬ ‫ن أو ْ َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كي َ‬
‫سهها ِ‬ ‫م َ‬ ‫شهَرةِ َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ه إ ِط َْعا ُ‬ ‫ن فَك َّفاَرت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫الي ْ َ‬
‫م‬ ‫ها‬‫ه‬ ‫ي‬‫أ َهِْليك ُم أ َو كسوتهم أ َو تحرير رقَبة فَمن ل َهم يجهد فَصهيام َثلث َهة أ َ‬
‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ ُ‬ ‫ْ َ ِ ْ‬ ‫ْ ْ ِ ْ َُُ ْ ْ َ ْ ِ ُ َ َ ٍ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬ ‫مان َك ُ ْ‬‫ظوا أي ْ َ‬ ‫حَف ُ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫حل َْفت ُ ْ‬
‫ذا َ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬
‫م إِ َ‬ ‫ك ك َّفاَرةُ أي ْ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ن )‪(89‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ده من اليمان‪,‬‬ ‫ل يعاقبكم الله ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬فيما ل تقصدون عَْق َ‬
‫مثل قول بعضكم‪ :‬ل والله‪ ,‬وبلى والله‪ ,‬ولكن يعاقبكم فيما قصدتم‬
‫عقده بقلوبكم‪ ,‬فإذا لم ت َُفوا باليمين فإثم ذلك يمحوه الله بما‬
‫دمونه مما شرعه الله لكم كفارة من إطعام عشرة مساكين‪,‬‬ ‫تق ّ‬
‫لكل سكين نصف صاع من أوسط طعام أهل البلد‪ ,‬أو كسوتهم‪,‬‬
‫عرًفا‪ ,‬أو إعتاق مملوك من‬ ‫لكل مسكين ما يكفي في الكسوة ُ‬
‫الرق‪ ,‬فالحالف الذي لم يف بيمينه مخير بين هنا المور الثلثة‪,‬‬
‫فمن لم يجد شيًئا من ذلك فعليه صيام ثلثة أيام‪ .‬تلك مكفرات‬
‫عدم الوفاء بأيمانكم‪ ,‬واحفظوا ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬أيمانكم‪ :‬باجتناب‬
‫الحلف‪ ,‬أو الوفاء إن حلفتم‪ ,‬أو الكفارة إذا لم تفوا بها‪ .‬وكما بّين‬
‫الله لكم حكم اليمان والتحلل منها ُيبّين لكم أحكام دينه; لتشكروا‬
‫له على هدايته إياكم إلى الطريق المستقيم‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫جه ٌ‬
‫م رِ ْ‬
‫ب َوالْزل ُ‬
‫صهها ُ‬
‫س هُر َوالن َ‬ ‫مي ْ ِ‬‫م هُر َوال ْ َ‬ ‫ما ال ْ َ‬
‫خ ْ‬ ‫مُنوا إ ِن ّ َ‬‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(90‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬‫جت َن ُِبوهُ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ن َفا ْ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م ِ‬
‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬إنما الخمر‪ :‬وهي‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫كل مسكر يغطي العقل‪ ,‬والميسر‪ :‬وهو القمار‪ ,‬وذلك يشمل‬
‫المراهنات ونحوها‪ ,‬مما فيه عوض من الجانبين‪ ,‬وصد ّ عن ذكر الله‪,‬‬
‫والنصاب‪ :‬وهي الحجارة التي كان المشركون يذبحون عندها‬
‫ما لها‪ ,‬وما ينصب للعبادة تقرًبا إليه‪ ,‬والزلم‪ :‬وهي الِقداح‬ ‫تعظي ً‬
‫التي يستقسم بها الكفار قبل القدام على الشيء‪ ,‬أو الحجام عنه‪,‬‬
‫من تزيين الشيطان‪ ,‬فابتعدوا عن هذه الثام‪,‬‬ ‫م ِ‬ ‫إن ذلك كله إث ٌ‬
‫لعلكم تفوزون بالجنة‪.‬‬

‫ضههاَء فِههي ال ْ َ‬ ‫طا َ‬


‫ر‬
‫مه ِ‬
‫خ ْ‬ ‫داوَةَ َوال ْب َغْ َ‬
‫م ال ْعَه َ‬‫ن ُيوقِهعَ ب َي ْن َك ُه ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫شي ْ َ ُ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫ما ي ُ ِ‬
‫إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(91‬‬ ‫منت َُهو َ‬
‫م ُ‬ ‫صلةِ فَهَ ْ‬
‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ذِك ْرِ الل ّهِ وَعَ ْ‬ ‫م عَ ْ‬‫صد ّك ُ ْ‬‫سرِ وَي َ ُ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬
‫قي بينكم ما يوجد‬
‫إنما يريد الشيطان بتزيين الثام لكم أن ُيل ِ‬
‫العداوة والبغضاء‪ ,‬بسبب شرب الخمر ولعب الميسر‪ ,‬ويصرفكم‬
‫عن ذكر الله وعن الصلة بغياب العقل في شرب الخمر‪,‬‬
‫والشتغال باللهو في لعب الميسر‪ ,‬فانتهوا عن ذلك‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫مهها‬ ‫م فَههاعْل َ ُ‬
‫موا أن ّ َ‬ ‫ن ت َهوَل ّي ْت ُ ْ‬
‫حذ َُروا فَ هإ ِ ْ‬
‫ل َوا ْ‬‫سو َ‬
‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬
‫وَأ ِ‬
‫ن )‪(92‬‬ ‫سول َِنا ال َْبلغُ ال ْ ُ‬
‫مِبي ُ‬ ‫عََلى َر ُ‬
‫وامتثلوا ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬طاعة الله وطاعة رسوله محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم في كل ما تفعلون وتتركون‪ ,‬واتقوا الله وراقبوه‬
‫في ذلك‪ ,‬فإن أعرضتم عن المتثال فعملتم ما نهيتم عنه‪ ,‬فاعلموا‬
‫أنما على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم البلغ المبين‪.‬‬

‫مهها‬ ‫ما ط َعِ ُ‬


‫مههوا إ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ح ِفي َ‬‫جَنا ٌ‬ ‫ت ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫س عََلى ال ّ ِ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫سهُنوا‬
‫ح َ‬ ‫وا وَأ ْ‬ ‫من ُههوا ث ُه ّ‬
‫م ات َّقه ْ‬ ‫وا َوآ َ‬ ‫ت ثُ ّ‬
‫م ات َّقه ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫وا َوآ َ‬ ‫ات َّق ْ‬
‫ن )‪(93‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ال ْ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬

‫‪223‬‬
‫ليس على المؤمنين الذين شربوا الخمر قبل تحريمها إثم في ذلك‪,‬‬
‫دموا العمال الصالحة‬ ‫إذا تركوها واتقوا سخط الله وآمنوا به‪ ,‬وق ّ‬
‫التي تدل على إيمانهم ورغبتهم في رضوان الله تعالى عنهم‪ ,‬ثم‬
‫من‬
‫ازدادوا بذلك مراقبة لله عز وجل وإيمانا به‪ ,‬حتى أصبحوا ِ‬
‫يقينهم يعبدونه‪ ,‬وكأنهم يرونه‪ .‬وإن الله تعالى يحب الذين بلغوا‬
‫درجة الحسان حتى أصبح إيمانهم بالغيب كالمشاهدة‪.‬‬

‫شهيٍء مهن الصهيد تنههال ُ َ‬ ‫َ‬


‫م‬‫ديك ُ ْ‬‫ه أي ْه ِ‬
‫ّ ْ ِ ََ ُ‬ ‫ه بِ َ ْ ِ ْ‬ ‫م الل ّه ُ‬‫مُنوا ل َي َب ْل ُهوَن ّك ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ك فَل َه ُ‬
‫ه‬ ‫دى ب َعْ هد َ ذ َل ِه َ‬
‫ن اعْت َه َ‬
‫مه ْ‬ ‫ه ِبال ْغَي ْ ِ‬
‫ب فَ َ‬ ‫خافُ ُ‬‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫م ل ِي َعْل َ َ‬‫حك ُ ْ‬‫ما ُ‬ ‫وَرِ َ‬
‫م )‪(94‬‬ ‫َ‬ ‫عَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬
‫يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬ليبلونكم الله‬
‫بشيء من الصيد يقترب منكم على غير المعتاد حيث تستطيعون‬
‫ما ظاهًرا‬ ‫أَ ْ‬
‫خذ َ صغاره بغير سلح وأخذ كباره بالسلح; ليعلم الله عل ً‬
‫للخلق الذين يخافون ربهم بالغيب‪ ,‬ليقينهم بكمال علمه بهم‪ ,‬وذلك‬
‫ده بعد هذا‬‫ح ّ‬
‫بإمساكهم عن الصيد‪ ,‬وهم محرمون‪ .‬فمن تجاوز َ‬
‫رم‪ -‬فإنه يستحق العذاب الشديد‪.‬‬ ‫ح ِ‬
‫م ْ‬
‫البيان فأقدم على الصيد ‪-‬وهو ُ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫كه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ن قَت ََله ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫حهُر ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫صهي ْد َ وَأن ُْته ْ‬ ‫مُنهوا ل ت َْقت ُُلهوا ال ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها اّله ِ‬
‫ديا ً‬ ‫م هَ ه ْ‬ ‫من ْك ُه ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ب ِهِ ذ ََوا عَد ْ ٍ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ن الن ّعَم ِ ي َ ْ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما قَت َ َ‬ ‫مث ْ ُ‬
‫ل َ‬ ‫جَزاٌء ِ‬ ‫مدا ً فَ َ‬‫مت َعَ ّ‬‫ُ‬
‫صَياما ً ل ِي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ذوقَ وََبا َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬
‫ن أوْ عَد ْ ُ‬ ‫كي َ‬ ‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫َبال ِغَ ال ْك َعْب َةِ أوْ ك َّفاَرةٌ ط ََعا ُ‬
‫َ‬
‫ذو‬ ‫زيهٌز ُ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ه َوالّله ُ‬ ‫مْنه ُ‬‫ه ِ‬ ‫م الّله ُ‬ ‫عاد َ فََينت َِق ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف وَ َ‬ ‫سل َ َ‬
‫ما َ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫مرِهِ عََفا الل ّ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫انت َِقام ٍ )‪(95‬‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ل تقتلوا صيد البر‪,‬‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫ي‬
‫من قتل أ ّ‬ ‫وأنتم محرمون بحج أو عمرة‪ ,‬أو كنتم داخل الحرم و َ‬
‫دا فجزاء ذلك أن يذبح مثل ذلك الصيد من‬ ‫نوٍع من صيد البّر متعم ً‬
‫دره اثنان عدلن‪,‬‬ ‫بهيمة النعام‪ :‬البل أو البقر أو الغنم‪ ,‬بعد أن ي َُق ّ‬
‫ما يهديه‬
‫وأن يهديه لفقراء الحرم‪ ,‬أو أن يشتري بقيمة مثله طعا ً‬
‫لفقراء الحرم لكل مسكين نصف صاع‪ ,‬أو يصوم بدل من ذلك يوما‬
‫ض الله عليه هذا الجزاء;‬ ‫عن كل نصف صاع من ذلك الطعام‪ ,‬فََر َ‬
‫ليلقى بإيجاب الجزاء المذكور عاقبة فِْعله‪ .‬والذين وقعوا في شيء‬
‫من عاد إلى‬ ‫من ذلك قبل التحريم فإن الله تعالى قد عفا عنهم‪ ,‬و َ‬
‫معَّرض لنتقام الله منه‪ .‬والله‬ ‫دا بعد التحريم‪ ,‬فإنه ُ‬
‫المخالفة متعم ً‬
‫‪224‬‬
‫من عزته أنه ينتقم ممن‬
‫تعالى عزيز قويّ منيع في سلطانه‪ ,‬و ِ‬
‫عصاه إذا أراد‪ ,‬ل يمنعه من ذلك مانع‪.‬‬

‫م عَل َي ْك ُه ْ‬
‫م‬ ‫حهّر َ‬
‫سهّياَرةِ وَ ُ‬
‫م وَِلل ّ‬ ‫مَتاعها ً ل َك ُه ْ‬ ‫ه َ‬ ‫حرِ وَط ََعا ُ‬
‫م ُ‬ ‫صي ْد ُ ال ْب َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫أُ ِ‬
‫ن )‪(96‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذي إ ِل َي ْهِ ت ُ ْ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫حُرما ً َوات ُّقوا الل ّ َ‬
‫م ُ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫صي ْد ُ ال ْب َّر َ‬
‫ما د ُ ْ‬ ‫َ‬
‫أحل الله لكم ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬في حال إحرامكم صيد البحر‪ ,‬وهو‬
‫ما يصاد منه حّيا‪ ,‬وطعامه‪ :‬وهو الميت منه; من أجل انتفاعكم به‬
‫مقيمين أو مسافرين‪ ,‬وحرم عليكم صيد الب َّر ما دمتم محرمين بحج‬
‫مره‪ ,‬واجتنبوا جميع نواهيه;‬‫أو عمرة‪ .‬واخشوا الله ونفذوا جميع أوا ِ‬
‫سلموا من أليم عقابه عندما تحشرون‬ ‫حتى تظَفروا بعظيم ثوابه‪ ,‬وت َ ْ‬
‫للحساب والجزاء‪.‬‬

‫م َوال ْهَد ْ َ‬
‫ي‬ ‫شهَْر ال ْ َ‬
‫حَرا َ‬ ‫س َوال ّ‬ ‫ِ‬ ‫م قَِياما ً ِللّنا‬‫حَرا َ‬ ‫ت ال ْ َ‬‫ة ال ْب َي ْ َ‬‫ه ال ْك َعْب َ َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫جع َ َ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َوالَقلئ ِد َ ذ َل ِ َ‬
‫ما ِفههي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬‫وا ِ‬‫م َ‬
‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬
‫ن الل َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫ك ل ِت َعْل ُ‬
‫َ‬
‫م )‪(97‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وَأ ّ‬
‫حا لدينهم‪,‬‬
‫ن الله على عباده بأن جعل الكعبة البيت الحرام صل ً‬ ‫امت ّ‬
‫وأمًنا لحياتهم; وذلك حيث آمنوا بالله ورسوله وأقاموا فرائضه‪,‬‬
‫وحّرم العدوان والقتال في الشهر الحرم )وهي ذو القعدة وذو‬
‫الحجة والمحرم ورجب( فل يعتدي فيها أحد على أحد‪ ,‬وحّرم تعالى‬
‫دى إلى الحرم من بهيمة النعام‪ ,‬وحّرم كذلك‬ ‫العتداء على ما ُيه َ‬
‫العتداء على القلئد‪ ,‬وهي ما قُّلد إشعاًرا بأنه بقصد به النسك; ذلك‬
‫لتعلموا أن الله يعلم جميع ما في السموات وما في الرض‪ ,‬ومن‬
‫ذلك ما شرعه لحماية خلقه بعضهم من بعض‪ ,‬وأن الله بكل شيء‬
‫عليم‪ ,‬فل تخفى عليه خافية‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(98‬‬
‫حي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫ديد ُ ال ْعَِقا ِ‬
‫ب وَأ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬
‫ش ِ‬ ‫اعْل َ ُ‬
‫موا أ ّ‬
‫اعلموا ‪-‬أيها الناس‪ -‬أن الله جل وعل شديد العقاب لمن عصاه‪,‬‬
‫وأن الله غفور رحيم لمن تاب وأناب‪.‬‬

‫ن )‪(99‬‬ ‫ما ت َك ْت ُ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن وَ َ‬
‫دو َ‬
‫ما ت ُب ْ ُ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ل إ ِل ّ ال َْبلغُ َوالل ّ ُ‬ ‫ما عََلى الّر ُ‬
‫سو ِ‬ ‫َ‬
‫‪225‬‬
‫يبّين الله تعالى أن مهمة رسوله صلى الله عليه وسلم هداية‬
‫الدللة والتبليغ‪ ,‬وبيد الله ‪-‬وحده‪ -‬هداية التوفيق‪ ,‬وأن ما تنطوي‬
‫عليه نفوس الناس مما ُيسرون أو يعلنون من الهداية أو الضلل‬
‫يعلمه الله‪.‬‬

‫َ‬
‫ث َفات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ك ك َث َْرةُ ال ْ َ‬
‫خِبي ِ‬ ‫ب وَل َوْ أعْ َ‬
‫جب َ َ‬ ‫ث َوالط ّي ّ ُ‬ ‫خِبي ُ‬ ‫وي ال ْ َ‬‫ست َ ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل ل يَ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(100‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬‫ب ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫َيا أوِلي الل َْبا ِ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ل يستوي الخبيث والطيب من كل شيء‪,‬‬
‫فالكافر ل يساوي المؤمن‪ ,‬والعاصي ل يساوي المطيع‪ ,‬والجاهل ل‬
‫يساوي العالم‪ ,‬والمبتدع ل يساوي المتبع‪ ,‬والمال الحرام ل يساوي‬
‫الحلل‪ ,‬ولو أعجبك ‪-‬أيها النسان‪ -‬كثرة الخبيث وعدد أهله‪ .‬فاتقوا‬
‫الله يا أصحاب العقول الراجحة باجتناب الخبائث‪ ,‬وفعل الطيبات;‬
‫لتفلحوا بنيل المقصود العظم‪ ,‬وهو رضا الله تعالى والفوز بالجنة‪.‬‬

‫ن أَ ْ‬ ‫يا أ َيها ال ّذين آمنوا ل تس هأ َ‬


‫ن‬ ‫س هؤْك ُ ْ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ن ت ُب ْهد َ ل َك ُه ْ‬
‫م تَ ُ‬ ‫ش هَياَء إ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫َ ََّ‬
‫ه غَُفههوٌر‬ ‫ه عَن ْهَهها َوالل ّه ُ‬‫م عََفهها الل ّه ُ‬ ‫ن ت ُب ْد َ ل َك ُ ْ‬ ‫ل ال ُْقْرآ ُ‬ ‫ن ي ُن َّز ُ‬ ‫سأُلوا عَن َْها ِ‬
‫حي َ‬ ‫تَ ْ‬
‫م )‪(101‬‬ ‫حِلي ٌ‬
‫َ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ل تسألوا عن‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫أشياء من أمور الدين لم تؤمروا فيها بشيء‪ ,‬كالسؤال عن المور‬
‫غير الواقعة‪ ,‬أو التي يترتب عليها تشديدات في الشرع‪ ,‬ولو‬
‫ت عليكم‪ ,‬وإن تسألوا عنها في حياة رسول الله‬ ‫ك ُّلفتموها لشّق ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم وحين نزول القرآن عليه ُتبّين لكم‪ ,‬وقد‬
‫ُتكّلفونها فتعجزون عنها‪ ,‬تركها الله معافًيا لعباده منها‪ .‬والله غفور‬
‫لعباده إذا تابوا‪ ,‬حليم عليهم فل يعاقبهم وقد أنابوا إليه‪.‬‬

‫ن )‪(102‬‬ ‫حوا ب َِها َ‬ ‫قَد سأ َل َها قَوم من قَبل ِك ُم ث ُ َ‬


‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫صب َ ُ‬
‫مأ ْ‬‫ْ ٌ ِ ْ ْ ْ ّ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ُ‬
‫من قبلكم رسَلهم‪ ,‬فلما أ ِ‬
‫مروا‬ ‫م ِ‬‫إن مثل تلك السئلة قد سألها قو ٌ‬
‫بها جحدوها‪ ,‬ولم ينفذوها‪ ,‬فاحذروا أن تكونوا مثلهم‪.‬‬

‫ن‬ ‫ن اّله ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حهام ٍ وَل َ ِ‬
‫كه ّ‬ ‫صهيل َةٍ َول َ‬
‫سائ ِب َةٍ َول وَ ِ‬
‫حيَرةٍ َول َ‬
‫ن بَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫جع َ َ‬
‫ما َ‬
‫َ‬
‫‪226‬‬
‫َ‬
‫م ل ي َعِْقُلو َ‬
‫ن )‪(103‬‬ ‫ن عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ‬
‫ب وَأك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ك ََفُروا ي َْفت َُرو َ‬
‫من ت َْرك‬
‫ما شرع الله للمشركين ما ابتدعوه في بهيمة النعام ِ‬
‫النتفاع ببعضها وجعلها للصنام‪ ,‬وهي‪ :‬الَبحيرة التي ُتقطع أذنها إذا‬
‫دا من البطون‪ ,‬والسائبة وهي التي ُتترك للصنام‪,‬‬‫ولدت عد ً‬
‫والوصيلة وهي التي تتصل ولدتها بأنثى بعد أنثى‪ ,‬والحامي وهو‬
‫الذكر من البل إذا ُولد من صلبه عدد من البل‪ ,‬ولكن الكفار نسبوا‬
‫ذلك إلى الله تعالى افتراء عليه‪ ,‬وأكثر الكافرين ل يميزون الحق‬
‫من الباطل‪.‬‬

‫ما‬
‫سب َُنا َ‬
‫ح ْ‬ ‫ل َقاُلوا َ‬ ‫سو ِ‬‫ه وَإ َِلى الّر ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫وا إ َِلى َ‬ ‫م ت ََعال َ ْ‬
‫ل ل َهُ ْ‬
‫ذا ِقي َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫دو َ‬ ‫شهْيئا ً َول ي َهْت َه ُ‬‫ن َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬
‫مههو َ‬ ‫جد َْنا عَل َي ْهِ آَباَءن َهها أوَل َهوْ ك َهها َ‬
‫ن آب َههاؤُهُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫‪(104‬‬
‫وإذا قيل لهؤلء الكفار المحّرمين ما أحل الله‪ :‬تعالوا إلى تنزيل الله‬
‫وإلى رسوله ليتبين لكم الحلل والحرام‪ ,‬قالوا‪ :‬يكفينا ما ورثناه عن‬
‫آبائنا من قول وعمل‪ ,‬أيقولون ذلك ولو كان آباؤهم ل يعلمون شيًئا‬
‫أي‪ :‬ل يفهمون حّقا ول يعرفونه‪ ,‬ول يهتدون إليه؟ فكيف يتبعونهم‪,‬‬
‫والحالة هذه؟ فإنه ل يتبعهم إل من هو أجهل منهم وأضل سبيل‪.‬‬

‫يا أ َيها ال ّذين آمنوا عَل َيك ُ َ‬


‫م‬ ‫ضه ّ‬
‫ل إِ َ‬
‫ذا اهَْتهد َي ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬
‫مه ْ‬
‫م َ‬ ‫ضهّرك ُ ْ‬‫م ل يَ ُ‬ ‫سك ُ ْ‬‫م أنُف َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫ن )‪(105‬‬ ‫مُلو َ‬
‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬‫ميعا ً فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫ج ِ‬ ‫جعُك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫إ َِلى الل ّهِ َ‬
‫مْر ِ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ألزموا أنفسكم‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫بالعمل بطاعة الله واجتناب معصيته‪ ,‬وداوموا على ذلك وإن لم‬
‫من ض ّ‬
‫ل إذا‬ ‫يستجب الناس لكم‪ ,‬فإذا فعلتم ذلك فل يضركم ضلل َ‬
‫لزمتم طريق الستقامة‪ ,‬وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر‪ ,‬إلى‬
‫الله مرجعكم جميًعا في الخرة‪ ,‬فيخبركم بأعمالكم‪ ,‬ويجازيكم‬
‫عليها‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫حيه َ‬ ‫ت ِ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫م هو ْ ُ‬ ‫حهد َك ُ ْ‬
‫ضهَر أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا َ‬ ‫شهَهاد َةُ ب َي ْن ِك ُه ْ‬
‫م إِ َ‬ ‫من ُههوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي ّهَهها ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬
‫م‬ ‫خران مهن غَيرك ُهم إ َ‬ ‫ال ْوصية اث ْنان ذ َوا عَدل منك ُ َ‬
‫ضهَرب ْت ُ ْ‬‫م َ‬ ‫ن أن ْت ُه ْ‬
‫م أو ْ آ َ َ ِ ِ ْ ْ ِ ْ ِ ْ‬ ‫ْ ٍ ِ ْ ْ‬ ‫َ ِ ّ ِ َ ِ َ َ‬
‫َ‬
‫صهلةِ‬ ‫ن ب َْعهدِ ال ّ‬ ‫مه ْ‬ ‫ما ِ‬‫سهون َهُ َ‬
‫حب ِ ُ‬‫ت تَ ْ‬ ‫مهوْ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫صهيب َ ُ‬
‫م ِ‬
‫م ُ‬‫صهاب َت ْك ُ ْ‬‫ض فَأ َ‬‫ِفي الْر ِ‬

‫‪227‬‬
‫ذا قُْرب َههى َول‬ ‫من ها ً وَل َهوْ ك َهها َ‬
‫ن َ‬ ‫ري ب ِههِ ث َ َ‬ ‫شت َ ِ‬‫م ل نَ ْ‬ ‫ن ِبالل ّهِ إ ِ ْ‬
‫ن اْرت َب ْت ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫فَي ُْق ِ‬
‫س َ‬
‫ن )‪(106‬‬ ‫مي َ‬‫ن الث ِ ِ‬ ‫شَهاد َةَ الل ّهِ إ ِّنا ِإذا ً ل َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن َك ْت ُ ُ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه إذا قرب الموت‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫شِهد على وصيته اثنين أمينين من المسلمين أو‬ ‫من أحدكم‪ ,‬فل ْي ُ ْ‬
‫آخرين من غير المسلمين عند الحاجة‪ ,‬وعدم وجود غيرهما من‬
‫المسلمين‪ُ ,‬تشهدونهما إن أنتم سافرتم في الرض فح ّ‬
‫ل بكم‬
‫الموت‪ ,‬وإن ارتبتم في شهادتهما فقفوهما من بعد الصلة ‪-‬أي‬
‫ما‬
‫صلة المسلمين‪ ,‬وبخاصة صلة العصر‪ ،-‬فيقسمان بالله قس ً‬
‫ضا من الدنيا‪ ,‬ول يحابيان به ذا قرابة منهما‪,‬‬
‫صا ل يأخذان به عو ً‬ ‫خال ً‬
‫ول يكتمان به شهادة لله عندهما‪ ,‬وأنهما إن فََعل ذلك فهما من‬
‫المذنبين‪.‬‬

‫حّقا إ ِْثم ها ً فَههآ َ‬ ‫َ‬


‫ن‬‫مه ْ‬‫مهها ِ‬
‫مه ُ َ‬ ‫مَقا َ‬
‫ن َ‬ ‫مهها ِ‬
‫ن ي َُقو َ‬ ‫خَرا ِ‬ ‫س هت َ َ‬‫مهها ا ْ‬ ‫ن عُث َِر عََلى أن ّهُ َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ن ب ِههالل ّهِ ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬‫ح هقّ ِ‬ ‫ش هَهاد َت َُنا أ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫سه َ‬‫ن فَي ُْق ِ‬ ‫م الوْل َي َهها ِ‬ ‫حقّ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ست َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن )‪(107‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما اعْت َد َي َْنا إ ِّنا ِإذا ً ل َ ِ‬
‫ما وَ َ‬ ‫شَهاد َت ِهِ َ‬ ‫َ‬
‫فإن اطلع أولياء الميت على أن الشاهدين المذكورين قد أثما‬
‫بالخيانة في الشهادة أو الوصية فليقم مقامهما في الشهادة اثنان‬
‫من أولياء الميت فيقسمان بالله‪َ :‬لشهادتنا الصادقة أولى بالقبول‬
‫من شهادتهما الكاذبة‪ ,‬وما تجاوزنا الحق في شهادتنا‪ ,‬إنا إن اعتدينا‬
‫وشهدنا بغير الحق لمن الظالمين المتجاوزين حدود الله‪.‬‬

‫ن‬
‫مهها ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خههاُفوا أ ْ‬
‫ن ت ُهَرد ّ أي ْ َ‬ ‫جهِهَهها أ َوْ ي َ َ‬ ‫ن ي َأ ُْتوا ِبال ّ‬
‫شَهاد َةِ عَل َههى وَ ْ‬
‫َ‬
‫ك أد َْنى أ ْ‬
‫ذ َل ِ َ َ‬
‫َ‬
‫ن)‬‫سهِقي َ‬ ‫م ال َْفا ِ‬ ‫دي ال َْقهوْ َ‬ ‫ه ل ي َهْه ِ‬ ‫مُعوا َوالل ّه ُ‬
‫س َ‬‫ه َوا ْ‬‫م َوات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫مان ِهِ ْ‬
‫ب َعْد َ أي ْ َ‬
‫‪(108‬‬
‫ذلك الحكم عند الرتياب في الشاهدين من الحلف بعد الصلة‬
‫وعدم قبول شهادتهما‪ ,‬أقرب إلى أن يأتوا بالشهادة على حقيقتها‬
‫خوًفا من عذاب الخرة‪ ,‬أو خشية من أن ترد اليمين الكاذبة من‬
‫قَِبل أصحاب الحق بعد حلفهم‪ ,‬فيفتضح الكاذب الذي ردت يمينه‬
‫في الدنيا وقت ظهور خيانته‪ .‬وخافوا الله ‪-‬أيها الناس‪ -‬وراقبوه أن‬
‫ما‪ ,‬واسمعوا ما‬‫تحلفوا كذًبا‪ ,‬وأن تقتطعوا بأيمانكم مال حرا ً‬
‫توعظون به‪ .‬والله ل يهدي القوم الفاسقين الخارجين عن طاعته‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫عل ْم ل َنا إنهه َ َ‬ ‫ل ما َ ُ‬
‫ت‬
‫ك أْنهه َ‬ ‫م َقاُلوا ل ِ َ َ ِ ّ‬
‫جب ْت ُ ْ‬
‫ذا أ ِ‬ ‫ل فَي َُقو ُ َ‬
‫س َ‬ ‫معُ الل ّ ُ‬
‫ه الّر ُ‬ ‫ج َ‬‫م يَ ْ‬‫ي َوْ َ‬
‫ب )‪(109‬‬ ‫م ال ْغُُيو ِ‬
‫عَل ّ ُ‬
‫واذكروا ‪-‬أيها الناس‪ -‬يوم القيامة يوم يجمع الله الرسل عليهم‬
‫السلم‪ ,‬فيسألهم عن جواب أممهم لهم حينما دعوهم إلى التوحيد‬
‫فيجيبون‪ :‬ل علم لنا‪ ,‬فنحن ل نعلم ما في صدور الناس‪ ,‬ول ما‬
‫أحدثوا بعدنا‪ .‬إنك أنت عليم بكل شيء مما ظهر وخفي‪.‬‬

‫ك إ ِذ ْ‬ ‫على َوال ِهد َت ِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مِتي عَل َي ْ َ‬ ‫م اذ ْك ُْر ن ِعْ َ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬‫ه َيا ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ب‬ ‫ك ال ْك ِت َهها َ‬ ‫مت ُ َ‬‫مهْدِ وَك َهْل ً وَإ ِذ ْ عَل ّ ْ‬ ‫س ِفي ال ْ َ‬ ‫م الّنا َ‬ ‫س ت ُك َل ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ح الُقد ُ ِ‬ ‫ك ب ُِرو ِ‬ ‫أ َّيدت ّ َ‬
‫ن ك َهَي ْئ َةِ الط ّي ْرِ ِبههإ ِذ ِْني‬ ‫ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫طي‬ ‫م ْ‬ ‫خل ُقُ ِ‬ ‫ل وَإ ِذ ْ ت َ ْ‬‫جي َ‬ ‫لن ِ‬ ‫ة َوالت ّوَْراةَ َوا ِ‬ ‫م َ‬‫حك ْ َ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ص ب ِهإ ِذ ِْني وَإ ِذ ْ‬ ‫ه َوالب ْهَر َ‬ ‫مه َ‬‫ن ط َي ْههرا ً ب ِهإ ِذ ِْني وَت ُب ْهرِئُ الك ْ َ‬ ‫كو ُ‬ ‫خ ِفيَها فَت َ ُ‬ ‫فََتنُف ُ‬
‫ت‬ ‫م ِبال ْب َي ّن َهها ِ‬‫جئ ْت َهُ ْ‬‫ك إ ِذ ْ ِ‬ ‫ل عَن ْ َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ت ب َِني إ ِ ْ‬ ‫موَْتى ب ِإ ِذ ِْني وَإ ِذ ْ ك ََفْف ُ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫ن )‪(110‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ذا إ ِل ّ ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن ك ََفُروا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫فََقا َ‬
‫إذ قال الله يرم القيامة‪ :‬يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك إذ‬
‫خلقتك من غير أب‪ ,‬وعلى والدتك حيث اصطفيتها على نساء‬
‫سب إليها‪ ,‬ومن هذه النعم على عيسى أنه‬ ‫العالمين‪ ,‬وبرأتها مما ن ُ ِ‬
‫واه وأعانه بجبريل عليه السلم‪ ,‬يكلم الناس وهو رضيع‪ ,‬ويدعوهم‬ ‫ق ّ‬
‫إلى الله وهو كبير بما أوحاه الله إليه من التوحيد‪ ,‬ومنها أن الله‬
‫تعالى عّلمه الكتابة والخط بدون معلم‪ ,‬ووهبه قوة الفهم والدراك‪,‬‬
‫وعَّلمه التوراة التي أنزلها على موسى عليه السلم‪ ,‬والنجيل الذي‬
‫ور من الطين كهيئة‬ ‫أنزل عليه هداية للناس‪ ,‬ومن هذه النعم أنه يص ّ‬
‫الطير فينفخ في تلك الهيئة‪ ,‬فتكون طيًرا بإذن الله‪ ,‬ومنها أنه‬
‫ما‬
‫يشفي الذي وُِلد أعمى فيبصر‪ ,‬ويشفي البرص‪ ,‬فيعود جلده سلي ً‬
‫ي الموتى فيقومون من‬ ‫بإذن الله‪ ,‬ومنها أنه يدعو الله أن يحي َ‬
‫قبورهم أحياء‪ ,‬وذلك كله بإرادة الله تعالى وإذنه‪ ,‬وهي معجزات‬
‫كره الله جل وعل نعمته‬ ‫باهرة تؤيد نبوة عيسى عليه السلم‪ ,‬ثم يذ ّ‬
‫موا بقتله‪ ,‬وقد جاءهم بالمعجزات‬ ‫عليه إذ منع بني إسرائيل حين ه ّ‬
‫ن ما جاء به‬‫الواضحة الدالة على نبوته‪ ,‬فقال الذين كفروا منهم‪ :‬إ ّ‬
‫عيسى من البينات سحر ظاهر‪.‬‬

‫وإذ ْ أ َوحيت إَلى ال ْحواريي َ‬


‫ش ههَد ْ‬ ‫سوِلي َقاُلوا آ َ‬
‫مّنا َوا ْ‬ ‫مُنوا ِبي وَب َِر ُ‬
‫نآ ِ‬
‫نأ ْ‬‫َ َ ِّ َ‬ ‫َِ ْ َ ْ ُ ِ‬
‫‪229‬‬
‫ن )‪(111‬‬ ‫َ‬
‫مو َ‬
‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬
‫ب ِأن َّنا ُ‬
‫ت في قلوب جماعة من‬ ‫ت‪ ,‬وألقي ُ‬‫واذكر نعمتي عليك‪ ,‬إذ ألهم ُ‬
‫دقنا يا‬
‫خلصائك أن يصدقوا بوحدانية الله تعالى ونبوتك‪ ,‬فقالوا‪ :‬ص ّ‬
‫ربنا‪ ,‬واشهد بأننا خاضعون لك منقادون لمرك‪.‬‬

‫ل يسهتطيع ربه َ َ‬
‫ن ي ُن َهّز َ‬
‫ل‬ ‫كأ ْ‬ ‫م هَ ه ْ َ ْ َ ِ ُ َ ّ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬
‫سى اب ْ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ن َيا ِ‬‫وارِّيو َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ن )‪(112‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ه إِ ْ‬‫ل ات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ماِء َقا َ‬
‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬
‫مائ ِد َةً ِ‬‫عَل َي َْنا َ‬
‫واذكر إذ قال الحواريون‪ :‬يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك إن‬
‫سألته أن ينزل علينا مائدة طعام من السماء؟ فكان جوابه أن‬
‫أمرهم بأن يتقوا عذاب الله تعالى‪ ,‬إن كانوا مؤمنين حقّ اليمان‪.‬‬

‫ل منههها وتط ْمئ ِن قُُلوبنهها ونعل َه َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫ص هد َقْت ََنا‬
‫ن قَ هد ْ َ‬
‫مأ ْ‬‫َُ ََْ َ‬ ‫ن ن َأك ُه َ ِ ْ َ َ َ َ ّ‬ ‫ري هد ُ أ ْ‬ ‫قَههاُلوا ن ُ ِ‬
‫ن )‪(113‬‬ ‫دي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫شاهِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن عَل َي َْها ِ‬ ‫كو َ‬‫وَن َ ُ‬

‫قال الحواريون‪ :‬نريد أن نأكل من المائدة وتسكن قلوبنا لرؤيتها‪,‬‬


‫ونعلم يقينا صدقك في نبوتك‪ ,‬وأن نكون من الشاهدين على هذه‬
‫الية أن الله أنزلها حجة له علينا في توحيده وقدرته على ما يشاء‪,‬‬
‫وحجة لك على صدقك في نبوتك‪.‬‬

‫ن‬ ‫ماءِ ت َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬
‫مائ ِد َةً ِ‬ ‫م َرب َّنا َأنزِ ْ‬
‫ل عَل َي َْنا َ‬ ‫م الل ّهُ ّ‬ ‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬
‫ل ِ‬‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫َ‬
‫عيدا ً لوّل َِنا َوآ ِ‬
‫ل ََنا ِ‬
‫ن )‪(114‬‬ ‫خيُر الّرازِِقي َ‬ ‫ت َ‬‫ك َواْرُزقَْنا وَأن ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫خرَِنا َوآي َ ً‬
‫أجاب عيسى ابن مريم طلب الحواريين فدعا ربه جل وعل قائل‬
‫دا لنا‪,‬‬
‫ربنا أنزل علينا مائدة طعام من السماء‪ ,‬نتخذ يوم نزولها عي ً‬
‫من بعدنا‪ ,‬وتكون المائدة علمة وحجة منك يا ألله‬ ‫نعظمه نحن و َ‬
‫على وحدانيتك وعلى صدق نبوتي‪ ,‬وامنحنا من عطائك الجزيل‪,‬‬
‫وأنت خير الرازقين‪.‬‬

‫ذابا ً‬ ‫ُ‬
‫عهه َ‬
‫ه َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م فَإ ِّني أعَذ ّب ُ ُ‬ ‫ن ي َك ُْفْر ب َعْد ُ ِ‬ ‫من َّزل َُها عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ه إ ِّني ُ‬‫ل الل ّ ُ‬
‫َقا َ‬
‫ل أ ُعَذ ّب َ‬
‫ن )‪(115‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال َْعال َ ِ‬
‫م ْ‬‫حدا ً ِ‬
‫هأ َ‬ ‫ُ ُ‬

‫‪230‬‬
‫قال الله تعالى‪ :‬إني منزل مائدة الطعام عليكم‪ ,‬فمن يجحد منكم‬
‫وحدانيتي ونبوة عيسى عليه السلم بعد نزول المائدة فإني أعذبه‬
‫دا من العالمين‪ .‬وقد نزلت المائدة كما‬
‫دا‪ ,‬ل أعذبه أح ً‬
‫عذاًبا شدي ً‬
‫وعد الله‪.‬‬

‫ُ‬ ‫عيسى ابن مري َ َ‬


‫مههي‬‫ذوِني وَأ ّ‬ ‫خه ُ‬ ‫س ات ّ ِ‬
‫ت ِلل َّنا َ ِ‬‫ت قُل ْ َ‬‫م أأن َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ َ‬ ‫ه َيا ِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫س ِلههي‬ ‫ما ل َي ْ َ‬‫ل َ‬ ‫ن أُقو َ‬ ‫ن ِلي أ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬‫ك َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ل ُ‬ ‫ن الل ّهِ َقا َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫إ ِل َهَي ْ‬
‫َ‬
‫مهها فِههي‬‫م َ‬ ‫سي َول أعْل َه ُ‬ ‫ما ِفي ن َْف ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ت َعْل َ ُ‬
‫مت َ ُ‬‫ه فََقد ْ عَل ِ ْ‬ ‫ت قُل ْت ُ ُ‬ ‫كن ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫حق ّ إ ِ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬
‫ب )‪(116‬‬ ‫م ال ْغُُيو ِ‬ ‫ت عَل ّ ُ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬‫س َ‬ ‫ن َْف ِ‬
‫واذكر إذ قال الله تعالى يوم القيامة‪ :‬يا عيسى ابن مريم أأنت قلت‬
‫للناس اجعلوني وأمي معبودين من دون الله؟ فأجاب عيسى‬
‫ها الله تعالى‪ :-‬ما ينبغي لي أن أقول للناس غير الحق‪ .‬إن‬‫‪-‬منّز ً‬
‫ت هذا فقد علمَته; لنه ل يخفى عليك شيء‪ ,‬تعلم ما‬ ‫ت قل ُ‬ ‫كن ُ‬
‫م بكل شيء‬‫تضمره نفسي‪ ,‬ول أعلم أنا ما في نفسك‪ .‬إنك أنت عال ٌ‬
‫مما ظهر أو خفي‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫كنه ُ‬ ‫م وَ ُ‬
‫كه ْ‬‫ه َرّبهي وََرب ّ ُ‬ ‫دوا الّله َ‬
‫ن اعُْبه ُ‬ ‫مْرت َِنهي ِبههِ أ ْ‬‫ما أ َ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬‫ما قُل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما ت َوَفّي ْت َِني ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ب عَلي ِْههه ْ‬‫ت الّرِقيهه َ‬ ‫ت أن ْ َ‬ ‫كن َ‬ ‫م فَل ّ‬
‫ت ِفيهِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ما د ُ ْ‬ ‫شِهيدا َ‬ ‫م َ‬ ‫عَلي ْهِ ْ‬
‫شِهيد ٌ )‪(117‬‬ ‫يٍء َ‬ ‫ل َ‬ ‫ت عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬ ‫وَأن ْ َ‬
‫ي‪,‬‬
‫ت لهم إل ما أوحيته إل ّ‬
‫ب ما قل ُ‬‫قال عيسى عليه السلم‪ :‬يا ر ّ‬
‫ت على ما‬‫وأمرتني بتبليغه من إفرادك بالتوحيد والعبادة‪ ,‬وكن ُ‬
‫دا عليهم وعلى أفعالهم وأقوالهم‪,‬‬ ‫يفعلونه ‪-‬وأنا بين أظهرهم‪ -‬شاه ً‬
‫فلما وفيتني أجلي على الرض‪ ,‬ورفعتني إلى السماء حّيا‪ ,‬كنت أنت‬
‫المط ِّلع على سرائرهم‪ ,‬وأنت على كل شيء شهيد‪ ,‬ل تخفى عليك‬
‫خافية في الرض ول في السماء‪.‬‬

‫ك وإن تغْفر ل َهم فَإن َ َ‬


‫م)‬
‫كيهه ُ‬ ‫زيههُز ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ت ال ْعَ ِ‬
‫ك أن ْ َ‬ ‫عَباد ُ َ َ ِ ْ َ ِ ْ ُ ْ ِ ّ‬ ‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن ت ُعَذ ّب ْهُ ْ‬
‫إِ ْ‬
‫‪(118‬‬
‫إنك يا ألله إن تعذبهم فإنهم عبادك ‪-‬وأنت أعلم بأحوالهم‪ ،-‬تفعل‬
‫بهم ما تشاء بعدلك‪ ,‬وإن تغفر برحمتك لمن أتى منهم بأسباب‬

‫‪231‬‬
‫المغفرة‪ ,‬فإنك أنت العزيز الذي ل يغال َ ُ‬
‫ب‪ ,‬الحكيم في تدبيره‬
‫وأمره‪ .‬وهذه الية ثناء على الله ‪-‬تعالى‪ -‬بحكمته وعدله‪ ,‬وكمال‬
‫علمه‪.‬‬

‫ن‬
‫مه ْ‬‫ري ِ‬ ‫جه ِ‬ ‫ت تَ ْ‬
‫جّنها ٌ‬
‫َ‬ ‫م ل َُهه ْ‬
‫م‬ ‫صهد ْقُهُ ْ‬
‫ن ِ‬‫صهادِِقي َ‬‫م َينَفهعُ ال ّ‬ ‫ذا ي َوْ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه هَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫حت ِها ا َ‬
‫ك‬‫ه ذ َل ِه َ‬
‫ضههوا عَن ْه ُ‬‫وََر ُ‬ ‫م‬‫ه عَن ْهُه ْ‬‫ي الل ّه ُ‬ ‫ن ِفيَها أب َههدا ً َر ِ‬
‫ضه َ‬ ‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫لنَهاُر َ‬ ‫تَ ْ َ‬
‫م )‪(119‬‬ ‫ظي ُ‬‫ال َْفوُْز ال ْعَ ِ‬
‫قال الله تعالى لعيسى عليه السلم يوم القيامة‪ :‬هذا يوم الجزاء‬
‫الذي ينفع الموحدين توحيدهم ربهم‪ ,‬وانقيادهم لشرعه‪ ,‬وصدقهم‬
‫في نياتهم وأقوالهم وأعمالهم‪ ,‬لهم جنات تجري من تحت قصورها‬
‫دا‪ ,‬رضي الله عنهم فقبل حسناتهم‪ ,‬ورضوا‬ ‫النهار‪ ,‬ماكثين فيها أب ً‬
‫عنه بما أعطاهم من جزيل ثوابه‪ .‬ذلك الجزاء والرضا منه عليهم هو‬
‫الفوز العظيم‪.‬‬

‫ن وَهُوَ عََلى ك ُه ّ‬ ‫َ‬ ‫مل ْ ُ‬


‫يءٍ قَ ه ِ‬
‫ديٌر )‬ ‫ل َ‬
‫شه ْ‬ ‫ما ِفيهِ ّ‬
‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ك ال ّ‬ ‫ل ِل ّهِ ُ‬
‫‪(120‬‬
‫لله وحده ل شريك له ملك السموات والرض وما فيهن‪ ,‬وهو‬
‫‪-‬سبحانه‪ -‬على كل شيء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬

‫‪ -6‬سورة النعام‬

‫َ‬
‫ت َوالن ّههوَر ث ُه ّ‬
‫م‬ ‫ل الظ ّل ُ َ‬
‫ما ِ‬ ‫جع َ َ‬
‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ح ْ‬
‫ن )‪(1‬‬ ‫م ي َعْدُِلو َ‬
‫ن ك ََفُروا ب َِرب ّهِ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫الثناء على الله بصفاته التي كّلها أوصاف كمال‪ ،‬وبنعمه الظاهرة‬
‫والباطنة‪ ،‬الدينية والدنيوية‪ ،‬الذي أنشأ السموات والرض وما فيهن‪,‬‬
‫وخلق الظلمات والنور‪ ,‬وذلك بتعاقب الليل والنهار‪ .‬وفي هذا دللة‬

‫‪232‬‬
‫على عظمة الله تعالى‪ ,‬واستحقاقه وحده العبادة‪ ,‬فل يجوز لحد أن‬
‫يشرك به غيره‪ .‬ومع هذا الوضوح فإن الكافرين يسوون بالله غيره‪,‬‬
‫ويشركون به‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫عن ْهد َهُ ث ُه ّ‬
‫م‬ ‫مى ِ‬
‫سه ّ‬
‫م َ‬
‫ل ُ‬ ‫جل ً وَأ َ‬
‫جه ٌ‬ ‫م قَ َ‬
‫ضههى أ َ‬ ‫ن ثُ ّ‬
‫طي ٍ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫خل ََقك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫َ‬
‫مت َُرو َ‬‫م تَ ْ‬‫أن ْت ُ ْ‬
‫هو الذي خلق أباكم آدم من طين وأنتم سللة منه‪ ,‬ثم كتب مدة‬
‫دا ل يعلمه إل هو‬
‫بقائكم في هذه الحياة الدنيا‪ ,‬وكتب أجل آخر محد ّ ً‬
‫كون في قدرة الله‬ ‫جل وعل وهو يوم القيامة‪ ,‬ثم أنتم بعد هذا تش ّ‬
‫تعالى على البعث بعد الموت‪.‬‬

‫َ‬
‫مهها‬ ‫م وَي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫جهَْرك ُ ْ‬ ‫سّرك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ض ي َعْل َ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ت وَِفي الْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫وَهُوَ الل ّ ُ‬
‫ه ِفي ال ّ‬
‫ن )‪(3‬‬‫سُبو َ‬ ‫ت َك ْ ِ‬
‫والله سبحانه هو الله المعبود في السموات والرض‪ .‬ومن دلئل‬
‫ألوهيته أنه يعلم جميع ما تخفونه ‪-‬أيها الناس‪ -‬وما تعلنونه‪ ,‬ويعلم‬
‫ل وعل‪ -‬وحده هو الله‬ ‫جميع أعمالكم من خير أو شر; ولهذا فإنه ‪-‬ج ّ‬
‫المستحق للعبادة‪.‬‬

‫ن )‪(4‬‬ ‫م إ ِل ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ضي َ‬
‫معْرِ ِ‬
‫كاُنوا عَن َْها ُ‬ ‫ت َرب ّهِ ْ‬
‫ن آَيا ِ‬
‫م ْ‬
‫ن آي َةٍ ِ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ما ت َأِتيهِ ْ‬
‫وَ َ‬
‫هؤلء الكفار الذين يشركون مع الله تعالى غيره قد جاءتهم الحجج‬
‫ق‬
‫صد ْ ِ‬
‫الواضحة والدللت البينة على وحدانية الله ‪-‬جل وعل‪ -‬و ِ‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم في نبوته‪ ,‬وما جاء به‪ ,‬ولكن ما إن‬
‫جاءتهم حتى أعرضوا عن قبولها‪ ,‬ولم يؤمنوا بها‪.‬‬

‫ف يهأ ِْتيه َ‬
‫مهها ك َههاُنوا ب ِه ِ‬
‫ه‬ ‫م أن ْب َههاُء َ‬
‫ِ ْ‬ ‫م فَ َ‬
‫س هو ْ َ َ‬ ‫جههاَءهُ ْ‬ ‫حقّ ل َ ّ‬
‫مهها َ‬ ‫فََقد ْ ك َهذ ُّبوا ب ِههال ْ َ‬
‫ست َهْزُِئون )‪(5‬‬ ‫يَ ْ‬
‫لقد جحد هؤلء الكفار الحقّ الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم وسخروا من دعائه; جهل منهم بالله واغتراًرا بإمهاله إياهم‪,‬‬

‫‪233‬‬
‫فسوف يرون ما استهزءوا به أنه الحق والصدق‪ ,‬ويبين الله‬
‫للمكذبين كذبهم وافتراءهم‪ ,‬ويجازيهم عليه‪.‬‬

‫مهها ل َه ْ‬
‫م‬ ‫ض َ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫من قَرن مك ّن ّههاهُم فِههي ال َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫م أ َهْل َك ْ‬‫ْ‬ ‫م ي ََرْوا ك َ‬ ‫ْ‬ ‫أ َل َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ه‬
‫ِ ْ‬ ‫م‬ ‫ري‬ ‫جه ِ‬‫جعَل َْنا ال َن ْهَههاَر ت َ ْ‬‫مد َْرارا ً وَ َ‬
‫م ِ‬ ‫ماَء عَل َي ْهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫سل َْنا ال ّ‬ ‫م وَأْر َ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫مك ّ ْ‬ ‫نُ َ‬
‫ْ‬ ‫م وََأن َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫ري َ‬
‫خ ِ‬‫م قَْرنا ً آ َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫شأَنا ِ‬ ‫م ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫م فَأهْل َك َْناهُ ْ‬ ‫حت ِهِ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫ألم يعلم هؤلء الذين يجحدون وحدانية الله تعالى واستحقاقه وحده‬
‫دا صلى الله عليه وسلم ما ح ّ‬
‫ل‬ ‫العبادة‪ ,‬ويكذبون رسوله محم ً‬
‫بالمم المكذبة قبلهم من هلك وتدمير‪ ,‬وقد مكّناهم في الرض ما‬
‫لم نمكن لكم أيها الكافرون‪ ,‬وأنعمنا عليهم بإنزال المطار وجريان‬
‫جا وإملًء لهم‪ ,‬فكفروا بنعم الله‬
‫النهار من تحت مساكنهم؛ استدرا ً‬
‫ما‬
‫وكذبوا الرسل‪ ,‬فأهلكناهم بسبب ذنونهم‪ ,‬وأنشأنا من بعدهم أم ً‬
‫أخرى خلفوهم في عمارة الرض؟‬

‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ك كتابا ً فههي قرط َههاس فَل َمسههوه بأ َ‬


‫ن‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ها‬
‫ه‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫دي‬
‫ِ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ ُ ُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫وَل َوْ ن َّزل َْنا عَل َي ْ َ ِ َ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫مِبي ٌ‬
‫حٌر ُ‬ ‫ذا إ ِل ّ ِ‬
‫س ْ‬ ‫ن هَ َ‬‫ك ََفُروا إ ِ ْ‬
‫ولو نّزلنا عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كتاًبا من السماء في أوراق فلمسه‬
‫ن ما جئت به ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫هؤلء المشركون بأيديهم لقالوا‪ :‬إ ّ‬
‫سحر واضح بّين‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ول ُأنهزِ َ‬


‫م هُر ث ُه ّ‬
‫مل‬ ‫ي ال ْ‬ ‫مَلكها ً ل َُق ِ‬
‫ضه َ‬ ‫ك وَل َهوْ أنَزل ْن َهها َ‬
‫مل َه ٌ‬
‫ل عَل َي ْههِ َ‬ ‫وََقاُلوا ل َ ْ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫ُينظ َُرو َ‬
‫مل َ ً‬
‫كا من‬ ‫وقال هؤلء المشركون‪ :‬هل أنزل الله تعالى على محمد َ‬
‫كا من السماء‬ ‫مل َ ّ‬
‫السماء; ليصدقه فيما جاء به من النبوة‪ ,‬ولوأنزلنا َ‬
‫إجابة لطلبهم لقضي المر بإهلكهم‪ ,‬ثم ل يمهلون لتوبة‪ ,‬فقد سبق‬
‫في علم الله أنهم ل يؤمنون‪.‬‬

‫ن )‪(9‬‬ ‫ما ي َل ْب ِ ُ‬
‫سو َ‬ ‫سَنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫جل ً وَل َل َب َ ْ‬
‫جعَل َْناهُ َر ُ‬
‫مَلكا ً ل َ َ‬
‫جعَل َْناهُ َ‬
‫وَل َوْ َ‬

‫‪234‬‬
‫مل َ ً‬
‫كا إذ لم يقتنعوا بمحمد صلى‬ ‫ولو جعلنا الرسول المرسل إليهم َ‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬لجعلنا ذلك الملك في صورة البشر‪ ,‬حتى‬
‫يستطيعوا السماع منه ومخاطبته; إذ ليس بإمكانهم رؤية الملك‬
‫على صورته الملئكية‪ ,‬ولو جاءهم الملك بصورة رجل لشتبه المر‬
‫عليهم‪ ,‬كما اشتبه عليهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫ما َ‬
‫كههاُنوا‬ ‫م َ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫خُروا ِ‬
‫س ِ‬
‫ن َ‬ ‫حاقَ ِبال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫ك فَ َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬
‫س ٍ‬ ‫وَل ََقد ْ ا ْ‬
‫ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ‬
‫ست َهْزُِئون )‪(10‬‬ ‫ب ِهِ ي َ ْ‬
‫ما كان طلبهم إنزال الملك على سبيل الستهزاء بمحمد صلى‬ ‫ول ّ‬
‫الله عليه وسلم بّين الله تعالى له أن الستهزاء بالرسل عليهم‬
‫السلم ليس أمرا حادثا‪ ,‬بل قد وقع من الكفار السابقين مع‬
‫أنبيائهم‪ ,‬فأحاط بهم العذاب الذي كانوا يهزؤون به وينكرون وقوعه‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫مك َذ ِّبي َ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م انظ ُُروا ك َي ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫ض ثُ ّ‬
‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل ِ‬
‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬سيروا في الرض ثم انظروا كيف أعقب‬
‫الله المكذبين الهلك والخزي؟ فاحذروا مثل مصارعهم‪ ,‬وخافوا أن‬
‫يح ّ‬
‫ل بكم مثل الذي حل بهم‪.‬‬

‫ة‬
‫م َ‬‫ح َ‬‫سهِ الّر ْ‬‫ب عََلى ن َْف ِ‬‫ل ل ِل ّهِ ك َت َ َ‬
‫ض قُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ت َوال َْر‬
‫وا ِ‬‫م َ‬ ‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ل لِ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫م‬‫م فَُههه ْ‬
‫سهههُ ْ‬‫سُروا أنُف َ‬‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ب ِفيهِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مةِ ل َري ْ َ‬‫م إ َِلى ي َوْم ِ ال ِْقَيا َ‬
‫معَن ّك ُ ْ‬‫ج َ‬ ‫ل َي َ ْ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ل ي ُؤْ ِ‬
‫ك السموات والرض‬ ‫مل ُ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬لمن ُ‬
‫وما فيهن؟ قل‪ :‬هو لله كما تقرون بذلك وتعلمونه‪ ,‬فاعبدوه وحده‪.‬‬
‫كتب الله على نفسه الرحمة فل بعجل على عباده بالعقوبة‪.‬‬
‫ليجمعنكم إلى يوم القيامة الذي ل شك فيه للحساب والجزاء‪.‬‬
‫الذين أشركوا بالله أهلكوا أنفسهم‪ ,‬فهم ل يوحدون الله‪ ,‬ول‬
‫يصدقون بوعده ووعيده‪ ,‬ول يقرون بنبوة محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫م )‪(13‬‬ ‫س ِ‬ ‫ن ِفي الل ّي ْ ِ‬
‫ل َوالن َّهارِ وَهُوَ ال ّ‬ ‫سك َ َ‬
‫ما َ‬ ‫وَل َ ُ‬
‫ه َ‬
‫‪235‬‬
‫ولله ملك كل شيء في السموات والرض‪ ,‬سكن أو تحرك‪ ,‬خفي‬
‫أو ظهر‪ ,‬الجميع عبيده وخلقه‪ ,‬وتحت قهره وتصرفه وتدبيره‪ ,‬وهو‬
‫السميع لقوال عباده‪ ,‬الحليم بحركاتهم وسرائرهم‪.‬‬

‫ت وال َ‬ ‫ل أ َغَير الل ّه أ َ‬


‫م َول‬‫وَهُ هوَ ي ُط ْعِ ه ُ‬ ‫ض‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫س‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫ط‬‫ها‬‫ه‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫خ هذ ُ وَل ِي ّها ً‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫َْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل مه َ‬ ‫ل إنههي أ ُم هرت أ َن أ َك ُههو َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬‫ن ِ‬‫َول ت َك ُههون َ ّ‬ ‫م‬ ‫س هل َ َ‬‫نأ ْ‬ ‫ن أو ّ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ ُ ْ‬ ‫م قُ ه ْ ِ ّ‬‫ي ُط ْعَ ه ُ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين مع الله تعالى غيره‪ :‬أغير الله‬
‫تعالى أتخذ ولّيا ونصيًرا‪ ,‬وهو خالق السموات والرض وما فيهن‪,‬‬
‫وهو الذي يرزق خلقه ول يرزقه أحد؟ قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إني‬
‫من خضع وانقاد له بالعبودية من هذه المة‪,‬‬ ‫ُ‬
‫ت أن أكون أول َ‬
‫مْر ُ‬
‫أ ِ‬
‫ونهيت أن أكون من المشركين معه غيره‪.‬‬

‫ظيم ٍ )‪(15‬‬
‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ت َرّبي عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫صي ْ ُ‬
‫ن عَ َ‬
‫ف إِ ْ‬ ‫ل إ ِّني أ َ َ‬
‫خا ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين مع الله غيره‪ :‬إني أخاف إن‬
‫عصيت ربي‪ ,‬فخالفت أمره‪ ,‬وأشركت معه غيره في عبادته‪ ,‬أن‬
‫ينزل بي عذاب عظيم يوم القيامة‪.‬‬

‫ن )‪(16‬‬ ‫ك ال َْفوُْز ال ْ ُ‬
‫مِبي ُ‬ ‫ه وَذ َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫مئ ِذٍ فََقد ْ َر ِ‬
‫ح َ‬ ‫ه ي َوْ َ‬
‫ف عَن ْ ُ‬
‫صَر ْ‬
‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫من يصرف الله عنه ذلك العذاب الشديد فقد رحمه‪ ,‬وذلك الصرف‬
‫هو الظفر البين بالنجاة من العذاب العظيم‪.‬‬

‫ر‬
‫خي ْه ٍ‬ ‫سه َ‬
‫ك بِ َ‬ ‫س ْ‬
‫م َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ف ل َه ُ‬
‫ه إ ِل ّ هُهوَ وَإ ِ ْ‬ ‫شه َ‬ ‫ضّر َفل َ‬
‫كا ِ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫ه بِ ُ‬ ‫س َ‬ ‫س ْ‬‫م َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫ديٌر )‪(17‬‬‫يٍء قَ ِ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫فَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬
‫وإن يصبك الله تعالى ‪-‬أيها النسان‪ -‬بشيء يضرك كالفقر والمرض‬
‫فل كاشف له إل هو‪ ,‬وإن يصبك بخير كالغنى والصحة فل راد‬
‫لفضله ول مانع لقضائه‪ ,‬فهو ‪-‬جل وعل‪ -‬القادر على كل شيء‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫م ال ْ َ‬
‫خِبيُر )‪(18‬‬ ‫كي ُ‬ ‫عَبادِهِ وَهُوَ ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫وَهُوَ ال َْقاهُِر فَوْقَ ِ‬
‫والله سبحانه هو الغالب القاهر فوق عباده; خضعت له الرقاب‬
‫وذ َل ّ ْ‬
‫ت له الجبابرة‪ ,‬وهو الحكيم الذي يضع الشياء مواضعها وَْفق‬
‫حكمت‪ ,‬الخبير الذي ل يخفى عليه شيء‪ .‬ومن اتصف بهذه‬
‫الصفات يجب أل يشرك به‪ .‬وفي هذه الية إثبات الفوقية لله‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬على جميع خلقه‪ ,‬فوقية مطلقة تليق بجلله سبحانه‪.‬‬

‫ي‬‫ي إ ِل َه ّ‬
‫حه َ‬ ‫م وَُأو ِ‬ ‫شِهيد ٌ ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُه ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫شَهاد َةً قُ ْ‬ ‫يٍء أ َك ْب َُر َ‬ ‫ل أ َيّ َ‬
‫ش ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫م هعَ الل ّههِ آل ِهَ ه ً‬ ‫ش ههدو َ‬ ‫َ‬ ‫ذا ال ُْقرآ ُ ُ‬
‫ة‬ ‫ن َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ل َت َ ْ َ ُ َ‬ ‫ن ب َل َغَ أئ ِن ّك ُه ْ‬
‫م ْ‬‫م ب ِهِ وَ َ‬‫ن لنذَِرك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫هَ َ‬
‫َ‬ ‫أُ ْ‬
‫ن)‬‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ت ُ ْ‬
‫م ّ‬‫ريٌء ِ‬ ‫حد ٌ وَإ ِن ِّني ب َ ِ‬
‫ه َوا ِ‬ ‫ما هُوَ إ ِل َ ٌ‬ ‫شهَد ُ قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫للأ ْ‬ ‫خَرى قُ ْ‬
‫‪(19‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول لهؤلء المشركين‪ :-‬أيّ شيء أعظم شهادة في‬
‫إثبات صدقي فيما أخبرتكم به أني رسول الله؟ قل‪ :‬الله شهيد‬
‫بيني وبينكم أي‪ :‬هو العالم بما جئتكم به وما أنتم قائلونه لي‪,‬‬
‫من أجل أن أنذركم به عذابه أن يح ّ‬
‫ل‬ ‫ي هذا القرآن ِ‬‫وأوحى الله إل ّ‬
‫من وصل إليه من المم‪ .‬إنكم لتقرون أن مع الله‬ ‫بكم‪ ,‬وأنذر به َ‬
‫معبودات أخرى تشركونها به‪ .‬قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬إني ل أشهد‬
‫على ما أقررتم به‪ ,‬إنما الله إله واحد ل شريك له‪ ,‬وإنني بريء من‬
‫كل شريك تعبدونه معه‪.‬‬

‫ال ّذين آتيناهُم ال ْكتاب يعرُفونه ك َما يعرُفو َ‬


‫س هُروا‬
‫خ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن أب ْن َههاَءهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َِ َ َْ ِ َ ُ َ َْ ِ‬ ‫ِ َ ََْ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(20‬‬‫مُنو َ‬ ‫م فَهُ ْ‬
‫م ل ي ُؤْ ِ‬ ‫سه ُ ْ‬
‫أنُف َ‬
‫دا صلى الله عليه‬‫الذين آتيناهم التوراة والنجيل‪ ,‬يعرفون محم ً‬
‫وسلم بصفاته المكتوبة عندهم كمعرفتهم أبناءهم‪ ,‬فكما أن أبناءهم‬
‫ل يشتبهون أمامهم بغيرهم‪ ,‬فكذلك محمد صلى الله عليه وسلم ل‬
‫يشتبه بغيره لدقة وصفه في كتبهم‪ ,‬ولكنهم اتبعوا أهواءهم‪,‬‬
‫فخسروا أنفسهم حبن كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء‬
‫به‪.‬‬

‫َ‬ ‫وم َ‬
‫ح‬
‫ه ل ي ُْفل ِه ُ‬ ‫ذبا ً أوْ ك َهذ ّ َ‬
‫ب ِبآي َههات ِهِ إ ِن ّه ُ‬ ‫ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َه ِ‬
‫م ْ‬
‫م ّ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬
‫م ِ‬ ‫َ َ ْ‬

‫‪237‬‬
‫ن )‪(21‬‬
‫مو َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬
‫ل الكذب على الله تعالى‪ ,‬فزعم أن له‬ ‫من ت ََقوّ َ‬
‫ما م ّ‬
‫ل أحد أشد ظل ً‬
‫دا أو صاحبة‪ ,‬أو كذب ببراهينه‬
‫دعى أن له ول ً‬ ‫شركاء في العبادة‪ ,‬أو ا ّ‬
‫وأدلته التي أّيد بها رسله عليهم السلم‪ .‬إنه ل يفلح الظالمون الذين‬
‫افتروا الكذب على الله‪ ,‬ول يظفرون بمطالبهم في الدنيا ول في‬
‫الخرة‪.‬‬

‫شر ُ َ‬ ‫ل ل ِل ّذي َ‬
‫ن‬ ‫م اّلهه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫كاؤُك ُ ْ‬
‫شَر َ‬
‫ن ُ‬
‫كوا أي ْ َ‬ ‫نأ ْ َ‬‫ِ َ‬ ‫ميعا ً ث ُ ّ‬
‫م ن َُقو ُ‬ ‫ج ِ‬
‫م َ‬ ‫ح ُ‬
‫شُرهُ ْ‬ ‫م نَ ْ‬‫وَي َوْ َ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫مو َ‬‫م ت َْزعُ ُ‬ ‫ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫وليحذر هؤلء المشركون المكذبون بآيات الله تعالى يوم نحشرهم‬
‫دعون أنهم شركاء مع الله‬
‫ثم نقول لهم‪ :‬أين آلهتكم التي كنتم ت ّ‬
‫تعالى ليشفعوا لكم؟‬

‫َ‬
‫ن )‪(23‬‬
‫كي َ‬ ‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن َقاُلوا َوالل ّهِ َرب َّنا َ‬
‫ما ك ُّنا ُ‬ ‫م إ ِل ّ أ ْ‬
‫ن فِت ْن َت ُهُ ْ‬ ‫م لَ ْ‬
‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ثم لم تكن إجابتهم حين فتنوا واختبروا بالسؤال عن شركائهم إل‬
‫أن تبرؤوا منهم‪ ,‬وأقسموا بالله ربهم أنهم لم يكونوا مشركين مع‬
‫الله غيره‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َْفت َُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ض ّ‬
‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ف ك َذ َُبوا عََلى أنُف ِ‬
‫سه ِ ْ‬ ‫انظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫تأمل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف كذب هؤلء المشركون على أنفسهم وهم‬
‫في الخرة قد تبرؤوا من الشرك؟ وذهب وغاب عنهم ما كانوا‬
‫يظنونه من شفاعة آلهتهم‪.‬‬

‫ك وجعل ْنا عََلى قُُلوبهم أ َكن ه ً َ‬


‫ن ي َْفَقهُههوهُ وَفِههي‬
‫ةأ ْ‬ ‫ِِ ْ ِّ‬ ‫معُ إ ِل َي ْ َ َ َ َ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫وَ ِ‬
‫جادُِلون َ َ‬
‫ك‬ ‫جاُءو َ‬
‫ك يُ َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫مُنوا ب َِها َ‬‫ل آي َةٍ ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ن ي ََرْوا ك ُ ّ‬‫م وَْقرا ً وَإ ِ ْ‬ ‫ذان ِهِ ْ‬‫آ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬‫سا ِ‬ ‫ذا إ ِل ّ أ َ‬
‫ن هَ َ‬ ‫ن ك ََفُروا إ ِ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫ي َُقو ُ‬
‫ومن هؤلء المشركين من يستمع إليك القرآن ‪-‬أيها الرسول‪ ،-‬فل‬
‫يصل إلى قلوبهم; لنهم بسبب اتباعهم أهواءهم جعلنا على قلوبهم‬

‫‪238‬‬
‫ما فل تسمع‬‫أغطية; لئل يفقهوا القرآن‪ ,‬وجعلنا في آذانهم ثقل وصم ً‬
‫ول تعي شيًئا‪ ,‬وإن يروا اليات الكثيرة الدالة على صدق محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ل يصدقوا بها‪ ,‬حتى إذا جاؤوك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫بعد معاينة اليات الدالة على صدقك يخاصمونك‪ :‬يقول الذين‬
‫جحدوا آيات الله‪ :‬ما هذا الذي نسمع إل ما تناقله الولون من‬
‫حكايات ل حقيقة لها‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن ي ُهْل ِ ُ‬ ‫َ‬


‫ن)‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن إ ِل ّ أنُف َ‬
‫سه ُ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫ه وَإ ِ ْ‬
‫ن عَن ْ ُ‬
‫ه وَي َن ْأوْ َ‬
‫ن عَن ْ ُ‬
‫م ي َن ْهَوْ َ‬
‫وَهُ ْ‬
‫‪(26‬‬
‫وهؤلء المشركون ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم والستماع إليه‪ ,‬ويبتعدون بأنفسهم عنه‪ ,‬وما يهلكون ‪-‬بصدهم‬
‫عن سبيل الله‪ -‬إل أنفسهم‪ ,‬وما يحسون أنهم يعملون لهلكها‪.‬‬

‫ت َرب َّنهها‬ ‫وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ وُقُِفوا عََلى الّنارِ فََقاُلوا َيا ل َي ْت ََنا ن َُرد ّ َول ن ُك َذ ّ َ‬
‫ب ِبآَيا ِ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫كو َ‬ ‫وَن َ ُ‬

‫ولو ترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء المشركين يوم القيامة لرأيت أمًرا‬
‫حَبسون على النار‪ ,‬ويشاهدون ما فيها من‬ ‫ما‪ ,‬وذلك حين ي ُ ْ‬ ‫عظي ً‬
‫السلسل والغلل‪ ,‬ورأوا بأعينهم تلك المور العظام والهوال‪ ,‬فعند‬
‫ذلك قالوا‪ :‬ياليتنا ُنعاد إلى الحياة الدنيا‪ ,‬فنصدق بآيات الله ونعمل‬
‫بها‪ ,‬ونكون من المؤمنين‪.‬‬

‫ه‬
‫مهها ن ُهُههوا عَن ْه ُ‬ ‫دوا ل ََعا ُ‬
‫دوا ل ِ َ‬ ‫ل وَل َوْ ُر ّ‬
‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫خُفو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي ُ ْ‬ ‫دا ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ل بَ َ‬‫بَ ْ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫م لَ َ‬
‫كاذُِبو َ‬ ‫وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫ليس المر كذلك‪ ,‬بل ظهر لهم يوم القيامة ما كانوا يعلمونه من‬
‫أنفسهم من صدق ما جاءت به الرسل في الدنيا‪ ,‬وإن كانوا‬
‫يظهرون لتباعه خلفه‪ .‬ولو فرض أن أعيدوا إلى الدنيا فأمهلوا‬
‫لرجعوا إلى العناد بالكفر والتكذيب‪ .‬وإنهم لكاذبون في قولهم‪ :‬لو‬
‫رددنا إلى الدنيا لم نكذب بآيات ربنا‪ ,‬وكنا من المؤمنين‪.‬‬

‫ن )‪(29‬‬
‫مب ُْعوِثي َ‬
‫ن بِ َ‬
‫ح ُ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫ي إ ِل ّ َ‬
‫حَيات َُنا الد ّن َْيا وَ َ‬ ‫وََقاُلوا إ ِ ْ‬
‫ن هِ َ‬
‫‪239‬‬
‫وقال هؤلء المشركون المنكرون للبعث‪ :‬ما الحياة إل هذه الحياة‬
‫التي نحن فيها‪ ,‬وما نحن بمبعوثين بعد موتنا‪.‬‬

‫حقّ َقاُلوا ب ََلى وََرب َّنهها‬ ‫ول َو ترى إذ ْ وقُفوا عََلى ربهم َقا َ َ‬
‫ذا ِبال ْ َ‬ ‫ل أل َي ْ َ‬
‫س هَ َ‬ ‫َ ِّ ْ‬ ‫ِ ُ ِ‬ ‫َ ْ ََ‬
‫ن )‪(30‬‬‫م ت َك ُْفُرو َ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ذوُقوا ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ل فَ ُ‬
‫َقا َ‬
‫حبسوا بين يدي الله تعالى‬‫ولو ترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬منكري البعث إذ ُ‬
‫لقضائه فيهم يوم القيامة‪ ,‬لرأيت أسوأ حال‪ ,‬إذ يقول الله جل وعل‬
‫أليس هذا بالحق‪ ,‬أي‪ :‬أليس هذا البعث الذي كنتم تنكرونه في‬
‫الدنيا حّقا؟ قالوا‪ :‬بلى وربنا إنه لحق‪ ,‬قال الله تعالى‪ :‬فذوقوا‬
‫العذاب بما كنتم تكفرون أي‪ :‬العذاب الذي كنتم تكذبون به في‬
‫الدنيا بسبب جحودكم بالله تعالى ورسوله محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫ة قَههاُلوا‬
‫ة ب َغْت َ ً‬
‫ساعَ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬‫ذا َ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ب ِل َِقاِء الل ّهِ َ‬
‫حّتى إ ِ َ‬ ‫سَر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خ ِ‬‫قَد ْ َ‬
‫يا حسرتنا عََلى ما فَرط ْنا فيها وهُم يحمُلو َ‬
‫م عََلى ظ ُهُههورِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ن أوَْزاَرهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ ِ َ َ ْ َ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ََ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫َ‬
‫ما ي َزُِرو َ‬‫ساَء َ‬ ‫أل َ‬
‫قد خسر الكفار الذين أنكروا البعث بعد الموت‪ ,‬حتى إذا قامت‬
‫القيامة‪ ,‬وفوجئوا بسوء المصير‪ ,‬ناَدوا على أنفسهم بالحسرة على‬
‫ما ضّيعوه في حياتهم الدنيا‪ ,‬وهم يحملون آثامهم على ظهورهم‪,‬‬
‫فما أسوأ الحمال الثقيلة السيئة التي يحملونها!!‬

‫ن أ ََفل‬
‫ن ي َت ُّقهو َ‬ ‫خي ٌْر ل ِّله ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خَرةُ َ‬ ‫ب وَل َهْوٌ وََلل ّ‬
‫داُر ال ِ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا إ ِل ّ ل َعِ ٌ‬
‫ما ال ْ َ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫ت َعِْقُلو َ‬
‫وما الحياة الدنيا في غالب أحوالها إل غرور وباطل‪ ,‬والعمل الصالح‬
‫للدار الخرة خير للذين يخشون الله‪ ,‬فيتقون عذابه بطاعته‬
‫واجتناب معاصيه‪ .‬أفل تعقلون ‪-‬أيها المشركون المغترون بزينة‬
‫دموا ما يبقى على ما يفنى؟‬
‫الحياة الدنيا‪ -‬فتق ّ‬

‫ن‬ ‫ك وَل َ ِ‬
‫كهه ّ‬ ‫م ل يُ َ‬
‫كههذ ُّبون َ َ‬ ‫ذي ي َُقوُلههو َ‬
‫ن َفههإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ك اّلهه ِ‬
‫حُزُنهه َ‬ ‫ه ل َي َ ْ‬ ‫َقههد ْ ن َعَْلهه ُ‬
‫م إ ِّنهه ُ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫دو َ‬‫ح ُ‬ ‫ت الل ّهِ ي َ ْ‬
‫ج َ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ال ّ‬
‫‪240‬‬
‫ب قومك لك في الظاهر‪,‬‬ ‫ن إلى قلبك تكذي ُ‬
‫دخل الحز َ‬
‫إنا نعلم إنه لي ُ ْ‬
‫فاصبر واطمئن; فإنهم ل يكذبونك في قرارة أنفسهم‪ ,‬بل يعتقدون‬
‫صدقك‪ ,‬ولكنهم لظلمهم وعدوانهم يجحدون البراهين الواضحة على‬
‫صدقك‪ ,‬فيكذبونك فيما جئت به‪.‬‬

‫حت ّههى‬
‫ذوا َ‬‫مهها ك ُهذ ُّبوا وَُأو ُ‬ ‫ص هب َُروا عَل َههى َ‬ ‫ن قَب ْل ِه َ‬
‫ك فَ َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬
‫ت ُر ُ‬‫وَل ََقد ْ ك ُذ ّب َ ْ‬
‫َ‬
‫ن)‬
‫س هِلي َ‬‫مْر َ‬‫ن ن ََبههإ ِ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ت الل ّهِ وَل ََقد ْ َ‬
‫جاَء َ‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬
‫ما ِ‬ ‫مب َد ّ َ‬
‫صُرَنا َول ُ‬‫م نَ ْ‬ ‫أَتاهُ ْ‬
‫‪(34‬‬
‫ذب الكفاُر رسل من قبلك أرسلهم الله تعالى إلى أممهم‬ ‫ولقد ك ّ‬
‫وأوذوا في سبيله‪ ,‬فصبروا على ذلك ومضوا في دعوتهم وجهادهم‬
‫حتى أتاهم نصر الله‪ .‬ول مبدل لكلمات الله‪ ,‬وهي ما أنزل على نبيه‬
‫من عاداه‪.‬‬ ‫من وعده إياه بالنصر على َ‬‫محمد صلى الله عليه وسلم ِ‬
‫من كان قبلك من الرسل‪ ,‬وما‬ ‫من خبر َ‬‫ولقد جاءك ‪-‬أيها الرسول‪ِ -‬‬
‫تحقق لهم من نصر الله‪ ,‬وما جرى على مكذبيهم من نقمة الله‬
‫منهم وغضبه عليهم‪ ,‬فلك فيمن تقدم من الرسل أسوة وقدوة‪.‬‬
‫وفي هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫ي ن ََفقها ً فِههي‬ ‫َ‬


‫ن ت َب ْت َغِه َ‬
‫تأ ْ‬‫سهت َط َعْ َ‬‫نا ْ‬ ‫م ف َ هإ ِ ْ‬ ‫ض هه ُ ْ‬
‫ك إ ِعَْرا ُ‬ ‫ن ك َب َُر عَل َي ْ َ‬
‫كا َ‬‫ن َ‬‫وَإ ِ ْ‬
‫م عَل َههى‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫معَهُ ْ‬‫ج َ‬‫ه لَ َ‬
‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫م ِبآي َةٍ وَل َوْ َ‬‫ماِء فَت َأت ِي َهُ ْ‬‫س َ‬‫سّلما ً ِفي ال ّ‬ ‫ض أو ْ ُ‬ ‫الْر ِ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دى َفل ت َ ُ‬
‫كون َ ّ‬ ‫ال ْهُ َ‬
‫م عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬صدود هؤلء المشركين‬ ‫وإن كان عَظ ُ َ‬
‫وانصرافهم عن الستجابة لدعوتك‪ ,‬فإن استطعت أن تتخذ نفًقا في‬
‫دا تصعد فيه إلى السماء‪ ,‬فتأتيهم بعلمة وبرهان‬ ‫الرض‪ ,‬أو مصع ً‬
‫جمعهم‬ ‫على صحة قولك غير الذي جئناهم به فافعل‪ .‬ولو شاء الله ل َ َ‬
‫على الهدى الذي أنتم عليه ووّفقهم لليمان‪ ,‬ولكن لم يشأ ذلك‬
‫لحكمة يعلمها سبحانه‪ ,‬فل تكونن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من الجاهلين الذين‬
‫سروا حتى أوصلهم ذلك إلى الجزع الشديد‪.‬‬ ‫اشتد حزنهم‪ ,‬وتح ّ‬

‫ن‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ي ُْر َ‬


‫جعُههو َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َوال ْ َ‬
‫موَْتى ي َب ْعَث ُهُ ْ‬ ‫مُعو َ‬
‫س َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جي ُ‬
‫ست َ ِ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫إ ِن ّ َ‬
‫)‪(36‬‬

‫‪241‬‬
‫إنما يجيبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إلى ما دعوت إليه من الهدى الذين‬
‫يسمعون الكلم سماع قبول‪ .‬أما الكفار فهم في عداد الموتى; لن‬
‫الحياة الحقيقية إنما تكون بالسلم‪ .‬والموتى يخرجهم الله من‬
‫قبورهم أحياء‪ ,‬ثم يعودون إليه يوم القيامة ليوفوا حسابهم‬
‫وجزاءهم‪.‬‬

‫َ‬
‫ة‬
‫ل آي َ ً‬ ‫ه َقادٌِر عََلى أ ْ‬
‫ن ي ُن َّز َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن َرب ّهِ قُ ْ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ آي َ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫وََقاُلوا ل َ ْ‬
‫ول ن ُّز َ‬
‫ول َك َ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬
‫َ ِ ّ‬
‫وقال المشركون ‪-‬تعنًتا واستكباًرا‪ :-‬هل أنزل الله علمة تدل على‬
‫صدق محمد صلى الله عليه وسلم من نوع العلمات الخارقة‪ ,‬قل‬
‫لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬إن الله قادر على أن ينزل عليهم آية‪ ,‬ولكن‬
‫أكثرهم ل يعلمون أن إنزال اليات إنما يكون وَْفق حكمته تعالى‪.‬‬

‫طائ ِر يطير بجناحيه إل ّ أ ُم َ‬ ‫َ‬


‫مهها‬ ‫مَثهال ُك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫مأ ْ‬‫َ ٌ‬ ‫ض َول َ ٍ َ ِ ُ ِ َ َ َ ْ ِ ِ‬ ‫داب ّةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ما ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(38‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م إ َِلى َرب ّهِ ْ‬
‫م يُ ْ‬ ‫يٍء ث ُ ّ‬ ‫ن َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فَّرط َْنا ِفي ال ْك َِتا ِ‬
‫ب ِ‬
‫ب على الرض أو طائر يطير في السماء‬ ‫ليس في الرض حيوان ي َدِ ّ‬
‫بجناحيه إل جماعات متجانسة الخلق مثلكم‪ .‬ما تركنا في اللوح‬
‫المحفوظ شيًئا إل أثبتناه‪ ,‬ثم إنهم إلى ربهم يحشرون يوم القيامة‪,‬‬
‫فيحاسب الله كل بما عمل‪.‬‬

‫وال ّذين ك َذ ّبوا بآياتنا صم وبك ْم في الظ ّل ُمههات مهن ي َ ْ‬


‫ضهل ِل ْ ُ‬
‫ه‬ ‫شهأ الل ّه ُ‬
‫ه يُ ْ‬ ‫َ ِ َ ْ َ‬ ‫ُ ِ َ َِ ُ ّ َُ ٌ ِ‬ ‫َ ِ َ‬
‫ْ‬
‫ست َِقيم ٍ )‪(39‬‬
‫م ْ‬‫ط ُ‬ ‫ه عََلى ِ‬
‫صَرا ٍ‬ ‫جعَل ْ ُ‬
‫شأ ي َ ْ‬‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫مل‬ ‫م ل يسمعون ما ينفعهم‪ ,‬ب ُك ْ ٌ‬
‫والذين كذبوا بحجج الله تعالى ص ّ‬
‫يتكلمون بالحق‪ ,‬فهم حائرون في الظلمات‪ ,‬لم يختاروا طريقة‬
‫الستقامة‪ .‬من يشأ الله إضلله يضلله‪ ,‬ومن يشأ هدايته يجعله على‬
‫صراط مستقيم‪.‬‬

‫ن‬ ‫ة أ َغَي َْر الل ّهِ َتههد ْ ُ‬


‫عو َ‬ ‫ساعَ ُ‬
‫م ال ّ‬
‫َ َ‬
‫ب الل ّهِ أوْ أت َت ْك ُ ْ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ُ‬
‫ل أ َرأ َيتك ُم إ َ‬
‫ن أَتاك ُ ْ‬‫قُ ْ َ ْ َ ْ ِ ْ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫صادِِقي َ‬
‫م َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬

‫‪242‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬أخبروني إن جاءكم عذاب‬
‫الله في الدنيا أو جاءتكم الساعة التي تبعثون فيها‪ :‬أغير الله‬
‫تدعون هناك لكشف ما نزل بكم من البلء‪ ,‬إن كتم محقين في‬
‫زعمكم أن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله تنفع أو تضر؟‬

‫مهها‬
‫ن َ‬
‫س هو ْ َ‬
‫شههاَء وََتن َ‬ ‫ن إ ِل َي ْههِ إ ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫عو َ‬
‫مهها ت َهد ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫ن فَي َك ْ ِ‬
‫شه ُ‬ ‫عو َ‬
‫ل إ ِي ّههاهُ ت َهد ْ ُ‬‫ب َه ْ‬
‫ن )‪(41‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬‫تُ ْ‬
‫بل تدعون ‪-‬هناك‪ -‬ربكم الذي خلقكم ل غيره‪ ,‬وتستغيثون به‪,‬‬
‫فيفرج عنكم البلء العظيم النازل بكم إن شاء; لنه القادر على كل‬
‫شيء‪ ,‬وتتركون حينئذ أصنامكم وأوثانكم وأولياءكم‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ول ََقد أ َرسل ْنا إَلى أ ُمم من قَبل َ َ‬


‫ضههّراءِ ل َعَل ُّههه ْ‬
‫م‬ ‫م ِبال ْب َأ َ‬
‫ساءِ َوال ّ‬ ‫ك فَأ َ‬
‫خذ َْناهُ ْ‬ ‫َ ٍ ِ ْ ِْ‬ ‫َ ْ ْ َ َ ِ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫عو َ‬‫ضّر ُ‬
‫ي َت َ َ‬
‫ولقد بعثنا ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إلى جماعات من الناس من قبلك رسل‬
‫ذبوهم‪ ,‬فابتليناهم في أموالهم بشدة‬‫يدعونهم إلى الله تعالى‪ ,‬فك ّ‬
‫الفقر وضيق المعيشة‪ ,‬وابتليناهم في أجسامهم بالمراض واللم;‬
‫رجاء أن يتذللوا لربهم‪ ,‬ويخضعوا له وحده بالعبادة‪.‬‬

‫ْ‬
‫ن ل َُهه ْ‬
‫م‬ ‫ت قُُلهوب ُهُ ْ‬
‫م وََزّيه َ‬ ‫ن قَ َ‬
‫سه ْ‬ ‫عوا وَل َ ِ‬
‫كه ْ‬ ‫ضهّر ُ‬
‫سهَنا ت َ َ‬‫م ب َأ ُ‬‫جهاَءهُ ْ‬ ‫فََله ْ‬
‫ول إ ِذ ْ َ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬
‫ال ّ‬
‫فهل إذ جاء هذه المم المكذبة بلؤنا تذللوا لنا‪ ,‬ولكن قست قلوبهم‪,‬‬
‫وزّين لهم الشيطان ما كانوا يعملون من المعاصي‪ ,‬ويأتون من‬
‫الشرك‪.‬‬

‫حت ّههى إ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫ب ك ُه ّ‬
‫ل َ‬ ‫فَل َما نسوا ما ذ ُك ّهروا بهه فَتحنهها عَل َيه ه َ‬
‫يءٍ َ‬
‫شه ْ‬ ‫وا َ‬
‫م أب ْه َ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫ِ ِ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ ُ‬
‫ة فَإ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫سو َ‬ ‫مب ْل ِ ُ‬
‫م ُ‬‫ذا هُ ْ‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬
‫م ب َغْت َ ً‬ ‫ما أوُتوا أ َ‬ ‫فَرِ ُ‬
‫حوا ب ِ َ‬
‫فلما تركوا العمل بأوامر الله تعالى معرضين عنها‪ ,‬فتحنا عليهم‬
‫أبواب كل شيء من الرزق فأبدلناهم بالبأساء رخاًء في العيش‪,‬‬
‫وبالضراء صحة في الجسام; استدراجا منا لهم‪ ,‬حتى إذا بطروا‪,‬‬

‫‪243‬‬
‫وأعجبوا بما أعطيناهم من الخير والنعمة أخذناهم بالعذاب فجأة‪,‬‬
‫فإذا هم آيسون منقطعون من كل خير‪.‬‬

‫ن )‪(45‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫موا َوال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫داب ُِر ال َْقوْم ِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فَُقط ِعَ َ‬
‫ذبوا رسله‪ ,‬فلم‬ ‫فاستؤصل هؤلء القوم وُأهلكوا إذ كفروا بالله وك ّ‬
‫يبق منهم أحد‪ .‬والشكر والثناء لله تعالى ‪-‬خالق كل شيء ومالكه‪-‬‬
‫على نصرة أوليائه وهلك أعدائه‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫قُ ْ َ َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬
‫م َ‬‫م عَل َههى قُل ُههوب ِك ُ ْ‬ ‫خت َ َ‬ ‫صاَرك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬
‫م وَأب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫م إِ ْ‬
‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ن)‬‫ص هدُِفو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ت ث ُه ّ‬
‫م هُ ه ْ‬ ‫ف الَيا ِ‬ ‫صّر ُ‬ ‫ف نُ َ‬‫م ب ِهِ انظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫ه غَي ُْر الل ّهِ ي َأِتيك ُ ْ‬‫إ ِل َ ٌ‬
‫‪(46‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬أخبروني إن أذهب الله‬
‫مكم‪ ,‬وذهب بأبصاركم فأعماكم‪ ,‬وطبع على قلوبكم‬ ‫سمعكم فأص ّ‬
‫فأصبحتم ل تفقهون قول أيّ إله غير الله جل وعل يقدر على رد ّ‬
‫وع لهم الحجج‪ ,‬ثم هم بعد‬ ‫ذلك لكم؟! انظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف نن ّ‬
‫ذلك يعرضون عن التذكر والعتبار؟‬

‫ذاب الل ّه بغْت ً َ‬ ‫ل أ َرأ َيتك ُم إ َ‬


‫ك إ ِل ّ ال َْق هوْ ُ‬
‫م‬ ‫ل ي ُهْل َه ُ‬
‫جهَْرةً هَ ه ْ‬
‫ة أو ْ َ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ن أَتاك ُ ْ‬
‫م عَ َ ُ‬ ‫قُ ْ َ ْ َ ْ ِ ْ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫مو َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬أخبروني إن نزل بكم عقاب‬
‫عياًنا وأنتم تنظرون إليه‪:‬‬
‫اللة فجأة وأنتم ل تشعرون به‪ ,‬أو ظاهًرا ِ‬
‫هل ُيهلك إل القوم الظالمون الذين تجاوزوا الحد‪ ,‬بصرفهم العبادة‬
‫لغير الله تعالى وبتكذيبهم رسله؟‬

‫َ‬
‫ص هل َ َ‬
‫ح َفل‬ ‫ن وَأ ْ‬
‫مه َ‬
‫نآ َ‬ ‫ن فَ َ‬
‫مه ْ‬ ‫منهذِِري َ‬
‫ن وَ ُ‬
‫ري َ‬ ‫مب َ ّ‬
‫ش ِ‬ ‫ن إ ِل ّ ُ‬‫سِلي َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ن ُْر ِ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(48‬‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬
‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬‫خو ْ ٌ‬
‫َ‬
‫وما نرسل رسلنا إل مبشرين أهل طاعتنا بالنعيم المقيم‪ ,‬ومنذرين‬
‫دق الرسل وعمل‬ ‫أهل المعصية بالعذاب الليم‪ ,‬فمن آمن وص ّ‬

‫‪244‬‬
‫حا فأولئك ل يخافون عند لقاء ربهم‪ ,‬ول يحزنون على شيء‬
‫صال ً‬
‫فاتهم من حظوظ الدنيا‪.‬‬

‫ن )‪(49‬‬
‫سُقو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َْف ُ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا ي َ َ‬
‫م ّ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫والذين ك ّ‬
‫ذبوا بآياتنا من القرآن والمعجزات فأولئك يصيبهم العذاب‬
‫يوم القيامة‪ ,‬بسبب كفرهم وخروجهم عن طاعة الله تعالى‪.‬‬

‫م‬ ‫ب َول أ َقُههو ُ‬


‫ل ل َك ُه ْ‬ ‫م ال ْغَي ْه َ‬
‫َ‬
‫ن الل ّهِ َول أعْل َه ُ‬ ‫خَزائ ِ ُ‬‫دي َ‬ ‫عن ِ‬
‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬‫ل ل أ َُقو ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صيُر أَفل‬ ‫مى َوال ْب َ ِ‬‫وي العْ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫حى إ ِل َي ُّق ْ‬
‫ل هَ ْ‬ ‫ن أت ّب ِعُ إ ِل ّ َ‬
‫ما ُيو َ‬ ‫ك إِ ْ‬‫مل َ ٌ‬
‫إ ِّني َ‬
‫ن )‪(50‬‬ ‫ت َت ََفك ُّرو َ‬
‫دعي أني أملك خزائن‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬إني ل أ ّ‬
‫دعي أني أعلم الغيب‪ ,‬ول‬ ‫السموات والرض‪ ,‬فأتصرف فيها‪ ,‬ول أ ّ‬
‫ي‪,‬‬
‫دعي أني ملك‪ ,‬وإنما أنا رسول من عند الله‪ ,‬أتبع ما يوحى إل ّ‬ ‫أ ّ‬
‫وأبّلغ وحيه إلى الناس‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬هل‬
‫مي عن آيات الله تعالى فلم يؤمن بها‬ ‫يستوي الكافر الذي عَ ِ‬
‫والمؤمن الذي أبصر آيات الله فآمن بها؟ أفل تتفكرون في آيات‬
‫الله; لتبصروا الحق فتؤمنوا به؟‬

‫خاُفو َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫دوِنه ِ‬
‫ن ُ‬
‫مه ْ‬ ‫س ل َهُه ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ل َي ْه َ‬
‫شُروا إ َِلى َرب ّهِ ْ‬
‫ح َ‬
‫ن يُ ْ‬‫نأ ْ‬‫َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫وَأنذِْر ب ِهِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫شِفيعٌ ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َت ُّقو َ‬ ‫ي َول َ‬ ‫وَل ِ ّ‬
‫وف ‪-‬أيها النبي‪ -‬بالقرآن الذين يعلمون أنهم ُيحشرون إلى ربهم‪,‬‬
‫وخ ّ‬
‫ي ينصرهم‪,‬‬
‫دقون بوعد الله ووعيده‪ ,‬ليس لهم غير الله ول ّ‬‫فهم مص ّ‬
‫ول شفيع يشفع لهم عنده تعالى‪ ,‬فيخلصهم من عذابه; لعلهم يتقون‬
‫الله تعالى بفعل الوامر واجتناب النواهي‪.‬‬

‫مهها‬‫ه َ‬
‫جه َ ه ُ‬‫ن وَ ْ‬‫دو َ‬‫ري ه ُ‬ ‫ي يُ ِ‬
‫شه ّ‬ ‫داةِ َوال ْعَ ِ‬‫م ِبال ْغَ ه َ‬‫ن َرب ّهُ ه ْ‬‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫َول ت َط ُْرد ْ ال ّ ِ‬
‫يٍء‬‫شه ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ك عَل َي ْهِه ْ‬ ‫سههاب ِ َ‬
‫ح َ‬‫ن ِ‬ ‫مه ْ‬
‫مهها ِ‬ ‫يٍء وَ َ‬ ‫شه ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ساب ِهِ ْ‬‫ح َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫ن )‪(52‬‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫م فَت َ ُ‬ ‫فَت َط ُْرد َهُ ْ‬

‫‪245‬‬
‫ول ت ُْبعد ‪-‬أيها النبي‪ -‬عن مجالستك ضعفاء المسلمين الذين يعبدون‬
‫ربهم أول النهار وآخره‪ ,‬يريدون بأعمالهم الصالحة وجه الله‪ ,‬ما‬
‫عليك من حساب هؤلء الفقراء من شيء‪ ,‬إنما حسابهم على الله‪,‬‬
‫وليس عليهم شيء من حسابك‪ ,‬فإن أبعدتهم فإنك تكون من‬
‫المتجاوزين حدود الله‪ ,‬الذين يضعون الشيء في غير موضعه‪.‬‬

‫ن ب َي ْن ِن َهها‬
‫مه ْ‬ ‫ه عَل َي ْهِه ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن الل ّه ُ‬
‫م ّ‬ ‫ض ل ِي َُقوُلوا أ َهَ ُ‬
‫ؤلِء َ‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬
‫ضه ُ ْ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك فَت َّنا ب َعْ َ‬
‫أ َل َيس الل ّ َ‬
‫ن )‪(53‬‬ ‫ري َ‬
‫شاك ِ ِ‬ ‫م ِبال ّ‬‫ه ب ِأعْل َ َ‬
‫ُ‬ ‫ْ َ‬
‫وكذالك ابتلى الله تعالى بعض عباده ببعض بتباين حظوظهم من‬
‫الرزاق والخلق‪ ,‬فجعل بعضهم غنّيا وبعضهم فقيًرا‪ ,‬وبعضهم قوّيا‬
‫وبعضهم ضعيًفا‪ ,‬فأحوج بعضهم إلى بعض اختباًرا منه لهم بذلك;‬
‫ن الله عليهم بالهداية‬‫م ّ‬
‫ليقول الكافرون الغنياء‪ :‬أهؤلء الضعفاء َ‬
‫من بيننا؟ أليس الله تعالى بأعلم بمن يشكرون نعمته‪,‬‬ ‫إلى السلم ِ‬
‫فيوفقهم إلى الهداية لدينه؟‬

‫عَل َههى‬ ‫ب َرب ّك ُه ْ‬


‫م‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ك َت َ َ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ِبآَيات َِنا فَُق ْ‬‫مُنو َ‬‫ن ي ُؤْ ِ‬‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ذا َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ب َعْهدِ ِ‬ ‫ن‬‫مه ْ‬‫ب ِ‬ ‫جَهال َهةٍ ث ُه ّ‬
‫م ت َهها َ‬ ‫سوءا ً ب ِ َ‬‫م ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫م َ‬‫ن عَ ِ‬‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫ة أن ّ ُ‬ ‫م َ‬‫ح َ‬ ‫سهِ الّر ْ‬ ‫ن َْف ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(54‬‬ ‫حي ٌ‬‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫ح فَأن ّ ُ‬‫صل َ َ‬‫وَأ ْ‬
‫دقوا بآيات الله الشاهدة على‬‫ص ّ‬‫وإذا جاءك ‪-‬أيها النبي‪ -‬الذين َ‬
‫صدقك من القرآن وغيره مستفتين عن التوبة من ذنوبهم السابقة‪,‬‬
‫شرهم برحمة الله الواسعة; فإنه‬ ‫مهم برد ّ السلم عليهم‪ ,‬وب َ ّ‬‫فأكرِ ْ‬
‫ل وعل قد كتب على نفسه الرحمة بعباده تفضل أنه من اقترف‬ ‫ج ّ‬
‫ذنًبا بجهالة منه لعاقبتها وإيجابها لسخط الله ‪-‬فكل عاص لله مخطًئا‬
‫ما بالتحريم‪ -‬ثم تاب‬
‫دا فهو جاهل بهذا العتبار وإن كان عال ً‬ ‫أو متعم ً‬
‫من بعده وداوم على العمل الصالح‪ ,‬فإنه تعالى يغفر ذنبه‪ ,‬فهو‬
‫غفور لعباده التائبين‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫ن )‪(55‬‬
‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫سِبي ُ‬
‫ن َ‬
‫ست َِبي َ‬
‫ت وَل ِت َ ْ‬ ‫ص ُ‬
‫ل الَيا ِ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك ن َُف ّ‬

‫‪246‬‬
‫ومثل هذا البيان الذي بي ّّناه لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬نبّين الحجج الواضحة‬
‫على كل حق ينكره أهل الباطل; ليتبين الحق‪ ,‬وليظهر طريق أهل‬
‫الباطل المخالفين للرسل‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن الل ّههِ قُه ْ‬ ‫ل إنههي نهيهت أ َ َ‬


‫ع‬
‫ل ل أت ّب ِه ُ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫مه ْ‬‫ن ِ‬
‫عو َ‬ ‫ن ت َهد ْ ُ‬ ‫ن أعْب ُهد َ ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ُِ ُ ْ‬ ‫قُ ْ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(56‬‬‫دي َ‬‫مهْت َ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م ْ‬‫ما أَنا ِ‬ ‫ت ِإذا ً وَ َ‬‫ضل َل ْ ُ‬ ‫واَءك ُ ْ‬
‫م قَد ْ َ‬ ‫أه ْ َ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬إن الله عز وجل نهاني أن‬
‫أعبد الوثان التي تعبدونها من دونه‪ ,‬وقل لهم‪ :‬ل أتبع أهواءكم قد‬
‫ضللت عن الصراط المستقيم إن اتبعت أهواَءكم‪ ,‬وما أنا من‬
‫المهتدين‪.‬‬

‫ن‬ ‫جُلو َ‬
‫ن ب ِهِ إ ِ ْ‬ ‫ست َعْ ِ‬
‫ما ت َ ْ‬
‫دي َ‬
‫عن ِ‬‫ما ِ‬ ‫ن َرّبي وَك َذ ّب ْت ُ ْ‬
‫م ب ِهِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل إ ِّني عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن )‪(57‬‬ ‫خي ُْر ال َْفا ِ‬
‫صِلي َ‬ ‫حقّ وَهُوَ َ‬ ‫ص ال ْ َ‬
‫م إ ِل ّ ل ِل ّهِ ي َُق ّ‬
‫حك ْ ُ‬‫ال ْ ُ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول لهؤلء المشركين‪ :-‬إني على بصيرة واضحة من‬
‫ي‪ ,‬وذلك بإفراده وحده بالعبادة‪ ,‬وقد‬ ‫شريعة الله التي أوحاها إل ّ‬
‫ذبتم بهذا‪ ,‬وليس في قدرتي إنزال العذاب الذي تستعجلون به‪,‬‬ ‫ك ّ‬
‫ق‪ ,‬وهو خير‬
‫ص الح ّ‬‫وما الحكم في تأخر ذلك إل إلى الله تعالى‪ ,‬يق ّ‬
‫من يفصل بين الحق والباطل بقضائه وحكمه‪.‬‬ ‫َ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م َوالل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫مُر ب َي ْن ِههي وَب َي ْن َك ُه ْ‬
‫ي ال ْ‬ ‫ن ب ِهِ ل َُق ِ‬
‫ض َ‬ ‫جُلو َ‬
‫ست َعْ ِ‬
‫ما ت َ ْ‬
‫دي َ‬‫عن ِ‬‫ن ِ‬ ‫ل ل َوْ أ ّ‬‫قُ ْ‬
‫م ِبال ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(58‬‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫أعْل َ ُ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬لو أنني أملك إنزال العذاب الذي تستحجلونه‬
‫لنزلته بكم‪ ,‬وقضي المر بيني وبينكم‪ ,‬ولكن ذلك إلى الله تعالى‪,‬‬
‫دهم فأشركوا معه غيره‪.‬‬ ‫وهو أعلم بالظالمين الذين تجاوزوا ح ّ‬

‫مهها‬ ‫ما ِفي ال ْب َهّر َوال ْب َ ْ‬


‫ح هرِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫مَها إ ِل ّ هُوَ وَي َعْل َ ُ‬
‫ب ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ح ال ْغَي ْ ِ‬
‫مَفات ِ ُ‬
‫عن ْد َهُ َ‬
‫وَ ِ‬
‫َ‬
‫ب َول‬ ‫ض َول َرط ْ ٍ‬ ‫ت الْر ِ‬ ‫حب ّةٍ ِفي ظ ُل ُ َ‬
‫ما ِ‬ ‫مَها َول َ‬ ‫ن وََرقَةٍ إ ِل ّ ي َعْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سُق ُ‬
‫ط ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫س إ ِل ّ ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫َياب ِ ٍ‬

‫‪247‬‬
‫وعند الله ‪-‬جل وعل‪ -‬مفاتح الغيب أي‪ :‬خزائن الغيب‪ ,‬ل يعلمها إل‬
‫هو‪ ,‬ومنها‪ :‬علم الساعة‪ ,‬ونزول الغيث‪ ,‬وما في الرحام‪ ,‬والكسب‬
‫في المستقبل‪ ,‬ومكان موت النسان‪ ,‬ويعلم كل ما في البر والبحر‪,‬‬
‫وما تسقط من ورقة من نبتة إل يعلمها‪ ,‬فكل حبة في خفايا‬
‫الرض‪ ,‬وكل رطب ويابس‪ ,‬مثبت في كتاب واضح ل ل َْبس فيه‪ ,‬وهو‬
‫اللوح المحفوظ‪.‬‬

‫م ي َب ْعَث ُك ُه ْ‬
‫م ِفي ههِ‬ ‫م ِبالن ّهَههارِ ث ُه ّ‬ ‫حت ُ ْ‬‫جَر ْ‬
‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ل وَي َعْل َ ُ‬ ‫م ِبالل ّي ْ ِ‬
‫ذي ي َت َوَّفاك ُ ْ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫مل ُههو َ‬
‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫م ي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫م ثُ ّ‬‫جعُك ُ ْ‬‫مْر ِ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ َ‬‫مى ث ُ ّ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬‫ل ُ‬ ‫ج ٌ‬‫ضى أ َ‬ ‫ل ِي ُْق َ‬
‫‪(60‬‬
‫وهو سبحانه الذي يقبض أرواحكم بالليل بما يشبه قبضها عند‬
‫الموت‪ ,‬ويعلم ما اكتسبتم في النهار من العمال‪ ,‬ثم يعيد أرواحكم‬
‫إلى أجسامكم باليقظة من النوم نهاًرا بما يشبه الحياء بعد الموت;‬
‫لُتقضى آجالكم المحددة في الدنيا‪ ,‬ثم إلى الله تعالى معادكم بعد‬
‫بعثكم من قبوركم أحياًء‪ ,‬ثم يخبركم بما كنتم تعملون في حياتكم‬
‫الدنيا‪ ,‬ثم يجازيكم بذلك‪.‬‬

‫َ‬ ‫حَفظ َ ً‬
‫ح هد َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫جههاءَ أ َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ة َ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫س ُ‬ ‫وَهُوَ ال َْقاهُِر فَوْقَ ِ‬
‫عَبادِهِ وَي ُْر ِ‬
‫ن )‪(61‬‬ ‫طو َ‬ ‫م ل ي َُفّر ُ‬‫سل َُنا وَهُ ْ‬ ‫ت ت َوَفّت ْ ُ‬
‫ه ُر ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مو ْ ُ‬
‫والله تعالى هو القاهر فوق عباده‪ ,‬فوقية مطلقة من كل وجه‪ ,‬تليق‬
‫بجلله سبحانه وتعالى‪ .‬كل شيء خاضع لجلله وعظمته‪ ,‬ويرسل‬
‫حصونها‪ ,‬حتى إذا نزل‬
‫على عباده ملئكة‪ ,‬يحفظون أعمالهم وي ُ ْ‬
‫ك الموت وأعوانه‪ ,‬وهم ل يضيعون ما‬ ‫مل ُ‬
‫حه َ‬
‫الموت بأحدهم قبض رو َ‬
‫ُأمروا به‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬
‫سِبي َ‬ ‫سَرعُ ال ْ َ‬
‫حا ِ‬ ‫م وَهُوَ أ ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫حك ْ ُ‬ ‫حقّ أل ل َ ُ‬
‫م ال ْ َ‬
‫ولهُ ْ‬ ‫دوا إ َِلى الل ّهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م ُر ّ‬
‫‪(62‬‬
‫ثم أعيد هؤلء المتوفون إلى الله تعالى مولهم الحق‪ .‬أل له القضاء‬
‫والفصل يوم القيامة بين عباده وهو أسرع الحاسبين‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫ة ل َئ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ضهّرعا ً وَ ُ‬
‫خْفي َه ً‬ ‫ه تَ َ‬
‫عون َ ُ‬ ‫ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬
‫حرِ ت َد ْ ُ‬ ‫ن ظ ُل ُ َ‬
‫ما ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫جيك ُ ْ‬
‫ن ي ُن َ ّ‬
‫م ْ‬‫ل َ‬‫قُ ْ‬
‫ن )‪(63‬‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن هَذِهِ ل َن َ ُ‬ ‫َ‬
‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫م ْ‬‫جاَنا ِ‬
‫أن َ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬من ينقذكم من مخاوف‬
‫ظلمات البر والبحر؟ أليس هو اللع تعالى الذي تدعونه في الشدائد‬
‫متذللين جهًرا وسّرا؟ تقولون‪ :‬لئن أنجانا ربنا من هذه المخاوف‬
‫لنكونن من الشاكرين بعبادته عز وجل وحده ل شريك له‪.‬‬

‫ل ك َرب ث ُ َ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ن كُ ّ ْ ٍ ّ‬
‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫من َْها وَ ِ‬ ‫جيك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ي ُن َ ّ‬ ‫قُ ْ‬
‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬الله وحده هو الذي ينقذكم من هذه‬
‫المخاوف ومن كل شدة‪ ,‬ثم أنتم بعد ذلك تشركون معه في العبادة‬
‫غيره‪.‬‬

‫ذابا ً من فَوقك ُ َ‬ ‫َ‬


‫ت‬‫حهه ِ‬‫ن تَ ْ‬
‫مهه ْ‬‫م أو ْ ِ‬‫ِ ْ ْ ِ ْ‬ ‫م عَ َ‬‫ث عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل هُوَ ال َْقادُِر عََلى أ ْ‬
‫ن ي َب ْعَ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ْ‬ ‫أ َرجل ِك ُ َ‬
‫ض انظ ُهْر ك َي ْه َ‬
‫ف‬ ‫س ب َعْه ٍ‬ ‫ضهك ُ ْ‬
‫م ب َهأ َ‬ ‫ذيقَ ب َعْ َ‬ ‫شهَيعا ً وَي ُه ِ‬ ‫م ِ‬ ‫سهك ُ ْ‬ ‫م أوْ ي َل ْب ِ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫ن )‪(65‬‬ ‫م ي َْفَقُهو َ‬ ‫ت ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ف الَيا ِ‬ ‫صّر ُ‬ ‫نُ َ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬الله عز وجل هو القادر وحده على أن يرسل‬
‫جم أو الطوفان‪ ,‬وما أشبه ذلك‪ ,‬أو من‬ ‫من فوقكم كالّر ْ‬
‫عليكم عذاًبا ِ‬
‫تحت أرجلكم كالزلزل والخسف‪ ,‬أو يخلط أمركم عليكم فتكونوا‬
‫وع‬ ‫فرًقا متناحرة يقتل بعضكم بع ً‬
‫ضا‪ .‬انظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف ُنن ّ‬
‫حججنا الواضحات لهؤلء المشركين لعلهم يفهمون فيعتبروا؟‬

‫ل )‪(66‬‬
‫كي ٍ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ب ِوَ ِ‬ ‫ل لَ ْ‬
‫س ُ‬ ‫ك وَهُوَ ال ْ َ‬
‫حق ّ ق ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وَك َذ ّ َ‬
‫ب ب ِهِ قَوْ ُ‬
‫من قومك أيها الرسول‪ ,‬وهو الكتاب‬ ‫وك ّ‬
‫ذب بهذا القرآن الكفاُر ِ‬
‫الصادق في كل ما جاء به‪ .‬قل لهم‪ :‬لست عليكم بحفيظ ول رقيب‪,‬‬
‫وإنما أنا رسول الله أبلغكم ما أرسلت إليكم‪.‬‬

‫ن )‪(67‬‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫سو ْ َ‬
‫ست ََقّر وَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ل ِك ُ ّ‬
‫ل ن َب َإ ٍ ُ‬

‫‪249‬‬
‫لكل خبر قرار يستقر عنده‪ ,‬ونهاية ينتهي إليها‪ ,‬فيتبّين الحق من‬
‫الباطل‪ ,‬وسوف تعلمون ‪-‬أيها الكفار‪ -‬عاقبة أمركم عند حلول‬
‫عذاب الله بكم‪.‬‬

‫َ‬ ‫وإ َ َ‬
‫ضههوا‬
‫خو ُ‬
‫حت ّههى ي َ ُ‬‫م َ‬ ‫ض عَن ْهُ ه ْ‬ ‫ن ِفي آَيات َِنا فَ هأعْرِ ْ‬ ‫ضو َ‬ ‫خو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬‫ذي َ‬‫ت ال ّ ِ‬ ‫ذا َرأي ْ َ‬ ‫َِ‬
‫ع‬ ‫ن َفل ت َْقعُ هد ْ ب َعْ هد َ ال هذ ّك َْرى َ‬
‫مه َ‬ ‫ش هي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫سي َن ّ َ‬
‫ك ال ّ‬ ‫ث غَي ْرِهِ وَإ ِ ّ‬
‫ما ُين ِ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ِفي َ‬
‫ن )‪(68‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْقوْم ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وإذا رأيت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬المشركين الذين يتكلمون في آيات‬
‫القرآن بالباطل والستهزاء‪ ,‬فابتعد عنهم حتى يأخذوا في حديث‬
‫آخر‪ ,‬وإن أنساك الشيطان هذا المر فل تقعد بعد تذكرك مع القوم‬
‫المعتدين‪ ,‬الذين تكلموا في آيات الله بالباطل‪.‬‬

‫ن ذِك ْهَرى ل َعَل ّهُ ه ْ‬


‫م‬ ‫يءٍ وَل َك ِه ْ‬ ‫ن َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ساب ِهِ ْ‬
‫ح َ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫ن ي َت ُّقو َ‬ ‫ما عََلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(69‬‬ ‫ي َت ُّقو َ‬
‫وما على المؤمنين الذين يخافون الله تعالى‪ ,‬فيطيعون أوامره‪,‬‬
‫ويجتنبون نواهيه من حساب الله للخائضين المستهزئين بآيات الله‬
‫من شيء‪ ,‬ولكن عليهم أن يعظوهم ليمسكوا عن ذلك الكلم‬
‫الباطل‪ ,‬لعلهم يتقون الله تعالى‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا وَذ َك ّْر ب ِهِ أ ْ‬ ‫م ال ْ َ‬‫م ل َِعبا ً وَل َْهوا ً وَغَّرت ْهُ ْ‬‫ذوا ِدين َهُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬‫ذي َ‬ ‫وَذ َرِ ال ّ ِ‬
‫ن‬‫ش هِفيعٌ وَإ ِ ْ‬ ‫ي َول َ‬ ‫ن الل ّههِ وَل ِه ّ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س ل ََها ِ‬ ‫ت ل َي ْ َ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫س بِ َ‬ ‫ل ن َْف ٌ‬ ‫س َ‬‫ت ُب ْ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سهُبوا ل َُهه ْ‬
‫م‬ ‫مها ك َ َ‬ ‫سهُلوا ب ِ َ‬‫ن أب ْ ِ‬‫ذي َ‬ ‫ك اّله ِ‬‫من ْهَهها أوْل َئ ِ َ‬
‫خهذ ْ ِ‬ ‫ل ل ي ُؤْ َ‬ ‫ل عَد ْ ٍ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫ت َعْدِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(70‬‬ ‫كاُنوا ي َك ُْفُرو َ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ميم ٍ وَعَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫شَرا ٌ‬ ‫َ‬
‫واترك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء المشركين الذين جعلوا دين السلم‬
‫وا; مستهزئين بآيات الله تعالى‪ ,‬وغّرتهم الحياة الدنيا‬ ‫لعًبا وله ً‬
‫كر بالقرآن هؤلء المشركين وغيرهم; كي ل ترتهن نفس‬ ‫بزينتها‪ ,‬وذ ّ‬
‫بذنوبها وكفرها بربها‪ ,‬ليس لها غير الله ناصر ينصرها‪ ,‬فينقذها من‬
‫عذاب‪ ,‬ول شافع يشفع لها عنده‪ ,‬وإن ت َْفت َدِ بأي فداء ل ي ُْقَبل منها‪.‬‬
‫أولئك الذين ارت ُِهنوا بذنوبهم‪ ,‬لهم في النار شراب شديد الحرارة‬

‫‪250‬‬
‫مد صلى الله‬
‫وعذاب موجع; بسبب كفرهم بالله تعالى ورسوله مح ّ‬
‫عليه وسلم وبدين السلم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ل أ َن َد ْ ُ‬
‫ضّرَنا وَن َُرد ّ عََلى أعَْقاب َِنا ب َعْد َ‬‫ما ل َينَفعَُنا َول ي َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ن ل َه ُ‬‫حي ْهَرا َ‬ ‫ض َ‬‫ِ‬ ‫ن فِههي الْر‬ ‫طي ُ‬‫ش هَيا ِ‬‫ه ال ّ‬‫س هت َهْوَت ْ ُ‬
‫ذي ا ْ‬ ‫كال ّه ِ‬‫ه َ‬ ‫داَنا الل ّه ُ‬ ‫إ ِذ ْ هَ ه َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مْرن َهها‬
‫دى وَأ ِ‬ ‫دى الل ّهِ هُهوَ ال ْهُه َ‬‫ن هُ َ‬‫ل إِ ّ‬‫دى ائ ْت َِنا قُ ْ‬ ‫ه إ َِلى ال ْهُ َ‬ ‫عون َ ُ‬‫ب ي َد ْ ُ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ص َ‬‫أ ْ‬
‫ن )‪(71‬‬ ‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫م ل َِر ّ‬ ‫سل ِ َ‬‫ل ِن ُ ْ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬أنعبد من دون الله تعالى‬
‫أوثاًنا ل تنفع ول تضر؟ ونرجع إلى الكفر بعد هداية الله تعالى لنا‬
‫من فسد عقله‬ ‫إلى السلم‪ ,‬فنشبه ‪-‬في رجوعنا إلى الكفر‪َ -‬‬
‫ل في الرض‪ ,‬وله رفقة عقلء مؤمنون‬ ‫ض ّ‬‫باستهواء الشياطين له‪ ,‬فَ َ‬
‫يدعونه إلى الطريق الصحيح الذي هم عليه فيأبى‪ .‬قل ‪-‬أيها‬
‫ن هدى الله الذي بعثني به هو الهدى‬ ‫الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬إ ّ‬
‫مرنا جميًعا لنسلم لله تعالى رب العالمين بعبادته وحده ل‬ ‫ُ‬
‫الحق‪ ,‬وأ ِ‬
‫شريك له‪ ,‬فهو رب كل شيء ومالكه‪.‬‬

‫وأ َ َ‬
‫ن )‪(72‬‬
‫شُرو َ‬ ‫ذي إ ِل َي ْهِ ت ُ ْ‬
‫ح َ‬ ‫صلةَ َوات ُّقوهُ وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫موا ال ّ‬
‫ن أِقي ُ‬
‫َ ْ‬
‫وكذلك ُأمرنا بأن نقيم الصلة كاملة‪ ,‬وأن نخشاه بفعل أوامره‬
‫ح َ‬
‫شُر جميع الخلئق يوم‬ ‫واجتناب نواهيه‪ .‬وهو ‪-‬جل وعل‪ -‬الذي إليه ت ُ ْ‬
‫القيامة‪.‬‬

‫ض ِبال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن فَي َك ُههو ُ‬
‫ل ك ُه ْ‬
‫م ي َُقههو ُ‬ ‫حقّ وَي َهوْ َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ة‬
‫شهَهاد َ ِ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫م ال ْغَي ْه ِ‬
‫صههورِ عَههال ِ ُ‬‫خ ِفي ال ّ‬ ‫م ُينَف ُ‬
‫ك ي َوْ َ‬‫مل ْ ُ‬
‫ه ال ْ ُ‬
‫حقّ وَل َ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫قَوْل ُ ُ‬
‫خِبيُر )‪(73‬‬ ‫م ال ْ َ‬‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫وَهُوَ ال ْ َ‬
‫والله سبحانه هو الذي خلق السموات والرض بالحق‪ ,‬واذكر ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ -‬يوم القيامة إذ يقول الله‪" :‬كن"‪ ,‬فيكون عن أمره كلمح‬
‫البصر أو هو أقرب‪ ,‬قوله هو الحق الكامل‪ ,‬وله الملك سبحانه‬
‫مَلك في "القرن" النفخة الثانية التي تكون بها‬
‫وحده‪ ,‬يوم ينفخ ال َ‬
‫عودة الرواح إلى الجسام‪ .‬وهو سبحانه الذي يعلم ما غاب عن‬
‫حواسكم ‪-‬أيها الناس ‪ -‬وما تشاهدونه‪ ,‬وهو الحكيم الذي يضع‬

‫‪251‬‬
‫المور في مواضعها‪ ,‬الخبير بأمور خلقه‪ .‬والله تعالى هو الذي‬
‫يختص بهذه المور وغيرها بدًءا ونهاية‪ ,‬نشأة ومصيًرا‪ ,‬وهو وحده‬
‫الذي يجب على العباد النقياد لشرعه‪ ,‬والتسليم لحكمه‪ ,‬والتطلع‬
‫لرضوانه ومغفرته‪.‬‬

‫مهه َ‬
‫ك ِفههي‬ ‫ة إ ِّني أ ََرا َ‬
‫ك وَقَوْ َ‬ ‫صَناما ً آل ِهَ ً‬ ‫ل إبراهيم ل َبيه آزر أ َتت ِ َ‬
‫خذ ُ أ ْ‬‫وَإ ِذ ْ َقا َ ِ ْ َ ِ ُ ِ ِ َ َ َ ّ‬
‫ن )‪(74‬‬‫مِبي ٍ‬
‫ل ُ‬
‫ضل ٍ‬ ‫َ‬
‫جة إبراهيم عليه السلم لبيه آزر‪ ,‬إذ قال‬
‫محا ّ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ُ -‬‬
‫له‪ :‬أتجعل من الصنام آلهة تعبدها من دون الله تعالى؟ إني أراك‬
‫وقومك في ضلل بّين عن طريق الحق‪.‬‬

‫ن‬
‫مهه ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ت َوال َْرض وَل ِي َ ُ‬
‫كههو َ‬ ‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫سهه َ‬
‫ت ال ّ‬ ‫مل َ ُ‬
‫كههو َ‬ ‫م َ‬
‫هيهه َ‬
‫ري إ ِب َْرا ِ‬‫ك ُنهه ِ‬ ‫وَ َ‬
‫كههذ َل ِ َ‬
‫ِ‬
‫ن )‪(75‬‬ ‫موقِِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وكما هدينا إبراهيم عليه السلم إلى الحق في أمر العبادة ُنريه ما‬
‫تحتوي عليه السموات والرض من ملك عظيم‪ ,‬وقدرة باهرة‪,‬‬
‫ليكون من الراسخين في اليمان‪.‬‬

‫ب‬ ‫ل ل أُ ِ‬
‫حه ّ‬ ‫ما أ َفَ َ‬
‫ل َقا َ‬ ‫ذا َرّبي فَل َ ّ‬
‫ل هَ َ‬ ‫ل َرَأى ك َوْ َ‬
‫كبا ً َقا َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ الل ّي ْ ُ‬
‫ج ّ‬
‫ما َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ن )‪(76‬‬ ‫الفِِلي َ‬
‫فلما أظلم على إبراهيم عليه السلم الليل وغ ّ‬
‫طاه ناظر قومه;‬
‫ليثبت لهم أن دينهم باطل‪ ,‬وكانوا يعبدون النجوم‪ .‬رأى إبراهيم عليه‬
‫السلم كوكًبا‪ ,‬فقال ‪-‬مستدرجا قومه للزامهم بالتوحيد‪ :-‬هذا ربي‪,‬‬
‫فلما غاب الكوكب‪ ,‬قال‪ :‬ل أحب اللهة التي تغيب‪.‬‬

‫ن ل َه ْ‬
‫م ي َهْ هدِِني‬ ‫ل ل َئ ِ ْ‬ ‫ما أ َفَ ه َ‬
‫ل قَهها َ‬ ‫ذا َرّبي فَل َ ّ‬
‫ل هَ َ‬‫مَر َباِزغا ً َقا َ‬ ‫َ‬
‫ما َرأى ال َْق َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫ضاّلي َ‬
‫ن ال َْقوْم ِ ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫َرّبي ل َ ُ‬

‫فلما رأى إبراهيم القمر طالًعا قال لقومه ‪-‬على سبيل استدراج‬
‫الخصم‪ :-‬هذا ربي‪ ,‬فلما غاب‪ ,‬قال ‪-‬مفتقرا إلى هداية ربه‪ :-‬لئن لم‬

‫‪252‬‬
‫يوفقني ربي إلى الصواب في توحيده‪ ,‬لكونن من القوم الضالين‬
‫عن سواء السبيل بعبادة غير الله تعالى‪.‬‬

‫َ‬ ‫ذا ربي هَ َ َ‬ ‫ما َرَأى ال ّ‬


‫ل ي َهها‬ ‫ما أفَل َ ْ‬
‫ت قَهها َ‬ ‫ذا أك ْب َُر فَل َ ّ‬ ‫ة َقا َ‬
‫ل هَ َ َ ّ‬ ‫س َبازِغَ ً‬‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ن )‪(78‬‬ ‫كو َ‬‫شرِ ُ‬ ‫ما ت ُ ْ‬
‫م ّ‬
‫ريٌء ِ‬‫قَوْم ِ إ ِّني ب َ ِ‬
‫فلما رأى الشمس طالعة قال لقومه‪ :‬هذا ربي‪ ,‬هذا أكبر من‬
‫الكوكب والقمر‪ ,‬فلما غابت‪ ,‬قال لقومه‪ :‬إني بريء مما تشركون‬
‫من عبادة الوثان والنجوم والصنام التي تعبدونها من دون الله‬
‫تعالى‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مهه ْ‬ ‫حِنيفا ً وَ َ‬
‫ما أَنهها ِ‬ ‫ض َ‬
‫ت َوالْر َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬ ‫ذي فَط ََر ال ّ‬
‫س َ‬ ‫جِهي ل ِل ّ ِ‬
‫ت وَ ْ‬
‫جه ْ ُ‬‫إ ِّني وَ ّ‬
‫ن )‪(79‬‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫جهت بوجهي في العبادة لله عز وجل وحده‪ ,‬فهو الذي خلق‬ ‫إني تو ّ‬
‫السموات والرض‪ ,‬مائل عن الشرك إلى التوحيد‪ ,‬وما أنا من‬
‫المشركين مع الله غيره‪.‬‬

‫مهها‬
‫ف َ‬‫خهها ُ‬‫داِني َول أ َ َ‬
‫جوِني فِههي الل ّههِ وَقَهد ْ هَه َ‬ ‫حهها ّ‬
‫وحاجه قَومه قَهها َ َ‬
‫ل أت ُ َ‬ ‫َ َ ّ ُ ْ ُ ُ‬
‫َ‬
‫عْلمها ً أَفل‬ ‫َ‬
‫يٍء ِ‬‫شه ْ‬‫ل َ‬‫سهعَ َرب ّههي ك ُه ّ‬ ‫شْيئا ً وَ ِ‬
‫شاَء َرّبي َ‬‫ن يَ َ‬ ‫ن ب ِهِ إ ِل ّ أ ْ‬
‫كو َ‬‫شرِ ُ‬ ‫تُ ْ‬
‫ن )‪(80‬‬ ‫ت َت َذ َك ُّرو َ‬
‫وجادله قومه في توحيد الله تعالى قال‪ :‬أتجادلونني في توحيدي لله‬
‫بالعبادة‪ ,‬وقد وفقني إلى معرفة وحدانيته‪ ,‬فإن كنتم تخوفونني‬
‫بآلهتكم أن توقع بي ضرًرا فإنني ل أرهبها فلن تضرني‪ ,‬إل أن يشاء‬
‫ربي شيًئا‪ .‬وسع ربي كل شيء عل ً‬
‫ما‪ .‬أفل تتذكرون فتعلموا أنه‬
‫وحده المعبود المستحق للعبودية؟‬

‫ن‬ ‫م ِبالل ّهِ َول ت َ َ‬


‫خاُفو َ‬ ‫شَرك ْت ُ ْ‬‫م أَ ْ‬ ‫خاُفو َ‬
‫ن أن ّك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫م َول ت َ َ‬ ‫شَرك ْت ُ ْ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ف أَ َ‬‫وَك َي ْ َ‬
‫ق‬ ‫طانا ً فَأ َي ال َْفريَقي َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ل ب ِهِ عَل َ‬ ‫ْ‬ ‫ما ل َ‬ ‫م ِبالل ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫أ َنك ُم أ َ‬
‫ح ّ‬‫نأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ك‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ش‬ ‫ّ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(81‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ن ُ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫م ِ‬‫ِبال ْ‬

‫‪253‬‬
‫وكيف أخاف أوثانكم وأنتم ل تخافون ربي الذي خلقكم‪ ,‬وخلق‬
‫أوثانكم التي أشركتموها معه في العبادة‪ ,‬من غير حجة لكم على‬
‫ذلك؟ فأي الفريقين‪ :‬فريق المشركين وفريق الموحدين أحق‬
‫بالطمأنينة والسلمة والمن من عذاب الله؟ إن كنتم تعلمون صدق‬
‫ما أقول فأخبروني‪.‬‬

‫م‬
‫ن وَهُ ه ْ‬
‫مه ُ‬
‫َ‬
‫م ال ْ‬ ‫م ب ِظ ُل ْهم ٍ أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ل َهُ ه ْ‬ ‫مههان َهُ ْ‬ ‫م ي َل ْب ِ ُ‬
‫سههوا ِإي َ‬ ‫من ُههوا وَل َه ْ‬
‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ال ّه ِ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫دو َ‬‫مهْت َ ُ‬
‫ُ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ولم يخلطوا إيمانهم‬
‫الذين ص ّ‬
‫بشرك‪ ,‬أولئك لهم الطمأنينة والسلمة‪ ,‬وهم الموفقون إلى طريق‬
‫الحق‪.‬‬

‫ن‬ ‫ن نَ َ‬
‫شههاءُ إ ِ ّ‬ ‫مه ْ‬
‫ت َ‬
‫جهها ٍ‬ ‫م عََلى قَوْ ِ‬
‫مهِ ن َْرفَهعُ د ََر َ‬ ‫هي َ‬
‫ها إ ِب َْرا ِ‬
‫جت َُنا آت َي َْنا َ‬
‫ح ّ‬‫ك ُ‬‫وَت ِل ْ َ‬
‫م )‪(83‬‬ ‫م عَِلي ٌ‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬‫ك َ‬‫َرب ّ َ‬

‫ج بها إبراهيم عليه السلم قومه هي حجتنا‬


‫وتلك الحجة التي حا ّ‬
‫من نشاء من عبادنا‬‫التي وفقناه إليها حتى انقطعت حجتهم‪ .‬نرفع َ‬
‫مراتب في الدنيا والخرة‪ .‬إن ربك حكيم في تدبير خلقه‪ ,‬عليم بهم‪.‬‬

‫ن ذ ُّري ّت ِ ِ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬‫ل وَ ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫ب ك ُل ّ هَد َي َْنا وَُنوحا ً هَد َي َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫حقَ وَي َعُْقو َ‬‫س َ‬
‫ه إِ ْ‬ ‫وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬
‫َ‬
‫زي‬ ‫جه ِ‬ ‫ك نَ ْ‬‫ن وَك َهذ َل ِ َ‬‫ههاُرو َ‬‫سههى وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ف وَ ُ‬ ‫سه َ‬ ‫ب وَُيو ُ‬
‫ن وَأي ّههو َ‬‫ما َ‬‫سهل َي ْ َ‬‫داُوود َ وَ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(84‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ومنّنا على إبراهيم عليه السلم بأن رزقناه إسحاق ابًنا ويعقوب‬
‫دا‪ ,‬ووّفقنا كل منهما لسبيل الرشاد‪ ,‬وكذلك وّفقنا للحق نو ً‬
‫حا‬ ‫حفي ً‬
‫‪-‬من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب‪ -‬وكذلك وّفقنا للحق من ذرية‬
‫نوح داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون عليهم السلم‪,‬‬
‫وكما جزينا هؤلء النبياء لحسانهم نجزي كل محسن‪.‬‬

‫ن )‪(85‬‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫سى وَإ ِل َْيا َ‬
‫س كُ ّ‬ ‫عي َ‬ ‫وََزك َرِّيا وَي َ ْ‬
‫حَيى وَ ِ‬

‫‪254‬‬
‫وكذلك هدينا زكريا ويحيى وعيسى وإلياس‪ ,‬وكل هؤلء النبياء‬
‫عليهم السلم من الصالحين‪.‬‬

‫ن )‪(86‬‬ ‫ضل َْنا عََلى ال َْعال َ ِ‬


‫مي َ‬ ‫س وَُلوطا ً وَك ُل ّ فَ ّ‬ ‫ل َوال ْي َ َ‬
‫سعَ وَُيون ُ َ‬ ‫عي َ‬
‫ما ِ‬
‫س َ‬
‫وَإ ِ ْ‬

‫ن آَباِئِهْم َوُذّرّياِته وهدينا كذلك إسماعيل واليسع ويونس ولوطا‪ ,‬وكل‬


‫َوِم ْ‬
‫ضلناهم على أهل زمانهم‪.‬‬
‫هؤلء الرسل ف ّ‬
‫ست َِقيم ٍ )‪(87‬‬
‫م ْ‬
‫ط ُ‬ ‫م إ َِلى ِ‬
‫صَرا ٍ‬ ‫م وَهَد َي َْناهُ ْ‬
‫جت َب َي َْناهُ ْ‬
‫م َوا ْ‬
‫وان ِهِ ْ‬
‫خ َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬
‫ِ ْ‬
‫وكذلك وّفقنا للحق من شئنا هدايته من آباء هؤلء وذرياتهم‬
‫من أرسلناهم إليهم‪,‬‬ ‫وإخوانهم‪ ,‬واخترناهم لديننا وإبلغ رسالتنا إلى َ‬
‫وأرشدناهم إلى طريق صحيح‪ ,‬ل عوج فيه‪ ,‬وهو توحيد الله تعالى‬
‫وتنزيهه عن الشرك‪.‬‬

‫حِبه َ‬
‫ط‬ ‫كوا ل َ َ‬ ‫عَبهادِهِ وََلهوْ أ َ ْ‬
‫شهَر ُ‬ ‫ن ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شهاُء ِ‬ ‫مه ْ‬
‫دي ب ِهِ َ‬‫دى الل ّهِ ي َهْ ِ‬‫ك هُ َ‬‫ذ َل ِ َ‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫مُلو َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬‫ما َ‬‫م َ‬‫عَن ْهُ ْ‬
‫ذلك الهدى هو توفيق الله‪ ,‬الذي يوفق به من يشاء من عباده‪ .‬ولو‬
‫أن هؤلء النبياء أشركوا بالله ‪-‬على سبيل الفرض والتقدير‪ -‬لبطل‬
‫عملهم; لن الله تعالى ل يقبل مع الشرك عمل‪.‬‬

‫ن ي َك ُْف هْر ب ِهَهها هَ ه ُ‬


‫ؤلءِ‬ ‫م َوالن ّب ُهوّةَ فَ هإ ِ ْ‬ ‫ب َوال ْ ُ‬
‫حك ْ َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ْ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ن )‪(89‬‬ ‫ري َ‬ ‫سوا ب َِها ب ِ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫وما ً ل َي ْ ُ‬‫فََقد ْ وَك ّل َْنا ب َِها قَ ْ‬
‫أولئك النبياء الذين أنعمنا عليهم بالهداية والنبوة هم الذين آتيناهم‬
‫الكتاب كصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى‪,‬‬
‫م هذه الكتب‪ ,‬واخترناهم لبلغ وحينا‪ ,‬فإن يجحد ‪-‬أيها‬ ‫وآتيناهم فَهْ َ‬
‫ما‬
‫الرسول‪ -‬بآيات هذا القرآن الكفاُر من قومك‪ ,‬فقد وكلنا بها قو ً‬
‫آخرين ‪-‬أي‪ :‬المهاجرين والنصار وأتباعهم إلى يوم القيامة‪ -‬ليسوا‬
‫بها بكافرين‪ ,‬بل مؤمنون بها‪ ,‬عاملون بما تدل عليه‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫َ‬ ‫ل ل أَ َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫جههرا ً إ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫م عَل َي ْههِ أ ْ‬
‫سأل ُك ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫م اقْت َدِهِ قُ ْ‬ ‫دى الل ّ ُ‬
‫ه فَب ِهُ َ‬
‫داهُ ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(90‬‬ ‫هُوَ إ ِل ّ ذِك َْرى ل ِل َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬
‫أولئك النبياء المذكورون هم الذين وفقهم الله تعالى لدينه الحق‪,‬‬
‫فاتبع هداهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬واسلك سبيلهم‪ .‬قل للمشركين‪ :‬ل‬
‫ن أجري إل على‬‫ضا من الدنيا‪ ,‬إ ْ‬
‫أطلب منكم على تبليغ السلم عو ً‬
‫الله‪ ,‬وما السلم إل دعوة جميع الناس إلى الطريق المستقيم‬
‫من كان مثلكم‪ ,‬ممن هو مقيم على باطل‪ ,‬لعلكم‬ ‫وتذكير لكم ولكل َ‬
‫تتذكرون به ما ينفعكم‪.‬‬

‫يءٍ‬ ‫شهه ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫شرٍ ِ‬ ‫ه عََلى ب َ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫حقّ قَد ْرِهِ إ ِذ ْ َقاُلوا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ما قَد َُروا الل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫س‬
‫دى ِللن ّه َها ِ‬ ‫سههى ن ُههورا ً وَهُه ً‬ ‫مو َ‬ ‫جههاَء ب ِههِ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ب ال ّه ِ‬ ‫ل ال ْك ِت َهها َ‬ ‫ن أنهَز َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ل َ‬‫قُ ه ْ‬
‫م‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫مههوا أن ْت ُه ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م َ‬
‫مت ُ ْ‬‫ن ك َِثيرا ً وَعُل ّ ْ‬
‫خُفو َ‬‫دون ََها وَت ُ ْ‬‫س ت ُب ْ ُ‬‫طي َ‬ ‫ه قََرا ِ‬ ‫جعَُلون َ ُ‬‫تَ ْ‬
‫ن )‪(91‬‬ ‫م ي َل ْعَُبو َ‬ ‫ضه ِ ْ‬
‫خو ْ ِ‬‫م ِفي َ‬ ‫م ذ َْرهُ ْ‬‫ه ثُ ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫َول آَباؤُك ُ ْ‬
‫ظم هؤلء المشركون الله حق تعظيمه; إذ أنكروا أن يكون‬ ‫وما عَ ّ‬
‫الله تعالى قد أنزل على أحد من البشر شيًئا من وحيه‪ .‬قل لهم‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إذا كان المر كما تزعمون‪ ,‬فمن الذي أنزل الكتاب‬
‫الذي جاء به موسى إلى قومه نوًرا للناس وهداية لهم؟ ثم توجه‬
‫جًرا لهم بقوله‪ :‬تجعلون هذا الكتاب في‬‫الخطاب إلى اليهود َز ْ‬
‫قراطيس متفرقة‪ ,‬تظهرون بعضها‪ ,‬وتكتمون كثيًرا منها‪ ,‬ومما‬
‫كتموه الخبار عن صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته‪,‬‬
‫ن ‪-‬الذي أنزله عليكم‪ ,‬فيه خبر‬‫وعّلمكم الله معشر العرب بالقرآ ِ‬
‫من بعدكم‪ ,‬وما يكون بعد موتكم‪ -‬ما لم تعلموه أنتم ول‬ ‫من قبلكم و َ‬‫َ‬
‫آباؤكم‪ ,‬قل‪ :‬الله هو الذي أنزله‪ ,‬ثم دع هؤلء في حديثهم الباطل‬
‫يخوضون ويلعبون‪.‬‬

‫م ال ُْق هَرى‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫ن ي َهد َي ْهِ وَل ُِتن هذَِر أ ّ‬‫ذي ب َي ْ َ‬ ‫صد ّقُ ال ّ ِ‬
‫م َ‬‫ك ُ‬ ‫ب أنَزل َْناهُ ُ‬
‫مَباَر ٌ‬ ‫ذا ك َِتا ٌ‬‫وَهَ َ‬
‫م‬ ‫م عَل َههى َ‬
‫صههلت ِهِ ْ‬ ‫ن ب ِههِ وَهُه ْ‬ ‫من ُههو َ‬ ‫خَرةِ ي ُؤْ ِ‬
‫ن ِبال ِ‬‫مُنو َ‬‫ن ي ُؤْ ِ‬
‫ذي َ‬‫حوْل ََها َوال ّ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(92‬‬ ‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫وهذا القرآن كتاب أنزلناه إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عظيم النفع‪ ,‬مصدق‬
‫وف به من عذاب الله‬‫لما تقدمه من الكتب السماوية‪ ,‬أنزلناه لنخ ّ‬
‫وبأسه أهل "مكة" ومن حولها من أهل أقطار الرض كلها‪ .‬والذين‬

‫‪256‬‬
‫يصدقون بالحياة الخرة‪ ,‬يصدقون بأن القرآن كلم الله‪ ,‬ويحافظون‬
‫على إقام الصلة في أوقاتها‪.‬‬

‫ح‬
‫م ي ُههو َ‬ ‫ي وَل َه ْ‬ ‫ي إ ِل َه ّ‬
‫ح َ‬ ‫ل ُأو ِ‬ ‫ذبا ً أ َوْ َقا َ‬ ‫ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫م ّ‬
‫م ِ‬
‫وم َ‬
‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما أنَز َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ُ‬
‫سأنزِ ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ َ‬
‫ن‬ ‫مو َ‬ ‫ه وَلوْ ت ََرى إ ِذ ْ الظال ِ ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫يٌء وَ َ‬ ‫ش ْ‬
‫َ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫ة باس ُ َ‬
‫م‬‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫جوا أنُف َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ديهِ ْ‬
‫طوا أي ْ ِ‬ ‫ملئ ِك َ ُ َ ِ‬ ‫ت َوال ْ َ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ِفي غَ َ‬
‫م‬ ‫ح هق ّ و َ ُ‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫ن عَل َههى الل ّههِ غَي ْهَر ال ْ َ‬ ‫م ت َُقوُلو َ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ن بِ َ‬‫ب ال ُْهو ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫جَزوْ َ‬‫تُ ْ‬
‫ن )‪(93‬‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬‫ن آَيات ِهِ ت َ ْ‬‫عَ ْ‬
‫من اختلق على الله تعالى قول كذًبا‪ ,‬فادعى أنه‬ ‫ما م ّ‬
‫من أشد ّ ظل ّ‬ ‫و َ‬
‫لم يبعث رسول من البشر‪ ,‬أو ادعى كذًبا أن الله أوحى إليه ولم‬
‫ح إليه شيًئا‪ ,‬أو ا ّ‬
‫دعى أنه قادر على أن ي ُْنزل مثل ما أنزل الله من‬ ‫ُيو ِ‬
‫القرآن؟ ولو أنك أبصرت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء المتجاوزين الحد ّ‬
‫وهم في أهوال الموت لرأيت أمًرا هائل والملئكة الذين يقبضون‬
‫أرواحهم باسطو أيديهم بالعذاب قائلين لهم‪ :‬أخرجوا أنفسكم‪ ,‬اليوم‬
‫تهانون غاية الهانة‪ ,‬كما كنتم تكذبون على الله‪ ,‬وتستكبرون عن‬
‫اتباع آياته والنقياد لرسله‪.‬‬

‫خوّل ْن َههاك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مهها َ‬ ‫م َ‬‫مهّرةٍ وَت ََرك ْت ُه ْ‬‫ل َ‬ ‫م أ َوّ َ‬
‫خل َْقن َههاك ُ ْ‬ ‫مهها َ‬‫موَنا فَُراَدى ك َ َ‬ ‫وَل ََقد ْ ِ‬
‫جئ ْت ُ ُ‬
‫شَفعاَءك ُم ال ّهذين زعَمت ه َ‬
‫م‬‫م ِفيك ُه ْ‬ ‫م أن ّهُ ه ْ‬‫ِ َ َ ْ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م ُ َ‬ ‫معَك ُ ْ‬
‫ما ن ََرى َ‬ ‫وََراَء ظ ُُهورِك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬
‫ن )‪(94‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َْزعُ ُ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عنك ُ ْ‬
‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫م وَ َ‬ ‫كاُء ل ََقد ْ ت ََقط ّعَ ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫ُ‬
‫ولقد جئتمونا للحساب والجزاء فرادى كما أوجدناكم في الدنيا أول‬
‫مرة حفاة عراة‪ ,‬وتركتم وراء ظهوركم ما مكّناكم فيه مما تتباهون‬
‫به من أموال في الدنيا‪ ,‬وما نرى معكم في الخرة أوثانكم التي‬
‫دعون أنها شركاء مع الله في‬ ‫كنتم تعتقدون أنها تشفع لكم‪ ,‬وت َ ّ‬
‫صُلكم الذي كان بينكم في الدنيا‪ ,‬وذهب عنكم‬ ‫العبادة‪ ,‬لقد زال َتوا ُ‬
‫دعون من أن آلهتكم شركاء لله في العبادة‪ ,‬وظهر أنكم‬ ‫ما كنتم ت َ ّ‬
‫الخاسرون لنفسكم وأهليكم وأموالكم‪.‬‬

‫ت‬ ‫ج ال ْ َ‬
‫مي ّه ِ‬ ‫خ هرِ ُ‬
‫م ْ‬
‫ت وَ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مي ّ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ي ِ‬
‫ح ّ‬‫ج ال ْ َ‬
‫خرِ ُ‬
‫وى ي ُ ْ‬ ‫والن ّ َ‬
‫ب ََ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َفال ِقُ ال ْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫إِ ّ‬
‫ن )‪(95‬‬ ‫كو َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه فَأّنا ت ُؤْفَ ُ‬ ‫ي ذ َل ِك ُ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م ْ‬
‫ِ‬

‫‪257‬‬
‫إن الله تعالى يشق الحب‪ ,‬فيخرج منه الزرع‪ ,‬ويشق النوى‪ ,‬فيخرج‬
‫منه الشجر‪ ,‬يخرج الحي من الميت كالنسان والحيوان مثل من‬
‫النطفة‪ ,‬ويخرج الميت من الحي كالنطفة من النسان والحيوان‪,‬‬
‫ذلكم الله أي‪ :‬فاعل هذا هو الله وحده ل شريك له المستحق‬
‫صَرفون عن الحق إلى الباطل فتعبدون معه غيره؟‬
‫للعبادة‪ ,‬فكيف ت ُ ْ‬

‫سهَبانا ً ذ َل ِه َ‬
‫ك‬ ‫ح ْ‬ ‫س َوال َْق َ‬
‫مهَر ُ‬ ‫م َ‬ ‫كنا ً َوال ّ‬
‫شه ْ‬ ‫سه َ‬ ‫ل الل ّي ْه َ‬
‫ل َ‬ ‫جع َ َ‬
‫ح وَ َ‬ ‫َفال ِقُ ال ِ ْ‬
‫صَبا ِ‬
‫زيزِ ال ْعَِليم ِ )‪(96‬‬ ‫ديُر ال ْعَ ِ‬
‫ت َْق ِ‬
‫والله سبحانه وتعالى هو الذي شق ضياء الصباح من ظلم الليل‪,‬‬
‫وجعل الليل مستقًرا‪ ,‬يسكن فيه كل متحرك ويهدأ‪ ,‬وجعل الشمس‬
‫در‪ ,‬ل يتغير ول‬
‫والقمر يجريان في فلكيهما بحساب متقن مق ّ‬
‫يضطرب‪ ,‬ذلك تقدير العزيز الذي عّز سلطانه‪ ,‬العليم بمصالح خلقه‬
‫وتدبير شئونهم‪ .‬والعزيز والعليم من أسماء الله الحسنى يدلن‬
‫على كمال العز والعلم‪.‬‬

‫ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬
‫حرِ َقههد ْ‬ ‫دوا ب َِها ِفي ظ ُل ُ َ‬
‫ما ِ‬ ‫م ل ِت َهْت َ ُ‬
‫جو َ‬‫م الن ّ ُ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫جع َ َ‬‫ذي َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ن )‪(97‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬‫صل َْنا الَيا ِ‬‫فَ ّ‬
‫والله سبحانه هو الذي جعل لكم أيها الناس النجوم علمات‪,‬‬
‫تعرفون بها الطرق ليل إذا ضللتم بسبب الظلمة الشديدة في البر‬
‫والبحر‪ ,‬قد بي ّّنا البراهين الواضحة; ليتدبرها منكم أولو العلم بالله‬
‫وشرعه‪.‬‬

‫ص هل َْنا‬ ‫ُ‬ ‫شأ َ‬ ‫وهُو ال ّذي َ‬


‫س هت َوْد َعٌ قَ هد ْ فَ ّ‬
‫م ْ‬
‫ست ََقّر وَ ُ‬ ‫حد َةٍ فَ ُ‬
‫م ْ‬ ‫س َوا ِ‬
‫ٍ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫َ َ ِ‬
‫ن )‪(98‬‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َْفَقُهو َ‬
‫الَيا ِ‬
‫والله سبحانه هو الذي ابتدأ خلقكم أيها الناس من آدم عليه السلم;‬
‫إذ خلقه من طين‪ ,‬ثم كنتم سللة ونسل منه‪ ,‬فجعل لكم مستَقًرا‬
‫ظون فيه‪ ,‬وهو‬ ‫عا ُتحَف ُ‬
‫مستود ً‬
‫تستقرون فيه‪ ,‬وهو أرحام النساء‪ ,‬و ُ‬
‫أصلب الرجال‪ ,‬قد بينا الحجج وميزنا الدلة‪ ,‬وأحكمناها لقوم‬
‫يفهمون مواقع الحجج ومواضع العبر‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َأنَز َ‬
‫ل‬ ‫ت ك ُه ّ‬ ‫جن َهها ب ِههِ ن َب َهها َ‬
‫خَر ْ‬ ‫جَنا ب ِهِ فَأ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ماًء فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مه ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫خه ِ‬‫ن الن ّ ْ‬ ‫كب ها ً وَ ِ‬
‫مه ْ‬ ‫مت ََرا ِ‬‫حب ّها ً ُ‬‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ج ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ضرا ً ن ُ ْ‬‫خ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫جَنا ِ‬ ‫خَر ْ‬‫يٍء فَأ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫شهت َِبها ً‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫مها َ‬ ‫ن َوالّر ّ‬ ‫ب َوالّزي ْت ُههو َ‬ ‫ن أعَْنها ٍ‬ ‫مه ْ‬‫ت ِ‬ ‫جن ّهها ٍ‬‫ة وَ َ‬ ‫دان ِي َ ٌ‬
‫ن َ‬ ‫ط َل ْعَِها قِن ْ َ‬
‫وا ٌ‬
‫شابه انظ ُروا إَلى ث َمره إ َ َ‬
‫ت‬ ‫م لي َهها ٍ‬ ‫ن فِههي ذ َل ِك ُه ْ‬ ‫مَر وَي َن ْعِ ههِ إ ِ ّ‬‫ذا أث ْ َ‬ ‫َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫مت َ َ ِ ٍ‬ ‫وَغَي َْر ُ‬
‫ن )‪(99‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫والله سبحانه هو الذي أنزل من السحاب مطًرا فأخرج به نبات كل‬
‫عا وشجًرا أخضر‪ ,‬ثم أخرح من الزرع‬ ‫شيء‪ ,‬فأخرج من النبات زر ً‬
‫ضا‪ ,‬كسنابل القمح والشعير والرز‪ ,‬وأخرج من‬ ‫حّبا يركب بعضه بع ً‬
‫َ‬
‫طلع النخل ‪-‬وهو ما تنشأ فيه عذوق الرطب‪ -‬عذوًقا قريبة التناول‪,‬‬
‫وأخرج سبحانه بساتين من أعناب‪ ,‬وأخرج شجر الزيتون والرمان‬
‫ما وطبًعا‪.‬‬‫الذي يتشابه في ورقه ويختلف في ثمره شكل وطع ً‬
‫انظروا أيها الناس إلى ثمر هذا النبات إذا أثمر‪ ,‬وإلى نضجه وبلوغه‬
‫حين يبلغ‪ .‬إن في ذلكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬لدللت على كمال قدرة‬
‫خالق هذه الشياء وحكمته ورحمته لقوم يصدقون به تعالى‬
‫ويعملون بشرعه‪.‬‬

‫ت ب ِغَي ْهرِ ِ ْ‬ ‫خَرُقوا ل َ ُ‬ ‫خل ََقهُ ْ‬ ‫كاَء ال ْ ِ‬ ‫جعَُلوا ل ِل ّهِ ُ‬


‫شَر َ‬
‫ع ل هم ٍ‬ ‫ن وَب ََنا ٍ‬
‫ه ب َِني َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن وَ َ‬
‫ج ّ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(100‬‬ ‫صُفو َ‬
‫ما ي َ ِ‬ ‫ه وَت ََعاَلى عَ ّ‬‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫ُ‬
‫دا‬
‫وجعل هؤلء المشركون الجن شركاء لله تعالى في العبادة; اعتقا ً‬
‫منهم أنهم ينفعون أو يضرون‪ ,‬وقد خلقهم الله تعالى وما يعبدون‬
‫من العدم‪ ,‬فهو المستقل بالخلق وحده‪ ,‬فيجب أن يستقل بالعبادة‬
‫وحده ل شريك له‪ .‬ولقد كذب هؤلء المشركون على الله تعالى‬
‫حين نسبوا إليه البنين والبنات; جهل منهم بما يجب له من صفات‬
‫الكمال‪ ,‬تنّزه وعل عما نسبه إليه المشركون من ذلك الكذب‬
‫والفتراء‪.‬‬

‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫ة وَ َ‬
‫حب َ ٌ‬
‫صا ِ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ه وَل َد ٌ وَل َ ْ‬
‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ت َوال َْرض أ َّنى ي َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬
‫س َ‬‫ديعُ ال ّ‬‫بَ ِ‬
‫ِ‬
‫م )‪(101‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬‫ش ْ‬‫ل َ‬‫يٍء وَهُوَ ب ِك ُ ّ‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫كُ ّ‬
‫والله تعالى هو الذي أوجد السموات والرض وما فيهن على غير‬
‫مثال سابق‪ .‬كيف يكون له ولد ولم تكن له صاحبة؟ تعالى الله عما‬

‫‪259‬‬
‫وا كبيًرا‪ ,‬وهو الذي خلق كل شيء من العدم‪,‬‬
‫يقول المشركون عل ّ‬
‫ول يخفى عليه شيء من أمور الخلق‪.‬‬

‫دوهُ وَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬


‫ل‬ ‫يءٍ َفاعْب ُ ُ‬ ‫خال ِقُ ك ُ ّ‬
‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ل إ ِل َ َ‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ َ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫ل )‪(102‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫يٍء وَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ذلكم ‪-‬أيها المشركون‪ -‬هو ربكم جل وعل ل معبود بحق سواه‪,‬‬
‫خالق كل شيء فانقادوا واخضعوا له بالطاعة والعبادة‪ .‬وهو سبحانه‬
‫على كل شيء وكيل وحفيظ‪ ,‬يدبر أمور خلقه‪.‬‬

‫ف ال ْ َ‬
‫خِبيُر )‪(103‬‬ ‫صاَر وَهُوَ الل ّ ِ‬
‫طي ُ‬ ‫ل ت ُد ْرك ُه ال َب ْصار وهُو ي ُد ْر ُ َ‬
‫ك الب ْ َ‬‫ِ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫ِ ُ‬
‫ه البصاُر في الدنيا‪ ,‬أما في الدار الخرة فإن المؤمنين‬
‫ل ترى الل َ‬
‫يرون ربهم بغير إحاطة‪ ,‬وهو سبحانه يدرك البصار ويحيط بها‪,‬‬
‫ويعلمها على ما هي عليه‪ ,‬وهو اللطيف بأوليائه الذي يعلم دقائق‬
‫الشياء‪ ،‬الخبير الذي يعلم بواطنها‪.‬‬

‫ي فَعَل َي َْهها‬ ‫قَد جاَءك ُم بصائ ِر من ربك ُم فَم َ‬


‫مه َ‬
‫ن عَ ِ‬
‫مه ْ‬ ‫صَر فَل ِن َْف ِ‬
‫سههِ وَ َ‬ ‫ن أب ْ َ‬
‫ْ َ َ ُ ِ ْ َ ّ ْ َ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫َ‬
‫ظ )‪(104‬‬‫حِفي ٍ‬ ‫ما أَنا عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬قد جاءتكم براهين ظاهرة‬
‫تبصرون بها الهدى من الضلل‪ ,‬مما اشتمل عليها القرآن‪ ,‬وجاء بها‬
‫من تبّين هذه البراهين وآمن‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم‪ ,‬ف َ‬
‫من لم يبصر الهدى بعد ظهور الحجة‬ ‫بمدلولها فن َْفغُ ذلك لنفسه‪ ,‬و َ‬
‫عليه فعلى نفسه جنى‪ ,‬وما أنا عليكم بحافظ أحصي أعمالكم‪ ,‬وإنما‬
‫من يشاء وَْفق علمه وحكمته‪.‬‬ ‫من يشاء ويضل َ‬ ‫أنا مبلغ‪ ,‬والله يهدي َ‬

‫ن )‪(105‬‬ ‫ه ل َِقوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬


‫مو َ‬ ‫ت وَل ِن ُب َي ّن َ ُ‬ ‫ت وَل ِي َُقوُلوا د ََر ْ‬
‫س َ‬ ‫ف الَيا ِ‬
‫صّر ُ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك نُ َ‬
‫وكما بي ّّنا في هذا القرآن للمشركين البراهين الظاهرة في أمر‬
‫التوحيد والنبوة والمعاد نبّين لهم البراهين في كل ما جهلوه‬
‫فيقولون عند ذلك كذًبا‪ :‬تعلمت من أهل الكتاب‪ ,‬ولنبين ‪-‬بتصريفنا‬

‫‪260‬‬
‫اليات‪ -‬الحقّ لقوم يعلمونه‪ ,‬فيقبلونه ويتبعونه‪ ,‬وهم المؤمنون‬
‫برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه‪.‬‬

‫َ‬ ‫ما ُأو ِ‬


‫ن)‬
‫كي َ‬
‫ش هرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ض ع َه ْ‬ ‫ك ل إ ِل َ َ‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ وَأعْرِ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫ي إ ِل َي ْ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ات ّب ِعْ َ‬
‫‪(106‬‬
‫اتبع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما أوحيناه إليك من الوامر والنواهي التي‬
‫مها توحيد الله سبحانه والدعوة إليه‪ ,‬ول ُتبال بعناد المشركين‪,‬‬
‫أعظ ُ‬
‫وادعائهم الباطل‪.‬‬

‫َ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫ت عَل َي ِْههه ْ‬
‫م‬ ‫حِفيظا ً وَ َ‬
‫ما أْنهه َ‬ ‫ك عَل َي ْهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫ما َ‬ ‫شَر ُ‬
‫كوا وَ َ‬ ‫ه َ‬‫شاَء الل ّ ُ‬
‫وَل َوْ َ‬
‫ل )‪(107‬‬ ‫كي ٍ‬
‫ب ِوَ ِ‬
‫ولو شماء الله تعالى أن ل يشرك هؤلء المشركون لما أشركوا‪,‬‬
‫لكنه تعالى عليم بما سيكون من سوء اختيارهم واتباعهم أهواءهم‬
‫المنحرفة‪ .‬وما جعلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عليهم رقيًبا تحفظ عليهم‬
‫أعمالهم‪ ,‬وما أنت بَقي ّم ٍ عليهم تدبر مصالحهم‪.‬‬

‫دوا ً ب ِغَي ْهرِ ِ ْ‬ ‫سّبوا الل ّ َ‬


‫ن الل ّهِ فَي َ ُ‬ ‫سّبوا ال ّ ِ‬
‫ع ل هم ٍ‬ ‫ه ع َه ْ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬
‫ُ‬
‫ذي َ‬ ‫َول ت َ ُ‬
‫مهها ك َههاُنوا‬
‫م بِ َ‬‫م فَي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬ ‫جعُهُ ْ‬
‫مْر ِ‬
‫م َ‬ ‫م إ َِلى َرب ّهِ ْ‬ ‫مل َهُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫مة ٍ ع َ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫ك َزي ّّنا ل ِك ُ ّ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫ن )‪(108‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫دا‬
‫ول تسبوا ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬الوثان التي يعبدها المشركون ‪-‬س ّ‬
‫للذريعة‪ -‬حتى ل يتسبب ذلك في سبهم الله جهل واعتداًء‪ :‬بغير‬
‫سّنا لهؤلء عملهم السيئ عقوبة لهم على سوء‬ ‫علم‪ .‬وكما ح ّ‬
‫سّنا لكل أمة أعمالها‪ ,‬ثم إلى ربهم معادهم جميًعا‬‫اختيارهم‪ ,‬ح ّ‬
‫فيخبرهم بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا‪ ,‬ثم يجازيهم بها‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مهها‬ ‫ن ب ِهَهها قُه ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ة ل َي ُهؤْ ِ‬
‫من ُ ّ‬ ‫م آي َه ٌ‬
‫جههاَءت ْهُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ل َئ ِ ْ‬‫مان ِهِ ْ‬
‫جهْد َ أي ْ َ‬‫َ‬ ‫موا ِبالل ّهِ‬ ‫وَأقْ َ‬
‫س ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(109‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ت ل ي ُؤْ ِ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫م أن َّها إ ِ َ‬ ‫شعُِرك ُ ْ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫وَ َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ‬
‫ت ِ‬ ‫الَيا ُ‬
‫وأقسم هؤلء المشركون بأيمان مؤ ّ‬
‫كدة‪ :‬لئن جاءنا محمد بعلمة‬
‫ن بما جاء به‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إنما مجيء‬
‫خارقة لنصدق ّ‬
‫‪261‬‬
‫المعجزات الخارقة من عند الله تعالى‪ ,‬هو القادر على المجيء بها‬
‫إذا شاء‪ ,‬وما يدريكم أيها المؤمنون‪ :‬لعل هذه المعجزات إذا جاءت‬
‫دق بها هؤلء المشركون‪.‬‬‫ل يص ّ‬

‫مّرةٍ وََنههذ َُرهُ ْ‬


‫م ِفههي‬ ‫مُنوا ب ِهِ أ َوّ َ‬
‫ل َ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫م كَ َ‬
‫صاَرهُ ْ‬
‫َ‬
‫م وَأب ْ َ‬
‫َ‬
‫ب أفْئ ِد َت َهُ ْ‬ ‫وَن َُقل ّ ُ‬
‫ن )‪(110‬‬ ‫مُهو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬ ‫ط ُغَْيان ِهِ ْ‬

‫ونقلب أفئدتهم وأبصارهم‪ ,‬فنحول بينها وبين النتفاع بآيات الله‪ ,‬فل‬
‫يؤمنون بههها كمهها لههم يؤمنههوا بآيههات القههرآن عنههد نزولههها أول مههرة‪,‬‬
‫ونتركهم فههي تمّردهههم علههى اللههه متحّيريههن‪ ,‬ل يهتههدون إلههى الحههق‬
‫والصواب‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫الجزء الثامن ‪:‬‬

‫َ‬
‫كه ّ‬
‫ل‬ ‫شهْرَنا عَل َي ِْهه ْ‬
‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫مهوَْتى وَ َ‬ ‫ة وَك َل ّ َ‬
‫مُهه ْ‬ ‫كه َ‬‫ملئ ِ َ‬‫م ال ْ َ‬ ‫وَل َوْ أن َّنا ن َّزل َْنا إ ِل َي ِْهه ْ‬
‫شاَء الل ّه ول َك َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬‫جهَُلههو َ‬‫م يَ ْ‬‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬‫ُ َ ِ ّ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مُنوا إ ِل ّ أ ْ‬‫كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫يٍء قُب ُل ً َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫‪(111‬‬
‫ولو أننا أجبنا طلب هؤلء‪ ,‬فنّزلنا إليهم الملئكة من السماء‪ ,‬وأحيينا‬
‫لهم الموتى‪ ,‬فكلموهم‪ ,‬وجمعنا لهم كل شيء طلبوه فعاينوه‬
‫دقوا بما دعوتهم إليه ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ولم يعملوا به‪,‬‬
‫مواجهة‪ ,‬لم يص ّ‬
‫إل من شاء الله له الهداية‪ ,‬ولكن أكثر هؤلء الكفار يجهلون الحق‬
‫الذي جئت به من عند الله تعالى‪.‬‬

‫م‬
‫ضهههُ ْ‬‫حي ب َعْ ُ‬ ‫ن ُيههو ِ‬
‫ج ّ‬‫س َوال ْ ِ‬
‫لن ِ‬ ‫نا ِ‬‫طي َ‬
‫شَيا ِ‬ ‫ي عَد ُوّا ً َ‬ ‫جعَل َْنا ل ِك ُ ّ‬
‫ل ن َب ِ ّ‬ ‫ك َ‬‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫مهها‬
‫م وَ َ‬‫ما فَعَُلوهُ َفههذ َْرهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬‫ل غُُرورا ً وَل َوْ َ‬ ‫ف ال َْقوْ ِ‬ ‫خُر َ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫إ ِلى ب َعْ ٍ‬
‫َ‬
‫ن )‪(112‬‬ ‫ي َْفت َُرو َ‬
‫وكما ابتليناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بأعدائك من المشركين ابتلينا جميع‬
‫من مردة قومهم وأعداء من مردة‬ ‫النبياء ‪-‬عليهم السلم‪ -‬بأعداء ِ‬
‫الجن‪ُ ,‬يلقي بعضهم إلى بعض القول الذي زّينوه بالباطل; ليغتر به‬
‫ل وعل‪ -‬لحال بينهم‬ ‫سامعه‪ ,‬فيضل عن سبيل الله‪ .‬ولو أراد ربك ‪-‬ج ّ‬
‫من‬‫وبين تلك العداوة‪ ,‬ولكنه البتلء من الله‪ ,‬فدعهم وما يختلقون ِ‬
‫كذب وزور‪.‬‬

‫َ‬
‫ضوْهُ وَل ِي َْقت َرُِفوا َ‬
‫ما‬ ‫خَرةِ وَل ِي َْر َ‬
‫ن ِبال ِ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫صَغى إ ِل َي ْهِ أفْئ ِد َةُ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وَل ِت َ ْ‬
‫ن )‪(113‬‬ ‫مْقت َرُِفو َ‬ ‫م ُ‬ ‫هُ ْ‬
‫وِلتميل إليه قلوب الكفار الذين ل يصدقون بالحياة الخرة ول‬
‫يعملون لها‪ ,‬ولتحّبه أنفسهم‪ ,‬وليكتسبوا من العمال السيئة ما هم‬
‫مكتسبون‪ .‬وفي هذا تهديد عظيم لهم‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫صل ً َوال ّه ِ‬‫مَف ّ‬ ‫ب ُ‬‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ذي َأنَز َ‬
‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫كما ً وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أفَغَي َْر الل ّهِ أب ْت َِغي َ‬
‫ح َ‬
‫آتيناهُم ال ْكتاب يعل َمو َ‬
‫ن‬‫مه ْ‬‫ن ِ‬ ‫كهون َ ّ‬ ‫ك ب ِههال ْ َ‬
‫حقّ َفل ت َ ُ‬ ‫ن َرّبه َ‬ ‫مه ْ‬
‫ل ِ‬ ‫من َهّز ٌ‬
‫ه ُ‬ ‫ن أّنه ُ‬‫َِ َ َْ ُ َ‬ ‫ََْ ْ‬
‫ن )‪(114‬‬ ‫ري َ‬
‫مت َ ِ‬
‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬أغير الله إلهي وإلهكم أطلب‬
‫ما بيني وبينكم‪ ,‬وهو سبحانه الذي أنزل إليكم القرآن مبيًنا فيه‬‫حك َ ً‬
‫َ‬
‫الحكم فيما تختصمون فيه من أمري وأمركم؟ وبنو إسرائيل الذين‬
‫ما يقيًنا أن هذا القرآن منزل‬
‫آتاهم الله التوراة والنجيل يعلمون عل ً‬
‫كين في‬ ‫عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من ربك بالحق‪ ,‬فل تكونن من الشا ّ‬
‫شيء مما أوحينا إليك‪.‬‬

‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫م)‬ ‫س ِ‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬
‫مات ِهِ وَهُوَ ال ّ‬ ‫دقا ً وَعَد ْل ً ل ُ‬
‫مب َد ّ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ة َرب ّ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬
‫وَت َ ّ‬
‫‪(115‬‬
‫وتمت كلمة ربك ‪-‬وهي القرآن‪ -‬صدًقا في الخبار والقوال‪ ,‬وعدل‬
‫دل كلماته الكاملة‪ .‬والله تعالى‬
‫في الحكام‪ ,‬فل يستطيع أحد أن يب ّ‬
‫هو السميع لما يقول عباده‪ ,‬الحليم بظواهر أمورهم وبواطنها‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ّ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِ ْ‬
‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن َ‬ ‫ضّلو َ‬
‫ك عَ ْ‬ ‫ض يُ ِ‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ت ُط ِعْ أك ْث ََر َ‬‫وَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(116‬‬ ‫صو َ‬ ‫م إ ِل ّ ي َ ْ‬
‫خُر ُ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫الظ ّ ّ‬
‫ن وَإ ِ ْ‬
‫ولو ُفرض ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أنك أطعت أكثر أهل الرض لضّلوك عن‬
‫دين الله‪ ,‬ما يسيرون إل على ما ظنوه حّقا بتقليدهم أسلفهم‪ ,‬وما‬
‫هم إل يظنون ويكذبون‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(117‬‬
‫دي َ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬
‫مهْت َ ِ‬ ‫سِبيل ِهِ وَهُوَ أعْل َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ض ّ‬
‫ل عَ ْ‬ ‫ن يَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ك هُوَ أعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫إِ ّ‬
‫إن ربك هو أعلم بالضالين عن سبيل الرشاد‪ ,‬وهو أعلم منكم‬
‫ومنهم بمن كان على استقامة وسداد‪ ,‬ل يخفى عليه منهم أحد‪.‬‬

‫ن )‪(118‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ِبآَيات ِهِ ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م الل ّهِ عَل َي ْهِ إ ِ ْ‬
‫ن ُ‬ ‫ما ذ ُك َِر ا ْ‬
‫س ُ‬ ‫فَك ُُلوا ِ‬
‫م ّ‬

‫‪264‬‬
‫فكلوا من الذبائح التي ذ ُك َِر اسم الله عليها‪ ,‬إن كنتم ببراهين الله‬
‫تعالى الواضحة مصدقين‪.‬‬

‫وما ل َك ُ َ ْ‬
‫م‬‫حههّر َ‬‫مهها َ‬‫م َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ص َ‬‫م الل ّهِ عَل َي ْهِ وَقَد ْ فَ َ ّ‬
‫س ُ‬‫ما ذ ُك َِر ا ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م أل ّ ت َأك ُُلوا ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ن ك َِثيرا لي ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ع ل هم ٍ‬‫م ب ِغَي ْهرِ ِ‬ ‫وائ ِهِ ْ‬
‫ن ب ِهأهْ َ‬ ‫ضلو َ‬ ‫م إ ِلي ْهِ وَإ ِ ّ‬ ‫ضطرِْرت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(119‬‬ ‫دي َ‬ ‫معْت َ ِ‬‫م ِبال ْ ُ‬‫ك هُوَ أعْل َ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫وأيّ شيء يمنعكم أيها المسلمون من أن تأكلوا مما ذكر اسم الله‬
‫عليه‪ ,‬وقد بّين الله سبحانه لكم جميع ما حّرم عليكم؟ لكن ما دعت‬
‫إليه الضرورة بسبب المجاعة‪ ,‬مما هو محرم عليكم كالميتة‪ ,‬فإنه‬
‫ن كثيًرا من الضالين ليضلون عن سبيل الله أشياعهم‬‫مباح لكم‪ .‬وإ ّ‬
‫في تحليل الحرام وتحريم الحلل بأهوائهم؛ جهل منهم‪ .‬إن ربك‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ -‬هو أعلم بمن تجاوز حده في ذلك‪ ,‬وهو الذي يتولى‬
‫حسابه وجزاءه‪.‬‬

‫مهها‬
‫ن بِ َ‬
‫جَزوْ َ‬
‫سهي ُ ْ‬ ‫ن ال ِث ْه َ‬
‫م َ‬ ‫ن ي َك ْ ِ‬
‫سهُبو َ‬ ‫ن ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫وَذ َُروا َ‬
‫ظاهَِر ال ِث ْم ِ وَب َههاط ِن َ ُ‬
‫ن )‪(120‬‬ ‫َ‬
‫كاُنوا ي َْقت َرُِفو َ‬
‫واتركوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬جميع المعاصي‪ ,‬ما كان منها علنية وما كان‬
‫سّرا‪ .‬إن الذين يفعلون المعاصي سيعاقبهم ربهم; بسبب ما كانوا‬
‫يعملونه من السيئات‪.‬‬

‫ْ‬
‫ن‬
‫طي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫شهَيا ِ‬ ‫سهقٌ وَإ ِ ّ‬ ‫ه ل َِف ْ‬
‫م الل ّهِ عَل َي ْهِ وَإ ِن ّه ُ‬
‫س ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي ُذ ْك َْر ا ْ‬ ‫َول ت َأك ُُلوا ِ‬
‫م ّ‬
‫ل َيوحون إَلى أ َول ِيائ ِهم ل ِيجادُلوك ُم وإ َ‬
‫ن)‬ ‫شهرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م لَ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م إ ِن ّك ُه ْ‬
‫مههوهُ ْ‬‫ن أط َعْت ُ ُ‬ ‫ْ َِ ْ‬ ‫ْ َ ِ ْ ُ َ ِ‬ ‫ُ ُ َ ِ‬
‫‪(121‬‬
‫ول تأكلوا ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬من الذبائح التي لم يذكر اسم الله عليها‬
‫عند الذبح‪ ,‬كالميتة وما ذبح للوثان والجن‪ ,‬وغير ذلك‪ ,‬وإن الكل‬
‫من تلك الذبائح لخروج عن طاعة الله تعالى‪ .‬وإن مردة الجن‬
‫ل َي ُْلقون إلى أوليائهم من شياطين النس بالشبهات حول تحريم أكل‬
‫الميتة‪ ,‬فيأمرونهم أن يقولوا للمسلمين في جدالهم معهم‪ :‬إنكم‬
‫بعدم أكلكم الميتة ل تأكلون ما قتله الله‪ ,‬بينما تأكلون مما تذبحونه‪,‬‬

‫‪265‬‬
‫وإن أطعتموهم ‪-‬أيها المسلمون في تحليل الميتة‪ -‬فأنتم وهم في‬
‫الشرك سواء‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬‫س كَ َ‬ ‫شي ب ِهِ فِههي الن ّهها ِ‬ ‫م ِ‬‫ه ُنورا ً ي َ ْ‬ ‫جعَل َْنا ل َ ُ‬ ‫مْيتا ً فَأ ْ‬
‫حي َي َْناهُ وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬‫أوَ َ‬
‫مهها ك َههاُنوا‬
‫ن َ‬
‫ري َ‬‫ن ل ِل ْك َههافِ ِ‬
‫ك ُزي ّه َ‬‫من َْها ك َذ َل ِ َ‬‫ج ِ‬ ‫خارِ ٍ‬ ‫ت ل َي ْ َ‬
‫س بِ َ‬ ‫ما ِ‬‫ه ِفي الظ ّل ُ َ‬ ‫مث َل ُ ُ‬‫َ‬
‫ن )‪(122‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫أَومن كان ميًتا في الضللة هالكا حائرا‪ ,‬فأحيينا قلبه باليمان‪,‬‬
‫وهديناه له‪ ,‬ووفقناه لتباع رسله‪ ,‬فأصبح يعيش في أنوار الهداية‪,‬‬
‫كمن مثله في الجهالت والهواء والضللت المتفرقة‪ ,‬ل يهتدي إلى‬
‫ت هذا‬‫منفذ ول مخلص له مما هو فيه؟ ل يستويان‪ ,‬وكما خذل ُ‬
‫ت له سوء عمله‪ ,‬فرآه‬ ‫الكافر الذي يجادلكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬فزي ّن ْ ُ‬
‫ت للجاحدين أعمالهم السيئة; ليستوجبوا بذلك العذاب‪.‬‬ ‫حسًنا‪ ,‬زي ّن ْ ُ‬

‫َ‬ ‫جعَل ْن َهها فِههي ك ُه ّ‬


‫مك ُهُروا ِفيهَهها وَ َ‬
‫مهها‬ ‫ميهَهها ل ِي َ ْ‬
‫جرِ ِ‬ ‫ل قَْري َهةٍ أك َههاب َِر ُ‬
‫م ْ‬ ‫ك َ‬ ‫وَك َهذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(123‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫م وَ َ‬ ‫ن إ ِل ّ ب ِأنُف ِ‬
‫سه ِ ْ‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫من زعماء الكفار في "مكة" من الصد ّ عن‬ ‫ومثل هذا الذي حصل ِ‬
‫دين الله تعالى‪ ,‬جعلنا في كل قرية مجرمين يتزعمهم أكابرهم;‬
‫ليمكروا فيها بالصد عن دين الله‪ ,‬وما يكيدون إل أنفسهم‪ ,‬وما‬
‫سون بذلك‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫يُ ِ‬

‫ُ‬
‫ل الل ّههِ‬ ‫سه ُ‬ ‫ي ُر ُ‬‫ما أوت ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬‫حّتى ن ُؤَْتى ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن ن ُؤْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ة َقاُلوا ل َ ْ‬ ‫م آي َ ٌ‬‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ الل ّهِ‬
‫صَغاٌر ِ‬
‫موا َ‬ ‫جَر ُ‬‫نأ ْ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صي ُ‬
‫سي ُ ِ‬
‫ه َ‬ ‫سال َت َ ُ‬‫ل رِ َ‬ ‫جع َ ُ‬‫ث يَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن )‪(124‬‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ديد ٌ ب ِ َ‬‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬‫وَعَ َ‬
‫وإذا جاءت هؤلء المشركين من أهل "مكة" حجة ظاهرة على نبوة‬
‫دق بنبوته‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬قال بعض كبرائهم‪ :‬لن نص ّ‬
‫حتى يعطينا الله من النبوة والمعجزات مثل ما أعطى رسله‬
‫السابقين‪ .‬فرد ّ الله تعالى عليهم بقوله‪ :‬الله أعلم حيث يجعل‬
‫رسالته أي‪ :‬بالذين هم أهل لحمل رسالته وتبليغها إلى الناس‪.‬‬
‫سينال هؤلء الطغاة الذل‪ ,‬ولهم عذاب موجع في نار جهنم; بسبب‬
‫كيدهم للسلم وأهله‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫َ‬ ‫فَمن يرد الل ّ َ‬
‫ه‬‫ض هل ّ ُ‬
‫ن يُ ِ‬
‫ن ي ُهرِد ْ أ ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫سههلم ِ وَ َ‬
‫صهد َْرهُ ل ِل ِ ْ‬
‫ح َ‬ ‫شَر ْ‬ ‫ه يَ ْ‬‫ن َيهدِي َ ُ‬‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ُ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ل الل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫جع َ ه ُ‬ ‫ماِء ك َهذ َل ِ َ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫س َ‬
‫صعّد ُ ِفي ال ّ‬ ‫ما ي َ ّ‬‫حَرجا ً ك َأن ّ َ‬ ‫ضّيقا ً َ‬ ‫صد َْرهُ َ‬‫ل َ‬ ‫جع َ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫ن )‪(125‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬‫س عََلى ال ّ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫الّر ْ‬
‫فمن يشأ الله أن يوفقه لَقبول الحق يشرح صدره للتوحيد‬
‫واليمان‪ ,‬ومن يشأ أن يضله يجعل صدره في حال شديدة من‬
‫من يصعد في طبقات الجو العليا‪,‬‬‫النقباض عن َقبول الهدى‪ ,‬كحال َ‬
‫فيصاب بضيق شديد في التنفس‪ .‬وكما يجعل الله صدور الكافرين‬
‫شديدة الضيق والنقباض‪ ,‬كذلك يجحل العذاب على الذين ل‬
‫يؤمنون به‪.‬‬

‫ن )‪(126‬‬ ‫صل َْنا الَيا ِ‬


‫ت ل َِقوْم ٍ ي َذ ّك ُّرو َ‬ ‫ست َِقيما ً قَد ْ فَ ّ‬
‫م ْ‬
‫ك ُ‬ ‫صَرا ُ‬
‫ط َرب ّ َ‬ ‫وَهَ َ‬
‫ذا ِ‬
‫وهذا الذي بي ّّناه لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هو الطريق الموصل إلى رضا‬
‫ربك وجنته‪ .‬قد بيّنا البراهين لمن يتذكر من أهل العقول الراجحة‪.‬‬

‫مُلو َ‬
‫ن )‪(127‬‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬
‫م وَهُوَ وَل ِي ّهُ ْ‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬
‫سلم ِ ِ‬
‫داُر ال ّ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫م َ‬
‫للمتذكرين عند ربهم جل وعل يوم القيامة دار السلمة والمان من‬
‫كل مكروه وهي الجنة‪ ,‬وهو سبحانه ناصرهم وحافظهم جزاًء لهم;‬
‫بسبب أعمالهم الصالحة‪.‬‬

‫س وََقا َ‬
‫ل‬ ‫لن ِ‬ ‫ن اَ ِ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َك ْث َْرت ُ ْ‬
‫ن قَد ْ ا ْ‬ ‫ج ّ‬‫شَر ال ْ ِ‬ ‫مع ْ َ‬‫ميعا ً َيا َ‬ ‫ج ِ‬
‫م َ‬‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫م يَ ْ‬‫وَي َوْ َ‬
‫َ‬
‫ذي‬ ‫جل َن َهها ال ّه ِ‬‫ض وَب َل َغْن َهها أ َ‬ ‫ضهَنا ب ِب َعْه ٍ‬ ‫مت َعَ ب َعْ ُ‬‫سهت َ ْ‬‫س َرب ّن َهها ا ْ‬‫لن ِ‬ ‫نا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫أوْل َِياؤُهُ ْ‬
‫َ‬
‫ك‬‫ن َرب ّه َ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫شههاَء الل ّه ُ‬ ‫مهها َ‬ ‫ن ِفيهَهها إ ِل ّ َ‬‫دي َ‬ ‫خال ِه ِ‬‫م َ‬ ‫واك ُ ْ‬
‫مث ْه َ‬‫ل الّناُر َ‬‫ت ل ََنا َقا َ‬ ‫جل ْ َ‬
‫أ ّ‬
‫م )‪(128‬‬ ‫م عَِلي ٌ‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬‫َ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم يحشر الله تعالى الكفار وأولياءهم من‬
‫شياطين الجن فيقول‪ :‬يا معشر الجن قد أضللتم كثيًرا من النس‪,‬‬
‫وقال أولياؤهم من كفار النس‪ :‬ربنا قد انتفع بعضنا من بعض‪,‬‬
‫جل َْته لنا بانقضاء حياتنا الدنيا‪ ,‬قال الله تعالى‬
‫وبلغنا الجل الذي أ ّ‬
‫من شاء الله‬‫لهم‪ :‬النار مثواكم‪ ,‬أي‪ :‬مكان إقامتكم خالدين فيها‪ ,‬إل َ‬

‫‪267‬‬
‫عدم خلوده فيها من عصاة الموحدين‪ .‬إن ربك حكيم في تدبيره‬
‫وصنعه‪ ,‬عليم بجميع أمور عباده‪.‬‬

‫ن )‪(129‬‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬
‫سُبو َ‬ ‫ن ب َْعضا ً ب ِ َ‬
‫ما َ‬ ‫مي َ‬ ‫ض ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ك ن ُوَّلي ب َعْ َ‬
‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫وكما سل ّ ْ‬
‫طنا شياطين الجن على كفار النس‪ ,‬فكانوا أولياء لهم‪,‬‬
‫نسّلط الظالمين من النس بعضهم على بعض في الدنيا; بسبب ما‬
‫يعملونه من المعاصي‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫م آَيههاِتي‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬
‫صو َ‬ ‫م ي َُق ّ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬
‫م ُر ُ‬ ‫م ي َأت ِك ُ ْ‬‫س أل َ ْ‬
‫ِ‬ ‫لن‬
‫ِ‬ ‫ن َوا‬ ‫شَر ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫مع ْ َ‬‫َيا َ‬
‫َ‬
‫م ال ْ َ‬
‫حَيههاةُ‬ ‫سَنا وَغَّرت ْهُ ْ‬‫شهِد َْنا عََلى أنُف ِ‬ ‫ذا َقاُلوا َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫م ل َِقاَء ي َوْ ِ‬‫وَُينذُِرون َك ُ ْ‬
‫كاُنوا َ‬‫م َ‬ ‫شهدوا عََلى َأنُفسه َ‬
‫ن )‪(130‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫الد ّن َْيا وَ َ ِ ُ‬
‫أيها المشركون من الجن والنس‪ ,‬ألم يأتكم رسل من جملتكم‬
‫ن الرسل من النس فقط‪ ,-‬يخبرونكم‬ ‫‪-‬وظاهر النصوص يد ّ‬
‫ل على أ ّ‬
‫بآياتي الواضحة المشتملة على المر والنهي وبيان الخير والشر‪,‬‬
‫ويحذرونكم لقاء عذابي في يوم القيامة؟ قال هؤلء المشركون من‬
‫دنا على أنفسنا بأن رسلك قد بلغونا آياتك‪,‬‬ ‫النس والجن‪َ :‬‬
‫شهِ ْ‬
‫ة‬
‫وأنذرونا لقاء يومنا هذا‪ ,‬فكذبناهم‪ ,‬وخدعت هؤلء المشركين زين ُ‬
‫الحياة الدنيا‪ ,‬وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا جاحدين وحدانية الله‬
‫تعالى ومكذبين لرسله عليهم السلم‪.‬‬

‫ن )‪(131‬‬ ‫ك ال ُْقَرى ب ِظ ُل ْم ٍ وَأ َهْل َُها َ‬


‫غافُِلو َ‬ ‫مهْل ِ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك ُ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬
‫ذ َل ِ َ َ‬
‫كأ ْ‬
‫خذ َ‬
‫إنما أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب‪ ,‬لئل يؤا َ‬
‫أحد بظلمه‪ ,‬وهو لم تبلغه دعوة‪ ,‬ولكن أعذرنا إلى المم‪ ,‬وما ع ّ‬
‫ذبنا‬
‫دا إل بعد إرسال الرسل إليهم‪.‬‬ ‫أح ً‬

‫مُلو َ‬
‫ن )‪(132‬‬ ‫ما ي َعْ َ‬
‫ل عَ ّ‬
‫ك ب َِغافِ ٍ‬ ‫مُلوا وَ َ‬
‫ما َرب ّ َ‬ ‫ما عَ ِ‬
‫م ّ‬
‫ت ِ‬
‫جا ٌ‬ ‫وَل ِك ُ ّ‬
‫ل د ََر َ‬
‫ولكل عامل في طاعة الله تعالى أو معصيته مراتب من عمله‪,‬‬
‫يبّلغه الله إياها‪ ,‬ويجازيه عليها‪ .‬وما ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بغافل عما‬
‫يعمل عباده‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫ذو الرحمة إن ي َ ْ‬
‫مهها‬ ‫ن ب َعْهدِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫مه ْ‬
‫ف ِ‬
‫خل ِ ْ‬
‫س هت َ ْ‬ ‫شأ ي ُذ ْهِب ْك ُ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫ّ ْ َ ِ ِ ْ َ‬ ‫ي ُ‬
‫ّ‬ ‫ك ال ْغَن ِ‬
‫وََرب ّ َ‬
‫شاُء ك َما َأن َ َ‬
‫ن )‪(133‬‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن ذ ُّري ّةِ قَوْم ٍ آ َ‬
‫م ْ‬ ‫شأك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫َ‬ ‫يَ َ‬
‫وربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الذي أمر الناس بعبادته‪ ,‬هو الغني وحده‪ ,‬وكل‬
‫خلقه محتاجون إليه‪ ,‬وهو سبحانه ذو الرحمة الواسعة‪ ,‬لو أراد‬
‫ما غيركم يخلفونكم من بعد فنائكم‪ ,‬ويعملون‬ ‫لهلككم‪ ,‬وأوجد قو ً‬
‫بطاعته تعالى‪ ,‬كما أوجدكم من نسل قوم آخرين كانوا قبلكم‪.‬‬

‫ن )‪(134‬‬ ‫َ‬
‫زي َ‬
‫ج ِ‬
‫مع ْ ِ‬
‫م بِ ُ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬
‫ت وَ َ‬
‫نل ٍ‬
‫دو َ‬
‫ما ُتوعَ ُ‬
‫ن َ‬
‫إِ ّ‬
‫إن الذي يوعدكم به ربكم ‪ -‬أيها المشركون ‪ -‬من العقاب على‬
‫جزوا ربكم هرًبا‪ ,‬فهو قادر على إعادتكم‪,‬‬
‫كفركم واقع بكم‪ ,‬ولن ُتع ِ‬
‫ما‪.‬‬‫وإن صرتم تراًبا وعظا ً‬

‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ن َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬
‫مههو َ‬ ‫ل فَ َ‬
‫س هو ْ َ‬ ‫مه ٌ‬
‫عا ِ‬ ‫كان َت ِك ُ ْ‬
‫م إ ِن ّههي َ‬ ‫مُلوا عََلى َ‬
‫م َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْ َ‬‫قُ ْ‬
‫ن )‪(135‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫ه ل ي ُْفل ِ ُ‬
‫دارِ إ ِن ّ ُ‬
‫ة ال ّ‬‫عاقِب َ ُ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫كو ُ‬‫تَ ُ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬يا قوم اعملوا على طريقتكم فإني عامل على‬
‫طريقتي التي شرعها لي ربي جل وعل فسوف تعلمون ‪-‬عند حلول‬
‫ن الذي تكون له العاقبة الحسنة؟ إنه ل يفوز‬‫م ِ‬
‫النقمة بكم‪َ -‬‬
‫من تجاوز حده وظلم‪ ,‬فأشرك مع الله‬ ‫برضوان الله تعالى والجنة َ‬
‫غيره‪.‬‬

‫َ‬
‫ذا ل ِل ّههِ‬ ‫ث َوال َن ْعَههام ِ ن َ ِ‬
‫صههيبا ً فََقههاُلوا هَه َ‬ ‫حهْر ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫مه ْ‬‫مهها ذ ََرأ ِ‬ ‫م ّ‬‫جعَُلوا ل ِل ّههِ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ل إ ِل َههى الل ّههِ وَ َ‬
‫مهها‬ ‫صه ُ‬ ‫م َفل ي َ ِ‬ ‫كائ ِهِ ْ‬ ‫شَر َ‬
‫ن لِ ُ‬‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫شَر َ‬
‫كائ َِنا فَ َ‬ ‫ذا ل ِ ُ‬‫م وَهَ َ‬ ‫مه ِ ْ‬ ‫ب َِزعْ ِ‬
‫ن )‪(136‬‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ساَء َ‬‫م َ‬ ‫شَر َ‬
‫كائ ِهِ ْ‬ ‫ل إ َِلى ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن ل ِل ّهِ فَهُوَ ي َ ِ‬‫كا َ‬‫َ‬

‫ل وعل‪ -‬جزًءا مما خلق من الزروع والثمار‬‫وجعل المشركون لله ‪-‬ج ّ‬


‫ما آخر من هذه‬ ‫والنعام يقدمونه للضيوف والمساكين‪ ,‬وجعلوا قس ً‬
‫صا‬
‫الشياء لشركائهم من الوثان والنصاب‪ ,‬فما كان مخص ً‬
‫لشركائهم فإنه يصل إليها وحدها‪ ,‬ول يصل إلى الله‪ ,‬وما كان‬
‫مخصصا لله تعالى فإنه يصل إلى شركائهم‪ .‬بئس حكم القوم‬
‫وقسمتهم‪.‬‬
‫‪269‬‬
‫شركين قَت َ َ‬
‫م‬
‫دوهُ ه ْ‬
‫م ل ِي ُْر ُ‬ ‫ش هَر َ‬
‫كاؤُهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل أْولدِهِ ْ‬ ‫م ْ ِ ِ َ ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م ْ‬‫ن ل ِك َِثيرٍ ِ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك َزي ّ َ‬
‫ن)‬‫ما ي َْفَتههُرو َ‬ ‫م وَ َ‬‫ما فَعَُلوهُ فَذ َْرهُ ْ‬
‫ه َ‬‫شاَء الل ّ ُ‬
‫م وَل َوْ َ‬ ‫سوا عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ِدين َهُ ْ‬ ‫وَل ِي َل ْب ِ ُ‬
‫‪(137‬‬
‫وكما زّين الشيطان للمشركين أن يجعلوا لله تعالى من الحرث‬
‫والنعام نصيًبا‪ ,‬ولشركائهم نصيًبا‪ ,‬زّينت الشياطين لكثير من‬
‫ل أولدهم خشية الفقر; ليوقعوا هؤلء الباء في‬ ‫المشركين قَت ْ َ‬
‫الهلك بقتل النفس التي حرم الله قتلها إل بالحق‪ ,‬وليخلطوا عليهم‬
‫دينهم فيلتبس‪ ,‬فيضلوا ويهلكوا‪ ,‬ولو شاء الله أل يفعلوا ذلك ما‬
‫در ذلك لعلمه بسوء حالهم ومآلهم‪ ,‬فاتركهم ‪-‬أيها‬ ‫فعلوه‪ ,‬ولكنه ق ّ‬
‫الرسول‪ -‬وشأنهم فيما يفترون من كذب‪ ,‬فسيحكم الله بينك‬
‫وبينهم‪.‬‬

‫َ‬
‫م‬‫مه ِ ه ْ‬
‫شههاءُ ب َِزعْ ِ‬ ‫ن نَ َ‬
‫مه ْ‬ ‫جهٌر ل ي َط ْعَ ُ‬
‫مهَهها إ ِل ّ َ‬ ‫ح ْ‬‫ث ِ‬ ‫حهْر ٌ‬ ‫وََقاُلوا هَذِهِ أن ْعَهها ٌ‬
‫م وَ َ‬
‫م الل ّههِ عَل َي ْهَهها افْت ِهَراءً‬ ‫وأ َنعام حرمت ظ ُهور َ َ‬
‫سه َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ل ي َهذ ْك ُُرو َ‬‫ها وَأن ْعَهها ٌ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َْ ٌ ُ ّ َ ْ‬
‫ن )‪(138‬‬ ‫كاُنوا ي َْفت َُرو َ‬‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬
‫زيهِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫عَل َي ْهِ َ‬
‫سي َ ْ‬
‫من يأذنون له‬‫وقال المشركون‪ :‬هذه إبل وزرع حرام‪ ,‬ل يأكلها إل َ‬
‫حّرمت‬ ‫من سدنة الوثان وغيرهم‪ .‬وهذه إبل ُ‬ ‫‪-‬حسب ادعائهم‪ِ -‬‬
‫ل عليها بحال من الحوال‪ .‬وهذه‬ ‫ظهورها‪ ,‬فل يحل ركوبها والحم ُ‬
‫إبل ل َيذكرون اسم الله تعالى عليها في أي شأن من شئونها‪.‬‬
‫فعلوا ذلك كذًبا منهم على الله‪ ,‬سيجزيهم الله بسبب ما كانوا‬
‫ب عليه سبحانه‪.‬‬
‫يفترون من كذ ٍ‬

‫م عَل َههى‬
‫حهّر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ة ل ِهذ ُ ُ‬
‫كورَِنا وَ ُ‬ ‫صه ٌ‬ ‫ن هَهذِهِ ال َن ْعَههام ِ َ‬
‫خال ِ َ‬ ‫ما فِههي ب ُط ُههو ِ‬ ‫وََقاُلوا َ‬
‫شَر َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫كيهه ٌ‬‫ح ِ‬
‫ه َ‬‫م إ ِن ّ ُ‬
‫صَفهُ ْ‬‫م وَ ْ‬ ‫زيهِ ْ‬ ‫ج ِ‬‫سي َ ْ‬
‫كاُء َ‬ ‫م ِفيهِ ُ‬ ‫ة فَهُ ْ‬
‫مي ْت َ ً‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫جَنا وَإ ِ ْ‬
‫أْزَوا ِ‬
‫م )‪(139‬‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫وقال المشركون‪ :‬ما في بطون النعام من أجّنة مباح لرجالنا‪,‬‬
‫ومحرم على نسائنا‪ ,‬إذا ولد حّيا‪ ,‬ويشركون فيه إذا ولد ميًتا‪.‬‬
‫سيعاقبهم الله إذ شّرعوا لنفسهم من التحليل والتحريم ما لم يأذن‬
‫به الله‪ .‬إنه تعالى حكيم في تدبير أمور خلقه‪ ,‬عليم بهم‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫َ‬
‫مها َرَزقَُهه ْ‬
‫م‬ ‫مهوا َ‬ ‫عْلهم ٍ وَ َ‬
‫حّر ُ‬ ‫سَفها ً ب ِغَْيهرِ ِ‬‫م َ‬ ‫ن قَت َُلوا أْولد َهُ ْ‬ ‫سَر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫قَد ْ َ‬
‫ن )‪(140‬‬ ‫دي َ‬
‫مهْت َ ِ‬
‫كاُنوا ُ‬ ‫ما َ‬‫ضّلوا وَ َ‬ ‫ه افْت َِراًء عََلى الل ّهِ قَد ْ َ‬
‫الل ّ ُ‬
‫قد خسر وهلك الذين قتلوا أولدهم لضعف عقولهم وجهلهم‪,‬‬
‫وحرموا ما رزقهم الله كذًبا على الله‪ .‬قد ب َُعدوا عن الحق‪ ,‬وما كانوا‬
‫من أهل الهدى والرشاد‪ .‬فالتحليل والتحريم من خصائص اللوهية‬
‫في التشريع‪ ,‬والحلل ما أحله الله‪ ,‬والحرام ما حّرمه الله‪ ,‬وليس‬
‫دا كان أو جماعة أن يشرع لعباده ما لم يأذن به‬ ‫خْلقه فر ً‬
‫لحد من َ‬
‫الله‪.‬‬

‫وهو ال ّذي أ َن َ َ‬
‫ل َوالهّزْرعَ‬ ‫خه َ‬ ‫ت َوالن ّ ْ‬ ‫شهها ٍ‬ ‫معُْرو َ‬ ‫ت وَغَي َْر َ‬ ‫شا ٍ‬‫معُْرو َ‬
‫ت َ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫شأ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ ِ‬
‫ُ‬
‫ه‬
‫مههرِ ِ‬‫ن ثَ َ‬
‫م ْ‬ ‫شاب ِهٍ ك ُُلوا ِ‬ ‫مت َ َ‬‫شاِبها ً وَغَي َْر ُ‬ ‫مت َ َ‬
‫ن ُ‬
‫ما َ‬
‫ن َوالّر ّ‬ ‫ه َوالّزي ُْتو َ‬‫خت َِلفا ً أك ُل ُ ُ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫سههرِِفي َ‬‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫سرُِفوا إ ِن ّ ُ‬ ‫صادِهِ َول ت ُ ْ‬‫ح َ‬‫م َ‬ ‫ه ي َوْ َ‬
‫حّق ُ‬‫مَر َوآُتوا َ‬ ‫ذا أث ْ َ‬‫إِ َ‬
‫‪(141‬‬
‫والله سبحانه وتعالى هو الذي أوجد لكم بساتين‪ :‬منها ما هو مرفوع‬
‫عن الرض كالعناب‪ ,‬ومنها ما هو غير مرفوع‪ ,‬ولكنه قائم على‬
‫عا طعمه‪ ,‬والزيتون والرمان متشابًها‬ ‫سوقه كالنخل والزرع‪ ,‬متنو ً‬
‫من ثمره إذا أثمر‪,‬‬‫منظره‪ ,‬ومختلًفا ثمره وطعمه‪ .‬كلوا ‪-‬أيها الناس‪ِ -‬‬
‫وأعطوا زكاته المفروضة عليكم يوم حصاده وقطافه‪ ,‬ول تتجاوزوا‬
‫حدود العتدال في إخراج المال وأكل الطعام وغير ذلك‪ .‬إنه تعالى‬
‫ل يحب المتجاوزين حدوده بإنفاق المال في غير وجهه‪.‬‬

‫ت‬ ‫خط ُ َ‬
‫وا ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه َول ت َت ّب ُِعوا ُ‬ ‫ما َرَزقَك ُ ْ‬ ‫ة وَفَْرشا ً ك ُُلوا ِ‬
‫م ّ‬ ‫مول َ ً‬‫ح ُ‬‫ن ال َن َْعام ِ َ‬ ‫م ْ‬‫وَ ِ‬
‫ن )‪(142‬‬ ‫مِبي ٌ‬
‫م عَد ُوّ ُ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫وأوجد من النعام ما هو مهّيأ للحمل عليه لكبره وارتفاعه كالبل‪,‬‬
‫ومنها ما هو مهّيأ لغير الحمل لصغره وقربه من الرض كالبقر‬
‫والغنم‪ ,‬كلوا مما أباحه الله لكم وأعطاكموه من هذه النعام‪ ,‬ول‬
‫عا لطرق الشيطان‪ ,‬كما فعل‬ ‫تحرموا ما أح ّ‬
‫ل الله منها اتبا ً‬
‫المشركون‪ .‬إن الشيطان لكم عدو ظاهر العداوة‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫ة أ َزواج من الضأ ْن اث ْنين ومن ال ْمعز اث ْنين قُ ْ َ‬
‫م‬
‫ح هّر َ‬ ‫ن َ‬‫ل أال هذ ّك ََري ْ ِ‬ ‫َُ ْ ِ َ ْ ِ‬ ‫ّ ِ َْ ِ َ ِ ْ‬
‫َ‬
‫مان ِي َ َ ْ َ ٍ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ثَ َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫ن ن َب ُّئون ِههي ب ِعِل ْهم ٍ إ ِ ْ‬
‫م النث َي َي ْه ِ‬ ‫ت عَل َي ْهِ أْر َ‬
‫حهها ُ‬ ‫مل َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬
‫شت َ َ‬ ‫نأ ّ‬‫م الن ْث َي َي ْ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪(143‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫َ‬
‫هذه النعام التي رزقها الله عباده من البل والبقر والغنم ثمانية‬
‫أصناف‪ :‬أربعة منها من الغنم‪ ,‬وهي الضأن ذكوًرا وإناًثا‪ ,‬والمعز‬
‫حّرم الله‬‫ذكوًرا وإناًثا‪ .‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لولئك المشركين‪ :‬هل َ‬
‫الذكرين من الغنم؟ فإن قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬فقد كذبوا في ذلك; لنهم ل‬
‫حّرم الله‬‫يحرمون كل ذكر من الضأن والمعز‪ ,‬وقل لهم‪ :‬هل َ‬
‫ضا; لنهم ل‬ ‫النثيين من الغنم؟ فإن قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬فقد كذبوا أي ً‬
‫حّرم الله‬
‫يحرمون كل أنثى من ولد الضأن والمعز‪ ,‬وقل لهم‪ :‬هل َ‬
‫ما اشتملت عليه أرحام النثيين من الضأن والمعز من الحمل؟ فإن‬
‫من ذلك‪,‬‬ ‫مل ِ‬‫ح ْ‬
‫ضا; لنهم ل يحرمون كل َ‬ ‫قالوا‪ :‬نعم‪ ,‬فقد كذبوا أي ً‬
‫خّبروني بعلم يدل على صحة ما ذهبتم إليه‪ ,‬إن كنتم صادقين فيما‬
‫تنسبونه إلى ربكم‪.‬‬

‫لنث َيي َ‬ ‫حرم أ َم ا ُ‬ ‫َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قُ ْ‬ ‫م ْ ْ‬


‫مهها‬‫نأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫ر‬‫َ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ذ‬‫أال‬ ‫ن ا ُلب ََقرِ اث َ ْن َي ْ ِ‬ ‫ن وَ ِ‬ ‫ل اث ْن َي ْ َ ِ‬
‫ن ال ِب ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ه ب ِهَ ه َ‬
‫ذا‬ ‫م الل ّه ُ‬
‫صههاك ُ ْ‬ ‫داَء إ ِذ ْ وَ ّ‬ ‫ش هه َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ُ‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م النث َي َي ْ ِ‬
‫حا ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ أْر َ‬ ‫مل َ ْ‬‫شت َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬
‫عل ْهم ٍ إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫س ب ِغَي ْهرِ ِ‬
‫ل الن ّهها َ‬ ‫ضه ّ‬ ‫ذبا ً ل ِي ُ ِ‬‫ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ن )‪(144‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫دي ال َْقوْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫والصناف الربعة الخرى‪ :‬هي اثنان من البل ذكوًرا وإناًثا‪ ,‬واثنان‬
‫من البقر ذكوًرا وإناًثا‪ .‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لولئك المشركين‪ :‬أ َ‬
‫حّرم‬
‫الله الذكرين أم النثيين؟ أم حّرم ما اشتملت عليه أرحام النثيين‬
‫ذكوًرا وإناًثا؟ أم كنتم أيها المشركون حاضرين‪ ,‬إذ وصاكم الد بهذا‬
‫ما ممن اختلق على الله الكذب;‬ ‫التحريم للنعام‪ ,‬فل أحد أشد ظل ً‬
‫ليصرف الناس بجهله عن طريق الهدى‪ .‬إن الله تعالى ل يوفق‬
‫ل الناس‪.‬‬ ‫ده‪ ,‬فكذب على ربه‪ ,‬وأض ّ‬‫من تجاوز ح ّ‬‫للرشد َ‬

‫َ‬ ‫مها ُأو ِ‬ ‫َ‬


‫ه إ ِل ّ أ ْ‬
‫ن‬ ‫عم ٍ ي َط ْعَ ُ‬
‫مه ُ‬ ‫حّرمها ً عَل َههى ط َهها ِ‬ ‫م َ‬‫ي ُ‬ ‫ي إ َِله ّ‬‫حه َ‬ ‫جد ُ فِههي َ‬ ‫للأ ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ُ‬
‫سههقا ً أهِه ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫س أو ْ ف ِ ْ‬‫ج ٌ‬ ‫ه رِ ْ‬‫زيرٍ فَإ ِن ّ ُ‬
‫خن ِ‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬‫سُفوحا ً أوْ ل َ ْ‬
‫م ْ‬ ‫دما ً َ‬
‫ة أو ْ َ‬ ‫مي ْت َ ً‬‫ن َ‬‫كو َ‬‫يَ ُ‬
‫م)‬ ‫ك غَُفههوٌر َر ِ‬
‫حيه ٌ‬ ‫ن َرب ّه َ‬‫ضط ُّر غَي َْر ب َههاٍغ َول عَههادٍ فَهإ ِ ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬‫ل ِغَي ْرِ الل ّهِ ب ِهِ فَ َ‬
‫‪(145‬‬

‫‪272‬‬
‫ي شيًئا محر ً‬
‫ما‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إني ل أجد فيما أوحى الله إل ّ‬
‫حّرم من النعام‪ ,‬إل أن يكون قد‬ ‫على من يأكله مما تذكرون أنه ُ‬
‫ما مراًقا‪ ,‬أو يكون لحم خنزير فإنه‬‫مات بغير تذكية‪ ,‬أو يكون د ً‬
‫جا عن طاعة الله تعالى; كما إذا‬ ‫نجس‪ ,‬أو الذي كانت ذكاته خرو ً‬
‫كان المذبوح قد ذكر عليه اسم غير الله عند الذبح‪ .‬فمن اضطر‬
‫إلى الكل من هذه المحرمات بسبب الجوع الشديد غير طالب‬
‫ذا‪ ,‬ول متجاوز حد الضرورة‪ ,‬فإن الله تعالى غفور له‪,‬‬ ‫بأكله منها تلذ ً‬
‫رحيم به‪ .‬وقد ثبت ‪ -‬فيما بعد ‪ -‬بالسنة تحريم كل ذي ناب من‬
‫السباع‪ ,‬ومخلب من الطير‪ ,‬والحمر الهلية‪ ,‬والكلب‪.‬‬

‫من َهها‬
‫حّر ْ‬‫ن ال ْب ََق هرِ َوال ْغَن َهم ِ َ‬
‫مه ْ‬ ‫ل ِذي ظ ُُف هرٍ وَ ِ‬ ‫مَنا ك ُه ّ‬ ‫حّر ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ها ُ‬ ‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫وَعََلى ال ّ ِ‬
‫خت َل َه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ط‬ ‫مهها ا ْ‬
‫واي َهها أوْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫مهها أوْ ال ْ َ‬ ‫ت ظ ُُهوُرهُ َ‬ ‫مل َه ْ‬ ‫ح َ‬ ‫مهها َ‬ ‫ما إ ِل ّ َ‬‫مه ُ َ‬‫حو َ‬‫ش ُ‬ ‫م ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ن )‪(146‬‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫م وَإ ِّنا ل َ َ‬‫م ب ِب َغْي ِهِ ْ‬
‫جَزي َْناهُ ْ‬‫ك َ‬ ‫ب ِعَظ ْم ٍ ذ َل ِ َ‬

‫منا على اليهود من‬‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين ما حر ّ‬


‫البهائم والطير‪ :‬وهو كل ما لم يكن مشقوق الصابع كالبل والّنعام‪,‬‬
‫وشحوم البقر والغنم‪ ,‬إل ما عَِلق من الشحم بظهورها أو أمعائها‪,‬‬
‫أو اختلط بعظم الْلية والجنب ونحو ذلك‪ .‬ذلك التحرم المذكور على‬
‫مّنا لهم بسبب أعمالهم السيئة‪ ,‬وإّنا لصادقون فيما‬
‫اليهود عقوبة ِ‬
‫أخبرنا به عنهم‪.‬‬

‫ه ع َه ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫ن الَق هوْم ِ‬ ‫سه ُ‬
‫سعَةٍ َول ي ُهَرد ّ ب َأ ُ‬
‫مةٍ َوا ِ‬
‫ح َ‬
‫ذو َر ْ‬ ‫ل َرب ّك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن ك َذ ُّبو َ‬
‫ك فَُق ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(147‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫فإن كذبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مخالفوك من المشركين واليهود‪,‬‬
‫دفع عقابه‬‫وغيرهم‪ ,‬فقل لهم‪ :‬ربكم جل وعل ذو رحمة واسعة‪ ,‬ول ي ُ ْ‬
‫عن القوم الذين أجرموا‪ ,‬فاكتسبوا الذنوب‪ ,‬واجترحوا السيئات‪.‬‬
‫وفي هذا تهديد لهم لمخالفتهم الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫من َهها‬
‫حّر ْ‬‫ش هَرك َْنا َول آَباؤُن َهها َول َ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫كوا ل َوْ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ل ال ّ ِ‬‫سي َُقو ُ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫ل‬‫هه ْ‬ ‫ل َ‬‫سهَنا ُقه ْ‬ ‫ذاُقهوا ب َأ َ‬ ‫حّتهى َ‬ ‫م َ‬ ‫ن قَب ْل ِِهه ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ك ك َذ ّ َ‬ ‫يٍء ك َذ َل ِ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫م إ ِل ّ‬‫ن أن ْت ُه ْ‬
‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ الظ ّه ّ‬
‫ن ت َت ّب ِعُههو َ‬‫جههوهُ ل َن َهها إ ِ ْ‬ ‫خرِ ُ‬‫عل ْهم ٍ فَت ُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عن ْهد َك ُ ْ‬‫ِ‬
‫ن )‪(148‬‬ ‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫تَ ْ‬

‫‪273‬‬
‫سيقول الذين أشركوا‪ :‬لو أراد الله أن ل نشرك ‪-‬نحن وآباؤنا‪ -‬وأن‬
‫من دونه ما فعلنا ذلك‪ ,‬ورد ّ الله عليهم ببيان أن هذه‬‫ل نحرم شيًئا ِ‬
‫ذبوا بها دعوة رسلهم‪,‬‬ ‫من قبلهم‪ ,‬وك ّ‬
‫الشبهة قد أثارها الكفار ِ‬
‫مّروا على ذلك‪ ,‬حتى نزل بهم عذاب الله‪ .‬قل لهم ‪-‬أيها‬ ‫واست َ‬
‫الرسول‪ :-‬هل عندكم ‪-‬فيما حّرمتم من النعام والحرث‪ ,‬وفيما‬
‫زعمتم من أن الله قد شاء لكم الكفر‪ ,‬ورضيه منكم وأحبه لكم‪-‬‬
‫من علم صحيح فتظهرره لنا؟ إن تتبعون في أمور هذا الدين إل‬
‫مجرد الظن‪ ,‬وإن أنتم إل تكذبون‪.‬‬

‫شاَء ل َهداك ُ َ‬
‫ة فَل َوْ َ‬
‫ة ال َْبال ِغَ ُ‬
‫ن )‪(149‬‬
‫مِعي َ‬
‫ج َ‬
‫مأ ْ‬‫َ َ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل فَل ِل ّهِ ال ْ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫قُ ْ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهم‪ :‬فلله جل وعل الحجة القاطعة التي يقطع‬
‫بها ظنونكم‪ ,‬فلو شاء لوّفقكم جميًعا إلى طريق الستقامة‪.‬‬

‫شهدو َ‬
‫دوا َفل‬ ‫شهِ ُ‬ ‫ن َ‬‫ذا فَإ ِ ْ‬ ‫م هَ َ‬
‫حّر َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫نأ ّ‬‫ن يَ ْ َ ُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫داَءك ُ ْ‬ ‫شه َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل هَل ُ ّ‬‫قُ ْ‬
‫ن‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫من ُههو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كهذ ُّبوا ِبآَيات ِن َهها َواّله ِ‬‫ن َ‬
‫ذي َ‬‫واَء اّله ِ‬
‫هه َ‬‫م َول ت َت ّب ِهعْ أ َ ْ‬ ‫معَُهه ْ‬ ‫شهَد ْ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن )‪(150‬‬ ‫م ي َعْدُِلو َ‬ ‫م ب َِرب ّهِ ْ‬ ‫خَرةِ وَهُ ْ‬ ‫ِبال ِ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬هاتوا شهداءكم الذين‬
‫يشهدون أن الله تعالى هو الذي حّرم ما حّرمتم من الحرث‬
‫والنعام‪ ,‬فإن شهدوا ‪-‬كذًبا وزوًرا‪ -‬فل تصدقهم‪ ,‬ول توافق الذين‬
‫ح ّ‬
‫كموا أهواءهم‪ ,‬فكذبوا بآيات الله فيما ذهبوا إليه من تحريم ما‬
‫أحل الله‪ ,‬وتحليل ما حرم الله‪ ,‬ول تتبع الذين ل يصدقون بالحياة‬
‫الخرة ول يعملون لها‪ ,‬والذين هم بربهم يشركون فيعبدون معه‬
‫غيره‪.‬‬

‫ن‬
‫وال ِهد َي ْ ِ‬‫ش هْيئا ً وَِبال ْ َ‬
‫كوا ب ِهِ َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م أ َل ّ ت ُ ْ‬
‫م عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م َرب ّك ُ ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬‫وا أ َت ْ ُ‬ ‫ل ت ََعال َ ْ‬‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫م َول ت َْقَرُبههوا‬ ‫ن ن َْرُزقُك ُ ْ‬
‫م وَإ ِّياهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ق نَ ْ‬‫مل ٍ‬ ‫ن إِ ْ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سانا ً َول ت َْقت ُُلوا أْولد َك ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ه إ ِل ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬‫س ال ِّتي َ‬ ‫ن َول ت َْقت ُُلوا الن ّْف َ‬ ‫ما ب َط َ َ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ما ظ َهََر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬‫ال َْف َ‬
‫ن )‪(151‬‬ ‫م ت َعِْقُلو َ‬ ‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫صاك ُ ْ‬
‫م وَ ّ‬ ‫حقّ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهم‪ :‬تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم‪ :‬أن ل‬
‫تشركوا معه شيًئا من مخلوقاته في عبادته‪ ,‬بل اصرفوا جميع أنواع‬

‫‪274‬‬
‫العبادة له وحده‪ ,‬كالخوف والرجاء والدعاء‪ ,‬وغير ذلك‪ ,‬وأن تحسنوا‬
‫إلى الوالدين بالبر والدعاء ونحو ذلك من الحسان‪ ,‬ول تقتلوا‬
‫من أجل فقر نزل بكم; فإن الله يرزقكم وإياهم‪ ,‬ول تقربوا‬ ‫أولدكم ِ‬
‫ما كان ظاهًرا من كبير الثام‪ ,‬وما كان خفّيا‪ ,‬ول تقتلوا النفس التي‬
‫حرم الله قتلها إل بالحق‪ ,‬وذلك في حال القصاص من القاتل أو‬
‫الزنى بعد الحصان أو الردة عن السلم‪ ,‬ذلكم المذكور مما نهاكم‬
‫صاكم به ربكم;‬ ‫الله عنه‪ ,‬وعهد إليكم باجتنابه‪ ,‬ومما أمركم به‪ ,‬و ّ‬
‫لعلكم تعقلون أوامره ونواهيه‪.‬‬

‫ش هد ّهُ وَأ َوْفُههوا‬ ‫حّتى ي َب ْل ُهغَ أ َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬


‫َ‬
‫ل ال ْي َِتيم ِ إ ِل ّ ِبال ِّتي هِ َ‬‫ما َ‬
‫َول ت َْقَرُبوا َ‬
‫م َفاعْدُِلوا‬ ‫ذا قُل ْت ُ ْ‬ ‫سعََها وَإ ِ َ‬ ‫ف ن َْفسا ً إ ِل ّ وُ ْ‬ ‫ط ل ن ُك َل ّ ُ‬‫س ِ‬ ‫ن ِبال ِْق ْ‬ ‫ل َوال ْ ِ‬
‫ميَزا َ‬ ‫ال ْك َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫صاك ُ ْ‬ ‫م وَ ّ‬ ‫ذا قُْرَبى وَب ِعَهْدِ الل ّهِ أوُْفوا ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫كا َ‬
‫‪(152‬‬
‫ول تقربوا أيها الوصياء مال اليتيم إل بالحال التي تصلح بها أمواله‬
‫دا‪ ,‬فإذا بلغ ذلك‬
‫فع بها‪ ,‬حتى يصل إلى سن البلوغ ويكون راش ً‬ ‫وي َن ْت َ ِ‬
‫فسلموا إليه ماله‪ ,‬وأوفوا الكيل والوزن بالعدل الذي يكون به تمام‬
‫الوفاء‪ .‬وإذا بذلتم جهدكم فل حرج عليكم فيما قد يكون من نقص‪,‬‬
‫سا إل وسعها‪ .‬وإذا قلتم فتحّروا في قولكم العدل دون‬ ‫ل نكلف نف ً‬
‫ميل عن الحق في خبر أو شهادة أو حكم أو شفاعة‪ ,‬ولو كان الذي‬
‫تعلق به القول ذا قرابة منكم‪ ,‬فل تميلوا معه بغير حق‪ ,‬وأوفوا بما‬
‫عهد الله به إليكم من اللتزام بشريعته‪ .‬ذلكم المتلوّ عليكم من‬
‫صاكم به ربكم; رجاء أن تتذكروا عاقبة أمركم‪.‬‬ ‫الحكام‪ ,‬و ّ‬

‫َ‬
‫ل فَت ََف هّرقَ ب ِك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ست َِقيما ً َفات ّب ُِعوهُ َول ت َت ّب ِعُههوا ال ّ‬
‫سهب ُ َ‬ ‫م ْ‬
‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬
‫وَأ ّ‬
‫ن )‪(153‬‬ ‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َت ُّقو َ‬ ‫صاك ُ ْ‬‫م وَ ّ‬‫سِبيل ِهِ ذ َل ِك ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ومما وصاكم الله به أن هذا السلم هو طريق الله تعالى المستقيم‬
‫فاسلكوه‪ ,‬ول تسلكوا سبل الضلل‪ ,‬فتفرقكم‪ ,‬وتبعدكم عن سبيل‬
‫الله المستقيم‪ .‬ذلكم التوجه نحو الطريق المستقيم هو الذي‬
‫صاكم الله به; لتتقوا عذابه بفعل أوامره‪ ,‬واجتناب نواهيه‪.‬‬
‫و ّ‬

‫َ‬
‫يءٍ‬ ‫صيل ً ل ِك ُ ّ‬
‫ل َ‬
‫شهه ْ‬ ‫ن وَت َْف ِ‬
‫س َ‬
‫ح َ‬ ‫ماما ً عََلى ال ّ ِ‬
‫ذي أ ْ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬
‫ب تَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م آت َي َْنا ُ‬
‫‪275‬‬
‫ن )‪(154‬‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ة ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ب ِل َِقاِء َرب ّهِ ْ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬
‫دى وََر ْ‬
‫وَهُ ً‬
‫ثم قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬إن الله تعالى هو الذي أتى‬
‫ما لنعمته على المحسنين من أهل ملته‪ ,‬وتفصيل‬ ‫موسى التوراة تما ً‬
‫لكل شيء من أمور دينهم‪ ,‬وهدى ودللة على الطريق المستقيم‬
‫دقوا بالبعث بعد الموت والحساب‬‫ورحمة لهم; رجاء أن يص ّ‬
‫والجزاء‪ ,‬ويعملوا لذلك‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(155‬‬
‫مو َ‬
‫ح ُ‬ ‫ك َفات ّب ُِعوهُ َوات ُّقوا ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت ُْر َ‬ ‫ب أنَزل َْناهُ ُ‬
‫مَباَر ٌ‬ ‫وَهَ َ‬
‫ذا ك َِتا ٌ‬
‫وهذا القرآن كتاب أنزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم‪,‬‬
‫خيره كثير فاتبعوه فيما يأمر به وينهى عنه‪ ,‬واتقوا الله أن تخالفوا‬
‫له أمًرا; رجاء أن ترحموا فتنجوا من عذابه‪ ,‬وتظفروا بثوابه‪.‬‬

‫ن ك ُن ّهها عَه ْ‬
‫ن‬ ‫ن قَب ْل ِن َهها وَإ ِ ْ‬
‫مه ْ‬
‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب عَلى طههائ َِفت َي ْ ِ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬
‫ل ال ْك َِتا ُ‬ ‫ن ت َُقوُلوا إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫أ ْ‬
‫ن )‪(156‬‬ ‫م ل ََغافِِلي َ‬ ‫ست ِهِ ْ‬
‫دَِرا َ‬
‫وأنزلنا هذا القرآن; لئل تقولوا ‪-‬يا كفار العرب‪ :-‬إنما ُأنزل الكتاب‬
‫من السماء على اليهود والنصارى‪ ,‬وقد كنا عن قراءة كتبهم في‬
‫شغل‪ ،‬ونحن ليس لنا بها علم ول معرفة‪.‬‬

‫َ‬ ‫أ َوْ ت َُقوُلوا ل َوْ أ َّنا ُأنزِ َ‬


‫ة‬ ‫جاَءك ُ ْ‬
‫م ب َي َّنهه ٌ‬ ‫م فََقد ْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫دى ِ‬ ‫ب ل َك ُّنا أهْ َ‬ ‫ل عَل َي َْنا ال ْك َِتا ُ‬
‫ة فَم َ‬
‫ف‬‫ص هد َ َ‬ ‫ت الل ّههِ وَ َ‬ ‫ب ِبآي َهها ِ‬ ‫ن ك َذ ّ َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬
‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫م ٌ َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫دى وََر ْ‬ ‫م وَهُ ً‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م ْ‬‫ِ‬
‫مهها ك َههاُنوا‬ ‫ب بِ َ‬‫ذا ِ‬ ‫ْ‬
‫سههوَء العَه َ‬ ‫ن آَيات ِن َهها ُ‬‫ن عَه ْ‬ ‫صهدُِفو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫زي اله ِ‬ ‫ج ِ‬‫سهن َ ْ‬‫عَن َْها َ‬
‫ن )‪(157‬‬ ‫صدُِفو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ولئل تقولوا ‪-‬أيها المشركون‪ : -‬لو أّنا ُأنزل علينا كتاب من السماء‪,‬‬
‫كما ُأنزل على اليهود والنصارى‪ ,‬لكّنا أشد ّ استقامة على طريق‬
‫الحق منهم‪ ,‬فقد جاءكم كتاب بلسانكم عربي مبين‪ ,‬وذلك حجة‬
‫ة لهذه المة‪ .‬فل‬ ‫من ربكم وإرشاد إلى طريق الحق‪ ,‬ورحم ٌ‬ ‫واضحة ِ‬
‫ذب بحجج الله تعالى وأعرض عنها!!‬ ‫ما وعدواًنا ممن ك ّ‬ ‫أحد أشد ظل ً‬
‫دا في نار جهنم; بسبب‬ ‫فهؤلء المعرضون سنعاقبهم عقاًبا شدي ً‬
‫دهم عن سبيلنا‪.‬‬ ‫إعراضهم عن آياتنا‪ ,‬وص ّ‬

‫‪276‬‬
‫ل ينظ ُرون إل ّ أ َن تأ ْتيهم ال ْملئك َة أ َو يأ ْتي رب َ َ ْ‬
‫ت‬
‫ض آي َهها ِ‬
‫ي ب َعْه ُ‬ ‫ك أوْ ي َأت ِ َ‬ ‫َ ِ ُ ْ َ ِ َ َ ّ‬ ‫ْ َ َُِ ْ‬ ‫هَ ْ َ ُ ْ َ ِ‬
‫ت‬‫من َه ْ‬
‫نآ َ‬ ‫مان ُهَهها ل َه ْ‬
‫م ت َك ُه ْ‬ ‫ك ل َينَفعُ ن َْفسها ً ِإي َ‬ ‫ت َرب ّ َ‬ ‫ض آَيا ِ‬
‫م ي َأِتي ب َعْ ُ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ك ي َوْ َ‬
‫خي ْههرا ً قُه ْ‬ ‫من قَب ُ َ‬
‫ن)‬ ‫منت َظ ِهُرو َ‬ ‫ل انت َظ ِهُروا إ ِن ّهها ُ‬ ‫مان ِهَهها َ‬
‫ت فِههي ِإي َ‬ ‫ل أو ْ ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫ِ ْ ْ‬
‫‪(158‬‬
‫هل ينتظر الذين أعرضوا وصدوا عن سبيل الله إل أن يأتيهم ملك‬
‫الموت وأعوانه لقبض أرواحهم‪ ,‬أو ياتي ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للفصل‬
‫بين عباده يوم القيامة‪ ,‬أو يأتي بعض أشراط الساعة وعلماتها‬
‫الدالة على مجيئها‪ ,‬وهي طلوع الشمس من مغربها؟ فحين يكون‬
‫ذلك ل ينفع نفسا إيمانها‪ ,‬إن لم تكن آمنت من قبل‪ ,‬ول ُيقبل منها‬
‫إن كانت مؤمنة كسب عمل صالح إن لم تكن عاملة به قبل ذلك‪.‬‬
‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬انتظروا مجيء ذلك; لتعلموا المحق من‬
‫المبطل‪ ,‬والمسيء من المحسن‪ ,‬إنا منتظرون ذلك‪.‬‬

‫مها‬
‫يءٍ إ ِن ّ َ‬ ‫م ِفهي َ‬
‫شه ْ‬ ‫من ُْهه ْ‬
‫ت ِ‬
‫سه َ‬‫شهَيعا ً ل َ ْ‬
‫كهاُنوا ِ‬‫م وَ َ‬‫ن فَّرُقوا ِدين َُهه ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(159‬‬ ‫كاُنوا ي َْفعَُلو َ‬
‫ما َ‬
‫م بِ َ‬ ‫م إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ‬
‫م ي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬ ‫مُرهُ ْ‬‫أ ْ‬
‫إن الذين فرقوا دينهم بعد ما كانوا مجتمعين على توحيد الله‬
‫والعمل بشرعه‪ ,‬فأصبحوا فرقا وأحزابا‪ ,‬إنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بريء‬
‫منهم‪ ,‬إنما حكمهم إلى الله تعالى‪ ,‬ثم يخبرهم بأعمالهم‪ ,‬فيجازي‬
‫من تاب منهم وأحسن بإحسانه‪ ,‬ويعاقب المسيء بإساءته‪.‬‬

‫ج هَزى إ ِل ّ‬ ‫من جاَء بال ْحسنة فَل َه عَ ْ َ‬


‫س هي ّئ َةِ َفل ي ُ ْ‬
‫جاَء ِبال ّ‬
‫ن َ‬ ‫مَثال َِها وَ َ‬
‫م ْ‬ ‫شُر أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ َ َ ِ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ن )‪(160‬‬ ‫مو َ‬‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬
‫مث ْل ََها وَهُ ْ‬
‫ِ‬
‫من لقي ربه يوم القيامة بحسنة من العمال الصالحة فله عشر‬
‫حسنات أمثالها‪ ,‬ومن لقي ربه بسيئة فل يعاقب إل بمثلها‪ ,‬وهم ل‬
‫يظلمون مثقال ذرة‪.‬‬

‫م‬
‫هيه َ‬ ‫مّله َ‬
‫ة إ ِب َْرا ِ‬ ‫سهت َِقيم ٍ ِدينها ً قَِيمها ً ِ‬
‫م ْ‬
‫ط ُ‬
‫صهَرا ٍ‬‫داِني َرّبي إ َِلى ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل إ ِن ِّني هَ َ‬
‫ن )‪(161‬‬ ‫كي َ‬ ‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫كا َ‬ ‫حِنيفا ً وَ َ‬
‫ما َ‬ ‫َ‬

‫‪277‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬إنني أرشدني ربي إلى‬
‫الطريق القويم الموصل إلى جنته‪ ,‬وهو دين السلم القائم بأمر‬
‫الدنيا والخرة‪ ,‬وهو دين التوحيد دين إبراهيم عليه السلم‪ ,‬وما كان‬
‫إبراهيم عليه السلم من المشركين مع الله غيره‪.‬‬

‫ن )‪(162‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ماِتي ل ِل ّهِ َر ّ‬
‫م َ‬
‫حَياي وَ َ‬
‫م ْ‬
‫كي وَ َ‬
‫س ِ‬
‫صلِتي وَن ُ ُ‬
‫ن َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل إِ ّ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬إن صلتي‪ ,‬ونسكي‪ ,‬أي‪:‬‬
‫ذبحي لله وحده‪ ,‬ل للصنام‪ ,‬ول للموات‪ ,‬ول للجن‪ ,‬ول لغير ذلك‬
‫مما تذبحونه لغير الله‪ ,‬وعلى غير اسمه كما تفعلون‪ ,‬وحياتي‬
‫وموتي لله تعالى رب العالمين‪.‬‬

‫ن )‪(163‬‬
‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ت وَأ ََنا أ َوّ ُ‬
‫ل ال ْ ُ‬ ‫مْر ُ‬
‫ك ل َه وبذ َل ِ َ ُ‬
‫كأ ِ‬ ‫ري َ ُ َ ِ‬ ‫ل َ‬
‫ش ِ‬
‫ل شريك له في ألوهيته ول في ربوبيته ول في صفاته وأسمائه‪,‬‬
‫وبذلك التوحيد الخالص أمرني ربي جل وعل وأنا أول من أقر وانقاد‬
‫لله من هذه المة‪.‬‬

‫َ‬ ‫قُ ْ َ‬
‫س إ ِل ّ‬‫ل ن َْف ه ٍ‬ ‫ب ك ُه ّ‬ ‫س ُ‬ ‫يٍء َول ت َك ْ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫ب كُ ّ‬ ‫ل أغَي َْر الل ّهِ أب ِْغي َرب ّا ً وَهُوَ َر ّ‬
‫مهها‬ ‫م فَي ُن َب ّئ ُك ُه ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫جعُك ُه ْ‬
‫مْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫م إ َِلى َرب ّك ُ ْ‬
‫خَرى ث ُ ّ‬ ‫عَل َي َْها َول ت َزُِر َوازَِرةٌ وِْزَر أ ُ ْ‬
‫ن )‪(164‬‬ ‫خت َل ُِفو َ‬‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬أغير الله أطلب إلها‪ ,‬وهو خالق كل شيء‬
‫ومالكه ومدبره؟ ول يعمل أي إنسان عمل سيئا إل كان إثمه عليه‪,‬‬
‫ول تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى‪ ,‬ثم إلى ربكم معادكم يوم‬
‫القيامة‪ ,‬فيخبركم بما كنتم تختلفون فيه من أمر الدين‪.‬‬

‫خلئ ِ َ َ‬
‫ت‬
‫جهها ٍ‬ ‫فَ هوْقَ ب َعْ ه ٍ‬
‫ض د ََر َ‬ ‫ضك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ض وََرفَعَ ب َعْ َ‬
‫ف الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫م)‬ ‫ه ل َغَُفههوٌر َر ِ‬
‫حي ه ٌ‬ ‫وَإ ِن ّه ُ‬ ‫ب‬‫ريعُ ال ْعَِقهها ِ‬
‫سه ِ‬
‫ك َ‬‫ن َرب ّه َ‬ ‫ما آت َههاك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ل ِي َب ْل ُوَك ُ ْ‬
‫‪(165‬‬
‫والله سبحانه هو الذي جعلكم تخلفون من سبقكم في الرض بعد‬
‫أن أهلكهم الله‪ ,‬واستخلفكم فيها; لتعمروها بعدهم بطاعة ربكم‪,‬‬

‫‪278‬‬
‫ورفع حكم في الرزق والقوة فوق بعض درجات‪ ,‬ليبلوكم فيما‬
‫أعطاكم من نعمه‪ ,‬فيظهر للناس الشاكر من غيره‪ .‬إن ربك سريع‬
‫العقاب لمن كفر به وعصاه‪ ,‬وإنه لغفور لمن آمن به وعمل صالحا‬
‫وتاب من الموبقات‪ ,‬رحيم به‪ ,‬والغفور والرحيم اسمان كريمان من‬
‫أسماء الله الحسنى‪.‬‬

‫‪ - 7‬سورة العراف‬

‫المص )‪(1‬‬
‫سبق الكلم على الحروف المق ّ‬
‫طعة في أول سورة البقرة‪.‬‬

‫ه ل ُِتن هذَِر ب ِههِ وَذِك ْهَرى‬


‫من ْه ُ‬
‫ج ِ‬
‫ح هَر ٌ‬ ‫ص هد ْرِ َ‬
‫ك َ‬ ‫ك َفل ي َك ُ ْ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫ب ُأنزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ك َِتا ٌ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫هذا القرآن كتاب عظيم أنزله الله عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فل يكن في‬
‫صدرك شك منه في أنه أنزل من عند الله‪ ،‬ول تتحرج في إبلغه‬
‫والنذار به‪ ،‬أنزلناه إليك; لتخوف به الكافرين وتذكر المؤمنين‪.‬‬

‫َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬


‫دون ِههِ أوْل ِي َههاءَ قَِليل ً َ‬
‫مهها‬ ‫ن ُ‬
‫مه ْ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م َول ت َت ّب ِعُههوا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ات ّب ُِعوا َ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫ت َذ َك ُّرو َ‬
‫اتبعوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬ما ُأنزل إليكم من ربكم من الكتاب والسنة‬
‫بامتثال الوامر واجتناب النواهي‪ ،‬ول تتبعوا من دون الله أولياء‬
‫كالشياطين والحبار والرهبان‪ .‬إنكم قليل ما تتعظون‪ ،‬وتعتبرون‪،‬‬
‫فترجعون إلى الحق‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م َقائ ُِلو َ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫سَنا ب ََياتا ً أوْ هُ ْ‬
‫ها ب َأ ُ‬
‫جاَء َ‬ ‫ن قَْري َةٍ أ َهْل َك َْنا َ‬
‫ها فَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَك َ ْ‬
‫م ِ‬
‫وكثير من القرى أهلكنا أهلها بسبب مخالفة رسلنا وتكذيبهم‪،‬‬
‫ل الخرة‪ ،‬فجاءهم عذابنا مرة‬ ‫فأعقبهم ذلك خزي الدنيا موصول بذ ّ‬
‫ص الله هذين الوقتين;‬
‫خ ّ‬
‫وهم نائمون ليل ومرة وهم نائمون نهاًرا‪ .‬و َ‬
‫لنهما وقتان للسكون والستراحة‪ ،‬فمجيء العذاب فيهما أفظع‬
‫وأشد‪.‬‬

‫ن َقاُلوا إ ِّنا ك ُّنا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ‬


‫ن )‪(5‬‬
‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫سَنا إ ِل ّ أ ْ‬
‫م ب َأ ُ‬ ‫م إ ِذ ْ َ‬
‫جاَءهُ ْ‬ ‫واهُ ْ‬
‫ن د َعْ َ‬
‫كا َ‬ ‫فَ َ‬
‫فما كان قولهم عند مجيء العذاب إل القرار بالذنوب والساءة‪،‬‬
‫وأنهم حقيقون بالعذاب الذي نزل بهم‪.‬‬

‫ل إل َيهم ول َن َ‬ ‫فَل َنسأ َل َن ال ّذي ُ‬


‫ن )‪(6‬‬
‫سِلي َ‬‫مْر َ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫سأل َ ّ‬
‫س َ ِ ِْ ْ َ َ ْ‬ ‫ن أْر ِ‬
‫ِ َ‬ ‫َ ْ ّ‬
‫ن المرسلين عن‬ ‫سأل َ ّ‬
‫المرسلون‪ :‬ماذا أجبتم رسلنا إليكم؟ ولن ْ‬
‫ما أجابتهم به أممهم‪.‬‬ ‫تبليغهم لرسالت ربهم‪ ،‬وع ّ‬

‫ن )‪(7‬‬ ‫م ب ِعِل ْم ٍ وَ َ‬
‫ما ك ُّنا َ‬
‫غائ ِِبي َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬
‫ص ّ‬‫فَل َن َُق ّ‬
‫ن على الخلق كلهم ما عملوا بعلم منا لعمالهم في الدنيا‬ ‫ص ّ‬‫فَلنُق ّ‬
‫فيما أمرناهم به‪ ،‬وما نهيناهم عنه‪ ،‬وما كنا غائبين عنهم في حال‬
‫من الحوال‪.‬‬

‫ن )‪(8‬‬
‫حو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مْفل ِ ُ‬ ‫ه فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫واِزين ُ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن ث َُقل َ ْ‬
‫ت َ‬ ‫م ْ‬ ‫مئ ِذٍ ال ْ َ‬
‫حقّ فَ َ‬ ‫َوال ْوَْز ُ‬
‫ن ي َوْ َ‬
‫ووزن أعمال الناس يوم القيامة يكون بميزان حقيقي بالعدل‬
‫والقسط الذي ل ظلم فيه‪ ،‬فمن ثقلت موازين أعماله ‪-‬لكثرة‬
‫حسناته‪ -‬فأولئك هم الفائزون‪.‬‬

‫مهها ك َههاُنوا ِبآَيات ِن َهها‬


‫م بِ َ‬
‫سه ُ ْ‬
‫َ‬
‫سُروا أنُف َ‬
‫خ ِ‬
‫ن َ‬
‫ذي َ‬ ‫ه فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ال ّ ِ‬ ‫واِزين ُ ُ‬
‫م َ‬
‫ت َ‬
‫خّف ْ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(9‬‬‫مو َ‬‫ي َظ ْل ِ ُ‬

‫‪280‬‬
‫ت موازين أعماله ‪-‬لكثرة سيئاته‪ -‬فأولئك هم الذين أضاعوا‬‫خّف ْ‬
‫ومن َ‬
‫ظهم من رضوان الله تعالى‪ ،‬بسبب تجاوزهم الحد بجحد آيات‬ ‫ح ّ‬
‫الله تعالى وعدم النقياد لها‪.‬‬

‫ول ََقد ْ مك ّّناك ُم ِفي ال َ‬


‫شك ُُرو َ‬
‫ن‬ ‫ش قَِليل ً َ‬
‫ما ت َ ْ‬ ‫مَعاي ِ َ‬ ‫جعَل َْنا ل َك ُ ْ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫ض وَ َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫)‪(10‬‬
‫ولقد مك ّّنا لكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬في الرض‪ ،‬وجعلناها قراًرا لكم‪ ،‬وجعلنا‬
‫لكم فيها ما تعيشون به من مطاعم ومشارب‪ ،‬ومع ذلك فشكركم‬
‫لنعم الله قليل‪.‬‬

‫دوا‬
‫ج ُ‬ ‫م فَ َ‬
‫سهه َ‬ ‫دوا لد َ َ‬
‫ج ُ‬
‫س ُ‬ ‫م قُل َْنا ل ِل ْ َ‬
‫ملئ ِك َةِ ا ْ‬ ‫م ثُ ّ‬‫صوّْرَناك ُ ْ‬
‫م َ‬‫م ثُ ّ‬ ‫خل َْقَناك ُ ْ‬
‫وَل ََقد ْ َ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫دي َ‬‫ج ِ‬
‫سا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫م ي َك ُ ْ‬‫س لَ ْ‬‫إ ِل ّ إ ِب ِْلي َ‬
‫ولقد أنعمنا عليكم بخلق أصلكم ‪-‬وهو أبوكم آدم من العدم‪ -‬ثم‬
‫ورناه على هيئته المفضلة على كثير من الخلق‪ ،‬ثم أمرنا ملئكتنا‬ ‫ص ّ‬
‫ما وإظهاًرا لفضل آدم‪-‬‬
‫ما واحترا ً‬
‫عليهم السلم بالسجود له ‪-‬إكرا ً‬
‫ن إبليس الذي كان معهم لم يكن من الساجدين‬ ‫فسجدوا جميًعا‪ ،‬لك ّ‬
‫دا له على هذا التكريم العظيم‪.‬‬ ‫لدم; حس ً‬

‫ن ن َههاٍر‬ ‫خل َْقت َن ِههي ِ‬


‫مه ْ‬ ‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ل أ ََنا َ‬
‫خي ٌْر ِ‬ ‫مْرت ُ َ‬
‫ك َقا َ‬ ‫َ‬
‫جد َ إ ِذ ْ أ َ‬‫س ُ‬
‫ل ما منع َ َ‬
‫ك أل ّ ت َ ْ‬ ‫َقا َ َ َ َ َ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫طي ٍ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خل َْقت َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ك السجود‪ :‬ما منعك أل تسجد إذ‬ ‫قال تعالى منكًرا على إبليس ت َْر َ‬
‫أمرتك؟ فقال إبليس‪ :‬أنا أفضل منه خلًقا; لني مخلوق من نار‪ ,‬وهو‬
‫مخلوق من طين‪ .‬فرأى أن النار أشرف من الطين‪.‬‬

‫ط منههها فَمهها يك ُههون ل َه َ َ‬


‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ج إ ِن ّه َ‬
‫ك ِ‬ ‫ن ت َت َك َب ّهَر ِفيهَهها فَهها ْ‬
‫خُر ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ل َفاهْب ِ ْ ِ ْ َ‬
‫َقا َ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫ري َ‬
‫صاِغ ِ‬
‫ال ّ‬
‫قال الله لبليس‪ :‬فاهبط من الجنة‪ ,‬فما يصح لك أن تتكبر فيها‪,‬‬
‫فاخرج من الجنة‪ ,‬إنك من الذليلين الحقيرين‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫َقا َ َ‬
‫ل أنظ ِْرِني إ َِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ‬
‫ن )‪(14‬‬
‫قال إبليس لله ‪-‬جل وعل‪ -‬حينما يئس من رحمته‪ :‬أمهلني إلى يوم‬
‫من أقدر عليه من بني آدم‪.‬‬
‫البعث; وذلك لتمكن من إغواء َ‬

‫ن )‪(15‬‬ ‫منظ َ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬
‫ك ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ت عليهم تأخير الجل إلى النفخة‬
‫قال الله تعالى‪ :‬إنك ممن كتب ُ‬
‫الولى في القرن‪ ,‬إذ يموت الخلق كلهم‪.‬‬

‫َ‬
‫م )‪(16‬‬
‫ست َِقي َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫صَراط َ َ‬
‫م ِ‬ ‫ما أغْوَي ْت َِني ل َقْعُد َ ّ‬
‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ل فَب ِ َ‬
‫َقا َ‬
‫ن في إغواء بني‬
‫قال إبليس لعنه الله‪ :‬فبسبب ما أضللتني لجتهد ّ‬
‫آدم عن طريقك القويم‪ ,‬ولصد ّّنهم عن السلم الذي فطرتهم عليه‪.‬‬

‫م‬ ‫ن َ‬ ‫خل ْفهم وعَ َ‬ ‫ث ُم لت ِينهم من بي َ‬


‫مائ ِل ِهِ ْ‬
‫ش َ‬ ‫م وَعَ ْ‬
‫مان ِهِ ْ‬
‫ن أي ْ َ‬
‫ن َ ِ ِ ْ َ ْ‬
‫م ْ‬
‫م وَ ِ‬
‫ديهِ ْ‬‫ن أي ْ ِ‬ ‫َ ّ َُ ْ ِ ْ َ ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪(17‬‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬‫م َ‬ ‫جد ُ أك ْث ََرهُ ْ‬
‫َول ت َ ِ‬
‫ثم لتيّنهم من جميع الجهات والجوانب‪ ,‬فأصدهم عن الحق‪,‬‬
‫سن لهم الباطل‪ ,‬وأرغبهم في الدنيا‪ ,‬وأشككهم في الخرة‪ ,‬ول‬ ‫ُ‬
‫وأح ّ‬
‫تجد أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتك‪.‬‬

‫من ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ِ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫مل َ ّ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫مل ْ‬‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ت َب ِعَ َ‬
‫ك ِ‬ ‫حورا ً ل َ َ‬
‫م ْ‬ ‫مذ ُْءوما ً َ‬
‫مد ْ ُ‬ ‫من َْها َ‬
‫ج ِ‬
‫خُر ْ‬
‫لا ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫َ‬
‫مِعي َ‬
‫ج َ‬
‫أ ْ‬
‫ن‬
‫دا‪ ,‬لمل ّ‬
‫قال الله تعالى لبليس‪ :‬اخرج من الجنة ممقوًتا مطرو ً‬
‫جهنم منك وممن تبعك من بني آدم أجمعين‪.‬‬
‫كل من ثمارها حيث‬ ‫ويا آدم اسكن أنت وزوجك حواء الجنة‪ ,‬ف ُ‬
‫شئتما‪ ,‬ول تأكل من ثمرة شجرة )عَّينها لهما(‪ ,‬فإن فعلتما ذلك‬
‫كنتما من الظالمين المتجاوزين حدود الله‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫ويا آدم اسك ُ َ‬
‫شهئ ْت ُ َ‬
‫ما َول ت َْقَرَبها‬ ‫ث ِ‬
‫حْيه ُ‬
‫ن َ‬
‫مه ْ‬
‫كل ِ‬‫ة فَ ُ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫جّنه َ‬ ‫ج َ‬
‫ت وََزوْ ُ‬
‫ن أن ْ َ‬‫ََ َ ُ ْ ْ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَرةَ فَت َ ُ‬
‫كوَنا ِ‬ ‫هَذِهِ ال ّ‬
‫ش َ‬
‫فألقى الشيطان لدم وحواء وسوسة ليقاعهما في معصية الله‬
‫تعالى بالكل من تلك الشجرة التي نهاهما الله عنها; لتكون‬
‫ستر من عوراتهما‪ ,‬وقال لهما في محاولة‬ ‫عاقبتهما انكشاف ما ُ‬
‫من‬
‫من ثمر هذه الشجرة ِ‬ ‫المكر بهما‪ :‬إنما نهاكما ربكما عن الكل ِ‬
‫من أجل أن ل تكونا من الخالدين في‬ ‫أجل أن ل تكونا مَلكين‪ ,‬و ِ‬
‫الحياة‪.‬‬

‫ما‬
‫وآت ِهِ َ‬
‫سه ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫مهها ِ‬‫ُوورِيَ عَن ْهُ َ‬ ‫ما‬
‫ما َ‬‫ن ل ِي ُب ْدِيَ ل َهُ َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫س ل َهُ َ‬‫سو َ َ‬ ‫فَوَ ْ‬
‫َ‬
‫ن أو ْ ت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫مل َ‬ ‫ُ‬ ‫إل ّ أ َ‬
‫كوَنهها‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫كو‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫جَرةِ‬
‫ش َ‬ ‫ن هَذِهِ ال ّ‬ ‫ما َرب ّك ُ َ‬
‫ما عَ ْ‬ ‫ما ن ََهاك ُ َ‬ ‫ل َ‬ ‫وََقا َ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬‫ِ‬
‫وأقسم الشيطان لدم وحواء بالله إنه ممن ينصح لهما في مشورته‬
‫عليهما بالكل من الشجرة‪ ,‬وهو كاذب في ذلك‪.‬‬

‫ن )‪(21‬‬
‫حي َ‬
‫ص ِ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫ما ل َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما إ ِّني ل َك ُ َ‬
‫مه ُ َ‬ ‫وََقا َ‬
‫س َ‬
‫وأقسم الشيطان لدم وحواء بالله إنه ممن ينصح لهما في مشورته‬
‫عليهما بالكل من الشجرة‪ ,‬وهو كاذب في ذلك‪.‬‬

‫فَقهها‬‫ما وَط َ ِ‬ ‫وآت ُهُ َ‬


‫سه ْ‬ ‫مهها َ‬ ‫ت ل َهُ َ‬‫جَرةَ ب َهد َ ْ‬ ‫شه َ‬ ‫ذاقَهها ال ّ‬ ‫مهها َ‬‫ما ب ِغُ هُرورٍ فَل َ ّ‬ ‫فَ هد َل ّهُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ت ِل ْك ُ َ‬
‫ما‬ ‫ما عَ ْ‬ ‫ما أل َ ْ‬
‫م أن ْهَك ُ َ‬ ‫ما َرب ّهُ َ‬
‫داهُ َ‬ ‫ق ال ْ َ‬
‫جن ّةِ وََنا َ‬ ‫ن وََر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن عَل َي ْهِ َ‬‫صَفا ِ‬ ‫خ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ما عَد ُوّ ُ‬ ‫ن ل َك ُ َ‬
‫طا َ‬‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬‫ما إ ِ ّ‬ ‫ل ل َك ُ َ‬‫جَرةِ وَأ َقُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ال ّ‬
‫فجّرأهما وغّرهما‪ ,‬فأكل من الشجرة التي نهاهما الله عن القتراب‬
‫منها‪ ,‬فلما أكل منها انكشفت لهما عوراتهما‪ ,‬وزال ما سترهما الله‬
‫به قبل المخالفة‪ ,‬فأخذا يلزقان بعض ورق الجنة على عوراتهما‪,‬‬
‫وناداهما ربهما جل وعل ألم أنهكما عن الكل من تلك الشجرة‪,‬‬
‫وأقل لكما‪ :‬إن الشيطان لكما عدو ظاهر العداوة؟ وفي هذه الية‬
‫دليل على أن كشف العورة من عظائم المور‪ ,‬وأنه كان ولم يزل‬
‫حا في العقول‪.‬‬‫جًنا في الطباع‪ ,‬مستقب َ ً‬
‫مسته َ‬

‫‪283‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫من َهها ل َن َك ُههون َ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫م ت َغِْف هْر ل َن َهها وَت َْر َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن ل َه ْ‬
‫س هَنا وَإ ِ ْ‬ ‫قَههال َرب ّن َهها ظ َل َ ْ‬
‫من َهها أنُف َ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫خا ِ‬
‫قال آدم وحواء‪ :‬ربنا ظلمنا أنفسنا بالكل من الشجرة‪ ,‬وإن لم‬
‫ظهم في دنياهم وأخراهم‪.‬‬ ‫تغفر لنا وترحمنا لنكونن ممن أضاعوا ح ّ‬
‫)وهذه الكلمات هي التي تلقاها آدم من ربه‪ ,‬فدعا بها فتاب الله‬
‫عليه(‪.‬‬

‫َ‬
‫مت َههاعٌ‬
‫س هت ََقّر وَ َ‬
‫م ْ‬
‫ض ُ‬ ‫ض عَهد ُوّ وَل َك ُه ْ‬
‫م فِههي الْر ِ‬ ‫ضك ُ ْ‬
‫م ل ِب َعْ ٍ‬
‫ل اهْب ِ ُ‬
‫طوا ب َعْ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫إ َِلى ِ‬
‫حي ٍ‬
‫قال تعالى مخاطًبا آدم وحواء لبليس‪ :‬اهبطوا من السماء إلى‬
‫الرض‪ ,‬وسيكون بعضكم لبعض عدًوا‪ ,‬ولكم في الرض مكان‬
‫تستقرون فيه‪ ,‬وتتمتعون إلى انقضاء آجالكم‪.‬‬

‫ن )‪(25‬‬
‫جو َ‬
‫خَر ُ‬
‫من َْها ت ُ ْ‬
‫ن وَ ِ‬
‫موُتو َ‬
‫ن وَِفيَها ت َ ُ‬
‫حي َوْ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل ِفيَها ت َ ْ‬
‫واء وذريتهما‪ :‬فيها تحيون‪ ,‬أي‪ :‬في الرض‬
‫قال الله تعالى لدم وح ّ‬
‫تقضون أيام حياتكم الدنيا‪ ,‬وفيها تكون وفاتكم‪ ,‬ومنها يخرجكم‬
‫ربكم‪ ,‬ويحشركم أحياء يوم البعث‪.‬‬

‫َ‬
‫م وَِريشها ً وَل ِب َهها ُ‬
‫س‬ ‫وآت ِك ُ ْ‬
‫سه ْ‬
‫واِري َ‬ ‫م ل َِباسها ً ي ُه َ‬
‫م قَد ْ أنَزل َْنا عَل َي ْك ُه ْ‬
‫َيا ب َِني آد َ َ‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫ت الل ّهِ ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َذ ّك ُّرو َ‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬‫خي ٌْر ذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬‫وى ذ َل ِ َ‬
‫الت ّْق َ‬
‫سا يستر عوراتكم‪ ,‬وهو لباس الضرورة‪,‬‬ ‫يا بني آدم قد جعلنا لكم لبا ً‬
‫س تقوى الله‬
‫سا للزينة والتجمل‪ ,‬وهو من الكمال والتنعم‪ .‬ولبا ُ‬ ‫ولبا ً‬
‫تعالى بفعل الوامر واجتناب النواهي هو خير لباس للمؤمن‪ .‬ذلك‬
‫ن الله به عليكم من الدلئل على ربوبية الله تعالى‬‫م ّ‬
‫الذي َ‬
‫ووحدانيته وفضله ورحمته بعباده; لكي تتذكروا هذه النعم‪ ,‬فتشكروا‬
‫خْلقه بهذه النعم‪.‬‬
‫لله عليها‪ .‬وفي ذلك امتنان من الله تعالى على َ‬

‫خر َ‬ ‫طان ك َ َ‬
‫ن ال ْ َ‬
‫جن ّهةِ َين هزِعُ‬ ‫مه ْ‬ ‫ج أب َهوَي ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫شي ْ َ ُ َ‬
‫ما أ ْ َ َ‬ ‫م ل ي َْفت ِن َن ّك ُ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫َيا ب َِني آد َ َ‬
‫‪284‬‬
‫ثل‬
‫حي ْه ُ‬
‫ن َ‬
‫مه ْ‬ ‫م هُهوَ وَقَِبيل ُه ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ه ي ََراك ُه ْ‬‫ما إ ِن ّ ُ‬
‫وآت ِهِ َ‬‫س ْ‬
‫ما َ‬‫ما ل ِي ُرِي َهُ َ‬
‫سه ُ َ‬
‫ما ل َِبا َ‬‫عَن ْهُ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫مُنو َ‬‫ن ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ذي َ‬‫ن أوْل َِياَء ل ِل ّ ِ‬ ‫طي َ‬ ‫جعَل َْنا ال ّ‬
‫شَيا ِ‬ ‫م إ ِّنا َ‬ ‫ت ََروْن َهُ ْ‬
‫يا بني آدم ل يخدعّنكم الشيطان‪ ,‬فيزين لكم المعصية‪ ,‬كما زّينها‬
‫لبويكم آدم وحواء‪ ,‬فأخرجهما بسببها من الجنة‪ ,‬ينزع عنهما‬
‫لباسهما الذي سترهما الله به; لتنكشف لهما عوراتهما‪ .‬إن‬
‫الشيطان يراكم هو وذريته وجنسه وأنتم ل ترونهم فاحذروهم‪ .‬إّنا‬
‫جعلنا الشياطين أولياء للكفار الذين ل يوحدون الله‪ ,‬ول يصدقون‬
‫رسله‪ ,‬ول يعملون بهديه‪.‬‬

‫ن‬ ‫مَرن َهها ب ِهَهها قُ ه ْ‬ ‫ة َقاُلوا وجدنا عَل َيها آباءَنا والل ّه َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا فَعَُلوا َفا ِ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ َ َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫ش ً‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬
‫ن عََلى الل ّهِ َ‬
‫شاِء أت َُقوُلو َ‬
‫ح َ‬ ‫مُر ِبال َْف ْ‬
‫ه ل ي َأ ُ‬‫الل ّ َ‬
‫حا من الفعل اعتذروا عن فعله بأنه مما ورثوه‬ ‫وإذا أتى الكفار قبي ً‬
‫عن آبائهم‪ ,‬وأنه مما أمر الله به‪ .‬قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن الله‬
‫تعالى ل يأمر عباده بقبائح الفعال ومساوئها‪ ,‬أتقولون على الله‬
‫‪-‬أيها المشركون‪ -‬ما ل تعلمون كذًبا وافتراًء؟‬

‫َ‬ ‫قُ ْ َ‬
‫جدٍ َواد ْعُههوهُ‬
‫سه ِ‬
‫م ْ‬ ‫عن ْهد َ ك ُه ّ‬
‫ل َ‬ ‫جههوهَك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫موا وُ ُ‬ ‫ط وَأِقي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫مَر َرّبي ِبال ِْق ْ‬
‫لأ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫دو َ‬ ‫ما ب َد َأك ُ ْ‬
‫م ت َُعو ُ‬ ‫ن كَ َ‬
‫دي َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ال ّ‬ ‫صي َ‬‫خل ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬أمر ربي بالعدل‪ ,‬وأمركم بأن‬
‫تخلصوا له العبادة في كل موضع من مواضعها‪ ,‬وبخاصة في‬
‫المساجد‪ ,‬وأن تدعوه مخلصين له الطاعة والعبادة‪ ,‬وأن تؤمنوا‬
‫بالبعث بعد الموت‪ .‬وكما أن الله أوجدكم من العدم فإنه قادر على‬
‫إعادة الحياة إليكم مرة أخرى‪.‬‬

‫ن أ َوْل َِياءَ‬
‫طي َ‬ ‫ذوا ال ّ‬
‫شَيا ِ‬ ‫خ ُ‬
‫م ات ّ َ‬ ‫ضلل َ ُ‬
‫ة إ ِن ّهُ ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫حقّ عَل َي ْهِ ْ‬‫ريقا ً َ‬
‫ِ‬ ‫ريقا ً هَ َ‬
‫دى وَفَ‬ ‫ِ‬ ‫فَ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫من دون الل ّه ويحسبو َ‬
‫دو َ‬
‫مهْت َ ُ‬
‫م ُ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬‫ِ ََ ْ َ ُ َ‬ ‫ِ ْ ُ ِ‬
‫جعل الله عباده فريقين‪ :‬فريًقا وّفقهم للهداية إلى الصراط‬
‫المستقيم‪ ,‬وفريًقا وجبت عليهم الضللة عن الطريق المستقيم‪,‬‬
‫إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله‪ ,‬فأطاعوهم جهل منهم‬
‫وظًنا بأنهم قد سلكوا سبيل الهداية‪.‬‬
‫‪285‬‬
‫سههرُِفوا‬ ‫جدٍ وَك ُُلوا َوا ْ‬
‫شههَرُبوا َول ت ُ ْ‬ ‫س ِ‬
‫م ْ‬ ‫عن ْد َ ك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫ذوا ِزين َت َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬‫َيا ب َِني آد َ َ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬‫إ ِن ّ ُ‬
‫يا بني آدم كونوا عند أداء كل صلة على حالة من الزينة المشروعة‬
‫من ثياب ساترة لعوراتكم ونظافة وطهارة ونحو ذلك‪ ,‬وكلوا‬
‫واشربوا من طيبات ما رزقكم الله‪ ,‬ول تتجاوزوا حدود العتدال في‬
‫ذلك‪ .‬إن الله ل يحب المتجاوزين المسرفين في الطعام والشراب‬
‫وغير ذلك‪.‬‬

‫ق قُ ه ْ‬
‫ل‬ ‫ن ال هّرْز ِ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ج ل ِعَِبادِهِ َوالط ّي َّبا ِ‬‫خَر َ‬ ‫ة الل ّهِ ال ِّتي أ َ ْ‬
‫م ِزين َ َ‬ ‫حّر َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل‬‫صه ُ‬ ‫م هةِ ك َهذ َل ِ َ‬
‫ك ن َُف ّ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫ة ي َوْ َ‬
‫ص ً‬
‫خال ِ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا َ‬‫مُنوا ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ل ِل ّ ِ‬‫هِ َ‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫الَيا ِ‬
‫من الذي حرم‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء الجهلة من المشركين‪َ :‬‬
‫من الذي‬ ‫عليكم اللباس الحسن الذي جعله الله تعالى زينة لكم؟ و َ‬
‫حّرم عليكم التمتع بالحلل الطيب من رزق الله تعالى؟ قل ‪-‬أيها‬
‫ن ما أحله الله من الملبس والطيبات‬ ‫الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬إ ّ‬
‫من المطاعم والمشارب حق للذين آمنوا في الحياة الدنيا يشاركهم‬
‫صل الله‬‫فيها غيرهم‪ ,‬خالصة لهم يوم القيامة‪ .‬مثل ذلك التفصيل يف ّ‬
‫اليات لقوم يعلمون ما يبّين لهم‪ ,‬ويفقهون ما يميز لهم‪.‬‬

‫ي‬‫م َوال ْب َغْ ه َ‬


‫ن َوال ِث ْه َ‬‫ما ب َط َ َ‬ ‫ما ظ َهََر ِ‬
‫من َْها وَ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬‫م َرّبي ال َْف َ‬ ‫حّر َ‬‫ما َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫مهها ل َه ْ‬
‫م ي ُن َهّز ْ‬
‫ل ب ِه ِ‬ ‫كوا ب ِههالل ّهِ َ‬
‫ش هرِ ُ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫كوا ب ِههالل ّهِ وَأ ْ‬‫ش هرِ ُ‬‫ن تُ ْ‬‫حقّ وَأ ْ‬ ‫ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ت َُقوُلوا عََلى الل ّهِ َ‬ ‫طانا ً وَأ ْ‬ ‫سل ْ َ‬
‫ُ‬
‫حّرم الله القبائح من‬‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬إنما َ‬
‫حّرم المعاصي كلها‪,‬‬ ‫العمال‪ ,‬ما كان منها ظاهًرا‪ ,‬وما كان خفّيا‪ ,‬و َ‬
‫من أعظمها العتداء على الناس‪ ,‬فإن ذلك مجانب للحق‪ ,‬وحّرم‬ ‫و ِ‬
‫أن تعبدوا مع الله تعالى غيره مما لم ي ُن َّزل به دليل وبرهاًنا‪ ,‬فإنه ل‬
‫حجة لفاعل ذلك‪ ,‬وحّرم أن تنسبوا إلى الله تعالى ما لم يشرعه‬
‫دا‪ ,‬وتحريم بعض الحلل من‬ ‫افتراًء وكذًبا‪ ,‬كدعوى أن لله ول ً‬
‫الملبس والمآكل‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ول ِك ُ ّ ُ‬
‫ن‬
‫مو َ‬
‫سههت َْقدِ ُ‬
‫ة َول ي َ ْ‬
‫ساعَ ً‬
‫ن َ‬
‫خُرو َ‬
‫ست َأ ِ‬ ‫جل ُهُ ْ‬
‫م ل يَ ْ‬ ‫جاَء أ َ‬ ‫ل فَإ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ج ٌ‬
‫مة ٍ أ َ‬
‫لأ ّ‬ ‫َ‬
‫)‪(34‬‬
‫ولكل جماعة اجتمعت على الكفر بالله تعالى وتكذيب رسله ‪-‬عليهم‬
‫الصلة والسلم‪ -‬وقت لحلول العقوبة بهم‪ ,‬فإذا جاء الوقت الذي‬
‫وّقته الله لهلكهم ل يتأخرون عنه لحظة‪ ,‬ول يتقدمون عليه‪.‬‬

‫ْ‬
‫ن ات َّقههى‬
‫مه ْ‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م آَياِتي فَ َ‬ ‫صو َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م ي َُق ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫س ٌ‬
‫م ُر ُ‬ ‫ما ي َأت ِي َن ّك ُ ْ‬‫م إِ ّ‬
‫َيا ب َِني آد َ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫حَزُنو َ‬‫م يَ ْ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫ح َفل َ‬ ‫صل َ َ‬
‫وَأ ْ‬
‫يا بني آدم إذا جاءكم رسلي من أقوامكم‪ ,‬يتلون عليكم آيات كتابي‪,‬‬
‫ويبينون لكم البراهين على صدق ما جاؤوكم به فأطيعوهم‪ ,‬فإنه‬
‫من اتقى سخطي وأصلح عمله فل خوف عليهم يوم القيامة من‬
‫عقاب الله تعالى‪ ,‬ول ههم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫ك َذ ّبوا بآيات ِنا واستك ْبروا عَنها أ ُول َئ ِ َ َ‬


‫م ِفيهَهها‬
‫ب الن ّههارِ هُ ه ْ‬
‫حا ُ‬
‫صه َ‬
‫كأ ْ‬ ‫َْ ْ‬ ‫ُ ِ َ َ َ ْ َ َُ‬ ‫ن‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫)‪(36‬‬ ‫ن‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫َ‬
‫ذبوا بالدلئل على توحيد الله‪ ,‬واستعَلوا عن اتباعها‪,‬‬‫والكفار الذين ك ّ‬
‫دا‪.‬‬‫أولئك أصحاب النار ماكثين فيها‪ ,‬ل يخرجون منها أب ً‬

‫ك ي ََنههال ُهُ ْ‬
‫م‬ ‫ب ِبآَيههات ِهِ أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ذبا ً أوْ ك َذ ّ َ‬ ‫ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬
‫فَم َ‬
‫َ ْ‬
‫َ‬
‫مهها‬ ‫ن َ‬ ‫م قَههاُلوا أي ْه َ‬ ‫سل َُنا ي َت َوَفّ هوْن َهُ ْ‬‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صيب ُهُ ْ‬ ‫نَ ِ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫دوا عَل َههى أن ُْف ِ‬
‫س هه ِ ْ‬ ‫ش هه ِ ُ‬‫ضهّلوا عَن ّهها وَ َ‬ ‫ن الل ّهِ قَههاُلوا َ‬ ‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫م ت َد ْ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ُ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫أن ّهُ ْ‬
‫ذب بآياته‬‫ما ممن اختلق على الله تعالى الكذب‪ ,‬أو ك ّ‬‫ل أحد أشد ظل ً‬
‫ظهم من العذاب مما كتب لهم في‬ ‫المنزلة‪ ,‬أولئك يصل إليهم ح ّ‬
‫اللوح المحفوظ‪ ,‬حتى إذا جاءهم ملك الموت وأعوانه يقبضون‬
‫أرواحهم قالوا لهم‪ :‬أين الذين كنتم تعبدونهم من دون الله من‬
‫الشركاء والولياء والوثان ليخّلصوكم مما أنتم فيه؟ قالوا‪ :‬ذهبوا‬

‫‪287‬‬
‫عنا‪ ,‬واعترفوا على أنفسهم حينئذ أنهم كانوا في الدنيا جاحدين‬
‫مكذبين وحدانية الله تعالى‪.‬‬

‫ُ‬
‫س ِفي الّناِر‬ ‫لن ِ‬ ‫ن َوا ِ‬‫ج ّ‬‫ن ال ْ ِ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫مم ٍ قَد ْ َ‬ ‫خُلوا ِفي أ َ‬ ‫ل اد ْ ُ‬‫َقا َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت‬ ‫ميعها ً قَههال َ ْ‬
‫ج ِ‬‫داَرك ُههوا ِفيهَهها َ‬‫ذا ا ّ‬‫حت ّههى إ ِ َ‬‫خت َهَهها َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ة ل َعَن َه ْ‬ ‫مه ٌ‬‫تأ ّ‬ ‫خل َه ْ‬
‫ما د َ َ‬‫ك ُل ّ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أُ ْ‬
‫ل‬‫ن الن ّههارِ قَهها َ‬‫مه ْ‬‫ضْعفا ً ِ‬‫ذابا ً ِ‬‫م عَ َ‬ ‫ضّلوَنا َفآت ِهِ ْ‬‫ؤلِء أ َ‬ ‫م َرب َّنا هَ ُ‬ ‫م لولهُ ْ‬ ‫خَراهُ ْ‬
‫ن )‪(38‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ت َعْل َ ُ‬ ‫ف وَل َك ِ ْ‬
‫ضع ْ ٌ‬ ‫ل ِ‬ ‫ل ِك ُ ّ‬
‫قال الله تعالى ‪-‬لهؤلء المشركين المفترين‪ : -‬ادخلوا النار في‬
‫جملة جماعات من أمثالكم في الكفر‪ ,‬قد سلفت من قبلكم من‬
‫ة من أهل ملة لعنت نظيرتها‬ ‫الجن والنس‪ ,‬كلما دخلت الناَر جماع ٌ‬
‫ت بالقتداء بها‪ ,‬حتى إذا تلحق في النار الولون من أهل‬ ‫التي ضل ّ ْ‬
‫الملل الكافرة والخرون منهم جميًعا‪ ,‬قال الخرون المتبعون في‬
‫الدنيا لقادتهم‪ :‬ربنا هؤلء هم الذين أضلونا عن الحق‪ ,‬فآتهم عذاًبا‬
‫مضاعفا من النار‪ ,‬قال الله تعالى‪ :‬لكل ضعف‪ ,‬أي‪ :‬لكل منكم‬
‫ومنهم عذاب مضاعف من النار‪ ,‬ولكن ل تدركون أيها التباع ما لكل‬
‫فريق منكم من العذاب واللم‪.‬‬

‫م لُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ذوُقوا‬
‫ل فَ ه ُ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ضه ٍ‬ ‫م عَل َي ْن َهها ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ن ل َك ُه ْ‬
‫مهها ك َهها َ‬
‫م فَ َ‬‫خَراهُه ْ‬ ‫ت أولهُه ْ‬ ‫وََقال َ ْ‬
‫ن )‪(39‬‬ ‫سُبو َ‬‫م ت َك ْ ِ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ب بِ َ‬‫ذا َ‬‫ال ْعَ َ‬
‫وقال المتبوعون من الرؤساء وغيرهم لتباعهم‪ :‬نحن وأنتم‬
‫ل‬ ‫ل أسباب العذاب فل فَ ْ‬
‫ض َ‬ ‫ي والضلل‪ ،‬وفي فِعْ ِ‬
‫متساوون في الغ ّ‬
‫لكم علينا‪ ,‬قال الله تعالى لهم جميًعا‪ :‬فذوقوا العذاب أي عذاب‬
‫جهنم; بسبب ما كسبتم من المعاصي‪.‬‬

‫ماِء َول‬ ‫إن ال ّذين ك َذ ّبوا بآيات ِنا واستك ْبروا عَنها ل تَفتح ل َه َ‬
‫سه َ‬‫ب ال ّ‬ ‫وا ُ‬‫م أب ْ َ‬
‫ُ ّ ُ ُ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ِ َ َ َ ْ َ َُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫زي‬ ‫جه ِ‬ ‫ط وَك َهذ َل ِ َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫خي َهها ِ‬ ‫سه ّ‬ ‫مه ُ‬
‫ل فِههي َ‬ ‫ج َ‬‫ج ال ْ َ‬
‫حت ّههى ي َل ِه َ‬
‫ة َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫جن ّه َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ي َد ْ ُ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬
‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫دقوا بحججنا وآياتنا الدالة على وحدانيتنا‪,‬‬
‫إن الكفار الذين لم يص ّ‬
‫ولم يعملوا بشرعنا تكبًرا واستعلًء‪ ,‬ل ُتفّتح لعمالهم في الحياة ول‬
‫لرواحهم عند الممات أبواب السماء‪ ,‬ول يمكن أن يدخل هؤلء‬

‫‪288‬‬
‫الكفار الجنة إل إذا دخل الجمل في ثقب البرة‪ ,‬وهذا مستحيل‪.‬‬
‫ومثل ذلك الجزاء نجزي الذين كثر إجرامهم‪ ,‬واشتد ّ طغيانهم‪.‬‬

‫ن)‬
‫مي َ‬ ‫زي ال ّ‬
‫ظهال ِ ِ‬ ‫جه ِ‬ ‫ش وَك َهذ َل ِ َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫م غَ َ‬
‫ن فَوْقِهِ ْ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫وا ٍ‬ ‫م ْ‬
‫مَهاد ٌ وَ ِ‬
‫م ِ‬
‫جهَن ّ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫‪(41‬‬
‫من تحتهم‪,‬‬ ‫من جهنم فراش ِ‬ ‫هؤلء الكفار مخلدون في النار‪ ,‬لهم ِ‬
‫ومن فوقهم أغطية تغشاهم‪ .‬وبمثل هذا العقاب الشديد يعاقب الله‬
‫وه‪.‬‬‫ص ْ‬
‫تعالى الظالمين الذين تجاوزوا حدوده فكفروا به وع َ‬

‫سهعََها أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫ف ن َْفسها ً إ ِل ّ وُ ْ‬
‫ت ل ن ُك َل ّه ُ‬
‫حا ِ‬ ‫مل ُههوا ال ّ‬
‫صههال ِ َ‬ ‫من ُههوا وَعَ ِ‬‫نآ َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(42‬‬‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫جن ّةِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬
‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫والذين آمنوا بالله وعملوا العمال الصالحة في حدود طاقاتهم ‪-‬ل‬
‫سا من العمال إل ما تطيق‪ -‬أولئك أهل الجنة‪ ,‬هم‬ ‫يكلف الله نف ً‬
‫دا ل يخرجون منها‪.‬‬
‫فيها ماكثون أب ً‬

‫م ال َن ْهَههاُر وَقَههاُلوا‬ ‫حت ِهِه ْ‬ ‫ن تَ ْ‬‫مه ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫جه ِ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫ن ِغه ّ‬ ‫م ْ‬


‫م ِ‬‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬
‫ما ِفي ُ‬ ‫وَن ََزعَْنا َ‬
‫َ‬
‫ه ل ََقهد ْ‬‫داَنا الل ّه ُ‬ ‫ن هَ ه َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫ما ك ُن ّهها ل ِن َهْت َهدِيَ ل َه ْ‬ ‫داَنا ل ِهَ َ‬
‫ذا وَ َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬
‫ذي هَ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مهها ُ‬ ‫ل ربنا بال ْحق ونودوا أ َن ت ِل ْك ُم ال ْجن ه ُ ُ‬
‫م‬ ‫كنت ُه ْ‬ ‫موهَهها ب ِ َ‬ ‫ة أورِث ْت ُ ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫س ُ َ َّ ِ َ ّ َُ ُ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫جاَء ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫وأذهب الله تعالى ما في صدور أهل الجنة من حقد وضغائن‪ ,‬ومن‬
‫كمال نعيمهم أن النهار تجري في الجنة من تحتهم‪ .‬وقال أهل‬
‫الجنة حينما دخلوها‪ :‬الحمد لله الذي وّفقنا للعمل الصالح الذي‬
‫أكسبنا ما نحن فيه من النعيم‪ ,‬وما كنا لنوّفق إلى سلوك الطريق‬
‫ن هدانا الله سبحانه لسلوك هذا الطريق‪ ,‬ووّفقنا‬ ‫َ‬
‫المستقيم لول أ ْ‬
‫للثبات عليه‪ ,‬لقد جاءت رسل ربنا بالحق من الخبار بوعد أهل‬
‫ما‪ :‬أن تلكم‬
‫طاعته ووعيد أهل معصيته‪ ,‬وُنودوا تهنئة لهم وإكرا ً‬
‫دمتموه من اليمان والعمل‬ ‫الجنة أورثكم الله إياها برحمته‪ ,‬وبما ق ّ‬
‫الصالح‪.‬‬

‫حّق ها ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ما وَعَد ََنا َرب ّن َهها َ‬ ‫ن قَد ْ وَ َ‬
‫جد َْنا َ‬ ‫ب الّنارِ أ ْ‬
‫حا َ‬
‫ص َ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫جن ّةِ أ ْ‬ ‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫دى أ ْ‬
‫وََنا َ‬
‫‪289‬‬
‫ن ل َعْن َه ُ‬ ‫ل وجدتم ما وعَد ربك ُم حّقا ً َقاُلوا نعم فَأ َذ ّن مؤَذ ّن بينه ه َ‬
‫ة‬ ‫مأ ْ‬‫ٌ ََُْ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ ْ‬ ‫فَهَ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ ّ ْ َ‬
‫ن )‪(44‬‬‫مي َ‬ ‫الل ّهِ عََلى ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫ل النار قائلين لهم‪ :‬إنا قد‬‫ونادى أصحاب الجنة ‪-‬بعد دخولهم فيها‪ -‬أه َ‬
‫وجدنا ما وعدنا ربنا على ألسنة رسله حًقا من إثابة أهل طاعته‪,‬‬
‫فهل وجدتم ما وعدكم ربكم على ألسنة رسله حًقا من عقاب أهل‬
‫معصيته؟ فأجابهم أهل النار قائلين‪ :‬نعم قد وجدنا ما وعدنا ربنا‬
‫ن لعنة الله على‬ ‫حًقا‪ .‬فأ ّ‬
‫ذن مؤذن بين أهل الجنة وأهل النار‪ :‬أ ْ‬
‫الظالمين الذين تجاوزوا حدود الله‪ ,‬وكفروا بالله ورسله‪.‬‬

‫ن)‬ ‫خَرةِ َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫وجا ً وَهُ ْ‬
‫م ِبال ِ‬ ‫ل الل ّهِ وَي َب ُْغون ََها ِ‬
‫ع َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن َ‬
‫ن عَ ْ‬
‫دو َ‬
‫ص ّ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪(45‬‬
‫رضون عن طريق الله المستقيم‪,‬‬ ‫هؤلء الكافرون هم الذين كانوا ي ُعْ ِ‬
‫ويمنعون الناس من سلوكه‪ ,‬ويطلبون أن تكون السبيل معوجة‬
‫حتى ل يتبينها أحد‪ ,‬وهم بالخرة ‪-‬وما فيها‪ -‬جاحدون‪.‬‬

‫م وَن َههاد َْوا‬


‫ماهُ ْ‬ ‫ن ك ُل ّ ب ِ ِ‬
‫سههي َ‬ ‫ل ي َعْرِفُههو َ‬‫جهها ٌ‬ ‫ف رِ َ‬ ‫ب وَعََلى ال َعَْرا ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ح َ‬‫ما ِ‬‫وَب َي ْن َهُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫مُعو َ‬‫م ي َط ْ َ‬‫ها وَهُ ْ‬‫خُلو َ‬ ‫م ي َد ْ ُ‬‫م لَ ْ‬
‫م عَل َي ْك ُ ْ‬
‫سل ٌ‬
‫ن َ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫جن ّةِ أ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫وبين أصحاب الجنة وأصحاب النار حاجز عظيم يقال له العراف‪,‬‬
‫وعلى هذا الحاجز رجال يعرفون أهل الجنة وأهل النار بعلماتهم‪,‬‬
‫كبياض وجوه أهل الجنة‪ ,‬وسواد وجوه أهل النار‪ ,‬وهؤلء الرجال‬
‫قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم يرجون رحمة الله تعالى‪ .‬ونادى‬
‫رجال العراف أهل الجنة بالتحية قائلين لهم‪ :‬سلم عليكم‪ ,‬وأهل‬
‫العراف لم يدخلوا الجنة بعد‪ ,‬وهم يرجون دخولها‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬ ‫جعَل ْن َهها َ‬
‫مه َ‬ ‫ب الن ّههارِ قَههاُلوا َرب ّن َهها ل ت َ ْ‬
‫حا ِ‬ ‫م ت ِل َْقاَء أ ْ‬
‫ص َ‬ ‫صاُرهُ ْ‬
‫ت أب ْ َ‬ ‫صرِفَ ْ‬‫ذا ُ‬‫وَإ ِ َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْقوْم ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حوّل َ ْ‬
‫ت أبصار رجال العراف جهة أهل النار قالوا‪ :‬ربنا ل ُتصّيرنا‬ ‫وإذا ُ‬
‫مع القوم الظالمين بشركهم وكفرهم‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫مهها أ َغْن َههى‬
‫م قَههاُلوا َ‬
‫ماهُ ْ‬
‫سههي َ‬ ‫جال ً ي َعْرُِفون َهُ ْ‬
‫م بِ ِ‬ ‫ف رِ َ‬ ‫ب ال َعَْرا ِ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫َ‬
‫دى أ ْ‬ ‫وََنا َ‬
‫ن )‪(48‬‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬‫معُك ُ ْ‬‫ج ْ‬ ‫عَن ْك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫ونادى أهل العراف رجال من قادة الكفار الذين في النار‪,‬‬
‫يعرفونهم بعلمات خاصة تميزهم‪ ,‬قالوا لهم‪ :‬ما نفعكم ما كنتم‬
‫تجمعون من الموال والرجال في الدنيا‪ ,‬وما نفعكم استعلؤكم عن‬
‫اليمان بالله وَقبول الحق‪.‬‬

‫ؤلِء ال ّذي َ‬ ‫أ َهَ ُ‬


‫ف‬
‫خ هو ْ ٌ‬
‫ةل َ‬ ‫خل ُههوا ال ْ َ‬
‫جن ّه َ‬ ‫م هةٍ اد ْ ُ‬
‫ح َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه ب َِر ْ‬ ‫م ل ي ََنال ُهُ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫ن أقْ َ‬
‫س ْ‬ ‫ِ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م َول أن ْت ُ ْ‬
‫أهؤلء الضعفاء والفقراء من أهل الجنة الذين أقسمتم في الدنيا أن‬
‫الله ل يشملهم يوم القيامة برحمة‪ ,‬ولن يدخلهم الجنة؟ ادخلوا‬
‫الجنة يا أصحاب العراف فقد غُِفَر لكم‪ ,‬ل خوف عليكم من عذاب‬
‫الله‪ ,‬ول أنتم تحزنون على ما فاتكم من حظوظ الدنيا‪.‬‬

‫مههاءِ أ َْو‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫ضههوا عَل َي ْن َهها ِ‬
‫مه ْ‬
‫ونادى أ َصحاب النار أ َصحاب ال ْجن هة أ َ َ‬
‫ن أِفي ُ‬
‫َ ّ ِ ْ‬ ‫ْ َ ُ ّ ِ ْ َ َ‬ ‫ََ َ‬
‫ن )‪(50‬‬ ‫ري َ‬ ‫ما عََلى ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫مه ُ َ‬
‫حّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ه َقاُلوا إ ِ ّ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ما َرَزقَك ُ ْ‬
‫م ّ‬‫ِ‬
‫واستغاث أهل النار بأهل الجنة طالبين منهم أن ُيفيضوا عليهم من‬
‫الماء‪ ,‬أو مما رزقهم الله من الطعام‪ ,‬فأجابوهم بأن الله تعالى قد‬
‫حّرم الشراب والطعام على الذين جحدوا توحيده‪ ,‬وك ّ‬
‫ذبوا رسله‪.‬‬ ‫َ‬

‫م‬
‫سههاهُ ْ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا َفال ْي َوْ َ‬
‫م َنن َ‬ ‫م ال ْ َ‬‫م ل َْهوا ً وَل َِعبا ً وَغَّرت ْهُ ْ‬
‫ذوا ِدين َهُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫دو َ‬ ‫ح ُ‬
‫ج َ‬‫كاُنوا ِبآَيات َِنا ي َ ْ‬‫ما َ‬ ‫ذا وَ َ‬ ‫م هَ َ‬ ‫مه ِ ْ‬
‫سوا ل َِقاَء ي َوْ ِ‬ ‫ما ن َ ُ‬‫كَ َ‬
‫حَرمهم الله تعالى من نعيم الخرة هم الذين جعلوا الدين‬ ‫الذين َ‬
‫وا‪ ,‬وخدعتهم الحياة الدنيا وشغلوا‬
‫الذي أمرهم الله باتباعه باطل وله ً‬
‫بزخارفها عن العمل للخرة‪ ,‬فيوم القيامة ينساهم الله تعالى‬
‫ويتركهم في العذاب الموجع‪ ,‬كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا‪,‬‬
‫ولكونهم بأدلة الله وبراهينه ينكرون مع علمهم بأنها حق‪.‬‬

‫ن)‬ ‫ة ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬


‫مُنههو َ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫عل ْم ٍ هُ ً‬
‫دى وََر ْ‬ ‫صل َْناهُ عََلى ِ‬
‫ب فَ ّ‬
‫م ب ِك َِتا ٍ‬ ‫وَل ََقد ْ ِ‬
‫جئ َْناهُ ْ‬
‫‪291‬‬
‫‪(52‬‬
‫ولقد جئنا الكفار بقرآن أنزلناه عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بي ّّناه مشتمل‬
‫على علم عظيم‪ ,‬هادًيا من الضللة إلى الرشد ورحمة لقوم يؤمنون‬
‫صهم دون غيرهم; لنهم هم المنتفعون‬ ‫بالله ويعملون بشرعه‪ .‬وخ ّ‬
‫به‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬


‫ل‬ ‫ن قَب ْه ُ‬‫مه ْ‬‫سههوهُ ِ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫ه ي َُقو ُ‬ ‫م ي َأِتي ت َأِويل ُ ُ‬
‫ه ي َوْ َ‬‫ن إ ِل ّ ت َأِويل َ ُ‬ ‫ل َينظ ُُرو َ‬ ‫هَ ْ‬
‫َ‬
‫شَفُعوا ل ََنهها أوْ ُنههَرد ّ‬ ‫شَفَعاَء فَي َ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ل ََنا ِ‬‫حقّ فَهَ ْ‬ ‫ل َرب َّنا ِبال ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫جاَء ْ‬‫قَد ْ َ‬
‫َ‬
‫كههاُنوا‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬‫ل عَن ْهُ ْ‬‫ض ّ‬‫م وَ َ‬ ‫سه ُ ْ‬‫سُروا أنُف َ‬ ‫خ ِ‬‫ل قَد ْ َ‬‫م ُ‬ ‫ذي ك ُّنا ن َعْ َ‬ ‫ل غَي َْر ال ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫فَن َعْ َ‬
‫ن )‪(53‬‬ ‫ي َْفت َُرو َ‬
‫عدوا به في القرآن من العقاب الذي يؤول‬ ‫هل ينتظر الكفار إل ما وُ ِ‬
‫إليه أمرهم؟ يوم يأتي ما يئول إليه المر من الحساب والثواب‬
‫والعقاب يوم القيامة يقول الكفار الذين تركوا القرآن‪ ,‬وكفروا به‬
‫ن رسل ربنا قد جاؤوا بالحق‪,‬‬ ‫في الحياة الدنيا‪ :‬قد تبّين لنا الن أ ّ‬
‫ونصحوا لنا‪ ,‬فهل لنا من أصدقاء وشفعاء‪ ,‬فيشفعوا لنا عند ربنا‪ ,‬أو‬
‫نعاد إلى الدنيا مرة أخرى فنعمل فيها بما يرضي الله عنا؟ قد‬
‫خسروا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيها‪ ,‬وذهب عنهم ما كانوا‬
‫دهم به الشيطان‪.‬‬ ‫يعبدونه من دون الله‪ ,‬ويفترونه في الدنيا مما ي َعِ ُ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫سهت ّةِ أي ّههام ٍ ث ُه ّ‬
‫ض فِههي ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫سه َ‬ ‫خل َهقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّه ِ‬‫م الل ّه ُ‬ ‫ن َرب ّك ُه ْ‬ ‫إِ ّ‬
‫س‬
‫م َ‬ ‫شه ْ‬ ‫حِثيثها ً َوال ّ‬‫ه َ‬ ‫ل الن ّهَههاَر ي َط ْل ُب ُه ُ‬ ‫شههي الل ّي ْه َ‬ ‫ش ي ُغْ ِ‬‫ِ‬ ‫وى عَل َههى ال ْعَهْر‬ ‫َ‬ ‫ست َ‬‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫خل ْقُ َوال ْ‬
‫مُر ت ََباَر َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫مرِهِ أل ل َ ُ‬ ‫ت ب ِأ ْ‬‫خَرا ٍ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫جو َ‬ ‫مَر َوالن ّ ُ‬ ‫َوال َْق َ‬
‫ن )‪(54‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫إن ربكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬هو الله الذي أوجد السموات والرض من‬
‫العدم في ستة أيام‪ ,‬ثم استوى ‪-‬سبحانه‪ -‬على العرش ‪-‬أي عل‬
‫وارتفع‪ -‬استواًء يليق بجلله وعظمته‪ُ ,‬يدخل سبحانه الليل على‬
‫النهار‪ ,‬فيلبسه إياه حتى يذهب نوره‪ ,‬وُيدخل النهار على الليل‬
‫ما‪ ,‬وهو‬‫فيذهب ظلمه‪ ,‬وكل واحد منهما يطلب الخر سريًعا دائ ً‬
‫‪-‬سبحانه‪ -‬الذي خلق الشمس والقمر والنجوم مذللت له يسخرهن‬
‫ن من آيات الله العظيمة‪ .‬أل له سبحانه‬‫‪-‬سبحانه‪ -‬كما يشاء‪ ,‬وه ّ‬

‫‪292‬‬
‫وتعالى الخلق كله وله المر كله‪ ,‬تعالى الله وتعاظم وتنّزه عن كل‬
‫نقص‪ ,‬رب الخلق أجمعين‪.‬‬

‫ن )‪(55‬‬
‫دي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫معْت َ ِ‬ ‫ح ّ‬
‫ه ل يُ ِ‬
‫ة إ ِن ّ ُ‬ ‫ضّرعا ً وَ ُ‬
‫خْفي َ ً‬ ‫عوا َرب ّك ُ ْ‬
‫م تَ َ‬ ‫اد ْ ُ‬
‫ادعوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬ربكم متذللين له خفية وسّرا‪ ,‬وليكن الدعاء‬
‫بخشوع وب ُعْدٍ عن الرياء‪ .‬إن الله تعالى ل يحب المتجاوزين حدود‬
‫شرعه‪ ,‬وأعظم التجاوز الشرك بالله‪ ,‬كدعاء غير الله من الموات‬
‫والوثان‪ ,‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫معا ً إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫مه َ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬ ‫وفا ً وَط َ َ‬
‫خ ْ‬
‫عوهُ َ‬
‫حَها َواد ْ ُ‬
‫صل ِ‬‫ض ب َعْد َ إ ِ ْ‬
‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬‫َول ت ُْف ِ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ب ِ‬‫ري ٌ‬‫الل ّهِ قَ ِ‬
‫ول ت ُْفسدوا في الرض بأيّ نوع من أنواع الفساد‪ ,‬بعد إصلح الله‬
‫مرانها بطاعة الله‪ ,‬وادعوه‬
‫إياها ببعثة الرسل ‪-‬عليهم السلم‪ -‬وعُ ْ‬
‫‪-‬سبحانه‪ -‬مخلصين له الدعاء; خوًفا من عقابه ورجاء لثوابه‪ .‬إن‬
‫رحمة الله قريب من المحسنين‪.‬‬

‫حابا ً‬ ‫شرا ً بين يدي رحمت ِه حتى إ َ َ‬


‫س َ‬
‫ت َ‬ ‫ذا أقَل ّ ْ‬‫َْ َ َ َ ْ ََ ْ َ ِ َ ّ ِ‬ ‫ح بُ ْ‬ ‫ل الّرَيا َ‬ ‫س ُ‬‫ذي ي ُْر ِ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫ل الث ّ َ‬
‫مههَرا ِ‬ ‫ن ُ‬
‫كهه ّ‬ ‫م ْ‬
‫جَنا ب ِهِ ِ‬
‫خَر ْ‬ ‫ت فَأنَزل َْنا ب ِهِ ال ْ َ‬
‫ماَء فَأ ْ‬ ‫سْقَناهُ ل ِب َل َدٍ َ‬
‫مي ّ ٍ‬ ‫ث َِقال ً ُ‬
‫ن )‪(57‬‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫موَْتى ل َعَل ّك ُ ْ‬‫ج ال ْ َ‬ ‫خرِ ُ‬‫ك نُ ْ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬

‫والله تعالى هو الذي يرسل الرياح الطيبة اللينة مبشرات بالغيث‬


‫الذي تثيره بإذن الله‪ ,‬فيستبشر الخلق برحمة الله‪ ,‬حتى إذا حملت‬
‫الريح السحاب المحمل بالمطر ساقه الله بها لحياء بلد‪ ,‬قد أجدبت‬
‫أرضه‪ ,‬وي َِبست أشجاره وزرعه‪ ,‬فأنزل الله به المطر‪ ,‬فأخرج به‬
‫الكل والشجار والزروع‪ ,‬فعادت أشجاره محملة بأنواع الثمرات‪.‬‬
‫كما نحيي هذا البلد الميت بالمطر نخرج الموتى من قبورهم أحياءً‬
‫بعد فنائهم; لتتعظوا‪ ,‬فتستدلوا على توحيد الله وقدرته على البعث‪.‬‬

‫ج إ ِل ّ ن َك ِههدا ً‬
‫خهُر ُ‬
‫ث ل يَ ْ‬
‫خب ُه َ‬ ‫ن َرب ّههِ َوال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ه ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫ج ن ََبات ُ ُ‬
‫خُر ُ‬ ‫َوال ْب َل َد ُ الط ّي ّ ُ‬
‫ب يَ ْ‬
‫ن )‪(58‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َ ْ‬ ‫ف الَيا ِ‬‫صّر ُ‬ ‫ك نُ َ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬

‫‪293‬‬
‫خرج نباًتا ‪-‬بإذن الله ومشيئته‪-‬‬ ‫والرض النقية إذا نزل عليها المطر ت ُ ْ‬
‫طيًبا ميسًرا‪ ,‬وكذلك المؤمن إذا نزلت عليه آيات الله انتفع بها‪,‬‬
‫سِبخة الرديئة فإنها ل ُتخرج‬‫وأثمرت فيه حياة صالحة‪ ,‬أما الرض ال ّ‬
‫النبات إل عسًرا رديئا ل نفع فيه‪ ,‬ول ُتخرج نباًتا طيًبا‪ ,‬وكذلك الكافر‬
‫وع الحجج‬ ‫ل ينتفع بآيات الله‪ .‬مثل ذلك التنويع البديع في البيان ُنن ّ‬
‫والبراهين لثبات الحق لناس يشكرون نعم الله‪ ,‬ويطيعونه‪.‬‬

‫َ‬
‫ن إ ِل َههٍ‬
‫م ْ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬
‫مهِ فََقا َ‬‫سل َْنا ُنوحا ً إ َِلى قَوْ ِ‬
‫ل ََقد ْ أْر َ‬
‫ظيم ٍ )‪(59‬‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫غَي ُْرهُ إ ِّني أ َ َ‬
‫خا ُ‬
‫حا إلى قومه; ليدعوهم إلى توحيد الله سبحانه وإخلص‬ ‫لقد بعثنا نو ً‬
‫العبادة له‪ ,‬فقال‪ :‬يا قوم اعبدوا الله وحده‪ ,‬ليس لكم من إله‬
‫يستحق العبادة غيره جل وعل فأخلصوا له العبادة فإن لم تفعلوا‬
‫ل عليكم عذاب يوم‬‫وبقيتم على عبادة أوثانكم‪ ,‬فإنني أخاف أن يح ّ‬
‫يعظم فيه بلؤكم‪ ,‬وهو يوم القيامة‪.‬‬

‫ن )‪(60‬‬
‫مِبي ٍ‬
‫ل ُ‬
‫ضل ٍ‬ ‫مهِ إ ِّنا ل َن ََرا َ‬
‫ك ِفي َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫مل ِ‬ ‫َقا َ‬
‫قال له سادتهم وكبراؤهم‪ :‬إنا لنعتقد ‪-‬يا نوح‪ -‬أنك في ضلل بّين‬
‫عن طريق الصواب‪.‬‬

‫ن )‪(61‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ن َر ّ‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ة وَل َك ِّني َر ُ‬
‫سو ٌ‬ ‫ضلل َ ٌ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ ل َي ْ َ‬
‫س ِبي َ‬ ‫َقا َ‬
‫قال نوح‪ :‬يا قوم لست ضال في مسألة من المسائل بوجه من‬
‫الوجوه‪ ,‬ولكني رسول من رب العالمين ربي وربكم ورب جميع‬
‫الخلق‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬


‫ن )‪(62‬‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫م وَأعْل َ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ت َرّبي وَأن َ‬
‫سال ِ‬ ‫أب َل ّغُك ُ ْ‬
‫م رِ َ‬
‫ُأبّلغكم ما ُأرسلت به من ربي‪ ,‬وأنصح لكم محذًرا لكم من عذاب‬
‫الله ومبشًرا بثوابه‪ ,‬وأعلم من شريعته ما ل تعلمون‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫أ َوعَجبت َ‬
‫م ل ُِينذَِرك ُ ْ‬
‫م وَل ِت َت ُّقوا‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫م عََلى َر ُ‬
‫ج ٍ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ذِك ٌْر ِ‬
‫م ْ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬‫ن َ‬‫مأ ْ‬ ‫َ ِ ُْ ْ‬
‫ن )‪(63‬‬ ‫مو َ‬‫ح ُ‬ ‫وَل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت ُْر َ‬
‫وهل أثار عجبكم أن أنزل الله تعالى إليكم ما يذكركم بما فيه الخير‬
‫وفكم بأس‬ ‫لكم‪ ,‬على لسان رجل منكم‪ ,‬تعرفون نسبه وصدقه; ليخ ّ‬
‫الله تعالى وعقابه‪ ,‬ولتتقوا سخطه باليمان به‪ ,‬ورجاء أن تظفروا‬
‫برحمته وجزيل ثوابه؟‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ك َهذ ُّبوا ِبآَيات ِن َهها‬ ‫ك وَأغَْرقَْنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ه ِفي ال ُْفل ْ ِ‬
‫مع َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫جي َْناهُ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فَك َذ ُّبوهُ فَأن َ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫مي َ‬ ‫وما ً عَ ِ‬ ‫م َ‬
‫كاُنوا قَ ْ‬ ‫إ ِن ّهُ ْ‬
‫من آمن معه في السفينة‪ ,‬وأغرقنا الكفار‬ ‫حا فأنجيناه و َ‬
‫فكذبوا نو ً‬
‫ي القلوب عن رؤية‬ ‫م َ‬
‫الذين كذبوا بحججنا الواضحة‪ .‬إنهم كانوا عُ ْ‬
‫الحق‪.‬‬

‫ن إ ِل َهٍ غَْيههُرهُ‬
‫م ْ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫هودا ً َقا َ‬
‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫عادٍ أ َ َ‬
‫خاهُ ْ‬ ‫وَإ َِلى َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(65‬‬ ‫أَفل ت َت ُّقو َ‬
‫ولقد أرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هودا حين عبدوا الوثان من دون‬
‫الله‪ ,‬فقال لهم‪ :‬اعبدوا الله وحده‪ ,‬ليس لكم من إله يستحق‬
‫العبادة غيره جل وعل فأخلصوا له العبادة أفل تتقون عذاب الله‬
‫وسخطه عليكم؟‬

‫سَفاهَةٍ وَإ ِّنهها ل َن َظ ُّنهه َ‬


‫ك‬ ‫مهِ إ ِّنا ل َن ََرا َ‬
‫ك ِفي َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ن ك ََفُروا ِ‬
‫م ْ‬ ‫مل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫َقا َ‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫كاذِِبي َ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫قال الكبراء الذين كفروا من قوم هود‪ :‬إنا لنعلم أنك بدعوتك إيانا‬
‫إلى ترك عبادة آلهتنا وعبادة الله وحده ناقص العقل‪ ,‬وإنا لنعتقد‬
‫أنك من الكاذبين على الله فيما تقول‪.‬‬

‫ن )‪(67‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ن َر ّ‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ة وَل َك ِّني َر ُ‬
‫سو ٌ‬ ‫سَفاهَ ٌ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ ل َي ْ َ‬
‫س ِبي َ‬ ‫َقا َ‬

‫‪295‬‬
‫قال هود‪ :‬يا قوم ليس بي نقص في عقلي‪ ,‬ولكني رسول إليكم من‬
‫رب الخلق أجمعين‪.‬‬

‫ن )‪(68‬‬ ‫أ ُبل ّغُك ُم رسالت ربي وأ َنا ل َك ُم ناص َ‬


‫مي ٌ‬
‫حأ ِ‬‫ْ َ ِ ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ َ ّ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ُأبّلغكم ما أرسلني به ربي إليكم‪ ,‬وأنا لكم ‪ -‬فيما دعوتكم إليه من‬
‫توحيد الله والعمل بشريعته ‪ -‬ناصح‪ ,‬أمين على وحي الله تعالى‪.‬‬

‫أ َوعَجبت ه َ‬
‫م ل ُِين هذَِرك ُ ْ‬
‫م‬ ‫من ْك ُه ْ‬
‫ل ِ‬ ‫جه ٍ‬ ‫م عَل َههى َر ُ‬ ‫ن َرب ّك ُه ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ذِك ْهٌر ِ‬ ‫جههاَءك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ِ ُْ ْ‬
‫م فِههي ال ْ َ ْ‬ ‫ح وََزاد َك ُه ْ‬ ‫خل ََفههاَء ِ‬ ‫جعَل َك ُه ْ‬
‫َواذ ْك ُُروا إ ِذ ْ َ‬
‫ق‬‫خل ه ِ‬ ‫ن ب َعْهدِ قَهوْم ِ ن ُههو ٍ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ُ‬
‫ن )‪(69‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬‫ة َفاذ ْك ُُروا آلَء الل ّهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫سط َ ً‬ ‫بَ ْ‬
‫وهل أثار عجبكم أن أنزل الله تعالى إليكم ما يذكركم بما فيه الخير‬
‫وفكم بأس‬ ‫لكم‪ ,‬على لسان رجل منكم‪ ,‬تعرفون نسبه وصدقه; ليخ ّ‬
‫الله وعقابه؟ واذكروا نعمة الله عليكم إذ جعلكم تخلفون في‬
‫من قبلكم من بعد ما أهلك قوم نوح‪ ,‬وزاد في أجسامكم‬ ‫الرض َ‬
‫م الله الكثيرة عليكم; رجاء أن تفوزوا‬
‫قوة وضخامة‪ ,‬فاذكروا ن ِعَ َ‬
‫الفوز العظيم في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا فَأت َِنا ب ِ َ‬
‫مهها ت َِعههد َُنا‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫حد َهُ وَن َذ ََر َ‬
‫ه وَ ْ‬‫جئ ْت ََنا ل ِن َعْب ُد َ الل ّ َ‬
‫َقاُلوا أ ِ‬
‫ن )‪(70‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ن ُ‬
‫كن َ‬ ‫إِ ْ‬
‫جر عبادة‬‫قالت عاد لهود عليه السلم‪ :‬أدعوتنا لعبادة الله وحله وهَ ْ‬
‫الصنام التي ورثنا عبادتها عن آبائنا؟ فأتنا بالعذاب الذي تخوفنا به‬
‫إن كنت من أهل الصدق فيما تقول‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ماءٍ‬
‫سه َ‬ ‫جادُِلون َِني ِفي أ ْ‬ ‫ب أت ُ َ‬ ‫ض ٌ‬‫س وَغَ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م رِ ْ‬‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ل قَد ْ وَقَعَ عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫س هل ْ َ‬ ‫سميتمو َ َ‬
‫ن فَههانت َظ ُِروا إ ِن ّههي‬
‫طا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ب َِها ِ‬ ‫ما ن َّز َ‬ ‫م َ‬‫م َوآَباؤُك ُ ْ‬ ‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫َ ّ ُْ ُ‬
‫ن )‪(71‬‬ ‫ري َ‬ ‫منت َظ ِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ل بكم عذاب وغضب من ربكم جل وعل‬ ‫قال هود لقومه‪ :‬قد ح ّ‬
‫أتجادلونني في هذه الصنام التي سميتموها آلهة أنتم وآباؤكم؟ ما‬
‫نّزل الله بها من حجة ول برهان; لنها مخلوقة ل تضر ول تنفع‪,‬‬

‫‪296‬‬
‫وإنما المعبود وحده هو الخالق سبحانه‪ ,‬فانتظروا نزول العذاب‬
‫عليكم فإني منتظر معكم نزوله‪ ,‬وهذا غاية في التهديد والوعيد‪.‬‬

‫َ‬
‫ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا وَ َ‬
‫ما‬ ‫داب َِر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مّنا وَقَط َعَْنا َ‬
‫مة ٍ ِ‬
‫ح َ‬
‫ه ب َِر ْ‬
‫مع َ ُ‬‫ن َ‬ ‫جي َْناهُ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فَأن َ‬
‫ن )‪(72‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫كاُنوا ُ‬‫َ‬

‫دا‬
‫فوقع عذاب الله بإرسال الريح الشديدة عليهم‪ ,‬فأنجى الله هو ً‬
‫والذين آمنوا معه برحمة عظيمة منه تعالى‪ ,‬وأهلك الكفار من‬
‫مرهم عن آخرهم‪ ,‬وما كانوا مؤمنين لجمعهم بين‬ ‫قومه جميعا ود ّ‬
‫التكذيب بآيات الله وترك العمل الصالح‪.‬‬

‫ن إ ِل َههٍ‬
‫م ه ْْ‬
‫م ِ‬‫مهها ل َك ُه ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل ّه َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫صاِلحا ً َقا َ‬‫م َ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫مود َ أ َ َ‬ ‫وَإ َِلى ث َ ُ‬
‫ل‬‫ها ت َأك ُه ْ‬
‫ة فَهذ َُرو َ‬ ‫م آي َ ً‬ ‫ة الل ّهِ ل َك ُ ْ‬ ‫م هَذِهِ َناقَ ُ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ة ِ‬ ‫م ب َي ّن َ ٌ‬‫جاَءت ْك ُ ْ‬ ‫غَي ُْرهُ قَد ْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫في أ َ‬
‫م )‪(73‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ َك ُ ْ‬‫سوٍء فَي َأ ُ‬‫ها ب ِ ُ‬ ‫سو َ‬‫م ّ‬ ‫ض الل ّهِ َول ت َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ما عبدوا الوثان من‬ ‫حا له ّ‬
‫ولقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم صال ً‬
‫دون الله تعالى‪ .‬فقال صالح لهم‪ :‬يا قوم اعبدوا الله وحده; ليس‬
‫لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعل‪ ،‬فأخلصوا له العبادة‪ ,‬قد‬
‫ت الله أمامكم‪,‬‬ ‫جئتكم بالبرهان على صدق ما أدعوكم إليه‪ ,‬إذ دعو ُ‬
‫فأخرج لكم من الصخرة ناقة عظيمة كما سألتم‪ ,‬فاتركوها تأكل‬
‫في أرض الله من المراعي‪ ,‬ول تتعرضوا لها بأي أذى‪ ,‬فيصيبكم‬
‫بسبب ذلك عذاب موجع‪.‬‬

‫من ب َعْدِ عَههادٍ وب َهوأ َك ُم فِههي ال َ‬


‫ن‬
‫ذو َ‬ ‫خه ُ‬ ‫ض ت َت ّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ ّ ْ‬ ‫خل ََفاَء ِ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬
‫َواذ ْك ُُروا إ ِذ ْ َ‬
‫ل ب ُُيوتا ً َفاذ ْك ُُروا آلَء الّلههِ َول ت َعَْثه ْ‬
‫وا‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫جَبا َ‬ ‫صورا ً وَت َن ْ ِ‬
‫حُتو َ‬ ‫سُهول َِها قُ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫ن )‪(74‬‬ ‫َ‬
‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫مْف ِ‬ ‫ض ُ‬ ‫ِفي الْر ِ‬
‫من قبلكم‪,‬‬‫خُلفون في الرض َ‬ ‫واذكروا نعمة الله عليكم‪ ,‬إذ جعلكم ت َ ْ‬
‫كن لكم في الرض الطيبة تنزلونها‪ ,‬فتبنون‬ ‫من بعد قبيلة عاد‪ ,‬وم ّ‬
‫في سهولها البيوت العظيمة‪ ,‬وتنحتون من جبالها بيوًتا أخرى‪,‬‬
‫سَعوا في الرض بالفساد‪.‬‬ ‫م الله عليكم‪ ,‬ول ت َ ْ‬
‫فاذكروا ن ِعَ َ‬

‫ن‬
‫مه َ‬
‫نآ َ‬
‫مه ْ‬
‫ض هعُِفوا ل ِ َ‬
‫ست ُ ْ‬
‫نا ْ‬ ‫مهِ ل ِل ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ق َ هو ْ ِ‬ ‫ست َك ْب َُروا ِ‬
‫م ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫مل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫َقا َ‬
‫‪297‬‬
‫ُ‬ ‫منهم أ َتعل َمو َ‬
‫ه‬ ‫سه َ‬
‫ل ب ِه ِ‬ ‫ن َرب ّههِ قَههاُلوا إ ِن ّهها ب ِ َ‬
‫مهها أْر ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫س ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫صاِلحا ً ُ‬
‫مْر َ‬ ‫ن َ‬
‫نأ ّ‬‫ِ ُْ ْ َْ ُ َ‬
‫ن )‪(75‬‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬
‫ُ‬
‫قال السادة والكبراء من الذين استعَلوا ‪-‬من قوم صالح‪ -‬للمؤمنين‬
‫حا قد‬‫الذين استضعفوهم‪ ,‬واستهانوا بهم‪ :‬أتعلمون حقيقة أن صال ً‬
‫أرسله الله إلينا؟ قال الذين آمنوا‪ :‬إنا مصدقون بما أرسله الله به‪,‬‬
‫مّتبعون لشرعه‪.‬‬

‫ن )‪(76‬‬ ‫م ب ِهِ َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫منت ُ ْ‬ ‫ست َك ْب َُروا إ ِّنا ِبال ّ ِ‬
‫ذي آ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َقا َ‬
‫دقتم به واتبعتموه من نبوة صالح‬ ‫وا‪ :‬إّنا بالذي ص ّ‬ ‫قال الذين استعل َ ْ‬
‫جاحدون‪.‬‬

‫ة وعَتوا عَ َ‬
‫ن‬ ‫ح ائ ْت َِنا ب ِ َ‬
‫ما ت َعِهد َُنا إ ِ ْ‬ ‫م وََقاُلوا َيا َ‬
‫صال ِ ُ‬ ‫مرِ َرب ّهِ ْ‬
‫نأ ْ‬‫ْ‬ ‫فَعََقُروا الّناقَ َ َ َ ْ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ُ‬
‫كن َ‬
‫فنحروا الناقة استخفافا منهم بوعيد صالح‪ ,‬واستكبروا عن امتثال‬
‫أمر ربهم‪ ,‬وقالوا على سبيل الستهزاء واستبعاد العذاب‪ :‬يا صالح‬
‫من رسل الله‪.‬‬ ‫عدنا به من العذاب‪ ,‬إن كنت ِ‬
‫ائتنا بما تتو ّ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(78‬‬
‫مي َ‬
‫جاث ِ ِ‬
‫م َ‬
‫دارِهِ ْ‬
‫حوا ِفي َ‬ ‫ة فَأ ْ‬
‫صب َ ُ‬ ‫جَف ُ‬
‫م الّر ْ‬ ‫فَأ َ‬
‫خذ َت ْهُ ْ‬
‫ة الشديدة التي خلعت قلوبهم‪ ,‬فأصبحوا‬ ‫ذت الذين كفروا الزلزل ُ‬‫فأخ َ‬
‫في بلدهم هالكين‪ ,‬لصقين بالرض على ُر َ‬
‫كبهم ووجوههم‪ ,‬لم ي ُْفِلت‬
‫منهم أحد‪.‬‬

‫َ‬
‫ت ل َك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ح ُ‬
‫صه ْ‬ ‫سههال َ َ‬
‫ة َرب ّههي وَن َ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ ل ََقد ْ أب ْل َغْت ُك ُه ْ‬
‫م رِ َ‬ ‫فَت َوَّلى عَن ْهُ ْ‬
‫م وََقا َ‬
‫ن )‪(79‬‬ ‫حي َ‬‫ص ِ‬
‫ن الّنا ِ‬‫حّبو َ‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫ن ل تُ ِ‬
‫فأعرض صالح عليه السلم عن قومه ‪-‬حين عقروا الناقة وحل بهم‬
‫الهلك‪ -‬وقال لهم‪ :‬يا قوم لقد أبلغتكم ما أمرني ربي بإبلغه من‬
‫أمره ونهيه‪ ,‬وب َذ َْلت لكم وسعي في الترغيب والترهيب والنصح‪,‬‬

‫‪298‬‬
‫ولكنكم ل تحبون الناصحين‪ ,‬فرددتم قولهم‪ ,‬وأطعتم كل شيطان‬
‫رجيم‪.‬‬

‫ة ما س هبَقك ُم بههها م ه َ‬ ‫َ ْ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ح هدٍ ِ‬
‫نأ َ‬‫ْ َِ ِ ْ‬ ‫ش َ َ َ َ‬ ‫ن ال َْفا ِ‬
‫ح َ‬ ‫مهِ أت َأُتو َ‬ ‫وَُلوطا ً إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل ل َِقوْ ِ‬
‫ن )‪(80‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫طا عليه السلم حين قال لقومه‪ :‬أتفعلون‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لو ً‬
‫من أحد قبلكم من‬‫الفعلة المنكرة التي بلغت نهاية القبح؟ ما فعلها ِ‬
‫المخلوقين‪.‬‬

‫شهوةً من دون النساءِ ب ْ َ‬ ‫ْ‬


‫سههرُِفو َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫م قَوْ ٌ‬
‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫جا َ‬
‫ل َ ْ َ ِ ْ ُ ِ ّ َ‬ ‫م ل َت َأُتو َ‬
‫ن الّر َ‬ ‫إ ِن ّك ُ ْ‬
‫)‪(81‬‬
‫إنكم لتأتون الذكور في أدبارهم‪ ,‬شهوة منكم لذلك‪ ,‬غير مبالين‬
‫بقبحها‪ ,‬تاركين الذي أحّله الله لكم من نسائكم‪ ,‬بل أنتم قوم‬
‫متجاوزون لحدود الله في السراف‪ .‬إن إتيان الذكور دون الناث‬
‫من الفواحش التي ابتدعها قوم لوط‪ ,‬ولم يسبقهم بها أحد من‬
‫الخلق‪.‬‬

‫خرجوهُم من قَريت ِك ُم إنه ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫س‬
‫م أَنا ٌ‬
‫ْ ِ ْ ْ َ ْ ِّ ُ ْ‬ ‫ن َقاُلوا أ ْ ِ ُ‬
‫مهِ إ ِل ّ أ ْ‬
‫ب قَوْ ِ‬
‫وا َ‬
‫ج َ‬
‫ن َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(82‬‬‫ي َت َط َهُّرو َ‬
‫وما كان جواب قوم لوط حين أنكر عليهم فعلهم الشنيع إل أن قال‬
‫طا وأهله من بلدكم‪ ,‬إنه ومن تبعه أناس‬‫بعضهم لبعض‪ :‬أخرجوا لو ً‬
‫يتنزهون عن إتيان أدبار الرجال والنساء‪.‬‬

‫ن )‪(83‬‬ ‫ري‬ ‫ب‬‫غا‬


‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ه‬ ‫ت‬‫فََأنجيناه وأ َهْل َه إل ّ امرأ َ‬
‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫َ َْ ُ َ‬
‫طا وأهله من العذاب حيث أمره بمغادرة ذلك البلد‪,‬‬ ‫فأنجى الله لو ً‬
‫إل امرأته‪ ,‬فإنها كانت من الهالكين الباقين في عذاب الله‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(84‬‬
‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫طرا ً َفانظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫مط َْرَنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫وَأ ْ‬

‫‪299‬‬
‫ذب الله الكفار من قوم لوط بأن أنزل عليهم مطًرا من‬ ‫وع ّ‬
‫الحجارة‪ ,‬وقلب بلدهم‪ ,‬فجعل عاليها سافلها‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫كيف صارت عاقبة الذين اجترؤوا على معاصي الله وكذبوا رسله‪.‬‬

‫ن إ ِل َه ٍ‬
‫ه‬ ‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مهها ل َك ُه ْ‬‫ه َ‬ ‫دوا الل ّه َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫شعَْيبا ً َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫ن أَ َ‬‫َ‬ ‫وَإ َِلى َ‬
‫مد ْي َ‬
‫سهوا‬ ‫خ ُ‬ ‫ن َول ت َب ْ َ‬ ‫ميهَزا َ‬ ‫ل َوال ْ ِ‬‫م فَأ َوُْفوا ال ْك َْيه َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫جاَءت ْك ُ ْ‬
‫م ب َي ّن َ ٌ‬ ‫غَي ُْرهُ قَد ْ َ‬
‫م‬‫كهه ْ‬ ‫خي ٌْر ل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫حَها ذ َل ِك ُ ْ‬‫صل ِ‬ ‫ض ب َعْد َ إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫دوا ِفي الْر ِ‬ ‫س ُ‬‫م َول ت ُْف ِ‬ ‫شَياَءهُ ْ‬ ‫س أَ ْ‬ ‫الّنا َ‬
‫ن )‪(85‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫ولقد أرسلنا إلى قبيلة "مدين" أخاهم شعيًبا عليه السلم‪ ,‬فقال‬
‫من إله‬
‫لهم‪ :‬يا قوم اعبدوا الله وحده ل شريك له; ليس لكم ِ‬
‫يستحق العبادة غيره جل وعل فأخلصوا له العبادة‪ ,‬قد جاءكم‬
‫دق ما أدعوكم إليه‪ ,‬فأدوا للناس حقوقهم‬
‫ص ْ‬
‫برهان من ربكم على ِ‬
‫بإيفاء الكيل‪ ,‬الميزان‪ ,‬ول تنقصوهم حقوقهم فتظلموهم‪ ,‬ول‬
‫تفسدوا في الرض ‪-‬بالكفر والظلم‪ -‬بعد إصلحها بشرائع النبياء‬
‫السابقين عليهم السلم‪ .‬ذلك الذي دعوتكم إليه خير لكم في‬
‫ي فيما دعوتكم إليه‪ ,‬عاملين بشرع‬
‫دنياكم وأخراكم‪ ,‬إن كنتم مصدق ّ‬
‫الله‪.‬‬

‫ن‬
‫مه َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ل الل ّههِ َ‬
‫مه ْ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬
‫ن وَت َ ُ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬‫ط ُتو ِ‬‫صَرا ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫دوا ب ِك ُ ّ‬‫َول ت َْقعُ ُ‬
‫ن‬ ‫م َوانظ ُهُروا ك َي ْه َ‬
‫ف ك َهها َ‬ ‫م قَِليل ً فَك َث َّرك ُ ْ‬ ‫وجا ً َواذ ْك ُُروا إ ِذ ْ ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ع َ‬‫ب ِهِ وَت َب ُْغون ََها ِ‬
‫ن )‪(86‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫مْف ِ‬‫ة ال ْ ُ‬
‫عاقِب َ ُ‬
‫َ‬
‫ول تقعدوا بكل طريق تتوعدون الناس بالقتل‪ ,‬إن لم يعطوكم‬
‫دق به عز وجل‪,‬‬ ‫دون عن سبيل الله القويم من ص ّ‬‫أموالهم‪ ,‬وتص ّ‬
‫عا‬
‫حا‪ ,‬وتبغون سبيل الله أن تكون معوجة‪ ,‬وتميلونها اتبا ً‬‫وعمل صال ً‬
‫لهوائكم‪ ,‬وتنّفرون الناس عن اتباعها‪ .‬واذكروا نعمة الله تعالى‬
‫عليكم إذ كان عددكم قليل فكّثركم‪ ,‬فأصبحتم أقوياء عزيزين‪,‬‬
‫ل بهم من‬ ‫وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين في الرض‪ ,‬وما ح ّ‬
‫الهلك والدمار؟‬

‫ُ‬
‫من ُههوا‬ ‫ة ل َه ْ‬
‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫ت ب ِههِ وَ َ‬
‫طائ َِف ه ٌ‬ ‫س هل ْ ُ‬‫ذي أْر ِ‬ ‫مُنوا ِبال ّ ِ‬ ‫مآ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ة ِ‬ ‫ن َ‬
‫طائ َِف ٌ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫مي َ‬
‫حاك ِ ِ‬‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ه ب َي ْن ََنا وَهُوَ َ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫حك ُ َ‬
‫حّتى ي َ ْ‬ ‫صب ُِروا َ‬‫َفا ْ‬
‫‪300‬‬
‫دقوا بالذي أرسلني اللههه بههه‪ ,‬وجماعههة لههم‬ ‫وإن كان جماعة منكم ص ّ‬
‫دقوا بهذلك‪ ,‬فهانتظروا أيهها المكهذبون قضهاء اللهه الفاصهل بيننها‬‫يص ّ‬
‫ل وعل‪-‬‬ ‫ل عليكم عذابه الذي أنههذرتكم بهه‪ .‬واللهه ‪-‬جه ّ‬
‫وبينكم حين يح ّ‬
‫هو خير الحاكمين بين عباده‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫الجزء التاسع ‪:‬‬

‫ن‬ ‫ب َوال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫شهعَي ْ ُ‬ ‫ك ي َهها ُ‬‫جن ّه َ‬ ‫مهِ ل َن ُ ْ‬
‫خرِ َ‬ ‫ن ق َ هو ْ ِ‬ ‫سهت َك ْب َُروا ِ‬
‫مه ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫مل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫َقا َ‬
‫ك من قَريت ِنا أ َو ل َتعودن في مل ّت ِنهها قَهها َ َ‬
‫ن)‬‫هي َ‬‫ل أوَل َهوْ ك ُن ّهها ك َههارِ ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫مع َ َ ِ ْ ْ َ َ ْ َ ُ ُ ّ ِ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫آ َ‬
‫‪(88‬‬
‫قال السادة والكبراء من قوم شعيب الذين تكبروا عن اليمان بالله‬
‫من معك‬ ‫واتباع رسوله شعيب عليه السلم‪ :‬لنخرجنك يا شعيب و َ‬
‫شعيب منكًرا‬ ‫من المؤمنين من ديارنا‪ ,‬إل إذا صرتم إلى ديننا‪ ,‬قال ُ‬
‫مّلتكم الباطلة‪ ,‬ولو كنا‬
‫ومتعجًبا من قولهم‪ :‬أنتابعكم على دينكم و ِ‬
‫منا ببطلنها؟‬‫كارهين لها لعِل ْ ِ‬

‫من ْهَهها‬
‫ه ِ‬‫جاَنا الل ّه ُ‬ ‫م ب َعْد َ إ ِذ ْ ن َ ّ‬‫مل ّت ِك ُ ْ‬
‫ن عُد َْنا ِفي ِ‬ ‫ذبا ً إ ِ ْ‬
‫قَد ْ افْت ََري َْنا عََلى الل ّهِ ك َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يءٍ‬‫شهه ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سعَ َرب َّنا ك ُ ّ‬ ‫ه َرب َّنا وَ ِ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ن ن َُعود َ ِفيَها إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ن ل ََنا أ ْ‬
‫كو ُ‬‫ما ي َ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫خي ْهُر‬‫ت َ‬ ‫حقّ وَأن ْه َ‬ ‫من َهها ب ِههال ْ َ‬‫ن قَوْ ِ‬ ‫ح ب َي ْن ََنا وَب َي ْه َ‬‫عْلما ً عََلى الل ّهِ ت َوَك ّل َْنا َرب َّنا افْت َ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(89‬‬ ‫حي َ‬‫ال َْفات ِ ِ‬
‫دنا‬ ‫وقال شعيب لقومه مستدر ً‬
‫كا‪ :‬قد اختلقنا على الله الكذب إن عُ ْ‬
‫إلى دينكم بعد أن أنقذنا الله منه‪ ,‬وليس لنا أن نتحول إلى غير دين‬
‫ما‪ ,‬فيعلم ما‬‫ربنا إل أن يشاء الله ربنا‪ ,‬وقد وسع ربنا كل شيء عل ً‬
‫يصلح للعباد‪ ,‬على الله وحده اعتمادنا هداية ونصرة‪ ,‬ربنا احكم بيننا‬
‫وبين قومنا بالحق‪ ,‬وأنت خير الحاكمين‪.‬‬

‫م ِإذا ً‬
‫ش هعَْيبا ً إ ِن ّك ُه ْ‬
‫م ُ‬ ‫مهِ ل َئ ِ ْ‬
‫ن ات ّب َعْت ُه ْ‬ ‫ن ق َ هو ْ ِ‬ ‫ن ك ََف هُروا ِ‬
‫مه ْ‬ ‫مل ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫وَقَهها َ‬
‫ن )‪(90‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫لَ َ‬
‫وقال السادة والكبراء المكذبون الرافضون لدعوة التوحيد إمعاًنا‬
‫في العتوّ والتمرد‪ ,‬محذرين من اتباع شعيب‪ :‬لئن اتبعتم شعيًبا إنكم‬
‫ذا لهالكون‪.‬‬‫إ ً‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(91‬‬
‫مي َ‬
‫جاث ِ ِ‬
‫م َ‬
‫دارِهِ ْ‬
‫حوا ِفي َ‬ ‫ة فَأ ْ‬
‫صب َ ُ‬ ‫جَف ُ‬
‫م الّر ْ‬ ‫فَأ َ‬
‫خذ َت ْهُ ْ‬

‫‪302‬‬
‫ة الشديدة‪ ,‬فأصبحوا في دارهم صرعى‬
‫م شعيب الزلزل ُ‬ ‫فأخذ َ ْ‬
‫ت قو َ‬
‫ميتين‪.‬‬

‫َ‬
‫ش هعَْيبا ً ك َههاُنوا هُ ه ْ‬
‫م‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ُ‬ ‫وا ِفيَها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م ي َغْن َ ْ‬ ‫شعَْيبا ً ك َأ ْ‬
‫ن ك َذ ُّبوا ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(92‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خا ِ‬‫ال ْ َ‬
‫الذين ك ّ‬
‫ذبوا شعيًبا كأنهم لم يقيموا في ديارهم‪ ,‬ولم يتمتعوا فيها‪,‬‬
‫حيث استؤصلوا‪ ,‬فلم يبق لهم أثر‪ ,‬وأصابهم الخسران والهلك في‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ت لَ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫كه ْ‬ ‫ح ُ‬
‫صه ْ‬
‫ت َرّبهي وَن َ َ‬
‫سال ِ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ ل ََقد ْ أب ْل َغْت ُك ُ ْ‬
‫م رِ َ‬ ‫فَت َوَّلى عَن ْهُ ْ‬
‫م وََقا َ‬
‫ن )‪(93‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫سى عََلى قَوْم ٍ َ‬ ‫فآ َ‬‫فَك َي ْ َ‬
‫فأعرض شعيب عنهم حينما أيقن بحلول العذاب بهم‪ ,‬وقال‪ :‬يا قوم‬
‫لقد أبلغتكم رسالت ربي‪ ,‬ونصحت لكم بالدخول في دين الله‬
‫والقلع عما أنتم عليه‪ ,‬فلم تسمعوا ولم تطيعوا‪ ,‬فكيف أحزن على‬
‫قوم جحدوا وحدانية الله وكذبوا رسله؟‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضهّراِء‬
‫سههاءِ َوال ّ‬ ‫ي إ ِل ّ أ َ َ‬
‫خهذ َْنا أهْل َهَهها ِبال ْب َأ َ‬ ‫ن ن َب ِه ّ‬ ‫سل َْنا فِههي قَْري َهةٍ ِ‬
‫مه ْ‬
‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(94‬‬ ‫عو َ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫م يَ ّ‬ ‫ل َعَل ّهُ ْ‬
‫ما‬
‫وما أرسلنا في قرية من نبي يدعوهم إلى عبادة الله‪ ,‬وينهاهم ع ّ‬
‫هم فيه من الشرك‪ ,‬فك ّ‬
‫ذبه قومه‪ ,‬إل ابتليناهم بالبأساء والضراء‪,‬‬
‫فأصبناهم في أبدانهم بالمراض والسقام‪ ,‬وفي أموالهم بالفقر‬
‫والحاجة; رجاء أن يستكينوا‪ ,‬وينيبوا إلى الله‪ ,‬ويرجعوا إلى الحق‪.‬‬

‫س آَباَءن َهها‬ ‫حت ّههى عََفههوا وَقَههاُلوا قَهد ْ َ‬


‫مه ّ‬ ‫ة َ‬‫سهن َ َ‬‫ح َ‬ ‫سي ّئ َةِ ال ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫كا َ‬ ‫م ب َد ّل َْنا َ‬
‫م َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(95‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬‫ة وَهُ ْ‬ ‫خذ َْناهُ ْ‬
‫م ب َغْت َ ً‬ ‫سّراُء فَأ َ‬‫ضّراُء َوال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫دلنا الحالة الطيبة الولى مكان الحالة السيئة‪ ,‬فأصبحوا في‬ ‫ثم ب ّ‬
‫سَعة ورخاء في أموالهم; إمهال لهم‪ ,‬ولعلهم‬‫عافية في أبدانهم‪ ,‬و َ‬
‫ما هم‬
‫فد معهم كل ذلك‪ ,‬ولم يعتبروا ولم ينتهوا ع ّ‬
‫يشكرون‪ ,‬فلم ي ُ ِ‬
‫فيه‪ ,‬وقالوا‪ :‬هذه عادة الدهر في أهله‪ ,‬يوم خير ويوم شر‪ ,‬وهو ما‬

‫‪303‬‬
‫جرى لبائنا من قبل‪ ,‬فأخذناهم بالعذاب فجأة وهم آمنون‪ ,‬ل يخطر‬
‫لهم الهلك على بال‪.‬‬

‫ماءِ‬‫سه َ‬ ‫ن ال ّ‬‫مه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫حَنا عَل َي ْهِ ه ْ‬


‫م ب ََرك َهها ٍ‬ ‫وا ل ََفت َ ْ‬
‫مُنوا َوات َّق ْ‬ ‫ل ال ُْقَرى آ َ‬ ‫ن أ َهْ َ‬ ‫َ‬
‫وَل َوْ أ ّ‬
‫م هن الس هماِء وال َ‬ ‫َوال َْرض ل َ‬
‫ض وَل َك ِه ْ‬
‫ن ك َهذ ُّبوا‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ٍ‬ ‫ها‬‫ه‬‫م ب ََرك َ‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬‫حن َهها عَل َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ف‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(96‬‬ ‫بو‬ ‫س‬
‫ُ َ ِ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ما‬‫خذ َْنا ُ ْ ِ َ‬
‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫فَأ َ‬
‫دقوا رسلهم واتبعوهم واجتنبوا ما نهاهم الله‬
‫ن أهل القرى ص ّ‬ ‫ولو أ ّ‬
‫عنه‪ ,‬لفتح الله لهم أبواب الخير من ك ّ‬
‫ل وجه‪ ,‬ولكنهم ك ّ‬
‫ذبوا‪,‬‬
‫فعاقبهم الله بالعذاب المهلك بسبب كفرهم ومعاصيهم‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َهْ ُ‬ ‫أ َفَأ َ‬


‫ن )‪(97‬‬
‫مو َ‬ ‫سَنا ب ََياتا ً وَهُ ْ‬
‫م َنائ ِ ُ‬ ‫م ب َأ ُ‬ ‫ل ال ُْقَرى أ ْ‬
‫ن ي َأت ِي َهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬
‫أيظن أهل القرى أنهم في منجاة ومأمن من عذاب الله‪ ,‬أن يأتيهم‬
‫ليل وهم نائمون؟‬

‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن أ َهْ ُ‬ ‫َ َ‬


‫م ي َل ْعَُبو َ‬
‫ن )‪(98‬‬ ‫حى وَهُ ْ‬
‫ض ً‬
‫سَنا ُ‬
‫م ب َأ ُ‬ ‫ل ال ُْقَرى أ ْ‬
‫ن ي َأت ِي َهُ ْ‬ ‫م َ‬
‫أوَأ ِ‬
‫أَوأمن أهل القرى أن يأتيهم عذاب الله وقت الضحى‪ ,‬وهم غافلون‬
‫ص الله هذين الوقتين بالذكر‪ ,‬لن‬
‫متشاغلون بأمور دنياهم؟ وخ ّ‬
‫النسان يكون أغ َْفل ما يكون فيهما‪ ,‬فمجيء العذاب فيهما أفظع‬
‫وأشد‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ن )‪(99‬‬
‫سُرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫مك َْر الل ّهِ إ ِل ّ ال َْقوْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫مك َْر الل ّهِ َفل ي َأ َ‬
‫م ُ‬ ‫أفَأ ِ‬
‫مُنوا َ‬
‫مك َْر الله وإمهاله لهم; استدرا ً‬
‫جا لهم بما‬ ‫أفأمن أهل القرى المكذبة َ‬
‫أنعم عليهم في دنياهم عقوبة لمكرهم؟ فل يأمن مكر الله إل القوم‬
‫الهالكون‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن ل َهوْ ن َ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ب َعْدِ أ َهْل ِهَهها‬ ‫ذين ي َرُثو َ َ‬ ‫َ‬


‫م‬
‫ص هب َْناهُ ْ‬
‫شههاءُ أ َ‬ ‫أ ْ‬ ‫م ْ‬‫ض ِ‬ ‫ن الْر َ‬ ‫م ي َهْدِ ل ِل ّ ِ َ ِ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫)‪(100‬‬ ‫ن‬
‫مُعو َ‬ ‫س َ‬‫م ل يَ ْ‬ ‫م وَن َط ْب َعُ عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م فَهُ ْ‬ ‫ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬

‫‪304‬‬
‫أَولم يتبين للذين سكنوا الرض من بعد إهلك أهلها السابقين‬
‫بسبب معاصيهم‪ ,‬فساروا سيرتهم‪ ,‬أن لو نشاء أصبناهم بسبب‬
‫ذنوبهم كما فعلنا بأسلفهم‪ ,‬ونختم على قلوبهم‪ ,‬فل يدخلها الحق‪,‬‬
‫ول يسمعون موعظة ول تذكيًرا؟‬

‫كم َ‬
‫ما‬‫ت فَ َ‬‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫سل ُهُ ْ‬
‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬‫ن أن َْبائ َِها وَل ََقد ْ َ‬‫ص عَل َي ْ َ ِ ْ‬‫ك ال ُْقَرى ن َُق ّ‬ ‫ت ِل ْ َ‬
‫ب‬‫ه عَل َههى قُل ُههو ِ‬ ‫ك ي َط ْب َهعُ الل ّه ُ‬‫ل ك َهذ َل ِ َ‬
‫ن قَب ْه ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫مهها ك َهذ ُّبوا ِ‬ ‫ك َههاُنوا ل ِي ُؤْ ِ‬
‫من ُههوا ب ِ َ‬
‫ن )‪(101‬‬ ‫ري َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬
‫دم ذِك ُْرها‪ ,‬وهي قرى قوم نوح وهود وصالح‬‫تلك القرى التي ت ََق ّ‬
‫ص عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من أخبارها‪ ,‬وما كان من‬‫ولوط وشعيب‪ ,‬نق ّ‬
‫مر رسل الله التي أرسلت إليهم‪ ,‬ما يحصل به عبرة للمعتبرين‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫ل القرى رسلنا بالحجج البينات‬‫وازدجار للظالمين‪ .‬ولقد جاءت أه َ‬
‫على صدقهم‪ ,‬فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل; بسبب‬
‫خت ْم ِ الله على قلوب هؤلء‬
‫طغيانهم وتكذيبهم بالحق‪ ,‬ومثل َ‬
‫الكافرين المذكورين يختم الله على قلوب الكافرين بمحمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(102‬‬ ‫م ل ََفا ِ‬
‫سِقي َ‬ ‫جد َْنا أك ْث ََرهُ ْ‬
‫ن وَ َ‬
‫ن عَهْدٍ وَإ ِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫جد َْنا لك ْث َرِهِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما وَ َ‬
‫وَ َ‬
‫دنا لكثر الم الماضية من أمانة ول وفاء بالعهد‪ ,‬وما وجدنا‬
‫ج ْ‬
‫وما وَ َ‬
‫أكثرهم إل فسقة عن طاعة الله وامتثال أمره‪.‬‬

‫مل َئ ِهِ فَظ َل َ ُ‬


‫مههوا ب ِهَهها‬ ‫سى ِبآَيات ِن َهها إ ِل َههى فِْرعَهوْ َ‬
‫ن وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ب َعَث َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن )‪(103‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫مْف ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬‫َفانظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫كرهم موسى بن عمران‬ ‫ثم بعثنا من بعد الرسل المتقدم ذِ ْ‬
‫ما منهم‬
‫بمعجزاتنا البينة إلى فرعون وقومه‪ ,‬فجحدوا وكفروا بها ظل ً‬
‫دا‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬متبصًرا كيف فعلنا بهم وأغرقناهم عن‬‫وعنا ً‬
‫آخرهم بمرأى من موسى وقومه؟ وتلك نهاية المفسدين‪.‬‬

‫ن )‪(104‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ن َر ّ‬
‫م ْ‬ ‫سو ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫ن إ ِّني َر ُ‬
‫سى َيا فِْرعَوْ ُ‬
‫مو َ‬ ‫وََقا َ‬
‫ل ُ‬

‫‪305‬‬
‫وقال موسى لفرعون محاوًرا مبل ًّغا‪ :‬إني رسو ٌ‬
‫ل من الله خالق‬
‫الخلق أجمعين‪ ,‬ومدّبر أحوالهم ومآلهم‪.‬‬

‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬ ‫جئ ْت ُك ُ ْ‬
‫م ب ِب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ إ ِل ّ ال ْ َ‬
‫حقّ قَد ْ ِ‬ ‫ن ل أ َُقو َ‬ ‫َ‬
‫حِقيقٌ عََلى أ ْ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ل )‪(105‬‬ ‫سَراِئي َ‬
‫مِعي ب َِني إ ِ ْ‬
‫ل َ‬ ‫فَأْر ِ‬
‫س ْ‬
‫جدير بأن ل أقول على الله إل الحق‪ ,‬وحريّ بي أن ألتزمه‪ ,‬قد‬
‫دق ما أذكره لكم‪,‬‬
‫ص ْ‬
‫جئتكم ببرهان وحجة باهرة من ربكم على ِ‬
‫سرك وقَْهرك‪ ,‬وخ ّ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫من أ ْ‬
‫فأطلق ‪-‬يا فرعون‪ -‬معي بني إسرائيل ِ‬
‫سبيلهم لعبادة الله‪.‬‬

‫ُ‬ ‫كنت جئ ْت بآية فَأ ْ‬


‫ن )‪(106‬‬
‫َ‬ ‫قي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫د‬‫صا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫كن‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ن ُ َ ِ َ ِ َ ٍ‬ ‫َقا َ‬
‫ل إِ ْ‬
‫ت بآية حسب زعمك فأتني بها‪,‬‬
‫ت جئ َ‬
‫قال فرعرن لموسى‪ :‬إن كن َ‬
‫ح دعواك ويثبت صدقك‪ ,‬إن كنت صادًقا فيما‬ ‫وأحضرها عندي; لتص ّ‬
‫دعيت أنك رسول رب العالمين‪.‬‬ ‫ا ّ‬

‫َ‬
‫ن )‪(107‬‬
‫مِبي ٌ‬ ‫ي ث ُعَْبا ٌ‬
‫ن ُ‬ ‫ذا هِ َ‬ ‫فَأل َْقى عَ َ‬
‫صاهُ فَإ ِ َ‬
‫فألقى موسى عصاه‪ ,‬فتحولت حّية عظيمة ظاهرة للعيان‪.‬‬

‫ن )‪(108‬‬
‫ري َ‬
‫ضاءُ ِللّناظ ِ ِ‬
‫ي ب َي ْ َ‬ ‫وَن ََزعَ ي َد َهُ فَإ ِ َ‬
‫ذا هِ َ‬
‫وجذب يده من جيبه أو من جناحه فإذا هي بيضاء كاللبن من غير‬
‫دها عادت إلى لونها الول‪ ,‬كسائر بدنه‪.‬‬
‫برص آية لفرعون‪ ,‬فإذا ر ّ‬

‫م )‪(109‬‬
‫حٌر عَِلي ٌ‬ ‫ذا ل َ َ‬
‫سا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫ن قَوْم ِ فِْرعَوْ َ‬
‫ن إِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫مل ِ‬ ‫َقا َ‬
‫قال الشراف من قوم فرعون‪ :‬إن موسى لساحر يأخذ بأعين‬
‫الناس بخداعه إياهم‪ ,‬حتى يخيل إليهم أن العصا حية‪ ,‬والشيء‬
‫بخلف ما هو عليه‪ ,‬وهو واسع العلم بالسحر ماهر به‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫ن )‪(110‬‬ ‫يريد أ َن يخرجك ُم من أ َرضك ُم فَما َ ْ‬
‫مُرو َ‬
‫ذا ت َأ ُ‬ ‫ُ ِ ُ ْ ُ ْ ِ َ ْ ِ ْ ْ ِ ْ َ‬
‫يريد أن يخرجكم جميًعا من أرضكم‪ ,‬قال فرعون‪ :‬فبماذا تشيرون‬
‫ي أيها المل في أمر موسى؟‬‫عل ّ‬

‫َ‬ ‫جهِ وَأ َ َ‬ ‫َ‬


‫ن )‪(111‬‬
‫ري َ‬
‫ش ِ‬
‫حا ِ‬
‫ن َ‬
‫دائ ِ ِ‬ ‫ل ِفي ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫س ْ‬
‫خاهُ وَأْر ِ‬ ‫َقاُلوا أْر ِ‬
‫من سادة قوم فرعون وكبرائهم‪:‬‬‫من حضر مناظرة موسى ِ‬ ‫قال َ‬
‫خر موسى وأخاه هارون‪ ,‬وابعث في مدائن "مصر" وأقاليمها‬‫أَ ّ‬
‫ال ّ‬
‫شَرط‪.‬‬

‫حرٍ عَِليم ٍ )‪(112‬‬


‫سا ِ‬
‫ل َ‬ ‫ي َأ ُْتو َ‬
‫ك ب ِك ُ ّ‬
‫ليجمعوا لك كل ساحر واسع العلم بالسحر‪.‬‬

‫ن ال ْغَههال ِِبي َ‬
‫ن)‬ ‫حه ُ‬ ‫ن ل َن َهها ل َ ْ‬
‫جههرا ً إ ِ ْ‬
‫ن ك ُن ّهها ن َ ْ‬ ‫ن قَههاُلوا إ ِ ّ‬
‫حَرةُ فِْرعَوْ َ‬
‫س َ‬
‫جاءَ ال ّ‬
‫وَ َ‬
‫‪(113‬‬
‫ن لنا لجائزة ومال إن غَل َْبنا موسى؟‬
‫وجاء السحرة فرعون قالوا‪ :‬أئ ّ‬

‫ن )‪(114‬‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَقّرِبي َ‬ ‫م لَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م وَإ ِن ّك ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل ن َعَ ْ‬
‫قال فرعون‪ :‬نعم لكم الجر والقرب مني إن غَل َب ُْتموه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مل ِْقي َ‬
‫ن )‪(115‬‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ح ُ‬
‫ن نَ ْ‬ ‫ن نَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ن ت ُل ِْق َ‬
‫ي وَإ ِ ّ‬ ‫ما أ ْ‬
‫سى إ ِ ّ‬ ‫َقاُلوا َيا ُ‬
‫مو َ‬
‫قال سحرة فرعون لموسى على سبيل التكبر وعدم المبالة‪ :‬يا‬
‫موسى اختر أن ُتلقي عصاك أول أو ُنلقي نحن أول‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ َ‬


‫جههاُءوا‬
‫م وَ َ‬
‫سهت َْرهَُبوهُ ْ‬
‫س َوا ْ‬
‫ن الن ّهها ِ‬
‫حُروا أعْي ُه َ‬
‫سه َ‬ ‫مهها أل َْقه ْ‬
‫وا َ‬ ‫ل أل ُْقوا فَل َ ّ‬
‫ظيم ٍ )‪(116‬‬ ‫حرٍ عَ ِ‬ ‫س ْ‬
‫بِ ِ‬

‫‪307‬‬
‫ي سحروا‬‫قال موسى للسحرة‪ :‬ألقوا أنتم‪ ,‬فلما ألَقوا الحبال والعص ّ‬
‫خّيل إلى البصار أن ما فعلوه حقيقة‪ ,‬ولم يكن إل‬ ‫أعين الناس‪ ,‬ف ُ‬
‫دا‪ ,‬وجاؤوا بسحر‬
‫مجرد صنعة وخيال‪ ,‬وأرهبوا الناس إرهاًبا شدي ً‬
‫قوي كثير‪.‬‬

‫ن)‬ ‫مهها ي َهأ ْفِ ُ‬


‫كو َ‬ ‫ي ت َل َْقه ُ‬
‫ف َ‬ ‫ذا هِه َ‬ ‫صهها َ‬
‫ك ف َ هإ ِ َ‬ ‫ق عَ َ‬ ‫سى أ َ ْ َ ْ‬
‫ن أل ِ‬ ‫حي َْنا إ َِلى ُ‬
‫مو َ‬
‫َ‬
‫وَأوْ َ‬
‫‪(117‬‬
‫وأوحى الله إلى عبده ورسوله موسى عليه السلم في ذلك‬
‫الموقف العظيم الذي فّرق الله فيه بين الحق والباطل‪ ,‬يأمره بأن‬
‫ُيلقي ما في يمينه وهي عصاه‪ ,‬فألقاها فإذا هي تبلع ما يلقونه‪,‬‬
‫ويوهمون الناس أنه حق وهو باطل‪.‬‬

‫مُلو َ‬
‫ن )‪(118‬‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫حقّ وَب َط َ َ‬
‫ل َ‬ ‫فَوَقَعَ ال ْ َ‬
‫فظهر الحق واستبان لمن شهده وحضره في أمر موسى عليه‬
‫السلم‪ ,‬وأنه رسول الله يدعو إلى الحق‪ ,‬وبطل الكذب الذي كانوا‬
‫يعملونه‪.‬‬

‫ن )‪(119‬‬
‫ري َ‬ ‫ك َوانَقل َُبوا َ‬
‫صاِغ ِ‬ ‫فَغُل ُِبوا هَُنال ِ َ‬

‫ب جميع السحرة في مكان اجتماعهم‪ ,‬وانصرف فرعون وقومه‬‫فغُل ِ َ‬


‫أذلء مقهورين مغلوبين‪.‬‬

‫ُ‬
‫ن )‪(120‬‬
‫دي َ‬
‫ج ِ‬
‫سا ِ‬
‫حَرةُ َ‬
‫س َ‬ ‫وَأل ِْق َ‬
‫ي ال ّ‬
‫ما عاينوا من‬
‫دا على وجوههم لله رب العالمين ل ِ َ‬
‫ج ً‬
‫س ّ‬
‫خّر السحرة ُ‬‫و َ‬
‫عظيم قدرة الله‪.‬‬

‫ن )‪(121‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫َقاُلوا آ َ‬
‫مّنا ب َِر ّ‬
‫قالوا‪ :‬آمنا برب العالمين‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫ن )‪(122‬‬
‫هاُرو َ‬
‫سى وَ َ‬
‫مو َ‬
‫ب ُ‬
‫َر ّ‬
‫وهو رب موسى وهارون‪ ,‬وهو الذي يجب أن تصرف له العبادة‬
‫من سواه‪.‬‬
‫وحده دون َ‬

‫ل فرعَون آمنتم به قَب َ َ‬


‫مك َْرت ُ ُ‬
‫مههوهُ فِههي‬ ‫ذا ل َ َ‬
‫مك ْهٌر َ‬ ‫ن هَ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫ن آذ َ َ‬
‫لأ ْ‬ ‫َقا َ ِ ْ ْ ُ َ ُ ْ ِ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(123‬‬ ‫مو َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬‫سو ْ َ‬ ‫من َْها أهْل ََها فَ َ‬
‫جوا ِ‬
‫خرِ ُ‬
‫دين َةِ ل ِت ُ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م ِ‬
‫قال فرعون للسحرة‪ :‬آمنتم بالله قبل أن آذن لكم باليمان به؟ إن‬
‫إيمانكم بالله وتصديقكم لموسى وإقراركم بنبوته لحيلة احتلتموها‬
‫أنتم وموسى; لتخرجوا أهل مدينتكم منها‪ ,‬وتكونوا المستأثرين‬
‫ل بكم من العذاب‬ ‫بخيراتها‪ ,‬فسوف تعلمون ‪-‬أيها السحرة‪ -‬ما يح ّ‬
‫والنكال‪.‬‬

‫خلف ث ُم لصل ّبنك ُ َ‬ ‫َ‬ ‫لقَط ّع َ‬


‫ن )‪(124‬‬
‫مِعي َ‬
‫ج َ‬
‫مأ ْ‬‫َ َّ ْ‬ ‫ٍ ّ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫جل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن أي ْدِي َك ُ ْ‬
‫م وَأْر ُ‬ ‫َ ّ‬
‫ن أيديكم وأرجلكم ‪-‬أيها السحرة‪ -‬من خلف‪ :‬بقطع اليد‬ ‫لقطع ّ‬
‫اليمنى والرجل اليسرى‪ ,‬أو اليد اليسرى والرجل اليمنى‪ ,‬ثم‬
‫لعلقّنكم جميًعا على جذوع النخل; تنكيل بكم وإرهاًبا للناس‪.‬‬

‫ن )‪(125‬‬ ‫َقاُلوا إ ِّنا إ َِلى َرب َّنا ُ‬


‫منَقل ُِبو َ‬
‫قال السحرة لفرعون‪ :‬قد تحققنا أّنا إلى الله راجعون‪ ,‬وأن عذابه‬
‫ن اليوم على عذابك; ِلننجو من عذاب الله‬ ‫أشد من عذابك‪ ,‬فلنصبر ّ‬
‫يوم القيامة‪.‬‬

‫ص هْبرا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫جاَءت َْنا َرب َّنا أفْرِغْ عَل َي ْن َهها َ‬ ‫ت َرب َّنا ل َ ّ‬
‫ما َ‬ ‫مّنا ِبآَيا ِ‬ ‫مّنا إ ِل ّ أ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ما َتنِق ُ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(126‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫وَت َوَفَّنا ُ‬
‫ت تعيب منا وتنكر ‪-‬يا فرعون‪ -‬إل إيماننا وتصديقنا بحجج ربنا‬
‫ولس َ‬
‫وأدلته التي جاء بها موسى ول تقدر على مثلها أنت ول أحد آخر‬

‫‪309‬‬
‫ض علينا صبًرا‬ ‫َ‬
‫سوى الله الذي له ملك السموات والرض‪ ,‬ربنا أفِ ْ‬
‫ما وثباتا عليه‪ ,‬وتوّفنا منقادين لمرك متبعين رسولك‪.‬‬
‫عظي ً‬

‫ض‬ ‫ر‬ ‫دوا ِفي ال َ‬ ‫س‬ ‫ف‬


‫ْ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫سى‬ ‫مو‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ت‬‫ل ال ْمل من قَوم فرعَون أ َ‬ ‫وََقا َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ْ ْ ِ ِ ْ ْ َ‬
‫َ‬ ‫ك َوآل ِهَت َ َ‬‫وَي َذ ََر َ‬
‫م‬ ‫م وَإ ِن ّهها فَ هوْقَهُ ْ‬ ‫سههاَءهُ ْ‬ ‫ي نِ َ‬‫ح ِ‬ ‫س هت َ ْ‬
‫م وَن َ ْ‬ ‫ل أب َْناَءهُ ْ‬ ‫سن َُقت ّ ُ‬ ‫ك َقا َ‬
‫ل َ‬
‫ن )‪(127‬‬ ‫َقاهُِرو َ‬
‫وقال السادة والكبراء من قوم فرعون لفرعون‪ :‬أ َت َد َعُ موسى‬
‫وقومه من بني إسرائيل ليفسدوا الناس في أرض "مصر" بتغيير‬
‫دينهم بعبادة الله وحده ل شريك له‪ ,‬وترك عبادتك وعبادة آلهتك؟‬
‫قال فرعون‪ :‬سن َُقّتل أبناء بني إسرائيل ونستبقي نساءهم أحياء‬
‫ك والسلطان‪.‬‬‫مل ْ ِ‬
‫للخدمة‪ ,‬وإّنا عالون عليهم بقهر ال ُ‬

‫مهِ است َِعيُنوا بالل ّهِ واصبروا إ ّ َ‬


‫ن‬ ‫ض ل ِل ّهِ ُيورِث َُها َ‬
‫م ْ‬ ‫ن الْر َ‬‫ِ‬ ‫َ ْ ُِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫سى ل َِقوْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل ُ‬
‫ن )‪(128‬‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫عَبادِهِ َوال َْعاقِب َ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫يَ َ‬
‫شاُء ِ‬
‫قال موسى لقومه ‪-‬من بني إسرائيل‪ :-‬استعينوا بالله على فرعون‬
‫وقومه‪ ,‬واصبروا على ما نالكم من فرعون من المكاره في‬
‫أنفسكم وأبنائكم‪ .‬إن الرض كلها لله يورثها من يشاء من عباده‪,‬‬
‫والعاقبة المحمودة لمن اتقى الله ففعل أوامره واجتنب نواهيه‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل عَسى ربك ُ َ‬ ‫جئ ْت ََنا َقا َ‬ ‫ْ‬ ‫َقاُلوا ُأوذينا من قَب َ‬
‫مأ ْ‬‫َ ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ما ِ‬‫ن ب َعْدِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ت َأت ِي ََنا وَ ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ِ َ ِ ْ ْ ِ‬
‫مُلو َ‬ ‫ض فََينظ َُر ك َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(129‬‬ ‫ف ت َعْ َ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫خل َِفك ُ ْ‬‫ست َ ْ‬ ‫ك عَد ُوّك ُ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫ي ُهْل ِ َ‬

‫قال قوم موسى ‪-‬من بني إسرائيل‪ -‬لنبيهم موسى‪ :‬ابُتلينا وُأوذينا‬
‫بذبح أبنائنا واستحياء نسائنا على يد فرعون وقومه‪ ,‬من قبل أن‬
‫تأتينا‪ ,‬ومن بعد ما جئتنا‪ ,‬قال موسى لهم‪ :‬لعل ربكم أن يهلك‬
‫عدوكم فرعون وقومه‪ ,‬ويستخلفكم في أرضهم بعد هلكهم‪ ,‬فينظر‬
‫كيف تعملون‪ ,‬هل تشكرون أو تكفرون؟‬

‫ن‬ ‫ت ل َعَل ّهُ ْ‬


‫م َيههذ ّك ُّرو َ‬ ‫ن الث ّ َ‬
‫مَرا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ص ِ‬
‫ن وَن َْق ٍ‬
‫سِني َ‬
‫ن ِبال ّ‬
‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫وَل ََقد ْ أ َ َ‬
‫خذ َْنا آ َ‬
‫)‪(130‬‬

‫‪310‬‬
‫ولقد ابتلينا فرعون وقومه بالقحط والجدب‪ ,‬ون َْقص ثمارهم‬
‫غلتهم; ليتذكروا‪ ,‬وينزجروا عن ضللتهم‪ ,‬ويفزعوا إلى ربهم‬‫و َ‬
‫بالتوبة‪.‬‬

‫ة ي َط ّي ّهُروا‬
‫س هي ّئ َ ٌ‬
‫م َ‬ ‫ص هب ْهُ ْ‬ ‫ة قَههاُلوا ل َن َهها هَ هذِهِ وَإ ِ ْ‬
‫ن تُ ِ‬ ‫س هن َ ُ‬
‫ح َ‬‫م ال ْ َ‬
‫جههاَءت ْهُ ْ‬ ‫ف َ هإ ِ َ‬
‫ذا َ‬
‫عند الل ّه ول َك َ‬ ‫بموسى ومن مع َ‬
‫ن‬
‫مو َ‬‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ِ َ ِ ّ‬ ‫م ِ ْ َ‬‫طائ ُِرهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ه أل إ ِن ّ َ‬‫َ َ ْ َ َ ُ‬ ‫ِ ُ َ‬
‫)‪(131‬‬
‫ب والرزقُ قالوا‪ :‬هذا لنا بما نستحقه‪,‬‬
‫ص ُ‬
‫خ ْ‬
‫مه ال ِ‬
‫ن وقو َ‬‫فإذا جاء فرعو َ‬
‫صْبهم جدب وقحط يتشاءموا‪ ,‬ويقولوا‪ :‬هذا بسبب موسى‬ ‫وإن ي ُ ِ‬
‫ن ما يصيبهم من الجدب والقحط إنما هو بقضاء الله‬ ‫من معه‪ .‬أل إ ّ‬ ‫و َ‬
‫وقدره‪ ,‬وبسبب ذنوبهم وكفرهم‪ ,‬ولكن أكثر قوم فرعون ل يعلمون‬
‫ذلك; لنغمارهم في الجهل والضلل‪.‬‬

‫ن ل َه َ‬ ‫ْ‬
‫ن)‬ ‫م هؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ك بِ ُ‬ ‫حه ُ‬ ‫حَرَنا ب ِهَهها فَ َ‬
‫مهها ن َ ْ‬ ‫سه َ‬
‫ن آي َةٍ ل ِت َ ْ‬
‫م ْ‬
‫ما ت َأت َِنا ب ِهِ ِ‬ ‫وََقاُلوا َ‬
‫مه ْ َ‬
‫‪(132‬‬
‫وقال قوم فرعون لموسى‪ :‬أي آية تأِتنا بها‪ ,‬ودللة وحجة أقمتها‬
‫دقين‪.‬‬‫لتصرفنا عما نحن عليه من دين فرعون‪ ,‬فما نحن لك بمص ّ‬

‫َ‬
‫ت‬
‫م آي َهها ٍ‬
‫ض هَفادِعَ َوال هد ّ َ‬ ‫مه َ‬
‫ل َوال ّ‬ ‫ج هَراد َ َوال ُْق ّ‬‫ن َوال ْ َ‬
‫طوَفا َ‬‫م ال ّ‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫فَأْر َ‬
‫ن )‪(133‬‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫وما ً ُ‬
‫م ْ‬ ‫كاُنوا قَ ْ‬ ‫ست َك ْب َُروا وَ َ‬
‫ت َفا ْ‬ ‫صل ٍ‬ ‫مَف ّ‬‫ُ‬
‫فأرسلنا عليهم سيل جارًفا أغرق الزروع والثمار‪ ,‬وأرسلنا الجراد‪,‬‬
‫مل‬
‫فأكل زروعهم وثمارهم وأبوابهم وسقوفهم وثيابهم‪ ,‬وأرسلنا الُق ّ‬
‫الذي يفسد الثمار ويقضي على الحيوان والنبات‪ ,‬وأرسلنا الضفادع‬
‫ضا الدم فصارت‬ ‫فملت آنيتهم وأطعمتهم ومضاجعهم‪ ,‬وأرسلنا أي ً‬
‫حا للشرب‪ ,‬هذه آيات من‬ ‫ما‪ ,‬ولم يجدوا ماء صال ً‬
‫أنهارهم وآبارهم د ً‬
‫آيات الله ل يقدر عليها غيره‪ ,‬مفرقات بعضها عن بعض‪ ,‬ومع كل‬
‫هذا ترّفع قوم فرعون‪ ,‬فاستكبروا عن اليمان بالله‪ ,‬وكانوا قو ً‬
‫ما‬
‫دا‪.‬‬
‫وا وتمر ً‬
‫يعملون بما ينهى الله عنه من المعاصي والفسق عت ّ‬

‫عن ْهد َ َ‬
‫ك‬ ‫ما عَهِ هد َ ِ‬ ‫سى اد ْعُ ل ََنا َرب ّ َ‬
‫ك بِ َ‬ ‫جُز َقاُلوا َيا ُ‬
‫مو َ‬ ‫ما وَقَعَ عَل َي ْهِ ْ‬
‫م الّر ْ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫‪311‬‬
‫سهَراِئي َ‬
‫ل)‬ ‫مَعه َ‬
‫ك ب َِنهي إ ِ ْ‬ ‫سهل َ ّ‬
‫ن َ‬ ‫ك وَل َن ُْر ِ‬
‫ن َله َ‬ ‫جَز ل َن ُؤْ ِ‬
‫من َ ّ‬ ‫ت عَّنا الّر ْ‬
‫شْف َ‬ ‫ل َئ ِ ْ‬
‫ن كَ َ‬
‫‪(134‬‬
‫ولما نزل العذاب على فرعون وقومه فزعوا إلى موسى وقالوا‪ :‬يا‬
‫من َرْفع العذاب بالتوبة‪ ,‬لئن‬‫موسى ادع لنا ربك بما أوحى به إليك ِ‬
‫ن بما جئت به‪ ,‬ونتبع ما‬ ‫دق ّ‬
‫رفعت عنا العذاب الذي نحن فيه لنص ّ‬
‫ن معك بني إسرائيل‪ ,‬فل نمنعهم من أن يذهبوا‬ ‫دعوت إليه‪ ,‬ولنطلق ّ‬
‫حيث شاؤوا‪.‬‬

‫َ‬
‫م َينك ُُثو َ‬
‫ن )‪(135‬‬ ‫م َبال ُِغوهُ إ ِ َ‬
‫ذا هُ ْ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫جَز إ َِلى أ َ‬
‫ج ٍ‬ ‫م الّر ْ‬
‫شْفَنا عَن ْهُ ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما ك َ َ‬
‫ل هم بالغوه ل‬ ‫فلما رفع الله عنهم العذاب الذى أنزله بهم إلى أج ٍ‬
‫ف‬
‫ش ِ‬ ‫دم لهم من المهال وك َ ْ‬‫محالة فيعذبون فيه‪ ,‬ل ينفعهم ما تق ّ‬
‫العذاب إلى حلوله‪ ,‬إذا هم ينقضون عهودهم التي عاهدوا عليها‬
‫ربهم وموسى‪ ,‬ويقيمون على كفرهم وضللهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م ك َهذ ُّبوا ِبآَيات ِن َهها وَك َههاُنوا عَن ْهَهها‬ ‫م ِفي ال ْي َ ّ‬
‫م ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫م فَأغَْرقَْناهُ ْ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫َفانت ََق ْ‬
‫مَنا ِ‬
‫ن )‪(136‬‬ ‫غافِِلي َ‬ ‫َ‬

‫فانتقمنا منهم حين جاء الجل المحدد لهلكهم‪ ,‬وذلك بإحلل نقمتنا‬
‫عليهم‪ ,‬وهي إغراقهم في البحر; بسبب تكذيبهم بالمعجزات التي‬
‫ظهرت على يد موسى‪ ,‬وكانوا عن هذه المعجزات غافلين‪ ,‬وتلك‬
‫الغفلة هي سبب التكذيب‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مَغارِب َهَهها‬‫ض وَ َ‬
‫شههارِقَ الْر ِ‬ ‫م َ‬‫ن َ‬ ‫ض هعَُفو َ‬ ‫ن ك َههاُنوا ي ُ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّه ِ‬‫وَأوَْرث َْنا ال َْقهوْ َ‬
‫مهها‬‫ل بِ َ‬‫س هَراِئي َ‬ ‫سَنى عَل َههى ب َن ِههي إ ِ ْ‬ ‫ح ْ‬‫ك ال ْ ُ‬‫ة َرب ّ َ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬‫ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها وَت َ ّ‬
‫ن)‬ ‫شههو َ‬ ‫مهها َ‬
‫كهاُنوا ي َعْرِ ُ‬ ‫ه وَ َ‬
‫م ُ‬‫ن وَقَهوْ ُ‬
‫صهن َعُ فِْرعَهوْ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫مْرَنا َ‬‫صب َُروا وَد َ ّ‬ ‫َ‬
‫‪(137‬‬
‫وأررثنا بني إسرائيل الذين كانوا ُيست َذ َّلون للخدمة‪ ,‬مشارق الرض‬
‫ومغاربها )وهي بلد "الشام"( التي باركنا فيها‪ ,‬بإخراج الزروع‬
‫والثمار والنهار‪ ,‬وتمت كلمة ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الحسنى على بني‬
‫إسرائيل بالتمكين لهم في الرض; بسبب صبرهم على أذى فرعون‬

‫‪312‬‬
‫مرنا ما كان يصنع فرعون وقومه من العمارات‬ ‫وقومه‪ ,‬ود ّ‬
‫والمزارع‪ ,‬وما كانوا يبنون من البنية والقصور وغير ذلك‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ص هَنام ٍ‬‫ن عَل َههى أ ْ‬ ‫وا عََلى قَوْم ٍ ي َعْك ُُفههو َ‬ ‫حَر فَأت َ ْ‬ ‫ل ال ْب َ ْ‬
‫سَراِئي َ‬
‫جاوَْزَنا ب ِب َِني إ ِ ْ‬
‫وَ َ‬
‫م‬‫م َقهوْ ٌ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬
‫كه ْ‬ ‫ة َقها َ‬
‫م آل َِهه ٌ‬‫مها ل َُهه ْ‬
‫جَعهل ل ََنها إ َِلهها ً ك َ َ‬ ‫سى ا ْ‬ ‫مو َ‬ ‫م َقاُلوا َيا ُ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ن )‪(138‬‬ ‫جهَُلو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫وقطعنا ببني إسرائيل البحر‪ ,‬فمّروا على قوم يقيمون ويواظبون‬
‫ما‬
‫على عبادة أصنام لهم‪ ,‬قال بنو إسرائيل‪ :‬اجعل لنا يا موسى صن ً‬
‫نعبده ونتخذه إلًها‪ ,‬كما لهؤلء القوم أصنام يعبدونها‪ ,‬قال موسى‬
‫لهم‪ :‬إنكم أيها القوم تجهلون عظمة الله‪ ,‬ول تعلمون أن العبادة ل‬
‫تنبغي إل لله الواحد القهار‪.‬‬

‫مُلو َ‬
‫ن )‪(139‬‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ل َ‬‫م ِفيهِ وََباط ِ ٌ‬
‫ما هُ ْ‬
‫مت َب ٌّر َ‬ ‫ن هَ ُ‬
‫ؤلِء ُ‬ ‫إِ ّ‬
‫مهَْلك ما هم فيه من الشرك‪,‬‬ ‫إن هؤلء المقيمين على هذه الصنام ُ‬
‫مر وباطل ما كانوا يعملون من عبادتهم لتلك الصنام‪ ,‬التي ل‬ ‫ومد ّ‬
‫تدفع عنهم عذاب الله إذا نزل بهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َقا َ َ‬
‫ن )‪(140‬‬ ‫م عََلى ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ضل َك ُ ْ‬
‫م إ َِلها ً وَهُوَ فَ ّ‬
‫ل أغَي َْر الل ّهِ أب ِْغيك ُ ْ‬
‫قال موسى لقومه‪ :‬أغير الله أطلب لكم معبوًدا تعبدونه من دونه‪,‬‬
‫ضلكم على عالمي زمانكم بكثرة النبياء‬‫والله هو الذي خلقكم‪ ,‬وف ّ‬
‫صكم به من اليات؟‬
‫فيكم‪ ,‬وإهلك عدوكم وما خ ّ‬

‫َ‬
‫ب ي َُقت ّل ُههو َ‬
‫ن‬ ‫سههوَء ال ْعَ ه َ‬
‫ذا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫مون َك ُ ْ‬
‫سههو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬‫ل فِْرعَ هوْ َ‬ ‫نآ ِ‬ ‫مه ْ‬
‫م ِ‬ ‫جي ْن َههاك ُ ْ‬
‫وَإ ِذ ْ أن َ‬
‫َ‬
‫م )‪(141‬‬ ‫ظي ٌ‬
‫م عَ ِ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬‫م ْ‬
‫م َبلٌء ِ‬ ‫م وَِفي ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ساَءك ُ ْ‬‫ن نِ َ‬
‫حُيو َ‬
‫ست َ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫أب َْناَءك ُ ْ‬
‫سر‬ ‫َ‬
‫واذكروا ‪ -‬يا بني إسرائيل ‪ -‬ن َِعمنا عليكم إذ أنقذناكم من أ ْ‬
‫فرعون وآله‪ ,‬وما كنتم فيه من الهوان والذلة من تذبيح أبنائكم‬
‫مِلكم على أقبح العذاب وأسوئه‪,‬‬ ‫ح ْ‬
‫واستبقاء نسائكم للخدمة‪ ,‬وفي َ‬
‫ثم إنجائكم‪ ,‬اختبار من الله لكم ونعمة عظيمة‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫َ‬ ‫وواعَدنا موسى َثلِثين ل َيل َ ً َ‬
‫ن‬‫ت َرب ّهِ أْرب َِعيهه َ‬ ‫ميَقا ُ‬
‫م ِ‬ ‫شرٍ فَت َ ّ‬
‫ها ب ِعَ ْ‬
‫مَنا َ‬‫م ْ‬
‫ة وَأت ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َْ ُ َ‬
‫َ‬ ‫سى ل َ ِ‬
‫ع‬
‫ح َول ت َت ّب ِه ْ‬‫ص هل ِ ْ‬
‫مي وَأ ْ‬ ‫خل ُْفِني فِههي قَهوْ ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫هاُرو َ‬‫خيهِ َ‬ ‫مو َ‬‫ل ُ‬‫ة وََقا َ‬ ‫ل َي ْل َ ً‬
‫ن )‪(142‬‬ ‫دي َ‬
‫س ِ‬
‫مْف ِ‬‫ل ال ْ ُ‬
‫سِبي َ‬ ‫َ‬
‫وواعد الله سبحانه وتعالى موسى لمناجاة ربه ثلثين ليلة‪ ,‬ثم زاده‬
‫م ما وَقَّته الله لموسى لتكليمه‬
‫في الجل بعد ذلك عشر ليال‪ ,‬فت ّ‬
‫ي لمناجاة‬
‫أربعين ليلة‪ .‬وقال موسى لخيه هارون ‪-‬حين أراد المض ّ‬
‫مَلهم على طاعة الله‬ ‫ربه‪ :-‬كن خليفتي في قومي حتى أرجع‪ ,‬وأح ِ‬
‫ك طريق الذين يفسدون في الرض‪.‬‬ ‫وعبادته‪ ,‬ول تسل ْ‬

‫ك قَهها َ‬
‫ل‬ ‫ب أ َرِِني َأنظ ُْر إ ِل َي ْه َ‬ ‫ل َر ّ‬‫ه َقا َ‬ ‫ه َرب ّ ُ‬‫م ُ‬ ‫ميَقات َِنا وَك َل ّ َ‬ ‫سى ل ِ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫جاَء ُ‬ ‫ما َ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫ف ت ََران ِههي‬‫س هو ْ َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫مك َههان َ ُ‬
‫سهت ََقّر َ‬‫نا ْ‬ ‫ل فَإ ِ ْ‬ ‫جب َ ِ‬ ‫ن انظ ُْر إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ن ت ََراِني وَل َك ِ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫ل‬‫مهها أ َفَههاقَ قَهها َ‬ ‫صِعقا ً فَل َ ّ‬ ‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫خّر ُ‬ ‫ه د َك ّا ً وَ َ‬ ‫جعَل َ ُ‬
‫ل َ‬ ‫جب َ ِ‬‫ه ل ِل ْ َ‬ ‫جّلى َرب ّ ُ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ن )‪(143‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ك وَأ ََنا أ َوّ ُ‬ ‫ت إ ِل َي ْ َ‬ ‫حان َ َ‬
‫ك ت ُب ْ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ولما جاء موسى في الوقت المحدد وهو تمام أربعين ليلة‪ ,‬وكّلمه‬
‫ربه بما كّلمه من وحيه وأمره ونهيه‪ ,‬طمع في رؤية الله فطلب‬
‫النظر إليه‪ ,‬قال الله له‪ :‬لن تراني‪ ,‬أي لن تقدر على رؤيتي في‬
‫ت له‬ ‫الدنيا‪ ,‬ولكن انظر إلى الجبل‪ ,‬فإن استقر مكانه إذا تجّلي ُ‬
‫كا مستوًيا بالرض‪,‬‬ ‫فسوف تراني‪ ,‬فلما تجّلى ربه للجبل جعله د ّ‬
‫وسقط موسى مغشّيا عليه‪ ,‬فلما أفاق من غشيته قال‪ :‬تنزيًها لك يا‬
‫رب عما ل يليق بجللك‪ ,‬إني تبت إليك من مسألتي إياك الرؤية في‬
‫هذه الحياة الدنيا‪ ,‬وأنا أول المؤمنين بك من قومي‪.‬‬

‫مههي فَ ُ‬
‫خ هذ ْ‬ ‫سالِتي وَب ِ َ‬
‫كل ِ‬ ‫س ب ِرِ َ‬ ‫صط ََفي ْت ُ َ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ك عَلى الّنا ِ‬ ‫سى إ ِّني ا ْ‬‫مو َ‬ ‫ل َيا ُ‬
‫ن )‪(144‬‬‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫ك وَك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُ َ‬‫َ‬
‫قال الله يا موسى‪ :‬إني اخترتك على الناس برسالتي إلى خلقي‬
‫من غير وساطة‪ ,‬فخذ ما‬ ‫الذين أرسلتك إليهم وبكلمي إياك ِ‬
‫سك به‪ ,‬واعمل به‪ ,‬وكن من‬‫من أمري ونهيي‪ ,‬وتم ّ‬ ‫أعطيتك ِ‬
‫صك بكلمه‪.‬‬‫الشاكرين لله تعالى على ما آتاك من رسالته‪ ,‬وخ ّ‬

‫‪314‬‬
‫يءٍ‬
‫شه ْ‬ ‫ل َ‬‫صههيل ً ل ِك ُه ّ‬
‫ة وَت َْف ِ‬ ‫عظ َه ً‬
‫مو ْ ِ‬
‫يٍء َ‬‫ْ‬ ‫شه‬‫ل َ‬ ‫ن ك ُه ّ‬‫ْ‬ ‫مه‬
‫ح ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫ه ِفي ال َل ْ‬
‫وَك َت َب َْنا ل َ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫فَخذ ْها بُقوة وأ ْمر قَوم َ ْ‬
‫ن)‬ ‫داَر ال َْفا ِ‬
‫سهِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫سهأِريك ُ ْ‬ ‫سهن َِها َ‬‫ح َ‬ ‫خه ُ‬
‫ذوا ب ِأ ْ‬ ‫ك ي َأ ُ‬ ‫ُ َ ِ ّ ٍ َ ُ ْ ْ َ‬
‫‪(145‬‬
‫وكتبنا لموسى في التوراة من كل ما يحتاج إليه في دينه من‬
‫الحكام‪ ,‬موعظة للزدجار والعتبار وتفصيل لتكاليف الحلل‬
‫والحرام والمر والنهي والقصص والعقائد والخبار والمغيبات‪ ,‬قال‬
‫الله له‪ :‬فخذها بقوة‪ ,‬أي‪ :‬خذ التوراة بجد واجتهاد‪ ,‬وأمر قومك‬
‫من غيرهم فإني‬ ‫من أشرك منهم و ِ‬ ‫يعملوا بما شرع الله فيها; فإن َ‬
‫دها لعدائه‬
‫سأريه في الخرة دار الفاسقين‪ ,‬وهي نار الله التي أع ّ‬
‫الخارجين عن طاعته‪.‬‬

‫ن ِفي ال َ‬ ‫سأ َ‬
‫ن َيههَرْوا‬ ‫حقّ وَإ ِ ْ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ب‬‫ن ي َت َك َ‬
‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ن آَياِتي ال ّ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ص‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ي ََرْوا‬‫سِبيل ً وَإ ِ ْ‬
‫ذوهُ َ‬ ‫خ ُ‬‫شدِ ل ي َت ّ ِ‬ ‫ل الّر ْ‬‫سِبي َ‬ ‫ن ي ََرْوا َ‬ ‫مُنوا ب َِها وَإ ِ ْ‬ ‫ل آي َةٍ ل ي ُؤْ ِ‬ ‫كُ ّ‬
‫كاُنوا عَن َْها َ‬ ‫م ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا وَ َ‬ ‫ذوه سبيل ً ذ َل َ َ‬ ‫سِبي َ‬
‫ن‬
‫غهافِِلي َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫خ ُ ُ َ ِ‬ ‫ي ي َت ّ ِ‬ ‫ل الغَ ّ‬ ‫َ‬
‫)‪(146‬‬
‫سأصرف عن فَْهم الحجج والدلة الدالة على عظمتي وشريعتي‬
‫وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي‪ ,‬والمتكبرين على الناس‬
‫ن ي ََر هؤلء‬
‫بغير الحق‪ ,‬فل يتبعون نبًيا ول يصغون إليه لتكبرهم‪ ,‬وإ ْ‬
‫دتهم لله‬
‫المتكبرون عن اليمان كل آية ل يؤمنوا بها لعراضهم ومحا ّ‬
‫ورسوله‪ ,‬وإن يروا طريق الصلح ل يتخذوه طريًقا‪ ,‬وإن يروا طريق‬
‫الضلل‪ ,‬أي الكفر يتخذوه طريًقا وديًنا; وذلك بسبب تكذيبهم بآيات‬
‫الله وغفلتهم عن النظر فيها والتفكر في دللتها‪.‬‬

‫َ‬
‫ن إ ِل ّ َ‬
‫مهها‬ ‫ج هَزوْ َ‬
‫ل يُ ْ‬ ‫مال ُهُ ْ‬
‫م هَ ْ‬ ‫حب ِط َ ْ‬
‫ت أعْ َ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا وَل َِقاِء ال ِ‬
‫خَرةِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ن )‪(147‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫َ‬

‫ذبوا بآيات الله وحججه وبلقاء الله في الخرة حبطت‬ ‫والذين ك ّ‬


‫أعملهم; بسبب فَْقد ِ شرطها‪ ,‬وهو اليمان بالله والتصديق بجزائه‪,‬‬
‫ما يجزون في الخرة إل جزاء ما كانوا يعملونه في الدنيا من الكفر‬
‫والمعاصي‪ ,‬وهو الخلود في النار‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫َ‬
‫واٌر أَله ْ‬
‫م‬ ‫خه َ‬
‫ه ُ‬ ‫سهدا ً َله ُ‬ ‫جل ً َ‬
‫ج َ‬ ‫ع ْ‬
‫م ِ‬‫حل ِي ِّهه ْ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ن ب َعْدِهِ ِ‬‫م ْ‬
‫سى ِ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫خذ َ قَوْ ُ‬ ‫َوات ّ َ‬
‫كاُنوا َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(148‬‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫ذوهُ وَ َ‬
‫خ ُ‬‫سِبيل ً ات ّ َ‬‫م َ‬‫ديهِ ْ‬
‫م َول ي َهْ ِ‬ ‫ه ل ي ُك َل ّ ُ‬
‫مه ُ ْ‬ ‫ي ََرْوا أن ّ ُ‬
‫من‬‫دا ِ‬
‫واتخذ قوم موسى من بعد ما فارقهم ماضًيا لمناجاة ربه معبو ً‬
‫دا بل روح‪ ,‬له صوت‪ ,‬ألم يعلموا أنه ل يكلمهم‪ ,‬ول‬ ‫عجل جس ً‬‫ذهبهم ِ‬
‫َ‬
‫موا على ما أقدموا عليه من هذا المر‬ ‫يرشدهم إلى خير؟ أقْد َ ُ‬
‫الشنيع‪ ,‬وكانوا ظالمين لنفسهم واضعين الشيء في غير موضعه‪.‬‬

‫َ َ‬ ‫َ‬
‫من َهها‬
‫ح ْ‬ ‫ن ل َه ْ‬
‫م ي َْر َ‬ ‫ض هّلوا قَههاُلوا ل َئ ِ ْ‬
‫م قَ هد ْ َ‬
‫م وََرأْوا أن ّهُ ْ‬‫ديهِ ْ‬
‫ط ِفي أي ْ ِ‬ ‫سِق َ‬ ‫ما ُ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫ن )‪(149‬‬ ‫ري َ‬
‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫َرب َّنا وَي َغِْفْر ل ََنا ل َن َ ُ‬

‫من دون الله عند رجوع موسى إليهم‪,‬‬ ‫ولما ندم الذين عبدوا العجل ِ‬
‫ورأوا أنهم قد ضّلوا عن قصد السبيل‪ ,‬وذهبوا عن دين الله‪ ,‬أخذوا‬
‫في القرار بالعبودية والستغفار‪ ,‬فقالوا‪ :‬لئن لم يرحمنا ربنا بَقبول‬
‫توبتنا‪ ,‬ويستر بها ذنوبنا‪ ,‬لنكونن من الهالكين الذين ذهبت أعمالهم‪.‬‬

‫ول َما رجع موسى إَلى قَومه غَضهبا َ‬


‫مههوِني‬ ‫خل َْفت ُ ُ‬
‫ما َ‬ ‫سه َ‬ ‫سههفا ً قَهها َ‬
‫ل ب ِئ ْ َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫َ ّ َ َ َ َ ُ َ َِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ج هّرهُ‬
‫خي ههِ ي َ ُ‬ ‫سأ ِ‬ ‫خذ َ ب ِهَرأ ِ‬ ‫ح وَأ َ‬ ‫وا َ‬‫م وَألَقى الل َ‬ ‫مَر َرب ّك ُ ْ‬‫مأ ْ‬ ‫جل ْت ُ ْ‬ ‫دي أعَ ِ‬ ‫ن ب َعْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫دوا ي َْقت ُل ُههون َِني َفل ت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ت‬‫م ْ‬‫شه ِ‬ ‫ضعَُفوِني وَ َ‬
‫كا ُ‬ ‫ست َ ْ‬
‫ما ْ‬ ‫ن ال َْقوْ َ‬‫م إِ ّ‬ ‫نأ ّ‬ ‫إ ِل َي ْهِ َقا َ‬
‫ل اب ْ َ‬
‫ن )‪(150‬‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫معَ ال َْقوْم ال ّ‬
‫ِ‬ ‫جعَل ِْني َ‬ ‫داَء َول ت َ ْ‬ ‫ِبي ال َعْ َ‬
‫من بني إسرائيل غضبان حزيًنا; لن‬ ‫ولما رجع موسى إلى قومه ِ‬
‫الله قد أخبره أنه قد فُِتن قومه‪ ,‬وأن السامريّ قد أضّلهم‪ ,‬قال‬
‫مر ربكم؟‬ ‫َ‬
‫من بعدي‪ ,‬أعجلتم أ ْ‬‫موسى‪ :‬بئس الخلفة التي خلفتموني ِ‬
‫در من الله تعالى؟ وألقى‬ ‫أي‪ :‬أستعجلتم مجيئي إليكم وهو مق ّ‬
‫موسى ألواح التوراة غضبا على قومه الذين عبدوا العجل‪ ,‬وغضًبا‬
‫على أخيه هارون‪ ,‬وأمسك برأس أخيه يجره إليه‪ ,‬قال هارون‬
‫دوني ضعيًفا وقاربوا‬ ‫مستعطًفا‪ :‬يا ابن أمي‪ :‬إن القوم استذلوني وع ّ‬
‫أن يقتلوني‪ ,‬فل َتسّر العداء بما تفعل بي‪ ,‬ول تجعلني في غضبك‬
‫مع القوم الذين خالفوا أمرك وعبدوا العجل‪.‬‬

‫ن‬ ‫َ‬ ‫خل ْنا في رحمت ِ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ب اغِْفْر ِلي وَل َ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫مي َ‬
‫ح ِ‬
‫م الّرا ِ‬
‫ح ُ‬
‫ت أْر َ‬
‫ك وَأن ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫خي وَأد ْ ِ َ ِ‬ ‫ل َر ّ‬
‫)‪(151‬‬

‫‪316‬‬
‫قال موسى لما تبين له عذر أخيه‪ ,‬وعلم أنه لم ي َُفّرط فيما كان‬
‫ب اغفر لي غضبي‪ ,‬واغفر لخي ما سبق بينه‬ ‫عليه من أمر الله‪ :‬ر ّ‬
‫وبين بني إسرائيل‪ ,‬وأدخلنا في رحمتك الواسعة‪ ,‬فإنك أرحم بنا من‬
‫كل راحم‪.‬‬

‫ة‬ ‫ة فِههي ال ْ َ‬
‫حي َهها ِ‬ ‫م وَذِل ّه ٌ‬
‫ن َرب ّهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ب ِ‬
‫ض ٌ‬ ‫سي ََنال ُهُ ْ‬
‫م غَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ج َ‬‫ذوا ال ْعِ ْ‬‫خ ُ‬‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫إِ ّ‬
‫ن )‪(152‬‬ ‫ري َ‬ ‫زي ال ْ ُ‬
‫مْفت َ ِ‬ ‫ج ِ‬
‫ك نَ ْ‬‫الد ّن َْيا وَك َذ َل ِ َ‬

‫من ربهم وهوان‬‫إن الذين اتخذوا العجل إلًها سينالهم غضب شديد ِ‬
‫في الحياة الدنيا; بسبب كفرهم بربهم‪ ,‬وكما فعلنا بهؤلء نفعل‬
‫بالمفترين المبتدعين في دين الله‪ ,‬فكل صاحب بدعة ذليل‪.‬‬

‫ها‬
‫ن ب َعْدِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك ِ‬ ‫مُنوا إ ِ ّ‬
‫ها َوآ َ‬
‫ن ب َعْدِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ت ثُ ّ‬
‫م َتاُبوا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫سي َّئا ِ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م )‪(153‬‬ ‫حي ٌ‬‫ل َغَُفوٌر َر ِ‬
‫من بعد‬‫والذين عملوا السيئات من الكفر والمعاصي‪ ,‬ثم رجعوا ِ‬
‫فعلها إلى اليمان والعمل الصالح‪ ,‬إن ربك من بعد التوبة النصوح‬
‫من كان مثلهم‬‫لغفور لعمالهم غير فاضحهم بها‪ ,‬رحيم بهم وبكل َ‬
‫من التائبين‪.‬‬

‫دى‬
‫خت َِها هُ ه ً‬
‫سه َ‬
‫ح وَفِههي ن ُ ْ‬
‫وا َ‬ ‫َ‬ ‫ب أَ َ‬
‫خ هذ َ الل ْه َ‬ ‫سى ال ْغَ َ‬
‫ضه ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ت عَ ْ‬‫سك َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫ن )‪(154‬‬ ‫م ي َْرهَُبو َ‬
‫م ل َِرب ّهِ ْ‬‫ن هُ ْ‬ ‫ة ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ٌ‬
‫ح َ‬‫وََر ْ‬
‫ولما سكن عن موسى غضبه أخذ اللواح بعد أن ألقاها على‬
‫الرض‪ ,‬وفيها بيان للحق ورحمة للذين يخافون الله‪ ,‬ويخشون‬
‫عقابه‪.‬‬

‫ة َقهها َ‬
‫ل‬ ‫جَف ُ‬
‫م الّر ْ‬ ‫خذ َت ْهُ ْ‬‫ما أ َ َ‬ ‫ميَقات َِنا فَل َ ّ‬ ‫جل ً ل ِ ِ‬
‫ن َر ُ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬‫سى قَوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫خَتاَر ُ‬
‫َوا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من ّهها‬ ‫س هَفَهاُء ِ‬ ‫ل ال ّ‬‫ما فَعَ ه َ‬ ‫ل وَإ ِّيايَ أت ُهْل ِك َُنا ب ِ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت أهْل َك ْت َهُ ْ‬ ‫شئ ْ َ‬‫ب ل َوْ ِ‬ ‫َر ّ‬
‫ت وَل ِي ّن َهها‬ ‫َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ي إ ِل ّ فِت ْن َت ُ َ‬
‫شههاُء أن ْه َ‬ ‫مه ْ‬ ‫دي َ‬ ‫شههاُء وَت َهْ ه ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫ل ب َِها َ‬ ‫ك تُ ِ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(155‬‬ ‫ري َ‬‫خي ُْر ال َْغافِ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا وَأن ْ َ‬ ‫ح ْ‬‫َفاغِْفْر ل ََنا َواْر َ‬

‫‪317‬‬
‫من خيارهم‪ ,‬وخرج بهم إلى‬ ‫واختار موسى من قومه سبعين رجل ِ‬
‫طور "سيناء" للوقت والجل الذي واعده الله أن يلقاه فيه بهم‬
‫للتوبة مما كان من سفهاء بني إسرائيل من عبادة العجل‪ ,‬فلما أتوا‬
‫ذلك المكان قالوا‪ :‬لن نؤمن لك ‪-‬يا موسى‪ -‬حتى نرى الله جهرة‬
‫فإنك قد كّلمته فأرَِنا ُ‬
‫ه‪ ,‬فأخذتهم الزلزلة الشديدة فماتوا‪ ,‬فقام‬
‫موسى يتضرع إلى الله ويقول‪ :‬رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا‬
‫ت خيارهم؟ لو شئت أهلكتهم جميًعا من قبل هذا‬ ‫أتيُتهم‪ ,‬وقد أهلك َ‬
‫ي‪ ,‬أتهلكنا بما فعله سفهاء‬
‫الحال وأنا معهم‪ ,‬فإن ذلك أخف عل ّ‬
‫الحلم منا؟ ما هذه الفعلة التي فعلها قومي من عبادتهم العجل إل‬
‫من خلقك‪ ,‬وتهدي بها من تشاء‬ ‫من تشاء ِ‬
‫ل بها َ‬ ‫ابتلٌء واختباٌر‪ ,‬تض ّ‬
‫هدايته‪ ,‬أنت ولّينا وناصرنا‪ ,‬فاغفر ذنوبنا‪ ,‬وارحمنا برحمتك‪ ,‬وأنت‬
‫جْرم‪ ,‬وستر عن ذنب‪.‬‬ ‫من صفح عن ُ‬ ‫خير َ‬

‫ك قَهها َ‬
‫ل‬ ‫خهَرةِ إ ِن ّهها هُهد َْنا إ ِل َي ْه َ‬ ‫ة وَفِههي ال ِ‬ ‫سهن َ ً‬‫ح َ‬‫ب ل ََنا ِفي هَذِهِ الد ّن َْيا َ‬ ‫َواك ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫س هأك ْت ُب َُها‬ ‫ت ك ُه ّ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫ُ‬
‫يٍء فَ َ‬ ‫شه ْ‬ ‫ل َ‬ ‫س هع َ ْ‬ ‫مت ِههي وَ ِ‬
‫ح َ‬ ‫شههاُء وََر ْ‬ ‫م ْ‬‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬
‫ذاِبي أ ِ‬ ‫عَ َ‬
‫ن )‪(156‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ِبآَيات َِنا ي ُؤْ ِ‬
‫ن هُ ْ‬
‫ذي َ‬‫كاةَ َوال ّ ِ‬
‫ن الّز َ‬ ‫ن وَي ُؤُْتو َ‬
‫ن ي َت ُّقو َ‬‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ت له الصالحات من العمال في الدنيا وفي‬ ‫واجعلنا ممن كتب َ‬
‫الخرة‪ ,‬إنا رجعنا تائبين إليك‪ ,‬قال الله تعالى لموسى‪ :‬عذابي‬
‫ت هؤلء الذين أصبتهم من‬ ‫من خلقي‪ ,‬كما أصب ُ‬
‫من أشاء ِ‬ ‫أصيب به َ‬
‫قومك‪ ,‬ورحمتي وسعت خلقي كّلهم‪ ,‬فسأكتبها للذين يخافون الله‪,‬‬
‫ويخشون عقابه‪ ,‬فيؤدون فرائضه‪ ,‬ويجتنبون معاصيه‪ ,‬والذين هم‬
‫بدلئل التوحيد وبراهينه يصدقون‪.‬‬

‫م فِههي‬ ‫مك ُْتوبا ً ِ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫سو َ‬ ‫ال ّ ِ‬


‫عن ْد َهُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دون َ ُ‬
‫ج ُ‬‫ذي ي َ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬
‫ْ‬
‫ل ل َُههه ْ‬
‫م‬ ‫حهه ّ‬‫منك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ف وَي َن َْهاهُ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫مُرهُ ْ‬ ‫ل ي َأ ُ‬‫جي ِ‬ ‫لن ِ‬ ‫الت ّوَْراةِ َوا ِ‬
‫ل ال ّت ِههي‬ ‫َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫غل َ‬ ‫م َوال ْ‬ ‫ص هَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫ضعُ عَن ْهُ ه ْ‬ ‫ث وَي َ َ‬ ‫خَبائ ِ َ‬ ‫م عَل َي ْهِ ْ‬ ‫حّر ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫الط ّي َّبا ِ‬
‫ذي‬ ‫ص هُروهُ َوات ّب َعُههوا الن ّههوَر ال ّه ِ‬ ‫مُنوا ب ِهِ وَعَّزُروهُ وَن َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م َفال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(157‬‬ ‫حو َ‬ ‫مْفل ِ ُ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ه أ ُوْل َئ ِ َ‬‫مع َ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ُأنزِ َ‬
‫هذه الرحمة سأكتبها للذين يخافون الله ويجتنبون معاصيه‪ ,‬ويتبعون‬
‫الرسول النبي المي الذي ل يقرأ ول يكتب‪ ,‬وهو محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ,‬الذي يجدون صفته وأمره مكتوب َْين عندهم في التوراة‬
‫سنه‪ ,‬وينهاهم‬
‫ح ْ‬
‫والنجيل‪ ,‬يأمرهم بالتوحيد والطاعة وكل ما عرف ُ‬
‫‪318‬‬
‫ل لهم الطيبات من‬ ‫عن الشرك والمعصية وكل ما عرف قُْبحه‪ ,‬وي ُ ِ‬
‫ح ّ‬
‫المطاعم والمشارب والمناكح‪ ,‬وُيحّرم عليهم الخبائث منها كلحم‬
‫الخنزير‪ ,‬وما كانوا يستحّلونه من المطاعم والمشارب التي حّرمها‬
‫الله‪ ,‬ويذهب عنهم ما ك ُّلفوه من المور الشاقة كقطع موضع‬
‫ما من القاتل‬
‫النجاسة من الثوب‪ ,‬وإحراق الغنائم‪ ,‬والقصاص حت ً‬
‫دقوا بالنبي المي محمد صلى‬ ‫دا كان القتل أم خطأ‪ ,‬فالذين ص ّ‬‫عم ً‬
‫ظموه ونصروه‪ ,‬واتبعوا‬ ‫الله عليه وسلم وأقروا بنبوته‪ ,‬ووقروه وع ّ‬
‫القرآن المنزل عليه‪ ,‬وعملوا بسنته‪ ,‬أولئك هم الفائزون بما وعد‬
‫الله به عباده المؤمنين‪.‬‬

‫مل ْه ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ه ُ‬‫ذي ل َه ُ‬ ‫ميعها ً ال ّه ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّههِ إ ِل َي ْك ُه ْ‬ ‫سههو ُ‬‫س إ ِن ّههي َر ُ‬ ‫ل َيا أي ّهَهها الن ّهها ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫سهول ِ ِ‬‫مُنوا ِبهالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ت َفهآ ِ‬ ‫ميه ُ‬ ‫ي وَي ُ ِ‬ ‫حه ِ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ ي ُ ْ‬‫ض ل إ ِل َ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ُ‬
‫ن )‪(158‬‬ ‫دو َ‬ ‫مات ِهِ َوات ّب ُِعوهُ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَك َل ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ي ال ّ ِ‬
‫ذي ي ُؤْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس كلهم‪ :‬إني رسول الله إليكم جميًعا ل إلى‬
‫بعضكم دون بعض‪ ,‬الذي له ملك السموات والرض وما فيهما‪ ,‬ل‬
‫ينبغي أن تكون اللوهية والعبادة إل له جل ثناؤه‪ ,‬القادر على إيجاد‬
‫دقوا‬
‫دقوا بالله وأقّروا بوحدانيته‪ ,‬وص ّ‬
‫الخلق وإفنائه وبعثه‪ ,‬فص ّ‬
‫ي الذي يؤمن بالله‬ ‫برسوله محمد صلى الله عليه وسلم النبي الم ّ‬
‫وما أنزل إليه من ربه وما أنزل على النبيين من قبله‪ ,‬واتبعوا هذا‬
‫الرسول‪ ,‬والتزموا العمل بما أمركم به من طاعة الله‪ ,‬رجاء أن‬
‫توفقوا إلى الطريق المستقيم‪.‬‬

‫ُ‬
‫حقّ وَب ِهِ ي َعْدُِلو َ‬
‫ن )‪(159‬‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫دو َ‬
‫ة ي َهْ ُ‬
‫م ٌ‬
‫سى أ ّ‬ ‫ن قَوْم ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫م ْ‬
‫وَ ِ‬
‫من بني إسرائيل من قوم موسى جماعة يستقيمون على الحق‪,‬‬ ‫و ِ‬
‫يهدون الناس به‪ ,‬ويعدلون به في الحكم في قضاياهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫سههى إ ِذ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫حي ْن َهها إ ِل َههى ُ‬ ‫مم ها ً وَأوْ َ‬ ‫س هَباطا ً أ َ‬ ‫ش هَرةَ أ ْ‬ ‫ي عَ ْ‬‫م اث ْن َت َه ْ‬ ‫وَقَط ّعْن َههاهُ ْ‬
‫استسَقاه قَوم َ‬
‫شَرةَ‬ ‫ه اث ْن ََتا عَ ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ج َ‬ ‫جَر َفان ْب َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫صا َ‬‫رب ب ِعَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ض‬
‫نا ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ْ َ ْ ُ ْ ُ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫م وَأنَزل َْنا عَل َي ِْههه ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ال ْغَ َ‬ ‫م وَظ َل ّل َْنا عَل َي ْهِ ْ‬‫شَرب َهُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫س َ‬ ‫ل أَنا ٍ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫عَْينا ً قَد ْ عَل ِ َ‬
‫كههاُنوا‬ ‫ن َ‬ ‫موَنا وَل َك ِ ْ‬ ‫ما ظ َل َ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ما َرَزقَْناك ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن ط َي َّبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وى ك ُُلوا ِ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫م ّ‬‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(160‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َظ ْل ِ ُ‬‫سه ُ ْ‬‫أنُف َ‬
‫‪319‬‬
‫من بني إسرائيل اثنتي عشرة قبيلة بعدد‬ ‫وفّرقنا قوم موسى ِ‬
‫السباط ‪-‬وهم أبناء يعقوب‪ -‬كل قبيلة معروفة من جهة نقيبها‪.‬‬
‫وأوحينا إلى موسى إذ طلب منه قومه السقيا حين عطشوا في‬
‫الت ّْيه‪ :‬أن اضرب بعصاك الحجر‪ ,‬فضربه‪ ،‬فانفجرت منه اثنتا عشرة‬
‫عيًنا من الماء‪ ,‬قد علمت كل قبيلة من القبائل الثنتي عشرة‬
‫مشربهم‪ ,‬ل تدخل قبيلة على غيرها في شربها‪ ,‬وظّللنا عليهم‬
‫صمغ‪ ,‬طعمه‬ ‫ن ‪-‬وهو شيء يشبه ال ّ‬ ‫السحاب‪ ,‬وأنزلنا عليهم الم ّ‬
‫ماَنى‪ ,‬وقلنا لهم‪ :‬كلوا من‬ ‫س َ‬
‫كالعسل ‪ -‬والسلوى‪ ,‬وهو طائر يشبه ال ّ‬
‫طيبات ما رزقناكم‪ ,‬فكرهوا ذلك ومّلوه من طول المداومة عليه‪,‬‬
‫وقالوا‪ :‬لن نصبر على طعام واحد‪ ,‬وطلبوا استبدال الذي هو أدنى‬
‫بالذي هو خير‪ .‬وما ظلمونا حين لم يشكروا لله‪ ,‬ولم يقوموا بما‬
‫وتوا عليها كل‬ ‫أوجب الله عليهم‪ ,‬ولكن كانوا أنفسهم يظلمون; إذ ف ّ‬
‫خير‪ ,‬وعّرضوها للشر والنقمة‪.‬‬

‫م وَُقول ُههوا‬
‫ش هئ ْت ُ ْ‬
‫ث ِ‬ ‫حي ْه ُ‬ ‫ة وَك ُل ُههوا ِ‬
‫من ْهَهها َ‬ ‫سك ُُنوا هَذِهِ ال َْقْري َه َ‬
‫ما ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬‫وَإ ِذ ْ ِقي َ‬
‫ن)‬‫سههِني َ‬ ‫ح ِ‬‫م ْ‬ ‫زيد ُ ال ْ ُ‬
‫سن َ ِ‬
‫م َ‬‫طيَئات ِك ُ ْ‬
‫خ ِ‬
‫م َ‬ ‫جدا ً ن َغِْفْر ل َك ُ ْ‬
‫س ّ‬‫ب ُ‬‫خُلوا ال َْبا َ‬ ‫ة َواد ْ ُ‬‫حط ّ ٌ‬ ‫ِ‬
‫‪(161‬‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عصيان بني إسرائيل لربهم سبحانه وتعالى‬
‫ولنبيهم موسى عليه السلم‪ ,‬وتبديلهم القول الذي أمروا أن يقولوه‬
‫حين قال الله لهم‪ :‬اسكنوا قرية "بيت المقدس"‪ ,‬وكلوا من ثمارها‬
‫ح ّ‬
‫ط عنا ذنوبنا‪,‬‬ ‫وحبوبها ونباتها أين شئتم ومتى شئتم‪ ,‬وقولوا‪ُ :‬‬
‫وادخلوا الباب خاضعين لله‪ ,‬نغفر لكم خطاياكم‪ ,‬فل نؤاخذكم عليها‪,‬‬
‫ي الدنيا والخرة‪.‬‬
‫خي َْر ِ‬
‫من َ‬
‫وسنزيد المحسنين ِ‬

‫َ‬
‫س هل َْنا عَل َي ْهِ ه ْ‬
‫م‬ ‫ل ل َهُ ه ْ‬
‫م فَأْر َ‬ ‫م قَوْل ً غَي َْر ال ّ ِ‬
‫ذي ِقي ه َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫موا ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فَب َد ّ َ‬
‫ن )‪(162‬‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ي َظ ْل ِ ُ‬
‫ما َ‬ ‫ماِء ب ِ َ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫جزا ً ِ‬ ‫رِ ْ‬
‫فغّير الذين كفروا بالله منهم ما أمرهم الله به من القول‪ ,‬ودخلوا‬
‫الباب يزحفون على أستاههم‪ ,‬وقالوا‪ :‬حبة في شعرة‪ ,‬فأرسلنا‬
‫عليهم عذاًبا من السماء‪ ,‬أهلكناهم به; بسبب ظلمهم وعصيانهم‪.‬‬

‫وا َ‬
‫ت‬
‫سب ْ ِ‬
‫ن ِفي ال ّ‬
‫دو َ‬ ‫ضَرةَ ال ْب َ ْ‬
‫حرِ إ ِذ ْ ي َعْ ُ‬ ‫حا ِ‬
‫ت َ‬ ‫ن ال َْقْري َةِ ال ِّتي َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫سأل ْهُ ْ‬
‫م عَ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫‪320‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫م َ‬
‫كههذ َل ِ َ‬ ‫ن ل ت َأِتيهِ ْ‬
‫سب ُِتو َ‬ ‫شّرعا ً وَي َوْ َ‬
‫م ل يَ ْ‬ ‫م ُ‬
‫سب ْت ِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫م ي َوْ َ‬
‫حيَتان ُهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫إ ِذ ْ ت َأِتيهِ ْ‬
‫ن )‪(163‬‬ ‫سُقو َ‬‫كاُنوا ي َْف ُ‬‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬‫ن َب ُْلوهُ ْ‬
‫واسأل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء اليهود عن خبر أهل القرية التي كانت‬
‫بقرب البحر‪ ,‬إذ يعتدي أهلها في يوم السبت على حرمات الله‪,‬‬
‫كا‪ ,‬فابتلهم‬‫حيث أمرهم أن يعظموا يوم السبت ول يصيدوا فيه سم ً‬
‫الله وامتحنهم; فكانت حيتانهم تأتيهم يوم السبت كثيرة طافية على‬
‫وجه البحر‪ ,‬وإذا ذهب يوم السبت تذهب الحيتان في البحر‪ ,‬ول‬
‫يرون منها شيًئا‪ ,‬فكانوا يحتالون على حبسها في يوم السبت في‬
‫حفائر‪ ,‬ويصطادونها بعده‪ .‬وكما وصفنا لكم من الختبار والبتلء‪,‬‬
‫لظهار السمك على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده فيه‪,‬‬
‫وإخفائه عليهم في اليوم المحلل لهم فيه صيده‪ ,‬كذلك نختبرهم‬
‫بسبب فسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها‪.‬‬

‫ذابا ً‬ ‫ظون قَوما ً الل ّه مهل ِك ُه َ‬ ‫ُ‬


‫عهه َ‬ ‫معَذ ّب ُهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫م أو ْ ُ‬‫ُ ُ ْ ُ ْ‬ ‫م ت َعِ ُ َ ْ‬ ‫م لِ َ‬‫من ْهُ ْ‬
‫ة ِ‬
‫م ٌ‬‫تأ ّ‬‫وَإ ِذ ْ َقال َ ْ‬
‫ن )‪(164‬‬ ‫م وَل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َت ُّقو َ‬ ‫معْذَِرةً إ َِلى َرب ّك ُ ْ‬‫ديدا ً َقاُلوا َ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ قالت جماعة منهم لجماعة أخرى كانت‬
‫م‬
‫تعظ المعتدين في يوم السبت‪ ,‬وتنهاهم عن معصية الله فيه‪ :‬ل ِ َ‬
‫ما الله مهلكهم في الدنيا بمعصيتهم إياه أو معذبهم عذابا‬ ‫تعظون قو ً‬
‫ونهم عن معصية الله‪:‬‬ ‫دا في الخرة؟ قال الذين كانوا ينهَ ْ‬ ‫شدي ً‬
‫ذر فيهم‪ ,‬ونؤدي فرض الله علينا في المر‬ ‫ن َِعظهم وننهاهم ل ِن ُعْ َ‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ,‬ورجاء أن يتقوا الله‪ ,‬فيخافوه‪,‬‬
‫ذيهم على ما حّرم عليهم‪.‬‬ ‫ويتوبوا من معصيتهم ربهم وتع ّ‬

‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫سوءِ وَأ َ َ‬
‫خذ َْنا اّلهه ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ن عَ ْ‬
‫ن ي َن ْهَوْ َ‬ ‫جي َْنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ما ذ ُك ُّروا ب ِهِ أن ْ َ‬
‫سوا َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما ن َ ُ‬
‫ن )‪(165‬‬ ‫سُقو َ‬ ‫كاُنوا ي َْف ُ‬ ‫ما َ‬ ‫س بِ َ‬‫ب ب َِئي ٍ‬ ‫موا ب ِعَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫ظ َل َ ُ‬
‫كرت به‪,‬‬ ‫فلما تركت الطائفة التي اعتدت في يوم السبت ما ذ ُ ّ‬
‫واستمرت على غّيها واعتدائها فيه‪ ,‬ولم تستجب لما وَعَظ َْتها به‬
‫الطائفة الواعظة‪ ,‬أنجى الله الذين ينهون عن معصيته‪ ,‬وأخذ الذين‬
‫اعتد َْوا في يوم السبت بعذاب أليم شديد; بسبب مخالفتهم أمر الله‬
‫وخروجهم عن طاعته‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫ن )‪(166‬‬
‫سِئي َ‬
‫خا ِ‬
‫كوُنوا قَِرد َةً َ‬ ‫ه قُل َْنا ل َهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ما ن ُُهوا عَن ْ ُ‬
‫ن َ‬
‫وا عَ ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما عَت َ ْ‬
‫فلما تمردت تلك الطائفة‪ ,‬وتجاوزت ما نهاها الله عنه من عدم‬
‫الصيد في يوم السبت‪ ,‬قال لهم الله‪ :‬كونوا قردة خاسئين مبعدين‬
‫من كل خير‪ ,‬فكانوا كذلك‪.‬‬

‫َ‬
‫سههوءَ‬
‫م ُ‬
‫مه ُ ْ‬
‫سههو ُ‬‫ن يَ ُ‬
‫مه ْ‬ ‫م إ ِل َههى ي َهوْم ِ ال ِْقَيا َ‬
‫م هة ِ َ‬ ‫ن عَل َي ْهِه ْ‬‫ك ل َي َب ْعَث َ ّ‬
‫ن َرب ّ َ‬‫وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ‬
‫م )‪(167‬‬ ‫حي ٌ‬‫ه ل َغَُفوٌر َر ِ‬ ‫ريعُ ال ْعَِقا ِ‬
‫ب وَإ ِن ّ ُ‬ ‫س ِ‬‫ك لَ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬‫ب إِ ّ‬‫ذا ِ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫حا ليبعثن على اليهود‬‫ما صري ً‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ علم ذلك إعل ً‬
‫من يذيقهم سوء العذاب والذلل إلى يوم القيامة‪ .‬إن ربك ‪-‬أيها‬ ‫َ‬
‫من استحقه بسبب كفره ومعصيته‪ ,‬وإنه‬ ‫الرسول‪ -‬لسريع العقاب ل ِ َ‬
‫لغفور عن ذنوب التائبين‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن ذ َل ِه َ‬
‫ك‬ ‫دو َ‬
‫م ُ‬
‫من ْهُ ه ْ‬
‫ن وَ ِ‬
‫حو َ‬
‫صههال ِ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫من ْهُ ه ْ‬‫مم ها ً ِ‬
‫ضأ َ‬ ‫م فِههي الْر ِ‬ ‫وَقَط ّعْن َههاهُ ْ‬
‫ن )‪(168‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬‫ت ل َعَل ّهُ ْ‬
‫سي َّئا ِ‬
‫ت َوال ّ‬‫سَنا ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫وَب َل َوَْناهُ ْ‬
‫وفّرقنا بني إسرائيل في الرض جماعات‪ ,‬منهم القائمون بحقوق‬
‫صرون الظالمون لنفسهم‪ ,‬واختبرنا‬ ‫الله وحقوق عباده‪ ,‬ومنهم المق ّ‬
‫ضا‬
‫سَعة في الرزق‪ ,‬واختبرناهم أي ً‬
‫هؤلء بالرخاء في العيش وال ّ‬
‫بالشدة في العيش والمصائب والرزايا; رجاء أن يرجعوا إلى طاعة‬
‫ربهم ويتوبوا من معاصيه‪.‬‬

‫ذا ال َد ْن َههى‬ ‫ْ‬


‫ض هَ ه َ‬‫ن عَه َْر َ‬ ‫ذو َ‬ ‫خه ُ‬‫ب ي َأ ُ‬ ‫ف وَرُِثوا ال ْك ِت َهها َ‬ ‫خل ْ ٌ‬‫م َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خل َ َ‬‫فَ َ‬
‫ه‬‫مث ْل ُه ُ‬
‫ض ِ‬‫م عَهَر ٌ‬ ‫ن ي َهأت ِهِ ْ‬‫سهي ُغَْفُر ل َن َهها وَإ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سهي ُغَْفُر ل َن َهها وَي َُقول ُههو َ‬‫ن َ‬ ‫وَي َُقوُلو َ‬
‫ن ل ي َُقول ُههوا عَل َههى الل ّههِ إ ِل ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫بأ ْ‬ ‫ميث َههاقُ ال ْك ِت َهها ِ‬ ‫م ِ‬‫خذ ْ عَل َي ْهِه ْ‬ ‫م ي ُؤْ َ‬ ‫ذوهُ أل َ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ي َأ ُ‬
‫خير ل ِل ّذين يتُقو َ‬
‫ن)‬ ‫ن أَفل ت َعِْقُلههو َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َّ‬ ‫خَرةُ َ ْ ٌ‬ ‫داُر ال ِ‬ ‫ما ِفيهِ َوال ّ‬ ‫سوا َ‬ ‫حقّ وَد ََر ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪(169‬‬
‫ل سوء أخذوا الكتاب من‬ ‫فجاء من بعد هؤلء الذين وصفناهم ب َد َ ُ‬
‫أسلفهم‪ ,‬فقرءوه وعلموه‪ ,‬وخالفوا حكمه‪ ,‬يأخذون ما يعرض لهم‬
‫من متاع الدنيا من دنيء المكاسب كالرشوة وغيرها; وذلك لشدة‬
‫حرصهم ون ََهمهم‪ ,‬ويقولون مع ذلك‪ :‬إن الله سيغفر لنا ذنوبنا تمنًيا‬
‫‪322‬‬
‫ل من أنواع‬‫على الله الباطيل‪ ,‬وإن يأت هؤلء اليهود َ متاعٌ زائ ٌ‬
‫الحرام يأخذوه ويستحلوه‪ ,‬مصّرين على ذنوبهم وتناولهم الحرام‪,‬‬
‫م يؤخذ على هؤلء العهود بإقامة التوراة والعمل بما فيها‪ ,‬وأل‬ ‫أل َ ْ‬
‫يقولوا على الله إل الحق وأل يكذبوا عليه‪ ,‬وعلموا ما في الكتاب‬
‫فضيعوه‪ ,‬وتركوا العمل به‪ ,‬وخالفوا عهد الله إليهم في ذلك؟ والدار‬
‫الخرة خير للذين يتقون الله‪ ,‬فيمتثلون أوامره‪ ,‬ويجتنبون نواهيه‪,‬‬
‫أفل يعقل هؤلء الذين يأخذون دنيء المكاسب أن ما عند الله خير‬
‫وأبقى للمتقين؟‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حي َ‬
‫صل ِ ِ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬
‫صلةَ إ ِّنا ل ن ُ ِ‬
‫موا ال ّ‬ ‫ن ِبال ْك َِتا ِ‬
‫ب وَأَقا ُ‬ ‫س ُ‬
‫كو َ‬ ‫م ّ‬
‫ن يُ َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫)‪(170‬‬
‫سكون بالكتاب‪ ,‬ويعملون بما فيه من العقائد والحكام‪,‬‬‫والذين يتم ّ‬
‫ويحافظون على الصلة بحدودها‪ ,‬ول يضيعون أوقاتها‪ ,‬فإن الله‬
‫يثيبهم على أعمالهم الصالحة‪ ,‬ول يضيعها‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مهها‬ ‫خه ُ‬
‫ذوا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ة وَظ َن ّههوا أن ّه ُ‬
‫ه َواقِهعٌ ب ِهِه ْ‬ ‫ه ظ ُل ّه ٌ‬ ‫م ك َهأن ّ ُ‬
‫ل فَوْقَهُ ْ‬ ‫وَإ ِذ ْ ن َت َْقَنا ال ْ َ‬
‫جب َ َ‬
‫ن )‪(171‬‬ ‫م ت َت ُّقو َ‬‫ما ِفيهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫م ب ُِقوّةٍ َواذ ْك ُُروا َ‬ ‫آت َي َْناك ُ ْ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ رفعنا الجبل فوق بني إسرائيل كأنه سحابة‬
‫تظلهم‪ ,‬وأيقنوا أنه واقع بهم إن لم يقبلوا أحكام التوراة‪ ,‬وقلنا لهم‪:‬‬
‫خذوا ما آتيناكم بقوة‪ ,‬أي اعملوا بما أعطيناكم باجتهاد منكم‪,‬‬
‫واذكروا ما في كتابنا من العهود والمواثيق التي أخذناها عليكم‬
‫بالعمل بما فيه; كي تتقوا ربكم فتنجوا من عقابه‪.‬‬

‫م عََلهى‬ ‫شههَد َهُ ْ‬ ‫م وَأ َ ْ‬ ‫ن ظ ُهُههورِهِ ْ‬


‫م ذ ُّري ّت َهُه ْ‬ ‫مه ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن ب َن ِههي آد َ َ‬
‫مه ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫خذ َ َرّبه َ‬‫وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫َ‬ ‫َأنُفسه َ‬
‫مةِ إ ِّنا ك ُّنا‬‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫ن ت َُقوُلوا ي َوْ َ‬ ‫م َقاُلوا ب ََلى َ‬
‫شهِد َْنا أ ْ‬ ‫ت ب َِرب ّك ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫م أل َ ْ‬
‫ِ ِ ْ‬
‫ن )‪(172‬‬ ‫غافِِلي َ‬‫ذا َ‬‫ن هَ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫من أصلب آبائهم‪,‬‬ ‫واذكر ‪-‬أيها النبي‪ -‬إذ استخرج ربك أولد آدم ِ‬
‫وقررهم بتوحيده بما أودعه في فطرهم من أنه ربهم وخالقهم‬
‫ومليكهم‪ ,‬فأقروا له بذلك‪ ,‬خشية أن ينكروا يوم القيامة‪ ,‬فل يقروا‬

‫‪323‬‬
‫بشيء فيه‪ ,‬ويزعموا أن حجة الله ما قامت عليهم‪ ,‬ول عندهم علم‬
‫بها‪ ,‬بل كانوا عنها غافلين‪.‬‬

‫م أ َفَت ُهْل ِك ُن َهها‬


‫ن ب َعْ هدِهِ ْ‬
‫مه ْ‬ ‫ل وَك ُّنا ذ ُّري ّ ً‬
‫ة ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫شَر َ‬
‫ك آَباؤَُنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫َ‬
‫أوْ ت َُقوُلوا إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪(173‬‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫ما فَعَ َ‬ ‫بِ َ‬
‫أو لئل تقولوا‪ :‬إنما أشرك آباؤنا من قبلنا ونقضوا العهد‪ ,‬فاقتدينا بهم‬
‫من بعدهم‪ ,‬أفتعذبنا بما فعل الذين أبطلوا أعمالهم بجعلهم مع الله‬
‫شريكا في العبادة؟‬

‫ن )‪(174‬‬
‫جُعو َ‬ ‫ت وَل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َْر ِ‬ ‫ص ُ‬
‫ل الَيا ِ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك ن َُف ّ‬
‫صْلنا اليات‪ ,‬وبي ّّنا فيها ما فعلناه بالمم السابقة‪ ,‬كذلك‬
‫وكما فَ ّ‬
‫صل اليات ونبّينها لقومك أيها الرسول; رجاء أن يرجعوا عن‬ ‫نف ّ‬
‫شركهم‪ ,‬وينيبوا إلى ربهم‪.‬‬

‫شهي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫سهل َ َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫طا ُ‬ ‫من ْهَهها َفهأت ْب َعَ ُ‬
‫ه ال ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫م ن ََبهأ ال ّه ِ‬
‫ذي آت َي َْنهاهُ آَيات ِن َهها َفان َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬
‫َوات ْ ُ‬
‫ن )‪(175‬‬ ‫ن ال َْغاِوي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫كا َ‬‫فَ َ‬

‫واقصص ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على أمتك خبر رجل من بني إسرائيل‬


‫أعطيناه حججنا وأدلتنا‪ ,‬فتعّلمها‪ ,‬ثم كفر بها‪ ,‬ونبذها وراء ظهره‪,‬‬
‫فاستحوذ عليه الشيطان‪ ,‬فصار من الضالين الهالكين; بسبب‬
‫مخالفته أمر ربه وطاعته الشيطان‪.‬‬

‫خل َهد َ إل َههى ال َ‬ ‫ول َو شئ ْنا ل َرفَعنههاه بههها ول َكنهه أ َ‬


‫ه‬‫مث َل ُه ُ‬
‫واهُ فَ َ‬
‫ض َوات ّب َهعَ هَه َ‬‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ِ َ َ ْ َ ُ َِ َ ِّ ُ‬
‫مث َه ُ ْ‬ ‫ه ي َل ْهَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ي َل ْهَ ْ‬
‫ل الَق هوْم ِ‬ ‫ك َ‬‫ث ذ َل ِه َ‬ ‫ث أوْ ت َت ُْرك ْ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ح ِ‬‫ن تَ ْ‬ ‫ب إِ ْ‬ ‫ل ال ْك َل ْ ِ‬‫مث َ ِ‬‫كَ َ‬
‫ن )‪(176‬‬ ‫م ي َت ََفك ُّرو َ‬‫ص ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ص ال َْق َ‬‫ص ْ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا َفاقْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬

‫ولو شئنا أن نرفع قدره بما آتيناه من اليات لفعلنا‪ ,‬ولكنه َرك َ َ‬
‫ن إلى‬
‫ذاته وشهواته على الخرة‪ ,‬وامتنع عن طاعة‬ ‫الدنيا واتبع هواه‪ ,‬وآثر ل َ ّ‬
‫ل هذا الرجل مثل الكلب‪ ,‬إن تطرده أو تتركه‬ ‫الله وخالف أمره‪ .‬فَ َ‬
‫مث َ ُ‬
‫خرج لسانه في الحالين لهًثا‪ ,‬فكذلك الذي انسلخ من آيات الله‬ ‫يُ ْ‬
‫ت في دعوتك له أو أهملته‪ ,‬هذا الوصف‬ ‫يظل على كفره إن اجتهد ْ َ‬
‫‪324‬‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ -‬وصف هؤلء القوم الذين كانوا ضالين قبل أن تأتيهم‬
‫بالهدى والرسالة‪ ,‬فاقصص ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أخبار المم الماضية‪,‬‬
‫ففي إخبارك بذلك أعظم معجزة‪ ,‬لعل قومك يتدبرون فيما جئتهم‬
‫به فيؤمنوا لك‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(177‬‬ ‫كاُنوا ي َظ ْل ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا وَأنُف َ‬
‫سه ُ ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مث َل ً ال َْقوْ ُ‬
‫ساءَ َ‬
‫َ‬
‫ل القوم الذين ك ّ‬
‫ذبوا بحجج الله وأدلته‪ ,‬فجحدوها‪,‬‬ ‫قَب ُ َ‬
‫ح مثل مث ُ‬
‫وأنفسهم كانوا يظلمونها; بسبب تكذيبهم بهذه الحجج والدلة‪.‬‬

‫ن)‬
‫سهُرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫ل فَهأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ه ُه ْ‬ ‫ض هل ِ ْ‬
‫ن يُ ْ‬
‫مه ْ‬
‫دي وَ َ‬ ‫ه فَهُهوَ ال ْ ُ‬
‫مهْت َه ِ‬ ‫ن ي َهْدِ الل ّ ُ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫‪(178‬‬
‫من يوفقه الله لليمان به وطاعته فهو الموّفق‪ ,‬ومن يخذله فلم‬
‫يوفقه فهو الخاسر الهالك‪ ,‬فالهداية والضلل من الله وحده‪.‬‬

‫ْ‬
‫ن ب َِههها‬‫ب ل ي َْفَقُهو َ‬ ‫م قُُلو ٌ‬ ‫س ل َهُ ْ‬‫لن ِ‬ ‫ن َوا ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫م ك َِثيرا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫وَل ََقد ْ ذ ََرأَنا ل ِ َ‬
‫ل َهم قُُلوب ل يْفَقهون بها ول َه ه َ‬
‫نل‬ ‫ذا ٌ‬ ‫مآ َ‬‫ن ب ِهَهها وَل َهُ ه ْ‬
‫ص هُرو َ‬‫ن ل ي ُب ْ ِ‬ ‫م أعْي ُه ٌ‬‫َ ُ َ َِ َ ُ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ ْ‬
‫ن )‪(179‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ب َِها أوْلئ ِك كالن َْعام ِ ب َ ْ‬
‫م الَغافِلو َ‬ ‫ل أوْلئ ِك هُ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫مُعو َ‬‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫من يستحق العذاب في‬ ‫ذب الله فيها َ‬ ‫ولقد خلقنا للنار ‪-‬التي يع ّ‬
‫الخرة ‪ -‬كثيًرا من الجن والنس‪ ,‬لهم قلوب ل يعقلون بها‪ ,‬فل‬
‫يرجون ثواًبا ول يخافون عقاًبا‪ ,‬ولهم أعين ل ينظرون بها إلى آيات‬
‫الله وأدلته‪ ,‬ولهم آذان ل يسمعون بها آيات كتاب الله فيتفكروا‬
‫ه ما يقال لها‪ ,‬ول تفهم ما تبصره‪,‬‬
‫فيها‪ ,‬هؤلء كالبهائم التي ل ت َْفَق ُ‬
‫ول تعقل بقلوبها الخير والشر فتميز بينهما‪ ,‬بل هم أضل منها; لن‬
‫البهائم تبصر منافعها ومضارها وتتبع راعيها‪ ,‬وهم بخلف ذلك‪,‬‬
‫أولئك هم الغافلون عن اليمان بالله وطاعته‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن ي ُل ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مائ ِ ِ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي أ ْ‬
‫دو َ‬
‫ح ُ‬ ‫عوهُ ب َِها وَذ َُروا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سَنى َفاد ْ ُ‬‫ح ْ‬ ‫ماُء ال ْ ُ‬
‫س َ‬‫وَل ِل ّهِ ال ْ‬
‫ن )‪(180‬‬ ‫مُلو َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫جَزوْ َ‬
‫سي ُ ْ‬‫َ‬

‫‪325‬‬
‫ولله سبحانه وتعالى السماء الحسنى‪ ,‬الدالة على كمال عظمته‪,‬‬
‫وكل أسمائه حسن‪ ,‬فاطلبوا منه بأسمائه ما تريدون‪ ,‬واتركوا الذين‬
‫مى‬‫ُيغّيرون في أسمائه بالزيادة أو النقصان أو التحريف‪ ,‬كأن ُيس ّ‬
‫بها من ل يستحقها‪ ,‬كتسمية المشركين بها آلهتهم‪ ,‬أو أن يجعل لها‬
‫ده الله ول رسوله‪ ,‬فسوف يجزون جزاء أعمالهم‬ ‫معنى لم ُير ْ‬
‫السيئة التي كانوا يعملونها في الدنيا من الكفر بالله‪ ,‬واللحاد في‬
‫أسمائه وتكذيب رسوله‪.‬‬

‫ُ‬
‫ن )‪(181‬‬ ‫حقّ وَب ِهِ ي َعْدُِلو َ‬
‫ن ِبال ْ َ‬
‫دو َ‬
‫ة ي َهْ ُ‬ ‫خل َْقَنا أ ّ‬
‫م ٌ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫م ّ‬
‫وَ ِ‬
‫خل َْقنا جماعة فاضلة يهتدون بالحق وي َ ْ‬
‫دعون إليه‪ ,‬وبه‬ ‫ومن الذين َ‬
‫يقضون وينصفون الناس‪ ,‬وهم أئمة الهدى ممن أنعم الله عليهم‬
‫باليمان والعمل الصالح‪.‬‬

‫ن )‪(182‬‬ ‫ث ل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫جه ُ ْ‬
‫ست َد ْرِ ُ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا َ‬
‫سن َ ْ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫والذين ك ّ‬
‫ذبوا بآياتنا‪ ,‬فجحدوها‪ ,‬ولم يتذكروا بها‪ ,‬سنفتح لهم أبواب‬
‫جا لهم حتى يغتروا بما هم‬
‫الرزق ووجوه المعاش في الدنيا‪ ,‬استدرا ً‬
‫فيه ويعتقدوا أنهم على شيء‪ ,‬ثم نعاقبهم على ِغّرة من حيث ل‬
‫يعلمون‪ .‬وهذه عقوبة من الله على التكذيب بحجج الله وآياته‪.‬‬

‫ُ‬
‫ن )‪(183‬‬
‫مِتي ٌ‬ ‫ن ك َي ْ ِ‬
‫دي َ‬ ‫مِلي ل َهُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫وَأ ْ‬
‫وأمهل هؤلء الذين كذبوا بآياتنا حتى يظنوا أنهم ل يعاقبون‪,‬‬
‫فيزدادوا كفًرا وطغياًنا‪ ,‬وبذلك يتضاعف لهم العذاب‪ .‬إن كيدي‬
‫دفع بقوة ول بحيلة‪.‬‬‫متين‪ ,‬أي‪ :‬قوي شديد ل ي ُ ْ‬

‫َ‬
‫ن )‪(184‬‬
‫مِبي ٌ‬ ‫ن هُوَ إ ِل ّ ن َ ِ‬
‫ذيٌر ُ‬ ‫جن ّةٍ إ ِ ْ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫حب ِهِ ْ‬
‫صا ِ‬
‫ما ب ِ َ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫م ي َت ََفك ُّروا َ‬
‫أولم يتفكر هؤلء الذين كذبوا بآياتنا فيتدبروا بعقولهم‪ ,‬ويعلموا أنه‬
‫ليس بمحمد جنون؟ ما هو إل نذير لهم من عقاب الله على كفرهم‬
‫به إن لم يؤمنوا‪ ,‬ناصح مبين‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫ن‬‫مه ْ‬‫ه ِ‬‫خل َهقَ الل ّه ُ‬
‫مهها َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫ت وال َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫س‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫هو‬
‫ه‬ ‫مل َك ُ‬
‫َ‬ ‫هي‬
‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫روا‬
‫ُ‬ ‫م َينظ ُ‬
‫ْ‬ ‫أ َوَل َ‬
‫شيٍء وأ َن عسههى أ َن يك ُههون قَهد اقْتهرب أ َجل ُهه ِم فَبهأ َ‬
‫ه‬ ‫د‬‫ه‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ث‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫ح‬ ‫ي‬
‫ْ َ َ َ َ ُ ْ ِ ّ َ ِ ٍ َْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ‬
‫ن )‪(185‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫أولم ينظر هؤلء المكذبون بآيات الله في ملك الله العظيم‬
‫وسلطانه القاهر في السموات والرض‪ ,‬وما خلق الله ‪-‬ج ّ‬
‫ل ثناؤه‪-‬‬
‫من شيء فيهما‪ ,‬فيتدبروا ذلك ويعتبروا به‪ ,‬وينظروا في آجالهم‬
‫ت فيهلكوا على كفرهم‪ ,‬ويصيروا إلى‬ ‫التي عست أن تكون قَُرب َ ْ‬
‫عذاب الله وأليم عقابه؟ فبأي تخويف وتحذير بعد تحذير القرآن‬
‫يصدقون ويعملون؟‬

‫ن )‪(186‬‬
‫مُهو َ‬ ‫م ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬
‫م ي َعْ َ‬ ‫هادِيَ ل َ ُ‬
‫ه وَي َذ َُرهُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه َفل َ‬ ‫ضل ِ ْ‬
‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫كهم في كفرهم‬ ‫من يضلله الله عن طريق الرشاد فل هادي له‪ ,‬ويتر ُ‬ ‫َ‬
‫يتحيرون ويترددون‪.‬‬

‫عْنهد َ َرّبهي ل‬ ‫مهَهها ِ‬ ‫عل ْ ُ‬


‫مهها ِ‬ ‫ها قُه ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫سهها َ‬
‫مْر َ‬ ‫ن ُ‬
‫َ‬
‫سهاعَةِ أي ّهها َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ك عَ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ت َوال َْر‬
‫ض ل ت َهأِتيك ُ ْ‬
‫م إ ِل ّ ب َغْت َه ً‬
‫ة‬ ‫ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫سه َ‬ ‫ت ِفي ال ّ‬ ‫جّليَها ل ِوَقْت َِها إ ِل ّ هُوَ ث َُقل َ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫س‬‫ن أك ْث ََر الن ّهها ِ‬
‫عند الل ّه ول َك َ‬
‫ِ َ ِ ّ‬ ‫مَها ِ ْ َ‬‫عل ْ ُ‬
‫ما ِ‬ ‫ي عَن َْها قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫حِف ّ‬‫ك َ‬ ‫ك ك َأ َن ّ َ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن )‪(187‬‬ ‫مو َ‬ ‫ل ي َعْل َ ُ‬
‫يسألك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كفار "مكة" عن الساعة متى قيامها؟ قل‬
‫ل علمها‪ ,‬وخفي على‬ ‫عل ْ ُ‬
‫م قيامها عند الله ل يظهرها إل هو‪ ,‬ث َُق َ‬ ‫لهم‪ِ :‬‬
‫أهل السموات والرض‪ ,‬فل يعلم وقت قيامها مَلك مقّرب ول نبي‬
‫مرسل‪ ,‬ل تجيء الساعة إل فجأة‪ ,‬يسألك هؤلء القوم عنها كأنك‬
‫حريص على العلم بها‪ ,‬مستقص بالسؤال عنها‪ ,‬قل لهم‪ :‬إنما علمها‬
‫ن أكثر الناس ل‬
‫عند الله الذي يعلم غيب السموات والرض‪ ,‬ولك ّ‬
‫يعلمون أن ذلك ل يعلمه إل الله‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ت أعْل َه ُ‬ ‫ه وَل َهوْ ُ‬
‫كن ه ُ‬ ‫شههاَء الل ّه ُ‬ ‫ضّرا ً إ ِل ّ َ‬
‫ما َ‬ ‫سي ن َْفعا ً َول َ‬ ‫ك ل ِن َْف ِ‬‫مل ِ ُ‬‫للأ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫شيٌر‬ ‫ن أَنا إ ِل ّ ن َ ِ‬
‫ذيٌر وَب َ ِ‬ ‫سوُء إ ِ ْ‬
‫سِني ال ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ما َ‬ ‫خي ْرِ وَ َ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ست َك ْث َْر ُ‬
‫بل ْ‬ ‫ال ْغَي ْ َ‬
‫ن )‪(188‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬

‫‪327‬‬
‫ب خير لنفسي ول دفع شر يحل‬ ‫جل ْ ِ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ل أقدُر على َ‬
‫بها إل ما شاء الله‪ ,‬ولو كنت أعلم الغيب لفعلت السباب التي أعلم‬
‫ت ما يكون من الشر قبل أن‬ ‫أنها تكّثر لي المصالح والمنافع‪ ,‬ولّتقي ُ‬
‫وف من عقابه‪ ,‬وأبشر‬‫يقع‪ ,‬ما أنا إل رسول الله أرسلني إليكم‪ ,‬أخ ّ‬
‫ما يصدقون بأني رسول الله‪ ,‬ويعملون بشرعه‪.‬‬ ‫بثوابه قو ً‬

‫ن إ ِل َي ْهَهها‬‫س هك ُ َ‬
‫جهَهها ل ِي َ ْ‬ ‫من َْها َزوْ َ‬‫ل ِ‬ ‫جع َ َ‬‫حد َةٍ وَ َ‬‫س َوا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ن َْف‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫خل ََقك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫وا الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫ت د َعَه َ‬‫مهها أث َْقل َه ْ‬ ‫ت ب ِههِ فَل َ ّ‬‫مهّر ْ‬ ‫خِفيفا ً فَ َ‬ ‫مل ً َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت َ‬ ‫مل َ ْ‬
‫ح َ‬‫ها َ‬ ‫شا َ‬‫ما ت َغَ ّ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ن )‪(189‬‬ ‫ري َ‬
‫شاك ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫كون َ ّ‬ ‫صاِلحا ً ل َن َ ُ‬‫ن آت َي ْت ََنا َ‬‫ما ل َئ ِ ْ‬‫َرب ّهُ َ‬
‫هو الذي خلقكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬من نفس واحدة‪ ,‬وهي آدم عليه‬
‫خَلق منها زوجها‪ ,‬وهي حواء; ليأنس بها ويطمئن‪ ,‬فلما‬ ‫السلم و َ‬
‫جامعها ‪-‬والمراد جنس الزوجين من ذرية آدم‪ -‬حملت ماًء خفيًفا‪,‬‬
‫فقامت به وقعدت وأتمت الحمل‪ ,‬فلما قَُربت ولدتها وأثقلت دعا‬
‫حا لنكونن ممن‬‫الزوجان ربهما‪ :‬لئن أعطيتنا بشًرا سوًيا صال ً‬
‫يشكرك على ما وهبت لنا من الولد الصالح‪.‬‬

‫مهها‬ ‫مهها فَت َعَههاَلى الل ّه ُ‬


‫ه عَ ّ‬ ‫مهها آَتاهُ َ‬ ‫شهَر َ‬
‫كاء ِفي َ‬ ‫جعَل َ ل َه ُ‬
‫ه ُ‬ ‫صاِلحا ً َ‬
‫ما َ‬
‫ما آَتاهُ َ‬‫فَل َ ّ‬
‫ن )‪(190‬‬ ‫كو َ‬‫شرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫حا‪ ,‬جعل لله شركاء في ذلك الولد‬ ‫دا صال ً‬
‫فلما رزق الله الزوجين ول ً‬
‫الذي انفرد الله بخلقه فعّبداه لغير الله‪ ,‬فتعالى الله وتنزه عن كل‬
‫شرك‪.‬‬

‫خل َُقو َ‬
‫ن )‪(191‬‬ ‫شْيئا ً وَهُ ْ‬
‫م يُ ْ‬ ‫خل ُقُ َ‬
‫ما ل َ ي َ ْ‬
‫ن َ‬
‫كو َ‬ ‫أ َي ُ ْ‬
‫شرِ ُ‬

‫أيشرك هؤلء المشركون في عبادة الله مخلوقاته‪ ,‬وهي ل تقدر‬


‫خْلق شيء‪ ,‬بل هي مخلوقة؟‬
‫على َ‬

‫َ‬
‫ن )‪(192‬‬
‫صُرو َ‬
‫م َين ُ‬ ‫صًرا وَل َ أنُف َ‬
‫سه ُ ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م نَ ْ‬ ‫طيُعو َ‬ ‫وَل َ ي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫ول تستطيع أن تنصر عابديها أو تدفع عن نفسها سوًءا‪ ,‬فإذا كانت ل‬
‫تخلق شيًئا‪ ,‬بل هي مخلوقة‪ ,‬ول تستطيع أن تدفع المكروه عمن‬

‫‪328‬‬
‫ن هذا إل أظلم‬
‫يعبدها‪ ,‬ول عن نفسها‪ ,‬فكيف ت ُّتخذ مع الله آلهة؟ إ ْ‬
‫سَفه‪.‬‬
‫الظلم وأسفه ال ّ‬

‫كهم أ َدعَوتمهوهُ َ‬
‫م‬
‫مأ ْ‬‫ْ‬ ‫واء عَل َي ْ ُ ْ َ ْ ُ ُ‬
‫سه َ‬
‫م َ‬ ‫م إ َِلهى ال ُْهه َ‬
‫دى ل َ ي َت ّب ُِعهوك ُ ْ‬ ‫عوهُ ْ‬‫وَِإن ت َد ْ ُ‬
‫ن )‪(193‬‬ ‫َ‬
‫مُتو َ‬‫صا ِ‬‫م َ‬ ‫أنت ُ ْ‬
‫وإن ندعوا ‪-‬أيها المشركون‪ -‬هذه الصنام التي عبدتموها من دون‬
‫الله إلى الهدى‪ ,‬ل تسمع دعاءكم ول تتبعكم; يستوي دعاؤكم لها‬
‫دي ول ُتهدى‪.‬‬
‫وسكوتكم عنها; لنها ل تسمع ول تبصر ول َته ِ‬

‫جيُبوا ْ‬ ‫َ‬
‫م فَل ْي َ ْ‬
‫س هت َ ِ‬ ‫مَثال ُك ُ ْ‬
‫م َفههاد ْ ُ‬
‫عوهُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬
‫عَباد ٌ أ ْ‬ ‫دو ِ‬
‫من ُ‬‫ن ِ‬ ‫عو َ‬
‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن )‪(194‬‬ ‫صادِِقي َ‬
‫م َ‬ ‫م ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫إن الذين تعبدون من غير الله ‪-‬أيها المشركون‪ -‬هم مملوكون‬
‫لربهم كما أنكم مملوكون لربكم‪ ,‬فإن كنتم كما تزعمون صادقين‬
‫في أنها تستحق من العبادة شيًئا فادعوهم فليستجيبوا لكم‪ ,‬فإن‬
‫صلوا مطلوبكم‪ ,‬وإل تبين أنكم كاذبون مفترون‬‫استجابوا لكم وح ّ‬
‫على الله أعظم الفرية‪.‬‬

‫شههون بههها أ َم ل َهه َ‬ ‫م أ َي ْهدٍ ي َب ْط ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫أ َل َه َ‬


‫ن‬
‫م أعْي ُه ٌ‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫َ َِ‬ ‫م ل َهُه ْ‬
‫ن ب ِهَهها أ ْ‬‫شههو َ‬‫م ُ‬ ‫جه ٌ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫م أْر ُ‬
‫ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫كاَءك ُ ْ‬
‫م ُثه ّ‬ ‫شهَر َ‬
‫عهوا ُ‬ ‫ن ب َِهها ُقه ْ‬
‫ل اد ْ ُ‬ ‫مُعو َ‬ ‫سه َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫مآ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م لُهه ْ‬ ‫ن ب َِهها أ ْ‬
‫صهُرو َ‬‫ي ُب ْ ِ‬
‫ن )‪(195‬‬ ‫دوِني َفل ُتنظ ُِرو ِ‬ ‫كي ُ‬
‫ِ‬
‫ون بها معكم في حوائجكم؟ أم‬ ‫ألهذه اللهة والصنام أرجل يسعَ ْ‬
‫لهم أيدٍ يدفعون بها عنكم وينصرونكم على من يريد بكم شًرا‬
‫ها؟ أم لهم أعين ينظرون بها فيعّرفونكم ما عاينوا وأبصروا‬
‫ومكرو ً‬
‫مما يغيب عنكم فل ترونه؟ أم لهم آذان يسمعون بها فيخبرونكم‬
‫بما لم تسمعوه؟ فإذا كانت آلهتكم التي تعبدونها ليس فيها شيء‬
‫من هذه اللت‪ ,‬فما وجه عبادتكم إياها‪ ,‬وهي خالية من هذه الشياء‬
‫التي بها يتوصل إلى جلب النفع أو دفع الضر؟ قل ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫لهؤلء المشركين من عبدة الوثان‪ :‬ادعوا آلهتكم الذين جعلتموهم‬
‫لله شركاء في العبادة‪ ,‬ثم اجتمعوا على إيقاع السوء والمكروه بي‪,‬‬

‫‪329‬‬
‫جلوا بذلك‪ ,‬فإني ل أبالي بآلهتكم; لعتمادي على‬
‫فل تؤخروني وع ّ‬
‫حفظ الله وحده‪.‬‬

‫ن )‪(196‬‬
‫حي َ‬ ‫ب وَهُوَ ي َت َوَّلى ال ّ‬
‫صال ِ ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي ن َّز َ‬ ‫ن وَل ِّيي الل ّ ُ‬
‫إِ ّ‬
‫ي‬
‫ي الله‪ ,‬الذي يتولى حفظي ونصري‪ ,‬هو الذي نّزل عل ّ‬
‫إن ولي ّ َ‬
‫من عباده‪ ,‬وينصرهم على‬‫القرآن بالحق‪ ,‬وهو يتولى الصالحين ِ‬
‫أعدائهم ول يخذلهم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫صُرو َ‬
‫م َين ُ‬
‫سه ُ ْ‬ ‫صَرك ُ ْ‬
‫م َول أنُف َ‬ ‫ن نَ ْ‬
‫طيُعو َ‬
‫ست َ ِ‬
‫دون ِهِ ل ي َ ْ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫عو َ‬
‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫)‪(197‬‬
‫من غير الله من اللهة ل‬
‫والذين تدعون ‪-‬أنتم أيها المشركون‪ِ -‬‬
‫يستطيعون نصركم‪ ,‬ول يقدرون على نصرة أنفسهم‪.‬‬

‫مل‬ ‫ن إ ِل َي ْه َ‬
‫ك وَهُ ه ْ‬ ‫م َينظ ُهُرو َ‬
‫مُعوا وَت ََراهُ ه ْ‬
‫س َ‬ ‫م إ َِلى ال ْهُ َ‬
‫دى ل ي َ ْ‬ ‫عوهُ ْ‬
‫ن ت َد ْ ُ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(198‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫ي ُب ْ ِ‬
‫وإن تدعوا ‪-‬أيها المشركون‪ -‬آلهتكم إلى الستقامة والسداد ل‬
‫من‬‫يسمعوا دعاءكم‪ ,‬وترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬آلهة هؤلء المشركين ِ‬
‫عبدة الوثان يقابلونك كالناظر إليك وهم ل يبصرون; لنهم ل أبصار‬
‫لهم ول بصائر‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(199‬‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫جاهِِلي َ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫مْر ِبال ْعُْر ِ‬
‫ف وَأعْرِ ْ‬ ‫خذ ْ ال ْعَْفوَ وَأ ُ‬
‫ُ‬
‫ل ‪-‬أيها النبي أنت وأمتك‪ -‬الفضل من أخلق الناس وأعمالهم‪ ,‬ول‬‫اقْب َ ْ‬
‫تطلب منهم ما يشق عليهم حتى ل ينفروا‪ ,‬وْأمر بكل قول حسن‬
‫ل جميل‪ ,‬وأعرض عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلة‬ ‫وفِعْ ٍ‬
‫الغبياء‪.‬‬

‫م)‬
‫ميعٌ عَِليه ٌ‬
‫سه ِ‬ ‫سهت َعِذ ْ ب ِههالل ّهِ إ ِن ّه ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن ن َهْزغٌ َفا ْ‬ ‫شهي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫ما َينَزغَن ّ َ‬
‫ك ِ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫‪(200‬‬

‫‪330‬‬
‫حس منه‬ ‫وإما يصيبّنك ‪-‬أيها النبي‪ -‬من الشيطان غضب أو ت ُ ِ‬
‫بوسوسة وتثبيط عن الخير أو حث على الشّر‪ ,‬فالجأ إلى الله‬
‫ذا به‪ ,‬إنه سميع لكل قول‪ ,‬عليم بكل فعل‪.‬‬ ‫مستعي ً‬

‫م‬
‫هه ْ‬ ‫ن َتهذ َك ُّروا َفهإ ِ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫شهي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫مه ْ‬
‫ف ِ‬ ‫م َ‬
‫طهائ ِ ٌ‬ ‫سههُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫وا إ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ن ات َّق ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن )‪(201‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫مب ْ ِ‬
‫ُ‬
‫من خلقه‪ ,‬فخافوا عقابه بأداء فرائضه واجتناب‬
‫إن الذين اتقوا الله ِ‬
‫نواهيه‪ ,‬إذا أصابهم عارض من وسوسة الشيطان تذ ّ‬
‫كروا ما أوجب‬
‫الله عليهم من طاعته‪ ,‬والتوبة إليه‪ ,‬فإذا هم منتهون عن معصية‬
‫الله على بصيرة‪ ,‬آخذون بأمر الله‪ ,‬عاصون للشيطان‪.‬‬

‫ن )‪(202‬‬
‫صُرو َ‬ ‫ي ثُ ّ‬
‫م ل ي ُْق ِ‬ ‫م ِفي الغَ ّ‬
‫دون َهُ ْ‬
‫م ّ‬
‫م يَ ُ‬
‫وان ُهُ ْ‬
‫خ َ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫جار من ضلل النس تمدهم الشياطين‬ ‫وإخوان الشياطين‪ ,‬وهم الف ّ‬
‫سًعا في‬‫دخر شياطين الجن وُ ْ‬‫من الجن في الضللة والَغواية‪ ,‬ول ت ّ‬
‫سًعا‬
‫دخر شياطين النس وُ ْ‬ ‫ي‪ ,‬ول ت ّ‬
‫دهم شياطين النس في الغ ّ‬ ‫م ّ‬
‫في عمل ما توحي به شياطين الجن‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫مهه ْ‬ ‫حى إ ِل َ ّ‬
‫ي ِ‬ ‫ما ُيو َ‬
‫ما أت ّب ِعُ َ‬ ‫جت َب َي ْت ََها قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ول ا ْ‬ ‫م ِبآي َةٍ َقاُلوا ل َ ْ‬ ‫ذا ل َ ْ‬
‫م ت َأت ِهِ ْ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ن )‪(203‬‬ ‫ة ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫م ٌ‬
‫ح َ‬
‫دى وََر ْ‬ ‫م وَهُ ً‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م ْ‬
‫صائ ُِر ِ‬‫ذا ب َ َ‬ ‫َرّبي هَ َ‬
‫وإذا لم تجئ ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء المشركين بآية قالوا‪ :‬هل أحد َْثتها‬
‫واختلقتها من عند نفسك‪ ,‬قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن هذا ليس‬
‫ي من‬ ‫لي‪ ,‬ول يجوز لي فِْعله; لن الله إنما أمرني باتباع ما يوحى إل ّ‬
‫جا وبراهين من ربكم‪,‬‬ ‫عنده‪ ,‬وهو هذا القرآن الذي أتلوه عليكم حج ً‬
‫وبياًنا يهدي المؤمنين إلى الطريق المستقيم‪ ,‬ورحمة يرحم الله بها‬
‫عباده المؤمنين‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(204‬‬
‫مو َ‬
‫ح ُ‬ ‫صُتوا ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت ُْر َ‬ ‫مُعوا ل َ ُ‬
‫ه وَأن ِ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ذا قُرِئَ ال ُْقْرآ ُ‬
‫ن َفا ْ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له أيها الناس وأنصتوا‪ ,‬لتعقلوه رجاء أن‬
‫يرحمكم الله به‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫ل ِبال ْغُد ُّو‬
‫ن ال َْقوْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫جهْرِ ِ‬ ‫دو َ‬
‫ة وَ ُ‬ ‫ضّرعا ً وَ ِ‬
‫خيَف ً‬ ‫ك تَ َ‬ ‫س َ‬‫ك ِفي ن َْف ِ‬ ‫َواذ ْك ُْر َرب ّ َ‬
‫ن )‪(205‬‬ ‫ن ال َْغافِِلي َ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ل َول ت َك ُ ْ‬ ‫صا ِ‬
‫َوال َ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ربك في نفسك تخشًعا وتواضًعا لله خائًفا‬
‫طا بين الجهر والمخافتة في أول‬ ‫وجل القلب منه‪ ،‬وادعه متوس ً‬
‫النهار وآخره‪ ,‬ول تكن من الذين ي َغُْفلون عن ذكر الله‪ ,‬ويلهون عنه‬
‫في سائر أوقاتهم‪.‬‬

‫ه وََلهه ُ‬
‫ه‬ ‫حون َ ُ‬
‫سههب ّ ُ‬
‫عَبههاد َت ِهِ وَي ُ َ‬
‫ن ِ‬
‫عهه ْ‬ ‫سههت َك ْب ُِرو َ‬
‫ن َ‬ ‫عْنههد َ َرّبهه َ‬
‫ك ل يَ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن اّلهه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن )‪(206‬‬ ‫دو َ‬‫ج ُ‬ ‫س ُ‬‫يَ ْ‬
‫إن الذين عند ربك من الملئكة ل يستكبرون عن عبادة الله‪ ,‬بل‬
‫ينقادون لوامره‪ ,‬ويسبحونه بالليل والنهار‪ ,‬وينزهونه عما ل يليق به‪,‬‬
‫وله وحده ل شريك له يسجدون‪.‬‬

‫‪ -8‬سورة النفال‬

‫حوا‬
‫صههل ِ ُ‬
‫َ‬
‫ل َفات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ه وَأ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫َوالّر ُ‬ ‫ل ل ِل ّهِ‬ ‫ل ال َن َْفا ُ‬
‫ل قُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن الن َْفا ِ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬‫يَ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(1‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ن‬‫ه إِ ْ‬ ‫سول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫م وَأ ِ‬ ‫ت ب َي ْن ِك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ذا َ‬
‫يسألك أصحابك ‪-‬أيها النبي‪ -‬عن الغنائم يوم "بدر" كيف تقسمها‬
‫ن أمرها إلى الله ورسوله‪ ,‬فالرسول يتولى‬ ‫بينهم؟ قل لهم‪ :‬إ ّ‬
‫قسمتها بأمر ربه‪ ,‬فاتقوا عقاب الله ول ت َُقدموا على معصيته‪,‬‬
‫واتركوا المنازعة والمخاصمة بسبب هذه الموال‪ ,‬وأصلحوا الحال‬
‫بينكم‪ ,‬والتزموا طاعة الله ورسوله إن كنتم مؤمنين; فإن اليمان‬
‫يدعو إلى طاعة الله ورسوله‪.‬‬

‫ت عَل َي ْهِ ه ْ‬
‫م‬ ‫ذا ت ُل ِي َه ْ‬ ‫ت قُل ُههوب ُهُ ْ‬
‫م وَإ ِ َ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫ذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬
‫ه وَ ِ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ما ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫‪332‬‬
‫م ي َت َوَك ُّلو َ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫مان َا ً وَعََلى َرب ّهِ ْ‬
‫م ِإي َ‬
‫ه َزاد َت ْهُ ْ‬
‫آيات ُ ُ‬
‫كر الله فزعت قلوبهم‪ ,‬وإذا‬ ‫إنما المؤمنون بالله حًقا هم الذين إذا ذ ُ ِ‬
‫تليت عليهم آيات القرآن زادتهم إيماًنا مع إيمانهم‪ ,‬لتدبرهم لمعانيه‬
‫وعلى الله تعالى يتوكلون‪ ,‬فل يرجون غيره‪ ,‬ول يرهبون سواه‪.‬‬

‫ن )‪(3‬‬
‫فُقو َ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬
‫م ُين ِ‬ ‫م ّ‬
‫صلةَ وَ ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫مو َ‬
‫ن ي ُِقي ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الذين يداومون على أداء الصلوات المفروضة في أوقاتها‪ ,‬ومما‬
‫رزقناهم من الموال ينفقون فيما أمرناهم به‪.‬‬

‫ق‬
‫مغِْفهَرةٌ وَرِْز ٌ‬
‫م وَ َ‬
‫عن ْهد َ َرب ّهِه ْ‬
‫ت ِ‬
‫جهها ٌ‬ ‫حّقها ً ل َهُه ْ‬
‫م د ََر َ‬ ‫ن َ‬
‫من ُههو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬
‫م )‪(4‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫كَ ِ‬
‫هؤلء الذين يفعلون هذه الفعال هم المؤمنون حًقا ظاهًرا وباطًنا‬
‫بما أنزل الله عليهم‪ ,‬لهم منازل عالية عند الله‪ ,‬وعفو عن ذنوبهم‪,‬‬
‫ورزق كريم‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬

‫ن‬
‫هو َ‬ ‫ن لَ َ‬
‫كارِ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ريقا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬
‫حقّ وَإ ِ ّ‬ ‫ن ب َي ْت ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ك َرب ّ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫كَ َ‬
‫)‪(5‬‬
‫كما أنكم لما اختلفتم في المغانم فانتزعها الله منكم‪ ,‬وجعلها إلى‬
‫سم رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬كذلك أمرك ربك ‪-‬أيها‬ ‫سمه وقَ ْ‬
‫قَ ْ‬
‫عْير قريش‪ ,‬وذلك بالوحي الذي‬‫النبي‪ -‬بالخروج من "المدينة" للقاء ِ‬
‫أتاك به جبريل مع كراهة فريق من المؤمنين للخروج‪.‬‬

‫َ‬
‫م‬
‫ت وَهُ ه ْ‬ ‫ن إ ِل َههى ال ْ َ‬
‫م هو ْ ِ‬ ‫سههاُقو َ‬ ‫ن ك َأن ّ َ‬
‫مهها ي ُ َ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫ك ِفي ال ْ َ‬
‫حقّ ب َعْد َ َ‬ ‫جادُِلون َ َ‬
‫يُ َ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫َينظ ُُرو َ‬
‫من بعد ما تبّين‬
‫يجادلك ‪-‬أيها النبي‪ -‬فريق من المؤمنين في القتال ِ‬
‫لهم أن ذلك واقع‪ ,‬كأنهم يساقون إلى الموت‪ ,‬وهم ينظرون إليه‬
‫عياًنا‪.‬‬
‫ِ‬

‫‪333‬‬
‫وت هودو َ‬ ‫وإذ ْ يعِدك ُم الل ّهه إحهدى الط ّههائ َِفتي َ‬
‫ت‬‫ذا ِ‬ ‫ن غَي ْهَر َ‬
‫نأ ّ‬ ‫ََ َ ّ َ‬ ‫ن أن ّهَهها ل َك ُه ْ‬
‫م‬ ‫َ َْ ِ‬ ‫ُ ِ ْ َ‬ ‫َِ َ ُ ْ‬
‫مههات ِهِ وَي َْقط َهعَ َ‬
‫داب ِهَر‬ ‫ب ِك َل ِ َ‬ ‫حهقّ‬ ‫ح هق ّ ا ل ْ َ‬‫ن يُ ِ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬
‫هأ ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م وَي ُ ِ‬ ‫شوْك َةِ ت َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫ري َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬
‫واذكروا ‪-‬أيها المجادلون‪ -‬وَعْد َ الله لكم بالظ ّْفر بإحدى الطائفتين‪:‬‬
‫من أرزاق‪ ,‬أو النفير‪ ,‬وهو قتال العداء والنتصار‬ ‫العير وما تحمله ِ‬
‫عليهم‪ ,‬وأنتم تحبون الظ ّْفر بالعير دون القتال‪ ,‬ويريد الله أن يحق‬
‫السلم‪ ,‬وي ُْعليه بأمره إياكم بقتال الكفار‪ ,‬ويستأصل الكافرين‬
‫بالهلك‪.‬‬

‫ن )‪(8‬‬
‫مو َ‬
‫جرِ ُ‬ ‫ل وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل ال َْباط ِ َ‬ ‫حق ّ ا ل ْ َ‬
‫حقّ وَي ُب ْط ِ َ‬ ‫ل ِي ُ ِ‬
‫ليعّز الله السلم وأهله‪ ,‬ويذهب الشرك وأهله‪ ,‬ولو كره المشركون‬
‫ذلك‪.‬‬

‫َ‬ ‫إذ ْ تستِغيُثون ربك ُم َفاستجاب ل َك ُ َ‬


‫ن ال ْ َ‬
‫ملئ ِك َهةِ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ب ِهأل ْ ٍ‬
‫ف ِ‬ ‫مهد ّك ُ ْ‬
‫م ِ‬
‫م أّني ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫َ َ ّ ْ‬ ‫ِ َ ْ َ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫مْردِِفي َ‬
‫ُ‬
‫اذكروا نعمة الله عليكم يوم "بدر" إذ تطلبون النصر على عدوكم‪,‬‬
‫دكم بألف من الملئكة من‬
‫فاستجاب الله لدعائكم قائل إني مم ّ‬
‫ضا‪.‬‬
‫السماء‪ ,‬يتبع بعضهم بع ً‬

‫عْنههدِ‬
‫ن ِ‬ ‫صُر إ ِل ّ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما الن ّ ْ‬ ‫ن ب ِهِ قُُلوب ُك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫شَرى وَل ِت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫ه إ ِل ّ ب ُ ْ‬‫ه الل ّ ُ‬ ‫جعَل َ ُ‬‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫م )‪(10‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫وما جعل الله ذلك المداد إل بشارة لكم بالنصر‪ ,‬ولتسكن به‬
‫قلوبكم‪ ,‬وتوقنوا بنصر الله لكم‪ ,‬وما النصر إل من عند الله‪ ,‬ل‬
‫بشدة بأسكم وقواكم‪ .‬إن الله عزيز في ملكه‪ ,‬حكيم في تدبيره‬
‫وشرعه‪.‬‬

‫ل عَل َي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫مههاءً‬ ‫ماءِ َ‬ ‫سهه َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫مهه ْ‬
‫م ِ‬ ‫كهه ْ‬ ‫ه وَي َُنههّز ُ‬
‫مْنهه ُ‬
‫ة ِ‬‫مَنهه ً‬
‫سأ َ‬ ‫م الن َّعهها َ‬ ‫شههيك ُ ْ‬ ‫إ ِذ ْ ي ُغَ ّ‬
‫م‬‫ط عَل َههى قُل ُههوب ِك ُ ْ‬‫ن وَل ِي َْرب ِه َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شهي ْ َ‬
‫جهَز ال ّ‬ ‫م رِ ْ‬‫عنك ُه ْ‬ ‫ب َ‬ ‫م ب ِهِ وَي ُهذ ْهِ َ‬‫ل ِي ُط َهَّرك ُ ْ‬
‫م )‪(11‬‬ ‫دا َ‬‫ت ب ِهِ ال َقْ َ‬ ‫وَي ُث َب ّ َ‬
‫‪334‬‬
‫إذ ي ُْلقي الله عليكم النعاس أماًنا منه لكم من خوف عدوكم أن‬
‫يغلبكم‪ ,‬وينزل عليكم من السحاب ماء طهوًرا‪ ,‬ليطهركم به من‬
‫الحداث الظاهرة‪ ,‬ويزيل عنكم في الباطن وساوس الشيطان‬
‫وخواطره‪ ,‬وليشد ّ على قلوبكم بالصبر عند القتال‪ ,‬ويثبت به أقدام‬
‫المؤمنين بتلبيد الرض الرملية بالمطر حتى ل تنزلق فيها القدام‪.‬‬

‫سهأ ُل ِْقي‬
‫من ُههوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫م فَث َب ّت ُههوا ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫معَك ُه ْ‬
‫َ‬
‫ك إ َِلى ال ْ َ‬
‫ملئ ِك َةِ أّني َ‬ ‫حي َرب ّ َ‬ ‫إ ِذ ْ ُيو ِ‬
‫َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ضرُِبوا ِ‬
‫ق َوا ْ‬‫ضرُِبوا فَوْقَ العَْنا ِ‬ ‫ن ك ََفُروا الّرعْ َ‬
‫ب َفا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ِفي قُُلو ِ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫كُ ّ‬
‫ل ب ََنا ٍ‬
‫إذ يوحي ربك ‪-‬أيها النبي‪ -‬إلى الملئكة الذين أمد ّ الله بهم‬
‫ووا‬ ‫ُ‬
‫المسلمين في غزوة "بدر" أني معكم أعينكم وأنصركم‪ ,‬فق ّ‬
‫عزائم الذين آمنوا‪ ,‬سألقي في قلوب الذين كفروا الخوف الشديد‬
‫صَغار‪ ,‬فاضربوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬رؤوس الكفار‪ ,‬واضربوا‬ ‫والذلة وال ّ‬
‫مْفصل‪.‬‬‫منهم كل طرف و ِ‬

‫ذ َل َ َ‬
‫ن الّلهه َ‬
‫ه‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه فَإ ِ ّ‬ ‫شاقِقْ الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ن يُ َ‬
‫م ْ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه وَ َ‬ ‫شاّقوا الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ب )‪(13‬‬ ‫ديد ُ ال ْعَِقا ِ‬
‫ش ِ‬‫َ‬
‫ضْرب رؤوسهم وأعناقهم وأطرافهم;‬ ‫ذلك الذي حدث للكفار من َ‬
‫من يخالف أمر الله ورسوله‪,‬‬
‫بسبب مخالفتهم لمر الله ورسوله‪ ,‬و َ‬
‫فإن الله شديد العقاب له في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ن ل ِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ب الّنارِ )‪(14‬‬ ‫ن عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ذوُقوهُ وَأ ّ‬ ‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫م فَ ُ‬
‫جلته لكم ‪-‬أيها الكافرون المخالفون لوامر‬
‫ذلكم العذاب الذي ع ّ‬
‫الله ورسوله في الدنيا‪ -‬فذوقوه في الحياة الدنيا‪ ,‬ولكم في الخرة‬
‫عذاب النار‪.‬‬

‫م ال َد ْب َههاَر )‬ ‫َ‬
‫حفا ً َفل ت ُوَل ّههوهُ ْ‬
‫ن ك ََفُروا َز ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ذا ل َِقيت ُ ْ‬
‫مُنوا إ ِ َ‬
‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪(15‬‬

‫‪335‬‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا قابلتم الذين‬
‫ص ّ‬
‫يا أيها الذين َ‬
‫كفروا في القتال متقاربين منكم فل ت ُوَّلوهم ظهوركم‪ ,‬فتنهزموا‬
‫عنهم‪ ,‬ولكن اثبتوا لهم‪ ,‬فإن الله معكم وناصركم عليهم‪.‬‬

‫حّيزا ً إ َِلى فِئ َةٍ فََقد ْ َباَء‬ ‫ومن يول ّهم يومئ ِذ دبره إل ّ متحرفا ً ل ِقتا َ‬
‫مت َ َ‬
‫ل أو ْ ُ‬
‫ِ َ ٍ‬ ‫َ َ ْ ُ َ ِ ْ َ ْ َ ٍ ُْ ُ َ ُ ِ ُ َ َ ّ‬
‫صيُر )‪(16‬‬ ‫م ِ‬‫س ال ْ َ‬
‫م وَب ِئ ْ َ‬
‫جهَن ّ ُ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬
‫مأَواهُ َ‬ ‫م ْ‬
‫ب ِ‬
‫ض ٍ‬
‫ب ِغَ َ‬
‫ومن ي ُوَّلهم منكم ظهره وقت الزحف إل منعطًفا لمكيدة الكفار أو‬
‫منحاًزا إلى جماعة المسلمين حاضري الحرب حيث كانوا‪ ,‬فقد‬
‫استحق الغضب من الله‪ ,‬ومقامه جهنم‪ ,‬وبئس المصير والمنقلب‪.‬‬

‫مههى‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َر َ‬ ‫ت وَل َك ِ ّ‬ ‫ت إ ِذ ْ َر َ‬
‫مي ْ َ‬ ‫مي ْ َ‬
‫ما َر َ‬‫م وَ َ‬ ‫ه قَت َل َهُ ْ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬‫م ت َْقت ُُلوهُ ْ‬‫فَل َ ْ‬
‫م )‪(17‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫سنا ً إ ِ ّ‬‫ح َ‬ ‫ه َبلًء َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ن ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫ي ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫وَل ِي ُب ْل ِ َ‬
‫فلم تقتلوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬المشركين يوم "بدر"‪ ,‬ولكن الله قتلهم‪,‬‬
‫حيث أعانكم على ذلك‪ ,‬وما رميت حين رميت ‪-‬أيها النبي‪ -‬ولكن‬
‫الله رمى‪ ,‬حيث أوصل الرمية التي رميتها إلى وجوه المشركين;‬
‫وليختبر المؤمنين بالله ورسوله ويوصلهم بالجهاد إلى أعلى‬
‫الدرجات‪ ,‬ويعّرفهم نعمته عليهم‪ ,‬فيشكروا له سبحانه على ذلك‪.‬‬
‫إن الله سميع لدعائكم وأقوالكم ما أسررتم به وما أعلنتم‪ ,‬عليم‬
‫بما فيه صلح عباده‪.‬‬

‫ن ك َي ْدِ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(18‬‬
‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫موهِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫م وَأ ّ‬
‫من قتل المشركين ورميهم حين انهزموا‪ ,‬والبلء الحسن‬ ‫هذا الفعل ِ‬
‫بنصر المؤمنين على أعدائهم‪ ,‬هو من الله للمؤمنين‪ ,‬وأن الله ‪-‬فيما‬
‫طل مكر الكافرين حتى ي َذِّلوا وينقادوا للحق‬
‫مب ِ‬
‫مضِعف و ُ‬‫ستقبل‪ُ -‬‬ ‫يُ ْ‬
‫أو يهلكوا‪.‬‬

‫دوا‬
‫ن ت َُعو ُ‬‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬ ‫خي ٌْر‬
‫َ‬ ‫ن َتنت َُهوا فَهُوَ‬‫ح وَإ ِ ْ‬ ‫م ال َْفت ْ ُ‬‫جاَءك ُ ْ‬ ‫حوا فََقد ْ َ‬ ‫ست َْفت ِ ُ‬‫ن تَ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫مههؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫معَ ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن‬‫ت وَأ ّ‬‫شْيئا ً وَل َوْ ك َث َُر ْ‬ ‫م َ‬ ‫م فِئ َت ُك ُ ْ‬
‫عنك ُ ْ‬
‫ي َ‬‫ن ت ُغْن ِ َ‬ ‫ن َعُد ْ وَل َ ْ‬
‫‪(19‬‬

‫‪336‬‬
‫إن تطلبوا ‪-‬أيها الكفار‪ -‬من الله أن يوقع بأسه وعذابه على‬
‫من‬‫المعتدين الظالمين فقد أجاب الله طلبكم‪ ,‬حين أوقع بكم ِ‬
‫عقابه ما كان نكال لكم وعبرة للمتقين‪ ,‬فإن تنتهوا ‪-‬أيها الكفار‪ -‬عن‬
‫الكفر بالله ورسوله وقتال نبيه محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فهو‬
‫خير لكم في دنياكم وأخراكم‪ ,‬وإن تعودوا إلى الحرب وقتال محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم وقتال أتباعه المؤمنين ن َعُد ْ بهزيمتكم كما‬
‫هزمتم يوم "بدر"‪ ,‬ولن تغني عنكم جماعتكم شيًئا‪ ,‬كما لم تغن‬ ‫ُ‬
‫عنكم يوم "بدر" مع كثرة عددكم وعتادكم وقلة عدد المؤمنين‬
‫وعدتهم‪ ,‬وأن الله مع المؤمنين بتأييده ونصره‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫م‬
‫ه وَأن ْت ُه ْ‬ ‫ه َول ت َوَل ّه ْ‬
‫وا عَن ْه ُ‬ ‫سههول َ ُ‬ ‫طيعُههوا الل ّه َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫من ُههوا أ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ي َهها أي ّهَهها ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬
‫تَ ْ‬
‫دقوا الله ورسوله أطيعوا الله ورسوله فيما أمركم‬
‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫به ونهاكم عنه‪ ,‬ول تتركوا طاعة الله وطاعة رسوله‪ ,‬وأنتم تسمعون‬
‫ما يتلى عليكم في القرآن من الحجج والبراهين‪.‬‬

‫ن )‪(21‬‬
‫مُعو َ‬
‫س َ‬
‫م ل يَ ْ‬
‫معَْنا وَهُ ْ‬ ‫ن َقاُلوا َ‬
‫س ِ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫كوُنوا َ‬
‫َول ت َ ُ‬

‫ول تكونوا أيها المؤمنون في مخالفة الله ورسوله محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم كالمشركين والمنافقين الذين إذا سمعوا كتاب الله‬
‫يتلى عليهم قالوا‪ :‬سمعنا بآذاننا‪ ,‬وهم في الحقيقة ل يتدبرون ما‬
‫سمعوا‪ ,‬ول يفكرون فيه‪.‬‬

‫ن )‪(22‬‬‫ن ل ي َعِْقُلو َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ال ْب ُك ْ ُ‬‫ص ّ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ ال ّ‬
‫ب ِ‬ ‫ن َ‬
‫شّر الد َّوا ّ‬ ‫إِ ّ‬

‫خْلق الله‪ -‬عند الله الص ّ‬


‫م الذين‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب على الرض ‪ِ -‬‬ ‫ن شر ما د ّ‬ ‫إ ّ‬
‫دت آذانهم عن سماع الحق فل يسمعون‪ ,‬البكم الذين خرست‬ ‫انس ّ‬
‫ألسنتهم عن النطق به فل ينطقون‪ ,‬هؤلء هم الذين ل يعقلون عن‬
‫الله أمره ونهيه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م ل َت َوَل ّههوا وَهُ ه ْ‬
‫م‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫م وَل َهوْ أ ْ‬
‫سه َ‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫خي ْههرا ً ل ْ‬
‫سه َ‬ ‫م َ‬ ‫م الل ّه ُ‬
‫ه ِفيهِ ه ْ‬ ‫وَل َهوْ عَل ِه َ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ُ‬
‫‪337‬‬
‫ولو علم الله في هؤلء خيًرا لسمعهم مواعظ القرآن وعبره حتى‬
‫يعقلوا عن الله عز وجل حججه وبراهينه‪ ,‬ولكنه علم أنه ل خير‬
‫فيهم وأنهم ل يؤمنون‪ ,‬ولو أسمعهم ‪-‬على الفرض والتقدير‪ -‬لتوّلوا‬
‫دا بعد فهمهم له‪ ,‬وهم معرضون عنه‪ ,‬ل‬ ‫دا وعنا ً‬
‫عن اليمان قص ً‬
‫التفات لهم إلى الحق بوجه من الوجوه‪.‬‬

‫َ‬
‫حِييك ُه ْ‬
‫م‬ ‫مهها ي ُ ْ‬ ‫ذا د َعَههاك ُ ْ‬
‫م لِ َ‬ ‫ل إِ َ‬ ‫سههو ِ‬ ‫جيُبوا ل ِل ّههِ وَِللّر ُ‬ ‫ست َ ِ‬
‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬‫ه إ ِل َي ْهِ ت ُ ْ‬
‫مْرءِ وَقَل ْب ِهِ وَأن ّ ُ‬
‫ن ال ْ َ‬
‫ل ب َي ْ َ‬‫حو ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يَ ُ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫َواعْل َ ُ‬
‫دقوا بالله رًبا وبمحمد نبًيا ورسول استجيبوا لله‬
‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫وللرسول بالطاعة إذا دعاكم لما يحييكم من الحق‪ ,‬ففي الستجابة‬
‫إصلح حياتكم في الدنيا والخرة‪ ,‬واعلموا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬أن الله‬
‫تعالى هو المتصرف في جميع الشياء‪ ,‬والقادر على أن يحول بين‬
‫النسان وما يشتهيه قلبه‪ ,‬فهو سبحانه الذي ينبغي أن يستجاب له‬
‫إذا دعاكم; إذ بيده ملكوت كل شيء‪ ,‬واعلموا أنكم ُتجمعون ليوم ل‬
‫ريب فيه‪ ,‬فيجازي كل بما يستحق‪.‬‬

‫َ‬
‫ن الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫ة َواعْل َ ُ‬
‫مههوا أ ّ‬ ‫صه ً‬
‫خا ّ‬ ‫من ْك ُه ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫مههوا ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صيب َ ّ‬
‫ة ل تُ ِ‬‫َوات ُّقوا فِت ْن َ ً‬
‫ب )‪(25‬‬ ‫ديد ُ ال ْعَِقا ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫م بها المسيء وغيره ل‬ ‫واحذروا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬اختباًرا ومحنة ي ُعَ ّ‬
‫من باشر الذنب‪ ,‬بل تصيب الصالحين‬ ‫خص بها أهل المعاعي ول َ‬ ‫يُ َ‬
‫معهم إذا قدروا على إنكار الظلم ولم ينكروه‪ ,‬واعلموا أن الله‬
‫شديد العقاب لمن خالف أمره ونهيه‪.‬‬

‫خاُفو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫خط َّفك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ي َت َ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ض تَ َ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫ضعَُفو َ‬‫ست َ ْ‬‫م ْ‬‫ل ُ‬ ‫م قَِلي ٌ‬ ‫َواذ ْك ُُروا إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ش هك ُُرو َ‬‫م تَ ْ‬ ‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ن الط ّي َّبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صرِهِ وََرَزقَك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م وَأي ّد َك ُ ْ‬
‫م ب ِن َ ْ‬ ‫س َفآَواك ُ ْ‬ ‫الّنا ُ‬
‫)‪(26‬‬
‫واذكروا أيها المؤمنون ن َِعم الله عليكم إذ أنتم به"مكة" قليلو العدد‬
‫مقهورون‪ ,‬تخافون أن يأخذكم الكفار بسرعة‪ ,‬فجعل لكم مأوى‬
‫واكم بنصره عليهم يوم "بدر"‪,‬‬ ‫تأوون إليه وهو "المدينة"‪ ,‬وق ّ‬

‫‪338‬‬
‫وأطعمكم من الطيبات ‪-‬التي من جملتها الغنائم‪ ;-‬لكي تشكروا له‬
‫على ما رزقكم وأنعم به عليكم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫م‬ ‫ماَنههات ِك ُ ْ‬
‫م وَأن ُْتهه ْ‬ ‫خوُنوا أ َ‬ ‫سو َ‬
‫ل وَت َ ُ‬ ‫خوُنوا الل ّ َ‬
‫ه َوالّر ُ‬ ‫مُنوا ل ت َ ُ‬
‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ل تخونوا الله‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫ورسوله بترك ما أوجبه الله عليكم وفِْعل ما نهاكم عنه‪ ,‬ول تفرطوا‬
‫فيما ائتمنكم الله عليه‪ ,‬وأنتم تعلمون أنه أمانة يجب الوفاء بها‪.‬‬

‫َ‬ ‫واعْل َموا أ َنما أ َموال ُك ُم وأ َولدك ُم فتنه ٌ َ‬


‫م)‬
‫ظيه ٌ‬
‫جهٌر عَ ِ‬
‫عن ْهد َهُ أ ْ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه ِ‬ ‫ة وَأ ّ‬ ‫ْ َ ْ ُ ْ ِ َْ‬ ‫ّ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪(28‬‬
‫واعلموا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬أن أموالكم التي استخلفكم الله فيها‪,‬‬
‫وأولدكم الذين وهبهم الله لكم اختبار من الله وابتلء لعباده; ليعلم‬
‫أيشكرونه عليها ويطيعونه فيها‪ ,‬أو ينشغلون بها عنه؟ واعلموا أن‬
‫الله عنده خير وثواب عظيم لمن اتقاه وأطاعه‪.‬‬

‫م فُْرَقانها ً وَي ُك َّفهْر َ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫َ‬


‫عنك ُه ْ‬
‫م‬ ‫كه ْ‬ ‫جَعه ْ‬ ‫ن ت َت ُّقهوا الّله َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ظيم ِ )‪(29‬‬ ‫ل ال ْعَ ِ‬‫ض ِ‬‫ذو ال َْف ْ‬
‫ه ُ‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫م وَي َغِْفْر ل َك ُ ْ‬ ‫سي َّئات ِك ُ ْ‬
‫َ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه إن تتقوا الله‬
‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫بفعل أوامره واجتناب نواهيه يجعل لكم فصل بين الحق والباطل‪,‬‬
‫ح عنكم ما سلف من ذنوبكم ويسترها عليكم‪ ,‬فل يؤاخذكم بها‪.‬‬ ‫وَيم ُ‬
‫والله ذو الفضل العظيم‪.‬‬

‫مك ُهُرو َ‬
‫ن‬ ‫جو َ‬
‫ك وَي َ ْ‬ ‫ك أ َوْ ي ُ ْ‬
‫خرِ ُ‬ ‫ك أ َوْ ي َْقت ُُلو َ‬
‫ن ك ََفُروا ل ِي ُث ْب ُِتو َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مك ُُر ب ِ َ‬‫وَإ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫ري َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬
‫ماك ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫مك ُُر الل ّ ُ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫كة";‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حين يكيد لك مشركو قومك به"م ّ‬
‫ليحبسوك أو يقتلوك أو ينفوك من بلدك‪ .‬ويكيدون لك‪ ,‬ورد ّ الله‬
‫مكرهم عليهم جزاء لهم‪ ,‬ويمكر الله‪ ,‬والله خير الماكرين‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫ن هَ َ‬
‫ذا‬ ‫ل هَ َ‬
‫ذا إ ِ ْ‬ ‫شاُء ل َُقل َْنا ِ‬
‫مث ْ َ‬ ‫معَْنا ل َوْ ن َ َ‬ ‫م آَيات َُنا َقاُلوا قَد ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫ذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬‫وَإ ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫إ ِل ّ أ َ‬
‫وإذا تتلى على هؤلء الذين كفروا بالله آيات القرآن العزيز قالوا‬
‫دا للحق‪ :‬قد سمعنا هذا من قبل‪ ,‬لو نشاء لقلنا مثل‬ ‫جهل منهم وعنا ً‬
‫هذا القرآن‪ ,‬ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا ‪-‬يا محمد‪ -‬إل أكاذيب‬
‫الولين‪.‬‬

‫َ‬
‫جههاَرةً‬ ‫مط ِْر عَل َي ْن َهها ِ‬
‫ح َ‬ ‫عن ْهدِ َ‬
‫ك ف َ هأ ْ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ذا هُوَ ال ْ َ‬
‫حقّ ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫َقاُلوا الل ّهُ ّ‬
‫ب أ َِليم ٍ )‪(32‬‬ ‫ماِء أ َوْ ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ِ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قول المشركين من قومك داعين الله‪ :‬إن‬
‫من عندك فأمطر علينا حجارة من‬‫كان ما جاء به محمد هو الحق ِ‬
‫السماء‪ ,‬أو ائتنا بعذاب شديد موجع‪.‬‬

‫َ‬
‫م‬ ‫معَهذ ّب َهُ ْ‬
‫م وَهُه ْ‬ ‫ن الل ّه ُ‬
‫ه ُ‬ ‫مهها ك َهها َ‬
‫م وَ َ‬
‫ت ِفيهِه ْ‬
‫م وَأن ْه َ‬ ‫ن الل ّه ُ‬
‫ه ل ِي ُعَهذ ّب َهُ ْ‬ ‫ما ك َهها َ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫ست َغِْفُرو َ‬‫يَ ْ‬
‫ذب هؤلء المشركين‪ ,‬وأنت ‪-‬أيها‬ ‫وما كان الله سبحانه وتعالى ليع ّ‬
‫ذبهم‪ ,‬وهم يستغفرون من‬ ‫الرسول‪ -‬بين ظهران َْيهم‪ ,‬وما كان الله مع ّ‬
‫ذنوبهم‪.‬‬

‫وما ل َه َ‬
‫ما َ‬
‫كاُنوا‬ ‫جدِ ال ْ َ‬
‫حَرام ِ وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ َ‬‫ن عَ ْ‬ ‫دو َ‬‫ص ّ‬ ‫م يَ ُ‬‫ه وَهُ ْ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫م أل ّ ي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫َ َ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(34‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ن وَل َك ِ ّ‬ ‫ن أوْل َِياؤُهُ إ ِل ّ ال ْ ُ‬
‫مت ُّقو َ‬ ‫أوْل َِياَءهُ إ ِ ْ‬
‫وكيف ل يستحّقون عذاب الله‪ ,‬وهم يصدون أولياءه المؤمنين عن‬
‫الطواف بالكعبة والصلة في المسجد الحرام؟ وما كانوا أولياء الله‪,‬‬
‫ن أولياء الله إل الذين يتقونه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه‪ ,‬ولكن‬
‫إ ْ‬
‫دعوا لنفسهم أمًرا‪ ,‬غيرهم أولى به‪.‬‬‫أكثر الكفار ل يعلمون; فلذلك ا ّ‬

‫مهها‬
‫ب بِ َ‬ ‫ذوُقوا ال ْعَه َ‬
‫ذا َ‬ ‫ة فَ ه ُ‬ ‫مك َههاًء وَت َ ْ‬
‫صهدِي َ ً‬ ‫عن ْد َ ال ْب َي ْ ِ‬
‫ت إ ِل ّ ُ‬ ‫م ِ‬
‫صلت ُهُ ْ‬‫ن َ‬‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫م ت َك ُْفُرو َ‬ ‫ُ‬
‫كنت ُ ْ‬
‫‪340‬‬
‫وما كان صلتهم عند المسجد الحرام إل صفيًرا وتصفيًقا‪ .‬فذوقوا‬
‫عذاب القتل والسر يوم "بدر" ; بسبب جحودكم وأفعالكم التي ل‬
‫ي ُْقدم عليها إل الكفرة‪ ,‬الجاحدون توحيد ربهم ورسالة نبيهم‪.‬‬

‫إن ال ّهههذين ك ََفهههروا ينفُقهههو َ‬


‫ل الل ّههه ِ‬
‫ه‬ ‫سهههِبي ِ‬‫ن َ‬ ‫دوا عَههه ْ‬ ‫صههه ّ‬
‫م ل ِي َ ُ‬‫وال َهُ ْ‬
‫مههه َ‬‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ن ك ََف هُروا إ ِل َههى‬
‫ذي َ‬‫ن َوال ّه ِ‬
‫م ي ُغْل َب ُههو َ‬
‫سَرةً ث ُ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م تَ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫فُقون ََها ث ُ ّ‬‫سُين ِ‬‫فَ َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬‫م يُ ْ‬‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫إن الذين جحدوا وحدانية الله وعصوا رسوله ينفقون أموالهم‬
‫فيعطونها أمثالهم من المشركين وأهل الضلل‪ ,‬ليصدوا عن سبيل‬
‫الله ويمنعوا المؤمنين عن اليمان بالله ورسوله‪ ,‬فينفقون أموالهم‬
‫في ذلك‪ ,‬ثم تكون عاقبة نفقتهم تلك ندامة وحسرة عليهم; لن‬
‫من إطفاء نور الله والصد‬‫ملون ِ‬
‫أموالهم تذهب‪ ,‬ول يظفرون بما يأ ُ‬
‫عن سبيله‪ ,‬ثم يهزمهم المؤمنون آخر المر‪ .‬والذين كفروا إلى‬
‫جهنم يحشرون فيعذبون فيها‪.‬‬

‫ض‬ ‫ضه ُ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫جع َ ه َ‬ ‫ن الط ّي ّه ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫ميَز الل ّ ُ‬
‫ه عَلههى ب َعْه ٍ‬ ‫ث ب َعْ َ‬‫خِبيه َ‬ ‫ب وَي َ ْ‬
‫ُ‬
‫م ْ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ل ِي َ ِ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬‫م ال ْ َ‬‫ك هُ ْ‬ ‫م أوْل َئ ِ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫ه ِفي َ‬ ‫جعَل َ ُ‬
‫ميعا ً فَي َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه َ‬ ‫فَي َْرك ُ َ‬
‫م ُ‬
‫يحشر الله ويخزي هؤلء الذين كفروا بربهم‪ ,‬وأنفقوا أموالهم لمنع‬
‫الناس عن اليمان بالله والصد عن سبيله; ليميز الله تعالى الخبيث‬
‫من الطيب‪ ,‬ويجعل الله المال الحرام الذي ُأنفق للصد ّ عن دين‬
‫ما متراكًبا‪ ,‬فيجعله في نار جهنم‪ ,‬هؤلء‬‫الله بعضه فوق بعض متراك ً‬
‫الكفار هم الخاسرون في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫دوا فََقهد ْ‬
‫ن ي َعُههو ُ‬ ‫س هل َ َ‬
‫ف وَإ ِ ْ‬ ‫ما قَد ْ َ‬ ‫ن َينت َُهوا ي ُغَْفْر ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ك ََفُروا إ ِ ْ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن )‪(38‬‬ ‫ضت سن ّ ُ َ‬
‫ة الوِّلي َ‬ ‫م َ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫من مشركي قومك‪:‬‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للذين جحدوا وحدانية الله ِ‬
‫إن ينزجروا عن الكفر وعداوة النبي صلى الله عليه وسلم‪,‬‬
‫ويرجعوا إلى اليمان بالله وحده وعدم قتال الرسول والمؤمنين‪,‬‬
‫ب ما قبله‪ .‬وإن ي َعُد ْ‬‫ج ّ‬
‫يغفر الله لهم ما سبق من الذنوب‪ ,‬فالسلم ي ُ‬
‫هؤلء المشركون لقتالك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بعد الوقعة التي أوقعتها‬

‫‪341‬‬
‫بهم يوم "بدر" فقد سبقت طريقة الولين‪ ,‬وهي أنهم إذا كذبوا‬
‫واستمروا على عنادهم أننا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة‪.‬‬

‫وا فَهإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ه ل ِل ّهِ فَهإ ِ ْ‬
‫ن انت َهَه ْ‬ ‫ن ك ُل ّ ُ‬
‫دي ُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ة وَي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫حّتى ل ت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م َ‬ ‫وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫صيٌر )‪(39‬‬ ‫ن بَ ِ‬‫مُلو َ‬‫ما ي َعْ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه بِ َ‬
‫ك وصد ّ عن‬‫شْر ٌ‬
‫وقاتلوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬المشركين حتى ل يكون ِ‬
‫سبيل الله; ول ي ُعْب َد َ إل الله وحده ل شريك له‪ ,‬فيرتفع البلء عن‬
‫عباد الله في الرض‪ ,‬وحتى يكون الدين والطاعة والعبادة كلها لله‬
‫خالصة دون غيره‪ ,‬فإن انزجروا عن قتنة المؤمنين وعن الشرك‬
‫بالله وصاروا إلى الدين الحق معكم‪ ,‬فإن الله ل يخفى عليه ما‬
‫من ترك الكفر والدخول في السلم‪.‬‬ ‫يعملون ِ‬

‫َ‬
‫صيُر )‪(40‬‬ ‫موَْلى وَن ِعْ َ‬
‫م الن ّ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ولك ُ ْ‬
‫م ن ِعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫وا َفاعْل َ ُ‬
‫موا أ ّ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫ما دعوتموهم إليه ‪-‬أيها المؤمنون‪-‬‬ ‫وإن أعرض هؤلء المشركون ع ّ‬
‫وا إل الصرار على‬ ‫من اليمان بالله ورسوله وترك قتالكم‪ ,‬وأب َ ْ‬
‫م‬
‫قنوا أن الله معينكم وناصركم عليهم‪ .‬ن ِعْ َ‬ ‫الكفر وقتالكم‪ ,‬فأي ِ‬
‫المعين والناصر لكم ولوليائه على أعدائكم‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫الجزء العاشر ‪:‬‬

‫ّ‬ ‫شهيٍء فَهأ َ‬ ‫َ‬


‫ذي‬ ‫ل وَل ِه ِ‬
‫ِ‬ ‫هو‬ ‫ه‬ ‫س‬‫ُ‬ ‫ر‬‫َ ّ‬ ‫لل‬‫ِ‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ه‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ن َ ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما غَن ِ ْ‬
‫مت ُه ْ‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫َواعْل َ ُ‬
‫م ِبهالل ّهِ وَ َ‬
‫مها‬ ‫من ُْته ْ‬
‫مآ َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ ِ‬ ‫كي ِ‬
‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫مى َوال ْ َ‬ ‫ال ُْقْرَبى َوال ْي ََتا َ‬
‫ه عَل َههى ك ُه ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن َوالل ّه ُ‬ ‫معَهها ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫م ال ْت ََقى ال ْ َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫م ال ُْفْرَقا ِ‬‫أنَزل َْنا عََلى عَب ْدَِنا ي َوْ َ‬
‫ديٌر )‪(41‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬‫َ‬
‫من عدوكم بالجهاد في‬ ‫واعلموا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬أن ما ظ َ ِ‬
‫فرتم به ِ‬
‫سبيل الله فأربعة أخماسه للمقاتلين الذين حضروا المعركة‪,‬‬
‫والخمس الباقي يجّزأ ُ خمسة أقسام‪ :‬الول لله وللرسول‪ ,‬فيجعل‬
‫في مصالح المسلمين العامة‪ ,‬والثاني لذوي قرابة رسول الله صلى‬
‫جِعل لهم الخمس‬ ‫الله عليه وسلم‪ ,‬وهم بنو هاشم وبنو المطلب‪ُ ,‬‬
‫ل لهم‪ ,‬والثالث لليتامى‪ ,‬والرابع‬ ‫مكان الصدقة فإنها ل تح ّ‬
‫للمساكين‪ ,‬والخامس للمسافر الذي انقطعت به النفقة‪ ,‬إن كنتم‬
‫مقّرين بتوحيد الله مطيعين له‪ ,‬مؤمنين بما أنزل على عبده محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم من اليات والمدد والنصر يوم فََرق بين الحق‬
‫معُ المشركين‪ .‬والله‬‫ج ْ‬
‫معُ المؤمنين و َ‬‫ج ْ‬
‫والباطل به"بدر"‪ ,‬يوم التقى َ‬
‫على كل شيء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫من ْك ُه ْ‬
‫ل ِ‬ ‫س هَف َ‬
‫بأ ْ‬ ‫وى َوالّرك ْه ُ‬ ‫م ِبال ْعُد ْوَةِ ال ُْق ْ‬
‫ص َ‬ ‫م ِبال ْعُد ْوَةِ الد ّن َْيا وَهُ ْ‬ ‫إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ‬
‫ختل َْفت هم فههي ال ْميعههاد ول َك هن ل ِيْقض هي الل ّه َ‬
‫ن‬‫مههرا ً ك َهها َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ ِ َ ِ ْ َ ِ َ‬ ‫مل ْ َ ُ ْ ِ‬ ‫عدت ّ ْ‬ ‫وا َ‬ ‫وَل َوْ ت َ َ‬
‫ن الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫ن ب َي ّن َهةٍ وَإ ِ ّ‬‫ي عَه ْ‬‫حه ّ‬‫ن َ‬
‫مه ْ‬‫حي َهها َ‬
‫ن ب َي ّن َةٍ وَي َ ْ‬
‫ك عَ ْ‬ ‫ن هَل َ َ‬ ‫م ْ‬‫ك َ‬ ‫مْفُعول ً ل ِي َهْل ِ َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(42‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬‫لَ َ‬
‫واذكروا حينما كنتم على جانب الوادي القرب إلى "المدينة"‪,‬‬
‫عير التجارة في مكان‬ ‫وعدوكم نازل بجانب الوادي القصى‪ ,‬و ِ‬
‫أسفل منكم إلى ساحل "البحر الحمر"‪ ,‬ولو حاولتم أن تضعوا‬
‫ن الله جمعكم على غير ميعاد;‬ ‫دا لهذا اللقاء لختلفتم‪ ,‬ولك ّ‬
‫موع ً‬
‫خ ْ‬
‫ذلن أعدائه بالقتل‬ ‫ليقضي أمًرا كان مفعول بنصر أوليائه‪ ,‬و ِ‬
‫والسر; وذلك ليهلك من هلك منهم عن حجة لله ثبتت له فعاينها‬
‫ي عن حجة لله قد ثبتت وظهرت له‪.‬‬ ‫من ح ّ‬‫وقطعت عذره‪ ,‬وليحيا َ‬

‫‪343‬‬
‫وإن الله لسميع لقوال الفريقين‪ ,‬ل يخفى عليه شيء‪ ,‬عليم‬
‫بنّياتهم‪.‬‬

‫َ‬
‫م وَل َت ََنههاَزعْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫شل ْت ُ ْ‬
‫م ك َِثيرا ً ل ََف ِ‬
‫ك قَِليل ً وَل َوْ أَراك َهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مَنا ِ‬
‫ه ِفي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ريك َهُ ْ‬
‫إ ِذ ْ ي ُ ِ‬
‫َ‬
‫دورِ )‪(43‬‬ ‫ص ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬‫سل ّ َ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫مرِ وَل َك ِ ّ‬‫ِفي ال ْ‬
‫واذكر ‪-‬أيها النبي‪ -‬حينما أراك الله قلة عدد عدوك في منامك‪,‬‬
‫ويت قلوبهم‪ ,‬واجترؤوا على حربهم‪,‬‬ ‫فأخبرت المؤمنين بذلك‪ ,‬فق ِ‬
‫جُبنتم‬
‫ولو أراك ربك كثرة عددهم لتردد أصحابك في ملقاتهم‪ ,‬و َ‬
‫جى من‬ ‫واختلفتم في أمر القتال‪ ,‬ولكن الله سّلم من الفشل‪ ,‬ون ّ‬
‫عاقبة ذلك‪ .‬إنه عليم بخفايا القلوب وطبائع النفوس‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م قَِليل ً وَي َُقل ّل ُك ُه ْ‬
‫م فِههي أعْي ُن ِهِه ْ‬ ‫م فِههي أعْي ُن ِك ُه ْ‬ ‫م إ ِذ ْ ال ْت ََقي ْت ُه ْ‬ ‫ريك ُ ُ‬
‫مههوهُ ْ‬ ‫وَإ ِذ ْ ي ُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫جه ُ‬‫مْفُعول ً وَإ ِل َههى الل ّههِ ت ُْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫مرا ً َ‬
‫كا َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ض َ‬ ‫م ل ِي َْق ِ‬ ‫م ِفي أعْي ُن ِهِ ْ‬ ‫وَي َُقل ّل ُك ُ ْ‬
‫موُر )‪(44‬‬ ‫ُ‬
‫ال ُ‬
‫ضا حينما برز العداء إلى أرض المعركة فرأيتموهم قليل‬ ‫واذكر أي ً‬
‫فاجترأتم عليهم‪ ,‬وقّللكم في أعينهم‪ ,‬ليتركوا الستعداد لحربكم;‬
‫ليقضي الله أمًرا كان مفعول فيتحقق وَعْد ُ الله لكم بالنصر والغلبة‪,‬‬
‫فكانت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى‪ .‬وإلى الله‬
‫مصير المور كلها‪ ,‬فيجازي كل بما يستحق‪.‬‬

‫َ‬
‫ه ك َِثيههرا ً ل َعَل ّك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ة َفاث ْب ُُتوا َواذ ْك ُهُروا الل ّه َ‬ ‫ذا ل َِقيت ُ ْ‬
‫م فِئ َ ً‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬
‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫حو َ‬ ‫ت ُْفل ِ ُ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا لقيتم جماعة‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫من أهل الكفر قد استعدوا لقتالكم‪ ,‬فاثبتوا ول تنهزموا عنهم‪,‬‬
‫واذكروا الله كثيًرا داعين مبتهلين لنزال النصر عليكم والظ َّفر‬
‫بعدوكم; لكي تفوزوا‪.‬‬

‫َ‬
‫صههب ُِروا‬ ‫حك ُ ْ‬
‫م َوا ْ‬ ‫شُلوا وَت َذ ْهَ َ‬
‫ب ِري ُ‬ ‫عوا فَت َْف َ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه َول ت ََناَز ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫وَأ ِ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬
‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬‫إِ ّ‬

‫‪344‬‬
‫والتزموا طاعة الله وطاعة رسوله في كل أحوالكم‪ ,‬ول تختلفوا‬
‫فتتفرق كلمتكم وتختلف قلوبكم‪ ,‬فتضعفوا وتذهب قوتكم ونصركم‪,‬‬
‫واصبروا عند لقاه العدو‪ .‬إن الله مع الصابرين بالعون والنصر‬
‫والتأييد‪ ,‬ولن يخذلهم‪.‬‬

‫َ ً‬ ‫كال ّ ِ‬
‫كوُنوا َ‬‫تَ ُ‬
‫ن‬
‫دو َ‬
‫صه ّ‬ ‫م ب َطههرا وَرَِئاءَ الن ّهها ِ‬
‫س وَي َ ُ‬ ‫ن دَِيارِهِ ْ‬
‫م ْ‬‫جوا ِ‬ ‫خَر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َول‬
‫ط )‪(47‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬
‫ن ُ‬ ‫مُلو َ‬
‫ما ي َعْ َ‬‫ه بِ َ‬‫ل الل ّهِ َوالل ّ ُ‬
‫سِبي ِ‬‫َ‬ ‫ن‬
‫عَ ْ‬
‫ول تكونوا مثل المشركين الذين خرجوا من بلدهم كبًرا ورياًء;‬
‫ليمنعوا الناس عن الدخول في دين الله‪ .‬والله بما يعملون محيط ل‬
‫يغيب عنه شيء‪.‬‬

‫طا َ‬
‫س‬‫ن الن ّهها ِ‬‫م ْ‬‫م ِ‬‫م ال ْي َوْ َ‬‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫لل َ‬
‫غال ِ َ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫مال َهُ ْ‬‫ن أعْ َ‬ ‫شي ْ َ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫وَإ ِذ ْ َزي ّ َ‬
‫ريءٌ‬ ‫ص عََلى عَِقب َي ْهِ وََقا َ‬
‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫ن ن َك َ َ‬‫ت ال ِْفئ ََتا ِ‬ ‫م فَل َ ّ‬
‫ما ت ََراَء ْ‬ ‫جاٌر ل َك ُ ْ‬‫وَإ ِّني َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب )‪(48‬‬ ‫ديد ُ ال ْعَِقا ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬‫ف الل ّ َ‬
‫خا ُ‬ ‫ن إ ِّني أ َ‬ ‫ما ل ت ََروْ َ‬ ‫م إ ِّني أَرى َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ِ‬
‫موا به‪,‬‬
‫سن الشيطان للمشركين ما جاؤوا له وما ه ّ‬ ‫واذكروا حين ح ّ‬
‫وقال لهم‪ :‬لن يغلبكم أحد اليوم‪ ,‬فإني ناصركم‪ ,‬فلما تقابل‬
‫الفريقان‪ :‬المشركون ومعهم الشيطان‪ ,‬والمسلمون ومعهم‬
‫دبًرا‪ ,‬وقال للمشركين‪ :‬إني بريء منكم‪,‬‬ ‫م ْ‬
‫الملئكة‪ ,‬رجع الشيطان ُ‬
‫دا للمسلمين‪ ,‬إني‬ ‫إني أرى ما ل ترون من الملئكة الذين جاؤوا مد ً‬
‫أخاف الله‪ ,‬فخذلهم وتبرأ منهم‪ .‬والله شديد العقاب لمن عصاه ولم‬
‫حا‪.‬‬
‫يتب توبة نصو ً‬

‫ن‬
‫مهه ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ض غَّر هَ ُ‬
‫ؤلِء ِدين ُهُ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مَنافُِقو َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫إ ِذ ْ ي َُقو ُ‬
‫م )‪(49‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ فَإ ِ ّ‬ ‫ي َت َوَك ّ ْ‬
‫واذكروا حين يقول أهل الشرك والنفاق ومرضى القلوب‪ ,‬وهم‬
‫يرون قلة المسلمين وكثرة عدوهم‪ :‬غّر هؤلء المسلمين ديُنهم‪,‬‬
‫فأوردهم هذه الموارد‪ ,‬ولم يدرك هؤلء المنافقون أنه من يتوكل‬
‫على الله ويثق بوعده فإن الله لن يخذله‪ ,‬فإن الله عزيز ل يعجزه‬
‫شيء‪ ,‬حكيم في تدبيره وصنعه‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫م وَأد َْباَرهُ ْ‬
‫جوهَهُ ْ‬
‫ن وُ ُ‬
‫ضرُِبو َ‬
‫ة يَ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ال ْ َ‬
‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ ي َت َوَّفى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ق )‪(50‬‬ ‫ري ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ذوُقوا عَ َ‬ ‫وَ ُ‬
‫ولو تعاين ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حال قبض الملئكة أرواح الكفار وانتزاعها‪,‬‬
‫وهم يضربون وجوههم في حال إقبالهم‪ ,‬ويضربون ظهورهم في‬
‫حال فرارهم‪ ,‬ويقولون لهم‪ :‬ذوقوا العذاب المحرق‪ ,‬لرأيت أمًرا‬
‫ما‪ ،‬وهذا السياق وإن كان سببه وقعة "بدر" ‪ ،‬ولكنه عام في‬‫عظي ً‬
‫حق ك ّ‬
‫ل كافر‪.‬‬

‫س ب ِظ َل ّم ٍ ل ِل ْعَِبيدِ )‪(51‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ه ل َي ْ َ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫م وَأ ّ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما قَد ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك بِ َ‬
‫ذلك الجزاء الذي أصاب المشركين فبسبب أعمالهم السيئة في‬
‫خْلقه مثقال ذرة‪ ,‬بل هو‬
‫دا من َ‬
‫حياتهم الدنيا‪ ,‬ول يظلم الله أح ً‬
‫م العدل الذي ل يجور‪.‬‬ ‫حك َ ُ‬
‫ال َ‬

‫َ‬ ‫ْ‬
‫م الّله ُ‬
‫ه‬ ‫ت الل ّهِ فَأ َ‬
‫خهذ َهُ ْ‬ ‫م ك ََفُروا ِبآَيا ِ‬
‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫ذي َ‬‫ن َوال ّ ِ‬
‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫بآ ِ‬ ‫ك َد َأ ِ‬
‫ب )‪(52‬‬ ‫ديد ُ ال ْعَِقا ِ‬ ‫ه قَوِيّ َ‬
‫ش ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫م إِ ّ‬
‫سّنة الله في عقاب الطغاة من المم‬ ‫ن ما نزل بالمشركين يومئذ ُ‬‫إ ّ‬
‫ذبوا رسل الله‬‫السابقة من أمثال فرعون والسابقين له‪ ,‬عندما ك ّ‬
‫وجحدوا آياته‪ ,‬فإن الله أنزل بهم عقابه بسبب ذنوبهم‪ .‬إن الله قوي‬
‫ل ي ُْقهر‪ ,‬شديد العقاب لمن عصاه ولم يتب من ذنبه‪.‬‬

‫ك مغَيرا ً ن ِعم ً َ‬ ‫ذ َل َ َ‬
‫مهها‬ ‫مَها عََلى قَ هوْم ٍ َ‬
‫حت ّههى ي ُغَي ّهُروا َ‬ ‫ة أن ْعَ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫م يَ ُ ُ ّ‬‫ه لَ ْ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(53‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬
‫س ِ‬
‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬‫م وَأ ّ‬ ‫سه ِ ْ‬
‫ب ِأنُف ِ‬
‫ذلك الجزاء السّيئ بأن الله إذا أنعم على قوم نعمة لم يسلبها‬
‫منهم حتى يغّيروا حالهم الطيبة إلى حال سيئة‪ ,‬وأن الله سميع‬
‫لقوال خلقه‪ ,‬عليم بأحوالهم‪ ،‬فيجري عليهم ما اقتضاه علمه‬
‫ومشيئته‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬
‫م فَأهْل َك ْن َههاهُ ْ‬
‫م‬ ‫م ك َهذ ُّبوا ِبآي َهها ِ‬
‫ت َرب ّهِه ْ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫بآ ِ‬‫ك َد َأ ِ‬
‫ن )‪(54‬‬ ‫مي َ‬ ‫كاُنوا َ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ن وَك ُ ّ‬‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫م وَأ َغَْرقَْنا آ َ‬
‫ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫‪346‬‬
‫شأن هؤلء الكافرين في ذلك كشأن آل فرعون الذين كذبوا‬
‫موسى‪ ,‬وشأن الذين كذبوا رسلهم من المم السابقة فأهلكهم الله‬
‫بسبب ذنوبهم‪ ,‬وأغرق آل فرعون في البحر‪ ,‬وكل منهم كان فاعل‬
‫ما لم يكن له فِعُْله من تكذيبهم رسل الله وجحودهم آياته‪,‬‬
‫وإشراكهم في العبادة غيره‪.‬‬

‫ن )‪(55‬‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ك ََفُروا فَهُ ْ‬
‫م ل ي ُؤْ ِ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن َ‬
‫شّر الد َّوا ّ‬ ‫إِ ّ‬
‫ب على الرض عند الله الكفار المصّرون على الكفر‪,‬‬‫إن شر ما د ّ‬
‫فهم ل يصدقون رسل الله‪ ,‬ول ُيقرون بوحدانيته‪ ,‬ول يتبعون شرعه‪.‬‬

‫ن‬
‫م ل ي َت ُّقو َ‬
‫مّرةٍ وَهُ ْ‬ ‫م ِفي ك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫ن عَهْد َهُ ْ‬
‫ضو َ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫م َينُق ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ت ِ‬
‫عاهَد ْ َ‬
‫ن َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫)‪(56‬‬
‫من أولئك الشرار اليهود الذين دخلوا معك في المعاهدات بأن ل‬ ‫ِ‬
‫دا‪ ,‬ثم ينقضون عهدهم المرة تلو‬
‫يحاربوك ول يظاهروا عليك أح ً‬
‫المرة‪ ,‬وهم ل يخافون الله‪.‬‬

‫ن)‬ ‫م ل َعَل ّهُه ْ‬


‫م ي َهذ ّك ُّرو َ‬ ‫خل َْفهُه ْ‬
‫ن َ‬
‫مه ْ‬
‫م َ‬ ‫ب فَ َ‬
‫شّرد ْ ب ِهِ ْ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬
‫حْر ِ‬ ‫فَإ ِ ّ‬
‫ما ت َث َْقَفن ّهُ ْ‬
‫‪(57‬‬
‫فإن واجهت هؤلء الناقضين للعهود والمواثيق في المعركة‪ ,‬فأنزِ ْ‬
‫ل‬
‫دخل الرعب في قلوب الخرين‪ ,‬ويشتت‬ ‫بهم من العذاب ما ي ُ ْ‬
‫ذكرون‪ ,‬فل يجترئون على مثل الذي أقدم عليه‬ ‫جموعهم; لعلهم ي ّ‬
‫السابقون‪.‬‬

‫ب‬
‫حه ّ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫واءٍ إ ِ ّ‬ ‫م عََلى َ‬
‫سه َ‬ ‫ة َفان ْب ِذ ْ إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫ن قَوْم ٍ ِ‬
‫خَيان َ ً‬ ‫م ْ‬ ‫خافَ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫ن )‪(58‬‬ ‫خائ ِِني َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وإن خفت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من قوم ٍ خيانة ظهرت بوادرها فألق إليهم‬
‫عهدهم‪ ,‬كي يكون الطرفان مستويين في العلم بأنه ل عهد بعد‬
‫اليوم‪ .‬إن الله ل يحب الخائنين في عهودهم الناقضين للعهد‬
‫والميثاق‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫ن )‪(59‬‬
‫جُزو َ‬
‫م ل ي ُعْ ِ‬ ‫ن ك ََفُروا َ‬
‫سب َُقوا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سب َ ّ‬
‫ح َ‬
‫َول ي َ ْ‬
‫وا‪ ,‬وأن الله ل يقدر‬
‫ج ْ‬
‫ول يظنن الذين جحدوا آيات الله أنهم فاتوا ون َ‬
‫عليهم‪ ,‬إنهم لن ي ُْفِلتوا من عذاب الله‪.‬‬

‫عههد ُّو‬
‫ن ب ِهِ َ‬‫ل ت ُْرهُِبو َ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ط ال ْ َ‬‫ن رَِبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قُوّةٍ وَ ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ل َهُ ْ‬ ‫وَأ َ ِ‬
‫ع ّ‬
‫فُقوا‬ ‫ما ُتن ِ‬
‫م وَ َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫مه ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫مون َهُ ْ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫دون ِهِ ْ‬
‫ن ُ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫خ‬
‫م َوآ َ‬‫الل ّهِ وَعَد ُوّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ف إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫ل الل ّهِ ي ُوَ ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫يٍء ِفي َ‬ ‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫دوا ‪ -‬يا معشر المسلمين ‪ -‬لمواجهة أعدائكم كل ما تقدرون‬ ‫وأع ّ‬
‫دخلوا بذلك الرهبة في قلوب أعداء الله‬ ‫من عدد وعدة‪ ,‬لت ُ ْ‬
‫عليه ِ‬
‫وأعدائكم المتربصين بكم‪ ,‬وتخيفوا آخرين ل تظهر لكم عداوتهم‬
‫الن‪ ,‬لكن الله يعلمهم ويعلم ما يضمرونه‪ .‬وما تبذلوا من مال‬
‫وغيره في سبيل الله قليل أو كثيًرا يخلفه الله عليكم في الدنيا‪,‬‬
‫ويدخر لكم ثوابه إلى يوم القيامة‪ ,‬وأنتم ل ت ُْنقصون من أجر ذلك‬
‫شيًئا‪.‬‬

‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫م‬ ‫س ِ‬ ‫ل عََلى الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬
‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ح ل ََها وَت َوَك ّ ْ‬ ‫سل ْم ِ َفا ْ‬
‫جن َ ْ‬ ‫حوا ِلل ّ‬
‫جن َ ُ‬
‫ن َ‬‫وَإ ِ ْ‬
‫)‪(61‬‬
‫م ْ‬
‫ل إلى ذلك‬ ‫وإن مالوا إلى ترك الحرب ورغبوا في مسالمتكم ف ِ‬
‫ض أمرك إلى الله‪ ,‬وثق به‪ .‬إنه هو السميع‬ ‫‪-‬أيها النبي‪ -‬وفَوّ ْ‬
‫لقوالهم‪ ,‬العليم بنّياتهم‪.‬‬

‫ص هرِهِ‬ ‫ذي أ َي ّهد َ َ‬


‫ك ب ِن َ ْ‬ ‫ه هُ هوَ ال ّه ِ‬ ‫ك الل ّه ُ‬ ‫س هب َ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ك فَإ ِ ّ‬ ‫عو َ‬ ‫خد َ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬
‫دوا أ ْ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن يُ ِ‬‫وَإ ِ ْ‬
‫ميعهها ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫م ل َوْ أنَفْق َ‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬‫ن )‪ (62‬وَأل ّ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫وَِبال ْ ُ‬
‫م )‪(63‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ه أ َل ّ َ‬
‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬‫ت ب َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ما أل ّْف َ‬ ‫َ‬
‫وإن أراد الذين عاهدوك المكر بك فإن الله سيكفيك خداعهم; إنه‬
‫واك بالمؤمنين من المهاجرين‬ ‫هو الذي أنزل عليك نصره وق ّ‬
‫مع بين قلوبهم بعد التفرق‪ ,‬لو أنفقت مال الدنيا على‬
‫ج َ‬
‫والنصار‪ ,‬و َ‬
‫جمع قلوبهم ما استطعت إلى ذلك سبيل ولكن الله جمع بينها على‬

‫‪348‬‬
‫مْلكه‪ ,‬حكيم في‬
‫اليمان فأصبحوا إخواًنا متحابين‪ ,‬إنه عزيز في ُ‬
‫أمره وتدبيره‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ات ّب َعَ َ‬
‫ك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫ه وَ َ‬ ‫سب ُ َ‬
‫ح ْ‬
‫ي َ‬
‫َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫يا أيها النبي إن الله كافيك‪ ,‬وكافي الذين معك من المؤمنين شّر‬
‫أعدائكم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫ش هُرو َ‬ ‫ع ْ‬‫م ِ‬‫من ْك ُه ْ‬
‫ن ِ‬‫ن ي َك ُه ْ‬‫ل إِ ْ‬ ‫ن عََلى ال ِْقت َهها ِ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ض ال ْ ُ‬ ‫حّر ْ‬ ‫ي َ‬‫َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ة ي َغْل ِب ُههوا أْلفها ً ِ‬
‫مه ْ‬ ‫مههائ َ ٌ‬
‫م ِ‬ ‫من ْك ُه ْ‬ ‫ن ي َك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫مائ َت َي ْ ِ‬
‫ن ي َغْل ُِبوا ِ‬ ‫صاب ُِرو َ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(65‬‬ ‫م ل ي َْفَقُهو َ‬ ‫ك ََفُروا ب ِأن ّهُ ْ‬
‫م قَوْ ٌ‬
‫ث المؤمنين بك على القتال‪ ,‬إن يكن منكم عشرون‬ ‫ح ّ‬
‫يا أيها النبي ُ‬
‫صابرون عند لقاء العدو يغلبوا مائتين منهم‪ ,‬فإن يكن منكم مائة‬
‫عْلم ول فهم‬
‫مجاهدة صابرة يغلبوا ألًفا من الكفار; لنهم قوم ل ِ‬
‫عندهم لما أعد ّ الله للمجاهدين في سبيله‪ ,‬فهم يقاتلون من أجل‬
‫العلو في الرض والفساد فيها‪.‬‬

‫عنك ُم وعَل ِ َ‬
‫مههائ َ ٌ‬
‫ة‬ ‫م ِ‬‫من ْك ُه ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ضهْعفا ً فَهإ ِ ْ‬
‫ن ي َك ُه ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفيك ُه ْ‬ ‫مأ ّ‬ ‫َ‬ ‫ه َ ْ َ‬ ‫ف الل ّ ُ‬
‫خّف َ‬ ‫ن َ‬ ‫ال َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن الّله ِ‬
‫ه‬ ‫ن ب ِهإ ِذ ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م أل ْه ٌ‬
‫ف ي َغْل ِب ُههوا ألَفْيه ِ‬ ‫كه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫كه ْ‬ ‫مائ َت َي ْ ِ‬
‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫صاب َِرةٌ ي َغْل ُِبوا ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫َوالل ُ‬
‫الن خفف الله عنكم أيها المؤمنون لما فيكم من الضعف‪ ,‬فإن‬
‫يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين من الكافرين‪ ,‬وإن يكن منكم‬
‫ألف يغلبوا ألفين منهم بإذن الله تعالى‪ .‬والله مع الصابرين بتأييده‬
‫ونصره‪.‬‬

‫َ‬ ‫كون ل َه َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫دو َ‬
‫ري ه ُ‬
‫ض تُ ِ‬
‫ن فِههي الْر ِ‬
‫خه َ‬‫حت ّههى ي ُث ْ ِ‬
‫س هَرى َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن يَ ُ َ‬ ‫يأ ْ‬‫ن ل ِن َب ِ ّ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(67‬‬‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ّ‬
‫خَرةَ َوالل ُ‬
‫ريد ُ ال ِ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ض الد ّن َْيا َوالل ُ‬ ‫عََر َ‬
‫من أعدائه حتى يبالغ في القتل;‬ ‫ل ينبغي لنبي أن يكون له أسرى ِ‬
‫لدخال الرعب في قلوبهم ويوطد دعائم الدين‪ ,‬تريدون ‪-‬يا معشر‬
‫المسلمين‪ -‬بأخذكم الفداء من أسرى "بدر" متاع الدنيا‪ ,‬والله يريد‬

‫‪349‬‬
‫إظهار دينه الذي به تدرك الخرة‪ .‬والله عزيز ل ي ُْقهر‪ ,‬حكيم في‬
‫شرعه‪.‬‬

‫م )‪(68‬‬
‫ظي ٌ‬
‫ب عَ ِ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ما أ َ َ‬
‫خذ ْت ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م ِفي َ‬ ‫سب َقَ ل َ َ‬
‫م ّ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬
‫م ْ‬
‫ب ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫ول ك َِتا ٌ‬
‫لول كتاب من الله سبق به القضاء والقدر بإباحة الغنيمة وفداء‬
‫خذكم الغنيمة‬‫السرى لهذه المة‪ ,‬لنالكم عذاب عظيم بسبب أ ْ‬
‫والفداء قبل أن ينزل بشأنهما تشريع‪.‬‬

‫م )‪(69‬‬
‫حي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫حلل ً ط َّيبا ً َوات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ما غَن ِ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫فَك ُُلوا ِ‬
‫م ّ‬
‫فكلوا من الغنائم وفداء السرى فهو حلل طيب‪ ,‬وحافظوا على‬
‫أحكام دين الله وتشريعاته‪ .‬إن الله غفور لعباده‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ه ِفهي‬ ‫م الّله ُ‬ ‫ن ي َعَْله ْ‬
‫سهَرى إ ِ ْ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ِ‬‫ديك ُ ْ‬ ‫ن فِههي أي ْه ِ‬ ‫م ْ‬
‫ل لِ َ‬ ‫ي قُ ْ‬ ‫َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ه غَُفههوٌر‬‫م َوالل ّه ُ‬ ‫م وَي َغِْف هْر ل َك ُه ْ‬‫من ْك ُه ْ‬
‫خ هذ َ ِ‬‫مهها أ ُ ِ‬ ‫خْيرا ً ِ‬
‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫خْيرا ً ي ُؤْت ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫م )‪(70‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬
‫يا أيها النبي قل لمن أسرتموهم في "بدر"‪ :‬ل تأسوا على الفداء‬
‫الذي أخذ منكم‪ ,‬إن يعلم الله تعالى في قلوبكم خيًرا يؤتكم خيًرا‬
‫سر لكم من فضله خيًرا كثيًرا ‪-‬وقد‬ ‫ُ‬
‫مما أخذ منكم من المال بأن ي ُي َ ّ‬
‫أنجز الله وعده للعباس رضي الله عنه وغيره‪ ,-‬ويغفر لكم ذنوبكم‪.‬‬
‫والله سبحانه غفور لذنوب عباده إذا تابوا‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫ك فََقد خانوا الل ّه من قَب ُ َ‬


‫م‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫مك َ َ‬
‫ن ِ‬ ‫ل فَأ ْ‬‫َ ِ ْ ْ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫خَيان َت َ َ‬
‫دوا ِ‬
‫ري ُ‬
‫ن يُ ِ‬‫وَإ ِ ْ‬
‫م )‪(71‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫وإن يرد الذين أط ْل َْق َ‬
‫ت صراحهم ‪-‬أيها النبي‪ -‬من السرى الغدر بك‬
‫س‪ ,‬فقد خانوا الله من قبل وحاربوك‪ ,‬فنصرك‬‫مرة أخرى فل ت َْيئ ْ‬
‫الله عليهم‪ .‬والله عليم بما تنطوي عليه الصدور‪ ,‬حكيم في تدبير‬
‫شؤون عباده‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّهِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سه ِ ْ‬
‫م وَأنُف ِ‬‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫من ُههوا وَل َه ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ض َوال ّه ِ‬‫م أوْل ِي َههاُء ب َعْ ه ٍ‬ ‫ضه ُ ْ‬‫ك ب َعْ ُ‬ ‫صُروا أوْل َئ ِ َ‬ ‫ن آَووا وَن َ َ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫ن‬‫جُروا وَإ ِ ْ‬ ‫حّتههى ي َُههها ِ‬ ‫يٍء َ‬ ‫شهه ْ‬‫ن َ‬ ‫مهه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َولي َت ِِههه ْ‬ ‫مهه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫كهه ْ‬‫مهها ل َ ُ‬ ‫جُروا َ‬ ‫ي َُههها َ‬
‫م‬ ‫م وَب َي ْن َهُ ه ْ‬ ‫ص هُر إ ِل ّ عَل َههى قَ هوْم ٍ ب َي ْن َك ُه ْ‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫ن فَعَل َي ْك ُ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫صُروك ُ ْ‬ ‫سَتن َ‬ ‫ا ْ‬
‫صيٌر )‪(72‬‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ميَثاقٌ َوالل ّ ُ‬ ‫ِ‬
‫دقوا الله‪ ,‬ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬وهاجروا إلى دار‬‫إن الذين ص ّ‬
‫السلم‪ ,‬أو بلد يتمكنون فيه من عبادة ربهم‪ ،‬وجاهدوا في سبيل‬
‫الله بالمال والنفس‪ ,‬والذين أنزلوا المهاجرين في دورهم‪,‬‬
‫وواسوهم بأموالهم‪ ,‬ونصروا دين الله‪ ,‬أولئك بعضهم نصراء بعض‪.‬‬
‫أما الذين آمنوا ولم يهاجروا من دار الكفر فلستم مكلفين بحمايتهم‬
‫ونصرتهم حتى يهاجروا‪ ,‬وإن وقع عليهم ظلم من الكفار فطلبوا‬
‫نصرتكم فاستجيبوا لهم‪ ,‬إل على قوم بينكم وبينهم عهد مؤكد لم‬
‫ينقضوه‪ .‬والله بصير بأعمالكم‪ ,‬بجزي كل على قدر نيته وعمله‪.‬‬

‫ض‬ ‫ر‬ ‫ة فِههي ال َ‬


‫ٌ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ه‬‫ض إ ِل ّ ت َْفعَُلوهُ ت َك ُ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ء‬
‫ُ‬ ‫يا‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬‫وال ّذين ك ََفروا بعضهم أ َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ُ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ َ‬
‫ساد ٌ ك َِبيٌر )‪(73‬‬
‫وَفَ َ‬
‫والذين كفروا بعضهم نصراء بعض‪ ,‬وإن لم تكونوا ‪-‬أيها المؤمنون‪-‬‬
‫نصراء بعض تكن في الرض فتنة للمؤمنين عن دين الله‪ ,‬وفساد‬
‫عريض بالصد عن سبيل الله وتقوية دعائم الكفر‪.‬‬

‫صههُروا‬
‫ن آَووا وَن َ َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫دوا ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا وَ َ‬ ‫ها َ‬
‫مُنوا وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م )‪(74‬‬ ‫مغِْفَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ‬
‫ري ٌ‬ ‫م َ‬ ‫حّقا ً ل َهُ ْ‬
‫ن َ‬
‫مُنو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬
‫والذين آمنوا بالله ورسوله‪ ,‬وتركوا ديارهم قاصدين دار السلم أو‬
‫دا يتمكنون فيه من عبادة ربهم‪ ,‬وجاهدوا لعلء كلمة الله‪ ,‬والذين‬
‫بل ً‬
‫نصروا إخوانهم المهاجرين وآووهم وواسوهم بالمال والتأييد‪ ,‬أولئك‬
‫هم المؤمنون الصادقون حًقا‪ ,‬لهم مغفرة لذنوبهم‪ ,‬ورزق كريم‬
‫واسع في جنات النعيم‪.‬‬

‫م وَأ ُوْل ُههوا‬‫من ْك ُه ْ‬


‫ك ِ‬ ‫م فَأ ُوْل َئ ِ َ‬‫معَك ُ ْ‬‫دوا َ‬ ‫جاهَ ُ‬‫جُروا وَ َ‬‫ها َ‬
‫ن ب َعْد ُ وَ َ‬
‫م ْ‬
‫مُنوا ِ‬‫نآ َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م‬
‫يءٍ عَِليه ٌ‬ ‫شه ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ب الل ّهِ إ ِ ّ‬‫ض ِفي ك َِتا ِ‬ ‫ضه ُ ْ َ َ‬ ‫ال َْر َ‬
‫م أوْلى ب ِب َعْ ٍ‬ ‫حام ِ ب َعْ ُ‬

‫‪351‬‬
‫)‪(75‬‬

‫من بعد هؤلء المهاجرين والنصار‪ ,‬وهاجروا وجاهدوا‬ ‫والذين آمنوا ِ‬


‫معكم في سبيل الله‪ ,‬فأولئك منكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬لهم ما لكم‬
‫وعليهم ما عليكم‪ ,‬وأولو القرابة بعضهم أولى ببعض في التوارث‬
‫في حكم الله من عامة المسلمين‪ .‬إن الله بكل شيء عليم يعلم ما‬
‫من توريث بعضهم من بعض في القرابة والنسب دون‬ ‫يصلح عباده ِ‬
‫حْلف‪ ,‬وغير ذلك مما كان في أول السلم‪.‬‬ ‫التوارث بال ِ‬

‫‪ -9‬سورة التوبة‬

‫ن )‪(1‬‬
‫كي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫هدت ّ ْ‬
‫عا َ‬
‫ن َ‬ ‫سول ِهِ إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬
‫م ْ‬
‫ب ََراَءةٌ ِ‬
‫هذه براءة من الله ورسوله‪ ,‬وإعلن بالتخلي عن العهود التي كانت‬
‫بين المسلمين والمشركين‪.‬‬

‫زي الّلههِ‬
‫جه ِ‬ ‫م غَْيهُر ُ‬
‫مع ْ ِ‬ ‫مهوا أ َن ّ ُ‬
‫كه ْ‬ ‫ة أَ ْ‬
‫شههُرٍ َواعْل َ ُ‬ ‫ض أ َْرب َعَ َ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫حوا ِفي ال َ‬ ‫سي ُ‬‫فَ ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫زي ال ْ َ‬ ‫خ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ُ‬ ‫وَأ ّ‬
‫دة أربعة أشهر‪ ,‬تذهبون‬ ‫فسيروا ‪-‬أيها المشركون‪ -‬في الرض م ّ‬
‫حيث شئتم آمنين من المؤمنين‪ ,‬واعلموا أنكم لن ت ُْفِلتوا من‬
‫العقوبة‪ ,‬وأن الله مذل الكافرين ومورثهم العار في الدنيا‪ ,‬والنار‬
‫في الخرة‪ .‬وهذه الية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة‪ ,‬أو من‬
‫من كان له عهد‬ ‫مل له أربعة أشهر‪ ،‬أو َ‬ ‫له عهد دون أربعة أشهر‪ ,‬فيك ّ‬
‫فنقضه‪.‬‬

‫َ‬ ‫وَأ َ َ‬
‫ري هءٌ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه بَ ِ‬ ‫ج ال َك ْب َهرِ أ ّ‬ ‫ح ّ‬‫م ال ْ َ‬‫س ي َوْ َ‬ ‫َ‬
‫سول ِهِ إ ِلى الّنا ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذا ٌ‬
‫موا‬‫م َفههاعْل َ ُ‬ ‫ن ت َوَل ّي ْت ُ ْ‬
‫م وَإ ِ ْ‬‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م فَهُوَ َ‬ ‫ه فَإ ِ ْ‬
‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫سول ُ ُ‬‫ن وََر ُ‬‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب أِليم ٍ )‪(3‬‬ ‫ذا ٍ‬‫ن ك ََفُروا ب ِعَ َ‬ ‫ذي َ‬‫شْر ال ّ ِ‬ ‫زي الل ّهِ وَب َ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫مع ْ ِ‬‫م غَي ُْر ُ‬ ‫أن ّك ُ ْ‬

‫‪352‬‬
‫وإعلم من الله ورسوله وإنذار إلى الناس يوم النحر أن الله بريء‬
‫من المشركين‪ ,‬ورسوله بريء منهم كذلك‪ .‬فإن رجعتم ‪-‬أيها‬
‫المشركون‪ -‬إلى الحق وتركتم شرككم فهو خير لكم‪ ,‬وإن أعرضتم‬
‫عن َقبول الحق وأبيتم الدخول في دين الله فاعلموا أنكم لن ت ُْفِلتوا‬
‫من عذاب الله‪ .‬وأنذر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء المعرضين عن السلم‬
‫عذاب الله الموجع‪.‬‬

‫ش هْيئا ً وَل َه ْ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫صههوك ُ ْ‬
‫م َينُق ُ‬ ‫م َلهه ْ‬‫ن ث ُه ّ‬
‫كي َ‬
‫ش هرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫مه َ ْ‬‫م ِ‬ ‫عاهَههدت ّ ْ‬
‫ن َ‬ ‫إ ِل ّ ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬
‫ظاهروا عَل َيك ُ َ‬
‫ب‬‫حه ّ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫م إ َِلى ُ‬
‫مد ّت ِهِ ْ‬ ‫م عَهْد َهُ ْ‬‫موا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫حدا ً فَأت ِ ّ‬‫مأ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫يُ َ ِ ُ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫مت ِّقي َ‬‫ال ْ ُ‬
‫وُيستثنى من الحكم السابق المشركون الذين دخلوا معكم في عهد‬
‫محدد بمدة‪ ,‬ولم يخونوا العهد‪ ,‬ولم يعاونوا عليكم أحدا من العداء‪,‬‬
‫فأكملوا لهم عهدهم إلى نهايته المحدودة‪ .‬إن الله يحب المتقين‬
‫دوا ما أمروا به‪ ,‬واتقوا الشرك والخيانة‪ ,‬وغير ذلك من‬
‫الذين أ ّ‬
‫المعاصي‪.‬‬

‫م‬
‫موهُ ْ‬ ‫ج هد ْت ُ ُ‬
‫ث وَ َ‬
‫حي ْه ُ‬‫ن َ‬ ‫كي َ‬ ‫م ْ‬
‫شهرِ ِ‬ ‫م فَههاقْت ُُلوا ال ْ ُ‬ ‫حهُر ُ‬ ‫شههُُر ال ْ ُ‬ ‫خ ال َ ْ‬‫س هل َ َ‬
‫ذا ان َ‬ ‫فَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫موا‬‫ن ت َههاُبوا وَأقَهها ُ‬‫صهدٍ فَهإ ِ ْ‬‫مْر َ‬
‫ل َ‬ ‫م ك ُه ّ‬‫دوا ل َهُه ْ‬ ‫م َواقْعُه ُ‬ ‫صُروهُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫م َوا ْ‬ ‫خ ُ‬
‫ذوهُ ْ‬ ‫وَ ُ‬
‫م )‪(5‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ه غَُفوٌر َر ِ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬‫سِبيل َهُ ْ‬‫خّلوا َ‬ ‫وا الّز َ‬
‫كاةَ فَ َ‬ ‫صلةَ َوآت َ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫منتم فيها المشركين‪ ,‬فأعلنوا‬
‫فإذا انقضت الشهر الربعة التي أ ّ‬
‫الحرب على أعداء الله حيث كانوا‪ ,‬واقصدوهم بالحصار في‬
‫معاقلهم‪ ,‬وترصدوا لهم في طرقهم‪ ,‬فإن رجعوا عن كفرهم ودخلوا‬
‫السلم والتزموا شرائعه من إقام الصلة وإخراج الزكاة‪,‬‬
‫فاتركوهم‪ ,‬فقد أصبحوا إخوانكم في السلم‪ ,‬إن الله غفور لمن‬
‫تاب وأناب‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫شركين استجار َ َ‬ ‫وإ َ‬


‫م الل ّههِ ث ُه ّ‬
‫م‬ ‫مع َ َ‬
‫كل َ‬ ‫س َ‬
‫حّتى ي َ ْ‬ ‫ك فَأ ِ‬
‫جْرهُ َ‬ ‫م َْ ِ ِ َ ْ َ َ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫حد ٌ ِ‬ ‫نأ َ‬‫َِ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬
‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬‫ه ذ َل ِ َ‬
‫من َ ُ‬
‫مأ َ‬ ‫ه َ‬
‫أب ْل ِغْ ُ‬
‫وإذا طلب أحد من المشركين الذين استبيحت دماؤهم وأموالهم‬
‫الدخول في جوارك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ورغب في المان‪ ,‬فأجبه إلى‬

‫‪353‬‬
‫ده من‬ ‫طلع على هدايته‪ ,‬ثم أ َ ِ‬
‫ع ْ‬ ‫طلبه حتى يسمع القرآن الكريم وي ّ‬
‫حيث أتى آمًنا; وذلك لقامة الحجة عليه; ذلك بسبب أن الكفار قوم‬
‫جاهلون بحقائق السلم‪ ,‬فربما اختاروه إذا زال الجهل عنهم‪.‬‬

‫م‬‫عاهَد ْت ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫سول ِهِ إ ِل ّ ال ّ ِ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَ ِ‬
‫عن ْد َ َر ُ‬ ‫ن عَهْد ٌ ِ‬ ‫كي َ‬ ‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ف يَ ُ‬ ‫ك َي ْ َ‬
‫ن الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫م إِ ّ‬‫موا ل َهُه ْ‬ ‫م َفا ْ‬
‫سهت َِقي ُ‬ ‫موا ل َك ُه ْ‬‫سهت ََقا ُ‬‫مهها ا ْ‬‫حهَرام ِ فَ َ‬‫جدِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عن ْد َ ال ْ َ‬‫ِ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫مت ِّقي َ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫ل ينبغي أن يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله‪ ,‬إل الذين‬
‫عاهدتم عند المسجد الحرام في صلح )الحديبية( فما أقاموا على‬
‫الوفاء بعهدكم فأقيموا لهم على مثل ذلك‪ .‬إن الله يحب المتقين‬
‫الموّفين بعهودهم‪.‬‬

‫ضههون َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ة ي ُْر ُ‬ ‫م إ ِل ّ َول ذِ ّ‬
‫مهه ً‬ ‫م ل ي َْرقُُبههوا ِفي ُ‬
‫كهه ْ‬ ‫كهه ْ‬‫ن ي َظ َْهههُروا عَل َي ْ ُ‬ ‫ك َْيهه َ‬
‫ف وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫سُقو َ‬‫م َفا ِ‬ ‫م وَأك ْث َُرهُ ْ‬ ‫م وَت َأَبى قُُلوب ُهُ ْ‬‫واهِهِ ْ‬‫ب ِأفْ َ‬
‫إن شأن المشركين أن يلتزموا بالعهود ما دامت الغلبة لغيرهم‪ ,‬أما‬
‫إذا شعروا بالقوة على المؤمنين فإنهم ل يراعون القرابة ول العهد‪,‬‬
‫فل يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم‪ ,‬فإنهم‬
‫ما بألسنتهم; لترضوا عنهم‪ ,‬ولكن قلوبهم تأبى ذلك‪,‬‬ ‫يقولون لكم كل ً‬
‫وأكثرهم متمردون على السلم ناقضون للعهد‪.‬‬

‫مهها ك َههاُنوا‬
‫سههاءَ َ‬
‫م َ‬
‫سِبيل ِهِ إ ِن ّهُه ْ‬
‫ن َ‬
‫دوا عَ ْ‬ ‫منا ً قَِليل ً فَ َ‬
‫ص ّ‬ ‫ت الل ّهِ ث َ َ‬
‫شت ََرْوا ِبآَيا ِ‬‫ا ْ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫استبدلوا بآيات الله عرض الدنيا التافه‪ ,‬فأعرضوا عن الحق ومنعوا‬
‫الراغبين في السلم عن الدخول فيه‪ ,‬لقد قَُبح فعلهم‪ ,‬وساء‬
‫صنيعهم‪.‬‬

‫ن )‪(10‬‬
‫دو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫معْت َ ُ‬ ‫ة وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ َول ذِ ّ‬
‫م ً‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٍ‬ ‫ل ي َْرقُُبو َ‬
‫ن ِفي ُ‬
‫إن هؤلء المشركين حرب على اليمان وأهله‪ ,‬فل يقيمون وزًنا‬
‫لقرابة المؤمن ول لعهده‪ ,‬وشأنهم العدوان والظلم‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫َ‬
‫صه ُ‬
‫ل‬ ‫ن وَن َُف ّ‬
‫دي ِ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬
‫م ِفي ال ه ّ‬ ‫خ َ‬ ‫وا الّز َ‬
‫كاةَ فَإ ِ ْ‬ ‫صلةَ َوآت َ ْ‬
‫موا ال ّ‬‫ن َتاُبوا وَأَقا ُ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(11‬‬
‫مو َ‬‫ت ل َِقوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬
‫الَيا ِ‬
‫فإن أقلعوا عن عبادة غير الله‪ ,‬ونطقوا بكلمة التوحيد‪ ,‬والتزموا‬
‫شرائع السلم من إقام الصلة وإيتاء الزكاة‪ ,‬فإنهم إخوانكم في‬
‫السلم‪ .‬ونبين اليات‪ ,‬ونوضحها لقوم ينتفعون بها‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫م فََقههات ُِلوا أئ ِ ّ‬
‫مهه َ‬ ‫م وَط َعَُنوا ِفي ِدين ِك ُ ْ‬‫ن ب َعْدِ عَهْدِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫ن ن َك َُثوا أي ْ َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫م ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م َينت َُهو َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫م ل أي ْ َ‬ ‫ال ْك ُْفرِ إ ِن ّهُ ْ‬
‫ض هؤلء المشركون العهود التي أبرمتموها معهم‪ ,‬وأظهروا‬
‫ن ن ََق َ‬
‫وإ ْ‬
‫الطعن في دين السلم‪ ,‬فقاتلوهم فإنهم رؤساء الضلل‪ ,‬ل عهد‬
‫لهم ول ذمة‪ ,‬حتى ينتهوا عن كفرهم وعداوتهم للسلم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م ب َهد َُءوك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل وَهُ ْ‬ ‫سو ِ‬‫ج الّر ُ‬ ‫خَرا ِ‬‫موا ب ِإ ِ ْ‬‫م وَهَ ّ‬ ‫وما ً ن َك َُثوا أي ْ َ‬
‫مان َهُ ْ‬ ‫ن قَ ْ‬ ‫أل ت َُقات ُِلو َ‬
‫ن ُ‬ ‫َ‬ ‫شونهم َفالل ّ َ‬ ‫مّرةٍ أ َت َ ْ‬ ‫أ َوّ َ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫م ُ‬‫كنت ُ ْ‬ ‫شوْهُ إ ِ ْ‬ ‫خ َ‬‫ن تَ ْ‬
‫حقّ أ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫خ َ َُْ ْ‬ ‫ل َ‬
‫ل تترددوا في قتال هؤلء القوم الذين نقضوا عهودهم‪ ,‬وعملوا على‬
‫إخراج الرسول من )مكة(‪ ,‬وهم الذين بدؤوا بإيذائكم أول المر‪,‬‬
‫أتخافونهم أو تخافون ملقاتهم في الحرب؟ فالله أحق أن تخافوه‬
‫إن كنتم مؤمنين حًقا‪.‬‬

‫َ‬
‫ف‬‫شه ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ ه ْ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫ص هْرك ُ ْ‬
‫م وَي َن ْ ُ‬
‫خزِهِه ْ‬‫م وَي ُ ْ‬‫ديك ُ ْ‬ ‫م الل ّه ُ‬
‫ه ب ِأي ْه ِ‬ ‫م ي ُعَهذ ّب ْهُ ْ‬‫َقات ُِلوهُ ْ‬
‫ن‬ ‫ه عََلى َ‬
‫مه ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫م وَي َُتو ُ‬‫ظ قُُلوب ِهِ ْ‬‫ب غَي ْ َ‬ ‫ن )‪ (14‬وَي ُذ ْهِ ْ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫دوَر قَوْم ٍ ُ‬ ‫ص ُ‬‫ُ‬
‫م )‪(15‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬ ‫يَ َ‬
‫يا معشر المؤمنين قاتلوا أعداء الله يعذبهم عز وجل بأيديكم‪,‬‬
‫ل كلمته‪ ,‬ويشف‬ ‫ويذلهم بالهزيمة والخزي‪ ,‬وينصركم عليهم‪ ,‬وي ُعْ ِ‬
‫بهزيمتهم صدوركم التي طالما لحق بها الحزن والغم من كيد هؤلء‬
‫هب عن قلوب المؤمنين الغيظ‪ .‬ومن تاب من هؤلء‬ ‫المشركين‪ ,‬وي ُذ ْ ِ‬
‫المعاندين فإن الله يتوب على من يشاء‪ .‬والله عليم بصدق توبة‬
‫ضع تشريعاته لعباده‪.‬‬ ‫التائب‪ ,‬حكيم في تدبيره وصنعه ووَ ْ‬

‫‪355‬‬
‫أ َم حسبت َ‬
‫خ ُ‬
‫ذوا‬ ‫م وَل َ ْ‬
‫م ي َت ّ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫دوا ِ‬ ‫جاهَ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ما ي َعْل َ ْ‬
‫كوا وَل َ ّ‬
‫ن ت ُت َْر ُ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ِ ُْ ْ‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫ملههو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ة َوالل ُ‬ ‫ج ً‬
‫ن وَِلي َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫سول ِهِ َول ال ُ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ َول َر ُ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬‫م ْ‬
‫ِ‬
‫)‪(16‬‬
‫من سنة الله البتلء‪ ,‬فل تظنوا يا معشر المؤمنين أن يترككم الله‬ ‫ِ‬
‫ما ظاهًرا للخلق الذين أخلصوا في‬
‫دون اختبار; ليعلم الله عل ً‬
‫جهادهم‪ ,‬ولم يتخذوا غير الله ورسوله والمؤمنين بطانة وأولياء‪.‬‬
‫والله خبير بجميع أعمالكم ومجازيكم بها‪.‬‬

‫َ‬ ‫شركي َ‬
‫م‬ ‫ن عَل َههى أنُف ِ‬
‫س هه ِ ْ‬ ‫دي َ‬
‫شههاهِ ِ‬ ‫جد َ الل ّهِ َ‬
‫سا ِ‬
‫م َ‬
‫مُروا َ‬ ‫ن ي َعْ ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ ِ ِ َ‬‫ن ل ِل ْ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(17‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِبالك ُْفرِ أوْلئ ِ َ‬
‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬
‫م َ‬‫م وَِفي الّنارِ هُ ْ‬
‫مالهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط ْ‬‫ك َ‬
‫ليس من شأن المشركين إعمار بيوت الله‪ ,‬وهم يعلنون كفرهم‬
‫بالله ويجعلون له شركاء‪ .‬هؤلء المشركون بطلت أعمالهم يوم‬
‫القيامة‪ ,‬ومصيرهم الخلود في النار‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن ب ِههالل ّهِ َوال ْي َهوْم ِ ال ِ‬


‫صههلةَ‬‫م ال ّ‬‫خ هرِ وَأقَهها َ‬ ‫م َ‬
‫نآ َ‬ ‫جد َ الل ّهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫سا ِ‬‫م َ‬‫مُر َ‬ ‫ما ي َعْ ُ‬‫إ ِن ّ َ‬
‫خههش إل ّ الّلههه فَعسههى أ ُول َئ ِ َ َ‬
‫ن‬‫مهه ْ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫كوُنههوا ِ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬‫كههاةَ وََلهه ْ‬
‫َوآَتههى الّز َ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫ل يعتني ببيوت الله ويعمرها إل الذين يؤمنون بالله واليوم الخر‪,‬‬
‫ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة‪ ,‬ول يخافون في الله لومة لئم‪,‬‬
‫مار هم المهتدون إلى الحق‪.‬‬‫هؤلء العُ ّ‬

‫َ‬
‫ن ب ِههالل ّهِ‬
‫مه َ‬‫نآ َ‬ ‫مه ْ‬ ‫حهَرام ِ ك َ َ‬‫جدِ ال ْ َ‬‫سه ِ‬
‫م ْ‬‫مههاَرةَ ال ْ َ‬
‫ع َ‬
‫ج وَ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫حهها ّ‬ ‫سهَقاي َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫جعَل ْت ُ ْ‬‫أ َ‬
‫هل‬ ‫عن ْهد َ الل ّههِ َوالل ّه ُ‬
‫ن ِ‬ ‫وو َ‬‫سهت َ ُ‬‫ل الل ّههِ ل ي َ ْ‬‫سهِبي ِ‬‫جاهَد َ فِههي َ‬ ‫خرِ وَ َ‬ ‫َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫دي ال َْقوْ َ‬ ‫ي َهْ ِ‬
‫عمارة‬ ‫أجعلتم ‪-‬أيها القوم‪ -‬ما تقومون به من سقي الحجيج و ِ‬
‫المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الخر وجاهد في‬
‫سبيل الله؟ ل تتساوى حال المؤمنين وحال الكافرين عند الله‪ ,‬لن‬

‫‪356‬‬
‫الله ل يقبل عمل بغير اليمان‪ .‬والله سبحانه ل يوفق لعمال الخير‬
‫القوم الظالمين لنفسهم بالكفر‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫س هه ِ ْ‬
‫م وَأنُف ِ‬
‫وال ِهِ ْ‬ ‫الل ّههِ ب ِهأ ْ‬
‫م َ‬ ‫ل‬‫سهِبي ِ‬
‫دوا فِههي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫وَ َ‬ ‫جُروا‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا وَ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫)‪(20‬‬ ‫م ال َْفائ ُِزو َ‬
‫ن‬ ‫وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ‬‫ة ِ‬‫ج ً‬
‫م د ََر َ‬‫أعْظ َ ُ‬
‫َ‬

‫الذين آمنوا بالله وتركوا دار الكفر قاصدين دار السلم‪ ,‬وبذلوا‬
‫أموالهم وأنفسهم في الجهاد لعلء كلمة الله‪ ,‬هؤلء أعظم درجه‬
‫عند الله‪ ,‬وأولئك هم الفائزون برضوانه‪.‬‬

‫م)‬
‫مِقي ه ٌ‬
‫م ُ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬
‫م ِفيهَهها ن َِعي ه ٌ‬ ‫جّنا ٍ‬
‫ن وَ َ‬
‫وا ٍ‬
‫ض َ‬
‫ه وَرِ ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫مة ٍ ِ‬
‫ح َ‬
‫م ب َِر ْ‬
‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫ي ُب َ ّ‬
‫شُرهُ ْ‬
‫‪(21‬‬
‫إن هؤلء المؤمنين المهاجرين لهم البشرى من ربهم بالرحمة‬
‫الواسعة والرضوان الذي ل سخط بعده‪ ,‬ومصيرهم إلى جنات الخلد‬
‫والنعيم الدائم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(22‬‬
‫ظي ٌ‬
‫جٌر عَ ِ‬
‫عن ْد َهُ أ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ِ‬ ‫ن ِفيَها أَبدا ً إ ِ ّ‬
‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫َ‬
‫ماكثين في تلك الجنان ل نهاية لقامتهم وتنعمهم‪ ,‬وذلك ثواب ما‬
‫دموه من الطاعات والعمل الصالح في حياتهم الدنيا‪ .‬إن الله‬ ‫ق ّ‬
‫تعالى عنده أجر عظيم لمن آمن وعمل صالحا بامتثال أوامره‬
‫واجتناب نواهيه‪.‬‬

‫خهوانك ُ َ‬ ‫َ‬
‫حّبوا‬
‫سهت َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫م أوْل َِيهاَء إ ِ ْ‬
‫وَإ ِ ْ َ َ ْ‬ ‫م‬‫ذوا آَبهاَءك ُ ْ‬ ‫خه ُ‬ ‫مُنهوا ل ت َت ّ ِ‬‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َت َوَل ّهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬
‫ما ِ‬ ‫ال ْك ُْفَر عََلى ا ِ‬
‫لي َ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ل تتخذوا أقرباءكم‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫‪-‬من الباء والخوان وغيرهم‪ -‬أولياء‪ ,‬تفشون إليهم أسرار‬
‫المسلمين‪ ,‬وتستشيرونهم في أموركم‪ ,‬ما داموا على الكفر معادين‬
‫ق إليهم المودة فقد عصى الله‬ ‫ْ‬
‫للسلم‪ .‬ومن يتخذهم أولياء وي ُل ِ‬
‫ما‪.‬‬ ‫ما عظي ً‬
‫تعالى‪ ,‬وظلم نفسه ظل ً‬

‫‪357‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫شههيَرت ُك ُ ْ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫كهه ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫م وَأْزَوا ُ‬‫وان ُك ُ ْ‬
‫خهه َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأب َْنههاؤُك ُ ْ‬‫ن آَبههاؤُك ُ ْ‬ ‫كهها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ُقهه ْ‬
‫ل إِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ضوْن ََها أ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫ُ‬ ‫ساك ِ‬
‫م َ‬ ‫ها وَ َ‬
‫ساد َ َ‬‫ن كَ َ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرةٌ ت َ ْ‬ ‫ها وَت ِ َ‬
‫مو َ‬ ‫ل اقْت ََرفْت ُ ُ‬ ‫وا ٌ‬‫َ‬ ‫م‬
‫وَأ ْ‬
‫إل َيك ُم من الل ّه ورسوله وجهاد في سهبيله فَتربصهوا حتهى يهأ ْ‬
‫ي الّله ُ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ ِ ِ ِ ََ ّ ُ‬ ‫ِ ََ ُ ِ ِ َ ِ َ ٍ ِ‬ ‫َِْ ْ ِ ْ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫سِقي َ‬ ‫م ال َْفا ِ‬ ‫دي ال َْقوْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫مرِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫ضلتم الباء والبناء والخوان‬‫قل ‪-‬يا أيها الرسول‪ -‬للمؤمنين‪ :‬إن فَ ّ‬
‫والزوجات والقرابات والموال التي جمعتموها والتجارة التي‬
‫تخافون عدم رواجها والبيوت الفارهة التي أقمتم فيها‪ ,‬إن فَ ّ‬
‫ضلتم‬
‫ذلك على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله فانتظروا عقاب الله‬
‫ونكاله بكم‪ .‬والله ل يوفق الخارجين عن طاعته‪.‬‬

‫َ‬
‫م‬‫كهه ْ‬‫م ك َث َْرت ُ ُ‬‫جب َت ْك ُ ْ‬
‫ن إ ِذ ْ أعْ َ‬‫حن َي ْ ٍ‬
‫م ُ‬ ‫ن ك َِثيَرةٍ وَي َوْ َ‬ ‫واط ِ َ‬‫م َ‬
‫ه ِفي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫صَرك ُ ْ‬‫ل ََقد ْ ن َ َ‬
‫َ‬
‫م وَل ّي ْت ُه ْ‬
‫م‬ ‫ت ث ُه ّ‬ ‫حب َه ْ‬ ‫مهها َر ُ‬‫ض بِ َ‬‫م الْر ُ‬ ‫ت عَل َي ْك ُه ْ‬ ‫شهْيئا ً وَ َ‬
‫ضههاقَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَن ْك ُ ْ‬‫م ت ُغْ ِ‬ ‫فَل َ ْ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫ري َ‬ ‫مد ْب ِ ِ‬
‫ُ‬
‫صَره عليكم في مواقع كثيرة عندما أخذتم بالسباب‬ ‫لقد أنزل الله ن َ ْ‬
‫وتوكلتم على الله‪ .‬ويوم غزوة )حنين( قلتم‪ :‬لن ن ُغْل َ َ‬
‫ب اليوم ‪ 0‬من‬
‫قلة‪ ,‬فغّرتكم الكثرة فلم تنفعكم‪ ,‬وظهر عليكم العدو فلم تجدوا‬
‫ملجأ ً في الرض الواسعة ففررتم منهزمين‪.‬‬

‫جُنودا ً َلهه ْ‬
‫م‬ ‫ن وََأنَز َ‬
‫ل ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫سول ِهِ وَعََلى ال ْ ُ‬‫ه عََلى َر ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬
‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫م َأنَز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫جَزاُء ال ْ َ‬ ‫ن ك ََفُروا وَذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬ ‫ها وَعَذ ّ َ‬ ‫ت ََروْ َ‬
‫دهم‬
‫ثم أنزل الله الطمأنينة على رسوله وعلى المؤمنين فثبتوا‪ ,‬وأم ّ‬
‫ذب الذين‬ ‫بجنود من الملئكة لم يروها‪ ,‬فنصرهم على عدوهم‪ ,‬وع ّ‬
‫ذبين لرسوله‪.‬‬ ‫دين عن دينه‪ ,‬المك ّ‬
‫كفروا‪ .‬وتلك عقوبة الله للصا ّ‬

‫م )‪(27‬‬
‫حي ٌ‬ ‫شاُء َوالل ّ ُ‬
‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ك عََلى َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ب َعْدِ ذ َل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م ي َُتو ُ‬
‫من‬
‫ومن رجع عن كفره بعد ذلك ودخل السلم فإن الله يقبل توبة َ‬
‫يشاء منهم‪ ,‬فيغفر ذنبه‪ .‬والله غفور رحيم‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫َ‬
‫جد َ‬‫سه ِ‬‫م ْ‬‫س َفل ي َْقَرب ُههوا ال ْ َ‬‫جه ٌ‬ ‫ن نَ َ‬‫كو َ‬ ‫شهرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مهها ال ْ ُ‬‫من ُههوا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ي َهها أي ّهَهها ال ّه ِ‬
‫ن‬‫مه ْ‬‫ه ِ‬‫م الل ّه ُ‬‫ف ي ُغِْنيك ُه ْ‬ ‫ة فَ َ‬
‫س هو ْ َ‬ ‫م عَي ْل َه ً‬‫خْفت ُه ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذا وَإ ِ ْ‬ ‫م ه َه َ‬ ‫مه ِ ْ‬ ‫عا ِ‬‫م ب َعْد َ َ‬ ‫حَرا َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م )‪(28‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫شاَء إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫فَ ْ‬
‫ضل ِهِ إ ِ ْ‬
‫خَبث فل تمكنوهم من‬‫جس و َ‬
‫يا معشر المؤمنين إنما المشركون رِ ْ‬
‫القتراب من الحرم بعد هذا العام التاسع من الهجرة‪ ,‬وإن خفتم‬
‫فقًرا لنقطاع غارتهم عنكم‪ ,‬فإن الله سيعوضكم عنها‪ ,‬ويكفيكم من‬
‫فضله إن شاء‪ ,‬إن الله عليم بحالكم‪ ,‬حكيم في تدبير شؤونكم‪.‬‬

‫م‬
‫ح هّر َ‬‫مهها َ‬
‫ن َ‬ ‫مههو َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َول ِبال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫خرِ َول ي ُ َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬‫ذي َ‬ ‫َقات ُِلوا ال ّ ِ‬
‫الل ّه ورسول ُه ول يدينون دين ال ْح هق م هن ال ّهذي ُ‬
‫حت ّههى‬
‫ب َ‬‫ن أوت ُههوا ال ْك ِت َهها َ‬‫ِ َ‬ ‫َ ّ ِ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ َ َ ِ ُ َ ِ َ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َدٍ وَهُ ْ‬‫ة عَ ْ‬‫جْزي َ َ‬‫طوا ال ْ ِ‬
‫ي ُعْ ُ‬

‫أيها المسلمون قاتلوا الكفار الذين ل يؤمنون بالله‪ ,‬ول يؤمنون‬


‫بالبعث والجزاء‪ ,‬ول يجتنبون ما نهى الله عنه ورسوله‪ ,‬ول يلتزمون‬
‫أحكام شريعة السلم من اليهود والنصارى‪ ,‬حتى يدفعوا الجزية‬
‫التي تفرضونها عليهم بأيديهم خاضعين أذلء‪.‬‬

‫ك‬‫ن الل ّهِ ذ َِلهه َ‬ ‫ح اب ْ ُ‬


‫سي ُ‬‫م ِ‬‫صاَرى ال ْ َ‬
‫ت الن ّ َ‬‫ن الل ّهِ وََقال َ ْ‬
‫ت َال ْي َُهود ُ عَُزي ٌْر اب ْ ُ‬
‫وََقال َ ْ‬
‫م الّله ُ‬
‫ه‬ ‫ل َقهات َل َهُ ْ‬‫ن قَْبه ُ‬
‫مه ْ‬ ‫ن ك ََفهُروا ِ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫ضاهُِئو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬‫م ب ِأفْ َ‬‫قَوْل ُهُ ْ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫كو َ‬ ‫أ َّنى ي ُؤْفَ ُ‬

‫لقد أشرك اليهود بالله عندما زعموا أن عزيًرا ابن الله‪ .‬وأشرك‬
‫دعوا أن المسيح ابن الله‪ .‬وهذا القول‬
‫النصارى بالله عندما ا ّ‬
‫اختلقوه من عند أنفسهم‪ ,‬وهم بذلك ل يشابهون قول المشركين‬
‫ل الله المشركين جميًعا كيف يعدلون عن الحق إلى‬ ‫من قبلهم‪َ .‬قات َ َ‬
‫الباطل؟‬

‫ذوا أ َحبارهُم ورهْبانه َ‬


‫م‬
‫مْري َه َ‬
‫ن َ‬ ‫ح اب ْه َ‬
‫سههي َ‬
‫م ِ‬‫ن الل ّههِ َوال ْ َ‬
‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م أْرَبابا ً ِ‬‫ْ َ َ ْ َُ َ َُ ْ‬ ‫خ ُ‬‫ات ّ َ‬
‫ُ‬
‫ن)‬ ‫كو َ‬ ‫ش هرِ ُ‬
‫ما ي ُ ْ‬‫ه عَ ّ‬
‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫حدا ً ل إ ِل َ َ‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ ُ‬ ‫دوا إ َِلها ً َوا ِ‬
‫مُروا إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫ما أ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫‪(31‬‬
‫اتخذ اليهود ُ والنصارى العلماَء والعُّباد َ أرباًبا ي ُ َ‬
‫شّرعون لهم الحكام‪,‬‬
‫فيلتزمون بها ويتركون شرائع الله‪ ,‬واتخذوا المسيح عيسى ابن‬
‫‪359‬‬
‫مريم إلًها فعبدوه‪ ,‬وقد أمرهم الله بعبادته وحده دون غيره‪ ،‬فهو‬
‫دس عما يفتريه أهل الشرك‬ ‫الله الحق ل إله إل هو‪ .‬تنّزه وتق ّ‬
‫والضلل‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يريدو َ‬


‫م ن ُههوَرهُ‬
‫ن ي ُت ِه ّ‬ ‫م وَي َهأَبى الل ّه ُ‬
‫ه إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ن ي ُط ِْفُئوا ُنوَر الل ّهِ ب ِهأفْ َ‬
‫واهِهِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ِ ُ َ‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ َ‬

‫يريد الكفار بتكذيبهم أن يبطلوا دين السلم‪ ,‬ويبطلوا حجج الله‬


‫وبراهينه على توحيده الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم‪,‬‬
‫ويأبى الله إل أن يتم دينه ويظهره‪ ,‬ويعلي كلمته‪ ,‬ولو كره ذلك‬
‫الجاحدون‪.‬‬

‫َ‬
‫ن ك ُل ّه ِ‬
‫ه‬ ‫حقّ ل ِي ُظ ْهَِرهُ عََلى ال ّ‬
‫دي ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ه ِبال ْهُ َ‬
‫دى وَِدي ِ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ل َر ُ‬‫س َ‬
‫ذي أْر َ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم بالقرآن ودين‬
‫هو الذي أرسل رسوله محم ً‬
‫السلم; ليعليه على الديان كلها‪ ,‬ولو كره المشركون دين الحق‬
‫‪-‬السلم‪ -‬وظهوره على الديان‪.‬‬

‫وا َ‬
‫ل‬ ‫يا أ َيها ال ّذين آمنوا إن ك َِثيرا ً م هن ال َحبههار والرهْبههان ل َي هأ ْك ُُلو َ‬
‫مه َ‬‫نأ ْ‬‫َ‬ ‫ْ َ ِ َ ّ َ ِ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ ِ ّ‬ ‫َ َّ‬
‫ب‬‫ن الهذ ّهَ َ‬ ‫ن ي َك ْن ِهُزو َ‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ل اللههِ َواله ِ‬ ‫سهِبي ِ‬‫ن َ‬ ‫ن ع َه ْ‬
‫دو َ‬
‫صه ّ‬‫ل وَي َ ُ‬ ‫ْ‬
‫س ِبالَباط ِ ِ‬ ‫الّنا‬
‫ِ‬
‫ب أ َِليم ٍ )‪(34‬‬ ‫م ب ِعَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫شْرهُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ فَب َ ّ‬
‫سِبي ِ‬‫فُقون ََها ِفي َ‬ ‫ة َول ُين ِ‬ ‫َوال ِْف ّ‬
‫ض َ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إن كثيًرا من‬ ‫ص ّ‬
‫يا أيها الذين َ‬
‫علماء أهل الكتاب وعُّبادهم ليأخذون أموال الناس بغير حق‬
‫كالرشوة وغيرها‪ ,‬ويمنعون الناس من الدخول في السلم‪,‬‬
‫ويصدون عن سبيل الله‪ .‬والذين يمسكون الموال‪ ,‬ول يؤدون‬
‫شرهم بعذاب موجع‪.‬‬ ‫خرجون منها الحقوق الواجبة‪ ,‬فب ّ‬ ‫زكاتها‪ ,‬ول ي ُ ْ‬

‫م‬
‫جن ُههوب ُهُ ْ‬
‫م وَ ُ‬
‫جب َههاهُهُ ْ‬‫وى ب ِهَهها ِ‬‫م فَت ُك ْه َ‬‫جهَن ّه َ‬‫مههى عَل َي ْهَهها فِههي ن َههارِ َ‬
‫ح َ‬‫م يُ ْ‬
‫ي َهوْ َ‬
‫ذا ما ك َن َْزت ُم َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫م ت َك ْن ُِزو َ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ذوُقوا َ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫سك ُ ْ‬‫لنُف ِ‬ ‫ْ‬ ‫م هَ َ َ‬ ‫وَظ ُُهوُرهُ ْ‬

‫‪360‬‬
‫يوم القيامة توضع قطع الذهب والفضة في النار‪ ,‬فإذا اشتدت‬
‫حرارتها ُأحرقت بها جباه أصحابها وجنوبهم وظهورهم‪ .‬وقيل لهم‬
‫خا‪ :‬هذا مالكم الذي أمسكتموه ومنعتم منه حقوق الله‪ ,‬فذوقوا‬
‫توبي ً‬
‫العذاب الموجع; بسبب كنزكم وإمساككم‪.‬‬

‫خل َ ه َ‬
‫ق‬ ‫م َ‬ ‫ب الل ّههِ ي َهوْ َ‬ ‫شْهرا ً ِفي ك َِتا ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ اث َْنا عَ َ‬
‫شُهورِ ِ‬ ‫عد ّةَ ال ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫م َفل ت َظ ْل ِ ُ‬
‫مههوا‬ ‫ن ال َْقي ّه ُ‬‫دي ُ‬ ‫ك ال ه ّ‬ ‫م ذ َل ِه َ‬
‫ح هُر ٌ‬
‫ة ُ‬‫من َْها أ َْرب َعَه ٌ‬
‫ض ِ‬ ‫َ‬
‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫مههوا‬ ‫ة َواعْل َ ُ‬‫كافّ ً‬ ‫م َ‬ ‫ما ي َُقات ُِلون َك ُ ْ‬
‫ة كَ َ‬ ‫ن َ‬
‫كافّ ً‬ ‫كي َ‬‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وََقات ُِلوا ال ْ ُ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ن أن ُْف َ‬ ‫ِفيهِ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫مع َ ا ل ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أ ّ‬
‫كتب في اللوح المحفوظ اثنا‬ ‫ن عدة الشهور في حكم الله وفيما ُ‬ ‫إ ّ‬
‫حُرم; حّرم‬
‫عشر شهًرا‪ ,‬يوم خلق السموات والرض‪ ,‬منها أربعة ُ‬
‫ن القتال )هي‪ :‬ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب( ذلك‬ ‫الله فيه ّ‬
‫هو الدين المستقيم‪ ,‬فل تظلموا فيهن أنفسكم; لزيادة تحريمها‪,‬‬
‫ن الظلم في غيرها جائز‪.‬‬ ‫وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها‪ ,‬ل أ ّ‬
‫وقاتلوا المشركين جميًعا كما يقاتلونكم جميًعا‪ ,‬واعلموا أن الله مع‬
‫أهل التقوى بتأييده ونصره‪.‬‬

‫عام ها ً‬
‫ه َ‬ ‫حل ّههون َ ُ‬
‫ن ك ََفهُروا ي ُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ب ِههِ ال ّه ِ‬
‫ض ّ‬ ‫سيُء زَِياد َةٌ ِفي ال ْك ُْفرِ ي ُ َ‬ ‫ما الن ّ ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫مهها‬‫حل ّههوا َ‬‫ه فَي ُ ِ‬‫م الل ّه ُ‬ ‫حهّر َ‬
‫ما َ‬ ‫عد ّةَ َ‬ ‫واط ُِئوا ِ‬ ‫عاما ً ل ِي ُ َ‬‫ه َ‬
‫مون َ ُ‬
‫حّر ُ‬‫عاما ً وَي ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫حّلون َ ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫م ال ْك َههافِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫دي ال َْق هوْ َ‬‫ه ل ي َهْ ه ِ‬ ‫م َوالل ّه ُ‬‫مال ِهِ ْ‬ ‫سوُء أعْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫ه ُزي ّ َ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫َ‬
‫‪(37‬‬
‫إن الذي كانت تفعله العرب في الجاهلية من تحريم أربعة أشهر‬
‫دا بأسماء الشهر التي حّرمها الله‪,‬‬
‫من السنة عدًدا ل تحدي ً‬
‫دمونه ويجعلون مكانه من أشهر الحل ما‬ ‫فيؤخرون بعضها أو يق ّ‬
‫أرادوا حسب حاجتهم للقتال‪ ,‬إن ذلك زيادة في الكفر‪ ,‬يضل‬
‫الشيطان به الذين كفروا‪ ,‬يحلون الذي أخروا تحريمه من الشهر‬
‫ما‪ ,‬ويحرمونه عاما; ليوافقوا عدد الشهور الربعة‪ ,‬فيحلوا‬ ‫الربعة عا ً‬
‫ما حّرم الله منها‪َ .‬زّين لهم الشيطان العمال السيئة‪ .‬والله ل يوفق‬
‫القوم الكافرين إلى الحق والصواب‪.‬‬

‫َ‬
‫ل الل ّه ِ‬
‫ه‬ ‫س هِبي ِ‬ ‫ل ل َك ُه ْ‬
‫م انِفهُروا فِههي َ‬ ‫ذا ِقيه َ‬ ‫مهها ل َك ُه ْ‬
‫م إِ َ‬ ‫من ُههوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪361‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬
‫حَيا ِ‬ ‫خَرةِ فَ َ‬
‫ما َ‬ ‫ن ال ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ِبال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا ِ‬ ‫ضيت ُ ْ‬
‫ض أَر ِ‬ ‫م إ ِلى الْر ِ‬
‫اّثاقَل ْت ُ ْ َ‬
‫ل )‪(38‬‬ ‫خَرةِ إ ِل ّ قَِلي ٌ‬‫الد ّن َْيا ِفي ال ِ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ما بالكم إذا قيل‬‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫لكم‪ :‬اخرجوا إلى الجهاد في سبيل الله لقتال أعدائكم تكاسلتم‬
‫ولزمتم مساكنكم؟ هل آثرتم حظوظكم الدنيوية على نعيم الخرة؟‬
‫فما تستمتعون به في الدنيا قليل زائل‪ ,‬أما نعيم الخرة الذي أعده‬
‫الله للمؤمنين المجاهدين فكثير دائم‪.‬‬

‫شْيئا ً‬ ‫َ‬
‫ضّروهُ َ‬ ‫وما ً غَي َْرك ُ ْ‬
‫م َول ت َ ُ‬ ‫ل قَ ْ‬ ‫ذابا ً أِليما ً وَي َ ْ‬
‫ست َب ْدِ ْ‬ ‫م عَ َ‬‫إ ِل ّ َتنِفُروا ي ُعَذ ّب ْك ُ ْ‬
‫ديٌر )‪(39‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬‫َوالل ّ ُ‬
‫ل الله عقوبته بكم‪,‬‬
‫إن ل تنفروا أيها المؤمنون إلى قتال عدوكم ينز ِ‬
‫ويأت بقوم آخرين ينفرون إذ ا است ُْنفروا‪ ,‬ويطيعون الله ورسوله‪,‬‬
‫ولن تضروا الله شيًئا بتوّليكم عن الجهاد‪ ,‬فهو الغني عنكم وأنتم‬
‫الفقراء إليه‪ .‬وما يريده الله يكون ل محالة‪ .‬والله على كل شيء‬
‫قدير من نصر دينه ونبيه دونكم‪.‬‬

‫ما‬ ‫ن إ ِذ ْ هُ َ‬ ‫ن ك ََفُروا َ َثان ِ َ‬


‫ي اث ْن َي ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫ج ُ‬ ‫خَر َ‬‫ه إ ِذ ْ أ َ ْ‬
‫صَرهُ الل ّ ُ‬ ‫صُروهُ فََقد ْ ن َ َ‬ ‫إ ِل ّ َتن ُ‬
‫ه‬
‫كين َت َ ُ‬‫سه ِ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّه ُ‬ ‫معََنا فَأنَز َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز ْ‬ ‫حب ِهِ ل ت َ ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ِفي ال َْغارِ إ ِذ ْ ي َُقو ُ‬
‫َ‬
‫ة‬‫م ُ‬‫سْفَلى وَك َل ِ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬
‫م َ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬‫جُنودٍ ل َ ْ‬‫عَل َي ْهِ وَأي ّد َهُ ب ِ ُ‬
‫م )‪(40‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ي ال ْعُل َْيا َوالل ّ ُ‬
‫الل ّهِ هِ َ‬
‫يا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ل تنفروا‬
‫معه أيها المؤمنون إذا است َن َْفركم‪ ,‬وإن ل تنصروه; فقد أيده الله‬
‫ونصره يوم أخرجه الكفار من قريش من بلده )مكة(‪ ,‬وهو ثاني‬
‫اثنين )هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه( وألجؤوهما إلى نقب‬
‫في جبل ثور "بمكة"‪ ،‬فمكثا فيه ثلث ليال‪ ,‬إذ يقول لصاحبه )أبي‬
‫بكر( لما رأى منه الخوف عليه‪ :‬ل تحزن إن الله معنا بنصره‬
‫وتأييده‪ ,‬فأنزل الله الطمأنينة في قلب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬وأعانه بجنود لم يرها أحد من البشر وهم الملئكة‪ ,‬فأنجاه‬
‫الله من عدوه وأذل الله أعداءه‪ ,‬وجعل كلمة الذين كفروا السفلى‪.‬‬
‫ة الله هي العليا‪ ,,‬ذلك بإعلء شأن السلم‪ .‬والله عزيز في‬ ‫وكلم ُ‬

‫‪362‬‬
‫ملكه‪ ,‬حكيم في تدبير شؤون عباده‪ .‬وفي هذه الية منقبة عظيمة‬
‫لبي بكر الصديق رضي الله عنه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ّههِ‬
‫سهِبي ِ‬ ‫سهك ُ ْ‬
‫م فِههي َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م وَأنُف ِ‬ ‫م َ‬
‫دوا ب ِهأ ْ‬‫جاهِه ُ‬ ‫خَفافا ً وَث َِقال ً وَ َ‬ ‫انِفُروا ِ‬
‫ن )‪(41‬‬ ‫مو َ‬‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫خا في‬‫اخرجوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬للجهاد في سبيل الله شباًبا وشيو ً‬
‫العسر واليسر‪ ,‬على أي حال كنتم‪ ,‬وأنفقوا أموالكم في سبيل الله‪,‬‬
‫وقاتلوا بأيديكم لعلء كلمة الله‪ ,‬ذلك الخروج والبذل خير لكم في‬
‫حالكم ومآلكم فافعلوا ذلك وانفروا واستجيبوا لله ورسوله‪.‬‬

‫م‬‫ت عَل َي ْهِ ه ْ‬ ‫ك وَل َك ِه ْ‬


‫ن ب َعُهد َ ْ‬ ‫صههدا ً لت ّب َعُههو َ‬ ‫س هَفرا ً َقا ِ‬ ‫ريب ها ً وَ َ‬‫ِ‬ ‫ن عََرضا ً قَ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َوْ َ‬
‫كو َ‬ ‫ست َط َعَْنا ل َ َ‬
‫م‬
‫سهههُ ْ‬ ‫ن أنُف َ‬ ‫م ي ُهْل ِ ُ َ‬
‫معَك ُ ْ‬‫جَنا َ‬
‫خَر ْ‬ ‫ن ِبالل ّهِ ل َوْ ا ْ‬‫حل ُِفو َ‬‫سي َ ْ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫شّق ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬‫م إ ِن ّهُ ْ‬‫ه ي َعْل َ ُ‬‫َوالل ّ ُ‬
‫ل جلله جماعة من المنافقين استأذنوا رسول الله صلى‬ ‫وّبخ الله ج ّ‬
‫الله عليه وسلم في التخلف عن غزوة )تبوك( مبيًنا أنه لو كان‬
‫خروجهم إلى غنيمة قريبة سهلة المنال لتبعوك‪ ,‬ولكن لما دعوا‬
‫إلى قتال الروم في أطراف بلد )الشام( في وقت الحر تخاذلوا‪,‬‬
‫وتخلفوا‪ ,‬وسيعتذرون لتخلفهم عن الخروج حالفين بأنهم ل‬
‫يستطيعون ذلك‪ ,‬يهلكون أنفسهم بالكذب والنفاق‪ ,‬والله يعلم إنهم‬
‫لكاذبون فيما يبدون لك من العذار‪.‬‬

‫ك لِ َ‬
‫صهد َُقوا وَت َعْل َه َ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫ك ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن َله َ‬
‫حت ّههى ي َت َب َي ّه َ‬ ‫ت ل َهُه ْ‬
‫م َ‬ ‫م أِذنه َ‬ ‫عََفا الل ّ ُ‬
‫ه عَن ْ َ َ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫كاذِِبي َ‬
‫من ت َْرك الولى والكمل‪,‬‬‫ما وقع منك ِ‬
‫عفا الله عنك ‪-‬أيها النبي‪ -‬ع ّ‬
‫ت لهؤلء‬ ‫َ‬
‫وهو إذنك للمنافقين في القعود عن الجهاد‪ ,‬لي سبب أذِن ْ َ‬
‫بالتخلف عن الغزوة‪ ,‬حتى يظهر لك الذين صدقوا في اعتذارهم‬
‫وتعلم الكاذبين منهم في ذلك؟‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ست َأ ْذِن ُ َ‬


‫م‬
‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫دوا ب ِهأ ْ‬
‫جاهِه ُ‬
‫ن يُ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫خهرِ أ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل يَ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫مت ِّقي َ‬‫م ِبال ْ ُ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫وَأنُف ِ‬
‫‪363‬‬
‫ليس من شأن المؤمنين بالله ورسوله واليوم الخر أن يستأذنوك‬
‫‪-‬أيها النبي‪ -‬في التخلف عن الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال‪,‬‬
‫وإنما هذا من شأن المنافقين‪ .‬والله عليم بمن خافه فاتقاه بأداء‬
‫فرائضه واجتناب نواهيه‪.‬‬

‫ت قُل ُههوب ُهُ ْ‬


‫م‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫خ هرِ َواْرت َههاب َ ْ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ست َأ ْذِن ُ َ‬
‫ما ي َ ْ‬‫إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫دو َ‬
‫م ي َت ََرد ّ ُ‬
‫م ِفي َري ْب ِهِ ْ‬ ‫فَهُ ْ‬
‫دقون بالله ول‬
‫إنما يطلب الذن للتخلف عن الجهاد الذين ل يص ّ‬
‫ت قلوبهم في صحة ما جئت‬ ‫حا‪ ,‬وشك ّ ْ‬
‫باليوم الخر‪ ,‬ول يعملون صال ً‬
‫به ‪-‬أيها النبي‪ -‬من السلم وشرائعه‪ ,‬فهم في شكهم يتحّيرون‪.‬‬

‫َ‬
‫م فَث َب ّط َهُ ه ْ‬
‫م‬ ‫ن ك َرِهَ الل ّ ُ‬
‫ه ان ْب ِعَههاث َهُ ْ‬ ‫ه عُد ّةً وَل َك ِ ْ‬ ‫ج ل َعَ ّ‬
‫دوا ل َ ُ‬ ‫خُرو َ‬ ‫دوا ال ْ ُ‬‫وَل َوْ أَرا ُ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫دي َ‬ ‫معَ ال َْقا ِ‬
‫ع ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫ل اقْعُ ُ‬ ‫وَِقي َ‬
‫هبوا له‬
‫ولو أراد المنافقون الخروج معك ‪-‬أيها النبي‪ -‬إلى الجهاد لتأ ّ‬
‫ل عليهم الخروج قضاء‬ ‫بالزاد والراحلة‪ ,‬ولكن الله كره خروجهم فث َُق َ‬
‫وقدًرا‪ ,‬وإن كان أمرهم به شرعا‪ ,‬وقيل لهم‪ :‬تخلفوا مع القاعدين‬
‫من المرضى والضعفاء والنساء والصبيان‪.‬‬

‫م‬ ‫خلل َك ُه ْ‬
‫م ي َب ْغُههون َك ُ ْ‬ ‫خب َههال ً وَل َوْ َ‬
‫ضهُعوا ِ‬ ‫م إ ِل ّ َ‬‫دوك ُه ْ‬ ‫مهها َزا ُ‬
‫م َ‬ ‫جههوا ِفيك ُه ْ‬ ‫خَر ُ‬‫ل َوْ َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ِبال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫عو َ‬ ‫ما ُ‬‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ة وَِفيك ُ ْ‬‫ال ِْفت ْن َ َ‬
‫لو خرج المنافقون معكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬للجهاد لنشروا‬
‫الضطراب في الصفوف والشر والفساد‪ ,‬ولسرعوا السير بينكم‬
‫بالنميمة والبغضاء‪ ,‬يبغون فتنتكم بتثبيطكم عن الجهاد في سبيل‬
‫الله‪ ,‬وفيكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬عيون لهم يسمعون أخباركم‪ ,‬وينقلونها‬
‫إليهم‪ .‬والله عليم بهؤلء المنافقين الظالمين‪ ,‬وسيجازيهم على‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ح هقّ وَظ َهَ هَر‬


‫جههاَء ال ْ َ‬ ‫ل وقَل ُّبوا ل َ َ ُ‬ ‫وا ال ِْفت ْن َ َ‬
‫حّتى َ‬
‫موَر َ‬
‫ك ال ُ‬ ‫ن قَب ْ ُ َ‬‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫ل ََقد ْ اب ْت َغَ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(48‬‬ ‫هو َ‬‫كارِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مُر الل ّهِ وَهُ ْ‬ ‫أ ْ‬

‫‪364‬‬
‫لقد ابتغى المنافقون فتنة المؤمنين عن دينهم وصدهم عن سبيل‬
‫الله من قبل غزوة )تبوك(‪ ,‬وكشف أمرهم‪ ,‬وصّرفوا لك ‪-‬أيها النبي‪-‬‬
‫المور في إبطال ما جئت به‪ ,‬كما فعلوا يوم )أحد( ويوم )الخندق(‪,‬‬
‫ودّبروا لك الكيد حتى جاء النصر من عند الله‪ ,‬وأعز جنده ونصر‬
‫دينه‪ ,‬وهم كارهون له‪.‬‬

‫سهَق ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫طوا وَإ ِ ّ‬ ‫ن ل ِههي َول ت َْفت ِن ّههي أل فِههي ال ِْفت ْن َهةِ َ‬‫ل ائ ْذ َ ْ‬‫ن ي َُقههو ُ‬‫مه ْ‬
‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫وَ ِ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫ة ِبال ْ َ‬
‫حيط َ ٌ‬ ‫م لَ ُ‬
‫م ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫َ‬
‫من هؤلء المنافقين من يطلب الذن للقعود عن الجهاد ويقول‪ :‬ل‬ ‫و ِ‬
‫توقْعني في البتلء بما يعرض لي في حالة الخروج من فتنة‬
‫النساء‪ .‬لقد سقط هؤلء المنافقون في فتنة النفاق الكبرى‪ .‬فإن‬
‫جهنم لمحيطة بالكافرين بالله واليوم الخر‪ ,‬فل ي ُْفِلت منهم أحد‪.‬‬

‫َ‬ ‫ة ي َُقوُلوا قَ هد ْ أ َ َ‬ ‫صب ْ َ‬ ‫صب ْ َ‬


‫خ هذ َْنا أ ْ‬
‫مَرن َهها‬ ‫صيب َ ٌ‬
‫م ِ‬
‫ك ُ‬ ‫ن تُ ِ‬
‫م وَإ ِ ْ‬‫سؤْهُ ْ‬‫ة تَ ُ‬
‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬
‫ك َ‬ ‫ن تُ ِ‬‫إِ ْ‬
‫ن )‪(50‬‬ ‫حو َ‬ ‫م فَرِ ُ‬‫ل وَي َت َوَّلوا وَهُ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬
‫ِ‬
‫إن يصبك ‪-‬أيها النبي‪ -‬سرور وغنيمة يحزن المنافقون‪ ,‬وإن يلحق‬
‫بك مكروه من هزيمة أو شدة يقولوا‪ :‬نحن أصحاب رأي وتدبير قد‬
‫احتطنا لنفسنا بتخلفنا عن محمد‪ ,‬وينصرفوا وهم مسرورون بما‬
‫صنعوا وبما أصابك من السوء‪.‬‬

‫ولَنها وَعََلهى الّلههِ فَل ْي َت َوَ ّ‬


‫كه ْ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫ه ل ََنها ُ‬
‫ههوَ َ‬ ‫ب الّله ُ‬
‫ما ك َت َ َ‬
‫صيب ََنا إ ِل ّ َ‬ ‫ل لَ ْ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫مُنو َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫خا‪ :‬لن يصيبنا إل‬
‫قل ‪-‬أيها النبي‪ -‬لهؤلء المتخاذلين زجًرا لهم وتوبي ً‬
‫دره الله علينا وكتبه في اللوح المحفوظ‪ ,‬هو ناصرنا على‬ ‫ما ق ّ‬
‫أعدائنا‪ ,‬وعلى الله‪ ,‬وحده فليعتمد المؤمنون به‪.‬‬

‫نتربهص بك ُه َ‬
‫ن‬
‫مأ ْ‬ ‫َََ ّ ُ ِ ْ‬ ‫ن‬
‫حه ُ‬ ‫ن وَن َ ْ‬ ‫سهن َي َي ْ ِ‬
‫ح ْ‬‫دى ال ْ ُ‬ ‫ن ب ِن َهها إ ِل ّ إ ِ ْ‬
‫حه َ‬ ‫صههو َ‬
‫ل ت ََترب ّ ُ‬‫ل هَ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫صو َ‬
‫مت ََرب ّ ُ‬ ‫معَك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫صوا إ ِّنا‬ ‫ديَنا فَت ََرب ّ ُ‬‫عن ْدِهِ أوْ ب ِأي ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه ب ِعَ َ‬ ‫صيب َك ُ ْ‬‫يُ ِ‬
‫)‪(52‬‬

‫‪365‬‬
‫قل لهم ‪-‬أيها النبي‪ :-‬هل تنتظرون بنا إل شهادة أو ظفًرا بكم؟‬
‫من عنده عاجلة تهلككم أو‬‫ونحن ننتظر بكم أن يصيبكم الله بعقوبة ِ‬
‫بأيدينا فنقتلكم‪ ,‬فانتظروا إنا معكم منتظرون ما الله فاعل بكل‬
‫فريق منا ومنكم‪.‬‬

‫َ‬ ‫قُ ْ َ‬
‫ن)‬ ‫وما ً َفا ِ‬
‫سِقي َ‬ ‫م قَ ْ‬ ‫م ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م إ ِن ّك ُ ْ‬
‫من ْك ُ ْ‬ ‫وعا ً أوْ ك َْرها ً ل َ ْ‬
‫ن ي ُت ََقب ّ َ‬
‫ل ِ‬ ‫فُقوا ط َ ْ‬
‫ل أن ِ‬
‫‪(53‬‬
‫قل ‪-‬أيها النبي‪ -‬للمنافقين‪ :‬أنفقوا أموالكم كيف شئتم‪ ,‬وعلى أي‬
‫حال شئتم طائعين أو كارهين‪ ,‬لن يقبل الله منكم نفقاتكم; لنكم‬
‫قوم خارجون عن دين الله وطاعته‪.‬‬

‫َ‬ ‫وما منعه َ‬


‫م ك ََفُروا ِبالل ّهِ وَب َِر ُ‬
‫سول ِهِ َول‬ ‫م إ ِل ّ أن ّهُ ْ‬‫م ن ََفَقات ُهُ ْ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ل ِ‬‫ن ت ُْقب َ َ‬
‫مأ ْ‬‫َ َ َ ََ ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ن )‪(54‬‬ ‫هو َ‬‫كارِ ُ‬ ‫م َ‬
‫ن إ ِل ّ وَهُ ْ‬‫فُقو َ‬ ‫ساَلى َول ُين ِ‬ ‫م كُ َ‬ ‫صلةَ إ ِل ّ وَهُ ْ‬‫ن ال ّ‬‫ي َأُتو َ‬
‫وسبب عدم َقبول نفقاتهم أنهم أضمروا الكفر بالله عز وجل‬
‫وتكذيب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ول يأتون الصلة إل‬
‫وهم متثاقلون‪ ,‬ول ينفقون الموال إل وهم كارهون‪ ,‬فهم ل يرجون‬
‫ثواب هذه الفرائض‪ ,‬ول يخشون على تركها عقاًبا بسبب كفرهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َفل تعجب َ َ‬


‫ة‬ ‫م ب َِها ِفي ال ْ َ‬
‫حي َهها ِ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬
‫ه ل ِي ُعَذ ّب َهُ ْ‬ ‫ما ي ُ ِ‬
‫م إ ِن ّ َ‬
‫م َول أْولد ُهُ ْ‬ ‫وال ُهُ ْ‬ ‫م َ‬
‫كأ ْ‬ ‫ُْ ِ ْ‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫م وَهُ ْ‬
‫سه ُ ْ‬‫الد ّن َْيا وَت َْزهَقَ أنُف ُ‬
‫فل تعجبك ‪-‬أيها النبي‪ -‬أموال هؤلء المنافقين ول أولدهم‪ ,‬إنما يريد‬
‫الله أن يعذبهم بها في الحياة الدنيا بالتعب في تحصيلها وبالمصائب‬
‫التي تقع فيها‪ ,‬حيث ل يحتسبون ذلك عند الله‪ ,‬وتخرج أنفسهم‪,‬‬
‫فيموتوا على كفرهم بالله ورسوله‪.‬‬

‫م ي َْفَرُقو َ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫م وَل َك ِن ّهُ ْ‬
‫م قَوْ ٌ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬
‫ما هُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫م لَ ِ‬
‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِبالل ّهِ إ ِن ّهُ ْ‬
‫حل ُِفو َ‬
‫وَي َ ْ‬
‫ويحلف هؤلء المنافقون بالله لكم أيها المؤمنون كذًبا وباطل إنهم‬
‫لمنكم‪ ,‬وليسوا منكم‪ ,‬ولكنهم قوم يخافون فيحلفون ت َِقّية لكم‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫َ‬ ‫ل َو يجدون مل ْ ً َ‬
‫ن )‪(57‬‬
‫حو َ‬
‫م ُ‬
‫ج َ‬ ‫وا إ ِل َي ْهِ وَهُ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫خل ً ل َوَل ّ ْ‬
‫مد ّ َ‬
‫ت أو ْ ُ‬
‫مَغاَرا ٍ‬
‫جأ أو ْ َ‬
‫ْ َ ِ ُ َ َ َ‬
‫لو يجد هؤلء المنافقون مأمًنا وحصًنا يحفظهم‪ ,‬أو كهًفا في جبل‬
‫يؤويهم‪ ,‬أو نفًقا في الرض ينجيهم منكم‪ ,‬لنصرفوا إليه وهم‬
‫يسرعون‪.‬‬

‫ك في الصدَقات فَ هإ ُ‬
‫ن ل َه ْ‬
‫م‬ ‫ضههوا وَإ ِ ْ‬ ‫ن أعْط ُههوا ِ‬
‫من ْهَهها َر ُ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ّ َ ِ‬ ‫مُز َ ِ‬‫ن ي َل ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫وَ ِ‬
‫ن )‪(58‬‬ ‫خ ُ‬
‫طو َ‬ ‫س َ‬
‫م يَ ْ‬
‫ذا هُ ْ‬‫من َْها إ ِ َ‬
‫وا ِ‬‫ي ُعْط َ ْ‬
‫من يعيبك في قسمة الصدقات‪ ,‬فإن نالهم نصيب‬
‫ومن المنافقين َ‬
‫منها رضوا وسكتوا‪ ,‬وإن لم يصبهم حظ منها سخطوا عليك‬
‫وعابوك‪.‬‬

‫َ‬
‫سهي ُؤِْتيَنا‬ ‫سهب َُنا الل ّه ُ‬
‫ه َ‬ ‫ح ْ‬‫ه وَقَههاُلوا َ‬
‫سههول ُ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ما آَتاهُ ْ‬
‫ضوا َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫وَل َوْ أن ّهُ ْ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫ه إ ِّنا إ َِلى الل ّهِ َراِغُبو َ‬‫سول ُ ُ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ضل ِهِ وََر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬
‫ولو أن هؤلء الذين يعيبونك في قسمة الصدقات رضوا بما قسم‬
‫الله ورسوله لهم‪ ,‬وقالوا‪ :‬حسبنا الله‪ ,‬سيؤتينا الله من فضله‪,‬‬
‫ويعطينا رسوله مما آتاه الله‪ ,‬إنا نرغب أن يوسع الله علينا‪ ,‬فيغنينا‬
‫عن الصدقة وعن صدقات الناس‪ .‬لو فعلوا ذلك لكان خيًرا لهم‬
‫وأجدى‪.‬‬

‫مؤَل َّف ه ِ‬
‫ة‬ ‫ن عَل َي َْههها َوال ْ ُ‬ ‫ن َوال َْعهها ِ‬
‫مِلي َ‬ ‫كي ِ‬
‫سهها ِ‬
‫م َ‬ ‫ت ل ِل ُْفَقههَراِء َوال ْ َ‬‫صههد ََقا ُ‬‫مهها ال ّ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ل‬‫سهِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سهِبي ِ ّ‬ ‫ب َوال ْغَههارِ ِ‬ ‫م وَفِههي الّرقَهها ِ‬ ‫قُل ُههوب ُهُ ْ‬
‫ل اللههِ وَا ِب ْه ِ‬ ‫ن وَفِههي َ‬ ‫مي َ‬
‫م )‪(60‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬‫م ْ‬‫ة ِ‬‫ض ً‬‫ري َ‬ ‫فَ ِ‬
‫إنما تعطى الزكوات الواجبة للمحتاجين الذين ل يملكون شيًئا‪,‬‬
‫وللمساكين الذين ل يملكون كفايتهم‪ ,‬وللسعاة الذين يجمعونها‪,‬‬
‫جى إسلمه أو قوة إيمانه أو‬‫وللذين تؤّلفون قلوبهم بها ممن ي ُْر َ‬
‫نفعه للمسلمين‪ ,‬أو تدفعون بها شّر أحد عن المسلمين‪ ,‬وتعطى‬
‫في عتق رقاب الرقاء والمكاتبين‪ ,‬وتعطى للغارمين لصلح ذات‬
‫البين‪ ,‬ولمن أثقل َْتهم الديون في غير فساد ول تبذير فأعسروا‪,‬‬
‫وللغزاة في سبيل الله‪ ,‬وللمسافر الذي انقطعت به النفقة‪ ,‬هذه‬
‫‪367‬‬
‫درها‪ .‬والله عليم بمصالح عباده‪,‬‬
‫القسمة فريضة فرضها الله وق ّ‬
‫حكيم في تدبيره وشرعه‪.‬‬

‫ذون النبي ويُقوُلون هُو أ ُذ ُن قُ ْ ُ‬


‫ن‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫خي ْرٍ ل َك ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ل أذ ُ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫ن ي ُؤْ ُ َ ّ ِ ّ َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫وَ ِ‬
‫ن‬
‫ذو َ‬ ‫ن ي ُهؤْ ُ‬ ‫ذي َ‬‫م َوال ّه ِ‬‫من ْك ُه ْ‬
‫من ُههوا ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ة ل ِل ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مه ٌ‬‫ح َ‬
‫ن وََر ْ‬‫مِني َ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬
‫م هؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬‫ِبالل ّهِ وَي ُؤْ ِ‬
‫َ‬
‫م )‪(61‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬‫ذا ٌ‬‫م عَ َ‬ ‫ل الل ّهِ ل َهُ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬
‫ومن المنافقين قوم يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بالكلم‪ ,‬ويقولون‪ :‬إنه يستمع لكل ما يقال له فيصدقه‪ ,‬قل لهم‬
‫دا هو أذن تستمع لكل خير‪ ,‬يؤمن بالله ويصدق‬ ‫‪-‬أيها النبي‪ :-‬إن محم ً‬
‫المؤمنين فيما يخبرونه‪ ,‬وهو رحمة لمن اتبعه واهتدى بهداه‪ .‬والذين‬
‫دا صلى الله عليه وسلم بأي نوع من أنواع‬‫يؤذون رسول الله محم ً‬
‫اليذاء‪ ,‬لهم عذاب مؤلم موجع‪.‬‬

‫ن َ‬
‫كاُنوا‬ ‫َ‬ ‫يحل ُِفون بالل ّه ل َك ُم ل ِيرضوك ُم والل ّه ورسول ُ َ‬
‫ضوهُ إ ِ ْ‬
‫ن ي ُْر ُ‬
‫حق ّ أ ْ‬
‫هأ َ‬‫ْ َ ُ ََ ُ ُ‬ ‫ْ ُْ ُ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫َ ْ‬
‫ن )‪(62‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ُ‬
‫ضوا‬
‫يحلف المنافقون اليمان الكاذبة‪ ,‬ويقدمون العذار الملفقة; لُير ُ‬
‫ضوهما باليمان بهما‬ ‫المؤمنين‪ ,‬والله ورسوله أحق وأولى أن ُير ُ‬
‫وطاعتهما‪ ,‬إن كانوا مؤمنين حًقا‪.‬‬

‫خال ِههدا ً ِفيهَهها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫م َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه َناَر َ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه فَأ ّ‬ ‫حادِد ْ الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ن يُ َ‬
‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫موا أن ّ ُ‬ ‫أل َ ْ‬
‫م )‪(63‬‬ ‫خْزيُ ال ْعَ ِ‬
‫ظي ُ‬ ‫ك ال ْ ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬

‫ألم يعلم هؤلء المنافقون أن مصير الذين يحاربون الله ورسوله ناُر‬
‫جهنم لهم العذاب الدائم فيها؟ ذلك المصبر هو الهوان والذل‬
‫العظيم‪ ,‬ومن المحاربة أذِّية رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبه‬
‫والقدح فيه‪ ,‬عيا ً‬
‫ذا بالله من ذلك‪.‬‬

‫يحذ َر ال ْمنافُقو َ‬
‫ل‬ ‫ما فِههي قُل ُههوب ِهِ ْ‬
‫م قُ ه ْ‬ ‫سوَرةٌ ت ُن َب ّئ ُهُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن ت ُن َّز َ‬‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ِ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫حذ َُرو َ‬‫ما ت َ ْ‬
‫ج َ‬ ‫خرِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ست َهْزُِئوا إ ِ ّ‬
‫ا ْ‬

‫‪368‬‬
‫يخاف المنافقون أن تنزل في شأنهم سورة تخبرهم بما يضمرونه‬
‫في قلوبهم من الكفر‪ ,‬قل لهم ‪-‬أيها النبي‪ :-‬استمروا على ما أنتم‬
‫عليه من الستهزاء والسخرية‪ ,‬إن الله مخرج حقيقة ما تحذرون‪.‬‬

‫خههوض ونل ْع هب قُ ه ْ َ‬ ‫َ‬


‫ل أب ِههالل ّهِ َوآي َههات ِ ِ‬
‫ه‬ ‫ُ ََ َ ُ‬ ‫مهها ك ُن ّهها ن َ ُ‬
‫ن إ ِن ّ َ‬‫م ل َي َُقههول ُ ّ‬
‫س هأل ْت َهُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫وَل َئ ِ ْ‬
‫ن )‪(65‬‬ ‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫سول ِهِ ُ‬‫وََر ُ‬
‫دح في حقك وحق‬ ‫ولئن سألتهم ‪-‬أيها النبي‪ -‬عما قالوا من الَق ْ‬
‫ن‪ :‬إنما كنا نتحدث بكلم ل قصد لنا به‪ ,‬قل لهم ‪-‬أيها‬ ‫أصحابك ل ََيقول ُ ّ‬
‫النبي‪ :-‬أبالله عز وجل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟‬

‫ب‬ ‫من ْك ُه ْ‬
‫م ن ُعَهذ ّ ْ‬ ‫ن َ‬
‫طائ َِف هةٍ ِ‬ ‫ف عَ ْ‬
‫ن ن َعْ ُ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ل ت َعْت َذُِروا قَد ْ ك ََفْرت ُ ْ‬
‫م ب َعْد َ ِإي َ‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬‫كاُنوا ُ‬ ‫ة ب ِأن ّهُ ْ‬
‫طائ َِف ً‬
‫من اعتذاركم‪ ,‬قد كفرتم‬
‫ل تعتذروا ‪-‬معشر المنافقين‪ -‬فل جدوى ِ‬
‫بهذا المقال الذي استهزأتم به‪ ,‬إن نعف عن جماعة منكم طلبت‬
‫العفو وأخلصت في توبتها‪ ,‬نعذب جماعة أخرى بسبب إجرامهم‬
‫بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة‪.‬‬

‫ْ‬
‫ن ب ِههال ْ ُ‬
‫من ْك َرِ وَي َن ْهَ هوْ َ‬
‫ن‬ ‫مُرو َ‬ ‫ض َيههأ ُ‬ ‫ن ب َعْ ٍ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ضه ُ ْ‬
‫ت ب َعْ ُ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مَنافَِقا ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مَنافُِقو َ‬
‫عَن ال ْمعروف ويْقبضو َ‬
‫م‬‫ن هُ ْ‬
‫مَنافِِقي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه فَن َ ِ‬
‫سي َهُ ْ‬ ‫سوا الل ّ َ‬‫م نَ ُ‬
‫ن أي ْدِي َهُ ْ‬
‫َ ْ ُ ِ ََ ِ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(67‬‬ ‫سُقو َ‬‫ال َْفا ِ‬
‫المنافقون والمنافقات صنف واحد في إعلنهم اليمان واستبطانهم‬
‫الكفر‪ ,‬يأمرون بالكفر بالله ومعصية رسوله وينهون عن اليمان‬
‫والطاعة‪ ,‬ويمسكون أيديهم عن النفقة في سبيل الله‪ ,‬نسوا الله‬
‫فل يذكرونه‪ ,‬فنسيهم من رحمته‪ ,‬فلم يوفقهم إلى خير‪ .‬إن‬
‫المنافقين هم الخارجون عن اليمان بالله ورسوله‪.‬‬

‫ي‬
‫ههه َ‬
‫ن ِفيَها ِ‬
‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫م َ‬ ‫ت َوال ْك ُّفاَر َناَر َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫مَنافَِقا ِ‬‫ن َوال ْ ُ‬
‫مَنافِِقي َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫م )‪(68‬‬ ‫مِقي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ه وَل َهُ ْ‬‫م الل ّ ُ‬
‫م وَل َعَن َهُ ْ‬ ‫سب ُهُ ْ‬
‫ح ْ‬
‫َ‬

‫‪369‬‬
‫وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار بأن مصيرهم إلى نار جهنم‬
‫دا‪ ,‬هي كافيتهم; عقاًبا على كفرهم بالله‪ ,‬وطردهم‬
‫خالدين فيها أب ً‬
‫من رحمته‪ ,‬ولهم عذاب دائم‪.‬‬ ‫الله ِ‬

‫وال ً وَأ َْولدا ً‬ ‫مهه َ‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫م ُقههوّةً وَأك َْثههَر أ ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫كهه ْ‬ ‫شههد ّ ِ‬ ‫كههاُنوا أ َ َ‬ ‫م َ‬ ‫كهه ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ ُ‬ ‫مهه ْ‬ ‫ن ِ‬‫ذي َ‬ ‫كاّلهه ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مه ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫مت َعَ ال ّه ِ‬ ‫سهت َ ْ‬
‫مهها ا ْ‬‫م كَ َ‬ ‫خلقِك ُه ْ‬ ‫م بِ َ‬‫مت َعْت ُ ْ‬‫سهت َ ْ‬‫م َفا ْ‬ ‫خلقِهِه ْ‬ ‫مت َُعوا ب ِ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫ست َ ْ‬
‫َ‬ ‫ضههوا أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫م فِههي‬ ‫مههال ُهُ ْ‬ ‫ت أعْ َ‬ ‫حب ِط َه ْ‬
‫ك َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫م َ‬ ‫ضت ُ ْ‬‫خ ْ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫خلقِهِ ْ‬ ‫م بِ َ‬‫قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫ن )‪(69‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫خَرةِ وَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫إن أفعالكم ‪-‬معشر المنافقين‪ -‬من الستهزاء والكفر كأفعال المم‬
‫السابقة التي كانت على جانب من القوة والمال والولد أشد‬
‫منكم‪ ,‬فاط ْ َ‬
‫مأنوا إلى الحياة الدنيا‪ ,‬وَتمّتعوا بما فيها من الحظوظ‬
‫والملذات‪ ,‬فاستمعتم أيها المنافقون بنصيبكم من الشهوات الفانية‬
‫كاستمتاع الذين من قبلكم بحظوظهم الفانية‪ ,‬وخضتم بالكذب على‬
‫الله كخوض تلك المم قبلكم‪ ,‬أولئك الموصوفون بهذه الخلق هم‬
‫الذين ذهبت حسناتهم في الدنيا والخرة‪ ,‬وأولئك هم الخاسرون‬
‫ببيعهم نعيم الخرة بحظوظهم من الدنيا‪.‬‬

‫م‬ ‫مههود َ وَقَ هوْم ِ إ ِب َْرا ِ‬


‫هي ه َ‬ ‫عادٍ وَث َ ُ‬ ‫ح وَ َ‬ ‫نو‬
‫ُ‬ ‫م‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫م ن َب َأ ُ ال ّ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ت‬‫أ َل َم يأ ْ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ِ‬
‫ن الل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫مهها ك َهها َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫م ِبالب َي ّن َهها ِ‬‫س هل ُهُ ْ‬
‫م ُر ُ‬ ‫ت أت َت ْهُ ْ‬ ‫كا ِ‬ ‫مؤْت َِف َ‬‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫ب َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(70‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫سه ُ ْ‬ ‫كاُنوا أنُف َ‬ ‫ن َ‬ ‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫مه ُ ْ‬ ‫ل ِي َظ ْل ِ َ‬
‫من قوم نوح وقبيلة عاد‬ ‫ألم يأت هؤلء المنافقين خبُر الذين مضوا ِ‬
‫وقبيلة ثمود وقوم إبراهيم وأصحاب )مدين( وقوم لوط عندما‬
‫ذبوهم؟ فأنزل الله بهؤلء‬ ‫جاءهم المرسلون بالوحي وبآيات الله فك ّ‬
‫ما منهم لسوء عملهم‪ ,‬فما كان الله ليظلمهم‪,‬‬ ‫جميًعا عذابه; انتقا ً‬
‫ولكن كانوا هم الظالمين لنفسهم بالتكذيب والمخالفة‪.‬‬

‫ْ‬ ‫وال ْمؤْمنههون وال ْمؤْمنههات بعضههم أ َ‬


‫ف‬‫معُْرو ِ‬ ‫ن ب ِههال ْ َ‬
‫مُرو َ‬ ‫ض ي َهأ ُ‬‫ٍ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫ها‬
‫ه‬‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫و‬ ‫َ ُ ِ ُ َ َ ُ ِ َ ُ َْ ُ ُ ْ‬
‫ن الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫طيعُههو َ‬ ‫ن الّزك َههاةَ وَي ُ ِ‬‫صلةَ وَي ُؤْت ُههو َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫منك َرِ وَي ُِقي ُ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫وَي َن ْهَوْ َ‬
‫ُ‬
‫م )‪(71‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫مه ُ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫سي َْر َ‬
‫ك َ‬ ‫ه أوْل َئ ِ َ‬
‫سول َ ُ‬‫وََر ُ‬

‫‪370‬‬
‫والمؤمنون والمؤمنات بالله ورسوله بعضهم أنصار بعض‪ ,‬يأمرون‬
‫الناس باليمان والعمل الصالح‪ ,‬وينهونهم عن الكفر والمعاصي‪,‬‬
‫ويؤدون الصلة‪ ,‬ويعطون الزكاة‪ ,‬ويطيعون الله ورسوله‪ ,‬وينتهون‬
‫عما ُنهوا عنه‪ ,‬أولئك سيرحمهم الله فينقذهم من عذابه ويدخلهم‬
‫جنته‪ .‬إن الله عزيز في ملكه‪ ,‬حكيم في تشريعاته وأحكامه‪.‬‬

‫حت ِهَهها ال َن ْهَههاُر‬


‫ن تَ ْ‬‫مه ْ‬‫ري ِ‬ ‫ِ‬ ‫جه‬‫ت تَ ْ‬ ‫جن ّهها ٍ‬
‫ت َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫من َهها ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫م هؤ ْ ِ‬ ‫وَعَهد َ الل ّه ُ‬
‫ن الّلهههِ أ َك َْبههُر‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫وا ٌ‬
‫ض َ‬
‫ن وَرِ ْ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ِ‬‫ة ِفي َ‬ ‫ن ط َي ّب َ ً‬ ‫ساك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفيَها وَ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫َ‬
‫م )‪(72‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ك هُوَ ال َْفوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬

‫وعد الله المؤمنين والمؤمنات بالله ورسوله جنات تجري من تحتها‬


‫دا‪ ,‬ل يزول عنهم نعيمها‪ ,‬ومساكن حسنة البناء‬
‫النهار ماكثين فيها أب ً‬
‫طيبة القرار في جنات إقامة‪ ,‬ورضوان من الله أكبر وأعظم مما‬
‫هم فيه من النعيم‪ .‬ذلك الوعد بثواب الخرة هو الفلح العظيم‪.‬‬

‫ظ عل َيهم و ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جهَن ّه ُ‬
‫م َ‬ ‫ن َواغْل ُ ْ َ ْ ِ ْ َ َ‬
‫م هأَواهُ ْ‬ ‫جاهِد ْ ال ْك ُّفاَر َوال ْ ُ‬
‫مَنافِِقي َ‬ ‫ي َ‬
‫َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫صيُر )‪(73‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬
‫وَب ِئ ْ َ‬
‫يا أيها النبي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان والحجة‪,‬‬
‫واشدد على كل الفريقين‪ ,‬ومقّرهم جهنم‪ ,‬وبئس المصير مصيرهم‪.‬‬

‫م‬‫مه ِ ْ‬ ‫ة ال ْك ُْفرِ وَك ََفُروا ب َْعههد َ إ ِ ْ‬


‫سههل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ما َقاُلوا وَل ََقد ْ َقاُلوا ك َل ِ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َ‬ ‫حل ُِفو َ‬‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن فَ ْ‬
‫ض هل ِهِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫سول ُ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ن أغَْناهُ ْ‬ ‫موا إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ما ن ََق ُ‬‫م ي ََناُلوا وَ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫موا ب ِ َ‬‫وَهَ ّ‬
‫َ‬
‫ذابا ً أِليمها ً فِههي‬ ‫م الل ّه ُ‬
‫ه ع َه َ‬ ‫وا ي ُعَهذ ّب ْهُ ْ‬ ‫ن ي َت َوَل ّه ْ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫خْيرا ً ل َهُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ن ي َُتوُبوا ي َك ُ ْ‬‫فَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫صيرٍ )‪(74‬‬ ‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬‫خَرةِ وَ َ‬ ‫الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫يحلف المنافقون بالله أنهم ما قالوا شيًئا يسيء إلى الرسول وإلى‬
‫المسلمين‪ ,‬إنهم لكاذبون; فلقد قالوا كلمة الكفر وارتدوا بها عن‬
‫السلم وحاولوا الضرار برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم‪,‬‬
‫فلم يمكنهم الله من ذلك‪ ,‬وما وجد المنافقون شيًئا يعيبونه‪,‬‬
‫وينتقدونه‪ ,‬إل أن الله ‪-‬تعالى‪ -‬تفضل عليهم‪ ,‬فأغناهم بما فتح على‬
‫نبيه صلى الله عليه وسلم من الخير والبركة‪ ,‬فإن يرجع هؤلء‬
‫الكفار إلى اليمان والتوبة فهو خير لهم‪ ,‬وإن يعرضوا‪ ,‬أو يستمروا‬

‫‪371‬‬
‫على حالهم‪ ,‬يعذبهم الله العذاب الموجع في الدنيا على أيدي‬
‫المؤمنين‪ ,‬وفي الخرة بنار جهنم‪ ,‬وليس لهم منقذ ينقذهم ول ناصر‬
‫يدفع عنهم سوء العذاب‪.‬‬

‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن وَل َن َ ُ‬
‫كهون َ ّ‬ ‫ضهل ِهِ ل َن َ ّ‬
‫صهد ّقَ ّ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫مه ْ‬ ‫ه ل َئ ِ ْ‬
‫ن آَتاَنها ِ‬ ‫عاهَد َ الّله َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬‫م َ‬
‫من ْهُ ْ‬‫وَ ِ‬
‫ن )‪(75‬‬ ‫حي َ‬‫صال ِ ِ‬
‫ال ّ‬
‫من يقطع العهد على نفسه‪ :‬لئن أعطاه الله‬ ‫ومن فقراء المنافقين َ‬
‫ن ما يعمل الصالحون في أموالهم‪,‬‬
‫مل ّ‬
‫ن منه‪ ,‬وليع َ‬
‫دق ّ‬
‫المال ليص ّ‬
‫ن في طريق الصلح‪.‬‬ ‫وليسيَر ّ‬

‫ن )‪(76‬‬
‫ضو َ‬
‫معْرِ ُ‬ ‫خُلوا ب ِهِ وَت َوَّلوا وَهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ضل ِهِ ب َ ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما آَتاهُ ْ‬
‫فلما أعطاهم الله من فضله بخلوا بإعطاء الصدقة وبإنفاق المال‬
‫في الخير‪ ,‬وتوّلوا وهم معرضون عن السلم‪.‬‬

‫َ‬
‫دوهُ‬
‫ما وَعَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫خل َُفوا الل ّ َ‬ ‫م إ َِلى ي َوْم ِ ي َل َْقوْن َ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫م ن َِفاقا ً ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬‫فَأعَْقب َهُ ْ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫كاُنوا ي َك ْذُِبو َ‬
‫ما َ‬ ‫وَب ِ َ‬
‫ن زادهم نفاًقا على نفاقهم‪ ,‬ل‬ ‫َ‬
‫فكان جزاء صنيعهم وعاقبتهم أ ْ‬
‫يستطيعون التخلص منه إلى يوم الحساب; وذلك بسبب إخلفهم‬
‫الوعد الذي قطعوه على أنفسهم‪ ,‬وبسبب نفاقهم وكذبهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫م ال ْغُي ُههو ِ‬
‫ب)‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه عَل ّ ُ‬ ‫م وَأ ّ‬
‫واهُ ْ‬
‫جه َ‬
‫م وَن َ ْ‬
‫سّرهُ ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫موا أ ّ‬ ‫أل َ ْ‬
‫‪(78‬‬
‫ألم يعلم هؤلء المنافقون أن الله يعلم ما يخفونه في أنفسهم وما‬
‫يتحدثون به في مجالسهم من الكيد والمكر‪ ,‬وأن الله علم‬
‫الغيوب؟ فسيجازيهم على أعمالهم التي أحصاها عليهم‪.‬‬

‫نل‬‫ذي َ‬‫ت َوال ّه ِ‬ ‫صهد ََقا ِ‬‫ن فِههي ال ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬


‫م هؤ ْ ِ‬ ‫مه ْ‬
‫ن ِ‬
‫عي َ‬‫مط ّوّ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬‫مُزو َ‬‫ن ي َل ْ ِ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ب‬ ‫م عَه َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م وَل َهُه ْ‬
‫من ْهُه ْ‬ ‫خَر الل ّه ُ‬
‫ه ِ‬ ‫سه ِ‬‫م َ‬ ‫من ْهُه ْ‬‫ن ِ‬‫خُرو َ‬
‫س َ‬‫م فَي َ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ ُ‬
‫جهْد َهُ ْ‬ ‫دو َ‬‫ج ُ‬ ‫يَ ِ‬

‫‪372‬‬
‫م )‪(79‬‬ ‫َ‬
‫أِلي ٌ‬
‫سَلم المتصدقون من أذاهم; فإذا تصدق‬ ‫ومع بخل المنافغين ل ي َ ْ‬
‫الغنياء بالمال الكثير عابوهم واتهموهم بالرياء‪ ,‬وإذا تصدق الفقراء‬
‫بما في طاقتهم استهزؤوا بهم‪ ,‬وقالوا سخرية منهم‪ :‬ماذا تجدي‬
‫صدقتهم هذه؟ سخر الله من هؤلء المنافقين‪ ,‬ولهم عذاب مؤلم‬
‫موجع‪.‬‬

‫استغْفر ل َه َ‬
‫مهّرةً فَل َه ْ‬
‫ن‬ ‫ن َ‬ ‫سهب ِْعي َ‬‫م َ‬ ‫سهت َغِْفْر ل َُهه ْ‬
‫ن تَ ْ‬
‫م إِ ْ‬‫ست َغِْفْر ل َهُه ْ‬
‫َ‬
‫م أو ْ ل ت َ ْ‬ ‫ْ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫م‬‫دي ال َْق هوْ َ‬ ‫سول ِهِ َوالل ّه ُ‬
‫ه ل ي َهْ ه ِ‬ ‫م ك ََفُروا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬‫م ذ َل ِ َ‬‫ه ل َهُ ْ‬‫ي َغِْفَر الل ّ ُ‬
‫ن )‪(80‬‬ ‫سِقي َ‬ ‫ال َْفا ِ‬
‫استغفر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمنافقين أو ل تستغفر لهم‪ ,‬فلن يغفر الله‬
‫لهم‪ ,‬مهما كثر استغفارك لهم وتكرر; لنهم كفروا بالله ورسوله‪.‬‬
‫والله سبحانه وتعالى ل يوفق للهدى الخارجين عن طاعته‪.‬‬

‫َ‬
‫دوا‬‫جاهِه ُ‬ ‫ن يُ َ‬‫ل الل ّههِ وَك َرِهُههوا أ ْ‬
‫سههو ِ‬
‫ف َر ُ‬
‫خل َ‬ ‫م ِ‬ ‫مْقعَهدِهِ ْ‬‫ن بِ َ‬‫خل ُّفو َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫فَرِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حّر قُ ه ْ‬
‫ل ن َههاُر‬ ‫ل الل ّهِ وََقاُلوا ل َتنِفُروا ِفي ال ْ َ‬‫سِبي ِ‬‫م ِفي َ‬ ‫سه ِ ْ‬‫م وَأنُف ِ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬
‫ب ِأ ْ‬
‫ن )‪(81‬‬ ‫حّرا ً ل َوْ َ‬
‫كاُنوا ي َْفَقُهو َ‬ ‫شد ّ َ‬‫م أَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫فرح المخلفون الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بقعودهم في )المدينة( مخالفين لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ,‬وكرهوا أن يجاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله‪,‬‬
‫وقال بعضهم لبعض‪ :‬ل تنفروا في الحّر‪ ,‬وكانت غزوة )تبوك( في‬
‫وقت شدة الحّر‪ .‬قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬نار جهنم أشد حًرا‪ ,‬لو‬
‫كانوا يعلمون ذلك‪.‬‬

‫ن )‪(82‬‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬
‫سُبو َ‬ ‫ما َ‬ ‫كوا ك َِثيرا ً َ‬
‫جَزاءً ب ِ َ‬ ‫كوا قَِليل ً وَل ْي َب ْ ُ‬
‫ح ُ‬ ‫فَل ْي َ ْ‬
‫ض َ‬
‫فليضحك هؤلء المنافقون الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة‬
‫)تبوك( قليل في حياتهم الدنيا الفانية‪ ,‬وليبكوا كثيًرا في نار جهنم;‬
‫جزاًء بما كانوا يكسبون في الدنيا من النفاق والكفر‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫ن‬‫ل ل َه ْ‬
‫ج فَُق ه ْ‬
‫ِ‬ ‫خ هُرو‬ ‫س هت َأ ْذ َُنو َ‬
‫ك ل ِل ْ ُ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫من ْهُ ه ْ‬ ‫ه إ ِل َههى َ‬
‫طائ َِف هةٍ ِ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫جع َ َ‬‫ن َر َ‬‫فَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م ب ِههال ُْقُعودِ أوّ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ضههيت ُ ْ‬ ‫م َر ِ‬‫مِعي عَد ُوّا ً إ ِن ّك ُه ْ‬ ‫ن ت َُقات ُِلوا َ‬
‫مِعي أَبدا ً وَل َ ْ‬ ‫جوا َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن )‪(83‬‬ ‫خال ِِفي َ‬ ‫معَ ال ْ َ‬ ‫دوا َ‬‫مّرةٍ َفاقْعُ ُ‬ ‫َ‬
‫من غزوتك إلى جماعة من المنافقين‬ ‫دك الله ‪-‬أيها الرسول‪ِ -‬‬
‫ن َر ّ‬
‫فإ ْ‬
‫الثابتين على النفاق‪ ,‬فاستأذنوك للخروج معك إلى غزوة أخرى بعد‬
‫دا في غزوة من‬ ‫غزوة )تبوك( فقل لهم‪ :‬لن تخرجوا معي أب ً‬
‫الغزوات‪ ,‬ولن تقاتلوا معي عدًوا من العداء; إنكم رضيتم بالقعود‬
‫أول مرة‪ ,‬فاقعدوا مع الذين تخلفوا عن الجهاد مع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَل َههى قَب ْهرِهِ إ ِن ّهُه ْ‬
‫م ك ََف هُروا‬ ‫ت أَبدا ً َول ت َُق ْ‬‫ما َ‬‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬ ‫ل عََلى أ َ‬
‫حدٍ ِ‬ ‫ص ّ‬
‫َول ت ُ َ‬
‫ن )‪(84‬‬ ‫سُقو َ‬ ‫م َفا ِ‬‫ماُتوا وَهُ ْ‬ ‫ِبالل ّهِ وََر ُ‬
‫سول ِهِ وَ َ‬
‫دا على أحد مات من المنافقين‪ ,‬ول تقم‬ ‫ول تص ّ‬
‫ل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أب ً‬
‫على قبره لتدعو له; لنهم كفروا بالله تعالى وبرسوله صلى الله‬
‫م‬
‫عليه وسلم وماتوا وهم فاسقون‪ .‬وهذا حكم عام في كل من عُل ِ َ‬
‫نفاقه‪.‬‬

‫ك أ َموال ُهم وأ َولدهُم إنما يريد الل ّ َ‬


‫ن ي ُعَذ ّب َهُ ْ‬
‫م ب َِها ِفي الد ّن َْيا‬ ‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫جب ْ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ُ ْ ِ ّ َ ُ ِ ُ‬ ‫َول ت ُعْ ِ‬
‫ن )‪(85‬‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫كافُِرو َ‬ ‫م وَهُ ْ‬
‫سه ُ ْ‬
‫وَت َْزهَقَ أنُف ُ‬
‫ول تعجبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أموال هؤلء المنافقين وأولدهم‪ ,‬إنما‬
‫يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بمكابدتهم الشدائد في شأنها‪,‬‬
‫وبموتهم على كفرهم بالله ورسوله‪.‬‬

‫ست َأ ْذ َن َ َ‬
‫ك أ ُوُْلوا‬ ‫سول ِهِ ا ْ‬
‫معَ َر ُ‬
‫دوا َ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وَ َ‬
‫جاهِ ُ‬ ‫نآ ِ‬
‫َ‬
‫سوَرةٌ أ ْ‬ ‫ت ُ‬
‫وإ َ ُ‬
‫ذا أنزِل َ ْ‬ ‫َِ‬
‫ن )‪(86‬‬ ‫دي َ‬
‫ع ِ‬ ‫ْ‬
‫معَ الَقا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬
‫م وََقالوا ذ َْرَنا ن َك ُ ْ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ّ‬
‫الطوْ ِ‬
‫وإذا أنزلت سورة على محمد صلى الله عليه ولم تأمر باليمان‬
‫بالله والخلص له والجهاد مع رسول الله‪ ,‬طلب الذن منك ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ -‬أولو اليسار من المنافقين‪ ,‬وقالوا‪ :‬اتركنا مع القاعدين‬
‫العاجزين عن الخروج‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫َ‬
‫ن)‬
‫م ل ي َْفَقُهههو َ‬ ‫ف وَط ُب ِعَ عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م فَُههه ْ‬ ‫وال ِ ِ‬ ‫مع َ ال ْ َ‬
‫خ َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫ضوا ب ِأ ْ‬
‫َر ُ‬
‫‪(87‬‬
‫رضي هؤلء المنافقون لنفسهم بالعار‪ ,‬وهو أن يقعدوا في البيوت‬
‫مع النساء والصبيان وأصحاب العذار‪ ,‬وختم الله على قلوبهم;‬
‫بسبب نفاقهم وتخلفهم عن الجهاد والخروج مع رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في سبيل الله‪ ,‬فهم ل يفقهون ما فيه صلحهم‬
‫ورشادهم‪.‬‬

‫م وَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ك‬ ‫س هه ِ ْ‬
‫م وَأنُف ِ‬
‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫دوا ب ِهأ ْ‬
‫جاهَ ُ‬
‫ه َ‬
‫مع َ ُ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل َوال ّ ِ‬ ‫سو ُ‬‫ن الّر ُ‬ ‫ل َك ِ ْ‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫حو َ‬‫مْفل ِ ُ‬‫م ال ْ ُ‬‫ك هُ ْ‬‫ت وَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫خي َْرا ُ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ن تخّلف هؤلء المنافقون عن الغزو‪ ,‬فقد جاهد رسول الله صلى‬ ‫إ ْ‬
‫الله عليه وسلم والمؤمنون معه بأموالهم وأنفسهم‪ ,‬وأولئك لهم‬
‫النصر والغنيمة في الدنيا‪ ,‬والجنة والكرامة في الخرة‪ ,‬وأولئك هم‬
‫الفائزون‪.‬‬

‫ك ال َْفههوُْز‬ ‫حت َِها ال َن َْهاُر َ‬ ‫َ‬


‫ن ِفيَها ذ َل ِ َ‬
‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ري ِ‬
‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬
‫جّنا ٍ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫أعَد ّ الل ّ ُ‬
‫م )‪(89‬‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ظي ُ‬
‫من تحت أشجارها النهار‬‫أعد ّ الله لهم يوم القيامة جنات تجري ِ‬
‫دا‪ .‬وذلك هو الفلح العظيم‪.‬‬
‫ماكثين فيها أب ً‬

‫َ‬
‫ن ك َهذ َُبوا الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫م وَقَعَهد َ ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ل َهُه ْ‬
‫ب ل ِي ُهؤْذ َ َ‬
‫ن العَْرا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫جاَء ال ْ ُ‬
‫معَذ ُّرو َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫م )‪(90‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬‫ذا ٌ‬‫م عَ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫صي ُ‬
‫سي ُ ِ‬‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬
‫وََر ُ‬
‫وجاء جماعة من أحياء العرب حول )المدينة( يعتذرون إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ويبينون له ما هم فيه من الضعف وعدم‬
‫القدرة على الخروج للغزو‪ ,‬وقعد قوم بغير عذر أظهروه جرأة على‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬سيصيب الذين كفروا من هؤلء‬
‫عذاب أليم في الدنيا بالقتل وغيره‪ ,‬وفي الخرة بالنار‪.‬‬

‫‪375‬‬
‫مهها‬
‫ن َ‬ ‫دو َ‬
‫جهه ُ‬
‫ن ل يَ ِ‬‫ذي َ‬‫ضى َول عََلى ال ّ ِ‬ ‫مْر َ‬ ‫ضعََفاِء َول عََلى ال ْ َ‬ ‫س عََلى ال ّ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫ل‬
‫سههِبي ٍ‬‫ن َ‬‫مهه ْ‬‫ن ِ‬‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما عََلى ال ْ ُ‬ ‫حوا ل ِل ّهِ وََر ُ‬
‫سول ِهِ َ‬ ‫ص ُ‬ ‫ج إِ َ‬
‫ذا ن َ َ‬ ‫حَر ٌ‬
‫ن َ‬‫فُقو َ‬ ‫ُين ِ‬
‫م )‪(91‬‬ ‫حي ٌ‬‫ه غَُفوٌر َر ِ‬‫َوالل ّ ُ‬
‫من الضعفاء والمرضى والفقراء الذين ل‬ ‫ليس على أهل العذار ِ‬
‫يملكون من المال ما يتجهزون به للخروج إثم في القعود إذا‬
‫من أحسن ممن‬ ‫أخلصوا لله ورسوله‪ ,‬وعملوا بشرعه‪ ,‬ما على َ‬
‫منعه العذر عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وهو‬
‫من قِب َِله ويؤاخذ عليه‪ .‬والله‬
‫ناصح لله ولرسوله من طريق يعاقب ِ‬
‫غفور للمحسنين‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما أ َت َوْ َ‬


‫م عَل َي ْه ِ‬
‫ه‬ ‫مل ُك ُه ْ‬
‫ح ِ‬‫مهها أ ْ‬‫جهد ُ َ‬
‫تلأ ِ‬ ‫م قُل ْه َ‬ ‫مل َهُ ْ‬
‫ح ِ‬
‫ك ل ِت َ ْ‬ ‫ن إِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ذي َ‬‫َول عََلى ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(92‬‬ ‫فُقو َ‬ ‫ما ُين ِ‬
‫دوا َ‬ ‫حَزنا ً أل ّ ي َ ِ‬
‫ج ُ‬ ‫مِع َ‬ ‫ن الد ّ ْ‬‫م ْ‬ ‫ض ِ‬ ‫م ت َِفي ُ‬‫ت َوَّلوا وَأعْي ُن ُهُ ْ‬
‫وكذلك ل إثم على الذين إذا ما جاؤوك يطلبون أن تعينهم بحملهم‬
‫ب‪ ,‬فانصرفوا‬
‫إلى الجهاد قلت لهم‪ :‬ل أجد ما أحملكم عليه من الدوا ّ‬
‫دمًعا أسًفا على ما فاتهم من شرف‬ ‫عنك‪ ,‬وقد فاضت أعينهم َ‬
‫الجهاد وثوابه; لنهم لم يجدوا ما ينفقون‪ ,‬وما يحملهم لو خرجوا‬
‫للجهاد في سبيل الله‪.‬‬

‫َ‬ ‫ك وه ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫م أغْن َِياُء َر ُ‬
‫ضوا ب ِأ ْ‬ ‫ست َأذُِنون َ َ َ ْ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ل عََلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سِبي ُ‬
‫ما ال ّ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪(93‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ه عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م فَهُ ْ‬ ‫ف وَط َب َعَ الل ّ ُ‬ ‫وال ِ ِ‬
‫خ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫إنما الثم واللوم على الغنياء الذين جاءوك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يطلبون‬
‫الذن بالتخلف‪ ,‬وهم المنافقون الغنياء اختاروا لنفسهم القعود مع‬
‫النساء وأهل العذار‪ ,‬وختم الله على قلوبهم بالنفاق‪ ,‬فل يدخلها‬
‫إيمان‪ ,‬فهم ل يعلمون سوء عاقبتهم بتخلفهم عنك وتركهم الجهاد‬
‫معك‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫الجزء الحادي عشر ‪:‬‬

‫م قَد ْ ن َب ّأ ََنا‬
‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ن ُؤْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ن‬‫ل ل ت َعْت َذُِروا ل َ ْ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫جعْت ُ ْ‬‫ذا َر َ‬ ‫م إِ َ‬‫ن إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫ي َعْت َذُِرو َ‬
‫ن إ َِلى َ‬ ‫َ‬
‫عههال ِم ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ت َُر ّ‬ ‫ه ثُ ّ‬
‫م‬ ‫سول ُ ُ‬
‫م وََر ُ‬ ‫مل َك ُ ْ‬‫ه عَ َ‬ ‫سي ََرى الل ّ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خَبارِك ُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن )‪(94‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬‫شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫ال ْغَي ْ ِ‬
‫يعتذر إليكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬هؤلء المتخلفون عن جهاد المشركين‬
‫من جهادكم من غزوة )تبوك(‪ ,‬قل لهم‬ ‫بالكاذيب عندما تعودون ِ‬
‫‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ل تعتذروا لن نصدقكم فيما تقولون‪ ,‬قد نبأنا الله‬
‫من أمركم ما حقق لدينا كذبكم‪ ,‬وسيرى الله عملكم ورسوله‪ ,‬إن‬
‫كنتم تتوبون من نفاقكم‪ ,‬أو تقيمون عليه‪ ,‬وسُيظهر للناس أعمالكم‬
‫في الدنيا‪ ,‬ثم ترجعون بعد مماتكم إلى الذي ل تخفى عليه بواطن‬
‫أموركم وظواهرها‪ ,‬فيخبركم بأعمالكم كلها‪ ,‬ويجازيكم عليها‪.‬‬

‫َ‬
‫م فَأعْرِ ُ‬
‫ضههوا‬ ‫ضههوا عَن ْهُه ْ‬ ‫م ل ِت ُعْرِ ُ‬‫م إ ِل َي ْهِه ْ‬
‫ذا انَقل َب ْت ُه ْ‬ ‫ن ب ِههالل ّهِ ل َك ُه ْ‬
‫م إِ َ‬ ‫حل ُِفو َ‬ ‫سي َ ْ‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ن )‪(95‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬
‫ما َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫م َ‬‫جهَن ّ ُ‬ ‫م َ‬‫مأَواهُ ْ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫م إ ِن ّهُ ْ‬‫عَن ْهُ ْ‬
‫سيحلف لكم المنافقون بالله ‪-‬كاذبين معتذرين‪ -‬إذا رجعتم إليهم‬
‫من الغزو; لتتركوهم دون مساءلة‪ ,‬فاجتنبوهم وأعرضوا عنهم‬
‫احتقاًرا لهم‪ ,‬إنهم خبثاء البواطن‪ ,‬ومكانهم الذي يأوون إليه في‬
‫الخرة نار جهنم; جزاء بما كانوا يكسبون من الثام والخطايا‪.‬‬

‫ن‬
‫ضى عَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل ي َْر َ‬ ‫م فَإ ِ ّ‬
‫وا عَن ْهُ ْ‬
‫ض ْ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬
‫ن ت َْر َ‬ ‫وا عَن ْهُ ْ‬
‫ض ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م ل ِت َْر َ‬ ‫حل ُِفو َ‬
‫يَ ْ‬
‫ن )‪(96‬‬ ‫سِقي َ‬ ‫ال َْقوْم ِ ال َْفا ِ‬
‫ضوا عنهم‪,‬‬
‫يحلف لكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬هؤلء المنافقون كذًبا; لَتر َ‬
‫فإن رضيتم عنهم ‪-‬لنكم ل تعلمون كذبهم‪ -‬فإن الله ل يرضى عن‬
‫هؤلء وغيرهم ممن استمروا على الفسوق والخروج عن طاعة الله‬
‫ورسوله‪.‬‬

‫ه عََلى‬ ‫ما َأنَز َ‬


‫ل الل ّ ُ‬ ‫دود َ َ‬
‫ح ُ‬
‫َ‬
‫جد َُر أل ّ ي َعْل َ ُ‬
‫موا ُ‬
‫َ‬ ‫ب أَ َ‬
‫شد ّ ك ُْفرا ً وَن َِفاقا ً وَأ ْ‬ ‫ال َعَْرا ُ‬

‫‪377‬‬
‫م )‪(97‬‬
‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬ ‫سول ِهِ َوالل ّ ُ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫العراب سكان البادية أشد كفًرا ونفاًقا من أهل الحاضرة‪ ,‬وذلك‬
‫لجفائهم وقسوة قلوبهم وُبعدهم عن العلم والعلماء‪ ,‬ومجالس‬
‫الوعظ والذكر‪ ,‬فهم لذلك أحق بأن ل يعلموا حدود الدين‪ ,‬وما أنزل‬
‫الله من الشرائع والحكام‪ .‬والله عليم بحال هؤلء جميًعا‪ ,‬حكيم في‬
‫تدبيره لمور عباده‪.‬‬

‫َ‬
‫م الد َّوائ َِر عَل َي ْهِ ه ْ‬
‫م‬ ‫مغَْرما ً وَي َت ََرب ّ ُ‬
‫ص ب ِك ُ ْ‬ ‫ما ُينِفقُ َ‬‫خذ ُ َ‬‫ن ي َت ّ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م ْ‬
‫وَ ِ‬
‫م )‪(98‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سوِْء َوالل ّ ُ‬‫دائ َِرةُ ال ّ‬
‫َ‬
‫من يحتسب ما ينفق في سبيل الله غرامة وخسارة‬ ‫ومن العراب َ‬
‫ل يرجو له ثواًبا‪ ,‬ول يدفع عن نفسه عقاًبا‪ ,‬وينتظر بكم الحوادث‬
‫والفات‪ ,‬ولكن السوء دائر عليهم ل بالمسلمين‪ .‬والله سميع لما‬
‫يقولون عليم بنياتهم الفاسدة‪.‬‬

‫مهها ُينِف هقُ قُُرب َهها ٍ‬ ‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫خذ ُ َ‬‫خرِ وَي َت ّ ِ‬ ‫م ُ‬‫ن ي ُؤْ ِ‬
‫م ْ‬‫ب َ‬ ‫ن العَْرا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬
‫ه فِههي‬ ‫م الل ّه ُ‬
‫خل ُهُ ْ‬
‫سهي ُد ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ة ل َهُه ْ‬
‫ل أل إ ِن ّهَهها قُْرب َه ٌ‬‫سههو ِ‬ ‫ت الّر ُ‬ ‫صل َ َ‬
‫وا ِ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَ َ‬ ‫ِ‬
‫م )‪(99‬‬ ‫ه غَُفوٌر َر ِ‬
‫حي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫مت ِهِ إ ِ ّ‬‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫من يؤمن بالله ويقّر بوحدانيته وبالبعث بعد الموت‪,‬‬‫ومن العراب َ‬
‫والثواب والعقاب‪ ,‬ويحتسب ما ينفق من نفقة في جهاد المشركين‬
‫دا بها رضا الله ومحبته‪ ,‬ويجعلها وسيلة إلى دعاء الرسول‬‫قاص ً‬
‫صلى الله عليه وسلم له‪ ,‬أل إن هذه العمال تقربهم إلى الله‬
‫تعالى‪ ,‬سيدخلهم الله في جنته‪ .‬إن الله غفور لما فعلوا من‬
‫السيئات‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫صههارِ َواّلهه ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ال َوُّلههو َ‬


‫م‬
‫ن ات ّب َُعههوهُ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ن َوالن َ‬ ‫ري َ‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَههها ِ‬ ‫مهه ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سههاب ُِقو َ‬‫َوال ّ‬
‫َ‬
‫حت َهَهها‬
‫ري ت َ ْ‬‫جه ِ‬‫ت تَ ْ‬ ‫جن ّهها ٍ‬
‫م َ‬‫ه وَأعَد ّ ل َهُ ْ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫سا ٍ‬‫ح َ‬ ‫ب ِإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫ال َن َْهاُر َ‬
‫م )‪(100‬‬ ‫ك ال َْفوُْز ال ْعَ ِ‬
‫ظي ُ‬ ‫ن ِفيَها أَبدا ً ذ َل ِ َ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬
‫والذين سبقوا الناس أول إلى اليمان بالله ورسوله من المهاجرين‬
‫الذين هجروا قومهم وعشيرتهم وانتقلوا إلى دار السلم‪ ,‬والنصار‬
‫الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه الكفار‪,‬‬
‫‪378‬‬
‫والذين اتبعوهم بإحسان في العتقاد والقوال والعمال طلًبا‬
‫لمرضاة الله سبحانه وتعالى‪ ,‬أولئك الذين رضي الله عنهم‬
‫لطاعتهم الله ورسوله‪ ,‬ورضوا عنه لما أجزل لهم من الثواب على‬
‫طاعتهم وإيمانهم‪ ,‬وأعد ّ لهم جنات تجري تحتها النهار خالدين فيها‬
‫دا‪ ,‬ذلك هو الفلح العظيم‪ .‬وفي هذه الية تزكية للصحابة ‪-‬رضي‬ ‫أب ً‬
‫الله عنهم‪ -‬وتعديل لهم‪ ,‬وثناء عليهم; ولهذا فإن توقيرهم من أصول‬
‫اليمان‪.‬‬

‫دوا عََلههى‬ ‫وممن حول َك ُم من ال َعْراب منافُقون وم َ‬


‫مَر ُ‬
‫دين َةِ َ‬
‫م ِ‬‫ل ال ْ َ‬
‫ن أه ْ ِ‬ ‫َ َ ِ ْ‬ ‫َ ِ ُ َ ِ‬ ‫َ ِ ّ ْ َ ْ ْ ِ ْ‬
‫ب‬
‫ذا ٍ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِلى عَ َ‬‫دو َ‬
‫م ي َُر ّ‬‫ن ثُ ّ‬ ‫سن ُعَذ ّب ُهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ق ل ت َعْل َ ُ‬
‫مّرت َي ْ ِ‬‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫مه ُ ْ‬
‫ن ن َعْل ُ‬
‫ح ُ‬
‫م نَ ْ‬
‫مه ُ ْ‬ ‫الن َّفا ِ‬
‫ظيم ٍ )‪(101‬‬ ‫عَ ِ‬
‫ومن القوم الذين حول )المدينة( أعراب منافقون‪ ,‬ومن أهل‬
‫)المدينة( منافقون أقاموا على النفاق‪ ,‬وازدادوا فيه طغياًنا‪ ,‬بحيث‬
‫يخفى عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أمرهم‪ ,‬نحن نعلمهم‪ ,‬سنعذبهم مرتين‪:‬‬
‫بالقتل والسبي والفضيحة في الدنيا‪ ,‬وبعذاب القبر بعد الموت‪ ,‬ثم‬
‫دون يوم القيامة إلى عذاب عظيم في نار جهنم‪.‬‬ ‫ي َُر ّ‬

‫سى الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫سّيئا ً عَ َ‬ ‫صاِلحا ً َوآ َ‬
‫خَر َ‬ ‫مل ً َ‬
‫طوا عَ َ‬‫خل َ ُ‬
‫م َ‬‫ن اعْت ََرُفوا ب ِذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫خُرو َ‬ ‫َوآ َ‬
‫َ‬
‫م )‪(102‬‬ ‫ه غَُفوٌر َر ِ‬
‫حي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ن ي َُتو َ‬
‫أ ْ‬
‫وآخرون من أهل )المدينة( وممن حولها‪ ,‬اعترفوا بذنوبهم وندموا‬
‫عليها وتابوا منها‪ ,‬خلطوا العمل الصالح ‪-‬وهو التوبة والندم‬
‫والعتراف بالذنب وغير ذلك من العمال الصالحة‪ -‬بآخر سّيئ‪ -‬وهو‬
‫التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من العمال‬
‫السيئة ‪-‬عسى الله أن يوفقهم للتوبة ويقبلها منهم‪ .‬إن الله غفور‬
‫لعباده‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫خهذ ْ مه َ‬
‫ن‬ ‫ل عَل َي ْهِه ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫صه ّ‬
‫م ب ِهَهها وَ َ‬
‫كيهِه ْ‬ ‫ة ت ُط َهُّرهُه ْ‬
‫م وَت َُز ّ‬ ‫صهد َقَ ً‬ ‫م َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬
‫مه َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫م )‪(103‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬‫ن ل َهُ ْ‬
‫سك َ ٌ‬
‫ك َ‬ ‫صلت َ َ‬ ‫َ‬
‫خذ ‪-‬أيها النبي‪ -‬من أموال هؤلء التائبين الذين خلطوا عمل صالحا‬
‫من دنس ذنوبهم‪ ,‬وترفعهم عن منازل‬ ‫وآخر سيئا صدقة تطهرهم ِ‬

‫‪379‬‬
‫المنافقين إلى منازل المخلصين‪ ,‬وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم‬
‫واستغفر لهم منها‪ ,‬إن دعاءك واستغفارك رحمة وطمأنينة لهم‪.‬‬
‫والله سميع لكل دعاء وقول‪ ,‬عليم بأحوال العباد ونياتهم‪ ,‬وسيجازي‬
‫ك ّ‬
‫ل عامل بعمله‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن‬ ‫ص هد ََقا ِ‬
‫ت وَأ ّ‬ ‫خ هذ ُ ال ّ‬
‫عَبادِهِ وَي َأ ُ‬
‫ن ِ‬
‫ة عَ ْ‬ ‫ه هُوَ ي َْقب َ ُ‬
‫ل الت ّوْب َ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫موا أ ّ‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫أل َ ْ‬
‫م )‪(104‬‬ ‫حي ُ‬
‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ألم يعلم هؤلء المتخلفون عن الجهاد وغيرهم أن الله وحده هو‬
‫الذي يقبل توبة عباده‪ ,‬ويأخذ الصدقات ويثيب عليها‪ ,‬وأن الله هو‬
‫التواب لعباده إذا رجعوا إلى طاعته‪ ,‬الرحيم بهم إذا أنابوا إلى‬
‫رضاه؟‬

‫ن‬
‫دو َ‬
‫سهت َُر ّ‬
‫ن وَ َ‬
‫من ُههو َ‬ ‫ه َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫سههول ُ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫مل َك ُه ْ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫سي ََرى الل ّه ُ‬‫مُلوا فَ َ‬ ‫ل اعْ َ‬ ‫وَقُ ْ‬
‫ن )‪(105‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬‫شَهاد َةِ فَي ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬‫ب َوال ّ‬ ‫عال ِم ِ ال ْغَي ْ ِ‬
‫إ َِلى َ‬
‫وقل ‪-‬أيها النبي‪ -‬لهؤلء المتخّلفين عن الجهاد‪ :‬اعملوا لله بما‬
‫يرضيه من طاعته‪ ،‬وأداء فرائضه‪ ،‬واجتناب المعاصي‪ ,‬فسيرى الله‬
‫عملكم ورسوله والمؤمنون‪ ,‬وسيتبين أمركم‪ ,‬وسترجعون يوم‬
‫من يعلم سركم وجهركم‪ ,‬فيخبركم بما كنتم تعملون‪.‬‬ ‫القيامة إلى َ‬
‫وفي هذا تهديد ووعيد لمن استمر على باطله وطغيانه‪.‬‬

‫جو َ َ‬
‫م‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه عَِليهه ٌ‬ ‫ب عَل َي ْهِ ْ‬
‫ما ي َُتو ُ‬
‫م وَإ ِ ّ‬ ‫مرِ الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫ما ي ُعَذ ّب ُهُ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫مْر َ ْ‬
‫ن ُ‬
‫خُرو َ‬‫َوآ َ‬
‫م )‪(106‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬‫َ‬
‫ومن هؤلء المتخلفين عنكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬في غزوة )تبوك(‬
‫آخرون مؤخرون; ليقضي الله فيهم ما هو قاض‪ .‬وهؤلء هم الذين‬
‫مرارة بن الربيع‪ ,‬وكعب بن مالك‪ ,‬وهلل‬‫ندموا على ما فعلوا‪ ,‬وهم‪ُ :‬‬
‫بن ُأمّية‪ ,‬إما يعذبهم الله‪ ,‬وإما يعفو عنهم‪ .‬والله عليم بمن يستحق‬
‫العقوبة أو العفو‪ ,‬حكيم في كل أقواله وأفعاله‪.‬‬

‫صادا ً‬
‫ن وَإ ِْر َ‬‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬ ‫ريقا ً ب َي ْ َ‬
‫ن‬ ‫ضَرارا ً وَك ُْفرا ً وَت َْف ِ‬
‫جدا ً ِ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫ذوا َ‬ ‫خ ُ‬‫ن ات ّ َ‬
‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫س هَنى‬‫ح ْ‬ ‫أَرد ْن َهها إ ِل ّ ال ْ ُ‬ ‫ن‬‫ن إِ ْ‬ ‫ل وَل َي َ ْ‬
‫حل ُِفه ّ‬ ‫ن قَب ْه ُ‬ ‫مه ْ‬
‫ه ِ‬‫سههول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬‫ب الل ّ َ‬ ‫حاَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫‪380‬‬
‫ن )‪(107‬‬ ‫م لَ َ‬
‫كاذُِبو َ‬ ‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬
‫دا; مضارة للمؤمنين وكفًرا بالله‬ ‫والمنافقون الذين بنوا مسج ً‬
‫وتفريًقا بين المؤمنين‪ ,‬ليصلي فيه بعضهم ويترك مسجد )قباء(‬
‫الذي يصلي فيه المسلمون‪ ,‬فيختلف المسلمون ويتفرقوا بسبب‬
‫ذلك‪ ,‬وانتظارا لمن حارب الله ورسوله من قبل ‪-‬وهو أبو عامر‬
‫ن هؤلء‬ ‫الراهب الفاسق‪ -‬ليكون مكاًنا للكيد للمسلمين‪ ,‬وليحلف ّ‬
‫المنافقون أنهم ما أرادوا ببنائه إل الخير والرفق بالمسلمين‬
‫والتوسعة على الضعفاء العاجزين عن السير إلى مسجد )قباء(‪,‬‬
‫دم المسجد‬ ‫والله يشهد إنهم لكاذبون فيما يحلفون عليه‪ .‬وقد هُ ِ‬
‫رق‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وأح ِ‬

‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل تُقم فيه أ َبدا ً ل َمسجد أ ُسس عََلى التْقهوى مه َ‬
‫حهقّ أ ْ‬ ‫ل ي َهوْم ٍ أ َ‬‫ن أو ّ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ ْ ِ ٌ ّ َ‬ ‫َ ْ ِ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫مط ّهّ ِ‬
‫ري ه َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫حه ّ‬ ‫ن ي َت َط َهّ هُروا َوالل ّه ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫حب ّههو َ‬ ‫جهها ٌ‬
‫ل يُ ِ‬ ‫م ِفيهِ ِفيهِ رِ َ‬‫ت َُقو َ‬
‫‪(108‬‬
‫دا; فإن المسجد الذي‬‫ل تقم ‪-‬أيها النبي‪ -‬للصلة في ذلك المسجد أب ً‬
‫س على التقوى من أول يوم ‪-‬وهو مسجد )قباء(‪ -‬أولى أن تقوم‬ ‫ُ‬
‫س َ‬‫أ ّ‬
‫فيه للصلة‪ ,‬ففي هذا المسجد رجال يحبون أن يتطهروا بالماء من‬
‫النجاسات والقذار‪ ,‬كما يتطهرون بالتورع والستغفار من الذنوب‬
‫والمعاصي‪ .‬والله يحب المتطهرين‪ .‬وإذا كان مسجد )قباء( قد‬
‫س على التقوى من أول يوم‪ ,‬فمسجد رسول الله‪ ,‬صلى الله‬ ‫ُ‬
‫س َ‬‫أ ّ‬
‫عليه وسلم‪ ,‬كذلك بطريق الولى والحرى‪.‬‬

‫خير أ َم م َ‬ ‫أ َفَم َ‬
‫س‬
‫سهه َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ن َ ٌْ ْ َ ْ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬
‫ض َ‬ ‫م ْ‬‫وى ِ‬ ‫ه عََلى ت َْق َ‬
‫س ب ُن َْيان َ ُ‬‫س َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ ْ‬
‫دي‬‫ه ل ي َهْه ِ‬ ‫ّ‬
‫م َوالله ُ‬
‫جهَن ّه َ‬‫هارٍ َفان َْهاَر ب ِههِ فِههي ن َههارِ َ‬ ‫ف َ‬‫جُر ٍ‬ ‫شَفا ُ‬ ‫َ‬
‫ه عَلى َ‬ ‫ب ُن َْيان َ ُ‬
‫ن )‪(109‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ال َْقوْ َ‬
‫سس بنيانه على تقوى الله وطاعته ومرضاته‪ ,‬ومن‬ ‫من أ ّ‬‫ل يستوي َ‬
‫دا‬
‫سس بنيانه على طرف حفرة متداعية للسقوط‪ ,‬فبنى مسج ً‬ ‫أ ّ‬
‫دى به ذلك إلى السقوط‬‫ضراًرا وكفًرا وتفريًقا بين المسلمين‪ ,‬فأ ّ‬
‫في نار جهنم‪ .‬والله ل يهدي القوم الظالمين المتجاوزين حدوده‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫َ‬
‫م َوالل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫ن ت ََقط ّعَ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ة ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م إ ِل ّ أ ْ‬ ‫وا ِريب َ ً‬
‫ذي ب َن َ ْ‬‫م ال ّ ِ‬
‫ل ب ُن َْيان ُهُ ْ‬‫ل ي ََزا ُ‬
‫م )‪(110‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫ل يزال بنيان المنافقين الذي بنوه مضاّرة لمسجد )قباء( ش ً‬
‫كا‬
‫ونفاًقا ماكًثا في قلوبهم‪ ,‬إلى أن تتقطع قلوبهم بقتلهم أو موتهم‪ ,‬أو‬
‫بندمهم غاية الندم‪ ,‬وتوبتهم إلى ربهم‪ ,‬وخوفهم منه غاية الخوف‪.‬‬
‫والله عليم بما عليه هؤلء المنافقون من الشك وما قصدوا في‬
‫بنائهم‪ ,‬حكيم في تدبير أمور خلقه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫شترى مهن ال ْمهؤْمِني َ‬


‫ة‬‫جّنه َ‬‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُه ْ‬
‫م ِبهأ ّ‬ ‫وال َهُ ْ‬
‫مه َ‬‫م وَأ ْ‬‫س هه ُ ْ‬
‫ن أنُف َ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ها ْ ََ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫إِ ّ‬
‫حّقا ً ِفي الت ّوَْرا ِ‬
‫ة‬ ‫عدا ً عَل َي ْهِ َ‬‫ن وَ ْ‬ ‫ن وَي ُْقت َُلو َ‬ ‫ل الل ّهِ فَي َْقت ُُلو َ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن ِفي َ‬ ‫ي َُقات ُِلو َ‬
‫والنجيل وال ُْقرآن وم َ‬
‫م‬‫شهُروا ب ِب َي ْعِك ُه ْ‬ ‫ن الل ّههِ َفا ْ‬
‫ست َب ْ ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن أوْفَههى ب ِعَهْهدِهِ ِ‬ ‫ْ ِ َ َ ْ‬ ‫َ ِ ِ ِ َ‬
‫م )‪(111‬‬ ‫ظي ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ك هُوَ الَفوُْز العَ ِ‬ ‫م ب ِهِ وَذ َل ِ َ‬
‫ذي َباي َعْت ُ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم في مقابل ذلك‬
‫الجنة‪ ,‬وما أعد الله فيها من النعيم لبذلهم نفوسهم وأموالهم في‬
‫دا عليه‬
‫جهاد أعدائه لعلء كلمته وإظهار دينه‪ ,‬في َْقتلون وُيقَتلون‪ ,‬وع ً‬
‫حًقا في التوراة المنزلة على موسى عليه السلم‪ ,‬والنجيل المنزل‬
‫على عيسى عليه السلم‪ ,‬والقرآن المنزل على محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ .‬ول أحد أوفى بعهده من الله لمن وّفى بما عاهد الله‬
‫عليه‪ ,‬فأظِهروا السرور‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬ببيعكم الذي بايعتم الله به‪,‬‬
‫وبما وعدكم به من الجنة والرضوان‪ ,‬وذلك البيع هو الفلح العظيم‪.‬‬

‫ن‬
‫دو َ‬ ‫ج ُ‬
‫سهها ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ن الّراك ُِعههو َ‬ ‫حو َ‬ ‫سههائ ِ ُ‬‫ن ال ّ‬ ‫دو َ‬
‫مهه ُ‬
‫حا ِ‬‫ن ال ْ َ‬
‫دو َ‬‫ن ال َْعاِبهه ُ‬ ‫الّتههائ ُِبو َ‬
‫دودِ الل ّههِ‬
‫حه ُ‬
‫ن لِ ُ‬ ‫حههافِ ُ‬
‫ظو َ‬ ‫منك َهرِ َوال ْ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ن عَه ْ‬
‫هو َ‬ ‫ف َوالّنا ُ‬‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬‫ال ِ‬
‫ن )‪(112‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫شْر ال ْ ُ‬
‫وَب َ ّ‬
‫ومن صفات هؤلء المؤمنين الذين لهم البشارة بدخول الجنة أنهم‬
‫التائبون الراجعون عما كرهه الله إلى ما يحبه ويرضاه‪ ,‬الذين‬
‫أخلصوا العبادة لله وحده وجدوا في طاعته‪ ,‬الذين يحمدون الله‬
‫على كل ما امتحنهم به من خير أو شر‪ ,‬الصائمون‪ ,‬الراكعون في‬
‫صلتهم‪ ,‬الساجدون فيها‪ ,‬الذين يأمرون الناس بكل ما أمر الله‬
‫ورسوله به‪ ,‬وينهونهم عن كل ما نهى الله عنه ورسوله‪ ,‬المؤدون‬
‫فرائض الله المنتهون إلى أمره ونهيه‪ ,‬القائمون على طاعته‪,‬‬

‫‪382‬‬
‫الواقفون عند حدوده‪ .‬وب ّ‬
‫شر ‪-‬أيها النبي‪ -‬هؤلء المؤمنين المتصفين‬
‫بهذه الصفات برضوان الله وجنته‪.‬‬

‫كاُنوا أ ُوِْلي‬
‫ن وَل َوْ َ‬
‫كي َ‬ ‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ست َغِْفُروا ل ِل ْ ُ‬‫ن يَ ْ‬
‫َ‬
‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي َوال ّ ِ‬‫ن ِللن ّب ِ ّ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حيم ِ )‪(113‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ب ال َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬
‫ن له ُ ْ‬‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫قُْرَبى ِ‬
‫م ْ‬
‫ما كان ينبغي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا أن‬
‫من بعد ما‬ ‫يدعوا بالمغفرة للمشركين‪ ,‬ولو كانوا ذوي قرابة لهم ِ‬
‫ماتوا على شركهم بالله وعبادة الوثان‪ ,‬وتبين لهم أنهم أصحاب‬
‫الجحيم لموتهم على الشرك‪ ,‬والله ل يغفر للمشركين‪ ,‬كما قال‬
‫من‬ ‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬
‫ه( وكما قال سبحانه‪) :‬إ ِن ّ ُ‬‫ك بِ ِ‬ ‫ه ل ي َغِْفُر أ ْ‬ ‫ن الل َ‬‫تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ة(‪.‬‬ ‫ه عَل َي ْهِ ال َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫م الل ُ‬
‫حّر َ‬ ‫ك ِباللهِ فََقد ْ َ‬‫شرِ ْ‬
‫يُ ْ‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫ها إ ِّياهُ فَل َ ّ‬
‫ما ت َب َي ّه َ‬ ‫عد َةٍ وَعَد َ َ‬
‫مو ْ ِ‬
‫ن َ‬‫م لِبيهِ إ ِل ّ عَ ْ‬ ‫هي َ‬
‫ست ِغَْفاُر إ ِب َْرا ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م )‪(114‬‬ ‫حِلي ٌ‬‫م ل َّواهٌ َ‬
‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ه عَد ُوّ ل ِل ّهِ ت َب َّرأ ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ه أن ّ ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫وما كان استغفار إبراهيم عليه السلم لبيه المشرك‪ ,‬إل عن‬
‫ن ِبي‬ ‫ه َ‬ ‫ست َغِْفُر ل َ َ‬ ‫موعدة وعدها إياه‪ ,‬وهي قوله‪َ " :‬‬
‫كا َ‬ ‫ك َرّبي إ ِن ّ ُ‬ ‫سأ ْ‬
‫َ‬
‫حِفّيا" ‪ .‬فلما تبّين لبراهيم أن أباه عدو لله ولم ينفع فيه الوعظ‬ ‫َ‬
‫والتذكير‪ ,‬وأنه سيموت كافًرا‪ ,‬تركه وترك الستغفار له‪ ,‬وتبرأ منه‪.‬‬
‫إن إبراهيم عليه السلم عظيم التضرع لله‪ ,‬كثير الصفح عما يصدر‬
‫من قومه من الزلت‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ن‬
‫ن إِ ّ‬
‫ما ي َت ُّقههو َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫حّتى ي ُب َي ّ َ‬
‫م َ‬ ‫وما ً ب َعْد َ إ ِذ ْ هَ َ‬
‫داهُ ْ‬ ‫ل قَ ْ‬
‫ض ّ‬‫ه ل ِي ُ ِ‬‫ن الل ّ ُ‬
‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫م )‪(115‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه ب ِك ُ ّ‬
‫ن عليهم بالهداية والتوفيق حتى‬‫م ّ‬
‫ما بعد أن َ‬ ‫وما كان الله ليض ّ‬
‫ل قو ً‬
‫يبّين لهم ما يتقونه به‪ ,‬وما يحتاجون إليه في أصول الدين وفروعه‪.‬‬
‫إن الله بكل شيء عليم‪ ,‬فقد عّلمكم ما لم تكونوا تعلمون‪ ,‬وبّين‬
‫لكم ما به تنتفعون‪ ,‬وأقام الحجة عليكم بإبلغكم رسالته‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫مه ْ‬ ‫مهها ل َك ُه ْ‬
‫م ِ‬ ‫ت وَ َ‬
‫مي ُ‬
‫ي وَي ُ ِ‬
‫ح ِ‬
‫ض يُ ْ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫إِ ّ‬
‫صيرٍ )‪(116‬‬ ‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬‫م ْ‬ ‫الل ّهِ ِ‬
‫‪383‬‬
‫إن لله مالك السموات والرض وما فيهن ل شريك له في الخلق‬
‫من يشاء‪ ,‬وما‬
‫من يشاء ويميت َ‬
‫والتدبير والعبادة والتشريع‪ ,‬يحيي َ‬
‫من أحد غير الله يتولى أموركم‪ ,‬ول نصير ينصركم على‬‫لكم ِ‬
‫عدوكم‪.‬‬

‫صهارِ اّله ِ‬ ‫َ‬


‫ن ات ّب َُعهوهُ ِفهي‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوالن َ‬‫ري َ‬‫ج ِ‬‫مَهها ِ‬ ‫ي َوال ْ ُ‬
‫ه عََلى الن ِّبه ّ‬‫ب الل ّ ُ‬‫ل ََقد ْ َتا َ‬
‫ب عَل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫م ثُ ّ‬
‫م َتا َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ق ِ‬‫ري ٍ‬ ‫زيغُ قُُلو ُ‬
‫ب فَ ِ‬ ‫ما َ‬
‫كاد َ ي َ ِ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬
‫م ْ‬‫سَرةِ ِ‬ ‫ساعَةِ ال ْعُ ْ‬ ‫َ‬
‫م )‪(117‬‬ ‫حي ٌ‬
‫ف َر ِ‬
‫م َرُءو ٌ‬ ‫ه ب ِهِ ْ‬
‫إ ِن ّ ُ‬
‫لقد وّفق الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إلى النابة إليه‬
‫وطاعته‪ ,‬وتاب الله على المهاجرين الذين هجروا ديارهم‬
‫وعشيرتهم إلى دار السلم‪ ,‬وتاب على أنصار رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم الذين خرجوا معه لقتال العداء في غزوة )تبوك( في‬
‫حّر شديد‪ ,‬وضيق من الزاد والظ ّْهر‪ ,‬لقد تاب الله عليهم من بعد ما‬
‫دعة والسكون‪,‬‬ ‫كاد َيميل قلوب بعضهم عن الحق‪ ,‬فيميلون إلى ال ّ‬
‫واهم وتاب عليهم‪ ,‬إنه بهم رؤوف رحيم‪ .‬ومن‬ ‫لكن الله ثبتهم وق ّ‬
‫ن عليهم بالتوبة‪ ,‬وقَب َِلها منهم‪ ,‬وثّبتهم عليها‪.‬‬‫م ّ‬
‫ن َ‬
‫رحمته بهم أ ْ‬

‫َ‬
‫ت‬
‫حَبهه ْ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬
‫م الْر ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬‫ضاقَ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫خل ُّفوا َ‬‫ن ُ‬ ‫َ‬ ‫وَعََلى الّثلث َةِ ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫وضاقَت عل َيهم َأنُفسهم وظ َنوا أ َن ل مل ْجأ َ‬
‫ب‬‫م ت َهها َ‬‫ن الل ّهِ إ ِل ّ إ ِل َي ْههِ ث ُه ّ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ ْ َ ّ‬ ‫ْ َ ِْ ْ‬ ‫َ َ‬
‫م )‪(118‬‬ ‫حي ُ‬‫ب الّر ِ‬ ‫وا ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه هُوَ الت ّ ّ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ل ِي َُتوُبوا إ ِ ّ‬
‫خّلفوا من النصار ‪-‬وهم كعب بن‬ ‫وكذلك تاب الله على الثلثة الذين ُ‬
‫مَرارة بن الربيع‪ -‬تخّلفوا عن رسول الله‬ ‫ُ‬
‫مالك وهلل بن أمّية و ُ‬
‫دا‪ ,‬حتى إذا ضاقت عليهم‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ,‬وحزنوا حزًنا شدي ً‬
‫ما بسبب تخلفهم‪ ,‬وضاقت عليهم أنفسهم‬ ‫ما وند ً‬‫سَعتها غ ّ‬
‫الرض ب َ‬
‫ما أصابهم من الهم‪ ,‬وأيقنوا أن ل ملجأ من الله إل إليه‪ ,‬وّفقهم‬ ‫لِ َ‬
‫الله سبحانه وتعالى إلى الطاعة والرجوع إلى ما يرضيه سبحانه‪.‬‬
‫إن الله هو التواب على عباده‪ ,‬الرحيم بهم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(119‬‬
‫صادِِقي َ‬
‫معَ ال ّ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ه وَ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫‪384‬‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬امتثلوا أوامر الله‬
‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫واجتنبوا نواهيه في كل ما تفعلون وتتركون‪ ,‬وكونوا مع الصادقين‬
‫في َأيمانهم وعهودهم‪ ,‬وفي كل شأن من شؤونهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ل َهْ‬


‫خل ُّفههوا عَه ٌْ‬
‫ن‬ ‫ن ي َت َ َ‬
‫بأ ْ‬ ‫ن العْهَرا َ ِ‬ ‫مه َ‬
‫م ِ‬ ‫حهوْل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫دين َهةِ وَ َ‬
‫َ‬
‫م ِ‬‫ل ال ْ َ‬‫ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫م ظَ َ‬
‫مأ‬ ‫صيب ُهُ ْ‬
‫م ل يُ ِ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬‫سهِ ذ َل ِ َ‬‫ن ن َْف ِ‬‫م عَ ْ‬ ‫سه ِ ْ‬‫ل الل ّهِ َول ي َْرغَُبوا ب ِأنُف ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ظ ال ْك ُّفههاَر‬‫طئا ً ي َِغي ُ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ل الل ّهِ َول ي َط َُئو َ‬ ‫سِبي ِ‬‫ة ِفي َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫م َ‬‫خ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َول َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫َول ن َ َ‬
‫ع‬
‫ضههي ُ‬‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الّلهه َ‬ ‫ح إِ ّ‬ ‫صال ِ ٌ‬‫ل َ‬ ‫م ٌ‬
‫م ب ِهِ عَ َ‬ ‫ب ل َهُ ْ‬‫ن عَد ُوّ ن َي ْل ً إ ِل ّ ك ُت ِ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫َول ي ََناُلو َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(120‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫جَر ال ْ ُ‬‫أ ْ‬
‫من‬ ‫ما كان ينبغي لهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم و َ‬
‫حولهم من سكان البادية أن يتخّلفوا في أهلهم ودورهم عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ول يرضوا لنفسهم بالراحة والرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم في تعب ومشقة; ذلك بأنهم ل يصيبهم في‬
‫سفرهم وجهادهم عطش ول تعب ول مجاعة في سبيل الله‪ ,‬ول‬
‫من عدو الله‬ ‫ب الكفاَر وطؤهم إياها‪ ,‬ول يصيبون ِ‬
‫ض ُ‬
‫ضا ُيغ ِ‬
‫يطؤون أر ً‬
‫ة إل ك ُِتب لهم بذلك كله ثواب عمل صالح‪ .‬إن‬‫وعدوهم قتل أو هزيم ً‬
‫الله ل يضيع أجر المحسنين‪.‬‬

‫ب ل َهُ ه ْ‬
‫م‬ ‫ن َواِدي ها ً إ ِل ّ ك ُت ِه َ‬
‫صِغيَرةً َول ك َِبيَرةً َول ي َْقط َُعو َ‬
‫ة َ‬ ‫ن ن ََفَق ً‬ ‫فُقو َ‬‫َول ُين ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(121‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن َ‬‫س َ‬
‫ح َ‬‫هأ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫جزِي َهُ ْ‬
‫ل ِي َ ْ‬
‫ول ينفقون نفقة صغيرة ول كبيرة في سبيل الله‪ ,‬ول يقطعون وادًيا‬
‫في سيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جهاده‪ ,‬إل‬
‫ك ُِتب لهم أجر عملهم; ليجزيهم الله أحسن ما ي ُ ْ‬
‫جَزون به على‬
‫أعمالهم الصالحة‪.‬‬

‫م‬
‫من ْهُه ْ‬ ‫ل فِْرَقهةٍ ِ‬ ‫ن ُ‬
‫كه ّ‬ ‫مه ْ‬ ‫ول ن ََفهَر ِ‬ ‫ة فَل َه ْ‬ ‫ن ل َِينِفهُروا َ‬
‫كاّفه ً‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫م‬‫م ل َعَل ّهُ ه ْ‬
‫جعُههوا إ ِل َي ْهِ ه ْ‬ ‫م إِ َ‬
‫ذا َر َ‬ ‫ن وَل ُِينذُِروا قَ هوْ َ‬
‫مه ُ ْ‬ ‫دي ِ‬
‫ة ل ِي َت ََفّقُهوا ِفي ال ّ‬ ‫َ‬
‫طائ َِف ٌ‬
‫ن )‪(122‬‬ ‫حذ َُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫وما كان ينبغي للمؤمنين أن يخرجوا جميًعا لقتال عدّوهم‪ ,‬كما ل‬
‫يستقيم لهم أن يقعدوا جميًعا‪ ,‬فهل خرج من كل فرقة جماعة‬

‫‪385‬‬
‫تحصل بهم الكفاية والمقصود; وذلك ليتفقه النافرون في دين الله‬
‫وما أنزل على رسوله‪ ,‬وينذروا قومهم بما تعلموه عند رجوعهم‬
‫إليهم‪ ,‬لعلهم يحذرون عذاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪.‬‬

‫َ‬
‫دوا ِفيك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ن ال ْك ُّفههارِ وَل ْي َ ِ‬
‫جه ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن ي َل ُههون َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ذي َ‬‫مُنوا َقات ُِلوا ال ّ ِ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(123‬‬ ‫مت ِّقي َ‬ ‫مع َ ال ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫موا أ ّ‬ ‫ة َواعْل َ ُ‬ ‫ِغل ْظ َ ً‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ابدؤوا بقتال‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫القرب فالقرب إلى دار السلم من الكفار‪ ,‬وليجد الكفار فيكم‬
‫ِغْلظة وشدة‪ ,‬واعلموا أن الله مع المتقين بتأييده ونصره‪.‬‬

‫َ‬ ‫ذا ما ُأنزل َت سورةٌ فَمنهم من يُقو ُ َ‬


‫مان ها ً فَأ ّ‬
‫مهها‬ ‫ه هَ هذِهِ ِإي َ‬ ‫ل أي ّك ُ ْ‬
‫م َزاد َت ْ ُ‬ ‫ِ ُْ ْ َ ْ َ‬ ‫ِ ْ ُ َ‬ ‫وَإ ِ َ َ‬
‫ن )‪(124‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬ ‫مانا ً وَهُ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫مُنوا فََزاد َت ْهُ ْ‬
‫م ِإي َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫من هؤلء‬‫وإذا ما أنزل الله سورة من سور القرآن على رسوله‪ ,‬ف ِ‬
‫المنافقين من يقول‪- :‬إنكاًرا واستهزاًء‪ -‬أّيكم زادته هذه السورة‬
‫تصديًقا بالله وآياته؟ فأما الذين آمنوا بالله ورسوله فزادهم نزول‬
‫السورة إيماًنا بالعلم بها وتدبرها واعتقادها والعمل بها‪ ,‬وهم‬
‫يفرحون بما أعطاهم الله من اليمان واليقين‪.‬‬

‫َ‬
‫مههاُتوا‬
‫م وَ َ‬
‫س هه ِ ْ‬ ‫جسا ً إ ِل َههى رِ ْ‬
‫ج ِ‬ ‫ض فََزاد َت ْهُ ْ‬
‫م رِ ْ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وَأ ّ‬
‫ن )‪(125‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬‫وَهُ ْ‬
‫وأما الذين في قلوبهم نفاق وشك في دين الله‪ ,‬فإن نزول السورة‬
‫ل من النفاق والشك‪,‬‬‫كا إلى ما هم عليه من قب ُ‬‫يزيدهم نفاًقا وش ً‬
‫وهلك هؤلء وهم جاحدون بالله وآياته‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن ِفي ك ُ ّ‬ ‫أ َول يرو َ‬


‫ن َول‬ ‫ن ثُ ّ‬
‫م ل ي َُتوُبههو َ‬ ‫مّرت َي ْ ِ‬
‫مّرةً أوْ َ‬
‫عام ٍ َ‬
‫ل َ‬ ‫م ي ُْفت َُنو َ‬
‫ن أن ّهُ ْ‬‫َ ََ ْ َ‬
‫ن )‪(126‬‬ ‫م ي َذ ّك ُّرو َ‬
‫هُ ْ‬
‫أول يرى المنافقون أن الله يبتليهم بالقحط والشدة‪ ,‬وبإظهار ما‬
‫يبطنون من النفاق مرة أو مرتين في كل عام؟ ثم هم مع ذلك ل‬

‫‪386‬‬
‫من كفرهم ونفاقهم‪ ,‬ول هم يتعظون ول يتذكرون بما‬ ‫يتوبون ِ‬
‫يعاينون من آيات الله‪.‬‬

‫ل يراك ُم م َ‬ ‫ضه ُ ْ َ‬ ‫ُ‬


‫حدٍ ُثهه ّ‬
‫م‬ ‫نأ َ‬‫ض هَ ْ َ َ ْ ِ ْ‬‫م إ ِلى ب َعْ ٍ‬ ‫سوَرةٌ ن َظ ََر ب َعْ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أنزِل َ ْ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ذا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(127‬‬ ‫م قَوْ ٌ‬
‫م ل ي َْفَقُهو َ‬ ‫ه قُُلوب َهُ ْ‬
‫م ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬
‫صَر َ‬ ‫صَرُفوا َ‬ ‫ان َ‬
‫مَز المنافقون بالعيون إنكاًرا لنزولها‬ ‫ُ‬
‫وإذا ما أنزلت سورة تَغا َ‬
‫كر عيوبهم وأفعالهم‪ ,‬ثم‬ ‫من ذِ ْ‬
‫ما نزل فيها ِ‬ ‫وسخرية وغي ً‬
‫ظا; ل ِ َ‬
‫يقولون‪ :‬هل يراكم من أحد إن قمتم من عند الرسول؟ فإن لم‬
‫يرهم أحد قاموا وانصرفوا من عنده عليه الصلة والسلم مخافة‬
‫الفضيحة‪ .‬صرف الله قلوبهم عن اليمان; بسبب أنهم ل يفهمون‬
‫ول يتدبرون‪.‬‬

‫ص عَل َي ْ ُ‬ ‫لم َ‬
‫م‬
‫كهه ْ‬ ‫ريهه ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬ ‫زيٌز عَل َي ْهِ َ‬
‫ما عَن ِت ّ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م عَ ِ‬ ‫ن أنُف ِ‬‫سو ٌ ِ ْ‬ ‫جاَءك ُ ْ‬
‫م َر ُ‬ ‫ل ََقد ْ َ‬
‫م )‪(128‬‬ ‫حي ٌ‬‫ف َر ِ‬
‫ن َرُءو ٌ‬ ‫مِني َ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫لقد جاءكم أيها المؤمنون رسول من قومكم‪ ,‬يشق عليه ما تلقون‬
‫من المكروه والعنت‪ ,‬حريص على إيمانكم وصلح شأنكم‪ ,‬وهو‬
‫بالمؤمنين كثير الرأفة والرحمة‪.‬‬

‫ب‬ ‫ه إ ِل ّ هُهوَ عَل َي ْههِ ت َهوَك ّل ْ ُ‬


‫ت وَهُهوَ َر ّ‬ ‫ه ل إ ِل َه َ‬
‫سهِبي الل ّه ُ‬
‫ح ْ‬ ‫وا فَُقه ْ‬
‫ل َ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬
‫فَإ ِ ْ‬
‫ظيم ِ )‪(129‬‬‫ش ال ْعَ ِ‬ ‫العَْر ِ‬
‫ْ‬

‫فإن أعرض المشركون والمنافقون عن اليمان بك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬


‫مني‪ ,‬ل معبود بحق إل‬‫فقل لهم‪ :‬حسبي الله‪ ,‬يكفيني جميع ما أه ّ‬
‫ت جميع أموري; فإنه ناصري‬ ‫هو‪ ,‬عليه اعتمدت‪ ,‬وإليه فَوّ ْ‬
‫ض ُ‬
‫ومعيني‪ ,‬وهو رب العرش العظيم‪ ,‬الذي هو أعظم المخلوقات‪.‬‬

‫‪387‬‬
‫‪ -10‬سورة يونس‬

‫كيم ِ )‪(1‬‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫الر ت ِل ْ َ‬
‫ك آَيا ُ‬
‫)الر( سبق الكلم على الحروف المق ّ‬
‫طعة في أول سورة البقرة‪.‬‬
‫هذه آيات الكتاب المحكم الذي أحكمه الله وبّينه لعباده‪.‬‬

‫كان ِللناس عَجبا ً أ َن أ َوحينا إَلى رجل منهم أ َ َ‬ ‫َ‬


‫س وَب َ ّ‬
‫ش هْر‬ ‫ن أن ْهذِْر الن ّهها َ‬‫َ ُ ٍ ِ ُْ ْ ْ‬ ‫ْ ْ َ َْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َِ‬ ‫أ َ َ ّ‬
‫ن ه َه َ‬
‫ذا‬ ‫ل ال ْك َههافُِرو َ‬
‫ن إِ ّ‬ ‫م قَهها َ‬
‫عن ْهد َ َرب ّهِه ْ‬
‫ق ِ‬
‫صهد ْ ٍ‬
‫م ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م قَهد َ َ‬ ‫مُنوا أ ّ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫مِبي ٌ‬
‫حٌر ُ‬ ‫سا ِ‬‫لَ َ‬
‫أكان أمًرا عجًبا للناس إنزالنا الوحي بالقرآن على رجل منهم‬
‫ينذرهم عقاب الله‪ ,‬ويب ّ‬
‫شر الذين آمنوا بالله ورسله أن لهم أجًرا‬
‫دموا من صالح العمال؟ فلما أتاهم رسول الله صلى‬ ‫حسًنا بما ق ّ‬
‫دا‬
‫ن محم ً‬ ‫الله عليه وسلم بوحي الله وتله عليهم‪ ,‬قال المنكرون‪ :‬إ ّ‬
‫ساحر‪ ,‬وما جاء به سحر ظاهر البطلن‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫سهت ّةِ أي ّههام ٍ ث ُه ّ‬ ‫ض فِههي ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬ ‫خل َهقَ ال ّ‬
‫سه َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّه ِ‬‫م الل ّه ُ‬ ‫ن َرب ّك ُه ْ‬ ‫إِ ّ‬
‫م‬ ‫ن ب َعْدِ إ ِذ ِْنهههِ ذ َل ِ ُ‬ ‫شِفيٍع إ ِل ّ ِ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كهه ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ْ‬‫ما ِ‬‫مَر َ‬‫ش ي ُد َب ُّر ال ْ‬
‫وى عَلى العَْر َِ‬ ‫ست َ َ‬‫ا ْ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫دوهُ أَفل ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م َفاعْب ُ ُ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫إن ربكم الله الذي أوجد السموات والرض في ستة أيام‪ ,‬ثم‬
‫استوى ‪-‬أي عل وارتفع‪ -‬على العرش استواء يليق بجلله وعظمته‪,‬‬
‫ده في قضائه أحد‪ ,‬ول يشفع عنده شافع‬ ‫يدبر أمور خلقه‪ ,‬ل يضا ّ‬
‫يوم القيامة إل من بعد أن يأذن له بالشفاعة‪ ,‬فاعبدوا الله ربكم‬
‫المتصف بهذه الصفات‪ ,‬وأخلصوا له العبادة‪ .‬أفل تتعظون وتعتبرون‬
‫بهذه اليات والحجج؟‬

‫ي‬
‫جههزِ َ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬
‫م ي ُِعيههد ُهُ ل ِي َ ْ‬ ‫ه ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬
‫حّقا ً إ ِن ّ ُ‬
‫ميعا ً وَعْد َ الل ّهِ َ‬
‫ج ِ‬
‫م َ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫إ ِل َي ْهِ َ‬
‫مْر ِ‬
‫ب‬‫شهَرا ٌ‬‫م َ‬ ‫ن ك ََفهُروا ل َهُه ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ط َوال ّه ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ت ِبال ِْق ْ‬‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫‪388‬‬
‫َ‬
‫كاُنوا ي َك ُْفُرو َ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫ما َ‬
‫م بِ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ميم ٍ وَعَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫إلى ربكم معادكم يوم القيامة جميًعا‪ ,‬وهذا وعد الله الحق‪ ,‬هو الذي‬
‫يبدأ إيجاد الخلق ثم يعيده بعد الموت‪ ,‬فيوجده حًيا كهيئته الولى‪,‬‬
‫دق الله ورسوله‪ ,‬وعمل العمال الحسنة أحسن‬ ‫ص ّ‬
‫من َ‬
‫ليجزي َ‬
‫الجزاء بالعدل‪ .‬والذين جحدوا وحدانية الله ورسالة رسوله لهم‬
‫شراب من ماء شديد الحرارة يشوي الوجوه ويق ّ‬
‫طع المعاء‪ ,‬ولهم‬
‫عذاب موجع بسبب كفرهم وضللهم‪.‬‬

‫ل ل ِت َعْل َ ُ‬
‫مههوا‬ ‫م هَر ن ُههورا ً وَقَ هد َّرهُ َ‬
‫من َههازِ َ‬ ‫ضَياًء َوال َْق َ‬
‫س ِ‬‫م َ‬ ‫ش ْ‬‫ل ال ّ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫ت‬‫ل الي َهها ِ‬ ‫صه ُ‬‫حقّ ي َُف ّ‬ ‫ك إ ِل ّ ب ِههال ْ َ‬ ‫خل َقَ الل ّه ُ‬
‫ه ذ َل ِه َ‬ ‫ما َ‬‫ب َ‬‫سا َ‬‫ح َ‬ ‫ن َوال ْ ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫عَد َد َ ال ّ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫مو َ‬ ‫ل َِقوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬
‫در القمر‬
‫الله هو الذي جعل الشمس ضياء‪ ,‬وجعل القمر نوًرا‪ ,‬وق ّ‬
‫منازل‪ ,‬فبالشمس تعرف اليام‪ ,‬وبالقمر تعرف الشهور والعوام‪,‬‬
‫ما خلق الله تعالى الشمس والقمر إل لحكمة عظيمة‪ ,‬ودللة على‬
‫كمال قدرة الله وعلمه‪ ,‬يبّين الحجج والدلة لقوم يعلمون الحكمة‬
‫في إبداع الخلق‪.‬‬

‫َ‬
‫ض‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫سهه َ‬ ‫خل َقَ الل ّ ُ‬
‫ه ِفههي ال ّ‬ ‫ما َ‬
‫ل َوالن َّهارِ وَ َ‬‫ف الل ّي ْ ِ‬
‫خِتل ِ‬ ‫ن ِفي ا ْ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َت ُّقو َ‬
‫لَيا ٍ‬
‫إن في تعاقب الليل والنهار وما خلق الله في السموات والرض‬
‫جا واضحة‬
‫من عجائب الخلق وما فيهما من إبداع ونظام‪ ,‬لدلة وحج ً‬
‫لقوم يخشون عقاب الله وسخطه وعذابه‪.‬‬

‫إن ال ّذين ل يرجون لَقاَءنا ورضوا بال ْحياة الدنيا واط ْ َ‬


‫ن‬ ‫مأّنوا ب َِها َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬ ‫َّْ َ‬ ‫ِ َ َ ِ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َْ ُ َ ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫ُ‬ ‫ن آَيات َِنا َ‬
‫غافِلو َ‬ ‫م عَ ْ‬‫هُ ْ‬
‫إن الذين ل يطمعون في لقائنا في الخرة للحساب‪ ,‬وما يتلوه من‬
‫ضا‬
‫الجزاء على العمال لنكارهم البعث‪ ,‬ورضوا بالحياة الدنيا عو ً‬
‫عن الخرة‪ ,‬وركنوا إليها‪ ,‬والذين هم عن آياتنا الكونية والشرعية‬
‫ساهون‪.‬‬

‫‪389‬‬
‫ك ْ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬
‫سُبو َ‬ ‫ما َ‬
‫م الّناُر ب ِ َ‬ ‫أوْل َئ ِ َ َ‬
‫مأَواهُ ْ‬
‫أولئك مقّرهم نار جهنم في الخرة; جزاء بما كانوا يكسبون في‬
‫دنياهم من الثام والخطايا‪.‬‬

‫ن‬
‫مهه ْ‬
‫ري ِ‬
‫ج ِ‬
‫م تَ ْ‬
‫مان ِهِ ْ‬
‫م ب ِِإي َ‬
‫م َرب ّهُ ْ‬
‫ديهِ ْ‬
‫ت ي َهْ ِ‬‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ت الن ِّعيم ِ )‪(9‬‬
‫جّنا ِ‬ ‫َ‬
‫م الن َْهاُر ِفي َ‬ ‫حت ِهِ ْ‬‫تَ ْ‬
‫إن الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات يدلهم ربهم إلى‬
‫طريق الجنة ويوفقهم إلى العمل الموصل إليه؛ بسبب إيمانهم ‪ ،‬ثم‬
‫يثيبهم بدخول الجنة وإحلل رضوانه عليهم‪ ,‬تجري من تحتهم النهار‬
‫في جنات النعيم‪.‬‬

‫خ هر دعْ هواهُ َ‬
‫ن‬
‫مأ ْ‬‫م َوآ ِ ُ َ َ ْ‬‫سههل ٌ‬
‫م ِفيَها َ‬
‫حي ّت ُهُ ْ‬ ‫ك الل ّهُ ّ‬
‫م وَت َ ِ‬ ‫حان َ َ‬‫سب ْ َ‬‫م ِفيَها ُ‬ ‫واهُ ْ‬ ‫د َعْ َ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مد ُ ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ح ْ‬
‫دعاؤهم في الجنة التسبيح )سبحانك اللهم(‪ ،‬وتحية الله وملئكته‬
‫ضا في الجنة )سلم(‪ ،‬وآخر دعائهم قولهم‪:‬‬ ‫لهم‪ ,‬وتحية بعضهم بع ً‬
‫"الحمد لله رب العالمين" أي‪ :‬الشكر والثناء لله خالق المخلوقات‬
‫ومرّبيها بنعمه‪.‬‬

‫خير ل َُقضي إل َيهه َ‬


‫جل ُهُه ْ‬
‫م‬ ‫مأ َ‬‫ِ َ ِ ِْ ْ‬ ‫م ِبال ْ َ ْ ِ‬‫جال َهُ ْ‬ ‫ست ِعْ َ‬ ‫س ال ّ‬
‫شّر ا ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ِللّنا ِ‬ ‫وَل َوْ ي ُعَ ّ‬
‫ج ُ‬
‫ن )‪(11‬‬‫مُهو َ‬ ‫م ي َعْ َ‬‫ن ل َِقاَءَنا ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬
‫جو َ‬‫ن ل ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬‫فَن َذ َُر ال ّ ِ‬
‫جل الله للناس إجابة دعائهم في الشر كاستعجاله لهم في‬ ‫ولو يع ّ‬
‫الخير بالجابة لهلكوا‪ ,‬فنترك الذين ل يخافون عقابنا‪ ,‬ول يوقنون‬
‫وهم‪ ,‬يترددون حائرين‪.‬‬
‫بالبعث والنشور في تمّردهم وعت ّ‬

‫َ‬ ‫أ َوْ َقا ِ‬


‫ش هْفَنا‬ ‫عدا ً أوْ َقاِئم ها ً فَل َ ّ‬
‫مهها ك َ َ‬ ‫جن ْب ِهِ‬
‫عاَنا ل ِ َ‬
‫ضّر د َ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫سا َ‬ ‫س ال ِن ْ َ‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫ذا َ‬‫وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫مهها‬‫ن َ‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ل ِل ْ ُ‬ ‫ه ك َذ َل ِ َ‬
‫ك ُزي ّ َ‬ ‫س ُ‬‫م ّ‬‫َ‬ ‫ضّر‬ ‫م ي َد ْعَُنا إ َِلى ُ‬ ‫ن لَ ْ‬‫مّر ك َأ ْ‬ ‫ضّرهُ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫َ‬

‫‪390‬‬
‫ن الشدةُ استغاث بنا في كشف ذلك عنه‬ ‫وإذا أصاب النسا َ‬
‫ما‪ ,‬على حسب الحال التي يكون بها‬ ‫دا أو قائ ً‬
‫مضطجًعا لجنبه أو قاع ً‬
‫عند نزول ذلك الضّر به‪ .‬فلما كشفنا عنه الشدة التي أصابته استمّر‬
‫على طريقته الولى قبل أن يصيبه الضر‪ ,‬ونسي ما كان فيه من‬
‫الشدة والبلء‪ ,‬وترك الشكر لربه الذي فّرج عنه ما كان قد نزل به‬
‫من البلء‪ ,‬كما ُزّين لهذا النسان استمراره على جحوده وعناده بعد‬
‫كشف الله عنه ما كان فيه من الضر‪ُ ,‬زّين للذين أسرفوا في‬
‫الكذب على الله وعلى أنبيائه ما كانوا يعملون من معاصي الله‬
‫والشرك به‪.‬‬

‫َ‬
‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫ت‬ ‫سل ُهُ ْ‬
‫م ُر ُ‬
‫جاَءت ْهُ ْ‬
‫موا وَ َ‬ ‫ما ظ َل َ ُ‬‫م لَ ّ‬‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫وَل ََقد ْ أهْل َك َْنا ال ُْقُرو َ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫مي َ‬‫جرِ ِ‬
‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬
‫زي ال َْقوْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مُنوا ك َذ َل ِ َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ل ِي ُؤْ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ذبت رسل الله من قبلكم ‪-‬أيها المشركون‬ ‫ولقد أهلكنا المم التي ك ّ‬
‫ما أشركوا‪ ,‬وجاءتهم رسلهم من عند الله بالمعجزات‬ ‫بربهم‪ -‬له ّ‬
‫من جاء بها‪ ,‬فلم تكن هذه‬‫الواضحات والحجج التي تبين صدق َ‬
‫المم التي أهلكناها لتصدق رسلها وتنقاد لها‪ ,‬فاستحقوا الهلك‪,‬‬
‫ومثل ذلك الهلك نجزي كل مجرم متجاوز حدود الله‪.‬‬

‫مل ُههو َ‬ ‫م ل ِن َن ْظ ُهَر ك َي ْه َ‬ ‫َ‬


‫ن)‬ ‫ف ت َعْ َ‬ ‫ن ب َعْهدِهِ ْ‬
‫مه ْ‬
‫ض ِ‬
‫ف ِفي الْر ِ‬
‫خلئ ِ َ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬‫ثُ ّ‬
‫‪(14‬‬
‫مهَْلكة‪,‬‬
‫خل ًَفا في الرض من بعد القرون اله ُ‬
‫ثم جعلناكم ‪-‬أيها الناس‪َ -‬‬
‫لننظر كيف تعملون‪ :‬أخيًرا أم شًرا‪ ,‬فنجازيكم بذلك حسب عملكم‪.‬‬

‫ن‬‫ت ب ُِقههْرآ ٍ‬ ‫ن ل َِقاَءَنا ائ ْ ِ‬‫جو َ‬ ‫ن ل ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬


‫ت َقا َ‬ ‫ذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬
‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أت ِّبههعُ‬
‫سههي إ ِ ْ‬ ‫ن ت ِل َْقاِء ن َْف ِ‬‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ن أب َد ّل َ ُ‬ ‫ن ِلي أ ْ‬ ‫كو ُ‬‫ما ي َ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ه قُ ْ‬‫ذا أوْ ب َد ّل ْ ُ‬ ‫غَي ْرِ هَ َ‬
‫ظيم ٍ )‪(15‬‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ت َرّبي عَ َ‬ ‫صي ْ ُ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ف إِ ْ‬‫خا ُ‬ ‫ي إ ِّني أ َ َ‬‫حى إ ِل َ ّ‬ ‫إ ِل ّ َ‬
‫ما ُيو َ‬
‫وإذا تتلى على المشركين آيات الله التي أنزلناها إليك ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ -‬واضحات‪ ,‬قال الذين ل يخافون الحساب‪ ,‬ول يرجون‬
‫الثواب‪ ,‬ول يؤمنون بيوم البعث والنشور‪ :‬ائت بقرآن غير هذا‪ ,‬أو‬
‫ما‪ ,‬والحرام حلل والوعد‬ ‫دل هذا القرآن‪ :‬بأن تجعل الحلل حرا ً‬‫ب ّ‬

‫‪391‬‬
‫من عيب آلهتنا وتسفيه‬ ‫سقط ما فيه ِ‬‫دا‪ ,‬وأن ت ُ ْ‬
‫دا‪ ,‬والوعيد وع ً‬
‫وعي ً‬
‫ي‪ ,‬وإنما أتبع في‬
‫أحلمنا‪ ,‬قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬إن ذلك ليس إل ّ‬
‫ي ربي ويأمرني به‪ ,‬إني‬‫كل ما آمركم به وأنهاكم عنه ما ينزله عل ّ‬
‫أخشى من الله ‪-‬إن خالفت أمره‪ -‬عذاب يوم عظيم وهو يوم‬
‫القيامة‪.‬‬

‫مرا ً‬ ‫َ‬
‫م ب ِهِ فََقد ْ ل َب ِث ْ ُ‬
‫ت ِفيك ُ ْ‬
‫م عُ ُ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م َول أد َْراك ُ ْ‬ ‫ما ت َل َوْت ُ ُ‬
‫ه َ‬‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ل ل َوْ َ‬‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫ن قَب ْل ِهِ أَفل ت َعِْقُلو َ‬
‫م ْ‬‫ِ‬
‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬لو شاء الله ما تلوت هذا القرآن عليكم‪ ,‬ول‬
‫أعلمكم الله به‪ ,‬فاعلموا أنه الحق من الله‪ ,‬فإنكم تعلمون أنني‬
‫ي ربي‪ ,‬ومن قبل أن‬‫مكثت فيكم زمًنا طويل من قبل أن يوحيه إل ّ‬
‫أتلوه عليكم‪ ,‬أفل تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر؟‬

‫َ‬ ‫فَم َ‬
‫ح‬
‫ه ل ي ُْفل ِه ُ‬ ‫ذبا ً أوْ ك َهذ ّ َ‬
‫ب ِبآي َههات ِهِ إ ِن ّه ُ‬ ‫ن افْت ََرى عََلى الل ّههِ ك َه ِ‬
‫م ْ‬
‫م ّ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬
‫م ِ‬ ‫َ ْ‬
‫ن )‪(17‬‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬
‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫ما ممن اختلق على الله الكذب أو ك ّ‬
‫ذب بآياته إنه ل‬ ‫ل أحد أشد ظل ً‬
‫ذب أنبياء الله ورسله‪ ,‬ول ينالون الفلح‪.‬‬‫من ك ّ‬
‫ينجح َ‬

‫ؤلءِ‬ ‫م وَي َُقول ُههو َ‬


‫ن ه َه ُ‬ ‫م َول ي َن َْفعُهُه ْ‬ ‫ضهّرهُ ْ‬ ‫مهها ل ي َ ُ‬ ‫ن الل ّههِ َ‬ ‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬‫وَي َعْب ُ ُ‬
‫عند الل ّه قُ ْ َ‬
‫ت َول ِفههي‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫س َ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫ما ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ه بِ َ‬‫ن الل ّ َ‬‫ل أت ُن َب ُّئو َ‬ ‫ِ‬ ‫شَفَعاؤَُنا ِ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬‫ه وَت ََعاَلى عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬‫سب ْ َ‬
‫ض ُ‬ ‫الْر ِ‬
‫ويعبد هؤلء المشركون من دون الله ما ل يضرهم شيًئا‪ ,‬ول ينفعهم‬
‫في الدنيا والخرة‪ ,‬ويقولون‪ :‬إنما نعبدهم ليشفعوا لنا عند الله‪ ,‬قل‬
‫من أمر‬‫لهم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬أتخبرون الله تعالى بشيء ل يعلمه ِ‬
‫هؤلء الشفعاء في السموات أو في الرض؟ فإنه لو كان فيهما‬
‫شفعاء يشفعون لكم عنده لكان أعلم بهم منكم‪ ,‬فالله تعالى منّزه‬
‫عما يفعله هؤلء المشركون من إشراكهم في عبادته ما ل يضر ول‬
‫ينفع‪.‬‬

‫ُ‬
‫ن َرّبهه َ‬
‫ك‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬
‫سب ََق ْ‬
‫ة َ‬
‫م ٌ‬ ‫خت َل َُفوا وَل َ ْ‬
‫ول ك َل ِ َ‬ ‫حد َةً َفا ْ‬
‫ة َوا ِ‬ ‫س إ ِل ّ أ ّ‬
‫م ً‬ ‫ن الّنا ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫‪392‬‬
‫ن )‪(19‬‬
‫خت َل ُِفو َ‬
‫ما ِفيهِ ي َ ْ‬
‫م ِفي َ‬
‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ل َُق ِ‬
‫ض َ‬
‫كان الناس على دين واحد وهو السلم‪ ,‬ثم اختلفوا بعد ذلك‪ ,‬فكفر‬
‫بعضهم‪ ,‬وثبت بعضهم على الحق‪ .‬ولول كلمة سبقت من الله‬
‫ي بينهم‪ :‬بأن ي ُْهلك‬
‫ض َ‬
‫بإمهال العاصين وعدم معاجلتهم بذنوبهم لُق ِ‬
‫أهل الباطل منهم‪ ,‬وينجي أهل الحق‪.‬‬

‫ب ل ِل ّههِ فَههان ْت َظ ُِروا‬


‫ما ال ْغَي ْ ُ‬ ‫ن َرب ّهِ فَُق ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ آي َ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫ول أ ُن ْزِ َ‬‫ن لَ ْ‬‫وَي َُقوُلو َ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫ري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْت َظ ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫معَك ُ ْ‬
‫إ ِّني َ‬
‫ويقول هؤلء الكفرة المعاندون‪ :‬هل ّ ُأنزل على محمد علم ودليل‪,‬‬
‫وآية حسية من ربه نعلم بها أنه على حق فيما يقول‪ ,‬فقل لهم ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ :-‬ل يعلم الغيب أحد إل الله‪ ,‬فإن شاء فعل وإن شاء لم‬
‫يفعل‪ ,‬فانتظروا ‪-‬أيها القوم‪ -‬قضاء الله بيننا وبينكم بتعجيل عقوبته‬
‫للمبطل منا‪ ,‬ونصرة صاحب الحق‪ ,‬إني منتظر ذلك‪.‬‬

‫وإ َ َ‬
‫مك ٌْر ِفي آَيات َِنا‬
‫م َ‬‫ل َهُ ْ‬ ‫م إِ َ‬
‫ذا‬ ‫ست ْهُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫ضّراَء َ‬
‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬‫م ً‬‫ح َ‬‫س َر ْ‬‫ذا أذ َقَْنا الّنا َ‬ ‫َِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫)‪(21‬‬ ‫مك ُُرو َ‬
‫ن‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫سلَنا ي َك ْت ُُبو َ‬
‫ن َ‬ ‫ن ُر ُ‬‫كرا إ ِ ّ‬‫م ْ‬‫سَرعُ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫جا ورخاءً بعد عسر وشدة وكرب‬ ‫وإذا أذقنا المشركين يسًرا وفر ً‬
‫ذبون‪ ,‬ويستهزئون بآيات الله‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬‫أصابهم‪ ,‬إذا هم يك ّ‬
‫جا وعقوبة‬
‫لهؤلء المشركين المستهزئين‪ :‬الله أسرع مكًرا واستدرا ً‬
‫حَفظ ََتنا الذين نرسلهم إليكم يكتبون عليكم ما تمكرون في‬
‫لكم‪ .‬إن َ‬
‫آياتنا‪ ,‬ثم نحاسبكم على ذلك‪.‬‬

‫ن‬
‫جَري ْه َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫م ِفي ال ُْفل ْه ِ‬ ‫ذا ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬‫حرِ َ‬ ‫م ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫سي ُّرك ُ ْ‬
‫ذي ي ُ َ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن‬‫مه ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫م هو ْ ُ‬ ‫جههاَءهُ ْ‬‫ف وَ َ‬ ‫صه ٌ‬ ‫عا ِ‬ ‫ح َ‬
‫جاَءت َْها ِري ٌ‬ ‫حوا ب َِها َ‬ ‫ح ط َي ّب َةٍ وَفَرِ ُ‬ ‫ري ٍ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ب ِهِ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ل َئ ِ ْ‬
‫دي َ‬ ‫ه اله ّ‬ ‫ن ل َه ُ‬
‫صههي َ‬‫خل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫وا الل ّه َ‬‫م د َعَ ْ‬‫ط ب ِهِ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫مأ ِ‬ ‫ن وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن هَذِهِ ل َن َ ُ‬ ‫َ‬
‫ري َ‬‫شاك ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫جي ْت ََنا ِ‬ ‫أن ْ َ‬
‫هو الذي يسّيركم ‪-‬أيها الناس‪ -‬في البر على الدواب وغيرها‪ ,‬وفي‬
‫سُفن‪ ,‬حتى إذا كنتم فيها وجرت بريح طيبة‪ ,‬وفرح‬ ‫البحر في ال ّ‬
‫ح شديدة‪ ,‬وجاء‬‫ن ري ٌ‬
‫ركاب السفن بالريح الطيبة‪ ,‬جاءت هذه السف َ‬
‫ج )وهو ما ارتفع من الماء( من كل مكان‪ ,‬وأيقنوا أن‬ ‫ب المو ُ‬
‫الركا َ‬
‫‪393‬‬
‫الهلك قد أحاط بهم‪ ,‬أخلصوا الدعاء لله وحده‪ ,‬وتركوا ما كانوا‬
‫يعبدون‪ ,‬وقالوا‪ :‬لئن أنجيتنا من هذه الشدة التي نحن فيها لنكونن‬
‫من الشاكرين لك على ن َِعمك‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن ِفي ال َ‬ ‫َ‬


‫مهها‬‫س إ ِن ّ َ‬‫حقّ َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ي َب ُْغو َ‬ ‫م‬
‫ذا هُ ْ‬ ‫م إِ َ‬ ‫جاهُ ْ‬‫ما أن ْ َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫مهها‬
‫م بِ َ‬ ‫م فَن ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫جعُك ُ ْ‬ ‫م إ ِل َي َْنا َ‬
‫مْر ِ‬ ‫مَتاعَ ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا ث ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫م عََلى أن ُْف ِ‬
‫سك ُ ْ‬ ‫ب َغْي ُك ُ ْ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫مُلو َ‬‫م ت َعْ َ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫فلما أنجاهم الله من الشدائد والهوال إذا هم يعملون في الرض‬
‫ل بغيكم راجع على‬‫بالفساد وبالمعاصي‪ .‬يا أيها الناس إنما َوبا ُ‬
‫أنفسكم‪ ,‬لكم متاع في الحياة الدنيا الزائلة‪ ,‬ثم إلينا مصيركم‬
‫ومرجعكم‪ ,‬فنخبركم بجميع أعمالكم‪ ,‬ونحاسبكم عليها‪.‬‬

‫خت َل َ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ط ِبههِ ن ََبها ُ‬ ‫ماِء َفها ْ‬ ‫سه َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مه ْ‬‫ماٍء أن َْزل َْنهاهُ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫مث َ ُ‬
‫ما َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫خُرفَهَهها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مهها ي َأك ُه ُ‬ ‫ال َْر‬
‫ض ُز ْ‬ ‫ت الْر ُ‬ ‫خهذ َ ْ‬ ‫ذا أ َ‬ ‫حت ّههى إ ِ َ‬
‫م َ‬ ‫س َوالن ْعَهها ُ‬ ‫ل الن ّهها ُ‬ ‫م ّ‬‫ض ِ‬ ‫ِ‬
‫مُرن َهها ل َي ْل ً أ َوْ ن َهَههارا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن عَل َي ْهَهها أَتاهَهها أ ْ‬ ‫م قَههادُِرو َ‬
‫َ‬
‫ن أهْل ُهَهها أن ُّهه ْ‬
‫وازينهت وظ َه َ‬
‫ّ‬ ‫َ ّ َّ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ل َِق هوْم ٍ‬ ‫ل الي َهها ِ‬ ‫صه ُ‬ ‫ك ن َُف ّ‬ ‫س ك َهذ َل ِ َ‬
‫م ِ‬ ‫ن ب ِههال ْ‬ ‫م ت َغْه َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫صيدا ً ك َأ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ها َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫ي َت ََفك ُّرو َ‬
‫إنما مثل الحياة الدنيا وما تتفاخرون به فيها من زينة وأموال‪ ,‬كمثل‬
‫مطر أنزلناه من السماء إلى الرض‪ ,‬فنبتت به أنواع من النبات‬
‫مختلط بعضها ببعض مما يقتات به الناس من الثمار‪ ,‬وما تأكله‬
‫ن هذه الرض وبهاؤها‪,‬‬ ‫س ُ‬
‫ح ْ‬ ‫الحيوانات من النبات‪ ,‬حتى إذا ظهر ُ‬
‫وظن أهل هذه الرض أنهم قادرون على حصادها والنتفاع بها‪,‬‬
‫جاءها أمرنا وقضاؤنا بهلك ما عليها من النبات‪ ,‬والزينة إما ليل وإما‬
‫نهاًرا‪ ,‬فجعلنا هذه النباتات والشجار محصودة مقطوعة ل شيء‬
‫فيها‪ ,‬كأن لم تكن تلك الزروع والنباتات قائمة قبل ذلك على وجه‬
‫هون به من دنياكم وزخارفها‬ ‫الرض‪ ,‬فكذلك يأتي الفناء على ما تتبا َ‬
‫مث َ َ‬
‫ل هذه الدنيا‬ ‫فيفنيها الله ويهلكها‪ .‬وكما بّينا لكم ‪-‬أيها الناس‪َ -‬‬
‫وعّرفناكم بحقيقتها‪ ,‬نبّين حججنا وأدلتنا لقوم يتفكرون في آيات‬
‫الله‪ ,‬ويتدبرون ما ينفعهم في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫سههت َِقيم ٍ )‬
‫م ْ‬
‫ط ُ‬ ‫شاُء إ َِلى ِ‬
‫صَرا ٍ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬
‫دي َ‬
‫سلم ِ وَي َهْ ِ‬ ‫عو إ َِلى َ‬
‫دارِ ال ّ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه ي َد ْ ُ‬

‫‪394‬‬
‫‪(25‬‬
‫من‬
‫من يشاء ِ‬
‫والله يدعوكم إلى جناته التي أعدها لوليائه‪ ,‬ويهدي َ‬
‫خْلقه‪ ,‬فيوفقه لصابة الطريق المستقيم‪ ,‬وهو السلم‪.‬‬ ‫َ‬

‫ة أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫م قَت ٌَر َول ذِل ّ ٌ‬
‫جوهَهُ ْ‬
‫سَنى وَزَِياد َةٌ َول ي َْرهَقُ وُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫سُنوا ال ْ ُ‬‫ح َ‬
‫ل ِل ّذي َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫جن ّةِ هُ ْ‬‫ب ال ْ َ‬‫حا ُ‬‫ص َ‬
‫أ ْ‬
‫ة‪,‬‬‫للمؤمنين الذين أحسنوا عبادة الله فأطاعوه فيما أمر ونهى‪ ,‬الجن ُ‬
‫وزيادة عليها‪ ,‬وهي النظر إلى وجه الله تعالى في الجنة‪ ,‬والمغفرةُ‬
‫والرضوان‪ ,‬ول يغشى وجوههم غبار ول ذلة‪ ,‬كما يلحق أهل النار‪.‬‬
‫دا‪.‬‬ ‫هؤلء المتصفون بهذه الصفات هم أصحاب الجنة ماكثون فيها أب ً‬

‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬‫ة َ‬‫م ذِل ّ ٌ‬ ‫سي ّئ َةٍ ب ِ ِ‬
‫مث ْل َِها وَت َْرهَُقهُ ْ‬ ‫جَزاُء َ‬ ‫ت َ‬ ‫سي َّئا ِ‬‫سُبوا ال ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫مظ ِْلما ً أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫عاصم ك َأ َنما أ ُ‬
‫ك‬ ‫ل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫طع‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ه‬ ‫جو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ش‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫ن َ ِ ٍ ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫الل ّهِ ِ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫صوا الله لهم جزاء‬
‫والذين عملوا السيئات في الدنيا فكفروا وع َ‬
‫أعمالهم السيئة التي عملوها بمثلها من عقاب الله في الخرة‪,‬‬
‫من مانع يمنعهم‬‫من عذاب الله ِ‬ ‫وتغشاهم ذّلة وهوان‪ ,‬وليس لهم ِ‬
‫إذا عاقبهم‪ ,‬كأنما ُألبست وجوههم طائفة من سواد الليل المظلم‪.‬‬
‫دا‪.‬‬
‫هؤلء هم أهل النار ماكثون فيها أب ً‬

‫كههانك ُ َ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫م‬ ‫م َ َ ْ‬
‫م أن ُْتهه ْ‬ ‫كوا َ‬ ‫شههَر ُ‬ ‫ل ل ِّلهه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ميعهها ً ُثهه ّ‬
‫م ن َُقههو ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫شههُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫م نَ ْ‬
‫وََيههوْ َ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫دو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م إ ِّياَنا ت َعْب ُ ُ‬ ‫م َ‬ ‫كاؤُهُ ْ‬ ‫شَر َ‬
‫ل ُ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫م فََزي ّل َْنا ب َي ْن َهُ ْ‬‫كاؤُك ُ ْ‬
‫شَر َ‬‫وَ ُ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم نحشر الخلق جميعا للحساب والجزاء‪ ,‬ثم‬
‫نقول للذين أشركوا بالله‪ :‬الزموا مكانكم أنتم وشركاؤكم الذين‬
‫كنتم تعبدونهم من دون الله حتى تنظروا ما ي ُْفعل بكم‪ ,‬فََفّرْقنا بين‬
‫من دون الله ممن كانوا‬ ‫دوا ِ‬
‫من عُب ِ ُ‬
‫المشركين ومعبوديهم‪ ,‬وتبّرأ َ‬
‫يعبدونهم‪ ,‬وقالوا للمشركين‪ :‬ما كنتم إيانا تعبدون في الدنيا‪.‬‬

‫م ل ََغافِِلي َ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫عَباد َت ِك ُ ْ‬ ‫ن ك ُّنا عَ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫شِهيدا ً ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫فَك ََفى ِبالل ّهِ َ‬

‫‪395‬‬
‫دا بيننا وبينكم‪ ,‬إننا لم نكن نعلم ما كنتم تقولون‬
‫فكفى بالله شهي ً‬
‫وتفعلون‪ ,‬ولقد كّنا عن عبادتكم إيانا غافلين‪ ,‬ل نشعر بها‪.‬‬

‫َ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫م ال ْ َ‬
‫حقّ وَ َ‬ ‫ولهُ ْ‬ ‫دوا إ َِلى الل ّهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫سل ََف ْ‬
‫ت وَُر ّ‬ ‫ما أ ْ‬
‫س َ‬‫ل ن َْف ٍ‬ ‫ك ت َب ُْلو ك ُ ّ‬
‫هَُنال ِ َ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َْفت َُرو َ‬ ‫م َ‬‫عَن ْهُ ْ‬
‫في ذلك الموقف للحساب تتفقد كل نفس أحوالها وأعمالها التي‬
‫سلفت وتعاينها‪ ,‬وتجازى بحسبها‪ :‬إن خيًرا فخير‪ ,‬وإن شًرا فشر‪,‬‬
‫ة وأهل‬ ‫خ َ‬ ‫ُ‬
‫ل أهل الجنةِ الجن َ‬ ‫وُرد ّ الجميع إلى الله الحكم العدل‪ ,‬فأد ِ‬
‫النار النار‪ ,‬وذهب عن المشركين ما كانوا يعبدون من دون الله‬
‫افتراء عليه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫صههاَر‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫سه ْ‬
‫ك ال ّ‬ ‫مل ِه ُ‬
‫ن يَ ْ‬
‫مه ْ‬ ‫ضأ ّ‬ ‫ماِء َوالْر ِ‬ ‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َْرُزقُك ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫ل َ‬‫قُ ْ‬
‫ن ُيهد َب ُّر‬ ‫مه ْ‬
‫ي وَ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫حه ّ‬ ‫مه ْ‬‫ت ِ‬ ‫ج ال ْ َ‬
‫مّيه َ‬ ‫خهرِ ُ‬ ‫ت وَي ُ ْ‬
‫مّيه ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م ْ‬ ‫ي ِ‬‫ح ّ‬ ‫ج ال ْ َ‬
‫خرِ ُ‬ ‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫ل أَفل ت َت ُّقو َ‬ ‫ه فَُق ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫سي َُقوُلو َ‬ ‫مَر فَ َ‬ ‫ال ْ‬
‫من يرزقكم من السماء‪ ,‬بما‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪َ :‬‬
‫ُينزله من المطر‪ ,‬ومن الرض بما ينبته فيها من أنواع النبات‬
‫من يملك ما تتمتعون به أنتم‬ ‫والشجر تأكلون منه أنتم وأنعامكم؟ و َ‬
‫س السمع والبصار؟ ومن ذا الذي يملك الحياة‬ ‫وغيركم من حوا ّ‬
‫والموت في الكون كّله‪ ,‬فيخرج الحياء والموات بعضها من بعض‬
‫من يدّبر أمر‬
‫فيما تعرفون من المخلوقات‪ ,‬وفيما ل تعرفون؟ و َ‬
‫السماء والرض وما فيهن‪ ,‬وأمركم وأمر الخليقة جميًعا؟ فسوف‬
‫يجيبونك بأن الذي يفعل ذلك كله هو الله‪ ,‬فقل لهم‪ :‬أفل تخافون‬
‫عقاب الله إن عبدتم معه غيره؟‬

‫ذا بعد ال ْحق إل ّ الضل ُ َ‬


‫ص هَرُفو َ‬
‫ن)‬ ‫ل فَأن ّهها ت ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ما َ َ ْ َ َ ّ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫حقّ فَ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫فَذ َل ِك ُ ْ‬
‫‪(32‬‬
‫حق للعبادة‬
‫فذلكم الله ربكم هو الحق الذي ل ريب فيه‪ ,‬المست َ ِ‬
‫وحده ل شريك له‪ ,‬فأي شيء سوى الحق إل الضلل؟‪ ,‬فكيف‬
‫صَرفون عن عبادته إلى عبادة ما سواه؟‬
‫تُ ْ‬

‫‪396‬‬
‫َ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫م ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن فَ َ‬
‫سُقوا أن ّهُ ْ‬ ‫ك عََلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ة َرب ّ َ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫م ُ‬ ‫حّق ْ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬
‫كما كفر هؤلء المشركون واستمّروا على شركهم‪ ,‬حقت كلمة ربك‬
‫وحكمه وقضاؤه على الذين خرجوا عن طاعة ربهم إلى معصيته‬
‫وكفروا به أّنهم ل يصدقون بوحدانية الله‪ ,‬ول بنبوة نبّيه محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ,‬ول يعملون بهديه‪.‬‬

‫ق‬ ‫ه ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬
‫خْلهه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ن ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬
‫خل ْقَ ث ُ ّ‬
‫م ي ُِعيد ُهُ قُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫كائ ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م َْ‬
‫ل ِ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن )‪(34‬‬ ‫كو َ‬ ‫م ي ُِعيد ُهُ فَأّنا ت ُؤْفَ ُ‬
‫ثُ ّ‬
‫خْلق‬
‫من يبدأ َ‬‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬هل من آلهتكم ومعبوداتكم َ‬
‫أي شيء من غير أصل‪ ,‬ثم يفنيه بعد إنشائه‪ ,‬ثم يعيده كهيئته قبل‬
‫أن يفنيه؟ فإنهم ل يقدرون على دعوى ذلك‪ ,‬قل ‪-‬أيها الرسول‪:-‬‬
‫الله تعالى وحده هو الذي ينشئ الخلق ثم يفنيه ثم يعيده‪ ,‬فكيف‬
‫تنصرفون عن طريق الحق إلى الباطل‪ ,‬وهو عبادة غير الله؟‬

‫ق‬
‫حه ّ‬ ‫دي ل ِل ْ َ‬ ‫ه ي َهْه ِ‬ ‫ل الّله ُ‬
‫حهقّ قُه ْ‬ ‫دي إ َِلهى ال ْ َ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬
‫م ْ‬‫م َ‬‫كائ ِك ُ ْ‬
‫شَر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دى فَ َ‬
‫مهها‬ ‫دي إ ِل ّ أ ْ‬
‫ن ي ُهْ ه َ‬ ‫ن ل ي َهِ ه ّ‬‫مه ْ‬ ‫ن ي ُت ّب َعَ أ ّ‬‫حقّ أ ْ‬ ‫حق ّ أ َ‬ ‫دي إ َِلى ال ْ َ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬‫م ْ‬ ‫أفَ َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫مو َ‬ ‫حك ُ ُ‬
‫ف تَ ْ‬‫م ك َي ْ َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫من يرشد‬ ‫من شركائكم َ‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬هل ِ‬
‫إلى الطريق المستقيم؟ فإنهم ل يقدرون على ذلك‪ ,‬قل لهم‪ :‬الله‬
‫من‬ ‫وحده يهدي الضال عن الهدى إلى الحق‪ .‬أيهما أحق بالتباع‪َ :‬‬
‫يهدي وحده للحق أم من ل يهتدي لعدم علمه ولضلله‪ ,‬وهي‬
‫دى؟ فما بالكم كيف‬ ‫شركاؤكم التي ل َتهدي ول َتهتدي إل أن ُته َ‬
‫ويتم بين الله وخلقه؟ وهذا حكم باطل‪.‬‬ ‫س ّ‬

‫َ‬
‫ن الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫ش هْيئا ً إ ِ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح هقّ َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن الظ ّ ّ‬
‫ن ل ي ُغِْني ِ‬ ‫م إ ِل ّ ظ َن ّا ً إ ِ ّ‬‫ما ي َت ّب ِعُ أك ْث َُرهُ ْ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫ما ي َْفعَُلو َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫وما يتبع أكثر هؤلء المشركين في جعلهم الصنام آلهة واعتقادهم‬
‫صا وظًنا‪ ,‬وهو ل يغني من اليقين شيًئا‪.‬‬
‫بأنها تقّرب إلى الله إل تخر ً‬
‫إن الله عليم بما يفعل هؤلء المشركون من الكفر والتكذيب‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫ذا ال ُْقرآ َ‬
‫ديقَ ال ّه ِ‬
‫ذي‬ ‫صه ِ‬
‫ن تَ ْ‬‫ن الل ّههِ وَل َك ِه ْ‬
‫دو ِ‬‫ن ُ‬‫مه ْ‬‫ن ي ُْفت ََرى ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬
‫ب ِفيهِ ِ‬ ‫ب ل َري ْ َ‬‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫صي َ‬
‫ن ي َد َي ْهِ وَت َْف ِ‬‫ب َي ْ َ‬
‫من عند غير الله‪ ,‬لنه ل‬
‫وما كان يتهّيأ لحد أن يأتي بهذا القرآن ِ‬
‫دقا للكتب التي‬
‫يقدر على ذلك أحد من الخلق‪ ,‬ولكن الله أنزله مص ّ‬
‫أنزلها على أنبيائه; لن دين الله واحد‪ ,‬وفي هذا القرآن بيان‬
‫وتفصيل لما شرعه الله لمة محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬ل شك‬
‫ى من رب العالمين‪.‬‬‫في أن هذا القرآن موح ً‬

‫أ َم يُقوُلون افْتراه قُ ْ ْ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫س هت َط َعْت ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫نا ْ‬
‫م ْ‬ ‫مث ْل ِهِ َواد ْ ُ‬
‫عوا َ‬ ‫ل فَأُتوا ب ِ ُ‬
‫سوَرةٍ ِ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ن )‪(38‬‬ ‫صادِِقي َ‬
‫م َ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫دو ِ‬
‫ُ‬
‫بل أيقولون‪ :‬إن هذا القرآن افتراه محمد من عند نفسه؟ فإنهم‬
‫يعلمون أنه بشر مثلهم!! قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬فأتوا أنتم بسورة‬
‫واحدة من جنس هذا القرآن في نظمه وهدايته‪ ,‬واستعينوا على‬
‫من قَد َْرتم عليه من دون الله من إنس وجن‪ ,‬إن كنتم‬
‫ذلك بكل َ‬
‫صادقين في دعواكم‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫ب اّلهه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ك ك َذ ّ َ‬ ‫م ت َأِويل ُ ُ‬
‫ه ك َذ َل ِ َ‬ ‫مهِ وَل َ ّ‬
‫ما ي َأت ِهِ ْ‬ ‫طوا ب ِعِل ْ ِ‬
‫حي ُ‬ ‫م يُ ِ‬‫ما ل َ ْ‬
‫ل ك َذ ُّبوا ب ِ َ‬ ‫بَ ْ‬
‫ن )‪(39‬‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬‫ة ال ّ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ف َ‬‫م َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬‫م ْ‬
‫ِ‬
‫بل ساَرعوا إلى التكذيب بالقرآن أول ما سمعوه‪ ,‬قبل أن يتدبروا‬
‫آياته‪ ,‬وكفروا بما لم يحيطوا بعلمه من ذكر البعث والجزاء والجنة‬
‫عدوا به في الكتاب‪.‬‬‫والنار وغير ذلك‪ ,‬ولم يأتهم بعد ُ حقيقة ما وُ ِ‬
‫ذبت المم التي خلت قبلهم‪,‬‬ ‫ذب المشركون بوعيد الله ك ّ‬ ‫وكما ك ّ‬
‫فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف كانت عاقبة الظالمين؟ فقد أهلك الله‬
‫بعضهم بالخسف‪ ,‬وبعضهم بالغرق‪ ,‬وبعضهم بغير ذلك‪.‬‬

‫ومنهم من يؤْمن به ومنهم من ل يؤْمن به ورب َ َ‬


‫ن‬
‫دي َ‬
‫سه ِ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬
‫مْف ِ‬ ‫ك أعْل َه ُ‬ ‫ُ ِ ُ ِ ِ ََ ّ‬ ‫َ ِ ُْ ْ َ ْ ُ ِ ُ ِ ِ َ ِ ُْ ْ َ ْ‬
‫)‪(40‬‬
‫دق‬‫دق بالقرآن‪ ,‬ومنهم من ل يص ّ‬
‫من يص ّ‬
‫من قومك ‪-‬أيها الرسول‪َ -‬‬
‫و ِ‬
‫به حتى يموت على ذلك ويبعث عليه‪ ,‬وربك أعلم بالمفسدين الذين‬
‫‪398‬‬
‫ل يؤمنون به على وجه الظلم والعناد والفساد‪ ,‬فيجازيهم على‬
‫فسادهم بأشد العذاب‪.‬‬

‫َ‬ ‫ل ِلي عَمِلي ول َك ُم عَمل ُك ُ َ‬ ‫ن ك َذ ُّبو َ‬


‫مه ُ‬
‫ل‬ ‫مهها أعْ َ‬
‫م ّ‬ ‫ريُئو َ‬
‫ن ِ‬ ‫م ب َه ِ‬
‫م أن ْت ُه ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ك فَُق ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(41‬‬ ‫مُلو َ‬
‫ما ت َعْ َ‬
‫م ّ‬‫ريٌء ِ‬ ‫وَأَنا ب َ ِ‬
‫ذبك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء المشركون فقل لهم‪ :‬لي ديني‬ ‫وإن ك ّ‬
‫خذون بعملي‪ ,‬وأنا ل‬
‫وعملي‪ ,‬ولكم دينكم وعملكم‪ ,‬فأنتم ل تؤا َ‬
‫خذ بعملكم‪.‬‬ ‫أؤا َ‬

‫ومنهم من يستمعون إل َي َ َ َ‬
‫كاُنوا ل ي َعِْقُلو َ‬
‫ن)‬ ‫م وَل َوْ َ‬
‫ص ّ‬
‫معُ ال ّ‬
‫س ِ‬ ‫ك أفَأن ْ َ‬
‫ت تُ ْ‬ ‫َ ِ ُْ ْ َ ْ َ ْ َ ِ ُ َ ِ ْ‬
‫‪(42‬‬
‫من يسمعون كلمك الحق‪ ,‬وتلوتك القرآن‪ ,‬ولكنهم ل‬ ‫ن الكفار َ‬
‫م َ‬
‫و ِ‬
‫يهتدون‪ .‬أفأنت ت َْقدر على إسماع الصم؟ فكذلك ل تقدر على هداية‬
‫م عن سماع الحق‪ ,‬ل‬‫هؤلء إل أن يشاء الله هدايتهم; لنهم ص ّ‬
‫يعقلونه‪.‬‬

‫ومنهم من ينظ ُر إل َي َ َ َ‬
‫ن)‬ ‫ي وَل َهوْ ك َههاُنوا ل ي ُب ْ ِ‬
‫ص هُرو َ‬ ‫دي ال ْعُ ْ‬
‫مه َ‬ ‫ك أفَأن ْ َ‬
‫ت ت َهْ ِ‬ ‫َ ِ ُْ ْ َ ْ َْ ُ ِ ْ‬
‫‪(43‬‬
‫من ينظر إليك وإلى أدلة نبوتك الصادقة‪ ,‬ولكنه ل يبصر‬‫ن الكفار َ‬
‫م َ‬
‫و ِ‬
‫ما آتاك الله من نور اليمان‪ ,‬أفأنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬تقدر على أن‬
‫تخلق للعمي أبصاًرا يهتدون بها؟ فكذلك ل تقدر على هدايتهم إذا‬
‫كانوا فاقدي البصيرة‪ ,‬وإنما ذلك كّله لله وحده‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫م ي َظ ْل ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫سه ُ ْ‬
‫س أن ُْف َ‬ ‫شْيئا ً وَل َك ِ ّ‬
‫ن الّنا َ‬ ‫س َ‬ ‫ه ل ي َظ ْل ِ ُ‬
‫م الّنا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫إِ ّ‬
‫إن الله ل يظلم الناس شيًئا بزيادة في سيئاتهم أو نقص من‬
‫حسناتهم‪ ,‬ولكن الناس هم الذين يظلمون أنفسهم بالكفر‬
‫والمعصية ومخالفة أمر الله ونهيه‪.‬‬

‫‪399‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن الن َّههارِ ي َت ََعهاَرُفو َ‬
‫ن ب َي ْن َُهه ْ‬ ‫مه ْ‬
‫ة ِ‬ ‫م ي َل ْب َُثوا إ ِل ّ َ‬
‫ساعَ ً‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م ك َأ ْ‬‫شُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫م يَ ْ‬
‫وَي َوْ َ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ُ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ب ِل َِقاِء الل ّهِ وَ َ‬
‫ذي َ‬‫سَر ال ّ ِ‬‫خ ِ‬‫قَد ْ َ‬
‫ويوم َيحشر الله هؤلء المشركين يوم البعث والحساب‪ ,‬كأنهم قبل‬
‫ذلك لم يمكثوا في الحياة الدنيا إل قدر ساعة من النهار‪ ,‬يعرف‬
‫ضا كحالهم في الدنيا‪ ,‬ثم انقطعت تلك المعرفة وانقضت‬ ‫بعضهم بع ً‬
‫تلك الساعة‪ .‬قد خسر الذين كفروا وك ّ‬
‫ذبوا بلقاء الله وثوابه وعقابه‪,‬‬
‫وما كانوا موّفقين لصابة الرشد فيما فعلوا‪.‬‬

‫م الل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫م ث ُه ّ‬
‫جعُهُه ْ‬
‫مْر ِ‬ ‫م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّه َ‬
‫ك فَإ ِل َي ْن َهها َ‬ ‫ذي ن َعِد ُهُ ْ‬‫ض ال ّ ِ‬ ‫ما ن ُرِي َن ّ َ‬
‫ك ب َعْ َ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫ما ي َْفعَُلو َ‬
‫شِهيد ٌ عََلى َ‬ ‫َ‬
‫دهم من العقاب‬ ‫ما نريّنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬في حياتك بعض الذي ن َعِ ُ‬
‫وإ ّ‬
‫في الدنيا‪ ,‬أو نتوفينك قبل أن نريك ذلك فيهم‪ ,‬فإلينا وحدنا يرجع‬
‫أمرهم في الحالتين‪ ,‬ثم الله شهيد على أفعالهم التي كانوا يفعلونها‬
‫في الدنيا‪ ,‬ل يخفى عليه شيء منها‪ ,‬فيجازيهم بها جزاءهم الذي‬
‫يستحقونه‪.‬‬

‫ول ِك ُ ّ ُ‬
‫مل‬
‫ط وَهُ ه ْ‬ ‫م ِبال ِْق ْ‬
‫سه ِ‬ ‫ي ب َي ْن َهُ ه ْ‬
‫ضه َ‬ ‫سول ُهُ ْ‬
‫م قُ ِ‬ ‫جاَء َر ُ‬ ‫ل فَإ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫سو ٌ‬
‫مةٍ َر ُ‬
‫لأ ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ي ُظل ُ‬
‫خل َ ْ‬
‫ت قبلكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬رسول أرسلُته إليهم‪ ,‬كما‬ ‫ولكل أمة َ‬
‫دا إليكم يدعو إلى دين الله وطاعته‪ ,‬فإذا جاء رسولهم‬‫أرسلت محم ً‬
‫من جزاء‬‫ي حينئذ بينهم بالعدل‪ ,‬وهم ل ُيظلمون ِ‬
‫ض َ‬‫في الخرة قُ ِ‬
‫أعمالهم شيًئا‪.‬‬

‫ن )‪(48‬‬
‫صادِِقي َ‬
‫م َ‬ ‫ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫مَتى هَ َ‬ ‫وَي َُقوُلو َ‬
‫ن َ‬
‫ويقول المشركون من قومك ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬متى قيام الساعة إن‬
‫من تبعك من الصادقين فيما ت َِعدوننا به؟‬
‫كنت أنت و َ‬

‫َ‬ ‫شاَء الل ّه ل ِك ُ ّ ُ‬ ‫َ‬


‫ذا‬ ‫جه ٌ‬
‫ل إِ َ‬ ‫م هة ٍ أ َ‬
‫لأ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ضّرا ً َول ن َْفعا ً إ ِل ّ َ‬
‫سي َ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫ك ل ِن َْف ِ‬ ‫للأ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫مو َ‬‫ست َْقدِ ُ‬
‫ة َول ي َ ْ‬ ‫ساعَ ً‬‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬
‫ست َأ ِ‬‫م َفل ي َ ْ‬ ‫جل ُهُ ْ‬
‫جاَء أ َ‬
‫َ‬
‫‪400‬‬
‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ل أستطيع أن أدفع عن نفسي ضًرا‪ ,‬ول‬
‫من ضّر أو يجلب لي‬ ‫أجلب لها نفًعا‪ ,‬إل ما شاء الله أن يدفع عني ِ‬
‫من نفع‪ .‬لكل قوم وقت لنقضاء مدتهم وأجلهم‪ ,‬إذا جاء وقت‬
‫مهلون‪,‬‬
‫انقضاء أجلهم وفناء أعمارهم‪ ,‬فل يستأخرون عنه ساعة في ُ ْ‬
‫ول يتقدم أجلهم عن الوقت المعلوم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ل أ َرأ َيتههم إ َ‬


‫ه‬
‫مْنهه ُ‬ ‫ج ُ‬
‫ل ِ‬ ‫سههت َعْ ِ‬
‫ذا ي َ ْ‬ ‫ه ب ََياتهها ً أوْ ن ََهههارا ً َ‬
‫مهها َ‬ ‫عهه َ‬
‫ذاب ُ ُ‬ ‫ن أَتههاك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ُقهه ْ َ ْ ُ ْ ِ ْ‬
‫ن )‪(50‬‬‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬أخبروني إن أتاكم عذاب الله‬
‫ليل أو نهاًرا‪ ,‬فأي شيء تستعجلون أيها المجرمون بنزول العذاب؟‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫جُلو َ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ن وَقَد ْ ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ب ِهِ ت َ ْ‬ ‫م ب ِهِ أال َ‬ ‫ما وَقَعَ آ َ‬
‫من ْت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫أث ُ ّ‬
‫م إِ َ‬
‫أبعدما وقع عذاب الله بكم ‪-‬أيها المشركون‪ -‬آمنتم في وقت ل‬
‫ينفعكم فيه اليمان؟ وقيل لكم حينئذ‪ :‬آلن تؤمنون به‪ ,‬وقد كنتم‬
‫من قبل تستعجلون به؟‬

‫مهها ك ُن ْت ُه ْ‬
‫م‬ ‫ن إ ِل ّ ب ِ َ‬
‫ج هَزوْ َ‬ ‫خل ْدِ هَ ه ْ‬
‫ل تُ ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ذوُقوا عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫موا ُ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ِقي َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن )‪(52‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫ت َك ْ ِ‬
‫ثم قيل للذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله‪ :‬تجّرعوا عذاب الله‬
‫دا‪ ,‬فهل ُتعاَقبون إل بما كنتم تعملون في حياتكم من‬
‫الدائم لكم أب ً‬
‫معاصي الله؟‬

‫َ‬ ‫ويستنبُئون َ َ‬
‫ن)‬
‫زي ه َ‬
‫ج ِ‬
‫مع ْ ِ‬
‫م بِ ُ‬
‫مهها أن ْت ُه ْ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ح هق ّ و َ َ‬ ‫حقّ هُوَ قُ ْ‬
‫ل ِإي وََرّبي إ ِن ّه ُ‬ ‫كأ َ‬ ‫ََ ْ َِْ َ‬
‫‪(53‬‬
‫ويستخبرك هؤلء المشركون من قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن العذاب‬
‫يوم القيامة‪ ,‬أحقّ هو؟ قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬نعم وربي إنه لحق‬
‫ل شك فيه‪ ,‬وما أنتم بمعجزين الله أن يبعثكم ويجازيكم‪ ,‬فأنتم في‬
‫قبضته وسلطانه‪.‬‬

‫‪401‬‬
‫َ‬ ‫ل ن َْفس ظ َل َمت ما ِفي ال َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م َ‬
‫دا َ‬
‫سّروا الن ّ َ‬
‫ت ب ِهِ وَأ َ‬ ‫ض لفْت َد َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ل ِك ُ ّ‬ ‫وَل َوْ أ ّ‬
‫ن‬
‫ن )‪(54‬‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ط وَهُ ْ‬
‫س ِ‬ ‫م ِبال ِْق ْ‬
‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ب وَقُ ِ‬
‫ض َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ما َرأ َْوا‬
‫لَ ّ‬
‫ولو أن لكل نفس أشركت وكفرت بالله جميع ما في الرض‪,‬‬
‫وأمكنها أن تجعله فداء لها من ذلك العذاب لفتدت به‪ ,‬وأخفى‬
‫الذين ظلموا حسرتهم حين أبصروا عذاب الله واقعا بهم جميًعا‪,‬‬
‫وقضى الله عز وجل بينهم بالعدل‪ ,‬وهم ل ُيظَلمون؛ لن الله تعالى‬
‫ل يعاقب أحدا إل بذنبه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫حهقّ وَل َك ِه ّ‬
‫ن‬ ‫ن وَعْهد َ الل ّههِ َ‬
‫ض أل إ ِ ّ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫سه َ‬
‫مهها فِههي ال ّ‬‫ن ل ِل ّهِ َ‬‫أل إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(55‬‬‫مو َ‬‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫أك ْث ََرهُ ْ‬
‫أل إن كل ما في السموات وما في الرض ملك لله تعالى‪ ,‬ل شيء‬
‫من ذلك لحد سواه‪ .‬أل إن لقاء الله تعالى وعذابه للمشركين كائن‪,‬‬
‫ولكن أكثرهم ل يعلمون حقيقة ذلك‪.‬‬

‫ن )‪(56‬‬ ‫ت وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬


‫جُعو َ‬ ‫مي ُ‬
‫ي وَي ُ ِ‬
‫ح ِ‬
‫هُوَ ي ُ ْ‬
‫إن الله هو المحيي والمميت ل يتع ّ‬
‫ذر عليه إحياء الناس بعد موتهم‪,‬‬
‫كما ل تعجزه إماتتهم إذا أراد ذلك‪ ,‬وهم إليه راجعون بعد موتهم‪.‬‬

‫عظ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫دوِر‬
‫صهه ُ‬
‫ما ِفي ال ّ‬
‫شَفاٌء ل ِ َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءت ْك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ن )‪(57‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ٌ‬
‫ح َ‬
‫دى وََر ْ‬ ‫وَهُ ً‬
‫يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم تذ ّ‬
‫كركم عقاب الله‬
‫وتخوفكم وعيده‪ ,‬وهي القرآن وما اشتمل عليه من اليات‬
‫والعظات لصلح أخلقكم وأعمالكم‪ ,‬وفيه دواء لما في القلوب من‬
‫الجهل والشرك وسائر المراض‪ ,‬ورشد لمن اتبعه من الخلق‬
‫فينجيه من الهلك‪ ,‬جعله سبحانه وتعالى نعمة ورحمة للمؤمنين‪,‬‬
‫صهم بذلك; لنهم المنتفعون باليمان‪ ,‬وأما الكافرون فهو عليهم‬
‫وخ ّ‬
‫مى‪.‬‬‫عَ َ‬

‫‪402‬‬
‫ن)‬
‫معُههو َ‬
‫ج َ‬
‫مهها ي َ ْ‬
‫م ّ‬
‫خي ْهٌر ِ‬ ‫ك فَل ْي َْفَر ُ‬
‫حوا هُهوَ َ‬ ‫مت ِهِ فَب ِذ َل ِ َ‬ ‫ل الل ّهِ وَب َِر ْ‬
‫ح َ‬ ‫ض ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل ب َِف ْ‬
‫‪(58‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لجميع الناس‪ :‬بفضل الله وبرحمته‪ ,‬وهو ما‬
‫جاءهم من الله من الهدى ودين الحق وهو السلم‪ ,‬فبذلك‬
‫فليفرحوا; فإن السلم الذي دعاهم الله إليه‪ ,‬والقرآن الذي أنزله‬
‫على محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬خير مما يجمعون من حطام‬
‫الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة‪.‬‬

‫ل‬ ‫حَرام ها ً وَ َ‬
‫حلل ً قُ ه ْ‬ ‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫جعَل ْت ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ق فَ َ‬
‫ن رِْز ٍ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫م َ‬
‫قُ ْ َ َ‬
‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫َأالل ّه أ َذن ل َك ُ َ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫م عََلى الل ّهِ ت َْفت َُرو َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِ َ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء الجاحدين للوحي‪ :‬أخبروني عن هذا الرزق‬
‫الذي خلقه الله لكم من الحيوان والنبات والخيرات فحّللتم بعض‬
‫ذلك لنفسكم وحّرمتم بعضه‪ ,‬قل لهم‪ :‬آلله أذن لكم بذلك‪ ,‬أم‬
‫تقولون على الله الباطل وتكذبون؟ وإنهم ليقولون على الله‬
‫الباطل ويكذبون‪.‬‬

‫ه ل َه ُ‬
‫ذو‬ ‫ن الل ّه َ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫م هة ِ إ ِ ّ‬ ‫ن عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ‬
‫ب ي َهوْ َ‬ ‫ن ي َْفت َُرو َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ما ظ َ ّ‬‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫شك ُُرو َ‬‫م ل يَ ْ‬ ‫س وَل َك ِ ّ‬
‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ل عَلى الّنا ِ‬
‫ض ٍ َ‬ ‫فَ ْ‬
‫ن هؤلء الذين يتخرصون على الله الكذب يوم الحساب‪,‬‬ ‫وما ظ ّ‬
‫فيضيفون إليه تحريم ما لم يحرمه عليهم من الرزاق والقوات‪ ,‬أن‬
‫الله فاعل بهم يوم القيامة بكذبهم وفِْري َِتهم عليه؟ أيحسبون أنه‬
‫يصفح عنهم ويغفر لهم؟ إن الله لذو فضل على خلقه; بتركه‬
‫من افترى عليه الكذب بالعقوبة في الدنيا وإمهاله إياه‪,‬‬ ‫معاجلة َ‬
‫ولكن أكثر الناس ل يشكرون الله على تفضله عليهم بذلك‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫شأ ْ‬ ‫ما ت َ ُ‬


‫ل‬‫ٍ‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫هو‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫م‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫ن‬ ‫رآ‬
‫ْ ْ ٍ َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫م‬‫ِ‬ ‫لوا‬ ‫ْ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫ن ِفي َ ٍ َ‬
‫و‬ ‫ن‬ ‫كو ُ‬ ‫وَ َ‬
‫مث َْقهها ِ‬
‫ل‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ما ي َعُْز ُ‬ ‫ن ِفيهِ وَ َ‬ ‫ضو َ‬‫شُهودا ً إ ِذ ْ ت ُِفي ُ‬‫م ُ‬‫إ ِل ّ ك ُّنا عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ك َول أ َك ْب َهَر إ ِل ّ فِههي‬ ‫ن ذ َل ِه َ‬ ‫مه ْ‬
‫صغََر ِ‬
‫َ‬
‫ماِء َول أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ض َول ِفي ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫ذ َرةٍ ِفي ال َ‬
‫ّ‬
‫ن )‪(61‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫ك َِتا ٍ‬

‫‪403‬‬
‫من أمورك وما تتلو من كتاب الله‬
‫وما تكون ‪-‬أيها الرسول‪ -‬في أمر ِ‬
‫من آيات‪ ,‬وما يعمل أحد من هذه المة عمل من خير أو شر إل كنا‬
‫مط ِّلعين عليه‪ ,‬إذ تأخذون في ذلك‪ ,‬وتعملونه‪,‬‬
‫دا ُ‬
‫عليكم شهو ً‬
‫فنحفظه عليكم ونجزيكم به‪ ,‬وما يغيب عن علم ربك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫من زنة نملة صغيرة في الرض ول في السماء‪ ,‬ول أصغر الشياء‬
‫ول أكبرها‪ ,‬إل في كتاب عند الله واضح جلي‪ ,‬أحاط به علمه وجرى‬
‫به قلمه‪.‬‬

‫ن )‪(62‬‬
‫حَزُنو َ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬
‫م َول هُ ْ‬ ‫ن أ َوْل َِياءَ الل ّهِ ل َ‬
‫خو ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫أل إ ِ ّ‬
‫أل إن أولياء الله ل خوف عليهم في الخرة من عقاب الله‪ ,‬ول هم‬
‫يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا‪.‬‬

‫ن )‪(63‬‬ ‫مُنوا وَ َ‬
‫كاُنوا ي َت ُّقو َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫دقوا الله واتبعوا رسوله وما‬
‫وصفات هؤلء الولياء‪ ,‬أنهم الذين ص ّ‬
‫جاء به من عند الله‪ ,‬وكانوا يتقون الله بامتثال أوامره‪ ,‬واجتناب‬
‫معاصيه‪.‬‬

‫ت الل ّه ِ‬
‫ه‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬
‫مهها ِ‬ ‫دي َ‬
‫خهَرةِ ل ت َب ْه ِ‬ ‫شَرى ِفي ال ْ َ‬
‫حَياةِ الهد ّن َْيا وَفِههي ال ِ‬ ‫م ال ْب ُ ْ‬‫ل َهُ ْ‬
‫م )‪(64‬‬ ‫ظي ُ‬‫ك هُوَ ال َْفوُْز ال ْعَ ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬

‫لهؤلء الولياء البشارة من الله في الحياة الدنيا بما يسّرهم‪ ,‬وفي‬


‫الخرة بالجنة‪ ,‬ل يخلف الله وعده ول يغّيره‪ ,‬ذلك هو الفوز العظيم;‬
‫من كل محذور‪ ,‬والظ َّفر بكل مطلوب‬ ‫لنه اشتمل على النجاة ِ‬
‫محبوب‪.‬‬

‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫م )‪(65‬‬ ‫ميعا ً هُوَ ال ّ‬
‫س ِ‬ ‫ن ال ْعِّزةَ ل ِل ّهِ َ‬
‫ج ِ‬ ‫ك قَوْل ُهُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫حُزن ْ َ‬
‫َول ي َ ْ‬
‫ول يحزنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قول المشركين في ربهم وافتراؤهم عليه‬
‫وإشراكهم معه الوثان والصنام; فإن الله تعالى هو المتفرد بالقوة‬
‫الكاملة والقدرة التامة في الدنيا والخرة‪ ,‬وهو السميع لقوالهم‪,‬‬
‫العليم بأفعالهم ونياتهم‪.‬‬

‫‪404‬‬
‫ت ومن ِفي ال َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫عو َ‬
‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ما ي َت ّب ِعُ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ض وَ َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫س‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ن ل ِل ّ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫أل‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫ن ُ ْ ِ َ ُ ُ َ‬
‫صو‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ن إ ِل ّ الظ ّ ّ‬‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫شَر َ‬
‫كاَء إ ِ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ُ‬ ‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫من في السموات ومن في الرض من الملئكة‪,‬‬ ‫أل إن لله كل َ‬
‫من يدعو غير الله من‬
‫والنس‪ ,‬والجن وغير ذلك‪ .‬وأي شيء يّتبع َ‬
‫الشركاء؟ ما يّتبعون إل الشك‪ ,‬وإن هم إل يكذبون فيما ينسبونه‬
‫إلى الله‪.‬‬

‫صههرا ً إ ِ ّ‬
‫ن فِههي ذ َل ِه َ‬
‫ك‬ ‫سك ُُنوا ِفيهِ َوالن َّهاَر ُ‬
‫مب ْ ِ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬
‫ل ل ِت َ ْ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬‫جع َ َ‬‫ذي َ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن )‪(67‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬
‫ت ل َِقوْم ٍ ي َ ْ‬‫لَيا ٍ‬
‫هو الذي جعل لكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬الليل لتسكنوا فيه وتهدؤوا من عناء‬
‫الحركة في طلب المعاش‪ ,‬وجعل لكم النهار; لتبصروا فيه‪,‬‬
‫وا لطلب رزقكم‪ .‬إن في اختلف الليل والنهار وحال أهلهما‬ ‫ولتسعَ ْ‬
‫جا على أن الله وحده هو المستحق للعبادة‪ ,‬لقوم‬ ‫فيهما َلدلل ً‬
‫ة وحج ً‬
‫يسمعون هذه الحجج‪ ,‬ويتفكرون فيها‪.‬‬

‫ما ِفههي‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬


‫س َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬‫ي لَ ُ‬
‫ه هُوَ ال ْغَن ِ ّ‬
‫حان َ ُ‬ ‫ه وََلدا ً ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬‫َقاُلوا ات ّ َ‬
‫طان به َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مهها ل ت َعْل َ ُ‬
‫مههو َ‬ ‫ن عََلى الل ّهِ َ‬‫ذا أت َُقوُلو َ‬ ‫سل ْ َ ٍ ِ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫عن ْد َك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ض إِ ْ‬ ‫الْر ِ‬
‫)‪(68‬‬
‫دا‪ ,‬كقولهم‪ :‬الملئكة بنات الله‪ ,‬أو‬
‫قال المشركون‪ :‬اتخذ الله ول ً‬
‫دس الله عن ذلك كله وتنّزه‪ ,‬هو الغني عن كل‬ ‫المسيح ابن الله‪ .‬تق ّ‬
‫ما سواه‪ ,‬له كل ما في السموات والرض‪ ,‬فكيف يكون له ولد‬
‫ممن خلق وكل شيء مملوك له؟ وليس لديكم دليل على ما‬
‫تفترونه من الكذب‪ ,‬أتقولون على الله ما ل تعلمون حقيقته‬
‫وصحته؟‬

‫ن )‪(69‬‬
‫حو َ‬ ‫ن عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ‬
‫ب ل ي ُْفل ِ ُ‬ ‫ن ي َْفت َُرو َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل إِ ّ‬
‫قل‪ :‬إن الذين يفترون على الله الكذب باتخاذ الولد وإضافة‬
‫الشريك إليه‪ ,‬ل ينالون مطلوبهم في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬

‫‪405‬‬
‫مهها‬
‫ديد َ ب ِ َ‬ ‫ب ال ّ‬
‫شه ِ‬ ‫م ال ْعَ ه َ‬
‫ذا َ‬ ‫ذيُقهُ ْ‬ ‫م ث ُه ّ‬
‫م ن ُه ِ‬ ‫جعُهُ ه ْ‬ ‫م إ ِل َي َْنا َ‬
‫مْر ِ‬ ‫مَتاعٌ ِفي الد ّن َْيا ث ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(70‬‬ ‫كاُنوا ي َك ُْفُرو َ‬‫َ‬

‫عا قصيًرا‪ ,‬ثم إذا انقضى‬


‫إنما يتمتعون في الدنيا بكفرهم وكذبهم متا ً‬
‫أجلهم فإلينا مصيرهم‪ ,‬ثم نذيقهم عذاب جهنم بسبب كفرهم بالله‬
‫وتكذيبهم رسل الله‪ ,‬وجحدهم آياته‪.‬‬

‫ل عل َيههم نبهأ َ‬
‫ن ك َب ُهَر عَل َي ْك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ن ك َهها َ‬ ‫مهِ ي َهها قَهوْم ِ إ ِ ْ‬ ‫ل ل َِقهوْ ِ‬ ‫ح إ ِذ ْ قَهها َ‬‫ٍ‬ ‫هو‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ن‬ ‫َوات ْ ُ َ ْ ِ ْ َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫مَرك ُه ْ‬ ‫مُعوا أ ْ‬ ‫ت ف َ هأ ْ‬
‫ج ِ‬ ‫ت الل ّههِ فَعَل َههى الل ّههِ ت َهوَك ّل ْ ُ‬ ‫ري ِبآي َهها ِ‬ ‫مي وَت َهذ ْ ِ‬
‫كي ِ‬ ‫مَقا ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ي َول ت ُن ْظ ِهُرو ِ‬ ‫ضوا إ ِل َ ّ‬ ‫م اقْ ُ‬ ‫ة ثُ ّ‬
‫م ً‬‫م غُ ّ‬‫م عَل َي ْك ُ ْ‬‫مُرك ُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ل ي َك ُ ْ‬ ‫م ثُ ّ‬‫كاَءك ُ ْ‬
‫شَر َ‬‫وَ ُ‬
‫)‪(71‬‬
‫واقصص ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على كفار "مكة" خبر نوح ‪-‬عليه السلم‪-‬‬
‫م عليكم مقامي فيكم وتذكيري‬ ‫مع قومه حين قال لهم‪ :‬إن كان عَظ ُ َ‬
‫دوا‬
‫إياكم بحجج الله وبراهينه فعلى الله اعتمادي وبه ثقتي‪ ,‬فأع ّ‬
‫أمركم‪ ,‬وادعوا شركاءكم‪ ,‬ثم ل تجعلوا أمركم عليكم مستتًرا بل‬
‫ي بالعقوبة والسوء الذي في إمكانكم‪,‬‬ ‫ظاهًرا منكشًفا‪ ,‬ثم اقضوا عل ّ‬
‫ول تمهلوني ساعة من نهار‪.‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فَإن تول ّيتم فَما سأ َل ْتك ُم من أ َجر إ َ‬


‫ن‬
‫تأ ْ‬ ‫ري إ ِل ّ عََلى الل ّهِ وَأ ِ‬
‫مههْر ُ‬ ‫ج ِ‬
‫نأ ْ‬‫ِ ْ َ َ ُْ ْ َ َ ُ ْ ِ ْ ْ ٍ ِ ْ‬
‫ن )‪(72‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫أَ ُ‬
‫كو َ‬
‫فإن أعرضتم عن دعوتي فإنني لم أسألكم أجًرا; لن ثوابي عند‬
‫ربي وأجري عليه سبحانه‪ ,‬وحده ل شريك له‪ ,‬وأمرت أن أكون من‬
‫المنقادين لحكمه‪.‬‬

‫ف وَأ َغَْرقْن َهها‬


‫خلئ ِ َ‬ ‫جعَل ْن َههاهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ه فِههي ال ُْفل ْه ِ‬‫معَه ُ‬‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫فَك َذ ُّبوهُ فَن َ ّ‬
‫جي ْن َههاهُ وَ َ‬
‫ن )‪(73‬‬ ‫من ْذ َِري َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫عاقِب َ ُ‬‫ن َ‬ ‫ف َ‬
‫كا َ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا َفان ْظ ُْر ك َي ْ َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫جيناه هو ومن معه‬‫مه فيما أخبرهم به عن الله‪ ,‬فن ّ‬ ‫حا قو ُ‬
‫فكذب نو ً‬
‫خُلفون المكذبين في الرض‪ ,‬وأغرقنا‬ ‫في السفينة‪ ,‬وجعلناهم ي َ ْ‬
‫الذين جحدوا حججنا‪ ,‬فتأمل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف كان عاقبة القوم‬
‫الذين أنذرهم رسولهم عذاب الله وبأسه؟‬
‫‪406‬‬
‫مهها ك َههاُنوا‬ ‫ت فَ َ‬ ‫م ِبال ْب َي ّن َهها ِ‬ ‫م فَ َ‬
‫جههاُءوهُ ْ‬ ‫سل ً إ َِلى قَ هوْ ِ‬
‫مه ِ ْ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ُر ُ‬ ‫م ب َعَث َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن)‬ ‫دي َ‬ ‫معْت َه ِ‬‫ب ال ْ ُ‬‫ك ن َط ْب َهعُ عَل َههى قُل ُههو ِ‬ ‫ل ك َهذ َل ِ َ‬
‫ن قَب ْ ُ‬ ‫ما ك َذ ُّبوا ب ِهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫مُنوا ب ِ َ‬ ‫ل ِي ُؤْ ِ‬
‫‪(74‬‬
‫حا وإبراهيم‬ ‫دا وصال ً‬‫ثم بعثنا من بعد نوح رسل إلى أقوامهم )هو ً‬
‫طا وشعيًبا وغيَرهم( فجاء كل رسول قومه بالمعجزات الدالة‬ ‫ولو ً‬
‫دقوا‬‫على رسالته‪ ,‬وعلى صحة ما دعاهم إليه‪ ,‬فما كانوا ليص ّ‬
‫من سبقهم من المم الخالية‪ .‬وكما‬ ‫ويعملوا بما ك ّ‬
‫ذب به قوم نوح و َ‬
‫ختم الله على قلوب هؤلء القوام فلم يؤمنوا‪ ,‬كذلك يختم على‬
‫من شابههم ممن بعدهم من الذين تجاوزوا حدود الله‪,‬‬ ‫قلوب َ‬
‫وخالفوا ما دعاهم إليه رسلهم من طاعته عقوبة لهم على‬
‫معاصيهم‪.‬‬

‫مل َئ ِهِ ِبآَيات ِن َهها‬ ‫ن إ ِل َههى فِْرعَهوْ َ‬


‫ن وَ َ‬ ‫سههى وَهَههاُرو َ‬ ‫مو َ‬‫م ُ‬ ‫ن ب َعْهدِهِ ْ‬
‫مه ْ‬‫م ب َعَث ْن َهها ِ‬‫ث ُه ّ‬
‫ن )‪(75‬‬ ‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬
‫م ْ‬‫وما ً ُ‬‫كاُنوا قَ ْ‬‫ست َك ْب َُروا وَ َ‬ ‫َفا ْ‬
‫من بعد أولئك الرسل موسى وهارون عليهما السلم إلى‬ ‫ثم بعثنا ِ‬
‫فرعون وأشراف قومه بالمعجزات الدالة على صدقهما‪ ,‬فاستكبروا‬
‫ما مشركين مجرمين مكذبين‪.‬‬‫عن َقبول الحق‪ ,‬وكانوا قو ً‬

‫ن )‪(76‬‬
‫مِبي ٌ‬
‫حٌر ُ‬ ‫ذا ل َ ِ‬
‫س ْ‬ ‫عن ْدَِنا َقاُلوا إ ِ ّ‬
‫ن هَ َ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫حقّ ِ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما َ‬
‫مه الحقّ الذي جاء به موسى قالوا‪ :‬إن الذي‬
‫ن وقو َ‬
‫فلما أتى فرعو َ‬
‫جاء به موسى من اليات إنما هو سحر ظاهر‪.‬‬

‫ل موسههى أ َتُقوُلههون ل ِل ْحههق ل َمهها جههاَءك ُ َ‬


‫ح‬ ‫ههه َ‬
‫ذا َول ي ُْفِلهه ُ‬ ‫حٌر َ‬
‫سهه ْ‬
‫مأ ِ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقهها َ ُ َ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫حُرو َ‬
‫سا ِ‬
‫ال ّ‬
‫من قولهم‪ :‬أتقولون للحق لما جاءكم‪ :‬إنه‬‫قال لهم موسى متعجًبا ِ‬
‫ف ما جاءكم وما اشتمل عليه تجدوه الحق‪.‬‬ ‫ص َ‬‫سحر مبين؟ انظروا وَ ْ‬
‫ول يفلح الساحرون‪ ,‬ول يفوزون في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬

‫‪407‬‬
‫مهها ال ْك ِب ْرِي َههاءُ فِههي‬ ‫َ‬
‫ن ل َك ُ َ‬ ‫جد َْنا عَل َي ْهِ آَباَءَنا وَت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ما وَ َ‬ ‫جئ ْت ََنا ل ِت َل ِْفت ََنا عَ ّ‬
‫َقاُلوا أ ِ‬
‫ال َ‬
‫ن )‪(78‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ل َك ُ َ‬
‫ما ب ِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫قال فرعون وملؤه لموسى‪ :‬أجئتنا لتصرفنا عما وجدنا عليه آباءنا‬
‫من عبادة غير الله‪ ,‬وتكون لكما أنت وهارون العظمة والسلطان‬
‫في أرض "مصر"؟ وما نحن لكما بمقّرين بأنكما رسولن ُأرسلتما‬
‫إلينا; لنعبد الله وحده ل شريك له‪.‬‬

‫حرٍ عَِليم ٍ )‪(79‬‬


‫سا ِ‬ ‫ن ائ ُْتوِني ب ِك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫وََقا َ‬
‫ل فِْرعَوْ ُ‬
‫وقال فرعون‪ :‬جيئوني بكل ساحر متقن للسحر‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مل ُْقو َ‬
‫ن )‪(80‬‬ ‫م ُ‬ ‫سى أل ُْقوا َ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫حَرةُ َقا َ‬
‫س َ‬
‫جاءَ ال ّ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما َ‬
‫فلما جاء السحرة فرعون قال لهم موسى‪ :‬ألقوا على الرض ما‬
‫معكم من حبالكم وعصّيكم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن الّلهه َ‬
‫ه‬ ‫سي ُب ْط ِل ُ ُ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫حُر إ ِ ّ‬
‫س ْ‬ ‫جئ ْت ُ ْ‬
‫م ب ِهِ ال ّ‬ ‫ما ِ‬
‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫وا َقا َ‬‫ما أل َْق ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ن )‪(81‬‬ ‫دي َ‬
‫س ِ‬‫مْف ِ‬‫ل ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ح عَ َ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫ل يُ ْ‬
‫ن الذي جئتم به‬
‫فلما ألَقوا حبالهم وعصّيهم قال لهم موسى‪ :‬إ ّ‬
‫وألقيتموه هو السحر‪ ,‬إن الله سي ُ ْ‬
‫ذهب ما جئتم به وسُيبطله‪ ,‬إن‬
‫من سعى في أرض الله بما يكرهه‪ ,‬وأفسد فيها‬ ‫الله ل يصلح عمل َ‬
‫بمعصيته‪.‬‬

‫ن )‪(82‬‬
‫مو َ‬
‫جرِ ُ‬ ‫مات ِهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫حقّ ب ِك َل ِ َ‬ ‫حقّ الل ّ ُ‬
‫وَي ُ ِ‬
‫ويثّبت الله الحق الذي جئتكم به من عنده فُيعليه على باطلكم‬
‫من آل‬
‫بكلماته وأمره‪ ,‬ولو كره المجرمون أصحاب المعاصي ِ‬
‫فرعون‪.‬‬

‫مل َئ ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ن وَ َ‬‫ن فِْرعَوْ َ‬‫م ْ‬ ‫ف ِ‬‫خو ْ ٍ‬ ‫مهِ عََلى َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬‫سى إ ِل ّ ذ ُّري ّ ٌ‬ ‫مو َ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن ل ََعال ِفي ال َ‬ ‫أَ‬
‫ن )‪(83‬‬ ‫سرِِفي َ‬‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬‫ه لَ ِ‬
‫ض وَإ ِن ّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ع‬‫ر‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ت‬‫ف‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬
‫‪408‬‬
‫فما آمن لموسى عليه السلم مع ما أتاهم به من الحجج والدلة إل‬
‫ذرية من قومه من بني إسرائيل‪ ,‬وهم خائفون من فرعون وملئه‬
‫دوهم عن دينهم‪ ,‬وإن فرعون َلجبار‬‫أن يفتنوهم بالعذاب‪ ,‬فيص ّ‬
‫مستكبر في الرض‪ ,‬وإنه لمن المتجاوزين الحد في الكفر والفساد‪.‬‬

‫م‬ ‫م ب ِههالل ّهِ فَعَل َي ْههِ ت َوَك ّل ُههوا إ ِ ْ‬


‫ن ك ُن ْت ُه ْ‬ ‫من ْت ُه ْ‬ ‫ن ك ُن ْت ُه ْ‬
‫مآ َ‬ ‫سى َيا قَهوْم ِ إ ِ ْ‬
‫مو َ‬‫ل ُ‬‫وََقا َ‬
‫ن )‪(84‬‬
‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ُ‬
‫وقال موسى‪ :‬يا قومي إن صدقتم بالله ‪-‬ج ّ‬
‫ل وعل‪ -‬وامتثلتم شرعه‬
‫فثقوا به‪ ,‬وسّلموا لمره‪ ,‬وعلى الله توكلوا إن كنتم مذعنين له‬
‫بالطاعة‪.‬‬

‫ن )‪(85‬‬
‫مي َ‬ ‫ة ل ِل َْقوْم ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫جعَل َْنا فِت ْن َ ً‬
‫فََقاُلوا عََلى الل ّهِ ت َوَك ّل َْنا َرب َّنا ل ت َ ْ‬
‫ِ‬
‫فقال قوم موسى له‪ :‬على الله وحده ل شريك له اعتمدنا‪ ,‬وإليه‬
‫وضنا أمرنا‪ ,‬ربنا ل تنصرهم علينا فيكون ذلك فتنة لنا عن الدين‪،‬‬ ‫ف ّ‬
‫أو ُيفتن الكفاُر بنصرهم‪ ،‬فيقولوا‪ :‬لو كانوا على حق لما ُ‬
‫غلبوا‪.‬‬

‫ن )‪(86‬‬
‫ري َ‬ ‫ن ال َْقوْم ِ ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مت ِ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ح َ‬
‫جَنا ب َِر ْ‬
‫وَن َ ّ‬
‫جنا برحمتك من القوم الكافرين فرعون وملئه; لنهم كانوا‬
‫ون ّ‬
‫يأخذونهم بالعمال الشاقة‪.‬‬

‫جعَل ُههوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سى وَأ َ ِ‬ ‫َ‬


‫صهَر ب ُُيوتها ً َوا ْ‬
‫م ْ‬ ‫مك ُ َ‬
‫مهها ب ِ ِ‬ ‫ن ت َب َهوّأا ل َِقوْ ِ‬
‫خيهِ أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫حي َْنا إ َِلى ُ‬
‫وَأوْ َ‬
‫بيوتك ُم قبل َ ً َ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫شْر ال ْ ُ‬‫صلةَ وَب َ ّ‬
‫موا ال ّ‬ ‫ة وَأِقي ُ‬ ‫ُُ َ ْ ِ ْ‬
‫وأوحينا إلى موسى وأخيه هارون أن اتخذا لقومكما بيوًتا في‬
‫"مصر" تكون مساكن وملجئ تعتصمون بها‪ ,‬واجعلوا بيوتكم أماكن‬
‫دوا الصلة المفروضة في أوقاتها‪ .‬وب ّ‬
‫شر‬ ‫تصّلون فيها عند الخوف‪ ,‬وأ ّ‬
‫المؤمنين المطيعين لله بالنصر المؤزر‪ ,‬والثواب الجزيل منه‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪409‬‬
‫ك آتيت فرعَون ومل َه زين ه ً َ‬
‫وال ً فِههي ال ْ َ‬
‫حي َههاةِ‬ ‫مه َ‬ ‫ة وَأ ْ‬ ‫سى َرب َّنا إ ِن ّ َ َ ْ َ ِ ْ ْ َ َ َ ُ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫شد ُد ْ عََلى‬ ‫َ‬
‫م َوا ْ‬ ‫وال ِهِ ْ‬‫م َ‬‫س عََلى أ ْ‬‫م ْ‬ ‫ك َرب َّنا اط ْ ِ‬
‫سِبيل ِ َ‬
‫ن َ‬‫ضّلوا عَ ْ‬‫الد ّن َْيا َرب َّنا ل ِي ُ ِ‬
‫َ‬ ‫حّتى ي ََرْوا ال ْعَ َ‬
‫م )‪(88‬‬‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫م َفل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنوا َ‬ ‫قُُلوب ِهِ ْ‬
‫وقال موسى‪ :‬ربنا إنك أعطيت فرعون وأشراف قومه زينة من‬
‫متاع الدنيا; فلم يشكروا لك‪ ,‬وإنما استعانوا بها على الضلل عن‬
‫سبيلك‪ ,‬ربنا اطمس على أموالهم‪ ,‬فل ينتفعوا بها‪ ,‬واختم على‬
‫قلوبهم حتى ل تنشرح لليمان‪ ,‬فل يؤمنوا حتى يروا العذاب الشديد‬
‫الموجع‪.‬‬

‫ُ‬
‫ن‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سِبي َ‬
‫ن َ‬
‫ما َول ت َت ّب َِعا ِ‬
‫ست َِقي َ‬ ‫ت د َعْوَت ُك ُ َ‬
‫ما َفا ْ‬ ‫ل قَد ْ أ ِ‬
‫جيب َ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫)‪(89‬‬
‫قال الله تعالى لهما‪ :‬قد أجيبت دعوتكما في فرعون وملئه‬
‫من على دعائه‪ ,‬فمن هنا‬ ‫وأموالهم ‪-‬وكان موسى يدعو‪ ,‬وهارون يؤ ّ‬
‫نسبت الدعوة إلى الثنين‪ -‬فاستقيما على دينكما‪ ,‬واستمّرا على‬
‫دعوتكما فرعون وقومه إلى توحيد الله وطاعته‪ ,‬ول تسلكا طريق‬
‫من ل يعلم حقيقة وعدي ووعيدي‪.‬‬‫َ‬

‫دوا ً‬ ‫َ‬
‫جن ُههود ُهُ ب َْغي ها ً وَعَه ْ‬
‫م‬‫حَر فَأت ْب َعَهُ ْ‬
‫ن وَ ُ‬ ‫ل ال ْب َ ْ‬
‫فِْرعَهوْ ُ‬ ‫سَراِئي َ‬‫جاوَْزَنا ب ِب َِني إ ِ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ب ِههِ ب َن ُههو‬
‫من َه ْ‬‫ذي آ َ‬‫ه‬ ‫ه إ ِل ّ ال ّه ِ‬
‫ت أن ّه ُ‬ ‫ل إ ِل َه َ‬
‫من ْه ُ‬
‫لآ َ‬ ‫ه ال ْغََرقُ َقا َ‬ ‫ذا أد َْرك َ ُ‬‫حّتى إ ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(90‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م ْ‬‫ل وَأَنا ِ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫إِ ْ‬
‫وقط َْعنا ببني إسرائيل البحر حتى جاوزوه‪ ,‬فأتبعهم فرعون وجنوده‬
‫ما وعدواًنا‪ ,‬فسلكوا البحر وراءهم‪ ,‬حتى إذا أحاط بفرعون‬ ‫ظل ً‬
‫ت به بنو إسرائيل‪ ,‬وأنا من‬
‫ت أنه ل إله إل الذي آمن ْ‬ ‫الغرق قال‪ :‬آمن ُ‬
‫الموحدين المستسلمين بالنقياد والطاعة‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(91‬‬
‫دي َ‬
‫س ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مْف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل وَك ُن ْ َ‬
‫ت ِ‬ ‫ت قَب ْ ُ‬ ‫ن وَقَد ْ عَ َ‬
‫صي ْ َ‬ ‫أال َ‬
‫آلن يا فرعون‪ ,‬وقد نزل بك الموت تقّر لله بالعبودية‪ ,‬وقد عصيته‬
‫قبل نزول عذابه بك‪ ,‬وكنت من المفسدين الصادين عن سبيله!!‬
‫فل تنفعك التوبة ساعة الحتضار ومشاهدة الموت والعذاب‪.‬‬

‫‪410‬‬
‫س‬
‫ن الن ّهها ِ‬ ‫ن ك َِثيههرا ً ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ة وَإ ِ ّ‬ ‫خل َْفه َ‬
‫ك آي َه ً‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ن لِ َ‬ ‫ك ل ِت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ك ب ِب َد َن ِ َ‬
‫جي َ‬ ‫َفال ْي َوْ َ‬
‫م ن ُن َ ّ‬
‫ن )‪(92‬‬ ‫ن آَيات َِنا ل ََغافُِلو َ‬ ‫عَ ْ‬
‫ذب‬ ‫فاليوم نجعلك على مرتفع من الرض ببدنك‪ ,‬ينظر إليك من ك ّ‬
‫بهلكك; لتكون لمن بعدك من الناس عبرة يعتبرون بك‪ .‬فإن كثيًرا‬
‫من الناس عن حججنا وأدلتنا َلغافلون‪ ,‬ل يتفكرون فيها ول يعتبرون‪.‬‬

‫ل مب هوأ َ‬ ‫ول ََقد بوأ ْ‬


‫ت فَ َ‬
‫مهها‬ ‫ن الط ّي ّب َهها ِ‬‫مه ْ‬‫م ِ‬ ‫ق وََرَزقْن َههاهُ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ئي‬
‫ِ‬ ‫را‬‫َ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ ّ‬
‫مهها‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫م هةِ ِفي َ‬ ‫م ي َهوْ َ‬
‫ضي ب َي ْن َهُ ه ْ‬
‫ك ي َْق ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫م ال ْعِل ْ ُ‬‫جاَءهُ ْ‬ ‫حّتى َ‬ ‫خت َل َُفوا َ‬‫ا ْ‬
‫ن )‪(93‬‬ ‫خت َل ُِفو َ‬ ‫كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫َ‬

‫حا مختاًرا في بلد "الشام"‬ ‫ولقد أنزلنا بني إسرائيل منزل صال ً‬
‫و"مصر"‪ ,‬ورزقناهم الرزق الحلل الطيب من خيرات الرض‬
‫من بعد ما جاءهم العلم‬ ‫المباركة‪ ,‬فما اختلفوا في أمر دينهم إل ِ‬
‫الموجب لجتماعهم وائتلفهم‪ ,‬ومن ذلك ما اشتملت عليه التوراة‬
‫من الخبار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم‪ .‬إن ربك ‪-‬أيها‬
‫صل فيما كانوا يختلفون فيه‬‫الرسول‪ -‬يقضي بينهم يوم القيامة‪ ,‬وي َْف ِ‬
‫من أمرك‪ ,‬فيدخل المكذبين النار والمؤمنين الجنة‪.‬‬

‫ن ال ْك ِت َهها َ‬
‫ب‬ ‫ن ي َْق هَرُءو َ‬
‫ذي َ‬‫ل ال ّه ِ‬ ‫س هأ َ ْ‬
‫ك َفا ْ‬‫ما أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬‫م ّ‬‫ك ِ‬‫ش ّ‬‫ت ِفي َ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(94‬‬ ‫ري َ‬
‫مت َ ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ال ُ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫كون َ ّ‬‫ك َفل ت َ ُ‬
‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ك ل ََقد ْ َ‬
‫جاَء َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫فإن كنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬في ريب من حقيقة ما أخبرناك به فاسأل‬
‫الذين يقرؤون الكتاب من قبلك من أهل التوراة والنجيل‪ ,‬فإن ذلك‬
‫ثابت في كتبهم‪ ,‬لقد جاءك الحق اليقين من ربك بأنك رسول الله‪,‬‬
‫وأن هؤلء اليهود والنصارى يعلمون صحة ذلك‪ ,‬ويجدون صفتك في‬
‫ن من الشا ّ‬
‫كين‬ ‫كتبهم‪ ,‬ولكنهم ينكرون ذلك مع علمهم به‪ ,‬فل تكون ّ‬
‫في صحة ذلك وحقيقته‪.‬‬

‫ن )‪(95‬‬
‫ري َ‬
‫س ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ت الل ّهِ فَت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ِبآَيا ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫َول ت َ ُ‬
‫كون َ ّ‬
‫ذبوا بحجج الله وأدلته فتكون‬‫ول تكونن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من الذين ك ّ‬
‫خ َ‬
‫ط الله عليهم ونالوا عقابه‪.‬‬ ‫من الخاسرين الذين س ِ‬
‫‪411‬‬
‫ن )‪(96‬‬
‫مُنو َ‬ ‫ة َرب ّ َ‬
‫ك ل ي ُؤْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ك َل ِ َ‬ ‫حّق ْ‬
‫ن َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫إن الذين حّقت عليهم كلمة ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بطردهم من رحمته‬
‫وعذابه لهم‪ ,‬ل يؤمنون بحجج الله‪ ,‬ول يقّرون بوحدانيته‪ ,‬ول يعملون‬
‫بشرعه‪.‬‬

‫م )‪(97‬‬ ‫َ‬ ‫حّتى ي ََرْوا ال ْعَ َ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫وَل َوْ َ‬


‫ب الِلي َ‬
‫ذا َ‬ ‫ل آي َةٍ َ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬
‫ولو جاءتهم كل موعظة وعبرة حتى يعاينوا العذاب الموجع‪ ,‬فحينئذ‬
‫يؤمنون‪ ,‬ول ينفعهم إيمانهم‪.‬‬

‫من ُههوا‬ ‫س لَ ّ‬
‫مهها آ َ‬ ‫م ي ُههون ُ َ‬ ‫مان ُهَهها إ ِل ّ قَهوْ َ‬‫ت فَن ََفعَهَهها ِإي َ‬‫من َه ْ‬‫ةآ َ‬‫ت قَْري َه ٌ‬ ‫ول َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫فَل َ ْ‬
‫ن)‬ ‫حي ه ٍ‬ ‫م إ ِل َههى ِ‬
‫مت ّعْن َههاهُ ْ‬
‫حَياةِ ال هد ّن َْيا وَ َ‬ ‫ي ِفي ال ْ َ‬ ‫ب ال ْ ِ‬
‫خْز ِ‬ ‫ذا َ‬‫م عَ َ‬ ‫شْفَنا عَن ْهُ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫‪(98‬‬
‫لم ينفع اليمان أهل قرية آمنوا عند معاينة العذاب إل أهل قرية‬
‫ما أيقنوا أن العذاب نازل بهم تابوا إلى الله‬
‫مّتى‪ ,‬فإنهم له ّ‬
‫يونس بن َ‬
‫ما تبّين منهم الصدق في توبتهم كشف الله‬ ‫تعالى توبة نصوحا‪ ,‬فل ّ‬
‫عنهم عذاب الخزي بعد أن اقترب منهم‪ ,‬وتركهم في الدنيا‬
‫يستمتعون إلى وقت إنهاء آجالهم‪.‬‬

‫َ َ‬ ‫ك لمن من ِفي ال َ‬
‫ميعا ً أفَأن ْ َ‬
‫ت ت ُك ْرِهُ الّنهها َ‬
‫س‬ ‫ج ِ‬ ‫ض ك ُل ّهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬‫وَل َوْ َ‬
‫ن )‪(99‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬‫َ‬
‫ولو شاء ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬اليمان لهل الرض كلهم لمنوا جميًعا‬
‫بما جئتهم به‪ ,‬ولكن له حكمة في ذلك; فإنه يهدي من يشاء ويضل‬
‫كره الناس على‬‫من يشاء وَْفق حكمته‪ ,‬وليس في استطاعتك أن ت ُ ْ‬
‫اليمان‪.‬‬

‫َ‬
‫نل‬ ‫س عََلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ج َ‬
‫ل الّر ْ‬ ‫ن الل ّهِ وَي َ ْ‬
‫جع َ ُ‬ ‫ن إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫ن ت ُؤْ ِ‬
‫م َ‬ ‫سأ ْ‬‫ن ل ِن َْف ٍ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(100‬‬ ‫ي َعِْقُلو َ‬

‫‪412‬‬
‫وما كان لنفس أن تؤمن بالله إل بإذنه وتوفيقه‪ ,‬فل ُتجهد نفسك‬
‫في ذلك‪ ,‬فإن أمرهم إلى الله‪ .‬ويجعل الله العذاب والخزي على‬
‫الذين ل يعقلون أمره ونهيه‪.‬‬

‫ت وال َ‬
‫ت َوالن ّذ ُُر عَه ْ‬
‫ن‬ ‫ما ت ُغِْني الَيا ُ‬
‫ض وَ َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ذا ِفي ال ّ‬ ‫ل ان ْظ ُُروا َ‬
‫ما َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن )‪(101‬‬ ‫قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك‪ :‬تفكروا واعتبروا بما في السموات‬
‫والرض من آيات الله البينات‪ ,‬ولكن اليات والعبر والرسل المنذرة‬
‫ما ل يؤمنون بشيء من ذلك؛ لعراضهم‬ ‫عباد الله عقابه‪ ,‬ل تنفع قو ً‬
‫وعنادهم‪.‬‬

‫ل ينتظرون إل ّ مث ْ َ َ‬
‫ل َفان ْت َظ ُِروا إ ِن ّههي‬
‫م قُ ْ‬
‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫خل َ ْ‬
‫وا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ل أّيام ِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فَهَ ْ َ ْ َ ِ ُ َ ِ ِ‬
‫ن )‪(102‬‬ ‫ري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْت َظ ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫معَك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ما يعاينون فيه عذاب الله مثل أيام أسلفهم‬
‫فهل ينتظر هؤلء إل يو ً‬
‫ضوا قبلهم؟ قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬فانتظروا‬‫م َ‬
‫المكذبين الذين َ‬
‫عقاب الله إني معكم من المنتظرين عقابكم‪.‬‬

‫ن )‪(103‬‬
‫مِني َ‬ ‫ج ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ك َ ً َ‬
‫حّقا عَلي َْنا ن ُن ْ ِ‬ ‫مُنوا ك َذ َل ِ َ‬
‫نآ َ‬ ‫سل ََنا َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جي ُر ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م ن ُن َ ّ‬
‫جيك ‪-‬أيها‬
‫جي رسلنا والذين آمنوا معهم‪ ,‬وكما نجينا أولئك نن ّ‬
‫ثم نن ّ‬
‫الرسول‪ -‬ومن آمن بك تفضل مّنا ورحمة‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫دو َ‬‫ن ت َعْب ُ ُ‬
‫ذي َ‬‫ن ِديِني َفل أعْب ُد ُ ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬‫م ِفي َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫س إِ ْ‬
‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬‫ن ِ‬ ‫ن أك ُههو َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مهْر ُ‬ ‫ذي ي َت َوَفّههاك ُ ْ‬
‫م وَأ ِ‬ ‫ه ال ّه ِ‬
‫ن أعْب ُد ُ الل ّ َ‬ ‫ن الل ّهِ وَل َك ِ ْ‬ ‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(104‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء الناس‪ :‬إن كنتم في شك من صحة ديني‬
‫الذي دعوتكم إليه‪ ,‬وهو السلم ومن ثباتي واستقامتي عليه‪,‬‬
‫دا من‬ ‫وترجون تحويلي عنه‪ ,‬فإني ل أعبد في حال من الحوال أح ً‬
‫الذين تعبدونهم مما اتخذتم من الصنام والوثان‪ ,‬ولكن أعبد الله‬

‫‪413‬‬
‫مْرت أن أكون من‬ ‫ُ‬
‫وحده الذي يميتكم ويقبض أرواحكم‪ ,‬وأ ِ‬
‫دقين به العاملين بشرعه‪.‬‬
‫المص ّ‬

‫وأ َ َ‬
‫ن )‪(105‬‬
‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫حِنيفا ً َول ت َ ُ‬
‫كون َ ّ‬ ‫ن َ‬
‫دي ِ‬ ‫جه َ َ‬
‫ك ِلل ّ‬ ‫م وَ ْ‬
‫ن أقِ ْ‬
‫َ ْ‬
‫ما عليه غير‬
‫وأن أقم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬نفسك على دين السلم مستقي ً‬
‫مائل عنه إلى يهودية ول نصرانية ول عبادة غيره‪ ,‬ول تكونن ممن‬
‫يشرك في عبادة ربه اللهة والنداد‪ ,‬فتكون من الهالكين‪ .‬وهذا وإن‬
‫جه لعموم المة ‪.‬‬‫كان خطاًبا للرسول صلى الله عليه وسّلم فإنه مو ّ‬

‫ن‬ ‫ك ِإذا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن فَعَل ْ َ‬
‫ت فَإ ِن ّ َ‬ ‫ضّر َ‬
‫ك فَإ ِ ْ‬ ‫ك َول ي َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬
‫ما ل ي َن َْفعُ َ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫َول ت َد ْعُ ِ‬
‫ن )‪(106‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫ول ت َد ْعُ ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من دون الله شيًئا من الوثان والصنام; لنها‬
‫ل تنفع ول تضّر‪ ,‬فإن فعَْلت ذلك ودعوتها من دون الله فإنك إ ً‬
‫ذا من‬
‫المشركين بالله‪ ,‬الظالمين لنفسهم بالشرك والمعصية‪ .‬وهذا وإن‬
‫جه لعموم المة ‪.‬‬ ‫كان خطاًبا للرسول صلى الله عليه وسّلم فإنه مو ّ‬

‫خي ْهرٍ َفل َراد ّ‬ ‫ن ي ُرِد ْ َ‬


‫ك بِ َ‬ ‫ف لَ ُ‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ وَإ ِ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫كا ِ‬‫ضّر َفل َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه بِ ُ‬ ‫س َ‬
‫ك‬ ‫س ْ‬‫م َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫وَإ ِ ْ‬
‫م )‪(107‬‬ ‫حي ُ‬‫عَبادِهِ وَهُوَ ال ْغَُفوُر الّر ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاُء ِ‬ ‫م ْ‬
‫ب ِهِ َ‬ ‫ب‬‫صي ُ‬
‫ضل ِهِ ي ُ ِ‬
‫ل َِف ْ‬
‫وإن يصبك الله ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بشدة أو بلء فل كاشف لذلك إل هههو‬
‫دك برخاء أو نعمة ل يمنعه عنههك أحههد‪ ,‬يصههيب اللههه‬ ‫ج ّ‬
‫ل وعل وإن ي ُرِ ْ‬
‫عز وجل بالسراء والضراء من يشاء من عباده‪ ,‬وهو الغفور لههذنوب‬
‫من تاب‪ ,‬الرحيم بمن آمن به وأطاعه‪.‬‬ ‫َ‬

‫َ‬
‫دى فَإ ِن ّ َ‬
‫مهها‬ ‫ن اهْت َه َ‬ ‫م فَ َ‬
‫مه ْ‬ ‫ن َرب ّك ُه ْ‬
‫مه ْ‬ ‫ح هقّ ِ‬‫م ال ْ َ‬
‫جههاَءك ُ ْ‬ ‫س قَد ْ َ‬‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫ل)‬ ‫كيه ٍ‬ ‫م ب ِوَ ِ‬‫مهها أن َهها عَل َي ْك ُه ْ‬
‫ل عَل َي ْهَهها وَ َ‬‫ضه ّ‬
‫ما ي َ ِ‬ ‫ل فَإ ِن ّ َ‬
‫ض ّ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫سه ِ و َ َ‬
‫دي ل ِن َْف ِ‬‫ي َهْت َ ِ‬
‫‪(108‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء النههاس‪ :‬قههد جههاءكم رسههول اللههه بههالقرآن‬
‫الذي فيه بيان هدايتكم‪ ,‬فمن اهتدى بهههدي اللههه فإنمهها ثمههرة عملههه‬
‫راجعة إليه‪ ,‬ومن انحرف عن الحق وأصّر على الضلل فإنما ضههلله‬

‫‪414‬‬
‫كل بكم حتى تكونوا مؤمنين‪ ,‬إنما أنهها‬‫وضرره على نفسه‪ ,‬وما أنا مو ّ‬
‫سْلت به‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رسول مبّلغ أبّلغكم ما أْر ِ‬

‫ن)‬
‫مي َ‬ ‫خي ْهُر ال ْ َ‬
‫حههاك ِ ِ‬ ‫م الل ّه ُ‬
‫ه وَهُ هوَ َ‬ ‫حك ُ َ‬
‫حّتى ي َ ْ‬
‫صب ِْر َ‬ ‫حى إ ِل َي ْ َ‬
‫ك َوا ْ‬ ‫ما ُيو َ‬
‫َوات ّب ِعْ َ‬
‫‪(109‬‬
‫واتبع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وحي الله الذي يوحيه إليك فاعمههل بهه‪ ,‬واصههبر‬
‫على طاعة الله تعالى‪ ،‬وعن معصيته‪ ،‬وعلى أذى من آذاك في تبليغ‬
‫رسالته‪ ,‬حتى يقضي الله فيهم وفيههك أمههره‪ ,‬وهههو ‪-‬عهّز وجههل‪ -‬خيههر‬
‫الحاكمين; فإن حكمه مشتمل على العدل التام‪.‬‬

‫‪ -11‬سورة هود‬

‫ُ‬
‫خِبيرٍ )‪(1‬‬
‫كيم ٍ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ن ل َد ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫صل َ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫م فُ ّ‬
‫ه ثُ ّ‬
‫ت آَيات ُ ُ‬
‫م ْ‬
‫حك ِ َ‬
‫بأ ْ‬‫الر ك َِتا ٌ‬
‫طعة في أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫)الر( سبق الكلم على الحروف المق ّ‬

‫هذا الكتاب الههذي أنزلهه اللهه علههى محمههد صههلى اللههه عليههه وسههلم‬
‫ُأحكمت آياته من الخلههل والباطههل‪ ,‬ثههم ب ُّينههت بههالمر والنهههي وبيههان‬
‫الحلل والحرام من عند الله‪ ,‬الحكيم بتدبير المور‪ ,‬الخبير بما تؤول‬
‫إليه عواقبها‪.‬‬

‫َ‬
‫شيٌر )‪(2‬‬
‫ذيٌر وَب َ ِ‬
‫ه نَ ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ه إ ِن ِّني ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫دوا إ ِل ّ الل ّ َ‬
‫أل ّ ت َعْب ُ ُ‬
‫وإنزال القرآن وبيان أحكامه وتفصيلها وإحكامها; لجل أن ل تعبههدوا‬
‫إل الله وحده ل شريك له‪ .‬إنني لكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬من عند الله نههذير‬
‫شركم بثوابه‪.‬‬‫ينذركم عقابه‪ ,‬وبشير يب ّ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫جه ٍ‬‫سههنا ً إ ِل َههى أ َ‬ ‫مَتاع ها ً َ‬
‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫مت ّعْك ُه ْ‬‫م ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ ي ُ َ‬ ‫ست َغِْفُروا َرب ّك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫نا ْ‬‫وَأ ْ‬
‫ف عَل َي ْك ُه ْ‬
‫م‬ ‫خها ُ‬ ‫وا فَهإ ِّني أ َ َ‬
‫ن ت َوَل ّه ْ‬
‫ه وَإ ِ ْ‬ ‫ضهل َ ُ‬‫ل فَ ْ‬ ‫ضه ٍ‬‫ل ِذي فَ ْ‬ ‫ت كُ ّ‬‫مى وَي ُؤْ ِ‬‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ب ي َوْم ٍ ك َِبيرٍ )‪(3‬‬
‫ذا َ‬ ‫عَ َ‬

‫‪415‬‬
‫واسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم‪ ,‬ثم ارجعوا إليه نههادمين يمتْعكههم فههي‬
‫ط‬
‫عا حسًنا بالحياة الطيبة فيها‪ ,‬إلى أن يحين أجلكم‪ ,‬وُيعهه ِ‬ ‫دنياكم متا ً‬
‫كل ذي فضل من علم وعمل جزاء فضههله كههامل ل نقههص فيههه‪ ,‬وإن‬
‫ما أدعوكم إليه فإني أخشى عليكم عذاب يوم شديد‪ ,‬وهو‬ ‫تعرضوا ع ّ‬
‫يوم القيامة‪ .‬وهذا تهديد شههديد لمههن تههوّلى عههن أوامههر اللههه تعههالى‬
‫ذب رسله‪.‬‬ ‫وك ّ‬

‫يءٍ قَ ِ‬
‫ديٌر )‪(4‬‬ ‫م وَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬
‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫إ َِلى الل ّهِ َ‬
‫مْر ِ‬
‫إلى الله رجوعكم بعد موتكم جميًعا فاحههذروا عقههابه‪ ,‬وهههو سههبحانه‬
‫قادر على بعثكم وحشركم وجزائكم‪.‬‬

‫م‬
‫ن ث ِي َههاب َهُ ْ‬ ‫ست َغْ ُ‬
‫شههو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ه َأل ِ‬
‫حي ه َ‬ ‫من ْه ُ‬
‫خُفوا ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ل ِي َ ْ‬
‫دوَرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬
‫ن ُ‬ ‫م ي َث ُْنو َ‬
‫أل إ ِن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫دورِ )‪(5‬‬ ‫ص ُ‬‫ت ال ّ‬
‫ذا ِ‬‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬‫ن إ ِن ّ ُ‬‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬
‫ن وَ َ‬
‫سّرو َ‬‫ما ي ُ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫إن هؤلء المشركين يضمرون في صدورهم الكفههر; ظن ًهها منهههم أنههه‬
‫يخفههى علههى اللههه مهها تضههمره نفوسهههم‪ ,‬أل يعلمههون حيههن يغط ّههون‬
‫سّرهم وعلنيتهم؟ إنه عليههم‬ ‫أجسادهم بثيابهم أن الله ل يخفى عليه ِ‬
‫بكل ما ت ُك ِّنه صدورهم من النيات والضمائر والسرائر‪.‬‬

‫‪416‬‬
‫الجزء الثاني عشر ‪:‬‬
‫َ‬
‫ها‬
‫ست ََقّر َ‬
‫م ْ‬ ‫ض إ ِل ّ عََلى الل ّهِ رِْزقَُها وَي َعْل َ ُ‬
‫م ُ‬ ‫داب ّةٍ ِفي الْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫مِبي ٍ‬
‫ب ُ‬ ‫ست َوْد َعََها ك ُ ّ‬
‫ل ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫م ْ‬‫وَ ُ‬
‫ب على وجه الرض‪ ,‬تفضل منه‪,‬‬ ‫لقد تكّفل الله برزق جميع ما د ّ‬
‫ويعلم مكان استقراره في حياته وبعد موته‪ ,‬ويعلم الموضع الذي‬
‫يموت فيه‪ ,‬كل ذلك مكتوب في كتاب عند الله مبين عن جميع‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ه عََلى‬ ‫ش ُ‬‫ن عَْر ُ‬ ‫ست ّةِ أ َّيام ٍ وَ َ‬


‫كا َ‬ ‫ض ِفي ِ‬ ‫َ‬
‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫س َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ال ْماِء ل ِيبل ُوك ُم أ َيك ُ َ‬
‫ن ب َعْدِ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬‫م َ‬‫ت إ ِن ّك ُ ْ‬‫ن قُل ْ َ‬ ‫مل ً وَل َئ ِ ْ‬‫ن عَ َ‬ ‫س ُ‬
‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َْ َ ْ ّ ْ‬ ‫َ‬
‫حٌر‬
‫س ْ‬ ‫ذا إ ِل ّ ِ‬
‫ن هَ َ‬‫ن ك ََفُروا إ ِ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫ن ك ََفُروا ل َي َُقول َ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ت ل َي َُقول َ ّ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ُ‬
‫وهو الذي خلق السموات والرض وما فيهن في ستة أيام‪ ,‬وكان‬
‫ة وعمل‬ ‫عرشه على الماء قبل ذلك; ليختبركم أيكم أحسن له طاع ً‬
‫صا لله موافًقا لما كان عليه رسول الله صلى الله‬‫وهو ما كان خال ً‬
‫عليه وسلم‪ .‬ولئن قلت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين من قومك‪:‬‬
‫إنكم مبعوثون أحياًء بعد موتكم‪ ,‬لسارعوا إلى التكذيب وقالوا‪ :‬ما‬
‫هذا القرآن الذي تتلوه علينا إل سحر بّين‪.‬‬

‫ذاب إَلى أ ُمة معدودة ل َيُقول ُن ما يحبس َ‬ ‫ن أَ ّ‬


‫م‬
‫ه أل ي َوْ َ‬
‫ّ َ َ ْ ِ ُ ُ‬ ‫ّ ٍ َ ْ ُ َ ٍ َ‬ ‫م ال ْعَ َ َ ِ‬ ‫خْرَنا عَن ْهُ ْ‬ ‫ْوَل َئ ِ ْ‬
‫ست َهْزُِئون )‪(8‬‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫م َ‬
‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫صُروفا ً عَن ْهُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ل َي ْ َ‬
‫س َ‬ ‫ي َأِتيهِ ْ‬
‫خرنا عن هؤلء المشركين العذاب إلى أجل معلوم‬ ‫ولئن أ ّ‬
‫فاستبطؤوه‪ ,‬ليقول ُ ّ‬
‫ن استهزاء وتكذيًبا‪ :‬أي شيء يمنع هذا العذاب‬
‫من الوقوع إن كان حًقا؟ أل يوم يأتيهم ذلك العذاب ل يستطيع أن‬
‫يصرفه عنهم صارف‪ ,‬ول يدفعه دافع‪ ,‬وأحاط بهم من كل جانب‬
‫عذاب ما كانوا يستهزئون به قبل وقوعه بهم‪.‬‬

‫‪417‬‬
‫ول َئ ِ َ‬
‫ه ل َي َُئو ٌ‬
‫س ك َُفوٌر )‪(9‬‬ ‫ه إ ِن ّ ُ‬
‫من ْ ُ‬
‫ها ِ‬ ‫ة ثُ ّ‬
‫م ن ََزعَْنا َ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬
‫مّنا َر ْ‬
‫ن ِ‬
‫سا َ‬ ‫ن أذ َقَْنا ا ِ‬
‫لن َ‬ ‫َ ْ‬
‫مّنا نعمة من صحة وأمن وغيرهما‪ ,‬ثم سلبناها‬ ‫ولئن أعطينا النسان ِ‬
‫منه‪ ,‬إنه َلشديد اليأس من رحمة الله‪َ ,‬‬
‫جحود بالنعم التي أنعم الله‬
‫بها عليه‪.‬‬

‫ول َئ ِ َ‬
‫ه‬ ‫سي َّئا ُ‬
‫ت عَّني إ ِن ّ ُ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ه ل َي َُقول َ ّ‬
‫ن ذ َهَ َ‬ ‫ست ْ ُ‬
‫م ّ‬
‫ضّراءَ َ‬ ‫ن أذ َقَْناهُ ن َعْ َ‬
‫ماءَ ب َعْد َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫خوٌر )‪(10‬‬ ‫ح فَ ُ‬‫ل ََفرِ ٌ‬
‫سعنا عليه في رزقه بعد ضيق من‬‫ولئن بسطنا للنسان في دنياه وو ّ‬
‫ن عند ذلك‪ :‬ذهب الضيق عني وزالت الشدائد‪ ,‬إنه‬ ‫العيش‪ ,‬ليقول َ ّ‬
‫طر بالنعم‪ ,‬مبالغ في الفخر والتعالي على الناس‪.‬‬‫لب َ ِ‬

‫َ‬ ‫ت أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫جٌر ك َِبيٌر )‬
‫مغِْفَرةٌ وَأ ْ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫صب َُروا وَعَ ِ‬
‫ن َ‬ ‫إ ِل ّ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪(11‬‬
‫لكن الذين صبروا على ما أصابهم من الضراء إيماًنا بالله واحتساًبا‬
‫للجر عنده‪ ,‬وعملوا الصالحات شكرا لله على نعمه‪ ,‬هؤلء لهم‬
‫مغفرة لذنوبهم وأجر كبير في الخرة‪.‬‬

‫ك وضائ ِق به صدر َ َ‬
‫ول‬ ‫ن ي َُقوُلوا ل َ ْ‬
‫كأ ْ‬ ‫حى إ ِل َي ْ َ َ َ ٌ ِ ِ َ ْ ُ‬ ‫ما ُيو َ‬
‫ض َ‬‫ك ب َعْ َ‬ ‫فَل َعَل ّ َ‬
‫ك َتارِ ٌ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ل عَل َيه َ َ‬ ‫ُأنزِ َ‬
‫ي ءٍ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ذيٌر َوالل ّ ُ‬
‫ت نَ ِ‬
‫ما أن ْ َ‬ ‫مل َ ٌ‬
‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ه َ‬
‫مع َ ُ‬
‫جاَء َ‬
‫كنٌز أوْ َ‬ ‫ْ ِ‬
‫ل )‪(12‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫وَ ِ‬
‫فلعلك ‪-‬أيها الرسول لعظم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب‪ -‬تارك‬
‫بعض ما يوحى إليك مما أنزله الله عليك وأمرك بتبليغه‪ ,‬وضائق به‬
‫صدرك; خشية أن يطلبوا منك بعض المطالب على وجه التعنت‪,‬‬
‫كأن يقولوا‪ :‬لول ُأنزل عليه مال كثير‪ ,‬أو جاء معه ملك يصدقه في‬
‫رسالته‪ ,‬فبلغهم ما أوحيته إليك; فإنه ليس عليك إل النذار بما‬
‫ُأوحي إليك‪ .‬والله على كل شيء حفيظ يد َّبر جميع شؤون خلقه‪.‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬
‫عوا َ‬
‫ت َواد ْ ُ‬ ‫مث ْل ِهِ ُ‬
‫مْفت ََرَيا ٍ‬ ‫سوَرٍ ِ‬ ‫ل فَأ ُْتوا ب ِعَ ْ‬
‫شرِ ُ‬ ‫م ي َُقوُلو َ‬
‫ن افْت ََراهُ قُ ْ‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫‪418‬‬
‫ن )‪(13‬‬
‫صادِِقي َ‬
‫م َ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬
‫ن ُ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ا ْ‬
‫دا قد افترى‬
‫بل أيقول هؤلء المشركون من أهل "مكة"‪ :‬إن محم ً‬
‫هذا القرآن؟ قل لهم‪ :‬إن كان المر كما تزعمون فأتوا بعشر سور‬
‫مثله مفتريات‪ ,‬وادعوا من استطعتم من جميع خلق الله‬
‫ليساعدوكم على التيان بهذه السور العشر‪ ,‬إن كنتم صادقين في‬
‫دعواكم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫َ‬


‫ن ل إ ِل َ َ‬
‫ه إ ِل ّ هُ َ‬
‫و‬ ‫ل ب ِعِل ْم ِ الل ّهِ وَأ ْ‬ ‫م َفاعْل َ ُ‬
‫موا أن ّ َ‬ ‫جيُبوا ل َك ُ ْ‬‫ست َ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫فَإ ِل ّ ْ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫فَه ْ َ‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫من آمن‬‫فإن لم يستجب هؤلء المشركون لكم ‪-‬أيها الرسول و َ‬
‫جز الجميع عن ذلك‪ ,‬فاعلموا أن هذا‬ ‫معك‪ -‬لما تدعونهم إليه; ل ِعَ ْ‬
‫القرآن إنما أنزله الله على رسوله بعلمه وليس من قول البشر‪,‬‬
‫واعلموا أن ل إله ُيعبد بحق إل الله‪ ,‬فهل أنتم ‪-‬بعد قيام هذه الحجة‬
‫عليكم‪ -‬مسلمون منقادون لله ورسوله؟‬

‫ف إل َيه َ‬
‫م‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫م ِفيَها وَهُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫ريد ُ ال ْ َ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا وَِزين َت ََها ن ُوَ ّ ِ ْ ِ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬‫َ‬
‫ن )‪(15‬‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ِفيَها ل ي ُب ْ َ‬
‫مَتعها نعطهم ما قُ ِ‬
‫سم لهم من‬ ‫من كان يريد بعمله الحياة الدنيا و ُ‬
‫ثواب أعمالهم في الحياة الدنيا كامل غير منقوص‪.‬‬

‫صن َُعوا ِفيَها‬


‫ما َ‬ ‫حب ِ َ‬
‫ط َ‬ ‫خَرةِ إ ِل ّ الّناُر وَ َ‬
‫م ِفي ال ِ‬‫س ل َهُ ْ‬‫ن ل َي ْ َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ل َ‬‫وََباط ِ ٌ‬
‫أولئك ليس لهم في الخرة إل نار جهنم يقاسون حّرها‪ ,‬وذهب‬
‫عنهم ن َْفع ما عملوه‪ ,‬وكان عملهم باطل لنه لم يكن لوجه الله‪.‬‬

‫ن َرب ّهِ وَي َت ُْلوهُ َ‬ ‫َ‬


‫ب‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ك َِتا ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وَ ِ‬‫من ْ ُ‬
‫شاهِد ٌ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫أفَ َ‬
‫ب‬‫حَزا ِ‬ ‫ن ال َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َك ُْفْر ب ِهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ب ِهِ وَ َ‬ ‫مُنو َ‬‫ك ي ُؤْ ِ‬‫ة أ ُوْل َئ ِ َ‬‫م ً‬‫ح َ‬ ‫ماما ً وََر ْ‬ ‫سى إ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن أكث ََر‬ ‫ن َرب ّك وَلك ِ ّ‬ ‫م ْ‬‫حقّ ِ‬ ‫ه ال َ‬ ‫ه إ ِن ّ ُ‬
‫من ْ ُ‬
‫مْري َةٍ ِ‬‫ن ِفي ِ‬ ‫عد ُهُ َفل ت َك ْ‬ ‫مو ْ ِ‬‫َفالّناُر َ‬
‫ن )‪(17‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫س ل ي ُؤْ ِ‬ ‫الّنا ِ‬
‫‪419‬‬
‫من كان على حجة وبصيرة من ربه فيما يؤمن به‪ ,‬ويدعو إليه‬ ‫أف َ‬
‫بالوحي الذي أنزل الله فيه هذه البينة‪ ,‬ويتلوها برهان آخر شاهد‬
‫منه‪ ,‬وهو جبريل أو محمد عليهما السلم‪ ,‬ويؤيد ذلك برهان ثالث‬
‫ما‬
‫من قبل القرآن‪ ,‬وهو التوراة ‪-‬الكتاب الذي أنزل على موسى إما ً‬
‫ورحمة لمن آمن به‪ ,-‬كمن كان همه الحياة الفانية بزينتها؟ أولئك‬
‫دقون بهذا القرآن ويعملون بأحكامه‪ ,‬ومن يكفر بهذا القرآن من‬ ‫يص ّ‬
‫الذين تحّزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزاؤه النار‪,‬‬
‫دها ل محالة‪ ,‬فل تك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬في شك من أمر القرآن‬ ‫ي َرِ ُ‬
‫وكونه من عند الله تعالى بعد ما شهدت بذلك الدلة والحجج‪,‬‬
‫واعلم أن هذا الدين هو الحق من ربك‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل‬
‫دقون ول يعملون بما ُأمروا به‪ .‬وهذا توجيه عام لمة محمد‬ ‫يص ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫ن عََلى َرب ّهِ ْ‬


‫م‬ ‫ضو َ‬ ‫ك ي ُعَْر ُ‬ ‫ذبا ً أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َ ِ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬‫م ِ‬
‫وم َ‬
‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ة الل ّهِ عََلى‬ ‫َ‬
‫م أل ل َعْن َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ك َذ َُبوا عََلى َرب ّهِ ْ‬ ‫ؤلِء ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫شَهاد ُ هَ ُ‬‫ل ال ْ‬ ‫وَي َُقو ُ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫ول أحد أظلم ممن اختلق على الله كذًبا‪ ,‬أولئك سيعرضون على‬
‫ربهم يوم القيامة; ليحاسبهم على أعمالهم‪ ,‬ويقول الشهاد من‬
‫الملئكة والنبيين وغيرهم‪ :‬هؤلء الذين كذبوا على ربهم في الدنيا‬
‫قد سخط الله عليهم‪ ,‬ولعنهم لعنة ل تنقطع; لن ظلمهم صار وصًفا‬
‫ما لهم‪.‬‬
‫ملز ً‬

‫م‬
‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫وجا ً وَهُ ْ‬
‫م ِبال ِ‬ ‫ل الل ّهِ وَي َب ُْغون ََها ِ‬
‫ع َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن َ‬
‫ن عَ ْ‬
‫دو َ‬
‫ص ّ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫َ‬

‫هؤلء الظالمون الذين يمنعون الناس عن سبيل الله الموصلة إلى‬


‫عبادته‪ ,‬ويريدون أن تكون هذه السبيل عوجاء بموافقتها لهوائهم‪,‬‬
‫وهم كافرون بالخرة ل يؤمنون ببعث ول جزاء‪.‬‬

‫ن الل ّهِ‬‫دو ِ‬‫ن ُ‬‫م ْ‬


‫م ِ‬‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ض وَ َ‬
‫َ‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫زي َ‬‫ج ِ‬‫مع ْ ِ‬
‫كوُنوا ُ‬‫م يَ ُ‬‫ك لَ ْ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫م ال ْعَ َ‬ ‫م َ‬
‫ما َ‬
‫كاُنوا‬ ‫معَ وَ َ‬
‫س ْ‬‫ن ال ّ‬
‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ب َ‬
‫ذا ُ‬ ‫ف ل َهُ ْ‬
‫ضاعَ ُ‬‫ن أوْل َِياَء ي ُ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫ي ُب ْ ِ‬

‫‪420‬‬
‫أولئك الكافرون لم يكونوا ليفوتوا الله في الدنيا هرًبا‪ ,‬وما كان لهم‬
‫ف لهم العذاب في جهنم;‬ ‫من أنصار يمنعونهم من عقابه‪ .‬يضاعَ ُ‬ ‫ِ‬
‫لنهم كانوا ل يستطيعون أن يسمعوا القرآن سماع منتفع‪ ,‬أو‬
‫يبصروا آيات الله في هذا الكون إبصار مهتد; لشتغالهم بالكفر‬
‫الذي كانوا عليه مقيمين‪.‬‬

‫َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ن )‪(21‬‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َْفت َُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ض ّ‬
‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫م وَ َ‬
‫سه ُ ْ‬
‫سُروا أنُف َ‬
‫خ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫أولئك الذين خسروا أنفسهم بافترائهم على الله‪ ,‬وذهب عنهم ما‬
‫دعون أنها تشفع لهم‪.‬‬ ‫كانوا يفترون من اللهة التي ي ّ‬

‫ن )‪(22‬‬ ‫م ال َ ْ‬ ‫ل جر َ‬
‫سُرو َ‬
‫خ َ‬ ‫خَرةِ هُ ْ‬
‫م ِفي ال ِ‬
‫م أن ّهُ ْ‬
‫َ َ َ‬
‫حًقا أنهم في الخرة أخسر الناس صفقة; لنهم استبدلوا الدركات‬
‫بالدرجات‪ ,‬فكانوا في جهنم‪ ,‬وذلك هو الخسران المبين‪.‬‬

‫خبتوا إَلى ربهم أ ُول َئ ِ َ َ‬ ‫َ‬


‫ب‬
‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫كأ ْ‬ ‫َ ِّ ْ ْ‬ ‫ت وَأ ْ َ ُ ِ‬
‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫إِ ّ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬‫جن ّةِ هُ ْ‬‫ال ْ َ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا العمال الصالحة‪ ,‬وخضعوا‬ ‫إن الذين ص ّ‬
‫لله في كل ما ُأمروا به وُنهوا عنه‪ ,‬أولئك هم أهل الجنة‪ ,‬ل يموتون‬
‫دا‪.‬‬
‫خرجون منها أب ً‬ ‫فيها‪ ,‬ول ي َ ْ‬

‫مث َل ً‬ ‫ميِع هَ ْ‬ ‫م َوال ْب َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ل ال َْفريَقي ْن َ َ‬‫مث َ ُ‬


‫ن َ‬
‫ست َوَِيا ِ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫س ِ‬
‫صيرِ َوال ّ‬ ‫ص ّ‬
‫مى َوال َ‬
‫كالعْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫أَفل ت َذ َكُرو َ‬
‫مثل فريَقي الكفر واليمان كمثل العمى الذي ل يرى والصم الذي‬
‫ل يسمع والبصير والسميع‪ :‬ففريق الكفر ل يبصر الحق فيتبعه‪ ,‬ول‬
‫يسمع داعي الله فيهتدي به‪ ,‬أما فريق اليمان فقد أبصر حجج الله‬
‫وسمع داعي الله فأجابه‪ ,‬هل يستوي هذان الفريقان؟ أفل تعتبرون‬
‫وتتفكرون؟‬

‫‪421‬‬
‫َ‬
‫ن )‪(25‬‬
‫مِبي ٌ‬
‫ذيٌر ُ‬ ‫مهِ إ ِّني ل َك ُ ْ‬
‫م نَ ِ‬ ‫سل َْنا ُنوحا ً إ َِلى قَوْ ِ‬
‫وَل ََقد ْ أْر َ‬
‫حا إلى قومه فقال لهم‪ :‬إني نذير لكم من عذاب‬‫ولقد أرسلنا نو ً‬
‫ُ‬
‫الله‪ ,‬مبّين لكم ما أرسلت به إليكم من أمر الله ونهيه‪.‬‬

‫ب ي َوْم ٍ أ َِليم ٍ )‪(26‬‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬


‫م عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ه إ ِّني أ َ َ‬
‫خا ُ‬ ‫دوا إ ِل ّ الل ّ َ‬
‫ن ل ت َعْب ُ ُ‬
‫َ‬
‫أ ْ‬
‫آمركم أل تعبدوا إل الله‪ ,‬إني أخاف عليكم ‪-‬إن لم تفردوا الله وحده‬
‫بالعبادة‪ -‬عذاب يوم موجع‪.‬‬

‫ما ن ََرا َ‬
‫ك‬ ‫مث ْل ََنا وَ َ‬
‫شرا ً ِ‬ ‫ك إ ِل ّ ب َ َ‬
‫ما ن ََرا َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬
‫مه ِ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ذي َ‬‫مل ال ّ ِ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫فََقا َ‬
‫ْ‬ ‫ك إل ّ ال ّذين هُ َ‬
‫ل‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ض ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م عَل َي َْنا ِ‬ ‫ما ن ََرى ل َك ُ ْ‬ ‫ي وَ َ‬ ‫م أَراذِل َُنا َباِدي الّرأ ِ‬
‫ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ات ّب َعَ َ ِ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫م َ‬
‫كاذِِبي َ‬ ‫ل ن َظ ُن ّك ُ ْ‬
‫بَ ْ‬
‫مَلك ولكنك بشر‪ ,‬فكيف‬ ‫فقال رؤساء الكفر من قومه‪ :‬إنك لست ب َ‬
‫من دوننا؟ وما نراك اتبعك إل الذين هم أسافلنا وإنما‬ ‫ُ‬
‫أوحي إليك ِ‬
‫اتبعوك من غير تفكر ول روّية‪ ,‬وما نرى لكم علينا من فضل في‬
‫ما دخلتم في دينكم هذا‪ ,‬بل نعتقد أنكم كاذبون فيما‬ ‫رزق ول مال له ّ‬
‫دعون‪.‬‬
‫ت ّ‬

‫َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫م ً‬
‫ح َ‬
‫ن َرّبي َوآَتاِني َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫ن ُ‬
‫كن ُ‬ ‫م إِ ْ‬‫ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ‬
‫َقا َ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫م ل ََها َ‬ ‫عنده فَعميت عَل َيك ُم أ َنل ْزمك ُمو َ َ‬
‫هو َ‬ ‫كارِ ُ‬ ‫ها وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ْ ْ ُ ِ ُ ُ‬ ‫ِ ْ ِ ِ ُ ّ َ ْ‬
‫ت على حجة ظاهرة من ربي فيما‬ ‫قال نوح‪ :‬يا قومي أرأيتم إن كن ُ‬
‫جئتكم به تبّين لكم أنني على الحق من عنده‪ ,‬وآتاني رحمة من‬
‫عنده‪ ,‬وهي النبوة والرسالة فأخفاها عليكم بسبب جهلكم‬
‫وغروركم‪ ,‬فهل يصح أن ن ُْلزمكم إياها بالكراه وأنتم جاحدون بها؟ ل‬
‫كل أمركم إلى الله حتى يقضي في أمركم ما‬ ‫نفعل ذلك‪ ,‬ولكن ن َ ِ‬
‫يشاء‪.‬‬

‫ما أ ََنا ب ِ َ‬ ‫ويا قَوم ل أ َسأ َل ُك ُم عَل َيه مال ً إ َ‬


‫طارِدِ‬ ‫ري إ ِل ّ عََلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫ج َِ‬
‫نأ ْ‬‫ِ ْ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ََ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫جهَُلو َ‬ ‫وما ً ت َ ْ‬ ‫م وَل َك ِّني أَراك ُ ْ‬
‫م قَ ْ‬ ‫ملُقو َرب ّهِ ْ‬ ‫م ُ‬
‫مُنوا إ ِن ّهُ ْ‬‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫‪422‬‬
‫قال نوح عليه السلم لقومه‪ :‬يا قوم ل أسألكم على دعوتكم لتوحيد‬
‫ي بعد إيمانكم‪ ,‬ولكن ثواب‬‫الله وإخلص العبادة له مال ً تؤدونه إل ّ‬
‫نصحي لكم على الله وحده‪ ,‬وليس من شأني أن أطرد المؤمنين‪,‬‬
‫ما تجهلون; إذ‬
‫فإنهم ملقو ربهم يوم القيامة‪ ,‬ولكني أراكم قو ً‬
‫تأمرونني بطرد أولياء الله وإبعادهم عني‪.‬‬

‫ويا قَوم من ينصرِني من الل ّه إن ط َردته َ‬


‫م أَفل ت َذ َك ُّرو َ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫َ ُُْ ْ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ ِ َ ْ َ ُ ُ‬ ‫ََ‬
‫من يمنعني من الله إن عاقبني على طردي المؤمنين؟ أفل‬ ‫ويا قوم َ‬
‫تتدبرون المور فتعلموا ما هو النفع لكم والصلح؟‬

‫مل َ ٌ‬
‫ك‬ ‫ل إ ِّني َ‬ ‫ب َول أ َُقو ُ‬ ‫م ال ْغَي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن الل ّهِ َول أعْل َ ُ‬ ‫خَزائ ِ ُ‬ ‫دي َ‬ ‫عن ِ‬‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫َول أ َُقو ُ‬
‫خيرا ً الل ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َول أ َُقو ُ‬
‫ما‬ ‫ه أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ه َ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫م لَ ْ‬
‫ن ي ُؤْت ِي َهُ ْ‬ ‫ن ت َْزد َِري أعْي ُن ُك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م إ ِّني ِإذا ً ل َ ِ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ِفي أنُف ِ‬
‫ول أقول لكم‪ :‬إني أملك التصرف في خزائن الله‪ ,‬ول أعلم الغيب‪,‬‬
‫مَلك من الملئكة‪ ,‬ول أقول لهؤلء الذين تحتقرون من‬ ‫ولست ب َ‬
‫ضعفاء المؤمنين‪ :‬لن يؤتيكم الله ثواًبا على أعمالكم‪ ,‬فالله وحده‬
‫ت ذلك إني إ ً‬
‫ذا لمن‬ ‫أعلم بما في صدورهم وقلوبهم‪ ,‬ولئن فعل ُ‬
‫الظالمين لنفسهم ولغيرهم‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ن ُ‬
‫كن َ‬ ‫دال ََنا فَأت َِنا ب ِ َ‬
‫ما ت َعِد َُنا إ ِ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫جاد َل ْت ََنا فَأك ْث َْر َ‬
‫ت ِ‬ ‫َقاُلوا َيا ُنو ُ‬
‫ح قَد ْ َ‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫صادِِقي َ‬
‫ال ّ‬
‫قالوا‪ :‬يا نوح قد حاججتنا فأكثرت جدالنا‪ ,‬فأتنا بما تعدنا من العذاب‬
‫إن كنت من الصادقين في دعواك‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(33‬‬
‫زي َ‬
‫ج ِ‬
‫مع ْ ِ‬
‫م بِ ُ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬
‫شاَء وَ َ‬ ‫م ب ِهِ الل ّ ُ‬
‫ه إِ ْ‬ ‫ما ي َأِتيك ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫قال نوح لقومه‪ :‬إن الله وحده هو الذي يأتيكم بالعذاب إذا شاء‪,‬‬
‫ولستم بفائتيه إذا أراد أن يعذبكم; لنه سبحانه ل يعجزه شيء في‬
‫الرض ول في السماء‪.‬‬

‫‪423‬‬
‫َ‬ ‫حي إن أ َردت أ َ َ‬
‫ن‬
‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ص َ‬‫ن أن َ‬
‫ِ ْ َ ْ ُ ْ‬ ‫ص ِ‬‫م نُ ْ‬ ‫َول َينَفعُك ُ ْ‬
‫ن )‪(34‬‬ ‫م وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬
‫جُعو َ‬ ‫م هُوَ َرب ّك ُ ْ‬ ‫ي ُغْوِي َك ُ ْ‬
‫ول ينفعكم نصحي واجتهادي في دعوتكم لليمان‪ ,‬إن كان الله يريد‬
‫جعون في الخرة‬ ‫أن يضّلكم ويهلككم‪ ,‬هو سبحانه مالككم‪ ,‬وإليه ُتر َ‬
‫للحساب والجزاء‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫م ّ‬
‫ريءٌ ِ‬
‫مي وَأَنا ب َِ‬
‫جَرا ِ‬ ‫ه فَعَل َ ّ‬
‫ي إِ ْ‬ ‫ن افْت ََري ْت ُ ُ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫م ي َُقوُلو َ‬
‫ن افْت ََراهُ قُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬‫تُ ْ‬
‫بل أيقول هؤلء المشركون من قوم نوح‪ :‬افترى نوح هذا القول؟‬
‫ي وحدي إثم ذلك‪,‬‬‫ت ذلك على الله فعل ّ‬
‫ت قد افتري ُ‬
‫قل لهم‪ :‬إن كن ُ‬
‫من كفركم‬‫ت صادًقا فأنتم المجرمون الثمون‪ ,‬وأنا بريء ِ‬‫وإذا كن ُ‬
‫وتكذيبكم وإجرامكم‪.‬‬

‫َ‬ ‫وَُأو ِ‬
‫ن َفل ت َب ْت َئ ِ ْ‬
‫س‬ ‫ن قَد ْ آ َ‬
‫م َ‬ ‫ك إ ِل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬
‫ن قَوْ ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫م َ‬ ‫ه لَ ْ‬
‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫أن ّ ُ‬ ‫ح‬ ‫ح َ َ‬
‫ي إ ِلى ُنو ٍ‬
‫)‪(36‬‬ ‫كاُنوا ي َْفعَُلو َ‬
‫ن‬ ‫ما َ‬‫بِ َ‬
‫ما حق على‬‫وأوحى الله سبحانه وتعالى إلى نوح ‪-‬عليه السلم‪ -‬له ّ‬
‫من قبل‪ ,‬فل تحزن‬ ‫من قد آمن ِ‬
‫قومه العذاب‪ ,‬أنه لن يؤمن بالله إل َ‬
‫يا نوح على ما كانوا يفعلون‪.‬‬

‫واصنع ال ُْفل ْ َ َ‬
‫م‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫موا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫خاط ِب ِْني ِفي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حي َِنا َول ت ُ َ‬
‫ك ب ِأعْي ُن َِنا وَوَ ْ‬ ‫َ ْ َ ْ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫مغَْرُقو َ‬
‫ُ‬
‫واصنع السفينة بمرأى مّنا وبأمرنا لك ومعونتنا‪ ،‬وأنت في حفظنا‬
‫وكلءتنا‪ ,‬ول تطلب مني إمهال هؤلء الذين ظلموا أنفسهم من‬
‫قومك بكفرهم‪ ,‬فإنهم مغرقون بالطوفان‪ .‬وفي الية إثبات صفة‬
‫العين لله تعالى على ما يليق به سبحانه‪.‬‬

‫ن‬ ‫ه َقا َ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫خُروا ِ‬
‫س ِ‬ ‫ن قَوْ ِ‬
‫مه ِ َ‬ ‫م ْ‬‫مَل ٌ ِ‬ ‫َ‬ ‫مّر عَل َي ْهِ‬
‫ما َ‬‫ك وَك ُل ّ َ‬‫صن َعُ ال ُْفل ْ َ‬
‫وَي َ ْ‬
‫ن )‪(38‬‬‫خُرو َ‬ ‫س َ‬
‫ما ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ك َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫خُر ِ‬ ‫مّنا فَإ ِّنا ن َ ْ‬
‫س َ‬ ‫خُروا ِ‬ ‫س َ‬‫تَ ْ‬
‫‪424‬‬
‫ويصنع نوح السفينة‪ ,‬وكّلما مر عليه جماعة من كبراء قومه سخروا‬
‫منه‪ ,‬قال لهم نوح‪ :‬إن تسخروا منا اليوم لجهلكم بصدق وعد الله‪,‬‬
‫دا عند الغرق كما تسخرون منا‪.‬‬
‫فإنا نسخر منكم غ ً‬

‫م)‬
‫مِقي ٌ‬
‫ب ُ‬ ‫ل عَل َي ْهِ عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ح ّ‬
‫زيهِ وَي َ ِ‬
‫خ ِ‬
‫ب يُ ْ‬ ‫ن ي َأ ِْتيهِ عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫فَ َ‬
‫سو ْ َ‬
‫‪(39‬‬
‫فسوف تعلمون إذا جاء أمر الله بذلك‪ :‬من الذي يأتيه في الدنيا‬
‫عذاب الله الذي ُيهينه‪ ,‬وينزل به في الخرة عذاب دائم ل انقطاع‬
‫له؟‬

‫َ‬
‫ن اث ْن َي ْ ِ‬
‫ن‬ ‫جي ْ ِ‬
‫ل َزوْ َ‬ ‫ن كُ ّ‬‫م ْ‬‫ل ِفيَها ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مُرَنا وََفاَر الت ّّنوُر قُل َْنا ا ْ‬
‫ح ِ‬ ‫جاَء أ ْ‬‫ذا َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ه إ ِل ّ قَِلي ٌ‬ ‫سب َقَ عَل َي ْهِ ال َْقوْ ُ‬ ‫َ‬
‫وَأهْل َ َ‬
‫ل)‬ ‫مع َ ُ‬‫ن َ‬‫م َ‬‫ما آ َ‬
‫ن وَ َ‬‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬
‫ل وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ك إ ِل ّ َ‬
‫م ْ‬
‫‪(40‬‬
‫حا بذلك‪ ,‬ونبع الماء بقوة‬
‫دنا نو ً‬
‫حتى إذا جاء أمرنا بإهلكهم كما َوع ْ‬
‫من التنور ‪-‬وهو المكان الذي يخبز فيه‪ -‬علمة على مجيء العذاب‪,‬‬
‫قلنا لنوح‪ :‬احمل في السفينة من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكًرا‬
‫من سبق عليهم القول ممن لم‬ ‫وأنثى‪ ,‬واحمل فيها أهل بيتك‪ ,‬إل َ‬
‫يؤمن بالله كابنه وامرأته‪ ,‬واحمل فيها من آمن معك من قومك‪,‬‬
‫وما آمن معه إل قليل مع طول المدة والمقام فيهم‪.‬‬

‫م‬ ‫ن َرّبي ل َغَُفوٌر َر ِ‬


‫حي ٌ‬ ‫ها إ ِ ّ‬
‫سا َ‬
‫مْر َ‬
‫ها وَ ُ‬
‫جَرا َ‬ ‫سم ِ الل ّهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ل اْرك َُبوا ِفيَها ب ِا ِ ْ‬
‫وََقا َ‬
‫)‪(41‬‬
‫وقال نوح لمن آمن معه‪ :‬اركبوا في السفينة‪ ,‬باسم الله يكون‬
‫وها‪ .‬إن‬
‫جريها على وجه الماء‪ ,‬وباسم الله يكون منتهى سيرها وُرس ّ‬
‫ربي َلغفور ذنوب من تاب وأناب إليه من عباده‪ ,‬رحيم بهم أن‬
‫يعذبهم بعد التوبة‪.‬‬

‫ل‬
‫معْزِ ٍ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫ه وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ح اب ْن َ ُ‬
‫دى ُنو ٌ‬
‫ل وََنا َ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫كال ْ ِ‬
‫ج َ‬ ‫مو ْ ٍ‬
‫م ِفي َ‬ ‫ري ب ِهِ ْ‬ ‫ج ِ‬
‫ي تَ ْ‬‫وَهِ َ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫مع َ ا ل ْ َ‬ ‫معََنا َول ت َك ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ب َ‬ ‫ي اْرك َ ْ‬‫َيا ب ُن َ ّ‬

‫‪425‬‬
‫وهي تجري بهم في موج يعلو ويرتفع حتى يصير كالجبال في‬
‫ن عََزل فيه نفسه عن‬
‫علوها‪ ,‬ونادى نوح ابنه ‪-‬وكان في مكا ٍ‬
‫المؤمنين‪ -‬فقال له‪ :‬يا بني اركب معنا في السفينة‪ ,‬ول تكن مع‬
‫الكافرين بالله فتغرق‪.‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬‫م ال ْي َوْ َ‬
‫ص َ‬ ‫عا ِ‬‫لل َ‬ ‫ماِء َقا َ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬‫مِني ِ‬ ‫ص ُ‬‫ل ي َعْ ِ‬
‫جب َ ٍ‬‫سآِوي إ َِلى َ‬ ‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(43‬‬‫مغَْرِقي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬
‫كا َ‬‫ج فَ َ‬‫مو ْ ُ‬‫ما ال ْ َ‬‫ل ب َي ْن َهُ َ‬‫حا َ‬
‫م وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ِ‬
‫م ْ‬‫مرِ الل ّهِ إ ِل ّ َ‬ ‫أ ْ‬
‫صن به من الماء‪ ,‬فيمنعني من‬ ‫قال ابن نوح‪ :‬سألجأ إلى جبل أتح ّ‬
‫الغرق‪ ,‬فأجابه نوح‪ :‬ل مانع اليوم من أمر الله وقضائه الذي قد نزل‬
‫ن واركب‬‫م ْ‬
‫من رحمه الله تعالى‪ ,‬فآ ِ‬‫بالخلق من الغرق والهلك إل َ‬
‫في السفينة معنا‪ ,‬وحال الموج المرتفع بين نوح وابنه‪ ,‬فكان من‬
‫المغرقين الهالكين‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ض َ‬ ‫ض ال ْ َ‬
‫ماُء وَقُ ِ‬ ‫ماُء أقْل ِِعي وَِغي َ‬ ‫س َ‬‫ك وََيا َ‬
‫ماَء ِ‬‫ض اب ْل َِعي َ‬
‫ل َيا أْر ُ‬ ‫وَِقي َ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫ل ب ُْعدا ً ل ِل َْقوْم ال ّ‬‫جودِيّ وَِقي َ‬‫ت عََلى ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ست َوَ ْ‬ ‫مُر َوا ْ‬‫ال ْ‬
‫وقال الله للرض ‪-‬بعد هلك قوم نوح ‪ :-‬يا أرض اشربي ماءك‪ ,‬ويا‬
‫سماء أمسكي عن المطر‪ ,‬ونقص الماء ونضب‪ ,‬وُقضي أمر الله‬
‫ي‪ ,‬وقيل‪ :‬هل ً‬
‫كا‬ ‫بهلك قوم نوح‪ ,‬ورست السفينة على جبل الجود ّ‬
‫دا للقوم الظالمين الذين تجاوزوا حدود الله‪ ,‬ولم يؤمنوا به‪.‬‬
‫وبع ً‬

‫َ‬ ‫ل رب إن ابِني م َ‬
‫ت‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫حقّ وَأن ْ َ‬ ‫ن وَعْد َ َ‬
‫ن أهِْلي وَإ ِ ّ‬
‫ِ ْ‬ ‫ه فََقا َ َ ّ ِ ّ ْ‬‫ح َرب ّ ُ‬ ‫دى ُنو ٌ‬ ‫وََنا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫حاك ِ ِ‬ ‫حك َ ُ‬‫أ ْ‬
‫دتني أن تنجيني وأهلي من الغرق‬
‫ونادى نوح ربه فقال‪ :‬رب إنك وعَ ْ‬
‫خْلف‬‫والهلك‪ ,‬وإن ابني هذا من أهلي‪ ,‬وإن وعدك الحق الذي ل ُ‬
‫فيه‪ ,‬وأنت أحكم الحاكمين وأعدلهم‪.‬‬

‫ل غَير صالح َفل ت َ‬ ‫ن أ َهْل ِ َ‬


‫سأل ِْني َ‬
‫ما‬ ‫َ ْ‬ ‫م ٌ ْ ُ َ ٍِ‬ ‫ه عَ َ‬‫ك إ ِن ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه ل َي ْ َ‬‫ح إ ِن ّ ُ‬
‫ل َيا ُنو ُ‬‫َقا َ‬
‫عظ ُ َ َ‬ ‫م إ ِّني أ َ ِ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫جاهِِلي َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن تَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫عل ْ ٌ‬‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫س لَ َ‬
‫ل َي ْ َ‬

‫‪426‬‬
‫قال الله‪ :‬يا نوح إن ابنك الذي هلك ليس من أهلك الذين وعدتك‬
‫أن أنجيهم; وذلك بسبب كفره‪ ,‬وعمله عمل غير صالح‪ ,‬وإني أنهاك‬
‫أن تسألني أمًرا ل علم لك به‪ ,‬إني أعظك لئل تكون من الجاهلين‬
‫في مسألتك إياي عن ذلك‪.‬‬

‫عل ْ ٌ‬
‫م وَإ ِل ّ ت َغِْفْر ِلي‬ ‫ما ل َي ْ َ‬
‫س ِلي ب ِهِ ِ‬ ‫ك َ‬‫سأ َل َ َ‬ ‫ك أَ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫عوذ ُ ب ِ َ ْ‬‫ب إ ِّني أ َ ُ‬
‫ل َر ّ‬ ‫َقا َ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫ري َ‬
‫س ِ‬
‫خا ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫مِني أك ُ ْ‬‫ح ْ‬
‫وَت َْر َ‬
‫قال نوح‪ :‬يا رب إني أعتصم وأستجير بك أن أسألك ما ليس لي به‬
‫علم‪ ,‬وإن لم تغفر لي ذنبي‪ ,‬وترحمني برحمتك‪ ,‬أكن من الذين‬
‫غََبنوا أنفسهم حظوظها وهلكوا‪.‬‬

‫ُ‬
‫مع َ َ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫م ّ‬ ‫ك وَعََلى أ َ‬
‫مم ٍ ِ‬ ‫ت عَل َي ْ َ‬ ‫مّنا وَب ََر َ‬
‫كا ٍ‬ ‫سلم ٍ ِ‬ ‫ط بِ َ‬‫ح اهْب ِ ْ‬‫ل َيا ُنو ُ‬‫ِقي َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م )‪(48‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫مّنا عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫سه ُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫م يَ َ‬ ‫مت ّعُهُ ْ‬
‫سن ُ َ‬
‫م َ‬
‫م ٌ‬‫وَأ َ‬
‫قال الله‪ :‬يا نوح اهبط من السفينة إلى الرض بأمن وسلمة مّنا‬
‫وبركات عليك وعلى أمم ممن معك‪ .‬وهناك أمم وجماعات من أهل‬
‫الشقاء سنمتعهم في الحياة الدنيا‪ ,‬إلى أن يبلغوا آجالهم‪ ,‬ثم ينالهم‬
‫منا العذاب الموجع يوم القيامة‪.‬‬

‫َ‬ ‫كم َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬
‫ك ِ‬ ‫ت َول قَوْ ُ‬ ‫ت ت َعْل َ ُ‬
‫مَها أن ْ َ‬ ‫ما ُ‬
‫كن َ‬ ‫ك َ‬ ‫حيَها إ ِل َي ْ َ‬ ‫ب ُنو ِ‬‫ن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ‬
‫ت ِل ْ َ ِ ْ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫ن اْلعاقِب َ َ‬ ‫ذا َفا ْ‬
‫صب ِْر إ ِ ّ‬ ‫قَب ْ ِ‬
‫ل هَ َ‬
‫تلك القصة التي قصصناها عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن نوح وقومه هي‬
‫من أخبار الغيب السالفة‪ ،‬نوحيها إليك‪ ,‬ما كنت تعلمها أنت ول‬
‫من قبل هذا البيان‪ ,‬فاصبر على تكذيب قومك وإيذائهم لك‪,‬‬ ‫قومك ِ‬
‫كما صبر النبياء من قبل‪ ,‬إن العاقبة الطيبة في الدنيا والخرة‬
‫للمتقين الذين يخشون الله‪.‬‬

‫ن إ ِل َهٍ غَي ُْرهُ‬


‫م ْ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫هودا ً َقا َ‬
‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫م ُ‬‫خاهُ ْ‬ ‫عادٍ أ َ َ‬
‫وَإ َِلى َ‬
‫إ َ‬
‫ن )‪(50‬‬ ‫مْفت َُرو َ‬‫م إ ِل ّ ُ‬
‫ن أن ْت ُ ْ‬
‫ِ ْ‬

‫‪427‬‬
‫دا‪ ،‬قال لهم‪ :‬يا قوم اعبدوا الله وحده‪,‬‬
‫وأرسلنا إلى عاد أخاهم هو ً‬
‫ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعل‪ ،‬فأخلصوا له‬
‫العبادة‪ ,‬فما أنتم إل كاذبون في إشراككم بالله‪.‬‬

‫ذي فَط ََرِني أ ََفل‬ ‫يا قَوم ل أ َسأ َل ُك ُم عَل َيه أ َجرا ً إ َ‬
‫ري إ ِل ّ عََلى ال ّ ِ‬
‫ج ِ‬
‫نأ ْ‬‫ِ ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫ت َعِْقُلو َ‬
‫يا قوم ل أسألكم على ما أدعوكم إليه من إخلص العبادة لله وترك‬
‫عبادة الوثان أجًرا‪ ,‬ما أجري على دعوتي لكم إل على الله الذي‬
‫خلقني‪ ،‬أفل تعقلون فتمّيزوا بين الحق والباطل؟‬

‫مد َْرارا ً‬ ‫ماَء عَل َي ْك ُ ْ‬


‫م ِ‬ ‫س َ‬ ‫م ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ ي ُْر ِ‬
‫س ْ‬
‫ل ال ّ‬ ‫ست َغِْفُروا َرب ّك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫وََيا قَوْم ِ ا ْ‬
‫ن )‪(52‬‬ ‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وا ُ‬ ‫م َول ت َت َوَل ّ ْ‬ ‫م قُوّةً إ َِلى قُوّت ِك ُ ْ‬‫وَي َزِد ْك ُ ْ‬
‫ويا قوم اطلبوا مغفرة الله واليمان به‪ ,‬ثم توبوا إليه من ذنوبكم‪,‬‬
‫فإنكم إن فعلتم ذلك يرسل المطر عليكم متتابًعا كثيًرا‪ ,‬فتكثر‬
‫خيراتكم‪ ،‬ويزدكم قوة إلى قوتكم بكثرة ذرياتكم وتتابع الّنعم‬
‫عليكم‪ ,‬ول ُتعرضوا عما دعوتكم إليه مصّرين على إجرامكم‪.‬‬

‫ما‬ ‫ن قَوْل ِ َ‬
‫ك وَ َ‬ ‫كي آل ِهَت َِنا عَ ْ‬
‫ن ب َِتارِ ِ‬
‫ح ُ‬ ‫جئ ْت ََنا ب ِب َي ّن َةٍ وَ َ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫ما ِ‬‫هود ُ َ‬ ‫َقاُلوا َيا ُ‬
‫ن )‪(53‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن لَ َ‬
‫ك بِ ُ‬ ‫ح ُ‬‫نَ ْ‬
‫قالوا‪ :‬يا هود ما جئتنا بحجة واضحة على صحة ما تدعونا إليه‪ ,‬وما‬
‫دقين‬‫نحن بتاركي آلهتنا التي نعبدها من أجل قولك‪ ,‬وما نحن بمص ّ‬
‫دعيه‪.‬‬
‫لك فيما ت ّ‬

‫دوا‬ ‫ه َوا ْ‬
‫شه َ ُ‬ ‫شهِد ُ الل ّ َ‬‫ل إ ِّني أ ُ ْ‬
‫سوٍء َقا َ‬ ‫ض آل ِهَت َِنا ب ِ ُ‬ ‫ل إ ِل ّ اعْت ََرا َ‬
‫ك ب َعْ ُ‬ ‫ن ن َُقو ُ‬‫إِ ْ‬
‫َ‬
‫مل‬ ‫ميعا ً ث ُ ّ‬‫ج ِ‬
‫دوِني َ‬ ‫كي ُ‬‫دون ِهِ فَ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ن )‪ِ (54‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬
‫ما ت ُ ْ‬‫م ّ‬‫ريٌء ِ‬ ‫أّني ب َ ِ‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫ت ُن ْظ ُِرو ِ‬
‫ما نقول إل أن بعض آلهتنا أصابك بجنون بسبب نهيك عن عبادتها‪.‬‬
‫قال لهم‪ :‬إني ُأشهد الله على ما أقول‪ ,‬وُأشهدكم على أنني بريء‬
‫من دون الله من النداد والصنام‪ ,‬فانظروا واجتهدوا‬
‫مما تشركون‪ِ ,‬‬

‫‪428‬‬
‫من زعمتم من آلهتكم في إلحاق الضرر بي‪ ,‬ثم ل تؤخروا‬ ‫أنتم و َ‬
‫دا واثق كل الوثوق أنه ل يصيبه منهم‬
‫ذلك طرفة عين؛ ذلك أن هو ً‬
‫ول من آلهتهم أذى‪.‬‬

‫صي َت َِها‬ ‫داب ّةٍ إ ِل ّ هُوَ آ ِ‬


‫خذ ٌ ب َِنا ِ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ما ِ‬
‫م َ‬‫ت عََلى الل ّهِ َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬
‫إ ِّني ت َوَك ّل ْ ُ‬
‫ست َِقيم ٍ )‪(56‬‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫ن َرّبي عََلى ِ‬
‫صَرا ٍ‬ ‫إِ ّ‬
‫إني توكلت على الله ربي وربكم مالك كل شيء والمتصرف فيه‪,‬‬
‫فل يصيبني شيء إل بأمره‪ ,‬وهو القادر على كل شيء‪ ,‬فليس من‬
‫ب على هذه الرض إل والله مالكه‪ ,‬وهو في سلطانه‬
‫شيء يدِ ّ‬
‫وتصرفه‪ .‬إن ربي على صراط مستقيم‪ ,‬أي عدل في قضائه‬
‫وشرعه وأمره‪ .‬يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته‪.‬‬

‫وما ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫ف َرّبي قَ ْ‬‫خل ِ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬‫ت ب ِهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫سل ْ ُ‬
‫ما أْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫وا فََقد ْ أب ْل َغْت ُك ُ ْ‬‫ن ت َوَل ّ ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ظ )‪(57‬‬ ‫حِفي ٌ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َرّبي عََلى ك ُ ّ‬ ‫شْيئا ً إ ِ ّ‬‫ه َ‬ ‫ضّرون َ ُ‬ ‫م َول ت َ ُ‬ ‫غَي َْرك ُ ْ‬
‫فإن ُتعرضوا عما أدعوكم إليه من توحيد الله وإخلص العبادة له‬
‫فقد أبلغتكم رسالة ربي إليكم‪ ,‬وقامت عليكم الحجة‪ ,‬وحيث لم‬
‫تؤمنوا بالله فسيهلككم ويأتي بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم‬
‫وأموالكم‪ ,‬ويخلصون لله العبادة‪ ,‬ول تضرونه شيًئا‪ ,‬إن ربي على‬
‫كل شيء حفيظ‪ ,‬فهو الذي يحفظني من أن تنالوني بسوء‪.‬‬

‫َ‬
‫م‬
‫جي َْناهُ ْ‬
‫مّنا وَن َ ّ‬
‫مة ٍ ِ‬
‫ح َ‬
‫ه ب َِر ْ‬
‫مع َ ُ‬
‫مُنوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫هودا ً َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جي َْنا ُ‬
‫مُرَنا ن َ ّ‬
‫جاَء أ ْ‬
‫ما َ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫ظ )‪(58‬‬ ‫ب غَِلي ٍ‬ ‫ذا ٍ‬‫ن عَ َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫دا والمؤمنين بفضل مّنا‬ ‫جينا منه هو ً‬
‫ولما جاء أمرنا بعذاب قوم هود ن ّ‬
‫جيناهم من عذاب شديد أحله الله بعادٍ فأصبحوا ل‬ ‫عليهم ورحمة‪ ,‬ون ّ‬
‫ُيرى إل مساكُنهم‪.‬‬

‫َ‬
‫جّباٍر‬ ‫مَر ك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫سل َ ُ‬
‫ه َوات ّب َُعوا أ ْ‬ ‫وا ُر ُ‬
‫ص ْ‬
‫م وَعَ َ‬
‫ت َرب ّهِ ْ‬
‫دوا ِبآَيا ِ‬
‫ح ُ‬
‫ج َ‬
‫عاد ٌ َ‬ ‫وَت ِل ْ َ‬
‫ك َ‬
‫عَِنيدٍ )‪(59‬‬

‫‪429‬‬
‫صوا رسله‪ ,‬وأطاعوا أمر كل مستكبر‬
‫وتلك عاد كفروا بآيات الله وع َ‬
‫على الله ل يقبل الحق ول ي ُ ْ‬
‫ذعن له‪.‬‬

‫م َأل‬
‫عادا ً ك ََفُروا َرب ّهُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫م ال ِْقَيا َ‬
‫مةِ أل إ ِ ّ‬ ‫وَأ ُت ْب ُِعوا ِفي هَذِهِ الد ّن َْيا ل َعْن َ ً‬
‫ة وَي َوْ َ‬
‫هودٍ )‪(60‬‬ ‫ب ُْعدا ً ل َِعادٍ قَوْم ِ ُ‬
‫وُأتبعوا في هذه الدنيا لعنة من الله وسخ ً‬
‫طا منه يوم القيامة‪ .‬أل إن‬
‫دا وهل ً‬
‫كا لعاد قوم هود;‬ ‫دا جحدوا ربهم وك ّ‬
‫ذبوا رسله‪ .‬أل ب ُعْ ً‬ ‫عا ً‬
‫بسبب شركهم وكفرهم نعمة ربهم‪.‬‬

‫ن إ ِل َ ٍ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫ما ل َك ُ ْ‬
‫ه َ‬‫دوا الل ّ َ‬
‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫صاِلحا ً َقا َ‬‫م َ‬ ‫خاهُ ْ‬ ‫مود َ أ َ َ‬
‫وَإ َِلى ث َ ُ‬
‫من ال َ‬ ‫شأ َ‬
‫غَي ُْرهُ هُوَ َأن َ‬
‫م ُتوُبوا‬ ‫ست َغِْفُروهُ ث ُ ّ‬‫م ِفيَها َفا ْ‬ ‫مَرك ُ ْ‬
‫ست َعْ َ‬
‫ض َوا ْ‬‫ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫ب )‪(61‬‬ ‫جي ٌ‬ ‫م ِ‬‫ب ُ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ن َرّبي قَ ِ‬ ‫إ ِل َي ْهِ إ ِ ّ‬
‫حا‪ ,‬فقال لهم‪ :‬يا قوم اعبدوا الله‬
‫وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صال ً‬
‫وحده ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعل‪ ،‬فأخلصوا له‬
‫خْلقكم من الرض بخلق أبيكم آدم منها‪,‬‬ ‫العبادة‪ ,‬هو الذي بدأ َ‬
‫مارا لها‪ ,‬فاسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم‪ ,‬وارجعوا إليه‬ ‫وجعلكم عُ ّ‬
‫بالتوبة النصوح‪ .‬إن ربي قريب لمن أخلص له العبادة‪ ,‬ورغب إليه‬
‫في التوبة‪ ,‬مجيب له إذا دعاه‪.‬‬

‫َ‬ ‫ل هَ َ َ‬‫جوّا ً قَب ْ َ‬


‫ما ي َعْب ُد ُ‬
‫ن ن َعْب ُد َ َ‬
‫ذا أت َن َْهاَنا أ ْ‬ ‫مْر ُ‬‫ت ِفيَنا َ‬ ‫ح قَد ْ ُ‬
‫كن َ‬ ‫َقاُلوا َيا َ‬
‫صال ِ ُ‬
‫ب )‪(62‬‬ ‫ري ٍ‬
‫م ِ‬‫عوَنا إ ِل َي ْهِ ُ‬‫ما ت َد ْ ُ‬
‫م ّ‬‫ك ِ‬‫ش ّ‬‫آَباؤَُنا وَإ ِن َّنا ل َِفي َ‬
‫عا‬
‫دا مطا ً‬
‫قالت ثمود لنبّيهم صالح‪ :‬لقد كنا نرجو أن تكون فينا سي ً‬
‫قبل هذا القول الذي قلته لنا‪ ,‬أتنهانا أن نعبد اللهة التي كان يعبدها‬
‫من دعوتك لنا إلى عبادة الله وحده‪.‬‬ ‫ك مريب ِ‬ ‫آباؤنا؟ وإننا لفي ش ّ‬

‫َ َ‬
‫ة‬
‫م ً‬
‫ح َ‬
‫ه َر ْ‬‫من ْ ُ‬
‫ن َرّبي َوآَتاِني ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫كن ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م إِ ْ‬‫ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ‬‫َقا َ‬
‫سيرٍ )‪(63‬‬ ‫خ ِ‬ ‫دون َِني غَي َْر ت َ ْ‬
‫زي ُ‬ ‫ه فَ َ‬
‫ما ت َ ِ‬ ‫صي ْت ُ ُ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ْ‬
‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صُرِني ِ‬ ‫ن َين ُ‬ ‫م ْ‬‫فَ َ‬
‫قال صالح لقومه‪ :‬يا قوم أخبروني إن كنت على برهان من الله‬
‫وآتاني منه النبوة والحكمة‪ ,‬فمن الذي يدفع عني عقاب الله تعالى‬

‫‪430‬‬
‫إن عصيته فلم أبّلغ الرسالة وأنص ْ‬
‫ح لكم؟ فما تزيدونني غير تضليل‬
‫وإبعاد عن الخير‪.‬‬

‫ض الل ّهِ َول‬ ‫ر‬


‫ْ‬
‫ل في أ َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ها ت َأ ْك ُ‬
‫ة فَذ َُرو َ‬
‫م آي َ ً‬‫ة الل ّهِ ل َك ُ ْ‬‫وََيا قَوْم ِ هَذِهِ َناقَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ب )‪(64‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫ب قَ ِ‬‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫خذ َك ُ ْ‬
‫سوٍء فَي َأ ُ‬‫ها ب ِ ُ‬
‫سو َ‬‫م ّ‬ ‫تَ َ‬
‫ل على صدقي‬ ‫ويا قوم هذه ناقة الله جعلها لكم حجة وعلمة تد ّ‬
‫فيما أدعوكم إليه‪ ,‬فاتركوها تأكل في أرض الله فليس عليكم‬
‫سوها بعَْقر‪ ,‬فإنكم إن فعلتم ذلك يأخذكم من الله‬
‫رزقها‪ ,‬ول تم ّ‬
‫عذاب قريب من عَْقرها‪.‬‬

‫ب)‬ ‫مك ْ ُ‬
‫ذو ٍ‬ ‫ة أ َّيام ٍ ذ َل ِ َ‬
‫ك وَعْد ٌ غَي ُْر َ‬ ‫دارِك ُ ْ‬
‫م َثلث َ َ‬ ‫مت ُّعوا ِفي َ‬ ‫ها فََقا َ‬
‫ل تَ َ‬ ‫فَعََقُرو َ‬
‫‪(65‬‬
‫ذبوه ونحروا الناقة‪ ,‬فقال لهم صالح‪ :‬استمتعوا بحياتكم في‬ ‫فك ّ‬
‫بلدكم ثلثة أيام‪ ,‬فإن العذاب نازل بكم بعدها‪ ,‬وذلك وَعْد ٌ من الله‬
‫غير مكذوب‪ ,‬ل بد من وقوعه‪.‬‬

‫َ‬
‫ي‬
‫خْز ِ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫مّنا وَ ِ‬
‫مة ٍ ِ‬
‫ح َ‬
‫ه ب َِر ْ‬
‫مع َ ُ‬
‫مُنوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫صاِلحا ً َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جي َْنا َ‬‫مُرَنا ن َ ّ‬‫جاَء أ ْ‬‫ما َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫زيُز )‪(66‬‬ ‫ك هُوَ ال َْقوِيّ ال ْعَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫مئ ِذٍ إ ِ ّ‬
‫ي َوْ ِ‬
‫حا والذين آمنوا معه من الهلك‬ ‫فلما جاء أمرنا بهلك ثمود نجينا صال ً‬
‫برحمة منا‪ ,‬ونجيناهم من هوان ذلك اليوم وذّلته‪ .‬إن ربك ‪-‬أيها‬
‫من قوته وعزته أن أهلك المم‬ ‫الرسول‪ -‬هو القوي العزيز‪ ,‬و ِ‬
‫جى الرسل وأتباعهم‪.‬‬ ‫الطاغية‪ ,‬ون ّ‬

‫ن )‪(67‬‬ ‫مي‬ ‫ث‬‫جا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫يا‬ ‫د‬ ‫في‬ ‫حوا‬ ‫ب‬‫ص‬ ‫وأ َخذ َ ال ّذين ظ َل َموا الصيحة فَأ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ْ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َ‬
‫وأخذت الصيحة القوية ثمود الظالمين‪ ,‬فأصبحوا في ديارهم موتى‬
‫حَراك لهم‪.‬‬
‫هامدين ساقطين على وجوههم ل ِ‬

‫ك َأ َن ل َم يغْنوا فيها َأل إن ث َمود ك ََفروا ربه َ‬


‫م أل ب ُْعدا ً ل ِث َ ُ‬
‫مود َ )‪(68‬‬ ‫َ ُّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ّ ُ َ‬ ‫ْ ْ َ َ ْ ِ َ‬

‫‪431‬‬
‫كأنهم في سرعة زوالهم وفنائهم لم يعيشوا فيها‪ .‬أل إن ثمود‬
‫دا لهم من رحمة‬ ‫دا لثمود وطر ً‬
‫جحدوا بآيات ربهم وحججه‪ .‬أل ب ُعْ ً‬
‫الله‪ ,‬فما أشقاهم وأذّلهم!!‬

‫م فَ َ‬
‫ما‬ ‫سل ٌ‬ ‫سلما ً َقا َ‬
‫ل َ‬ ‫شَرى َقاُلوا َ‬
‫م ِبال ْب ُ ْ‬ ‫سل َُنا إ ِب َْرا ِ‬
‫هي َ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫وَل ََقد ْ َ‬
‫جاَء ْ‬
‫حِنيذٍ )‪(69‬‬ ‫ل َب َ َ‬
‫ل َ‬ ‫ج ٍ‬ ‫جاَء ب ِعِ ْ‬‫ن َ‬‫ثأ ْ‬ ‫ِ‬
‫ب‬
‫ولقد جاءت الملئكة إبراهيم يبشرونه هو وزوجته بإسحاق‪ ,‬ويعقو َ‬
‫دا على تحيتهم‪ :‬سلم‪ ,‬فذهب سريًعا‬ ‫ما‪ ,‬قال ر ّ‬
‫بعده‪ ,‬فقالوا‪ :‬سل ً‬
‫وجاءهم بعجل سمين مشويّ ليأكلوا منه‪.‬‬

‫ة َقاُلوا ل‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫خيَف ً‬
‫م ِ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫س ِ‬
‫ج َ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ن َك َِرهُ ْ‬
‫م وَأوْ َ‬ ‫ص ُ‬
‫م ل تَ ِ‬
‫ما َرأى أي ْدِي َهُ ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ُ‬
‫ط )‪(70‬‬ ‫سل َْنا إ َِلى قَوْم ِ ُلو ٍ‬ ‫ف إ ِّنا أْر ِ‬
‫خ ْ‬ ‫تَ َ‬
‫صل إلى العجل الذي أتاهم به ول‬ ‫فلما رأى إبراهيم أيديهم ل ت َ ِ‬
‫يأكلون منه‪ ,‬أنكر ذلك منهم‪ ,‬وأحس في نفسه خيفة وأضمرها‪,‬‬
‫ف إنا ملئكة‬
‫خ ْ‬
‫قالت الملئكة ‪-‬لما رأت ما بإبراهيم من الخوف‪ :-‬ل ت َ َ‬
‫ربك ُأرسلنا إلى قوم لوط لهلكهم‪.‬‬

‫وا َ‬
‫ق‬
‫ح َ‬
‫س َ‬
‫ن وََراءِ إ ِ ْ‬
‫م ْ‬
‫حقَ وَ ِ‬
‫س َ‬
‫ها ب ِإ ِ ْ‬
‫شْرَنا َ‬ ‫حك َ ْ‬
‫ت فَب َ ّ‬ ‫ة فَ َ‬
‫ض ِ‬ ‫ه َقائ ِ َ‬
‫م ٌ‬ ‫مَرأت ُ ُ‬
‫َ ْ‬
‫ب )‪(71‬‬ ‫ي َعُْقو َ‬
‫وامرأة إبراهيم ‪-‬سارة‪ -‬كانت قائمة من وراء الستر تسمع الكلم‪,‬‬
‫فضحكت تعجًبا مما سمعت‪ ,‬فبشرناها على ألسنة الملئكة بأنها‬
‫دا يسمى إسحاق‪ ,‬وسيعيش ولدها‪,‬‬ ‫من زوجها إبراهيم ول ً‬
‫ستلد ِ‬
‫وسيكون لها بعد إسحاق حفيد منه‪ ,‬وهو يعقوب‪.‬‬

‫ذا ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬


‫ب‬
‫جي ٌ‬
‫يءٌ عَ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫شْيخا ً إ ِ ّ‬
‫ن هَ َ‬ ‫ذا ب َعِْلي َ‬ ‫ت َيا وَي ْل ََتا أأل ِد ُ وَأَنا عَ ُ‬
‫جوٌز وَهَ َ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫)‪(72‬‬
‫قالت سارة لما ب ُ ّ‬
‫شرت بإسحاق متعجبة‪ :‬يا ويلتا كيف يكون لي ولد‬
‫وأنا عجوز‪ ,‬وهذا زوجي في حال الشيخوخة والكبر؟ إن إنجاب الولد‬
‫من مثلي ومثل زوجي مع كبر السن َلشيء عجيب‪.‬‬ ‫ِ‬

‫‪432‬‬
‫ه‬
‫ت إ ِن ّ ُ‬ ‫م أ َهْ َ‬
‫ل ال ْب َي ْ ِ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ة الل ّهِ وَب ََر َ‬
‫كات ُ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫مرِ الل ّهِ َر ْ‬
‫ح َ‬
‫َقاُلوا أ َتعجبين م َ‬
‫نأ ْ‬‫َْ َ ِ َ ِ ْ‬
‫جيد ٌ )‪(73‬‬
‫م ِ‬
‫ميد ٌ َ‬
‫ح ِ‬
‫َ‬
‫قالت الرسل لها‪ :‬أتعجبين من أمر الله وقضائه؟ رحمة الله وبركاته‬
‫عليكم معشر أهل بيت النبوة‪ .‬إنه سبحانه وتعالى حميد الصفات‬
‫جد وعظمة فيها‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫والفعال‪ ,‬ذو َ‬

‫جادِل َُنا ِفي قَوْم ِ ُلو ٍ‬


‫ط‬ ‫ه ال ْب ُ ْ‬
‫شَرى ي ُ َ‬ ‫جاَءت ْ ُ‬
‫م الّروْعُ وَ َ‬
‫هي َ‬
‫ن إ ِب َْرا ِ‬
‫ب عَ ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما ذ َهَ َ‬
‫)‪(74‬‬
‫فلما ذهب عن إبراهيم الخوف الذي انتابه لعدم أكل الضيوف‬
‫الطعام‪ ,‬وجاءته البشرى بإسحاق ويعقوب‪ ,‬ظ ّ‬
‫ل يجادل رسلنا فيما‬
‫أرسلناهم به من عقاب قوم لوط وإهلكهم‪.‬‬

‫ب )‪(75‬‬ ‫إن إبراهيم ل َحِلي َ‬


‫مِني ٌ‬
‫م أّواهٌ ُ‬
‫ِ ّ َِْ ِ َ َ ٌ‬
‫إن إبراهيم كثير الحلم ل يحب المعاجلة بالعقاب‪ ,‬كثير التضرع إلى‬
‫الله والدعاء له‪ ,‬تائب يرجع إلى الله في أموره كلها‪.‬‬

‫مُر َرب ّ َ‬ ‫َ‬ ‫يا إبراهي َ‬


‫ب‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م آِتيهِ ْ‬
‫ك وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ه قَد ْ َ‬
‫جاَء أ ْ‬ ‫ن هَ َ‬
‫ذا إ ِن ّ ُ‬ ‫ض عَ ْ‬
‫م أعْرِ ْ‬
‫َ َِْ ِ ُ‬
‫دودٍ )‪(76‬‬ ‫غَي ُْر َ‬
‫مْر ُ‬
‫قالت رسل الله‪ :‬يا إبراهيم أعرض عن هذا الجدال في أمر قوم‬
‫لوط والتماس الرحمة لهم; فإنه قد حق عليهم العذاب‪ ,‬وجاء أمر‬
‫دره عليهم بهلكهم‪ ,‬وإنهم نازل بهم عذاب من الله غير‬
‫ربك الذي ق ّ‬
‫مصروف عنهم ول مدفوع‪.‬‬

‫م‬ ‫م ذ َْرعا ً وََقا َ‬


‫ل هَ َ‬
‫ذا ي َوْ ٌ‬ ‫ضاقَ ب ِهِ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫سل َُنا ُلوطا ً ِ‬
‫سيءَ ب ِهِ ْ‬ ‫ت ُر ُ‬
‫جاَء ْ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫ما َ‬
‫ب )‪(77‬‬ ‫صي ٌ‬
‫عَ ِ‬

‫‪433‬‬
‫م لذلك; وذلك لنه لم‬ ‫ولما جاءت ملئكتنا لو ً‬
‫طا ساءه مجيئهم واغت ّ‬
‫يكن يعلم أنهم رسل الله‪ ,‬فخاف عليهم من قومه‪ ,‬وقال‪ :‬هذا يوم‬
‫بلء وشدة‪.‬‬

‫ت َقا َ‬
‫ل َيا‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫مُلو َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬‫ل َ‬‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ وَ ِ‬‫عو َ‬ ‫ه ي ُهَْر ُ‬
‫م ُ‬ ‫جاَءهُ قَوْ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ؤلِء بناِتي هُ َ‬
‫ضي ِْفي‬
‫خُزوِني ِفي َ‬ ‫ه َول ت ُ ْ‬ ‫م َفات ُّقوا الل ّ َ‬‫ن أط ْهَُر ل َك ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ََ‬ ‫قَوْم ِ هَ ُ‬
‫َ‬
‫شيد ٌ )‪(78‬‬ ‫ل َر ِ‬ ‫ج ٌ‬‫م َر ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫س ِ‬‫أل َي ْ َ‬
‫من‬‫م لوط يسرعون المشي إليه لطلب الفاحشة‪ ,‬وكانوا ِ‬ ‫وجاء قو ُ‬
‫قبل مجيئهم يأتون الرجال شهوة دون النساء‪ ,‬فقال لوط لقومه‪:‬‬
‫ن أطهر لكم مما تريدون‪ ,‬وسماهن بناته;‬ ‫هؤلء بناتي ت ََزّوجوهن فه ّ‬
‫لن نبي المة بمنزلة الب لهم‪ ,‬فاخشوا الله واحذروا عقابه‪ ,‬ول‬
‫تفضحوني بالعتداء على ضيفي‪ ,‬أليس منكم رجل ذو رشد‪ ,‬ينهى‬
‫من أراد ركوب الفاحشة‪ ,‬فيحول بينهم وبين ذلك؟‬

‫ريد ُ )‪(79‬‬
‫ما ن ُ ِ‬ ‫ك ل َت َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫حقّ وَإ ِن ّ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ما ل ََنا ِفي ب ََنات ِ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ت َ‬ ‫َقاُلوا ل ََقد ْ عَل ِ ْ‬
‫م َ‬
‫ت من قب ُ‬
‫ل أنه ليس لنا في النساء من‬ ‫قال قوم لوط له‪ :‬لقد علم َ‬
‫حاجة أو رغبة‪ ,‬وإنك لتعلم ما نريد‪ ,‬أي ل نريد إل الرجال ول رغبة‬
‫لنا في نكاح النساء‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ديدٍ )‪(80‬‬ ‫م قُوّةً أوْ آِوي إ ِلى ُرك ْ ٍ‬
‫ن َ‬
‫ش ِ‬ ‫ل ل َوْ أ ّ‬
‫ن ِلي ب ِك ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫قال لهم حين أبوا إل فعل الفاحشة‪ :‬لو أن لي بكم قوة وأنصاًرا‬
‫حل ْ ُ‬
‫ت بينكم وبين ما‬ ‫كن إلى عشيرة تمنعني منكم‪ ,‬ل َ ُ‬
‫معي‪ ,‬أو أر َ‬
‫تريدون‪.‬‬

‫ن‬ ‫ك ب ِِقط ٍْع ِ‬


‫م ْ‬ ‫سرِ ب ِأ َهْل ِ َ‬ ‫ك ل َن يصُلوا إل َي َ َ‬
‫ك فَأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ل َرب ّ َ ْ َ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫َقاُلوا َيا ُلو ُ‬
‫ط إ ِّنا ُر ُ‬
‫َ‬ ‫مَرأ َت َ َ‬ ‫الل ّيل ول يل ْتفت منك ُ َ‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬
‫صاب َهُ ْ‬‫ما أ َ‬ ‫صيب َُها َ‬
‫م ِ‬
‫ه ُ‬‫ك إ ِن ّ ُ‬ ‫حد ٌ إ ِل ّ ا ْ‬
‫مأ َ‬ ‫ْ ِ َ َ َِ ْ ِ ْ ْ‬
‫عدهُم الصب َ‬
‫ب )‪(81‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫ح ب َِق ِ‬
‫صب ْ ُ‬
‫س ال ّ‬ ‫ح أل َي ْ َ‬
‫ّ ْ ُ‬ ‫مو ْ ِ َ ْ‬ ‫َ‬
‫سَلنا لهلك قومك‪ ,‬وإنهم‬ ‫َ‬
‫قالت الملئكة‪ :‬يا لوط إّنا رسل ربك أْر َ‬
‫لن يصلوا إليك‪ ,‬فاخرج من هذه القرية أنت وأهلك ببقية من الليل‪,‬‬

‫‪434‬‬
‫ن امرأتك‬
‫ول يلتفت منكم أحد وراءه; لئل يرى العذاب فيصيبه‪ ,‬لك ّ‬
‫التي خانتك بالكفر والنفاق سيصيبها ما أصاب قومك من الهلك‪ ,‬إن‬
‫موعد هلكهم الصبح‪ ,‬وهو موعد قريب الحلول‪.‬‬

‫مط َْرَنا عَل َي َْها ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫م ْ‬‫جاَرةً ِ‬ ‫ح َ‬ ‫سافِل ََها وَأ ْ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫عال ِي ََها َ‬ ‫مُرَنا َ‬
‫جاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬‫فَل َ ّ‬
‫ن ب ِب َِعيدٍ )‬
‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّ َ‬
‫ة ِ‬‫م ً‬
‫سو ّ َ‬ ‫م َ‬‫ضودٍ )‪ُ (82‬‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل َ‬ ‫جي ٍ‬‫س ّ‬ ‫ِ‬
‫‪(83‬‬
‫فلما جاء أمرنا بنزول العذاب بهم جعلنا عالي قريتهم التي كانوا‬
‫يعيشون فيها سافلها فقلبناها‪ ,‬وأمطرنا عليهم حجارة من طين‬
‫ف بعضها إلى بعض متتابعة‪ ,‬معّلمة عند الله‬ ‫متصّلب متين‪ ,‬قد ُ‬
‫ص ّ‬
‫كل حجارة الرض‪ ,‬وما هذه الحجارة التي‬ ‫بعلمة معروفة ل تشا ِ‬
‫طروا‬‫م َ‬
‫أمطرها الله على قوم لوط من كفار قريش ببعيد أن ي ُ ْ‬
‫بمثلها‪ .‬وفي هذا تهديد لكل عاص متمّرد على الله‪.‬‬

‫ن إ ِل َهٍ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬‫شعَْيبا ً َقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫خاهُ ْ‬‫ن أَ َ‬ ‫وَإ َِلى َ‬
‫مد ْي َ َ‬
‫ف‬‫خا ُ‬ ‫خي ْرٍ وَإ ِّني أ َ َ‬‫م بِ َ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِّني أَراك ُ ْ‬ ‫ميَزا َ‬ ‫ل َوال ْ ِ‬
‫مك َْيا َ‬ ‫صوا ال ْ ِ‬ ‫غَي ُْرهُ َول َتنُق ُ‬
‫ط )‪(84‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬‫ب ي َوْم ٍ ُ‬‫ذا َ‬‫م عَ َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫وأرسلنا إلى "مدين" أخاهم شعيًبا‪ ,‬فقال‪ :‬يا قوم اعبدوا الله وحده‪,‬‬
‫من إله يستحق العبادة غيره جل وعل‪ ،‬فأخلصوا له‬ ‫ليس لكم ِ‬
‫العبادة‪ ،‬ول تنقصوا الناس حقوقهم في مكاييلهم وموازينهم‪ ,‬إني‬
‫سَعة عيش‪ ,‬وإني أخاف عليكم ‪-‬بسبب إنقاص المكيال‬ ‫أراكم في َ‬
‫والميزان‪ -‬عذاب يوم يحيط بكم‪.‬‬

‫َ‬
‫س‬
‫سوا الّنا َ‬
‫خ ُ‬
‫ط َول ت َب ْ َ‬ ‫ن ِبال ِْق ْ‬
‫س ِ‬ ‫ل َوال ْ ِ‬
‫ميَزا َ‬ ‫وََيا قَوْم ِ أوُْفوا ال ْ ِ‬
‫مك َْيا َ‬
‫ن )‪(85‬‬ ‫دي َ‬
‫س ِ‬ ‫مْف ِ‬‫ض ُ‬
‫َ‬
‫وا ِفي الْر ِ‬ ‫م َول ت َعْث َ ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫شَياَءهُ ْ‬
‫قصوا الناس حقهم‬
‫موا المكيال والميزان بالعدل‪ ,‬ول ت ُن ْ ِ‬
‫ويا قوم أته ّ‬
‫في عموم أشيائهم‪ ,‬ول تسيروا في الرض تعملون فيها بمعاصي‬
‫الله ونشر الفساد‪.‬‬

‫َ‬
‫ظ )‪(86‬‬
‫حِفي ٍ‬ ‫ما أَنا عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ة الل ّهِ َ‬
‫ب َِقي ّ ُ‬
‫‪435‬‬
‫إن ما يبقى لكم بعد إيفاء الكيل والميزان من الربح الحلل خير‬
‫ما تأخذونه بالتطفيف ونحوه من الكسب الحرام‪ ,‬إن كنتم‬ ‫لكم مه ّ‬
‫تؤمنون بالله حقا‪ ,‬فامتثلوا أمره‪ ,‬وما أنا عليكم برقيب أحصي‬
‫عليكم أعمالكم‪.‬‬

‫َ َ‬ ‫ن ن َت ُْر َ‬ ‫ك تأ ْمر َ َ‬ ‫َ‬ ‫َقاُلوا َيا ُ‬


‫ن ن َْفعَ َ‬
‫ل‬ ‫ما ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا أوْ أ ْ‬‫ك َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫صلت ُ َ َ ُ ُ‬‫بأ َ‬ ‫شعَي ْ ُ‬
‫شاُء إن ّ َ َ‬ ‫َ‬
‫شيد ُ )‪(87‬‬ ‫م الّر ِ‬ ‫حِلي ُ‬‫ت ال ْ َ‬
‫ك لن ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ما ن َ َ‬‫وال َِنا َ‬
‫م َ‬
‫ِفي أ ْ‬
‫قالوا‪ :‬يا شعيب أهذه الصلة التي تداوم عليها تأمرك بأن نترك ما‬
‫يعبده آباؤنا من الصنام والوثان‪ ,‬أو أن نمتنع عن التصرف في‬
‫كسب أموالنا بما نستطيع من احتيال ومكر؟ وقالوا ‪-‬استهزاءً به‪:-‬‬
‫إنك لنت الحليم الرشيد‪.‬‬

‫ه رِْزقا ً‬ ‫َ َ‬
‫ن َرّبي وََرَزقَِني ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت عََلى ب َي ّن َةٍ ِ‬ ‫كن ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م إِ ْ‬‫ل َيا قَوْم ِ أَرأي ْت ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬
‫ح َ‬
‫صل َ‬ ‫ن أِريد ُ إ ِل ّ ال ِ ْ‬ ‫ه إِ ْ‬ ‫م عَن ْ ُ‬‫ما أن َْهاك ُ ْ‬ ‫م إ َِلى َ‬ ‫خال َِفك ُ ْ‬‫نأ َ‬ ‫ما أِريد ُ أ ْ‬ ‫سنا ً وَ َ‬
‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ب )‪(88‬‬ ‫ت وَإ ِل َي ْهِ أِني ُ‬ ‫ما ت َوِْفيِقي إ ِل ّ ِبالل ّهِ عَل َي ْهِ ت َوَك ّل ْ ُ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ست َط َعْ ُ‬‫ا ْ‬
‫قال شعيب‪ :‬يا قوم أرأيتم إن كنت على طريق واضح من ربي فيما‬
‫أدعوكم إليه من إخلص العبادة له‪ ,‬وفيما أنهاكم عنه من إفساد‬
‫المال‪ ,‬ورزقني منه رزًقا واسًعا حلل طيًبا؟ وما أريد أن أخالفكم‬
‫فأرتكب أمًرا نهيتكم عنه‪ ,‬وما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه إل‬
‫در طاقتي واستطاعتي‪ ,‬وما توفيقي ‪-‬في إصابة الحق‬ ‫إصلحكم قَ ْ‬
‫ومحاولة إصلحكم‪ -‬إل بالله‪ ,‬على الله وحده توكلت وإليه أرجع‬
‫بالتوبة والنابة‪.‬‬

‫ح أ َْو‬ ‫ب قَوْ َ‬
‫م ُنو ٍ‬ ‫صا َ‬
‫َ‬
‫ما أ َ‬
‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬‫م ِ‬ ‫صيب َك ُ ْ‬
‫ن يُ ِ‬
‫َ‬
‫شَقاِقي أ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫من ّك ُ ْ‬
‫جرِ َ‬‫وََيا قَوْم ِ ل ي َ ْ‬
‫َ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م ب ِب َِعيدٍ )‪(89‬‬ ‫ط ِ‬ ‫م ُلو ٍ‬‫ما قَوْ ُ‬
‫ح وَ َ‬
‫صال ِ ٍ‬‫م َ‬ ‫هودٍ أوْ قَوْ َ‬ ‫م ُ‬‫قَوْ َ‬
‫ويا قوم ل تحملّنكم عداوتي وبغضي وفراق الدين الذي أنا عليه‬
‫على العناد والصرار على ما أنتم عليه من الكفر بالله‪ ,‬فيصيبكم‬
‫ل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح من الهلك‪ ,‬وما‬ ‫مث ُ‬
‫ل بهم من العذاب ببعيدين عنكم ل في الدار ول‬ ‫قوم لوط وما ح ّ‬
‫في الزمان‪.‬‬

‫‪436‬‬
‫دود ٌ )‪(90‬‬
‫م وَ ُ‬
‫حي ٌ‬ ‫م ُتوُبوا إ ِل َي ْهِ إ ِ ّ‬
‫ن َرّبي َر ِ‬ ‫ست َغِْفُروا َرب ّك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫َوا ْ‬
‫واطلبوا من رّبكم المغفرة لذنوبكم‪ ,‬ثم ارجعوا إلى طاعته‬
‫واستمروا عليها‪ .‬إن رّبي رحيم كثير المودة والمحبة لمن تاب إليه‬
‫وأناب‪ ,‬يرحمه ويقبل توبته‪ .‬وفي الية إثبات صفة الرحمة والمودة‬
‫لله تعالى‪ ,‬كما يليق به سبحانه‪.‬‬

‫ضِعيفا ً وَل َ ْ‬
‫ول‬ ‫ل وَإ ِّنا ل َن ََرا َ‬
‫ك ِفيَنا َ‬ ‫ما ت َُقو ُ‬‫م ّ‬‫ه ك َِثيرا ً ِ‬ ‫ما ن َْفَق ُ‬‫ب َ‬ ‫شعَي ْ ُ‬ ‫َقاُلوا َيا ُ‬
‫َ‬
‫زيزٍ )‪(91‬‬ ‫ت عَل َي َْنا ب ِعَ ِ‬
‫ما أن ْ َ‬ ‫ك وَ َ‬‫مَنا َ‬‫ج ْ‬‫ك ل ََر َ‬
‫َرهْط ُ َ‬

‫قالوا‪ :‬يا شعيب ما نفقه كثيًرا مما تقول‪ ,‬وإننا َلنراك فينا ضعيًفا‬
‫لست من الكبراء ول من الرؤساء‪ ,‬ولول مراعاة عشيرتك لقتلناك‬
‫جما بالحجارة ‪-‬وكان رهطه من أهل ملتهم‪ ،-‬وليس لك قَ ْ‬
‫در‬ ‫َر ْ‬
‫واحترام في نفوسنا‪.‬‬

‫م ظ ِهْرِي ّا ً‬ ‫ن الل ّهِ َوات ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫موهُ وََراَءك ُ ْ‬
‫خذ ْت ُ ُ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬‫طي أعَّز عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ أَرهْ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ط )‪(92‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫مُلو َ‬
‫ن ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫ن َرّبي ب ِ َ‬‫إِ ّ‬
‫قال‪ :‬يا قوم أعشيرتي أعّز وأكرم عليكم من الله؟ ونبذتم أمر ربكم‬
‫فجعلتموه خلف ظهوركم‪ ,‬ل تأتمرون به ول تنتهون بنهيه‪ ,‬إن ربي‬
‫بما تعملون محيط‪ ,‬ل يخفى عليه من أعمالكم مثقال ذرة‪,‬‬
‫وسيجازيكم عليها عاجل وآجل‪.‬‬

‫ْ‬
‫ه‬
‫ن ي َأِتي ِ‬
‫م ْ‬
‫ن َ‬
‫مو َ‬‫ف ت َعْل َ ُ‬
‫سو ْ َ‬ ‫ل َ‬‫م ٌ‬
‫عا ِ‬ ‫م إ ِّني َ‬ ‫كان َت ِك ُ ْ‬
‫م َ‬‫مُلوا عََلى َ‬‫وََيا قَوْم ِ اعْ َ‬
‫ب )‪(93‬‬ ‫م َرِقي ٌ‬ ‫معَك ُ ْ‬‫ب َواْرت َِقُبوا إ ِّني َ‬ ‫كاذِ ٌ‬ ‫ن هُوَ َ‬
‫م ْ‬
‫زيهِ وَ َ‬‫خ ِ‬
‫ب يُ ْ‬ ‫عَ َ‬
‫ذا ٌ‬
‫ويا قوم اعملوا كل ما تستطيعون على طريقتكم وحالتكم‪ ,‬إني‬
‫من دعوتكم إلى التوحيد‪,‬‬
‫عامل مثابر على طريقتي وما وهبني ربي ِ‬
‫من منا كاذب في قوله‪,‬‬‫من منا يأتيه عذاب يذّله‪ ,‬و َ‬
‫سوف تعلمون َ‬
‫أنا أم أنتم؟ وانتظروا ما سيحل بكم إني معكم من المنتظرين‪.‬‬
‫وهذا تهديد شديد لهم‪.‬‬

‫‪437‬‬
‫مّنا وَأ َ َ‬
‫خذ َ ْ‬
‫ت‬ ‫مة ٍ ِ‬
‫ح َ‬‫ه ب َِر ْ‬
‫مع َ ُ‬
‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫شعَْيبا ً َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جي َْنا ُ‬
‫مُرَنا ن َ ّ‬
‫َ‬
‫جاَء أ ْ‬ ‫ما َ‬‫وَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(94‬‬ ‫مي َ‬‫جاث ِ ِ‬
‫م َ‬ ‫حوا ِفي دَِيارِهِ ْ‬ ‫ة فَأ ْ‬
‫صب َ ُ‬ ‫ح ُ‬‫صي ْ َ‬
‫موا ال ّ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫جينا رسولنا شعيًبا والذين آمنوا‬
‫ولما جاء أمرنا بإهلك قوم شعيب ن ّ‬
‫معه برحمة منا‪ ,‬وأخذت الذين ظلموا الصيحة من السماء‪,‬‬
‫حَراك‬
‫كبهم ميتين ل ِ‬ ‫فأهلكتهم‪ ,‬فأصبحوا في ديارهم باركين على ُر َ‬
‫بهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ثَ ُ‬
‫مود ُ )‪(95‬‬ ‫ن كَ َ‬
‫ما ب َعِد َ ْ‬ ‫وا ِفيَها أل ب ُْعدا ً ل ِ َ‬
‫مد ْي َ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م ي َغْن َ ْ‬ ‫ك َأ ْ‬
‫دا له "مدين" ‪-‬إذ‬‫كأن لم يقيموا في ديارهم وقًتا من الوقات‪ .‬أل ُبع ً‬
‫أهلكها الله وأخزاها‪ -‬كما ب َِعدت ثمود‪ ,‬فقد اشتركت هاتان القبيلتان‬
‫في البعد والهلك‪.‬‬

‫سل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(96‬‬
‫مِبي ٍ‬
‫ن ُ‬
‫طا ٍ‬ ‫سى ِبآَيات َِنا وَ ُ‬ ‫سل َْنا ُ‬
‫مو َ‬ ‫وَل ََقد ْ أْر َ‬
‫ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا على توحيدنا وحجة تبين لمن عاينها‬
‫بك ّ‬
‫ل من‬ ‫وتأملها ‪-‬بقلب صحيح‪ -‬أنها تدل على وحدانية الله‪ ,‬وك َذِ ِ‬
‫دعى الربوبية دونه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ا ّ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫شيدٍ )‬
‫ن ب َِر ِ‬
‫مُر فِْرعَوْ َ‬
‫ما أ ْ‬
‫ن وَ َ‬ ‫مل َئ ِهِ َفات ّب َُعوا أ ْ‬
‫مَر فِْرعَوْ َ‬ ‫إ َِلى فِْرعَوْ َ‬
‫ن وَ َ‬
‫‪(97‬‬
‫أرسلنا موسى إلى فرعون وأكابر أتباعه وأشراف قومه‪ ,‬فكفر‬
‫فرعون وأمر قومه أن يتبعوه‪ ,‬فأطاعوه‪ ,‬وخالفوا أمر موسى‪,‬‬
‫وليس في أمر فرعون رشد ول هدى‪ ,‬وإنما هو جهل وضلل وكفر‬
‫وعناد‪.‬‬

‫َ‬
‫س ال ْوِْرد ُ ال ْ َ‬
‫موُْرود ُ )‪(98‬‬ ‫م الّناَر وَب ِئ ْ َ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫مةِ فَأوَْرد َهُ ْ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫م قَوْ َ‬
‫م ُ‬ ‫ي َْقد ُ ُ‬
‫دم فرعون قومه يوم القيامة حتى يدخلهم النار‪ ,‬وقُبح المدخل‬ ‫ي َْق ُ‬
‫الذي يدخلونه‪.‬‬

‫‪438‬‬
‫س الّرفْد ُ ال ْ َ‬
‫مْرُفود ُ )‪(99‬‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫مةِ ب ِئ ْ َ‬ ‫وَأ ُت ْب ُِعوا ِفي هَذِهِ ل َعْن َ ً‬
‫ة وَي َوْ َ‬
‫جله لهم فيها من‬‫وأتبعهم الله في هذه الدنيا مع العذاب الذي ع ّ‬
‫ة‪ ,‬ويوم القيامة كذلك لعنة أخرى بإدخالهم‬ ‫الغرق في البحر لعن ً‬
‫دف عليهم من عذاب الله‪ ,‬ولعنة‬ ‫النار‪ ,‬وبئس ما اجتمع لهم وترا َ‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ه عَل َي ْ َ‬ ‫كم َ‬
‫صيد ٌ )‪(100‬‬
‫ح ِ‬ ‫من َْها َقائ ِ ٌ‬
‫م وَ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن أن َْباءِ ال ُْقَرى ن َُق ّ‬
‫ص ُ‬ ‫ذ َل ِ َ ِ ْ‬
‫ذلك الذي ذكرناه لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من أخبار القرى التي أهلكنا‬
‫أهلها نخبرك به‪ ,‬ومن تلك القرى ما له آثار باقية‪ ,‬ومنها ما قد‬
‫ت آثاره‪ ,‬فلم ي َْبق منه شيء‪.‬‬
‫حي َ ْ‬
‫م ِ‬
‫ُ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م فَ َ‬
‫ما‬ ‫م آل ِهَت ُهُ ْ‬
‫ت عَن ْهُ ْ‬‫ما أغْن َ ْ‬
‫م فَ َ‬
‫سه ُ ْ‬‫موا أنُف َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫م وَل َك ِ ْ‬ ‫مَناهُ ْ‬‫ما ظ َل َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُر‬
‫جاءَ أ ْ‬‫ما َ‬‫يٍء ل َ ّ‬ ‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫دو ِ‬‫ن ُ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫عو َ‬ ‫م ال ِّتي ي َد ْ ُ‬ ‫م آل ِهَت ُهُ ْ‬‫ت عَن ْهُ ْ‬ ‫أغْن َ ْ‬
‫ب )‪(101‬‬ ‫م غَي َْر ت َت ِْبي ٍ‬ ‫دوهُ ْ‬ ‫ما َزا ُ‬ ‫ك وَ َ‬‫َرب ّ َ‬

‫وما كان إهلكهم بغير سبب وذنب يستحقونه‪ ,‬ولكن ظلموا أنفسهم‬
‫بشركهم وإفسادهم في الرض‪ ,‬فما نفعتهم آلهتهم التي كانوا‬
‫ما جاء أمر ربك‬‫عونها ويطلبون منها أن تدفع عنهم الضر له ّ‬
‫يد ُ‬
‫بعذابهم‪ ,‬وما زادتهم آلهتهم غير تدمير وإهلك وخسران‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ذا أ َ َ‬ ‫ك أَ ْ‬
‫ديد ٌ )‬ ‫م َ‬
‫ش ِ‬ ‫خذ َهُ أِلي ٌ‬ ‫ة إِ ّ‬
‫م ٌ‬
‫ظال ِ َ‬ ‫خذ َ ال ُْقَرى وَهِ َ‬ ‫خذ ُ َرب ّ َ‬
‫ك إِ َ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫‪(102‬‬
‫ت أهل القرى الظالمة بالعذاب لمخالفتهم أمري وتكذيبهم‬ ‫وكما أخذ ُ‬
‫من أهل القرى إذا ظلموا أنفسهم بكفرهم‬ ‫برسلي‪ ,‬آخذ غيرهم ِ‬
‫ن أَ ْ‬
‫خذه بالعقوبة لليم موجع‬ ‫بالله ومعصيتهم له وتكذيبهم لرسله‪ .‬إ ّ‬
‫شديد‪.‬‬

‫س‬ ‫موعٌ ل َ ُ‬
‫ه الّنا ُ‬ ‫ج ُ‬
‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫خَرةِ ذ َل ِ َ‬
‫ك ي َوْ ٌ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ف عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫خا َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ة لِ َ‬
‫ك لي َ ً‬‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫شُهود ٌ )‪(103‬‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫وَذ َل ِ َ‬
‫ك ي َوْ ٌ‬

‫‪439‬‬
‫إن في أخذنا لهل القرى السابقة الظالمة لعبرةً وعظة لمن خاف‬
‫عقاب الله وعذابه في الخرة‪ ,‬ذلك اليوم الذي ُيجمع له الناس‬
‫جميًعا للمحاسبة والجزاء‪ ,‬ويشهده الخلئق كلهم‪.‬‬

‫دودٍ )‪(104‬‬
‫مع ْ ُ‬
‫ل َ‬ ‫خُرهُ إ ِل ّ ل َ َ‬
‫ج ٍ‬ ‫ما ن ُؤَ ّ‬
‫وَ َ‬
‫وما نؤخر يوم القيامة عنكم إل لنتهاء مدة معدودة في علمنا‪ ,‬ل‬
‫تزيد ول تنقص عن تقديرنا لها بحكمتنا‪.‬‬

‫ْ‬
‫سِعيد ٌ )‪(105‬‬
‫ي وَ َ‬ ‫م َ‬
‫شِق ّ‬ ‫س إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْن ِهِ فَ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ت ل ت َك َل ّ ُ‬
‫م ن َْف ٌ‬ ‫م ي َأ ِ‬
‫ي َوْ َ‬
‫يوم يأتي يوم القيامة‪ ,‬ل تتكلم نفس إل بإذن ربها‪ ,‬فمنهم شقي‬
‫ضل عليه بالنعيم‪.‬‬
‫متسحق للعذاب‪ ,‬وسعيد متف ّ‬

‫َ‬
‫ن‬
‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬
‫شِهيقٌ )‪َ (106‬‬ ‫م ِفيَها َزِفيٌر وَ َ‬ ‫في الّنارِ ل َهُ ْ‬‫شُقوا فَ ِ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫فَأ ّ‬
‫ن َرب ّ َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ل لِ َ‬‫ك فَّعا ٌ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫ما َ‬‫ض إ ِل ّ َ‬‫ت َوالْر ُ‬ ‫وا ُ‬‫م َ‬
‫س َ‬
‫ت ال ّ‬‫م ْ‬ ‫دا َ‬
‫ما َ‬ ‫ِفيَها َ‬
‫ريد ُ )‪(107‬‬ ‫يُ ِ‬
‫شُقوا في الدنيا لفساد عقيدتهم وسوء أعمالهم‪ ,‬فالنار‬ ‫فأما الذين َ‬
‫مستقرهم‪ ,‬لهم فيها من شدة ما هم فيه من العذاب زفير وشهيق‪,‬‬
‫دا ما دامت‬‫وهما أشنع الصوات وأقبحها‪ ,‬ماكثين في النار أب ً‬
‫السموات والرض‪ ,‬فل ينقطع عذابهم ول ينتهي‪ ,‬بل هو دائم مؤ ّ‬
‫كد‪,‬‬
‫دة من مكثهم في‬ ‫إل ما شاء ربك من إخراج عصاة الموحدين بعد م ّ‬
‫النار‪ .‬إن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فّعال لما يريد‪.‬‬

‫َ‬
‫ت‬
‫وا ُ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ت ال ّ‬
‫م ْ‬
‫دا َ‬
‫ما َ‬
‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬ ‫دوا فَِفي ال ْ َ‬
‫جن ّةِ َ‬ ‫سع ِ ُ‬
‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬‫وَأ ّ‬
‫ك عَ َ‬ ‫شاَء َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ذوذٍ )‪(108‬‬ ‫ج ُ‬‫م ْ‬‫طاًء غَي َْر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ض إ ِل ّ َ‬‫َوالْر ُ‬
‫وأما الذين رزقهم الله السعادة فيدخلون الجنة خالدين فيها ما‬
‫دامت السموات والرض‪ ,‬إل الفريق الذي شاء الله تأخيره‪ ,‬وهم‬
‫عصاة الموحدين‪ ,‬فإنهم يبقون في النار فترة من الزمن‪ ,‬ثم‬
‫يخرجون منها إلى الجنة بمشيئة الله ورحمته‪ ,‬ويعطي ربك هؤلء‬
‫السعداء في الجنة عطاء غير مقطوع عنهم‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬
‫ما ي َعْب ُد ُ آَباؤُهُ ْ‬ ‫دو َ‬
‫ما ي َعْب ُ ُ‬
‫ؤلِء َ‬‫ما ي َعْب ُد ُ هَ ُ‬
‫م ّ‬‫مْري َةٍ ِ‬
‫ن ِفي ِ‬ ‫َفل ت َك ُ ْ‬
‫ص )‪(109‬‬ ‫منُقو ٍ‬ ‫م غَي َْر َ‬ ‫صيب َهُ ْ‬‫م نَ ِ‬ ‫ل وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫موَّفوهُ ْ‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫فل تكن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬في شك من بطلن ما يعبد هؤلء‬
‫المشركون من قومك‪ ,‬ما يعبدون من الوثان إل مثل ما يعبد‬
‫آباؤهم من قبل‪ ,‬وإنا لموفوهم ما وعدناهم تاما غير منقوص‪ .‬وهذا‬
‫توجيه لجميع المة‪ ،‬وإن كان لفظه موجًها إلى الرسول صلى الله‬
‫عليه وسّلم‪.‬‬

‫ن َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬
‫سب ََق ْ‬
‫ة َ‬
‫م ٌ‬ ‫ف ِفيهِ وَل َ ْ‬
‫ول ك َل ِ َ‬ ‫ب َفا ْ‬
‫خت ُل ِ َ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫وَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ‬
‫ب )‪(110‬‬ ‫ري ٍ‬
‫م ِ‬‫ه ُ‬‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫م ل َِفي َ‬ ‫م وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ض َ‬‫ل َُق ِ‬
‫ولقد آتينا موسى الكتاب وهو التوراة‪ ,‬فاختلف فيه قومه‪ ,‬فآمن به‬
‫جماعة وكفر به آخرون كما فعل قومك بالقرآن‪ .‬ولول كلمة سبقت‬
‫ل بهم في دنياهم قضاء‬ ‫من ربك بأنه ل يعجل لخلقه العذاب‪ ,‬لح ّ‬
‫الله بإهلك المك ّ‬
‫ذبين ونجاة المؤمنين‪ .‬وإن الكفار من اليهود‬
‫والمشركين ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لفي شك ‪-‬من هذا القرآن‪ -‬مريب‪.‬‬

‫وإن ك ُل ّ ل َما ل َيوفّينهم رب َ َ‬


‫خِبيٌر )‪(111‬‬ ‫مُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ك أعْ َ‬ ‫ّ ُ َ َُّ ْ َ ّ‬ ‫َِ ّ‬
‫وإن كل أولئك القوام المختلفين الذين ذكرنا لك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫أخبارهم ليوفينهم ربك جزاء أعمالهم يوم القيامة‪ ,‬إن خيًرا فخير‪,‬‬
‫وإن شًرا فشر‪ ,‬إن ربك بما يعمل هؤلء المشركون خبير‪ ,‬ل يخفى‬
‫عليه شيء من عملهم‪ .‬وفي هذا تهديد ووعيد لهم‪.‬‬

‫َفاستقم ك َ ُ‬
‫صيٌر‬ ‫مُلو َ‬
‫ن بَ ِ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ك َول ت َط ْغَ ْ‬
‫وا إ ِن ّ ُ‬ ‫مع َ َ‬
‫ب َ‬
‫ن َتا َ‬
‫م ْ‬
‫ت وَ َ‬
‫مْر َ‬
‫ما أ ِ‬
‫ْ َِ ْ َ‬
‫)‪(112‬‬
‫فاستقم ‪-‬أيها النبي‪ -‬كما أمرك ربك أنت ومن تاب معك‪ ,‬ول‬
‫ده الله لكم‪ ,‬إن رّبكم بما تعملون من العمال كلها‬
‫تتجاوزوا ما ح ّ‬
‫بصير‪ ,‬ل يخفى عليه شيء منها‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫ن الل ّهِ‬
‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م الّناُر وَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫موا فَت َ َ‬ ‫َول ت َْرك َُنوا إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م َ‬
‫ن )‪(113‬‬ ‫صُرو َ‬
‫م ل ُتن َ‬ ‫ن أوْل َِياَء ث ُ ّ‬
‫ِ ْ‬
‫ول تميلوا إلى هؤلء الكفار الظلمة‪ ,‬فتصيبكم النار‪ ,‬وما لكم من‬
‫دون الله من ناصر ينصركم‪ ,‬ويتولى أموركم‪.‬‬

‫َ‬
‫ت ي ُذ ْهِب ْ َ‬
‫ن‬ ‫سَنا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫صلةَ ط ََرِفي الن َّهارِ وَُزَلفا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ال ّ‬
‫وَأقِ ْ‬
‫ن )‪(114‬‬ ‫ري َ‬ ‫ك ذِك َْرى ِلل ّ‬
‫ذاك ِ ِ‬ ‫ت ذ َل ِ َ‬
‫سي َّئا ِ‬
‫ال ّ‬
‫م وجه ط ََرَفي النهار في الصباح‬ ‫وأد ّ الصلة ‪-‬أيها النبي‪ -‬على أت ّ‬
‫ن فِعْ َ‬
‫ل الخيرات يكّفر الذنوب‬ ‫والمساء‪ ,‬وفي ساعات من الليل‪ .‬إ ّ‬
‫السالفة ويمحو آثارها‪ ,‬والمر بإقامة الصلة وبيان أن الحسنات‬
‫يذهبن السيئات‪ ,‬موعظة لمن اتعظ بها وتذكر‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(115‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫جَر ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ضيعُ أ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫صب ِْر فَإ ِ ّ‬
‫َوا ْ‬
‫واصبر ‪-‬أيها النبي‪ -‬على الصلة‪ ,‬وعلى ما ت َْلقى من الذى من‬
‫مشركي قومك; فإن الله ل يضيع ثواب المحسنين في أعمالهم‪.‬‬

‫كان من ال ُْقرون من قَبل ِك ُ ُ‬


‫سادِ ِفي‬‫ن ال َْف َ‬ ‫م أوُْلوا ب َِقي ّةٍ ي َن ْهَوْ َ‬
‫ن عَ ْ‬ ‫ُ ِ ِ ْ ْ ْ‬ ‫ول َ َ ِ ْ‬ ‫فَل َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ال َرض إل ّ قَِليل ً مم َ‬
‫ما أت ْرُِفوا ِفي ِ‬
‫ه‬ ‫موا َ‬‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َوات ّب َعَ ال ّ ِ‬‫من ْهُ ْ‬
‫جي َْنا ِ‬
‫ن أن ْ َ‬
‫ِ ّ ْ‬ ‫ْ ِ ِ‬
‫ن )‪(116‬‬ ‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬‫م ْ‬‫كاُنوا ُ‬‫وَ َ‬

‫فهل ّ ُوجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير والصلح‪ ,‬ينهون‬


‫أهل الكفر عن كفرهم‪ ,‬وعن الفساد في الرض‪ ,‬لم يوجد من‬
‫من‬ ‫جاهم الله بسبب ذلك ِ‬
‫أولئك القوام إل قليل ممن آمن‪ ,‬فن ّ‬
‫عذابه حين أخذ الظالمين‪ .‬واّتبع عامتهم من الذين ظلموا أنفسهم‬
‫مّتعوا فيه من لذات الدنيا ونعيمها‪ ,‬وكانوا مجرمين ظالمين‬
‫ما ُ‬
‫باتباعهم ما تنعموا فيه‪ ,‬فحقّ عليهم العذاب‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(117‬‬
‫حو َ‬
‫صل ِ ُ‬ ‫ك ال ُْقَرى ب ِظ ُل ْم ٍ وَأهْل َُها ُ‬
‫م ْ‬ ‫ك ل ِي ُهْل ِ َ‬
‫ن َرب ّ َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وَ َ‬

‫‪442‬‬
‫وما كان ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ليهلك قرية من القرى وأهلها مصلحون‬
‫في الرض‪ ,‬مجتنبون للفساد والظلم‪ ,‬وإنما يهلكهم بسبب ظلمهم‬
‫وفسادهم‪.‬‬

‫ُ‬
‫ن )‪(118‬‬
‫خت َل ِِفي َ‬
‫م ْ‬ ‫حد َةً َول ي ََزاُلو َ‬
‫ن ُ‬ ‫ة َوا ِ‬
‫م ً‬
‫سأ ّ‬‫ل الّنا َ‬ ‫ك لَ َ‬
‫جع َ َ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫شاَء َرب ّ َ‬

‫ولو شاء ربك لجعل الناس كلهم جماعة واحدة على دين واحد وهو‬
‫دين السلم‪ ,‬ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك‪ ,‬فل يزال الناس مختلفين‬
‫في أديانهم; وذلك مقتضى حكمته‪.‬‬

‫ن‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫مل َ ّ‬
‫ن َ‬ ‫ة رب ّ َ َ‬
‫كل ْ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫م ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خل ََقهُ ْ‬
‫م وَت َ ّ‬ ‫ك وَل ِذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫م َرب ّ َ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ِ‬ ‫إ ِل ّ َ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(119‬‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬‫سأ ْ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫جن ّةِ َوالّنا ِ‬
‫من رحم ربك فآمنوا به واتبعوا رسله‪ ,‬فإنهم ل يختلفون في‬ ‫إل َ‬
‫توحيد الله وما جاءت به الرسل من عند الله‪ ,‬وقد اقتضت حكمته‬
‫ي وفريق سعيد‪,‬‬ ‫خَلقهم مختلفين‪ :‬فريق شق ّ‬ ‫سبحانه وتعالى أنه َ‬
‫خِلق له‪ .‬وبهذا يتحقق وعد ربك في قضائه وقدره‪:‬‬ ‫وكل ميسر لما ُ‬
‫أنه سبحانه سيمل جهنم من الجن والنس الذين اتبعوا إبليس‬
‫وجنده ولم يهتدوا لليمان‪.‬‬

‫كم َ‬
‫جاَء َ‬
‫ك ِفي‬ ‫ؤاد َ َ‬
‫ك وَ َ‬ ‫ت ب ِهِ فُ َ‬
‫ما ن ُث َب ّ ُ‬
‫ل َ‬ ‫س ِ‬‫ن أن َْباِء الّر ُ‬ ‫ص عَل َي ْ َ ِ ْ‬‫وَك ُل ّ ن َُق ّ‬
‫ن )‪(120‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ة وَذِك َْرى ل ِل ْ ُ‬‫عظ َ ٌ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫هَذِهِ ال ْ َ‬
‫حقّ وَ َ‬
‫ص عليك ‪-‬أيها النبي‪ -‬من أخبار الرسل الذين كانوا قبلك‪ ,‬كل ما‬‫ونق ّ‬
‫وي قلبك للقيام بأعباء الرسالة‪ ,‬وقد جاءك في‬‫تحتاج إليه مما يق ّ‬
‫هذه السورة وما اشتملت عليه من أخبار‪ ,‬بيان الحق الذي أنت‬
‫عليه‪ ,‬وجاءك فيها موعظة يرتدع بها الكافرون‪ ,‬وذكرى يتذكر بها‬
‫المؤمنون بالله ورسله‪.‬‬

‫مُلو َ‬
‫ن )‪(121‬‬ ‫عا ِ‬ ‫كان َت ِك ُ ْ‬
‫م إ ِّنا َ‬ ‫مُلوا عََلى َ‬
‫م َ‬ ‫ن اعْ َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬
‫وَقُ ْ‬
‫ن )‪(122‬‬ ‫منت َظ ُِرو َ‬ ‫َوانت َظ ُِروا إ ِّنا ُ‬

‫‪443‬‬
‫وقل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للكافرين الذين ل يقّرون بوحدانية الله‪ :‬اعملوا‬
‫ما أنتم عاملون على حالتكم وطريقتكم في مقاومة الدعوة وإيذاء‬
‫الرسول والمستجيبين له‪ ,‬فإّنا عاملون على مكانتنا وطريقتنا من‬
‫الثبات على ديننا وتنفيذ أمر الله‪ .‬وانتظروا عاقبة أمرنا‪ ,‬فإّنا‬
‫منتظرون عاقبة أمركم‪ .‬وفي هذا تهديد ووعيد لهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مُر ك ُل ّ ُ‬
‫ه َفاعْب ُد ْهُ وَت َوَك ّ ْ‬
‫ل‬ ‫ض وَإ ِل َي ْهِ ي ُْر َ‬
‫جع ُ ا ل ْ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫وَل ِل ّهِ غَي ْ ُ‬
‫ن )‪(123‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫ل عَ ّ‬ ‫ما َرب ّ َ‬
‫ك ب َِغافِ ٍ‬ ‫عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫ولله سبحانه وتعالى علم كل ما غاب في السموات والرض‪ ,‬وإليه‬
‫وض أمرك إليه‪,‬‬ ‫جع المر كله يوم القيامة‪ ,‬فاعبده ‪-‬أيها النبي‪ -‬وف ّ‬
‫ي ُْر َ‬
‫وما ربك بغافل عما تعملون من الخير والشر‪ ,‬وسيجازي كل ّ بعمله‪.‬‬

‫‪ – 12‬سورة يوسف‬

‫ن )‪(1‬‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مِبي ِ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫الر ت ِل ْ َ‬
‫ك آَيا ُ‬
‫)الر( سبق الكلم على الحروف المق ّ‬
‫طعة في أول سورة البقرة‪.‬‬
‫هذه آيات الكتاب البّين الواضح في معانيه وحلله وحرامه وهداه‪.‬‬

‫َ‬
‫م ت َعِْقُلو َ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫إ ِّنا أنَزل َْناهُ قُْرآنا ً عََرب ِي ّا ً ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫إنا أنزلنا هذا القرآن بلغة العرب‪ ,‬لعلكم ‪-‬أيها العرب‪ -‬تعقلون‬
‫معانيه وتفهمونها‪ ,‬وتعملون بهديه‪.‬‬

‫َ‬ ‫ك أَ‬
‫ن‬ ‫ذا ال ُْقْرآ َ‬
‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ك هَ َ‬ ‫ما أوْ َ‬
‫ص بِ َ‬
‫ِ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ن ال ْ‬
‫َ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ص عَل َي ْ َ‬ ‫ن ن َُق ّ‬
‫ح ُ‬‫نَ ْ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫ن ال َْغافِِلي َ‬‫م ْ‬‫ن قَب ْل ِهِ ل َ ِ‬
‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫كن َ‬‫ُ‬

‫‪444‬‬
‫ص عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أحسن القصص بوحينا إليك هذا‬ ‫نحن نق ّ‬
‫القرآن‪ ,‬وإن كنت قبل إنزاله عليك لمن الغافلين عن هذه الخبار‪,‬‬
‫ل تدري عنها شيًئا‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫س‬
‫م َ‬ ‫كبا ً َوال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫شَر ك َوْ َ‬
‫حد َ عَ َ‬
‫تأ َ‬‫ت إ ِّني َرأي ْ ُ‬‫ف ل َِبيهِ َيا أب َ ِ‬
‫س ُ‬ ‫ل ُيو ُ‬ ‫إ ِذ ْ َقا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬‫سا ِ‬‫م ِلي َ‬ ‫َوال َْق َ‬
‫مَر َرأي ْت ُهُ ْ‬
‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك قول يوسف لبيه‪ :‬إني رأيت في المنام‬
‫أحد عشر كوكًبا‪ ,‬والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين‪ .‬فكانت هذه‬
‫ما وصل إليه يوسف عليه السلم من علوّ المنزلة‬
‫الرؤيا بشرى ل ِ َ‬
‫في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ك ك َْيدا ً إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫دوا ل َ َ‬
‫كي ُ‬ ‫ك عََلى إ ِ ْ‬
‫خوَت ِ َ‬
‫ك فَي َ ِ‬ ‫ص ُرؤَْيا َ‬ ‫ص ْ‬‫ي ل ت َْق ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َيا ب ُن َ ّ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫مِبي ٌ‬
‫ن عَد ُوّ ُ‬
‫سا ِ‬ ‫لن َ‬
‫ن لِ ِ‬‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬‫ال ّ‬
‫إذ قال إخوة يوسف من أبيه فيما بينهم‪ :‬إن يوسف وأخاه الشقيق‬
‫ضلهما علينا‪ ,‬ونحن جماعة ذوو عدد‪ ,‬إن أبانا‬‫أحب إلى أبينا منا‪ ,‬يف ّ‬
‫ضلهما علينا من غير موجب نراه‪.‬‬
‫لفي خطأ بّين حيث ف ّ‬

‫ْ‬
‫ه عَل َي ْ َ‬
‫ك‬ ‫مت َ ُ‬
‫م ن ِعْ َ‬‫ث وَي ُت ِ ّ‬
‫حاِدي ِ‬ ‫ل ال َ َ‬‫ن ت َأِوي ِ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬‫م َ‬‫ك وَي ُعَل ّ ُ‬‫ك َرب ّ َ‬‫جت َِبي َ‬
‫ك يَ ْ‬‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫ن‬
‫حقَ إ ِ ّ‬ ‫س َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ل إ ِب َْرا ِ‬‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬‫مَها عََلى أ َب َوَي ْ َ‬ ‫وعََلى آل يعُقوب ك َ َ‬
‫ما أت َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َْ‬ ‫َ‬
‫م )‪(6‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬ ‫ك عَِلي ٌ‬ ‫َرب ّ َ‬

‫وكما أراك ربك هذه الرؤيا فكذلك يصطفيك ويعلمك تفسير ما يراه‬
‫الناس في منامهم من الرؤى مما تؤول إليه واقًعا‪ ,‬ويتم نعمته‬
‫عليك وعلى آل يعقوب بالنبوة والرسالة‪ ,‬كما أتمها من قبل على‬
‫أبويك إبراهيم وإسحاق بالنبوة والرسالة‪ .‬إن ربك عليم بمن‬
‫يصطفيه من عباده‪ ,‬حكيم في تدبير أمور خلقه‪.‬‬

‫ن )‪(7‬‬
‫سائ ِِلي َ‬
‫ت ِلل ّ‬
‫خوَت ِهِ آَيا ٌ‬
‫ف وَإ ِ ْ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي ُيو ُ‬ ‫ل ََقد ْ َ‬
‫كا َ‬
‫لقد كان في قصة يوسف وإخوته عبر وأدلة تدل على قدرة الله‬
‫وحكمته لمن يسأل عن أخبارهم‪ ,‬ويرغب في معرفتها‪.‬‬

‫‪445‬‬
‫ن أ ََباَنا ل َِفي‬
‫ة إِ ّ‬
‫صب َ ٌ‬
‫ن عُ ْ‬
‫ح ُ‬
‫مّنا وَن َ ْ‬
‫َ‬
‫ب إ َِلى أِبيَنا ِ‬
‫ح ّ‬
‫َ‬ ‫ف وَأ َ ُ‬
‫خوهُ أ َ‬ ‫إ ِذ ْ َقاُلوا ل َُيو ُ‬
‫س ُ‬
‫ن )‪(8‬‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬‫ضل ٍ‬ ‫َ‬
‫إذ قال إخوة يوسف من أبيه فيما بينهم‪ :‬إن يوسف وأخاه الشقيق‬
‫ضلهما علينا‪ ,‬ونحن جماعة ذوو عدد‪ ,‬إن أبانا‬‫أحب إلى أبينا منا‪ ,‬يف ّ‬
‫ضلهما علينا من غير موجب نراه‪.‬‬
‫لفي خطأ بّين حيث ف ّ‬

‫ل ل َك ُم وج َ‬ ‫حوهُ أ َْرضا ً ي َ ْ‬ ‫اقْتُلوا يوس َ َ‬


‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م وَت َ ُ‬
‫كوُنوا ِ‬ ‫ه أِبيك ُ ْ‬
‫ْ َ ْ ُ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف أوْ اط َْر ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫حي َ‬ ‫وما ً َ‬
‫صال ِ ِ‬ ‫ب َعْدِهِ قَ ْ‬
‫اقتلوا يوسف أو ألقوا به في أرض مجهولة بعيدة عن الُعمران‬
‫يخُلص لكم حب أبيكم وإقباله عليكم‪ ,‬ول يلتفت عنكم إلى غيركم‪,‬‬
‫ن بعد قَْتل يوسف أو إبعاده تائبين إلى الله‪ ,‬مستغفرين‬
‫م ْ‬
‫وتكونوا ِ‬
‫له من بعد ذنبكم‪.‬‬

‫ل منهم ل تْقتُلوا يوس َ َ‬


‫ب ي َل ْت َِقط ْ ُ‬
‫ه‬ ‫ف وَأل ُْقوهُ ِفي غََياب َةِ ال ْ ُ‬
‫ج ّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ل َقائ ِ ٌ ِ ْ ُ ْ‬‫َقا َ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫م َفا ِ‬
‫عِلي َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫سّياَرةِ إ ِ ْ‬
‫ض ال ّ‬‫ب َعْ ُ‬
‫قال قائل من إخوة يوسف‪ :‬ل تقتلوا يوسف وألقوه في جوف البئر‬
‫يلتقطه بعض الماّرة من المسافرين فتستريحوا منه‪ ,‬ول حاجة إلى‬
‫قتله‪ ,‬إن كنتم عازمين على فعل ما تقولون‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(11‬‬
‫حو َ‬ ‫ه ل ََنا ِ‬
‫ص ُ‬ ‫ف وَإ ِّنا ل َ ُ‬ ‫مّنا عََلى ُيو ُ‬
‫س َ‬ ‫ما ل َ َ‬
‫ك ل ت َأ َ‬ ‫َقاُلوا َيا أَباَنا َ‬
‫قال إخوة يوسف ‪-‬بعد اتفاقهم على إبعاده‪ :-‬يا أبانا ما لك ل تجعلنا‬
‫أمناء على يوسف مع أنه أخونا‪ ,‬ونحن نريد له الخير ونشفق عليه‬
‫ونرعاه‪ ,‬ونخصه بخالص النصح؟‬

‫حافِ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(12‬‬
‫ظو َ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ب وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫غدا ً ي َْرت َعْ وَي َل ْعَ ْ‬
‫معََنا َ‬ ‫سل ْ ُ‬
‫ه َ‬ ‫أْر ِ‬

‫‪446‬‬
‫سعَ وينشط ويفرح‪,‬‬‫دا عندما نخرج إلى مراعينا ي َ ْ‬
‫أرسله معنا غ ً‬
‫ويلعب بالستباق ونحوه من اللعب المباح‪ ,‬وإنا لحافظون له من‬
‫كل ما تخاف عليه‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خا ُ َ‬


‫ه‬
‫م عَن ْ ُ‬
‫ب وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ن ي َأك ُل َ ُ‬
‫ه الذ ّئ ْ ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫ن ت َذ ْهَُبوا ب ِهِ وَأ َ َ‬ ‫َ‬
‫حُزن ُِني أ ْ‬‫ل إ ِّني ل َي َ ْ‬
‫َقا َ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫غافُِلو َ‬ ‫َ‬

‫قال يعقوب‪ :‬إني َليؤلم نفسي مفارقته لي إذا ذهبتم به إلى‬


‫المراعي‪ ,‬وأخشى أن يأكله الذئب‪ ,‬وأنتم عنه غافلون منشغلون‪.‬‬

‫ة إ ِّنا ِإذا ً ل َ َ‬ ‫َقاُلوا ل َئ ِ َ‬


‫ن )‪(14‬‬
‫سُرو َ‬
‫خا ِ‬ ‫صب َ ٌ‬
‫ن عُ ْ‬
‫ح ُ‬
‫ب وَن َ ْ‬ ‫ن أك َل َ ُ‬
‫ه الذ ّئ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫قال إخوة يوسف لوالدهم‪ :‬لئن أكله الذئب‪ ,‬ونحن جماعة قوية إنا‬
‫جى منا‪.‬‬ ‫إ ً‬
‫ذا لخاسرون‪ ,‬ل خير فينا‪ ,‬ول نفع ي ُْر َ‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫حي َْنا إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ب وَأوْ َ‬ ‫جعَُلوهُ ِفي غََياب َةِ ال ْ ُ‬
‫ج ّ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫مُعوا أ ْ‬ ‫ج َ‬‫ما ذ َهَُبوا ب ِهِ وَأ ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(15‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫م هَ َ‬
‫ذا وَهُ ْ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫ل َت ُن َب ّئ َن ّهُ ْ‬
‫م ب ِأ ْ‬
‫ه معهم‪ .‬فلما ذهبوا به وأجمعوا على إلقائه في جوف البئر‪,‬‬ ‫سل َ ُ‬
‫فأْر َ‬
‫ن إخوتك مستقبل بفعلهم هذا الذي فعلوه‬‫وأوحينا إلى يوسف لتخبر ّ‬
‫سون بذلك المر ول يشعرون به‪.‬‬ ‫ح ّ‬‫بك‪ ,‬وهم ل ي ُ ِ‬

‫ن )‪(16‬‬ ‫شاًء ي َب ْ ُ‬
‫ع َ‬ ‫َ‬
‫كو َ‬ ‫م ِ‬
‫جاُءوا أَباهُ ْ‬
‫وَ َ‬
‫وجاء إخوة يوسف إلى أبيهم في وقت الِعشاء من أول الليل‪,‬‬
‫يبكون ويظهرون السف والجزع‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫عَنا فَأك َل َ ُ‬
‫ه الذ ّئ ْ ُ‬
‫ب‬ ‫مَتا ِ‬
‫عن ْد َ َ‬
‫ف ِ‬
‫س َ‬‫ُيو ُ‬ ‫َقاُلوا َيا أَباَنا إ ِّنا ذ َهَب َْنا ن َ ْ‬
‫ست َب ِقُ وَت ََرك َْنا‬
‫َ‬
‫)‪(17‬‬ ‫ن‬
‫صادِِقي َ‬ ‫ن ل ََنا وَل َوْ ك ُّنا َ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ت بِ ُ‬
‫ما أن ْ َ‬
‫وَ َ‬
‫جْري والرمي بالسهام‪ ,‬وتركنا‬
‫قالوا‪ :‬يا أبانا إنا ذهبنا نتسابق في ال َ‬
‫صر في حفظه‪ ,‬بل تركناه في‬ ‫يوسف عند زادنا وثيابنا‪ ,‬فلم نق ّ‬

‫‪447‬‬
‫دق‬
‫مأمننا‪ ,‬وما فارقناه إل وقًتا يسيًرا‪ ,‬فأكله الذئب‪ ,‬وما أنت بمص ّ‬
‫لنا ولو كنا موصوفين بالصدق; لشدة حبك ليوسف‪.‬‬

‫مرا ً‬ ‫ل سول َت ل َك ُم َأنُفسك ُ َ‬


‫مأ ْ‬‫ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل بَ ْ َ ّ ْ‬ ‫صهِ ب ِد َم ٍ ك َذِ ٍ‬
‫ب َقا َ‬ ‫مي ِ‬ ‫جاُءوا عََلى قَ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫صُفو َ‬ ‫ن عََلى َ‬
‫ما ت َ ِ‬ ‫ست ََعا ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫ل َوالل ّ ُ‬
‫مي ٌ‬
‫ج ِ‬
‫صب ٌْر َ‬‫فَ َ‬
‫خا بدم غير دم يوسف; ليشهد على صدقهم‪,‬‬ ‫وجاؤوا بقميصه ملط ً‬
‫ق‪ .‬فقال لهم أبوهم‬
‫مّز ْ‬
‫فكان دليل على كذبهم; لن القميص لم ي ُ َ‬
‫يعقوب عليه السلم‪ :‬ما المر كما تقولون‪ ,‬بل زّينت لكم أنفسكم‬
‫حا في يوسف‪ ,‬فرأيتموه حسًنا وفعلتموه‪,‬‬ ‫مارة بالسوء أمًرا قبي ً‬
‫ال ّ‬
‫فصبري صبر جميل ل شكوى معه لحد من الخلق‪ ,‬وأستعين بالله‬
‫على احتمال ما تصفون من الكذب‪ ,‬ل على حولي وقوتي‪.‬‬

‫م‬ ‫ذا ُ‬
‫غل ٌ‬ ‫شَرى هَ َ‬ ‫م فَأ َد َْلى د َل ْوَهُ َقا َ‬
‫ل َيا ب ُ ْ‬ ‫سُلوا َوارِد َهُ ْ‬
‫َ‬
‫سّياَرةٌ فَأْر َ‬‫ت َ‬ ‫جاَء ْ‬‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ي َعْ َ‬‫م بِ َ‬ ‫ة َوالل ّ ُ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ضاعَ ً‬
‫سّروهُ ب ِ َ‬‫وَأ َ‬
‫من يطلب لهم الماء‪ ,‬فلما‬ ‫وجاءت جماعة من المسافرين‪ ,‬فأرسلوا َ‬
‫أرسل دلوه في البئر تعّلق بها يوسف‪ ,‬فقال واردهم‪ :‬يا بشراي هذا‬
‫ف من بقية المسافرين‬ ‫غلم نفيس‪ ,‬وأخفى الوارد ُ وأصحابه يوس َ‬
‫فلم يظهروه لهم‪ ,‬وقالوا‪ :‬إن هذه بضاعة استبضعناها‪ ,‬والله عليم‬
‫بما يعملونه بيوسف‪.‬‬

‫ن )‪(20‬‬
‫دي َ‬
‫ن الّزاهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫دود َةٍ وَ َ‬
‫كاُنوا ِفيهِ ِ‬ ‫مع ْ ُ‬
‫م َ‬
‫س د ََراهِ َ‬
‫خ ٍ‬
‫ن بَ ْ‬ ‫شَروْهُ ب ِث َ َ‬
‫م ٍ‬ ‫وَ َ‬
‫وباعه إخوته للواردين من المسافرين بثمن قليل من الدراهم‪,‬‬
‫وكانوا زاهدين فيه راغبين في التخلص منه; وذلك أنهم ل يعلمون‬
‫منزلته عند الله‪.‬‬

‫َ‬ ‫شتراه من مصر ل َ َ‬


‫ن َينَفعََنا‬ ‫سى أ ْ‬ ‫واهُ عَ َ‬ ‫َ‬ ‫مث ْ‬
‫مي َ‬ ‫مَرأت ِهِ أك ْرِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ذي ا ْ َ َ ُ ِ ْ ِ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫وََقا َ‬
‫ْ‬ ‫ف ِفي ال َ‬ ‫أَ‬
‫ل‬
‫ن ت َأِوي ِ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ض وَل ِن ُعَل ّ َ‬
‫م ُ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫يو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫مك ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ذ‬‫خذ َهُ وََلدا ً وَك َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫و‬
‫غال ِب عََلى أ َمره ول َك َ‬
‫ن )‪(21‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫س ل ي َعْل ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫ْ ِ ِ َ ِ ّ‬ ‫ه َ ٌ‬ ‫ث َوالل ّ ُ‬ ‫حاِدي ِ‬ ‫ال َ َ‬

‫‪448‬‬
‫ولما ذهب المسافرون بيوسف إلى "مصر" اشتراه منهم عزيزها‪,‬‬
‫وهو الوزير‪ ,‬وقال لمرأته‪ :‬أحسني معاملته‪ ,‬واجعلي مقامه عندنا‬
‫ما‪ ,‬لعلنا نستفيد من خدمته‪ ,‬أو نقيمه عندنا مقام الولد‪ ,‬وكما‬
‫كري ً‬
‫طف عليه‪ ,‬فكذلك مكّنا له في‬ ‫أنجينا يوسف وجعلنا عزيز "مصر" ي َعْ ِ‬
‫أرض "مصر"‪ ,‬وجعلناه على خزائنها‪ ,‬ولنعّلمه تفسير الرؤى فيعرف‬
‫منها ما سيقع مستقبل‪ .‬والله غالب على أمره‪ ,‬فحكمه نافذ ل‬
‫يبطله مبطل‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون أن المر كله بيد الله‪.‬‬

‫ن )‪(22‬‬
‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫زي ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫عْلما ً وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫كما ً وَ ِ‬
‫ح ْ‬ ‫ما ب َل َغَ أ َ ُ‬
‫شد ّهُ آت َي َْناهُ ُ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫ما‪ ,‬ومثل‬
‫ما وعل ً‬
‫ولما بلغ يوسف منتهى قوته في شبابه أعطيناه فه ً‬
‫هذا الجزاء الذي جزينا به يوسف على إحسانه نجزي المحسنين‬
‫على إحسانهم‪ .‬وفي هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫َ‬
‫ت‬
‫ت هَي ْ َ‬‫ب وََقال َ ْ‬
‫وا َ‬‫ت الب ْ َ‬ ‫سهِ وَغَل َّق ْ‬ ‫ه ال ِّتي هُوَ ِفي ب َي ْت َِها عَ ْ‬
‫ن ن َْف ِ‬ ‫وََراوَد َت ْ ُ‬
‫ح ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫مو َ‬‫ظال ِ ُ‬ ‫ه ل ي ُْفل ِ ُ‬ ‫مث ْ َ‬
‫وايَ إ ِن ّ ُ‬ ‫ن َ‬
‫س َ‬ ‫ح َ‬‫ه َرّبي أ ْ‬ ‫مَعاذ َ الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬
‫ل َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫لَ َ‬

‫ودعت امرأة العزيز ‪-‬برفق ولين‪ -‬يوسف الذي هو في بيتها إلى‬


‫نفسها; لحبها الشديد له وحسن بهائه‪ ,‬وغّلقت البواب عليها وعلى‬
‫من‬
‫ي‪ ,‬فقال‪ :‬معاذ الله أعتصم به‪ ,‬وأستجير ِ‬ ‫م إل ّ‬
‫يوسف‪ ,‬وقالت‪ :‬هل ّ‬
‫الذي تدعينني إليه‪ ,‬من خيانة سيدي الذي أحسن منزلتي وأكرمني‬
‫من ظ ََلم فََفعل ما ليس له فعله‪.‬‬
‫فل أخونه في أهله‪ ,‬إنه ل يفلح َ‬

‫ه‬
‫ف عَن ْ ُ‬
‫صرِ َ‬ ‫ن َرب ّهِ ك َذ َل ِ َ‬
‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫ها َ‬‫ن َرَأى ب ُْر َ‬ ‫َ‬
‫ول أ ْ‬ ‫م ب َِها ل َ ْ‬ ‫ت ب ِهِ وَهَ ّ‬‫م ْ‬ ‫وَل ََقد ْ هَ ّ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫صي َ‬‫خل َ ِ‬ ‫عَبادَِنا ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ح َ‬
‫شاَء إ ِن ّ ُ‬ ‫سوَء َوال َْف ْ‬ ‫ال ّ‬
‫سه حديث‬ ‫ف نف ُ‬
‫دثت يوس َ‬‫ولقد مالت نفسها لفعل الفاحشة‪ ,‬وح ّ‬
‫ما حدثته‬
‫خطرات للستجابة‪ ,‬لول أن رأى آية من آيات ربه تزجره ع ّ‬
‫به نفسه‪ ,‬وإنما أريناه ذلك; لندفع عنه السوء والفاحشة في جميع‬
‫أموره‪ ,‬إنه من عبادنا المطهرين المصطَفين للرسالة الذين أخلصوا‬
‫في عبادتهم لله وتوحيده‪.‬‬

‫َ‬
‫دى ال َْبا ِ‬
‫ب‬ ‫ها ل َ َ‬ ‫ن د ُب ُرٍ وَأل َْفَيا َ‬
‫سي ّد َ َ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬
‫ص ُ‬ ‫ت قَ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ست َب ََقا ال َْبا َ‬
‫ب وَقَد ّ ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫‪449‬‬
‫م)‬ ‫َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ن أ َوْ عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ج َ‬
‫س َ‬
‫ن يُ ْ‬
‫َ‬
‫سوءا ً إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ن أ ََراد َ ب ِأ َهْل ِ َ‬
‫ك ُ‬ ‫م ْ‬
‫جَزاُء َ‬
‫ما َ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ت َ‬
‫‪(25‬‬
‫وأسرع يوسف إلى الباب يريد الخروج‪ ,‬وأسرعت تحاول المساك‬
‫به‪ ,‬وجذبت قميصه من خلفه; لتحول بينه وبين الخروج فشّقته‪,‬‬
‫من أراد بامرأتك فاحشة‬‫ووجدا زوجها عند الباب فقالت‪ :‬ما جزاء َ‬
‫إل أن يسجن أو يعذب العذاب الموجع‪.‬‬

‫ن َ‬ ‫شاهد م َ‬
‫ه‬
‫ص ُ‬ ‫ن قَ ِ‬
‫مي ُ‬ ‫كا َ‬ ‫شهِد َ َ ِ ٌ ِ ْ‬
‫ن أهْل َِها إ ِ ْ‬ ‫سي وَ َ‬ ‫ن ن َْف ِ‬
‫ي َراوَد َت ِْني عَ ْ‬ ‫ل هِ َ‬‫َقا َ‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫كاذِِبي َ‬ ‫م ْ‬
‫ت وَهُوَ ِ‬ ‫صد َقَ ْ‬
‫ل فَ َ‬ ‫ن قُب ُ ٍ‬ ‫قُد ّ ِ‬
‫م ْ‬
‫من‬ ‫قال يوسف‪ :‬هي التي طلبت مني ذلك‪ ,‬فشهد صبي في المهد ِ‬
‫أهلها فقال‪ :‬إن كان قميصه ُ‬
‫شقّ من المام فصدقت في اّتهامها له‪,‬‬
‫وهو من الكاذبين‪.‬‬

‫ن )‪(27‬‬
‫صادِِقي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫ن د ُب ُرٍ فَك َذ َب َ ْ‬
‫ت وَهُوَ ِ‬ ‫ه قُد ّ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ن قَ ِ‬
‫مي ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫وإن كان قميصه ُ‬
‫شقّ من الخلف فكذبت في قولها‪ ,‬وهو من‬
‫الصادقين‪.‬‬

‫َ‬
‫م‬
‫ظي ٌ‬ ‫ن ك َي ْد َك ُ ّ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ن ك َي ْدِك ُ ّ‬
‫ن إِ ّ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ن د ُب ُرٍ َقا َ‬
‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫ه قُد ّ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ص ُ‬
‫مي َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما َرأى قَ ِ‬
‫)‪(28‬‬
‫شقّ من خلفه علم براءة يوسف‪,‬‬ ‫فلما رأى الزوج قميص يوسف ُ‬
‫من‬
‫ت به هذا الشاب هو ِ‬
‫وقال لزوجته‪ :‬إن هذا الكذب الذي اتهم ِ‬
‫ن مكركن عظيم‪.‬‬ ‫جملة مكركن ‪-‬أيتها النساء‪ ,-‬إ ّ‬

‫ن ال ْ َ‬ ‫ك ُ‬ ‫يوس ُ َ‬
‫ن)‬
‫خاط ِِئي َ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬
‫كن ِ‬ ‫ري ل ِذ َن ْب ِ ِ‬
‫ك إ ِن ّ ِ‬ ‫ست َغِْف ِ‬ ‫ن هَ َ‬
‫ذا َوا ْ‬ ‫ض عَ ْ‬
‫ف أعْرِ ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫‪(29‬‬
‫قال عزيز "مصر"‪ :‬يا يوسف اترك ذِ ْ‬
‫كر ما كان منها فل تذكره لحد‪,‬‬
‫ت من الثمين في‬ ‫واطلبي ‪-‬أيتها المرأة‪ -‬المغفرة لذنبك؛ إنك كن ِ‬
‫مراودة يوسف عن نفسه‪ ,‬وفي افترائك عليه‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫ل ن ِسوةٌ في ال ْمدينة ا َ‬
‫سهِ قَد ْ‬
‫ن ن َْف ِ‬ ‫زيزِ ت َُراوِد ُ فََتا َ‬
‫ها عَ ْ‬ ‫مَرأةُ ال ْعَ ِ‬
‫َ ِ َ ِ ْ‬ ‫وََقا َ ْ َ ِ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫ها ِفي َ‬ ‫حب ّا ً إ ِّنا ل َن ََرا َ‬ ‫َ‬
‫شغََفَها ُ‬
‫ووصل الخبر إلى نسوة في المدينة فتحدثن به‪ ,‬وقلن منكرات على‬
‫امرأة العزيز‪ :‬امرأة العزيز تحاول غلمها عن نفسه‪ ,‬وتدعوه إلى‬
‫شَغاف قلبها )وهو غلفه(‪ ,‬إنا َلنراها في‬
‫نفسها‪ ,‬وقد بلغ حبها له َ‬
‫هذا الفعل لفي ضلل واضح‪.‬‬

‫ً‬ ‫َ‬ ‫فَل َما سمعت بمك ْره َ‬


‫ت كُ ّ‬
‫ل‬ ‫مت ّك َأ َوآت َ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ت ل َهُ ّ‬ ‫ن وَأعْت َد َ ْ‬ ‫ت إ ِل َي ْهِ ّ‬‫سل َ ْ‬
‫ن أْر َ‬ ‫ّ َ ِ َ ْ ِ َ ِ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه وَقَط ّعْ َ‬
‫ن‬ ‫ه أك ْب َْرن َ ُ‬ ‫ما َرأي ْن َ ُ‬‫ن فَل َ ّ‬ ‫ج عَل َي ْهِ ّ‬ ‫خُر ْ‬‫تا ْ‬ ‫كينا ً وََقال َ ْ‬
‫س ّ‬
‫ن ِ‬ ‫من ْهُ ّ‬
‫حد َةٍ ِ‬‫َوا ِ‬
‫مل َ ٌ‬ ‫َ‬
‫م )‪(31‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫ك كَ ِ‬ ‫ذا إ ِل ّ َ‬‫ن هَ َ‬ ‫شرا ً إ ِ ْ‬ ‫ذا ب َ َ‬ ‫ما هَ َ‬ ‫ش ل ِل ّهِ َ‬
‫حا َ‬ ‫ن وَقُل ْ َ‬
‫ن َ‬ ‫أي ْدِي َهُ ّ‬
‫مها‪ ,‬أرسلت‬ ‫فلما سمعت امرأة العزيز بغِْيبتهن إياها واحتيالهن في ذ ّ‬
‫إليهن تدعوهن لزيارتها‪ ,‬وهّيأت لهن ما يتكئن عليه من الوسائد‪ ,‬وما‬
‫طعن‬ ‫يأكلنه من الطعام‪ ,‬وأعطت كل واحدة منهن سكيًنا لي َُق ّ‬
‫الطعام‪ ,‬ثم قالت ليوسف‪ :‬اخرج عليهن‪ ,‬فلما رأينه أعظمنه‬
‫طعن‬‫ذهن حسنه وجماله‪ ,‬فجرحن أيديهن وهن ي َُق ّ‬ ‫خ َ‬
‫وأجللنه‪ ,‬وأ َ‬
‫الطعام من فرط الدهشة والذهول‪ ,‬وقلن متعجبات‪ :‬معاذ الله‪ ,‬ما‬
‫هذا من جنس البشر; لن جماله غير معهود في البشر‪ ,‬ما هو إل‬
‫مَلك كريم من الملئكة‪.‬‬ ‫َ‬

‫م‬
‫ص َ‬ ‫سهِ َفا ْ‬
‫ست َعْ َ‬ ‫ن ن َْف ِ‬
‫ه عَ ْ‬‫مت ُن ِّني ِفيهِ وَل ََقد ْ َراَودت ّ ُ‬ ‫ذي ل ُ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫ت فَذ َل ِك ُ ّ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫ري َ‬
‫صاِغ ِ‬‫ن ال ّ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬‫ن وَل َي َ ُ‬
‫جن َ ّ‬ ‫مُرهُ ل َي ُ ْ‬
‫س َ‬ ‫ما آ ُ‬‫ل َ‬ ‫م ي َْفعَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬‫وَل َئ ِ ْ‬
‫طعن أيديهن‪ :‬فهذا الذي‬ ‫قالت امرأة العزيز للنسوة اللتي ق ّ‬
‫أصابكن في رؤيتكن إياه ما أصابكن هو الفتى الذي ُلمت ُّنني في‬
‫الفتتان به‪ ,‬ولقد طلبته وحاولت إغراءه; ليستجيب لي فامتنع وأبى‪,‬‬
‫ن بدخول السجن‪ ,‬وَليكونن‬ ‫ولئن لم يفعل ما آمره به مستقبل َليعاقَب َ ّ‬
‫من الذلء‪.‬‬

‫ل رب السج َ‬
‫ف عَّني‬ ‫عون َِني إ ِل َي ْهِ وَإ ِل ّ ت َ ْ‬
‫صرِ ْ‬ ‫ما ي َد ْ ُ‬ ‫م ّ‬
‫ي ِ‬‫ب إ ِل َ ّ‬
‫ح ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫ّ ْ ُ‬ ‫َقا َ َ ّ‬
‫َ‬ ‫ك َيدهُ َ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ن وَأك ُ ْ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ّ‬
‫ص ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫ْ َ ّ‬

‫‪451‬‬
‫ي‬
‫ن أحب إل ّ‬
‫ب السج ُ‬
‫من شرهن ومكرهن‪ :‬يا ر ّ‬ ‫قال يوسف مستعي ً‬
‫ذا ِ‬
‫مما يدعونني إليه من عمل الفاحشة‪ ,‬وإن لم تدفع عني مكرهن‬
‫م ْ‬
‫ل إليهن‪ ,‬وأكن من السفهاء الذين يرتكبون الثم لجهلهم‪.‬‬ ‫َ‬
‫أ ِ‬

‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫م )‪(34‬‬ ‫س ِ‬
‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ه ك َي ْد َهُ ّ‬
‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ف عَن ْ ُ‬ ‫ه فَ َ‬
‫صَر َ‬ ‫ب لَ ُ‬
‫ه َرب ّ ُ‬ ‫جا َ‬ ‫َفا ْ‬
‫ست َ َ‬
‫فاستجاب الله ليوسف دعاءه فصرف عنه ما أرادت منه امرأة‬
‫العزيز وصواحباتها من معصية الله‪ .‬إن الله هو السميع لدعاء‬
‫من خلقه‪ ,‬العليم بمطلبه وحاجته وما‬‫يوسف‪ ,‬ودعاء كل داع ِ‬
‫يصلحه‪ ,‬وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(35‬‬
‫حي ٍ‬
‫حّتى ِ‬
‫ه َ‬
‫جن ُن ّ ُ‬ ‫ت ل َي َ ْ‬
‫س ُ‬ ‫ما َرأْوا الَيا ِ‬
‫ن ب َعْدِ َ‬
‫م ْ‬ ‫دا ل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م بَ َ‬
‫ثم ظهر للعزيز وأصحابه ‪-‬من بعد ما رأوا الدلة على براءة يوسف‬
‫وعفته‪ -‬أن يسجنوه إلى زمن يطول أو يقصر; منًعا للفضيحة‪.‬‬

‫مرا ً وََقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل معه السجن فَتيان َقا َ َ‬


‫ل‬ ‫خ ْ‬ ‫صُر َ‬ ‫ما إ ِّني أَراِني أعْ ِ‬ ‫حد ُهُ َ‬
‫لأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ْ َ ََ‬ ‫خ َ َ َ ُ‬‫وَد َ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ن َب ّئ َْنا ب ِت َأِويل ِهِ‬
‫من ْ ُ‬‫ل الط ّي ُْر ِ‬
‫خْبزا ً ت َأك ُ ُ‬‫سي ُ‬ ‫ل فَوْقَ َرأ ِ‬ ‫م ُ‬
‫ح ِ‬‫خُر إ ِّني أَراِني أ ْ‬ ‫ال َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫إ ِّنا ن ََرا َ‬
‫ك ِ‬
‫ودخل السجن مع يوسف فََتيان‪ ,‬قال أحدهما‪ :‬إني رأيت في المنام‬
‫أني أعصر عنًبا ليصير خمًرا‪ ,‬وقال الخر‪ :‬إني رأيت أني أحمل فوق‬
‫رأسي خبًزا تأكل الطير منه‪ ,‬أخبرنا ‪-‬يا يوسف ‪-‬بتفسير ما رأينا‪ ,‬إنا‬
‫نراك من الذين يحسنون في عبادتهم لله‪ ,‬ومعاملتهم لخلقه‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ل ل يأ ِْتيك ُما ط َعام ترزَقان ِه إل ّ نبأ ْتك ُما بتأ ْويل ِه قَب َ َ‬
‫ن ي َأت ِي َك ُ َ‬
‫ما‬ ‫لأ ْ‬ ‫ِ ِ َّ ُ َ َِ ِ ِ ْ‬ ‫َ ٌ ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ‬
‫ن ِبالل ّهِ وَهُ ْ‬
‫م‬ ‫مُنو َ‬ ‫مل ّ َ‬
‫ة قَوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما عَل ّ َ‬
‫مِني َرّبي إ ِّني ت ََرك ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ذ َل ِك ُ َ‬
‫ما ِ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫ِبال ِ‬
‫قال لهما يوسف‪ :‬ل يأتيكما طعام ترزقانه في حال من الحوال إل‬
‫أخبرتكما بتفسيره قبل أن يأتيكما‪ ,‬ذلكما التعبير الذي سأعّبره لكما‬
‫مما عّلمني ربي; إني آمنت به‪ ,‬وأخلصت له العبادة‪ ,‬وابتعدت عن‬
‫دين قوم ل يؤمنون بالله‪ ,‬وهم بالبعث والحساب جاحدون‪.‬‬

‫‪452‬‬
‫َ‬
‫شرِ َ‬
‫ك‬ ‫ن نُ ْ‬‫ن ل ََنا أ ْ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ب َ‬ ‫حقَ وَي َعُْقو َ‬‫س َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬
‫هي َ‬
‫ة آَباِئي إ ِب َْرا ِ‬ ‫مل ّ َ‬
‫ت ِ‬ ‫َوات ّب َعْ ُ‬
‫َ‬
‫ن أك ْث ََر‬‫س وَل َك ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ض ِ ّ‬
‫ل اللهِ عَلي َْنا وَعَلى الّنا ِ‬ ‫ن فَ ْ‬‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫يٍء ذ َل ِ َ‬
‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ِبالل ّهِ ِ‬
‫ن )‪(38‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫س ل يَ ْ‬ ‫الّنا ِ‬
‫واتبعت دين آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فعبدت الله وحده‪ ,‬ما‬
‫كان لنا أن نجعل لله شري ً‬
‫كا في عبادته‪ ,‬ذلك التوحيد بإفراد الله‬
‫بالعبادة‪ ,‬مما تفضل الله به علينا وعلى الناس‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل‬
‫يشكرون الله على نعمة التوحيد واليمان‪.‬‬

‫حد ُ ال َْقّهاُر )‬ ‫َ‬ ‫حبي السج َ َ‬


‫ه ال ْ َ‬
‫وا ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫خي ٌْر أ ْ‬ ‫مت ََفّرُقو َ‬
‫ن َ‬ ‫ب ُ‬
‫ن أأْرَبا ٌ‬‫ّ ْ ِ‬ ‫صا ِ َ ِ‬
‫َيا َ‬
‫‪(39‬‬
‫وقال يوسف للَفَتيين اللذين معه في السجن‪ :‬أعبادةُ آلهةٍ مخلوقة‬
‫شتى خير أم عبادة الله الواحد القهار؟‬

‫ما َأنَز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫م َوآَباؤُك ُ ْ‬
‫ما تعبدون من دون ِه إل ّ أ َسماًء سميتمو َ َ‬
‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫َ ّ ُْ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َُْ ُ َ ِ ْ ُ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫دي ُ‬‫ك ال ّ‬‫دوا إ ِل ّ إ ِّياهُ ذ َل ِ َ‬‫مَر أل ّ ت َعْب ُ ُ‬ ‫م إ ِل ّ ل ِل ّهِ أ َ‬
‫حك ْ ُ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫ن إِ ْ‬
‫طا ٍ‬‫سل ْ َ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ب َِها ِ‬
‫ال َْقيم ول َك َ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬‫ّ ُ َ ِ ّ‬
‫ما تعبدون من دون الله إل أسماًء ل معاني وراءها‪ ,‬جعلتموها أنتم‬
‫وآباؤكم أرباًبا جهل منكم وضلل‪ ،‬ما أنزل الله من حجة أو برهان‬
‫على صحتها‪ ,‬ما الحكم الحق إل لله تعالى وحده‪ ,‬ل شريك له‪ ,‬أمر‬
‫أل تنقادوا ول تخضعوا لغيره‪ ,‬وأن تعبدوه وحده‪ ,‬وهذا هو الدين‬
‫القيم الذي ل عوج فيه‪ ,‬ولكن أكثر الناس يجهلون ذلك‪ ,‬فل يعلمون‬
‫حقيقته‪.‬‬

‫َ‬ ‫حبي السجن أ َ َ‬


‫صل َ ُ‬
‫ب‬ ‫خُر فَي ُ ْ‬ ‫مرا ً وَأ ّ‬
‫ما ال َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ه َ‬‫سِقي َرب ّ ُ‬ ‫حد ُك ُ َ‬
‫ما فَي َ ْ‬ ‫ما أ َ‬
‫ّ ْ ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫صا ِ َ‬
‫َيا ْ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(41‬‬ ‫ست َْفت َِيا ِ‬
‫ذي ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫مُر ال ّ ِ‬
‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫سهِ قُ ِ‬ ‫ن َرأ ِ‬ ‫ل الط ّي ُْر ِ‬
‫م ْ‬ ‫فَت َأك ُ ُ‬
‫ي في السجن‪ ,‬إليكما تفسيَر رؤياكما‪ :‬أما الذي رأى أنه‬
‫يا صاحب ّ‬
‫يعصر العنب في رؤياه فإنه يخرج من السجن ويكون ساقي الخمر‬
‫صلب‬
‫للملك‪ ,‬وأما الخر الذي رأى أنه يحمل على رأسه خبًزا فإنه ي ُ ْ‬

‫‪453‬‬
‫وي ُْترك‪ ,‬وتأكل الطير من رأسه‪ُ ,‬قضي المر الذي فيه تستفتيان‬
‫وُفرغ منه‪.‬‬

‫شي ْ َ‬ ‫ل لل ّذي ظ َن أ َنه ناج منهما اذ ْك ُرني عند رب َ َ‬


‫ن‬
‫طا ُ‬ ‫ك فَأن َ‬
‫ساهُ ال ّ‬ ‫ِ ْ َ َ ّ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ّ ّ ُ َ ٍ ِ ُْ َ‬ ‫وََقا َ ِ ِ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫سِني َ‬‫ضع َ ِ‬
‫ن بِ ْ‬ ‫ج ِ‬
‫س ْ‬ ‫ذِك َْر َرب ّهِ فَل َب ِ َ‬
‫ث ِفي ال ّ‬
‫وقال يوسف للذي علم أنه ناٍج من صاحبيه‪ :‬اذكرني عند سّيدك‬
‫الملك وأخبره بأني مظلوم محبوس بل ذنب‪ ,‬فأنسى الشيطان ذلك‬
‫الرجل أن يذكر للملك حال يوسف‪ ,‬فمكث يوسف بعد ذلك في‬
‫السجن عدة سنوات‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ك إني أ َرى سبع بَقرات سمان يأ ْ‬


‫سب ْعَ‬‫ف وَ َ‬‫جا ٌ‬ ‫ع َ‬
‫سب ْعٌ ِ‬
‫ن َ‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ ْ َ َ َ ٍ ِ َ ٍ َ‬ ‫َ‬ ‫مل ِ ُ ِ ّ‬‫ل ال ْ َ‬
‫وََقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ضرٍ وَأ ُ َ‬
‫م‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫مل أفُْتوِني ِفي ُرؤَْياي إ ِ ْ‬ ‫ت َيا أي َّها ال ْ َ‬
‫سا ٍ‬
‫خَر َياب ِ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫سن ُْبل ٍ‬‫ُ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫ِللّرؤَْيا ت َعْب ُُرو َ‬
‫وقال الملك‪ :‬إني رأيت في منامي سبع بقرات سمان‪ ,‬يأكلهن سبع‬
‫بقرات نحيلت من الهُهزال‪ ,‬ورأيت سبع سنبلت خضر‪ ,‬وسبع‬
‫سنبلت يابسات‪ ,‬يا أيها السادة والكبراء أخبروني عن هذه الرؤيا‪,‬‬
‫سرون‪.‬‬ ‫إن كنتم للرؤيا ت َُف ّ‬
‫ْ‬ ‫َقاُلوا أ َضَغا ُ َ‬
‫ن )‪(44‬‬
‫مي َ‬ ‫ل ال َ ْ‬
‫حلم ِ ب َِعال ِ ِ‬ ‫ن ب ِت َأِوي ِ‬
‫ح ُ‬
‫ما ن َ ْ‬
‫حلم ٍ وَ َ‬
‫ثأ ْ‬ ‫ْ‬
‫قالوا‪ :‬رؤياك هذه أخلط أحلم ل تأويل لها‪ ,‬وما نحن بتفسير‬
‫الحلم بعالمين‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬


‫سُلو ِ‬
‫ن)‬ ‫مةٍ أَنا أن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫م ب ِت َأِويل ِهِ فَأْر ِ‬ ‫ما وَا ِد ّك ََر ب َعْد َ أ ّ‬
‫من ْهُ َ‬
‫جا ِ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي ن َ َ‬ ‫وََقا َ‬
‫‪(45‬‬

‫وقال الذي نجا من القتل من صاحَبي يوسف في السجن وتذكر بعد‬


‫مدة ما نسي من أمر يوسف‪ :‬أنا أخبركم بتأويل هذه الرؤيا‪,‬‬
‫فابعثوني إلى يوسف لتيكم بتفسيرها‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يوس ُ َ‬
‫سب ْعٌ‬
‫ن َ‬‫ن ي َأك ُل ُهُ ّ‬‫ما ٍ‬
‫س َ‬
‫ت ِ‬ ‫ديقُ أفْت َِنا ِفي َ‬
‫سب ِْع ب ََقَرا ٍ‬ ‫ص ّ‬ ‫ف أي َّها ال ّ‬ ‫ُ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫س‬
‫جعُ إ ِلى الّنا ِ‬ ‫ت ل َعَّلي أْر ِ‬
‫سا ٍ‬‫خَر َياب ِ َ‬ ‫ضرٍ وَأ َ‬
‫خ ْ‬
‫ت ُ‬ ‫سن ُْبل ٍ‬
‫سب ِْع ُ‬
‫ف وَ َ‬ ‫جا ٌ‬
‫ع َ‬
‫ِ‬
‫‪454‬‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫م ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ل َعَل ّهُ ْ‬
‫سر‬
‫وعندما وصل الرجل إلى يوسف قال له‪ :‬يوسف أيها الصديق ف ّ‬
‫من رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات هزيلت‪,‬‬ ‫لنا رؤيا َ‬
‫ورأى سبع سنبلت خضر وأخر يابسات; لعلي أرجع إلى الملك‬
‫وأصحابه فأخبرهم; ليعلموا تأويل ما سألتك عنه‪ ,‬وليعلموا مكانتك‬
‫وفضلك‪.‬‬

‫َ‬
‫سن ْب ُل ِهِ إ ِل ّ قَِليل ً‬
‫م فَذ َُروهُ ِفي ُ‬
‫صد ْت ُ ْ‬
‫ح َ‬ ‫ن د َأبا ً فَ َ‬
‫ما َ‬ ‫سِني َ‬
‫سب ْعَ ِ‬
‫ن َ‬
‫عو َ‬
‫ل ت َْزَر ُ‬‫َقا َ‬
‫ْ‬
‫ما ت َأك ُُلو َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫م ّ‬‫ِ‬
‫قال يوسف لسائله عن رؤيا الملك‪ :‬تفسير هذه الرؤيا أنكم‬
‫دين لي َك ُْثر العطاء‪ ,‬فما حصدتم منه‬
‫تزرعون سبع سنين متتابعة جا ّ‬
‫م حفظه من‬ ‫خروه‪ ,‬واتركوه في سنبله; ليت ّ‬ ‫في كل مرة فاد ّ ِ‬
‫وس‪ ,‬وليكون أبقى‪ ,‬إل قليل مما تأكلونه من الحبوب‪.‬‬ ‫التس ّ‬

‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ما‬
‫م ّ‬ ‫م ل َهُ ّ‬
‫ن إ ِل ّ قَِليل ً ِ‬ ‫ما قَد ّ ْ‬
‫مت ُ ْ‬ ‫داد ٌ ي َأك ُل ْ َ‬
‫ن َ‬ ‫ش َ‬
‫سب ْعٌ ِ‬ ‫ن ب َعْدِ ذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫م ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م ي َأِتي ِ‬
‫ن )‪(48‬‬ ‫صُنو َ‬‫ح ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫دب‪ ,‬يأكل‬‫ج ْ‬
‫صبة سبع سنين شديدة ال َ‬
‫خ ْ‬
‫ثم يأتي بعد هذه السنين ال ِ‬
‫دخرونه‬
‫دخرتم لهن من قبل‪ ,‬إل قليل مما تحفظونه وت ّ‬ ‫أهلها كل ما ا ّ‬
‫ليكون بذوًرا للزراعة‪.‬‬

‫ن ب َعْدِ ذ َل ِ َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(49‬‬
‫صُرو َ‬
‫س وَِفيهِ ي َعْ ِ‬
‫ث الّنا ُ‬
‫م ِفيهِ ي َُغا ُ‬
‫عا ٌ‬
‫ك َ‬ ‫م ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م ي َأِتي ِ‬
‫ثم يأتي من بعد هذه السنين المجدبة عام يغاث فيه الناس بالمطر‪,‬‬
‫فيرفع الله تعالى عنهم الشدة‪ ,‬ويعصرون فيه الثمار من كثرة‬
‫صب والنماء‪.‬‬
‫خ ْ‬
‫ال ِ‬

‫جعْ إ َِلى َرب ّ َ‬


‫ك‬ ‫ل َقا َ‬
‫ل اْر ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫جاَءهُ الّر ُ‬ ‫ك ائ ُْتوِني ب ِهِ فَل َ ّ‬
‫ما َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫ل النسوة الل ِّتي قَط ّع َ‬ ‫َفا َ‬
‫م)‬
‫ن عَِلي ٌ‬ ‫ن َرّبي ب ِك َي ْدِهِ ّ‬‫ن إِ ّ‬
‫ن أي ْدِي َهُ ّ‬
‫ْ َ‬ ‫ما َبا ُ ّ ْ َ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سأل ْ ُ‬
‫ْ‬
‫‪(50‬‬

‫‪455‬‬
‫وقال الملك لعوانه‪ :‬أخرجوا الرجل المعّبر للرؤيا من السجن‬
‫وأحضروه لي‪ ,‬فلما جاءه رسول الملك يدعوه قال يوسف‬
‫للرسول‪ :‬ارجع إلى سيدك الملك‪ ,‬واطلب منه أن يسأل النسوة‬
‫اللتي جرحن أيديهن عن حقيقة أمرهن وشأنهن معي; لتظهر‬
‫الحقيقة للجميع‪ ,‬وتتضح براءتي‪ ,‬إن ربي عليم بصنيعهن وأفعالهن ل‬
‫يخفى عليه شيء من ذلك‪.‬‬

‫ما‬‫ش ل ِل ّهِ َ‬
‫حا َ‬ ‫سهِ قُل ْ َ‬
‫ن َ‬ ‫ن ن َْف ِ‬
‫ف عَ ْ‬ ‫س َ‬‫ن ُيو ُ‬‫ن إ ِذ ْ َراَودت ّ ّ‬ ‫خط ْب ُك ُ ّ‬‫ما َ‬‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫عَل ِمنا عَل َيه من سوٍء َقال َت امرأ َةُ ال ْعزيز الن حصحص ال ْحق أناَ‬
‫َ ّ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ْ ِ ِ ْ ُ‬ ‫ْ َ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫صادِِقي َ‬‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫هل ِ‬ ‫سهِ وَإ ِن ّ ُ‬‫ن ن َْف ِ‬ ‫ه عَ ْ‬‫َراَودت ّ ُ‬
‫ن‬
‫قال الملك للنسوة اللتي جرحن أيديهن‪ :‬ما شأنكن حين راودت ّ‬
‫يوسف عن نفسه يوم الضيافة؟ فهل رأيتن منه ما يريب؟ قلن‪:‬‬
‫معاذ الله ما علمنا عليه أدنى شيء َيشينه‪ ,‬عند ذلك قالت امراة‬
‫العزيز‪ :‬الن ظهر الحق بعد خفائه‪ ,‬فأنا التي حاولت فتنته بإغرائه‬
‫فامتنع‪ ,‬وإنه لمن الصادقين في كل ما قاله‪.‬‬

‫دي ك َي ْد َ ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫م أَ ُ‬ ‫ك ل ِيعل َ َ‬


‫ن )‪(52‬‬
‫خائ ِِني َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ه ِبال ْغَي ْ ِ‬
‫ب وَأ ّ‬ ‫خن ْ ُ‬ ‫م أّني ل َ ْ‬
‫ذ َل ِ َ َ ْ َ‬
‫ذلك القول الذي قلته في تنزيهه والقرار على نفسي ليعلم زوجي‬
‫أني لم أخنه بالكذب عليه‪ ,‬ولم تقع مني الفاحشة‪ ,‬وأنني راودته‪,‬‬
‫واعترفت بذلك لظهار براءتي وبراءته‪ ,‬وأن الله ل يوفق أهل‬
‫الخيانة‪ ,‬ول يرشدهم في خيانتهم‪.‬‬

‫‪456‬‬
‫الجزء الثالث عشر ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن َرب ّههي‬
‫م َرب ّههي إ ِ ّ‬
‫ح َ‬ ‫سوِء إ ِل ّ َ‬
‫ما َر ِ‬ ‫ماَرةٌ ِبال ّ‬
‫سل ّ‬‫ن الن ّْف َ‬ ‫ما أب َّرئُ ن َْف ِ‬
‫سي إ ِ ّ‬ ‫وَ َ‬
‫م )‪(53‬‬‫حي ٌ‬ ‫غَُفوٌر َر ِ‬
‫قالت امرأة العزيز‪ :‬وما أزكي نفسي ول أبرئها‪ ,‬إن النفس لكثيرة‬
‫من عصمه الله‪ .‬إن‬
‫المر لصاحبها بعمل المعاصي طلبا لملذاتها‪ ,‬إل َ‬
‫من عباده‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬‫من تاب ِ‬
‫الله غفور لذنوب َ‬

‫َ‬
‫ك ال َْيههوْ َ‬
‫م‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬
‫ه َقا َ‬ ‫ما ك َل ّ َ‬
‫م ُ‬ ‫سي فَل َ ّ‬
‫ه ل ِن َْف ِ‬
‫ص ُ‬
‫خل ِ ْ‬ ‫ك ائ ُْتوِني ب ِهِ أ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(54‬‬ ‫مي ٌ‬ ‫نأ ِ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ل َد َي َْنا َ‬
‫م ِ‬
‫وقال الملك الحاكم له "مصر" حين بلغته براءة يوسف‪ :‬جيئوني به‬
‫أجعله من خلصائي وأهل مشورتي‪ ,‬فلما جاء يوسف وكّلمه الملك‪,‬‬
‫وعرف براءته‪ ,‬وعظيم أمانته‪ ,‬وحسن خلقه‪ ,‬قال له‪ :‬إنك اليوم‬
‫عندنا عظيم المكانة‪ ,‬ومؤتمن على كل شيء‪.‬‬

‫م )‪(55‬‬ ‫حِفي ٌ‬ ‫َ‬ ‫جعَل ِْني عََلى َ‬ ‫َقا َ‬


‫ظ عَِلي ٌ‬ ‫ض إ ِّني َ‬
‫ن الْر ِ‬
‫خَزائ ِ ِ‬ ‫لا ْ‬
‫وأراد يوسف أن ينفع العباد‪ ,‬ويقيم العدل بينهم‪ ,‬فقال للملك‪:‬‬
‫اجعلني والًيا على خزائن "مصر"‪ ,‬فإني خازن أمين‪ ,‬ذو علم‬
‫وبصيرة بما أتوله‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫صههي ُ‬ ‫ث يَ َ‬
‫شههاُء ن ُ ِ‬ ‫حي ْه ُ‬
‫من ْهَهها َ‬
‫ض ي َت َب َهوّأ ِ‬‫ف فِههيَ الْر ِ‬ ‫سه َ‬ ‫مك ّن ّهها ل ُِيو ُ‬‫ك َ‬‫وَك َهذ َل ِ َ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫جَر ال ْ ُ‬
‫ضيعُ أ ْ‬
‫شاُء َول ن ُ ِ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫م ْ‬‫مت َِنا َ‬‫ح َ‬‫ب َِر ْ‬
‫كن له في أرض‬‫وكما أنعم الله على يوسف بالخلص من السجن م ّ‬
‫"مصر" ينزل منها أي منزل شاءه‪ .‬يصيب الله برحمته من يشاء من‬
‫من أحسن شيًئا ِ‬
‫من العمل الصالح‪.‬‬ ‫عباده المتقين‪ ,‬ول يضيع أجر َ‬

‫ن )‪(57‬‬ ‫مُنوا وَ َ‬
‫كاُنوا ي َت ُّقو َ‬ ‫نآ َ‬ ‫خي ٌْر ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خَرةِ َ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫جُر ال ِ‬

‫‪457‬‬
‫وَلثواب الخرة عند الله أعظم من ثواب الدنيا لهل اليمان‬
‫والتقوى الذين يخافون عقاب الله‪ ,‬ويطيعونه في أمره ونهيه‪.‬‬

‫ن )‪(58‬‬
‫منك ُِرو َ‬ ‫م لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫خُلوا عَل َي ْهِ فَعََرفَهُ ْ‬
‫م وَهُ ْ‬ ‫ف فَد َ َ‬
‫س َ‬
‫خوَةُ ُيو ُ‬
‫جاَء إ ِ ْ‬
‫وَ َ‬
‫ل بهم الجدب في‬‫م إخوة يوسف إلى "مصر" ‪-‬بعد أن ح ّ‬ ‫وقدِ َ‬
‫أرضهم‪ ;-‬ليجلبوا منها الطعام‪ ,‬فدخلوا عليه فعرفهم‪ ,‬ولم يعرفوه‬
‫لطول المدة وتغّير هيئته‪.‬‬

‫ن أ َن ّههي‬ ‫ل ائ ْتوِني بأ َخ ل َك ُم من أ َبيك ُ َ‬


‫م أل ت َهَروْ َ‬
‫ْ ِ ْ ِ ْ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫م َقا َ ُ‬ ‫جَهازِهِ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫جهَّزهُ ْ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫ما َ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫ل وَأ ََنا َ‬
‫خي ُْر ال ْ ُ‬
‫منزِِلي َ‬ ‫ُأوِفي ال ْك َي ْ َ‬
‫وقد أمر يوسف بإكرامهم وحسن ضيافتهم‪ ,‬ثم أعطاهم من الطعام‬
‫خا من أبيهم لم ُيحضروه معهم‬‫ما طلبوا‪ ,‬وكانوا قد أخبروه أن لهم أ ً‬
‫‪-‬يريدون شقيقه‪ -‬فقال‪ :‬ائتوني بأخيكم من أبيكم‪ ,‬ألم تروا أني‬
‫ت لكم الكيل وأكرمتكم في الضيافة‪ ,‬وأنا خير المضيفين لكم؟‬ ‫أوفي ُ‬

‫ن )‪(60‬‬
‫دي َول ت َْقَرُبو ِ‬
‫عن ِ‬
‫م ِ‬ ‫م ت َأ ُْتوِني ب ِهِ َفل ك َي ْ َ‬
‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫فَإ ِ ْ‬
‫ي‪.‬‬
‫فإن لم تأتوني به فليس لكم عندي طعام أكيله لكم‪ ,‬ول تأتوا إل ّ‬

‫ن )‪(61‬‬ ‫ه أ ََباهُ وَإ ِّنا ل ََفا ِ‬


‫عُلو َ‬ ‫َقاُلوا ْ َ‬
‫سن َُراوِد ُ عَن ْ ُ‬
‫صر في ذلك‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬سنبذل جهدنا لقناع أبيه أن يرسله معنا‪ ,‬ولن نق ّ‬

‫ذا‬ ‫م ل َعَل ّهُ ه ْ‬


‫م ي َعْرُِفون َهَهها إ ِ َ‬ ‫حههال ِهِ ْ‬
‫م فِههي رِ َ‬ ‫جعَل ُههوا ْ ب ِ َ‬
‫ضههاعَت َهُ ْ‬ ‫وَقَهها َ‬
‫ل ل ِِفت ْي َههان ِهِ ا ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(62‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َْر ِ‬ ‫انَقل َُبوا ْ إ َِلى أهْل ِهِ ْ‬
‫وقال يوسف لغلمانه‪ :‬اجعلوا ثمن ما أخذوه في أمتعتهم سًرا; رجاء‬
‫دروا إكرامنا لهم؛ ليرجعوا‬
‫أن يعرفوه إذا رجعوا إلى أهلهم‪ ,‬ويق ّ‬
‫طمًعا في عطائنا‪.‬‬

‫‪458‬‬
‫َقاُلوا ْ يا أ َبانا منع منا ال ْك َي ُ َ‬
‫معََنا أ َ َ‬
‫خاَنا‬ ‫ل َ‬ ‫ل فَأْر ِ‬
‫س ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ُ ِ َ ِ ّ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫جُعوا إ َِلى أِبيهِ ْ‬ ‫ما َر ِ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫)‪(63‬‬ ‫ن‬
‫ظو َ‬ ‫حافِ ُ‬‫ه لَ َ‬‫ل وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫ن َك ْت َ ْ‬
‫صوا عليه ما كان من إكرام العزيز لهم‪,‬‬ ‫فلما رجعوا إلى أبيهم ق ّ‬
‫وقالوا‪ :‬إنه لن يعطينا مستقَبل إل إذا كان معنا أخونا الذي أخبرناه‬
‫به‪ ,‬فأرسْله معنا نحضر الطعام وافًيا‪ ,‬ونتعهد لك بحفظه‪.‬‬

‫خي ْهٌر‬ ‫ل فَههالل ّ ُ‬


‫ه َ‬ ‫من قَب ْه ُ‬ ‫م عََلى أ َ ِ‬
‫خيهِ ِ‬ ‫منت ُك ُ ْ‬
‫ل آمنك ُم عَل َيه إل ّ ك َ َ‬
‫ما أ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫ل هَ ْ َ ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫َ‬ ‫حافِ ً‬
‫مي َ‬
‫ح ِ‬
‫م الّرا ِ‬
‫ح ُ‬
‫ظا وَهُوَ أْر َ‬ ‫َ‬
‫قال لهم أبوهم‪ :‬كيف آمنكم على "بنيامين" وقد أمنتكم على أخيه‬
‫يوسف من قبل‪ ,‬والتزمتم بحفظه فلم تفوا بذلك؟ فل أثق‬
‫بالتزامكم وحفظكم‪ ,‬ولكني أثق بحفظ الله‪ ,‬خير الحافظين وأرحم‬
‫ي‪.‬‬
‫الراحمين‪ ,‬أرجو أن يرحمني فيحفظه ويرده عل ّ‬

‫َ‬
‫م قَههاُلوا ي َهها أَبان َهها َ‬
‫مهها‬ ‫ت إ ِل َي ْهِ ه ْ‬ ‫م ُرد ّ ْ‬ ‫ضههاعَت َهُ ْ‬ ‫دوا ب ِ َ‬ ‫ج ُ‬
‫م وَ َ‬ ‫مَتاعَهُ ْ‬‫حوا َ‬ ‫ما فَت َ ُ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫داد ُ ك َي ْه َ‬
‫ل‬ ‫ظ أَ َ‬
‫خان َهها وَن َهْز َ‬ ‫حَفه ُ‬ ‫َ‬
‫ميُر أهْل ََنا وَن َ ْ‬ ‫ت إ ِل َي َْنا وَن َ ِ‬ ‫ضاعَت َُنا ُرد ّ ْ‬ ‫ن َب ِْغي هَذِهِ ب ِ َ‬
‫سيٌر )‪(65‬‬ ‫ل يَ ِ‬ ‫ك ك َي ْ ٌ‬ ‫ب َِعيرٍ ذ َل ِ َ‬

‫ولما فتحوا أوعيتهم وجدوا ثمن بضاعتهم الذي دفعوه قد ُرد ّ إليهم‬
‫ده العزيز‬‫قالوا‪ :‬يا أبانا ماذا نطلب أكثر من هذا؟ هذا ثمن بضاعتنا ر ّ‬
‫ما وفيًرا‬ ‫إلينا‪ ,‬فكن مطمئًنا على أخينا‪ ,‬وأرسله معنا; لنجلب طعا ً‬
‫ل بعير له; فإن العزيز يكيل لكل‬ ‫م َ‬
‫ح ْ‬
‫لهلنا‪ ,‬ونحفظ أخانا‪ ,‬ونزداد ِ‬
‫ل بعير‪ ,‬وذلك كيل يسير عليه‪.‬‬ ‫م َ‬
‫ح ْ‬
‫واحد ِ‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ن الل ّهِ ل َت َأُتون َِني ب ِهِ إ ِل ّ أ ْ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬‫موِْثقا ً ِ‬‫حّتى ت ُؤُْتوِني َ‬ ‫م َ‬ ‫معَك ُ ْ‬
‫ه َ‬‫سل َ ُ‬‫ن أْر ِ‬ ‫َقا َ ْ‬
‫ل )‪(66‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫ما ن َُقو ُ‬‫ه عََلى َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫م َقا َ‬
‫موْث َِقهُ ْ‬
‫ما آت َوْهُ َ‬‫م فَل َ ّ‬ ‫حا َ‬
‫ط ب ِك ُ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫قال لهم يعقوب‪ :‬لن أتركه يذهب معكم حتى تتعهدوا وتحلفوا لي‬
‫ي‪ ,‬إل أن ت ُْغلبوا عليه فل تستطيعوا تخليصه‪ ,‬فلما‬
‫بالله أن تردوه إل ّ‬
‫وه عهد الله على ما طلب‪ ,‬قال يعقوب‪ :‬الله على ما نقول‬ ‫أعط َ ْ‬
‫وكيل‪ ,‬أي تكفينا شهادته علينا وحفظه لنا‪.‬‬

‫‪459‬‬
‫خُلوا م َ‬
‫ما‬‫مت ََفّرقَةٍ وَ َ‬‫ب ُ‬ ‫وا ٍ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫حدٍ َواد ْ ُ‬ ‫ب َوا ِ‬ ‫ن َبا ٍ‬‫م ْ‬‫خُلوا ِ‬
‫ل َيا ب َِني ل ت َد ْ ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫ت وَعَل َي ْه ِ‬
‫ه‬ ‫م إ ِل ّ ل ِل ّهِ عَل َي ْهِ ت َهوَك ّل ْ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫حك ْ ُ‬ ‫يٍء إ ِ ْ‬
‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫أ ُغِْني َ‬
‫عنك ُ ْ‬
‫ن )‪(67‬‬ ‫مت َوَك ُّلو َ‬
‫ل ال ْ ُ‬
‫فَل ْي َت َوَك ّ ْ‬
‫من‬‫وقال لهم أبوهم‪ :‬يا أبنائي إذا دخلتم أرض "مصر" فل تدخلوا ِ‬
‫باب واحد‪ ,‬ولكن ادخلوها من أبواب متفرقة‪ ,‬حتى ل تصيبكم العين‪,‬‬
‫وإني إذ أوصيكم بهذا ل أدفع عنكم شيًئا قضاه الله عليكم‪ ,‬فما‬
‫الحكم إل لله وحده‪ ,‬عليه اعتمدت ووثقت‪ ,‬وعليه وحده يعتمد‬
‫المؤمنون‪.‬‬

‫ث أ َمرهُ َ‬
‫ن‬‫مهه ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي ُغِْني عَن ْهُ ْ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬‫م َ‬‫م أُبوهُ ْ‬
‫حي ْ ُ َ َ ْ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫خُلوا ِ‬ ‫ما د َ َ‬‫وَل َ ّ‬
‫مهها عَل ّ ْ‬
‫من َههاهُ‬ ‫عل ْهم ٍ ل ِ َ‬‫ذو ِ‬ ‫ه ل َه ُ‬
‫ها وَإ ِن ّ ُ‬ ‫ب قَ َ‬
‫ضا َ‬ ‫س ي َعُْقو َ‬
‫ة ِفي ن َْف ِ‬ ‫ج ً‬ ‫يٍء إ ِل ّ َ‬
‫حا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(68‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬
‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬ ‫وَل َك ِ ّ‬
‫ولما دخلوا من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم‪ ,‬ما كان ذلك ليدفع‬
‫قضاء الله عنهم‪ ,‬ولكن كان شفقة في نفس يعقوب عليهم أن‬
‫تصيبهم العين‪ ,‬وإن يعقوب لصاحب علم ٍ عظيم بأمر دينه عّلمه الله‬
‫حًيا‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون عواقب المور ودقائق‬
‫له و ْ‬
‫من أمر دينه‪.‬‬
‫الشياء‪ ,‬وما يعلمه يعقوب ‪-‬عليه السلم‪ِ -‬‬

‫ك َفل ت َب ْت َئ ِ ْ‬
‫س‬ ‫ل إ ِّني أ ََنا أ َ ُ‬
‫خو َ‬ ‫ف آَوى إ ِل َي ْهِ أ َ َ‬
‫خاهُ َقا َ‬ ‫س َ‬‫خُلوا عََلى ُيو ُ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫ما د َ َ‬
‫ن )‪(69‬‬ ‫مُلو َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬‫ما َ‬ ‫بِ َ‬
‫ولما دخل إخوة يوسف عليه في منزل ضيافته ومعهم شقيقه‪ ,‬ضم‬
‫م‬
‫يوسف إليه شقيقه‪ ,‬وقال له سًرا‪ :‬إني أنا أخوك فل تحزن‪ ,‬ول تغت ّ‬
‫بما صنعوه بي فيما مضى‪ .‬وأمره بكتمان ذلك عنهم‪.‬‬

‫خيهه ُثه َ‬‫ة في رح َ‬


‫مهؤَذ ّ ٌ‬
‫ن‬ ‫م أذ ّ َ‬
‫ن ُ‬ ‫لأ ِ ِ ّ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫سَقاي َ َ ِ‬ ‫جع َ َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫م َ‬
‫جَهازِهِ ْ‬‫م بِ َ‬‫جهَّزهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(70‬‬ ‫سارُِقو َ‬‫م لَ َ‬‫أي ّت َُها ال ِْعيُر إ ِن ّك ُ ْ‬
‫مل إبلهم بالطعام‪ ,‬أمر عماله‪ ,‬فوضعوا‬ ‫فلما جهّزهم يوسف‪ ,‬وح ّ‬
‫الناء الذي كان يكيل للناس به في متاع أخيه "بنيامين" من حيث ل‬
‫يشعر أحد‪ ,‬ولما ركبوا ليسيروا نادى منادٍ قائل يا أصحاب هذه العير‬
‫ملة بالطعام‪ ,‬إنكم لسارقون‪.‬‬ ‫المح ّ‬
‫‪460‬‬
‫َ‬
‫ن )‪(71‬‬
‫دو َ‬ ‫ما َ‬
‫ذا ت َْفِق ُ‬ ‫َقاُلوا وَأقْب َُلوا عَل َي ْهِ ْ‬
‫م َ‬
‫قال أولد يعقوب مقبلين على المنادي‪ :‬ما الذي تفقدونه؟‬

‫م )‪(72‬‬ ‫ل ب َِعيرٍ وَأ ََنا ب ِهِ َز ِ‬


‫عي ٌ‬ ‫م ُ‬
‫ح ْ‬
‫جاَء ب ِهِ ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ك وَل ِ َ‬ ‫واعَ ال ْ َ‬
‫مل ِ ِ‬ ‫َقاُلوا ن َْفِقد ُ ُ‬
‫ص َ‬
‫من بحضرته‪ :‬نفقد المكيال الذي يكيل الملك به‪,‬‬
‫قال المنادي و َ‬
‫مل بعير من الطعام‪ ,‬وقال المنادي‪:‬‬
‫ح ْ‬
‫ومكافأة من يحضره مقدار ِ‬
‫مل البعير من الطعام ضامن وكفيل‪.‬‬‫ح ْ‬
‫وأنا ب ِ‬

‫َ‬
‫ن)‬ ‫ما ك ُّنا َ‬
‫سههارِِقي َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫جئ َْنا ل ِن ُْف ِ‬
‫سد َ ِفي الْر ِ‬ ‫ما ِ‬
‫م َ‬ ‫َقاُلوا َتالل ّهِ ل ََقد ْ عَل ِ ْ‬
‫مت ُ ْ‬
‫‪(73‬‬
‫قال إخوة يوسف‪ :‬والله لقد تحققتم مما شاهدتموه منا أننا ما جئنا‬
‫أرض "مصر" من أجل الفساد فيها‪ ,‬وليس من صفاتنا أن نكون‬
‫سارقين‪.‬‬

‫ن )‪(74‬‬ ‫م َ‬
‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫جَزاؤُهُ إ ِ ْ‬ ‫َقاُلوا فَ َ‬
‫ما َ‬
‫قال المكّلفون بالبحث عن المكيال لخوة يوسف‪ :‬فما عقوبة‬
‫السارق عندكم إن كنتم كاذبين في قولكم‪ :‬لسنا بسارقين؟‬

‫ن)‬
‫مي َ‬ ‫زي ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫جَزاؤُهُ ك َذ َل ِ َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫حل ِهِ فَهُوَ َ‬
‫جد َ ِفي َر ْ‬
‫ن وُ ِ‬
‫م ْ‬ ‫َقاُلوا َ‬
‫جَزاؤُهُ َ‬
‫‪(75‬‬
‫جد المسروق في رحله فهو‬ ‫من وُ ِ‬
‫قال إخوة يوسف‪ :‬جزاء السارق َ‬
‫دا عنده‪,‬‬
‫من سرق منه حتى يكون عب ً‬ ‫جزاؤه‪ .‬أي يسّلم بسرقته إلى َ‬
‫مثل هذا الجزاء ‪-‬وهو السترقاق‪ -‬نجزي الظالمين بالسرقة‪ ,‬وهذا‬
‫ديننا وسنتنا في أهل السرقة‪.‬‬

‫فَبدأ َ بأ َ‬
‫ك‬‫كهذ َل ِ َ‬ ‫ن وِعَههاِء أ َ ِ‬
‫خيههِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ها‬ ‫ج‬
‫َ‬
‫َ َ‬ ‫ر‬‫خ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫س‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫خي‬ ‫ِ‬ ‫عاِء أ َ‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ي‬‫ع‬‫ِ‬ ‫و‬
‫َ َ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫شههاءَ الل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫ن يَ َ‬ ‫ك إ ِل ّ أ ْ‬
‫مل ِه ِ‬‫ن ال ْ َ‬
‫خههاهُ فِههي ِديه ِ‬ ‫خذ َ أ َ‬ ‫ن ل ِي َأ ُ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ِد َْنا ل ُِيو ُ‬
‫‪461‬‬
‫عل ْم ٍ عَِلي ٌ‬
‫م )‪(76‬‬ ‫شاُء وَفَوْقَ ك ُ ّ‬
‫ل ِذي ِ‬ ‫ن نَ َ‬
‫م ْ‬
‫ت َ‬ ‫ن َْرفَعُ د ََر َ‬
‫جا ٍ‬
‫ورجعوا بإخوة يوسف إليه‪ ,‬فقام بنفسه يفتش أمتعتهم‪ ,‬فبدأ‬
‫ما لما دّبره لستبقاء أخيه معه‪ ,‬ثم‬
‫بأمتعتهم قبل متاع شقيقه; إحكا ً‬
‫سرنا ليوسف هذا‬ ‫انتهى بوعاء أخيه‪ ,‬فاستخرج الناء منه‪ ,‬كذلك ي ّ‬
‫صل به لخذ أخيه‪ ,‬وما كان له أن يأخذ أخاه في‬ ‫التدبير الذي تو ّ‬
‫مِلك "مصر"; لنه ليس من دينه أن يتملك السارق‪ ,‬إل أن‬ ‫حكم َ‬
‫مشيئة الله اقتضت هذا التدبير والحتكام إلى شريعة إخوة يوسف‬
‫من نشاء في الدنيا على غيره‬ ‫القاضية برِقّ السارق‪ .‬نرفع منازل َ‬
‫كما رفعنا منزلة يوسف‪ .‬وفوق كل ذي علم ٍ من هو أعلم منه‪ ,‬حتى‬
‫ينتهي العلم إلى الله تعالى عالم الغيب والشهادة‪.‬‬

‫خ ل َهه م هن قَب ه ُ َ‬ ‫س هَرقَ أ َ ٌ‬


‫ف فِههي‬
‫سه ُ‬‫ها ُيو ُ‬ ‫س هّر َ‬‫ل فَأ َ‬ ‫ُ ِ ْ ْ‬ ‫سرِقْ فََقد ْ َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫َقاُلوا إ ِ ْ‬
‫كانا ً والل ّه َ‬ ‫ها ل َهم َقا َ َ‬
‫ن)‬
‫صهُفو َ‬‫مهها ت َ ِ‬ ‫ه أعْل َه ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬
‫شّر َ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫سهِ وَل َ ْ‬
‫م ي ُب ْدِ َ ُ ْ‬ ‫ن َْف ِ‬
‫‪(77‬‬
‫ن سرق هذا فقد سرق أخ شقيق له من قبل‬ ‫قال إخوة يوسف‪ :‬إ ْ‬
‫)يقصدون يوسف عليه السلم( فأخفى يوسف في نفسه ما سمعه‪,‬‬
‫دث نفسه قائل أنتم أسوأ منزلة ممن ذكرتم‪ ,‬حيث دّبرتم لي ما‬‫وح ّ‬
‫كان منكم‪ ,‬والله أعلم بما تصفون من الكذب والفتراء‪.‬‬

‫شيخا ً ك َبيرا ً فَ ُ َ‬ ‫َقاُلوا يا أ َيها ال ْعزيز إن ل َ َ‬


‫ه إ ِن ّهها ن َهَرا َ‬
‫ك‬ ‫م َ‬
‫كان َ ُ‬ ‫خذ ْ أ َ‬
‫حد ََنا َ‬ ‫ِ‬ ‫ه أبا ً َ ْ‬
‫َ ِ ُ ِ ّ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫ن )‪(78‬‬ ‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫دا كبيًرا‬‫قالوا مستعطفين ليوفوا بعهد أبيهم‪ :‬يا أيها العزيز إن له وال ً‬
‫خذ ْ أحدنا بدل من "بنيامين"‪ ,‬إنا‬ ‫في السن يحبه ول يطيق ُبعده‪ ,‬ف ُ‬
‫نراك من المحسنين في معاملتك لنا ولغيرنا‪.‬‬

‫ل معاذ َ الل ّه أ َن نأ ْ‬
‫ن)‬ ‫عن ْد َهُ إ ِّنا ِإذا ً ل َظ َههال ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫مَتاعََنا ِ‬
‫جد َْنا َ‬
‫ن وَ َ‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫خ‬‫ُ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َقا َ َ َ‬
‫‪(79‬‬
‫دا غير الذي وجدنا‬
‫قال يوسف‪ :‬نعتصم بالله ونستجير به أن نأخذ أح ً‬
‫المكيال عنده ‪-‬كما حكمتم أنتم‪ ,-‬فإننا إن فعلنا ما تطلبون نكون‬
‫في عداد الظالمين‪.‬‬
‫‪462‬‬
‫ل ك َبيرهُهم أ َل َهم تعل َمههوا أ َ َ‬
‫م‬ ‫ن أب َههاك ُ ْ‬‫ّ‬ ‫ْ َْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫جي ّا ً َقا َ ِ ُ‬ ‫خل َ ُ‬
‫صوا ن َ ِ‬ ‫ه َ‬‫من ْ ُ‬
‫سوا ِ‬ ‫ست َي ْئ َ ُ‬
‫ما ا ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ف فَل َه ْ‬
‫ن‬ ‫سه َ‬ ‫م ِفي ُيو ُ‬ ‫ما فَّرطت ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن الل ّهِ وَ ِ‬‫م ْ‬ ‫موِْثقا ً ِ‬ ‫م َ‬ ‫قَد ْ أ َ َ‬
‫خذ َ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ن‬ ‫مي‬ ‫ك‬ ‫حهها‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫خ‬‫َ‬ ‫و‬‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫أ َبرح ال َرض حتى يأ ْذ َن ِلي أ َبي أ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ َ ّ َ َ‬ ‫َْ َ‬
‫)‪(80‬‬
‫ما طلبوه انفردوا عن الناس‪ ,‬وأخذوا‬ ‫فلما يئسوا من إجابته إياهم ل ِ َ‬
‫يتشاورون فيما بينهم‪ ,‬قال كبيرهم في السن‪ :‬ألم تعلموا أن أباكم‬
‫ن أخاكم إل أن ُتغلبوا‪ ,‬ومن قبل‬ ‫قد أخذ عليكم العهد المؤكد لترد ّ ّ‬
‫هذا كان تقصيركم في يوسف وغدركم به; لذلك لن أفارق أرض‬
‫"مصر" حتى يأذن لي أبي في مفارقتها‪ ,‬أو يقضي لي ربي بالخروج‬
‫ل‬ ‫من فَ َ‬
‫ص َ‬ ‫م‪ ,‬وأعدل َ‬ ‫حك َ َ‬
‫من َ‬
‫خذِ أخي‪ ,‬والله خيُر َ‬ ‫من أ َ ْ‬
‫منها‪ ,‬وأتمكن ِ‬
‫بين الناس‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫شههِد َْنا إ ِل ّ ب ِ َ‬
‫مهها‬ ‫مهها َ‬
‫سهَرقَ وَ َ‬
‫ك َ‬ ‫م فَُقوُلوا َيا أَباَنا إ ِ ّ‬
‫ن اب ْن َ َ‬ ‫جُعوا إ َِلى أِبيك ُ ْ‬ ‫اْر ِ‬
‫ن )‪(81‬‬ ‫ظي َ‬
‫ب حافِ ِ‬ ‫ما ك ُّنا ل ِل ْغَي ْ ِ‬
‫مَنا وَ َ‬‫عَل ِ ْ‬
‫ارجعوا أنتم إلى أبيكم‪ ,‬وأخبروه بما جرى‪ ,‬وقولوا له‪ :‬إن ابنك‬
‫"بنيامين" قد سرق‪ ,‬وما شهدنا بذلك إل بعد أن ت َي َّقّنا‪ ,‬فقد رأينا‬
‫المكيال في رحله‪ ,‬وما كان عندنا علم الغيب أنه سيسرق حين‬
‫ده‪.‬‬
‫عاهدناك على ر ّ‬

‫صههادُِقو َ‬
‫ن)‬ ‫َ‬
‫ة ال ِّتي ك ُّنا ِفيَها َوال ِْعيَر ال ِّتي أقْب َل َْنا ِفيَها وَإ ِّنا ل َ َ‬ ‫سأ َ ْ‬
‫ل ال َْقْري َ َ‬ ‫َوا ْ‬
‫‪(82‬‬
‫من كان معنا في القافلة التي كنا‬‫واسأل ‪-‬يا أبانا‪ -‬أهل "مصر"‪ ,‬و َ‬
‫فيها‪ ,‬وإننا صادقون فيما أخبرناك به‪.‬‬

‫ل عَسههى الل ّه َ‬ ‫ل سهول َت ل َك ُهم َأنُفسهك ُ َ‬


‫ن‬
‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ميه ٌ‬
‫ج ِ‬ ‫مههرا ً فَ َ‬
‫صهب ٌْر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل بَ ْ َ ّ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ْ‬
‫م )‪(83‬‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬‫م ال ْ َ‬‫ه هُوَ ال ْعَِلي ُ‬‫ميعا ً إ ِن ّ ُ‬
‫ج ِ‬
‫م َ‬
‫ي َأت ِي َِني ب ِهِ ْ‬
‫مارة‬
‫ولما رجعوا وأخبروا أباهم قال لهم‪ :‬بل َزي َّنت لكم أنفسكم ال ّ‬
‫من قبل مع يوسف‪ ,‬فصبري‬ ‫بالسوء مكيدة دّبرتموها كما فعلتم ِ‬
‫ي‬
‫صبر جميل ل جزع فيه ول شكوى معه‪ ,‬عسى الله أن يرد ّ إل ّ‬
‫‪463‬‬
‫أبنائي الثلثة ‪-‬وهم يوسف وشقيقه وأخوهم الكبير المتخلف من‬
‫أجل أخيه‪ -‬إنه هو العليم بحالي‪ ,‬الحكيم في تدبيره‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ح هْز ِ‬ ‫م َ‬
‫ت عَي َْناهُ ِ‬
‫ض ْ‬
‫ف َواب ْي َ ّ‬ ‫سَفى عََلى ُيو ُ‬
‫س َ‬ ‫ل َيا أ َ‬ ‫وَت َوَّلى عَن ْهُ ْ‬
‫م وََقا َ‬
‫م )‪(84‬‬ ‫فَهُوَ ك َ ِ‬
‫ظي ٌ‬
‫وأعرض يعقوب عنهم‪ ,‬وقد ضاق صدره بما قالوه‪ ،‬وقال‪ :‬يا حسرتا‬
‫من شدة الحزن فهو‬ ‫ت عيناه‪ ,‬بذهاب سوادهما ِ‬ ‫ض ْ‬
‫على يوسف وابي ّ‬
‫ممتلئ القلب حزًنا‪ ,‬ولكنه شديد الكتمان له‪.‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫حَرض ها ً أوْ ت َك ُههو َ‬
‫ن ِ‬ ‫حت ّههى ت َك ُههو َ‬
‫ن َ‬ ‫ف َ‬ ‫قَههاُلوا ت َههالل ّهِ ت َْفت َهأ ت َهذ ْك ُُر ُيو ُ‬
‫سه َ‬
‫ن )‪(85‬‬ ‫كي َ‬‫ال َْهال ِ ِ‬
‫قال بنوه‪ :‬تالله ما تزال تتذكر يوسف‪ ,‬ويشتد ّ حزنك عليه حتى‬
‫رف على الهلك أو تهلك فعل فخفف عن نفسك‪.‬‬ ‫تُ ْ‬
‫ش ِ‬

‫َ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫ن)‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬
‫مههو َ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫حْزِني إ َِلى الل ّهِ وَأعْل َ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ش ُ‬
‫كو ب َّثي وَ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫‪(86‬‬
‫مي وحزني إل لله وحده‪ ,‬فهو‬ ‫قال يعقوب مجيًبا لهم‪ :‬ل أظهر ه ّ‬
‫كاشف الضّر والبلء‪ ,‬وأعلم من رحمة الله وفرجه ما ل تعلمونه‪.‬‬

‫ح الّلهه ِ‬
‫ه‬ ‫ن َروْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫خيهِ َول ت َي ْئ َ ُ‬
‫سوا ِ‬ ‫ف وَأ َ ِ‬
‫س َ‬ ‫ن ُيو ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سوا ِ‬ ‫س ُ‬‫ح ّ‬ ‫َيا ب َِني اذ ْهَُبوا فَت َ َ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ح الل ّهِ إ ِل ّ ال َْقوْ ُ‬
‫م ال َ‬ ‫ن َروْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫س ِ‬ ‫ه ل ي َي ْئ َ ُ‬
‫إ ِن ّ ُ‬
‫قال يعقوب‪ :‬يا أبنائي عودوا إلى "مصر" فاستقصوا أخبار يوسف‬
‫وأخيه‪ ,‬ول تقطعوا رجاءكم من رحمة الله‪ ,‬إنه ل يقطع الرجاء من‬
‫رحمة الله إل الجاحدون لقدرته‪ ,‬الكافرون به‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫جئ ْن َهها‬
‫ضهّر وَ ِ‬‫سهَنا وَأهْل َن َهها ال ّ‬ ‫م ّ‬‫زيهُز َ‬ ‫خل ُههوا عَل َي ْههِ قَ َههاُلوا ي َهها أي ّهَهها ال ْعَ ِ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما د َ َ‬
‫زي‬ ‫جهه ِ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫صههد ّقْ عَل َي َْنهها إ ِ ّ‬
‫ل وَت َ َ‬ ‫ف ل ََنهها ال ْك َي ْه َ‬
‫جههاةٍ َفههأوْ ِ‬ ‫مْز َ‬‫ضههاعَةٍ ُ‬ ‫ب ِب ِ َ‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫صد ِّقي َ‬‫مت َ َ‬‫ال ْ ُ‬

‫‪464‬‬
‫فذهبوا إلى "مصر"‪ ,‬فلما دخلوا على يوسف قالوا‪ :‬يا أيها العزيز‬
‫أصابنا وأهلنا القحط والجدب‪ ,‬وجئناك بثمن رديء قليل‪ ,‬فأعطنا به‬
‫ما كنت تعطينا من قبل بالثمن الجيد‪ ,‬وتصد ّقْ علينا بقبض هذه‬
‫ضلين على‬ ‫وز فيها‪ ,‬إن الله تعالى يثيب المتف ّ‬
‫الدراهم المزجاة وتج ّ‬
‫أهل الحاجة بأموالهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ف وَأ َ ِ‬
‫جاهُِلو َ‬
‫ن )‪(89‬‬ ‫خيهِ إ ِذ ْ أن ْت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ما فَعَل ْت ُ ْ‬
‫م ب ُِيو ُ‬ ‫م َ‬
‫مت ُ ْ‬
‫ل عَل ِ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل هَ ْ‬
‫فلما سمع مقالتهم رقّ لهم‪ ,‬وعّرفهم بنفسه وقال‪ :‬هل تذكرون‬
‫جْهلكم بعاقبة ما‬
‫الذي فعلتموه بيوسف وأخيه من الذى في حال َ‬
‫تفعلون؟‬

‫ه عَل َي ْن َهها‬
‫ن الل ّ ُ‬ ‫خي قَد ْ َ‬
‫م ّ‬ ‫ذا أ َ ِ‬
‫ف َوه َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َقا َ َ‬
‫ل أَنا ُيو ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ت ُيو ُ‬
‫َقاُلوا أ َئ ِن ّ َ َ‬
‫ك لن ْ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(90‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫جَر ال ْ ُ‬‫ضيعُ أ ْ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫صب ِْر فَإ ِ ّ‬
‫ق وَي َ ْ‬
‫ن ي َت ّ ِ‬‫م ْ‬
‫ه َ‬‫إ ِن ّ ُ‬
‫قالوا‪ :‬أإّنك لنت يوسف؟ قال‪ :‬نعم أنا يوسف‪ ,‬وهذا شقيقي‪ ,‬قد‬
‫ضل الله علينا‪ ,‬فجمع بيننا بعد الفرقة‪ ,‬إنه من يتق الله‪ ,‬ويصبر‬‫تف ّ‬
‫على المحن‪ ,‬فإن الله ل يذهب ثواب إحسانه‪ ,‬وإنما يجزيه أحسن‬
‫الجزاء‪.‬‬

‫ن )‪(91‬‬ ‫ن ك ُّنا ل َ َ‬
‫خاط ِِئي َ‬ ‫ه عَل َي َْنا وَإ ِ ْ‬
‫ك الل ّ ُ‬
‫َقاُلوا َتالل ّهِ ل ََقد ْ آث ََر َ‬

‫قالوا‪ :‬تالله لقد فَ ّ‬


‫ضلك الله علينا وأعّزك بالعلم والحلم والفضل‪,‬‬
‫دا بك وبأخيك‪.‬‬
‫وإن كنا لخاطئين بما فعلناه عم ً‬

‫َ‬
‫ن)‬
‫ميه َ‬
‫ح ِ‬
‫م الّرا ِ‬
‫حه ُ‬ ‫ه ل َك ُه ْ‬
‫م وَهُهوَ أْر َ‬ ‫م ي َغِْفُر الل ّه ُ‬
‫م ال ْي َوْ َ‬
‫ب عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ري َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل ل ت َث ْ ِ‬
‫‪(92‬‬
‫قال لهم يوسف‪ :‬ل تأنيب عليكم اليوم‪ ,‬يغفر الله لكم‪ ,‬وهو أرحم‬
‫الراحمين لمن تاب من ذنبه وأناب إلى طاعته‪.‬‬

‫صهيرا ً وَأ ُْتهوِني‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ت بَ ِ‬ ‫ذا َفهأل ُْقوهُ عََلهى وَ ْ‬
‫جههِ أِبهي َيهأ ِ‬ ‫هه َ‬
‫صهي َ‬ ‫اذ ْهَُبوا ب َِق ِ‬
‫مي ِ‬

‫‪465‬‬
‫ن )‪(93‬‬ ‫بأ َهْل ِك ُ َ‬
‫مِعي َ‬
‫ج َ‬
‫مأ ْ‬‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ولما سألهم عن أبيه أخبروه بذهاب بصره من البكاء عليه‪ ,‬فقال‬
‫لهم‪ :‬عودوا إلى أبيكم ومعكم قميصي هذا فاطرحوه على وجه أبي‬
‫ي جميع أهلكم‪.‬‬
‫ي َعُد ْ إليه بصره‪ ,‬ثم أحضروا إل ّ‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ول َما فَصل َت ال ِْعير َقا َ َ‬


‫ن‬
‫دو ِ‬
‫ن ت َُفّنهه ُ‬ ‫ف لَ ْ‬
‫ول أ ْ‬ ‫س َ‬
‫ح ُيو ُ‬
‫جد ُ ِري َ‬
‫م إ ِّني ل ِ‬
‫ل أُبوهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ّ‬
‫)‪(94‬‬
‫ولما خرجت القافلة من أرض "مصر"‪ ,‬ومعهم القميص قال يعقوب‬
‫لمن حضره‪ :‬إني لجد ريح يوسف لول أن تسفهوني وتسخروا مني‪,‬‬
‫وتزعموا أن هذا الكلم صدر مني من غير شعور‪.‬‬

‫ك ال َْق ِ‬
‫ديم ِ )‪(95‬‬ ‫ك ل َِفي َ‬
‫ضلل ِ َ‬ ‫َقاُلوا َتالل ّهِ إ ِن ّ َ‬

‫من حب‬
‫قال الحاضرون عنده‪ :‬تالله إنك ل تزال في خطئك القديم ِ‬
‫يوسف‪ ,‬وأنك ل تنساه‪.‬‬

‫م أ َقُه ْ‬
‫ل‬ ‫فَل َما أ َن جاَء ال ْبشير أ َل َْقاه عََلى وجههه َفارتهد بصههيرا ً قَهها َ َ‬
‫ل أل َه ْ‬ ‫َ ْ ِ ِ ْ َ ّ َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(96‬‬
‫مو َ‬‫ما ل ت َعْل َ ُ‬
‫ن الل ّهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫م إ ِّني أعْل َ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ي‪ ,‬وطرح قميص‬
‫شر يعقوب بأن يوسف ح ّ‬ ‫فلما أن جاء من ُيب ّ‬
‫مه السرور فقال لمن‬
‫يوسف على وجهه فعاد يعقوب مبصًرا‪ ,‬وع ّ‬
‫م أخبركم أني أعلم من الله ما ل تعلمونه من فضل الله‬ ‫عنده‪ :‬أله ْ‬
‫ورحمته وكرمه؟‬

‫ست َغِْفْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا إ ِّنا ك ُّنا َ‬ ‫َ‬


‫ن )‪(97‬‬
‫خاط ِِئي َ‬ ‫َقاُلوا َيا أَباَنا ا ْ‬
‫قال بنوه‪ :‬يا أبانا سل لنا ربك أن يعفو عنا ويستر علينا ذنوبنا‪ ,‬إنا‬
‫كنا خاطئين فيما فعلناه بيوسف وشقيقه‪.‬‬

‫ه هُوَ ال ْغَُفوُر الّر ِ‬ ‫ل سو َ َ‬


‫م )‪(98‬‬
‫حي ُ‬ ‫ست َغِْفُر ل َك ُ ْ‬
‫م َرّبي إ ِن ّ ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫َقا َ َ ْ‬

‫‪466‬‬
‫قال يعقوب‪ :‬سوف أسأل ربي أن يغفر لكم ذنوبكم‪ ,‬إنه هو الغفور‬
‫لذنوب عباده التائبين‪ ,‬الرحيم بهم‪.‬‬

‫ن َ‬
‫شههاءَ‬ ‫ص هَر إ ِ ْ‬ ‫خُلوا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ف آَوى إ ِل َي ْهِ أ َب َوَي ْهِ وََقا َ‬
‫ل اد ْ ُ‬ ‫خُلوا عََلى ُيو ُ‬
‫س َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما د َ َ‬
‫ن )‪(99‬‬ ‫مِني َ‬‫هآ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫وخرج يعقوب وأهله إلى "مصر" قاصدين يوسف‪ ,‬فلما وصلوا إليه‬
‫م يوسف إليه أبويه‪ ,‬وقال لهم‪ :‬ادخلوا "مصر" بمشيئة الله‪ ,‬وأنتم‬
‫ض ّ‬
‫آمنون من الجهد والقحط‪ ,‬ومن كل مكروه‪.‬‬

‫ذا ت َأ ِْوي ه ُ‬
‫ل‬ ‫ت هَ ه َ‬ ‫َ‬
‫ل ي َهها أب َه ِ‬ ‫جدا ً وََقا َ‬ ‫س ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫خّروا ل َ ُ‬ ‫ش وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫وََرفَعَ أ َب َوَي ْهِ عََلى ال ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ن‬‫مه ْ‬ ‫جِنهي ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن ب ِههي إ ِذ ْ أ ْ‬ ‫سه َ‬‫ح َ‬ ‫َ‬
‫حّقا وَقد ْ أ ْ‬ ‫جعَل ََها َرّبي َ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ُرؤَْياي ِ‬
‫ش هي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ب َي ْن ِههي وَب َي ْه َ‬‫طا ُ‬ ‫ن ن َهَزغَ ال ّ‬ ‫ن ب َعْهدِ أ ْ‬ ‫ن ال ْب َد ْوِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جاَء ب ِك ُ ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫ج ِ‬
‫س ْ‬‫ال ّ‬
‫م )‪(100‬‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ه هُوَ ال ْعَِلي ُ‬ ‫شاُء إ ِن ّ ُ‬‫ما ي َ َ‬‫ف لِ َ‬‫طي ٌ‬ ‫ن َرّبي ل َ ِ‬ ‫خوَِتي إ ِ ّ‬‫إِ ْ‬
‫ما لهما‪ ,‬وحّياه أبواه‬‫س أباه وأمه على سرير ملكه بجانبه; إكرا ً‬ ‫جل َ َ‬
‫وأ ْ‬
‫عا‪,‬‬
‫ما‪ ,‬ل عبادة وخضو ً‬ ‫وإخوته الحد عشر بالسجود له تحية وتكري ً‬
‫دا لذريعة‬ ‫حُرم في شريعتنا; س ً‬ ‫وكان ذلك جائًزا في شريعتهم‪ ,‬وقد َ‬
‫الشرك بالله‪ .‬وقال يوسف لبيه‪ :‬هذا السجود هو تفسير رؤياي‬
‫التي قصصتها عليك من قبل في صغري‪ ,‬قد جعلها ربي صدًقا‪ ,‬وقد‬
‫ي من البادية‪,‬‬ ‫ي حين أخرجني من السجن‪ ,‬وجاء بكم إل ّ‬ ‫ضل عل ّ‬ ‫تف ّ‬
‫من بعد أن أفسد الشيطان رابطة الخوة بيني وبين إخوتي‪ .‬إن‬
‫ربي لطيف التدبير لما يشاء‪ ,‬إنه هو العليم بمصالح عباده‪ ,‬الحكيم‬
‫في أقواله وأفعاله‪.‬‬

‫رب قَهد آتيتنههي مهن ال ْمل ْهك وعل ّمتنههي مهن تأ ْ‬


‫ث فَههاط َِر‬ ‫ل ال َ َ‬
‫حههاِدي ِ‬ ‫ه‬ ‫وي‬
‫ِ ْ َ ِ ِ‬ ‫ُ ِ َ َ ْ َِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ ََِْ‬ ‫َ ّ‬
‫س هِلما ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خ هَرةِ ت َهوَفِّني ُ‬
‫م ْ‬ ‫ي فِههي ال هد ّن َْيا َوال ِ‬‫ت وَل ِه ّ‬
‫ض أن ْه َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫سه َ‬‫ال ّ‬
‫ن )‪(101‬‬ ‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬
‫حْقِني ِبال ّ‬‫وَأ َل ْ ِ‬
‫ب قد أعطيتني من ملك "مصر"‪,‬‬ ‫ثم دعا يوسف ربه قائل ر ّ‬
‫وعّلمتني من تفسير الرؤى وغير ذلك من العلم‪ ,‬يا خالق السموات‬
‫والرض ومبدعهما‪ ,‬أنت متولي جميع شأني في الدنيا والخرة‪,‬‬

‫‪467‬‬
‫ما‪ ,‬وألحقني بعبادك الصالحين من النبياء البرار‬
‫توفني إليك مسل ً‬
‫والصفياء الخيار‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫كم َ‬


‫م‬
‫مَرهُ ه ْ‬
‫معُههوا أ ْ‬
‫ج َ‬ ‫ت ل َد َي ْهِ ْ‬
‫م إ ِذ ْ أ ْ‬ ‫ما ُ‬
‫كن َ‬ ‫حيهِ إ ِل َي ْ َ‬
‫ك وَ َ‬ ‫ب ُنو ِ‬‫ن أن َْباِء ال ْغَي ْ ِ‬
‫ذ َل ِ َ ِ ْ‬
‫ن )‪(102‬‬ ‫مك ُُرو َ‬ ‫م يَ ْ‬
‫وَهُ ْ‬
‫ذلك المذكور من قصة يوسف هو من أخبار الغيب نخبرك به ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ -‬وحًيا‪ ,‬وما كنت حاضًرا مع إخوة يوسف حين دّبروا له‬
‫اللقاء في البئر‪ ,‬واحتالوا عليه وعلى أبيه‪ .‬وهذا يدل على صدقك‪,‬‬
‫حي إليك‪.‬‬ ‫وأن الله ُيو ِ‬

‫َ‬
‫ن )‪(103‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ت بِ ُ‬
‫ص َ‬ ‫س وَل َوْ َ‬
‫حَر ْ‬ ‫ما أك ْث َُر الّنا ِ‬
‫وَ َ‬
‫دقيك ول‬
‫وما أكثُر المشركين من قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بمص ّ‬
‫ت على إيمانهم‪ ,‬فل تحزن على ذلك‪.‬‬‫ص َ‬
‫حَر ْ‬
‫متبعيك‪ ,‬ولو َ‬

‫ن )‪(104‬‬ ‫مي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ذ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫و‬‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ر‬‫ج‬ ‫وما تسأ َل ُهم عَل َيه من أ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ْ‬
‫وما تطلب من قومك أجرة على إرشادهم لليمان‪ ,‬إن الذي‬
‫ت به من القرآن والهدى عظة للناس أجمعين يتذكرون به‬ ‫ُ‬
‫أرسل َ‬
‫ويهتدون‪.‬‬

‫ت وال َ‬ ‫وك َهأ َ‬


‫ن عَل َي ْهَهها وَهُه ْ‬
‫م عَن ْهَهها‬ ‫مهّرو َ‬
‫ض يَ ُ‬ ‫ر‬
‫َ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫س‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫هي‬
‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ي‬‫آ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ن )‪(105‬‬ ‫ضو َ‬‫معْرِ ُ‬ ‫ُ‬
‫وكثير من الدلئل الدالة على وحدانية الله وقدرته منتشرة في‬
‫السموات والرض‪ ,‬كالشمس والقمر والجبال والشجار‪ ,‬يشاهدونها‬
‫وهم عنها معرضون‪ ,‬ل يفكرون فيها ول يعتبرون‪.‬‬

‫وما يؤْم َ‬
‫ن )‪(106‬‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِبالل ّهِ إ ِل ّ وَهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬
‫َ َ ُ ِ ُ‬

‫‪468‬‬
‫وما ي ُِقّر هؤلء المعرضون عن آيات الله بأن الله خالقهم ورازقهم‬
‫وخالق كل شيء ومستحق للعبادة وحده إل وهم مشركون في‬
‫وا كبيرا‪.‬‬
‫عبادتهم الوثان والصنام‪ .‬تعالى الله عن ذلك عل ّ‬

‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫م‬
‫ة وَهُ ْ‬
‫ة ب َغْت َ ً‬
‫ساعَ ُ‬ ‫ب الل ّهِ أوْ ت َأت ِي َهُ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫ن عَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫شي َ ٌ‬ ‫م َ‬
‫غا ِ‬ ‫ن ت َأت ِي َهُ ْ‬ ‫أفَأ ِ‬
‫مُنوا أ ْ‬
‫ن )‪(107‬‬ ‫شعُُرو َ‬‫ل يَ ْ‬
‫مهم‪,‬‬
‫فهل عندهم ما يجعلهم آمنين أن ينزل بهم عذاب من الله يعُ ّ‬
‫سون بذلك‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫أو أن تأتيهم القيامة فجأة‪ ,‬وهم ل يشعرون ول ي ُ ِ‬

‫َ‬ ‫سِبيِلي أ َد ْ ُ‬
‫ن‬
‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬
‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عو إ َِلى الل ّهِ عََلى ب َ ِ‬
‫صيَرةٍ أَنا وَ َ‬ ‫ل هَذِهِ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(108‬‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫الل ّهِ وَ َ‬
‫ما أَنا ِ‬
‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬هذه طريقتي‪ ,‬أدعو إلى عبادة الله وحده‪,‬‬
‫على حجة من الله ويقين‪ ,‬أنا ومن اقتدى بي‪ ,‬وأنّزه الله سبحانه‬
‫ت من المشركين مع الله غيره‪.‬‬ ‫وتعالى عن الشركاء‪ ,‬ولس ُ‬

‫َ‬ ‫حي إل َيه هم م ه َ‬ ‫َ‬


‫م‬‫ل ال ُْق هَرى أفَل َه ْ‬ ‫ن أه ْ ه ِ‬‫ِ ِْ ْ ِ ْ‬ ‫جال ً ُنو ِ‬‫ك إ ِل ّ رِ َ‬‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬‫وَ َ‬
‫م وََلهه َ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ض فَي َن ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫داُر‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫سيُروا ِفي الْر ِ‬ ‫يَ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(109‬‬ ‫وا أَفل ت َعِْقُلو َ‬ ‫ن ات َّق ْ‬ ‫خي ٌْر ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خَرةِ َ‬
‫ال ِ‬
‫وما أرسلنا من قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس إل رجال منهم ننزل‬
‫عليهم وحينا‪ ,‬وهم من أهل الحاضرة‪ ,‬فهم أقدر على فهم الدعوة‬
‫والرسالة‪ ,‬يصدقهم المهتدون للحق‪ ,‬ويكذبهم الضالون عنه‪ ,‬أفلم‬
‫يمشوا في الرض‪ ,‬فيعاينوا كيف كان مآل المكذبين السابقين وما‬
‫ل بهم من الهلك؟ وَلثواب الدار الخرة أفضل من الدنيا وما فيها‬ ‫ح ّ‬
‫للذين آمنوا وخافوا ربهم‪ .‬أفل تتفكرون فتعتبروا؟‬

‫َ‬
‫ي‬ ‫صُرَنا فَن ُ ّ‬
‫ج َ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫م قَد ْ ك ُذُِبوا َ‬
‫جاَءهُ ْ‬ ‫ل وَظ َّنوا أن ّهُ ْ‬‫س ُ‬
‫س الّر ُ‬ ‫ست َي ْئ َ َ‬
‫ذا ا ْ‬‫حّتى إ ِ َ‬‫َ‬
‫ن )‪(110‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن نَ َ‬
‫مي َ‬‫جرِ ِ‬‫م ْ‬‫ن الَقوْم ِ ال ُ‬ ‫سَنا عَ ْ‬
‫شاُء َول ي َُرد ّ ب َأ ُ‬ ‫م ْ‬‫َ‬
‫ول تستعجل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬النصر على مكذبيك‪ ,‬فإن الرسل قبلك‬
‫ما كان يأتيهم النصر عاجل لحكمة نعلمها‪ ,‬حتى إذا يئس الرسل من‬

‫‪469‬‬
‫قومهم‪ ,‬وأيقنوا أن قومهم قد كذبوهم ول أمل في إيمانهم‪ ,‬جاءهم‬
‫نصرنا عند شدة الكرب‪ ,‬فننجي من نشاء من الرسل وأتباعهم‪ ,‬ول‬
‫من أجرم وتجّرأ على الله‪ .‬وفي هذا تسلية للنبي صلى‬
‫ي َُرد ّ عذابنا ع ّ‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬

‫ديثا ً ي ُْفت َهَرى‬ ‫َ‬ ‫ُ‬


‫حه ِ‬
‫ن َ‬
‫كها َ‬‫مهها َ‬‫ب َ‬‫عب ْهَرةٌ لوْل ِههي الل ْب َهها ِ‬ ‫م ِ‬ ‫صه ِ ْ‬ ‫ن ِفي قَ َ‬
‫ص ِ‬ ‫ل ََقد ْ َ‬
‫كا َ‬
‫ة ل َِقوْم ٍ‬
‫م ً‬‫ح َ‬‫دى وََر ْ‬‫يٍء وَهُ ً‬‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫صي َ‬
‫ن ي َد َي ْهِ وَت َْف ِ‬
‫ذي ب َي ْ َ‬‫ديقَ ال ّ ِ‬
‫ص ِ‬
‫ن تَ ْ‬‫وَل َك ِ ْ‬
‫ن )‪(111‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫ل بالمكذبين‬ ‫لقد كان في نبأ المرسلين الذي قصصناه عليك وما ح ّ‬
‫عظة لهل العقول السليمة‪ .‬ما كان هذا القرآن حديًثا مكذوًبا‬
‫مختل ًَقا‪ ,‬ولكن أنزلناه مصدًقا لما سبقه من الكتب السماوية‪ ,‬وبياًنا‬
‫لكل ما يحتاج إليه العباد من تحليل وتحريم‪ ,‬ومحبوب ومكروه وغير‬
‫دا من الضلل‪ ,‬ورحمة لهل اليمان تهتدي به قلوبهم‪,‬‬ ‫ذلك‪ ,‬وإرشا ً‬
‫فيعملون بما فيه من الوامر والنواهي‪.‬‬

‫‪ -13‬سورة الرعد‬

‫ن أ َك ْث َهَر‬
‫ح هقّ وَل َك ِه ّ‬
‫ك ال ْ َ‬
‫ن َرب ّ َ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ذي ُأنزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ب َوال ّ ِ‬
‫ت ال ْك َِتا ِ‬
‫ك آَيا ُ‬ ‫المر ت ِل ْ َ‬
‫ن )‪(1‬‬ ‫س ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫)المر( سبق الكلم على الحروف المق ّ‬
‫طعة في أول سورة البقرة‪.‬‬
‫هذه آيات القرآن الرفيعة القدر‪ ,‬وهذا القرآن المنزل عليك ‪-‬أيها‬
‫من عند‬ ‫الرسول‪ -‬هو الحق‪ ,‬ل كما يقول المشركون‪ :‬إنك تأتي به ِ‬
‫دقون به ول يعملون‪.‬‬‫نفسك‪ ,‬ومع هذا فأكثر الناس ل يص ّ‬

‫ش‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫مدٍ ت ََروْن ََها ث ُ ّ‬ ‫ذي َرفَعَ ال ّ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫الل ّ ُ‬


‫وى عَله َهى العَ هْر ِ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ت ب ِغَي ْرِ عَ َ‬‫وا ِ‬
‫م َ‬‫س َ‬
‫ل‬‫صه ُ‬
‫م هَر ي َُف ّ‬
‫مى ي ُهد َب ُّر ال ْ‬‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ري ل َ َ‬
‫ج ٍ‬ ‫ج ِ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫مَر ك ُ ّ‬‫س َوال َْق َ‬
‫م َ‬ ‫ش ْ‬‫خَر ال ّ‬ ‫س ّ‬ ‫وَ َ‬

‫‪470‬‬
‫ن )‪(2‬‬
‫م ُتوقُِنو َ‬ ‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ب ِل َِقاِء َرب ّك ُ ْ‬ ‫الَيا ِ‬
‫الله تعالى هو الذي رفع السموات السبع بقدرته من غير عمد كما‬
‫ترونها‪ ,‬ثم استوى ‪-‬أي عل وارتفع‪ -‬على العرش استواء يليق بجلله‬
‫ل منهما يدور في‬ ‫وعظمته‪ ,‬وذّلل الشمس والقمر لمنافع العباد‪ ,‬ك ّ‬
‫فلكه إلى يوم القيامة‪ .‬يدّبر سبحانه أمور الدنيا والخرة‪ ,‬يوضح لكم‬
‫اليات الدالة على قدرته وأنه ل إله إل هو; لتوقنوا بالله والمعاد‬
‫خلصوا العبادة له وحده‪.‬‬ ‫إليه‪ ,‬فتصدقوا بوعده ووعيده وت ُ ْ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫مهَرا ِ‬ ‫ن ك ُه ّ‬
‫ل الث ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي وَأن َْهارا ً وَ ِ‬
‫س َ‬ ‫ل ِفيَها َرَوا ِ‬‫جع َ َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫مد ّ الْر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ت ل َِقهوْم ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لي َهها ٍ‬ ‫شي الل ّي ْ َ‬
‫ل الن َّهاَر إ ِ ّ‬ ‫ن اث ْن َي ْ ِ‬
‫ن ي ُغْ ِ‬ ‫جي ْ ِ‬
‫ل ِفيَها َزوْ َ‬ ‫جع َ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫ي َت ََفك ُّرو َ‬
‫وهو سبحانه الذي جعل الرض متسعة ممتدة‪ ,‬وهيأها لمعاشكم‪,‬‬
‫وجعل فيها جبال ُتثب ُّتها وأنهاًرا لشربكم ومنافعكم‪ ,‬وجعل فيها من‬
‫كل الثمرات صنفين اثنين‪ ,‬فكان منها البيض والسود والحلو‬
‫والحامض‪ ,‬وجعل الليل يغطي النهار بظلمته‪ ,‬إن في ذلك كله‬
‫َلعظات لقوم يتفكرون فيها‪ ,‬فيتعظون‪.‬‬

‫طههع متجههاورات وجنههات مهه َ‬ ‫َ‬


‫ل‬‫خيهه ٌ‬
‫ب وََزْرعٌ وَن َ ِ‬
‫ن أعَْنهها ٍ‬‫ض قِ َ ٌ ُ َ َ ِ َ ٌ َ َ ّ ٌ ِ ْ‬ ‫وَِفههي الْر ِ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ضه ُ‬ ‫ن وَغَي ُْر ِ‬
‫ضهَها عَلههى ب َعْه ٍ‬ ‫ل ب َعْ َ‬ ‫حهدٍ وَن َُف ّ‬
‫ماٍء َوا ِ‬ ‫سَقى ب ِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫وا ٍ‬‫صن ْ َ‬
‫ُ‬
‫وا ٌ‬
‫صن ْ َ‬
‫ِ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ‬ ‫ك لَيا ٍ‬‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ِفي الك ُ ِ‬
‫ت ما ينفع‬
‫ضا‪ ,‬منها ما هو طّيب ُينب ُ‬
‫وفي الرض قطع يجاور بعضها بع ً‬
‫مْلحة ل ُتنبت شيًئا‪ ,‬وفي الرض الطيبة بساتين‬ ‫سِبخة ِ‬
‫الناس‪ ,‬ومنها َ‬
‫عا مختلفة ونخيل مجتمًعا في منبت‬ ‫من أعناب‪ ,‬وجعل فيها زرو ً‬
‫واحد‪ ,‬وغير مجتمع فيه‪ ,‬كل ذلك في تربة واحدة‪ ,‬ويشرب من ماء‬
‫واحد‪ ,‬ولكنه يختلف في الثمار والحجم والطعم وغير ذلك‪ ,‬فهذا حلو‬
‫وهذا حامض‪ ,‬وبعضها أفضل من بعض في الكل‪ ,‬إن في ذلك‬
‫َلعلمات لمن كان له قلب يعقل عن الله تعالى أمره ونهيه‪.‬‬

‫ك‬‫ديهدٍ أ ُوْل َئ ِ َ‬‫ج ِ‬‫ق َ‬‫ٍ‬


‫خ ْ‬
‫له‬ ‫َ‬ ‫فهي‬‫ِ‬ ‫ذا ك ُّنا ت َُرابا ً أ َئ ِّنها ل َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫وإن تعجب فَعجب قَول ُهم أ َ‬
‫ْ ُ ْ‬ ‫َِ ْ َْ َ ْ َ َ ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م وَأوْل َئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م وَأوْل َئ ِ َ‬
‫ب الّناِر‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ل ِفي أعَْناقِهِ ْ‬ ‫غل ُ‬ ‫ك ال ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ب َِرب ّهِ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫‪471‬‬
‫ن )‪(5‬‬
‫دو َ‬
‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬
‫هُ ْ‬
‫وإن تعجب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من عدم إيمانهم بعد هذه الدلة فالعجب‬
‫الشد ّ من قول الكفار‪ :‬أإذا متنا وكنا ترابا ُنبعث من جديد؟ أولئك‬
‫هم الجاحدون بربهم الذي أوجدهم من العدم‪ ,‬وأولئك تكون‬
‫السلسل من النار في أعناقهم يوم القيامة‪ ,‬وأولئك يدخلون النار‪,‬‬
‫دا‪.‬‬
‫ول يخرجون منها أب ً‬

‫م ال ْ َ‬
‫مُثل ُ‬
‫ت‬ ‫ن قَب ْل ِِهه ْ‬‫مه ْ‬‫ت ِ‬ ‫خَله ْ‬‫سهن َةِ وََقهد ْ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫سي ّئ َةِ قَب ْ َ‬
‫ك ِبال ّ‬‫جُلون َ َ‬
‫ست َعْ ِ‬‫وَي َ ْ‬
‫ب)‬‫ديد ُ ال ْعَِقهها ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ك لَ َ‬
‫ن َرب ّ َ‬‫م وَإ ِ ّ‬ ‫س عََلى ظ ُل ْ ِ‬
‫مه ِ ْ‬ ‫مغِْفَرةٍ ِللّنا ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫ك لَ ُ‬‫ن َرب ّ َ‬‫وَإ ِ ّ‬
‫‪(6‬‬
‫ويستعجلك المك ّ‬
‫ذبون بالعقوبة التي لم أعاجلهم بها قبل اليمان‬
‫من‬
‫الذي يرجى به المان والحسنات‪ ,‬وقد مضت عقوبات المكذبين ِ‬
‫قبلهم‪ ,‬فكيف ل يعتبرون بهم؟ وإن ربك ‪-‬أيها الرسول‪َ -‬لذو مغفرة‬
‫من ذنوبه من الناس على ظلمهم‪ ,‬يفتح لهم باب‬ ‫من تاب ِ‬‫ب َ‬‫لذنو ِ‬
‫المغفرة‪ ,‬ويدعوهم إليها‪ ,‬وهم يظلمون أنفسهم بعصيانهم ربهم‪,‬‬
‫من أصّر على الكفر والضلل‬ ‫وإن ربك لشديد العقاب على َ‬
‫ومعصية الله‪.‬‬

‫َ‬ ‫ول ُأنزِ َ‬


‫ل عَل َي ْهِ آي َ ٌ‬
‫منذٌِر وَل ِك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫ت ُ‬
‫ما أن ْ َ‬
‫ن َرب ّهِ إ ِن ّ َ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫ن ك ََفُروا ل َ ْ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وَي َُقو ُ‬
‫هادٍ )‪(7‬‬ ‫قَوْم ٍ َ‬
‫ويقول كفار "مكة"‪ :‬هل جاءته معجزة محسوسة كعصا موسى‬
‫وناقة صالح‪ ,‬وليس ذلك بيدك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فما أنت إل مبّلغ لهم‪,‬‬
‫من بأس الله‪ .‬ولكل أمة رسول يرشدهم إلى الله تعالى‪.‬‬ ‫وف ِ‬‫ومخ ّ‬

‫ل كُ ّ ُ‬
‫داد ُ وَك ُه ّ‬
‫ل‬ ‫مهها ت َهْز َ‬
‫م وَ َ‬ ‫ض ال َْر َ‬
‫حهها ُ‬ ‫ل أنث َههى وَ َ‬
‫مهها ت َِغيه ُ‬ ‫م ُ‬
‫ح ِ‬‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫الل ّ ُ‬
‫دارٍ )‪(8‬‬‫مْق َ‬ ‫عن ْد َهُ ب ِ ِ‬‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ل أنثى في بطنها‪ ,‬أذكر هو أم أنثى؟‬‫الله تعالى يعلم ما تحمل ك ّ‬
‫وشقي هو أم سعيد؟ ويعلم ما تنقصه الرحام‪ ,‬فيسقط أو يولد قبل‬
‫در عند الله‬
‫تسعة أشهر‪ ,‬وما يزيد حمله عليها‪ .‬وكل شيء مق ّ‬
‫بمقدار من النقصان أو الزيادة ل يتجاوزه‪.‬‬
‫‪472‬‬
‫شَهاد َةِ ال ْك َِبيُر ال ْ ُ‬
‫مت ََعاِلي )‪(9‬‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬
‫ب َوال ّ‬ ‫عال ِ ُ‬
‫َ‬
‫هد‪ ,‬الكبير في ذاته‬
‫الله عالم بما خفي عن البصار‪ ,‬وبما هو مشا َ‬
‫وأسمائه وصفاته‪ ,‬المتعال على جميع خلقه بذاته وقدرته وقهره‪.‬‬

‫سواٌء منك ُم م َ‬
‫ف ِبالل ّي ْه ِ‬
‫ل‬ ‫خ ٍ‬
‫س هت َ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن هُوَ ُ‬
‫م ْ‬
‫جهََر ب ِهِ وَ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫سّر ال َْقوْ َ‬
‫ل وَ َ‬ ‫نأ َ‬‫ِ ْ ْ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ب ِبالن َّهارِ )‪(10‬‬
‫سارِ ٌ‬‫وَ َ‬
‫من جهر به‪,‬‬
‫من أخفى القول منكم و َ‬‫يستوي في علمه تعالى َ‬
‫من استتر بأعماله في ظلمة الليل‪ ,‬ومن جهر بها‬‫ويستوي عنده َ‬
‫في وضح النهار‪.‬‬

‫ظونه م َ‬
‫ه‬‫ن الّلهه َ‬
‫مرِ الل ّهِ إ ِ ّ‬‫نأ ْ‬ ‫حَف ُ َ ُ ِ ْ‬ ‫خل ِْفهِ ي َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ن ب َي ْ‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ت ِ‬‫معَّقَبا ٌ‬ ‫ه ُ‬‫لَ ُ‬
‫سههوءا ً‬ ‫ل يغَير ما بَقوم حتى يغَيروا ما بَأنُفسهم وإ َ َ‬
‫ه ب َِق هوْم ٍ ُ‬ ‫ذا أَراد َ الل ّه ُ‬‫ِ ِ ْ َِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ ُّ َ ِ ْ ٍ َ ّ ُ ُّ‬
‫ل )‪(11‬‬ ‫ن َوا ٍ‬ ‫م ْ‬‫دون ِهِ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬ ‫مَرد ّ ل َ ُ‬
‫ه وَ َ‬ ‫َفل َ‬
‫لله تعالى ملئكة يتعاقبون على النسان من بين يديه ومن خلفه‪,‬‬
‫يحفظونه بأمر الله ويحصون ما يصدر عنه من خير أو شر‪ .‬إن الله‬
‫سبحانه وتعالى ل يغّير نعمة أنعمها على قوم إل إذا غّيروا ما أمرهم‬
‫من‬‫به فعصوه‪ .‬وإذا أراد الله بجماعةٍ بلًء فل مفّر منه‪ ,‬وليس لهم ِ‬
‫من وال يتولى أمورهم‪ ,‬فيجلب لهم المحبوب‪ ,‬ويدفع‬ ‫دون الله ِ‬
‫عنهم المكروه‪.‬‬

‫ب الث َّقا َ‬
‫ل )‪(12‬‬ ‫حا َ‬
‫س َ‬
‫ئ ال ّ‬ ‫معا ً وَي ُن ْ ِ‬
‫ش ُ‬ ‫وفا ً وَط َ َ‬ ‫م ال ْب َْرقَ َ‬
‫خ ْ‬ ‫ريك ُ ْ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫ذي ي ُ ِ‬
‫هو الذي يريكم من آياته البرق ‪-‬وهو النور اللمع من خلل‬
‫السحاب‪ -‬فتخافون أن تنزل عليكم منه الصواعق المحرقة‪,‬‬
‫وتطمعون أن ينزل معه المطر‪ ,‬وبقدرته سبحانه يوجد السحاب‬
‫مل بالماء الكثير لمنافعكم‪.‬‬
‫المح ّ‬

‫ق‬
‫ع َ‬‫وا ِ‬
‫صه َ‬‫ل ال ّ‬ ‫سه ُ‬‫خيَفت ِههِ وَي ُْر ِ‬
‫ن ِ‬
‫مه ْ‬
‫ة ِ‬ ‫م هدِهِ َوال ْ َ‬
‫ملئ ِك َه ُ‬ ‫ح ْ‬
‫ح الّرعْ هد ُ ب ِ َ‬ ‫س هب ّ ُ‬
‫وَي ُ َ‬
‫ل)‬‫حهها ِ‬‫م َ‬‫ديد ُ ال ْ ِ‬
‫شه ِ‬‫ن ِفي الل ّههِ وَهُ هوَ َ‬‫جادُِلو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫شاُء وَهُ ْ‬‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫ب ب َِها َ‬ ‫صي ُ‬ ‫فَي ُ ِ‬

‫‪473‬‬
‫‪(13‬‬
‫حا يدل على خضوعه لربه‪ ,‬وتنّزه‬ ‫ويسّبح الرعد بحمد الله تسبي ً‬
‫من خوفها من الله‪ ,‬ويرسل الله الصواعق المهلكة‬ ‫الملئكة ربها ِ‬
‫من يشاء من خلقه‪ ,‬والكفار يجادلون في وحدانية الله‬ ‫فيهلك بها َ‬
‫وقدرته على البعث‪ ,‬وهو شديد الحول والقوة والبطش بمن عصاه‪.‬‬

‫يءٍ إ ِل ّ‬‫ش ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬


‫جيُبو َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫دون ِهِ ل ي َ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫عو َ‬
‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬‫حقّ َوال ّ ِ‬‫ه د َعْوَةُ ال ْ َ‬
‫لَ ُ‬
‫ن‬‫ري َ‬ ‫مهها د ُعَههاُء ال ْك َههافِ ِ‬ ‫ماِء ل ِي َب ْل ُغَ َفاهُ وَ َ‬
‫ما هُوَ ب َِبال ِغِهِ وَ َ‬ ‫ط ك َّفي ْهِ إ َِلى ال ْ َ‬
‫س ِ‬ ‫ك ََبا ِ‬
‫ل )‪(14‬‬ ‫ضل ٍ‬ ‫إ ِل ّ ِفي َ‬
‫لله سبحانه وتعالى وحده دعوة التوحيد )ل إله إل الله(‪ ,‬فل ُيعبد ول‬
‫من‬‫ُيدعى إل هو‪ ,‬واللهة التي يعبدونها من دون الله ل تجيب دعاء َ‬
‫دعاها‪ ,‬وحالهم معها كحال عطشان يمد يده إلى الماء من بعيد;‬
‫ليصل إلى فمه فل يصل إليه‪ ,‬وما سؤال الكافرين لها إل غاية في‬
‫البعد عن الصواب لشراكهم بالله غيره‪.‬‬

‫م ِبال ْغُد ُّو‬ ‫َ‬


‫ظلل ُهُ ْ‬
‫وعا ً وَك َْرها ً وَ ِ‬
‫ض طَ ْ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي ال ّ‬
‫م ْ‬
‫جد ُ َ‬
‫س ُ‬‫وَل ِل ّهِ ي َ ْ‬
‫ل )‪(15‬‬ ‫صا ِ‬ ‫َوال َ‬
‫من في السموات والرض‪,‬‬ ‫ل َ‬‫دا ك ُ ّ‬
‫ولله وحده يسجد خاضًعا منقا ً‬
‫عا واختياًرا‪ ،‬ويخضع له الكافرون‬‫فيسجد ويخضع له المؤمنون طو ً‬
‫ما عنهم; لنهم يستكبرون عن عبادته‪ ,‬وحالهم وفطرتهم تك ّ‬
‫ذبهم‬ ‫رغ ً‬
‫في ذلك‪ ,‬وتنقاد لعظمته ظلل المخلوقات‪ ,‬فتتحرك بإرادته أول‬
‫النهار وآخره‪.‬‬

‫دوِنههِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مه ْ‬
‫م ِ‬ ‫خهذ ْت ُ ْ‬‫ل أ ََفات ّ َ‬‫ه ق ُه ْ‬‫ل الّله ُ‬‫ض ق ُه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫ت وال َ‬
‫وا ِ َ‬ ‫م َ‬‫سه َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬ ‫ضهّرا ً ُقه ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫مهى‬ ‫وي العْ َ‬ ‫سهت َ ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫هه ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ن َْفعها ً َول َ‬ ‫سههِ ْ‬ ‫لنُف ِ‬ ‫كو َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫أوْل َِياَء ل ي َ ْ‬
‫خل َُقههوا‬ ‫جعَُلوا ل ِل ّهِ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كاءَ َ‬ ‫شَر َ‬ ‫م َ‬ ‫ت َوالّنوُر أ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫وي الظ ّل ُ َ‬ ‫ست َ ِ‬‫ل تَ ْ‬ ‫م هَ ْ‬ ‫صيُر أ ْ‬ ‫َوال ْب َ ِ‬
‫ح هد ُ‬‫وا ِ‬‫يٍء وَهُ هوَ ال ْ َ‬ ‫شه ْ‬ ‫ل َ‬ ‫خال ِقُ ك ُه ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫خل ْقُ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫شاب َ َ‬‫خل ِْقهِ فَت َ َ‬ ‫كَ َ‬
‫ال َْقّهاُر )‪(16‬‬
‫سموات والرض‬ ‫من خالق ال ّ‬‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمشركين‪َ :‬‬
‫ومدّبرهما؟ قل‪ :‬الله هو الخالق المدبر لهما‪ ,‬وأنتم تقرون بذلك‪ ,‬ثم‬
‫‪474‬‬
‫ما بالحجة‪ :‬أجعلتم غيره معبودين لكم‪ ,‬وهم ل ي َْقدرون‬ ‫قل لهم ملز ً‬
‫على نفع أنفسهم أو ضرها فضل عن نفعكم أو ضركم‪ ,‬وتركتم‬
‫عبادة مالكها؟ قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬هل يستوي عندكم الكافر‬
‫‪-‬وهو كالعمى‪ -‬والمؤمن وهو كالبصير؟ أم هل يستوي عندكم‬
‫الكفر ‪-‬وهو كالظلمات‪ -‬واليمان ‪-‬وهو كالنور؟ أم أن أولياءهم‬
‫خْلق‬‫خْلقه‪ ,‬فتشابه عليهم َ‬
‫الذين جعلوهم شركاء لله يخلقون مثل َ‬
‫الشركاء بخلق الله‪ ,‬فاعتقدوا استحقاقهم للعبادة؟ قل لهم ‪-‬أيها‬
‫الرسول‪ :-‬الله تعالى خالق كل كائن من العدم‪ ,‬وهو المستحق‬
‫للعبادة وحده‪ ,‬وهو الواحد القهار الذي يستحق اللوهية والعبادة‪ ,‬ل‬
‫الصنام والوثان التي ل تضّر ول تنفع‪.‬‬

‫ل َزب َههدا ً‬ ‫س هي ْ ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مه َ‬‫حت َ َ‬‫ها َفا ْ‬ ‫ت أ َوْدِي َ ٌ‬


‫ة ب َِق هد َرِ َ‬ ‫سال َ ْ‬‫ماًء فَ َ‬
‫ماِء َ‬
‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫َأنَز َ‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫ه ك َذ َل ِ َ‬‫مث ْل ُ ُ‬
‫مَتاٍع َزب َد ٌ ِ‬ ‫حل ْي َةٍ أوْ َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ِفي الّنارِ اب ْت َِغاَء ِ‬ ‫دو َ‬‫ما ُيوقِ ُ‬ ‫م ّ‬‫َراِبيا ً وَ ِ‬
‫َ‬ ‫يضرب الل ّه ال ْحق وال ْباط َ َ‬
‫ع‬
‫مهها َينَفه ُ‬ ‫مهها َ‬ ‫جَفههاًء وَأ ّ‬ ‫ب ُ‬ ‫ما الّزب َهد ُ فَي َهذ ْهَ ُ‬ ‫ل فَأ ّ‬ ‫َ ّ َ َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل )‪(17‬‬ ‫مَثا َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ض ك َذ َل ِ َ‬‫ث ِفي الْر ِ‬ ‫مك ُ ُ‬‫س فَي َ ْ‬ ‫الّنا َ‬
‫ثم ضرب الله سبحانه مثل للحق والباطل بماء أنزله من السماء‪,‬‬
‫جَرت به أودية الرض بقدر صغرها وكبرها‪ ,‬فحمل السيل غثاء‬ ‫ف َ‬
‫طافًيا فوقه ل نفع فيه‪ .‬وضرب مثل آخر‪ :‬هو المعادن يوِقدون عليها‬
‫النار لصهرها طلًبا للزينة كما في الذهب والفضة‪ ,‬أو طلًبا لمنافع‬
‫ينتفعون بها كما في النحاس‪ ,‬فيخرج منها خبثها مما ل فائدة فيه‬
‫كالذي كان مع الماء‪ ,‬بمثل هذا يضرب الله المثل للحق والباطل‪:‬‬
‫فالباطل كغثاء الماء يتلشى أو ي ُْرمى إذ ل فائدة منه‪ ,‬والحق كالماء‬
‫الصافي‪ ,‬والمعادن النقية تبقى في الرض للنتفاع بها‪ ,‬كما بّين لكم‬
‫هذه المثال‪ ,‬كذلك يضربها للناس; ليتضح الحق من الباطل والهدى‬
‫من الضلل‪.‬‬

‫َ‬
‫ن ل َهُه ْ‬
‫م‬ ‫ه ل َهوْ أ ّ‬‫جيُبوا َله ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫لَ ْ‬ ‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫سَنى َوال ّ ِ‬ ‫ح ْ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫جاُبوا ل َِرب ّهِ ْ‬‫ست َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ل ِل ّ ِ‬
‫ب‬‫سا ِ‬‫ح َ‬ ‫سوُء ال ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬‫ب ِهِ أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ه لفْت َد َْوا‬ ‫مع َ ُ‬
‫ه َ‬‫مث ْل َ ُ‬
‫ميعا ً وَ ِ‬ ‫ج ِ‬
‫ض َ‬ ‫َ‬
‫ما ِْفي الْر ِ‬ ‫َ‬
‫مَهاد ُ )‪(18‬‬ ‫س ال ْ ِ‬
‫م وَب ِئ ْ َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫للمؤمنين الذين أطاعوا الله ورسوله الجنة‪ ,‬والذين لم يطيعوا‬
‫ضْعفه‬‫وكفروا به لهم النار‪ ,‬ولو كانوا يملكون كل ما في الرض و ِ‬
‫معه لبذلوه فداء لنفسهم من عذاب الله يوم القيامة‪ ,‬ولن ي َُتقبل‬
‫‪475‬‬
‫سبون على كل ما أسلفوه من عمل سّيئ‪,‬‬ ‫منهم‪ ,‬أولئك يحا َ‬
‫ومسكنهم ومقامهم جهنم تكون لهم فرا ً‬
‫شا‪ ,‬وبئس الفراش الذي‬
‫مهدوه لنفسهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫أ َفَمن يعل َ َ‬


‫ما ي َت َذ َك ُّر‬‫مى إ ِن ّ َ‬‫ن هُوَ أعْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫حق ّ ك َ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬‫م ْ‬‫ك ِ‬‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫م أن ّ َ‬
‫َ ْ َْ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ميث َههاقَ )‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫ن ب ِعَهْهدِ الل ّههِ َول َينُق ُ‬
‫ضههو َ‬ ‫ن ُيوفُههو َ‬‫ذي َ‬ ‫ب )‪ (19‬ال ّ ِ‬ ‫أوُْلوا الل َْبا ِ‬
‫‪(20‬‬
‫هل الذي يعلم أن ما جاءك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من عند الله هو الحق‬
‫فيؤمن به‪ ,‬كالعمى عن الحق الذي لم يؤمن؟ إنما يتعظ أصحاب‬
‫العقول السليمة الذين يوفون بعهد الله الذي أمرهم به‪ ,‬ول ينكثون‬
‫العهد المؤكد الذي عاهدوا الله عليه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫خههاُفو َ‬
‫ن‬ ‫م وَي َ َ‬
‫ن َرب ّهُ ه ْ‬ ‫خ َ‬
‫ش هو ْ َ‬ ‫ص َ‬
‫ل وَي َ ْ‬ ‫ن ُيو َ‬ ‫مَر الل ّ ُ‬
‫ه ب ِهِ أ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫صُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫ن يَ ِ‬‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ب )‪(21‬‬ ‫سا ِ‬‫ح َ‬‫سوَء ال ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫صلون ما أمرهم الله بوصله كالرحام والمحتاجين‪,‬‬
‫وهم الذين ي َ ِ‬
‫ويراقبون ربهم‪ ,‬ويخشون أن يحاسبهم على كل ذنوبهم‪ ,‬ول يغفر‬
‫لهم منها شيًئا‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مهها‬
‫م ّ‬
‫صههلةَ وَأنَفُقههوا ِ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م وَأقَهها ُ‬‫ج ههِ َرب ّهِ ه ْ‬
‫ص هب َُروا اب ْت ِغَههاَء وَ ْ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ّه ِ‬
‫ك ل َهُ ه ْ‬
‫م عُْقب َههى‬ ‫ة أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫س هي ّئ َ َ‬
‫س هن َةِ ال ّ‬
‫ح َ‬‫ن ِبال ْ َ‬‫ة وَي َد َْرُءو َ‬ ‫سّرا ً وَ َ‬
‫علن ِي َ ً‬ ‫م ِ‬ ‫َرَزقَْناهُ ْ‬
‫دارِ )‪(22‬‬ ‫ال ّ‬
‫وهم الذين صبروا على الذى وعلى الطاعة‪ ,‬وعن المعصية طلًبا‬
‫دوا من أموالهم‬
‫م وجوهها‪ ,‬وأ ّ‬
‫دوا الصلة على أت ّ‬
‫لرضا ربهم‪ ,‬وأ ّ‬
‫زكاتهم المفروضة‪ ,‬والنفقات المستحبة في الخفاء والعلن‪,‬‬
‫ويدفعون بالحسنة السيئة فتمحوها‪ ,‬أولئك الموصوفون بهذه‬
‫الصفات لهم العاقبة المحمودة في الخرة‪.‬‬

‫َ‬
‫م وَذ ُّري ّههات ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫جه ِ ه ْ‬
‫م وَأْزَوا ِ‬
‫ن آب َههائ ِهِ ْ‬
‫مه ْ‬ ‫ص هل َ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ن َ‬‫مه ْ‬‫خُلون ََها وَ َ‬ ‫ن ي َهد ْ ُ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ُ‬ ‫َ‬
‫ب )‪(23‬‬ ‫ل َبا ٍ‬‫ن كُ ّ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬
‫خُلو َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬
‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫َوال ْ َ‬

‫‪476‬‬
‫تلك العاقبة هي جنات عدن يقيمون فيها ل يزولون عنها‪ ,‬ومعهم‬
‫الصالحون من الباء والزوجات والذريات من الذكور والنات‪,‬‬
‫وتدخل الملئكة عليهم من كل باب; لتهنئتهم بدخول الجنة‪.‬‬

‫دارِ )‪(24‬‬ ‫م فَن ِعْ َ‬


‫م عُْقَبى ال ّ‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫سل ٌ‬
‫َ‬
‫متم من كل سوء بسبب صبركم على طاعة‬
‫سل ِ ْ‬
‫تقول الملئكة لهم‪َ :‬‬
‫م عاقبة الدار الجنة‪.‬‬
‫الله‪ ,‬فن ِعْ َ‬

‫َ‬
‫ه ب ِههِ‬‫مَر الل ّه ُ‬‫ما أ َ‬‫ن َ‬ ‫ميَثاقِهِ وَي َْقط َُعو َ‬ ‫ن ب َعْدِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن عَهْد َ الل ّهِ ِ‬‫ضو َ‬ ‫ن َينُق ُ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫دارِ )‬‫سوءُ ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ة وَل َهُ ْ‬
‫م الل ّعْن َ ُ‬ ‫ض أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ل َهُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫ن ِفي ال َ‬ ‫َ‬ ‫دو‬
‫ُ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫يو‬‫ُ‬ ‫ن‬
‫ْ‬
‫أَ‬
‫‪(25‬‬
‫صفوا بضد صفات المؤمنين‪ ,‬فهم الذين ل يوفون‬ ‫أما الشقياء فقد وُ ِ‬
‫بعهد الله بإفراده سبحانه بالعبادة بعد أن أكدوه على أنفسهم‪ ,‬وهم‬
‫من صلة الرحام وغيرها‪,‬‬‫الذين يقطعون ما أمرهم الله بوصله ِ‬
‫ويفسدون في الرض بعمل المعاصي‪ ,‬أولئك الموصوفون بهذه‬
‫الصفات القبيحة لهم الطرد من رحمة الله‪ ,‬ولهم ما يسوءهم من‬
‫العذاب الشديد في الدار الخرة‪.‬‬

‫مهها‬ ‫حههوا ِبال ْ َ‬


‫حي َههاةِ ال هد ّن َْيا وَ َ‬ ‫شههاُء وَي َْقهدُِر وَفَرِ ُ‬‫ن يَ َ‬‫مه ْ‬ ‫س ُ‬
‫ط الهّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه ي َب ْ ُ‬
‫مَتاعٌ )‪(26‬‬ ‫خَرةِ إ ِل ّ َ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا ِفي ال ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫من‬‫سع الرزق لمن يشاء من عباده‪ ,‬ويضّيق على َ‬ ‫الله وحده يو ّ‬
‫سعة في الحياة الدنيا‪ ,‬وما هذه الحياة‬
‫يشاء منهم‪ ,‬وفرح الكفار بال ّ‬
‫سرعان ما يزول‪.‬‬ ‫الدنيا بالنسبة للخرة إل شيء قليل يتمتع به‪ُ ,‬‬

‫ضه ّ‬
‫ل‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ن َرب ّههِ قُ ه ْ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬ ‫ول ُأنزِ َ‬
‫ل عَل َي ْهِ آي َ ٌ‬ ‫ن ك ََفُروا ل َ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫وَي َُقو ُ‬
‫َ‬
‫ب )‪(27‬‬ ‫ن أَنا َ‬
‫م ْ‬‫دي إ ِل َي ْهِ َ‬
‫شاُء وَي َهْ ِ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫دا‪ :‬هل ُأنزل على محمد معجزة محسوسة‬‫ويقول الكفار عنا ً‬
‫من يشاء من‬
‫كمعجزة موسى وعيسى‪ .‬قل لهم‪ :‬إن الله يضل َ‬

‫‪477‬‬
‫المعاندين عن الهداية ول تنفعه المعجزات‪ ,‬ويهدي إلى دينه الحق‬
‫من رجع إليه وطلب رضوانه‪.‬‬ ‫َ‬

‫َ‬
‫ن ال ُْقُلو ُ‬
‫ب‬ ‫م ب ِذِك ْرِ الل ّهِ أل ب ِذِك ْرِ الل ّهِ ت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫ن قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫مُنوا وَت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫)‪(28‬‬
‫ويهدي الذين تسكن قلوبهم بتوحيد الله وذكره فتطمئن‪ ,‬أل بطاعة‬
‫الله وذكره وثوابه تسكن القلوب وتستأنس‪.‬‬

‫ب )‪(29‬‬
‫مآ ٍ‬
‫ن َ‬
‫س ُ‬
‫ح ْ‬ ‫طوَبى ل َهُ ْ‬
‫م وَ ُ‬ ‫ت ُ‬
‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫دقوا بالله ورسوله‪ ,‬وعملوا العمال الصالحات لهم فرح‬
‫الذين ص ّ‬
‫وقرة عين‪ ,‬وحال طيبة‪ ,‬ومرجع حسن إلى جنة الله ورضوانه‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك َذ َل ِ َ َ‬
‫ذي‬ ‫م ال ّه ِ‬‫م ل ِت َت ْل ُهوَ عَل َي ْهِه ْ‬ ‫ن قَب ْل ِهَهها أ َ‬
‫مه ٌ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫مةٍ قَد ْ َ‬‫ك ِفي أ ّ‬ ‫سل َْنا َ‬ ‫ك أْر َ‬
‫أَ‬
‫ه إ ِل ّ هُهوَ عَل َي ْه ِ‬
‫ه‬ ‫ل هُهوَ َرب ّههي ل إ ِل َه َ‬ ‫ن قُ ْ‬‫ِ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫بال‬‫ِ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫رو‬‫ُ‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫حي َْنا إ ِل َ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫و‬
‫ب )‪(30‬‬ ‫مَتا ِ‬ ‫ت وَإ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ت َوَك ّل ْ ُ‬
‫كما أرسلنا المرسلين قبلك أرسلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬في أمة قد‬
‫من قبلها أمم المرسلين; لتتلو على هذه المة القرآن‬ ‫مضت ِ‬
‫المنزل عليك‪ ,‬وحال قومك الجحود بوحدانية الرحمن‪ ,‬قل لهم ‪-‬أيها‬
‫دا هو ربي وحده ل‬‫الرسول‪ : -‬الرحمن الذي لم تتخذوه إلًها واح ً‬
‫معبود بحق سواه‪ ,‬عليه اعتمدت ووثقت‪ ,‬وإليه مرجعي وإنابتي‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ول َو أ َن قُرآنها ً سهيرت بهه ال ْجبهها ُ َ‬


‫م ب ِههِ‬ ‫ض أوْ ك ُل ّه َ‬ ‫ت ب ِههِ الْر ُ‬ ‫ل أوْ قُط ّعَه ْ‬ ‫ُ َّ ْ ِ ِ ِ َ‬ ‫َ ْ ّ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه‬‫شاءُ اللهه ُ‬ ‫ن لو ْ ي َ َ‬‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫س ال ِ‬ ‫م ي َي ْئ َ ْ‬
‫ميعا أفَل ْ‬ ‫ج ِ‬‫مُر َ‬ ‫ل ل ِلهِ ال ْ‬ ‫موَْتى ب َ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ة‬ ‫صهن َُعوا َقارِعَه ٌ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ت ُ ِ‬
‫صيب ُهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬‫ميعا ً َول ي ََزا ُ‬ ‫ج ِ‬‫س َ‬ ‫َ‬ ‫دى الّنا‬ ‫ل َهَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ميَعاد َ‬‫ف ال ْ ِ‬‫خل ِ ُ‬ ‫ه ل يُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ي وَعْد ُ الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫دارِهِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ريبا ً ِ‬‫ل قَ ِ‬ ‫ح ّ‬
‫أو ْ ت َ ُ‬
‫)‪(31‬‬
‫يرد ّ الله ‪-‬تعالى‪ -‬على الكافرين الذين طلبوا إنزال معجزات‬
‫محسوسة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول لهم‪ :‬ولو أن‬
‫ثمة قرآًنا يقرأ‪ ,‬فتزول به الجبال عن أماكنها‪ ,‬أو تتشقق به الرض‬

‫‪478‬‬
‫أنهاًرا‪ ,‬أو يحيا به الموتى وت ُك َّلم ‪-‬كما طلبوا منك‪ -‬لكان هذا القرآن‬
‫هو المتصف بذلك دون غيره‪ ,‬ولما آمنوا به‪ .‬بل لله وحده المر كله‬
‫في المعجزات وغيرها‪ .‬أفلم يعلم المؤمنون أن الله لو يشاء لمن‬
‫أهل الرض كلهم من غير معجزة؟ ول يزال الكفار تنزل بهم مصيبة‬
‫بسبب كفرهم كالقتل والسر في غزوات المسلمين‪ ,‬أو تنزل تلك‬
‫المصيبة قريًبا من دارهم‪ ,‬حتى يأتي وعد الله بالنصر عليهم‪ ,‬إن‬
‫الله ل يخلف الميعاد‪.‬‬

‫َ‬
‫م أَ َ‬
‫خ هذ ْت ُهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ك ََف هُروا ث ُه ّ‬ ‫ت ل ِل ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مل َي ْ ُ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫ك ف َ هأ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫وَل ََقد ْ ا ْ‬
‫ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ‬
‫س ٍ‬
‫ب )‪(32‬‬ ‫عَقا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫ف َ‬‫فَك َي ْ َ‬
‫ت أمم‬‫خَر ْ‬
‫س ِ‬
‫وإذا كانوا قد سخروا من دعوتك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فلقد َ‬
‫ت الذين كفروا‪ ,‬ثم أخذُتهم‬
‫من قبلك برسلهم‪ ,‬فل تحزن فقد أمهل ُ‬
‫دا‪.‬‬
‫بعقابي‪ ,‬وكان عقاًبا شدي ً‬

‫ش هَر َ‬ ‫جعَل ُههوا ل ِل ّههِ ُ‬ ‫م عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬


‫كاءَ قُ ه ْ‬
‫ل‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫س بِ َ‬
‫ٍ‬ ‫ل ن َْف‬ ‫ن هُوَ َقائ ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫أفَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سموهُ َ‬
‫ل‬ ‫ن ال َْق هوْ ِ‬
‫ل ب َه ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫ظاهِرٍ ِ‬‫م بِ َ‬‫ضأ ْ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ما ل ي َعْل َ ُ‬ ‫م ت ُن َب ُّئون َ ُ‬
‫ه بِ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ‬
‫ه فَ َ‬
‫مهها‬ ‫ل الل ّه ُ‬ ‫ض هل ِ ْ‬
‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬‫ل وَ َ‬‫سِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫دوا عَ ْ‬‫ص ّ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫مك ُْرهُ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫ُزي ّ َ‬
‫هادٍ )‪(33‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫أفمن هو قائم على كل نفس ُيحصي عليها ما تعمل‪ ,‬أحق أن يعبد‪,‬‬
‫أم هذه المخلوقات العاجزة؟ وهم ‪-‬من جهلهم‪ -‬جعلوا لله شركاء‬
‫خْلقه يعبدونهم‪ ,‬قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬اذكروا أسماءهم‬
‫من َ‬‫ِ‬
‫وصفاتهم‪ ,‬ولن يجدوا من صفاتهم ما يجعلهم أهل للعبادة‪ ,‬أم‬
‫تخبرون الله بشركاء في أرضه ل يعلمهم‪ ,‬أم تسمونهم شركاء‬
‫سن الشيطان‬ ‫بظاهر من اللفظ من غير أن يكون لهم حقيقة‪ .‬بل ح ّ‬
‫من لم يوّفقه الله‬‫دهم عن سبيل الله‪ .‬و َ‬
‫للكفار قولهم الباطل وص ّ‬
‫لهدايته فليس له أحد يهديه‪ ,‬ويوفقه إلى الحق والرشاد‪.‬‬

‫ن الّلهه ِ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫خَرةِ أ َ َ‬
‫شق ّ و َ َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَل َعَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫ب ِفي ال ْ َ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ق )‪(34‬‬ ‫ن َوا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫‪479‬‬
‫لهؤلء الكفار الصادين عن سبيل الله عذاب شاق في الحياة الدنيا‬
‫بالقتل والسر والخزي‪ ,‬وَلعذابهم في الخرة أثقل وأشد‪ ,‬وليس‬
‫لهم مانع يمنعهم من عذاب الله‪.‬‬

‫ُ‬
‫م‬ ‫حت ِهَهها ال َن ْهَههاُر أك ُل ُهَهها َ‬
‫دائ ِ ٌ‬ ‫ن تَ ْ‬‫مه ْ‬‫ري ِ‬ ‫جه ِ‬‫ن تَ ْ‬ ‫عد َ ال ْ ُ‬
‫مت ُّقو َ‬ ‫جن ّةِ ال ِّتي وُ ِ‬
‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬‫َ‬
‫ن الّناُر )‪(35‬‬ ‫ري َ‬ ‫ن ات َّقوا وَعُْقَبى ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك عُْقَبى ال ّ ِ‬ ‫وَظ ِل َّها ت ِل ْ َ‬

‫صفة الجنة التي وعد الله بها الذين يخشونه أنها تجري من تحت‬
‫أشجارها وقصورها النهار‪ ,‬ثمرها ل ينقطع‪ ,‬وظلها ل يزول ول‬
‫ينقص‪ ,‬تلك المثوبة بالجنة عاقبة الذين خافوا الله‪ ,‬فاجتنبوا معاصيه‬
‫دوا فرائضه‪ ,‬وعاقبة الكافرين بالله النار‪.‬‬
‫وأ ّ‬

‫ن‬‫مه ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ح هَزا ِ‬ ‫ن ال َ ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫ك وَ ِ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬


‫ل إ ِل َي ْه َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬
‫ب ي َْفَر ُ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫عو وَإ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ك ب ِهِ إ ِل َي ْهِ أ َد ْ ُ‬‫شرِ َ‬ ‫ه َول أ ُ ْ‬ ‫ل إنما أ ُمرت أ َ َ‬
‫ن أعْب ُد َ الل ّ َ‬
‫ه قُ ْ ِ ّ َ ِ ْ ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ُينك ُِر ب َعْ َ‬
‫ب )‪(36‬‬ ‫مآ ِ‬ ‫َ‬
‫من آمن منهم بك‬ ‫والذين أعطيناهم الكتاب من اليهود والنصارى َ‬
‫كعبد الله بن سلم والنجاشي‪ ,‬يستبشرون بالقرآن المنزل عليك‬
‫سيد‬
‫لموافقته ما عندهم‪ ,‬ومن المتحزبين على الكفر ضدك‪ ,‬كال ّ‬
‫من ينكر بعض‬ ‫ُ‬
‫سقَفي "نجران"‪ ,‬وكعب بن الشرف‪َ ,‬‬ ‫والعاقب‪ ,‬أ ْ‬
‫المنزل عليك‪ ,‬قل لهم‪ :‬إنما أمرني الله أن أعبده وحده‪ ,‬ول أشرك‬
‫به شيًئا‪ ,‬إلى عبادته أدعو الناس‪ ,‬وإليه مرجعي ومآبي‪.‬‬

‫َ‬ ‫وك َذ َل ِ َ َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫جههاءَ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ما َ‬
‫م ب َعْهد َ َ‬
‫واَءهُ ْ‬
‫ت أه ْ ه َ‬ ‫كما ً عََرب ِي ّا ً وَل َئ ِ ْ‬
‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫ك أنَزل َْناهُ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫ق )‪(37‬‬ ‫ي َول َوا ٍ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل َ‬ ‫ال ْعِلم ِ َ‬
‫ْ‬

‫وكما أنزلنا الكتب على النبياء بلسانهم أنزلنا إليك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫القرآن بلغة العرب; لتحكم به‪ ,‬ولئن اتبعت أهواء المشركين في‬
‫عبادة غير الله ‪-‬بعد الحق الذي جاءك من الله‪ -‬ليس لك ناصر‬
‫ينصرك ويمنعك من عذابه‪.‬‬

‫مهها ك َهها َ‬
‫ن‬ ‫م أ َْزَواج ها ً وَذ ُّري ّه ً‬
‫ة وَ َ‬ ‫جعَل ْن َهها ل َهُه ْ‬ ‫ن قَب ْل ِه َ‬
‫ك وَ َ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬
‫سل ً ِ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫وَل ََقد ْ أْر َ‬
‫ب )‪(38‬‬ ‫ل ِرسول أ َن يأ ْت ِي بآية إل ّ بإذ ْن الل ّه ل ِك ُ ّ َ‬
‫ل ك َِتا ٌ‬‫ج ٍ‬‫لأ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ٍ ْ َ َ ِ َ ٍ ِ ِِ ِ‬
‫‪480‬‬
‫وإذا قالوا‪ :‬ما لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬تتزوج النساء؟ فلقد بعثنا قبلك‬
‫جا وذرية‪ ,‬وإذا قالوا‪ :‬لو كان رسول‬
‫رسل من البشر وجعلنا لهم أزوا ً‬
‫ل أن يأتي‬‫سع رسو ٍ‬‫لتى بما طلبنا من المعجزات‪ ,‬فليس في وُ ْ‬
‫بمعجزةٍ أرادها قومه إل بإذن الله‪ .‬لكل أمر قضاه الله كتاب وأجل‬
‫قد كتبه الله عنده‪ ,‬ل يتقدم ول يتأخر‪.‬‬

‫ُ‬
‫م ال ْك َِتا ِ‬
‫ب )‪(39‬‬ ‫عن ْد َهُ أ ّ‬ ‫شاُء وَي ُث ْب ِ ُ‬
‫ت وَ ِ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫حوا الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫م ُ‬
‫يَ ْ‬
‫يمحو الله ما يشاء من الحكام وغيرها‪ ,‬وي ُْبقي ما يشاء منها لحكمة‬
‫م الكتاب‪ ,‬وهو اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫يعلمها‪ ,‬وعنده أ ّ‬

‫ك ال َْبلغُ‬
‫مهها عَل َي ْه َ‬ ‫م أ َوْ ن َت َوَفّي َن ّه َ‬
‫ك فَإ ِن ّ َ‬ ‫ض ال ّه ِ‬
‫ذي ن َعِهد ُهُ ْ‬ ‫مهها ن ُرِي َن ّه َ‬
‫ك ب َعْه َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ب )‪(40‬‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وَعَل َي َْنا ال ْ ِ‬
‫دنا به أعداءك من‬
‫وإن أريناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بعض العقاب الذي توعّ ْ‬
‫جل لهم‪ ,‬وإن توفيناك قبل أن‬ ‫الخزي والّنكال في الدنيا فذلك المع ّ‬
‫ترى ذلك‪ ,‬فما عليك إل تبليغ الدعوة‪ ,‬وعلينا الحساب والجزاء‪.‬‬

‫أ َول َم يروا أ َنا نأ ِْتي ال َرض ننُقصها م َ‬


‫ب‬
‫معَّق َ‬ ‫حك ُ ُ‬
‫مل ُ‬ ‫ن أط َْرافَِها َوالل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ْ َ َْ ُ َ ِ ْ‬ ‫َ ْ ََ ْ ّ َ‬
‫ب )‪(41‬‬‫سا ِ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫س ِ‬ ‫حك ْ ِ‬
‫مهِ وَهُوَ َ‬ ‫لِ ُ‬
‫أولم يبصر هؤلء الكفار أنا نأتي الرض ننقصها من أطرافها‪ ,‬وذلك‬
‫بفتح المسلمين بلد المشركين وإلحاقها ببلد المسلمين؟ والله‬
‫سبحانه يحكم ل معّقب لحكمه وقضائه‪ ,‬وهو سريع الحساب‪ ,‬فل‬
‫يستعجلوا بالعذاب; فإن كل آت قريب‪.‬‬

‫ب ك ُه ّ‬
‫ل‬ ‫مهها ت َك ْ ِ‬
‫سه ُ‬ ‫ميع ها ً ي َعْل َه ُ‬
‫م َ‬ ‫ج ِ‬ ‫م فَل ِل ّهِ ال ْ َ‬
‫مك ُْر َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫مك ََر ال ّ ِ‬
‫وَقَد ْ َ‬
‫دارِ )‪(42‬‬ ‫ن عُْقَبى ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْك ُّفاُر ل ِ َ‬‫سي َعْل َ ُ‬
‫س وَ َ‬‫ن َْف ٍ‬
‫ولقد دّبر الذين من قبلهم المكايد لرسلهم‪ ,‬كما فعل هؤلء معك‪,‬‬
‫فلله المكر جميًعا‪ ,‬فيبطل مكرهم‪ ,‬ويعيده عليهم بالخيبة والندم‪,‬‬
‫يعلم سبحانه ما تكسب كل نفس من خير أو شر فتجازى عليه‪.‬‬

‫‪481‬‬
‫وسيعلم الكفار ‪-‬إذا قدموا على ربهم‪ -‬لمن تكون العاقبة المحمودة‬
‫بعد هذه الدنيا؟ إنها لتباع الرسل‪ .‬وفي هذا تهديد ووعيد للكافرين‪.‬‬

‫م‬ ‫شِهيدا ً ب َي ِْني وَب َي ْن َ ُ‬


‫كهه ْ‬ ‫ل ك ََفى ِبالل ّهِ َ‬
‫سل ً قُ ْ‬
‫مْر َ‬
‫ت ُ‬ ‫ن ك ََفُروا ل َ ْ‬
‫س َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وَي َُقو ُ‬
‫ب )‪(43‬‬‫م ال ْك َِتا ِ‬
‫عل ْ ُ‬
‫عن ْد َهُ ِ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫ويقول الذين كفروا لنبي الله‪- :‬يا محمد‪ -‬ما أرسلك الله‪ ,‬قل لهم‪:‬‬
‫من عنده علم‬ ‫ت شهادة َ‬ ‫دا بصدقي وكذبكم‪ ,‬وك ََف ْ‬
‫كفى بالله شهي ً‬
‫ت به من‬‫الكتاب من اليهود والنصارى ممن آمن برسالتي‪ ,‬وما جئ ُ‬
‫عند الله‪ ,‬واتبع الحق فصّرح بتلك الشهادة‪ ,‬ولم يكتمها‪.‬‬

‫‪ -14‬سورة إبراهيم‬

‫ت إ ِل َههى الن ّههورِ ب ِهإ ِذ ْ ِ‬


‫ن‬ ‫مهها ِ‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬
‫ج الّنا َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ك ل ِت ُ ْ‬‫ب َأنَزل َْناهُ إ ِل َي ْ َ‬
‫الر ك َِتا ٌ‬
‫ت‬‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫سه َ‬ ‫ما فِههي ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫ميدِ )‪ (1‬الل ّهِ ال ّ ِ‬‫ح ِ‬ ‫زيزِ ال ْ َ‬ ‫ط ال ْعَ ِ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫م إ َِلى ِ‬ ‫َرب ّهِ ْ‬
‫ديدٍ )‪(2‬‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ل ل ِل ْ َ‬‫ض وَوَي ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫وَ َ‬
‫)الر( سبق الكلم على الحروف المق ّ‬
‫طعة في أول سورة البقرة‪.‬‬
‫هذا القرآن كتاب أوحيناه إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لُتخرج به البشر من‬
‫ي إلى الهدى والنور ‪-‬بإذن ربهم وتوفيقه إياهم‪ -‬إلى‬
‫الضلل والغ ّ‬
‫السلم الذي هو طريق الله الغالب المحمود في كل حال‪ ,‬الله‬
‫الذي له ما في السموات وما في الرض‪ ,‬خلًقا ومل ً‬
‫كا وتصّرًفا‪ ,‬فهو‬
‫الذي يجب أن تكون العبادة له وحده‪ .‬وسوف يصيب الذين لم‬
‫يؤمنوا بالله ولم يتبعوا رسله يوم القيامة هلك وعذاب شديد‪.‬‬

‫ل الل ّههِ‬
‫س هِبي ِ‬
‫ن َ‬
‫ن عَ ْ‬
‫دو َ‬
‫ص ّ‬ ‫حَياةَ الد ّن َْيا عََلى ال ِ‬
‫خَرةِ وَي َ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ست َ ِ‬‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ل ب َِعيدٍ )‪(3‬‬
‫ضل ٍ‬‫ك ِفي َ‬ ‫وجا ً أ ُوْل َئ ِ َ‬‫ع َ‬‫وَي َب ُْغون ََها ِ‬

‫‪482‬‬
‫وهؤلء الذين أعرضوا ولم يؤمنوا بالله ويتبعوا رسله هم الذين‬
‫يختارون الحياة الدنيا الفانية‪ ,‬ويتركون الخرة الباقية‪ ,‬ويمنعون‬
‫جا ليوافق أهواءهم‪,‬‬
‫الناس عن اتباع دين الله‪ ,‬ويريدونه طريًقا معو ً‬
‫أولئك الموصوفون بهذه الصفات في ضلل عن الحق بعيد عن كل‬
‫أسباب الهداية‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ل الل ّه ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن ل َهُه ْ‬
‫م فَي ُ ِ‬
‫ضه ّ‬ ‫مهِ ل ِي ُب َي ّه َ‬‫ن قَوْ ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل إ ِل ّ ب ِل ِ َ‬
‫سو ٍ‬‫ن َر ُ‬‫م ْ‬‫سل َْنا ِ‬
‫ما أْر َ‬‫وَ َ‬
‫م )‪(4‬‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬‫زيُز ال ْ َ‬‫شاُء وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬‫دي َ‬ ‫يَ َ‬
‫شاُء وَي َهْ ِ‬
‫ضح لهم‬‫ل قبلك ‪-‬أيها النبي‪ -‬إل بُلغة قومه; ليو ّ‬
‫من رسو ٍ‬‫وما أرسلنا ِ‬
‫شريعة الله‪ ,‬فيضل الله من يشاء عن الهدى‪ ,‬ويهدي من يشاء إلى‬
‫الحق‪ ,‬وهو العزيز في ملكه‪ ,‬الحكيم الذي يضع المور في مواضعها‬
‫وَْفق الحكمة‪.‬‬

‫ت إ َِلى الّنههوِر‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬


‫ما ِ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬‫م َ‬‫ج قَوْ َ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫خرِ ْ‬
‫َ‬
‫سى ِبآَيات َِنا أ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫سل َْنا ُ‬
‫َ‬
‫وَل ََقد ْ أْر َ‬
‫َ‬
‫كورٍ )‪(5‬‬ ‫ش ُ‬‫صّبارٍ َ‬
‫ل َ‬ ‫ت ل ِك ُ ّ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫م ب ِأّيام ِ الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫وَذ َك ّْرهُ ْ‬
‫ولقد أرسلنا موسى إلى بني إسرائيل وأيدناه بالمعجزات الدالة‬
‫على صدقه‪ ,‬وأمرناه بأن يدعوهم إلى اليمان؛ ليخرجهم من‬
‫كرهم بنعم الله ونقمه في أيامه‪ ,‬إن في هذا‬ ‫الضلل إلى الهدى‪ ,‬ويذ ّ‬
‫التذكير بها َلدللت لكل صّبار على طاعة الله‪ ،‬وعن محارمه‪ ،‬وعلى‬
‫صهم‬‫أقداره‪ ،‬شكور قائم بحقوق الله‪ ،‬يشكر الله على نعمه‪ ,‬وخ ّ‬
‫بذلك؛ لنهم هم الذين يعتبرون بها‪ ,‬ول ي َغُْفلون عنها‪.‬‬

‫َ‬
‫ل‬‫نآ ِ‬‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جههاك ُ ْ‬‫م إ ِذ ْ أن َ‬ ‫ة الل ّهِ عَل َي ْك ُه ْ‬ ‫مهِ اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬
‫م َ‬ ‫سى ل َِقوْ ِ‬ ‫مو َ‬‫ل ُ‬‫وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ذاب وي هذ َبحو َ‬
‫ن‬
‫حُيو َ‬‫س هت َ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬‫ن أب ْن َههاَءك ُ ْ‬‫سههوَء ال ْعَ ه َ ِ َ ُ ّ ُ َ‬ ‫م ُ‬ ‫مون َك ُ ْ‬ ‫سههو ُ‬‫ن يَ ُ‬‫فِْرعَ هوْ َ‬
‫م )‪(6‬‬ ‫ظي ٌ‬‫م عَ ِ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م ْ‬‫م َبلٌء ِ‬ ‫م وَِفي ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ساَءك ُ ْ‬‫نِ َ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لقومك قصة موسى حين قال لبني إسرائيل‪:‬‬
‫اذكروا نعمة الله عليكم حين أنجاكم من فرعون وأتباعه يذيقونكم‬
‫أشد العذاب‪ ,‬ويذّبحون أبناءكم الذكور‪ ,‬حتى ل يأتي منهم من‬
‫مْلك فرعون‪ ,‬ويبقون الناث على قيد الحياة ذليلت‪,‬‬‫يستولي على ُ‬
‫وفي ذلكم البلء والنجاء اختبار لكم من ربكم عظيم‪.‬‬

‫‪483‬‬
‫ذاِبي ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ديد ٌ‬
‫ش ِ‬ ‫ن عَ َ‬
‫م إِ ّ‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬
‫ن ك ََفْرت ُ ْ‬ ‫م لِزيد َن ّك ُ ْ‬
‫شك َْرت ُ ْ‬ ‫م ل َئ ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫وَإ ِذ ْ ت َأذ ّ َ‬
‫)‪(7‬‬

‫ما مؤك ّ ً‬
‫دا‪ :‬لئن‬ ‫وقال لهم موسى‪ :‬واذكروا حين أعلم ربكم إعل ً‬
‫شكرتموه على نعمه ليزيدنكم من فضله‪ ,‬ولئن جحدتم نعمة الله‬
‫دا‪.‬‬
‫ليعذبّنكم عذاًبا شدي ً‬

‫ن ت َك ُْفروا أ َن ْت ُم ومن ِفي ال َ‬


‫ه ل َغَِنهه ّ‬
‫ي‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ميعا ً فَإ ِ ّ‬
‫ج ِ‬
‫ض َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ْ َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫سى إ ِ ْ‬
‫مو َ‬
‫ل ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫ميد ٌ )‪(8‬‬
‫ح ِ‬‫َ‬
‫وقال لهم‪ :‬إن تكفروا بالله أنتم وجميع أهل الرض فلن تضروا الله‬
‫شيًئا; فإن الله لغني عن خلقه‪ ,‬مستحق للحمد والثناء‪ ,‬محمود في‬
‫كل حال‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫مههود َ َوال ّه ِ‬
‫ح وَعَههادٍ وَث َ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫م قَهوْم ِ ن ُههو‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ن َب َأ ال ّ ِ‬
‫م ي َأت ِك ُ ْ‬‫أل َ ْ‬
‫َ‬
‫م فِههي‬ ‫دوا أْيههدِي َهُ ْ‬‫ت فََر ّ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬‫سل ُهُ ْ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬
‫مه ُ ْ‬ ‫ب َعْدِهِ ْ‬
‫م ب ِهِ وَإ ِّنا ل َِفي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫عون ََنا‬
‫مهها ت َهد ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫شه ّ‬
‫ك ِ‬ ‫سل ْت ُ ْ‬
‫ما أْر ِ‬ ‫م وََقاُلوا إ ِّنا ك ََفْرَنا ب ِ َ‬ ‫واهِهِ ْ‬ ‫أفْ َ‬
‫ب )‪(9‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫إ ِل َي ْهِ ُ‬
‫مة محمد‪ -‬خبر المم التي سبقتكم‪ ,‬قوم نوح وقوم‬ ‫ألم يأتكم ‪-‬يا أ ّ‬
‫هود وقوم صالح‪ ,‬والمم التي بعدهم‪ ,‬ل يحصي عددهم إل الله‪,‬‬
‫ظا واستنكاًفا‬‫ضوا أيديهم غي ً‬
‫جاءتهم رسلهم بالبراهين الواضحات‪ ,‬فع ّ‬
‫عن َقبول اليمان‪ ,‬وقالوا لرسلهم‪ :‬إنا ل نص ّ‬
‫دق بما جئتمونا به‪ ,‬وإنا‬
‫ك مما تدعوننا إليه من اليمان والتوحيد موجب للريبة‪.‬‬ ‫لفي ش ّ‬

‫م ل ِي َغِْفَر‬ ‫عوك ُ ْ‬ ‫ض ي َد ْ ُ‬ ‫ر‬


‫ْ‬
‫ت وال َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫ط‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ّ‬
‫ك‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫م أ َِفي الل ّ‬ ‫سل ُهُ ْ‬ ‫ت ُر ُ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ِ‬
‫خرك ُم إَلى أ َجل مسهمى قَههاُلوا إ َ‬
‫شهٌر‬ ‫م إ ِل ّ ب َ َ‬‫ن أن ْت ُه ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ ٍ ُ َ ّ‬ ‫ِ‬ ‫م وَي ُؤَ ّ َ ْ‬ ‫ن ذ ُُنوب ِك ُ ْ‬‫ْ‬ ‫م‬
‫م ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫كان يعبد آباؤُنا فَأ ْ‬ ‫مث ْل ُنا تريدو َ‬
‫ن)‬ ‫ٍ‬ ‫بيهه‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ن‬‫ٍ‬ ‫طا‬ ‫ل‬‫س‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫تو‬
‫ُ‬ ‫ما َ َ َ ْ ُ ُ َ َ‬ ‫دوَنا عَ ّ‬ ‫ص ّ‬
‫ن تَ ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ َ ُ ِ ُ َ‬
‫‪(10‬‬
‫قالت لهم رسلهم‪ :‬أفي الله وعبادته ‪-‬وحده‪ -‬ريب‪ ,‬وهو خالق‬
‫السموات والرض‪ ,‬ومنشئهما من العدم على غير مثال سابق‪ ,‬وهو‬
‫يدعوكم إلى اليمان; ليغفر لكم ذنوبكم‪ ,‬ويؤخر بقاءكم في الدنيا‬
‫‪484‬‬
‫دره‪ ,‬وهو نهاية آجالكم‪ ,‬فل يعذبكم في الدنيا؟ فقالوا‬
‫إلى أجل ق ّ‬
‫لرسلهم‪ :‬ما نراكم إل بشًرا صفاتكم كصفاتنا‪ ,‬ل فضل لكم علينا‬
‫يؤهلكم أن تكونوا رسل ‪ .‬تريدون أن تمنعونا من عبادة ما كان‬
‫يعبده آباونا من الصنام والوثان‪ ,‬فأتونا بحجة ظاهرة تشهد على‬
‫صحة ما تقولون‪.‬‬

‫ن‬
‫مهه ْ‬‫ن عََلى َ‬ ‫م ّ‬‫ه يَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬‫مث ْل ُك ُ ْ‬‫شٌر ِ‬ ‫ن إ ِل ّ ب َ َ‬
‫ُ‬ ‫ح‬
‫ن نَ ْ‬‫م إِ ْ‬‫سل ُهُ ْ‬
‫م ُر ُ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ن الل ّههِ وَعَل َههى‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ‬‫طا ٍ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ن ن َأت ِي َك ُ ْ‬ ‫ن ل ََنا أ ْ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫عَبادِهِ وَ َ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫يَ َ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ْ‬
‫ولما سمع الرسل ما قاله أقوامهم قالوا لهم‪ :‬حًقا ما نحن إل بشر‬
‫من يشاء من‬ ‫مثلكم كما قلتم‪ ,‬ولكن الله يتفضل بإنعامه على َ‬
‫عباده فيصطفيهم لرسالته‪ ,‬وما طلبتم من البرهان المبين‪ ,‬فل‬
‫يمكن لنا ول نستطيع أن نأتيكم به إل بإذن الله وتوفيقه‪ ,‬وعلى الله‬
‫وحده يعتمد المؤمنون في كل أمورهم‪.‬‬

‫ن عَل َههى َ‬
‫مهها‬ ‫سهب ُل ََنا وَل َن َ ْ‬
‫صهب َِر ّ‬ ‫ل عَل َههى الل ّههِ وَقَهد ْ هَه َ‬
‫داَنا ُ‬ ‫ما ل ََنا أ َل ّ ن َت َوَك ّه َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫مت َوَك ُّلو َ‬
‫ل ال ْ ُ‬
‫موَنا وَعََلى الل ّهِ فَل ْي َت َوَك ّ ْ‬ ‫آذ َي ْت ُ ُ‬
‫وكيف ل نعتمد على الله‪ ,‬وهو الذي أرشدنا إلى طريق النجاة من‬
‫ن على إيذائكم لنا بالكلم السيئ‬
‫عذابه باتباع أحكام دينه؟ ولنصبر ّ‬
‫وغيره‪ ,‬وعلى الله وحده يجب أن يعتمد المؤمنون في نصرهم‪,‬‬
‫وهزيمة أعدائهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫خرجنك ُهم م ه َ‬


‫ض هَنا أوْ ل َت َعُههود ُ ّ‬
‫ن فِههي‬ ‫م ل َن ُ ْ ِ َ ّ ْ ِ ْ‬
‫ن أْر ِ‬ ‫سل ِهِ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ل ُِر ُ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وََقا َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م ل َن ُهْل ِك َ ّ‬ ‫حى إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م َرب ّهُ ْ‬ ‫مل ّت َِنا فَأوْ َ‬
‫ِ‬
‫وضاقت صدور الكفار مما قاله الرسل فقالوا لهم‪ :‬لنطردنكم من‬
‫بلدنا حتى تعودوا إلى ديننا‪ ,‬فأوحى الله إلى رسله أنه سيهلك‬
‫الجاحدين الذين كفروا به وبرسله‪.‬‬

‫َ‬
‫عيهدِ‬
‫ف وَ ِ‬
‫خهها َ‬
‫مي وَ َ‬
‫مَقا ِ‬
‫ف َ‬
‫خا َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ض ِ‬
‫م الْر َ‬ ‫وَل َن ُ ْ‬
‫سك ِن َن ّك ُ ْ‬
‫)‪(14‬‬
‫‪485‬‬
‫ولنجعلن العاقبة الحسنة للرسل وأتباعهم بإسكانهم أرض الكافرين‬
‫بعد إهلكهم‪ ,‬ذلك الهلك للكفار‪ ,‬وإسكان المؤمنين أرضهم أمر‬
‫مؤكد لمن خاف مقامه بين يديّ يوم القيامة‪ ,‬وخشي وعيدي‬
‫وعذابي‪.‬‬

‫جّبارٍ عَِنيدٍ )‪(15‬‬ ‫ب كُ ّ‬


‫ل َ‬ ‫خا َ‬
‫حوا وَ َ‬
‫ست َْفت َ ُ‬
‫َوا ْ‬
‫ولجأ الرسل إلى ربهم وسألوه النصر على أعدائهم والحكم بينهم‪،‬‬
‫فاستجاب لهم‪ ,‬وهلك كل متكبر ل يقبل الحق ول ي ُ ْ‬
‫ذعن له‪ ,‬ول يقر‬
‫بتوحيد الله وإخلص العبادة له‪.‬‬

‫ديدٍ )‪(16‬‬
‫ص ِ‬
‫ماٍء َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫سَقى ِ‬
‫م وَي ُ ْ‬
‫جهَن ّ ُ‬
‫ن وََرائ ِهِ َ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫من أمام هذا الكافر جهنم ي َْلقى عذابها; وُيسقى فيها من القيح‬ ‫و ِ‬
‫خرج من أجسام أهل النار‪.‬‬ ‫والدم الذي ي َ ْ‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫كاد يسيغه ويأ ْ‬


‫ت‬
‫مي ّه ٍ‬
‫مهها هُهوَ ب ِ َ‬
‫ن وَ َ‬
‫ٍ‬ ‫كا‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ك‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫تي‬
‫ِ‬ ‫ه َول ي َ َ ُ ُ ِ ُ ُ َ َ‬ ‫جّرعُ ُ‬‫ي َت َ َ‬
‫ظ )‪(17‬‬ ‫ب غَِلي ٌ‬ ‫ن وََرائ ِهِ عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫يحاول المتكبر ابتلع القيح والدم وغير ذلك مما يسيل من أهل النار‬
‫مرة بعد مرة‪ ,‬فل يستطيع أن يبتلعه; لقذارته وحرارته‪ ,‬ومرارته‪,‬‬
‫ويأتيه العذاب الشديد من كل نوع ومن كل عضو من جسده‪ ,‬وما‬
‫هو بميت فيستريح‪ ,‬وله من بعد هذا العذاب عذاب آخر مؤلم‪.‬‬

‫ل ال ّذين ك ََفروا بربه َ‬


‫ح ِفهي َيهوْم ٍ‬ ‫ت ب ِهِ الّريه ُ‬
‫شت َد ّ ْ‬‫مادٍ ا ْ‬ ‫مال ُهُ ْ‬
‫م ك ََر َ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫َِ ِّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫ضههل ُ‬
‫ل الب َِعي هد ُ )‬ ‫ك هُ هوَ ال ّ‬ ‫يٍء ذ َل ِ َ‬
‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫سُبوا عَلى َ‬ ‫ما ك َ َ‬‫م ّ‬
‫ن ِ‬
‫ف ل ي َْقدُِرو َ‬
‫ص ٍ‬‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫‪(18‬‬
‫صفة أعمال الكفار في الدنيا كالبر وصلة الرحام كصفة رماد‬
‫اشتدت به الريح في يوم ذي ريح شديدة‪ ,‬فلم تترك له أثًرا‪ ,‬فكذلك‬
‫أعمالهم ل يجدون منها ما ينفعهم عند الله‪ ,‬فقد أذهبها الكفر كما‬
‫أذهبت الريح الرماد‪ ,‬ذلك السعي والعمل على غير أساس‪ ,‬هو‬
‫الضلل البعيد عن الطريق المستقيم‪.‬‬

‫‪486‬‬
‫أ َل َم ترى أ َن الل ّه خل َهق الس هموات وال َرض بههال ْحق إن ي َ ْ‬
‫ش هأ ي ُهذ ْهِب ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ّ َ َ ِ َ ْ َ ِ َ ّ ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ْْ ََ‬
‫ديدٍ )‪(19‬‬ ‫ج ِ‬
‫ق َ‬ ‫ت بِ َ ْ‬
‫خل ٍ‬ ‫وَي َأ ِ‬
‫ألم تعلم أيها المخاطب ‪-‬والمراد عموم الناس‪ -‬أن الله أوجد‬
‫السموات والرض على الوجه الصحيح الدال على حكمته‪ ,‬وأنه لم‬
‫يخلقهما عبًثا‪ ,‬بل للستدلل بهما على وحدانيته‪ ,‬وكمال قدرته‪,‬‬
‫فيعبدوه وحده‪ ,‬ول يشركوا به شيًئا؟ إن يشأ يذهبكم ويأت بقوم‬
‫غيركم يطيعون الله ‪.‬‬

‫ك عََلى الل ّهِ ب ِعَ ِ‬


‫زيزٍ )‪(20‬‬ ‫ما ذ َل ِ َ‬
‫وَ َ‬
‫وما إهلككم والتيان بغيركم بممتنع على الله‪ ,‬بل هو سهل يسير‪.‬‬

‫م ت ََبع ها ً‬
‫ست َك ْب َُروا إ ِن ّهها ك ُن ّهها ل َك ُه ْ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ضعََفاُء ل ِل ّ ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ميعا ً فََقا َ‬ ‫وَب ََرُزوا ل ِل ّهِ َ‬
‫ج ِ‬
‫فَه ْ َ‬
‫ه‬‫داَنا الل ّه ُ‬‫يٍء قَههاُلوا ل َهوْ هَ ه َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ب الل ّهِ ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬‫ن عَّنا ِ‬ ‫مغُْنو َ‬‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ص )‪(21‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ما لَنا ِ‬ ‫صب َْرَنا َ‬ ‫م َ‬ ‫جزِعَْنا أ ْ‬‫واٌء عَلي َْنا أ َ‬
‫س َ‬
‫م َ‬ ‫ل َهَد َي َْناك ْ‬
‫ُ‬

‫وخرجت الخلئق من قبورهم‪ ,‬وظهروا كلهم يوم القيامة لله الواحد‬


‫القهار; ليحكم بينهم‪ ,‬فيقول التباع لقادتهم‪ :‬إّنا كّنا لكم في الدنيا‬
‫عا‪ ,‬نأتمر بأمركم‪ ,‬فهل أنتم ‪-‬اليوم‪ -‬دافعون عنا من عذاب الله‬ ‫أتبا ً‬
‫عدوننا؟ فيقول الرؤساء‪ :‬لو هدانا الله إلى اليمان‬ ‫شيًئا كما كنتم ت َ ِ‬
‫لرشدناكم إليه‪ ,‬ولكنه لم يوفقنا‪ ,‬فضللنا وأضللناكم‪ ,‬يستوي علينا‬
‫جَزع والصبر عليه‪ ,‬فليس لنا مهرب من العذاب ول‬ ‫وعليكم اله َ‬
‫منجى‪.‬‬

‫عههد َ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫حهه ّ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫عههد َك ُ ْ‬‫ه وَ َ‬ ‫ن الّلهه َ‬ ‫مههُر إ ِ ّ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ضهه َ‬ ‫مهها قُ ِ‬ ‫ن لَ ّ‬ ‫طا ُ‬‫شههي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫وََقهها َ‬
‫َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫عههوْت ُك ُ ْ‬ ‫ن دَ َ‬‫ن إ ِل ّ أ ْ‬ ‫طا ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ن ِلي عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬‫م وَ َ‬ ‫خل َْفت ُك ُ ْ‬
‫م فَأ ْ‬ ‫وَوَعَد ْت ُك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مهها‬ ‫م وَ َ‬ ‫خك ُ ْ‬‫ص هرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫مهها أن َهها ب ِ ُ‬ ‫م َ‬‫سهك ُ ْ‬ ‫موا أن ُْف َ‬ ‫موِني وَُلو ُ‬ ‫م ِلي َفل ت َُلو ُ‬ ‫جب ْت ُ ْ‬ ‫َفا ْ‬
‫ست َ َ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظهال ِ ِ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن قَْبه ُ‬ ‫مه ْ‬‫موِني ِ‬ ‫شهَرك ْت ُ ُ‬ ‫مها أ َ ْ‬‫ت بِ َ‬‫ي إ ِّني ك ََفْر ُ‬ ‫خ ّ‬ ‫صرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ ُ‬
‫َ‬
‫أن ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫م )‪(22‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫خْلقه‪ ,‬ودخل أه ُ‬
‫ل‬ ‫وقال الشيطان ‪-‬بعد أن قضى الله المر وحاسب َ‬
‫دا حًقا بالبعث‬ ‫ة وأه ُ‬
‫ل النارِ الناَر‪ :-‬إن الله وعدكم وع ً‬ ‫الجنة الجن َ‬
‫‪487‬‬
‫ث ول جزاء‪ ,‬فأخلفتكم‬ ‫دا باطل أنه ل ب َعْ َ‬
‫والجزاء‪ ,‬ووعدتكم وع ً‬
‫وعدي‪ ,‬وما كان لي عليكم من قوة أقهركم بها على اتباعي‪ ,‬ول‬
‫كانت معي حجة‪ ,‬ولكن دعوتكم إلى الكفر والضلل فاتبعتموني‪ ,‬فل‬
‫تلوموني ولوموا أنفسكم‪ ,‬فالذنب ذنبكم‪ ,‬ما أنا بمغيثكم ول أنتم‬
‫جعِْلكم لي شري ً‬
‫كا مع الله‬ ‫من َ‬ ‫ي من عذاب الله‪ ,‬إني تبّرأت ِ‬‫بمغيث ّ‬
‫في طاعته في الدنيا‪ .‬إن الظالمين ‪-‬في إعراضهم عن الحق‬
‫واتباعهم الباطل‪ -‬لهم عذاب مؤلم موجع‪.‬‬

‫حت َِها ال َن َْهاُر‬


‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ري ِ‬
‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬
‫جّنا ٍ‬‫ت َ‬‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬
‫خ َ‬‫وَأ ُد ْ ِ‬
‫م )‪(23‬‬ ‫سل ٌ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫حي ّت ُهُ ْ‬
‫م تَ ِ‬ ‫ن ِفيَها ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات جنات تجري‬ ‫ُ‬
‫وأدخل الذين ص ّ‬
‫دا ‪-‬بإذن‬
‫من تحت أشجارها وقصورها النهار‪ ,‬ل يخرجون منها أب ً‬
‫ون فيها بسلم من الله وملئكته والمؤمنين‪.‬‬ ‫حي ّ ْ‬
‫ربهم وحوله وقوته‪ -‬ي ُ َ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫صل َُها َثاب ِ ٌ‬
‫ت‬ ‫جَرةٍ ط َي ّب َةٍ أ ْ‬
‫ش َ‬ ‫ة ط َي ّب َ ً‬
‫ة كَ َ‬ ‫مث َل ً ك َل ِ َ‬
‫م ً‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ضَر َ‬‫ف َ‬ ‫أل َ ْ‬
‫م ت ََرى ك َي ْ َ‬
‫ماِء )‪(24‬‬ ‫س َ‬‫وَفَْرعَُها ِفي ال ّ‬
‫ألم تعلم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف ضرب الله مثل لكلمة التوحيد )ل إله‬
‫إل الله( بشجرة عظيمة‪ ,‬وهي النخلة‪ ,‬أصلها متمكن في الرض‪,‬‬
‫وا نحو السماء؟‬
‫وأعلها مرتفع عل ّ‬

‫س ل َعَل ّهُ ه ْ‬
‫م‬ ‫مث َهها َ‬
‫ل ِللن ّهها ِ‬
‫َ‬
‫ب الل ّه ُ‬
‫ه ال ْ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫ن ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫ن َرب َّها وَي َ ْ‬ ‫حي ٍ‬ ‫ت ُؤِْتي أ ُك ُل ََها ك ُ ّ‬
‫ل ِ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫ي َت َذ َك ُّرو َ‬
‫تعطي ثمارها كل وقت بإذن ربها‪ ,‬وكذلك شجرة اليمان أصلها‬
‫دا‪ ,‬وفرعها من العمال الصالحة‬ ‫ما واعتقا ً‬
‫ثابت في قلب المؤمن عل ً‬
‫والخلق المرضية ُيرفع إلى الله وينال ثوابه في كل وقت‪ .‬ويضرب‬
‫الله المثال للناس; ليتذكروا ويتعظوا‪ ,‬فيعتبروا‪.‬‬

‫ما ل ََها ِ‬ ‫َ‬ ‫خِبيث َةٍ ك َ َ‬


‫ن‬
‫مهه ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ن فَوْ ِ‬
‫ق الْر ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جت ُث ّ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫خِبيث َةٍ ا ْ‬
‫جَرةٍ َ‬
‫ش َ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬
‫مة ٍ َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫وَ َ‬
‫قََرارٍ )‪(26‬‬

‫‪488‬‬
‫ومثل كلمة خبيثة ‪-‬وهي كلمة الكفر‪ -‬كشجرة خبيثة المأكل‬
‫والمطعم‪ ,‬وهي شجرة الحنظل‪ ,‬اقتلعت من أعلى الرض؛ لن‬
‫عروقها قريبة من سطح الرض ما لها أصل ثابت‪ ,‬ول فرع صاعد‪,‬‬
‫وكذلك الكافر ل ثبات له ول خير فيه‪ ,‬ول ي ُْرَفع له عمل صالح إلى‬
‫الله‪.‬‬

‫ة‬
‫خههَر ِ‬ ‫ت ِفي ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفههي ال ِ‬ ‫ل الّثاب ِ ِ‬ ‫مُنوا ِبال َْقوْ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬
‫ت الل ّ ُ‬‫ي ُث َب ّ ُ‬
‫شاءُ )‪(27‬‬ ‫ما ي َ َ‬
‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ن وَي َْفعَ ُ‬‫مي َ‬ ‫ه ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫ض ّ‬‫وَي ُ ِ‬
‫يثّبت الله الذين آمنوا بالقول الحق الراسخ‪ ,‬وهو شهادة أن ل إله إل‬
‫دا رسول الله‪ ,‬وما جاء به من الدين الحق يثبتهم الله‬
‫الله وأن محم ً‬
‫به في الحياة الدنيا‪ ,‬وعند مماتهم بالخاتمة الحسنة‪ ,‬وفي القبر عند‬
‫مَلكين بهدايتهم إلى الجواب الصحيح‪ ,‬ويضل الله الظالمين‬ ‫سؤال ال َ‬
‫عن الصواب في الدنيا والخرة‪ ,‬ويفعل الله ما يشاء من توفيق أهل‬
‫ذلن أهل الكفر والطغيان‪.‬‬ ‫خ ْ‬
‫اليمان و ِ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫داَر ال ْب َ َ‬
‫وارِ )‬ ‫م َ‬ ‫حّلوا قَوْ َ‬
‫مه ُ ْ‬ ‫ة الل ّهِ ك ُْفرا ً وَأ َ‬ ‫ن ب َد ُّلوا ن ِعْ َ‬
‫م َ‬ ‫م ت ََرى إ َِلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫أل َ ْ‬
‫س ال َْقَراُر )‪(29‬‬ ‫صل َوْن ََها وَب ِئ ْ َ‬
‫م يَ ْ‬
‫جهَن ّ َ‬
‫‪َ (28‬‬
‫ألم تنظر أيها المخاطب ‪-‬والمراد العموم‪ -‬إلى حال المكذبين من‬
‫كفار قريش الذين استبدلوا الكفر بالله بدل عن شكره على نعمة‬
‫المن بالحرم وبعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيهم؟ وقد‬
‫أنهزلوا أتباعهم دار الهلك حين َتسببوا بإخراجهم إلى "بدر" فُقِتلوا‬
‫وصار مصيرهم دار البوار‪ ،‬وهي جهنم‪ ,‬يدخلونها ويقاسون حرها‪,‬‬
‫ح المستقر مستقرهم‪.‬‬ ‫وقَب ُ َ‬

‫م إ ِل َههى‬ ‫َ‬
‫صههيَرك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫مت ّعُههوا فَ هإ ِ ّ‬
‫ن َ‬ ‫سِبيل ِهِ قُ ْ‬
‫ل تَ َ‬ ‫ضّلوا عَ ْ‬
‫ن َ‬ ‫دادا ً ل ِي ُ ِ‬
‫جعَُلوا ل ِل ّهِ أن َ‬
‫وَ َ‬
‫الّنارِ )‪(30‬‬
‫وجعل هؤلء الكفار لله شركاء عبدوهم معه; لي ُْبعدوا الناس عن‬
‫دينه‪ .‬قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬استمتعوا في الحياة الدنيا; فإنها‬
‫دكم ومرجعكم إلى عذاب جهنم‪.‬‬ ‫سريعة الزوال‪ ,‬وإن مر ّ‬

‫‪489‬‬
‫س هّرا ً‬ ‫مهها َرَزقْن َههاهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ّ‬
‫صههلةَ وَُينِفُقههوا ِ‬
‫موا ال ّ‬ ‫مُنوا ي ُِقي ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ل ل ِعَِباِدي ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫قُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل )‪(31‬‬ ‫خل ٌ‬‫م ل ب َي ْعٌ ِفيهِ َول ِ‬
‫ي ي َوْ ٌ‬
‫ن ي َأت ِ َ‬
‫لأ ْ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬‫م ْ‬
‫ة ِ‬‫علن ِي َ ً‬‫وَ َ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لعبادي الذين آمنوا‪ :‬يؤدوا الصلة بحدودها‪,‬‬
‫ويخرجوا بعض ما أعطيناهم من المال في وجوه الخير الواجبة‬
‫والمستحبة مسّرين ذلك ومعلنين‪ ,‬من قبل أن يأتي يوم القيامة‬
‫الذي ل ينفع فيه فداء ول صداقة‪.‬‬

‫َ‬ ‫ض وََأنَز َ‬ ‫ت َوال َْر‬


‫ه‬
‫ج بِ ِ‬‫خَر َ‬ ‫ماًء فَأ ْ‬ ‫ماِء َ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ل ِ‬ ‫َ‬ ‫وا ِ‬
‫َ‬ ‫م‬
‫س َ‬‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫مرِهِ‬ ‫جهرِيَ فِههي ال ْب َ ْ‬
‫ح هرِ ب ِهأ ْ‬ ‫م ال ُْفل ْ َ‬
‫ك ل ِت َ ْ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬
‫م وَ َ‬‫ت رِْزقا ً ل َك ُ ْ‬‫مَرا ِ‬ ‫ن الث ّ َ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫م النَهاَر )‪(32‬‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫وَ َ‬
‫الله تعالى الذي خلق السموات والرض وأوجدهما من العدم‪,‬‬
‫وأنزل المطر من السحاب فأحيا به الرض بعد موتها‪ ,‬وأخرج لكم‬
‫منها أرزاقكم‪ ,‬وذّلل لكم السفن; لتسير في البحر بأمره لمنافعكم‪,‬‬
‫وذّلل لكم النهار لسقياكم وسقيا دوابكم وزروعكم وسائر‬
‫منافعكم‪.‬‬

‫م الل ّي ْ َ‬
‫ل َوالن َّهاَر )‪(33‬‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬
‫س ّ‬
‫ن وَ َ‬
‫دائ ِب َي ْ ِ‬ ‫س َوال َْق َ‬
‫مَر َ‬ ‫م َ‬
‫ش ْ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫س ّ‬
‫وَ َ‬
‫وذّلل الله لكم الشمس والقمر ل ي َْفُتران عن حركتهما; لتتحقق‬
‫المصالح بهما‪ ,‬وذّلل لكم الليل; لتسكنوا فيه وتستريحوا‪ ,‬والنهار;‬
‫لتبتغوا من فضله‪ ,‬وتدّبروا معايشكم‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ل مهها سهأ َ‬


‫ن‬
‫ها إ ِ ّ‬
‫صههو َ‬
‫ُ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫دوا‬
‫ّ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫إ‬
‫َِ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫مو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ن ك ُه ّ َ‬‫مه ْ‬‫م ِ‬‫َوآَتاك ُ ْ‬
‫م ك َّفاٌر )‪(34‬‬ ‫ن ل َظ َُلو ٌ‬
‫سا َ‬‫لن َ‬ ‫ا ِ‬
‫دوا ن َِعم الله عليكم ل تطيقوا‬
‫وأعطاكم من كل ما طلبتموه‪ ,‬وإن تع ّ‬
‫وعها‪ .‬إن النسان‬
‫عدها ول إحصاءها ول القيام بشكرها; لكثرتها وتن ّ‬
‫َلكثير الظلم لنفسه‪ ,‬كثير الجحود لنعم ربه‪.‬‬

‫َ‬
‫ن ن َعْب ُهد َ‬
‫يأ ْ‬ ‫من ها ً َوا ْ‬
‫جن ُب ْن ِههي وَب َن ِه ّ‬ ‫ذا ال ْب َل َهد َ آ ِ‬ ‫جع َ ْ‬
‫ل هَ َ‬ ‫با ْ‬
‫م َر ّ‬
‫هي ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل إ ِب َْرا ِ‬
‫م )‪(35‬‬ ‫َ‬
‫صَنا َ‬
‫ال ْ‬
‫‪490‬‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حين قال إبراهيم داعًيا ربه ‪-‬بعد أن أسكن ابنه‬
‫ن‬
‫جر" وادي "مكة" ‪ :-‬رب اجعل "مكة" بلد َ أم ٍ‬ ‫إسماعيل وأمه "ها َ‬
‫من فيها‪ ,‬وأبِعدني وأبنائي عن عبادة الصنام‪.‬‬
‫يأمن كل َ‬

‫ن ك َِثيههرا ً‬ ‫ضهل َل ْ‬ ‫رب إنهن أ َ‬


‫ن‬
‫مه ْ‬
‫من ّههي وَ َ‬ ‫ن ت َب ِعَن ِههي فَهإ ِن ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫س فَ َ‬
‫مه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ها‬
‫ه‬‫ّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ ِّ ُ ّ‬
‫م )‪(36‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ك غَُفوٌر َر ِ‬ ‫صاِني فَإ ِن ّ َ‬‫عَ َ‬
‫ت في إبعاد كثير من الناس عن طريق الحق‪,‬‬ ‫ب إن الصنام تسّبب ْ‬
‫ر ّ‬
‫من خالفني‬
‫سّنتي‪ ,‬و َ‬
‫فمن اقتدى بي في التوحيد فهو على ديني و ُ‬
‫فيما دون الشرك‪ ,‬فإنك غفور لذنوب المذنبين ‪-‬بفضلك‪ -‬رحيم بهم‪,‬‬
‫تعفو عمن تشاء منهم‪.‬‬

‫َ‬
‫حّرم ِ َرب َّنا‬‫م َ‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫عن ْد َ ب َي ْت ِ َ‬
‫وادٍ غَي ْرِ ِذي َزْرٍع ِ‬‫ن ذ ُّري ِّتي ب ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن ُ‬‫س َ‬‫َرب َّنا إ ِّني أ ْ‬
‫ل ِيقيموا الصلةَ َفاجع ْ َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫م َواْرُزقْهُ ه ْ‬ ‫وي إ ِل َي ْهِ ه ْ‬
‫س ت َهْ ه ِ‬
‫ن الّنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل أفْئ ِد َةً ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُِ ُ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫ت ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫الث ّ َ‬
‫مَرا ِ‬
‫ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ ليس فيه زرع ول ماء بجوار بيتك‬
‫المحرم‪ ,‬ربنا إنني فعلت ذلك بأمرك; لكي يؤدوا الصلة بحدودها‪,‬‬
‫ن‪ ,‬وارزقهم في هذا‬
‫فاجعل قلوب بعض خلقك َتنزع إليهم وتح ّ‬
‫المكان من أنواع الثمار; لكي يشكروا لك على عظيم نعمك‪.‬‬
‫فاستجاب الله دعاءه‪.‬‬

‫ي ءٍ‬ ‫ن َ‬
‫شه ْ‬ ‫خَفههى عَل َههى الل ّههِ ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫ن وَ َ‬
‫ما ن ُعْل ِ ُ‬
‫خِفي وَ َ‬‫ما ن ُ ْ‬ ‫ك ت َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫َرب َّنا إ ِن ّ َ‬
‫ماِء )‪(38‬‬ ‫ِفي ال َ‬
‫س َ‬
‫ض َول ِفي ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫ربنا إنك تعلم كل ما نخفيه وما نظهره‪ .‬وما يغيب عن علم الله‬
‫شيء من الكائنات في الرض ول في السماء‪.‬‬

‫ن َرب ّههي‬
‫حقَ إ ِ ّ‬
‫سه َ‬ ‫عي َ‬
‫ل وَإ ِ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ب ِلي عَل َههى ال ْك ِب َهرِ إ ِ ْ‬
‫سه َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬
‫ذي وَهَ َ‬ ‫ح ْ‬‫ال ْ َ‬
‫عاِء )‪(39‬‬ ‫ميعُ الد ّ َ‬ ‫س ِ‬‫لَ َ‬
‫ي ُْثني إبراهيم على الله تعالى‪ ,‬فيقول‪ :‬الحمد لله الذي رزقني على‬
‫ك َِبر سني ولديّ إسماعيل وإسحاق بعد دعائي أن يهب لي من‬

‫‪491‬‬
‫الصالحين‪ ,‬إن ربي لسميع الدعاء ممن دعاه‪ ,‬وقد دعوته ولم يخّيب‬
‫رجائي‪.‬‬

‫عاِء )‪(40‬‬ ‫ن ذ ُّري ِّتي َرب َّنا وَت ََقب ّ ْ‬


‫ل دُ َ‬ ‫م ْ‬
‫صلةِ وَ ِ‬
‫م ال ّ‬ ‫جعَل ِْني ُ‬
‫مِقي َ‬ ‫با ْ‬
‫َر ّ‬
‫ما على أداء الصلة على أتم وجوهها‪ ,‬واجعل من‬ ‫رب اجعلني مداو ً‬
‫من يحافظ عليها‪ ,‬ربنا واستجب دعائي وتقّبل عبادتي‪.‬‬ ‫ذريتي َ‬

‫ب )‪(41‬‬
‫سا ُ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫م ي َُقو ُ‬
‫ن ي َوْ َ‬
‫مِني َ‬ ‫وال ِد َيّ وَل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫َرب َّنا اغِْفْر ِلي وَل ِ َ‬
‫ي‪,‬‬
‫ربنا اغفر لي ما وقع مني مما ل يسلم منه البشر واغفر لوالد ّ‬
‫)وهذا قبل أن يتبّين له أن والده عدو لله( واغفر للمؤمنين جميًعا‬
‫يوم يقوم الناس للحساب والجزاء‪.‬‬

‫م ل ِي َهوْم ٍ‬ ‫مهها ي ُهؤَ ّ‬


‫خُرهُ ْ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫ل الظ ّههال ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫مه ُ‬
‫مهها ي َعْ َ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه غَههافِل ً عَ ّ‬ ‫سهب َ ّ‬
‫ح َ‬‫َول ت َ ْ‬
‫صاُر )‪(42‬‬ ‫َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ص ِفيهِ الب ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ش َ‬
‫ول تحسبن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن الله غافل عما يعمله الظالمون‪ :‬من‬
‫التكذيب بك وبغيرك من الرسل‪ ,‬وإيذاء المؤمنين وغير ذلك من‬
‫خُر عقابهم ليوم شديد ترتفع فيه عيونهم ول‬
‫المعاصي‪ ,‬إنما يؤ ّ‬
‫من هول ما تراه‪ .‬وفي هذا تسلية لرسول الله محمد صلى‬ ‫مض; ِ‬
‫ت َغْ َ‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬

‫َ‬
‫واءٌ )‬ ‫م ط َْرفُهُ ه ْ‬
‫م وَأفْئ ِد َت ُهُ ه ْ‬
‫م هَ ه َ‬ ‫م ل ي َْرت َد ّ إ ِل َي ْهِ ه ْ‬
‫سه ِ ْ‬
‫مْقن ِِعي ُرُءو ِ‬
‫ن ُ‬
‫مهْط ِِعي َ‬
‫ُ‬
‫‪(43‬‬
‫يوم يقوم الظالمون من قبورهم مسرعين لجابة الداعي رافعي‬
‫رؤوسهم ل يبصرون شيًئا لهول الموقف‪ ,‬وقلوبهم خالية ليس فيها‬
‫شيء; لكثرة الخوف والوجل من هول ما ترى‪.‬‬

‫ْ‬
‫موا َرب َّنا أ َ ّ‬
‫خْرَنا إ ِل َههى‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬
‫ب فَي َُقو ُ‬ ‫م ال ْعَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫م ي َأِتيهِ ْ‬
‫س ي َوْ َ‬
‫َ‬
‫وَأنذِْر الّنا َ‬
‫َ‬ ‫ك ونتبع الرس َ َ‬ ‫َ‬
‫ن قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫مت ُ ْ‬
‫س ْ‬ ‫كوُنوا أقْ َ‬ ‫ل أوَل َ ْ‬
‫م تَ ُ‬ ‫ب د َعْوَت َ َ َ َ ّ ِ ْ ّ ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫ب نُ ِ‬ ‫ل قَ ِ‬
‫ري ٍ‬ ‫ج ٍ‬ ‫أ َ‬

‫‪492‬‬
‫ل )‪(44‬‬
‫ن َزَوا ٍ‬
‫م ْ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ك إليهم عذاب الله يوم‬ ‫وأنذر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الناس الذين أرسلت ُ َ‬
‫مهِْلنا‬ ‫َ‬
‫القيامة‪ ,‬وعند ذلك يقول الذين ظلموا أنفسهم بالكفر‪ :‬ربنا أ ْ‬
‫خا‪ :‬ألم‬ ‫إلى وقت قريب نؤمن بك ونصدق رسلك‪ .‬فيقال لهم توبي ً‬
‫تقسموا في حياتكم أنه ل زوال لكم عن الحياة الدنيا إلى الخرة‪,‬‬
‫دقوا بهذا البعث؟‬
‫فلم تص ّ‬

‫ف فَعَل ْن َهها‬ ‫َ‬


‫ن ل َك ُه ْ‬
‫م ك َي ْه َ‬ ‫م وَت َب َي ّ َ‬
‫سه ُ ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫موا أنُف َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ساك َ ِ ِ‬
‫م َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫س َ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ل )‪(45‬‬ ‫مَثا َ‬
‫م ال ْ‬ ‫ضَرب َْنا ل َك ُ ْ‬‫م وَ َ‬ ‫ب ِهِ ْ‬
‫وحللتم في مساكن الكافرين السابقين الذين ظلموا أنفسهم كقوم‬
‫هود وصالح‪ ,‬وعلمتم ‪-‬بما رأيتم وُأخبرتم‪ -‬ما أنزلناه بهم من الهلك‪,‬‬
‫وضربنا لكم المثال في القرآن‪ ,‬فلم تعتبروا؟‬

‫ه‬
‫من ْه ُ‬ ‫مك ُْرهُ ه ْ‬
‫م ل ِت َهُزو َ‬
‫ل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ َ‬
‫مك ُْرهُ ْ‬ ‫مك َْرهُ ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫مك َُروا َ‬‫وَقَد ْ َ‬
‫ل )‪(46‬‬ ‫جَبا ُ‬‫ال ْ ِ‬
‫وقد دّبر المشركون الشّر للرسول صلى الله عليه وسلم بقتله‪,‬‬
‫وعند الله مكرهم فهو محيط به‪ ,‬وقد عاد مكرهم عليهم‪ ,‬وما كان‬
‫هنه‪ ,‬ولم يضّروا الله‬
‫مكرهم لتزول منه الجبال ول غيرها لضعفه ووَ َ‬
‫شيًئا‪ ,‬وإنما ضّروا أنفسهم‪.‬‬

‫زيٌز ُ‬
‫ذو انت َِقام ٍ )‪(47‬‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫سل َ ُ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ف وَعْدِهِ ُر ُ‬
‫خل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ُ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫َفل ت َ ْ‬
‫ح َ‬
‫فل تحسبن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن الله يخلف رسله ما وعدهم به من‬
‫النصر وإهلك مكذبيهم‪ .‬إن الله عزيز ل يمتنع عليه شيء‪ ,‬منتقم‬
‫من أعدائه أشد انتقام‪.‬‬
‫جه‬
‫صا بالنبي صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فهو مو ّ‬
‫والخطاب وإن كان خا ّ‬
‫لعموم المة‪.‬‬

‫حدِ ال َْقهّههارِ )‬ ‫ل ال َرض غَي ْر ال َ‬


‫ت وَب ََرُزوا ل ِل ّهِ ال ْ َ‬
‫وا ِ‬ ‫وا ُ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ض َوال ّ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫م ت ُب َد ّ ُ‬
‫ي َوْ َ‬
‫‪(48‬‬

‫‪493‬‬
‫دل هذه الرض‬ ‫من أعدائه في يوم القيامة يوم ت ُب َ ّ‬ ‫وانتقام الله تعالى ِ‬
‫دل السموات بغيرها‪,‬‬ ‫بأرض أخرى بيضاء نقّية كالفضة‪ ,‬وكذلك ت ُب َ ّ‬
‫وتخرج الخلئق من قبورها أحياء ظاهرين للقاء الله الواحد القهار‪,‬‬
‫المتفرد بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله وقهره لكل شيء‪.‬‬

‫َ‬
‫صَفادِ )‪(49‬‬
‫ن ِفي ال ْ‬
‫مَقّرِني َ‬
‫مئ ِذٍ ُ‬
‫ن ي َوْ َ‬
‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫وَت ََرى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫صُر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬المجرمين يوم القيامة مقيدين بالقيود‪ ,‬قد‬
‫وت ُب ْ ِ‬
‫ل وهوان‪.‬‬‫رنت أيديهم وأرجلهم بالسلسل‪ ,‬وهم في ذ ُ ّ‬ ‫قُ ِ‬

‫م الّناُر )‪(50‬‬
‫جوهَهُ ْ‬
‫شى وُ ُ‬ ‫ن قَط َِرا ٍ‬
‫ن وَت َغْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سَراِبيل ُهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫َ‬
‫طران الشديد الشتعال‪ ,‬وتلفح وجوههم النار‬
‫ثيابهم من الَق ِ‬
‫فتحرقها‪.‬‬

‫ب )‪(51‬‬
‫سا ِ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫س َ‬
‫ل ن َْف ٍ‬ ‫جزِيَ الل ّ ُ‬
‫ه كُ ّ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫فََعل الله ذلك بهم; جزاء لهم بما كسبوا من الثام في الدنيا‪ ,‬والله‬
‫من خير أو شر‪ ,‬إن الله سريع الحساب‪.‬‬ ‫يجازي كل إنسان بما عمل ِ‬

‫حد ٌ وَل ِي َذ ّك َّر أ ُوُْلههوا‬ ‫ما هُوَ إ ِل َ ٌ‬


‫ه َوا ِ‬ ‫َ‬
‫س وَل ُِينذ َُروا ب ِهِ وَل ِي َعْل َ ُ‬
‫موا أن ّ َ‬ ‫ذا َبلغٌ ِللّنا ِ‬
‫هَ َ‬
‫َ‬
‫ب )‪(52‬‬ ‫الل َْبا ِ‬
‫هذا القرآن الذي أنزلناه إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بلغ وإعلم للناس;‬
‫لنصحهم وتخويفهم‪ ,‬ولكي يوقنوا أن الله هو الله الواحد‪ ,‬فيعبدوه‬
‫وحده ل شريك له‪ ,‬وليتعظ به أصحاب العقول السليمة‪.‬‬

‫‪494‬‬
‫الجزء الرابع عشر ‪:‬‬

‫‪ -15‬سورة الحجر‬

‫ن )‪(1‬‬
‫مِبي ٍ‬
‫ن ُ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬
‫ب وَقُْرآ ٍ‬ ‫الر ت ِل ْ َ‬
‫ك آَيا ُ‬
‫)الر( سبق الكلم على الحروف المق ّ‬
‫طعة في أول سورة البقرة‪.‬‬
‫تلك اليات العظيمة هي آيات الكتاب العزيز المنزل على محمد‬
‫ضح للحقائق بأحسن‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وهي آيات قرآن مو ّ‬
‫لفظ وأوضحه وأدّله على المقصود‪ .‬فالكتاب هو القرآن جمع الله له‬
‫بين السمين‪.‬‬

‫ن )‪(2‬‬
‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ل َوْ َ‬
‫كاُنوا ُ‬ ‫ما ي َوَد ّ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ُرب َ َ‬
‫سيتمنى الكفار حين يرون خروج عصاة المؤمنين من النار أن لو‬
‫كانوا موحدين؛ ليخرجوا كما خرجوا‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫ف ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ل فَ َ‬
‫سو ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫مت ُّعوا وَي ُل ْهِهِ ْ‬
‫م ال َ‬ ‫م ي َأك ُُلوا وَي َت َ َ‬
‫ذ َْرهُ ْ‬
‫اترك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الكفار يأكلوا‪ ,‬ويستمتعوا بدنياهم‪ ,‬ويشغلهم‬
‫الطمع فيها عن طاعة الله‪ ,‬فسوف يعلمون عاقبة أمرهم الخاسرة‬
‫في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫َ‬
‫معُْلو ٌ‬
‫م )‪(4‬‬ ‫ن قَْري َةٍ إ ِل ّ وَل ََها ك َِتا ٌ‬
‫ب َ‬ ‫ما أهْل َك َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫وإذا طلبوا نزول العذاب بهم تكذيًبا لك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فإنا ل ن ُْهلك‬
‫من‬‫در‪ ,‬ل ن ُْهلكهم حتى يبلغوه‪ ،‬مثل َ‬
‫قرية إل ولهلكها أجل مق ّ‬
‫سبقهم‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ما تسبق م ُ‬


‫ن )‪(5‬‬
‫خُرو َ‬
‫ست َأ ِ‬ ‫جل ََها وَ َ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫مة ٍ أ َ‬
‫نأ ّ‬‫َ َ ْ ِ ُ ِ ْ‬

‫‪495‬‬
‫ل تتجاوز أمة أجلها فتزيد عليه‪ ,‬ول تتقدم عليه‪ ,‬فتنقص منه‪.‬‬

‫مهها ت َأ ِْتين َهها‬


‫ن )‪ (6‬ل َهوْ َ‬
‫جن ُههو ٌ‬ ‫ك لَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ الذ ّك ُْر إ ِن ّه َ‬ ‫َ‬
‫وََقاُلوا َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي ن ُّز َ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫ت ِ‬‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ملئ ِك َةِ إ ِ ْ‬
‫وقال المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم استهزاًء‪ :‬يا أيها الذي‬
‫ن ُّزل عليه القرآن إنك لذاهب العقل‪ ,‬هل تأتينا بالملئكة ‪-‬إن كنت‬
‫صادًقا‪ ;-‬لتشهد أن الله أرسلك‪.‬‬

‫ن )‪(8‬‬ ‫من ْظ َ ِ‬
‫ري َ‬ ‫كاُنوا ِإذا ً ُ‬
‫ما َ‬ ‫ة إ ِل ّ ِبال ْ َ‬
‫حقّ وَ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ملئ ِك َ َ‬ ‫ما ن ُن َّز ُ‬
‫َ‬
‫ورد ّ الله عليهم‪ :‬إننا ل ننزل الملئكة إل بالعذاب الذي ل إمهال فيه‬
‫مهلين‪.‬‬
‫م ْ‬
‫لمن لم يؤمن‪ ,‬وما كانوا حين تنزل الملئكة بالعذاب ب ِ ُ‬

‫ن )‪(9‬‬ ‫حافِ ُ‬
‫ظو َ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ن ن َّزل َْنا الذ ّك َْر وَإ ِّنا ل َ ُ‬
‫ح ُ‬
‫إ ِّنا ن َ ْ‬
‫إّنا نحن نّزلنا القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإّنا‬
‫من أن ُيزاد فيه أو ي ُن َْقص منه‪ ,‬أو يضيع منه شيء‪.‬‬
‫نتعهد بحفظه ِ‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ل‬
‫سو ٍ‬
‫ن َر ُ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ما ي َأِتيهِ ْ‬
‫ن )‪ (10‬وَ َ‬
‫شي َِع الوِّلي َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫ك ِفي ِ‬ ‫سل َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫وَل ََقد ْ أْر َ‬
‫ن )‪(11‬‬‫ست َهْزُِئو َ‬ ‫إ ِل ّ َ‬
‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬
‫ولقد أرسلنا من قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬رسل في فَِرق الولين‪ ,‬فما‬
‫ل جاءهم إل كانوا منه يسخرون‪ .‬وفي هذا تسلية للرسول‬ ‫من رسو ٍ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ .‬فكما فََعل بك هؤلء المشركون فكذلك فُعِ َ‬
‫ل‬
‫بمن قبلك من الرسل‪.‬‬

‫خل َه ْ‬
‫ت‬ ‫ن ب ِههِ وَقَهد ْ َ‬ ‫ن )‪ (12‬ل ي ُؤْ ِ‬
‫من ُههو َ‬ ‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه ِفي قُُلو ِ‬
‫سل ُك ُ ُ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫ك نَ ْ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫سن ّ ُ َ‬
‫ة الوِّلي َ‬ ‫ُ‬
‫كما أدخلنا الكفر في قلوب المم السابقة بالستهزاء بالرسل‬
‫وتكذيبهم‪ ,‬كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا‬
‫دقون بالذكر الذي ُأنزل إليك‪,‬‬
‫ص ّ‬
‫بالكفر بالله وتكذيب رسوله‪ ,‬ل ي ُ َ‬
‫‪496‬‬
‫مْثلهم‪َ ,‬‬
‫سي ُْهلك‬ ‫وقد مضت سّنة الولين بإهلك الكفار‪ ,‬وهؤلء ِ‬
‫المستمرون منهم على الكفر والتكذيب‪.‬‬

‫ن )‪(14‬ل ََقههاُلوا‬ ‫ماِء فَظ َل ّههوا ِفي ههِ ي َعُْر ُ‬


‫جههو َ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫م َبابا ً ِ‬
‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫وَل َوْ فَت َ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(15‬‬ ‫حوُرو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬‫ن قَوْ ٌ‬‫ح ُ‬ ‫صاُرَنا ب َ ْ‬
‫ل نَ ْ‬ ‫ت أب ْ َ‬ ‫سك َّر ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ولو فتحنا على كفار "مكة" باًبا من السماء فاستمروا صاعدين فيه‬
‫دقوا‪,‬‬
‫حتى يشاهدوا ما في السماء من عجائب ملكوت الله‪ ,‬لما ص ّ‬
‫ت أبصارنا‪ ,‬حتى رأينا ما لم نَر‪ ,‬وما نحن إل‬
‫حَر ْ‬
‫س ِ‬
‫ولقالوا‪ُ :‬‬
‫مسحورون في عقولنا من محمد‪.‬‬

‫ن )‪(16‬‬
‫ري َ‬ ‫ماِء ب ُُروجا ً وََزي ّّنا َ‬
‫ها ِللّناظ ِ ِ‬ ‫جعَل َْنا ِفي ال ّ‬
‫س َ‬ ‫وَل ََقد ْ َ‬
‫ومن أدلة قدرتنا‪ :‬أنا جعلنا في السماء الدنيا منازل للكواكب تنزل‬
‫دب‪,‬‬
‫ج ْ‬
‫صب وال َ‬
‫خ ْ‬
‫فيها‪ ,‬ويستدل بذلك على الطرقات والوقات وال ِ‬
‫وَزي ّّنا هذه السماء بالنجوم لمن ينظرون إليها‪ ,‬ويتأملون فيعتبرون‪.‬‬

‫جيم ٍ )‪(17‬‬
‫ن َر ِ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫حِفظ َْنا َ‬
‫ها ِ‬ ‫وَ َ‬
‫وحفظنا السماء من كل شيطان مرجوم مطرود من رحمة الله;‬
‫كي ل يصل إليها‪.‬‬

‫ن )‪(18‬‬ ‫بي‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ها‬ ‫ش‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫إل ّ من استرق السمع فَأ َ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ْ َ‬ ‫ِ َ ْ ْ ََ َ‬
‫من كلم أهل المل العلى في بعض الوقات‪,‬‬ ‫إل من اختلس السمع ِ‬
‫فأدركه ولحقه كوكب مضيء يحرقه‪ .‬وقد ي ُْلقي الشيطان إلى وليه‬
‫بعض ما استرَقه قبل أن يحرقه الشهاب‪.‬‬

‫َ‬ ‫وال َرض مددنا َ َ‬


‫يءٍ‬
‫شه ْ‬ ‫ن ك ُه ّ‬
‫ل َ‬ ‫مه ْ‬
‫ي وَأن ْب َت ْن َهها ِفيهَهها ِ‬ ‫ها وَأل َْقي َْنا ِفيهَهها َرَوا ِ‬
‫سه َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َْ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫موُْزو ٍ‬
‫َ‬
‫والرض مددناها متسعة‪ ,‬وألقينا فيها جبال تثبتها‪ ,‬وأنبتنا فيها من كل‬
‫در معلوم مما يحتاج إليه العباد‪.‬‬ ‫أنواع النبات ما هو مق ّ‬
‫‪497‬‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫م لَ ُ‬
‫ه ب َِرازِِقي َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫ست ُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ش وَ َ‬
‫مَعاي ِ َ‬ ‫جعَل َْنا ل َك ُ ْ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫وَ َ‬
‫حْرث‪ ،‬ومن الماشية‪ ،‬ومن‬ ‫وجعلنا لكم فيها ما به تعيشون من ال َ‬
‫ب ما‬
‫أنواع المكاسب وغيرها‪ ,‬وخلقنا لكم من الذرية والخدم والدوا ّ‬
‫تنتفعون به‪ ,‬وليس رزقهم عليكم‪ ,‬وإنما هو على الله رب العالمين‬
‫ما‪.‬‬
‫تفضل منه وتكر ً‬

‫معُْلوم ٍ )‪(21‬‬ ‫ما ن ُن َّزل ُ ُ‬


‫ه إ ِل ّ ب َِقد َرٍ َ‬ ‫ه وَ َ‬
‫خَزائ ِن ُ ُ‬ ‫يءٍ إ ِل ّ ِ‬
‫عن ْد ََنا َ‬ ‫ن َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫وما من شيء من منافع العباد إل عندنا خزائنه من جميع الصنوف‪,‬‬
‫وما ننزله إل بمقدار محدد كما نشاء وكما نريد‪ ,‬فالخزائن بيد الله‬
‫يعطي من يشاء ويمنع من يشاء‪ ,‬بحسب رحمته الواسعة‪ ,‬وحكمته‬
‫البالغة‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫م‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫سَقي َْناك ُ ُ‬
‫موهُ وَ َ‬ ‫ماءً فَأ ْ‬
‫ماءِ َ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ح فَأن َْزل َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ح لَ َ‬
‫واقِ َ‬ ‫سل َْنا الّرَيا َ‬
‫وَأْر َ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫خازِِني َ‬ ‫ه بِ َ‬‫لَ ُ‬
‫وأرسلنا الرياح وسخرناها ت ُل َّقح السحاب‪ ,‬وتحمل المطر والخير‬
‫والنفع‪ ,‬فأنزلنا من السحاب ماء أعددناه لشرابكم وأرضكم‬
‫دخاره‪ ،‬ولكن نخزنه لكم‬
‫ومواشيكم‪ ,‬وما أنتم بقادرين على خزنه وا ّ‬
‫رحمة بكم‪ ،‬وإحساًنا إليكم‪.‬‬

‫ن ال ْ َ‬
‫وارُِثو َ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫ح ُ‬
‫ت وَن َ ْ‬
‫مي ُ‬
‫ي وَن ُ ِ‬
‫ح ِ‬
‫ن نُ ْ‬ ‫وَإ ِّنا ل َن َ ْ‬
‫ح ُ‬
‫من كان ميًتا بخلقه من العدم‪ ,‬ونميت من كان حًيا‬
‫وإّنا لنحن نحيي َ‬
‫من عليها‪.‬‬
‫بعد انقضاء أجله‪ ,‬ونحن الوارثون الرض و َ‬

‫ْ‬
‫ن )‪(24‬‬
‫ري َ‬
‫خ ِ‬
‫ست َأ ِ‬ ‫مَنا ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م وَل ََقد ْ عَل ِ ْ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫ن ِ‬
‫مي َ‬
‫ست َْقدِ ِ‬ ‫مَنا ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫وَل ََقد ْ عَل ِ ْ‬
‫من سيأتي‬
‫ي‪ ,‬و َ‬
‫من هو ح ّ‬
‫من لدن آدم‪ ,‬و َ‬
‫من هلك منكم ِ‬
‫ولقد علمنا َ‬
‫إلى يوم القيامة‪.‬‬

‫‪498‬‬
‫م )‪(25‬‬
‫م عَِلي ٌ‬
‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫ه َ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ح ُ‬
‫شُرهُ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك هُوَ ي َ ْ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫وإن ربك هو يحشرهم للحساب والجزاء‪ ,‬إنه حكيم في تدبيره‪,‬‬
‫عليم ل يخفى عليه شيء‪.‬‬

‫ن )‪(26‬‬
‫سُنو ٍ‬
‫م ْ‬
‫مإ ٍ َ‬
‫ح َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫صل ْ َ‬
‫صا ٍ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫خل َْقَنا ال ِن ْ َ‬
‫سا َ‬ ‫وَل ََقد ْ َ‬
‫سمع له صوت‪ ,‬وهذا‬
‫من طين يابس إذا ن ُِقر عليه ُ‬
‫ولقد خلقنا آدم ِ‬
‫من طول مكثه‪.‬‬
‫الطين اليابس من طين أسود متغّير لونه وريحه; ِ‬

‫موم ِ )‪(27‬‬
‫س ُ‬
‫ن َنارِ ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫خل َْقَناهُ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫جا ّ‬
‫من قَْبل خلق آدم من نار شديدة‬
‫وخلقنا أبا الجن‪ ,‬وهو إبليس ِ‬
‫الحرارة ل دخان لها‪.‬‬

‫م هإ ٍ‬
‫ح َ‬
‫ن َ‬
‫مه ْ‬
‫ل ِ‬ ‫صل ْ َ‬
‫صهها ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫شههرا ً ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬
‫ملئ ِك َهةِ إ ِن ّههي َ‬
‫خههال ِقٌ ب َ َ‬ ‫ل َرب ّه َ‬
‫وَإ ِذ ْ قَهها َ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫سُنو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫واذكر ‪-‬أيها النبي‪ -‬حين قال ربك للملئكة‪ :‬إني خالق إنساًنا من‬
‫طين يابس‪ ,‬وهذا الطين اليابس من طين أسود متغّير اللون‪.‬‬

‫ن )‪(29‬‬
‫دي َ‬
‫ج ِ‬
‫سا ِ‬ ‫حي فََقُعوا ل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن ُرو ِ‬
‫م ْ‬
‫ت ِفيهِ ِ‬
‫خ ُ‬
‫ه وَن ََف ْ‬
‫سوّي ْت ُ ُ‬ ‫فَإ ِ َ‬
‫ذا َ‬
‫خّروا له ساجدين‬
‫ويته وأكملت صورته ونفخت فيه الروح‪ ,‬ف ُ‬ ‫فإذا س ّ‬
‫سجود تحية وتكريم‪ ,‬ل سجود عبادة‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة ك ُل ّه َ‬
‫ع‬
‫مه َ‬ ‫ن ي َك ُههو َ‬
‫ن َ‬ ‫ن )‪ (30‬إ ِل ّ إ ِب ِْليه َ‬
‫س أب َههى أ ْ‬ ‫معُههو َ‬
‫ج َ‬
‫مأ ْ‬‫ُ ْ‬ ‫جد َ ال ْ َ‬
‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫س َ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬‫سا ِ‬‫ال ّ‬
‫فسجد الملئكة كلهم أجمعون كما أمرهم ربهم لم يمتنع منهم أحد‪,‬‬
‫لكن إبليس امتنع أن يسجد لدم مع الملئكة الساجدين‪.‬‬

‫‪499‬‬
‫ن )‪(32‬‬
‫دي َ‬
‫ج ِ‬
‫سا ِ‬
‫معَ ال ّ‬
‫ن َ‬ ‫ك أ َل ّ ت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ما ل َ َ‬
‫س َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َيا إ ِب ِْلي ُ‬
‫قال الله لبليس‪ :‬ما لك أل تسجد مع الملئكة؟‬

‫َ‬ ‫ل لَ َ‬
‫ن)‬
‫سهُنو ٍ‬
‫م ْ‬
‫م هإ ٍ َ‬
‫ح َ‬
‫ن َ‬
‫مه ْ‬
‫ل ِ‬ ‫صل ْ َ‬
‫صها ٍ‬ ‫ن َ‬
‫مه ْ‬ ‫خل َْقت َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫جد َ ل ِب َ َ‬
‫شرٍ َ‬ ‫س ُ‬
‫نل ْ‬‫م أك ُ ْ‬
‫َقا َ ْ‬
‫‪(33‬‬
‫قال إبليس مظهًرا كبره وحسده‪ :‬ل يليق بي أن أسجد لنسان‬
‫ه من طين يابس كان طيًنا أسود متغيًرا‪.‬‬ ‫َ‬
‫أوجد ْت َ ُ‬

‫ن‬ ‫ة إ َِلى ي َوْم ِ الهه ّ‬


‫دي ِ‬ ‫ك الل ّعْن َ َ‬
‫ن عَل َي ْ َ‬
‫م )‪ (34‬وَإ ِ ّ‬
‫جي ٌ‬ ‫من َْها فَإ ِن ّ َ‬
‫ك َر ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل َفا ْ‬
‫خُر ْ‬ ‫َقا َ‬
‫)‪(35‬‬
‫قال الله تعالى له‪ :‬فاخرج من الجنة‪ ,‬فإنك مطرود من كل خير‪,‬‬
‫وإن عليك اللعنة والبعد من رحمتي إلى يوم ي ُب َْعث الناس للحساب‬
‫والجزاء‪.‬‬

‫َ‬
‫ب فَأن ْظ ِْرِني إ َِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫َقا َ‬
‫ل َر ّ‬
‫خرني في الدنيا إلى اليوم الذي ت َب َْعث فيه عبادك‪,‬‬
‫قال إبليس‪ :‬رب أ ّ‬
‫وهو يوم القيامة‪.‬‬

‫معُْلوم ِ )‪(38‬‬
‫ت ال ْ َ‬
‫ن )‪ (37‬إ َِلى ي َوْم ِ ال ْوَقْ ِ‬ ‫من ْظ َ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل فَإ ِن ّ َ‬
‫ك ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ت هلكهم إلى اليوم الذي يموت فيه‬ ‫خْر ُ‬
‫قال الله له‪ :‬فإنك ممن أ ّ‬
‫ب إلى‬ ‫ُ‬
‫كل الخلق بعد النفخة الولى‪ ,‬ل إلى يوم البعث‪ ,‬وإنما أجي َ‬
‫جا له وإمهال وفتنة للثقلين‪.‬‬
‫ذلك استدرا ً‬

‫ل رب بما أ َغْويتِني لزينن ل َههم فههي ال َرض ولغْهوينه َ‬


‫ن)‬
‫مِعيه َ‬
‫ج َ‬
‫مأ ْ‬‫َُِّ ْ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫َ َّ ّ ُ ْ ِ‬ ‫ََْ‬ ‫َقا َ َ ّ ِ َ‬
‫ن )‪(40‬‬‫صي َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫عَباد َ َ‬
‫ك ِ‬ ‫‪ (39‬إ ِل ّ ِ‬

‫‪500‬‬
‫ن لذرية آدم‬
‫سن َ ّ‬
‫ب بسبب ما أغويتني وأضللتني لح ّ‬
‫قال إبليس‪ :‬ر ّ‬
‫معاصيك في الرض‪ ,‬ولضلنهم أجمعين عن طريق الهدى‪ ,‬إل‬
‫عبادك الذين هديتهم فأخلصوا لك العبادة وحدك دون سائر خلقك‪.‬‬

‫ك عَل َي ْهِ ه ْ‬
‫م‬ ‫س ل َه َ‬
‫عب َههاِدي ل َي ْه َ‬
‫ن ِ‬
‫م )‪ (41‬إ ِ ّ‬‫س هت َِقي ٌ‬
‫م ْ‬‫ي ُ‬‫ط عَل َه ّ‬ ‫صَرا ٌ‬‫ذا ِ‬ ‫ل هَ َ‬‫َقا َ‬
‫ن )‪(42‬‬‫ن ال َْغاِوي َ‬‫م ْ‬‫ك ِ‬‫ن ات ّب َعَ َ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫سل ْ َ‬
‫طا ٌ‬ ‫ُ‬
‫ي وإلى دار كرامتي‪.‬‬
‫قال الله‪ :‬هذا طريق مستقيم معتدل موصل إل ّ‬
‫إن عبادي الذين أخلصوا لي ل أجعل لك سلطاًنا على قلوبهم‬
‫ن اتبعك‬ ‫تضّلهم به عن الصراط المستقيم‪ ,‬لكن سلطانك على َ‬
‫م ِ‬
‫ن الضالين المشركين الذين رضوا بوليتك وطاعتك بدل من‬‫م َ‬
‫ِ‬
‫طاعتي‪.‬‬

‫عدهُم أ َجمِعين )‪ (43‬ل َها سبع ُ َ‬


‫م‬
‫من ْهُه ْ‬
‫ب ِ‬ ‫ب ل ِك ُ ّ‬
‫ل َبا ٍ‬ ‫وا ٍ‬
‫ة أب ْ َ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫مو ْ ِ ُ ْ ْ َ َ‬‫م لَ َ‬
‫جهَن ّ َ‬
‫ن َ‬‫وَإ ِ ّ‬
‫م )‪(44‬‬‫سو ٌ‬ ‫مْق ُ‬ ‫جْزٌء َ‬ ‫ُ‬
‫وإن النار الشديدة َلموعد ُ إبليس وأتباعه أجمعين‪ ,‬لها سبعة أبواب‬
‫من أتباع إبليس قسم ونصيب‬ ‫ب ِ‬ ‫كل باب أسفل من الخر‪ ,‬لكل با ٍ‬
‫بحسب أعمالهم‪.‬‬

‫ن )‪(46‬‬
‫مِني ه َ‬
‫سههلم ٍ آ ِ‬ ‫خُلوهَهها ب ِ َ‬
‫ن )‪ (45‬اد ْ ُ‬ ‫ت وَعُي ُههو ٍ‬ ‫جن ّهها ٍ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫مت ِّقي َ‬‫ن ال ْ ُ‬‫إِ ّ‬
‫ن )‪ (47‬ل‬‫مت ََقههاب ِِلي َ‬
‫سهُررٍ ُ‬ ‫وانا ً عََلى ُ‬ ‫خ َ‬‫ل إِ ْ‬ ‫ن ِغ ّ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬‫ما ِفي ُ‬ ‫وَن ََزعَْنا َ‬
‫ن )‪(48‬‬ ‫جي َ‬ ‫خَر ِ‬‫م ْ‬‫من َْها ب ِ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ما هُ ْ‬‫ب وَ َ‬ ‫ص ٌ‬‫م ِفيَها ن َ َ‬‫سه ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫يَ َ‬
‫إن الذين اتقوا الله بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى في بساتين‬
‫وأنهار جارية يقال لهم‪ :‬ادخلوا هذه الجنات سالمين من كل سوء‬
‫آمنين من كل عذاب‪ .‬ونزعنا ما في قلوبهم من حقد وعداوة‪,‬‬
‫يعيشون في الجنة إخواًنا متحابين‪ ,‬يجلسون على أسّرة عظيمة‪,‬‬
‫تتقابل وجوههم تواصل وتحابًبا‪ ,‬ل يصيبهم فيها تعب ول إعياء‪ ,‬وهم‬
‫دا‪.‬‬
‫باقون فيها أب ً‬

‫ب‬ ‫ذاِبي هُ هوَ ال ْعَه َ‬


‫ن ع َه َ‬ ‫َ‬ ‫عَباِدي أ َّني أ َن َهها ال ْغَُفههوُر الّر ِ‬
‫ذا ُ‬ ‫م )‪ (49‬وَأ ّ‬‫حي ه ُ‬ ‫ئ ِ‬ ‫ن َب ّ ْ‬
‫َ‬
‫م )‪(51‬‬
‫هي َ‬‫ف إ ِب َْرا ِ‬
‫ضي ْ ِ‬
‫ن َ‬
‫م عَ ْ‬ ‫م )‪ (50‬وَن َب ّئ ْهُ ْ‬‫الِلي ُ‬
‫‪501‬‬
‫أخبر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عبادي أني أنا الغفور للمؤمنين التائبين‪ ,‬الرحيم‬
‫بهم‪ ،‬وأن عذابي هو العذاب المؤلم الموجع لغير التائبين‪ .‬وأخبرهم‬
‫شروه‬‫‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن ضيوف إبراهيم من الملئكة الذين ب ّ‬
‫بالولد‪ ,‬وبهلك قوم لوط‪.‬‬

‫جُلو َ‬
‫ن )‪(52‬‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫سلما ً َقا َ‬
‫ل إ ِّنا ِ‬ ‫خُلوا عَل َي ْهِ فََقاُلوا َ‬
‫إ ِذ ْ د َ َ‬
‫دم لهم‬
‫ما; فرد عليهم السلم‪ ,‬ثم ق ّ‬
‫حين دخلوا عليه فقالوا‪ :‬سل ً‬
‫الطعام فلم يأكلوا‪ ,‬قال‪ :‬إنا منكم فزعون‪.‬‬

‫شُر َ‬
‫ك ب ُِغلم ٍ عَِليم ٍ )‪(53‬‬ ‫َقاُلوا ل ت َوْ َ‬
‫ج ْ‬
‫ل إ ِّنا ن ُب َ ّ‬
‫قالت الملئكة له‪ :‬ل تفزع إّنا جئنا نبشرك بولد كثير العلم بالدين‪,‬‬
‫هو إسحاق‪.‬‬

‫َ‬ ‫ل أ َب َ ّ‬
‫ن )‪(54‬‬
‫شُرو َ‬ ‫سِني ال ْك ِب َُر فَب ِ َ‬
‫م ت ُب َ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫موِني عََلى أ ْ‬
‫ن َ‬ ‫شْرت ُ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫شرتموني بالولد‪ ,‬وأنا كبير وزوجتي كذلك‪,‬‬‫قال إبراهيم متعجًبا‪ :‬أب ّ‬
‫شرونني؟‬ ‫فبأي أعجوبة تب ّ‬

‫ن )‪(55‬‬ ‫ن ال َْقان ِ ِ‬
‫طي َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬
‫حقّ َفل ت َك ُ ْ‬ ‫َقاُلوا ب َ ّ‬
‫شْرَنا َ‬

‫منا به الله‪ ,‬فل تكن من اليائسين أن‬ ‫قالوا‪ :‬ب ّ‬


‫شرناك بالحق الذي أعل َ‬
‫يولد لك‪.‬‬

‫خط ْب ُك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ل فَ َ‬
‫مهها َ‬ ‫ضاّلو َ‬
‫ن )‪َ (56‬قا َ‬ ‫مةِ َرب ّهِ إ ِل ّ ال ّ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬‫م ْ‬ ‫ن ي َْقن َ ُ‬
‫ط ِ‬ ‫م ْ‬
‫ل وَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(57‬‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬‫أي َّها ال ْ ُ‬
‫قال‪ :‬ل ييئس من رحمة ربه إل الخاطئون المنصرفون عن طريق‬
‫الحق‪ .‬قال‪ :‬فما المر الخطير الذي جئتم من أجله ‪-‬أيها المرسلون‪-‬‬
‫من عند الله؟‬

‫‪502‬‬
‫ُ‬
‫م‬
‫جههوهُ ْ‬ ‫ط إ ِن ّهها ل َ ُ‬
‫من َ ّ‬ ‫ل ل ُههو ٍ‬‫ن )‪ (58‬إ ِل ّ آ َ‬ ‫ميه َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫سل َْنا إ َِلى قَوْم ٍ ُ‬
‫َقاُلوا إ ِّنا أْر ِ‬
‫أ َجمِعين )‪ (59‬إل ّ ا َ‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫ري َ‬‫ن ال َْغاب ِ ِ‬ ‫ه قَد ّْرَنا إ ِن َّها ل َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫مَرأت َ ُ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ َ‬
‫قالوا‪ :‬إن الله أرسلنا لهلك قوم لوط المشركين الضالين إل لو ً‬
‫طا‬
‫وأهله المؤمنين به‪ ,‬فلن نهلكهم وسننجيهم أجمعين‪ ,‬لكن زوجته‬
‫الكافرة قضينا بأمر الله بإهلكها مع الباقين في العذاب‪.‬‬

‫من ْك َُرو َ‬
‫ن )‪(62‬‬ ‫ل إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م قَوْ ٌ‬
‫م ُ‬ ‫سُلو َ‬
‫ن )‪َ (61‬قا َ‬ ‫ط ال ْ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫ل ُلو ٍ‬
‫جاءَ آ َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما َ‬
‫فلما وصل الملئكة المرسلون إلى لوط‪ ,‬قال لهم‪ :‬إنكم قوم غير‬
‫معروفين لي‪.‬‬

‫حقّ وَإ ِن ّهها‬ ‫ب ِههال ْ َ‬ ‫ن )‪ (63‬وَأ َت َي ْن َهها َ‬


‫ك‬ ‫مت َهُرو َ‬‫مهها ك َههاُنوا ِفيههِ ي َ ْ‬ ‫جئ َْنا َ‬
‫ك بِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫َقاُلوا ب َ ْ‬
‫م َول‬ ‫َ‬
‫أد ْب َههاَرهُ ْ‬ ‫ل َوات ّب ِهعْ‬ ‫ن الل ّي ْه ِ‬ ‫ك ب ِِقط ْهٍع ِ‬
‫مه ْ‬ ‫سهرِ ب ِأ َهْل ِه َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (64‬فَأ ْ‬ ‫صههادُِقو َ‬ ‫لَ َ‬
‫يل ْتفت منك ُ َ‬
‫ن )‪(65‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ث ت ُؤْ َ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ضوا َ‬ ‫م ُ‬‫حد ٌ َوا ْ‬‫مأ َ‬ ‫َ َِ ْ ِ ْ ْ‬
‫ف‪ ,‬فإّنا جئنا بالعذاب الذي كان يشك فيه قومك ول‬
‫خ ْ‬
‫قالوا‪ :‬ل ت َ َ‬
‫من‬‫دقون‪ ,‬وجئناك بالحق من عند الله‪ ,‬وإنا لصادقون‪ ,‬فاخرج ِ‬ ‫ص ّ‬
‫يُ َ‬
‫بينهم ومعك أهلك المؤمنون‪ ,‬بعد مرور جزء من الليل‪ ,‬وسر أنت‬
‫وراءهم; لئل يتخلف منهم أحد فيناله العذاب‪ ,‬واحذروا أن يلتفت‬
‫منكم أحد‪ ,‬وأسرعوا إلى حيث أمركم الله; لتكونوا في مكان أمين‪.‬‬

‫مْق ُ‬ ‫َ‬ ‫ضي َْنا إل َي ْهِ ذ َل ِ َ َ‬


‫ن )‪(66‬‬
‫حي َ‬
‫صب ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫طوعٌ ُ‬ ‫داب َِر هَ ُ‬
‫ؤلِء َ‬ ‫ن َ‬
‫مَر أ ّ‬
‫ك ال ْ‬ ‫ِ‬ ‫وَقَ َ‬
‫صلون بالهلك عن آخرهم عند‬
‫وأوحينا إلى لوط أن قومك مستأ َ‬
‫طلوع الصبح‪.‬‬

‫ن )‪(67‬‬
‫شُرو َ‬
‫ست َب ْ ِ‬
‫دين َةِ ي َ ْ‬
‫م ِ‬ ‫جاءَ أ َهْ ُ‬
‫ل ال ْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫وجاء أهل مدينة لوط إلى لوط حين علموا بمن عنده من الضيوف‪,‬‬
‫وهم فرحون يستبشرون بضيوفه; ليأخذوهم ويفعلوا بهم الفاحشة‪.‬‬

‫ن)‬
‫خهُزو ِ‬ ‫ن )‪َ (68‬وات ُّقههوا الل ّه َ‬
‫ه َول ت ُ ْ‬ ‫حو ِ‬ ‫ضي ِْفي َفل ت َْف َ‬
‫ضه ُ‬ ‫ن هَ ُ‬
‫ؤلِء َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل إِ ّ‬
‫‪503‬‬
‫‪(69‬‬
‫قال لهم لوط‪ :‬إن هؤلء ضيفي وهم في حمايتي فل تفضحوني‪,‬‬
‫وخافوا عقاب الله‪ ,‬ول تتعرضوا لهم‪ ,‬فتوقعوني في الذل والهوان‬
‫بإيذائكم لضيوفي‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(70‬‬ ‫ن ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫َقاُلوا أوَل َ ْ‬
‫م ن َن ْهَ َ‬
‫قال قومه‪ :‬أولم ن َن ْهَ َ‬
‫ك أن تضّيف أحدا من العالمين; لّنا نريد منهم‬
‫الفاحشة؟‬

‫ن )‪(71‬‬
‫عِلي َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م َفا ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ل هَ ُ‬
‫ؤلِء ب ََناِتي إ ِ ْ‬
‫قال لوط لهم‪ :‬هههؤلء نسههاؤكم بنههاتي فههتزّوجوهن إن كنتههم تريههدون‬
‫قضاء وطركم‪ ,‬وسماهن بناته؛ لن نبي المههة بمنزلهة الب لههم‪ ,‬ول‬
‫تفعلوا ما حّرم الله عليكم من إتيان الرجال‪.‬‬

‫َ‬
‫ة‬
‫ح ُ‬
‫صههي ْ َ‬
‫م ال ّ‬ ‫ن )‪ (72‬فَأ َ‬
‫خههذ َت ْهُ ْ‬ ‫مُهههو َ‬
‫م ي َعْ َ‬ ‫م ل َِفههي َ‬
‫سههك َْرت ِهِ ْ‬ ‫مههُر َ‬
‫ك إ ِن ُّههه ْ‬ ‫ل َعَ ْ‬
‫ن )‪(73‬‬ ‫شرِِقي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫يقسم الخههالق بمههن يشههاء وبمهها يشههاء‪ ,‬أمهها المخلههوق فل يجههوز لههه‬
‫القسم إل بالله‪ ,‬وقد أقسم الله تعالى بحياة محمد صلى اللههه عليههه‬
‫وسههلم تشههريًفا لههه‪ .‬إن قههوم لههوط فههي غفلههة شههديدة يههترددون‬
‫ت بهم صاعقة العذاب وقت شروق الشمس‪.‬‬ ‫ويتمادون‪ ,‬حتى حل ّ ْ‬

‫َ‬
‫ل )‪(74‬‬
‫جي ٍ‬
‫س ّ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫جاَرةً ِ‬
‫ح َ‬ ‫مط َْرَنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫سافِل ََها وَأ ْ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫عال ِي ََها َ‬ ‫فَ َ‬
‫فقلبنا ُقراهم فجعلنهها عاليههها سههافلها‪ ,‬وأمطرنهها عليهههم حجههارة مههن‬
‫طين متصلب متين‪.‬‬

‫ن‬
‫مِقيهم ٍ )‪ (76‬إ ِ ّ‬
‫ل ُ‬ ‫ن )‪ (75‬وَإ ِن ّهَهها ل َب ِ َ‬
‫سهِبي ٍ‬ ‫مي َ‬
‫س ِ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫مت َوَ ّ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ك لي َ ً‬ ‫ِفي ذ َل ِ َ‬

‫‪504‬‬
‫ت للنههاظرين المعتههبرين‪ ,‬وإن قراهههم لفههي‬ ‫إن فيمهها أصههابهم َلعظهها ٍ‬
‫طريق ثابت يراههها المسههافرون المههاّرون بههها‪ .‬إن فههي إهلكنهها لهههم‬
‫ة للمصدقين العاملين بشرع الله‪.‬‬ ‫َلدلل ً‬
‫ة بّين ً‬

‫ما ل َ‬ ‫ب ال َي ْك َةِ ل َ َ‬ ‫كان أ َ‬


‫ٍ‬ ‫م‬‫ها‬
‫ه‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫إ‬‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ن‬‫م‬‫ِ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫(‬‫‪78‬‬ ‫)‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫مي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ظا‬ ‫ُ‬ ‫حا‬
‫َ‬ ‫ص‬
‫ْ‬ ‫ن َ َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(79‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ُ‬
‫وقههد كههان أصههحاب المدينههة الملتفههة الشههجر ‪-‬وهههم قههوم شههعيب‪-‬‬
‫ظالمين لنفسهم لكفرهم بههالله ورسههولهم الكريههم‪ ,‬فانتقمنهها منهههم‬
‫بالرجفة وعذاب يوم الظلة‪ ,‬وإن مساكن قههوم لههوط وشههعيب لفههي‬
‫طريق واضح يمّر بهما الناس في سفرهم فيعتبرون‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(80‬‬
‫سِلي َ‬ ‫جرِ ال ْ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫ب ال ْ ِ‬
‫ح ْ‬ ‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫بأ ْ‬‫وَل ََقد ْ ك َذ ّ َ‬
‫حا عليههه السههلم‪ ,‬وهههم ثمههود‬ ‫جر" صههال ً‬‫ح ْ‬ ‫ولقد ك ّ‬
‫ذب سكان "وادي ال ِ‬
‫ذب‬‫ذب نبي ًهها فقههد كه ّ‬
‫فكانوا بذلك مكذبين لكل المرسلين; لن من كه ّ‬
‫النبياء كلهم; لنهم على دين واحد‪.‬‬

‫ن )‪(81‬‬
‫ضي َ‬
‫معْرِ ِ‬ ‫م آَيات َِنا فَ َ‬
‫كاُنوا عَن َْها ُ‬ ‫َوآت َي َْناهُ ْ‬
‫وآتينا قوم صالح آياتنا الدالة علههى صههحة مهها جههاءهم بههه صههالح مههن‬
‫الحق‪ ,‬ومن جملتها الناقة‪ ,‬فلههم يعتههبروا بههها‪ ,‬وكههانوا عنههها مبتعههدين‬
‫معرضين‪.‬‬

‫ن )‪(82‬‬ ‫ل ب ُُيوتا ً آ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫جَبا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫حُتو َ‬ ‫وَ َ‬
‫كاُنوا ي َن ْ ِ‬
‫وكانوا ينحتههون الجبههال‪ ,‬فيتخههذون منههها بيوت ًهها‪ ,‬وهههم آمنههون مههن أن‬
‫تسقط عليهم أو تخرب‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬
‫سههُبو َ‬ ‫ما َ‬ ‫ما أغَْنى عَن ْهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن )‪ (83‬فَ َ‬
‫حي َ‬
‫صب ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫ة ُ‬
‫ح ُ‬
‫صي ْ َ‬
‫م ال ّ‬ ‫فَأ َ‬
‫خذ َت ْهُ ْ‬
‫)‪(84‬‬
‫فأخذتهم صههاعقة العههذاب وقههت الصههباح مبكريههن‪ ,‬فمهها دفههع عنهههم‬
‫‪505‬‬
‫ن في الجبال‪ ,‬ول مهها ُأعطههوه مههن قههوة‬ ‫ب الله الموا ُ‬
‫ل والحصو ُ‬ ‫عذا َ‬
‫وجاه‪.‬‬

‫ما إ ِل ّ ِبال ْ َ‬ ‫َ‬


‫ة‬
‫ة لت ِي َ ٌ‬
‫ساعَ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫حقّ وَإ ِ ّ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر َ‬‫وا ِ‬‫م َ‬ ‫خل َْقَنا ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ما َ‬‫وَ َ‬
‫ل )‪(85‬‬ ‫مي َ‬ ‫ح ال ْ َ‬
‫ج ِ‬ ‫صْف َ‬
‫ح ال ّ‬ ‫َفا ْ‬
‫صَف ْ‬
‫وما خل َْقنا السموات والرض وما بينهما إل بالحق دالتين على كمههال‬
‫خالقهما واقتداره‪ ,‬وأنه الذي ل تنبغي العبادة إل له وحههده ل شههريك‬
‫له‪ .‬وإن الساعة التي تقوم فيها القيامة لتية ل محالههة; لتههوّفى كههل‬
‫نفس بما عملت‪ ,‬فههاعف ‪-‬أيههها الرسههول‪ -‬عههن المشههركين‪ ,‬واصههفح‬
‫عنهم وتجاوز عما يفعلونه‪.‬‬

‫خل ّقُ ال ْعَِلي ُ‬


‫م )‪(86‬‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬
‫ن َرب ّ َ‬
‫إِ ّ‬
‫ن ربك هههو الخ ّ‬
‫لق لكههل شههيء‪ ,‬العليههم بههه‪ ,‬فل يعجههزه شههيء فههي‬ ‫إ ّ‬
‫الرض ول في السماء‪ ,‬ول يخفى عليه‪.‬‬

‫م )‪(87‬‬ ‫ن ال ْعَ ِ‬
‫ظي َ‬ ‫مَثاِني َوال ُْقْرآ َ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫سْبعا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫وَل ََقد ْ آت َي َْنا َ‬
‫ك َ‬
‫ولقد آتيناك ‪-‬أيها النبي‪ -‬فاتحة القرآن‪ ,‬وهي سبع آيات تكرر في كل‬
‫صلة‪ ,‬وآتيناك القرآن العظيم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن عَل َي ْهِه ْ‬
‫م‬ ‫حهَز ْ‬
‫م َول ت َ ْ‬ ‫مت ّعْن َهها ب ِههِ أْزَواجها ً ِ‬
‫من ْهُه ْ‬ ‫ك إ ِل َههى َ‬
‫مهها َ‬ ‫ن عَي ْن َي ْه َ‬
‫مد ّ ّ‬
‫ل تَ ُ‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ك ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ح َ‬‫جَنا َ‬ ‫ض َ‬‫خِف ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫مت َههع الههدنيا‪,‬‬
‫من ُ‬ ‫مت ّْعنا به أصناًفا من الكفار ِ‬
‫ن ما َ‬
‫ل تنظر بعينيك وتتم ّ‬
‫ضعْ للمؤمنين بالله ورسوله‪.‬‬‫ول تحزن على كفرهم‪ ,‬وتوا َ‬

‫ل إني أ َنا النذير ال ْمبين )‪ (89‬ك َ َ‬


‫ن )‪(90‬‬
‫مي َ‬
‫س ِ‬ ‫ما أن َْزل َْنا عََلى ال ْ ُ‬
‫مْقت َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ ُ‬ ‫ّ ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫وَقُ ْ ِ ّ‬
‫ضح لما يهتدي به الناس إلى اليمههان بههالله‬ ‫وقل‪ :‬إني أنا المنذر المو ّ‬
‫رب العالمين‪ ,‬ومنذركم أن يصيبكم العههذاب‪ ,‬كمهها أنزلههه اللههه علههى‬
‫سههموا القههرآن‪ ,‬فههآمنوا ببعضههه‪ ,‬وكفههروا ببعضههه الخههر مههن‬
‫الذين ق ّ‬
‫‪506‬‬
‫اليهود والنصارى وغيرهم‪.‬‬

‫ن )‪(91‬‬
‫ضي َ‬
‫ع ِ‬ ‫جعَُلوا ال ُْقْرآ َ‬
‫ن ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ما وأجزاء‪ ,‬فمنهم مههن يقههول‪ :‬سههحر‪,‬‬
‫وهم الذين جعلوا القرآن أقسا ً‬
‫ومنهم من يقول ك ََهانة‪ ,‬ومنهم من يقول غير ذلك‪ ،‬يصّرفونه بحسب‬
‫أهوائهم; ليصدوا الناس عن الهدى‪.‬‬

‫ك ل َنسأ َل َنه َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن )‪(93‬‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن )‪ (92‬عَ ّ‬
‫مِعي َ‬
‫ج َ‬
‫مأ ْ‬‫فَوََرب ّ َ َ ْ ّ ُ ْ‬
‫فوربك لنحاسبّنهم يوم القيامة ولنجزينهههم أجمعيههن‪ ,‬عههن تقسههيمهم‬
‫للقرآن بافتراءاتهم‪ ,‬وتحريفه وتبديله‪ ,‬وغير ذلك مما كههانوا يعملههونه‬
‫من عبادة الوثان‪ ,‬ومن المعاصي والثام‪ .‬وفههي هههذا ترهيههب وزجههر‬
‫لهم من القامة على هذه الفعال القبيحة‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(94‬‬
‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ض عَ ْ‬ ‫ما ت ُؤْ َ‬
‫مُر وَأعْرِ ْ‬ ‫َفا ْ‬
‫صد َعْ ب ِ َ‬
‫فاجهر بدعوة الحق التي أمرك الله بها‪ ,‬ول تبههال بالمشههركين‪ ,‬فقههد‬
‫ما يقولون‪.‬‬
‫بّرأك الله م ّ‬

‫م هعَ الل ّههِ إ َِله ها ً آ َ‬


‫خ هَر‬ ‫جعَل ُههو َ‬
‫ن َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن )‪ (95‬ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س هت َهْزِِئي َ‬
‫م ْ‬‫ك ال ْ ُ‬‫إ ِن ّهها ك ََفي ْن َهها َ‬
‫ن )‪(96‬‬ ‫مو َ‬ ‫ف ي َعْل َ ُ‬‫سو ْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫إّنا ك ََفْيناك المستهزئين الساخرين من زعماء قريش‪ ,‬الههذين اتخههذوا‬
‫شري ً‬
‫كا مع الله من الوثان وغيرها‪ ,‬فسههوف يعلمههون عاقبههة عملهههم‬
‫في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ما ي َُقوُلو َ‬
‫ن )‪(97‬‬ ‫صد ُْر َ‬
‫ك بِ َ‬ ‫ضيقُ َ‬ ‫م أ َن ّ َ‬
‫ك يَ ِ‬ ‫وَل ََقد ْ ن َعْل َ ُ‬
‫ولقههد نعلههم بانقبههاض صههدرك ‪-‬أيههها الرسههول‪ ;-‬بسههبب مهها يقههوله‬
‫المشركون فيك وفي دعوتك‪.‬‬

‫‪507‬‬
‫ن )‪(98‬‬
‫دي َ‬
‫ج ِ‬
‫سا ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫ك وَك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫مدِ َرب ّ َ‬
‫ح ْ‬
‫ح بِ َ‬ ‫فَ َ‬
‫سب ّ ْ‬
‫سهّبح بحمههده شههاكًرا لههه مثنيهها‬
‫فافزع إلى ربك عند ضيق صههدرك‪ ,‬و َ‬
‫مك‪.‬‬ ‫عليه‪ ,‬وكن من المصّلين لله العابدين له‪ ,‬فإن ذلك يكفيك ما أه ّ‬

‫ن )‪(99‬‬ ‫حّتى ي َأ ْت ِي َ َ‬
‫ك ال ْي َِقي ُ‬ ‫َواعْب ُد ْ َرب ّ َ‬
‫ك َ‬
‫مّر في عبادة ربك مدة حياتك حتى يأتيك اليقين‪ ,‬وهو المههوت‪.‬‬ ‫واست ِ‬
‫وامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربههه‪ ,‬فلههم يههزل دائب ًهها‬
‫في عبادة الله‪ ,‬حتى أتاه اليقين من ربه‪.‬‬

‫‪ -16‬سورة النحل‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(1‬‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ه وَت ََعاَلى عَ ّ‬
‫ما ي ُ ْ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫جُلوهُ ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫مُر الل ّهِ َفل ت َ ْ‬
‫ست َعْ ِ‬ ‫أَتى أ ْ‬
‫قَُرب قيام الساعة وقضاء الله بعذابكم ‪-‬أيههها الكفههار‪ -‬فل تسههتعجلوا‬
‫العذاب استهزاء بوعيد الرسول لكم‪ .‬تنّزه الله سبحانه وتعهالى عههن‬
‫الشرك والشركاء‪.‬‬

‫ن َأنههذُِروا‬ ‫َ‬
‫عَبادِهِ أ ْ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاُء ِ‬ ‫مرِهِ عََلى َ‬
‫م ْ‬
‫ة بالروح م َ‬
‫نأ ْ‬‫ملئ ِك َ َ ِ ّ ِ ِ ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ي ُن َّز ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(2‬‬‫ه إ ِل ّ أَنا َفات ُّقو ِ‬‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫أن ّ ُ‬
‫مههن يشههاء مههن عبههاده‬
‫مههن أمههره علههى َ‬
‫ينّزل الله الملئكة بههالوحي ِ‬
‫وفوا الناس من الشرك‪ ,‬وأنه ل معبود بحق إل أنا‪,‬‬ ‫المرسلين‪ :‬بأن خ ّ‬
‫فاتقون بأداء فرائضي وإفرادي بالعبادة والخلص‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫حقّ ت ََعاَلى عَ ّ‬
‫ما ي ُ ْ‬ ‫ض ِبال ْ َ‬
‫ت َوالْر َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫َ‬
‫دل بهما العباد على عظمة‬ ‫خلق الله السموات والرض بالحق; ليست ِ‬
‫خالقهما‪ ,‬وأنه وحده المستحق للعبادة‪ ,‬تنّزه ‪-‬سبحانه‪ -‬وتعههاظم عههن‬
‫شركهم‪.‬‬

‫‪508‬‬
‫ن )‪(4‬‬‫مِبي ٌ‬
‫م ُ‬
‫صي ٌ‬
‫خ ِ‬ ‫ن ن ُط َْفةٍ فَإ ِ َ‬
‫ذا هُوَ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫خل َقَ ا ِ‬
‫لن َ‬ ‫َ‬
‫خَلق النسان من مههاء مهيههن فههإذا بههه ي َْقههوى ويغههتّر‪ ,‬فيصههبح شههديد‬ ‫َ‬
‫مههن‬
‫الخصومة والجدال لربه في إنكار البعث‪ ,‬وغيههر ذلههك‪ ,‬كقههوله‪َ " :‬‬
‫م"‪ ،‬ونسي الله الذي خلقه من العدم‪.‬‬ ‫مي ٌ‬ ‫ي َر ِ‬‫م وَهِ َ‬ ‫ي ال ْعِ َ‬
‫ظا َ‬ ‫ح ِ‬ ‫يُ ْ‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫من َْها ت َأك ُُلو َ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫مَنافِعُ وَ ِ‬
‫فٌء وَ َ‬ ‫خل ََقَها ل َك ُ ْ‬
‫م ِفيَها دِ ْ‬ ‫م َ‬
‫َوالن َْعا َ‬
‫م من البل والبقر والغنم خلقها الله لكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬وجعههل‬ ‫والنعا َ‬
‫ُ‬
‫فههي أصههوافها وأوبارههها الههدفء‪ ,‬ومنههافع أخههر فههي ألبانههها وجلودههها‬
‫وركوبها‪ ,‬ومنها ما تأكلون‪.‬‬

‫ن )‪(6‬‬
‫حو َ‬
‫سَر ُ‬
‫ن تَ ْ‬
‫حي َ‬
‫ن وَ ِ‬
‫حو َ‬
‫ري ُ‬
‫ن تُ ِ‬
‫حي َ‬ ‫ما ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫ج َ‬ ‫وَل َك ُ ْ‬
‫م ِفيَها َ‬
‫دونها إلى منازلها فههي‬
‫دخل السرور عليكم عندما ت َُر ّ‬‫ولكم فيها زينة ت ُ ْ‬
‫خرجونها للمرعى في الصباح‪.‬‬ ‫المساء‪ ,‬وعندما ت ُ ْ‬

‫م‬ ‫ن َرب ّ ُ‬
‫كهه ْ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫شق ا َ‬
‫لن‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫غي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫با‬
‫َ‬ ‫نوا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كو‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫م إ َِلى ب َل َدٍ ل َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ل أ َث َْقال َ‬
‫م ُ‬‫ح ِ‬
‫وَت َ ْ‬
‫ِ‬
‫م )‪(7‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ل ََرُءو ٌ‬
‫وتحمل هذه النعام ما ث َُقل من أمتعتكم إلى بلد بعيد‪ ,‬لم تكونوا‬
‫مستطيعين الوصول إليه إل بجهد شديد من أنفسكم ومشقة‬
‫خر لكم ما تحتاجون‬ ‫عظيمة‪ ,‬إن ربكم َلرؤوف رحيم بكم‪ ,‬حيث س ّ‬
‫إليه‪ ,‬فله الحمد وله الشكر‪.‬‬

‫ن )‪(8‬‬ ‫ما ل ت َعْل َ ُ‬


‫مو َ‬ ‫خل ُقُ َ‬
‫ة وَي َ ْ‬ ‫ميَر ل ِت َْرك َُبو َ‬
‫ها وَِزين َ ً‬ ‫ل َوال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ل َوال ْب َِغا َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫خي ْ َ‬
‫مال لكم‬ ‫وخلق لكم الخيل والبغال والحمير; لكي تركبوها‪ ,‬ولتكون ج َ‬
‫م‬‫عل ْ َ‬
‫ومنظًرا حسًنا; ويخلق لكم من وسائل الركوب وغيرها ما ل ِ‬
‫لكم به; لتزدادوا إيماًنا به وشكرا له‪.‬‬

‫شاَء ل َهداك ُ َ‬
‫جائ ٌِر وَل َوْ َ‬
‫ن )‪(9‬‬
‫مِعي َ‬
‫ج َ‬
‫مأ ْ‬‫َ َ ْ‬ ‫من َْها َ‬
‫ل وَ ِ‬
‫سِبي ِ‬ ‫وَعََلى الل ّهِ قَ ْ‬
‫صد ُ ال ّ‬
‫‪509‬‬
‫وعلى الله بيان الطريق المستقيم ِلهدايتكم‪ ,‬وهو السلم‪ ,‬ومن‬
‫الطرق ما هو مائل ل ُيوصل إلى الهداية‪ ,‬وهو كل ما خالف السلم‬
‫من الملل والنحل‪ .‬ولو شاء الله هدايتكم لهداكم جميًعا لليمان‪.‬‬

‫ه‬
‫جٌر ِفي ه ِ‬ ‫ه َ‬
‫شه َ‬ ‫من ْه ُ‬
‫ب وَ ِ‬ ‫ه َ‬
‫ش هَرا ٌ‬ ‫من ْه ُ‬ ‫ماءً ل َك ُه ْ‬
‫م ِ‬ ‫ماءِ َ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫ذي َأنَز َ‬
‫ل ِ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫مو َ‬ ‫سي ُ‬‫تُ ِ‬
‫هو الذي أنزل لكم من السحاب مطًرا‪ ,‬فجعل لكم منه ماءً‬
‫ون فيه دواّبكم‪ ,‬ويعود عليكم‬‫تشربونه‪ ,‬وأخرج لكم به شجًرا ت َْرعَ ْ‬
‫د َّرها ونْفُعها‪.‬‬

‫ت‬
‫مهَرا ِ‬ ‫ن ك ُه ّ‬
‫ل الث ّ َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ل َوال َعَْنا َ‬
‫ب وَ ِ‬ ‫خي َ‬
‫ن َوالن ّ ِ‬‫م ب ِهِ الّزْرعَ َوالّزي ُْتو َ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫ي ُن ْب ِ ُ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫ة ل َِقوْم ٍ ي َت ََفك ُّرو َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لي َ ً‬ ‫إِ ّ‬
‫ُيخرج لكم من الرض بهذا الماء الواحد الزروع المختلفة‪ ,‬وُيخرج به‬
‫الزيتون والنخيل والعناب‪ ,‬وُيخرج به كل أنواع الثمار والفواكه‪ .‬إن‬
‫ة واضحة لقوم يتأملون‪ ,‬فيعتبرون‪.‬‬ ‫في ذلك الخراج لدلل ً‬

‫ت‬
‫خَرا ٌ‬
‫سه ّ‬
‫م َ‬
‫م ُ‬
‫جهو ُ‬ ‫س َوال َْق َ‬
‫مهَر َوالن ّ ُ‬ ‫م َ‬‫شه ْ‬ ‫ل َوالن ّهَههاَر َوال ّ‬‫م الل ّي ْه َ‬ ‫خَر ل َ ُ‬
‫كه ْ‬ ‫س ّ‬‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ‬
‫ك لَيا ٍ‬‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫مرِهِ إ ِ ّ‬‫ب ِأ ْ‬
‫خر لكم الشمس‬ ‫خر لكم الليل لراحتكم‪ ,‬والنهار لمعاشكم‪ ,‬وس ّ‬ ‫وس ّ‬
‫ضياء‪ ,‬والقمر نوًرا ولمعرفة السنين والحساب‪ ,‬وغير ذلك من‬
‫المنافع‪ ,‬والنجوم في السماء مذللت لكم بأمر الله لمعرفة‬
‫الوقات‪ ,‬ونضج الثمار والزروع‪ ,‬والهتداء بها في الظلمات‪ .‬إن في‬
‫ة لقوم سيعقلون عن الله حججه‬ ‫ل واضح ً‬‫ذلك التسخير َلدلئ َ‬
‫وبراهينه‪.‬‬

‫َ‬ ‫ومهها ذ َرأ َ ل َك ُهم فِههي ال َ‬


‫ة ل َِقهوْم ٍ‬ ‫ن فِههي ذ َل ِه َ‬
‫ك لي َه ً‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫خت َِلفها ً أل ْه َ‬
‫وان ُ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ض ُ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫ي َذ ّك ُّرو َ‬
‫ب والثمار والمعادن‪ ,‬وغير‬‫خر ما خلقه لكم في الرض من الدوا ّ‬ ‫وس ّ‬
‫خْلق واختلف اللوان‬‫ذلك مما تختلف ألوانه ومنافعه‪ .‬إن في ذلك ال َ‬

‫‪510‬‬
‫ن في تسخير هذه الشياء‬ ‫والمنافع َلعبرة ً لقوم يتعظون‪ ,‬ويعلمون أ ّ‬
‫ت على وحدانية الله تعالى وإفراده بالعبادة‪.‬‬ ‫علما ٍ‬

‫ْ‬
‫حل ْي َه ً‬
‫ة‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫حما ً ط َرِي ّا ً وَت َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫حَر ل ِت َأك ُُلوا ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫خَر ال ْب َ ْ‬
‫س ّ‬
‫ذي َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ض هل ِهِ وَل َعَل ّك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫خَر ِفي ههِ وَل ِت َب ْت َغُههوا ِ‬ ‫وا ِ‬
‫مه َ‬‫ك َ‬ ‫سههون ََها وَت َهَرى ال ُْفل ْه َ‬ ‫ت َل ْب َ ُ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ما‬
‫خر لكم البحر; لتأكلوا مما تصطادون من سمكه لح ً‬ ‫وهو الذي س ّ‬
‫طرًيا‪ ,‬وتستخرجوا منه زينة ت َل َْبسونها كاللؤلؤ والمرجان‪ ,‬وترى‬
‫السفن العظيمة تشق وجه الماء تذهب وتجيء‪ ,‬وتركبونها; لتطلبوا‬
‫رزق الله بالتجارة والربح فيها‪ ,‬ولعلكم تشكرون لله تعالى على‬
‫عظيم إنعامه عليكم‪ ,‬فل تعبدون غيره‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأ َل َْقى ِفي ال َ‬


‫ن‬
‫دو َ‬ ‫سب ُل ً ل ّعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫م وَأن َْهارا ً وَ ُ‬
‫ميد َ ب ِك ُ ْ‬
‫ن تَ ِ‬
‫يأ ْ‬‫س َ‬
‫ض َرَوا ِ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫)‪(15‬‬
‫وأرسى في الرض جبال تثبتها حتى ل تميل بكم‪ ,‬وجعل فيها أنهاًرا;‬
‫لتشربوا منها‪ ,‬وجعل فيها طرًقا; لتهتدوا بها في الوصول إلى‬
‫الماكن التي تقصدونها‪.‬‬

‫ن )‪(16‬‬‫دو َ‬
‫م ي َهْت َ ُ‬
‫جم ِ ه ُ ْ‬
‫ت وَِبالن ّ ْ‬
‫ما ٍ‬
‫عل َ‬
‫وَ َ‬
‫وجعل في الرض معالم تستدّلون بها على الطرق نهاًرا‪ ,‬كما جعل‬
‫النجوم للهتداء بها ليل‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫خل ُقُ أَفل ت َذ َك ُّرو َ‬
‫ن )‪(17‬‬ ‫ن ل يَ ْ‬ ‫خل ُقُ ك َ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫أفَ َ‬
‫م ْ‬
‫أتجعلون الله الذي يخلق كل هذه الشياء وغيرها في استحقاق‬
‫العبادة كاللهة المزعومة التي ل تخلق شيًئا؟ أفل تتذكرون عظمة‬
‫الله‪ ,‬فتفردوه بالعبادة؟‬

‫م )‪(18‬‬ ‫ه ل َغَُفوٌر َر ِ‬
‫حي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ها إ ِ ّ‬
‫صو َ‬ ‫ة الل ّهِ ل ت ُ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫م َ‬
‫دوا ن ِعْ َ‬
‫ن ت َعُ ّ‬
‫وَإ ِ ْ‬

‫‪511‬‬
‫صرها; لكثرتها وتنوعها‪.‬‬
‫ح ْ‬
‫صَر ن َِعم الله عليكم ل ت َُفوا ب َ‬
‫ح ْ‬
‫وإن تحاولوا َ‬
‫إن الله َلغفور لكم رحيم بكم؛ إذ يتجاوز عن تقصيركم في أداء‬
‫شكر النعم‪ ,‬ول يقطعها عنكم لتفريطكم‪ ,‬ول يعاجلكم بالعقوبة‪.‬‬

‫ن )‪(19‬‬
‫ما ت ُعْل ُِنو َ‬
‫ن وَ َ‬
‫سّرو َ‬
‫ما ت ُ ِ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫والله سبحانه يعلم كل أعمالكم‪ ,‬سواء ما تخفونه منها في نفوسكم‬
‫وما تظهرونه لغيركم‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫خل َُقو َ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫شْيئا ً وَهُ ْ‬
‫م يُ ْ‬ ‫خل ُُقو َ‬
‫ن َ‬ ‫ن الل ّهِ ل ي َ ْ‬
‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫عو َ‬
‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫واللهة التي يعبدها المشركون ل تخلق شيًئا وإن َ‬
‫صُغر‪ ,‬فهي‬
‫مخلوقات صنعها الكفار بأيديهم‪ ,‬فكيف يعبدونها؟‬

‫شعرو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن ي ُب ْعَُثو َ‬
‫ن )‪(21‬‬ ‫ما ي َ ْ ُ ُ َ‬
‫ن أّيا َ‬ ‫ت غَي ُْر أ ْ‬
‫حَياٍء وَ َ‬ ‫وا ٌ‬
‫م َ‬
‫أ ْ‬
‫هم جميًعا جمادات ل حياة فيها ول تشعر بالوقت الذي يبعث الله‬
‫فيه عابديها‪ ,‬وهي معهم لُيلقى بهم جميًعا في النار يوم القيامة‪.‬‬

‫م‬
‫منك ِهَرةٌ وَهُه ْ‬ ‫خَرةِ قُل ُههوب ُهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن ب ِههال ِ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫من ُههو َ‬ ‫حهد ٌ َفال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َوا ِ‬ ‫م إ ِل َه ٌ‬
‫ه‬ ‫إ ِل َهُك ُ ْ‬
‫)‪(22‬‬ ‫ن‬‫ست َك ْب ُِرو َ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫إلهكم المستحق وحده للعبادة هو الله الله الواحد‪ ,‬فالذين ل‬
‫يؤمنون بالبعث قلوبهم جاحدة وحدانيته سبحانه; لعدم خوفهم من‬
‫عقابه‪ ,‬فهم متكبرون عن قبول الحق‪ ,‬وعبادة الله وحده‪.‬‬

‫ل جههر َ‬
‫ب‬
‫حهه ّ‬
‫ه ل يُ ِ‬
‫ن إ ِّنهه ُ‬
‫مهها ي ُعْل ُِنههو َ‬
‫ن وَ َ‬
‫سههّرو َ‬
‫مهها ي ُ ِ‬ ‫ه ي َعَْلهه ُ‬
‫م َ‬ ‫ن الّلهه َ‬
‫مأ ّ‬ ‫َ َ َ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫ست َك ْب ِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫من عقائد وأقوال وأفعال‪ ,‬وما‬
‫ن الله يعلم ما يخفونه ِ‬
‫حًقا أ ّ‬
‫يظهرونه منها‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪ ,‬إنه عز وجل ل يحب‬
‫المستكبرين عن عبادته والنقياد له‪ ,‬وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫‪512‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذا َأنَز َ‬
‫ن )‪(24‬‬
‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫م َقاُلوا أ َ‬
‫سا ِ‬ ‫ل َرب ّك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ذا ِقي َ‬
‫وَإ ِ َ‬
‫ما نزل على النبي محمد صلى الله‬
‫سِئل هؤلء المشركون ع ّ‬ ‫وإذا ُ‬
‫عليه وسلم قالوا كذًبا وزوًرا‪ :‬ما أتى إل بقصص السابقين‬
‫وأباطيلهم‪.‬‬

‫ة يوم ال ْقيامة وم َ‬ ‫َ‬


‫ر‬ ‫ضّلون َهُ ْ‬
‫م ب ِغَي ْ ِ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ن أوَْزارِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مل َ ً َ ْ َ ِ َ َ ِ َ ِ ْ‬ ‫م َ‬
‫كا ِ‬ ‫مُلوا أوَْزاَرهُ ْ‬ ‫ح ِ‬
‫ل ِي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫ما ي َزُِرو َ‬
‫ساَء َ‬ ‫عل ْم ٍ أل َ‬ ‫ِ‬
‫ستكون عاقبتهم أن يحملوا آثامهم كاملة يوم القيامة ‪-‬ل ي ُغَْفر لهم‬
‫حملوا من آثام الذين كذبوا عليهم; ليبعدوهم عن‬ ‫منها شيء ‪ -‬وي َ ْ‬
‫ح ما يحملونه من آثام‪.‬‬ ‫السلم من غير نقص من آثامهم‪ .‬أل قَب ُ َ‬

‫قَد مك َر ال ّذين من قَبلهم فَأ َ‬


‫خّر عَل َي ْهِ ه ْ‬
‫م‬ ‫عدِ فَ َ‬
‫وا ِ‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ن‬‫يا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ب‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫تى‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ِ ْ ِِْ ْ‬ ‫ْ َ َ‬
‫م ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ث ل يَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ن فَوْقِهِ ْ‬
‫م وَأَتاهُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ف ِ‬‫سْق ُ‬
‫ال ّ‬
‫قد دّبر الكفار من قَْبل هؤلء المشركين المكايد لرسلهم‪ ,‬وما جاؤوا‬
‫به من دعوة الحق‪ ,‬فأتى الله بنيانهم من أساسه وقاعدته‪ ,‬فسقط‬
‫من مأمنهم‪ ,‬من حيث ل‬ ‫من فوقهم‪ ,‬وأتاهم الهلك ِ‬ ‫عليهم السقف ِ‬
‫يحتسبون ول يتوقعون أنه يأتيهم منه‪.‬‬

‫خزيهم ويُقو ُ َ‬
‫ن‬‫شههاّقو َ‬ ‫م تُ َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُه ْ‬
‫ذي َ‬ ‫كاِئي ال ّه ِ‬ ‫ش هَر َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل أي ْ َ‬ ‫مة ِ ي ُ ْ ِ ِ ْ َ َ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫م ي َوْ َ‬‫ثُ ّ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫سوَء عََلى ال ْك َههافِ ِ‬ ‫م َوال ّ‬
‫َ‬
‫خْزيَ ال ْي َوْ َ‬
‫َ‬
‫ن ال ْ ِ‬‫م إِ ّ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ل ال ّ ِ‬
‫م َقا َ‬ ‫ِفيهِ ْ‬
‫مهها ك ُّنهها‬ ‫م َ‬ ‫سل َ َ‬
‫وا ال ّ‬ ‫م فَأل َْق ْ‬ ‫سه ِ ْ‬‫مي أنُف ِ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬‫ن ت َت َوَّفاهُ ْ‬ ‫ذي َ‬‫)‪ (27‬ال ّ ِ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سوٍء ب ََلى إ ِ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن َعْ َ‬
‫ثم يوم القيامة يفضحهم الله بالعذاب ويذّلهم به‪ ,‬ويقول‪ :‬أين‬
‫شركائي من اللهة التي عبدتموها من دوني; ليدفعوا عنكم العذاب‪,‬‬
‫وقد كنتم تحاربون النبياء والمؤمنين وتعادونهم لجلهم؟ قال‬
‫العلماء الربانيون‪ :‬إن الذل في هذا اليوم والعذاب على الكافرين‬
‫بالله ورسله‪ ,‬الذين تقبض الملئكة أرواحهم في حال ظلمهم‬
‫سَلموا لمر الله حين رأوا الموت‪ ,‬وأنكروا ما‬‫لنفسهم بالكفر‪ ,‬فاست ْ‬
‫كانوا يعبدون من دون الله‪ ,‬وقالوا‪ :‬ما كنا نعمل شيًئا من المعاصي‪,‬‬
‫‪513‬‬
‫فيقال لهم‪ :‬ك َذ َْبتم‪ ,‬قد كنتم تعملونها‪ ,‬إن الله عليم بأعمالكم كلها‪,‬‬
‫وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(29‬‬
‫ري َ‬ ‫وى ال ْ ُ‬
‫مت َك َب ّ ِ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن ِفيَها فَل َب ِئ ْ َ‬
‫س َ‬ ‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫م َ‬
‫جهَن ّ َ‬
‫ب َ‬ ‫خُلوا أب ْ َ‬
‫وا َ‬ ‫َفاد ْ ُ‬
‫دا‪ ,‬فلبئست مقًرا للذين‬
‫فادخلوا أبواب جهنم‪ ,‬ل تخرجون منها أب ً‬
‫تكّبروا عن اليمان بالله وعن عبادته وحده وطاعته‪.‬‬

‫خيهرا ً ل ِّلهذي َ‬ ‫ذا أ َن َْز َ‬


‫سهُنوا فِههي‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫ِ َ‬ ‫م قَههاُلوا َ ْ‬ ‫ل َرب ّك ُه ْ‬ ‫ما َ‬‫وا َ‬ ‫ن ات َّق ْ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وَِقي َ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫داُر ال ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫خي ٌْر وَل َن ِعْ َ‬
‫م َ‬ ‫خَرةِ َ‬ ‫داُر ال ِ‬ ‫ة وَل َ َ‬
‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫هَذِهِ الد ّن َْيا َ‬
‫وإذا قيل للمؤمنين الخائفين من الله‪ :‬ما الذي أنزل الله على النبي‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم؟ قالوا‪ :‬أنزل الله عليه الخير والهدى‪.‬‬
‫وا عباد الله إلى‬
‫للذين آمنوا بالله ورسوله في هذه الدنيا‪ ,‬ود َعَ ْ‬
‫مة كبيرة من النصر لهم في الدنيا‪,‬‬ ‫مك ُْر َ‬
‫اليمان والعمل الصالح‪َ ,‬‬
‫ُ‬
‫سَعة الرزق‪ ,‬وَلدار الخرة لهم خير وأعظم مما أوتوه في الدنيا‪,‬‬ ‫و َ‬
‫ول َن ِْعم داُر المتقين الخائفين من الله الخر ُ‬
‫ة‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫شههاُءو َ‬ ‫مهها ي َ َ‬ ‫م ِفيهَهها َ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر ل َهُ ه ْ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫خُلون ََها ت َ ْ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ة ط َي ِّبيه َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ملئ ِك َه ُ‬ ‫ن ت َت َوَفّههاهُ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (31‬ال ّه ِ‬ ‫مت ِّقيه َ‬‫ه ال ْ ُ‬‫زي الل ّه ُ‬ ‫جه ِ‬ ‫ك يَ ْ‬‫ك َهذ َل ِ َ‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ما ُ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫م اد ْ ُ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫ي َُقوُلو َ‬
‫دا‪ ,‬تجري من‬ ‫جنات إقامة لهم‪ ,‬يستقرون فيها‪ ,‬ل يخرجون منها أب ً‬
‫تحت أشجارها وقصورها النهار‪ ,‬لهم فيها كل ما تشتهيه أنفسهم‪,‬‬
‫بمثل هذا الجزاء الطيب يجزي الله أهل خشيته وتقواه الذين تقبض‬
‫حهم‪ ,‬وقلوُبهم طاهرة من الكفر‪ ,‬تقول الملئكة لهم‪:‬‬ ‫ة أروا َ‬
‫الملئك ُ‬
‫سلم عليكم‪ ,‬تحية خاصة لكم وسلمة من كل آفة‪ ,‬ادخلوا الجنة بما‬
‫كنتم تعملون من اليمان بالله والنقياد لمره‪.‬‬

‫ة أ َو يهأ ْت ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫ك فَعَه َ‬
‫ل‬ ‫ك ك َهذ َل ِ َ‬‫مهُر َرب ّه َ‬ ‫يأ ْ‬‫َ‬ ‫ملئ ِك َه ُ ْ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ت َأت ِي َهُ ْ‬‫ن إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ل َينظ ُُرو َ‬‫هَ ْ‬
‫َ‬
‫ن)‬‫مههو َ‬‫م ي َظ ْل ِ ُ‬‫س هه ُ ْ‬ ‫ه وَل َك ِه ْ‬
‫ن ك َههاُنوا أن ُْف َ‬ ‫م الل ّه ُ‬ ‫مه ُ ْ‬‫ما ظ َل َ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫‪(33‬‬

‫‪514‬‬
‫ما ينتظر المشركون إل أن تأتيهم الملئكة; لتقبض أرواحهم وهم‬
‫ذب هؤلء‬ ‫على الكفر‪ ,‬أو يأتي أمر الله بعذاب عاجل يهلكهم‪ ,‬كما ك ّ‬
‫من قبلهم‪ ,‬فأهلكهم الله‪ ,‬وما ظلمهم الله بإهلكهم‪,‬‬‫ذب الكفار ِ‬‫ك ّ‬
‫وإنزال العذاب بهم‪ ,‬ولكنهم هم الذين كانوا يظلمون أنفسهم بما‬
‫جعلهم أهل للعذاب‪.‬‬

‫َ‬
‫ست َهْزُِئون )‪(34‬‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مُلوا وَ َ‬
‫حاقَ ب ِهِ ْ‬ ‫ما عَ ِ‬ ‫سي َّئا ُ‬
‫ت َ‬ ‫م َ‬ ‫فَأ َ‬
‫صاب َهُ ْ‬
‫فنزلت بهم عقوبة ذنوبهم التي عملوها‪ ,‬وأحاط بهم العذاب الذي‬
‫كانوا يسخرون منه‪.‬‬

‫ن‬
‫حه ُ‬ ‫ي ءٍ ن َ ْ‬‫شه ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫دون ِهِ ِ‬‫ن ُ‬‫م ْ‬‫ما عَب َد َْنا ِ‬
‫ه َ‬‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫كوا ل َوْ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وََقا َ‬
‫م‬‫ن قَب ْل ِِههه ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬
‫ك فَعَ َ‬‫يٍء ك َذ َل ِ َ‬
‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫دون ِهِ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫حّر ْ‬ ‫َول آَباؤَُنا َول َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ل إ ِل ّ ال َْبلغُ ال ْ ُ‬
‫س ِ‬ ‫ل عََلى الّر ُ‬ ‫فَهَ ْ‬
‫دا غيره‪,‬‬‫وقال المشركون‪ :‬لو شاء الله أن نعبده وحده ما عبدنا أح ً‬
‫منا شيًئا لم يحرمه‪ ,‬بمثل هذا‬ ‫حّر َ‬
‫من قبلنا‪ ,‬ول َ‬ ‫ل نحن ول آباؤنا ِ‬
‫الحتجاج الباطل احتج الكفار السابقون‪ ,‬وهم كاذبون; فإن الله‬
‫كنهم من القيام بما كّلفهم به‪ ,‬وجعل لهم قوة‬ ‫أمرهم ونهاهم وم ّ‬
‫ومشيئة تصدر عنها أفعالهم‪ ,‬فاحتجاجهم بالقضاء والقدر من أبطل‬
‫ذرين لهم‬‫الباطل من بعد إنذار الرسل لهم‪ ,‬فليس على الرسل المن ِ‬
‫إل التبليغ الواضح لما ك ُّلفوا به‪.‬‬

‫جت َن ِب ُههوا ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ول ََقد بعث ْنا في ك ُ ّ ُ‬


‫ت‬
‫غو َ‬ ‫طها ُ‬ ‫ه َوا ْ‬‫دوا الّله َ‬ ‫ن ا ُعُْبه ُ‬‫سهول ً أ ْ‬ ‫مهةٍ َر ُ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َ ْ ََ َ ِ‬
‫ة فَ ِ‬
‫سههيُروا فِههي‬ ‫ضههلل َ ُ‬ ‫ت عَل َي ْههِ ال ّ‬ ‫حّق ه ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ه وَ ِ‬ ‫دى الل ّ ُ‬
‫ن هَ َ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫فَ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫مك َذ ِّبي َ‬‫ة ال ْ ُ‬‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ض َفان ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬‫الْر ِ‬
‫ت رسول آمًرا لهم بعبادة الله وطاعته‬ ‫ولقد بعثنا في كل أمة سبَق ْ‬
‫ك عبادة غيره من الشياطين والوثان والموات وغير ذلك‬ ‫وحده وت َْر ِ‬
‫من هدى الله‪ ,‬فاتبع‬ ‫مما يتخذ من دون الله ولًيا‪ ,‬فكان منهم َ‬
‫ي‪ ,‬فوجبت عليه‬ ‫المرسلين‪ ,‬ومنهم المعاند الذي اتبع سبيل الغ ّ‬
‫الضللة‪ ,‬فلم يوفقه الله‪ .‬فامشوا في الرض‪ ,‬وأبصروا بأعينكم‬
‫من دمار; لتعتبروا؟‬ ‫ل بهم ِ‬ ‫كيف كان مآل هؤلء المكذبين‪ ,‬وماذا ح ّ‬

‫‪515‬‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫مهها ل َهُه ْ‬
‫م ِ‬ ‫ضه ّ‬
‫ل وَ َ‬ ‫ن يُ ِ‬
‫مه ْ‬
‫دي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل ي َهْه ِ‬ ‫م فَإ ِ ّ‬ ‫ص عََلى هُ َ‬
‫داهُ ْ‬ ‫حرِ ْ‬‫ن تَ ْ‬‫إِ ْ‬
‫ن )‪(37‬‬‫ري َ‬‫ص ِ‬‫َنا ِ‬
‫إن تبذل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أقصى جهدك لهداية هؤلء المشركين‬
‫من يض ّ‬
‫ل‪ ,‬وليس لهم من دون الله أحد‬ ‫فاعلم أن الله ل يهدي َ‬
‫ينصرهم‪ ,‬ويمنع عنهم عذابه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫عدا ً عَل َْيهه ِ‬
‫ه‬ ‫ت ب ََلى وَ ْ‬
‫مو ُ‬
‫ن يَ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ث الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫م ل ي َب ْعَ ُ‬‫مان ِهِ ْ‬ ‫موا ِبالل ّهِ َ‬
‫جهْد َ أي ْ َ‬ ‫وَأقْ َ‬
‫س ُ‬
‫حّقا ً ول َك َ‬
‫ن )‪(38‬‬ ‫مو َ‬‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ن أك ْث ََر الّنا ِ‬
‫َ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫من‬‫وحلف هؤلء المشركون بالله أيماًنا مغّلظة أن الله ل يبعث َ‬
‫دا عليه حًقا‪,‬‬
‫ما‪ ,‬وع ً‬
‫ي وتفّرق‪ ,‬بلى سيبعثهم الله حت ً‬
‫يموت بعدما ب َل ِ َ‬
‫ولكن أكثر الناس ل يعلمون قدرة الله على البعث‪ ,‬فينكرونه‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫كاُنوا َ‬
‫كاذِِبي َ‬ ‫م َ‬
‫ن ك ََفُروا أن ّهُ ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ِفيهِ وَل ِي َعْل َ َ‬
‫خت َل ُِفو َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي ي َ ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫ل ِي ُب َي ّ َ‬
‫)‪(39‬‬
‫يبعث الله جميع العباد; ليبين لهم حقيقة البعث الذي اختلفوا فيه‪,‬‬
‫ويعلم الكفار المنكرون له أنهم على باطل‪ ,‬وأنهم كاذبون حين‬
‫ن ل بعث‪.‬‬‫حلفوا أ ْ‬

‫َ‬ ‫شيءٍ إ َ َ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫ن فَي َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه كُ ْ‬ ‫ن ن َُقو َ‬
‫ذا أَرد َْناهُ أ ْ‬‫ما قَوْل َُنا ل ِ َ ْ ِ‬
‫إ ِن ّ َ‬
‫ن أمر البعث يسير علينا‪ ,‬فإّنا إذا أردنا شيًئا فإنما نقول له‪" :‬كن"‪،‬‬‫إ ّ‬
‫فإذا هو كائن موجود‪.‬‬

‫ة‬
‫سن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫موا ل َن ُب َوّئ َن ّهُ ْ‬
‫م ِفي الد ّن َْيا َ‬ ‫ما ظ ُل ِ ُ‬
‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬‫جُروا ِفي الل ّهِ ِ‬ ‫ها َ‬
‫ن َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(41‬‬ ‫مو َ‬ ‫خَرةِ أ َك ْب َُر ل َوْ َ‬
‫كاُنوا ي َعْل َ ُ‬ ‫جُر ال ِ‬‫وَل َ ْ‬
‫من أجل الله‪ ,‬فهاجروا بعدما وقع عليهم‬‫والذين تركوا ديارهم ِ‬
‫الظلم‪ ,‬لنسكننهم في الدنيا داًرا حسنة‪ ,‬ولجر الخرة أكبر; لن‬
‫ثوابهم فيها الجنة‪ .‬لو كان المتخلفون عن الهجرة يعلمون علم يقين‬

‫‪516‬‬
‫ما عند الله من الجر والثواب للمهاجرين في سبيله‪ ,‬ما تخّلف‬
‫منهم أحد عن ذلك‪.‬‬

‫م ي َت َوَك ُّلو َ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫صب َُروا وَعََلى َرب ّهِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫هؤلء المهاجرون في سبيل الله هم الذين صبروا على أوامر الله‬
‫وعن نواهيه وعلى أقداره المؤلمة‪ ,‬وعلى ربهم وحده يعتمدون‪,‬‬
‫فاستحقوا هذه المنزلة العظيمة‪.‬‬

‫ن‬ ‫س هأ َُلوا أ َهْ ه َ‬


‫ل ال هذ ّك ْرِ إ ِ ْ‬ ‫حي إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م َفا ْ‬ ‫جال ً ُنو ِ‬
‫ك إ ِل ّ رِ َ‬
‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫م ْ‬‫سل َْنا ِ‬
‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫مو َ‬‫م ل ت َعْل َ ُ‬‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫وما أرسلنا في السابقين قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل رسل من الرجال‬
‫ل من الملئكة‪ ,‬نوحي إليهم‪ ,‬وإن كنتم ‪-‬يا مشركي قريش‪ -‬ل‬
‫تصدقون بذلك فاسألوا أهل الكتب السابقة‪ ,‬يخبروكم أن النبياء‬
‫كانوا بشًرا‪ ,‬إن كنتم ل تعلمون أنهم بشر‪ .‬والية عامة في كل‬
‫مسألة من مسائل الدين‪ ,‬إذا لم يكن عند النسان علم منها أن‬
‫يسأل من يعلمها من العلماء الراسخين في العلم ‪.‬‬

‫ل إ ِل َي ْهِه ْ‬
‫م‬ ‫مهها ن ُهّز َ‬
‫س َ‬ ‫ها‬
‫ه‬‫ّ‬ ‫ن‬‫لل‬
‫ِ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬‫ُ‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ذ‬‫ه‬ ‫ال‬
‫ت َوالّزب ُهرِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬‫وََأنَزل ْن َهها إ ِل َ‬
‫ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫ِ‬
‫ن‬‫م ي َت ََفك ُّرو َ‬‫وَل َعَل ّهُ ْ‬ ‫)‪(44‬‬
‫سْلنا الرسل السابقين بالدلئل الواضحة وبالكتب السماوية‪,‬‬ ‫َ‬
‫وأْر َ‬
‫من‬‫وأنزلنا إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬القرآن; لتوضح للناس ما خفي ِ‬
‫معانيه وأحكامه‪ ,‬ولكي يتدبروه ويهتدوا به‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َفَأ َ‬


‫م‬
‫ض أوْ ي َهأت ِي َهُ ْ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ه ب ِهِ ه ْ‬‫ف الل ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مك َُروا ال ّ‬
‫سي َّئا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫م‬‫مهها هُ ه ْ‬ ‫م فَ َ‬ ‫م ِفي ت ََقلب ِهِ ه ْ‬ ‫خذ َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (45‬أوْ ي َأ ُ‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ث ل يَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ب ِ‬ ‫ذا ُ‬
‫ْ‬
‫م)‬ ‫حيه ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫م ل َهَرُءو ٌ‬ ‫ن َرب ّك ُه ْ‬ ‫ف ف َ هإ ِ ّ‬‫خو ّ ٍ‬ ‫م عََلى ت َ َ‬ ‫خذ َهُ ْ‬‫ن )‪ (46‬أ َوْ ي َأ ُ‬ ‫زي َ‬ ‫ج ِ‬
‫مع ْ ِ‬ ‫بِ ُ‬
‫‪(47‬‬
‫أفأمن الكفار المدّبرون للمكايد أن يخسف الله بهم الرض كما‬
‫سونه ول يتوقعونه‪,‬‬
‫ح ّ‬
‫فعل بقارون‪ ,‬أو يأتيهم العذاب من مكان ل ي ُ ِ‬

‫‪517‬‬
‫أو يأخذهم العذاب‪ ,‬وهم يتقلبون في أسفارهم وتصرفهم؟ فما هم‬
‫بسابقين الله ول فائتيه ول ناجين من عذابه; لنه القوي الذي ل‬
‫يعجزه شيء‪ ,‬أو يأخذهم الله بنقص من الموال والنفس‬
‫والثمرات‪ ،‬أو في حال خوفهم من أخذه لهم‪ ,‬فإن ربكم لرؤوف‬
‫بخلقه‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ال ْي َ ِ‬
‫ميه ِ‬ ‫ظلل ُه ُ‬
‫ه عَه ْ‬ ‫يءٍ ي َت ََفي ّهأ ِ‬ ‫ن َ‬
‫شه ْ‬ ‫مه ْ‬
‫ه ِ‬‫خل َهقَ الل ّه ُ‬
‫مهها َ‬ ‫م ي ََرْوا إ َِلى َ‬
‫أوَل َ ْ‬
‫ن )‪(48‬‬‫خُرو َ‬‫دا ِ‬‫م َ‬‫جدا ً ل ِل ّهِ وَهُ ْ‬
‫س ّ‬
‫ل ُ‬ ‫مائ ِ ِ‬
‫ش َ‬‫َوال ّ‬
‫ي هؤلء الكفار‪ ,‬فلم ينظروا إلى ما خلق الله من شيء له ظل‪,‬‬ ‫َ‬
‫م َ‬
‫أعَ ِ‬
‫كالجبال والشجار‪ ,‬تميل ظللها تارة يميًنا وتارة شمال تبًعا لحركة‬
‫الشمس نهاًرا والقمر ليل كلها خاضعة لعظمة ربها وجلله‪ ,‬وهي‬
‫تحت تسخيره وتدبيره وقهره؟‬

‫َ‬
‫ة‬ ‫داب ّهةٍ َوال ْ َ‬
‫ملئ ِك َه ُ‬ ‫ن َ‬
‫مه ْ‬
‫ض ِ‬
‫مهها فِههي الْر ِ‬
‫ت وَ َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬‫جد ُ َ‬ ‫س ُ‬‫وَل ِل ّهِ ي َ ْ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬‫م ل يَ ْ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫من دابة‪,‬‬
‫ولله وحده يسجد كل ما في السموات وما في الرض ِ‬
‫صهم‬‫والملئكة يسجدون لله‪ ,‬وهم ل يستكبرون عن عبادته‪ .‬وخ ّ‬
‫ضلهم وشرفهم وكثرة عبادتهم‪.‬‬
‫بالذكر بعد العموم لَف ْ‬

‫ن )‪(50‬‬ ‫ما ي ُؤْ َ‬


‫مُرو َ‬ ‫م وَي َْفعَُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫ن فَوْقِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫خاُفو َ‬
‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫يَ َ‬
‫يخاف الملئكة ربهم الذي هو فوقهم بالذات والقهر وكمال‬
‫ؤمرون به من طاعة الله‪ .‬وفي الية‪ :‬إثبات‬‫الصفات‪ ,‬ويفعلون ما ي ُ ْ‬
‫صفة العلو والفوقية لله على جميع خلقه‪ ,‬كما يليق بجلله وكماله‪.‬‬

‫حد ٌ فَإ ِي ّههايَ فَههاْرهَُبو ِ‬


‫ن)‬ ‫ما هُوَ إ ِل َ ٌ‬
‫ه َوا ِ‬ ‫ن اث ْن َي ْ ِ‬
‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫خ ُ‬
‫ذوا إ ِلهَي ْ ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ل ت َت ّ ِ‬ ‫وََقا َ‬
‫‪(51‬‬
‫وقال الله لعباده‪ :‬ل تعبدوا إلهين اثنين‪ ,‬إنما معبودكم إله واحد‪,‬‬
‫فخافوني دون سواي‪.‬‬

‫‪518‬‬
‫َ‬ ‫ت وال َ‬
‫صبا ً أفَغَي َْر الل ّههِ ت َت ُّقههو َ‬
‫ن)‬ ‫ن َوا ِ‬
‫دي ُ‬ ‫ض وَل َ ُ‬
‫ه ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬ ‫وَل َ ُ‬
‫ه َ‬
‫‪(52‬‬
‫دا‪ ,‬وله وحده‬ ‫ولله كل ما في السموات والرض خلًقا ومل ً‬
‫كا وعبي ً‬
‫ما‪ ,‬أيليق بكم أن تخافوا غير الله‬‫العبادة والطاعة والخلص دائ ً‬
‫وتعبدوه؟‬

‫ذا مسهك ُم الضهر فَهإل َيه ت َ‬


‫ن)‬
‫جهأُرو َ‬
‫ِ ْ ِ َ ْ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن الل ّهِ ث ُه ّ‬
‫م إِ َ َ ّ‬ ‫مة ٍ ف َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ن ِعْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ما ب ِك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫وَ َ‬
‫‪(53‬‬
‫ق وولد‪ ,‬وغير‬‫سَعة رز ٍ‬
‫ة‪ ,‬أو صحة جسم‪ ,‬و َ‬ ‫من نعمةِ هداي ٍ‬‫وما بكم ِ‬
‫من ِْعم بها عليكم‪ ,‬ثم إذا نزل بكم‬ ‫ن الله وحده‪ ,‬فهو ال ُ‬‫م َ‬‫ذلك‪ ,‬ف ِ‬
‫جون بالدعاء ‪.‬‬ ‫ض ّ‬
‫السقم والبلء والقحط فإلى الله وحده ت َ ِ‬

‫ن )‪(54‬‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م ب َِرب ّهِ ْ‬ ‫ذا فَ ِ‬
‫ريقٌ ِ‬ ‫ضّر عَن ْك ُ ْ‬
‫م إِ َ‬ ‫ف ال ّ‬ ‫ذا ك َ َ‬
‫ش َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م إِ َ‬
‫من ِْعم‬
‫ثم إذا كشف عنكم البلء والسقم‪ ,‬إذا جماعة منكم بربهم ال ُ‬
‫عليهم بالنجاة يتخذون معه الشركاء والولياء‪.‬‬

‫ن )‪(55‬‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫مت ُّعوا فَ َ‬
‫سو ْ َ‬ ‫م فَت َ َ‬ ‫ل ِي َك ُْفُروا ب ِ َ‬
‫ما آت َي َْناهُ ْ‬
‫ف البلء عنهم‪ ,‬فاستمتعوا بدنياكم‪,‬‬ ‫ليجحدوا نعمنا عليهم‪ ,‬ومنها ك َ ْ‬
‫ش ُ‬
‫ومصيرها إلى الزوال‪ ,‬فسوف تعلمون عاقبة كفركم وعصيانكم‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ويجعُلون لما ل يعل َمون نصيبا ً مما رزقْناهم تالل ّه ل َتسأ َ‬
‫ما ك ُن ُْتهه ْ‬
‫م‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫ل‬
‫ِ ّ َ َ َ ُ ْ َ ِ ُ ْ ّ‬ ‫َْ ُ َ َ ِ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫ََ ْ َ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫ت َْفت َُرو َ‬
‫من قبيح أعمالهم أنهم يجعلون للصنام التي اتخذوها آلهة‪ ,‬وهي ل‬ ‫و ِ‬
‫تعلم شيًئا ول تنفع ول تضر‪ ,‬جزًءا من أموالهم التي رزقهم الله بها‬
‫ن يوم القيامة عما كنتم تختلقونه من الكذب‬ ‫تقرًبا إليها‪ .‬تالله لتسأل ُ ّ‬
‫على الله‪.‬‬

‫‪519‬‬
‫ن )‪(57‬‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫شت َُهو َ‬ ‫ه وَل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫ن ل ِل ّهِ ال ْب ََنا ِ‬
‫ت ُ‬ ‫جعَُلو َ‬
‫وَي َ ْ‬
‫ويجعل الكفار لله البنات‪ ,‬فيقولون‪ :‬الملئكة بنات الله‪ ,‬تنّزه الله‬
‫عن قولهم‪ ,‬ويجعلون لنفسهم ما يحبون من البنين‪.‬‬

‫حد ُهُم با ُ‬ ‫ذا ب ّ َ‬


‫م )‪(58‬‬ ‫سوَد ّا ً وَهُوَ ك َ ِ‬
‫ظي ٌ‬ ‫م ْ‬
‫ه ُ‬
‫جه ُ ُ‬ ‫لنَثى ظ َ ّ‬
‫ل وَ ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫شَر أ َ‬‫وَإ ِ َ ُ‬
‫من يخبر أحدهم بولدة أنثى اسود ّ وجهه; كراهية لما سمع‪,‬‬ ‫وإذا جاء َ‬
‫ما وحزًنا‪.‬‬‫وامتل غ ّ‬

‫هو َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫س ُ‬
‫م ي َد ُ ّ‬
‫نأ ْ‬‫ه عََلى ُ ٍ‬
‫سك ُ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ما ب ُ ّ‬
‫شَر ب ِهِ أي ُ ْ‬ ‫سوِء َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ال َْقوْم ِ ِ‬‫م ْ‬‫واَرى ِ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫مو َ‬‫حك ُ ُ‬‫ما ي َ ْ‬
‫ساَء َ‬ ‫ب أل َ‬ ‫ِفي الت َّرا ِ‬
‫سا بما ساءه من الحزن‬ ‫من قومه كراهة أن يلقاهم متلب ً‬ ‫يستخفي ِ‬
‫والعار؛ بسبب البنت التي وُِلدت له‪ ,‬ومتحيًرا في أمر هذه المولودة‪:‬‬
‫ل وهوان‪ ,‬أم يدفنها حية في التراب؟ أل بئس‬ ‫أيبقيها حية على ذ ّ‬
‫جْعل البنات لله والذكور لهم‪.‬‬
‫من َ‬‫الحكم الذي حكموه ِ‬

‫ل السوءِ ول ِل ّهِ ال ْمث َ ُ َ‬


‫ل العَْلى وَهُوَ ال ْعَ ِ‬
‫زيُز‬ ‫َ‬ ‫ّ ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫خَرةِ َ‬
‫ن ِبال ِ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ِل ّ ِ‬
‫م )‪(60‬‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫للذين ل يؤمنون بالخرة ول يعملون لها‪ ,‬الصفة القبيحة من العجز‬
‫والحاجة والجهل والكفر‪ ,‬ولله الصفات العليا من الكمال والستغناء‬
‫عن خلقه‪ ,‬وهو العزيز في ملكه‪ ,‬الحكيم في تدبيره‪.‬‬

‫م‬
‫خُرهُ ْ‬ ‫ن ي ُؤَ ّ‬‫داب ّةٍ وَل َك ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ك عَل َي َْها ِ‬
‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ما ت ََر َ‬‫م َ‬‫مه ِ ْ‬ ‫س ب ِظ ُل ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ه الّنا‬‫خذ ُ الل ّ ُ‬ ‫وَل َوْ ي ُ َ‬
‫ؤا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مو َ‬‫ست َْقدِ ُ‬‫ة َول ي َ ْ‬ ‫ساعَ ً‬ ‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ِ‬
‫م ل يَ ْ‬ ‫جل ُهُ ْ‬
‫جاَء أ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫مى فَإ ِ َ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬‫إ َِلى أ َ‬
‫)‪(61‬‬
‫من‬‫ولو يؤاخذ الله الناس بكفرهم وافترائهم ما ترك على الرض َ‬
‫يتحّرك‪ ,‬ولكن يبقيهم إلى وقت محدد هو نهاية آجالهم‪ ,‬فإذا جاء‬
‫أجلهم ل يتأخرون عنه وقًتا يسيًرا‪ ,‬ول يتقدمون‪.‬‬

‫‪520‬‬
‫َ‬ ‫هون وتص ُ َ‬
‫سَنى ل‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫بأ ّ‬‫م ال ْك َذِ َ‬ ‫ف أل ْ ِ‬
‫سن َت ُهُ ْ‬ ‫ما ي َك َْر ُ َ َ َ ِ‬ ‫ن ل ِل ّهِ َ‬
‫جعَُلو َ‬‫وَي َ ْ‬
‫مْفَر ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(62‬‬ ‫طو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م الّناَر وَأن ّهُ ْ‬ ‫مأ ّ‬‫جَر َ‬ ‫َ‬
‫ومن قبائحهم‪ :‬أنهم يجعلون لله ما يكرهونه لنفسهم من البنات‪,‬‬
‫وتقول ألسنتهم كذًبا‪ :‬إن لهم حسن العاقبة‪ ,‬حًقا أن لهم النار‪,‬‬
‫مْنسيون‪.‬‬
‫مْتروكون َ‬‫وأنهم فيها َ‬

‫طا َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫مههال َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ش هي ْ َ ُ‬
‫ن أعْ َ‬ ‫ن ل َهُ ه ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫ك فََزي ّ َ‬ ‫م ْ‬‫مم ٍ ِ‬ ‫سل َْنا إ َِلى أ َ‬
‫َتالل ّهِ ل ََقد ْ أْر َ‬
‫َ‬
‫م )‪(63‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬
‫م ال ْي َوْ َ‬‫فَهُوَ وَل ِي ّهُ ْ‬
‫سن لهم‬‫من قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فح ّ‬‫تالله لقد أرسلنا رسل إلى أمم ِ‬
‫الشيطان ما عملوه من الكفر والتكذيب وعبادة غير الله‪ ,‬فهو متو ّ‬
‫ل‬
‫إغواءهم في الدنيا‪ ,‬ولهم في الخرة عذاب أليم موجع‪.‬‬

‫خت َل َُفههوا ِفي ههِ وَهُه ً‬


‫دى‬ ‫م ال ّه ِ‬
‫ذي ا ْ‬ ‫ن ل َهُه ْ‬ ‫ما َأنَزل ْن َهها عَل َي ْه َ‬
‫ك ال ْك ِت َهها َ‬
‫ب إ ِل ّ ل ِت ُب َي ّه َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ة ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬‫وََر ْ‬
‫وما أنزلنا عليك القرآن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل لتوضح للناس ما اختلفوا‬
‫دا ورحمة‬ ‫فيه من الدين والحكام; لتقوم الحجة عليهم ببيانك ورش ً‬
‫لقوم يؤمنون‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه َأنَز َ‬


‫ن فِههي ذ َل ِه َ‬
‫ك‬ ‫موْت ِهَهها إ ِ ّ‬
‫ض ب َعْد َ َ‬ ‫ماءً فَأ ْ‬
‫حَيا ب ِهِ الْر َ‬ ‫ماِء َ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ن )‪(65‬‬ ‫مُعو َ‬
‫س َ‬‫ة ل َِقوْم ٍ ي َ ْ‬ ‫لي َ ً‬
‫والله أنزل من السحاب مطًرا‪ ,‬فأخرج به النبات من الرض بعد أن‬
‫كانت قاحلة يابسة‪ ,‬إن في إنزال المطر وإنبات النبات َلدليل على‬
‫قدرة الله على البعث وعلى الوحدانية‪ ,‬لقوم يسمعون‪ ,‬ويتدبرون‪,‬‬
‫ويطيعون الله‪ ,‬ويتقونه‪.‬‬

‫ما ِفي ب ُ ُ‬ ‫َ‬


‫ن فَهْر ٍ‬
‫ث‬ ‫ن ب َي ْه ِ‬
‫مه ْ‬
‫طون ِهِ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫سِقيك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ِفي الن َْعام ِ ل َعِب َْرةً ن ُ ْ‬‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫شارِِبي َ‬ ‫ساِئغا ً ِلل ّ‬ ‫خاِلصا ً َ‬‫وَد َم ٍ ل ََبنا ً َ‬

‫‪521‬‬
‫وإن لكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬في النعام ‪-‬وهي البل والبقر والغنم‪َ -‬لعظة‪,‬‬
‫جا من بين فَْرث‬ ‫فقد شاهدتم أننا نسقيكم من ضروعها لبًنا خار ً‬
‫ذا ل‬‫صا من كل الشوائب‪ ,‬لذي ً‬ ‫رش‪ -‬وبين دم خال ً‬ ‫‪-‬وهو ما في الك َ ِ‬
‫شرَِبه‪.‬‬ ‫من َ‬‫ص به َ‬
‫ي َغَ ّ‬

‫سههنا ً إ ِ ّ‬ ‫كرا ً وَرِْزقها ً َ‬


‫سه َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ح َ‬ ‫ه َ‬
‫من ْه ُ‬
‫ن ِ‬ ‫خ ُ‬
‫ذو َ‬ ‫ب ت َت ّ ِ‬
‫ل َوالعَْنا ِ‬ ‫خي ِ‬ ‫ت الن ّ ِ‬‫مَرا ِ‬‫ن ثَ َ‬ ‫م ْ‬
‫وَ ِ‬
‫ن )‪(67‬‬ ‫ة ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ‬
‫ك لي َ ً‬‫ِفي ذ َل ِ َ‬

‫من ن َِعمنا عليكم ما تأخذونه من ثمرات النخيل والعناب‪,‬‬ ‫و ِ‬


‫ما طيًبا‪ .‬إن فيما‬
‫سك ًِرا ‪-‬وهذا قبل تحريمها‪ -‬وطعا ً‬
‫م ْ‬
‫فتجعلونه خمًرا ُ‬
‫ذكر َلدليل على قدرة الله ِلقوم ٍ يعقلون البراهين فيعتبرون بها‪.‬‬

‫ك إَلى النح َ‬ ‫َ‬


‫ر‬
‫ج ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫شه َ‬ ‫ل ب ُُيوت ها ً وَ ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫جب َهها ِ‬ ‫مه ْ‬
‫ذي ِ‬
‫خ ِ‬
‫ن ات ّ ِ‬
‫لأ ْ‬‫ّ ْ ِ‬ ‫حى َرب ّ َ ِ‬ ‫وَأوْ َ‬
‫ن )‪(68‬‬ ‫ما ي َعْرِ ُ‬
‫شو َ‬ ‫م ّ‬ ‫وَ ِ‬

‫وأل ْهَ َ‬
‫م ربك ‪-‬أيها النبي‪ -‬النحل بأن اجعلي لك بيوًتا في الجبال‪ ,‬وفي‬
‫سُقف‪.‬‬
‫الشجر‪ ,‬وفيما يبني الناس من البيوت وال ّ‬

‫ن بُ ُ‬
‫طون ِهَهها‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬‫خُر ُ‬ ‫ك ذ ُل ُل ً ي َ ْ‬ ‫سب ُ َ‬
‫ل َرب ّ ِ‬ ‫كي ُ‬ ‫سل ُ ِ‬‫ت َفا ْ‬
‫مَرا ِ‬ ‫ل الث ّ َ‬‫ن كُ ّ‬‫م ْ‬ ‫م ك ُِلي ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬
‫ة ل َِقهوْم ٍ‬
‫ك لَيه ً‬‫ن ِفهي ذ َِله َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫شهَفاٌء ِللّنها ِ‬ ‫ه ِفيههِ ِ‬
‫وان ُ ُ‬‫ف أْله َ‬ ‫خت َِله ٌ‬
‫م ْ‬‫ب ُ‬ ‫شَرا ٌ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(69‬‬ ‫ي َت ََفك ُّرو َ‬
‫من كل ثمرة تشتهينها‪ ,‬فاسلكي طرق ربك مذللة لك;‬ ‫ثم ُ‬
‫كلي ِ‬
‫ك‪ ,‬ل‬
‫لطلب الرزق في الجبال وخلل الشجر‪ ,‬وقد جعلها سهلة علي ِ‬
‫ت‪ .‬يخرج من بطون النحل عسل‬ ‫ود إليها وإن ب َعُد َ ْ‬
‫تضلي في العَ ْ‬
‫من بياض وصفرة وحمرة وغير ذلك‪ ,‬فيه شفاء‬ ‫مختلف اللوان ِ‬
‫للناس من المراض‪ .‬إن فيما يصنعه النحل َلدللة قوية على قدرة‬
‫خالقها لقوم يتفكرون‪ ,‬فيعتبرون‪.‬‬

‫َ‬
‫يل‬ ‫ل ال ْعُ ُ‬
‫م هرِ ل ِك َه ْ‬ ‫ن ي ُهَرد ّ إ ِل َههى أْرذ َ ِ‬
‫م ْ‬‫م َ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫م ي َت َوَّفاك ُ ْ‬ ‫خل ََقك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ديٌر )‪(70‬‬ ‫م قَ ِ‬‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫شْيئا ً إ ِ ّ‬‫عل ْم ٍ َ‬‫م ب َعْد َ ِ‬ ‫ي َعْل َ َ‬

‫‪522‬‬
‫والله سجانه وتعالى خلقكم ثم يميتكم في نهاية أعماركم‪ ,‬ومنكم‬
‫من يصير إلى أردأ العمر وهو الهرم‪ ,‬كما كان في طفولته ل يعلم‬ ‫َ‬
‫شيًئا مما كان يعلمه‪ ,‬إن الله عليم قدير‪ ,‬أحاط علمه وقدرته بكل‬
‫شيء‪ ,‬فالله الذي رد ّ النسان إلى هذه الحالة قادر على أن يميته‪,‬‬
‫ثم يبعثه‪.‬‬

‫دي‬‫ضهُلوا ب ِهَرا ّ‬ ‫ن فُ ّ‬ ‫ذي َ‬‫ما ال ّ ِ‬ ‫ق فَ َ‬‫ِ‬ ‫ض ِفي الّرْز‬ ‫ٍ‬ ‫م عََلى ب َعْ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫ل ب َعْ َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه فَ ّ‬
‫ض َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫دو َ‬‫حهه ُ‬
‫ج َ‬ ‫مةِ الل ّهِ ي َ ْ‬‫واٌء أفَب ِن ِعْ َ‬‫س َ‬ ‫م ِفيهِ َ‬‫م فَهُ ْ‬‫مان ُهُ ْ‬ ‫مل َك َ ْ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م عََلى َ‬ ‫رِْزقِهِ ْ‬
‫)‪(71‬‬
‫ضل بعضكم على بعض فيما أعطاكم في الدنيا من الرزق‪,‬‬ ‫والله فَ ّ‬
‫فمنكم غني ومنكم فقير‪ ,‬ومنكم مالك ومنكم مملوك‪ ,‬فل يعطي‬
‫المالكون مملوكيهم مما أعطاهم الله ما يصيرون به شركاء لهم‬
‫متساوين معهم في المال‪ ,‬فإذا لم يرضوا بذلك لنفسهم‪ ,‬فلماذا‬
‫رضوا أن يجعلوا لله شركاء من عبيده؟ إن هذا َلمن أعظم الظلم‬
‫والجحود ِلنعم الله عز وجل‪.‬‬

‫ل ل َك ُم مه َ‬ ‫ل ل َك ُم من َأنُفسك ُ َ‬
‫ن‬
‫م ب َِنيه َ‬ ‫ج ُ‬
‫كه ْ‬ ‫ن أْزَوا ِ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫جع َ َ‬‫م أْزَواجا ً وَ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫جع َ َ‬
‫ه َ‬‫َوالل ّ ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫مهةِ الل ّههِ هُه ْ‬‫ن وَب ِن ِعْ َ‬ ‫ل ي ُؤْ ِ‬
‫من ُههو َ‬ ‫ت أفَِبال َْباط ِه ِ‬ ‫ن الط ّي ّب َهها ِ‬‫م ْ‬
‫م ِ‬‫حَفد َةً وََرَزقَك ُ ْ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(72‬‬ ‫ي َك ُْفُرو َ‬
‫من جنسكم أزواجا; لتستريح نفوسكم معهن‪,‬‬ ‫والله سبحانه جعل ِ‬
‫ن الحفاد‪ ,‬ورزقكم من الطعمة‬ ‫من نسله ّ‬‫وجعل لكم منهن البناء و ِ‬
‫الطيبة من الثمار والحبوب واللحوم وغير ذلك‪ .‬أفبالباطل من‬
‫ألوهية شركائهم يؤمنون‪ ,‬وبنعم الله التي ل تحصى يجحدون‪ ,‬ول‬
‫يشكرون له بإفراده جل وعل بالعبادة؟‬

‫ت وال َ‬ ‫م رِْزقا ً ِ‬
‫ض‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬
‫م َ‬
‫سهه َ‬
‫ن ال ّ‬
‫مهه ْ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬
‫ما ل ي َ ْ‬ ‫دو ِ‬‫ن ُ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫دو َ‬‫وَي َعْب ُ ُ‬
‫ن )‪(73‬‬ ‫طيُعو َ‬ ‫شْيئا ً َول ي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل تملك أن تعطيهم شيًئا من الرزق من‬
‫ويعبد المشركون أصنا ً‬
‫السماء كالمطر‪ ,‬ول من الرض كالزرع‪ ,‬فهم ل يملكون شيًئا‪ ,‬ول‬
‫يتأتى منهم أن يملكوه; لنهم ل يقدرون‪.‬‬

‫‪523‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(74‬‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ضرُِبوا ل ِل ّهِ ال ْ‬
‫مَثا َ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫َفل ت َ ْ‬
‫وإذا عَِلمتم أن الصنام والوثان ل تنفع‪ ,‬فل تجعلوا ‪-‬أيها الناس‪ -‬لله‬
‫خْلقه تشركونهم معه في العبادة‪ .‬إن الله‬ ‫من َ‬‫ها مماثلين له ِ‬
‫أشبا ً‬
‫يعلم ما تفعلون‪ ,‬وأنتم غافلون ل تعلمون خطأكم وسوء عاقبتكم‪.‬‬

‫ن َرَزقْن َههاهُ ِ‬
‫من ّهها‬ ‫مه ْ‬‫يٍء وَ َ‬ ‫شه ْ‬ ‫مُلوكا ً ل ي َْقدُِر عَل َههى َ‬‫م ْ‬‫مث َل ً عَْبدا ً َ‬
‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬‫َ‬
‫ّ‬
‫مهد ُ ل ِلههِ ب َه ْ‬
‫ل‬ ‫ح ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫وو َ‬ ‫سهت َ ُ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫ً‬
‫جْهرا هَه ْ‬ ‫ً‬
‫سّرا وَ َ‬ ‫ه ِ‬‫من ْ ُ‬‫سنا فَهُوَ ُينِفقُ ِ‬ ‫ً‬ ‫ح َ‬ ‫ً‬
‫رِْزقا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(75‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫أك ْث َُرهُ ْ‬
‫ضرب الله مثل بّين فيه فساد عقيدة أهل الشرك‪ :‬رجل مملو ً‬
‫كا‬
‫عاجًزا عن التصرف ل يملك شيًئا‪ ,‬ورجل آخر حًرا‪ ,‬له مال حلل‬
‫رَزَقه الله به‪ ,‬يملك التصرف فيه‪ ,‬ويعطي منه في الخفاء والعلن‪،‬‬
‫فهل يقول عاقل بالتساوي بين الرجلين؟ فكذلك الله الخالق‬
‫وون‬‫س ّ‬
‫المالك المتصرف ل يستوي مع خلقه وعبيده‪ ,‬فكيف ت ُ َ‬
‫بينهما؟ الحمد لله وحده‪ ,‬فهو المستحق للحمد والثناء‪ ,‬بل أكثر‬
‫المشركين ل يعلمون أن الحمد والنعمة لله‪ ,‬وأنه وحده المستحق‬
‫للعبادة‪.‬‬

‫يٍء وَهُ هوَ ك َه ّ‬ ‫م ل ي َْقدُِر عََلى َ‬ ‫َ‬ ‫وضرب الل ّه مث َل ً رجل َي َ‬


‫ل‬ ‫ش ه ْْ‬ ‫ما أب ْك َ ُ‬
‫حد ُهُ َ‬‫نأ َ‬ ‫َ ُ ْ ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫مُر ِبال ْعَهد ْ ِ‬
‫ن ي َأ ُ‬
‫م ْ‬‫وي هُوَ وَ َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫خي ْرٍ هَ ْ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ه ل ي َأ ِ‬‫ج ّ‬‫ما ي ُوَ ّ‬
‫ولهُ أي ْن َ َ‬ ‫عََلى َ‬
‫م ْ‬
‫ست َِقيم ٍ )‪(76‬‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫وَهُوَ عََلى ِ‬
‫وضرب الله مثل آخر لبطلن الشرك رجلين‪ :‬أحدهما أخرس أصم ل‬
‫ي َْفَهم ول ي ُْفِهم‪ ,‬ل يقدر على منفعة نفسه أو غيره‪ ,‬وهو عبء ثقيل‬
‫من َيلي أمره ويعوله‪ ,‬إذا أرسله لمر يقضيه ل ينجح‪ ,‬ول يعود‬ ‫على َ‬
‫عليه بخير‪ ,‬ورجل آخر سليم الحواس‪ ,‬ينفع نفسه وغيره‪ ,‬يأمر‬
‫بالنصاف‪ ,‬وهو على طريق واضح ل عوج فيه‪ ,‬فهل يستوي الرجلن‬
‫م وبين الله‬
‫وون بين الصنم البكم الص ّ‬
‫س ّ‬
‫في نظر العقلء؟ فكيف ت ُ َ‬
‫القادر المنعم بكل خير؟‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫و‬ ‫ح ال ْب َ َ‬
‫صرِ أوْ هُ َ‬ ‫ساعَةِ إ ِل ّ ك َل َ ْ‬
‫م ِ‬ ‫مُر ال ّ‬
‫ما أ ْ‬
‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫وَل ِل ّهِ غَي ْ ُ‬
‫ب ال ّ‬

‫‪524‬‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫يءٍ قَ ِ‬
‫ديٌر )‪(77‬‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫أقَْر ُ‬
‫ب إِ ّ‬
‫م ما غاب في السموات والرض‪ ,‬وما شأن‬ ‫عل ْ ُ‬‫ولله سبحانه وتعالى ِ‬
‫القيامة في سرعة مجيئها إل كنظرة سريعة بالبصر‪ ,‬بل هو أسرع‬
‫من ذلك‪ .‬إن الله على كل شيء قدير‪.‬‬

‫مهن بط ُههو ُ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫ل ل َك ُه ْ‬
‫م‬ ‫شهْيئا ً وَ َ‬
‫جع َ ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬
‫مههو َ‬ ‫مهَههات ِك ُ ْ‬‫نأ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ْ ُ‬ ‫م‬‫جك ُه ْ‬
‫خَر َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(78‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬‫َوالفْئ ِد َةَ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫صاَر‬‫معَ َوالب ْ َ‬‫س ْ‬ ‫ال ّ‬
‫من بطون أمهاتكم بعد مدة الحمل‪,‬‬‫والله سبحانه وتعالى أخرجكم ِ‬
‫ل تدركون شيًئا مما حولكم‪ ,‬وجعل لكم وسائل الدراك من السمع‬
‫والبصر والقلوب; لعلكم تشكرون لله تعالى على تلك النعم‪,‬‬
‫وتفردونه عز وجل بالعبادة‪.‬‬

‫َ‬
‫ن إ ِل ّ الل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫س هك ُهُ ّ‬
‫م ِ‬
‫ما ي ُ ْ‬
‫ماِء َ‬
‫س َ‬
‫جوّ ال ّ‬
‫ت ِفي َ‬‫خَرا ٍ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫م ي ََرْوا إ َِلى الط ّي ْرِ ُ‬
‫أل َ ْ‬
‫ن )‪(79‬‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫إِ ّ‬
‫ألم ينظر المشركون إلى الطير مذللت للطيران في الهواء بين‬
‫السماء والرض بأمر الله؟ ما يمسكهن عن الوقوع إل هو سبحانه‬
‫خَلقه لها‪ ,‬وأقدرها عليه‪ .‬إن في ذلك التذليل والمساك َلدللت‬
‫بما َ‬
‫لقوم يؤمنون بما يرونه من الدلة على قدرة الله‪.‬‬

‫جُلودِ ال َن َْعام ب ُُيوت ها ً‬


‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫كنا ً وَ َ‬
‫جع َ َ‬ ‫س َ‬‫م َ‬‫ن ب ُُيوت ِك ُ ْ‬‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬‫جع َ َ‬
‫ه َ‬‫َوالل ّ ُ‬
‫َِ‬ ‫خّفونها ي هوم ظ َعن ِك ُهم وي هوم إقَههامت ِك ُم وم ه َ‬
‫وافَِها وَأوَْبارِهَهها‬ ‫صه َ‬
‫نأ ْ‬‫َ ْ َ ِ ْ‬ ‫ْ ََ ْ َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫س هت َ ِ َ َ َ ْ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫مَتاعا ً إ َِلى ِ‬ ‫شعار َ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(80‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫ها أَثاثا ً وَ َ‬ ‫وَأ ْ َ ِ‬
‫والله سبحانه جعل لكم من بيوتكم راحة واستقراًرا مع أهلكم‪,‬‬
‫ما وقباًبا من‬
‫وأنتم مقيمون في الحضر‪ ,‬وجعل لكم في سفركم خيا ً‬
‫ملها وقت ت َْرحالكم‪ ,‬ويخف عليكم‬
‫ح ْ‬
‫ف عليكم ِ‬
‫خ ّ‬
‫جلود النعام‪ ,‬ي َ ِ‬
‫صبها وقت إقامتكم بعد الت ّْرحال‪ ,‬وجعل لكم من أصواف الغنم‪,‬‬ ‫نَ ْ‬
‫وأوبار البل‪ ,‬وأشعار المعز أثاًثا لكم من أكسية وألبسة وأغطية‬
‫مى ووقت معلوم‪.‬‬ ‫وفرش وزينة‪ ,‬تتمتعون بها إلى أجل مس ّ‬

‫‪525‬‬
‫ل ل َك ُم من ال ْجبا َ‬
‫ل‬‫جَعهه َ‬ ‫ل أك َْنانا ً وَ َ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫ْْ ِ ْ‬ ‫جع َ َ‬‫ظلل ً وَ َ‬‫خل َقَ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫م ِ‬‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه‬
‫مت َه ُ‬
‫م ن ِعْ َ‬
‫ك ي ُت ِه ّ‬‫م ك َهذ َل ِ َ‬
‫سهك ُ ْ‬ ‫ل ت َِقيك ُ ْ‬
‫م ب َأ َ‬ ‫سَراِبي َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫حّر وَ َ‬ ‫ل ت َِقيك ُ ْ‬ ‫سَراِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ن )‪(81‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م تُ ْ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫والله جعل لكم ما تستظّلون به من الشجار وغيرها‪ ,‬وجعل لكم‬
‫في الجبال من المغارات والكهوف أماكن تلجؤون إليها عند الحاجة‪,‬‬
‫وجعل لكم ثياًبا من القطن والصوف وغيرهما‪ ,‬تحفظكم من الحر‬
‫والبرد‪ ,‬وجعل لكم من الحديد ما يرد ّ عنكم الطعن والذى في‬
‫م نعمته عليكم ببيان‬
‫حروبكم‪ ,‬كما أنعم الله عليكم بهذه النعم يت ّ‬
‫الدين الحق; لتستسلموا لمر الله وحده‪ ,‬ول تشركوا به شيًئا في‬
‫عبادته‪.‬‬

‫ن )‪(82‬‬ ‫ك ال َْبلغُ ال ْ ُ‬
‫مِبي ُ‬ ‫ما عَل َي ْ َ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬
‫وا فَإ ِن ّ َ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫فإن أعرضوا عنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بعدما رأوا من اليات فل تحزن‪,‬‬
‫ُ‬
‫سل ْ َ‬
‫ت به‪ ,‬وأما الهداية فإلينا‪.‬‬ ‫فما عليك إل البلغ الواضح لما أْر ِ‬

‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(83‬‬
‫كافُِرو َ‬ ‫ة الل ّهِ ث ُ ّ‬
‫م ُينك ُِرون ََها وَأك ْث َُرهُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي َعْرُِفو َ‬
‫ن ن ِعْ َ‬
‫يعرف هؤلء المشركون نعمة الله عليهم بإرسال محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم إليهم‪ ,‬ثم يجحدون نبوته‪ ,‬وأكثر قومه الجاحدون لنبوته‪,‬‬
‫ل المقرون بها‪.‬‬

‫ث من ك ُ ّ ُ‬
‫ن ك ََفهُروا َول هُه ْ‬
‫م‬ ‫ن ل ِل ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫شهِهيدا ً ث ُه ّ‬
‫م ل ي ُهؤْذ َ ُ‬ ‫م هة ٍ َ‬
‫لأ ّ‬ ‫م ن َب ْعَ ُ ِ ْ‬
‫وَي َوْ َ‬
‫ن )‪(84‬‬‫ست َعْت َُبو َ‬ ‫يُ ْ‬
‫واذكر لهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما يكون يوم القيامة‪ ,‬حين نبعث من كل‬
‫من ك ََفر‪ ,‬ثم ل‬
‫دا على إيمان من آمن منها‪ ,‬وك ُْفر َ‬
‫أمة رسولها شاه ً‬
‫طلب منهم إرضاُء‬ ‫ُيؤذن للذين كفروا بالعتذار عما وقع منهم‪ ,‬ول ي ُ ْ‬
‫ربهم بالتوبة والعمل الصالح‪ ,‬فقد مضى أوان ذلك‪.‬‬

‫وإ َ َ‬
‫م ُينظ َهُرو َ‬
‫ن)‬ ‫م َول هُ ه ْ‬
‫ف عَن ْهُ ه ْ‬ ‫ب َفل ي ُ َ‬
‫خّف ُ‬ ‫موا ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذا َرأى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َِ‬
‫‪(85‬‬

‫‪526‬‬
‫وإذا شاهد الذين كفروا عذاب الله في الخرة فل يخفف عنهم منه‬
‫مهلون‪ ,‬ول يؤخر عذابهم‪.‬‬
‫شيء‪ ,‬ول ي ُ ْ‬

‫ن‬
‫ذي َ‬‫كاؤَُنا ال ّه ِ‬
‫شهَر َ‬‫ؤلء ُ‬ ‫م َقاُلوا َرب َّنا هَه ُ‬ ‫كاَءهُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫كوا ُ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫وإ َ َ‬
‫ذا َرأى ال ّ ِ‬ ‫َِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مل َ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وا‬
‫ن )‪ (86‬وَألَقه ْ‬ ‫كهاذُِبو َ‬ ‫كه ْ‬ ‫م الَقهوْ َ‬ ‫ك فَألَق ْ‬
‫وا إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫دون ِ َ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫عو ِ‬ ‫ك ُّنا ن َد ْ ُ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫كاُنوا ي َْفت َُرو َ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫ض ّ‬‫م وَ َ‬ ‫سل َ َ‬‫مئ ِذٍ ال ّ‬ ‫إ َِلى الل ّهِ ي َوْ َ‬
‫وإذا أبصر المشركون يوم القيامة آلهتهم التي عبدوها مع الله‪,‬‬
‫ت‬‫من دونك‪ ,‬فنطَق ِ‬‫قالوا‪ :‬ربنا هؤلء شركاؤنا الذين كنا نعبدهم ِ‬
‫من عبدوها‪ ,‬وقالت‪ :‬إنكم ‪-‬أيها المشركون‪َ -‬لكاذبون‪,‬‬ ‫اللهة بتكذيب َ‬
‫حين جعلتمونا شركاء لله وعبدتمونا معه‪ ,‬فلم نأمركم بذلك‪ ,‬ول‬
‫زعمنا أننا مستحقون لللوهية‪ ,‬فاللوم عليكم ‪ ،‬وأظهر المشركون‬
‫الستسلم والخضوع لله يوم القيامة‪ ,‬وغاب عنهم ما كانوا يختلقونه‬
‫من الكاذيب‪ ,‬وأن آلهتهم تشفع لهم‪.‬‬

‫مهها‬
‫ب بِ َ‬ ‫ذابا ً فَوْقَ العَ ه َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ل الل ّهِ زِد َْناهُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن َ‬
‫دوا عَ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا وَ َ‬
‫ص ّ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫دو َ‬
‫س ُ‬
‫كاُنوا ي ُْف ِ‬‫َ‬

‫الذين جحدوا وحدانية الله ونبوتك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬وك ّ‬


‫ذبوك‪ ,‬ومنعوا‬
‫غيرهم عن اليمان بالله ورسوله‪ ,‬زدناهم عذابا على كفرهم وعذاًبا‬
‫مدهم الفساد‬ ‫دهم الناس عن اتباع الحق; وهذا بسبب تع ّ‬ ‫على ص ّ‬
‫وإضلل العباد بالكفر والمعصية‪.‬‬

‫ش ههيدا ً‬ ‫جئ َْنا ب ِ َ‬ ‫شهيدا ً عَل َيهم م َ‬ ‫ث في ك ُ ّ ُ‬


‫ك َ ِ‬ ‫م وَ ِ‬‫سه ِ ْ‬‫ن أنُف ِ‬ ‫ِْ ْ ِ ْ‬ ‫مة ٍ َ ِ‬‫لأ ّ‬ ‫م ن َب ْعَ ُ ِ‬ ‫وَي َوْ َ‬
‫ة‬
‫مه ً‬
‫ح َ‬‫دى وََر ْ‬ ‫يٍء وَهُه ً‬ ‫شه ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ب ت ِب َْيانها ً ل ِك ُه ّ‬
‫ك ال ْك ِت َهها َ‬
‫ؤلء وَن َّزل ْن َهها عَل َي ْه َ‬ ‫عََلى هَ ُ‬
‫ن )‪(89‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شَرى ل ِل ْ ُ‬ ‫وَب ُ ْ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حين نبعث يوم القيامة في كل أمة من المم‬
‫دا عليهم‪ ,‬هو الرسول الذي بعثه الله إليهم من أنفسهم‬ ‫شهي ً‬
‫دا على أمتك‪ ,‬وقد ن َّزْلنا‬
‫وبلسانهم‪ ,‬وجئنا بك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬شهي ً‬
‫حا لكل أمر يحتاج إلى بيان‪ ,‬كأحكام الحلل‬ ‫عليك القرآن توضي ً‬
‫والحرام‪ ,‬والثواب والعقاب‪ ,‬وغير ذلك‪ ,‬وليكون هداية من الضلل‪,‬‬
‫‪527‬‬
‫دق وعمل به‪ ,‬وبشارة طيبة للمؤمنين بحسن‬
‫ورحمة لمن ص ّ‬
‫مصيرهم‪.‬‬

‫ْ‬
‫ن وَِإيت َههاِء ِذي ال ُْقْرب َههى وَي َن ْهَههى عَ ه ْ‬
‫ن‬ ‫سهها ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ل َوال ِ ْ‬‫مُر ِبال ْعَ هد ْ ِ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه ي َهأ ُ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن )‪(90‬‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ي ي َعِظ ُك ُ ْ‬‫منك َرِ َوال ْب َغْ ِ‬
‫شاِء َوال ْ ُ‬ ‫ح َ‬‫ال َْف ْ‬
‫إن الله سبحانه وتعالى يأمر عباده في هذا القرآن بالعدل‬
‫والنصاف في حقه بتوحيده وعدم الشراك به‪ ,‬وفي حق عباده‬
‫بإعطاء كل ذي حق حقه‪ ,‬ويأمر بالحسان في حقه بعبادته وأداء‬
‫فرائضه على الوجه المشروع‪ ,‬وإلى الخلق في القوال والفعال‪,‬‬
‫ويأمر بإعطاء ذوي القرابة ما به صلتهم وبّرهم‪ ,‬وينهى عن كل ما‬
‫ح قول أو عمل وعما ينكره الشرع ول يرضاه من الكفر‬ ‫قَب ُ َ‬
‫والمعاصي‪ ,‬وعن ظلم الناس والتعدي عليهم‪ ,‬والله ‪-‬بهذا المر وهذا‬
‫النهي‪ -‬ي َِعظكم ويذ ّ‬
‫كركم العواقب; لكي تتذكروا أوامر الله وتنتفعوا‬
‫بها‪.‬‬

‫ها وَقَ هد ْ‬
‫كي هدِ َ‬
‫ن ب َعْ هد َ ت َوْ ِ‬
‫مهها َ‬ ‫َ‬
‫ضوا الي ْ َ‬ ‫م َول َتنُق ُ‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫وَأ َوُْفوا ب ِعَهْدِ الل ّهِ إ ِ َ‬
‫ن )‪(91‬‬ ‫ما ت َْفعَُلو َ‬
‫م َ‬‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫م ك َِفيل ً إ ِ ّ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م الل ّ َ‬
‫جعَل ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫والتزموا الوفاء بكل عهد أوجبتموه على أنفسكم بينكم وبين الله‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬أو بينكم وبين الناس فيما ل يخالف كتاب الله وسنة نبيه‪,‬‬
‫ول ترجعوا في اليمان بعد أن أك ّ ْ‬
‫دتموها‪ ,‬وقد جعلتم الله عليكم‬
‫كفيل وضامًنا حين عاهدتموه‪ .‬إن الله يعلم ما تفعلونه‪ ,‬وسيجزيكم‬
‫عليه‪.‬‬

‫ذو َ‬ ‫كاثا ً ت َت ّ ِ‬ ‫ن ب َعْدِ قُوّةٍ َأن َ‬


‫م‬‫مههان َك ُ ْ‬
‫ن أي ْ َ‬‫خهه ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت غَْزل ََها ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫كال ِّتي ن ََق َ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫َول ت َ ُ‬
‫ة ههي أ َربههى مه ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫خل ً بينك ُ َ‬
‫ه‬
‫ه ب ِه ِ‬ ‫م الل ّه ُ‬‫مهها ي َب ْل ُههوك ُ ْ‬ ‫مهةٍ إ ِن ّ َ‬
‫نأ ّ‬ ‫ِ ْ‬ ‫م ٌ ِ َ ْ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ن تَ ُ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫دَ َ َ ْ َ ْ‬
‫ن )‪(92‬‬ ‫خت َل ُِفو َ‬
‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫مة ِ َ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫م ي َوْ َ‬‫ن ل َك ُ ْ‬
‫وَل َي ُب َي ّن َ ّ‬
‫مَثلكم مثل امرأة غزلت غَْزل‬
‫ول ترجعوا في عهودكم‪ ,‬فيكون َ‬
‫وأحكمته‪ ,‬ثم نقضته‪ ,‬تجعلون أيمانكم التي حلفتموها عند التعاهد‬
‫خديعة لمن عاهدتموه‪ ,‬وتنقضون عهدكم إذا وجدتم جماعة أكثر مال‬
‫ومنفعة من الذين عاهدتموهم‪ ,‬إنما يختبركم الله بما أمركم به من‬

‫‪528‬‬
‫من نقضها‪ ,‬وليبّين لكم يوم القيامة ما‬
‫الوفاء بالعهود وما نهاكم عنه ِ‬
‫كنتم فيه تختلفون في الدنيا من اليمان بالله ونبوة محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬

‫شاَء الل ّه ل َجعل َك ُ ُ‬


‫ن‬
‫مه ْ‬
‫دي َ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاُء وَي َهْ ه ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض ّ‬
‫ل َ‬ ‫حد َةً وَل َك ِ ْ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫ة َوا ِ‬‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫ُ َ َ ْ‬ ‫وَل َوْ َ‬
‫شاُء ول َت َ‬
‫ن )‪(93‬‬ ‫مُلو َ‬‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫سأل ُ ّ‬
‫ن عَ ّ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫يَ َ‬
‫ولو شاء الله لوّفقكم كلكم‪ ,‬فجعلكم على ملة واحدة‪ ,‬وهي السلم‬
‫من يشاء ممن علم منه‬ ‫ل َ‬‫واليمان‪ ,‬وألزمكم به‪ ,‬ولكنه سبحانه ُيض ّ‬
‫من علم منه‬ ‫م ّ‬
‫من يشاء ِ‬ ‫إيثار الضلل‪ ,‬فل يهديه عدل منه‪ ,‬ويهدي َ‬
‫إيثار الحق‪ ,‬فيوفقه فضل منه‪ ,‬وليسألّنكم الله جميًعا يوم القيامة‬
‫عما كنتم تعملون في الدنيا فيما أمركم به‪ ,‬ونهاكم عنه‪,‬‬
‫وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫خ ُ َ‬
‫ذوُقوا ال ّ‬
‫سههوءَ‬ ‫ل قَد َ ٌ‬
‫م ب َعْد َ ث ُُبوت َِها وَت َ ُ‬ ‫م فَت َزِ ّ‬ ‫خل ً ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م دَ َ‬‫مان َك ُ ْ‬
‫ذوا أي ْ َ‬ ‫َول ت َت ّ ِ‬
‫م )‪(94‬‬ ‫ظي ٌ‬‫ب عَ ِ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ل الل ّهِ وَل َك ُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫صد َد ْت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫بِ َ‬
‫ول تجعلوا من اليمان التي تحلفونها خديعة لمن حلفتم لهم‪,‬‬
‫فتهلكوا بعد أن كنتم آمنين‪ ,‬كمن زلقت قدمه بعد ثبوتها‪ ,‬وتذوقوا ما‬
‫مْنع غيركم عن‬‫من َ‬‫يسوؤكم من العذاب في الدنيا; بما تسببتم فيه ِ‬
‫هذا الدين لما رأوه منكم من الغدر‪ ,‬ولكم في الخرة عذاب عظيم‪.‬‬

‫م‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫خي ْهٌر ل َك ُه ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ هُوَ َ‬ ‫منا ً قَِليل ً إ ِن ّ َ‬
‫ما ِ‬ ‫شت َُروا ب ِعَهْدِ الل ّهِ ث َ َ‬‫َول ت َ ْ‬
‫ن )‪(95‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫ضا قليل من متاع الدنيا‪,‬‬‫ول تنقضوا عهد الله; لتستبدلوا مكانه عر ً‬
‫إن ما عند الله من الثواب على الوفاء أفضل لكم من هذا الثمن‬
‫القليل‪ ,‬إن كنتم من أهل العلم‪ ,‬فتدّبروا الفرق بين خي َْري الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬

‫َ‬
‫م‬
‫جَرهُه ْ‬
‫صهب َُروا أ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ن ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ق وَل َن َ ْ‬
‫جزِي َه ّ‬ ‫عن ْهد َ الل ّههِ ب َهها ٍ‬
‫ما ِ‬ ‫عن ْد َك ُ ْ‬
‫م َينَفد ُ وَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(96‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬ ‫ح َ‬
‫ب ِأ ْ‬

‫‪529‬‬
‫ما عندكم من حطام الدنيا يذهب‪ ,‬وما عند الله لكم من الرزق‬
‫ملوا مشاق التكاليف ‪-‬ومنها‬
‫ن الذين تح ّ‬
‫والثواب ل يزول‪ .‬ولن ُِثيب ّ‬
‫الوفاء بالعهد‪ -‬ثوابهم بأحسن أعمالهم‪ ,‬فنعطيهم على أدناها‪ ,‬كما‬
‫ضل‪.‬‬ ‫نعطيهم على أعلها تف ّ‬

‫حي َههاةً ط َي ّب َه ً‬ ‫َ ُ‬
‫ة‬ ‫ه َ‬ ‫ن فَل َن ُ ْ‬
‫حي ِي َن ّه ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ن ذ َك َرٍ أوْ أنَثى وَهُوَ ُ‬
‫م هؤ ْ ِ‬ ‫صاِلحا ً ِ‬
‫م َْ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬‫ن عَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(97‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن َ‬
‫س ِ‬‫ح َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬
‫جَرهُ ْ‬‫مأ ْ‬ ‫وَل َن َ ْ‬
‫جزِي َن ّهُ ْ‬
‫حا ذكًرا كان أم أنثى‪ ,‬وهو مؤمن بالله ورسوله‪,‬‬
‫من عمل عمل صال ً‬ ‫َ‬
‫فلنحيينه في الدنيا حياة سعيدة مطمئنة‪ ,‬ولو كان قليل المال‪,‬‬
‫ولنجزيّنهم في الخرة ثوابهم بأحسن ما عملوا في الدنيا‪.‬‬

‫شي ْ َ‬ ‫ْ‬
‫جيم ِ )‪(98‬‬
‫ن الّر ِ‬
‫طا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ت ال ُْقْرآ َ‬
‫ن َفا ْ‬ ‫ذا قََرأ َ‬
‫فَإ ِ َ‬

‫فإذا أردت ‪-‬أيها المؤمن‪ -‬أن تقرأ شيًئا من القرآن فاستعذ بالله ِ‬
‫من‬
‫شّر الشيطان المطرود من رحمة الله قائل أعوذ بالله من‬
‫الشيطان الرجيم‪.‬‬

‫م ي َت َوَك ّل ُههو َ‬
‫ن )‪(99‬‬ ‫من ُههوا وَعَل َههى َرب ّهِه ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن عََلى ال ّه ِ‬ ‫سل ْ َ‬
‫طا ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫س لَ ُ‬
‫ه ل َي ْ َ‬‫إ ِن ّ ُ‬
‫ن )‪(100‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬‫م ْ‬ ‫م ب ِهِ ُ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ي َت َوَل ّوْن َ ُ‬ ‫ه عََلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سل ْ َ‬
‫طان ُ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ط على المؤمنين بالله ورسوله‪ ,‬وعلى‬‫إن الشيطان ليس له تسل ّ ٌ‬
‫ربهم وحده يعتمدون‪ .‬إنما تسّلطه على الذين جعلوه ُ‬
‫معيًنا لهم‬
‫وأطاعوه‪ ,‬والذين هم ‪-‬بسبب طاعته‪ -‬مشركون بالله تعالى‪.‬‬

‫َ‬ ‫كان آية والل ّ َ‬


‫مْفت َرٍ ب َ ْ‬
‫ل‬ ‫ت ُ‬ ‫ل َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫ما أن ْ َ‬ ‫ما ي ُن َّز ُ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫م َ َ َ ٍ َ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ذا ب َد ّل َْنا آي َ ً‬
‫وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(101‬‬‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫أك ْث َُرهُ ْ‬
‫خْلقه بما ينزله‬
‫دلنا آية بآية أخرى‪ ,‬والله الخالق أعلم بمصلحة َ‬‫وإذا ب ّ‬
‫من الحكام في الوقات المختلفة‪ ,‬قال الكفار‪ :‬إنما أنت ‪-‬يا محمد‪-‬‬
‫كاذب مخت َِلق على الله ما لم ي َُقْله‪ .‬ومحمد صلى الله عليه وسلم‬
‫عْلم لهم بربهم ول بشرعه‬‫ليس كما يزعمون‪ .‬بل أكثرهم ل ِ‬
‫وأحكامه‪.‬‬

‫‪530‬‬
‫دى‬
‫مُنهوا وَهُه ً‬
‫نآ َ‬ ‫ت ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ك ب ِههال ْ َ‬
‫حقّ ل ِي ُث َب ّه َ‬ ‫ن َرّبه َ‬
‫مه ْ‬
‫س ِ‬ ‫ه ُرو ُ ْ‬
‫ح الُقد ُ ِ‬ ‫ل ن َّزل َ ُ‬
‫قُ ْ‬
‫ن )‪(102‬‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬ ‫شَرى ل ِل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫وَب ُ ْ‬

‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ليس القرآن مختل ًَقا ِ‬


‫من عندي‪ ,‬بل ن َّزله‬
‫من ربك بالصدق والعدل; تثبيًتا للمؤمنين‪ ,‬وهداية من‬ ‫جبريل ِ‬
‫الضلل‪ ,‬وبشارة طيبة لمن أسلموا وخضعوا لله رب العالمين‪.‬‬

‫ول ََقد نعل َ َ‬


‫ن إ ِل َي ْه ِ‬
‫ه‬ ‫دو َ‬ ‫ذي ي ُل ْ ِ‬
‫حه ُ‬ ‫ن ال ّه ِ‬
‫سهها ُ‬ ‫ه بَ َ‬
‫شٌر ل ِ َ‬ ‫ما ي ُعَل ّ ُ‬
‫م ُ‬ ‫م ي َُقوُلو َ‬
‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫م أن ّهُ ْ‬ ‫َ ْ َْ ُ‬
‫ن )‪(103‬‬ ‫ي وَهَ َ‬ ‫َ‬
‫مِبي ٌ‬‫ي ُ‬ ‫ن عََرب ِ ّ‬
‫سا ٌ‬ ‫ذا ل ِ َ‬ ‫م ّ‬
‫ج ِ‬
‫أعْ َ‬
‫من بشر‬‫ولقد نعلم أن المشركين يقولون‪ :‬إن النبي يتلقى القرآن ِ‬
‫من بني آدم‪ .‬كذبوا; فإن لسان الذي نسبوا إليه تعليم النبي صلى‬ ‫ِ‬
‫الله عليه وسلم أعجمي ل ُيفصح‪ ,‬والقرآن عربي غاية في الوضوح‬
‫والبيان‪.‬‬

‫َ‬
‫م)‬
‫ب أِليه ٌ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ه وَل َهُه ْ‬
‫م عَه َ‬ ‫م الل ّه ُ‬ ‫ت الل ّهِ ل ي َهْه ِ‬
‫ديهِ ْ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫‪(104‬‬
‫إن الكفار الذين ل يصدقون بالقرآن ل يوفقهم الله لصابة الحق‪,‬‬
‫ولهم في الخرة عذاب مؤلم موجع‪.‬‬

‫م ال ْك َههاذُِبو َ‬
‫ن‬ ‫ت الل ّهِ وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ري ال ْك َذِ َ‬
‫ما ي َْفت َ ِ‬
‫إ ِن ّ َ‬
‫)‪(105‬‬
‫من ل يؤمن بالله وآياته‪ ,‬وأولئك هم الكاذبون في‬
‫ب َ‬
‫إنما يختلق الكذ َ‬
‫قولهم ذلك‪ .‬أما محمد صلى الله عليه وسلم المؤمن بربه الخاضع‬
‫له فمحال أن يكذب على الله‪ ,‬ويقول عليه ما لم يقله‪.‬‬

‫من ك ََفر بالل ّه من بعد إيمان ِه إل ّ م ه ُ‬


‫ن‬‫مهها ِ‬‫لي َ‬‫ن ِبا ِ‬‫مئ ِ ّ‬ ‫مط ْ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ن أك ْهرِهَ وَقَل ْب ُه ُ‬‫َ ِ ِ ِ ْ َْ ِ ِ َ ِ ِ َ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ب‬ ‫ذا ٌ‬‫م عَ ه َ‬ ‫ن الل ّههِ وَل َهُ ه ْ‬‫مه ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ض ٌ‬‫م غَ َ‬ ‫درا ً فَعَل َي ْهِ ْ‬ ‫ح ِبال ْك ُْفَرِ َ‬
‫ص ْ‬ ‫شَر َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫وَل َك ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫خَرةِ وَأ ّ‬ ‫حَياةَ الد ّن َْيا عََلى ال ِ‬ ‫حّبوا ال ْ َ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫م )‪ (106‬ذ َل ِ َ‬
‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫عَ ِ‬
‫ن )‪(107‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫م ال ْ َ‬‫دي ال َْقوْ َ‬ ‫ل ي َهْ ِ‬

‫‪531‬‬
‫من نطق بكلمة الكفر وارتد ّ بعد إيمانه‪ ,‬فعليهم‬‫إنما يفتري الكذب َ‬
‫من أرغم على النطق بالكفر‪ ,‬فنطق به خوًفا‬‫ُ‬
‫غضب من الله‪ ,‬إل َ‬
‫من الهلك وقلبه ثابت على اليمان‪ ,‬فل لوم عليه‪ ,‬لكن من نطق‬
‫بالكفر واطمأن قلبه إليه‪ ,‬فعليهم غضب شديد من الله‪ ,‬ولهم‬
‫عذاب عظيم; وذلك بسبب إيثارهم الدنيا وزينتها‪ ,‬وتفضيلهم إياها‬
‫على الخرة وثوابها‪ ,‬وأن الله ل يهدي الكافرين‪ ,‬ول يوفقهم للحق‬
‫والصواب‪.‬‬

‫م‬ ‫م وَأ ُوْل َئ ِ َ‬


‫ك هُ ه ْ‬ ‫صارِهِ ْ‬
‫َ‬
‫م وَأب ْ َ‬
‫معِهِ ْ‬
‫س ْ‬ ‫ه عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ن ط َب َعَ الل ّ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ال ّ ِ‬
‫ن )‪(108‬‬ ‫ال َْغافُِلو َ‬
‫أولئك هم الذين ختم الله على قلوبهم بالكفر وإيثار الدنيا على‬
‫الخرة‪ ,‬فل يصل إليها نور الهداية‪ ,‬وأصم سمعهم عن آيات الله فل‬
‫يسمعونها سماع تدّبر‪ ,‬وأعمى أبصارهم‪ ,‬فل يرون البراهين الدالة‬
‫ما أعد ّ الله لهم من‬
‫على ألوهية الله‪ ,‬وأولئك هم الغافلون ع ّ‬
‫العذاب‪.‬‬

‫ن )‪(109‬‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ل جر َ‬
‫سُرو َ‬
‫خا ِ‬ ‫خَرةِ هُ ْ‬
‫م ِفي ال ِ‬
‫م أن ّهُ ْ‬
‫َ َ َ‬
‫حًقا إنهم في الخرة هم الخاسرون الهالكون‪ ,‬الذين صرفوا حياتهم‬
‫إلى ما فيه عذابهم وهلكهم‪.‬‬

‫ن‬
‫صهب َُروا إ ِ ّ‬
‫دوا وَ َ‬
‫هه ُ‬
‫جا َ‬ ‫ما فُت ُِنهوا ُثه ّ‬
‫م َ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬
‫م ْ‬
‫جُروا ِ‬ ‫ها َ‬
‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫ك ل ِل ّ ِ‬
‫ن َرب ّ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م إِ ّ‬
‫م )‪(110‬‬ ‫ها ل َغَُفوٌر َر ِ‬
‫حي ٌ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬‫َرب ّ َ‬

‫ذبهم المشركون‪ ,‬حتى‬‫ثم إن ربك للمستضعفين في "مكة" الذين ع ّ‬


‫وافقوهم على ما هم عليه ظاهًرا‪ ,‬ففتنوهم بالتلفظ بما يرضيهم‪,‬‬
‫ما أمكنهم الخلص هاجروا إلى‬ ‫وقلوبهم مطمئنة باليمان‪ ,‬ول ّ‬
‫"المدينة"‪ ,‬ثم جاهدوا في سبيل الله‪ ,‬وصبروا على مشاق‬
‫التكاليف‪ ,‬إن ربك ‪-‬من بعد توبتهم‪َ -‬لغفور لهم‪ ,‬رحيم بهم ‪.‬‬

‫مل َ ه ْ‬
‫ت‬ ‫مهها عَ ِ‬
‫س َ‬ ‫سَها وَت ُوَّفى ك ُ ّ‬
‫ل ن َْف ه ٍ‬ ‫ن ن َْف ِ‬ ‫جادِ ُ‬
‫ل عَ ْ‬ ‫س تُ َ‬ ‫م ت َأ ِْتي ك ُ ّ‬
‫ل ن َْف ٍ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫ن )‪(111‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬‫وَهُ ْ‬
‫‪532‬‬
‫وذكرهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بيوم القيامة حين تأتي كل نفس تخاصم‬
‫عن ذاتها‪ ,‬وتعتذر بكل المعاذير‪ ,‬ويوفي الله كل نفس جزاء ما‬
‫مل َْته من غير ظلم لها‪ ,‬فل يزيدهم في العقاب‪ ,‬ول ينقصهم من‬
‫عَ ِ‬
‫الثواب‪.‬‬

‫ن كُ ّ‬
‫ل‬ ‫غدا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫ة ي َأ ِْتيَها رِْزقَُها َر َ‬ ‫مط ْ َ‬
‫مئ ِن ّ ً‬ ‫ة ُ‬ ‫من َ ً‬
‫تآ ِ‬ ‫ة َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫مث َل ً قَْري َ ً‬‫ه َ‬‫ب الل ّ ُ‬‫ضَر َ‬‫وَ َ‬
‫ما َ‬
‫كاُنوا‬ ‫ف بِ َ‬
‫خو ْ ِ‬‫جوِع َوال ْ َ‬
‫س ال ْ ُ‬ ‫ه ل َِبا َ‬ ‫ت ب ِأ َن ْعُم ِ الل ّهِ فَأ َ َ‬
‫ذاقََها الل ّ ُ‬ ‫ن فَك ََفَر ْ‬‫كا ٍ‬‫م َ‬‫َ‬
‫ن )‪(112‬‬ ‫صن َُعو َ‬‫يَ ْ‬
‫وضرب الله مثل بلدة "مكة" كانت في أمان من العتداء‪ ,‬واطمئنان‬
‫من ضيق العيش‪ ,‬يأتيها رزقها هنيًئا سهل من كل جهة‪ ,‬فجحد أهُلها‬ ‫ِ‬
‫م الله عليهم‪ ,‬وأشركوا به‪ ,‬ولم يشكروا له‪ ,‬فعاقبهم الله بالجوع‪,‬‬
‫ن ِعَ َ‬
‫والخوف من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجيوشه‪,‬‬
‫التي كانت تخيفهم; وذلك بسبب كفرهم وصنيعهم الباطل‪.‬‬

‫م َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬
‫مو َ‬
‫ظههال ِ ُ‬ ‫ب وَهُ ْ‬
‫ذا ُ‬ ‫م فَك َذ ُّبوهُ فَأ َ‬
‫خذ َهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫سو ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫م َر ُ‬ ‫وَل ََقد ْ َ‬
‫جاَءهُ ْ‬
‫‪(113‬‬
‫ولقد أرسل الله إلى أهل "مكة" رسول منهم‪ ,‬هو النبي محمد صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬يعرفون نسبه وصدقه وأمانته‪ ,‬فلم يقبلوا ما‬
‫جاءهم به‪ ,‬ولم يصدقوه‪ ,‬فأخذهم العذاب من الشدائد والجوع‬
‫والخوف‪ ,‬وقَْتل عظمائهم في "بدر" وهم ظالمون لنفسهم‬
‫بالشرك بالله‪ ,‬والصد ّ عن سبيله‪.‬‬

‫م إ ِّيههاهُ‬ ‫ة الل ّهِ إ ِ ْ‬


‫ن ك ُن ُْتهه ْ‬ ‫حلل ً ط َّيبا ً َوا ْ‬
‫شك ُُروا ن ِعْ َ‬
‫م َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ما َرَزقَك ُ ْ‬ ‫فَك ُُلوا ِ‬
‫م ّ‬
‫ن )‪(114‬‬ ‫دو َ‬
‫ت َعْب ُ ُ‬
‫فكلوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬مما رزقكم الله‪ ,‬وجعله لكم حلل مستطاًبا‪,‬‬
‫صْرفها في طاعة الله‪,‬‬
‫واشكروا نعمة الله عليكم بالعتراف بها و َ‬
‫إن كنتم حّقا منقادين لمره سامعين مطيعين له‪ ،‬تعبدونه وحده ل‬
‫شريك له‪.‬‬

‫ه‬ ‫ما أ ُهِ ّ‬


‫ل ل ِغَي ْهرِ الل ّههِ ب ِه ِ‬ ‫زيرِ وَ َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫خن ْ ِ‬ ‫م وَل َ ْ‬
‫ح َ‬ ‫ة َوالد ّ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫مي ْت َ َ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬
‫حّر َ‬
‫ما َ‬
‫إ ِن ّ َ‬
‫‪533‬‬
‫م )‪(115‬‬
‫حي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫ضط ُّر غَي َْر َباٍغ َول َ‬
‫عادٍ فَإ ِ ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫فَ َ‬
‫م ْ‬
‫إنما حّرم الله عليكم الميتة من الحيوان‪ ,‬والدم المسفوح من‬
‫من ألجأته‬
‫الذبيح عند ذبحه‪ ,‬ولحم الخنزير‪ ,‬وما ذبح لغير الله‪ ,‬لكن َ‬
‫َ‬
‫من هذه المحرمات وهو‬ ‫ل شيء ِ‬ ‫ضرورة الخوف من الموت إلى أك ْ ِ‬
‫غير ظالم‪ ,‬ول متجاوزٍ حد ّ الضرورة‪ ,‬فإن الله غفور له‪ ,‬رحيم به‪ ,‬ل‬
‫يعاقبه على ما فعل‪.‬‬

‫َ‬
‫م ل ِت َْفت َهُروا‬
‫ح هَرا ٌ‬
‫ذا َ‬‫ل وَهَ ه َ‬ ‫حل ٌ‬ ‫ب هَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫م ال ْك َذِ َ‬ ‫أل ْ ِ‬
‫سن َت ُك ُ ْ‬ ‫ف‬‫ص ُ‬‫ما ت َ ِ‬‫َول ت َُقوُلوا ل ِ َ‬
‫ن)‬‫حههو َ‬ ‫ب ل ي ُْفل ِ ُ‬ ‫ن عَل َههى الل ّههِ ال ْك َهذِ َ‬‫ن ي َْفت َهُرو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬ ‫ن‬
‫ب إِ ّ‬‫عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ‬
‫‪(116‬‬
‫ول تقولوا ‪-‬أيها المشركون‪ -‬للكذب الذي تصفه ألسنتكم‪ :‬هذا حلل‬
‫حّله الله; لتختلقوا على الله الكذب‬
‫ِلما حّرمه الله‪ ,‬وهذا حرام ِلما أ َ‬
‫بنسبة التحليل والتحريم إليه‪ ,‬إن الذين يختلقون على الله الكذب ل‬
‫يفوزون بخير في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬

‫َ‬
‫م )‪(117‬‬
‫ب أِلي ٌ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ل وَل َهُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫مَتاعٌ قَِلي ٌ‬
‫َ‬
‫متاعهم في الدنيا متاع زائل ضئيل‪ ,‬ولهم في الخرة عذاب موجع‪.‬‬

‫م‬ ‫مهها ظ َل َ ْ‬
‫من َههاهُ ْ‬ ‫ن قَب ْه ُ‬
‫ل وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صَنا عَل َي ْ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ما قَ َ‬
‫ص ْ‬ ‫مَنا َ‬‫حّر ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ها ُ‬
‫ن َ‬ ‫وَعََلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(118‬‬ ‫مو َ‬‫م ي َظ ْل ِ ُ‬
‫سه ُ ْ‬‫كاُنوا أنُف َ‬ ‫ن َ‬‫وَل َك ِ ْ‬
‫من قبل‪ ,‬وهو كل‬ ‫حّرمنا ما أخبرناك به ‪-‬أيها الرسول‪ِ -‬‬ ‫وعلى اليهود َ‬
‫مل َْته ظهورها أو أمعاؤها أو‬ ‫ذي ظ ُُفر‪ ,‬وشحوم البقر والغنم‪ ,‬إل ما َ‬
‫ح َ‬
‫طا بعظم‪ ,‬وما ظلمناهم بتحريم ذلك عليهم‪ ,‬ولكن كانوا‬ ‫كان مختل ً‬
‫ظالمين لنفسهم بالكفر والبغي‪ ,‬فاستحقوا التحريم عقوبة لهم‪.‬‬

‫ن ب َعْهدِ ذ َل ِه َ‬
‫ك‬ ‫مه ْ‬ ‫جَهال َهةٍ ث ُه ّ‬
‫م ت َههاُبوا ِ‬ ‫مل ُههوا ال ّ‬
‫سههوَء ب ِ َ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ك ل ِل ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن َرب ّه َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م إِ ّ‬
‫ها ل َغَُفوٌر َر ِ‬ ‫َ‬
‫م )‪(119‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬
‫م ْ‬‫ك ِ‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫صل َ ُ‬
‫حوا إ ِ ّ‬ ‫وَأ ْ‬

‫‪534‬‬
‫ثم إن ربك للذين فعلوا المعاصي في حال جهلهم لعاقبتها وإيجابها‬
‫دا فهو جاهل بهذا‬ ‫لسخط الله ‪-‬فكل عاص لله مخطًئا أو متعم ً‬
‫ما كانوا عليه‬
‫ما بالتحريم‪ ،-‬ثم رجعوا إلى الله ع ّ‬ ‫العتبار وإن كان عال ً‬
‫من بعد توبتهم‬ ‫من الذنوب‪ ,‬وأصلحوا نفوسهم وأعمالهم‪ ,‬إن ربك ‪ِ -‬‬
‫وإصلحهم‪َ -‬لغفور لهم‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫كا ُ‬
‫ن )‪(120‬‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫حِنيفا ً وَل َ ْ‬
‫ة َقاِنتا ً ل ِل ّهِ َ‬
‫م ً‬
‫نأ ّ‬ ‫م َ َ‬ ‫هي َ‬ ‫ن إ ِب َْرا ِ‬‫إِ ّ‬
‫ست َِقيم ٍ )‪َ (121‬وآت َي ْن َههاهُ فِههي‬ ‫داهُ إ َِلى ِ‬ ‫َ‬
‫كرا ً لن ْعُ ِ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ط ُ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫جت ََباهُ وَهَ َ‬‫مهِ ا ْ‬ ‫شا ِ‬
‫ن )‪(122‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫خَرةِ ل َ ِ‬ ‫ه ِفي ال ِ‬ ‫ة وَإ ِن ّ ُ‬‫سن َ ً‬
‫ح َ‬ ‫الد ّن َْيا َ‬
‫ما في الخير‪ ,‬وكان طائعا خاضًعا لله‪ ,‬ل يميل‬ ‫إن إبراهيم كان إما ً‬
‫دا لله غير مشرك به‪ ,‬وكان شاكًرا لنعم الله‬‫ح ً‬
‫عن دين السلم مو ّ‬
‫عليه‪ ,‬اختاره الله لرسالته‪ ,‬وأرشده إلى الطريق المستقيم‪ ,‬وهو‬
‫خرين‬ ‫السلم‪ ,‬وآتيناه في الدنيا نعمة حسنة من الثناء عليه في ال ِ‬
‫والقدوة به‪ ,‬والولد الصالح‪ ,‬وإنه عند الله في الخرة لمن الصالحين‬
‫أصحاب المنازل العالية‪.‬‬

‫ث ُم أ َوحينا إل َي َ َ‬
‫ن)‬
‫كي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫كا َ‬ ‫حِنيفا ً وَ َ‬
‫ما َ‬ ‫م َ‬
‫هي َ‬ ‫مل ّ َ‬
‫ة إ ِب َْرا ِ‬ ‫ن ات ّب ِعْ ِ‬
‫كأ ْ‬ ‫ّ ْ َ َْ ِ ْ‬
‫‪(123‬‬
‫ثم أوحينا إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن اتبع دين السلم كما اتبعه‬
‫حد ْ عنه‪ ,‬فإن إبراهيم لم يكن من‬
‫إبراهيم‪ ,‬وأن استقم عليه‪ ,‬ول ت َ ِ‬
‫المشركين مع الله غيره‪.‬‬

‫م‬
‫م ب َي ْن َهُه ْ‬ ‫ك ل َي َ ْ‬
‫حك ُه ُ‬ ‫خت َل َُفههوا ِفيههِ وَإ ِ ّ‬
‫ن َرب ّه َ‬ ‫نا ْ‬‫ذي َ‬ ‫ت عََلى ال ّ ِ‬‫سب ْ ُ‬
‫ل ال ّ‬‫جع ِ َ‬
‫ما ُ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪(124‬‬ ‫خت َل ُِفو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫مةِ ِفي َ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫إنما جعل الله تعظيم يوم السبت بالتفرغ للعبادة فيه على اليهود‬
‫الذين اختلفوا فيه على نبيهم‪ ,‬واختاروه بدل يوم الجمعة الذي‬
‫مروا بتعظيمه‪ .‬فإن ربك ‪-‬أيها الرسول‪َ -‬ليحكم بين المختلفين يوم‬ ‫ُ‬
‫أ ِ‬
‫القيامة فيما اختلفوا فيه على نبيهم‪ ,‬ويجازي كل بما يستحقه‪.‬‬

‫م ِبال ِّتي هِ َ‬
‫ي‬ ‫جادِل ْهُ ْ‬
‫سن َةِ وَ َ‬ ‫عظ َةِ ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫مةِ َوال ْ َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫ك ِبال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫اد ْعُ إ َِلى َ‬
‫سِبي ِ‬
‫‪535‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬
‫دي َ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬
‫مهَْتهه ِ‬ ‫سِبيل ِهِ وَهُوَ أعْل َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ض ّ‬
‫ل عَ ْ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ك هُوَ أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ن إِ ّ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫أ ْ‬
‫‪(125‬‬
‫ن اتبعك إلى دين ربك وطريقه‬ ‫م ِ‬
‫ادع ُ ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أنت و َ‬
‫المستقيم‪ ,‬بالطريقة الحكيمة التي أوحاها الله إليك في الكتاب‬
‫حا‬
‫طب الناس بالسلوب المناسب لهم‪ ,‬وانصح لهم نص ً‬ ‫والسنة‪ ,‬وخا ِ‬
‫حسًنا‪ ,‬يرغبهم في الخير‪ ,‬وينفرهم من الشر‪ ,‬وجادلهم بأحسن‬
‫طرق المجادلة من الرفق واللين‪ .‬فما عليك إل البلغ‪ ,‬وقد بل ّغْ َ‬
‫ت‪,‬‬
‫ل عن سبيله‪ ,‬وهو‬ ‫أما هدايتهم فعلى الله وحده‪ ,‬فهو أعلم بمن ض ّ‬
‫أعلم بالمهتدين‪.‬‬

‫م ل َهُهوَ َ‬
‫خي ْهٌر‬ ‫صهب َْرت ُ ْ‬ ‫م ب ِههِ وَل َئ ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫مهها عُههوقِب ْت ُ ْ‬
‫ل َ‬ ‫م فَعَههاقُِبوا ب ِ ِ‬
‫مث ْه ِ‬ ‫عاقَب ْت ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(126‬‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬
‫ِلل ّ‬
‫وإن أردتم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬القصاص ممن اعتدوا عليكم‪ ,‬فل تزيدوا‬
‫عما فعلوه بكم‪ ,‬ولئن صبرتم لهو خير لكم في الدنيا بالنصر‪ ,‬وفي‬
‫الخرة بالجر العظيم‪.‬‬

‫مهها‬
‫م ّ‬
‫ق ِ‬
‫ضهي ْ ٍ‬
‫ك فِههي َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬
‫م َول ت َه ُ‬ ‫ك إ ِل ّ ِبالل ّهِ َول ت َ ْ‬
‫حَز ْ‬ ‫صب ُْر َ‬
‫ما َ‬
‫صب ِْر وَ َ‬
‫َوا ْ‬
‫ن )‪(127‬‬ ‫مك ُُرو َ‬‫يَ ْ‬
‫من أذى في الله حتى يأتيك‬ ‫واصبر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على ما أصابك ِ‬
‫الفرج‪ ,‬وما صبرك إل بالله‪ ,‬فهو الذي يعينك عليه ويثبتك‪ ,‬ول تحزن‬
‫من مكرهم‬ ‫من خالفك ولم يستجب لدعوتك‪ ,‬ول تغتم ِ‬ ‫على َ‬
‫وكيدهم; فإن ذلك عائد عليهم بالشر والوبال‪.‬‬

‫ن )‪(128‬‬ ‫سُنو َ‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬
‫م ُ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫وا َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ات َّق ْ‬ ‫معَ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫إِ ّ‬
‫إن الله سبحانه وتعالى مع الذين اتقوه بامتثال ما أمر واجتنههاب مهها‬
‫نهههى بالنصههر والتأييههد‪ ,‬ومههع الههذين يحسههنون أداء فرائضههه والقيههام‬
‫بحقوقه ولزوم طاعته‪ ,‬بعونه وتوفيقه ونصره‪.‬‬

‫‪536‬‬
‫الجزء الخامس عشر ‪:‬‬

‫‪ -17‬سورة السراء‬

‫َ‬
‫جدِ‬
‫سه ِ‬ ‫حهَرام ِ إ ِل َههى ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫جدِ ال ْ َ‬
‫سه ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫مه ْ‬‫سَرى ب ِعَب ْدِهِ ل َي ْل ً ِ‬
‫ذي أ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫حا َ‬‫سب ْ َ‬‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫صيُر )‪(1‬‬‫ميعُ الب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ن آَيات َِنا إ ِّنه هُوَ ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬‫ه ل ِن ُرِي َ ُ‬
‫حوْل ُ‬‫ذي َباَركَنا َ‬
‫صى ال ِ‬ ‫القْ َ‬
‫جد الله نفسه ويعظم شأنه‪ ،‬لقدرته على ما ل يقدر عليه أحد‬ ‫يم ّ‬
‫سواه‪ ،‬ل إله غيره‪ ،‬ول رب سواه‪ ،‬فهو الذي أسرى بعبده محمد‬
‫ما‪،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم زمًنا من الليل بجسده وروحه‪ ،‬يقظة ل منا ً‬
‫من المسجد الحرام به "مكة" إلى المسجد القصى به "بيت‬
‫المقدس" الذي بارك الله حوله في الزروع والثمار وغير ذلك‪،‬‬
‫وجعله محل لكثير من النبياء؛ ليشاهد عجائب قدرة الله وأدلة‬
‫وحدانيته‪ .‬إن الله سبحانه وتعالى هو السميع لجميع الصوات‪،‬‬
‫صر‪ ،‬فيعطي ُ‬
‫كل ما يستحقه في الدنيا والخرة‪.‬‬ ‫مب ْ َ‬
‫البصير بكل ُ‬

‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ذوا ِ‬ ‫ل أ َل ّ ت َت ّ ِ‬
‫خه ُ‬ ‫س هَراِئي َ‬ ‫جعَل َْناهُ هُ ه ً‬
‫دى ل ِب َن ِههي إ ِ ْ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬
‫ب وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫َوآت َي َْنا ُ‬
‫كيل ً )‪(2‬‬
‫دوِني وَ ِ‬ ‫ُ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم بالسراء‪ ،‬ك َّرم موسى‬ ‫وكما كّرم الله محم ً‬
‫دا لبني‬
‫عليه السلم بإعطائه التوراة‪ ،‬وجعلها بياًنا للحق وإرشا ً‬
‫دا‬
‫إسرائيل‪ ،‬متضمنة نهيهم عن اتخاذ غير الله تعالى ولًيا أو معبو ً‬
‫يفوضون إليه أمورهم‪.‬‬

‫كورا ً )‪(3‬‬ ‫ن عَْبدا ً َ‬


‫ش ُ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ح إ ِن ّ ُ‬ ‫مل َْنا َ‬
‫معَ ُنو ٍ‬ ‫ح َ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ذ ُّري ّ َ‬
‫ة َ‬
‫مْلناهم مع نوح في السفينة ل تشركوا‬ ‫ح َ‬‫يا سللة الذين أنجيناهم و َ‬
‫بالله في عبادته‪ ،‬وكونوا شاكرين لنعمه‪ ،‬مقتدين بنوح عليه السلم؛‬
‫دا شكوًرا لله بقلبه ولسانه وجوارحه‪.‬‬ ‫إنه كان عب ً‬

‫ن فِههي ال َ‬ ‫ب ل َت ُْف ِ‬
‫ن‬
‫مّرت َي ْه ِ‬
‫ض َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫سهد ُ ّ‬ ‫ل ِفي ال ْك ِت َهها ِ‬ ‫ضي َْنا إ َِلى ب َِني إ ْ‬
‫سراِئي َ‬ ‫وَقَ َ‬

‫‪537‬‬
‫ن عُل ُوّا ً ك َِبيرا ً )‪(4‬‬
‫وَل َت َعْل ُ ّ‬
‫وأخبرنا بني إسرائيل في التوراة التي ُأنزلت عليهم بأنه ل بد أن‬
‫يقع منهم إفساد مرتين في "بيت المقدس" وما واله بالظلم‪ ،‬وقَْتل‬
‫النبياء والتكبر والطغيان والعدوان‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً َ‬ ‫ُ‬


‫ديدٍ‬ ‫س َ‬
‫شه ِ‬ ‫عب َههادا لن َهها أول ِههي ب َهأ ٍ‬ ‫مهها ب َعَث ْن َهها عَل َي ْك ُه ْ‬
‫م ِ‬ ‫جههاَء وَعْهد ُ أولهُ َ‬
‫ذا َ‬‫فَإ ِ َ‬
‫مْفُعول ً )‪(5‬‬ ‫عدا ً َ‬‫ن وَ ْ‬ ‫ل الد َّيارِ وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫خل َ‬
‫سوا ِ‬ ‫جا ُ‬ ‫فَ َ‬
‫دا لنا ذوي شجاعة‬ ‫سل ّ ْ‬
‫طنا عليهم عبا ً‬ ‫فإذا وقع منهم الفساد الول َ‬
‫وقوة شديدة‪ ،‬يغلبونهم ويقتلونهم ويشردونهم‪ ،‬فطافوا بين ديارهم‬
‫من وقوعه؛ لوجود سببه منهم‪.‬‬ ‫دا ل بد ّ ِ‬
‫مفسدين‪ ،‬وكان ذلك وع ً‬

‫م أ َك َْثههَر‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫ن وَ َ‬
‫ل وَب َِني َ‬
‫وا ٍ‬
‫م َ‬ ‫مد َد َْناك ُ ْ‬
‫م ب ِأ ْ‬ ‫م ال ْك َّرةَ عَل َي ْهِ ْ‬
‫م وَأ ْ‬ ‫م َرد َد َْنا ل َك ُ ْ‬
‫ثُ ّ‬
‫ن َِفيرا ً )‪(6‬‬
‫دنا لكم ‪-‬يا بني إسرائيل‪ -‬الغلبة والظهور على أعدائكم الذين‬‫ثم َرد َ ْ‬
‫سّلطوا عليكم‪ ،‬وأكثرنا أرزاقكم وأولدكم‪ ،‬وقَ ّ‬
‫ويناكم وجعلناكم أكثر‬ ‫ُ‬
‫دا من عدوكم؛ وذلك بسبب إحسانكم وخضوعكم لله‪.‬‬ ‫عد ً‬

‫م فَل ََها فَإ ِ َ‬ ‫لنُفسك ُم وإن أ َ ْ‬ ‫حسنت ُم َ‬ ‫إن أ َحسنت َ‬


‫خههَرةِ‬‫جاَء وَعْد ُ ال ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫سأت ُ ْ‬
‫ِ ْ َِ ْ َ‬ ‫مأ ْ َ ْ‬ ‫ِ ْ ْ َ ُ ْ‬
‫َ‬
‫خل ُههوهُ أوّ َ‬
‫م هّرةٍ وَل ِي ُت َب ّهُروا‬
‫ل َ‬ ‫ما د َ َ‬‫جد َ ك َ َ‬
‫س ِ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫جوهَك ُ ْ‬
‫م وَل ِي َد ْ ُ‬ ‫سوُءوا وُ ُ‬ ‫ل ِي َ ُ‬
‫وا ت َت ِْبيرا ً )‪(7‬‬
‫ما عَل َ ْ‬ ‫َ‬
‫إن أحسنتم أفعالكم وأقوالكم فقد أحسنتم لنفسكم؛ لن ثواب‬
‫ذلك عائد إليكم‪ ،‬وإن أسأتم فعقاب ذلك عائد عليكم‪ ،‬فإذا حان‬
‫طنا عليكم أعداءكم مرة أخرى؛ ليذلوكم‬ ‫سل ّ ْ‬
‫موعد الفساد الثاني َ‬
‫ويغلبوكم‪ ،‬فتظهر آثار الهانة والمذلة على وجوهكم‪ ،‬وليدخلوا‬
‫عليكم "بيت المقدس" فيخّربوه‪ ،‬كما خّربوه أول مرة‪ ،‬وليدمروا‬
‫كل ما وقع تحت أيديهم تدميًرا كامل‪.‬‬

‫عَسى ربك ُ َ‬
‫ن‬ ‫م ل ِل ْك َههافِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫جعَل ْن َهها َ‬
‫جهَن ّه َ‬ ‫م عُهد َْنا وَ َ‬
‫ن عُهد ْت ُ ْ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ح َ‬
‫ن ي َْر َ‬
‫مأ ْ‬‫َ ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫صيرا )‪(8‬‬‫ح ِ‬
‫َ‬
‫‪538‬‬
‫عسى ربكم ‪-‬يا بني إسرائيل‪ -‬أن يرحمكم بعد انتقامه إن تبتم‬
‫دنا إلى عقابكم‬‫وأصلحتم‪ ،‬وإن عدتم إلى الفساد والظلم عُ ْ‬
‫ومذّلتكم‪ .‬وجعلنا جهنم لكم وللكافرين عامة سجًنا ل خروج منه‬
‫أبدا‪ .‬وفي هذه الية وما قبلها‪ ،‬تحذير لهذه المة من العمل‬
‫بالمعاصي؛ لئل يصيبها مثل ما أصاب بني إسرائيل‪ ،‬فسنن الله‬
‫واحدة ل تبدل ول تغير‪.‬‬

‫َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫شُر ال ْ ُ‬ ‫م وَي ُب َ ّ‬ ‫دي ل ِل ِّتي هِ َ‬
‫ي أقْوَ ُ‬ ‫ذا ال ُْقْرآ َ‬
‫ن ي َهْ ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬
‫ن ب ِههال ِ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫من ُههو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّه ِ‬‫جههرا ً ك َِبيههرا ً )‪ (9‬وَأ ّ‬‫مأ ْ‬‫ن ل َهُه ْ‬ ‫تأ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫صههال ِ َ‬‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ذابا ً أِليما ً )‪(10‬‬ ‫َ‬
‫م عَ َ‬‫أعْت َد َْنا ل َهُ ْ‬
‫إن هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا محمد يرشد الناس إلى‬
‫أحسن الطرق‪ ،‬وهي ملة السلم‪ ،‬ويبشر المؤمنين الذين يعملون‬
‫ما‪،‬‬
‫ما نهاهم عنه‪ ،‬بأن لهم ثواًبا عظي ً‬
‫بما أمرهم الله به‪ ،‬وينتهون ع ّ‬
‫وأن الذين ل يصدقون بالدار الخرة وما فيها من الجزاء أعددنا لهم‬
‫عذاًبا موجًعا في النار‪.‬‬

‫جول ً )‪(11‬‬
‫ن عَ ُ‬
‫سا ُ‬
‫لن َ‬
‫نا ِ‬
‫كا َ‬ ‫عاَءهُ ِبال ْ َ‬
‫خي ْرِ وَ َ‬ ‫ن ِبال ّ‬
‫شّر د ُ َ‬ ‫سا ُ‬
‫لن َ‬
‫وَي َد ْعُ ا ِ‬
‫ويدعو النسان أحياًنا على نفسه أو ولده أو ماله بالشر‪ ،‬وذلك عند‬
‫الغضب‪ ،‬مثل ما يدعو بالخير‪ ،‬وهذا من جهل النسان وعجلته‪ ،‬ومن‬
‫رحمة الله به أنه يستجيب له في دعائه بالخير دون الشر؛ لنه يعلم‬
‫منه عدم القصد إلى إرادة ذلك‪ ،‬وكان النسان بطبعه عجول‪.‬‬

‫جعَل َْنها آَيه َ‬


‫ة الن َّههاِر‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ة الل ّْيه ِ‬
‫حوَْنها آَيه َ‬ ‫م َ‬ ‫ن فَ َ‬‫ل َوالن َّههاَر آي َت َْيه ِ‬ ‫جعَل َْنها الل ّْيه َ‬‫وَ َ‬
‫ل‬‫ب وَك ُ ّ‬‫سا َ‬‫ح َ‬ ‫ن َوال ْ ِ‬ ‫سِني َ‬
‫موا عَد َد َ ال ّ‬ ‫م وَل ِت َعْل َ ُ‬
‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ضل ً ِ‬ ‫صَرةً ل ِت َب ْت َُغوا فَ ْ‬‫مب ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫صيل ً )‪(12‬‬ ‫صل َْناهُ ت َْف ِ‬
‫يٍء فَ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ونا‬
‫ح ْ‬ ‫وجعلنا الليل والنهار علمتين داّلتين على وحدانيتنا وقدرتنا‪ ،‬ف َ‬
‫م َ‬
‫علمة الليل ‪-‬وهي القمر‪ -‬وجعلنا علمة النهار ‪-‬وهي الشمس‪-‬‬
‫مضيئة؛ ليبصر النسان في ضوء النهار كيف يتصرف في شؤون‬
‫معاشه‪ ،‬ويخلد في الليل إلى السكن والراحة‪ ،‬وليعلم الناس ‪-‬من‬

‫‪539‬‬
‫تعاقب الليل والنهار‪ -‬عدد السنين وحساب الشهر واليام‪ ،‬فيرتبون‬
‫عليها ما يشاؤون من مصالحهم‪ .‬وكل شيء بّيناه تبييًنا كافًيا‪.‬‬

‫م هةِ ك َِتاب ها ً‬ ‫ل إنسا َ‬


‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫ج لَ ُ‬
‫ه ي َهوْ َ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫مَناهُ َ‬
‫طائ َِرهُ ِفي عُن ُِقهِ وَن ُ ْ‬ ‫ن أل َْز ْ‬
‫وَك ُ ّ ِ َ ٍ‬
‫شورا ً )‪(13‬‬ ‫ي َل َْقاهُ َ‬
‫من ُ‬
‫ما له‪ ،‬فل‬‫من خير أو شر ملز ً‬ ‫وكل إنسان يجعل الله ما عمله ِ‬
‫سب غيره بعمله‪ ،‬ويخرج الله له يوم‬ ‫سب بعمل غيره‪ ،‬ول يحا َ‬ ‫يحا َ‬
‫حا‪.‬‬
‫جلت فيه أعماله يراه مفتو ً‬ ‫س ّ‬
‫القيامة كتاًبا قد ُ‬

‫سيبا ً )‪(14‬‬
‫ح ِ‬ ‫م عَل َي ْ َ‬
‫ك َ‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬ ‫اقَْرأ ْ ك َِتاب َ َ‬
‫ك ك ََفى ب ِن َْف ِ‬
‫س َ‬

‫يقال له‪ :‬اقرأ كتاب أعمالك‪ ،‬فيقرأ‪ ،‬وإن لم يكن يعرف القراءة في‬
‫الدنيا‪ ،‬تكفيك نفسك اليوم محصية عليك عملك‪ ،‬فتعرف ما عليها‬
‫ب‬‫س ْ‬‫من جزاء‪ .‬وهذا من أعظم العدل والنصاف أن يقال للعبد‪ :‬حا ِ‬
‫نفسك‪ ،‬كفى بها حسيًبا عليك‪.‬‬

‫ل عَل َي َْههها َول َتههزُِر‬


‫ض ّ‬ ‫ل فَإ ِن ّ َ‬
‫ما ي َ ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫سه ِ و َ َ‬
‫دي ل ِن َْف ِ‬ ‫دى فَإ ِن ّ َ‬
‫ما ي َهْت َ ِ‬ ‫ن اهْت َ َ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سول )‪(15‬‬ ‫ث َر ُ‬ ‫حّتى ن َب ْعَ َ‬
‫ن َ‬ ‫معَذ ِّبي َ‬
‫ما كّنا ُ‬ ‫خَرى وَ َ‬ ‫َوازَِرةٌ وِْزَر أ ْ‬
‫من اهتدى فاتبع طريق الحق فإنما يعود ثواب ذلك عليه وحده‪،‬‬
‫ومن حاد واتبع طريق الباطل فإنما يعود عقاب ذلك عليه وحده‪ ،‬ول‬
‫دا إل‬
‫تحمل نفس مذنبة إثم نفس مذنبة أخرى‪ .‬ول يعذب الله أح ً‬
‫بعد إقامة الحجة عليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب‪.‬‬

‫ح هقّ عَل َي ْهَهها‬ ‫ك قَري ً َ‬ ‫َ‬ ‫وإ َ َ‬


‫س هُقوا ِفيهَهها فَ َ‬
‫مت َْرِفيهَهها فََف َ‬
‫مْرَنا ُ‬
‫ةأ َ‬ ‫ن ن ُهْل ِ َ ْ َ‬‫ذا أَرد َْنا أ ْ‬ ‫َِ‬
‫ميرا ً )‪(16‬‬ ‫ها ت َد ْ ِ‬
‫مْرَنا َ‬ ‫ال َْقوْ ُ‬
‫ل فَد َ ّ‬
‫مْرنا مترفيهم بطاعة الله‬ ‫َ‬
‫وإذا أردنا إهلك أهل قرية لظلمهم أ َ‬
‫صوا أمر ربهم وك ّ‬
‫ذبوا‬ ‫وتوحيده وتصديق رسله‪ ،‬وغيرهم تبع لهم‪ ،‬فع َ‬
‫رسله‪ ،‬فحقّ عليهم القول بالعذاب الذي ل مرد ّ له‪ ،‬فاستأصلناهم‬
‫بالهلك التام‪.‬‬

‫‪540‬‬
‫وك َ َ‬
‫عب َههادِهِ‬
‫ب ِ‬ ‫ح وَك ََفههى ب َِرب ّه َ‬
‫ك ب ِهذ ُُنو ِ‬ ‫ن ب َعْهدِ ن ُههو ٍ‬
‫مه ْ‬ ‫ن ال ُْقُرو ِ‬
‫ن ِ‬ ‫م أهْل َك َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ً‬
‫صيرا )‪(17‬‬ ‫ً‬
‫خِبيرا ب َ ِ‬‫َ‬
‫من بعد نبي الله نوح‪ .‬وكفى‬
‫وكثيرا أهلكنا من المم المكذبة رسلها ِ‬
‫بربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أنه عالم بجميع أعمال عباده‪ ،‬ل تخفى عليه‬
‫خافية‪.‬‬

‫جعَل َْنا َلهه ُ‬


‫ه‬ ‫ريد ُ ث ُ ّ‬
‫م َ‬ ‫ن نُ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما ن َ َ‬
‫شاُء ل ِ َ‬ ‫جل َْنا ل َ ُ‬
‫ه ِفيَها َ‬ ‫ة عَ ّ‬‫جل َ َ‬
‫ريد ُ ال َْعا ِ‬‫ن يُ ِ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫حورا ً )‪(18‬‬ ‫موما ً َ‬
‫مد ْ ُ‬ ‫مذ ْ ُ‬‫ها َ‬ ‫صل َ‬ ‫م يَ ْ‬‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫دق بالخرة‪،‬‬ ‫من كان طلبه الدنيا العاجلة‪ ،‬وسعى لها وحدها‪ ،‬ولم يص ّ‬
‫جل الله له فيها ما يشاؤه الّله ويريده مما كتبه له‬
‫ولم يعمل لها‪ ،‬ع ّ‬
‫في اللوح المحفوظ‪ ،‬ثم يجعل الله له في الخرة جهنم‪ ،‬يدخلها‬
‫دا من رحمته عز وجل؛ وذلك بسبب إرادته الدنيا‬ ‫ما مطرو ً‬‫ملو ً‬
‫وسعيه لها دون الخرة‪.‬‬

‫م‬
‫سههعْي ُهُ ْ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ن فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٌ‬ ‫سَعى ل ََها َ‬
‫سعْي ََها وَهُوَ ُ‬ ‫ن أ ََراد َ ال ِ‬
‫خَرةَ وَ َ‬ ‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫كورا ً )‪(19‬‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬‫َ‬
‫من قصد بعمله الصالح ثواب الدار الخرة الباقية‪ ،‬وسعى لها‬ ‫و َ‬
‫بطاعة الله تعالى‪ ،‬وهو مؤمن بالله وثوابه وعظيم جزائه‪ ،‬فأولئك‬
‫دخًرا لهم عند ربهم‪ ،‬وسيثابون عليه‪.‬‬
‫م ّ‬
‫كان عملهم مقبول ُ‬

‫ظورا ً )‬
‫ح ُ‬
‫م ْ‬
‫ك َ‬ ‫ن عَ َ‬
‫طاءُ َرب ّ َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ن عَ َ‬
‫طاءِ َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ؤلء وَهَ ُ‬
‫ؤلِء ِ‬ ‫ك ُل ّ ن ُ ِ‬
‫مد ّ هَ ُ‬
‫‪(20‬‬
‫كل فريق من العاملين للدنيا الفانية‪ ،‬والعاملين للخرة الباقية نزيده‬
‫من‬ ‫من رزقنا‪ ،‬فنرزق المؤمنين والكافرين في الدنيا؛ فإن الرزق ِ‬ ‫ِ‬
‫عطاء ربك تفضل منه‪ ،‬وما كان عطاء ربك ممنوعا من أحد مؤمًنا‬
‫كان أم كافًرا‪.‬‬

‫ت وَأ َك َْبهُر‬ ‫َ‬ ‫ض وََلل ِ‬


‫خهَرةُ أك َْبهُر د ََر َ‬
‫جهها ٍ‬ ‫ضه ُ ْ َ‬
‫م عَلى ب َْعه ٍ‬ ‫ضل َْنا ب َعْ َ‬ ‫انظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫ف فَ ّ‬

‫‪541‬‬
‫ضيل ً )‪(21‬‬
‫ت َْف ِ‬
‫تأمل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬في كيفية تفضيل الله بعض الناس على بعض‬
‫في الدنيا في الرزق والعمل‪ ،‬وَللخرة أكبُر درجات للمؤمنين وأكبر‬
‫تفضيل‪.‬‬

‫ذول ً )‪(22‬‬
‫خ ُ‬ ‫موما ً َ‬
‫م ْ‬ ‫مذ ْ ُ‬ ‫معَ الل ّهِ إ َِلها ً آ َ‬
‫خَر فَت َْقعُد َ َ‬ ‫جع َ ْ‬
‫ل َ‬ ‫ل تَ ْ‬
‫ل تجعل ‪-‬أيها النسان‪ -‬مع الله شري ً‬
‫كا له في عبادته‪ ،‬فتبوء بالمذمة‬
‫خ ْ‬
‫ذلن‪.‬‬ ‫وال ِ‬

‫وقَضى رب َ َ‬
‫ك‬ ‫عن ْهد َ َ‬
‫ن ِ‬ ‫مهها ي َب ْل ُغَ ه ّ‬
‫سههانا ً إ ِ ّ‬
‫ح َ‬‫ن إِ ْ‬ ‫دوا إ ِل ّ إ ِّياهُ وَِبال ْ َ‬
‫وال ِد َ ُي ْ ِ‬ ‫ك أل ّ ت َعْب ُ ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما قَوْل ً‬ ‫ل ل َهُ َ‬
‫ما وَقُ ْ‬ ‫ف َول ت َن ْهَْرهُ َ‬‫ما أ ّ‬ ‫ل ل َهُ َ‬ ‫ما َفل ت َُق ْ‬ ‫كلهُ َ‬ ‫ما أوْ ِ‬ ‫ال ْك ِب ََر أ َ‬
‫حد ُهُ َ‬
‫ريما ً )‪(23‬‬ ‫كَ ِ‬
‫مر ربك ‪-‬أيها النسان‪ -‬وألزم وأوجب أن يفرد سبحانه وتعالى‬ ‫َ‬
‫وأ َ‬
‫ة‬
‫وحده بالعبادة‪ ،‬وأمر بالحسان إلى الب والم‪ ،‬وبخاصة حال ُ‬
‫الشيخوخة‪ ،‬فل تضجر ول تستثقل شيًئا تراه من أحدهما أو منهما‪،‬‬
‫ول تسمعهما قول سيًئا‪ ،‬حتى ول التأفيف الذي هو أدنى مراتب‬
‫القول السيئ‪ ،‬ول يصدر منك إليهما فعل قبيح‪ ،‬ولكن ارفق بهما‪،‬‬
‫وقل لهما ‪-‬دائما‪ -‬قول ليًنا لطيًفا‪.‬‬

‫ما ك َ َ‬
‫ما َرب ّي َههاِني‬ ‫مه ُ َ‬
‫ح ْ‬
‫ب اْر َ‬ ‫مةِ وَقُ ْ‬
‫ل ّر ّ‬ ‫ح َ‬
‫ن الّر ْ‬
‫م ْ‬ ‫ح الذ ّ ّ‬
‫ل ِ‬ ‫جَنا َ‬ ‫ض ل َهُ َ‬
‫ما َ‬ ‫خِف ْ‬
‫َوا ْ‬
‫صِغيرا ً )‪(24‬‬ ‫َ‬
‫ن لمك وأبيك ذليل متواضًعا رحمة بهما‪ ،‬واطلب من ربك أن‬ ‫وك ُ ْ‬
‫يرحمهما برحمته الواسعة أحياًء وأمواًتا‪ ،‬كما صبرا على تربيتك‬
‫طفل ضعيف الحول والقوة‪.‬‬

‫كهها َ َ‬ ‫ربك ُ َ‬
‫ن‬
‫ن ل ِلّواِبيهه َ‬ ‫ه َ‬
‫ن فَإ ِن ّ ُ‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬ ‫ن تَ ُ‬
‫كوُنوا َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ما ِفي ن ُُفو ِ‬ ‫م أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫َ ّ ْ‬
‫غَُفورا ً )‪(25‬‬

‫‪542‬‬
‫ربكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬أعلم بما في ضمائركم من خير وشر‪ .‬إن تكن‬
‫إرادتكم ومقاصدكم مرضاة الله وما يقربكم إليه‪ ،‬فإنه كان‬
‫م الله‬
‫من عَل ِ َ‬
‫‪-‬سبحانه‪ -‬للراجعين إليه في جميع الوقات غفوًرا‪ ،‬ف َ‬
‫أنه ليس في قلبه إل النابة إليه ومحبته‪ ،‬فإنه يعفو عنه‪ ،‬ويغفر له‬
‫ما يعرض من صغائر الذنوب‪ ،‬مما هو من مقتضى الطبائع البشرية‪.‬‬

‫ذيرا ً )‪(26‬‬
‫ل َول ت ُب َذ ّْر ت َب ْ ِ‬
‫سِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن َواب ْ َ‬
‫كي َ‬
‫س ِ‬ ‫ه َوال ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ذا ال ُْقْرَبى َ‬
‫حّق ُ‬ ‫ت َ‬
‫َوآ ِ‬
‫من له صلة قرابة بك‪ ،‬وأعطه حقه من الحسان‬ ‫ن إلى كل َ‬
‫س ْ‬
‫وأح ِ‬
‫والبر‪ ،‬وأعط المسكين المحتاج والمسافر المنقطع عن أهله وماله‪،‬‬
‫ول تنفق مالك في غير طاعة الله‪ ،‬أو على وجه السراف والتبذير‪.‬‬

‫ن ل َِرب ّههِ ك َُفههورا ً )‬ ‫شهي ْ َ‬


‫طا ُ‬ ‫ن وَك َهها َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫طي ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫شَيا ِ‬ ‫وا َ‬
‫خ َ‬ ‫ن َ‬
‫كاُنوا إ ِ ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مب َذ ِّري َ‬ ‫إِ ّ‬
‫‪(27‬‬
‫إن المسرفين والمنفقين أموالهم في معاصي الله هم أشباه‬
‫الشياطين في الشر والفساد والمعصية‪ ،‬وكان الشيطان كثير‬
‫الكفران شديد َ الجحود لنعمة ربه‪.‬‬

‫ل ل َُهه ْ‬
‫م َقهوْل ً‬ ‫هها فَُقه ْ‬
‫جو َ‬ ‫ن َرّبه َ‬
‫ك ت َْر ُ‬ ‫مه ْ‬
‫مة ٍ ِ‬
‫ح َ‬
‫م اب ْت َِغاءَ َر ْ‬
‫ن عَن ْهُ ْ‬
‫ض ّ‬
‫ما ت ُعْرِ َ‬‫وَإ ِ ّ‬
‫سورا ً )‪(28‬‬ ‫مي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫مْرت بإعطائهم؛ لعدم وجود‬ ‫ُ‬
‫وإن أعرضت عن إعطاء هؤلء الذين أ ِ‬
‫ما تعطيهم منه طلًبا لرزق تنتظره من عند ربك‪ ،‬فقل لهم قول لي ًّنا‬
‫دهم بأن الله إذا أيسر‬ ‫ع ْ‬
‫لطيًفا‪ ،‬كالدعاء لهم بالغنى وسعة الرزق‪ ،‬و ِ‬
‫من فضله رزًقا أنك تعطيهم منه‪.‬‬

‫ط فَت َْقعُهد َ‬ ‫ل ال ْب َ ْ‬
‫سه ِ‬ ‫س هط َْها ك ُه ّ‬ ‫ة إ َِلى عُن ُِق ه َ‬
‫ك َول ت َب ْ ُ‬ ‫مغُْلول َ ً‬ ‫ل ي َد َ َ‬
‫ك َ‬ ‫جع َ ْ‬‫َول ت َ ْ‬
‫سورا ً )‪(29‬‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬‫مُلوما ً َ‬ ‫َ‬
‫ول تمسك يدك عن النفاق في سبيل الخير‪ ،‬مضي ًّقا على نفسك‬
‫وأهلك والمحتاجين‪ ،‬ول تسرف في النفاق‪ ،‬فتعطي فوق طاقتك‪،‬‬

‫‪543‬‬
‫ما على تبذيرك وضياع‬
‫ما يلومك الناس ويذمونك‪ ،‬ناد ً‬
‫فتقعد ملو ً‬
‫مالك‪.‬‬

‫صيرا ً‬
‫خِبيرا ً ب َ ِ‬
‫ن ب ِعَِبادِهِ َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاُء وَي َْقدُِر إ ِن ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫س ُ‬
‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك ي َب ْ ُ‬ ‫إِ ّ‬
‫)‪(30‬‬
‫سع الرزق على بعض الناس‪ ،‬ويضّيقه على بعضهم‪ ،‬وَْفق‬ ‫إن ربك يو ّ‬
‫علمه وحكمته سبحانه وتعالى‪ .‬إنه هو المط ِّلع على خفايا عباده‪ ،‬ل‬
‫يغيب عن علمه شيء من أحوالهم‪.‬‬

‫ول تْقتُلوا أ َ‬
‫ن‬ ‫ن قَت ْل َهُ ه ْ‬
‫م ك َهها َ‬ ‫م وَإ ِي ّههاك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ن ن َْرُزقُهُ ْ‬
‫ح ُ‬
‫ق نَ ْ‬
‫ٍ‬ ‫مل‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ش‬‫ْ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫د‬‫ول‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُ‬
‫طئا ً ك َِبيرا ً )‪(31‬‬‫خ ْ‬‫ِ‬
‫وإذا علمتم أن الرزق بيد الله سبحانه فل تقتلوا ‪-‬أيها الناس‪-‬‬
‫أولدكم خوًفا من الفقر؛ فإنه ‪-‬سبحانه‪ -‬هو الرزاق لعباده‪ ،‬يرزق‬
‫ل الولد ذنب عظيم‪.‬‬ ‫ن قَت ْ َ‬
‫البناء كما يرزق الباء‪ ،‬إ ّ‬

‫سِبيل ً )‪(32‬‬
‫ساَء َ‬
‫ة وَ َ‬
‫ش ً‬ ‫ن َفا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫َول ت َْقَرُبوا الّزَنى إ ِن ّ ُ‬
‫ول تقربوا الزنى ودواعيه؛ كي ل تقعوا فيه‪ ،‬إنه كان فعل بالغ القبح‪،‬‬
‫وبئس الطريق طريقه‪.‬‬

‫مظ ُْلومها ً فََقهد ْ‬


‫ل َ‬‫ن قُت ِه َ‬‫م ْ‬
‫حقّ وَ َ‬ ‫ه إ ِل ّ ِبال ْ َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫حّر َ‬‫س ال ِّتي َ‬ ‫َول ت َْقت ُُلوا الن ّْف َ‬
‫صورا ً )‪(33‬‬ ‫من ُ‬‫ن َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ف ِفي ال َْقت ْ ِ‬
‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫سرِ ْ‬ ‫طانا ً َفل ي ُ ْ‬
‫سل ْ َ‬
‫جعَل َْنا ل ِوَل ِي ّهِ ُ‬
‫َ‬
‫ول تقتلوا النفس التي حرم الله قَْتلها إل بالحق الشرعي كالقصاص‬
‫أو رجم الزاني المحصن أو قتل المرتد‪ .‬ومن قُِتل بغير حق شرعي‬
‫من وارث أو حاكم حجة في طلب قَْتل قاتله‬ ‫فقد جعلنا لولي أمره ِ‬
‫أو الدية‪ ،‬ول يصح لولي أمر المقتول أن يجاوز حد ّ الله في‬
‫مّثل بالقاتل‪ ،‬إن‬‫القصاص كأن يقتل بالواحد اثنين أو جماعة‪ ،‬أو ي ُ َ‬
‫من قَْتله قصا ً‬
‫صا‪.‬‬ ‫ي المقتول على القاتل حتى يتمكن ِ‬ ‫الله معين ول ّ‬

‫‪544‬‬
‫ش هد ّهُ وَأ َوْفُههوا‬
‫حّتى ي َب ْل ُهغَ أ َ ُ‬
‫ن َ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫يأ ْ‬‫ل ال ْي َِتيم ِ إ ِل ّ ِبال ِّتي هِ َ‬
‫ما َ‬
‫َول ت َْقَرُبوا َ‬
‫سُئول ً )‪(34‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن ال ْعَهْد َ َ‬
‫ِبال ْعَهْدِ إ ِ ّ‬
‫ول تتصّرفوا في أموال الطفال الذين مات آباؤهم‪ ،‬وصاروا في‬
‫كفالتكم‪ ،‬إل بالطريقة التي هي أحسن لهم‪ ،‬وهي التثمير والتنمية‪،‬‬
‫ن البلوغ‪ ،‬وحسن التصرف في المال‪،‬‬ ‫حتى يبلغ الطفل اليتيم س ّ‬
‫وأتموا الوفاء بكل عهد التزمتم به‪ .‬إن العهد يسأل الله عنه صاحبه‬
‫يوم القيامة‪ ،‬فيثيبه إذا أتمه ووّفاه‪ ،‬ويعاقبه إذا خان فيه‪.‬‬

‫خي ْهٌر‬ ‫س هت َِقيم ِ ذ َل ِه َ‬


‫ك َ‬ ‫س ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م وَزِن ُههوا ِبال ِْق ْ َ‬
‫س هطا ِ‬ ‫ذا ك ِل ْت ُه ْ‬ ‫وَأ َوْفُههوا ال ْك َي ْه َ‬
‫ل إِ َ‬
‫ن ت َأ ِْويل ً )‪(35‬‬ ‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫وَأ ْ‬
‫وأتموا الكيل‪ ،‬ول تنقصوه إذا ك ِْلتم لغيركم‪ ،‬وِزنوا بالميزان السوي‪،‬‬
‫إن العدل في الكيل والوزن خير لكم في الدنيا‪ ،‬وأحسن عاقبة عند‬
‫الله في الخرة‪.‬‬

‫ل أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫كهه ّ‬ ‫صَر َوال ُْفهه َ‬
‫ؤاد َ ُ‬ ‫معَ َوال ْب َ َ‬
‫س ْ‬
‫ن ال ّ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫م إِ ّ‬ ‫س لَ َ‬
‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬
‫ف َ‬‫َول ت َْق ُ‬
‫سُئول ً )‪(36‬‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬‫ن عَن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫كد وتثّبت‪ .‬إن النسان‬‫ول تتبع ‪-‬أيها النسان‪ -‬ما ل تعلم‪ ،‬بل تأ ّ‬
‫ملها في‬
‫مل فيه سمعه وبصره وفؤاده‪ ،‬فإذا استع َ‬ ‫مسؤول عما استع َ‬
‫الخير نال الثواب‪ ،‬وإذا استعملها في الشر نال العقاب‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ت َب ْل ُهغَ ال ْ ِ‬
‫جب َهها َ‬
‫ل‬ ‫ض وَل َه ْ‬
‫خرِقَ الْر َ‬ ‫ك لَ ْ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫مَرحا ً إ ِن ّ َ‬
‫ض َ‬
‫ش ِفي الْر ِ‬
‫م ِ‬
‫َول ت َ ْ‬
‫طول ً )‪(37‬‬‫ُ‬

‫رق الرض بالمشي‬


‫خ ِ‬
‫ول تمش في الرض مختال متكبرا؛ فإنك لن ت َ ْ‬
‫عليها‪ ،‬ولن تبلغ الجبال طول خيلء وتكبًرا‪.‬‬

‫مك ُْروها ً )‪(38‬‬ ‫عن ْد َ َرب ّ َ‬


‫ك َ‬ ‫سي ّئ ُ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ك َ‬
‫كا َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ل ذ َل ِ َ‬

‫دم ذِك ُْره من أوامر ونوا ٍ‬


‫ه‪ ،‬يكره الله سي َّئه‪ ،‬ول يرضاه‬ ‫جميع ما تق ّ‬
‫لعباده‪.‬‬

‫‪545‬‬
‫م هعَ الل ّههِ إ َِله ها ً آ َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫حى إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫خ هَر‬ ‫جع َ ْ‬
‫ل َ‬ ‫مةِ َول ت َ ْ‬‫حك ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ك َرب ّ َ‬ ‫ما أوْ َ‬
‫م ّ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك ِ‬
‫حورا ً )‪(39‬‬ ‫مد ْ ُ‬‫مُلوما ً َ‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫فَت ُل َْقى ِفي َ‬
‫ضحناه من هذه الحكام الجليلة‪ ،‬من المر‬ ‫ذلك الذي بّيناه وو ّ‬
‫بمحاسن العمال‪ ،‬والنهي عن أراذل الخلق مما أوحيناه إليك أيها‬
‫كا له في عبادته‪،‬‬ ‫النبي‪ .‬ول تجعل ‪-‬أيها النسان‪ -‬مع الله تعالى شري ً‬
‫دا‬
‫دا مبع ً‬
‫فت ُْقذف في نار جهنم تلومك نفسك والناس‪ ،‬وتكون مطرو ً‬
‫من كل خير‪.‬‬

‫َ َ‬
‫م ل َت َُقوُلو َ‬
‫ن َقههوْل ً‬ ‫ملئ ِك َةِ إ َِناثا ً إ ِن ّك ُ ْ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫خذ َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ِبال ْب َِني َ‬
‫ن َوات ّ َ‬ ‫م َرب ّك ُ ْ‬
‫صَفاك ُ ْ‬
‫أفَأ ْ‬
‫ظيما ً )‪(40‬‬ ‫عَ ِ‬
‫صكم ربكم ‪-‬أيها المشركون‪ -‬بإعطائكم البنين‪ ،‬واتخذ لنفسه‬ ‫أفخ ّ‬
‫الملئكة بنات؟ إن قولكم هذا بالغ القبح والبشاعة‪ ،‬ل يليق بالله‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫م إ ِل ّ ن ُُفورا ً )‪(41‬‬
‫زيد ُهُ ْ‬ ‫ذا ال ُْقْرآ ِ‬
‫ن ل ِي َذ ّك ُّروا وَ َ‬
‫ما ي َ ِ‬ ‫وَل ََقد ْ َ‬
‫صّرفَْنا ِفي هَ َ‬
‫عنا في هذا القرآن الحكام والمثال والمواعظ؛‬‫حنا ونوّ ْ‬
‫ض ْ‬
‫ولقد و ّ‬
‫دعوه‪ ،‬وما‬
‫ليتعظ الناس ويتدبروا ما ينفعهم فيأخذوه‪ ،‬وما يضرهم في َ‬
‫دا عن الحق‪ ،‬وغفلة عن‬‫يزيد البيان والتوضيح الظالمين إل تباع ً‬
‫النظر والعتبار‪.‬‬

‫سِبيل ً )‬
‫ش َ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِإذا ً لب ْت َغَ ْ َ‬
‫ما ي َُقوُلو َ‬
‫ة كَ َ‬ ‫ل ل َوْ َ‬
‫قُ ْ‬
‫وا إ ِلى ِذي العَْر ِ‬ ‫ه آل ِهَ ٌ‬
‫مع َ ُ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬
‫‪(42‬‬
‫ت‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمشركين‪ :‬لو أن مع الله آلهة أخرى‪ ،‬إ ً‬
‫ذا لطلب َ ْ‬
‫تلك اللهة طريًقا إلى مغالبة الله ذي العرش العظيم‪.‬‬

‫ن عُل ُوّا ً ك َِبيرا ً )‪(43‬‬


‫ما ي َُقوُلو َ‬
‫ه وَت ََعاَلى عَ ّ‬
‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫ُ‬
‫وا كبيًرا‪.‬‬
‫ما يقوله المشركون وتعالى عل ً‬
‫دس عَ ّ‬
‫تنّزه الله وتق ّ‬

‫‪546‬‬
‫َ‬
‫يءٍ إ ِل ّ‬ ‫ن َ‬
‫شه ْ‬ ‫مه ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬
‫ن ِفيهِ ه ّ‬ ‫مه ْ‬‫ض وَ َ‬
‫سب ْعُ َوالْر ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫وا ُ‬ ‫م َ‬‫س َ‬‫ه ال ّ‬ ‫ح لَ ُ‬‫سب ّ ُ‬‫تُ َ‬
‫حِليما ً غَُفورا ً )‪(44‬‬ ‫ن َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬
‫حه ُ ْ‬
‫سِبي َ‬
‫ن تَ ْ‬
‫ن ل ت َْفَقُهو َ‬‫مدِهِ وَل َك ِ ْ‬
‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬‫سب ّ ُ‬
‫يُ َ‬
‫من‬‫من فيهن ِ‬ ‫سّبح له ‪-‬سبحانه‪ -‬السموات السبع والرضون‪ ،‬و َ‬ ‫تُ َ‬
‫جميع المخلوقات‪ ،‬وكل شيء في هذا الوجود ينزه الله تعالى تنزيًها‬
‫مقروًنا بالثناء والحمد له سبحانه‪ ،‬ولكن ل تدركون ‪-‬أيها الناس‪-‬‬
‫من عصاه بالعقوبة‪،‬‬ ‫ما بعباده ل يعاجل َ‬
‫ذلك‪ .‬إنه سبحانه كان حلي ً‬
‫غفوًرا لهم‪.‬‬

‫جابها ً‬ ‫ْ‬
‫ح َ‬
‫خَرةِ ِ‬
‫ن ِبهال ِ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جعَل َْنا ب َي ْن َ َ‬
‫ك وَب َي ْ َ‬ ‫ت ال ُْقْرآ َ‬
‫ن َ‬ ‫ذا قََرأ َ‬
‫وَإ ِ َ‬
‫سُتورا ً )‪(45‬‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫وإذا قرأت القرآن فسمعه هؤلء المشركون‪ ،‬جعلنا بينك وبين الذين‬
‫ل يؤمنون بالخرة حجاًبا ساتًرا يحجب عقولهم عن فَهْم ِ القرآن؛‬
‫عقاًبا لهم على كفرهم وإنكارهم‪.‬‬

‫م وَقْههرا ً وَإ ِ َ‬ ‫وجعل ْنا عََلى قُُلوبهم أ َكن ً َ‬


‫ذا ذ َك َهْر َ‬
‫ت‬ ‫ن ي َْفَقُهوهُ وَِفي آ َ‬
‫ذان ِهِه ْ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ِِ ْ ِّ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫م ن ُُفورا ً )‪(46‬‬ ‫َ‬
‫وا عََلى أد َْبارِهِ ْ‬‫حد َهُ وَل ّ ْ‬ ‫ك ِفي ال ُْقْرآ ِ‬
‫ن وَ ْ‬ ‫َرب ّ َ‬

‫وجعلنا على قلوب المشركين أغطية؛ لئل يفهموا القرآن‪ ،‬وجعلنا‬


‫ت ربك في القرآن داعًيا‬‫ما؛ لئل يسمعوه‪ ،‬وإذا ذ َك َْر َ‬‫في آذانهم صم ً‬
‫لتوحيده ناهًيا عن الشرك به رجعوا على أعقابهم نافرين من قولك؛‬
‫حدوا الله تعالى في عبادته‪.‬‬ ‫ما من أن يو ّ‬
‫استكباًرا واستعظا ً‬

‫ن إ ِل َي ْه َ‬ ‫نح َ‬
‫وى إ ِذ ْ‬
‫جه َ‬ ‫ك وَإ ِذ ْ هُ ه ْ‬
‫م نَ ْ‬ ‫مُعو َ‬ ‫ن ب ِههِ إ ِذ ْ ي َ ْ‬
‫س هت َ ِ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س هت َ ِ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن أعْل َ ُ‬‫َ ْ ُ‬
‫حورا ً )‪(47‬‬ ‫س ُ‬
‫م ْ‬ ‫جل ً َ‬ ‫ن إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ن ت َت ّب ُِعو َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫مو َ‬‫ظال ِ ُ‬‫ل ال ّ‬ ‫ي َُقو ُ‬
‫نحن أعلم بالذي يستمعه رؤساء قريش‪ ،‬إذ يستمعون إليك‪،‬‬
‫ومقاصدهم سيئة‪ ،‬فليس استماعهم لجل السترشاد وَقبول الحق‪،‬‬
‫ونعلم َتناجيهم حين يقولون‪ :‬ما تتبعون إل رجل أصابه السحر‬
‫فاختلط عقله‪.‬‬

‫‪547‬‬
‫ضرُبوا ل َ َ َ‬
‫سِبيل ً )‪(48‬‬
‫ن َ‬
‫طيُعو َ‬ ‫ضّلوا َفل ي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ل فَ َ‬
‫مَثا َ‬
‫ك ال ْ‬ ‫انظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫ف َ َ‬
‫دا ساحر شاعر‬
‫تفكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬متعجًبا من قولهم‪ :‬إن محم ً‬
‫مجنون!! فجاروا وانحرفوا‪ ،‬ولم يهتدوا إلى طريق الحق والصواب‪.‬‬

‫ديدا ً )‪(49‬‬ ‫َ‬ ‫وََقاُلوا أ َئ ِ َ‬


‫خْلقا ً َ‬
‫ج ِ‬ ‫ظاما ً وَُرَفاتا ً أئ ِّنا ل َ َ‬
‫مب ُْعوُثو َ‬
‫ن َ‬ ‫ع َ‬
‫ذا ك ُّنا ِ‬
‫دا بعد أن تبلى‬ ‫خل ًْقا جدي ً‬
‫خَلقوا َ‬ ‫وقال المشركون منكرين أن ي ُ ْ‬
‫عظامهم‪ ،‬وتصير ُفتاًتا‪ :‬أِئنا لمبعوثون يوم القيامة بعًثا جدي ً‬
‫دا؟‬

‫ديدا ً )‪(50‬‬ ‫َ‬ ‫ل ُ‬


‫قُ ْ‬
‫ح ِ‬
‫جاَرةً أوْ َ‬
‫ح َ‬
‫كوُنوا ِ‬
‫دا‬
‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على جهة التعجيز‪ :‬كونوا حجارة أو حدي ً‬
‫في الشدة والقوة ‪-‬إن قَد َْرتم على ذلك‪ -‬فإن الله ُيعيدكم كما‬
‫بدأكم‪ ،‬وذلك هّين عليه يسير‪.‬‬

‫ذي‬‫ل ال ّه ِ‬
‫ن ي ُِعي هد َُنا قُ ه ْ‬‫مه ْ‬
‫ن َ‬‫س هي َُقوُلو َ‬
‫م فَ َ‬ ‫دورِك ُ ْ‬‫صه ُ‬‫ما ي َك ْب ُُر ِفي ُ‬ ‫خْلقا ً ِ‬
‫م ّ‬ ‫أ َوْ َ‬
‫هههوَ ُقهه ْ‬
‫ل‬ ‫مَتى ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م وَي َُقوُلو َ‬ ‫سه ُ ْ‬
‫ك ُرُءو َ‬‫ن إ ِل َي ْ َ‬
‫ضو َ‬ ‫مّرةٍ فَ َ‬
‫سي ُن ْغِ ُ‬ ‫ل َ‬‫م أ َوّ َ‬ ‫فَط ََرك ُ ْ‬
‫ريبا ً )‪(51‬‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫َ‬
‫ن قَ ِ‬‫كو َ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫عَ َ‬
‫ست َب َْعد في عقولكم قبوله للبعث‪ ،‬فالله تعالى‬ ‫ظم وي ُ ْ‬ ‫أو كونوا خلًقا ي َعْ ُ‬
‫قادر على إعادتكم وبعثكم‪ ،‬وحين تقوم عليهم الحجة في قدرة الله‬
‫دنا إلى الحياة بعد‬ ‫من ير ّ‬‫على البعث والحياء فسيقولون ‪-‬منكرين‪َ :-‬‬
‫الموت؟ قل لهم‪ :‬يعيدكم ويرجعكم الله الذي أنشأكم من العدم‬
‫أول مرة‪ ،‬وعند سماعهم هذا الرد فسي َهُّزون رؤوسهم ساخرين‬
‫متعجبين ويقولون ‪-‬مستبعدين‪ :-‬متى يقع هذا البعث؟ قل‪ :‬هو‬
‫ت قريب‪.‬‬ ‫قريب؛ فإن كل آ ٍ‬

‫ن ل َب ِث ْت ُ ْ‬
‫م إ ِل ّ قَِليل ً )‪(52‬‬ ‫مدِهِ وَت َظ ُّنو َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫ح ْ‬
‫ن بِ َ‬
‫جيُبو َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫عوك ُ ْ‬
‫م فَت َ ْ‬ ‫م ي َد ْ ُ‬
‫ي َوْ َ‬
‫يوم يناديكم خالقكم للخروج من قبوركم‪ ،‬فتستجيبون لمر الله‪،‬‬
‫وتنقادون له‪ ،‬وله الحمد على كل حال‪ ،‬وتظنون ‪-‬لهول يوم القيامة‪-‬‬
‫أنكم ما أقمتم في الدنيا إل زمًنا قليل؛ لطول لبثكم في الخرة‪.‬‬

‫‪548‬‬
‫شهي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ن َينهَزغُ ب َي ْن َهُه ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫طا َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ن إِ ّ‬
‫سه ُ‬
‫ح َ‬‫يأ ْ‬ ‫ل ل ِعَِباِدي ي َُقوُلوا ال ِّتي هِه َ‬
‫وَقُ ْ‬
‫مِبينا ً )‪(53‬‬
‫ن عَد ُوّا ً ُ‬
‫سا ِ‬
‫لن َ‬
‫ن لِ ِ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫ال ّ‬
‫وقل لعبادي المؤمنين يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلم الحسن‬
‫الطيب؛ فإنهم إن لم يفعلوا ذلك ألقى الشيطان بينهم العداوة‬
‫والفساد والخصام‪ .‬إن الشيطان كان للنسان عدًوا ظاهر العداوة‪.‬‬

‫س هل َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫شأ ْ يرحمك ُم أ َو إن ي َ ْ‬ ‫ربك ُ َ‬


‫ك‬ ‫مهها أْر َ‬ ‫شأ ي ُعَ هذ ّب ْك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ن يَ َ َ ْ َ ْ ْ ْ ِ ْ َ‬‫م إِ ْ‬ ‫م أعْل َ ُ‬
‫م ب ِك ُ ْ‬ ‫َ ّ ْ‬
‫كيل ً )‪(54‬‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م وَ ِ‬
‫ربكم أعلم بكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬إن يشأ يرحمكم‪ ،‬فيوفقكم لليمان‪ ،‬أو‬
‫إن يشأ يمتكم على الكفر‪ ،‬فيعذبكم‪ ،‬وما أرسلناك ‪-‬أيها الرسول‪-‬‬
‫عليهم وكيل تدّبر أمرهم وتجازيهم على أفعالهم‪ ،‬وإنما مهمتك تبليغ‬
‫ت به‪ ،‬وبيان الصراط المستقيم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ما أْرسل َ‬

‫ن‬ ‫ضهل َْنا ب َعْه َ‬


‫ض الن ّب ِّييه َ‬ ‫ض وَل ََقهد ْ فَ ّ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫ت وال َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ك أ َعْل َ‬
‫وََرب ّ َ‬
‫ِ‬
‫داُوود َ َزُبورا ً )‪(55‬‬‫ض َوآت َي َْنا َ‬‫عَلى ب َعْ ٍ‬
‫َ‬

‫ضْلنا‬
‫من في السموات والرض‪ .‬ولقد فَ ّ‬ ‫وربك ‪-‬أيها النبي‪ -‬أعلم ب َ‬
‫بعض النبيين على بعض بالفضائل وكثرة التباع وإنزال الكتب‪،‬‬
‫وأعطينا داود الزبور‪.‬‬

‫عنك ُ ْ‬
‫م َول‬ ‫ضّر َ‬
‫ف ال ّ‬ ‫ن كَ ْ‬
‫ش َ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫دون ِهِ َفل ي َ ْ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫مت ُ ْ‬
‫ن َزعَ ْ‬ ‫عوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل اد ْ ُ‬
‫ويل ً )‪(56‬‬ ‫ح ِ‬
‫تَ ْ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لمشركي قومك‪ :‬إن هذه المعبودات التي‬
‫تنادونها لكشف الضّر عنكم ل تملك ذلك‪ ،‬ول تقدر على تحويله‬
‫عنكم إلى غيركم‪ ،‬ول تقدر على تحويله من حال إلى حال‪ ،‬فالقادر‬
‫دعى من دون‬ ‫على ذلك هو الله وحده‪ .‬وهذه الية عامة في كل ما ي ُ ْ‬
‫الله‪ ،‬ميًتا كان أو غائًبا‪ ،‬من النبياء والصالحين وغيرهم‪ ،‬بلفظ‬
‫الستغاثة أو الدعاء أو غيرهما‪ ،‬فل معبود بحق إل الله‪.‬‬

‫‪549‬‬
‫ة أ َيه َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ن‬
‫جههو َ‬
‫ب وَي َْر ُ‬ ‫سيل َ َ ّ ُ ْ‬
‫م أقَْر ُ‬ ‫م ال ْوَ ِ‬
‫ن إ َِلى َرب ّهِ ْ‬
‫ن ي َب ْت َُغو َ‬
‫عو َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ك‬
‫ذورا ً )‪(57‬‬ ‫ح ُ‬
‫م ْ‬‫ن َ‬‫كا َ‬‫ك َ‬ ‫ب َرب ّ َ‬ ‫ن عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ن عَ َ‬
‫ذاب َ ُ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫وَي َ َ‬ ‫ه‬
‫مت َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫أولئك الذين يدعوهم المشركون من النبياء والصالحين والملئكة‬
‫مع الله‪ ،‬يتنافسون في القرب من ربهم بما يقدرون عليه من‬
‫ملون رحمته ويخافون عذابه‪ ،‬إن عذاب ربك‬ ‫العمال الصالحة‪ ،‬ويأ ُ‬
‫هو ما ينبغي أن يحذره العباد‪ ،‬ويخافوا منه‪.‬‬

‫ذابا ً‬ ‫َ‬
‫عهه َ‬ ‫مَعههذ ُّبو َ‬
‫ها َ‬ ‫ل ي َوْم ِ ال ِْقَيا َ‬
‫م ة ِ أو ْ ُ‬ ‫ها قَب ْ َ‬
‫كو َ‬‫مهْل ِ ُ‬
‫ن ُ‬ ‫ح ُ‬‫ن قَْري َةٍ إ ِل ّ ن َ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫وَإ ِ ْ‬
‫طورا ً )‪(58‬‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ك ِفي ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ديدا ً َ‬
‫كا َ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫عد الله الكفار بأنه ما من قريةٍ كافرة مكذبة للرسل إل‬
‫ويتو ّ‬
‫وسينزل بها عقابه بالهلك في الدنيا قبل يوم القيامة أو بالعذاب‬
‫من وقوعه‪ ،‬وهو‬ ‫الشديد لهلها‪ ،‬كتاب كتبه الله وقضاء أبرمه ل بد ِ‬
‫مسطور في اللوح المحفوظ‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مههود َ‬ ‫ب ب ِهَهها ال َوّل ُههو َ‬
‫ن َوآت َي ْن َهها ث َ ُ‬ ‫ن ك َهذ ّ َ‬‫ت إ ِل ّ أ ْ‬ ‫س َ‬
‫ل ِبالي َهها ِ‬ ‫ن ن ُْر ِ‬
‫من َعََنا أ ْ‬
‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫ويفا ً )‪(59‬‬ ‫خ ِ‬ ‫ت إ ِل ّ ت َ ْ‬
‫ل ِبالَيا ِ‬ ‫س ُ‬‫ما ن ُْر ِ‬‫موا ب َِها وَ َ‬‫صَرةً فَظ َل َ ُ‬‫مب ْ ِ‬
‫ة ُ‬ ‫الّناقَ َ‬
‫وما منَعنا من إنزال المعجزات التي سألها المشركون إل تكذيب‬
‫من سبقهم من المم‪ ،‬فقد أجابهم الله إلى ما طلبوا فك ّ‬
‫ذبوا‬ ‫َ‬
‫وهلكوا‪ .‬وأعطينا ثمود ‪-‬وهم قوم صالح‪ -‬معجزة واضحة وهي‬
‫الناقة‪ ،‬فكفروا بها فأهلكناهم‪ .‬وما إرسالنا الرسل باليات والعبر‬
‫والمعجزات التي جعلناها على أيديهم إل تخويف للعباد؛ ليعتبروا‬
‫ويتذكروا‪.‬‬

‫ك إ ِل ّ‬‫جعَل َْنا الّرؤَْيا ال ّت ِههي أ ََري ْن َهها َ‬


‫ما َ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ك أَ َ َ‬
‫حاط ِبالّنا ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫وَإ ِذ ْ قُل َْنا ل َ َ‬
‫ك إِ ّ‬
‫م إ ِل ّ‬‫زيد ُهُ ْ‬ ‫م فَ َ‬
‫ما ي َ ِ‬ ‫خوّفُهُ ْ‬‫ن وَن ُ َ‬‫ة ِفي ال ُْقْرآ ِ‬
‫مل ُْعون َ َ‬
‫جَرةَ ال ْ َ‬
‫ش َ‬ ‫س َوال ّ‬‫ة ِللّنا ِ‬ ‫فِت ْن َ ً‬
‫ط ُغَْيانا ً ك َِبيرا ً )‪(60‬‬
‫ما‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حين قلنا لك‪ :‬إن ربك أحاط بالناس عل ً‬
‫عياًنا ليلة السراء والمعراج‬
‫وقدرة‪ .‬وما جعلنا الرؤيا التي أريناكها ِ‬
‫من عجائب المخلوقات إل اختباًرا للناس؛ ليتميز كافرهم من‬
‫مؤمنهم‪ ،‬وما جعلنا شجرة الزقوم الملعونة التي ذكرت في القرآن‬
‫‪550‬‬
‫وف المشركين بأنواع العذاب واليات‪ ،‬ول‬‫إل ابتلء للناس‪ .‬ونخ ّ‬
‫يزيدهم التخويف إل تمادًيا في الكفر والضلل‪.‬‬

‫ن‬ ‫وإذ ْ قُل ْنا ل ِل ْملئ ِك َة اسجدوا لدم فَسجدوا إل ّ إبِليس َقا َ َ َ‬
‫مهه ْ‬
‫جد ُ ل ِ َ‬
‫س ُ‬
‫ل أأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ِ ِْ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َِ‬
‫طينا )‪(61‬‬‫ً‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َْق َ‬‫َ‬
‫ما‪ ،‬فسجدوا جميًعا إل‬‫واذكر قولنا للملئكة‪ :‬اسجدوا لدم تحية وتكري ً‬
‫إبليس‪ ،‬استكبر وامتنع عن السجود قائل على سبيل النكار‬
‫والستكبار‪ :‬أأسجد لهذا الضعيف‪ ،‬المخلوق من الطين؟‬

‫ة‬
‫مه ِ‬ ‫ن أَ ّ‬
‫خْرت َن ِههي إ ِل َههى ي َهوْم ِ ال ِْقَيا َ‬ ‫ي ل َئ ِ ْ‬
‫ت عَل َه ّ‬
‫مه َ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬
‫ذي ك َّر ْ‬ ‫ك هَ َ‬ ‫ل أ ََرأ َي ْت َ َ‬‫َقا َ‬
‫ه إ ِل ّ قَِليل ً )‪(62‬‬‫ن ذ ُّري ّت َ ُ‬ ‫لَ ْ‬
‫حت َن ِك َ ّ‬
‫وقال إبليس جراءة على الله وكفًرا به‪ :‬أرأيت هذا المخلوق الذي‬
‫ن على ذريته‬
‫ي؟ لئن أبقيتني حًيا إلى يوم القيامة لستولي ّ‬
‫ميزته عل ّ‬
‫بالغواء والفساد‪ ،‬إل المخلصين منهم في اليمان‪ ،‬وهم قليل‪.‬‬

‫موُْفورا ً )‪(63‬‬
‫جَزاًء َ‬ ‫جَزاؤُك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫م َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫م فَإ ِ ّ‬
‫ن َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ت َب ِعَ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ب فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل اذ ْهَ ْ‬
‫من ذرية‬
‫من تبعك ِ‬‫دا إبليس وأتباعه‪ :‬اذهب ف َ‬
‫قال الله تعالى مهد ً‬
‫آدم‪ ،‬فأطاعك‪ ،‬فإن عقابك وعقابهم وافر في نار جهنم‪.‬‬

‫واستْفزز من استط َعت منهم بصوت ِ َ َ‬


‫ك‬‫جِلهه َ‬‫ك وََر ِ‬‫خي ْل ِ َ‬
‫م بِ َ‬‫ب عَل َي ْهِ ْ‬
‫جل ِ ْ‬
‫ك وَأ ْ‬ ‫َ ْ َ ِْ َ ْ ْ َ ْ َ ِ ُْ ْ ِ َ ْ‬
‫ن إ ِل ّ‬ ‫شهي ْ َ‬‫م ال ّ‬ ‫شههارك ْهم فِههي ال َمهوال وا َ‬
‫طا ُ‬ ‫مهها ي َعِهد ُهُ ْ‬
‫م وَ َ‬‫عهد ْهُ ْ‬
‫لولدِ وَ ِ‬ ‫ْ َ ِ َ‬ ‫وَ َ ِ ُ ْ‬
‫غُُرورا ً )‪(64‬‬
‫من تستطيع استخفافه منهم بدعوتك إياه إلى‬ ‫خِفف كل َ‬ ‫واست َ ْ‬
‫من جنودك من كل راكب‬ ‫معصيتي‪ ،‬واجمع عليهم كل ما تقدر عليه ِ‬
‫شْركة في أموالهم بأن يكسبوها من‬ ‫وراجل‪ ،‬واجعل لنفسك ِ‬
‫شْركة في الولد بتزيين الزنى والمعاصي‪ ،‬ومخالفة أوامر‬ ‫الحرام‪ ،‬و ِ‬
‫من ذرية آدم الوعود‬
‫عد ْ أتباعك ِ‬
‫الله حتى يكثر الفجور والفساد‪ ،‬و ِ‬
‫الكاذبة‪ ،‬فكل وعود الشيطان باطلة وغرور‪.‬‬

‫‪551‬‬
‫كيل ً )‪(65‬‬ ‫ن وَك ََفى ب َِرب ّ َ‬
‫ك وَ ِ‬ ‫سل ْ َ‬
‫طا ٌ‬ ‫ك عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ُ‬ ‫س لَ َ‬
‫عَباِدي ل َي ْ َ‬
‫ن ِ‬
‫إِ ّ‬
‫إن عبادي المؤمنين المخلصين الذين أطاعوني ليس لك قدرة على‬
‫من كيد‬ ‫ما وحاف ً‬
‫ظا للمؤمنين ِ‬ ‫إغوائهم‪ ،‬وكفى بربك ‪-‬أيها النبي‪ -‬عاص ً‬
‫الشيطان وغروره‪.‬‬

‫ه ك َهها َ‬
‫ن‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ض هل ِهِ إ ِن ّه ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِفي ال ْب َ ْ‬
‫حرِ ل ِت َب ْت َُغوا ِ‬ ‫م ال ُْفل ْ َ‬
‫جي ل َك ُ ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي ي ُْز ِ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫حيما ً )‪(66‬‬ ‫م َر ِ‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫سّير لكم السفن في البحر؛ لتطلبوا‬‫ربكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬هو الذي ي ُ َ‬
‫ما‬
‫رزق الله في أسفاركم وتجاراتكم‪ .‬إن الله سبحانه كان رحي ً‬
‫بعباده‪.‬‬

‫جههاك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن إ ِل ّ إ ِي ّههاهُ فَل َ ّ‬
‫مهها ن َ ّ‬ ‫عو َ‬
‫ن ت َهد ْ ُ‬
‫مه ْ‬ ‫ض ّ‬
‫ل َ‬ ‫حرِ َ‬ ‫ضّر ِفي ال ْب َ ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫سك ُ ْ‬‫م ّ‬‫ذا َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ن ك َُفورا ً )‪(67‬‬ ‫َ‬
‫سا ُ‬
‫ن ال ِن ْ َ‬ ‫م وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫إ َِلى ال ْب َّر أعَْر ْ‬
‫ضت ُ ْ‬
‫وإذا أصابتكم شدة في البحر حتى أشرفتم على الغرق والهلك‪،‬‬
‫غاب عن عقولكم الذين تعبدونهم من اللهة‪ ،‬وتذ ّ‬
‫كرتم الله القدير‬
‫وحده؛ ليغيثكم وينقذكم‪ ،‬فأخلصتم له في طلب العون والغاثة‪،‬‬
‫ما نجاكم إلى البر أعرضتم عن اليمان‬ ‫جاكم‪ ،‬فل ّ‬‫فأغاثكم ون ّ‬
‫والخلص والعمل الصالح‪ ،‬وهذا من جهل النسان وكفره‪ .‬وكان‬
‫دا لنعم الله عّز وجل‪.‬‬
‫النسان جحو ً‬

‫َ‬ ‫أ َفَأ َمنت َ‬


‫صههبا ً ث ُه ّ‬
‫مل‬ ‫حا ِ‬ ‫ل عَل َي ْك ُه ْ‬
‫م َ‬ ‫ب ال ْب َهّر أوْ ي ُْر ِ‬
‫سه َ‬ ‫جان ِ َ‬ ‫ف ب ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫س َ‬
‫خ ِ‬
‫ن يَ ْ‬‫مأ ْ‬ ‫ِ ُ ْ‬
‫كيل ً )‪(68‬‬‫م وَ ِ‬‫دوا ل َك ُ ْ‬
‫ج ُ‬
‫تَ ِ‬
‫أغََفْلتم ‪-‬أيها الناس‪ -‬عن عذاب الله‪ ،‬فأمنتم أن تنهار بكم الرض‬
‫مطركم الله بحجارة من السماء فتقتلكم‪ ،‬ثم ل تجدوا‬‫خسًفا‪ ،‬أو ي ُ ْ‬
‫من عذابه؟‬‫دا يحفظكم ِ‬ ‫أح ً‬

‫ن‬ ‫صههفا ً ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ل عَل َي ْك ُه ْ‬
‫م َقا ِ‬ ‫سه َ‬ ‫خ هَرى فَي ُْر ِ‬ ‫م ِفي ههِ ت َههاَرةً أ ُ ْ‬ ‫ن ي ُِعيد َك ُ ْ‬
‫أ َم أ َمنت َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ ِ ُ ْ‬
‫م عَل َي َْنا ب ِهِ ت َِبيعا ً )‪(69‬‬‫دوا ل َك ُ ْ‬
‫ج ُ‬
‫م ل تَ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ما ك ََفْرت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬‫ح فَي ُغْرِقَك ُ ْ‬
‫الّري ِ‬
‫‪552‬‬
‫أم أمنتم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ربكم‪ ،‬وقد كفرتم به أن يعيدكم في البحر‬
‫سر كل ما أتت عليه‪،‬‬‫حا شديدة‪ ،‬تك ّ‬‫مرة أخرى‪ ،‬فيرسل عليكم ري ً‬
‫فيغرقكم بسبب كفركم‪ ،‬ثم ل تجدوا لكم علينا أي تبعة ومطالبة؛‬
‫فإن الله لم يظلمكم مثقال ذرة؟‬

‫ن‬
‫مه ْ‬
‫م ِ‬ ‫م فِههي ال ْب َهّر َوال ْب َ ْ‬
‫حهرِ وََرَزقْن َههاهُ ْ‬ ‫مل ْن َههاهُ ْ‬
‫ح َ‬
‫م وَ َ‬ ‫وَل ََقهد ْ ك َّر ْ‬
‫من َهها ب َن ِههي آد َ َ‬
‫ضيل ً )‪(70‬‬ ‫خل َْقَنا ت َْف ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫م عََلى ك َِثيرٍ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ضل َْناهُ ْ‬
‫ت وَفَ ّ‬ ‫الط ّي َّبا ِ‬
‫خرنا لهم جميع ما‬
‫س ّ‬
‫ولقد كّرمنا ذرية آدم بالعقل وإرسال الرسل‪ ،‬و َ‬
‫خرنا لهم الدواب في البر والسفن في البحر‬
‫س ّ‬
‫في الكون‪ ،‬و َ‬
‫ضلناهم‬
‫لحملهم‪ ،‬ورزقناهم من طيبات المطاعم والمشارب‪ ،‬وف ّ‬
‫ما‪.‬‬
‫على كثير من المخلوقات تفضيل عظي ً‬

‫مين ِههِ فَ هأ ُوْل َئ ِ َ‬


‫ك‬ ‫ه ب ِي َ ِ‬
‫ي ك ِت َههاب َ ُ‬
‫ل أ ُنههاس بإمههامهم فَمه ُ‬
‫ن أوت ِه َ‬
‫ٍ ِِ َ ِ ِ ْ َ ْ‬ ‫عو ك ُه ّ َ‬ ‫م ن َهد ْ ُ‬
‫ي َهوْ َ‬
‫ن فَِتيل ً )‪(71‬‬ ‫م َول ي ُظ ْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن ك َِتاب َهُ ْ‬
‫ي َْقَرُءو َ‬
‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم البعث مبشًرا ومخوًفا‪ ،‬حين يدعو الله عز‬
‫وجل كل جماعة من الناس مع إمامهم الذي كانوا يقتدون به في‬
‫حا‪ ،‬وُأعطي كتاب أعماله بيمينه‪ ،‬فهؤلء‬
‫الدنيا‪ ،‬فمن كان منهم صال ً‬
‫يقرؤون كتاب حسناتهم فرحين مستبشرين‪ ،‬ول ي ُن َْقصون من ثواب‬
‫ق‬
‫ش ّ‬‫أعمالهم الصالحة شيًئا‪ ،‬وإن كان مقداَر الخيط الذي يكون في َ‬
‫النواة‪.‬‬

‫سِبيل ً )‪(72‬‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مى فَهُوَ ِفي ال ِ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬


‫ل َ‬ ‫مى وَأ َ‬
‫خَرةِ أعْ َ‬ ‫ن ِفي هَذِهِ أعْ َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫ومن كان في هذه الدنيا أعمى القلب عن دلئل قدرة الله فلم‬
‫يؤمن بما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهو في يوم‬
‫القيامة أشد ّ عمى عن سلوك طريق الجنة‪ ،‬وأضل طريًقا عن‬
‫الهداية والرشاد‪.‬‬

‫ري عَل َي ْن َهها غَي ْهَرهُ وَِإذا ً‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬


‫ك ل ِت َْفت َه ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي أوْ َ‬ ‫دوا ل َي َْفت ُِنون َ َ‬
‫ك عَ ْ‬ ‫ن َ‬
‫كا ُ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫خِليل ً )‪(73‬‬ ‫ك َ‬‫ذو َ‬‫خ ُ‬ ‫لت ّ َ‬

‫‪553‬‬
‫ولقد قارب المشركون أن يصرفوك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن القرآن‬
‫الذي أنزله الله إليك؛ لتختلق علينا غير ما أوحينا إليك‪ ،‬ولو فعلت ما‬
‫صا‪.‬‬
‫أرادوه لتخذوك حبيًبا خال ً‬

‫شْيئا ً قَِليل ً )‪(74‬‬ ‫َ‬


‫ن إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫ك ل ََقد ْ ك ِد ْ َ‬
‫ت ت َْرك َ ُ‬ ‫ن ث َب ّت َْنا َ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫ول أ ْ‬
‫ت أن‬‫ولول أن ثّبتناك على الحق‪ ،‬وعصمناك عن موافقتهم‪َ ،‬لقارب ْ َ‬
‫تميل إليهم ميل قليل من كثرة المعالجة ورغبتك في هدايتهم‪.‬‬

‫صيرا ً‬
‫ك عَل َي َْنا ن َ ِ‬
‫جد ُ ل َ َ‬ ‫ت ثُ ّ‬
‫م ل تَ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ضع ْ َ‬ ‫ف ال ْ َ‬
‫حَياةِ وَ ِ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫ِإذا ً ل َذ َقَْنا َ‬
‫ك ِ‬
‫)‪(75‬‬
‫كنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إلى هؤلء المشركين ركوًنا قليل فيما‬ ‫ولو َر َ‬
‫مث َْلي عذاب الحياة في الدنيا ومث َْلي عذاب‬ ‫سألوك‪ ،‬إ ً‬
‫ذا لذقناك ِ‬
‫الممات في الخرة؛ وذلك لكمال نعمة الله عليك وكمال معرفتك‪،‬‬
‫دا ينصرك ويدفع عنك عذابنا‪.‬‬ ‫ثم ل تجد أح ً‬

‫من ْهَهها وَِإذا ً ل ي َل ْب َث ُههو َ‬ ‫َ‬


‫ن‬ ‫جههو َ‬
‫ك ِ‬ ‫خرِ ُ‬
‫ض ل ِي ُ ْ‬
‫ن الْر ِ‬
‫مه ْ‬
‫ك ِ‬ ‫دوا ل َي َ ْ‬
‫سهت َِفّزون َ َ‬ ‫ن ك َهها ُ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫ك إ ِل ّ قَِليل ً )‪(76‬‬ ‫خلفَ َ‬ ‫ِ‬
‫ولقد قارب الكفار أن يخرجوك من "مكة" بإزعاجهم إّياك‪ ،‬ولو‬
‫أخرجوك منها لم يمكثوا فيها بعدك إل زمًنا قليل حتى تحل بهم‬
‫العقوبة العاجلة‪.‬‬

‫ويل ً )‪(77‬‬ ‫سل َْنا قَب ْل َ َ‬ ‫َ‬


‫ح ِ‬
‫سن ّت َِنا ت َ ْ‬
‫جد ُ ل ِ ُ‬
‫سل َِنا َول ت َ ِ‬
‫ن ُر ُ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ن قَد ْ أْر َ‬
‫م ْ‬
‫ة َ‬
‫سن ّ َ‬
‫ُ‬
‫تلك سنة الله تعالى في إهلك المة التي ُتخرج رسولها من بينها‪،‬‬
‫ولن تجد ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لسنتنا تغييًرا‪ ،‬فل خلف في وعدنا‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ال َْف ْ‬
‫ج هرِ إ ِ ّ‬ ‫ق الل ّي ْه ِ‬
‫ل وَقُ هْرآ َ‬ ‫س إ ِل َههى غَ َ‬
‫سه ِ‬ ‫م ِ‬
‫شه ْ‬ ‫ك ال ّ‬‫صلةَ ل ِهد ُُلو ِ‬‫م ال ّ‬ ‫أقِ ْ‬
‫شُهودا ً )‪(78‬‬‫م ْ‬‫ن َ‬‫كا َ‬‫جرِ َ‬ ‫ن ال َْف ْ‬
‫قُْرآ َ‬

‫‪554‬‬
‫أقم الصلة تامة من وقت زوال الشمس عند الظهيرة إلى وقت‬
‫ظلمة الليل‪ ،‬ويدخل في هذا صلة الظهر والعصر والمغرب‬
‫ل القراءة فيها؛ إن صلة الفجر‬ ‫َ‬
‫والعشاء‪ ،‬وأقم صلة الفجر‪ ،‬وأط ِ ِ‬
‫تحضرها ملئكة الليل وملئكة النهار‪.‬‬

‫مههودا ً‬ ‫َ‬
‫ح ُ‬ ‫مَقاما ً َ‬
‫م ْ‬ ‫ك َرب ّ َ‬
‫ك َ‬ ‫ن ي َب ْعَث َ َ‬
‫سى أ ْ‬ ‫ة لَ َ‬
‫ك عَ َ‬ ‫جد ْ ب ِهِ َنافِل َ ً‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل فَت َهَ ّ‬ ‫م ْ‬
‫وَ ِ‬
‫)‪(79‬‬
‫وقم ‪-‬أيها النبي‪ -‬من نومك بعض الليل‪ ،‬فاقرأ القرآن في صلة‬
‫الليل؛ لتكون صلة الليل زيادة لك في علو القدر ورفع الدرجات‪،‬‬
‫عسى أن يبعثك الله شافًعا للناس يوم القيامة؛ ليرحمهم الله مما‬
‫ما يحمدك فيه الولون والخرون‪.‬‬ ‫يكونون فيه‪ ،‬وتقوم مقا ً‬

‫جع َ ه ْ‬
‫ل ل ِههي‬ ‫ق َوا ْ‬
‫ص هد ْ ٍ‬
‫ج ِ‬
‫خَر َ‬
‫م ْ‬
‫جِني ُ‬ ‫ق وَأ َ ْ‬
‫خرِ ْ‬ ‫صد ْ ٍ‬ ‫خ َ‬
‫ل ِ‬ ‫مد ْ َ‬‫خل ِْني ُ‬ ‫ب أ َد ْ ِ‬
‫ل َر ّ‬ ‫وَقُ ْ‬
‫صيرا ً )‪(80‬‬ ‫طانا ً ن َ ِ‬
‫سل ْ َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ن ل َد ُن ْ َ‬
‫م ْ‬‫ِ‬
‫ب أدخلني فيما هو خير لي مدخل صدق‪ ،‬وأخرجني مما هو‬ ‫وقل‪ :‬ر ّ‬
‫من لدنك حجة ثابتة‪ ،‬تنصرني بها‬
‫شر لي مخرج صدق‪ ،‬واجعل لي ِ‬
‫من خالفني‪.‬‬
‫على جميع َ‬

‫هوقا ً )‪(81‬‬
‫ن َز ُ‬
‫كا َ‬ ‫ن ال َْباط ِ َ‬
‫ل َ‬ ‫حقّ وََزهَقَ ال َْباط ِ ُ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫جاءَ ال ْ َ‬ ‫وَقُ ْ‬
‫ل َ‬
‫وقل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمشركين‪ :‬جاء السلم وذهب الشرك‪ ،‬إن‬
‫الباطل ل بقاء له ول ثبات‪ ،‬والحق هو الثابت الباقي الذي ل يزول‪.‬‬

‫ن‬ ‫زيد ُ الظ ّههال ِ ِ‬


‫مي َ‬ ‫ن َول ي َ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ٌ‬
‫ح َ‬
‫شَفاءٌ وََر ْ‬
‫ما هُوَ ِ‬ ‫ن ال ُْقْرآ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬‫وَن ُن َّز ُ‬
‫سارا ً )‪(82‬‬ ‫خ َ‬ ‫إ ِل ّ َ‬
‫ن المراض‪،‬‬ ‫م َ‬
‫وننزل من آيات القرآن العظيم ما يشفي القلوب ِ‬
‫كالشك والنفاق والجهالة‪ ،‬وما يشفي البدان بُرْقيتها به‪ ،‬وما يكون‬
‫سبًبا للفوز برحمة الله بما فيه من اليمان‪ ،‬ول يزيد هذا القرآن‬
‫الكفار عند سماعه إل كفًرا وضلل؛ لتكذيبهم به وعدم إيمانهم‪.‬‬

‫‪555‬‬
‫َ‬ ‫ذا أ َنعمنا عََلى النسا َ‬
‫شهّر ك َهها َ‬
‫ن‬ ‫ه ال ّ‬
‫سه ُ‬
‫م ّ‬ ‫جههان ِب ِهِ وَإ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ض وَن َأى ب ِ َ‬
‫ن أعَْر َ‬
‫ِ َ ِ‬ ‫وَإ ِ َ ْ َ ْ َ‬
‫ي َُئوسا ً )‪(83‬‬
‫وإذا أنعمنا على النسان من حيث هو بمال وعافية ونحوهما‪ ،‬توّلى‬
‫من فقر أو مرض كان‬ ‫وتباعد عن طاعة ربه‪ ،‬وإذا أصابته شدة ِ‬
‫طا؛ لنه ل يثق بفضل الله تعالى‪ ،‬إل من عصم الله في حالتي‬ ‫قنو ً‬
‫سّرائه وضّرائه‪.‬‬

‫َ‬ ‫شاكل َت ِه فَربك ُ َ‬


‫سِبيل ً )‪(84‬‬
‫دى َ‬
‫ن هُوَ أهْ َ‬
‫م ْ‬ ‫م أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫ل عََلى َ ِ ِ َ ّ ْ‬‫م ُ‬ ‫ل كُ ّ‬
‫ل ي َعْ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس‪ :‬كل واحد منكم يعمل على ما يليق به‬
‫من الحوال‪ ،‬فربكم أعلم بمن هو أهدى طريًقا إلى الحق‪.‬‬

‫م‬ ‫ن ال ْعِ ْ‬
‫لهه‬ ‫مهه‬ ‫م‬ ‫ت‬‫تي‬ ‫ل الروح من أ َمر ربي وما ُ‬
‫أو‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ح‬‫رو‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫ويسأ َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬
‫إ ِل ّ قَِليل ً )‪(85‬‬
‫ويسألك الكفار عن حقيقة الروح تعنًتا‪ ،‬فأجبهم بأن حقيقة الروح‬
‫وأحوالها من المور التي استأثر الله بعلمها‪ ،‬وما ُأعطيتم أنتم‬
‫وجميع الناس من العلم إل شيًئا قليل‪.‬‬

‫َ‬
‫ك ب ِههِ عَل َي ْن َهها وَ ِ‬
‫كيل ً )‬ ‫جد ُ ل َ َ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ك ثُ ّ‬
‫م ل تَ ِ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬
‫ذي أوْ َ‬ ‫شئ َْنا ل َن َذ ْهَب َ ّ‬ ‫وَل َئ ِ ْ‬
‫ن ِ‬
‫‪(86‬‬
‫حوَ القرآن من قلبك َلقد َْرنا على ذلك‪ ،‬ثم ل تجد‬
‫م ْ‬
‫ولئن شئنا َ‬
‫لنفسك ناصًرا يمنعنا من فعل ذلك‪ ،‬أو يرد عليك القرآن‪.‬‬

‫ك ك َِبيرا ً )‪(87‬‬
‫ن عَل َي ْ َ‬
‫كا َ‬ ‫ضل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك إِ ّ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫م ً‬ ‫إ ِل ّ َر ْ‬
‫ح َ‬
‫ما؛‬
‫ن الله رحمك‪ ،‬فأثبت ذلك في قلبك‪ ،‬إن فضله كان عليك عظي ً‬ ‫لك ّ‬
‫فقد أعطاك هذا القرآن العظيم‪ ،‬والمقام المحمود‪ ،‬وغير ذلك مما‬
‫دا من العالمين‪.‬‬‫لم يؤته أح ً‬

‫‪556‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ذا ال ُْق هْرآ ِ‬
‫نل‬ ‫مث ْه ِ‬
‫ل هَ ه َ‬ ‫ن عََلى أ ْ‬
‫ن ي َهأُتوا ب ِ ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫س َوال ْ ِ‬‫لن ُ‬ ‫تا ِ‬ ‫مع َ ْ‬‫جت َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ل ل َئ ِ ْ‬
‫قُ ْ‬
‫ْ‬
‫ض ظ َِهيرا ً )‪(88‬‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضه ُ ْ‬
‫ن ب َعْ ُ‬ ‫مث ْل ِهِ وَل َوْ َ‬
‫كا َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ي َأُتو َ‬
‫قل‪ :‬لو اتفقت النس والجن على محاولة التيان بمثل هذا القرآن‬
‫المعجز ل يستطيعون التيان به‪ ،‬ولو تعاونوا وتظاهروا على ذلك‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ل فَأَبى أك َْثههُر الّنهها ِ‬
‫س‬ ‫مث َ ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ال ُْقْرآ ِ‬
‫ن ِ‬ ‫س ِفي هَ َ‬ ‫وَل ََقد ْ َ‬
‫صّرفَْنا ِللّنا ِ‬
‫إ ِل ّ ك ُُفورا ً )‪(89‬‬
‫وعنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ينبغي العتبار‬ ‫ولقد بي ّّنا ون َ ّ‬
‫جا بذلك عليهم؛ ليتبعوه ويعملوا به‪ ،‬فأبى أكثر الناس إل‬ ‫به؛ احتجا ً‬
‫دا للحق وإنكاًرا لحجج الله وأدلته‪.‬‬ ‫جحو ً‬

‫ض ي َن ُْبوعا ً )‪(90‬‬ ‫َ‬ ‫جَر ل ََنا ِ‬ ‫ن لَ َ‬


‫ن الْر ِ‬
‫م ْ‬ ‫حّتى ت َْف ُ‬
‫ك َ‬ ‫م َ‬ ‫وََقاُلوا ل َ ْ‬
‫ن ن ُؤْ ِ‬
‫ولما أعجز القرآن المشركين وغلبهم أخذوا يطلبون معجزات وَْفق‬
‫أهوائهم فقالوا‪ :‬لن نصدقك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ونعمل بما تقول حتى‬
‫تفجر لنا من أرض "مكة" عيًنا جارية‪.‬‬

‫جيرا ً )‪(91‬‬
‫خلل ََها ت َْف ِ‬
‫جر ا َ‬
‫لنَهاَر ِ‬ ‫ب فَت َُف ّ َ‬
‫عن َ ٍ‬
‫ل وَ ِ‬
‫خي ٍ‬
‫ن نَ ِ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫جن ّ ٌ‬ ‫ن لَ َ‬
‫ك َ‬ ‫أ َوْ ت َ ُ‬
‫كو َ‬
‫أو تكون لك حديقة فيها أنواع النخيل والعناب‪ ،‬وتجعل النهار‬
‫تجري في وسطها بغزارة‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ة‬ ‫ي ب ِههالل ّهِ َوال ْ َ‬
‫ملئ ِك َه ِ‬ ‫سههفا ً أوْ ت َهأت ِ َ‬
‫ت عَل َي َْنا ك ِ َ‬
‫م َ‬ ‫ماءَ ك َ َ‬
‫ما َزعَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫سِق َ‬
‫ط ال ّ‬ ‫أوْ ت ُ ْ‬
‫قَِبيل ً )‪(92‬‬
‫ت‪ ،‬أو تأتي لنا بالله وملئكته‪،‬‬
‫م َ‬
‫أو تسقط السماء علينا قطًعا كما َزعَ ْ‬
‫عياًنا‪.‬‬
‫فنشاهدهم مقابلة و ِ‬

‫َ‬ ‫أ َوْ ي َ ُ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ماِء وَل َه ْ‬
‫ن ن ُهؤْ ِ‬ ‫ف أوْ ت َْرقَههى فِههي ال ّ‬
‫سه َ‬ ‫خهُر ٍ‬ ‫ن ُز ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ك ب َي ْه ٌ‬‫ن ل َه َ‬‫كو َ‬
‫ت إ ِل ّ‬‫كن ه ُ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن َرب ّههي هَه ْ‬
‫حا َ‬
‫سهب ْ َ‬ ‫ؤه قُه ْ‬
‫ل ُ‬ ‫ل عَل َي َْنا ك َِتابا ً ن َْقَر ُ‬‫حّتى ت ُن َّز َ‬ ‫ك َ‬‫ل ُِرقِي ّ َ‬
‫سول ً )‪(93‬‬ ‫شرا ً َر ُ‬ ‫بَ َ‬
‫‪557‬‬
‫أو يكون لك بيت من ذهب‪ ،‬أو تصعد في درج إلى السماء‪ ،‬ولن‬
‫دقك في صعودك حتى تعود‪ ،‬ومعك كتاب من الله منشور نقرأ‬ ‫نص ّ‬
‫من تعّنت هؤلء‬
‫فيه أنك رسول الله حقا‪ .‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬متعجًبا ِ‬
‫الكفار‪ :‬سبحان ربي!! هل أنا إل عبد من عباده مبّلغ رسالته؟ فكيف‬
‫أقدر على فعل ما تطلبون؟‬

‫ه‬ ‫ن قَههاُلوا أ َب َعَه َ‬


‫ث الل ّه ُ‬
‫َ‬
‫م ال ْهُه َ‬
‫دى إ ِل ّ أ ْ‬ ‫مُنوا إ ِذ ْ َ‬
‫جاَءهُ ْ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬
‫َ‬
‫سأ ْ‬‫من َعَ الّنا َ‬
‫ما َ‬
‫وَ َ‬
‫سول ً )‪(94‬‬‫شرا ً َر ُ‬ ‫بَ َ‬
‫وما منع الكفاَر من اليمان بالله ورسوله وطاعتهما‪ ،‬حين جاءهم‬
‫البيان الكافي من عند الله‪ ،‬إل قولهم جهل وإنكاًرا‪ :‬أبعث الله‬
‫رسول من جنس البشر؟‬

‫ن ِفي ال َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ن ل َن َّزل ْن َهها عَل َي ْهِ ه ْ‬
‫م ِ‬ ‫مط ْ َ‬
‫مئ ِّني َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ُ‬
‫شو َ‬ ‫ملئ ِك َ ٌ‬
‫ة يَ ْ‬ ‫ض َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫كا َ‬‫ل ل َوْ َ‬
‫قُ ْ‬
‫سول ً )‪(95‬‬ ‫مَلكا ً َر ُ‬
‫ماِء َ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫دا على المشركين إنكارهم أن يكون الرسول‬ ‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ر ّ‬
‫من البشر‪ :‬لو كان في الرض ملئكة يمشون عليها مطمئنين‪،‬‬
‫ن أهل الرض بشر‪ ،‬فالرسول‬ ‫لرسلنا إليهم رسول من جنسهم‪ ،‬ولك ّ‬
‫إليهم ينبغي أن يكون من جنسهم؛ ليمكنهم مخاطبته وفَْهم كلمه‪.‬‬

‫صيرا ً )‪(96‬‬
‫خِبيرا ً ب َ ِ‬
‫ن ب ِعَِبادِهِ َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫شِهيدا ً ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ل ك ََفى ِبالل ّهِ َ‬
‫قُ ْ‬
‫وتي‪.‬‬‫دقي وحقيقة نب ّ‬
‫ص ْ‬
‫دا بيني وبينكم على ِ‬
‫قل لهم‪ :‬كفى بالله شهي ً‬
‫إنه سبحانه خبير بأحوال عباده‪ ،‬بصير بأعمالهم‪ ،‬وسيجازيهم عليها‪.‬‬

‫ل فَل َهن تجهد ل َهه َ‬


‫ن‬ ‫مه ْ‬‫م أوْل ِي َههاَء ِ‬ ‫ْ َ ِ َ ُ ْ‬ ‫ض هل ِ ْ‬
‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬‫دي وَ َ‬ ‫مهْت َ ِ‬‫ه فَهُوَ ال ْ ُ‬ ‫ن ي َهْدِ الل ّ ُ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫ما ً‬ ‫كم ها ً وَ ُ‬
‫صه ّ‬ ‫ميها ً وَب ُ ْ‬
‫م عُ ْ‬ ‫م هةِ عَل َههى وَ ُ‬
‫جههوهِهِ ْ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫م ي َهوْ َ‬ ‫ش هُرهُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫دون ِههِ وَن َ ْ‬ ‫ُ‬
‫سِعيرا ً )‪(97‬‬ ‫ْ‬
‫م َ‬ ‫ت زِد َْناهُ ْ‬ ‫خب َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م ك ُل ّ َ‬‫جهَن ّ ُ‬‫م َ‬ ‫مأَواهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ومن يهده الله فهو المهتدي إلى الحق‪ ،‬ومن يضلله فيخذْله وي َك ِْله‬
‫ضلل يبعثهم الله‬ ‫إلى نفسه فل هادي له من دون الله‪ ،‬وهؤلء ال ّ‬
‫يوم القيامة‪ ،‬ويحشرهم على وجوههم‪ ،‬وهم ل يرون ول ينطقون ول‬

‫‪558‬‬
‫يسمعون‪ ،‬مصيرهم إلى نار جهنم الملتهبة‪ ،‬كلما سكن لهيبها‪،‬‬
‫وخمدت نارها‪ ،‬زدناهم ناًرا ملتهبة متأججة‪.‬‬

‫ظام ها ً وَُرَفات ها ً أ َئ ِن ّهها‬


‫ع َ‬ ‫م ك ََفُروا ِبآَيات َِنا وََقاُلوا أ َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ذا ك ُن ّهها ِ‬ ‫جَزاؤُهُ ْ‬
‫م ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ك َ‬‫ذ َل ِ َ‬
‫ديدا ً )‪(98‬‬ ‫خْلقا ً َ‬
‫ج ِ‬ ‫ن َ‬ ‫لَ َ‬
‫مب ُْعوُثو َ‬
‫صف من العذاب عقاب للمشركين؛ بسبب كفرهم بآيات‬ ‫هذا الذي وُ ِ‬
‫وهم إلى عبادته‪ ،‬وقولهم‬ ‫الله وحججه‪ ،‬وتكذيبهم رسله الذين د َعَ ْ‬
‫ما‬ ‫ُ‬
‫صْرنا عظا ً‬
‫استنكاًرا ‪ -‬إذا أمروا بالتصديق بالبعث ‪ :-‬أإذا متنا و ِ‬
‫خل ًْقا جدي ً‬
‫دا؟‬ ‫بالية وأجزاًء متفتتة ُنبعث بعد ذلك َ‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫خل ُقَ‬ ‫ض َقادٌِر عََلى أ ْ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬
‫م ََ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ن الل ّ َ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫م ي ََرْوا أ ّ‬
‫ن إ ِل ّ ك ُُفورا ً )‪(99‬‬ ‫ب ِفيهِ فَأَبى ال ّ‬ ‫ل ل َه َ‬
‫مو َ‬‫ظال ِ ُ‬ ‫جل ً ل َري ْ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫جع َ َ ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬‫مث ْل َهُ ْ‬‫ِ‬
‫أ َغ ََفل هؤلء المشركون‪ ،‬فلم يتبصروا ويعلموا أن الله الذي خلق‬
‫السموات والرض وما فيهن من المخلوقات على غير مثال سابق‪،‬‬
‫قادر على أن يخلق أمثالهم بعد فنائهم؟ وقد جعل الله لهؤلء‬
‫دا لموتهم وعذابهم‪ ،‬ل شك أنه آتيهم‪ ،‬ومع‬‫المشركين وقًتا محد ً‬
‫دا لدين الله عّز وج ّ‬
‫ل‪.‬‬ ‫وضوح الحق ودلئله أبى الكافرون إل جحو ً‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫لنَفهها ِ‬
‫ةا ِ‬ ‫خ ْ‬
‫شههي َ َ‬ ‫سك ْت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫مةِ َرّبي ِإذا ً ل ْ‬
‫م َ‬ ‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬
‫خَزائ ِ َ‬
‫ن َ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ل ل َوْ أنت ُ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن قَُتورا ً )‪(100‬‬ ‫سا ُ‬‫ن ال ِن ْ َ‬ ‫كا َ‬‫وَ َ‬

‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين ‪ :‬لو كنتم تملكون خزائن رحمة‬
‫ربي التي ل تنفد ول تبيد إ ً‬
‫ذا لبخلتم بها‪ ،‬فلم تعطوا منها غيركم‬
‫من نفادها فتصبحوا فقراء‪ .‬ومن شأن النسان أنه بخيل بما‬ ‫خوًفا ِ‬
‫من عصم الله باليمان‪.‬‬ ‫في يده إل َ‬

‫م‬
‫جههاءَهُ ْ‬ ‫سهَراِئي َ‬
‫ل إ ِذ ْ َ‬ ‫ل ب َن ِههي إ ِ ْ‬ ‫ت َفا ْ‬
‫سأ ْ‬ ‫ت ب َي َّنا ٍ‬
‫سعَ آَيا ٍ‬ ‫سى ت ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫وَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ‬
‫حورا ً )‪(101‬‬ ‫س ُ‬‫م ْ‬‫سى َ‬ ‫مو َ‬‫ك َيا ُ‬ ‫ن إ ِّني ل َظ ُن ّ َ‬
‫ه فِْرعَوْ ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫فََقا َ‬
‫دق نبوته‬‫ص ْ‬
‫ولقد آتينا موسى تسع معجزات واضحات شاهدات على ِ‬
‫وهي‪ :‬العصا واليد والسنون ونقص الثمرات والطوفان والجراد‬

‫‪559‬‬
‫والقمل والضفادع والدم‪ ،‬فاسأل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬اليهود سؤال تقرير‬
‫حين جاء موسى أسلفهم بمعجزاته الواضحات‪ ،‬فقال فرعون‬
‫عا مغلوًبا على عقلك‬
‫لموسى‪ :‬إني لظنك ‪-‬يا موسى‪ -‬ساحرا‪ ،‬مخدو ً‬
‫بما تأتيه من غرائب الفعال‪.‬‬

‫صههائ َِر‬
‫ض بَ َ‬
‫َ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫سه َ‬ ‫ؤلء إ ِل ّ َر ّ‬
‫ب ال ّ‬ ‫مهها َأنهَز َ‬
‫ل ه َه ُ‬ ‫ت َ‬‫مه َ‬ ‫ل ل ََقهد ْ عَل ِ ْ‬
‫َقا َ‬
‫مث ُْبورا ً )‪(102‬‬ ‫ن َ‬‫ك َيا فِْرعَوْ ُ‬ ‫وَإ ِّني ل َظ ُن ّ َ‬

‫ت ‪-‬يا فرعون‪ -‬أنه ما أنزل تلك‬‫فرد ّ عليه موسى‪ :‬لقد تيّقن َ‬


‫المعجزات التسع الشاهدة على صدق نبوتي إل رب السموات‬
‫دل بها أولو البصائر على وحدانية الله‬
‫والرض؛ لتكون دللت َيست ِ‬
‫تعالى في ربوبيته وألوهيته‪ ،‬وإني لعلى يقين أنك ‪-‬يا فرعون‪ -‬هالك‬
‫ملعون مغلوب‪.‬‬

‫ميعا ً )‪(103‬‬ ‫َ‬ ‫من ال َ‬ ‫فَأ َراد أ َ‬


‫ج ِ‬
‫ه َ‬
‫مع َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫ض فَأغَْرقَْناهُ وَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫س‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫من أرض‬
‫فأراد فرعون أن يزعج موسى ويخرجه مع بني إسرائيل ِ‬
‫من جندٍ في البحر عقاًبا لهم‪.‬‬
‫من معه ِ‬
‫"مصر"‪ ،‬فأغرقناه و َ‬

‫َ‬ ‫وَقُل َْنا ِ‬


‫ة‬
‫خهَر ِ‬
‫عهد ُ ال ِ‬
‫جهاءَ وَ ْ‬
‫ذا َ‬ ‫سك ُُنوا الْر َ‬
‫ض فَإ ِ َ‬ ‫سَراِئي َ‬
‫لا ْ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ل ِب َِني إ ِ ْ‬
‫م ْ‬
‫م ل َِفيفا ً )‪(104‬‬ ‫جئ َْنا ب ِك ُ ْ‬
‫ِ‬
‫وقلنا من بعد هلك فرعون وجنده لبني إسرائيل‪ :‬اسكنوا أرض‬
‫من قبوركم إلى‬
‫"الشام"‪ ،‬فإذا جاء يوم القيامة جئنا بكم جميًعا ِ‬
‫موقف الحساب‪.‬‬

‫ذيرا ً )‪(105‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫شرا ً وَن َ ِ‬ ‫سل َْنا َ‬
‫ك إ ِل ّ ُ‬
‫مب َ ّ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫حقّ أنَزل َْناهُ وَِبال ْ َ‬
‫حقّ ن ََز َ‬
‫ل وَ َ‬ ‫وَِبال ْ َ‬
‫ر‬
‫مه ِ‬
‫وبالحق أنزلنا هذا القرآن على محمد صهلى اللهه عليهه وسهلم ل ْ‬
‫العبههاد ونهيهههم وثههوابهم وعقههابهم‪ ،‬وبالصههدق والعههدل والحفههظ مههن‬
‫التغيير والتبديل نزل‪ .‬وما أرسلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل مبشًرا بالجنههة‬
‫لمن أطاع‪ ،‬ومخوًفا بالنار لمن عصى وكفر‪.‬‬

‫‪560‬‬
‫َ‬
‫ث وَن َّزل َْناهُ َتن ِ‬
‫زيل ً )‪(106‬‬ ‫س عََلى ُ‬
‫مك ْ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫وَقُْرآنا فََرقَْناهُ ل ِت َْقَرأهُ عَلى الّنا ِ‬
‫صلناه فارًقا بيههن‬
‫وأنزلنا إليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قرآًنا بّيناه وأحكمناه وفَ ّ‬
‫الهههدى والضههلل والحههق والباطههل؛ لتقههرأه علههى النههاس فههي تههؤدة‬
‫وتمهّههل‪ ،‬ون َّزْلنههاه مفّرقًهها‪ ،‬شههيًئا بعههد شههيء‪ ،‬علههى حسههب الحههوادث‬
‫ومقتضيات الحوال‪.‬‬

‫ذا ي ُت ْل َههى‬ ‫ل آمنوا به أ َو ل تؤْمنوا إن ال ّهذي ُ‬


‫ن قَب ْل ِههِ إ ِ َ‬
‫مه ْ‬ ‫ن أوت ُههوا ال ْعِل ْه َ‬
‫م ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ ِ ُ ِ ّ‬ ‫قُ ْ ِ ُ ِ ِ ْ‬
‫جدا ً )‪(107‬‬ ‫خرو َ َ‬
‫س ّ‬ ‫ن ل ِلذ َْقا ِ‬
‫ن ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م يَ ِ ّ‬
‫منوا بالقرآن أو ل تؤمنوا؛ فههإن‬‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المكذبين‪ :‬آ ِ‬
‫صا‪ .‬إن العلماء الههذين‬
‫حق به نق ً‬ ‫إيمانكم ل يزيده كمال وتكذيبكم ل ي ُل ْ ِ‬
‫من قبههل القههرآن‪ ،‬وعرفههوا حقيقههة الههوحي‪ ،‬إذا‬ ‫أوتوا الكتب السابقة ِ‬
‫قرئ عليهم القرآن يخشعون‪ ،‬فيسجدون على وجوههم لله سههبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬

‫ن وَعْد ُ َرب َّنا ل َ َ‬


‫مْفُعول ً )‪(108‬‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ن َرب َّنا إ ِ ْ‬
‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬ ‫وَي َُقوُلو َ‬
‫ن ُ‬
‫ويقول هؤلء الههذين أوتههوا العلههم عنههد سههماع القههرآن‪ :‬تنزيهًهها لربنهها‬
‫وتبرئة له مما يصفه المشركون به‪ ،‬مهها كههان وعههد اللههه تعههالى مههن‬
‫ثواب وعقاب إل واقًعا حًقا ‪.‬‬

‫شوعا ً )‪(109‬‬ ‫ن ي َب ْ ُ‬ ‫خرو َ َ‬


‫خ ُ‬
‫م ُ‬
‫زيد ُهُ ْ‬
‫ن وَي َ ِ‬
‫كو َ‬ ‫ن ل ِلذ َْقا ِ‬ ‫وَي َ ِ ّ‬
‫ويقع هؤلء ساجدين على وجوههم‪ ،‬يبكههون تههأثًرا بمههواعظ القههرآن‪،‬‬
‫عا لمر الله وعظيم قدرته‪.‬‬ ‫ويزيدهم سماع القرآن ومواعظه خضو ً‬

‫َ‬ ‫عوا الرحم َ‬ ‫ه أ َوْ اد ْ ُ‬


‫س هَنى‬ ‫ماءُ ال ْ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫سه َ‬ ‫عوا فَل َ ُ‬
‫ه ال ْ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫ن أي ّا ً َ‬ ‫ّ ْ َ َ‬ ‫عوا الل ّ َ‬ ‫ل اد ْ ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫سِبيل ً )‪(110‬‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ت ب َِها َواب ْت َِغ ب َي ْ َ‬
‫خافِ ْ‬
‫ك َول ت ُ َ‬ ‫صلت ِ َ‬ ‫جهَْر ب ِ َ‬ ‫َول ت َ ْ‬
‫قل ‪-‬أيههها الرسههول‪ -‬لمشههركي قومههك الههذين أنكههروا عليههك الههدعاء‬
‫بقولك‪ :‬يا ألله يا رحمن‪ ،‬ادعوا الله‪ ،‬أو ادعوا الرحمن‪ ،‬فبأي أسمائه‬

‫‪561‬‬
‫دا؛ لن أسهماءه كلهها حسهنى‪ .‬ول‬ ‫دعوتموه فهإنكم تهدعون رًبها واحه ً‬
‫س هّر بههها فل‬
‫تجهر بالقراءة في صلتك‪ ،‬فيسههمعك المشههركون‪ ،‬ول ت ُ ِ‬
‫يسمعك أصحابك‪ ،‬وكن وس ً‬
‫طا بين الجهر والهمس‪.‬‬

‫مل ْ ه ِ‬
‫ك‬ ‫ك فِههي ال ْ ُ‬
‫ري ٌ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه َ‬
‫شه ِ‬ ‫خذ ْ وََلدا ً وَل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ذي ل َ ْ‬
‫م ي َت ّ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫وَقُ ْ‬
‫ل وَك َب ّْرهُ ت َك ِْبيرا ً )‪(111‬‬ ‫ن الذ ّ ّ‬
‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬
‫وقل ‪-‬أيها الرسول‪ : -‬الحمد لله الذي له الكمال والثناء‪ ،‬الههذي تن هّزه‬
‫من خلقه‬ ‫ي ِ‬‫عن الولد والشريك في ألوهيته‪ ،‬ول يكون له سبحانه ول ّ‬
‫مها‬
‫ظمهه تعظي ً‬ ‫فهو الغني القوي‪ ،‬وهم الفقهراء المحتهاجون إليهه‪ ،‬وع ّ‬
‫ما بالثناء عليه وعبادته وحده ل شريك له‪ ،‬وإخلص الدين كله له‪.‬‬ ‫تا ً‬

‫‪ -18‬سورة الكهف‬

‫جا )‪(1‬‬
‫عو َ َ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫جع َ ْ‬ ‫ب وَل َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ذي َأنَز َ‬
‫ل عََلى عَب ْدِهِ ال ْك َِتا َ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ح ْ‬
‫الثناء على الله بصفاته التي كّلها أوصههاف كمههال‪ ،‬وبنعمههه الظههاهرة‬
‫ضل فأنزل على عبههده ورسههوله‬ ‫والباطنة‪ ،‬الدينية والدنيوية‪ ،‬الذي تف ّ‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم القرآن‪ ،‬ولم يجعل فيه شيًئا من الميل‬
‫عن الحق‪.‬‬

‫مل ُههو َ‬
‫ن‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ن ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م هؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ش هَر ال ْ ُ‬ ‫ن ل َهد ُن ْ ُ‬
‫ه وَي ُب َ ّ‬ ‫م ْ‬‫ديدا ً ِ‬ ‫قَّيما ً ل ُِينذَِر ب َْأسا ً َ‬
‫ش ِ‬
‫ن ِفيهِ أ ََبدا ً )‪(3‬‬ ‫ماك ِِثي َ‬ ‫سنا ً )‪َ (2‬‬ ‫ح َ‬‫جرا ً َ‬
‫الصال ِحات أ َن ل َه َ‬
‫مأ ْ‬‫ّ َ ِ ّ ُ ْ‬
‫ما‪ ،‬ل اختلف فيه ول تناقض؛ لينههذر الكههافرين‬ ‫جعله الله كتاًبا مستقي ً‬
‫من عذاب شديد من عنده‪ ،‬ويبشر المصدقين بالله ورسههوله الههذين‬
‫يعملون العمال الصالحات‪ ،‬بأن لهم ثواًبا جزيل هو الجنههة‪ ،‬يقيمههون‬
‫دا‪.‬‬
‫في هذا النعيم ل يفارقونه أب ً‬

‫ه وََلدا ً )‪(4‬‬
‫خذ َ الل ّ ُ‬
‫ن َقاُلوا ات ّ َ‬ ‫وَُينذَِر ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪562‬‬
‫وينذر به المشركين الذين قالوا‪ :‬اتخذ الله ولدا‪.‬‬

‫خهرج مه َ‬
‫ن‬
‫م إِ ْ‬ ‫ن أف ْ ه َ‬
‫واهِهِ ْ‬ ‫ة تَ ْ ُ ُ ِ ْ‬ ‫ت ك َل ِ َ‬
‫مه ً‬ ‫عل ْم ٍ َول لَبائ ِهِ ْ‬
‫م ك َب َُر ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬
‫م ب ِهِ ِ‬ ‫َ‬
‫ذبا )‪(5‬‬‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن إ ِل ك ِ‬ ‫ُ‬
‫ي َُقولو َ‬
‫دعونه لله من‬ ‫ليس عند هؤلء المشركين شيء من العلم على ما ي َ ّ‬
‫ظمت هذه‬ ‫اتخاذ الولد‪ ،‬كما لم يكن عند أسلفهم الذين قّلدوهم‪ ،‬عَ ُ‬
‫المقالة الشنيعة التي تخرج من أفواههم‪ ،‬ما يقولون إل قول كاذًبا‪.‬‬

‫سههفا ً )‬ ‫َ‬
‫ثأ َ‬‫دي ِ‬ ‫ذا ال ْ َ‬
‫حه ِ‬ ‫مُنوا ب ِهَ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫ك عََلى آَثارِهِ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫س َ‬
‫خعٌ ن َْف َ‬ ‫فَل َعَل ّ َ‬
‫ك َبا ِ‬
‫‪(6‬‬
‫ما وحزًنا على أثر توّلي قومك‬
‫مهِْلك نفسك غ ّ‬
‫فلعلك ‪-‬أيها الرسول‪ُ -‬‬
‫دقوا بهذا القرآن ويعملوا به‪.‬‬
‫وإعراضهم عنك‪ ،‬إن لم يص ّ‬

‫مل ً )‪(7‬‬ ‫ة ل َها ل ِنبل ُوهُم أ َيه َ‬ ‫جعَل َْنا ما عََلى ال َ‬


‫ن عَ َ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫مأ ْ‬‫ض ِزين َ ً َ َ ْ َ ْ ّ ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫إ ِّنا َ‬
‫جمال لها‪ ،‬ومنفعة‬
‫إّنا جعلنا ما على وجه الرض من المخلوقات َ‬
‫لهلها؛ لنختبرهم‪ :‬أّيهم أحسن عمل بطاعتنا‪ ،‬وأيهم أسوأ عمل‬
‫بالمعاصي‪ ،‬ونجزي كل بما يستحق‪.‬‬

‫جُرزا ً )‪(8‬‬
‫صِعيدا ً ُ‬
‫ما عَل َي َْها َ‬ ‫عُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫وَإ ِّنا ل َ َ‬
‫جا ِ‬
‫وإّنا لجاعلون ما على الرض من تلك الزينة عند انقضاء الدنيا تراًبا‪،‬‬
‫ل نبات فيه‪.‬‬

‫جبا ً )‪(9‬‬ ‫أ َم حسبت أ َ َ‬


‫ن آَيات َِنا عَ َ‬
‫م ْ‬
‫كاُنوا ِ‬ ‫ب ال ْك َهْ ِ‬
‫ف َوالّرِقيم ِ َ‬ ‫حا َ‬
‫ص َ‬
‫نأ ْ‬‫ْ َ ِ ْ َ ّ‬
‫ل تظن ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أن قصة أصحاب الكهف واللوح الذي ك ُِتبت‬
‫فيه أسماؤهم من آياتنا عجيبة وغريبة؛ فإن خلق السموات والرض‬
‫وما فيهما أعجب من ذلك‪.‬‬

‫‪563‬‬
‫ئ ل َن َهها‬
‫ة وَهَي ّه ْ‬
‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫ن ل َد ُن ْ َ‬
‫ك َر ْ‬ ‫ف فََقاُلوا َرب َّنا آت َِنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫إ ِذ ْ أ ََوى ال ِْفت ْي َ ُ‬
‫ة إ َِلى ال ْك َهْ ِ‬
‫شدا ً )‪(10‬‬ ‫مرَِنا َر َ‬ ‫م َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫اذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬حين لجأ الشّبان المؤمنون إلى الكهف؛ خشية‬
‫من فتنة قومهم لهم‪ ،‬وإرغامهم على عبادة الصنام‪ ،‬فقالوا‪ :‬ربنا‬
‫سر لنا‬‫من عندك رحمة‪ ،‬تثبتنا بها‪ ،‬وتحفظنا من الشر‪ ،‬وي ّ‬ ‫أعطنا ِ‬
‫الطريق الصواب الذي يوصلنا إلى العمل الذي تحب‪ ،‬فنكون‬
‫راشدين غير ضالين‪.‬‬

‫ددا ً )‪(11‬‬
‫ن عَ َ‬
‫سِني َ‬ ‫م ِفي ال ْك َهْ ِ‬
‫ف ِ‬ ‫ضَرب َْنا عََلى آ َ‬
‫ذان ِهِ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫فألقينا عليهم النوم العميق‪ ،‬فبقوا في الكهف سنين كثيرة‪.‬‬

‫مدا ً )‪(12‬‬ ‫َ‬ ‫حزبي َ‬ ‫م أ َيّ ال ْ‬


‫ما ل َب ُِثوا أ َ‬
‫صى ل ِ َ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫م ل ِن َعْل َ َ‬
‫م ب َعَث َْناهُ ْ‬
‫ثُ ّ‬
‫من نومهم؛ لُنظهر للناس ما علمناه في الزل؛ فتتمّيز‬
‫ثم أيقظناهم ِ‬
‫أي الطائفتين المتنازعتين في مدة لبثهم أضبط في الحصاء‪ ،‬وهل‬
‫ما أو بعض يوم‪ ،‬أو مدة طويلة؟‬
‫لبثوا يو ً‬

‫نحن نُقص عل َي َ َ‬
‫دى‬
‫م ه ُه ً‬
‫م وَزِد َْنهاهُ ْ‬
‫مُنوا ب َِرب ّهِ ْ‬
‫ةآ َ‬
‫م فِت ْي َ ٌ‬ ‫م ِبال ْ َ‬
‫حقّ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ك ن َب َأهُ ْ‬‫ّ َ ْ‬ ‫َ ْ ُ َ‬
‫)‪(13‬‬
‫ص عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬خبرهم بالصدق‪ .‬إن أصحاب الكهف‬ ‫نحن نق ّ‬
‫دناهم هدى وثباًتا على الحق‪.‬‬
‫دقوا ربهم وامتثلوا أمره‪ ،‬وزِ ْ‬ ‫ُ‬
‫شّبان ص ّ‬

‫َ‬
‫ض لَ ْ‬
‫ن‬ ‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫موا فََقاُلوا َرب َّنا َر ّ‬
‫ب ال ّ‬ ‫م إ ِذ ْ َقا ُ‬‫وََرب َط َْنا عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬
‫ططا ً )‪(14‬‬ ‫ش َ‬ ‫دون ِهِ إ َِلها ً ل ََقد ْ قُل َْنا ِإذا ً َ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ن َد ْعُوَ ِ‬
‫وينا قلوبهم باليمان‪ ،‬وشددنا عزيمتهم به‪ ،‬حين قاموا بين يدي‬ ‫وق ّ‬
‫ك عبادة الصنام فقالوا له‪ :‬ربنا‬‫الملك الكافر‪ ،‬وهو يلومهم على ت َْر ِ‬
‫الذي نعبده هو رب السموات والرض‪ ،‬لن نعبد غيره من اللهة‪ ،‬لو‬
‫دا عن الحق‪.‬‬‫قلنا غير هذا لك ُّنا قد قلنا قول جائًرا بعي ً‬

‫‪564‬‬
‫س هل ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫ن ب َي ّه ٍ‬
‫طا ٍ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ه ْ‬
‫م بِ ُ‬ ‫ة لَ ْ‬
‫ول ي َهأُتو َ‬ ‫دون ِهِ آل ِهَ ً‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫خ ُ‬
‫ذوا ِ‬ ‫ؤلِء قَوْ ُ‬
‫مَنا ات ّ َ‬ ‫هَ ُ‬
‫ذبا ً )‪(15‬‬ ‫َ‬
‫ن افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َ ِ‬‫م ْ‬‫م ّ‬
‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬
‫م ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ثم قال بعضهم لبعض‪ :‬هؤلء قومنا اتخذوا لهم آلهة غير الله‪ ،‬فهل‬
‫ما ممن اختلق‬ ‫وا على عبادتهم لها بدليل واضح‪ ،‬فل أحد أشد ظل ً‬
‫أت َ ْ‬
‫على الله الكذب بنسبة الشريك إليه في عبادته‪.‬‬

‫ْ‬
‫ش هْر ل َك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ه فَأُووا إ ِل َههى ال ْك َهْ ه ِ‬
‫ف َين ُ‬ ‫ن إ ِل ّ الل ّ َ‬
‫دو َ‬
‫ما ي َعْب ُ ُ‬
‫م وَ َ‬ ‫وَإ ِذ ْ اعْت ََزل ْت ُ ُ‬
‫موهُ ْ‬
‫مرَفقا ً )‪(16‬‬ ‫ربك ُم من رحمت ِه ويهيئ ل َك ُم م َ‬
‫م ِ‬ ‫مرِك ُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫َ ّ ْ ِ ْ َ ْ َ ِ ََُّ ْ‬
‫وحين فارقتم قومكم بدينكم‪ ،‬وتركتم ما يعبدون من اللهة إل عبادة‬
‫ط لكم‬‫الله‪ ،‬فالجؤوا إلى الكهف في الجبل لعبادة ربكم وحده‪ ،‬ي َْبس ْ‬
‫ربكم من رحمته ما يستركم به في الدارين‪ ،‬ويسهل لكم من‬
‫أمركم ما تنتفعون به في حياتكم من أسباب العيش‪.‬‬

‫ن وَإ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫مي ه ِ‬‫ت ال ْي َ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ك َهِْفهِ ه ْ‬ ‫ت ت َت َهَزاوَُر عَ ه ْ‬ ‫ذا ط َل َعَ ه ْ‬ ‫س إِ َ‬ ‫م َ‬ ‫شه ْ‬ ‫وَت َهَرى ال ّ‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه ذ َل ِ َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫جوَةٍ ِ‬ ‫م ِفي فَ ْ‬ ‫ل وَهُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫م َ‬‫ضه ُ ْ‬
‫ت ت َْقرِ ُ‬ ‫غََرب َ ْ‬
‫شدا ً )‪(17‬‬ ‫مْر ِ‬ ‫ه وَل ِي ّا ً ُ‬
‫جد َ ل َ ُ‬
‫ن تَ ِ‬‫ل فَل َ ْ‬
‫ضل ِ ْ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬‫دي وَ َ‬ ‫مهْت َ ِ‬‫ه فَهُوَ ال ْ ُ‬‫ن ي َهْدِ الل ّ ُ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫فظهم‪ .‬وترى ‪-‬أيها‬
‫ح ِ‬
‫فلما فعلوا ذلك ألقى الله عليهم النوم و َ‬
‫المشاهد لهم‪ -‬الشمس إذا طلعت من المشرق تميل عن مكانهم‬
‫إلى جهة اليمين‪ ،‬وإذا غربت تتركهم إلى جهة اليسار‪ ،‬وهم في‬
‫متسع من الكهف‪ ،‬فل تؤذيهم حرارة الشمس ول ينقطع عنهم‬
‫الهواء‪ ،‬ذلك الذي فعلناه بهؤلء الفتية من دلئل قدرة الله‪ .‬من‬
‫يوفقه الله للهتداء بآياته فهو الموّفق إلى الحق‪ ،‬ومن لم يوفقه‬
‫خ ْ‬
‫ذلن‬ ‫لذلك فلن تجد له معيًنا يرشده لصابة الحق؛ لن التوفيق وال ِ‬
‫بيد الله وحده‪.‬‬

‫وتحسبه َ‬
‫ل‬ ‫ما ِ‬
‫شه َ‬‫ت ال ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مي ه ِ‬ ‫ت ال ْي َ ِ‬ ‫ذا َ‬‫م َ‬‫م ُرقُههود ٌ وَن َُقل ّب ُهُ ه ْ‬‫م أي َْقاظا ً وَهُ ه ْ‬ ‫ََ ْ َ ُُ ْ‬
‫م ِفههَرارا ً‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫م ل َوَل ّي ْ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬‫صيدِ ل َوْ اط ّل َعْ َ‬ ‫ط ذَِراعَي ْهِ ِبال ْوَ ِ‬
‫س ٌ‬ ‫م َبا ِ‬ ‫وَك َل ْب ُهُ ْ‬
‫عبا ً )‪(18‬‬ ‫م ُر ْ‬‫من ْهُ ْ‬‫ت ِ‬‫مل ِئ ْ َ‬‫وَل َ ُ‬
‫وتظن ‪-‬أيها الناظر‪ -‬أهل الكهف أيقا ً‬
‫ظا‪ ،‬وهم في الواقع نيام‪،‬‬
‫ونتعهدهم بالرعاية‪ ،‬فن َُقّلبهم حال نومهم مرة للجنب اليمن ومرة‬
‫‪565‬‬
‫حبهم ماد ّ ذراعيه‬
‫للجنب اليسر؛ لئل تأكلهم الرض‪ ،‬وكلبهم الذي صا َ‬
‫ت نفسك منهم‬ ‫بفناء الكهف‪ ،‬لو عاينتهم لدبرت عنهم هارًبا‪ ،‬ول َ ُ‬
‫مل ِئ َ ْ‬
‫عا‪.‬‬
‫فز ً‬

‫م َقاُلوا ل َب ِث ْن َهها‬ ‫م ل َب ِث ْت ُ ْ‬ ‫م كَ ْ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ل َقائ ِ ٌ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ساَءُلوا ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك ب َعَث َْناهُ ْ‬
‫م ل ِي َت َ َ‬
‫َ‬ ‫يوما ً أ َو بعض يوم َقاُلوا ربك ُ َ‬
‫م‬‫م ِبههوَرِقِك ُ ْ‬ ‫حد َك ُ ْ‬ ‫م َفاب ْعَُثوا أ َ‬ ‫ما ل َب ِث ْت ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫م أعْل َ ُ‬ ‫َ ّ ْ‬ ‫ْ َْ َ َ ْ ٍ‬ ‫َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫من ْه ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ب ِهرِْز ٍ‬ ‫دين َهةِ فَل َْينظ ُهْر أي ّهَهها أْزك َههى ط ََعامها ً فَل ْي َهأت ِك ُ ْ‬ ‫هَهذِهِ إ ِل َههى ال ْ َ‬
‫م ِ‬
‫حدا ً )‪(19‬‬ ‫شعِرن بك ُ َ‬ ‫وَل ْي َت َل َط ّ ْ‬
‫مأ َ‬ ‫ف َول ي ُ ْ َ ّ ِ ْ‬
‫من نومهم‬ ‫وكما أنمناهم وحفظناهم هذه المدة الطويلة أيقظناهم ِ‬
‫ضا‪ :‬كم من الوقت‬‫على هيئتهم دون تغّير؛ لكي يسأل بعضهم بع ً‬
‫مكثنا نائمين هنا؟ فقال بعضهم‪ :‬مكثنا يوما أو بعض يوم‪ ،‬وقال‬
‫عْلم ذلك لله‪ ،‬فربكم أعلم‬
‫وضوا ِ‬ ‫آخرون التبس عليهم المر‪ :‬فَ ّ‬
‫سلوا أحدكم بنقودكم الفضية هذه إلى‬ ‫بالوقت الذي مكثتموه‪ ،‬فأر ِ‬
‫ما؟ فليأتكم بقوت‬
‫ل وأطيب طعا ً‬ ‫مدينتنا فلينظر‪ :‬أيّ أهل المدينة أح ّ‬
‫منه‪ ،‬وليتلطف في شرائه مع البائع حتى ل ننكشف‪ ،‬ويظهر أمرنا‪،‬‬
‫دا من الناس‪.‬‬ ‫ن بكم أح ً‬
‫م ّ‬
‫ول ي ُعْل ِ َ‬

‫إنه هم إن يظ ْه هروا عَل َيك ُهم يرجمههوك ُ َ‬


‫م وَل َه ْ‬
‫ن‬ ‫مل ّت ِهِ ه ْ‬ ‫دوك ُ ْ‬
‫م فِههي ِ‬ ‫م أوْ ي ُِعي ه ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ ْ َْ ُ ُ‬ ‫ِّ ُ ْ ِ ْ َ َ ُ‬
‫حوا ِإذا ً أ ََبدا ً )‪(20‬‬
‫ت ُْفل ِ ُ‬
‫طلعوا عليكم يرجموكم بالحجارة‪ ،‬فيقتلوكم‪ ،‬أو‬ ‫إن قومكم إن ي ّ‬
‫من دخول‬‫يردوكم إلى دينهم‪ ،‬فتصيروا كفاًرا‪ ،‬ولن تفوزوا بمطلبكم ِ‬
‫دا‪.‬‬
‫الجنة ‪-‬إن فعلتم ذلك‪ -‬أب ً‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫وك َذ َل ِ َ َ‬


‫ب‬‫ة ل َري ْه َ‬‫سههاعَ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫حقّ وَأ ّ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫م ل ِي َعْل َ ُ‬‫ك أعْث َْرَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫م أعْل ه ُ‬ ‫م ب ُن َْيان ها َرب ّهُ ه ْ‬ ‫م فََقالوا اب ُْنوا عَلي ْهِ ه ْ‬ ‫مَرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن ب َي ْن َهُ ْ‬
‫عو َ‬‫ِفيَها إ ِذ ْ ي َت ََناَز ُ‬
‫جدا ً )‪(21‬‬ ‫َ‬
‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬
‫خذ َ ّ‬‫م ل َن َت ّ ِ‬
‫مرِهِ ْ‬‫ن غَل َُبوا عََلى أ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ب ِهِ ْ‬
‫وكما أنمناهم سنين كثيرة‪ ،‬وأيقظناهم بعدها‪ ،‬أط َْلعنا عليهم أهل‬
‫ذلك الزمان‪ ،‬بعد أن كشف البائع نوع الدراهم التي جاء بها‬
‫ن وَعْد َ الله بالبعث حق‪ ،‬وأن القيامة آتية ل‬
‫مبعوثهم؛ ليعلم الناس أ ّ‬
‫شك فيها‪ ،‬إذ يتنازع المط ِّلعون على أصحاب الكهف في أمر‬

‫‪566‬‬
‫طلعهم على‬ ‫كر‪ ،‬فجعل الله إ ْ‬ ‫من ْ ِ‬
‫من ُ‬ ‫مث ْب ِ ٍ‬
‫ت لها و ِ‬ ‫من ُ‬
‫القيامة‪ :‬ف ِ‬
‫أصحاب الكهف حجة للمؤمنين على الكافرين‪ .‬وبعد أن انكشف‬
‫أمرهم‪ ،‬وماتوا قال فريق من المط ِّلعين عليهم‪ :‬ابنوا على باب‬
‫الكهف بناًء يحجبهم‪ ،‬واتركوهم وشأنهم‪ ،‬ربهم أعلم بحالهم‪ ،‬وقال‬
‫دا للعبادة‪.‬‬
‫ن على مكانهم مسج ً‬ ‫أصحاب الكلمة والنفوذ فيهم‪ :‬لنتخذ ّ‬
‫وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبور النبياء‬
‫ل ذلك في آخر وصاياه لمته‪ ،‬كما‬ ‫من فَعَ َ‬ ‫والصالحين مساجد‪ ،‬ولعن َ‬
‫أنه نهى عن البناء على القبور مطلًقا‪ ،‬وعن تجصيصها والكتابة‬
‫من فيها‪.‬‬‫عليها؛ لن ذلك من الغلو الذي قد يؤدي إلى عبادة َ‬

‫م‬‫م ك َل ْب ُهُه ْ‬‫س هه ُ ْ‬


‫سادِ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫سه ٌ‬
‫م َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬‫م وَي َُقول ُههو َ‬ ‫م ك َل ْب ُهُه ْ‬ ‫ن َثلث َه ٌ‬
‫ة َراب ِعُهُه ْ‬ ‫سي َُقوُلو َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫م ب ِعِ هد ّت ِهِ ْ‬‫ل َرب ّههي أعْل َه ُ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫م ك َل ْب ُهُ ْ‬ ‫ة وََثا ِ‬
‫من ُهُ ْ‬ ‫سب ْعَ ٌ‬‫ن َ‬ ‫ب وَي َُقوُلو َ‬ ‫جما ً ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫َر ْ‬
‫م‬ ‫ت ِفيهِه ْ‬ ‫سهت َْف ِ‬‫هرا ً َول ت َ ْ‬
‫مَراًء ظ َهها ِ‬ ‫م إ ِل ّ ِ‬‫مارِ ِفيهِ ْ‬ ‫ل َفل ت ُ َ‬ ‫م إ ِل ّ قَِلي ٌ‬ ‫مه ُ ْ‬‫ما ي َعْل َ ُ‬ ‫َ‬
‫حدا )‪(22‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫مأ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ة‪،‬‬
‫سيقول بعض الخائضين في شأنهم من أهل الكتاب‪ :‬هم ثلث ٌ‬
‫رابعهم كلبهم‪ ،‬ويقول فريق آخر‪ :‬هم خمسة‪ ،‬سادسهم كلبهم‪،‬‬
‫وكلم الفريقين قول بالظن من غير دليل‪ ،‬وتقول جماعة ثالثة‪ :‬هم‬
‫سبعة‪ ،‬وثامنهم كلبهم‪ ،‬قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬ربي هو العلم بعددهم‪،‬‬
‫ما يعلم عددهم إل قليل من خلقه‪ .‬فل تجادل أهل الكتاب في‬
‫ص عليهم ما أخبرك به‬‫عددهم إل جدال ظاهًرا ل عمق فيه‪ ،‬بأن ت َُق ّ‬
‫الوحي فحسب‪ ،‬ول تسألهم عن عددهم وأحوالهم؛ فإنهم ل يعلمون‬
‫ذلك‪.‬‬

‫َ‬
‫ه َواذ ْك ُهْر‬‫شههاَء الل ّه ُ‬
‫ن يَ َ‬‫غدا ً )‪ (23‬إ ِل ّ أ ْ‬
‫ك َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫يٍء إ ِّني َفا ِ‬
‫ع ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫َول ت َُقول َ ّ‬
‫ن لِ َ‬
‫َ‬
‫شهدا ً )‬ ‫ذا َر َ‬‫هه َ‬‫ن َ‬ ‫مه ْ‬‫ب ِ‬ ‫ن ي َهْدِي َِني َرّبي ل َقَْر َ‬‫سى أ ْ‬ ‫ت وَقُ ْ‬
‫ل عَ َ‬ ‫سي َ‬ ‫ذا ن َ ِ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ك إِ َ‬
‫‪(24‬‬
‫دا إل أن‬
‫ن لشيء تعزم على فعله‪ :‬إني فاعل ذلك الشيء غ ً‬ ‫ول تقول ّ‬
‫ت ُعَّلق قولك بالمشيئة‪ ،‬فتقول‪ :‬إن شاء الله‪ .‬واذكر ربك عند النسيان‬
‫هب‬‫بقول‪ :‬إن شاء الله‪ ،‬وكلما نسيت فاذكر الله; فإن ذِك َْر الله ُيذ ِ‬
‫النسيان‪ ،‬وقل‪ :‬عسى أن يهديني ربي لقرب الطرق الموصلة إلى‬
‫الهدى والرشاد‪.‬‬

‫‪567‬‬
‫سعا ً )‪(25‬‬
‫دوا ت ِ ْ‬
‫دا ُ‬
‫ن َواْز َ‬ ‫مائ َةٍ ِ‬
‫سِني َ‬ ‫ث ِ‬ ‫وَل َب ُِثوا ِفي ك َهِْفهِ ْ‬
‫م َثل َ‬
‫ما في كهفهم ثلثمائة سنة وتسع سنين‪.‬‬ ‫ومكث ال ّ‬
‫شّبان نيا ً‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّ َ‬


‫ع‬
‫م ْ‬
‫سه ِ‬
‫صهْر ِبههِ وَأ ْ‬
‫ض أب ْ ِ‬‫ت َوالْر َ ِ‬ ‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬‫ب ال ّ‬ ‫ما ل َب ُِثوا ل َ ُ‬
‫ه غَي ْ ُ‬ ‫م بِ َ‬‫ه أعْل َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫حدا ً )‪(26‬‬ ‫مه ِ أ َ‬ ‫حك ْ ِ‬
‫ك ِفي ُ‬ ‫شرِ ُ‬
‫ي َول ي ُ ْ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬‫م ْ‬ ‫دون ِهِ ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬
‫َ‬
‫سئلت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن مدة لبثهم في الكهف‪ ،‬وليس عندك‬ ‫وإذا ُ‬
‫علم في ذلك وتوقيف من الله‪ ،‬فل تتقدم فيه بشيء‪ ،‬بل قل‪ :‬الله‬
‫صْر به وأسمع‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫َ‬
‫أعلم بمدة لبثهم‪ ،‬له غيب السموات والرض‪ ،‬أب ْ ِ‬
‫تعجب من كمال بصره وسمعه وإحاطته بكل شيء‪ .‬ليس للخلق‬
‫أحد غيره يتولى أمورهم‪ ،‬وليس له شريك في حكمه وقضائه‬
‫وتشريعه‪ ،‬سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ج هد َ ِ‬ ‫مههات ِهِ وَل َه ْ‬
‫ن تَ ِ‬ ‫ل ل ِك َل ِ َ‬
‫مب َد ّ َ‬ ‫ب َرب ّ َ‬
‫كل ُ‬ ‫ن ك َِتا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ي إ ِل َي ْ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ما ُأو ِ‬
‫ح َ‬ ‫ل َ‬‫َوات ْ ُ‬
‫حدا ً )‪(27‬‬ ‫مل ْت َ َ‬
‫دون ِهِ ُ‬ ‫ُ‬
‫واتل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ما أوحاه الله إليك من القرآن‪ ،‬فإنه الكتاب‬
‫الذي ل مبدل لكلماته لصدقها وعدلها‪ ،‬ولن تجد من دون ربك ملجأ ً‬
‫ّ‬
‫تلجأ إليه‪ ،‬ول معا ً‬
‫ذا تعوذ به‪.‬‬

‫ن‬
‫دو َ‬ ‫ري ه ُ‬
‫ي ي ُ َِ‬
‫شه ّ‬‫داةِ َوال ْعَ ِ‬
‫م ِبال ْغَ ه َ‬
‫ن َرب ّهُ ه ْ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َهد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫م هعَ ال ّه ِ‬ ‫س َ‬
‫ك َ‬ ‫صب ِْر ن َْف َ‬
‫َوا ْ‬
‫ن أغَْفل ْن َهها‬ ‫م ْ‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا َول ت ُط ِعْ َ‬ ‫ريد ُ ِزين َ َ‬ ‫ِ‬ ‫م تُ‬‫ك عَن ْهُ ْ‬‫ه َول ت َعْد ُ عَي َْنا َ‬ ‫جه َ ُ‬‫وَ ْ‬
‫مُرهُ فُُرطا ً )‪(28‬‬ ‫كا َ‬
‫نأ ْ‬ ‫واهُ وَ َ َ‬ ‫ن ذِك ْرَِنا َوات ّب َعَ هَ َ‬
‫ه عَ ْ‬ ‫قَل ْب َ ُ‬
‫من فقراء المؤمنين الذين‬ ‫واصبر نفسك ‪-‬أيها النبي‪ -‬مع أصحابك ِ‬
‫يعبدون ربهم وحده‪ ،‬ويدعونه في الصباح والمساء‪ ،‬يريدون بذلك‬
‫وجهه‪ ،‬واجلس معهم وخالطهم‪ ،‬ول تصرف نظرك عنهم إلى غيرهم‬
‫من الكفار لرادة التمتع بزينة الحياة الدنيا‪ ،‬ول ت ُط ِعْ من جعلنا قلبه‬
‫غافل عن ذكرنا‪ ،‬وآث ََر هواه على طاعة موله‪ ،‬وصار أمره في جميع‬
‫عا وهل ً‬
‫كا‪.‬‬ ‫أعماله ضيا ً‬

‫‪568‬‬
‫شاَء فَل ْي َك ُْفْر إ ِّنا أ َعْت َد َْنا‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن وَ َ‬‫م ْ‬ ‫شاَء فَل ْي ُؤْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫م فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫حقّ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫وَقُ ْ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫مْههه ِ‬ ‫كال ْ ُ‬
‫ماءٍ َ‬ ‫ست َِغيُثوا ي َُغاُثوا ب ِ َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫سَرادِقَُها وَإ ِ ْ‬‫م ُ‬ ‫ط ب ِهِ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫ن َنارا ً أ َ‬‫مي َ‬ ‫ِلل ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫مْرت ََفقا ً )‪(29‬‬ ‫ت ُ‬ ‫ساَء ْ‬ ‫ب وَ َ‬‫شَرا ُ‬ ‫س ال ّ‬ ‫جوهَ ب ِئ ْ َ‬ ‫وي ال ْوُ ُ‬ ‫ش ِ‬‫يَ ْ‬
‫وقل لهؤلء الغافلين‪ :‬ما جئتكم به هو الحق من ربكم‪ ،‬فمن أراد‬
‫منكم أن يصدق ويعمل به‪ ،‬فليفعل فهو خير له‪ ،‬ومن أراد أن يجحد‬
‫فليفعل‪ ،‬فما ظ ََلم إل نفسه‪ .‬إنا أعتدنا للكافرين ناًرا شديدة أحاط‬
‫من‬ ‫بهم سورها‪ ،‬وإن يستغث هؤلء الكفار في النار بطلب الماء ِ‬
‫كر شديد الحرارة يشوي‬ ‫ت لهم بماء كالزيت العَ ِ‬‫شدة العطش‪ُ ،‬يؤ َ‬
‫ت‬ ‫وجوههم‪ .‬قَُبح هذا الشراب الذي ل يروي ظمأهم بل يزيده‪ ،‬وقَب ُ َ‬
‫ح ْ‬
‫ما‪ .‬وفي هذا وعيد وتهديد شديد لمن أعرض‬ ‫النار منزل لهم ومقا ً‬
‫عن الحق‪ ،‬فلم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولم‬
‫يعمل بمقتضاها‪.‬‬

‫مل ً‬ ‫إن ال ّذين آمنوا وعَمُلوا الصال ِحات إنا ل نضيع أ َجر م َ‬
‫ن عَ َ‬
‫سهه َ‬
‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫ُ ِ ُ ْ َ َ ْ‬ ‫ّ َ ِ ِّ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫ِ ّ‬
‫)‪(30‬‬
‫إن الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا العمال الصالحات لهم أعظم‬
‫المثوبة‪ ،‬إنا ل نضيع أجورهم‪ ،‬ول ننقصها على ما أحسنوه من‬
‫العمل‪.‬‬

‫ن‬‫مه ْ‬
‫ن ِفيهَهها ِ‬ ‫حل ّهوْ َ‬ ‫م ال َن ْهَههاُر ي ُ َ‬
‫حت ِهِ ه ْ‬‫ن تَ ْ‬‫مه ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ن تَ ْ‬‫ت عَد ْ ٍ‬ ‫جّنا ُ‬ ‫م َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ل َهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مت ّك ِِئيهه َ‬
‫ق ُ‬
‫ست َب َْر ٍ‬
‫س وَإ ِ ْ‬‫سند ُ ٍ‬ ‫ن ُ‬‫م ْ‬ ‫ضرا ً ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن ث َِيابا ً ُ‬ ‫سو َ‬ ‫ب وَي َل ْب َ ُ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ساوَِر ِ‬ ‫أ َ‬
‫مْرت ََفقا ً )‪(31‬‬ ‫ت ُ‬ ‫سن َ ْ‬‫ح ُ‬ ‫ب وَ َ‬‫وا ُ‬ ‫م الث ّ َ‬ ‫ك ن ِعْ َ‬ ‫ِفيَها عََلى ال ََرائ ِ ِ‬
‫ما‪ ،‬تجري من تحت‬ ‫أولئك الذين آمنوا لهم جنات يقيمون فيها دائ ً‬
‫حّلون فيها بأساور الذهب‪،‬‬ ‫غرفهم ومنازلهم النهار العذبة‪ ،‬ي ُ َ‬
‫وي َل َْبسون ثياًبا ذات لون أخضر نسجت من رقيق الحرير وغليظه‪،‬‬
‫م الثواب‬
‫سّرة المزدانة بالستائر الجميلة‪ ،‬ن ِعْ َ‬ ‫يتكئون فيها على ال ِ‬
‫ت الجنة منزل ومكاًنا لهم‪.‬‬ ‫سن ِ‬
‫ح ُ‬
‫ثوابهم‪ ،‬و َ‬

‫ب‬ ‫واضههرب ل َهههم مث َل ً رجل َيههن جعل ْنهها ل َحههدهما جنتيههن مهه َ‬
‫ن أعَْنهها ٍ‬
‫َ ِ ِ َ َ َّْ ِ ِ ْ‬ ‫َ ُ ْ ِ َ َ َ‬ ‫َ ْ ِ ْ ُ ْ َ‬
‫ما َزْرعا ً )‪(32‬‬‫جعَل َْنا ب َي ْن َهُ َ‬
‫ل وَ َ‬
‫خ ٍ‬
‫ما ب ِن َ ْ‬
‫حَفْفَناهُ َ‬
‫وَ َ‬

‫‪569‬‬
‫واضرب ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لكفار قومك مثل رجلين من المم السابقة‪:‬‬
‫أحدهما مؤمن‪ ،‬والخر كافر‪ ،‬وقد جعلنا للكافر حديقتين من أعناب‪،‬‬
‫عا مختلفة نافعة‪.‬‬
‫وأحطناهما بنخل كثير‪ ،‬وأنبتنا وسطهما زرو ً‬

‫مهها ن َهَههرا ً )‬ ‫ُ‬


‫خلل َهُ َ‬ ‫شْيئا ً وَفَ ّ‬
‫جْرن َهها ِ‬ ‫ه َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫م ت َظ ْل ِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ت أك ُل ََها وَل َ ْ‬
‫ن آت َ ْ‬ ‫ك ِل َْتا ال ْ َ‬
‫جن ّت َي ْ ِ‬
‫‪(33‬‬
‫قص منه شيًئا‪،‬‬
‫وقد أثمرت كل واحدة من الحديقتين ثمرها‪ ،‬ولم ت ُن ْ ِ‬
‫وشققنا بينهما نهًرا لسقيهما بسهولة ويسر‪.‬‬

‫مال ً وَأ َعَّز ن ََفرا ً‬


‫ك َ‬
‫َ َ‬
‫حاوُِرهُ أَنا أك ْث َُر ِ‬
‫من ْ َ‬ ‫حب ِهِ وَهُوَ ي ُ َ‬
‫صا ِ‬ ‫مٌر فََقا َ‬
‫ل لِ َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ثَ َ‬ ‫وَ َ‬
‫كا َ‬
‫)‪(34‬‬
‫وكان لصاحب الحديقتين ثمر وأموال أخرى‪ ،‬فقال لصاحبه المؤمن‪،‬‬
‫وهو يحاوره في الحديث‪ ،‬والغرور يملؤه‪ :‬أنا أكثر منك مال وأعز‬
‫أنصاًرا وأعواًنا‪.‬‬

‫هههذِهِ أ ََبههدا ً )‪(35‬‬


‫ن ت َِبيد َ َ‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ما أظ ُ ّ‬‫ل َ‬ ‫سهِ َقا َ‬ ‫م ل ِن َْف ِ‬ ‫ه وَهُوَ َ‬
‫ظال ِ ٌ‬ ‫جن ّت َ ُ‬‫ل َ‬‫خ َ‬ ‫وَد َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خْيهرا ً ِ‬
‫من َْهها‬ ‫ن َ‬
‫جهد َ ّ‬
‫َرّبهي ل ِ‬ ‫ت إ َِلهى‬
‫ن ُردِد ْ ُ‬‫ة وَل َئ ِ ْ‬
‫مه ً‬ ‫ة َقائ ِ َ‬
‫سهاعَ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ما أ ُ‬
‫ظه ّ‬ ‫وَ َ‬
‫منَقَلبا ً )‪(36‬‬ ‫ُ‬
‫ودخل حديقته‪ ،‬وهو ظالم لنفسه بالكفر بالبعث‪ ،‬وشكه في قيام‬
‫الساعة‪ ،‬فأعجبته ثمارها وقال‪ :‬ما أعتقد أن ت َهِْلك هذه الحديقة‬
‫مدى الحياة‪ ،‬وما أعتقد أن القيامة واقعة‪ ،‬وإن فُرِ َ‬
‫ض وقوعها ‪-‬كما‬
‫ن عنده أفضل من هذه‬ ‫ت إلى ربي لجد ّ‬‫تزعم أيها المؤمن‪ -‬وُرجع ُ‬
‫الحديقة مرجًعا ومرًدا؛ لكرامتي ومنزلتي عنده‪.‬‬

‫خل ََق َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ب ث ُه ّ‬
‫م ِ‬ ‫ن ت ُهَرا ٍ‬
‫مه ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ت ِبال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حاوُِرهُ أك ََفْر َ‬
‫ه وَهُوَ ي ُ َ‬‫حب ُ ُ‬‫صا ِ‬
‫ه َ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫َقا َ‬
‫جل ً )‪(37‬‬ ‫ك َر ُ‬‫وا َ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬‫ن ُط َْفةٍ ث ُ ّ‬
‫قال له صاحبه المؤمن‪ ،‬وهو يحاوره واع ً‬
‫ظا له‪ :‬كيف تكفر بالله‬
‫واك بشًرا معتدل‬‫س ّ‬
‫من نطفة البوين‪ ،‬ثم َ‬‫من تراب‪ ،‬ثم ِ‬
‫الذي خلقك ِ‬

‫‪570‬‬
‫خْلق؟ وفي هذه المحاورة دليل على أن القادر على‬
‫القامة وال َ‬
‫ابتداء الخلق‪ ،‬قادر على إعادتهم‪.‬‬

‫حدا ً )‪(38‬‬ ‫َ‬ ‫ه َرّبي َول أ ُ ْ‬


‫شرِ ُ‬
‫ك ب َِرّبي أ َ‬ ‫ل َك ِّنا هُوَ الل ّ ُ‬
‫لكن أنا ل أقول بمقالتك الدالة على كفرك‪ ،‬وإنما أقول‪ :‬المنعم‬
‫دا غيره‪.‬‬
‫المتفضل هو الله ربي وحده‪ ،‬ول أشرك في عبادتي له أح ً‬

‫ن ت َُرن ِههي أ َن َهها‬‫ه ل قُوّةَ إ ِل ّ ِبالل ّهِ إ ِ ْ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬‫ما َ‬ ‫ت َ‬ ‫ك قُل ْ َ‬ ‫جن ّت َ َ‬‫ت َ‬ ‫خل ْ َ‬
‫ول إ ِذ ْ د َ َ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫أ َقَ ّ‬
‫ك‬‫جن ّت ِه َ‬‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫خي ْههرا ً ِ‬‫ن ي ُهؤْت ِي َِني َ‬‫سى َرب ّههي أ ْ‬ ‫مال ً وَوََلدا ً )‪ (39‬فَعَ َ‬ ‫ك َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ل ِ‬
‫َ‬
‫ح‬
‫ص هب ِ َ‬ ‫صِعيدا ً َزَلقا ً )‪ (40‬أوْ ي ُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫صب ِ َ‬‫ماِء فَت ُ ْ‬
‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫سَبانا ً ِ‬ ‫ح ْ‬‫ل عَل َي َْها ُ‬ ‫س َ‬‫وَي ُْر ِ‬
‫ه ط ََلبا ً )‪(41‬‬ ‫طيعَ ل َ ُ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫ورا ً فَل َ ْ‬
‫ها غَ ْ‬ ‫ماؤُ َ‬ ‫َ‬
‫مدت الله‪ ،‬وقلت‪ :‬هذا ما شاء‬ ‫ح ِ‬
‫ت حديقتك فأعجبتك َ‬ ‫خل ْ َ‬
‫وهل حين د َ‬
‫الله لي‪ ،‬ل قوة لي على تحصيله إل بالله‪ .‬إن كنت تراني أقل منك‬
‫مال وأولًدا‪ ،‬فعسى ربي أن يعطيني أفضل من حديقتك‪ ،‬ويسلبك‬
‫النعمة بكفرك‪ ،‬ويرسل على حديقتك عذابا من السماء‪ ،‬فتصبح‬
‫ضا ملساء جرداء ل تثبت عليها قدم‪ ،‬ول ينبت فيها نبات‪ ،‬أو يصير‬ ‫أر ً‬
‫ماؤها الذي ُتسقى منه غائًرا في الرض‪ ،‬فل تقدر على إخراجه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫خاوِي َه ٌ‬
‫ي َ‬ ‫ب ك َّفي ْهِ عَل َههى َ‬
‫مهها أنَفهقَ ِفيهَهها وَهِه َ‬ ‫ح ي َُقل ّ ُ‬ ‫مرِهِ فَأ ْ‬
‫صب َ َ‬ ‫ط ب ِث َ َ‬ ‫وَأ ُ ِ‬
‫حي َ‬
‫حدا ً )‪(42‬‬ ‫َ‬ ‫م أُ ْ‬
‫شرِ ْ‬
‫ك ب َِرّبي أ َ‬ ‫ل َيا ل َي ْت َِني ل َ ْ‬ ‫عََلى عُُرو ِ‬
‫شَها وَي َُقو ُ‬
‫حّققَ ما قاله المؤمن‪ ،‬ووقع الدمار بالحديقة‪ ،‬فهلك كل ما فيها‪،‬‬‫وت َ‬
‫فصار الكافر ي َُقّلب كفيه حسرةً وندامة على ما أنفق فيها‪ ،‬وهي‬
‫م الله‬
‫خاوية قد سقط بعضها على بعض‪ ،‬ويقول‪ :‬يا ليتني عرفت ن ِعَ َ‬
‫دا‪ .‬وهذا ندم منه حين ل ينفعه الندم‪.‬‬
‫وقدرته فلم أشرك به أح ً‬

‫صرا ً )‪(43‬‬
‫منت َ ِ‬
‫ن ُ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬
‫ما َ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬
‫صُرون َ ُ‬
‫ة َين ُ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه فِئ َ ٌ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫م ت َك ُ ْ‬
‫من عقاب الله النازل‬
‫ولم تكن له جماعة ممن افتخر بهم يمنعونه ِ‬
‫به‪ ،‬وما كان ممتنًعا بنفسه وقوته‪.‬‬

‫‪571‬‬
‫خي ٌْر عُْقبا ً )‪(44‬‬
‫وابا ً وَ َ‬
‫خي ٌْر ث َ َ‬ ‫ة ل ِل ّهِ ال ْ َ‬
‫حقّ هُوَ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫ولي َ ُ‬ ‫هَُنال ِ َ‬

‫في مثل هذه الشدائد تكون الولية والنصرة لله الحق‪ ،‬هو خير‬
‫جزاًء‪ ،‬وخير عاقبة لمن تولهم من عباده المؤمنين‪.‬‬

‫خت َل َ َ‬ ‫َ‬
‫ط ِبهههِ‬ ‫ماِء َفا ْ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ماٍء أنَزل َْناهُ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ‬ ‫مث َ َ‬
‫م َ‬‫ب ل َهُ ْ‬
‫ضرِ ْ‬
‫َوا ْ‬
‫ه عََلى ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي ءٍ‬
‫شهه ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كهه ّ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫شيما ً ت َذ ُْروهُ الّرَيا ُ‬ ‫ح هَ ِ‬ ‫ض فَأ ْ‬
‫صب َ َ‬ ‫ت الْر ِ‬ ‫ن ََبا ُ‬
‫درا ً )‪(45‬‬ ‫مْقت َ ِ‬
‫ُ‬
‫واضرب أيها الرسول للناس ‪-‬وبخاصة ذوو الك ِْبر منهم ‪ -‬صفة الدنيا‬
‫التي اغتّروا بها في بهجتها وسرعة زوالها‪ ،‬فهي كماء أنزله الله من‬
‫خضّرا‪ ،‬وما هي إل مدة‬ ‫م ْ‬
‫السماء فخرج به النبات بإذنه‪ ،‬وصار ُ‬
‫سا متكسًرا تنسفه الرياح إلى كل‬ ‫يسيرة حتى صار هذا النبات ياب ً‬
‫جهة‪ .‬وكان الله على كل شيء مقتدًرا‪ ،‬أي‪ :‬ذا قدرة عظيمة على‬
‫كل شيء‪.‬‬

‫عن ْد َ َرب ّه َ‬
‫ك‬ ‫خي ٌْر ِ‬
‫ت َ‬
‫حا ُ‬
‫صال ِ َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا َوال َْباقَِيا ُ‬
‫ت ال ّ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫ل َوال ْب َُنو َ‬
‫ن ِزين َ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مل ً )‪(46‬‬ ‫َ‬ ‫وابا ً وَ َ‬
‫خي ٌْر أ َ‬ ‫ثَ َ‬
‫جمال وقوة في هذه الدنيا الفانية‪ ،‬والعمال‬ ‫الموال والولد َ‬
‫ح والتحميد والتكبير والتهليل‪ -‬أفضل أجًرا‬‫الصالحة ‪-‬وبخاصة التسبي ُ‬
‫عند ربك من المال والبنين‪ ،‬وهذه العمال الصالحة أفضل ما يرجو‬
‫مله في‬‫النسان من الثواب عند ربه‪ ،‬فينال بها في الخرة ما كان يأ ُ‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫َ‬
‫م‬
‫من ْهُه ْ‬ ‫م فَل َه ْ‬
‫م ن ُغَههادِْر ِ‬ ‫ح َ‬
‫شْرَناهُ ْ‬ ‫ض َبارَِزةً وَ َ‬
‫ل وَت ََرى الْر َ‬ ‫سي ُّر ال ْ ِ‬
‫جَبا َ‬ ‫م نُ َ‬
‫وَي َوْ َ‬
‫حدا ً )‪(47‬‬ ‫َ‬
‫أ َ‬
‫واذكر لهم يوم ُنزيل الجبال عن أماكنها‪ ،‬وتبصر الرض ظاهرة‪،‬‬
‫ليس عليها ما يسترها مما كان عليها من المخلوقات‪ ،‬وجمعنا‬
‫دا‪.‬‬
‫خرين لموقف الحساب‪ ،‬فلم نترك منهم أح ً‬‫الولين وال ِ‬

‫‪572‬‬
‫م هّرةٍ ب َه ْ‬
‫ل‬ ‫م أ َوّ َ‬
‫ل َ‬ ‫خل َْقن َههاك ُ ْ‬ ‫مون َهها ك َ َ‬
‫مهها َ‬ ‫صّفا ً ل ََق هد ْ ِ‬
‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ضوا عََلى َرب ّ َ‬ ‫وَعُرِ ُ‬
‫عدا ً )‪(48‬‬ ‫َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫جع َ َ‬ ‫م أل ّ ْ‬
‫ن نَ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬
‫َزعَ ْ‬
‫رضوا جميًعا على ربك مصط َّفين ل ُيحجب منهم أحد‪ ،‬لقد‬‫وعُ ِ‬
‫بعثناكم‪ ،‬وجئتم إلينا فرادى ل مال معكم ول ولد‪ ،‬كما خلقناكم أول‬
‫دا نبعثكم فيه‪ ،‬ونجازيكم على‬
‫مرة‪ ،‬بل ظننتم أن لن نجعل لكم موع ً‬
‫أعمالكم‪.‬‬

‫ن َيا وَي ْل َت َن َهها‬‫ما ِفيهِ وَي َُقوُلو َ‬ ‫م ّ‬


‫ن ِ‬ ‫شِفِقي َ‬ ‫م ْ‬‫ن ُ‬‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ب فَت ََرى ال ْ ُ‬ ‫ضعَ ال ْك َِتا ُ‬‫وَوُ ِ‬
‫َ‬
‫مهها‬ ‫دوا َ‬ ‫جه ُ‬‫ها وَوَ َ‬
‫صهها َ‬‫ح َ‬‫ص هِغيَرةً َول ك َِبي هَرةً إ ِل ّ أ ْ‬‫ب ل ي َُغادُِر َ‬ ‫ذا ال ْك َِتا ِ‬
‫ل هَ َ‬‫ما ِ‬ ‫َ‬
‫حدا ً )‪(49‬‬ ‫َ‬
‫كأ َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ضرا ً َول ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا َ‬ ‫عَ ِ‬
‫ضع كتاب أعمال كل واحد في يمينه أو في شماله‪ ،‬فتبصر‬ ‫وو ُ ِ‬
‫العصاة خائفين مما فيه بسبب ما قدموه من جرائمهم‪ ،‬ويقولون‬
‫من أفعالنا‬ ‫حين يعاينونه‪ :‬يا هلكنا! ما لهذا الكتاب لم يترك صغيرة ِ‬
‫ول كبيرة إل أثبتها؟! ووجدوا كل ما عملوه في الدنيا حاضًرا مثبًتا‪.‬‬
‫دا مثقال ذرة‪ ،‬فل ُينَقص طائع من ثوابه‪ ،‬ول ُيزاد‬‫ول يظلم ربك أح ً‬
‫عاص في عقابه‪.‬‬

‫ن‬
‫جه ّ‬ ‫ن ال ْ ِ‬‫مه ْ‬ ‫س ك َهها َ‬
‫ن ِ‬ ‫دوا إ ِل ّ إ ِب ِْلي ه َ‬
‫ج ُ‬‫س َ‬‫م فَ َ‬
‫دوا لد َ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ملئ ِك َةِ ا ْ‬ ‫وَإ ِذ ْ قُل َْنا ل ِل ْ َ‬
‫ذونه وذ ُريته َ‬ ‫مرِ َرب ّهِ أ َفَت َت ّ ِ‬ ‫فََفسق عَ َ‬
‫م‬‫م ل َك ُه ْ‬‫دون ِههي وَهُه ْ‬‫ن ُ‬‫مه ْ‬
‫ه أوْل ِي َههاَء ِ‬ ‫خ ُ َ ُ َ ّ َّ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ن ب َد َل ً )‪(50‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫س ِللظال ِ ِ‬ ‫عَد ُوّ ب ِئ ْ َ‬
‫واذكر حين أمرنا الملئكة بالسجود لدم‪ ،‬تحية له ل عبادة‪ ،‬وأمرنا‬
‫مروا به‪ ،‬فسجد الملئكة جميًعا‪ ،‬لكن إبليس الذي كان‬ ‫ُ‬
‫إبليس بما أ ِ‬
‫دا‪ .‬أفتجعلونه‬
‫كبًرا وحس ً‬
‫من الجن خرج عن طاعة ربه‪ ،‬ولم يسجد ِ‬
‫‪-‬أيها الناس‪ -‬وذريته أعواًنا لكم تطيعونهم وتتركون طاعتي‪ ،‬وهم ألد‬
‫ت طاعة الظالمين للشيطان بدل عن طاعة الرحمن‪.‬‬ ‫أعدائكم؟ قَب ُ َ‬
‫ح ْ‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما أ َ ْ‬


‫ت‬ ‫مهها ُ‬
‫كن ه ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خل ْهقَ أنُف ِ‬
‫س هه ِ ْ‬ ‫ض َول َ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬ ‫خل ْقَ ال ّ‬
‫سه َ‬ ‫م َ‬‫شهَد ْت ُهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫ضدا )‪(51‬‬ ‫ن عَ ُ‬ ‫ّ‬
‫ضلي َ‬‫م ِ‬ ‫ْ‬
‫خذ َ ال ُ‬‫مت ّ ِ‬‫ُ‬
‫خل ْقَ السموات‬
‫ت إبليس وذريته ‪-‬الذين أطعتموهم‪َ -‬‬
‫ما أحضر ُ‬
‫خْلق‬
‫ت بعضهم على َ‬ ‫والرض‪ ،‬فأستعين بهم على خلقهما‪ ،‬ول أشهد ُ‬
‫‪573‬‬
‫ت بخلق جميع ذلك‪ ،‬بغير معين ول ظهير‪ ،‬وما كنت‬‫بعض‪ ،‬بل تفرد ُ‬
‫متخذ المضّلين من الشياطين وغيرهم أعواًنا‪ .‬فكيف تصرفون إليهم‬
‫حقي‪ ،‬وتتخذونهم أولياء من دوني‪ ،‬وأنا خالق كل شيء؟‬

‫جيُبوا ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م فَل َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫م فَد َعَوْهُ ْ‬
‫مت ُ ْ‬
‫ن َزعَ ْ‬ ‫كاِئي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫شَر َ‬
‫دوا ُ‬‫ل َنا ُ‬‫م ي َُقو ُ‬ ‫وَي َوْ َ‬
‫موِْبقا ً )‪(52‬‬‫م َ‬ ‫جعَل َْنا ب َي ْن َهُ ْ‬‫وَ َ‬
‫واذكر لهم إذ يقول الله للمشركين يوم القيامة‪ :‬نادوا شركائي‬
‫الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي في العبادة؛ لينصروكم اليوم‬
‫مني‪ ،‬فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم‪ ،‬وجعلنا بين العابدين والمعبودين‬
‫كا في جهنم يهلكون فيه جميًعا‪.‬‬‫مهل ً‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫دوا عَن ْهَهها‬
‫جه ُ‬ ‫واقُِعوهَهها وَل َه ْ‬
‫م يَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن الن ّههاَر فَظ َن ّههوا أن ّهُ ه ْ‬
‫م ُ‬ ‫مههو َ‬
‫جرِ ُ‬ ‫وََرأى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫رفا ً )‪(53‬‬ ‫ص ِ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫وشاهد المجرمون النار‪ ،‬فأيقنوا أنهم واقعون فيها ل محالة‪ ،‬ولم‬
‫يجدوا عنها معدل للنصراف عنها إلى غيرها‪.‬‬

‫ن أ َك ْث ََر‬
‫سا ُ‬
‫لن َ‬
‫نا ِ‬ ‫ل وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫مث َ ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫م ْ‬
‫س ِ‬ ‫ذا ال ُْقْرآ ِ‬
‫ن ِللّنا ِ‬ ‫وَل ََقد ْ َ‬
‫صّرفَْنا ِفي هَ َ‬
‫جد َل ً )‪(54‬‬‫يٍء َ‬
‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫عا كثيرة من المثال؛‬
‫وعنا في هذا القرآن للناس أنوا ً‬
‫ضحنا ون ّ‬
‫ولقد و ّ‬
‫ليتعظوا بها ويؤمنوا‪ .‬وكان النسان أكثر المخلوقات خصومة وجدل‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِل ّ أ ْ‬
‫ن‬ ‫س هت َغِْفُروا َرب ّهُ ه ْ‬ ‫م ال ْهُ َ‬
‫دى وَي َ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬‫مُنوا إ ِذ ْ َ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬
‫سأ ْ‬ ‫من َعَ الّنا َ‬
‫ما َ‬
‫وَ َ‬
‫ب قُب ُل ً )‪(55‬‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت َأ ْت ِي َهم سن ّ ُ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫ن أوْ ي َأت ِي َهُ ْ‬ ‫ة الوِّلي َ‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫وما منع الناس من اليمان ‪-‬حين جاءهم الرسول محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم ومعه القرآن‪ ، -‬واستغفار ربهم طالبين عفوه عنهم‪ ،‬إل‬
‫ديهم للرسول‪ ،‬وطلبهم أن تصيبهم سنة الله في إهلك السابقين‬ ‫تح ّ‬
‫عياًنا‪.‬‬
‫عليهم‪ ،‬أو يصيبهم عذاب الله ِ‬

‫‪574‬‬
‫ن ك ََف هُروا‬ ‫ل ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫جههادِ ُ‬
‫ن وَي ُ َ‬
‫من هذِِري َ‬
‫ن وَ ُ‬
‫ري َ‬‫ِ‬ ‫ش‬ ‫ن إ ِل ّ ُ‬
‫مب َ ّ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬‫ل ال ْ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ن ُْر ِ‬
‫وَ َ‬
‫ُ‬
‫ما أن ْذُِروا هُُزوا ً )‪(56‬‬ ‫ذوا آَياِتي وَ َ‬‫خ ُ‬ ‫حقّ َوات ّ َ‬ ‫ضوا ب ِهِ ال ْ َ‬‫ح ُ‬ ‫ِبال َْباط ِ ِ‬
‫ل ل ِي ُد ْ ِ‬
‫وما نبعث الرسل إلى الناس إل ليكونوا مبشرين بالجنة لهل‬
‫وفين بالنار لهل الكفر والعصيان‪ ،‬ومع‬ ‫اليمان والعمل الصالح‪ ،‬ومخ ّ‬
‫وضوح الحق يخاصم الذين كفروا رسلهم بالباطل تعنًتا; ليزيلوا‬
‫بباطلهم الحق الذي جاءهم به الرسول‪ ،‬واتخذوا كتابي وحججي وما‬
‫وفوا به من العذاب سخرية واستهزاء‪.‬‬‫خ ّ‬
‫ُ‬

‫َ‬ ‫وم َ‬
‫داهُ‬‫ت يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫ي َ‬‫س َ‬ ‫ت َرب ّهِ فَأعَْر َ‬
‫ض عَن َْها وَن َ ِ‬ ‫ن ذ ُك َّر ِبآَيا ِ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬‫م ِ‬ ‫ن أظ ْل َ ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن َتههد ْعُهُ ْ‬‫م وَْقرا ً وَإ ِ ْ‬ ‫ن ي َْفَقُهوهُ وَِفي آ َ‬
‫ذان ِهِ ْ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫جعَل َْنا عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م أك ِن ّ ً‬ ‫إ ِّنا َ‬
‫َ‬
‫دوا ِإذا ً أَبدا ً )‪(57‬‬ ‫ن ي َهْت َ ُ‬‫دى فَل َ ْ‬ ‫إ َِلى ال ْهُ َ‬
‫عظ بآيات ربه الواضحة‪ ،‬فانصرف عنها‬ ‫ما ممن وُ ِ‬ ‫ول أحد أشد ظل ً‬
‫دمته يداه من الفعال القبيحة فلم يرجع‬ ‫إلى باطله‪ ،‬ونسي ما ق ّ‬
‫عنها‪ ،‬إّنا جعلنا على قلوبهم أغطية‪ ،‬فلم يفهموا القرآن‪ ،‬ولم يدركوا‬
‫ما فيه من الخير‪ ،‬وجعلنا في آذانهم ما يشبه الصمم‪ ،‬فلم يسمعوه‬
‫عهم إلى اليمان فلن يستجيبوا لك‪ ،‬ولن‬ ‫ولم ينتفعوا به‪ ،‬وإن ت َد ْ ُ‬
‫دا‪.‬‬
‫يهتدوا إليه أب ً‬

‫ب‬ ‫م ال َْعهه َ‬
‫ذا َ‬ ‫ل ل َُههه ْ‬ ‫سُبوا ل َعَ ّ‬
‫ج َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫خذ ُهُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫مةِ ل َوْ ي ُ َ‬
‫ؤا ِ‬ ‫ح َ‬‫ذو الّر ْ‬ ‫ك ال ْغَُفوُر ُ‬‫وََرب ّ َ‬
‫موْئ ِل ً )‪(58‬‬‫دون ِهِ َ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دوا ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫عد ٌ ل َ ْ‬
‫ن يَ ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫بَ ْ‬
‫وربك الغفور لذنوب عباده إذا تابوا‪ ،‬ذو الرحمة بهم‪ ،‬لو يعاقب‬
‫جل لهم‬
‫هؤلء المعرضين عن آياته بما كسبوا من الذنوب والثام لع ّ‬
‫العذاب‪ ،‬ولكنه تعالى حليم ل يعجل بالعقوبة‪ ،‬بل لهم موعد يجازون‬
‫فيه بأعمالهم‪ ،‬ل مندوحة لهم عنه ول محيد‪.‬‬

‫عدا ً )‪(59‬‬ ‫َ‬


‫مو ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫جعَل َْنا ل ِ َ‬
‫مهْل ِك ِهِ ْ‬ ‫ما ظ َل َ ُ‬
‫موا وَ َ‬ ‫م لَ ّ‬
‫ك ال ُْقَرى أهْل َك َْناهُ ْ‬
‫وَت ِل ْ َ‬

‫وتلك القرى القريبة منكم ‪-‬كقرى قوم هود وصالح ولوط وشعيب‪-‬‬
‫أهلكناها حين ظلم أهلها بالكفر‪ ،‬وجعلنا لهلكهم ميقاًتا وأجل حين‬
‫بلغوه جاءهم العذاب فأهلكهم الله به‪.‬‬

‫‪575‬‬
‫ل موسى ل َِفتاه ل أ َبرح حتى أ َبل ُهغَ مجم هع ال ْبحري ه َ َ‬
‫ي‬
‫ضه َ‬
‫م ِ‬
‫ن أوْ أ ْ‬
‫َ ْ َ َ َ ْ َ ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ُ َ ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقا َ ُ َ‬
‫حُقبا ً )‪(60‬‬ ‫ُ‬
‫واذكر حين قال موسى لخادمه يوشع بن نون‪ :‬ل أزال أتابع السير‬
‫حتى أصل إلى ملتقى البحرين‪ ،‬أو أسير زمًنا طويل حتى أصل إلى‬
‫العبد الصالح؛ لتعلم منه ما ليس عندي من العلم‪.‬‬

‫سههَربا ً )‬ ‫ه ِفي ال ْب َ ْ‬
‫حرِ َ‬ ‫سِبيل َ ُ‬ ‫ما َفات ّ َ‬
‫خذ َ َ‬ ‫حوت َهُ َ‬
‫سَيا ُ‬
‫ما ن َ ِ‬
‫معَ ب َي ْن ِهِ َ‬
‫ج َ‬ ‫ما ب َل ََغا َ‬
‫م ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫‪(61‬‬
‫سْير‪ ،‬فلما وصل ملتقى البحرين جلسا عند صخرة‪،‬‬ ‫دا في ال ّ‬ ‫ج ّ‬
‫و َ‬
‫ونسيا حوتهما الذي ُأمر موسى بأخذه معه قوًتا لهما‪ ،‬وحمله يوشع‬
‫مك َْتل‪ ،‬فإذا الحوت يصبح حّيا وينحدر في البحر‪ ،‬ويتخذ له فيه‬
‫في ِ‬
‫حا‪.‬‬‫طريًقا مفتو ً‬

‫صهبا ً )‬ ‫هه َ‬
‫ذا ن َ َ‬ ‫سهَفرَِنا َ‬
‫ن َ‬ ‫داَءَنا ل ََقد ْ ل َِقيَنها ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ل ل َِفَتاهُ آت َِنا غَ َ‬
‫جاوََزا َقا َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما َ‬
‫‪(62‬‬
‫فلما فارقا المكان الذي نسيا فيه الحوت وشعر موسى بالجوع‪،‬‬
‫قال لخادمه‪ :‬أحضر إلينا غداءنا‪ ،‬لقد لقينا من سفرنا هذا تعًبا‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ َ َ‬


‫ساِني إ ِل ّ‬
‫ما أن ْ َ‬
‫ت وَ َ‬ ‫ت ال ْ ُ‬
‫حو َ‬ ‫سي ُ‬‫خَرةِ فَإ ِّني ن َ ِ‬ ‫ص ْ‬‫ت إ ِذ ْ أوَي َْنا إ َِلى ال ّ‬ ‫ل أَرأي ْ َ‬
‫جبا ً )‪(63‬‬‫حرِ عَ َ‬‫ه ِفي ال ْب َ ْ‬
‫سِبيل َ ُ‬ ‫ن أ َذ ْك َُرهُ َوات ّ َ‬
‫خذ َ َ‬
‫طا َ‬
‫نأ ْ‬ ‫شي ْ َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫قال له خادمه‪ :‬أتذكر حين لجأنا إلى الصخرة التي استرحنا عندها؟‬
‫فإني نسيت أن أخبرك ما كان من الحوت‪ ،‬وما أنساني أن أذكر‬
‫ت فيه الحياة‪ ،‬وقفز في‬ ‫ذلك لك إل الشيطان‪ ،‬فإن الحوت الميت دب ّ ْ‬
‫ب منه‪.‬‬
‫ج ُ‬
‫البحر‪ ،‬واتخذ له فيه طريًقا‪ ،‬وكان أمره مما ي ُعْ َ‬

‫صصا ً )‪(64‬‬ ‫دا عََلى آَثارِهِ َ‬


‫ما قَ َ‬ ‫ما ك ُّنا ن َب ِْغ َفاْرت َ ّ‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫َقا َ‬

‫‪576‬‬
‫قال موسى‪ :‬ما حصل هو ما كنا نطلبه‪ ،‬فإنه علمة لي على مكان‬
‫العبد الصالح‪ ،‬فرجعا يقصان آثار مشيهما حتى انتهيا إلى الصخرة‪.‬‬

‫عْلما ً‬
‫ن ل َد ُّنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫عن ْدَِنا وَعَل ّ ْ‬
‫مَناهُ ِ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫م ً‬
‫ح َ‬
‫عَبادَِنا آت َي َْناهُ َر ْ‬
‫ن ِ‬ ‫دا عَْبدا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫فَوَ َ‬
‫ج َ‬
‫)‪(65‬‬
‫ضر عليه السلم ‪-‬وهو‬ ‫خ ِ‬
‫حا من عبادنا هو ال َ‬‫دا صال ً‬
‫فوجدا هناك عب ً‬
‫من‬ ‫نبي من أنبياء الله توفاه الله‪ ، -‬آتيناه رحمة من عندنا‪ ،‬وعَل ّ ْ‬
‫مناه ِ‬
‫ما‪.‬‬‫ما عظي ً‬
‫لدّنا عل ً‬

‫شدا ً )‪(66‬‬ ‫َ‬ ‫ل أ َت ّب ِعُ َ‬


‫ت ُر ْ‬ ‫ما عُل ّ ْ‬
‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ت ُعَل ّ َ‬
‫مِني ِ‬ ‫ك عََلى أ ْ‬ ‫سى هَ ْ‬
‫مو َ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫َقا َ‬
‫فسّلم عليه موسى‪ ،‬وقال له‪ :‬أتأذن لي أن أتبعك؛ لتعلمني من‬
‫العلم الذي علمك الله إياه ما أسترشد به وأنتفع؟‬

‫صْبرا ً )‪(67‬‬
‫مِعي َ‬
‫طيعَ َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ك لَ ْ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬
‫َقا َ‬
‫ضر‪ :‬إنك ‪-‬يا موسى‪ -‬لن تطيق أن تصبر على اتباعي‬
‫خ ِ‬
‫قال له ال َ‬
‫وملزمتي‪.‬‬

‫خْبرا ً )‪(68‬‬ ‫ح ْ‬
‫ط ب ِهِ ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫صب ُِر عََلى َ‬ ‫وَك َي ْ َ‬
‫ف تَ ْ‬
‫وكيف لك الصبر على ما سأفعله من أمور تخفى عليك مما علمنيه‬
‫الله تعالى؟‬

‫مرا ً )‪(69‬‬ ‫شاَء الل ّه صابرا ً ول أ َعْصي ل َ َ َ‬


‫ن َ‬ ‫َقا َ‬
‫كأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ِ‬ ‫جد ُِني إ ِ ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫ل َ‬
‫قال له موسى‪ :‬ستجدني إن شاء الله صابًرا على ما أراه منك‪ ،‬ول‬
‫أخالف لك أمًرا تأمرني به‪.‬‬

‫كههرا ً )‬ ‫ث لَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ل فَإن اتبعتني َفل ت َ‬


‫ه ذِ ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫حدِ َ‬
‫حّتى أ ْ‬
‫يءٍ َ‬
‫ش ْ‬ ‫سأل ِْني عَ ْ‬
‫ن َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َقا َ ِ ْ ّ َ ْ َ ِ‬
‫‪(70‬‬

‫‪577‬‬
‫حبتني فل تسألني عن شيء تنكره‪،‬‬
‫ن صا َ‬
‫ضر وقال له‪ :‬فإ ْ‬
‫خ ِ‬
‫فوافق ال َ‬
‫حتى أبّين لك من أمره ما خفي عليك دون سؤال منك‪.‬‬

‫خَرقْت ََها ل ِت ُغْرِقَ أ َهْل ََها‬


‫ل أَ َ‬
‫خَرقََها َقا َ‬
‫سِفين َةِ َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬
‫ذا َرك َِبا ِفي ال ّ‬ ‫َفانط َل ََقا َ‬
‫مرا ً )‪(71‬‬ ‫شْيئا ً إ ِ ْ‬
‫ت َ‬‫جئ ْ َ‬ ‫ل ََقد ْ ِ‬
‫فانطلقا يمشيان على الساحل‪ ،‬فمرت بهما سفينة‪ ،‬فطلبا من أهلها‬
‫حا من السفينة فخرقها‪،‬‬ ‫ضر لو ً‬ ‫أن يركبا معهم‪ ،‬فلما ركبا قَل َعَ ال َ‬
‫خ ِ‬
‫رق أهَلها‪ ،‬وقد حملونا بغير‬‫ت السفينة؛ لُتغ ِ‬ ‫فقال له موسى‪ :‬أ َ َ‬
‫خَرقْ َ‬
‫أجر؟ لقد فعلت أمًرا منكًرا‪.‬‬

‫صْبرا ً )‪(72‬‬
‫مِعي َ‬
‫طيعَ َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ك لَ ْ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫م أ َقُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫َقا َ َ‬
‫ل أل َ ْ‬
‫ضر‪ :‬لقد قلت لك من أول المر‪ :‬إنك لن تستطيع الصبر‬‫خ ِ‬
‫قال له ال َ‬
‫على صحبتي‪.‬‬

‫سرا ً )‪(73‬‬ ‫خذ ِْني بما نسيت ول ترهْقِني م َ‬ ‫َقا َ‬


‫ل ل تُ َ‬
‫ري عُ ْ‬
‫م ِ‬
‫نأ ْ‬‫ِ ْ‬ ‫ِ َ َ ِ ُ َ ُْ ِ‬ ‫ؤا ِ‬
‫ي‪ ،‬ول تكلفني‬
‫قال موسى معتذًرا‪ :‬ل تؤاخذني بنسياني شرطك عل ّ‬
‫ة في تعّلمي منك‪ ،‬وعاملني بيسر ورفق‪.‬‬
‫مشق ً‬

‫س‬ ‫ه‬ ‫ف‬


‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫ت ن َْفسا ً‬
‫َ‬ ‫ل أ َقَت َل ْ‬ ‫غلما ً فََقت َل َ ُ‬
‫ه َقا َ‬ ‫ذا ل َِقَيا ُ‬
‫حّتى إ ِ َ‬ ‫َفانط َل ََقا َ‬
‫ٍ‬
‫كرا ً )‪(74‬‬ ‫شْيئا ً ن ُ ْ‬
‫ت َ‬‫جئ ْ َ‬ ‫ل ََقد ْ ِ‬
‫ضر عذره‪ ،‬ثم خرجا من السفينة‪ ،‬فبينما هما يمشيان على‬ ‫خ ِ‬‫فقبل ال َ‬
‫ضر‪ ،‬فأنكر‬ ‫خ ِ‬
‫ما يلعب مع الغلمان‪ ،‬فقتله ال َ‬ ‫الساحل إذ أبصرا غل ً‬
‫سا طاهرة لم تبلغ حد ّ التكليف‪،‬‬ ‫موسى عليه وقال‪ :‬كيف قتلت نف ً‬
‫ت أمًرا منكًرا‬‫سا‪ ،‬حتى تستحق القتل بها؟ لقد فَعَل ْ َ‬
‫ولم تقتل نف ً‬
‫ما‪.‬‬
‫عظي ً‬

‫الجزء السادس عشر ‪:‬‬

‫‪578‬‬
‫صْبرا ً )‪(75‬‬
‫مِعي َ‬
‫طيعَ َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ك لَ ْ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫م أ َقُ ْ‬
‫ل لَ َ‬ ‫َقا َ َ‬
‫ل أل َ ْ‬
‫ضر لموسى معاتًبا ومذكًرا‪ :‬ألم أقل لك إنك لن تستطيع‬‫خ ِ‬‫قال ال َ‬
‫خب ًْرا؟‬
‫معي صبًرا على ما ترى من أفعالي مما لم تحط به ُ‬

‫ن ل َهد ُّني‬
‫مه ْ‬ ‫حب ِْني قَ هد ْ ب َل َغْه َ‬
‫ت ِ‬ ‫ها َفل ت ُ َ‬
‫صا ِ‬ ‫يءٍ ب َعْد َ َ‬ ‫ن َ‬
‫ش ْ‬ ‫سأ َل ْت ُ َ‬
‫ك عَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل إِ ْ‬
‫ذرا ً )‪(76‬‬
‫عُ ْ‬
‫قال موسى له‪ :‬إن سألتك عن شيء بعد هذه المرة فاتركني ول‬
‫ت العذر في شأني ولم تقصر؛ حيث أخبرَتني أني‬‫تصاحبني‪ ،‬قد بلغ َ‬
‫لن أستطيع معك صبًرا‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذا أ َت ََيا أ َهْ َ‬


‫ما‬‫ض هي ُّفوهُ َ‬
‫ن يُ َ‬ ‫ما أهْل ََها فَ هأب َ ْ‬
‫وا أ ْ‬ ‫ست َط ْعَ َ‬
‫َ‬
‫ل قَْري َةٍ ا ْ‬ ‫َفانط َل ََقا َ‬
‫حّتى إ ِ َ‬
‫َ‬
‫ت عَل َي ْه ِ‬
‫ه‬ ‫خذ ْ َ‬
‫ت لت ّ َ‬‫شئ ْ َ‬ ‫ل ل َوْ ِ‬ ‫ه َقا َ‬‫م ُ‬‫ض فَأَقا َ‬‫ن َينَق ّ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬‫دارا ً ي ُ ِ‬ ‫ج َ‬
‫دا ِفيَها ِ‬ ‫فَوَ َ‬
‫ج َ‬
‫جرا ً )‪(77‬‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫ما على‬‫ضر حتى أتيا أهل قرية‪ ،‬فطلبا منهم طعا ً‬ ‫خ ِ‬
‫فذهب موسى وال َ‬
‫سبيل الضيافة‪ ،‬فامتنع أهل القرية عن ضيافتهما‪ ،‬فوجدا فيها حائ ً‬
‫طا‬
‫مي َْله حتى صار مستوًيا‪ ،‬قال‬
‫ضر َ‬
‫خ ِ‬
‫دل ال َ‬‫مائل يوشك أن يسقط‪ ،‬فع ّ‬
‫له موسى‪ :‬لو شئت لخذت على هذا العمل أجًرا تصرفه في‬
‫تحصيل طعامنا حيث لم يضيفونا‪.‬‬

‫ص هْبرا ً‬ ‫ك سأ ُنبئ ُ َ ْ‬
‫ست َط ِعْ عَل َي ْهِ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ل َ‬
‫ك ب ِت َأِوي ِ‬ ‫ذا فَِراقُ ب َي ِْني وَب َي ْن ِ َ َ َ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫ل هَ َ‬
‫)‪(78‬‬
‫ضر لموسى‪ :‬هذا وقت الفراق بيني وبينك‪ ،‬سأخبرك بما‬ ‫خ ِ‬
‫قال ال َ‬
‫ي من أفعالي التي فعلتها‪ ،‬والتي لم تستطع صبًرا على‬‫أنكرت عل ّ‬
‫ي فيها‪.‬‬
‫ترك السؤال عنها والنكار عل ّ‬

‫َ‬
‫ن أَ ِ‬
‫عيب َهَهها‬ ‫َ‬
‫تأ ْ‬ ‫ن ِفي ال ْب َ ْ‬
‫حهرِ فَهأَرد ْ ُ‬ ‫مُلو َ‬
‫ن ي َعْ َ‬
‫كي َ‬‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ة فَ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫سِفين َ ُ‬
‫ما ال ّ‬
‫َ‬
‫أ ّ‬
‫صبا ً )‪(79‬‬ ‫خذ ُ ك ُ ّ‬ ‫كان وراَءهم مل ٌ ْ‬
‫سِفين َةٍ غَ ْ‬‫ل َ‬ ‫ك ي َأ ُ‬ ‫وَ َ َ َ َ ُ ْ َ ِ‬

‫‪579‬‬
‫أما السفينة التي خرقتها فإنها كانت لناس مساكين يعملون في‬
‫البحر عليها سعًيا وراء الرزق‪ ،‬فأردت أن أعيبها بذلك الخرق؛ لن‬
‫كا يأخذ كل سفينة صالحة غصًبا من أصحابها‪.‬‬ ‫أمامهم مل ً‬

‫ما ط ُغَْيانا ً وَك ُْفرا ً )‬ ‫َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫كان أ َ‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما ال ْ‬ ‫وأ َ‬
‫ن ي ُْرهَِقهُ َ‬
‫شيَنا أ ْ‬
‫خ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ن‬‫م‬‫ِ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫وا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫غل‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫‪(80‬‬
‫وأما الغلم الذي قتلته فكان في علم الله كافًرا‪ ،‬وكان أبوه وأمه‬
‫من َْين‪ ،‬فخشينا لو بقي الغلم حًيا َلحمل والديه على الكفر‬
‫مؤ ِ‬
‫والطغيان؛ لجل محبتهما إياه أو للحاجة إليه‪.‬‬

‫حما ً )‪(81‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ب ُر ْ‬ ‫ه َز َ‬
‫كاةً وَأقَْر َ‬ ‫خْيرا ً ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ي ُب ْدِل َهُ َ‬
‫ما َرب ّهُ َ‬ ‫فَأَرد َْنا أ ْ‬
‫حا وديًنا وبًرا بهما‪.‬‬
‫دل الله أبويه بمن هو خير منه صل ً‬
‫فأردنا أن ي ُب ْ ِ‬

‫وأ َ‬
‫كن هٌز ل َهُ َ‬
‫مهها‬ ‫ه َ‬ ‫حت َ ُ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫دين َةِ وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫م ِ‬‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫تي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫م‬‫َ‬ ‫غل‬‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫دا‬
‫َ‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫ما ال ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مهها‬ ‫جا َ‬ ‫َ‬
‫ن ي َب ْل َُغا أ ُ‬ ‫َ‬
‫صاِلحا ً فَأَراد َ َرب ّ َ‬ ‫َ‬ ‫وَ َ‬
‫كنَزهُ َ‬ ‫خرِ َ‬ ‫سههت َ ْ‬‫ما وَي َ ْ‬‫شد ّهُ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ما‬‫ن أُبوهُ َ‬ ‫كا َ‬
‫س هت َط ِعْ عَل َي ْه ِ‬
‫ه‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬‫ل َ‬‫ك ت َأ ِْوي ُ‬ ‫ري ذ َل ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬
‫ك وما فَعل ْته عَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ َ َ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫صْبرا ً )‪(82‬‬ ‫َ‬
‫مي َْله حتى استوى فإنه كان لغلمين يتيمين‬ ‫ت َ‬‫دل ُ‬
‫وأما الحائط الذي ع ّ‬
‫في القرية التي فيها الجدار‪ ،‬وكان تحته كنز لهما من الذهب‬
‫حا‪ ،‬فأراد ربك أن يكَبرا ويبلغا‬‫والفضة‪ ،‬وكان أبوهما رجل صال ً‬
‫ت يا‬‫قوتهما‪ ،‬ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك بهما‪ ،‬وما فعل ُ‬
‫موسى جميع الذي رأيَتني فعلُته عن أمري ومن تلقاء نفسي‪ ،‬وإنما‬
‫ت لك أسبابه هو عاقبة المور‬ ‫فعلته عن أمر الله‪ ،‬ذلك الذي ب َي ّن ْ ُ‬
‫ي فيها‪.‬‬‫التي لم تستطع صبًرا على ترك السؤال عنها والنكار عل ّ‬

‫كرا ً )‪(83‬‬ ‫َ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬


‫ه ذِ ْ‬
‫من ْ ُ‬ ‫سأت ُْلو عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن قُ ْ‬
‫ل َ‬ ‫ْ‬
‫ن ِذي الَقْرن َي ْ ِ‬
‫ك عَ ْ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ويسألك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء المشركون من قومك عن خبر ذي‬
‫ص عليكم منه ذِك ًْرا تتذكرونه‪،‬‬
‫القرنين الملك الصالح‪ ،‬قل لهم‪ :‬سأق ّ‬
‫وتعتبرون به‪.‬‬

‫‪580‬‬
‫سَببا ً )‪(84‬‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫إّنا مك ّّنا ل َه ِفي ال َ‬
‫يءٍ َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬
‫ض َوآت َي َْناهُ ِ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬
‫إنا مك ّّنا له في الرض‪ ،‬وآتيناه من كل شيء أسباًبا وطرًقا‪ ،‬يتوصل‬
‫من فَْتح المدائن وقهر العداء وغير ذلك‪.‬‬ ‫بها إلى ما يريد ِ‬

‫سَببا ً )‪(85‬‬ ‫َ‬


‫فَأت ْب َعَ َ‬
‫فأخذ بتلك السباب والطرق بجد واجتهاد‪.‬‬

‫مئ َةٍ وَوَ َ‬


‫ج هد َ‬ ‫ح ِ‬
‫ن َ‬‫ب فِههيَ عَي ْه ٍ‬ ‫ها ت َغْ هُر ُ‬
‫ج هد َ َ‬
‫س وَ َ‬‫ِ‬ ‫م‬
‫ش ْ‬‫ب ال ّ‬ ‫ذا ب َل َغَ َ‬
‫مغْرِ َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫َ‬
‫سنا ً‬ ‫َ‬ ‫وما ً قُل َْنا َيا َ ْ‬
‫ح ْ‬ ‫م ُ‬‫خذ َ ِفيهِ ْ‬‫ن ت َت ّ ِ‬
‫ما أ ْ‬
‫ب وَإ ِ ّ‬‫ن ت ُعَذ ّ َ‬‫ما أ ْ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫ذا الَقْرن َي ْ ِ‬ ‫ها قَ ْ‬ ‫عن ْد َ َ‬‫ِ‬
‫)‪(86‬‬
‫حتى إذا وصل ذو القرنين إلى مغرب الشمس وجدها في مرأى‬
‫العين كأنها تغرب في عين حارة ذات طين أسود‪ ،‬ووجد عند مغربها‬
‫ما‪ .‬قلنا‪ :‬يا ذا القرنين إما أن تعذبهم بالقتل أو غيره‪ ،‬إن لم يقروا‬
‫قو ً‬
‫بتوحيد الله‪ ،‬وإما أن تحسن إليهم‪ ،‬فتعلمهم الهدى وتبصرهم‬
‫الرشاد‪.‬‬

‫كرا ً )‬
‫ذابا ً ن ُ ْ‬ ‫َقا َ َ‬
‫م ي َُرد ّ إ َِلى َرب ّهِ فَي ُعَذ ّب ُ ُ‬
‫ه عَ َ‬ ‫ه ثُ ّ‬
‫ف ن ُعَذ ّب ُ ُ‬
‫سو ْ َ‬ ‫ن ظ َل َ َ‬
‫م فَ َ‬ ‫م ْ‬
‫ما َ‬
‫لأ ّ‬
‫‪(87‬‬
‫من ظلم نفسه منهم فكفر بربه‪ ،‬فسوف نعذبه‬ ‫ما َ‬
‫قال ذو القرنين‪ :‬أ ّ‬
‫ما في نار جهنم‪.‬‬
‫في الدنيا‪ ،‬ثم يرجع إلى ربه‪ ،‬فيعذبه عذاًبا عظي ً‬

‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ل ل َه ُ‬
‫ه ِ‬ ‫س هن َُقو ُ‬
‫سهَنى وَ َ‬ ‫جهَزاًء ال ْ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫صاِلحا ً فَل َه ُ‬
‫ه َ‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬
‫م َ‬
‫نآ َ‬
‫م ْ‬‫ما َ‬ ‫وَأ ّ‬
‫سرا ً )‪(88‬‬ ‫َ‬
‫مرَِنا ي ُ ْ‬‫أ ْ‬
‫حده وعمل بطاعته فله الجنة‬ ‫دق به وو ّ‬
‫من آمن منهم بربه فص ّ‬‫وأما َ‬
‫سر له‬
‫ثواًبا من الله‪ ،‬وسنحسن إليه‪ ،‬ونلين له في القول وني ّ‬
‫المعاملة‪.‬‬

‫‪581‬‬
‫سَببا ً )‪(89‬‬ ‫ثُ َ‬
‫م أت ْب َعَ َ‬
‫ّ‬
‫ثم رجع ذو القرنين إلى المشرق متبًعا السباب التي أعطاه الله‬
‫إياها‪.‬‬

‫ل ل َهُ ه ْ‬
‫م‬ ‫جع َ ه ْ‬ ‫ها ت َط ْل ُعُ عََلى قَوْم ٍ ل َه ْ‬
‫م نَ ْ‬ ‫جد َ َ‬
‫س وَ َ‬
‫م ِ‬ ‫مط ْل ِعَ ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫ذا ب َل َغَ َ‬
‫حّتى إ ِ َ‬
‫َ‬
‫سْترا ً )‪(90‬‬ ‫دون َِها ِ‬ ‫ن ُ‬
‫م ْ‬‫ِ‬
‫حتى إذا وصل إلى مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم ليس لهم‬
‫بناء يسترهم‪ ،‬ول شجر يظلهم من الشمس‪.‬‬

‫خْبرا ً )‪(91‬‬
‫ما ل َد َي ْهِ ُ‬ ‫َ‬
‫حط َْنا ب ِ َ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫ك وَقَد ْ أ َ‬

‫عل ْ ُ‬
‫منا بما عنده من الخير والسباب العظيمة‪،‬‬ ‫كذلك وقد أحاط ِ‬
‫جه وسار‪.‬‬
‫حيثما تو ّ‬

‫سَببا ً )‪(92‬‬ ‫ثُ َ‬


‫م أت ْب َعَ َ‬
‫ّ‬
‫ثم سار ذو القرنين آخ ً‬
‫ذا بالطرق والسباب التي منحناها إياه‪.‬‬

‫ن‬
‫ن ي َْفَقهُههو َ‬ ‫وم ها ً ل ي َك َهها ُ‬
‫دو َ‬ ‫مهها قَ ْ‬
‫دون ِهِ َ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫جد َ ِ‬
‫ن وَ َ‬
‫سد ّي ْ ِ‬ ‫ذا ب َل َغَ ب َي ْ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬
‫َ‬
‫قَوْل ً )‪(93‬‬
‫حتى إذا وصل إلى ما بين الجبلين الحاجزين لما وراءهما‪ ،‬وجد من‬
‫ما‪ ،‬ل يكادون يعرفون كلم غيرهم‪.‬‬‫دونهما قو ً‬

‫ض فَهَ ه ْ‬
‫ل‬ ‫ر‬ ‫ن فِههي ال َ‬ ‫دو‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫جو‬ ‫ذا ال َْقرنين إن يأ ْجوج وم هأ ْ‬ ‫َقاُلوا َيا َ‬
‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َْ ِ ِ ّ َ ُ َ َ َ‬
‫سد ّا ً )‪(94‬‬ ‫َ‬
‫م َ‬ ‫جع َ َ‬
‫ل ب َي ْن ََنا وَب َي ْن َهُ ْ‬ ‫خْرجا ً عََلى أ ْ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫ك َ‬‫ل لَ َ‬
‫جع َ ُ‬
‫نَ ْ‬
‫متان عظيمتان من‬‫ن يأجوج ومأجوج ‪-‬وهما أ ّ‬‫قالوا يا ذا القرنين‪ :‬إ ّ‬
‫بني آدم‪ -‬مفسدون في الرض بإهلك الحرث والنسل‪ ،‬فهل نجعل‬
‫لك أجًرا‪ ،‬ونجمع لك مال على أن تجعل بيننا وبينهم حاجًزا يحول‬
‫بيننا وبينهم؟‬

‫‪582‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ل ب َي ْن َك ُه ْ‬
‫م وَب َي ْن َهُه ْ‬ ‫جع َه ْ‬
‫عيُنوِني ب ُِقهوّةٍ أ ْ‬ ‫مك ّن َِني ِفيهِ َرّبي َ‬
‫خي ْهٌر فَهأ ِ‬ ‫ما َ‬
‫ل َ‬‫َقا َ‬
‫دما ً )‪(95‬‬
‫َر ْ‬
‫من‬
‫قال ذو القرنين‪ :‬ما أعطانيه ربي من الملك والتمكين خير لي ِ‬
‫دا‪.‬‬
‫مالكم‪ ،‬فأعينوني بقوة منكم أجعل بينكم وبينهم س ً‬

‫حّتى إ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫خوا َ‬ ‫ن َقا َ‬
‫ل انُف ُ‬ ‫صد َفَي ْ ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫ساَوى ب َي ْ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬‫ديدِ َ‬ ‫آُتوِني ُزب ََر ال ْ َ‬
‫ح ِ‬
‫طرا ً )‪(96‬‬ ‫ل آُتوِني أ ُفْرِغْ عَل َي ْهِ قِ ْ‬‫ه َنارا ً َقا َ‬
‫جعَل َ ُ‬
‫َ‬
‫أعطوني قطع الحديد‪ ،‬حتى إذا جاؤوا به ووضعوه وحاذوا به جانبي‬
‫ججوا النار‪ ،‬حتى إذا صار الحديد كله ناًرا‪،‬‬
‫الجبلين‪ ،‬قال للعمال‪ :‬أ ّ‬
‫سا ُأفرغه عليه‪.‬‬‫قال‪ :‬أعطوني نحا ً‬

‫ه ن َْقبا ً )‪(97‬‬ ‫طا ُ َ‬


‫عوا ل َ ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ن ي َظ ْهَُروهُ وَ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫عوا أ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ما ا ْ‬
‫فما استطاعت يأجوج ومأجوج أن تصعد فوق السد؛ لرتفاعه‬
‫وملسته‪ ،‬وما استطاعوا أن ينقبوه من أسفله لبعد عرضه وقوته‪.‬‬

‫ن وَعْهد ُ‬ ‫جعَل َه ُ‬
‫ه د َك ّههاَء وَك َهها َ‬ ‫جاءَ وَعْد ُ َرب ّههي َ‬ ‫ن َرّبي فَإ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫م ٌ‬
‫ح َ‬
‫ذا َر ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل هَ َ‬
‫حّقا ً )‪(98‬‬ ‫َرّبي َ‬
‫قال ذو القرنين‪ :‬هذا الذي بنيته حاجًزا عن فساد يأجوج ومأجوج‬
‫رحمة من ربي بالناس‪ ،‬فإذا جاء وعد ربي بخروج يأجوج ومأجوج‬
‫ما مستوًيا بالرض‪ ،‬وكان وعد ربي حّقا‪.‬‬
‫جعله دكاء منهد ً‬

‫م‬
‫معْن َههاهُ ْ‬ ‫صههورِ فَ َ‬
‫ج َ‬ ‫ض وَن ُِف ه َ‬
‫خ فِههي ال ّ‬ ‫ج ِفي ب َعْ ٍ‬
‫مو ُ‬
‫مئ ِذٍ ي َ ُ‬
‫م ي َوْ َ‬ ‫وَت ََرك َْنا ب َعْ َ‬
‫ضه ُ ْ‬
‫معا ً )‪(99‬‬ ‫ج ْ‬‫َ‬
‫دنا‪ -‬يموج بعضهم في بعض‬ ‫وتركنا يأجوج ومأجوج ‪-‬يوم يأتيهم وَعْ ُ‬
‫مختلطين؛ لكثرتهم‪ ،‬ونفخ في "القرن" للبعث‪ ،‬فجمعنا الخلق جميًعا‬
‫للحساب والجزاء‪.‬‬

‫‪583‬‬
‫ن عَْرضا ً )‪(100‬‬
‫ري َ‬ ‫مئ ِذٍ ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫م ي َوْ َ‬
‫جهَن ّ َ‬
‫ضَنا َ‬
‫وَعََر ْ‬
‫وعرضنا جهنم للكافرين‪ ،‬وأبرزناها لهم لنريهم سوء عاقبتهم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫طيُعو َ‬ ‫ري وَك َههاُنوا ل ي َ ْ‬
‫سهت َ ِ‬ ‫م فِههي ِغط َههاٍء عَه ْ‬
‫ن ذِك ْه ِ‬ ‫ت أعْي ُن ُهُه ْ‬‫ن ك َههان َ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫معا ً )‪(101‬‬ ‫س ْ‬‫َ‬
‫الذين كانت أعينهم في الدنيا في غطاء عن ذكري فل تبصر آياتي‪،‬‬
‫وكانوا ل يطيقون سماع حججي الموصلة إلى اليمان بي‬
‫وبرسولي‪.‬‬

‫دوِني أ َوْل ِي َههاَء إ ِن ّهها أ َعْت َهد َْنا‬


‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫عَباِدي ِ‬ ‫خ ُ‬
‫ذوا ِ‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ن ك ََفُروا أ ْ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫أفَ َ‬
‫َ‬
‫ن ن ُُزل ً )‪(102‬‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬‫م ل ِل ْ َ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫َ‬
‫أفظن الذين كفروا بي أن يتخذوا عبادي آلهة من غيري؛ ليكونوا‬
‫أولياء لهم؟ إنا أعتدنا نار جهنم للكافرين منزل‪.‬‬

‫خسري َ‬ ‫َ‬
‫مال ً )‪(103‬‬
‫ن أعْ َ‬ ‫ل ن ُن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫م ِبال ْ َ ِ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل هَ ْ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس محذًرا‪ :‬هل ُنخبركم بأخسر الناس أعمال؟‬

‫ل سعيهم في ال ْحياة الدنيا وهُ هم يحس هبو َ‬


‫ن‬
‫س هُنو َ‬
‫ح ِ‬
‫م يُ ْ‬
‫ن أن ّهُ ه ْ‬
‫َ َ ِ َّْ َ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ض ّ َ ُُْ ْ ِ‬
‫ن َ‬
‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫صْنعا ً )‪(104‬‬‫ُ‬
‫إنهم الذين ض ّ‬
‫ل عملهم في الحياة الدنيا ‪-‬وهم مشركو قومك‬
‫ل سواء السبيل‪ ،‬فلم يكن على هدى ول صواب‪-‬‬ ‫وغيرهم ممن ض ّ‬
‫وهم يظنون أنهم محسنون في أعمالهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫م‬ ‫مههال ُهُ ْ‬
‫م َفل ن ُِقي ه ُ‬ ‫حب ِط َه ْ‬
‫ت أعْ َ‬ ‫م وَل َِقههائ ِهِ فَ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ِبآَيا ِ‬
‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫مةِ وَْزنا ً )‪(105‬‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬

‫‪584‬‬
‫أولئك الخسرون أعمال هم الذين جحدوا بآيات ربهم وك ّ‬
‫ذبوا بها‪،‬‬
‫وأنكروا لقاءه يوم القيامة‪ ،‬فبطلت أعمالهم؛ بسبب كفرهم‪ ،‬فل‬
‫نقيم لهم يوم القيامة قدًرا‪.‬‬

‫سِلي هُُزوا ً )‪(106‬‬


‫ذوا آَياِتي وَُر ُ‬ ‫ما ك ََفُروا َوات ّ َ‬
‫خ ُ‬ ‫م بِ َ‬
‫جهَن ّ ُ‬ ‫جَزاؤُهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬
‫من حبوط أعمالهم جزاؤهم نار جهنم؛ بسبب كفرهم‬‫ذلك المذكور ِ‬
‫بالله واتخاذهم آياته وحجج رسله استهزاًء وسخرية‪.‬‬

‫س ن ُُزل ً )‬ ‫جّنا ُ ْ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫ن ال ّ ِ‬


‫ت الِفْرد َوْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫‪(107‬‬
‫دقوا رسلي‪ ،‬وعملوا الصالحات‪ ،‬لهم أعلى‬
‫إن الذين آمنوا بي‪ ،‬وص ّ‬
‫الجنة وأفضلها منزل‪.‬‬

‫حوَل ً )‪(108‬‬
‫ن عَن َْها ِ‬
‫ن ِفيَها ل ي َب ُْغو َ‬
‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫َ‬
‫ول؛ لرغبتهم فيها وحبهم لها‪.‬‬
‫دا‪ ،‬ل يريدون عنها تح ّ‬
‫خالدين فيها أب ً‬

‫ل ل َو ك َههان ال ْبحهر مهدادا ً ل ِك َل ِمههات ربههي ل َنفهد ال ْبحهر قَبه َ َ‬


‫ن َتنَفهد َ‬
‫لأ ْ‬ ‫َِ َ َ ْ ُ ْ‬ ‫َ ِ َ ّ‬ ‫َ َ ْ ُ ِ َ‬ ‫قُ ْ ْ‬
‫ددا ً )‪(109‬‬‫م َ‬ ‫مث ْل ِهِ َ‬ ‫ت َرّبي وَل َوْ ِ‬
‫جئ َْنا ب ِ ِ‬ ‫ك َل ِ َ‬
‫ما ُ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬لو كان ماء البحر حبًرا للقلم التي يكتب بها‬
‫فد ماء البحر قبل أن تنفد كلمات الله‪ ،‬ولو جئنا بمثل‬
‫كلم الله‪ ،‬لن ِ‬
‫دا له‪ .‬وفي الية إثبات صفة الكلم لله ‪-‬تعالى‪-‬‬‫البحر بحاًرا أخرى مد ً‬
‫حقيقة كما يليق بجلله وكماله‪.‬‬

‫شر مث ْل ُك ُم يوحى إل َ َ‬ ‫َ‬


‫ن ك َهها َ‬
‫ن‬ ‫حهد ٌ فَ َ‬
‫مه ْ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫م إ ِل َه ٌ‬
‫ما إ ِل َهُك ُ ْ‬
‫ي أن ّ َ‬
‫ِ ّ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ما أَنا ب َ َ ٌ ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫حههدا ً )‬ ‫َ‬ ‫صههاِلحا ً َول ي ُ ْ‬
‫ك ب ِعِب َههاد َةِ َرب ّههِ أ َ‬ ‫ش هرِ ْ‬ ‫مل ً َ‬ ‫جوا ل َِقاَء َرب ّهِ فَل ْي َعْ َ‬
‫م ْ‬
‫ل عَ َ‬ ‫ي َْر ُ‬
‫‪(110‬‬
‫ي‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬إنما أنا بشر مثلكم يوحى إل ّ‬
‫من كان يخاف عذاب ربه ويرجو‬ ‫من ربي أنما إلهكم إله واحد‪ ،‬ف َ‬
‫‪585‬‬
‫حا لربه موافًقا لشرعه‪ ،‬ول‬
‫ثوابه يوم لقائه‪ ،‬فليعمل عمل صال ً‬
‫دا غيره‪.‬‬
‫يشرك في العبادة معه أح ً‬

‫‪ -19‬سورة مريم‬

‫كهيعص )‪(1‬‬
‫)كهيعص( سبق الكلم على الحروف المق ّ‬
‫طعة في أول سورة‬
‫البقرة‪.‬‬

‫ك عَب ْد َهُ َزك َرِّيا )‪(2‬‬


‫مةِ َرب ّ َ‬ ‫ذِك ُْر َر ْ‬
‫ح َ‬
‫هذا ذِ ْ‬
‫كر رحمة ربك عبده زكريا‪ ,‬سنقصه عليك‪ ,‬فإن في ذلك عبرة‬
‫للمعتبرين‪.‬‬

‫خِفي ّا ً )‪(3‬‬
‫داءً َ‬
‫ه نِ َ‬ ‫إ ِذ ْ َنا َ‬
‫دى َرب ّ ُ‬
‫صا لله‪ ,‬وأرجى للجابة‪.‬‬
‫إذ دعا ربه سًرا; ليكون أكمل وأتم إخل ً‬

‫شهيبا ً ول َه َ‬ ‫ْ‬
‫م أك ُه ْ‬
‫ن‬ ‫س َ ْ َ ْ‬ ‫شهت َعَ َ‬
‫ل الهّرأ ُ‬ ‫من ّههي َوا ْ‬ ‫ن ال ْعَظ ْه ُ‬
‫م ِ‬ ‫ب إ ِّني وَهَه َ‬
‫ل َر ّ‬ ‫َقا َ‬
‫شِقي ّا ً )‪(4‬‬
‫ب َ‬
‫ك َر ّ‬‫عائ ِ َ‬‫ب ِد ُ َ‬
‫ت‪ ,‬وضعف عظمي‪ ,‬وانتشر الشيب في رأسي‪,‬‬ ‫قال‪ :‬رب إني ك َب ِْر ُ‬
‫ما من إجابة الدعاء‪.‬‬
‫ولم أكن من قبل محرو ً‬

‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ب ل ِههي ِ‬ ‫مَرأ َِتي َ‬
‫عاِقرا ً فَهَ ْ‬ ‫تا ْ‬ ‫ن وََراِئي وَ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ي ِ‬
‫وال ِ َ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫خْف ُ‬ ‫وَإ ِّني ِ‬
‫ك وَل ِي ّا ً )‪(5‬‬
‫ل َد ُن ْ َ‬

‫من بعد موتي أن ل يقوموا بدينك حق‬ ‫وإني خفت أقاربي وعصبتي ِ‬
‫القيام‪ ,‬ول يدعوا عبادك إليك‪ ,‬وكانت زوجتي عاقًرا ل تلد‪ ,‬فارزقني‬
‫دا وارًثا ومعيًنا‪.‬‬
‫من عندك ول ً‬
‫ِ‬
‫‪586‬‬
‫ضي ّا ً )‪(6‬‬
‫ب َر ِ‬ ‫جعَل ْ ُ‬
‫ه َر ّ‬ ‫ب َوا ْ‬
‫ل ي َعُْقو َ‬
‫نآ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ي َرِث ُِني وَي َرِ ُ‬
‫ث ِ‬
‫وتي ونبوة آل يعقوب‪ ,‬واجعل هذا الولد مرضًيا منك ومن‬
‫يرث نب ّ‬
‫عبادك‪.‬‬

‫مي ّا ً )‬
‫سهه ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫جع َ ْ‬ ‫حَيى ل َ ْ‬
‫م نَ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬
‫م ُ‬
‫س ُ‬
‫ك ب ُِغلم ٍ ا ْ‬ ‫َيا َزك َرِّيا إ ِّنا ن ُب َ ّ‬
‫شُر َ‬
‫‪(7‬‬
‫ما اسمه يحيى‪,‬‬
‫يا زكريا إّنا نبشرك بإجابة دعائك‪ ,‬قد وهبنا لك غل ً‬
‫دا قبله بهذا السم‪.‬‬
‫م أح ً‬‫س ّ‬
‫لم ن ُ َ‬

‫كانت ا َ‬ ‫ب أ َّنى ي َ ُ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫مَرأِتي عَههاِقرا ً وَقَ هد ْ ب َل َغْ ه ُ‬
‫ت ِ‬ ‫م وَ َ َ ْ ْ‬ ‫ن ِلي ُ‬
‫غل ٌ‬ ‫كو ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫َقا َ‬
‫عت ِي ّا ً )‪(8‬‬
‫ال ْك ِب َرِ ِ‬
‫ب كيف يكون لي غلم‪ ,‬وكانت امرأتي عاقًرا ل‬‫قال زكريا متعجًبا‪ :‬ر ّ‬
‫تلد‪ ,‬وأنا قد بلغت النهاية في الكبر ورقة العظم؟‬

‫ك‬ ‫ل وَل َه ْ‬
‫م ت َه ُ‬ ‫ن قَب ْه ُ‬
‫مه ْ‬ ‫خل َْقت ُه َ‬
‫ك ِ‬ ‫ن وَقَ هد ْ َ‬ ‫ك هُوَ عَل َ ّ‬
‫ي هَي ّ ٌ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫ل ك َذ َل ِ َ‬
‫ك َقا َ‬ ‫َقا َ‬
‫شْيئا ً )‪(9‬‬ ‫َ‬
‫من‬‫جب منه‪ :‬هكذا المر كما تقول ِ‬ ‫مَلك مجيًبا زكريا ع ّ‬
‫ما تع ّ‬ ‫قال ال َ‬
‫خل ْ ُ‬
‫ق‬ ‫ن ربك قال‪َ :‬‬
‫كون امرأتك عاقًرا‪ ,‬وبلوغك من الكبر عتًيا‪ ,‬ولك ّ‬
‫ي‪ ,‬ثم ذكر الله سبحانه‬‫يحيى على هذه الكيفية أمر سهل هّين عل ّ‬
‫لزكريا ما هو أعجب مما سأل عنه فقال‪ :‬وقد خلقتك أنت من قبل‬
‫ك شيًئا مذكوًرا ول موجو ً‬
‫دا‪.‬‬ ‫يحيى‪ ,‬ولم ت ُ‬

‫سهوِي ّا ً )‬ ‫ل آيت َ َ‬
‫ث ل َي َهها ٍ‬
‫ل َ‬ ‫س َثل َ‬ ‫ك أل ّ ت ُك َل ّ َ‬
‫م الن ّهها َ‬ ‫ة َقا َ َ ُ‬
‫جَعل ِلي آي َ ً‬
‫با ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َر ّ‬
‫‪(10‬‬
‫ب اجعل لي علمة على تحّقق ما‬‫قال زكريا زيادة في اطمئنانه‪ :‬ر ّ‬
‫شَرْتني به الملئكة‪ ,‬قال‪ :‬علمتك أن ل تقدر على كلم الناس مدة‬‫بَ ّ‬
‫ثلث ليال وأيامها‪ ,‬وأنت صحيح معافى‪.‬‬

‫‪587‬‬
‫حوا ب ُك ْهَرةً‬ ‫خرج عََلى قَ هومه م هن ال ْمح هراب فَ هأ َوحى إل َيه ه َ‬
‫س هب ّ ُ‬
‫ن َ‬
‫مأ ْ‬‫ِ ِْ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ ْ َ ِ‬ ‫ْ ِ ِ ِ ْ‬ ‫فَ َ َ َ‬
‫شي ّا ً )‪(11‬‬
‫وَعَ ِ‬
‫شر فيه‬‫من مصله‪ ,‬وهو المكان الذي ب ُ ّ‬ ‫فخرج زكريا على قومه ِ‬
‫حا ومساًء شكًرا له تعالى‪.‬‬‫سّبحوا الله صبا ً‬
‫بالولد‪ ,‬فأشار إليهم‪ :‬أن َ‬

‫صب ِي ّا ً )‪(12‬‬ ‫ب ب ُِقوّةٍ َوآت َي َْناهُ ال ْ ُ‬


‫حك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫خذ ْ ال ْك َِتا َ‬
‫حَيى ُ‬
‫َيا ي َ ْ‬
‫فلما ولد يحيى‪ ،‬وبلغ مبلًغا يفهم فيه الخطاب‪ ،‬أمره الّله أن يأخذ‬
‫التوراة بجد ّ واجتهاد بقوله‪ :‬يا يحيى خذ التوراة بجد واجتهاد بحفظ‬
‫ألفاظها‪ ,‬وفهم معانيها‪ ,‬والعمل بها‪ ,‬وأعطيناه الحكمة وحسن‬
‫الفهم‪ ,‬وهو صغير السن‪.‬‬

‫ن ت َِقي ّا ً )‪(13‬‬ ‫ن ل َد ُّنا وََز َ‬


‫كاةً وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫حَنان َا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫وآتيناه رحمة ومحبة من عندنا وطهارة من الذنوب‪ ,‬وكان خائًفا‬
‫مطيًعا لله تعالى‪ ,‬مؤدًيا فرائضه‪ ,‬مجتنًبا محارمه‪.‬‬

‫صي ّا ً )‪(14‬‬
‫جّبارا ً عَ ِ‬ ‫وال ِد َي ْهِ وَل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫وَب َّرا ً ب ِ َ‬
‫وكان باّرا بوالديه مطيًعا لهما‪ ,‬ولم يكن متكبًرا عن طاعة ربه‪ ,‬ول‬
‫عن طاعة والديه‪ ,‬ول عاصًيا لربه‪ ,‬ول لوالديه‪.‬‬

‫حي ّا ً )‪(15‬‬
‫ث َ‬
‫م ي ُب ْعَ ُ‬
‫ت وَي َوْ َ‬
‫مو ُ‬
‫م يَ ُ‬ ‫م عَل َي ْهِ ي َوْ َ‬
‫م وُل ِد َ وَي َوْ َ‬ ‫سل ٌ‬
‫وَ َ‬
‫وسلم من الله على يحيى وأمان له يوم وُِلد‪ ,‬ويوم يموت‪ ,‬ويوم‬
‫من قبره حًيا‪.‬‬
‫ُيبعث ِ‬

‫شْرقِي ّا ً )‪(16‬‬
‫كانا ً َ‬
‫م َ‬ ‫واذ ْك ُر في ال ْكتاب مريم إذ ْ انتبذ َت م َ‬
‫ن أهْل َِها َ‬
‫ََ ْ ِ ْ‬ ‫َِ ِ َ ْ َ َ ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬في هذا القرآن خبر مريم إذ تباعدت عن‬
‫أهلها‪ ,‬فاتخذت لها مكاًنا مما يلي الشرق عنهم‪.‬‬

‫‪588‬‬
‫سوِي ّا ً‬ ‫َ‬
‫شرا ً َ‬
‫ل ل ََها ب َ َ‬ ‫سل َْنا إ ِل َي َْها ُرو َ‬
‫حَنا فَت َ َ‬
‫مث ّ َ‬ ‫جابا ً فَأْر َ‬
‫ح َ‬
‫م ِ‬
‫دون ِهِ ْ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫َفات ّ َ‬
‫خذ َ ْ‬
‫ت ِ‬
‫)‪(17‬‬
‫من دون أهلها ستًرا يسترها عنهم وعن الناس‪ ,‬فأرسلنا‬ ‫فجعلت ِ‬
‫خْلق‪.‬‬
‫إليها المَلك جبريل‪ ,‬فتمّثل لها في صورة إنسان تام ال َ‬

‫ت ت َِقي ّا ً )‪(18‬‬ ‫ن ُ‬
‫كن َ‬ ‫من ْ َ‬
‫ك إِ ْ‬ ‫ن ِ‬
‫م ِ‬ ‫ت إ ِّني أ َ ُ‬
‫عوذ ُ ِبالّر ْ‬
‫ح َ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫قالت مريم له‪ :‬إني أستجير بالرحمن منك أن تنالني بسوء إن كنت‬
‫ممن يتقي الله‪.‬‬

‫َ‬
‫غلما ً َزك ِي ّا ً )‪(19‬‬ ‫ك ل َهَ َ‬
‫ب لَ ِ‬
‫ك ُ‬ ‫سو ُ‬
‫ل َرب ّ ِ‬ ‫ما أَنا َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫مَلك‪ :‬إنما أنا رسول ربك بعثني إليك؛ لهب لك غل ً‬
‫ما‬ ‫قال لها ال َ‬
‫طاهًرا من الذنوب‪.‬‬

‫ن ب َغِي ّا ً )‪(20‬‬ ‫شر ول َ َ‬ ‫ت أ َّنى ي َ ُ‬


‫م أك ُ ْ‬
‫سِني ب َ َ ٌ َ ْ‬
‫س ْ‬
‫م َ‬ ‫م وَل َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ن ِلي ُ‬
‫غل ٌ‬ ‫كو ُ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ح‬ ‫قالت مريم لل َ َ‬
‫ملك‪ :‬كيف يكون لي غلم‪ ,‬ولم يمسسني بشر بنكا ٍ‬
‫ك زانية؟‬ ‫حلل‪ ,‬ولم أ ُ‬

‫من ّهها‬
‫ة ِ‬
‫مه ً‬
‫ح َ‬
‫س وََر ْ‬
‫ة ِللن ّهها ِ‬ ‫جعَل َ ُ‬
‫ه آي َه ً‬ ‫ن وَل ِن َ ْ‬ ‫ك هُوَ عَل َ ّ‬
‫ي هَي ّ ٌ‬ ‫ل َرب ّ ِ‬‫ك َقا َ‬‫ل ك َذ َل ِ ِ‬‫َقا َ‬
‫ضي ّا ً )‪(21‬‬ ‫َ‬
‫مْق ِ‬ ‫مرا ً َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫كا َ‬
‫مَلك‪ :‬هكذا المر كما تصفين من أنه لم يمسسك بشر‪,‬‬ ‫قال لها ال َ‬
‫ي سهل; وليكون هذا‬ ‫ولم تكوني ب َغِّيا‪ ,‬ولكن ربك قال‪ :‬المر عل ّ‬
‫الغلم علمة للناس تدل على قدرة الله تعالى‪ ,‬ورحمة مّنا به‬
‫وبوالدته وبالناس‪ ,‬وكان وجود عيسى على هذه الحالة قضاء سابًقا‬
‫من نفوذه‪.‬‬
‫مقد ًّرا‪ ,‬مسطوًرا في اللوح المحفوظ‪ ,‬فل بد ِ‬

‫صي ّا ً )‪(22‬‬
‫كانا ً قَ ِ‬
‫م َ‬ ‫مل َت ْ ُ‬
‫ه َفانت َب َذ َ ْ‬
‫ت ب ِهِ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ح َ‬

‫‪589‬‬
‫جْيب قميصها‪ ,‬فوصلت‬‫فحملت مريم بالغلم بعد أن نفخ جبريل في َ‬
‫مها‪ ,‬فوقع الحمل بسبب ذلك‪ ,‬فتباعدت به إلى مكان‬
‫ح ِ‬
‫النفخة إلى َر ِ‬
‫بعيد عن الناس‪.‬‬

‫َ‬
‫ت قَب ْه َ‬
‫ل هَ ه َ‬
‫ذا‬ ‫ت ي َهها ل َي ْت َن ِههي ِ‬
‫مه ّ‬ ‫خل َهةِ قَههال َ ْ‬ ‫ض إ َِلى ِ‬
‫جذ ِْع الن ّ ْ‬ ‫خا ُ‬ ‫م َ‬‫ها ال ْ َ‬ ‫فَأ َ‬
‫جاَء َ‬
‫سي ّا ً )‪(23‬‬ ‫سيا ً َ‬
‫من ْ ِ‬ ‫ت نَ ْ‬‫كن ُ‬ ‫وَ ُ‬

‫فألجأها ط َل ْقُ الحمل إلى جذع النخلة فقالت‪ :‬يا ليتني م ّ‬


‫ت قبل هذا‬
‫من أنا؟‬ ‫اليوم‪ ,‬وكنت شيًئا ل ي ُعَْرف‪ ,‬ول ي ُذ ْ َ‬
‫كر‪ ,‬ول ي ُد َْرى َ‬

‫سرِي ّا ً )‪(24‬‬ ‫َ‬


‫ك َ‬
‫حت َ ِ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫جع َ َ‬
‫ل َرب ّ ِ‬ ‫حت َِها أل ّ ت َ ْ‬
‫حَزِني قَد ْ َ‬ ‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ها ِ‬ ‫فََنا َ‬
‫دا َ‬
‫دول‬
‫ج ْ‬
‫فناداها جبريل أو عيسى‪ :‬أن ل َتحزني‪ ,‬قد جعل ربك تحتك َ‬
‫ماء‪.‬‬

‫جن ِي ّا ً )‪(25‬‬
‫طبا ً َ‬
‫ك ُر َ‬‫ط عَل َي ْ ِ‬
‫ساقِ ْ‬
‫خل َةِ ت ُ َ‬
‫جذ ِْع الن ّ ْ‬ ‫وَهُّزي إ ِل َي ْ ِ‬
‫ك بِ ِ‬
‫من ساعته‪.‬‬‫ي ِ‬
‫جن ِ َ‬ ‫ضا ُ‬‫ط عليك رطًبا غَ ّ‬ ‫ساقِ ْ‬ ‫حّركي جذع النخلة ت ُ َ‬ ‫و َ‬

‫حههدا ً فَُقههوِلي إ ِن ّههي‬ ‫شربي وقَري عَينا ً فَإما ترين من ال ْب َ َ‬


‫شرِ أ َ‬‫ِ ّ ََ ْ َ ِ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ‬ ‫فَك ُِلي َوا ْ َ ِ‬
‫سي ّا ً )‪(26‬‬ ‫نذ َرت ِللرحمن صوما ً فَل َ ُ‬
‫م ال ْي َوْ َ‬
‫م ِإن ِ‬ ‫ن أك َل ّ َ‬
‫ْ‬ ‫ّ ْ َ ِ َ ْ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫سا بالمولود‪ ,‬فإن‬ ‫فكلي من الرطب‪ ,‬واشربي من الماء وطيهبي نف ً‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫جب ْ ُ‬
‫دا فسألك عن أمرك فقولي له‪ :‬إني أوْ َ‬ ‫رأيت من الناس أح ً‬
‫دا من الناس‪ .‬والسكوت‬ ‫على نفسي لله سكوًتا‪ ,‬فلن أكلم اليوم أح ً‬
‫دا في شرعهم‪ ,‬دون شريعة محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬ ‫كان تعب ً‬

‫شْيئا ً فَرِي ّا ً )‪(27‬‬ ‫َ‬


‫ت َ‬ ‫م ل ََقد ْ ِ‬
‫جئ ْ ِ‬ ‫ه َقاُلوا َيا َ‬
‫مْري َ ُ‬ ‫مل ُ ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ت ب ِهِ قَوْ َ‬
‫مَها ت َ ْ‬ ‫فَأت َ ْ‬
‫فأتت مريم قومها تحمل مولودها من المكان البعيد‪ ,‬فلما رأوها‬
‫ما مفترى‪.‬‬ ‫كذلك قالوا لها‪ :‬يا مريم لقد جئت أمًرا عظي ً‬

‫‪590‬‬
‫ك ب َغِي ّا ً )‪(28‬‬ ‫ُ‬ ‫ما َ‬ ‫كان أ َبوك ا َ‬ ‫َيا أ ُ ْ‬
‫م ِ‬
‫تأ ّ‬‫كان َ ْ‬ ‫سوْءٍ وَ َ‬ ‫ما َ َ ُ ِ ْ‬
‫مَرأ َ‬ ‫ن َ‬
‫هاُرو َ‬
‫ت َ‬
‫خ َ‬
‫يا أخت الرجل الصالح هارون ما كان أبوك رجل سوء يأتي‬
‫الفواحش‪ ,‬وما كانت أمك امرأة سوء تأتي الِبغاء‪.‬‬

‫صب ِي ّا ً )‪(29‬‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬


‫مهْدِ َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ن ُك َل ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫ت إ ِل َي ْهِ َقاُلوا ك َي ْ َ‬ ‫فَأ َ َ‬
‫شاَر ْ‬
‫فأشارت مريم إلى مولودها عيسى ليسألوه ويكلموه‪ ,‬فقالوا‬
‫من ل يزال في مهده طفل رضيًعا؟‬ ‫منكرين عليها‪ :‬كيف نكلم َ‬

‫جعَل َِني ن َب ِي ّا ً )‪(30‬‬ ‫ل إ ِّني عَب ْد ُ الل ّهِ آَتاِني ال ْك َِتا َ‬


‫ب وَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫قال عيسى وهو في مهده يرضع‪ :‬إني عبد الله‪ ,‬قضى بإعطائي‬
‫الكتاب‪ ,‬وهو النجيل‪ ,‬وجعلني نبًيا‪.‬‬

‫حّيهها ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ت َ‬
‫م ُ‬
‫ما د ُ ْ‬ ‫صلةِ َوالّز َ‬
‫كاةِ َ‬ ‫صاِني ِبال ّ‬
‫ت وَأوْ َ‬ ‫ما ُ‬
‫كن ُ‬ ‫مَباَركا ً أي ْ َ‬
‫ن َ‬ ‫جعَل َِني ُ‬
‫وَ َ‬
‫)‪(31‬‬
‫ت‪ ,‬وأوصاني بالمحافظة‬
‫جد ْ ُ‬ ‫وجعلني عظيم الخير والنفع حيثما وُ ِ‬
‫على الصلة وإيتاء الزكاة ما بقيت حًيا‪.‬‬

‫شِقي ّا ً )‪(32‬‬
‫جّبارا ً َ‬
‫جعَل ِْني َ‬ ‫وال ِد َِتي وَل َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫وَب َّرا ً ب ِ َ‬
‫وجعلني باّرا بوالدتي‪ ,‬ولم يجعلني متكبًرا ول شقًيا‪ ,‬عاصًيا لربي‪.‬‬

‫حي ّا ً )‪(33‬‬ ‫م أ ُب ْعَ ُ‬


‫ث َ‬ ‫ت وَي َوْ َ‬
‫مو ُ‬
‫والسلم عَل َي يوم ول ِدت ويو َ‬
‫مأ ُ‬‫ّ َ ْ َ ُ ْ ُ ََ ْ َ‬ ‫َ ّ ُ‬
‫ت‪ ,‬ويوم أموت‪ ,‬ويوم ُأبعث‬
‫ي من الله يوم وُل ِد ْ ُ‬
‫والسلمة والمان عل ّ‬
‫حًيا يوم القيامة‪.‬‬

‫ن )‪(34‬‬
‫مت َُرو َ‬ ‫حق ّ ا ل ّ ِ‬
‫ذي ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫م قَوْ َ‬
‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬
‫سى اب ْ ُ‬
‫عي َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك ِ‬

‫‪591‬‬
‫ذلك الذي قصصنا عليك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬صفَته وخبَره هو عيسى‬
‫ل الحق الذي شك فيه‬‫من غير شك ول مرية‪ ,‬بل هو قو ُ‬ ‫ابن مريم‪ِ ,‬‬
‫اليهود والنصارى‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ل َلهه ُ‬
‫ه‬ ‫مرا ً فَإ ِن ّ َ‬
‫ما ي َُقههو ُ‬ ‫ذا قَ َ‬
‫ضى أ ْ‬ ‫ه إِ َ‬
‫حان َ ُ‬ ‫ن وَل َدٍ ُ‬
‫سب ْ َ‬ ‫خذ َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ل ِل ّهِ أ ْ‬
‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫كو ُ‬ ‫ن فَي َ ُ‬
‫كُ ْ‬
‫خْلقه ول ً‬
‫دا‪ ,‬تنّزه‬ ‫من عباده و َ‬
‫ما كان لله تعالى ول يليق به أن يتخذ ِ‬
‫دس عن ذلك‪ ,‬إذا قضى أمًرا من المور وأراده‪ ,‬صغيًرا أو كبيًرا‪,‬‬ ‫وتق ّ‬
‫لم يمتنع عليه‪ ,‬وإنما يقول له‪" :‬كن"‪ ,‬فيكون كما شاءه وأراده‪.‬‬

‫م )‪(36‬‬
‫ست َِقي ٌ‬
‫م ْ‬ ‫صَرا ٌ‬
‫ط ُ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َرّبي وََرب ّك ُ ْ‬
‫م َفاعْب ُ ُ‬
‫دوهُ هَ َ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫وقال عيسى لقومه‪ :‬وإن الله الذي أدعوكم إليه هو وحده ربي‬
‫وربكم فاعبدوه وحده ل شريك له‪ ,‬فأنا وأنتم سواء في العبودية‬
‫والخضوع له‪ ،‬هذا هو الطريق الذي ل اعوجاج فيه‪.‬‬

‫م ْ‬
‫شههَدِ ي َهوْم ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ك ََفهُروا ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ل ل ِل ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م فَوَي ْه ٌ‬
‫ن ب َي ْن ِهِه ْ‬
‫م ْ‬
‫ب ِ‬ ‫ف ال َ ْ‬
‫حَزا ُ‬ ‫خت َل َ َ‬
‫َفا ْ‬
‫ظيم ٍ )‪(37‬‬ ‫عَ ِ‬
‫فاختلفت الِفَرق من أهل الكتاب فيما بينهم في أمر عيسى عليه‬
‫السلم‪ ,‬فمنهم غال فيه وهم النصارى‪ ,‬فمنهم من قال‪ :‬هو الله‪,‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬هو ابن الله‪ ,‬ومنهم من قال‪ :‬ثالث ثلثة ‪ -‬تعالى‬
‫ف عنه وهم اليهود‪ ,‬قالوا‪ :‬ساحر‪,‬‬
‫الله عما يقولون ‪ ،-‬ومنهم جا ٍ‬
‫من شهود يوم عظيم‬ ‫وقالوا‪ :‬ابن يوسف النجار‪ ,‬فهلك للذين كفروا ِ‬
‫الهول‪ ,‬وهو يوم القيامة‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫مِبي ه ٍ‬
‫ل ُ‬
‫ضههل ٍ‬ ‫ن ال ْي َوْ َ‬
‫م ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫م ي َأُتون ََنا ل َك ِ ْ‬
‫صْر ي َوْ َ‬
‫م وَأب ْ ِ‬
‫معْ ب ِهِ ْ‬
‫س ِ‬
‫أ ْ‬
‫)‪(38‬‬
‫دمون على الله‪ ,‬حين‬ ‫ما أشد ّ سمَعهم وبصرهم يوم القيامة‪ ,‬يوم ي َْق ُ‬
‫ن‬
‫ب بي ّ ٍ‬
‫ن الظالمون اليوم في هذه الدنيا في ذها ٍ‬ ‫ل ينفعهم ذلك!! لك ِ‬
‫عن الحق‪.‬‬

‫‪592‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ِفي غَْفل َةٍ وَهُ ْ‬
‫م ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫مُر وَهُ ْ‬
‫ي ال ْ‬ ‫سَرةِ إ ِذ ْ قُ ِ‬
‫ض َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫م ي َوْ َ‬
‫وَأنذِْرهُ ْ‬
‫)‪(39‬‬
‫جاءُ‬
‫وأنذر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬الناس يوم الندامة حين ُيقضى المر‪ ,‬وي ُ َ‬
‫بالموت كأّنه كبش أملح‪ ,‬في ُذ َْبح‪ ,‬وُيفصل بين الخلق‪ ,‬فيصير أهل‬
‫اليمان إلى الجنة‪ ,‬وأهل الكفر إلى النار‪ ,‬وهم اليوم في هذه الدنيا‬
‫ما ُأنذروا به‪ ,‬فهم ل يصدقون‪ ,‬ول يعملون العمل‬
‫في غفلة ع ّ‬
‫الصالح‪.‬‬

‫ن )‪(40‬‬ ‫ن عَل َي َْها وَإ ِل َي َْنا ي ُْر َ‬


‫جُعو َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬
‫ض وَ َ‬
‫ث الْر َ‬
‫ن ن َرِ ُ‬
‫ح ُ‬
‫إ ِّنا ن َ ْ‬
‫ح ْ‬
‫كمنا‬ ‫من عليها بفنائهم وبقائنا بعدهم و ُ‬
‫إنا نحن الوارثون للرض و َ‬
‫فيهم‪ ,‬وإلينا مصيرهم وحسابهم‪ ,‬فنجازيهم على أعمالهم‪.‬‬

‫ديقا ً ن َب ِي ّا ً )‪(41‬‬
‫ص ّ‬
‫ن ِ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬
‫هي َ‬ ‫َواذ ْك ُْر ِفي ال ْك َِتا ِ‬
‫ب إ ِب َْرا ِ‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لقومك في هذا القرآن قصة إبراهيم ‪ -‬عليه‬
‫من أرفع أنبياء الله تعالى منزلة‪.‬‬
‫السلم ‪ -‬إنه كان عظيم الصدق‪ ,‬و ِ‬

‫َ‬
‫ص هُر َول ي ُغْن ِههي عَن ْه َ‬
‫ك‬ ‫معُ َول ي ُب ْ ِ‬
‫سه َ‬
‫مهها ل ي َ ْ‬
‫م ت َعْب ُهد ُ َ‬ ‫ل ل َِبيهِ َيا أب َ ِ‬
‫ت لِ َ‬ ‫إ ِذ ْ َقا َ‬
‫شْيئا ً )‪(42‬‬ ‫َ‬
‫إذ قال لبيه آزر‪ :‬يا أبت لي شيء تعبد من الصنام ما ل يسمع ول‬
‫يبصر‪ ,‬ول يدفع عنك شيًئا من دون الله؟‬

‫ص هَراطا ً‬
‫ك ِ‬ ‫م ي َأ ْت ِ َ‬
‫ك َفات ّب ِعِْني أ َهْ هدِ َ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫ن ال ْعِل ْم ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ت إ ِّني قَد ْ َ‬
‫جاَءِني ِ‬
‫َ‬
‫َيا أب َ ِ‬
‫سوِي ّا ً )‪(43‬‬‫َ‬
‫يا أبت‪ ,‬إن الله أعطاني من العلم ما لم يعطك‪ ,‬فاقبل مني‪,‬‬
‫واتبعني إلى ما أدعوك إليه‪ ,‬أرشدك إلى الطريق السوي الذي ل‬
‫تض ّ‬
‫ل فيه‪.‬‬

‫‪593‬‬
‫صي ّا ً )‪(44‬‬ ‫ن َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫شي ْ َ‬
‫ت ل ت َعْب ُد ْ ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن عَ ِ‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫ن ِللّر ْ‬
‫كا َ‬ ‫طا َ‬ ‫ن إِ ّ‬
‫طا َ‬ ‫َيا أب َ ِ‬
‫يا أبت‪ ,‬ل تطع الشيطان فتعبد هذه الصنام; إن الشيطان كان‬
‫للرحمن مخالًفا مستكبًرا عن طاعة الله‪.‬‬

‫شهي ْ َ‬ ‫خا ُ َ‬
‫ت إ ِّني أ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫طا ِ‬ ‫ن فَت َك ُههو َ‬
‫ن ِلل ّ‬ ‫مه ِ‬
‫ح َ‬
‫ن الّر ْ‬
‫م ْ‬
‫ب ِ‬
‫ذا ٌ‬ ‫س َ‬
‫ك عَ َ‬ ‫م ّ‬
‫ن يَ َ‬
‫فأ ْ‬ ‫َيا أب َ ِ‬
‫وَل ِي ّا ً )‪(45‬‬
‫سك عذاب من‬
‫م ّ‬
‫يا أبت‪ ,‬إني أخاف أن تموت على كفرك‪ ,‬في َ‬
‫الرحمن‪ ,‬فتكون للشيطان قريًنا في النار‪.‬‬

‫َ‬ ‫قَهها َ َ‬
‫من ّه َ‬
‫ك‬ ‫م َتنت َههِ ل َْر ُ‬
‫ج َ‬ ‫ن ل َه ْ‬
‫م ل َئ ِ ْ‬
‫هي ه ُ‬
‫ن آل ِهَت ِههي ي َهها إ ِْبرا ِ‬
‫ت عَ ه ْ‬‫ب أن ْه َ‬
‫ل أَراِغ ه ٌ‬
‫مل ِي ّا ً )‪(46‬‬
‫جْرِني َ‬
‫َواهْ ُ‬
‫قال أبو إبراهيم لبنه‪ :‬أمعرض أنت عن عبادة آلهتي يا إبراهيم؟ لئن‬
‫سّبها لقتلّنك رمًيا بالحجارة‪ ,‬واذهب عني فل تلقني‪ ,‬ول‬
‫لم تنته عن َ‬
‫تكلمني زماًنا طويل من الدهر‪.‬‬

‫حِفي ّا ً )‪(47‬‬ ‫ه َ‬ ‫ست َغِْفُر ل َ َ‬ ‫َ‬ ‫م عَل َي ْ َ‬ ‫َقا َ‬


‫ن ِبي َ‬
‫كا َ‬ ‫ك َرّبي إ ِن ّ ُ‬ ‫سأ ْ‬‫ك َ‬ ‫سل ٌ‬
‫ل َ‬
‫قال إبراهيم لبيه‪ :‬سلم عليك مني فل ينالك مني ما تكره‪ ,‬وسوف‬
‫ما رؤوًفا بحالي‬
‫أدعو الله لك بالهداية والمغفرة‪ .‬إن ربي كان رحي ً‬
‫يجيبني إذا دعوته‪.‬‬

‫ن‬ ‫سهى أ َل ّ أ َ ُ‬
‫كهو َ‬ ‫ن الّلههِ وَأ َد ْ ُ‬
‫عهو َرّبهي عَ َ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫مه ْ‬
‫ن ِ‬
‫عو َ‬
‫ما َتهد ْ ُ‬‫م وَ َ‬
‫َ‬
‫وَأعْت َزِل ُك ُ ْ‬
‫شِقي ّا ً )‪(48‬‬ ‫عاِء َرّبي َ‬ ‫ب ِد ُ َ‬
‫صا‪,‬‬
‫وأفارقكم وآلهتكم التي تعبدونها من دون الله‪ ,‬وأدعو ربي مخل ً‬
‫عسى أن ل أشقى بدعاء ربي‪ ,‬فل يعطيني ما أسأله‪.‬‬

‫ب‬
‫حقَ وَي َعُْقههو َ‬
‫سه َ‬ ‫ن الل ّهِ وَهَب ْن َهها ل َه ُ‬
‫ه إِ ْ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫دو َ‬
‫ما ي َعْب ُ ُ‬ ‫ما اعْت ََزل َهُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫جعَل َْنا ن َب ِي ّا ً )‪(49‬‬
‫وَك ُل ّ َ‬

‫‪594‬‬
‫فلما فارقهم وآلهتهم التي يعبدونها من دون الله رزقناه من الولد‪:‬‬
‫إسحاق‪ ,‬ويعقوب بن إسحاق‪ ,‬وجعلناهما نبّيين‪.‬‬

‫ق عَل ِي ّا ً )‪(50‬‬
‫صد ْ ٍ‬
‫ن ِ‬
‫سا َ‬ ‫جعَل َْنا ل َهُ ْ‬
‫م لِ َ‬ ‫مت َِنا وَ َ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬
‫م ْ‬ ‫وَوَهَب َْنا ل َهُ ْ‬
‫م ِ‬
‫ووهبنا لهم جميعا من رحمتنا فضل ل يحصى‪ ,‬وجعلنا لهم ذكًرا‬
‫حسًنا‪ ,‬وثناًء جميل باقًيا في الناس‪.‬‬

‫سول ً ن َب ِي ّا ً )‪(51‬‬
‫ن َر ُ‬ ‫خَلصا ً وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ُ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫سى إ ِن ّ ُ‬
‫مو َ‬ ‫َواذ ْك ُْر ِفي ال ْك َِتا ِ‬
‫ب ُ‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬في القرآن قصة موسى ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬إنه‬
‫من أولي العزم من الرسل‪.‬‬‫كان مصطفى مختاًرا‪ ,‬وكان رسول نبًيا ِ‬

‫جي ّا ً )‪(52‬‬ ‫َ‬ ‫ب ال ّ‬


‫ن وَقَّرب َْناهُ ن َ ِ‬
‫م ِ‬
‫طورِ الي ْ َ‬ ‫جان ِ ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫وََناد َي َْناهُ ِ‬
‫ونادينا موسى من ناحية جبههل طههور "سههيناء" اليمنههى مههن موسههى‪,‬‬
‫وقّربناه فشّرفناه بمناجاتنا له‪ .‬وفههي هههذا إثبههات صههفة الكلم للههه ‪-‬‬
‫تعالى ‪ -‬كما يليق بجلله وكماله‪.‬‬

‫ن ن َب ِي ّا ً )‪(53‬‬
‫هاُرو َ‬ ‫مت َِنا أ َ َ‬
‫خاهُ َ‬ ‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬
‫م ْ‬ ‫وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬
‫ه ِ‬
‫ووهبنا لموسى من رحمتنا أخاه هارون نبًيا يؤيده ويؤازره‪.‬‬

‫سول ً ن َب ِّيهها ً‬
‫ن َر ُ‬ ‫صادِقَ ال ْوَعْدِ وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫عي َ‬
‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ِ‬
‫س َ‬ ‫َواذ ْك ُْر ِفي ال ْك َِتا ِ‬
‫ب إِ ْ‬
‫)‪(54‬‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬في هذا القرآن خبر إسماعيل عليه السههلم‪,‬‬
‫إنه كان صادًقا في وعده فلم ي َِعد شيًئا إل وّفى به‪ ,‬وكان رسول نبًيا‪.‬‬

‫ضي ّا ً )‪(55‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬


‫مْر ِ‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ َ‬
‫ن ِ‬ ‫كاةِ وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫صلةِ َوالّز َ‬ ‫مُر أهْل َ ُ‬
‫ه ِبال ّ‬ ‫ن ي َأ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫كا َ‬
‫وكان يأمر أهله بإقام الصلة وإيتاء الزكاة‪ ,‬وكان عند ربه عههز وجههل‬

‫‪595‬‬
‫مرضًيا عنه‪.‬‬

‫ديقا ً ن َب ِي ّا ً )‪(56‬‬
‫ص ّ‬
‫ن ِ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫س إ ِن ّ ُ‬ ‫َواذ ْك ُْر ِفي ال ْك َِتا ِ‬
‫ب إ ِد ِْري َ‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬في هذا القرآن خبر إدريس عليه السلم‪ ,‬إنه‬
‫كان عظيم الصدق في قوله وعمله‪ ,‬نبًيا يوحى إليه‪.‬‬

‫كانا ً عَل ِي ّا ً )‪(57‬‬


‫م َ‬
‫وََرفَعَْناهُ َ‬
‫ورفَْعنا ذِك ْههره فههي العههالمين‪ ,‬ومنزلتههه بيههن المقربيههن‪ ,‬فكههان عههالي‬
‫الذكر‪ ,‬عالي المنزلة‪.‬‬

‫مل ْن َهها‬ ‫ك ال ّذي َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬


‫ح َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫م وَ ِ‬ ‫ن ذ ُّري ّةِ آد َ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ن الن ّب ِّيي َ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن أن ْعَ َ‬‫ِ َ‬
‫ذا ت ُت ْل َههى‬
‫جت َب َي ْن َهها إ ِ َ‬‫ن هَ هد َي َْنا َوا ْ‬‫م ْ‬‫م ّ‬‫ل وَ ِ‬ ‫سَراِئي َ‬‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ن ذ ُّري ّةِ إ ِب َْرا ِ‬‫م ْ‬‫ح وَ ِ‬
‫معَ ُنو ٍ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫جدا وَب ُك ِي ّا )‪(58‬‬ ‫ً‬ ‫س ّ‬‫خّروا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت الّر ْ‬ ‫م آَيا ُ‬ ‫عَلي ْهِ ْ‬
‫ت عليك خبرهم أيها الرسول‪ ,‬هم الذين أنعم الله‬ ‫هؤلء الذين قصص ُ‬
‫مههن‬‫من ذريههة َ‬
‫عليهم بفضله وتوفيقه‪ ,‬فجعلهم أنبياء من ذرية آدم‪ ,‬و ِ‬
‫حملنا مع نوح في السفينة‪ ,‬ومن ذرية إبراهيم‪ ,‬ومههن ذريههة يعقههوب‪,‬‬
‫وة‪ ,‬إذا تتلههى عليهههم‬
‫من هدينا لليمههان واصههطفينا للرسههالة والنب ُه ّ‬ ‫وم ّ‬
‫آيههات الرحمههن المتضههمنة لتوحيههده وحججههه خههّروا سههاجدين للههه‬
‫وا من خشيته سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫عا‪ ,‬واستكانة‪ ,‬وبك َ ْ‬
‫خضو ً‬

‫خل ْ ٌ َ‬ ‫خل َ َ‬
‫ف‬ ‫ت فَ َ‬
‫س هو ْ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫صلةَ َوات ّب َعُههوا ال ّ‬
‫ش هه َ َ‬ ‫عوا ال ّ‬
‫ضا ُ‬
‫فأ َ‬ ‫م َ‬
‫ن ب َعْدِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ف ِ‬ ‫فَ َ‬
‫ن غَي ّا ً )‪(59‬‬
‫ي َل َْقوْ َ‬
‫وء تركوا الصههلة كلههها‪ ,‬أو‬
‫س ْ‬
‫من بعد هؤلء المنَعم عليهم أتباع َ‬ ‫فأتى ِ‬
‫فوتوا وقتها‪ ,‬أو تركوا أركانها وواجباتها‪ ,‬واتبعوا ما يوافههق شهههواتهم‬
‫ويلئمها‪ ,‬فسوف يلقون شًرا وضلل وخيبة في جهنم‪.‬‬

‫ن‬ ‫ة َول ي ُظ ْل َ ُ‬
‫مههو َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫جن ّه َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫صاِلحا ً فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ي َد ْ ُ‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬
‫م َ‬
‫ب َوآ َ‬
‫ن َتا َ‬ ‫إ ِل ّ َ‬
‫م ْ‬
‫شْيئا ً )‪(60‬‬ ‫َ‬

‫‪596‬‬
‫حا تصديًقا لتوبته‪,‬‬
‫من ذنبه وآمن بربه وعمل صال ً‬‫من تاب منهم ِ‬ ‫لكن َ‬
‫فأولئك يقبل الله توبتهم‪ ,‬ويدخلون الجنة مع المههؤمنين ول ُينَقصههون‬
‫شيًئا من أعمالهم الصالحة‪.‬‬

‫مأ ْت ِّيهها ً )‬
‫عههد ُهُ َ‬
‫ن وَ ْ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫عَباد َهُ ِبال ْغَي ْ ِ‬
‫ب إ ِن ّ ُ‬ ‫ن ِ‬
‫م ُ‬ ‫ن ال ِّتي وَعَد َ الّر ْ‬
‫ح َ‬ ‫ت عَد ْ ٍ‬
‫جّنا ِ‬
‫َ‬
‫‪(61‬‬
‫جنات خلد وإقامة دائمة‪ ,‬وهي التي وعد الرحمن بها عبههاده بههالغيب‬
‫ت ل محالة‪.‬‬ ‫منوا بها ولم يروها‪ ,‬إن وعد الله لعباده بهذه الجنة آ ٍ‬
‫فآ َ‬

‫شي ّا ً )‪(62‬‬
‫م ِفيَها ب ُك َْرةً وَعَ ِ‬ ‫سلما ً وَل َهُ ْ‬
‫م رِْزقُهُ ْ‬ ‫ن ِفيَها ل َْغوا ً إ ِل ّ َ‬
‫مُعو َ‬
‫س َ‬
‫ل يَ ْ‬
‫ما باطل لكن يسمعون سلما تحية لهههم‪,‬‬ ‫ل يسمع أهل الجنة فيها كل ً‬
‫مهها‪ ,‬كلمهها شههاؤوا بكههرة‬
‫ولهم رزقهم فيها من الطعههام والشههراب دائ ً‬
‫وعشًيا‪.‬‬

‫ن ت َِقي ّا ً )‪(63‬‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬
‫عَبادَِنا َ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ة ال ِّتي ُنورِ ُ‬
‫ث ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫جن ّ ُ‬ ‫ت ِل ْ َ‬

‫تلك الجنة الموصوفة بتلك الصفات‪ ,‬هي التي نورثها ونعطيها عبادنها‬
‫المتقين لنا‪ ,‬بامتثال أوامرنا واجتناب نواهينا‪.‬‬

‫ك ل َه ما بي َ‬ ‫َ‬
‫مهها‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك وَ َ‬ ‫خل َْفَنا وَ َ‬
‫ما ب َي ْ َ‬ ‫ما َ‬
‫ديَنا وَ َ‬ ‫مرِ َرب ّ َ ُ َ َ ْ َ‬
‫ن أي ْ ِ‬ ‫ل إ ِل ّ ب ِأ ْ‬
‫ما ن َت َن َّز ُ‬‫وَ َ‬
‫سي ّا ً )‪(64‬‬ ‫ك نَ ِ‬‫ن َرب ّ َ‬ ‫كا َ‬‫َ‬

‫وقل ‪ -‬يا جبريل ‪ -‬لمحمد‪ :‬وما نتنزل ‪ -‬نحن الملئكههة ‪ -‬مههن السههماء‬
‫إلى الرض إل بأمر ربك لنا‪ ,‬له ما بين أيدينا ممهها يسههتقبل مههن أمههر‬
‫الخرة‪ ,‬وما خلفنا مما مضى من الدنيا‪ ,‬وما بين الدنيا والخرة‪ ,‬فلههه‬
‫المر كله في الزمههان والمكههان‪ ,‬ومهها كههان ربههك ناسهًيا لشههيء مههن‬
‫الشياء‪.‬‬

‫ت وال َ‬
‫ل ت َعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫صط َب ِْر ل ِعَِباد َت ِهِ هَ ْ‬
‫ما َفاعْب ُد ْهُ َوا ْ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ب ال ّ‬ ‫َر ّ‬
‫مي ّا ً )‪(65‬‬
‫س ِ‬
‫ه َ‬‫لَ ُ‬

‫‪597‬‬
‫فهو الله رب السموات والرض وما بينهما‪ ,‬ومالك ذلك كله وخالقه‬
‫من‬‫ومدبره‪ ,‬فاعبده وحده ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬واصبر على طاعته أنت و َ‬
‫تبعك‪ ,‬ليس كمثله شيء في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله‪.‬‬

‫حي ّا ً )‪(66‬‬
‫ج َ‬ ‫ف أُ ْ‬
‫خَر ُ‬ ‫ت لَ َ‬
‫سو ْ َ‬ ‫م ّ‬
‫ما ِ‬ ‫ن أ َئ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫سا ُ‬
‫لن َ‬ ‫وَي َُقو ُ‬
‫لا ِ‬
‫ت وفَِني ُ‬
‫ت‬ ‫م ّ‬
‫ويقول النسان الكافر منكًرا للبعث بعد الموت‪ :‬أإذا ما ِ‬
‫لسوف ُأخَرج من قبري حًيا؟!‬

‫شْيئا ً )‪(67‬‬
‫ن َ‬ ‫ل وَل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن أ َّنا َ‬
‫خل َْقَناهُ ِ‬ ‫سا ُ‬
‫َ‬
‫أَول ي َذ ْك ُُر ا ِ‬
‫لن َ‬
‫كيف نسي هذا النسان الكافر نفسه؟ أول ي َذ ْ ُ‬
‫كر أنا خلقناه أول‬
‫مرة‪ ,‬ولم ي ُ‬
‫ك شيًئا موجو ً‬
‫دا؟‬

‫جث ِي ّا ً )‪(68‬‬
‫م ِ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫حو ْ َ‬
‫ل َ‬ ‫م َ‬
‫ضَرن ّهُ ْ‬ ‫م ل َن ُ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫ن ثُ ّ‬
‫طي َ‬ ‫م َوال ّ‬
‫شَيا ِ‬ ‫شَرن ّهُ ْ‬ ‫ك ل َن َ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫فَوََرب ّ َ‬

‫فوربك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لنجمعن هؤلء المنكرين للبعث يوم القيامة‬


‫مع الشياطين‪ ,‬ثم لنأتين بهم أجمعين حول جهنم باركين على‬
‫ُر َ‬
‫كبهم; لشدة ما هم فيه من الهول‪ ,‬ل يقدرون على القيام‪.‬‬

‫عت ِي ّا ً )‪(69‬‬
‫ن ِ‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬ ‫م أَ َ‬
‫شد ّ عََلى الّر ْ‬
‫َ‬
‫شيعَةٍ أي ّهُ ْ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ل ََننزِعَ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫دا وعصياًنا لله‪ ,‬فنبدأ بعذابهم‪.‬‬
‫دهم تمر ً‬
‫من كل طائفة أش ّ‬
‫ن ِ‬
‫ثم لنأخذ ّ‬

‫صل ِي ّا ً )‪(70‬‬ ‫ث ُم ل َنحن أ َعْل َم بال ّذين هُ َ‬


‫م أوَْلى ب َِها ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ ِ ِ َ‬ ‫ّ َ ْ ُ‬
‫ثم لنحن أعلم بالذين هم أ َْولى بدخول النار ومقاساة حرها‪.‬‬

‫ضي ّا ً )‪(71‬‬ ‫حْتما ً َ‬


‫مْق ِ‬ ‫ن عََلى َرب ّ َ‬
‫ك َ‬ ‫ها َ‬
‫كا َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م إ ِل ّ َوارِد ُ َ‬ ‫ن ِ‬
‫وَإ ِ ْ‬

‫‪598‬‬
‫وما منكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬أحد إل وارد النار بالمرور على الصراط‬
‫المنصوب على متن جهنم‪ ,‬كل بحسب عمله‪ ,‬كان ذلك أمًرا‬
‫ما‪ ,‬قضى الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وحكم أنه ل بد من وقوعه ل محالة‪.‬‬ ‫محتو ً‬

‫جث ِي ّا ً )‪(72‬‬
‫ن ِفيَها ِ‬
‫مي َ‬ ‫وا وَن َذ َُر ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ات َّق ْ‬ ‫جي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م ن ُن َ ّ‬
‫ثم ننجي الذين اتقوا ربهم بطاعته والبعد عن معصيته‪ ,‬ونترك‬
‫الظالمين لنفسهم بالكفر بالله في النار باركين على ُر َ‬
‫كبهم‪.‬‬

‫َ‬
‫ي‬
‫من ُههوا أ ّ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ك ََفهُروا ل ِّله ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ت قَهها َ‬ ‫ذا ت ُت َْلهى عَل َي ِْهه ْ‬
‫م آَيات ُن َهها ب َي ّن َهها ٍ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ن ن َدِي ّا ً )‪(73‬‬ ‫َ‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مَقاما ً وَأ ْ‬ ‫خي ٌْر َ‬ ‫ن َ‬
‫ريَقي ْ ِ‬ ‫ال َْف ِ‬
‫وإذا تتلى على الناس آياتنا المنزلت الواضحات قال الكفار بالله‬
‫سا؟‬
‫للمؤمنين به‪ :‬أيّ الفريقين مّنا ومنكم أفضل منزل وأحسن مجل ً‬

‫ن أ ََثاثا ً وَرِْئيا ً )‪(74‬‬


‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫وك َم أ َهْل َك ْنا قَبل َهم من قَرن هُ َ‬
‫مأ ْ‬‫ْ‬ ‫َ ْ ُ ْ ِ ْ ْ ٍ‬ ‫َ ْ‬
‫وكثيًرا أهلكنا قبل كفار قومك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من المم كانوا‬
‫عا منهم وأجمل منظًرا‪.‬‬
‫أحسن متا ً‬

‫كان في الضلل َة فَل ْيمدد ل َه الرحم هن م هدا ً حتههى إ َ َ‬


‫مهها‬‫ذا َرأْوا َ‬‫ِ‬ ‫َ ْ ُ ْ ُ ّ ْ َ ُ َ ّ َ ّ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ن َ َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قُ ْ‬
‫كانها ً‬
‫م َ‬
‫شهّر َ‬‫ن ه ُ هو َ َ‬‫مه ْ‬
‫ن َ‬ ‫سهي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ة فَ َ‬
‫سههاعَ َ‬
‫مهها ال ّ‬
‫ب وَإ ِ ّ‬ ‫ما ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ن إِ ّ‬‫دو َ‬ ‫ُيوعَ ُ‬
‫جندا ً )‪(75‬‬ ‫َ‬
‫ف ُ‬ ‫ضع َ ُ‬‫وَأ ْ‬
‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لهم‪ :‬من كان ضال عن الحق غير متبع طريق‬
‫الهدى‪ ,‬فالله يمهله ويملي له في ضلله‪ ,‬حتى إذا رأى ‪ -‬يقينا ‪ -‬ما‬
‫عده الله به‪ :‬إما العذاب العاجل في الدنيا‪ ,‬وإما قيام الساعة‪,‬‬
‫تو ّ‬
‫دا‪.‬‬
‫من هو شر مكاًنا ومستقًرا‪ ,‬وأضعف قوة وجن ً‬ ‫فسيعلم ‪ -‬حينئذ ‪َ -‬‬

‫عن ْهد َ َرّبه َ‬


‫ك‬ ‫خي ْهٌر ِ‬
‫ت َ‬
‫حا ُ‬
‫صههال ِ َ‬ ‫دى َوال َْباقِي َهها ُ‬
‫ت ال ّ‬ ‫ن اهْت َد َْوا هُ ً‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫زيد ُ الل ّ ُ‬‫وَي َ ِ‬
‫مَرد ّا ً )‪(76‬‬ ‫خي ٌْر َ‬‫وابا ً وَ َ‬ ‫ثَ َ‬

‫‪599‬‬
‫ويزيد الله عباده الذين اهتدوا لدينه هدى على هداهم بما يتجدد لهم‬
‫ل الباقيات الصالحات‬‫من اليمان بفرائض الله‪ ,‬والعمل بها‪ .‬والعما ُ‬
‫خير ثواًبا عند الله في الخرة‪ ,‬وخير مرجًعا وعاقبة‪.‬‬

‫مال ً وَوََلدا ً )‪(77‬‬ ‫َ َ‬


‫ن َ‬
‫ل لوت َي َ ّ‬ ‫ت ال ّ ِ‬
‫ذي ك ََفَر ِبآَيات َِنا وََقا َ‬ ‫أفََرأي ْ َ‬
‫مت ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬وعجبت من هذا الكافر "العههاص بههن وائل"‬ ‫أعَل ِ ْ‬
‫ن فههي الخههرة‬ ‫وأمثاله؟ إذ كفر بآيات الله وكه ّ‬
‫ذب بههها وقههال‪ :‬لعطيه ّ‬
‫دا‪.‬‬
‫أموال وأول ً‬

‫ن عَْهدا ً )‪(78‬‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫ن‬‫ع‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫خ‬‫َ‬ ‫ت‬‫ا‬ ‫م‬ ‫َأاط ّل َع ال ْغَيب أ َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫دا‪ ,‬أم له عند الله عهد بذلك؟‬ ‫أط َّلع الغيب‪ ,‬فرأى أن له مال وول ً‬

‫مد ّا ً )‪(79‬‬
‫ب َ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مد ّ ل َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬
‫ل وَن َ ُ‬ ‫سن َك ْت ُ ُ‬
‫ب َ‬ ‫ك َل ّ َ‬
‫ليههس المههر كمهها يزعههم ذلههك الكههافر‪ ,‬فل علههم لههه ول عهههد عنههده‪,‬‬
‫من كذب وافتراء على الله‪ ,‬ونزيده في الخرة من‬ ‫سنكتب ما يقول ِ‬
‫ي والضلل‪.‬‬‫أنواع العقوبات‪ ,‬كما ازداد من الغ ّ‬

‫ل وَي َأ ِْتيَنا فَْردا ً )‪(80‬‬


‫ما ي َُقو ُ‬ ‫وَن َرِث ُ ُ‬
‫ه َ‬
‫ونرثه ماَله وولده‪ ,‬ويأتينا يوم القيامة فههرًدا وحههده‪ ,‬ل مههال معههه ول‬
‫ولد‪.‬‬

‫عّزا ً )‪(81‬‬ ‫كوُنوا ل َهُ ْ‬


‫م ِ‬ ‫ن الل ّهِ آل ِهَ ً‬
‫ة ل ِي َ ُ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫خ ُ‬
‫ذوا ِ‬ ‫َوات ّ َ‬
‫واتخذ المشركون آلهة يعبههدونها مههن دون اللههه; لتنصههرهم‪ ,‬ويعههتزوا‬
‫بها‪.‬‬

‫ضد ّا ً )‪(82‬‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬


‫م ِ‬ ‫م وَي َ ُ‬
‫كوُنو َ‬ ‫سي َك ُْفُرو َ‬
‫ن ب ِعَِباد َت ِهِ ْ‬ ‫ك َل ّ َ‬

‫‪600‬‬
‫ليس المر كما يزعمون‪ ,‬لن تكون لهم اللهة عًزا‪ ,‬بل سههتكفر هههذه‬
‫اللهة في الخرة بعبادتهم لها‪ ,‬وتكون عليهم أعواًنا فههي خصههومتهم‬
‫وتكذيبهم بخلف ما ظنوه فيها‪.‬‬

‫م أ َّزا ً )‪(83‬‬
‫ن ت َؤُّزهُ ْ‬
‫ري َ‬ ‫ن عََلى ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫طي َ‬ ‫سل َْنا ال ّ‬
‫شَيا ِ‬
‫َ َ‬
‫م ت ََرى أّنا أْر َ‬
‫َ‬
‫أل َ ْ‬
‫طنا الشههياطين علههى الكههافرين بههالله‬ ‫ألم تر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أّنا سهل ّ ْ‬
‫ورسله; لتغويهم‪ ,‬وتدفعهم عن الطاعة إلى المعصية؟‬

‫م عَد ّا ً )‪(84‬‬
‫ما ن َعُد ّ ل َهُ ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬
‫م إ ِن ّ َ‬ ‫َفل ت َعْ َ‬
‫ج ْ‬
‫فل تستعجل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬بطلب العذاب علههى هههؤلء الكههافرين‪,‬‬
‫إنما نحصي أعمارهم وأعمالهم إحصاًء ل تفريط فيه ول تأخير‪.‬‬

‫ن إ َِلى‬
‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫سوقُ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن وَْفدا ً )‪ (85‬وَن َ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ن إ َِلى الّر ْ‬
‫ح َ‬ ‫شُر ال ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫ح ُ‬
‫م نَ ْ‬‫ي َوْ َ‬
‫م وِْردا ً )‪(86‬‬ ‫جهَن ّ َ‬‫َ‬
‫يوم نجمع المتقين إلى ربهم الرحيم بهههم وفههوًدا مكرميههن‪ .‬ونسههوق‬
‫عطا ً‬
‫شا‪.‬‬ ‫دا إلى النار مشاة ِ‬‫الكافرين بالله سوًقا شدي ً‬

‫ن عَْهدا ً )‪(87‬‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬ ‫خذ َ ِ‬
‫عن ْد َ الّر ْ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ة إ ِل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ال ّ‬
‫شَفاعَ َ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ل يَ ْ‬
‫ن اتخههذ عنههد‬
‫مه ِ‬
‫ل يملك هؤلء الكفههار الشههفاعة لحههد‪ ,‬إنمهها يملكههها َ‬
‫دا بذلك‪ ,‬وهم المؤمنون بالله ورسله‪.‬‬ ‫الرحمن عه ً‬

‫ن وََلدا ً )‪(88‬‬
‫م ُ‬ ‫وََقاُلوا ات ّ َ‬
‫خذ َ الّر ْ‬
‫ح َ‬
‫دا‪.‬‬
‫وقال هؤلء الكفار‪ :‬اتخذ الرحمن ول ً‬

‫شْيئا ً إ ِد ّا ً )‪(89‬‬ ‫ل ََقد ْ ِ‬


‫جئ ْت ُ ْ‬
‫م َ‬
‫ما منكًرا‪.‬‬
‫لقد جئتم ‪ -‬أيها القائلون ‪ -‬بهذه المقالة شيئا عظي ً‬

‫‪601‬‬
‫هههد ّا ً )‪(90‬‬ ‫َ‬
‫خّر ال ْ ِ‬
‫جَبا ُ‬
‫ل َ‬ ‫ض وَت َ ِ‬ ‫ه وََتن َ‬
‫شقّ الْر ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت ي َت ََفط ّْر َ‬
‫ن ِ‬ ‫وا ُ‬‫م َ‬‫س َ‬ ‫كاد ُ ال ّ‬ ‫تَ َ‬
‫ن وََلدا ً )‪(91‬‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫لل‬
‫ِ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ن‬ ‫أَ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫من فظاعة ذلكههم القههول‪ ,‬وتتصههدع الرض‪,‬‬ ‫ن ِ‬‫تكاد السموات يتشّقْق َ‬
‫سب َِتهم لههه الولههد‪ .‬تعههالى‬
‫دا غضًبا لله ل ِن ِ ْ‬
‫طا شدي ً‬‫وتسقط الجبال سقو ً‬
‫وا كبيًرا‪.‬‬
‫الله عن ذلك عل ً‬

‫خذ َ وََلدا ً )‪(92‬‬


‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫وما ينبِغي ِللرحم َ‬
‫نأ ْ‬‫ّ ْ َ ِ‬ ‫َ َ ََْ‬
‫دا; لن اتخاذ الولههد‬‫وما يصلح للرحمن‪ ,‬ول يليق بعظمته‪ ,‬أن يتخذ ول ً‬
‫يدل على النقص والحاجة‪ ,‬والله هو الغنههي الحميههد المههبرأ عههن كههل‬
‫النقائص‪.‬‬

‫ن عَْبدا ً )‪(93‬‬ ‫ض إ ِل ّ آِتي الّر ْ‬ ‫َ‬ ‫ن كُ ّ‬


‫م ِ‬
‫ح َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي ال ّ‬
‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫إِ ْ‬
‫من في الرض مههن النههس‬ ‫من في السموات من الملئكة‪ ,‬و َ‬ ‫ما كل َ‬
‫دا ذليل خاض هًعا مق هًرا لههه‬
‫والجههن‪ ,‬إل سههيأتي ربههه يههوم القيامههة عب ه ً‬
‫بالعبودية‪.‬‬

‫م عَد ّا ً )‪(94‬‬ ‫َ‬


‫م وَعَد ّهُ ْ‬
‫صاهُ ْ‬ ‫ل ََقد ْ أ ْ‬
‫ح َ‬
‫خل َْقههه كلهههم‪ ,‬وعلههم عههددهم‪ ,‬فل‬
‫لقد أحصههى اللههه سههبحانه وتعههالى َ‬
‫يخفى عليه أحد منهم‪.‬‬

‫مةِ فَْردا ً )‪(95‬‬


‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫وَك ُل ّهُ ْ‬
‫م آِتيهِ ي َوْ َ‬
‫وسوف يأتي كل فرد من الخلق ربه يوم القيامة وحههده‪ ,‬ل مههال لههه‬
‫ول ولد معه‪.‬‬

‫ن وُد ّا ً )‪(96‬‬
‫م ُ‬
‫ح َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫م الّر ْ‬ ‫جع َ ُ‬
‫سي َ ْ‬
‫ت َ‬
‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫إن الذين آمنوا بالله وات َّبعوا رسله وعملوا الصههالحات وَفْههق شههرعه‪,‬‬

‫‪602‬‬
‫سيجعل لهم الرحمن محبة ومودة في قلوب عباده‪.‬‬

‫وما ً ل ُد ّا ً )‪(97‬‬
‫ن وَُتنذَِر ب ِهِ قَ ْ‬ ‫شَر ب ِهِ ال ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫سان ِ َ‬
‫ك ل ِت ُب َ ّ‬ ‫سْرَناهُ ب ِل ِ َ‬ ‫فَإ ِن ّ َ‬
‫ما ي َ ّ‬
‫سرنا هذا القرآن بلسههانك العربههي أيههها الرسههول؛ لتبشههر بههه‬‫فإنما ي ّ‬
‫وف بههه المكههذبين شههديدي الخصههومة‬ ‫المتقيههن مههن أتباعههك‪ ,‬وتخهه ّ‬
‫بالباطل‪.‬‬

‫َ‬ ‫حس منهم م َ‬ ‫وك َ َ‬


‫معُ ل َهُ ه ْ‬
‫م‬ ‫سه َ‬
‫حدٍ أوْ ت َ ْ‬
‫نأ َ‬‫ل تُ ِ ّ ِ ْ ُ ْ ِ ْ‬ ‫ن قَْر ٍ‬
‫ن هَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م أهْل َك َْنا قَب ْل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫َ ْ‬
‫كزا )‪(98‬‬ ‫ً‬ ‫رِ ْ‬

‫وكثيًرا أهلكنا ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬مههن المههم السههابقة قبههل قومههك‪ ,‬مهها‬
‫دا وما تسمع لهههم صههوًتا‪ ,‬فكههذلك الكفههار مههن قومههك‪,‬‬ ‫ترى منهم أح ً‬
‫نهلكهم كما أهلكنهها السههابقين مههن قبلهههم‪ .‬وفههي هههذا تهديههد ووعيههد‬
‫بإهلك المكذبين المعاندين‪.‬‬

‫‪ -20‬سورة طله‬

‫طه )‪(1‬‬
‫)طه( سبق الكلم على الحروف المق ّ‬
‫طعة في أول سورة البقرة‪.‬‬

‫ن ل ِت َ ْ‬
‫شَقى )‪(2‬‬ ‫ما أ َن َْزل َْنا عَل َي ْ َ‬
‫ك ال ُْقْرآ َ‬ ‫َ‬
‫ما أنزلنا عليك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬القرآن; لتشقى بما ل طاقة لههك بههه‬
‫من العمل‪.‬‬

‫خ َ‬
‫شى )‪(3‬‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫إ ِل ّ ت َذ ْك َِرةً ل ِ َ‬
‫م ْ‬
‫من يخاف عقاب اللههه‪ ,‬فيتقيههه بههأداء‬
‫لكن أنزلناه موعظة; ليتذكر به َ‬
‫‪603‬‬
‫الفرائض واجتناب المحارم‪.‬‬

‫ت ال ُْعل )‪(4‬‬ ‫َ‬


‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫خل َقَ الْر َ‬
‫ض َوال ّ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫زيل ً ِ‬
‫م ّ‬ ‫َتن ِ‬
‫هذا القرآن تنزيل من الله الذي خلق الرض والسموات العلى‪.‬‬

‫وى )‪(5‬‬
‫ست َ َ‬
‫شا ْ‬ ‫ْ‬ ‫م ُ َ‬
‫ن عَلى العَْر ِ‬ ‫ح َ‬
‫الّر ْ‬
‫الرحمن على العههرش اسههتوى أي ارتفههع وعل اسههتواء يليههق بجللههه‬
‫وعظمته‪.‬‬

‫َ‬
‫ت الث َّرى )‪(6‬‬
‫ح َ‬
‫ما ت َ ْ‬
‫ما وَ َ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬
‫ت وَ َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬ ‫لَ ُ‬
‫ه َ‬
‫له ما في السموات وما فههي الرض ومهها بينهمهها ومهها تحههت الرض‪,‬‬
‫مل ْ ً‬
‫كا وتدبيًرا‪.‬‬ ‫خل ًْقا و ُ‬
‫َ‬

‫سّر وَأ َ ْ‬
‫خَفى )‪(7‬‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫جهَْر ِبال َْقوْ ِ‬
‫ل فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ن تَ ْ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫وإن تجهر ‪ -‬أيههها الرسههول ‪ -‬بههالقول‪ ,‬فتعلنههه أو تخفههه‪ ,‬فههإن اللههه ل‬
‫دث به‬ ‫يخفى عليه شيء‪ ,‬يعلم السر وما هو أخفى من السر مما تح ّ‬
‫نفسك‪.‬‬

‫ماءُ ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫سَنى )‪(8‬‬
‫ح ْ‬ ‫س َ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ ل َ ُ‬
‫ه ال ْ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬
‫الل ّ ُ‬
‫الله الههذي ل معبههود بحههق إل هههو‪ ,‬لههه وحههده السههماء الكاملههة فههي‬
‫الحسن‪.‬‬

‫سى )‪(9‬‬
‫مو َ‬
‫ث ُ‬
‫دي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ل أ ََتا َ‬
‫ك َ‬ ‫وَهَ ْ‬
‫وهل أتاك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬خبر موسى بن عمران عليه السلم؟‬

‫إذ ْ رَأى َنارا ً فََقا َ َ‬


‫من ْهَهها‬ ‫ت ن َههارا ً ل َعَل ّههي آِتيك ُه ْ‬
‫م ِ‬ ‫مك ُث ُههوا إ ِن ّههي آن َ ْ‬
‫سه ُ‬ ‫ل لهْل ِهِ ا ْ‬ ‫ِ َ‬
‫‪604‬‬
‫َ َ‬
‫جد ُ عََلى الّنارِ هُ ً‬
‫دى )‪(10‬‬ ‫س أوْ أ ِ‬
‫ب َِقب َ ٍ‬
‫حين رأى في الليل ناًرا موقدة فقههال لهلههه‪ :‬انتظههروا لقههد أبصههرت‬
‫ناًرا‪ ,‬لعلي أجيئكم منههها بشههعلة تسههتدفئون بههها‪ ,‬وتوقههدون بههها نههاًرا‬
‫أخرى‪ ,‬أو أجد عندها هادًيا يدلنا على الطريق‪.‬‬

‫خل َعْ ن َعْل َي ْه َ‬


‫ك إ ِن ّه َ‬
‫ك‬ ‫سههى )‪ (11‬إ ِن ّههي أ َن َهها َرب ّه َ‬
‫ك فَهها ْ‬ ‫مو َ‬
‫ها ُنوِدي ي َهها ُ‬ ‫ما أ ََتا َ‬
‫فَل َ ّ‬
‫وى )‪(12‬‬ ‫س طُ ً‬ ‫واِدي ال ْ ُ‬
‫مَقد ّ ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫فلما أتى موسى تلك النار ناداه الله‪ :‬يا موسى‪ ,‬إني أنا ربههك فههاخلع‬
‫دا لمناجاة‬
‫نعليك‪ ,‬إنك الن بوادي "طوى" الذي باركته‪ ,‬وذلك استعدا ً‬
‫ربه‪.‬‬

‫حى )‪(13‬‬
‫ما ُيو َ‬
‫مع ْ ل ِ َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫وَأ ََنا ا ْ‬
‫خت َْرت ُ َ‬
‫ك َفا ْ‬
‫وإني اخترتك يا موسى لرسالتي‪ ,‬فاستمع لما يوحى إليك مني‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫صلةَ ل ِذِك ْ ِ‬
‫ري )‪(14‬‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬
‫ه إ ِل ّ أَنا َفاعْب ُد ِْني وَأقِ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫إ ِن ِّني أَنا الل ّ ُ‬
‫إنني أنا الله ل معبود بحق إل أنهها‪ ,‬ل شههريك لههي‪ ,‬فاعبههدني وحههدي‪,‬‬
‫وأقم الصلة لتذكرني فيها‪.‬‬

‫سَعى )‪(15‬‬
‫ما ت َ ْ‬
‫س بِ َ‬ ‫جَزى ك ُ ّ‬
‫ل ن َْف ٍ‬ ‫كاد ُ أ ُ ْ‬
‫خِفيَها ل ِت ُ ْ‬ ‫ة أَ َ‬
‫ة آت ِي َ ٌ‬
‫ساعَ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫إِ ّ‬
‫إن الساعة التي ُيبعث فيها الناس آتية ل بد من وقوعها‪ ,‬أكاد أخفيها‬
‫من نفسي‪ ,‬فكيف يعلمها أحد من المخلوقين; لكي ُتجزى كل نفس‬
‫بما عملت في الدنيا من خير أو شر‪.‬‬

‫واهُ فَت َْر َ‬


‫دى )‪(16‬‬ ‫ن ب َِها َوات ّب َعَ هَ َ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صد ّن ّ َ‬
‫ك عَن َْها َ‬ ‫َفل ي َ ُ‬
‫مههن ل‬
‫فل يصرفّنك ‪ -‬يا موسههى ‪ -‬عههن اليمههان بههها والسههتعداد لههها َ‬
‫ذب بها‪ ,‬فتهلك‪.‬‬ ‫يصدق بوقوعها ول يعمل لها‪ ،‬واتبع هوى نفسه‪ ,‬فك ّ‬

‫‪605‬‬
‫سى )‪(17‬‬
‫مو َ‬ ‫مين ِ َ‬
‫ك َيا ُ‬ ‫ما ت ِل ْ َ‬
‫ك ب ِي َ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫وما هذه التي في يمينك يا موسى؟‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫ب‬
‫مههآرِ ُ‬
‫ي ِفيهَهها َ‬ ‫ش ب َِها عََلى غَن َ ِ‬
‫مي وَل ِ َ‬ ‫صايَ أت َوَك ّأ عَل َي َْها وَأهُ ّ‬
‫ي عَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل هِ َ‬
‫خَرى )‪(18‬‬ ‫أُ ْ‬
‫قال موسى‪ :‬هي عصاي أعتمد عليها في المشي‪ ,‬وأهّز بها الشههجر;‬
‫لترعى غنمي ما يتساقط من ورقه‪ ,‬ولي فيها منافع أخرى‪.‬‬

‫َقا َ َ‬
‫سى )‪(19‬‬ ‫ل أل ِْقَها َيا ُ‬
‫مو َ‬
‫قال الله لموسى‪ :‬ألق عصاك‪.‬‬

‫َ‬
‫سَعى )‪(20‬‬
‫ة تَ ْ‬
‫حي ّ ٌ‬
‫ي َ‬
‫ذا هِ َ‬ ‫فَأل َْقا َ‬
‫ها فَإ ِ َ‬
‫فألقاها موسى على الرض‪ ,‬فانقلبت بإذن الله حيههة تسههعى‪ ,‬فههرأى‬
‫ما وولى هارًبا‪.‬‬
‫موسى أمًرا عظي ً‬

‫ك إ ِل َههى‬
‫م ي َد َ َ‬ ‫سيرت َها ا ُ‬
‫لوَلى )‪َ (21‬وا ْ‬ ‫خذ ْ َ‬ ‫َقا َ‬
‫م ْ‬
‫ض ُ‬ ‫ها ِ َ َ‬ ‫سن ُِعيد ُ َ‬‫ف َ‬‫خ ْ‬ ‫ها َول ت َ َ‬ ‫ل ُ‬
‫خَرى )‪(22‬‬ ‫ة أُ ْ‬ ‫ن غَي ْرِ ُ‬
‫سوٍء آي َ ً‬ ‫م ْ‬‫ضاَء ِ‬
‫ج ب َي ْ َ‬
‫خُر ْ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫ح َ‬
‫جَنا ِ‬‫َ‬
‫صا كمهها‬
‫ف منها‪ ,‬سوف نعيدها ع ً‬‫خ ْ‬
‫قال الله لموسى‪ :‬خذ الحية‪ ,‬ول ت َ َ‬
‫ضههد تخههرج‬
‫كانت في حالتها الولى‪ .‬واضمم يدك إلى جنبك تحت العَ ُ‬
‫بيضاء كالثلج من غير برص; لتكون لك علمة أخرى‪.‬‬

‫ن آَيات َِنا ال ْك ُب َْرى )‪(23‬‬


‫م ْ‬ ‫ل ِن ُرِي َ َ‬
‫ك ِ‬
‫فعلنا ذلك; لكي نريك ‪ -‬يا موسى ‪ -‬من أدلتنا الكبرى مهها يههد ّ‬
‫ل علههى‬
‫قدرتنا‪ ,‬وعظيم سلطاننا‪ ,‬وصحة رسالتك‪.‬‬

‫‪606‬‬
‫ه ط ََغى )‪(24‬‬ ‫ب إ َِلى فِْرعَوْ َ‬
‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫اذ ْهَ ْ‬
‫اذهب ‪ -‬يا موسى ‪ -‬إلى فرعون; إنه قههد تجههاوز قههدره وتم هّرد علههى‬
‫ربه‪ ,‬فادعه إلى توحيد الله وعبادته‪.‬‬

‫حل ُه ْ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫با ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ري )‪َ (26‬وا ْ‬ ‫مه ِ‬
‫سهْر ل ِههي أ ْ‬ ‫صهد ِْري )‪ (25‬وَي َ ّ‬ ‫ح ل ِههي َ‬ ‫شهَر ْ‬ ‫ل َر ّ‬
‫ن‬‫مه ْ‬‫ل ل ِههي وَِزيههرا ً ِ‬ ‫جع َ ه ْ‬‫ساِني )‪ (27‬ي َْفَقُهوا قَهوِْلي )‪َ (28‬وا ْ‬ ‫ن لِ َ‬
‫م ْ‬‫عُْقد َةً ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه فِههي‬ ‫شهرِك ْ ُ‬ ‫شهد ُد ْ ب ِههِ أْزِري )‪ (31‬وَأ ْ‬ ‫خههي )‪ (30‬ا ْ‬ ‫نأ ِ‬ ‫أهِْلي )‪ (29‬هَههاُرو َ‬
‫ك ك َِثيههرا ً )‪ (34‬إ ِن ّه َ‬ ‫ك ك َِثيرا ً )‪ (33‬وَن َذ ْك َُر َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ك ك ُن ْه َ‬ ‫ح َ‬‫سب ّ َ‬
‫ي نُ َ‬‫ري )‪ (32‬ك َ ْ‬ ‫م ِ‬‫أ ْ‬
‫صيرا ً )‪(35‬‬ ‫ب َِنا ب َ ِ‬
‫سّهل لي أمري‪ ,‬وأطلق لساني‬ ‫سع لي صدري‪ ,‬و َ‬ ‫قال موسى‪ :‬رب و ّ‬
‫بفصيح المنطق; ليفهموا كلمي‪ .‬واجعل لي معينا من أهلي‪ ,‬هههارون‬
‫أخي‪ .‬قَ ّ‬
‫وني به وشد ّ بههه ظهههري‪ ,‬وأشههركه معههي فههي النبههوة وتبليههغ‬
‫الرسالة; كي ننزهك بالتسبيح كثيًرا‪ ,‬ونههذكرك كههثيرا فنحمههدك‪ .‬إنههك‬
‫كنت بنا بصيًرا‪ ,‬ل يخفى عليك شيء من أفعالنا‪.‬‬

‫سؤْل َ َ‬ ‫ُ‬
‫سى )‪(36‬‬
‫مو َ‬
‫ك َيا ُ‬ ‫ل قَد ْ أوِتي َ‬
‫ت ُ‬ ‫َقا َ‬
‫قال الله‪ :‬قد أعطيتك كل ما سألت يا موسى‪.‬‬

‫مّرةً أ ُ ْ‬
‫خَرى )‪(37‬‬ ‫من َّنا عَل َي ْ َ‬
‫ك َ‬ ‫وَل ََقد ْ َ‬
‫ولقد أنعمنا عليك ‪ -‬يا موسى ‪ -‬قبل هذه النعمة نعمههة أخههرى‪ ,‬حيههن‬
‫من بطش فرعون‪.‬‬ ‫كنت رضيًعا‪ ,‬فأنجيناك ِ‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫ت َفاقْ هذِِفيهِ‬ ‫ن اقْذِِفيهِ ِفي الت ّههاُبو ِ‬ ‫حى )‪ (38‬أ ْ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫ك َ‬ ‫م َ‬ ‫حي َْنا إ َِلى أ ّ‬ ‫إ ِذ ْ أوْ َ‬
‫ت عَل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫ه وَأل َْقي ْ ُ‬
‫خذ ْهُ عَد ُوّ ِلي وَعَد ُوّ ل َ ُ‬
‫ل ي َأ ُ‬
‫ح ِ‬
‫سا ِ‬‫م ِبال ّ‬‫م فَل ْي ُل ِْقهِ ال ْي َ ّ‬
‫ِفي ال ْي َ ّ‬
‫صن َعَ عََلى عَي ِْني )‪(39‬‬ ‫مّني وَل ِت ُ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫حب ّ ً‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫مك‪ :‬أن ضعي ابنك موسى بعد ولدته في‬ ‫منا أ ّ‬
‫وذلك حين أله ْ‬
‫التابوت‪ ,‬ثم اطرحيه في النيل‪ ,‬فسوف يلقيه النيل على الساحل‪,‬‬
‫فيأخذه فرعون عدوي وعدوه‪ .‬وألقيت عليك محبة مني فصرت‬

‫‪607‬‬
‫بذلك محبوًبا بين العباد‪ ,‬وِلتربى على عيني وفي حفظي‪ .‬وفي الية‬
‫إثبات صفة العين لله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬كما يليق بجلله وكماله‪.‬‬

‫ك إ ِل َههى‬ ‫ل هَ ْ َ‬ ‫شي أ ُ ْ‬
‫جعْن َهها َ‬
‫ه فََر َ‬ ‫ن ي َك ُْفل ُه ُ‬‫مه ْ‬ ‫م عَل َههى َ‬ ‫ل أد ُل ّك ُ ْ‬ ‫ك فَت َُقو ُ‬ ‫خت ُ َ‬ ‫م ِ‬‫إ ِذ ْ ت َ ْ‬
‫ُ‬
‫م وَفَت َن ّهها َ‬
‫ك‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬
‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫جي َْنا َ‬ ‫ت ن َْفسا ً فَن َ ّ‬‫ن وَقَت َل ْ َ‬ ‫حَز َ‬‫ي ت ََقّر عَي ْن َُها َول ت َ ْ‬ ‫ك كَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أ ّ‬
‫َ‬
‫سى )‪(40‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت عََلى قَد َرٍ َيا ُ‬ ‫جئ ْ َ‬ ‫ن ثُ ّ‬
‫م ِ‬ ‫مد ْي َ َ‬‫ل َ‬ ‫ن ِفي أهْ ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫ت ِ‬ ‫فُُتونا ً فَل َب ِث ْ َ‬
‫ومنّنا عليك حين تمشي أختك تتبعك ثم تقول لمن أخذوك‪ :‬هل‬
‫مك بعد ما‬‫أدلكم على من يكُفله‪ ,‬ويرضعه لكم؟ فرددناك إلى أ ّ‬
‫ت في أيدي فرعون؛ كي تطيب نفسها بسلمتك من الغرق‬ ‫صر َ‬
‫والقتل‪ ,‬ول تحزن على فَْقدك‪ ,‬وقتلت الرجل القبطي خطأ فنجيناك‬
‫م فِْعلك وخوف القتل‪ ,‬وابتليناك ابتلء‪ ,‬فخرجت خائًفا إلى‬ ‫من غَ ّ‬
‫أهل "مدين"‪ ,‬فمكثت سنين فيهم‪ ,‬ثم جئت من "مدين" في الموعد‬
‫درناه لرسالك مجيًئا موافًقا لقدر الله وإرادته‪ ,‬والمر كله‬
‫الذي ق ّ‬
‫لله تبارك وتعالى‪.‬‬

‫سي )‪(41‬‬ ‫صط َن َعْت ُ َ‬


‫ك ل ِن َْف ِ‬ ‫َوا ْ‬
‫ت عليك ‪ -‬يا موسى ‪ -‬هذه النعم اجتباء مني لك‪ ,‬واختياًرا‬
‫وأنعم ُ‬
‫لرسالتي‪ ,‬والبلغ عني‪ ,‬والقيام بأمري ونهيي‪.‬‬

‫ري )‪ (42‬اذ ْهََبا إ َِلى فِْرعَوْ َ‬


‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ك ِبآَياِتي َول ت َن َِيا ِفي ذِك ْ‬ ‫خو َ‬‫ت وَأ َ ُ‬ ‫َ‬
‫اذ ْهَ ْ‬
‫ب أن ْ َ‬
‫َ‬
‫شى )‪(44‬‬ ‫خ َ‬ ‫ه قَوْل ً ل َّينا ً ل َعَل ّ ُ‬
‫ه ي َت َذ َك ُّر أوْ ي َ ْ‬ ‫ه ط ََغى )‪ (43‬فَُقول ل َ ُ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫اذهب ‪ -‬يا موسى ‪ -‬أنت وأخوك هارون بآياتي الدالة على ألوهيتي‬
‫ضُعفا عن مداومة ذكري‪ .‬اذهبا‬‫وكمال قدرتي وصدق رسالتك‪ ,‬ول ت َ ْ‬
‫مًعا إلى فرعون; إنه قد جاوز الحد في الكفر والظلم‪ ,‬فقول له قول‬
‫لطيًفا; لعله يتذكر أو يخاف ربه‪.‬‬

‫ن ي َط َْغى )‪(45‬‬ ‫َ َ‬ ‫خا ُ َ‬


‫ط عَل َي َْنا أوْ أ ْ‬
‫ن ي َْفُر َ‬
‫فأ ْ‬ ‫َقال َرب َّنا إ ِن َّنا ن َ َ‬
‫قال موسى وهارون‪ :‬ربنا إننا نخاف أن يعاجلنا بالعقوبة‪ ,‬أو أن‬
‫يتمرد على الحق فل يقبله‪.‬‬

‫‪608‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫خاَفا إنِني معك ُ َ‬
‫سهول‬ ‫معُ وَأَرى )‪ (46‬فَأت َِياهُ فَُقهول إ ِّنها َر ُ‬ ‫س َ‬
‫ما أ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫ل ل تَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ن َرب ّه َ‬ ‫جئ َْنا َ‬ ‫َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫مه ْ‬ ‫ك ِبآي َهةٍ ِ‬ ‫م قَد ْ ِ‬ ‫سَراِئي َ‬
‫ل َول ت ُعَذ ّب ْهُ ْ‬ ‫معََنا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫س ْ‬‫ك فَأْر ِ‬
‫ن ال ْعَه َ‬ ‫َ‬ ‫دى )‪ (47‬إ ِن ّهها قَهد ْ ُأو ِ‬
‫ب‬‫ذا َ‬ ‫ي إ ِل َي ْن َهها أ ّ‬‫حه َ‬ ‫ن ات ّب َعَ ال ْهُه َ‬ ‫م عََلى َ‬
‫م ْ‬ ‫سل ُ‬ ‫َوال ّ‬
‫ب وَت َوَّلى )‪(48‬‬ ‫ن ك َذ ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عََلى َ‬
‫قال الله لموسى وهارون‪ :‬ل تخافا من فرعون; فإنني معكما أسمع‬
‫كلمكما وأرى أفعالكما‪ ,‬فاذهبا إليه وقول له‪ :‬إننا رسولن إليك من‬
‫ربك أن أطلق بني إسرائيل‪ ,‬ول تكّلفهم ما ل يطيقون من العمال‪,‬‬
‫قد أتيناك بدللة معجزة من ربك تدل على صدقنا في دعوتنا‪,‬‬
‫والسلمة من عذاب الله تعالى لمن اتبع هداه‪ .‬إن ربك قد أوحى‬
‫ذب وأعرض عن دعوته وشريعته‪.‬‬ ‫من ك ّ‬‫إلينا أن عذابه على َ‬

‫سى )‪(49‬‬
‫مو َ‬ ‫ن َرب ّك ُ َ‬
‫ما َيا ُ‬ ‫ل فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫َقا َ‬
‫من ربكما يا موسى؟‬
‫قال فرعون لهما‪ :‬ف َ‬

‫دى )‪(50‬‬ ‫خل َْق ُ‬


‫ه ثُ ّ‬
‫م هَ َ‬ ‫يءٍ َ‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫ذي أ َعْ َ‬
‫طى ك ُ ّ‬ ‫ل َرب َّنا ال ّ ِ‬
‫َقا َ‬
‫خل َْقه اللئق به على‬
‫قال له موسى‪ :‬ربنا الذي أعطى كل شيء َ‬
‫حسن صنعه‪ ,‬ثم هدى كل مخلوق إلى النتفاع بما خلقه الله له‪.‬‬

‫ل ال ُْقرون ا ُ‬
‫لوَلى )‪(51‬‬ ‫ُ ِ‬ ‫ل فَ َ‬
‫ما َبا ُ‬ ‫َقا َ‬
‫قال فرعون لموسى‪ :‬فما شأن المم السابقة؟ وما خبر القرون‬
‫الماضية‪ ,‬فقد سبقونا إلى النكار والكفر؟‬

‫سى )‪(52‬‬ ‫ض ّ‬
‫ل َرّبي َول َين َ‬ ‫ب ل يَ ِ‬
‫عن ْد َ َرّبي ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫مَها ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ل ِ‬
‫م تلك القرون فيما فَعََلت من ذلك عند‬ ‫عل ْ ُ‬
‫قال موسى لفرعون‪ِ :‬‬
‫م لي به‪ ,‬ل يضل ربي في أفعاله‬ ‫عل ْ َ‬
‫ربي في اللوح المحفوظ‪ ,‬ول ِ‬
‫ما علمه منها‪.‬‬ ‫وأحكامه‪ ,‬ول ينسى شيًئا م ّ‬

‫‪609‬‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫سهب ُل ً وََأنهَز َ‬
‫ل ِ‬ ‫ك ل َك ُه ْ‬
‫م ِفيهَهها ُ‬ ‫س هل َ َ‬
‫مهْههدا ً وَ َ‬
‫ض َ‬
‫َ‬
‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُه ْ‬
‫جع َه َ‬
‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شّتى )‪(53‬‬ ‫ت َ‬ ‫ن ن ََبا ٍ‬ ‫جَنا ب ِهِ أْزَواجا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫ماًء فَأ ْ‬
‫خَر ْ‬ ‫ماِء َ‬
‫س َ‬‫ال ّ‬
‫سرة للنتفاع بها‪ ,‬وجعل لكم فيها‬‫هو الذي جعل لكم الرض مي ّ‬
‫طرًقا كثيرة‪ ,‬وأنزل من السماء مطًرا‪ ,‬فأخرج به أنوا ً‬
‫عا مختلفة من‬
‫النبات‪.‬‬

‫ت ل ُوِْلي الن َّهى )‪(54‬‬ ‫ك ُُلوا وارعَ َ‬


‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫وا أن َْعا َ‬
‫َ ْ ْ‬
‫كلوا ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬من طيبات ما أنبتنا لكم‪ ,‬وارعوا حيواناتكم‬
‫ذكر َلعلمات على قدرة الله‪ ,‬ودعوة‬ ‫وبهائمكم‪ .‬إن في كل ما ُ‬
‫لوحدانيته وإفراده بالعبادة‪ ,‬لذوي العقول السليمة‪.‬‬

‫م َتاَرةً أ ُ ْ‬
‫خَرى )‪(55‬‬ ‫جك ُ ْ‬
‫خرِ ُ‬
‫من َْها ن ُ ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫خل َْقَناك ُ ْ‬
‫م وَِفيَها ن ُِعيد ُك ُ ْ‬ ‫من َْها َ‬
‫ِ‬
‫خل َْقناكم ‪ -‬أيها الناس ‪ ،-‬وفيها نعيدكم بعد الموت‪ ,‬ومنها‬ ‫من الرض َ‬
‫نخرجكم أحياء مرة أخرى للحساب والجزاء‪.‬‬

‫ب وَأ ََبى )‪(56‬‬ ‫َ‬


‫وَل ََقد ْ أَري َْناهُ آَيات َِنا ك ُل َّها فَك َذ ّ َ‬
‫ولقد أرينا فرعون أدلتنا وحججنا جميعها‪ ,‬الدالة على ألوهيتنا‬
‫ذب بها‪ ,‬وامتنع عن َقبول الحق‪.‬‬‫ق رسالة موسى فك ّ‬ ‫صد ْ ِ‬
‫وقدرتنا و ِ‬

‫حرِ َ‬ ‫خرجنا م َ‬ ‫َقا َ َ‬


‫سى )‪(57‬‬
‫مو َ‬
‫ك َيا ُ‬ ‫س ْ‬
‫ضَنا ب ِ ِ‬ ‫جئ ْت ََنا ل ِت ُ ْ ِ َ َ ِ ْ‬
‫ن أْر ِ‬ ‫لأ ِ‬
‫قال فرعون‪ :‬هل جئتنا ‪ -‬يا موسى ‪ -‬لتخرجنا من ديارنا بسحرك‬
‫هذا؟‬

‫ن َول‬
‫حه ُ‬
‫ه نَ ْ‬ ‫عههدا ً ل ن ُ ْ‬
‫خل ُِف ه ُ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ل ب َي ْن َن َهها وَب َي ْن َه َ‬
‫ك َ‬ ‫مث ْل ِهِ َفا ْ‬
‫جع َ ْ‬ ‫حرٍ ِ‬
‫س ْ‬ ‫فَل َن َأ ْت ِي َن ّ َ‬
‫ك بِ ِ‬
‫َ‬
‫وى )‪(58‬‬ ‫كانا ً ُ‬
‫س ً‬ ‫م َ‬ ‫ت َ‬ ‫أن ْ َ‬
‫دا‪,‬‬
‫دا محد ً‬‫فسوف نأتيك بسحر مثل سحرك‪ ,‬فاجعل بيننا وبينك موع ً‬
‫ل نخلفه نحن ول تخلفه أنت‪ ,‬في مكان مستوٍ معتدل بيننا وبينك‪.‬‬

‫‪610‬‬
‫َ‬
‫حى )‪(59‬‬
‫ض ً‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬
‫شَر الّنا ُ‬ ‫ن يُ ْ‬
‫م الّزين َةِ وَأ ْ‬ ‫عد ُك ُ ْ‬
‫م ي َوْ ُ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َ‬
‫قال موسى لفرعون‪ :‬موعدكم للجتماع يوم العيد‪ ,‬حين يتزّين‬
‫الناس‪ ,‬ويجتمعون من كل فج وناحية وقت الضحى‪.‬‬

‫م أ ََتى )‪(60‬‬
‫معَ ك َي ْد َهُ ث ُ ّ‬ ‫فَت َوَّلى فِْرعَوْ ُ‬
‫ن فَ َ‬
‫ج َ‬
‫ضا عما أتاه به موسى من الحق‪ ,‬فجمع سحرته‪,‬‬
‫فأدبر فرعون معر ً‬
‫ثم جاء بعد ذلك لموعد الجتماع‪.‬‬

‫ب‬ ‫حت َك ُ ْ‬
‫م ب ِعَه َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫ذبا ً فَي ُ ْ‬
‫سه ِ‬ ‫م ل ت َْفت َُروا عََلى الّلههِ َ‬
‫كه ِ‬ ‫سى وَي ْل َك ُ ْ‬
‫مو َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ن افْت ََرى )‪(61‬‬ ‫م ْ‬
‫ب َ‬ ‫خا َ‬ ‫وَقَد ْ َ‬
‫قال موسى لسحرة فرعون يعظهم‪ :‬احذروا‪ ,‬ل تختلقوا على الله‬
‫من عنده وُيبيدكم‪ ,‬وقد خسر من اختلق‬‫الكذب‪ ,‬فيستأصلكم بعذاب ِ‬
‫على الله كذًبا‪.‬‬

‫َ‬ ‫فَتنههاز ُ َ‬
‫ن‬‫ذا ِ‬‫ههه َ‬‫ن َ‬ ‫وى )‪َ (62‬قههاُلوا إ ِ ْ‬ ‫جهه َ‬ ‫سههّروا الن ّ ْ‬ ‫م وَأ َ‬ ‫م ب َي ْن َُههه ْ‬ ‫ههه ْ‬‫مَر ُ‬ ‫عوا أ ْ‬ ‫ََ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما وََيههذ ْهََبا‬ ‫حرِهِ َ‬
‫سهه ْ‬‫م بِ ِ‬ ‫ضههك ُ ْ‬‫ن أْر ِ‬ ‫مهه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جههاك ُ ْ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫دا‬
‫ريهه َ‬ ‫ِ‬ ‫ن يُ‬
‫ِ‬ ‫حَرا‬‫سهها ِ‬‫لَ َ‬
‫َ‬ ‫بط َريَقتك ُم ال ْمث َْلى )‪ (63‬فَهأ َ‬
‫صهّفا ً وَقَهد ْ أفْل َه َ‬
‫ح‬ ‫َ‬ ‫هوا‬
‫ه‬‫ُ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ئ‬‫ا‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ث‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫د‬‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫عوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ ِ ْ‬
‫ست َعَْلى )‪(64‬‬ ‫نا ْ‬ ‫م ْ‬‫م َ‬ ‫ال ْي َوْ َ‬
‫فتجاذب السحرة أمرهم بينهم وتحادثوا سًرا‪ ,‬قالوا‪ :‬إن موسى‬
‫وهارون ساحران يريدان أن يخرجاكم من بلدكم بسحرهما‪ ,‬ويذهبا‬
‫بطريقة السحر العظيمة التي أنتم عليها‪ ,‬فأحكموا كيدكم‪ ,‬واعزموا‬
‫دا‪ ,‬وألقوا ما في‬
‫عليه من غير اختلف بينكم‪ ,‬ثم ائتوا صًفا واح ً‬
‫أيديكم مرة واحدة; لت َب َْهروا البصار‪ ,‬وتغلبوا سحر موسى وأخيه‪,‬‬
‫من عل على صاحبه‪ ,‬فغلبه وقهره‪.‬‬ ‫وقد ظفر بحاجته اليوم َ‬

‫ن أ َل َْقى )‪(65‬‬
‫م ْ‬ ‫ن أ َوّ َ‬
‫ل َ‬ ‫ن نَ ُ‬
‫كو َ‬
‫َ‬
‫ما أ ْ‬ ‫ن ت ُل ِْق َ‬
‫ي وَإ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ما أ ْ‬
‫سى إ ِ ّ‬ ‫َقاُلوا َيا ُ‬
‫مو َ‬

‫‪611‬‬
‫قال السحرة‪ :‬يا موسى إما أن تلقي عصاك أول وإما أن نبدأ نحن‬
‫فنلقي ما معنا‪.‬‬

‫م أ َن ّهَهها‬
‫حرِهِ ْ‬
‫سه ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْههِ ِ‬
‫مه ْ‬ ‫خي ّه ُ‬
‫م يُ َ‬‫ص هي ّهُ ْ‬
‫ع ِ‬‫م وَ ِ‬ ‫حَبال ُهُ ْ‬‫ذا ِ‬‫ل أ َل ُْقوا فَإ ِ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل بَ ْ‬
‫َ‬
‫سى )‪(67‬‬ ‫مو َ‬ ‫ة ُ‬ ‫خيَف ً‬‫سهِ ِ‬ ‫س ِفي ن َْف ِ‬ ‫ج َ‬ ‫سَعى )‪ (66‬فَأوْ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫قال لهم موسى‪ :‬بل ألُقوا أنتم ما معكم أول فألَقوا حبالهم‬
‫من قوة سحرهم أنها حيات تسعى‪ ,‬فشعر‬ ‫وعصّيهم‪ ,‬فتخيل موسى ِ‬
‫موسى في نفسه بالخوف‪.‬‬

‫ت ال َعَْلى )‪(68‬‬ ‫ف إن َ َ‬ ‫قُل َْنا ل ت َ َ‬


‫ك أن ْ َ‬ ‫خ ْ ِّ‬
‫ف من شيء‪ ,‬فإنك أنت العلى على‬ ‫خ ْ‬
‫قال الله لموسى حينئذ‪ :‬ل ت َ َ‬
‫هؤلء السحرة وعلى فرعون وجنوده‪ ,‬وستغلبهم‪.‬‬

‫ح‬
‫حرٍ َول ي ُْفِلهه ُ‬ ‫صن َُعوا ك َي ْد ُ َ‬
‫سا ِ‬ ‫ما َ‬
‫صن َُعوا إ ِن ّ َ‬
‫ما َ‬ ‫ك ت َل َْق ْ‬
‫ف َ‬ ‫مين ِ َ‬
‫ما ِفي ي َ ِ‬ ‫ق َ‬ ‫وَأ َل ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ث أَتى )‪(69‬‬ ‫حي ْ ُ‬
‫حُر َ‬
‫سا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫وألق عصاك التي في يمينك تبتلع حبالهم وعصيهم‪ ,‬فما عملوه‬
‫ر‪ ,‬ول يظفر الساحر‬
‫ح ٍ‬
‫س ْ‬
‫أمامك ما هو إل مكر ساحرٍ وتخييل ِ‬
‫بسحره أين كان‪.‬‬

‫فَأ ُ‬
‫سى )‪(70‬‬
‫مو َ‬
‫ن وَ ُ‬
‫هاُرو َ‬
‫ب َ‬ ‫جدا ً َقاُلوا آ َ‬
‫مّنا ب َِر ّ‬ ‫س ّ‬
‫حَرةُ ُ‬
‫س َ‬
‫ي ال ّ‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫فألقى موسى عصاه‪ ,‬فبلعت ما صنعوا‪ ,‬فظهر الحق وقامت الحجة‬
‫عليهم‪ .‬فألقى السحرة أنفسهم على الرض ساجدين وقالوا‪ :‬آمنا‬
‫برب هارون وموسى‪ ,‬لو كان هذا سحًرا ما غُل ِْبنا‪.‬‬

‫ل آمنتم ل َه قَب َ َ‬
‫حَر‬‫سه ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫مك ُه ْ‬‫ذي عَل ّ َ‬
‫م ال ّه ِ‬ ‫ه ل َك َِبيُرك ُه ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ن آذ َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َقا َ َ ْ ُ ْ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َفلقَط ّع َ‬
‫ل‬‫خه ِ‬‫ذوِع الن ّ ْ‬‫جه ُ‬‫م ِفهي ُ‬ ‫صهل ّب َن ّك ُ ْ‬
‫ف َول َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫جل َك ُ ْ‬
‫م وَأْر ُ‬ ‫ن أي ْدِي َك ُ ْ‬‫َ ّ‬
‫ذابا ً وَأب َْقى )‪(71‬‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شد ّ عَ َ‬ ‫ن أي َّنا أ َ‬ ‫وَل َت َعْل َ ُ‬
‫م ّ‬

‫‪612‬‬
‫دقتم بموسى‪ ,‬واتبعتموه‪ ,‬وأقررتم له قبل‬ ‫قال فرعون للسحرة‪ :‬أص ّ‬
‫أن آذن لكم بذلك؟ إن موسى َلعظيمكم الذي عَّلمكم السحر;‬
‫دا من‬
‫ن أيديكم وأرجلكم مخالًفا بينها‪ ,‬ي ً‬‫فلذلك تابعتموه‪ ,‬فلقطع ّ‬
‫جل من الجهة الخرى‪ ,‬ولصلبّنكم ‪ -‬بربط أجسادكم ‪ -‬على‬ ‫جهة ورِ ْ‬
‫ن أيها السحرة أينا‪ :‬أنا أو رب موسى أشد‬ ‫جذوع النخل‪ ,‬ولتعلم ّ‬
‫عذاًبا من الخر‪ ,‬وأدوم له؟‬

‫َ‬ ‫ت َوال ّ ِ‬
‫ن ال ْب َي َّنا ِ‬ ‫ك عََلى َ‬ ‫ن ن ُؤْث َِر َ‬‫َقاُلوا ل َ ْ‬
‫مهها‬ ‫ذي فَطَرَنا َفههاقْ ِ‬
‫ض َ‬ ‫م ْ‬ ‫جاَءَنا ِ‬
‫ما َ‬
‫أ َنت َقاض َفاقْض ما أ َ‬
‫ضي هَذِهِ ال ْ َ‬
‫حَياةَ الد ّن َْيا )‪(72‬‬ ‫ما ت َْق ِ‬ ‫ض إ ِن ّ َ‬
‫ٍ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ِ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ َ‬
‫قال السحرة لفرعون‪ :‬لن نفضلك‪ ,‬فنطيعك‪ ,‬ونتبع دينك‪ ,‬على ما‬
‫جاءنا به موسى من البينات الدالة على صدقه ووجوب متابعته‬
‫ضل ربوبيتك المزعومة على ربوبية اللهِ الذي‬ ‫وطاعة ربه‪ ,‬ولن ن َُف ّ‬
‫خلقنا‪ ,‬فافعل ما أنت فاعل بنا‪ ,‬إنما سلطانك في هذه الحياة الدنيا‪,‬‬
‫وما تفعله بنا‪ ,‬ما هو إل عذاب منتهٍ بانتهائها‪.‬‬

‫َ‬
‫حرِ َوالل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫سه ْ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ما أك َْرهْت ََنا عَل َي ْههِ ِ‬
‫مه ْ‬ ‫خ َ‬
‫طاَياَنا وَ َ‬ ‫مّنا ب َِرب َّنا ل ِي َغِْفَر ل ََنا َ‬‫إ ِّنا آ َ‬
‫خي ٌْر وَأب َْقى )‪(73‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إّنا آمنا بربنا وصد ّْقنا رسوله وعملنا بما جاء به; ليعفو رّبنا عن‬
‫من عمل السحر في معارضة موسى‪.‬‬ ‫ذنوبنا‪ ,‬وما أكرهتنا عليه ِ‬
‫والله خير لنا منك ‪ -‬يا فرعون ‪ -‬جزاء لمن أطاعه‪ ,‬وأبقى عذاًبا لمن‬
‫عصاه وخالف أمره‪.‬‬

‫إنه من يأ ْ‬
‫حَيا )‪(74‬‬
‫ت ِفيَها َول ي َ ْ‬
‫مو ُ‬
‫م ل يَ ُ‬
‫جهَن ّ َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫رما ً فَإ ِ ّ‬
‫ِ‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ب‬‫ر‬‫َ‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫ِّ ُ َ ْ َ‬
‫إنه من يأت ربه كافًرا به فإن له نار جهنم ي ُعَ ّ‬
‫ذب بها‪ ,‬ل يموت فيها‬
‫فيستريح‪ ,‬ول يحيا حياة يتلذذ بها‪.‬‬

‫ت ال ُْعل )‬
‫جا ُ‬‫م ال هد َّر َ‬ ‫ت فَ هأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ل َهُ ه ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صههال ِ َ‬‫ل ال ّ‬‫م َ‬‫منا ً قَد ْ عَ ِ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫ْ‬
‫ن ي َأت ِهِ ُ‬
‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫جَزاُء َ‬ ‫ن ِفيَها وَذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫حت َِها ال َن َْهاُر َ‬‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬‫ن تَ ْ‬‫ت عَد ْ ٍ‬‫جّنا ُ‬ ‫‪َ (75‬‬
‫كى )‪(76‬‬ ‫ت ََز ّ‬

‫‪613‬‬
‫ومن يأت ربه مؤمًنا به قد عمل العمال الصالحة فله المنازل‬
‫العالية في جنات القامة الدائمة‪ ,‬تجري من تحت أشجارها النهار‬
‫دا‪ ,‬وذلك النعيم المقيم ثواب من الله لمن طّهر‬
‫ماكثين فيها أب ً‬
‫نفسه من الدنس والخبث والشرك‪ ,‬وعبد الله وحده فأطاعه‬
‫دا من خلقه‪.‬‬
‫واجتنب معاصيه‪ ,‬ولقي ربه ل يشرك بعبادته أح ً‬

‫ريق ها ً فِههي‬ ‫ول ََقد أ َوحينا إَلى موسى أ َ َ‬


‫م طَ ِ‬
‫ب ل َهُ ه ْ‬ ‫سرِ ب ِعَِباِدي َفا ْ‬
‫ض هرِ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ ْ َ َْ ِ‬
‫شى )‪(77‬‬ ‫خ َ‬‫ف د ََركا ً َول ت َ ْ‬ ‫حرِ ي ََبسا ً ل ت َ َ‬
‫خا ُ‬ ‫ال ْب َ ْ‬
‫ولقد أوحينا إلى موسى‪ :‬أن اخُرج ليل بعبادي من بني إسرائيل من‬
‫سا‪ ,‬ل تخاف من فرعون‬ ‫خذ ْ لهم في البحر طريًقا ياب ً‬
‫"مصر"‪ ,‬فات ّ ِ‬
‫وجنوده أن يلحقوكم فيدركوكم‪ ,‬ول تخشى في البحر غرًقا‪.‬‬

‫َ‬
‫م )‪(78‬‬ ‫ما غَ ِ‬
‫شي َهُ ْ‬ ‫ن ال ْي َ ّ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫جُنودِهِ فَغَ ِ‬
‫شي َهُ ْ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫فَأت ْب َعَهُ ْ‬
‫م فِْرعَوْ ُ‬
‫فأسرى موسى ببني إسرائيل‪ ,‬وعبر بهم طريًقا في البحر‪ ,‬فأتبعهم‬
‫فرعون بجنوده‪ ,‬فغمرهم من الماء ما ل يعلم كنهه إل الله‪ ,‬فغرقوا‬
‫جميًعا ونجا موسى وقومه‪.‬‬

‫َ‬
‫دى )‪(79‬‬
‫ما هَ َ‬
‫ه وَ َ‬ ‫ن قَوْ َ‬
‫م ُ‬ ‫ض ّ‬
‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫وَأ َ‬
‫ل فرعون قومه بما زّينه لهم من الكفر والتكذيب‪ ,‬وما سلك‬ ‫وأض ّ‬
‫بهم طريق الهداية‪.‬‬

‫ب الط ّههوِر‬ ‫َ‬


‫جههان ِ َ‬ ‫م وََواعَهد َْناك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن عَهد ُوّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جي َْناك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ل قَد ْ أن َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫َيا ب َِني إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫وى )‪(80‬‬ ‫سل ْ َ‬
‫ن َوال ّ‬‫م ّ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ن وَن َّزل َْنا عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫الي ْ َ‬
‫جعَْلنا‬‫من عدوكم فرعون‪ ,‬و َ‬ ‫يا بني إسرائيل اذكروا حين أنجيناكم ِ‬
‫موعدكم بجانب جبل الطور اليمن لنزال التوراة عليكم‪ ,‬ونزلنا‬
‫صمغ طعمه كالعسل‪،‬‬ ‫عليكم في التيه ما تأكلونه‪ ,‬مما يشبه ال ّ‬
‫ماَنى‪.‬‬
‫س َ‬
‫والطير الذي يشبه ال ّ‬

‫‪614‬‬
‫ل عَل َي ْك ُه ْ‬
‫م غَ َ‬
‫ضهِبي‬ ‫م َول ت َط ْغَه ْ‬
‫وا ِفيههِ فَي َ ِ‬
‫حه ّ‬ ‫ما َرَزقْن َههاك ُ ْ‬‫ت َ‬‫ن ط َي َّبا ِ‬‫م ْ‬ ‫ك ُُلوا ِ‬
‫وى )‪(81‬‬ ‫ضِبي فََقد ْ هَ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ غَ َ‬
‫حل ِ ْ‬
‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫ضا‪,‬‬
‫كلوا من رزقنا الطيب‪ ,‬ول تعتدوا فيه بأن يظلم بعضكم بع ً‬
‫من ينزل به غضبي فقد هلك وخسر‪.‬‬ ‫فينزل بكم غضبي‪ ,‬و َ‬

‫دى )‪(82‬‬ ‫صاِلحا ً ث ُ ّ‬


‫م اهْت َ َ‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬
‫م َ‬
‫ب َوآ َ‬
‫ن َتا َ‬ ‫وَإ ِّني ل َغَّفاٌر ل ِ َ‬
‫م ْ‬
‫وإني َلغفار لمن تاب من ذنبه وكفره‪ ,‬وآمن بي وعمل العمال‬
‫الصالحة‪ ,‬ثم اهتدى إلى الحق واستقام عليه‪.‬‬

‫م َ‬ ‫جل َ َ‬ ‫َ‬
‫سى )‪(83‬‬
‫مو َ‬
‫ك َيا ُ‬ ‫ن قَوْ ِ‬
‫ك عَ ْ‬ ‫ما أعْ َ‬
‫وَ َ‬
‫وأيّ شيء أعجلك عن قومك ‪ -‬يا موسى ‪ -‬فسبقَتهم إلى جانب‬
‫الطور اليمن‪ ,‬وخّلفَتهم وراءك؟‬

‫ت إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ل هُ ُ‬
‫ضى )‪(84‬‬
‫ب ل ِت َْر َ‬
‫ك َر ّ‬ ‫جل ْ ُ‬ ‫م أولِء عََلى أث َ ِ‬
‫ري وَعَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َقا َ‬
‫قال‪ :‬إنهم خلفي سوف يلحقون بي‪ ,‬وسبقُتهم إليك ‪ -‬يا ربي ‪-‬‬
‫لتزداد عني رضا‪.‬‬

‫ك من بعد َ َ‬
‫مرِيّ )‪(85‬‬
‫سا ِ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫ك وَأ َ‬‫م َ ِ ْ َْ ِ‬
‫ل فَإ ِّنا قَد ْ فَت َّنا قَوْ َ‬
‫َقا َ‬
‫قال الله لموسى‪ :‬فإنا قد ابتلينا قومك بعد فراقك إياهم بعبادة‬
‫العجل‪ ,‬وإن السامري قد أضلهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫فَرجع موسى إَلى قَومه غَضبا َ‬


‫م‬ ‫م َرب ّ ُ‬
‫كهه ْ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ أل َ ْ‬
‫م ي َعِد ْك ُ ْ‬ ‫سفا ً َقا َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫َ َ َ ُ ََ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مه ْ‬‫ب ِ‬ ‫ض ٌ‬‫م غَ َ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ح ّ‬‫ن يَ ِ‬‫مأ ْ‬ ‫م أَرد ْت ُ ْ‬ ‫م ال ْعَهْد ُ أ ْ‬
‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬‫طا َ‬ ‫سنا ً أفَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫عدا ً َ‬ ‫وَ ْ‬
‫َ‬
‫دي )‪(86‬‬ ‫ع ِ‬
‫مو ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫خل َْفت ُ ْ‬
‫م فَأ ْ‬ ‫َرب ّك ُ ْ‬
‫فرجع موسى إلى قومه غضبان عليهم حزيًنا‪ ,‬وقال لهم‪ :‬يا قوم ألم‬
‫دا حسًنا بإنزال التوراة؟ أفطال عليكم العهد‬
‫دكم ربكم وع ً‬
‫ي َعِ ْ‬
‫واستبطأتم الوعد‪ ,‬أم أردتم أن تفعلوا فعل يحل عليكم بسببه‬

‫‪615‬‬
‫غضب من ربكم‪ ,‬فأخلفتم موعدي وعبدتم العجل‪ ,‬وتركتم اللتزام‬
‫بأوامري؟‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ما أ َ ْ‬


‫ن ِزين َهةِ الَقهوْم ِ‬ ‫مل ْن َهها أوَْزارا ً ِ‬
‫مه ْ‬ ‫مل ْك َِنا وَل َك ِّنا ُ‬
‫ح ّ‬ ‫عد َ َ‬
‫ك بِ َ‬ ‫خل َْفَنا َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫َقاُلوا َ‬
‫ها فَك َذ َل ِ َ َ‬
‫مرِيّ )‪(87‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ك أل َْقى ال ّ‬ ‫فََقذ َفَْنا َ‬
‫من‬
‫ملنا أثقال ِ‬
‫ح ّ‬
‫قالوا‪ :‬يا موسى ما أخلفنا موعدك باختيارنا‪ ,‬ولكّنا ُ‬
‫ي قوم فرعون‪ ,‬فألقيناها في حفرة فيها نار بأمر السامري‪,‬‬ ‫حل ّ‬
‫فكذلك ألقى السامري ما كان معه من تربة حافر فرس جبريل‬
‫عليه السلم‪.‬‬

‫فَأ َ‬
‫سههى‬
‫مو َ‬ ‫م وَإ ِل َه ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ذا إ ِل َهُك ُه ْ‬
‫واٌر فََقههاُلوا هَ ه َ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫خ‬
‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫سد‬
‫َ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ل‬‫ج‬‫ْ‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫خ‬
‫ْ‬
‫ي )‪(88‬‬ ‫س َ‬ ‫فَن َ ِ‬
‫دا يخور خوار‬
‫فصنع السامري لبني إسرائيل من الذهب عجل جس ً‬
‫البقر‪ ,‬فقال المفتونون به منهم للخرين‪ :‬هذا هو إلهكم وإله‬
‫موسى‪ ,‬نسيه وغََفل عنه‪.‬‬

‫ضّرا ً َول ن َْفعا ً )‪(89‬‬ ‫أ ََفل يرو َ‬


‫ك ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫جعُ إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م قَوْل ً َول ي َ ْ‬ ‫ن أل ّ ي َْر ِ‬
‫ََ ْ َ‬
‫أفل يرى الذين عبدوا العجل أنه ل يكلمهم ابتداء‪ ,‬ول يرد ّ عليهم‬
‫جواًبا‪ ,‬ول يقدر على دفع ضّر عنهم‪ ,‬ول جلب نفع لهم؟‬

‫ن َرب ّك ُه ْ‬
‫م‬ ‫مهها فُِتنت ُه ْ‬
‫م ب ِههِ وَإ ِ ّ‬ ‫ل ي َهها قَهوْم ِ إ ِن ّ َ‬
‫ن قَب ْه ُ‬‫مه ْ‬
‫ن ِ‬‫هاُرو ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫وَل ََقد ْ َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ري )‪(90‬‬ ‫م ِ‬‫طيُعوا أ ْ‬‫ن َفات ّب ُِعوِني وَأ ِ‬
‫م ُ‬‫ح َ‬‫الّر ْ‬
‫ولقد قال هارون لبني إسرائيل من قبل رجوع موسى إليهم‪ :‬يا قوم‬
‫إنما اخُتبرتم بهذا العجل؛ ليظهر المؤمن منكم من الكافر‪ ,‬وإن‬
‫ربكم الرحمن ل غيره فاتبعوني فيما أدعوكم إليه من عبادة الله‪,‬‬
‫وأطيعوا أمري في اتباع شرعه‪.‬‬

‫سى )‪(91‬‬ ‫جعَ إ ِل َي َْنا ُ‬


‫مو َ‬ ‫حّتى ي َْر ِ‬
‫ن َ‬ ‫ح عَل َي ْهِ َ‬
‫عاك ِِفي َ‬ ‫َقاُلوا ل َ ْ‬
‫ن ن َب َْر َ‬

‫‪616‬‬
‫قال عُّباد العجل منهم‪ :‬لن نزال مقيمين على عبادة العجل حتى‬
‫يرجع إلينا موسى‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ت‬ ‫ض هّلوا )‪ (92‬أل ّ ت َت ّب ِعَن ِههي أفَعَ َ‬
‫ص هي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫من َعَ َ‬
‫ك إ ِذ ْ َرأي ْت َهُ ه ْ‬ ‫ما َ‬
‫ن َ‬
‫هاُرو ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َيا َ‬
‫ري )‪(93‬‬ ‫َ‬
‫م ِ‬‫أ ْ‬
‫قال موسى لخيه هارون‪ :‬أيّ شيء منعك حين رأيتهم ضّلوا عن‬
‫دينهم أن ل تتبعني‪ ,‬فتلحق بي وتتركهم؟ أفعصيت أمري فيما‬
‫أمرتك به من خلفتي والصلح بعدي؟‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬


‫ل فَّرْقه َ‬
‫ت‬ ‫ن ت َُقههو َ‬
‫تأ ْ‬‫شهي ُ‬
‫خ ِ‬
‫سي إ ِّني َ‬
‫حي َِتي َول ب َِرأ ِ‬ ‫خذ ْ ب ِل ِ ْ‬‫م ل ت َأ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل ي َب ْن َؤُ ّ‬
‫ب قَوِْلي )‪(94‬‬ ‫ل وَل َ ْ‬
‫م ت َْرقُ ْ‬ ‫سَراِئي َ‬‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫ثم أخذ موسى بلحية هارون ورأسه يجّره إليه‪ ,‬فقال له هارون‪ :‬يا‬
‫ت ‪ -‬إن تركتهم‬‫ابن أمي ل تمسك بلحيتي ول بشعر رأسي‪ ,‬إني خف ُ‬
‫ولحقت بك ‪ -‬أن تقول‪ :‬فّرقت بين بني إسرائيل‪ ,‬ولم تحفظ وصيتي‬
‫بحسن رعايتهم‪.‬‬

‫مرِيّ )‪(95‬‬
‫سا ِ‬ ‫خط ْب ُ َ‬
‫ك َيا َ‬ ‫ل فَ َ‬
‫ما َ‬ ‫َقا َ‬
‫قال موسى للسامري‪ :‬فما شأنك يا سامري؟ وما الذي دعاك إلى‬
‫ما فعلته؟‬

‫ة مه َ‬
‫ل‬ ‫ن أث َهرِ الّر ُ‬
‫سههو ِ‬ ‫ت قَب ْ َ‬
‫ضه ً ِ ْ‬ ‫صهُروا ب ِههِ فََقب َ ْ‬
‫ضه ُ‬ ‫ما ل َه ْ‬
‫م ي َب ْ ُ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫صْر ُ‬ ‫ل بَ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫سي )‪(96‬‬ ‫ت ِلي ن َْف ِ‬ ‫سوّل َ ْ‬‫ك َ‬ ‫فَن َب َذ ْت َُها وَك َذ َل ِ َ‬

‫قال السامري‪ :‬رأيت ما لم يروه ‪ -‬وهو جبريل عليه السلم ‪ -‬على‬


‫ت‬‫فرس‪ ,‬وقت خروجهم من البحر وغرق فرعون وجنوده‪ ,‬فأخذ ُ‬
‫ي الذي‬
‫بكفي ترابا من أثر حافر فرس جبريل‪ ,‬فألقيته على الحل ّ‬
‫دا له خوار؛ بلء وفتنة‪ ,‬وكذلك‬
‫صنعت منه العجل‪ ,‬فكان عجل جس ً‬
‫مارة بالسوء هذا الصنيع‪.‬‬
‫زّينت لي نفسي ال ّ‬

‫‪617‬‬
‫عدا ً‬ ‫ن لَ َ‬ ‫َ‬
‫مو ْ ِ‬‫ك َ‬ ‫س وَإ ِ ّ‬ ‫سا َ‬ ‫م َ‬
‫لل ِ‬ ‫ن ت َُقو َ‬ ‫حَياةِ أ ْ‬‫ك ِفي ال ْ َ‬ ‫ن لَ َ‬‫ب فَإ ِ ّ‬ ‫ل َفاذ ْهَ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫م‬‫ه ث ُه ّ‬ ‫حّرقَن ّه ُ‬‫كفها ً ل َن ُ َ‬ ‫ت عَل َي ْههِ َ‬
‫عا ِ‬ ‫ذي ظ َل َل ْه َ‬ ‫ك ال ّه ِ‬ ‫ه َوانظ ُْر إ َِلى إ ِل َهِه َ‬ ‫خل ََف ُ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن تُ ْ‬
‫سفا ً )‪(97‬‬ ‫م نَ ْ‬‫ه ِفي ال ْي َ ّ‬ ‫سَفن ّ ُ‬ ‫ل ََنن ِ‬
‫قال موسى للسامري‪ :‬فاذهب فإن لك في حياتك أن تعيش منبو ً‬
‫ذا‬
‫س‪ ,‬وإن لك موعدا لعذابك وعقابك‪,‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ّ‬ ‫س ول أ َ‬
‫م ّ‬ ‫تقول لكل أحد‪ :‬ل أ َ‬
‫خلفك الله إياه‪ ,‬وسوف تلقاه‪ ,‬وانظر إلى معبودك الذي أقمت‬ ‫لن ي ُ ْ‬
‫م تذرية‪.‬‬
‫على عبادته لُنحرقّنه بالنار‪ ,‬ثم لُنذريّنه في الي ّ‬

‫عْلما ً )‪(98‬‬
‫يءٍ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫سع َ ك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫ذي ل إ ِل َ َ‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ وَ ِ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ما إ ِل َهُك ُ ْ‬
‫إ ِن ّ َ‬
‫إنما إلهكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬هو الله الذي ل معبود بحق إل هو‪ ,‬وسع‬
‫علمه كل شيء‪.‬‬

‫ن ل َهد ُّنا ذِك ْههرا ً )‬ ‫كم َ‬


‫م ْ‬ ‫سب َقَ وَقَد ْ آت َي َْنا َ‬
‫ك ِ‬ ‫ما قَد ْ َ‬ ‫ص عَل َي ْ َ ِ ْ‬
‫ن أن َْباِء َ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫ك ن َُق ّ‬
‫‪(99‬‬
‫كما قصصنا عليك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أنباء موسى وفرعون وقومهما‪,‬‬
‫من عندنا هذا القرآن ذكرى‬
‫نخبرك بأنباء السابقين لك‪ .‬وقد آتيناك ِ‬
‫لمن يتذكر‪.‬‬

‫مةِ وِْزرا ً )‪(100‬‬ ‫م َ‬


‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫م ُ‬
‫ل ي َوْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ه فَإ ِن ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ض عَن ْ ُ‬
‫ن أعَْر َ‬
‫َ ْ‬
‫من أعرض عن هذا القرآن‪ ,‬ولم يصدق به‪ ,‬ولم يعمل بما فيه‪ ,‬فإنه‬
‫ما‪.‬‬
‫ما عظي ً‬
‫يأتي ربه يوم القيامة يحمل إث ً‬

‫مل ً )‪(101‬‬
‫ح ْ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫مة ِ ِ‬ ‫ساَء ل َهُ ْ‬
‫م ي َوْ َ‬ ‫ن ِفيهِ وَ َ‬
‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫َ‬
‫خالدين في العذاب‪ ,‬وساءهم ذلك الحمل الثقيل من الثام حيث‬
‫أوردهم النار‪.‬‬

‫مئ ِذٍ ُزْرقا ً )‪(102‬‬


‫ن ي َوْ َ‬
‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫شُر ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ُ‬
‫صورِ وَن َ ْ‬ ‫م ي ُن َْف ُ‬
‫خ ِفي ال ّ‬ ‫ي َوْ َ‬

‫‪618‬‬
‫ك في "القرن" لصيحة البعث‪ ,‬ونسوق الكافرين ذلكم‬‫يوم َينُفخ المل َ ُ‬
‫اليوم وهم زرق‪ ,‬تغّيرت ألوانهم وعيونهم; من شدة الحداث‬
‫والهوال‪.‬‬

‫شرا ً )‪(103‬‬ ‫ن ل َب ِث ْت ُ ْ‬
‫م إ ِل ّ عَ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خافَُتو َ‬
‫ن ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫يتهامسون بينهم‪ ,‬يقول بعضهم لبعض‪ :‬ما لبثتم في الحياة الدنيا إل‬
‫عشرة أيام‪.‬‬

‫وم ها ً )‬ ‫نحن أ َعْل َم بما يُقوُلون إذ ْ يُقو ُ َ‬


‫ن ل َب ِث ْت ُه ْ‬
‫م إ ِل ّ ي َ ْ‬ ‫ة إِ ْ‬ ‫م طَ ِ‬
‫ريَق ه ً‬ ‫مث َل ُهُ ه ْ‬
‫لأ ْ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫ُ ِ َ َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫‪(104‬‬
‫سّرون حين يقول أعلمهم وأوفاهم عقل ما‬ ‫نحن أعلم بما يقولون وي ُ ِ‬
‫صر مدة الدنيا في أنفسهم يوم القيامة‪.‬‬‫دا; لِق َ‬
‫ما واح ً‬
‫لبثتم إل يو ً‬

‫سفا ً )‪(105‬‬
‫سُفَها َرّبي ن َ ْ‬ ‫ل فَُق ْ‬
‫ل َين ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫جَبا ِ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬
‫ك عَ ْ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ويسألك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬قومك عن مصير الجبال يوم القيامة‪ ،‬فقل‬
‫لهم‪ :‬يزيلها رّبي عن أماكنها فيجعلها هباء منبًثا‪.‬‬

‫متا ً )‪(107‬‬ ‫َ‬


‫وجا ً َول أ ْ‬ ‫صفا ً )‪ (106‬ل ت ََرى ِفيَها ِ‬
‫ع َ‬ ‫ها َقاعا ً َ‬
‫صْف َ‬ ‫فَي َذ َُر َ‬
‫فيترك الرض حينئذ منبسطة مستوية ملساء ل نبات فيها‪ ,‬ل يرى‬
‫ضا‪.‬‬
‫عا ول انخفا ً‬
‫مْيل ول ارتفا ً‬
‫من استوائها َ‬
‫الناظر إليها ِ‬

‫َ‬
‫ن َفل‬
‫مه ِ‬
‫ح َ‬
‫ت ِللّر ْ‬
‫وا ُ‬
‫صه َ‬
‫ت ال ْ‬ ‫خ َ‬
‫ش هع َ ْ‬ ‫ج ل َه ُ‬
‫ه وَ َ‬ ‫ع هو َ َ‬
‫عي ل ِ‬‫دا ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫مئ ِذٍ ي َت ّب ُِعو َ‬‫ي َوْ َ‬
‫مسا ً )‪(108‬‬ ‫معُ إ ِل ّ هَ ْ‬ ‫س َ‬ ‫تَ ْ‬
‫في ذلك اليوم يتبع الناس صوت الداعي إلى موقف القيامة‪ ,‬ل‬
‫محيد عن دعوة الداعي; لنها حق وصدق لجميع الخلق‪ ,‬وسكنت‬
‫عا للرحمن‪ ,‬فل تسمع منها إل صوًتا خفًيا‪.‬‬
‫الصوات خضو ً‬

‫‪619‬‬
‫ة إل ّ م ه َ‬
‫ي ل َه ُ‬
‫ه قَهوْل ً )‬ ‫ضه َ‬
‫ن وََر ِ‬
‫مه ُ‬
‫ح َ‬ ‫ن ل َه ُ‬
‫ه الّر ْ‬ ‫ن أذِ َ‬ ‫مئ ِذٍ ل َتنَفعُ ال ّ‬
‫شَفاعَ ُ ِ َ ْ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫‪(109‬‬
‫دا من الخلق‪ ,‬إل إذا أذن الرحمن‬
‫في ذلك اليوم ل تنفع الشفاعة أح ً‬
‫للشافع‪ ,‬ورضي عن المشفوع له‪ ,‬ول يكون ذلك إل للمؤمن‬
‫المخلص‪.‬‬

‫عْلما ً )‪(110‬‬ ‫حي ُ‬ ‫يعل َم ما بي َ‬


‫ن ب ِهِ ِ‬
‫طو َ‬ ‫خل َْفهُ ْ‬
‫م َول ي ُ ِ‬ ‫ما َ‬
‫م وَ َ‬
‫ديهِ ْ‬
‫ن أي ْ ِ‬
‫َْ ُ َ َْ َ‬
‫من أمر القيامة وما خلفهم من أمر‬
‫يعلم الله ما بين أيدي الناس ِ‬
‫ما سبحانه وتعالى‪.‬‬‫الدنيا‪ ,‬ول يحيط خلقه به عل ً‬

‫ل ظ ُْلما ً )‪(111‬‬
‫م َ‬
‫ح َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ب َ‬ ‫ي ال َْقّيوم ِ وَقَد ْ َ‬
‫خا َ‬ ‫جوهُ ل ِل ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ت ال ْوُ ُ‬
‫وَعَن َ ْ‬
‫وخضعت وجوه الخلئق‪ ,‬وذّلت لخالقها‪ ,‬الذي له جميع معاني الحياة‬
‫ل شيء‪،‬‬ ‫الكاملة كما يليق بجلله الذي ل يموت‪ ,‬القائم على تدبير ك ّ‬
‫من أشرك مع الله‬ ‫من سواه‪ .‬وقد خسر يوم القيامة َ‬‫المستغني ع ّ‬
‫دا من خلقه‪.‬‬‫أح ً‬

‫ضهما ً )‬
‫ف ظ ُْلمها ً َول هَ ْ‬ ‫ن َفل ي َ َ‬
‫خها ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٌ‬ ‫ت وَهُوَ ُ‬
‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ن ي َعْ َ‬
‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫‪(112‬‬
‫ما‬
‫ومن يعمل صالحات العمال وهو مؤمن بربه‪ ,‬فل يخاف ظل ً‬
‫ما بنقص حسناته‪.‬‬
‫بزيادة سيئاته‪ ,‬ول هض ً‬

‫ن أ َْو‬ ‫عيدِ ل َعَل ّهُ ه ْ‬


‫م ي َت ُّقههو َ‬ ‫ن ال ْوَ ِ‬
‫م ْ‬
‫وك َذ َل ِ َ َ‬
‫ك أنَزل َْناهُ قُْرآنا ً عََرب ِي ّا ً وَ َ‬
‫صّرفَْنا ِفيهِ ِ‬ ‫َ‬
‫م ذِكرا )‪(113‬‬‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ث له ُ ْ‬
‫حدِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫غبنا أهل اليمان في صالحات العمال‪ ,‬وح ّ‬
‫ذرنا أهل الكفر‬ ‫وكما ر ّ‬
‫من المقام على معاصيهم وكفرهم بآياتنا‪ ,‬أنزلنا هذا القرآن‬
‫عا من الوعيد; رجاء أن‬‫صلنا فيه أنوا ً‬
‫باللسان العربي; ليفهموه‪ ,‬وف ّ‬
‫دث لهم هذا القرآن تذكرة‪ ,‬فيتعظوا‪ ,‬ويعتبروا‪.‬‬ ‫يتقوا ربهم‪ ,‬أو ُيح ِ‬

‫‪620‬‬
‫ضى إ ِل َي ْ َ‬ ‫ل بال ُْقرآن من قَب َ‬
‫ك‬ ‫ن ي ُْق َ‬
‫لأ ْ‬‫ج ْ ِ ْ ِ ِ ْ ْ ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫حقّ َول ت َعْ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫فَت ََعاَلى الل ّ ُ‬
‫عْلما ً )‪(114‬‬ ‫ب زِد ِْني ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ه وَقُ ْ‬
‫حي ُ ُ‬
‫وَ ْ‬
‫دس عن كل نقص‪ ,‬الملك الذي‬ ‫فتنّزه الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وارتفع‪ ,‬وتق ّ‬
‫قهر سلطانه كل ملك وجبار‪ ,‬المتصرف بكل شيء‪ ,‬الذي هو حق‪,‬‬
‫ووعده حق‪ ,‬ووعيده حق‪ ,‬وكل شيء منه حق‪ .‬ول تعجل ‪ -‬أيها‬
‫الرسول ‪ -‬بمسابقة جبريل في ت َل َّقي القرآن قبل أن ي َْفَرغ منه‪,‬‬
‫ما إلى ما علمتني‪.‬‬ ‫ب زدني عل ً‬
‫وقل‪ :‬ر ّ‬

‫ه عَْزما ً )‪(115‬‬
‫جد ْ ل َ ُ‬ ‫ي وَل َ ْ‬
‫م نَ ِ‬ ‫ل فَن َ ِ‬
‫س َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫وَل ََقد ْ عَهِد َْنا إ َِلى آد َ َ‬
‫م ِ‬
‫ل أن يأكل من الشجرة‪ ,‬أل يأكل منها‪ ,‬وقلنا‬ ‫من َقب ِ‬
‫ولقد وصينا آدم ِ‬
‫له‪ :‬إن إبليس عدو لك ولزوجك‪ ,‬فل يخرجنكما من الجنة‪ ,‬فتشقى‬
‫أنت وزوجك في الدنيا‪ ,‬فوسوس إليه الشيطان فأطاعه‪ ,‬ونسي آدم‬
‫الوصية‪ ,‬ولم نجد له قوة في العزم يحفظ بها ما ُأمر به‪.‬‬

‫س أ ََبى )‪(116‬‬
‫دوا إ ِل ّ إ ِب ِْلي َ‬
‫ج ُ‬ ‫م فَ َ‬
‫س َ‬ ‫دوا لد َ َ‬
‫ج ُ‬
‫س ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ قُل َْنا ل ِل ْ َ‬
‫ملئ ِك َةِ ا ْ‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إذ قلنا للملئكة‪ :‬اسجدوا لدم سجود تحية‬
‫وإكرام‪ ,‬فأطاعوا‪ ,‬وسجدوا‪ ,‬لكن إبليس امتنع من السجود‪.‬‬

‫ة‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫جن ّه ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫جن ّك ُ َ‬
‫مهها ِ‬ ‫خرِ َ‬ ‫جه َ‬
‫ك َفل ي ُ ْ‬ ‫ذا عَهد ُوّ ل َه َ‬
‫ك وَل َِزوْ ِ‬ ‫ن هَ ه َ‬ ‫فَُقل َْنا ي َهها آد َ ُ‬
‫م إِ ّ‬
‫شَقى )‪(117‬‬ ‫فَت َ ْ‬
‫فقلنا‪ :‬يا آدم إن إبليس هذا عدو لك ولزوجتك‪ ,‬فاحذرا منه‪ ,‬ول‬
‫تطيعاه بمعصيتي‪ ,‬فيخرجكما من الجنة‪ ,‬فتشقى إذا ُأخرجت منها‪.‬‬

‫إن ل َ َ َ‬
‫ك أل ّ ت َ ُ‬
‫جوعَ ِفيَها َول ت َعَْرى )‪(118‬‬ ‫ِ ّ‬
‫إن لك ‪ -‬يا آدم ‪ -‬في هذه الجنة أن تأكل فل تجوع‪ ,‬وأن ت َل َْبس فل‬
‫ت َْعرى‪.‬‬

‫حى )‪(119‬‬ ‫ك ل تظ ْ ُ‬
‫وَأ َن ّ َ‬
‫ض َ‬
‫مأ ِفيَها َول ت َ ْ‬
‫َ َ‬
‫‪621‬‬
‫وأن لك أل تعطش في هذه الجنة ول يصيبك حر الشمس‪.‬‬

‫خل ْهدِ‬
‫جَرةِ ال ْ ُ‬
‫شه َ‬ ‫ل أ َد ُل ّه َ‬
‫ك عَل َههى َ‬ ‫م هَ ه ْ‬ ‫ن َقا َ‬
‫ل َيا آد َ ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫س إ ِل َي ْهِ ال ّ‬ ‫فَوَ ْ‬
‫سو َ َ‬
‫ك ل ي َب َْلى )‪(120‬‬ ‫مل ْ ٍ‬
‫وَ ُ‬
‫فوسوس الشيطان لدم وقال له‪ :‬هل أدلك على شجرة‪ ,‬إن أكلت‬
‫مل ْ ً‬
‫كا ل ينقضي ول ينقطع؟‬ ‫خّلد َ‬
‫ت فلم تمت‪ ,‬وملكت ُ‬ ‫منها ُ‬

‫ق‬
‫ن وََر ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ن عَل َي ْهِ َ‬
‫مهها ِ‬ ‫ص هَفا ِ‬
‫خ ِ‬ ‫ما وَط َ ِ‬
‫فَقهها ي َ ْ‬ ‫وآت ُهُ َ‬
‫س ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ت ل َهُ َ‬ ‫من َْها فَب َد َ ْ‬ ‫فَأ َ َ‬
‫كل ِ‬
‫وى )‪(121‬‬ ‫ه فَغَ َ‬
‫م َرب ّ ُ‬‫صى آد َ ُ‬ ‫جن ّةِ وَعَ َ‬‫ال ْ َ‬
‫فأكل آدم وحواء من الشجرة التي نهاهما الله عنها‪ ,‬فانكشفت لهما‬
‫عوراتهما‪ ,‬وكانت مستورةً عن أعينهما‪ ,‬فأخذا ينزعان من ورق‬
‫أشجار الجنة ويلصقانه عليهما; ليسترا ما انكشف من عوراتهما‪,‬‬
‫وخالف آدم أمر ربه‪ ,‬فغوى بالكل من الشجرة التي نهاه الله عن‬
‫القتراب منها‪.‬‬

‫ب عَل َي ْهِ وَهَ َ‬


‫دى )‪(122‬‬ ‫ه فََتا َ‬
‫جت ََباهُ َرب ّ ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ما ْ‬
‫ثم اصطفى الله آدم‪ ,‬وقّربه‪ ,‬وقَِبل توبته‪ ,‬وهداه رشده‪.‬‬

‫ْ‬
‫دى‬
‫من ّههي هُ ه ً‬ ‫ما ي َهأت ِي َن ّك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ض عَد ُوّ فَإ ِ ّ‬
‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ميعا ً ب َعْ ُ‬
‫ضك ُ ْ‬ ‫ج ِ‬
‫من َْها َ‬
‫طا ِ‬‫ل اهْب ِ َ‬ ‫َقا َ‬
‫شَقى )‪(123‬‬ ‫ل َول ي َ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫دايَ َفل ي َ ِ‬ ‫ن ات ّب َعَ هُ َ‬ ‫فَ َ‬
‫م ْ‬
‫قال الله تعالى لدم وحواء‪ :‬اهبطا من الجنة إلى الرض جميًعا مع‬
‫إبليس‪ ,‬فأنتما وهو أعداء‪ ,‬فإن يأتكم مني هدى وبيان فمن اتبع‬
‫هداي وبياني وعمل بهما فإنه يرشد في الدنيا‪ ,‬ويهتدي‪ ,‬ول يشقى‬
‫في الخرة بعقاب الله‪.‬‬

‫وم َ‬
‫ة‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫مهه ِ‬ ‫شُرهُ ي َوْ َ‬ ‫ضنكا ً وَن َ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مِعي َ‬
‫ش ً‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن ذِك ْ ِ‬
‫ري فَإ ِ ّ‬ ‫ض عَ ْ‬
‫ن أعَْر َ‬
‫َ َ ْ‬
‫مى )‪(124‬‬ ‫َ‬
‫أعْ َ‬

‫‪622‬‬
‫ومن توّلى عن ذكري الذي أذ ّ‬
‫كره به فإن له في الحياة الولى‬
‫معيشة ضّيقة شاقة ‪-‬وإن ظهر أنه من أهل الفضل واليسار‪،-‬‬
‫ذب فيه‪ ،‬ونحشره يوم القيامة أعمى عن‬ ‫وُيضّيق قبره عليه ويع ّ‬
‫الرؤية وعن الحجة‪.‬‬

‫صيرا ً )‪(125‬‬ ‫مى وَقَد ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ح َ‬ ‫َقا َ‬


‫ت بَ ِ‬
‫كن ُ‬ ‫شْرت َِني أعْ َ‬ ‫م َ‬
‫ب لِ َ‬
‫ل َر ّ‬
‫ح َ‬
‫شْرتني أعمى‪ ,‬وقد كنت‬ ‫م َ‬
‫ب لِ َ‬
‫رض عن ذكر الله‪ :‬ر ّ‬ ‫قال المع ِ‬
‫بصيًرا في الدنيا؟‬

‫سى )‪(126‬‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬


‫م ُتن َ‬ ‫سيت ََها وَك َذ َل ِ َ‬ ‫ك أ َت َت ْ َ‬
‫ك آَيات َُنا فَن َ ِ‬ ‫ل ك َذ َل ِ َ‬
‫َقا َ‬
‫قال الله تعالى له‪ :‬حشرتك أعمى; لنك أتتك آياتي البينات‪,‬‬
‫فأعرضت عنها‪ ,‬ولم تؤمن بها‪ ,‬وكما تركَتها في الدنيا فكذلك اليوم‬
‫ُتترك في النار‪.‬‬

‫خَرةِ أ َ َ‬
‫شد ّ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫ت َرب ّهِ وَل َعَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫ن ِبآَيا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ف وَل َ ْ‬
‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫سَر َ‬ ‫ك نجزي م َ‬
‫نأ ْ‬‫َ ْ‬ ‫وَ َك َذ َل ِ َ َ ْ ِ‬
‫وَأب َْقى )‪(127‬‬
‫من أسرف على نفسه فعصى ربه‪ ,‬ولم يؤمن بآياته‬ ‫وهكذا نعاقب َ‬
‫بعقوبات في الدنيا‪ ,‬وَلعذاب الخرة المعد ّ لهم أشد أل ً‬
‫ما وأدوم‬
‫وأثبت; لنه ل ينقطع ول ينقضي‪.‬‬

‫أ َفَل َم يهد ل َهم ك َ َ‬


‫م‬
‫سههاك ِن ِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫ن فِههي َ‬ ‫م ُ‬
‫شههو َ‬ ‫ن ال ُْقُرو ِ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م أهْل َك َْنا قَب ْل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ْ َْ ِ ُ ْ ْ‬
‫ت لوِْلي الن َّهى )‪(128‬‬ ‫ُ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫إِ ّ‬
‫من‬
‫أفلم يدل قومك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬على طريق الرشاد كثرة َ‬
‫أهلكنا من المم المكذبة قبلهم وهم يمشون في ديارهم‪ ,‬ويرون‬
‫ت‬‫آثار هلكهم؟ إن في كثرة تلك المم وآثار عذابهم َلعبًرا وعظا ٍ‬
‫لهل العقول الواعية‪.‬‬

‫َ‬
‫مى )‪(129‬‬
‫س ّ‬
‫م َ‬
‫ل ُ‬ ‫ن ل َِزاما ً وَأ َ‬
‫ج ٌ‬ ‫ك لَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬
‫سب ََق ْ‬
‫ة َ‬
‫م ٌ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫ول ك َل ِ َ‬

‫‪623‬‬
‫ولول كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى عنده للزمهم الهلك‬
‫عاجل‪ ،‬لنهم يستحقونه؛ بسبب كفرهم‪.‬‬

‫س وَقَب ْه َ‬
‫ل‬ ‫م ِ‬ ‫ل ط ُُلوِع ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫ك قَب ْ َ‬‫مدِ َرب ّ َ‬
‫ح ْ‬
‫ح بِ َ‬
‫سب ّ ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫ما ي َُقوُلو َ‬ ‫صب ِْر عََلى َ‬ ‫َفا ْ‬
‫ف الن َّهارِ ل َعَل ّ َ‬ ‫َ‬
‫ح وَأط َْرا َ‬
‫ضى )‪(130‬‬ ‫ك ت َْر َ‬ ‫ل فَ َ‬
‫سب ّ ْ‬ ‫ن آَناِء الل ّي ْ ِ‬ ‫غُُروب َِها وَ ِ‬
‫م ْ‬
‫فاصبر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬على ما يقوله المكذبون بك من أوصاف‬
‫وأباطيل‪ ,‬وسّبح بحمد ربك في صلة الفجر قبل طلوع الشمس‪,‬‬
‫وصلة العصر قبل غروبها‪ ,‬وصلة العشاء في ساعات الليل‪ ,‬وصلة‬
‫الظهر والمغرب أطراف النهار; كي تثاب على هذه العمال بما‬
‫ت َْرضى به‪.‬‬

‫َ‬
‫دنَيا‬ ‫م َزهْهَرةَ ال ْ َ‬
‫حي َههاةِ اله ّ‬ ‫مت ّعَْنا ب ِهِ أْزَواجها ً ِ‬
‫من ْهُه ْ‬ ‫ك إ َِلى َ‬
‫ما َ‬ ‫ن عَي ْن َي ْ َ‬
‫مد ّ ّ‬‫َول ت َ ُ‬
‫َ‬
‫خي ٌْر وَأب َْقى )‪(131‬‬ ‫ك َ‬‫م ِفيهِ وَرِْزقُ َرب ّ َ‬ ‫ل ِن َْفت ِن َهُ ْ‬
‫مت ّْعنا به هؤلء المشركين وأمثالهم من أنواع المتع‪,‬‬ ‫ول تنظر إلى ما َ‬
‫فإنها زينة زائلة في هذه الحياة الدنيا‪ ,‬متعناهم بها; لنبتليهم بها‪,‬‬
‫ورزق ربك وثوابه خير لك مما متعناهم به وأدوم; حيث ل انقطاع له‬
‫ول نفاد‪.‬‬

‫ن ن َْرُزقُ ه َ‬
‫ك‬ ‫حه ُ‬ ‫س هأ َل ُ َ‬
‫ك رِْزق ها ً ن َ ْ‬ ‫ص هط َب ِْر عَل َي ْهَهها ل ن َ ْ‬
‫صههلةِ َوا ْ‬
‫ك ِبال ّ‬ ‫مْر أ َهْل َ َ‬ ‫ْ‬
‫وَأ ُ‬
‫وى )‪(132‬‬ ‫ة ِللت ّْق َ‬‫َوال َْعاقِب َ ُ‬
‫مْر ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬أهلك بالصلة‪ ,‬واصطبر على أدائها‪ ,‬ل نسألك‬ ‫ْ‬
‫وَأ ُ‬
‫مال ‪ ،‬نحن نرزقك ونعطيك‪ .‬والعاقبة الصالحة في الدنيا والخرة‬
‫لهل التقوى‪.‬‬

‫فا ُ‬
‫لوَلى‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ح ِ‬
‫ص ُ‬
‫ما ِفي ال ّ‬
‫ة َ‬
‫م ب َي ّن َ ُ‬ ‫ن َرب ّهِ أوَل َ ْ‬
‫م ت َأت ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وََقاُلوا ل َ ْ‬
‫ول ي َأِتيَنا ِبآي َةٍ ِ‬
‫)‪(133‬‬
‫وقال مكذبوك ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬هل تأتينا بعلمة من ربك تد ّ‬
‫ل على‬
‫صدقك‪ ,‬أولم يأتهم هذا القرآن المصدق لما في الكتب السابقة من‬
‫الحق؟‬

‫‪624‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ت إ ِل َي َْنا َر ُ‬
‫سول ً‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ل ََقاُلوا َرب َّنا ل َ ْ‬
‫ول أْر َ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫وَل َوْ أّنا أهْل َك َْناهُ ْ‬
‫م ب ِعَ َ‬
‫ك من قَب َ‬
‫خَزى )‪(134‬‬ ‫ل وَن َ ْ‬‫ن ن َذِ ّ‬
‫لأ ْ‬ ‫فَن َت ّب ِعَ آَيات ِ َ ِ ْ ْ ِ‬
‫ولو أّنا أهلكنا هؤلء المكذبين بعذاب من قبل أن نرسل إليهم‬
‫رسول وننزل عليهم كتاًبا لقالوا‪ :‬ربنا هل أرسلت إلينا رسول من‬
‫من قبل أن َنذ ّ‬
‫ل وَنخزى‬ ‫عندك‪ ,‬فنصدقه‪ ,‬ونتبع آياتك وشرعك‪ِ ,‬‬
‫بعذابك‪.‬‬

‫ل متربص فَتربصوا فَستعل َمون م َ‬


‫ي‬
‫س هو ِ ّ‬
‫ط ال ّ‬
‫ص هَرا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫نأ ْ‬‫َ َْ ُ َ َ ْ‬ ‫ل كُ ّ ُ َ َ ّ ٌ َ َ ّ ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫دى )‪(135‬‬ ‫ن اهْت َ َ‬
‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لهؤلء المشركين بالله‪ :‬كل منا ومنكم منتظر‬
‫دوائر الزمان‪ ,‬ولمن يكون النصر والفلح‪ ,‬فانتظروا‪ ,‬فستعلمون‪:‬‬
‫من المهتدي للحق منا ومنكم؟‬‫من أهل الطريق المستقيم‪ ,‬و َ‬ ‫َ‬

‫‪625‬‬
‫الجزء السابع عشر ‪:‬‬

‫‪ -21‬سورة النبياء‬

‫ن )‪(1‬‬
‫ضو َ‬ ‫م ِفي غَْفل َةٍ ُ‬
‫معْرِ ُ‬ ‫م وَهُ ْ‬
‫ساب ُهُ ْ‬
‫ح َ‬
‫س ِ‬ ‫اقْت ََر َ‬
‫ب ِللّنا ِ‬
‫دموا من عمل‪ ,‬ومع ذلك فالكفار‬
‫دنا وقت حساب الناس على ما ق ّ‬
‫يعيشون لهين عن هذه الحقيقة‪ ,‬معرضين عن هذا النذار‪.‬‬

‫ْ‬
‫م ي َل ْعَُبو َ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫مُعوهُ وَهُ ْ‬ ‫ث إ ِل ّ ا ْ‬
‫ست َ َ‬ ‫حد َ ٍ‬
‫م ْ‬
‫م ُ‬
‫ن َرب ّهِ ْ‬ ‫ن ذِك ْرٍ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ما ي َأِتيهِ ْ‬
‫َ‬
‫دا لهم التذكير‪ ,‬إل‬
‫ما من شيء ينزل من القرآن يتلى عليهم مجد ّ ً‬
‫كان سماعهم له سماع لعب واستهزاء‪.‬‬

‫َ‬
‫مث ْل ُك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ذا إ ِل ّ ب َ َ‬
‫ش هٌر ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫موا هَ ْ‬
‫ل هَ َ‬ ‫وى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ج َ‬
‫سّروا الن ّ ْ‬ ‫م وَأ َ‬ ‫ة قُُلوب ُهُ ْ‬
‫لهِي َ ً‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫صُرو َ‬‫م ت ُب ْ ِ‬
‫حَر وَأن ْت ُ ْ‬
‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫أفَت َأُتو َ‬
‫قلوبهم غافلة عن القرآن الكريم‪ ,‬مشغولة بأباطيل الدنيا وشهواتها‪,‬‬
‫ل يعقلون ما فيه‪ .‬بل إن الظالمين من قريش اجتمعوا على أمر‬
‫دون به الناس عن اليمان بمحمد صلى‬ ‫ي‪ :‬وهو إشاعة ما يص ّ‬
‫خِف ّ‬
‫َ‬
‫الله عليه وسلم من أنه بشر مثلهم‪ ,‬ل يختلف عنهم في شيء‪ ,‬وأن‬
‫ما جاء به من القرآن سحر‪ ,‬فكيف تجيئون إليه وتتبعونه‪ ,‬وأنتم‬
‫تبصرون أنه بشر مثلكم؟‬

‫ل ِفي السماءِ وال َ‬


‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫م )‪(4‬‬ ‫س ِ‬
‫ض وَهُوَ ال ّ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫م ال َْقوْ َ‬
‫ل َرّبي ي َعْل َ ُ‬
‫َقا َ‬
‫رد النبي صلى الله عليه وسلم المَر إلى ربه سبحانه وتعالى فقال‪:‬‬
‫ربي يعلم القول في السماء والرض‪ ,‬ويعلم ما أسررتموه من‬
‫حديثكم‪ ,‬وهو السميع لقوالكم‪ ,‬العليم بأحوالكم‪ .‬وفي هذا تهديد‬
‫لهم ووعيد‪.‬‬
‫‪626‬‬
‫ْ‬ ‫ل َقاُلوا أ َضَغا ُ َ‬
‫عٌر فَل ْي َأت ِن َهها ِبآي َهةٍ ك َ َ‬
‫مهها‬ ‫ل افْت َهَراهُ ب َه ْ‬
‫ل ه ُ هو َ َ‬
‫شهها ِ‬ ‫حلم ٍ ب َ ْ‬
‫ثأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫بَ ْ‬
‫ُ‬
‫ل ال َوُّلو َ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫س َ‬‫أْر ِ‬
‫من قائل‪ :‬إنه أخلط أحلم ل حقيقة لها‪,‬‬ ‫بل جحد الكفار القرآن ف ِ‬
‫دا‬
‫ومن قائل‪ :‬إنه اختلق وكذب وليس وحًيا‪ ,‬ومن قائل‪ :‬إن محم ً‬
‫دقه فليجئنا‬
‫شاعر‪ ,‬وهذا الذي جاء به شعر‪ ,‬وإن أراد منا أن نص ّ‬
‫بمعجزة محسوسة كناقة صالح‪ ,‬وآيات موسى وعيسى‪ ,‬وما جاء به‬
‫الرسل من قبله‪.‬‬

‫ما آمنت قَبل َهم من قَرية أ َهْل َك ْنا َ َ‬


‫ن )‪(6‬‬
‫مُنو َ‬ ‫ها أفَهُ ْ‬
‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ ْ ُ ْ ِ ْ ْ َ ٍ‬
‫من‬‫ما آمنت قبل كفار "مكة" من قرية طلب أهلها المعجزات ِ‬
‫رسولهم وتحققت‪ ,‬بل ك ّ‬
‫ذبوا‪ ,‬فأهلكناهم‪ ,‬أفيؤمن كفار"مكة" إذا‬
‫تحققت المعجزات التي طلبوها؟ كل إنهم ل يؤمنون‪.‬‬

‫م‬ ‫ن ُ‬
‫كنُتهه ْ‬ ‫سأ َُلوا أ َهْ َ‬
‫ل الذ ّك ْرِ إ ِ ْ‬ ‫حي إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م َفا ْ‬ ‫جال ً ُنو ِ‬ ‫سل َْنا قَب ْل َ َ‬
‫ك إ ِل ّ رِ َ‬
‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫مو َ‬‫ل ت َعْل َ ُ‬
‫وما أرسلنا قبلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إل رجال من البشر نوحي إليهم‪,‬‬
‫ولم نرسل ملئكة‪ ,‬فاسألوا ‪ -‬يا كفار "مكة" ‪ -‬أهل العلم بالكتب‬
‫المنزلة السابقة‪ ,‬إن كنتم تجهلون ذلك‪.‬‬

‫ْ‬
‫ن )‪(8‬‬
‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا َ‬ ‫ن الط َّعا َ‬
‫م وَ َ‬ ‫سدا ً ل ي َأك ُُلو َ‬
‫ج َ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ما َ‬
‫وَ َ‬
‫وما جعلنا أولئك المرسلين قبلك خارجين عن طباع البشر ل‬
‫يحتاجون إلى طعام وشراب‪ ,‬وما كانوا خالدين ل يموتون‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫شاُء وَأهْل َك َْنا ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن نَ َ‬
‫م ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫م ال ْوَعْد َ فَأن َ‬
‫جي َْناهُ ْ‬ ‫صد َقَْناهُ ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م َ‬
‫ثم أنجزنا للنبياء وأتباعم ما وعدناهم به من النصر والنجاة‪ ,‬وأهل َ ْ‬
‫كنا‬
‫المسرفين على أنفسهم بكفرهم بربهم‪.‬‬

‫‪627‬‬
‫ل ََقد َأنزل ْنا إل َيك ُم كتابا ً فيه ذك ْرك ُ َ‬
‫م أَفل ت َعِْقُلو َ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫ِ ِ ِ ُ ْ‬ ‫ْ َ َ ِ ْ ْ َِ‬
‫لقد أنزلنا إليكم هذا القرآن‪ ,‬فيه عّزكم وشرفكم في الدنيا والخرة‬
‫ضْلتكم به على غيركم؟‬
‫إن تذكرتم به‪ ,‬أفل تعقلون ما فَ ّ‬

‫ظالمة وَأن َ ْ‬
‫ن )‪(11‬‬
‫ري َ‬ ‫وما ً آ َ‬
‫خ ِ‬ ‫ها قَ ْ‬
‫شأَنا ب َعْد َ َ‬ ‫ت َ ِ َ ً َ‬ ‫ن قَْري َةٍ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫م ْ‬
‫مَنا ِ‬
‫ص ْ‬ ‫وَك َ ْ‬
‫م قَ َ‬
‫وكثير من القرى كان أهلها ظالمين بكفرهم بما جاءتهم به رسلهم‪,‬‬
‫ما آخرين‬‫فأهلكناهم بعذاب أبادهم جميًعا‪ ,‬وأوجدنا بعدهم قو ً‬
‫سواهم‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫من َْها ي َْرك ُ ُ‬
‫ضو َ‬ ‫م ِ‬ ‫سَنا إ ِ َ‬
‫ذا هُ ْ‬ ‫سوا ب َأ َ‬
‫ح ّ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما أ َ‬
‫فلما رأى هؤلء الظالمون عذابنا الشديد نازل بهم‪ ,‬وشاهدوا بوادره‪,‬‬
‫إذا هم من قريتهم يسرعون هاربين‪.‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫سههأُلو َ‬
‫ن)‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫ساك ِن ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫جُعوا إ َِلى َ‬
‫ما أت ْرِفْت ُ ْ‬
‫م ِفيهِ وَ َ‬ ‫ل ت َْرك ُ ُ‬
‫ضوا َواْر ِ‬
‫‪(13‬‬
‫فنودوا في هذه الحال‪ :‬ل تهربوا وارجعوا إلى لذاتكم وتنّعمكم في‬
‫دنياكم الملهية ومساكنكم المشّيدة‪ ,‬لعلكم ُتسألون من دنياكم‬
‫شيًئا‪ ,‬وذلك على وجه السخرية والستهزاء بهم‪.‬‬

‫ن )‪(14‬‬
‫مي َ‬ ‫َقاُلوا َيا وَي ْل ََنا إ ِّنا ك ُّنا َ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫فلم يكن لهم من جواب إل اعترافهم بجرمهم وقولهم‪ :‬يا هلكنا‪,‬‬
‫فقد ظلمنا أنفسنا بكفرنا‪.‬‬

‫ن )‪(15‬‬
‫دي َ‬
‫م ِ‬ ‫صيدا ً َ‬
‫خا ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫حّتى َ‬
‫م َ‬
‫واهُ ْ‬ ‫ت ت ِل ْ َ‬
‫ك د َعْ َ‬ ‫ما َزال َ ْ‬
‫فَ َ‬
‫فما زالت تلك المقالة ‪ -‬وهي الدعاء على أنفسهم بالهلك‪,‬‬
‫والعتراف بالظلم ‪ -‬د َعْوََتهم يرددونها حتى جعلناهم كالزرع‬
‫المحصود‪ ,‬خامدين ل حياة فيهم‪ .‬فاحذروا ‪ -‬أيها المخاطبون ‪ -‬أن‬

‫‪628‬‬
‫تستمروا على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم‪ ,‬فيح ّ‬
‫ل بكم ما‬
‫ح ّ‬
‫ل بالمم قبلكم‪.‬‬ ‫َ‬

‫َ‬
‫ن )‪(16‬‬
‫عِبي َ‬
‫ما ل ِ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬
‫ماءَ َوالْر َ‬ ‫خل َْقَنا ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ما َ‬
‫وَ َ‬
‫وما خلقنا السماء والرض وما بينهما عبًثا وباطل بل لقامة الحجة‬
‫عليكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬ولتعتبروا بذلك كله‪ ,‬فتعلموا أن الذي خلق‬
‫ذلك ل يشبهه شيء‪ ,‬ول تصلح العبادة إل له‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(17‬‬
‫عِلي َ‬ ‫ن ل َد ُّنا إ ِ ْ‬
‫ن ك ُّنا َفا ِ‬ ‫خذ َ ل َْهوا ً لت ّ َ‬
‫خذ َْناهُ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل َوْ أَرد َْنا أ ْ‬
‫ن ن َت ّ ِ‬
‫وا من الولد أو الصاحبة لتخذناه من عندنا ل من‬
‫لو أردنا أن نتخذ له ً‬
‫عندكم‪ ,‬ما كنا فاعلين ذلك; لستحالة أن يكون لنا ولد أو صاحبة‪.‬‬

‫م ال ْوَي ْه ُ‬
‫ل‬ ‫ذا هُ هوَ َزاهِهقٌ وَل َك ُه ْ‬
‫ه فَإ ِ َ‬ ‫حقّ عََلى ال َْباط ِ ِ‬
‫ل فَي َد ْ َ‬
‫مغ ُ ُ‬ ‫ف ِبال ْ َ‬ ‫بَ ْ‬
‫ل ن َْقذِ ُ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫صُفو َ‬
‫ما ت َ ِ‬‫م ّ‬
‫ِ‬
‫بل نقذف بالحق ونبّينه‪ ,‬فيدحض الباطل‪ ,‬فإذا هو ذاهب مضمحل‪.‬‬
‫صفكم ربكم بغير‬
‫من وَ ْ‬
‫ولكم العذاب في الخرة ‪ -‬أيها المشركون ‪ِ -‬‬
‫صفته اللئقة به‪.‬‬

‫َ‬
‫ه‬
‫عب َههاد َت ِ ِ‬
‫ن ِ‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫ن عَ ْ‬ ‫عن ْد َهُ ل ي َ ْ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫وَل َ ُ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫سُرو َ‬
‫ح ِ‬
‫ست َ ْ‬‫َول ي َ ْ‬
‫من في السموات والرض‪ ,‬والذين عنده من‬ ‫ولله سبحانه كل َ‬
‫الملئكة ل يأن َُفون عن عبادته ول يمّلونها‪ .‬فكيف يجوز أن يشرك به‬
‫ما هو عبده وخلقه؟‬

‫ن )‪(20‬‬ ‫ن الل ّي ْ َ‬
‫ل َوالن َّهاَر ل ي َْفت ُُرو َ‬ ‫حو َ‬
‫سب ّ ُ‬
‫يُ َ‬
‫ضُعفون ول يسأمون‪.‬‬
‫ما‪ ,‬ل ي ْ‬
‫يذكرون الله وينّزهونه دائ ً‬

‫‪629‬‬
‫ن )‪(21‬‬ ‫َ‬ ‫خ ُ‬ ‫َ‬
‫شُرو َ‬
‫م ُين ِ‬
‫ض هُ ْ‬
‫ن الْر ِ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫ذوا آل ِهَ ً‬ ‫م ات ّ َ‬
‫أ ْ‬
‫كيف يصح للمشركين أن يتخذوا آلهة عاجزة من الرض ل تقدر‬
‫على إحياء الموتى؟‬

‫مهها‬
‫ش عَ ّ‬ ‫ن الل ّههِ َر ّ ْ‬ ‫ه ل ََف َ‬
‫سد ََتا فَ ُ‬ ‫ة إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫ل َوْ َ‬
‫ب العَهْر ِ‬ ‫حا َ‬
‫سهب ْ َ‬ ‫ما آل ِهَ ٌ‬
‫ن ِفيهِ َ‬
‫كا َ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫صُفو َ‬
‫يَ ِ‬
‫لو كان في السموات والرض آلهة غير الله سبحانه وتعالى تدبر‬
‫ما‬
‫دس عَ ّ‬ ‫شؤونهما‪ ,‬لخت ّ‬
‫ل نظامهما‪ ,‬فتنّزه الله رب العرش‪ ,‬وتق ّ‬
‫يصفه الجاحدون الكافرون‪ ,‬من الكذب والفتراء وكل نقص‪.‬‬

‫ل وه م ي َ‬ ‫سأ َ ُ‬
‫سأُلو َ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫ما ي َْفعَ ُ َ ُ ْ ُ ْ‬
‫ل عَ ّ‬ ‫ل يُ ْ‬
‫إن من دلئل تفّرده سبحانه بالخلق والعبادة أنه ل ُيسأل عن قضائه‬
‫في خلقه‪ ,‬وجميع خلقه ُيسألون عن أفعالهم‪.‬‬

‫مِعي وَذِ ْ‬ ‫َ‬


‫كههُر‬ ‫ن َ‬ ‫ذا ذِك ُْر َ‬
‫م ْ‬ ‫م هَ َ‬‫هان َك ُ ْ‬
‫هاُتوا ب ُْر َ‬ ‫ة قُ ْ‬
‫ل َ‬ ‫دون ِهِ آل ِهَ ً‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫خ ُ‬
‫ذوا ِ‬ ‫م ات ّ َ‬
‫أ ْ‬
‫من قَبِلي ب ْ َ‬
‫ن )‪(24‬‬‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬‫م ُ‬ ‫حقّ فَهُ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مو َ‬‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ل أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫من غير الله آلهة تنفع وتضر وتحيي‬ ‫هل اتخذ هؤلء المشركون ِ‬
‫وتميت؟ قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لهم‪ :‬هاتوا ما لديكم من البرهان على‬
‫ت به ول في الكتب‬ ‫ما اتخذتموه آلهة‪ ,‬فليس في القرآن الذي جئ ُ‬
‫دا‪ ,‬فهم‬
‫السابقة دليل على ما ذهبتم إليه‪ ,‬وما أشركوا إل جهل وتقلي ً‬
‫معرضون عن الحق منكرون له‪.‬‬

‫ه إ ِل ّ أ َن َهها‬
‫ه ل إ ِل َه َ‬
‫َ‬
‫حي إ ِل َي ْههِ أن ّه ُ‬
‫ل إ ِل ّ ن ُههو ِ‬
‫سههو ٍ‬
‫ن َر ُ‬
‫مه ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫ك ِ‬ ‫سل َْنا ِ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫دو ِ‬ ‫َفاعْب ُ ُ‬
‫وما أرسلنا من قبلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من رسول إل نوحي إليه أنه‬
‫خلصوا العبادة له وحده‪.‬‬
‫ل معبود بحق إل الله‪ ,‬فأ ْ‬

‫ن )‪ (26‬ل‬ ‫مك َْر ُ‬


‫مههو َ‬ ‫عَبههاد ٌ ُ‬ ‫ه َبهه ْ‬
‫ل ِ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫ن وََلههدا ً ُ‬
‫س هب ْ َ‬ ‫مهه ُ‬
‫ح َ‬ ‫وََقههاُلوا ات ّ َ‬
‫خ هذ َ الّر ْ‬
‫‪630‬‬
‫َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫مرِهِ ي َعْ َ‬
‫م ب ِأ ْ‬ ‫ه ِبال َْقوْ ِ‬
‫ل وَهُ ْ‬ ‫سب ُِقون َ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫دا بزعمهم أن الملئكة بنات‬‫وقال المشركون‪ :‬اتخذ الرحمن ول ً‬
‫الله‪ .‬تنّزه الله عن ذلك; فالملئكة عباد الله مقربون مخصصون‬
‫بالفضائل‪ ,‬وهم في حسن طاعتهم ل يتكلمون إل بما يأمرهم به‬
‫ربهم‪ ,‬ول يعملون عمل حتى يأذن لهم‪.‬‬

‫يعل َم ما بي َ‬
‫م‬
‫ضههى وَهُه ْ‬
‫ن اْرت َ َ‬ ‫ن إ ِل ّ ل ِ َ‬
‫مه ْ‬ ‫شهَفُعو َ‬ ‫خل َْفهُ ْ‬
‫م َول ي َ ْ‬ ‫ما َ‬
‫م وَ َ‬‫ديهِ ْ‬
‫ن أي ْ ِ‬
‫َْ ُ َ َْ َ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫فُقو َ‬‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خ ْ‬
‫شي َت ِهِ ُ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫وما من أعمال الملئكة عمل سابق أو لحق إل يعلمه الله سبحانه‬
‫وتعالى‪ ,‬ويحصيه عليهم‪ ,‬ول يتقدمون بالشفاعة إل لمن ارتضى الله‬
‫شفاعتهم له‪ ,‬وهم من خوف الله حذرون من مخالفة أمره ونهيه‪.‬‬

‫زي‬
‫جه ِ‬ ‫م ك َهذ َل ِ َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫جهَن ّه َ‬
‫زيههِ َ‬
‫ج ِ‬ ‫دون ِهِ فَذ َل ِ َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫م إ ِّني إ ِل َ ٌ‬
‫ه ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ي َُق ْ‬
‫ل ِ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫دع من الملئكة أنه إله مع الله ‪ -‬على سبيل الفرض ‪-‬‬
‫ومن ي ّ‬
‫فجزاؤه جهنم‪ ,‬مثل ذلك الجزاء نجزي كل ظالم مشرك‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫كان َت َهها َرْتقها ً فََفت َْقَناهُ َ‬
‫مهها‬ ‫ض َ‬
‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬
‫م َ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬ ‫ن ك ََفُروا أ ّ‬
‫ن‬ ‫م ي ََرى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫ي أَفل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ح ّ‬‫َ‬ ‫يءٍ‬‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ماِء ك ُ ّ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫أولم يعلم هؤلء الذين كفروا أن السموات والرض كانتا ملتصقتين‬
‫ل فاصل بينهما‪ ,‬فل مطر من السماء ول نبات من الرض‪,‬‬
‫ففصلناهما بقدرتنا‪ ,‬وأنزلنا المطر من السماء‪ ,‬وأخرجنا النبات من‬
‫الرض‪ ,‬وجعلنا من الماء كل شيء حي‪ ,‬أفل يؤمن هؤلء الجاحدون‬
‫صوا الله بالعبادة؟‬
‫فيصدقوا بما يشاهدونه‪ ,‬ويخ ّ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫جاجها ً ُ‬
‫سهب ُل ً‬ ‫جعَل ْن َهها ِفيهَهها فِ َ‬
‫م وَ َ‬
‫ميد َ ب ِهِه ْ‬
‫ن تَ ِ‬
‫يأ ْ‬‫س َ‬
‫ض َرَوا ِ‬
‫جعَلَنا ِفي الْر ِ‬
‫وَ َ ْ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫دو َ‬
‫م ي َهْت َ ُ‬‫ل َعَل ّهُ ْ‬

‫‪631‬‬
‫وخلقنا في الرض جبال تثبتها حتى ل تضطرب‪ ,‬وجعلنا فيها طرًقا‬
‫واسعة; رجاء اهتداء الخلق إلى معايشهم‪ ,‬وتوحيد خالقهم‪.‬‬

‫ن )‪(32‬‬
‫ضو َ‬
‫معْرِ ُ‬
‫ن آَيات َِها ُ‬ ‫حُفوظا ً وَهُ ْ‬
‫م عَ ْ‬ ‫سْقفا ً َ‬
‫م ْ‬ ‫ماءَ َ‬ ‫جعَل َْنا ال ّ‬
‫س َ‬ ‫وَ َ‬
‫وجعلنا السماء سقًفا للرض ل يرفعها عماد‪ ,‬وهي محفوظة ل‬
‫تسقط‪ ,‬ول تخترقها الشياطين‪ ,‬والكفار عن العتبار بآيات السماء‬
‫)الشمس والقمر والنجوم(‪ ,‬غافلون لهون عن التفكير فيها‪.‬‬

‫ل فِههي فَل َه ٍ‬
‫ك‬ ‫س َوال َْق َ‬
‫مهَر ك ُه ّ‬ ‫م َ‬ ‫خل َهقَ الل ّي ْه َ‬
‫ل َوالن ّهَههاَر َوال ّ‬
‫شه ْ‬ ‫وَهُهوَ ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(33‬‬
‫حو َ‬ ‫سب َ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫والله تعالى هو الذي خلق الليل; ليسكن الناس فيه‪ ,‬والنهار;‬
‫ليطلبوا فيه المعايش‪ ,‬وخلق الشمس آية للنهار‪ ,‬والقمر آية لّليل‪,‬‬
‫سَبح ل يحيد عنه‪.‬‬
‫ولكل منهما مدار يجري فيه وَي َ ْ‬

‫م ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(34‬‬
‫دو َ‬
‫خال ِ ُ‬ ‫ت فَهُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫خل ْد َ أفَإ ِي ْ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫جعَل َْنا ل ِب َ َ‬
‫شرٍ ِ‬ ‫ما َ‬
‫وَ َ‬
‫وما جعلنا لبشر من قبلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬دوام البقاء في الدنيا‪,‬‬
‫ملون الخلود بعدك؟ ل يكون هذا‪ .‬وفي هذه الية‬ ‫أفإن مت فهم ُيؤ ّ‬
‫دليل على أن الخضر عليه السلم قد مات; لنه بشر‪.‬‬

‫ن)‬ ‫ة وَإ ِل َي َْنا ت ُْر َ‬


‫جُعو َ‬ ‫شّر َوال ْ َ‬
‫خي ْرِ فِت ْن َ ً‬ ‫ت وَن َب ُْلوك ُ ْ‬
‫م ِبال ّ‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫س َ‬
‫ذائ َِق ُ‬ ‫كُ ّ‬
‫ل ن َْف ٍ‬
‫‪(35‬‬
‫مرت في الدنيا‪ .‬وما وجودها‬
‫كل نفس ذائقة الموت ل محالة مهما عُ ّ‬
‫في الحياة إل ابتلء بالتكاليف أمًرا ونهًيا‪ ,‬وبتقلب الحوال خيًرا‬
‫وشًرا‪ ,‬ثم المآل والمرجع بعد ذلك إلى الله ‪ -‬وحده ‪ -‬للحساب‬
‫والجزاء‪.‬‬

‫م‬ ‫ذي ي َذ ْك ُُر آل ِهَت َ ُ‬


‫كهه ْ‬ ‫ك إ ِل ّ هُُزوا ً أ َهَ َ‬
‫ذا ال ّ ِ‬ ‫ذون َ َ‬
‫خ ُ‬ ‫ن ك ََفُروا إ ِ ْ‬
‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫ذي َ‬‫ك ال ّ ِ‬
‫ذا َرآ َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ن هُ ْ‬‫م ِ‬‫ح َ‬‫م ب ِذِك ْرِ الّر ْ‬
‫وَهُ ْ‬

‫‪632‬‬
‫وإذا رآك الكفار ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أشاروا إليك ساخرين منك بقول‬
‫ب آلهتكم؟ وجحدوا بالرحمن‬
‫بعضهم لبعض‪ :‬أهذا الرجل الذي يس ّ‬
‫ونعمه‪ ,‬وبما أنزله من القرآن والهدى‪.‬‬

‫ُ‬
‫جُلو ِ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫سأِريك ُ ْ‬
‫م آَياِتي َفل ت َ ْ‬ ‫ل َ‬
‫ج ٍ‬
‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫سا ُ‬
‫لن َ‬
‫خل ِقَ ا ِ‬
‫ُ‬
‫خلق النسان عجول يبادر الشياء ويستعجل وقوعها‪ .‬وقد استعجلت‬ ‫ُ‬
‫قريش العذاب واستبطأته‪ ,‬فأنذرهم الله بأنه سيريهم ما يستعجلونه‬
‫من العذاب‪ ,‬فل يسألوا الله تعجيله وسرعته‪.‬‬

‫ن )‪(38‬‬
‫صادِِقي َ‬
‫م َ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ‬
‫ن ُ‬ ‫مَتى هَ َ‬ ‫وَي َُقوُلو َ‬
‫ن َ‬
‫ويقول الكفار ‪ -‬مستعجلين العذاب مستهزئين ‪ : -‬متى حصول ما‬
‫من اتبعك من الصادقين؟‬
‫دنا به يا محمد‪ ,‬إن كنت أنت و َ‬
‫ت َعِ ُ‬

‫ن‬
‫م الّنهاَر َول عَه ْ‬
‫جهوهِهِ ْ‬
‫ن وُ ُ‬
‫عه ْ‬ ‫ن ل ي َك ُّفههو َ‬
‫ن َ‬ ‫حيه َ‬‫ن ك ََفهُروا ِ‬ ‫م ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل َوْ ي َعْل َ ُ‬
‫ن )‪(39‬‬ ‫صُرو َ‬‫م ي ُن ْ َ‬
‫م َول هُ ْ‬ ‫ظ ُُهورِهِ ْ‬
‫لو يعلم هؤلء الكفار ما يلقونه عندما ل يستطيعون أن يدفعوا عن‬
‫وجوههم وظهورهم النار‪ ,‬ول يجدون لهم ناصًرا ينصرهم‪ ,‬لما أقاموا‬
‫على كفرهم‪ ,‬ولما استعجلوا عذابهم‪.‬‬

‫ب ْ ْ‬
‫م ُينظ َُرو َ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫ها َول هُ ْ‬
‫ن َرد ّ َ‬
‫طيُعو َ‬ ‫م َفل ي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ة فَت َب ْهَت ُهُ ْ‬
‫م ب َغْت َ ً‬
‫ل ت َأِتيهِ ْ‬‫َ‬
‫ولسوف تأتيهم الساعة فجأة‪ ,‬فيتحّيرون عند ذلك‪ ,‬ويخافون خوًفا‬
‫ما‪ ,‬ول يستطيعون د َفْعَ العذاب عن أنفسهم‪ ,‬ول ي ُ ْ‬
‫مهلون‬ ‫عظي ً‬
‫لستدراك توبة واعتذار‪.‬‬

‫ما َ‬
‫كههاُنوا‬ ‫م َ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫خُروا ِ‬
‫س ِ‬
‫ن َ‬ ‫حاقَ ِبال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫ك فَ َ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬
‫س ٍ‬ ‫وَل ََقد ْ ا ْ‬
‫ست ُهْزِئَ ب ُِر ُ‬
‫ست َهْزُِئون )‪(41‬‬ ‫ب ِهِ ي َ ْ‬
‫من قبلك أيها الرسول‪ ,‬فح ّ‬
‫ل بالذين كانوا‬ ‫ولقد استهزئ برسل ِ‬
‫مثار سخريتهم واستهزائهم‪.‬‬ ‫يستهزئون العذاب الذي كان َ‬
‫‪633‬‬
‫ن ذِك ْهرِ َرب ّهِ ه ْ‬
‫م‬ ‫م ع َه ْ‬ ‫ن بَ ْ‬
‫ل هُ ه ْ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫ن الّر ْ‬
‫م ْ‬ ‫م ِبالل ّي ْ ِ‬
‫ل َوالن َّهارِ ِ‬ ‫ن ي َك ْل َؤُك ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل َ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫ضو َ‬‫معْرِ ُ‬‫ُ‬
‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لهؤلء المستعجلين بالعذاب‪ :‬ل أحد يحفظكم‬
‫من بأس‬
‫ويحرسكم في ليلكم أو نهاركم‪ ,‬في نومكم أو يقظتكم‪ِ ,‬‬
‫الرحمن إذا نزل بكم‪ .‬بل هم عن القرآن ومواعظ ربهم لهون‬
‫غافلون‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫م َول هُه ْ‬
‫س هه ِ ْ‬
‫صهَر أنُف ِ‬
‫ن نَ ْ‬
‫طيُعو َ‬
‫سهت َ ِ‬
‫دون َِنا ل ي َ ْ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫من َعُهُ ْ‬
‫ة تَ ْ‬
‫م آل ِهَ ٌ‬‫م ل َهُ ْ‬
‫أ ْ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫حُبو َ‬ ‫ص َ‬ ‫مّنا ي ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن آلهتهم ل يستطيعون أن ينصروا‬ ‫أل َهُ ْ‬
‫م آلهة تمنعهم من عذابنا؟ إ ّ‬
‫أنفسهم‪ ,‬فكيف ينصرون عابديهم؟ وهم منا ل ُيجارون‪.‬‬

‫ن أ َّنهها َنههأ ِْتي‬ ‫َ‬


‫م ال ْعُ ُ‬
‫مُر أَفل ي ََروْ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫حّتى َ‬
‫طا َ‬ ‫م َ‬ ‫ؤلِء َوآَباَءهُ ْ‬‫مت ّعَْنا هَ ُ‬ ‫بَ ْ‬
‫ل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫م ال َْغال ُِبو َ‬
‫ن أط َْرافَِها أفَهُ ْ‬ ‫م ْ‬‫صَها ِ‬‫ض َننُق ُ‬ ‫الْر َ‬
‫ما رأوه من الموال والبنين‬ ‫لقد اغتّر الكفار وآباؤهم بالمهال ل ِ َ‬
‫وطول العمار‪ ,‬فأقاموا على كفرهم ل ي َْبرحونه‪ ,‬وظنوا أنهم ل‬
‫سّنة ماضية‪ ,‬فالله ينقص الرض من جوانبها‬ ‫ذبون وقد غََفلوا عن ُ‬ ‫ُيع ّ‬
‫من هزيمة‪ ,‬أيكون‬ ‫من بأس في كل ناحية و ِ‬ ‫بما ينزله بالمشركين ِ‬
‫بوسع كفار "مكة" الخروج عن قدرة الله‪ ,‬أو المتناع من الموت؟‬

‫ُ‬
‫ن )‪(45‬‬‫ما ُينذ َُرو َ‬ ‫عاَء إ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫م الد ّ َ‬
‫ص ّ‬
‫معُ ال ّ‬
‫س َ‬‫ي َول ي َ ْ‬ ‫م ِبال ْوَ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫ما أنذُِرك ُ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫وفكم من العذاب إل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت إليهم‪ :‬ما أخ ّ‬ ‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لمن أرسل َ‬
‫بوحي من الله‪ ,‬وهو القرآن‪ ,‬ولكن الكفار ل يسمعون ما ُيلقى إليهم‬
‫ذورا‪ ,‬فل ينتفعون به‪.‬‬ ‫ُ‬
‫سماع تدبر إذا أن ِ‬

‫ن)‬ ‫ن َيا وَي ْل ََنا إ ِّنا ك ُّنا ظ َههال ِ ِ‬


‫مي َ‬ ‫ك ل َي َُقول ُ ّ‬
‫ب َرب ّ َ‬ ‫ن عَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫ح ٌ‬
‫م ن َْف َ‬
‫ست ْهُ ْ‬
‫م ّ‬ ‫وَل َئ ِ ْ‬
‫ن َ‬
‫‪(46‬‬

‫‪634‬‬
‫لو أصاب الكفاَر نصيب من عذاب الله لعلموا عاقبة تكذيبهم‪,‬‬
‫وقابلوا ذلك بالدعاء على أنفسهم بالهلك; بسبب ظلمهم لنفسهم‬
‫بعبادتهم غير الله‪.‬‬

‫ن‬
‫كا َ‬ ‫شْيئا ً وَإ ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫مةِ َفل ت ُظ ْل َ ُ‬
‫م ن َْف ٌ‬ ‫ط ل ِي َوْم ِ ال ِْقَيا َ‬
‫س َ‬‫ن ال ِْق ْ‬
‫واِزي َ‬ ‫ضع ُ ا ل ْ َ‬
‫م َ‬ ‫وَن َ َ‬
‫خرد َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫سِبي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ل أت َي َْنا ب َِها وَك ََفى ب َِنا َ‬‫ن َ ْ َ ٍ‬ ‫م ْ‬‫حب ّةٍ ِ‬‫ل َ‬ ‫مث َْقا َ‬‫ِ‬
‫ويضع الله تعالى الميزان العادل للحساب في يوم القيامة‪ ,‬ول‬
‫يظلم هؤلء ول غيرهم شيًئا‪ ,‬وإن كان هذا العمل قد َْر ذرة ِ‬
‫من خير‬
‫أو شر اعتبرت في حساب صاحبها‪ .‬وكفى بالله محصًيا أعمال‬
‫عباده‪ ,‬ومجازًيا لهم عليها‪.‬‬

‫ن )‪(48‬‬ ‫ض هَياًء وَذِك ْههرا ً ل ِل ْ ُ‬


‫مت ِّقي ه َ‬ ‫ن ال ُْفْرقَهها َ‬
‫ن وَ ِ‬ ‫سههى وَهَههاُرو َ‬ ‫مو َ‬ ‫وَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫فُقو َ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬‫ساعَةِ ُ‬ ‫ن ال ّ‬‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ب وَهُ ْ‬ ‫م ِبال ْغَي ْ ِ‬
‫ن َرب ّهُ ْ‬‫شو ْ َ‬‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ولقد آتينا موسى وهارون حجة ونصًرا على عدوهما‪ ,‬وكتاًبا ‪ -‬وهو‬
‫التوراة ‪ -‬فََرْقنا به بين الحق والباطل‪ ,‬ونوًرا يهتدي به المتقون‬
‫الذين يخافون عقاب ربهم‪ ,‬وهم من الساعة التي تقوم فيها القيامة‬
‫خائفون وجلون‪.‬‬

‫َ َ‬ ‫ذا ذك ْر مبار ٌ َ‬
‫ن )‪(50‬‬
‫منك ُِرو َ‬ ‫م لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ك أنَزل َْناهُ أفَأن ْت ُ ْ‬ ‫وَهَ َ ِ ٌ ُ َ َ‬
‫وهذا القرآن الذي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ذِك ٌْر لمن تذ ّ‬
‫كر به‪ ,‬وعمل بأوامره واجتنب نواهيه‪ ,‬كثير الخير‪,‬‬
‫عظيم النفع‪ ,‬أفتنكرونه وهو في غاية الجلء والظهور؟‬

‫ن )‪(51‬‬
‫مي َ‬ ‫ل وَك ُّنا ب ِهِ َ‬
‫عال ِ ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ُر ْ‬
‫شد َهُ ِ‬ ‫وَل ََقد ْ آت َي َْنا إ ِب َْرا ِ‬
‫هي َ‬
‫ولقد آتينا إبراهيم هداه‪ ,‬الذي دعا الناس إليه من قبل موسى‬
‫وهارون‪ ,‬وكّنا عالمين أنه أهل لذلك‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(52‬‬ ‫م ل ََها َ‬
‫عاك ُِفو َ‬ ‫ل ال ِّتي أن ْت ُ ْ‬
‫ماِثي ُ‬
‫ما هَذِهِ الت ّ َ‬ ‫ل ل َِبيهِ وَقَوْ ِ‬
‫مه ِ َ‬ ‫إ ِذ ْ َقا َ‬

‫‪635‬‬
‫حين قال لبيه وقومه‪ :‬ما هذه الصنام التي صنعتموها‪ ,‬ثم أقمتم‬
‫على عبادتها ملزمين لها؟‬

‫ن )‪(53‬‬
‫دي َ‬ ‫جد َْنا آَباَءَنا ل ََها َ‬
‫عاب ِ ِ‬ ‫َقاُلوا وَ َ‬
‫قالوا‪ :‬وجدنا آباءنا عابدين لها‪ ,‬ونحن نعبدها اقتداء بهم‪.‬‬

‫كنت َ‬
‫ن )‪(54‬‬
‫مِبي ٍ‬
‫ل ُ‬
‫ضل ٍ‬ ‫م َوآَباؤُك ُ ْ‬
‫م ِفي َ‬ ‫ل ل ََقد ْ ُ ُ ْ‬
‫م أن ْت ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫قال لهم إبراهيم‪ :‬لقد كنتم أنتم وآباؤكم في عبادتكم لهذه الصنام‬
‫في ب ُْعد واضح بّين عن الحق‪.‬‬

‫ن )‪(55‬‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫َقاُلوا أ َجئ ْتنا بال ْحق أ َ َ‬


‫عِبي َ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬
‫م أن ْ َ‬
‫ِ ََ ِ َ ّ ْ‬
‫ب‬
‫د‪ ,‬أم كلمك لنا كلم لع ٍ‬
‫ج ّ‬
‫قالوا‪ :‬أهذا القول الذي جئتنا به حق وَ ِ‬
‫مستهزئ ل يدري ما يقول؟‬

‫م‬ ‫ن وَأ ََنا عََلى ذ َل ِ ُ‬


‫كهه ْ‬ ‫ذي فَط ََرهُ ّ‬
‫ض ال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ل َبل َرب ّك ُ ْ‬
‫َقا َ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ب ال ّ‬
‫َر ّ‬ ‫م‬
‫)‪(56‬‬ ‫ن‬
‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬‫ن ال ّ‬‫م ْ‬‫ِ‬
‫قال لهم إبراهيم عليه الصلة والسلم‪ :‬بل ربكم الذي أدعوكم إلى‬
‫ن‪ ,‬وأنا من الشاهدين‬
‫عبادته هو رب السموات والرض الذي خلقه ّ‬
‫على ذلك‪.‬‬

‫َ‬ ‫وتالل ّه ل َكيد َ‬


‫ن )‪(57‬‬ ‫ري َ‬ ‫ن ت ُوَّلوا ُ‬
‫مد ْب ِ ِ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م ب َعْد َ أ ْ‬ ‫صَنا َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ََ ِ ِ َ ّ‬
‫سرها بعد أن تتوّلوا عنها ذاهبين‪.‬‬ ‫ن بأصنامكم وأك ّ‬ ‫وتالله لمكر ّ‬

‫ن )‪(58‬‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ي َْر ِ‬


‫جُعو َ‬ ‫م ل َعَل ّهُ ْ‬
‫ذاذا ً إ ِل ّ ك َِبيرا ً ل َهُ ْ‬
‫ج َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫فَ َ‬

‫‪636‬‬
‫فحطم إبراهيم الصنام وجعلها قطًعا صغيرة‪ ,‬وترك كبيرها; كي‬
‫يرجع القوم إليه ويسألوه‪ ،‬فيتبين عجزهم وضللهم‪ ,‬وتقوم الحجة‬
‫عليهم‪.‬‬

‫ن )‪(59‬‬
‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ه لَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ذا ِبآل ِهَت َِنا إ ِن ّ ُ‬ ‫ن فَعَ َ‬
‫ل هَ َ‬ ‫َقاُلوا َ‬
‫م ْ‬
‫ضا‪:‬‬
‫ورجع القوم‪ ,‬ورأوا أصنامهم محطمة مهانة‪ ,‬فسأل بعضهم بع ً‬
‫من فعل هذا بآلهتنا؟ إنه لظالم في اجترائه على اللهة المستحقة‬
‫َ‬
‫للتعظيم والتوقير‪.‬‬

‫م )‪(60‬‬
‫هي ُ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه إ ِب َْرا ِ‬ ‫معَْنا فًَتى ي َذ ْك ُُرهُ ْ‬
‫م ي َُقا ُ‬ ‫َقاُلوا َ‬
‫س ِ‬
‫من سمع إبراهيم يحلف بأنه سيكيد أصنامهم‪ :‬سمعنا فتى يقال‬‫قال َ‬
‫له إبراهيم‪ ,‬يذكر الصنام بسوء‪.‬‬

‫َقاُلوا فَأ ْتوا به عََلى أ َ‬


‫ن )‪(61‬‬
‫دو َ‬‫شه َ ُ‬ ‫س ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ُ ِ ِ‬
‫قال رؤساؤهم‪ :‬فَْأتوا بإبراهيم على مرأى من الناس; كي يشهدوا‬
‫على اعترافه بما قال; ليكون ذلك حجة عليه‪.‬‬

‫ََ‬
‫م )‪(62‬‬
‫هي ُ‬
‫ذا ِبآل ِهَت َِنا َيا إ ِب َْرا ِ‬ ‫ت فَعَل ْ َ‬
‫ت هَ َ‬ ‫َقاُلوا أأن ْ َ‬
‫ت آلهتنا؟ يعنون‬
‫سْر َ‬
‫وجيء بإبراهيم وسألوه منكرين‪ :‬أأنت الذي ك ّ‬
‫أصنامهم‪.‬‬

‫ذا َفا َ‬
‫ن )‪(63‬‬ ‫ن َ‬
‫كاُنوا َينط ُِقو َ‬ ‫سأُلوهُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫م هَ َ‬ ‫ل فَعَل َ ُ‬
‫ه ك َِبيُرهُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل بَ ْ‬
‫م لبراهيم ما أراد من إظهار سفههم على مرأى منهم‪ .‬فقال‬ ‫وت ّ‬
‫سرها هذا الصنم الكبير‪,‬‬ ‫ضا بغباوتهم‪ :‬بل الذي ك ّ‬
‫جا عليهم معّر ً‬
‫محت ً‬
‫فاسألوا آلهتكم المزعومة عن ذلك‪ ,‬إن كانت تتكلم أو ُتحير جواًبا‪.‬‬

‫ن )‪(64‬‬ ‫م ال ّ‬ ‫فَرجعوا إَلى َأنُفسهم فََقاُلوا إنك ُ َ‬


‫مو َ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬
‫ِّ ْ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫َ َ ُ ِ‬
‫‪637‬‬
‫قط في أيديهم‪ ,‬وبدا لهم ضللهم; كيف يعبدونها‪ ,‬وهي عاجزة‬ ‫ُ‬
‫فأس ِ‬
‫عن أن تدفع عن نفسها شيًئا أو أن تجيب سائلها؟ وأقّروا على‬
‫أنفسهم بالظلم والشرك‪.‬‬

‫ن )‪(65‬‬ ‫ما هَ ُ‬
‫ؤلِء َينط ُِقو َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ل ََقد ْ عَل ِ ْ‬
‫م َ‬ ‫سوا عََلى ُرُءو ِ‬
‫سه ِ ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م ن ُك ِ ُ‬
‫سرعان ما عاد إليهم عنادهم بعد إفحامهم‪ ,‬فانقلبوا إلى الباطل‪,‬‬‫و ُ‬
‫جوا على إبراهيم بما هو حجة له عليهم‪ ,‬فقالوا‪ :‬كيف نسألها‪,‬‬‫واحت ّ‬
‫ت أنها ل تنطق؟‬‫وقد علم َ‬

‫َقا َ َ‬
‫م )‪(66‬‬ ‫شهْيئا ً َول ي َ ُ‬
‫ضهّرك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫مهها ل َينَفعُك ُه ْ‬ ‫ن الل ّههِ َ‬
‫دو ِ‬‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ل أفَت َعْب ُ ُ‬
‫َ‬ ‫أُ ّ‬
‫ن )‪(67‬‬ ‫ن الل ّهِ أَفل ت َعِْقُلو َ‬‫دو ِ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬
‫دو َ‬‫ما ت َعْب ُ ُ‬
‫م وَل ِ َ‬ ‫ف ل َك ُ ْ‬
‫ما ل تنفع إذا‬
‫قال إبراهيم محّقًرا لشأن الصنام‪ :‬كيف تعبدون أصنا ً‬
‫حا لكم وللهتكم التي تعبدونها من‬ ‫عبدت‪ ,‬ول تضّر إذا ُتركت؟ قب ً‬
‫ُ‬
‫دون الله تعالى‪ ,‬أفل تعقلون فتدركون سوء ما أنتم عليه؟‬

‫ن )‪ (68‬قُل ْن َهها ي َهها ن َههاُر‬ ‫م فَهها ِ‬


‫عِلي َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫صهُروا آل ِهَت َك ُه ْ‬
‫حّرُقوهُ َوان ُ‬ ‫َقاُلوا َ‬
‫م )‪(69‬‬ ‫هي َ‬ ‫سلما ً عََلى إ ِب َْرا ِ‬‫كوِني ب َْردا ً وَ َ‬
‫ُ‬

‫لما بطلت حجتهم وظهر الحق عدلوا إلى استعمال سلطانهم‪,‬‬


‫حّرقوا إبراهيم بالنار; غضًبا للهتكم إن كنتم ناصرين لها‪.‬‬ ‫وقالوا‪َ :‬‬
‫شَعلوا ناًرا عظيمة وألقوه فيها‪ .‬فانتصر الله لرسوله وقال للنار‪:‬‬ ‫فأ ْ‬
‫ما على إبراهيم‪ ,‬فلم ي َن َْله فيها أذى‪ ,‬ولم يصبه‬
‫كوني برًدا وسل ً‬
‫مكروه‪.‬‬

‫م ال َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(70‬‬
‫ري َ‬
‫س ِ‬
‫خ َ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬
‫دوا ب ِهِ ك َْيدا ً فَ َ‬
‫وَأَرا ُ‬
‫وأراد القوم بإبراهيم الهلك فأبطل الله كيدهم‪ ,‬وجعلهم المغلوبين‬
‫السفلين‪.‬‬

‫ن )‪(71‬‬ ‫ض ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها ل ِل َْعال َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ً َ‬ ‫ُ‬


‫مي َ‬ ‫جي َْناهُ وَلوطا إ ِلى الْر ِ‬
‫وَن َ ّ‬

‫‪638‬‬
‫طا الذي آمن به من "العراق"‪ ،‬وأخرجناهما إلى‬ ‫ونجينا إبراهيم ولو ً‬
‫أرض "الشام" التي باركنا فيها بكثرة الخيرات‪ ,‬وفيها أكثر النبياء‬
‫عليهم الصلة والسلم‪.‬‬

‫ن )‪(72‬‬
‫حي َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫صال ِ ِ‬ ‫ب َنافِل َ ً‬
‫ة وَك ُل ّ َ‬ ‫حقَ وَي َعُْقو َ‬
‫س َ‬ ‫وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬
‫ه إِ ْ‬
‫وأنعم الله على إبراهيم‪ ,‬فوهب له ابنه إسحاق حين دعاه‪ ,‬ووهب‬
‫له من إسحاق يعقوب زيادة على ذلك‪ ,‬وك ّ‬
‫ل من إبراهيم وإسحاق‬
‫حا مطيًعا له‪.‬‬
‫ويعقوب جعله الله صال ً‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫وجعل ْناهُ َ‬


‫ة‬ ‫ت وَإ َِقا َ‬
‫مه ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫خي ْهَرا ِ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْهِ ه ْ‬
‫م فِعْ ه َ‬ ‫مرَِنا وَأوْ َ‬ ‫ن ب ِأ ْ‬‫دو َ‬‫ة ي َهْ ُ‬
‫م ً‬
‫م أئ ِ ّ‬
‫َ َ َ َ ْ‬
‫ن )‪(73‬‬ ‫دي َ‬ ‫كاُنوا ل ََنا َ‬
‫عاب ِ ِ‬ ‫كاةِ وَ َ‬‫صلةِ وَِإيَتاَء الّز َ‬‫ال ّ‬
‫وجعلنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب قدوة للناس يدعونهم إلى عبادته‬
‫ل الخيرات من العمل بشرائع‬ ‫وطاعته بإذنه تعالى‪ ,‬وأوحينا إليهم فِعْ َ‬
‫النبياء‪ ,‬وإقام الصلة على وجهها‪ ,‬وإيتاء الزكاة‪ ,‬فامتثلوا لذلك‪,‬‬
‫وكانوا منقادين مطيعين لله وحده دون سواه‪.‬‬

‫مه ُ‬
‫ل‬ ‫ن ال َْقْري َهةِ ال ّت ِههي ك َههان َ ْ‬
‫ت ت َعْ َ‬ ‫مه ْ‬ ‫عْلمها ً وَن َ ّ‬
‫جي ْن َههاهُ ِ‬ ‫كمها ً وَ ِ‬
‫ح ْ‬‫وَُلوطا ً آت َي ْن َههاهُ ُ‬
‫ن )‪(74‬‬ ‫سوٍْء َفا ِ‬
‫سِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كاُنوا قَوْ َ‬‫م َ‬‫ث إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫خَبائ ِ َ‬
‫ما بأمر الله‬ ‫وآتينا لو ً‬
‫طا النبوة وفصل القضاء بين الخصوم وعل ً‬
‫ودينه‪ ,‬ونجيناه من قريته "سدوم" التي كان يعمل أهلها الخبائث‪.‬‬
‫إنهم كانوا بسبب الخبائث والمنكرات التي يأتونها أهل سوء وقُْبح‪,‬‬
‫خارجين عن طاعة الله‪.‬‬

‫ن )‪(75‬‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬
‫مت َِنا إ ِن ّ ُ‬
‫ح َ‬ ‫وَأ َد ْ َ‬
‫خل َْناهُ ِفي َر ْ‬
‫ما ح ّ‬
‫ل بقومه;‬ ‫م الله عليه النعمة فأدخله في رحمته بإنجائه م ّ‬
‫وأت ّ‬
‫لنه كان من الذين يعملون بطاعة الله‪.‬‬

‫َ‬
‫ن ال ْك َهْر ِ‬
‫ب‬ ‫مه ْ‬ ‫جي ْن َههاهُ وَأهْل َه ُ‬
‫ه ِ‬ ‫جب َْنا ل َه ُ‬
‫ه فَن َ ّ‬ ‫ل َفا ْ‬
‫سهت َ َ‬ ‫ن قَب ْه ُ‬
‫مه ْ‬ ‫وَُنوحا ً إ ِذ ْ َنا َ‬
‫دى ِ‬

‫‪639‬‬
‫ال ْعَ ِ‬
‫ظيم ِ )‪(76‬‬
‫من قبل‬‫من قبلك و ِ‬‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬نوحا حين نادى ربه ِ‬
‫إبراهيم ولوط‪ ,‬فاستجبنا له دعاءه‪ ,‬فنجيناه وأهله المؤمنين به من‬
‫الغم الشديد‪.‬‬

‫س هوْءٍ‬ ‫م ك َههاُنوا قَ هوْ َ‬


‫م َ‬ ‫ن ك َهذ ُّبوا ِبآَيات ِن َهها إ ِن ّهُ ه ْ‬ ‫ن ال َْق هوْم ِ ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ص هْرَناهُ ِ‬
‫وَ َن َ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫فَأغَْرقَْناهُ ْ‬
‫من كيد القوم الذين ك ّ‬
‫ذبوا بآياتنا الدالة على صدقه‪ ,‬إنهم‬ ‫ونصرناه ِ‬
‫كانوا أهل قُْبح‪ ,‬فأغرقناهم بالطوفان أجمعين‪.‬‬

‫ت ِفيهِ غَن َه ُ ْ‬ ‫ث إ ِذ ْ ن ََف َ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬ ‫حك ُ َ‬


‫ن إ ِذ ْ ي َ ْ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫م الَق هوْم ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫حْر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ما َ‬ ‫داُوود َ وَ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(78‬‬ ‫دي َ‬ ‫شاهِ ِ‬‫م َ‬ ‫حك ْ ِ‬
‫مه ِ ْ‬ ‫وَك ُّنا ل ِ ُ‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬نبي الله داود وابنه سليمان‪ ,‬إذ يحكمان في‬
‫دت غنم أحدهما على زرع الخر‪,‬‬ ‫ضها خصمان‪ ,‬عَ َ‬ ‫قضية عَر َ‬
‫وانتشرت فيه ليل فأتلفت الزرع‪ ,‬فحكم داود بأن تكون الغنم‬
‫كا بما أتلفته‪ ,‬فقيمتهما سواء‪ ,‬وكّنا لحكمهم‬‫لصاحب الزرع مل ْ ً‬
‫ب عنا‪.‬‬ ‫شاهدين لم ي َغِ ْ‬

‫داُوود َ ال ْ ِ‬
‫جَبهها َ‬
‫ل‬ ‫مههعَ َ‬
‫خْرَنا َ‬ ‫عْلما ً وَ َ‬
‫س ّ‬ ‫كما ً وَ ِ‬
‫ح ْ‬
‫ن وَك ُل ّ آت َي َْنا ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫ها ُ‬ ‫فََفهّ ْ‬
‫مَنا َ‬
‫ن )‪(79‬‬ ‫عِلي َ‬ ‫ن َوالط ّي َْر وَك ُّنا َفا ِ‬‫ح َ‬ ‫سب ّ ْ‬
‫يُ َ‬
‫فََفّهمنا سليمان مراعاة مصلحة الطرفين مع العدل‪ ,‬فحكم على‬
‫صاحب الغنم بإصلح الزرع التالف في فترة يستفيد فيها صاحب‬
‫الزرع بمنافع الغنم من لبن وصوف ونحوهما‪ ,‬ثم تعود الغنم إلى‬
‫صاحبها والزرع إلى صاحبه; لمساواة قيمة ما تلف من الزرع‬
‫ما‪ ,‬ومنّنا‬
‫ما وعل ً‬
‫لمنفعة الغنم‪ ,‬وكل من داود وسليمان أعطيناه حك ً‬
‫على داود بتطويع الجبال تسّبح معه إذا سّبح‪ ,‬وكذلك الطير تسّبح‪,‬‬
‫وكنا فاعلين ذلك‪.‬‬

‫ة ل َبوس ل َك ُم ل ِتحصنك ُم من بأ ْسك ُم فَه ْ َ‬


‫ن‬ ‫م َ‬
‫شاك ُِرو َ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ْ ُ ْ ِ َ ْ ِ ْ َ ِ ْ َ‬ ‫ٍ‬ ‫صن ْعَ َ ُ‬ ‫وَعَل ّ ْ‬
‫مَناهُ َ‬
‫‪640‬‬
‫)‪(80‬‬
‫حل ًَقا‬
‫ص الله داود عليه السلم بأن عّلمه صناعة الدروع يعملها ِ‬
‫واخت ّ‬
‫من وَْقع السلح‬ ‫متشابكة‪ ,‬تسّهل حركة الجسم; لتحمي المحاربين ِ‬
‫فيهم‪ ,‬فهل أنتم شاكرون نعمة الله عليكم حيث أجراها على يد‬
‫عبده داود؟‬

‫ض ال ّت ِههي َباَرك ْن َهها ِفيهَهها‬ ‫جري بأ َمرهِ إَلى ال َ‬


‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ة تَ ْ ِ ِ ْ ِ ِ‬
‫صَف ً‬‫عا ِ‬‫ح َ‬ ‫ن الّري َ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫وَل ِ ُ‬
‫ن )‪(81‬‬‫مي َ‬‫عال ِ ِ‬
‫يٍء َ‬‫ش ْ‬‫ل َ‬‫وَك ُّنا ب ِك ُ ّ‬
‫من معه‪ ,‬تجري‬ ‫خرنا لسليمان الريح شديدة الهبوب تحمله و َ‬
‫وس ّ‬
‫بأمره إلى أرض "بيت المقدس" به "الشام" التي باركنا فيها‬
‫بالخيرات الكثيرة‪ ،‬وقد أحاط علمنا بجميع الشياء‪.‬‬

‫ك وَك ُن ّهها ل َهُه ْ‬


‫م‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫مل ً ُ‬
‫دو َ‬ ‫مُلو َ‬
‫ن عَ َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه وَي َعْ َ‬ ‫صو َ‬
‫ن ي َُغو ُ‬
‫م ْ‬
‫ن َ‬
‫طي ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫شَيا ِ‬ ‫م ْ‬
‫وَ ِ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫ظي َ‬
‫حافِ ِ‬‫َ‬
‫جز‬
‫خرنا لسليمان من الشياطين شياطين يستخدمهم فيما ي َعْ ِ‬ ‫وس ّ‬
‫عنه غيرهم‪ ,‬فكانوا يغوصون في البحر يستخرجون له الللئ‬
‫والجواهر‪ ,‬وكانوا يعملون كذلك في صناعة ما يريده منهم‪ ,‬ل‬
‫يقدرون على المتناع مما يريده منهم‪ ,‬حفظهم الله له بقوته وعزه‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ن )‪(83‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأ َيوب إذ ْ نادى رب َ‬


‫مي َ‬
‫ح ِ‬
‫م الّرا ِ‬
‫ح ُ‬
‫ت أْر َ‬
‫ضّر وَأن ْ َ‬
‫سِني ال ّ‬
‫م ّ‬
‫ه أّني َ‬
‫َ ّ َ ِ َ َ َ ّ ُ‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬عبدنا أيوب‪ ,‬إذ ابتليناه بضر وسقم عظيم‬
‫في جسده‪ ,‬وفقد أهله وماله وولده‪ ,‬فصبر واحتسب‪ ,‬ونادى ربه عز‬
‫وجل أني قد أصابني الضر‪ ,‬وأنت أرحم الراحمين‪ ,‬فاكشفه عني‪.‬‬

‫َ‬
‫م‬
‫معَهُه ْ‬ ‫مث ْل َهُه ْ‬
‫م َ‬ ‫ضهّر َوآت َي ْن َههاهُ أهْل َه ُ‬
‫ه وَ ِ‬ ‫ن ُ‬
‫مه ْ‬‫مهها ب ِههِ ِ‬ ‫شْفَنا َ‬‫ه فَك َ َ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬
‫ست َ َ‬‫َفا ْ‬
‫ن )‪(84‬‬ ‫عن ْدَِنا وَذِك َْرى ل ِل َْعاب ِ ِ‬
‫دي َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬
‫َر ْ‬

‫‪641‬‬
‫فاستجبنا له دعاءه‪ ,‬ورفعنا عنه البلء‪ ,‬ورددنا عليه ما فقده من أهل‬
‫وولد ومال مضاعًفا‪ ,‬فَعَْلنا به ذلك رحمة مّنا‪ ,‬وليكون قدوة لكل‬
‫ج رحمة ربه‪ ,‬عابد له‪.‬‬ ‫صابر على البلء‪ ,‬را ٍ‬

‫ن )‪(85‬‬
‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ذا ال ْك ِْف ِ‬
‫ل كُ ّ‬ ‫س وَ َ‬ ‫عي َ‬
‫ل وَإ ِد ِْري َ‬ ‫ما ِ‬
‫س َ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫واذكر إسماعيل وإدريس وذا الكفل‪ ,‬كل هؤلء من الصابرين على‬
‫طاعة الله سبحانه وتعالى‪ ,‬وعن معاصيه‪ ,‬وعلى أقداره‪ ,‬فاستحقوا‬
‫الذكر بالثناء الجميل‪.‬‬

‫ن )‪(86‬‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫مت َِنا إ ِن ّهُ ْ‬
‫ح َ‬
‫م ِفي َر ْ‬ ‫وَأ َد ْ َ‬
‫خل َْناهُ ْ‬
‫وأدخلناهم في رحمتنا‪ ,‬إنهم ممن صلح باطنه وظاهره‪ ,‬فأطاع الله‬
‫وعمل بما أمره به‪.‬‬

‫ذا النههون إذ ْ ذ َهَهب مَغاضههبا ً فَظ َه َ‬


‫ن ن َْقهدَِر عَل َي ْههِ فَن َهها َ‬
‫دى فِههي‬ ‫ن ل َه ْ‬
‫نأ ْ‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ك إ ِّني ُ‬
‫كن ُ‬ ‫حان َ َ‬
‫سب ْ َ‬
‫ت ُ‬ ‫ن ل إ ِل َ َ‬
‫ه إ ِل ّ أن ْ َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫الظ ّل ُ َ‬
‫ما ِ‬
‫مّتى عليه السلم‪,‬‬ ‫واذكر قصة صاحب الحوت‪ ,‬وهو يونس بن َ‬
‫عدهم بالعذاب فلم‬ ‫أرسله الله إلى قومه فدعاهم فلم يؤمنوا‪ ,‬فتو ّ‬
‫من بينهم غاضًبا‬ ‫ينيبوا‪ ,‬ولم يصبر عليهم كما أمره الله‪ ,‬وخرج ِ‬
‫عليهم‪ ,‬ضائًقا صدره بعصيانهم‪ ,‬وظن أن الله لن يضّيق عليه‬
‫ويؤاخذه بهذه المخالفة‪ ,‬فابتله الله بشدة الضيق والحبس‪ ,‬والتقمه‬
‫الحوت في البحر‪ ,‬فنادى ربه في ظلمات الليل والبحر وبطن‬
‫الحوت تائًبا معترًفا بظلمه; لتركه الصبر على قومه‪ ,‬قائل‪ :‬ل إله إل‬
‫أنت سبحانك‪ ,‬إني كنت من الظالمين‪.‬‬

‫ن )‪(88‬‬
‫مِني َ‬ ‫جي ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ك ن ُن ْ ِ‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬
‫م وَك َذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬
‫جي َْناهُ ِ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬
‫ه وَن َ ّ‬ ‫َفا ْ‬
‫ست َ َ‬
‫فاستجبنا له دعاءه‪ ,‬وخّلصناه ِ‬
‫من َ‬
‫غم هذه الشدة‪ ,‬وكذلك ننجي‬
‫دقين العاملين بشرعنا‪.‬‬ ‫المص ّ‬

‫‪642‬‬
‫َ‬
‫ن )‪(89‬‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬
‫وارِِثي َ‬ ‫ب ل ت َذ َْرِني فَْردا ً وَأن ْ َ‬
‫ت َ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫وََزك َرِّيا إ ِذ ْ َنا َ‬
‫دى َرب ّ ُ‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬قصة عبد الله زكريا حين دعا ربه أن يرزقه‬
‫دا ل عقب لي‪ ,‬هب‬ ‫الذرية لما ك َِبرت سّنه قائل رب ل تتركني وحي ً‬
‫لي وارًثا يقوم بأمر الدين في الناس من بعدي‪ ,‬وأنت خير الباقين‬
‫من خلفني بخير‪.‬‬ ‫وخير َ‬

‫َ‬
‫ن‬
‫عو َ‬
‫سارِ ُ‬ ‫م َ‬
‫كاُنوا ي ُ َ‬ ‫ه إ ِن ّهُ ْ‬
‫ج ُ‬
‫ه َزوْ َ‬ ‫حَنا ل َ ُ‬‫صل َ ْ‬
‫حَيى وَأ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬‫ه وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬
‫ست َ َ‬‫َفا ْ‬
‫ن )‪(90‬‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬‫كاُنوا ل ََنا َ‬ ‫هبا ً وَ َ‬‫غبا ً وََر َ‬
‫عون ََنا َر َ‬ ‫ت وَي َد ْ ُ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ِفي ال ْ َ‬
‫فاستجبنا له دعاءه ووهبنا له على الكبر ابنه يحيى‪ ,‬وجعلنا زوجته‬
‫صالحة في أخلقها وصالحة للحمل والولدة بعد أن كانت عاقًرا‪,‬‬
‫إنهم كانوا يبادرون إلى كل خير‪ ,‬ويدعوننا راغبين فيما عندنا‪,‬‬
‫خائفين من عقوبتنا‪ ,‬وكانوا لنا خاضعين متواضعين‪.‬‬

‫جعَل َْناهَهها َواب ْن َهَهها آي َه ً‬ ‫َ‬


‫ة‬ ‫حن َهها وَ َ‬
‫ن ُرو ِ‬
‫مه ْ‬ ‫جَها فَن ََف ْ‬
‫خَنا ِفيهَهها ِ‬ ‫ت فَْر َ‬
‫صن َ ْ‬ ‫َوال ِّتي أ ْ‬
‫ح َ‬
‫ن )‪(91‬‬ ‫ل ِل َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬قصة مريم ابنة عمران التي حفظت فرجها‬
‫ت فاحشة في حياتها‪ ,‬فأرسل الله إليها جبريل‬
‫من الحرام‪ ,‬ولم تأ ِ‬
‫عليه السلم‪ ,‬فنفخ في جيب قميصها‪ ,‬فوصلت النفخة إلى رحمها‪,‬‬
‫فخلق الله بذلك النفخ المسيح عيسى عليه السلم‪ ,‬فحملت به من‬
‫غير زوج‪ ,‬فكانت هي وابنها بذلك علمة على قدرة الله‪ ,‬وعبرة‬
‫للخلق إلى قيام الساعة‪.‬‬

‫َ‬ ‫إن هَذه أ ُمتك ُ ُ‬


‫ن )‪(92‬‬
‫دو ِ‬ ‫حد َةً وَأَنا َرب ّك ُ ْ‬
‫م َفاعْب ُ ُ‬ ‫ة َوا ِ‬
‫م ً‬
‫مأ ّ‬‫ِ ّ ِ ِ ّ ُ ْ‬
‫هؤلء النبياء جميًعا دينهم واحد‪ ,‬السلم‪ ,‬وهو الستسلم لله‬
‫بالطاعة وإفراده بالعبادة‪ ,‬والله سبحانه وتعالى رب الخلق فاعبدوه‬
‫‪ -‬أيها الناس ‪ -‬وحده ل شريك له‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(93‬‬ ‫ل إ ِل َي َْنا َرا ِ‬
‫جُعو َ‬ ‫م كُ ّ‬
‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫وَت ََقط ُّعوا أ ْ‬
‫مَرهُ ْ‬

‫‪643‬‬
‫لكن الناس اختلفوا على رسلهم‪ ,‬وتفّرق كثير من أتباعهم في الدين‬
‫شيًعا وأحزاًبا‪ ,‬فعبدوا المخلوقين والهواء‪ ,‬وكلهم راجعون إلينا‬
‫ومحاسبون على ما فعلوا‪.‬‬

‫سهعْي ِهِ وَإ ِن ّهها ل َه ُ‬


‫ه‬ ‫ن َفل ك ُْفهَرا َ‬
‫ن لِ َ‬ ‫م هؤ ْ ِ‬
‫م ٌ‬ ‫ت وَهُهوَ ُ‬
‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫م ْ‬
‫ن )‪(94‬‬ ‫َ‬
‫كات ُِبو َ‬
‫فمن التزم اليمان بالله ورسله‪ ,‬وعمل ما يستطيع من صالح‬
‫ة لله وعبادة له فل يضيع الله عمله ول يبطله‪ ،‬بل‬ ‫العمال طاع ً‬
‫يضاعفه كله أضعاًفا كثيرة‪ ,‬وسيجد ما عمله في كتابه يوم ي ُْبعث بعد‬
‫موته‪.‬‬

‫ن )‪(95‬‬ ‫وحرام عََلى قَرية أ َهْل َك ْنا َ َ‬


‫جُعو َ‬
‫م ل ي َْر ِ‬
‫ها أن ّهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ٍ‬ ‫َ َ َ ٌ‬
‫وممتنع على أهل القرى التي أهلكناها بسبب كفرهم وظلمهم‪,‬‬
‫رجوعهم إلى الدنيا قبل يوم القيامة; ليستدركوا ما فرطوا فيه‪.‬‬

‫ذا فُتحت يأ ْجوج و ْ‬


‫ن )‪(96‬‬ ‫سهُلو َ‬ ‫ب َين ِ‬ ‫حهد َ ٍ‬‫ل َ‬ ‫ن ك ُه ّ‬‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ج وَهُ ْ‬‫جو ُ‬ ‫مأ ُ‬ ‫حّتى إ ِ َ ِ َ ْ َ ُ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن ك ََف هُروا ي َهها وَي ْل َن َهها‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬‫صاُر ال ّه ِ‬‫ة أب ْ َ‬ ‫ص ٌ‬‫خ َ‬ ‫ي َ‬
‫شا ِ‬ ‫ذا هِ َ‬ ‫حقّ فَإ ِ َ‬ ‫ب ال ْوَعْد ُ ال ْ َ‬
‫َواقْت ََر َ‬
‫ن )‪(97‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ل ك ُّنا َ‬ ‫ذا ب َ ْ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫قَد ْ ك ُّنا ِفي غَْفل َةٍ ِ‬
‫م ْ‬
‫فإذا فُِتح سد يأجوج ومأجوج‪ ,‬وانطلقوا من مرتفعات الرض‬
‫ت أهواله فإذا‬
‫وانتشروا في جنباتها مسرعين‪ ,‬دنا يوم القيامة وبد َ ْ‬
‫رف‪ ,‬يدعون على‬ ‫من شدة الفزع مفتوحة ل تكاد ت َط ْ ِ‬ ‫أبصار الكفار ِ‬
‫أنفسهم بالويل في حسرة‪ :‬يا ويلنا قد كنا لهين غافلين عن هذا‬
‫اليوم وعن العداد له‪ ,‬وكنا بذلك ظالمين‪.‬‬

‫إنك ُم وما تعبدون من دون الل ّه حصب جهن َ‬


‫ن )‪(98‬‬ ‫م ل ََها َوارِ ُ‬
‫دو َ‬ ‫م أن ْت ُ ْ‬
‫ِ َ َ ُ َ َ ّ َ‬ ‫ِّ ْ َ َ َ ْ ُ ُ َ ِ ْ ُ ِ‬
‫من‬
‫إنكم ‪ -‬أيها الكفار ‪ -‬وما كنتم تعبدون من دون الله من الصنام و َ‬
‫رضي بعبادتكم إياه من الجن والنس‪ ,‬وقود جهنم وحطبها‪ ,‬أنتم‬
‫وهم فيها داخلون‪.‬‬

‫‪644‬‬
‫ن )‪(99‬‬
‫دو َ‬
‫خال ِ ُ‬ ‫ها وَك ُ ّ‬
‫ل ِفيَها َ‬ ‫دو َ‬
‫ما وََر ُ‬
‫ة َ‬ ‫ن هَ ُ‬
‫ؤلِء آل ِهَ ً‬ ‫ل َوْ َ‬
‫كا َ‬
‫لو كان هؤلء الذين عبدتموهم من دون الله تعالى آلهة تستحق‬
‫ن كل من‬
‫العبادة ما دخلوا نار جهنم معكم أيها المشركون‪ ,‬إ ّ‬
‫العابدين والمعبودين خالدون في نار جهنم‪.‬‬

‫ن )‪(100‬‬
‫مُعو َ‬
‫س َ‬
‫م ِفيَها ل ي َ ْ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫م ِفيَها َزِفيٌر وَهُ ْ‬
‫لهؤلء المعذبين في النار آلم ينبئ عنها زفيرهم الذي تتردد فيه‬
‫أنفاسهم‪ ,‬وهم في النار ل يسمعون; من هول عذابهم‪.‬‬

‫ن )‪(101‬‬
‫دو َ‬
‫مب ْعَ ُ‬ ‫سَنى أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك عَن َْها ُ‬ ‫مّنا ال ْ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫سب ََق ْ‬
‫ن َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫إن الذين سبقت لهم منا سابقة السعادة الحسنة في علمنا بكونهم‬
‫من أهل الجنة‪ ,‬أولئك عن النار مبعدون‪ ,‬فل يدخلونها ول يكونون‬
‫قريًبا منها‪.‬‬

‫ن )‪(102‬‬ ‫َ‬ ‫ما ا ْ‬


‫دو َ‬
‫خال ِ ُ‬
‫م َ‬
‫سه ُ ْ‬
‫ت أنُف ُ‬
‫شت َهَ ْ‬ ‫م ِفي َ‬
‫سَها وَهُ ْ‬
‫سي َ‬
‫ح ِ‬
‫ن َ‬
‫مُعو َ‬
‫س َ‬
‫ل يَ ْ‬
‫ل يسمعون صوت لهيبها واحتراق الجساد فيها فقد سكنوا منازلهم‬
‫في الجنة‪ ,‬وأصبحوا فيما تشتهيه نفوسهم من نعيمها ولذاتها‬
‫ة دائمة‪.‬‬
‫مقيمين إقام ً‬

‫م ال ّه ِ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫ذي ُ‬ ‫مك ُ ْ‬ ‫ملئ ِك َه ُ‬
‫ة هَ ه َ‬
‫ذا ي َهوْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬‫م ال َْفَزعُ الك ْب َُر وَت َت َل َّقاهُ ْ‬ ‫حُزن ُهُ ْ‬
‫ل يَ ْ‬
‫مهها ب َهد َأ َْنا‬
‫ب كَ َ‬ ‫ل ل ِل ْك ُت ُه ِ‬
‫ج ّ‬
‫س ِ‬‫ي ال ّ‬ ‫ماَء ك َط َ ّ‬ ‫س َ‬‫وي ال ّ‬ ‫م ن َط ْ ِ‬ ‫ن )‪ (103‬ي َوْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ُتوعَ ُ‬
‫ن )‪(104‬‬ ‫عِلي َ‬ ‫عدا ً عَل َي َْنا إ ِّنا ك ُّنا َفا ِ‬ ‫ق ن ُِعيد ُهُ وَ ْ‬‫خل ٍ‬
‫ل َ ْ‬ ‫أ َوّ َ‬
‫ل يخيفهم الهول العظيم يوم القيامة‪ ,‬بل تبشرهم الملئكة‪ :‬هذا‬
‫عدُتم فيه الكرامة من الله وجزيل الثواب‪ .‬يوم نطوي‬
‫يومكم الذي وُ ِ‬
‫كتب فيها‪ ,‬ونبعث فيه الخلق‬‫طوى الصحيفة على ما ُ‬ ‫السماء كما ت ُ ْ‬
‫خْلقنا لهم أول مرة كما ولدتهم أمهاتهم‪ ,‬ذلك وعد الله‬ ‫على هيئة َ‬

‫‪645‬‬
‫ما ما‬
‫دا حًقا علينا‪ ,‬إنا كنا فاعلين دائ ً‬ ‫الذي ل يتخّلف‪ ,‬وَعَ ْ‬
‫دنا بذلك وع ً‬
‫ن َعِد ُ به‪.‬‬

‫مههن ب َْعههدِ الههذ ّك ْر أ َ ّ َ‬


‫ض ي َرِث َُههها ِ‬
‫عَبههاِدي‬ ‫ن الْر َ‬ ‫ِ‬ ‫وَل ََقههد ْ ك َت َب َْنهها ِفههي الّزُبههورِ ِ ْ‬
‫ن )‪(105‬‬ ‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬
‫ال ّ‬
‫ولقد كتبنا في الكتب المنزلة من بعد ما ك ُِتب في اللوح المحفوظ‪:‬‬
‫أن الرض يرثها عباد الله الصالحون الذين قاموا بما ُأمروا به‪,‬‬
‫واجتنبوا ما ُنهوا عنه‪ ,‬وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫ن )‪(106‬‬ ‫دي َ‬ ‫ذا ل ََبلغا ً ل َِقوْم ٍ َ‬


‫عاب ِ ِ‬ ‫ن ِفي هَ َ‬
‫إِ ّ‬
‫إن في هذا المتلوّ من الموعظة َلعبرة كافية لقوم عابدين الله بما‬
‫شرعه لهم ورضيه منهم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(107‬‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫سل َْنا َ‬
‫ك إ ِل ّ َر ْ‬ ‫ما أْر َ‬
‫وَ َ‬
‫وما أرسلناك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إل رحمة لجميع الناس‪ ,‬فمن آمن بك‬
‫سِعد ونجا‪ ,‬ومن لم يؤمن خاب وخسر‪.‬‬ ‫َ‬

‫حد فَه ْ َ‬ ‫ل إنما يوحى إل َ َ‬


‫ن )‪(108‬‬ ‫مو َ‬
‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬
‫م ُ‬
‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬
‫ه َوا ِ ٌ َ‬ ‫ما إ ِل َهُك ُ ْ‬
‫ي أن ّ َ‬
‫ِ ّ‬ ‫قُ ْ ِ ّ َ ُ َ‬
‫ي وب ُِعثت به‪ :‬أن إلهكم الذي يستحق العبادة‬ ‫ُ‬
‫قل‪ :‬إن الذي أوحي إل ّ‬
‫وحده هو الله‪ ,‬فأسلموا له‪ ,‬وانقادوا لعبادته‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل آذ َنتك ُهم عَل َههى س هواءٍ وإ َ‬


‫مهها‬
‫م ب َِعي هد ٌ َ‬
‫بأ ْ‬ ‫ن أد ِْري أقَ ِ‬
‫ري ه ٌ‬ ‫َِ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫وا فَُق ْ ْ ُ ْ‬ ‫ن ت َوَل ّ ْ‬‫فَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(109‬‬ ‫دو َ‬ ‫ُتوعَ ُ‬
‫فإن أعرض هؤلء عن السلم فقل لهم‪ :‬أبلغكم جميًعا ما أوحاه‬
‫ما أنذرتكم‬‫ي‪ ,‬فأنا وأنتم مستوون في العلم ل ّ‬
‫الله تعالى إل ّ‬
‫عد ُْتم به من‬
‫ت أعلم ‪ -‬بعد ذلك ‪ -‬متى يحل بكم ما وُ ِ‬‫وحذرتكم‪ ,‬ولس ُ‬
‫العذاب؟‬

‫‪646‬‬
‫ن )‪(110‬‬ ‫ما ت َك ْت ُ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ل وَي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن ال َْقوْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫جهَْر ِ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫إ ِن ّ ُ‬
‫إن الله يعلم ما تجهرون به من أقوالكم‪ ,‬وما تكتمونه في‬
‫سرائركم‪ ,‬وسيحاسبكم عليه‪.‬‬

‫مَتاعٌ إ َِلى ِ‬ ‫وإ َ‬


‫ن )‪(111‬‬
‫حي ٍ‬ ‫ة ل َك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ن أد ِْري ل َعَل ّ ُ‬
‫ه فِت ْن َ ٌ‬ ‫َِ ْ‬
‫ولست أدري لعل تأخير العذاب الذي استعجلتموه استدراج لكم‬
‫وابتلء‪ ,‬وأن تتمتعوا في الدنيا إلى حين; لتزدادوا كفًرا‪ ,‬ثم يكون‬
‫أعظم لعقوبتكم‪.‬‬

‫ن)‬
‫ص هُفو َ‬ ‫ن عَل َههى َ‬
‫مهها ت َ ِ‬ ‫ست ََعا ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ُ‬
‫ح َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬
‫حقّ وََرب َّنا الّر ْ‬ ‫حك ُ ْ‬
‫با ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َر ّ‬
‫‪(112‬‬
‫ب افصل بيننا وبين قومنا‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬ر ّ‬
‫المكذبين بالقضاء الحق‪ .‬ونسأل ربنا الرحمن‪ ,‬ونستعين به على ما‬
‫صفونه ‪ -‬أيها الكفار ‪ -‬من الشرك والتكذيب والفتراء عليه‪ ،‬وما‬
‫تَ ِ‬
‫تتوعدونا به من الظهور والغلبة ‪.‬‬

‫‪ -22‬سورة الحلج‬

‫ن َزل َْزل َ َ‬ ‫َ‬


‫م )‪(1‬‬
‫ظي ٌ‬
‫يءٌ عَ ِ‬ ‫ساعَةِ َ‬
‫ش ْ‬ ‫ة ال ّ‬ ‫س ات ُّقوا َرب ّك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫يا أيها الناس احذروا عقاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ,‬إن‬
‫ما يحدث عند قيام الساعة من أهوال وحركة شديدة للرض‪,‬‬
‫تتصدع منها كل جوانبها‪ ,‬شيء عظيم‪ ,‬ل ي ُْقدر قدره ول ي ُْبلغ كنهه‪،‬‬
‫ول يعلم كيفّيته إل رب العالمين‪.‬‬

‫ل‬ ‫ض هعُ ك ُه ّ‬
‫ل َ‬ ‫َ‬ ‫ل كُ ّ‬
‫م ت ََروْن ََها ت َذ ْهَ ُ‬
‫مه ٍ‬
‫ح ْ‬
‫ت َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ت وَت َ َ‬
‫ض هع َ ْ‬
‫مهها أْر َ‬
‫ضعَةٍ عَ ّ‬
‫مْر ِ‬
‫ل ُ‬ ‫ي َوْ َ‬

‫‪647‬‬
‫ب الل ّههِ‬
‫ذا َ‬ ‫كاَرى وَل َك ِه ّ‬
‫ن عَه َ‬ ‫سه َ‬
‫م بِ ُ‬
‫مهها هُه ْ‬ ‫سه َ‬
‫كاَرى وَ َ‬ ‫مل ََها وَت ََرى الن ّهها َ‬
‫س ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫ديد ٌ )‪(2‬‬ ‫ش ِ‬‫َ‬
‫يوم ترون قيام الساعة تنسى الوالدةُ رضيَعها الذي ألقمته ثديها؛‬
‫سقط الحامل حملها من الرعب‪ ,‬وتغيب‬ ‫ما نزل بها من الكرب‪ ,‬وت ُ ْ‬
‫لِ َ‬
‫عقول للناس‪ ,‬فهم كالسكارى من شدة الهول والفزع‪ ,‬وليسوا‬
‫بسكارى من الخمر‪ ,‬ولكن شدة العذاب أفقدتهم عقولهم وإدراكهم‪.‬‬

‫ري هدٍ )‬
‫م ِ‬
‫ن َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ٍ‬ ‫عل ْم ٍ وَي َت ّب ِعُ ك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫ل ِفي الل ّهِ ب ِغَي ْرِ ِ‬
‫جادِ ُ‬
‫ن يُ َ‬
‫م ْ‬
‫س َ‬
‫ن الّنا ِ‬
‫م ْ‬
‫وَ ِ‬
‫‪(3‬‬
‫وبعض رؤوس الكفر من الناس يخاصمون ويشككون في قدرة الله‬
‫عا لئمة الضلل‬
‫على البعث; جهل منهم بحقيقة هذه القدرة‪ ,‬واتبا ً‬
‫من كل شيطان متمرد على الله ورسله‪.‬‬

‫ديهِ إ َِلى عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫سِعيرِ )‪(4‬‬
‫ب ال ّ‬
‫ذا ِ‬ ‫ضل ّ ُ‬
‫ه وَي َهْ ِ‬ ‫ن ت َوَل ّهُ فَأن ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب عَل َي ْهِ أن ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ك ُت ِ َ‬
‫ضل كل من اتبعه‪ ,‬ول‬ ‫در على هذا الشيطان أنه ي ُ ِ‬
‫قضى الله وق ّ‬
‫يهديه إلى الحق‪ ,‬بل يسوقه إلى عذاب جهنم الموقدة جزاء اتباعه‬
‫إياه‪.‬‬

‫َ‬
‫ب‬ ‫ن ت ُهَرا ٍ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خل َْقن َههاك ُ ْ‬
‫ث فَإ ِّنا َ‬ ‫ن ال ْب َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫م ِفي َري ْ ٍ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫س إِ ْ‬ ‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ن‬ ‫خل َّق هةٍ ل ِن ُب َي ّه َ‬‫م َ‬‫خل َّقةٍ وَغَي ْرِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ضغَةٍ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن عَل ََقةٍ ث ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ن ُط َْفةٍ ث ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬
‫م ط ِْفل ً‬ ‫جك ُه ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م نُ ْ‬ ‫مى ث ُه ّ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ج ٍ‬ ‫شاُء إ َِلى أ َ‬ ‫ما ن َ َ‬‫حام ِ َ‬ ‫م وَن ُِقّر ِفي ال َْر َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫م ل ِت َب ْل ُُغوا أ َ ُ‬
‫ر‬
‫م ِ‬ ‫ل ال ْعُ ُ‬ ‫ن ي َُرد ّ إ َِلى أْرذ َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ن ي ُت َوَّفى وَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫شد ّك ُ ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ذا َأنَزل ْن َهها عَل َي ْهَهها‬ ‫مهد َةً فَهإ ِ َ‬‫ها ِ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬
‫شْيئا ً وَت ََرى الْر َ‬ ‫عل ْم ٍ َ‬ ‫ن ب َعْدِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ِك َْيل ي َعْل َ َ‬
‫َ‬
‫ج )‪(5‬‬ ‫ج ب َِهي ٍ‬ ‫ل َزو ٍْ‬ ‫ن كُ ّ‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ت وَأن ْب َت َ ْ‬ ‫ت وََرب َ ْ‬ ‫ماَء اهْت َّز ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫يا أيها الناس إن كنتم في شك من أن الله ُيحيي الموتى فإّنا خلقنا‬
‫ي يقذفه‬ ‫أباكم آدم من تراب‪ ,‬ثم تناسلت ذريته من نطفة‪ ,‬هي المن ّ‬
‫الرجل في رحم المرأة‪ ,‬فيتحول بقدرة الله إلى علقة‪ ,‬وهي الدم‬
‫در ما‬ ‫الحمر الغليظ‪ ,‬ثم إلى مضغة‪ ,‬وهي قطعة لحم صغيرة قَ ْ‬
‫ضغ‪ ,‬فتكون تارة مخّلقة‪ ,‬أي تامة الخلق تنتهي إلى خروح الجنين‬
‫م َ‬ ‫يُ ْ‬
‫حًيا‪ ,‬وغير تامة الخلق تارة أخرى‪ ,‬فتسقط لغير تمام؛ لنبّين لكم‬
‫‪648‬‬
‫تمام قدرتنا بتصريف أطوار الخلق‪ ,‬ونبقي في الرحام ما نشاء‪,‬‬
‫وهو المخّلق إلى وقت ولدته‪ ,‬وتكتمل الطوار بولدة الجّنة أطفال‬
‫صغاًرا تكب َُر حتى تبلغ الشد‪ ,‬وهو وقت الشباب والقوة واكتمال‬
‫العقل‪ ,‬وبعض الطفال قد يموت قبل ذلك‪ ,‬وبعضهم يكب َُر حتى يبلغ‬
‫مر شيًئا مما كان يعلمه‬ ‫ضْعف العقل; فل يعلم هذا المع ّ‬‫سن الهرم و َ‬
‫ة ميتة ل نبات فيها‪ ,‬فإذا أنزلنا عليها‬‫قبل ذلك‪ .‬وترى الرض يابس ً‬
‫الماء تحركت بالنبات تتفتح عنه‪ ,‬وارتفعت وزادت لرتوائها‪ ,‬وأنبتت‬
‫سّر الناظرين‪.‬‬‫من كل نوع من أنواع النبات الحسن الذي ي َ ُ‬

‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ك بأ َن الل ّه هُو ال ْحق وأ َ‬


‫يءٍ َقهه ِ‬
‫ديٌر‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫ي ال ْ َ‬
‫موَْتى وَأن ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫َ َ َ ّ َ‬ ‫ذ َل ِ َ ِ ّ‬
‫)‪(6‬‬
‫دم من آيات قدرة الله تعالى‪ ,‬فيه دللة قاطعة‬
‫ذلك المذكور مما تق ّ‬
‫على أن الله سبحانه وتعالى هو الرب المعبود بحق‪ ,‬الذي ل تنبغي‬
‫العبادة إل له‪ ,‬وهو ُيحيي الموتى‪ ,‬وهو قادر على كل شيء‪.‬‬

‫ن ِفي ال ُْقُبورِ )‪(7‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫م ْ‬
‫ث َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َب ْعَ ُ‬ ‫ب ِفيَها وَأ ّ‬
‫ة ل َري ْ َ‬
‫ة آت ِي َ ٌ‬
‫ساعَ َ‬
‫ن ال ّ‬
‫وَأ ّ‬
‫من‬
‫وأن ساعة البعث آتية‪ ,‬ل شك في ذلك‪ ,‬وأن الله يبعث الموتى ِ‬
‫قبورهم لحسابهم وجزائهم‪.‬‬

‫مِنيههرٍ )‬‫ب ُ‬‫دى َول ك َِتا ٍ‬ ‫عل ْم ٍ َول هُ ً‬‫ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫ل ِفي الل ّهِ‬‫جادِ ُ‬
‫ن يُ َ‬ ‫م ْ‬‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫م‬
‫ه َيههوْ َ‬
‫ذيُق ُ‬
‫خْزيٌ وَن ُ ِ‬ ‫الل ّهِ ل َ ُ‬
‫ه ِفي الد ّن َْيا ِ‬ ‫ل‬
‫سِبي ِ‬‫ن َ‬‫ل عَ ْ‬‫ض ّ‬‫عط ِْفهِ ل ِي ُ ِ‬ ‫ي ِ‬‫‪َ (8‬ثان ِ َ‬
‫ق )‪(9‬‬ ‫ري ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ال ِْقَيا َ‬
‫مة ِ ع َ َ‬
‫من يجادل بالباطل في الله وتوحيده واختياره رسوله‬ ‫ومن الكفار َ‬
‫صلى الله عليه وسلم وإنزاله القرآن‪ ،‬وذلك الجدال بغير علم‪ ،‬ول‬
‫بيان‪ ،‬ول كتاب من الله فيه برهان وحجة واضحة‪ ،‬لوًيا عنقه في‬
‫ضا عن الحق ؛ ليصد غيره عن الدخول في دين الله‪،‬‬ ‫تكبر‪ ،‬معر ً‬
‫فسوف يلقى خزًيا في الدنيا باندحاره وافتضاح أمره‪ ،‬ونحرقه يوم‬
‫القيامة بالنار‪.‬‬

‫س ب ِظ َل ّم ٍ ل ِل ْعَِبيدِ )‪(10‬‬ ‫ك بما قَدمت يدا َ َ‬


‫ه ل َي ْ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ك وَأ ّ‬ ‫ّ َ ْ َ َ‬ ‫ذ َل ِ َ ِ َ‬
‫‪649‬‬
‫ويقال له‪ :‬ذلك العذاب بسبب ما فَعَل ْ َ‬
‫ت من المعاصي واكتسبت من‬
‫دا بغير ذنب‪.‬‬‫الثام‪ ،‬والله ل يعذب أح ً‬

‫ومن الناس من يعبد الل ّه عَلى حرف فَ هإن أ َصههابه خي هر اط ْ َ‬


‫ن ب ِههِ‬ ‫م هأ ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ ْ َ َ ُ َ ْ ٌ‬ ‫َ ْ ٍ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِ ْ ّ ِ َ ْ َُْ ُ‬
‫وإ َ‬
‫و‬
‫ك هُ ه َ‬ ‫خ هَرةَ ذ َل ِه َ‬ ‫س هَر ال هد ّن َْيا َوال ِ‬
‫خ ِ‬ ‫جه ِ ه ه ِ َ‬‫ب عََلى وَ ْ‬ ‫ة انَقل َ َ‬ ‫ه فِت ْن َ ٌ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬
‫نأ َ‬ ‫َِ ْ‬
‫ه‬ ‫ما ل ي َن َْفُعهه ُ‬ ‫ضّرهُ وَ َ‬ ‫ما ل ي َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬‫م ْ‬ ‫عوا ِ‬ ‫ن )‪ (11‬ي َد ْ ُ‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫سَرا ُ‬‫خ ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫س‬ ‫ن ن َْفعِههِ ل َب ِئ ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬‫ضّرهُ أقَْر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫عوا ل َ َ‬ ‫ل ال ْب َِعيد ُ )‪ (12‬ي َد ْ ُ‬ ‫ضل ُ‬ ‫ك هُوَ ال ّ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫شيُر )‪(13‬‬ ‫س ال ْعَ ِ‬ ‫موَْلى وَل َب ِئ ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ك‪ ،‬فيعبد الله‬‫من يدخل في السلم على ضعف وش ّ‬ ‫ومن الناس َ‬
‫على تردده‪ ،‬كالذي يقف على طرف جبل أو حائط ل يتماسك في‬
‫سَعة استمر على‬ ‫وقفته‪ ،‬ويربط إيمانه بدنياه‪ ,‬فإن عاش في صحة و َ‬
‫عبادته‪ ,‬وإن حصل له ابتلء بمكروه وشدة عزا شؤم ذلك إلى دينه‪,‬‬
‫فرجع عنه كمن ينقلب على وجهه بعد استقامة‪ ،‬فهو بذلك قد خسر‬
‫در له في دنياه‪ ,‬وخسر الخرة بدخوله‬‫الدنيا؛ إذ ل يغّير كفُره ما قُ ّ‬
‫النار‪ ،‬وذلك خسران بّين واضح‪ .‬يعبد ذلك الخاسر من دون الله ما‬
‫ل يضره إن تركه‪ ،‬ول ينفعه إذا عبده‪ ،‬ذلك هو الضلل البعيد عن‬
‫من ضرُره المحقق أقرب من نفعه‪ ،‬قبح ذلك المعبود‬ ‫الحق‪ .‬يدعو َ‬
‫نصيًرا‪ ،‬وقبح عشيًرا‪.‬‬

‫حت َِها‬
‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ري ِ‬
‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬
‫جّنا ٍ‬
‫ت َ‬
‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫ريد ُ )‪(14‬‬ ‫ما ي ُ ِ‬
‫ل َ‬‫ه ي َْفعَ ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ال َن َْهاُر إ ِ ّ‬
‫إن الله يدخل الذين آمنوا بالله ورسوله‪ ،‬وثبتوا على ذلك‪ ،‬وعملوا‬
‫الصالحات‪ ،‬جنات تجري من تحت أشجارها النهار‪ ،‬إن الله يفعل ما‬
‫يريد من ثواب أهل طاعته تفضل وعقاب أهل معصيته عدل‪.‬‬

‫كان يظ ُ َ‬
‫ب‬
‫س هب َ ٍ‬ ‫خَرةِ فَل ْي َ ْ‬
‫مههد ُد ْ ب ِ َ‬ ‫ه ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫صَرهُ الل ّ ُ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫ن َين ُ‬ ‫نأ ْ‬‫ن َ َ َ ّ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ما ي َِغيظ )‪(15‬‬ ‫ن ك َي ْد ُهُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م ل ِي َْقطعْ فَلَينظْر هَ ْ‬
‫ل ي ُذ ْهِب َ ّ‬ ‫ماِء ث ُ ّ‬ ‫إ َِلى ال ّ‬
‫س َ‬
‫دا بالنصر في‬‫من كان يعتقد أن الله تعالى لن يؤيد رسوله محم ً‬
‫من ك ّ‬
‫ذبه‪،‬‬ ‫ب َ‬
‫الدنيا بإظهار دينه‪ ,‬وفي الخرة بإعلء درجته‪ ,‬وعذا ِ‬
‫فل َْيمد ُد ْ حبل إلى سقف بيته وليخنق به نفسه‪ ,‬ثم ليقطع ذلك الحبل‪،‬‬

‫‪650‬‬
‫ن ذلك ما يجد في نفسه من الغيظ؟ فإن الله‬ ‫ثم لينظر‪ :‬هل ي ُذ ْ ِ‬
‫هب ّ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم ل محالة‪.‬‬
‫تعالى ناصٌر نبيه محم ً‬

‫َ‬ ‫وك َذ َل ِ َ َ‬
‫ريد ُ )‪(16‬‬
‫ن يُ ِ‬
‫م ْ‬
‫دي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َهْ ِ‬ ‫ت وَأ ّ‬ ‫ك أنَزل َْناهُ آَيا ٍ‬
‫ت ب َي َّنا ٍ‬ ‫َ‬
‫وكما أقام الله الحجة من دلئل قدرته على الكافرين بالبعث أنزل‬
‫من أراد‬
‫القرآن‪ ،‬آياته واضحة في لفظها ومعناها‪ ,‬يهدي بها الله َ‬
‫هدايته؛ لنه ل هادي سواه‪.‬‬

‫س‬
‫جههو َ‬ ‫صههاَرى َوال ْ َ‬
‫م ُ‬ ‫ن َوالن ّ َ‬ ‫صههاب ِِئي َ‬‫دوا َوال ّ‬ ‫ن هَهها ُ‬
‫ذي َ‬ ‫مُنههوا َواّلهه ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ه ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫ه عََلهى ُ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫كه ّ‬ ‫ن الّله َ‬
‫مهةِ إ ِ ّ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬‫م ي َوْ َ‬ ‫ص ُ‬
‫ل ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َْف ِ‬ ‫كوا إ ِ ّ‬‫شَر ُ‬‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫شِهيد ٌ )‪(17‬‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫إن الذين آمنوا بالله ورسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم واليهود‬
‫والصابئين وهم‪) :‬قوم باقون على فطرتهم ول دين مقرر لهم‬
‫يتبعونه( والنصارى والمجوس )وهم عبدة النار( والذين أشركوا‬
‫ن الله يفصل بينهم جميًعا يوم القيامة فيدخل‬
‫وهم‪ :‬عبدة الوثان‪ ،‬إ ّ‬
‫المؤمنين الجنة‪ ،‬ويدخل الكافرين النار‪ ،‬إن الله على كل شيء‬
‫شهيد‪ ،‬شهد أعمال العباد كّلها‪ ،‬وأحصاها وحفظها‪ ،‬وسيجازي كل بما‬
‫يستحق جزاء وفاًقا للعمال التي عملوها‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ض‬
‫ن فِههي الْر ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬
‫سه َ‬ ‫ن فِههي ال ّ‬ ‫مه ْ‬ ‫ه َ‬ ‫جد ُ ل َه ُ‬‫سه ُ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫م ت ََرى أ ّ‬ ‫أل َ ْ‬
‫ن‬‫مه ْ‬ ‫ب وَك َِثي هٌر ِ‬ ‫جُر َوال هد َّوا ّ‬ ‫شه َ‬ ‫ل َوال ّ‬ ‫م َوال ْ ِ‬
‫جب َهها ُ‬ ‫جههو ُ‬ ‫مُر َوالن ّ ُ‬‫س َوال َْق َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫َوال ّ‬
‫ن‬ ‫مك ْهرِم ٍ إ ِ ّ‬‫ن ُ‬‫مه ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما َله ُ‬‫ه فَ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ن ي ُهِ ْ‬‫م ْ‬‫ب وَ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫حقّ عَل َي ْهِ ال ْعَ َ‬ ‫س وَك َِثيٌر َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫شاُء )‪(18‬‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ي َْفعَ ُ‬‫الل ّ َ‬
‫من‬
‫دا َ‬
‫ألم تعلم‪ -‬أيها النبي‪ -‬أن الله سبحانه يسجد له خاضًعا منقا ً‬
‫من في الرض من المخلوقات‬ ‫في السموات من الملئكة و َ‬
‫والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب؟ ولله يسجد‬
‫طاعة واختياًرا كثير من الناس‪ ،‬وهم المؤمنون‪ ،‬وكثير من الناس‬
‫حق عليه العذاب فهو مهين‪ ،‬وأيّ إنسان يهنه الله فليس له أحد‬
‫يكرمه‪ .‬إن الله يفعل في خلقه ما يشاء وَفْقَ حكمته‪.‬‬

‫‪651‬‬
‫ب‬‫م ث َِيهها ٌ‬‫ت ل َُههه ْ‬‫ن ك ََفُروا قُط ّعَ ْ‬ ‫ذي َ‬‫م َفال ّ ِ‬ ‫موا ِفي َرب ّهِ ْ‬ ‫ص ُ‬
‫خت َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ص َ‬‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذا ِ‬‫هَ َ‬
‫مها ِفهي‬ ‫صههَُر ِبههِ َ‬ ‫م )‪ (19‬ي ُ ْ‬ ‫ميه ُ‬
‫ح ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫سههِ ْ‬ ‫ق ُرُءو ِ‬ ‫ن َفهوْ ِ‬ ‫مه ْ‬‫ب ِ‬ ‫ص ّ‬ ‫ن َنارٍ ي ُ َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫دوا أ ْ‬ ‫مهها أَرا ُ‬ ‫ديهدٍ )‪ (21‬ك ُل ّ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫مع ُ ِ‬ ‫مَقا ِ‬ ‫جُلود ُ )‪ (20‬وَل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫م َوال ْ ُ‬ ‫طون ِهِ ْ‬‫بُ ُ‬
‫ق )‪(22‬‬ ‫ري ِ‬
‫ح ِ‬‫ب ال ْ َ‬
‫ذا َ‬‫ذوُقوا عَ َ‬ ‫دوا ِفيَها وَ ُ‬ ‫عي ُ‬ ‫م أُ ِ‬
‫ن غَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫من َْها ِ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫هذان فريقان اختلفوا في ربهم‪ :‬أهل اليمان وأهل الكفر‪ ,‬كل‬
‫ق‪ ،‬فالذين كفروا يحيط بهم العذاب في هيئة ثياب‬ ‫دعي أنه مح ّ‬‫ي ّ‬
‫ب على‬‫جعلت لهم من نار ي َل َْبسونها‪ ,‬فتشوي أجسادهم‪ ،‬وُيص ّ‬ ‫ُ‬
‫زل إلى أجوافهم فيذيب ما‬ ‫رؤوسهم الماء المتناهي في حره‪ ،‬وَين ِ‬
‫فيها‪ ،‬حتى ينُفذ إلى جلودهم فيشويها فتسقط‪ ،‬وتضربهم الملئكة‬
‫على رؤوسهم بمطارق من حديد‪ .‬كلما حاولوا الخروج من النار‬
‫مهم وكربهم‪ -‬أعيدوا للعذاب فيها‪ ,‬وقيل لهم‪ :‬ذوقوا عذاب‬ ‫‪-‬لشدة غ ّ‬
‫النار المحرق‪.‬‬

‫حت َِها‬
‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬‫جّنا ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬‫نآ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي ُد ْ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫ريٌر )‬ ‫ح ِ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫سه ُ ْ‬‫ب وَل ُؤُْلؤا ً وَل َِبا ُ‬ ‫ن ذ َهَ ٍ‬
‫م ْ‬
‫ساوَِر ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِفيَها ِ‬ ‫حل ّوْ َ‬‫ال َن َْهاُر ي ُ َ‬
‫‪(23‬‬
‫إن الله تعالى يدخل أهل اليمان والعمل الصالح جنات نعيمها دائم‪،‬‬
‫من تحت أشجارها النهار‪ ،‬ي َُزّينون فيها بأساور الذهب‬
‫تجري ِ‬
‫وباللؤلؤ‪ ،‬ولباسهم المعتاد في الجنة الحرير رجال ونساًء‪.‬‬

‫ميدِ )‪(24‬‬ ‫ط ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫دوا إ َِلى ِ‬
‫صَرا ِ‬ ‫ن ال َْقوْ ِ‬
‫ل وَهُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫دوا إ َِلى الط ّي ّ ِ‬
‫ب ِ‬ ‫وَهُ ُ‬
‫مد‬
‫ح ْ‬‫لقد هداهم الله في الدنيا إلى طيب القول‪ :‬من كلمة التوحيد و َ‬
‫الله والثناء عليه‪ ،‬وفي الخرة إلى حمده على حسن العاقبة‪ ,‬كما‬
‫هداهم من قبل إلى طريق السلم المحمود الموصل إلى الجنة‪.‬‬

‫ذي‬‫حهَرام ِ اّله ِ‬‫جدِ ال ْ َ‬ ‫سه ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل الّلههِ َوال ْ َ‬


‫سهِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬‫دو َ‬ ‫ص ّ‬‫ن ك ََفُروا وَي َ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫إِ ّ‬
‫ُْ‬ ‫ن ي ُرِد ْ ِفيهِ ب ِإ ِل ْ َ‬ ‫ف ِفيهِ َوال َْباِدي وَ َ‬ ‫واًء ال َْعاك ِ ُ‬ ‫جعَل َْناهُ ِللّنا‬
‫حادٍ ب ِظلههم ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬
‫َ‬
‫س َ‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫ب أِليم ٍ )‪(25‬‬ ‫ذا ٍ‬‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن ُذِقْ ُ‬
‫إن الذين كفروا بالله‪ ,‬وكذبوا بما جاءهم به محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬ويمنعون غيرهم من الدخول في دين الله‪ ،‬ويصدون رسول‬
‫‪652‬‬
‫الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في عام "الحديبية" عن‬
‫المسجد الحرام‪ ,‬الذي جعلناه لجميع المؤمنين‪ ،‬سواء المقيم فيه‬
‫والقادم إليه‪ ,‬لهم عذاب أليم موجع‪ ،‬ومن يرد في المسجد الحرام‬
‫من عذاب أليم موجع‪.‬‬ ‫ص الله فيه‪ ,‬ن ُذِْقه ِ‬
‫ما في َعْ ِ‬ ‫المي ْ َ‬
‫ل عن الحق ظل ً‬

‫ش هْيئا ً وَط َهّ هْر ب َي ْت ِههي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬


‫ش هرِ ْ‬
‫ك ب ِههي َ‬ ‫ن ل تُ ْ‬
‫تأ ْ‬ ‫ن ال ْب َي ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫كا َ‬ ‫م َ‬‫هي َ‬ ‫وَإ ِذ ْ ب َوّأَنا ل ِب َْرا ِ‬
‫جودِ )‪(26‬‬ ‫س ُ‬ ‫ن َوالّرك ِّع ال ّ‬ ‫ن َوال َْقائ ِ ِ‬
‫مي َ‬ ‫طائ ِِفي َ‬ ‫ِلل ّ‬

‫واذكر‪ -‬أيها النبي‪ -‬إذ ب َّينا لبراهيم ‪ -‬عليه السلم‪ -‬مكان البيت‪،‬‬
‫وهّيأناه له وقد كان غير معروف‪ ،‬وأمرناه ببنائه على تقوى من الله‬
‫وتوحيده وتطهيره من الكفر والبدع والنجاسات ؛ ليكون رحاًبا‬
‫للطائفين به‪ ,‬والقائمين المصلين عنده‪.‬‬

‫ْ‬ ‫جال ً وَعََلى ك ُ ّ‬ ‫ج ي َأ ُْتو َ‬ ‫َ‬


‫ل‬ ‫ن ك ُه ّ‬ ‫مه ْ‬‫ن ِ‬‫مرٍ ي َأِتي َ‬
‫ضا ِ‬‫ل َ‬ ‫ك رِ َ‬ ‫ح ّ‬‫س ِبال ْ َ‬‫ِ‬ ‫ن ِفي الّنا‬ ‫وَأذ ّ ْ‬
‫شهدوا منافع ل َه هم وي هذ ْك ُروا اس هم الل ّهه فههي أ َ‬
‫ٍ‬ ‫م‬‫ها‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ِ َ ُ ْ ََ‬ ‫ق )‪ (27‬ل ِي َ ْ َ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫مي‬‫ج عَ ِ‬ ‫فَ ّ‬
‫َ‬
‫مههوا‬ ‫من ْهَهها وَأط ْعِ ُ‬ ‫مهةِ ال َن ْعَههام ِ فَك ُل ُههوا ِ‬
‫ن ب َِهي َ‬
‫مه ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما َرَزقَهُ ْ‬ ‫ت عََلى َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫معُْلو َ‬ ‫َ‬
‫س ال َْفِقيَر )‪(28‬‬ ‫ال َْبائ ِ َ‬
‫م‪ -‬يا إبراهيم‪ -‬الناس بوجوب الحج عليهم يأتوك على مختلف‬ ‫وأعل ِ ْ‬
‫أحوالهم مشاةً وركباًنا على كل ضامر من البل‪ ،‬وهو‪) :‬الخفيف‬
‫سْير والعمال ل من الُهزال(‪ ،‬يأتين من كل طريق‬ ‫اللحم من ال ّ‬
‫بعيد; ليحضروا منافع لهم من‪ :‬مغفرة ذنوبهم‪ ،‬وثواب أداء نسكهم‬
‫سِبهم في تجاراتهم‪ ،‬وغير ذلك؛ وليذكروا اسم الله‬ ‫وطاعتهم‪ ،‬وتك َ ّ‬
‫على ذ َْبح ما يتقربون به من البل والبقر والغنم في أيام معّينة هي‪:‬‬
‫عاشر ذي الحجة وثلثة أيام بعده; شكًرا لله على نعمه‪ ،‬وهم‬
‫من هذه الذبائح استحباًبا‪ ،‬وُيطعموا منها الفقير‬
‫مأمورون أن يأكلوا ِ‬
‫الذي اشتد فقره‪.‬‬

‫ق )‪(29‬‬ ‫م وَل ْي َط ّوُّفوا ِبال ْب َي ْ ِ ْ‬ ‫م وَل ُْيوُفوا ن ُ ُ‬


‫ضوا ت ََفث َهُ ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ت العَِتي ِ‬ ‫ذوَرهُ ْ‬ ‫م ل ِي َْق ُ‬
‫سك‪ ،‬بإحللهم وخروجهم‬
‫ثم ليكمل الحجاج ما بقي عليهم من الن ّ ُ‬
‫من وسخ في أبدانهم‪ ،‬وقص‬ ‫من إحرامهم‪ ،‬وذلك بإزالة ما تراكم ِ‬
‫أظفارهم‪ ،‬وحلق شعرهم‪ ،‬وليوفوا بما أوجبوه على أنفسهم من‬

‫‪653‬‬
‫الحج والعمرة والهدايا‪ ،‬وليطوفوا بالبيت العتيق القديم‪ ،‬الذي أعتقه‬
‫من تسّلط الجبارين عليه‪ ،‬وهو الكعبة‪.‬‬ ‫الله ِ‬

‫م‬‫ت ل َك ُه ْ‬ ‫عن ْهد َ َرب ّههِ وَأ ُ ِ‬


‫حل ّه ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خي ْهٌر ل َه ُ‬
‫ت الل ّهِ فَهُهوَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫حُر َ‬ ‫ن ي ُعَظ ّ ْ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك وَ َ‬‫ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جت َن ُِبوا قَهوْ َ‬
‫ل‬ ‫ن َوا ْ‬ ‫ن الوَْثا ِ‬ ‫م ْ‬
‫س ِ‬ ‫ج َ‬ ‫م َفا ْ‬
‫جت َن ُِبوا الّر ْ‬ ‫ما ي ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م إ ِل ّ َ‬‫الن َْعا ُ‬
‫الّزورِ )‪(30‬‬
‫من قضاء التفث والوفاء بالنذور والطواف‬ ‫ذلك الذي أمر الله به ِ‬
‫ظموه‪ ،‬ومن يعظم حرمات الله‪،‬‬ ‫بالبيت‪ ،‬هو ما أوجبه الله عليكم فع ّ‬
‫ومنها مناسكه بأدائها كاملة خالصة لله‪ ،‬فهو خير له في الدنيا‬
‫ل النعام إل ما حّرمه فيما يتلى عليكم‬‫ل الله لكم أ َك ْ َ‬
‫والخرة‪ .‬وأح ّ‬
‫في القرآن من الميتة وغيرها فاجتنبوه‪ ،‬وفي ذلك إبطال ما كانت‬
‫العرب تحّرمه من بعض النعام‪ ،‬وابتِعدوا عن القذارة التي هي‬
‫الوثان‪ ،‬وعن الكذب الذي هو الفتراء على الله‪.‬‬

‫ك بههالل ّه فَك َأ َ‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ه‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ها‬‫ه‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫شهرِ ْ ِ‬‫ن يُ ْ‬
‫مه ْ‬‫ن ب ِههِ وَ َ‬‫كي َ‬ ‫شهرِ ِ‬ ‫حن ََفاَء ل ِل ّههِ غَي ْهَر ُ‬
‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ق )‪(31‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫س ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬
‫كا ٍ‬ ‫ح ِفي َ‬ ‫وي ب ِهِ الّري ُ‬‫ه الط ّي ُْر أوْ ت َهْ ِ‬
‫خط َُف ُ‬‫ماِء فَت َ ْ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫مستقيمين لله على إخلص العمل له‪ ،‬مقبلين عليه بعبادته وحده‬
‫وإفراده بالطاعة‪ ،‬معرضين عما سواه بنبذ الشرك‪ ،‬فإّنه من يشرك‬
‫بالله شيًئا‪ ،‬فمثله‪ -‬في ب ُْعده عن الهدى‪ ،‬وفي هلكه وسقوطه من‬
‫طف الشياطين له من كل‬ ‫رفيع اليمان بل حضيض الكفر‪ ،‬وتخ ّ‬
‫من سقط من السماء‪ :‬فإما أن تخطفه الطير فتقطع‬ ‫جانب‪ -‬كمثل َ‬
‫أعضاءه‪ ،‬وإما أن تأخذه عاصفة شديدة من الريح‪ ،‬فتقذفه في‬
‫مكان بعيد‪.‬‬

‫وى ال ُْقُلو ِ‬
‫ب )‪(32‬‬ ‫ن ت َْق َ‬ ‫شَعائ َِر الل ّهِ فَإ ِن َّها ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ي ُعَظ ّ ْ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك وَ َ‬
‫من توحيده وإخلص العبادة له‪ .‬ومن يمتثل أمر‬ ‫ذلك ما أمر الله به ِ‬
‫ظم معالم الدين‪ ،‬ومنها أعمال الحج وأماكنه‪ ،‬والذبائح التي‬‫الله وي ُعَ ّ‬
‫من أفعال‬ ‫ت ُذ َْبح فيه‪ ،‬وذلك باستحسانها واستسمانها‪ ،‬فهذا التعظيم ِ‬
‫أصحاب القلوب المتصفة بتقوى الله وخشيته‪.‬‬

‫‪654‬‬
‫حل َّها إ َِلى ال ْب َي ْ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ق )‪(33‬‬
‫ت العَِتي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫مى ث ُ ّ‬
‫م َ‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬
‫ل ُ‬ ‫مَنافِعُ إ َِلى أ َ‬
‫ج ٍ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫م ِفيَها َ‬
‫لكم في هذه الهدايا منافع تنتفعون بها من الصوف واللبن‬
‫والركوب‪ ،‬وغير ذلك مما ل يضرها إلى وقت ذبحها عند البيت‬
‫العتيق‪ ،‬وهو الحرم كله‪.‬‬

‫ول ِك ُ ّ ُ‬
‫ة‬
‫م ِ‬
‫ن ب َِهي َ‬
‫م ْ‬ ‫ما َرَزقَهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م الل ّهِ عََلى َ‬ ‫سكا ً ل ِي َذ ْك ُُروا ا ْ‬
‫س َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫من ْ َ‬ ‫مة ٍ َ‬‫لأ ّ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(34‬‬ ‫خب ِِتي َ‬
‫م ْ‬ ‫موا وَب َ ّ‬
‫شْر ال ُ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫هأ ْ‬‫حد ٌ فَل ُ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫الن َْعام ِ فَإ ِلهُك ْ‬
‫م إ ِل ٌ‬
‫ن الذبح وإراقة‬
‫م َ‬
‫ولكل جماعة مؤمنة سلفت‪ ،‬جعلنا لها مناسك ِ‬
‫من هذه‬ ‫الدماء؛ وذلك ليذكروا اسم الله تعالى عند ذبح ما رزقهم ِ‬
‫النعام ويشكروا له‪ .‬فإلهكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬إله واحد هو الله فانقادوا‬
‫شر ‪ -‬أيها النبي‪ -‬المتواضعين الخاضعين‬ ‫لمره وأمر رسوله‪ .‬وب ّ‬
‫لربهم بخيَري الدنيا والخرة‪.‬‬

‫َ‬
‫م‬
‫صههاب َهُ ْ‬ ‫ن عَل َههى َ‬
‫مهها أ َ‬ ‫ري َ‬
‫صههاب ِ ِ‬
‫م َوال ّ‬‫ت قُل ُههوب ُهُ ْ‬ ‫جل َه ْ‬ ‫ذا ذ ُك ِهَر الل ّه ُ‬
‫ه وَ ِ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫فُقو َ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬
‫م ي ُن ْ ِ‬ ‫م ّ‬‫صلةِ وَ ِ‬ ‫مِقيم ِ ال ّ‬‫َوال ْ ُ‬
‫من صفاتهم أنهم إذا ذ ُ ِ‬
‫كر الله وحده‬ ‫هؤلء المتواضعون الخاشعون ِ‬
‫ذروا مخالفته‪ ،‬وإذا أصابهم بأس وشدة صبروا على‬ ‫ح ِ‬‫خافوا عقابه‪ ,‬و َ‬
‫ذلك مؤملين الثواب من الله عز وجل‪ ،‬وأد ّْوا الصلة تامة‪ ،‬وهم مع‬
‫من زكاة ونفقة‬ ‫ذلك ينفقون مما رزقهم الله في الواجب عليهم ِ‬
‫ت عليهم نفقته‪ ,‬وفي سبيل الله‪ ,‬والنفقات‬ ‫جب َ ْ‬
‫من وَ َ‬
‫عيال‪ ،‬و َ‬
‫المستحبة‪.‬‬

‫م‬‫سه َ‬ ‫خي ْهٌر فَههاذ ْك ُُروا ا ْ‬


‫م ِفيهَهها َ‬ ‫شَعائ ِرِ الل ّهِ ل َك ُه ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ها ل َك ُ ْ‬
‫جعَل َْنا َ‬ ‫ن َ‬‫َوال ْب ُد ْ َ‬
‫َ‬
‫مههوا ال َْقههان ِ َ‬
‫ع‬ ‫من ْهَهها وَأط ْعِ ُ‬
‫جُنوب ُهَهها فَك ُل ُههوا ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫جب َه ْ‬‫ذا وَ َ‬ ‫ف فَإ ِ َ‬ ‫وا ّ‬ ‫ص َ‬‫الل ّهِ عَل َي َْها َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬‫ها ل َك ُ ْ‬
‫خْرَنا َ‬ ‫س ّ‬ ‫ك َ‬ ‫معْت َّر ك َذ َل ِ َ‬‫َوال ْ ُ‬
‫دن من شعائر الدين وأعلمه؛ لتتقربوا بها إلى‬ ‫حَر الب ُ ْ‬‫وجعلنا لكم ن َ ْ‬
‫الله‪ ،‬لكم فيها‪ -‬أيها المتقربون ‪-‬خير في منافعها من الكل والصدقة‬
‫حر البل واقفة قد‬ ‫والثواب والجر‪ ،‬فقولوا عند ذبحها‪ :‬بسم الله‪ .‬وت ُن ْ َ‬
‫ت ثلث من قوائمها وقُّيدت الرابعة‪ ،‬فإذا سقطت على الرض‬ ‫صّف ْ‬
‫ُ‬
‫موا منها‬ ‫ْ‬
‫دا وي ُطعِ ُ‬ ‫ل أكلها‪ ،‬فليأكل منها مقربوها تعب ً‬ ‫جنوبها فقد ح ّ‬
‫‪655‬‬
‫القانع ‪-‬وهو الفقير الذي لم يسأل تعفًفا‪ -‬والمعتّر الذي يسأل‬
‫دن لكم‪ ،‬لعلكم تشكرون الله على‬ ‫خر الله الب ُ ْ‬
‫لحاجته‪ ,‬هكذا س ّ‬
‫تسخيرها لكم‪.‬‬

‫م ك َهذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫من ْك ُه ْ‬
‫وى ِ‬ ‫ه الت ّْق ه َ‬‫ن ي َن َههال ُ ُ‬‫ماؤُهَهها وَل َك ِه ْ‬
‫مَها َول دِ َ‬ ‫حو ُ‬ ‫ه لُ ُ‬ ‫ل الل ّ َ‬ ‫ن ي ََنا َ‬‫لَ ْ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫م ْ‬‫شْر ال ْ ُ‬ ‫م وَب َ ّ‬ ‫داك ُ ْ‬
‫ما هَ َ‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫م ل ِت ُك َب ُّروا الل ّ َ‬‫ها ل َك ُ ْ‬
‫خَر َ‬ ‫س ّ‬‫َ‬
‫من لحوم هذه الذبائح ول من دمائها شيء‪ ،‬ولكن يناله‬ ‫ه ِ‬
‫لن ينال الل َ‬
‫الخلص فيها‪ ،‬وأن يكون القصد بها وجه الله وحده‪ ،‬كذلك ذللها‬
‫لكم ‪-‬أيها المتقربون‪-‬؛ لتعظموا الله‪ ،‬وتشكروا له على ما هداكم‬
‫من الحق‪ ،‬فإنه أه ٌ‬
‫ل لذلك‪ .‬وب ّ‬
‫شر‪ -‬أيها النبي‪ -‬المحسنين بعبادة الله‬
‫وحده والمحسنين إلى خلقه بكل خير وفلح‪.‬‬

‫ن ك َُفههورٍ )‬
‫وا ٍ‬
‫خه ّ‬ ‫ب ك ُه ّ‬
‫ل َ‬ ‫حه ّ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫مُنوا إ ِ ّ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫دافِعُ عَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫‪(38‬‬
‫إن الله تعالى يدفع عن المؤمنين عدوان الكفار‪ ،‬وكيد الشرار; لنه‬
‫وان لمانة ربه‪ ،‬جحود لنعمته‪.‬‬
‫عز وجل ل يحب كل خ ّ‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ل ََق ِ‬
‫ديٌر )‪(39‬‬ ‫ه عََلى ن َ ْ‬
‫صرِهِ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م ظ ُل ِ ُ‬
‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫ن ي َُقات َُلو َ‬
‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫أذِ َ‬
‫)كان المسلمون في أول أمرهم ممنوعين من قتال الكفار‪،‬‬
‫مأمورين بالصبر على أذاهم‪ ،‬فلما بلغ أذى المشركين مداه وخرج‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم من "مكة" مهاجًرا إلى "المدينة"‪،‬‬
‫ن الله للمسلمين في القتال؛ بسبب ما وقع‬ ‫َ‬
‫وأصبح للسلم قوة( أذِ َ‬
‫عليهم من الظلم والعدوان‪ ،‬وإن الله تعالى قادر على نصرهم‬
‫وإذلل عدّوهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن أُ ْ‬
‫ول د َفْ ُ‬
‫ع‬ ‫ه وَل َ ْ‬‫ن ي َُقوُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫حقّ إ ِل ّ أ ْ‬ ‫م ب ِغَي ْرِ َ‬‫ن دَِيارِهِ ْ‬‫م ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫جد ُ‬‫سهها ِ‬‫م َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ص هل َ َ‬
‫معُ وَب ِي َهعٌ وَ َ‬ ‫وا ِ‬‫صه َ‬‫ت َ‬ ‫م ْ‬‫ض ل َهُد ّ َ‬‫م ب ِب َعْ ٍ‬‫ضه ُ ْ‬
‫س ب َعْ َ‬‫الل ّهِ الّنا َ‬
‫ه ل ََق هوِ ّ‬
‫ي‬ ‫ن الل ّه َ‬ ‫ص هُرهُ إ ِ ّ‬‫ن َين ُ‬ ‫مه ْ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫صَر ّ‬‫م الل ّهِ ك َِثيرا ً وَل ََين ُ‬‫س ُ‬‫ي ُذ ْك َُر ِفيَها ا ْ‬
‫زيٌز )‪(40‬‬ ‫عَ ِ‬

‫‪656‬‬
‫الذين ُألجئوا إلى الخروج من ديارهم‪ ،‬ل لشيء فعلوه إل لنهم‬
‫أسلموا وقالوا‪ :‬ربنا الله وحده‪ .‬ولول ما شرعه الله من د َْفع الظلم‬
‫دمت‬ ‫زم الحقّ في كل أمة ولخربت الرض‪ ،‬وهُ ّ‬ ‫والباطل بالقتال ل َهُ ِ‬
‫فيها أماكن العبادة من صوامع الرهبان‪ ،‬وكنائس النصارى‪ ،‬ومعابد‬
‫اليهود‪ ،‬ومساجد المسلمين التي يصّلون فيها‪ ،‬ويذكرون اسم الله‬
‫فيها كثيًرا‪ .‬ومن اجتهد في نصرة دين الله‪ ،‬فإن الله ناصره على‬
‫عدوه‪ .‬إن الله َلقوي ل يغاَلب‪ ،‬عزيز ل يرام‪ ،‬قد قهر الخلئق وأخذ‬
‫بنواصيهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫م فِههي ال َْر‬


‫وا الّزك َههاةَ وَأ َ‬
‫مهُروا‬ ‫صههلةَ َوآت َه ْ‬‫موا ال ّ‬‫ض أقَهها ُ‬ ‫ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬‫ن َ‬‫ن إِ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫عاقِب َ ُ ُ‬
‫من ْك َرِ وَل ِل ّهِ َ‬
‫مورِ )‪(41‬‬ ‫ة ال ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫وا عَ ْ‬‫ف وَن َهَ ْ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ن مك ّّناهم في الرض‪،‬‬ ‫الذين وعدناهم بنصرنا هم الذين إ ْ‬
‫واستخلفناهم فيها بإظهارهم على عدوهم‪ ،‬أقاموا الصلة بأدائها في‬
‫أوقاتها بحدودها‪ ،‬وأخرجوا زكاة أموالهم إلى أهلها‪ ،‬وأمروا بكل ما‬
‫وا عن كل ما نهى الله‬ ‫من حقوقه وحقوق عباده‪ ،‬ون َهَ ْ‬ ‫أمر الله به ِ‬
‫عنه ورسوله‪ .‬ولله وحده مصير المور كلها‪ ،‬والعاقبة للتقوى‪.‬‬

‫مههود ُ )‪ (42‬وَقَ هوْ ُ‬


‫م‬ ‫ح وَعَههاد ٌ وَث َ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫م ن ُههو‬‫م قَوْ ُ‬ ‫ت قَب ْل َهُ ْ‬ ‫ك فََقد ْ ك َذ ّب َ ْ‬ ‫ن ي ُك َذ ُّبو َ‬‫وَإ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫مل َي ْ ُ‬
‫سهى َفهأ ْ‬
‫مو َ‬
‫ب ُ‬ ‫كهذ ّ َ‬‫ن وَ ُ‬‫مهد ْي َ َ‬
‫ب َ‬ ‫حا ُ‬ ‫صه َ‬ ‫ط )‪ (43‬وَأ ْ‬ ‫م ُلهو ٍ‬ ‫م وَقَوْ ُ‬ ‫هي َ‬ ‫إ ِب َْرا ِ‬
‫ف َ‬ ‫م فَك َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫كيرِ )‪(44‬‬ ‫ن نَ ِ‬‫كا َ‬ ‫خذ ْت ُهُ ْ‬
‫مأ َ‬ ‫ن ثُ ّ‬‫ري َ‬‫كافِ ِ‬
‫وإن يكذبك قومك‪ -‬أيها الرسول‪ -‬فقد سبقهم في تكذيب رسلهم‬
‫قوم نوح‪ ,‬وعاد‪ ،‬وثمود‪ ،‬وقوم إبراهيم‪ ،‬وقوم لوط‪ ،‬وأصحاب‬
‫ذب فرعون وقومه موسى‪ ،‬فلم‬ ‫"مدين" الذين كذبوا شعيًبا‪ ,‬وك ّ‬
‫ت كل منهم بالعذاب‪،‬‬
‫أعاجل هذه المم بالعقوبة‪ ،‬بل أمهلتها‪ ،‬ثم أخذ ُ‬
‫من‬
‫فكيف كان إنكاري عليهم كفرهم وتكذيبهم‪ ،‬وتبديل ما كان بهم ِ‬
‫نعمة بالعذاب والهلك؟‬

‫فَك َأ َين من قَرية أ َ‬


‫ة عَل َههى عُُرو ِ‬
‫ش هَها‬ ‫خاوِي َه ٌ‬
‫ي َ‬ ‫ه‬
‫ِ َ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ظا‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ّ ْ ِ ْ ْ َ ٍ‬
‫شيدٍ )‪(45‬‬ ‫م ِ‬ ‫صرٍ َ‬ ‫معَط ّل َةٍ وَقَ ْ‬
‫وَب ِئ ْرٍ ُ‬

‫‪657‬‬
‫دمة‬
‫فكثيًرا من القرى الظالمة بكفرها أهلكنا أهلها‪ ،‬فديارهم مه ّ‬
‫من سكانها‪ ،‬وآبارها ل ُيستقى منها‪ ،‬وقصورها العالية‬
‫ت ِ‬‫خل َ ْ‬
‫َ‬
‫المزخرفة لم تدفع عن أهلها سوء العذاب‪.‬‬

‫ن‬ ‫ن ب ِهَهها أ َوْ آ َ‬


‫ذا ٌ‬ ‫ب ي َعِْقل ُههو َ‬‫م قُل ُههو ٌ‬
‫ن ل َهُه ْ‬
‫ض فَت َك ُههو َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫سههيروا فِههي ال َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫أ َفَل َ‬
‫ب ال ّت ِههي فِههي‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫هو‬
‫ه‬ ‫ل‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫هى‬‫ه‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫و‬
‫ْ َ ُ َ ِ ْ َْ َ‬ ‫ر‬ ‫صا‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫مى‬‫ن ب َِها فَإ ِن َّها ل ت َعْ َ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫دورِ )‪(46‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ال ّ‬
‫سر المكذبون من قريش في الرض ليشاهدوا آثار المهلكين‪،‬‬ ‫أفلم ي َ ِ‬
‫فيتفكروا بعقولهم‪ ،‬فيعتبروا‪ ،‬ويسمعوا أخبارهم سماع تدّبر‬
‫مهِْلك هو‬
‫فيتعظوا؟ فإن العمى ليس عمى البصر‪ ،‬وإنما العمى ال ُ‬
‫عمى البصيرة عن إدراك الحق والعتبار‪.‬‬

‫ومها ً ِ‬
‫عن ْهد َ َرب ّه َ‬
‫ك‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ف الل ّه ُ‬
‫ه وَعْهد َهُ وَإ ِ ّ‬ ‫خل ِه َ‬ ‫ب وَل َ ْ‬
‫ن يُ ْ‬ ‫ذا ِ‬‫ك ِبال ْعَ َ‬‫جُلون َ َ‬‫ست َعْ ِ‬‫وَي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫دو َ‬‫ما ت َعُ ّ‬‫م ّ‬‫سن َةٍ ِ‬‫ف َ‬ ‫ك َأل ْ ِ‬
‫ويستعجلك‪ -‬أيها الرسول‪ -‬كفار قريش ‪-‬لشدة جهلهم‪ -‬بالعذاب‬
‫ما أصروا على الكفر‪ ،‬ولن يخلف الله ما وعدهم‬ ‫الذي أنذرتهم به له ّ‬
‫جل لهم في الدينا ذلك في‬‫به من العذاب فل بد ّ من وقوعه‪ ،‬وقد ع ّ‬
‫ما من اليام عند الله ‪ -‬وهو يوم القيامة‪ -‬كألف‬‫يوم "بدر"‪ .‬وإن يو ً‬
‫دون من سني الدنيا‪.‬‬ ‫سنة مما ت َعُ ّ‬

‫َ‬
‫صههيُر )‬ ‫ي ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫م أَ َ‬
‫خ هذ ْت َُها وَإ ِل َه ّ‬ ‫ة ثُ ّ‬
‫م ٌ‬ ‫ي َ‬
‫ظال ِ َ‬ ‫ت ل ََها وَهِ َ‬
‫مل َي ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن قَْري َةٍ أ ْ‬
‫م ْ‬ ‫وَك َأي ّ ْ‬
‫ن ِ‬
‫‪(48‬‬
‫وكثير من القرى كانت ظالمة بإصرار أهلها على الكفر‪ ،‬فأمهلتهم‬
‫خذ ُْتهم بعذابي في الدنيا‪ ،‬وإل ّ‬
‫ي‬ ‫ولم أعاجلهم بالعقوبة فاغتروا‪ ،‬ثم أ َ‬
‫مرجعهم بعد هلكهم‪ ،‬فأعذبهم بما يستحقون‪.‬‬

‫مل ُههوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن )‪َ (49‬فال ّ ِ‬ ‫مِبي ٌ‬
‫ذيٌر ُ‬‫م نَ ِ‬‫ما أَنا ل َك ُ ْ‬ ‫س إ ِن ّ َ‬
‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫وا فِههي آَيات ِن َهها‬ ‫س هع َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م )‪َ (50‬وال ّه ِ‬ ‫م َغِْفهَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ‬
‫ريه ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ُ‬
‫حيم ِ )‪(51‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن أوْل َئ ِ َ‬‫زي َ‬‫ج ِ‬ ‫مَعا ِ‬‫ُ‬

‫‪658‬‬
‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ : -‬يا أيها الناس ما أنا إل منذر لكم مبّلغ عن الله‬
‫رسالته‪ .‬فالذين آمنوا بالله ورسوله‪ ،‬واستقر ذلك في قلوبهم‪،‬‬
‫وعملوا العمال الصالحة‪ ،‬لهم عند الله عفو عن ذنوبهم ومغفرة‬
‫يستر بها ما صدر عنهم من معصية‪ ،‬ورزق حسن ل ينقطع وهو‬
‫الجنة‪ .‬والذين اجتهدوا في الكيد لبطال آيات القرآن بالتكذيب‬
‫مشاقين مغالبين‪ ،‬أولئك هم أهل النار الموقدة‪ ،‬يدخلونها ويبقون‬
‫دا‪.‬‬
‫فيها أب ً‬

‫مّنههى أ َل َْقههى‬ ‫ي إ ِل ّ إ ِ َ‬
‫ذا ت َ َ‬ ‫ل َول ن َِبهه ّ‬
‫سههو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مهه ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ن قَب ِْلهه َ‬ ‫مهه ْ‬ ‫سههل َْنا ِ‬
‫َ‬
‫مهها أْر َ‬ ‫وَ َ‬
‫ُ‬
‫م الل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫حك ِه ُ‬
‫م يُ ْ‬ ‫ن ث ُه ّ‬ ‫طا ُ‬ ‫ش هي ْ َ‬‫قي ال ّ‬ ‫ما ي ُل ْ ِ‬
‫ه َ‬‫خ الل ّ ُ‬ ‫من ِي ّت ِهِ فَي َن ْ َ‬
‫س ُ‬ ‫ن ِفي أ ْ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬‫ال ّ‬
‫م )‪(52‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫آَيات ِهِ َوالل ّ ُ‬
‫وما أرسلنا من قبلك‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من رسول ول نبي إل إذا قرأ‬
‫كتاب الله ألقى الشيطان في قراءته الوساوس والشبهات؛ ليصد ّ‬
‫الناس عن اتباع ما يقرؤه ويتلوه‪ ،‬لكن الله يبطل كيد الشيطان‪،‬‬
‫فيزيل وساوسه‪ ،‬ويثبت آياته الواضحات‪ .‬والله عليم بما كان‬
‫ويكون‪ ,‬ل تخفى عليه خافية‪ ,‬حكيم في تقديره وأمره‪.‬‬

‫ة‬ ‫ض َوال َْقا ِ‬


‫س هي َ ِ‬ ‫مهَر ٌ‬ ‫ن ِفي قُل ُههوب ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫ة ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن فِت ْن َ ً‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ما ي ُل ِْقي ال ّ‬ ‫ل َ‬‫جع َ َ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫ق ب َِعيدٍ )‪(53‬‬ ‫شَقا ٍ‬ ‫ن ل َِفي ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬‫قُُلوب ُهُ ْ‬
‫ن الشيطان إل ليجعله الله اختباًرا للذين في‬
‫م َ‬
‫وما كان هذا الفعل ِ‬
‫قلوبهم شك ونفاق‪ ،‬ولقساة القلوب من المشركين الذين ل يؤث ُّر‬
‫من هؤلء وأولئك في عداوة شديدة لله‬ ‫فيهم زجر‪ .‬وإن الظالمين ِ‬
‫ف للحق بعيد عن الصواب‪.‬‬ ‫ورسوله وخل ٍ‬

‫ول ِيعل َم ال ّذين ُأوتوا ال ْعِل ْ َ‬


‫ت ل َه ُ‬
‫ه‬ ‫مُنوا ب ِههِ فَت ُ ْ‬
‫خب ِه َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك فَي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫حقّ ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫م أن ّ ُ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ست َِقيم ٍ )‪(54‬‬ ‫م ْ‬ ‫ط ُ‬‫صَرا ٍ‬ ‫مُنوا إ َِلى ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ه ل ََهادِ ال ّ ِ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫م وَإ ِ ّ‬‫قُُلوب ُهُ ْ‬
‫وليعلم أهل العلم الذين يفرقون بعلمهم بين الحق والباطل أن‬
‫القرآن الكريم هو الحق النازل من عند الله عليك أيها الرسول‪ ،‬ل‬
‫شبهة فيه‪ ،‬ول سبيل للشيطان إليه‪ ،‬فيزداد به إيمانهم‪ ،‬وتخضع له‬

‫‪659‬‬
‫قلوبهم‪ .‬وإن الله لهادي الذين آمنوا به وبرسوله إلى طريق الحق‬
‫الواضح‪ ،‬وهو السلم ينقذهم به من الضلل‪.‬‬

‫ة أ َْو‬ ‫ْ‬
‫ة ب َغْت َه ً‬
‫سههاعَ ُ‬
‫م ال ّ‬
‫حت ّههى ت َهأت ِي َهُ ْ‬
‫ه َ‬
‫من ْه ُ‬ ‫ن ك ََفُروا ِفي ِ‬
‫مْري َةٍ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬‫َول ي ََزا ُ‬
‫ب ي َوْم ٍ عَِقيم ٍ )‪(55‬‬ ‫م عَ َ‬ ‫ْ‬
‫ذا ُ‬ ‫ي َأت ِي َهُ ْ‬
‫ول يزال الكافرون المكذبون في شك مما جئتهم به من القرآن‬
‫إلى أن تأتيهم الساعة فجأة‪ ،‬وهم على تكذيبهم‪ ،‬أو يأتيهم عذاب‬
‫يوم ل خير فيه‪ ،‬وهو يوم القيامة‪.‬‬

‫ت فِههي‬ ‫حا ِ‬
‫صههال ِ َ‬‫هوا ال ّ‬ ‫مل ُه‬
‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫م َفال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬‫حك ُ ُ‬ ‫مئ ِذٍ ل ِل ّهِ ي َ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ك ي َوْ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ب‬
‫ذا ٌ‬ ‫ك ل َهُ ه ْ‬
‫م ع َه َ‬ ‫ن ك ََفُروا وَك َذ ُّبوا ِبآَيات ِن َهها فَ هأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت الن ِّعيم ِ )‪َ (56‬وال ّ ِ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(57‬‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ُ‬
‫ملك والسلطان في هذا اليوم لله وحده‪ ،‬وهو سبحانه يقضي بين‬ ‫ال ُ‬
‫المؤمنين والكافرين‪ .‬فالذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا العمال‬
‫الصالحة‪ ،‬لهم النعيم الدائم في الجنات‪ .‬والذين جحدوا وحدانية الله‬
‫وكذبوا رسوله وأنكروا آيات القرآن‪ ،‬فأولئك لهم عذاب يخزيهم‬
‫ويهينهم في جهنم‪.‬‬

‫ه رِْزقا ً‬ ‫َ‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ماُتوا ل َي َْرُزقَن ّهُ ْ‬
‫م قُت ُِلوا أوْ َ‬
‫ل الل ّهِ ث ُ ّ‬
‫سِبي ِ‬
‫جُروا ِفي َ‬ ‫ها َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ن )‪(58‬‬ ‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬‫ه ل َهُوَ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫سنا ً وَإ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫والذين خرجوا من ديارهم طلًبا لرضا الله‪ ،‬ونصرة لدينه‪ ،‬من ُقتل‬
‫من غير قتال‪َ ،‬ليرزقَّنهم‬
‫منهم وهو يجاهد الكفار‪ ،‬ومن مات منهم ِ‬
‫الله الجنة ونعيمها الذي ل ينقطع ول يزول‪ ،‬وإن الله سبحانه وتعالى‬
‫لهو خير الرازقين‪.‬‬

‫م )‪(59‬‬
‫حِلي ٌ‬ ‫ه ل َعَِلي ٌ‬
‫م َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه وَإ ِ ّ‬ ‫خل ً ي َْر َ‬
‫ضوْن َ ُ‬ ‫مد ْ َ‬ ‫خل َن ّهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ل َي ُد ْ ِ‬
‫دخل الذي يحبونه وهو الجنة‪ .‬وإن الله َلعليم بمن‬
‫م ْ‬‫لُيدخلّنهم الله ال ُ‬
‫يخرج في سبيله‪ ،‬ومن يخرج طلًبا للدنيا‪ ،‬حليم عمن عصاه‪ ،‬فل‬
‫يعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬

‫‪660‬‬
‫ن‬ ‫ه الّلهه ُ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ي عَل َي ْهِ ل ََين ُ‬
‫صههَرن ّ ُ‬ ‫ب ب ِهِ ث ُ ّ‬
‫م ب ُغِ َ‬ ‫عوقِ َ‬
‫ما ُ‬ ‫مث ْ ِ‬
‫ل َ‬ ‫عاقَ َ‬
‫ب بِ ِ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك وَ َ‬
‫ه ل َعَُفوّ غَُفوٌر )‪(60‬‬‫الل ّ َ‬
‫ذلك المر الذي قصصنا عليك من إدخال المهاجرين الجنة‪ ،‬ومن‬
‫ظلم فقد أ ُِذن له أن يقابل الجاني بمثل فعلته‪ ،‬ول‬‫دي عليه و ُ‬
‫اعت ُ ِ‬
‫حرج عليه‪ ،‬فإذا عاد الجاني إلى إيذائه وبغى‪ ،‬فإن الله ينصر‬
‫المظلوم المعتدى عليه; إذ ل يجوز أن ي ُعَْتدى عليه بسبب انتصافه‬
‫لنفسه‪ .‬إن الله لعفوٌ غفور‪ ،‬يعفو عن المذنبين فل يعاجلهم‬
‫بالعقوبة‪ ,‬ويغفر ذنوبهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ذ َل َ َ‬
‫ن الّلهه َ‬
‫ه‬ ‫ج الن َّهاَر ِفي الل ّي ْ ِ‬
‫ل وَأ ّ‬ ‫ج الل ّي ْ َ‬
‫ل ِفي الن َّهارِ وَُيول ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ُيول ِ ُ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫صيٌر )‪(61‬‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬
‫س ِ‬‫َ‬
‫ذلك الذي شرع لكم تلك الحكام العادلة هو الحق‪ ،‬وهو القادر على‬
‫من قدرته أنه يدخل ما ينقص من ساعات الليل في‬ ‫ما يشاء‪ ,‬و ِ‬
‫ساعات النهار‪ ،‬ويدخل ما انتقص من ساعات النهار في ساعات‬
‫الليل‪ ،‬وأن الله سميع لكل صوت‪ ،‬بصير بكل فعل‪ ،‬ل يخفى عليه‬
‫شيء‪.‬‬

‫عون من دون ِه هُو ال ْباط ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ذ َل َ َ‬


‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ل وَأ ّ‬‫ما ي َد ْ ُ َ ِ ْ ُ ِ َ َ ِ‬
‫ن َ‬
‫حقّ وَأ ّ‬‫ه هُوَ ال ْ َ‬
‫ن الل ّ َ‬‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫ي ال ْك َِبيُر )‪(62‬‬ ‫هُوَ ال ْعَل ِ ّ‬
‫ذلك بأن الله هو الله الحق الذي ل تنبغي العبادة إل له‪ ،‬وأن ما‬
‫يعبده المشركون من دونه من الصنام والنداد هو الباطل الذي ل‬
‫ي على خلقه ذاًتا وقدًرا وقهًرا‪،‬‬
‫ينفع ول يضّر‪ ،‬وأن الله هو العل ّ‬
‫المتعالي عن الشباه والنداد‪ ،‬الكبير في ذاته وأسمائه فهو أكبر من‬
‫ل شيء‪.‬‬‫ك ّ‬

‫ن‬
‫ض هّرةً إ ِ ّ‬
‫خ َ‬
‫م ْ‬
‫ض ُ‬
‫من السماءِ مههاءً فَت ُص هب ُ َ‬
‫ح الْر ُ‬‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ه َأنَز َ‬
‫ل ِ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫َ‬
‫م ت ََرى أ ّ‬‫أل َ ْ‬
‫َ‬
‫خِبيٌر )‪(63‬‬ ‫ف َ‬ ‫ه لَ ِ‬
‫طي ٌ‬ ‫الل ّ َ‬

‫‪661‬‬
‫ألم تَر‪ -‬أيها النبي‪ -‬أن الله أنزل من السماء مطًرا‪ ،‬فتصبح الرض‬
‫مخضرة بما ينبت فيها من النبات؟ إن الله لطيف بعباده باستخراج‬
‫النبات من الرض بذلك الماء‪ ،‬خبير بمصالحهم‪.‬‬

‫ي ال ْ َ‬ ‫ت وما ِفي ال َ‬
‫ميهد ُ )‬
‫ح ِ‬ ‫ه ل َهُهوَ ال ْغَن ِه ّ‬
‫ن الل ّه َ‬
‫ض وَإ ِ ّ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وا ِ َ َ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬ ‫لَ ُ‬
‫ه َ‬
‫‪(64‬‬
‫لله سبحانه وتعالى ما في السموات والرض خلًقا ومل ً‬
‫كا وعبودية‪،‬‬
‫ك ّ‬
‫ل محتاج إلى تدبيره وإفضاله‪ .‬إن الله لهو الغني الذي ل يحتاج‬
‫إلى شيء‪ ،‬المحمود في كل حال‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ر‬ ‫ري فِههي ال ْب َ ْ‬
‫حه ِ‬ ‫ج ِ‬‫ك تَ ْ‬ ‫ض َوال ُْفل ْ َ‬ ‫ما ِفي ال َْر ِ‬ ‫خَر ل َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫س ّ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫م ت ََرى أ ّ‬ ‫أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه ِبالن ّهها ِ‬ ‫ض إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْن ِهِ إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ن ت ََقعَ عَلى الْر ِ‬‫ماَء أ ْ‬ ‫س َ‬‫ك ال ّ‬ ‫س ُ‬ ‫م ِ‬ ‫مرِهِ وَي ُ ْ‬‫ب ِأ ْ‬
‫م )‪(65‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫ف َر ِ‬ ‫ل ََرُءو ٌ‬
‫ألم تر أن الله تعالى ذّلل لكم ما في الرض من الدواب والبهائم‬
‫والزروع والثمار والجماد لركوبكم وطعامكم وكل منافعكم‪ ،‬كما‬
‫ذّلل لكم السفن تجري في البحر بقدرته وأمره فتحملكم مع‬
‫أمتعتكم إلى حيث تشاؤون من البلد والماكن‪ ،‬وهو الذي يمسك‬
‫من عليها إل بإذنه‬
‫السماء فيحفظها؛ حتى ل تقع على الرض فيهلك َ‬
‫سبحانه بذلك؟ إن الله بالناس لرؤوف رحيم فيما سخر لهم من‬
‫هذه الشياء وغيرها؛ تفضل منه عليهم‪.‬‬

‫ن ل َك َُفوٌر )‪(66‬‬ ‫َ‬


‫سا َ‬
‫لن َ‬
‫نا ِ‬ ‫حِييك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ميت ُك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫حَياك ُ ْ‬
‫م ثُ ّ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ذي أ ْ‬
‫وهو الله تعالى الذي أحياكم بأن أوجدكم من العدم‪ ،‬ثم يميتكم عند‬
‫انقضاء أعماركم‪ ،‬ثم يحييكم بالبعث لمحاسبتكم على أعمالكم‪ .‬إن‬
‫النسان َلجحود لما ظهر من اليات الدالة على قدرة الله‬
‫ووحدانيته‪.‬‬

‫مرِ َواد ْعُ إ َِلههى‬ ‫َ‬ ‫ل ِك ُ ّ ُ‬


‫ك ِفي ال ْ‬ ‫س ُ‬
‫كوهُ َفل ي َُنازِعُن ّ َ‬ ‫سكا ً هُ ْ‬
‫م َنا ِ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫من َ‬ ‫مة ٍ َ‬‫لأ ّ‬
‫ست َِقيم ٍ )‪(67‬‬
‫م ْ‬ ‫دى ُ‬‫ك ل َعََلى هُ ً‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬
‫َرب ّ َ‬

‫‪662‬‬
‫لكل أمة من المم الماضية جعلنا شريعة وعبادة أمرناهم بها‪ ،‬فهم‬
‫عاملون بها‪ ،‬فل ينازعنك‪ -‬أيها الرسول‪ -‬مشركو قريش في‬
‫شريعتك‪ ،‬وما أمرك الله به في المناسك وأنواع العبادات كلها‪,‬‬
‫وادع إلى توحيد ربك وإخلص العبادة له واتباع أمره‪ ,‬إنك لعلى دين‬
‫قويم‪ ،‬ل اعوجاج فيه‪.‬‬

‫ل الل ّ َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن )‪(68‬‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫ُ‬ ‫جاد َُلو َ‬
‫ك فَُق ْ‬ ‫ن َ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫وإن أصّروا على مجادلتك بالباطل فيما تدعوهم إليه فل تجادلهم‪،‬‬
‫بل قل لهم‪ :‬الله أعلم بما تعملونه من الكفر والتكذيب‪ ،‬فهم‬
‫معاندون مكابرون‪.‬‬

‫ن )‪(69‬‬
‫خت َل ُِفو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫مةِ ِفي َ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫م ي َوْ َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬
‫الله تعالى يحكم بين المسلمين والكافرين يوم القيامة في أمر‬
‫من‬
‫اختلفهم في الدين‪ .‬وفي هذه الية أدب حسن في الرد على َ‬
‫جادل تعنًتا واستكباًرا‪.‬‬

‫ن الل ّه ي َعْل َم ما ِفي السماءِ وال َ‬ ‫أَ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫ب إِ ّ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ض إِ ّ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت َعْل َ ْ‬
‫م‬ ‫أل َ ْ‬
‫م‬
‫سيٌر )‪(70‬‬ ‫الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫عََلى‬ ‫ك‬‫ذ َل ِ َ‬
‫ألم تعلم‪ -‬أيها النبي‪ -‬أن الله يعلم ما في السماء والرض علما ً‬
‫كامل قد أثبته في اللوح المحفوظ؟ إن ذلك العلم أمر سهل على‬
‫الله‪ ،‬الذي ل يعجزه شيء‪.‬‬

‫عل ْ ٌ‬
‫م‬ ‫س ل َهُ ْ‬
‫م ب ِهِ ِ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬
‫طانا ً وَ َ‬
‫سل ْ َ‬ ‫م ي ُن َّز ْ‬
‫ل ب ِهِ ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫ن الل ّهِ َ‬
‫دو ِ‬‫ن ُ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫دو َ‬‫وَي َعْب ُ ُ‬
‫صيرٍ )‪(71‬‬ ‫ن نَ ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬‫ما ِلل ّ‬ ‫وَ َ‬
‫ويصر كفار قريش على الشرك بالله مع ظهور بطلن ما هم عليه‪،‬‬
‫من كتب الله برهان بأنها‬
‫زل في كتاب ِ‬ ‫فهم يعبدون آلهة‪ ،‬لم ي َن ْ ِ‬
‫تصلح للعبادة‪ ،‬ول علم لهم فيما اختلقوه‪ ،‬وافتروه على الله‪ ،‬وإنما‬
‫هو أمر اتبعوا فيه آباَءهم بل دليل‪ .‬فإذا جاء وقت الحساب في‬
‫الخرة فليس للمشركين ناصر ينصرهم‪ ،‬أو يدفع عنهم العذاب‪.‬‬

‫‪663‬‬
‫ن ك ََف هُروا ال ْ ُ‬
‫من ْك َهَر‬ ‫جوهِ ال ّه ِ‬
‫ذي ُ َ‬ ‫ف ِفي وُ ُ‬ ‫ت ت َعْرِ ُ‬ ‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬‫ذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫مه ْ‬ ‫ش هّر ِ‬ ‫ل أفَ هأن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬
‫م آَيات ِن َهها قُ ه ْ‬ ‫ن ي َت ُْلو َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬ ‫طو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن يَ ْ‬‫دو َ‬ ‫كا ُ‬ ‫يَ َ‬
‫صيُر )‪(72‬‬ ‫م ِ‬ ‫س ال ْ َ‬
‫ن ك ََفُروا وَب ِئ ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫ها الل ّ ُ‬ ‫م الّناُر وَعَد َ َ‬ ‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫وإذا تتلى آيات القرآن الواضحة على هؤلء المشركين ترى الكراهة‬
‫ظاهرة على وجوههم‪ ،‬يكادون يبطشون بالمؤمنين الذين يدعونهم‬
‫إلى الله تعالى‪ ،‬ويتلون عليهم آياته‪ .‬قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أفل‬
‫أخبركم بما هو أشد كراهة إليكم من سماع الحق ورؤية الداعين‬
‫دها الله للكافرين في الخرة‪ ،‬وبئس المكان الذي‬ ‫إليه؟ النار أع ّ‬
‫يصيرون إليه‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مه ْ‬
‫ن ِ‬‫عو َ‬ ‫ن ت َهد ْ ُ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّه ِ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫مُعوا ل َه ُ‬ ‫ل َفا ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫مث َ ٌ‬
‫ب َ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ش هْيئا ً ل‬
‫ب َ‬‫م ال هذ َّبا ُ‬ ‫س هل ُب ْهُ ْ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫معُههوا ل َه ُ‬
‫ه وَإ ِ ْ‬ ‫خل ُُقوا ذ َُبابا ً وَل َهوْ ا ْ‬
‫جت َ َ‬ ‫ن يَ ْ‬‫الل ّهِ ل َ ْ‬
‫ب )‪(73‬‬ ‫مط ُْلو ُ‬ ‫ب َوال ْ َ‬ ‫ف ال ّ‬
‫طال ِ ُ‬ ‫ضع ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ذوهُ ِ‬ ‫سَتنِق ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫رب مثل فاستمعوا له وتدبروه‪ :‬إن الصنام والنداد‬ ‫ض ِ‬
‫يا أيها الناس ُ‬
‫خْلق ذبابة‬
‫التي تعبدونها من دون الله لن تقدر مجتمعة على َ‬
‫واحدة‪ ،‬فكيف بخلق ما هو أكبر؟ ول تقدر أن تستخلص ما يسلبه‬
‫ف‬‫ضع ُ َ‬
‫جز؟ فهما ضعيفان مًعا‪َ :‬‬
‫من عَ ْ‬
‫الذباب منها‪ ،‬فهل بعد ذلك ِ‬
‫الطالب الذي هو المعبود من دون الله أن يستنقذ ما أخذه الذباب‬
‫ف المطلوب الذي هو الذباب‪ ،‬فكيف ت ُّتخذ هذه الصنام‬ ‫ضع ُ َ‬
‫منه‪ ,‬و َ‬
‫والنداد آلهة‪ ,‬وهي بهذا الهوان؟‬

‫ه ل ََقوِيّ عَ ِ‬
‫زيٌز )‪(74‬‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫حقّ قَد ْرِهِ إ ِ ّ‬ ‫ما قَد َُروا الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ظموا الله حق تعظيمه‪ ,‬إذ جعلوا له شركاء‪،‬‬ ‫هؤلء المشركون لم يع ّ‬
‫وهو القوي الذي خلق كل شيء‪ ،‬العزيز الذي ل يغاَلب‪.‬‬

‫صههيٌر )‬
‫ميعٌ ب َ ِ‬
‫س ِ‬‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬
‫س إِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن الّنا‬‫م ْ‬‫سل ً وَ ِ‬ ‫ملئ ِك َةِ ُر ُ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬‫صط َِفي ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬
‫ُ‬ ‫‪ (75‬يعل َم ما بي َ‬
‫موُر )‪(76‬‬ ‫جعُ ال ُ‬ ‫م وَإ َِلى الل ّهِ ت ُْر َ‬‫خل َْفهُ ْ‬‫ما َ‬‫م وَ َ‬ ‫ديهِ ْ‬‫ن أي ْ ِ‬‫َْ ُ َ َْ َ‬
‫الله سبحانه وتعالى يختار من الملئكة رسل إلى أنبيائه‪ ,‬ويختار من‬
‫الناس رسل لتبليغ رسالته إلى الخلق‪ ،‬إن الله سميع لقوال عباده‪،‬‬
‫‪664‬‬
‫من خلقه‪ .‬وهو سبحانه‬ ‫بصير بجميع الشياء‪ ،‬وبمن يختاره للرسالة ِ‬
‫يعلم ما بين أيدي ملئكته ورسله من قبل أن يخلقهم‪ ،‬ويعلم ما هو‬
‫كائن بعد فنائهم‪ .‬وإلى الله وحده ترجع المور‪.‬‬

‫م َوافْعَل ُههوا ال ْ َ‬ ‫َ‬


‫خي ْهَر‬ ‫دوا َرب ّك ُه ْ‬ ‫دوا َواعْب ُه ُ‬ ‫ج ُ‬
‫سه ُ‬ ‫مُنوا اْرك َُعوا َوا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫مهها‬ ‫م وَ َ‬ ‫جت َب َههاك ُ ْ‬
‫جَهادِهِ هُ هوَ ا ْ‬ ‫حق ّ ِ‬ ‫دوا ِفي الل ّهِ َ‬ ‫جاهِ ُ‬‫ن )‪ (77‬وَ َ‬ ‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ل عَل َيك ُم في الهدين مهن حهرج مل ّه َ َ‬
‫م‬‫ماك ُ ْ‬ ‫سه ّ‬ ‫م ه ُ هو َ َ‬ ‫هيه َ‬ ‫ة أِبيك ُه ْ‬
‫م إ ِب َْرا ِ‬ ‫ّ ِ ِ ْ َ َ ٍ ِ‬ ‫ْ ْ ِ‬ ‫جع َ َ‬ ‫َ‬
‫كوُنههوا‬ ‫م وَت َ ُ‬ ‫شِهيدا ً عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ذا ل ِي َ ُ‬
‫ل وَِفي هَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫سِلمي‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫موا ب ِههالل ّهِ هُ ه َ‬
‫و‬ ‫ص ُ‬ ‫كاةَ َواعْت َ ِ‬ ‫صلةَ َوآُتوا الّز َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫س فَأِقي ُ‬‫داَء عَلى الّنا ِ‬
‫َ‬ ‫شه َ َ‬ ‫ُ‬
‫صيُر )‪(78‬‬ ‫م الن ّ ِ‬ ‫موَْلى وَن ِعْ َ‬‫م ال ْ َ‬ ‫م فَن ِعْ َ‬ ‫ولك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم اركعوا‬
‫واسجدوا في صلتكم‪ ،‬واعبدوا ربكم وحده ل شريك له‪ ,‬وافعلوا‬
‫ما بأمر الله‪،‬‬
‫ما تا ّ‬
‫الخير; لتفلحوا‪ ،‬وجاهدوا أنفسكم‪ ،‬وقوموا قيا ً‬
‫وادعوا الخلق إلى سبيله‪ ،‬وجاهدوا بأموالكم وألسنتكم وأنفسكم‪,‬‬
‫مخلصين فيه النية لله عز وجل‪ ،‬مسلمين له قلوبكم وجوارحكم‪،‬‬
‫ن عليكم بأن جعل شريعتكم‬ ‫هو اصطفاكم لحمل هذا الدين‪ ،‬وقد م ّ‬
‫سمحة‪ ,‬ليس فيها تضييق ول تشديد في تكاليفها وأحكامها‪ ,‬كما كان‬
‫في بعض المم قبلكم‪ ,‬هذه الملة السمحة هي ملة أبيكم إبراهيم‪،‬‬
‫ل في الكتب المنزلة السابقة‪,‬‬ ‫من قب ُ‬‫ماكم الله المسلمين ِ‬ ‫س ّ‬
‫وقد َ‬
‫صكم بهذا الختيار ; ليكون خاتم الرسل‬ ‫وفي هذا القرآن‪ ،‬وقد اخت ّ‬
‫دا عليكم بأنه بّلغكم رسالة ربه‪,‬‬ ‫محمد صلى الله عليه وسلم شاه ً‬
‫وتكونوا شهداء على المم أن رسلهم قد بّلغتهم بما أخبركم الله به‬
‫في كتابه‪ ،‬فعليكم أن تعرفوا لهذه النعمة قدرها‪ ،‬فتشكروها‪,‬‬
‫وتحافظوا على معالم دين الله بأداء الصلة بأركانها وشروطها‪,‬‬
‫وإخراج الزكاة المفروضة‪ ,‬وأن تلجؤوا إلى الله سبحانه وتعالى‪,‬‬
‫م المولى لمن توله‪ ,‬ونعم النصير لمن‬ ‫وتتوكلوا عليه‪ ,‬فهو ن ِعْ َ‬
‫استنصره‪.‬‬

‫‪665‬‬
‫الجزء الثامن عشر ‪:‬‬

‫‪ -23‬سورة المؤمنون‬

‫َ‬
‫ن )‪(1‬‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫قَد ْ أفْل َ َ‬
‫دقون بالله وبرسوله العاملون بشرعه‪.‬‬
‫قد فاز المص ّ‬

‫ن )‪(2‬‬
‫شُعو َ‬
‫خا ِ‬
‫م َ‬
‫صلت ِهِ ْ‬
‫م ِفي َ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الذين من صفاتهم أنهم في صههلتهم خاشههعون‪ ,‬ت َْف هُرغُ لههها قلههوبهم‪,‬‬
‫وتسكن جوارحهم‪.‬‬

‫ن )‪(3‬‬
‫ضو َ‬ ‫ن الل ّغْوِ ُ‬
‫معْرِ ُ‬ ‫م عَ ْ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫والذين هم تاركون لكل ما ل خير فيه من القوال والفعال‪.‬‬

‫عُلو َ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫م ِللّز َ‬
‫كاةِ َفا ِ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫مط َّهرون لنفوسهم وأموالهم بههأداء زكههاة أمههوالهم علههى‬ ‫والذين هم ُ‬
‫اختلف أجناسها‪.‬‬

‫ن )‪(5‬‬ ‫حافِ ُ‬
‫ظو َ‬ ‫م َ‬
‫جه ِ ْ‬
‫م ل ُِفُرو ِ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫والذين هم لفروجهم حافظون مما ح هّرم اللههه مههن الزنههى واللههواط‬
‫وكل الفواحش‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫مُلو ِ‬
‫مي َ‬ ‫م غَي ُْر َ‬
‫م فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫مان ُهُ ْ‬ ‫مل َك َ ْ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫ما َ‬
‫م أو ْ َ‬ ‫إ ِل ّ عََلى أْزَوا ِ‬
‫جه ِ ْ‬

‫‪666‬‬
‫إل على زوجاتهم أو ما ملكت أيمانهم من الماء‪ ,‬فل لوم عليهههم ول‬
‫حرج في جماعهن والستمتاع بهن; لن الله تعالى أحّلهن‪.‬‬

‫ن )‪(7‬‬ ‫م ال َْعا ُ‬
‫دو َ‬ ‫ك فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫ن اب ْت ََغى وََراءَ ذ َل ِ َ‬ ‫فَ َ‬
‫م ْ‬
‫مت ِههه فهههو مههن المجههاوزين الحلل‬
‫فمن طلب التمتع بغير زوجتههه أو أ َ‬
‫إلى الحرام‪ ,‬وقد عّرض نفسه لعقاب الله وسخطه‪.‬‬

‫ن )‪(8‬‬
‫عو َ‬
‫م َرا ُ‬ ‫َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫م وَعَهْدِهِ ْ‬
‫ماَنات ِهِ ْ‬
‫مل َ‬‫ن هُ ْ‬
‫ذي َ‬
‫والذين هم حافظون لكل ما اؤتمنوا عليه‪ ,‬موّفون بكل عهودهم‪.‬‬

‫ن )‪(9‬‬ ‫حافِ ُ‬
‫ظو َ‬ ‫م يُ َ‬ ‫صل َ َ‬
‫وات ِهِ ْ‬ ‫م عََلى َ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫والههذين هههم يههداومون علههى أداء صههلتهم فههي أوقاتههها علههى هيئتههها‬
‫المشروعة‪ ,‬الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫م ال ْ َ‬
‫وارُِثو َ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬
‫هؤلء المؤمنون هم الوارثون الجنة‪.‬‬

‫ن )‪(11‬‬
‫دو َ‬
‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫ن ال ِْفْرد َوْ َ‬
‫س هُ ْ‬ ‫ن ي َرُِثو َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الذين يرثهون أعلهى منهازل الجنهة وأوسهطها‪ ,‬ههم فيهها خالهدون‪ ,‬ل‬
‫ينقطع نعيمهم ول يزول‪.‬‬

‫ن )‪(12‬‬
‫طي ٍ‬
‫ن ِ‬ ‫سلل َةٍ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫سا َ‬ ‫خل َْقَنا ا ِ‬
‫لن َ‬ ‫وَل ََقد ْ َ‬
‫ولقد خلقنا آدم من طين مأخوذ من جميع الرض‪.‬‬

‫ن )‪(13‬‬
‫كي ٍ‬
‫م ِ‬ ‫جعَل َْناهُ ن ُط َْف ً‬
‫ة ِفي قََرارٍ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م َ‬

‫‪667‬‬
‫مههن نطفههة‪ :‬هههي منههي الرجههال تخههرج مههن‬
‫ثم خلقنا بنيه متناسههلين ِ‬
‫أصلبهم‪ ,‬فتستقر متمكنة في أرحام النساء‪.‬‬

‫ظاما ً‬‫ع َ‬‫ة ِ‬‫ضغ َ َ‬‫م ْ‬‫خل َْقَنا ال ْ ُ‬‫ة فَ َ‬


‫ضغ َ ً‬
‫م ْ‬ ‫ة ُ‬‫خل َْقَنا ال ْعَل ََق َ‬
‫ة فَ َ‬ ‫ة عَل ََق ً‬ ‫خل َْقَنا الن ّط َْف َ‬
‫م َ‬‫ثُ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫سه ُ‬‫ح َ‬‫هأ ْ‬ ‫ك الل ّه ُ‬‫خهَر فَت َب َههاَر َ‬‫خْلقها ً آ َ‬‫شهأَناهُ َ‬ ‫م أن َ‬ ‫حمها ً ث ُه ّ‬ ‫م لَ ْ‬‫ظا َ‬‫سوَْنا ال ْعِ َ‬‫فَك َ َ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫خال ِِقي َ‬‫ال ْ َ‬
‫ما‬
‫ما أحمر‪ ,‬فخلقنا العلقة بعد أربعين يو ً‬ ‫ثم خلقنا النطفة علقة أي‪ :‬د ً‬
‫مهها‪,‬‬
‫مضغ‪ ,‬فخلقنا المضغة اللينة عظا ً‬ ‫در ما ي ُ ْ‬‫مضغة أي‪ :‬قطعة لحم قَ ْ‬
‫ما‪ ,‬ثم أنشأناه خلًقا آخر بنفخ الروح فيه‪ ,‬فتبارك‬ ‫فكسونا العظام لح ً‬
‫الله‪ ,‬الذي أحسن كل شيء خلقه‪.‬‬

‫ن )‪(15‬‬ ‫ك لَ َ‬
‫مي ُّتو َ‬ ‫م إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ثم إنكم أيها البشر بعد أطوار الحياة وانقضاء العمار َلميتون‪.‬‬

‫ن )‪(16‬‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫مةِ ت ُب ْعَُثو َ‬ ‫م إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م ي َوْ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ثم إنكم بعد الموت وانقضاء الدنيا ت ُْبعثههون يههوم القيامههة أحيههاء مههن‬
‫قبوركم للحساب والجزاء‪.‬‬

‫ن )‪(17‬‬ ‫ق َ‬
‫غافِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ ْ‬ ‫سب ْعَ ط ََرائ ِقَ وَ َ‬
‫ما ك ُّنا عَ ْ‬ ‫خل َْقَنا فَوْقَك ُ ْ‬
‫وَل ََقد ْ َ‬
‫خل ِ‬ ‫م َ‬
‫ولقد خلقنا فوقكم سبع سموات بعضههها فههوق بعههض‪ ,‬ومهها كنهها عههن‬
‫ل مخلوًقا‪ ,‬ول ننساه‪.‬‬
‫الخلق غافلين‪ ,‬فل ن ُغِْف ُ‬

‫من السماءِ ماءً بَقد َر فَأ َسك َّناه ِفي ال َ‬ ‫وََأنَزل ْ‬


‫ض وَإ ِن ّهها عَل َههى ذ َهَهها ٍ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬
‫َ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫ب ِهِ ل ََقادُِرو َ‬
‫وأنزلنا من السماء ماء بقدر حاجة الخلئق‪ ,‬وجعلنا الرض مستقًرا‬
‫ذهاب بالماء المستقر َلقادرون‪ .‬وفي هذا تهديد‬
‫لهذا الماء‪ ,‬وإنا على َ‬
‫ووعيد للظالمين‪.‬‬

‫‪668‬‬
‫َ‬ ‫فََأن َ ْ‬
‫ه ك َِثيهَرةٌ‬ ‫ب ل َك ُه ْ‬
‫م ِفيهَهها فَه َ‬
‫واك ِ ُ‬ ‫ل وَأعْن َهها ٍ‬
‫خيه ٍ‬
‫ن نَ ِ‬
‫مه ْ‬
‫ت ِ‬
‫جّنا ٍ‬
‫م ب ِهِ َ‬‫شأَنا ل َك ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫من َْها ت َأك ُُلو َ‬‫وَ ِ‬
‫فأنشأنا بهذا الماء لكم بساتين النخيل والعناب‪ ,‬لكم فيها فواكه‬
‫كثيرة النواع والشكال‪ ,‬ومنها تأكلون‪.‬‬

‫ن )‪(20‬‬
‫صب ٍْغ ِللك ِِلي َ‬
‫ن وَ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ت ِبالد ّهْ ِ‬
‫سي َْناءَ ت َن ْب ُ ُ‬
‫طورِ َ‬ ‫م ْ‬
‫ج ِ‬
‫خُر ُ‬
‫جَرةً ت َ ْ‬
‫ش َ‬
‫وأنشأنا لكم به شجرة الزيتون التي تخرج حول جبل طور "سيناء"‪,‬‬
‫دهن ويؤتدم به‪.‬‬ ‫يعصر منها الزيت‪ ,‬في ّ‬

‫َ‬
‫طون ِهَهها وَل َك ُه ْ‬
‫م ِفيهَهها‬ ‫مهها فِههي ب ُ ُ‬
‫م ّ‬ ‫م ِفي الن َْعام ِ ل َعِب ْهَرةً ُنسهِقيك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫وَإ ِ ّ‬
‫ْ‬
‫ن )‪(21‬‬ ‫من َْها ت َأك ُُلو َ‬‫مَنافِعُ ك َِثيَرةٌ وَ ِ‬ ‫َ‬
‫وإن لكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬في البل والبقر والغنم َلعبرة تعتبرون‬
‫بخلقها‪ ,‬نسقيكم مما في بطونها من اللبن‪ ,‬ولكم فيها منافع أخرى‬
‫كثيرة كالصوف والجلود‪ ,‬ونحوهما‪ ,‬ومنها تأكلون‪.‬‬

‫مُلو َ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫ح َ‬ ‫وَعَل َي َْها وَعََلى ال ُْفل ْ ِ‬
‫ك تُ ْ‬
‫ملون‪.‬‬
‫ح َ‬
‫وعلى البل والسفن في البر والبحر ت ُ ْ‬

‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫مهها ل َك ُه ْ‬
‫م ِ‬ ‫دوا الل ّه َ‬
‫ه َ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ اعْب ُ ُ‬ ‫سل َْنا ُنوحا ً إ َِلى قَوْ ِ‬
‫مهِ فََقا َ‬ ‫وَل ََقد ْ أْر َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫إ ِل َهٍ غَي ُْرهُ أَفل ت َت ُّقو َ‬
‫حا إلى قومه‪ ,‬بدعوة التوحيد فقال لهم‪ :‬اعبدوا الله‬
‫ولقد أرسلنا نو ً‬
‫وحده‪ ,‬ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعل‪ ،‬فأخلصوا‬
‫له العبادة‪ ،‬أفل تخشون عذابه؟‬

‫َ‬
‫ن‬
‫ريهد ُ أ ْ‬ ‫مث ْل ُك ُه ْ‬
‫م يُ ِ‬ ‫شهٌر ِ‬ ‫ذا إ ِل ّ ب َ َ‬‫مهها هَه َ‬ ‫مه ِ َ‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫مل ال ّ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫فََقا َ‬
‫شاَء الل ّه َ‬ ‫م وَل َوْ َ‬
‫ذا ِفهي آَبائ َِنها‬ ‫معَْنا ب َِهه َ‬
‫سه ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ً‬
‫ل َ‬ ‫لنَز َ‬ ‫ُ‬ ‫ل عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ي َت ََف ّ‬
‫ن هُوَ إ ِل ّ َر ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫حّتى ِ‬ ‫صوا ب ِهِ َ‬ ‫ة فَت ََرب ّ ُ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫ج ٌ‬
‫ل ب ِهِ ِ‬ ‫ن )‪ (24‬إ ِ ْ‬ ‫الوِّلي َ‬
‫‪669‬‬
‫ذبه أشراف قومه‪ ,‬وقالوا لعامتهم‪ :‬إنه إنسان مثلكم ل يتمّيز‬‫فك ّ‬
‫عنكم بشيء‪ ,‬ول يريد بقوله إل رئاسة وفضل عليكم‪ ،‬ولو شاء الله‬
‫أن يرسل إلينا رسول لرسله من الملئكة‪ ,‬ما سمعنا بمثل هذا‬
‫س من الجنون‪,‬‬ ‫م ّ‬‫من سبقنا من آباء وأجداد‪ .‬وما نوح إل رجل به َ‬‫في َ‬
‫فانتظروا حتى ُيفيق‪ ،‬فيترك دعوته‪ ,‬أو يموت‪ ,‬فتستريحوا منه‪.‬‬

‫ما ك َذ ُّبو ِ‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫صْرِني ب ِ َ‬
‫ب ان ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َر ّ‬
‫قال نوح‪ :‬رب انصرني على قومي; بسبب تكذيبهم إياي فيما‬
‫بّلغتهم من رسالتك‪.‬‬

‫مُرن َهها وَفَههاَر‬ ‫َ‬ ‫حي ِن َهها فَ هإ ِ َ‬ ‫فَأ َوحينا إل َيه أ َن اصنع ال ُْفل ْه َ َ‬
‫جههاَء أ ْ‬‫ذا َ‬ ‫ك ب ِأعْي ُن ِن َهها وَوَ ْ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ْ َ َْ ِ ْ ِ ْ‬
‫َ‬
‫س هب َقَ عَل َي ْههِ‬‫ن َ‬ ‫ك إ ِل ّ َ‬
‫مه ْ‬ ‫ن وَأهْل َه َ‬ ‫ن اث ْن َي ْ ِ‬‫جي ْ ِ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل َزوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِفيَها ِ‬ ‫سل ُ ْ‬
‫الت ّّنوُر َفا ْ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫مغَْرُقو َ‬‫م ُ‬ ‫موا إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫خاط ِب ِْني ِفي ال ّ ِ‬ ‫م َول ت ُ َ‬‫من ْهُ ْ‬ ‫ال َْقوْ ُ‬
‫ل ِ‬
‫فأوحينا إليه أن اصنع السفينة بمرأى منا وبأمرنا لك ومعونتنا‪ ,‬وأنت‬
‫في حفظنا وكلءتنا‪ ،‬فإذا جاء أمرنا بعذاب قومك بالغرق‪ ،‬وبدأ‬
‫الطوفان‪ ،‬فنبع الماء بقوة من التنور ‪-‬وهو المكان الذي يخبز فيه‪-‬‬
‫ل في السفينة من كل الحياء ذكًرا‬ ‫خ ْ‬
‫علمة على مجيء العذاب‪ ,‬فأد ِ‬
‫ن استحق العذاب لكفره‬ ‫م ِ‬
‫وأنثى; ليبقى النسل‪ ،‬وأدخل أهلك إل َ‬
‫كزوجتك وابنك‪ ,‬ول تسألني نجاة قومك الظالمين‪ ،‬فإنهم مغرقون ل‬
‫محالة‪ .‬وفي هذه الية إثبات صفة العين لله سبحانه بما يليق به‬
‫تعالى دون تشبيه ول تكييف‪.‬‬

‫َ‬
‫جاَنا‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬
‫ذي ن َ ّ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ك عََلى ال ُْفل ْ ِ‬
‫ك فَُق ْ‬ ‫مع َ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ت وَ َ‬‫ت أن ْ َ‬ ‫ست َوَي ْ َ‬ ‫فَإ ِ َ‬
‫ذا ا ْ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال َْقوْم ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫فإذا علوت السفينة مستقًرا عليها أنت ومن معك آمنين من الغرق‪،‬‬
‫جانا من القوم الكافرين‪.‬‬
‫فقل‪ :‬الحمد لله الذي ن ّ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫خي ُْر ال ْ ُ‬
‫منزِِلي َ‬ ‫مَباَركا ً وَأن ْ َ‬
‫ت َ‬ ‫ب أنزِل ِْني ُ‬
‫من َْزل ً ُ‬ ‫وَقُ ْ‬
‫ل َر ّ‬

‫‪670‬‬
‫سر لي النزول المبارك المن‪ ،‬وأنت خير المنزلين‪ .‬وفي‬ ‫وقل‪ :‬رب ي ّ‬
‫هذا تعليم من الله عز وجل لعباده إذا نزلوا أن يقولوا هذا‪.‬‬

‫ن )‪(30‬‬ ‫ن ك ُّنا ل َ ُ‬
‫مب ْت َِلي َ‬ ‫ت وَإ ِ ْ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫إِ ّ‬
‫إن في إنجاء المؤمنين وإهلك الكافرين َلدللت واضحات على‬
‫صدق رسل الله فيما جاؤوا به من الله‪ ،‬وإن كنا لمختبرين المم‬
‫بإرسال الرسل إليهم قبل وقوع العقوبة بهم‪.‬‬

‫ث ُم َأن َ ْ‬
‫ن )‪(31‬‬
‫ري َ‬ ‫م قَْرنا ً آ َ‬
‫خ ِ‬ ‫ن ب َعْدِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫شأَنا ِ‬ ‫ّ‬
‫ثم أنشأنا من بعد قوم نوح جيل آخر هم قوم عاد‪.‬‬

‫ن إ ِل َهٍ غَي ْهُرهُ أ ََفل‬ ‫فَأ َرسل ْنا فيهم رسول ً منه َ‬
‫م ْ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ن اعْب ُ ُ‬
‫مأ ْ‬‫ِ ُْ ْ‬ ‫ْ َ َ ِ ِ ْ َ ُ‬
‫ن )‪(32‬‬‫ت َت ُّقو َ‬
‫فأرسلنا فيهم رسول منهم هو هود عليه السلم‪ ،‬فقال لهم‪ :‬اعبدوا‬
‫الله وحده ليس لكم معبود بحق غيره‪ ،‬أفل تخافون عقابه إذا عبدتم‬
‫غيره؟‬

‫َ‬
‫م‬‫خهَرةِ وَأت َْرفَْنهاهُ ْ‬‫كهذ ُّبوا ب ِل َِقهاِء ال ِ‬ ‫ن ك ََفُروا وَ َ‬ ‫َ‬ ‫م ه ِ ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫ن قَوْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫مل ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫وََقا َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫من ْه ُ‬
‫ن ِ‬‫مهها ت َهأك ُُلو َ‬‫م ّ‬ ‫م ي َأك ُه ُ‬
‫ل ِ‬ ‫مث ْل ُك ُه ْ‬‫شهٌر ِ‬‫ذا إ ِل ّ ب َ َ‬
‫مهها هَه َ‬ ‫حي َههاةِ الهد ّن َْيا َ‬‫ِفي ال ْ َ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫شَرُبو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬
‫م ّ‬
‫ب ِ‬ ‫شَر ُ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫وقال الشراف والوجهاء من قومه الذين كفروا بالله‪ ,‬وأنكروا‬
‫الحياة الخرة‪ ,‬وأطغاهم ما ُأنعم به عليهم في الدنيا من ترف‬
‫العيش‪ :‬ما هذا الذي يدعوكم إلى توحيد الله تعالى إل بشر مثلكم‬
‫يأكل من جنس طعامكم‪ ,‬ويشرب من جنس شرابكم‪.‬‬

‫م ِإذا ً ل َ َ‬ ‫ول َئ ِ َ‬
‫ن )‪(34‬‬
‫سُرو َ‬
‫خا ِ‬ ‫مث ْل َك ُ ْ‬
‫م إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫شرا ً ِ‬ ‫ن أط َعْت ُ ْ‬
‫م بَ َ‬ ‫َ ْ‬
‫دا مثلكم إنكم إ ً‬
‫ذا لخاسرون بترككم آلهتكم واتباعكم‬ ‫ولئن اتبعتم فر ً‬
‫إياه‪.‬‬
‫‪671‬‬
‫َ‬ ‫أ َيعِدك ُ َ‬
‫ن )‪(35‬‬
‫جو َ‬
‫خَر ُ‬
‫م ْ‬ ‫ظاما ً أن ّك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ع َ‬
‫م ت َُرابا ً وَ ِ‬ ‫م وَ ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫مت ّ ْ‬
‫ذا ِ‬ ‫م أن ّك ُ ْ‬
‫م إِ َ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫ما‬
‫دكم به من أنكم إذا مّتم‪ ،‬وصرتم تراًبا وعظا ً‬
‫دقون ما ي َعِ ُ‬
‫ص ّ‬‫كيف ت ُ َ‬
‫خَرجون من قبوركم أحياء؟‬ ‫مفتتة‪ ،‬ت ُ ْ‬

‫ن )‪(36‬‬
‫دو َ‬
‫ما ُتوعَ ُ‬
‫ت لِ َ‬
‫ت هَي َْها َ‬
‫هَي َْها َ‬
‫خَرجون‬
‫بعيد حًقا ما توعدون به أيها القوم من أنكم بعد موتكم ت ُ ْ‬
‫أحياء من قبوركم‪.‬‬

‫ن )‪(37‬‬
‫مب ُْعوِثي َ‬
‫ن بِ َ‬
‫ح ُ‬
‫ما ن َ ْ‬
‫حَيا وَ َ‬
‫ت وَن َ ْ‬
‫مو ُ‬ ‫ي إ ِل ّ َ‬
‫حَيات َُنا الد ّن َْيا ن َ ُ‬ ‫ن هِ َ‬
‫إِ ْ‬
‫ما حياتنا إل في هذه الدنيا‪ ،‬يموت الباء منا ويحيا البناء‪ ،‬وما نحن‬
‫بمخرجين أحياء مرة أخرى‪.‬‬

‫ن )‪(38‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه بِ ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫ذبا ً وَ َ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫ل افْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َ ِ‬ ‫ن هُوَ إ ِل ّ َر ُ‬
‫ج ٌ‬ ‫إِ ْ‬
‫وما هذا الداعي لكم إلى اليمان إل رجل اختلق على الله كذًبا‪,‬‬
‫ولسنا بمصدقين ما قاله لنا‪.‬‬

‫ما ك َذ ُّبو ِ‬
‫ن )‪(39‬‬ ‫صْرِني ب ِ َ‬
‫ب ان ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َر ّ‬
‫فدعا رسولهم ربه قائل رب انصرني عليهم بسبب تكذيبهم لي‪.‬‬

‫ن )‪(40‬‬
‫مي َ‬
‫ن َنادِ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫ل ل َي ُ ْ‬
‫صب ِ ُ‬ ‫ما قَِلي ٍ‬ ‫َقا َ‬
‫ل عَ ّ‬
‫ن نادمين‪ ,‬أي‪ :‬بعد زمن‬
‫ح ّ‬
‫ما قليل ليصب ُ‬
‫وقال الله مجيًبا لدعوته‪ :‬ع ّ‬
‫قريب سيصير هؤلء المكذبون نادمين‪.‬‬

‫َ‬
‫ن)‬ ‫م غُث َههاًء فَب ُعْههدا ً ل ِل َْقهوْم ِ الظ ّههال ِ ِ‬
‫مي َ‬ ‫جعَل ْن َههاهُ ْ‬ ‫ة ِبال ْ َ‬
‫حق ّ ف َ َ‬ ‫ح ُ‬
‫صي ْ َ‬ ‫فَأ َ‬
‫خذ َت ْهُ ْ‬
‫م ال ّ‬
‫‪(41‬‬

‫‪672‬‬
‫ولم يلبثوا أن جاءتهم صيحة شديدة مع ريح‪ ،‬أهلكهم الله بها‪ ،‬فماتوا‬
‫جميًعا‪ ،‬وأصبحوا كغثاء السيل الذي يطفو على الماء‪ ،‬فهل ً‬
‫كا لهؤلء‬
‫دا لهم من رحمة الله‪ ,‬فليحذر السامعون أن يكذبوا‬ ‫الظالمين وب ُعْ ً‬
‫رسولهم‪ ،‬فيحل بهم ما حل بسابقيهم‪.‬‬

‫ً‬ ‫ُ‬ ‫شأ ْ‬


‫م َأن َ‬
‫ن )‪(42‬‬
‫ري َ‬
‫ِ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫آ‬ ‫ا‬ ‫رون‬
‫ُ‬ ‫ق‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫د‬‫ْ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ما وخلئق آخرين كأقوام‪ :‬لوط‬
‫ثم أنشأنا من بعد هؤلء المكذبين أم ً‬
‫وشعيب وأيوب ويونس صلوات الله وسلمه عليهم أجمعين‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ما تسبق م ُ‬


‫ن )‪(43‬‬
‫خُرو َ‬
‫ست َأ ِ‬ ‫جل ََها وَ َ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫مة ٍ أ َ‬
‫نأ ّ‬‫َ َ ْ ِ ُ ِ ْ‬
‫ما تتقدم أي أمة من هذه المم المكذبة الوقت المحدد لهلكها‪ ،‬ول‬
‫تتأخر عنه‪.‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ثُ َ‬


‫م‬ ‫سول َُها ك َذ ُّبوهُ فَأت ْب َعَْنا ب َعْ َ‬
‫ضه ُ ْ‬ ‫ة َر ُ‬ ‫م ً‬
‫جاَء أ ّ‬
‫ما َ‬ ‫ل َ‬‫سل ََنا ت َت َْرى ك ُ ّ‬‫سل َْنا ُر ُ‬‫م أْر َ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫مُنو َ‬‫ث فَب ُْعدا ً ل َِقوْم ٍ ل ي ُؤْ ِ‬
‫حاِدي َ‬ ‫مأ َ‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬
‫ب َْعضا ً وَ َ‬
‫ضا‪ ،‬كلما دعا رسول‬ ‫ثم أرسلنا رسلنا إلى تلك المم يتبع بعضهم بع ً‬
‫ضا بالهلك والدمار‪ ،‬ولم ي َب ْقَ إل أخبار‬
‫أمته كذبوه‪ ,‬فأتبعنا بعضهم بع ً‬
‫هلكهم‪ ،‬وجعلناها أحاديث لمن بعدهم‪ ,‬يتخذونها عبرة‪ ،‬فهل ً‬
‫كا‬
‫حًقا لقوم ل يصدقون الرسل ول يطيعونهم‪.‬‬ ‫س ْ‬
‫و ُ‬

‫ن )‪ (45‬إ ِل َههى‬
‫مِبي ه ٍ‬
‫ن ُ‬ ‫س هل ْ َ‬
‫طا ٍ‬ ‫ن ِبآَيات ِن َهها وَ ُ‬ ‫سى وَأ َ َ‬
‫خاهُ هَههاُرو َ‬ ‫مو َ‬ ‫سل َْنا ُ‬
‫ثُ َ‬
‫م أْر َ‬‫ّ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫عاِلي َ‬
‫وما َ‬‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ست َكب َُروا وَكاُنوا قَ ْ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِهِ َفا ْ‬‫ن وَ َ‬
‫فِْرعَوْ َ‬
‫ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا التسع وهي‪ :‬العصا واليد‬
‫مل والضفادع والدم والطوفان والسنون ونقص من‬ ‫والجراد والُق ّ‬
‫ة بّينة تقهر القلوب فتنقاد لها قلوب المؤمنين‪ ,‬وتقوم‬
‫الثمرات‪ ,‬حج ً‬
‫الحجة على المعاندين‪ ,‬أرسلناهما إلى فرعون حاكم "مصر"‬
‫ما‬
‫وأشراف قومه‪ ،‬فاستكبروا عن اليمان بموسى وأخيه‪ ،‬وكانوا قو ً‬
‫متطاولين على الناس قاهرين لهم بالظلم‪.‬‬

‫‪673‬‬
‫ما ل ََنا َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(47‬‬
‫دو َ‬
‫عاب ِ ُ‬ ‫مث ْل َِنا وَقَوْ ُ‬
‫مه ُ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن ل ِب َ َ‬
‫شَري ْ ِ‬ ‫فََقاُلوا أن ُؤْ ِ‬
‫م ُ‬
‫دق فَْرد َْين مثلنا‪ ،‬وقومهما من بني إسرائيل تحت إمرتنا‬
‫فقالوا‪ :‬أنص ّ‬
‫مطيعون متذللون لنا؟‬

‫ن )‪(48‬‬ ‫مهْل َ ِ‬
‫كي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ما فَ َ‬
‫كاُنوا ِ‬ ‫فَك َذ ُّبوهُ َ‬
‫فكذبوهما فيما جاءا به‪ ،‬فكانوا من المهلكين بالغرق في البحر‪.‬‬

‫ن )‪(49‬‬
‫دو َ‬ ‫ب ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َهْت َ ُ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫وَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ‬
‫مو َ‬
‫ولقد آتينا موسى التوراة؛ ليهتدي بها قومه إلى الحق‪.‬‬

‫ن)‬ ‫ه‬ ‫عي‬


‫ِ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫را‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ة‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ما إ ِ َ‬
‫لى‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫وآ‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ي‬‫آ‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫وجعل ْنا ابن مريم وأ ُ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ‬
‫‪(50‬‬
‫وجعلنا عيسى بن مريم وأمه علمة دالة على قدرتنا؛ إذ خلقناه من‬
‫و‬
‫غير أب‪ ،‬وجعلنا لهما مأوى في مكان مرتفع من الرض‪ ،‬متس ٍ‬
‫للستقرار عليه‪ ،‬فيه خصوبة وماء جار ظاهر للعيون‪.‬‬

‫َ‬
‫مل ُههو َ‬
‫ن‬ ‫صههاِلحا ً إ ِن ّههي ب ِ َ‬
‫مهها ت َعْ َ‬ ‫مل ُههوا َ‬ ‫ن الط ّي َّبا ِ‬
‫ت َواعْ َ‬ ‫ل ك ُُلوا ِ‬
‫م ْ‬ ‫س ُ‬
‫َيا أي َّها الّر ُ‬
‫م )‪(51‬‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫يا أيها الرسل كلوا من طيب الرزق الحلل‪ ،‬واعملوا العمال‬
‫ي شيء من أعمالكم‪.‬‬ ‫الصالحة‪ ,‬إني بما تعملون عليم‪ ,‬ل يخفى عل ّ‬
‫والخطاب في الية عام للرسل‪ -‬عليهم السلم‪ -‬وأتباعهم‪ ،‬وفي‬
‫الية دليل على أن أكل الحلل عون على العمل الصالح‪ ،‬وأن عاقبة‬
‫الحرام وخيمة‪ ,‬ومنها رد الدعاء‪.‬‬

‫َ‬ ‫وإن هَذه أ ُمتك ُ ُ‬


‫حد َةً وَأَنا َرب ّك ُ ْ‬
‫م َفات ُّقو ِ‬
‫ن )‪(52‬‬ ‫ة َوا ِ‬
‫م ً‬
‫مأ ّ‬‫َِ ّ ِ ِ ّ ُ ْ‬

‫‪674‬‬
‫ن دينكم‪ -‬يا معشر النبياء‪ -‬دين واحد وهو السلم‪ ,‬وأنا ربكم‬
‫وإ ّ‬
‫فاتقوني بامتثال أوامري واجتناب زواجري‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(53‬‬
‫حو َ‬ ‫ما ل َد َي ْهِ ْ‬
‫م فَرِ ُ‬ ‫ب بِ َ‬
‫حْز ٍ‬ ‫م ُزُبرا ً ك ُ ّ‬
‫ل ِ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫فَت ََقط ُّعوا أ ْ‬
‫مَرهُ ْ‬
‫فتفّرق التباع في الدين إلى أحزاب وشيع‪ ،‬جعلوا دينهم أدياًنا بعدما‬
‫ُأمروا بالجتماع‪ ،‬كل حزب معجب برأيه زاعم أنه على الحق وغيره‬
‫على الباطل‪ .‬وفي هذا تحذير من التحزب والتفرق في الدين‪.‬‬

‫ن )‪(54‬‬
‫حي ٍ‬
‫حّتى ِ‬
‫م َ‬ ‫م ِفي غَ ْ‬
‫مَرت ِهِ ْ‬ ‫فَذ َْرهُ ْ‬
‫فاتركهم ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬في ضللتهم وجهلهم بالحق إلى أن ينزل‬
‫العذاب بهم‪.‬‬

‫أ َيحسبو َ‬
‫سههارِعُ ل َهُه ْ‬
‫م فِههي‬ ‫ن )‪ (55‬ن ُ َ‬
‫ل وَب َِنيه َ‬
‫مهها ٍ‬
‫ن َ‬
‫مه ْ‬
‫م ب ِههِ ِ‬‫مهد ّهُ ْ‬
‫ما ن ُ ِ‬
‫ن أن ّ َ‬
‫َ ْ َ ُ َ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫ت َبل ل ي َ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫خي َْرا ِ‬
‫دهم به من أموال وأولد في الدنيا هو‬ ‫أيظن هؤلء الكفار أن ما نم ّ‬
‫ل خيرٍ لهم يستحقونه؟ إنما نعجل لهم الخير فتنة لهم‬ ‫تعجي ُ‬
‫سون بذلك‪.‬‬ ‫ح ّ‬‫جا‪ ,‬ولكنهم ل ي ُ ِ‬
‫واستدرا ً‬

‫ن )‪(57‬‬
‫فُقو َ‬ ‫م ْ‬
‫ش ِ‬ ‫م ُ‬ ‫خ ْ‬
‫شي َةِ َرب ّهِ ْ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫وفهم الله‬
‫جلون مما خ ّ‬
‫ن الذين هم من خشية ربهم مشفقون وَ ِ‬
‫إ ّ‬
‫تعالى به‪.‬‬

‫ن )‪(58‬‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ت َرب ّهِ ْ‬
‫م ِبآَيا ِ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫دقون بآيات الله في القرآن‪ ،‬ويعملون بها‪.‬‬
‫والذين هم يص ّ‬

‫ن )‪(59‬‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م ل يُ ْ‬
‫م ب َِرب ّهِ ْ‬
‫ن هُ ْ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫‪675‬‬
‫والذين هم يخلصون العبادة لله وحده‪ ،‬ول يشركون به غيره‪.‬‬

‫وال ّذين يؤْتون ما آتوا وقُُلوبهم وجل َ ٌ َ‬


‫ن )‪(60‬‬
‫جُعو َ‬ ‫م إ َِلى َرب ّهِ ْ‬
‫م َرا ِ‬ ‫ة أن ّهُ ْ‬ ‫ُُ ْ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ َ ُ ُ َ َ َ‬
‫والذين يجتهدون في أعمال الخير والبر‪ ,‬وقلوبهم خائفة أل ُتقبل‬
‫أعمالهم‪ ،‬وأل تنجيهم من عذاب ربهم إذا رجعوا إليه للحساب‪.‬‬

‫ن )‪(61‬‬ ‫م ل ََها َ‬
‫ساب ُِقو َ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬
‫خي َْرا ِ‬ ‫عو َ‬
‫سارِ ُ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك يُ َ‬
‫أولئك المجتهدون في الطاعة‪ ,‬دأبهم المسارعة إلى كل عمل‬
‫صالح‪ ،‬وهم إلى الخيرات سابقون‪.‬‬

‫مل‬
‫ههه ْ‬ ‫طههقُ ِبههال ْ َ‬
‫حقّ وَ ُ‬ ‫سههعََها وََلههد َي َْنا ك َِتهها ٌ‬
‫ب َين ِ‬ ‫ف ن َْفسهها ً إ ِل ّ وُ ْ‬
‫َول ن ُك َّلهه ُ‬
‫ن )‪(62‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُظ ْل َ ُ‬
‫دا من عبادنا إل بما يسعه العمل به‪ ,‬وأعمالهم‬‫ول نكلف عب ً‬
‫مسطورة عندنا في كتاب إحصاء العمال الذي ترفعه الملئكة‬
‫ينطق بالحق عليهم‪ ،‬ول ي ُ ْ‬
‫ظلم أحد منهم‪.‬‬

‫م ل َهَهها‬ ‫ذا ول َه َ‬
‫ن ذ َل ِه َ‬
‫ك هُ ه ْ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫مه ْ‬ ‫مهها ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫ن هَ َ َ ُ ْ‬
‫م أعْ َ‬ ‫م ْ‬
‫مَرةٍ ِ‬ ‫ل قُُلوب ُهُ ْ‬
‫م ِفي غَ ْ‬ ‫بَ ْ‬
‫ن )‪(63‬‬ ‫مُلو َ‬‫عا ِ‬‫َ‬
‫لكن قلوب الكفار في ضلل غامر عن هذا القرآن وما فيه‪ ،‬ولهم‬
‫مهلهم الله ليعملوها‪ ،‬فينالوا غضب الله‬
‫مع شركهم أعمال سيئة‪ ،‬ي ُ ْ‬
‫وعقابه‪.‬‬

‫ذا هم ي َ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫ب إِ َ ُ ْ َ ْ‬
‫جأُرو َ‬ ‫م ِبال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫مت َْرِفيهِ ْ‬ ‫ذا أ َ َ‬
‫خذ َْنا ُ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬
‫َ‬
‫حتى إذا أخذنا المترفين وأهل البطر منهم بعذابنا‪ ,‬إذا هم يرفعون‬
‫أصواتهم يتضرعون مستغيثين‪.‬‬

‫لت َ‬
‫ن )‪(65‬‬
‫صُرو َ‬
‫مّنا ل ُتن َ‬
‫م ِ‬ ‫جأُروا ال ْي َوْ َ‬
‫م إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫َ ْ‬

‫‪676‬‬
‫فيقال لهم‪ :‬ل تصرخوا‪ ،‬ول تستغيثوا اليوم‪ ،‬إنكم ل تستطيعون نصر‬
‫أنفسكم‪ ،‬ول ينصركم أحد من عذاب الله‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(66‬‬
‫صو َ‬ ‫م عََلى أعَْقاب ِك ُ ْ‬
‫م َتنك ِ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ت آَياِتي ت ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م فَ ُ‬ ‫قَد ْ َ‬
‫كان َ ْ‬
‫قد كانت آيات القرآن ُتقرأ عليكم؛ لتؤمنوا بها‪ ،‬فكنتم تنفرون من‬
‫سماعها والتصديق بها‪ ،‬والعمل بها كما يفعل الناكص على عقبيه‬
‫برجوعه إلى الوراء‪.‬‬

‫ن )‪(67‬‬ ‫مرا ً ت َهْ ُ‬


‫جُرو َ‬ ‫سا ِ‬
‫ن ب ِهِ َ‬ ‫ست َك ْب ِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬
‫تفعلون ذلك مستكبرين على الناس بغير الحق بسبب بيت الله‬
‫الحرام‪ ,‬تقولون‪ :‬نحن أهله ل ن ُغَْلب فيه‪ ،‬وتتسامرون حوله بالسّيئ‬
‫من القول‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أ َفَل َم يدبروا ال َْقو َ َ‬


‫ن )‪(68‬‬
‫م الوِّلي َ‬
‫ت آَباَءهُ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي َأ ِ‬ ‫م َ‬
‫جاَءهُ ْ‬
‫م َ‬
‫لأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ُّّ‬
‫أفلم يتفكروا في القرآن فيعرفوا صدقه‪ ،‬أم منعهم من اليمان أنه‬
‫جاءهم رسول وكتاب لم يأت أباءهم الولين مثله‪ ،‬فأنكروه‬
‫وأعرضوا عنه؟‬

‫َ‬
‫ن )‪(69‬‬
‫منك ُِرو َ‬ ‫م لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫سول َهُ ْ‬
‫م فَهُ ْ‬ ‫م لَ ْ‬
‫م ي َعْرُِفوا َر ُ‬ ‫أ ْ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم‬
‫أم منعهم من اتباع الحق أن رسولهم محم ً‬
‫غير معروف عندهم‪ ،‬فهم منكرون له؟‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(70‬‬
‫هو َ‬
‫كارِ ُ‬ ‫م ل ِل ْ َ‬
‫حقّ َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬
‫حقّ وَأك ْث َُرهُ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ة بَ ْ‬
‫ل َ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫م ي َُقوُلو َ‬
‫ن ب ِهِ ِ‬ ‫أ ْ‬
‫بل أحسبوه مجنوًنا؟ لقد ك َ‬
‫ذبوا؛ فإنما جاءهم بالقرآن والتوحيد‬
‫دا وبغًيا‪.‬‬
‫والدين الحق‪ ,‬وأكثرهم كارهون للحق حس ً‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َه ْ‬
‫ل‬ ‫ن ِفيهِ ه ّ‬
‫م ْ‬
‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر ُ‬
‫وا ُ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ت ال ّ‬ ‫م ل ََف َ‬
‫سد َ ْ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫وَل َوْ ات ّب َعَ ال ْ َ‬
‫حقّ أهْ َ‬
‫‪677‬‬
‫َ‬
‫ن )‪(71‬‬
‫ضو َ‬
‫معْرِ ُ‬ ‫ن ذِك ْرِهِ ْ‬
‫م ُ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫م ب ِذِك ْرِهِ ْ‬
‫م فَهُ ْ‬ ‫أت َي َْناهُ ْ‬
‫ولو شرع الله لهم ما يوافق أهواءهم لفسدت السموات والرض‬
‫من فيهن‪ ،‬بل أتيناهم بما فيه عزهم وشرفهم‪ ،‬وهو القرآن‪ ،‬فهم‬
‫و َ‬
‫عنه معرضون‪.‬‬

‫أ َم ت َ‬
‫ن )‪(72‬‬‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬
‫خي ٌْر وَهُوَ َ‬ ‫ج َرب ّ َ‬
‫ك َ‬ ‫خْرجا ً فَ َ‬
‫خَرا ُ‬ ‫سأل ُهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫منعهم من اليمان أنك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬تسألهم أجًرا على‬ ‫َ‬
‫بل أ َ‬
‫دعوتك لهم فبخلوا؟ لم تفعل ذلك‪ ،‬فإن ما عند الله من الثواب‬
‫والعطاء خير‪ ،‬وهو خير الرازقين‪ ،‬فل َيقدر أحد أن َيرزق مثل رزقه‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ست َِقيم ٍ )‪(73‬‬


‫م ْ‬
‫ط ُ‬ ‫م إ َِلى ِ‬
‫صَرا ٍ‬ ‫ك ل َت َد ْ ُ‬
‫عوهُ ْ‬ ‫وَإ ِن ّ َ‬

‫ن قويم‪ ،‬وهو‬
‫وإنك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لتدعو قومك وغيرهم إلى دي ٍ‬
‫دين السلم‪.‬‬

‫ط ل ََناك ُِبو َ‬
‫ن )‪(74‬‬ ‫صَرا ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫خَرةِ عَ ْ‬
‫ن ِبال ِ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫دقون بالبعث والحساب‪ ،‬ول يعملون لهما‪ ،‬عن‬ ‫ص ّ‬
‫وإن الذين ل ي ُ َ‬
‫طريق الدين القويم لمائلون إلى غيره‪.‬‬

‫ن)‬
‫مُهو َ‬ ‫جوا ِفي ط ُغَْيان ِهِ ْ‬
‫م ي َعْ َ‬ ‫ضّر ل َل َ ّ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ما ب ِهِ ْ‬ ‫م وَك َ َ‬
‫شْفَنا َ‬ ‫مَناهُ ْ‬ ‫وَل َوْ َر ِ‬
‫ح ْ‬
‫‪(75‬‬
‫من قحط وجوع َلتمادوا في‬
‫ولو رحمناهم وكشفنا عنهم ما بهم ِ‬
‫الكفر والعناد‪ ،‬يتحّيرون ويتخبطون‪.‬‬

‫ن )‪(76‬‬
‫عو َ‬
‫ضّر ُ‬
‫ما ي َت َ َ‬
‫م وَ َ‬ ‫ست َ َ‬
‫كاُنوا ل َِرب ّهِ ْ‬ ‫ب فَ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫م ِبال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫وَل ََقد ْ أ َ َ‬
‫خذ َْناهُ ْ‬
‫ولقد ابتليناهم بصنوف المصائب فما خضعوا لربهم‪ ,‬وما دعوه‬
‫خاشعين عند نزولها‪.‬‬

‫‪678‬‬
‫ن )‪(77‬‬
‫سو َ‬
‫مب ْل ِ ُ‬
‫م ِفيهِ ُ‬ ‫ديدٍ إ ِ َ‬
‫ذا هُ ْ‬ ‫ب َ‬
‫ش ِ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫م َبابا ً َ‬
‫ذا عَ َ‬ ‫حَنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫ذا فَت َ ْ‬
‫حّتى إ ِ َ‬
‫َ‬
‫حتى إذا فتحنا عليهم باًبا من العذاب الشديد في الخرة‪ ،‬إذا هم فيه‬
‫آيسون من كل خير‪ ،‬متحيرون ل يدرون ما يصنعون‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫وهو ال ّذي َأن َ َ‬


‫ش هك ُُرو َ‬
‫ن)‬ ‫صههاَر َوالفْئ ِد َةَ قَِليل ً َ‬
‫مهها ت َ ْ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬
‫س ْ‬ ‫شأ ل َك ُ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫َ ُ َ ِ‬
‫‪(78‬‬
‫وهو الذي أنشأ لكم السمع لدراك المسموعات‪ ،‬والبصار لدراك‬
‫المرئيات‪ ،‬والفئدة لتفقهوا بها‪ ,‬ومع ذلك فشكركم لهذه النعم‬
‫المتوالية عليكم قليل ل ي ُذ ْ َ‬
‫كر‪.‬‬

‫ن )‪(79‬‬ ‫ض وَإ ِل َي ْهِ ت ُ ْ‬


‫ح َ‬
‫شُرو َ‬ ‫ر‬ ‫ذي ذ َرأ َك ُم ِفي ال َ‬
‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫وهو الذي خلق جميع الناس في الرض‪ ،‬وإليه ُتحشرون بعد موتكم‪،‬‬
‫فيجازيكم بما عملتم من خير أو شر‪.‬‬

‫َ‬
‫ل َوالن َّهارِ أَفل ت َعِْقُلو َ‬
‫ن )‪(80‬‬ ‫ف الل ّي ْ ِ‬
‫خِتل ُ‬ ‫ت وَل َ ُ‬
‫ها ْ‬ ‫مي ُ‬
‫ي وَي ُ ِ‬
‫ح ِ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ذي ي ُ ْ‬
‫وهو وحده الذي يحيي من العدم‪ ،‬ويميت بعد الحياة‪ ,‬وله تعاقب‬
‫الليل والنهار وتفاوتهما‪ ,‬أفل تعقلون قدرته ووحدانيته؟‬

‫ل ال َوُّلو َ‬
‫ن )‪(81‬‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ل َقاُلوا ِ‬
‫مث ْ َ‬
‫ل َ‬ ‫بَ ْ‬
‫ددوا مقولة أسلفهم المنكرين‪.‬‬
‫لكن الكفار لم يصدقوا بالبعث‪ ،‬بل ر ّ‬

‫َ‬ ‫َقاُلوا أ َئ ِ َ‬
‫ظاما ً أئ ِّنا ل َ َ‬
‫مب ُْعوُثو َ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫ع َ‬
‫مت َْنا وَك ُّنا ت َُرابا ً وَ ِ‬
‫ذا ِ‬
‫قالوا‪ :‬أإذا متنا وتحللت أجسامنا وعظامنا في تراب الرض نحيا‬
‫مرة ُأخرى؟ هذا ل يكون ول ُيتصور‪.‬‬

‫‪679‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ََقد ْ وُ ِ‬
‫ن)‬
‫طيُر الوِّليه َ‬ ‫ذا إ ِل ّ أ َ‬
‫سهها ِ‬ ‫ن ه َه َ‬ ‫ن قَب ْه ُ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن َوآَباؤَُنا هَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ح ُ‬
‫عد َْنا ن َ ْ‬
‫‪(83‬‬
‫لقد قيل هذا الكلم لبائنا من قبل‪ ,‬كما تقوله لنا يا محمد‪ ،‬فلم نره‬
‫حقيقة‪ ,‬ما هذا إل أباطيل الولين‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(84‬‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ن ِفيَها إ ِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ض وَ َ‬
‫ن الْر ُ‬
‫م ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل لِ َ‬
‫من فيها إن كان لديكم علم؟‬
‫قل لهم‪ :‬لمن هذه الرض و َ‬

‫سيُقوُلون ل ِل ّه قُ ْ َ‬
‫ل أَفل ت َذ َك ُّرو َ‬
‫ن )‪(85‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ما بأنها لله‪ ،‬هو خالقها ومالكها‪ ،‬قل لهم‪ :‬أل يكون‬
‫سيعترفون حت ً‬
‫كر بأنه قادر على البعث والنشور؟‬ ‫لكم في ذلك تذ ّ‬

‫ش ال ْعَ ِ‬
‫ظيم ِ )‪(86‬‬ ‫سب ْع وََر ّ ْ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫ت ال ّ ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ب ال ّ‬
‫ن َر ّ‬
‫م ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل َ‬
‫من رب السموات السبع ورب العرش العظيم‪ ,‬الذي هو أعظم‬‫قل َ‬
‫المخلوقات وأعلها؟‬

‫سيُقوُلون ل ِل ّه قُ ْ َ‬
‫ل أَفل ت َت ُّقو َ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ما‪ :‬هو الله‪ ،‬فقل لهم‪ :‬أفل تخافون عذابه إذا عبدتم‬
‫سيقولون حت ً‬
‫غيره؟‬

‫م‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫جههاُر عَل َي ْههِ إ ِ ْ‬
‫ن ُ‬ ‫جي هُر َول ي ُ َ‬
‫يءٍ وَهُ هوَ ي ُ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ت كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫مل َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ن ب ِي َدِهِ َ‬
‫م ْ‬‫ل َ‬‫قُ ْ‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫مو َ‬‫ت َعْل َ ُ‬
‫من يجير‬
‫من بيده خزائن كل شيء‪ ،‬و َ‬ ‫من مالك كل شيء و َ‬ ‫قل ‪َ :‬‬
‫من أراد الله إهلكه‪،‬‬
‫ن استجار به‪ ،‬ول يقدر أحد أن ُيجير ويحمي َ‬‫م ِ‬
‫َ‬
‫دره الله‪ ،‬إن كنتم تعلمون ذلك؟‬
‫ول يدفع الشر الذي ق ّ‬

‫‪680‬‬
‫سيُقوُلون لل ّه قُ ْ َ‬
‫ن )‪(89‬‬
‫حُرو َ‬ ‫ل فَأّنا ت ُ ْ‬
‫س َ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫َ َ‬
‫سيجيبون‪ :‬بأن ذلك كّله لله‪ ,‬قل لهم‪ :‬كيف تذهب عقولكم‬
‫صرفون عن توحيد الله وطاعته‪ ،‬وتصديق أمر البعث‬‫دعون وت ُ ْ‬
‫خ َ‬
‫وت ُ ْ‬
‫والنشور؟‬

‫م لَ َ‬ ‫ب ْ َ‬
‫ن )‪(90‬‬
‫كاذُِبو َ‬ ‫م ِبال ْ َ‬
‫حقّ وَإ ِن ّهُ ْ‬ ‫ل أت َي َْناهُ ْ‬ ‫َ‬
‫دا صلى الله‬
‫بل أتينا هؤلء المنكرين بالحق فيما أرسلنا به محم ً‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وإنهم َلكاذبون في شركهم وإنكارهم البعث‪.‬‬

‫ل إ ِل َههٍ ب ِ َ‬
‫مهها‬ ‫ب ك ُه ّ‬‫ن إ ِل َههٍ ِإذا ً ل َهذ َهَ َ‬
‫م ْ‬‫ه ِ‬
‫مع َ ُ‬‫ن َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ن وَل َدٍ وَ َ‬‫م ْ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ما ات ّ َ‬‫َ‬
‫ن )‪(91‬‬ ‫صُفو َ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ عَ ّ‬ ‫حا َ‬‫سب ْ َ‬‫ض ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ضه ُ ْ‬
‫خلقَ وَلَعل ب َعْ ُ‬ ‫َ‬
‫دا‪ ،‬ولم يكن معه من معبود آخر; لنه لو‬ ‫لم يجعل الله لنفسه ول ً‬
‫من معبود لنفرد كل معبود بمخلوقاته‪ ،‬ولكان بينهم‬ ‫كان ثمة أكثر ِ‬
‫ل نظام الكون‪ ،‬تنّزه الله سبحانه‬ ‫مغالبة كشأن ملوك الدنيا‪ ،‬فيخت ّ‬
‫دا‪.‬‬ ‫دس عن وصفهم له بأن له شري ً‬
‫كا أو ول ً‬ ‫وتعالى وتق ّ‬

‫ن )‪(92‬‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫شَهاد َةِ فَت ََعاَلى عَ ّ‬
‫ما ي ُ ْ‬ ‫عال ِم ِ ال ْغَي ْ ِ‬
‫ب َوال ّ‬ ‫َ‬
‫هو وحده يعلم ما غاب عن خلقه وما شاهدوه‪ ،‬فتنّزه الله تعالى عن‬
‫الشريك الذي يزعمون‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ب َفل ت َ ْ ْ‬ ‫قُ ْ‬


‫جعَلن ِههي فِههي الَقهوْم ِ‬ ‫ن )‪َ (93‬ر ّ‬
‫دو َ‬
‫مهها ُيوعَه ُ‬
‫ما ت ُرِي َن ّههي َ‬
‫ب إِ ّ‬‫ل َر ّ‬
‫ن )‪(94‬‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬‫ال ّ‬

‫دهم‬
‫ب إما تريّني في هؤلء المشركين ما ت َعِ ُ‬
‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬ر ّ‬
‫من عذابك فل تهلكني بما تهلكهم به‪ ،‬ونجني من عذابك وسخطك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فل تجعلني في القوم المشركين الظالمين‪ ،‬ولكن اجعلني ممن‬
‫ت عنهم‪.‬‬‫رضي َ‬

‫َ‬
‫م ل ََقادُِرو َ‬
‫ن )‪(95‬‬ ‫ما ن َعِد ُهُ ْ‬
‫ك َ‬ ‫وَإ ِّنا عََلى أ ْ‬
‫ن ن ُرِي َ َ‬
‫‪681‬‬
‫وإننا َلقادرون على أن نريك ما ن َعِ ُ‬
‫دهم من العذاب‪.‬‬

‫ة نح َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(96‬‬
‫صُفو َ‬
‫ما ي َ ِ‬ ‫ن أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫سي ّئ َ َ َ ْ ُ‬
‫ن ال ّ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫يأ ْ‬‫اد ْفَعْ ِبال ِّتي هِ َ‬
‫إذا أساء إليك أعداؤك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬بالقول أو الفعل فل تقابلهم‬
‫بالساءة‪ ،‬ولكن ادفع إساءتهم بالحسان منك إليهم‪ ،‬نحن أعلم بما‬
‫يصفه هؤلء المشركون من الشرك والتكذيب‪ ،‬وسنجازيهم عليه‬
‫أسوأ الجزاء‪.‬‬

‫ن‬ ‫َ‬ ‫ن )‪ (97‬وَأ َ ُ‬


‫عههوذ ُ ِبهه َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ب أَ ُ‬
‫عوذ ُ ب ِ َ‬ ‫وَقُ ْ‬
‫بأ ْ‬‫ك َر ّ‬ ‫طي ِ‬
‫شَيا ِ‬ ‫مَزا ِ‬
‫ن هَ َ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ل َر ّ‬
‫ن )‪(98‬‬ ‫ضُرو ِ‬‫ح ُ‬‫يَ ْ‬
‫وقل ‪ -‬أيها النبي ‪ :-‬رب أستجير بك من إغواء الشياطين‬
‫ووسوستها‪ ,‬المغرية على الباطل والفساد والصد عن الحق‪،‬‬
‫من حضورهم في شيء من أموري‪.‬‬ ‫وأستجير بك‪ -‬يا رب‪ِ -‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(99‬‬
‫جُعو ِ‬
‫ب اْر ِ‬ ‫ت َقا َ‬
‫ل َر ّ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫مو ْ ُ‬ ‫حد َهُ ْ‬
‫جاَء أ َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫َ‬
‫يخبر الله تعالى عن حال المحتضر من الكافرين أو المفرطين في‬
‫أمره تعالى‪ ،‬حتى إذا أشرف على الموت‪ ،‬وشاهد ما أ ُ ِ‬
‫عد ّ له من‬
‫دوني إلى الدنيا‪.‬‬
‫العذاب قال‪ :‬رب ر ّ‬

‫َ‬
‫م‬
‫ن وََرائ ِِههه ْ‬ ‫ة هُوَ َقائ ِل َُها وَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ت ك َل ّ إ ِن َّها ك َل ِ َ‬
‫م ٌ‬ ‫صاِلحا ً ِفي َ‬
‫ما ت ََرك ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل َعَّلي أعْ َ‬
‫ن )‪(100‬‬ ‫خ إ َِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ‬
‫ب َْرَز ٌ‬
‫ت من اليمان والطاعة‪ .‬ليس له ذلك‪ ،‬فل‬ ‫لعلي أستدرك ما ضي ّعْ ُ‬
‫مَهل‪ .‬فإنما هي كلمة هو قائلها قول ل‬ ‫يجاب إلى ما طلب ول ي ُ ْ‬
‫ينفعه‪ ،‬وهو فيه غير صادق‪ ،‬فلو ُرد ّ إلى الدنيا لعاد إلى ما ُنهي عنه‪،‬‬
‫وسيبقى المتوّفون في الحاجز والب َْرزخ الذي بين الدنيا والخرة إلى‬
‫يوم البعث والنشور‪.‬‬

‫َ‬
‫ساَءُلو َ‬
‫ن )‪(101‬‬ ‫مئ ِذٍ َول ي َت َ َ‬
‫م ي َوْ َ‬
‫ب ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫صورِ َفل أن َ‬
‫سا َ‬ ‫خ ِفي ال ّ‬ ‫فَإ ِ َ‬
‫ذا ن ُِف َ‬

‫‪682‬‬
‫مَلك المكّلف في "القرن"‪ ،‬وب ُعِ َ‬
‫ث‬ ‫فإذا كان يوم القيامة‪ ،‬ونفخ ال َ‬
‫خَر بالنساب حينئذ كما كانوا يفتخرون‬ ‫الناس من قبورهم‪ ،‬فل َتفا ُ‬
‫دا‪.‬‬
‫بها في الدنيا‪ ,‬ول يسأل أحد أح ً‬

‫ن )‪(102‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مْفل ِ ُ‬ ‫ك هُ ْ‬‫ه فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫واِزين ُ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن ث َُقل َ ْ‬
‫ت َ‬ ‫فَ َ‬
‫م ْ‬
‫ت بها موازين أعماله عند الحساب‪،‬‬ ‫فمن كثرت حسناته وث َُقل َ ْ‬
‫فأولئك هم الفائزون بالجنة‪.‬‬

‫م‬
‫جهَن ّه َ‬
‫م فِههي َ‬
‫س هه ُ ْ‬
‫َ‬
‫س هُروا أنُف َ‬
‫خ ِ‬
‫ن َ‬
‫ذي َ‬ ‫ه فَ هأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ال ّه ِ‬ ‫واِزين ُ ُ‬
‫مه َ‬
‫ت َ‬‫خّف ه ْ‬
‫ن َ‬‫مه ْ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(103‬‬ ‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬
‫َ‬
‫ت حسناته في الميزان‪ ،‬ورجحت سيئاته‪ ،‬وأعظمها الشرك‪،‬‬ ‫ومن قَل ّ ْ‬
‫فأولئك هم الذين خابوا وخسروا أنفسهم‪ ،‬في نار جهنم خالدون‪.‬‬

‫ن )‪(104‬‬
‫حو َ‬ ‫م ِفيَها َ‬
‫كال ِ ُ‬ ‫م الّناُر وَهُ ْ‬
‫جوهَهُ ْ‬ ‫ت َل َْف ُ‬
‫ح وُ ُ‬
‫ت شفاههم‪ ،‬وبرزت‬ ‫حرقُ النار وجوههم‪ ،‬وهم فيها عابسون ت ََقل ّ َ‬
‫ص ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫أسنانهم‪.‬‬

‫َ‬
‫م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َ‬
‫ن )‪(105‬‬ ‫ن آَياِتي ت ُت َْلى عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م فَ ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫أل َ ْ‬
‫م ت َك ُ ْ‬
‫يقال لهم‪ :‬ألم تكن آيات القرآن تتلى عليكم في الدنيا‪ ،‬فكنتم بها‬
‫تكذبون؟‬

‫ضاّلي َ‬
‫ن )‪(106‬‬ ‫وما ً َ‬ ‫ت عَل َي َْنا ِ‬
‫شْقوَت َُنا وَك ُّنا قَ ْ‬ ‫َقاُلوا َرب َّنا غَل َب َ ْ‬
‫لما بّلغتهم رسلهم وأنذرتهم قالوا يوم القيامة‪ :‬ربنا غلبت علينا‬
‫درة علينا في سابق علمك‪ ،‬وكنا في فعلنا‬ ‫لذاتنا وأهواؤنا المق ّ‬
‫ضالين عن الهدى‪.‬‬

‫ن )‪(107‬‬
‫مو َ‬ ‫ن عُد َْنا فَإّنا َ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫من َْها فَإ ِ ْ‬
‫جَنا ِ‬ ‫َرب َّنا أ َ ْ‬
‫خرِ ْ‬

‫‪683‬‬
‫ربنا أخرجنا من النار‪ ،‬وأعدنا إلى الدنيا‪ ،‬فإن رجعنا إلى الضلل فإنا‬
‫ظالمون نستحق العقوبة‪.‬‬

‫ن )‪(108‬‬ ‫سُئوا ِفيَها َول ت ُك َل ّ ُ‬


‫مو ِ‬ ‫خ َ‬ ‫َقا َ‬
‫لا ْ‬
‫قال الله عز وجل لهم‪ :‬امكثوا في النار أذلء ول تخاطبوني‪ .‬فانقطع‬
‫عند ذلك دعاؤهم ورجاؤهم‪.‬‬

‫َ‬
‫ت‬
‫مَنا وَأْنهه َ‬ ‫مّنا َفاغِْفْر ل ََنا َواْر َ‬
‫ح ْ‬ ‫عَباِدي ي َُقوُلو َ‬
‫ن َرب َّنا آ َ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن فَ ِ‬
‫ريقٌ ِ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫ن )‪(109‬‬ ‫مي َ‬
‫ح ِ‬‫خي ُْر الّرا ِ‬ ‫َ‬
‫دعون‪ :‬ربنا آمنا فاستر‬
‫إنه كان فريق من عبادي‪ -‬وهم المؤمنون‪ -‬ي َ ْ‬
‫ذنوبنا‪ ،‬وارحمنا‪ ،‬وأنت خير الراحمين‪.‬‬

‫َ‬
‫ن)‬ ‫ح ُ‬
‫كو َ‬ ‫ضه َ‬
‫م تَ ْ‬
‫من ْهُه ْ‬
‫م ِ‬ ‫ري وَ ُ‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫م ذِك ْه ِ‬
‫سوْك ُ ْ‬ ‫خرِي ّا ً َ‬
‫حّتى أن َ‬ ‫س ْ‬
‫م ِ‬
‫موهُ ْ‬ ‫َفات ّ َ‬
‫خذ ْت ُ ُ‬
‫‪(110‬‬
‫فاشتغلتم بالستهزاء بهم حتى نسيتم ذكر الله‪ ,‬فبقيتم على‬
‫تكذيبكم‪ ،‬وقد كنتم تضحكون منهم سخرية واستهزاء‪.‬‬

‫َ‬
‫م ال َْفائ ُِزو َ‬
‫ن )‪(111‬‬ ‫م هُ ْ‬
‫صب َُروا أن ّهُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬
‫م بِ َ‬ ‫جَزي ْت ُهُ ْ‬
‫إ ِّني َ‬
‫إني جزيت هذا الفريق من عبادي المؤمنين الفوز بالجنة؛ بسبب‬
‫صبرهم على الذى وطاعة الله‪.‬‬

‫ل ك َم ل َبث ْت ُم ِفي ال َ‬
‫ن )‪(112‬‬
‫سِني َ‬
‫ض عَد َد َ ِ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َقا َ ْ ِ ْ‬
‫سأ ُ‬
‫ل الشقياء في النار‪ :‬كم بقيتم في الدنيا من السنين؟ وكم‬ ‫وي ُ ْ‬
‫ضّيعتم فيها من طاعة الله؟‬

‫ن )‪(113‬‬
‫دي َ‬ ‫سأ َ ْ‬
‫ل ال َْعا ّ‬ ‫ض ي َوْم ٍ َفا ْ‬
‫َ‬
‫وما ً أوْ ب َعْ َ‬
‫َقاُلوا ل َب ِث َْنا ي َ ْ‬

‫‪684‬‬
‫ما أو بعض يوم‪،‬‬
‫قالوا ِلهول الموقف وشدة العذاب‪ :‬بقينا فيها يو ً‬
‫دون الشهور واليام‪.‬‬ ‫ساب الذين يع ّ‬
‫ح ّ‬
‫فاسأل ال ُ‬

‫َ‬
‫ن )‪(114‬‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫م إ ِل ّ قَِليل ً ل َوْ أن ّك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن ل َب ِث ْت ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل إِ ْ‬
‫قال لهم‪ :‬ما لبثتم إل وقًتا قليل لو صبرتم فيه على طاعة الله‬
‫لفزتم بالجنة‪ ،‬لو كان عندكم علم بذلك؛ وذلك لن مدة مكثهم في‬
‫الدنيا قليلة جدا بالنسبة إلى طول مدتهم خالدين في النار‪.‬‬

‫َ‬ ‫أ َفَحسبت َ‬
‫ن )‪(115‬‬ ‫م إ ِل َي َْنا ل ت ُْر َ‬
‫جُعو َ‬ ‫م عََبثا ً وَأن ّك ُ ْ‬
‫خل َْقَناك ُ ْ‬
‫ما َ‬
‫م أن ّ َ‬
‫َ ِ ُْ ْ‬
‫أفحسبتم‪ -‬أيها الخلق‪ -‬أنما خلقناكم مهملين‪ ,‬ل أمر ول نهي ول‬
‫ثواب ول عقاب‪ ،‬وأنكم إلينا ل ترجعون في الخرة للحساب‬
‫والجزاء؟‬

‫ش ال ْك َ ِ‬
‫ريم ِ )‪(116‬‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ َر ّ ْ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫حقّ ل إ ِل َ َ‬
‫ك ال ْ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫فَت ََعاَلى الل ّ ُ‬
‫فتعالى الله الملك المتصرف في كل شيء‪ ،‬الذي هو حق‪ ،‬ووعده‬
‫دس عن أن يخلق شيًئا‬ ‫حق‪ ،‬ووعيده حق‪ ،‬وكل شيء منه حق‪ ،‬وت ََق ّ‬
‫م‪ ،‬الذي هو أعظم‬
‫ش الكري ِ‬ ‫عبًثا أو سفًها‪ ،‬ل إله غيره ر ّ‬
‫ب العر ِ‬
‫المخلوقات‪.‬‬

‫ه‬
‫عن ْد َ َرب ّهِ إ ِّنهه ُ‬
‫ه ِ‬
‫ساب ُ ُ‬
‫ح َ‬
‫ما ِ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ب ِهِ فَإ ِن ّ َ‬ ‫ها َ‬ ‫معَ الل ّهِ إ َِلها ً آ َ‬
‫خَر ل ب ُْر َ‬ ‫ن ي َد ْعُ َ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(117‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ح ال ْ َ‬
‫ل ي ُْفل ِ ُ‬
‫ومن يعبد مع الله الواحد إلًها آخر‪ ،‬ل حجة له على استحقاقه‬
‫العبادة‪ ،‬فإنما جزاؤه على عمله السّيئ عند ربه في الخرة‪ .‬إنه ل‬
‫فلح ول نجاة للكافرين يوم القيامة‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(118‬‬
‫مي َ‬
‫ح ِ‬
‫خي ُْر الّرا ِ‬
‫ت َ‬
‫م وَأن ْ َ‬ ‫ب اغِْفْر َواْر َ‬
‫ح ْ‬ ‫وَقُ ْ‬
‫ل َر ّ‬
‫ب تجاوَْز عن الذنوب وارحم؛ وأنت خير من‬‫وقل‪ -‬أيها النبي‪ :-‬ر ّ‬
‫رحم ذا ذنب‪ ،‬فقبل توبته ولم يعاقبه على ذنبه‪.‬‬
‫‪685‬‬
‫‪ -24‬سورة النللور‬

‫ها وفَرضنا َ َ‬ ‫َ‬


‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت َذ َك ُّرو َ‬
‫ن )‪(1‬‬ ‫ها وَأنَزل َْنا ِفيَها آَيا ٍ‬
‫ت ب َي َّنا ٍ‬ ‫سوَرةٌ أنَزل َْنا َ َ َ ْ َ‬
‫ُ‬
‫هذه سورة عظيمة من القرآن أنزلناها‪ ,‬وأوجبنا العمل بأحكامها‪,‬‬
‫وأنزلنا فيها دللت واضحات؛ لتتذكروا‪ -‬أيها المؤمنون‪ -‬بهذه اليات‬
‫البينات‪ ,‬وتعملوا بها‪.‬‬

‫ْ‬
‫ما‬‫م ب ِهِ َ‬‫خذ ْك ُ ْ‬ ‫جل ْد َةٍ َول ت َأ ُ‬
‫ة َ‬ ‫مائ َ َ‬
‫ما ِ‬ ‫من ْهُ َ‬
‫حدٍ ِ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫دوا ك ُ ّ‬ ‫جل ِ ُ‬‫ة َوالّزاِني َفا ْ‬ ‫الّزان ِي َ ُ‬
‫ش ههَد ْ‬ ‫خ هرِ وَل ْي َ ْ‬ ‫ن ب ِههالل ّهِ َوال ْي َهوْم ِ ال ِ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬
‫من ُههو َ‬ ‫كنت ُه ْ‬‫ن ُ‬ ‫ن الل ّههِ إ ِ ْ‬ ‫ة ِفي ِدي ه ِ‬ ‫َرأ ْفَ ٌ‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ما َ‬
‫طائ َِف ٌ‬ ‫ذاب َهُ َ‬ ‫عَ َ‬
‫ة كل منهما مائة‬ ‫الزانية والزاني اللذان لم يسبق لهما الزواج‪ ,‬عقوب ُ‬
‫جلدة بالسوط‪ ,‬وثبت في السنة مع هذا الجلد التغريب لمدة عام‪.‬‬
‫ول تحملكم الرأفة بهما على ترك العقوبة أو تخفيفها‪ ,‬إن كنتم‬
‫مصدقين بالله واليوم الخر عاملين بأحكام السلم‪ ،‬وليحضر‬
‫ة عدد من المؤمنين; تشنيًعا وزجًرا وعظة واعتباًرا‪.‬‬‫العقوب َ‬

‫ن أ َْو‬
‫حهَهها إ ِل ّ َزا ٍ‬
‫ة ل َينك ِ ُ‬ ‫ش هرِك َ ً‬
‫ة َوالّزان ِي َه ُ‬ ‫م ْ‬ ‫الزان ِههي ل ينك هح إل ّ زان ِي ه ً َ‬
‫ة أو ْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ِ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ك عََلى ال ْ ُ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬
‫حّر َ‬ ‫شرِ ٌ‬
‫ك وَ ُ‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬
‫الزاني ل يرضى إل بنكاح زانية أو مشركة ل ت ُِقّر بحرمة الزنى‪،‬‬
‫والزانية ل ترضى إل بنكاح زان أو مشرك ل ي ُِقّر بحرمة الزنى‪ ,‬أما‬
‫حّرم ذلك النكاح على‬‫العفيفون والعفيفات فإنهم ل يرضون بذلك‪ ،‬و ُ‬
‫المؤمنين‪ .‬وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب‪,‬‬
‫وكذلك تحريم إنكاح الزاني حتى يتوب‪.‬‬

‫م‬
‫دوهُ ْ‬ ‫داَء َفا ْ‬
‫جل ِه ُ‬ ‫م ي َهأ ُْتوا ب ِأ َْرب َعَ هةِ ُ‬
‫ش هه َ َ‬ ‫م ل َه ْ‬‫ت ث ُه ّ‬‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مو َ‬‫ن ي َْر ُ‬‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫سُقو َ‬‫م ال َْفا ِ‬
‫ك هُ ْ‬‫شَهاد َةً أ ََبدا ً وَأ ُوْل َئ ِ َ‬‫م َ‬ ‫جل ْد َةً َول ت َْقب َُلوا ل َهُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ماِني َ‬ ‫ثَ َ‬

‫‪686‬‬
‫من‬
‫سا عفيفة من النساء والرجال ِ‬
‫والذين يتهمون بالفاحشة أنف ً‬
‫دون أن يشهد معهم أربعة شهود عدول‪ ,‬فاجلدوهم بالسوط ثمانين‬
‫دا‪ ,‬وأولئك هم الخارجون عن طاعة‬‫جلدة‪ ,‬ول تقبلوا لهم شهادة أب ً‬
‫الله‪.‬‬

‫إل ّ ال ّذين تابوا من بعد ذ َل ِ َ َ‬


‫م )‪(5‬‬
‫حي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫صل َ ُ‬
‫حوا فَإ ِ ّ‬ ‫ك وَأ ْ‬ ‫ِ ْ َْ ِ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫ِ‬
‫من تاب وَندم ورجع عن اتهامه وأصلح عمله‪ ,‬فإن الله يغفر‬‫لكن َ‬
‫ذنبه ويرحمه‪ ,‬ويقبل توبته‪.‬‬

‫َ‬ ‫وال ّذين يرمو َ‬


‫ش هَهاد َةُ‬‫م فَ َ‬‫س هه ُ ْ‬ ‫داُء إ ِل ّ أنُف ُ‬ ‫م ُ‬
‫ش هه َ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫م ي َك ُ ْ‬ ‫م وَل َ ْ‬‫جه ُ ْ‬
‫ن أْزَوا َ‬ ‫َ ِ َ َْ ُ َ‬
‫َ‬ ‫ن )‪َ (6‬وال ْ َ‬ ‫م أ َْرب َعُ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ةأ ّ‬ ‫سه ُ‬
‫م َ‬ ‫خا ِ‬ ‫صههادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬‫مه ْ‬ ‫ه لَ ِ‬‫ت ب ِههالل ّهِ إ ِن ّه ُ‬‫دا ٍ‬‫شهَها َ‬ ‫حدِهِ ْ‬ ‫أ َ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫ة الل ّهِ عَل َي ْهِ إ ِ ْ‬‫ل َعْن َ َ‬
‫والذين يرمون زوجاتهم بالزنى‪ ,‬ولم يكن لهم شهداء على اتهامهم‬
‫ن إل أنفسهم‪ ,‬فعلى الواحد منهم أن يشهد أمام القاضي أربع‬ ‫له ّ‬
‫مرات بقوله‪ :‬أشهد بالله أني صادق فيما رميتها به من الزنى‪ ,‬ويزيد‬
‫في الشهادة الخامسة الدعوة على نفسه باستحقاقه لعنة الله إن‬
‫كان كاذًبا في قوله‪.‬‬

‫ن ال ْك َههاذِِبي َ‬
‫ن)‬ ‫ه لَ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ت ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ‬
‫دا ٍ‬ ‫شَها َ‬‫شهَد َ أ َْرب َعَ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫َ‬
‫بأ ْ‬ ‫وَي َد َْرأ ُ عَن َْها ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬
‫خامس َ َ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ب الل ّهِ عَل َي َْها إ ِ ْ‬‫ض َ‬ ‫ن غَ َ‬
‫ةأ ّ‬ ‫‪َ (8‬وال ْ َ ِ َ‬
‫وبشهادته تستوجب الزوجة عقوبة الزنى‪ ،‬وهي الرجم حتى الموت‪،‬‬
‫ول يدفع عنها هذه العقوبة إل أن تشهد في مقابل شهادته أربع‬
‫شهادات بالله إنه لكاذب في اتهامه لها بالزنى‪ ،‬وتزيد في الشهادة‬
‫الخامسة الدعوة على نفسها باستحقاقها غضب الله‪ ،‬إن كان زوجها‬
‫صادًقا فى اتهامه لها‪ ،‬وفي هذه الحال يفرق بينهما‪.‬‬

‫َ‬
‫م )‪(10‬‬
‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫ب َ‬
‫وا ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه تَ ّ‬ ‫ه وَأ ّ‬
‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م وََر ْ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫ول فَ ْ‬
‫ض ُ‬
‫ضل الله عليكم ورحمته‪ -‬أيها المؤمنون‪ -‬بهذا التشريع‬
‫ولول تف ّ‬
‫ل بالكاذب من المتلعنين ما دعا به على‬‫للزواج والزوجات‪ ،‬لح ّ‬

‫‪687‬‬
‫من عباده‪ ،‬حكيم في شرعه‬
‫نفسه‪ ،‬وأن الله تواب لمن تاب ِ‬
‫وتدبيره‪.‬‬

‫خي ٌْر‬
‫ل هُوَ َ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫شّرا ً ل َك ُ ْ‬
‫سُبوهُ َ‬ ‫ح َ‬‫م ل تَ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ة ِ‬‫صب َ ٌ‬
‫ك عُ ْ‬ ‫جاُءوا ِبال ِفْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫إِ ّ‬
‫م‬ ‫ذي ت َهوَّلى ك ِب ْهَرهُ ِ‬
‫من ْهُ ه ْ‬ ‫ن ال ِث ْم ِ َوال ّ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫س َ‬‫ما اك ْت َ َ‬
‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ئ ِ‬ ‫مرِ ٍ‬‫لا ْ‬‫م ل ِك ُ ّ‬‫ل َك ُ ْ‬
‫م )‪(11‬‬ ‫ظي ٌ‬‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬‫ه عَ َ‬ ‫لَ ُ‬
‫إن الذين جاؤوا بأشنع الكذب‪ ،‬وهو اتهام أم المؤمنين عائشة رضي‬
‫الله عنها بالفاحشة‪ ،‬جماعة منتسبون إليكم ‪ -‬معشر المسلمين‪ -‬ل‬
‫من تبرئة‬‫تحسبوا قولهم شّرا لكم‪ ,‬بل هو خير لكم‪ ،‬لما تضمن ذلك ِ‬
‫أم المؤمنين ونزاهتها والتنويه بذكرها‪ ,‬ورفع الدرجات‪ ،‬وتكفير‬
‫السيئات‪ ،‬وتمحيص المؤمنين‪ .‬لكل فرد تكلم بالفك جزاء فعله من‬
‫ي بن سلول كبير‬ ‫ُ‬
‫مل معظمه‪ ،‬وهو عبد الله بن أب ّ‬ ‫الذنب‪ ،‬والذي تح ّ‬
‫المنافقين‪ -‬لعنه الله‪ -‬له عذاب عظيم في الخرة‪ ،‬وهو الخلود في‬
‫الدرك السفل من النار‪.‬‬

‫خي ْههرا ً وَقَههاُلوا‬ ‫َ‬


‫م َ‬
‫س هه ِ ْ‬
‫ت ب ِأنُف ِ‬
‫مَنا ُ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫موهُ ظ َ ّ‬
‫معْت ُ ُ‬
‫س ِ‬‫ول إ ِذ ْ َ‬‫لَ ْ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ك ُ‬‫ذا إ ِفْ ٌ‬‫هَ َ‬
‫هل ظن المؤمنون والمؤمنات بعضهم ببعض خيًرا عند سماعهم‬
‫ذلك الفك‪ ،‬وهو السلمة مما رموا به‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذا كذب ظاهر على‬
‫عائشة رضي الله عنها‪.‬‬

‫عن ْهد َ‬ ‫داءِ فَ هأ ُوْل َئ ِ َ‬


‫ك ِ‬ ‫م ي َهأ ُْتوا ِبال ّ‬
‫ش هه َ َ‬ ‫داءَ فَإ ِذ ْ ل َ ْ‬ ‫جاُءوا عَل َي ْهِ ب ِأ َْرب َعَةِ ُ‬
‫شه َ َ‬ ‫ول َ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫الل ّهِ هُ ْ‬
‫هل أتى القاذفون بأربعة شهود عدول على قولهم‪ ،‬فحين لم يفعلوا‬
‫ذلك فأولئك هم الكاذبون عند الله‪.‬‬

‫مهها‬ ‫سهك ُ ْ‬
‫م فِههي َ‬ ‫خَرةِ ل َ َ‬
‫م ّ‬ ‫ه ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬
‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬
‫م وََر ْ‬‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ض ُ‬‫ول فَ ْ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫َ‬
‫م )‪(14‬‬ ‫ظي ٌ‬‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م ِفيهِ عَ َ‬
‫ضت ُ ْ‬‫أفَ ْ‬

‫‪688‬‬
‫ض ُ‬
‫ل الله عليكم ورحمته لكم بحيث شملكم إحسانه في‬ ‫ولول فَ ْ‬
‫من تاب منكم‪,‬‬
‫جل عقوبتكم‪ ،‬وتاب على َ‬
‫دينكم ودنياكم فلم يع ّ‬
‫لصابكم بسبب ما خضتم فيه عذاب عظيم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫عل ْه ٌ‬
‫م‬ ‫س ل َك ُه ْ‬
‫م ب ِههِ ِ‬ ‫مهها ل َي ْه َ‬ ‫واهِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ب ِهأفْ َ‬‫م وَت َُقول ُههو َ‬ ‫ه ب ِأل ْ ِ‬
‫س هن َت ِك ُ ْ‬ ‫إ ِذ ْ ت َل َّق هوْن َ ُ‬
‫م )‪(15‬‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ عَ ِ‬
‫ظي ٌ‬ ‫ه هَّينا ً وَهُوَ ِ‬ ‫سُبون َ ُ‬‫ح َ‬ ‫وَت َ ْ‬
‫حين تتلقفون الفك وتتناقلونه بأفواهكم‪ ،‬وهو قول باطل‪ ،‬وليس‬
‫عندكم به علم‪ ،‬وهما محظوران‪ :‬التكلم بالباطل‪ ،‬والقول بل علم‪،‬‬
‫وتظنون ذلك شيًئا هي ًّنا‪ ،‬وهو عند الله عظيم‪ .‬وفي هذا زجر بليغ عن‬
‫التهاون في إشاعة الباطل‪.‬‬

‫َ‬
‫ذا‬ ‫حان َ َ‬
‫ك هَ ه َ‬ ‫س هب ْ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫ن ن َت َك َل ّه َ‬
‫م ب ِهَ ه َ‬ ‫ن ل َن َهها أ ْ‬ ‫ما ي َ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫موهُ قُل ْت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫معْت ُ ُ‬
‫س ِ‬‫ول إ ِذ ْ َ‬‫وَل َ ْ‬
‫م )‪(16‬‬ ‫ظي ٌ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ب ُهَْتا ٌ‬
‫ح ّ‬
‫ل لنا الكلم بهذا الكذب‪ ,‬تنزيًها‬ ‫وهل قلتم عند سماعكم إياه‪ :‬ما ي َ ِ‬
‫من قول ذلك على زوجة رسولك محمد صلى الله‬ ‫لك ‪ -‬يارب ‪ِ -‬‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فهو كذب عظيم في الوزر واستحقاق الذنب‪.‬‬

‫َ‬ ‫يعِظ ُك ُم الل ّ َ‬


‫ن )‪(17‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫مث ْل ِهِ أَبدا ً إ ِ ْ‬
‫ن ُ‬ ‫دوا ل ِ ِ‬
‫ن ت َُعو ُ‬
‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫دا لمثل هذا الفعل من التهام‬ ‫يذ ّ‬
‫كركم الله وينهاكم أن تعودوا أب ً‬
‫الكاذب‪ ،‬إن كنتم مؤمنين به‪.‬‬

‫م )‪(18‬‬
‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬
‫م الَيا ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫وَي ُب َي ّ ُ‬
‫ويبين الله لكم اليات المشتملة على الحكام الشرعية والمواعظ‪،‬‬
‫والله عليم بأفعالكم‪ ،‬حكيم في شرعه وتدبيره‪.‬‬

‫َ‬ ‫حبو َ‬
‫م‬
‫ب أِلي ٌ‬
‫ذا ٌ‬ ‫مُنوا ل َهُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫ة ِفي ال ّ ِ‬ ‫ش ُ‬‫ح َ‬ ‫شيعَ ال َْفا ِ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن يُ ِ ّ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫خَرةِ َوالل ّ ُ‬
‫ِفي الد ّن َْيا َوال ِ‬

‫‪689‬‬
‫ذف بالزنى أو‬ ‫إن الذين يحبون شيوع الفاحشة في المسلمين من قَ ْ‬
‫أي قول سّيئ لهم عذاب أليم في الدنيا بإقامة الحد عليهم‪ ،‬وغيره‬
‫من البليا الدنيوية‪ ,‬ولهم في الخرة عذاب النار إن لم يتوبوا‪ ،‬والله‪-‬‬
‫وحده‪ -‬يعلم كذبهم‪ ,‬ويعلم مصالح عباده‪ ،‬وعواقب المور‪ ،‬وأنتم ل‬
‫تعلمون ذلك‪.‬‬

‫َ‬
‫م )‪(20‬‬
‫حي ٌ‬
‫ف َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َرُءو ٌ‬ ‫ه وَأ ّ‬
‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م وََر ْ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫ول فَ ْ‬
‫ض ُ‬
‫من وقع في حديث الفك ورحمته بهم‪ ,‬وأن‬ ‫ل الله على َ‬ ‫ولول فَ ْ‬
‫ض ُ‬
‫الله يرحم عباده المؤمنين رحمة واسعة في عاجلهم وآجلهم‪ ,‬لما‬
‫بّين هذه الحكام والمواعظ‪ ،‬وَلعاجل َ‬
‫من خالف أمره بالعقوبة‪.‬‬

‫َ‬
‫ت‬ ‫وا ِ‬‫خط ُه َ‬ ‫ن ي َت ّب ِهعْ ُ‬
‫مه ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫طا ِ‬‫ش هي ْ َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫خط ُ َ‬ ‫مُنوا ل ت َت ّب ُِعوا ُ‬
‫ْ‬
‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫م‬ ‫ل الّلههِ عَل َي ْ ُ‬
‫كه ْ‬ ‫ضه ُ‬ ‫ول فَ ْ‬ ‫كهرِ وَل َه ْ‬ ‫شهاِء َوال ْ ُ‬
‫من ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫مُر ِبال َْف ْ‬‫ه َيهأ ُ‬ ‫ن فَهإ ِن ّ ُ‬ ‫طا ِ‬ ‫شهي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شههاُء َوالّلهه ُ‬
‫ه‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫كي َ‬ ‫ه ي َُز ّ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫حدٍ أَبدا ً وَل َك ِ ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫من ْك ُ ْ‬
‫كا ِ‬ ‫ما َز َ‬ ‫ه َ‬ ‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬ ‫وََر ْ‬
‫م )‪(21‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬‫َ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ل تسلكوا طرق‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫من يسلك طرق الشيطان فإنه يأمره بقبيح الفعال‬ ‫الشيطان‪ ،‬و َ‬
‫ل الله على المؤمنين ورحمته بهم ما ط َهَُر‬ ‫ومنكراتها‪ ،‬ولول فَ ْ‬
‫ض ُ‬
‫من دنس ذنبه‪ ،‬ولكن الله‪ -‬بفضله‪ -‬يطهر من يشاء‪.‬‬ ‫دا ِ‬
‫منهم أحد أب ً‬
‫والله سميع لقوالكم‪ ،‬عليم بنياتكم وأفعالكم‪.‬‬

‫ن ي ُؤُْتههوا أ ُوِْلههي ال ُْقْرَبههى‬ ‫َ‬ ‫ول يأ ْتهه ُ‬


‫سههعَةِ أ ْ‬ ‫م َوال ّ‬ ‫من ْ ُ‬
‫كهه ْ‬ ‫ل ِ‬
‫ضهه ِ‬‫ل أوُْلههوا ال َْف ْ‬ ‫َ َ َ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫حّبو َ‬
‫حوا أل ت ُ ِ‬ ‫صَف ُ‬ ‫ل الل ّهِ وَل ْي َعُْفوا وَل ْي َ ْ‬‫سِبي ِ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬
‫مَها ِ‬‫ن َوال ْ ُ‬ ‫كي َ‬
‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫َ‬
‫م )‪(22‬‬ ‫ه غَُفوٌر َر ِ‬
‫حي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬‫ه ل َك ُ ْ‬‫ن ي َغِْفَر الل ّ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫سَعة في المال على ترك صلة‬ ‫ول يحلف أهل الفضل في الدين وال ّ‬
‫أقربائهم الفقراء والمحتاجين والمهاجرين‪ ،‬ومنعهم النفقة؛ بسبب‬
‫ذنب فعلوه‪ ,‬وْليتجاوزوا عن إساءتهم‪ ،‬ول يعاقبوهم‪ .‬أل تحبون أن‬
‫يتجاوز الله عنكم؟ فتجاوزوا عنهم‪ .‬والله غفور لعباده‪ ،‬رحيم بهم‪.‬‬
‫ث على العفو والصفح‪ ،‬ولو قوبل بالساءة‪.‬‬ ‫وفي هذا الح ّ‬

‫‪690‬‬
‫ت ل ُعِن ُههوا فِههي الهد ّن َْيا‬ ‫ت ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫من َهها ِ‬ ‫ت ال ْغَههاِفل ِ‬
‫صَنا ِ‬‫ح َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫مو َ‬
‫ن ي َْر ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫م )‪(23‬‬ ‫ظي ٌ‬
‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬‫خَرةِ وَل َهُ ْ‬ ‫َوال ِ‬
‫إن الذين يقذفون بالزنى العفيفات الغافلت المؤمنات اللتي لم‬
‫يخطر ذلك بقلوبهن‪ ،‬مطرودون من رحمة الله في الدنيا والخرة‪,‬‬
‫ولهم عذاب عظيم في نار جهنم‪ .‬وفي هذه الية دليل على كفر من‬
‫ب‪ ،‬أو اتهم زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بسوء‪.‬‬‫س ّ‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫شهد عَل َيه َ‬


‫مُلو َ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫جل ُهُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫م وَأْر ُ‬
‫ديهِ ْ‬
‫م وَأي ْ ِ‬ ‫م أل ْ ِ‬
‫سن َت ُهُ ْ‬ ‫ِْ ْ‬ ‫م تَ ْ َ ُ‬
‫ي َوْ َ‬
‫ذلك العذاب يوم القيامة يوم تشهد عليهم ألسنتهم بما نطقت‪،‬‬
‫وتتكلم أيديهم وأرجلهم بما عملت‪.‬‬

‫يومئ ِذ يوّفيهم الل ّه دينهم ال ْحق ويعل َمو َ‬


‫ن)‬ ‫حق ّ ا ل ْ ُ‬
‫مِبيهه ُ‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫نأ ّ‬‫َ ّ ََْ ُ َ‬ ‫ُ ِ َُ ْ‬ ‫َ ْ َ ٍ ُ َ ِ ْ‬
‫‪(25‬‬
‫في هذا اليوم يوفيهم الله جزاءهم كامل على أعمالهم بالعدل‪،‬‬
‫ويعلمون في ذلك الموقف العظيم أن الله هو الحق المبين الذي‬
‫هو حق‪ ,‬ووعده حق‪ ،‬ووعيده حق‪ ،‬وكل شيء منه حق‪ ،‬الذي ل‬
‫دا مثقال ذرة‪.‬‬
‫يظلم أح ً‬

‫ن َوالط ّي ُّبو َ‬
‫ن‬ ‫ت ِللط ّي ِّبي َ‬
‫ت َوالط ّي َّبا ُ‬ ‫ن ل ِل ْ َ‬
‫خِبيَثا ِ‬ ‫ن َوال ْ َ‬
‫خِبيُثو َ‬ ‫ت ل ِل ْ َ‬
‫خِبيِثي َ‬ ‫خِبيَثا ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م )‪(26‬‬ ‫مغِْفَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ‬
‫ري ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫ما ي َُقوُلو َ‬ ‫م ّ‬‫ن ِ‬ ‫مب َّرُءو َ‬
‫ك ُ‬ ‫ت أ ُوْل َئ ِ َ‬‫ِللط ّي َّبا ِ‬
‫كل خبيث من الرجال والنساء والقوال والفعال مناسب للخبيث‬
‫وموافق له‪ ,‬وكل طّيب من الرجال والنساء والقوال والفعال‬
‫مناسب للطيب وموافق له‪ ,‬والطيبون والطيبات مبرؤون مما‬
‫يرميهم به الخبيثون من السوء‪ ،‬لهم من الله مغفرة تستغرق‬
‫الذنوب‪ ،‬ورزق كريم في الجنة‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫سههوا‬
‫ست َأن ِ ُ‬
‫حت ّههى ت َ ْ‬ ‫خُلوا ب ُُيوتها ً غَي ْهَر ب ُي ُههوت ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫من ُههوا ل ت َهد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ي َهها أي ّهَهها ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫موا عََلى أهْل َِها ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫وَت ُ َ‬

‫‪691‬‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه‪ ،‬ل تدخلوا بيوًتا‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬
‫غير بيوتكم حتى تستأذنوا أهلها في الدخول وتسلموا عليهم وصيغة‬
‫ذلك من السنة‪ :‬السلم عليكم أأدخل؟ ذلكم الستئذان خير لكم ؛‬
‫لعلكم تتذكرون‪ -‬بفعلكم له‪ -‬أوامر الله‪ ،‬فتطيعوه‪.‬‬

‫َ‬
‫ل ل َك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ن ِقي ه َ‬
‫م وَإ ِ ْ‬‫ن ل َك ُ ْ‬
‫حّتى ي ُؤْذ َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫حدا ً َفل ت َد ْ ُ‬‫أ َ‬ ‫دوا ِفيَها‬
‫ج ُ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م تَ ِ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫م )‪(28‬‬ ‫ن عَِلي ٌ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬‫م َوالل ّ ُ‬ ‫كى ل َك ُ ْ‬‫أ َْز َ‬ ‫جُعوا هُوَ‬‫جُعوا َفاْر ِ‬ ‫اْر ِ‬
‫من‬‫دا فل تدخلوها حتى يوجد َ‬ ‫فإن لم تجدوا في بيوت الخرين أح ً‬
‫حوا‪,‬‬‫يأذن لكم‪ ،‬فإن لم يأذن‪ ،‬بل قال لكم‪ :‬ارجعوا فارجعوا‪ ،‬ول ُتل ّ‬
‫فإن الرجوع عندئذ أطهر لكم؛ لن للنسان أحوال يكره اطلع أحد‬
‫عليها‪ .‬والله بما تعملون عليم‪ ،‬فيجازي كل عامل بعمله‪.‬‬

‫ل َيس عَل َيك ُم جنا َ‬


‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫مَتاعٌ ل َك ُ ْ‬ ‫س ُ‬
‫كون َةٍ ِفيَها َ‬ ‫خُلوا ب ُُيوتا ً غَي َْر َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫حأ ْ‬ ‫ْ ْ ُ َ ٌ‬ ‫ْ َ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما ت َك ْت ُ ُ‬
‫ن وَ َ‬
‫دو َ‬
‫ما ت ُب ْ ُ‬
‫م َ‬‫ي َعْل َ ُ‬
‫لكن ل حرج عليكم أن تدخلوا بغير استئذان بيوًتا ليست مخصصة‬
‫دة‬
‫مع َ ّ‬
‫من يحتاج إليها كالبيوت ال ُ‬
‫لسكنى أناس بذاتهم‪ ,‬بل ليتمتع بها َ‬
‫صدقة لبن السبيل في طرق المسافرين وغيرها من المرافق‪,‬‬
‫ففيها منافع وحاجة لمن يدخلها‪ ،‬وفي الستئذان مشقة‪ .‬والله يعلم‬
‫أحوالكم الظاهرة والخفية‪.‬‬

‫ك أ َْز َ‬
‫كهى‬ ‫م ذ َِله َ‬
‫جُهه ْ‬ ‫حَف ُ‬
‫ظهوا فُُرو َ‬ ‫م وَي َ ْ‬
‫صهارِهِ ْ‬
‫ل ل ِل ْمؤْمِنين يغُضوا م َ‬
‫ن أب ْ َ‬‫ِ ْ‬ ‫ُ ِ َ َ ّ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫صن َُعو َ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫م إِ ّ‬‫ل َهُ ْ‬
‫ل لهم من‬‫ما ل يح ّ‬
‫من أبصارهم ع ّ‬‫ضوا ِ‬
‫قل ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬للمؤمنين ي َغُ ّ‬
‫حّرم الله من الزنى‬
‫ما َ‬
‫النساء والعورات‪ ،‬ويحفظوا فروجهم ع ّ‬
‫واللواط‪ ،‬وكشف العورات‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬ذلك أطهر لهم‪ .‬إن الله خبير‬
‫بما يصنعون فيما يأمرهم به وينهاهم عنه‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫دي َ‬ ‫ن َول ي ُب ْ ِ‬‫جه ُ ّ‬‫ن فُُرو َ‬ ‫حَفظ ْ َ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫صارِهِ ّ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ض َ‬‫ض ْ‬ ‫ت ي َغْ ُ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ل ِل ْ ُ‬‫وَقُ ْ‬
‫ن‬‫دي َ‬ ‫ن َول ي ُب ْه ِ‬ ‫جي ُههوب ِهِ ّ‬ ‫ن عَل َههى ُ‬ ‫مرِهِ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ضرِب ْ َ‬‫من َْها وَل ْي َ ْ‬‫ما ظ َهََر ِ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫ِزين َت َهُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أوْ أب ْن َههاِء‬ ‫ن أوْ أب ْن َههائ ِهِ ّ‬ ‫ن أوْ آب َههاِء ب ُعُههول َت ِهِ ّ‬ ‫ن أوْ آب َههائ ِهِ ّ‬ ‫ن إ ِل ّ ل ِب ُعُههول َت ِهِ ّ‬ ‫ِزين َت َهُه ّ‬
‫‪692‬‬
‫ن أ َْو‬
‫سههائ ِهِ ّ‬
‫خ هوات ِه َ‬
‫ن أو ْ ن ِ َ‬
‫َ‬
‫ن أوْ ب َن ِههي أ َ َ ِ ّ‬
‫خوان ِه َ‬
‫ن أوْ ب َِني إ ِ ْ َ ِ ّ‬
‫خوان ِه َ‬
‫ن أو ْ إ ِ ْ َ ِ ّ‬
‫بعول َت ِه َ‬
‫ِ ّ‬ ‫ُُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ل أوْ الط ّْف ه ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن الّر َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن غَي ْرِ أوِْلي ال ِْرب َةِ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ن أوْ الّتاب ِِعي‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫مان ُه‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫مهها‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن ل ِي ُعْل َ‬‫جل ِهِ ّ‬ ‫ن ب ِأْر ُ‬ ‫ضرِب ْ َ‬ ‫ساِء َول ي َ ْ‬‫ت الن ّ َ‬ ‫َ‬
‫م ي َظهَُروا عَلى عَوَْرا ِ‬ ‫ْ‬ ‫نل ْ‬‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ال ِ‬
‫َ‬
‫ن ل َعَل ّك ُه ْ‬
‫م‬ ‫من ُههو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ميع ها ً أي ّهَهها ال ْ ُ‬‫ج ِ‬‫ن وَُتوب ُههوا إ ِل َههى الل ّههِ َ‬ ‫ن ِزين َت ِهِه ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خِفي َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫حو َ‬ ‫ت ُْفل ِ ُ‬
‫ل لهن من‬ ‫ما ل يح ّ‬
‫وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ع ّ‬
‫حّرم الله‪ ،‬ول ُيظهرن زينتهن‬ ‫ما َ‬‫العورات‪ ،‬ويحفظن فروجهن ع ّ‬
‫للرجال‪ ،‬بل يجتهدن في إخفائها إل الثياب الظاهرة التي جرت‬
‫العادة بل ُْبسها‪ ،‬إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها‪ ،‬وليلقين‬
‫بأغطية رؤوسهن على فتحات صدورهن مغطيات وجوههن؛ ليكمل‬
‫ن الزينة الخفية إل لزواجهن ؛ إذ يرون منهن ما‬ ‫سترهن‪ ،‬ول ي ُظ ْهِْر َ‬
‫ل يرى غيرهم‪ .‬وبعضها‪ ،‬كالوجه‪ ،‬والعنق‪ ،‬واليدين‪ ،‬والساعدين يباح‬
‫رؤيته لبائهن أو آباء أزواجهن أو أبنائهن أو أبناء أزواجهن أو‬
‫إخوانهن أو أبناء إخوانهن أو أبناء أخواتهن أو نسائهن المسلمات‬
‫ن العبيد‪ ،‬أو التابعين من الرجال الذين‬ ‫م َ‬‫دون الكافرات‪ ,‬أو ما ملكن ِ‬
‫ل غرض ول حاجة لهم في النساء‪ ،‬مثل الب ُْله الذين يتبعون غيرهم‬
‫للطعام والشراب فحسب‪ ،‬أو الطفال الصغار الذين ليس لهم علم‬
‫بأمور عورات النساء‪ ،‬ولم توجد فيهم الشهوة بعد‪ ،‬ول يضرب‬
‫مْعن صوت ما خفي من زينتهن‬ ‫س ِ‬
‫سْيرهن بأرجلهن لي ُ ْ‬ ‫النساء عند َ‬
‫كالخلخال ونحوه‪ ،‬وارجعوا‪ -‬أيها المؤمنون‪ -‬إلى طاعة الله فيما‬
‫أمركم به من هذه الصفات الجميلة والخلق الحميدة‪ ،‬واتركوا ما‬
‫كان عليه أهل الجاهلية من الخلق والصفات الرذيلة؛ رجاء أن‬
‫تفوزوا بخيري الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ن يَ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كون ُههوا‬ ‫مههائ ِك ُ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫عب َههادِك ُ ْ‬
‫م وَإ ِ َ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬
‫م َوال ّ‬‫من ْك ُ ْ‬‫مى ِ‬ ‫حوا الَيا َ‬ ‫وَأنك ِ ُ‬
‫م )‪(32‬‬ ‫سعٌ عَِلي ٌ‬‫ه َوا ِ‬ ‫ضل ِهِ َوالل ّ ُ‬
‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫م الل ّ ُ‬‫فَُقَراَء ي ُغْن ِهِ ْ‬
‫من ل زوج له من الحرار والحرائر‬‫وزّوجوا‪ -‬أيها المؤمنون‪َ -‬‬
‫من عبيدكم وجواريكم‪ ،‬إن يكن الراغب في الزواج‬ ‫والصالحين ِ‬
‫للعفة فقيًرا يغنه الله من واسع رزقه‪ .‬والله واسع كثير الخير عظيم‬
‫الفضل‪ ،‬عليم بأحوال عباده‪.‬‬

‫ن فَ ْ‬
‫ض هل ِهِ‬ ‫مه ْ‬ ‫م الل ّه ُ‬
‫ه ِ‬ ‫كاح ها ً َ‬
‫حت ّههى ي ُغْن ِي َهُ ه ْ‬ ‫ن نِ َ‬
‫دو َ‬
‫جه ُ‬
‫ن ل يَ ِ‬ ‫ف ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وَل ْي َ ْ‬
‫ست َعِْف ْ‬
‫‪693‬‬
‫َ‬
‫م‬‫م ِفيهِ ْ‬ ‫مت ُ ْ‬
‫ن عَل ِ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫م فَ َ‬
‫كات ُِبوهُ ْ‬ ‫مان ُك ُ ْ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬‫ما َ‬ ‫م ّ‬‫ب ِ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬‫ن ي َب ْت َُغو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫م عََلى ال ْب َِغاءِ‬ ‫هوا فَت ََيات ِك ُ ْ‬‫م َول ت ُك ْرِ ُ‬ ‫ذي آَتاك ُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ال ّ ِ‬‫ما ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫خْيرا ً َوآُتوهُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن فَإ ِ ّ‬ ‫ن ي ُك ْرِهّ ّ‬‫م ْ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَ َ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫صنا ً ل ِت َب ْت َُغوا عََر َ‬‫ح ّ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ن أَرد ْ َ‬ ‫إِ ْ‬
‫م )‪(33‬‬ ‫حي ٌ‬‫ن غَُفوٌر َر ِ‬ ‫ب َعْدِ إ ِك َْراهِهِ ّ‬
‫ما‬
‫والذين ل يستطيعون الزواج لفقرهم أو غيره فليطلبوا العفة ع ّ‬
‫م الله حتى يغنيهم الله من فضله‪ ,‬وييسر لهم الزواج‪ .‬والذين‬ ‫حّر َ‬
‫َ‬
‫يريدون أن يتحرروا من العبيد والماء بمكاتبة أسيادهم على بعض‬
‫المال يؤدونه إليهم‪ ،‬فعلى مالكيهم أن يكاتبوهم على ذلك إن علموا‬
‫من رشد وقدرة على الكسب وصلح في الدين‪،‬‬ ‫فيهم خيًرا‪ِ :‬‬
‫وعليهم أن يعطوهم شيًئا من المال أو أن يحطوا عنهم مما ُ‬
‫كوتبوا‬
‫عليه‪ .‬ول يجوز لكم إكراه جواريكم على الزنى طلًبا للمال‪ ،‬وكيف‬
‫دن العفة وأنتم تأبونها؟ وفي هذا غاية‬
‫يقع منكم ذلك وهن ي ُرِ ْ‬
‫ن على الزنى فإن الله تعالى‬‫التشنيع لفعلهم القبيح‪ .‬ومن يكرهه ّ‬
‫كرههن‪.‬‬ ‫من أ ْ‬
‫من بعد إكراههن غفور لهن رحيم بهن‪ ،‬والثم على َ‬

‫َ‬
‫ن قَب ْل ِك ُه ْ‬
‫م‬ ‫مه ْ‬ ‫خل َه ْ‬
‫وا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مث َل ً ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ت وَ َ‬
‫مب َي ّن َهها ٍ‬
‫ت ُ‬
‫آي َهها ٍ‬ ‫وَل ََقد ْ أنَزل َْنا إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬
‫)‪(34‬‬ ‫ن‬‫مت ِّقي َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫عظ َ ً‬‫مو ْ ِ‬
‫وَ َ‬
‫ولقد أنزلنا إليكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬آيات القرآن دللت واضحات على‬
‫الحق‪ ,‬ومثل من أخبار المم السابقة المؤمنين منهم والكافرين‪،‬‬
‫وما جرى لهم وعليهم ما يكون مثل وعبرة لكم‪ ,‬وموعظة يتعظ بها‬
‫حذ َُر عذابه‪.‬‬
‫من يتقي الله وي َ ْ‬

‫ت وال َ‬
‫ح‬ ‫صههَبا ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫كاةٍ ِفيَههها ِ‬ ‫شهه َ‬
‫م ْ‬ ‫ل ُنههورِهِ ك َ ِ‬ ‫مَثهه ُ‬
‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫سهه َ‬‫ه ُنههوُر ال ّ‬ ‫الّلهه ُ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫جَر ٍ‬ ‫شه َ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ب د ُّريّ ُيوقَهد ُ ِ‬ ‫ة ك َأن ّهَهها ك َهوْك َ ٌ‬ ‫جه ُ‬ ‫جا َ‬ ‫جةٍ الّز َ‬ ‫جا َ‬‫ح ِفي ُز َ‬ ‫صَبا ُ‬‫م ْ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ه‬‫سهه ُ‬‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫م تَ ْ‬‫ضيُء وَل َوْ ل َ ْ‬ ‫كاد ُ َزي ْت َُها ي ُ ِ‬‫شْرقِي ّةٍ َول غَْرب ِي ّةٍ ي َ َ‬ ‫مَباَرك َةٍ َزي ُْتون ِةٍ ل َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫مث َهها َ‬‫ه ال ْ‬ ‫ب الل ّه ُ‬ ‫ض هرِ ُ‬
‫شههاُء وَي َ ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ه ل ُِنورِهِ َ‬ ‫دي الل ّ ُ‬ ‫َناٌر ُنوٌر عََلى ُنورٍ ي َهْ ِ‬
‫م )‪(35‬‬ ‫يٍء عَِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫س َوالل ّ ُ‬
‫ه ب ِك ُ ّ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫الله نور السموات والرض يدبر المر فيهما ويهدي أهلهما‪ ،‬فهو‪-‬‬
‫سبحانه‪ -‬نور‪ ،‬وحجابه نور‪ ،‬به استنارت السموات والرض وما‬
‫فيهما‪ ،‬وكتاب الله وهدايته نور منه سبحانه‪ ،‬فلول نوره تعالى‬
‫لتراكمت الظلمات بعضها فوق بعض‪ .‬مثل نوره الذي يهدي إليه‪,‬‬

‫‪694‬‬
‫وة في‬‫وهو اليمان والقرآن في قلب المؤمن كمشكاة‪ ,‬وهي الك ُ ّ‬
‫وة نور المصباح فل‬ ‫الحائط غير النافذة‪ ،‬فيها مصباح‪ ،‬حيث تجمع الك ّ‬
‫يتفرق‪ ،‬وذلك المصباح في زجاجة‪ ،‬كأنها ‪-‬لصفائها‪ -‬كوكب مضيء‬
‫در‪ ،‬يوَقد المصباح من زيت شجرة مباركة‪ ،‬وهي شجرة الزيتون‪،‬‬ ‫كال ّ‬
‫ل شرقية فقط‪ ،‬فل تصيبها الشمس آخر النهار‪ ،‬ول غربية فقط فل‬
‫تصيبها الشمس أول النهار‪ ،‬بل هي متوسطة في مكان من الرض‬
‫ل إلى الشرق ول إلى الغرب‪ ،‬يكاد زيتها ‪-‬لصفائه‪ -‬يضيء من نفسه‬
‫سْته النار أضاء إضاءة بليغة‪ ،‬نور على‬
‫م ّ‬
‫قبل أن تمسه النار‪ ،‬فإذا َ‬
‫نور‪ ،‬فهو نور من إشراق الزيت على نور من إشعال النار‪ ،‬فذلك‬
‫مثل الهدى يضيء في قلب المؤمن‪ .‬والله يهدي ويوفق لتباع‬
‫من يشاء‪ ،‬ويضرب المثال للناس؛ ليعقلوا عنه أمثاله‬ ‫القرآن َ‬
‫وحكمه‪ .‬والله بكل شيء عليم‪ ,‬ل يخفى عليه شيء‪.‬‬

‫ه ِفيَها ِبال ُْغههد ُّو‬ ‫في بيوت أ َذن الل ّ َ‬


‫ح لَ ُ‬
‫سب ّ ُ‬
‫ه يُ َ‬
‫م ُ‬ ‫ن ت ُْرفَعَ وَي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ‬
‫س ُ‬ ‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫ُُ ٍ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ل )‪(36‬‬‫صا ِ‬
‫َوال َ‬
‫مَر الله أن ي ُْرفع شأنها وبناؤها‪،‬‬ ‫َ‬
‫هذا النور المضيء في مساجد أ َ‬
‫ذكر فيها اسمه بتلوة كتابه والتسبيح والتهليل‪ ،‬وغير ذلك من‬ ‫وي ُ ْ‬
‫أنواع الذكر‪ُ ،‬يصّلي فيها لله في الصباح والمساء‪.‬‬

‫ن ذِك ْهرِ الل ّههِ وَإ ِقَههام ِ ال ّ‬


‫صههلةِ وَِإيت َههاءِ‬ ‫جاَرةٌ َول ب َي ْهعٌ عَه ْ‬ ‫م تِ َ‬‫ل ل ت ُل ِْهيهِ ْ‬ ‫جا ٌ‬‫رِ َ‬
‫صاُر )‪(37‬‬ ‫َ‬ ‫ب ِفيهِ ال ُْقُلو ُ‬ ‫وما ً ت َت ََقل ّ ُ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫الّز َ‬
‫ب َوالب ْ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫كاةِ ي َ َ‬
‫رجال ل تشغلهم تجارة ول بيع عن ذِك ْرِ الله‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء‬
‫الزكاة لمستحقيها‪ ,‬يخافون يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب‬
‫بين الرجاء في النجاة والخوف من الهلك‪ ،‬وتتقلب فيه البصار‬
‫تنظر إلى أي مصير تكون؟‬

‫ل ِيجزيهم الل ّ َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ضل ِهِ َوالل ّ ُ‬
‫ه ي َهْرُزقُ َ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫مُلوا وَي َ ِ‬
‫زيد َهُ ْ‬ ‫ما عَ ِ‬
‫ن َ‬
‫س َ‬
‫ح َ‬‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫َ ْ َُِ ْ‬
‫ب )‪(38‬‬ ‫سا ٍ‬‫ح َ‬ ‫يَ َ‬
‫شاُء ب ِغَي ْرِ ِ‬

‫‪695‬‬
‫ليعطيهم الله ثواب أحسن أعمالهم‪ ،‬ويزيدهم من فضله بمضاعفة‬
‫ن الجر‬
‫م َ‬
‫من يشاء بغير حساب‪ ،‬بل يعطيه ِ‬ ‫حسناتهم‪ .‬والله يرزق َ‬
‫ما ل يبلغه عمله‪ ،‬وبل عد ّ ول كيل‪.‬‬

‫َ‬
‫حّتههى إ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫ماءً َ‬ ‫ن َ‬‫مآ ُ‬ ‫ه الظ ّ ْ‬
‫سب ُ ُ‬
‫ح َ‬‫ب ب ِِقيعَةٍ ي َ ْ‬ ‫سَرا ٍ‬‫م كَ َ‬ ‫مال ُهُ ْ‬
‫ن ك ََفُروا أعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ع‬
‫ري ُ‬ ‫سه ِ‬
‫ه َ‬ ‫ه َوالّله ُ‬‫سههاب َ ُ‬‫ح َ‬‫عن ْهد َهُ فَوَفّههاهُ ِ‬
‫ه ِ‬ ‫جهد َ الّله َ‬
‫شهْيئا ً وَوَ َ‬
‫جد ْهُ َ‬
‫م يَ ِ‬‫جاَءهُ ل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ب )‪(39‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ذبوا رسله‪ ،‬أعمالهم التي ظنوها نافعة لهم‬ ‫والذين كفروا بربهم وك ّ‬
‫في الخرة‪ ،‬كصلة الرحام وفك السرى وغيرها‪ ،‬كسراب‪ ،‬وهو ما‬
‫هد كالماء على الرض المستوية في الظهيرة‪ ،‬يظنه العطشان‬ ‫يشا َ‬
‫ماء‪ ،‬فإذا أتاه لم يجده ماء‪ .‬فالكافر يظن أن أعماله تنفعه‪ ,‬فإذا‬
‫كان يوم القيامة لم يجد لها ثواًبا‪ ،‬ووجد الله سبحانه وتعالى له‬
‫بالمرصاد فوّفاه جزاء عمله كامل‪ .‬والله سريع الحساب‪ ،‬فل‬
‫من إتيانه‪.‬‬
‫يستبطئ الجاهلون ذلك الوعد‪ ،‬فإنه ل بد ّ ِ‬

‫َ‬
‫ن فَ هوْقِهِ‬
‫مه ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫م هو ْ ٌ‬‫ن فَ هوْقِهِ َ‬ ‫مه ْ‬‫ج ِ‬ ‫مو ْ ٌ‬‫شاهُ َ‬ ‫ي ي َغْ َ‬‫ج ّ‬‫حرٍ ل ُ ّ‬‫ت ِفي ب َ ْ‬ ‫ما ٍ‬ ‫أوْ ك َظ ُل ُ َ‬
‫ن‬‫مه ْ‬ ‫ج ي َد َهُ ل َ ْ‬
‫م ي َك َهد ْ ي ََراهَهها وَ َ‬ ‫خَر َ‬‫ذا أ َ ْ‬ ‫ضَها فَوْقَ ب َعْ ٍ‬
‫ض إِ َ‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫ما ٌ‬ ‫ب ظ ُل ُ َ‬ ‫حا ٌ‬‫س َ‬‫َ‬
‫ن ُنورٍ )‪(40‬‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫ما ل ُ‬ ‫ً‬
‫ه ُنورا فَ َ‬ ‫َ‬
‫هل ُ‬ ‫ّ‬
‫ل الل ُ‬ ‫جع َ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬
‫أو تكون أعمالهم مثل ظلمات في بحر عميق يعلوه موج‪ ,‬من فوق‬
‫من فوقه سحاب كثيف‪ ،‬ظلمات شديدة بعضها‬ ‫الموج موج آخر‪ ،‬و ِ‬
‫فوق بعض‪ ،‬إذا أخرج الناظر يده لم يقارب رؤيتها من شدة‬
‫الظلمات‪ ،‬فالكفار تراكمت عليهم ظلمات الشرك والضلل وفساد‬
‫العمال‪ .‬ومن لم يجعل الله له نوًرا من كتابه وسنة نبيه يهتدي به‬
‫من هاد‪.‬‬
‫فما له ِ‬

‫ض َوالط ّي ْهُر‬ ‫ر‬ ‫ت وال َ‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫هي‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ح لَ‬ ‫ب‬‫ه‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ه‬‫ن الل ّ‬ ‫أ َل َهم تهرى أ َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ن )‪(41‬‬ ‫ما ي َْفعَُلو َ‬‫م بِ َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ح ُ‬ ‫سِبي َ‬‫ه وَت َ ْ‬‫صلت َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل قَد ْ عَل ِ َ‬ ‫ت كُ ّ‬‫صاّفا ٍ‬
‫َ‬
‫من في السموات والرض‬ ‫سّبح له َ‬
‫ألم تعلم ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬أن الله ي ُ َ‬
‫من المخلوقات‪ ،‬والطير صافات أجنحتها في السماء تسبح ربها؟‬
‫كل مخلوق قد أرشده الله كيف يصلي له ويسبحه‪ .‬وهو سبحانه‬

‫‪696‬‬
‫مط ِّلع على ما يفعله كل عابد ومسّبح‪ ،‬ل يخفى عليه منها‬
‫عليم‪ُ ،‬‬
‫شيء‪ ،‬وسيجازيهم بذلك‪.‬‬

‫ت وال َ‬
‫صيُر )‪(42‬‬ ‫ض وَإ َِلى الل ّهِ ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ك ال ّ‬ ‫وَل ِل ّهِ ُ‬
‫ولله وحده ملك السموات والرض‪ ،‬له السلطان فيهما‪ ،‬وإليه‬
‫المرجع يوم القيامة‪.‬‬

‫كام ها ً فَت َهَرى‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ه ُر َ‬‫جعَل ُ ُ‬‫م يَ ْ‬‫ه ثُ ّ‬ ‫م ي ُؤَل ّ ُ‬
‫ف ب َي ْن َ ُ‬ ‫حابا ً ث ُ ّ‬‫س َ‬
‫جي َ‬ ‫ه ي ُْز ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫م ت ََرى أ ّ‬ ‫أل َ ْ‬
‫ن ب َهَردٍ‬
‫مه ْ‬ ‫ل ِفيهَهها ِ‬ ‫جب َهها ٍ‬
‫ن ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫ماءِ ِ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫خلل ِهِ وَي ُن َّز ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ال ْوَد ْقَ ي َ ْ‬
‫خُر ُ‬
‫ب‬‫س هَنا ب َْرقِ ههِ ي َهذ ْهَ ُ‬‫شاُء ي َك َههاد ُ َ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫صرِفُ ُ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬‫فَي ُ ِ‬
‫صارِ )‪(43‬‬ ‫َ‬
‫ِبالب ْ َ‬
‫ألم تشاهد أن الله سبحانه وتعالى يسوق السحاب إلى حيث يشاء‪،‬‬
‫من بينه المطر؟‬ ‫ما‪ ،‬فينزل ِ‬
‫ثم يجمعه بعد تفرقه‪ ،‬ثم يجعله متراك ً‬
‫دا‪ ،‬فيصيب به‬
‫وينزل من السحاب الذي يشبه الجبال في عظمته ب ََر ً‬
‫من يشاء منهم بحسب حكمته‬ ‫من يشاء من عباده ويصرفه ع ّ‬ ‫َ‬
‫من شدته يذهب‬ ‫وتقديره‪ ,‬يكاد ضوء ذلك البرق في السحاب ِ‬
‫بأبصار الناظرين إليه‪.‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك ل َعِب َْرةً لوِْلي الب ْ َ‬
‫صارِ )‪(44‬‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ه الل ّي ْ َ‬
‫ل َوالن َّهاَر إ ِ ّ‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫ي َُقل ّ ُ‬
‫ومن دلئل قدرة الله سبحانه وتعالى أنه يقلب الليل والنهار بمجيء‬
‫صًرا‪ ,‬إن في ذلك َلدللة يعتبر‬
‫أحدهما بعد الخر‪ ,‬واختلفهما طول وقِ َ‬
‫من له بصيرة‪.‬‬‫بها كل َ‬

‫م‬ ‫شههي عَل َههى ب َط ْن ِههِ وَ ِ‬


‫من ْهُ ه ْ‬ ‫م ِ‬
‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ماٍء فَ ِ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫داب ّةٍ ِ‬
‫ل َ‬‫خل َقَ ك ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫مهها‬
‫ه َ‬ ‫خل ُهقُ الل ّه ُ‬ ‫شي عََلى أ َْرب ٍَع ي َ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ن وَ ِ‬ ‫شي عََلى رِ ْ َ‬
‫جلي ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬‫َ‬
‫ديٌر )‪(45‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه عَلى ك ّ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫شاُء إ ِ ّ‬ ‫يَ َ‬
‫من ماء‪ ،‬فالماء أصل‬‫دب على الرض ِ‬ ‫والله تعالى خلق كل ما ي ِ‬
‫من يمشي زحًفا على بطنه كالحّيات‬
‫خلقه‪ ،‬فمن هذه الدواب‪َ :‬‬
‫من يمشي على رجلين كالنسان‪ ،‬ومنهم من يمشي‬ ‫ونحوها‪ ,‬ومنهم َ‬
‫‪697‬‬
‫على أربع كالبهائم ونحوها‪ .‬والله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء‪،‬‬
‫وهو قادر على كل شيء‪.‬‬

‫َ‬
‫ست َِقيم ٍ )‬
‫م ْ‬
‫ط ُ‬ ‫شاُء إ َِلى ِ‬
‫صَرا ٍ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬
‫دي َ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬
‫ه ي َهْ ِ‬ ‫مب َي َّنا ٍ‬ ‫ل ََقد ْ أنَزل َْنا آَيا ٍ‬
‫ت ُ‬
‫‪(46‬‬
‫لقد أنزلنا في القرآن علمات واضحات مرشدات إلى الحق‪ .‬والله‬
‫من عباده إلى الطريق المستقيم‪ ،‬وهو‬
‫من يشاء ِ‬
‫يهدي ويوفق َ‬
‫السلم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن ب َعْدِ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫م ي َت َوَّلى فَ ِ‬
‫ريقٌ ِ‬ ‫ل وَأط َعَْنا ث ُ ّ‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ وَِبالّر ُ‬
‫سو ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫وَي َُقوُلو َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ما أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ِبال ْ ُ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك وَ َ‬
‫دقنا بالله وبما جاء به الرسول‪ ،‬وأطعنا‬
‫ص ّ‬
‫ويقول المنافقون‪َ :‬‬
‫ض طوائف منهم من بعد ذلك فل تقبل حكم‬ ‫أمرهما‪ ،‬ثم ت ُعْرِ ُ‬
‫الرسول‪ ،‬وما أولئك بالمؤمنين‪.‬‬

‫ن‬
‫ضههو َ‬
‫معْرِ ُ‬
‫م ُ‬
‫من ْهُ ه ْ‬ ‫ذا فَ ِ‬
‫ريقٌ ِ‬ ‫م إِ َ‬ ‫حك ُ َ‬
‫م ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫عوا إ َِلى الل ّهِ وََر ُ‬
‫سول ِهِ ل ِي َ ْ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ذا د ُ ُ‬
‫)‪(48‬‬
‫دعوا في خصوماتهم إلى ما في كتاب الله وإلى رسوله؛‬ ‫وإذا ُ‬
‫كم بينهم‪ ،‬إذا فريق منهم معرض ل يقبل حكم الله وحكم‬ ‫لَيح ُ‬
‫رسوله‪ ,‬مع أنه الحق الذي ل شك فيه‪.‬‬

‫ْ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫حقّ ي َأُتوا إ ِل َي ْهِ ُ‬
‫مذ ْ ِ‬
‫عِني َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ن ل َهُ ْ‬
‫ن ي َك ُ ْ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫وإن يكن الحق في جانبهم فإنهم يأتون إلى النبي عليه الصلة‬
‫والسلم طائعين منقادين لحكمه ؛ لعلمهم أنه يقضي بالحق‪.‬‬

‫خههاُفو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ه عَل َي ْهِه ْ‬
‫م‬ ‫ف الل ّه ُ‬
‫حيه َ‬
‫ن يَ ِ‬
‫نأ ْ‬‫َ‬ ‫م يَ َ‬
‫م اْرت َههاُبوا أ ْ‬
‫ضأ ْ‬ ‫مهَر ٌ‬‫م َ‬ ‫أفِههي قُل ُههوب ِهِ ْ‬
‫ن )‪(50‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬‫م ال ّ‬ ‫ل أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫ه بَ ْ‬ ‫سول ُ ُ‬
‫وََر ُ‬

‫‪698‬‬
‫ب العراض ما في قلوبهم من مرض النفاق‪ ,‬أم ش ّ‬
‫كوا في نبوة‬ ‫سب َ ُ‬
‫أ َ‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أم السبب خوفهم أن يكون حكم الله‬
‫ورسوله جائًرا؟ كل إنهم ل يخافون جوًرا‪ ،‬بل السبب أنهم هم‬
‫الظالمون الفجرة‪.‬‬

‫عوا إَلى الل ّه ورسول ِه ل ِيحك ُم بينه ه َ‬


‫ن‬
‫مأ ْ‬‫ِ ََ ُ ِ َ ْ َ ََُْ ْ‬ ‫ذا د ُ ُ ِ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫ن قَوْ َ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪(51‬‬
‫حو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مْفل ِ ُ‬ ‫معَْنا وَأ َط َعَْنا وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫س ِ‬‫ي َُقوُلوا َ‬
‫أما المؤمنون حقا فدأبهم إذا دعوا إلى التحاكم في خصوماتهم إلى‬
‫كتاب الله وحكم رسوله‪ ،‬أن يقبلوا الحكم ويقولوا‪ :‬سمعنا ما قيل‬
‫من دعانا إلى ذلك‪ ،‬وأولئك هم المفلحون الفائزون‬‫لنا وأطعنا َ‬
‫بمطلوبهم في جنات النعيم‪.‬‬

‫م ال َْفههائ ُِزو َ‬
‫ن)‬ ‫ه وَي َت ِّقيهِ فَهأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ه ْ‬ ‫ش الل ّ َ‬
‫خ َ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه وَي َ ْ‬ ‫ن ي ُط ِعْ الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫‪(52‬‬
‫ف عواقب العصيان‪،‬‬‫خ ْ‬‫ومن يطع الله ورسوله في المر والنهي‪ ،‬وي َ َ‬
‫ذر عذاب الله‪ ،‬فهؤلء هم الفائزون بالنعيم في الجنة‪.‬‬‫ح َ‬
‫وي ْ‬

‫موا‬ ‫ن قُ ه ْ‬ ‫م ل َي َ ْ‬ ‫وأ َقْسموا بالل ّه جهد أ َيمههان ِهم ل َئ ِ َ‬


‫سه ُ‬
‫ل ل ت ُْق ِ‬ ‫جه ّ‬
‫خُر ُ‬ ‫مْرت َهُ ه ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ِ َ ْ َ ْ َ ِ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(53‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫خِبيٌر ب ِ َ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫معُْروفَ ٌ‬
‫ة إِ ّ‬ ‫ة َ‬ ‫َ‬
‫طاعَ ٌ‬
‫وأقسم المنافقون بالله تعالى غاية اجتهادهم في اليمان المغّلظة‪:‬‬
‫لئن أمرتنا ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬بالخروج للجهاد معك لنخرجن‪ ،‬قل لهم‪:‬‬
‫ل تحلفوا كذًبا‪ ،‬فطاعتكم معروفة بأنها باللسان فحسب‪ ،‬إن الله‬
‫خبير بما تعملونه‪ ،‬وسيجازيكم عليه‪.‬‬

‫َ‬ ‫قُ ْ َ‬
‫ل‬‫مه َ‬
‫ح ّ‬ ‫مهها ُ‬ ‫مهها عَل َي ْههِ َ‬
‫ن ت َوَل ّههوا فَإ ِن ّ َ‬
‫ل فَإ ِ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬
‫لأ ِ‬
‫ل إ ِل ّ ال َْبلغُ‬‫سههو ِ‬ ‫مهها عَل َههى الّر ُ‬ ‫دوا وَ َ‬ ‫طيُعوهُ ت َهْت َه ُ‬
‫ن تُ ِ‬ ‫مل ْت ُ ْ‬
‫م وَإ ِ ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ما ُ‬
‫م َ‬ ‫وَعَل َي ْك ُ ْ‬
‫ن )‪(54‬‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬للناس‪ :‬أطيعوا الله وأطيعوا الرسول‪ ،‬فإن‬
‫ل ما ُأمر به من تبليغ الرسالة‪،‬‬
‫تعرضوا فإنما على الرسول فِعْ ُ‬

‫‪699‬‬
‫ل ما ك ُّلفوه من المتثال‪ ،‬وإن تطيعوه ترشدوا إلى‬ ‫وعلى الجميع فِعْ ُ‬
‫الحق‪ ،‬وليس على الرسول إل أن يبلغ رسالة ربه بل ً‬
‫غا بيًنا‪.‬‬

‫خل َِفن ُّهم فِههي‬ ‫ت ل َي َ ْ‬


‫س هت َ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صههال ِ َ‬ ‫مل ُههوا ال ّ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُه ْ‬ ‫من ُههوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫م ال ّه ِ‬ ‫ال َ‬
‫ذي‬ ‫م ِدين َهُه ْ‬ ‫ن ل َهُه ْ‬ ‫مك ّن َه ّ‬ ‫م وَل َي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِه ْ‬‫مه ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّه ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫ن ِبههي‬ ‫كو‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ني‬ ‫ن‬‫دو‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫و‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ضى‬
‫َ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ُ ْ َ َُ ّ ُّ ْ ِ ْ َْ ِ َ ْ ِ ِ ْ ْ َْ ُ ُ َِ‬ ‫اْرت َ َ‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫سُقو َ‬ ‫م ال َْفا ِ‬ ‫ك هُ ْ‬ ‫ك فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ن ك ََفَر ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫شْيئا ً وَ َ‬ ‫َ‬
‫وعد الله بالنصر الذين آمنوا منكم وعملوا العمال الصالحة‪ ،‬بأن‬
‫يورثهم أرض المشركين‪ ،‬ويجعلهم خلفاء فيها‪ ،‬مثلما فعل مع‬
‫أسلفهم من المؤمنين بالله ورسله‪ ,‬وأن يجعل دينهم الذي ارتضاه‬
‫لهم‪ -‬وهو السلم‪ -‬ديًنا عزيًزا مكيًنا‪ ،‬وأن يبدل حالهم من الخوف‬
‫إلى المن‪ ،‬إذا عبدوا الله وحده‪ ،‬واستقاموا على طاعته‪ ،‬ولم‬
‫يشركوا معه شيًئا‪ ،‬ومن كفر بعد ذلك الستخلف والمن والتمكين‬
‫والسلطنة التامة‪ ،‬وجحد ن َِعم الله‪ ،‬فأولئك هم الخارجون عن طاعة‬
‫الله‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(56‬‬
‫مو َ‬
‫ح ُ‬ ‫ل ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت ُْر َ‬ ‫سو َ‬
‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫صلةَ َوآُتوا الّز َ‬
‫كاةَ وَأ ِ‬ ‫موا ال ّ‬
‫وَأِقي ُ‬
‫وأقيموا الصلة تامة‪ ،‬وآتوا الزكاة لمستحقيها‪ ,‬وأطيعوا الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم؛ رجاء أن يرحمكم الله‪.‬‬

‫ل تحسبن ال ّذين ك ََفروا معجزين فههي ال َرض و ْ‬


‫م الن ّههاُر وَل َب ِئ ْ َ‬
‫س‬ ‫م هأَواهُ ْ‬
‫ْ ِ َ َ‬ ‫ُ ْ ِ ِ َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ْ َ َ ّ‬
‫صيُر )‪(57‬‬ ‫م ِ‬‫ال ْ َ‬
‫ن الذين كفروا معجزين الله في الرض‪ ،‬بل هو قادر على‬ ‫ل تظن ّ‬
‫إهلكهم‪ ،‬ومرجعهم في الخرة إلى النار‪ ،‬وقُبح هذا المرجع‬
‫مة‪ ،‬وإن كان الخطاب فيه للرسول‬ ‫والمصير‪.‬وهو توجيه عام لل ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫يا أ َيها ال ّهذين آمنههوا ل ِيسهتأ ْذنك ُم ال ّهذين مل َك َهت أ َ‬


‫م‬ ‫ن ل َه ْ‬
‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ن‬‫ها‬
‫ه‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫َ ْ َ ِْ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫ن‬‫ضههُعو َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫حيهه َ‬ ‫جرِ وَ ِ‬ ‫صلةِ ال َْف ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن قَب ْ ِ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫مّرا ٍ‬ ‫ث َ‬ ‫م َثل َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫حل ُ َ‬
‫م ِ‬ ‫ي َب ْل ُُغوا ال ْ ُ‬
‫م ل َْيهه َ‬
‫س‬ ‫كهه ْ‬‫ت لَ ُ‬ ‫ث عَوَْرا ٍ‬ ‫شاِء َثل ُ‬ ‫صلةِ ال ْعِ َ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬‫م ْ‬‫ن الظ ِّهيَرةِ وَ ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ث َِياب َك ُ ْ‬
‫‪700‬‬
‫ض‬ ‫ضهك ُ ْ َ‬ ‫ن عَل َي ْك ُه ْ‬‫واُفو َ‬ ‫ن طَ ّ‬ ‫م َول عَل َي ْهِ ْ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م عَلههى ب َعْه ٍ‬ ‫م ب َعْ ُ‬ ‫ح ب َعْد َهُ ّ‬
‫جَنا ٌ‬‫م ُ‬
‫م )‪(58‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫م الَيا ِ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬‫ك َذ َل ِ َ‬

‫مروا عبيدكم‬‫دقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه ُ‬ ‫يا أيها الذين ص ّ‬


‫وإماءكم‪ ,‬والطفال الحرار دون سن الحتلم أن يستأذنوا عند‬
‫الدخول عليكم في أوقات عوراتكم الثلثة‪ :‬من قبل صلة الفجر؛‬
‫لنه وقت الخروج من ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة‪ ,‬ووقت خلع‬
‫الثياب للقيلولة في الظهيرة‪ ،‬ومن بعد صلة العشاء؛ لنه وقت‬
‫للنوم‪ ،‬وهذه الوقات الثلثة عورات لكم‪ ،‬يقل فيها التستر‪ ،‬أما فيما‬
‫سواها فل حرج إذا دخلوا بغير إذن؛ لحاجتهم في الدخول عليكم‪,‬‬
‫طوافون عليكم للخدمة‪ ،‬وكما بّين الله لكم أحكام الستئذان يبّين‬
‫لكم آياته وأحكامه وحججه وشرائع دينه‪ .‬والله عليم بما يصلح‬
‫خلقه‪ ،‬حكيم في تدبيره أمورهم‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ذا ب َل َغَ ال َط َْفا ُ‬


‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س هت َأذ َ َ‬ ‫س هت َأذُِنوا ك َ َ‬
‫مهها ا ْ‬ ‫م فَل ْي َ ْ‬
‫حل ُ َ‬
‫م ال ْ ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ل ِ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫م )‪(59‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م آَيات ِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬
‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫قَب ْل ِهِ ْ‬
‫وإذا بلغ الطفال منكم سن الحتلم والتكليف بالحكام الشرعية‪،‬‬
‫فعليهم أن يستأذنوا إذا أرادوا الدخول في كل الوقات كما يستأذن‬
‫الكبار‪ ،‬وكما يبّين الله آداب الستئذان يبّين الله تعالى لكم آياته‪.‬‬
‫والله عليم بما يصلح عباده‪ ،‬حكيم في تشريعه‪.‬‬

‫كاحا ً فَل َيس عَل َيههن جنهها َ‬


‫ن‬‫حأ ْ‬ ‫ِْ ّ ُ َ ٌ‬ ‫ْ َ‬ ‫ن نِ َ‬‫جو َ‬‫ساِء الل ِّتي ل ي َْر ُ‬ ‫ن الن ّ َ‬
‫م ْ‬‫عد ُ ِ‬ ‫وا ِ‬‫َوال َْق َ‬
‫َ‬
‫ن َوالل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫خي ْهٌر ل َهُه ّ‬
‫ن َ‬
‫سهت َعِْفْف َ‬
‫ن يَ ْ‬‫زين َهةٍ وَأ ْ‬‫ت بِ ِ‬
‫جهها ٍ‬ ‫ن غَي ْهَر ُ‬
‫مت َب َّر َ‬ ‫ن ث َِياب َهُ ّ‬‫ضع ْ َ‬‫يَ َ‬
‫م )‪(60‬‬ ‫ميعٌ عَِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫والعجائز من النساء اللتي قعدن عن الستمتاع والشهوة لكبرهن‪،‬‬
‫فل يطمعن في الرجال للزواج‪ ،‬ول يطمع فيهن الرجال كذلك‪،‬‬
‫فهؤلء ل حرج عليهن أن يضعن بعض ثيابهن كالرداء الذي يكون‬
‫فوق الثياب غير مظهرات ول متعرضات للزينة‪ ،‬ول ُْبسهن هذه‬
‫الثياب ‪ -‬ستًرا وتعفًفا‪ -‬أحسن لهن‪ .‬والله سميع لقوالكم‪ ،‬عليم‬
‫بنياتكم وأعمالكم‪.‬‬

‫‪701‬‬
‫ض‬ ‫ري ه ِ‬ ‫م ِ‬‫ج َول عَل َههى ال ْ َ‬ ‫ح هَر ٌ‬
‫ج َ‬ ‫ِ‬ ‫ج َول عَل َههى ال َعْهَر‬ ‫حَر ٌ‬
‫مى َ‬ ‫َ‬
‫س عََلى العْ َ‬ ‫َ‬ ‫ل َي ْ‬
‫ت‬ ‫حرج ول عََلى َأنُفسك ُم أ َن تأ ْك ُُلوا من بيوت ِك ُم أ َو بيوت آبائ ِك ُ َ‬
‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ ُُ ِ َ‬ ‫ِ ْ ُُ‬ ‫ِ ْ ْ َ‬ ‫َ َ ٌ َ‬
‫خ هوات ِك ُم أ َو بيههوت أ َعْمههامك ُم أوَ‬ ‫خوان ِك ُم أ َو بيههوت أ ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ ِ ْ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ْ ُُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ْ ُُ‬ ‫ت إِ ْ َ‬ ‫م أوْ ب ُُيو ِ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬ ‫أ ّ‬
‫خههالت ِك ُ َ‬ ‫خ هوال ِك ُ َ‬ ‫ت أَ ْ‬ ‫بيههوت عَمههات ِك ُ َ‬
‫م‬ ‫مل َك ْت ُه ْ‬ ‫مهها َ‬ ‫م أو ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت َ‬ ‫م أوْ ب ُي ُههو ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م أوْ ب ُي ُههو ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ُُ‬
‫شَتاتا ً فَإ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ميعا ً أوْ أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ج ِ‬ ‫ن ت َأك ُُلوا َ‬ ‫حأ ْ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫س عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ل َي ْ َ‬ ‫ديِقك ُ ْ‬ ‫ص ِ‬
‫ه أو ْ َ‬ ‫ح ُ‬‫مَفات ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫ة طي ّب َه ً‬ ‫مَباَرك ه ً‬ ‫عن ْدِ الل ههِ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫حي ّ ً‬‫م تَ ِ‬ ‫سك ْ‬ ‫موا عَلى أنُف ِ‬ ‫سل ُ‬ ‫م ب ُُيوتا فَ َ‬ ‫خلت ُ ْ‬ ‫دَ َ‬
‫ن )‪(61‬‬ ‫م ت َعِْقُلو َ‬ ‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫م الَيا ِ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬

‫ميان وذوي العرج والمرضى إثم‬ ‫ليس على أصحاب العذار من العُ ْ‬
‫في ترك المور الواجبة التي ل يقدرون على القيام بها‪ ,‬كالجهاد‬
‫ونحوه‪ ،‬مما يتوقف على بصر العمى أو سلمة العرج أو صحة‬
‫المريض‪ ،‬وليس على أنفسكم‪ -‬أيها المؤمنون‪ -‬حرج في أن تأكلوا‬
‫من بيوت أولدكم‪ ،‬أو من بيوت آبائكم‪ ،‬أو أمهاتكم‪ ،‬أو إخوانكم‪ ،‬أو‬
‫أخواتكم‪ ،‬أو أعمامكم‪ ،‬أو عماتكم‪ ,‬أو أخوالكم‪ ,‬أو خالتكم‪ ,‬أو من‬
‫البيوت التي وُك ّْلتم بحفظها في غيبة أصحابها بإذنهم‪ ،‬أو من بيوت‬
‫الصدقاء‪ ,‬ول حرج عليكم أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين‪ ،‬فإذا‬
‫دخلتم بيوًتا مسكونة أو غير مسكونة فليسّلم بعضكم على بعض‬
‫بتحية السلم‪ ،‬وهي‪ :‬السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪ ,‬أو السلم‬
‫علينا وعلى عباد الله الصالحين‪ ،‬إذا لم يوجد أحد‪ ،‬وهذه التحية‬
‫مي المودة والمحبة‪ ,‬طيبة محبوبة‬ ‫شرعها الله‪ ،‬وهي مباركة ت ُن ْ ِ‬
‫للسامع‪ ،‬وبمثل هذا التبيين يبّين الله لكم معالم دينه وآياته؛‬
‫لتعقلوها‪ ،‬وتعملوا بها‪.‬‬

‫َ‬
‫ر‬
‫مه ٍ‬ ‫ه عَل َههى أ ْ‬ ‫مع َ ه ُ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫سول ِهِ وَإ ِ َ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫مُنو َ‬ ‫ما ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ك ال ّه ِ‬
‫ك أوْل َئ ِ َ‬ ‫سهت َأذُِنون َ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّه ِ‬
‫ذي‬ ‫سهت َأذُِنوهُ إ ِ ّ‬ ‫حت ّههى ي َ ْ‬ ‫م ي َذ ْهَُبوا َ‬ ‫مٍع ل َ ْ‬ ‫جا ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ت‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬‫ن لِ َ‬ ‫م فَأذ َ ْ‬ ‫شأن ِهِ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ك ل ِب َعْ ِ‬ ‫ست َأذ َُنو َ‬ ‫ذا ا ْ‬ ‫سول ِهِ فَإ ِ َ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫م )‪(62‬‬ ‫حي ٌ‬‫ه غَُفوٌر َر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ه إِ ّ‬ ‫م الل ّ َ‬
‫ست َغِْفْر ل َهُ ْ‬
‫م َوا ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫دقوا الله ورسوله‪ ،‬وعملوا بشههرعه‪،‬‬ ‫إنما المؤمنون حًقا هم الذين ص ّ‬
‫وإذا كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على أمر جمعهههم لهه فههي‬
‫مصلحة المسلمين‪ ،‬لم ينصرف أحد منهم حههتى يسههتأذنه‪ ،‬إن الههذين‬
‫يستأذنونك ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬هم الذين يؤمنون بالله ورسوله حًقهها‪ ،‬فههإذا‬
‫استأذنوك لبعض حاجتهم َفهأ َْذن لمهن شههئت ممهن طلهب الذن فهي‬
‫النصههراف لعههذر‪ ،‬واطلههب لهههم المغفههرة مههن اللههه‪ .‬إن اللههه غفههور‬

‫‪702‬‬
‫لذنوب عباده التائبين‪ ،‬رحيم بهم‪.‬‬

‫م الل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫م ب َْعض ها ً قَ هد ْ ي َعْل َه ُ‬‫ض هك ُ ْ‬
‫عاِء ب َعْ ِ‬‫م ك َد ُ َ‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬‫سو ِ‬ ‫عاَء الّر ُ‬ ‫جعَُلوا د ُ َ‬ ‫ل تَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م هرِهِ أ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫ن ع َه ْ‬ ‫خههال ُِفو َ‬‫ن يُ َ‬‫ذي َ‬‫ح هذ َْر ال ّه ِ‬‫واذا ً فَل ْي َ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م ل ِه َ‬ ‫ن ِ‬ ‫سل ُّلو َ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م )‪(63‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫تصيبهم فتن ٌ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬
‫ة أو ْ ي ُ ِ‬ ‫ُ ِ َُ ْ ِ َْ‬
‫ل تقولوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬عند ندائكم رسول اللههه‪ :‬يهها محمههد‪ ،‬ول يهها‬
‫محمد بن عبد الله‪ ،‬كما يقول ذلك بعضههكم لبعههض‪ ,‬ولكههن ش هّرفوه‪،‬‬
‫وقولوا‪ :‬يا نبي الله‪ ,‬يا رسول الله‪ .‬قههد يعلههم اللههه المنههافقين الههذين‬
‫يخرجون من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خفيههة بغيههر إذنههه‪،‬‬
‫ذر الذين يخالفون أمر رسول الله أن تنزل‬ ‫ح َ‬
‫يلوذ بعضهم ببعض‪ ،‬فلي َ ْ‬
‫بهم محنة وشر‪ ،‬أو يصيبهم عذاب مؤلم موجع في الخرة‪.‬‬

‫َ‬ ‫ت وال َ‬ ‫َ‬


‫م عَل َي ْههِ وَي َهوْ َ‬
‫م‬ ‫مهها أن ْت ُه ْ‬ ‫م َ‬ ‫ض قَهد ْ ي َعْل َه ُ‬‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫س‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ما‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ن ل ِل ّ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫أل‬
‫م )‪(64‬‬ ‫ِ ٌ‬ ‫لي‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ٍ‬ ‫ء‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫مُلوا َوالل ّ ُ ِ‬
‫ب‬ ‫ه‬ ‫ما عَ ِ‬‫م بِ َ‬‫ن إ ِل َي ْهِ فَي ُن َب ّئ ُهُ ْ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ي ُْر َ‬
‫أل إن لله ما في السموات والرض خلًقا وملك ًهها وعبههادة‪ ,‬قههد أحههاط‬
‫علمه بجميههع مهها أنتههم عليههه‪ ,‬ويههوم يرجههع العبههاد إليههه فههي الخههرة‪,‬‬
‫يخبرهم بعملهم‪ ,‬ويجازيهم عليه‪ ،‬والله بكههل شههيء عليههم‪ ،‬ل تخفههى‬
‫عليه أعمالهم وأحوالهم‪.‬‬

‫‪ -25‬سورة الفرقان‬

‫ذيرا ً )‪(1‬‬
‫ن نَ ِ‬ ‫ن ل ِل َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ن عََلى عَب ْدِهِ ل ِي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ل ال ُْفْرَقا َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي ن َّز َ‬ ‫ت ََباَر َ‬

‫ت بركههات اللههه‪ ,‬وكههثرت خيراتههه‪ ,‬وكملههت أوصههافه سههبحانه‬ ‫مه ْ‬ ‫عَظ ُ َ‬


‫وتعالى الذي نّزل القههرآن الفههارق بيههن الحههق والباطههل علههى عبههده‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليكون رسههول للنههس والجههن‪ ,‬مخوّفًهها‬
‫لهم من عذاب الله‪.‬‬

‫َ‬
‫ري ٌ‬
‫ك‬ ‫شهه ِ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫خذ ْ وََلدا ً وَل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ض وَل َ ْ‬
‫م ي َت ّ ِ‬ ‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ك ال ّ‬ ‫ذي ل َ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫‪703‬‬
‫ديرا ً )‪(2‬‬
‫يءٍ فََقد َّرهُ ت َْق ِ‬ ‫خل َقَ ك ُ ّ‬
‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫مل ْ ِ‬
‫ك وَ َ‬ ‫ِفي ال ْ ُ‬
‫دا‪ ,‬ولم يكن له شريك‬ ‫الذي له ملك السموات والرض‪ ,‬ولم يتخذ ول ً‬
‫واه علههى مهها يناسههبه مههن‬‫في ملكه‪ ,‬وهو الذي خلق كل شيء‪ ,‬فس ه ّ‬
‫الخلق وَْفق ما تقتضيه حكمته دون نقص أو خلل‪.‬‬

‫مل ِك ُههو َ‬
‫ن‬ ‫خل َُقههو َ‬
‫ن َول ي َ ْ‬ ‫ش هْيئا ً وَهُ ه ْ‬
‫م يُ ْ‬ ‫ن َ‬‫خل ُُقههو َ‬
‫ة ل يَ ْ‬ ‫دون ِهِ آل ِهَ ً‬
‫ن ُ‬‫م ْ‬
‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬‫َوات ّ َ‬
‫شورا ً )‪(3‬‬ ‫وتا ً َول َ‬ ‫َ‬
‫حَياةً َول ن ُ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬‫كو َ‬ ‫ضّرا ً َول ن َْفعا ً َول ي َ ْ‬
‫مل ِ ُ‬ ‫م َ‬‫سه ِ ْ‬‫لنُف ِ‬
‫خْلق‬
‫واتخذ مشركو العرب معبودات من دون الله ل تستطيع َ‬
‫شيء‪ ،‬والله خلقها وخلقهم‪ ,‬ول تملك لنفسها د َفْعَ ضر أو جلب نفع‪,‬‬
‫ول تستطيع إماتة حي أو إحياء ميت‪ ,‬أو بعث أحد من الموات حًيا‬
‫من قبره‪.‬‬

‫ن‬
‫خههُرو َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ َقههوْ ٌ‬
‫مآ َ‬ ‫ك افْت ََراهُ وَأ َ َ‬
‫عان َ ُ‬ ‫ذا إ ِل ّ إ ِفْ ٌ‬ ‫ن ك ََفُروا إ ِ ْ‬
‫ن هَ َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وََقا َ‬
‫جاُءوا ظ ُْلما ً وَُزورا ً )‪(4‬‬ ‫فََقد ْ َ‬
‫وقال الكافرون بالله‪ :‬ما هذا القرآن إل كذب وبهتان اختلقه محمد‪,‬‬
‫ما فظيًعا‪ ,‬وأتوا زوًرا‬
‫وأعانه على ذلك أناس آخرون‪ ,‬فقد ارتكبوا ظل ً‬
‫شنيًعا؛ فالقرآن ليس مما يمكن لبشر أن يختلقه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫مَلى عَل َي ْهِ ب ُك َْرةً وَأ ِ‬
‫صيل ً )‪(5‬‬ ‫ن اك ْت َت َب ََها فَهِ َ‬
‫ي تُ ْ‬ ‫طيُر الوِّلي َ‬ ‫وََقاُلوا أ َ‬
‫سا ِ‬
‫وقالوا عن القرآن‪ :‬هو أحاديث الولين المسطرة في كتبهم‪،‬‬
‫حا ومساء‪.‬‬
‫استنسخها محمد‪ ،‬فهي ت ُْقَرأ عليه صبا ً‬

‫ن غَُفههورا ً‬ ‫َ‬ ‫قُ ْ َ‬


‫ه ك َهها َ‬
‫ض إ ِن ّه ُ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫سه َ‬
‫سّر ِفي ال ّ‬ ‫ذي ي َعْل َ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ل أنَزل َ ُ‬
‫حيما ً )‪(6‬‬ ‫َر ِ‬
‫قل ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لهؤلء الكفار‪ :‬إن الذي أنزل القرآن هو الله‬
‫الذي أحاط علمه بما في السموات والرض‪ ،‬إنه كان غفوًرا لمن‬
‫ما بهم حيث لم يعاجلهم بالعقوبة‪.‬‬
‫تاب من الذنوب والمعاصي‪ ،‬رحي ً‬

‫‪704‬‬
‫ول‬‫ق ل َه ْ‬‫وا ِ‬‫سه َ‬
‫َ‬
‫شههي فِههي ال ْ‬ ‫م ِ‬‫م وَي َ ْ‬ ‫ل الط َّعا َ‬ ‫ل ي َأ ْك ُ ُ‬ ‫سو ِ‬‫ذا الّر ُ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫وََقاُلوا َ‬
‫َ‬ ‫ذيرا ً )‪ (7‬أ َوْ ي ُل َْقى إ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ُأنزِ َ‬
‫ن ل َه ُ‬
‫ه‬ ‫كن هٌز أوْ ت َك ُههو ُ‬ ‫ه نَ ِ‬ ‫مع َ ُ‬‫ن َ‬‫كو َ‬‫ك فَي َ ُ‬‫مل َ ٌ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ َ‬
‫حورا ً )‪(8‬‬ ‫س ُ‬
‫م ْ‬‫جل ً َ‬
‫ن إ ِل ّ َر ُ‬ ‫ن ت َت ّب ُِعو َ‬
‫ن إِ ْ‬
‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ل ال ّ‬‫من َْها وََقا َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ة ي َأ ْك ُ ُ‬‫جن ّ ٌ‬
‫َ‬
‫دا‬
‫وقال المشركون‪ :‬ما لهذا الذي يزعم أنه رسول الله )يعنون محم ً‬
‫صلى الله عليه وسلم( يأكل الطعام مثلنا‪ ،‬ويمشي في السواق‬
‫كا يشهد على صدقه‪ ،‬أو‬ ‫مل َ ً‬
‫لطلب الرزق؟ فهل أرسل الله معه َ‬
‫يهبط عليه من السماء كنز من مال‪ ,‬أو تكون له حديقة عظيمة‬
‫يأكل من ثمرها‪ ,‬وقال هؤلء الظالمون المكذبون‪ :‬ما تتبعون أيها‬
‫المؤمنون إل رجل به سحر غلب على عقله‪.‬‬

‫ضرُبوا ل َ َ َ‬
‫سِبيل ً )‪(9‬‬
‫ن َ‬
‫طيُعو َ‬ ‫ضّلوا َفل ي َ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ل فَ َ‬
‫مَثا َ‬
‫ك ال ْ‬ ‫انظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫ف َ َ‬
‫انظر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬كيف قال المكذبون في حقك تلك القوال‬
‫العجيبة التي تشبه ‪-‬لغرابتها‪ -‬المثال؛ ليتوصلوا إلى تكذيبك؟ فب َُعدوا‬
‫بذلك عن الحق‪ ,‬فل يجدون سبيل إليه؛ ليصححوا ما قالوه فيك من‬
‫الكذب والفتراء‪.‬‬

‫حت َِههها‬
‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬
‫ري ِ‬
‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬
‫جّنا ٍ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫خْيرا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫ل لَ َ‬
‫ك َ‬ ‫جع َ َ‬ ‫ن َ‬
‫شاَء َ‬ ‫ذي إ ِ ْ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ت ََباَر َ‬
‫صورا ً )‪(10‬‬ ‫ل لَ َ‬
‫ك قُ ُ‬ ‫ال َن َْهاُر وَي َ ْ‬
‫جع َ ْ‬
‫ت خيراته‪ ,‬الذي إن شاء جعل لك ‪ -‬أيها‬‫ت بركات الله‪ ,‬وك َث َُر ْ‬ ‫عَظ ُ َ‬
‫م ْ‬
‫الرسول ‪ -‬خيًرا مما تمّنوه لك‪ ،‬فجعل لك في الدنيا حدائق كثيرة‬
‫تتخللها النهار‪ ،‬وجعل لك فيها قصوًرا عظيمة‪.‬‬

‫سِعيرا ً )‪(11‬‬ ‫َ‬


‫ساعَةِ َ‬ ‫ن ك َذ ّ َ‬
‫ب ِبال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ك َذ ُّبوا ِبال ّ‬
‫ساعَةِ وَأعْت َد َْنا ل ِ َ‬ ‫بَ ْ‬
‫ذبوا‬‫وما كذبوك؛ لنك تأكل الطعام‪ ,‬وتمشي في السواق‪ ،‬بل ك ّ‬
‫بيوم القيامة وما فيه من جزاء‪ ،‬وأعتدنا لمن كذب بالساعة ناًرا‬
‫سّعر بهم‪.‬‬
‫حارة ت ُ َ‬

‫مُعوا ل ََها ت َغَّيظا ً وََزِفيرا ً )‪(12‬‬ ‫م َ‬ ‫إ َ َ‬


‫س ِ‬
‫ن ب َِعيدٍ َ‬
‫كا ٍ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ذا َرأت ُْهم ِ‬‫ِ‬

‫‪705‬‬
‫إذا رأت النار هؤلء المكذبين يوم القيامة من مكان بعيد‪ ،‬سمعوا‬
‫صوت غليانها وزفيرها‪ ،‬من شدة تغيظها منهم‪.‬‬

‫ك ث ُُبورا ً )‪(13‬‬ ‫وإ َ ُ‬


‫وا هَُنال ِ َ‬
‫ن د َعَ ْ‬
‫مَقّرِني َ‬‫ضّيقا ً ُ‬
‫كانا ً َ‬
‫م َ‬ ‫ذا أل ُْقوا ِ‬
‫من َْها َ‬ ‫َِ‬
‫ُ‬
‫رنت أيديهم‬‫وإذا ألقوا في مكان شديد الضيق من جهنم‪ -‬وقد قُ ِ‬
‫وا على أنفسهم بالهلك للخلص منها‪.‬‬ ‫بالسلسل إلى أعناقهم‪ -‬د َعَ ْ‬

‫عوا ث ُُبورا ً ك َِثيرا ً )‪(14‬‬


‫حدا ً َواد ْ ُ‬
‫م ث ُُبورا ً َوا ِ‬
‫عوا ال ْي َوْ َ‬
‫ل ت َد ْ ُ‬
‫دعوا اليوم بالهلك مرة واحدة‪ ،‬بل مرات‬
‫سا‪ ،‬ل ت َ ْ‬
‫فيقال لهم تيئي ً‬
‫ما‪ ،‬فل خلص لكم‪.‬‬ ‫كثيرة‪ ،‬فلن يزيدكم ذلك إل غ ّ‬

‫َ‬ ‫ل أ َذ َل ِ َ‬
‫ج هَزاًء‬ ‫ت ل َهُ ه ْ‬
‫م َ‬ ‫ن ك َههان َ ْ‬ ‫ع هد َ ال ْ ُ‬
‫مت ُّقههو َ‬ ‫خل ْدِ ال ّت ِههي وُ ِ‬
‫ة ال ْ ُ‬
‫جن ّ ُ‬
‫م َ‬
‫خي ٌْر أ ْ‬
‫ك َ‬ ‫قُ ْ‬
‫صيرا ً )‪(15‬‬ ‫م ِ‬‫وَ َ‬
‫ت لكم خيٌر أم جنة‬
‫صف ْ‬
‫قل لهم ‪ -‬أيها الرسول ‪ :-‬أهذه النار التي وُ ِ‬
‫عد بها الخائفون من عذاب ربهم‪ ،‬كانت لهم‬ ‫النعيم الدائم التي وُ ِ‬
‫ثواًبا على عملهم‪ ،‬ومآل يرجعون إليه في الخرة؟‬

‫سُئول ً )‪(16‬‬ ‫عدا ً َ‬


‫م ْ‬ ‫ن عََلى َرب ّ َ‬
‫ك وَ ْ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ما ي َ َ‬
‫شاُءو َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫م ِفيَها َ‬
‫لهؤلء المطيعين في الجنة ما يشتهون من ملذ ّ النعيم‪ ,‬متاعهم فيه‬
‫دا مسؤول‬‫دائم‪ ،‬كان دخولهم إياها على ربك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬وع ً‬
‫يسأله عباد الله المتقون‪ ،‬والله ل يخلف وعده‪.‬‬

‫ل أ َأ َنته َ‬
‫ضهل َل ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫مأ ْ‬‫ن الل ّههِ فَي َُقههو ُ ْ ُ ْ‬
‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫مه ْ‬
‫ن ِ‬ ‫دو َ‬
‫مهها ي َعْب ُه ُ‬
‫م وَ َ‬
‫شهُرهُ ْ‬‫ح ُ‬‫م يَ ْ‬
‫وَي َوْ َ‬
‫َ‬
‫ل )‪(17‬‬‫سِبي َ‬‫ضّلوا ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م هُ ْ‬ ‫عَباِدي هَ ُ‬
‫ؤلِء أ ْ‬ ‫ِ‬
‫ويوم القيامة يحشر الله المشركين وما كانوا يعبدونه من دونه‪,‬‬
‫فيقول لهؤلء المعبودين‪ :‬أأنتم أضللتم عبادي هؤلء عن طريق‬
‫من‬‫الحق‪ ،‬وأمرتموهم بعبادتكم‪ ،‬أم هم ضلوا السبيل‪ ،‬فعبدوكم ِ‬
‫تلقاء أنفسهم؟‬
‫‪706‬‬
‫كم َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ن أوْل َِياءَ وَل َ ِ‬
‫كهه ْ‬ ‫دون ِ َ ِ ْ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫خذ َ ِ‬ ‫ن ي َن ْب َِغي ل ََنا أ ْ‬
‫ن ن َت ّ ِ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫حان َ َ‬ ‫َقاُلوا ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫وما ً ُبورا ً )‪(18‬‬‫كاُنوا قَ ْ‬ ‫سوا الذ ّك َْر وَ َ‬ ‫حّتى ن َ ُ‬‫م َ‬‫م َوآَباَءهُ ْ‬ ‫مت ّعْت َهُ ْ‬
‫َ‬
‫ما فعل هؤلء‪،‬‬ ‫قال المعبودون من دون الله‪ :‬تنزيًها لك‪ -‬يا ربنا‪ -‬عَ ّ‬
‫ت هؤلء‬ ‫خذ سواك أولياء نواليهم‪ ,‬ولكن متع َ‬ ‫ح أن ن َت ّ ِ‬
‫فما يص ّ‬
‫المشركين وآباءهم بالمال والعافية في الدنيا‪ ،‬حتى نسوا ذكرك‬
‫خ ْ‬
‫ذلن ‪.‬‬ ‫ما هلكى غلب عليهم الشقاء وال ِ‬ ‫فأشركوا بك‪ ،‬وكانوا قو ً‬

‫ن ي َظ ْل ِ ْ‬
‫م‬ ‫صرا ً وَ َ‬
‫م ْ‬ ‫صْرفا ً َول ن َ ْ‬
‫ن َ‬
‫طيُعو َ‬
‫ست َ ِ‬
‫ما ت َ ْ‬ ‫ما ت َُقوُلو َ‬
‫ن فَ َ‬ ‫م بِ َ‬‫فََقد ْ ك َذ ُّبوك ُ ْ‬
‫ذابا ً ك َِبيرا ً )‪(19‬‬‫ه عَ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م ن ُذِقْ ُ‬ ‫ِ‬
‫دعائكم‬
‫ذبكم هؤلء الذين عبدتموهم في ا ّ‬ ‫فيقال للمشركين‪ :‬لقد ك ّ‬
‫عليهم‪ ،‬فها أنتم أولء ل تستطيعون د َفًْعا للعذاب عن أنفسكم‪ ،‬ول‬
‫من يشرك بالله فيظلم نفسه ويعبد غير الله‪ ،‬ويمت‬ ‫نصًرا لها‪ ،‬و َ‬
‫دا‪.‬‬
‫على ذلك‪ ،‬يعذبه الله عذاًبا شدي ً‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ُ‬
‫شههو َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫ن الط ّعَهها َ‬ ‫م ل َي َأك ُُلو َ‬‫ن إ ِل ّ إ ِن ّهُ ْ‬
‫سِلي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل َْنا قَب ْل َ َ‬
‫ك ِ‬ ‫َوما أْر َ‬
‫صههيرا ً‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫في ال َسواق وجعل ْنا بعضك ُم ل ِبعض فتن ً َ‬
‫ك بَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫صب ُِرو َ‬‫ة أت َ ْ‬ ‫ْ َ ِ َ َ َ َ َْ َ ْ َْ ٍ ِ َْ‬ ‫ِ‬
‫)‪(20‬‬
‫من رسلنا إل كانوا بشًرا‪،‬‬
‫دا ِ‬
‫وما أرسلنا قبلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أح ً‬
‫يأكلون الطعام‪ ،‬ويمشون في السواق‪ .‬وجعلنا بعضكم‪ -‬أيها الناس‪-‬‬
‫لبعض ابتلء واختباًرا بالهدى والضلل‪ ،‬والغنى والفقر‪ ،‬والصحة‬
‫والمرض‪ ،‬هل تصبرون‪ ،‬فتقوموا بما أوجبه الله عليكم‪ ،‬وتشكروا‬
‫له‪ ،‬فيثيبكم مولكم‪ ،‬أو ل تصبرون فتستحقوا العقوبة؟ وكان ربك ‪-‬‬
‫أيها الرسول ‪ -‬بصيًرا بمن يجزع أو يصبر‪ ،‬وبمن يكفر أو يشكر‪.‬‬

‫‪707‬‬
‫الجزء التاسع عشر‪:‬‬
‫ل عَل َينا ال ْملئ ِك َ ُ َ‬
‫ول ُأنزِ َ‬
‫ة أوْ ن ََرى َرب َّنا ل ََقد ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ن ل َِقاَءَنا ل َ ْ‬
‫جو َ‬ ‫ن ل ي َْر ُ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وََقا َ‬
‫وا عُت ُوّا ً ك َِبيرا ً )‪(21‬‬ ‫َ‬
‫م وَعَت َ ْ‬ ‫ست َك ْب َُروا ِفي أنُف ِ‬
‫سه ِ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫ملون لقاء ربهم بعد موتهم لنكارهم له‪ :‬هل ُأنزل‬ ‫وقال الذين ل يؤ ّ‬
‫عياًنا‪ ،‬فيخبرنا‬
‫دا صادق‪ ،‬أو نرى ربنا ِ‬‫خِبرنا بأن محم ً‬‫علينا الملئكة‪ ,‬فت ُ ْ‬
‫ُ‬
‫وا حيث اجترؤوا‬ ‫جبوا بأنفسهم واستعل َ ْ‬
‫بصدقه في رسالته‪ .‬لقد أع ِ‬
‫على هذا القول‪ ,‬وتجاوزوا الحد ّ في طغيانهم وكفرهم‪.‬‬

‫جههرا ً‬
‫ح ْ‬ ‫ن وَي َُقول ُههو َ‬
‫ن ِ‬ ‫ميه َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫مئ ِذٍ ل ِل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ة ل بُ ْ‬
‫شهَرى ي َهوْ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ملئ ِك َه َ‬ ‫م ي َهَروْ َ‬
‫ي َهوْ َ‬
‫جورا ً )‪(22‬‬ ‫ح ُ‬‫م ْ‬‫َ‬
‫يوم يرون الملئكة عند الحتضار‪ ،‬وفي القبر‪ ،‬ويوم القيامة‪ ،‬على‬
‫غير الصورة التي اقترحوها ل لتبشرهم بالجنة‪ ,‬ولكن لتقول لهم‪:‬‬
‫ما عليكم‪.‬‬
‫جعل الله الجنة مكاًنا محر ً‬

‫من ُْثورا ً )‪(23‬‬


‫جعَل َْناهُ هََباًء َ‬
‫ل فَ َ‬
‫م ٍ‬
‫ن عَ َ‬ ‫مُلوا ِ‬
‫م ْ‬ ‫مَنا إ َِلى َ‬
‫ما عَ ِ‬ ‫وَقَدِ ْ‬
‫من مظاهر الخير والبر‪ ،‬فجعلناه باطل‬ ‫وقَدِ ْ‬
‫منا إلى ما عملوه ِ‬
‫مضمحل ل ينفعهم كالهباء المنثور‪ ،‬وهو ما ُيرى في ضوء الشمس‬
‫من خفيف الغبار؛ وذلك أن العمل ل ينفع في الخرة إل إذا توفر‬
‫في صاحبه‪ :‬اليمان بالله‪ ،‬والخلص له‪ ،‬والمتابعة لرسوله محمد‪،‬‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مِقيل ً )‪(24‬‬
‫ن َ‬
‫س ُ‬ ‫ست ََقّرا ً وَأ ْ‬
‫ح َ‬ ‫م ْ‬
‫خي ٌْر ُ‬
‫مئ ِذٍ َ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫جن ّةِ ي َوْ َ‬ ‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫أ ْ‬
‫أصحاب الجنة يوم القيامة خير مستقًرا من أهل النار وأحسن‬
‫منازل في الجنة‪ ,‬فراحتهم تامة‪ ،‬ونعيمهم ل يشوبه كدر‪.‬‬

‫‪708‬‬
‫زيل ً )‪(25‬‬
‫ة َتن ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ماءُ ِبال ْغَ َ‬
‫مام ِ وَن ُّز َ‬ ‫س َ‬ ‫م تَ َ‬
‫شّققُ ال ّ‬ ‫وَي َوْ َ‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬ذلك اليوم الذي تتشقق فيه السماء‪ ،‬ويظهر‬
‫من فتحاتها السحاب البيض الرقيق‪ ،‬وينزل الله ملئكة السموات‬
‫يومئذ‪ ،‬فيحيطون بالخلئق في المحشر‪ ،‬ويأتي الله تبارك وتعالى‬
‫لفصل القضاء بين العباد‪ ،‬إتياًنا يليق بجلله‪.‬‬

‫سيرا ً )‪(26‬‬
‫ن عَ ِ‬
‫ري َ‬ ‫وما ً عََلى ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫حقّ ِللّر ْ‬‫مئ ِذٍ ال ْ َ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫ك ي َوْ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫من سواه‪ ،‬وكان هذا‬ ‫مْلك الحق في هذا اليوم للرحمن وحده دون َ‬ ‫ال ُ‬
‫دا على الكافرين‪ ،‬لما ينالهم من العقاب والعذاب‬ ‫اليوم صعًبا شدي ً‬
‫الليم‪.‬‬

‫ل‬‫سههو ِ‬
‫م هعَ الّر ُ‬
‫ت َ‬ ‫ل ي َهها ل َي ْت َن ِههي ات ّ َ‬
‫خ هذ ْ ُ‬ ‫م عََلى ي َد َي ْهِ ي َُقو ُ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ض ال ّ‬ ‫م ي َعَ ّ‬ ‫وَي َوْ َ‬
‫ضل ِّني َ‬ ‫َ‬ ‫م أ َت ّ ِ‬
‫ن‬
‫عهه ْ‬ ‫خِليل ً )‪ (28‬ل ََقد ْ أ َ‬ ‫خذ ْ ُفلنا ً َ‬ ‫سِبيل ً )‪َ (27‬يا وَي ْل َِتي ل َي ْت َِني ل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ذول ً )‪(29‬‬ ‫خ ُ‬ ‫ن َ‬
‫سا ِ‬ ‫لن َ‬ ‫ن لِ ِ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كا َ‬ ‫جاَءِني وَ َ‬ ‫الذ ّك ْرِ ب َعْد َ إ ِذ ْ َ‬
‫ما‬
‫ض الظالم لنفسه على يديه ند ً‬ ‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬يوم ي َعَ ّ‬
‫دا صلى الله عليه‬‫وتحسًرا قائل يا ليتني صاحبت رسول الله محم ً‬
‫سر قائل يا‬‫وسلم واتبعته في اتخاذ السلم طريًقا إلى الجنة‪ ،‬ويتح ّ‬
‫ليتني لم أتخذ الكافر فلًنا صديًقا أتبعه وأوده‪ .‬لقد أضّلني هذا‬
‫الصديق عن القرآن بعد إذ جاءني‪ .‬وكان الشيطان الرجيم خذول‬
‫ما‪ .‬وفي هذه اليات التحذير من مصاحبة قرين السوء؛‬ ‫للنسان دائ ً‬
‫فإنه قد يكون سبًبا لدخال قرينه النار‪.‬‬

‫جورا ً )‪(30‬‬
‫مه ْ ُ‬ ‫ذا ال ُْقْرآ َ‬
‫ن َ‬ ‫ذوا هَ َ‬
‫خ ُ‬ ‫ن قَوْ ِ‬
‫مي ات ّ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫سو ُ‬
‫ل َيا َر ّ‬ ‫وََقا َ‬
‫ل الّر ُ‬
‫ب إن قومي تركوا هذا‬ ‫وقال الرسول شاكًيا ما صنع قومه‪ :‬يا ر ّ‬
‫ك تدّبره والعمل به‬
‫القرآن وهجروه‪ ،‬متمادين في إعراضهم عنه وت َْر ِ‬
‫وتبليغه‪ .‬وفي الية تخويف عظيم لمن هجر القرآن فلم يعمل به‪.‬‬

‫هاِديها ً‬ ‫ن وَك ََفههى ب َِرب ّه َ‬


‫ك َ‬ ‫ميه َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ي عَهد ُوّا ً ِ‬
‫مه ْ‬ ‫جعَل َْنا ل ِك ُه ّ‬
‫ل ن َب ِه ّ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬
‫صيرا ً )‪(31‬‬ ‫وَن َ ِ‬

‫‪709‬‬
‫وكما جعلنا لك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬أعداء من مجرمي قومك‪ ،‬جعلنا‬
‫ي من النبياء عدًوا من مجرمي قومه‪ ،‬فاصبر كما صبروا‪.‬‬ ‫لكل نب ّ‬
‫دا ومعيًنا يعينك على أعدائك‪ .‬وفي هذا‬
‫وكفى بربك هادًيا ومرش ً‬
‫تسلية لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫حد َةً ك َهذ َل ِ َ‬


‫ك ل ِن ُث َب ّه َ‬
‫ت‬ ‫مل َ ً‬
‫ة َوا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ال ُْقْرآ ُ‬
‫ن ُ‬ ‫ن ك ََفُروا ل َ ْ‬
‫ول ن ُّز َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬
‫وََقا َ‬
‫ك وََرت ّل َْناهُ ت َْرِتيل ً )‪(32‬‬‫ؤاد َ َ‬‫ب ِهِ فُ َ‬
‫وقال الذين كفروا‪ :‬هل أنزل القرآن على محمد جملة واحدة‬
‫كالتوراة والنجيل والزبور! قال الله سبحانه وتعالى‪ :‬كذلك أنزلناه‬
‫وي به قلبك وتزداد به طمأنينة‪ ،‬فتعيه وتحمله‪ ،‬وبي ّّناه في‬‫مفرًقا؛ لنق ّ‬
‫مهَْلة‪.‬‬
‫تثبت و ُ‬

‫سيرا ً )‪(33‬‬
‫ن ت َْف ِ‬
‫س َ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫ك ِبال ْ َ‬
‫حقّ وَأ ْ‬ ‫جئ َْنا َ‬
‫ل إ ِل ّ ِ‬
‫مث َ ٍ‬ ‫َول ي َأ ُْتون َ َ‬
‫ك بِ َ‬
‫ول يأتيك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬المشركون بحجة أو شبهة إل جئناك‬
‫بالجواب الحق وبأحسن بيان له‪.‬‬

‫َ‬ ‫م أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ل‬ ‫كان ها ً وَأ َ‬
‫ضه ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك َ‬
‫ش هّر َ‬ ‫م إ َِلى َ‬
‫جهَن ّه َ‬ ‫ن عََلى وُ ُ‬
‫جوهِهِ ْ‬ ‫ح َ‬
‫شُرو َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫سِبيل ً )‪(34‬‬ ‫َ‬
‫أولئك الكفار هم الذين ُيسحبون على وجوههم إلى جهنم‪ ,‬وأولئك‬
‫هم شر الناس منزلة‪ ،‬وأبعدهم طريًقا عن الحق‪.‬‬

‫ن وَِزيرا ً )‪ (35‬فَُقل َْنا‬


‫هاُرو َ‬ ‫خاهُ َ‬ ‫ه أَ َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫مع َ ُ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬‫وَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ‬
‫ميرا ً )‪(36‬‬ ‫م ت َد ْ ِ‬‫مْرَناهُ ْ‬‫ن ك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا فَد َ ّ‬ ‫ذي َ‬‫اذ ْهََبا إ َِلى ال َْقوْم ِ ال ّ ِ‬
‫ولقد آتينا موسى التوراة‪ ،‬وجعلنا معه أخاه هارون معيًنا له‪ ،‬فقلنا‬
‫لهما‪ :‬اذهبا إلى فرعون وقومه الذين ك ّ‬
‫ذبوا بدلئل ربوبيتنا وألوهيتنا‪,‬‬
‫عواهم إلى اليمان بالله وطاعته وعدم الشراك به‪،‬‬ ‫فذهبا إليهم‪ ،‬فد َ َ‬
‫ما‪.‬‬ ‫ذبوهما‪ ،‬فأهلكناهم إهل ً‬
‫كا عظي ً‬ ‫فك ّ‬

‫‪710‬‬
‫ة وَأ َعْت َهد َْنا‬
‫س آي َ ً‬ ‫جعَل َْناهُ ْ‬
‫م ِللّنا ِ‬ ‫م وَ َ‬
‫وقَوم نوح ل َما ك َذ ّبوا الرس َ َ‬
‫ل أغَْرقَْناهُ ْ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ ُ ٍ ّ‬
‫َ‬
‫ذابا ً أِليما ً )‪(37‬‬
‫ن عَ َ‬ ‫ِلل ّ‬
‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫ذبوه‪ .‬ومن كذب رسول فقد‬ ‫وأغرقنا قوم نوح بالطوفان حين ك ّ‬
‫كذب الرسل جميًعا‪ .‬وجعلنا إغراقهم للناس عبرة‪ ،‬وجعلنا لهم ولمن‬
‫سلك سبيلهم في التكذيب يوم القيامة عذاًبا موجًعا‪.‬‬

‫ك ك َِثيرا ً )‪(38‬‬ ‫َ‬


‫س وَقُُرونا ً ب َي ْ َ‬
‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫ب الّر ّ‬
‫حا َ‬
‫ص َ‬ ‫عادا ً وَث َ ُ‬
‫مود َ وَأ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ما‬
‫دا قوم هود‪ ،‬وثمود قوم صالح‪ ،‬وأصحاب البئر وأم ً‬
‫وأهلكنا عا ً‬
‫س‪ ،‬ل يعلمهم إل الله‪.‬‬‫كثيرة بين قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الر ّ‬

‫ل وَك ُل ّ ت َب ّْرَنا ت َت ِْبيرا ً )‪(39‬‬ ‫َ‬


‫مَثا َ‬ ‫ضَرب َْنا ل َ ُ‬
‫ه ال ْ‬ ‫وَك ُل ّ َ‬
‫ضحنا لهم الدلة‪ ,‬وأزحنا العذار‬
‫وكل المم بي ّّنا لهم الحجج‪ ،‬وو ّ‬
‫عنهم‪ ،‬ومع ذلك لم يؤمنوا‪ ،‬فأهلكناهم بالعذاب إهل ً‬
‫كا‪.‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫سوْءِ أفَل َ ْ‬
‫م يَ ُ‬
‫كوُنوا ي ََروْن ََها‬ ‫مط ََر ال ّ‬
‫ت َ‬
‫مط َِر ْ‬‫وا عََلى ال َْقْري َةِ ال ِّتي أ ْ‬ ‫وَل ََقد ْ أت َ ْ‬
‫شورا ً )‪(40‬‬ ‫ن نُ ُ‬ ‫جو َ‬ ‫كاُنوا ل ي َْر ُ‬ ‫ل َ‬ ‫بَ ْ‬
‫ولقد كان مشركو "مكة" يمرون في أسفارهم على قرية قوم‬
‫لوط‪ ،‬وهي قرية "سدوم" التي ُأهِلكت بالحجارة من السماء‪ ،‬فلم‬
‫دا يوم القيامة يجازون فيه‪.‬‬
‫يعتبروا بها‪ ،‬بل كانوا ل يرجون معا ً‬

‫سهول ً )‪(41‬‬‫ه َر ُ‬ ‫ث الّله ُ‬


‫ذي ب ََعه َ‬ ‫ذا اّله ِ‬‫ك إ ِل ّ هُُزوا ً أ َهَ َ‬‫ذون َ َ‬ ‫خ ُ‬‫ن ي َت ّ ِ‬
‫ك إِ ْ‬‫ذا َرأ َوْ َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫حي ه َ‬
‫ن ِ‬ ‫ف ي َعْل َ ُ‬
‫مههو َ‬ ‫صب َْرَنا عَل َي َْها وَ َ‬
‫س هو ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫ن آل ِهَت َِنا ل َ ْ‬ ‫ضل َّنا عَ ْ‬ ‫كاد َ ل َي ُ ِ‬
‫ن َ‬ ‫إِ ْ‬
‫سِبيل ً )‪(42‬‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬
‫ل َ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ي ََروْ َ‬
‫وإذا رآك هؤلء المكذبون ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬استهزؤوا بك قائلين‪:‬‬
‫أهذا الذي يزعم أن الله بعثه رسول إلينا؟ إنه قارب أن يصرفنا عن‬
‫عبادة أصنامنا بقوة حجته وبيانه‪ ,‬لول أن ث َب َْتنا على عبادتها‪ ،‬وسوف‬
‫من أضل ديًنا أهم أم‬
‫يعلمون حين يرون ما يستحقون من العذاب‪َ :‬‬
‫محمد؟‬

‫‪711‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ن عَل َي ْهِ وَ ِ‬
‫كيل ً )‪(43‬‬ ‫ت تَ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫واهُ أفَأن ْ َ‬ ‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬
‫ه هَ َ‬ ‫ن ات ّ َ‬
‫م ْ‬
‫ت َ‬
‫أَرأي ْ َ‬
‫من أطاع هواه كطاعة الله‪،‬‬‫انظر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬متعجًبا إلى َ‬
‫ده إلى اليمان؟‬ ‫أفأنت تكون عليه حفي ً‬
‫ظا حتى تر ّ‬

‫كال َن ْعَههام ِ ب َه ْ‬ ‫أ َم تحسب أ َن أ َك ْث َرهُم يسمعو َ‬


‫ل‬ ‫م إ ِل ّ َ‬
‫ن هُ ه ْ‬ ‫ن أوْ ي َعِْقل ُههو َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ ّ‬
‫سِبيل ً )‪(44‬‬ ‫ض ّ‬ ‫هُ َ‬
‫ل َ‬ ‫مأ َ‬‫ْ‬
‫أم تظن أن أكثرهم يسمعون آيات الله سماع تدبر‪ ،‬أو يفهمون ما‬
‫فيها؟ ما هم إل كالبهائم في عدم النتفاع بما يسمعونه‪ ،‬بل هم‬
‫أضل طريًقا منها‪.‬‬

‫جعَل ْن َهها‬ ‫َ‬


‫كنا ً ث ُه ّ‬
‫م َ‬ ‫سهها ِ‬ ‫جعَل َه ُ‬
‫ه َ‬ ‫شاَء ل َ َ‬
‫ل وَل َوْ َ‬ ‫مد ّ الظ ّ ّ‬ ‫م ت ََرى إ َِلى َرب ّ َ‬
‫ك ك َي ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫أل َ ْ‬
‫سيرا ً )‪(46‬‬ ‫ضَناهُ إ ِل َي َْنا قَْبضا ً ي َ ِ‬ ‫س عَل َي ْهِ د َِليل ً )‪ (45‬ث ُ ّ‬
‫م قَب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬‫ال ّ‬
‫ألم تر كيف مد ّ الله الظل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؟‬
‫ولو شاء لجعله ثابًتا مستقًرا ل تزيله الشمس‪ ،‬ثم جعلنا الشمس‬
‫ل بأحوالها على أحواله‪ ،‬ثم ت ََقل ّ َ‬
‫ص الظل يسيًرا يسيًرا‪،‬‬ ‫علمة ُيست َد َ ّ‬
‫فكلما ازداد ارتفاع الشمس ازداد نقصانه‪ .‬وذلك من الدلة على‬
‫قدرة الله وعظمته‪ ،‬وأنه وحده المستحق للعبادة دون سواه‪.‬‬

‫شورا ً )‬ ‫سَباتا ً وَ َ‬
‫جع َ َ‬
‫ل الن َّهاَر ن ُ ُ‬ ‫ل ل َِباسا ً َوالن ّوْ َ‬
‫م ُ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬
‫ل ل َك ُ ْ‬
‫جع َ َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪(47‬‬
‫والله تعالى هو الذي جعل لكم الليل ساتًرا لكم بظلمه كما‬
‫يستركم اللباس‪ ،‬وجعل النوم راحة لبدانكم‪ ،‬وجعل لكم النهار؛‬
‫لتنتشروا في الرض‪ ،‬وتطلبوا معايشكم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ماءِ‬ ‫سه َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫مه ْ‬ ‫مت ِهِ وَأنَزل ْن َهها ِ‬ ‫ح َ‬
‫ن ي َد َيْ َر ْ‬‫شرا ً ب َي ْ َ‬‫ح بُ ْ‬‫ل الّرَيا َ‬ ‫س َ‬
‫ذي أْر َ‬‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫خل َْقن َهها أ َن َْعام ها ً‬‫مهها َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه ِ‬ ‫مْيتها ً وَن ُ ْ‬
‫س هِقي َ ُ‬ ‫ي ب ِههِ ب َل ْهد َةً َ‬
‫حي ِه َ‬‫ماًء ط َُهورا ً )‪ (48‬ل ِن ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫ي كِثيرا )‪(49‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ّ‬ ‫وَأَنا ِ‬

‫‪712‬‬
‫وهو الذي أرسل الرياح التي تحمل السحاب‪ ،‬تبشر الناس بالمطر‬
‫رحمة منه‪ ،‬وأنزلنا من السماء ماء ي ُت َط َّهر به ؛ لنخرج به النبات في‬
‫سقي ذلك‬ ‫مكان ل نبات فيه ‪ ،‬فيحيا البلد الجدب بعد موات‪ ،‬ون ُ ْ‬
‫خل ِْقنا كثيًرا من النعام والناس‪.‬‬‫من َ‬ ‫الماء ِ‬

‫س إ ِل ّ ك ُُفورا ً )‪(50‬‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬‫ول ََقد صرفْناه بينهم ل ِيذ ّك ّروا فَأ َبى أ َ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ّ َ ُ ََُْ ْ َ ُ‬
‫ولقد أنزلنا المطر على أرض دون أخرى؛ ليذكر الذين أنزلنا عليهم‬
‫منعوا منه‪،‬‬ ‫المطر نعمة الله عليهم‪ ،‬فيشكروا له‪ ،‬وليذكر الذين ُ‬
‫فيسارعوا بالتوبة إلى الله ‪ -‬جل وعل‪ -‬ليرحمهم ويسقيهم‪ ،‬فأبى‬
‫وء كذا وكذا‪.‬‬
‫دا لنعمنا عليهم‪ ،‬كقولهم‪ :‬مطرنا بن َ ْ‬
‫أكثر الناس إل جحو ً‬

‫ن‬
‫ري َ‬ ‫طههعْ ال ْ َ‬
‫كههافِ ِ‬ ‫ذيرا ً )‪َ (51‬فل ت ُ ِ‬
‫ل قَْرَيههةٍ َنهه ِ‬ ‫شههئ َْنا ل َب َعَث َْنهها ِفههي ُ‬
‫كهه ّ‬ ‫وََلههوْ ِ‬
‫جَهادا ً ك َِبيرا ً )‪(52‬‬‫م ب ِهِ ِ‬ ‫جاهِد ْهُ ْ‬
‫وَ َ‬
‫ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيًرا‪ ،‬يدعوهم إلى الله عز وجل‪،‬‬
‫وينذرهم عذابه‪ ،‬ولكنا جعلناك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬مبعوًثا إلى جميع‬
‫أهل الرض‪ ،‬وأمرناك أن تبلغهم هذا القرآن‪ ،‬فل تطع الكافرين في‬
‫ت به‪ ،‬بل ابذل جهدك في تبليغ الرسالة‪,‬‬ ‫ترك شيء مما أرسل َ‬
‫دا كبيًرا‪ ،‬ل يخالطه فتور‪.‬‬
‫وجاهد الكافرين بهذا القرآن جها ً‬

‫ذا مل ْه ُ‬
‫جع َه َ‬
‫ل‬ ‫ج وَ َ‬
‫جهها ٌ‬
‫حأ َ‬ ‫ب فُهَرا ٌ‬
‫ت وَهَه َ ِ ٌ‬ ‫ذا عَهذ ْ ٌ‬
‫ن هَ َ‬ ‫ج ال ْب َ ْ‬
‫حَري ْ ِ‬ ‫مَر َ‬‫ذي َ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫جورا ً )‪(53‬‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬‫جرا ً َ‬ ‫ما ب َْرَزخا ً وَ ِ‬
‫ح ْ‬ ‫ب َي ْن َهُ َ‬
‫والله هو الذي خلط البحرين‪ :‬العذب السائغ الشراب‪ ،‬والملح‬
‫الشديد الملوحة‪ ،‬وجعل بينهما حاجًزا يمنع كل واحدٍ منهما من‬
‫من أن يصل أحدهما إلى الخر‪.‬‬ ‫إفساد الخر‪ ،‬ومانًعا ِ‬

‫ن َرّبه َ‬
‫ك‬ ‫صهْهرا ً وَ َ‬
‫كها َ‬ ‫سهبا ً وَ ِ‬ ‫جعََله ُ‬
‫ه نَ َ‬ ‫شهرا ً فَ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مهاءِ ب َ َ‬ ‫خل َقَ ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ذي َ‬‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ديرا ً )‪(54‬‬ ‫قَ ِ‬

‫‪713‬‬
‫ي الرجل والمرأة ذرية ذكوًرا وإناًثا‪ ،‬فنشأ من‬
‫من من ّ‬
‫وهو الذي خلق ِ‬
‫هذا قرابة النسب وقرابة المصاهرة‪ .‬وكان ربك قديًرا على خلق ما‬
‫يشاء‪.‬‬

‫ن ال ْك َههافُِر عَل َههى‬


‫م وَك َهها َ‬
‫ضّرهُ ْ‬
‫م َول ي َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬
‫ما ل َينَفعُهُ ْ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫دو َ‬ ‫وَي َعْب ُ ُ‬
‫َرب ّهِ ظ َِهيرا ً )‪(55‬‬
‫ومع كل هذه الدلئل على قدرة الله وإنعامه على خلقه َيعبد ُ الكفار‬
‫من دون الله ما ل ينفعهم إن عبدوه‪ ,‬ول يضرهم إن تركوا عبادته‪,‬‬ ‫ِ‬
‫وكان الكافر عوًنا للشيطان على ربه بالشرك في عبادة الله‪,‬‬
‫م َ‬
‫ظاهًِرا له على معصيته‪.‬‬ ‫ُ‬

‫ذيرا ً )‪(56‬‬ ‫َ‬


‫شرا ً وَن َ ِ‬
‫مب َ ّ‬ ‫سل َْنا َ‬
‫ك إ ِل ّ ُ‬ ‫ما أْر َ‬
‫وَ َ‬
‫وما أرسلناك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إل مبشًرا للمؤمنين بالجنة ومنذًرا‬
‫للكافرين بالنار‪.‬‬

‫َ‬ ‫ل ما أ َسأ َل ُك ُم عَل َيه م َ‬


‫خذ َ إ َِلى َرّبهههِ َ‬
‫سههِبيل ً )‬ ‫ن ي َت ّ ِ‬ ‫ن َ‬
‫شاَء أ ْ‬ ‫جرٍ إ ِل ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫نأ ْ‬‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫قُ ْ َ‬
‫‪(57‬‬
‫ن من أراد‬
‫قل لهم‪ :‬ل أطلب منكم على تبليغ الرسالة أيّ أجر‪ ،‬لك ْ‬
‫أن يهتدي ويسلك سبيل الحق إلى ربه وينفق في مرضاته‪ ،‬فلست‬
‫ُأجبركم عليه‪ ,‬وإنما هو خير لنفسكم‪.‬‬

‫م هدِهِ وَك ََفههى ب ِههِ ب ِهذ ُُنو ِ‬


‫ب‬ ‫ح ْ‬
‫ح بِ َ‬
‫س هب ّ ْ‬
‫ت وَ َ‬
‫مو ُ‬ ‫ي ال ّ ِ‬
‫ذي ل ي َ ُ‬ ‫ل عََلى ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫وَت َوَك ّ ْ‬
‫خِبيرا ً )‪(58‬‬‫عَبادِهِ َ‬ ‫ِ‬
‫وتوكل على الله الذي له جميع معاني الحياة الكاملة كما يليق‬
‫بجلله الذي ل يموت‪ ،‬ونّزهه عن صفات النقصان‪ .‬وكفى بالله خبيًرا‬
‫بذنوب خلقه‪ ,‬ل يخفى عليه شيء منها‪ ،‬وسيحاسبهم عليها‬
‫ويجازيهم بها‪.‬‬

‫‪714‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وى‬
‫س هت َ َ‬ ‫ست ّةِ أي ّههام ٍ ث ُه ّ‬
‫ما ْ‬ ‫ما ِفي ِ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬‫ت َوالْر َ َ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫س َ‬‫خل َقَ ال ّ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫خِبيرا ً )‪(59‬‬ ‫سأ ْ‬
‫ل ب ِهِ َ‬ ‫ن َفا ْ‬
‫م ُ‬‫ح َ‬ ‫ش الّر ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عَلى العَْر ِ‬
‫الذي خلق السموات والرض وما بينهما في ستة أيام‪ ،‬ثم استوى‬
‫على العرش‪ -‬أي عل وارتفع‪ -‬استواًء يليق بجلله‪ ،‬هو الرحمن‪،‬‬
‫فاسأل ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬به خبيًرا‪ ،‬يعني بذلك سبحانه نفسه الكريمة‪،‬‬
‫فهو الذي يعلم صفاته وعظمته وجلله‪ .‬ول أحد من البشر أعلم‬
‫بالله ول أخبر به من عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ل ل َهم اسجدوا ِللرحمن َقاُلوا وما الرحم َ‬


‫مُرَنا‬
‫ما ت َأ ُ‬
‫جد ُ ل ِ َ‬
‫س ُ‬
‫ن أن َ ْ‬
‫ّ ْ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ْ َ ِ‬ ‫ذا ِقي َ ُ ْ ْ ُ ُ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫م ن ُُفورا ً )‪(60‬‬
‫وََزاد َهُ ْ‬
‫وإذا قيل للكافرين‪ :‬اسجدوا للرحمن واعبدوه قالوا‪ :‬ما نعرف‬
‫الرحمن‪ ،‬أنسجد لما تأمرنا بالسجود له طاعة لمرك؟ وزادهم‬
‫دعاؤهم إلى السجود للرحمن ب ُْعدا ً عن اليمان ونفوًرا منه‪.‬‬

‫مِنيرا ً‬
‫مرا ً ُ‬
‫سَراجا ً وَقَ َ‬ ‫ماءِ ب ُُروجا ً وَ َ‬
‫جع َ َ‬
‫ل ِفيَها ِ‬ ‫س َ‬ ‫جع َ َ‬
‫ل ِفي ال ّ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ت ََباَر َ‬
‫)‪(61‬‬
‫ت بركات الرحمن وكثر خيره‪ ،‬الذي جعل في السماء النجوم‬ ‫م ْ‬‫عَظ ُ َ‬
‫سا تضيء وقمًرا ينير‪.‬‬
‫الكبار بمنازلها‪ ،‬وجعل فيها شم ً‬

‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ة ل ِم ه َ‬
‫ن ي َهذ ّك َّر أوْ أَراد َ‬ ‫خل َْف ه ً َ ْ‬
‫ن أَراد َ أ ْ‬ ‫ل الل ّي ْه َ‬
‫ل َوالن ّهَههاَر ِ‬ ‫جع َ ه َ‬
‫ذي َ‬‫وَهُ هوَ ال ّه ِ‬
‫كورا ً )‪(62‬‬ ‫ش ُ‬ ‫ُ‬
‫خُلف أحدهما الخر لمن‬ ‫وهو الذي جعل الليل والنهار متعاقب َْين ي َ ْ‬
‫أراد أن يعتبر بما في ذلك إيماًنا بالمدّبر الخالق‪ ،‬أو أراد أن يشكر‬
‫لله تعالى على نعمه وآلئه‪.‬‬

‫َ‬
‫خههاط َب َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ونهها ً وَإ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ض هَ ْ‬ ‫شههو َ َ‬
‫ن عَلههى الْر ِ‬ ‫م ُ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ن اّلهه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مهه ِ‬
‫ح َ‬
‫عَبههاد ُ الّر ْ‬
‫وَ ِ‬
‫سلما ً )‪(63‬‬ ‫ن َقاُلوا َ‬ ‫جاهُِلو َ‬ ‫ال ْ َ‬

‫‪715‬‬
‫وعباد الرحمن الصالحون يمشون على الرض بسكينة متواضعين‪,‬‬
‫وإذا خاطبهم الجهلة السفهاء بالذى أجابوهم بالمعروف من القول‪,‬‬
‫سَلمون فيه من الثم‪ ،‬ومن مقابلة الجاهل‬
‫وخاطبوهم خطاًبا ي َ ْ‬
‫بجهله‪.‬‬

‫جدا ً وَقَِياما ً )‪(64‬‬


‫س ّ‬
‫م ُ‬
‫ن ل َِرب ّهِ ْ‬
‫ن ي َِبيُتو َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫والذين يكثرون من صلة الليل مخلصين فيها لربهم‪ ،‬متذللين له‬
‫بالسجود والقيام‪.‬‬

‫ن غََراما ً )‬ ‫ذاب ََها َ‬


‫كا َ‬ ‫ن عَ َ‬
‫م إِ ّ‬
‫جهَن ّ َ‬
‫ب َ‬ ‫ف عَّنا عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫صرِ ْ‬ ‫ن ي َُقوُلو َ‬
‫ن َرب َّنا ا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫مَقاما ً )‪(66‬‬‫ست ََقّرا ً وَ ُ‬
‫م ْ‬‫ت ُ‬ ‫ساءَ ْ‬
‫‪ (65‬إ ِن َّها َ‬
‫والذين هم مع اجتهادهم في العبادة يخافون الله فيدعونه أن‬
‫ينجيهم من عذاب جهنم‪ ،‬إن عذابها يلزم صاحبه‪ .‬إن جهنم شر قرار‬
‫وإقامة‪.‬‬

‫واما ً )‪(67‬‬ ‫وال ّذين إ َ َ‬


‫ن ذ َل ِ َ‬
‫ك قَ َ‬ ‫ن ب َي ْ َ‬
‫كا َ‬ ‫سرُِفوا وَل َ ْ‬
‫م ي َْقت ُُروا وَ َ‬ ‫ذا أنَفُقوا ل َ ْ‬
‫م يُ ْ‬ ‫َ ِ َ ِ‬
‫والذين إذا أنفقوا من أموالهم لم يتجاوزوا الحد في العطاء‪ ،‬ولم‬
‫يضّيقوا في النفقة‪ ،‬وكان إنفاقهم وس ً‬
‫طا بين التبذير والتضييق‪.‬‬

‫ه‬‫م الل ّ ُ‬ ‫س ال ِّتي َ‬


‫حّر َ‬ ‫ن الن ّْف َ‬ ‫خَر َول ي َْقت ُُلو َ‬ ‫معَ الل ّهِ إ َِلها ً آ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ل ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ف ل َه ُ‬ ‫ضههاعَ ْ‬ ‫ك ي َل ْهقَ أَثامها ً )‪ (68‬ي ُ َ‬ ‫ل ذ َل ِه َ‬ ‫ن ي َْفعَه ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫حقّ َول ي َْزُنو َ‬ ‫إ ِل ّ ِبال ْ َ‬
‫ل‬ ‫مه َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫مه َ‬ ‫ب َوآ َ‬‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬‫مَهانا ً )‪ (69‬إ ِل ّ َ‬ ‫خل ُد ْ ِفيهِ ُ‬ ‫مةِ وَي َ ْ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫ب ي َوْ َ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ه غَُفههورا ً‬ ‫ن الل ّه ُ‬ ‫ت وَك َهها َ‬‫س هَنا ٍ‬‫ح َ‬‫م َ‬ ‫س هي َّئات ِهِ ْ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫ك ي ُب َد ّ ُ‬ ‫صاِلحا ً فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫مل ً َ‬ ‫عَ َ‬
‫مَتابا ً )‪(71‬‬ ‫ب إ َِلى الل ّهِ َ‬ ‫ه ي َُتو ُ‬‫صاِلحا ً فَإ ِن ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ب وَعَ ِ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫حيما ً )‪ (70‬وَ َ‬ ‫َر ِ‬
‫والذين يوحدون الله‪ ،‬ول يدعون ول يعبدون إلًها غيره‪ ،‬ول يقتلون‬
‫النفس التي حّرم الله قتلها إل بما يحق قتلها به‪ :‬من كفر بعد‬
‫إيمان‪ ،‬أو زنى بعد زواج‪ ،‬أو قتل نفس عدواًنا‪ ،‬ول يزنون‪ ،‬بل‬
‫يحفظون فروجهم‪ ,‬إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم‪ ،‬ومن‬
‫ف له‬‫يفعل شيًئا من هذه الكبائر ي َل ْقَ في الخرة عقاًبا‪ُ .‬يضاعَ ْ‬

‫‪716‬‬
‫خل ُد ْ فيه ذليل حقيًرا‪) .‬والوعيد بالخلود لمن‬
‫العذاب يوم القيامة‪ ،‬وي َ ْ‬
‫من هذه الذنوب‬ ‫من تاب ِ‬‫فعلها كّلها‪ ،‬أو لمن أشرك بالله(‪ .‬لكن َ‬
‫ما مقروًنا بالعمل الصالح‪ ،‬فأولئك يمحو‬ ‫حا وآمن إيماًنا جاز ً‬ ‫توبة نصو ً‬
‫الله عنهم سيئاتهم ويجعل مكانها حسنات ؛ بسبب توبتهم وندمهم ‪.‬‬
‫ما بعباده حيث دعاهم إلى التوبة بعد‬ ‫وكان الله غفوًرا لمن تاب‪ ،‬رحي ً‬
‫ما ارتكب من الذنوب‪ ،‬وعمل‬ ‫مبارزته بأكبر المعاصي‪ .‬ومن تاب ع ّ‬
‫حا‪ ،‬فيقبل الله‬
‫عا صحي ً‬
‫عمل صالحا فإنه بذلك يرجع إلى الله رجو ً‬
‫توبته ويكفر ذنوبه‪.‬‬

‫مّروا ك َِراما ً )‪(72‬‬


‫مّروا ِبالل ّغْوِ َ‬ ‫ن الّزوَر وَإ ِ َ‬
‫ذا َ‬ ‫دو َ‬ ‫ن ل يَ ْ‬
‫شه َ ُ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫والذين ل يشهدون بالكذب ول يحضرون مجالسه‪ ،‬وإذا مروا بأهل‬
‫الباطل واللغو من غير قصد مّروا معرضين منكرين يتنزهون عنه‪،‬‬
‫ول يرضونه لغيرهم‪.‬‬

‫مَيانا ً )‪(73‬‬
‫ما ً وَعُ ْ‬ ‫خّروا عَل َي َْها ُ‬
‫ص ّ‬ ‫م لَ ْ‬
‫م يَ ِ‬ ‫ذا ذ ُك ُّروا ِبآَيا ِ‬
‫ت َرب ّهِ ْ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ظوا بآيات القرآن ودلئل وحدانية الله لم يتغافلوا‬ ‫ع ُ‬‫والذين إذا وُ ِ‬
‫ي لم يبصروها‪ ،‬بل وَعَْتها‬ ‫م ٌ‬‫م لم يسمعوها‪ ،‬وعُ ْ‬ ‫عنها‪ ،‬كأنهم ص ّ‬
‫قلوبهم‪ ،‬وتفّتحت لها بصائرهم‪ ،‬فخّروا لله ساجدين مطيعين‪.‬‬

‫جعَل ْن َهها‬ ‫َ‬ ‫وال ّذين يُقوُلون ربنا هَب ل َنا م َ‬


‫جَنا وَذ ُّرّيات َِنا قُّرةَ أعُْيهه ٍ‬
‫ن َوا ْ‬ ‫ن أْزَوا ِ‬
‫ْ َ ِ ْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ ِ َ َ‬
‫ماما ً )‪(74‬‬
‫ن إِ َ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬
‫من أزواجنا وذرّياتنا‬
‫والذين يسألون الله تعالى قائلين‪ :‬ربنا هب لنا ِ‬
‫ما ت ََقّر به أعيننا‪ ،‬وفيه أنسنا وسرورنا‪ ،‬واجعلنا قدوة ُيقتدى بنا في‬
‫الخير‪.‬‬

‫سههلما ً )‪(75‬‬
‫ة وَ َ‬
‫حي ّه ً‬
‫ن ِفيهَهها ت َ ِ‬‫صب َُروا وَي ُل َّق هوْ َ‬‫ما َ‬ ‫ة بِ َ‬‫ن ال ْغُْرفَ َ‬‫جَزوْ َ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك يُ ْ‬
‫مَقاما ً )‪(76‬‬ ‫ست ََقّرا ً وَ ُ‬‫م ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫سن َ ْ‬‫ح ُ‬‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫أولئك الذين اتصفوا بالصفات السابقة من عباد الرحمن‪ ،‬يثابون‬
‫أعلى منازل الجنة ؛ برحمة الله وبسبب صبرهم على الطاعات‪,‬‬

‫‪717‬‬
‫ون في الجنة التحية والتسليم من الملئكة‪ ,‬والحياة الطيبة‬ ‫سي ُل َّق ْ‬
‫و َ‬
‫ت‬‫سن َ ْ‬
‫ح ُ‬
‫من غير موت‪َ ،‬‬‫دا ِ‬
‫ن الفات‪ ،‬خالدين فيها أب ً‬‫م َ‬
‫والسلمة ِ‬
‫ما يقيمون به‪ ،‬ل يبغون عنها تحول‪.‬‬ ‫مستقًرا ي َِقّرون فيه ومقا ً‬

‫ن ل َِزامها ً )‬ ‫ُ‬
‫ف ي َك ُههو ُ‬ ‫م فََقد ْ ك َذ ّب ْت ُ ْ‬
‫م فَ َ‬
‫سو ْ َ‬ ‫عاؤُك ُ ْ‬ ‫م َرّبي ل َ ْ‬
‫ول د ُ َ‬ ‫ما ي َعْب َأ ب ِك ُ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل َ‬
‫‪(77‬‬
‫أخبر الله تعالى أنه ل يبالي ول يعبأ بالناس‪ ،‬لول دعاؤهم إياه دعاء‬
‫ذبتم‪-‬أيها الكافرون‪ -‬فسوف يكون‬ ‫العبادة ودعاء المسألة‪ ،‬فقد ك َ ّ‬
‫ضًيا لعذاب يلزمكم لزوم الغريم لغريمه‪ ,‬ويهلككم في‬ ‫مْف ِ‬
‫تكذيبكم ُ‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬

‫‪ -26‬سورة الشعراء‬

‫طسم )‪(1‬‬
‫)طسم( سبق الكلم على الحروف المقطعة في أول سورة‬
‫البقرة‪.‬‬

‫ن )‪(2‬‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مِبي ِ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ت ِل ْ َ‬
‫ك آَيا ُ‬
‫ضح لكل شيء الفاصل بين الهدى والضلل‪.‬‬
‫هذه آيات القرآن المو ّ‬

‫ن )‪(3‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ك أ َل ّ ي َ ُ‬
‫كوُنوا ُ‬ ‫س َ‬
‫خعٌ ن َْف َ‬ ‫ل َعَل ّ َ‬
‫ك َبا ِ‬
‫مهِْلك‬
‫لعلك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬من شدة حرصك على هدايتهم ُ‬
‫دقوا بك ولم يعملوا بهديك ‪ ،‬فل تفعل ذلك‪.‬‬
‫نفسك ؛ لنهم لم يص ّ‬

‫ن)‬
‫ضههِعي َ‬ ‫م ل ََها َ‬
‫خا ِ‬
‫َ‬
‫ة فَظ َل ّ ْ‬
‫ت أعَْناقُهُ ْ‬ ‫ماءِ آي َ ً‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫شأ ْ ن ُن َّز ْ‬
‫ل عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن نَ َ‬
‫إِ ْ‬

‫‪718‬‬
‫‪(4‬‬
‫وفة‬
‫إن نشأ ننزل على المكذبين من قومك من السماء معجزة مخ ّ‬
‫لهم تلجئهم إلى اليمان ‪ ،‬فتصير أعناقهم خاضعة ذليلة ‪ ،‬ولكننا لم‬
‫نشأ ذلك; فإن اليمان النافع هو اليمان بالغيب اختياًرا‪.‬‬

‫ث إ ِل ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(5‬‬‫ضي َ‬‫معْرِ ِ‬
‫ه ُ‬
‫كاُنوا عَن ْ ُ‬ ‫حد َ ٍ‬
‫م ْ‬
‫ن ُ‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫ن الّر ْ‬ ‫ن ذِك ْرٍ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ما ي َأِتيهِ ْ‬
‫وَ َ‬
‫دث‬
‫ح َ‬
‫م ْ‬‫من ذِك ْرٍ من الرحمن ُ‬ ‫وما يجيء هؤلء المشركين المكذبين ِ‬
‫إنزاله ‪ ،‬شيًئا بعد شيء ‪ ،‬يأمرهم وينهاهم ‪ ،‬ويذكرهم بالدين الحق‬
‫إل أعرضوا عنه‪ ,‬ولم يقبلوه‪.‬‬

‫ست َهْزُِئون )‪(6‬‬ ‫ما َ‬ ‫فََقد ك َذ ّبوا فَسيأ ِْتيه َ‬


‫كاُنوا ب ِهِ ي َ ْ‬ ‫م أن َْباُء َ‬
‫َ َ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫فقد ك ّ‬
‫ذبوا بالقرآن واستهزؤوا به‪ ,‬فسيأتيهم أخبار المر الذي كانوا‬
‫ل بهم العذاب جزاء تمردهم‬ ‫يستهزئون به ويسخرون منه‪ ,‬وسيح ّ‬
‫على ربهم‪.‬‬

‫أ َول َم يروا إَلى ال َرض ك َ َ‬


‫ن فِههي‬‫ري هم ٍ )‪ (7‬إ ِ ّ‬ ‫ج كَ ِ‬ ‫ل َزو ٍْ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬
‫م أن ْب َت َْنا ِفيَها ِ‬‫ْ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ ْ ََ ْ ِ‬
‫م)‬
‫حي ُ‬‫زيُز الّر ِ‬‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ن )‪ (8‬وَإ ِ ّ‬‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك لي َ ً‬
‫‪(9‬‬
‫أكذبوا ولم ينظروا إلى الرض التي أنبتنا فيها من كل نوع حسن‬
‫نافع من النبات‪ ,‬ل يقدر على إنباته إل رب العالمين؟ إن في إخراج‬
‫النبات من الرض َلدللة واضحة على كمال قدرة الله‪ ,‬وما كان‬
‫أكثر القوم مؤمنين‪ .‬وإن ربك لهو العزيز على كل مخلوق‪ ,‬الرحيم‬
‫الذي وسعت رحمته كل شيء‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫ن )‪ (10‬قَهوْ َ‬
‫م فِْرعَهوْ َ‬ ‫م الظ ّههال ِ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ت ال َْقوْ َ‬
‫ن ائ ْ ِ‬
‫سى أ ْ‬
‫مو َ‬
‫ك ُ‬‫دى َرب ّ َ‬‫وَإ ِذ ْ َنا َ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫َ‬
‫أل ي َت ُّقو َ‬

‫‪719‬‬
‫واذكر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لقومك إذ نادى ربك موسى‪ :‬أن ائت القوم‬
‫الظالمين‪ ,‬قوم فرعون‪ ،‬وقل لهم‪ :‬أل يخافون عقاب الله تعالى‪،‬‬
‫ويتركون ما هم عليه من الكفر والضلل؟‬

‫خهها ُ َ‬ ‫ب إ ِّني أ َ َ‬
‫ص هد ِْري َول ي َن ْط َل ِه ُ‬
‫ق‬ ‫ضههيقُ ََ‬ ‫ن )‪ (12‬وَي َ ِ‬ ‫ن ي ُك َهذ ُّبو ِ‬
‫فأ ْ‬ ‫ل َر ّ‬‫َقا َ‬
‫خا ُ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ن ي َْقت ُل ُههو ِ‬
‫فأ ْ‬ ‫ب فَأ َ‬ ‫م عَل َ ّ‬
‫ي ذ َن ْ ٌ‬ ‫ن )‪ (13‬وَل َهُ ْ‬ ‫هاُرو َ‬ ‫ل إ َِلى َ‬ ‫ساِني فَأْر ِ‬
‫س ْ‬ ‫لِ َ‬
‫)‪(14‬‬
‫قال موسى‪ :‬رب إني أخاف أن يكذبوني في الرسالة‪ ,‬ويمل صدري‬
‫س ْ‬
‫ل جبريل‬ ‫م لتكذيبهم إياي‪ ،‬ول ينطلق لساني بالدعوة فأر ِ‬
‫الغ ّ‬
‫بالوحي إلى أخي هارون ؛ ليعاونني‪ .‬ولهم علي ذنب في قتل رجل‬
‫منهم‪ ,‬وهو القبطي‪ ,‬فأخاف أن يقتلوني به‪.‬‬

‫ْ‬
‫ن فَُقههول‬
‫ن )‪ (15‬فَأت َِيا فِْرعَوْ َ‬ ‫مُعو َ‬‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬‫م ُ‬ ‫معَك ُ ْ‬
‫ل ك َل ّ َفاذ ْهََبا ِبآَيات َِنا إ ِّنا َ‬
‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل )‪(17‬‬ ‫سَراِئي َ‬
‫معََنا ب َِني إ ِ ْ‬
‫ل َ‬‫س ْ‬‫ن أْر ِ‬ ‫ن )‪ (16‬أ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫إ ِّنا َر ُ‬
‫قال الله لموسى‪ :‬كل لن يقتلوك‪ ,‬وقد أجبت طلبك في هارون‪,‬‬
‫فاذهبا بالمعجزات الدالة على صدقكما‪ ،‬إنا معكم بالعلم والحفظ‬
‫سلن إليك وإلى‬ ‫والنصرة مستمعون‪ .‬فأت َِيا فرعون فقول له‪ :‬إنا مر َ‬
‫قومك من رب العالمين‪ :‬أن اترك بني إسرائيل ؛ ليذهبوا معنا‪.‬‬

‫َقا َ َ‬
‫ن )‪ (18‬وَفَعَل ْه َ‬
‫ت‬ ‫سِني َ‬ ‫مرِ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ن عُ ُ‬
‫م ْ‬
‫ت ِفيَنا ِ‬ ‫ك ِفيَنا وَِليدا ً وَل َب ِث ْ َ‬ ‫ل أل َ ْ‬
‫م ن َُرب ّ َ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ت وَأن ْ َ‬‫ك ال ِّتي فَعَل ْ َ‬ ‫فَعْل َت َ َ‬

‫قال فرعون لموسى ممتًنا عليه‪ :‬ألم ن َُرّبك في منازلنا صغيًرا‪،‬‬


‫ة بقتلك رجل من‬ ‫مرك وارتكبت جناي ً‬ ‫ومكثت في رعايتنا سنين من عُ ُ‬
‫قومي حين ضربته ودفعته‪ ,‬وأنت من الجاحدين نعمتي المنكرين‬
‫ربوبيتي؟‬

‫َ‬
‫خْفت ُك ُه ْ‬
‫م‬ ‫مهها ِ‬ ‫م لَ ّ‬
‫من ْك ُه ْ‬ ‫ن )‪ (20‬فََف هَرْر ُ‬
‫ت ِ‬ ‫ضههاّلي َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل فَعَل ْت َُها ِإذا ً وَأَنا ِ‬‫َقا َ‬
‫من َّها‬
‫ة تَ ُ‬
‫م ٌ‬
‫ك ن ِعْ َ‬‫ن )‪ (21‬وَت ِل ْ َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫م ْ‬‫جعَل َِني ِ‬‫كما ً وَ َ‬‫ح ْ‬ ‫ب ِلي َرّبي ُ‬ ‫فَوَهَ َ‬
‫ل )‪(22‬‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫عَل َ َ‬
‫ت ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ن عَب ّد ْ َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ّ‬

‫‪720‬‬
‫ت قبههل أن يههوحي اللههه‬ ‫ت مهها ذكههر َ‬‫قال موسى مجيًبا لفرعون‪ :‬فعله ُ‬
‫ما‬
‫إلي‪ ،‬ويبعثني رسول فخرجههت مههن بينكههم فههاّرا إلههى "مههدين"‪ ،‬له ه ّ‬
‫مهد‪ ،‬فهوهب لههي ربهي تفضهل‬ ‫ت من غير عَ ْ‬‫خفت أن تقتلوني بما فعل ُ‬
‫منه النبوة والعلم‪ ,‬وجعلني من المرسلين‪ .‬وتلههك التربيههة فههي بيتههك‬
‫دا تذبههح أبنههاءهم‬
‫ي‪ ،‬وقد جعلت بني إسرائيل عبي ً‬ ‫دها نعمة منك عل ّ‬
‫ت َعُ ّ‬
‫وتستحيي نساءهم؟‬

‫ن )‪(23‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ما َر ّ‬
‫ن وَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل فِْرعَوْ ُ‬
‫دعي أنك رسوله؟‬
‫قال فرعون لموسى‪ :‬وما رب العالمين الذي ت ّ‬

‫ن )‪(24‬‬ ‫ن ُ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ‬


‫موقِِني َ‬
‫م ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ما إ ْ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ب ال ّ‬
‫ل َر ّ‬
‫قال موسى‪ :‬هو مالك ومدبر السموات والرض وما بينهما‪ ،‬إن كنتم‬
‫منوا‪.‬‬
‫موقنين بذلك‪ ،‬فآ ِ‬

‫ل ل ِمن حول َ َ‬
‫ن )‪(25‬‬
‫مُعو َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫َقا َ َ ْ َ ْ ُ‬
‫ه أل ت َ ْ‬
‫مههن أشههراف قههومه‪ :‬أل تسههمعون مقالههة‬
‫قههال فرعههون لمههن حههوله ِ‬
‫موسى العجيبة بوجود رب سواي؟‬

‫َ‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫ب آَبائ ِك ُ ْ‬
‫م الوِّلي َ‬ ‫ل َرب ّك ُ ْ‬
‫م وََر ّ‬ ‫َقا َ‬
‫قال موسى‪ :‬الرب الذي أدعوكم إليه هو الذي خلقكم وخلق آبههاءكم‬
‫من هههو مخلههوق مثلكههم‪ ,‬ولههه آبههاء قههد فنههوا‬
‫الولين‪ ,‬فكيف تعبدون َ‬
‫كآبائكم؟‬

‫ُ‬
‫ن )‪(27‬‬
‫جُنو ٌ‬ ‫م لَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫س َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي أْر ِ‬ ‫سول َك ُ ْ‬
‫ن َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل إِ ّ‬
‫قههال فرعههون لخاصههته يسههتثير غضههبهم ؛ لتكههذيب موسههى إيههاه‪ :‬إن‬
‫ما ل ي ُعَْقل!‬
‫رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون‪ ,‬يتكلم كل ً‬

‫‪721‬‬
‫م ت َعِْقُلو َ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ما إ ِ ْ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ب وَ َ‬ ‫ق َوال ْ َ‬
‫مغْرِ ِ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َر ّ‬
‫قال موسى‪ :‬رب المشرق والمغرب وما بينهما وما يكون فيهما من‬
‫نور وظلمة‪ ,‬وهههذا يسههتوجب اليمههان بههه وحههده إن كنتههم مههن أهههل‬
‫العقل والتدبر!‬

‫ن )‪(29‬‬
‫جوِني َ‬
‫س ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ري ل َ ْ‬
‫جعَل َن ّ َ‬ ‫ت إ ِل َهَا ً غَي ْ ِ‬
‫خذ ْ َ‬ ‫ل ل َئ ِ ْ‬
‫ن ات ّ َ‬ ‫َقا َ‬
‫دا له‪ :‬لئن اتخذت إلًها غيري لسههجننك مههع‬
‫قال فرعون لموسى مهد ً‬
‫من سجنت‪.‬‬‫َ‬

‫َقا َ َ‬
‫ن )‪(30‬‬
‫مِبي ٍ‬
‫يءٍ ُ‬
‫ش ْ‬ ‫ل أوَل َوْ ِ‬
‫جئ ْت ُ َ‬
‫ك بِ َ‬
‫قال موسى‪ :‬أتجعلنههي مههن المسههجونين‪ ,‬ولههو جئتههك ببرهههان قههاطع‬
‫يتبين منه صدقي؟‬

‫َقا َ ْ‬
‫ن )‪(31‬‬
‫صادِِقي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬
‫ت ِ‬ ‫ل فَأ ِ‬
‫ت ب ِهِ إ ِ ْ‬
‫قال فرعون‪ :‬فأت به إن كنت من الصادقين في دعواك‪.‬‬

‫َ‬
‫ضههاءُ‬
‫ي ب َي ْ َ‬ ‫ن )‪ (32‬وَن ََزعَ ي َد َهُ فَ هإ ِ َ‬
‫ذا هِه َ‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ي ث ُعَْبا ٌ‬
‫ن ُ‬ ‫ذا هِ َ‬ ‫فَأل َْقى عَ َ‬
‫صاهُ فَإ ِ َ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫ري َ‬
‫ِللّناظ ِ ِ‬
‫فألقى موسى عصاه فتحولت ثعباًنا حقيقًيا‪ ,‬ليس تمويًها كمهها يفعههل‬
‫من جيبه فإذا هي بيضاء كالثلج من غير بههرص‪،‬‬ ‫السحرة‪ ,‬وأخرج يده ِ‬
‫ت َب َْهر الناظرين‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫جك ُه ْ‬
‫م ِ‬ ‫خرِ َ‬
‫ن يُ ْ‬
‫ري هد ُ أ ْ‬
‫م )‪ (34‬ي ُ ِ‬
‫حٌر عَِلي ه ٌ‬ ‫ذا ل َ َ‬
‫سا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫حوْل َ ُ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ل ل ِل ْ َ‬
‫مل ٍ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫أ َرضك ُم بسحره فَما َ ْ‬
‫مُرو َ‬‫ذا ت َأ ُ‬ ‫ْ ِ ْ ِ ِ ْ ِ ِ َ‬
‫قال فرعون لشراف قههومه خشههية أن يؤمنههوا‪ :‬إن موسههى َلسههاحر‬
‫ماهر‪ ،‬يريد أن يخرجكم بسحره من أرضكم‪ ،‬فأي شيء تشيرون به‬
‫في شأنه أتبع رأيكم فيه؟‬

‫‪722‬‬
‫ن )‪ (36‬ي َهأ ُْتو َ‬
‫ك ب ِك ُه ّ‬
‫ل‬ ‫ري َ‬
‫شه ِ‬
‫حا ِ‬
‫ن َ‬
‫دائ ِ ِ‬ ‫ث فِههي ال ْ َ‬
‫مه َ‬ ‫جهِ وَأ َ َ‬
‫خاهُ َواب ْعَ ْ‬ ‫َ‬
‫َقاُلوا أْر ِ‬
‫حارٍ عَِليم ٍ )‪(37‬‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬
‫دا‬ ‫س ْ‬
‫ل فههي المههدائن جن ه ً‬ ‫خر أمر موسى وهارون‪ ,‬وأر ِ‬ ‫قال له قومه‪ :‬أ ّ‬
‫وق في معرفته‪.‬‬ ‫من أجاد السحر‪ ،‬وتف ّ‬ ‫جامعين للسحرة‪ ,‬يأتوك بك ّ‬
‫ل َ‬

‫ل ِللنههاس هَ ه ْ َ‬
‫م‬
‫ل أن ْت ُه ْ‬ ‫ِ‬ ‫معْل ُههوم ٍ )‪ (38‬وَِقي ه َ ّ‬
‫ت ي َهوْم ٍ َ‬
‫ميَقا ِ‬
‫حَرةُ ل ِ ِ‬
‫س َ‬
‫معَ ال ّ‬‫ج ِ‬‫فَ ُ‬
‫ن )‪(39‬‬ ‫مُعو َ‬
‫جت َ ِ‬
‫م ْ‬‫ُ‬
‫دد لهم وقت معلوم‪ ،‬هو وقت الضههحى مههن يههوم‬ ‫ح ّ‬
‫جمع السحرة‪ ،‬و ُ‬‫فَ ُ‬
‫الزينة الذي يتفرغون فيه من أشغالهم‪ ،‬ويجتمعون ويتزّينون؛ وذلههك‬
‫ث النههاس علههى الجتمههاع; أمل فههي أن تكههون‬
‫ح ّ‬
‫للجتماع بموسى‪ .‬و ُ‬
‫الغلبة للسحرة‪.‬‬

‫م ال َْغال ِِبي َ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫ن َ‬
‫كاُنوا هُ ْ‬ ‫حَرةَ إ ِ ْ‬ ‫ل َعَل َّنا ن َت ّب ِعُ ال ّ‬
‫س َ‬
‫إننا نطمع أن تكون الغلبة للسحرة‪ ،‬فنثبت على ديننا‪.‬‬

‫فَل َما جاءَ السحرةُ َقاُلوا ل ِفرعَو َ‬


‫ن ال َْغههال ِِبي َ‬
‫ن‬ ‫ح ُ‬ ‫ن ل ََنا ل َ ْ‬
‫جرا ً إ ِ ْ‬
‫ن ك ُّنا ن َ ْ‬ ‫ن أئ ِ ّ‬
‫ِ ْ ْ َ‬ ‫ّ َ َ‬ ‫ّ َ‬
‫)‪(41‬‬
‫مههن مههال أو جههاه‪،‬‬
‫فلما جاء السحرة فرعون قالوا له‪ :‬أإن لنا لجًرا ِ‬
‫ن كنا نحن الغالبين لموسى؟‬
‫إ ْ‬

‫ن )‪(42‬‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَقّرِبي َ‬ ‫م ِإذا ً ل َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫م وَإ ِن ّك ُ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل ن َعَ ْ‬
‫من أجههر‪ ،‬وإنكههم حينئذ لمههن‬
‫قال فرعون‪ :‬نعم لكم عندي ما طلبتم ِ‬
‫ي‪.‬‬
‫المقربين لد ّ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مل ُْقو َ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫م ُ‬ ‫سى أل ُْقوا َ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫َقا َ‬
‫دا إبطال سحرهم وإظهههار أن مهها جههاء بههه‬
‫قال موسى للسحرة مري ً‬

‫‪723‬‬
‫ليس سحًرا‪ :‬ألقوا ما تريدون إلقاءه من السحر‪.‬‬

‫َ‬
‫ن ال ْغَههال ُِبو َ‬
‫ن)‬ ‫ن إ ِن ّهها ل َن َ ْ‬
‫حه ُ‬ ‫م وََقاُلوا ب ِعِهّزةِ فِْرعَهوْ َ‬
‫صي ّهُ ْ‬
‫ع ِ‬ ‫حَبال َهُ ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫فَأل َْق ْ‬
‫وا ِ‬
‫‪(44‬‬
‫خّيل للناس أنها حي ّههات تسههعى‪ ,‬وأقسههموا‬
‫فألَقوا حبالهم وعصّيهم‪ ,‬و ُ‬
‫بعزة فرعون قائلين‪ :‬إننا لنحن الغالبون‪.‬‬

‫ن )‪(45‬‬ ‫ما ي َأ ْفِ ُ‬


‫كو َ‬ ‫ي ت َل َْق ُ‬
‫ف َ‬ ‫صاهُ فَإ ِ َ‬
‫ذا هِ َ‬ ‫سى عَ َ‬
‫مو َ‬
‫َ‬
‫فَأل َْقى ُ‬
‫فألقى موسى عصاه‪ ,‬فإذا هي حية عظيمة‪ ,‬تبتلع ما صدر منهم مههن‬
‫إفك وتزوير‪.‬‬

‫ُ‬
‫ب‬
‫ن )‪َ (47‬ر ّ‬ ‫ب ال ْعَههال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ن )‪َ (46‬قاُلوا آ َ‬
‫مّنا ب ِهَر ّ‬ ‫دي َ‬
‫ج ِ‬
‫سا ِ‬
‫حَرةُ َ‬
‫س َ‬‫ي ال ّ‬‫فَأل ِْق َ‬
‫ن )‪(48‬‬ ‫هاُرو َ‬
‫سى وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫فلما شاهدوا ذلك‪ ،‬وعلموا أنه ليس من تمويه السحرة‪ ,‬آمنههوا بههالله‬
‫وسجدوا له‪ ،‬وقالوا‪ :‬آمّنا برب العالمين رب موسى وهارون‪.‬‬

‫ل آمنتم ل َه قَب َ َ‬
‫حَر‬ ‫سه ْ‬ ‫م ال ّ‬ ‫مك ُه ْ‬‫ذي عَل ّ َ‬‫م ال ّه ِ‬‫ه ل َك َِبيُرك ُه ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ن آذ َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫َقا َ َ ْ ُ ْ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ص هل ّب َن ّك ُ ْ‬
‫ف َول َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬
‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جل َك ُه ْ‬
‫م وَأْر ُ‬ ‫ن أي ْهدِي َك ُ ْ‬ ‫ن لقَط ّعَ ه ّ‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫سو ْ َ‬‫فَل َ َ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫َ‬
‫مِعي َ‬‫ج َ‬‫أ ْ‬
‫قال فرعون للسحرة مستنكًرا‪ :‬آمنتم لموسى بغير إذن مني‪ ،‬وقههال‬
‫ن فِْعل موسى سهحر‪ :‬إنهه لكهبيركم الهذي عّلمكهم السهحر‪،‬‬ ‫ما أ ّ‬
‫موه ً‬
‫ن أيديكم وأرجلكههم‬
‫فلسوف تعلمون ما ينزل بكم من عقاب‪ :‬لقطع ّ‬
‫مههن خلف‪ :‬بقطههع اليههد اليمنههى والرجههل اليسههرى أو عكههس ذلههك‪،‬‬
‫ولصلبّنكم أجمعين‪.‬‬

‫ن ي َغِْف هَر ل َن َهها َرب ّن َهها‬ ‫َ‬


‫ن )‪ (50‬إ ِّنا ن َط ْ َ‬
‫مع ُ أ ْ‬ ‫ضي َْر إ ِّنا إ َِلى َرب َّنا ُ‬
‫من َْقل ُِبو َ‬ ‫َقاُلوا ل َ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ك ُّنا أ َوّ َ‬
‫ل ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫خ َ‬
‫طاَياَنا أ ْ‬ ‫َ‬
‫قال السحرة لفرعون‪ :‬ل ضرر علينا فيما يلحقنا مههن عقههاب الههدنيا‪,‬‬
‫‪724‬‬
‫إنا راجعون إلى ربنا فيعطينا النعيم المقيههم‪ .‬إنهها نرجههو أن يغفههر لنهها‬
‫ربنا خطايانا من الشرك وغيره; لكوننا أول المؤمنين في قومك‪.‬‬

‫وأ َوحينا إَلى موسى أ َ َ‬


‫ن )‪(52‬‬ ‫مت ّب َُعو َ‬ ‫سرِ ب ِعَِباِدي إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫نأ ْ‬‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ َ َْ ِ‬
‫سْر ليل بمن آمن من بنههي‬ ‫َ‬
‫ن ِ‬ ‫وأوحى الله إلى موسى عليه السلم‪ :‬أ ْ‬
‫إسههرائيل؛ لن فرعههون وجنههوده متبعههوكم حههتى ل يههدركوكم قبههل‬
‫وصولكم إلى البحر‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(53‬‬
‫ري َ‬
‫ش ِ‬
‫حا ِ‬
‫ن َ‬
‫دائ ِ ِ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫فَأْر َ‬
‫س َ‬
‫فأرسل فرعون جنههده‪ -‬حيههن بلغههه مسههير بنههي إسههرائيل‪ -‬يجمعههون‬
‫جيشه من مدائن مملكته‪.‬‬

‫ن )‪ (55‬وَإ ِن ّهها‬ ‫م ل َن َهها ل َغَههائ ِ ُ‬


‫ظو َ‬ ‫ة قَِليل ُههو َ‬
‫ن )‪ (54‬وَإ ِن ّهُ ه ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫ؤلِء ل َ ِ‬
‫ش هْرذِ َ‬ ‫ن هَ ه ُ‬
‫إِ ّ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫حاذُِرو َ‬ ‫ميعٌ َ‬ ‫ج ِ‬‫لَ َ‬
‫قال فرعون‪ :‬إن بني إسرائيل الذين فّروا مع موسى َلطائفة حقيرة‬
‫قليلههة العههدد‪ ،‬وإنهههم لمههالئون صههدورنا غيظ ًهها؛ حيههث خههالفوا ديننهها‪,‬‬
‫وخرجوا بغير إذننا‪ ,‬وإنا لجميع متيقظون مستعدون لهم‪.‬‬

‫ريم ٍ )‪ (58‬ك َذ َل ِ َ‬ ‫َ‬


‫ك‬ ‫مَقام ٍ ك َ ِ‬
‫ن )‪ (57‬وَك ُُنوزٍ وَ َ‬
‫ت وَعُُيو ٍ‬‫جّنا ٍ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬
‫جَناهُ ْ‬ ‫خَر ْ‬ ‫فَأ ْ‬
‫ل )‪(59‬‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫وَأ َوَْرث َْنا َ‬
‫ها ب َِني إ ِ ْ‬
‫فأخرج الله فرعون وقومه من أرض "مصر" ذات البساتين وعيههون‬
‫الماء وخزائن المال والمنازل الحسان‪ .‬وكما أخرجناهم‪ ،‬جعلنا هههذه‬
‫الديار من بعدهم لبني إسرائيل‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫م ْ‬
‫شرِِقي َ‬ ‫فَأت ْب َُعوهُ ْ‬
‫م ُ‬
‫من معه وقت شروق الشمس‪.‬‬
‫فلحق فرعون وجنده موسى و َ‬

‫‪725‬‬
‫فَل َما تراَءى ال ْجمعان َقا َ َ‬
‫ن )‪(61‬‬
‫كو َ‬ ‫سى إ ِّنا ل َ ُ‬
‫مد َْر ُ‬ ‫مو َ‬
‫ب ُ‬
‫حا ُ‬
‫ص َ‬
‫لأ ْ‬ ‫َ ْ َ ِ‬ ‫ّ ََ‬
‫ن‬
‫فلما رأى كل واحد مههن الفريقيههن الخههر قههال أصههحاب موسههى‪ :‬إ ّ‬
‫مد ِْركنا ومهلكنا‪.‬‬
‫معَ فرعون ُ‬
‫ج ْ‬
‫َ‬

‫ن )‪(62‬‬
‫دي ِ‬
‫سي َهْ ِ‬
‫مِعي َرّبي َ‬ ‫ل ك َل ّ إ ِ ّ‬
‫ن َ‬ ‫َقا َ‬
‫قال موسى لهم‪ :‬كل ليس المر كما ذكرتههم فلههن ت ُهد َْركوا; إن معههي‬
‫ربي بالنصر‪ ،‬سيهديني لما فيه نجاتي ونجاتكم‪.‬‬

‫ق‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ّ‬


‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فان‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫صا‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ر‬‫ض‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫فَأ َوحينا إَلى موسى أ َ‬
‫ْ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ َ َْ ِ‬
‫كالط ّوْدِ ال ْعَ ِ‬
‫ظيم ِ )‪(63‬‬ ‫َ‬

‫فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر‪ ،‬فضرب‪ ،‬فانفلق البحر‬


‫إلى اثني عشر طريًقا بعدد قبائل بني إسرائيل‪ ،‬فكههانت كههل قطعههة‬
‫انفصلت من البحر كالجبل العظيم‪.‬‬

‫خرين )‪ (64‬وأ َنجينا موسى وم هن مع ه َ‬ ‫َ‬


‫ن )‪(65‬‬
‫مِعي ه َ‬
‫ج َ‬
‫هأ ْ‬‫َ َ ْ َ َ ُ‬ ‫َ ْ َ َْ ُ َ‬ ‫م ال َ ِ َ‬‫وَأْزل َْفَنا ث َ ّ‬
‫ن )‪(66‬‬‫ري َ‬ ‫م أ َغَْرقَْنا ال َ‬
‫خ ِ‬ ‫ثُ ّ‬
‫مههن‬‫وقّرْبنا هناك فرعون وقومه حتى دخلوا البحر‪ ,‬وأنجينا موسههى و َ‬
‫معه أجمعين‪ .‬فاستمر البحر على انفلقه حتى عبروا إلههى الههبر‪ ،‬ثههم‬
‫أغرقنا فرعون ومن معه بإطبههاق البحههر عليهههم بعههد أن دخلههوا فيههه‬
‫متبعين موسى وقومه‪.‬‬

‫كا َ‬
‫ن )‪(67‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ما َ َ‬
‫ة وَ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لي َ ً‬ ‫إِ ّ‬
‫إن في ذلك الذي حدث َلعبرة عجيبة دالة على قدرة الله‪ ،‬وما صههار‬
‫أكثر أتباع فرعون مؤمنين مع هذه العلمة الباهرة‪.‬‬

‫م )‪(68‬‬
‫حي ُ‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬
‫زيُز الّر ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫وَإ ِ ّ‬
‫وإن ربههك لهههو العزيههز الرحيههم‪ ,‬بعزتههه أهلههك الكههافرين المكههذبين‪،‬‬

‫‪726‬‬
‫من معه أجمعين‪.‬‬
‫جى موسى و َ‬
‫وبرحمته ن ّ‬

‫َ‬
‫ن )‪(70‬‬
‫دو َ‬
‫ما ت َعْب ُ ُ‬ ‫ل ل َِبيهِ وَقَوْ ِ‬
‫مه ِ َ‬ ‫م )‪ (69‬إ ِذ ْ َقا َ‬
‫هي َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ن َب َأ إ ِب َْرا ِ‬ ‫َوات ْ ُ‬
‫واقصص على الكافرين ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬خبر إبراهيم حين قال لبيه‬
‫وقومه‪ :‬أي شيء تعبدونه؟‬

‫ل ل ََها َ‬
‫صَناما ً فَن َظ َ ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(71‬‬
‫عاك ِِفي َ‬ ‫َقاُلوا ن َعْب ُد ُ أ ْ‬
‫ما‪ ،‬فن َعْ ُ‬
‫كف على عبادتها‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬نعبد أصنا ً‬

‫عون )‪ (72‬أ َو ينَفعونك ُ َ‬


‫ن )‪(73‬‬
‫ضّرو َ‬
‫م أو ْ ي َ ُ‬
‫ْ َْ ُ َ ْ‬ ‫مُعون َك ُ ْ‬
‫م إ ِذ ْ ت َد ْ ُ َ‬ ‫س َ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ل هَ ْ‬
‫قال إبراهيم منبًها علههى فسههاد مههذهبهم‪ :‬هههل يسههمعون دعههاءكم إذ‬
‫دمون لكم نفًعا إذا عبدتموهم‪ ،‬أو يصيبونكم بضههر إذا‬ ‫تدعونهم‪ ,‬أو يق ّ‬
‫تركتم عبادتهم؟‬

‫ك ي َْفعَُلو َ‬
‫ن )‪(74‬‬ ‫جد َْنا آَباَءَنا ك َذ َل ِ َ‬ ‫َقاُلوا ب َ ْ‬
‫ل وَ َ‬
‫قالوا‪ :‬ل يكون منهم شيء من ذلك‪ ،‬ولكننهها وجههدنا آباءنهها يعبههدونهم‪,‬‬
‫فقّلدناهم فيما كانوا يفعلون‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ َ َ‬


‫ن )‪(76‬‬ ‫مو َ‬ ‫م القْهد َ ُ‬ ‫م َوآب َههاؤُك ُ ْ‬‫ن )‪ (75‬أن ْت ُه ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َعْب ُه ُ‬‫ما ك ُن ْت ُه ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل أفََرأي ْت ُ ْ‬
‫ن )‪(78‬‬ ‫دي ِ‬‫خل ََقِني فَهُوَ ي َْههه ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (77‬ال ّ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫م عَد ُوّ ِلي إ ِل ّ َر ّ‬ ‫فَإ ِن ّهُ ْ‬
‫ن )‪(80‬‬ ‫شهِفي ِ‬ ‫ت فَهُهوَ ي َ ْ‬ ‫ضه ُ‬ ‫مرِ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن )‪ (79‬وَإ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫سهِقي‬ ‫مِني وَي َ ْ‬ ‫ذي هُوَ ي ُط ْعِ ُ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫طيئ َت ِههي‬
‫خ ِ‬ ‫ن ي َغِْف هَر ل ِههي َ‬ ‫م هع ُ أ ْ‬‫ذي أط ْ َ‬ ‫ن )‪َ (81‬وال ّه ِ‬ ‫حِيي ِ‬‫م يُ ْ‬ ‫ميت ُِني ث ُ ّ‬ ‫ذي ي ُ ِ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫دي ِ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫قال إبراهيم‪ :‬أفأبصرتم بتدبر ما كنتم تعبههدون مههن الصههنام الههتي ل‬
‫تسمع ول تنفع ول تضر‪ ،‬أنتم وآباؤكم القدمون من قبلكم؟ فههإن مهها‬
‫تعبدونهم من دون الله أعداء لي‪ ،‬لكن رب العالمين ومالههك أمرهههم‬
‫هو وحده الههذي أعبههده‪ .‬هههو الههذي خلقنههي فههي أحسههن صههورة فهههو‬
‫ي بالطعههام‬ ‫يرشدني إلى مصالح الدنيا والخرة‪ ،‬وهو الذي ينعههم عل ه ّ‬
‫‪727‬‬
‫شفيني ويعافيني منه‪ ،‬وهو‬ ‫والشراب‪ ،‬وإذا أصابني مرض فهو الذي ي َ ْ‬
‫الذي يميتني في الههدينا بقبهض روحههي‪ ,‬ثهم يحيينههي يههوم القيامههة‪ ,‬ل‬
‫يقدر على ذلك أحد سواه‪ ,‬والذي أطمههع أن يتجههاوز عههن ذنههبي يههوم‬
‫الجزاء‪.‬‬

‫ن )‪(83‬‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬ ‫كما ً وَأ َل ْ ِ‬
‫حْقِني ِبال ّ‬ ‫ح ْ‬
‫ب ِلي ُ‬
‫ب هَ ْ‬
‫َر ّ‬
‫ب امنحنههي العلههم والفهههم‪ ،‬وألحقنههي‬
‫قههال إبراهيههم داعًيهها ربههه‪ :‬ر ّ‬
‫بالصالحين‪ ،‬واجمع بيني وبينهم في الجنة‪.‬‬

‫ن )‪(84‬‬
‫ري َ‬
‫خ ِ‬
‫ق ِفي ال ِ‬
‫صد ْ ٍ‬
‫ن ِ‬
‫سا َ‬ ‫جع َ ْ‬
‫ل ِلي ل ِ َ‬ ‫َوا ْ‬
‫واجعل لي ثناء حسًنا وذكًرا جميل في الذين يههأتون بعههدي إلههى يههوم‬
‫القيامة‪.‬‬

‫ن وََرث َةِ َ‬
‫جن ّةِ الن ِّعيم ِ )‪(85‬‬ ‫جعَل ِْني ِ‬
‫م ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫واجعلني من عبادك الذين تورثهم نعيم الجنة‪.‬‬

‫َ‬
‫ضاّلي َ‬
‫ن )‪(86‬‬ ‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫َواغِْفْر لِبي إ ِن ّ ُ‬
‫وهذا دعاء من إبراهيم عليه السلم أن ينقهذ اللهه أبهاه مهن الضهلل‬
‫إلى الهدى‪ ،‬فيغفر له ويتجاوز عنه‪ ،‬كما وعد إبراهيم أباه بالدعاء له‪،‬‬
‫فلما تبّين له أنه مسههتمر فههي الكفههر والشههرك إلههى أن يمههوت تههبّرأ‬
‫منه ‪.‬‬

‫ن‬ ‫ن )‪ (88‬إ ِل ّ َ‬
‫مه ْ‬ ‫ما ٌ‬
‫ل َول ب َُنو َ‬ ‫م ل ي َن َْفعُ َ‬ ‫م ي ُب ْعَُثو َ‬
‫ن )‪ (87‬ي َوْ َ‬ ‫خزِِني ي َوْ َ‬ ‫َول ت ُ ْ‬
‫َ‬
‫سِليم ٍ )‪(89‬‬ ‫ب َ‬ ‫ه ب َِقل ْ ٍ‬
‫أَتى الل ّ َ‬
‫ول ت ُْلحق بي الذل‪ ،‬يوم يخرج الناس من القبور للحسههاب والجههزاء‪،‬‬
‫مههن أتههى اللههه بقلههب‬
‫دا من العبههاد‪ ،‬إل َ‬
‫يوم ل ينفع المال والبنون أح ً‬
‫سليم من الكفر والنفاق والرذيلة‪.‬‬

‫‪728‬‬
‫ُ‬
‫ن )‪(90‬‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫جن ّ ُ‬ ‫وَأْزل َِف ْ‬
‫وقُّربت الجنة للههذين اجتنبهوا الكفههر والمعاصههي‪ ،‬وأقبلههوا علهى اللهه‬
‫بالطاعة‪.‬‬

‫ن )‪(91‬‬ ‫م ل ِل َْغاِوي َ‬‫حي ُ‬ ‫ت ال ْ َ‬


‫ج ِ‬ ‫وَب ُّرَز ْ‬
‫ضهّلوا عهن الههدى‪ ،‬وتجهّرؤوا علهى‬ ‫ُ‬
‫وأظهرت النهار للكهافرين الهذين َ‬
‫ذبوا رسله‪.‬‬ ‫محارم الله وك ّ‬

‫ن الل ّههِ هَ ه ْ‬ ‫ل ل َه َ‬
‫ص هُرون َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل ي َن ْ ُ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ن )‪ِ (92‬‬
‫دو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ت َعْب ُ ُ‬ ‫ن َ‬
‫م أي ْ َ‬‫وَِقي َ ُ ْ‬
‫ن )‪(93‬‬ ‫َ‬
‫صُرو َ‬‫أوْ ي َن ْت َ ِ‬
‫مههن دون اللههه‪،‬‬
‫خا‪ :‬أيههن آلهتكههم الههتي كنتههم تعبههدونها ِ‬
‫وقيل لهم توبي ً‬
‫وتزعمون أنها تشفع لكم اليوم؟ هل ينصههرونكم‪ ,‬فيههدفعون العههذاب‬
‫عنكم‪ ,‬أو ينتصرون بدفع العذاب عن أنفسهم؟ ل شيء من ذلك‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(95‬‬
‫مُعو َ‬
‫ج َ‬
‫سأ ْ‬‫جُنود ُ إ ِب ِْلي َ‬ ‫م َوال َْغاُوو َ‬
‫ن )‪ (94‬وَ ُ‬ ‫فَك ُب ْك ُِبوا ِفيَها هُ ْ‬
‫معوا وألُقوا في جهنم‪ ،‬هم والذين أضلوهم وأعوان إبليس الههذين‬ ‫ج ِ‬
‫ف ُ‬
‫زّينوا لهم الشر‪ ,‬لم ي ُْفِلت منهم أحد‪.‬‬

‫ن )‪(97‬‬
‫مِبي ٍ‬
‫ل ُ‬
‫ضل ٍ‬‫ن ك ُّنا ل َِفي َ‬ ‫ن )‪َ (96‬تالل ّهِ إ ِ ْ‬
‫مو َ‬‫ص ُ‬‫خت َ ِ‬‫ِفيَها ي َ ْ‬ ‫َقاُلوا وَهُ ْ‬
‫م‬
‫َ‬
‫ن )‪(99‬‬ ‫مو َ‬‫جرِ ُ‬ ‫ضل َّنا إ ِل ّ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن )‪ (98‬وَ َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ب َِر ّ‬ ‫م‬‫ويك ُ ْ‬ ‫إ ِذ ْ ن ُ َ‬
‫س ّ‬
‫مههن أضههلوهم‪،‬‬‫قالوا معترفين بخطئهم‪ ،‬وهم يتنازعون في جهنم مع َ‬
‫تالله إننا كنا في الدنيا فههي ضههلل واضههح ل خفههاء فيههه; إذ نسههويكم‬
‫برب العالمين المستحق للعبادة وحده‪ .‬وما أوقعنا في هههذا المصههير‬
‫السّيئ إل المجرمون الذين دعونا إلى عبادة غير الله فاتبعناهم‪.‬‬

‫ميم ٍ )‪(101‬‬
‫ح ِ‬
‫ق َ‬
‫دي ٍ‬
‫ص ِ‬
‫ن )‪َ (100‬ول َ‬ ‫ن َ‬
‫شافِِعي َ‬ ‫ما ل ََنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫فَ َ‬

‫‪729‬‬
‫دق فههي مودتنهها‬
‫صه ُ‬ ‫فل أحد َ يشفع لنا‪ ،‬ويخّلصنا من العذاب‪ ،‬ول َ‬
‫مههن ي َ ْ‬
‫ويشفق علينا‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(102‬‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن ل ََنا ك َّرةً فَن َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫فَل َوْ أ ّ‬
‫فليت لنا رجعة إلى الدنيا‪ ,‬فنصير من جملة المؤمنين الناجين‪.‬‬

‫ة ومهها ك َهها َ‬
‫ك ل َهُ ه َ‬
‫و‬ ‫ن َرب ّه َ‬
‫ن )‪ (103‬وَإ ِ ّ‬ ‫م هؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ه ْ‬
‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫ك لي َ ً َ َ‬‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫م )‪(104‬‬ ‫حي ُ‬
‫زيُز الّر ِ‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫إن في نبأ إبراهيم السابق َلعبرة ِلمن يعتههبر‪ ,‬ومهها صههار أكههثر الههذين‬
‫سمعوا هذا النبأ مؤمنين‪ .‬وإن ربك لهو العزيز القههادر علههى النتقههام‬
‫من المكذبين‪ ,‬الرحيم بعباده المؤمنين‪.‬‬

‫خوهُم نو َ‬ ‫م أَ ُ‬
‫ن‬
‫ح أل ت َت ُّقو َ‬ ‫ْ ُ ٌ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ن )‪ (105‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫م ُنو‬ ‫ت قَوْ ُ‬ ‫ك َذ ّب َ ْ‬
‫َ‬ ‫)‪ (106‬إني ل َك ُم رسو ٌ َ‬
‫ن )‪(108‬‬ ‫طيعُههو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫ن )‪ (107‬فَههات ُّقوا الل ّه َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫لأ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ِّ‬
‫ن )‪(109‬‬ ‫مي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ها‬
‫ه‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫هى‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ري‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ل‬‫وما أ َسأ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(110‬‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫َفات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ذبت قوم نوح رسالة نبيهم‪ ،‬فكانوا بهههذا مكههذبين لجميههع الرسههل;‬ ‫كَ ّ‬
‫لن كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل‪ .‬إذ قال لهم أخوهم نوح‪:‬‬
‫أل تخشون اللهه بهترك عبهادة غيهره؟ إنهي لكهم رسهول أميهن فيمها‬
‫أبلغكم‪ ،‬فاجعلوا اليمان وقاية لكم من عذاب اللههه وأطيعههوني فيمهها‬
‫آمركم بههه مههن عبههادته وحههده‪ .‬ومهها أطلههب منكههم أجهًرا علههى تبليههغ‬
‫الرسالة‪ ،‬مهها أجههري إل علههى رب العههالمين‪ ،‬المتصههرف فههي خلقههه‪،‬‬
‫فاحذروا عقابه‪ ,‬وأطيعوني بامتثال أوامره‪ ،‬واجتناب نواهيه‪.‬‬

‫َ‬
‫ك ال َْرذ َُلو َ‬
‫ن )‪(111‬‬ ‫ن لَ َ‬
‫ك َوات ّب َعَ َ‬ ‫َقاُلوا أن ُؤْ ِ‬
‫م ُ‬
‫دقك ونتبعههك‪ ,‬والههذين اتبعههوك أراذل النههاس‬
‫قال له قومه‪ :‬كيف نص ّ‬
‫وأسافلهم؟‬

‫‪730‬‬
‫مُلو َ‬
‫ن )‪(112‬‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫عل ْ ِ‬
‫مي ب ِ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ل وَ َ‬
‫فأجابهم نوح عليه السلم بقوله‪ :‬لست مكلًفا بمعرفة أعمالهم‪ ,‬إنما‬
‫ُ‬
‫كلفههت أن أدعههوهم إلههى اليمههان‪ .‬والعتبههار باليمههان ل بالحسههب‬
‫حرف والصنائع‪.‬‬ ‫والنسب وال ِ‬

‫ن )‪(113‬‬ ‫م إ ِل ّ عََلى َرّبي ل َوْ ت َ ْ‬


‫شعُُرو َ‬ ‫ساب ُهُ ْ‬
‫ح َ‬
‫ن ِ‬
‫إِ ْ‬
‫ما حسابهم للجزاء على أعمهالهم وبههواطنهم إل علهى ربههي المط ّل ِههع‬
‫على السرائر‪ .‬لو كنتم تشعرون بذلك لما قلتم هذا الكلم‪.‬‬

‫طارد ال ْمؤْمِنين )‪ (114‬إ َ‬ ‫َ‬


‫ن )‪(115‬‬
‫مِبي ٌ‬ ‫ن أَنا إ ِل ّ ن َ ِ‬
‫ذيٌر ُ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ما أَنا ب ِ َ ِ ِ ُ ِ َ‬
‫وَ َ‬
‫ومهها أنهها بطههارد الههذين يؤمنههون بههدعوتي‪ ,‬مهمهها تكههن حههالهم؛ تلبيههة‬
‫لرغبتكم كي تؤمنوا بي‪ .‬ما أنا إل نذير بّين النذار‪.‬‬

‫ن )‪(116‬‬
‫مي َ‬
‫جو ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مْر ُ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ح ل َت َ ُ‬
‫كون َ ّ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م ت َن ْت َهِ َيا ُنو ُ‬ ‫َقاُلوا ل َئ ِ ْ‬
‫عدل قوم نوح عن المحاورة إلى التهديد‪ ,‬فقالوا له‪ :‬لئن لههم ترجههع‪-‬‬
‫ن المقتولين رمًيا بالحجارة‪.‬‬
‫م َ‬‫ن ِ‬
‫يا نوح‪ -‬عن دعوتك لتكون ّ‬

‫م فَْتح ها ً وَن َ ّ‬
‫جن ِههي‬ ‫ح ب َي ِْني وَب َي ْن َهُ ه ْ‬ ‫مي ك َذ ُّبو ِ‬
‫ن )‪َ (117‬فافْت َ ْ‬ ‫ن قَوْ ِ‬
‫ب إِ ّ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َر ّ‬
‫ن )‪(118‬‬‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫مِعي ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫فلما سمع نوح قهولهم ههذا دعها ربهه بقهوله‪ :‬رب إن قهومي أصهروا‬
‫من جحههد توحيههدك‬
‫ما ُتهلك به َ‬
‫على تكذيهبي‪ ،‬فاحكم بيني وبينهم حك ً‬
‫مهن معهي مهن المهؤمنين ممها تعهذب بهه‬ ‫ذب رسهولك‪ ،‬ونجنهي و َ‬‫وك ّ‬
‫الكافرين‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(119‬‬
‫حو ِ‬
‫ش ُ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫ه ِفي ال ُْفل ْ ِ‬
‫مع َ ُ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫فَأن َ‬
‫جي َْناهُ وَ َ‬
‫من معه في السفينة المملوءة بصنوف المخلوقههات الههتي‬
‫فأنجيناه و َ‬
‫حملها معه‪.‬‬

‫‪731‬‬
‫ثُ َ‬
‫م أغَْرقَْنا ب َعْد ُ ال َْباِقي َ‬
‫ن )‪(120‬‬ ‫ّ‬
‫مههن‬
‫ثم أغرقنا بعد إنجاء نوح ومن معههه البههاقين‪ ،‬الههذين لههم يؤمنههوا ِ‬
‫دوا عليه النصيحة‪.‬‬‫قومه ور ّ‬

‫كا َ‬
‫ن )‪(121‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ما َ َ‬
‫ة وَ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لي َ ً‬ ‫إِ ّ‬
‫إن في نبأ نوح وما كان من إنجاء المؤمنين وإهلك المكذبين َلعلمة‬
‫وعبرة ً عظيمة لمن بعدهم‪ ,‬وما كان أكثر الذين سمعوا هذه القصههة‬
‫مؤمنين بالله وبرسوله وشرعه‪.‬‬

‫م )‪(122‬‬
‫حي ُ‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬
‫زيُز الّر ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫وَإ ِ ّ‬
‫وإن ربك لهو العزيز في انتقامه ممن كفر به وخالف أمره‪ ,‬الرحيههم‬
‫بعباده المؤمنين‪.‬‬

‫ن )‪(123‬‬
‫سِلي َ‬ ‫عاد ٌ ال ْ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫ك َذ ّب َ ْ‬
‫ت َ‬
‫دا‪ -‬عليه السههلم‪ -‬فكههانوا بهههذا مكه ّ‬
‫ذبين‬ ‫ك ّ‬
‫ذبت قبيلة عاد رسولهم هو ً‬
‫لجميع الرسل؛ لتحاد دعوتهم في أصولها وغايتها‪.‬‬

‫هود َأل تتُقون )‪ (124‬إنههي ل َك ُهم رسههو ٌ َ‬ ‫م أَ ُ‬


‫ن)‬ ‫ميه ٌ‬‫لأ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫م ُ ٌ‬ ‫خوهُ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫إ ِذ ْ َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ج هرٍ إ ِ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫م عَل َي ْههِ ِ‬
‫مه ْ‬ ‫س هأل ُك ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬
‫ن )‪ (126‬وَ َ‬ ‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫‪َ (125‬فات ُّقوا الل ّ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(127‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ري إ ِل ّ عََلى َر ّ‬ ‫ج ِ‬‫أ ْ‬
‫إذ قال لهم أخوهم هود‪ :‬أل تخشون الله فتخلصوا لههه العبههادة؟ إنههي‬
‫سل إليكم لهدايتكم وإرشادكم‪ ،‬حفيظ علههى رسههالة اللههه‪ ،‬أبّلغههها‬
‫مر َ‬
‫لكم كما أمرني ربي‪ ،‬فخافوا عقاب الله وأطيعوني فيمهها جئتكههم بههه‬
‫من عند الله‪ .‬وما أطلب منكم على إرشادكم إلههى التوحيههد أيّ نههوع‬
‫من أنواع الجر‪ ،‬ما أجري إل على رب العالمين‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫خل ُه ُ‬
‫دو َ‬ ‫صان ِعَ ل َعَل ّك ُه ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫م َ‬
‫ن َ‬ ‫خ ُ‬
‫ذو َ‬ ‫ة ت َعْب َُثو َ‬
‫ن )‪ (128‬وَت َت ّ ِ‬ ‫ن ب ِك ُ ّ‬
‫ل ِريٍع آي َ ً‬ ‫أت َب ُْنو َ‬
‫‪732‬‬
‫ن )‪(130‬‬
‫جّباِري َ‬
‫م َ‬ ‫م ب َط َ ْ‬
‫شت ُ ْ‬ ‫ذا ب َط َ ْ‬
‫شت ُ ْ‬ ‫)‪ (129‬وَإ ِ َ‬
‫ن‬
‫مه َ‬
‫أتبنون بكل مكان مرتفع بنههاء عالي ًهها تشههرفون منههه فتسههخرون ِ‬
‫المارة؟ وذلك عبث وإسههراف ل يعهود عليكهم بفههائدة فهي الههدين أو‬
‫الدنيا‪ ,‬وتتخذون قصوًرا منيعة وحصوًنا مشّيدة‪ ،‬كههأنكم تخلههدون فههي‬
‫الدنيا ول تموتون‪ ،‬وإذا بطشتم بأحد من الخلق قتل أو ضرًبا‪ ،‬فعلتههم‬
‫ذلك قاهرين ظالمين‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(132‬‬ ‫ما ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫مد ّك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ذي أ َ‬‫ن )‪َ (131‬وات ُّقوا ال ّ ِ‬ ‫طيُعو ِ‬
‫ه وَأ ِ‬ ‫َفات ُّقوا الل ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(134‬‬ ‫ت وَعُُيو ٍ‬‫جّنا ٍ‬ ‫ن )‪ (133‬وَ َ‬ ‫مد ّك ُ ْ‬
‫م ب ِأن َْعام ٍ وَب َِني َ‬ ‫أ َ‬
‫فخافوا الله‪ ،‬وامتثلوا ما أدعوكم إليه فإنه أنفههع لكههم‪ ،‬واخشههوا اللههه‬
‫الذي أعطههاكم مههن أنههواع النعههم مهها ل خفههاء فيههه عليكههم‪ ،‬أعطههاكم‬
‫النعههام‪ :‬مههن البههل والبقههر والغنههم‪ ،‬وأعطههاكم الولد‪ ،‬وأعطههاكم‬
‫جر لكم الماء من العيون الجارية‪.‬‬ ‫البساتين المثمرة‪ ,‬وف ّ‬

‫ظيم ٍ )‪(135‬‬
‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬
‫ذا َ‬ ‫ف عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫إ ِّني أ َ َ‬
‫خا ُ‬
‫سلم‪ -‬محذًرا لهم‪ :‬إني أخاف إن أصررتم على مهها‬ ‫قال هود‪ -‬عليه ال ّ‬
‫أنتم عليه من التكذيب والظلم وك ُْفر الّنعم‪ ،‬أن ينزل الله بكم عههذاًبا‬
‫في يوم تعظم شدته من هول عذابه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(136‬‬
‫ظي َ‬
‫ع ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫وا ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫م لَ ْ‬
‫م ت َك ُ ْ‬ ‫تأ ْ‬‫واءٌ عَل َي َْنا أوَعَظ ْ َ‬ ‫َقاُلوا َ‬
‫س َ‬
‫قالوا له‪ :‬يستوي عندنا تذكيرك وتخويفك لنا وتركه‪ ,‬فلن نؤمن لك‪.‬‬

‫َ‬
‫معَذ ِّبي َ‬
‫ن )‪(138‬‬ ‫ن بِ ُ‬
‫ح ُ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫خل ُقُ الوِّلي َ‬
‫ن )‪ (137‬وَ َ‬ ‫ذا إ ِل ّ ُ‬
‫ن هَ َ‬
‫إِ ْ‬
‫وقالوا‪ :‬ما هذا الذي نحن عليه إل دين الولين وعاداتهم‪ ،‬وما نحن‬
‫حذ ّْرتنا منه من العذاب‪.‬‬
‫بمعذبين على ما نفعل مما َ‬

‫ة ومهها ك َهها َ‬ ‫َ‬


‫ن)‬ ‫م هؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن أك ْث َُرهُه ْ‬
‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫ك لي َه ً َ َ‬‫ن فِههي ذ َل ِه َ‬ ‫م إِ ّ‬‫فَك َذ ُّبوهُ فَأهْل َك َْناهُ ْ‬
‫م )‪(140‬‬ ‫حي ُ‬‫زيُز الّر ِ‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬
‫ن َرب ّ َ‬ ‫‪ (139‬وَإ ِ ّ‬
‫‪733‬‬
‫مّروا على تكذيبه‪ ،‬فأهلكهم الله بريح باردة شديدة‪ .‬إن في‬
‫فاست َ‬
‫ذلك الهلك َلعبرة لمن بعدهم‪ ,‬وما كان أكثر الذين سمعوا قصتهم‬
‫مؤمنين بك‪ .‬وإن ربك لهو العزيز الغالب على ما يريده من إهلك‬
‫المكذبين‪ ,‬الرحيم بالمؤمنين‪.‬‬

‫ن )‪(141‬‬
‫سِلي َ‬ ‫مود ُ ال ْ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫ك َذ ّب َ ْ‬
‫ت ثَ ُ‬
‫حا في رسالته ودعوته إلى توحيد الله‪،‬‬
‫ذبت قبيلة ثمود أخاهم صال ً‬ ‫ك ّ‬
‫ذبين لجميع الرسل; لنهم جميًعا يدعون إلى توحيد‬‫فكانوا بهذا مك ّ‬
‫الله‪.‬‬

‫خوهُم صال ِح َأل تتُقون )‪ (142‬إني ل َك ُم رسههو ٌ َ‬ ‫م أَ ُ‬


‫ن)‬ ‫مي ه ٌ‬
‫لأ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ ٌ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ن‬ ‫‪َ (143‬فاتُقوا الل ّه وأ َطيعون )‪ (144‬وما أ َس هأ َل ُك ُم عَل َي هه م ه َ‬
‫ج هرٍ إ ِ ْ‬
‫نأ ْ‬‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ِ ُ ِ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(145‬‬
‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫ري إ ِل ّ عََلى َر ّ‬ ‫ج ِ‬‫أ ْ‬
‫ردونه‬
‫إذ قال لهم أخوهم صالح‪ :‬أل تخشون عقاب الله‪ ،‬فُتف ِ‬
‫سل من الله إليكم‪ ,‬حفيظ على هذه الرسالة كما‬ ‫بالعبادة؟ إني مر َ‬
‫تلقيتها عن الله‪ ،‬فاحذروا عقابه تعالى‪ ,‬وامتثلوا ما دعوتكم إليه‪ .‬وما‬
‫أطلب منكم على نصحي وإرشادي لكم أي جزاء‪ ،‬ما جزائي إل‬
‫على رب العالمين‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(147‬‬ ‫ت وَعُي ُههو ٍ‬ ‫جن ّهها ٍ‬‫ن )‪ (146‬فِههي َ‬ ‫مِني ه َ‬
‫هاهُن َهها آ ِ‬
‫مهها َ‬
‫ن فِههي َ‬ ‫أت ُت َْرك ُههو َ‬
‫ن‬ ‫ل ب ُُيوتا ً َفارِ ِ‬
‫هي َ‬ ‫جَبا ِ‬‫ن ال ْ ِ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬
‫حُتو َ‬
‫م )‪ (148‬وَت َن ْ ِ‬ ‫ضي ٌ‬‫ل ط َل ْعَُها هَ ِ‬
‫خ ٍ‬
‫وَُزُروٍع وَن َ ْ‬
‫)‪(149‬‬
‫أيترككم ربكم فيما أنتم فيه من النعيم مستقرين في هذه الدنيا‬
‫آمنين من العذاب والزوال والموت؟ في حدائق مثمرة وعيون‬
‫جارية وزروع كثيرة ونخل ثمرها يانع لين نضيج‪ ،‬وتنحتون من‬
‫طرين‪.‬‬ ‫َ‬
‫شرين ب َ ِ‬
‫الجبال بيوًتا ماهرين بنحتها‪ ,‬أ ِ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(151‬‬
‫سهرِِفي َ‬ ‫مهَر ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫طيعُههوا أ ْ‬
‫ن )‪َ (150‬ول ت ُ ِ‬ ‫طيعُههو ِ‬ ‫فَههات ُّقوا الل ّه َ‬
‫ه وَأ ِ‬
‫ن )‪(152‬‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ض َول ي ُ ْ‬
‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫دو َ‬‫س ُ‬‫ن ي ُْف ِ‬
‫ذي َ‬

‫‪734‬‬
‫فخافوا عقوبة الله‪ ,‬واقبلوا نصحي‪ ،‬ول تنقادوا لمر المسرفين على‬
‫أنفسهم المتمادين في معصية الله الذين دأبوا على الفساد في‬
‫دا ل إصلح فيه‪.‬‬
‫الرض إفسا ً‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫مث ْل ُن َهها فَ هأ ِ‬
‫ت‬ ‫ت إ ِل ّ ب َ َ‬
‫ش هٌر ِ‬ ‫ما أن ْه َ‬
‫ن )‪َ (153‬‬
‫ري َ‬
‫ح ِ‬‫س ّ‬
‫م َ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬ ‫َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪(154‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ن ك ُن ْ َ‬ ‫ِبآي َةٍ إ ِ ْ‬
‫حًرا كثيًرا‪،‬‬
‫س ْ‬
‫سحروا ِ‬
‫قالت ثمود لنبيها صالح‪ :‬ما أنت إل من الذين ُ‬
‫حتى غلب السحر على عقلك‪ .‬ما أنت إل فرد مماثل لنا في‬
‫البشرية من بني آدم‪ ،‬فكيف تتميز علينا بالرسالة؟ فأت بحجة‬
‫واضحة تدل على ثبوت رسالتك‪ ,‬إن كنت صادًقا في دعواك أن الله‬
‫أرسلك إلينا‪.‬‬

‫معْل ُههوم ٍ )‪َ (155‬ول‬


‫ب ي َهوْم ٍ َ‬
‫ش هْر ُ‬
‫م ِ‬‫ب وَل َك ُه ْ‬ ‫ة ل َهَهها ِ‬
‫ش هْر ٌ‬ ‫ل هَ هذِهِ َناقَ ه ٌ‬
‫قَهها َ‬
‫ْ‬
‫ظيم ٍ )‪(156‬‬ ‫ب ي َوْم ٍ عَ ِ‬‫ذا ُ‬ ‫خذ َك ُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫سوٍء فَي َأ ُ‬ ‫ها ب ِ ُ‬
‫سو َ‬‫م ّ‬‫تَ َ‬
‫قال لهم صالح‪ -‬وقد أتاهم بناقة أخرجها الله له من الصخرة‪ :-‬هذه‬
‫ناقة الله لها نصيب من الماء في يوم معلوم‪ ،‬ولكم نصيب منه في‬
‫يوم آخر‪ .‬ليس لكم أن تشربوا في اليوم الذي هو نصيبها‪ ،‬ول هي‬
‫تشرب في اليوم الذي هو نصيبكم‪ ،‬ول تنالوها بشيء مما يسوءها‬
‫ب يوم ٍ تعظم شدته؛‬
‫ب أو قتل أو نحو ذلك‪ ،‬فيهلككم الله بعذا ِ‬
‫ضْر ٍ‬
‫ك َ‬
‫بسبب ما يقع فيه من الهول والشدة‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(157‬‬
‫مي َ‬
‫حوا َنادِ ِ‬ ‫ها فَأ ْ‬
‫صب َ ُ‬ ‫فَعََقُرو َ‬

‫فنحروا الناقة‪ ,‬فأصبحوا متحسرين على ما فعلوا ل َ ّ‬


‫ما أيقنوا‬
‫بالعذاب‪ ،‬فلم ينفعهم ندمهم‪.‬‬

‫كا َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫َ‬


‫ن )‪(158‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ما َ َ‬
‫ة وَ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لي َ ً‬ ‫ب إِ ّ‬
‫ذا ُ‬ ‫فَأ َ‬
‫خذ َهُ ْ‬
‫فنزل بهم عذاب الله الذي توعدهم به صالح عليه السلم‪،‬‬
‫فأهلكهم‪ .‬إن في إهلك ثمود َلعبرة لمن اعتبر بهذا المصير‪ ,‬وما‬
‫كان أكثرهم مؤمنين‪.‬‬

‫‪735‬‬
‫م )‪(159‬‬
‫حي ُ‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬
‫زيُز الّر ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫وَإ ِ ّ‬
‫وإن ربك لهو العزيز القاهر المنتقم من أعدائه المكذبين‪ ،‬الرحيم‬
‫بمن آمن من خلقه‪.‬‬

‫ن )‪(160‬‬
‫سِلي َ‬ ‫ط ال ْ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫م ُلو ٍ‬ ‫ك َذ ّب َ ْ‬
‫ت قَوْ ُ‬
‫كَ ّ‬
‫ذبت قوم لوط برسالته‪ ,‬فكانوا بهذا مكذبين لسائر رسل الله؛ لن‬
‫ما جاؤوا به من التوحيد وأصول الشرائع واحد‪.‬‬

‫ط َأل تتُقون )‪ (161‬إني ل َك ُهم رسههو ٌ َ‬ ‫م ُلو ٌ‬ ‫م أَ ُ‬


‫ن)‬ ‫مي ه ٌ‬
‫لأ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫خوهُ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫إ ِذ ْ َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ج هرٍ إ ِ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫م عَل َي ْههِ ِ‬
‫مه ْ‬ ‫س هأل ُك ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬
‫ن )‪ (163‬وَ َ‬‫طيُعو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫‪َ (162‬فات ُّقوا الل ّ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(164‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ري إ ِل ّ عََلى َر ّ‬ ‫ج ِ‬‫أ ْ‬
‫إذ قال لهم أخوهم لوط‪ :‬أل تخشون عذاب اللههه؟ إنههي رسههول مههن‬
‫ربكم‪ ،‬أمين على تبليههغ رسههالته إليكههم‪ ،‬فاحههذروا عقههاب اللههه علههى‬
‫تكذيبكم رسوله‪ ،‬واتبعههوني فيمهها دعههوتكم إليههه‪ ،‬ومهها أسههألكم علههى‬
‫دعوتي لهدايتكم أيّ أجر‪ ،‬ما أجري إل على رب العالمين‪.‬‬

‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ما‬ ‫ن‬ ‫رو‬‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ت‬‫و‬ ‫(‬‫‪165‬‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫مي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫عا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫را‬ ‫ْ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ذ‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫تو‬ ‫أ َتأ ْ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(166‬‬ ‫دو َ‬ ‫عا ُ‬ ‫م َ‬ ‫م قَوْ ٌ‬‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫م بَ ْ‬‫جك ُ ْ‬‫أْزَوا ِ‬
‫من بني آدم‪ ،‬وتههتركون مهها خلههق اللههه لسههتمتاعكم‬
‫أتنكحون الذكور ِ‬
‫من أزواجكم؟ بل أنتم قوم ‪ -‬بهههذه المعصههية‪ -‬متجههاوزون‬ ‫وتناسلكم ِ‬
‫ما أباحه الله لكم من الحلل إلى الحرام‪.‬‬

‫ن )‪(167‬‬
‫جي َ‬
‫خَر ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ط ل َت َ ُ‬
‫كون َ ّ‬ ‫م ت َن ْت َهِ َيا ُلو ُ‬
‫ن لَ ْ‬
‫َقاُلوا ل َئ ِ ْ‬
‫قال قوم لوط‪ :‬لئن لم تترك يا لوط ن َهَْينا عن إتيههان الههذكور وتقبيههح‬
‫فعله‪ ،‬لتكونن من المطرودين من بلدنا‪.‬‬

‫ن ال َْقاِلي َ‬
‫ن )‪(168‬‬ ‫م ْ‬ ‫مل ِك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ل إ ِّني ل ِعَ َ‬
‫‪736‬‬
‫قال لوط لهم‪ :‬إني ِلعملكم الذي تعملههونه مههن إتيههان الههذكور‪َ ،‬لمههن‬
‫دا‪.‬‬
‫ضا شدي ً‬
‫المبغضين له بغ ً‬

‫َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن )‪(169‬‬ ‫ما ي َعْ َ‬
‫م ّ‬
‫جِني وَأهِْلي ِ‬
‫ب نَ ّ‬
‫َر ّ‬
‫ب أنقههذني‬‫ثم دعا لوط ربه حينمهها يئس مههن اسههتجابتهم لههه قههائل ر ّ‬
‫مهن‬
‫مهن ههذه المعصهية القبيحههة‪ ,‬و ِ‬ ‫وأنقذ أهلهي ممهها يعملهه قههومي ِ‬
‫عقوبتك التي ستصيبهم‪.‬‬

‫فَنجيناه وأ َهْل َ َ‬
‫ن )‪(171‬‬ ‫جوزا ً ِفي ال َْغاب ِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ن )‪ (170‬إ ِل ّ عَ ُ‬
‫مِعي َ‬
‫ج َ‬
‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫َ ّ َْ ُ َ‬
‫فنجيناه وأهههل بيتههه والمسههتجيبين لههدعوته أجمعيههن إل عجههوًزا مههن‬
‫أهله‪ ،‬وهي امرأته‪ ،‬لم تشاركهم في اليمان‪ ،‬فكانت من الباقين في‬
‫العذاب والهلك‪.‬‬

‫م َ‬ ‫َ‬
‫طههُر‬ ‫طههرا ً فَ َ‬
‫سههاءَ َ‬ ‫م َ‬ ‫مط َْرَنهها عَل َي ِْههه ْ‬
‫م َ‬ ‫ن )‪ (172‬وَأ ْ‬
‫ريهه َ‬
‫خ ِ‬‫مْرَنهها ال َ‬‫م دَ ّ‬‫ُثهه ّ‬
‫ن )‪(173‬‬ ‫منذ َِري َ‬‫ال ْ ُ‬
‫من عداهم من الكفرة أشد ّ إهلك‪ ،‬وأنزلنا عليهههم حجههارة‬ ‫ثم أهلكنا َ‬
‫ح مطُر مههن أنههذرهم رسهلهم ولهم‬ ‫من السماء كالمطر أهلكتهم‪ ,‬فَقب ُ َ‬
‫يستجيبوا لهم؛ فقد ُأنزل بهم أشد ّ أنواع الهلك والتدمير‪.‬‬

‫كا َ‬
‫ن )‪(174‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ما َ َ‬
‫ة وَ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لي َ ً‬ ‫إِ ّ‬
‫إن في ذلك العقاب الذي نزل بقوم لوط َلعبرة وموعظة‪ ,‬يتعظ بههها‬
‫المكذبون‪ .‬وما كان أكثرهم مؤمنين‪.‬‬

‫م )‪(175‬‬
‫حي ُ‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬
‫زيُز الّر ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫وَإ ِ ّ‬
‫وإن ربك لهو العزيز الغهالب الهذي يقهههر المكههذبين‪ ,‬الرحيههم بعبهاده‬
‫المؤمنين‪.‬‬

‫‪737‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ب أل ت َت ُّقو َ‬ ‫شعَي ْ ٌ‬‫م ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬‫ن )‪ (176‬إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫سِلي َ‬‫مْر َ‬ ‫ب الي ْك َةِ ال ْ ُ‬ ‫حا ُ‬
‫ص َ‬‫بأ ْ‬ ‫ك َذ ّ َ‬
‫َ‬ ‫)‪ (177‬إني ل َك ُم رسو ٌ َ‬
‫ن )‪(179‬‬ ‫طيعُههو ِ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫ن )‪ (178‬فَههات ُّقوا الل ّه َ‬ ‫مي ٌ‬‫لأ ِ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وما أ َ َ‬
‫ن )‪(180‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ري إ ِل ّ عََلى َر ّ‬‫ج ِ‬
‫نأ ْ‬ ‫جرٍ إ ِ ْ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م عَل َي ْهِ ِ‬
‫سأل ُك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ذب أصههحاب الرض ذات الشههجر الملتههف رسههولهم شههعيًبا فههي‬ ‫كه ّ‬
‫ذبين لجميع الرسالت‪ .‬إذ قال لهههم شههعيب‪:‬‬ ‫رسالته‪ ،‬فكانوا بهذا مك ّ‬
‫سل إليكههم‬ ‫أل تخشون عقاب الله على شرككم ومعاصيكم؟ إني مر َ‬
‫ي مههن الرسههالة‪,‬‬‫ن الله لهدايتكم‪ ،‬حفيظ على ما أوحى الله بههه إله ّ‬ ‫م َ‬
‫ِ‬
‫من هداية الله؛ لترشدوا‪,‬‬ ‫فخافوا عقاب الله‪ ,‬واتبعوا ما دعوتكم إليه ِ‬
‫وما أطلب منكم على دعائي لكم إلههى اليمههان بههالله أيّ جههزاء‪ ،‬مهها‬
‫جزائي إل على رب العالمين‪.‬‬

‫س‬ ‫سه َ‬
‫طا‬ ‫ق‬ ‫ن )‪ (181‬وَزِن ُههوا ِبال ْ‬ ‫ري‬ ‫ه‬ ‫س‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬
‫كو‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫فوا‬‫ُ‬ ‫و‬‫أَ‬
‫َ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ض‬
‫وا ِفههي الْر ِ‬ ‫َ‬
‫م َول ت َعْثهه ْ‬
‫شَياَءهُ ْ‬ ‫سأ ْ‬ ‫سوا الّنا َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ست َِقيم ِ )‪َ (182‬ول ت َب ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن )‪(183‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬‫مْف ِ‬ ‫ُ‬
‫مههوا الكيههل‬‫قصون الكيل والميههزان‪ :-‬أت ّ‬ ‫قال لهم شعيب‪ -‬وقد كانوا ي ُن ْ ِ‬
‫قصههون النههاس حقههوقهم‪ ,‬وَِزنههوا‬ ‫للناس وافًيا لهم‪ ،‬ول تكونوا ممن ي ُن ْ ِ‬
‫من حقوقهم فههي‬ ‫بالميزان العدل المستقيم‪ ،‬ول تنقصوا الناس شيًئا ِ‬
‫كيل أو وزن أو غير ذلههك‪ ،‬ول تكههثروا فههي الرض الفسههاد‪ ،‬بالشههرك‬
‫والقتل والنهب وتخويف الناس وارتكاب المعاصي‪.‬‬

‫ن )‪(184‬‬ ‫خل ََقك ُم وال ْجبل ّ َ َ‬ ‫َوات ُّقوا ال ّ ِ‬


‫ة الوِّلي َ‬ ‫ْ َ ِ ِ‬ ‫ذي َ‬
‫واحذروا عقوبة الله الذي خلقكم وخلق المم المتقدمة عليكم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مث ْل ُن َهها وَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ت إ ِل ّ ب َ َ‬
‫ش هٌر ِ‬ ‫ما أن ْه َ‬ ‫ن )‪ (185‬وَ َ‬ ‫ري ََ‬
‫ح ِ‬
‫س ّ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬‫َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫ن‬‫ماءِ إ ِ ْ‬
‫سه َ‬ ‫ن ال ّ‬‫مه ْ‬‫سههفا ً ِ‬ ‫ط عَل َي ْن َهها ك ِ َ‬
‫سهِق ْ‬
‫ن )‪ (186‬فَأ ْ‬ ‫ن ال ْك َههاذِِبي َ‬‫م ْ‬‫ك لَ ِ‬ ‫ن َظ ُن ّ َ‬
‫ن )‪(187‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ك ُن ْ َ‬
‫ن الذين أصابهم السحر إصابة شديدة‪،‬‬ ‫م َ‬‫قالوا‪ :‬إنما أنت‪ -‬يا شعيب‪ِ -‬‬
‫فذهب بعقولهم‪ ،‬وما أنت إل واحد مثلنا في البشرية‪ ،‬فكيف تختههص‬
‫دعيه مههن‬
‫دوننا بالرسالة؟ وإن أكبر ظننا أنههك مههن الكههاذبين فيمهها ته ّ‬
‫الرسالة‪ .‬فإن كنت صادًقا في دعوى النبههوة‪ ،‬فههادع اللههه أن يسههقط‬
‫‪738‬‬
‫علينا قطع عذاب من السماء تستأصلنا‪.‬‬

‫َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن )‪(188‬‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ل َرّبي أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ن الشههرك والمعاصههي‪،‬‬
‫مه َ‬
‫قال لهم شعيب‪ :‬ربي أعلههم بمهها تعملههونه ِ‬
‫وبما تستوجبونه من العقاب‪.‬‬

‫َ‬
‫ظيهم ٍ )‬
‫ب ي َهوْم ٍ عَ ِ‬ ‫ن عَه َ‬
‫ذا َ‬ ‫ب ي َهوْم ِ الظ ّل ّهةِ إ ِن ّه ُ‬
‫ه ك َهها َ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫فَك َذ ُّبوهُ فَأ َ‬
‫خذ َهُ ْ‬
‫‪(189‬‬
‫مّروا على تكذيبه‪ ،‬فأصابهم الحر الشديد‪ ،‬وصاروا يبحثههون عههن‬ ‫فاست َ‬
‫ما‪ ،‬فلمها‬‫دا ونسههي ً‬
‫ملذ يستظلون به‪ ،‬فأظلتهم سحابة‪ ،‬وجدوا لهها بههر ً‬
‫اجتمعوا تحتها‪ ،‬التهبت عليهم ناًرا فههأحرقتهم‪ ،‬فكههان هلكهههم جميعًهها‬
‫في يوم شديد الهول‪.‬‬

‫كا َ‬
‫ن )‪(190‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن أك ْث َُرهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ما َ َ‬
‫ة وَ َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لي َ ً‬ ‫إِ ّ‬
‫إن في ذلك العقاب الذي نزل بهم‪َ ،‬لدللة واضحة علههى قههدرة اللههه‬
‫في مؤاخذة المكذبين‪ ،‬وعبرة لمن يعتبر‪ ،‬وما كان أكههثرهم مههؤمنين‬
‫متعظين بذلك‪.‬‬

‫م )‪(191‬‬
‫حي ُ‬ ‫ك ل َهُوَ ال ْعَ ِ‬
‫زيُز الّر ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫وَإ ِ ّ‬
‫وإن ربك ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬لهو العزيز في نقمته ممن انتقم منه مههن‬
‫أعدائه‪ ،‬الرحيم بعباده الموحدين‪.‬‬

‫ن )‪ (193‬عََلى‬
‫مي ُ‬‫ح ال َ ِ‬ ‫ن )‪ (192‬ن ََز َ‬
‫ل ب ِهِ الّرو ُ‬ ‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬‫ل َر ّ‬ ‫ل َت َن ْ ِ‬
‫زي ُ‬ ‫ه‬
‫وَإ ِن ّ ُ‬
‫ن )‪(195‬‬‫مِبي ٍ‬‫ي ُ‬‫ن عََرب ِ ّ‬
‫سا ٍ‬‫ن )‪ (194‬ب ِل ِ َ‬‫منذِِري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ل ِت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ك‬‫قَل ْب ِ َ‬

‫ت فيه هذه القصص الصادقة‪َ ،‬لمنّزل ِ‬


‫مههن‬ ‫وإن هذا القرآن الذي ذ ُك َِر ْ‬
‫خالق الخلق‪ ,‬ومالك المر كله‪ ،‬نزل به جبريل المين‪ ,‬فتله عليههك ‪-‬‬
‫من رسل الله‬ ‫ما؛ لتكون ِ‬ ‫أيها الرسول ‪ -‬حتى وعيته بقلبك حف ً‬
‫ظا وفه ً‬
‫وفون قومهم عقاب الله‪ ،‬فتنذر بهذا التنزيل النس والجههن‬ ‫الذين يخ ّ‬
‫‪739‬‬
‫أجمعين‪ .‬نزل به جبريل عليك بلغة عربية واضههحة المعنههى‪ ،‬ظههاهرة‬
‫الدللة‪ ،‬فيما يحتاجون إليه في إصلح شؤون دينهم ودنياهم‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(196‬‬ ‫ه ل َِفي ُزب ُرِ الوِّلي َ‬‫وَإ ِن ّ ُ‬
‫ت‬
‫ش هَر ْ‬ ‫ن ذِك َْر هذا القرآن َلمثب ٌ‬
‫ت في كتب النبياء السههابقين‪ ,‬قههد ب َ ّ‬ ‫وإ ّ‬
‫صد ّقَْته‪.‬‬
‫به و َ‬

‫أ َول َم يك ُن ل َهم آي ً َ‬
‫سَراِئي َ‬
‫ل )‪(197‬‬ ‫ه عُل َ َ‬
‫ماءُ ب َِني إ ِ ْ‬ ‫ن ي َعْل َ َ‬
‫م ُ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫َ ْ َ ْ ُ ْ َ‬
‫أولم ي َك ْ ِ‬
‫ف هؤلء‪ -‬فهي الدللهة علهى أنههك رسهول اللهه‪ ,‬وأن القههرآن‬
‫من آمن منهم كعبد اللههه‬‫م علماء بني إسرائيل صحة ذلك‪ ،‬و َ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫حق‪ِ -‬‬
‫بن سلم؟‬

‫َ‬
‫مهها ك َههاُنوا ب ِههِ‬
‫م َ‬‫ن )‪ (198‬فََقَرأهُ عَل َي ْهِ ه ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ج ِ‬‫ض ال َعْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وَلوْ ن َّزلَناهُ عَلى ب َعْ ِ‬
‫ن )‪ (200‬ل‬ ‫ميهه َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫سههل َك َْناهُ ِفههي قُُلههو ِ‬‫ك َ‬ ‫ن )‪َ (199‬‬
‫كههذ َل ِ َ‬ ‫مههؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ُ‬
‫م )‪(201‬‬ ‫َ‬ ‫حّتى ي ََرْوا ال ْعَ َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫ب الِلي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن ب ِهِ َ‬‫مُنو َ‬
‫ولو ن َّزلنا القرآن على بعض الذين ل يتكلمون بالعربية‪ ,‬فقههرأه علههى‬
‫ضهها‪ ،‬وانتحلههوا‬
‫كفههار قريههش قههراءة عربيههة صههحيحة‪ ,‬لكفههروا بههه أي ً‬
‫لجحودهم عذًرا‪ .‬كذلك أدخلنا في قلوب المجرميههن جحههود القههرآن‪،‬‬
‫وصار متمكًنا فيها؛ وذلك بسبب ظلمهم وإجرامهههم‪ ،‬فل سههبيل إلههى‬
‫ما هم عليههه مههن إنكههار القههرآن‪ ،‬حههتى يعههاينوا العههذاب‬ ‫أن يتغيروا ع ّ‬
‫عدوا به‪.‬‬
‫الشديد الذي وُ ِ‬

‫من َ‬ ‫ن )‪ (202‬فَي َُقوُلوا هَ ْ‬ ‫ْ‬


‫ن)‬
‫ظههُرو َ‬ ‫ن ُ‬
‫حهه ُ‬
‫ل نَ ْ‬ ‫م ل يَ ْ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫ة وَهُ ْ‬ ‫فَي َأت ِي َهُ ْ‬
‫م ب َغْت َ ً‬
‫‪(203‬‬
‫فينزل بهم العذاب فجأة‪ ،‬وهم ل يعلمون قبل ذلك بمجيئه‪ ,‬فيقولون‬
‫سهًرا علههى مهها فههاتهم مههن اليمههان‪ :‬هههل نحههن‬
‫عند مفاجأتهم بههه تح ّ‬
‫من شركنا‪ ،‬ونستدرك ما فاتنا؟‬ ‫خرون؛ لنتوب إلى الله ِ‬ ‫مؤ ّ‬
‫مَهلون ُ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬

‫‪740‬‬
‫جُلو َ‬
‫ن )‪(204‬‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫أ َفَب ِعَ َ‬
‫ذاب َِنا ي َ ْ‬
‫أ َغَّر هؤلء إمهالي‪ ،‬فيستعجلون نزول العذاب عليهم من السماء؟‬

‫َ َ‬
‫ن)‬ ‫مهها ك َههاُنوا ُيوعَه ُ‬
‫دو َ‬ ‫م َ‬
‫جههاَءهُ ْ‬ ‫ن )‪ (205‬ث ُه ّ‬
‫م َ‬ ‫سِني َ‬
‫م ِ‬
‫مت ّعَْناهُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫أفََرأي ْ َ‬
‫ت إِ ْ‬
‫‪(206‬‬
‫مّتعناهم بالحيههاة سههنين طويلههة بتههأخير‬
‫أفعلمت ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬إن َ‬
‫آجالهم‪ ،‬ثم نزل بهم العذاب الموعود؟‬

‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(207‬‬
‫مت ُّعو َ‬
‫كاُنوا ي ُ َ‬ ‫ما أغَْنى عَن ْهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ما أغنى عنهم تمتعهم بطول العمر‪ ،‬وطيب العيش‪ ،‬إذا لم يتوبوا‬
‫من شركهم؟ فعذاب الله واقع بهم عاجل أم آجل‪.‬‬

‫ما ك ُّنا َ‬ ‫َ‬


‫ن)‬
‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ن )‪ (208‬ذِك َْرى وَ َ‬ ‫ن قَْري َةٍ إ ِل ّ ل ََها ُ‬
‫منذُِرو َ‬ ‫ما أهْل َك َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫‪(209‬‬
‫من قرية من القرى في المم جميًعا‪ ,‬إل بعد أن نرسل‬ ‫وما أهلكنا ِ‬
‫إليهم رسل ينذرونهم‪ ,‬تذكرة لهم وتنبيًها على ما فيه نجاتهم‪ ,‬وما كنا‬
‫ظالمين فنعذب أمة قبل أن نرسل إليها رسول‪.‬‬

‫ن)‬
‫طيُعو َ‬
‫س هت َ ِ‬
‫مهها ي َ ْ‬ ‫ما ي َن ْب َِغي ل َهُ ه ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ن )‪ (210‬وَ َ‬ ‫طي ُ‬ ‫شَيا ِ‬‫ت ب ِهِ ال ّ‬‫ما ت َن َّزل َ ْ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(212‬‬ ‫معُْزوُلو َ‬
‫مِع ل َ َ‬‫س ْ‬
‫ن ال ّ‬‫م عَ ْ‬ ‫‪ (211‬إ ِن ّهُ ْ‬
‫وما ت َن َّزل َ ْ‬
‫ت بالقرآن على محمد الشياطين‪ -‬كما يزعم الكفرة‪ -‬ول‬
‫يصح منهم ذلك‪ ،‬وما يستطيعونه؛ لنهم عن استماع القرآن من‬
‫السماء محجوبون مرجومون بالشهب‪.‬‬

‫ن ال ْ ُ‬
‫معَذ ِّبي َ‬
‫ن )‪(213‬‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫كو َ‬ ‫معَ الل ّهِ إ َِلها ً آ َ‬
‫خَر فَت َ ُ‬ ‫َفل ت َد ْعُ َ‬
‫دا غيره‪ ,‬فينزل بك من العذاب ما نزل بهؤلء‬
‫فل تعبد مع الله معبو ً‬
‫الذين عبدوا مع الله غيره‪.‬‬

‫‪741‬‬
‫شيرت َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ك القَْرِبي َ‬
‫ن )‪(214‬‬ ‫وَأنذِْر عَ ِ َ‬
‫من عذابنا‪ ،‬أن‬
‫من قومك‪ِ ،‬‬ ‫وح ّ‬
‫ذر ‪ -‬أيها الرسول ‪ -‬القرب فالقرب ِ‬
‫ينزل بهم‪.‬‬

‫ن )‪(215‬‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ات ّب َعَ َ‬
‫ك ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح َ‬
‫ك لِ َ‬ ‫جَنا َ‬
‫ض َ‬
‫خِف ْ‬‫َوا ْ‬
‫ن جانبك وكلمك تواضًعا ورحمة لمن ظهر لك منه إجابة دعوتك‪.‬‬ ‫َ‬
‫وأ ل ِ ْ‬

‫مُلو َ‬
‫ن )‪(216‬‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫م ّ‬
‫ريءٌ ِ‬
‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫صو ْ َ‬
‫ك فَُق ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ن عَ َ‬
‫فإن خالفوا أمرك ولم يتبعوك‪ ،‬فتبّرأ من أعمالهم‪ ،‬وما هم عليه من‬
‫الشرك والضلل‪.‬‬

‫م )‪(218‬‬
‫ن ت َُقههو ُ‬
‫حي ه َ‬
‫ك ِ‬ ‫ذي ي َهَرا َ‬‫حيم ِ )‪ (217‬ال ّه ِ‬ ‫زيزِ الّر ِ‬‫ل عََلى ال ْعَ ِ‬
‫وَت َوَك ّ ْ‬
‫م )‪(220‬‬ ‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫س ِ‬
‫ه هُوَ ال ّ‬‫ن )‪ (219‬إ ِن ّ ُ‬‫دي َ‬‫ج ِ‬
‫سا ِ‬‫ك ِفي ال ّ‬ ‫وَت ََقل ّب َ َ‬

‫ض أمرك إلى الله العزيز الذي ل يغاَلب ول ي ُْقَهر‪ ,‬الرحيم الذي‬ ‫وفَوّ ْ‬
‫ل يخذل أولياءه‪ ،‬وهو الذي يراك حين تقوم للصلة وحدك في جوف‬
‫الليل‪ ،‬ويرى تقّلبك مع الساجدين في صلتهم معك قائ ً‬
‫ما وراكًعا‬
‫سا‪ ,‬إنه‪ -‬سبحانه‪ -‬هو السميع لتلوتك وذكرك‪ ,‬العليم‬ ‫دا وجال ً‬
‫وساج ً‬
‫بنيتك وعملك‪.‬‬

‫ل عَل َههى ك ُه ّ َ‬ ‫هَ ْ ُ‬


‫ل أفّهها ٍ‬
‫ك‬ ‫ن )‪ (221‬ت َن َهّز ُ‬ ‫طي ُ‬
‫شَيا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ن ت َن َّز ُ‬ ‫م عََلى َ‬
‫م ْ‬ ‫ل أن َب ّئ ُك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(223‬‬ ‫م َ‬
‫كاذُِبو َ‬ ‫معَ وَأك ْث َُرهُ ْ‬‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫أِثيم ٍ )‪ (222‬ي ُل ُْقو َ‬
‫من تنهّزل الشياطين؟ تتنزل على كل‬ ‫هل أخبركم‪ -‬أيها الناس‪ -‬على َ‬
‫ست َرِقُ الشياطين السمع‪ ,‬يتخطفونه‬ ‫ك ّ‬
‫ذاب كثير الثام من الكهنة‪ ,‬ي َ ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬
‫من جرى مجراهم ِ‬ ‫من المل العلى‪ ,‬فيلقونه إلى الكهان‪ ,‬و َ‬
‫دق أحدهم في كلمة‪ ,‬فيزيد فيها‬ ‫ص ُ‬
‫الفسقة‪ ,‬وأكثر هؤلء كاذبون‪ ,‬ي َ ْ‬
‫من مائة كذبة‪.‬‬
‫أكثر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مو َ‬ ‫م ِفي ك ُ ّ‬
‫ل َوادٍ ي َِهي ُ‬ ‫ن )‪ (224‬أل َ ْ‬
‫م ت ََرى أن ّهُ ْ‬ ‫م ال َْغاُوو َ‬ ‫َوال ّ‬
‫شعََراءُ ي َت ّب ِعُهُ ْ‬
‫‪742‬‬
‫َ‬
‫ما ل ي َْفعَُلو َ‬
‫ن )‪(226‬‬ ‫م ي َُقوُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫)‪ (225‬وَأن ّهُ ْ‬
‫والشعراء يقوم شعرهم على الباطل والكذب‪ ,‬ويجاريهم الضالون‬
‫من أمثالهم‪ .‬ألم تر ‪ -‬أيها النبي ‪ -‬أنهم يذهبون كالهائم‬
‫الزائغون ِ‬
‫من فنون الكذب والزور وتمزيق‬ ‫على وجهه‪ ,‬يخوضون في كل فن ِ‬
‫العراض والطعن في النساب وتجريح النساء العفائف‪ ،‬وأنهم‬
‫يقولون ما ل يفعلون‪ ,‬يبالغون في مدح أهل الباطل‪ ,‬وينتقصون أهل‬
‫الحق؟‬

‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ه ك َِثيههرا ً َوانت َ َ‬
‫ص هُروا ِ‬ ‫ت وَذ َك َُروا الل ّ َ‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫إ ِل ّ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(227‬‬ ‫ب َينَقل ُِبو َ‬ ‫منَقل َ ٍ‬‫موا أيّ ُ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬
‫سي َعْل َ ُ‬
‫موا وَ َ‬‫ما ظ ُل ِ ُ‬ ‫ب َعْدِ َ‬
‫استثنى الله من الشعراِء الشعراَء الذين اهتد َْوا باليمان وعملوا‬
‫كر الله فقالوا الشعر في توحيد الله ‪-‬‬ ‫من ذِ ْ‬
‫الصالحات‪ ,‬وأكثروا ِ‬
‫ل ذكره‪ ,‬والدفاع عن رسوله محمد صلى‬ ‫سبحانه‪ -‬والثناء عليه ج ّ‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬وتكلموا بالحكمة والموعظة والداب الحسنة‪،‬‬
‫من يهجوه أو يهجو رسوله‪ ,‬رّدا على‬ ‫وانتصروا للسلم‪ ،‬يهجون َ‬
‫الشعراء الكافرين‪ .‬وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك‬
‫والمعاصي‪ ،‬وظلموا غيرهم بغمط حقوقهم‪ ,‬أو العتداء عليهم‪ ,‬أو‬
‫بالّتهم الباطلة‪ ,‬أي مرجع من مراجع الشر والهلك يرجعون إليه؟‬
‫إّنه منقلب سوء‪ ,‬نسأل الله السلمة والعافية‪.‬‬

‫‪ -27‬سورة النمل‬

‫ن )‪(1‬‬
‫مِبي ٍ‬
‫ب ُ‬ ‫ت ال ُْقْرآ ِ‬
‫ن وَك َِتا ٍ‬ ‫طس ت ِل ْ َ‬
‫ك آَيا ُ‬
‫طعة في أول سورة البقرة‪.‬‬ ‫الحروف المق ّ‬

‫هذه آيات القرآن وهي آيات الكتاب العزيز بينة المعنى‪ ,‬واضحة‬
‫الدللة‪ ,‬على ما فيه من العلوم والحكم والشرائع‪ .‬فالقرآن هو‬
‫الكتاب‪ ،‬جمع الله له بين السمين‪.‬‬

‫‪743‬‬
‫ن الّزك َههاةَ‬
‫صههلةَ وَي ُؤْت ُههو َ‬
‫ن ال ّ‬
‫مو َ‬
‫ن ي ُِقي ُ‬ ‫ن )‪ (2‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مِني َ‬ ‫شَرى ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫دى وَب ُ ْ‬‫هُ ً‬
‫ن )‪(3‬‬
‫م ُيوقُِنو َ‬ ‫خَرةِ هُ ْ‬‫م ِبال ِ‬‫وَهُ ْ‬
‫وهي آيات ترشد إلى طريق الفوز في الدنيا والخرة‪ ,‬وتبشر بحسن‬
‫دقوا بها‪ ,‬واهتد َْوا بهديها‪ ,‬الذين يقيمون‬
‫ص ّ‬
‫الثواب للمؤمنين الذين َ‬
‫الصلوات الخمس كاملة الركان‪ ,‬مستوفية الشروط‪ ,‬ويؤدون‬
‫الزكاة المفروضة لمستحقيها‪ ,‬وهم يوقنون بالحياة الخرة‪ ,‬وما فيها‬
‫من ثواب وعقاب‪.‬‬ ‫ِ‬

‫خرة زينهها ل َه ه َ‬
‫ن )‪(4‬‬
‫مهُههو َ‬
‫م ي َعْ َ‬‫م فَهُ ه ْ‬‫مههال َهُ ْ‬‫م أعْ َ‬
‫ُ ْ‬ ‫ن ِبال ِ َ ِ َ ّ ّ‬ ‫مُنو َ‬‫ن ل ي ُؤْ ِ‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫إِ ّ‬
‫ن )‪(5‬‬
‫سُرو َ‬ ‫خ َ‬
‫َ‬
‫م ال ْ‬ ‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫ب وَهُ ْ‬ ‫سوُء ال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫ذي َ‬‫ك ال ّ ِ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬

‫سّنا لهم‬
‫دقون بالدار الخرة‪ ,‬ول يعملون لها ح ّ‬ ‫ص ّ‬
‫إن الذين ل ي ُ َ‬
‫أعمالهم السيئة‪ ,‬فرأوها حسنة‪ ,‬فهم يترددون فيها متحّيرين‪ .‬أولئك‬
‫ة‪ ,‬وهم‬ ‫سًرا و ُ‬
‫ذل وهزيم ً‬ ‫َ‬
‫الذين لهم العذاب السّيئ في الدنيا قتل وأ ْ‬
‫في الخرة أشد الناس خسراًنا‪.‬‬

‫كيم ٍ عَِليم ٍ )‪(6‬‬


‫ح ِ‬ ‫ن ل َد ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ل َت ُل َّقى ال ُْقْرآ َ‬
‫ن ِ‬ ‫وَإ ِن ّ َ‬

‫وإنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لتتلقى القرآن من عند الله‪ ,‬الحكيم في خلقه‬


‫ما‪.‬‬
‫وتدبيره الذي أحاط بكل شيء عل ً‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫خب َهرٍ أوْ آِتيك ُه ْ‬
‫م‬ ‫من ْهَهها ب ِ َ‬
‫م ِ‬ ‫ت ن َههارا ً َ‬
‫سههآِتيك ُ ْ‬ ‫س ُ‬‫سى لهْل ِهِ إ ِّني آن َ ْ‬ ‫مو َ‬‫ل ُ‬‫إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫صط َُلو َ‬‫م تَ ْ‬ ‫س ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ب قَب َ ٍ‬‫شَها ٍ‬
‫بِ ِ‬
‫اذكر قصة موسى حين قال لهله في مسيره من "مدين" إلى‬
‫ت ناًرا سآتيكم منها بخبر يدلنا على الطريق‪ ,‬أو‬
‫صْر ُ‬
‫"مصر"‪ :‬إني أب َ‬
‫آتيكم بشعلة نار; كي تستدفئوا بها من البرد‪.‬‬

‫َ‬
‫ن الّلهههِ‬ ‫حا َ‬‫سههب ْ َ‬‫حوْل ََها وَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِفي الّنارِ وَ َ‬ ‫م ْ‬‫ك َ‬‫ن ُبورِ َ‬ ‫ها ُنودِيَ أ ْ‬ ‫جاَء َ‬‫ما َ‬‫فَل َ ّ‬
‫ق‬ ‫َْ‬ ‫زيهُز ال ْ َ‬ ‫ه ال ْعَ ِ‬
‫رب ال ْعال َمين )‪ (8‬يا موسى إنه َ‬
‫ه أن َهها الل ّه ُ‬
‫م )‪ (9‬وَأله ِ‬ ‫كيه ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫َ ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ ِ َ‬ ‫َ ّ‬
‫سههى ل‬ ‫مو َ‬ ‫ب ي َهها ُ‬ ‫م ي ُعَّق ْ‬ ‫مد ِْبرا ً وَل َ ْ‬‫ن وَّلى ُ‬ ‫جا ّ‬ ‫ها ت َهْت َّز ك َأن َّها َ‬
‫ما َرآ َ‬ ‫ك فَل َ ّ‬
‫صا َ‬ ‫عَ َ‬
‫سههنا ً‬
‫ح ْ‬‫ل ُ‬ ‫م ب َد ّ َ‬ ‫م ثُ ّ‬‫ن ظ َل َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن )‪ (10‬إ ِل ّ َ‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ف ل َد َيّ ال ْ ُ‬ ‫خا ُ‬ ‫ف إ ِّني ل ي َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫تَ َ‬

‫‪744‬‬
‫ضاءَ‬ ‫ج ب َي ْ َ‬
‫خُر ْ‬ ‫جي ْب ِ َ‬
‫ك تَ ْ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫ل ي َد َ َ‬ ‫م )‪ (11‬وَأ َد ْ ِ‬
‫خ ْ‬ ‫حي ٌ‬‫سوٍء فَإ ِّني غَُفوٌر َر ِ‬‫ب َعْد َ ُ‬
‫وم ها ً‬‫م ك َههاُنوا قَ ْ‬ ‫ن وَقَ هوْ ِ‬
‫مهِ إ ِن ّهُه ْ‬ ‫ت إ َِلى فِْرعَهوْ َ‬
‫سِع آَيا ٍ‬‫سوٍء ِفي ت ِ ْ‬ ‫ن غَي ْرِ ُ‬
‫م ْ‬‫ِ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫َفا ِ‬
‫سِقي َ‬
‫دسه الله‬ ‫نق ّ‬‫فلما جاء موسى الناَر ناداه الله وأخبره أن هذا مكا ٌ‬
‫من‬‫وباركه فجعله موضًعا لتكليم موسى وإرساله‪ ,‬وأن الله بارك َ‬
‫ن الملئكة‪ ,‬وتنزيًها لله رب الخلئق عما ل‬ ‫م َ‬‫من حولها ِ‬ ‫في النار و َ‬
‫يليق به‪ .‬يا موسى إنه أنا الله المستحق للعبادة وحدي‪ ,‬العزيز‬
‫الغالب في انتقامي من أعدائي‪ ,‬الحكيم في تدبير خلقي‪ .‬وألق‬
‫حّر َ‬
‫ك الحية‬ ‫عصاك فألقاها فصارت حية‪ ,‬فلما رآها تتحرك في خفة ت َ َ‬
‫السريعة وّلى هارًبا ولم يرجع إليها‪ ,‬فطمأنه الله بقوله‪ :‬يا موسى ل‬
‫من تجاوز‬ ‫ف‪ ,‬إني ل يخاف لديّ من أرسلتهم برسالتي‪ ,‬لكن َ‬ ‫خ ْ‬‫تَ َ‬
‫سن التوبة بعد قبح الذنب‪ ,‬فإني غفور‬ ‫ح ْ‬
‫دل ُ‬‫الحد ّ بذنب‪ ,‬ثم تاب فب ّ‬
‫له رحيم به‪ ,‬فل ييئس أحد ٌ من رحمة الله ومغفرته‪ .‬وأدخل يدك في‬
‫جيبك تخرج بيضاء كالثلج من غير ب ََرص في جملة تسع معجزات‪،‬‬
‫وهي مع اليد‪ :‬العصا‪ ،‬والسنون‪ ،‬ونقص الثمرات‪ ،‬والطوفان‪،‬‬
‫مل‪ ،‬والضفادع‪ ،‬والدم؛ لتأييدك في رسالتك إلى‬ ‫والجراد‪ ،‬والُق ّ‬
‫ما خارجين عن أمر الله كافرين به‪.‬‬ ‫فرعون وقومه‪ ,‬إنهم كانوا قو ً‬

‫ن )‪(13‬‬
‫مِبي ٌ‬
‫حٌر ُ‬
‫س ْ‬ ‫صَرةً َقاُلوا هَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫مب ْ ِ‬
‫م آَيات َُنا ُ‬
‫جاَءت ْهُ ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما َ‬
‫من نظر إليها‬
‫فلما جاءتهم هذه المعجزات ظاهرة بّينة يبصر بها َ‬
‫ح بّين‪.‬‬
‫ة ما دلت عليه‪ ,‬قالوا‪ :‬هذا سحٌر واض ٌ‬
‫حقيق َ‬

‫ة‬
‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫م ظ ُْلما ً وَعُل ُوّا ً َفانظ ُْر ك َي ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬ ‫سه ُ ْ‬
‫ست َي َْقن َت َْها أن ُْف ُ‬
‫دوا ب َِها َوا ْ‬‫ح ُ‬‫ج َ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫دي َ‬‫س ِ‬‫مْف ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫ذبوا بالمعجزات التسع الواضحة الدللة على صدق موسى في‬ ‫وك ّ‬
‫نبوته وصدق دعوته‪ ,‬وأنكروا بألسنتهم أن تكون من عند الله‪ ,‬وقد‬
‫استيقنوها في قلوبهم اعتداًء على الحق وتكبًرا على العتراف به‪,‬‬
‫فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف كان مصير الذين كفروا بآيات الله‬
‫وأفسدوا في الرض‪ ,‬إذ أغرقهم الله في البحر؟ وفي ذلك عبرة‬
‫لمن يعتبر‪.‬‬

‫‪745‬‬
‫ضهل ََنا عَل َههى‬ ‫مد ُ ل ِّلههِ ال ّه ِ‬
‫ذي فَ ّ‬ ‫عْلما ً وََقال ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن ِ‬
‫ما َ‬‫سل َي ْ َ‬‫داُوود َ وَ ُ‬ ‫وَل ََقد ْ آت َي َْنا َ‬
‫ن )‪(15‬‬ ‫مِني َ‬ ‫عَبادِهِ ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َِثيرٍ ِ‬
‫ضلنا‬
‫ما فعمل به‪ ,‬وقال الحمد لله الذي ف ّ‬
‫ولقد آتينا داود وسليمان عل ً‬
‫بهذا على كثير من عباده المؤمنين‪ .‬وفي الية دليل على شرف‬
‫العلم‪ ,‬وارتفاع أهله‪.‬‬

‫منط ِقَ الط ّي ْرِ وَُأوِتيَنا‬ ‫س عُل ّ ْ‬


‫مَنا َ‬
‫َ‬
‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬‫داُوود َ وََقا َ‬ ‫ن َ‬‫ما ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬‫ث ُ‬‫وَوَرِ َ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫مِبي ُ‬ ‫ض ُ‬‫ذا ل َهُوَ ال َْف ْ‬
‫ن هَ َ‬
‫يٍء إ ِ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫ن كُ ّ‬‫م ْ‬‫ِ‬
‫وورث سليمان أباه داود في النبوة والعلم والملك‪ ,‬وقال سليمان‬
‫ُ‬
‫من كل‬ ‫لقومه‪ :‬يا أيها الناس عُّلمنا وفُّهمنا كلم الطير‪ ,‬وأعطينا ِ‬
‫شيء تدعو إليه الحاجة‪ ,‬إن هذا الذي أعطانا الله تعالى إياه لهو‬
‫من سوانا‪.‬‬
‫مّيزنا على َ‬‫الفضل الواضح الذي ي ُ َ‬

‫ن)‬ ‫س َوالط ّي ْهرِ فَهُ ه ْ‬


‫م ُيوَزعُههو َ‬ ‫ن َوال ِن ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫م ْ‬
‫جُنود ُهُ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫ما َ‬ ‫شَر ل ِ ُ‬
‫ح ِ‬‫وَ ُ‬
‫‪(17‬‬
‫مع لسليمان جنوده من الجن والنس والطير في مسيرة لهم‪,‬‬ ‫ج ِ‬
‫و ُ‬
‫ملين‪ ,‬بل كان على كل جنس من‬ ‫فهم على كثرتهم لم يكونوا مه َ‬
‫ي َُرد ّ أولهم على آخرهم; كي يقفوا جميًعا منتظمين‪.‬‬

‫خل ُههوا‬ ‫َ‬ ‫مل َه ٌ‬ ‫حتى إ َ َ‬


‫ل اد ْ ُ‬ ‫مه ُ‬‫ة ي َهها أي ّهَهها الن ّ ْ‬ ‫ت نَ ْ‬‫ل قَههال َ ْ‬ ‫مه ِ‬ ‫وا عَل َههى َواِدي الن ّ ْ‬ ‫ذا أت َ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫شههعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ههه ْ‬
‫جن ُههود ُهُ وَ ُ‬‫ن وَ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫س هل َي ْ َ‬‫م ُ‬ ‫من ّك ُه ْ‬
‫حط ِ َ‬‫م ل يَ ْ‬ ‫سههاك ِن َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ك ال ّت ِههي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ش هك َُر ن ِعْ َ‬
‫مت َه َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ب أوْزِعِْني أ ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن قَوْل َِها وََقا َ‬ ‫حكا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫ضا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬‫فَت َب َ ّ‬
‫خل ِْنههي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ضههاهُ وَأد ْ ِ‬ ‫صههاِلحا ً ت َْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫مهه َ‬
‫ن أعْ َ‬ ‫ي وَعََلههى َواِلههد َيّ وَأ ْ‬ ‫ت عََلهه ّ‬ ‫مهه َ‬ ‫أن ْعَ ْ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬‫ك ال ّ‬ ‫عَبادِ َ‬
‫ك ِفي ِ‬ ‫مت ِ َ‬ ‫ح َ‬‫ب َِر ْ‬
‫حتى إذا بلغوا وادي النمل قالت نملة‪ :‬يا أيها النمل ادخلوا‬
‫مساكنكم ل يهلكّنكم سليمان وجنوده‪ ,‬وهم ل يعلمون بذلك‪ .‬فتبسم‬
‫كا من قول هذه النملة لفهمها واهتدائها إلى تحذير النمل‪,‬‬ ‫ضاح ً‬
‫مني‪ ,‬ووفقني‪,‬‬‫ب أل ْهِ ْ‬
‫جه إليه داعًيا‪ :‬ر ّ‬‫واستشعر نعمة الله عليه‪ ,‬فتو ّ‬
‫ي‪ ,‬وأن أعمل عمل‬ ‫ي وعلى والد ّ‬ ‫أن أشكر نعمتك التي أنعمت عل ّ‬
‫‪746‬‬
‫حا ترضاه مني‪ ,‬وأدخلني برحمتك في نعيم جنتك مع عبادك‬
‫صال ً‬
‫الصالحين الذين ارتضيت أعمالهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ال َْغههائ ِِبي َ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫م َ‬ ‫ما ِلي ل أَرى ال ْهُد ْهُد َ أ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وَت ََفّقد َ الط ّي َْر فََقا َ‬
‫شديدا ً أ َو ل َذ ْبحنه أ َو ل َيأ ْ‬
‫ن )‪(21‬‬ ‫بي‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ن‬‫ٍ‬ ‫طا‬‫سل ْ َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ني‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ َ ّ ُ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ذابا ً َ ِ‬ ‫ه عَ َ‬
‫لعَذ ّب َن ّ ُ‬
‫ٍ‬
‫وتفقد سليمان حال الطير المسخرة له وحال ما غاب منها‪ ,‬وكان‬
‫عنده هدهد متميز معروف فلم يجده‪ ,‬فقال‪ :‬ما لي ل أرى الهدهد‬
‫سَتره ساتر عني‪ ,‬أم أنه كان من الغائبين عني‪ ,‬فلم‬ ‫الذي أعهده؟ أ َ‬
‫ن هذا الهدهد عذاًبا‬
‫أره لغيبته؟ فلما ظهر أنه غائب قال‪ :‬لعذب ّ‬
‫دا لغيابه تأديًبا له‪ ,‬أو لذبحّنه عقوبة على ما فعل حيث أخ ّ‬
‫ل بما‬ ‫شدي ً‬
‫خر له‪ ,‬أو ليأتيّني بحجة ظاهرة‪ ,‬فيها عذر لغيبته‪.‬‬‫س ّ‬
‫ُ‬

‫ح ْ‬ ‫ث غَير بِعيد فََقا َ َ‬


‫س هب َإ ٍ ب ِن َب َهإ ٍ‬
‫ن َ‬
‫مه ْ‬ ‫جئ ْت ُ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ط ب ِهِ وَ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ت بِ َ‬
‫حط ُ‬
‫لأ َ‬ ‫مك َ َ ْ َ َ ٍ‬ ‫فَ َ‬
‫ن )‪(22‬‬‫ي َِقي ٍ‬
‫فمكث الهدهد زمًنا غير بعيد ثم حضر فعاتبه سليمان على مغيبه‬
‫وتخّلفه‪ ,‬فقال له الهدهد‪ :‬علمت ما لم تعلمه من المر على وجه‬
‫الحاطة‪ ,‬وجئتك من مدينة "سبأ" به "اليمن" بخبر خطير الشأن‪,‬‬
‫وأنا على يقين منه‪.‬‬

‫ُ‬ ‫إني وجدت ا َ‬


‫م‬
‫ظيهه ٌ‬ ‫يءٍ وَل ََها عَْر ٌ‬
‫ش عَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫مل ِك ُهُ ْ‬
‫م وَأوت ِي َ ْ‬ ‫مَرأةً ت َ ْ‬
‫َ َ ّ ْ‬ ‫ِّ‬
‫)‪(23‬‬
‫إني وجدت امرأة ً تحكم أهل "سبأ"‪ ,‬وأوتيت من كل شيء من‬
‫أسباب الدنيا‪ ,‬ولها سرير عظيم القدر‪ ,‬تجلس عليه لدارة ملكها‪.‬‬

‫ن ل َُههه ْ‬
‫م‬ ‫ن الّلهههِ وََزّيهه َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬
‫مهه ْ‬‫س ِ‬‫م ِ‬ ‫ن ِلل ّ‬
‫شهه ْ‬ ‫دو َ‬
‫ج ُ‬‫سهه ُ‬
‫مَههها ي َ ْ‬ ‫جههد ْت َُها وَقَوْ َ‬
‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫دو َ‬ ‫ل فَهُ ْ‬
‫م ل ي َهْت َ ُ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫م عَ ْ‬ ‫م فَ َ‬
‫صد ّهُ ْ‬ ‫مال َهُ ْ‬‫ن أعْ َ‬‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫وجدُتها هي وقومها يعبدون الشمس معرضين عن عبادة الله‪,‬‬
‫سن لهم الشيطان أعمالهم السيئة التي كانوا يعملونها‪,‬‬
‫وح ّ‬

‫‪747‬‬
‫فصرفهم عن اليمان بالله وتوحيده‪ ,‬فهم ل يهتدون إلى الله‬
‫وتوحيده وعبادته وحده‪.‬‬

‫ت وال َ‬ ‫أَ‬
‫ما‬ ‫ض وَي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ج ال ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫خ‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫دوا ل ِل ّهِ ال ّ‬‫ُ‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫ظيم ِ )‪(26‬‬ ‫ش ال ْعَ ِ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ َر ّ ْ‬
‫ب العَْر ِ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫ن )‪ (25‬الل ّ ُ‬ ‫ما ت ُعْل ُِنو َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫خُفو َ‬ ‫تُ ْ‬
‫سن لهم الشيطان ذلك; لئل يسجدوا لله الذي ُيخرج المخبوء‬‫ح ّ‬
‫المستور في السموات والرض من المطر والنبات وغير ذلك‪,‬‬
‫ويعلم ما ُتسّرون وما تظهرون‪ .‬الله الذي ل معبود يستحق العبادة‬
‫سواه‪ ,‬رب العرش العظيم‪.‬‬

‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ههه َ‬
‫ذا‬ ‫ن )‪ (27‬اذ ْ َ‬
‫هب ب ِك َِتاِبي َ‬ ‫كاذِِبي َ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫كن َ‬‫م ُ‬‫تأ ْ‬ ‫سَننظ ُُر أ َ‬
‫صد َقْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ما َ‬
‫ذا ي َْر ِ‬ ‫م َفانظ ُْر َ‬ ‫م ت َوَ ّ‬
‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫فَأل ِْقهِ إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫م ثُ ّ‬
‫قال سليمان للهدهد‪ :‬سنتأمل فيما جئتنا به من الخبر أصدقت في‬
‫ذلك أم كنت من الكاذبين فيه؟ اذهب بكتابي هذا إلى أهل "سبأ"‬
‫ح عنهم قريًبا منهم بحيث تسمع كلمهم‪ ,‬فتأمل‬‫فأعطهم إياه‪ ,‬ثم تن ّ‬
‫ما يتردد بينهم من الكلم‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬
‫م )‪(29‬‬ ‫ب كَ ِ‬
‫ري ٌ‬ ‫ي إ ِل َ ّ‬
‫ي ك َِتا ٌ‬ ‫مل إ ِّني أل ِْق َ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ت َيا أي َّها ال َ‬
‫ذهب الهدهد وألقى الكتاب إلى الملكة فقرأته‪ ,‬فجمعت أشراف‬
‫ي كتاب جليل المقدار من‬
‫قومها‪ ,‬وسمعها تقول لهم‪ :‬إني وصل إل ّ‬
‫شخص عظيم الشأن‪.‬‬

‫َ‬
‫حيم ِ )‪ (30‬أل ّ ت َعُْلوا عَل َ ّ‬
‫ي‬ ‫ن الّر ِ‬
‫م ِ‬ ‫سم ِ الل ّهِ الّر ْ‬
‫ح َ‬ ‫ه بِ ْ‬
‫ن وَإ ِن ّ ُ‬
‫ما َ‬‫سل َي ْ َ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬
‫إ ِن ّ ُ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫ْ‬
‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫وَأُتوِني ُ‬
‫ثم بّينت ما فيه فقالت‪ :‬إنه من سليمان‪ ,‬وإنه مفتتح به "بسم الله‬
‫الرحمن الرحيم" أل تتكبروا ول تتعاظموا عما دعوتكم إليه‪ ,‬وأقِْبلوا‬
‫ي منقادين لله بالوحدانية والطاعة مسلمين له‪.‬‬
‫إل ّ‬

‫‪748‬‬
‫كنهت َقاطعه ً َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مههرا ً َ‬
‫حت ّههى‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫مهها ُ ُ‬
‫ري َ‬ ‫مل أفْت ُههوِني فِههي أ ْ‬
‫مه ِ‬ ‫ت َيا أي َّها ال َ‬‫َقال َ ْ‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫دو ِ‬‫شه َ ُ‬‫تَ ْ‬
‫ي في هذا المر‪ ,‬ما كنت لفصل‬ ‫قالت‪ :‬يا أيها الشراف أشيروا عل ّ‬
‫في أمر إل بمحضركم ومشورتكم‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ح ُ ُ ُ‬
‫مهها َ‬
‫ذا‬ ‫ك فَههانظ ُ ِ‬
‫ري َ‬ ‫مُر إ ِل َي ْه ِ‬
‫ديدٍ َوال ْ‬ ‫س َ‬
‫ش ِ‬ ‫ن أوْلوا قُوّةٍ وَأولوا ب َأ ٍ‬ ‫َقاُلوا ن َ ْ‬
‫ْ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫ري َ‬
‫م ِ‬
‫ت َأ ُ‬
‫دة وأصحاب‬ ‫قالوا مجيبين لها‪ :‬نحن أصحاب قوة في العدد والعُ ّ‬
‫ت‬
‫ك‪ ,‬وأن ِ‬
‫النجدة والشجاعة في شدة الحرب‪ ,‬والمر موكول إلي ِ‬
‫صاحبة الرأي‪ ,‬فتأملي ماذا تأمريننا به؟ فنحن سامعون لمرك‬
‫مطيعون لك‪.‬‬

‫ة‬‫عّزةَ أ َهْل ِهَهها أ َذِل ّه ً‬


‫جعَُلوا أ َ ِ‬
‫ها وَ َ‬ ‫دو َ‬‫س ُ‬ ‫ة أفْ َ‬
‫خُلوا قَري ً َ‬
‫ْ َ‬ ‫ذا د َ َ‬ ‫مُلو َ‬
‫ك إِ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫ت إِ ّ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ع‬
‫جه ُ‬ ‫م ي َْر ِ‬‫م ب ِهَدِي ّهةٍ فَن َههاظ َِرةٌ ب ِه َ‬‫ة إ ِل َي ْهِ ه ْ‬‫سل َ ٌ‬
‫مْر ِ‬‫ن )‪ (34‬وَإ ِّني ُ‬ ‫ك ي َْفعَُلو َ‬ ‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫سُلو َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫قالت محذرةً لهم من مواجهة سليمان بالعداوة‪ ,‬ومبّينة لهم سوء‬
‫ة عنوةً وقهًرا‬
‫مغّبة القتال‪ :‬إن الملوك إذا دخلوا بجيوشهم قري ً‬
‫خّربوها وصّيروا أعّزة أهلها أذلة‪ ,‬وقتلوا وأسروا‪ ,‬وهذه عادتهم‬
‫المستمرة الثابتة لحمل الناس على أن يهابوهم‪ .‬وإني مرسلة إلى‬
‫سليمان وقومه بهدّية مشتملة على نفائس الموال أصانعه بها‪,‬‬
‫ومنتظرة ما يرجع به الرسل‪.‬‬

‫فَل َما جاَء سل َيمان َقا َ َ‬


‫ما آَتاك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ّ‬
‫خي ٌْر ِ‬ ‫ما آَتاِني الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ل فَ َ‬
‫ما ٍ‬
‫دون َِني ب ِ َ‬
‫م ّ‬
‫ل أت ُ ِ‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫ّ َ‬
‫ب ْ َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ب ِهَدِي ّت ِك ُ ْ‬
‫م ت َْفَر ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ما جاء رسول الملكة بالهدّية إلى سليمان‪ ,‬قال مستنكًرا ذلك‬ ‫فل ّ‬
‫َ‬
‫ة لي؟ فما أعطاني‬ ‫متحدًثا بأن ْعُم ِ الله عليه‪ :‬أتمدونني بما ٍ‬
‫ل ت َْرضي ً‬
‫الله من النبوة والملك والموال الكثيرة خير وأفضل مما أعطاكم‪،‬‬
‫بل أنتم الذين تفرحون بالهدية التي ُتهدى إليكم; لنكم أهل مفاخرة‬
‫بالدنيا ومكاثرة بها‪.‬‬

‫‪749‬‬
‫ْ‬
‫من ْهَهها أ َذِل ّه ً‬
‫ة‬ ‫م ِ‬
‫جن ّهُ ه ْ‬ ‫م ب ِهَهها وَل َن ُ ْ‬
‫خرِ َ‬ ‫ل ل َهُ ه ْ‬
‫جُنودٍ ل قِب َ َ‬ ‫م فَل َن َأت ِي َن ّهُ ْ‬
‫م بِ ُ‬ ‫جعْ إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫اْر ِ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫وقال سليمان عليه السلم لرسول أهل "سبأ"‪ :‬ارجع إليهم‪ ,‬فوالله‬
‫من‬‫لنأتيّنهم بجنود ل طاقة لهم بمقاومتها ومقابلتها‪ ,‬ولنخرجّنهم ِ‬
‫أرضهم أذلة وهم صاغرون مهانون‪ ,‬إن لم ينقادوا لدين الله وحده‪,‬‬
‫ويتركوا عبادة من سواه‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ل يا أ َيها المل أ َيك ُم يأ ِْتيِني بعرشها قَب َ َ‬


‫ن )‪(38‬‬
‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ي َأُتوِني ُ‬
‫لأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َِ ْ ِ َ‬ ‫ّ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ َ ّ َ‬
‫خرهم الله له من الجن والنس‪ :‬أّيكم‬‫س ّ‬
‫قال سليمان مخاطًبا من َ‬
‫يأتيني بسرير ملكها العظيم قبل أن يأتوني منقادين طائعين؟‬

‫مه َ‬ ‫ك به قَب َ َ‬ ‫عْفريت من ال ْج َ‬


‫ك وَإ ِّنهي‬ ‫مَقا ِ‬
‫ن َ‬
‫مه ْ‬
‫م ِ‬
‫ن ت َُقههو َ‬
‫لأ ْ‬ ‫ن أَنا آِتي َ ِ ِ ْ‬
‫ِ ّ‬ ‫ٌ ِ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(39‬‬ ‫عَل َي ْهِ ل ََقوِيّ أ ِ‬
‫مي ٌ‬
‫قال مارد قويّ شديد من الجن‪ :‬أنا آتيك به قبل أن تقوم من‬
‫مله‪ ,‬أمين على ما فيه‪ ,‬آتي به كما‬
‫ح ْ‬
‫مجلسك هذا‪ ,‬وإني لقويّ على َ‬
‫هو ل ُأنِقص منه شيًئا ول أبدله‪.‬‬

‫ن ي َْرت َهد ّ إ ِل َي ْه َ‬ ‫ك بهه قَبه َ َ‬ ‫َ‬


‫ك‬ ‫لأ ْ‬ ‫ب أن َهها آِتيه َ ِ ِ ْ‬ ‫ن ال ْك ِت َهها ِ‬‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫عن ْد َهُ ِ‬‫ذي ِ‬ ‫ل ال ّ ِ‬‫َقا َ‬
‫ل َرب ّههي ل ِي َب ْل ُهوَِني‬ ‫ضه ِ‬‫ن فَ ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫ل هَ ه َ‬
‫ذا ِ‬ ‫عن ْهد َهُ قَهها َ‬ ‫ست َِقّرا ً ِ‬‫م ْ‬ ‫ما َرآهُ ُ‬ ‫ك فَل َ ّ‬ ‫ط َْرفُ َ‬
‫شك ُر أ َ َ‬ ‫ََ‬
‫ن َرب ّههي‬ ‫ن ك ََف هَر فَ هإ ِ ّ‬
‫م ْ‬ ‫شك ُُر ل ِن َْف ِ‬
‫سه ِ و َ َ‬ ‫شك ََر فَإ ِن ّ َ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م أك ُْفُر وَ َ‬ ‫أأ ْ ُ ْ‬
‫م )‪(40‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫ي كَ ِ‬ ‫غَن ِ ّ‬
‫قال الذي عنده علم من الكتاب‪ :‬أنا آتيك بهذا العرش قبل ارتداد‬
‫ت للنظر في شيء‪ .‬فأذن له سليمان فدعا الله‪,‬‬ ‫أجفانك إذا تحّرك َ ْ‬
‫فأتى بالعرش‪ .‬فلما رآه سليمان حاضًرا لديه ثابًتا عنده قال‪ :‬هذا‬
‫من فضل ربي الذي خلقني وخلق الكون كله؛ ليختبرني‪ :‬أأشكر‬ ‫ِ‬
‫ي أم أكفر بترك الشكر؟ ومن شكر‬ ‫بذلك اعتراًفا بنعمته تعالى عل ّ‬
‫ن ن َْفعَ ذلك يرجع إليه‪ ,‬ومن جحد النعمة وترك‬‫لله على نعمه فإ ّ‬
‫الشكر فإن ربي غني عن شكره‪ ,‬كريم يعم بخيره في الدنيا‬
‫الشاكر والكافر‪ ,‬ثم يحاسبهم ويجازيهم في الخرة‪.‬‬

‫‪750‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬
‫دو َ‬
‫ن ل ي َهَْتهه ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫م تَ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫شَها َننظ ُْر أت َهْت َ ِ‬
‫دي أ ْ‬ ‫ل ن َك ُّروا ل ََها عَْر َ‬
‫َقا َ‬
‫‪(41‬‬
‫قال سليمان لمن عنده‪ :‬غّيروا سرير ملكها الذي تجلس عليه إلى‬
‫حال تنكره إذا رأته; لنرى أتهتدي إلى معرفته أم تكون من الذين ل‬
‫يهتدون؟‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل أ َهَك َ َ‬


‫ن قَب ْل َِها‬
‫م ْ‬ ‫ه هُوَ وَأوِتيَنا ال ْعِل ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ك َقال َ ْ‬
‫ت ك َأن ّ ُ‬ ‫ذا عَْر ُ‬
‫ش ِ‬ ‫ت ِقي َ‬‫جاَء ْ‬ ‫ما َ‬‫فَل َ ّ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫وَك ُّنا ُ‬
‫فلما جاءت ملكة "سبأ" إلى سليمان في مجلسه قيل لها‪ :‬أهكذا‬
‫عرشك؟ قالت‪ :‬إنه يشبهه‪ .‬فظهر لسليمان أنها أصابت في جوابها‪,‬‬
‫وقد علمت قدرة الله وصحة نبوة سليمان عليه السلم‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫من قبلها‪ ,‬وكنا منقادين لمر الله متبعين‬
‫وأوتينا العلم بالله وبقدرته ِ‬
‫لدين السلم‪.‬‬

‫ن)‬ ‫ن قَهوْم ٍ ك َههافِ ِ‬


‫ري َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِن ّهَهها ك َههان َ ْ‬
‫ت ِ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ت ت َعْب ُد ُ ِ‬ ‫ما َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫ها َ‬
‫صد ّ َ‬
‫وَ َ‬
‫‪(43‬‬
‫من دون الله تعالى‪ ,‬إنها‬
‫من ََعها عن عبادة الله وحده ما كانت تعبده ِ‬
‫و َ‬
‫كانت كافرة ونشأت بين قوم كافرين‪ ,‬واستمرت على دينهم‪ ,‬وإل‬
‫فلها من الذكاء والفطنة ما تعرف به الحق من الباطل‪ ,‬ولكن‬
‫العقائد الباطلة ُتذهب بصيرة القلب‪.‬‬

‫َ‬
‫سههاقَي َْها‬
‫ن َ‬ ‫ت عَ ه ْ‬ ‫ة وَك َ َ‬
‫شَف ْ‬ ‫ه لُ ّ‬
‫ج ً‬ ‫سب َت ْ ُ‬‫ح ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما َرأت ْ ُ‬ ‫ح فَل َ ّ‬‫صْر َ‬‫خِلي ال ّ‬ ‫ل ل ََها اد ْ ُ‬ ‫ِقي َ‬
‫سههي‬ ‫ت ن َْف ِ‬
‫مه ُ‬ ‫ب إ ِن ّههي ظ َل َ ْ‬
‫ت َر ّ‬ ‫واِريَر قَههال َ ْ‬ ‫ن قَ ه َ‬‫مه ْ‬ ‫مهّرد ٌ ِ‬‫م َ‬ ‫ح ُ‬ ‫صهْر ٌ‬‫ه َ‬ ‫ل إ ِن ّه ُ‬‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫مي َ‬‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ن ل ِل ّهِ َر ّ‬
‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫مع َ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل َ ْ‬‫وَأ ْ‬
‫من زجاج تحته ماء‪ ,‬فلما رأته‬
‫قيل لها‪ :‬ادخلي القصر‪ ,‬وكان صحنه ِ‬
‫ظنته ماء تتردد أمواجه‪ ,‬وكشفت عن ساقيها لتخوض الماء‪ ,‬فقال‬
‫لها سليمان‪ :‬إنه صحن أملس من زجاج صاف والماء تحته‪ .‬فأدركت‬
‫عظمة ملك سليمان‪ ,‬وقالت‪ :‬رب إني ظلمت نفسي بما كنت عليه‬

‫‪751‬‬
‫ت متابعة لسليمان داخلة في دين رب العالمين‬
‫من الشرك‪ ,‬وانقد ُ‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫َ‬ ‫مود َ أ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م فَ ِ‬
‫ريَقا ِ‬ ‫ذا هُ ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه فَإ ِ َ‬ ‫صاِلحا ً أ ْ‬
‫ن اعْب ُ ُ‬ ‫م َ‬
‫خاهُ ْ‬ ‫سل َْنا إ َِلى ث َ ُ‬
‫وَل ََقد ْ أْر َ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫مو َ‬ ‫ص ُ‬
‫خت َ ِ‬‫يَ ْ‬
‫حدوا الله‪ ,‬ول تجعلوا معه‬
‫حا‪ :‬أن و ّ‬
‫ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صال ً‬
‫ح داعًيا إلى توحيد الله وعبادته وحده صار‬
‫إلًها آخر‪ ,‬فلما أتاهم صال ٌ‬
‫قومه فريقين‪ :‬أحدهما مؤمن به‪ ,‬والخر كافر بدعوته‪ ,‬وكل منهم‬
‫يزعم أن الحق معه‪.‬‬

‫ن‬
‫س هت َغِْفُرو َ‬ ‫س هن َةِ ل َه ْ‬
‫ول ت َ ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫س هي ّئ َةِ قَب ْه َ‬ ‫جُلو َ‬
‫ن ِبال ّ‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ ل ِ َ‬
‫م تَ ْ‬ ‫َقا َ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫مو َ‬‫ح ُ‬‫م ت ُْر َ‬‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫الل ّ َ‬
‫م تبادرون الكفر وعمل السيئات الذي‬ ‫قال صالح للفريق الكافر‪ :‬ل ِ َ‬
‫يجلب لكم العذاب‪ ,‬وتؤخرون اليمان وفِْعل الحسنات الذي يجلب‬
‫لكم الثواب؟ هل تطلبون المغفرة من الله ابتداء‪ ,‬وتتوبون إليه؛‬
‫رجاء أن ترحموا‪.‬‬

‫عنهد الل ّهه به ْ َ‬


‫م ق َ هو ْ ٌ‬
‫م‬ ‫ل أن ْت ُه ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ل ط َههائ ُِرك ُ ْ‬
‫م ِ ْ َ‬ ‫مع َ َ‬
‫ك َقا َ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫َقاُلوا اط ّي ّْرَنا ب ِ َ‬
‫ك وَب ِ َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫ت ُْفت َُنو َ‬
‫منا بك وبمن معك ممن دخل في دينك‪,‬‬ ‫قال قوم صالح له‪َ :‬تشاَء ْ‬
‫دره عليكم‬
‫من خير أو شر فهو مق ّ‬‫قال لهم صالح‪ :‬ما أصابكم الله ِ‬
‫خَتبرون بالسراء والضراء والخير‬
‫ومجازيكم به‪ ,‬بل أنتم قوم ت ُ ْ‬
‫والشر‪.‬‬

‫َ‬
‫ن)‬
‫حو َ‬
‫ص هل ِ ُ‬
‫ض َول ي ُ ْ‬
‫ن فِههي الْر ِ‬
‫دو َ‬
‫سه ُ‬
‫ط ي ُْف ِ‬
‫ة َرهْ ٍ‬
‫سع َ ُ‬
‫دين َةِ ت ِ ْ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫وَ َ‬
‫كا َ‬
‫‪(48‬‬
‫جر" الواقعة في شمال غرب‬
‫ح ْ‬
‫وكان في مدينة صالح ‪-‬وهي "ال ِ‬
‫جزيرة العرب‪ -‬تسعة رجال‪ ,‬شأنهم الفساد في الرض‪ ,‬الذي ل‬
‫يخالطه شيء من الصلح‪.‬‬

‫‪752‬‬
‫َ‬
‫مهِْلهه َ‬
‫ك‬ ‫ما َ‬
‫شهههِد َْنا َ‬ ‫م ل َن َُقول َ ّ‬
‫ن ل ِوَل ِي ّهِ َ‬ ‫ه وَأهْل َ ُ‬
‫ه ثُ ّ‬ ‫موا ِبالل ّهِ ل َن ُب َي ّت َن ّ ُ‬
‫س ُ‬‫َقاُلوا ت ََقا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫صادُِقو َ‬‫أهْل ِهِ وَإ ِّنا ل َ َ‬
‫قال هؤلء التسعة بعضهم لبعض‪ :‬تقاسموا بالله بأن يحلف كل‬
‫حا بغتة في الليل فنقتله ونقتل أهله‪ ,‬ثم‬
‫ن صال ً‬
‫واحد للخرين‪ :‬لنأتي ّ‬
‫من قرابته‪ :‬ما حضرنا قتلهم‪ ,‬وإنا لصادقون فيما‬ ‫ي الدم ِ‬ ‫لنقول َ ّ‬
‫ن لول ّ‬
‫قلناه‪.‬‬

‫ن )‪(50‬‬ ‫كرا ً وَهُ ْ‬


‫م ل يَ ْ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫كرا ً وَ َ‬
‫مك َْرَنا َ‬ ‫م ْ‬
‫مك َُروا َ‬
‫وَ َ‬
‫ودّبروا هذه الحيلة لهلك صالح وأهله مكًرا منهم‪ ,‬فنصرنا نبينا‬
‫حا عليه السلم‪ ,‬وأخذناهم بالعقوبة على ِغّرة‪ ,‬وهم ل يتوقعون‬‫صال ً‬
‫كيدنا لهم جزاًء على كيدهم‪.‬‬

‫ن )‪(51‬‬ ‫ة مك ْرهم أ َنا دمرناهُم وقَومه َ‬ ‫َفانظ ُْر ك َي ْ َ‬


‫ف َ‬
‫مِعي َ‬
‫ج َ‬
‫مأ ْ‬‫عاقِب َ ُ َ ِ ِ ْ ّ َ ّ ْ َ ْ َ ْ َ ُ ْ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬
‫فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬نظرة اعتبار إلى عاقبة غَ ْ‬
‫در هؤلء الرهط‬
‫بنبيهم صالح؟ أنا أهلكناهم وقومهم أجمعين‪.‬‬

‫ن )‪(52‬‬ ‫ة ل َِقوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬


‫مو َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لي َ ً‬ ‫ما ظ َل َ ُ‬
‫موا إ ِ ّ‬ ‫ة بِ َ‬
‫خاوِي َ ً‬
‫م َ‬ ‫فَت ِل ْ َ‬
‫ك ب ُُيوت ُهُ ْ‬
‫فتلك مساكنهم خالية ليس فيها منهم أحد‪ ,‬أهلكهم الله; بسبب‬
‫ظلمهم لنفسهم بالشرك‪ ,‬وتكذيب نبيهم‪ .‬إن في ذلك التدمير‬
‫والهلك َلعظة لقوم يعلمون ما فعلناه بهم‪ ,‬وهذه سنتنا فيمن‬
‫يكذب المرسلين‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(53‬‬ ‫مُنوا وَ َ‬
‫كاُنوا ي َت ُّقو َ‬ ‫نآ َ‬ ‫جي َْنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وَأن َ‬
‫حا والمؤمنين به‪ ,‬الذين كانوا‬ ‫وأنجينا مما ح ّ‬
‫ل بثمود من الهلك صال ً‬
‫يتقون بإيمانهم عذاب الله‪.‬‬

‫َ‬ ‫شه َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ن )‪ (54‬أئ ِن ّك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ص هُرو َ‬
‫م ت ُب ْ ِ‬
‫ة وَأن ْت ُه ْ‬ ‫ن ال َْفا ِ‬
‫ح َ‬ ‫مهِ أت َهأُتو َ‬ ‫وَُلوطا ً إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل ل َِقوْ ِ‬
‫‪753‬‬
‫شهوةً من دون النساءِ ب ْ َ‬ ‫ْ‬
‫جهَُلو َ‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫م قَوْ ٌ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫جا َ‬
‫ل َ ْ َ ِ ْ ُ ِ ّ َ‬ ‫ل َت َأُتو َ‬
‫ن الّر َ‬
‫واذكر لو ً‬
‫طا إذ قال لقومه‪ :‬أتأتون الفعلة المتناهية في القبح‪ ,‬وأنتم‬
‫ضا عن‬‫تعلمون قبحها؟ أإنكم لتأتون الرجال في أدبارهم للشهوة عو ً‬
‫النساء؟ بل أنتم قوم تجهلون حقّ الله عليكم‪ ,‬فخالفتم بذلك أمره‪,‬‬
‫صي ُْتم رسوله بفعلتكم القبيحة التي لم يسبقكم بها أحد من‬ ‫وعَ َ‬
‫العالمين‪.‬‬

‫‪754‬‬
‫الجزء العشرون ‪:‬‬

‫م‬ ‫ن قَْري َت ِك ُ ْ‬
‫م إ ِن ُّههه ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُلو ٍ‬
‫ط ِ‬ ‫جوا آ َ‬ ‫ن َقاُلوا أ َ ْ‬
‫خرِ ُ‬
‫َ‬
‫مهِ إ ِل ّ أ ْ‬
‫ب قَوْ ِ‬‫وا َ‬
‫ج َ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬
‫فَ َ‬
‫ُ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫س ي َت َط َهُّرو َ‬
‫أَنا ٌ‬
‫خرجوا آل‬‫فما كان لقوم لوط جواب له إل قول بعضهم لبعض‪ :‬أ َ ْ‬
‫لوط من قريتكم‪ ,‬إنهم أناس يتنزهون عن إتيان الذكران‪ .‬قالوا لهم‬
‫ذلك استهزاًء بهم‪.‬‬

‫فََأنجيناه وأ َهْل َه إل ّ ا َ‬
‫ن )‪(57‬‬ ‫ن ال َْغاب ِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه قَد ّْرَنا َ‬
‫ها ِ‬ ‫مَرأت َ ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ ِ‬ ‫َ َْ ُ َ‬
‫طا وأهله من العذاب الذي سيقع بقوم لوط‪ ,‬إل امرأته‬ ‫فأنجينا لو ً‬
‫درناها من الباقين في العذاب حتى تهلك مع الهالكين; لنها كانت‬ ‫ق ّ‬
‫عوًنا لقومها على أفعالهم القبيحة راضية بها‪.‬‬

‫َ‬
‫مط َُر ال ْ ُ‬
‫منذ َِري َ‬
‫ن )‪(58‬‬ ‫طرا ً فَ َ‬
‫ساءَ َ‬ ‫م َ‬ ‫مط َْرَنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ح مطر‬
‫من طين مهلكة‪ ,‬فَقب ُ َ‬‫وأمطرنا عليهم من السماء حجارة ِ‬
‫المن َ‬
‫ذرين‪ ,‬الذين قامت عليهم الحجة‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مهها‬
‫خي ْهٌر أ ّ‬ ‫ص هط ََفى أالل ّه ُ‬
‫ه َ‬ ‫نا ْ‬ ‫عب َههادِهِ ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م عَل َههى ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ وَ َ‬
‫سل ٌ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬‫يُ ْ‬
‫ة على‬‫من َ ٌ‬ ‫َ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬الثناء والشكر لله‪ ,‬وسلم منه‪ ,‬وأ َ‬
‫عباده الذين تخيرهم لرسالته‪ ,‬ثم اسأل مشركي قومك هل الله‬
‫الذي يملك النفع والضر خير أو الذي يشركون من دونه‪ ,‬ممن ل‬
‫يملك لنفسه ول لغيره نفًعا ول ضًرا؟‬

‫َ‬ ‫ض وََأنَز َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ماءً فَأن ْب َت ْن َهها ب ِه ِ‬
‫ه‬ ‫ماءِ َ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫أ ّ‬

‫‪755‬‬
‫معَ الل ّهِ ب َه ْ‬ ‫شجر َ َ‬ ‫كان ل َك ُ َ‬
‫م‬
‫ل هُ ه ْ‬ ‫ها أئ ِل َ ٌ‬
‫ه َ‬ ‫ن ت ُن ْب ُِتوا َ َ َ‬
‫مأ ْ‬‫ْ‬ ‫ما َ َ‬
‫جة ٍ َ‬
‫ت ب َهْ َ‬ ‫دائ ِقَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫م ي َعْدُِلو َ‬
‫قَوْ ٌ‬
‫من خلق السموات والرض‪ ,‬وأنزل لكم من السماء ماء‪,‬‬ ‫واسألهم َ‬
‫فأنبت به حدائق ذات منظر حسن؟ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها‪,‬‬
‫لول أن الله أنزل عليكم الماء من السماء‪ .‬إن عبادته سبحانه هي‬
‫الحق‪ ,‬وعبادة ما سواه هي الباطل‪ .‬أمعبود مع الله فعل هذه‬
‫الفعال حتى ُيعبد معه وُيشرك به؟ بل هؤلء المشركون قوم‬
‫ينحرفون عن طريق الحق واليمان‪ ,‬فيسوون بالله غيره في‬
‫العبادة والتعظيم‪.‬‬

‫َ‬ ‫جع َ ه َ َ‬ ‫َ‬


‫ي‬ ‫ل ل َهَهها َرَوا ِ‬
‫سه َ‬ ‫خلل َهَهها أن ْهَههارا ً وَ َ‬
‫جع َ ه َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض قَهَرارا ً وَ َ‬
‫جع َ ه َ‬ ‫ل الْر َ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬‫أ ّ‬
‫ل بين ال ْبحرين حاجزا ً أ َئ ِل َه مع الل ّه ب ْ َ‬
‫ن )‪(61‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ل أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ٌ َ َ‬ ‫جع َ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ ِ َ ِ‬‫وَ َ‬
‫أعبادة ما تشركون بربكم خير أم الذي جعل لكم الرض مستقًرا‬
‫وجعل وسطها أنهاًرا‪ ,‬وجعل لها الجبال ثوابت‪ ,‬وجعل بين البحرين‬
‫العذب والملح حاجًزا حتى ل ُيفسد أحدهما الخر؟ أمعبود مع الله‬
‫ل ذلك حتى تشركوه معه في عبادتكم؟ بل أكثر هؤلء‬ ‫فَعَ َ‬
‫دا‬ ‫المشركين ل يعلمون قَ ْ‬
‫در عظمة الله‪ ,‬فهم يشركون به تقلي ً‬
‫ما‪.‬‬
‫وظل ً‬

‫خل ََفههاَء‬ ‫َ‬


‫جعَل ُك ُه ْ‬
‫م ُ‬ ‫سههوءَ وَي َ ْ‬
‫ف ال ّ‬ ‫ذا د َعَههاهُ وَي َك ْ ِ‬
‫شه ُ‬ ‫مضهط َّر إ ِ َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫جيه ُ‬ ‫ن يُ ِ‬
‫مه ْ‬
‫أ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(62‬‬ ‫معَ الل ّهِ قَِليل ً َ‬
‫ما ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ه َ‬‫ض أئ ِل َ ٌ‬‫الْر ِ‬
‫أعبادة ما تشركون بالله خير أم الذي يجيب المكروب إذا دعاه‪,‬‬
‫ويكشف السوء النازل به‪ ,‬ويجعلكم خلفاء لمن سبقكم في الرض؟‬
‫أمعبود مع الله ينعم عليكم هذه النعم؟ قليل ما تذكرون وتعتبرون‪,‬‬
‫فلذلك أشركتم بالله غيره في عبادته‪.‬‬

‫َ‬
‫شههرا ً ب َي ْه َ‬
‫ن‬ ‫ح بُ ْ‬ ‫س ُ‬
‫ل الّرَيا َ‬ ‫ن ي ُْر ِ‬‫م ْ‬ ‫ت ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬
‫حرِ وَ َ‬ ‫م ِفي ظ ُل ُ َ‬
‫ما ِ‬ ‫ديك ُ ْ‬‫ن ي َهْ ِ‬
‫م ْ‬
‫أ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(63‬‬ ‫كو َ‬‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬‫ه عَ ّ‬‫معَ الل ّهِ ت ََعاَلى الل ّ ُ‬ ‫مت ِهِ أئ ِل َ ٌ‬
‫ه َ‬ ‫ح َ‬‫ي َد َيْ َر ْ‬
‫أعبادة ما تشركون بالله خير أم الذي يرشدكم في ظلمات البر‬
‫والبحر إذا ضللتم فأظلمت عليكم السبل‪ ,‬والذي يرسل الرياح‬
‫‪756‬‬
‫من غيث يحيي موات الرض؟ أمعبود‬ ‫مبشرات بما يرحم به عباده ِ‬
‫مع الله يفعل بكم شيًئا من ذلك فتدعونه من دونه؟ تنّزه الله‬
‫دس عما يشركون به غيره‪.‬‬ ‫وتق ّ‬

‫َ‬ ‫من السماءِ وال َ‬ ‫ن ي َب ْد َأ ُ ال ْ‬ ‫أَ‬


‫ع‬
‫م َ‬ ‫ض أئ ِل َ ٌ‬
‫ه َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ن ي َْرُزقُك ُ‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫د‬‫عي‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫م‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫خل ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ّ‬
‫ن )‪(64‬‬‫صادِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫هان َك ُ ْ‬ ‫هاُتوا ب ُْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫الل ّهِ قُ ْ‬
‫من‬
‫واسألهم من الذي ينشئ الخلق ثم يفنيه إذا شاء‪ ,‬ثم يعيده‪ ,‬و َ‬
‫الذي يرزقكم من السماء بإنزال المطر‪ ,‬ومن الرض بإنبات الزرع‬
‫وغيره؟ أمعبود سوى الله يفعل ذلك؟ قل‪ :‬هاتوا حجتكم إن كنتم‬
‫كا في ملكه وعبادته‪.‬‬‫صادقين في زعمكم أن لله تعالى شري ً‬

‫َ‬
‫ن‬
‫شههعُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫ه وَ َ‬‫ب إ ِل ّ الل ّ ُ‬
‫ض ال ْغَي ْ َ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬‫ل ل ي َعْل َ ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫من َْها‬ ‫ش ّ‬
‫ك ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫خَرةِ ب َ ْ‬‫م ِفي ال ِ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫مه ُ ْ‬ ‫ك ِ‬‫داَر َ‬ ‫ن )‪ (65‬ب َ ْ‬
‫لا ّ‬ ‫ن ي ُب ْعَُثو َ‬ ‫أّيا َ‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫مي َ‬‫من َْها عَ ِ‬‫م ِ‬ ‫ل هُ ْ‬ ‫بَ ْ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهم‪ :‬ل يعلم أحد في السموات ول في الرض ما‬
‫من‬‫استأثر الله بعلمه من المغّيبات‪ ,‬ول يدرون متى هم مبعوثون ِ‬
‫قبورهم عند قيام الساعة؟ بل تكامل علمهم في الخرة‪ ,‬فأيقنوا‬
‫من أهوال حين عاينوها‪ ,‬وقد كانوا في الدنيا‬‫بالدار الخرة‪ ,‬وما فيها ِ‬
‫في شك منها‪ ,‬بل عميت عنها بصائرهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن ك ََفُروا أ َئ ِ َ‬
‫ن )‪(67‬‬
‫جو َ‬
‫خَر ُ‬ ‫ذا ك ُّنا ت َُرابا ً َوآَباؤَُنا أئ ِّنا ل َ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وََقا َ‬
‫وقال الذين جحدوا وحدانية الله‪ :‬أنحن وآباؤنا مبعوثون أحياء كهيئتنا‬
‫من بعد مماتنا بعد أن صرنا تراًبا؟‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ََقد ْ وُ ِ‬


‫ن)‬
‫طيُر الوِّليه َ‬ ‫ذا إ ِل ّ أ َ‬
‫سهها ِ‬ ‫ن ه َه َ‬ ‫ن قَب ْه ُ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫ن َوآَباؤَُنا ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫عد َْنا هَ َ‬
‫ذا ن َ ْ‬
‫‪(68‬‬
‫من قبل‪ ,‬فلم نر لذلك حقيقة ولم‬‫لقد ُوعدنا هذا البعث نحن وآباؤنا ِ‬
‫طره الولون من الكاذيب في‬ ‫نؤمن به‪ ,‬ما هذا الوعد إل مما س ّ‬
‫كتبهم وافتروه‪.‬‬

‫‪757‬‬
‫سيروا ِفي ال َ‬
‫ن )‪(69‬‬
‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ض َفانظ ُُروا ك َي ْ َ‬
‫ف َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل ِ ُ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المكذبين‪ :‬سيروا في الرض‪ ,‬فانظروا‬
‫من كان قبلكم من المجرمين‪ ,‬كيف كان عاقبة المكذبين‬ ‫إلى ديار َ‬
‫للرسل؟ أهلكهم الله بتكذيبهم‪ ,‬والله فاعل بكم مثلهم إن لم‬
‫تؤمنوا‪.‬‬

‫مك ُُرو َ‬
‫ن )‪(70‬‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫م ّ‬
‫ق ِ‬
‫ضي ْ ٍ‬
‫ن ِفي َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬
‫م َول ت َك ُ ْ‬ ‫حَز ْ‬
‫َول ت َ ْ‬
‫ق‬
‫ض ْ‬
‫ول تحزن على إعراض المشركين عنك وتكذيبهم لك‪ ,‬ول ي َ ِ‬
‫من مكرهم بك‪ ,‬فإن الله ناصرك عليهم‪.‬‬
‫صدرك ِ‬

‫ن )‪(71‬‬
‫صادِِقي َ‬
‫م َ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ‬
‫ن ُ‬ ‫مَتى هَ َ‬ ‫وَي َُقوُلو َ‬
‫ن َ‬
‫ويقول مشركو قومك ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬متى يكون هذا الوعد بالعذاب‬
‫دنا به أنت وأتباعك إن كنتم صادقين فيما تعدوننا به؟‬
‫الذي ت َعِ ُ‬

‫َ‬
‫جُلو َ‬
‫ن )‪(72‬‬ ‫ست َعْ ِ‬ ‫ض ال ّ ِ‬
‫ذي ت َ ْ‬ ‫ف ل َك ُ ْ‬
‫م ب َعْ ُ‬ ‫ن َردِ َ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل عَ َ‬
‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬عسى أن يكون قد اقترب لكم بعض الذي‬
‫تستعجلون من عذاب الله‪.‬‬

‫ذو فَضل عََلى الناس ول َك َ‬


‫ك لَ ُ‬
‫شك ُُرو َ‬
‫ن )‪(73‬‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬
‫م ل يَ ْ‬ ‫ّ ِ َ ِ ّ‬ ‫ْ ٍ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫وَإ ِ ّ‬
‫ن ربك لذو فضل على الناس; بتركه معاجلتهم بالعقوبة على‬ ‫وإ ّ‬
‫معصيتهم إياه وكفرهم به‪ ,‬ولكن أكثرهم ل يشكرون له على ذلك‪,‬‬
‫فيؤمنوا به ويخلصوا له العبادة‪.‬‬

‫ن )‪(74‬‬
‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬
‫م وَ َ‬
‫دوُرهُ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ن ُ‬
‫ما ت ُك ِ ّ‬ ‫ك ل َي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫وَإ ِ ّ‬
‫وإن ربك َليعلم ما تخفيه صدور خلقه وما يظهرونه‪.‬‬

‫‪758‬‬
‫غائ ِب َةٍ ِفي السماءِ وال َ‬
‫ن )‪(75‬‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ض إ ِل ّ ِفي ك َِتا ٍ‬
‫ب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ما ِ‬
‫وَ َ‬
‫من شيء غائب عن أبصار الخلق في السماء والرض إل في‬ ‫وما ِ‬
‫كتاب واضح عند الله‪ .‬قد أحاط ذلك الكتاب بجميع ما كان وما‬
‫يكون‪.‬‬

‫ذا ال ُْقرآن يُقص عََلى بِني إسراِئي َ َ‬


‫ن‬
‫خت َل ُِفو َ‬
‫م ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫ل أك ْث ََر ال ّ ِ‬
‫ذي هُ ْ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ن هَ َ‬
‫إِ ّ‬
‫)‪(76‬‬
‫ص على بني إسرائيل الحق في أكثر الشياء التي‬
‫إن هذا القرآن يق ّ‬
‫اختلفوا فيها‪.‬‬

‫ن )‪(77‬‬
‫مِني َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ٌ‬
‫ح َ‬ ‫ه ل َهُ ً‬
‫دى وََر ْ‬ ‫وَإ ِن ّ ُ‬
‫دق‬
‫وإن هذا القرآن لهداية من الضلل ورحمة من العذاب‪ ,‬لمن ص ّ‬
‫به واهتدى بهداه‪.‬‬

‫زيُز ال ْعَِلي ُ‬
‫م )‪(78‬‬ ‫مهِ وَهُوَ ال ْعَ ِ‬
‫حك ْ ِ‬
‫م بِ ُ‬
‫ضي ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك ي َْق ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫إن ربك يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل وغيرهم بحكمه‬
‫فيهم‪ ,‬فينتقم من المبطل‪ ,‬ويجازي المحسن‪ .‬وهو العزيز الغالب‪,‬‬
‫فل ي َُرد ّ قضاؤه‪ ,‬العليم‪ ,‬فل يلتبس عليه حق بباطل‪.‬‬

‫ن )‪(79‬‬ ‫حقّ ال ْ ُ‬
‫مِبي ِ‬ ‫ك عََلى ال ْ َ‬
‫ل عََلى الل ّهِ إ ِن ّ َ‬
‫فَت َوَك ّ ْ‬
‫فاعتمد ‪-‬أيها الرسول‪ -‬في كل أمورك على الله‪ ,‬وثق به; فإنه‬
‫كافيك‪ ,‬إنك على الحق الواضح الذي ل شك فيه‪.‬‬

‫ن )‪(80‬‬
‫ري َ‬
‫مد ْب ِ ِ‬ ‫ذا وَل ّ ْ‬
‫وا ُ‬ ‫عاءَ إ ِ َ‬
‫م الد ّ َ‬
‫ص ّ‬
‫معُ ال ّ‬
‫س ِ‬ ‫مع ُ ا ل ْ َ‬
‫موَْتى َول ت ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ك ل تُ ْ‬
‫من طبع الله على قلبه‬
‫إنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ل تقدر أن ُتسمع الحق َ‬
‫م الله سمعه عن سماع الحق عند‬ ‫من أص ّ‬
‫فأماته‪ ,‬ول ُتسمع دعوتك َ‬
‫‪759‬‬
‫إدبارهم معرضين عنك‪ ،‬فإن الصم ل يسمع الدعاء إذا كان مقبل‪،‬‬
‫ضا عنه مولًيا مدبًرا؟‬
‫فكيف إذا كان معر ً‬

‫َ‬
‫ن ِبآَيات ِن َهها‬ ‫ن ي ُهؤْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫معُ إ ِل ّ َ‬
‫مه ْ‬ ‫سه ِ‬
‫ن تُ ْ‬ ‫ضلل َت ِهِ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ن َ‬
‫ي عَ ْ‬ ‫ت ب َِهاِدي ال ْعُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(81‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬‫م ُ‬‫فَهُ ْ‬
‫من أعماه الله عن الهدى‬
‫وما أنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بهادٍ عن الضللة َ‬
‫دق بآياتنا‪ ,‬فهم مسلمون‬‫من يص ّ‬‫والرشاد‪ ,‬ول يمكنك أن ُتسمع إل َ‬
‫مطيعون‪ ,‬مستجيبون لما دعوتهم إليه‪.‬‬

‫ة مهن ال َرض تك َل ّمهه َ‬ ‫م أَ ْ‬


‫ن‬
‫مأ ّ‬‫ْ ِ ُ ُ ُ ْ‬ ‫داب ّه ً ِ ْ‬ ‫جن َهها ل َهُه ْ‬
‫م َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِه ْ‬
‫ذا وَقَعَ ال َْقهوْ ُ‬
‫وَإ ِ َ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫كاُنوا ِبآَيات َِنا ل ُيوقُِنو َ‬ ‫س َ‬‫الّنا َ‬
‫وإذا وجب العذاب عليهم; لتماديهم في المعاصي والطغيان‪,‬‬
‫وإعراضهم عن شرع الله وحكمه‪ ,‬حتى صاروا من شرار خلقه‪,‬‬
‫أخرجنا لهم من الرض في آخر الزمان علمة من علمات الساعة‬
‫الكبرى‪ ,‬وهي "الدابة"‪ ,‬تحدثهم أن الناس المنكرين للبعث كانوا‬
‫بالقرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم ودينه ل يصدقون ول يعملون‪.‬‬

‫شر من ك ُ ّ ُ‬
‫ن)‬
‫م ُيوَزعُههو َ‬ ‫ن ي ُك َهذ ّ ُ‬
‫ب ِبآَيات ِن َهها فَهُه ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫وجا ً ِ‬
‫م ّ‬ ‫مةٍ فَ ْ‬
‫لأ ّ‬ ‫ح ُ ُ ِ ْ‬
‫م نَ ْ‬
‫وَي َوْ َ‬
‫‪(83‬‬
‫ويوم نجمع يوم الحشر من كل أمة جماعة‪ ,‬ممن يكذب بأدلتنا‬
‫حَبس أولهم على آخرهم; ليجتمعوا كلهم‪ ,‬ثم يساقون‬
‫وحججنا‪ ,‬ي ُ ْ‬
‫إلى الحساب‪.‬‬

‫َ‬ ‫ذا جاُءوا َقا َ َ‬


‫م‬ ‫ذا ُ‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫عْلم ها ً أ ّ‬
‫مهها َ‬ ‫حي ُ‬
‫طوا ب َِها ِ‬ ‫م تُ ِ‬‫م ِبآَياِتي وَل َ ْ‬ ‫ل أك َذ ّب ْت ُ ْ‬ ‫حّتى إ ِ َ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(85‬‬ ‫م ل َينط ُِقو َ‬ ‫ما ظ َل َ ُ‬
‫موا فَهُ ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫ن )‪ (84‬وَوَقَعَ ال َْقوْ ُ‬ ‫مُلو َ‬
‫ت َعْ َ‬
‫حتى إذا جاء من كل أمة فوج ممن يكذب بآياتنا فاجتمعوا قال الله‪:‬‬
‫أكذ ّْبتم بآياتي التي أنزلتها على رسلي‪ ,‬وباليات التي أقمتها دللة‬
‫ما ببطلنها‪,‬‬
‫على توحيدي واستحقاقي وحدي للعبادة ولم تحيطوا عل ً‬
‫ذبوا بها‪ ,‬أم أي شيء كنتم تعملون؟ وحقت‬ ‫حتى ُتعرضوا عنها وت ُك َ ّ‬

‫‪760‬‬
‫عليهم كلمة العذاب بسبب ظلمهم وتكذيبهم‪ ,‬فهم ل ينطقون بحجة‬
‫ل بهم من سوء العذاب‪.‬‬‫يدفعون بها عن أنفسهم ما ح ّ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫صههرا ً إ ِ ّ‬
‫ن فِههي ذ َل ِه َ‬
‫ك‬ ‫سك ُُنوا ِفي ههِ َوالن ّهَههاَر ُ‬
‫مب ْ ِ‬ ‫جعَل َْنا الل ّي ْ َ‬
‫ل ل ِي َ ْ‬ ‫م ي ََرْوا أّنا َ‬ ‫أل َ ْ‬
‫ن )‪(86‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫لَيا ٍ‬
‫ألم ير هؤلء المكذبون بآياتنا أنا جعلنا الليل يستقّرون فيه وينامون‪,‬‬
‫والنهار يبصرون فيه للسعي في معاشهم؟ إن في تصريفهما َلدللة‬
‫لقوم يؤمنون بكمال قدرة الله ووحدانّيته وعظيم نعمه‪.‬‬

‫ض إ ِل ّ‬ ‫َ‬
‫ن فِههي الْر ِ‬
‫م ْ‬
‫ت وَ َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي ال ّ‬
‫م ْ‬‫صورِ فََفزِعَ َ‬ ‫خ ِفي ال ّ‬ ‫م ُينَف ُ‬‫وَي َوْ َ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫شاَء الل ّه وك ُ ّ َ‬ ‫ن َ‬
‫ري َ‬
‫خ ِ‬
‫دا ِ‬
‫ل أت َوْهُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫من في‬ ‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم َينفخ المَلك في "القرن" ففزع َ‬
‫ن‬‫م ِ‬
‫من هول النفخة‪ ,‬إل َ‬
‫دا ِ‬
‫عا شدي ً‬
‫من في الرض فز ً‬‫السموات و َ‬
‫استثناه الله ممن أكرمه وحفظه من الفزع‪ ,‬وكل المخلوقات يأتون‬
‫إلى ربهم صاغرين مطيعين‪.‬‬

‫صن ْعَ الل ّهِ اّلهه ِ‬


‫ذي‬ ‫ب ُ‬
‫حا ِ‬
‫س َ‬
‫مّر ال ّ‬
‫مّر َ‬
‫ي تَ ُ‬‫مد َةً وَهِ َ‬ ‫جا ِ‬‫سب َُها َ‬
‫ح َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫وَت ََرى ال ْ ِ‬
‫جَبا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫ما ت َْفعَُلو َ‬
‫خِبيٌر ب ِ َ‬
‫ه َ‬ ‫يٍء إ ِن ّ ُ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫أت َْق َ‬
‫وترى الجبال تظنها واقفة مستقرة‪ ,‬وهي تسير سيًرا حثيًثا كسير‬
‫من صنع الله الذي أحسن كل‬ ‫السحاب الذي تسّيره الرياح‪ ,‬وهذا ِ‬
‫شيء خلقه وأتقنه‪ .‬إن الله خبير بما يفعل عباده من خير وشر‪,‬‬
‫وسيجازيهم على ذلك‪.‬‬

‫ن )‪(89‬‬
‫مُنو َ‬ ‫ن فََزٍع ي َوْ َ‬
‫مئ ِذٍ آ ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫من َْها وَهُ ْ‬
‫خي ٌْر ِ‬ ‫سن َةِ فَل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫جاَء ِبال ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫من جاء بتوحيد الله واليمان به وعبادته وحههده‪ ,‬والعمههال الصههالحة‬
‫يوم القيامههة‪ ,‬فلههه عنههد اللههه مههن الجههر العظيههم مهها هههو خيههر منههها‬
‫وأفضل‪ ,‬وهو الجنة‪ ,‬وهم يوم الفزع الكبر آمنون‪.‬‬

‫‪761‬‬
‫م‬ ‫مها ُ‬
‫كنُته ْ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬
‫جهَزوْ َ‬ ‫م ِفي الّنارِ هَ ْ‬
‫ل تُ ْ‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫سي ّئ َةِ فَك ُب ّ ْ‬
‫ت وُ ُ‬ ‫جاَء ِبال ّ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(90‬‬ ‫مُلو َ‬
‫ت َعْ َ‬
‫ومن جاء بالشرك والعمال السههيئة المنكههرة‪ ,‬فجزاؤهههم أن يكّبهههم‬
‫خهها‪ :‬هههل‬
‫الله على وجوههم في النار يههوم القيامههة‪ ,‬ويقههال لهههم توبي ً‬
‫تجزون إل ما كنتم تعملون في الدنيا؟‬

‫إنما أ ُمرت أ َ َ‬
‫يءٍ‬
‫شه ْ‬ ‫ل َ‬‫ه ك ُه ّ‬‫مهَهها وَل َه ُ‬ ‫حّر َ‬‫ذي َ‬ ‫ب هَهذِهِ ال ْب َل ْهد َةِ ال ّه ِ‬ ‫ن أعْب ُد َ َر ّ‬ ‫ِّ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن أَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫دى‬ ‫ن اهْت َه َ‬
‫مه ْ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ن أت ْلوَ الُقْرآ َ‬ ‫ن )‪ (91‬وَأ ْ‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫وَأ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(92‬‬ ‫منذِِري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ما أَنا ِ‬ ‫ل فَُق ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سه ِ و َ َ‬
‫دي ل ِن َْف ِ‬ ‫فَإ ِن ّ َ‬
‫ما ي َهْت َ ِ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للناس‪ :‬إنما ُأمرت أن أعبد رب هذه البلدة‪ ,‬وهي‬
‫مها‪ ,‬أو‬ ‫مها حرا ً‬
‫حّرمهها علههى خلقهه أن يسههفكوا فيهها د ً‬ ‫"مكة"‪ ,‬الهذي َ‬
‫دا‪ ,‬أو يصههيدوا صههيدها‪ ,‬أو يقطعههوا شههجرها‪ ,‬ولههه‬ ‫يظلمههوا فيههها أح ه ً‬
‫ُ‬
‫من سهواه‪ ,‬وأمهرت‬ ‫ُ‬
‫سبحانه كل شيء‪ ,‬وأمرت أن أعبده وحده دون َ‬
‫أن أكون من المنقادين لمره‪ ,‬المبادرين لطاعته‪ ,‬وأن أتلههو القههرآن‬
‫على الناس‪ ,‬فمن اهتدى بما فيه واتبع ما جئت به‪ ,‬فإنمهها خيههر ذلههك‬
‫ل عن الحق فقل ‪-‬أيههها الرسههول‪ :-‬إنمهها أنهها‬ ‫وجزاؤه لنفسه‪ ,‬ومن ض ّ‬
‫نذير لكههم مههن عههذاب اللههه وعقههابه إن لههم تؤمنههوا‪ ،‬فأنهها واحههد مههن‬
‫الرسل الذين أنذروا قومهم‪ ,‬وليس بيدي من الهداية شيء‪.‬‬

‫مها‬
‫ل عَ ّ‬ ‫مها َرّبه َ‬
‫ك ب َِغاِفه ٍ‬ ‫ريك ُ ْ‬
‫م آَيهات ِهِ فَت َعْرُِفون ََهها وَ َ‬ ‫مهد ُ ل ِّلههِ َ‬
‫سهي ُ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫وَُقه ْ‬
‫ن )‪(93‬‬ ‫مُلو َ‬
‫ت َعْ َ‬
‫وقل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬الثناء الجميل لله‪ ,‬سيريكم آيههاته فههي أنفسههكم‬
‫وفي السماء والرض‪ ,‬فتعرفونها معرفة تههدلكم علههى الحههق‪ ،‬وتههبّين‬
‫لكم الباطل‪ ,‬وما ربك بغافل عما تعملون‪ ,‬وسيجازيكم على ذلك‪.‬‬

‫‪762‬‬
‫‪ -28‬سورة القصص‬

‫طسم )‪(1‬‬
‫الحروف المق ّ‬
‫طعة في أول سورة البقرة‪.‬‬

‫ن )‪(2‬‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مِبي ِ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ت ِل ْ َ‬
‫ك آَيا ُ‬
‫هذه آيات القرآن الذي أنزلته إليههك ‪-‬أيههها الرسههول‪ ,-‬مبين ًهها لكههل مهها‬
‫يحتاج إليه العباد في دنياهم وأخراهم‪.‬‬

‫ن )‪(3‬‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫حقّ ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫سى وَفِْرعَوْ َ‬
‫مو َ‬
‫ن ن َب َإ ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َت ُْلو عَل َي ْ َ‬
‫ك ِ‬
‫ص عليك من خبر موسى وفرعههون بالصههدق لقههوم يؤمنههون بهههذا‬ ‫نق ّ‬
‫دقون بأنه من عند الله‪ ,‬ويعملون بهديه‪.‬‬
‫القرآن‪ ,‬ويص ّ‬

‫ف َ‬ ‫عل فههي ال َرض وجعه َ َ‬


‫ة‬
‫طائ َِفه ً‬ ‫ض هع ِ ُ‬
‫ست َ ْ‬‫شهَيعا ً ي َ ْ‬
‫ل أهْل َهَهها ِ‬ ‫ْ ِ َ َ َ‬ ‫ن َ ِ‬ ‫ن فِْرعَهوْ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫َ‬
‫ن )‪(4‬‬‫دي َ‬
‫س ِ‬
‫مْف ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬
‫ساَءهُ ْ‬‫ي نِ َ‬
‫ح ِ‬
‫ست َ ْ‬
‫م وَي َ ْ‬ ‫م ي ُذ َب ّ ُ‬
‫ح أب َْناَءهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ِ‬
‫إن فرعون تكبر وطغى في الرض‪ ,‬وجعهل أهلههها طهوائف متفرقههة‪,‬‬
‫يستضعف طائفة منهم‪ ,‬وهم بنو إسرائيل‪ ,‬يذب ّههح أبنههاءهم‪ ,‬ويسههتعبد‬
‫نساءهم‪ ,‬إنه كان من المفسدين في الرض‪.‬‬

‫ة‬
‫مه ً‬ ‫ونريد أ َن نمن عَل َههى ال ّهذين استض هعُِفوا فههي ال َرض ونجعل َه ه َ‬
‫م أئ ِ ّ‬
‫ْ ِ ََ ْ َ ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ ْ ُ ْ‬ ‫َُ ِ ُ ْ َ ُ ّ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫م ال ْ َ‬
‫وارِِثي َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬
‫وَن َ ْ‬
‫ونريههد أن نتفضههل علههى الههذين استضههعفهم فرعههون فههي الرض‪,‬‬
‫ونجعلهم قادةً في الخيهر ودعههاةً إليهه‪ ,‬ونجعلههم يرثهون الرض بعههد‬
‫هلك فرعون وقومه‪.‬‬

‫َ‬
‫مهها‬
‫م َ‬
‫من ْهُه ْ‬
‫مهها ِ‬
‫جُنود َهُ َ‬
‫ن وَ ُ‬
‫مهها َ‬
‫ها َ‬
‫ن وَ َ‬
‫ري فِْرعَوْ َ‬
‫ض وَن ُ ِ‬
‫م ِفي الْر ِ‬‫ن ل َهُ ْ‬‫مك ّ َ‬‫وَن ُ َ‬
‫حذ َُرو َ‬
‫ن )‪(6‬‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬

‫‪763‬‬
‫ونمكن لهم في الرض‪ ,‬ونجعل فرعون وهامان وجنودهما يرون من‬
‫من هلكهم وذهاب‬ ‫هذه الطائفة المستضعفة ما كانوا يخافونه ِ‬
‫ملكهم‪ ,‬وإخراجهم من ديارهم على يد مولود من بني إسرائيل‪.‬‬

‫َ‬ ‫وأ َوحينا إَلى أ ُم موسى أ َ َ‬


‫ت عَل َي ْهِ فَأل ِْقيهِ ِفي ال َْيهه ّ‬
‫م‬ ‫خْف ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ضِعيهِ فَإ ِ َ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ ُ َ‬ ‫َ ْ َ َْ ِ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫سهِلي َ‬‫مْر َ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫عُلوهُ ِ‬
‫مه ْ‬ ‫جهها ِ‬‫ك وَ َ‬ ‫دوهُ إ ِل َي ْه ِ‬ ‫حَزِني إ ِن ّهها َرا ّ‬ ‫خاِفي َول ت َ ْ‬ ‫َول ت َ َ‬
‫ن‬‫مهها َ‬
‫ها َ‬ ‫ن وَ َ‬‫ن فِْرعَهوْ َ‬‫حَزن ها ً إ ِ ّ‬‫م عَهد ُوّا ً وَ َ‬ ‫ن ل َهُ ه ْ‬ ‫ن ل ِي َك ُههو َ‬
‫ل فِْرعَوْ َ‬ ‫هآ ُ‬‫َفال ْت ََقط َ ُ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫كاُنوا َ‬ ‫ما َ‬‫جُنود َهُ َ‬ ‫وَ ُ‬
‫وأْلهمنا أم موسى حين ولدته وخشيت عليه أن يذبحه فرعون كما‬
‫يذبح أبناء بني إسرائيل‪ :‬أن أرضعيه مطمئنة‪ ,‬فإذا خشيت أن ُيعرف‬
‫أمره فضعيه في صندوق وألقيه في النيل‪ ,‬دون خوف من فرعون‬
‫دو ولدك إليك‬‫وقومه أن يقتلوه‪ ,‬ودون حزن على فراقه‪ ,‬إنا را ّ‬
‫وباعثوه رسول‪ .‬فوضعته في صندوق وألقته في النيل‪ ,‬فعثر عليه‬
‫ة ذلك أن جعله الله لهم عدّوا‬ ‫أعوان فرعون وأخذوه‪ ,‬فكانت عاقب ُ‬
‫كهم على يده‪ .‬إن فرعون وهامان وأعوانهما كانوا‬ ‫وحزًنا‪ ,‬فكان إهل ُ‬
‫آثمين مشركين‪.‬‬

‫َ‬ ‫وَقال َت امرأ َ‬


‫ن َينَفعََنهها‬ ‫ك ل ت َْقت ُُلوهُ عَ َ‬
‫سههى أ ْ‬ ‫ن ِلي وَل َ َ‬
‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ُ‬ ‫ة‬‫ر‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ة‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫أ َوْ ن َت ّ ِ‬
‫خذ َهُ وََلدا ً وَهُ ْ‬
‫وقالت امرأة فرعون لفرعون‪ :‬هذا الطفل سيكون مصدر سرور‬
‫لي ولك‪ ,‬ل تقتلوه; فقد نصيب منه خيًرا أو نتخذه ولدا‪ ,‬وفرعون‬
‫وآله ل يدركون أن هلكهم على يديه‪.‬‬

‫ن َرب َط َْنا عََلى‬ ‫َ‬ ‫وأ َصبح فُ َ ُ‬


‫دي ب ِهِ ل َ ْ‬
‫ول أ ْ‬ ‫ت ل َت ُب ْ ِ‬
‫كاد َ ْ‬ ‫سى َفاِرغا ً إ ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ُ‬ ‫ؤاد ُ أ ّ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫قَل ْب َِها ل ِت َ ُ‬
‫كو َ‬
‫م‬
‫وأصبح فؤاد أم موسى خالًيا من كل شيء في الدنيا إل من ه ّ‬
‫موسى وذكره‪ ,‬وقاربت أن ُتظِهر أنه ابنها لول أن ثبتناها‪ ,‬فصبرت‬
‫ولم ت ُب ْد ِ به; لتكون من المؤمنين بوعد الله الموقنين به‪.‬‬

‫ن )‪(11‬‬ ‫م ل يَ ْ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫ب وَهُ ْ‬
‫جن ُ ٍ‬
‫ن ُ‬
‫ت ب ِهِ عَ ْ‬ ‫صيهِ فَب َ ُ‬
‫صَر ْ‬ ‫ت لُ ْ‬
‫خت ِهِ قُ ّ‬ ‫وََقال َ ْ‬
‫‪764‬‬
‫وقالت أم موسى لخته حين ألقته في اليم‪ :‬ات ِّبعي أثر موسى كيف‬
‫صَنع به؟ فتتبعت أثره فأبصرته عن ب ُْعد‪ ,‬وقوم فرعون ل يعرفون‬ ‫يُ ْ‬
‫أنها أخته‪ ,‬وأنها تتبع خبره‪.‬‬

‫َ‬ ‫ل فََقال َت هَه ْ َ‬


‫ت‬ ‫م عَل َههى أهْه ِ‬
‫ل ب َي ْه ٍ‬ ‫ل أد ُل ّك ُه ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ضع َ ِ‬
‫مَرا ِ‬ ‫مَنا عَل َي ْهِ ال ْ َ‬‫حّر ْ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫حو َ‬ ‫ص ُ‬
‫ه َنا ِ‬‫م لَ ُ‬
‫م وَهُ ْ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ي َك ُْفُلون َ ُ‬
‫ده‬
‫من قبل أن نر ّ‬
‫وحرمنا على موسى المراضع أن يرتضع منهن ِ‬
‫إلى أمه‪ ,‬فقالت أخته‪ :‬هل أدلكم على أهل بيت يحسنون تربيته‬
‫وإرضاعه‪ ,‬وهم مشفقون عليه؟ فأجابوها إلى ذلك‪.‬‬

‫فَرددناه إَلى أ ُمه ك َي تَقر عَينها ول تحزن ول ِتعل َ َ‬


‫ق‬ ‫ن وَعْد َ الّلهههِ َ‬
‫حهه ّ‬ ‫مأ ّ‬‫ْ َ ّ َُْ َ َ ْ َ َ َ َْ َ‬ ‫ّ ِ‬ ‫َ َ ْ ََ ُ ِ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫م ل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫وَل َك ِ ّ‬
‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬
‫فرددنا موسى إلى أمه; كي تقّر عينها به‪ ,‬ووفينا إليها بالوعد; إذ‬
‫ن على فراقه‪ ,‬ولتعلم أن‬ ‫من قتل فرعون‪ ,‬ول تحز َ‬ ‫ما ِ‬
‫رجع إليها سلي ً‬
‫ده إليها وجعله من المرسلين‪ .‬إن‬ ‫من ر ّ‬‫وعد الله حق فيما وعدها ِ‬
‫الله ل يخلف وعده‪ ,‬ولكن أكثر المشركين ل يعلمون أن وعد الله‬
‫حق‪.‬‬

‫ن‬
‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫زي ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫عْلما ً وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫كما ً وَ ِ‬
‫ح ْ‬
‫وى آت َي َْناهُ ُ‬
‫ست َ َ‬ ‫ما ب َل َغَ أ َ ُ‬
‫شد ّهُ َوا ْ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫)‪(14‬‬
‫ما يعرف‬
‫ما وعل ً‬
‫ولما بلغ موسى أشد قوته وتكامل عقله‪ ,‬آتيناه حك ً‬
‫بهما الحكام الشرعية‪ ,‬وكما جزينا موسى على طاعته وإحسانه‬
‫من عبادنا‪.‬‬
‫من أحسن ِ‬
‫نجزي َ‬

‫جد َ ِفيهَهها َر ُ َ‬ ‫حين غَْفل َة م َ‬ ‫دين َ َ َ‬


‫ن‬‫ن ي َْقت َِتل ِ‬‫جلي ْه ِ‬ ‫ن أهْل َِها فَوَ َ‬ ‫ٍ ِ ْ‬ ‫ة عَلى ِ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫خ َ‬‫وَد َ َ‬
‫ذي‬ ‫شيعَت ِهِ عََلى ال ّ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ن عَد ُوّهِ َفا ْ‬
‫ست ََغاث َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫شيعَت ِهِ وَهَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬ ‫هَ َ‬
‫ن‬
‫طا ِ‬‫ش هي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مه ِ‬‫ن عَ َ‬‫م ْ‬ ‫ذا ِ‬‫ل هَ َ‬ ‫ضى عَل َي ْهِ َقا َ‬ ‫سى فََق َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن عَد ُوّهِ فَوَك ََزهُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(15‬‬ ‫مِبي ٌ‬
‫ل ُ‬ ‫ض ّ‬‫م ِ‬ ‫ه عَد ُوّ ُ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬

‫‪765‬‬
‫ودخل موسى المدينة مستخفًيا وقت غفلة أهلها‪ ,‬فوجد فيها رجلين‬
‫يقتتلن‪ :‬أحدهما من قوم موسى من بني إسرائيل‪ ,‬والخر من قوم‬
‫فرعون‪ ,‬فطلب الذي من قوم موسى النصر على الذي من عدوه‪,‬‬
‫مع كّفه فمات‪ ,‬قال موسى حين قتله‪ :‬هذا من‬ ‫ج ْ‬
‫فضربه موسى ب ُ‬
‫نزغ الشيطان‪ ,‬بأن هّيج غضبي‪ ,‬حتى ضربت هذا فهلك‪ ,‬إن‬
‫الشيطان عدو لبن آدم‪ ,‬مضل عن سبيل الرشاد‪ ,‬ظاهر العداوة‪.‬‬
‫وهذا العمل من موسى عليه السلم كان قبل النبوة‪.‬‬

‫ههوَ ال ْغَُفهوُر‬
‫ه ُ‬ ‫سهي َفهاغِْفْر ِلهي فَغََفهَر َله ُ‬
‫ه إ ِّنه ُ‬ ‫ت ن َْف ِ‬ ‫ب إ ِّني ظ َل َ ْ‬
‫م ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َر ّ‬
‫م )‪(16‬‬ ‫حي ُ‬‫الّر ِ‬
‫قال موسى‪ :‬رب إني ظلمت نفسي بقتل النفس التي لم تأمرني‬
‫بقتلها فاغفر لي ذلك الذنب‪ ,‬فغفر الله له‪ .‬إن الله غفور لذنوب‬
‫عباده‪ ,‬رحيم بهم‪.‬‬

‫ن )‪(17‬‬
‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫ن ظ َِهيرا ً ل ِل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن أَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ي فَل َ ْ‬
‫ت عَل َ ّ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫ما أن ْعَ ْ‬
‫ب بِ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َر ّ‬
‫ي بالتوبة والمغفرة والنعم الكثيرة‪,‬‬
‫ب بما أنعمت عل ّ‬
‫قال موسى‪ :‬ر ّ‬
‫فلن أكون معيًنا لحد على معصيته وإجرامه‪.‬‬

‫س‬ ‫م‬ ‫ذي اسَتنصهره بههال َ‬ ‫ه‬‫ذا ال ّ‬


‫َ‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫خاِئفها ً‬ ‫ة‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫دي‬ ‫م‬ ‫ح فِههي ال ْ‬ ‫ب‬‫ص‬ ‫فَأ َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ك ل َغَوِيّ ُ‬ ‫سى إ ِن ّ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ه َقا َ‬
‫خ ُ‬
‫صرِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫فأصبح موسى في مدينة فرعون خائًفا يترقب الخبار مما يتحدث‬
‫به الناس في أمره وأمر قتيله‪ ,‬فرأى صاحبه بالمس يقاتل قبطًيا‬
‫آخر‪ ,‬ويطلب منه النصر‪ ,‬قال له موسى‪ :‬إنك لكثير الَغواية ظاهر‬
‫الضلل‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَل َما أ َ َ‬


‫ن‬
‫ريد ُ أ ْ‬‫سى أت ُ ِ‬‫مو َ‬‫ل َيا ُ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ذي هُوَ عَد ُوّ ل َهُ َ‬ ‫ش ِبال ّ ِ‬ ‫ن ي َب ْط ِ َ‬‫ن أَراد َ أ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫جب ّههارا فِههي‬ ‫ن َ‬‫ن ت َك ُههو َ‬
‫ريهد ُ إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫س إِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ت ن َْفسها ب ِههال ْ‬ ‫مهها قَت َله َ‬ ‫ت َْقت ُل َِني ك َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫حي َ‬ ‫صل ِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن تَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫ما ت ُ ِ‬‫ض وَ َ‬
‫الْر ِ‬

‫‪766‬‬
‫فلما أن أراد موسى أن يبطش بالقبطي‪ ,‬قال‪ :‬أتريد أن تقتلني كما‬
‫سا بالمس؟ ما تريد إل أن تكون طاغية في الرض‪ ,‬وما‬ ‫قتلت نف ً‬
‫تريد أن تكون من الذين يصلحون بين الناس‪.‬‬

‫ن ال ْمل َ‬ ‫ل مه َ‬
‫َ‬ ‫سههى إ ِ ّ‬‫مو َ‬
‫ُ‬ ‫ل ي َهها‬‫سهَعى قَهها َ‬‫دين َهةِ ي َ ْ‬ ‫صههى ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ن أقْ َ‬
‫جه ٌ ِ ْ‬ ‫جههاَء َر ُ‬‫وَ َ‬
‫ج إ ِّني ل َ َ‬ ‫ك ل ِي َْقت ُُلو َ‬
‫ن بِ َ‬ ‫ْ‬
‫)‪(20‬‬ ‫ن‬
‫حي َ‬ ‫ص ِ‬‫ن الّنا ِ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ك َفا ْ‬
‫خُر ْ‬ ‫مُرو َ‬‫ي َأت َ ِ‬
‫وجاء رجل من آخر المدينة يسعى‪ ,‬قال يا موسى‪ :‬إن أشراف قوم‬
‫فرعون يتآمرون بقتلك‪ ,‬ويتشاورون‪ ,‬فاخرج من هذه المدينة‪ ,‬إني‬
‫لك من الناصحين المشفقين عليك‪.‬‬

‫ن )‪(21‬‬
‫مي َ‬ ‫ن ال َْقوْم ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫جِني ِ‬
‫ب نَ ّ‬
‫ل َر ّ‬ ‫خاِئفا ً ي َت ََرقّ ُ‬
‫ب َقا َ‬ ‫من َْها َ‬
‫ج ِ‬ ‫فَ َ‬
‫خَر َ‬
‫ِ‬
‫فخرج موسى من مدينة فرعون خائًفا ينتظر الطلب أن يدركه‬
‫فيأخذه‪ ,‬فدعا الله أن ينقذه من القوم الظالمين‪.‬‬

‫َ‬
‫ل)‬
‫سهِبي ِ‬
‫واءَ ال ّ‬
‫سه َ‬
‫ن ي َهْهدِي َِني َ‬
‫سى َرّبي أ ْ‬ ‫ن َقا َ‬
‫ل عَ َ‬ ‫ه ت ِل َْقاَء َ‬
‫مد ْي َ َ‬ ‫ج َ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫ما ت َوَ ّ‬
‫‪(22‬‬
‫ولما قصد موسى بلد "مدين" وخرج من سلطان فرعون قال‪:‬‬
‫عسى ربي أن يرشدني خير طريق إلى "مدين"‪.‬‬

‫ُ‬
‫ن‬‫مه ْ‬
‫ج هد َ ِ‬‫ن وَوَ َ‬‫س هُقو َ‬
‫س يَ ْ‬ ‫ن الن ّهها ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫جد َ عَل َي ْهِ أ ّ‬
‫م ً‬ ‫ن وَ َ‬‫مد ْي َ َ‬‫ماَء َ‬ ‫ما وََرد َ َ‬‫وَل َ ّ‬
‫ص هدَِر‬
‫حت ّههى ي ُ ْ‬
‫س هِقي َ‬ ‫ما َقال َت َهها ل ن َ ْ‬‫خط ْب ُك ُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َقا َ‬‫دا ِ‬
‫ذو َ‬ ‫ن تَ ُ‬‫م ََرأت َي ْ ِ‬
‫ما ْ‬
‫دون ِهِ ْ‬ ‫ُ‬
‫خ ك َِبيٌر )‪(23‬‬ ‫شي ْ ٌ‬‫عاُء وَأُبوَنا َ‬ ‫الّر َ‬
‫ولما وصل ماء "مدين" وجد عليه جماعة من الناس يسقون‬
‫مواشيهم‪ ,‬ووجد من دون تلك الجماعة امرأتين منفردتين عن‬
‫الناس‪ ,‬تحبسان غنمهما عن الماء; لعجزهما وضعفهما عن مزاحمة‬
‫در عنه مواشي الناس‪ ,‬ثم تسقيان‬ ‫ص ُ‬
‫الرجال‪ ,‬وتنتظران حتى ت َ ْ‬
‫ماشيتهما‪ ,‬فلما رآهما موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬رقّ لهما‪ ,‬ثم قال‪ :‬ما‬
‫شأنكما؟ قالتا‪ :‬ل نستطيع مزاحمة الرجال‪ ,‬ول نسقي حتى يسقي‬

‫‪767‬‬
‫الناس‪ ,‬وأبونا شيخ كبير‪ ,‬ل يستطيع أن يسقي ماشيته؛ لضعفه‬
‫وكبره‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ت إ ِل َه ّ‬
‫ي ِ‬ ‫ما أنَزل ْ َ‬
‫ب إ ِّني ل ِ َ‬
‫ل َر ّ‬ ‫م ت َوَّلى إ َِلى الظ ّ ّ‬
‫ل فََقا َ‬ ‫سَقى ل َهُ َ‬
‫ما ث ُ ّ‬ ‫فَ َ‬
‫خي ْرٍ فَِقيٌر )‪(24‬‬ ‫َ‬
‫فسقى موسى للمرأتين ماشيتهما‪ ,‬ثم تولى إلى ظل شجرة‬
‫من أي خير‬
‫ي ِ‬ ‫فاستظ ّ‬
‫ل بها وقال‪ :‬رب إني مفتقر إلى ما تسوقه إل ّ‬
‫كان‪ ,‬كالطعام‪ .‬وكان قد اشتد به الجوع‪.‬‬

‫جزِي َ َ‬
‫ك‬ ‫عو َ‬
‫ك ل ِي َ ْ‬ ‫ن أ َِبي ي َد ْ ُ‬ ‫حَياٍء َقال َ ْ‬
‫ت إِ ّ‬ ‫شي عََلى ا ْ‬
‫ست ِ ْ‬ ‫م ِ‬‫ما ت َ ْ‬‫داهُ َ‬‫ح َ‬‫ه إِ ْ‬
‫جاَءت ْ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫َ‬
‫ف‬‫خه ْ‬ ‫ل ل تَ َ‬ ‫ص َقها َ‬ ‫صه َ‬ ‫ص عَل َْيههِ ال َْق َ‬
‫جهاَءهُ وََقه ّ‬‫مها َ‬ ‫ت ل ََنها فَل َ ّ‬‫سهَقي ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫جَر َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن )‪(25‬‬‫مي َ‬
‫ظال ِ ِ‬‫ن ال َْقوْم ال ّ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫جو ْ َ‬‫نَ َ‬
‫ِ‬
‫فجاءت إحدى المرأتين اللتين سقى لهما تسير إليه في حياء‪,‬‬
‫قالت‪ :‬إن أبي يدعوك ليعطيك أجر ما سقيت لنا‪ ,‬فمضى موسى‬
‫ص عليه قصصه مع فرعون‬ ‫معها إلى أبيها‪ ,‬فلما جاء أباها وق ّ‬
‫ف نجوت من القوم الظالمين‪ ,‬وهم‬ ‫خ ْ‬
‫وقومه‪ ,‬قال له أبوها‪ :‬ل ت َ َ‬
‫فرعون وقومه؛ إذ ل سلطان لهم بأرضنا‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬


‫ن‬ ‫ت ال َْقوِيّ ال َ ِ‬
‫مي ُ‬ ‫جْر َ‬
‫ست َأ َ‬
‫نا ْ‬
‫م ْ‬
‫خي َْر َ‬
‫ن َ‬
‫جْرهُ إ ِ ّ‬
‫ست َأ ِ‬
‫تا ْ‬
‫ما َيا أب َ ِ‬
‫داهُ َ‬
‫ح َ‬ ‫َقال َ ْ‬
‫ت إِ ْ‬
‫)‪(26‬‬
‫قالت إحدى المرأتين لبيها‪ :‬يا أبت استأجره ليرعى لك ماشيتك;‬
‫ن خير من تستأجره للرعي القوي على حفظ ماشيتك‪ ,‬المين‬ ‫إ ّ‬
‫الذي ل تخاف خيانته فيما تأمنه عليه‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل إني أ ُريد أ َ ُ‬


‫ة‬ ‫جَرِني ث َ َ‬
‫مان ِي َه َ‬ ‫ن َتهأ ُ‬‫ن عََلى أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫هات َي ْ‬
‫ي َ‬‫دى اب ْن َت َ ّ‬ ‫ح َ‬
‫ك إِ ْ‬‫ح َ‬ ‫ن أنك ِ َ‬ ‫ِ ُ ْ‬ ‫َقا َ ِ ّ‬
‫شهقّ عَل َي ْه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫نأ ُ‬ ‫مهها أِريهد ُ أ ْ‬
‫ك وَ َ‬ ‫عن ْهدِ َ‬‫ن ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫شههرا ً فَ ِ‬‫ت عَ ْ‬ ‫مه َ‬ ‫م ْ‬
‫ن أت ْ َ‬ ‫ج ف َ هإ ِ ْ‬ ‫جه ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شاَء الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫جد ُِني إ ِ ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫َ‬
‫ي هاتين‪ ,‬على‬‫قال الشيخ لموسى‪ :‬إني أريد أن أزّوجك إحدى ابنت ّ‬
‫أن تكون أجيًرا لي في رعي ماشيتي ثماني سنين مقابل ذلك‪ ,‬فإن‬

‫‪768‬‬
‫أكملت عشر سنين فإحسان من عندك‪ ,‬وما أريد أن أشق عليك‬
‫بجعلها عشرا‪ ,‬ستجدني إن شاء الله من الصالحين في حسن‬
‫ت‪.‬‬
‫الصحبة والوفاء بما قل ُ‬

‫ك أ َي ّمهها ال َ‬
‫ي َوالل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫ن عَل َه ّ‬
‫ت َفل عُهد َْوا َ‬ ‫ن قَ َ‬
‫ضهي ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬‫جل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك ب َي ِْني وَب َي ْن َ َ‬
‫ل ذ َل ِ َ‬
‫َقا َ‬
‫ل )‪(28‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ما ن َُقو ُ‬
‫ل وَ ِ‬ ‫عََلى َ‬
‫َ‬
‫قال موسى‪ :‬ذلك الذي قلته قائم بيني وبينك‪ ,‬أي المدتين أقْ ِ‬
‫ضها‬
‫في العمل أكن قد وفيتك‪ ,‬فل ُأطاَلب بزيادة عليها‪ ,‬والله على ما‬
‫نقول وكيل حافظ يراقبنا‪ ,‬ويعلم ما تعاقدنا عليه‪.‬‬

‫ل وسار بأ َ‬
‫ب الط ّههورِ ن َههارا ً‬‫جههان ِ ِ‬‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫س‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫آ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ج َ َ َ َ ِ‬‫سى ال َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ضى ُ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫َقا َ َ‬
‫ن‬ ‫جذ ْوَةٍ ِ‬
‫م ْ‬ ‫خب َرٍ أوْ َ‬
‫من َْها ب ِ َ‬
‫م ِ‬ ‫ت َنارا ً ل َعَّلي آِتيك ُ ْ‬ ‫مك ُُثوا إ ِّني آن َ ْ‬
‫س ُ‬ ‫ل لهْل ِهِ ا ْ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫صط َُلو َ‬ ‫م تَ ْ‬‫الّنارِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫فلما وفى نبي الله موسى ‪-‬عليه السلم‪ -‬صاحبه المدة عشر‬
‫سنين‪ ,‬وهي أكمل المدتين‪ ,‬وسار بأهله إلى "مصر" أبصر من‬
‫جانب الطور ناًرا‪ ,‬قال موسى لهله‪ :‬تمهلوا وانتظروا إني أبصرت‬
‫ناًرا; لعلي آتيكم منها بنبأ‪ ,‬أو آتيكم بشعلة من النار لعلكم‬
‫تستدفئون بها‪.‬‬

‫ن‬
‫مهه ْ‬ ‫مَباَرك َةِ ِ‬‫ن ِفي ال ْب ُْقعَةِ ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫واِدي الي ْ َ‬ ‫ئ ال ْ َ‬‫شاط ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ها ُنوِدي ِ‬ ‫ما أ ََتا َ‬‫فَل َ ّ‬
‫ق‬ ‫ن )‪ (30‬وَأ َ ْ َ ْ‬ ‫ب ال َْعهال َ ِ‬
‫َ‬
‫سهى إ ِّنهي أَنها الّله ُ‬
‫َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن أله ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ه َر ّ‬
‫َ‬
‫مو َ‬ ‫ن َيها ُ‬ ‫جَرةِ أ ْ‬ ‫شه َ‬
‫سههى‬ ‫مو َ‬ ‫ب ي َهها ُ‬ ‫م ي ُعَّقه ْ‬ ‫مهد ِْبرا ً وَل َه ْ‬ ‫ن وَّلى ُ‬ ‫جا ّ‬ ‫ها ت َهْت َّز ك َأن َّها َ‬ ‫ما َرآ َ‬ ‫ك فَل َ ّ‬ ‫صا َ‬ ‫عَ َ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫مِني َ‬
‫ن ال ِ‬ ‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ف إ ِن ّ َ‬
‫خ ْ‬ ‫ل َول ت َ َ‬ ‫أ َقْب ِ ْ‬
‫فلما أتى موسى النار ناداه الله من جانب الوادي اليمن لموسى‬
‫في البقعة المباركة من جانب الشجرة‪ :‬أن يا موسى إني أنا الله‬
‫رب العالين‪ ,‬وأن ألق عصاك‪ ,‬فألقاها موسى‪ ,‬فصارت حية تسعى‪,‬‬
‫ن من الحيات وّلى هارًبا منها‪,‬‬ ‫فلما رآها موسى تضطرب كأنها جا ّ‬
‫ف;‬‫خ ْ‬‫ي ول ت َ َ‬
‫ولم يلتفت من الخوف‪ ,‬فناداه ربه‪ :‬يا موسى أقبل إل ّ‬
‫إنك من المنين من كل مكروه‪.‬‬

‫‪769‬‬
‫ك‬‫م إ ِل َي ْه َ‬
‫م ْ‬‫ضه ُ‬ ‫سههوٍء َوا ْ‬ ‫ن غَي ْهرِ ُ‬‫مه ْ‬ ‫ضههاَء ِ‬
‫ج ب َي ْ َ‬‫خهُر ْ‬ ‫ك تَ ْ‬‫جي ْب ِه َ‬‫ك ِفي َ‬ ‫ك ي َد َ َ‬ ‫سل ُ ْ‬‫ا ْ‬
‫مل َئ ِهِ إ ِن ُّههه ْ‬
‫م‬ ‫ن وَ َ‬‫ك إ َِلى فِْرعَوْ َ‬
‫ن َرب ّ َ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫هاَنا ِ‬ ‫ك ب ُْر َ‬‫ذان ِ َ‬
‫ب فَ َ‬ ‫ن الّرهْ ِ‬‫م ْ‬‫ك ِ‬ ‫ح َ‬ ‫جَنا َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫سِقي َ‬ ‫ً‬
‫وما َفا ِ‬ ‫كاُنوا قَ ْ‬ ‫َ‬

‫من غير‬ ‫أدخل يدك في فتحة قميصك وأخرجها تخرج بيضاء كالثلج ِ‬
‫مرض ول برص‪ ,‬واضمم إليك يدك لتأمن من الخوف‪ ,‬فهاتان اللتان‬
‫ل يدك بيضاء تلمع‬ ‫جع ْ ِ‬
‫ول العصا حية‪ ,‬و َ‬ ‫من تح ّ‬ ‫أريت ُ َ‬
‫كهما يا موسى‪ِ :‬‬
‫من غير مرض ول برص‪ ,‬آيتان من ربك إلى فرعون وأشراف‬
‫ما كافرين‪.‬‬
‫قومه‪ .‬إن فرعون ومله كانوا قو ً‬

‫َ‬
‫ن )‪ (33‬وَأ َ ِ‬
‫خههي‬ ‫ن ي َْقت ُل ُههو ِ‬
‫خهها ُ َ‬
‫فأ ْ‬ ‫م ن َْفسها ً فَأ َ‬ ‫من ْهُه ْ‬ ‫ب إ ِن ّههي قَت َل ْه ُ‬
‫ت ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫خهها ُ‬ ‫صد ّقُِني إ ِّني أ َ‬‫دءا ً ي ُ َ‬‫مِعي رِ ْ‬‫ه َ‬‫سل ْ ُ‬
‫سانا ً فَأْر ِ‬‫مّني ل ِ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ن هُوَ أفْ َ‬
‫ص ُ‬ ‫هاُرو ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(34‬‬ ‫ن ي ُك َذ ُّبو ِ‬
‫أ ْ‬
‫سا فأخاف أن‬
‫ب إني قتلت من قوم فرعون نف ً‬ ‫قال موسى‪ :‬ر ّ‬
‫يقتلوني‪ ,‬وأخي هارون هو أفصح مني نطًقا‪ ,‬فأرسله معي عوًنا‬
‫يصدقني‪ ,‬ويبين لهم عني ما أخاطبهم به‪ ,‬إني أخاف أن يكذبوني‬
‫في قولي لهم‪ :‬إني ُأرسلت إليهم‪.‬‬

‫شد عضد َ َ‬
‫ن إ ِل َي ْك ُ َ‬
‫مهها‬ ‫ص هُلو َ‬
‫طانا ً َفل ي َ ِ‬
‫س هل ْ َ‬ ‫ل ل َك ُ َ‬
‫ما ُ‬ ‫جع َ ُ‬ ‫خي َ‬
‫ك وَن َ ْ‬ ‫ك ب ِأ ِ‬ ‫سن َ ُ ّ َ ُ َ‬ ‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫ما ال َْغال ُِبو َ‬‫ن ات ّب َعَك ُ َ‬
‫م ْ‬
‫ما وَ َ‬
‫ِبآَيات َِنا أن ْت ُ َ‬
‫ويك بأخيك‪ ,‬ونجعل لكما حجة على فرعون‬ ‫قال الله لموسى‪ :‬سنق ّ‬
‫من آمن‬‫وقومه فل يصلون إليكما بسوء‪ .‬أنتما ‪-‬يا موسى وهارون‪ -‬و َ‬
‫ت عليه‬‫بكما المنتصرون على فرعون وقومه; بسبب آياتنا وما دل ّ ْ‬
‫من الحق‪.‬‬

‫مهها‬
‫مْفَتههًرى وَ َ‬
‫حٌر ُ‬ ‫ذا إ ِل ّ ِ‬
‫س ْ‬ ‫ت َقاُلوا َ‬
‫ما هَ َ‬ ‫سى ِبآَيات َِنا ب َي َّنا ٍ‬
‫مو َ‬‫م ُ‬‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫َ‬ ‫معَْنا ب ِهَ َ‬
‫ذا ِفي آَبائ َِنا الوِّلي َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫فلما جاء موسى فرعون ومله بأدلتنا وحججنا شاهدة بحقيقة ما‬
‫من عند ربه‪ ,‬قالوا لموسى‪ :‬ما هذا الذي جئتنا به إل‬ ‫جاء به موسى ِ‬
‫سحر افتريته كذًبا وباطل وما سمعنا بهذا الذي تدعونا إليه في‬
‫أسلفنا الذين مضوا قبلنا‪.‬‬
‫‪770‬‬
‫َ‬
‫ن ل َه ُ‬
‫ه‬ ‫ن ت َك ُههو ُ‬
‫مه ْ‬
‫عن ْدِهِ وَ َ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫جاَء ِبال ْهُ َ‬
‫دى ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫سى َرّبي أعْل َ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬‫وََقا َ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫مو َ‬‫ظال ِ ُ‬‫ح ال ّ‬ ‫ه ل ي ُْفل ِ ُ‬
‫دارِ إ ِن ّ ُ‬
‫ة ال ّ‬‫عاقِب َ ُ‬
‫َ‬
‫وقال موسى لفرعون‪ :‬ربي أعلم بالمحقّ مّنا الذي جاء بالرشاد من‬
‫من الذي له العقبى المحمودة في الدار الخرة‪ ,‬إنه ل يظفر‬‫عنده‪ ,‬و َ‬
‫الظالمون بمطلوبهم‪.‬‬

‫ري فَأ َوْقِد ْ ِلي ي َهها‬


‫ن إ ِل َهٍ غَي ِْ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ُ‬
‫ما عَل ِ ْ‬
‫مل َ‬
‫َ‬
‫ن َيا أي َّها ال ْ َ‬‫ل فِْرعَوْ ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫َ‬
‫سههى‬ ‫مو َ‬‫صْرحا ً ل َعَل ّههي أط ّل ِهعُ إ ِل َههى إ ِل َههِ ُ‬‫جَعل ِلي َ‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫ّ‬
‫ن َعَلى الطي ِ‬
‫ما ُ َ‬ ‫ها َ‬‫َ‬
‫ن )‪(38‬‬ ‫كاذِِبي َ‬‫ن ال ْ َ‬‫م ْ‬‫ه ِ‬‫وَإ ِّني لظ ُن ّ ُ‬
‫وقال فرعون لشراف قومه‪ :‬يا أيها المل ما علمت لكم من إله‬
‫غيري يستحق العبادة‪ ,‬فأ ْ‬
‫شِعل لي ‪-‬يا هامان‪ -‬على الطين ناًرا‪ ,‬حتى‬
‫ن لي بناء عالًيا; لعلي أنظر إلى معبود موسى الذي يعبده‬‫يشتد‪ ,‬واب ْ ِ‬
‫ويدعو إلى عبادته‪ ,‬وإني لظنه فيما يقول من الكاذبين‪.‬‬

‫م إ ِل َي َْنها ل‬ ‫َ‬ ‫جُنهود ُه فِههي ال َ‬


‫حهقّ وَظ َّنهوا أن ُّهه ْ‬
‫ض ب ِغَْيهرِ ال ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ست َك ْب ََر ُ‬
‫ههوَ وَ ُ‬ ‫َوا ْ‬
‫ن )‪(39‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ي ُْر َ‬
‫واستعلى فرعون وجنوده في أرض "مصر" بغير الحق عن تصديق‬
‫موسى واّتباعه على ما دعاهم إليه‪ ,‬وحسبوا أنهم بعد مماتهم ل‬
‫يبعثون‪.‬‬

‫َ‬
‫ة‬
‫عاقَِبهه ُ‬
‫ن َ‬
‫كهها َ‬ ‫م َفههانظ ُْر ك َْيهه َ‬
‫ف َ‬ ‫م ِفههي ال َْيهه ّ‬
‫جُنههود َهُ فَن ََبههذ َْناهُ ْ‬
‫خههذ َْناهُ وَ ُ‬ ‫فَأ َ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫فأخذنا فرعون وجنوده‪ ,‬فألقيناهم جميًعا في البحر وأغرقناهم‪,‬‬
‫فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف كان نهاية هؤلء الذين ظلموا أنفسهم‪,‬‬
‫فكفروا بربهم؟‬

‫وجعل ْناهُ َ‬
‫ن )‪(41‬‬
‫صُرو َ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫مةِ ل ُين َ‬ ‫ن إ َِلى الّنارِ وَي َوْ َ‬
‫عو َ‬
‫ة ي َد ْ ُ‬
‫م ً‬
‫م أئ ِ ّ‬
‫َ َ َ َ ْ‬

‫‪771‬‬
‫وجعلنا فرعون وقومه قادة إلى النار‪َ ,‬يقتدي بهم أهل الكفر‬
‫والفسق‪ ,‬ويوم القيامة ل ينصرون; وذلك بسبب كفرهم وتكذيبهم‬
‫رسول ربهم وإصرارهم على ذلك‪.‬‬

‫َ‬
‫ن)‬
‫حي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مْقب ُههو ِ‬ ‫مه ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫م هة ِ ه ُ ه ْ‬ ‫م ِفي هَذِهِ الد ّن َْيا ل َعْن َ ً‬
‫ة وَي َوْ َ‬ ‫وَأت ْب َعَْناهُ ْ‬
‫‪(42‬‬
‫وأتبعنا فرعون وقومه في هذه الدنيا خزًيا وغضًبا منا عليهم‪ ,‬ويوم‬
‫القيامة هم من المستقذرة أفعالهم‪ ,‬المبعدين عن رحمة الله‪.‬‬

‫من ب َعْدِ ما أ َهْل َك ْن َهها ال ُْقهرو َ ُ‬


‫ن الول َههى ب َ َ‬
‫صههائ َِر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ب ِ ْ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬ ‫وَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ‬
‫مو َ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫ة ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬
‫دى وََر ْ‬
‫س وَهُ ً‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫ولقد آتينا موسى التوراة من بعد ما أهلكنا المم التي كانت من‬
‫قبله ‪-‬كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب "مدين"‪ -‬فيها‬
‫بصائر لبني إسرائيل‪ ,‬يبصرون بها ما ينفعهم وما يضرهم‪ ,‬وفيها‬
‫رحمة لمن عمل بها منهم; لعلهم يتذكرون ن َِعم الله عليهم‪,‬‬
‫فيشكروه عليها‪ ,‬ول يكفروه‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ت ِ‬ ‫مهها ُ‬
‫كنه َ‬ ‫مهَر وَ َ‬
‫سى ال ْ‬ ‫ضي َْنا إ َِلى ُ‬
‫مو َ‬ ‫ب ال ْغَْرب ِ ّ‬
‫ي إ ِذ ْ قَ َ‬ ‫جان ِ ِ‬
‫ت بِ َ‬‫كن َ‬‫ما ُ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(44‬‬ ‫دي َ‬
‫شاهِ ِ‬‫ال ّ‬
‫وما كنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بجانب الجبل الغربي من موسى إذ كّلفناه‬
‫مرنا ون َْهينا‪ ,‬وما كنت من الشاهدين لذلك‪ ,‬حتى يقال‪ :‬إنه وصل‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫إليك من هذا الطريق‪.‬‬

‫ل‬ ‫ه‬ ‫ه‬‫كن هت َثاوي ها ً فههي أ َ‬


‫ُ‬ ‫ها‬
‫ه‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ر‬‫م‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫طا‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫رون‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫نا‬ ‫شأ ْ‬
‫وَل َك ِّنا َأن َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫م آَيات َِنا وَل َك ِّنا ك ُّنا ُ‬ ‫ن ت َت ُْلوا عَل َي ْهِ ْ‬
‫مد ْي َ َ‬ ‫َ‬
‫ما من بعد موسى‪ ,‬فمكثوا زمًنا طويل فنسوا عهد‬ ‫ولكنا خلقنا أم ً‬
‫ما في أهل "مدين" تقرأ عليهم‬ ‫الله‪ ,‬وتركوا أمره‪ ,‬وما كنت مقي ً‬
‫كتابنا‪ ,‬فتعرف قصتهم وتخبر بها‪ ,‬ولكن ذلك الخبر الذي جئت به‬
‫عن موسى وحي‪ ,‬وشاهد على رسالتك‪.‬‬

‫‪772‬‬
‫وما ً َ‬
‫ما‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك ل ُِتنذَِر قَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫م ً‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬‫طورِ إ ِذ ْ َناد َي َْنا وَل َك ِ ْ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫جان ِ ِ‬
‫ت بِ َ‬ ‫ما ُ‬
‫كن َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫ك ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ذيرٍ ِ‬ ‫ن نَ ِ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬‫أَتاهُ ْ‬
‫وما كنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بجانب جبل الطور حين نادينا موسى‪ ,‬ولم‬
‫تشهد شيًئا من ذلك فتعلمه‪ ,‬ولكنا أرسلناك رحمة من ربك; لتنذر‬
‫ت‬
‫من قبلك من نذير; لعلهم يتذكرون الخير الذي جئ َ‬ ‫ما لم يأتهم ِ‬
‫قو ً‬
‫ت عنه فيجتنبوه‪.‬‬‫به فيفعلوه‪ ,‬والشّر الذي َنهي َ‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫سل ْ َ‬
‫ت‬ ‫م فَي َُقوُلوا َرب َّنا ل َ ْ‬
‫ول أْر َ‬ ‫ديهِ ْ‬‫ت أي ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ما قَد ّ َ‬
‫ة بِ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬‫ول أ ْ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫كو َ‬‫ك وَن َ ُ‬ ‫سول ً فَن َت ّب ِعَ آَيات ِ َ‬‫إ ِل َي َْنا َر ُ‬
‫ولول أن ينزل بهؤلء الكفار عذاب بسبب كفرهم بربهم‪ ,‬فيقولوا‪:‬‬
‫ربنا هل أرسلت إلينا رسول من قبل‪ ,‬فنتبع آياتك المنزلة في كتابك‪,‬‬
‫ونكون من المؤمنين بك‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سههى‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُ‬‫مهها أوت ِه َ‬
‫ل َ‬‫مث ْ َ‬
‫ي ِ‬‫ول أوت ِ َ‬‫عن ْدَِنا َقاُلوا ل َ ْ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬‫حقّ ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جاَءهُ ْ‬‫ما َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ظاهََرا وََقههاُلوا‬‫ن تَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫حَرا ِ‬‫س ْ‬ ‫ل َقاُلوا ِ‬‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬‫سى ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُ‬‫ما أوت ِ َ‬ ‫م ي َك ُْفُروا ب ِ َ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫ن )‪(48‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ل َ‬ ‫إ ِّنا ب ِك ُ ّ‬
‫فلما جاء محمد هؤلء القوم نذيًرا لهم‪ ,‬قالوا‪ :‬هل أوتي هذا الذي‬
‫ب نزل‬ ‫ُ‬
‫أرسل إلينا مثل ما أوتي موسى من معجزات حسية‪ ,‬وكتا ٍ‬
‫جملة واحدة! قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهم‪ :‬أولم يكفر اليهود بما أوتي‬
‫موسى من قبل؟ قالوا‪ :‬في التوراة والقرآن سحران تعاونا في‬
‫سحرهما‪ ,‬وقالوا‪ :‬نحن بكل منهما كافرون‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬


‫م‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُه ْ‬ ‫ه إِ ْ‬
‫مهها أت ّب ِعْه ُ‬
‫من ْهُ َ‬ ‫عن ْهدِ الل ّههِ هُهوَ أهْه َ‬
‫دى ِ‬ ‫ن ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ل فَهأُتوا ب ِك ِت َهها ٍ‬
‫ب ِ‬ ‫ق ُه ْ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫صادِِقي َ‬
‫َ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء‪ :‬فأتوا بكتاب من عند الله هو أقوم من‬
‫التوراة والقرآن أتبعه‪ ,‬إن كنتم صادقين في زعمكم‪.‬‬

‫ك َفاعْل َم أ َنما يتبعون أ َهْواَءهُم ومه َ‬


‫جيُبوا ل َ َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬
‫م ّ‬ ‫ضه ّ‬
‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬‫ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ّ َ َُِّ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬

‫‪773‬‬
‫ن )‪(50‬‬
‫مي َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫دي ال َْقوْ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ّ‬
‫م ْ‬
‫دى ِ‬
‫واهُ ب ِغَي ْرِ هُ ً‬
‫ات ّب َعَ هَ َ‬
‫فإن لم يستجيبوا لك بالتيان بالكتاب‪ ,‬ولم تبق لهم حجة‪ ,‬فاعلم‬
‫أنما يتبعون أهواءهم‪ ,‬ول أحد أكثر ضلل ممن اتبع هواه بغير هدى‬
‫من الله‪ .‬إن الله ل يوّفق لصابة الحق القوم الظالمين الذين‬
‫خالفوا أمر الله‪ ,‬وتجاوزوا حدوده‪.‬‬

‫ل ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫م ال َْقوْ َ‬
‫صل َْنا ل َهُ ْ‬
‫وَل ََقد ْ وَ ّ‬
‫صلنا وبّينا القرآن رحمة بقومك أيها الرسول؛ لعلهم‬
‫ولقد ف ّ‬
‫يتذكرون‪ ,‬فيتعظوا به‪.‬‬

‫ن )‪(52‬‬
‫مُنو َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ هُ ْ‬
‫م ب ِهِ ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬
‫ب ِ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ْ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الذين آتيناهم الكتاب من قبل القرآن ‪-‬وهم اليهود والنصارى الذين‬
‫دلوا‪ -‬يؤمنون بالقرآن وبمحمد عليه الصلة والسلم‪.‬‬ ‫لم يب ّ‬

‫ن قَب ْل ِه ِ‬
‫ه‬ ‫ن َرب ّن َهها إ ِن ّهها ك ُن ّهها ِ‬
‫مه ْ‬ ‫مه ْ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫حقّ ِ‬ ‫م َقاُلوا آ َ‬
‫مّنا ب ِهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ذا ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ن )‪(53‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫دقنا به‪,‬‬
‫وإذا يتلى هذا القرآن على الذين آتيناهم الكتاب‪ ,‬قالوا‪ :‬ص ّ‬
‫وعملنا بما فيه‪ ,‬إنه الحق من عند ربنا‪ ,‬إنا كنا من قبل نزوله‬
‫مسلمين موحدين‪ ،‬فدين الله واحد‪ ,‬وهو السلم‪.‬‬

‫ك يؤْتون أ َ‬ ‫أ ُوْل َ‬
‫س هي ّئ َ َ‬
‫ة‬ ‫س هن َةِ ال ّ‬‫ح َ‬‫ن ِبال ْ َ‬ ‫ص هب َُروا وَي َهد َْرُءو َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن بِ َ‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ت‬‫ر‬‫ّ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ه وَقههالوا‬ ‫ضههوا عَن ْه ُ‬ ‫مُعوا اللغْوَ أعَْر ُ‬ ‫س ِ‬‫ذا َ‬ ‫ن )‪ (54‬وَإ ِ َ‬ ‫فُقو َ‬ ‫م ُين ِ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫م ل ن َب ْت َِغي ال ْ َ‬
‫م عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫سل ٌ‬ ‫م َ‬ ‫مال ُك ُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫مال َُنا وَل َك ُ ْ‬
‫ل ََنا أعْ َ‬
‫ون ثواب عملهم مرتين‪ :‬على‬ ‫ت صفُتهم ُيؤت َ ْ‬
‫م ْ‬
‫هؤلء الذين تقد ّ َ‬
‫اليمان بكتابهم‪ ,‬وعلى إيمانهم بالقرآن بما صبروا‪ ,‬ومن أوصافهم‬
‫أنهم يدفعون السيئة بالحسنة‪ ,‬ومما رزقناهم ينفقون في سبيل‬
‫صغوا‬
‫الخير والبر‪ .‬وإذا سمع هؤلء القوم الباطل من القول لم ي ُ ْ‬
‫إليه‪ ,‬وقالوا‪ :‬لنا أعمالنا ل نحيد عنها‪ ,‬ولكم أعمالكم ووزرها عليكم‪,‬‬

‫‪774‬‬
‫فنحن ل نشغل أنفسنا بالرد عليكم‪ ,‬ول تسمعون مّنا إل الخير‪ ,‬ول‬
‫نخاطبهم بمقتضى جهلكم; لننا ل نريد طريق الجاهلين ول نحبها‪.‬‬
‫وهذا من خير ما يقوله الدعاة إلى الله‪.‬‬

‫َ‬ ‫ك ل تهدي مه َ‬
‫شههاُء وَهُهوَ أعْل َه ُ‬
‫م‬ ‫ن يَ َ‬
‫مه ْ‬
‫دي َ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه ي َهْه ِ‬ ‫ت وَل َك ِه ّ‬
‫حب َب ْه َ‬
‫نأ ْ‬‫َ ْ‬ ‫َْ ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪(56‬‬‫دي َ‬
‫مهْت َ ِ‬‫ِبال ْ ُ‬
‫من أحببت هدايته‪ ,‬ولكن‬‫إنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ل تهدي هداية توفيق َ‬
‫من يشاء أن يهديه لليمان‪ ,‬ويوفقه إليه‪ ,‬وهو‬ ‫ذلك بيد الله يهدي َ‬
‫أعلم بمن يصلح للهداية فيهديه‪.‬‬

‫حَرما ً‬ ‫َ‬ ‫فم َ‬


‫م َ‬‫ن ل َهُ ْ‬‫مك ّ ْ‬ ‫ضَنا أوَل َ ْ‬
‫م نُ َ‬ ‫خط ّ ْ ِ ْ‬
‫ن أْر ِ‬ ‫ك ن ُت َ َ‬‫مع َ َ‬
‫دى َ‬ ‫ن ن َت ّب ِعْ ال ْهُ َ‬ ‫وََقاُلوا إ ِ ْ‬
‫شهيٍء رزقها ً مهن ل َهدنا ول َكه َ‬
‫مل‬ ‫ن أك ْث ََرهُه ْ‬
‫ُّ َ ِ ّ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ل َ ْ ِْ‬ ‫ت ك ُه ّ‬‫مهَرا ُ‬ ‫جَبى إ ِل َي ْهِ ث َ َ‬ ‫منا ً ي ُ ْ‬
‫آ ِ‬
‫ن )‪(57‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫وقال كفار "مكة"‪ :‬إن نتبع الحق الذي جئتنا به‪ ,‬ونتبرأ من الولياء‬
‫ف من أرضنا بالقتل والسر ونهب الموال‪ ,‬أولم‬ ‫خط ّ ْ‬
‫واللهة‪ ,‬ن ُت َ َ‬
‫نجعلهم متمكنين في بلد آمن‪ ,‬حّرمنا على الناس سفك الدماء فيه‪,‬‬
‫من لدنا؟ ولكن أكثر هؤلء‬ ‫ُيجلب إليه ثمرات كل شيء رزًقا ِ‬
‫من أنعم‬ ‫در هذه النعم عليهم‪ ,‬فيشكروا َ‬ ‫المشركين ل يعلمون قَ ْ‬
‫عليهم بها ويطيعوه‪.‬‬

‫وك َ َ‬
‫س هك َ ْ‬
‫ن‬ ‫م ل َه ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫سههاك ِن ُهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫شهت ََها فَت ِل ْه َ‬
‫ك َ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ت َ‬‫ن قَْري َةٍ ب َط َِر ْ‬
‫م ْ‬ ‫م أهْل َك َْنا ِ‬‫َ ْ‬
‫ن )‪(58‬‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬‫ح ُ‬ ‫ُ‬
‫م إ ِل ّ قَِليل ً وَكّنا ن َ ْ‬
‫ن ب َعْدِهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫وكثير من أهل القرى أهلكناهم حين أ َل َْهتهم معيشتهم عن اليمان‬
‫وا‪ ,‬فتلك مساكنهم لم ُتسكن من بعدهم إل‬ ‫بالرسل‪ ,‬فكفروا وطغَ ْ‬
‫قليل منها‪ ,‬وكنا نحن الوارثين للعباد نميتهم‪ ,‬ثم يرجعون إلينا‪,‬‬
‫فنجازيهم بأعمالهم‪.‬‬

‫ُ‬
‫سول ً ي َت ْل ُههوا عَل َي ْهِ ه ْ‬
‫م‬ ‫مَها َر ُ‬‫ث ِفي أ ّ‬ ‫ك ال ُْقَرى َ‬
‫حّتى ي َب ْعَ َ‬ ‫مهْل ِ َ‬‫ك ُ‬‫ن َرب ّ َ‬
‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫كي ال ُْقَرى إ ِل ّ وَأهْل َُها َ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ما ك ُّنا ُ‬
‫مهْل ِ ِ‬ ‫آَيات َِنا وَ َ‬

‫‪775‬‬
‫وما كان ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬مهلك القرى التي حول "مكة" في‬
‫زمانك حتى يبعث في أمها ‪-‬وهي "مكة"‪ -‬رسول يتلو عليهم آياتنا‪,‬‬
‫وما كنا مهلكي القرى إل وأهلها ظالمون لنفسهم بكفرهم بالله‬
‫ومعصيته‪ ,‬فهم بذلك مستحقون للعقوبة والنكال‪.‬‬

‫عن ْهد َ الل ّههِ َ‬ ‫ُ‬


‫خي ْهٌر‬ ‫ما ِ‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِزين َت َُها وَ َ‬ ‫يٍء فَ َ‬
‫ش ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما أوِتيت ُ ْ‬
‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(60‬‬ ‫وَأب َْقى أَفل ت َعِْقُلو َ‬
‫وما ُأعطيتم ‪-‬أيها الناس‪ -‬من شيء من الموال والولد‪ ,‬فإنما هو‬
‫متاع تتمتعون به في هذه الحياة الدنيا‪ ,‬وزينة ُيتزّين بها‪ ,‬وما عند‬
‫الله لهل طاعته ووليته خير وأبقى; لنه دائم ل نفاد له‪ ,‬أفل تكون‬
‫لكم عقول ‪-‬أيها القوم‪ -‬تتدبرون بها‪ ,‬فتعرفون الخير من الشر؟‬

‫َ‬
‫مَتاعَ ال ْ َ‬
‫حي َههاةِ ال هد ّن َْيا‬ ‫مت ّعَْناهُ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬‫سنا ً فَهُوَ لِقيهِ ك َ َ‬‫ح َ‬‫عدا ً َ‬
‫ن وَعَد َْناهُ وَ ْ‬ ‫م ْ‬‫أفَ َ‬
‫ن )‪(61‬‬ ‫ري َ‬
‫ض ِ‬
‫ح َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫مة ِ ِ‬ ‫م هُوَ ي َوْ َ‬‫ثُ ّ‬
‫د‪,‬‬
‫ع َ‬ ‫خْلقنا على طاعته إيانا الجنة‪ ,‬فهو مل ٍ‬
‫ق ما وُ ِ‬ ‫من َ‬
‫من وعدناه ِ‬‫أف َ‬
‫وصائر إليه‪ ,‬كمن متعناه في الحياة الدنيا متاعها‪ ,‬فتمتع به‪ ,‬وآثر لذة‬
‫عاجلة على آجلة‪ ,‬ثم هو يوم القيامة من المحضرين للحساب‬
‫والجزاء؟ ل يستوي الفريقان‪ ,‬فليختر العاقل لنفسه ما هو أولى‬
‫بالختيار‪ ,‬وهو طاعة الله وابتغاء مرضاته‪.‬‬

‫ويوم يناديهم فَيُقو ُ َ‬


‫ن )‪(62‬‬
‫مو َ‬
‫م ت َْزعُ ُ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫كاِئي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫شَر َ‬
‫ن ُ‬
‫ل أي ْ َ‬ ‫ََ ْ َ َُ ِ ِ ْ َ‬
‫ويوم ينادي الله عز وجل الذين أشركوا به الولياء والوثان في‬
‫الدنيا‪ ,‬فيقول لهم‪ :‬أين شركائي الذين كنتم تزعمون أنهم لي‬
‫شركاء؟‬

‫َ‬ ‫ؤلِء ال ّذي َ‬ ‫م ال َْقوْ ُ‬


‫م كَ َ‬
‫مهها‬ ‫ن أغْوَي ْن َهها أغْوَي ْن َههاهُ ْ‬
‫ِ َ‬ ‫ل َرب َّنا هَ ُ‬ ‫حقّ عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ن )‪(63‬‬ ‫ما َ‬ ‫ْ‬
‫غَوَي َْنا ت َب َّرأَنا إ ِل َي ْ َ‬
‫دو َ‬
‫كاُنوا إ ِّياَنا ي َعْب ُ ُ‬ ‫ك َ‬

‫‪776‬‬
‫قال الذين حقّ عليهم العذاب‪ ,‬وهم دعاة الكفر‪ :‬ربنا هؤلء الذين‬
‫من وليتهم ونصرتهم‪ ,‬ما‬ ‫أضللنا‪ ,‬أضللناهم كما ضللنا‪ ,‬تبرأنا إليك ِ‬
‫كانوا إيانا يعبدون‪ ,‬وإنما كانوا يعبدون الشياطين‪.‬‬

‫ب ل َه ْ‬
‫و‬ ‫م وََرأ َْوا ال ْعَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫جيُبوا ل َهُ ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫م فَل َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫كاَءك ُ ْ‬
‫م فَد َعَوْهُ ْ‬ ‫شَر َ‬‫عوا ُ‬ ‫وَِقي َ‬
‫ل اد ْ ُ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫دو َ‬
‫كاُنوا ي َهْت َ ُ‬ ‫أن ّهُ ْ‬
‫وقيل للمشركين بالله يوم القيامة‪ :‬ادعوا شركاءكم الذين كنتم‬
‫تعبدونهم من دون الله‪ ,‬فدعوهم فلم يستجيبوا لهم‪ ,‬وعاينوا‬
‫العذاب‪ ,‬لو أنهم كانوا في الدنيا مهتدين للحق لما عُ ّ‬
‫ذبوا‪.‬‬

‫ل ما َ َ‬
‫ن )‪(65‬‬
‫سِلي َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫جب ْت ُ ْ‬
‫ذا أ َ‬ ‫م فَي َُقو ُ َ‬
‫م ي َُناِديهِ ْ‬
‫وَي َوْ َ‬
‫ويوم ينادي الله هؤلء المشركين‪ ,‬فيقول‪ :‬بأيّ شيء أجبتم‬
‫المرسلين فيما أرسلناهم به إليكم؟‬

‫ساَءُلو َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫مئ ِذٍ فَهُ ْ‬
‫م ل ي َت َ َ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬
‫م الن َْباُء ي َوْ َ‬ ‫فَعَ ِ‬
‫مي َ ْ‬
‫دروا ما يحتجون به‪ ,‬فهم ل يسأل‬
‫فخفيت عليهم الحجج‪ ,‬فلم ي َ ْ‬
‫ضا عما يحتجون به سؤال انتفاع‪.‬‬ ‫بعضهم بع ً‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬
‫حيهه َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مْفل ِ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ن يَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫صاِلحا ً فَعَ َ‬
‫سى أ ْ‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬
‫م َ‬
‫ب َوآ َ‬
‫ن َتا َ‬
‫م ْ‬ ‫فَأ ّ‬
‫ما َ‬
‫‪(67‬‬
‫فأما من تاب من المشركين‪ ,‬وأخلص لله العبادة‪ ,‬وعمل بما أمره‬
‫الله به ورسوله‪ ,‬فهو من الفائزين في الدارين‪.‬‬

‫ن الل ّهِ وَت ََعاَلى‬


‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫خي ََرةُ ُ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫خَتاُر َ‬
‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫خل ُقُ َ‬
‫ما ي َ َ‬ ‫ك يَ ْ‬‫وََرب ّ َ‬
‫ن )‪(68‬‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ما ي ُ ْ‬‫عَ ّ‬
‫من يشاء من‬‫وربك يخلق ما يشاء أن يخلقه‪ ,‬ويصطفي لوليته َ‬
‫خلقه‪ ,‬وليس لحد من المر والختيار شيء‪ ,‬وإنما ذلك لله وحده‬
‫سبحانه‪ ,‬تعالى وتنّزه عن شركهم‪.‬‬
‫‪777‬‬
‫ن )‪(69‬‬
‫ما ي ُعْل ُِنو َ‬
‫م وَ َ‬
‫دوُرهُ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ن ُ‬
‫ما ت ُك ِ ّ‬ ‫ك ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫وََرب ّ َ‬

‫وربك يعلم ما ُتخفي صدور خلقه وما يظهرونه‪.‬‬

‫م وَإ ِل َي ْهِ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫حمد ُ ِفي ا ُ‬


‫حك ْ ُ‬ ‫خَرةِ وَل َ ُ‬
‫لوَلى َوال ِ‬ ‫ه ال ْ َ ْ‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ ل َ ُ‬
‫ه ل إ ِل َ َ‬
‫وَهُوَ الل ّ ُ‬
‫ن )‪(70‬‬ ‫جُعو َ‬‫ت ُْر َ‬
‫وهو الله الذي ل معبود بحق سواه‪ ,‬له الثناء الجميل والشكر في‬
‫دون بعد مماتكم‬
‫الدنيا والخرة‪ ,‬وله الحكم بين خلقه‪ ,‬وإليه ت َُر ّ‬
‫للحساب والجزاء‪.‬‬

‫قُ ْ َ َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫مدا ً إ َِلى ي َهوْم ِ ال ِْقَيا َ‬
‫م هة ِ َ‬ ‫سْر َ‬
‫ل َ‬‫م الل ّي ْ َ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ل الل ّ ُ‬‫جع َ َ‬‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(71‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫ضَياٍء أَفل ت َ ْ‬ ‫م بِ ِ‬‫ه غَي ُْر الل ّهِ ي َأِتيك ُ ْ‬‫إ ِل َ ٌ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬أخبروني ‪-‬أيها الناس‪ -‬إن جعل الله عليكم الليل‬
‫من إله غير الله يأتيكم بضياء تستضيئون به؟‬
‫ما إلى يوم القيامة‪َ ,‬‬
‫دائ ً‬
‫أفل تسمعون سماع فهم وَقبول؟‬

‫قُ ْ َ َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫مدا ً إ َِلى ي َهوْم ِ ال ِْقَيا َ‬
‫م هة ِ َ‬ ‫سْر َ‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م الن َّهاَر َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جع َ َ‬‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬
‫ل أَرأي ْت ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫إل َه غَير الل ّه يأ ْ‬
‫ن )‪(72‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫ن ِفيهِ أَفل ت ُب ْ ِ‬‫سك ُُنو َ‬ ‫ل تَ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫تي‬
‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ٌ ُْ‬
‫ما إلى يوم القيامة‪,‬‬
‫قل لهم‪ :‬أخبروني إن جعل الله عليكم النهار دائ ً‬
‫من إله غير الله يأتيكم بليل تستقرون وتهدؤون فيه؟ أفل ترون‬ ‫َ‬
‫بأبصاركم اختلف الليل والنهار؟‬

‫ن فَ ْ‬
‫ضل ِهِ‬ ‫سك ُُنوا ِفيهِ وَل ِت َب ْت َُغوا ِ‬
‫م ْ‬ ‫م الل ّي ْ َ‬
‫ل َوالن َّهاَر ل ِت َ ْ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫جع َ َ‬
‫مت ِهِ َ‬‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ن )‪(73‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫وَل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ومن رحمته بكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬أن جعل لكم الليل والنهار فخالف‬
‫ما؛ لتستقروا فيه وترتاح أبدانكم‪ ,‬وجعل‬
‫بينهما‪ ,‬فجعل هذا الليل ظل ً‬
‫لكم النهار ضياًء; لتطلبوا فيه معايشكم‪ ,‬ولتشكروا له على إنعامه‬
‫عليكم بذلك‪.‬‬

‫‪778‬‬
‫ويوم يناديهم فَيُقو ُ َ‬
‫ن )‪(74‬‬
‫مو َ‬
‫م ت َْزعُ ُ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫كاِئي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫شَر َ‬
‫ن ُ‬
‫ل أي ْ َ‬ ‫ََ ْ َ َُ ِ ِ ْ َ‬
‫ويوم ينادي الله هؤلء المشركين‪ ,‬فيقول لهم‪ :‬أين شركائي الذين‬
‫كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شركائي؟‬

‫َ‬ ‫ونزعْنا من ك ُ ّ ُ‬
‫حقّ ل ِل ّهِ‬
‫ن ال ْ َ‬
‫موا أ ّ‬ ‫هان َك ُ ْ‬
‫م فَعَل ِ ُ‬ ‫شِهيدا ً فَُقل َْنا َ‬
‫هاُتوا ب ُْر َ‬ ‫مة ٍ َ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َََ َ ِ ْ‬
‫ن )‪(75‬‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َْفت َُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ض ّ‬
‫ل عَن ْهُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ونزعنا من كل أمة من المم المكذبة شهيدا ‪-‬وهو نبّيهم‪ ,-‬يشهد‬
‫على ما جرى في الدنيا من شركهم وتكذيبهم لرسلهم‪ ,‬فقلنا لتلك‬
‫المم التي كذبت رسلها وما جاءت به من عند الله‪ :‬هاتوا حجتكم‬
‫على ما أشركتم مع الله‪ ,‬فعلموا حينئذ أن الحجة البالغة لله عليهم‪,‬‬
‫وأن الحق لله‪ ,‬وذهب عنهم ما كانوا يفترون على ربهم‪ ,‬فلم ينفعهم‬
‫ذلك‪ ,‬بل ضّرهم وأوردهم نار جهنم‪.‬‬

‫ن ال ْك ُُنههوزِ َ‬
‫مهها‬ ‫م ْ‬ ‫سى فَب ََغى عَل َي ْهِ ْ‬
‫م َوآت َي َْناهُ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ن قَوْم ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َقاُرو َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫ح إِ ّ‬
‫ه ل ت َْف هَر ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ل َه ُ‬
‫ه ق َ هو ْ ُ‬ ‫صب َةِ أوِلي ال ُْقوّةِ إ ِذ ْ قَهها َ‬‫ه ل َت َُنوُء ِبال ْعُ ْ‬
‫ح ُ‬‫مَفات ِ َ‬
‫ن َ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن )‪(76‬‬ ‫حي َ‬ ‫ب ال َْفرِ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬‫الل ّ َ‬
‫ده‬
‫إن قارون كان من قوم موسى ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ -‬فتجاوز ح ّ‬
‫في الك ِْبر والتجبر عليهم‪ ,‬وآتينا قارون من كنوز الموال شيًئا‬
‫ن مفاتحه َليثقل حملها على العدد الكثير من القوياء‪,‬‬ ‫ما‪ ,‬حتى إ ّ‬‫عظي ً‬
‫حا بما أنت فيه من المال‪ ,‬إن الله ل‬
‫إذ قال له قومه‪ :‬ل تبطر فر ً‬
‫طرين الذين ل يشكرون لله تعالى ما أعطاهم‪.‬‬ ‫من خلقه الب َ ِ‬ ‫يحب ِ‬

‫َ‬
‫ن‬
‫س ْ‬‫ح ِ‬ ‫ن الد ّن َْيا وَأ ْ‬‫م ْ‬‫ك ِ‬‫صيب َ َ‬ ‫س نَ ِ‬
‫خَرةَ َول َتن َ‬ ‫داَر ال ِ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫ه ال ّ‬ ‫ما آَتا َ‬ ‫َواب ْت َِغ ِفي َ‬
‫ك ول ت َب ْهغ ال َْفسههاد َ فِههي ال َ‬ ‫ك َما أ َ‬
‫ب‬‫حه ّ‬‫ه ل يُ ِ‬‫ن الل ّه َ‬ ‫ض إِ ّ‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ي‬‫ه إ ِل َ‬
‫ُ‬ ‫ه‬‫ن الل ّ‬
‫َ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(77‬‬ ‫دي َ‬ ‫س ِ‬ ‫مْف ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫والتمس فيما أتاك الله من الموال ثواب الدار الخرة‪ ,‬بالعمل فيها‬
‫بطاعة الله في الدنيا‪ ,‬ول تترك حظك من الدنيا‪ ,‬بأن تتمتع فيها‬
‫بالحلل دون إسراف‪ ,‬وأحسن إلى الناس بالصدقة‪ ,‬كما أحسن الله‬

‫‪779‬‬
‫إليك بهذه الموال الكثيرة‪ ,‬ول تلتمس ما حّرم الله عليك من البغي‬
‫على قومك‪ ,‬إن الله ل يحب المفسدين‪.‬‬

‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ه قَ هد ْ أ َهْل َه َ‬
‫ك ِ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫عندي أ َول َم يعل َه َ‬
‫مأ ّ‬ ‫َ ْ َْ ْ‬ ‫عل ْم ٍ ِ ِ‬
‫ه عََلى ِ‬ ‫ُ‬
‫ما أوِتيت ُ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ل عَه ْ‬ ‫معها ً َول ي ُ ْ‬
‫س هأ ُ‬ ‫ه قُهوّةً وَأك ْث َهُر َ‬
‫ج ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن هُوَ أ َ‬
‫شد ّ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن َ‬‫ن الُقُرو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قَب ْل ِهِ ِ‬
‫ن )‪(78‬‬ ‫مو َ‬ ‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫ت هذه الكنوز بما‬ ‫ُ‬
‫قال قارون لقومه الذين وعظوه‪ :‬إنما أعطي ُ‬
‫من‬
‫عندي من العلم والقدرة‪ ,‬أولم يعلم قارون أن الله قد أهلك ِ‬
‫شا‪ ,‬وأكثر جمًعا للموال؟ ول‬ ‫من هو أشد منه بط ً‬‫قبله من المم َ‬
‫سألون‬ ‫ُيسأل عن ذنوبهم المجرمون; لعلم الله تعالى بها‪ ,‬إنما ي ُ ْ‬
‫سؤال توبيخ وتقرير‪ ,‬ويعاقبهم الله على ما علمه منهم‪.‬‬

‫دنَيا َيا ل َْيهه َ‬


‫ت‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫حَياةَ ال ّ‬ ‫دو َ‬
‫ري ُ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مهِ ِفي ِزين َت ِهِ َقا َ‬ ‫ج عََلى قَوْ ِ‬‫خَر َ‬‫فَ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ُ‬
‫ظيم ٍ )‪(79‬‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫ي َقاُرو ُ‬
‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬
‫ل َ‬ ‫ل ََنا ِ‬
‫مث ْ َ‬
‫دا بذلك إظهار عظمته‬ ‫فخرج قارون على قومه في زينته‪ ,‬مري ً‬
‫وكثرة أمواله‪ ,‬وحين رآه الذين يريدون زينة الحياة الدنيا قالوا‪ :‬يا‬
‫ليت لنا مثل ما ُأعطي قارون من المال والزينة والجاه‪ ,‬إن قارون‬
‫لذو نصيب عظيم من الدنيا‪.‬‬

‫ب الّلههِ َ‬ ‫م وَي ْل َ ُ‬ ‫ل ال ّذي ُ‬


‫مه َ‬
‫ل‬ ‫ن وَعَ ِ‬
‫مه َ‬
‫نآ َ‬
‫مه ْ‬
‫خْيهٌر ل ِ َ‬ ‫م َثه َ‬
‫وا ُ‬ ‫كه ْ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِْله َ‬ ‫ِ َ‬ ‫وََقا َ‬
‫ن )‪(80‬‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ها إ ِل ّ ال ّ‬‫صاِلحا ً َول ي ُل َّقا َ‬‫َ‬
‫وقال الذين أوتوا العلم بالله وشرعه وعرفوا حقائق المور للذين‬
‫قالوا‪ :‬يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون‪ :‬ويلكم اتقوا الله وأطيعوه‪,‬‬
‫ب الله لمن آمن به وبرسله‪ ,‬وعمل العمال الصالحة‪ ,‬خيٌر مما‬ ‫ثوا ُ‬
‫أوتي قارون‪ ,‬ول ي َت ََقّبل هذه النصيحة ويوّفق إليها ويعمل بها إل َ‬
‫من‬
‫يجاهد نفسه‪ ,‬ويصبر على طاعة ربه‪ ,‬ويجتنب معاصيه‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫مه ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ن فِئ َةٍ َين ُ‬
‫ص هُرون َ ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن ل َه ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫ض فَ َ‬
‫دارِهِ الْر َ‬ ‫سْفَنا ب ِهِ وَب ِ َ‬‫خ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن )‪(81‬‬ ‫ري َ‬
‫ص ِ‬
‫من ْت َ ِ‬
‫ن ال ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫الل ّهِ وَ َ‬

‫‪780‬‬
‫فخسفنا بقارون وبداره الرض‪ ,‬فما كان له من جند ينصرونه من‬
‫دون الله‪ ,‬وما كان ممتنًعا من الله إذا أح ّ‬
‫ل به نقمته‪.‬‬

‫س ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأ َ‬


‫ط الّرْزقَ‬ ‫ه ي َب ْ ُ‬‫ن الل ّ َ‬‫ن وَي ْك َأ ّ‬‫س ي َُقوُلو َ‬‫ِ‬ ‫م‬
‫ه ِبال ْ‬ ‫م َ‬
‫كان َ ُ‬ ‫وا َ‬‫ْ‬ ‫من ّ‬
‫ن تَ َ‬‫َ‬ ‫ح ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫صب َ َ‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫ف ب َِنا وَي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن يَ َ‬
‫كههأن ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه عَلي َْنا ل َ‬‫ن الل ُ‬‫م ّ‬‫ن َ‬ ‫ول أ ْ‬ ‫عَبادِهِ وَي َْقدُِر ل ْ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬‫شاُء ِ‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫ن )‪(82‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫ح ال ْ َ‬ ‫ل ي ُْفل ِ ُ‬
‫وصار الذين تمنوا حاله بالمس يقولون متوجعين ومعتبرين‬
‫سع الرزق لمن يشاء من‬ ‫وخائفين من وقوع العذاب بهم‪ :‬إن الله يو ّ‬
‫ن علينا فلم‬
‫من يشاء منهم‪ ,‬لول أن الله م ّ‬‫عباده‪ ,‬ويضّيق على َ‬
‫يعاقبنا على ما قلنا َلخسف بنا كما فعل بقارون‪ ,‬ألم تعلم أنه ل‬
‫يفلح الكافرون‪ ,‬ل في الدنيا ول في الخرة؟‬

‫ض َول‬ ‫ر‬ ‫ن عُل ُهوا ً فِههي ال َ‬


‫دو َ‬
‫ري ه ُ‬ ‫جعَل ُهَهها ل ِل ّه ِ‬ ‫ت ِل ْه َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ل يُ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خ هَرةُ ن َ ْ‬ ‫داُر ال ِ‬ ‫ك ال ه ّ‬
‫ن )‪(83‬‬ ‫مت ِّقي َ‬‫ة ل ِل ْ ُ‬‫سادا ً َوال َْعاقِب َ ُ‬
‫فَ َ‬
‫تلك الدار الخرة نجعل نعيمها للذين ل يريدون تكبًرا عن الحق في‬
‫دا فيها‪ .‬والعاقبة المحمودة ‪-‬وهي الجنة‪ -‬لمن اتقى‬
‫الرض ول فسا ً‬
‫عذاب الله وعمل الطاعات‪ ,‬وترك المحرمات‪.‬‬

‫ن‬ ‫ج هَزى ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س هي ّئ َةِ َفل ي ُ ْ‬
‫جاءَ ِبال ّ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬‫من َْها وَ َ‬
‫خي ٌْر ِ‬
‫ه َ‬‫سن َةِ فَل َ ُ‬
‫ح َ‬‫جاَء ِبال ْ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(84‬‬‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ت إ ِل ّ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫سي َّئا ِ‬ ‫عَ ِ‬
‫من جاء يوم القيامة بإخلص التوحيد لله وبالعمال الصالحة وَْفق‬
‫ما شرع الله‪ ,‬فله أجر عظيم خير من ذلك‪ ,‬وذلك الخير هو الجنة‬
‫جزى الذين عملوا‬‫والنعيم الدائم‪ ,‬ومن جاء بالعمال السيئة‪ ,‬فل ي ُ ْ‬
‫السيئات على أعمالهم إل بما كانوا يعملون‪.‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ل َرب ّههي أعْل َه ُ‬
‫م َ‬ ‫إ َِلى َ‬
‫معَههادٍ قُه ْ‬ ‫ن ل ََراد ّ َ‬
‫ك‬ ‫ك ال ُْقْرآ َ‬
‫ض عَل َي ْ َ‬‫ذي فََر َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫إِ ّ‬
‫)‪(85‬‬ ‫ن‬‫مِبي ٍ‬
‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬‫ن هُوَ ِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫جاَء ِبال ْهُ َ‬
‫دى وَ َ‬ ‫َ‬
‫إن الذي أنزل عليك ‪-‬أيههها الرسههول‪ -‬القههرآن‪ ,‬وفههرض عليههك تبليغههه‬
‫سك به‪ ,‬لمرجعك إلى الموضع الذي خرجت منه‪ ,‬وهو "مكههة"‪,‬‬ ‫والتم ّ‬
‫‪781‬‬
‫مهن جهاء بالههدى‪,‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المشركين‪ :‬ربهي أعلهم َ‬
‫ح عن الحق‪.‬‬
‫ب واض ٍ‬
‫ومن هو في ذها ٍ‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫ك َفل ت َ ُ‬
‫كههون َ ّ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫ك ال ْك َِتا ُ‬
‫ب إ ِل ّ َر ْ‬ ‫ن ي ُل َْقى إ ِل َي ْ َ‬
‫جوا أ ْ‬
‫ت ت َْر ُ‬‫كن َ‬ ‫ما ُ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(86‬‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬‫ظ َِهيرا ً ل ِل ْ َ‬

‫مل نزول القرآن عليك‪ ,‬لكن الله سبحانه‬ ‫وما كنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬تؤ ّ‬
‫ن‬
‫وتعالى رحمك فأنزله عليك‪ ,‬فاشكر لله تعالى على ن َِعمه‪ ,‬ول تكون ّ‬
‫عوًنا لهل الشرك والضلل‪.‬‬

‫ك َواد ْعُ إ ِل َههى َرب ّه َ‬


‫ت إ ِل َي ْه َ‬ ‫ُ‬
‫ك َول‬ ‫ت الل ّههِ ب َعْهد َ إ ِذ ْ أنزِل َه ْ‬
‫ن آي َهها ِ‬‫ك عَ ْ‬ ‫صد ّن ّ َ‬
‫َول ي َ ُ‬
‫ن )‪(87‬‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫تَ ُ‬
‫كون َ ّ‬
‫ول يصرفَّنك هؤلء المشركون عن تبليغ آيات ربك وحججههه‪ ,‬بعههد أن‬
‫أنزلها إليك‪ ,‬وبّلغ رسالة ربك‪ ,‬ول تكونن من المشركين في شيء‪.‬‬

‫ه َله ُ‬
‫ه‬ ‫ك إ ِل ّ وَ ْ‬
‫جَهه ُ‬ ‫هاِله ٌ‬
‫يءٍ َ‬ ‫ل َ‬
‫شه ْ‬ ‫خَر ل إ ِل َ َ‬
‫ه إ ِل ّ هُوَ ك ُ ّ‬ ‫معَ الل ّهِ إ َِلها ً آ َ‬ ‫َول ت َد ْعُ َ‬
‫ن )‪(88‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م وَإ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫حك ْ ُ‬
‫ول تعبد مع الله معبوًدا أخر; فل معبود بحق إل الله‪ ,‬كل شيء هالك‬
‫ن إل وجهه‪ ,‬له الحكم‪ ,‬وإليه ترجعون من بعههد مههوتكم للحسههاب‬ ‫وفا ٍ‬
‫والجزاء‪ .‬وفي هذه اليههة إثبههات صههفة الههوجه للههه تعههالى كمهها يليههق‬
‫بكماله وعظمة جلله‪.‬‬

‫‪ -29‬سورة العنكبوت‬

‫الم )‪(1‬‬
‫الحروف المق ّ‬
‫طعة في أول سورة البقرة‪.‬‬
‫أ َحسب الناس أ َن يتر ُ َ‬
‫ن )‪(2‬‬
‫م ل ي ُْفت َُنو َ‬ ‫ن ي َُقوُلوا آ َ‬
‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫كوا أ ْ‬ ‫َ ِ َ ّ ُ ْ َُْ‬

‫‪782‬‬
‫أظ َ ّ‬
‫ن الناس إذ قالوا‪ :‬آمنا‪ ,‬أن الله يتركهم بل ابتلء ول اختبار؟‬

‫ن‬ ‫صهد َُقوا وَل َي َعْل َ َ‬


‫مه ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن الل ّه ُ‬ ‫م فَل َي َعْل َ َ‬
‫مه ّ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ه ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫وَل ََقد ْ فَت َّنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫كاذِِبي َ‬‫ال ْ َ‬

‫ولقد فتّنا الذين من قبلهم من المم واختبرناهم‪ ,‬ممن أرسلنا إليهههم‬


‫مهها ظههاهًرا للخلههق صههدق الصههادقين فههي‬
‫ن اللههه عل ً‬
‫رسههلنا‪ ,‬فليعلم ه ّ‬
‫ل فريق من الخر‪.‬‬ ‫إيمانهم‪ ،‬وكذب الكاذبين؛ ليميز ك ّ‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫حك ُ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫ساءَ َ‬
‫سب ُِقوَنا َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫تأ ْ‬‫سي َّئا ِ‬ ‫مُلو َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س َ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬
‫أ ْ‬
‫مههن شههرك وغيهره أن يعجزونها‪,‬‬
‫ن الههذين يعملههون المعاصهي ِ‬
‫بل أظ ّ‬
‫فيفوتونا بأنفسهم فل نقدر عليهم؟ بئس حكمهم الذي يحكمون به‪.‬‬

‫كان يرجو ل َِقاَء الل ّه فَإ َ‬


‫ميعُ ال ْعَِلي ُ‬
‫م )‪(5‬‬ ‫س ِ‬ ‫ل الل ّهِ ل ٍ‬
‫ت وَهُوَ ال ّ‬ ‫ج َ‬
‫نأ َ‬‫ِ ِ ّ‬ ‫ن َ َ َْ ُ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫جلههه‬
‫من كان يرجو لقاء الله‪ ,‬ويطمع في ثوابه‪ ,‬فإن أجل الله الذي أ ّ‬
‫ت قريًبا‪ ,‬وهو السميع للقوال‪ ,‬العليم‬‫لبعث خلقه للجزاء والعقاب ل ٍ‬
‫بالفعال‪.‬‬

‫ن )‪(6‬‬ ‫ن ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ه ل َغَن ِ ّ‬
‫ي عَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫سهِ إ ِ ّ‬
‫جاهِد ُ ل ِن َْف ِ‬ ‫جاهَد َ فَإ ِن ّ َ‬
‫ما ي ُ َ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫ومن جاهد في سبيل إعلء كلمة الله تعههالى‪ ,‬وجاهههد نفسههه بحملههها‬
‫على الطاعة‪ ,‬فإنما يجاهد لنفسه؛ لنه يفعل ذلك ابتغاء الثواب على‬
‫جهاده‪ .‬إن الله لغني عههن أعمههال جميههع خلقههه‪ ,‬لههه الملههك والخلههق‬
‫والمر‪.‬‬

‫م‬ ‫م وَل َن َ ْ‬
‫جزِي َن ُّههه ْ‬ ‫سههي َّئات ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫ت ل َن ُك َّفَر ّ‬
‫ن عَن ْهُ ْ‬ ‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ذي َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫س َ‬‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن عنهم‬ ‫دقوا الله ورسوله‪ ,‬وعملوا الصالحات لنمحو ّ‬
‫والذين ص ّ‬
‫خطيئاتهم‪ ,‬ولنثيبّنهم على أعمالهم الصالحة أحسن ما كانوا يعملون‪.‬‬

‫‪783‬‬
‫س لَ َ‬
‫ك‬ ‫ما ل َي ْ َ‬‫ك ِبي َ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ك ل ِت ُ ْ‬‫دا َ‬‫جاهَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سنا ً وَإ ِ ْ‬‫ح ْ‬ ‫وال ِد َي ْهِ ُ‬
‫ن بِ َ‬‫سا َ‬ ‫صي َْنا ال ِن ْ َ‬
‫وَوَ ّ‬
‫ُ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ت َعْ َ‬ ‫م بِ َ‬‫م فَأن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫جعُك ُ ْ‬‫مْر ِ‬‫ي َ‬‫ما إ ِل َ ّ‬ ‫م َفل ت ُط ِعْهُ َ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫ب ِهِ ِ‬
‫ووصينا النسان بوالديه أن يبرهما‪ ,‬ويحسن إليهما بالقول والعمل‪,‬‬
‫وإن جاهداك ‪-‬أيها النسان‪ -‬على أن تشرك معي في عبادتي‪ ,‬فل‬
‫تمتثل أمرهما‪ .‬ويلحق بطلب الشراك بالله‪ ,‬سائر المعاصي‪ ,‬فل‬
‫طاعة لمخلوق كائًنا من كان في معصية الله سبحانه‪ ,‬كما ثبت ذلك‬
‫ي مصيركم يوم القيامة‪,‬‬‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬إل ّ‬
‫فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من صالح العمال وسيئها‪,‬‬
‫وأجازيكم عليها‪.‬‬

‫ن )‪(9‬‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬ ‫خل َن ّهُ ْ‬
‫م ِفي ال ّ‬ ‫ت ل َن ُد ْ ِ‬
‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات من العمال‪,‬‬
‫والذين ص ّ‬
‫لندخلنهم الجنة في جملة عباد الله الصالحين‪.‬‬

‫ل آمنهها بههالل ّه فَهإ َ ُ‬


‫ة‬ ‫جع َ ه َ‬
‫ل فِت ْن َه َ‬ ‫ذا أوذِيَ فِههي الل ّههِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ي َُقههو ُ َ ّ ِ‬ ‫م ْ‬‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ْ‬
‫وَ ِ‬
‫معَك ُه ْ‬
‫م‬ ‫ك ل َي َُقههول ُ ّ‬
‫ن إ ِن ّهها ك ُن ّهها َ‬ ‫ن َرب ّه َ‬ ‫مه ْ‬‫صٌر ِ‬ ‫جاَء ن َ ْ‬ ‫ب الل ّهِ وَل َئ ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ذا َِ‬ ‫س ك َعَ َ‬
‫َالّنا ِ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫مي َ‬ ‫دورِ ال َْعال َ ِ‬‫ص ُ‬‫ما ِفي ُ‬ ‫ه ب ِأعْل َ َ‬
‫م بِ َ‬ ‫س الل ّ ُ‬
‫أوَل َي ْ َ‬
‫ومن الناس من يقول‪ :‬آمنا بالله‪ ,‬فإذا آذاه المشركون جزع من‬
‫عذابهم وأذاهم‪ ,‬كما يجزع من عذاب الله ول يصبر على الذّية منه‪,‬‬
‫فارتد ّ عن إيمانه‪ ,‬ولئن جاء نصر من ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهل‬
‫اليمان به ليقول َ ّ‬
‫ن هؤلء المرتدون عن إيمانهم‪ :‬إّنا كنا معكم ‪-‬أيها‬
‫المؤمنون‪ -‬ننصركم على أعدائكم‪ ,‬أوليس الله بأعلم من كل أحد‬
‫بما في صدور جميع خلقه؟‬

‫ن )‪(11‬‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَنافِِقي َ‬ ‫مُنوا وَل َي َعْل َ َ‬
‫م ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫وَل َي َعْل َ َ‬
‫م ّ‬
‫دقوا الله ورسوله وعملوا‬
‫ما ظاهًرا للخلق الذين ص ّ‬
‫ن الله عل ً‬
‫وليعلم ّ‬
‫ن المنافقين; ليميز كل فريق من الخر‪.‬‬ ‫بشرعه‪ ،‬وليعلم ّ‬

‫‪784‬‬
‫مهها‬
‫م وَ َ‬ ‫خ َ‬
‫طاي َههاك ُ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫ح ِ‬‫سِبيل ََنا وَل ْن َ ْ‬
‫مُنوا ات ّب ُِعوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وََقا َ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫يٍء إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬
‫طاَياهُ ْ‬‫خ َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫مِلي َ‬
‫حا ِ‬‫م بِ َ‬
‫هُ ْ‬
‫وقال الذين جحدوا وحدانية الله من قريش‪ ,‬ولم يؤمنوا بوعيد الله‬
‫دقوا الله منهم وعملوا بشرعه‪ :‬اتركوا دين محمد‪,‬‬ ‫ووعده‪ ,‬للذين ص ّ‬
‫واتبعوا ديننا‪ ,‬فإنا نتحمل آثام خطاياكم‪ ,‬وليسوا بحاملين من آثامهم‬
‫من شيء‪ ,‬إنهم لكاذبون فيما قالوا‪.‬‬

‫ول َيحمل ُن أ َث َْقال َهم وأ َث َْقال ً مع أ َث َْقالهم ول َي َ‬


‫ما َ‬
‫كاُنوا‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫مة ِ ع َ ّ‬ ‫سأل ُ ّ‬
‫ن ي َوْ َ‬ ‫ِِ ْ َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ َ ْ ِ ّ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫ي َْفت َُرو َ‬
‫من أضلوا‬ ‫ن هؤلء المشركون أوزار أنفسهم وآثامها‪ ,‬وأوزار َ‬ ‫وليحمل َ ّ‬
‫دوا عن سبيل الله مع أوزارهم‪ ,‬دون أن ينقص من أوزار تابعيهم‬ ‫وص ّ‬
‫شيء‪ ,‬ولُيسأل ُ ّ‬
‫ن يوم القيامة عما كانوا يختلقونه من الكاذيب‪.‬‬

‫عاما ً‬
‫ن َ‬
‫سي َ‬
‫م ِ‬ ‫سن َةٍ إ ِل ّ َ‬
‫خ ْ‬ ‫م أ َل ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫مهِ فَل َب ِ َ‬
‫ث ِفيهِ ْ‬ ‫سل َْنا ُنوحا ً إ َِلى قَوْ ِ‬
‫َ‬
‫وَل ََقد ْ أْر َ‬
‫م َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫طوَفا ُ‬ ‫خذ َهُ ْ‬‫فَأ َ‬
‫حا إلى قومه فمكث فيهم ألف سنة إل خمسين‬ ‫ولقد أرسلنا نو ً‬
‫ما‪ ,‬يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك‪ ,‬فلم يستجيبوا له‪,‬‬‫عا ً‬
‫فأهلكهم الله بالطوفان‪ ,‬وهم ظالمون لنفسهم بكفرهم وطغيانهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(15‬‬ ‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫ها آي َ ً‬ ‫سِفين َةِ وَ َ‬
‫ب ال ّ‬
‫حا َ‬
‫ص َ‬ ‫فَأن َ‬
‫جي َْناهُ وَأ ْ‬
‫من تبعه ممن كان معه في السفينة‪ ,‬وجعلنا ذلك‬
‫حا و َ‬
‫فأنجينا نو ً‬
‫عبرة وعظة للعالمين‪.‬‬

‫ن ك ُن ْت ُه ْ‬
‫م‬ ‫خي ٌْر ل َك ُه ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه َوات ُّقوهُ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫مهِ اعْب ُ ُ‬ ‫م إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ل ل َِقوْ ِ‬ ‫هي َ‬‫وَإ ِب َْرا ِ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إبراهيم عليه السلم حين دعا قومه‪ :‬أن‬
‫أخلصوا العبادة لله وحده‪ ,‬واتقوا سخطه بأداء فرائضه واجتناب‬

‫‪785‬‬
‫معاصيه‪ ,‬ذلكم خير لكم‪ ,‬إن كنتم تعلمون ما هو خير لكم مما هو‬
‫شر لكم‪.‬‬

‫ن‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ن ت َعْب ُ ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن إ ِْفكا ً إ ِ ّ‬
‫خل ُُقو َ‬ ‫ن الل ّهِ أ َوَْثانا ً وَت َ ْ‬ ‫دو ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت َعْب ُ ُ‬‫إ ِن ّ َ‬
‫دوهُ‬‫عن ْهد َ الل ّههِ الهّرْزقَ َواعْب ُه ُ‬ ‫م رِْزقها ً فَههاب ْت َُغوا ِ‬ ‫ن ل َك ُه ْ‬‫مل ِك ُههو َ‬ ‫ن الل ّهِ ل ي َ ْ‬ ‫دو ِ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(17‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫ه إ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬
‫شك ُُروا ل َ ُ‬ ‫َوا ْ‬
‫ما‪ ,‬وتفترون كذًبا‬
‫من دون الله إل أصنا ً‬
‫ما تعبدون ‪-‬أيها القوم‪ِ -‬‬
‫ن أوثانكم التي تعبدونها من دون الله ل تقدر‬‫بتسميتكم إياها آلهة‪ ,‬إ ّ‬
‫أن ترزقكم شيًئا‪ ,‬فالتمسوا عند الله الرزق ل من عند أوثانكم‪,‬‬
‫وأخلصوا له العبادة والشكر على رزقه إياكم‪ ,‬إلى الله ُترّدون من‬
‫بعد مماتكم‪ ,‬فيجازيكم على ما عملتم‪.‬‬

‫ل إ ِل ّ ال َْبلغُ‬ ‫ُ‬
‫مهها عَل َههى الّر ُ‬
‫سههو ِ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُه ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫م ٌ‬
‫بأ َ‬‫ن ت ُك َذ ُّبوا فََقد ْ ك َذ ّ َ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مِبي ُ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم فيما‬ ‫وإن تك ّ‬
‫ذبوا ‪ -‬أيها الناس‪ -‬رسولنا محم ً‬
‫دعاكم إليه من عبادة الله وحده‪ ,‬فقد كذبت جماعات من قبلكم‬
‫رسلها فيما دعتهم إليه من الحق‪ ,‬فحل بهم سخط الله‪ ,‬وما على‬
‫الّرسول محمد إل أن يبلغكم عن الله رسالته البلغ الواضح‪ ,‬وقد‬
‫فََعل‪.‬‬

‫َ‬
‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬
‫سيٌر )‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫خل ْقَ ث ُ ّ‬
‫م ي ُِعيد ُهُ إ ِ ّ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫ف ي ُب ْدِئُ الل ّ ُ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫م ي ََرْوا ك َي ْ َ‬
‫‪(19‬‬
‫أولم يعلم هؤلء كيف ينشئ الله الخلق من العدم‪ ,‬ثم يعيده من‬
‫دا‪ ,‬ل يتعذر عليه ذلك؟ إن‬
‫بعد فنائه‪ ,‬كما بدأه أول مرة خلًقا جدي ً‬
‫ذلك على الله يسير‪ ,‬كما كان يسيًرا عليه إنشاؤه‪.‬‬

‫ئ‬
‫شه ُ‬ ‫م الل ّه ُ‬
‫ه ُين ِ‬ ‫ف ب َهد َأ َ ال ْ َ‬
‫خل ْهقَ ث ُه ّ‬ ‫ض فَههان ْظ ُُروا ك َي ْه َ‬ ‫َ‬
‫سيُروا فِههي الْر ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ديٌر )‪(20‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬
‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫خَرةَ إ ِ ّ‬
‫شأةَ ال ِ‬‫الن ّ ْ‬

‫‪786‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لمنكري البعث بعد الممات‪ :‬سيروا في الرض‪,‬‬
‫فانظروا كيف أنشأ الله الخلق‪ ,‬ولم يتعذر عليه إنشاؤه مبتد ًَأ؟‬
‫فكذلك ل يتعذر عليه إعادة إنشائه النشأة الخرة‪ .‬إن الله على كل‬
‫شيء قدير‪ ,‬ل يعجزه شيء أراده‪.‬‬

‫شاُء وَإ ِل َي ْهِ ت ُْقل َُبو َ‬


‫ن )‪(21‬‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬
‫م َ‬
‫ح ُ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاُء وَي َْر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ُعَذ ّ ُ‬
‫ب َ‬
‫من جرمه في أيام حياته‪,‬‬ ‫من خلقه على ما أسلف ِ‬ ‫من يشاء ِ‬‫يعذب َ‬
‫حا‪ ,‬وإليه‬
‫من يشاء منهم ممن تاب وآمن وعمل صال ً‬ ‫ويرحم َ‬
‫ترجعون‪ ,‬فيجازيكم بما عملتم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫دو ِ‬
‫ن ُ‬
‫مه ْ‬ ‫مهها ل َك ُه ْ‬
‫م ِ‬ ‫ماِء وَ َ‬
‫سه َ‬
‫ض َول فِههي ال ّ‬
‫ن ِفي الْر ِ‬‫زي َ‬‫ج ِ‬‫مع ْ ِ‬
‫م بِ ُ‬‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫صيرٍ )‪(22‬‬
‫ي َول ن َ ِ‬ ‫ن وَل ِ ّ‬‫م ْ‬ ‫الل ّهِ ِ‬
‫وما أنتم ‪-‬أيها الناس‪ -‬بمعجزي الله في الرض ول في السماء إن‬
‫ي يلي أموركم‪ ,‬ول‬
‫من ول ّ‬ ‫عصيتموه‪ ,‬وما كان لكم من دون الله ِ‬
‫نصير ينصركم من الله إن أراد بكم سوًءا‪.‬‬

‫مت ِههي وَأ ُوْل َئ ِ َ‬


‫ك‬ ‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬
‫مه ْ‬
‫سههوا ِ‬ ‫ت الل ّهِ وَل َِقههائ ِهِ أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ي َئ ِ ُ‬ ‫ن ك ََفُروا ِبآَيا ِ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫م )‪(23‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫حجج الله وأنكروا أدلته‪ ,‬ولقاءه يوم القيامة‪ ,‬أولئك‬ ‫والذين جحدوا ُ‬
‫ُ‬
‫عد ّ لهم من العذاب‪,‬‬ ‫ليس لهم مطمع في رحمتي ل َ ّ‬
‫ما عاينوا ما أ ِ‬
‫وأولئك لهم عذاب مؤلم موجع‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫مهه ْ‬ ‫جاهُ الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ن َقاُلوا اقْت ُُلوهُ أوْ َ‬
‫حّرُقوهُ فَأن َ‬ ‫مهِ إ ِل ّ أ ْ‬
‫ب قَوْ ِ‬‫وا َ‬ ‫ج َ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬‫َ‬ ‫ما‬‫فَ َ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬‫إِ ّ‬ ‫الّنارِ‬
‫فلم يكن جواب قوم إبراهيم له إل أن قال بعضهم لبعض‪ :‬اقتلوه أو‬
‫دا‬
‫حّرقوه بالنار‪ ,‬فألقوه فيها‪ ,‬فأنجاه الله منها‪ ,‬وجعلها عليه بر ً‬
‫جا لقوم‬‫ما‪ ,‬إن في إنجائنا لبراهيم من النار لدلة وحج ً‬ ‫وسل ً‬
‫دقون الله ويعملون بشرعه‪.‬‬ ‫يص ّ‬

‫‪787‬‬
‫َ‬
‫حي َههاةِ ال هد ّن َْيا‬‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫ن الل ّهِ أوَْثانا ً َ‬
‫موَد ّةَ ب َي ْن ِك ُ ْ‬ ‫دو ِ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫خذ ْت ُ ْ‬
‫ما ات ّ َ‬‫ل إ ِن ّ َ‬‫وََقا َ‬
‫ضهك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مهةِ ي َك ُْفهُر ب َعْ ُ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫ض ث ُه ّ‬
‫م ي َهوْ َ‬ ‫م ب ِب َْعْ ٍ‬‫ضك ُ ْ‬
‫مةِ ي َك ُْفُر ب َعْ ُ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م ي َوْ َ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫ري َ‬‫ص ِ‬ ‫ن َنا ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫م الّناُر وَ َ‬ ‫مأَواك ُ ْ‬ ‫م ب َْعضا ً وَ َ‬‫ضك ُ ْ‬‫ن ب َعْ ُ‬ ‫ض وَي َل ْعَ ُ‬ ‫ب ِب َعْ ٍ‬
‫وقال إبراهيم لقومه‪ :‬يا قوم إنما عبدتم من دون الله آلهة باطلة‪,‬‬
‫اتخذتموها مودة بينكم في الحياة الدنيا‪ ,‬تتحابون على عبادتها‪,‬‬
‫وتتوادون على خدمتها‪ ,‬ثم يوم القيامة‪ ,‬يتبرأ بعضكم من بعض‪,‬‬
‫ضا‪ ,‬ومصيركم جميًعا النار‪ ,‬وليس لكم ناصر‬ ‫ويلعن بعضكم بع ً‬
‫يمنعكم من دخولها‪.‬‬

‫م)‬
‫كي ه ُ‬ ‫زي هُز ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ه هُ هوَ ال ْعَ ِ‬
‫جٌر إ َِلى َرّبي إ ِن ّه ُ‬
‫مَها ِ‬
‫ل إ ِّني ُ‬ ‫ه ُلو ٌ‬
‫ط وََقا َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫َفآ َ‬
‫م َ‬
‫‪(26‬‬
‫م وتبع ملته‪ .‬وقال إبراهيم‪ :‬إني تارك دار قومي‬ ‫دق لو ٌ‬
‫ط إبراهي َ‬ ‫فص ّ‬
‫إلى الرض المباركة وهي "الشام"‪ ،‬إن الله هو العزيز الذي ل‬
‫ي َُغاَلب‪ ,‬الحكيم في تدبيره‪.‬‬

‫جعَل َْنا ِفي ذ ُّري ّت ِهِ الن ّب ُوّةَ َوال ْك ِت َهها َ‬


‫ب َوآت َي ْن َههاهُ‬ ‫ب وَ َ‬
‫حقَ وَي َعُْقو َ‬ ‫س َ‬ ‫ه إِ ْ‬‫وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫حي َ‬‫صال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫خَرةِ ل َ ِ‬‫ه ِفي ال ِ‬ ‫جَرهُ ِفي الد ّن َْيا وَإ ِن ّ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫دا‪ ,‬ويعقوب من بعده وَل َد َ وَل َ ٍ‬
‫د‪ ,‬وجعلنا في ذريته‬ ‫ووهبنا له إسحاق ول ً‬
‫النبياء والكتب‪ ,‬وأعطيناه ثواب بلئه فينا‪ ,‬في الدنيا الذكر الحسن‬
‫والولد الصالح‪ ,‬وإنه في الخرة لمن الصالحين‪.‬‬

‫ة ما سبَقك ُم بههها م ه َ‬ ‫ْ‬


‫ح هدٍ‬ ‫نأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ش َ َ َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال َْفا ِ‬
‫م ل َت َأُتو َ‬‫مهِ إ ِن ّك ُ ْ‬ ‫ل ل َِقوْ ِ‬‫وَُلوطا ً إ ِذ ْ َقا َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ل وَت َهأُتو َ‬ ‫س هِبي َ‬‫ن ال ّ‬ ‫ل وَت َْقط َعُههو َ‬‫جا َ‬ ‫ن الّر َ‬‫م ل َت َأُتو َ‬ ‫ن )‪ (28‬أئ ِن ّك ُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ن ال َْعال َ ِ‬
‫م ْ‬‫ِ‬
‫َ‬
‫ب الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن َقاُلوا ائ ْت َِنا ب ِعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫مهِ إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ب قَوْ ِ‬‫وا َ‬ ‫ج َ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫منك ََر فَ َ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫ِفي َناِديك ُ ْ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬ ‫كن َ‬ ‫ن ُ‬‫إِ ْ‬
‫طا حين قال لقومه‪ :‬إنكم لتأتون الفعلة‬‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لو ً‬
‫دمكم بفعلها أحد من العالمين‪ ,‬أإنكم لتأتون الرجال‬
‫القبيحة‪ ,‬ما ت ََق ّ‬
‫في أدبارهم‪ ,‬وتقطعون على المسافرين طرقهم بفعلكم الخبيث‪,‬‬
‫وتأتون في مجالسكم العمال المنكرة كالسخرية من الناس‪,‬‬
‫‪788‬‬
‫وحذف المارة‪ ,‬وإيذائهم بما ل يليق من القوال والفعال؟ وفي هذا‬
‫إعلم بأنه ل يجوز أن يجتمع الناس على المنكر مما نهى الله‬
‫ورسوله عنه‪ .‬فلم يكن جواب قوم لوط له إل أن قالوا‪ :‬جئنا بعذاب‬
‫الله إن كنت من الصادقين فيما تقول‪ ,‬والمنجزين لما ت َِعد‪.‬‬

‫ن )‪(30‬‬
‫دي َ‬
‫س ِ‬ ‫صْرِني عََلى ال َْقوْم ِ ال ْ ُ‬
‫مْف ِ‬ ‫ب ان ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل َر ّ‬
‫قال‪ :‬رب انصرني على القوم المفسدين بإنزال العذاب عليهم;‬
‫حيث ابتدعوا الفاحشة وأصّروا عليها‪ ,‬فاستجاب الله دعاءه‪.‬‬

‫َ‬
‫ه‬
‫ل هَهذِ ِ‬ ‫شهَرى قَههاُلوا إ ِن ّهها ُ‬
‫مهْل ِك ُههو أهْه ِ‬ ‫م ِبال ْب ُ ْ‬‫هيه َ‬‫سهل َُنا إ ِب َْرا ِ‬
‫ت ُر ُ‬ ‫جههاَء ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫ن )‪(31‬‬ ‫مي َ‬ ‫كاُنوا َ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ن أ َهْل ََها َ‬
‫ال َْقْري َةِ إ ِ ّ‬
‫ولما جاءت الملئكة إبراهيم بالخبر الساّر من الله بإسحاق‪ ,‬ومن‬
‫وراء إسحاق ولده يعقوب‪ ,‬قالت الملئكة لبراهيم‪ :‬إنا مهلكو أهل‬
‫ن أهلها كانوا ظالمي أنفسهم‬‫قرية قوم لوط‪ ,‬وهي "سدوم"; إ ّ‬
‫بمعصيتهم لله‪.‬‬

‫َ‬ ‫ل إن فيها ُلوطها ً قَههاُلوا نحه َ‬


‫ه وَأهْل َه ُ‬
‫ه إ ِل ّ‬ ‫ن ِفيهَهها ل َن ُن َ ّ‬
‫جي َن ّه ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫ن أعْل َه ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َقا َ ِ ّ ِ َ‬
‫ا َ‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫ن ال َْغاب ِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ه َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫مَرأت َ ُ‬
‫ْ‬
‫طا وليس من الظالمين‪ ,‬فقالت‬ ‫ن فيها لو ً‬
‫قال إبراهيم للملئكة‪ :‬إ ّ‬
‫جيّنه وأهله من الهلك الذي‬ ‫الملئكة له‪ :‬نحن أعلم بمن فيها‪ ,‬لنن ّ‬
‫سينزل بأهل قريته إل امرأته كانت من الباقين الهالكين‪.‬‬

‫م ذ َْرع ها ً وَقَههاُلوا ل‬ ‫َ‬


‫ضههاقَ ب ِهِه ْ‬‫م وَ َ‬ ‫سيَء ب ِهِه ْ‬ ‫سل َُنا ُلوطا ً ِ‬
‫ت ُر ُ‬ ‫جاَء ْ‬‫َ‬ ‫ن‬
‫ما أ ْ‬‫وَل َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن)‬ ‫ن ال ْغَههاب ِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫مه ْ‬‫ت ِ‬‫ك ك َههان َ ْ‬
‫مَرأت َه َ‬
‫ك إ ِل ّ ا ْ‬‫ك وَأهْل َ َ‬
‫جو َ‬‫من َ ّ‬
‫ن إ ِّنا ُ‬
‫حَز ْ‬‫تَ ْ‬ ‫ف َول‬‫خ ْ‬ ‫تَ َ‬
‫‪(33‬‬
‫طا ساءه ذلك; لنه ظنهم ضيوًفا من البشر‪,‬‬ ‫ولما جاءت الملئكة لو ً‬
‫ف‬
‫خ ْ‬
‫وحزن بسبب وجودهم; لعلمه خبث فعل قومه‪ ,‬وقالوا له‪ :‬ل ت َ َ‬
‫من أنا مهلكوهم‪,‬‬ ‫علينا لن يصل إلينا قومك‪ ,‬ول تحزن مما أخبرناك ِ‬

‫‪789‬‬
‫جو أهلك معك إل أمرأتك‪,‬‬
‫جوك من العذاب النازل بقومك ومن ّ‬
‫إّنا من ّ‬
‫من قومها‪.‬‬
‫فإنها هالكة فيمن يهلك ِ‬

‫َ‬
‫مهها ك َههاُنوا‬
‫ماءِ ب ِ َ‬
‫سه َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫جههزا ً ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ل هَهذِهِ ال َْقْري َهةِ رِ ْ‬
‫ن عَل َههى أهْه ِ‬
‫منزِل ُههو َ‬
‫إ ِّنا ُ‬
‫ن )‪(34‬‬ ‫سُقو َ‬ ‫ي َْف ُ‬
‫إنا منزلون على أهل هذه القرية عذاًبا من السماء; بسبب‬
‫معصيتهم لله وارتكابهم الفاحشة‪.‬‬

‫ة ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫ة ب َي ّن َ ً‬ ‫وَل ََقد ت ََرك َْنا ِ‬
‫من َْها آي َ ً‬
‫من ديار قوم لوط آثاًرا بينة لقوم يعقلون العبر‪,‬‬‫ولقد أبقينا ِ‬
‫فينتفعون بها‪.‬‬

‫جههوا ال ْي َهوْ َ‬
‫م‬ ‫دوا الل ّه َ‬
‫ه َواْر ُ‬ ‫ل ي َهها قَهوْم ِ اعْب ُه ُ‬‫شعَْيبا ً فََقا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن أَ َ‬
‫خاهُ ْ‬ ‫وَإ َِلى َ‬
‫مد ْي َ َ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫خر ول ت َعْث َوا ِفي ال َ‬
‫دي َ‬ ‫س ِ‬
‫مْف ِ‬ ‫ض ُ‬‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ال ِ َ َ‬
‫وأرسلنا إلى "مدين" أخاهم شعيًبا‪ ,‬فقال لهم‪ :‬يا قوم اعبدوا الله‬
‫وحده‪ ,‬وأخلصوا له العبادة‪ ,‬ما لكم من إله غيره‪ ,‬وارجوا بعبادتكم‬
‫جزاء اليوم الخر‪ ,‬ول تكثروا في الرض الفساد والمعاصي‪ ,‬ول‬
‫تقيموا عليها‪ ,‬ولكن توبوا إلى الله منها وأنيبوا‪.‬‬

‫ن )‪(37‬‬ ‫مي‬ ‫ث‬‫جا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫دا‬ ‫في‬ ‫حوا‬ ‫ب‬‫ص‬ ‫فَك َذ ّبوه فَأ َخذ َتهم الرجَفة فَأ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُْ ْ ّ ْ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫فك ّ‬
‫ذب أهل "مدين" شعيًبا فيما جاءهم به عن الله من الرسالة‪,‬‬
‫صْرعى هالكين‪.‬‬
‫فأخذتهم الزلزلة الشديدة‪ ,‬فأصبحوا في دارهم َ‬

‫ن‬ ‫شهي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ن ل َهُه ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫م وََزي ّه َ‬‫سههاك ِن ِهِ ْ‬
‫م َ‬‫ن َ‬
‫مه ْ‬ ‫م ِ‬‫ن ل َك ُه ْ‬ ‫عادا ً وَث َ ُ‬
‫مود َ وَقَهد ْ ت َب َي ّه َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(38‬‬ ‫ري َ‬
‫ص ِ‬‫ست َب ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫ل وَ َ‬
‫كاُنوا ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫صد ّهُ ْ‬‫م فَ َ‬ ‫مال َهُ ْ‬
‫أعْ َ‬
‫خراُبها وخلؤها‬
‫دا وثمود‪ ,‬وقد تبين لكم من مساكنهم َ‬ ‫وأهلكنا عا ً‬
‫سن لهم الشيطان أعمالهم‬‫منهم‪ ,‬وحلول نقمتنا بهم جميًعا‪ ,‬وح ّ‬
‫دهم عن سبيل الله وعن طريق اليمان به وبرسله‪,‬‬ ‫القبيحة‪ ,‬فص ّ‬
‫‪790‬‬
‫وكانوا مستبصرين في كفرهم وضللهم‪ ,‬معجبين به‪ ,‬يحسبون أنهم‬
‫على هدى وصواب‪ ,‬بينما هم في الضلل غارقون‪.‬‬

‫س هت َك ْب َُروا‬ ‫سى ِبال ْب َي ّن َهها ِ‬


‫ت َفا ْ‬ ‫مو َ‬
‫م ُ‬ ‫ن وَل ََقد ْ َ‬
‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ها َ‬
‫ن وَ َ‬ ‫وََقاُرو َ‬
‫ن وَفِْرعَوْ َ‬
‫ن )‪(39‬‬ ‫ما َ‬ ‫ِفي ال َ‬
‫ساب ِِقي َ‬‫كاُنوا َ‬ ‫ض وَ َ‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫وأهلكنا قارون وفرعون وهامان‪ ,‬ولقد جاءهم جميًعا موسى بالدلة‬
‫الواضحة‪ ,‬فتعاظموا في الرض‪ ,‬واستكبروا فيها‪ ,‬ولم يكونوا‬
‫ليفوتوننا‪ ,‬بل كنا مقتدرين عليهم‪.‬‬

‫خهذ َت ْ ُ‬
‫ه‬ ‫ن أَ َ‬
‫مه ْ‬‫م َ‬‫من ْهُه ْ‬‫صههبا ً وَ ِ‬‫حا ِ‬ ‫سل َْنا عَل َي ْهِ َ‬
‫خذ ْنا بذ َنبه فَمنهم م َ‬
‫ن أْر َ‬‫فَك ُل ّ أ َ َ ِ ْ ِ ِ ِ ْ ُ ْ َ ْ‬
‫َ‬
‫ض‬ ‫َ‬
‫س هْفَنا ب ِههِ الْر َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ه ْ‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫ح ُ‬‫ص هي ْ َ‬
‫ه ال ّ‬ ‫ن أَ َ‬
‫خ هذ َت ْ ُ‬ ‫مه ْ‬ ‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬‫ة وَ ِ‬‫ح ُ‬ ‫صي ْ َ‬‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫س هه ُ ْ‬ ‫ن ك َههاُنوا أن ُْف َ‬‫م وَل َك ِه ْ‬ ‫ه ل ِي َظ ْل ِ َ‬
‫مه ُ ه ْ‬ ‫ن الل ّه ُ‬ ‫مهها ك َهها َ‬ ‫ن أغَْرقْن َهها وَ َ‬ ‫مه ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َظ ْل ِ ُ‬
‫فأخذنا كل من هؤلء المذكورين بعذابنا بسبب ذنبه‪ :‬فمنهم الذين‬
‫من‬‫أرسلنا عليهم حجارة من طين منضود‪ ,‬وهم قوم لوط‪ ,‬ومنهم َ‬
‫من خسفنا به‬ ‫أخذته الصيحة‪ ,‬وهم قوم صالح وقوم شعيب‪ ,‬ومنهم َ‬
‫مه‪,‬‬
‫ن وقو ُ‬ ‫م نوح وفرعو ُ‬‫من أغرقنا‪ ,‬وهم قو ُ‬
‫الرض كقارون‪ ,‬ومنهم َ‬
‫ولم يكن الله ليهلك هؤلء بذنوب غيرهم‪ ,‬فيظلمهم بإهلكه إياهم‬
‫بغير استحقاق‪ ,‬ولكنهم كانوا أنفسهم يظلمون بتنعمهم في ن َِعم‬
‫ربهم وعبادتهم غيره‪.‬‬

‫ت ب َْيت ها ً‬ ‫َ‬
‫خ هذ َ ْ‬ ‫ل ال َْعنك َُبو ِ‬
‫ت ات ّ َ‬ ‫ن الل ّهِ أوْل َِياَء ك َ َ‬
‫مث َ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬‫م ْ‬‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬
‫ن ات ّ َ‬
‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬‫مث َ ُ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ت لو ْ َ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(41‬‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْل ُ‬ ‫ت العَن ْك َُبو ِ‬‫ت لب َي ْ ُ‬
‫ن الب ُُيو ِ‬‫ن أوْهَ َ‬ ‫وَإ ِ ّ‬
‫مثل الذين جعلوا الوثان من دون الله أولياء يرجون نصرها‪ ,‬كمثل‬
‫العنكبوت التي عملت بيًتا لنفسها ليحفظها‪ ,‬فلم ُيغن عنها شيًئا عند‬
‫حاجتها إليه‪ ,‬فكذلك هؤلء المشركون لم ي ُْغن عنهم أولياؤهم الذين‬
‫اتخذوهم من دون الله شيًئا‪ ,‬وإن أضعف البيوت َلبيت العنكبوت‪ ,‬لو‬
‫كانوا يعلمون ذلك ما اتخذوهم أولياء‪ ,‬فهم ل ينفعونهم ول‬
‫يضرونهم‪.‬‬

‫‪791‬‬
‫م)‬
‫كي ه ُ‬ ‫زي هُز ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫يءٍ وَهُ هوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن َ‬
‫شه ْ‬ ‫م ْ‬
‫دون ِهِ ِ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫عو َ‬
‫ما ي َد ْ ُ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫إِ ّ‬
‫‪(42‬‬
‫إن الله يعلم ما يشركون به من النداد‪ ,‬وأنها ليست بشيء في‬
‫موها‪ ,‬ل تنفع ول تضر‪ .‬وهو العزيز‬
‫س ّ‬
‫الحقيقة‪ ,‬بل هي مجرد أسماء َ‬
‫في انتقامه ممن كفر به‪ ,‬الحكيم في تدبيره وصنعه‪.‬‬

‫ك ال َ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫ما ي َعِْقل َُها إ ِل ّ ال َْعال ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫س وَ َ‬
‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫لل‬
‫ِ‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫ر‬‫ض‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ثا‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫وَت ِل ْ َ‬

‫وهذه المثال نضربها للناس; لينتفعوا بها ويتعلموا منها‪ ,‬وما يعقلها‬
‫إل العالمون بالله وآياته وشرعه‪.‬‬

‫َ‬
‫ن)‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫م هؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن فِههي ذ َل ِه َ‬
‫ك لي َه ً‬ ‫ض ب ِههال ْ َ‬
‫حقّ إ ِ ّ‬ ‫ت َوالْر َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫خل َقَ الل ّ ُ‬
‫ه ال ّ‬ ‫َ‬
‫‪(44‬‬
‫خلق الله السموات والرض بالعدل والقسط‪ ,‬إن في خلقه ذلك‬
‫ص المؤمنين؛ لنهم‬
‫خ ّ‬
‫لدللة عظيمة على قدرته‪ ،‬وتفرده باللهية‪ ،‬و َ‬
‫الذين ينتفعون بذلك‪.‬‬

‫َ‬ ‫ما ُأو ِ‬


‫ن‬
‫صههلةَ ت َن ْهَههى عَه ْ‬
‫ن ال ّ‬ ‫صههلةَ إ ِ ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ب وَأقِه ْ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ي إ ِل َي ْ َ‬‫ح َ‬ ‫ل َ‬ ‫ات ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫صن َُعو َ‬
‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫من ْك َرِ وَل َذِك ُْر الل ّهِ أك ْب َُر َوالل ّ ُ‬ ‫شاِء َوال ْ ُ‬ ‫ال َْف ْ‬
‫ح َ‬
‫اتل ما ُأنزل إليك من هذا القرآن‪ ,‬واعمل به‪ ,‬وأد ّ الصلة بحدودها‪,‬‬
‫إن المحافظة على الصلة تنهى صاحبها عن الوقوع في المعاصي‬
‫والمنكرات; وذلك لن المقيم لها‪ ,‬المتمم لركانها وشروطها‪,‬‬
‫يستنير قلبه‪ ,‬ويزداد إيمانه‪ ,‬وتقوى رغبته في الخير‪ ,‬وتقل أو تنعدم‬
‫رغبته في الشر‪ ,‬وَلذكر الله في الصلة وغيرها أعظم وأكبر وأفضل‬
‫من خيرٍ وشر‪ ,‬فيجازيكم على‬ ‫من كل شيء‪ .‬والله يعلم ما تصنعون ِ‬
‫ذلك أكمل الجزاء وأوفاه‪.‬‬

‫‪792‬‬
‫الجزء الحادي والعشرون ‪:‬‬
‫َ‬ ‫جادُِلوا أ َهْ َ‬
‫م‬‫من ْهُه ْ‬
‫مههوا ِ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬‫ذي َ‬‫ن إ ِل ّ ال ّه ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ب إ ِل ّ ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫َول ت ُ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫حه ُ‬ ‫ح هد ٌ وَن َ ْ‬‫م َوا ِ‬‫م وَإ ِل َهَُنا وَإ ِل َهُك ُ ْ‬‫ل إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫ل إ ِل َي َْنا وَأن ْزِ َ‬
‫ذي أن ْزِ َ‬ ‫مّنا ِبال ّ ِ‬
‫وَُقوُلوا آ َ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬
‫م ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫ه ُ‬
‫ول تجادلوا ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬اليهوَد والنصييارى إل بالسييلوب الحسيين‪ ,‬والقييول الجميييل‪,‬‬
‫والدعوة إلى الحق بأيسر طريق موصل لذلك‪ ,‬إل الذين حادوا عين وجيه الحيق وعانيدوا‬
‫وكابروا وأعلنوا الحرب عليكم فجالدوهم بالسيف حتى يؤمنوا‪ ,‬أو يعطوا الجزية عيين ييٍد‬
‫وهم صاغرون‪ ,‬وقولوا‪ :‬آمنا بالقرآن الييذي ُأنييزل إلينييا‪ ,‬وآمنييا بييالتوراة والنجيييل الليَذْين‬
‫ُأنزل إليكم‪ ,‬وإلهنا وإلهكم واحد ل شريك له في ألوهيته‪ ,‬ول في ربوبيته‪ ,‬ول في أسييمائه‬
‫وصفاته‪ ,‬ونحن له خاضعون متذللون بالطاعة فيما أمرنا به‪ ,‬ونهانا عنه‪.‬‬

‫ن‬
‫مه ْ‬
‫ن ب ِههِ وَ ِ‬
‫من ُههو َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬
‫ب ي ُؤْ ِ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ْ‬‫ذي َ‬ ‫ب َفال ّ ِ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬‫ك أ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬‫وَك َذ َل ِ َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫حد ُ ِبآَيات َِنا إ ِل ّ ال ْ َ‬ ‫ج َ‬‫ما ي َ ْ‬
‫ن ب ِهِ وَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ؤلء َ‬ ‫هَ ُ‬
‫وكما أنزلنا ‪-‬أيها الرسول‪ -‬الكتب علييى َميين قبلييك ميين الرسييل‪ ,‬أنزلنييا إليييك هييذا الكتيياب‬
‫المصدق للكتب السابقة‪ ,‬فالذين آتينيياهم الكتيياب ميين بنييي إسييرائيل فعرفييوه حييق معرفتييه‬
‫يؤمنون بالقرآن‪ ,‬وِمن هؤلء العرب من قريش وغيرهم َمن يؤمن بييه‪ ,‬ول ينكيير القييرآن‬
‫أو يتشكك في دلئله وبراهينه البينة إل الكافرون الذين َدْأُبهم الجحود والعناد‪.‬‬

‫ك ِإذا ً لْرَتها َ‬
‫ب‬ ‫ميِنه َ‬
‫ه ب ِي َ ِ‬ ‫خ ّ‬
‫طه ُ‬ ‫ب َول ت َ ُ‬
‫ن ك َِتها ٍ‬ ‫ن قَب ِْلههِ ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ت ت َت ُْلهو ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ما ك ُْنه َ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(48‬‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬
‫ال ْ ُ‬
‫من معجزاتك البينة ‪-‬أيها الرسول‪ -‬أنك لم تقرأ كتاًبا ولم تكتب حروًفا بيمينك قبييل نييزول‬
‫القرآن عليك‪ ,‬وهم يعرفون ذلك‪ ,‬ولو كنت قارًئا أو كاتًبا من قبل أن يوحى إليك لشك فييي‬
‫ذلك المبطلون‪ ,‬وقالوا‪ :‬تعّلمه من الكتب السابقة أو استنسخه منها‪.‬‬

‫ل هُو آيات بينات في صدور ال ّذي ُ‬


‫حد ُ ِبآَيات َِنهها إ ِل ّ‬
‫ج َ‬
‫ما ي َ ْ‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬
‫م وَ َ‬ ‫ُ ُ ِ ِ َ‬ ‫بَ ْ َ َ ٌ َ ّ َ ٌ ِ‬
‫ن )‪(49‬‬ ‫مو َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬

‫‪793‬‬
‫بل القرآن آيات بينات واضحة في الدللة على الحق يحفظييه العلميياء‪ ,‬ومييا يكيّذب بآياتنييا‬
‫ويردها إل الظالمون المعاندون الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه‪.‬‬

‫عن ْهد َ الل ّههِ وَإ ِن ّ َ‬


‫مهها‬ ‫ت ِ‬
‫ما الَيا ُ‬ ‫ن َرب ّهِ قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ول أ ُن ْزِ َ‬
‫ل عَل َي ْهِ آَيا ٌ‬ ‫وََقاُلوا ل َ ْ‬
‫ن )‪(50‬‬ ‫َ‬
‫مِبي ٌ‬‫ذيٌر ُ‬ ‫أَنا ن َ ِ‬
‫وقال المشركون‪ :‬هل ُأنزل علييى محمييد دلئل وحجييج ميين ربييه نشيياهدها كناقيية صييالح‪,‬‬
‫وعصا موسى! قل لهم‪ :‬إن أمر هذه اليات ل‪ ,‬إن شاء أنزلها‪ ,‬وإن شاء منعها‪ ,‬وإنمييا أنييا‬
‫لكم نذير أحذركم شدة بأسه وعقابه‪ ,‬مبّين طريق الحق من الباطل‪.‬‬

‫ة‬
‫مهه ً‬ ‫ك ل ََر ْ‬
‫ح َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ب ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫م أ َّنا أ َن َْزل َْنا عَل َي ْ َ‬
‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫م ي َك ِْفهِ ْ‬
‫َ‬
‫أوَل َ ْ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫وَذِك َْرى ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫أولم يكف هؤلء المشركين في علمهم بصدقك ‪-‬أيهييا الرسييول‪ -‬أّنييا أنزلنييا عليييك القييرآن‬
‫يتلى عليهم؟ إن في هذا القرآن َلرحمة للمؤمنين في الدنيا والخرة‪ ,‬وذكرى يتذكرون بما‬
‫فيه من عبرة وعظة‪.‬‬

‫ت وال َ‬
‫ض‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬
‫م َ‬‫سه َ‬
‫مهها فِههي ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫شِهيدا ً ي َعْل َ ُ‬ ‫م َ‬‫ل ك ََفى ِبالل ّهِ ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ‬‫قُ ْ‬
‫ن )‪(52‬‬ ‫سُرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫خا ِ‬ ‫ك هُ ْ‬‫ل وَك ََفُروا ِبالل ّهِ أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫مُنوا ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫َوال ّ ِ‬
‫قل‪ :‬كفى بال بيني وبينكم شاهًدا علييى صييدقي أنييي رسييوله‪ ,‬وعلييى تكييذيبكم لييي وردكييم‬
‫ت به من عند ال‪ ,‬يعلم ما فييي السييموات والرض‪ ,‬فل يخفييى عليييه شيييء‬ ‫الحق الذي جئ ُ‬
‫فيهمييا‪ .‬والييذين آمنييوا بالباطييل وكفييروا بييال ‪-‬مييع هييذه الييدلئل الواضييحة‪ -‬أولئك هييم‬
‫الخاسرون في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب وَل ََيههأت ِي َن ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫م ال ْعَ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫مى ل َ َ‬
‫جاَءهُ ْ‬ ‫س ّ‬
‫م َ‬ ‫ج ٌ‬
‫ل ُ‬ ‫ب وَل َ ْ‬
‫ول أ َ‬ ‫ذا ِ‬‫ك ِبال ْعَ َ‬‫جُلون َ َ‬‫ست َعْ ِ‬
‫وَي َ ْ‬
‫ن )‪(53‬‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫ة وَهُ ْ‬ ‫ب َغْت َ ً‬
‫ويستعجلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء المشركون من قومك بالعييذاب اسييتهزاء‪ ,‬ولييول أن الي‬
‫جعل لعذابهم في الدنيا وقًتا ل يتقدم ول يتييأخر‪ ,‬لجيياءهم العييذاب حييين طلبييوه‪ ,‬وليييأتينهم‬
‫سون‪.‬‬‫حّ‬
‫فجأة‪ ,‬وهم ل يشعرون به ول ُي ِ‬

‫‪794‬‬
‫ن )‪(54‬‬
‫ري َ‬ ‫ة ِبال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫حيط َ ٌ‬ ‫م لَ ُ‬
‫م ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫ن َ‬
‫ب وَإ ِ ّ‬ ‫ك ِبال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫جُلون َ َ‬
‫ست َعْ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫يستعجلونك بالعذاب في الدنيا‪ ,‬وهو آتيهم ل محالة إّما فييي الييدنيا وإمييا فييي الخييرة‪ ,‬وإن‬
‫عذاب جهنم في الخرة لمحيط بهم‪ ,‬ل مفّر لهم منه‪.‬‬

‫ذوقُههوا‬ ‫َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬


‫م وَي َُقههو ُ‬
‫ل ُ‬ ‫جل ِهِ ه ْ‬
‫ت أْر ُ‬
‫ح ِ‬
‫ن تَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن فَوْقِهِ ْ‬
‫م وَ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ب ِ‬‫ذا ُ‬ ‫شاهُ ْ‬ ‫م ي َغْ َ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ت َعْ َ‬ ‫َ‬
‫يوم القيامة يغشى الكافرين عذاب جهنم من فيوق رؤوسيهم‪ ,‬وِمين تحيت أقيدامهم‪ ,‬فالنيار‬
‫تغشاهم من سائر جهاتهم‪ ,‬ويقول ال لهم حينئذ‪ :‬ذوقوا جزاء ما كنتم تعملييونه فييي الييدنيا‪:‬‬
‫من الشراك بال‪ ,‬وارتكاب الجرائم والثام‪.‬‬

‫عبادي ال ّذين آمنوا إ َ‬


‫ن )‪(56‬‬ ‫ة فَإ ِّيايَ َفاعْب ُ ُ‬
‫دو ِ‬ ‫سع َ ٌ‬
‫ضي َوا ِ‬
‫ن أْر ِ‬
‫ِ َ َ ُ ِ ّ‬ ‫َيا ِ َ ِ‬
‫جروا‬
‫يا عبادي الذين آمنوا إن كنتم في ضيق من إظهار اليمييان وعبييادة الي وحييده‪ ,‬فهييا ِ‬
‫إلى أرض ال الواسعة‪ ,‬وأخلصوا العبادة لي وحدي‪.‬‬

‫ن )‪(57‬‬ ‫م إ ِل َي َْنا ت ُْر َ‬


‫جُعو َ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫س َ‬
‫ذائ َِق ُ‬ ‫كُ ّ‬
‫ل ن َْف ٍ‬
‫كل نفس حيه ذائقة الموت‪ ,‬ثم إلينا ترجعون للحساب والجزاء‪.‬‬

‫ن‬
‫مهه ْ‬
‫ري ِ‬ ‫جن ّةِ غَُرفا ً ت َ ْ‬
‫ج ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬‫ت ل َن ُب َوّئ َن ّهُ ْ‬‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫خال ِدين فيها ن ِع َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(58‬‬ ‫جُر ال َْعا ِ‬
‫مِلي َ‬ ‫مأ ْ‬‫حت َِها الن َْهاُر َ ِ َ ِ َ ْ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫والذين صّدقوا بال ورسوله وعملوا ما ُأمروا به من الصالحات لننزلّنهم من الجنة غرًفييا‬
‫عالية تجري من تحتها النهار‪ ،‬ماكثين فيهييا أبيًدا‪ِ ,‬نْعيَم جييزاء العيياملين بطاعيية الي هييذه‬
‫الغرف في جنات النعيم‪.‬‬

‫م ي َت َوَك ُّلو َ‬
‫ن )‪(59‬‬ ‫صب َُروا وَعََلى َرب ّهِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫إن تلك الجنات المذكورة للمؤمنين الذين صبروا على عبادة ال‪ ,‬وتمسكوا بدينهم‪ ,‬وعلييى‬
‫ال يعتمدون في أرزاقهم وجهاد أعدائهم‪.‬‬

‫‪795‬‬
‫َ‬
‫ع‬
‫مي ُ‬
‫سه ِ‬
‫م وَهُهوَ ال ّ‬ ‫ل رِْزقَهَهها الل ّه ُ‬
‫ه ي َْرُزقُهَهها وَإ ِي ّههاك ُ ْ‬ ‫مه ُ‬
‫ح ِ‬
‫داب ّةٍ ل ت َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫وَك َأّين ِ‬
‫م ْ‬
‫ال ْعَِلي ُ‬
‫م )‪(60‬‬
‫وكم من دابة ل تّدخر غذاءها لغد‪ ,‬كما يفعل ابيين آدم‪ ,‬فييال سيبحانه وتعيالى يرزفهيا كميا‬
‫يرزقكم‪ ,‬وهو السميع لقوالكم‪ ,‬العليم بأفعالكم وخطرات قلوبكم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫س َوال َْق َ‬
‫م هَر‬ ‫م َ‬ ‫خَر ال ّ‬
‫شه ْ‬ ‫س ّ‬
‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأل ْت َهُ ْ‬‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫وَل َئ ِ‬
‫ن )‪(61‬‬ ‫ه فَأ َّنا ي ُؤْفَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ل َي َُقول ُ ّ‬
‫ولئن سألت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬المشركين‪ :‬من الذي خلق السموات والرض على هذا النظام‬
‫ن‪ :‬خلقهن ال وحده‪ ,‬فكيف يصرفون عن اليمان بييال‬ ‫البديع‪ ,‬وذّلل الشمس والقمر؟ ليقوُل ّ‬
‫خالق كل شيء ومدبره‪ ,‬ويعبدون معه غيره؟ فاعجب من إفكهم وكذبهم!!‬

‫ي ءٍ‬
‫ش ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ب ِك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫عَبادِهِ وَي َْقدُِر ل َ ُ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاُء ِ‬ ‫م ْ‬ ‫س ُ‬
‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫ه ي َب ْ ُ‬‫الل ّ ُ‬
‫م )‪(62‬‬ ‫عَِلي ٌ‬
‫ال سبحانه وتعالى يوسع الرزق لمن يشاء من خلقه‪ ,‬ويضيق علييى آخرييين منهييم; لعلمييه‬
‫بما يصلح عباده‪ ,‬إن ال بكل شيء من أحوالكم وأموركم عليم‪ ,‬ل يخفى عليه شيء‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن ب َعْهدِ‬
‫مه ْ‬
‫ض ِ‬ ‫مههاًء فَأ ْ‬
‫حي َهها ب ِههِ الْر َ‬ ‫ماءِ َ‬‫سه َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬
‫ل ِ‬ ‫ن ن َّز َ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬‫سأل ْت َهُ ْ‬‫ن َ‬ ‫وَل َئ ِ ْ‬
‫ل ال ْحمد ل ِل ّه ب ْ َ‬
‫ن )‪(63‬‬ ‫م ل ي َعِْقُلو َ‬ ‫ل أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫َ ْ ُ ِ َ‬ ‫ه قُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫موْت َِها ل َي َُقول ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ن الذي نّزل من السحاب ماء فييأنبت بييه الرض‬ ‫ولئن سألت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬المشركين‪َ :‬م ِ‬
‫ن لك معترفين‪ :‬ال وحده هو الذي نيّزل ذلييك‪ ,‬قييل‪ :‬الحمييد لي الييذي‬ ‫من بعد جفافها؟ ليقوُل ّ‬
‫عَقلييوا مييا‬
‫أظهر حجتك عليهم‪ ,‬بييل أكييثرهم ل يعقلييون مييا ينفعهييم ول مييا يضييرهم‪ ,‬ولييو َ‬
‫أشركوا مع ال غيره‪.‬‬

‫ن‬
‫وا ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬
‫حي َه َ‬ ‫خَرةَ ل َهِ ه َ‬
‫داَر ال ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫حَياةُ الد ّن َْيا إ ِل ّ ل َهْوٌ وَل َعِ ٌ‬
‫ب وَإ ِ ّ‬ ‫ما هَذِهِ ال ْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(64‬‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْل َ ُ‬
‫ل َوْ َ‬

‫وما هذه الحياة الدنيا إل لهههو ولعههب‪ ,‬تلهههو بههها القلههوب وتلعههب بههها‬
‫البدان; بسبب ما فيها من الزينة والشهوات‪ ,‬ثم تزول سههريًعا‪ ,‬وإن‬

‫‪796‬‬
‫الدار الخرة لهي الحياة الحقيقية الدائمة التي ل موت فيها‪ ,‬لو كان‬
‫الناس يعلمون ذلك لما آثروا دار الفناء على دار البقاء‪.‬‬

‫م إ َِلههى‬‫جاهُ ْ‬ ‫ن فَل َ ّ‬
‫ما ن َ ّ‬ ‫دي َ‬
‫ه ال ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬‫م ْ‬
‫ه ُ‬‫وا الل ّ َ‬ ‫ذا َرك ُِبوا ِفي ال ُْفل ْ ِ‬
‫ك د َعَ ْ‬ ‫فَإ ِ َ‬
‫ف‬
‫س هو ْ َ‬‫مت ّعُههوا فَ َ‬‫م وَل ِي َت َ َ‬ ‫ن )‪ (65‬ل ِي َك ُْفهُروا ب ِ َ‬
‫مهها آت َي ْن َههاهُ ْ‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬‫م يُ ْ‬
‫ذا هُ ْ‬ ‫ال ْب َّر إ ِ َ‬
‫ن )‪(66‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫حههدوا اللههه‪,‬‬‫فإذا ركب الكفار السفن فههي البحههر‪ ,‬وخههافوا الغههرق‪ ,‬و ّ‬
‫جاهم إلههى الههبر‪ ,‬وزالههت‬ ‫وأخلصوا له في الدعاء حال شدتهم‪ ,‬فلما ن ّ‬
‫حدون الله‬ ‫عنهم الشدة‪ ,‬عادوا إلى شركهم‪ ,‬إنهم بهذا يتناقضون‪ ,‬يو ّ‬
‫شهْركهم بعههد نعمتنهها‬ ‫ساعة الشدة‪ ,‬ويشههركون بههه سههاعة الرخههاء‪ .‬و ِ‬
‫ن عاقبته الكفر بما أنعمنا عليهههم فههي‬ ‫عليهم بالنجاة من البحر; ليكو َ‬
‫أنفسهم وأموالهم‪ ,‬وليكملوا تمتعهم في هذه الدنيا‪ ,‬فسوف يعلمون‬
‫ده الله لهم من عذاب أليم يوم القيامهة‪ .‬وفهي‬ ‫فساد عملهم‪ ,‬وما أع ّ‬
‫ذلك تهديد ووعيد لهم‪.‬‬

‫خ ّ‬
‫منهها ً وَي ُت َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫حههوْل ِهِ ْ‬
‫ن َ‬
‫مهه ْ‬
‫س ِ‬
‫ف الّنهها ُ‬
‫طهه ُ‬ ‫حَرمهها ً آ ِ‬
‫جعَل َْنهها َ‬ ‫م َيههَرْوا أّنهها َ‬ ‫أوََلهه ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪(67‬‬ ‫مةِ الل ّهِ ي َك ُْفُرو َ‬
‫ن وَب ِن ِعْ َ‬
‫مُنو َ‬ ‫أفَِبال َْباط ِ ِ‬
‫ل ي ُؤْ ِ‬
‫مهها آمن ًهها يههأمن‬
‫حَر ً‬
‫أولم يشاهد كفار "مكة" أن الله جعل "مكة" لهم َ‬
‫من حولهم خههارج الحههرم‪,‬‬ ‫س ِ‬
‫فيه أهله على أنفسهم وأموالهم‪ ,‬والنا ُ‬
‫صهههم‬
‫طفون غير آمنين؟ أفبالشرك يؤمنون‪ ,‬وبنعمة الله الههتي خ ّ‬ ‫خ ّ‬
‫ي ُت َ َ‬
‫بها يكفرون‪ ,‬فل يعبدونه وحده دون سواه؟‬

‫َ‬ ‫وم َ‬
‫جههاءَهُ‬ ‫حقّ ل َ ّ‬
‫مهها َ‬ ‫ب ب ِههال ْ َ‬
‫ذبا ً أوْ ك َهذ ّ َ‬
‫ن افْت ََرى عََلى الل ّههِ ك َه ِ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬ ‫م ِ‬‫ن أظ ْل َ ُ‬‫َ َ ْ‬
‫وى ل ِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(68‬‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫مث ْ ً‬
‫م َ‬‫جهَن ّ َ‬
‫س ِفي َ‬ ‫أل َي ْ َ‬
‫ذب علهى اللهه‪ ,‬فنسهب مها ههو عليهه مهن‬ ‫ما ممن كه َ‬‫ل أحد أشد ظل ً‬
‫ذب بالحق الذي بعث الله به رسههوله‬ ‫الضلل والباطل إلى الله‪ ,‬أو ك ّ‬
‫دا صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إن في النار لمسكًنا لمن كفههر بههالله‪,‬‬ ‫محم ً‬
‫دا صلى الله عليه وسلم‪.‬‬‫ذب رسوله محم ً‬ ‫وجحد توحيده وك ّ‬

‫ن )‪(69‬‬
‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫مع َ ا ل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ه لَ َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫سب ُل ََنا وَإ ِ ّ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫جاهَ ُ‬
‫ن َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪797‬‬
‫والمؤمنون الذين جاهدوا أعداء الله‪ ,‬والنفس‪ ,‬والشههيطان‪ ,‬وصههبروا‬
‫علههى الفتههن والذى فههي سههبيل اللههه‪ ,‬سههيهديهم اللههه سههبل الخيههر‪,‬‬
‫من هذه صفته فهو محسههن إلههى‬ ‫ويثبتهم على الصراط المستقيم‪ ,‬و َ‬
‫مههن‬‫مههن أحسههن ِ‬‫نفسه وإلى غيره‪ .‬وإن اللههه سههبحانه وتعههالى لمههع َ‬
‫قه بالنصرة والتأييد والحفظ والهداية‪.‬‬ ‫خل ْ ِ‬
‫َ‬

‫‪ -30‬سورة الروم‬

‫الم )‪(1‬‬
‫الحروف المق ّ‬
‫طعة في أول سورة البقرة‪.‬‬
‫غُل ِب َت الروم )‪ِ (2‬في أ َد َْنى ال َ‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫سي َغْل ُِبو َ‬
‫م َ‬ ‫ن ب َعْدِ غَل َب ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ض وَهُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫من ُههو َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ح ال ُ‬ ‫مئ ِذٍ ي َْف هَر ُ‬
‫ن ب َعْد ُ وَي َوْ َ‬‫م ْ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مُر ِ‬ ‫ن ل ِلهِ ال ْ‬ ‫سِني َ‬‫ضِع ِ‬ ‫ِفي ب ِ ْ‬
‫م )‪(5‬‬ ‫حي ُ‬ ‫زيُز الّر ِ‬ ‫شاُء وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬ ‫صرِ الل ّهِ َين ُ‬
‫صُر َ‬ ‫)‪ (4‬ب ِن َ ْ‬
‫م في أدنى أرض "الشام" إلى "فههارس"‪ ,‬وسههوف‬ ‫غََلبت فار ُ‬
‫س الرو َ‬
‫س في مدة من الزمن‪ ,‬ل تزيد على عشر سنوات‬ ‫م الفر َ‬ ‫ي َغِْلب الرو ُ‬
‫ول تنقص عن ثلث‪ .‬لله سبحانه وتعالى المر كله قبل انتصار الروم‬
‫وبعده‪ ,‬ويوم ينتصر الروم على الفرس يفرح المؤمنههون بنصههر اللههه‬
‫للروم على الفرس‪ .‬والله سبحانه وتعالى ينصر مههن يشههاء‪ ,‬ويخههذل‬
‫من يشاء‪ ,‬وهو العزيز الذي ل يغاَلب‪ ,‬الرحيم بمن شههاء مههن خلقههه‪.‬‬
‫س بعههد سههبع سههنين‪ ,‬وفههرح‬ ‫وقههد تحقههق ذلههك فغَل َب َههت الههرو ُ‬
‫م الفههر َ‬
‫المسلمون بذلك; لكون الروم أهل كتاب وإن حّرفوه‪.‬‬

‫ف الل ّهه وعْهده ول َكه َ‬


‫ن )‪(6‬‬
‫مههو َ‬‫س ل ي َعْل َ ُ‬
‫ن أك ْث َهَر الن ّهها ِ‬‫ُ َ َ ُ َ ِ ّ‬ ‫وَعْد َ الل ّههِ ل ي ُ ْ‬
‫خل ِه ُ‬
‫ن )‪(7‬‬ ‫غافُِلو َ‬ ‫م َ‬‫خَرةِ هُ ْ‬‫ن ال ِ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَهُ ْ‬ ‫م ْ‬‫هرا ً ِ‬ ‫ن َ‬
‫ظا ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫وعد ال المؤمنين وعًدا جازًما ل يتخلف‪ ,‬بنصر الروم النصارى على الفييرس الييوثنيين‪,‬‬
‫ولكن أكثر كفار "مكة" ل يعلمون أن ما وعد ال بيه حيق‪ ,‬وإنميا يعلميون ظيواهر اليدنيا‬
‫وزخرفها‪ ,‬وهم عن أمور الخرة وما ينفعهم فيها غافلون‪ ,‬ل يفكرون فيها‪.‬‬

‫‪798‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مهها‬
‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬
‫م َ‬ ‫سه َ‬
‫ه ال ّ‬‫خل َهقَ الل ّه ُ‬ ‫مهها َ‬
‫م َ‬ ‫م ي َت ََفك ُّروا فِههي أنُف ِ‬
‫س هه ِ ْ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫َ‬
‫م‬
‫س ب ِل َِقههاِء َرب ّهِه ْ‬
‫ن الن ّهها ِ‬ ‫ن ك َِثيههرا ً ِ‬
‫مه ْ‬ ‫مى وَإ ِ ّ‬‫سه ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬‫جه ٍ‬ ‫ما إ ِل ّ ِبال ْ َ‬
‫حقّ وَأ َ‬ ‫ب َي ْن َهُ َ‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫لَ َ‬

‫أولم يتفكر هؤلء المكّذبون برسل ال ولقائه في خلق ال إياهم‪ ,‬وأنه خلقهييم‪ ,‬ولييم يكونييوا‬
‫شيًئا‪ .‬ما خلييق الي السيموات والرض وميا بينهمييا إل لقامية العييدل والثييواب والعقيياب‪,‬‬
‫والدللة على توحيده وقدرته‪ ,‬وأجل مسمى تنتهي إليه وهو ييوم القياميية؟ وإن كيثيًرا مين‬
‫الناس بلقاء ربهم لجاحدون منكرون; جهل منهم بأن معادهم إلى الي بعيد فنيائهم‪ ,‬وغفليًة‬
‫منهم عن الخرة‪.‬‬

‫سيُروا ِفي ال َْر‬ ‫َ‬


‫ن قَب ْل ِِههه ْ‬
‫م‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ة ال ّ ِ‬ ‫عاقِب َ ُ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ف َ‬ ‫ض فََينظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كاُنوا أ َ َ‬
‫مُروهَهها‬ ‫مهها عَ َ‬ ‫م ّ‬‫مُروهَهها أك ْث َهَر ِ‬ ‫ض وَعَ َ‬ ‫م قُهوّةً وَأث َههاُروا الْر َ‬ ‫من ْهُه ْ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ن ك َههاُنوا‬ ‫م وَل َك ِه ْ‬‫مه ُ ه ْ‬‫ه ل ِي َظ ْل ِ َ‬
‫ن الل ّه ُ‬‫مهها ك َهها َ‬ ‫م ِبال ْب َي ّن َهها ِ‬
‫ت فَ َ‬ ‫س هل ُهُ ْ‬
‫م ُر ُ‬ ‫جههاَءت ْهُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َظ ْل ِ ُ‬‫سه ُ ْ‬ ‫أنُف َ‬
‫سيْيَر تأمييل واعتبييار‪,‬‬
‫سْر هؤلء المكذبون بال الغييافلون عيين الخييرة فييي الرض َ‬ ‫أولم َي ِ‬
‫فيشاهدوا كيف كان جزاء المم الذين كّذبوا برسل ال كعاد وثمود؟ وقد كانوا أقوى منهم‬
‫أجسيياًما‪ ,‬وأقييدر عليى التمتييع بالحيياة حيييث حرثيوا الرض وزرعوهييا‪ ,‬وبَنيْوا القصييور‬
‫عمييارتهم ول‬‫عَميير أهييل "مكيية" دنييياهم‪ ,‬فلييم تنفعهييم ِ‬
‫وسكنوها‪ ,‬فَعَمروا دنياهم أكثر مما َ‬
‫طول مدتهم‪ ,‬وجاءتهم رسلهم بالحجييج الظيياهرة والييبراهين السيياطعة‪ ,‬فكيّذبوهم فييأهلكهم‬
‫ال‪ ,‬ولم يظلمهم ال بذلك الهلك‪ ,‬وإنما ظلموا أنفسهم بالشرك والعصيان‪.‬‬

‫ت الل ّهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ة ال ّذي َ‬


‫كاُنوا ب َِها‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ِبآَيا ِ‬
‫سوَءى أ ْ‬
‫ساُءوا ال ّ‬
‫نأ َ‬‫عاقِب َ َ ِ َ‬
‫ن َ‬ ‫م َ‬
‫كا َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ست َهْزُِئون )‪(10‬‬‫يَ ْ‬
‫ثم كانت عاقبة أهل السييوء ميين الطغيياة والكفييرة أسييوأ العييواقب وأقبحهييا; لتكييذيبهم بييال‬
‫وسخريتهم بآياته التي أنزلها على رسله‪.‬‬

‫ن )‪(11‬‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ت ُْر َ‬


‫جُعو َ‬ ‫م ي ُِعيد ُهُ ث ُ ّ‬ ‫ه ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬
‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ال وحده هو المتفرد بإنشاء المخلوقات كلها‪ ,‬وهو القادر وحده على إعادتها مرة أخرى‪,‬‬
‫ثم إليه يرجع جميع الخلق‪ ,‬فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته‪.‬‬

‫‪799‬‬
‫ن )‪(12‬‬
‫مو َ‬
‫جرِ ُ‬ ‫س ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ة ي ُب ْل ِ ُ‬
‫ساعَ ُ‬
‫م ال ّ‬
‫م ت َُقو ُ‬
‫وَي َوْ َ‬
‫ويوم تقوم السيياعة ييئس المجرميون ميين النجياة مين العييذاب‪ ,‬وتصيييبهم الحَْيييرة فتنقطييع‬
‫حجتهم‪.‬‬

‫ن )‪(13‬‬
‫ري َ‬ ‫م َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫شَر َ‬
‫كائ ِهِ ْ‬ ‫شَفَعاُء وَ َ‬
‫كاُنوا ب ِ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫شَر َ‬
‫كائ ِهِ ْ‬ ‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬
‫ولم يكن للمشركين في ذلك اليوم من آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الي شيفعاء‪ ,‬بيل‬
‫إنها تتبرأ منهم‪ ,‬ويتبرؤون منها‪ .‬فالشفاعة ل وحده‪ ,‬ول ُتطَلب من غيره‪.‬‬

‫مُلههوا‬ ‫َ‬
‫مُنههوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (14‬فَأ ّ‬
‫مئ ِذٍ ي َت ََفّرُقو َ‬
‫ة ي َوْ َ‬
‫ساعَ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫م ت َُقو ُ‬ ‫وَي َوْ َ‬
‫ن )‪(15‬‬‫حب َُرو َ‬
‫ضةٍ ي ُ ْ‬ ‫م ِفي َروْ َ‬ ‫ت فَهُ ْ‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬
‫ال ّ‬
‫ويوم تقوم الساعة يفيترق أهيل اليميان بيه وأهيل الكفير‪ ,‬فأميا المؤمنيون بيال ورسيوله‪,‬‬
‫العاملون الصالحات فهم في الجنة‪ ,‬يكّرمون ويسّرون وينّعمون‪.‬‬

‫ب‬
‫ذا ِ‬ ‫خهَرةِ َفهأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك فِههي ال َْعه َ‬ ‫ن ك ََفُروا وَك َذ ُّبوا ِبآَيات َِنا وَل َِقههاِء ال ِ‬
‫ذي َ‬‫ما ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫وَأ ّ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫ضُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬
‫وأما الذين كفروا بال وكّذبوا بما جاءت به الرسل وأنكروا البعث بعد الموت‪ ,‬فأولئك في‬
‫العذاب مقيمون; جزاء ما كّذبوا به في الدنيا‪.‬‬

‫مهد ُ فِههي‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن )‪ (17‬وَل َه ُ‬
‫حو َ‬
‫صهب ِ ُ‬
‫ن تُ ْ‬
‫حيه َ‬‫ن وَ ِ‬‫سو َ‬ ‫م ُ‬‫ن تُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬
‫حي َ‬ ‫حا َ‬‫سب ْ َ‬‫فَ ُ‬
‫ن )‪(18‬‬‫ن ت ُظ ْهُِرو َ‬ ‫شي ّا ً وَ ِ‬ ‫َ‬
‫حي َ‬ ‫ض وَعَ ِ‬‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫س َ‬‫ال ّ‬
‫صيفوه بصييفات‬ ‫فيا أيها المؤمنون سّبحوا ال ونّزهوه عين الشيريك والصيياحبة والولييد‪َ ,‬و ِ‬
‫الكمال بألسنتكم‪ ,‬وحّققوا ذلييك بجيوارحكم كلهيا حيين تمسييون‪ ,‬وحييين تصيبحون‪ ,‬ووقييت‬
‫العشي‪ ,‬ووقت الظهيرة‪ .‬وله ‪-‬سبحانه‪ -‬الحمد والثناء فييي السييموات والرض وفييي الليييل‬
‫والنهار‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ض ب َْعههد َ‬
‫ي الْر َ‬
‫حهه ِ‬
‫ي وَي ُ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫ج ال ْ َ‬
‫مي ّ َ‬ ‫خرِ ُ‬‫ت وَي ُ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫مي ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬‫ح ّ‬ ‫ج ال ْ َ‬
‫خرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫جو َ‬ ‫خَر ُ‬ ‫موْت َِها وَك َذ َل ِ َ‬
‫ك تُ ْ‬ ‫َ‬

‫‪800‬‬
‫يخرج ال الحي من الميت كالنسان من النطفة والطير من البيضة‪ ,‬ويخييرج الميييت ميين‬
‫الحي‪ ,‬كالنطفيية ميين النسييان والبيضيية ميين الطييير‪ .‬ويحيييي الرض بالنبييات بعييد ُيْبسييها‬
‫وجفافها‪ ,‬ومثل هذا الحياء تخرجون ‪-‬أيها الناس‪ -‬من قبوركم أحياء للحساب والجزاء‪.‬‬

‫ن )‪(20‬‬ ‫م بَ َ‬ ‫خل ََقك ُم من تراب ث ُم إ َ َ‬ ‫َ‬


‫شُرو َ‬
‫شٌر َتنت َ ِ‬ ‫ذا أن ْت ُ ْ‬‫ْ ِ ْ َُ ٍ ّ ِ‬ ‫ن َ‬
‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬
‫م ْ‬
‫وَ ِ‬
‫ومن آيات ال الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق أباكم آدم من تراب‪ ,‬ثم أنتييم بشيير‬
‫تتناسلون منتشرين في الرض‪ ,‬تبتغون من فضل ال‪.‬‬

‫خل َق ل َك ُم من َأنُفسك ُ َ‬ ‫َ‬


‫س هك ُُنوا إ ِل َي ْهَهها وَ َ‬
‫جع َ ه َ‬
‫ل‬ ‫م أْزَواج ها ً ل ِت َ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫ن َ َ‬ ‫آَيات ِهِ أ ْ‬ ‫ن‬
‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ن )‪(21‬‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َت ََفك ُّرو َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫ة إِ ّ‬‫م ً‬
‫ح َ‬
‫موَد ّةً وََر ْ‬‫َ‬ ‫م‬‫ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلييق لجلكييم ميين جنسييكم ‪-‬أيهييا الرجييال‪-‬‬
‫جا; لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن‪ ,‬وجعل بين المرأة وزوجهييا محبيية وشييفقة‪ ,‬إن فييي‬ ‫أزوا ً‬
‫خلق ال ذلك ليات دالة على قدرة ال ووحدانيته لقوم يتفكرون‪ ,‬ويتدبرون‪.‬‬

‫َ‬ ‫خِتل ُ َ‬ ‫ت وال َ‬


‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫م وَأْله َ‬
‫وان ِك ُ ْ‬ ‫ف أل ْ ِ‬
‫سهن َت ِك ُ ْ‬ ‫ض َوا ْ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬
‫م َ‬‫سه َ‬‫خل ْقُ ال ّ‬ ‫ن آَيات ِهِ َ‬ ‫م ْ‬
‫وَ ِ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫مي َ‬‫ت ل ِل َْعال ِ ِ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫ِفي ذ َل ِ َ‬

‫ق الرض مييع‬ ‫خْلي ُ‬


‫ق السييموات وارتفاعهييا بغييير عمييد‪ ,‬و َ‬ ‫خْلي ُ‬
‫ومن دلئل القييدرة الربانييية‪َ :‬‬
‫ن ألييوانكم‪ ,‬إن فييي هييذا َلعييبرة لكييل ذي علييم‬
‫ف لغيياتكم وتبيياي ُ‬
‫اتسيياعها وامتييدادها‪ ,‬واختل ُ‬
‫وبصيرة‪.‬‬

‫ن ِفههي ذ َِلهه َ‬
‫ك‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ضل ِهِ إ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َوالن َّهارِ َواب ْت َِغاؤُك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫م ِبالل ّي ْ ِ‬
‫مك ُ ْ‬‫مَنا ُ‬‫آَيات ِهِ َ‬ ‫ن‬
‫م ْ‬‫وَ ِ‬
‫ن )‪(23‬‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫ل َِقوْم ٍ ي َ ْ‬ ‫ت‬‫لَيا ٍ‬
‫ومن دلئل هذه القدرة أن جعييل الي النييوم راحيية لكييم فييي الليييل أو النهييار; إذ فييي النييوم‬
‫حصول الراحة وذهاب التعب‪ ,‬وجعل لكم النهار تنتشرون فيه لطلب الرزق‪ ,‬إن في ذلك‬
‫لدلئل على كمال قدرة الي ونفييوذ مشيييئته لقييوم يسييمعون المييواعظ سييماع تأمييل وتفكيير‬
‫واعتبار‪.‬‬

‫ي‬ ‫مههاءً فَي ُ ْ‬


‫حه ِ‬ ‫ماِء َ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫معا ً وَي ُن َّز ُ‬
‫ل ِ‬ ‫وفا ً وَط َ َ‬ ‫م ال ْب َْرقَ َ‬
‫خ ْ‬ ‫ريك ُ ْ‬
‫ن آَيات ِهِ ي ُ ِ‬
‫م ْ‬
‫وَ ِ‬

‫‪801‬‬
‫ت ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫موْت َِها إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ض ب َعْد َ َ‬
‫ب ِهِ الْر َ‬
‫وميين دلئل قييدرته سييبحانه أن يريكييم الييبرق‪ ,‬فتخييافون ميين الصييواعق‪ ,‬وتطمعييون فييي‬
‫الغيث‪ ,‬وينزل من السحاب مطًرا فيحيي به الرض بعد جدبها وجفافها‪ ,‬إن في هذا لدليل‬
‫على كمال قدرة ال وعظيم حكمته وإحسانه لكل َمن لديه عقل يهتدي به‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫عاك ُ ْ‬
‫م د َعْ هوَةً ِ‬ ‫ذا د َ َ‬ ‫مرِهِ ث ُ ّ‬
‫م إِ َ‬ ‫ض ب ِأ ْ‬
‫ماُء َوالْر ُ‬
‫س َ‬
‫م ال ّ‬‫ن ت َُقو َ‬‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬ ‫م ْ‬
‫وَ ِ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫َ‬ ‫ض إِ َ‬ ‫ال َ‬
‫جو َ‬
‫خُر ُ‬
‫م تَ ْ‬‫ذا أن ْت ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫ومن آياته الداليية علييى قييدرته قيييام السييماء والرض واسييتقرارهما وثباتهمييا بييأمره‪ ,‬فلييم‬
‫تتزلزل ولم تسقط السماء على الرض‪ ,‬ثم إذا دعاكم ال إلى البعث يوم القياميية‪ ,‬إذا أنتييم‬
‫تخرجون من القبور مسرعين‪.‬‬

‫ت وال َ‬
‫ل لَ ُ‬
‫ه َقان ُِتو َ‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫ض كُ ّ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ن ِفي ال ّ‬
‫م ْ‬ ‫وَل َ ُ‬
‫ه َ‬
‫ول وحده كل َمن في السموات والرض من الملئكة والنس والجن والحيييوان والنبييات‬
‫والجماد‪ ,‬كل هؤلء منقادون لمره خاضعون لكماله‪.‬‬

‫ل ال َعْل َههى‬ ‫َ‬ ‫ذي ي َب ْد َأ ُ ال ْ َ‬


‫ه ال ْ َ‬
‫مث َه ُ‬ ‫ن عَل َي ْههِ وََله ُ‬‫م ي ُِعيد ُهُ وَهُوَ أهْوَ ُ‬‫خل ْقَ ث ُ ّ‬ ‫وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ت وال َ‬
‫م )‪(27‬‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫ض وَهُوَ ال ْعَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ِفي ال ّ‬
‫وال وحده الذي يبدأ الخلق من العدم ثم يعيده حًيييا بعييد المييوت‪ ,‬وإعييادة الخلييق حًيييا بعييد‬
‫الموت أهون على ال من ابتداء خلقهم‪ ,‬وكلهما عليه هّين‪ .‬وله سبحانه الوصف العلييى‬
‫في كل ما يوصف به‪ ,‬ليييس كمثلييه شيييء‪ ,‬وهييو السييميع البصييير‪ .‬وهييو العزيييز الييذي ل‬
‫يغاَلب‪ ,‬الحكيم في أقواله وأفعاله‪ ,‬وتدبير أمور خلقه‪.‬‬

‫َ‬ ‫ضرب ل َك ُم مث َل ً م َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫م ِ‬‫مههان ُك ُ ْ‬‫ت أي ْ َ‬‫مل َك َه ْ‬‫مهها َ‬‫ن َ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬‫م هَ ْ‬‫سك ُ ْ‬ ‫ن أن ُْف ِ‬
‫ِ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫سك ُ ْ‬‫م أنُف َ‬ ‫خيَفت ِك ُ ْ‬‫م كَ ِ‬ ‫خاُفون َهُ ْ‬
‫واٌء ت َ َ‬
‫س َ‬ ‫م ِفيهِ َ‬ ‫م فَأن ْت ُ ْ‬ ‫ما َرَزقَْناك ُ ْ‬
‫كاَء ِفي َ‬ ‫شَر َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫ت ل َِقوْم ٍ ي َعِْقُلو َ‬ ‫ل الَيا ِ‬‫ص ُ‬ ‫ك َذ َل ِ َ‬
‫ك ن َُف ّ‬
‫ضرب ال مثل لكييم ‪-‬أيهييا المشييركون ‪-‬مين أنفسييكم‪ :‬هييل لكييم ميين عبيييدكم وإمييائكم َمين‬
‫يشارككم في رزقكم‪ ,‬وترون أنكم وإياهم متساوون فيه‪ ,‬تخافونهم كمييا تخييافون الحييرار‬
‫الشركاء في مقاسمة أموالكم؟ إنكم لن ترضوا بذلك‪ ,‬فكيف ترضون بييذلك فييي جنييب الي‬

‫‪802‬‬
‫بأن تجعلوا له شريًكا ميين خلقييه؟ وبمثييل هييذا البيييان نييبّين الييبراهين والحجييج لصييحاب‬
‫العقول السليمة الذين ينتفعون بها‪.‬‬

‫عل ْم فَمن يهدي مه َ‬ ‫َ‬


‫ل الل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫ضه ّ‬
‫نأ َ‬‫َ ْ‬ ‫م ب ِغَي ْرِ ِ ٍ َ ْ َ ْ ِ‬
‫واَءهُ ْ‬
‫موا أهْ َ‬‫ن ظ َل َ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ات ّب َعَ ال ّ ِ‬
‫بَ ْ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬‫ن َنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َهُ ْ‬‫وَ َ‬
‫بل اتبع المشركون أهواءهم بتقليد آبائهم بغير علم‪ ,‬فشاركوهم في الجهل والضييللة‪ ،‬ول‬
‫أحد يقدر على هداية َمن أضّله ال بسييبب تمياديه فيي الكفير والعنياد‪ ,‬وليييس لهيؤلء ِمين‬
‫خّلصونهم من عذاب ال‪.‬‬ ‫أنصار ُي َ‬

‫س عَل َي ْهَهها ل‬ ‫حِنيف ها ً فِط ْهَرةَ الل ّههِ ال ّت ِههي فَط َهَر‬ ‫جه َ َ‬ ‫َ‬
‫الن ّهها َ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬
‫ك ِلل ّ‬ ‫م وَ ْ‬‫فَأقِ ْ‬
‫ك الدين ال َْقيم ول َكن أ َ‬
‫ن )‪(30‬‬ ‫مو َ‬‫ل ي َعْل َ ُ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ّ ُ َ ِ ّ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ق الل ّهِ ذ َل ِ َ‬ ‫ل لِ َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫دي َ‬ ‫ت َب ْ ِ‬
‫فأقم ‪-‬أيها الرسول أنت ومن اتبعك‪ -‬وجهك‪ ,‬واسييتمر علييى الييدين الييذي شييرعه الي لييك‪,‬‬
‫وهو السلم الذي فطر ال الناس عليه‪ ,‬فبقاؤكم عليه‪ ,‬وتمسككم به‪ ,‬تمسك بفطرة ال من‬
‫اليمان بال وحده‪ ,‬ل تبديل لخلق ال ودينه‪ ,‬فهو الطريق المستقيم الموصل إلى رضا ال‬
‫رب العالمين وجنته‪ ,‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون أن الذي أمرتك به ‪-‬أيها الرسييول‪ -‬هييو‬
‫الدين الحق دون سواه‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(31‬‬
‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صلةَ َول ت َ ُ‬
‫كوُنوا ِ‬ ‫ن إ ِل َي ْهِ َوات ُّقوهُ وَأِقي ُ‬
‫موا ال ّ‬ ‫مِنيِبي َ‬
‫ُ‬
‫وكونوا راجعييين إلييى الي بالتوبيية وإخلص العمييل لييه‪ ,‬واتقييوه بفعييل الواميير واجتنيياب‬
‫النواهي‪ ,‬وأقيموا الصلة تامة بأركانها وواجباتها وشروطها‪ ,‬ول تكونوا ميين المشييركين‬
‫مع ال غيره في العبادة‪.‬‬

‫ن)‬
‫حههو َ‬ ‫ما ل َهد َي ْهِ ْ‬
‫م فَرِ ُ‬ ‫ب بِ َ‬
‫حْز ٍ‬ ‫شَيعا ً ك ُ ّ‬
‫ل ِ‬ ‫م وَ َ‬
‫كاُنوا ِ‬ ‫ن فَّرُقوا ِدين َهُ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫‪(32‬‬
‫ول تكونوا من المشييركين وأهييل الهييواء والبييدع الييذين بيّدلوا دينهييم‪ ,‬وغّيييروه‪ ,‬فأخييذوا‬
‫بعضييه‪ ,‬وتركييوا بعضييه; تبًعييا لهييوائهم‪ ,‬فصيياروا فرًقييا وأحزاًبييا‪ ,‬يتشيييعون لرؤسييائهم‬
‫ضيا عليى الباطيل‪ ,‬كيل حيزب بميا ليديهم فرحيون‬ ‫وأحزابهيم وآرائهيم‪ ,‬يعيين بعضيهم بع ً‬
‫مسرورون‪ ,‬يحكمون لنفسهم بأنهم على الحق وغيرهم على الباطل‪.‬‬

‫‪803‬‬
‫ه‬
‫من ْه ُ‬
‫م ِ‬ ‫ذا أ َ َ‬
‫ذاقَهُ ه ْ‬ ‫ن إ ِل َي ْههِ ث ُه ّ‬
‫م إِ َ‬ ‫مِنيِبيه َ‬
‫م ُ‬‫وا َرب ّهُه ْ‬
‫ضّر د َعَه ْ‬ ‫س ُ‬ ‫س الّنا َ‬‫م ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م يُ ْ‬‫م ب َِرب ّهِ ْ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫ريقٌ ِ‬‫ذا فَ ِ‬
‫ة إِ َ‬‫م ً‬
‫ح َ‬ ‫َر ْ‬
‫عيوا ربهيم مخلصيين ليه أن يكشيف عنهيم الضير‪ ,‬فيإذا‬
‫س شيدة وبلء د َ‬
‫وإذا أصياب النيا َ‬
‫رحمهم وكشف عنهم ضرهم إذا فريق منهم يعودون إليى الشيرك ميرة أخيرى‪ ,‬فيعبيدون‬
‫مع ال غيره‪.‬‬

‫ن )‪(34‬‬ ‫ف ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫مت ُّعوا فَ َ‬
‫سو ْ َ‬ ‫م فَت َ َ‬ ‫ل ِي َك ُْفُروا ب ِ َ‬
‫ما آت َي َْناهُ ْ‬
‫ليكفروا بما آتيناهم ومنّنا به عليهم من كشف الضر‪ ,‬وزوال الشييدة عنهييم‪ ,‬فتمتعييوا ‪-‬أيهييا‬
‫سيَعة فييي هييذه الييدنيا‪ ,‬فسييوف تعلمييون مييا تلقييونه ميين العييذاب‬
‫المشييركون‪ -‬بالرخيياء وال ّ‬
‫والعقاب‪.‬‬

‫أَ َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫شرِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ب ِهِ ي ُ ْ‬ ‫طانا ً فَهُوَ ي َت َك َل ّ ُ‬
‫م بِ َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫م أنَزل َْنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ْ‬
‫أم أنزلنييا علييى هييؤلء المشييركين برهاًنييا سيياطًعا وكتاًبييا قاطًعييا‪ ,‬ينطيق بصييحة شييركهم‬
‫وكفرهم بال وآياته‪.‬‬

‫وإ َ َ‬
‫ت‬ ‫مهها قَهد ّ َ‬
‫م ْ‬ ‫سهي ّئ َ ٌ‬
‫ة بِ َ‬ ‫م َ‬
‫صهب ْهُ ْ‬
‫ن تُ ِ‬ ‫ة فَرِ ُ‬
‫حههوا ب ِهَهها وَإ ِ ْ‬ ‫مه ً‬‫ح َ‬ ‫ذا أذ َقَْنا الّنا َ‬
‫س َر ْ‬ ‫َ َِ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫ُ‬
‫م ي َْقن َطو َ‬ ‫م إِ َ‬
‫ذا هُ ْ‬ ‫ديهِ ْ‬
‫أي ْ ِ‬
‫شيٍر‪ ,‬ل‬‫وإذا أذقنا الناس منا نعمة ِمن صحة وعافية ورخيياء‪ ,‬فرحييوا بييذلك فييرح بطيٍر وَأ َ‬
‫فرح شكر‪ ,‬وإن يصبهم مرض وفقر وخوف وضيييق بسييبب ذنييوبهم ومعاصيييهم‪ ,‬إذا هييم‬
‫َيْيَئسون من زوال ذلك‪ ,‬وهذا طبيعة أكثر الناس في الرخاء والشدة‪.‬‬

‫س ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاُء وَي َْقدُِر إ ِ ّ‬ ‫م ْ‬
‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َب ْ ُ‬ ‫م ي ََرْوا أ ّ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫ل َِقوْم ٍ ي ُؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬
‫أولم يعلموا أن ال يوسع الرزق لمن يشاء امتحاًنا‪ ,‬هل يشكر أو يكفر؟ ويضّيقه على ميين‬
‫يشاء اختباًرا‪ ,‬هل يصبر أو يجزع؟ إن في ذلك التوسيع والتضيييق لييات لقيوم يؤمنيون‬
‫بال ويعرفون حكمة ال ورحمته‪.‬‬

‫ن‬ ‫خْيهٌر ل ِل ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ذ َِله َ‬
‫ك َ‬ ‫سهِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن َواْبه َ‬
‫كي َ‬
‫سه ِ‬ ‫ه َوال ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ذا ال ُْقْرَبهى َ‬
‫حّقه ُ‬ ‫َفهآ ِ‬
‫ت َ‬
‫‪804‬‬
‫ن )‪(38‬‬
‫حو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مْفل ِ ُ‬ ‫ه الل ّهِ وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫ج َ‬
‫ن وَ ْ‬
‫دو َ‬
‫ري ُ‬
‫يُ ِ‬
‫فأعط ‪-‬أيها المؤمن‪ -‬قريبك حقه من الصلة والصدقة وسييائر أعمييال الييبر‪ ,‬وأعييط الفقييير‬
‫والمحتاج الذي انقطع به السبيل من الزكاة والصدقة‪ ,‬ذلك العطيياء خييير للييذين يريييدون‬
‫بعملهم وجه اليي‪ ,‬والييذين يعملييون هييذه العمييال وغيرهييا ميين أعمييال الخييير‪ ,‬أولئك هييم‬
‫الفائزون بثواب ال الناجون ِمن عقابه‪.‬‬

‫َ‬
‫عن ْهد َ الل ّههِ وَ َ‬
‫مهها‬ ‫س َفل ي َْرب ُههوا ِ‬ ‫ل ُ الن ّهها ِ‬‫وا ِ‬
‫م َ‬‫وا ِفي أ ْ‬ ‫ن ِربا ً ل ِي َْرب ُ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(39‬‬ ‫ضعُِفو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ه الل ّهِ فَأوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫ج َ‬
‫ن وَ ْ‬‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن َز َ‬
‫كاةٍ ت ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫آت َي ْت ُ ْ‬
‫ضا من المال بقصد الربا‪ ,‬وطلب زيييادة ذلييك القييرض; ليزيييد وينمييو فييي‬ ‫وما أعطيتم قر ً‬
‫أمييوال النيياس‪ ,‬فل يزيييد عنييد اليي‪ ,‬بييل يمحقييه ويبطلييه‪ .‬ومييا أعطيتييم ميين زكيياة وصييدقة‬
‫للمستحقين ابتغاء مرضاة ال وطلًبا لثوابه‪ ,‬فهذا هو الذي يقبله ال ويضاعفه لكم أضييعاًفا‬
‫كثيرة‪.‬‬

‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫حِييك ُه ْ‬
‫م هَ ه ْ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ميت ُك ُه ْ‬
‫م ث ُه ّ‬ ‫م يُ ِ‬‫م ث ُه ّ‬‫م َرَزقَك ُه ْ‬ ‫خل ََقك ُه ْ‬
‫م ث ُه ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّه ِ‬ ‫الل ّه ُ‬
‫ه وَت َعَههاَلى عَ ّ‬
‫مهها‬ ‫حان َ ُ‬
‫سهب ْ َ‬‫يٍء ُ‬ ‫شه ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مه ْ‬‫م ِ‬ ‫ن ذ َل ِك ُه ْ‬
‫مه ْ‬‫ل ِ‬ ‫ن ي َْفعَه ُ‬‫مه ْ‬ ‫كائ ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫شهَر َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(40‬‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫ال وحده هو الذي خلقكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬ثم رزقكم في هذه الحياة‪ ,‬ثم يميتكم بانتهاء آجالكم‪,‬‬
‫ثم يبعثكم من القبور أحياء للحساب والجزاء‪ ,‬هل من شييركائكم َميين يفعييل ميين ذلكييم ميين‬
‫شيء؟ تنّزه ال وتقّدس عن شرك هؤلء المشركين به‪.‬‬

‫َ‬
‫ض‬
‫م ب َعْه َ‬
‫ذيَقهُ ْ‬
‫س ل ِي ُ ِ‬
‫دي الّنا ِ‬
‫ت أي ْ ِ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫ساد ُ ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬
‫حرِ ب ِ َ‬ ‫ظ َهََر ال َْف َ‬
‫ن )‪(41‬‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬‫مُلوا ل َعَل ّهُ ْ‬
‫ذي عَ ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ظهر الفساد في البر والبحر‪ ,‬كالجدب وقليية المطييار وكييثرة المييراض والوبئة; وذلييك‬
‫بسبب المعاصي التي يقترفها البشر; ليصيبهم بعقوبية بعييض أعمييالهم الييتي عملوهيا فييي‬
‫الدنيا; كي يتوبوا إلى ال ‪-‬سبحانه‪ -‬ويرجعوا عن المعاصييي‪ ,‬فتصييلح أحييوالهم‪ ,‬وتسييتقيم‬
‫أمورهم‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل َ‬
‫كا َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫ة ال ّ ِ‬ ‫ض َفانظ ُُروا ك َي ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫سيروا ِفي ال َ‬ ‫قُ ْ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عاقِب َ ُ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ل ِ ُ‬
‫َ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫كي َ‬ ‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ُ‬‫أك ْث َُرهُ ْ‬

‫‪805‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمكذبين بما جئت به‪ :‬سيروا في أنحيياء الرض سييير اعتبييار وتأمييل‪,‬‬
‫فانظروا كيف كان عاقبة المم السابقة المكذبة كقوم نوح‪ ,‬وعيياد وثمييود‪ ,‬تجييدوا عيياقبتهم‬
‫شر العواقب ومآلهم شر مآل؟ فقد كان أكثرهم مشركين بال‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ك ِللدين ال َْقيم من قَب َ‬ ‫َ‬


‫ن الل ّههِ‬
‫مه ْ‬ ‫مَرد ّ ل َه ُ‬
‫ه ِ‬ ‫مل َ‬
‫ي ي َوْ ٌ‬
‫ن ي َأت ِ َ‬
‫لأ ْ‬‫ّ ِ ِ ْ ْ ِ‬ ‫ّ ِ‬ ‫جه َ َ‬‫م وَ ْ‬ ‫فَأقِ ْ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫عو َ‬‫صد ّ ُ‬‫مئ ِذٍ ي َ ّ‬
‫ي َوْ َ‬
‫جه وجهك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬نحييو الييدين المسييتقيم‪ ,‬وهييو السييلم‪ ,‬منفيًذا أوامييره مجتنًبييا‬
‫فو ّ‬
‫نواهيه‪ ,‬واستمسك به من قبل مجيء يوم القيامة‪ ,‬فإذا جاء ذلييك اليييوم الييذي ل يقييدر أحييد‬
‫على رّده تفرقت الخلئق أشتاًتا متفاوتين; لُيروا أعمالهم‪.‬‬

‫ل صاِلحا ً فَ َ‬
‫ن )‪(44‬‬
‫دو َ‬
‫مه َ ُ‬
‫م يَ ْ‬
‫سه ِ ْ‬
‫لنُف ِ‬ ‫م َ َ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ن ك ََفَر فَعَل َي ْهِ ك ُْفُرهُ وَ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬
‫حا فلنفسييهم‬
‫من كفر فعليه عقوبة كفره‪ ,‬وهي خلييوده فييي النييار‪ ,‬وميين آمين وعمييل صييال ً‬
‫يهيئون منازل الجنة; بسبب تمسكهم بطاعة ربهم‪.‬‬

‫ب‬
‫حه ّ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ض هل ِهِ إ ِن ّه ُ‬ ‫مه ْ‬
‫ت ِ‬
‫حا ِ‬ ‫مل ُههوا ال ّ‬
‫صههال ِ َ‬ ‫من ُههوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ج هزِيَ ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫ن )‪(45‬‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬‫ال ْ َ‬

‫ليجزي ال الذين آمنوا بال ورسوله وعملوا الصالحات من فضله وإحسانه‪ .‬إنه ل يحييب‬
‫الكافرين لسخطه وغضبه عليهم‪.‬‬

‫َ‬
‫ي‬
‫ج هرِ َ‬
‫مت ِهِ وَل ِت َ ْ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬‫ذيَقك ُ ْ‬‫ت وَل ِي ُ ِ‬ ‫شَرا ٍ‬ ‫مب َ ّ‬
‫ح ُ‬ ‫س َ‬
‫ل الّرَيا َ‬ ‫ن ي ُْر ِ‬ ‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬‫م ْ‬‫وَ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪(46‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ضل ِهِ وَل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬‫مرِهِ وَل ِت َب ْت َُغوا ِ‬
‫ك ب ِأ ْ‬‫ال ُْفل ْ ُ‬

‫ومن آيات ال الدالة على أنه الله الحق وحده ل شريك لييه وعلييى عظيييم قييدرته إرسييال‬
‫الرياح أمام المطيير مبشييرات بإثارتهييا للسييحاب‪ ,‬فتستبشيير بييذلك النفييوس; وليييذيقكم ميين‬
‫رحمته بإنزاله المطر الذي تحيا به البلد والعبيياد‪ ,‬ولتجييري السييفن فييي البحيير بييأمر الي‬
‫ومشيئته‪ ,‬ولتبتغوا من فضله بالتجارة وغيرها; فعل ال ذلك من أجل أن تشكروا له نعمه‬
‫وتعبدوه وحده‪.‬‬

‫َ‬
‫من َهها‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫ت َفانت ََق ْ‬ ‫م فَ َ‬
‫جاُءوهُ ْ‬ ‫سل ً إ َِلى قَوْ ِ‬
‫مه ِ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫ك ُر ُ‬ ‫سل َْنا ِ‬
‫م ْ‬ ‫وَل ََقد ْ أْر َ‬

‫‪806‬‬
‫من ال ّذي َ‬
‫ن )‪(47‬‬ ‫صُر ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫حّقا ً عَل َي َْنا ن َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫موا وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫جَر ُ‬
‫نأ ْ‬‫ِ َ‬ ‫ِ ْ‬
‫ولقد أرسلنا ِمن قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬رسل إلى قييومهم مبشييرين ومنييذرين يييدعونهم إلييى‬
‫التوحيد‪ ,‬ويحذرونهم من الشرك‪ ,‬فجاؤوهم بالمعجزات والبراهين الساطعة‪ ,‬فكفر أكثرهم‬
‫بربهم‪ ,‬فانتقمنا من الييذين اكتسييبوا السيييئات منهييم‪ ,‬فأهلكنيياهم‪ ,‬ونصييرنا المييؤمنين أتبيياع‬
‫الرسل‪ ,‬وكذلك نفعل بالمكذبين بك إن استمروا على تكذيبك‪ ,‬ولم يؤمنوا‪.‬‬

‫ف‬‫ماءِ ك َي ْه َ‬
‫سه َ‬ ‫س هط ُ ُ‬
‫ه فِههي ال ّ‬ ‫حابا ً فَي َب ْ ُ‬‫سه َ‬ ‫ح فَت ُِثيهُر َ‬ ‫ل الّرَيا َ‬ ‫س ُ‬‫ذي ي ُْر ِ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫الل ّ ُ‬
‫خلل ِه فَإ َ َ‬ ‫سفا ً فَت ََرى ال ْوَد ْقَ ي َ ْ‬
‫ن‬
‫مهه ْ‬‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صا َ‬
‫ذا أ َ‬‫ن ِ ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫جعَل ُ ُ‬
‫ه كِ َ‬ ‫شاُء وَي َ ْ‬ ‫يَ َ‬
‫ن )‪(48‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬
‫م يَ ْ‬‫ذا هُ ْ‬‫عَبادِهِ إ ِ َ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫يَ َ‬
‫ال ‪-‬سبحانه‪ -‬هو الذي يرسل الرياح فتييثير سيحاًبا مثقل بالمياء‪ ,‬فينشيره الي فيي السييماء‬
‫كيف يشاء‪ ,‬ويجعله قطًعا متفرقة‪ ,‬فترى المطر يخرج من بين السحاب‪ ,‬فإذا ساقه ال إلى‬
‫عباده إذا هم يستبشرون ويفرحون بأن ال صرف ذلك إليهم‪.‬‬

‫كانوا من قَب َ‬
‫ن )‪(49‬‬
‫سي َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ل َ ُ‬
‫مب ْل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن ي ُن َّز َ‬
‫لأ ْ‬‫ِ ْ ْ ِ‬ ‫ن َ ُ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫ن كانوا من قبل نزول المطر لفي يأس وقنوط; بسبب احتباسه عنهم‪.‬‬
‫وإ ْ‬

‫ن ذ َل ِه َ‬
‫ك‬ ‫موْت ِهَهها إ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫مةِ الل ّههِ ك َي ْه َ‬ ‫َفانظ ُْر إ َِلى آَثارِ َر ْ‬
‫ض ب َعْ هد َ َ‬
‫ي الْر َ‬
‫حه ِ‬ ‫ف يُ ْ‬ ‫ح َ‬
‫يٍء قَ ِ‬
‫ديٌر )‪(50‬‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫موَْتى وَهُوَ عََلى ك ُ ّ‬ ‫حِيي ال ْ َ‬ ‫لَ ُ‬
‫م ْ‬
‫فانظر ‪-‬أيها المشاهد‪ -‬نظر تأمل وتدبر إلى آثيار المطير فيي النبيات واليزروع والشيجر‪,‬‬
‫كيف يحيي به ال الرض بعد موتها‪ ,‬فينبتهييا ويعشييبها؟ إن الييذي َقيَدر علييى إحييياء هييذه‬
‫الرض لمحيي الموتى‪ ,‬وهو على كل شيء قدير ل يعجزه شيء‪.‬‬

‫َ‬ ‫ول َئ ِ َ‬
‫ن ب َعْدِهِ ي َك ُْفُرو َ‬
‫ن )‪(51‬‬ ‫صَفّرا ً ل َظ َّلوا ِ‬
‫م ْ‬ ‫سل َْنا ِريحا ً فََرأوْهُ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن أْر َ‬
‫َ ْ‬
‫حا مفسدة‪ ,‬فرأوا نباتهم قد فسد بتلك الريييح‪ ,‬فصييار‬
‫ولئن أرسلنا على زروعهم ونباتهم ري ً‬
‫من بعد خضرته مصفًرا‪ ,‬لمكثوا من بعد رؤيتهم له يكفرون بال ويجحدون نعمه‪.‬‬

‫ن)‬
‫ري َ‬
‫مهد ْب ِ ِ‬ ‫ذا وَل ّه ْ‬
‫وا ُ‬ ‫عاَء إ ِ َ‬
‫م الهد ّ َ‬
‫صه ّ‬
‫معُ ال ّ‬
‫سه ِ‬ ‫مع ُ ا ل ْ َ‬
‫موَْتى َول ت ُ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫فَإ ِن ّ َ‬
‫ك ل تُ ْ‬
‫‪(52‬‬
‫‪807‬‬
‫فإنك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬ل تسمع من مات قلبه‪ ,‬أو سّد أذنه عن سييماع الحييق‪ ,‬فل تجييزع ول‬
‫تحزن على عدم إيميان هيؤلء المشيركين بيك‪ ,‬فيإنهم كالصيم والميوتى ل يسيمعون‪ ,‬ول‬
‫يشعرون ولو كانوا حاضرين‪ ,‬فكيف إذا كانوا غائبين عنك مدبرين؟‬

‫َ‬
‫ن ِبآَيات ِن َهها‬ ‫ن ي ُهؤْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫معُ إ ِل ّ َ‬
‫مه ْ‬ ‫سه ِ‬
‫ن تُ ْ‬ ‫ضلل َت ِهِ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ن َ‬
‫ي عَ ْ‬ ‫ت ب َِهاِدي ال ْعُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما أن ْ َ‬
‫وَ َ‬
‫ن )‪(53‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬‫م ُ‬‫فَهُ ْ‬
‫وما أنت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بمرشد َمن أعماه ال عن طريق الهدى‪ ,‬مييا ُتسييمع سييماع انتفيياع‬
‫إل َمن يؤمن بآياتنا‪ ,‬فهم خاضعون ممتثلون لمر ال‪.‬‬

‫جَعه َ‬
‫ل‬ ‫ف ُقهوّةً ُثه ّ‬
‫م َ‬ ‫ضعْ ٍ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬‫جع َ َ‬
‫م َ‬‫ف ثُ ّ‬‫ضع ْ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫خل ََقك ُ ْ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ديُر )‪(54‬‬ ‫م ال َْق ِ‬‫شاءُ وَهُوَ ال ْعَِلي ُ‬ ‫خل ُقُ َ‬
‫ما ي َ َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫ضْعفا ً وَ َ‬
‫شي ْب َ ً‬ ‫ن ب َعْدِ قُوّةٍ َ‬ ‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ال تعالى هو الذي خلقكم من ماء ضعيف مهين‪ ,‬وهو النطفة‪ ,‬ثييم جعييل ميين بعييد ضييعف‬
‫الطفولة قوة الرجولة‪ ,‬ثم جعل من بعد هذه القوة ضعف الكبر والهرم‪ ,‬يخلق ال ما يشيياء‬
‫من الضعف والقوة‪ ,‬وهو العليم بخلقه‪ ,‬القادر على كل شيء‪.‬‬

‫ك‬ ‫مهها ل َب ِث ُههوا غَي ْهَر َ‬


‫سههاعَةٍ ك َهذ َل ِ َ‬ ‫ن َ‬
‫مههو َ‬
‫جرِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫س ُ‬
‫ة ي ُْق ِ‬
‫ساعَ ُ‬
‫م ال ّ‬
‫م ت َُقو ُ‬‫وَي َوْ َ‬
‫ن )‪(55‬‬ ‫كاُنوا ي ُؤْفَ ُ‬
‫كو َ‬ ‫َ‬

‫ويوم تجيء القيامة ويبعث ال الخلق من قبييورهم يقسييم المشييركون مييا مكثييوا فييي الييدنيا‬
‫غير فترة قصيرة من الزمن‪ ,‬كذبوا في قسمهم‪ ,‬كما كييانوا يكييذبون فييي الييدنيا‪ ,‬وينكييرون‬
‫الحق الذي جاءت به الرسل‪.‬‬

‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫هى‬


‫ه‬‫ب الل ّهِ إ ِل َ‬ ‫تا‬ ‫ك‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ث‬ ‫ب‬‫ن ل ََقد ْ ل َ‬ ‫ما‬ ‫لي‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫توا‬ ‫أو‬‫ل ال ّذين ُ‬ ‫وََقا َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬
‫ن )‪(56‬‬ ‫مو َ‬‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫م ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ث وَل َك ِن ّك ُ ْ‬ ‫م ال ْب َعْ ِ‬ ‫ث فَهَ َ‬
‫ذا ي َوْ ُ‬ ‫ال ْب َعْ ِ‬
‫وقال الذين أوتوا العلم واليمان بال مين الملئكية والنبيياء والميؤمنين‪ :‬لقيد مكثتييم فيميا‬
‫خلقتم إلى أن ُبعثتم‪ ,‬فهذا يوم البعييث‪ ,‬ولكنكييم كنتييم ل‬
‫كتب ال مما سبق في علمه من يوم ُ‬
‫تعلمون‪ ,‬فأنكرتموه في الدنيا‪ ,‬وكّذبتم به‪.‬‬

‫ن )‪(57‬‬
‫ست َعْت َُبو َ‬
‫م يُ ْ‬
‫م َول هُ ْ‬
‫معْذَِرت ُهُ ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫موا َ‬ ‫مئ ِذٍ ل َينَفعُ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫فَي َوْ َ‬

‫‪808‬‬
‫فيوم القيامة ل ينفع الظالمين ما يقدمونه من أعذار‪ ,‬ول ُيطلييب منهييم إرضيياء الي تعييالى‬
‫بالتوبة والطاعة‪ ,‬بل ُيعاقبون بسيئاتهم ومعاصيهم‪.‬‬

‫ة‬ ‫جئ ْت َهُ ه ْ‬


‫م ِبآي َه ٍ‬ ‫ل وَل َئ ِ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫مث َه ٍ‬
‫ل َ‬‫ن ك ُه ّ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ذا ال ُْقْرآ ِ‬‫س ِفي هَ َ‬ ‫ِ‬ ‫وَل ََقد ْ َ‬
‫ضَرب َْنا ِللّنا‬
‫ل َيُقول َن ال ّذين ك ََفروا إ َ‬
‫ن )‪(58‬‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬
‫م إ ِل ّ ُ‬
‫ن أن ْت ُ ْ‬
‫ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ولقد بيّنا للناس في هذا القرآن ِمن كل مثل من أجل إقامة الحجة عليهييم وإثبييات وحدانييية‬
‫ن اليذين‬‫ال جل وعل ‪ ،‬ولئن جئتهم ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬بيأي حجية تيدل عليى صيدقك ليقيوَل ّ‬
‫كفروا بك‪ :‬ما أنتم ‪-‬أيها الرسول وأتباعك‪ -‬إل مبطلون فيما تجيئوننا به من المور‪.‬‬

‫ن )‪(59‬‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ه عََلى قُُلو ِ‬
‫ك ي َط ْب َعُ الل ّ ُ‬
‫ك َذ َل ِ َ‬

‫ومثل ذلك الختم يختم ال على قلوب الذين ل يعلمون حقيقة ما تأتيهم بييه ‪-‬أيهييا الرسييول‪-‬‬
‫من عند ال من هذه العبر واليات البينات‪.‬‬

‫ن )‪(60‬‬
‫ن ل ُيوقُِنو َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫خّفن ّ َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬
‫حقّ َول ي َ ْ‬ ‫َفا ْ‬
‫صب ِْر إ ِ ّ‬
‫فاصبر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬على ما ينالك ِمن أذى قومك وتكذيبهم لك‪ ,‬إن ما وعدك ال به من‬
‫نصر وتمكين وثواب حق ل شك فيه‪ ,‬ول يستفّزّنك عن دينك الييذين ل يوقنييون بالميعيياد‪,‬‬
‫ول يصّدقون بالبعث والجزاء‪.‬‬

‫‪ -31‬سورة لقمان‬

‫الم )‪(1‬‬
‫الحروف المق ّ‬
‫طعة في أول سورة البقرة‪.‬‬

‫كيم ِ )‪(2‬‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ت ال ْك َِتا ِ‬ ‫ت ِل ْ َ‬
‫ك آَيا ُ‬
‫هذه اليات آيات القرآن ذي الحكمة البالغة‪.‬‬

‫ن )‪(3‬‬
‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ً‬
‫ح َ‬
‫دى وََر ْ‬
‫هُ ً‬
‫‪809‬‬
‫هذه اليات هدى ورحمة للذين أحسنوا العمل بما أنييزل الي فييي القييرآن‪ ,‬ومييا أمرهييم بييه‬
‫رسوله محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫ن )‪(4‬‬
‫م ُيوقُِنو َ‬
‫خَرةِ هُ ْ‬
‫م ِبال ِ‬ ‫ن الّز َ‬
‫كاةَ وَهُ ْ‬ ‫صلةَ وَي ُؤُْتو َ‬
‫ن ال ّ‬
‫مو َ‬
‫ن ي ُِقي ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الذين يؤدون الصلة كاملة في أوقاتها ويؤتون الزكاة المفروضة عليهم لمستحقيها‪ ,‬وهييم‬
‫بالبعث والجزاء في الدار الخرة يوقنون‪.‬‬

‫ن )‪(5‬‬
‫حو َ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مْفل ِ ُ‬ ‫م وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ْ‬ ‫ن َرب ّهِ ْ‬
‫م ْ‬
‫دى ِ‬ ‫أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك عََلى هُ ً‬
‫أولئك المتصفون بالصفات السابقة على بيان ِمن ربهم ونييور‪ ,‬وأولئك هييم الفييائزون فييي‬
‫الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ل الل ّههِ ب ِغَي ْه ِ‬


‫ر‬ ‫سهِبي ِ‬
‫ن َ‬ ‫ضه ّ‬
‫ل عَه ْ‬ ‫ث ل ِي ُ ِ‬‫دي ِ‬ ‫ري ل َهْوَ ال ْ َ‬
‫حه ِ‬ ‫شت َ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬‫س َ‬‫ِ‬ ‫ن الّنا‬ ‫م ْ‬‫وَ ِ‬
‫ن )‪(6‬‬‫مِهي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬‫ها هُُزوا ً ُأول َئ ِ َ‬ ‫عل ْم ٍ وَي َت ّ ِ‬
‫خذ َ َ‬ ‫ِ‬
‫ومن الناس َمن يشييتري َلْهييو الحيديث ‪ -‬وهيو كييل ميا ُيلهييي عين طاعية الي ويصيد عين‬
‫ل الناس عن طريق الهدى إلى طريق الهييوى‪ ,‬ويتخييذ آيييات الي سييخرية‪,‬‬ ‫مرضاته‪ -‬ليض ّ‬
‫أولئك لهم عذاب يهينهم ويخزيهم‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ه‬ ‫معَْها ك َهأ ّ‬
‫ن فِههي أذ ُن َي ْه ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ست َك ِْبرا ً ك َأ ْ‬ ‫ذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ آَيات َُنا وَّلى ُ‬
‫م ْ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ب أِليم ٍ )‪(7‬‬ ‫شْرهُ ب ِعَ َ‬‫وَْقرا ً فَب َ ّ‬
‫ذا ٍ‬
‫وإذا تتلى عليه آيات القرآن أعرض عن طاعة اليي‪ ,‬وتكّبيير غييير معتييبر‪ ,‬كييأنه لييم يسييمع‬
‫شره ‪-‬أيها الرسول‪ -‬بعذاب ميؤلم موجيع فيي‬ ‫ن في أذنيه صمًما‪ ,‬وَمن هذه حاله فب ّ‬‫شيًئا‪ ,‬كَأ ّ‬
‫النار يوم القيامة‪.‬‬

‫ت الن ِّعيم ِ )‪(8‬‬


‫جّنا ُ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬
‫م َ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إِ ّ‬
‫إن الذين آمنوا بال ورسوله وعملوا الصالحات التي ُأمروا بها‪ ,‬أولئك لهم نعيم مقيييم فييي‬
‫الجنات‪.‬‬

‫‪810‬‬
‫م )‪(9‬‬
‫كي ُ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫حّقا ً وَهُوَ ال ْعَ ِ‬
‫ن ِفيَها وَعْد َ الل ّهِ َ‬
‫دي َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫َ‬
‫وحياتهم في تلك الجنات حياة أبديٌة ل تنقطع ول تزول‪ ,‬وعدهم ال بذلك وعًدا حًقا‪ .‬وهييو‬
‫سبحانه ل ُيخلف وعده‪ ,‬وهو العزيز في أمره‪ ,‬الحكيم في تدبيره‪.‬‬

‫َ‬ ‫مدٍ ت ََروْن ََها وَأ َل َْقى ِفي ال َْر‬


‫ميد َ‬
‫ن تَ ِ‬
‫يأ ْ‬ ‫س َ‬
‫ض َرَوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت ب ِغَي ْرِ عَ َ‬‫وا ِ‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫خل َقَ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ماًء فَأن ْب َت ْن َهها ِفيهَهها ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬
‫ن ال ّ‬
‫م ْ‬‫داب ّةٍ وَأنَزل َْنا ِ‬ ‫ل َ‬‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ث ِفيَها ِ‬ ‫م وَب َ ّ‬‫ب ِك ُ ْ‬
‫ريم ٍ )‪(10‬‬ ‫ج كَ ِ‬ ‫ل َزوْ ٍ‬ ‫كُ ّ‬
‫خلق ال السموات‪ ,‬ورفعها بغير عمد كما تشاهدونها‪ ,‬وألقى في الرض جبال ثابتة؛ لئل‬
‫تضطرب وتتحرك فتفسد حياتكم‪ ,‬ونشر في الرض مختلف أنواع الييدواب‪ ,‬وأنزلنييا ميين‬
‫السحاب مطًرا‪ ,‬فأنبتنا به من الرض من كل زوج بهيج نافع حسن المنظر‪.‬‬

‫ل ال ّ‬ ‫َ‬
‫ن ِفههي‬
‫مو َ‬
‫ظههال ِ ُ‬ ‫دون ِهِ ب َ ْ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫خل َقَ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ذا َ‬ ‫خل ْقُ الل ّهِ فَأُروِني َ‬
‫ما َ‬ ‫ذا َ‬‫هَ َ‬
‫ن )‪(11‬‬ ‫مِبي ٍ‬
‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫َ‬
‫وكل ما تشيياهدونه هييو خلييق اليي‪ ,‬فييأروني‪ -‬أيهييا المشييركون‪ :-‬ميياذا خلقييت آلهتكييم الييتي‬
‫تعبدونها من دون ال؟ بل المشركون في ذهاب بّين عن الحق والستقامة‪.‬‬

‫حك ْم َ َ‬
‫ش هك ُُر‬ ‫ش هك ُْر فَإ ِن ّ َ‬
‫مهها ي َ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ش هك ُْر ل ِل ّههِ وَ َ‬
‫مه ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ن ال ْ ِ َ‬ ‫ما َ‬‫وَل ََقد ْ آت َي َْنا ل ُْق َ‬
‫ميد ٌ )‪(12‬‬ ‫ح ِ‬
‫ي َ‬ ‫ه غَن ِ ّ‬‫ن الل ّ َ‬
‫ن ك ََفَر فَإ ِ ّ‬ ‫م ْ‬
‫سه ِ و َ َ‬ ‫ل ِن َْف ِ‬
‫حا من عبادنا )وهو لقمان( الحكمة‪ ,‬وهي الفقه فييي الييدين وسييلمة‬ ‫ولقد أعطينا عبًدا صال ً‬
‫العقل والصابة في القول‪ ,‬وقلنا له‪ :‬اشكر ل ِنَعَمه عليك‪ ,‬وَمن يشكر لربه فإنما يعود َنْفع‬
‫ذلك عليه‪ ,‬ومن جحد ِنَعَمه فإن ال غني عن شكره‪ ,‬غير محتيياج إليييه‪ ,‬لييه الحمييد والثنيياء‬
‫على كل حال‪.‬‬

‫ش هْر َ‬
‫ك‬ ‫ك ب ِههالل ّهِ إ ِ ّ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ش هرِ ْ‬
‫ي ل تُ ْ‬ ‫ن لب ْن ِهِ وَهُوَ ي َعِظ ُ ُ‬
‫ه َيا ب ُن َه ّ‬ ‫ل ل ُْق َ‬
‫ما ُ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫م )‪(13‬‬ ‫ظي ٌ‬‫م عَ ِ‬ ‫ل َظ ُل ْ ٌ‬
‫ي ل تشيرك بيال‬
‫ظيا‪ :‬ييا بني ّ‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬نصيحة لقمان لبنيه حيين قيال ليه واع ً‬
‫فتظلم نفسك؛ إن الشرك لعظم الكبائر وأبشعها‪.‬‬

‫‪811‬‬
‫ووصينا النسان بوال ِديه حمل َت ُ‬
‫صههال ُ ُ‬
‫ه فِههي‬ ‫ن وَفِ َ‬ ‫ه وَ ْ ً َ‬
‫هنها عَلههى وَهْه ٍ‬ ‫مه ُ‬‫هأ ّ‬ ‫ِ َ َ ِ َ َْ ِ َ َ ْ ُ‬ ‫َ َ ّ َْ‬
‫َ‬
‫صيُر )‪(14‬‬ ‫م ِ‬‫ي ال ْ َ‬‫ك إ ِل َ ّ‬ ‫شك ُْر ِلي وَل ِ َ‬
‫وال ِد َي ْ َ‬ ‫نا ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫مي ْ ِ‬
‫عا َ‬
‫َ‬
‫حَمَلْتييه أمييه ضييعًفا علييى ضييعف‪ ,‬وحملييه‬
‫وَأَمْرنا النسان ببّر والييديه والحسييان إليهمييا‪َ ,‬‬
‫ي المرجييع‬
‫وِفطامه عن الرضاعة في مدة عامين‪ ,‬وقلنا له‪ :‬اشكر ل‪ ,‬ثم اشكر لوالديك‪ ,‬إل ّ‬
‫فُأجازي ُكل بما يستحق‪.‬‬

‫َ‬
‫م َفل ت ُط ِعْهُ َ‬
‫مهها‬ ‫عل ْه ٌ‬
‫ك ب ِههِ ِ‬‫س ل َه َ‬‫ما ل َي ْ َ‬
‫ك ِبي َ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫على أ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫دا َ‬ ‫جاهَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م إ ِل َه ّ‬
‫ي‬ ‫ب إ ِل َه ّ‬
‫ي ث ُه ّ‬ ‫ن أن َهها َ‬
‫مه ْ‬‫ل َ‬ ‫معُْروفها ً َوات ّب ِهعْ َ‬
‫سهِبي َ‬ ‫ما ِفي الد ّن َْيا َ‬
‫ُ‬
‫حب ْهُ َ‬
‫صا ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪(15‬‬ ‫مُلو َ‬‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م بِ َ‬‫م فَأن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫َ‬
‫وإن جاهدك‪ -‬أيها الولد المؤمن‪ -‬والداك على أن تشرك بي غيري في عبادتييك إييياي ممييا‬
‫علم‪ ,‬أو أمراك بمعصية ِمن معاصي ال فل تطعهما؛ لنه ل طاعيية لمخلييوق‬ ‫ليس لك به ِ‬
‫في معصية الخالق‪ ,‬وصاحبهما في الدنيا بالمعروف فيما ل إثم فيييه‪ ,‬واسييلك‪ -‬أيهييا البيين‬
‫ي وآمن برسولي محمد صلى ال عليه وسلم‪،‬‬ ‫المؤمن‪ -‬طريق َمن تاب من ذنبه‪ ,‬ورجع إل ّ‬
‫ل عامل بعمله‪.‬‬ ‫ي مرجعكم‪ ,‬فأخبركم بما كنتم تعملونه في الدنيا‪ ,‬وأجازي ك ّ‬‫ثم إل ّ‬

‫خَرةٍ أ َوْ فِههي‬


‫صه ْ‬
‫ن فِههي َ‬‫ل فَت َك ُه ْ‬‫خْرد َ ٍ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫حب ّةٍ ِ‬‫ل َ‬ ‫مث َْقا َ‬
‫ك ِ‬‫ن تَ ُ‬
‫ي إ ِن َّها إ ِ ْ‬
‫َيا ب ُن َ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خِبيٌر )‪(16‬‬ ‫ف َ‬
‫طي ٌ‬‫ه لَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ت ب َِها الل ّ ُ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ض ي َأ ِ‬‫ت أوْ ِفي الْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫يا بنيّ اعلم أن السيئة أو الحسنة إن كانت َقْدر حبة خردل‪ -‬وهي المتناهييية فييي الصييغر‪-‬‬
‫في باطن جبل‪ ،‬أو فييي أي مكييان فييي السييموات أو فييي الرض‪ ,‬فييإن الي يييأتي بهييا يييوم‬
‫سب عليها‪ .‬إن ال لطيف بعباده خبير بأعمالهم‪.‬‬ ‫القيامة‪ ,‬ويحا ِ‬

‫ْ‬ ‫َ‬
‫صب ِْر عََلى َ‬
‫مهها‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫منك َرِ َوا ْ‬ ‫ه عَ ْ‬
‫ف َوان ْ َ‬ ‫مْر ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫صلةَ وَأ ُ‬‫م ال ّ‬ ‫ي أقِ ْ‬‫َيا ب ُن َ ّ‬
‫مورِ )‪(17‬‬ ‫ُ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫صاب َ َ‬ ‫َ‬
‫ن عَْزم ِ ال ُ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫أ َ‬
‫يا بنيّ أقم الصلة تامة بأركانها وشروطها وواجباتها‪ ,‬وْأمر بالمعروف‪ ,‬واْنه عن المنكر‬
‫ن وحكمة بحسب جهدك‪ ,‬وتحّمل ما يصيبك من الذى مقابل أمرك بييالمعروف‬ ‫ف ولي ٍ‬
‫بلط ٍ‬
‫ونهيك عين المنكير‪ ,‬واعلييم أن هيذه الوصيايا ممييا أميير الي بيه مين المييور اليتي ينبغييي‬
‫الحرص عليها‪.‬‬

‫َ‬
‫ب‬
‫حه ّ‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫مَرح ها ً إ ِ ّ‬
‫ض َ‬
‫ش ِفي الْر ِ‬
‫م ِ‬
‫س َول ت َ ْ‬ ‫خد ّ َ‬
‫ك ِللّنا ِ‬ ‫صعّْر َ‬
‫َول ت ُ َ‬

‫‪812‬‬
‫ل فَ ُ‬
‫خورٍ )‪(18‬‬ ‫خَتا ٍ‬
‫م ْ‬ ‫كُ ّ‬
‫ل ُ‬
‫ل وجهك عن الناس إذا كّلمتهم أو كلموك؛ احتقاًرا منك لهم واسييتكباًرا عليهييم‪ ,‬ول‬ ‫ول ُتِم ْ‬
‫تمش في الرض بين الناس مختال متبختًرا‪ ,‬إن ال ل يحب كييل متكييبر متبيياه فييي نفسييه‬
‫وهيئته وقوله‪.‬‬

‫ت‬ ‫ت لَ َ‬
‫صهوْ ُ‬ ‫وا ِ‬
‫صه َ‬
‫َ‬ ‫ن َأن َ‬
‫كهَر ال ْ‬ ‫صهوْت ِ َ‬
‫ك إِ ّ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ض ِ‬
‫ض ْ‬ ‫شي ِ َ‬
‫ك َواغْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َواقْ ِ‬
‫صد ْ ِفي َ‬
‫ميرِ )‪(19‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫ح ِ‬
‫وتواضييع فييي مشيييك‪ ,‬واخفييض ميين صييوتك فل ترفعييه‪ ,‬إن أقبييح الصييوات وأبغضييها‬
‫لصوت الحمير المعروفة ببلدتها وأصواتها المرتفعة‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫سب َغَ‬
‫ض وَأ ْ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬‫ما ِفي ال ّ‬ ‫م َ‬‫خَر ل َك ُ ْ‬ ‫س ّ‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫م ت ََرْوا أ ّ‬ ‫أل َ ْ‬
‫ل فِههي الل ّههِ ب ِغَي ْه ِ‬
‫ر‬ ‫جههادِ ُ‬
‫ن يُ َ‬
‫مه ْ‬
‫س َ‬‫ن الّنا ِ‬‫م ْ‬
‫ة وَ ِ‬‫ظاهَِرةً وََباط ِن َ ً‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ن ِعَ َ‬
‫مِنيرٍ )‪(20‬‬ ‫ب ُ‬ ‫دى َول ك َِتا ٍ‬ ‫عل ْم ٍ َول هُ ً‬ ‫ِ‬
‫ألم تروا‪ -‬أيها الناس‪ -‬أن ال ذّلل لكم ما في السموات من الشمس والقمر والسحاب وغير‬
‫ب والشجر والميياء‪ ,‬وغييير ذلييك ممييا ل يحصييى‪ ,‬وعّمكييم‬
‫ذلك‪ ,‬وما في الرض من الدوا ّ‬
‫بنعمه الظاهرة على البدان والجوارح‪ ,‬والباطنة في العقول والقلوب‪ ,‬وما اّدخره لكم مما‬
‫ل تعلمونه؟ ومن الناس َمن يجيادل فيي توحييد الي وإخلص العبيادة ليه بغيير حجية ول‬
‫بيان‪ ,‬ول كتاب مبين يبّين حقيقة دعواه‪.‬‬

‫جد َْنا عَل َي ْهِ آَباَءَنهها‬


‫ما وَ َ‬
‫ل ن َت ّب ِعُ َ‬‫ه َقاُلوا ب َ ْ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫م ات ّب ُِعوا َ‬‫ل ل َهُ ْ‬
‫ذا ِقي َ‬‫وَإ ِ َ‬
‫سِعيرِ )‪(21‬‬ ‫ب ال ّ‬ ‫م إ َِلى عَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫عوهُ ْ‬‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كا َ‬‫أ َوَل َوْ َ‬

‫وإذا قيل لهؤلء المجادلين في توحيد ال وإفراده بالعبادة‪ :‬اتبعوا ما أنييزل ال ي علييى نييبيه‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم قالوا‪ :‬بل نتبع ما كان عليه آباؤنا من الشرك وعبادة الصنام‪,‬‬
‫أيفعلون ذلك‪ ,‬ولو كان الشيطان يدعوهم؛ بتزيينه لهييم سييوء أعمييالهم‪ ,‬وكفرهييم بييال إلييى‬
‫عذاب النار المستعرة؟‬

‫ك ب ِههال ْعُْروَةِ‬
‫سه َ‬
‫م َ‬ ‫ن فََقهدِ ا ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫سه ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬‫ه إ ِل َههى الل ّههِ وَهُهوَ ُ‬
‫جه َ ُ‬
‫م وَ ْ‬
‫سل ِ ْ‬
‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬
‫وَ َ‬
‫مورِ )‪(22‬‬ ‫ُ‬ ‫ال ْوُث َْقى وَإ َِلى الل ّهِ َ‬
‫ة ال ُ‬ ‫عاقِب َ ُ‬

‫‪813‬‬
‫خلص عبادته ل وقصده إلى ربه تعالى‪ ,‬وهو محسن في أقواله‪ ,‬متقن لعماله‪ ,‬فقد‬ ‫ومن ُي ْ‬
‫أخذ بأوثق سبب موصل إلى رضوان الي وجنتييه‪ .‬وإلييى الي وحييده تصييير كييل المييور‪,‬‬
‫فيجازي المحسن على إحسانه‪ ,‬والمسيء على إساءته‪.‬‬

‫ن الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫مُلوا إ ِ ّ‬
‫ما عَ ِ‬ ‫م فَن ُن َب ّئ ُهُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫جعُهُ ْ‬ ‫ك ك ُْفُرهُ إ ِل َي َْنا َ‬
‫مْر ِ‬ ‫حُزن ْ َ‬‫ن ك ََفَر َفل ي َ ْ‬‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫دورِ )‪(23‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬‫ذا ِ‬‫م بِ َ‬‫عَِلي ٌ‬
‫س علييه ‪-‬أيهيا الرسيول‪ -‬ول تحيزن؛ لنيك أّدييت ميا علييك مين اليدعوة‬ ‫ومن كفر فل تأ َ‬
‫والبلغ‪ ,‬إلينا مرجعهم ومصيرهم يوم القيامة‪ ,‬فنخييبرهم بأعمييالهم الخبيثيية الييتي عملوهييا‬
‫في الدنيا‪ ,‬ثم نجازيهم عليها‪ ,‬إن ال عليم بما ُتِكّنه صدورهم من الكفر بال وإيثييار طاعيية‬
‫الشيطان‪.‬‬

‫ب غَِلي ٍ‬
‫ظ )‪(24‬‬ ‫م إ َِلى عَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫ضط َّرهُ ْ‬ ‫م قَِليل ً ث ُ ّ‬
‫م نَ ْ‬ ‫مت ّعُهُ ْ‬
‫نُ َ‬
‫نمتعهم في هذه الدنيا الفانية مدة قليلة‪ ,‬ثم يوم القيامة ُنلجئهم ونسييوقهم إلييى عيذاب فظيييع‪,‬‬
‫وهو عذاب جهنم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مهد ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن الّله ُ‬
‫ه ق ُه ْ‬ ‫ض ل َي َُقههول ُ ّ‬
‫ت َوالْر َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬ ‫خل َقَ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬‫سأل ْت َهُ ْ‬‫ن َ‬ ‫وَل َئ ِ ْ‬
‫ل ِل ّه ب ْ َ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫مو َ‬‫م ل ي َعْل َ ُ‬‫ل أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫ِ َ‬
‫ولئن سألت ‪-‬أيها الرسول‪ -‬هؤلء المشركين بال‪َ :‬من خلييق السييموات والرض؟ ليقييوُلنّ‬
‫ال‪ ,‬فإذا قالوا ذلك فقل لهم‪ :‬الحمد ل الذي أظهر الستدلل عليكم ميين أنفسييكم‪ ,‬بييل أكييثر‬
‫هؤلء المشركين ل ينظرون ول يتدبرون َمن الذي له الحمد والشكر‪ ,‬فلذلك أشركوا معه‬
‫غيره‪.‬‬

‫ي ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ميد ُ )‪(26‬‬
‫ح ِ‬ ‫ه هُوَ ال ْغَن ِ ّ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ض إِ ّ‬
‫ت َوالْر ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬ ‫ل ِل ّهِ َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬
‫ل‪ -‬سبحانه‪ -‬كل ما فييي السييموات والرض ملًكييا وعبييًدا وإيجيياًدا وتقييديًرا‪ ,‬فل يسييتحق‬
‫العبادة أحد غيره‪ .‬إن ال هو الغني عن خلقه‪ ,‬له الحمد والثناء على كل حال‪.‬‬

‫َ‬ ‫ول َو أ َن ّما ِفي ال َ‬


‫ة‬
‫س هب ْعَ ُ‬
‫ن ب َْعههدِهِ َ‬
‫م ْ‬
‫مد ّهُ ِ‬
‫حُر ي َ ُ‬‫م َوال ْب َ ْ‬‫جَرةٍ أْقل ٌ‬ ‫ش َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫َ‬
‫م )‪(27‬‬ ‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬‫زيٌز َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه عَ ِ‬ ‫ت الل ّهِ إ ِ ّ‬‫ما ُ‬‫ت ك َل ِ َ‬‫ما ن َِفد َ ْ‬
‫حرٍ َ‬
‫أب ْ ُ‬

‫‪814‬‬
‫ولو أن أشجار الرض كلها ُبريت أقلًما والبحيير مييداد لهييا‪ ,‬وُيَمييد بسييبعة أبحيير أخييرى‪,‬‬
‫وُكِتب بتلك القلم وذلك المداد كلمات ال‪ ,‬لتكسرت تلك القلم‪ ,‬ولنِفيد ذليك الميداد‪ ,‬وليم‬
‫تنفد كلمات ال التامة التي ل يحيط بها أحد‪ .‬إن الي عزيييز فييي انتقييامه مميين أشييرك بييه‪,‬‬
‫حكيم في تدبير خلقه‪ .‬وفي الية إثبات صفة الكلم ليي‪ -‬تعييالى‪ -‬حقيقيية كمييا يليييق بجللييه‬
‫وكماله سبحانه‪.‬‬

‫صيٌر )‪(28‬‬
‫ميعٌ ب َ ِ‬
‫س ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫حد َةٍ إ ِ ّ‬ ‫م إ ِل ّ ك َن َْف ٍ‬
‫س َوا ِ‬ ‫خل ُْقك ُ ْ‬
‫م َول ب َعْث ُك ُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫َ‬
‫خْلييق نفييس واحيدة‬
‫خْلُقكم‪ -‬أيها الناس‪ -‬ول َبْعُثكم يوم القيامة في السييهولة واليسير إل ك َ‬
‫ما َ‬
‫وَبْعثها‪ ,‬إن ال سميع لقوالكم‪ ,‬بصير بأعمالكم‪ ,‬وسيجازيكم عليها‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ج الن ّهَههاَر فِههي الل ّي ْه ِ‬
‫ل‬ ‫ل فِههي الن ّهَههارِ وَُيول ِه ُ‬‫ج الل ّي ْه َ‬
‫ه ُيول ِه ُ‬ ‫ن الل ّه َ‬‫م ت ََرى أ ّ‬ ‫أل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مهها‬
‫ه بِ َ‬‫ن الل ّه َ‬
‫مى وَأ ّ‬ ‫سه ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫جه ٍ‬‫ري إ ِل َههى أ َ‬‫ج ِ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫س َوال َْق َ‬
‫مَر ك ُ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫خَر ال ّ‬
‫س ّ‬ ‫وَ َ‬
‫خِبيٌر )‪(29‬‬ ‫ن َ‬‫مُلو َ‬‫ت َعْ َ‬
‫ألم تر أن ال يأخذ من ساعات الليل‪ ,‬فيطول النهييار‪ ,‬ويقصيير الليييل‪ ,‬ويأخييذ مين سيياعات‬
‫النهار‪ ,‬فيطول الليل‪ ,‬ويقصر النهار‪ ,‬وذّليل لكيم الشييمس والقمير‪ ,‬يجييري كييل منهمييا فييي‬
‫طلع على كل أعمييال الخلييق ِميين خييير أو شيير‪ ,‬ل‬‫مداره إلى أجل معلوم محدد‪ ,‬وأن ال ُم ّ‬
‫يخفى عليه منها شيء؟‬

‫عون من دون ِه ال ْباط ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ذ َل َ َ‬


‫و‬
‫ههه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ل وَأ ّ‬‫ما ي َد ْ ُ َ ِ ْ ُ ِ َ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ه هُوَ ال ْ َ‬
‫حقّ وَأ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ك ب ِأ ّ‬ ‫ِ‬
‫ي ال ْك َِبيُر )‪(30‬‬ ‫ال ْعَل ِ ّ‬
‫ذلك كله من عظيم قدرتي ; لتعلموا وتقروا أن ال هو الحق فييي ذاتييه وصييفاته‪ ,‬وأفعيياله‪,‬‬
‫وأن ما يدعون ميين دونييه الباطييل‪ ,‬وأن الي هييو العلييي بييذاته وَقيْدره وقهييره فييوق جميييع‬
‫مخلوقاته‪ ,‬الكبير على كل شيء‪ ,‬وكل ما عداه خاضع ليه‪ ,‬فهيو وحيده المسيتحق أن ُيعبيد‬
‫دون َمن سواه‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن آَيههات ِهِ إ ِ ّ‬
‫م ْ‬ ‫مةِ الل ّهِ ل ِي ُرِي َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ري ِفي ال ْب َ ْ‬
‫حرِ ب ِن ِعْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك تَ ْ‬‫ن ال ُْفل ْ َ‬
‫م ت ََرى أ ّ‬ ‫أل َ ْ‬
‫كورٍ )‪(31‬‬ ‫ش ُ‬
‫صّبارٍ َ‬
‫ل َ‬ ‫ت ل ِك ُ ّ‬ ‫ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ك لَيا ٍ‬

‫‪815‬‬
‫ألم تر‪ -‬أيها المشاهد‪ -‬أن السفن تجري في البحر بأمر ال نعمة منييه علييى خلقييه؛ ليريكييم‬
‫من عبره وحججه عليكم ما تعتبرون به؟ إن فييي جيْري السييفن فييي البحيير َلييدللت لكييل‬
‫صّبار عن محارم ال‪ ,‬شكور لنعمه‪.‬‬

‫م‬
‫جههاهُ ْ‬ ‫ن فَل َ ّ‬
‫ما ن َ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ال ّ‬ ‫صي َ‬‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫وا الل ّ َ‬‫ل د َعَ ْ‬ ‫كالظ ّل َ ِ‬
‫ج َ‬ ‫مو ْ ٌ‬‫م َ‬ ‫ذا غَ ِ‬
‫شي َهُ ْ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫خّتارٍ ك َُفورٍ )‪(32‬‬ ‫ل َ‬ ‫حد ُ ِبآَيات َِنا إ ِل ّ ك ُ ّ‬
‫ج َ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫صد ٌ وَ َ‬‫مْقت َ ِ‬‫م ُ‬ ‫إ َِلى ال ْب َّر فَ ِ‬
‫من ْهُ ْ‬
‫عَلْتهييم المييواج ِميين حييولهم كالسييحب والجبييال‪ ,‬أصييابهم‬
‫وإذا ركب المشركون السييفن و َ‬
‫الخوف والذعر من الغرق ففزعوا إلى ال‪ ،‬وأخلصوا دعاءهم له‪ ،‬فلمييا نجيياهم إلييى الييبر‬
‫فمنهم متوسط لم يقم بشكر ال على وجه الكمال‪ ,‬ومنهم كافر بنعميية الي جاحييد لهييا‪ ,‬ومييا‬
‫يكفر بآياتنا وحججنا الداليية علييى كمييال قييدرتنا ووحييدانيتنا إل كييل غيّدار نيياقض للعهييد‪,‬‬
‫جحود لنعم ال عليه‪.‬‬

‫ن وَل َهدِهِ َول‬ ‫َ‬


‫زي َوال ِهد ٌ عَ ه ْ‬ ‫وما ً ل ي َ ْ‬
‫ج ِ‬ ‫وا ي َ ْ‬
‫ش ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َوا ْ‬‫س ات ُّقوا َرب ّك ُ ْ‬
‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫م ال ْ َ‬
‫حَيهاةُ‬ ‫كه ْ‬ ‫ن وَعْد َ الّلههِ َ‬
‫حهقّ َفل ت َغُّرن ّ ُ‬ ‫شْيئا ً إ ِ ّ‬ ‫ن َوال ِدِهِ َ‬‫جازٍ عَ ْ‬ ‫موُْلود ٌ هُوَ َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫م ِباللهِ الغَُروُر )‪(33‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الد ّن َْيا َول ي َغُّرن ّك ْ‬
‫يا أيها الناس اتقوا ربكم‪ ,‬وأطيعوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه‪ ,‬واحذروا يوم القياميية‬
‫الذي ل يغني فيه والد عن ولده ول مولود عن أبيه شيًئا‪ ,‬إن وعد ال ي حييق ل ريييب فيييه‪,‬‬
‫فل تنخييدعوا بالحييياة الييدنيا وزخرفهييا فتنسيييكم الخييرى‪ ,‬ول يخييدعنكم بييال خييادع ميين‬
‫شياطين الجن والنس‪.‬‬

‫مهها‬ ‫ما ِفي ال َْر َ‬


‫حههام ِ وَ َ‬ ‫م َ‬‫ث وَي َعْل َ ُ‬
‫ل ال ْغَي ْ َ‬
‫ساعَةِ وَي ُن َّز ُ‬‫م ال ّ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫عن ْد َهُ ِ‬
‫ه ِ‬‫ن الل ّ َ‬‫إِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ت إِ ّ‬ ‫مههو ُ‬‫ض تَ ُ‬ ‫س ب ِهأيّ أْر ٍ‬
‫ما ت َهد ِْري ن َْف ه ٌ‬ ‫غدا ً وَ َ‬ ‫ب َ‬‫س ُ‬‫ذا ت َك ْ ِ‬‫ما َ‬
‫س َ‬ ‫ت َد ِْري ن َْف ٌ‬
‫خِبيٌر )‪(34‬‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫الل ّ َ‬
‫إن ال‪ -‬وحده ل غيره‪ -‬يعلم متى تقوم الساعة؟ وهو الذي ينزل المطيير ميين السييحاب‪ ,‬ل‬
‫يقدر على ذلك أحد غيره‪ ,‬ويعلم ما في أرحام الناث‪ ,‬ويعلم ما تكسبه كل نفس في غدها‪,‬‬
‫ي أرض تموت‪ .‬بل ال تعالى هو المختص بعلم ذلك جميعه‪ .‬إن ال عليم‬ ‫وما تعلم نفس بأ ّ‬
‫خبير محيط بالظواهر والبواطن‪ ,‬ل يخفى عليه شيء منها‪.‬‬

‫‪816‬‬
‫‪ -32‬سورة السجدة‬

‫الم )‪(1‬‬
‫الحروف المق ّ‬
‫طعة في أول سورة البقرة‪.‬‬

‫ن )‪(2‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ن َر ّ‬
‫م ْ‬
‫ب ِفيهِ ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ب ل َري ْ َ‬ ‫زي ُ‬
‫َتن ِ‬
‫هذا القرآن الذي جاء به محمد صلى ال عليه وسلم ل شك أنه منييزل ميين عنييد اليي‪ ،‬رب‬
‫الخلئق أجمعين‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مه ْ‬
‫م ِ‬ ‫ومها ً َ‬
‫مهها أت َههاهُ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك ل ُِتنهذَِر قَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫حقّ ِ‬‫ل هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن افْت ََراهُ ب َ ْ‬ ‫م ي َُقوُلو َ‬
‫أ ْ‬
‫ن )‪(3‬‬‫دو َ‬ ‫م ي َهْت َ ُ‬‫ك ل َعَل ّهُ ْ‬
‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ذيرٍ ِ‬ ‫نَ ِ‬
‫بل أيقول المشركون‪ :‬اختلق محمد صلى ال عليييه وسييلم القييرآن؟ كيَذبوا‪ ,‬بييل هييو الحييق‬
‫سييا لييم يييأتهم نييذير ميين قبلييك‪,‬‬
‫الثابت المنزل عليك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من ربك; لتنييذر بييه أنا ً‬
‫لعلهم يهتدون‪ ,‬فيعرفوا الحق ويؤمنوا به ويؤثروه‪ ,‬ويؤمنوا بك‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫سهت ّةِ أي ّههام ٍ ُثه ّ‬
‫م‬ ‫مها فِههي ِ‬ ‫مها ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬
‫ت َوالْر َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫خل َهقَ ال ّ‬
‫سه َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫شهِفيٍع أ ََفل‬ ‫ي َول َ‬ ‫مههن وَل ِه ّ‬‫دون ِههِ ِ‬ ‫ن ُ‬‫مه ْ‬
‫م ِ‬ ‫مهها ل َك ُه ْ‬
‫ش َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وى عَلههى العَهْر ِ‬ ‫سهت َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ن )‪(4‬‬‫ت َت َذ َك ُّرو َ‬
‫ال الذي خلق السموات والرض وما بينهما في ستة أيييام لحكميية يعلمهييا‪ ,‬وهييو قييادر أن‬
‫يخلقها بكلمة "كن" فتكون‪ ,‬ثييم اسييتوى سييبحانه وتعييالى ‪-‬أي عل وارتفييع‪ -‬علييى عرشييه‬
‫استواء يليق بجلله‪ ,‬ل يكّيف‪ ,‬ول يشّبه باستواء المخلوقين‪ .‬لييس لكيم ‪-‬أيهيا النياس‪ -‬مين‬
‫ي يلي أموركم‪ ,‬أو شفيع يشفع لكم عند ال؛ لتنجوا من عذابه‪ ,‬أفل تتعظييون وتتفكييرون‬ ‫ول ّ‬
‫‪-‬أيها الناس‪ ,-‬فُتفردوا ال باللوهية وُتخلصوا له العبادة؟‬

‫ج إ ِل َي ْهِ ِفي ي َوْم ٍ َ‬ ‫من السماِء إَلى ال َ‬ ‫ي ُد َب ّر ال َ‬


‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ض ثُ ّ‬
‫م ي َعُْر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪(5‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫دو َ‬
‫ما ت َعُ ّ‬
‫م ّ‬‫سن َةٍ ِ‬
‫ف َ‬ ‫داُرهُ أل َ‬ ‫مْق َ‬ ‫ِ‬
‫يدبر ال تعالى َأْمر المخلوقات من السماء إلى الرض‪ ,‬ثم يصعد ذلك المر والتدبير إلى‬
‫ال في يوم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا التي تعّدونها‪.‬‬

‫‪817‬‬
‫م )‪(6‬‬
‫حي ُ‬ ‫شَهاد َةِ ال ْعَ ِ‬
‫زيُز الّر ِ‬ ‫م ال ْغَي ْ ِ‬
‫ب َوال ّ‬ ‫عال ِ ُ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬
‫ذلك الخالق المدّبر لشؤون العالمين‪ ,‬عالم بكل ما يغيب عن البصار‪ ,‬مما ُتِكّنييه الصييدور‬
‫ي الظاهر الذي ل يغيياَلب‪ ,‬الرحيييم‬
‫وتخفيه النفوس‪ ,‬وعالم بما شاهدته البصار‪ ,‬وهو القو ّ‬
‫بعباده المؤمنين‪.‬‬

‫ن )‪(7‬‬
‫طي ٍ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫سا ِ‬
‫لن َ‬ ‫ه وَب َد َأ َ َ‬
‫خل ْقَ ا ِ‬ ‫خل ََق ُ‬
‫يءٍ َ‬
‫ش ْ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫س َ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫ال ّ ِ‬
‫ذي أ ْ‬
‫ق النسان‪ ,‬وهو آدم عليه السلم من طين‪.‬‬
‫خْل َ‬
‫ال الذي أحكم خلق كل شيء‪ ,‬وبدأ َ‬

‫ن )‪(8‬‬
‫مِهي ٍ‬
‫ماٍء َ‬
‫ن َ‬ ‫سلل َةٍ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫سل َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫جع َ َ‬
‫ل نَ ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫م َ‬
‫ثم جعل ذرية آدم متناسلة من نطفة ضعيفة رقيقة مهينة‪.‬‬

‫صههاَر َوال َفْئ ِد َةَ‬ ‫َ‬


‫معَ َوالب ْ َ‬
‫سه ْ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫جع َ َ‬
‫حه ِ و َ َ‬
‫ن ُرو ِ‬
‫م ْ‬
‫خ ِفيهِ ِ‬‫واهُ وَن ََف َ‬ ‫س ّ‬‫م َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫ما ت َ ْ‬‫قَِليل ً َ‬
‫ثم أتم خلق النسان وأبدعه‪ ,‬وأحسن خلقته‪ ,‬ونفخ فيه ِمن روحه بإرسال الملك لييه؛ لينفييخ‬
‫فيه الروح‪ ,‬وجعل لكيم ‪-‬أيهييا النياس‪ -‬نعمية السيمع والبصيار ُيمّييز بهييا بيين الصييوات‬
‫واللوان والذوات والشخاص‪ ,‬ونعمة العقل ُيمّيز بها بين الخير والشر والنافع والضار‪.‬‬
‫قليل ما تشكرون ربكم على ما أنعم به عليكم‪.‬‬

‫م‬
‫م ب ِل َِقاءِ َرب ِّههه ْ‬ ‫ديدٍ ب َ ْ‬
‫ل هُ ْ‬ ‫ج ِ‬
‫ق َ‬ ‫ضل َل َْنا ِفي ال َْرض أ َئ ِّنا ل َِفي َ ْ‬ ‫وََقاُلوا أ َئ ِ َ‬
‫خل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ذا َ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫كافُِرو َ‬‫َ‬

‫وقال المشركون بال المكذبون بالبعث‪ :‬أإذا صارت لحومنا وعظامنييا تراًبييا فييي الرض‬
‫أُنبَعث خلًقا جديًدا؟ يستبعدون ذلك غير طالبين الوصول إلى الحق‪ ,‬وإنما هييو منهييم ظلييم‬
‫وعناد؛ لنهم بلقاء ربهم ‪-‬يوم القيامة‪ -‬كافرون‪.‬‬

‫ن)‬
‫جعُههو َ‬ ‫م إ ِل َههى َرب ّك ُه ْ‬
‫م ت ُْر َ‬ ‫ل ب ِك ُ ْ‬
‫م ث ُه ّ‬ ‫ت ال ّ ِ‬
‫ذي وُك ّ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬
‫مو ْ ِ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫ل ي َت َوَّفاك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫قُ ْ‬
‫‪(11‬‬

‫‪818‬‬
‫قييل ‪-‬أيهييا الرسيول‪ -‬لهييؤلء المشيركين‪ :‬يتوفيياكم ملييك الميوت الييذي ُوّكييل بكيم‪ ,‬فيقبييض‬
‫أرواحكم إذا انتهت آجالكم‪ ,‬ولن تتأخروا لحظة واحدة‪ ,‬ثييم ُتييرّدون إلييى ربكييم‪ ,‬فيجييازيكم‬
‫على جميع أعمالكم‪ :‬إن خيًرا فخير وإن شًرا فشر‪.‬‬

‫َ‬
‫صهْرَنا‬
‫م َرب ّن َهها أب ْ َ‬
‫عن ْهد َ َرب ّهِه ْ‬
‫م ِ‬
‫س هه ِ ْ‬
‫سههوا ُرُءو ِ‬ ‫ن َناك ِ ُ‬‫مههو َ‬
‫جرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫وَل َهوْ ت َهَرى إ ِذ ْ ال ْ ُ‬
‫ن )‪(12‬‬ ‫موقُِنو َ‬‫صاِلحا ً إ ِّنا ُ‬‫ل َ‬ ‫م ْ‬‫جعَْنا ن َعْ َ‬‫معَْنا َفاْر ِ‬ ‫س ِ‬‫وَ َ‬
‫ولو ترى ‪-‬أيها المخاطب‪ -‬إذ المجرمون الذين أنكروا البعييث قييد خفضييوا رؤوسييهم عنييد‬
‫ربهم من الخزي والعار قائلين‪ :‬ربنييا أبصييرنا قبائحنييا‪ ,‬وسييمعنا منييك تصييديق مييا كييانت‬
‫رسلك تأمرنا به في الدنيا‪ ,‬وقد ُتْبنا إليك‪ ,‬فارجعنا إلى الدنيا لنعمل فيهييا بطاعتييك‪ ,‬إنييا قييد‬
‫أيقّنا الن ما كنا به في الدنيا مكذبين من وحدانيتك‪ ,‬وأنك تبعث من في القبور‪ .‬ولو رأيت‬
‫‪-‬أيها الخاطب‪ -‬ذلك كله‪ ,‬لرأيت أمًرا عظيًما‪ ,‬وخطًبا جسيًما‪.‬‬

‫م‬
‫جهَن ّه َ‬ ‫مل َ ّ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫من ّههي ل ْ‬ ‫حقّ ال َْقوْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫ها وَل َك ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫دا َ‬
‫س هُ َ‬ ‫شئ َْنا لت َي َْنا ك ُ ّ‬
‫ل َ ن َْف ٍ‬ ‫وَل َوْ ِ‬
‫ن )‪(13‬‬ ‫مِعي َ‬
‫ج َ‬
‫سأ ْ‬ ‫جن ّةِ َوالّنا ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫م ْ‬‫ِ‬
‫ولو شئنا لتينا هؤلء المشركين بال رشدهم وتييوفيقهم لليمييان‪ ,‬ولكيين حييق القييول منييي‬
‫جّنيية والنيياس أجمعييين؛ وذلييك‬
‫ن جهنييم ميين أهييل الكفيير والمعاصييي‪ ,‬ميين ال ِ‬
‫ووجييب لمل ّ‬
‫لختيارهم الضللة على الهدى‪.‬‬

‫خل ْدِ‬
‫ب ال ْ ُ‬ ‫ذوُقوا عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫سيَناك ُ ْ‬
‫م وَ ُ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م هَ َ‬
‫ذا إ ِّنا ن َ ِ‬ ‫م ل َِقاءَ ي َوْ ِ‬
‫سيت ُ ْ‬‫ما ن َ ِ‬‫ذوُقوا ب ِ َ‬ ‫فَ ُ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬
‫بِ َ‬
‫يقال لهؤلء المشركين ‪-‬عند دخولهم النار‪ :-‬فذوقوا العذاب؛ بسييبب غفلتكييم عيين الخييرة‬
‫وانغماسكم في لذائذ الدنيا‪ ,‬إنا تركناكم اليييوم فييي العييذاب‪ ,‬وذوقييوا عييذاب جهنييم الييذي ل‬
‫ينقطع؛ بما كنتم تعملون في الدنيا من الكفر بال ومعاصيه‪.‬‬

‫مهدِ‬
‫ح ْ‬
‫حوا ب ِ َ‬ ‫جدا ً وَ َ‬
‫سهب ّ ُ‬ ‫سه ّ‬ ‫ذا ذ ُك ّهُروا ب ِهَهها َ‬
‫خهّروا ُ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ن ِبآَيات َِنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م ُ‬‫ما ي ُؤْ ِ‬‫إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪(15‬‬ ‫ست َك ْب ُِرو َ‬
‫م ل يَ ْ‬ ‫م وَهُ ْ‬ ‫َرب ّهِ ْ‬
‫عظوا بها أو ُتليييت عليهييم سييجدوا لربهييم‬
‫إنما يصدق بآيات القرآن ويعمل بها الذين إذا ُو ِ‬
‫خاشعين مطيعيين‪ ,‬وسيّبحوا الي فيي سيجودهم بحميده‪ ,‬وهيم ل يسيتكبرون عين السيجود‬
‫والتسبيح له‪ ,‬وعبادته وحده ل شريك له‪.‬‬

‫‪819‬‬
‫مهها‬ ‫معها ً وَ ِ‬
‫م ّ‬ ‫وفها ً وَط َ َ‬
‫خ ْ‬
‫م َ‬
‫ن َرب ّهُه ْ‬
‫عو َ‬
‫جِع ي َهد ْ ُ‬
‫ضها ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫عه ْ‬
‫م َ‬ ‫جاَفى ُ‬
‫جن ُههوب ُهُ ْ‬ ‫ت َت َ َ‬
‫ن )‪(16‬‬ ‫فُقو َ‬ ‫َرَزقَْناهُ ْ‬
‫م ُين ِ‬
‫ترتفع جنوب هؤلء الذين يؤمنون بآيات ال عن فراش النوم‪ ,‬يتهجدون لربهم في صييلة‬
‫الليل‪ ,‬يدعون ربهم خوًفا من العذاب وطمًعا في الثواب‪ ,‬ومما رزقناهم ينفقون في طاعيية‬
‫ال وفي سبيله‪.‬‬

‫خفي ل َهم من قُرة أ َ‬ ‫َفل تعل َم نْفس ما أ ُ‬


‫مُلو َ‬
‫ن)‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫جَزاءً ب ِ َ‬
‫ن َ‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫‪(17‬‬
‫فل تعلم نفس ما اّدخر ال لهؤلء المؤمنين مما َتَقّر به العين‪ ,‬وينشرح له الصدر؛ جييزاء‬
‫لهم على أعمالهم الصالحة‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(18‬‬
‫وو َ‬ ‫سقا ً ل ي َ ْ‬
‫ست َ ُ‬ ‫ن َفا ِ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫منا ً ك َ َ‬
‫م ْ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫أفَ َ‬
‫م ْ‬
‫أفمن كان مطيًعا ل ورسوله مصدًقا بوعده ووعييده‪ ,‬مثيل مين كفير بيال ورسيله وكيذب‬
‫باليوم الخر؟ ل يستوون عند ال‪.‬‬

‫ما َ‬ ‫أ َما ال ّذين آمنوا وعمُلوا الصالحات فَل َهم جنات ال ْ ْ‬


‫كاُنوا‬ ‫مأَوى ن ُُزل ً ب ِ َ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ َ ّ ُ‬ ‫ّ ِ َ ِ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪(19‬‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬‫ي َعْ َ‬
‫أما الذين آمنوا بال وعملوا بمييا ُأِمييروا بييه فجزاؤهييم جنييات يييأوون إليهييا‪ ,‬ويقيمييون فييي‬
‫نعيمها ضيافة لهم؛ جزاًء لهم بما كانوا يعملون في الدنيا بطاعته‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأ َمهها ال ّهذين فَس هُقوا فَ ْ‬


‫من ْهَهها‬
‫جههوا ِ‬
‫خُر ُ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫دوا أ ْ‬ ‫مهها أَرا ُ‬‫م الن ّههاُر ك ُل ّ َ‬‫م هأَواهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ّ‬
‫ن )‪(20‬‬ ‫َ‬
‫م ب ِهِ ت ُكذ ُّبو َ‬ ‫ُ‬
‫ذي كن ْت ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ب الّنارِ ال ِ‬ ‫ذوُقوا عَ َ‬
‫ذا َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ل له ُ ْ‬ ‫دوا ِفيَها وَِقي َ‬ ‫أُ ِ‬
‫عي ُ‬
‫وأما الذين خرجوا عيين طاعيية الي وعملييوا بمعاصيييه فمسييتقرهم جهنييم‪ ,‬كلمييا أرادوا أن‬
‫يخرجوا منها أعيدوا فيها‪ ,‬وقيل لهم ‪-‬توبيخا وتقريعا‪ :-‬ذوقوا عذاب النييار الييذي كنتييم بييه‬
‫تكذبون في الدنيا‪.‬‬

‫َ‬ ‫ب ال َد َْنى ُ‬
‫ن)‬
‫جعُههو َ‬ ‫ب الك ْب َرِ ل َعَل ُّههه ْ‬
‫م ي َْر ِ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫وَل َن ُ ِ‬
‫ذيَقن ّهُ ْ‬
‫‪820‬‬
‫‪(21‬‬
‫ولنذيقن هؤلء الفاسقين المكذبين من العذاب الدنى ميين البلء والمحيين والمصييائب فييي‬
‫اليدنيا قبيل العيذاب الكيبر ييوم القيامية‪ ,‬حييث ُيعيّذبون فيي نيار جهنيم؛ لعلهيم يرجعيون‬
‫ويتوبون من ذنوبهم‪.‬‬

‫ومن أ َظ ْل َم ممن ذ ُك ّر بآيات ربه ث ُ َ‬


‫ن‬
‫مي ه َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫مه ْ‬
‫ض عَن َْها إ ِن ّهها ِ‬
‫م أعَْر َ‬
‫َ ِ َ ِ َ ّ ِ ّ‬ ‫ُ ِ ّ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ن )‪(22‬‬ ‫مو َ‬ ‫منت َِق ُ‬
‫ُ‬
‫ول أحد أشد ظلًما لنفسه مميين وعييظ بييدلئل اليي‪ ,‬ثييم أعييرض عيين ذلييك كلييه‪ ,‬فلييم يتعييظ‬
‫بمواعظه‪ ,‬ولكنه استكبر عنها‪ ,‬إنا من المجرمين الذين أعرضوا عن آيييات الي وحججييه‪,‬‬
‫ولم ينتفعوا بها‪ ,‬منتقمون‪.‬‬

‫جعَل َْناهُ هُ ً‬
‫دى‬ ‫ن ل َِقائ ِهِ وَ َ‬
‫م ْ‬
‫مْري َةٍ ِ‬
‫ن ِفي ِ‬ ‫سى ال ْك َِتا َ‬
‫ب َفل ت َك ُ ْ‬ ‫مو َ‬‫وَل ََقد ْ آت َي َْنا ُ‬
‫سَراِئي َ‬
‫ل )‪(23‬‬ ‫ل ِب َِني إ ِ ْ‬
‫ولقد آتينا موسى التوراة كما آتيناك ‪-‬أيهييا الرسييول‪ -‬القييرآن‪ ,‬فل تكيين فييي شييك ميين لقيياء‬
‫موسى ليلة السراء والمعراج‪ ,‬وجعلنا التوراة هداية لبني إسييرائيل‪ ,‬تييدعوهم إلييى الحييق‬
‫وإلى طريق مستقيم‪.‬‬

‫َ‬ ‫وجعل ْنا منه َ‬


‫صب َُروا وَك َههاُنوا ِبآَيات ِن َهها ُيوقِن ُههو َ‬
‫ن)‬ ‫مرَِنا ل َ ّ‬
‫ما َ‬ ‫ن ب ِأ ْ‬
‫دو َ‬
‫ة ي َهْ ُ‬
‫م ً‬
‫م أئ ِ ّ‬
‫َ َ َ َ ِ ُْ ْ‬
‫‪(24‬‬
‫وجعلنا من بني إسرائيل هداة ودعاة إلى الخير‪ ,‬يأتّم بهم النيياس‪ ,‬ويييدعونهم إلييى التوحيييد‬
‫وعبادة ال وحده وطاعته‪ ,‬وإنما نالوا هذه الدرجة العالية حين صييبروا علييى أواميير اليي‪,‬‬
‫وتييرك زواجييره‪ ,‬والييدعوة إليييه‪ ,‬وتحّمييل الذى فييي سييبيله‪ ,‬وكييانوا بآيييات الي وحججييه‬
‫يوقنون‪.‬‬

‫ن )‪(25‬‬
‫خت َل ُِفو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ِفيهِ ي َ ْ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬
‫مةِ ِفي َ‬ ‫م ي َوْ َ‬ ‫ص ُ‬
‫ل ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك هُوَ ي َْف ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫إن ربك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يقضي بين المؤمنين والكافرين ميين بنييي إسييرائيل وغيرهييم يييوم‬
‫القيامة بالعدل فيما اختلفوا فيه من أمور الدين‪ ,‬ويجييازي كييل إنسييان بعملييه بإدخييال أهي ِ‬
‫ل‬
‫ل الناِر الناَر‪.‬‬
‫الجنِة الجنَة وأه ِ‬

‫‪821‬‬
‫أ َول َهم يههد ل َههم ك َه َ‬
‫ن فِههي‬ ‫م ُ‬
‫شههو َ‬ ‫ن ال ُْقهُرو ِ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫مه ْ‬
‫م ِ‬‫ن قَب ْل ِهِه ْ‬ ‫م أهْل َك ْن َهها ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َْ ِ ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ن )‪(26‬‬ ‫مُعو َ‬‫س َ‬ ‫ت أَفل ي َ ْ‬
‫ك لَيا ٍ‬ ‫م إِ ّ‬
‫ساك ِن ِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫أولم يتبين لهؤلء المكذبين للرسول‪ :‬كم أهلكنا من قبلهييم ميين المييم السييابقة يمشييون فييي‬
‫عياًنا كقوم هود وصالح ولوط؟ إن في ذلك ليات وعظييات ُيسييتَد ّ‬
‫ل‬ ‫مساكنهم‪ ,‬فيشاهدونها ِ‬
‫بها على صدق الرسل التي جاءتهم‪ ,‬وبطلن ما هم عليه مين الشييرك‪ ,‬أفل يسييمع هييؤلء‬
‫المكذبون بالرسل مواعظ ال وحججه‪ ,‬فينتفعون بها؟‬

‫ج ب ِههِ َزْرع ها ً ت َأ ْك ُه ُ‬
‫ل‬ ‫ض ال ْ ُ‬
‫جُرزِ فَن ُ ْ‬
‫خرِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫أ َول َم ي َروا أ َّنا ن َسوقُ ال ْماَء إَلى ال َ‬
‫ََ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ ْ‬
‫َ‬ ‫من َ‬
‫ن )‪(27‬‬ ‫صُرو َ‬ ‫م أَفل ي ُب ْ ِ‬
‫سه ُ ْ‬
‫م وَأنُف ُ‬
‫مه ُ ْ‬‫ه أن َْعا ُ‬
‫ِ ْ ُ‬
‫أولم ير المكذبون بالبعث بعد الموت أننا نسوق الماء إلى الرض اليابسة الغليظة التي ل‬
‫عا مختلًفا ألوانه تأكل منه أنعامهم‪ ,‬وتتغذى به أبدانهم فيعيشييون‬
‫نبات فيها‪ ,‬فنخرج به زر ً‬
‫به؟ أفل يرون هذه النعم بأعينهم‪ ,‬فيعلموا أن ال الذي فعل ذلك قادر على إحياء الموات‬
‫شرهم من قبورهم؟‬ ‫وَن ْ‬

‫ن )‪(28‬‬
‫صادِِقي َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ذا ال َْفت ْ ُ‬
‫ح إِ ْ‬ ‫مَتى هَ َ‬ ‫وَي َُقوُلو َ‬
‫ن َ‬
‫يستعجل هؤلء المشيركون بيال العيذاب‪ ,‬فيقوليون‪ :‬ميتى هيذا الحكيم اليذي يقضيي بيننيا‬
‫وبينكم بتعذيبنا على زعمكم إن كنتم صادقين في دعواكم؟‬

‫م ي ُن ْظ َُرو َ‬
‫ن )‪(29‬‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ِإي َ‬
‫مان ُهُ ْ‬ ‫ح ل َينَفعُ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ي َوْ َ ْ‬
‫م الَفت ْ ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬يوم القضاء الذي يقع فيه عقييابكم‪ ,‬وتعيياينون فيييه المييوت ل ينفييع‬
‫الكفار إيمانهم‪ ,‬ول هم يؤخرون للتوبة والمراجعة‪.‬‬

‫َ‬
‫ن )‪(30‬‬
‫منت َظ ُِرو َ‬
‫م ُ‬
‫م َوان ْت َظ ِْر إ ِن ّهُ ْ‬ ‫فَأعْرِ ْ‬
‫ض عَن ْهُ ْ‬
‫فأعرض ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن هؤلء المشركين‪ ,‬ول تبال بتكذيبهم‪ ,‬وانتظر ما ال ي صييانع‬
‫بهم‪ ,‬إنهم منتظرون ومتربصييون بكييم دوائر السييوء‪ ،‬فسيييخزيهم الي ويييذلهم‪ ،‬وينصييرك‬
‫عليهم‪ .‬وقد فعل فله الحمد والمنة‪.‬‬

‫‪822‬‬
‫‪ -33‬سورة الحزاب‬

‫َ‬
‫ن‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه ك َهها َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫من َههافِِقي َ‬ ‫ه َول ت ُط ِهعْ ال ْك َههافِ ِ‬
‫ري َ‬ ‫ق الل ّه َ‬
‫ي ات ّ ِ‬
‫َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫كيما ً )‪(1‬‬ ‫ح ِ‬ ‫عَِليما ً َ‬
‫يا أيها النبي ُدم على تقوى ال بالعمل بأوامره واجتناب محييارمه‪ ,‬وليقتييد بييك المؤمنييون؛‬
‫لنهم أحوج إلى ذلك منك‪ ,‬ول تطع الكافرين وأهل النفاق‪ .‬إن ال كان عليًما بكييل شيييء‪,‬‬
‫حكيًما في خلقه وأمره وتدبيره‪.‬‬

‫خِبيرا ً )‪(2‬‬ ‫مُلو َ‬


‫ن َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫ن بِ َ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫ك إِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫حى إ ِل َي ْ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ما ُيو َ‬
‫َوات ّب ِعْ َ‬
‫طِلييع علييى كييل مييا تعملييون‬
‫واتبع ما يوحى إليك من ربييك ميين القييرآن والسيينة‪ ,‬إن الي م ّ‬
‫ومجازيكم به‪ ,‬ل يخفى عليه شيء من ذلك‪.‬‬

‫ل عََلى الل ّهِ وَك ََفى ِبالل ّهِ وَ ِ‬


‫كيل ً )‪(3‬‬ ‫وَت َوَك ّ ْ‬
‫ظا لمن توكل عليييه وأنيياب‬
‫ض جميع أمورك إليه‪ ,‬وحسبك به حاف ً‬
‫واعتمد على ربك‪ ,‬وَفّو ْ‬
‫إليه‪.‬‬

‫م الل ِّئي‬ ‫ج ُ‬ ‫ل الل ّه ل ِرجل من قَل ْبين في جوفه وما جعهه َ َ‬ ‫جع َ َ‬
‫كهه ْ‬ ‫ل أْزَوا َ‬ ‫َ ْ ِ ِ َ َ َ َ‬ ‫َْ ِ ِ‬ ‫ُ َ ُ ٍ ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م قَ هوْلك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م ذ َل ِك ُه ْ‬
‫م أب ْن َههاَءك ُ ْ‬ ‫عي َههاَءك ُ ْ‬
‫ل أد ْ ِ‬ ‫جع َ َ‬‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬‫مَهات ِك ُ ْ‬
‫نأ ّ‬ ‫من ْهُ ّ‬‫ن ِ‬‫ت ُظاهُِرو َ‬
‫بأ َ‬
‫ل )‪(4‬‬ ‫سِبي َ‬ ‫دي ال ّ‬ ‫حقّ وَهُوَ ي َهْ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ه ي َُقو ُ‬‫م َوالل ّ ُ‬‫واهِك ُ ْ‬‫ِ َ‬‫ْ‬ ‫ف‬
‫ما جعل ال لحد من البشر من قلبين في صدره‪ ,‬وما جعييل زوجيياتكم اللتييي تظيياهرون‬
‫ي كظهيير‬‫منهن )في الحرمة( كحرمة أمهاتكم )والظهار أن يقول الرجل لمرأته‪ :‬أنت عل ّ‬
‫أمي‪ ,‬وقد كان هذا طلًقا في الجاهلية‪ ,‬فبّين ال أن الزوجة ل تصير ُأّما بحال( وما جعييل‬
‫ن أبناء في الشرع‪ ,‬بل إن الظهييار والتبنييي ل حقيقيية لهمييا فييي التحريييم‬‫ال الولد المَتَبّنْي َ‬
‫البدي‪ ,‬فل تكون الزوجة المظاَهر منها كالم في الحرمة‪ ,‬ول يثبت النسييب بييالتبني ميين‬
‫ي‪ :‬هذا ابني‪ ,‬فهو كلم بالفم ل حقيقيية لييه‪ ,‬ول ُيعَتيّد بييه‪ ,‬والي سييبحانه‬
‫عّ‬‫قول الشخص للّد ِ‬
‫يقول الحق ويبّين لعباده سبيله‪ ,‬ويرشدهم إلى طريق الرشاد‪.‬‬

‫‪823‬‬
‫َ‬
‫وان ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م فَإ ِ ْ‬
‫خ َ‬ ‫موا آَباَءهُ ْ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫ن لَ ْ‬‫عن ْد َ الل ّهِ فَإ ِ ْ‬ ‫ط ِ‬‫س ُ‬ ‫م هُوَ أقْ َ‬ ‫م لَبائ ِهِ ْ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫اد ْ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مهها‬‫ن َ‬ ‫م ب ِههِ وَل َك ِه ْ‬
‫خط َهأت ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ح ِفي َ‬‫جَنا ٌ‬‫م ُ‬ ‫س عَل َي ْك ُ ْ‬‫م وَل َي ْ َ‬ ‫واِليك ُ ْ‬‫م َ‬‫ن وَ َ‬‫دي ِ‬‫ِفي ال ّ‬
‫حيما ً )‪(5‬‬ ‫ه غَُفورا ً َر ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫م وَ َ‬‫ت قُُلوب ُك ُ ْ‬ ‫مد َ ْ‬‫ت َعَ ّ‬
‫انسبوا أدعييياءكم لبييائهم‪ ,‬هييو أعييدل وأقييوم عنييد اليي‪ ,‬فييإن لييم تعلمييوا آبيياءهم الحقيقيييين‬
‫فادعوهم إًذا بأخّوة الدين التي تجمعكم بهم‪ ,‬فإنهم إخوانكم في الدين ومواليكم فيييه‪ ,‬وليييس‬
‫عليكم إثم فيما وقعتم فيه من خطأ لم تتعمدوه‪ ,‬وإنما يؤاخذكم ال ي إذا تعمييدتم ذلييك‪ .‬وكييان‬
‫ال غفوًرا لمن أخطأ‪ ,‬رحيًما لمن تاب من ذنبه‪.‬‬

‫ُ‬ ‫النبي أ َوَلى بال ْمؤْمِنين من أ َنُفسهم وأ َزواج ُ‬


‫م وَأوُْلو ال َْر َ‬
‫حهها َم ِ‬ ‫مَهات ُهُ ْ‬‫هأ ّ‬ ‫ِ ُ ِ َ ِ ْ ْ ِ ِ ْ َ ْ َ ُ ُ‬ ‫ِّ ّ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ن إ ِل ّ أ ْ‬‫ري َ‬
‫ج ِ‬
‫مَههها ِ‬‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫ب الل ّهِ ِ‬ ‫ض ِفي ك َِتا ِ‬‫لى ب ِب َعْ ٍ‬
‫م أو ْ َ‬ ‫ضه ُ ْ‬
‫ب َعْ ُ‬
‫طورا ً )‪(6‬‬ ‫س ُ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫ك ِفي ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫معُْروفا ً َ‬
‫كا َ‬ ‫م َ‬‫ت َْفعَُلوا إ َِلى أوْل َِيائ ِك ُ ْ‬
‫النبي محمد صلى ال عليه وسلم أولى بالمؤمنين‪ ,‬وأقرب لهم من أنفسهم في أمور الييدين‬
‫والدنيا‪ ,‬وحرمة أزواج النبي صلى ال عليه وسلم على ُأّمته كحرميية أمهيياتهم‪ ,‬فل يجييوز‬
‫نكاح زوجات الرسول صلى ال عليه وسلم من بعده‪ .‬وذوو القرابة من المسلمين بعضهم‬
‫أحق بميراث بعض في حكم ال وشرعه من الرث باليمان والهجرة )وكييان المسييلمون‬
‫في أول السلم يتوارثون بالهجرة واليمان دون الرحم‪ ,‬ثم ُنسخ ذلك بآية المواريث( إل‬
‫أن تفعلوا ‪-‬أيها المسلمون‪ -‬إلى غير الورثيية معروًفييا بالنصيير والييبر والصييلة والحسييان‬
‫والوصية‪ ,‬كان هذا الحكم المذكور مقّدًرا مكتوًبا في اللوح المحفوظ‪ ,‬فيجب عليكم العمييل‬
‫ب إلى العبد من نفسه‪ ,‬ووجييوب‬ ‫به‪ .‬وفي الية وجوب كون النبي صلى ال عليه وسلم أح ّ‬
‫كمال النقياد له‪ ,‬وفيها وجوب احترام أمهات المؤمنين‪ ,‬زوجاته صييلى الي عليييه وسييلم‪،‬‬
‫وأن من سّبهن فقد باء بالخسران‪.‬‬

‫سههى‬
‫مو َ‬
‫م وَ ُ‬
‫هيه َ‬
‫ح وَإ ِب َْرا ِ‬‫ن ن ُههو ٍ‬
‫مه ْ‬ ‫من ْه َ‬
‫ك وَ ِ‬ ‫م وَ ِ‬‫ميَثاقَهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الن ّب ِّيي َ‬‫م ْ‬ ‫وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫خذ َْنا ِ‬
‫ميَثاقا ً غَِليظا ً )‪(7‬‬ ‫م ِ‬ ‫م وَأ َ َ‬
‫خذ َْنا ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫وَ ِ‬
‫واذكر ‪-‬أيها النبي‪ -‬حين أخذنا من النبيين العهييد المؤكييد بتبليييغ الرسييالة‪ ,‬وأخييذنا الميثيياق‬
‫منك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم )وهييم أولييو العييزم ميين الرسييل علييى‬
‫صيّدق بعضييهم‬ ‫المشهور(‪ ,‬وأخذنا منهم عهًدا مؤكًدا بتبليييغ الرسييالة وأداء المانيية‪ ,‬وأن ُي َ‬
‫ضا‪.‬‬
‫بع ً‬

‫ذابا ً أ َِليما ً )‪(8‬‬


‫ن عَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل الصادقين عَن صدقهم وأ َ‬‫َ‬ ‫ليسأ َ‬
‫ري َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫كا‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َِ ْ‬

‫‪824‬‬
‫)أخذ ال ذلك العهد من أولئك الرسل( ليسأل المرسلين عّما أجابتهم به أممهم‪ ,‬فيجزي ال‬
‫المؤمنين الجنة‪ ,‬وأعد للكافرين يوم القيامة عذاًبا شديًدا في جهنم‪.‬‬

‫سل َْنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫جُنود ٌ فَأْر َ‬
‫م ُ‬‫جاَءت ْك ُ ْ‬ ‫ة الل ّهِ عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م إ ِذ ْ َ‬ ‫مُنوا اذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬
‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫صيرا ً )‪(9‬‬‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬‫ما ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ها وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫جُنودا ً ل َ ْ‬
‫م ت ََروْ َ‬ ‫م ِريحا ً وَ ُ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫يا معشر المؤمنين اذكروا نعمة ال تعالى التي أنعمهييا عليكييم فييي "المدينيية" أيييام غييزوة‬
‫الحزاب ‪-‬وهي غزوة الخندق‪ ,-‬حييين اجتمييع عليكييم المشييركون ميين خييارج "المدينيية"‪,‬‬
‫حييا‬
‫واليهود والمنافقون من "المدينة" وما حولها‪ ,‬فأحاطوا بكم‪ ,‬فأرسلنا على الحزاب ري ً‬
‫شديدة اقتلعت خيييامهم ورمييت قييدورهم‪ ,‬وأرسييلنا ملئكيية ميين السييماء لييم تروهييا‪ ,‬فوقييع‬
‫الرعب في قلوبهم‪ .‬وكان ال بما تعملون بصيًرا‪ ,‬ل يخفى عليه من ذلك شيء‪.‬‬

‫َ‬ ‫إذ ْ جاُءوك ُم من فَوقك ُم وم َ‬


‫صاُر وَب َل ََغهه ْ‬
‫ت‬ ‫ت الب ْ َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م وَإ ِذ ْ َزاغَ ْ‬ ‫ل ِ‬‫سَف َ‬‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ْ ْ ِ ْ َ ِ ْ‬ ‫ِ َ‬
‫ن )‪(10‬‬ ‫ن ِبالل ّهِ الظ ُّنو َ‬
‫جَر وَت َظ ُّنو َ‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫حَنا ِ‬ ‫ال ُْقُلو ُ‬
‫اذكروا إذ جاؤوكم ِمن فوقكم من أعلى الوادي من جهة المشييرق‪ ,‬وميين أسييفل منكييم ميين‬
‫حْيرة والدهشيية‪ ,‬وبلغييت‬‫بطن الوادي من جهة المغرب‪ ,‬وإذ شخصت البصار من شدة ال َ‬
‫القلوب الحناجر من شدة الرعب‪ ,‬وغلب اليأس المنافقين‪ ,‬وكثرت القاويل‪ ,‬وتظنون بال‬
‫الظنون السيئة أنه ل ينصر دينه‪ ,‬ول يعلي كلمته‪.‬‬

‫ديدا ً )‪(11‬‬ ‫ن وَُزل ْزُِلوا زِل َْزال ً َ‬


‫ش ِ‬ ‫ي ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫هَُنال ِ َ‬
‫ك اب ْت ُل ِ َ‬
‫عيرف المييؤمن مين‬‫حييص القيوم‪ ,‬و ُ‬‫في ذلك الموقف العصيب اخُتيبر إيميان المييؤمنين وُم ّ‬
‫المنافق‪ ,‬واضطربوا اضطراًبا شديًدا بالخوف والقلق; ليتبين إيمانهم ويزيد يقينهم‪.‬‬

‫مهها وَعَهد ََنا الل ّه ُ‬


‫ه‬ ‫ض َ‬
‫مهَر ٌ‬ ‫ن فِههي قُل ُههوب ِهِ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن َوال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫من َههافُِقو َ‬ ‫وَإ ِذ ْ ي َُقههو ُ‬
‫ه إ ِل ّ غُُرورا ً )‪(12‬‬ ‫سول ُ ُ‬‫وََر ُ‬
‫وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم شك‪ ,‬وهم ضعفاء اليمان‪ :‬ما وعييدنا ال ي ورسييوله‬
‫من النصر والتمكين إل باطل من القول وغروًرا‪ ,‬فل تصدقوه‪.‬‬

‫ْ‬ ‫م َيا أ َهْ َ‬


‫ن‬
‫سههت َأذِ ُ‬
‫جُعوا وَي َ ْ‬ ‫م ل َك ُ ْ‬
‫م َفاْر ِ‬ ‫مَقا َ‬ ‫ل ي َث ْرِ َ‬
‫بل ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ة ِ‬ ‫ت َ‬
‫طائ َِف ٌ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقال َ ْ‬

‫‪825‬‬
‫ن‬
‫دو َ‬
‫ري ه ُ‬
‫ن يُ ِ‬
‫ي ب ِعَوَْرةٍ إ ِ ْ‬
‫ما هِ َ‬
‫ن ب ُُيوت ََنا عَوَْرةٌ وَ َ‬ ‫ي ي َُقوُلو َ‬
‫ن إِ ّ‬ ‫م الن ّب ِ ّ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫فَ ِ‬
‫ريقٌ ِ‬
‫إ ِل ّ فَِرارا ً )‪(13‬‬
‫واذكر ‪-‬أيها النبي‪ -‬قول طائفة من المنافقين منادين المؤمنين من أهل "المدينة"‪ :‬يييا أهييل‬
‫"يثرب" )وهو السم القديم "للمدينة"( ل إقاميية لكييم فييي معركيية خاسييرة‪ ,‬فييارجعوا إلييى‬
‫منازلكم داخل "المدينة"‪ ,‬ويستأذن فريق آخر من المنافقين الرسول صلى ال عليه وسييلم‬
‫بالعودة إلى منازلهم بحجة أنها غير محصنة‪ ,‬فيخشون عليها‪ ,‬والحق أنهييا ليسييت كييذلك‪,‬‬
‫وما قصدوا بذلك إل الفرار من القتال‪.‬‬

‫ما ت َل َب ُّثوا ب َِههها‬


‫ها وَ َ‬ ‫سئ ُِلوا ال ِْفت ْن َ َ‬
‫ة لت َوْ َ‬ ‫ها ث ُ ّ‬
‫م ُ‬ ‫ن أ َقْ َ‬
‫طارِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬
‫م ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫وَل َوْ د ُ ِ‬
‫سيرا ً )‪(14‬‬ ‫إ ِل ّ ي َ ِ‬
‫ولو دخل جيش الحزاب "المدينة" من جوانبها‪ ,‬ثم سييئل هييؤلء المنييافقون الشييرك بييال‬
‫والرجوع عن السلم‪ ,‬لجابوا إلى ذلك مبادرين‪ ,‬وما تأخروا عن الشرك إل يسيًرا‪.‬‬

‫ه‬ ‫ن ال َد ْب َههاَر وَك َهها َ‬


‫ن عَهْ هد ُ الل ّه ِ‬ ‫ل ل ي ُوَل ّههو َ‬
‫ن قَب ْه ُ‬
‫م ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه ِ‬ ‫عاهَ ُ‬ ‫وَل ََقد ْ َ‬
‫كاُنوا َ‬
‫سُئول ً )‪(15‬‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ولقد كان هؤلء المنافقون عاهدوا ال على يد رسوله من قبل غييزوة الخنييدق‪ ,‬ل يف يّرون‬
‫إن شهدوا الحرب‪ ,‬ول يتأخرون إذا دعوا إلى الجهاد‪ ,‬ولكنهم خانوا عهدهم‪ ,‬وسيحاسييبهم‬
‫سًبا عليه‪.‬‬
‫ال على ذلك‪ ,‬ويسألهم عن ذلك العهد‪ ,‬وكان عهد ال مسؤول عنه‪ ,‬محا َ‬

‫ل وَِإذا ً ل‬ ‫َ‬
‫ت أوْ ال َْقت ْه ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م هو ْ ِ‬ ‫مه ْ‬ ‫م ال ِْف هَراُر إ ِ ْ‬
‫ن فََرْرت ُه ْ‬
‫م ِ‬ ‫ل ل َه ْ‬
‫ن ي َن َْفعَك ُه ْ‬ ‫قُ ه ْ‬
‫ن إ ِل ّ قَِليل ً )‪(16‬‬ ‫مت ُّعو َ‬‫تُ َ‬
‫قل ‪-‬أيها النبي‪ -‬لهؤلء المنافقين‪ :‬ليين ينفعكييم الفييرار ميين المعركيية خوًفييا ميين المييوت أو‬
‫القتل; فإن ذلك ل يؤخر آجالكم‪ ,‬وإن فررتم فلن تتمتعوا في هذه الدنيا إل بقييدر أعميياركم‬
‫المحدودة‪ ,‬وهو زمن يسير جًدا بالنسبة إلى الخرة‪.‬‬

‫َ َ‬ ‫ذا ال ّذي يعصمك ُم من الل ّه إ َ‬


‫سههوءا ً أوْ أَراد َ ب ِك ُه ْ‬
‫م‬ ‫م ُ‬‫ن أَراد َ ب ِك ُه ْ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫ِ َْ ِ ُ ْ ِ ْ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫قُ ْ‬
‫صيرا ً )‪(17‬‬
‫ن الل ّهِ وَل ِي ّا ً َول ن َ ِ‬
‫دو ِ‬‫ن ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫دو َ‬
‫ج ُ‬
‫ة َول ي َ ِ‬‫م ً‬
‫ح َ‬‫َر ْ‬

‫‪826‬‬
‫قل ‪-‬أيها النبي‪ -‬لهم‪َ :‬ميين ذا الييذي يمنعكييم ميين اليي‪ ,‬أو يجيركييم ِميين عييذابه‪ ,‬إن أراد بكييم‬
‫سوًءا‪ ,‬أو أراد بكم رحمة‪ ,‬فإنه المعطي المانع الضاّر النييافع؟ ول يجييد هييؤلء المنييافقون‬
‫لهم من دون ال ولّيا يواليهم‪ ,‬ول نصيًرا ينصرهم‪.‬‬

‫ْ‬
‫م إ ِل َي َْنا َول ي َأُتو َ‬
‫ن‬ ‫م هَل ُ ّ‬
‫وان ِهِ ْ‬
‫خ َ‬ ‫م َوال َْقائ ِِلي َ‬
‫ن لِ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫معَوِّقي َ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫قَد ْ ي َعْل َ ُ‬
‫ْ‬
‫س إ ِل ّ قَِليل ً )‪(18‬‬ ‫ال ْب َأ َ‬
‫إن ال يعلم المثبطين عن الجهاد في سبيل ال‪ ,‬والقائلين لخوانهم‪ :‬تعالوا وانضموا إلينييا‪,‬‬
‫واتركوا محمًدا‪ ,‬فل تشهدوا معه قتال؛ فإنا نخاف عليكم الهلك بهلكه‪ ,‬وهم مع تخذيلهم‬
‫هذا ل يأتون القتال إل نادًرا؛ رياء وسمعة وخوف الفضيحة‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن إ ِل َي ْه َ‬ ‫خو ُ َ‬ ‫َ‬


‫م‬‫دوُر أعْي ُن ُهُ ه ْ‬ ‫ك ت َه ُ‬ ‫م ي َن ْظ ُهُرو َ‬
‫ف َرأي ْت َهُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫جاَء ال ْ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ة عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م فَإ ِ َ‬ ‫ح ً‬‫ش ّ‬ ‫أ ِ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫س هن َ ٍ‬‫م ب ِأل ْ ِ‬ ‫س هل َُقوك ُ ْ‬‫ف َ‬ ‫خ هو ْ ُ‬‫ب ال ْ َ‬
‫ذا ذ َهَ َ‬ ‫ت فَإ ِ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫ْ‬ ‫شى عَل َي ْهِ ِ‬
‫م‬ ‫ذي ي ُغْ َ‬ ‫كال ّ ِ‬‫َ‬
‫ط الل ّ َ‬ ‫َ‬ ‫خي ْرِ أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م وَك َهها َ‬ ‫مههال َهُ ْ‬
‫ه أعْ َ‬ ‫ُ‬ ‫حب َ َ‬
‫مُنوا فَأ ْ‬ ‫م ي ُؤْ ِ‬ ‫ك لَ ْ‬ ‫ة عََلى ال ْ َ‬ ‫ح ً‬ ‫ش ّ‬
‫دادٍ أ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫سيرا ً )‪(19‬‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫ذ َل ِ َ‬

‫خلء عليكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬بالمال والنفس والجهد والمودة لما في نفوسهم ميين العييداوة‬ ‫ُب َ‬
‫والحقد؛ حًبا في الحياة وكراهة للموت‪ ,‬فإذا حضر القتال خافوا الهلك ورأيتهم ينظييرون‬
‫إليك‪ ,‬تدور أعينهم لذهاب عقولهم؛ خوًفا من القتل وفراًرا منه كدوران عين َميين حضييره‬
‫الموت‪ ,‬فإذا انتهت الحرب وذهب الرعب رموكم بألسنة حداد مؤذية‪ ,‬وتراهم عند قسييمة‬
‫الغنائم بخلء وحسدة‪ ,‬أولئك لم يؤمنوا بقلييوبهم‪ ,‬فييأذهب الي ثييواب أعمييالهم‪ ,‬وكييان ذلييك‬
‫على ال يسيًرا‪.‬‬

‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫م َبا ُ‬‫دوا ل َوْ أن ّهُ ْ‬
‫ب ي َوَ ّ‬ ‫ت ال َ ْ‬
‫حَزا ُ‬ ‫ن ي َأ ِ‬ ‫ب لَ ْ‬
‫م ي َذ ْهَُبوا وَإ ِ ْ‬ ‫حَزا َ‬‫ن ال َ ْ‬
‫سُبو َ‬
‫ح َ‬‫يَ ْ‬
‫ما َقات َُلوا إ ِل ّ قَِليل ً )‬ ‫م وَل َوْ َ‬ ‫َ‬
‫في ال َعْراب يسأُلون عَ َ‬
‫م َ‬ ‫كاُنوا ِفيك ُ ْ‬ ‫ن أن َْبائ ِك ُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ َ ْ‬ ‫ِ‬
‫‪(20‬‬
‫يظن المنافقون أن الحزاب الذين هزمهم ال تعالى شر هزيمة لم يذهبوا؛ ذلييك ميين شييدة‬
‫الخوف والجبن‪ ,‬ولييو عيياد الحييزاب إلييى "المدينيية" لتمّنييى أولئك المنييافقون أنهييم كييانوا‬
‫غائبين عن "المدينة" بين أعراب البادية‪ ,‬يستخبرون عن أخباركم ويسألون عن أنبييائكم‪,‬‬
‫ولو كانوا فيكم ما قاتلوا معكم إل قليل لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم‪.‬‬

‫ُ‬
‫جههو الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫ن ك َهها َ‬
‫ن ي َْر ُ‬ ‫مه ْ‬
‫ة لِ َ‬
‫سهن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫ل الل ّههِ أ ْ‬
‫سهوَةٌ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م ِفي َر ُ‬ ‫ل ََقد ْ َ‬
‫كا َ‬
‫‪827‬‬
‫ه ك َِثيرا ً )‪(21‬‬
‫خَر وَذ َك ََر الل ّ َ‬ ‫َوال ْي َوْ َ‬
‫م ال ِ‬
‫لقد كان لكم ‪-‬أيها المؤمنون‪ -‬في أقوال رسول ال صلى ال عليه وسييلم وأفعيياله وأحييواله‬
‫قدوة حسنة تتأسون بها‪ ,‬فالزموا سنته‪ ,‬فإنما يسلكها ويتأسى بها َمن كان يرجو ال واليوم‬
‫الخر‪ ,‬وأكثَر ِمن ذكر ال واستغفاره‪ ,‬وشكره في كل حال‪.‬‬

‫َ‬
‫سههول ُ ُ‬
‫ه‬ ‫مهها وَعَهد ََنا الل ّه ُ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ب قَههاُلوا هَه َ‬ ‫حهَزا َ‬ ‫ن ال َ ْ‬‫من ُههو َ‬ ‫ما َرأى ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫وَل َ ّ‬
‫سِليما ً )‪(22‬‬ ‫مانا ً وَت َ ْ‬
‫م إ ِل ّ ِإي َ‬
‫ما َزاد َهُ ْ‬ ‫سول ُ ُ‬
‫ه وَ َ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫صد َقَ الل ّ ُ‬‫وَ َ‬
‫ولّما شاهد المؤمنون الحزاب الذين تحّزبوا حييول "المدينيية" وأحيياطوا بهييا‪ ,‬تييذكروا أن‬
‫موعد النصر قد قرب‪ ,‬فقالوا‪ :‬هذا ما وعدنا ال ورسوله‪ ,‬من البتلء والمحنيية والنصيير‪,‬‬
‫شر به‪ ,‬وما زادهم النظر إلييى الحييزاب إل إيماًنييا‬ ‫فأنجز ال وعده‪ ,‬وصدق رسوله فيما ب ّ‬
‫بال وتسليًما لقضائه وانقياًدا لمره‪.‬‬

‫ن قَ َ‬
‫ضهى‬ ‫مه ْ‬
‫م َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ فَ ِ‬
‫من ُْهه ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫عاهَ ُ‬ ‫ما َ‬‫صد َُقوا َ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ن رِ َ‬‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ديل ً )‪(23‬‬ ‫ما ب َد ُّلوا ت َب ْ ِ‬
‫ن ي َن ْت َظ ُِر وَ َ‬
‫م ْ‬‫م َ‬‫من ْهُ ْ‬
‫ه وَ ِ‬ ‫حب َ ُ‬
‫نَ ْ‬
‫من المؤمنين رجال أوفوا بعهودهم مع ال تعالى‪ ,‬وصبروا على البأساء والضراء وحين‬
‫البأس‪ :‬فمنهم من َوّفى بنذره‪ ،‬فاستشييهد فييي سييبيل اليي‪ ،‬أو مييات علييى الصييدق والوفيياء‪,‬‬
‫ومنهم َمن ينتظر إحدى الحسنيين‪ :‬النصر أو الشهادة‪ ,‬وما غّيييروا عهييد اليي‪ ,‬ول نقضييوه‬
‫ول بّدلوه‪ ,‬كما غّير المنافقون‪.‬‬

‫َ‬
‫ب‬ ‫ن َ‬
‫شهاءَ أوْ ي َُتهو َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫مَنافِِقي َ‬ ‫م وَي ُعَذ ّ َ‬
‫صد ْقِهِ ْ‬
‫ن بِ ِ‬
‫صادِِقي َ‬
‫ه ال ّ‬ ‫جزِيَ الل ّ ُ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫حيما ً )‪(24‬‬ ‫ن غَُفورا ً َر ِ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫م إِ ّ‬
‫ليثيب ال أهل الصدق بسبب صدقهم وبلئهم وهم المؤمنييون‪ ,‬ويعييذب المنييافقين إن شيياء‬
‫تعذيبهم‪ ,‬بأن ل يوفقهم للتوبة النصوح قبل الموت‪ ,‬فيموتوا على الكفر‪ ,‬فيستوجبوا النييار‪,‬‬
‫أو يتوب عليهم بأن يوفقهم للتوبة والنابيية‪ ,‬إن الي كييان غفييوًرا لييذنوب المسييرفين علييى‬
‫أنفسهم إذا تابوا‪ ,‬رحيًما بهم; حيث وفقهم للتوبة النصوح‪.‬‬

‫ن‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫م هؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫خْيرا ً وَك ََفههى الل ّه ُ‬
‫م ي ََناُلوا َ‬‫م لَ ْ‬
‫ن ك ََفُروا ب ِغَي ْظ ِهِ ْ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وََرد ّ الل ّ ُ‬
‫زيزا ً )‪(25‬‬ ‫ه قَوِي ّا ً عَ ِ‬
‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬‫ل وَ َ‬ ‫ال ِْقَتا َ‬

‫‪828‬‬
‫ورّد ال أحزاب الكفر عن "المدينة" خائبين خاسرين مغتاظين‪ ,‬لم ينالوا خيًرا فييي الييدنيا‬
‫ول في الخرة‪ ،‬وكفى ال المؤمنين القتال بما أيدهم به ميين السييباب‪ .‬وكييان ال ي قوًيييا ل‬
‫ُيغاَلب ول ُيْقَهر‪ ,‬عزيًزا في ملكه وسلطانه‪.‬‬

‫ف ِفههي‬‫م وََقههذ َ َ‬‫صيهِ ْ‬ ‫صَيا ِ‬ ‫َ‬ ‫ن‬


‫ْ‬ ‫م‬
‫ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل ال ْك َِتا‬‫ِ‬ ‫ن أ َهْ‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫م ِ‬
‫ظاهَُروهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫وَأ َن َْز َ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫س هُرو َ‬ ‫ريق ها ً ت َْقت ُل ُههو َ‬
‫ن وَت َأ ِ‬ ‫ب فَ ِ‬‫م الّرعْ َ‬ ‫ف ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ب وَقَذ َ َ‬‫م الّرعْ َ‬ ‫قُُلوب ِهِ ْ‬
‫ريقا ً )‪(26‬‬ ‫فَ ِ‬
‫وأنزل ال يهود بني قريظة من حصونهم; لعانتهم الحزاب في قتييال المسييلمين‪ ,‬وألقييى‬
‫في قلوبهم الخوف فُهزموا‪ ,‬تقتلون منهم فريًقا‪ ,‬وتأسرون فريًقا آخر‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأ َورث َك ُ َ‬


‫ن الل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫م ت َط َُئوهَهها وَك َهها َ‬
‫م وَأْرض ها ً ل َه ْ‬
‫وال َهُ ْ‬
‫م َ‬
‫م وَأ ْ‬
‫م وَدَِياَرهُ ْ‬ ‫ضه ُ ْ‬
‫م أْر َ‬‫ْ‬ ‫َ َْ‬
‫ديرا ً )‪(27‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫عََلى ك ُ ّ‬
‫ي والسييلح‬ ‫ومّلككيم الي ‪-‬أيهيا المؤمنيون‪ -‬أرضيهم ومسياكنهم وأميوالهم المنقولية كييالحل ّ‬
‫ضييا لييم‬
‫والمواشي‪ ,‬وغير المنقولة كييالمزارع والييبيوت والحصييون المنيعية‪ ,‬وأورثكيم أر ً‬
‫تتمكنوا ِمن وطئها من قبل؛ لمنعتها وعزتها عند أهلها‪ .‬وكان ال على كل شيء قديًرا‪ ,‬ل‬
‫يعجزه شيء‪.‬‬

‫ن ال ْ َ‬ ‫َيها أ َي ّههها الن ّبهي قُه ْ َ‬


‫حي َههاةَ الهد ّن َْيا وَِزين َت َهَهها‬ ‫ن ك ُن ْت ُه ّ‬
‫ن ت ُهرِد ْ َ‬ ‫ك إِ ْ‬‫جه َ‬‫ل لْزَوا ِ‬ ‫ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ميل )‪(28‬‬ ‫ً‬ ‫ج ِ‬
‫سَراحا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ُ‬
‫حك ّ‬ ‫سّر ْ‬
‫ن وَأ َ‬ ‫ُ‬
‫مت ّعْك ّ‬
‫نأ َ‬‫فَت ََعال َي ْ َ‬
‫ن تييردن‬
‫يا أيها النبي قل لزواجك اللتي اجتمعن عليك‪ ,‬يطلبن منك زيادة النفقة‪ :‬إن كنت ي ّ‬
‫ن دون ضييرر أو‬ ‫ن شيًئا مما عندي ميين الييدنيا‪ ,‬وأفييارقك ّ‬
‫ن أمتعك ّ‬
‫الحياة الدنيا وزينتها فأقِبْل َ‬
‫إيذاء‪.‬‬

‫ه أَ َ‬
‫عههد ّ‬ ‫ن الّلهه َ‬
‫خههَرةَ َفههإ ِ ّ‬
‫داَر ال ِ‬ ‫سههول َ ُ‬
‫ه َوالهه ّ‬ ‫ن الّلهه َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ن ك ُن ُْتهه ّ‬
‫ن ُتههرِد ْ َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫ظيما ً )‪(29‬‬ ‫َ‬
‫جرا ً عَ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫من ْك ُ ّ‬
‫ت ِ‬‫سَنا ِ‬ ‫ح ِ‬‫م ْ‬‫ل ِل ْ ُ‬
‫ن فييي الييدار الخييرة‪ ,‬فاصييبْرنَ‬
‫ن رضا ال ورضا رسوله وما أعّد الي لُكي ّ‬ ‫وإن كنتن ترْد َ‬
‫ن ثواًبا عظيًما‪) .‬وقييد‬
‫ن عليه‪ ,‬وأطعن ال ورسوله‪ ,‬فإن ال أعد للمحسنات منك ّ‬ ‫على ما أنُت ّ‬
‫اخترن ال ورسوله‪ ,‬وما أعّد ال لهن في الدار الخرة(‪.‬‬

‫‪829‬‬
‫ف ل َهَهها ال ْعَ ه َ‬ ‫ْ‬
‫ب‬
‫ذا ُ‬ ‫ضههاعَ ْ‬
‫مب َي ّن َهةٍ ي ُ َ‬ ‫ح َ‬
‫ش هة ٍ ُ‬ ‫من ْك ُه ّ‬
‫ن ب َِفا ِ‬ ‫ت ِ‬
‫ن ي َأ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ساَء الن ّب ِ ّ‬ ‫َيا ن ِ َ‬
‫سيرا ً )‪(30‬‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫كا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ضعَْفي ْ ِ‬
‫ِ‬
‫عف لهييا العييذاب مرتييين‪ .‬فلمييا كييانت‬
‫يا نساء النبي َمن يأت منكن بمعصية ظيياهرة ُيضييا َ‬
‫مكانتهن رفيعة ناسب أن يجعل ال الذنب الواقع منهن عقييوبته مغلظيية؛ صيييانة لجنييابهن‬
‫وجناب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وكان ذلك العقاب على ال يسيًرا‪.‬‬

‫‪830‬‬
‫الجزء الثاني والعشرون ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مّرت َي ْه ِ‬ ‫صههاِلحا ً ن ُؤْت ِهَهها أ ْ‬
‫جَرهَهها َ‬ ‫مه ْ‬
‫ل َ‬ ‫ن ل ِل ّهِ وََر ُ‬
‫سههول ِهِ وَت َعْ َ‬ ‫من ْك ُ ّ‬
‫ت ِ‬‫ن ي َْقن ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ريما ً )‪(31‬‬ ‫َ‬
‫وَأعْت َد َْنا ل ََها رِْزقا ً ك َ ِ‬
‫ومن تطع منكن ال ورسوله‪ ,‬وتعمل بما أمر ال به‪ُ ,‬نْعطها ثواب عملها مثَلي ثواب عمل‬
‫غيرها من سائر النساء‪ ,‬وأعددنا لها رزًقا كريًما‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬

‫ل‬ ‫و‬ ‫ق‬


‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫فل‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫ق‬‫َ‬ ‫ت‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫سا‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬‫ح‬ ‫يا نساَء النبي ل َستن ك َأ َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ ّ‬ ‫ِّ ّ‬ ‫َ ِ َ‬
‫معُْروفا ً )‪(32‬‬ ‫ن قَوْل ً َ‬ ‫ض وَقُل ْ َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ذي ِفي قَل ْب ِهِ َ‬ ‫معَ ال ّ ِ‬‫فَي َط ْ َ‬
‫ن ميين النسيياء‪ ,‬إن عملتيين بطاعيية‬ ‫ن في الفضل والمنزلة كغيرك ّ‬ ‫ي ‪-‬محمد‪ -‬لست ّ‬
‫يا نساء النب ّ‬
‫ال وابتعدتن عن معاصيه‪ ،‬فل تتحدثن مييع الجييانب بصييوت َلّييين ُيطمييع الييذي فييي قلبييه‬
‫فجور ومرض في الشهوة الحرام‪ ،‬وهذا أدب واجب علييى كييل امييرأة تييؤمن بييال واليييوم‬
‫الخر‪ ,‬وُقلن قول بعيًدا عن الريبة‪ ,‬ل تنكره الشريعة‪.‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫صههلةَ‬ ‫ن ال ّ‬‫مه َ‬‫جاهِل ِي ّةِ الول َههى وَأقِ ْ‬ ‫ج ال ْ َ‬ ‫ن ت َب َّر َ‬‫ج َ‬ ‫ن َول ت َب َّر ْ‬ ‫ن ِفي ب ُُيوت ِك ُ ّ‬ ‫وَقَْر َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ب عَن ْك ُه ْ‬ ‫ريهد ُ الّله ُ‬
‫ه ل ُِيهذ ْهِ َ‬ ‫مها ي ُ ِ‬
‫ه إ ِن ّ َ‬ ‫سهول َ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫ن الّله َ‬ ‫كهاةَ وَأط ِْعه َ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫َوآِتي َ‬
‫م ت َط ِْهيرا ً )‪(33‬‬ ‫ت وَي ُط َهَّرك ُ ْ‬ ‫ل ال ْب َي ْ ِ‬‫س أ َهْ َ‬
‫ج َ‬ ‫الّر ْ‬
‫ن بيوتكن‪ ,‬ول تخرجن منها إل لحاجة‪ ,‬ول ُتظهرن محاسنكن‪ ,‬كما كان يفعل نسيياء‬ ‫واْلَزْم َ‬
‫الجاهلية الولى في الزمنة السابقة على السلم‪ ,‬وهو خطاب للنساء المؤمنات فييي كييل‬
‫عصر‪ .‬وأّدين ‪ -‬يا نساء النبي‪ -‬الصلة كاملة في أوقاتها‪ ,‬وأعطين الزكاة كما شييرع اليي‪,‬‬
‫ن‪ ,‬ويبعيد عنكي ّ‬
‫ن‬ ‫وأطعن ال ورسوله في أمرهما ونهيهما‪ ,‬إنما أوصاكن ال بهذا؛ ليزكيكي ّ‬
‫الذى والسوء والشر يا أهل بيت النبي ‪-‬ومنهم زوجاته وذريته عليييه الصييلة والسييلم‪,-‬‬
‫ويطّهر نفوسكم غاية الطهارة‪.‬‬

‫ن‬ ‫ن الّله َ‬
‫ه ك َهها َ‬ ‫م هة ِ إ ِ ّ‬ ‫ت الّلههِ َوال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫ن آي َهها ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما ي ُت َْلى ِفي ب ُُيوت ِك ُ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫َواذ ْك ُْر َ‬
‫ن َ‬
‫خِبيرا ً )‪(34‬‬ ‫طيفا ً َ‬ ‫لَ ِ‬

‫‪831‬‬
‫واذكرن ما يتلى في بيوتكن من القرآن وحديث الرسول صلى الي عليييه وسييلم‪ ،‬واعمليين‬
‫ن فييي‬
‫ن؛ إذ جعلكي ّ‬‫ق َقْدره‪ ,‬فهو من ِنَعم الي عليكين‪ ,‬إن الي كييان لطيًفييا بكي ّ‬
‫به‪ ,‬واقُدْرنه ح ّ‬
‫جا‪.‬‬
‫ن لرسوله أزوا ً‬ ‫ن إذ اختارك ّ‬
‫البيوت التي تتلى فيها آيات ال والسنة‪ ,‬خبيًرا بك ّ‬

‫ن‬‫ت َوال َْقهههان ِِتي َ‬‫من َههها ِ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫ت َوال ْ ُ‬
‫مهههؤْ ِ‬ ‫ما ِ‬‫سهههل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫سهههل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫إِ ّ‬
‫ن‬
‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ت َوال ْ َ‬‫صاب َِرا ِ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬‫ت َوال ّ‬ ‫صادَِقا ِ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫صادِِقي َ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫َوال َْقان َِتا ِ‬
‫ت‬ ‫ما ِ‬ ‫صههائ ِ َ‬
‫ن َوال ّ‬ ‫مي َ‬ ‫صههائ ِ ِ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫صههد َّقا ِ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬‫صههد ِّقي َ‬ ‫مت َ َ‬‫ت َوال ْ ُ‬ ‫شههَعا ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ت‬ ‫ذاك َِرا ِ‬‫ه ك َِثيههرا ً َواله ّ‬ ‫ن الل ّه َ‬ ‫ري َ‬ ‫ذاك ِ ِ‬‫ت َواله ّ‬ ‫ظا ِ‬ ‫حافِ َ‬ ‫م َوال ْ َ‬ ‫جه ُ ْ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫ظي َ‬ ‫حافِ ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ظيما ً )‪(35‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جرا ً عَ ِ‬ ‫مغِْفَرةً وَأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ل َهُ ْ‬ ‫أعَد ّ الل ّ ُ‬
‫صيّدقين والمصيّدقات والمطيعييين لي ورسييوله‬ ‫إن المنقادين لوامر ال والمنقييادات‪ ,‬والم َ‬
‫والمطيعييات‪ ,‬والصييادقين فييي أقييوالهم والصييادقات‪ ,‬والصييابرين عيين الشييهوات وعلييى‬
‫الطاعييات وعلييى المكيياره والصييابرات‪ ,‬والخييائفين ميين ال ي والخائفييات‪ ,‬والمتصييدقين‬
‫بالفرض والّنْفل والمتصدقات‪ ,‬والصائمين في الفييرض والّنْفييل والصييائمات‪ ,‬والحييافظين‬
‫فروجهم عن الزنى ومقدماته‪ ,‬وعن كشف العييورات والحافظييات‪ ,‬والييذاكرين ال ي كييثيًرا‬
‫بقلوبهم وألسنتهم والذاكرات‪ ,‬أعّد ال لهؤلء مغفرة لذنوبهم وثواًبا عظيًما‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬

‫َ‬ ‫ذا قَضى الل ّهه ورسههول ُ َ‬


‫ن‬ ‫مههرا ً أ ْ‬
‫ن ي َك ُههو َ‬ ‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫ُ ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫من َةٍ إ ِ َ‬
‫مؤ ْ ِ‬‫ن َول ُ‬‫م ٍَ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن لِ ُ‬
‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫مِبينا ً‬
‫ضلل ً ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ه فََقد ْ َ‬‫سول َ ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫ل َهُ ْ‬
‫ن ي َعْ ِ‬‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مرِهِ ْ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ََرةُ ِ‬
‫)‪(36‬‬
‫حكًمييا أن يخييالفوه‪ ,‬بييأن يختيياروا‬
‫ول ينبغي لمؤمن ول مؤمنة إذا حكم ال ورسوله فيهييم ُ‬
‫غير الذي قضى فيهم‪ .‬ومن يعص ال ورسوله فقد َبعَُد عن طريق الصواب ُبْعًدا ظاهًرا‪.‬‬

‫ك عَل َي ْه َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ك‬ ‫جه َ‬‫ك َزوْ َ‬ ‫سه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت عَل َي ْههِ أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَأن ْعَ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ذي أن ْعَ َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫وَإ ِذ ْ ت َُقو ُ‬
‫س َوالل ّه ُ‬
‫ه‬ ‫شههى الن ّهها َ‬ ‫خ َ‬‫ديهِ وَت َ ْ‬ ‫مب ْه ِ‬
‫ه ُ‬ ‫ما الل ّه ُ‬ ‫ك َ‬ ‫س َ‬
‫خِفي ِفي ن َْف ِ‬ ‫ه وَت ُ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬‫ََوات ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ي ل ي َك ُههو َ‬ ‫جَناك َهَهها ل ِك َه ْ‬ ‫من َْها وَط َههرا ً َزوّ ْ‬ ‫ضى َزي ْد ٌ ِ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫شاهُ فَل َ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫حق ّ أ ْ‬ ‫أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫طرا ً وَك َهها َ‬
‫ن وَ َ‬ ‫من ْهُ ّ‬
‫وا ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫ذا قَ َ‬ ‫م إِ َ‬‫عَيائ ِهِ ْ‬‫ج أد ْ ِ‬ ‫ج ِفي أْزَوا ِ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ن َ‬‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫عََلى ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫مْفُعول ً )‪(37‬‬ ‫مُر الل ّهِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫وإذ تقول ‪-‬أيها النبي‪ -‬للذي أنعم ال عليه بالسلم ‪-‬وهو زيد بن حارثة الذي أعتقه وتبّناه‬
‫ق زوجييك زينييب بنييت جحييش ول‬ ‫النبيّ صلى ال عليه وسلم‪ -‬وأنعمت عليييه بييالعتق‪َ :‬أْبي ِ‬
‫تطلقها‪ ,‬واتق ال يا زيد‪ ,‬وتخفي ‪-‬يا محمد‪ -‬في نفسك ما أوحى ال به إليك من طلق زيد‬

‫‪832‬‬
‫لزوجه وزواجك منها‪ ,‬وال تعالى مظهر ما أخفيت‪ ,‬وتخاف المنافقين أن يقولييوا‪ :‬تييزوج‬
‫محمد مطلقة متبناه‪ ,‬وال تعالى أحيق أن تخيافه‪ ,‬فلميا قضيى زييد منهيا حياجته‪ ,‬وطلقهيا‪,‬‬
‫وانقضت عدتها‪ ,‬زوجناكها; لتكون أسوة في إبطال عادة تحريم الييزواج بزوجيية المتبنييى‬
‫بعد طلقها‪ ,‬ول يكون على المؤمنين إثم وذنب في أن يتزوجوا ميين زوجييات ميين كييانوا‬
‫يتبّنْونهم بعد طلقهن إذا قضوا منهيين حيياجتهم‪ .‬وكييان أميير الي مفعييول ل عييائق لييه ول‬
‫مانع‪.‬‬

‫ن‬ ‫ة الل ّهِ ِفي اّله ِ‬


‫ذي َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ض الل ّ ُ‬
‫ما فََر َ‬ ‫ج ِفي َ‬‫حَر ٍ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫ي ِ‬ ‫ن عََلى الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫دورا ً )‪(38‬‬ ‫َ‬
‫درا ً َ‬
‫مْق ُ‬ ‫مُر الل ّهِ قَ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫وا ِ‬‫خل َ ْ‬‫َ‬
‫ل ال لييه ميين زواج امييرأة‬
‫ي محمد صلى ال عليه وسلم من ذنب فيما أح ّ‬ ‫ما كان على النب ّ‬
‫خَلوا من قبل‪ ,‬وكييان أميير‬
‫َمن تبّناه بعد طلقها‪ ,‬كما أباحه للنبياء قبله‪ ,‬سنة ال في الذين َ‬
‫ال قدًرا مقدوًرا ل بد من وقوعه‪.‬‬

‫ش هو َ‬
‫حههدا ً إ ِل ّ الل ّه َ‬
‫ه‬ ‫نأ َ‬‫خ َ ْ َ‬
‫ه َول ي َ ْ‬
‫شهوْن َ ُ‬ ‫ت الل ّههِ وَي َ ْ‬
‫خ َ‬ ‫سههال ِ‬
‫ن رِ َ‬‫ن ي ُب َل ّغُههو َ‬ ‫ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬
‫سيبا ً )‪(39‬‬
‫ح ِ‬‫وَك ََفى ِبالل ّهِ َ‬
‫ت الي إلييى‬
‫ثم ذكر سبحانه النبياء الماضييين وأثنييى عليهييم بييأنهم‪ :‬الييذين ُيَبّلغييون رسييال ِ‬
‫الناس‪ ,‬ويخافون ال وحده‪ ,‬ول يخافون أحًدا سواه‪ .‬وكفى بال محاسًبا عباده علييى جميييع‬
‫أعمالهم ومراقًبا لها‪.‬‬

‫ل الل ّهِ وَ َ‬ ‫َ َ‬
‫ن‬
‫م الن ّب ِّييهه َ‬
‫خههات َ َ‬ ‫سو َ‬ ‫م وَل َك ِ ْ‬
‫ن َر ُ‬ ‫جال ِك ُ ْ‬
‫ن رِ َ‬‫م ْ‬
‫حدٍ ِ‬
‫مد ٌ أَبا أ َ‬‫ح ّ‬‫م َ‬
‫ن ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫يٍء عَِليما )‪(40‬‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه ب ِك ّ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫وَكا َ‬
‫ما كان محمد أًبا لحد من رجالكم‪ ,‬ولكنه رسول ال وخاتم النبيين‪ ,‬فل نبوة بعده إلى يوم‬
‫القيامة‪ .‬وكان ال بكل شيء من أعمالكم عليًما‪ ,‬ل يخفى عليه شيء‪.‬‬

‫َ‬
‫حوهُ ب ُك ْهَرةً‬ ‫كهرا ً ك َِثيهرا ً )‪ (41‬وَ َ‬
‫سهب ّ ُ‬ ‫من ُههوا اذ ْك ُهُروا الّله َ‬
‫ه ذِ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها اّله ِ‬
‫ذي َ‬
‫صيل ً )‪(42‬‬ ‫َ‬
‫وَأ ِ‬
‫ص يّدقوا ال ي ورسييوله وعملييوا بشييرعه‪ ,‬اذكييروا ال ي بقلييوبكم وألسيينتكم‬
‫يييا أيهييا الييذين َ‬
‫وجوارحكم ِذْكًرا كثيًرا‪ ,‬واشغلوا أوقاتكم بذكر ال تعالى عنييد الصييباح والمسيياء‪ ,‬وأدبييار‬

‫‪833‬‬
‫الصلوات المفروضات‪ ,‬وعند العوارض والسباب‪ ,‬فإن ذلك عبادة مشروعة‪ ,‬تدعو إلييى‬
‫محبة ال‪ ,‬وكف اللسان عن الثام‪ ,‬وتعين على كل خير‪.‬‬

‫ت إ َِلههى الّنههوِر‬ ‫ن الظ ّل ُ َ‬


‫ما ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫خرِ َ‬ ‫ملئ ِك َت ُ ُ‬
‫ه ل ِي ُ ْ‬ ‫صّلي عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫ذي ي ُ َ‬ ‫هُوَ ال ّ ِ‬
‫حيما ً )‪(43‬‬ ‫ن َر ِ‬‫مِني َ‬ ‫ن ِبال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫كا َ‬‫وَ َ‬

‫هييو الييذي يرحمكييم ويثنييي عليكييم وتييدعو لكييم ملئكتييه؛ ليخرجكييم ميين ظلمييات الجهييل‬
‫والضلل إلى نور السلم‪ ,‬وكييان بييالمؤمنين رحيًمييا فييي الييدنيا والخييرة‪ ,‬ل يعييذبهم مييا‬
‫داموا مطيعين مخلصين له‪.‬‬

‫ريما ً )‪(44‬‬ ‫حيتهم يوم يل َْقونه سلم وأ َعَد ل َه َ‬


‫جرا ً ك َ ِ‬
‫مأ ْ‬‫تَ ِ ّ ُ ُ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ ٌ َ ّ ُ ْ‬
‫تحية هؤلء المؤمنين من ال في الجنة يوم يلقونه سلم‪ ,‬وأمان لهم ميين عييذاب اليي‪ ,‬وقييد‬
‫أعّد لهم ثواًبا حسًنا‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬

‫عي ها ً إ ِل َههى‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫ذيرا ً )‪ (45‬وَ َ‬
‫دا ِ‬ ‫شههرا ً وَن َه ِ‬ ‫هدا ً وَ ُ‬
‫مب َ ّ‬ ‫سل َْنا َ‬
‫ك َ‬
‫شا ِ‬ ‫ي إ ِّنا أْر َ‬
‫َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫مِنيرا ً )‪(46‬‬‫سَراجا ً ُ‬ ‫الل ّهِ ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَ ِ‬
‫يا أيها النبي إّنا أرسلناك شاهًدا علييى أمتييك بييإبلغهم الرسييالة‪ ,‬ومبشيًرا المييؤمنين منهييم‬
‫بالرحمة والجنة‪ ,‬ونذيًرا للعصاة والمكيذبين مين النيار‪ ,‬وداعًييا إلييى توحييد الي وعبييادته‬
‫ت بييه ميين الحييق‬
‫جا منيًرا لمن استنار بك‪ ,‬فأْمرك ظاهر فيمييا جئ َ‬ ‫وحده بأمره إياك‪ ,‬وسرا ً‬
‫كالشمس في إشراقها وإضاءتها‪ ,‬ل يجحدها إل معاند‪.‬‬

‫ضل ً ك َِبيرا ً )‪(47‬‬ ‫َ‬


‫ن الل ّهِ فَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ن ب ِأ ّ‬
‫مِني َ‬ ‫شْر ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫وَب َ ّ‬
‫شر ‪-‬أيها النبي‪ -‬أهل اليمان بأن لهم من ال ثواًبا عظيًما‪ ,‬وهو روضات الجنات‪.‬‬
‫وَب ّ‬

‫ل عَل َههى الل ّههِ وَك ََفههى‬


‫م وَت َوَك ّه ْ‬ ‫ن وَد َعْ أ َ َ‬
‫ذاهُ ْ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مَنافِِقي َ‬ ‫ري َ‬ ‫َول ت ُط ِعْ ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬
‫كيل ً )‪(48‬‬ ‫ِبالل ّهِ وَ ِ‬
‫ول تطع ‪-‬أيها الرسول‪ -‬قيول كييافر أو منييافق واتيرك أذاهييم‪ ,‬ول يمنعييك ذليك مين تبليييغ‬
‫الرسالة‪ ,‬وثق بال في كل أمورك واعتمد عليه؛ فإنه يكفيك ما أهّمك من كل أمييور الييدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫‪834‬‬
‫ذا نك َحتم ال ْمؤْمنات ث ُم ط َل ّْقتموهُن م هن قَب ه َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫لأ ْ‬ ‫ّ ِ ْ ْ ِ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ ِ َ ِ ّ‬ ‫مُنوا إ ِ َ َ ْ ُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‬‫حوهُ ّ‬
‫س هّر ُ‬
‫ن وَ َ‬
‫مت ّعُههوهُ ّ‬‫دون ََها فَ َ‬
‫ع هد ّةٍ ت َعْت َه ّ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫م عَل َي ْهِ ّ‬
‫ما ل َك ُ ْ‬‫ن فَ َ‬ ‫سوهُ ّ‬ ‫م ّ‬‫تَ َ‬
‫ميل ً )‪(49‬‬ ‫ج ِ‬ ‫سَراحا ً َ‬ ‫َ‬
‫يا أيها الذين صّدقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه‪ ,‬إذا عقدتم على النساء ولم تييدخلوا بهيين‬
‫ثييم طلقتمييوهن ِميين قبييل أن تجييامعوهن‪ ,‬فمييا لكييم عليهيين ِميين ع يّدة تحصييونها عليهيين‪,‬‬
‫فأعطوهن من أموالكم متعة يتمتعن بها بحسب الوسع جبًرا لخييواطرهن‪ ,‬وخّلييوا سييبيلهن‬
‫مع الستر الجميل‪ ,‬دون أذى أو ضرر‪.‬‬

‫مل َ َ‬ ‫ُ‬ ‫يا أ َيها النبي إنا أ َحل َل ْنا ل َ َ َ‬


‫ت‬ ‫كهه ْ‬ ‫مهها َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫جوَرهُ ّ‬ ‫تأ ُ‬ ‫ك الل ِّتي آت َي ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ك أْزَوا َ‬ ‫ِّ ّ ِّ ْ َ‬ ‫َ َّ‬
‫ه عَل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫خال ِه َ‬‫ت َ‬ ‫ك وَب َن َهها ِ‬ ‫مات ِه َ‬ ‫ت عَ ّ‬ ‫ك وَب َن َهها ِ‬ ‫م َ‬‫ت عَ ّ‬ ‫ك وَب ََنا ِ‬ ‫ما أَفاَء الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫مين ُ َ‬ ‫يَ ِ‬
‫َ‬ ‫مع َ َ‬ ‫ك الل ِّتي َ‬ ‫خالت ِ َ‬
‫سهَها‬ ‫ت ن َْف َ‬ ‫ن وَهَب َه ْ‬ ‫ة إِ ْ‬ ‫من َه ً‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫مهَرأةً ُ‬ ‫ك َوا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جْر َ‬ ‫ها َ‬ ‫ت َ‬ ‫وَب ََنا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َقههد ْ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ة لَ َ‬ ‫ص ً‬
‫خال ِ َ‬ ‫حَها َ‬ ‫سَتنك ِ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ن أَراد َ الن ّب ِ ّ‬ ‫ي إِ ْ‬ ‫ِللن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كههو َ‬ ‫م ل ِك َْيل ي َ ُ‬ ‫مههان ُهُ ْ‬‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬‫جه ِ ْ‬‫م ِفي أْزَوا ِ‬ ‫ضَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ما فََر ْ‬ ‫مَنا َ‬ ‫عَل ِ ْ‬
‫حيما ً )‪(50‬‬ ‫ه غَُفورا ً َر ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ج وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫عَل َي ْ َ‬

‫ت يمينييك‬ ‫حنا لك ما َمَلَك ي ْ‬ ‫حنا لك أزواجك اللتي أعطيتهن مهورهن‪ ,‬وأَب ْ‬ ‫يا أيها النبي إّنا أَب ْ‬
‫من الماء‪ ,‬مما أنعم ال به عليك‪ ,‬وأبحنا لك الزواج من بنات عمك وبنات عماتك وبنات‬
‫ت نفسيها لييك ميين‬ ‫حي ْ‬
‫خالك وبنات خالتك اللتي هاجرن معك‪ ,‬وأبحنا لك امرأة مؤمنة َمَن َ‬
‫غير مهر‪ ,‬إن كنت تريد الزواج منها خالصة لك‪ ,‬وليس لغيرك أن يتزوج امييرأة بالِهَبيية‪.‬‬
‫قد علمنا ما أوجبنا على المؤمنين في أزواجهم وإمائهم بأل يتزوجوا إل أربع نسوة‪ ,‬ومييا‬
‫ي والمهر والشهود عليهم‪ ,‬ولكنييا رخصيينا لييك فييي ذلييك‪,‬‬ ‫شاؤوا من الماء‪ ,‬واشتراط الول ّ‬
‫سع عليى غييرك؛ لئل يضييق صيدرك فيي نكياح َمين نكحيت ِمين‬ ‫سْعنا عليك ما لم ُيو ّ‬ ‫وو ّ‬
‫هؤلء الصناف‪ .‬وكان ال غفوًرا لذنوب عباده المؤمنين‪ ,‬رحيًما بالتوسعة عليهم‪.‬‬

‫ن‬
‫مه ْ‬ ‫م ّ‬‫ت ِ‬‫ن اب ْت َغَي ْه َ‬‫مه ْ‬ ‫شههاُء وَ َ‬‫ن تَ َ‬ ‫مه ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن وَت ُؤِْوي إ ِل َي ْه َ‬ ‫من ْهُ ّ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫جي َ‬ ‫ت ُْر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ح عَل َي ْ َ‬
‫ن‬‫ض هو ْ َ‬
‫ن وَي َْر َ‬‫ح هَز ّ‬ ‫ن َول ي َ ْ‬ ‫ن ت ََقّر أعْي ُن ُهُ ّ‬ ‫ك أد َْنى أ ْ‬ ‫ك ذ َل ِ َ‬ ‫جَنا َ‬ ‫ت َفل ُ‬ ‫عََزل ْ َ‬
‫حِليمها ً )‬‫ه عَِليمها ً َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ما ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫ه ي َعْل َ ُ‬‫ن َوالل ّ ُ‬ ‫ن ك ُل ّهُ ّ‬ ‫ما آت َي ْت َهُ ّ‬‫بِ َ‬
‫‪(51‬‬
‫طَلْبييتَ‬
‫سم في المبيت‪ ,‬وتضم إليك َمن تشاء منهن‪ ,‬وَمن َ‬ ‫تؤخر َمن تشاء ِمن نسائك في الَق ْ‬
‫ن‪,‬‬
‫سمها‪ ,‬فل إثم عليك في هذا‪ ,‬ذلك التخيير أقرب إلى أن يفرحيين ول يحييز ّ‬ ‫خرت َق ْ‬
‫ممن أ ّ‬
‫ن‪ ,‬وال يعلييم مييا فييي قلييوب الرجييال ِميين َمْيلهييا إلييى بعييض‬ ‫ويرضين كلهن بما قسمت له ّ‬

‫‪835‬‬
‫النساء دون بعض‪ .‬وكان ال عليًما بمييا فييي القلييوب‪ ,‬حليًمييا ل يعجييل بالعقوبيية عليى ميين‬
‫عصاه‪.‬‬

‫َ‬ ‫ل بهن مه َ‬ ‫َ‬


‫ك‬ ‫ج وَل َهوْ أعْ َ‬
‫جب َه َ‬ ‫ن ت َب َد ّ َ ِ ِ ّ ِ ْ‬
‫ن أْزَوا ٍ‬ ‫ن ب َعْد ُ َول أ ْ‬‫م ْ‬‫ساُء ِ‬ ‫ك الن ّ َ‬ ‫ل لَ َ‬‫ح ّ‬‫ل يَ ِ‬
‫يٍء َرِقيبا ً )‪(52‬‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬‫ه عََلى ك ُ ّ‬
‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬‫ك وَ َ‬
‫مين ُ َ‬
‫ت يَ ِ‬‫مل َك َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬
‫سن ُهُ ّ‬
‫ح ْ‬‫ُ‬
‫ل يباح ليك النسياء مين بعيد نسيائك اللتيي فيى عصيمتك‪ ,‬واللتيي أبحنياهنّ ليك )وهينّ‬
‫المذكورات في الية السابقة رقم ]‪ [50‬من هذه السورة(‪ ,‬ومين كييانت فييي عصييمتك مين‬
‫النساء المذكورات ل يحل لك أن تطّلقها مستقَبل وتأتي بغيرهييا بييدل منهييا‪ ,‬ولييو أعجبييك‬
‫جمالها‪ ,‬وأما الزيادة على زوجاتك ميين غييير تطليييق إحييداهن فل حييرج عليييك‪ ,‬وأمييا مييا‬
‫ملكت يمينك من الماء‪ ,‬فحلل لك منهن من شئت‪ .‬وكييان الي علييى كييل شييء رقيًبييا‪ ,‬ل‬
‫يغيب عنه علم شيء‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن ل َك ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫م إ ِلى طَعام ٍ‬ ‫ن ي ُؤْذ َ َ‬ ‫ي إ ِل ّ أ ْ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫خُلوا ب ُُيو َ‬ ‫مُنوا ل ت َد ْ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫شههُروا َول‬ ‫م َفان ْت َ ِ‬ ‫مت ُ ْ‬‫ذا ط َعِ ْ‬ ‫خُلوا فَإ ِ َ‬ ‫م َفاد ْ ُ‬ ‫عيت ُ ْ‬
‫ذا د ُ ِ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ن إ َِناهُ وَل َك ِ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫غَي َْر َ ْناظ ِ ِ‬
‫هل‬ ‫م َوالل ّ ُ‬‫من ْك ُ ْ‬‫ي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست َ ْ‬‫ي فَي َ ْ‬ ‫ن ي ُؤِْذي الن ّب ِ َّ‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ث إِ ّ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫سي َ‬ ‫ست َأن ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫جهها ٍ‬ ‫ح َ‬
‫ن وََراِء ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سألوهُ ّ‬ ‫مَتاعا َفا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫موهُ ّ‬ ‫سألت ُ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫حقّ وَإ ِ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م ْ‬‫ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح‬
‫ست َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ل الل ّههِ َول‬ ‫كان ل َك ُ َ‬ ‫ذ َل ِك ُ َ‬
‫سو َ‬ ‫ذوا َر ُ‬ ‫ن ت ُؤْ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫م وَقُُلوب ِهِ ّ‬ ‫م أط ْهَُر ل ُِقُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ظيما ً )‪(53‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عن ْد َ الل ّهِ عَ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ن ب َعْدِهِ أَبدا ً إ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ج ُ‬‫حوا أْزَوا َ‬ ‫ن ت َن ْك ِ ُ‬ ‫أ ْ‬
‫يا أيها الذين صّدقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ل تدخلوا بيوت النييبي إل بييإذنه لتنيياول‬
‫طعييام غييير منتظرييين نضييجه‪ ,‬ولكيين إذا دعيتييم فييادخلوا‪ ,‬فييإذا أكلتييم فانصييرفوا غييير‬
‫مستأنسين لحديث بينكم؛ فإن انتظاركم واستئناسكم يؤذي النبي‪ ,‬فيسييتحيي ميين إخراجكييم‬
‫من البيوت مع أن ذلك حق له‪ ,‬وال ل يستحيي من بيان الحق وإظهاره‪ .‬وإذا سألتم نسيياء‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حاجة من أواني البيت ونحوها فاسألوهن من وراء ستر؛‬
‫ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن من الخواطر التي تعرض للرجال في أميير النسيياء‪ ,‬وللنسيياء‬
‫فيي أمير الرجيال؛ فالرؤيية سيبب الفتنية‪ ,‬وميا ينبغيي لكيم أن تيؤذوا رسيول الي‪ ,‬ول أن‬
‫ل للرجييل أن يييتزوج أّمييه‪ ,‬إ ّ‬
‫ن‬ ‫تتزوجوا أزواجه من بعد موته أبًدا؛ لنهن أمهاتكم‪ ,‬ول يح ّ‬
‫أذاكم رسول ال صلى ال عليه وسلم ونكاحكم أزواجه من بعده إثم عظيم عند اليي‪) .‬وقييد‬
‫امتثلت هذه المة هذا المر‪ ,‬واجتنبت ما نهى ال عنه منه(‪.‬‬

‫يءٍ عَِليما ً )‪(54‬‬ ‫ن ب ِك ُ ّ‬


‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫شْيئا ً أ َوْ ت ُ ْ‬
‫خُفوهُ فَإ ِ ّ‬ ‫دوا َ‬
‫ن ت ُب ْ ُ‬
‫إِ ْ‬

‫‪836‬‬
‫ظِهروا شيًئا على ألسنتكم ‪-‬أيها الناس‪ -‬مما يؤذي رسول ال ممييا نهيياكم الي عنيه‪ ,‬أو‬ ‫إن ُت ْ‬
‫تخفوه في نفوسكم‪ ,‬فإن ال تعالى يعلم ما فييي قلييوبكم ومييا أظهرتمييوه‪ ,‬وسيييجازيكم علييى‬
‫ذلك‪.‬‬

‫ن‬
‫وان ِهِ ّ‬
‫خهه َ‬‫ن َول أ َب َْناِء إ ِ ْ‬‫وان ِهِ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫ن َول إ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن َول أب َْنائ ِهِ ّ‬‫ن ِفي آَبائ ِهِ ّ‬ ‫ح عَل َي ْهِ ّ‬‫جَنا َ‬ ‫ل ُ‬
‫َ‬ ‫َول أ َب َْناِء أ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن الل ّه َ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ن َوات ِّقي ه َ‬ ‫مههان ُهُ ّ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫ن َول َ‬ ‫سائ ِهِ ّ‬
‫ن َول ن ِ َ‬ ‫وات ِهِ ّ‬
‫خ َ‬
‫شِهيدا ً )‪(55‬‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫ن عََلى ك ُ ّ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ل إثم على النساء في عيدم الحتجيياب مين آبييائهن وأبنيائهن وإخييوانهن وأبنيياء إخييوانهن‬
‫وأبناء أخواتهن والنساء المؤمنات والعبيد المملوكين لهن؛ لشدة الحاجة إليهم في الخدمة‪.‬‬
‫ن أن تبدينه‪,‬‬
‫ن‪ ,‬فتبدين من زينتكن ما ليس لُك ّ‬ ‫حّد لك ّ‬
‫وخفن ال ‪-‬أيتها النساء‪ -‬أن تتعّدْين ما َ‬
‫أو تتركن الحجاب أمام َميين يجييب عليكيين الحتجيياب منيه‪ .‬إن الي كييان علييى كييل شيييء‬
‫شهيًدا‪ ,‬يشهد أعمال العباد ظاهرها وباطنها‪ ,‬وسيجزيهم عليها‪.‬‬

‫َ‬
‫ص هّلوا عَل َي ْه ِ‬
‫ه‬ ‫من ُههوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫ي َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن عََلى الن ّب ِ ّ‬
‫صّلو َ‬ ‫ملئ ِك َت َ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه وَ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫سِليما ً )‪(56‬‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬‫وَ َ‬
‫إن ال تعالى يثني على النبي صييلى الي عليييه وسييلم عنييد الملئكيية المقربييين‪ ,‬وملئكتييه‬
‫يثنون على النبي ويدعون له‪ ,‬يا أيها الذين صّدقوا ال ورسييوله وعملييوا بشييرعه‪ ,‬صيّلوا‬
‫على رسول ل‪ ,‬وسّلموا تسليًما‪ ,‬تحية وتعظيًما له‪ .‬وصفة الصلة علييى النييبي صييلى ال ي‬
‫ل على محمد وعلى آل محمد‪ ,‬كما‬ ‫عليه وسلم ثبتت في السنة على أنواع‪ ,‬منها‪" :‬اللهم ص ّ‬
‫صليت على آل إبراهيم‪ ,‬إنك حميد مجيد‪ ,‬اللهم بارك علييى محمييد وعلييى آل محمييد‪ ,‬كمييا‬
‫باركت على آل إبراهيم‪ ,‬إنك حميد مجيد"‪.‬‬

‫َ‬
‫خ هَرةِ وَأعَ هد ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه ِفي ال هد ّن َْيا َوال ِ‬ ‫ه ل َعَن َهُ ْ‬
‫سول َ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُؤْ ُ‬
‫ذو َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫إِ ّ‬
‫مِهينا ً )‪(57‬‬ ‫ذابا ً ُ‬
‫م عَ َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫إن الذين يؤذون ال بالشييرك أو غيييره مين المعاصييي‪ ,‬ويييؤذون رسييول الي بييالقوال أو‬
‫الفعال‪ ,‬أبعدهم ال وطردهم ِمن كل خير في الدنيا والخرة‪ ,‬وأعّد لهم في الخيرة عيذاًبا‬
‫يذلهم ويهينهم‪.‬‬

‫مل ُههوا‬
‫حت َ َ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬
‫س هُبوا فََق هدِ ا ْ‬ ‫ت ب ِغَي ْرِ َ‬
‫مَنا ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ذو َ‬‫ن ي ُؤْ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫مِبينا ً )‪(58‬‬ ‫ب ُهَْتانا ً وَإ ِْثما ً ُ‬
‫‪837‬‬
‫والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنييات بقييول أو فعييل ميين غييير ذنييب عملييوه‪ ,‬فقييد ارتكبييوا‬
‫أفحش الكذب والزور‪ ,‬وأتوا ذنًبا ظاهر القبح يستحقون به العذاب في الخرة‪.‬‬

‫َيا أ َي ّها الن ّبي قُ ْ َ‬


‫ن‬
‫مهه ْ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫ن ي ُد ِْني َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ساءِ ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ك وَن ِ َ‬ ‫ك وَب ََنات ِ َ‬
‫ج َ‬‫ل لْزَوا ِ‬ ‫ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ه غَُفهورا َر ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫حيمها )‬ ‫ن الله ُ‬ ‫ن وَكها َ‬ ‫ن َفل ي ُؤْذ َي ْ َ‬ ‫ن ي ُعَْرفْ َ‬‫ك أد َْنى أ ْ‬ ‫جلِبيب ِهِ ّ‬
‫َ‬
‫‪(59‬‬
‫يا أيها النبي قل لزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يرخين على رؤوسهن ووجوههن ميين‬
‫أرديتهيين وملحفهيين؛ لسييتر وجييوههن وصييدورهن ورؤوسييهن; ذلييك أقييرب أن يمّيييزن‬
‫بالستر والصيانة‪ ,‬فل ُيتَعّرض لهن بمكروه أو أذى‪ .‬وكان ال غفوًرا رحيًمييا حيييث غفيير‬
‫لكم ما سلف‪ ,‬ورحمكم بما أوضح لكم من الحلل والحرام‪.‬‬

‫ن فِههي‬‫جُفههو َ‬ ‫ض َوال ْ ُ‬
‫مْر ِ‬ ‫م هَر ٌ‬‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّ ِ‬ ‫مَنافُِقو َ‬ ‫م ي َن ْت َهِ ال ْ ُ‬‫ن لَ ْ‬ ‫ل َئ ِ ْ‬
‫مل ْعُههوِني َ‬
‫ن‬ ‫ك ِفيهَهها إ ِل ّ قَِليل ً )‪َ (60‬‬ ‫جاوُِرون َه َ‬‫م ل يُ َ‬ ‫م ث ُه ّ‬
‫ك ب ِهِه ْ‬‫دين َةِ ل َن ُغْرِي َن ّ َ‬‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ذوا وَقُت ُّلوا ت َْقِتيل ً )‪(61‬‬ ‫خ ُ‬‫قُفوا أ ُ ِ‬ ‫ما ث ُ ِ‬
‫َ‬
‫أي ْن َ َ‬
‫ف الذين يضمرون الكفيير ويظهييرون اليمييان والييذين فييي قلييوبهم شييك وريبيية‪,‬‬ ‫لئن لم يك ّ‬
‫والذين ينشرون الخبار الكاذبة في مدينية الرسيول صييلى الي علييه وسييلم عين قبييائحهم‬
‫وشرورهم‪ ,‬لنسّلطّنك عليهم‪ ,‬ثم ل يسكنون معك فيها إل زمًنا قليل‪ .‬مطرودين من رحمة‬
‫سيروا وُقّتليوا تقيتيل ميا داميوا مقيميين عليى النفياق ونشير‬‫جدوا فيه ُأ ِ‬
‫ال‪ ,‬في أي مكان ُو ِ‬
‫الخبار الكاذبة بين المسلمين بغرض الفتنة والفساد‪.‬‬

‫سن ّةِ الل ّهِ ت َب ْ ِ‬


‫ديل ً )‪(62‬‬ ‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫ل وَل َ ْ‬
‫ن تَ ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫خل َ ْ‬
‫وا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ة الل ّهِ ِفي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سن ّ َ‬
‫ُ‬
‫سروا وُيَقّتلوا أينما كانوا‪ ,‬ولن تجييد ‪-‬أيهييا‬
‫سنة ال وطريقته في منافقي المم السابقة أن يؤ َ‬
‫النبي‪ -‬لطريقة ال تحويل ول تغييًرا‪.‬‬

‫ك ل ََعهه ّ‬
‫ل‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَ َ‬
‫ما ي ُد ِْري َ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫مَها ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ساعَةِ قُ ْ‬
‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ن ال ّ‬‫س عَ ْ‬‫ك الّنا ُ‬ ‫سأ َل ُ َ‬
‫يَ ْ‬
‫ريبا ً )‪(63‬‬
‫ن قَ ِ‬ ‫ة تَ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ساعَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫يسألك الناس ‪-‬أيها الرسول‪ -‬عن وقت القيامة استبعاًدا وتكذيًبا‪ ,‬قل لهم‪ :‬إنما علييم السيياعة‬
‫عند ال‪ ,‬وما يدريك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لعل زمانها قريب؟‬

‫‪838‬‬
‫ن ِفيهَهها أ َب َههدا ً ل‬
‫دي َ‬ ‫س هِعيرا ً )‪َ (64‬‬
‫خال ِه ِ‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫ن وَأعَد ّ ل َهُ ْ‬
‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫ه ل َعَ َ‬‫ن الل ّ َ‬‫إِ ّ‬
‫م ِفي الّنارِ ي َُقول ُههو َ‬
‫ن ي َهها‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫م ت َُقل ّ ُ‬
‫ب وُ ُ‬ ‫صيرا ً )‪ (65‬ي َوْ َ‬ ‫ن وَل ِي ّا ً َول ن َ ِ‬ ‫دو َ‬‫ج ُ‬‫يَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل )‪(66‬‬ ‫سو َ‬ ‫ه وَأط َعَْنا الّر ُ‬ ‫ل َي ْت ََنا أط َعَْنا الل ّ َ‬
‫إن ال طرد الكافرين من رحمته في الدنيا والخييرة‪ ,‬وأعيّد لهييم فييي الخييرة نيياًرا موقييدة‬
‫شيديدة الحيرارة‪ ,‬مياكثين فيهييا أبيًدا‪ ,‬ل يجيدون ولّيييا يتيولهم وييدافع عنهيم‪ ,‬ول نصييًرا‬
‫ينصييرهم‪ ,‬فيخرجهييم ميين النييار‪ .‬يييوم ُتَقّلييب وجييوه الكييافرين فييي النييار يقولييون نييادمين‬
‫متحّيرين‪ :‬يا ليتنا أطعنا ال وأطعنا رسوله في الدنيا‪ ,‬فكنا من أهل الجنة‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ضهّلوَنا ال ّ‬
‫سهِبي َ‬
‫ل )‪َ (67‬رب ّن َهها‬ ‫سههاد َت ََنا وَك ُب ََراَءن َهها فَأ َ‬‫وََقاُلوا َرب َّنا إ ِّنا أط َعْن َهها َ‬
‫م ل َْعنا ً ك َِبيرا ً )‪(68‬‬ ‫ب َوال ْعَن ْهُ ْ‬ ‫ن ال ْعَ َ‬
‫ذا ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ضعَْفي ْ ِ‬‫م ِ‬ ‫آت ِهِ ْ‬
‫طْعنييا أئمتنييا فييي الضييلل وكبراءنييا فييي الشييرك‪,‬‬
‫وقال الكافرون يوم القياميية‪ :‬ربنييا إنييا أ َ‬
‫ي عذابنا الذي تعييذبنا بييه‪,‬‬
‫فأزالونا عن طريق الُهدى واليمان‪ .‬ربنا عّذبهم من العذاب مثَل ْ‬
‫واطردهم من رحمتك طرًدا شديًدا‪ .‬وفي هذا دليييل عليى أن طاعية غييير الي فييي مخالفية‬
‫أمييره وأميير رسييوله‪ ,‬موجبيية لسييخط اليي وعقييابه‪ ,‬وأن التييابع والمتبييوع فييي العييذاب‬
‫مشتركون‪ ,‬فليحذر المسلم ذلك‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫مهها‬
‫م ّ‬ ‫سههى فَب َهّرأهُ الل ّه ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ن آذ َْوا ُ‬
‫مو َ‬ ‫كال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫كون ُههوا َ‬
‫من ُههوا ل ت َ ُ‬‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫جيها ً )‪(69‬‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَ ِ‬
‫ن ِ‬‫كا َ‬ ‫َقاُلوا وَ َ‬

‫يا أيها الذين صّدقوا ال ورسوله وعملوا بشرعه ل تؤذوا رسول ال ي بقييول أو فعييل‪ ,‬ول‬
‫ي ال موسى‪ ,‬فبّرأه ال مما قالوا فيه من الكذب والزور‪ ,‬وكييان‬
‫تكونوا أمثال الذين آذوا نب ّ‬
‫عند ال عظيم القدر والجاه‪.‬‬

‫ديدا ً )‪(70‬‬ ‫َ‬


‫ه وَُقوُلوا قَوْل ً َ‬
‫س ِ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬
‫نآ َ‬ ‫َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫يا أيها الذين صّدقوا ال ورسوله وعملوا بشييرعه‪ ,‬اعملييوا بطيياعته‪ ،‬واجتنبييوا معصيييته؛‬
‫لئل تستحقوا بذلك العقيياب‪ ,‬وقولييوا فييي جميييع أحييوالكم وشييؤونكم قييول مسييتقيًما موافًقييا‬
‫للصواب خالًيا من الكذب والباطل‪.‬‬

‫يصل ِح ل َك ُ َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه فََقد ْ‬ ‫ن ي ُط ِعْ الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫م ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫م وَي َغِْفْر ل َك ُ ْ‬
‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫مال َك ُ ْ‬
‫م أعْ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ ْ ْ‬

‫‪839‬‬
‫ظيما ً )‪(71‬‬
‫وزا ً عَ ِ‬
‫َفاَز فَ ْ‬
‫إذا اتقيتم ال وقلتم قيول سيديًدا أصيلح الي لكيم أعميالكم‪ ,‬وغفير ذنيوبكم‪ .‬ومين يطيع الي‬
‫ورسوله فيما أمر ونهى فقد فاز بالكرامة العظمى في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ن‬ ‫ة عََلههى السههموات وال َرض وال ْجبههال َفههأ َبي َ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬‫َْ َ‬ ‫ّ َ َ ِ َ ْ ِ َ ِ َ ِ‬ ‫ماَنهه َ‬
‫ضههَنا ال َ‬ ‫إ ِّنهها عََر ْ‬
‫َ‬
‫جُهول ً )‪(72‬‬‫ن ظ َُلوما ً َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫مل ََها ال ِن ْ َ‬
‫سا ُ‬ ‫ح َ‬
‫من َْها وَ َ‬
‫ن ِ‬ ‫مل ْن ََها وَأ ْ‬
‫شَفْق َ‬ ‫ح ِ‬
‫يَ ْ‬
‫إنا عرضنا المانة ‪-‬التي ائتمن ال عليها المكّلفين من امتثال الوامر واجتنياب النييواهي‪-‬‬
‫على السموات والرض والجبال‪ ,‬فأبين أن يحملنها‪ ,‬وخفيين أن ل يقميين بأدائهييا‪ ,‬وحملهييا‬
‫النسان والتزم بها على ضعفه‪ ,‬إنه كان شديد الظلم والجهل لنفسه‪.‬‬

‫ب‬
‫ت وَي َُتو َ‬ ‫شرِ َ‬
‫كا ِ‬ ‫م ْ‬‫ن َوال ْ ُ‬ ‫كي َ‬ ‫م ْ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ت َوال ْ ُ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬
‫مَنافَِقا ِ‬ ‫ه ال ْ ُ‬
‫مَنافِِقي َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬
‫ل ِي ُعَذ ّ َ‬
‫حيما ً )‪(73‬‬ ‫ه غَُفورا ً َر ِ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫ت وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫مَنا ِ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن َوال ْ ُ‬
‫مِني َ‬ ‫ه عََلى ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫)وحمل النسان المانة( ليعذب الي المنييافقين الييذين ُيظهييرون السييلم وُيخفييون الكفيير‪,‬‬
‫والمنافقات‪ ,‬والمشركين في عبادة الي غيييره‪ ,‬والمشييركات‪ ,‬ويتييوب الي علييى المييؤمنين‬
‫والمؤمنات بستر ذنوبهم وترك عقابهم‪ .‬وكان ال غفوًرا للتائبين من عباده‪ ,‬رحيًما بهم‪.‬‬

‫‪ -34‬سورة سبأ‬

‫ه ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫مهد ُ فِههي‬
‫ح ْ‬ ‫ض وَل َ ُ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬
‫ت وَ َ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ما ِفي ال ّ‬ ‫ه َ‬‫ذي ل َ ُ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬
‫ح ْ‬‫ال ْ َ‬
‫م ال ْ َ‬
‫خِبيُر )‪(1‬‬ ‫كي ُ‬ ‫خَرةِ وَهُوَ ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ال ِ‬
‫الثناء على الي بصيفاته الييتي كّلهييا أوصيياف كمييال‪ ،‬وبنعميه الظياهرة والباطنية‪ ،‬الدينيية‬
‫والدنيوية‪ ،‬الذي له ملك ما في السموات وميا فيي الرض‪ ,‬وليه الثنياء التيام فيي الخيرة‪,‬‬
‫وهو الحكيم في فعله‪ ,‬الخبير بشؤون خلقه‪.‬‬

‫َ‬
‫مهها‬
‫ماءِ وَ َ‬
‫سه َ‬
‫ن ال ّ‬
‫مه ْ‬ ‫ما َينهزِ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫من َْها وَ َ‬
‫ج ِ‬
‫خُر ُ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫ض وَ َ‬
‫ج ِفي الْر ِ‬ ‫ما ي َل ِ ُ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬
‫م ال ْغَُفوُر )‪(2‬‬ ‫حي ُ‬ ‫ج ِفيَها وَهُوَ الّر ِ‬ ‫ي َعُْر ُ‬

‫‪840‬‬
‫يعلم كل ما يدخل في الرض من قطرات الماء‪ ,‬وميا يخيرج منهيا مين النبيات والمعيادن‬
‫والمياه‪ ,‬وما ينييزل مين السييماء مين المطييار والملئكيية والكتييب‪ ,‬ومييا يصييعد إليهييا ميين‬
‫الملئكة وأفعال الخلق‪ .‬وهو الرحيم بعباده فل يعاجل عصاتهم بالعقوبة‪ ,‬الغفييور لييذنوب‬
‫التائبين إليه المتوكلين عليه‪.‬‬

‫م‬ ‫ل‬ ‫ها‬


‫ه‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬‫ل بل َههى وربههي ل َتهأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ة‬ ‫ع‬‫ها‬
‫ه‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫تي‬ ‫ل ال ّذين ك ََفروا ل تأ ْ‬ ‫وََقا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬
‫َ‬
‫ض َول‬ ‫ت َول ِفهي الْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ذ َّرةٍ ِفهي ال ّ‬
‫سه َ‬ ‫مث َْقها ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ب عَْنه ُ‬‫ب ل ي َْعهُز ُ‬ ‫ال ْغَي ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من ُههوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ج هزِيَ ال ّه ِ‬ ‫ن )‪ (3‬ل ِي َ ْ‬ ‫مِبي ٍ‬
‫ب ُ‬ ‫ك َول أك ْب َُر إ ِل ّ ِفي ك َِتا ٍ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫م ْ‬
‫صغَُر ِ‬ ‫أ ْ‬
‫م )‪(4‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫مغِْفَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ‬ ‫م َ‬‫ك ل َهُ ْ‬ ‫ت أ ُوْل َئ ِ َ‬‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬‫وَعَ ِ‬
‫وقال الكافرون المنكرون للبعث‪ :‬ل تأتينا القياميية‪ ,‬قييل لهييم ‪-‬أيهييا الرسييول‪ :-‬بلييى وربييي‬
‫لتأتيّنكم‪ ,‬ولكن ل يعلم وقت مجيئها أحد سوى ال علم الغيوب‪ ,‬الذي ل يغيب عنييه وزن‬
‫نملة صغيرة في السموات والرض‪ ,‬ول أصغر من ذليك ول أكيبر إل هيو مسيطور فيي‬
‫كتاب واضح‪ ,‬وهو اللوح المحفوظ; ليثيب الذين صيّدقوا بييال‪ ,‬واّتَبعييوا رسييوله‪ ,‬وعملييوا‬
‫الصالحات‪ .‬أولئك لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم‪ ,‬وهو الجنة‪.‬‬

‫َ‬ ‫ن أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫م)‬
‫ج هزٍ أِلي ه ٌ‬
‫ن رِ ْ‬
‫م ْ‬
‫ب ِ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬
‫م عَ َ‬ ‫زي َ‬
‫ج ِ‬
‫مَعا ِ‬
‫وا ِفي آَيات َِنا ُ‬
‫سع َ ْ‬
‫ن َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪(5‬‬
‫والذين سعوا في الصّد عن سبيل ال وتكذيب رسييله وإبطييال آياتنييا مشيياقين الي مغييالبين‬
‫أمره‪ ,‬أولئك لهم أسوأ العذاب وأشده ألًما‪.‬‬

‫دي‬ ‫ك هُوَ ال ْ َ‬
‫حههقّ وَي َْههه ِ‬ ‫ن َرب ّ َ‬
‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫ذي ُأنزِ َ‬
‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ويرى ال ّذي ُ‬
‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َََ‬
‫ميدِ )‪(6‬‬ ‫ح ِ‬‫زيزِ ال ْ َ‬‫ط ال ْعَ ِ‬ ‫إ َِلى ِ‬
‫صَرا ِ‬
‫ويعلم الذين ُأعطوا العلم أن القرآن الذي ُأنزل إليك من ربك هو الحق‪ ,‬ويرشد إلى طريق‬
‫ال‪ ,‬العزيز الذي ل يغيياَلب ول يمييانع‪ ,‬بييل قهيير كييل شيييء وغلبييه‪ ,‬المحمييود فييي أقييواله‬
‫وأفعاله وشرعه‪.‬‬

‫م ك ُه ّ‬
‫ل‬ ‫مّزقْت ُه ْ‬ ‫ل ي ُن َب ّئ ُك ُه ْ‬
‫م إِ َ‬
‫ذا ُ‬ ‫م عَل َههى َر ُ‬
‫جه ٍ‬ ‫ل ن َهد ُل ّك ُ ْ‬
‫ن ك ََفهُروا هَه ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ّه ِ‬ ‫وََقا َ‬
‫ديدٍ )‪(7‬‬ ‫ج ِ‬‫ق َ‬ ‫م ل َِفي َ ْ‬‫ق إ ِن ّك ُ ْ‬
‫خل ٍ‬ ‫مّز ٍ‬‫م َ‬
‫ُ‬

‫‪841‬‬
‫وقال الذين كفروا بعضهم لبعض استهزاء‪ :‬هل ندلكم على رجل )يريييدون محميًدا صييلى‬
‫ال عليه وسلم( يخبركم أنكم إذا متم وتفرقت أجسامكم كل تفّرق‪ ,‬إنكم سُتحيون وُتبعثييون‬
‫من قبوركم؟ قالوا ذلك ِمن فرط إنكارهم‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫خَرةِ فِههي‬
‫ن ب ِههال ِ‬ ‫ن ل ي ُؤْ ِ‬
‫من ُههو َ‬ ‫ل ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ة بَ ْ‬
‫جن ّ ٌ‬ ‫ذبا ً أ ْ‬
‫م ب ِهِ ِ‬ ‫أافْت ََرى عََلى الل ّهِ ك َ ِ‬
‫ل ال ْب َِعيدِ )‪(8‬‬ ‫ضل ِ‬‫ب َوال ّ‬
‫ذا ِ‬‫ال ْعَ َ‬
‫هذا الرجل أختلق على ال كذًبا أم به جنون‪ ,‬فهو يتكلم بما ل يدري؟ ليس المر كما قييال‬
‫الكفار‪ ,‬بل محمد أصدق الصادقين‪ .‬والذين ل يصدقون بالبعث ول يعملون من أجلييه فييي‬
‫العذاب الدائم في الخرة‪ ,‬والضلل البعيد عن الصواب في الدنيا‪.‬‬

‫ن‬ ‫مهن السهماِء وال َ‬ ‫خل ْ‬ ‫أ َفَل َم يروا إَلى ما بيهن أ َ‬


‫ض إِ ْ‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مها‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬ ‫دي‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ي‬
‫َ َ َْ َ َ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْْ َ َ ْ ِ‬
‫ن فِههي‬‫ماءِ إ ِ ّ‬ ‫سه َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫سفا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫م كِ َ‬‫ط عَل َي ْهِ ْ‬
‫سِق ْ‬ ‫ض أو ْ ن ُ ْ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ف ب ِهِ ْ‬‫س ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫شأ ن َ ْ‬‫نَ َ‬
‫ب )‪(9‬‬ ‫مِني ٍ‬
‫ل عَب ْدٍ ُ‬ ‫ة ل ِك ُ ّ‬
‫ك لي َ ً‬ ‫ذ َل ِ َ‬

‫أفلم ير هؤلء الكفار الذين ل يؤمنون بالخرة عظيم قدرة ال فيما بين أيديهم وما خلفهييم‬
‫ميين السييماء والرض ممييا يبهيير العقييول‪ ,‬وأنهمييا قيد أحاطتييا بهييم؟ إن نشييأ نخسيف بهييم‬
‫الرض‪ ,‬كما فعلنا بقارون‪ ,‬أو ننزل عليهم قطًعا من العذاب‪ ,‬كما فعلنا بقييوم شييعيب‪ ,‬فقييد‬
‫أمطرت السماء عليهم ناًرا فأحرقتهم‪ .‬إن في ذلك الذي ذكرنا ميين قييدرتنا َلدلليية ظيياهرة‬
‫لكل عبد راجع إلى ربه بالتوبة‪ ,‬ومقر له بتوحيده‪ ,‬ومخلص له في العبادة‪.‬‬

‫َ‬ ‫ول ََقد آتينا داوود منا فَضل ً يا جبا ُ َ‬


‫ديهد َ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ه َوالط ّي َْر وَأل َّنا ل َ ُ‬
‫مع َ ُ‬
‫ل أوِّبي َ‬ ‫ْ َ ِ َ‬ ‫َ ْ ََْ َ ُ َ ِ ّ‬
‫)‪(10‬‬
‫ولقد آتينا داود نبوة‪ ,‬وكتاًبا وعلًما‪ ,‬وقلنا للجبييال والطيير‪ :‬سيّبحي معيه‪ ,‬وألّنييا ليه الحديييد‪,‬‬
‫فكان كالعجين يتصرف فيه كيف يشاء‪.‬‬

‫َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫صاِلحا ً إ ِّني ب ِ َ‬
‫ما ت َعْ َ‬ ‫مُلوا َ‬ ‫ت وَقَد ّْر ِفي ال ّ‬
‫سْردِ َواعْ َ‬ ‫ساب َِغا ٍ‬
‫ل َ‬‫م ْ‬
‫ن اعْ َ‬
‫أ ْ‬
‫صيٌر )‪(11‬‬ ‫بَ ِ‬
‫حَلييق الييدروع‪ ,‬فل تعمييل الحلقيية‬
‫عا تامييات واسييعات وقيّدر المسييامير فييي ِ‬
‫أن اعمل درو ً‬
‫ضُعف‪ ,‬فل تقوى الدروع على الدفاع‪ ,‬ول تجعلهيا كيبيرة فتثُقيل عليى لبسيها‪,‬‬ ‫صغيرة فَت ْ‬
‫ي شيء منها‪.‬‬ ‫واعمل يا داود أنت وأهلك بطاعة ال‪ ,‬إني بما تعملون بصير ل يخفى عل ّ‬

‫‪842‬‬
‫َ‬
‫ن ال ْ َِقط ْه ِ‬
‫ر‬ ‫سل َْنا ل َه ُ‬
‫ه عَي ْه َ‬ ‫شهٌْر وَأ َ‬ ‫حَها َ‬ ‫شهٌْر وََرَوا ُ‬ ‫ها َ‬ ‫ح غُد ُوّ َ‬ ‫ن الّري َ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬
‫وَل ِ ُ‬
‫مرِن َهها‬
‫نأ ْ‬ ‫م ع َه ْ‬ ‫ن ي َهزِغْ ِ‬
‫من ْهُه ْ‬ ‫م ْ‬‫ن َرب ّهِ وَ َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ب ِإ ِذ ْ ِ‬ ‫م ُ‬
‫ل ب َي ْ َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬
‫م ْ‬
‫ن َ‬ ‫ج ّ‬‫ن ال ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫وَ ِ‬
‫سِعيرِ )‪(12‬‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ذا ِ‬‫ن عَ َ‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن ُذِقْ ُ‬
‫خرنا لسليمان الريح تجري من أول النهار إلى انتصافه مسيرة شييهر‪ ,‬وميين منتصييف‬ ‫وس ّ‬
‫النهار إلى الليل مسيرة شهر بالسير المعتاد‪ ,‬وأسلنا له النحاس كما يسيل الماء‪ ,‬يعمييل بييه‬
‫خرنا له من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه‪ ,‬ومن يعييدل منهييم عيين أمرنييا‬
‫ما يشاء‪ ,‬وس ّ‬
‫الذي أمرناه به من طاعة سليمان نذقه من عذاب النار المستعرة‪.‬‬

‫ب وَقُه ُ‬
‫دوٍر‬ ‫وا ِ‬ ‫ن ك َههال ْ َ‬
‫ج َ‬ ‫جَفهها ٍ‬
‫ل وَ ِ‬‫ماِثي َ‬
‫ب وَت َ َ‬
‫حاِري َ‬‫م َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬
‫شاُء ِ‬‫ما ي َ َ‬
‫ه َ‬‫ن لَ ُ‬
‫مُلو َ‬‫ي َعْ َ‬
‫كوُر )‪(13‬‬ ‫ش ُ‬ ‫عَباِدي ال ّ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ِ‬‫كرا ً وَقَِلي ٌ‬
‫ش ْ‬‫داُوود َ ُ‬ ‫مُلوا آ َ‬
‫ل َ‬ ‫ت اعْ َ‬ ‫سَيا ٍ‬‫َرا ِ‬
‫صيياع‬
‫يعمل الجن لسليمان ما يشاء من مسيياجد للعبييادة‪ ,‬وصييور ميين نحيياس وزجيياج‪ ,‬وِق َ‬
‫كبيرة كالحواض التي يجتمع فيها الماء‪ ,‬وقدور ثابتات ل تتحرك من أماكنهييا لعظمهيين‪,‬‬
‫وقلنا يا آل داود‪ :‬اعملوا شكًرا ل على ما أعطاكم‪ ,‬وذلييك بطيياعته وامتثييال أمييره‪ ,‬وقليييل‬
‫من عبادي من يشكر ال كثيًرا‪ ,‬وكان داود وآله من القليل‪.‬‬

‫ض ت َأ ْك ُه ُ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫ة ال َ‬
‫داب ّه ُ‬‫مهوْت ِهِ إ ِل ّ َ‬ ‫م عَل َههى َ‬ ‫ما د َل ّهُه ْ‬
‫ت َ‬ ‫ضي َْنا عَل َي ْهِ ال ْ َ‬
‫مو ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ما ل َب ُِثوا ِفي‬ ‫خر تبينت ال ْج َ‬ ‫من َ‬
‫ب َ‬‫ن ال ْغَي ْ َ‬‫مو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْل َ ُ‬
‫ن ل َوْ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ما َ ّ َ َ ّ َ ْ‬ ‫ه فَل َ ّ‬ ‫سأت َ ُ‬‫ِ َ‬
‫ن )‪(14‬‬ ‫ْ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫مِهي ِ‬‫ب ال ُ‬ ‫ذا ِ‬
‫ضيُة تأكيل عصياه الييتي‬ ‫ل الجن علييى ميوته إل الَر َ‬ ‫فلما قضينا على سليمان بالموت ما د ّ‬
‫كان متكًئا عليها‪ ,‬فوقع سليمان على الرض‪ ,‬عند ذلك علمت الجن أنهم لو كانوا يعلمييون‬
‫ل والعمل الشاق لسليمان؛ ظنا منهم أنه من الحياء‪ .‬وفي‬ ‫الغيب ما أقاموا في العذاب المذ ّ‬
‫الية إبطال لعتقاد بعض النيياس أن الجيين يعلمييون الغيييب; إذ لييو كييانوا يعلمييون الغيييب‬
‫لعلموا وفاة سليمان عليه السلم‪ ,‬ولما أقاموا في العذاب المهين‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل ك ُل ُههوا ِ‬
‫مه ْ‬ ‫ما ٍ‬
‫شه َ‬
‫ن وَ ِ‬
‫مي ٍ‬
‫ن يَ ِ‬
‫ن عَ ْ‬‫جن َّتا ِ‬
‫ة َ‬ ‫سك َن ِهِ ْ‬
‫م آي َ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫سب َإ ٍ ِفي َ‬
‫ن لِ َ‬ ‫كا َ‬‫ل ََقد ْ َ‬
‫ب غَُفوٌر )‪(15‬‬ ‫ة وََر ّ‬ ‫ه ب َل ْد َةٌ ط َي ّب َ ٌ‬
‫شك ُُروا ل َ ُ‬
‫م َوا ْ‬‫ق َرب ّك ُ ْ‬‫رِْز ِ‬
‫لقد كان لقبيلة سبأ بي "اليمن" في مسكنهم دللة على قدرتنا‪ :‬بسييتانان عيين يميين وشيمال‪,‬‬
‫كلوا من رزق ربكم‪ ,‬واشكروا له نعمه عليكم; فإن بلييدتكم كريميية التربيية حسيينة الهييواء‪,‬‬
‫وربكم غفور لكم‪.‬‬
‫‪843‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫جن ّت َي ْه ِ‬
‫م َ‬
‫جن ّت َي ْهِه ْ‬ ‫ل ال ْعَهرِم ِ وَب َهد ّل َْناهُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫سهي ْ َ‬
‫م َ‬‫سهل َْنا عَل َي ْهِه ْ‬ ‫ضههوا فَأْر َ‬ ‫فَأعَْر ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫جَزي ْن َههاهُ ْ‬‫ك َ‬‫ل )‪ (16‬ذ َل ِه َ‬ ‫سهد ْرٍ قَِليه ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫يٍء ِ‬
‫ش ْ‬‫ل وَ َ‬ ‫ط وَأث ْ ٍ‬‫م ٍ‬ ‫خ ْ‬‫ل َ‬‫ذ ََواَتى أك ُ ٍ‬
‫جاِزي إ ِل ّ ال ْك َُفوَر )‪(17‬‬ ‫ما ك ََفُروا وَهَ ْ‬
‫ل نُ َ‬ ‫بِ َ‬
‫فأعرضوا عن أمر ال وشكره وكذبوا الرسل‪ ,‬فأرسلنا عليهم السيل الجارف الشديد الذي‬
‫ي أكييل خمييط‪ ,‬وهييو‬‫خّرب السد وأغرق البساتين‪ ,‬وبّدلناهم بجنتيهم المثمرتين جنتين ذواَت ْ‬
‫طْرفيياء ل ثميير لييه‪ ,‬وقليييل ميين شييجر‬
‫الثمر المر الكريه الطعم‪ ,‬وأْثل وهو شجر شييبيه بال ّ‬
‫الّنْبق كثير الشوك‪ .‬ذلك التبديل من خير إلى شر بسبب كفرهيم‪ ,‬وعيدم شيكرهم ِنَعيَم الي‪,‬‬
‫جحود المبالغ في الكفر‪ ,‬يجازى بفعله مثل بمثل‪.‬‬ ‫وما نعاقب بهذا العقاب الشديد إل ال َ‬

‫ن ال ُْقَرى ال ِّتي َباَرك َْنا ِفيَها قًُرى َ‬


‫ظاهَِرةً وَقَد ّْرَنا ِفيَههها‬ ‫جعَل َْنا ب َي ْن َهُ ْ‬
‫م وَب َي ْ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ن )‪(18‬‬ ‫مِني َ‬‫سيُروا ِفيَها ل ََياِلي وَأّياما ً آ ِ‬ ‫سي َْر ِ‬ ‫ال ّ‬
‫وجعلنا بين أهل "سبأ" ‪-‬وهم "باليمن"‪ -‬والقرى التي باركنييا فيهييا ‪-‬وهييي "الشييام"‪ُ -‬مييدًنا‬
‫متصلة ُيرى بعضها من بعض‪ ,‬وجعلنا السير فيها سيًرا مقيّدًرا ميين منييزل إلييى منييزل ل‬
‫ي وقت شئتم ميين ليييل أو نهييار‪ ,‬آمنييين ل‬ ‫مشقة فيه‪ ,‬وقلنا لهم‪ :‬سيروا في تلك القرى في أ ّ‬
‫شا‪.‬‬
‫عا ول عط ً‬‫تخافون عدّوا‪ ,‬ول جو ً‬

‫عد بين أ َسَفارنا وظ َل َمههوا َأنُفس ههم فَجعل ْنههاهُ َ‬


‫ث‬
‫حههاِدي َ‬
‫مأ َ‬‫ْ‬ ‫َ ُ ْ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫فََقاُلوا َرب َّنا َبا ِ ْ َ ْ َ ْ ِ َ َ‬
‫كورٍ )‪(19‬‬ ‫ش ُ‬ ‫صّبارٍ َ‬ ‫ت ل ِك ُ ّ‬
‫ل َ‬ ‫ك لَيا ٍ‬‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ق إِ ّ‬
‫مّز ٍ‬
‫م َ‬ ‫م كُ ّ‬
‫ل ُ‬ ‫مّزقَْناهُ ْ‬
‫وَ َ‬
‫فبطغيانهم مّلوا الراحة والمن ورغد العيييش‪ ,‬وقييالوا‪ :‬ربنييا اجعييل ُقرانييا متباعييدة; ليبعييد‬
‫سييفرنا بينهييا‪ ,‬فل نجييد قييرى عييامرة فييي طريقنييا‪ ,‬وظلمييوا أنفسييهم بكفرهييم فأهلكنيياهم‪,‬‬
‫وجعلناهم عبًرا وأحاديث لمن يأتي بعدهم‪ ,‬وَفّرقناهم كل تفريق وخربت بلدهم‪ ,‬إن فيمييا‬
‫حل "بسبأ" َلعبرة لكل صّبار على المكاره والشدائد‪ ,‬شكور لنعم ال تعالى‪.‬‬

‫ن )‪(20‬‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ريقا ً ِ‬
‫م ْ‬ ‫س ظ َن ّ ُ‬
‫ه َفات ّب َُعوهُ إ ِل ّ فَ ِ‬ ‫صد ّقَ عَل َي ْهِ ْ‬
‫م إ ِب ِْلي ُ‬ ‫وَل ََقد ْ َ‬
‫ولقد ظن إبليس ظًنا غير يقين أنه سيضييل بنييي آدم‪ ,‬وأنهييم سيييطيعونه فييي معصييية اليي‪,‬‬
‫فصّدق ظنه عليهم‪ ,‬فأطاعوه وعصوا ربهم إل فريًقا من المؤمنين بال‪ ,‬فإنهم ثبتييوا علييى‬
‫طاعة ال‪.‬‬

‫‪844‬‬
‫و‬
‫ن هُ َ‬
‫م ْ‬
‫م ّ‬
‫خَرةِ ِ‬
‫ن ِبال ِ‬ ‫ن ي ُؤْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬
‫م َ‬ ‫ن إ ِل ّ ل ِن َعْل َ َ‬ ‫سل ْ َ‬
‫طا ٍ‬ ‫ن ُ‬‫م ْ‬‫م ِ‬‫ه عَل َي ْهِ ْ‬‫ن لَ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫ظ )‪(21‬‬ ‫حِفي ٌ‬ ‫يٍء َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك عََلى ك ُ ّ‬‫ك وََرب ّ َ‬ ‫ش ّ‬ ‫من َْها ِفي َ‬‫ِ‬
‫وما كان لبليس على هؤلء الكفار ِمن قهر على الكفر‪ ,‬ولكن حكمة ال اقتضييت تسييويله‬
‫لبني آدم; ليظهر ما علمه سبحانه في الزل؛ لنميز َمن يصّدق بالبعث والثييواب والعقيياب‬
‫ممن هو في شك من ذلك‪ .‬وربك على كل شيء حفيظ‪ ,‬يحفظه ويجازي عليه‪.‬‬

‫ل ذ َّرةٍ فِههي‬‫مث َْقهها َ‬‫ن ِ‬ ‫ن الل ّههِ ل ي َ ْ‬


‫مل ِك ُههو َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مه ْ‬‫م ِ‬‫مت ُ ْ‬
‫ن َزعَ ْ‬ ‫عوا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل اد ْ ُ‬‫قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مهه ْ‬
‫م ِ‬‫من ْهُ ْ‬
‫ه ِ‬‫ما ل َ ُ‬‫ك وَ َ‬‫شْر ٍ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ما ِ‬‫م ِفيهِ َ‬‫ما ل َهُ ْ‬
‫ض وَ َ‬
‫ت َول ِفي الْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬‫ال ّ‬
‫ظ َِهيرٍ )‪(22‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمشركين‪ :‬ادعوا الذين زعمتموهم شركاء ل فعبدتموهم من دونه من‬
‫الصنام والملئكة والبشر‪ ,‬واقصدوهم في حوائجكم‪ ,‬فإنهم لن يجيبييوكم‪ ,‬فهييم ل يملكييون‬
‫شْركة فيهمييا‪ ,‬وليييس لي ميين‬‫وزن نملة صغيرة في السموات ول في الرض‪ ,‬وليس لهم ِ‬
‫هؤلء المشركين معين على خلق شيء‪ ,‬بل ال ‪-‬سبحانه وتعييالى‪ -‬هييو المتفييرد باليجيياد‪,‬‬
‫فهو الذي ُيْعَبُد وحده‪ ,‬ول يستحق العبادة أحد سواه‪.‬‬

‫عنده إل ّ ل ِم َ‬
‫ن قُل ُههوب ِهِ ْ‬
‫م‬ ‫ذا فُ هّزعَ عَه ْ‬
‫حت ّههى إ ِ َ‬
‫ه َ‬‫ن لَ ُ‬‫ن أذِ َ‬‫َ ْ‬ ‫ة ِ ْ َ ُ ِ‬ ‫شَفاعَ ُ‬ ‫َول َتنَفعُ ال ّ‬
‫ي ال ْك َِبيُر )‪(23‬‬‫حقّ وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ‬ ‫م َقاُلوا ال ْ َ‬‫ل َرب ّك ُ ْ‬
‫ذا َقا َ‬ ‫َقاُلوا َ‬
‫ما َ‬
‫ول تنفع شفاعة الشافع عند ال تعالى إل لمن أذن له‪ .‬ومن عظمته وجلله عز وجييل أنييه‬
‫إذا تكلم سبحانه بالوحي فسمع أهل السموات كلمه ُأرعدوا من الهيبة‪ ,‬حتى يلحقهييم مثييل‬
‫ضا‪ :‬ماذا قييال ربكييم؟ قييالت الملئكيية‪:‬‬
‫الغشي‪ ,‬فإذا زال الفزع عن قلوبهم سأل بعضهم بع ً‬
‫ي بذاته وقهره وعلّو قْدره‪ ,‬الكبير على كل شيء‪.‬‬
‫قال الحق‪ ,‬وهو العل ّ‬

‫م ل َعََلههى‬ ‫َ‬ ‫ت وال َ‬


‫ل الل ّ ُ‬
‫ه وَإ ِّنا أوْ إ ِّياك ُ ْ‬ ‫ض قُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫وا ِ َ‬
‫م َ‬
‫س َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬‫ن ي َْرُزقُك ُ ْ‬
‫م ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل َ‬
‫ن )‪(24‬‬ ‫َ‬
‫مِبي ٍ‬‫ل ُ‬‫ضل ٍ‬ ‫دى أوْ ِفي َ‬ ‫هُ ً‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للمشركين‪َ :‬من يرزقكم من السييموات بييالمطر‪ ,‬وميين الرض بالنبييات‬
‫والمعادن وغير ذلك؟ فإنهم ل بّد أن ُيِقّروا بأنه ال‪ ,‬وإن لم ُيِقّروا بذلك فقل لهييم‪ :‬ال ي هييو‬
‫ن أحد الفريقين منا ومنكم لعلى هدى متمكن منه‪ ,‬أو في ضييلل بّييين منغمييس‬ ‫الرزاق‪ ,‬وإ ّ‬
‫فيه‪.‬‬

‫‪845‬‬
‫مُلو َ‬
‫ن )‪(25‬‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫سأ َ ُ‬
‫ل عَ ّ‬ ‫مَنا َول ن ُ ْ‬
‫جَر ْ‬
‫َ‬
‫ما أ ْ‬
‫ن عَ ّ‬
‫للت َ‬
‫سأُلو َ‬
‫ُ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫قل‪ :‬ل ُتسألون عن ذنوبنا‪ ,‬ول ُنسأل عن أعمالكم; لننا بريئون منكم وِمن كفركم‪.‬‬

‫ح ال ْعَِلي ُ‬
‫م )‪(26‬‬ ‫حقّ وَهُوَ ال َْفّتا ُ‬
‫ح ب َي ْن ََنا ِبال ْ َ‬ ‫معُ ب َي ْن ََنا َرب َّنا ث ُ ّ‬
‫م ي َْفت َ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل يَ ْ‬
‫قل‪ :‬ربنا يجمع بيننا وبينكم يوم القيامة‪ ,‬ثم يقضي بيننييا بالعييدل‪ ,‬وهييو الفّتيياح الحيياكم بييين‬
‫خلقه‪ ,‬العليم بما ينبغي أن ُيْقضى به‪ ,‬وبأحوال خلقه‪ ,‬ل تخفى عليه خافية‪.‬‬

‫ل أ َروِني ال ّذي َ‬
‫م)‬
‫كيهه ُ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫ه ال ْعَ ِ‬
‫ل هُوَ الل ّ ُ‬
‫كاَء ك َل ّ ب َ ْ‬
‫شَر َ‬
‫م ب ِهِ ُ‬ ‫ن أل ْ َ‬
‫حْقت ُ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫قُ ْ ُ‬
‫‪(27‬‬
‫قل‪ :‬أروني بالحجة والدليل الذين ألحقتموهم بال وجعلتموهم شركاء له فييي العبييادة‪ ,‬هييل‬
‫خلقوا شيًئا؟ ليس المر كما وصفوا‪ ,‬بل هو المعبود بحق الذي ل شريك لييه‪ ,‬العزيييز فييي‬
‫انتقامه ممن أشرك به‪ ،‬الحكيم في أقواله وأفعاله وتدبير أمور خلقه‪.‬‬

‫سل‬ ‫ها‬
‫ه‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ر‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬‫ة ِللنههاس بشههيرا ً ونهذيرا ً ول َكهن أ َ‬
‫ً‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫نا‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫س‬ ‫ر‬ ‫وما أ َ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ن )‪(28‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫وما أرسلناك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إل للناس أجمعين مبشًرا بثواب اليي‪ ,‬ومنييذًرا عقييابه‪ ,‬ولكيين‬
‫أكثر الناس ل يعلمون الحق‪ ,‬فهم معرضون عنه‪.‬‬

‫ن )‪(29‬‬
‫صادِِقي َ‬
‫م َ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ذا ال ْوَعْد ُ إ ِ ْ‬
‫ن ُ‬ ‫مَتى هَ َ‬ ‫وَي َُقوُلو َ‬
‫ن َ‬
‫ويقول هؤلء المشركون مستهزئين‪ :‬متى هذا الوعد الذي َتِعدوننا أن يجمعنا ال فيييه‪ ,‬ثييم‬
‫يقضي بيننا‪ ,‬إن كنتم صادقين فيما تعدوننا به؟‬

‫ْ‬
‫ن )‪(30‬‬
‫مو َ‬
‫ست َْقدِ ُ‬
‫ة َول ت َ ْ‬
‫ساعَ ً‬
‫ه َ‬
‫ن عَن ْ ُ‬
‫خُرو َ‬
‫ست َأ ِ‬
‫ميَعاد ُ ي َوْم ٍ ل ت َ ْ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫قُ ْ‬
‫قييل لهييم ‪-‬أيهييا الرسييول‪ :-‬لكييم ميعيياد هييو آتيكييم ل محاليية‪ ,‬وهييو ميعيياد يييوم القياميية‪ ,‬ل‬
‫تستأخرون عنه ساعة للتوبية‪ ,‬ول تسيتقدمون سيياعًة قبلييه للعييذاب‪ .‬فاحييذروا ذلييك اليييوم‪,‬‬
‫عّدوا له عدته‪.‬‬ ‫وَأ ِ‬

‫‪846‬‬
‫ن ي َهد َي ْهِ وَل َه ْ‬
‫و‬ ‫ذي ب َي ْه َ‬ ‫ن َول ِبال ّه ِ‬ ‫ذا ال ُْق هْرآ ِ‬ ‫ن ب ِهَ َ‬ ‫ن ك ََفُروا ل َ ْ‬
‫ن ن ُؤْ ِ‬
‫م َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫وََقا َ‬
‫ض‬ ‫ض هه ُ ْ َ‬ ‫موُْقوفُههو َ‬ ‫ت ََرى إ ِذ ْ الظ ّههال ِ ُ‬
‫م إ ِلههى ب َعْه ٍ‬ ‫جهعُ ب َعْ ُ‬
‫َ‬
‫م ي َْر ِ‬ ‫عن ْهد َ َرب ّهِه ْ‬‫ن ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬
‫ن‬‫مِني َ‬ ‫م ل َك ُّنا ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ول أن ْت ُ ْ‬ ‫ست َك ْب َُروا ل َ ْ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ضعُِفوا ل ِل ّ ِ‬‫ست ُ ْ‬‫نا ْ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ي َُقو ُ‬ ‫ال َْقوْ َ‬
‫)‪(31‬‬
‫وقييال الييذين كفييروا‪ :‬ليين نص يّدق بهييذا القييرآن ول بالييذي َتَق يّدَمه ميين التييوراة والنجيييل‬
‫والزبور‪ ,‬فقد كّذبوا بجميع كتب ال‪ .‬ولييو تييرى ‪-‬أيهييا الرسييول‪ -‬إذ الظييالمون محبوسييون‬
‫عند ربهم للحساب‪ ,‬يتراجعون الكلم فيما بينهم‪ ,‬كل ُيْلقييي بالعتيياب علييى الخيير‪ ,‬لرأيييت‬
‫شيييًئا فظيعييا‪ ,‬يقييول المستضييعفون للييذين اسييتكبروا ‪-‬وهييم القييادة والرؤسيياء الضييالون‬
‫المضلون‪ :-‬لول أنتم أضللتمونا عن الهدى لكنا مؤمنين بال ورسوله‪.‬‬

‫َ‬
‫ن ال ُْهه َ‬
‫دى‬ ‫عه ْ‬ ‫صهد َد َْناك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ن َ‬
‫حه ُ‬
‫ضعُِفوا أن َ ْ‬
‫ست ُ ْ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ست َك ْب َُروا ل ِل ّ ِ‬
‫نا ْ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َقا َ‬
‫ن )‪(32‬‬ ‫مي َ‬
‫جرِ ِ‬‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م بَ ْ‬‫جاَءك ُ ْ‬‫ب َعْد َ إ ِذ ْ َ‬
‫قال الرؤساء للذين اسُتضِعفوا‪ :‬أنحن منعناكم من الهدى بعد إذ جاءكم؟ بل كنتم مجرمييين‬
‫إذ دخلتم في الكفر بإرادتكم مختارين‪.‬‬

‫ل َوالن ّهَههارِ إ ِذ ْ‬ ‫مك ْهُر الل ّي ْه ِ‬


‫ل َ‬‫سهت َك ْب َُروا ب َه ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ضعُِفوا ل ِل ّ ِ‬ ‫ست ُ ْ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫وََقا َ‬
‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مهها َرأْوا‬ ‫ة لَ ّ‬ ‫مه َ‬‫دا َ‬
‫س هّروا الن ّ َ‬‫دادا ً وَأ َ‬
‫ه أن ه َ‬ ‫ل ل َه ُ‬‫جع َ ه َ‬‫ن ن َك ُْفَر ِبالل ّهِ وَن َ ْ‬‫مُرون ََنا أ ْ‬ ‫ت َأ ُ‬
‫َ‬ ‫جعَل َْنا ال َ ْ‬
‫مهها‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬‫جهَزوْ َ‬ ‫ل يُ ْ‬ ‫ن ك ََفهُروا هَه ْ‬ ‫ق ال ّه ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ل ِفي أعْن َهها ِ‬ ‫غل َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫َ‬

‫وقال المستضعفون لرؤسائهم في الضلل‪ :‬بل تيدبيركم الشير لنييا فييي الليييل والنهييار هييو‬
‫الذي أوقعنا في التهلكة‪ ,‬فكنتم تطلبون منا أن نكفر بال‪ ,‬ونجعييل لييه شييركاء فييي العبييادة‪,‬‬
‫ل من الفريقين الحسييرة حييين رأوا العييذاب الييذي ُأعيّد لهييم‪ ,‬وجعلنييا الغلل فييي‬
‫وأسّر ُك ّ‬
‫أعناق الذين كفروا‪ ,‬ل يعاَقبون بهذا العقاب إل بسبب كفرهييم بييال وعملهييم السيييئات فييي‬
‫الدنيا‪ .‬وفي الية تحذير شديد من متابعة دعاة الضلل وأئمة الطغيان‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫س هل ْت ُ ْ‬
‫م ب ِه ِ‬ ‫مت َْرُفوهَهها إ ِن ّهها ب ِ َ‬
‫مهها أْر ِ‬ ‫ذيرٍ إ ِل ّ َقا َ‬
‫ل ُ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫سل َْنا ِفي قَْري َةٍ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ما أْر َ‬‫وَ َ‬
‫ن )‪(34‬‬ ‫كافُِرو َ‬‫َ‬

‫وما أرسلنا في قرية من رسول يدعو الى توحيد ال وإفراده بالعبادة‪ ,‬إل قال المنغمسييون‬
‫في اللذات والشهوات من أهلها‪ :‬إّنا بالذي جئتم به ‪-‬أيها الرسل‪ -‬جاحدون‪.‬‬
‫‪847‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وَقاُلوا نح َ‬
‫معَذ ِّبي َ‬
‫ن )‪(35‬‬ ‫ن بِ ُ‬
‫ح ُ‬ ‫وال ً وَأْولدا ً وَ َ‬
‫ما ن َ ْ‬ ‫ن أك ْث َُر أ ْ‬
‫م َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫وقالوا‪ :‬نحن أكثر منكم أموال وأولًدا‪ ,‬وال لم يعطنا هذه النعم إل لرضاه عنا‪ ,‬وميا نحين‬
‫بمعّذبين في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬

‫شههاُء ويْق هدر ول َك ه َ‬ ‫س ُ‬


‫ن أك ْث َهَر الن ّهها ِ‬
‫سل‬ ‫ََ ُِ َ ِ ّ‬ ‫ن يَ َ‬
‫م ْ‬
‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫ن َرّبي ي َب ْ ُ‬‫ل إِ ّ‬‫قُ ْ‬
‫ن )‪(36‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫سع الرزق فييي الييدنيا لميين يشيياء ِميين عبيياده‪ ,‬ويضيّيق‬
‫قل لهم ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬إن ربي يو ّ‬
‫على َمن يشيياء‪ ,‬ل لمحبيية ول لبغييض‪ ,‬ولكيين يفعييل ذلييك اختبيياًرا‪ ,‬ولكيين أكييثر النيياس ل‬
‫يعلمون أن ذلك اختبار لعباده؛ لنهم ل يتأملون‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مه َ‬
‫نآ َ‬‫مه ْ‬‫عن ْهد ََنا ُزل َْفههى إ ِل ّ َ‬ ‫م ب ِههال ِّتي ت َُقّرب ُك ُه ْ‬
‫م ِ‬ ‫م َول أْولد ُك ُه ْ‬ ‫وال ُك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ما أ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ُ‬
‫مل ُههوا وَهُ ه ْ‬
‫م فِههي‬ ‫مهها عَ ِ‬‫ف بِ َ‬ ‫ض هع ْ ِ‬
‫ج هَزاُء ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ل َهُ ه ْ‬‫صههاِلحا ً فَ هأوْل َئ ِ َ‬‫ل َ‬ ‫مه َ‬‫وَعَ ِ‬
‫ن )‪(37‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫تآ ِ‬ ‫ال ْغُُرَفا ِ‬
‫وليست أموالكم ول أولدكم بالتي تقربكم عندنا قربى‪ ,‬وترفع درجاتكم‪ ,‬لكن َمن آمن بال‬
‫حا فهؤلء لهم ثواب الضعف مين الحسينات‪ ,‬فالحسينة بعشير أمثالهيا إليى ميا‬
‫وعمل صال ً‬
‫يشاء ال من الزيادة‪ ,‬وهم في أعالي الجنة آمنون من العذاب والموت والحزان‪.‬‬

‫ن)‬
‫ضهُرو َ‬
‫ح َ‬
‫م ْ‬
‫ب ُ‬
‫ذا ِ‬ ‫ن أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك فِههي ال ْعَه َ‬ ‫زي َ‬
‫ج ِ‬
‫مَعا ِ‬
‫ن ِفي آَيات َِنا ُ‬
‫سعَوْ َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪(38‬‬
‫والذين يسعون في إبطال حججنا‪ ,‬ويصدون عن سبيل الي مشيياقين مغييالبين‪ ,‬هييؤلء فييي‬
‫عذاب جهنم يوم القيامة‪ ,‬تحضرهم الزبانية‪ ,‬فل يخرجون منها‪.‬‬

‫مهها‬ ‫عب َههادِهِ وَي َْقهدُِر ل َه ُ‬


‫ه وَ َ‬ ‫ن ِ‬‫مه ْ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شههاُء ِ‬ ‫مه ْ‬‫ط الهّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫سه ُ‬ ‫ن َرّبي ي َب ْ ُ‬‫ل إِ ّ‬ ‫قُ ْ‬
‫ن )‪(39‬‬ ‫يٍء فَهُوَ ي ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫خي ُْر الّرازِِقي َ‬
‫ه وَهُوَ َ‬ ‫خل ُِف ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫أنَفْقت ُ ْ‬
‫سييع الييرزق علييى َميين‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المغترين بالموال والولد‪ :‬إن ربي يو ّ‬
‫طيتييم ميين شيييء فيمييا‬
‫عَ‬
‫يشاء من عباده‪ ,‬ويضّيقه على َمن يشاء؛ لحكمة يعلمهييا‪ ,‬ومهمييا َأ ْ‬

‫‪848‬‬
‫أمركم به فهو يعوضه لكم في الدنيا بالبدل‪ ,‬وفي الخييرة بييالثواب‪ ,‬وهييو ‪-‬سييبحانه‪ -‬خييير‬
‫الرازقين‪ ,‬فاطلبوا الرزق منه وحده‪ ,‬واسَعوا في السباب التي أمركم بها‪.‬‬

‫ن‬ ‫م ك َههاُنوا ي َعْب ُه ُ‬


‫دو َ‬ ‫ملئ ِك َةِ أ َهَ ُ‬
‫ؤلِء إ ِّياك ُ ْ‬ ‫ل ل ِل ْ َ‬ ‫ميعا ً ث ُ ّ‬
‫م ي َُقو ُ‬ ‫ج ِ‬
‫م َ‬ ‫ح ُ‬
‫شُرهُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬
‫وَي َوْ َ‬
‫)‪(40‬‬
‫واذكر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬يوم يحشر ال المشركين والمعبييودين ميين دونييه مين الملئكيية‪ ,‬ثييم‬
‫يقول للملئكة على وجه التوبيخ لمن عبدهم‪ :‬أهؤلء إياكم كانوا يعبدون ِمن دوننا؟‬

‫م‬ ‫ن أ َك ْث َُر ُ‬
‫ههه ْ‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫جهه ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ل َ‬
‫كاُنوا ي َعْب ُ ُ‬ ‫م بَ ْ‬
‫دون ِهِ ْ‬
‫ن ُ‬
‫م ْ‬
‫ت وَل ِي َّنا ِ‬
‫َقاُلوا سبحان َ َ‬
‫ك أن ْ َ‬ ‫ُ ْ َ َ‬
‫ن )‪(41‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬
‫ب ِهِ ْ‬
‫قالت الملئكة‪ :‬ننزهك يا أل عن أن يكون لك شريك في العبادة‪ ,‬أنت ولّينييا الييذي نطيعييه‬
‫ونعبده وحده‪ ,‬بل كان هؤلء يعبدون الشياطين‪ ,‬أكثرهم بهم مصدقون ومطيعون‪.‬‬

‫ن ظ َل َ ُ‬
‫مهوا‬ ‫ل ل ِّله ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ضهّرا ً وَن َُقهو ُ‬
‫ض ن َْفعها ً َول َ‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضك ُ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫ك ب َعْ ُ‬ ‫م ل يَ ْ‬ ‫َفال ْي َوْ َ‬
‫ن )‪(42‬‬ ‫م ب َِها ت ُك َذ ُّبو َ‬ ‫ب الّنارِ ال ِّتي ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬‫ذوُقوا عَ َ‬ ‫ُ‬
‫ففي يوم الحشر ل يملك المعبودون للعابدين نفًعا ول ضّرا‪ ,‬ونقول للييذين ظلمييوا أنفسييهم‬
‫بالشرك والمعاصي‪ :‬ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون‪.‬‬

‫َ‬
‫صهد ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن يَ ُ‬
‫ريهد ُ أ ْ‬ ‫جه ٌ‬
‫ل يُ ِ‬ ‫ذا إ ِل ّ َر ُ‬
‫ما هَ َ‬ ‫ت َقاُلوا َ‬ ‫ذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬
‫م آَيات َُنا ب َي َّنا ٍ‬ ‫وَإ ِ َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ل ال ّه ِ‬
‫مْفت َهًرى وَقَهها َ‬
‫ك ُ‬‫ذا إ ِل ّ إ ِفْه ٌ‬
‫مهها هَه َ‬‫م وَقَههاُلوا َ‬ ‫ن ي َعْب ُد ُ آب َههاؤُك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫عَ ّ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬‫ذا إ ِل ّ ِ‬
‫ن هَ َ‬‫م إِ ْ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حقّ ل َ ّ‬ ‫ك ََفُروا ل ِل ْ َ‬
‫وإذا تتلى على كفيار "مكية" آييات الي واضيحات قيالوا‪ :‬ميا محميد إل رجيل يرغيب أن‬
‫يمنعكم عن عبادة اللهة التي كان يعبدها آباؤكم‪ ,‬وقالوا‪ :‬ما هذا القرآن الييذي تتلييوه علينييا‬
‫ت به من عند نفسك‪ ,‬وليس ِمن عند ال‪ ,‬وقال الكفييار عيين‬ ‫‪-‬يا محمد‪ -‬إل كذب مختلق‪ ,‬جئ َ‬
‫القرآن لما جاءهم‪ :‬ما هذا إل سحر واضح‪.‬‬

‫م قَب ْل َه َ‬ ‫َ‬
‫ذيرٍ )‬
‫ن ن َه ِ‬
‫مه ْ‬
‫ك ِ‬ ‫سل َْنا إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫ما أْر َ‬
‫سون ََها وَ َ‬ ‫ن ك ُت ُ ٍ‬
‫ب ي َد ُْر ُ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ما آت َي َْناهُ ْ‬
‫وَ َ‬
‫‪(44‬‬

‫‪849‬‬
‫وما أنزلنا على الكفار ِمن ُكُتب يقرؤونها قبل القرآن فتدلهم على ما يزعمييون ميين أن مييا‬
‫جاءهم به محمد سحر‪ ,‬وما أرسلنا إليهم قبلك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬من رسول ينذرهم بأسنا‪.‬‬

‫م فَك َهذ ُّبوا ُر ُ‬


‫س هِلي‬ ‫ما آت َي َْناهُ ْ‬
‫شاَر َ‬ ‫ما ب َل َُغوا ِ‬
‫مع ْ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ب ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫وَك َذ ّ َ‬
‫كيرِ )‪(45‬‬ ‫ن نَ ِ‬‫كا َ‬‫ف َ‬‫فَك َي ْ َ‬
‫عشَر ما آتينا المم السابقة‬
‫وكّذب الذين من قبلهم كعاد وثمود رسلنا‪ ,‬وما بلغ أهل "مكة" ُ‬
‫من القوة‪ ,‬وكثرة المال‪ ,‬وطول العمر وغير ذلك من النعم‪ ,‬فكذبوا رسلي فيما جاؤوهم به‬
‫فأهلكناهم‪ ,‬فانظر ‪-‬أيها الرسول‪ -‬كيف كان إنكاري عليهم وعقوبتي إياهم؟‬

‫َ‬ ‫ما أ َ ِ‬
‫م ت َت ََفك ُّروا َ‬
‫ما‬ ‫موا ل ِل ّهِ َ‬
‫مث َْنى وَفَُراَدى ث ُ ّ‬ ‫ن ت َُقو ُ‬ ‫حد َةٍ أ ْ‬
‫وا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عظ ُك ُ ْ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫قُ ْ‬
‫ديدٍ )‪(46‬‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ن ي َد َيْ عَ َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫ذيٌر ل َك ُ ْ‬
‫م ب َي ْ َ‬ ‫ن هُوَ إ ِل ّ ن َ ِ‬‫جن ّةٍ إ ِ ْ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫حب ِك ُ ْ‬ ‫صا ِ‬‫بِ َ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لهؤلء المكذبين المعاندين‪ :‬إنما أنصح لكم بخصلة واحدة أن تنهضييوا‬
‫في طاعة ال اثنين اثنين وواحًدا واحًدا‪ ,‬ثم تتفكروا في حال صيياحبكم رسييول الي صييلى‬
‫ال عليه وسلم وفيما نسب إليه‪ ,‬فما به مين جنيون‪ ,‬وميا هيو إل مخيّوف لكيم‪ ,‬ونيذير مين‬
‫عذاب جهنم قبل أن تقاسوا حرها‪.‬‬

‫ري إ ِل ّ عََلى الل ّههِ وَهُهوَ عَل َههى‬ ‫ل ما سأ َل ْتك ُم من أ َجر فَهو ل َك ُم إن أ َ‬
‫ِ‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫قُ ْ َ َ ُ ْ ِ ْ ْ ٍ ُ َ‬
‫يٍء َ‬
‫شِهيد ٌ )‪(47‬‬ ‫ل َ‬
‫ش ْ‬ ‫كُ ّ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬للكفار‪ :‬ما سألتكم على الخير الييذي جئتكييم بييه مين أجيير فهييو لكييم‪ ,‬مييا‬
‫طِلع على أعمالي وأعمالكم‪ ,‬ل يخفى عليه شيييء فهييو‬ ‫أجري الذي أنتظره إل على ال الم ّ‬
‫ل بما يستحقه‪.‬‬
‫يجازي الجميع‪ ,‬ك ّ‬

‫م ال ْغُُيو ِ‬
‫ب )‪(48‬‬ ‫ف ِبال ْ َ‬
‫حقّ عَل ّ ُ‬ ‫ن َرّبي ي َْقذِ ُ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل إِ ّ‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ -‬لمن أنكر التوحيد ورسالة السلم‪ :‬إن ربي يقذف الباطييل بحجييج ميين‬
‫الحق‪ ,‬فيفضحه ويهلكيه‪ ,‬والي علم الغيييوب‪ ,‬ل يخفيى علييه شييء فيي الرض ول فيي‬
‫السماء‪.‬‬

‫ما ي ُِعيد ُ )‪(49‬‬ ‫ما ي ُب ْدِئُ ال َْباط ِ ُ‬


‫ل وَ َ‬ ‫جاَء ال ْ َ‬
‫حقّ وَ َ‬ ‫قُ ْ‬
‫ل َ‬

‫‪850‬‬
‫قل ‪-‬أيها الرسول‪ :-‬جههاء الحههق والشههرع العظيههم مههن اللههه‪ ,‬وذهههب‬
‫ل سلطانه‪ ,‬فلم يبق للباطل شيء يبدؤه ويعيده‪.‬‬ ‫الباطل واضمح ّ‬

‫َ‬
‫حي إ َِلهه ّ‬
‫ي‬ ‫ت فَب ِ َ‬
‫ما ُيو ِ‬ ‫ن اهْت َد َي ْ ُ‬ ‫ل عََلى ن َْف ِ‬
‫سي وَإ ِ ْ‬ ‫ض ّ‬
‫ما أ ِ‬ ‫ضل َل ْ ُ‬
‫ت فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن َ‬‫ل إِ ْ‬ ‫قُ ْ‬
‫ب )‪(50‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫ميعٌ قَ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬‫َرّبي إ ِن ّ ُ‬
‫مْلت عن الحههق فههإثم ضههللي علههى نفسههي‪ ,‬وإن اسههتقمت‬ ‫قل‪ :‬إن ِ‬
‫ي‪ ,‬إن ربههي سههميع لمهها أقههول لكههم‪,‬‬
‫عليه فبوحي الله الذي يوحيه إل ّ‬
‫قريب ممن دعاه وسأله‪.‬‬

‫ب )‪(51‬‬ ‫ن قَ ِ‬
‫ري ٍ‬ ‫م َ‬
‫كا ٍ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ذوا ِ‬ ‫ت وَأ ُ ِ‬
‫خ ُ‬ ‫وَل َوْ ت ََرى إ ِذ ْ فَزِ ُ‬
‫عوا َفل فَوْ َ‬
‫ولو ترى ‪-‬أيها الرسول‪ -‬إذ فَزِع َ الكفههار حيههن معههاينتهم عههذاب اللههه‪,‬‬
‫ما‪ ,‬فل نجاة لهم ول مهرب‪ ,‬وُأخذوا إلههى النههار مههن‬ ‫لرأيت أمًرا عظي ً‬
‫موضع قريب التناول‪.‬‬

‫َ‬
‫ن ب َِعيدٍ )‪(52‬‬ ‫م َ‬
‫كا ٍ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ش ِ‬ ‫مّنا ب ِهِ وَأّنى ل َهُ ْ‬
‫م الت َّناوُ ُ‬ ‫وََقاُلوا آ َ‬
‫وقههال الكفههار ‪-‬عنههدما رأوا العههذاب فههي الخههرة‪ :-‬آمنهها بههالله وكتبههه‬
‫ورسله‪ ,‬وكيف لهم تناول اليمان في الخرة ووصولهم له من مكان‬
‫بعيد؟ قد حيل بينهم وبينه‪ ,‬فمكانه الدنيا‪ ,‬وقد كفروا فيها‪.‬‬

‫ن ب َِعيدٍ )‪(53‬‬ ‫م َ‬
‫كا ٍ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِبال ْغَي ْ ِ‬
‫ب ِ‬ ‫ل وَي َْقذُِفو َ‬
‫ن قَب ْ ُ‬ ‫وَقَد ْ ك ََفُروا ب ِهِ ِ‬
‫م ْ‬
‫وقد كفروا بالحق في الدنيا‪ ,‬وكههذبوا الرسههل‪ ,‬ويرمههون بههالظن مههن‬
‫جهة بعيدة عن إصابة الحق‪ ,‬ليس لهم فيها مستند لظنهههم الباطههل‪,‬‬
‫فل سبيل لصابتهم الحق‪ ,‬كما ل سبيل للرامي إلههى إصههابة الغههرض‬
‫من مكان بعيد‪.‬‬

‫م‬ ‫ن قَب ْه ُ‬
‫ل إ ِن ّهُه ْ‬ ‫مه ْ‬
‫م ِ‬
‫عه ِ ْ‬ ‫ل ب ِأ َ ْ‬
‫شهَيا ِ‬ ‫ن كَ َ‬
‫مهها فُعِه َ‬ ‫ما ي َ ْ‬
‫شت َُهو َ‬ ‫ن َ‬‫م وَب َي ْ َ‬ ‫حي َ‬
‫ل ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ب )‪(54‬‬ ‫ري ٍ‬
‫م ِ‬‫ك ُ‬ ‫ش ّ‬‫كاُنوا ِفي َ‬ ‫َ‬

‫وحيل بين الكفار وما يشتهون من التوبة والعودة إلى الدنيا ليؤمنوا‪,‬‬
‫‪851‬‬
‫كما فعل الله بأمثالهم مههن كفههرة المههم السههابقة‪ ,‬إنهههم كههانوا فههي‬
‫دث للريبههة‬‫حه ِ‬
‫م ْ‬
‫ك من أمر الرسههل والبعههث والحسههاب‪ُ ,‬‬ ‫ش ّ‬
‫الدنيا في َ‬
‫والقلق‪ ,‬فلذلك لم يؤمنوا‪.‬‬

‫‪ -35‬سورة فاطر‬

‫سهل ً ُأول ِههي‬


‫ملئ ِك َهةِ ُر ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫عه ِ‬‫جا ِ‬‫ض َ‬ ‫َ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫مهد ُ ل ِل ّههِ فَههاط ِرِ ال ّ‬
‫سه َ‬ ‫ح ْ‬‫ال ْ َ‬
‫ه عََلى ُ‬ ‫َ‬
‫كهه ّ‬
‫ل‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫شاُء إ ِ ّ‬ ‫ما ي َ َ‬
‫ق َ‬ ‫زيد ُ ِفي ال ْ َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫مث َْنى وَُثل َ‬
‫ث وَُرَباعَ ي َ ِ‬ ‫حة ٍ َ‬‫جن ِ َ‬‫أ ْ‬
‫ديٌر )‪(1‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫الثناء على الله بصفاته التي كّلها أوصههاف كمههال‪ ،‬وبنعمههه الظههاهرة‬
‫والباطنههة‪ ،‬الدينيههة والدنيويههة‪ ،‬خههالق السههموات والرض ومبههدعهما‪,‬‬
‫من يشاء من عباده‪ ,‬وفيما شاء من أمههره‬ ‫جاعل الملئكة رسل إلى َ‬
‫من عظيم قدرة الله أن جعل الملئكة أصحاب أجنحة مثنى‬ ‫ونهيه‪ ,‬و ِ‬
‫وثلث ورباع تطير بها؛ لتبليغ ما أمر الله به‪ ,‬يزيد الله في خلقههه مهها‬
‫يشاء‪ .‬إن الله على كل شيء قدير‪ ,‬ل يستعصي عليه شيء‪.‬‬

‫سه ْ‬
‫ك َفل‬ ‫م ِ‬ ‫ك ل َهَهها وَ َ‬
‫مها ي ُ ْ‬ ‫سه َ‬
‫م ِ‬ ‫مهةٍ َفل ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬ ‫مه ْ‬‫س ِ‬‫ه ِللن ّهها ِ‬‫ح الّله ُ‬‫مها ي َْفَته ْ‬
‫َ‬
‫م )‪(2‬‬‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫ْ‬
‫زيُز ال َ‬ ‫ْ‬
‫ن ب َعْدِهِ وَهُوَ العَ ِ‬‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫َ‬
‫لل ُ‬ ‫س َ‬ ‫مْر ِ‬‫ُ‬
‫ما يفتح الله للناس من رزق ومطههر وصههحة وعلههم وغيههر ذلههك مههن‬
‫النعم‪ ,‬فل أحد يقدر أن يمسك هههذه الرحمههة‪ ,‬ومهها يمسههك منههها فل‬
‫أحد يستطيع أن يرسلها بعده سبحانه وتعههالى‪ .‬وهههو العزيههز القههاهر‬
‫لكل شيء‪ ,‬الحكيم الذي يرسل الرحمة ويمسكها وَْفق حكمته‪.‬‬

‫ق غَي ْهُر الل ّههِ‬


‫خههال ِ ٍ‬
‫ن َ‬‫مه ْ‬ ‫ل ِ‬‫م هَ ه ْ‬ ‫ة الل ّههِ عَل َي ْك ُه ْ‬ ‫س اذ ْك ُهُروا ن ِعْ َ‬
‫مه َ‬ ‫ُ‬ ‫َيا أ َي َّها الّنا‬
‫ن )‪(3‬‬ ‫كو َ‬‫ه إ ِل ّ هُوَ فَأ َّنى ت ُؤْفَ ُ‬ ‫ض ل إ ِل َ َ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫من السماِء وال َ‬
‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫م ِ ْ‬ ‫ي َْرُزقُك ُ ْ‬
‫ِ‬
‫يهها أيههها النههاس اذكههروا نعمههة اللههه عليكههم بقلههوبكم وألسههنتكم‬
‫وجوارحكم‪ ,‬فل خالق لكم غير اللههه يرزقكههم مههن السههماء بههالمطر‪,‬‬
‫ومن الرض بالماء والمعادن وغير ذلك‪ .‬ل إله إل هو وحده ل شريك‬

‫‪852‬‬
‫صَرفون عن توحيده وعبادته؟‬
‫له‪ ,‬فكيف ت ُ ْ‬

‫ُ‬ ‫ك وَإ َِلى الل ّهِ ت ُْر َ‬


‫موُر )‪(4‬‬
‫جعُ ال ُ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫س ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫ك فََقد ْ ك ُذ ّب َ ْ‬
‫ت ُر ُ‬ ‫ن ي ُك َذ ُّبو َ‬
‫وَإ ِ ْ‬
‫وإن يكذبك قومك ‪-‬أيها الرسول‪ -‬فقد ُكّذب رسل ِمن قبلك‪ ,‬وإلييى الي تصييير المييور فييي‬
‫الخرة‪ ,‬فيجازي كل بما يستحق‪ .‬وفي هذا تسلية للرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫َ‬
‫حَياةُ ال هد ّن َْيا َول ي َغُّرن ّك ُه ْ‬
‫م‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حقّ َفل ت َغُّرن ّك ُ ْ‬ ‫ن وَعْد َ الل ّهِ َ‬ ‫س إِ ّ‬
‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫عو‬‫مهها ي َهد ْ ُ‬‫ذوهُ عَهد ُوّا ً إ ِن ّ َ‬
‫خه ُ‬‫م عَهد ُوّ َفات ّ ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫طا َ‬‫شي ْ َ‬‫ن ال ّ‬ ‫ِبالل ّهِ ال ْغَُروُر )‪ (5‬إ ِ ّ‬
‫كونوا م َ‬
‫سِعيرِ )‪(6‬‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا ِ‬‫ص َ‬‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ه ل ِي َ ُ ُ‬
‫حْزب َ ُ‬
‫ِ‬
‫يا أيها الناس إن و

You might also like