اعداد اتحاد الشباب السلمي الـــفــهـــــــــــرس
اتجاهات المؤامرة والموقف السلمي
منها 3........................................ أزمة المعارضة الفلسطينية......................................................... 5 النتفاضة بين التفجير السلمي والستثمار العلماني7............................... التاريخ لماذا ..؟.............................................................. 14.... التحرك والفكر السياسي الفلسطيني أمام مسار التسوية23............................ التطبيع مع العدو الصهيوني وموقعه في معركة الهوية والوجود28.................. فاتورة ايجار لمدة 2000 عام30................................................... معالم في الطريق الشهيد سيد قطب32.............................................. اتجاهات المؤامرة والموقف السلمي منها إن رصد الحركة السياسية في المنطقة وفي العالم فيما يخص محاولت إيقاف النتفاضة ـ الثورة من جهة وإنهاء الرعب المني لسرائيل والنظمة من جهة أخرى ،واستغلل الفرصة بالتالي لغلق ملف القضية من جهة ثالثة يشير إلى أنها في أحسن الحوال ستسير في ثلثة اتجاهات أساسية وهي: التجاه الول :أن ينجح المشروع الوطني الفلسطيني فعل في تحقيق هدفه نحو إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع أو كونفدرالية في الردن. وقبل أن نحدد موقفنا إزاء ذلك الوضع نجد من الضروري أن نذكر بالمحاذير المتعلقة بالستمرار نحو طرح ذلك المشروع على الساحة الفلسطينية والعربية والسلمية. -1 -1إننا نرى ومن البداية أن معادلة القوة القليمية والدولية ، وذلك الرتباط العضوي بين المشروع الصهيوني والمشروع الستعماري الغربي .وعوامل الفكر والسطورة الدينية والسياسية داخل الكيان الصهيوني ،جميعها ل تشير إلى أن هناك اتجاها ً لدى العدو لتقديم ولو حتى مثل هذا التنازل .ونرى أن دفع بعض القوى المحلية والدولية وبعض الصهاينة لمنظمة التحرير لمواصلة التحرك نحو مشروع الدولة بما سبقه من تنازلت وتسويات ،ل يستهدف في جوهره إل مزيدا ً من التمزيق للنضال الفلسطيني ،ومحاولة إجهاض نهضة شعبنا وجهاده. -2 -2إن مثل تلك الدولة إن قامت فستنقل المعركة من معركة ضد العدو إلى معركة على الساحة الفلسطينية ذاتها لما سوف تؤدي إليه صيغة الدولة والتسوية من انقسام في الساحة الفلسطينية. -3 -3إن هذه الدولة لن تتخلى فقط عن بقية فلسطين إن قامت ،بل لن تكون دولة لكل الشعب الفلسطيني في الخارج وفي داخل المنطقة المحتلة في .1948وإن كانت ،فلن تستطيع استيعابهم جميعًا ،كما أنها لن تكون قادرة على الصمود إل ضمن إطار اللحاق والتبعية والخضوع للقوى الكبرى ،بل وللصغرى أيضًا! -4 -4كما أن هذه الدولة ،سواء بفدرالية مع الردن أو باستقلل لن تؤدي إل إلى تفجير صراع داخلي أردني ـ فلسطيني .نظرا ً للظروف المعقدة المحيطة بالبلدين وكيانهما السياسي ،كما أنها سترفع من حدة التوتر على كل مستوى بلد الشام على القل. -5 -5ولكن الكارثة الكبرى في مثل ذلك الوضع ،إن تلك الدولة ستصبح جسرا ً حقيقيا ً لتوسع المشروع الصهيوني الحضاري والثقافي والقتصادي نحو كل المنطقة العربية ،وبل والعالم السلمي بأجمعه ،فإن ركع الفلسطينيون أمام التسوية والسلم مع الكيان الصهيوني فمن سيكون بإمكانه أن يصمد!. وأيضا ً ورغم هذه المحاذير جميعا ً ،فإن تجاهل الجميع صوتنا المرفوع ووجدنا أنفسنا فعل ً في مواجهة ذلك الوضع ،فسيكون موقفنا هو التالي: على مستوى الصراع مع العدو فإن حركتنا ستعتبر أن شيئا ً - - لم يتغير وأن الصراع ضده عسكريا ً وسياسيا ً وثقافيا ً وبكل الوسائل الخرى مازال مفتوحا ً إلى أن يندحر مشروعه بالكامل ،وسنستمر في دعوة شعبنا وكل أمتنا لمواصلة الجهاد مهما كانت العقبات التي ستوضع أمامنا .وذلك مع التأكيد على أن معركتنا هي مع العدو الصهيوني ومشروعه ولن تكون يوما ً مع أي جزء من أجزاء شعبنا وأمتنا. وعلى مستوى الوضع الفلسطيني الداخلي فسندعو إلى - - ً رفع راية السلم ونظامه ،ففي ذلك أول رضى الله سبحانه وتعالى .وفي ذلك ضمانة لمواصلة الصراع إلى النهاية وفي ذلك تواصل مع مئات المليين من أمتنا الموحدة بالسلم ومنذ عشرات السنين حول فلسطين .مع التأكيد على أننا ننظر للفلسطينيين المسيحيين كشركاء وطن وتاريخ وحضارة ومعركة واحدة ضد المشروع الغربي ـ الصهيوني ونرفض على كل المستويات محاولت )التوتير( بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين اليوم وغدا ً وفي كل وقت .فتاريخ السلم وحضارته ليس تاريخ نفي الخرين وإحراقهم إنما هو تاريخ الحضارة القانونية الفذة التي تعترف بالتعدد البشري العقائدي وتتعايش معه وتقنن له .هذا إذا تحركت المور التجاه الول. التجاه الثاني :وهو ما ندعو إليه كل قوى شعبنا في ظل ظروف المرحلة الحالية وعجز المنطقة العربية والسلمية عن التحرك الشامل .ويتلخص في حشد منظم وجاد وحقيقي لكل القوى السياسية ولكل قوى وقواعد شعبنا على كل المستويات لمواصلة الصراع ضد العدو الصهيوني حتى النهاية ودحره من أرضنا شبرا ً شبرًا .وقرية قرية ،ومدينة مدينة حتى ساحل المتوسط ،على أن تتم إقامة شكل من أشكال النظام السياسي على كل بقعة تتحرر مع استمرار الصراع بل تسوية ول اعتراف ول تفاوض ،اللهم إل إذا تقدم العدو للتفاوض على تفكيك مشروعه والرحيل إلى البد من بلدنا. التجاه الثالث :وهو ما تعتبره حركتنا مشروعها الستراتيجي الساسي ،المطابق لسياق تاريخ الصراع في بلدنا وبين أمتنا والمشروع الغربي ـ الصهيوني .وهو أن يستمر شعبنا ومجاهدونا في مواجهة العدو سياسيا ً وعسكريا ً وبكل الوسائل حتى تتفجر طاقات المة نحو النهضة والوحدة والستقلل تحت راية السلم العظيم ،وتحشد طاقات أمتنا بكاملها أو حتى جزء منها نحو المعركة الفاصلة في بيت المقدس أكناف بيت المقدس.
المصدر :نشرة المجاهد ـ العدد 9ـ 27تشرين أول 1989م.
أزمة المعارضة الفلسطينية
*بعد مدريد أصبح البديل أمرا ً ملحا ً وضروريًا ،لنه أصبح مسألة حياة أو موت للقضية الفلسطينية ،ولم تعد هناك محاذير أو موانع أدبية أمام قيام البديل ،الذي اصبح مطلبا ً شعبيا ً أيضًا ،فقد حسم الطرف الخر موقعه وقام بسحب المؤسسات التي يسيطر عليها ،لتخدم عملية انتقاله إلى الخندق الخر ،المتمثل في سلطة الحكم الذاتي التي ل يمكنها أن تتحرر من أسر وظيفتها كوكيل محلي للحتلل. ولكن قيام البديل ،على رغم توافر مبرراته السياسية والدبية وعلى رغم الجماع الفصائلي والشعبي على ضرورته ل يزال يواجه أزمة حادة علينا أن نتضافر بوعي وقوة لتجاوزها. إن نظرة سريعة إلى الساحة السياسية الفلسطينية تخرج بانطباع عن التركيبية الممكنة لعناصر البديل ،ولن تعدو هذه التركيبة أن تكون إعادة صياغة لتحالف القوى الفلسطينية مع توسيعه ليضم قوى وشخصيات غير ممثلة في التحالف. إن القوى السياسية الفلسطينية ،على رغم اتفاقها على جملة من المسائل الساسية بالنسبة إلى القضية الفلسطينية ،إل أنها تعيش واقع المواقف السياسية المختلفة ،أي تباين البرامج السياسية، المختلفة ،ولكن هذا المر ممكن التجاوز بشرط عدم وضع التكتيكي في مواجهة الستراتيجي أو بشكل يصادر فيه التكتيكي الستراتيجي ويلغيه أي أن الذي يقبل حل جزئيا أو مرحليا ل يجوز له أن يعطل على الذي يطرح دفعة واحدة فلسطين الكاملة ،وعلى الطرفين أن يجدا وسيلة لضبط إيقاعهما نحو الهدف .فعلى سبيل المثال .عندما تناهت إلى أسماعنا أخبار أوسلو ،وقبل توقيع التفاق في واشنطن .تداعينا في الفصائل العشرة إلى لقاءات حامية وعاطفية ومؤثرة من أجل التفعيل والتطوير السياسي والتنظيمي لصيغة العشرة باتجاه جبهة على القل تكون أكثر تماسكا ً سياسيا ً وأكثر فعالية تنظيميا ً وللسف ،استهلكنا أربعة شهور وخمسة أيام في جدل وخلف حول مرجعية الميثاق الوطني وجدوى إضافة فلسطين التاريخية كمرجعية جغرافية وسياسية لهدافنا ،أربعة شهور من الجدل وأزمة الثقة نقلتنا من حماسة اجتماع الفاتح من أيلول )سبتمبر( 1993إلى برودة كانون الثاني )يناير( 1994حتى أقر التحالف بعد مخاض عسير وعملية قيصرية بالحد الدنى من المشاعر والكلمات والمعاني. أقول بوضوح إنه لم يكن لقوى تريد في لحظة مصيرية أن تتحشد في جبهة واحدة ملحة وأكثر من ضرورية ،لم يكن لها أو لبعضها أن تضع مساحة الوطن وجغرافيته موضع تساؤل مهما تمرحلت البرامج السياسية لهذه القوى. إن قبول أصحاب البرنامج المرحلي بسقف فلسطين الكاملة ل يلغي رؤيتهم السياسية ول يتعارض مع برنامجهم الستراتيجي في حين كان قبول بعض القوى وأقصد القوى السلمية وأخرى وطنية ـ بطرح فلسطين غير الكاملة كان يعني إلغاءها وفقدانها مبررات وجودها. كانت أزمة الثقة عائقا ً حقيقيا ً أمام توافق القوى على البديل ،وقد انعكست هذه الزمة في التشكيك بنوايا الطراف ،وأثارت ل مبالة داخلية بالتحالف ونقصا ً في القتناع بدور التحالف وأهميته وأهمية التقاء الطراف المكونة له ،مما جعل التنظيمات عاجزة عن فهم بعضها جيدا ً وهي تقرأ عن بعضها وتعرف مواقف بعضها من الصحف ووسائل العلم ،في ظل لقاءات متباعدة ل يسبقها تقديم أو تحضير كاف ،ما يجعل هذا اللقاء غير قادر على حل الشكالت وتصفية الجواء المعرضة باستمرار للتشويش والتعكير ،إضافة إلى عدم بذل الجهود الكافية للتوصل إلى التفاهم ولوضع آليات لتنفيذ التفاهم في حال التوصل إليه. ولكن هذه التعارضات لم تكن مانعا ً جادا ً في سبيل التوصل إلى البديل ،بل إن قدرتنا على تحديدها يعطينا دفعا باتجاه تجاوزها والتوصل إلى صيغة ممكنة قادرة على إخراج شعبنا من مأزقه. إن على البديل أن يحدد ،منذ البداية ،وبشكل واضح ،تناقضه الكامل مع المشروع الخر .وإذا كنا مضطرين لتحديد الخر ببرنامج ومشروع أوسلو ،فليس مسموحا ً لحد منا أن ينطلق من أرضية ذلك المشروع نفسها تحت أي ظرف من الظروف وبأي دعوى من الدعوات ،مثل إدخال تحسينات والبناء على ما هو موجود أو نصرة ما يسمى الفريق العربي الفلسطيني على الفريق الصهيوني داخل مشروع أوسلو أو غير ذلك من المبررات أو الذرائع ،لن هذا يعني أن ينهش المشروع الخر أطراف البديل الوطني المأمول واحدا ً تلو الخر. كما أن البديل يجب أن يقوم على احترام متبادل بين جميع أطرافه والتأكيد على الشرعية والمصداقية الوطنية المتبادلة بين الجميع بل نفي أو إقصاء .فنحن رفاق درب وسلح وموقف. وفي الوقت نفسه ،فإن هذا البديل لن يكون قادرا ً على مواجهة التحدي بمجرد العلن الجبهوي من دون أي تغيير أو تطوير في مستوى الداء لكل طرف من أطرافه ،ولذا فإن إعادة ترتيب أوضاعنا التنظيمية الداخلية ،إسلميا ً ووطنيا ً وديموقراطيًا ،أمر في غاية الهمية للتخلص من رواسب سنوات طويلة من الروتين والبيروقراطية والفهلوة والستبداد وأحيانا ً الفساد الذي بات يطال مستويات متعددة. إن هذا بحاجة إلى ثورة ثقافية ومسلكية تعصف بكل ما هو بال ورث وعاجز ومبدد من موروثات السنوات العشرين أو الثلثين الماضية، باتجاه التجديد الفكري والتنظيمي على أساس ديمقراطي حقيقي، وباتجاه تكريس مناقب الزهد والتضحية ونكران الذات ،من دون التجديد والتثوير والتنوير داخل كل فصيل وداخل كل طرف لن نعطي للبديل مضاءة وتأثيره النقلبي المطلوب عاج ً ل. كما أن البديل ـ الجبهة يجب أن يكون محصلة لفعل التنظيمات والقوى المشاركة ،وليس مجرد نصاب سياسي عددي أو عنوان أو منبر أو سوق عكاظ لنفث الهموم والشكاوي من واقع الحال يجب أن نتجاوز مرحلة المنبر السياسي الذي كان عنوان عملنا ومعناه على مدى أكثر من عامين باتجاه جبهة متماسكة وفاعلة تحكمها علقات داخلية ديموقراطية ملزمة ،على أساس برنامج سياسي واضح يحظى بالجماع الشعبي ويتعامل بحكمة وحنكة مع التعارضات السياسية التقليدية بين أطراف متباينة أيديولوجيا وأحيانا ً سياسيًا، والتأكيد على عدم تعارض التكتيكي أو المرحلي مع الستراتيجي بل أن يخدمه ويقود إليه. إن غياب هذا البرنامج السياسي المشترك الواضح والملزم يعني غموض الرؤى السياسية واللتزامات السياسية ويدفع إلى قيام أزمة الثقة بين أطراف الجبهة أو البديل ،كتلك الزمة التي استحكمت بين أطراف عدة داخل التحالف لكثر من عام ،وكان مبعثها الحواجز النفسية والتشكيك بالنوايا وتراكم الخلفات من دون بحث ودراسة ومصارحة ..فهذا الطرف يظن أن حليفه المفترض ذاهب إلى التسوية أو إلى علقة غير مشروعة مع السلطة والعكس صحيح .هذا في حين تستعر حرب إشاعات يغذيها العلم من ناحية ونزعات حزبية من ناحية أخرى .وهذا ينقلنا إلى مسألة جوهرية أخرى ونحن نتقصى الذاتي في ما يتعلق بالبديل، وهي مسألة تصيب الشعوب والمم عند انحطاط الحضارات وانهيارها حين تنمو النزعة الفردية والهروبية ويتم تغليب الخاص على العام .والخطر من تبرير ذلك باعتقاد أصحاب هذه النزعات، أنها تنطبق على القضية وأن مصلحة القضية من مصلحتهم وليس العكس ،مما يدفعهم إلى الحفاظ على الذاتي بأي ثمن والحصول على المكاسب بأي طريقة وأنهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا ،إن هذا عين ما عاشه ياسر عرفات على مدى ثلثين عامًا ،وأن هذا هو ما قاده إلى حكم ذاتي في غزة غير مدرك أو غير عابىء بالحرى بما هو مصلحة عليا وبأن القضية أكبر من كل الفراد والفصائل بل أكبر من كل الشعب ففلسطين ملك الشعب والمة ،ملك أجيال الحاضر والمستقبل ،وهي مركز الصراع الكوني وساحة الصراع والتماس بين المة العربية والسلمية وبين أعدائها التاريخيين. إن تغليب الخاص على العام مظهر من مظاهر النحطاط والهزيمة والتفتت ،ولن تصنع بديل ً حقيقيا ً أو جادا ً إل عندما تعاد للمصلحة العامة قيمتها العليا في رؤيتنا وفي فعلنا. وبعد ،ل ننسى أن هناك عوامل موضوعية لبد من أخذها في الحسبان ،تتمثل أساسا ً بالعامل الدولي والقليمي ،ففي ظل التفرد والرهاب الميركيين تجد المعارضة الفلسطينية نفسها للمرة الولى في تاريخها المعاصر مكشوفة من دون غطاء مادي أو سياسي أو معنوي إل من علقات هنا وهناك أضعف من أن تكون حاضنة أو سندا ً استراتيجيًا .ومع ذلك فالبديل الوطني عليه أن يبذل أقصى الجهد في مدى علقاته وتحالفاته مع كل القوى التي تستشعر مثله الخطر على وجودها واستمرارها لقيام أوسع تحالف ممكن فلسطينيا ً وإسلميا ً وعربيًا ،من دون نسيان أن هناك قوى وأطرافا ً عالمية ترفض الهيمنة والتفرد الميركيين وتعاني منهما مثلما تعاني .وفي هذا السياق نؤكد ضرورة تماسك التيارات الوطنية التقدمية القومية والسلمية ليس على ساحة فلسطين وحدها ولكن على ساحة الوطن العربي وكل المة لتشكل سندا ً لنضالنا وجهادنا في فلسطين .وهذا يستدعي إقامة الجسور القوية مع الجماهير العربية والسلمية وأحزابها وهيئاتها وقواها الطليعية. أما في ما يتعلق بمسألة الحجام التنظيمية والسياسية داخل هذا البديل ،وبروز نظرية العمود الفقري أو التنظيم القائد ،فإن مسألة الحجام عندما تكون واقعا ً يستحيل تجاوزه أو القفز عليه ولكن مسألة التنظيم القائد أو العمود الفقري ،إن وجد ،وكان بروزه ملحا ً ،فيجب أن ترتبط ببرنامج النضال القائد ،على قاعدة "ل طاعة لتنظيم قائد في معصية البرنامج المتفق عليه" .فالولوية للبرنامج ول اعتراض بعد ذلك على فكرة التنظيم القائد ،إن وجد على أرض الواقع بحجمه المؤثر والتزامه الوطني الجاد ،وضمن إطار ديمقراطي. إن ما تقدم ل يعدو كونه مرورا ً سريعا ً على موضوع بحاجة إلى دراسة متأنية وتدقيق وتعمق لنه موضوع يعاني من تراكمات سنوات طويلة حافلة ومن تشابك وتعقيد بحجم تشابك القضية الفلسطينية وتعقيدها.
المصدر :من أرشيف حركة الجهاد السلمي في فلسطين )نشر في
جريدة الحياة عام ، (1994غير محدد تاريخ النشر.
النتفاضة بين التفجير
السلمي والستثمار العلماني عندما اندلعت شرارة النتفاضة ـ الثورة مع نهايات العام 1987م لم يكن بوسع أحد يومها أن يتصور أننا أمام حدث كبير سيقلب الموازين ويعيد ترتيب أشياء عديدة في المنطقة ،بل أن تسميتها بالنتفاضة يشير الى ظن الكثيرين أن ما حدث لن يستمر طويل ولن يكون شامل ً وأنها ليس أكثر من رد فعل مؤقت. العدو الصهيوني الذي أربكه ما حدث اعتبرها أحداث شغب عابرة لن تعمر أكثر من أيام معدودة ..وعندما قال سياسي صهيوني في ندوة تليفزيونية ـ وبعد أسبوعين من تفجر واندلع النتفاضة ـ إن هذا تمرد مدني وعصيان ،رد عليه مشارك صهيوني أكثر تطرفا :إن التمرد في رأسك فقط هذا ليس أكثر من شغب ..بل إن وزير حرب العدو إسحق رابين والقادم من أمريكا وقتها صرح بأنه سيسحق هذا الشغب في أيام قليلة ،ولكن بعد شهرين كان شامير يقول إن هذه حرب حقيقية ..هؤلء ل يريدون غزة والخليل فقط ،هؤلء يريدون يافا وحيفا أيضًا ..وبعد عدة شهور كان رئيس أركان العدو دان شومرون يقول :إن معجزة لن توقف النتفاضة أما رابين نفسه فقد صرح مرات عديدة أن القوة وحدها ل يمكن أن توقف النتفاضة. القيادة الفلسطينية الرسمية في تونس فوجئت بما حدث ،بل وصل بها المر إلى أن تظن في البداية وأن هناك مؤامرة تستهدفها أو تستهدف شرعيتها المهتزة ،خاصة وأن يوم 1/1/1988م قد مر بدون أحداث ُتذكر رغم النداءات المتكررة الداعية التي تميز هذا اليوم ،بل وصل المر برئيس قسم الشؤون العربية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن يكتب في نفس ل :ل نفوذ لعرفات في قطاع غزة وأن قبضته في الضفة اليوم قائ ً الغربية مهتزة. ولكن م.ت.ف تحركت بعد ذلك في كل اتجاه مسكونة بالماني أن تستمر النتفاضة ولو ليام ترد بها اعتبارها بعد أن تم تجاهلها في مؤتمر عمان )نوفمبر /تشرين ثاني 1987م(. أما النظام العربي والذي كان متورطا في الحرب العراقية اليرانية ،فلم يكن يتوقع أن يرى نار الحرب المقدسة تشتعل في بيت المقدس ،فبعد أن كان قد نفض يديه من فلسطين التي لم يعد يطرحها ـ حتى في إعلمه ـ كأولوية كما تعود أن يفعل في العقود الماضية ..هذا النظام شعر بإرباك شديد وخشية من أن يمتد الطوفان من بيت المقدس الى بقية العواصم. كل هؤلء فوجئوا أما شعبنا في فلسطين فقد كان كمن يصعد سلمًا ..كلما تجاوز درجة في السلم احترقت وأصبح من غير الممكن العودة الى الوراء ،لم يبق أمامه من خيار سوى الصعود والستمرار وتصعيد الثورة .وهنا علينا أن نقر أننا أمام ثورة حقيقية بكل معنى الكلمة وأننا أمام تغيير نوعي ومتميز في مسار الصراع مع المشروع الصهيوني… إنه مفترق الطرق الصعب أمام الحركة الصهيونية ،فهذا الشعب الفلسطيني الذي كان يتم دائما تناسيه عند صياغة البرامج الصهيونية منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى الن يؤكد أنه أكثر الظواهر حيوية في المنطقة وأنه ليس بالمكان تجاوزه وليس بالمكان نفيه وليس بالمكان تحوله الى شعب من العبيد لنه حي وحر وسيد .كانت الحركة الصهيونية توهم العالم وحتى اليهود بأن فلسطين بل شعب وأنها فقط بانتظارهم وذلك حتى ل تقع في إشكالية الجابة عن سؤال :ماذا ستفعلون بالشعب الفلسطيني الذي يعيش فوق أرض فلسطين؟ أو إشكالية طرد أو إبادة أهل هذه البلد. كانت جولدا مائير إحدى رواد الحركة الصهيونية ورئيسة الوزراء السابقة للعدو تقول "ليس هناك شعب أسمه الشعب الفلسطيني" بل إن ميلد طفل فلسطيني كان خنجرا ً في خاصرتها كما حاولت أن تقول مرة. ورغم القوة والفعالية التي تميزت بها الحركة الصهيونية إل أنها بخصوص الشعب الفلسطيني كانت تتبع تكتيك النعامة المشهور الذي يظن أن عدم رؤية المشكلة أو التغافل عنها يعني زوال هذه المشكلة أو حلها ،ولكن بعد قرابة قرن على نشأة الحركة الصهيونية وأقل من نصف قرن على قيام الكيان الصهيوني ..تتكشف شيئا ً فشيئا ً نقطة الضعف في هذا المشروع الصهيوني ،ويتأكد كم كانت النعامة مخطئة بل وبلهاء أيضا ً وأن ساعة الحقيقة قد دقت وأنها اليوم أقوى وأوضح من أي وقت مضى ،وأنها المواجهة ل مفر .إنه مأزق حضاري وتاريخي وسياسي كبير هذا الذي يعيشه الكيان الصهيوني اليوم ..إضافة الى مأزق الرعب المني الدائم ،لن المشكلة ليست مجرد القنبلة الديمجرافية المترقبة ولكن ايضا ً ما يحدث اليوم من إجلء الغبار عن الهوية الفلسطينية ذات المضمون العربي السلمي. وهكذا فنحن من جديد أمام ثورة حقيقية ،وصفها رابين ضمن سياق تصريحاته المرتبكة ،والمتناقضة بأنها "حرب أهلية" فرد عليه أحد العسكريين الصهاينة "ل .إنها حرب عصابات من نمط جديد"، ووصفها المعلق العسكري الصهيوني يورام بيري :بأنها حرب ثورية على غرار الحرب الفيتنامية والجزائرية وسماها بالحرب السابعة ل" :إن صعوبة تصنيف هذه الحرب وفهمها ليس أمرا ً عفويا ً ، قائ ً فهذه حرب تختلف عن كل الحروب الست السابقة ،إنها حرب من نوع جديد ،لم يعرفه الجيش السرائيلي من ذي قبل" كما إن أوجه الشبه بينها وبين أحداث 1936ضعيفة جدًا. اما المعلق السرائيلي زئيف شيف فيقول بعد شهرين من النتفاضة في 12/2/1988إن ما يحدث "إنما هو حرب استنزاف جديدة ،إنها حرب استنزاف من نوع آخر ،لم نتعوده من قبل خلل جميع حروبنا ..إنها مثل كل حرب موجهة بالدرجة الولى ضد القوات المسلحة للدولة ،ولكن ليس ضد الجيش "السرائيلي" وحده فالمستهدف إنما هو الجيش "السرائيلي" والجمهور بأسره ـ الشعب ـ وكما واجهنا حرب الستنزاف في بداية السبعينات في جبهة قناة السويس وفي مرتفعات الجولن وغور الردن فإن هذه الحرب تنطوي على قدر كبير من التدمير" ..بل أن عنصر المفاجأة هنا أكبر مما في حرب أكتوبر /تشرين أول 1973وذلك كما يرى زئيف شيف نفسه الذي سبق وسمى حرب تشرين بالزلزال ،حيث يقول "إن المفاجأة الخيرة )النتفاضة( كانت مذهلة أكثر فلم تنجح " إسرائيل " في العام 1973في فهم ما كان يجري في القاهرة ودمشق ،وفي سنة 1987لم تنجح "إسرائيل " في ملحظة ما يحدث في بيتها ..وفي حجرة نومها". وهكذا وبعد أربعة عقود من الزمن على النكبة الولى بضياع فلسطين عام 1948وبعد عقدين على النكبة الثانية بسقوط بيت المقدس عام 1967وبعد سلسلة من التحولت التي عاشتها المنطقة تحت الهيمنة المريكية حتى كاد أن ينطفئ بريق القضية أو يطويها النسيان في المحافل الدولية ،في ظل هذا جاءت النتفاضة ـ الثورة ـ لتتميز بين ثورات الشعوب المعاصرة وعن غيرها من الساليب التي واجهنا بها العدو سابقا ً ،ولكنها ليست نبتا ً غريبا ً أو طارئا ً بل تأتي في تاريخنا الفلسطيني تتويجا ً لتاريخ طويل من النضال والجهاد الذي مارسه شعبنا ومازال منذ انتفاضة العشرين والحادي والعشرين من هذا القرن الى هبة وثورة البراق في العام 1929الى ثورة القسام وخروجه الى أحراش يعبد وإعلنه الجهاد والثورة الى الضراب الكبير وثورة 1936الى ملحم 1948 التي سطرها الثوار والمجاهدون من فلسطين وغيرها ،الى تجارب العمل الفدائي والمقاومة منذ منتصف الستينات الى انتفاضة مارس ـ آذار ـ 1979ضد توقيع الصلح بين النظام المصري والكيان عرف باتفاق كامب ديفيد ،الى انتفاضة إبريل ـ الصهيوني فيما ُ نيسان 1982إثر الهجوم الذي شنه الجندي الصهيوني جودمان على المسجد القصى الى انتفاضة ديسمبر ـ كانون أول 1986إثر مقتل صهيوني في القدس واستشهاد طالبين في بيرزيت الى انتفاضة فبراير ـ شباط ، 1987وغيرها و غيرها من النتفاضات والمواجهات ضد العدو الصهيوني في زمن الشتباك المستمر منذ الحرب العالمية الولى وحتى الن ..وهكذا تؤكد النتفاضة أنها جاءت في سياق نضال وجهاد شعبنا المتواصل وهي في نفس الوقت تأتي في سياق جهاد المة العربية والسلمية ضد المشروع الستعماري منذ مطلع القرن التاسع عشر والى الن. ولسنا هنا في مجال مقارنة النتفاضة ـ الثورة بتلك الثورات المعاصرة فهي تلتقي مع بعضها في مزايا وتختلف عنها في مزايا ..وفي الحالين تشكل نسيجا ً خاصا ً بها يجعلها ل تشبه إل نفسها ..إنها تتميز في طبيعة كونها مركز الصراع الكوني بين تمام الحق وبين تمام الباطل ،بين السلم ومشروعه الناهض القائم على الحق والكرامة والسلم وبين المشروع الغربي الصهيوني القائم على الصراع والتفسيخ والعدوان. مبرر بين ُ بتفاوت الوطن كما تتميز بشموليتها ،إذ شملت كل الضفة والقطاع من ناحية وبين المناطق المحتلة منذ 1948ونكاد نجزم أن من أهم أسباب التفاوت هذا ما كررته م.ت.ف في سياساتها وإعلمها من أن النتفاضة يجب أن تنحصر في الضفة الغربية وقطاع غزة مع ما سببه ذلك من آثار سلبية على شعبنا في الرض المحتلة منذ 1948والذي قدم من الدعم والسناد ـ وأيضا المشاركة الفاعلة من وقت لخرـ ما هو مفخرة له. كما شملت النتفاضة ـ الثورة مختلف الفئات والطبقات من عمال وفلحين وطلب ومثقفين وتجار وبمشاركة المخيمات والمدن والقرى والرجال والنساء والفتيان والطفال إضافة الى أن المسيحي وقف بجانب المسلم تحت نفس الراية. والنتفاضة أيضا تتميز بصالبتها واستمرارها ..إذ مضى عليها عامان قوية شامخة وكأنها تفجرت بالمس بالرغم من كل أساليب الرهاب والبطش والتنكيل التي مارسها العدو ضد شعبنا والذي كان دائما يبتكر وسائل جديدة ومبدعة لمواجهة أساليب العدو. كما ل يجب أن ننسى أن الثورة النتفاضة تشتعل فوق أرض يشكل شعبنا فيها أقلية عددية مقارنة باليهود في حين أن العدو ـ إضافة الى تفوقه العددي ـ يتمترس خلف كل أنواع السلح في دولة عصرية وحديثة. ً الشعب والعدو وجها لوجه في المراحل الولى للنتفاضة كانت مراهنة قيادة الكيان الصهيوني على أن الحركة الجماهيرية لن تخرج عن الهبات السابقة لشعبنا التي تكررت بين وقت وآخر منذ بداية الحتلل وأن نارها سرعان ما تخبو ليعود واقع اللحاق القتصادي والحباط السياسي والقهر السياسي ليسيطر على شعبنا في الوطن المحتل ،بل إن وزير حرب العدو اسحق رابين تجرأ وأعطى وعدا ً بإخماد الثورة الجماهيرية خلل أيام قليلة ،ولكن ما إن تيقن العدو من أن النتفاضة ـ الثورة قد ضربت جذورها في الحياة الفلسطينية حتى تواصلت واتسعت إجراءاته العقيمة واحدة تلو الخرى.استخدم العدو في مرحلة مبكرة حرب البيانات حيث قام ضباط أمن العدو وعملؤه بإلقاء آلف النسخ من البيانات بأسماء تنظيمات فلسطينية إسلمية ووطنية محاول ً أن يخلق بذلك حالة من النقسام والضطراب بين صفوف شعبنا فيما يخص فعاليات النتفاضة أو علقات القوى السياسية ببعضها البعض ،ولكن شعبنا ميز بوعي عميق وبحدس ل يخطئ لغة العدو وخطابه في البيانات المصطنعة ،ولقد ساعدت حالة التسييس العالية لشعبنا مساعدة كبيرة في عملية التبيين والتمييز. وكان العدو المجرم قد استطاع منذ بداية السبعينات في ظل ما زرعه من فقدان الثقة العام وما أشاعه من تدهور أخلقي أن يشكل شبكات من العملء من ضعاف النفوس الذين رضوا لنفسهم خيانة شعبهم وبيع أرواحهم بثمن بخس ،ومع اندلع النتفاضة أطلق العدو شبكات عملئه كأداة حيوية لمخططاته العميقة في مواجهة الجماهير. وقد اتسمت المرحلة الولى من النتفاضة بقيام أعداد متزايدة من العملء تحت ضغط الحالة الجماهيرية المتصاعدة والروح السلمية البارزة للنتفاضة ـ الثورة بإعلن توبتهم علنية في المساجد وعودتهم الى صفوف المة ،ولكن مع استمرار ما تبقى من فئة العملء على غّيها اضطرت قوى شعبنا الى تسديد ضرباتها الى غور العملء وكان التوجه الجماهيري الثائر الى منزل العميل محمد عياد في قباطية بمنطقة جنين 24/2/1988وإعدامه أمام العالم نقطة تحول بارزة جعلت كثيرا ً من العملء المترددين يسلمون أسلحتهم الى سلطات العدو ويسارعون كمن سبقوهم الى التوبة ،وقد فشلت حتى الن كل محاولت العدو لتشكيل طابور خامس من العملء وإعادة تجربة النقسام الفلسطيني الداخلي في سنوات ثورة .1939-36 ولكن مراهنة العدو على شق الصف الفلسطيني في الداخل كانت على الدوام جزءا ً أساسيا ً من مخططاته لجهاض النتفاضة ـ الثورة ،فحاولها مرة عبر تشجيعه لبعض الشخصيات والقيادات المحلية الهامشية على أحد مواقع ومواقف ل تنطبق بالضرورة مع الجماع الشعبي العام ،وحاولها مرة ثانية بالتركيز على بعض النقسامات والصدامات العابرة بين القوة السياسية الفاعلة خاصة بين بعض السلميين من جهة وقوى وطنية من جهة أخرى ،ولكن شعبنا المجاهد وقواه السياسية الفاعلة كانت تفوت الفرصة على العدو المجرم ،فقد التزمت معظم القيادات في النهاية بالجماع الشعبي عندما رأت تصميم شعبنا على مواصلة انتفاضته بل تراجع ، كما استطاعت القوة السياسية وأمام النبع الخلقي الهائل للنتفاضة أن تجد حل ً أو آخر لخلفاتها. مارس العدو أيضا ً متجاهل ً الرأي العام وكل العراف النسانية حربا ً مباشرة وبشعة ضد شعبنا فقد أطلق النار على الطفال والنساء والشيوخ حتى وصل عدد شهداء النتفاضة مع نهاية عامها الثاني إلى أكثر من سبعمائة شهيد وعشرات اللف من الجرحى واللف العديدة من المعتقلين الذين يعيشون ظروف اعتقال ل تقل وحشية عن تلك التي شهدتها معسكرات العتقال النازي ،وذلك في ثلث معسكرات جماعية كبيرة موزعة بين صحراء النقب وهضاب الخليل وشاطئ غزة إضافة الى معتقلت فرعية أصغر. وواصل العدو سياسة البعاد التي كرسها قبل سنوات النتفاضة ـ الثورة بإبعاد حوالي ستين من قيادات وفعاليات النتفاضة الى خارج فلسطين. عد العدو من استخدامه لقوانين الحتلل المتعسفة كما ص ّ واللشرعية وأصبح أمرا ً عاديا أن يحكم على من يقذف حجرا ً على جنود الحتلل بالسجن لمدة تتراوح بين ثلث وخمس سنوات وغرامات مالية فادحة على ذويه ،في نفس الوقت الذي استمرت فيه سلطات الحتلل تهدم منازل المتهمين بأقل التهم المنية أثرًا. وعلى مستوى آخر وفي محاولة لتفتيت تماسك القوة الشعبية في الداخل ،لجأ العدو الى فصل كامل للضفة عن القطاع ومنع النتقال الحر بينهما كما لجأ في حالت عديدة الى عزل وتطويق مناطق بأكملها لعدة أيام ..إما بقصد التجويع والقهر النفسي وإما بقصد منع التصال بالخارج ،وقد رد شعبنا بإبداع وصمود مذهلين على كل أساليب العدو ،وحافظ على قنوات التصال بين الضفة والقطاع وبين الداخل والخارج مفتوحة ومستمرة وبقنوات مبتكرة ومتعددة .على أن أهم المعارك التي خاضها شعبنا في عامي النتفاضة ضد العدو كانت في مجال التعليم والقتصاد .على المستوى الول بادر العدو منذ الشهور الولى للنتفاضة ـ الثورة إلى إغلق الجامعات نهائيًا ،ثم تبع ذلك إغلق المدارس لشهور طويلة .ولكن أهداف العدو في هذا المجال ردت الى نحره فقد تحول الـ 480ألفا ً في الضفة والقطاع الى رصيد جديد لفعاليات النتفاضة ـ الثورة كما انتقلت مراكز التجمع والتخطيط والنطلق الجماهيرية من المدارس والجامعات الى المساجد ..وعلى المستوى القتصادي حاول العدو ومازال قهر النتفاضة ومحاصرتها اقتصاديا ً وماليا ً عبر سلسلة متزايدة من الجراءات منها: ـ منع بيع المنتجات الزراعية للضفة في القطاع أو العكس أو تصديرها للخارج. ـ عدم زيادة حصص المياه المقرر للمناطق المحتلة وقطع المياه والتيار الكهربائي ليام عديدة مما ساهم في تعطيل العديد من المعامل والمصانع والورش الصغيرة. ـ مصادرة المزيد من الراضي وتسليمها للمستوطنين. ـ منع دخول الموال من الخارج. ـ فرض الضرائب وتحصيلها بطريقة تعسفية حيث وصل عدد الضرائب التي يفرضها العدو على شعبنا في الوطن المحتل إلى 14 نوعا ً .وقدرت حصيلة الضريبة التي يجنيها الحتلل من أهلنا في الضفة والقطاع عام 1986بمبلغ 745مليون دولر. ـ قيام المستوطنين بتخريب وتسميم الزراعات الفلسطينية في الضفة والقطاع. ـ تقييد حركة صيادي السماك. ـ ربط فرص العمل المتاحة للعمال وأصحاب الورش والصناعات الصغيرة بوجهة نظر سلطات العدو المنية والسياسية في الشخاص والعمال. ـ قمع العدو لكل محاولت التكافل بين شعبنا في الضفة والقطاع وأهلنا في مناطق ، 1948وقد ساهم في إكمال حلقات الحصار القتصادي لشعبنا ما قامت به السلطات الردنية في نهاية يوليو / تموز 1988من قطع سلطاتها لقانونية والدارية ،وما أدى إليه ذلك من انخفاض حاد في دخل قطاع واسع من الموظفين والى انخفاض أكبر في قيمة الدينار الردني ،مع كل ما جاء به ذلك من آثار مدمرة على قيمة المدخرات والقدرة الشرائية لشعبنا. وفي مواجهة هذه المعركة برهن شعبنا وبصلبة وبعد عامين من النتفاضة أنه قادر على الصمود والمواصلة. لقد طور شعبنا أساليب مواجهته المباشرة للعدو في ساحة النتفاضة ـ الثورة من مرحلة لخرى طبقا ً لقدراته وضمن إطار مواصلة النتفاضة. فبعد المسيرات الحاشدة التي تميزت بها النتفاضة في اليام والسابيع الولى وبعد المواجهات الشاملة مع قوات العدو التي حدثت في نفس الفترة ،انتقلت الجماهير تحت ضغط أساليب العدو الجديدة في البطش والتنكيل الى مرحلة أخرى استمرت فيها المواجهات والضرابات ،ولكن مع تناوب في أدوار المدن والقرى والمخيمات ودون تظاهرات حاشدة عدا جنازات الشهداء وبعض المناسبات واستخدمت الزجاجات الحارقة بكثافة أشد. هذا وكان قد روج في أثناء شهور النتفاضة الولى لطروحة مفادها استبعاد العمل العسكري لما يسببه ذلك من رد فعل صهيوني شديد باتجاه المزيد من القوة والقمع .إل أن طابع النتفاضة المميز عن كل الحركات الجماهيرية المشابهة في تاريخ العالم الحديث وتواصلها بل نهاية لكثر من عامين وحرص العدو على استخدام سياسة القتل بل حساب ضمن خطته للردع والقهر النفسي جعلت من الضروري أن يأخذ الكفاح والجهاد المسلح دوره في المعركة ..هذا الكفاح والجهاد الذي ل يجب أن يتوقف في أية مرحلة كانت من مراحل النضال ضد العدو الذي قام أصل على العنف والرهاب. دور حركة الجهاد السلمي وعلى مستوى آخر طاردت جماهيرنا العدو في داخل المنطقة المحتلة منذ 1948وشنت عليه حربا ً نفسية واقتصادية شملت خطف وقتل جنوده وإخفاء جثثهم مع ما في ذلك من دللة مثبطة على المستوى الديني اليهودي ؛ كما شنت حرب حرائق واسعة النطاق بلغت أكثر من 150,000دونم ،مما جعل العدو يصرخ ..إن هؤلء ل يريدون غزة والخليل بل يافا وحيفا والناصرة أيضًا. وهكذا ولول مرة منذ أربعين عام يقف العدو الصهيوني أمام مأزق حضاري وتاريخي من التأزم والتفسخ الجتماعي يصل إلى مداه داخل المجتمع الصهيوني. المنجزات يبقى استمرار النتفاضة ـ الثورة لعامين كاملين في مواجهة دولة حديثة وعصرية وجيش حديث وقوي وجهاز أمن من أخطر الجهزة في العالم ،يبقى استمرارها ضربا من المعجزة خاصة إذا ما لحظنا الحصار الدولي والعربي من حولها ،فهذا الستمرار والنتشار والتصاعد يشير الى حيرة العدو وارتباكه ،وهذا ما لم يحدث من قبل كما يشير الى قوة الرادة الشعبية وقوة المخزون الروحي واليماني الذي يطلق كل هذا الفعل ويحافظ على استمراريته وصموده ،فأخيرا ً اكتشف الشعب الفلسطيني المجاهد موطن القوة فيه في نفس الوقت الذي اكتشف فيه موطن الضعف في العدو ،فضرب ضعف العدو بقوته "وقتل داوود جالوت.".. ً وفي عمق الجماهير ،برز الستشهاد كقيمة عظيمة فارشا ظلله السلمية العميقة على حياة الناس واستعدادهم للمزيد من الستشهاد الذي أصبح عادة يذهبون إليها كما يذهبون إلى اعمالهم ومدارسهم. وعلى المستوى الخلقي هزم الشعب هجمة العدو اللأخلقية، واندحرت هجمة العدو لغراق المجتمع الفلسطيني بالفساد والمخدرات ،وأصبحت المرأة جزءا ً ل يتجزأ من نضالت الشعب وتضحياته ،تقاتل في الشوارع وتعيد بناء دورها في المنزل كإدارية ومنتجة ومدبرة ،بل وتستشهد وتطارد لسابيع ،وشهور ،تعتقل وتعذب وُيفرج عنها لتعاود العمل والنضال من جديد ..أما العمال الذين حاول العدو خلل عشرين عاما أن يربطهم بعجلة اقتصاده ودفعهم لنمط حياة استهلكي فقط أصبحوا أداة النتفاضة الضاربة في شوارع الوطن ،وفي ضرب اقتصاد العدو بعد أن تخلصوا كغيرهم من نوازع الستهلك التي زرعها العدو في المجتمع. وفي إطار استنهاض الجماعة والمجتمع عاد للمسجد دوره التاريخي في حياة الناس كمركز للتجمع والتعليم والمشاورة والتعبئة ،وتخلي الناس تدريجيا ً عن اللجوء الى مؤسسات الحكم والسلطة التي يهيمن عليها العدو ،وعادوا في مشاكلهم الى العلماء والقيادات السلمية والوطنية والشخصيات الجهوية المخلصة .كما خاض شعبنا معركة ذات أبعاد نهوضية كبرى في مجال التعليم ..ففي حين أغلق العدو المدارس والجامعات أقيمت الفصول الدراسية في المساجد والمنازل وتحت الشجار بل تم تخريج كل طلب السنوات الخيرة في الجامعات ومازالت هناك أقسام في بعض الجامعات تعمل بسرية حتى الن ،بل إنه جرى تطوير لمناهج التعليم بما يتفق مع المرحلة الجديدة ،ولو ل تراجع العدو في معركة التعليم وإقدامه على فتح المدارس من جديد لبرزت تجربة تعليمية نهضوية في الوطن المحتل تستحق التأمل والدراسة. ولكن مجالت القتصاد والزراعة والصناعة كانت هي المجال الذي برزت فيه قوى النهوض كما لم تبرز في مكان آخر ،ولعل التجربة الفلسطينية في عامي النتفاضة في هذا النطاق تعتبر إسهاما ً واقعيا ً وفعليا في الجدل العربي والسلمي الطويل حول إشكالية النهضة والستقلل. كما جسدت النتفاضة ـ الثورة وحدة الشعب وقواه الفاعلة على الرض ..فرغم الخلفات الفكرية والسياسية بين أطراف عدة إل أن الجميع وجه جهده وضرباته باتجاه العدو مما نزع فتائل تلك الخلفات ليعطيها حجمها الحقيقي أمام عدو شرس يسعى للقضاء على الجميع. وكسرت النتفاضة ـ الثورة ما سمي بالخط الخضر ـ أي الحد بين شعبنا في الرض المحتلة منذ 1948وبين الضفة والقطاع المحتلين منذ عام 1967ـ وأكدت وحدة هذا الشعب ووحدة مصيره من خلل الدعم والسناد والمشاركة القوية لهلنا في الجزء المحتل منذ .1948 وأعادت النتفاضة ـ الثورة القضية الفلسطينية الى مركز الحداث في العالم وجعلتها من جديد القضية المركزية للمة العربية والسلمية. المصدر :غير معلومة مصدر النشر… وبسؤال المتابعين علمنا أنها نشرت خلل عام 1992في مجلة )العالم( وفي مجلة ) فلسطين المسلمة(.
التاريخ لماذا ..؟
كان التاريخ ول يزال قضية النسان منذ الزل يؤثر فيه ويصنعه ضمن الظروف الموضوعية التي تمر بها مراحل التاريخ البشري.. ضمن النواميس الكونية التي وضعها الله سبحانه .. وعندما تتعرض أمة ما لهزة عنيفة في حياتها فإنها إما تهب من نومها لتنظر في تاريخها تبحث من جديد شروط وجودها ..وإما إنها تهب من نومها لتنظر إلى التاريخ شذرا ً تتهمه ثم تعود ثانية إلى سباتها العميق. وهكذا أيضا ً ..عندما تستغل أمة أو جماعة فإنها تتنبه بداية إلى تاريخها ،فتتقدم تدرس وتحلل وتنقد ..تعيد الترتيب والصياغة لتتعرف على مواقفها الحالية ،ثم تنطلق إلى آفاق المستقبل.. بينما في الجانب الخر ـ أي في حالة العجز والضياع ـ تنام الجماعات عن تاريخها ،بل وتقف منه موقفا ً سلبيا ً ومتهما ً ..من هنا ندرك نحن ـ البناء الحقيقيين ـ أهمية وعي التاريخ وانه المفتاح الذي بين ايدينا كي نفهم وعي ماضينا ونعي دروسه وتجاربه وعبره ،وبالتالي نؤثر في حاضرنا ول نكتفي بالجلوس في مقاعد المتفرجين.. هذا الفهم وهذا التاريخ كلهما سيقودان بالتالي إلى امتلك سناّ ح ففقدنا المستقبل ..ولقد عانينا كثيرا ً تراجع وعينا التاريخي بهويتنا وأصالتنا ووقفنا عاجزين عن تحديد مواقع أقدامنا ناهيك عن إمكانية استشراف المستقبل… وكما عاش الوطن السلمي بعمومه هذا الغياب فإن الكثير من الحركات السلمية لم تفلت من هذا الشراك ولئن كنا حتى وقت قريب نعتقد أن تلك الحركات قد أدركت الشرط الذاتي لوجودها ، وإنها لم تدرك بعد الشرط الموضوعي … فقد كنا نرتكب مغالطة كبيرة لسببين: 1ـ كيف يمكن أن يقال عن إنسان غاب وعيه التاريخي أنه اكتشف ذاته أو اكتشف الشرط الذاتي لوجوده. 2ـ إن هذا التصور جهل بالعلقة الجدلية القائمة بين وعي الذات ووعي الموضوع ،وهكذا فإنه بالرغم من غللة الثقة التي تغلف تصرفات الكثير من التنظيمات داخل صفوف الحركة السلمية اليوم فإننا نجد هذه التنظيمات ـ وتحت الدراسة الموضوعية ـ تعيش في حالة اغتراب وضعت أفرادها في دوامة انهيار القيم وفوضى المفاهيم ومن ثم اليأس في أحيان كثيرة… ومن هنا كان اهتمامنا بالتاريخ ليس كمفردات للتسلية والمتعة والنبهار أمام سيرة السلف الصالح ،ولكن كاستمرار يخضع للدراسة والتحليل والنقد من خلل منهج خاص ورؤية خاصة ..أي من خلل صبغة خاصة ارتضاها الله سبحانه وتعالي )صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة(. ورغم أن الحركة السلمية ـ في مفهومها الحديث ـ لم تتبلور بشكل واضح إل بعد أن حدث التماس الخطير بين الحملة الصليبية التي قادها ذلك الشاب الكورسيكي المغامر نابليون بونابرت وبين الوطن السلمي ،إل أننا ل نستطيع أن نغفل دور الحركة الوهابية كبادرة أولى ناضلت على طريق العودة إلى نقاء السلف الصالح فكانت أول حركة جادة بعد مرور قرون على ظهور المجدد العظيم ابن تيمية. ولننا ننظر للحملة الصليبية التي قادها نابليون كنقطة بداية في أخطر التحديات التي واجهها الوطن السلمي منذ ظهوره فإننا سنبدأ من هنا تأريخنا للحركة السلمية دون إغفال الوهابية كحركة رائدة.. رغم الشهداء الذين قدمتهم الجماهير السلمية مؤكدة أصالتها في مواجهة طلئع الغزو الصليبي الولى قبل ان تتمكن تلك الطلئع من الستقرار في مصر كجزء مهم من الوطن السلمي ،إل أن الصدمة كانت قاسية ونحن نكتشف أي عزلة وجمود وعجز عن الجتهاد والتجديد كنا نعيش ..المر الذي مكن لتلك الطلئع والجيال التي تلتها أن تفعل فعلتها فتسقط النظام السياسي السلمي ..تسقط تطبيقنا لشريعتنا بعد أن نفذت إلى عيوننا ومسام جلودنا عبر البعثات التي أوفدت إلى باريس وأوروبا ثم عادت لتدمر أخلقنا وثقافتنا ،وليحمل بعضها ،ربما بحسن نية في البداية ـ الرؤية الغربية للحياة والتحديث ،هذه البعثات التي استمر تتابعها في أفواج ،إلى أن تمكن هذا التحدي ..الغزو ..الستعمار من تكوين جيل من المفكرين يحملون أسماءنا وأفكاره ..أجسادهم على أرضنا وقلوبهم مشدودة إلى هناك… وما هذا الطفح القذر على سطح الوطن السلمي من مفكرين مهزومين وكتاب كلب وقردة إل استمرار آخر لهذا التتابع ..وهكذا ما إن أخذت المور أمامنا تتضح شيئا فشيئا حتى وجدنا أنفسنا إزاء خمسة أوضاع أو خمسة فئات كانت إفرازا للتحدي أو ردا ً عليه بشكل أو بآخر: 1ـ المسلمون التقليديون :الذين غابوا عن الوجود والشهود تماما ً وعاشوا في حالة اغتراب تام عن الذات والموضوع ومن سمع منهم بالتحدي القادم أحس من بعيد أنه شر محض ،وبقي الدعاء على المنابر لسلطين رحلوا من قرون. 2ـ المسلمون السلفيون المحافظون :كالوهابية والمهدية والسنوسية وسنتكلم عنهم بإسهام بعد قليل. 3ـ المسلمون السلفيون المتنورون :بقيادة جمال الدين الفغاني وسيأتي الحديث عنهم أيضًا. 4ـ المجموعة الرابعة :وهو ما اصطلح بعض الكتاب على تسميتهم بـ )المسلمون العلمانيون(… ونعتذر عن استخدام هذا المصطلح للتناقض الذي يحمله ،حيث من الضروري استخدامه وبشكل مؤقت للتمييز بين المجموعتين الثالثة والرابعة… ولكي نكون أكثر وضوحا نقول: إن الكلمة الولى من الصطلح تعني أن افراد هذه المجموعة انتسبوا تاريخيا ً إلى السلم بينما تعني الكلمة الثانية حقيقة موقفهم ..وجوهر تفكيرهم رفض للسلم كبعث حقيقي وكسلطة حقيقية ،والقتراب من الرؤية الغربية في فصل الدين عن الدولة. وطلئع هذه المجموعة وإن كانت قد وقفت موقفا ً مشترطا ً من العلمنة في البداية بحيث تتوقف هذه عند حدود العقيدة إل إنها تدريجيا ً وبشكل منطقي انتهت فيما بعد إلى حمل الرؤية العلمانية الكاملة… ويأتي على رأس هذه المجموعة قاسم أمين ،سعد زغلول ،أحمد لطفي السيد وطه حسين... 5ـ المسيحيون المغتربون والمتغربون) :والمصطلح هنا كما هو الحال في المصطلح الذي أطلق على المجموعة السابقة للدكتور هشام شرابي ،مغتربون لنهم أحسوا بالغربة عن الوطن السلمي ومتغربون لنهم أدركوا ان تمسكهم بقيم وأهداف الغرب ورؤيته الحضارية إنقاذ لهم من معاناة الغربة في الوطن السلمي(. ولقد قاد هؤلء محاولت العلمنة في وطننا لنهم فهموا أنه من المستحيل حل مشكلة اغترابهم فيه دون علمنة الرؤية التاريخية وعلمنة المؤسسات والسس التي يقوم عليها المجتمع والدولة ،أي ضرب عملية بعث السلم كأيديولوجية قادرة على الفعل في وجه التحدي القادم) ..فرح أنطون ،شبل شميل ،ولويس عوض(. وحيث أننا هنا بصدد دراسة الحركة السلمية الحديثة في مواجهة التحدي الغربي الحديث بمرحلتيه الكبيرتين ـ الولى تبدأ بالحملة الفرنسية وتمد حتى عام 1928م ،والثانية بدءا ً منذ عام 1928م وحتى الن ـ فإننا سننظر إلى المجموعتين الثانية والثالثة على أنهما كانتا تكونان ما نصطلح على تسميته بالمرحلة الولى من مراحل الحركة السلمية الحديثة.. لقد كان السلفيون يشقيهم المحافظ والمتنور أو الثوري ..كانوا أول رد حقيقي على التحدي القادم ،ودللة على القدرة الفذة التي لهذا الدين على التجاوز والفعل فكانت هذه الحركة وبحق عامل ً أساسيا ً في اليقظة السلمية الحديثة ،قاومت الغزو الفكري ، وناضلت ببسالة ضد المخططات الصليبية الستعمارية .ول ننسى في غمار الحديث عن هذه المرحلة أن ننوه بالدور الذي قدمه الغزالي وابن تيمية وابن قيم الجوزية لهذه الحركة وفي هذه المرحلة رغم ظهورهم قبلها بقرون.. فإذا نظرنا لكل مجموعة على حدة ،وجدنا أن الوهابيين الذين ظهروا في منتصف القرن الثاني عشر ،أي قبل مجيء الحملة الفرنسية بحوالي نصف قرن )ولد محمد بن عبد الوهاب 1703م( كانوا يمثلون أول رفض قوي للفساد الذي عم المجتمع السلمي ومحاولة جادة للعودة بالسلم إلى صفاته الولى ،التي سادت عهد الرسول )صلى الله عليه وسلم( والخلفاء الراشدين والسلف الصالح ..ورأى ابن عبد الوهاب أن مشكلة المسلمين هي في ضعف عقيدتهم وأن الحل هو العودة إلى القرآن الكريم والسنة ،وحارب البدع وأنكر تأويل القرآن ودعا المسلمين إلى الزهد والتقشف والجهاد من أجل بناء المجتمع السلمي ،كما فتح باب الجتهاد الذي ظل قبله مغلقا ً لقرون طويلة… ثم كانت الحركة السنوسية )مؤسسها محمد بن علي السنوسي 1787ـ (1859والتي كانت متأثرة إلى حد كبير بالوهابية من ناحية العودة بالسلم إلى صفاته الولى والعودة إلى القرآن والسنة، ومحاربة البدع وفتح باب الجتهاد ،ولكنهم آمنوا أيضا ً بالرؤية والتصال والكشف التي تحدثت عنها الصوفية… وقدر لهذه الحركة أن تنجح في إصلح المجتمع البدوي ،وتحويله إلى مجتمع متعاون ومنتج وأن تقيم سلطة إسلمية على مناطقها ،وأن تنشر العلم عن طريق زواياها المنتشرة في صحراء أفريقيا وأن تصل إلى القبائل الوثنية هناك ناشرة السلم فيما بينها… ورغم الخطأ الذي ارتكبه المهدي البن ـ 1902 : 1859ـ بمحاولة البتعاد عن المنازعات إل أن الحركة وتحت قيادة البن نفسه اضطرت إلى إعلن الجهاد ـ عندما وضع تقدم العدو الفرنسي في الصحراء المور في نصابها ـ فأصبح ل مفر من الحرب والجهاد كسبيل للستمرار.. وإضافة إلى ذلك فقد كانت هناك المهدية في السودان )ولد المهدي الول 1844ـ (1885والتي نادت أيضا ً بالعودة بالسلم إلى نقائه الول وبالتوحيد بين مذاهب أهل السنة وبمحاربة البدع ومحاربة الفساد السياسي ،وقد قام المهدي بعد أن جمع حوله النصار واستتب له المر بإعلن الثورة ضد النجليز ،واستطاع أن ينزل بهم هزائم كبيرة ،وقد كان ينوي أن يتوجه إلى غزو مصر بعد احتلل الخرطوم وعين وقتها ولة على الشام ومراكش ،دون أن تصل سلطته السياسية لكثر من حدود السودان. ولم تقتصر الحركة السلفية المحافظة على هذه التجاهات الكبرى فقط ،بل كانت هناك اللوسية في العراق نسبة إلى )أبي الثناء اللوسي( الذي نادى بتنقية الدين من الشوائب واتباع السلف الصالح في مسائل العقيدة ،وكانت هناك أيضا ً حركة الشوكاني صاحب نيل الوطار في اليمن)ولد سنة 1760م( ،والتي كانت في حقيقة المر صدى للوهابية في شبه جزيرة العرب ،وفي المغرب كانت هناك حركة المولى سليمان الذي حمل له الحجاج دعوة محمد بن عبد الوهاب فأعجب بها وعمل على نشرها ،وكذلك المولى حسن ثم الشيخ أبو شعيب الدكاني والشيخ ابن العربي العلوي، ولكن برغم الدور العظيم الذي قام به السلفيون المحافظون فإنه من الصعب عليهم أن يتجاوزوا أزمة التحدي الغربي الحديث ،وذلك لتخلفهم عن إدراك الشرط الموضوعي ،المر الذي أدى إلى فقدهم لسلح مهم وخطير في المعركة الكبرى ،وهذا هو عين ما أدركه السلفيون المتنورون بقيادة الثائر العظيم جمال الدين الفغاني )1839ـ (1896الذي حدد منذ البداية )كل مسلم مريض دواؤه القرآن(. وكان من أهم القضايا التي طرحها ضرورة البعث السلمي وأن يفهم المسلمون دينهم الفهم الصحيح ويطبقوا تعاليمه ،وفي نفس الوقت كان مهتما ً بجعل الوطن السلمي قوة سياسية ناجحة وظل يصرخ في كل مكان داعيا ً المسلمين إلى النهضة ورفض الحتلل ومحاربته … كما رفض الصلح التربوي الذي اعتمده بعد ذلك تلميذه محمد عبده كوسيلة حاسمة للتغيير وإعادة مجد السلم مؤمنا ً بالثورة السياسية وبأنها الوسيلة المثلى لعادة السلم .. وقد قامت مجلته )العروة الوثقى( بتحليل وضع المسلمين وسبب تأخرهم وشرحت معنى الخلفة وأسباب تدهورها ودعت للمحافظة عليها بصفتها آخر معقل لتجميع المة السلمية ،وقد كان يأمل خيرا ً في ثورة المهدي وفي تغيير الوضع في إيران وإصلح الخلفة. ويكتب ألبرت حوراني في كتابه )الفكر العربي في عصر النهضة( قائل) :ترك الفغاني في جميع من عرفوه انطباعا ً قويا ً ولو لم يكن مبهجا ً عن رجل مخلص لعقيدته عنيد ومتقشف ،سريع الغضب للشرف والدين ،عفيف يستحيل ترويضه( ،ويقول عنه محمد عبده ) أشد من رأيت محافظة على أصول مذهبه(. ورغم أن الراء كادت تجتمع على أن الفغاني كان شيعيا إل أن مذهبه الذي كان يعنيه المام محمد عبده هو المذهب الحقيقي. وقد كان ينادي دوما بإزالة الخلفات بين المسلمين حتى تلك التي بين الشيعة والسنة. ودعا اكثر من مرة الفرس والفغان إلى التحاد رغم كونهم شيعة وسنة… ولكن يبدو أن الفغاني ..هذه العبقرية الفذة ..قد جاء فردا ً متميزا ً متقدما ً على عصره ،حيث يعم الجهل والتخلف وترك الجتهاد والتخاذل عن الجهاد في مرحلة المد الستعماري الصليبي في كل الوطن السلمي… ولكن على الرغم من ذلك فإن أطروحاته بقيت منارا ً لجيال ستأتي… ويقف مع جمال الدين الفغاني في هذه المرحلة كسلفي متنور المام محمد عبده خاصة في المرحلة الولى من حياته حيث تأثر بجمال الدين الفغاني تأثرا ً بالغا ً وكان أحيانا ً كثيرة الناطق الرسمي باسمه ،والمعبر عن أفكاره )لم يكن الفغاني يحب الكتابة كثيرًا(.. وعندما نفي الفغاني بعد دخول النجليز مصر ،دخل محمد عبده السجن لوقوفه ـ وأخيرًاـ بجانب حركة عرابي ومشاركته فيها، لينفى بعدها إلى خارج البلد حيث يلتحق بالفغاني وينتقل من بيروت إلى باريس فلندن وتونس ..ويحاول محمد عبده بعد ذلك دخول السودان عن طريق مصر متنكرا ً للتصال بالمهدي ولكنه يفشل ويعود إلى بيروت ثانية… وفي عام 1888م عاد المام محمد عبده إلى مصر ثانية ليبدأ مرحلة جديدة في حياته وضح فيها تماما ً غياب تأثير الفغاني وتبنيه للتجاه الصلحي التربوي ،ورفضه للنضال السياسي كوسيلة للثورة .وهكذا لم تكن هذه المرحلة من حياته فوق الشبهات خاصة أنه عاد بعد نفيه إلى العمل الرسمي، بعد أن تعهد بالهدوء تجاه الخديوي للورد كرومر الذي توسط له في إرجاعه إلى عمله ..وقد وقف منه المناضل المسلم مصطفى كامل موقفا ً نقديا ً رافضا ً في هذه المرحلة وعاب عليه اهتمامه بالنفوذ الرسمي ،وفي المقابل شكك محمد عبده في النتائج المرجوة لنضال مصطفى كامل السياسي ،والذي يدعنا نقول أن المرحلة الثانية من حياة المام محمد عبده ليست فوق الشبهات ليس فقط ما ذكر بل أيضا ً تخرج طابور من العلمانيين كانوا قد تتلمذوا على يد المام ..ول ينفي ذلك زعم رشيد رضا ـ تلميذ المام عبده ـ والذي يعتبر أيضا ً رائدا ً سلفيا ً بأن هؤلء قد خرجوا على خط المام .وقبل أن ننتهي من الحديث عن هذه المرحلة لبد من الشارة إلى حلقة الشيخ طاهر الجزائري ) 1851ـ (1920في سوريا حيث كانت قضية البعث السلمي ،وتجاوز أزمة التحدي ووحدة العالم السلمي هي موضوع الحلقة المركزية ..كما ل يمكننا أن نغفل عناصر ثورية إسلمية ومتنورة كمصطفى كامل وعبد الله النديم وكذلك محمد إقبال في باكستان الذي دعا إلى تضافر العقل والوجدان والرادة لبناء مجتمع إسلمي ذلك من خلل فلسفة جديدة ومنظومة شعرية رائعة.. وهكذا انتهت مرحلة بكاملها ،لتبدأ مرحلة جديدة تحت ظل خطر الليبرالية العلمانية المتصاعدة فكريا ً وسياسيا ً وتحت ظل الخطر الناجم عن سقوط دولة الخلفة وتحت تأثير أفكار الفغاني ورشيد وإقبال وتيار الجماعة السلمية بشكل عام ،مرحلة جديدة تبدأ عام 1928هي مرحلة التنظيم الجتماعي الفعال الذي تمثل بحركة الخوان المسلمين في مصر والعالم العربي لتشمل بعد ذلك الوطن السلمي وحركة الجماعة السلمية في باكستان والهند. وإذا كان الفغاني يقف علما ً على رأس المرحلة الولى فإن المام الشهيد حسن البنا يقف علما ً على رأس المرحلة الثانية… هذه المرحلة التي تميزت إلى ثلثة أجيال بدءا ً من عام 1928م… الجيل الول )1928ـ (1949أو جيل البعث: وفيه طرح المام الشهيد السلم بكل شموله شريعة تنظم كل جوانب الحياة من اقتصاد وسياسة واجتماع بالضافة إلى كونه عقيدة وعبادة ،وخلل عشرين عاما ً استطاع المام أن يبعث هذه المة من تحت الركام ،وأن يطور مفاهيم الحركة خلل هذه الفترة بتسارع ثوري متقدم ،مستلهما ً القرآن والسنة وسيرة السلف الصالح بالضافة إلى الممارسات اليومية التي كانت تصوب هذه المفاهيم .وقد استطاع هذا الجيل من الحركة إعادة الثقة إلى الفرد المسلم وللمثقف المسلم وللمجتمع المسلم ،ولطرح السلم بشكل ثوري ضد البدائل العلمانية التي طرحها الستعمار منذ ظهور التحدي وحتى ذلك الوقت… ولقد كانت حرب فلسطين التي خاضتها الحركة السلمية تتويجا ً لوعي وفهم ذاك الجيل لطبيعة التحدي الغربي الحديث ،الذي بدأ يتجسد في فلسطين صداما عسكريا ً محتومًا… ولكن تنطلق رصاصات غادرة في فبراير عام 1949 ويتوقف نبض المام لتبدأ ملمح جيل جديد… الجيل الثاني )1949ـ 1967م( جيل التردد والمحنة: ل نستطيع أن نقول إن عملية البعث التي بدأت مع الجيل الول قد توقفت ولكن مما ل شك فيه أن ضربة قاسية ـ وقاسية جدا ً ـ قد وجهت الى الحركة السلمية التي وقعت في الحيرة والتفكك )يراجع النصوص الولى من كتاب حسن عشماوي "الخوان والثورة"(. وبقدر ما كانت هزيمة ،1954ذات أبعاد خارجية ،فإنها كانت وبنفس القدر ـ بل أشد ـ تحمل عوامل داخلية بحتة ..وفي جانب من جوانب التحليل فإنها كانت تعني أن الحركة السلمية طيلة خمس سنوات لم تستطع استيعاب الضرب التي وجهت إليها باغتيال المام الشهيد ..بل في ظل تخبط واضح استطاع انقلب يوليو 1952م أن يحدث انقساما ً داخل حركة الخوان المسلمين مستميل ً بعض العناصر حتى تلك التي كانت في الجمعية التأسيسية أو في مكتب الرشاد ..ورغم أن الضربة كانت قد وجهت عام 1954إل أن التحليل التنظيمي لهذا الجيل أصبح ظاهرا ً للعيان في نهاية الخمسينات ،حيث خرج من المعتقلت الكثيرون ممن تنكروا للتنظيم وأحنوا رؤوسهم للسلطة بينما بقيت بعض العناصر في الجهاز الخاص وأقلية اخرى تعاني من قسوة إرهاب السلطة التي سحبت البساط من تحت أقدام الحركة السلمية. ل ننكر قسوة المد العلماني الرهيب في تلك المرحلة وظهور ما يسمى بالحركات الوطنية الثورية سواء بسقوط المبراطورية الهولندية في أقصى الشرق في اندونيسيا أم بسقوط فرنسا في ريف المغرب والجزائر ،وذلك على الجانب العربي وإن كان السلم هو الذي أشعل روح الجهاد على قطبي هذا المحور وامتداده )محور طنجة جاكرتا حسب تعبير المفكر المسلم مالك بن نبي( فإن الملمح السلمية كانت تتوارى باقتراب استلم ما سميت بالقيادات الوطنية للسلطة ..حتى أوشكت هذه الملمح على الختفاء تمامًا.. وبالضافة الى ما تقدم فإن هذا يعود أيضا ً للغياب التام للحركة السلمية كحركة ثورية تملك نظرية متكاملة في مواجهة تكنولوجيا الغرب وعملئه ولعدم وضوح الرؤية كنتيجة لغياب التحليل العلمي وفوضى للمفاهيم التي لم تستطع أن تتصور الهدف والمنطلق والوسيلة ،بالضافة لغياب الوعي التاريخي وانعدام التثقيف السياسي لكوادر الحركة ..أي باختصار الجهل بأغلب عناصر المعادلة الرئيسية المطروحة :معادلة التحدي الغربي الحديث للوطن السلمي.. ً كما واجه هذا الجيل أيضا بالضافة لتفشي هذه الظواهر الوطنية المسماة ثورية ..واجه ظهور اليسار أو ما عرف بالعقائد الجتماعية ذات المحتوى التقدمي ،كموضة جديدة تحمل جاذبية خاصة ولكنها هنا أيضا ً وقفت سلبية عاجزة عن طرح البديل وغابت من أمام هذا السيل الجارف… وسط كل هذا عاش الجيل الثاني منكفئا على ذاته ..يجتر آلمه وأمجاد السلف الصالح البعيد والقريب بل ووقف متهما ً رافضا ً لمحاولت التجديد ..ولكن قبل أن نترك هذا الجيل لبد من الشارة إلى محاولة حزب التحرير السلمي للخروج من دائرة المحنة والتردد… ل ..والى أي درجة ،وما الذي ولكن هل استطاع الحزب ان يخرج فع ً قدمه؟ كل هذا لبد من ان يكون مجال دراسة موسعة ان شاء الله… أما المحاولة الخرى فهي المحاولة الجادة للشهيد سيد قطب لنقاذ الحركة السلمية بطرح مفاهيم بشكل محدود جذري وثوري. ولكن هذه المحاولة التي تمثلت في الشكل التنظيمي الذي طرحه سيد قطب في كتابه الرائد )معالم في الطريق( بالضافة الى تفسيره العظيم )في ظلل القرآن(… هذه المحاولة ستترك آثارها الحقيقية على الجيل الثالث وعلى شباب هذا الجيل أكثر مما انعكست على الجيل الثاني الذي فشل في استيعابها بل ووقف منها موقف المتشكك والمتردد والمتهم ..ومع قولنا بجدية وعظمة هذه المحاولة فإننا نقف موقفا ً نقديا ً صارما ً تجاه من اسموا أنفسهم بالقطبيين ومن ساروا على دربهم في التأويل المتعسف لفكار سيد قطب ..هذا التعسف الذي قاد في النهاية الى ظهور )جماعة المسلمين( أو ما يسمى )بالتكفير والهجرة(. الجيل الثالث )(1967م وحتى الن ..أو جيل الوعي والثورة: وفجأة تكشف كل شيء في سماء المنطقة وتبين أن هذا المد الثوري الوطني لم يكن إل خدعة كبرى في حياتنا ،فجأة تبين أن الستعمار الذي انسحب عسكريًا ،عاد أشد خبثا ً بالوسائل القتصادية والسياسية ووسائله الخفية الخرى… وأن ما سمي بمرحلة الثورة الوطنية لم تكن إل فترة كمون سلخ فيها الستعمار جلده وعاد أشد شراسة ..فجأة اتضح أن الدول الستعمارية ازدادت ترفا ً ،وأننا ازددنا تخلفا فتقدموا كمجتمعات منتجة وانحدرنا كحيوانات استهلكية ..لقد كانت نكبة 67تحول دراماتيكيا ً مذهل ً جمد كل شيء في مكانه لتصحو أمتنا على نعي مرحلة بأكملها ..نهاية قاسية قادت إليها مرحلة طويلة من التبديد والضياع. ولكن هل كان على العدو أن يستسلم ..هل كان على قيم الخنوع والستهلك التي فرضتها التكنولوجيا أن تنسحب من حياتنا بسهولة ،وهل كان على الثورة اليرانية أن تمر على طريق مفروش بالزهور لجل أن تحقق انتصارها المذهل على قيم الخنوع والستهلك.. انتصار اليمان والطهارة والروح في عصر التكنولوجيا ..بالتأكيد ل ..بل بدا أن المور تسير بشكل أسوأ في البداية ..فالنظمة العميلة التي أبرزت تلونت بوجوه مختلفة ..وأصبحت المخابرات المريكية ،أو هيئة المن القومي الفرنسية موجودة بشكل رسمي أو شبه رسمي ،مسيطرة على مجريات المور في كثير من دول الوطن السلمي ومناطق أخرى في أمريكا اللتينية وأفريقيا ..هذا بالضافة للوجود السرطاني في نفس المنطقة للشركات الحتكارية المتعددة الجنسية.. )إن السلم وحده كدين وحضارة هو الشرط الوحيد لبقائنا واستمرارنا كأمة وثقافة في وجه التحدي الغربي الحديث ،السياسي والثقافي على السواء( )توفيق الطيب(.. وهكذا سيتجاوز جيل الوعي والثورة مرحلة المحنة والتردد ،وسيتقدم بعملية البعث إلى نهاياتها المنطقية مستلهما في المنطقة العربية بالذات تجربة المام الشهيد حسن البنا ،ويقدم أطروحة الوعي والثورة والشهادة… لقد كان ظهور هذا الجيل أمرا ً حتميا ً على الصعيدين الداخلي والخارجي ،ولم يكن بالمكان استمرار السكونية والجمود وتصلب الشرايين.. لم يكن بالمكان استمرار غياب مثل هذا الجيل والبدائل الستعمارية العلمانية تتهاوى وتسقط ..ومنذ البداية كان على هذا الجيل أن يخوض معركته على مستويين ،الول حيث المعركة الحاسمة مع الجاهلية والطواغيت والبقايا المهترئة للبدائل التي طرحها الستعمار ،والثاني حيث المعركة التي قد يضطر لدخولها مع الجنحة المتخلفة في الحركة السلمية نفسها ،هذه الجنحة التي عجزت عن فهم نفسها وفهم الخرين وفهم العصر والعلقات القائمة ..أو تلك الجنحة التي تركز على جانب من السلم أو تلك وتهمل الجانب الخر ،أو تلك التي تقبل مهادنة النظمة الكافرة وتراهن بذلك على الجانب المظلم المتنحي من التاريخ ،كما يحدث في الردن ومصر الى حد ما. إن أمام جيل الوعي والثورة مهام شاقة في إعداد نفسه … وأحداث البعث السلمي والستمرار في الثورة بعد أن يحدد المفاهيم والمنطلقات والوسائل والهداف بشكل علمي من خلل الدراسات العميقة الجادة والتحليل والنقد ..ذلك أن الوعي هنا يعني الوعي العميق بالسلم وبالمشكلت السلمية المعاصرة وهذا يتطلب منا إيمانا أساسه المعرفة ..وعمل ً أساسه العلم… ووعيا ً سياسيا ً بواقع العصر والتزاما ً خلقيا بمعايير السلم.. المصدر :مجلة الطليعة السلمية )العدد 11ـ تشرين ثان ـ (1983 جدير بالذكر أن هذه الدراسة اشترك في إعدادها أيضا مع الشهيد رفيق جهاده الباحث الفلسطيني أحمد صادق.
التحرك والفكر السياسي
الفلسطيني أمام مسار التسوية تشهد القضية الفلسطينية تطورا لم تشهد له مثيل من قبل ،فبعد عشرات السنين من النضال والجهاد العسكري والسياسي تتوجه القيادة الفلسطينية الرسمية لتعطي التفاوض السياسي والدبلوماسي الولوية المطلقة في العمل .لقد تحرك الفلسطينيون باتجاه واحد منذ سنوات طويلة فكان حضورهم في مدريد وفي مفاوضات التسوية نتيجة ودللة وليس البداية. لقد كان ظهور م.ت.ف في منتصف الستينات ثم سيطرة المقاومة الفلسطينية عليها في العام 1968نقطة تحول مهمة في مسيرة الشعب الفلسطيني ،والذي حاول لول مرة منذ العام 1948أن يمسك قضيته بيده بعيدا عن هيمنة وشروط النظام العربي ،في البداية ،كان واضحا أن العربي وبعد هزيمة 1967قد تخلى عن فكرة تحرير كامل فلسطين واعتبر دوره في حرب تشرين أول )اكتوبر( 1973هي أقصى الجهد الذي يمكن تقديمه في مثل هذه المرحلة التاريخية. وقد وضعت نهاية حرب 1973م.ت.ف أمام خيار خطير وهو أن تسعى ضمن إطار الشروط الدولية لتمثيل الفلسطينيين في تحرك السلم الذي بدأ الحديث عنه في ذلك الحين وعبر عنه في حينها مؤتمر جنيف أو أن تترك ذلك للردن ..وقد حسمت م.ت.ف المر بتوجهها الستراتيجي الجديد الذي أعلنه المجلس الوطني الثاني عشر الذي عقد بالقاهرة 1974وأقر البرنامج السياسي المرحلي ذا النقاط العشر .لقد افتتح هذا البرنامج مسلسل التنازلت حين ترك هامشا مفتوحا لتسوية جزئية وهو يشير إلى )إن م.ت.ف ستناضل بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الرض الفلسطينية وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على كل جزء من الرض الفلسطينية التي يتم تحريرها وهذا يستدعي إحداث المزيد من التغيير في ميزان القوى لصالح شعبنا ونضاله(.. وبعيدا عن البلغة والصياغة فقد شكل هذا النص حجر الزاوية في التحرك السياسي الفلسطيني حتى قرارات المجلس الوطني الذي عقد بالجزائر في تشرين ثاني .1988 وقد تمت مكافأة م.ت.ف على موقفها ذلك عربيا ودوليا ،إذ تم العتراف عربيا بـ م.ت.ف ممثل شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني ودوليا بدعوة المنظمة بصفتها ممثلة للشعب الفلسطيني ـ لحضور مداولت المم المتحدة بصفة مراقب في مطلع الثمانينات ..ثم عربيا بإقرار مشروع فهد الذي عرف لحقا بقرار قمة فاس )فاس الثاني( وخاصة بعد الجتياح السرائيلي لبيروت وخروج المقاومة الفلسطينية منها .كان هذا القرار يشكل أول اعتراف عربي جماعي ورسمي بدولة الكيان الصهيوني ولو بشكل ضمني وهو يؤكد على حق دول المنطقة في العيش بسلم .وفي الدورة السادسة عشرة التي عقدها المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر في شباط )فبراير( 1983تم القرار فلسطينيا بقرارات قمة فاس وفي عام 1985تم توقيع اتفاق عمان الذي يجعل الردن شريكا في التحرك السياسي الذي يخص الفلسطينيين ويخص الضفة الغربية وقطاع غزة ..ولكن سرعان ما ألغي هذا التفاق تحت ضغوط عدة منها ضغط فصائل معارضة وكذلك إصرار المنظمة على دورها المرفوض )كان وليزال( أمريكيا إسرائيليا. وهكذا ما إن جاءت النتفاضة حتى كانت م.ت.ف والمشروع الوطني الفلسطيني في وضع ل يحسد عليه ،فالمشروع الوطني الفلسطيني يفتقد الرض التي يقف عليها في حين تستمر المنظمة كمؤسسة عربية رسمية تقع فريسة المحاور العربية وتلعب لعبتها وذلك في نفس الوقت الذي يسترد فيه النظام العربي زمام المبادرة .لقد أصبح واضحا أن م.ت.ف بحاجة إلى دعم عربي رسمي وأنها ل تستطيع الستمرار بغير ذلك .إن الموقف يستدعي الزمة حقا ،والمشروع الوطني الفلسطيني بعد أن اجتاز أكثر من منتصف الطريق :طريق التجاه الواحد ،والعمل الدبلوماسي والتنازلت السياسية المجانية ،هذا المشروع يعيش تناقضا استراتيجيا مع الطرف الذي يفترض أن يكون سنده الستراتيجي. شكلت النتفاضة مخرجا حيويا لـ م.ت.ف وللمشروع الوطني ككل ، فقد عادت فلسطين إلى قلب الهتمامات العربية ،وفتحت إمكانات جديدة للمنظمة بعد أن تيقن الردن من صعوبة بناء دور مستقل وسارع إلى فك الرتباط الداري والقانوني مع الضفة الغربية ، وتحركت الوليات المتحدة ـ عبر رحلت وزير خارجيتها حينها جورج شولتز ـ باتجاه تسوية في المنطقة ..ولكن النتفاضة جاءت معها بتحديات غير مسبوقة للقيادة الفلسطينية منها بروز دور إسلمي مهم في الضفة الغربية وقطاع غزه وانتقال مركز الثقل من الخارج إلى الداخل الفلسطيني وقد كان هذا مستمرا ببطىء منذ الخروج الفلسطيني من بيروت في العام 1982ولكن تكرس بفعل النتفاضة. لم تتصور قيادة م.ت.ف عندما قامت النتفاضة طريقا آخر غير الذي كانت تسير فيه منذ سنوات ..طريق التسوية ،التسوية الجزئية ولم يكن العقل الفلسطيني الرسمي بقادر على البداع وقد بات أسير الرسمية العربية وأسير المعادلة الدولية والقليمية ،وبالتالي تم طرح النتفاضة في سوق التسوية على أساس من تحسين الموقف الفلسطيني التفاوضي ،وهكذا بدل من التعامل مع النتفاضة كمشروع استراتيجي للنهضة والتحرير ،وكمحاولة قوية وجادة لستنهاض المة تم التعامل معها كمشروع للستثمار العاجل والسريع بل كغطاء للدخول إلى التسوية كما تبين أخيرا. ولقد جاءت قرارات المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر الذي عقد بالجزائر )تشرين ثاني (1988متطابقة مع هذا التصور وهذا الفهم ومعيدة إلى الذهان حديث أنور السادات القديم حول أن %99من أوراق اللعبة هي بيد أمريكا ..وبات هذا هو المنطق الفلسطيني الرسمي ومن هنا كان العتراف بالقرار 242 والعتراف بشرعية الكيان الصهيوني في المساومة على الكفاح المسلح وذلك لجل الجلوس على طاولة الحوار مع الطرف المريكي الذي قبل الحوار مقابل الشروط السابقة ولكنه سرعان ما أوقف الحوار لسباب واهية بعد أن نجح في جر م.ت.ف إلى مزيد من التنازلت .لقد كان الهدف من هذا الحوار كما جاء على لسان عضو المجلس الوطني الفلسطيني إبراهيم أبو لغد "تفريغ م.ت.ف من محتواها الوطني". في ذلك الوقت كان التحرك المريكي نحو التسوية قد وصل إلى طريق مسدود بين نقاط بيكر ومشروع شامير للحكم الداري الذاتي ،كما كانت الهجرة اليهودية تتسع وكان الستقطاب يزداد داخل الوطن المحتل بين الوطني والسلمي أو بالتحديد بين نهج التسوية والنهج المعارض لها. في هذا الوقت جاءت أزمة الخليج وجاءت الحرب التي أضعفت الموقف الفلسطيني على عدة مستويات فقد خسر الفلسطينيون اقتصاديا وفرضت على عشرات اللف منهم هجرة جديدة وفرض عليهم حصار سياسي عربي ودولي وأصبحوا يواجهون تهديدات وتحديات عديدة منها: -1إنكار وتهديد وجودهم كشعب وكأمة .فالمنطق السرائيلي وإلى حد كبير المنطق المريكي أيضا بات ينظر إليهم كأقلية قومية عليها أن تقبل العيش في ظل أكثرية يهودية. -2التوسع السرائيلي ..فعلى الرغم من التنازلت التي قدمها العرب والفلسطينيون فإن أهداف وأطماع الكيان الصهيوني التوسعية ازدادت شراهة ،وأصبح الردن نفسه مهددا وليس مجرد الضفة والقطاع. -3الخشية الفلسطينية من الستخدام الوحشي وغير المقيد وغير المتكافئ للقوة من الطرف السرائيلي دون مبالة بأية قيمة أخلقية بل بعدم مبالة بمسألة الدعم السياسي طالما أن الهدف هو إخماد المقاومة. -4سياسة خلق حقائق جديدة باستمرار في الراضي المحتلة تتمثل في سياسة الستيطان ،الغتيالت ،السجن لمدد طويلة ،البعاد ، حظر التجول لفترات طويلة ،تدمير البيوت ،إغلق المدارس والجامعات ،فرض الضرائب الباهظة والغرامات ،إضافة إلى تدمير القتصاد الفلسطيني وبنى المجتمع التحتية وكذلك إنكار الحقوق النسانية والسياسية. -5شبح البعاد الجماعي )الترانسفير( وهي الرغبة المكبوتة لدى الحركة الصهيونية وهي من ضمن البرنامج السياسي لثلثة أحزاب مشاركة في الحكومة الحالية )تسوميت ،موليدت ،هتحيا(. -6الهجمات العسكرية ضد الخارج الفلسطيني من تجمعات ومؤسسات وقيادات ومواقع. -7الهجرة اليهودية. -8المخاوف من صراعات داخلية عنيفة داخل الصف الفلسطيني نفسه على خلفيات سياسية وحزبية. -9استمرار تدخل الدول العربية في الشأن الفلسطيني الداخلي وإحداث مزيد من النقسامات والمحاور. في نفس الوقت الذي كان الفلسطينيون فيه يعيشون هذه الهواجس والتحديات كانت الوليات المتحدة المريكية مع نهاية حرب الخليج ترى نفسها على قمة الدنيا متفردة ..فقد انهار التوازن الدولي الموروث عن الحرب العالمية الثانية وانتهت الحرب الباردة لصالح الغرب الرأسمالي وأدت حرب الخليج نفسها إلى انهيار عربي بالغ في مقابل تفوق إسرائيلي وهجرة يهودية واسعة. في هذه الظروف أرادت الوليات المتحدة أن تفرض سلمها الذي يكفل لها استمرار الهيمنة والنفوذ ويكفل حماية الكيان الصهيوني وحماية النظمة التابعة لها ويضرب أي نوازع للمعارضة القليمية، وأصبح المريكيون يخشون أو يدركون أن استمرار الحتلل السرائيلي يحمل في طياته بذور عدم استقرار يهدد المصالح المريكية والسرائيلية بعيدة المدى ،فالوضع الراهن يولد وضعا متقلقل قادرا ً على النفجار في شكل عنف واسع متبادل في أي وقت. إن مخاطر استمرار تسابق التسلح واحتمالت تصاعد النتفاضة والخوف من تعزيز دور قوى النهوض العربي والسلمي جعل أمريكا تفكر في أنه لبد من التوجه نحو التسوية ،تسوية شاملة لمسألة الصراع العربي السرائيلي والقضية الفلسطينية ..أو على القل نزع فتيل النفجار منها بوصفها أهم عوامل اللاستقرار في المنطقة ..فالستقرار بات مطلبا أمريكيا في زمن التفرد المريكي. لقد قام بيكر وزير الخارجية المريكي بثماني جولت لمنطقة الشرق الوسط خلل شهور قليلة مهدت في النهاية الطريق لعقد مؤتمر مدريد ولكن على أساس من رفض مشاركة م.ت.ف ـ ومن دون الخارج الفلسطيني ومن دون القدس ـ وعلى أساس أن تكون المفاوضات ثنائية مباشرة بين كل طرف عربي والطرف السرائيلي وبدون وسطاء وعلى أساس أن مشاركة الدولتين الكبيرتين تقتصر على يومي الفتتاح وبل صلحيات لمراقب المم المتحدة .وأخيرا هذه المفاوضات ل تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية. لقد كانت م.ت.ف تدرك طبيعة الموقف الذي تمر به ،وتدرك حجم القرار الذي يطلب منها اتخاذه ،ولذا فقد حرصت على أن يكون المجلس الوطني الفلسطيني هو المؤسسة التي تأخذ القرار وحرصت على تمثيل جميع القوى الفلسطينية وخاصة القوى السلمية ..ولكن عدة اجتماعات بين قيادات من م.ت.ف وحركة حماس واتصالت أخرى مع حركة الجهاد السلمي فشلت جميعها في إحضار القوتين السلميتين الرئيسيتين ،كما فشلت التصالت التي تمت مع جبهة النقاذ التي رفضت الحضور بشروط قيادة م.ت.ف. وهكذا غابت جميع القوى السلمية المجاهدة والفاعلة في ساحة النتفاضة كما غابت فصائل وطنية مناضلة ،بل وغاب عدد كبير من أعضاء المجلس الوطني المعين .كما رفض عدد ل بأس به حضور مقررات المجلس خاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وبعض المستقلين وأفرادا من حركة فتح نفسها .وإذا أخذنا بالعتبار أن عددا من الذين قالوا نعم قالوا تحت الكراه والبتزاز فإن كل ما سبق يؤكد على عدم شرعية قرار الذهاب إلى مدريد ..وعندما تجتمع عشر فصائل فلسطينية في طهران قبل مؤتمر مدريد وبعد شهر واحد من اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر لتعلن رفضها المشاركة في مؤتمر مدريد وتندد بانعقاده فإن هذا دليل آخر على عدم مصداقية القرار الفلسطيني الرسمي بالمشاركة .لقد بقيت فتح وحدها إضافة إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني على استعداد للذهاب إلى آخر الطريق ،لقد قاموا بترتيبات وجهود كبيرة لخراج عناصرهم إلى الشارع الفلسطيني ولوضع أغصان الزيتون في فوهات بنادق جنود الحتلل ،ولسباب إعلمية رخيصة ساومت قيادة حركة فتح على النتفاضة وأحدثت بل شك شرخا عميقا في الوجدان الفلسطيني ..فأي معنى لغصن الزيتون في فوهة بندقية قتلت أطفالنا وأهلنا بالمس وهي تفعل ذلك اليوم وغدا. في اليوم الثاني من أيام مدريد استمع العالم إلى خطاب الطرفين الساسيين السرائيلي و الفلسطيني ،ومثلهما رجلن كل منهما في السبعينات من عمره ،اكتسى خطاب الول بمنطلقات التاريخ ، التاريخ الخاص الذي كتب على أرضية الصراع ونفي الخر .قال شامير "شهد هذا القرن خطة إبادة نفذت على أيدي النظام النازي وكنا دون وطن أو حماية ،ولكن الكارثة هي التي جعلت المجتمع الدولي يعترف بمطالبتنا القائمة على حقنا في أرض إسرائيل .. وفي الواقع جاءت ولدة دولة إسرائيل من جديد بعد وقت قصير جدا من الكارثة ،جعلت العالم ينسى أن مطالبتنا هذه قديمة ،إننا الشعب الوحيد في أرض إسرائيل خلل أربعة آلف سنة" .كان شامير يعرف حدود مشروعه اللمحدود لذا فهو ل يتحدث باسم دولة إسرائيل وإنما باسم الشعب اليهودي .أما الخطاب الثاني فقد جاء مسكونا بأزمة المشروع الوطني الفلسطيني ،مفتقدا لعدالة التاريخ ومجلل بنص الستجداء السياسي .قال عبد الشافي :ليس هناك في الشرق الوسط شعب زائد خارج حدود الزمان والمكان ،بل هناك دولة أخطأها الزمان والمكان أل وهي دولة فلسطين .إن حلم المشروع الوطني الطويل جاء وقت التخلي عنه ..ويكمل عبد الشافي "دولتنا هذه وهي في مرحلة المخاض قد طال انتظارها ول بد لدولتنا أن تقوم الن وليس غدا ،ومع ذلك فإننا على استعداد لقبول المرحلة النتقالية شريطة أل تتحول هذه المرحلة النتقالية إلى حل دائم". إن القيادة الفلسطينية تذهب إلى مؤتمر التسوية دونما خيارات بديلة في جعبتها بل وأصبحت وكأنها تساوم على ضعفها .يقول بسام أبو شريف المستشار السياسي لرئيس م.ت.ف تعليقا على مسألة الضمانات المريكية للطرف الفلسطيني "إن الضمانة الهم هي استمرار الوليات المتحدة في العملية السلمية" .لقد تحركت قيادة م.ت.ف ولكثر من خمسة عشر عاما باتجاه واحد وهي اليوم تريد النتفاضة عطاء لخيار السلم والتسوية وليس بديل في حالة الفشل .فكيف يمكن لمن يضع غصن الزيتون في البندقية التي أطلقت عليه النار بالمس .أن يعود لقذف جنود العدو بالحجارة .إن خطيئة أخرى تقدم عليها قيادة م.ت .ف وهي تكرس انقساما في الشارع الفلسطيني وعلينا أن نعترف أن النقسام تجاوز هذه المرة الحزاب والنخب المثقفة إلى الشارع بسبب عملية اليهام التي صورت أن 45دقيقة من الكلم لحيدر عبد الشافي مقابل 45 دقيقة من الكلم لسحق شامير يعني أننا نجحنا وأن ميزان القوى قد تعدل .ولكن سرعان ما بددت ردهات الخارجية المريكية في واشنطن هذا الوهم فقد سارعت فتح إلى تشكيل اللجان السياسية الداعمة كما قالوا للوفد الفلسطيني المفاوض ..وبعيدا عن خلفيات تأسيس هذه اللجان في البداية فإنها تتحول أو ستتحول بالتدريج إلى بديل عن القيادة الوطنية الموحدة ،وكأننا دخلنا إلى مرحلة ما بعد النتفاضة ،مع العلم أن القيادة الوطنية الموحدة لم تعد قائمة فعل منذ أكثر من ثمانية أشهر .وما يصدر اليوم باسمها بات يعبر عن وجهة نظر فتح في تونس ،فيما الجبهة الشعبية والديمقراطية قد باتت تصدر بياناتها منفردة أو بالتنسيق مع قوى إسلمية ووطنية أخرى. وهكذا يمكن تقسيم القوى الفلسطينية فيما يخص مؤتمر التسوية إلى: -1الذاهبون إلى التسوية ويمثلون جماعة رئيس م.ت.ف وجماعة الحزب الشيوعي الفلسطيني. -2الرافضون للتسوية من داخل م.ت.ف وعلى رأسهم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وإلى حد أقل الجبهة الديمقراطية. -3الرافضون للتسوية من خارج منظمة التحرير الفلسطينية، وتشمل: أـ القوى السلمية ممثلة في حركة المقاومة السلمية )حماس( وحركة الجهاد السلمي في فلسطين. ب ـ القوى الوطنية خارج م.ت.ف مثل جبهة النقاذ التي تشمل الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة ـ فتح النتفاضة ـ الصاعقة ـ الحزب الشيوعي الثوري إضافة إلى حركة فتح ـ المجلس الثوري. في الماضي كانت النقسامات حول وسائل العمل أو حول الهداف المرحلية تنحصر في دائرة التنظيمات والنخبة السياسية ،بيد أن النقسام الفلسطيني اليوم يشير إلى انهيار الجماع الوطني الفلسطيني التاريخي وسواء ضاق هذا النقسام أم اتسع فإنه أيضا يمس القواعد الشعبية. إن ذهاب م .ت.ف أو جزء منها إلى مفاوضات التسوية بدون خيارات بديلة يؤكد أن القيادة الفلسطينية لن ترجع عن خيار التسوية حتى لو فشلت الجولة الحالية للتفاوض ،وبالتالي فإنها مرشحة للهبوط بشروطها إلى السفل ،وهذا صحيح طالما أن العدو وحده هو الذي يستطيع أن يترك خيار المفاوضات إلى الحرب بينما ل يملك الفلسطينيون ذلك. تقول السيدة حنان عشراوي في مقابلة مع التليفزيون الردني عشية الذهاب إلى مدريد :1991صحيح يمكنك النظر إلى الظروف الموضوعية والقول بأن الفلسطينيون ضعفاء نسبيا ،وذلك أننا ل نمتلك أسلحة ول نمتلك موارد طبيعية ول توجد لدينا أموال ،ول يوجد لدينا حلفاء من بين الدول الكبرى ،و الظروف حولنا ليست مساعدة على الوصول لسلم عادل من جهات عديدة ،ولكن في نفس الوقت فإن هذه مرحلة جديدة في تفكيرنا السياسي ..فقد قررنا أنه بدل من أن نكون سلبيين ،بدل من أن ندع الخرين يقررون عنا ،فإننا قد أخذنا زمام المبادرة بأيدينا. بقيت كلمة أخيرة وهي أن منطق هؤلء )الواقعيين جدا(! ل يمكنه إنقاذ ما يمكن إنقاذه ول يمكنه إنقاذ شيء .ونحن مثله نلحظ صعوبات الوضع الدولي والقليمي المرافقة لحالة النهيار في المنطقة ،من انهيار التحاد السوفيتي والتفرد المريكي إلى انهيار الوضع العربي بعد حرب الخليج والخلل الستراتيجي الذي ازداد لصالح العدو الصهيوني ،إلى الحصار المفروض على النتفاضة الباسلة في الوطن المحتل على كافة الصعدة اقتصاديا وسياسيا واستيطانيا ..ولكن هذا ل يجعلنا نقبل بما هو مطروح ول يفرض علينا التعلق بقطار التسوية أو على القل تغيير الظرف الموضوعي الصعب سواء في حياتنا أم في حياة جيل آخر ،فهذه حجة باطلة لن الظرف الموضوعي سيتغير على أية حال وقد علمنا القرآن والتاريخ ذلك ولكن علينا أن نقدر ونحن نعلم خيارنا اليوم ما هو الفضل لشعبنا وأمتنا حاضرا ومستقبل :أن نشهد تغيير الظروف الموضوعية في حالة من التسليم والتبعية والخضوع أو أن نعيش هذا التغيير ضمن حالة من النهوض والقيام والمقاومة تكون في حد ذاتها أحد عوامل التغيير .كما أننا نعتبر حجة رفع المعاناة عن شعبنا كمبرر لللتحاق بقطار التسوية وقطار الحكم الذاتي حجة فاسدة ، إذ كيف سترفع المعاناة في ظل الهيمنة الصهيونية ،كيف سترفع المعاناة وجميعنا يعلم ما هي مهمة وهدف الحركة الصهيونية في فلسطين وفي المنطقة ،أليس قبولنا تسهيل لهذه المهمة ولهذا الهدف بل تكريسا للحتلل والمعاناة ل رفعها. إن مشروع الحكم الداري الذاتي وبالصيغة التي يطرحها رئيس وزراء العدو إسحق شامير ل يبغي سوى حل مشاكل إسرائيلية بحتة ،ل يبغي سوى إعطاء الشرعية للحتلل وتقنينه وهو يمهد به لعلن ضم الراضي في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى دولة الكيان الصهيوني ،في حين يكون السكان في الضفة والقطاع قد ارتبطا بشكل أو بآخر بالردن وحملوا جوازات سفر أردنية واعتبروا إما أقلية قومية في داخل الكيان الصهيوني وإما جالية أجنبية تابعة لدولة مجاورة. المصدر :قدمت هذه الدراسة كورقة بحثية إلى المؤتمر الثالث لدعم النتفاضة في بيروت بتاريخ .24/12/1993
التطبيع مع العدو الصهيوني
وموقعه في معركة الهوية والوجود حاول الصهاينة منذ بداية تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين أن يحظوا بقبول المحيط العربي السلمي ،وقدم هرتزل للسلطان عبد الحميد سنة 1896عشرين مليون ليرة ثمنا ً لفلسطين .وباءوا بالفشل ،ولكنهم لم ييأسوا طيلة القرن من كسب أي اعتراف بهم من المحيط ،بدءا ً باتفاق وايزمن ـ فيصل الشهير ،مرورا ً بإقامة علقات سرية مع بعض الحكام العرب أو النظمة العربية ،وليس انتهاء باتفاق غزة ـ أريحا الذي فتح الباب على مصراعيه للمترددين والخائفين ـ لسبب أو لخر ـ لقامة علقات معلنة مع الكيان الصهيوني. لقد كان للصلح المنفرد الذي وقعه الرئيس المصري أنور السادات مع الصهاينة ،أبلغ الثر في إعادة ترتيب الوضاع في العالم العربي والسلمي للقبول بالدور الصهيوني كقوة إقليمية فاعلة في المنطقة ،لها حق المساهمة في صياغة السياسات ورسم صورة المستقبل وعلقاته ،لقد كان كامب ديفيد الخطوة )القانونية( الرسمية الولى في عملية التطبيع .فبعد كامب ديفيد استطاع الصهاينة أن يبنوا علقات ناجحة إلى حد ما ـ رغم الرفض الشعبي المصري الكامل للعلقات وللتطبيع مع الصهاينة ـ مع رموز سياسية وثقافية في مصر لتساعد في إعادة صياغة صورة )السرائيلي( في الثقافة والحس الجماهيريين ،وكانت مختبرا ً لدراسة إمكانات واحتمالت مستقبل الكيان الصهيوني في المنطقة ،ولدراسة اللغة العلمية التي يمكن للصهاينة استخدامها لـ)تطبيع( الوجدان العربي والسلمي على هضم وجودهم والقرار به ،ثم بسيطرتهم في هذا الجزء من العالم ،وساهمت في إنعاش القتصاد )السرائيلي( بفتح آفاق لتطوير التكنولوجيا الزراعية ودراسة احتياجات السواق العربية واستغلل مصر كمعبر لـ)تمرير( النتاج البضائعي إلى دول المحيط .ولكن الخطر من هذا كله هو الدور المباشر "لكامب ديفيد" في تحقيق الرغبة الستراتيجية للصهاينة بخلق موطئ قدم في لبنان )صناعة دويلة عميلة في جنوب لبنان( وتاليا ً في اجتياح لبنان وطرد منظمة التحرير منه .وهي سلسلة اكتملت باتفاق غزة ـ أريحا الذي سيكون بعده فصل جديد من الحياة للكيان الصهيوني أو الولدة الثانية للكيان ،مما يمكن أن يكون فاتحة لحلم ) إسرائيل الكبرى( إذا لم ينتبه العرب والمسلمون جيدا ً ويفيقوا من غفلتهم، وهي غفلة من مظاهرها التهوين من شأن قدرة الصهاينة على تحقيق حلمهم )الكارثي( أو )تسفيه الثقافة الصهيونية( التي ستذوب في المحيط الثقافي العربي السلمي ،وبالتالي لن يكون للصلح والتطبيع أثر خطير بل ربما كان هذا في صالح العرب والمسلمين وقبلهم الفلسطينيون ،وهو ما عبر عنه كاتب المصري بقوله إن التفاق ـ وبالتالي التطبيع ـ )يمكن أن يؤدي إلى انفتاح على المستوى الحضاري من أجل إثراء الثقافة النسانية ،وإلى عودة اليهودي إلى مساره الحضاري المشترك مع العرب ونبذ الصهيونية كفكر غربي غريب على اليهود… ونحن )العرب( قادرون على امتصاص الغزو الثقافي(. ً لم يكن إنشاء الكيان الصهيوني حل لمشكلة وجودية لشعب مضطهد بدون دولة كما درجت الدعاية الستعمارية على القول ،ولكنه حل عملي لمأزق الهيمنة الستعمارية الغربية على العالم .فالكيان مرتبط بالمركز الستعماري ويختزن أسوأ صفات المستعمرين ،هذا هو جسم الصهيونية وروحها .إن التطبيع يعني للصهيونية الرضوخ العربي والسلمي لحقيقة وجود الكيان كأمر واقع ل مجال لزالته، وبالتالي إنهاء الصراع معه .وهذا يوفر للكيان الظروف المناسبة للتفرغ والتوسع وتحسين القتصاد والهيمنة السياسية ،والتخلص من أعباء حرب الستنزاف المرهقة التي يكلفها استمرار الصراع. وما يستحيل تنفيذه بأداة الحرب ،سيكون ممكنا ً بأداة )السلم( وهو أمر ل يتعدى موازين الصراع والهزيمة أو النصر ،أي أن المعركة مستمرة ولكن ضمن قيود ثقيلة تكبل الخصم ،وهو الطرف العربي السلمي .هذا هو جوهر عملية التطبيع. من أجل تهيئة الرضية المناسبة لتحقيق أهداف المشروع الصهيوني يتم التطبيع عبر خطوات لتغيير العقل العربي السلمي ،أي إعادة تشكيلة لتسهيل التعامل مع المشروع .فمثل ً بعد إتمام التطبيع لن يكون مستغربا ً ـ ربما ـ التدخل الصهيوني لـ)رفض النزاعات( بين كيان عربي ما وكيان عربي آخر ،بعد تقبل الكيان الصهيوني كجسم طبيعي ومتجانس في المنطقة .والخطورة ـ موضوعيا ً ـ في هذا المر تكمن في أن رغبات الصهاينة ومصالحهم تتناقض جذريا ً وبشكل بنيوي مع رغبات ومصالح المحيط العربي والسلمي. المصدر :من أرشيف حركة الجهاد السلمي في فلسطين ) .(12/1994
فاتورة ايجار لمدة 2000عام
في الوقت الذي تردد فيه إسرائيل على مسامع العالم هيامها بالسلم يؤكد سلوكها العملي تحديها للرأي العام العالمي والمحلي بإصرارها على إقامة المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة والستمرار في تهويد مدينة القدس التي تشكل جزءا من تاريخ وعقيدة المسلمين في كل مكان.. والمتتبع لتصريحات الزعماء السرائيليين يعجب من سهولة توزيعهم للتصريحات والبيانات وبناء المستوطنات دون أي اهتمام برفض العالم أو سخطه وكأنهم يقومون بواجب ديني ل يحق لحد غير ]إيلوهيم:الله( أن يسألهم عنه بل هم كذلك فعل وكأن التوراة التي بين أيديهم أصبحت مستندات تمليك أو أوراق طابور أبدية ،وعلى العرب بالضافة لخروجهم من هذه الرض أن يدفعوا فاتورة إيجار لمدة ألفي ) (2000عام ..وبما كان على الفلسطينيين وأهل الجنوب اللبناني دفع جزء من فاتورة الحساب هذه اليام! والذي يفهم اليهود ..ل يستغرب أي شئ من هذا ففي نظرهم أن كل شئ خارج القاليم الثلثة المشهورة ]إيلوهيم ـ أرض إسرائيل اليهود[ إما عقبة يجب إزالتها أو مطية يجب استغللها ،فالنجليز مطايا والمريكيون مطايا والروس كذلك أما العرب فينقسمون حسب وجهة النظر هذه إلى عقبات ومطايا. واليهود ل يعرفون أو ل يعلنون لهم حدودا محددة لن التوراة تقول لهم في سفر يشوع ] 4:1وعد الله شعبه المختار بإعطائه كل موضع تدوسه يداه[ كما تقول لهم في سفر التكوين ].[20-18:15 "منح الله قيمة شعبه المختار كل الرض الواقعة بين النيل والفرات" ولهذا نجد حاييم وايزمان يقول في مذكراته ص :474 ]إنني أعلم بأن الله قد وعد أبناء إسرائيل بفلسطين ولكني ل أعرف الحدود التي رسمها[! وهكذا يتناسى اليهود تحت سيطرة خيالت وأوهام القوة أنهم كعبرانيين جاءوا إلى فلسطين كقبيلة غازية طردت الكنعانيين الذين أقاموا فيها حضارة قبلهم بألف ومائتي عام. وعندما سأل الجنرال ديجول بن غوريون في يونيو .1960 ـ ما هي أحلمك بشأن الحدود الحقيقية لسرائيل؟ أخبرني ..فلن أنقل حديثك لحد ] .لحظ أننا كنا وقتها نتكلم عن الكماشة أو الكسارة والبندقة وقرب انتهاء إسرائيل تحت زعامة النظمة الشتراكية والثورية![ لم يجب وقتها بن غوريون ولكنه بعد سبع سنين في ديسمبر 1967أرسل يقول لديجول: ] لو سألتني هذا السؤال لخمس وعشرين سنة خلت لجبتك أن نهر الليطاني هو حدودنا الشمالية وشرق الردن حدودنا في الشرق[! وهكذا فالمستوطنات ليست أل ظاهرة من ظواهر العقل اليهودي ل يحق لحد غير ]إيلوهيم[ أن يسألهم عنها ..فهل يمكن قبل ذلك أن تسأل هؤلء الذين رفض وفدهم دخول فندق يحمل اسم فلسطين بالسكندرية أثناء مفاوضات الدارة الذاتية ..هل يمكن أن نسألهم أن يتكرموا حبا في عيون السلم أن ينزلوا اللفتة المكتوبة على واجهة الكنيست ]أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات[. أراهن المصدر :مجلة المختار السلمي ـ العدد الول السنة الولى ـ يوليو 1979 معالم في الطريق للشهيد سيد قطب كانت الجماهير تبحث عنه كخبزها اليومي ،وكان ورثة البوليس السياسي يطاردونه كشبح يقض مضاجعهم ،كان الشباب المؤمن يحملونه تحت ثيابهم ..في جيوبهم وتحت وسائدهم ،وكانت الصحافة المأجورة تنشر صورته )مطلوب حيا أو ميتا( كأنه عبد الله النديم أو أي بطل وطني مطارد ،كان المؤمنون يتناقلون كلماته همسا ،وكان صوت المذياع الفاجر يتوعد من شاهده ولم يبلغ بالويل والثبور ..إنه واحد من أخطر الكتب السلمية في القرن الخير ،كان ول يزال وسيبقي إلى فترة طويلة من أشد الكتب تأثيرا على مسيرة الحركة السلمية في هذه المنطقة .إنه الكتاب الذي قتل رجل كتبه ،وأحيا جيل تربي عليه ..إنه "معالم في الطريق" آخر ما كتب المام الشهيد ]سيد قطب[. وسيد قطب واحد من ثلثة مفكرين يشكلون مثلثا خيرا في الفكر السلمي الحديث في النصف الثاني للقرن العشرين ..الخران هما المفكر الجزائري المسلم مالك بن نبي والدكتور الشهيد علي شريعتي مفكر الثورة اليرانية الفذ ،ذهب ثلثتهم إلى الغرب المسكون بحمى العداوة للسلم فكانت رحلتهم نقيضا لخرين سبقوهم ،فالزهري المعمم رفاعة الطهطاوي عاد من باريس مذهول من "عربة الرش" ،والشيخ طه حسين وقف عاجزا ومهزوما أمام الشك الديكارتي ،أما سيد قطب فقد اكتشف حسن البنا وآمن بأفكاره عندما كان في قلب أمريكا ،وكان على شريعتي يقف في "الكوليج دي فرانس" يكتشف ذاته ويكشف الخرين بشكل معجز.. كان يصيح في وجه البروفيسور الكبير داخل قاعة المحاضرة "من أجل أن يشبع عاملكم وصاحب عملكم سلبتمونا كل ما نملك وأبقيتمونا جياعا" .أما مالك فقد أمضى في أوربا اكثر من ثلثين عاما .لم يكن فيها مبهورا من نظافة الشوارع ول عاجزا أمام نظريات علم الجتماع ،بل متأمل يحلل .ويضع "شروط النهضة" للمجتمع السلمي القادم ،ولم يكن بين الثلثة رجل دين واحد فقد كان سيد قطب أديبا ً وناقدا ً قال عنه أستاذ للدب في الجامعة المريكية في بيروت "لو لم ينحرف سيد قطب إلى السياسة لكان مدرسة فريدة في النقد الدبي الحديث" ،وكان علي شريعتي عالما في الجتماع ،أما مالك فكان مهندسا كهربائيا تخرج من كبريات المعاهد العلمية في باريس. في منتصف الستينات كانت العلمانية في الوطن السلمي تصل إلى ذروة طغيانها وجبروتها ،بل إن واحدا من أهم رموزها "عبد الناصر" كاد ..بل توج فعل كنصف إله ..في هذا الوقت بالذات كان المام الشهيد سيد قطب يفتح كتابه "معالم الطريق" معلنا إفلس كل من الديموقراطية الغربية والشتراكية الماركسية التي تراجعت كأيديولوجية وانحصرت في الدولة وأنظمتها ،كان يعلن إفلس هذه النظمة وإفلس "الوطنية" و"القومية" أو العلمانية التي صدرها الغرب إلى الوطن السلمي ..وكان إعلن الفلس هو طريق البداية ..بداية رؤية جديدة وقيادة جديدة للبشرية ،ولكن الفلس لم يكن في الجانب المادي بل في خسارة الغرب لرصيد "القيم" الذي كان يؤهله لقيادة البشرية ،ول يملك أحد غير السلم تقديم قيم صالحة وفعالة ومنهج ماض ..إن دوره يجيء والبشرية في أشد الساعات حرجا واضطرابا ،ولكن كيف يمكن أن يؤدي دوره وهو الذي ل يتمثل اليوم في مجتمع أو أمة وليس أكثر من عقيدة مجردة ،إن الطريق يبدأ بإعادة الوجود للمة التي ستقود العالم ،وإعادة الوجود يتطلب بعث المة وتحريرها من ركام الجيال والتصورات وركام الوضاع والنظمة التي ل صلة لها بالسلم ..ولكن المسافة بين محاولة "البعث" وتسلم "القيادة" مسافة شاسعة لن المة غابت طويل عن الوجود والشهود ولن البشرية ل تفرط بسهولة في العبقرية الوروبية التي أبدعت علما وثقافة وأنظمة وإنتاجا ماديا ،وخاصة أن ما "يسمى بالعالم السلمي" يكاد يكون عاطل من كل زينة " ..ولكن لبد مع هذه العتبارات كلها من البعث السلمي مهما كانت المسافة شاسعة بين محاولة البعث وبين تسلم القيادة ،فمحاولة البعث السلمي هي الخطوة الولى التي ليمكن تخطيها"] ..العبارة الخيرة أستندت إليها المحكمة أثناء محاكمة المام الشهيد[. إننا نتقدم لقيادة البشرية ونحن نحمل مؤهل آخر غير البداع المادي الذي يجب أن نحاول فيه جهدنا كضرورة ذاتية ..والمؤهل الذي نحمله هو العقيدة والمنهج وأن تتمثل هذه العقيدة والمنهج في مجتمع مسلم يتحرر فيه الناس من عبارة بعضهم البعض بعبادة الله وحده والتلقي من الله وحده ،ولكن كيف تبدأ عملية البعث؟ ..لبد من طليعة تعزم العزم وتمضي في الطريق ..لبد لهذه الطليعة من نظرية ثورية أو كما أسماها "معالم في الطريق" ويكون منوطا بهذه المعالم أو النظرية الثورية تحديد: 1ـ منطلقات هذه الحركة الطليعية ]نقطة البدء في الرحلة الطويلة[.. 2ـ أهدافها ]صلب غايتها[. 3ـ تحديد وسائلها ومراحل حركتها ]أين تلتقي مع الناس وأين تفترق ..كيف تخاطب هذه الجاهلية بلغة السلم وفيم تخاطبها؟[. 4ـ تحديد مفاهيمها ،خصائصها ،طبيعة دورها ووظيفتها ،وكذلك تحديد شكل النضال ضد الجاهلية القائمة ]كما تعرف طبيعة موقفها من الجاهلية[. 5ـ رؤية تحليلية للنظام القائم وأدواته ووسائله ومراكز القوي المؤثرة فيه ]خصائص الجاهلية من حولها[. وهذه النظرية الثورية أو المعالم لبد أن تنبثق من القرآن وتوجيهاته وحركة جيله الول الذي رباه محمد )صلى الله عليه وسلم(. وبعد أن يتساءل عن ظاهرة عدم تكرار ذلك الجيل الصحابي يطرح أسبابا ثلثة مهمة: 1ـ صفاء النبع القرآني صنع الجيل الول ،واختلط النبع كان يرافق ثقافة وتصورات الجيال التالية ..والمقصود بصفاء النبع هنا هو التلقي عن القرآن في التصور والمنهج ،وليس المقصود ما تصوره البعض من عزلة عن المناهج الخرى وعدم اطلع عليها .فعمر رضي الله عنه عندما كان يقرأ في صحيفة من التوراة لم يكن يطلع فقط وإنما كان يبحث عن حل لمسألة واجتهد في وقت لم يكن فيه التشريع قد اكتمل بعد ،والرسول )صلى الله عليه وسلم( لم ينهه عن الطلع وإنما نهاه عن التباع "لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إل أن تبعني" ..والطلع والمعرفة ل يوجب التباع وإنما البحث عن حل لمسألة هو الذي يقود لذلك ..ويؤكد هذا قول الشهيد في فصل "التصور السلمي والثقافة" " :إنه ]المسلم[ قد يطلع على كل آثار النشاط الجاهلي" ،وسنشرح هذا في حينه. 2ـ منهج التلقي للتنفيذ صنع الجيل الول ،ومنهج التلقي لمجرد الدراسة والمتاع والمعرفة والثقافة خرج الجيال التالية. 3ـ كانت لحظه إسلم إنسان الجيل الول تعني تحول حقيقيا لعهد جديد حيث تقوم العزلة الشعورية الكاملة بين حاضر المسلم وجاهليته ،ليس بمعنى عزلة التعامل اليومي ولكن بمعنى النخلع من عرف الجاهلية ..قيمها ،تصوراتها وعاداتها ..النخلع من الولء لها ولقيادتها ..والولء للتجمع السلمي الجديد ولقيادته ..ولن ثقافة الناس اليوم غير إسلمية ..كذلك تصوراتهم ..تقاليدهم.. فنونهم ..آدابهم ..شرائعهم وقوانينهم فإن على الطليعة التي ستواجه الجاهلية ]الجاهلية ليست مرحلة زمنية مرت ولكنها أوضاع اجتماعية وثقافية وسياسية ترفض الهتداء بهدى الله وتستبدل بهديه شرائع الطواغيت[ ..على هذه الطليعة: 1ـ التجرد في فترة الحضانة والتكوين من مؤثرات الجاهلية ]ومرة أخرى ليس التجرد هنا هو الجهل وعدم معرفة العالم ..العالم الذي سنتجاوز تناقضاته ونهديه سواء السبيل ،ان هذا التصور الساذج خطأ وخطر في آن واحد ،كما إنه في النهاية مستحيل![ ،إن التجرد يعني رفض قيم الجاهلية )التي عرفناها( وأن نستمد تصورنا من النبع القرآني الخالص الذي لم تشبه شائبة. 2ـ التعامل مع آيات القرآن وكأنها تتنزل الن من خلل منهج التلقي للتنفيذ وليس مجرد الدراسة ،وهذا هو السلوب المثل لنمنع تحول اليمان إلى نزعة فردية ،ونبقيه وهجا وقوة وفعل ..أي روح قرآنية تمارس دوما التركيب المبدع. 3ـ مقاومة ضغوط المجتمع الجاهلي ..رفض تصوراته ..تقاليده.. قيادته ..ورفض الصطلح مع واقعه.. 4ـ أن تفهم هذه الطليعة ان هذا الواقع الجاهلي يناقض المجتمع السلمي ويحرمها بالقهر من تطبيق منهج الله في حياتها، وبالتالي فليس أمامها إل تغييره من أساسه ،وبداية فهذا يتطلب: )أ(الستعلء على قيمه وتصوراته. )ب( أل تتنازل عن قيمها ول تعدل فيها لتلتقي معه في منتصف الطريق. )ج( أن تستعد لتقديم التضحيات الباهظة. *** ثلثة عشر عاما كاملة والقرآن يقرر في نفوس المسلمين حقيقة اللوهية وحقيقة العبودية والعلقة بينهما ..إنها قضية النسان الخالدة لنها قضية الوجود النساني والمصير النساني على توالي الزمان ،ولكن لماذا بدأ بهذه القضية :إخلص العقيدة لله متمثلة في ل إله إل الله رغم العناء الشديد الذي واجهته الحركة بسبب طرحها: * ألم يكن أسهل على محمد )صلى الله عليه وسلم( أن يبعثها قضية قومية تحرر الرض العربية من الروم والفرس فيقف وراءه العرب ـ بدل من أن يضطهدوه ويعذبوه ـ ثم يطرح قضية التوحيد في النهاية! كل ..إن الله يعلم أن هذا ليس هو الطريق لتحرير النسان ،هذا الطريق الذي يبدأ بأن تتساوى جميع الجناس تحت راية الله وتصبح جنسية العقيدة هي جنسية البشر ،إن الله يعلم أن الطاغوت هو الطاغوت ،عربيا كان أم فارسيا أم رومانيا. * ألم يكن باستطاعته أن يعلنها ثورة اجتماعية يجمع بها الفقراء وهم الغلبية ضد الغنياء الذين سرقوا قوتهم وحقوقهم ،وبعد أن يتولى قيادة هذه الغلبية التي تحمل مضمونا اجتماعيا يسعى لقرار عقيدة التوحيد ..كل ..فالله يعلم أن العدالة الجتماعية لبد أن تنبثق من تصور اعتقادي شامل ..يرضاه البشر عن طواعية .. يستقر في قلوبهم وهم يتطهرون ثم يجري على أيديهم ،وهنا تصبح للعدالة الجتماعية قيمة حقيقة ووظيفة حقيقية بعيدا عن الفوضى والشعارات المزيفة. * ثم لماذا لم يعلنها دعوة إصلحية في مجتمع يعاني من أزمات اخلقية على أكثر من مستوى حيث الظلم والخمر والميسر والدعارة ..وبالتأكيد كان سيقبل عليه جمهرة صالحة تظهر نفسها ويستطيع أن يطرح عليها بعد ذلك عقيدة ل إله إل الله ،كل ..فالله يعلم أن الخلق التي ل تقوم على عقيدة تقرر القيم والموازين ل تقرر نصرا حقيقيا ول تقدما حقيقيا ..وإل لما قدم للبشرية هذا النموذج الحضاري المنقذ. هكذا استمر القرآن الكريم يطرح قضية ل إله إل الله ،ومن خلل جانبين مهمين في طبيعة هذا الدين: 1ـ بناء العقيدة ..أي تمكينها وشمولها واستغراقها لشعاب النفس النسانية كضرورة من ضرورات النشأة الصحيحة ،وهكذا دون التطرق إلى تفصيلت النظام أو الشرائع ..أي أنه لم يطرح في مكة برنامجا شامل في القتصاد والسياسة ..قبل أن تستقر العقيدة في القلوب وينصاع البشر لله حاكما ومشرعا ،ولكن الذي يجب أن يفهمه الجميع أن القرآن ـ ومنذ اليوم الول ـ لم يغفل عن إصدار التوجيهات الجتماعية والسياسية والقتصادية ،فأولى آيات القرآن الكريم )سورة العلق( تطرح قضية حضارية هي إحداث التوازن بين الغيب والعلم ،بل وتوحيد القراءتين ..الولى باسم الغيب .. والثانية باسم العلم ،الولى باسم الله والغيب ]باسم ربك الذي خلق[) ..حرف الباء( ،والثانية بمعية الله ]وربك الكرم[ ) ..حرف الواو( بل واعتبر تجاوز إحدى القراءتين على الخرى طغيانا ..لم يغفل القرآن حتى في تلك المرحلة المكية عن إصدار توجيهات أكثر دللة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ]أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله[ الشورى ] 21و أمرهم شورى بينهم[ الشورى ..38السلطة التي تستند إليها هذه الموازين والقيم وتقرر الجزاء الذي تملكه هذه السلطة ..قبل هذا تظل القيم متأرجحة وكذلك الخلق بل ضابط ول سلطان ول جزاء. وهكذا لم يرسل الله محمدا )صلى الله عليه وسلم( ليعلنها ثورة قومية ..عدالة اجتماعية ..أو دعوة إصلح للخلق ..و إنما أرسله ليقرر في القلوب حقيقة ل إله إل الله قبل كل شئ ..وبعدها تتطهر أرض العرب من الرومان والفرس ليقوم سلطان الله وليس سلطان العرب ..وقامت العدالة الجتماعية باسم الله فتطهر المجتمع من الظلم الجتماعي وكذلك تطهرت النفوس والخلق. وهكذا ارتفعت البشرية في نظامها وفي أخلقها وفي حياتها كلها إلى قمة سامقة لم ترتفع إليها من قبل .إن أي انحراف عن هذا المنهج سواء بإعلنها دعوة قومية أو اجتماعية أو إصلحية أخلقية ما كان يكفل الشورى ]وأمرهم شورى بينهم[ الشورى ..38وهو أيضا ينذر ويتوعد المطففين الذين يلعبون باقتصاد الناس وأرزاقهم ]سورة المطففين[ ..وفي اليات الثلث الولى المكية من سورة الماعون يجعل الله دع اليتيم وعدم الحض على طعام المسكين "قضية اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية" يجعلها صنوا للتكذيب بالدين. أقول هذا حتى ل نحمل كلمات المام الشهيد هنا أكثر من مدلولتها ..وأخيرا فهو نفسه الذي كتب "معركة السلم والرأسمالية" و"العدالة الجتماعية في السلم". 2ـ السلم منهج عملي حركي جاد ..منهج يتعامل مع الواقع وليس نظرية تتعامل مع الفروض ..منهج يطرح التشريعات لحالت واقعة فعل في مجتمع يعترف ابتداء بحاكمية الله ..في مجتمع يملك المسلمون فيه سلطانا على أنفسهم .فالله سبحانه لم ينزل نظما وشرائع ـ أي مواد دستورية ـ يختزنها المسلمون لتطبق عند قيام الدولة في المدينة )!( لن السلم ل يفترض مشكلت يضطر بعدها لفتراض حلول ..إنه يواجه الواقع وأي واقع ..واقع جديد مختلف تماما ..واقع يصنعه منهج السلم ..له مشاكله الخاصة وملبساته وظروفه الخاصة ،وهكذا فصياغة القوانين والتشريعات )الدستور( في وقت يرفض المجتمع فيه تحكيم شرع الله أمر غير واقعي وغير جدي ..مهزلة أن تصنع دستورا يشمل مواد وقوانين تفصيلية لمجتمع لم يتشكل بعد أو لمجتمع يرفض السلم أصل ..وربما كانت التجربة السلمية في إيران المثل الوضح فقد آمنت الجماهير بعقدية ل إله إل الله ..تقدمت وأسقطت الطواغيت تحت هذا الشعار ،ثم صوتت لصالح الجمهورية السلمية أو الستعداد لقبول شرع الله ]وهي تفهم قواعده وأصوله وتوجيهاته[ ..ثم جاء الدستور اليراني في النهاية. ولكن كيف عالج القرآن قضية العقيدة في تلك الفترة ..هل كانت نظرية باردة بين دفتي كتاب ..هل كانت لهوتا ..هل كانت جدل كلميا كالذي سمى "بعلم التوحيد" ..كل ..فالقرآن جاء ليطهر النسان ..ينقذ فطرته من الركام ..يفتح منافذ الفطرة كي تتلقي وتستجيب .ومن هنا كانت معركة القرآن معركة حية واقعية ل تناسبها نظرية جاهزة بين دفتي كتاب أو جدال ذهني قائم على منطق شكلي "علم التوحيد" ول لهوت يقبع في الزوايا الضيقة.. لقد جاء القرآن ليبني العقيدة في ضمير الجماعية المسلمة التي سيخوض بها المعركة مع الجاهلية ورواسبها )الضمير والخلق والواقع( ..ولهذا كان لبد لبناء العقيدة أن يكون فعل وممارسة وأن يظهر في صورة تجمع عضوي حيوي ..أي تنظيم يباشر الحياة متمثل في الجماعة المسلمة ..وهكذا تتضح لنا شيئا فشيئا ربما أخطر أطروحات المام الشهيد .إن بناء ونمو الجماعة في واقعها الحركي هو الترجمة الحية لبناء ونمو العقيدة أيضا ،وهما لم يكونا منعزلين ولم يسبق أحدهما الخر ..لم يرسل الله نظرية ليجلس محمد )صلى الله عليه وسلم( وثلة من أتباعه لدراستها وتحليلها قبل طرحها للممارسة والتطبيق ]إن هذا من طبيعة نظرية كالماركسية حوتها دفات كتاب وضعه مثقف قضى حياته بين رفوف الكتب ثم جاء من يتبنى النظرية ويؤسس حزبا يحملها[ .إن طرح العقيدة السلمية بشكل نظري مجرد للدرس والمعرفة خطأ وخطر )بالقياس إلى السلم( في نفس الوقت ويشكل ظاهرة غريبة على طبيعة هذا الدين ..إن الذين يريدون صياغة نظرية ثورية ]إسلمية[ كاملة قبل أن يبدأوا حركتهم إما أن يفشلوا أو أنهم لن يبدأوا أبدًا.. وفي الحالين سينتهون كظاهرة منحرفة عن منهج السلم .فهذه النظرية لن يصوغها إل الجهد والعرق والممارسة الثورية الملتزمة وليس مجرد البحث والدراسة ،لن كل نمو نظري يسبق النمو الحركي الواقعي ول يتمثل من خلله خطأ وخطر في نفس الوقت.. إن الجهد والعرق والممارسة هي الضمانة الكيدة أمام ظهور نظرية صائبة" ..والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" العنكبوت " 69إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى .وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والرض "..الكهف ) ..(14 ،13لحظ "آمنوا" " ،فزدناهم"" ..ربطنا"" ..قاموا""قالوا" ..إنها الشارة إلى الجدل بين النظرية )العقيدة( والممارسة )التجمع الحركي والحي(. وحين يطرح المفكر العظيم أن الله سبحانه كان يريد بنا الجماعة والحركة بالعقيدة وأن يبني العقيدة بالجماعة والحركة ،حين يطرح أن الله سبحانه كان يريد أن تكون العقيدة هي واقع الجماعة الحركي الفعلي وأن يكون واقع الجماعة الحركي الفعلي هو الصورة المجسمة للعقيدة ،كان يعني أن العلقة بين النظرية والممارسة هي علقة جدلية حية نامية ،باختصار ـ وعلى عكس النظريات الرضية ـ ليس هنا معنى لنظرية إسلمية ثورية بدون واقع وتجمع حركي عضوي يتفاعل مع الجاهلية المقابلة ومع رواسبها في أذهان أفراد هذا التجمع ..ول ينسى المام الشهيد سيد قطب أن يحذر المسلمين المخلصين من الوقوع فريسة الضغوط الجاهلية التي تحاول إحراجهم فتسألهم تقديم حلول لمشاكل غير إسلمية )!( صنعها واقع غير إسلمي ،إن للسلم منهجه الرباني الخاص في عملية التغيير وهو حين يرفض المنهج الذي يبني هذه التصورات يلزمنا بمنهجه كما التزمنا بعقيدته ونظامه. كان هدف الدعوة السلمية ليس فقط تعريف الناس بالله الواحد وإنما أيضا عبوديتهم له ونبذ ربوبية الخلق ..هدفها إخراجهم من سلطان العباد في حاكميتهم وشرائعهم وقيمهم وتقاليدهم إلى سلطان الله وحاكميته ،هدفها أن يخضع النسان بشطريه اللإرادي )الفطري( والرادي لتوجيه الله ..فالتصور السلمي يقوم على أساس أن الوجود كله من خلق الله وأن النسان جزء من الوجود الكوني ،وأن الله سن الشريعة لتنظيم حياة النسان الرادية تنظيما متناسقا مع حياته الطبيعية ،وهكذا فالشريعة جزء من الناموس اللهي العام الذي يحكم فطرة النسان والوجود وينسقها كلها جملة واحدة ..كل كلمة من كلمات الله وكل أمر شطر من الناموس العام يتناسق معه فاللتزام بالمر ]الشريعة[ ناشئ من ضرورة تحقيق التناسق بين حياة النسان وحركة الكون الذي يعيش فيه ،فوق إنه اعتقاد يتحقق به إسلمنا. ولكن المسلم في رحلته لطلب الشريعة اللهية وتحكيمها في حياته يواجه بالجاهلية التي ترفض هذا المطلب وتقوم على التصادم بين الجانب الرادي في حياة النسان والجانب اللإرادي )الفطري(، وحيث أن المواجهة هنا تصبح واجبا شرعا وعقل فلنا أن نسأل كيف ستتم المواجهة؟ بداية هذه الجاهلية تتمثل في نظرية قد تكون نظرية ماركسية أو نظرية رأسمالية أو نظريات مشوهة مسروقة عنهما كتلك المسماة "الشتراكية العربية" مثل ..وأحيانا ل توجد نظرية على الطلق كحال أغلب دول الوطن السلمي اليوم ، ولكن من المؤكد أن هذه الجاهلية كانت دوما ممثلة في تجمع حركي )مجتمع( له قيادته وتصوراته وتقاليده ،مجتمع عضوي يتحرك دائما واعيا أو غير واع للمحافظة على كيانه ومحاربة عناصر الخطر التي تهدد وجوده ]عندما بدأت نظرية أتاتورك تهتز في تركيا تقدمت المؤسسة العسكرية ـ أقوى العضلت في جسد الجاهلية التي دشنها أتاتورك ـ لحماية النظرية من الخطر الذي هددها ]السلم[ ..ولن واجب المسلم الشرعي وقدره هو إلغاء هذه الجاهلية التي تقوم على )نظرية( وتجمع حركي فلبد أن تتمثل حركته في )نظرية( وتجمع حركي مقابل مكافئ لها في القوة أو أقوى ،لن النظرية المجردة ل تغير واقعا ..فعندما يكون المطلوب إلغاء الوجود القائم وإقامة وجود آخر يخالفه في طبيعة منهجه وكل جزئياته فلبد أن تتمثل المحاولة الجديدة في تجمع عضوي حركي أقوى نظريا ـ تنظيميا واجتماعيا ـ من المجتمع الجاهلي القائم فعل ،ومن هنا تنبع أهمية أن يفهم الذين يقرأون هذه المعالم ويسترشدون بأفكار المام الشهيد هذه الجاهلية ..كنظرية وكتنظيم ومؤسسات وعلقات اجتماعية هم مقبلون على تغييرها ، فهل يعقل أن تغير شيئا تجهل طبيعته وتركيبته ..هل يمكنك مقاومة جاهلية تجهل أدواتها ووسائلها ..ومن ناحية أخرى فالنظرية السلمية المتمثلة في ل إله إل الله والتي تعني إفراد الله سبحانه باللوهية و الربوبية والحاكمية ..هذه النظرية أو القاعدة النظرية إن كانت مجردة فليست ترجمة للسلم الذي هو حياة وواقع حي يتفاعل مع واقع آخر ،ومن هنا يرفض السلم أن يعتنق أتباعه نظريته بينما هم أفراد ضمن كيان عضوي جاهلي يدينون له بالولء لنهم بذلك يعملون على تقوية مجتمع يعملون نظريا على إزالته!! يبقون خليا حية تمده بعناصر البقاء بدل من تقويض وجوده وإقامة المجتمع المسلم ،إن وجود تجمع عضوي حركي مقابل للجاهلية يدين بالولء لله ورسوله ولقيادة إسلمية رشيدة ينخلع من الولء لغيرها ..هو الترجمة الحقيقة للعقيدة والنظرية السلمية ، فالمجتمع المسلم ل يتحقق بالنوايا الحسنة ول بمجرد قيام النظرية في قلوب الفراد مهما كثر هؤلء. بعد أن يورد المام الشهيد سيد قطب تلخيصا لمراحل الجهاد في السلم نقل عن ابن القيم في "زاد المعاد" والذي يقسم أهل الرض إلى ثلثة أقسام :مسلم مؤمن ـ مسالم آمن ـ خائف محارب.. بعد ذلك يتكلم عن السمات الصيلة والعميقة في المنهج الحركي لهذا الدين: 1ـ الواقعية الجدية :فهو حركة تواجه الواقع البشري بوسائل مكافئة لوجوده الواقعي ..بالدعوة والبيان لتصحيح التصورات والمعتقدات وبالقوة والجهاد لزالة النظمة التي تحول بين الناس والحق ..إنها حركة ل تكتفي بالبيان في مواجهة السلطان المادي وفي نفس الوقت ل تستخدم القهر المادي لضمائر الفراد. 3،2ـ الواقعية الحركية :فهو حركة ذات مراحل ،لكل مرحلة وسائلها المكافئة وأهدافها المرحلية ،إنه ل يطرح نظريات مجردة وبالتالي ليمكن أن يواجه الواقع بوسائل متجمدة ،ومن هنا اعتقادي أن الرأي القائل بأن تحقيق الهداف المباشرة وغير المباشرة المرحلية والنهائية مرهون بقوالب جاهزة ووسائل أعدت سلفا هو أمر مرفوض من خلل هذه السمة التي يطرحها سيد قطب ،ليس معنى هذا أن الوسائل المتجددة ستكون منفصلة عن المنطلقات والهداف ..على الطلق ل ..إن الوسائل مرتبطة جدليا بهذه المنطلقات والهداف ..وأي انفصام بينهما انحراف يقع فيه الكثير من العاملين في الدعوة السلمية كهؤلء الذين يسيرون مغمضي العين جاهلين منطلقاتهم وأهدافهم المرحلية زاعمين أنهم يمتلكون وسائل الرسول عليه الصلة والسلم وطريقه القويم وهذا عينه هو السمة الثالثة التي يطرحها الشهيد قائل :إن هذه الحركة الدائبة والوسائل المتجددة ل تخرج عن قواعده المحددة وأهدافه المرسومة. 4ـ الضبط التشريعي للعلقات بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات الخرى كما جاء في تقسيمة ابن القيم في "زاد المعاد" )مسلم مؤمن ـ مسالم آمن ـ محارب خائف( ،وهذا ينطلق من أساس أن السلم لله هو الصل العالمي الذي على البشرية كلها أن تفيء إليه أو تسالمه بجملتها فل تقف في طريقه. ثم يستمر في عرض رؤيته عن هذا الدين كإعلن عام لتحرير النسان في الرض من العبودية لهواه وللعباد وإعلن ربوبية الله للعالمين .إن إعلن ربوبية الله تقتضي الثورة الشاملة على حاكمية البشر بكل أشكالها وأوضاعها وهذا ل يتم بمجرد البلغ؛ لن المتسلطين على رقاب العباد والمغتصبين لسلطان الله ل يسلمون في سلطانهم بمجرد البلغ والبيان .إن إعلن التحرير هذا ليس إعلنا نظريا فلسفيا سلبيا ..بل إعلنا حركيا واقعيا ايجابيا يجب أن يتحقق وبالتالي لبد من أن يأخذ شكل الحركة إلى جانب شكل البيان وذلك ليواجه الواقع البشري بوسائل مكافئة ،البيان يواجه العقائد والتصورات والحركة تواجه العقبات المادية الخرى وفي مقدمتها السلطان السياسي القائم على العوامل العتقادية التصورية والعنصرية والطبقية والجتماعية والقتصادية المعقدة والمتشابكة ،فأي سذاجة أن يتصور أحد أن دعوة تعلن تحرير النوع النساني في كل الرض ثم تقف أمام العقبات الهائلة التي تعترض طريقها باللسان والبيان فقط ..إن السلم ل يكره الناس على اعتناق عقيدته ،ولكن السلم ليس مجرد عقيدة ..إنه إعلن لتحرير النسان للنسان بهدف إزالة النظمة التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر وعبودية النسان للنسان ،إن النظام الذي يحكم البشر يجب أن تكون قاعدته العبودية لله وذلك بتلقي الشرائع منه وحده ،ثم بعد ذلك يعتنق الفرد في ظل هذا النظام ما يعتنقه من عقيدة ،أي يصبح الدين كله لله ،والدين يحمل مدلول أشمل من العقيدة فهو المنهج والنظام الذي يحكم الحياة ويعتمد على العقيدة ولكنه أشمل منها ..وهكذا فالجهاد السلمي لم يكن يوما عملية دفاعية ،إنه يحمل في ذاته مبررات التحرير العام للنسان .. يحمل مبررا ذاتيا في طبيعة منهجه الواقعي ول يقف مدافعا وإل فقد أهم مبررات وجوده ..إنه على عكس ما اعتبره بعض الباحثين السلميين المعاصرين المهزومين تحت ضغط الواقع ..هؤلء الذين غشى أبصارهم التصور الغربي لطبيعة الدين فاعتبروه مجرد عقيدة في الضمير أو نحلة قوم وليس منهجا أرسله الله للحياة البشرية. 5ـ إن كانت العبودية لله هي شطر الركن الول في العقيدة السلمية فإن التلقي عن الرسول )صلى الله عليه وسلم( في كيفية العبودية هو شطرها الثاني وهذا يقودنا لتحديد بعض القضايا الساسية لهذا الدين: * طبيعة المجتمع المسلم: إن المجتمع الذي يدين بدين العبودية لله وحده ضمن هذه الشروط الثلثة: 1ـ اليمان بوحدانية الله عقيدة في الضمير ..فهو الموجود وجودا حقيقيا وهو الفاعل فعل حقيقيا ،وليس الطبيعة أو أين الله!! وليس دورة رأس المال أو صراع الطبقات. 2ـ التوجه لله وحده بالشعائر التعبدية "قل إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" النعام .16 3ـ تلقي الشرائع والقوانين عن الله سبحانه ورفض كل شرائع وقوانين البشر والطواغيت "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن الله" الشورى ..21 "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" الحشر .7هذه هي الشروط الثلثة كي يكون المجتمع مسلما لن تخلف أحدها يعني تخلف السلم نفسه عن الوجود لنه عقيدة وعبادة وشريعة. ولكن كيف ينشأ هذا المجتمع المسلم: 1ـ جماعة من الناس قررت أن عبوديتها الكاملة لله وحده في العتقاد والشعائر والشرائع. 2ـ تنظيم حياة الجماعة على هذا الساس فل يبقى في ضميرها أحد غير الله ول شعائر توجه لغيره ول قوانين إل منه. 3ـ يبدأ الفراد بعد ذلك في النتقال من العبودية لغير الله إلى العبودية له وحده في داخل هذا المجتمع الذي تكون فعل. 4ـ على المجتمع الجديد أن يوفر المكانات والظروف الموضوعية التي تجعله قادرا على مواجهة الضغط الجاهلي فيسعى لتملك قوة العتقاد وقوة الخلق وقوة التنظيم والبناء الجماعي. بعد ذلك يطرح الشهيد تصوره عن المجتمع الجاهلي ،إنه كل مجتمع ل يخلص عبوديته لله وحده ..ويدخل تحت هذا التعريف المجتمعات الشيوعية والوثنية واليهودية والنصرانية وأخيرا تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة! فهي وإن كانت في الغالب ل تعتقد بألوهية أحد غير الله وتعتقد أن له وحده الشعائر التعبدية ..إل أنها لتدين له بالحاكمية في حين أن الله يقول عن الحاكمية" :ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" المائدة ،44ويقول عن المحكومين "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به" إلى أن يقول "فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما.".. *** تحت عنوان " السلم هو الحضارة" يشير المام الشهيد إلى المفكر الجزائري المسلم مالك بن نبي دون ذكر اسمه ،والذي اعتبر أن حذف الشهيد لكلمة "متحضر" من عنوان كتاب كان تحت الطبع "مجتمع إسلمي متحضر" اعتبر مالك هذا التعديل ناشئا من " عملية دفاع نفسية داخلية عن السلم" ..والحقيقة أن هناك فرقا بين المفكرين ولكنه الفرق بين وجهتي نظر متكاملتين وليستا متناقضتين ،فلم يغفل سيد قطب الشروط الموضوعية اللزمة لبناء المة او الحضارة السلمية ولكنه لسباب كثيرة كانت الشروط الذاتية تبدو أكثر وضوحا في أعماله فالشروط التي صنعت ]الجيل القرآني الفريد[ هي المنطلق ..كذلك لم يغفل مالك الشروط الذاتية هذه وكان يتحدث عن الدفعة اليمانية التي انطفأت نارها.. وضرورة إضرامها من جديد ،وكان إنسان ]ما بعد الموحدين[ العقيم الذي تحدث عنه مالك هو الذي لحظه سيد قطب ورآه رأي العين حين تكلم عن إنسان ]الجيل القرآني الفريد[ الذي عليه أن يجدد ذاته ويتجاوز "إنسان ما بعد الموحدين" وقابليته للستعمار ..لم يغفل مالك هذه الشروط الذاتية ولكن لسباب كثيرة أيضا كان البحث عن الشروط الموضوعية أكثر وضوحا في أعماله ،كان يبحث في تجاوز التناقضات القائمة من خلل تركيب مبدع لفكرة المة الوسط ويرى أن هذا التجاوز لن يتحقق إل بارتفاع المسلم ـ الشاهد على العالم بالتقى والورع والصدق والوعي ـ إلى مستوى الحضارة كي يصبح معاصرا ً حقا ..لقد كان سيد ومالك يمثلن بصدق جناحي الحركة السلمية في المشرق والمغرب كما قال المفكر السلمي المعاصر توفيق الطيب .وبخصوص الخلف الوارد بينهما هنا فأستطيع أن أؤكد إنه كان خلفا في المصطلح ..أي خلفا على ]تعريف الحضارة[ لغة على الرجح وليس مضمونا ..الحضارة النسانية كما يقول سيد هي التي تقتضي التحرر الحقيقي الكامل للنسان ..التحرير من العبودية لغير الله ،والمجتمع السلمي هو الذي يحقق هذا التحرر فهو بداية يجمع الناس على آصرة العقيدة والتصور والفكر وليس آصرة الجنس واللون والقوم والرض فهذه الشياء لتمثل الخصائص العليا للنسان ..إنها الروح والفكر خصائصه العليا ..والنسان يبقى إنسانا بعد الجنس واللون والقوم والرض ولكنه ل يبقى إنسانا بعد الروح والفكر وهو يملك بمحض إرادته أن يغير عقيدته وتصوره ومنهجه وفكره ول يملك أن يغير لونه ول جنسه أو يحدد مولده في قوم أو أرض ،وبالتالي فالمجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة واختيارهم الذاتي هو المجتمع المتحضر ..المجتمع السلمي هو الوحيد الذي رابطة العقيدة فيه هي رابطة التجمع الساسية ،الكل فيه أنداد يلتقون على أمر شرعه الله لهم ولم يشرعه أحد من العباد ، وإنسانية النسان هي القيمة العليا في المجتمع السلمي وليست "المادة" والمادة ل يحتقرها المجتمع السلمي ..ل في صورتها النظرية ول في صورة النتاج المادي الذي يعتبر من مقومات الخلفة في الرض عن الله ،ولكنها ليست القيمة العليا التي تهدر فيها خصائص النسان ومقوماته كما يحدث في المجتمعات الجاهلية حيث تهدر كرامة الفرد وحريته :السرة ومقوماتها ..الخلق وحرمات المجتمع ..إلخ ..من أجل توفير النتاج المادي .إن للسلم أخلقه التي تميزه عن الحيوان ينشئها ويصونها في كل مجتمع يهيمن عليه سواء كان في طور الزراعة أم الصناعة ..البداوة أم الرعى ..فقيرا كان أم غنيا .إنه مجتمع رباني يقوم فيه النسان بالخلفة عن الله في أرضه على وجهها الصحيح ..ول يعتبر البداع المادي وحده حضارة فالبداع المادي يكون وتكون معه الجاهلية إن لم يتحقق خصائص النسان العليا" ..أتبنون بكل ريع آية تعبثون. وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون .وإذا بطشتم بطشتم جبارين ، فاتقوا الله وأطيعون" الشعراء 128ـ .131وبعد ..فالمجتمع السلمي وليد الحركة ..الحركة فيه مستمرة ..تحدد وظائف الشخاص ومراكزهم ..وهذه الحركة ابتداء تتمثل في العقيدة التية من الله للبشر تنشئ لهم تصورا خاصا للوجود والحياة والتاريخ والقيم والغايات ..إنها حركة آتية من خارج نطاق الرض ..محورها النسان ..وهذا النسان الواحد ل يتلقى العقيدة وينطوي على نفسه ..إنه سينطلق بها ..فهذه طبيعتها الحية ،إن الدفعة الحية التي وصلت بها هذه العقيدة إلى القلب ستمضي في طريقها قدما ،وحين يؤمن بها ثلثة تقول لهم العقيدة ..أنتم الن مجتمع إسلمي مستقل ل يدين للجاهلية بالعقيدة ول تسوده قيمها.. وهكذا ينشأ المجتمع السلمي ..الثلثة يصبحون عشرة ..مائة .. ألفا ..ثم أثنى عشر ألفا ..ويتقرر المجتمع السلمي. *** في أحد فصول الكتاب " التصور السلمي والثقافة" يحاول المام الشهيد إيضاح مدلول الحاكمية وعلقته بالثقافة فيعلن أن مدلول الحاكمية في التصور السلمي ل ينحصر في تلقي الشرائع القانونية من الله وحده ..إن شريعة الله تعني كل ما شرعه الله لتنظيم حياة البشر ،وهذا يتمثل في أصول العتقاد وأصول الحكم وأصول الخلق وأصول السلوك وأصول المعرفة أيضا ..إن المر في الحاكمية هو أيضا الرجوع في شأن النشاط الفكري والفني إلى التصور السلمي وإلى مصدره الرباني ،فالمسلم ل يملك أن يتلقى في أمر يختص بحقائق العقيدة :التصور العام للوجود ..العبادة.. الخلق ..السلوك ..القيم والموازين ..المبادئ والصول في النظام السياسي والجتماعي والقتصادي ..تفسير بواعث النشاط النسانـي وحركة التاريخ النساني ،ل يملك المسلم إل التلقي من ذلك المصدر الرباني.. ل يتلقى إل عن مسلم يثق في دينه وتقواه وممارسته لعقيدته في واقع الحياة ،المسلم يملك ان يتلقى في العلوم البحتة والنواحي الفنية في الدارة والحرب عن المسلم وغير المسلم ..أما فيما يتعلق بتفسير النشاط النساني ..ما يتعلق بالنظرة إلى نفس النسان وحركة تاريخه ..تفسير الكون ونشأة الحياة فل يجوز للمسلم إل أن يتلقى عن مسلم ..وهنا يبرز سؤال استهلك جهدا ووقتا كبيرين من جهد ووقت الحركة السلمية :هل يباح لنا ..هل يحق لنا كمسلمين آمنا بالسلم عقدية وعبادة وشريعة ..آمنا بأن الحاكمية لله ..هل يحق لنا أن نطلع على آثار الفكر الجاهلي؟ أجاب المتنورون :نعم وإل فكيف سنعرف الجاهلية وانحرافها ثم نصححه ونقومه ..وأجاب التقليديون أو المحافظون ]عن عجز وليس عن قوة[ أجابوا وتحت شعار] :إذا عرفت الحق فلماذا أعرف الباطل![ ل ..هذا رجس من عمل الشيطان! ..وجاء أخيرا سيد قطب ليعلن أنه "أي المسلم" قد يطلع على كل آثار النشاط الجاهلي ،ولكن ليس بهدف أن يكون منه تصوره ومعرفته في هذه الشئون كلها.. إنما ليعرف كيف تنحرف الجاهلية ..ليعرف كيف يصحح ويقوم هذه النحرافات البشرية ويردها إلى أصولها الصحيحة في مقومات التصور السلمي ..وأضيف إلى ما قاله المام الشهيد أن المسلم إن لم يعرف الجاهلية عن عمد وسبق إصرار وبالتالي عن وعي وحذر فإنها قد تدخل إلى عقله بل ودمه! فيحدث النفصام والزدواجية في شخصيته ،ويقول عمر رضي الله عنه " :ينقض عرى السلم عروة عروة من عاش في السلم ولم يعرف الجاهلية" .إن المعرفة مطلوبة بل واجبة ،أما التلقي من غير الله فهو المرفوض ،ويجب ان نفرق بين المعرفة ]الطلع[ وبين التلقي ]التباع[ ..إن التلقي ل يكون إل عن الله ،والحقيقة ل تستمد إل من الوحي ،وهذا عين ما طرحه المفكر السلمي توفيق الطيب في بحثه المهم "الخصائص الثابتة اللزمة والخصائص المكتسبة للحركة السلمية" ]المسلم المعاصر ـ العدد الفتتاحي[ حين قال تحت عنوان " إن حركتنا حركة ربانية" ) :إن الحقيقة عندنا تستمد من الوحي المنزل على الرسول )صلى الله عليه وسلم( أي من القرآن ..فمن يقول لنا إنه ينزع إلى طلب الحقيقة نقول له إننا وجدناها ونحياها فما تريد أن تتملكه تملكناه ..إن نظام المفاهيم عندنا يستمد كله من الوحي المنزل على الرسول عليه الصلة والسلم ،ويعبر عن مفاهيمنا بالمصطلح القرآني أول فإن لم يوجد فبمصطلح مرتبط تاريخيا بالمصطلح القرآني :مصطلحات التراث ، فإن لم يوجد فبمصطلح يحقق مضمون المصطلح القرآني() ..إن نظام القيم عندنا يستمد من نفس المصدر السابق كما تحقق في حياة الرسول عليه الصلة والسلم حيث كان خلقه القرآن() ..قيمنا الجمالية تستمد أيضا من نفس المصدر وترتبط ارتباطا وثيقا بنظام قيمنا الخلقية ،وعلى القيم الجمالية والقيم الخلقية معا تنهض قيمنا التربوية( ،ثم يقول توفيق الطيب " :خارج نطاق المفاهيم والقيم ل يلزمنا السلم بشيء ،فتعاملنا مع الشياء ـ الطبيعة ـ مفتوح إلى أبعد الحدود ..ومن هنا فنحن منفتحون على العلم بكل آفاقه وعلى الصناعة الحديث بكل فوائدها وعلى التقدم الجتماعي والقتصادي بكل أبعاده" ..هذا التصور السلمي الخالص يطرحه توفيق الطيب الذي أمضي وقتا طويل كمسلم يبحث في آثار النشاط الجاهلي ،بل قضى من عمره عشر سنوات دارسا للفلسفة في ألمانيا ..ونفس التصور كان سيد قطب يطرحه في ]المعالم[ وسيد قطب هو الذي عاش ـ كما يقول في نفس الفصل ـ أربعين سنة يقرأ ويطلع في معظم حقول المعرفة النسانية قبل أن يكتمل أو يستقر تصوره العتقادي السليم ..وما هو بنادم على ما قضى فيه أربعين سنة من عمره ..على حد تعبيره. *** لقد جاء السلم ليقرر أن هناك وشيجة واحدة تربط الناس في الله ،إذا انقطعت فل صلة ول مودة "ل تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم" المجادلة .22لقد جاء السلم ليرفع النسان ..يخلصه من وشائج الرض والطين ،فل وطن للمسلم إل الذي تقام فيه شريعة الله ،ل جنسية للمسلم إل في عقيدته التي تجعله عضوا في المة المسلمة في دار السلم ، وليست قرابة المسلم أباه أو أمه أو أخاه وزوجه وعشيرته ما لم تنعقد الصرة الولى في الخالق فتتصل من ثم بالرحم "إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض" النفال ،72وهي ولية تتجاوز الجيل إلى الجيال المتعاقبة " ..ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليمان "..الحشر ،10لقد جاء السلم ليرفض عصبية القبيلة والجنس والرض )دعوها فإنها منتنة() ،أليس منا من دعا إلى عصبية( ،وهكذا لم يعد وطن المسلم هو الرض وإنما "دار السلم" الدار التي تسيطر عليها عقيدته وتحكم فيها شريعة الله وحدها ،لقد حارب محمد )صلى الله عليه وسلم( مكة واعتبرها دار حرب رغم أنها وطنه الذي ولد فيه ورغم أنها أهله الذين نما بينهم، وانطلق من المدينة التي أصبحت موطنه الحقيقي حيث ترفرف رايات السلم ،إن هذا التصور الرفيع للدار والجنسية وللقرابة هو الذي ينبغي أن يسيطر على أصحاب الدعوة إلى الله ..ينبغي أن يكون من الوضوح بحيث ل تختلط به أوشاب التصورات الجاهلية الدخيلة ول تتسرب إليه صورت الشرك الخفية ..الشرك بالرض .. الشرك بالجنس ..الشرك بالقوم أو الشرك بالنسب" ..قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله ل يهدي القوم الفاسقين" التوبة .24 *** السلم تصور مستقل للوجود ..كامل متميز ..ينبثق منه منهج ذاتي مستقل للحياة كلها ،يخالف بشكل أساسي التصورات الجاهلية قديما وحديثا ..ووظيفة السلم أن ينشئ حياة إنسانية توافق تصوره وتمثله في صورة واقعية ،وظيفته إل يصطلح مع الجاهلية وتصوراتها ،لم تكن هذه وظيفته يوم جاء ..ولن تكون اليوم ، السلم لن يقبل أنصاف الحلول مع الجاهلية ،لن وظيفته هي هذه القيادة ،السلم لم يجئ ليربت على شهوات الناس المتمثلة في تصوراتهم وأوضاعهم بل ليلغي كل هذا إلغاء ،هذه حقيقة يجب أن نطرحها دوما للناس دون تلعثم أو تردد ،سنخاطبهم في عطب ورحمة ولكن أيضا في ثقة وقوة ..ل نتدسس إليهم ول نربت على شهواتهم وتصوراتهم المنحرفة ..نقول لهم :ما أنتم فيه نجس والله يرد أن يطهركم ..هذه الحياة التي تحيونها دون ،والله يرد أن يرفعكم ..ما أنتم فيه شقوة ،والله يريد أن يخفف عنكم ويرحمكم ويسعدكم ..لن نقول لهم إن السلم جاء من أجل تعديل هنا أو تغيير هناك ..نحدثهم مرة عن ديمقراطية السلم!! وأخرى عن اشتراكيته!! كل ..إن النتقال من الجاهلية إلى السلم نقلة بعيدة واسعة ،كان هذا حال محمد )صلى الله عليه وسلم( مع الجاهلية منذ اليوم الول ويجب أن يكون حالنا اليوم ،إن السلم كان قويا وهو اليوم كذلك وغدا ،لن عناصر القوة تكمن في هذه الظروف وأشدها حرجا ..إنها تكمن في الحق البسيط الواضح الذي تقوم عليه ،ليس في إسلمنا ما نخجل منه أو نضطر للدفاع عنه أو يضطرنا للتقرب من ركامهم المضطرب البائس ،وأول وأخيرا ندعوهم مقابل أجر ، إننا نتقدم ل نريد علوا في الرض ول فسادا ..نتقدم وفي نفوسنا يستقر الستعلء إزاء الوضاع والقيم المنبثقة من أصل غير أصل اليمان ..الستعلء على قوى الرض الحائدة عن نهج اليمان، وتقاليد الرض وقوانين الرض التي لم يشرعها الله ،الستعلء مع ضعف القوة وقلة العدد وفقر المال تماما ..الستعلء مع القوة والكثرة والغنى على السواء ،الستعلء الذي ل يتهاوى أمام قوة باغية ول عرف اجتماعي ول تشريع باطل ول وضع مقبول عند الناس بدون سند من اليمان ،والستعلء باليمان ليس مجرد عزمة منفردة ول نخوة دافعة ول حماسة فاترة ..إنما الستعلء القائم على الحق الثابت المركوز في طبيعة الوجود ..الحق الباقي وراء منطق القوة ،فالمؤمن هو العلى ..العلى سندا ومصدرا ،فماذا تكون الرض كلها؟ وما يكون الناس؟ وما تكون القيم السائدة في الرض وهو من الله يتلقى وإلى الله يرجع وعلى منهجه يسير.. واليوم والمسلم يقف مغلوبا مجردا من القوة المادية ل يفارقه شعوره إنه العلى ..فالناس جميعا يموتون وهو يستشهد ..هم يغادرون إلى النار وهو يغادر إلى الجنة ..إن حكمة الله هي التي قررت أن تقف العقيدة مجردة من كل زينة وطلء وإغراء ليقبل عليها من يقبل وهو على يقين من نفسه ..فهو يعرف أنه الجهد والمشقة والجهاد والستشهاد. *** "إن الناس جميعا يموتون ..وتختلف السباب ..ولكن الناس جميعا ل ينتصرون هذا النتصار ول يرتفعون هذا الرتفاع ول يتحررون هذا التحرر ول ينطلقون هذا النطلق إلى هذه الفاق ..إنما هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من عباده لتشارك الناس في الموت وتنفرد دون الناس بالمجد في المل العلى وفي دنيا الناس أيضا.. إذا نحن وضعنا في الحساب نظرة الجيال بعد الجيال!!" هذه الكلمات لم تقل في حفل تأبين للمام الشهيد ..إنها كلمات جاءت في الفصل الخير من كتابه الخير ..كلماته إلى الطليعة المؤمنة وإلى كل البشرية ..قبل أن يستشهد فينتصر ويتحرر ..ينطلق .. فيختاره الله ويكرمه فينفرد بالمجد في دنيانا وفي المل العلى.. أصدروا عليه حكم العدام فابتسم ،حاول الطغاة أن يسلبوه استعلءه ..أن يطفئوا سحر كلماته ويجهضوا الجيال القادمة التي ستتربى عليها فقالوا له اطلب الرحمة ..نظر إليهم هازئا وقال :إن كنت محكوما بحق فأنا أرتضي حكم الحق ،وإن كنت محكوما بباطل فأنا أكبر من أن استرحم الباطل ..لنه كان يعلمنا قبلها بعامين وفي الفصل الول "إن النصر في أروع صوره هو انتصار الروح على المادة وانتصار العقيدة على الثم وانتصار اليمان على الفتنة ..انتصار يشرف الجنس البشري كله في جميع العصار.. وهذا هو النتصار .كان يقول أيضا في نفس المكان "لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم في مقابل هزيمة إيمانهم ولكن كم كانوا يخسرون هم أنفسهم؟ وكم كانت البشرية كلها تخسر؟ كم كانوا يخسرون وهم يقتلون هذا المعنى الكبير ،معنى زهادة الحياة بل عقيدة وبشاعتها بل حرية وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الرواح بعد سيطرتهم على الجساد" ..يا إلهي ..أشهد أنني أفهم الن سر علمة التعجب )!( التي جاءت في نهاية مقدمة كتابه العظيم ولم أجد لها مبررا في البداية ،لقد كان يعدني بمعالم جديدة! يعدكم جميعا ..يعد كل المؤمنين. بينما هو في الفصل الخير يصف مصرعه واستشهاده ويبحث عن معادل موضوعي يصور مصيره فل يجد إل أصحاب الخدود ..إنه يبدو الن توفيقا إليها عجيبا ..أقرأ مصرعهم وكأني أشهد مصرعه ..لقد تحرر قلوب تلك القلة المؤمنة البعيدة في التاريخ كما تحرر قلبه، ارتفعت أرواحهم كما ارتفعت روحه ..انتكست جبلت طغاة ذلك الزمان وراحوا يتلذذون مشهد التعذيب المروع العنيف ..بخساسة لم يرتكس فيها وحش قط ..تماما كما انتكست جبلت طغاة هذا العصر! وهم يبطشون به وبإخوانه الطهار ..أشهد أني أرى ]المعالم الجديدة[ ..انفضوا عن أعينكم قسوة النعاس تجدوها فيكم" ..إن الحياة وسائر ما يلبسها من لذائذ وآلم ومن متاع وحرمان ليست هي القيمة الكبرى في الميزان ..وليست هي السلعة التي تقرر الربح والخسارة" وهذا هو الطريق الذي ترسمه نهاية المعالم التي قال عنها الستاذ محمد علي الضناوي في كتابه "الطريق إلى حكم إسلمي" " :لم تتضح المبادئ التي حددها المام الشهيد حسن البنا إل "بالمعالم" التي رسمها "سيد قطب".. هذا هو الطريق ..وهذا يا مصر كتاب سيبقي فوق جبينك سراجا منيرا وعيونا تميمة. *** وبعد ..معذرة ..استاذنا المام الشهيد ..معذرة إني وضعت كتابك فوق طاولة البحث والتحليل ..معذرة إن كنت أصبت ..والف معذرة إن كنت أخطأت. المصدر :المختار السلمي ـ العدد ) (22ـ السنة الثانية ـ ابريل 1981