You are on page 1of 17

‫منذ مطلع القرن التاسع عشر والوطن اإلسالمي يواجه التحدي الغربي الحديث‪ ..

‬التحدي الذي افرزته‬


‫الثورة الصناعية الربجوازية والحقد الصليبي القديم وكانت الحملة الفرنسية تشكل طالئعه األوىل‪.‬‬
‫لقد أسقط هذا التحدي نظامنا السياسي املتمثل يف الخالفة واحتل أرضنا واستمر يف غزونا أخالقياً‬
‫وفكرياً طارحاً بدائله العلمانية الهزيلة‪ ..‬وقبل أكثر من ثالثني عاماً حقق هذا التحدي أخطر مهماته‬
‫حني أفرز الدولة العربية يف القلب من الوطن اإلسالمي وعلى الجانب اآلخر أوصل عمالءه وتالمذته إىل‬
‫السلطة التي اغتصبها‪.‬‬

‫وتشكل هذا من خالل منظومة جدلية خبيثة‪ ..‬فتكريس التحدي ال يتم إال بقيام إسرائيل وقيام األخرية‬
‫يستدعي إسقاط الخالفة واستمرارها يستدعي أن تكون أنظمة الحكم يف الوطن اإلسالمي عميلة‬
‫لالستعمار وتابعة له‪ ،‬فهي إفرازه الطبيعي واملنطقي وهي وجه العملة اآلخر عندما تكون إسرائيل‬
‫وجه العملة األول‪.‬‬

‫هكذا بدأت األمور وحتى سنوات قليلة مضت كان التحدي الغربي يظن أنه يوجه ضرباته النهائية‪..‬‬
‫القاتلة للحضارة اإلسالمية املنهارة(!) حتى وجهت الثورة اإلسالمية يف إيران أول سهامها للغرب وحققت‬
‫أول انتصار لإلسالم يف العصر الحديث‪ .‬لقد عادت الحياة إىل هذا الجسد الذي ظنوه قد أصبح جثة‬
‫هامدة‪ ..‬فها هو يستفيق من جديد وينهض رائعاً وفتياً‪ ..‬ومن أين؟ من حيث كان تأثريهم الشيطاني‬
‫أشد وأقوى وأشرس ما يكون‪ ..‬لقد اكتشفنا ذاتنا وها نحن ننهض بعد قرنني من املهانة والذل وبعد‬
‫قرون من التخلف والجهل‪.‬‬

‫ها هي الثورة اإلسالمية تتقدم لرتسم مفاهيم عدة منها‪:‬‬


‫‪ )1‬أسقطت من أذهان الجميع ـ خاصة مسلمي ومستضعفي العالم ـ ذلك الرعب من الدول والقوى‬
‫الكربى‪.‬‬
‫‪ )2‬قدمت نموذجاً ونمطاً حضارياً جديداً للبشرية بعد أن وضعت النمط الغربي يف قفص االتهام‪ .‬يقول‬
‫املفكر الفرنسي الشهري روجيه جارودي «لقد وضع الخميني نمط النمو يف الغرب يف قفص االتهام» ثم‬
‫يقول «الخميني أعطى حياة اإليرانيني معنى»‪.‬‬
‫‪ )3‬أكدت على الدور التاريخي الذي سيلعبه اإلسالم الثوري يف حياة شعوب املنطقة بعد أكثر من قرن‬
‫من محاولة إزاحة اإلسالم عن السلطة والتأثري‪.‬‬

‫ولكن هل يرتك الغرب وعمالؤه الثورة لتمضي يف طريقها‪ ..‬تتصدى له وتكسر شوكته؟ هل سيسكتون‬
‫عن الفرحة التي سكنت األمة وكأنها الغيث الذي يصيب األرض الجدباء بعد طول انتظار؟ وهل يسمحون‬
‫لهذا الشوق اإلسالمي الذي فجرته الثورة أن يأخذ مداه؟‬

‫لقد هالتهم انتفاضة هذا الشعب املسلم وثورته املستحيلة فحاولوا جاهدين أن يحولوا بني اإلسالميني‬
‫الثوريني وبني وصولهم للسلطة‪ ،‬وعندما فشلوا تحركوا على عدة محاور مختلفة ومتشابكة‪ ،‬منها‪-:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ )1‬بدأوا يف إثارة األقليات املختلفة مستغلني ما أسموه مرحلة الفوضى التي تمر بها الثورة‪.‬‬
‫‪ )2‬دعم املجموعات اإليرانية املعارضة‪ ..‬سواء الشراذم امللكية والسافاكية أم بعض التنظيمات‬
‫العلمانية التي حملت السالح ملحاربة الثورة‪.‬‬
‫‪ )3‬الحصار االقتصادي والسياسي الذي تزعمته أمريكا وأوروبا الغربية وبرز بوضوح أثناء أزمة‬
‫الجواسيس الرهائن‪.‬‬
‫‪ )4‬شن الغزو الخارجي عن طريق استخدام صدام حسني والجيش العراقي املغلوب على أمره‪.‬‬
‫‪ )5‬إثارة الفتنة بني جناحي األمة املسلمة ـ السنة والشيعة ـ يف محاولة أخرية ملحاصرة املد الثوري‬
‫ومنع تأثريه من الوصول إىل املناطق السنية سواء الغنية بالبرتول أم تلك التي تواجه إسرائيل‪.‬‬

‫واستمرت املؤامرات‪ ..‬يف حني تم سحق تمرد األقليات بحزم وتم القضاء على شراذم امللكيني وفلول‬
‫املعارضة العلمانية ويف حني واجهت الثورة الحصار إىل الحد الذي يستبشر اإلمام به خرياً ويقول‬
‫للطلبة السائرين على نهجه «إننا لم ننهض للثورة من أجل أن نمأل بطوننا»‪ .‬ولهذا فإنهم لن يستطيعوا‬
‫أن يسكتونا عندما يهددون بفرض املجاعة علينا‪ .‬لقد نهضنا من أجل اإلسالم كما فعل محمد (صلى‬
‫اهلل عليه وسلم) يف صدر الحركة األوىل‪ .‬ولم نعان شيئاً باملقارنة بما عاناه وواجهه الرسول (صلى اهلل‬
‫عليه وسلم) ثم يقول‪( :‬طاملا أنكم لستم معزولني فإن أدمغتكم لن تعمل)‪.‬‬

‫أما الغزو الخارجي فقد ارتد إىل صد منفذيه أملاً وحسرة وهزيمة ساحقة‪ .‬لكن البد من االعرتاف أنه‬
‫رغم كل هذا‪ ،‬فإن املحور الخامس للمؤامرة املتمثل يف إثارة الفتنة بني السنة والشيعة قد حقق بعض‬
‫النجاح وإن كان إىل حني ‪ ،‬ألن األمة ستدرك سريعاً أي شيطان هذا الذي ينفخ يف نار الفتنة‪ ،‬وستدرك‬
‫أنها مفتعلة وأن االستعمار يريد عزل الشعوب املسلمة بحيث تواجه جالديها يف النهاية منفردة‪.‬‬

‫لقد بدأ بعضهم يشن حملة مشبوهة ومفاجئة ضد الثورة اإلسالمية التي اكتشفوا أخرياً أنها (ثورة‬
‫شيعية) وأن (الشيعة فرقة ضالة أو كافرة) وأن آية اهلل الخميني الذي قالوا أنه هز العروش وهو يجلس‬
‫فوق سجادته أصبح ايضاً (ضا ً‬
‫ال كافراً) (!) وبدأ يتكرر أمامنا مشهد الشاب املسلم (!) الذي يحمل كتاباً‬
‫سعودياً مليئاً باملغالطات واالفرتاءات‪ .‬يحمله من مسجد إىل مسجد يشرحه للناس ويبشر بما به من‬
‫أضاليل‪ ..‬أدرك أن بعض هؤالء الشباب يتحرك بحسن نية متوهماً أنه يعمل هلل تماماً كما أُدرك أن‬
‫الطريق إىل جهنم مليء بمثل هذه النوايا الحسنة‪ ..‬فمتى يكتشف هؤالء الشباب أنهم وبحسن نية‬
‫ينفذون مخططاً استعمارياً وأن عليهم أن ينقذوا أنفسهم قبل فوات األوان‪.‬‬

‫إن موقف بعض اإلسالميني املعادي للثورة يفرض على األمة أن تقف منهم موقف الشك والريبة‪ ..‬من‬
‫منطلقاتهم‪ ،‬من دوافعهم ومن أعراضهم‪.‬‬
‫بل إن موقفهم الغريب هذا يضع الحركة اإلسالمية أمام مأزق خطري لم تتعرض له من قبل ألن أداء‬
‫الثورة داخل صفوف الحركة اإلسالمية يفقدهم مربر وجودهم وليس أمام الحركة الحقيقية إال أن‬
‫تلفظهم إن آجالً أم عاجالً‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫إن الذين يريدون أن يقتلوا النموذج اإليراني الفذ داخل الشخصية املسلمة ويف هذا الوطن املحتل‬
‫بالذات لن يقتلوا إال أنفسهم ‪ ،‬فهم يقفون أمام حركة التاريخ املتقدم ويتصدون لثورة إسالمية يقودها‬
‫إمام هو (فخر لإلسالم واملسلمني) كما جاء يف أحد بيانات التنظيم الدولي لإلخوان املسلمني‪.‬‬

‫وال أدري إن كان غريباً أم ال ما حدثني به أحد الشباب املسلم الذي زار أكثر من بلد إسالمي فلم يجد‬
‫أبشع من هذا الهجوم الذي يشنه بعض (اإلسالميني) يف هذا الوطن املحتل ضد الثورة‪ ،‬يف حني أنه لم‬
‫يجد شعباً اكثر ترحيباً وحماساً للثورة من الشعب الفلسطيني‪.‬‬

‫بعد هذه املقدمة فإنني أسعى يف هذا البحث القصري إىل أن أضع أمام املسلمني بشكل عام وقواعد‬
‫الحركة اإلسالمية بشكل خاص‪ ،‬بعض الحقائق املهمة‪ .‬لن أحاول أن اجتهد يف رأيي ألقول إن الشيعة‬
‫والسنة إخوة يف اإلسالم فرقتهم اجتهادات يف فهم الكتاب والسنة ال تمس إخوتهم وال تخرج أحدهما‬
‫يف نظر اآلخر عن ملة اإلسالم‪ .‬لن أحاول أن أسوق األدلة الشرعية التي ال تنتهي على صدق هذه‬
‫املقولة الواضحة األكيدة فهذا مجال بحث آخر أصبحنا نضطر إليه يف هذا الزمن الذي عم فيه الجهل‬
‫والتعصب الحزبي املقيت‪ ..‬ولكني سأتناول املوضوع من زاوية أخرى مكملة وهي محاولة سرد مواقف‬
‫وآراء لقادة ومفكرين وزعماء مسلمني تجمع الحركات اإلسالمية على إمامة الكثري منهم‪.‬‬

‫إنني أفهم جيداً أن موقف بعض قواعد الحركة اإلسالمية املعادي للثورة واملثري للضجة املفتعلة حول‬
‫السنة والشيعة ليس موقفاً جذرياً أصيالً ولكنه موقف طارئ فرضه آخرون(!) على هذا الشباب املخلص‬
‫الطاهر بعد أن وضعوه يف دوامة الشك واليأس وهو يكتشف أخرياً أن الثورة التي أوقدت آماله وأشعلتها‬
‫ليست ثورة إسالمية ولكنها شيعية وأن الشيعة (كفار)‪ ..‬وهذا هو محب الدين الخطيب صاحب الكتاب‬
‫السعودي سيئ السمعة الذي أعيدت طباعته مرة أخرى يف هذا الوطن (‪ 5000‬نسخة!!!) ها هو يورد‬
‫الدليل تلو الدليل على كفرهم وضاللهم وخروجهم عن اإلسالم ‪( :‬إن لهم قرآناً غري الذي بني أيدينا) وغري‬
‫ذلك من األضاليل والرتهات‪.‬‬

‫إن السيد الخطيب‪ ،‬الذي ينشر البعض أفكاره املغلوطة الضالة املضلة يف حني يتناسون أفكاره املضادة‬
‫إلسالميني أعالم يف حركاتهم‪ ..‬هو الذي حارب دولة الخالفة اإلسالمية فعمل مع إحدى الحركات‬
‫القومية ـ طالئع الشباب العربي ـ وعندما انكشف أمره أثناء وجوده يف اآلستانه للتعليم عام ‪1905‬‬
‫فر إىل اليمن وعندما أعلن الشريف حسني الثورة العربية التحق بها ثم حكمت عليه دولة الخالفة‬
‫باإلعدام‪ .‬ولم يعد إىل دمشق إال بعد هزيمة األتراك ودخول الجيش العربي (!) إىل دمشق فتوىل إدارة‬
‫أول جريدة عربية فيها (العاصمة)‪.‬‬

‫نعود اآلن ملحاولة استعراض مواقف وآراء الحركات اإلسالمية واملفكرين اإلسالميني من هذه الفتنة‬
‫الحرام والضجة املفتعلة املؤسفة‪.‬‬

‫اإلمام الشهيد حسن البنا‪ ..‬رائد الحركة اإلسالمية املعاصرة هو واحد من الرواد الذين عايشوا فكرة‬

‫‪3‬‬
‫التقريب بني الشيعة والسنة فكان من املساهمني يف أعمال (جماعة التقريب بني املذاهب اإلسالمية)‬
‫التي ظن البعض أنها مستحيلة‪ ،‬وظن البنا وثلة من رجال اإلسالم ومشايخه العظام أنها ممكنة قريبة‬
‫واتفقوا أن يلتقي املسلمون جميعاً (سنيهم وشيعيهم) حول العقائد واألصول املتفق عليها وأن يعذر‬
‫بعضهم بعضاً فيما وراء ذلك من أمور ال تكون شرطا من شروط اإليمان وال ركناً من أركان الدين وال‬
‫إنكاراً ملا هو معلوم من الدين بالضرورة‪.‬‬

‫ويقول عبد الكريم الشريازي يف كتاب الوحدة اإلسالمية ـ وهو عبارة عن مقاالت لعلماء من الشيعة‬
‫والسنة قد نشرت يف مجلة رسالة اإلسالم التي كان يصدرها األزهر ـ يقول األستاذ الشريازي عن‬
‫جماعة التقريب ص‪ :7‬لقد اتفقوا على أن املسلم هو من يعتقد باهلل رباً وبمحمد نبياً ورسو ً‬
‫ال ال نبي وال‬
‫رسول بعده‪ ،‬وبالقرآن كتاباً وبالكعبة قبلة وبيتاً ومحجوبا وباألركان الخمسة املعروفة وباإليمان بالبعث‬
‫وبالعلم بما هو ضروري يف الدين‪ ..‬وكانت هذه األركان ـ التي ذكرنا على سبيل الحصر ـ هي موضع اتفاق‬
‫بني املجتمعني من ممثلي السنة بمذاهبهم األربعة املعروفة وبني ممثلي الشيعة بمذهبيها اإلمامية‬
‫والزيدية‪ .‬وقد شارك يف هذه الجماعة شيخ األزهر واملرجع األعلى لالفتاء وقتها اإلمام األكرب عبد‬
‫املجيد سليم واالمام مصطفى عبد الرزاق والشيخ شلتوت‪.‬‬

‫وليس أمامنا معلومات دقيقة عن الدور الخاص الذي قام به اإلمام الشهيد يف هذا الشأن ولكن أحد‬
‫مفكري اإلخوان املسلمني ـ األستاذ سالم البهنساوي ـ يقول يف كتابه (السنة املفرتى عليها) ص ‪57‬‬
‫(منذ أن تكونت جماعة التقريب بني املذاهب اإلسالمية والتي ساهم فيها اإلمام البنا واالمام القمي‬
‫والتعاون قائم بني اإلخوان املسلمني والشيعة وقد أدى ذلك إىل زيارة اإلمام نواب صفوي سنة ‪1954‬‬
‫للقاهرة)‪.‬‬

‫ثم يقول يف نفس الصفحة أيضاً (وال غرو يف ذلك فمناهج الجماعتني تؤدي إىل هذا التعاون)‪ .‬كما أنه‬
‫من املعروف أن اإلمام البنا قد قابل املرجع الشيعي آية اهلل الكاشاني أثناء الحج عام ‪ 1948‬وحدث‬
‫بينهما اتفاق تشري إليه إحدى شخصيات اإلخوان املسلمني املهمة اليوم وأحد تالمذة اإلمام الشهيد‬
‫وهو األستاذ عبد املتعال الجربي الذي ينقل يف كتاب (ملاذا اغتيل حسن البنا ـ الطبعة األوىل ـ دار‬
‫االعتصام) ص ‪( 32‬ينقل عن روبري جاكسون) قوله (ولو طال عمر هذا الرجل ـ يقصد حسن البنا ـ لكان‬
‫يمكن أن يتحقق الكثري لهذه البالد خاصة لو اتفق حسن البنا وآية اهلل الكاشاني الزعيم اإليراني على أن‬
‫يزيال الخالف بني الشيعة والسنة‪ ..‬وقد التقى الرجالن يف الحجاز عام ‪ 48‬ويبدو أنهما تفاهما ووصال‬
‫إىل نقطة رئيسية لوال أن عوجل حسن البنا باالغتيال)‪ ..‬ويعلق األستاذ الجربي قائال (لقد صدق روبري‬
‫وشم بحاسته السياسية جهد اإلمام يف التقريب بني املذاهب اإلسالمية فما باله لو أدرك عن قرب دوره‬
‫الضخم يف هذا املجال‪ ..‬مما ال يتسع لذكره املقام)‪.‬‬

‫نستنتج من هذا عدة حقائق مهمة منها‪:‬‬


‫‪ -‬ينظر كل من السني والشيعي إىل اآلخر على أنه مسلم‪.‬‬
‫‪ -‬اللقاء والتفاهم بينهما وتجاوز الخالفات ممكن ومطلوب وهو مسؤولية الحركة اإلسالمية الواعية‬

‫‪4‬‬
‫امللتزمة‪.‬‬
‫‪ -‬قام اإلمام الشهيد حسن البنا بجهد ضخم على هذا الطريق‪.‬‬

‫ويروي الدكتور إسحق موسى الحسيني يف كتابه (اإلخوان املسلمني‪ ..‬كربى الحركات اإلسالمية الحديثة)‬
‫أن بعض الطالب الذين كانوا يدرسون يف مصر قد انضموا للجماعة‪.‬‬

‫ومن املعروف أن صفوف اإلخوان املسلمني يف العراق كانت تضم الكثري من الشيعة وعندما زار نواب‬
‫صفوي سوريا وقابل الدكتور مصطفى السباعي املراقب العام لإلخوان املسلمني هناك اشتكى إليه‬
‫األخري من أن بعض شباب الشيعة ينضمون إىل الحركات العلمانية والقومية ‪ ،‬فصعد نواب إىل أحد‬
‫املنابر وقال أمام حشد من الشيعة والسنة (ومن أراد أن يكون جعفريا حقيقيا فلينضم إىل صفوف‬
‫اإلخوان املسلمني)‪.‬‬

‫ولكن من هو نواب صفوي؟ إنه زعيم منظمة (فدائيان إسالم) اإلسالمية الشيعية‪ .‬وينقل األستاذ محمد‬
‫علي الضناوي يف كتابه (كربى الحركات اإلسالمية يف العصر الحديث) ص‪ 150‬عن الصفوي قوله‪:‬‬
‫ال‪ :‬اإلسالم نظام شامل للحياة‪.‬‬‫أو ً‬
‫ثانيا‪ :‬ال طائفية بني املسلمني‪ ..‬أي بني السنة والشيعة‪.‬‬

‫ثم ينقل عن نواب قوله أيضا (لنعمل متحدين لإلسالم ولننس كل ما عدا جهادنا يف سبيل عز اإلسالم‬
‫‪ ..‬أما آن للمسلمني أن يفهموا ويدعوا االنقسام إىل شيعة وسنة؟)‪.‬‬

‫ويف كتاب (املوسوعة الحركية) ص ‪ 163‬يتحدث األستاذ فتحي يكن عن زيارة نواب صفوي للقاهرة‬
‫والحماس الشديد الذي قابله به اإلخوان املسلمون ثم يتكلم عن صدور حكم اإلعدام عليه من قبل‬
‫الشاه قائال (كان لهذا الحكم الجائر صدى عنيف يف البالد اإلسالمية وقد اهتزت الجماهري املسلمة التي‬
‫تقدر بطولة نواب صفوي جهاده وثارت على هذا الحكم وطريت آالف الربقيات من أنحاء العالم اإلسالمي‬
‫تستنكر الحكم على املجاهد املؤمن البطل الذي يعترب القضاء عليه خسارة كربى يف العصر الحديث)‪.‬‬
‫وهكذا يصبح مسلم شيعي يف نظر األستاذ فتحي يكن كأحد أعظم شهداء اإلخوان بل إنه يعترب نواب‬
‫وصحبه باستشهادهم ‪ ،‬قد انضموا إىل قافلة الشهداء الخالدين الذين سيكون دمهم الزكي الشعلة‬
‫التي تنري لألجيال القادمة طريق الحرية والفداء‪ ..‬وهذا الذي كان‪ ..‬فما أن دار الزمان دورته حتى‬
‫قامت الثورة اإلسالمية يف إيران ودكت عرش الطاغية (الشاه) الذي تشرد يف اآلفاق وصدق اهلل تعاىل‬
‫حيث يقول‪( :‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا املرسلني {‪ }171‬إنهم لهم املنصورون {‪ }172‬وإن جندنا لهم‬
‫الغالبون) الصافات‪.‬‬

‫ويف كتابه (اإلسالم فكرة وحركة وانقالب) يقول األستاذ فتحي يكن بعد أن أعلنت إيران الشاه اعرتافها‬
‫بإسرائيل ص‪( 56‬البد للعرب أن يتلمسوا يف إيران نوابا وإخوانا نوابا ‪ ..‬لكن الدول العربية لم تدرك‬
‫هذا حتى اآلن‪ ..‬ولم تعلم بأن الحركة اإلسالمية هي وحدها التي تدعم قضايا خارج العالم العربي‪..‬‬

‫‪5‬‬
‫فهل إليران اليوم من نواب؟)‪ ..‬إذن األستاذ يكن ينتظر نوابا فلماذا ـ باهلل ـ تورمت أنوف واحمرت أنوف‬
‫عندما جاء نواب ومن هم أعظم من نواب؟‬

‫أما مجلة (املسلمون) التي كان يصدرها اإلخوان املسلمون ‪ ..‬فهي العدد األول املجلد الخامس ـ ابريل‬
‫‪ 1956‬ص‪ 73‬تقول تحت عنوان (مع نواب صفوي)‪ :‬والشهيد العزيز ـ نضر اهلل ذكره ـ وثيق الصلة‬
‫(باملسلمون) وقد نزل ضيفاً يف دارها بالقاهرة أيام زيارته مصر يف كانون الثاني سنة ‪.1954‬‬

‫ثم تنقل املجلة ص‪ 76‬رأي نواب يف اعتقال اإلخوان الذي يقول فيه (إنه حني يضطهد الطغاة رجال‬
‫اإلسالم يف كل مكان يتسامى املسلمون فوق الخالفات املذهبية ويشاطرون إخوانهم املضطهدين آالمهم‬
‫واحزانهم‪ .‬وال شك يف أننا بكفاحنا اإليجابي اإلسالمي نستطيع إحباط خطط األعداء التي ترمي إىل‬
‫التفريق بني املسلمني إذ إنه ال ضري يف وجود الفرق املذهبية وليس بوسعنا إلغاؤها‪ ..‬إنما الذي يجب أن‬
‫نعمل على إيقافه ومنعه هو استغالل هذا الوضع لصالح املغرضني)‪ .‬ويف نهاية املقال تنقل املجلة عن‬
‫نواب قوله (إننا متأكدون أننا نقتل إن لم يكن اليوم فغداً ولكن دماءنا وتضحياتنا سوف تحيي اإلسالم‬
‫وتحفزه إىل النهوض ‪ .‬إن اإلسالم بحاجة إىل هذه الدماء والتضحيات اليوم ولن ينهض بدونها أبداً)‪.‬‬

‫وقبل أن نرتك هذا الجانب من عالقة اإلخوان املسلمني بالشيعة نشري إىل أن املراقب العام لإلخوان‬
‫املسلمني يف اليمن الشمالي وحتى عامني مضيا كان شيعيا وهو األستاذ عبد املجيد الزنداني ‪ ،‬وأن‬
‫عدداً كبريا من اإلخوان يف اليمن الشمالي هم من الشيعة‪ .‬واآلن نعود مرة أخرى إىل موضوع جماعة‬
‫التقريب لنستمع إىل عضو بارز يف الجماعة هو اإلمام األكرب محمد شلتوت شيخ الجامع األزهر الذي‬
‫يقول (لقد آمنت بفكرة التقريب كمنهج قويم وأسهمت منذ أول يوم يف جماعتها) (الوحدة اإلسالمية‬
‫ص‪ )20‬ثم يقول ص‪ ( 23‬وها هو األزهر الشريف ينزل على حكم مبدأ التقريب بني أرباب املذاهب‬
‫املختلفة فيقرر دراسة فقه املذاهب اإلسالمية سنيها وشيعها دراسة تعتمد على الدليل والربهان وتخلو‬
‫من التعصب لفالن أو فالن) ويواصل حديثه ص‪( 24‬وكنت أود لو أستطيع أن أتحدث عن االجتماعات‬
‫يف دار التقريب حيث يجلس املصري إىل جانب اإليراني أو اللبناني أو العراقي أو الباكستاني أو غري هؤالء‬
‫من مختلف الشعوب اإلسالمية ‪ ،‬وحيث يجلس الحنفي واملالكي والشافعي والحنبلي بجانب اإلمامي‬
‫والزيدي حول مائدة واحدة تدوي بأصوات فيها علم وفيها تصوف وفيها فقه وفيها مع ذلك كله روح‬
‫األخوة وذوق املودة واملحبة وزمالة العلم والعرفان)‪.‬‬

‫ويشري الشيخ شلتوت إىل أن هناك من حارب فكرة التقريب ظانني أنها تريد إلغاء املذاهب أو إدماج‬
‫بعضها يف بعض ‪ ،‬فيقول ‪ :‬حارب هذه الفكرة ضيقوا األفق كما حاربها صنف آخر من ذوي األغراض‬
‫الخاصة‪ ..‬السيئة وال تخلو أية أمة من هذا الصنف من الناس ‪ ،‬حاربها من يجدون يف التفرق ضماناً‬
‫لبقائهم وعيشهم وحاربها ذوو النفوس املريضة وأصحاب األهواء والنزعات الخاصة‪ ..‬هؤالء وأولئك ممن‬
‫يؤجرون أقالمهم لسياسات مفرقة لها أساليبها املباشرة وغري املباشرة يف مقاومة أية حركة إصالحية‬
‫والوقوف يف سبيل كل عمل يضم شمل املسلمني ويجمع كلمتهم‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وقبل أن نرتك األزهر نستمع إىل الفتوى التي أصدرها بخصوص املذهب الشيعي وتقول يف جزء منها (إن‬
‫مذهب الجعفرية املعروف بمذهب الشيعة اإلثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب‬
‫أهل السنة فينبغي للمسلمني أن يعرفوا ذلك وأن يتخلصوا من العصبية بغري حق ملذاهب معينة‪ ..‬فما‬
‫كان دين اهلل وما كانت شريعته بتابع ملذهب معني أو مقصورة على مذهب فالكل مجتهدون مقبولون‬
‫عند اهلل تعاىل)‪.‬‬

‫ومن جماعة التقريب إىل موكب ال ينتهي من املفكرين اإلسالميني نبدأهم بالشيخ محمد الغزالي الذي‬
‫يقول يف كتابه (كيف نفهم اإلسالم) ص ‪( 143‬ولم تنج العقائد من عقبى االضطراب الذي أصاب‬
‫سياسة الحكم ذلك أن شهوات االستعالء واالستئثار أقحمت فيها ما ليس منها‪ ..‬فإذا املسلمون قسمان‬
‫كبريان شيعه وسنة مع أن الفريقني يؤمنان باهلل وحده وبرسالة محمد (صلى اهلل عليه وسلم) وال يزيد‬
‫أحدهما على اآلخر يف استجماع عناصر االعتقاد التي يصلح بها الدين وتلتمس النجاة)‪.‬‬

‫ثم يقول يف نفس الصفحة (ومع أني أذهب يف كثري من إحكامي على األمور مذاهب غري ما يرى الشيعة‬
‫فلست أعد رأيي ديناً يأثم أي مخالف له وكذلك موقفي بالنسبة لبعض اآلراء الفقهية الشائعة بني‬
‫السنة)‪.‬‬

‫ويف ص ‪ 143‬يقول (وكانت خاتمة املطاف أن جعل الشقاق بني الشيعة والسنة متصالً بأصول العقيدة!‬
‫ليتمزق الدين الواحد مزقتني وتتشعب األمة الواحدة إىل شعبتني كالهما يرتبص باآلخر الدوائر بل‬
‫يرتبص به ريب املنون! إن كل امرئ يعني على هذه الفرقة بكلمة فهو ممن تتناولهم اآلية‪( :‬إن الذين‬
‫فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم يف شيء إنما أمرهم إىل اهلل ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) «األنعام‬
‫‪ ..»159‬وأعرف أن املسارعة بالتكفري ميسورة يف باب الجدل وأن إلزام الخصم بالكفر نتيجة رأي‬
‫يقول به أمر سهل يف حمى النقاش)‪ .‬ثم يقول الشيخ الغزالي ص‪144‬ـ‪( 145‬فإن الفريقني يقيمان‬
‫صلتهما باإلسالم على اإليمان بكتاب اهلل وسنة رسوله ويتفقان اتفاقاً مطلقاً على األصول الجامعة‬
‫يف هذا الدين ‪ ،‬فإن اشتجرت اآلراء بعد ذلك يف الفروع الفقهية والتشريعية فإن مذاهب املسلمني‬
‫كلها‪ .‬سواء يف أن للمجتهد أجره أخطأ أم اصاب)‪ .‬ثم يواصل قائالً (وعندما ندخل مجال الفقه املقارن‬
‫ونعيش الشقة التي يحدثها الخالف الفقهي بني رأي ورأي أو بني تصحيح حديث وتضعيفه نجد أن‬
‫املدى بني الشيعة والسنة كالذي بني املذهب الفقهي ألبي حنيفة واملذهب الفقهي ملالك أو الشافعي)‪..‬‬
‫(نحن نرى الجميع سواء يف نشدان الحقيقة وإن اختلفت األساليب)‪ .‬أما يف كتاب (نظرات يف القرآن)‬
‫ال ألحد علماء الشيعة يف هامش ص‪ 79‬يقول عنه‪ :‬من‬ ‫للشيخ الغزالي أيضاً فإننا نجده يورد أقوا ً‬
‫فقهاء الشيعة وأدبائهم الكبار‪ .‬وقد تعمدنا إيراد كالمه كله ألن بعض القاصرين يفهمون أن الشيعة‬
‫قوم غرباء عن اإلسالم منحرفون عن صراطه‪ .‬وسيأتي يف باب اإلعجاز ما يزيد معرفة (بالقوم)‪.‬ويقول‬
‫يف هامش ص‪ 158‬عند تعريفه بعالم آخر (هبة الدين الحسيني)‪ :‬من علماء الشيعة األجالء وقد‬
‫تعمدنا نشر الخالصة كاملة ليستبني القارئ املسلم مبلغ فقه هذا العالم بطبيعة اإلعجاز وبالتالي مبلغ‬
‫تقديس الشيعة لكتاب اهلل)‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫إذن هكذا يتحدث الشيخ الغزالي ـ واحد من أهم مفكري اإلخوان املسلمني ـ عن الشيعة طارداً كل‬
‫األوهام الساذجة ليبدد بنور الحقيقة ظالم الجهل والحقد واملصالح األنانية‪ .‬أما الدكتور صبحي الصالح‬
‫فيقول‪ :‬يف كتابه (معالم الشريعة اإلسالمية) ص‪( 52‬ويف أحاديث أئمة الشيعة أيضاً أنهم لم يرووا إال‬
‫ما يوافق السنة مكانة عظمى تلي كتاب اهلل بني مصادر ‪ 283‬النبوية) ثم يقول (وأن السنة لديهم لها‬
‫التشريع)‪.‬‬

‫أما األستاذ سعيد حوى فيتحدث يف كتاب اإلسالم ج‪ 2‬ص‪ 165‬عن التقسيمات اإلدارية يف دار‬
‫اإلسالم حال اتساعها فيقول‪ :‬إن الواقع العملي للعالم اإلسالمي أنه مؤلف من مذاهب فقهية كل‬
‫مذهب يغلب على بقعة‪ ..‬وأمام هذا الواقع هل هناك مانع شرعي يمنع من مالحظة هذه املعاني‬
‫يف التقسيمات اإلدارية فاملنطقة ذات اللسان الواحد يكون لها والية‪ ،‬واملنطقة الشيعية تكون لها‬
‫والية‪ ،‬واملنطقة ذات املذهب الفقهي الواحد يكون لها والية وتختار كل والية حكامها منها مع الخضوع‬
‫للسلطة املركزية املتمثلة يف الخليفة‪.‬‬

‫وهذا اعرتاف واضح صريح من أحد أعالم اإلخوان املسلمني اليوم بأن تعدد املذاهب ـ بما فيها الشيعة‬
‫ـ ال يمس إسالم الناس وال دينهم وأن الشيعة يكون عليهم أمري منهم يف ظل دار اإلسالم‪.‬‬

‫ويف كتاب (إسالم بال مذاهب) يقول الباحث اإلسالمي الدكتور مصطفى الشكعة ص ‪( 183‬اإلمامية‬
‫اإلثنا عشرية هم جمهور الشيعة الذين يعيشون بيننا هذه األيام وتربطهم بنا نحن أهل السنة روابط‬
‫التسامح والسعي إىل تقريب املذاهب ألن جوهر الدين واحد وله أصل وال يسمح بالتباعد)‪ .‬ثم يتحدث‬
‫عن هذه الطائفة التي تشكل أغلبية سكان إيران اليوم وعن اعتدالهم فيقول ص ‪( 187‬فهم يربأون‬
‫من املقاالت التي جاءت على لسان بعض الفرق ويعدونها كفراً وضال ً‬
‫ال)‪.‬‬

‫أما الشيخ الجليل اإلمام محمد أبو زهرة فيقول يف كتابه (تاريخ املذاهب اإلسالمية) ص ‪( 39‬ال شك‬
‫أن الشيعة فرقة إسالمية إذا استبعدنا مثل السبئية الذين ألهوا علياً ونحوهم ـ من املعروف أن السبئية‬
‫كفار يف نظر الشيعة ـ وال شك أنها يف كل ما تقول تتعلق بنصوص قرآنية أو أحاديث منسوبة إىل النبي‬
‫(صلى اهلل عليه وسلم) وهم يتوددون إىل من يجاورونهم من السنيني وال ينافرونهم)‪.‬‬

‫ويف كتاب (املدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية) يقول الدكتور عبد الكريم زيدان أحد أهم اإلخوان‬
‫املسلمني يف العراق ص‪( 128‬ويوجد املذهب الجعفري يف إيران والعراق والهند وباكستان ويف لبنان‬
‫وله أتباع يف الشام أيضا وغريها من البالد‪ .‬وليس بني الفقه الجعفري واملذاهب األخرى من االختالفات‬
‫أكثر من االختالفات بني أي مذهب وآخر)‪.‬‬

‫واألستاذ املستشار سالم البهساوي واحد من مفكري اإلخوان الذين تعرضوا لهذا املوضوع بإسهاب يف‬
‫كتابه املهم (السنة املفرتى عليها) يقول ص‪ 60‬رداً على الذين يزعمون أن للشيعة مصحفا غري مصحفنا‬
‫(إن املصحف املوجود بني أهل السنة هو نفسه املوجود يف مساجد وبيوت الشيعة) ويف ص ‪ 263‬يقول‪..‬‬

‫‪8‬‬
‫(أن الشيعة الجعفرية (اإلثنى عشرية) يرون كفر من حرف القرآن الذي أجمعت عليه األمة منذ صدر‬
‫اإلسالم)‪ .‬ويواصل يف مجال رده على محب الدين الخطيب وإحسان ظهري يف موضوع تحريف القرآن‬
‫فيورد رسالة على الصفحات من ‪68‬ـ‪ 75‬تحمل آراء للعديد من علماء ومجتهدي الشيعة حول هذه‬
‫املزاعم‪ ،‬فينقل عن اإلمام السيد الخوئي ص‪ :69‬املعروف بني املسلمني عدم وقوع التحريف يف القرآن‬
‫وأن املوجود بني أيدينا هو جميع القرآن املنزل على النبي االعظم (صلى اهلل عليه وسلم)‪ .‬وينقل عن‬
‫الشيخ محمد رضا املظفر ‪ :‬وهذا الذي بني أيدينا نتلوه هو نفس القرآن املنزل على النبي ومن ادعى فيه‬
‫غري ذلك فهو محرتق او مغالط أو مشتبه وكلهم على غري هدى فإن كالم اهلل (ال يأتيه الباطل من بني‬
‫يديه وال من خلفه)‪ .‬ثم ينقل قول اإلمام كاشف الغطاء (وأنه ال نقص فيه وال تحريف وال زيادة وعلى‬
‫هذا إجماعهم)‪.‬‬

‫وهناك آراء كثرية يمكن الرجوع إليها على الصفحات املذكورة‪ .‬أما الروايات غري الصحيحة التي قد‬
‫يستند إليها البعض فهي مدانة ومرفوضة ويوجد مثيلها عند أهل السنة وهي عندهم أيضاً مرفوضة‬
‫ومدانة (ارجع ص‪ )74‬ويف صفحة ‪ 61‬يناقش األستاذ البهناوي قضية العصمة فيقول‪:‬‬

‫(إن العصمة التي ينكرها أهل السنة لو فهمها الفريقان على أساس ما كان عند األئمة اإلثنى عشر ما‬
‫وجد بني الفريقني ما يؤدي إىل أن يكفر كل منهما اآلخر‪ ..‬ألن ما عنده هؤالء األئمة ليس خروجاً عن‬
‫اإلسالم يف معتقدات أهل السنة‪ .‬فإن اإلقرار بالعصمة إنما أنكرها نظرياً ألنها لم ترد يف النصوص التي‬
‫يعتقد بصحتها واملعلوم أن الكفر إنما يرتتب على إنكار الثابت من القرآن والسنة مع علم املنكر بذلك‪..‬‬
‫فإن جهل أو اعتقد بعدم صحة الرواية ال يكون قد كفر إذا لم تقم عليه الحجة الشرعية)‪.‬‬

‫ومن األستاذ البهناوي إىل األستاذ أنور الجندي وكتابه (اإلسالم وحركة التاريخ) حيث يقول ص ‪420‬‬
‫(وقد كان تاريخ اإلسالم حافالً بالخالفات واملساجالت الفكرية وبالصراع السياسي بني السنة والشيعة‪..‬‬
‫وقد حرص الغزو الخارجي املمتد منذ الحروب الصليبية إىل اليوم على أن يغذي هذا الخالف وأن يعمق‬
‫آثاره حتى ال تلئم وحدة عالم اإلسالم‪.‬وكانت حركة التغريب وراء اإليقاع بني السنة والشيعة وتفريق‬
‫كلمتهم وإذكاء الخصومة بينهم وقد تنبه السنة والشيعة جميعاً لهذه املؤامرات وعملوا على تضييق‬
‫شقة الخالف)‪.‬‬

‫هل فهمنا إذاً من يثري هذه الفتنة الحرام‪ ..‬من الذي يستفيد منها‪ ..‬هل فهمنا أن الشيطان هو الذي‬
‫يدعو لفرقتنا وأن نكفر بعضنا بعضاً بينما الخالف أقل بكثري مما يتصور بعض الذين وقعوا يف حبائل‬
‫هذا الشيطان‪ .‬يقول األستاذ الجندي ص‪( :421‬والحق أن الخالف بني السنة والشيعة ال يزيد عن أن‬
‫يكون خالفاً بني املذاهب األربعة) وحتى ال نقع يف وهم أن السنة والشيعة شيء واحد وإنه لم يوجد يف‬
‫تاريخهم غالة نقرأ ص‪ 421‬لألستاذ الجندي (ومن الحق أن يكون الباحث يقظاً يف التفرقة بني الشيعة‬
‫والغالة‪ ،‬هؤالء الذين هاجمهم أئمة الشيعة أنفسهم وحذروا مما يدسونه)‪.‬‬

‫أما األستاذ سميح عاطف الزين صاحب كتاب اإلسالم وثقافة اإلنسان فقد كتب كتاباً اسمه (املسلمون‪..‬‬

‫‪9‬‬
‫من هم) يناقش فيه موضوع السنة والشيعة ويقول يف مقدمته ص‪( 9‬وال أخفي عليك أيها القارئ‬
‫الكريم أن الذي دعانا لتأليف هذا الكتاب هو التفرقة العمياء الحاصلة يف مجتمعنا اليوم وأخصها‬
‫التفرقة الواقعة بني املسلم الشيعي واملسلم السني والتي يجب أن تكون قد تبخرت مع تبخر الجهل‪..‬‬

‫ولكن مع األسف مازال لها بعض الجذور يف النفوس املريضة ألن غرسها كان محكماً من قبل الفئة‬
‫التي حكمت العالم اإلسالمي على أساس من التفرقة وممن هم أعداء هذا الدين ومن املنتفعني الذين‬
‫أبوا أن يعيشوا إال كما تعيش الطفيليات على دماء الغري ‪ ،‬وسأسرد لك يف هذا الكتاب يا أخي املسلم‬
‫الشيعي ويا أخي املسلم السني أهم حقائق االختالف على فهم الكتاب والسنة والشيعة والتي لم تكن‬
‫يوماً من األيام اختالفاً على الكتاب والسنة بل كانت اختالفاً على فهم الكتاب والسنة) ويف نهاية الكتاب‬
‫يقول األستاذ سميح عاطف الزين ص‪98‬ـ‪( 99‬بعد أن اطلعنا على أهم األسباب التي عصفت بهذه‬
‫األمة نختم هذا الكتاب بقولنا‪ :‬إنه من الواجب علينا كمسلمني ـ وخاصة يف عصرنا هذا ـ أن نرد زيغ‬
‫الذين اتخذوا املذاهب اإلسالمية سبيالً للتضليل واللعب بالعقول وزيادة الشك ‪ .‬وعلينا أن نمحو روح‬
‫الطائفية البغيضة‪ ،‬وأن نقطع السبيل على الذين يروجون الخصومة يف الدين حتى يعود املسلمون‬
‫كما كانوا جماعة واحدة متعاونة متحابة ال جماعات متعددة متنابذة متباغضة وعليهم أن يتشبهوا‬
‫بتسامح وتعاون الخلفاء الراشدين)‪.‬‬

‫هذا وقد كان أبو الحسن الندوي يتمنى إحداث تقارب بني الشيعة والسنة وهو يقول ملجلة االعتصام‬
‫اإلسالمية املصرية (محرم ‪ 1398‬هـ) (وإذا تم هذا العمل ـ يقصد التقريب ـ سوف يحدث انقالباً ال‬
‫يوجد له نظري يف تاريخ تجديد الفكر اإلسالمي)‪.‬‬

‫ويف كتاب (تحديات أمام العروبة واإلسالم) يتحدث األستاذ صابر طعيمة ص ‪ 208‬قائالً (ومن الحق أن‬
‫يقال أنه ليس بني الشيعة والسنة من خالف يف األصول العامة فهم جميعاً على التوحيد وإنما الخالف‬
‫يف الفروع‪ ..‬وهو خالف يشبه ما بني مذاهب السنة نفسها (الشافعية والحنفية) فهم يدينون بأصول‬
‫الدين كما وردت يف القرآن الكريم والسنة املطهرة‪ .‬كما يؤمنون بكل ما يجب اإليمان به ويبطل اإلسالم‬
‫بالخروج منه يف األحكام املعلومة من الدين بالضرورة‪ ..‬ومن الحق أن السنة والشيعة هما مذهبان من‬
‫مذاهب اإلسالم يستمدان من كتاب اهلل وسنة رسوله)‪.‬‬

‫أما علماء أصول الفقه فيعتربون أنه ال إجماع ان لم يوافق مجتهدو الشيعة تماماً‪ ،‬كما أنه ال إجماع‬
‫إذا لم يوافق مجتهدو السنة‪ .‬يقول األستاذ عبد الوهاب خالف يف كتاب (علم أصول الفقه ـ الطبعة ‪14‬‬
‫ص ‪« :)46‬إن لإلجماع أربعة أركان ال ينعقد شرعاً إال بتحققها وتأتي هذه األركان‪:‬‬
‫أن يتفق على الحكم الشرعي يف الواقعة جميع املجتهدين من املسلمني يف وقت وقوعها بصرف النظر‬
‫عن بلدهم أو جنسهم أو طائفتهم‪ ،‬فلو اتفق على الحكم الشرعي يف الواقعة مجتهدو الحرمني فقط‬
‫أو مجتهدو آل البيت أو مجتهدو أهل السنة دون مجتهدي الشيعة ال ينعقد االتفاق العام بني جميع‬
‫مجتهدي العالم اإلسالمي يف عهد الحادثة وال عربة بغري املجتهدين»‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫فإذا كانت موافقة الشيعة ضرورية لحصول إجماع املسلمني فهل يبقون بعد ذلك فرقة ضالة ويف‬
‫النار؟!!‬

‫ويقول األستاذ أحمد إبراهيم بك يف كتابه (علم أصول الفقه وتاريخ التشريع اإلسالمي ـ طبعة دار‬
‫األنصار) يقول يف الجزء الخاص بتاريخ التشريع ص‪( 21‬والشيعة اإلمامية مسلمون يؤمنون باهلل‬
‫ورسوله وبالقرآن وبكل ما جاء به محمد صلى اهلل عليه وسلم ومذهبهم هو السائد على البالد الفارسية)‪.‬‬
‫ثم يقول ص‪( 22‬ومن الشيعة اإلمامية قديماً وحديثاً فقهاء عظام جداً وعلماء من كل علم وفن وهم‬
‫عميقو التفكري واسعو االطالع ومؤلفاتهم تعد بمئات األلوف ‪ ،‬وقد اطلعت على الكثري منها) ويقول‬
‫يف هامش نفس الصفحة (يوجد يف الشيعة غالة خرجوا بعقيدتهم من دائرة اإلسالم ولكن هؤالء غري‬
‫ملتفت إليهم من جمهور الشيعة اإلمامية)‪.‬‬

‫وبعد كل هذا السيل من الشهادات التي ال تنتهي لعلماء األمة أود أن أشري إىل أولئك الذين حاولوا‬
‫ترديد فتوى ابن تيمية ضد الرافضة ـ والتي تضم العديد من فرق الشيعة ـ وحاولوا سحب هذه الفتوى‬
‫على الشيعة اإلمامية اإلثني عشرية ـ وبالتالي استغاللها ضد الثورة اإلسالمية يف إيران ـ لقد وقع‬
‫هؤالء يف عدة أخطاء هامة‪:‬‬

‫‪ )1‬لم يتساءلوا ملاذا لم يجدوا يف تاريخ اإلسالم قبل ابن تيمية مثل هذه الفتوى رغم أن ابن تيمية جاء‬
‫يف القرن السابع الهجري ‪ ..‬أي بعد أكثر من ستة قرون لظهور الشيعة‪.‬‬
‫‪ )2‬لم يستوعبوا ابن تيمية والتناقضات التي واجهها املجتمع املسلم وهو يواجه الغزو الخارجي‪.‬‬
‫‪ )3‬لم يحاولوا يف غمرة حقدهم على الثورة اإلسالمية يف إيران وموقفهم السياسي منها ‪ ..‬لم يحاولوا‬
‫تقصي إذا ما كانت كلمة (الرافضة) التي ذكرها ابن تيمية تنسحب على الشيعة اإلمامية اإلثني عشرية‬
‫أم ال ؟ يقول األستاذ أنور الجندي يف كتابه اإلسالم وحركة التاريخ ص‪( 422‬والرافضة غري السنة‬
‫والشيعة)‪ .‬ويستعرض اإلمام محمد أبو زهرة يف كتابه (ابن تيمية) بعض فرق الشيعة من الزيدية‬
‫واإلثنى عشرية دون أن يشري إىل أي موقف سلبي البن تيمية منها ولكنه عند ذكر اإلسماعيلية يقول‬
‫ص ‪( 170‬وهذه الفرقة هي التي كان البن تيمية منها مواقف ضد بعض املنتمني إليها‪ ..‬فقد حاربهم‬
‫بعلمه ولسانه وسيفه…)ولهذا نجد اإلمام أبو زهرة يسهب يف دراسة هذه الفرقة بسبب موقف ابن‬
‫تيمية منها كما يقول‪.‬‬

‫كان هذا موقف بعض الحركات والقيادات اإلسالمية من هذه الضجة املفتعلة حول قضية الشيعة‬
‫والسنة‪ ..‬أما الثورة اإلسالمية االيرانية التي اشتعلت مع مطلع عام ‪ 1978‬فقد أيقظت روح األمة‬
‫املسلمة على طول املحور املمتد من طنجة إىل جاكرتا وتطلعت الجماهري املسلمة إىل طهران وقم ويف‬
‫ذاكرتها انتصارات صدر اإلسالم املذهلة‪ ..‬ومع تقدم الثورة كان استقطابها للجماهري يزداد ‪ ،‬هذه‬
‫الجماهري التي كانت تعرب عن بهجتها وفرحتها يف شوارع قاهرة املعز ودمشق الشام ويف كراتشي‬
‫والخرطوم ويف استامبول ومن حول بيت املقدس ويف كل مكان تواجد فيه االسالميون‪ .‬يف أملانيا الغربية‬
‫كان األستاذ عصام العطار أحد الزعماء التاريخيني لحركة اإلخوان املسلمني واملعروف بإخالصه طول‬

‫‪11‬‬
‫جهاده وطهارته الثورية‪ ..‬كان الرجل الذي قضى عمره لم يهادن حاكماً ولم يقرتب من قصر أمري يكتب‬
‫كتاباً كامال يتناول تاريخ الثورة وجذورها‪ ،‬ويقف بجانبها مؤيداً ويربق أكثر من مرة لإلمام الخميني مهنئاً‬
‫ومباركاً ومؤازرا‪ .‬وانتشرت أحاديثه املسجلة على أشرطة الكاسيت املؤيدة للثورة بني الشباب املسلم‪.‬‬
‫كذلك قامت مجلة (الرائد) التي يصدرها بدور مهم يف تأييد الثورة وشرح موقفها‪ .‬ويف السودان كان‬
‫موقف حركة اإلخوان املسلمني وموقف شباب جامعة الخرطوم اإلسالميني من أروع املواقف التي‬
‫شهدتها العواصم اإلسالمية حيث خرجوا بمظاهرات التأييد ‪ ،‬وسافر الدكتور حسن الرتابي ـ زعيم‬
‫الحركة يف السودان والذي اشتهر بسعة ثقافته وحنكته السياسية ـ إىل إيران حيث قابل اإلمام معلناً‬
‫تأييده للثورة وزعيمها‪.‬‬

‫ويف تونس كانت مجلة الحركة اإلسالمية (املعرفة) تقف بجانب الثورة‪ ..‬تباركها وتدعو املسلمني‬
‫جميعاً ملناصرتها ووصل األمر إىل أن كتب زعيم الحركة اإلسالمية هناك األستاذ راشد الغنوشي يف‬
‫نفس املجلة مرشحاً اإلمام الخميني إلمامة املسلمني ‪ ،‬مما أدى إىل إغالق املجلة بعد ذلك واعتقال‬
‫زعماء الحركة على يد حكومة بورقيبة‪ .‬ويعترب األستاذ الغنوشي أن االتجاه اإلسالمي الحديث (تبلور)‬
‫وأخذ شكالً واضحاً على يد اإلمام البنا واملودودي وقطب والخميني ممثل أهم االتجاهات اإلسالمية يف‬
‫الحركة اإلسالمية املعاصرة (كتاب الحركة اإلسالمية والتحديث ـ راشد الغنوشي ـ حسن الرتابي) ص‬
‫‪ ،16‬ويعترب يف ص‪ :17‬أنه بنجاح الثورة يف إيران يبدأ اإلسالم دورة حضارية جديدة‪.‬‬

‫ويقول يف ص ‪ 17‬من نفس الكتاب تحت عنوان ماذا نعني بمصطلح (الحركة اإلسالمية )‪ :‬ولكن الذي‬
‫عنينا من بني ذلك االتجاه الذي ينطلق من مفهوم اإلسالم الشامل مستهدفا إقامة املجتمع املسلم‬
‫والدولة اإلسالمية على أساس ذلك التصور الشامل‪ :‬وهذا املفهوم ينطبق على ثالثة اتجاهات كربى‪:‬‬
‫(اإلخوان املسلمون ‪ ،‬الجماعات اإلسالمية بباكستان وحركة اإلمام الخميني يف إيران)‪.‬‬

‫ويف ص‪ 24‬يقول (لقد بدأت يف إيران عملية لعلها من أهم ما يمكن أن يطرأ يف مسرية حركات التحرر‬
‫يف املنطقة كلها وهي تحرير اإلسالم من هيمنة السلطات العاملة على استخدامه يف وجه املد الثوري‬
‫يف املنطقة)‪.‬‬

‫أما يف لبنان فقد كان تأييد الحركة اإلسالمية للثورة من أكثر املواقف وضوحاً وعمقاً ووقف األستاذ‬
‫فتحي يكن زعيم الحركة ومجلته الفذة (األمان) من الثورة موقفاً إسالمياً ثورياً مشرقاً‪ .‬وزار األستاذ‬
‫يكن إيران اكثر من مرة وشارك يف احتفاالت وألقى املحاضرات يف تأييدها‪.‬‬

‫ويف األردن أعلن األستاذ محمد عبد الرحمن خليفة املراقب العام لإلخوان املسلمني تأييده للثورة قبل‬
‫وبعد زيارته إليران‪ ..‬كما طالب إبراهيم زيد الكيالني امللك حسني بأن يتنكب طريق الثورة(!) وأنشد‬
‫األستاذ يوسف العظم قصيدته الشهرية التي نشرت يف أكثر من مجلة ومنها (االمان) ودعا فيها إىل‬
‫مبايعة اإلمام الخميني‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫أما يف مصر فقد وقفت مجالت (الدعوة) و(االعتصام) و(املختار اإلسالمي) إىل جانب الثورة مؤكدة‬
‫إسالميتها ومؤيدة لها ولزعيمها وعندما بدأ غزو صدام إليران كتبت االعتصام على غالفها (عدد ذو‬
‫الحجة ‪1400‬هـ ـ أكتوبر ‪( )1980‬الرفيق التكريتي ‪ ..‬تلميذ ميشيل عفلق الذي يريد أن يصنع‬
‫قادسية جديدة يف إيران املسلمة) ويف ص ‪ 10‬من نفس العدد كتبت االعتصام تحت عنوان (أسباب‬
‫املأساة)‪:‬‬
‫(الخوف من انتشار الثورة اإلسالمية يف العراق) ثم قالت (ورأى صدام حسني أن فرتة االنتقال التي يمر‬
‫بها جيش إيران وتحوله من جيش إمرباطوري إىل جيش إسالمي هي فرصة ذهبية ال تتكرر للقضاء على‬
‫هذا الجيش قبل أن يتحول إىل قوة ال تقهر بفضل العقيدة اإلسالمية يف نفوس ضباطه وجنوده)‪ .‬ويف‬
‫عدد (محرم ‪1401‬هـ ـ ديسمرب ‪ )1980‬كتب األستاذ جابر رزق أحد أبرز صحفيي اإلخوان املسلمني‬
‫يف االعتصام ص ‪ 26‬معلالً أسباب الحرب يقول (إن الوقت الذي اندلعت فيه هذه الحرب هو ذاته‬
‫الوقت الذي فشلت فيه كل الخطط األمريكية التآمرية على ثورة الشعب اإليراني املسلم) ويقول ص‬
‫‪( 27‬وقد نسي صدام حسني أنه سيقاتل شعباً تعداده أربعة أضعاف الشعب العراقي وهذا الشعب هو‬
‫الشعب املسلم الوحيد الذي استطاع أن يتمرد على اإلمربيالية الصليبية اليهودية) ثم يواصل حديثه‬
‫(والشعب اإليراني بكامل هيئاته ومنظماته مصمم على مواصلة الحرب حتى النصر وحتى إسقاط‬
‫البعث الدموي ‪ ..‬كما أن التعبئة الروحية والنفسية بني كل أفراد الشعب اإليراني لم يسبق لها مثيل‬
‫والرغبة يف االستشهاد تأخذ صورة التسابق واإلقدام ‪ ،‬والشعب اإليراني واثق تماماً يف أن النصر يف‬
‫النهاية سيكون للثورة اإليرانية املسلمة)‪.‬‬

‫ال إسقاط الثورة فيقول (‪ ..‬وبسقوط‬‫ثم يشرح األستاذ جابر رزق هدف االستعمار من الحرب محاو ً‬
‫النظام الثوري اإليراني يزول الخطر الذي يتهدد هذا النوع من الطواغيت الذين يرتجفون من تصورهم‬
‫احتمال ثورة شعوبهم ضدهم وإسقاطهم مثلما فعل الشعب اإليراني املسلم ضد الشاه العميل)‪ .‬ويف‬
‫نهاية املقال يقول‪( :‬ولكن حزب اهلل غالب‪ ..‬ولكن ال بد من الجهاد واالستشهاد ولينصرن اهلل من ينصره‬
‫إن اهلل لقوي عزيز)‪.‬‬

‫إذاً هذا هو جوهر الحرب وليس ما يردده أبناء الحقبة السعودية وبعض الطيبني الذين ال يدرون عن هذا‬
‫العالم شيئاً قائلني إن إيران الشيعة تريد االنقضاض على النظام السني يف العراق‪ ..‬كم هو محزن هذا‬
‫العمى وكم هو مجرم من يزرع هذا الجهل والحقد يف قلوب الناس‪.‬‬

‫ويف عدد (صفر ‪ 1401‬هـ ـ يناير ‪ )1981‬كتبت االعتصام على غالفها (الثورة التي أعادت الحسابات‬
‫وغريت املوازين) ويف ص‪ 29‬تساءلت املجلة (ملاذا تعترب الثورة اإليرانية أعظم ثورة يف العصر الحديث)‬
‫ويف نهاية املقال الذي كتب بمناسبة الذكرى الثانية لالنتصار اإليراني وبعد أن تكلم الكاتب عن قوة‬
‫الجيش اإلمربطوري ووسائله القمعية قال (ومع ذلك انتصرت الثورة اإليرانية بعد أن سقط آالف‬
‫الشهداء‪ ..‬وكانت بذلك أعظم ثورة يف التاريخ الحديث بفعاليتها ونتائجها اإليجابية وآثارها التي‬
‫أعادت الحسابات وغريت املوازين)‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ومن مصر إىل موقف التنظيم الدولي لإلخوان املسلمني الذي وجه بياناً (إىل املسؤولني عن الحركات‬
‫اإلسالمية يف كافة أنحاء العالم) وذلك أثناء أزمة الجواسيس الرهائن ‪ ،‬جاء فيه (ولو كان األمر يخص‬
‫إيران وحدها لقبلت حالً وسط بعد أن تبينت ما حولها ‪ ،‬ولكنه اإلسالم وشعوبه يف كل مكان وقد أصبحت‬
‫أمانة يف عنق الحكم اإلسالمي الوحيد يف العالم الذي فرض نفسه بدماء شعبه يف القرن العشرين‬
‫لتثبيت حكم اهلل فوق حكم الحكام وفوق حكم االستعمار والصهيونية العاملية) ويشري البيان إىل رؤية‬
‫الثورة اإليرانية ملن يحاول أن يفت يف عضدها على أنه واحد من أربعة ‪( :‬إما مسلم لم يستطع أن‬
‫يستوعب عصر الطوفان اإلسالمي ومازال يعيش يف زمن االستسالم‪ ،‬فعليه أن يستغفر اهلل ويحاول‬
‫أن يستكمل نقص فهمه بمعاني الجهاد والعزة يف اإلسالم‪ ..‬وإما عميل يتوسط ملصلحة أعداء اإلسالم‬
‫على حساب اإلسالم متشدقاً باألخوة والحرص عليها‪ ..‬وإما مسلم إمعة يحركه غريه بال رأي وال إرادة‪..‬‬
‫وإما منافق يراهن بني هؤالء وهؤالء‪.‬‬
‫وعندما بدأ الغزو الصدامي إليران املسلمة أصدر التنظيم الدولي لإلخوان املسلمني بيانا وجهه إىل‬
‫الشعب العراقي هاجم فيه حزب البعث امللحد الكافر ‪ ،‬على حد تعبري البيان الذي قال أيضا (إن هذه‬
‫الحرب أيضاً ليست حرب تحرير للمستضعفني من الرجال والنساء والولدان الذين ال يملكون حيلة وال‬
‫يهتدون سبيالً‪ ،‬فشعب إيران املسلم قد حرر نفسه من الظلم واالستعمار األمريكي الصهيوني يف جهاد‬
‫بطولي خارق وبثورة إسالمية عارمة فريدة من نوعها يف التاريخ البشري وتحت قيادة إمام مسلم هو‬
‫دون شك فخر لإلسالم واملسلمني) ثم يتكلم البيان عن أهداف العدوان الصدامي قائال‪:‬‬

‫(ضرب الحركة اإلسالمية وإطفاء شعلة التحرير اإلسالمية التي انبعثت من إيران) ويف نهاية املقال‬
‫يقول مخاطباً الشعب العراقي (اقتلوا جالديكم فقد حانت الفرصة التي ما بعدها فرصة‪ .‬ألقوا أسلحتكم‬
‫وانضموا إىل معسكر الثورة ‪ ،‬الثورة اإلسالمية ثورتكم)‪ ..‬أما موقف الجماعة اإلسالمية يف باكستان‬
‫فقد تمثل يف فتوى موالنا أبو األعلى املودودي التي نشرت يف مجلة الدعوة ـ القاهرة عدد ‪29‬‬
‫أغسطس (أب) ‪ 1979‬ـ رداً على سؤال وجهته إليه املجلة حول الثورة اإلسالمية يف إيران ‪ ،‬حيث‬
‫أجاب العالم املجتهد الذي أجمعت الحركة اإلسالمية على أنه واحد من أبرز روادها يف هذا القرن قائال‪:‬‬
‫(وثورة الخميني ثورة إسالمية والقائمون عليها هم جماعة إسالمية وشباب تلقوا الرتبية يف الحركات‬
‫اإلسالمية وعلى جميع املسلمني عامة والحركات اإلسالمية خاصة أن تؤيد هذه الثورة وتتعاون معها‬
‫يف جميع املجاالت)‪.‬‬

‫إذن هذا املوقف الشرعي من الثورة كما يطرحه املودودي‪ :‬وجوب التأييد والتعاون إن كنا نريد أن نلتزم‬
‫باإلسالم‪ ..‬أما معاداة الثورة وشن حرب صليبية مشبوهة ضدها ومِن مَن؟ من مجموعات محسوبة‬
‫على الحركة اإلسالمية‪ ..‬فهذه مختلفة شرعية لفتوى املجتهد الكبري‪..‬‬

‫أما موقف األزهر فقد أعلنه شيخ األزهر السابق يف حديث مع صحيفة (الشرق األوسط) التي تصدر‬
‫يف لندن وجدة (عام ‪ )76‬قائالً (اإلمام الخميني أخ يف اإلسالم ومسلم صادق) ثم يقول (إن املسلمني‬
‫باختالف مذاهبهم إخوة يف اإلسالم والخميني يقف تحت لواء اإلسالم كما أوقف أنا)‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ويف كتابه األخري الذي يتداوله شباب الحركة اإلسالمية (أبجديات التصور الحركي للعمل اإلسالمي)‬
‫يستعرض األستاذ فتحي يكن مؤامرات االستعمار والقوى الدولية ضد اإلسالم فيقول ص‪( 48‬ويف‬
‫التاريخ القريب شاهد على ما نقول أال وهو تجربة الثورة اإلسالمية يف إيران ‪ ..‬هذه التجربة التي هبت‬
‫ملحاربتها وإجهاضها كل قوى األرض الكافرة وال تزال بسبب أنها إسالمية وانها ال شرقية وال غربية)‪.‬‬
‫ترى ملن يستمع الشباب املسلم اليوم‪ :‬إىل أبي األعلى املودودي و األستاذ فتحي يكن أم إىل أنصاف‬
‫املتعلمني ومدعي اإلسالم وأحيانا ذوي االغراض املشبوهة!!‬

‫وآخر ما بني أيدينا ما قالته مجلة (الدعوة) املهاجرة إىل النمسا ـ العدد ‪ 73‬رجب ‪ 1402‬ـ مايو ‪1982‬ـ‬
‫ص ‪( 20‬ويف العالم اليوم اليقظة اإلسالمية الشاملة التي كان من آثارها الثورة اإلسالمية يف إيران‬
‫التي استطاعت ـ رغم عثراتها ـ أن تقوض أكرب اإلمرباطوريات عراقة وأشدها عتواً وعداء لإلسالم‬
‫واملسلمني)‪.‬‬

‫وهكذا فإن مجلة (الدعوة) ويف عدد من آخر أعدادها تعترب أن الثورة اإليرانية هي ثورة إسالمية ‪ ،‬وأنها‬
‫أثر من آثار اليقظة اإلسالمية الشاملة التي أشرنا إليها يف بداية هذا البحث‪ ..‬أما العثرات فهي يف‬
‫نظري الصعاب التي يحاول االستعمار أن يضعها يف طريق الثورة للتأثري على مسريتها والتي من واجب‬
‫املسلمني امللتزمني العمل على إزالتها‪.‬‬

‫هذا موقف علماء ومفكري الحركات اإلسالمية السنية ‪ ..‬أما على الطرف اآلخر فنكتفي بكلمات لإلمام‬
‫الخميني قالها بعد وصوله إىل باريس إجابة على سؤال يتعلق بأصول الثورة قال ‪( :‬إن السبب الذي قاد‬
‫املسلمني إىل سنة وشيعة يوماً ما لم يعد قائماً ‪ ..‬كلنا مسلمون‪ ..‬هذه ثورة إسالمية‪ ..‬نحن جميعاً‬
‫إخوة يف اإلسالم)‪.‬‬

‫ويف كتاب (الحركة اإلسالمية والتحديث) ينقل األستاذ الغنوشي ص‪ 21‬قولة اإلمام الخميني (إننا‬
‫نريد أن نحكم باإلسالم كما نزل على محمد (صلى اهلل عليه وسلم) ال فرق بني السنة والشيعة ألن‬
‫املذاهب لم تكن موجودة يف عهد رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم))‪.‬‬

‫ويف امللتقى الرابع عشر للفكر اإلسالمي الذي عقد يف الجزائر قال ممثل اإلمام الخميني السيد خسرو‬
‫شاهي (األعداء أيها االخوة ال يفرقون بني سني وشيعي إنهم يريدون القضاء على اإلسالم كفكرة‬
‫وأيدولوجية عاملية ولذا فإن أي دعوة أو عمل لتفريق الصفوف باسم السنة والشيعة تعني الوقوف‬
‫إىل جانب الكفر وضد اإلسالم واملسلمني ‪ ،‬وهي بالتالي كما أفتى اإلمام الخميني حرام شرعا وعلى‬
‫املسلمني التصدي لها)‪.‬‬

‫هل يمكن بعد كل هذا أن نفهم جوهر الثورة ومهماتها التاريخية وواجبها اإللهي ‪ ..‬إن اإلسالم ينبعث من‬
‫جديد يف مواجهة التحدي الغربي الحديث ويتوىل اإلسالميون اإليرانيون اليوم بجانب كل اإلسالميني‬
‫الواعني امللتزمني حمل راية االنبعاث من أجل تحقيق انتصار اإلسالم يف األرض ومن أجل تحقيق‬

‫‪15‬‬
‫الغاية القصوى من حياتنا‪ :‬مرضاة اهلل عز وجل ‪ .‬ولنستمع إىل املفكر املصري النصراني واملاركسي غالي‬
‫شكري الذي يف هجومه على الثورة اإلسالمية يوضح جزءا من مهمتها اإللهية يقول يف مقال نشرته‬
‫(دراسات عربية ) ونقلته عنها مجلة البيادر السياسي الصادرة يف القدس ـ عدد ‪ 11‬يف ‪1982/2/1‬‬
‫ص‪( 36‬وكان من املفارقات ـ وبعضها ال يزال واضحاً أمام العيون ـ مفكرون عرفوا بتاريخهم املاركسي‬
‫يتحولون يف غمضة عني إىل إسالميني عتاة‪..‬مفكرون ينتمون بحكم شهادة امليالد إىل املسيحية يتحوالن‬
‫يف لحظة إىل مسلمني متطرفني ‪ ،‬مفكرون ينتمون بحكم ثقافتهم إىل الغرب وحداثته يتحولون بال قيد‬
‫أو شرط إىل شرقيني متعصبني)‪.‬‬

‫(وهكذا تحت راية الخميني تجمهرت صفوف من املثقفني العرب باسم إعادة النظر إىل املسلمات وباسم‬
‫العودة إىل األصالة بعد طول غربة وتغريب واغرتاب وباسم (الفشل الذريع الذي منيت به املاركسية أو‬
‫العلمنة أو الليربالية أو القومية)‪ .‬انتهى كالم غالي شكري الذي استطاع يف معرض هجومه وسخريته‬
‫من املد الخميني أن يفهم جوهر الثورة أكثر من دعاة مسلمني‪!!.‬‬

‫ويف نهاية املقال ال يسعنا إال أن نردد مع اإلمام الخميني كلمة قالها منذ أمد بعيد يف خطبة له يف‬
‫جمادى األول ‪ 1384‬هـ‪:‬‬

‫(األيدي القذرة التي بثت الفرقة بني الشيعي والسني يف العالم اإلسالمي ال هي من الشيعة وال‬
‫من السنة‪ ..‬إنها أيدي االستعمار التي تريد أن تستولي على البالد اإلسالمية من أيدينا والدول‬
‫االستعمارية‪ ،‬الدول التي تريد نهب ثرواتنا بوسائل مختلفة وحيل متعدد هي التي توجد الفرقة باسم‬
‫التشيع والتسنن)‪.‬‬

‫تم بحمد اهلل‬


‫‪www.alaqsagate.net‬‬

‫‪16‬‬

You might also like