Professional Documents
Culture Documents
الباب الخامس
فتاوى وبحوث معاصرة حول الربا
وأحكامه
)(1
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الخامس
فتاوى وبحوث معاصرة حول الربا وأحكامه
1
الستاذ الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي
رئيس قسم الفقه المقارن كلية الشريعة -جامعة دمشق
تقديم
الحمد لله رب العالمين ،والعاقبة للمتقين ،والصلة
والسلم على إمام النبياء وخاتم المرسلين ،وعلى آله
وأصحابه أجمعين ،وبعد:
فإن بطاقة الئتمان أصبحت في الغالب في عصرنا
الحاضر في بلد الغرب والشرق ،وبنسبة محدودة في
البلد العربية والسلمية هي أداة الوفاء المستعملة
لللتزامات النقدية في البيوع والشربة والقروض وتقديم
الخدمات كسداد الفواتير والرسوم والضرائب والحصول
على الحاجات من البضائع والسلع ،وذلك بدل ً من حمل
النقود المحلية أو صرفها بعملت أجنبية ،أو الوفاء
بالشيكات ونحوها ،وتفاديا ً لشكال وأنواع النصب
والحتيال والسرقات والغصب والنهب ونحوها ،وربما في
المستقبل القريب تحل بطاقات الئتمان محل النقود ،وهو
تطور اقتصادي واجتماعي ملموس ،واتجاه سريع نحو هذه
الغاية بما يتم من العتماد على هذه البطاقات حاليًا.
وهذا ما يسمى بالوظيفة الئتمانية للمصارف ،التي تتمثل
في القرض وفتح العتمادات والسحب على المكشوف
بفائدة ربوية ،وهي الوظيفة الثالثة للمصارف بعد الوظيفة
النقدية )قبول الودائع من المسكوكات والعملت( ثم
الوظيفة الستثمارية )استثمار أموال المصرف الخاصة
والودائع الستثمارية في التجارة وغيها وعمليات التسليف
والقراض(.
وإذا كانت هذه الظاهرة شائعة في بلدان النظام
الرأسمالي القائم على نظام الفائدة البنكية المحرمة في
السلم ،فكيف يمكن إصدار بطاقات ائتمان إسلمية كما
تفعل بعض المؤسسات المصرفية السلمية الحالية دون
تورط بالوقوع في الحرام وتجنب نظام الفائدة الربوية؟
حتى يطمئن المسلم إلى سلمة تعامله من غير اقتراف
للحرام.
ويمكن ذلك بعد بحث الموضوع من خلل ما يأتي:
2
ـ تعريف الئتمان وبطاقة الئتمان وأهميتها العامة
والخاصة ومحاذيرها.
ـ أنواع بطاقات الئتمان وحكم كل نوع.
ـ التكييف الشرعي لبطاقة الئتمان في صورتها الصلية
والعلقات بين أطرافها.
ـ البدائل الشرعية لبطاقة الئتمان.
درة
ـ الحكم الشرعي لبعض البطاقات المعاصرة المص ّ
من بعض البنوك السلمية.
تعريف الئتمان وبطاقة الئتمان
أصل معنى الئتمان في القتصاد :القدرة على القراض،
واصطلحًا :هو لتزام جهة لجهة أخرى بالقاض أو المداينة،
ويراد به في القتصاد الحديث :أن يقوم الدائن بمنح
المدين بمنح المدين مهلة من الوقت ،يلتزم المدين عند
انتهائها بدفع قيمة الدين) ،(1فهو صيغة تمويلية استثمارية
تعتمدها المصارف بأنواعها.
والدق في تبيان معنى الئتمان أو العتماد :Credit
هو عملية مبادلة شيء ذي قيمة أو كمية من النقود في
الحاضر ،مقابل وعد بالدفع في المستقبل.
وينظر إليه من ناحيتين):(2
الولى -من ناحية المهلة التي يمنحها البائع للمشتري،
لكي يدفع ثمن السلعة التي تسّلمها ،وفيها يزيد السعر،
لن الثمن مؤجل .وهذا يسمى ))الئتمان التجاري((.
الناحية الثانية -هو العملية التي بموجبها يقرض شخص
غيره مبلغا ً متأمل ً إعادته في المستقبل مضافا ً إليه الفائدة
المترتبة عليه.
وللئتمان أشكال مختلفة:
-الئتمان قصير الجل )أقل من ثمانية عشر شهرًا(.
-الئتمان متوسط الجل )وهو الذي يصل إلى خمس
سنوات(.
-الئتمان طويل الجل )ويكون أكثر من خمس سنوات(.
والبطاقات هي في الواقع القائم بطاقات القراض.
3
فإن كان السحب المباشر من الرصيد ل يوصف
بالقراض ،فتسمى بطاقات الدفع أو بطاقات المعاملت
المالية). (3
وبطاقة الئتمان Credit cardعند القتصاديين :هي بطاقة
خاصة يصدرها المصرف لعميله ،تمكنه من الحصول على
السلع والخدمات من محلت وأماكن معينة ،عند تقديمه
لهذه البطاقة ،ويقوم بائع السلع أو الخدمات بالتالي
در
ص ِ
م ْبتقديم الفاتورة الموقعة من العميل إلى المصرف ُ
دد قيمتها له ،ويقدم المصرف للعميل كشفا ً البطاقة ،فيس ّ
شهريا ً بإجمالي القيمة لتسديدها أو لحسمها )لخصمها(
من حسابه الجاري لطرفه).(1
وبعبارة أخرى :هي مستند من ورق سميك مسطح أو
بلستيكي ،يصدره البنك أو غيره لحامله ،وعليه بعض
البيانات الخاصة بحامله .والجهة المصدرة للبطاقة :هي
مصرف أو مؤسسة مالية تقوم بإصدار البطاقة بناء على
ترخيص معتمد من المنظمة العالمية لهذه البطاقات.
وعرفها مجمع الفقه السلمي الدولي بأنها :مستند يعطيه
مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري ،بناء على عقد بينهما، ُ
يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند ّ
در بالدفع.
ل ،لتضمنه التزام المص ِ دون دفع الثمن حا ً
كن من سحب نقود من ومن أنواع هذا المستند :ما يم ّ
المصارف.
ولبطاقات الئتمان صور:
-منها ما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب
در ،فتكون حاملها في المصرف ،وليس من حساب المص ِ
بذلك مغطاة.
در ،ثم يعود على -ومنها ما يكون الدفع من حساب المص ِ
حاملها في مواعيد دورية.
-ومنها ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير
المدفوع خلل فترة محددة من تاريخ المطالبة ،ومنها ما
ل يفرض فوائد.
-وأكثرها يفرض رسما ً سنويا ً على حاملها ،منها ما ل
در رسمًا.يفرض فيه المص ِ
4
أهميتها:
حققت بطاقة الئتمان نجاحا ً ملموسا ً من نواح متعددة
سلبية وإيجابية .فقد حققت فعل ً المان لحامليها من
السطو وسرقة النقود أو ضياعها ،أو حملها ،لكتفائهم
بحملها وهي صغيرة ل تتجاوز 5/9سم ،2ممغنطة تحمل
رقما ً رمزيًا.
وضمنت لصحاب الحقوق أداء حقوقهم بعد التثبت
بواسطة جهاز الكتروني )كمبيوتر( من ملءة صاحب
البطاقة ،واستطلع الجهاز المعلوماتي الخاص بالمصدر
عن مقدار المبلغ المالي المودع في حسابه.
وصارت هي الداة المفضلة على النقود ذاتها في التجارة
والمطاعم والفنادق وغيرها.
وكانت سببا ً لزيادة المبيعات في المحلت التجارية،
وحققت أرباحا ً ملموسة ومجدية ونشطة لمصدري
البطاقة.
كل ذلك بسبب آليتها السريعة في العمل وضمان وفاء
ظم التاجر فاتورة يدّون عليها أهم بياناتالحقوق ،حيث ين ّ
البطاقة ،ويختمها بتوقيع العميل ،ثم يرسلها إلى الجهة
درة التي تتولى دفع القيمة المدونة فيها ،إما من ص ِ ال ْ ُ
م ْ
حساب العميل ،أو تحسب دينا ً عليه بضمان حسابه لدى
الجهة المصدرة.
ويتولى إصدار البطاقات العالمية جهتان رئيستان وهما:
))أمريكان إكسبريس( و))فيزا(( العالميتان ،ويطلق على
در اسم :راعي البطاقة). (1 المص ِ
محاذيرها:
ليس لبطاقات الئتمان غالبا ً في مجال التعامل القتصادي
أية محاذير ،عند من يتعامل بالفوائد البنكية لستعداده
لسداد هذه الفوائد إذا تأخر عن تغطية رصيده في البنك
الذي يودع فيه حسابه.
وإنما المحذور واضح بالنسبة للمسلم الملتزم بأصول
دينه ،حيث يكتسب الثم الكبير أو المعصية إذا تعامل
بالربا أو بالفوائد المصرفية ،كما كان عليه عرب الجاهلية:
))أتقضي أم تربي؟((.
5
درها فاسد، ص ِ
م ْ
والتفاق الذي يوقعه حامل البطاقة و ُ
لوجود الشرط الفاسد ،وهو استعداده لدفع الفائدة إذا
تأخر عن الدفع في الوقت المحدد ،ومن عقد عقدا ً
فاسدًا ،كان آثما ً بالعقد ذاته ،سواء دفع حامل البطاقة
الفائدة أو لم يدفعها ،لن الشرط الفاسد في المعاوضات
المالية عند الجمهور يفسدها ،وقرر الحنابلة أن الشرط
الفاسد المنافي لمقتضى العقد ل يفسد العقد ،كاشتراط
أل خسارة عليه ،أو أل يبيع المبيع أو ل يهبه لغيره ،وإنما
يبطل الشرط وحده العقد صحيح ،لقوله )ص()) :من
اشترط شرطا ً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان
مئة شرط(() . (1ويؤيد هذا التجاه ما أخذت به بعض
لجان الفتاوى في المصارف السلمية ،وهو أن حامل
البطاقة إذا اتخذ من الحتياطات ما يكفل عدم تطبيق
الشرط المحرم عليه وهو دفع الفائدة ،ل بأس عليه في
الستفادة من البطاقة وتوقيعه على اتفاقيتها ،على الرغم
من هذا الشرط ،لنه في معرض اللغاء شرعًا ،بدليل
قول النبي )ص( في الصحيحين لعائشة رضي الله عنها
في شأن بريرة رضي الله عنها)) :خذيها واشارطي لهم
الولء ،فإنما الولء لمن أعتق(( وفي رواية)) :اشتريها
وأعتقيها واشترطي لهم الولء(( والمراد أنه ل قيمة لهذا
الشرط المخالف للحق والشرع ،ويظل الولء للمعتق)
. (2
أنواع بطاقات الئتمان وحكم كل نوع:
يتمكن أصحاب بطاقات الئتمان من السحب من
أرصدتهم نقدا ً بنحو سريع )الصراف اللي( ،أو من
الحصول على قرض ،أو دفع أثمان المشتريات ومقابل
الخدمات بمجرد إبراز البطاقة ،وتوقيع صاحبها على
الفاتورة ،واستكشاف وفرة حسابه في البنك ،وتضمن
مؤسسة الصدار استيفاء المدفوعات الجلة عن طريق
القتطاع الشهري أو السنوي حسب التفاق ،وتمنح بعض
المؤسسات لعملئها بعض الميزات التجارية كنسبة حسم
)خصم( في بعض المحلت التجارية أو ضمان السلعة
المشتراة.
6
وهي ثلثة أنواع :بطاقة الحسم الفوري ،وبطاقة الئتمان
والحسم الجل ،وبطاقة الئتمان المتجدد.
ويمكن معرفة حكم كل نوع من هذه النواع فيما يأتي)
: (3
النوع الول -بطاقة الحسم الفوري )أو بطاقة السحب
المباشر الرصيد( Debit Card
هي التي يكون لحاملها رصيد بالبنك ،فيسحب مئة
مباشرة قيمة مشترياته وأجور الخدمات المقدمة له ،بناء
على السندات الموقعة منه.
يدل هذا التعريف على أن هذه البطاقة تعطى لمن له
رصيد دائن في حسابه ،يدفع منه أثمان السلع ومقابل
الخدمات في حدود رصيده الموجود ،ويتم الحسم منه
فورًا ،ول يحصل على ائتمان )إقراض(.
وتمنح غالبا ً مجانًا ،فل يتحمل العميل في الغالب رسوما ً
لهذه البطاقة إل إذا سحب نقودًا ،أو اشترى عملة أخرى،
عن طريق مؤسسة أخرى غير المؤسسة المصدرة
للبطاقة ،فتصدر هذه البطاقة برسم أو من غير رسم إل
في حال سحب العميل نقودا ً أو شرائه عملة أخرى عن
طريق مؤسسة أخرى غير المؤسسة المصدرة للبطاقة.
وتستخدم عالبا ً محليا ً داخل الدولة أو مناطق فروع البنك
المتصلة بجهاز حاسب آلي ،يتبين فيه حساب العميل
ورصيده.
وتتقاضى بعض المؤسسات من قابل البطاقة نسبة من
أثمان المشتريات أو الخدمات) .(1ويشترط لجواز إصدار
بطاقة الحسم الفوري شرطان:
ً - 1أن يسحب حاملها من رصيده أو وديعته.
ً - 2أل يترتب على التعامل بها فائدة ربوية.
وفائدة هذه البطاقة :هي تمكين صاحبها من الحصول
على النقود ،والسلع ،والخدمات وغير ذلك بيسر وسهولة،
دون تعرض لمخاطر حمل النقود أو السفر بها ،ولكن
ليس له الستدانة بها لتحقيق مصالحه.
وقد تشمل هذا البطاقة على اتفاقية إقراض ،وحينئذ تعد
من أدوات القراض ،خلفا ً لقانون تنظيمها.
7
وحكمها الشرعي :الجواز أو الباحة ،مادام حاملها يسحب
من رصيده أو وديعته ،ول يترتب عليه أي فائدة ربوية ،لنه
استيفاء من ماله ،ويجوز له أيضا ً أن يسحب من المصرف
أكثر من رصيده إذا سمح له المصرف بذلك ،ولم يشترط
عليه فوائد ربوية ،لنه قرض مشروع من المصرف،
ويجوز للمصرف أن يتقاضى من قابل البطاقة نسبة معينة
من أثمان المبيعات.
وكل ذلك ل يترتب عليه محظور شرعي ،والصل في
المعاملت الباحة.
والفرق بينها وبين بطاقة الئتمان المتجدد )أو القراض(
ول الربوية :أنه ل علقة للبنك بالنسبة للد ّْين ،بل يح ّ
مباشرة من حامل البطاقة ليحسم من رصيده ،إلى
حساب التاجر دون أي إجراء آخر ،أما بطاقة القراض
فيلزم البنك بدفع المبالغ الموضحة بالسندات ،المقدمة له
من التاجر العميل بزيادة متفق عليها ،وهي غير مشروعة.
وفي الجملة :يجوز إصدار بطاق الحسم الشهري
بالشروط السابقة ،لنها ل تتضمن محظورا ً شرعيًا ،ول
يمح عقدها بتسهيلت ائتمانية لحاملها يترتب عليها فوائد
ربوية.
وتكييفها بالنسبة للبنك المصدر وعلقته بالتاجر :أنها
حوالة ،والحوالة مشروعة في السلم بالجماع ،فهي
حوالة من حامل البطاقة على البنك المودع فيه حساب
العميل ،فيقوم البنك بتحويل المبلغ إلى التاجر المحال،
وقبول الحوالة من البنك المحال عليه واجب في رأي داود
الظاهري وأحمد بن حنبل). (1
النوع الثاني -بطاقة الئتمان والحسم الجل )أو بطاقة
القراض المؤقت من غير زيادة ربوية ابتداء).( (2
CHARG CARD
در حامل البطاقة قرضا ً وهي التي يمنح فيها البنك المص ِ
في حدود معينة ،بحسب درجة البطاقة :فضية أو ذهبية،
ولزمن معين ،يجب تسديده كامل ً في وقت محدد متفق
عليه عند الصدار ،يترتب على حاملها لدى تأخير السداد
زيادة مالية ربوية .وهي الصورة الصلية لبطاقة الئتمان.
8
فهي ل تشتمل على تسهيلت ،أي ل يقسط المبلغ
المستحق ،وإنما هي طريقة ميسرة للحصول على قرض
مفتوح ضمن حد أقصى ،يسدد كل شهر ،أي إنها أداة
ائتمان في حدود سقف معين لفترة محددة ،وهي أيضا ً أدا
وفاء.
وخصائصها ما يأتي): (3
أ -تستعمل في تسديد أثمان السلع والخدمات والسحب
النقدي في حدود مبلغ معين ،ولفترة محدودة ،دون
تقسيط.
ب -ليس فيها تسهيلت ائتمانية متجددة لحاملها ،وإنما
عليه تسديد أثمان مشترياته ومقابل خدماته من بعض
التجار المقبولين لدى جهة الصدار ،في فترة محددة
بمجرد تسليمه الكشوف المرسلة إليه ،أو خلل ميعاد
قصير بحسب نوع البطاقة من مؤسسة إصدار البطاقة،
فهي أداة إقراض وأداة وفاء معًا ،كما تقدم.
ج -ل تفرض على حامل هذه البطاقة زيادة ربوية في
الفترة المسموح بها ،وإنما إذا تأخر حاملها عن السداد
في الفترة المحددة ،فتترتب عليه فوائد ربوية .وهذا في
البنوك التجارية التقليدية ،أما في المصارف السلمية فل
تترتب عليه فوائد ربوية.
ل :أن يتمتع حامل هذه البطاقة بأجل فعلي والحاصل فع ً
في الوفاء بثمن السلع ومقابل الخدمات ،ولذا سميت:
بطاقة الوفاء المؤجل.
د -ل يدفع حامل البطاقة لمؤسسة الصدار أي زيادة
على أثمان المشتريات والخدمات ،وإنما تحصل المؤسسة
على عمولة من قابل البطاقة )التاجر( على مبيعاته أو
خدماته ،أي ل يؤخذ شيء من حامل البطاقة.
دد المؤسسة في حدود سقف الئتمان لقابل هـ -تس ّ
أثمان السلع والخدمات.
و -لمؤسسة إصدار البطاقة حق شخصي ومباشر على
حامل البطاقة في حدود استرداد ما دفعته عنه ،أي إنها
بصفة كفيل ،والكفيل يرجع على المكفول له بما أدى عنه.
9
ز -يدفع العميل رسوم اشتراك مرة واحدة ،ورسوم
تجديد سنوية ،وقد ل يدفع.
الفرق بين بطاقة الئتمان والحسم الجل وبين بطاقة
الئتمان المتجدد:
تختلف الولى عن الثانية في نواح أهمها ثلث:
- 1تتقاضى البنوك رسوما ً على إصدار هذه البطاقة
وعلى التجديد ،ول تتقاضى عادة رسوما ً سنوية ول رسوما ً
على التجديد لبطاقة الئتمان المتجدد.
- 2عملء البطاقة الولى يطالبون بدفع ما عليهم كامل ً
في نهاية الشهر ،أما عملء بطاقة الئتمان المتجدد،
فيقدم لهم قرض بنكي ،ولحامل البطاقة حق الختيار في
طريقة الدفع.
- 3في البطاقة الولى يوجد حد أعلى للمديونية ،ويلزم
حاملها بالدفع في نهاية الشهر ،أو في ميعاد قصير ،أما
في بطاقة الئتمان المتجدد فل يوجد حد أعلى للمديونية،
ويسمح لحاملها تأجيل السداد خلل فترة محددة ،مع
ترتيب فوائد عليه.
الحكم الشرعي لبطاقة الحسم الجل:
حكمها على هذا النحو أنها محظورة شرعًا ،لوجود التعامل
الربوي فيها.
ولكن يجوز إصدار هذه البطاقة شرعا ً بالشروط التية:
ً - 1أل يشترط على حاملها فائدة ربوية ،إذا تأخر عن
سداد المبلغ المستحق عليه.
ً - 2أل يتعامل بها فيما حرمته الشريعة ،وإل سحبت منه
البطاقة.
ً - 3في حال إيداع حامل البطاقة مبلغا ً نقديا ً بصفة
ضمان ،يجب النص على أن المؤسسة تستثمره لصالحه
بطريق المضاربة ،مع قسمة الربح بينه وبين المؤسسة
بحسب النسبة المحددة.
النوع الثالث -بطاقة الئتمان المتجدد:
أو بطاقة القراض الربوي والتسديد على أقساط
CREDIT CARDوهي التي تمنحها البنوك المصدرة لها
لعملئها ،على أن يكون لهم حق الشراء والسحب نقدا ً
10
في حدود مبلغ معين ،ولهم تسهيلت في دفع قرض
مؤجل على أقساط وفي صيغة قرض ممتد متجدد على
فترات ،بفائدة محددة هي الزيادة الربوية .وهي أكثر
البطاقات انتشارا ً في العالم ،وأشهرها :فيزا،
وماستركارد.
ولها ثلثة أنواع:
ً - 1بطاقة فضية أو عادية :وهي التي ل يتجاوز فيها
القرض الممنوح لحاملها حدا ً أعلى ،كعشرة آلف دولر
مث ً
ل.
ً - 2بطاقة ذهبية أو ممتازة :وهي التي يتجاوز فيها القرض
لحاملها الحد السابق ،وقد ل يحدد فيها مبلغ معين ،مثل
بطاقة أمريكان إكسبريس ،التي تمنح للثرياء ،مع دفع
رسوم باهظة.
ً - 3البطاقة البلتينية :وهي ذات مواصفات ومزايا إضافية
بحسب كفاءة العميل المالية ومدى ثقة المصرف به.
وبطاقة الئتمان المتجدد تشتمل على إقراض عادي،
وإقراض كبير ،وتأمين ضد الحوادث ،وتعويض مجانب عن
فقدانها ،وتخفيضات في الفنادق ،واستئجار السيارات،
وتقديم شيكات سياحية من دون عمولة.
وأمثلتها :الفيزا ،والماستركارد ،والدانيركارد ،والمريكان
إكسبريس ،وهي الكثر رواجا ً في عصرنا.
وخصائصها ما يأتي:
أ -هي أداة حقيقية للقراض في حدود سقف معين
متجدد على فترات ،يحددها مصدر البطاقة ،وهي أداة
وفاء.
ب -يسدد حاملها أثمان السلع والخدمات ،والسحب نقدا ً
في حدود سقف الئتمان )القراض( الممنوح ،وإذا لم يكن
لها سقف ،فهي مفتوحة مطلقًا.
ج -يمنح حاملها فترة سماح من دون فوائد لتسديد
المستحقات عليه ،كما يمنح له فترة محددة يؤجل فيها
السداد ،مع فرض فوائد عليه ،إل أنه في حالة السحب
النقدي ل يمنح حاملها فترة سماح ،أي إن وفاء أو تسديد
11
القروض ل يكون فورًا ،بل في خلل فترة متفق عليها،
وعلى دفعات.
د -قد تمنح هذه البطاقة لمن ليس له رصيد في البنك ،أو
دون اعتبار لمدخولتهم المالية.
هـ -قد ل تفرض على إصدارها رسوم سنوية ،كما في
بريطانيا ،و تؤخذ رسوم اسمية متدنية كما في أمريك،
وتعتمد البنوك في إيراداتها على الرسوم المأخوذة من
التجار.
حكمها الشرعي:
يحرم التعامل بهذه البطاقة؛ لنها تشتمل على عقد
إقراض ربوي ،يسدده حاملها على أقساط مؤجلة ،بفوائد
ربوية.
الحكام العامة للبطاقات:
لنواع البطاقات أحكام عامة هي ما يأتي):(1
ً - 1النضمام للمنظمات راعبة البطاقات:
ل مانع شرعا ً من انضمام البنوك السلمية إلى عضوية
المنظمات العالمية الراعية للبطاقات) ،(2بشرط اجتناب
المخالفات الشرعية إن وجدت أو شرطتها تلك
المنظمات.
وحينئذ يجوز لهذه المؤسسة دفع رسوم اشتراك وإصدار
وتجديد خدمات بمنح الترخيص وإجراء عمليات المقاصة
وغيرها لتلك المنظمات ،على أن تجتنب أي فائدة ربوية،
مباشرة أو غير مباشرة ،كأن تتضمن الجرة مقابل
الئتمان )القراض( .وأن يكون تعامل المصارف السلمية
مقصورا ً على بطاقة الحسم الفوري ،وبطاقة الئتمان
والحسم الجل الخالية من اشتراط الفائدة ،ل بطاق
الئتمان المتجدد.
وتكييف هذه العملية فقهًا :أن هذه الرسوم هي مجرد
أجرة يأخذها المصرف مقابل منفعة الخدمة والتسهيلت
التي يقدمها ،والجارة التي هي تمليك منفعة بعوض
مشروعة.
ً - 2العمولة والرسوم:
12
در البطاقة أخذ العمولة من قابل ص ِم ْ
للمصرف السلمي ُ
البطاقة بنسبة من أثمان السلع والخدمات ،لنها من قبيل
أجر السمسرة والتسويق وأجر خدمة تحصيل الدين.
وللمصرف المذكور أيضا ً أخض رسم عضوية ورسم
تجديد ،ورسم استبدال من حامل البطاقة ،لن هذه
الرسوم هي مقابل السماح للعميل بجملها والستفادة من
خدماتها.
ً - 3رسم السحب النقدي بالبطاقة:
أ -لحامل البطاقة أن يسحب بالصراف اللي وغيره مبلغا ً
نقديا ً من رصيده وفي حدود رصيده أو أكثر منه بموافقة
المصرف السلمي المصدر للبطاقة من غير فوائد ربوية.
ب -وللمصرف السلمي المصدر للبطاقة أن يفرض
رسما ً مقطوعا ً متناسبا ً مع خدمة السحب النقدي ،من غير
ارتباط بمقدار المبلغ السحوب أو بنسبة منه ثابتة.
وهذه الرسوم مشروعة؛ لن الجرة مقطوعة ،ل ترتبط
بنسبة المبلغ المسحوب ،التي ينطبق عليها حكم الفائدة
البنكية المحظورة شرعًا.
جـ -إذا اشترط المصرف إيداع حامل البطاقة رصيدا ً
للسماح له باستخدامها ،فليس للمصرف منع صاحب
البطاقة من استثمار المبالغ المودعة في حسابه ،لنه
أودعه على أساس ))المضاربة(( الشرعية.
ً - 4المميزات الممنوحة من الجهة مصدرة البطاقة:
أ -يجوز منح حامل البطاقة مميزات مسموحا ً بها شرعًا،
كالولوية في الحصول على الخدمات ،أو تخفيض السعار
لدى الفنادق والمطاعم وشركات الطيران ونحو ذلك.
ب -ول يجوز إعطاء امتيازات لحامل البطاقة تحرمها
الشريعة السلمية ،كالتأمين التجاري على الحياة ،أو
دخول الماكن المحظورة شرعًا ،كالخمارات والمراقص
ودور اللهو الماجنة ،وبلجات البحر المختلطة ،أو تقديم
الهدايا المحرمة ونحو ذلك من روافد القمار واليانصيب.
ً - 5شراء الذهب أو الفضة أو النقود الورقية بالبطاقات:
يجوز شرعا ً شراء الذهب أو الفضة أو النقود )تبادل
العملت المختلفة الجنس والنوع( ببطاقة الحسم الفوري،
13
لن الشراء بها فيه تقابض حكمي معتبر شرعًا ،بالتوقيع
على قسيمة الدفع لحساب الجهة القابلة للبطاقة ،ويجوز
أيضا ً ببطاقة الئتمان والحسم الجل إذا دفع المصرف
السلمي المبلغ إلى قابل البطاقة من دون أجل ،على أنه
وكيل للمشتري.
التكييف الشرعي لعلقات أطراف التعاقد على البطاقات:
تنحصر العلقة بين أطراف التعاقد على البطاقات في
ثلثة أنواع ،لوجود ثلثة أطراف :وهي:
- 1العلقة بين مصدر البطاقة وحامل البطاقة.
- 2العلقة بين مصدر البطاقة والتاجر.
- 3العلقة بين حامل البطاقة والتاجر.
علما ً بأن العلقة بين كل طرف وآخر علقة ثنائية
در البطاقة ،وحامل ص ِم ْ
مستقلة ،وقد تكون العلقة ثلثيةُ :
البطاقة ،والتاجر )قابل البطاقة أو العميل( والعقود حينئذ
ثلثة عقود منفصلة لدى استعمال البطاقة.
- 1العلقة بين مصدر البطاقة وحاملها:
هي علقة إقراض ،يتمكن بها حامل لبطاقة من سحب
المبلغ بالقدر المحدد له بالتفاقية بشرط أل يدفع في
مقابل القرض فائدة ربوية ،لن كل قرض شرط فيه
زيادة ،فهو حرام .أما رسم الصدار فل مانع منه كما
تقدم ،لنه مقابل التكلفة وخدمات المواطنين.
ولمصدر البطاقة الحق في إنهاء أو فسخ العقد في أي
وقت شاء ،فيعود له حق ملكية البطاقة وإعادتها إليه في
أي وقت يريد ،وهذا موافق لحكام الشرعية ،حيث يجوز
للمقرض المطالبة ببدل القرض في الحال أو في
المستقبل ،وهو فسخ القرض.
وعلى حامل البطاقة تسديد القدر المتفق عليه من
القرض مع مصدر البطاقة في الوقت المحدد ،وهذا واجب
عليه شرعا ً في رد بدل القرض.
ويحيل حامل البطاقة التاجر على مصدرها ،لسداد ثمن
السلعة أو الخدمة ،وتبرأ ذمة المحيل من الدين شرعًا،
ويلتزم عليه بالدين كله.
14
وهذا يعني أن تكييف بطاقة الئتمان بين حامل البطاقة
ومصدرها هي في جانب حاملها علقة حوالة مطلقة،
وهي :أن يحيل شخص غيره بالدين على فلن ،ول يقيده
بالدين الذي عليه ،ويقبل المحال عليه أداء الحوالة .وهي
جائزة عندالحنفية) (1خلفا ً لغيرهم ،ويتفق المامية
والزيدية على الراجح عندهم مع الحنفية.
وهذه الحوالة داخلة في عموم الحديث النبوي) :من أحيل
على مليء فليتبع() (2وفي رواية أحمد وابن أبي شيبة:
)ومن أحيل على مليء فليحتل(.
ول فرق في مشروعية هذه الحوالة بين أن تكون على
شخص واحد أو على مؤسسة أو جهة ترضى بوفاء الدين.
والواقع أن هذه العلقة في أصلها عند مصدري البطاقة
هي علقة كفالة ،أي إن مصدر البطاقة كفيل بالمال
لحاملها تجاه الدائنين من التجار وغيرهم ،والعلقة بينهما
علقة ضمان.
وهذا ما جنح إليه بعضهم ،وهي عقب الصدار -قبل نشوء
الدين المضمون -تعد ضمانا ً لما لم يجب ،وهو جائز
شرعا ً عند الجمهور غير الشافعية).(3
وهو اتجاه صحيح في منطق النظام الرأسمالي أو التجاه
القانوني ،لكنه شرعا ً اتجاه وإن بدا في الظاهر مقبو ً
ل ،إل
أن ما يعقبه في الواقع غير سديد في شريعتنا لن
الضمان أو الكفالة عقد تبرع محض ،وليست المؤسسات
المصدرة للضمان صندوقا ً خيريًا ،وإنما تبغي الربح أو
الفائدة إما عن طريق الفائدة الربوية إذا لم يسدد حامل
البطاقة التزاماته وتسديده المبلغ المستحق عليه في أجل
معين ،وإما من التاجر حيث تأخذ منه نسبة معينة من
المال المستحق له ،أي من أثمان السلع أو الخدمات،
المعتبر من قبيل أجر السمسرة والتسويق ،وأجر خدمة
تحصيل الدين ،كما تستوفي رسوما ً قد تكون باهظة عند
إصدار البطاقة أو التجديد السنوي ،وكل هذا غريب عن
منطق الكفالة أو الضمان في الشريعة السلمية ،وإن
كان سداد الفواتير من مصدر البطاقة هو أداء لدين ترتب
عليه ،كما يترتب ذلك على الكفيل الذي ضمن المدين.
15
وكذلك بالنسبة لحامل البطاقة ل يصلح توصيف هذه
العلقة بأنها وكالة على أجر ،لن حامل البطاقة ل يصدر
منه هذا التوكيل بالمعنى المجرد للوكالة ،ول يدفع أجرا ً
لمصدر البطاقة على وفاء الدين بالتوكيل ،لكن معنى
الوكالة واضح حينما يسدد المصرف عن وكيله المبلغ
المطلوب إذا كان المبلغ مغطى من العميل ويفي بتسديد
المبلغ المسحوب.
فترجح لدي أن العلقة بين مصدر البطاقة وحاملها في
الفقه السلمي هي بالنسبة لحاملها علقة حوالة،
والحوالة وإن كانت عقد تبرع أيضا ً كالكفالة ،لكنها تتضمن
في حقيقتها علقة دائنية ومديونية إما قديمة وهي الحوالة
المقيدة ،وهي تنطبق على حالة الدين المغطى ،أو
السحب من حساب حامل البطاقة ،وإما ناشئة في حال
الحوالة المطلقة ،ول تمنع هذه الحوالة عادة من وجود
مكاسب أو تحقيق مصالح من ورائها ،كأجور تحصيل
الدين ،على عكس الكفالة التي هي تبرع محض وعقد
إرفاق وتعاون ،وتنبني في الصل على دوافع المروءة
والشهامة ،ول يؤخذ على التبرعات مقابل.
-2العلقة بين مصدر البطاقة والتاجر
هذه علقة تجارية محضة ،قائمة على أساس الوكالة
بأجر ،حيث يعد ّ البنك المصدر للبطاقة وكيل ً للتاجر في
قبض استحقاقات قيمة المبيعات من حاملي البطاقات
وضمها إلى حسابه ،كما أنه وكيل عنه في السحب من
رصيده ،فيما هو مستحق عليه من بضاعة مرتجعة ،وهذا
هو الواضح من العلقة.
وقد أجاز الفقهاء بالتفاق الوكالة بأجر وبغير أجر،
والوكالة بأجر لها حكم الجارات ،وبغير أجر هي معروف
من الوكيل).(1
ويستحق مصدر البطاقة عمولة يأخذها من التاجر مقابل
إرسال العملء للشراء ،وترويج السلعة وتسويقها ،وتحقيق
الشهرة للمحل التجاري أو الفندق ونحوها ،وتحصيل لقيمة
البضائع ،وكل تلك العمال تتطلب تكاليف إدارية ومكتبية.
16
در للبطاقة على ص ِ
م ْ
وهذه العمولة التي يشترطها البنك ال ُ
التاجر :هي حسم )خصم( من قيمة المبيعات ،وليست
زيادة ،فل ربا فيها ،كما أنها ليست من قبيل ))ضع
وتعجل(( أي إسقاط شيء من الدين بسبب تعجيل
التسديد ،لن تسديد البنك الضامن المصدر للبطاقة
فوري ،لدى تسليم سندات البيع الصحيحة).(1
وإذا كانت العلقة قائمة على أساس الوكالة ،وليس على
أساس اتفاقية القرض أو الدائنية والمديونية ،فهي علقة
مباحة شرعا ً وقانونًا.
والقائل بأن العلقة علقة ضمان أو كفالة من مصدر
البطاقة للتاجر ،احتاج أن يسوغ ذلك على أساس الكفالة
التي ينتقل فيها الدين إلى ذمة الكفيل عند بعض الفقهاء
كالظاهرية ،وليس للدائن مطالبة الصيل ،أي إن الكفالة
بمعنى الحوالة ،وهذا تحول للعقد في الواقع) .(2وفي
رأي مقارب لهذا أن البنك الذي يصدر البطاقة نيابة عن
الشركة العالمية للبطاقات ،يكفل عميله في أداء ما عليه
مع حق الرجوع ،وهذه الكفالة من قبيل التبرعات ،فل
يؤخذ عليها مقابل).(3
-3العلقة بين حامل البطاقة والتاجر
هي علقة بيع وشراء للسلع والبضائع وتقديم المواد
الستهلكية في المطاعم ،أو علقة إجارة واستئجار في
در البطاقة ص ِ
م ْالفنادق ،ويحيل حامل البطاقة التاجر على ُ
لستيفاء الثمن أو الجرة ،ول تكون محظورة شرعًا.
وإنما الحظر أو المنع في بطاقة الئتمان والحسم الجل
وبطاقة الئتمان المتجدد ،بسبب وجود الربا أو اشتراط
دفع الفائدة الربوية في القروض ،أو بسبب ارتكاب
المخالفات والمحظورات الشرعية.
وأما بطاقة السحب المباشر من الرصيد )أو الحسم
الفوري ،أو القيد المباشر على الحساب المصرفي(
فليست معدودة في بطاقات القراض ،ول تطبق عليها
أحكام القرض المقررة في الفقه السلمي ،ومنها قاعدة:
))كل قرض جّر نفعا ً فهو ربا(( إل إذا سحب حامل هذه
البطاقة من غير بنكه قرضا ً ليستوفى من بنكه ،ويسجل
17
عليه عمولة على أنه قرض ،فيعد حينئذ من باب القراض،
وتسري عليه أحكام القرض حل ً وحرمة.
وحيث ل تعد العلقة في هذه البطاقة علقة إقراض ،فل
تمنع الزيادة المضافة إلى قيمة الشراء ،أو سحب عملت
أجنبية من قبيل الزيادة الربوية ،لنه ل يوجد إقراض
ممنوع ،فل توجد زيادة ربوية ،وإنما يكون ذلك من قبيل
التبرع أو القرض الحسن المحض ،وتكون هذه البطاقة
مباحة شرعًا.
السحب على المكشوف
السحب على المكشوف أو السحب غير المغطى :هو أن
يسحب حامل البطاقة مبلغا ً من المال من ودائع البنك
دون أن يكون حساب العميل مغطى من قبله ،حيث ل
يوجد في حسابه ما يفي بتسديد المبلغ المسحوب ،مع
إضافة فائدة مصرفية بنسبة %18-15حسب كفاءة
العميل المالية.
وهذا ممنوع شرعًا ،لنه ربا حرام وتمويل بفائدة ،يدخل
تحت ما يسمى بربا النسيئة أو ربا الجاهلية ،وهو حرام
بالجماع ،لنه زيادة لجل الجل).(1
لكن يجوز لحامل البطاقة أن يسحب أكثر من رصيده في
البنك إذا سمح له بذلك ،ولم تشترط عليه فوائد ربوية
على المبالغ المسحوبة ،لنه يعد قرضا ً مشروعًا .ول
إشكال في إباحة السحب من الرصيد الذي يغطي المبلغ
المسحوب وزيادة؛ لنه استيفاء من ماله.
وليس للبنك أن يمنع العميل من استثمار المبالغ المودعة
في حسابه ،على أساس المضاربة المشروعة ،فإن منعه
من ذلك لم يجز ،لنه يعد من مشتملت قاعدة)) :كل
قرض جر نفعا ً فهو ربا((.
وقد نص قرار مجمع الفقه السلمي الدولي رقم ) 108
(2/12أي في الدورة الثانية عشرة بالرياض على ما ذكر،
في أربع فقرات موجزها:
ل :ل يجوز إصدار بطاقة الئتمان غير المغطاة ،ول أو ً
التعامل بها إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية.
18
ثانيًا :يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن
شرط زيادة ربوية على أصل الدين .ويتفرع على ذلك
أمران:
أ -جواز أخذ مصدر البطاقة من العميل رسوما ً مقطوعة
عند الصدار أو التجديد بصفتها أجرا ً فعليا ً على قدر
الخدمات المقدمة منه.
ب -جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على
مشتريات العميل منه شريطة أن يكون بيع التاجر
بالبطاقة بمثل السعر النقدي.
ثالثًا :السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراض من
مصدرها ،ول حرج فيه شرعا ً إذا لم يترتب عليه زيادة
ربوية ،ول يعد منها الرسوم المقطوعة التي ل ترتبط
بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة.
وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة ،لنها من الربا
المحرم شرعًا.
رابعًا :ل يجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملت النقدية
بالبطاقة غير المغطاة.
ول تعارض هذه الفقرة ما تقدم في البحث ،لن ما سبق
تصريح بمفهوم هذه العبارة مع شيء من التوسع ،لن
المهم حدوث الدفع الفوري من غير تأجيل ،ولو من البنك،
ولن الشرط الشرعي للتعامل بالبطاقة في شراء الذهب
أو الفضة أو العملت هو التقابض ،وقد تحقق سواء
بالصالة أم بالوكالة.
البدائل الشرعية لبطاقة الئتمان CREDIT CARD
من الممكن العتماد على بدائل شرعية لبطاقات الئتمان
الشائعة والصادرة من البنوك التجارية التقليدية ،بحيث
دل نظام البطاقات ويجرد من المحظورات الشرعية، يع ّ
وأهمها تجنب الفوائد البنكية.
إل أن تداول هذه البطاقات المعدلة ربما يحتاج لحلول
عملية وتمكين من التداول العملي ،وهو ما يزال محل
إشكال ،ومن هذه الحلول :بطاقة الخصم الشهري،
وبطاقة المرابحة.
-1بطاقة الحسم )الخصم( الشهري CHARGE CARD
19
وهي البطاقة التي تصدرها المصارف السلمية على أن
يتم تحديد سقف السحوبات بالبطاقة بمقدار الراتب
الشهري في بعض المصارف ،وبنسة %80من الراتب
في المصارف الخرى ،بضمان الراتب أو أي ضمان آخر
لدى المصرف ،على أل يستوفي المصرف أي فائدة بنكية
على ذلك.
وتكييف هذه البطاقة أنها تقوم على أساس الوكالة إذا
كان حساب العميل يفي بجميع المبلغ الذي تم سحبه عن
طريق بطاقة الئتمان ،والوكالة بأجر مشروعة في
السلم كما تقدم.
أما إذا كان حساب العميل ل يفي بالمبلغ ،فإن المصرف
يقوم بتسديده على أساس القرض الحسن الذي يقدمه
المصرف لعميله ،بضمان الراتب الشهري أو أي ضمان
آخر يراه مناسبا ً وكافيًا ،وهذا مشروع ومندوب إليه.
وعليه فإن المصارف السلمية تقوم بهذه الخدمة مجردة
من المنافع ،وبعيدة عن شائبة الربا ،أو ما يؤدي إليه ،وهو
المطلوب شرعًا ،لن الفوائد المفروضة على التمويل نوع
من أنواع الربا المحرم ،باعتباره قرضا ً بفائدة ،وكل قرض
جر نفعا ً فهو ربا) .(1وهذه طريقة قابلة للتطبيق بسهولة.
-2بطاقة المرابحة
وهي البطاقة القائمة على البيوع ،وهي أن حامل البطاقة
يشتري ما يشاء من السلع ،بالنيابة عن المصرف الذي
يسدد القيمة في الحال ،ويتملك الشيء المشتري،
ويقبضه عنه وكيله ،ثم يبيعه إلى وكيله مرابحة ،حتى
يكون البيع لمملوك مقبوض .وهذه صورة المرابحة للمر
بالشراء ،وقد أقر مجمع الفقه السلمي الدولي هذه
المعاملة بشرط التملك والقبض.
لكن اللجوء إلى هذه المرابحة صعب التطبيق ويتعذر
عمليًا ،لن حامل البطاقة يتنقل ببطاقته في البلدان
المختلفة والدول ،ويصعب عليه في كل صفقة التفاق مع
المصرف في بلد معين ،كما أن هذه العملية تتوقف على
جعل المواعدة على الشراء ملزمة للطرفين قضاء ،قياسا ً
على الوعد الملزم ديانة ،وهو محل نظر وتوقف من أكثر
20
العلماء ،ولن حامل البطاقة يحتاج لداء خدمات في
المطاعم والفنادق ل توفرها له هذه البطاقة.
حكم بطاقات الئتمان التي تصدرها بعض البنوك
السلمية
يوجد الن أنموذجان لبطاقات الئتمان التي تصدرها بعض
البنوك السلمية وهما):(2
الول -فيزا التمويل التي أصدرها بيت التمويل الكويتي
بهذا السم:
أجرت هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بيت التمويل
الكويتي تعديلت شرعية على بطاقة الئتمان السائدة،
واشترطت شروطا ً فيها ،أهمها :إلغاء فوائد التأخير،
وربطت البطاقات بحساب العملء ،وتسدد التزامات
الشراء من حساب حامل البطاقات إما مسبقا ً أو عند
وصول الفواتير ،وإذا انكشف الحساب أشعر العميل
بضرورة توفير رصيد لتلك المديونية.
وهذه الضوابط تجعل هذه الفيزا شبيهة ببطاقة الحسم
الفوري ،حيث تسدد الديون من حساب حامل البطاقة
باستثناء ميزة التأمين على الحياة ،حيث لم يصلوا إلى حل
لهذه المسألة.
وقد اشتملت عمليات هذه البطاقة على وكالة بأجر،
وكفالة مجانًا ،وقرض يسير أحيانا ً بغير فائدة.
النموذج الثاني -فيزا الراجحي التي أصدرتها شركة
الراجحي المصرفية للستثمار :فقد أقرت الهيئة الشرعية
هذه البطاقة بعد حذف بند :فوائد التأخير ،ويكون سداد
الفواتير من الحساب الجاري للعميل ،فإن لم يوجد فيه ما
يكفي يحسم )يخصم( من التأمين النقدي ،على أن يلتزم
بتوفير مبلغ التأمين المقرر عليه في الحال .وليس لحامل
البطاقة حق التسهيلت على السلف أو السحب على
المكشوف.
وأقرت الهيئة هذه الضوابط بشرط أل يترتب على إصدار
البطاقة من شركة الراجحي أخذ أو إعطاء أي فائدة
محرمة بشكل ظاهر أو مستتر ،سواء تم ذلك مع عملئها
أو مع شركة فيزا العالمية أو أي شركة وسيطة بين شركة
21
الراجحي وشركة فيزا العالمية أو غيرها من أطراف
المعاملة.
وجعلت الهيئة سعر تحويل العملت الجنبية بحسب السعر
المعلن من قبل شركة الراجحي في ذلك اليوم
للمتعاملين بالبطاقة.
ومتعت الهيئة تقاضي عمولة على السحب النقدي
وأجازت الرسوم المتعلقة بإصدار البطاقة والرسوم
السنوية وسداد الفواتير ،مع حسم جزء من مبالغها على
أصحاب البضائع والخدمات.
هذان النموذجان يعدان بديلين إسلميين صالحين عن
البطاقات الخرى في البنوك التجارية التقليدية ،على أن
يكون أجل استخدام البطاقة هو الجل المأذون به عادة.
ويوجد أنموذج ثالث للمؤسسة العربية المصرفية في
البحرين مشابهة لما ذكر ،وهو محل تجربة الن.
الخاتمة
العقود القائمة بين مصدر البطاقة وحاملها هي عقدان:
ول مصدر البطاقة عقد إقراضي ،وعقد وكالة ،حيث يخ ّ
بموجب العقد الول حاملها التصرف في حدود مبلغ محدد
له ،وأما بموجب العقد الثاني فيفوض حامل البطاقة البنك
در لها السحب من رصيده ،لقضاء دينه وتسديد مص ِ
ال ُ
حقوق التجار وغيرهم نيابة عنه كافة المستحقات
والعمولت للبنك نفسه ولغيره.
والعقود الحادثة بين مصدر البطاقة والتاجر :عقدان أيضًا:
-1عقد ضمان مالي :يلتزم به البنك المصدر للبطاقة
للتاجر دفع قيمة مبيعاته وأجوره ،والضمان يصح أو يفسد
بحسب الصل المترتب عليه.
-2وعقد وكالة :حين يلتزم البنك بتحصيل مستحقات
التاجر من حاملي البطاقة ،ووضعها في حسابه ،بعد
اقتطاع أو حسم عمولته.
والعقود الواقعة بين حامل البطاقة والتاجر :إما بيع وإما
إجارة وإما غير ذلك من العقود المالية التي قد يرتبط بها
حامل البطاقة مع المحلت التجارية والمالية.
22
وبناء عليه ،تكون بطاقة الئتمان والحسم المؤجل،
وبطاقة الئتمان المتجدد غير السلمية محظورة شرعًا،
مادامت مشتملة على فوائد ربوية ،وتحكمها علقة
القراض ،لن الولى فيها إقراض بزيادة ربوية ،وتسدد
ل من الربا ابتداء، على أقساط ،والثانية إقراض مؤقت خا ٍ
وفيه شروط مفسدة للعقد ،والضمان فاسد لفساد العقد
المبني عليه ،ومن المفسدات :عدم بيان نسبة الزيادات
والعمولت الدورية قصدًا.
ومن المعلوم أن بطاقات القراض بجميع أنواعها تدّر
أرباحا ً طائلة على البنوك الربوية التقليدية ،فتكون لها
الفضلية ،وفيها إغراءات بسيطة أو جانبية توقع العملء،
ومنهم المسلمون ،في مصيدة الثم والحرام.
ويحسن بيان حكم ضمان البنك المصدر بطاقة الئتمان
ديون عملئه :وهو أن يجوز للبنك المصدر ضمان سقوف
الئتمان لعملئه إذا تناسبت حصة البنك في شركة
الئتمان مع سقوف ائتمان عملئه ،لن ذلك من قبيل
ل :إذا أصدر ضمان البنك لشريكه أو عملء شريكه ،مث ً
البنك ألف بطاقة ،سقف كل منها ألف دينار ،أي إن
مجموع سقوف الئتمان لعملئه تبلغ مليون دينار ،ثم
أسهم البنك في الشركة بمليون دينار ،علما ً بأن حصص
البنوك في شركة الئتمان متغيرة تبعا ً لتغير عدد سقوف
ائتمان البطاقات التي يصدرها كل بنك لعملئه ،فهذا ل
مانع منه لحصول التناسب بين ملكية كل بنك في شركة
الئتمان ،ومقدار الضمان الذي تحمله عن سقوف عملئه.
ملخص البحث
الئتمان :هو عملية مبادلة ذي قيمة أو كمية من النقود
في الحاضر ،مقابل وعد بالدفع في المستقبل.
وبطاقة الئتمان :هي بطاقة خاصة يصدرها المصرف
كنه من الحصول على السلع والخدمات من لعميله تم ّ
محلت وأماكن معينة ،عند تقديمه لهذه البطاقة ،ويقوم
بائع السلع أو الخدمات بالتالي بتقديم الفاتورة الموقعة
دد قيمتها در البطاقة ،فيس ّص ِ
م ْ
من العميل إلى المصرف ُ
دم المصرف للعميل كشفا ً شهريا ً بإجمالي القيمة له ،ويق ّ
23
لتسديدها أو لحسمها )لخصمها( من حسابه الجاري
لطرفه.
وقد أصبح لبطاقة الئتمان أهمية ملموسة حيث صارت
لحامليها أداة لحماية النقود من أنواع العتداء عليها،
وضمنت لصحاب الحقوق أداء مستحقاتهم ،وأصبحت هي
الداة المفضلة على النقود ذاتها في المعاملت المحلية
والخارجية ،وكانت سببا ً في زيادة المبيعات في المحلت
التجارية.
وليس لها محاذير عملية ،إل بالنسبة للمسلم الذي يتورط
بأداء الفوائد البنكية إذا تأخر عن سداد المبالغ المستحقة
عليه من حسابه ،لكنه إذا احتاج للبطاقة كان قبوله
بشرط الفائدة في معرض اللغاء شرعًا ،والشرط الفاسد
في المعاوضات المالية عند الحنابلة ل يفسدها ،وإنما
يبطل الشرط فقط ،ويبقى العقد صحيحًا.
وأنواع بطاقات الئتمان ثلثة
-1بطاقة الحسم الفوري
وهي التي يكون لحاملها رصيد بالبنك ،فيسحب منه
مباشرة قيمة مشترياته وأجور الخدمات المقدمة له ،بناء
على السندات الموقعة منه .وهي جائزة شرعًا ،لن
الصل في العقود الباحة ،ول تشتمل على محظور
شرعي ،والعقد من العميل عقد حوالة.
-2بطاقة الئتمان والحسم الجل
وهي التي يمنح فيها البنك المصدر حامل البطاقة قرضا ً
في حدود معينة بحسب درجة البطاقة فضية أو ذهبية،
ولزمن معين ،يجب تسديده كلمل ً في وقت محدد متفق
عليه عند الصدار ،يترتب على حاملها لدى تأخير السداد
زيادة مالية ربوية ،وهي الصورة الصلية لبطاقة الئتمان.
وهي أداة إقراض وأداة وفاء معًا .وحكمها على هذا النحو:
أنها ممنوعة شرعًا ،لوجود التعامل الربوي فيها .ولكن
يجوز قبولها وإصدارها شرعا ً إذا لم يشترط على حاملها
فائدة ربوية ،إذا تأخر عن سداد المبلغ المستحق عليه،
وبشرط أل يتعامل بها فيما حرمته الشريعة.
-3بطاقة الئتمان المتجدد
24
وهي التي تمنحها البنوك المصدرة لها لعملئها .على أن
يكون لهم حق الشراء والسحب نقدا ً في حدود مبلغ
معين ،ولهم تسهيلت في دفع قرض مؤجل على أقساط،
وفي صيغة قرض ممتد متجدد على فترات ،بفائدة محددة
هي الزيادة الربوية .وهي أكثر البطاقات انتشارا ً في
العالم ،وأشهرها :فيزا وماستر كارد.
وحكمها :تحريم التعامل بها ،لشتمالها على عقد إقراض
ربوي ،يسدده حاملها على أقساط مؤجلة بفوائد ربوية.
التكييف الشرعي لعلقة أطراف التعاقد على البطاقات
توجد علقات ثنائية مستقلة بين كل طرفين من أطراف
التعامل بهذه البطاقات ،وقد تصير العلقة ثلثية بين
در البطاقة ،وحاملها ،والتاجر )قابل البطاقة(.
ص ِ
م ْ
ُ
أما العلقة بين مصدر البطاقة وحاملها :فهي علقة
إقراض ،وفي جانب حاملها علقة حوالة مطلقة ،وفي
جانب المصرف حينما يسدد عن العميل المبلغ المطلوب
من حسابه )أي حساب العميل( هي وكالة على أجر.
وأما العلقة بين مصدر البطاقة والتاجر :فهي علقة
تجارية محضة ،قائمة على أساس الوكالة بأجر ،ويستحق
مصدر البطاقة عمولة يأخذها من التاجر مقابل إرسال
العملء للشراء ،وترويج السلعة وتسويقها ،وتحقق
الشهرة للمحل التجاري أو المطعم أوالفندق ونحوهما،
وتحصيل لقيمة البضائع ،وتحسم )تخصم( هذه العمولة من
قيمة المبيعات ،ل بالزيادة على الثمان ،فل تكون ربا
والعلقة قائمة على أنها عقد ضمان مالي وعقد وكالة.
وأما العلقة بين حامل البطاقة والتاجر :فهي علقة بيع
وشراء للسلع والبضائع وتقديم خدمات ،ثم يحيل حامل
البطاقة التاجر على مصدر البطاقة لستيفاء الثمن أو
الجرة ،وليس ذلك محظورا ً شرعًا ،فالعلقة علقة بيع أو
إجارة ونحوها.
وإنما الحظر في بطاقة الئتمان والحسم الجل ،وبطاقة
الئتمان المتجدد بسبب وجود الربا أو اشتراط دفع الفائدة
الربوية في القروض ،أو بسبب ارتكاب المخالفات
والمحظورات الشرعية.
25
وأما بطاقة السحب المباشر من الرصيد )الحسم الفوري(
فل تعد في بطاقات القراض ،ول تشتمل على فوائد أو
منافع ممنوعة ،إل إذا سحب حامل هذه البطاقة من غير
بنكه قرضا ً ليستوفى من بنكه ،ويسجل عليه عمولة على
أنه قرض ،وتكون العلقة حينئذ علقة إقراض ،والعقد من
العميل حوالة.
وهذا هو السحب على المكشوف أو السحب غير
المغطى :وهو أن يسحب حامل البطاقة مبلغا ً من المال
من ودائع البنك دون أن يكون حساب العميل مغطى من
قبله ،حيث ل يوجد في حسابه ما يفي بتسديد المبلغ
المسحوب ،مع إضافة فائدة مصرفية بنسبة %18-15
حسب كفاءة العميل المالية .وهو لشك حرام لشتماله
على الربا.
ومن البدائل الشرعية لبطاقة الئتمان السائدة :بطاقة
الحسم الشهري بمقدار الراتب الشهري في بعض
المصارف ،وبنسة %80من الراتب في ا لمصارف
الخرى ،وبطاقة المرابحة ،وكلتا البطاقتين ل إشكال
فيهما ،لكن الولى عملية ،والثانية غير عملية.
وهناك نموذجان لبطاقات الئتمان في بعض البنوك
السلمية وهما:
-1بطاقة فيزا التمويل التي أصدرها بيت التمويل.
-2وفيزا الراجحي .وكلهما من البطاقات المعدلة شرعًا،
لحذف الفائدة الربوية ،وسحب ما يسدد عنه من حساب
العميل ،فإن نقصه المبلغ أنذر حتى يسدد النقص في
الحال.
مشروع القرار
يجوز للبنك السلمي إصدار بطاقة الحسم الفوري ما دام
حاملها يسحب من رصيده ،ول يترتب على التعامل بها
فائدة ربوية ،لن إصدارها بطاقة الحسم الفوري ل يترتب
عليه محظور شرعي والصل في المعاملت الباحة،
والصل عدم جواز بطاقة الئتمان والحسم الجل ،وبطاقة
الئتمان المتجدد لشتمالها على قروض ربوية ،والربا
حرام أخذا ً وعطاء ،لكن يجوز للبنوك السلمية إصدارهما
26
إذا أزيلت منهما المحظورات الشرعية ومنها الربا أو
الفائدة البنكية ،واستعمال البطاقة في المحّرمات
والمنكرات شرعًا ،والتسهيلت الئتمانية لحاملها التي
يترتب عليها فوائد ربوية ،والشروط المنافية لمقتضى
العقد شرعًا.
ويمكن اعتماد بعض النماذج للبطاقات التي أصدرتها بعض
المصارف السلمية مثل :فيزا التمويل وفيزا الراجحي
وفيزا المؤسسة العربية المصرفية في البحرين ،لخلوها
من المحظورات والمخالفات الشرعية ،ووجود القرض
اليسير فيها بغير فائدة ربوية.
أ – د :وهبة الزحيلي
عميد كلية الشريعة ورئيس قسم الفقه السلمي ومذاهبه
سابقا ً
****************
ما من حرام إل وقد شرع السلم بديل عنه من
الحلل
العلمة الدكتور وهبة الزحيلي في رده على تحليل الفوائد
المصرفية :فتوى الزهر اجتهاد خاطىء ومصادمة لجماع
المة وتقليد للجاهلية
العلمة الكبير فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي غني عن
التعريف فهو واحد من المراجع الفقهية في الكثير من
بلدان العالم السلمي ودرس الفقه السلمي في الكثير
من الجامعات العربية والسلمية وهو عضو في مجامع
الفقه السلمي بمكة وجدة والهند والردن وأمريكا
وأوروبا .كما أنه عضو في المجلس العلى للفتاء في
سوريا.
مؤلفاته تزيد على 500كتاب وبحث منها موسوعات ثلث
:الفقه السلمي وأدلته )11مجلدا( طبع منه 25طبعة
والتفسير المنير )16مجلدا( طبع منه سبع طبعات وأصول
الفقه السلمي )مجلدان( طبع منه خمس طبعات.
ترجمت مؤلفاته إلى معظم اللغات الحية ،وقد صدر له
أخيرا كتاب "المعاملت المالية الحديثة والفتاوى
المعاصرة".
27
وبمناسبة إصدار الزهر الشريف فتوى تحلل الفوائد
المصرفية الثابتة كان لنا هذا الحوار مع العلمة الدكتور
وهبة الزحيلي الذي أنفق جهدا كبيرا من حياته في فقه
المعاملت المصرفية وكان أحد رواد هذا الفقه وأحد
الذين ساهموا في تأصيل مبادئ العمل في البنوك
السلمية غير الربوية.
صدرت فتوى من الزهر الشريف تفيد بأن الفوائد
المصرفية بمعدلت ثابتة غير محرمة .ما رأي فضيلتكم
بهذه الفتوى؟
أغلب علماء المة السلمية قد أصيبوا بشيء من الذهول
والستهجان والغرابة لصدور هذا القرار الذي يمثل فتوى
المام الكبر شيخ الجامع الزهر فكان هذا القرار طبق
الصل لما ردده في فتاويه المتكررة .ولكن هذا القرار
في واقع المر باطل لعدة أمور:
أول :لعتماده على اجتهاد خطأ محض في نصوص هذه
الشريعة السلمية وعمل بما تقرره المجامع الدولية
الفقهية الخرى وبالذات مجمع البحوث السلمية في
القاهرة في قرار سابق له ،وهو أن جميع الفوائد
المصرفية أخذا أو عطاء تعد من قبيل الربا الذي حرمه
السلم .فيكون هذا القرار باطل لهذه المور المختلفة
فهو أول يعارض صريح القرآن الكريم في سورة البقرة
وغيرها التي تحرم الربا تحريما قاطعا في مثل قول الله
جل جلله} :وأحل الله البيع وحرم الربا{ وقوله سبحانه:
}فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم
فلكم رؤوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون{ .وأيضا
الحاديث النبوية المتكررة في هذا الشأن في التعامل
بالنقود ،فتنطبق هذه الحاديث على هذه العقود التي هي
مجرد إيداع أموال واخذ فوائد عنها من البنوك التقليدية.
ثانيا :هناك أيضا مصادمة للقرار وهي أن مجامع الفقه
السلمية الدولية مثل مجمع الفقه السلمي الدولي في
جدة التابع لمنظمة المؤتمر السلمي والمجمع الفقهي
في مكة المكرمة التابع لرابطة العالم السلمي ومجمع
الفقه في الهند وغيرها من المجامع التي تعبر عن مجموع
28
علماء هذه المة رفضوا جعل الفوائد الربوية من البنوك
التقليدية مما يسوغه شرعا وأن ذلك حرام بعينه فهو عين
الربا المحرم في النصوص التشريعية.
ثالثا :إن هذا القرار مبني على خطأ واضح وهو أن تجعل
هذه الودائع مستثمرة من قبيل البنوك التقليدية ،علما بأن
قانون البنوك التقليدية يمنعها من الستثمار والتجار وكل
ما تقوم به هذه البنوك هو عبارة عن جسر بين المقرض
والمقترض ،فهي واسطة لخذ أموال الناس وإعطاء فوائد
ثابتة عنها ثم تقرض هذه الموال بدورها إلى أناس آخرين
فتأخذ منهم فائدة أكثر وهي 7بالمائة مثل وتعطي
لصاحب الوديعة الصلية مبلغ 4بالمائة والفرق هو الذي
يستفيده البنك بين المقرض والمقترض ،فالبنوك التقليدية
التجارية هي عبارة عن مجرد وسيط بين المقرض
والمقترض ول تقوم ل بالستثمار ول بالتشغيل وتعطي
فوائد ثابتة وذلك محرم شرعًا.
أل يمكن اعتبار العقد من قبيل المضاربة؟
المضاربة تكون في التشغيل بالعمال التجارية ونحوها
والبنك التقليدي الربوي ل يقوم بهذا العمل أصل بحسب
النصوص القانونية التي تسمح لهذه البنوك بالنشاط
المصرفي المحض دون أن تقوم بشيء من التجار أو
الستثمار أو غير ذلك ،وكل فائدة ثابتة سواء سميت فائدة
أو سميت ربحا إذا كان ذلك ثابتا فهي تتنافى مع أصول
الشركة التي تقوم عليها مشروعية الشركات في
السلم .هذه الشركات تقوم على أساس المساهمة
والمشاركة في الربح والخسارة ووجود ربح مقطوع أو
ثابت يتنافى مع مشروعية هذه الشركة.
إذن فالقرار ل يتفق بحال من الحوال ل مع النصوص
الشرعية ول مع اجتهادات الفقهاء ول مع تفسير معنى
الربا ،فالبنوك الربوية في الواقع تطبق ما كان عليه
العرب في الجاهلية حينما يقترض النسان مبلغا من
المال لمدة سنة ثم يعجز عن سداده فيأتي إلى المقرض
فيقول له زدني في الجل وأزيدك في العوض ،فالمقرض
يقول له إما أن تربي وإما أن تدفع ،وهو عاجز فيمد له
29
في الجل ويعطيه زيادة في الفائدة وهو ما تقوم به
البنوك الربوية في الوقت الحاضر ،إذ أنها تضم فائدة
مركبة كل سنة حينما ل يستطيع المقترض سداد مبلغ
القرض فتضم عليه فائدة ربوية ،فهذا يطابق ما كان عليه
عرب الجاهلية والذي جاء النص القرآني منددا وموبخا
وناهيا المسلمين عن تقليدهم في قوله سبحانه} :يا أيها
الذين آمنوا ل تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة{ فالفائدة
المركبة تكون في مبدأ المر 7في المائة ثم في العام
القادم 14ثم في العام الثالث 21وهكذا دواليك وهذا
معنى مضاعفة الفوائد الذي جاء في القرآن في إحدى
مراحل تحريم الربا وهو النهي الواضح عن أكل الربا
أضعافا مضاعفة ،وهذا تعبير عن ذلك الواقع الظالم الذي
كان عليه العرب في الجاهلية ،وأما الية الخيرة والنهائية
التي جاءت تحرم الربا كما ذكرت في مطلع كلمي ،فهي
تحرم كل أنواع الربا وكل أنواع الفوائد سواء كانت الفائدة
قليلة أم كثيرة.
فإذن مجموع هذه الضوابط يجعل مثل هذا القرار مبنيا
على أخطاء متعددة وينبغي العمل على إلغائه في أقرب
فرصة ممكنة ،طبعا بعد أن تتغير الظروف التي أحاطت
بهذا القرار ووافق عليه بعض إخواننا من علماء الزهر
وهم رتبوا فتواهم أو قرارهم على معلومات تعد خطأ
محضًا ،سواء في مصادمة ما أجمع عليه المسلمون من
تحريم قليل الربا وكثيره أو في فهم مدلول أربى أو في
نشاط هذه البنوك حيث ل تقوم باستثمار كما يظن بعض
هؤلء وبالتالي تكون الودائع مستثمرة في نشاط تجاري
أو غيره ،فكل هذه المعلومات ينبغي أن تصحح وأن يعاد
القرار إلى وجهه الصحيح الذي يتفق مع ما عمل به
المسلمون طوال 14قرنا ،والظروف الحاضرة.
قد يقال إن البنوك ضرورة اقتصادية؟
لسنا في هذا الجانب نتكلم وإنما نقول إن هذه الفوائد
الربوية هي عين الربا الذي حرمه الشرع السلمي .لذلك
ندعو الله سبحانه وتعالى أن يعود هؤلء عن خطئهم وأن
يرجعوا إلى سواء الصراط وخصوصا أن الزهر له مكانته
30
العالمية وله هيبته وله اعتباره ،ينبغي أن تكون مثل هذه
القرارات مؤصلة تأصيل صحيحا حتى يقتنع بها العالم
السلمي دون أن يورطوا الناس في الوقوع في الحرام
وفيما يصادم شرع الله ودينه فذلك مما ل يجوز بحال من
الحوال .والذي أؤكده أنه بعد زوال ظروف إصدار هذا
القرار مع السف الشديد الذي يعد نكسة ونقطة سوداء
في تاريخ مصر وفي تاريخ الزهر ل بد إل أن تمحى هذه
النقطة بعون الله تبارك وتعالى في ظروف تختلف عن
الظروف التي أحاطت بصدور هذا القرار والناس عليهم
أن ل ينخدعوا بمثل هذه القرارات الخاطئة وأن ل ينجروا
إلى مثل هذه الفتاوى التي هي خطأ محض و)أجرؤكم
على الفتيا أجرؤكم على النار( وأن يتثبتوا من واقع المر
وأن ل يرموا باللئمة على تقليد هذا القرار فذلك بحسب
اتفاق علماء المة السلمية على المدى الطويل يعد هذا
التفاق في الواقع أول ضربة موجهة لقبول مثل هذا
القرار أو القتناع به فذلك مما ل يتفق مع سمعة الزهر
العالمية ول مع حياده وتجرده وحرصه على أن تكون
القرارات الصادرة عن مجمع البحوث معبرة عن واقع
السلم وعما هو حلل والبتعاد عن كل ما هو حرام بل
عن الشبهات أيضا ،فمثل هذه الخطاء في الواقع ينبغي
أن تتدارك وأن ل ينخدع العالم السلمي بهذا القرار فهو
كما ذكرت يعد خطأ محضا ول مسوغ له في المعايير
الشرعية ،بل إن كل قرارات المجامع الفقهية الدولية تعبر
عن علماء المة السلمية قاطبة دون أن يحيط بها مثلما
أحيط بهذا القرار من ملبسات معينة ومعروفة إذن ينبغي
أن ندرك إدراكا شامل أن الصواب هو تحريم أخذ هذه
الفوائد أو إعطائها وأن كل ما يتناقض أو يتعارض مع
النصوص الشرعية ينبغي إهماله وعدم اللتفات إليه
وجعل مثل هذا القرار حبرا على ورق ول يصح لحد من
المسلمين أن يعمل به ،فإن عمل به فقد ارتكب الثم
الواضح على الرغم من صدور هذا القرار.
ثمة من يعتقد أن مبدأ "الضرورات تبيح المحظورات"
يمكن أن يبيح هذا المر حتى أن بعض الفقهاء أجازوا دفع
31
الرشوة للوصول إلى الحق .فهل توضحون فضيلتكم لنا
مدى انطباق ذلك المبدأ على قضيتنا هذه؟
إذا توافر ظرف الضرورة بمعاييرها الشرعية وتوافر
ظرف أيضا دفع الرشوة من أجل تعين الوصول إلى الحق
وأنه ل سبيل آخر سوى هذا السبيل ،فالضرورات تبيح
المحظورات بشرط أن تكون هناك ضرورة بمعنى غلبة
الظرف أو التيقن بالوقوع في الهلك أو في دائرة الموت
جوعا أو أنه سيبيت في الشارع ،فإذا توافرت ظروف
الضرورة فنحن نقول بالحل ولكن توافر ظروف الضرورة
حالة محدودة ونادرة جدا وقلما ينطبق على مقترض من
البنوك الربوية معنى الضرورة لن لها ضوابط مشددة
ينبغي أول أن تحقق معنى الضرورة في المعايير الشرعية
ثم نطبق القاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" أو
"الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة" فإذا وجدت المعايير
الشرعية فنحن مع ذلك ،هذه حالت وأمثلة نادرة جدا،
فينبغي أيضا عدم التذرع بذريعة الضرورة من أجل
الحصول على مسكن أفضل أو تنشيط تجارة أو توسيع
مصنع أو تنشيط متجر ويقول النسان إنه في حال
ضرورة ،هذا ليس في حال ضرورة على الطلق ،هذا في
الواقع مترفه وليس مضطرا ،المضطر هو الذي يقترض
من أجل الحفاظ على حياته من الوقوع في الموت بسبب
الجوع الشديد أو العطش الشديد أو الرباك الشديد أو
التحقق من وجود ضرر في النفس أو المال أو الهل فإذا
توافر ظرف الضرورة بالمعنى الشرعي حينئذ نقول
بالجواز ولكن توافر الضرورة بالمعنى الشرعي غير
محقق في أغلب الحالت.
بعض القتصاديين يرى أن البنوك السلمية أيضا تتعامل
بالرباح الثابتة وأن الخلف بين معاملتها ومعاملت البنوك
الربوية شكلي محض كيف تنظر إلى هذه المسألة؟
البنوك السلمية ظاهرة صحية وممتازة وتحقق ما تحققه
البنوك الربوية من طريق الحلل ،والبنوك السلمية ل
تجيز أخذ الربا ول إعطاءه بأي حال من الحوال ،وإنما
الحكم المقرر في السلم والمعروف أنه ما من حرام إل
32
وقد شرع السلم بديل عنه من الحلل فهناك بدائل تحقق
نفس المطلوب ونفس الغاية التي يقصدها القائمون على
البنوك الربوية ،هذه البدائل نحن نشارك فيها منذ أكثر من
عشرين سنة وقد وضعنا هذه البدائل ووضعنا لها ضوابط
بحيث تبعد الناس عن الحرام بأساليب منها المضاربة إذا
توافرت أصولها ،والمرابحة للمر بالشراء ،وبيع
الستصناع ،وبيع السلف ،والمشاركات سواء كانت
متزايدة أو متناقصة .فعندنا عدة بدائل تحقق نفس
الهداف فإذا سلكنا هذه القنوات عندئذ ل نورط الناس
في الحرام .ولذا نجحت البنوك السلمية نجاحا منقطع
النظير وبدأت منذ ربع قرن في عام 1975ببنك واحد
وهو بنك دبي السلمي للحاج سعيد لوكاه ونجح هذا البنك
حتى أنه في العالم اليوم أكثر من 250مؤسسة مصرفية
إسلمية تتعامل بالصول الشرعية .بل إن البنوك الربوية
في الغرب أرادوا أن يتعاملوا بالطريقة نفسها التي
تتعامل بها البنوك السلمية والن عندنا أصوات ونداءات
صارخة سواء في أمريكا أو في أوروبا أو في اليابان أن
طريق إنقاذ القتصاد العالمي الحالي هو المتناع عن
الفائدة وينبغي أن تكون الفائدة صفرا وهذا ما قرره آدم
سميث زعيم القتصاديين في العالم وهو الوضع الصحيح
الذي يتفق مع المنهج السلمي فإذا كانت الفائدة صفرا
فعندئذ يحدث الرخاء ونتجنب التضخم النقدي ونمتنع عن
أخذ المال بدون جهد ول عمل ودون مخاطرة فهذا شيء
مضمون والله تعالى قال} :يمحق الله الربا ويربي
الصدقات{ فمهما زادت أرباح المرابين فالله جل جلله
ورسوله لعنا آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه
والتفسيرات التي تحاول أن تجعل ربا البنوك غير الربا
الموجود في القرآن الكريم هذه تفسيرات خطأ محض
تخالف ما عليه أصول تحريم الربا فليتق الله أكلة الربا
وموكلوه وليعودوا إلى رشدهم وإلى ما يرضي الله جل
جلله.
33
نحن نعيش الن عولمة في القتصاد ،كيف يمكن أن تكون
هناك منظومة مصرفية إسلمية مستقلة عن المنظومة
المالية العالمية الربوية؟
العالم السلمي ولله الحمد عالم غني وممتد في الشرق
والغرب ويمثل خمس العالم فمن السهولة بمكان أن
نسير على قواعدنا السلمية بل كما قلت لك إن كثيرا
من البنوك الربوية التي يقوم عليها نظام العولمة ترغب
رغبة ملحة وصريحة وأكيدة في أن تنتهج منهج البنوك
السلمية حيث ل تأخذ الربا ول تعطي الربا وما أجمل هذا
المبدأ المثالي الذي يدعو إليه عقلء القتصاديين الذين
يريدون إنقاذ القتصاد العالمي من أزماته المتكررة فلذلك
ل تصادم بين المنهج السلمي وبين المنهج العالمي لن
منهجنا منهج يتفق مع الحق والعدل وإنصاف الحقائق
ومراعاة المحتاجين وإنقاذ من يتعرض لشيء من الزمات
المالية .أما النظام القتصادي العالمي فهو يزيد الطين بلة
ويزيد الضرر ضررا وإيذاء ويلحق الذى المحقق
بالمحتاجين لدرجة أن كثيرا من هؤلء في نهاية المر
يفلسون ويقعون في مختلف الطامات والزمات
القتصادية.
دمشق -تيسير جاسم
الخميس 28نوفمبر 2002م تمام الساعة 01:28صباحا ً
بالتوقيت المحلي لمدينة الدوحة
**************
التأمين والسهم والسندات
الفرقان :ما رأيكم بالمور التي تجدّ في عصرنا
ولم يتطرق إليها الفقه السلمي فهناك
اجتهادات وخلفات فقهية متعددة وفي مواضيع
مثل :توقيت البدء بالصيام ،وقضايا معاصرة مثل
التأمين والسهم والسندات والمحافظ
الستثمارية وعلى صعيد المصارف السلمية
أيضًا.
د .الزحيلي :هذه المور نغطيها بما يسمى بالجتهاد
الجماعي الن .هناك مجمع البحوث السلمية في مصر،
34
والمجمع الفقهي في مكة المكرمة ،ومجمع الفقه
السلمي في الهند ،هذه المجامع -التي أنا عضو فيها
كلها -تتبنى قضايا %90منها اقتصادية حديثة من مثل ما
ذكرت ،أو علوم طبية أو علوم فلكية أو علوم كيماوية ،كل
ذلك نحن نتجاوب مع العصر فيما هو مسموح لنا أن
دد فيه ،نطبق قواعد الشرع نتجاوب فيه ،ونجتهد ونج ّ
وأصوله ومقاصد هذه الشريعة من الحفاظ على الدين
والنفس والعقل والنسب والعرض والمال ،ولكن هناك
من ل يعرف ول يطلع على قرارات هذه المجامع -والتي
صدرت عنها منذ أكثر من عشرين سنة -في تلك القضايا
المعاصرة بسبب أن الدول السلمية التي تبّلغ بهذه
القرارات تحبسها في الدراج ول تسهم في نشرها ،الناس
يظنون أننا جامدون على القديم ل نتجاوب مع الحديث،
هذه تهمة باطلة ،ونحن نوجد البدائل ،ففي جانب
المصارف السلمية أوجدنا عشرات البدائل حتى ل
تنغمس هذه المصارف في المحرمات والربا وفي عقود
باطلة أو فاسدة ،ونجحت هذه المصارف ولله الحمد.
وهي -أي المصارف -تحقق نفس النشطة التي تقوم بها
البنوك العادية وشركات التأمين ولكن بالطريق المباح،
وقد يظن بعض الجهلة أن النتيجة واحدة ،ولكن الواقع أن
هناك فرقا ً بين أن نسلك طريقا ً حلل ً يكون العقد فيه
صحيحا ً والكسب مباحا ً ويكون -ما يسمونه -بالفوائد
حرامًا ،وبين أن ننغمس في مبدأ العمل بعقد فاسد أو
باطل إذن نحن نمل الساحة بهذه الجتهادات الجديدة،
وإن أردتم الطلع على كتابي في هذا الموضوع ،الذي
ذكرته آنفا ً -تجدون فيه الغنية.
هل يمكن أن نستخدم الفوائد )أرباح البنوك( من
أجل تغطية كلف العمليات المصرفية )استخدام
الفائدة في دفع نفقات فتح الحسابات
المصرفية(.
الفوائد البنكية حرام على الطلق على صاحب المال
َ
م
حّر َه ال ْب َي ْعَ وَ َ
ل الل ّ ُ
ح ّ
المودع في البنوك ،لقوله تعالى } :وَأ َ
َ
ن الّربا{ ]البقرة [2/275 :وقوله سبحانه} :يا أّيها ال ّ ِ
ذي َ
35
ن{ مؤ ْ ِ
مِني َ ن ك ُن ْت ُ ْ
م ُ ن الّربا إ ِ ْ
م َ
ي ِ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ
ه وَذ َُروا ما ب َِق َ آ َ
]البقرة .[2/278وبناء عليه ،يحرم على صاحب المال
الستفادة أو النتفاع من فوائد ا لربا ،بأي وجه من وجوه
النتفاع ،ل في أداء الضرائب والرسوم للدولة ،ول في
أداء الزكاة ،ول في العمليات المصرفية كدفع نفقات فتح
الحساب المصرفية ،أو مقابل خطاب الضمان في حدوده
المشروعة ،ول في غير ذلك مما يجب على صاحب المال
المودع أو المقرض إيفاؤه ،لتغطية لوازمه أو التزاماته.
والسبيل الوحيد للتخلص من هذه الفوائد ومن كل مال
حرام هو التصدق به على الفقراء أو السهام به في
مصلحة عامة كتعبيد طريق ،وخدمات مشفى ،أو منفعة
عامة كطلب المدارس ،ولثواب على هذه الصدقة.
ويأكلها الفقير أو المنتفع طيبة ،لن الحرام ليوجد في
ذمتين ،والله ولي المتقين.
ما حكم العمل فى شركات التأمين؟
يحرم العمل في البنوك الربوية وفي شركات التأمين
التجارية ،لن الربا حرام ومن أعان عليه وقع في الحرام،
والتأمين التجاري فيه غرر )احتمالت( والنهي عن الغرر
أصل من أصول الشريعة ،إل لضرورة قصوى مؤقتة حتى
يجد المرء قوتا ً آخر ،أو إذا تعينت المصلحة كحفظ أموال
المسلمين بأيد إسلمية.
هل القروض من المصرف الصناعي لقامة أو
توسيع مشروع صناعي جائزة كذلك قروض
المصرف العقاري؟ وهل الفوائد المصرفية
جائزة؟ مع أنني أعرف أن كل الجمعيات الخيرية
تضع أموالها في البنك وتأخذ فائدة عليه.
يحرم أخذ القرض أو إعطاء الفائدة المصرفية لمثل هذا
النشاط ،لن الله تعالى ورسوله لعن كل منهما ،آكل الربا
وموكله وشاهده وكاتبه ،وهذا هو المتفق مع المذاهب
الربعة ،وفعل الجمعيات الخيرية ل يسوغ الحرام.
ويرى بعض علماء العصر أخذ الفائدة دون إدخال في
أصل ،ويتصدق بها فورا ً على الفقراء ،وهذا مسوغ فعل
36
الجمعيات الخيرية الن ،حتى ل يتقوى البنك على الربا،
ويختار أهون الشرين وأخف الضررين.
ماحكم شراء البيوت بالربا في غير دار السلم؟
وماحكم شراء البيوت للسكن عن طريق البنوك
مع خضوع ذلك للتعامل بالربا؟
ل يحل شراء مسكن أو غيره بقرض مشتمل على فائدة
ربوية ،فهذا حرام قطعا ً إل في حالة واحدة حيث يغلب
على الظن أن الشخص سينام في الشارع إن لم يقترض
هذا القرض الربوي ،فيكون ذلك ضرورة ،وهي نادرة
الوقوع ،والضرورات تبيح المحظورات ،والضرورة تقدر
بقدرها.
إنسان عنده كيلو غرام من الحلي أراد تأجيرها
لبائع حلي بأجر معلوم على أن يستردها متى
أراد على شكل حلي لكن بشكل آخر لنه عندما
استعملها هذا البائع استعملها حليا ً وباعها؟
الشيء المأجور بأجرة معينة يجب رده بعينه ،لنه أمانة
بيد المستأجر ،ول يجوز للمستأجر التصرف فيه إل بإجارة
أو إعارة لغيره ضمن مدة الجارة ،ول يجوز له بيع هذا
الحلي لغيره ،وإل كان عقد الجارة جسرا ً أو حيلة للتعامل
بالربا أو الفائدة لمدة في المستقبل ،وهذا حرام ،حتى إن
الربا يجري في بيع المال الربوي بجنسه إلى مدة في
المستقبل ولو من غير زيادة ،لن الشيء في الحال أكثر
قيمة من المؤجل فع ً
ل ،فتقع الزيادة العملية من هذا البيع،
ومن المعلوم أن الذهب أحد وأهم أنواع الموال الربوية.
حكم شهادات الستثمار
أودع والدي باسمي في البنك ما يسمى بشهادة
استثمار ،في بنك ربوي لم يقم حتى الن بفتح
أي فرع معاملت إسلمية كغيره من البنوك،
وبمبلغ 5000جنيه مصري وذلك منذ عشر
سنوات قبل زواجي الن أوشكت مدة الشهادة
على النتهاء وأصبح المبلغ 25000جنية مصري
وأنا أرفض أخذ المبلغ الزائد ووالدي يقول لي
أنه هو من سيقبض المبلغ من البنك وسيعطيه
37
لي هبة مع العلم أني متزوجة من 6شهور
والحمد لله لست في حاجة لهذا المبلغ ووالدي
مقتدر ماديا ً فهل يجوز لي أخذ المبلغ على أنه
هبة من مال والدي؟ وهل الفضل الورع عن هذا
المال؟ هل يجوز أخذ هذا المال ثم التبرع به في
أي وجه شرعي بنية التخلص منه؟
كل ما يتم تحت غطاء الستثمار بأي نوع من أنواع
شهادات الستثمار هو مضمون الفائدة ،لنه في الواقع ل
يوجد استثمار فعلي وإنما تودع الموال في بنوك ربوية
ويدفع عنها فوائد ،وبعد أن وهبك والدك هذا المبلغ زالت
ملكيته عنه ،وصار حق التصرف فيه خاصا ً بك ،فكونه
يقبض الزائد ويهبك إياه ل حق له فيه ،وإن كان له حق
على سبيل الفتراض ،فهو مال مأخوذ بطريق غير
شرعي ،ومادام الشخص يعلم أنه من هذا الطريق فل
يحل له أخذه.
أما مصير هذا المال الزائد :فيحرم عليك النتفاع الخاص
به بأي وجه من وجوه النتفاع ،والحل الن من أجل
التخلص من هذا المال الحرام هو التصدق به للفقراء أو
لجهة عامة كمدرسة أو مشفى ونحوهما ،ول ثواب لك في
ذلك ،وتأخذينه دون خلطه بمالك الخاص .ويجب فورا ً
سحب هذا المال ووضعه في بنك إسلمي يستثمر المال
بطرق شرعية ،فيحل حينئذ أخذ أرباحه والنتفاع الخاص
به ،فإذا بقي شهادة استثمار حرم عليك وعلى والدك هذا
التفاق لنه عقد فاسد باطل ،ول يلتفت للفتاوى الشاذة
في هذا.
***************
وفي فتاوى الفوزان :
الربا وحكمه
غا من المال من البنك ،على 311ـ اقترضت مبل ً
أن أسدد هذا المبلغ بعد ثمانية عشر شهًرا ،على
أن أدفع نسبة ) (14%من المبلغ عليه ،ولم أكن
أعلم أن هذا المبلغ رًبا؛ فما هو حكم الشرع
بالنسبة لي؟
38
الزيادة المشترطة في القرض رًبا صريح ،ل يجوز للمسلم
أن يتعامل بها ،والواجب على المقرض أن يقتصر على
أخذ رأس ماله.
م
قال تعالى}(javascript:openquran(1,279,279 :وَِإن ت ُب ْت ُ ْ
َ
ن{ ]سورة مو َن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ
مو َ م ل َ ت َظ ْل ِ ُوال ِك ُ ْ
م َسأ ْ ؤو ُ م ُر ُفَل َك ُ ْ
البقرة :آية ،[279ومن لم يتب من أخذ الزيادة؛ فقد قال
الله تعالى}(javascript:openquran(1,279,279 :فَِإن ل ّ ْ
م
ْ
ه{ ]سورة البقرة :آية ن الل ّهِ وََر ُ
سول ِ ِ م َ
ب ّ حْر ٍ ت َْفعَُلوا ْ فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ
.[279
ول يجوز للمسلمين أن يقترضوا من البنوك بالفائدة؛ )فقد
لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله
وشاهديه وكاتبه( ]رواه مسلم في صحيحه )[(3/1219
ومن فعل شيًئا من ذلك فيما سبق؛ فعليه أن يتوب إلى
الله ول يعود.
313ـ أحد البنوك الربوية يعلن عن برنامج لستثمار
الموال عن طريق المتاجرة في بيع وشراء العملت؛ فهل
ما بأنه ينوب يجوز لي المشاركة في هذا الستثمار ،عل ً
عني في البيع والشراء ،ول تتم في هذا البيع المقابضة؟
أفيدونا أثابكم الله.
البنك الربوي ل يؤمن على التعامل ،ولو قال :إنه يتعامل
في بعض النواحي على الوجه الشرعي؛ نظًرا لنه في
الصل مؤسسة ربوية ،غالب تعاملته في الربا؛ فل يؤمن،
ضا بيع وشراء العملت لبد أن يقوم على التقابض في وأي ً
المجلس إذا اختلف جنس العملت ،وإذا اتحد جنس
العملت؛ فلبد مع التقابض في المجلس من التساوي في
المقدار ،وهذا أمر دقيق ،يبعد تحقيقه في معاملة البنوك؛
لن مصارفتها في المعاملت ل تقوم على التقابض في
المجلس؛ فقد اشتهر عنها أنها كذلك ،وعليه؛ فإنه يجب
على المسلم أن يبتعد عنها ،ول يثق بإعلناتها .والله
الموفق.
123ـ أنا موظف في بنك ،فهل يجوز لي أن أحج من
راتبي؟
39
العمل في البنك الذي يتعامل بالربا ل يجوز .لنه من
التعاون على الثم والعدوان .ولن النبي صلى الله عليه
وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه )(3
والموظف يصدق عليه أنه متعاون مع البنك -وإن كان
يكتب عقود الربا فهو ملعون بنص هذا الحديث -وبناء
على ذلك فالراتب الذي يأخذه حرام ل يجوز أن يأكله ول
أن يحج منه .لن الحج يتطلب النفقة الطيبة المكتسبة من
حلل وإن كان حج منه صح حجه مع الثم.
141ـ كنت أعمل في أحد البنوك وعندما خرجت
منهم عرفت أن المال الذي اكتسبته كله حرام .إذا كان
هذا صحيح ماذا أفعل بهذا المبلغ هل أتصدق به أم ل؟
ما من ربا أو غيره ثم تاب منه فإنه من اكتسب مال ً حرا ً
يتصدق به ول يأكله أو يضعه في مشروع خيري من أجل
التخلص منه ،ل من أجل طلب الجر لنه مال حرام والله
تعالى طيب ل يقبل إل طيًبا ولكن صاحبه يخرجه عن
ملكه ويضعه في مشروع خيري أو يدفعه إلى محتاج لنه
كالمال الذي ليس له مالك معروف يوضع في المصالح،
وهذا بشرط إنهاء هذا التكسب المحرم بحيث ل يستمر
عليه.
146ـ أخذت من قريب لي مبلغ خمسين ألف ريال على
أن أرد ذلك المبلغ بعد شهرين أو ثلثة بخمسة وخمسون
ألف ريال ..وبعد أن سألت أحد الزملء قال ل يجوز هذا
المر وأعطه نفس القيمة ..وآخر قال لي المؤمنون على
شروطهم فما هو الحل في ذلك.
القرض عقد إرفاق وقربة واشتراط الزيادة فيه أو ما
يسمى القرض بالفائدة ربا صريح وحتى أي نفع يشترطه
المقرض على المقترض فهو ربا لقوله صلى الله عليه
وسلم) :كل قرض جر نفًعا فهو ربا( ]انظر أسنى
مازالمطالب في أحاديث مختلفة المراتب ص ،240والغ ّ
ماز ص ،173وتمييز الطيب من الخبيث ص على الل ّ
.[124وأجمع العلماء على ذلك -أما الزيادة التي يبذلها
المقترض عند الوفاء من غير اشتراط عليه فل بأس بها
لن هذا من حسن القضاء .وقد قال النبي صلى الله عليه
40
وسلم) :خيركم أحسنكم قضاء( لما استسلف بكًرا من
البل ورد مكانه خياًرا رباعّيا ]رواه المام مسلم في
صحيحه ج 3ص .1224من حديث أبي رافع رضي الله
عنه بلفظ "إن خيار الناس أحسنهم قضاًء"[ .وعليه إن
كان المقرض اشترط هذه الزيادة فهي حرام عليه وليس
له إل رأس ماله .وهذا الشرط باطل لقوله صلى الله
عليه وسلم) :كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل
ولو كان مائة شرط( ]رواه البخاري في صحيحه ج 3ص
.29من حديث عائشة رضي الله عنها .بلفظ "ما كان من
شرط .["..وقال صلى الله عليه وسلم) :المسلمون على
ل( ]رواهما أو حرم حل ً شروطهم إل شر ً
طا أحل حرا ً
الترمذي في سننه ج 5ص 31 ،30ورواه الحاكم في
مستدركه ج 4ص 101بنحوه .كلهما من حديث كثير بن
عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده[ .وهذا
ما وهو الربا فهو باطل باطل. شرط أحل حرا ً
147ـ كثر الحديث والفتاوي حول جواز أخذ الفوائد
البنكية .ما هو تعليقكم على ذلك؟
أخذ الفوائد البنكية الربوية حرام بل شك لنها ربا صريح
والله سبحانه حرم الربا وحرمه رسوله وأجمع المسلمون
على تحريم الربا ومن استحله فهو كافر .ومن الربا
الفوائد البنكية ومن قال بحلها فل عبرة بقوله لنه مخالف
للنصوص .ثم ما كل مفت يكون على مستوى الفتوى
فغالب المفتين اليوم جهال بالحكام الشرعية أو
متساهلون بشأن الفتوى وخطورتها.
148ـ أعمل في شركة تأخذ تسهيلت بنكية من
البنوك الربوية في حدود خمسة بالمائة من أرباح الشركة.
فما هو الحكم في مرتبي من هذه الشركة ،وهل يجوز لي
العمل فيها ،مع العلم أن معظم الشركات تتعامل بهذه
الطريقة؟
التعامل بالربا محرم على الشركات وعلى البنوك وعلى
الفراد .ول يجوز للمسلم أن يتوظف في المحلت التي
ل ،لن الموظف عند تتعامل بالربا .ولو كان تعاملها به قلي ً
هذه المؤسسات والمحلت الربوية يكون متعاوًنا معهم
41
على الثم والعدوان -والمتعاون مع المرابين تشمله
اللعنة لقوله صلى الله عليه وسلم) :لعن الله آكل الربا
وموكله وشاهديه وكاتبه( ]رواه المام مسلم في صحيحه
ج 3ص .1219 ،1218من حديث جابر رضي الله عنه.
بلفظ "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم"[ .فلعن
الموكل والشاهد والكاتب من أجل تعاونهم مع المرابي -
دا عن ذلك فالواجب عليك أيها السائل أن تلتمس عمل ً بعي ً
ثل حي ْ ُ ن َم ْ ه ِ جا ،وَي َْرُزقْ ُ خَر ً م ْ ه َ جَعل ل ّ ُ ه يَ ْ ق الل ّ َ من ي َت ّ ِ }و َ َ
ب{ ]سورة الطلق :آية ) .[2ومن ترك شيًئا لله س ُحت َ ِ يَ ْ
عوضه الله خيًرا منه( ]انظر مسند المام أحمد ج 5ص
.78عن رجل من أهل البادية .وقد ورد بلفظ) :إنك لن
تدع شيًئا اتقاء الله عز وجل إل أعطاك الله خير منه"[.
-317اقترضت من أحد الصدقاء مبلغ مائة جنيه على أن
أوفيه بعد سنة مائة وخمسين ،وحينما حان وقت الوفاء
ة
حاولت إعطاءه مائة فقط ولكنه أصر على أخذ زياد ٍ
قدرها خمسون جنيًها مقابل التأجيل ،فما الحكم في هذه
الزيادة؟ وإن كان هذا من قبيل الربا فهل علي أنا إثم
ما أن تلك النقود التي اقترضتها وكيف أتخلص من ذلك عل ً
ي أن أفعل؟ منه قد اختلطت مع مالي فماذا عل ّ
الله سبحانه وتعالى حرم الربا وشدد الوعيد فيه ،قال
ْ
ن إ ِل ّ ك َ َ
ما مو َ ن الّرَبا ل َ ي َُقو ُ ن ي َأك ُُلو َ سبحانه وتعالى} :ال ّ ِ
ذي َ
س{ ]سورة البقرة: م ّ ن ال ْ َ م َ ن ِ طا ُ شي ْ َه ال ّ خب ّط ُ ُ ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ي َُقو ُ
َ
مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ
ه نآ َ ذي َ آية ،[275إلى أن قالَ} :يا أي َّها ال ّ ِ
م ت َْفعَُلوا ْ ن .فَِإن ل ّ ْ مِني َمؤ ْ ِ كنُتم ّ ن الّرَبا ِإن ُ م َي ِ ما ب َِق َ وَذ َُروا ْ َ
ْ
ه{ ]سورة البقرة :اليتين سول ِ ِ ن الل ّهِ وََر ُ م َ ب ّ حْر ٍ فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ
.[279 ،278
والربا له صور وأنواع ومن أنواعه هذا الذي ذكرته في
السؤال وهو القرض بالفائدة؛ لن القرض الشرعي هو
القرض الحسن الذي تقرض به أخاك لينتفع بالقرض ثم
يرد عليك بدله من غير زيادة مشترطة ول نقص هذا هو
القرض الحسن ،أما القرض الذي يجر نفًعا أو القرض
الذي يقصد من وراءه الزيادة الربوية فهذا حرام بإجماع
المسلمين حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين وعلى
42
فاعله الوعيد الشديد ،فالواجب هو رد مثل المبلغ الذي
اقترضه أما الزيادة التي اشترطها عليك وأخذها منك فهي
حرام ورًبا ،والنبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا
وموكله وشاهديه وكاتبه ) (4فلعن صلى الله عليه وسلم
من أكل الربا ومن أعانه على أكله من هؤلء ،فهذا الذي
فعلتموه حرام وكبيرة من كبائر الذنوب وعليكم التوبة
إلى الله سبحانه وتعالى ،وعليه هو أن يرد عليك هذه
الزيادة التي أخذها منك لنها ل تحل له ،وأنت فعلت
ما بإعطائه الزيادة ،وكان الواجب عليك أن تمتنع من محر ً
إعطائه الزيادة ،وإذا أصر أن ترفع أمره إلى الحاكم
المسلم ليردعه عن جريمته ،فهذا الذي أقدمتما عليه هو
صريح الربا ،فعليكما جميًعا التوبة إلى الله سبحانه وتعالى
وعدم الرجوع إلى هذا التعامل ،وعلى الخر أن يرد
الزيادة التي أخذها ،والله أعلم.
*****************
وفي فتاوى الشيخ عبد الرحمن البراك :
السؤال:
هل صحيح أن السلم يمنع الستثمار المالي في
المؤسسات التي تعطي نسبة عائد ثابتة ؟.
الجواب:
الحمد لله
دين السلم هو الدين الحق الذي جاء به الرسول صلى
الله عليه وسلم وقد اشتمل على أكمل الشرائع ،قال
تعالى ) :اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي (
فشريعة القرآن شريعة كاملة شاملة خالدة ،ففيها جميع
الحكام التي بها سعادة العباد في معاشهم ومعادهم ،
ددومن ذلك الحكام المالية ،وهي الحكام التي تنظم وتع ّ
طرق كسب المال وصرفه ،فل يجوز اكتساب المال بكل
طريقة ول يجوز صرف المال في كل ما يشتهي النسان ،
فل بد ّ أن يخضع النسان في كل ذلك إلى شرع الله ومن
ل اللهذلك أن الله تعالى حّرم الربا ،قال تعالى ) :وأح ّ
البيع وحّرم الربا ( ،وقال تعالى ) :يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ( .ومن صور الربا
43
الظاهر أخذ الفوائد على القروض أو إعطائها ،فل يجوز
القرض بفائدة ،وما يسمى بالفائدة في لغة البنوك هو
الربا في لغة الشرع .واما القرض الحسن فهو القرض
الذي يقصد به الرفاق والحسان إلى الغير وذلك بأل
يكون المقصود أخذ الفائدة والزيادة ،فما يسمى
بالقروض في لغة البنوك هي في الحقيقة عقود ربا ،
والله تعالى حكيم في شرعه لنه تعالى شرع الشرائع بما
فيها من المصالح العاجلة والجلة وهو الحكيم العليم .
*****************
زكاة الفواكه
وفي فتاوى اللجنة الدائمة :
الفتوى رقم )(11924
س :طلب مني أحد التجار أن أكتب لكم السؤال التالي:
وهو أنه يملك مزرعة كبيرة من التفاح ،وبعض الثمار
الخرى ،ويسأل عن كيفية إخراج زكاة هذه الثمار جميعًا،
علما ً بأن السقاية عن طريق حفر البار الرتوازية مع
العلم بأنه يستثمر الناتج من هذه الموال لمشاريع أخرى
مثل حلول الحول في بعض السنوات ،ويبقى المال هكذا
في كل ناتج ،ويقوم بتسديد ما عليه من ديون إلى البنوك
وغيرها من الدائنين ،وما هو الحكم للسنوات السابقة
التي تم إخراج الزكاة عنها وماذا أفعل؟ وما هي نصيحتكم
له لنه كثير التعامل في البنوك ويأخذ منها الفوائد
ويعطيها كذلك نرجو الجواب على كل هذه التفصيلت
السابقة وأجركم على الله .وجزاكم الله خيرا ً في خدمة
السلم وأهله.
ل :أثمان الفواكه كالتفاح ونحوه كالرمان والبرتقال ج :أو ً
والطماطم ونحوها إن صرفت ثمنها في حاجتك وفي
قضاء الدين قبل أن يحول عليها الحول فل شيء عليك،
فإن حال عليها الحول وعندك من ثمنها ما يبلغ نصابا ً
فعليك زكاته وهي ربع العشر .
ثانيًا :أما الثمار فقد أجملت السؤال عنها وهي ذات
تفصيل ،فإن كانت من الحبوب كالشعير والبر والرز
والذرة ونحوها أو من العنب والتمر فهذه الثمار فيها
44
نصف العشر لكونها تسقى بمؤنة حسبما ذكرت إذا بلغت
نصابا ً وهو خمسة أوسق ،وهي ثلثمائة صاع بصاع النبي r
ومقداره أربع حفنات باليدين المملوءتين المعتدلتين.
أما الفوائد البنكية فهي من الربا المحرم والواجب ترك
المعاملة الربوية والتوبة إلى الله من ذلك ،مع صرف
الفوائد الربوية التي حصل عليها في وجوه الخير تخلصا ً
منها وإكمال ً للتوبة .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه
وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء
نائب رئيس اللجنة ،الرئيس
عبدالرزاق عفيفي ،عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
***************
وفي فتاوى الزهر :ربا النسيئة
الموضوع ) (1249ربا النسيئة.
المفتى :فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق 30.ربيع
الول 1400هجرية 17 -مارس 1980م.
المبادئ:
- 1فقهاء الشريعة السلمية عرفوا البيع بأنه مبادلة
المال بالمال تمليكا وتملكا على اختلف بينهم فى التعبير
عن هذا المعنى - 2.اقتران عقد البيع بالشرط الفاسد
مفسد للعقد - 3.اشتراط هيئة الوقاف المصرية فى عقد
التمليك ومحلقاته دفع المشترى للوحدة السكنية % 5
من جملة الثمن المؤجل كريع نظير باقى الوحدة التى لم
يدفع ثمنها.هو عقد آخر على المشترى يدخل فى نطاق
الشرط الفاسد ،وهو من ربا النسيئة.سئل :نشرت
جريدة الهرام فى عددها يوم الجمعة الموافق 21ربيع
الول سنة 1400هجرية 8فبراير سنة 1980المقيد
برقم 107لسنة 1980فى شأن ما تتقاضاه هيئة
الوقاف المصرية من المتعاملين معها فى تمليك
العقارات وأطلقت عليه اسم فائض الريع إذ قالت رسالة
المواطن /ع -ع -م إن الهيئة تأخذ فائدة سنويا فوق
الثمن المتعاقد عليه مقدارها % 5فى المائة على باقى
45
ثمن الشقق التى تعرضها للتمليك.بينما أجاب السيد
الستاذ رئيس مجلس إدارة الهيئة -كما هو منشور فى
ذات هذا العدد -بأن هذا فائض ريع وليس تحصيل فوائد،
ذلك لن مشترى الشقة بالتقسيط يدفع مقدما % 25فى
المائة من ثمنها ويسدد الباقى على 40سنة وبذلك يكون
له منطقيا % 25فى المائة من الملكية وللهيئة الباقى
% 75فى المائة حتى تمام السداد ،وخلل فترة التأجيل
ينتفع المشترى بكامل الشقة رغم أنه لم يملك سوى 25
%فى المائة فقط ،ول تنتفع هيئة الوقاف بشىء ولها 75
%فى المائة من الملكية.ومن هنا ومحافظة على
استثمار أموال الوقاف لجأت الهيئة إلى حساب دخل
الشقة لو كانت مؤجرة طوال مدة الجل 40عاما مثل ،
ثم خصمت من جملة الدخل % 25فى المائة ويكون
للهيئة الباقى ،وكان هذا الحساب على أساس % 10من
التكلفة ،فوصلت حصة الهيئة إلى 25ألفا من الجنيهات
عن الشقة المكونة من حجرتين وصالة وفقا لقانون
اليجارات ،ولكن الهيئة لم تجر المحاسبة على هذا
واكتفت بحساب % 5فى المائة فقط كفائض ريع.كما
اطلعنا بعدد الهرام يوم الجمعة 13ربيع الخر 1400
هجرية الموافق 29فبراير 1980على كلمة السيد
المستشار فتحى لشين المفتش القضائى الول بوزارة
العدل تعليقا على ما سبق من أقوال السيد الستاذ رئيس
مجلس إدارة الهيئة ،حيث جاء بها أن عقد البيع ورد على
كامل الوحدة السكنية موضوع العقد ،وأن الرابطة تبعا
لهذا بين بائع وبين مشتر وأن هذا استمرار فى التعامل
الربوى مع رفع شعار تطبيق الشريعة السلمية فى
المجال القتصادى.هذا وقد ورد إلى دار الفتاء من السيد
المستشار فتحى لشين نسخة من نص كلمته إلى
الهرام.وبناء على طلب دار الفتاء ورد من هيئة الوقاف
المصرية صورة طبق أصلها من عقد التمليك الذى تبرمه
الهيئة مع المشترين لوحداتها السكنية ،وأحد عشر كشفا
ببيان القساط والريع المستحق سنويا والتى يقتضى
سدادها طبقا لنوع الشقة وحجراتها وبذلك مع كتابيها رقم
46
1620فى 10/3/1980ورقم 1686فى
.12/3/1980أجاب :إنه لما كان ما نشرته الهرام وما
جاء بالوراق الواردة من هيئة الوقاف المصرية وبأوراق
السيد المستشار فتحى لشين يفيد أن المشترى لوحدة
سكنية من هيئة الوقاف يتملك مبانيها فقط بمجرد
التوقيع على العقد ،وأن هناك جداول ملحقة بالعقد،
ومعتبرة جزءا ل يتجزأ منه وتجرى المحاسبة طبقا لها.وقد
جاء بهذه الجداول بيان القساط بدون ريع ،وبيان الريع
المستحق بواقع % 5فى المائة وجملتهما ،وبيانات أخرى
مفصلة تبعا لعدد حجرات الوحدة.ولما كان البين من
صورة العقد الواردة من هيئة الوقاف أنه عقد بيع
بالشروط المبينة فى مواده وبالجداول الملحقة به ،ومن
هذه الشروط استحقاق الهيئة لنسبة % 5فى المائة من
جملة المبلغ المؤجل من ثمن الوحدة السكنية موضوع
التعاقد.وبما أن البيع قد عرفه فقهاء الشريعة السلمية
بأنه مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكا على اختلف بينهم
فى التعبير عن هذا المعنى ،وهو مشروع بنصوص القرآن
الكريم والسنة الشريفة وبإجماع المسلمين.وقد اتفق
الفقهاء جميعا على أن اقتران عقد البيع بالشرط الفاسد
مفسد للعقد ،وتكاد عباراتهم تتفق على أن الشرط
الفاسد هو ما ل يقتضيه العقد ول يلئمه أو يضر بالعقد،
وأن من قبيل الشروط الفاسدة أن يشترط أحد
المتعاقدين على صاحبه عقدا آخر ،ومن أمثلتهم للشرط
الفاسد إذا قال البائع للمشترى بعتك هذه الدار وأجرتكها
شهرا لم يصح لن المشترى ملك منافع الدار بعقد البيع،
فإذا أجره إياها فقط شرط أن يكون له بدل فى مقابلة ما
ملكه المشترى فلم يصح.ولما كان اشتراط هيئة الوقاف
المصرية فى عقد التمليك وملحقاته أن يدفع مشترى
الوحدة السكنية % 5من جملة الثمن المؤجل ،وفسر
هذا السيد الستاذ رئيس مجلس إداراتها بأن هذا ريع
مستحق نظير إيجار باقى الوحدة التى لم يدفع ثمنها،
فيكون هذا الشرط بهذا المعنى عقدا آخر على المشترى
يدخل فى نطاق الشرط الفاسد بالمعيار ،بل وبالمثال
47
السابق الذى نص الفقهاء على عدم صحته.وعلى ذلك
يكون واقع المر على ما تفيده نصوص العقد وملحقاته أن
نسبة الخمسة فى المائة جاءت فائدة مقررة على المبلغ
المؤجل من ثمن الوحدة السكنية المباعة ،لن البيع قد تم
بالعقد وتسلم المشترى المبيع برضا البائع ،فله النتفاع به
جميعه شرعا بدون مقابل غير الثمن المسمى بالعقد،
وأخذ نسبة % 5على المؤجل من الثمن يكون فى نظير
التأجيل ،وهذا هو ربا النسيئة الذى حرمه الله تعالى فى
القرآن الكريم وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه
وسلم.من هذا قول الله سبحانه فى سورة البقرة } ذلك
بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا
{ البقرة ، 275لما كان ذلك وكانت تلك النسبة % 5إما
فى مقابلة تأجيل الدين وإما فى مقابلة تأجير باقى العين
كما جاء بتفسير رئيس مجلس الدارة لهذا الشرط وإن
كان هذا التفسير ل تدل عليه بنود العقد ول ملحقاته التى
تقررت بها هذه النسبة فتخلص تلك النسبة إما ربا نسيئة
ل محالة ل يخرجها أى اسم أو وصف يطلق عليها عن هذه
الحقيقة ،أو عقد إجارة فاسد ل تستحق به الجرة ،لنه
ورد على ما ملكه المشترى بعقد البيع مع تأجيل بعض
الثمن ،وفى كل حال ل تقع هذه النسبة % 5فى المائة
فى نطاق نص مبيح شرعا لشترطها ،بل وقعت فى
نطاق المحرمات على الوجه المبين.هذا ومما ينبغى تبيانه
للناس أن الصل فى البيع أن يكون بثمن حال ،ويجوز أن
يكون بثمن مؤجل كل أو بعضا إلى أجل معلوم حتى ل
يؤدى تجهيل الجل إلى النزاع ،والزيادة فى الثمن عند
البيع مؤجل اختلف الفقهاء فى حلها والجمهور على صحة
البيع مع تأجيل الثمن والزيادة فيه عن الثمن الحالى.كما
أن من صور البيع التى أجيزت شرعا بيع
المرابحة.وصورته أن يبيع الشىء بربح.فيقول ثمن هذا
المبيع مائة جنيه وأبيعه بمائة وعشرين جنيها مثل ،وهذا
جائز ل خلف فى صحته شرعا.ولما كان ذلك فإن لهيئة
الوقاف المصرية أن تسير فى هذه العقود على هذا
الوجه امتثال لقوله سبحانه } وأحل الله البيع وحرم
48
الربا { فتضيف فوق التكاليف الفعلية للمبانى الربح
المناسب ،ثم تبيع الوحدة بثمن محدد ل تتقاضى أكثر منه
بهذا الوصف فائض الريع أو إجارة باقى الوحدة السكينة
لمشتريها حيث دخل فى نطاق الربويات المحرمات
شرعا.ولقد حذرنا رسول الله بتسميتها بغير اسمها فقال
ليشربن أناس من أمتى الخمر ويسمونها بغير اسمها وفى
رواية لتستحلن طائفة من أمتى الخمر باسم يسمونها
إياه.وهذا هو الواقع الن مع الخمر ومع الربا وغيرهما من
المحرمات يسميها المسلمون بغير اسمها
ويستحلونها.وبعد فإن الله سبحانه وتعالى قد توعد
المتعاملين فى الربا بما لم يتوعد به فى غير هذه الكبيرة
فقال سبحانه فى سورة البقرة } يا أيها الذين آمنوا اتقوا
الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين.فإن لم
تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم
رؤوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون { البقرة ، 278
، 279نقل القرطبى فى تفسير هذه الية أن المام مالكا
قال إنى تصفحت كتاب الله وسنة نبيه فلم أر شيئا أشر
من الربا ،لن الله أذن فيه بالحرب.هذا وقد روى
الشيخان عن النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم الحلل بين والحرام بين وبينهما أمور
مشتبهات ل يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات
فقد استبرأ لعرضه ودينه.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع ) (1252عائد شهادات الستثمار
.المفتى :فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق10.
صفر 1400هجرية 9 -ديسمبر 1979م.المبادئ- 1:
السلم حرم الربا بنوعيه ربا الزيادة وربا النسيئة وهذا
التحريم ثابت بالقرآن الكريم والسنة الشريفة وإجماع
أئمة المسلمين منذ صدور السلم حتى الن - 2.الوصف
القانونى الصحيح لشهادات الستثمار بأنها قرض
بفائدة.يدخلها فى نطاق الفائدة المحددة مقدما التى
حرمتها نصوص الشريعة وجعلتها من ربا الزيادة ،فل يحل
للمسلم النتفاع بها وكذا فوائد التوفير أو اليداع بفائدة3.
-القول بأن هذه الفائدة تعتبر مكافأة من ولى المر قول
49
غير صحيح بالنسبة للشهادات ذات العائد المحدد مقدما4.
-الشهادات ذات الجوائز دون الفوائد تدخل فى نطاق
الوعد بجائزة الذى أجازه بعض الفقهاء.سئل :بالطلب
المتضمن الفادة عما إذا كان عائد شهادات الستثمار
حلل أو حراما وهل يعتبر هذا العائد من قبيل الربا
المحرم ،أو هو مكافأة من ولى أمر فى مقابل تقديم
الموال للدولة لستغللها فى إقامة المشروعات التى
تعود على المة بالنفع.أجاب :إن السلم حرم الربا
بنوعيه -ربا الزيادة وربا النسيئة -وهذا التحريم ثابت
قطعا بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة
وبإجماع أئمة المسلمين منذ صدر السلم حتى الن.ولما
كان الوصف القانونى الصحيح لشهادات الستثمار أنها
قرض بفائدة ،وكانت نصوص الشرعية فى القرآن
والسنة تقضى بأن الفائدة المحددة مقدما من باب ربا
الزيادة المحرم ،فإن فوائد تلك الشهادات وكذلك فوائد
التوفير أو اليداع بفائدة تدخل فى نطاق ربا الزيادة ل
يحل للمسلم النتفاع به ،أما القول بأن هذه الفائدة تعتبر
مكافأة من ولى المر فإن هذا النظر غير وارد بالنسبة
للشهادات ذات العائد المحدد مقدما لسيما وقد وصف
بأنه فائدة بواقع كذا فى المائة ،وقد يجرى هذا النظر فى
الشهادات ذات الجوائز دون الفوائد ،وتدخل فى نطاق
الوعد بجائزة الذى أجازه بعض الفقهاء.والله سبحانه
وتعالى أعلم.
الموضوع ) (1255التعامل مع البنوك بفائدة
محرم شرعا
.المفتى :فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق 4.ربيع
الول 1400هجرية 22 -يناير 1980م.المبدأ :الفائدة
المحددة التى تصرفها البنوك نظير إيداع الموال بها هى
من قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا ول فرق فى حرمة
التعامل بالربا بين الفراد والجماعات أو بين الفراد
والدولة.سئل :بالطلب المتضمن أن المصارف فى مصر
تعطى فائدة سنوية لكل مائة مبلغا قدره % 7.5أو 8.5
أو 13وقد أفتى بعض العلماء بجواز ذلك ،حيث أن
50
التعامل ليس مع الفراد ولكن مع المصارف التى تتبع
الحكومة ،وطلب السائل الفادة عن حكم هذه
الفائدة.أجاب :قال الله تعالى فى سورة البقرة } الذين
يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذى يتخبطه
الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا
وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه
فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك
أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى
الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم { البقرة ، 275
، 276وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم )الذهب
بالذهب يدا بيد والفضل ربا( ومن هذه النصوص الشرعية
وغيرها يكون الربا محرما ،سواء أكان ربا نسيئة أو ربا
زيادة ،ولما كان إيداع المال بالبنوك نظير فائدة محددة
مقدما قد وصفه القانون بأنه قرض بفائدة فإن هذه
الفائدة تكون من قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا ،وبالتالى
تصبح مال خبيثا ل يحل للمسلم النتفاع به وعليه التخلص
منه بالصدقة.أما القول بأن هذا التعامل ليس بين الفراد
ولكن مع المصارف التى تتبع الحكومة فإن الوصف
القانونى لهذه المعاملت قرض بفائدة ل يختلف فى جميع
الحوال ولم يرد فى النصوص الشرعية تفرقة بين الربا
بين الفراد وبين الربا ينهم وبين الدولة ،وعلى المسلم أن
يكون كسبه حلل يرضى عنه الله والبتعاد عن
الشبهات.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع ) (1256شهادات الستثمار.
المفتى :فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق21.
رمضان 1400هجرية 2 -أغسطس 1980م.المبادئ1:
-الربا بقسميه ربا الزيادة وربا النسيئة.محرم شرعا
بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين - 2.شهادات الستثمار
ذات الفائدة المحددة مقدما من قبيل القرض بفائدة،
وكل قرض بفائدة محرم شرعا (3).شهادات الستثمار
من الفئة )ج (-ذات الجوائز تدخل دون الفائدة فى نطاق
الوعد بجائزة.وقد أباحه بعض الفقهاء.سئل :بالطلب
المتضمن أن السائل قام بشراء شهادات استثمار من
51
النوعين ) ا ،ج ( -ذات الجوائز ،وطلب الفادة عن رأى
الدين والشرع فى كل نوع منهما ،لنه قرأ فى الجرائد أن
شهادات الستثمار من النوعين ) ا،ب ( أحلها فريق
وحرمها آخرون ،وأن النوع ) ج ( -ذات الجوائز حلل.فما
هو رأى الشرع فى ذلك.أجاب :يقول الله فى كتابه
الكريم } الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذى
يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع
مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة
من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد
فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا
ويربى الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم اليتان {
البقرة ، 276 ، 275ويقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيما روى عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ) الذهب الذهب.والفضلة بالفضلة ،والبر
بالبر ،والشعير بالشعير ،والتمر بالتمر ،والملح بالملح مثل
بمثل ،يدا بيد ،فمن زاد أو استزاد فقد أربى ،الخذ
والمعطى فيه سواء ( رواه أحمد والبخارى.ويظهر من هذا
أن الربا بقسميه -ربا النسيئة وربا الزيادة -محرم شرعا
بهذه النصوص من القرآن والسنة وبإجماع المسلمين.لما
كان ذلك وكانت شهادات الستثمار ذات الفائدة المحددة
مقدما من قبيل القرض بفائدة ،وكان كل قرض بفائدة
محددة ربا محرما.ومن ثم تدخل الفوائد المحددة مقدما
لشهادات الستثمار فى ربا الزيادة المحرم شرعا
بمقتضى تلك النصوص الشرعية.أما شهادات الستثمار
من الفئة )ج (-ذات الجوائز دون الفائدة ،فتدخل فى
نطاق الوعد بجائزة الذى أباحه بعض الفقهاء ،ومن ثم
تصبح قيمة الجائزة من المباحات شرعا.لما كان ذلك كان
مباحا للسائل أن يحصل على الجائزة من شهادات
الستثمار فئة )ج (-إن جاءت إليه نتيجة القرعة
الشرعية ،أما فوائد شهادات الستثمار الخرى فهى من
قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا دون ضرورة أو
حاجة.ويجب على المسلم أن يتحرى الكسب الحلل
ويبتعد عن كل ما فيه شبهة الحرام ،امتثال لقول الرسول
52
صلى الله عليه وسلم دع ما يريب إلى ما ل يريبك والله
سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع ) (1257الموال المودعة فى البنوك
وبنك فيصل السلمى.
المفتى :فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق 29.ذو
القعدة 1400هجرية 8 -أكتوبر 1980م.المبدأ :تحديد
الفوائد عن الموال المودعة بالبنوك مقدما من قبيل
القرض بفائدة وهو محرم شرعا.وعدم تحديدها مقدما هو
من قبيل المضاربة فى المال وهى جائزة شرعا.سئل :
بالطلب المتضمن الفادة بيان حل أو حرمة الحصول على
الفائدة عن المبالغ المودعة بالبنوك التجارية ،وكذلك
فوائد المبالغ المودعة ببنك فيصل السلمى من وجهة
نظر الشريعة السلمية.أجاب :جاء فى القرآن الكريم
قوله تعالى } الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم
الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما
البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه
موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن
عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا
ويربى الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم { البقرة
، 276 ، 275وروى البخارى وأحمد عن أبى سعيد قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )الذهب
بالذهب.والفضة بالفضلة ،والبر بالبر ،والشعير بالشعير،
والتمر بالتمر ،والملح بالملح ،مثل بمثل ،يدا بيد ،فمن زاد
أو استزاد فقد أربى ،الخذ والمعطى فيه سواء(.بهذه
النصوص وأمثالها فى القرآن الكريم والسنة الشريفة
وبإجماع المسلمين ثبت تحريم الربا سواء كان ربا الزيادة
أو ربا بالنسيئة.لما كان ذلك وكان إيداع النقود بالبنوك
التجارية بفائدة محددة مقدما من قبيل القرض بفائدة،
كانت هذه الفائدة من باب ربا الزيادة المحرم بتلك
النصوص الشرعية -وإذا كانت الفوائد التى يؤديها بنك
فيصل السلمى محددة مقدما كانت من هذا القبيل
المحرم شرعا ،أما إذا كان طريقها الستثمار دون تحديد
سابق للفائدة ،وإنما يبقى العائد خاضعا لواقع الربح
53
والخسارة كل عام أو فى كل صفقة كان هذا التعامل
داخل فى نطاق عقد المضاربة الشرعية ،والربح واستثمار
الموال بهذه الطريقة حلل لشدة الحاجة إليها فى
التعامل ،لن من الناس من هو صاحب مال ول يهتدى إلى
التصرف ،ومنهم من هو صاحب خبرة ودراية بالتجارة
وغيرها من طرق الستثمار ول مال له ،فأجيز عقد
المضاربة الشرعية لتنظيم وتبادل المنافع والمصالح.هذا
وإن الله سائل كل مسلم ومسلمة عن ماله من أين
أكتسبه وفيما أنفقه.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع ) (1258ايداع الموال فى البنوك
بدون فائدة مباح.
المفتى :فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق 7.ربيع
الول 1401هجرية 13 -يناير 1981م.المبادئ- 1:
السلم حرم الربا بنوعيه ربا الزيادة وربا النسيئة.وهذا
التحريم ثابت قطعا بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية
الشريفة وبإجماع أئمة المسلمين - 2.إيداع الموال
السائلة )النقود( فى البنوك عامة بدون فائدة بقصد
حفظها مباح.لنها ل تتعين بالتعيين .واختلطها بأموال
ربوية ل يجعل اليداع محرما - 3.استثمار الموال فى
البنوك دون تحديد فائدة محددة مقدما مشروع فى
السلم.سئل :بالطلب المتضمن الفادة عن بيان الحكم
الشرعى فيما يلى - 1 :فوائد البنوك عامة والتى تعطى
بنسب ثابتة على المبالغ المودعة طرفها - 2.هل إيداع
الموال فى البنوك دون أخذ فوائد عليها حلل أو حرام3.
-الفادة عن بنك فيصل السلمى وبنك ناصر الجتماعى،
وهل إيداع المبالغ بهما بالطرق المختلفة سواء أكانت
حسابا جاريا أو وديعة أو دفتر توفير.حلل أم حرام وهل
الفوائد من البنك الخير )بنك ناصر الجتماعى( حلل أم
حرام.مع العلم بأنه يتم خصم نسبة الزكاة المفروضة
شرعا من فوائد الحسابات المذكورة سابقا.أى فوائد
خالصة الزكاة.أجاب :إن السلم حرم الربا بنوعيه ربا
الزيادة.كأن يقترض من إنسان أو من جهة مبلغا معينا
بفائدة محددة مقدما أو ربا النسيئة.وهو أن يزيد فى
54
الفائدة ،أو يقدرها إن لم تكن مقدرة فى نظير الجل أو
تأخير السداد.وهذا التحريم ثابت قطعا بنصوص القرآن
الكريم والسنة النبوية الشريفة وبإجماع أئمة
المسلمين.قال تعالى } الذين يأكلون الربا ل يقومون إل
كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم
قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن
جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله
ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله
الربا ويربى الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم { البقرة
، 276 ، 275وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
)الذهب بالذهب يدا بيد والفضل ربا(.ومن هذه النصوص
الشرعية وغيرها يكون الربا محرما ،سواء أكان ربا الزيادة
أو النسيئة.فإذا كانت الفوائد المحددة مقدما على المبالغ
التى تودع فى البنوك عامة أو بدفاتر البريد قد وصفها
القانون بأنها قرض بفائدة فتكون من أنواع ربا الزيادة
المحرم فى السلم بالنصوص السالفة وإجماع
المسلمين.أما إيداع الموال السائلة )النقود( فى البنوك
عامة بدون فائدة ،وإنما بقصد حفظها فهو مباح ،لن
النقود ل تتعين بالتعيين فاختلطها بأموال ربوية ل تجعل
اليداع محرما.هذا والمعروف عن نظام الستثمار
المعمول به فى بنك فيصل السلمى وبنك ناصر
الجتماعى.أنه ل يجرى على نظام الفوائد المحددة مقدما
وإنما يوزع أرباح عملياته الستثمارية المشروعة بمقادير
غير ثابتة ،بل خاضعة لمدى ما حققه المشروع من
كسب.والتعامل على هذا الوجه مشروع فى السلم،
باعتباره مقابل لما جرى عليه فقهاء المسلمين فى إجازة
عقود المضاربة والشركات التى يجرى فيها الكسب
والخسارة.وإذ كان ذلك كان على أصحاب الموال من
المسلمين استثمار أموالهم بالطرق المشروعة التى ل
تجلب الحرام ،لن الله سبحانه سائل كل إنسان عن ماله
من أين اكتسبه وفيما أنفقه ،كما جاء فى الحديث
الشريف ل سيما إذا كانت هذه البنوك تتعامل وتستثمر
55
الموال وتخرج زكاتها كما يقضى السلم.والله سبحانه
وتعالى أعلم.
الموضوع ) (1259شهادات الستثمار والعائد
منها والزكاة فيه
.المفتى :فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق 27.ربيع
الول 1401هجرية 2 -فبراير 1981م.المبادئ- 1:
شهادات الستثمار ) أ ،ب ( ذات الفائدة المحددة
المشروطة مقدما زمنا ومقدارا.داخلة فى الربا المحرم
شرعا - 2 .شهادات استثمار )ح (-ذات الجوائز.تدخل فى
باب الوعد بجائزة.وقد أباحه بعض الفقهاء - 3 .الرباح
الناتجة عن الشهادات ذات العائد المحدد مقدما ربا محرم
ويتخلص منه بالتصدق به - 4.إذا بلغ المال النصاب
الشرعى وجبت فيه الزكاة بشروطها.سئل :بالطلب
المقدم من السيد /عوض ح.الذى يطلب فيه بيان الحكم
الشرعى فى شهادات استثمار البنك الهلى المجموعة
)ب( ذات العائد الجارى ،وهل هى حلل أم حرام كما
يطلب الفادة عن كيفية الزكاة فيها ،وكيفيه التصرف فى
العائد منها والمستحق له الن ،وما سبق أن أخذه من
البنك من هذا العائد.أجاب :جرى اصطلح فقهاء الشريعة
السلمية على أن الربا هو زيادة مال بل مقابل فى
معاوضة مال بمال ،وقد حرم الله سبحانه وتعالى الربا
باليات الكثيرة فى القرآن الكريم ،وكان من آخرها نزول
على ما صح عن ابن عباس رضى الله عنهما قول الله
سبحانه وتعالى } الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما
يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا
إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه
موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن
عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا
ويربى الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم { البقرة
، 276 ، 275ومحرم كذلك بما ورد فى الحديث الشريف
الذى رواه البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى سعيد
الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
) الذهب بالذهب والفضة بالفضلة ،والبر بالبر ،والشعير
56
بالشعير ،والتمر بالتمر ،والملح بالملح ،مثل بمثل ،يدا بيد،
فمن زاد أو استزاد فقد أربى ،الخذ والمعطى فيه
سواء (.ولما كان مقتضى هذه النصوص أن الربا بكل
صورة محرم شرعا وأنه يدخل فيه كل زيادة فى المال
المقترض بالشرط والتحديد بل مقابل.وأجمع المسلمون
على هذا التحريم .ولما كانت شهادات الستثمار ) ا ،ب (
ذات فائدة محددة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا ،كانت
داخلة فى ربا الزيادة المحرم بهذه النصوص الشرعية
باعتبارها قرضا بفائدة مشروطة.أما شهادات الستثمار
)ج (-ذات الجوائز ،فإنها تدخل فى باب الوعد بجائزة إذ
ليست لها فائدة مشروطة ول محددة زمنا ومقدارا،
فتدخل فى باب المعاملت المباحة عند بعض فقهاء
المسلمين الذى أجازوا الوعد بجائزة أما عن الرباح التى
حصل عليها السائل فائدة للشهادات ذات العائد المحدد
مقدما فهى ربا محرم ،وسبيل التخلص من المال الحرام
هو التصدق به -أما عن الزكاة فى هذا المال فإذا كان
رأس المال يبلغ النصاب الشرعى وجبت عليه الزكاة
فيها ،ولكن بشروط وهى أن تكون ذمة مالكها خالية من
الدين ،وأن تكون فائضة عن حاجته المعيشية وحاجة من
يعوله.وأن يمضى عليها سنة كاملة .والنصاب الشرعى
الذى يجب فيه الزكاة بعد استيفاء باقى الشروط.هو ما
تقابل قيمته بالنقود الحالية 85جراما من الذهب عيار 21
-ويجب عليه إخراج الزكاة بمقدار ربع العشر أى % 2.5
فى المائة وتصرف هذه الزكاة للصناف التى حددها الله
تعالى فى قوله } إنما الصدقات للفقراء والمساكين
والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين
وفى سبيل الله وابن السبيل { التوبة ، 60والله سبحانه
وتعالى أعلم.
الموضوع ) (1260نقص قيمة الشهادات مع
أرباحها عن قيمتها ل يحل الفائدة
.المفتى :فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق5.
محرم 1402هجرية 2 -نوفمبر .1981المبادئ- 1:
شهادات الستثمار من الفئة )ب( ذات الفائدة المحددة
57
مقدما زمنا ومقدارا.داخلة فى ربا الزيادة المحرم شرعا.
- 2نقصان قيمة الشهادات الشرائية مع أرباحها عن
قيمتها وقت شرائها ل يكون مبررا لحل فوائدها
الربوية.سئل :بالطلب المتضمن أن السائل أهديت له
شهادات استثمار من الفئة )ب( ذات العائد الجارى من
والده بمناسبة زواجه وهى فى حوزته إلى الن.وقد
استحق صرفها حاليا ولها أرباح عن فترة حيازته
لها.والسؤال هل هى حلل بأرباحها.علما بأن قيمتها
الشرائية الن مع أرباحها أقل من قيمتها وقت الهداء
والشراء.أجاب :اصطلح فقهاء الشريعة على أن ربا
الزيادة هو زيادة مال بل مقابل فى معاوضة مال
بمال.وقد حرم الله الربا باليات الكثيرة فى القرآن
الكريم.وكان آخرها نزول على ما صح عن ابن عباس
رضى الله عنهما قول الله سبحانه وتعالى } الذين يأكلون
الربا ل يقومون إل كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من
المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع
وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما
سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم
فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله ل
يحب كل كفار أثيم { البقرة ، 276 ، 275وحرمه كذلك
بما ورد فى الحديث الشريف الذى رواه البخارى ومسلم
وغيرهما.عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم )الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة،
والبر بالبر ،والشعير بالشعير ،والتمر بالتمر ،والملح
بالملح ،مثل بمثل ،يدا بيد ،فمن زاد أو استزاد فقد أربى،
الخذ والمعطى فيه سواء(.ولما كان مقتضى هذه
النصوص أنا الربا يدخل فيه كل زيادة على المال
المقترض أو المودع بالشرط والتحديد بل مقابل ،وقد
أجمع المسلمون على تحريمه إعمال لنصوص القرآن
والسنة الشريفة.ولما كانت شهادات الستثمار من الفئة
)ب( ذات فائدة محددة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا،
كانت داخلة فى ربا الزيادة المحرم شرعا بمقتضى تلك
النصوص ،باعتباره قرضا بفائدة مشروطة مقدما زمنا
58
ومقدارا أما ما جاء بالسؤال من أن قيمة هذه الشهادات
الشرائية الن مع أرباحها أقل من قيمتها وقت إهدائها إلى
السائل أو وقت الشراء فل يصلح مبررا لستحلل هذه
الفوائد الربوية ،فقد نقل المام السبيجابى فى شرح
الطحاوى اتفاق الفقهاء على أن الفلوس إذا لم تكسد
ولكن غلت قيمتها أو نقصت ،فعلى المقترض مثل ما
قبض من العدد مادام نوع الفلوس محددا )رسالة تنبيه
الرقود على مسائل النقود من رخص وغلء وكساد
وانقطاع للعلمة ابن عابدين ج 2 -مجموع الرسائل ص
.(67 - 58وإذ كان ذلك كانت القيمة السمية لهذه
الشهادات حلل باعتبار أن أصلها جاء هدية من كسب
حلل فى الغالب حمل لحال المؤمنين على الصلح ،كما
هو الصل.أما الفائدة التى استحقت عليها طبقا لنظام
إصدارها فهى من باب ربا الزيادة المحرم ،باعتبارها
محددة زمنا ومقدارا ،ول يحل للمسلم النتفاع بهذه
الفائدة باعتبارها من الكساب المحرمة ،وله قبضها
وتوجيهها إلى أى طريق من طرق البر ) انظر كتاب احياء
علوم الدين للمام الغزالى ص 883 ،882مسلسل ج -
5ص 93 ،92تحت عنوان الحلل والحرام -النظر الثانى
فى المصرف طبعة لجنة الثقافة السلمية 1356
هجرية ( كبناء المساجد أو المستشفيات أو إعطائها لفقير
أو مسكين على ما أشارت إليه سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم فى التصرف فى الكسب الحرام ،إبراء لذمة
المسلم من المسئولية أمام الله.فقد ورد فى الحديث
الشريف عن أبى برزة السلمى قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم )ل تزول قدما عبد يوم القيامة حتى
يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيم فعل وعن
ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبله ( )
صحيح الترمذى ج 9 -ص ( 253والله سبحانه وتعالى
أعلم.
الموضوع ) (1263تحديد فوائد التجارة.
المفتى :فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق 26.صفر
1400هجرية 14 -أبريل 1981م.المبادئ - 1:تحديد
59
مبلغ معين شهريا من قبل الشريك لشريكه مبطل
للشركة وهو من باب ربا الزيادة ول يحل النتفاع به- 2.
الفائدة المحددة سلفا لبعض أنواع شهادات الستثمار أو
التوفير ربا وحرام شرعا.سئل :بالطلب المقدم من
السيد /أ م ل المتضمن الفادة عن التى أول إن له
صديقا مخلصا يتصف بالمانة وحسن الخلق وصدق
المعاملة ،يعمل لحسابه فى نقل البضائع بواسطة سيارة
نقل يمتلكها.وقد عرض على صديقه هذا أن يكون شريكا
له فى عمله بمبلغ خمسة آلف جنيه على أن يقسم
صافى الربح أو الخسارة بينهما فى نهاية كل سنة بنسبة
رأس مال كل منهما ،إل أنه رفض هذه المشاركة بحجة
أنه تعود أن يزاول عمله ويديره بنفسه ،كما أن هذه
المشاركة تضطره إلى إمساك دفاتر حسابية مما يزيد
عبء العمل عليه وتزداد مسئولياته أمام شريكه وأخيرا
وبعد إلحاح قبل مبدأ المشاركة على أساس أن يعطيه
مبلغا من المال محددا شهريا وعلى مدار السنة ،وقد قبل
هذا العرض.ويقول السائل إن تعاملى مع هذا الصديق
على هذا النحو الذى يريده وقبلته منه.هل يجيزه الدين
السلمى أم أنه يعتبر تعامل بالربا ثانيا شهادات الستثمار
قسم )ب( التى يصدرها البنك الهلى المصرى ذات العائد
الجارى والتى يدفع عنها البنك أرباحا سنوية قدرها 9من
قيمتها.هل هذه الرباح حلل أم حرام.أجاب :أول -إن
التعامل مع هذا الصديق على هذا النحو الذى ذكره وهو
تحديد مبلغ محدد قدره بمعرفته وقبله منه السائل مبطل
لهذه الشركة إن كانت فى نطاق أحكام المضاربة
الشرعية ،ويكون المبلغ المحدد من قبل الشريك من باب
ربا الزيادة المحرم شرعا بنص القرآن الكريم والسنة
النبوية الشريفة وبإجماع أئمة المسلمين ،منذ صدر
السلم حتى الن ،إذ أن هذا التعامل من قبيل القرض
بفائدة ،وكل قرض جر نفعا فهو حرام.وعلى ذلك فإن
المبلغ المحدد الذى يدفعه الصديق للسائل يدخل فى هذا
النطاق ويكون ربا ل يحل للمسلم النتفاع به.ثانيا -لما
كان واقع شهادات الستثمار ذات الفائدة المحددة والعائد
60
الجارى وتكييفها قانونا أنها قرض بفائدة ،وكان مقتضى
نصوص الشريعة السلمية أن الفائدة المحددة من قبيل
ربا الزيادة المحرم ،فإن الفوائد المحددة سلفا لبعض
أنواع شهادات الستثمار أو للتوفير تدخل فى هذا النطاق
وتكون ربا ل يحل للمسلم النتفاع بها ومن ذلك يتبين أن
التعاملين على الوجه المشروع غير جائز شرعا ويحرم
التعامل به.والله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع ) (1301القرض بفائدة حرام شرعا
.المفتى :فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق 9.ربيع
الخر 1400هجرية 25 -فبراير 1980م.المبادئ- 1:
الربا بقسميه ربا النسيئة وربا الزيادة محرم شرعا بنص
القرآن والسنة وبإجماع المسلمين - 2.القتراض من
المؤسسات التى تملكها الدولة والستدانة من البنوك
مقابل فائدة محددة مقدما %3يعتبر قرضا بفائدة.وكل
قرض بفائدة محددة مقدما حرام.ويدخل فى ربا الزيادة.
- 3القتراض بالفائدة لتشييد بناء لستغلله بالتأجير أو
التمليك للغير كسب مشوب بالربا الذى يحرم على
المسلم التعامل به.سئل :بالطلب المتضمن ما يلى أن
الدولة اعتمدت مبلغ مائتين وخمسين مليونا من الجنيهات
لعمال السكان والبناء بواقع %3براحة ثلث سنوات
وتحصل المبلغ على ثلثين عاما.ويقول السائل .هل يمكن
أن أقترض مبلغا من هذا المال لقامة مسكن على قطعة
أرض أملكها لينتفع بها مسلم ليس له مسكن فى شقة
من هذه على أن يسدد هذا المال بالشروط والضمانات
التى تراها الدولة.أجاب :يقول الله تعالى فى سورة آل
عمران } يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة
{ آل عمران ، 130ويقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيما روى عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم )الذهب بالذهب والفضة بالفضة ،والبر
بالبر ،والشعير بالشعير ،والتمر بالتمر ،والملح بالملح.مثل
بمثل يدا بيد .فمن زاد أو استزاد فقد أربى .الخذ
والمعطى فيه سواء( رواه أحمد والبحارى وأجمع
المسلمون على تحريم الربا.ويظهر من هذا أن الربا
61
بقسميه ربا النسيئة ،وربا الزيادة محرم شرعا بنص
القرآن والسنة وبإجماع المسلمين ،ولما كان القتراض
من مؤسسات التى تملكها الدولة والستدانة من البنوك
مقابل فائدة محددة مقدما مثل %3يعتبر قرضا بفائدة
وكل قرض بفائدة محددة مقدما حرام.ومن ثم تدخل
الفوائد المحددة مقدما فى ربا الزيادة المحرم شرعا
بمقتضى النصوص الشرعية.لما كان ذلك فإن اقتراض
السائل من الموال المذكورة فى السؤال بالفائدة
المحددة %3يكون محرما شرعا ،لنه تعامل بالربا دون
ضرورة أو حاجة ذاتية للسائل ،لن الظاهر من سؤاله أنه
يريد القتراض بالفائدة لتشييد بناء لستغلله بالتأجير أو
التمليك للغير فيكون كسبه على هذا الوجه مشوبا بالربا
الذى يحرم على المسلم التعامل به ويجب عليه أن
يتحرى الكسب الحلل ويبتعد عن كل ما فيه شبهة الحرام
امتثال لقول الرسول صلى الله عليه وسلم )دع ما يريبك
إلى ما ل يريبك( ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال.والله
سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع ) (1303الفوائد وتعليق الصور فى
المنازل
.المفتى :فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق25.
رمضان 1400هجرية 6 -أغسطس 1980م.المبادئ1:
-الفوائد هى من قبيل الربا المحرم شرعا ل يباح النتفاع
بها - 2.طريق التخلص من الكسب المحرم هو التصدق به
على الفقراء أو أى جهة خيرية - 3.تعليق الصور فى
المنازل ل بأس به متى خلت عن مظنة التعظيم والعبادة
أو التحريض على الفسق والفجور وارتكاب
المحرمات.سئل :بالطلب المتضمن أول كان للسائلة
مبلغ من المال وضعته فى البنك بفائدة وقد صرفت قيمة
هذه الفائدة وهى معها ،وتطلب الفادة عن كيفية
التصرف يها بعد أن عرفت أنها تعتبر ربا محرم.ثانيا تطلب
الفادة عن الصور التى تعلق بحوائط المنازل بقصد
الزينة.هل هى حلل أم حرام وهل تمنع دخول الملئكة
المنازل وبيان الحكم الشرعى فى ذلك.أجاب :عن
62
السؤال الول يقول الله تعالى فى كتابه الكريم } الذين
يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذى يتخبطه
الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا
وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه
فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك
أصحاب النار هم فيها خالدون.يمحق الله الربا ويربى
الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم { البقرة ، 275
، 276ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى
عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
)الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة ،والبر بالبر.والشعير
بالشعير.والتمر بالتمر .والملح بالملح ،مثل بثمل ،يدا بيد،
فمن زاد أو استزاد فقد أربى الخذ والمعطى فيه( رواه
أحمد والبخارى.ويظهر من هذا أن الربا بقسميه ربا
النسيئة وربا الزيادة محرم شرعا بهذه النصوص من
القرآن والسنة وبإجماع المسلمين.لما كان ذلك فل يباح
للسائلة النتفاع بهذه الفائدة ،لنها من قبيل ربا الزيادة
المحرم شرعا.وطريق التخلق من الكسب المحرم هو
التصدق به على الفقراء أو أى جهة خيرية.وعلى كل
مسلم ومسلمة أن يتحرى الكسب الحلل ويبتعد عن كل
ما فيه شبهة الحرام ،امتثال لقول الرسول صلى الله عليه
وسلم )دع ما يريبك إلى ما ل يريبك(.عن السؤال الثانى
اختلف الفقهاء فى حكم الرسم الضوئى بين التحريم
والكراهة ،والذى تدل عليه الحاديث النبوية الشريفة التى
رواها البخارى وغيره من أصحاب السنن وترددت فى
كتب الفقه ،أن التصوير الضوئى للنسان والحيوان
المعروف الن والرسم كذلك ل بأس به ،إذا خلت الصور
والرسوم من مظاهر التعظيم ومظنة التكريم والعبادة
وخلت كلذلك عن دوافع تحريك غريزة الجنس وإشاعة
الفحشاء والتحريض على ارتكاب المحرمات.ومن هذا
يعلم أن تعليق الصور فى المنازل ل بأس به متى خلت
عن مظنة التعظيم والعبادة ،ولم تكن من الصور أو
الرسوم التى تحرض على الفسق والفجور وارتكاب
المحرمات.والله سبحانه وتعالى أعلم.
63
الموضوع ) ( 615الدين بفائدة محرم شرعا.
المفتى :فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم 27.شعبان
1348هجرية 27 -يناير 1930م.المبادئ - 1:شراء
المورث لبعض ورثته عقارا بثمن مقسط بفائدة معينة
على أقساط معينة ،ثم إيداعه لبعض ورثته المذكورين
مبلغا بأحد البنوك بفائدة معينة ،ثم مات فالعقد الول
فاسد شرعا ،ويجب إزالة المفسد شرعا خروجا من
معصية الربا بقضاء الدين المقسط من الموال المودعة
بأحد البنوك - 2.يحرم شرعا استثمار المال المودع بفائدة
معينة بأحد البنوك مادام الستثمار المذكور بطريق الربا
المحرم شرعا.سئل :رجل توفى وكان قد اشترى فى
حياته لبنتى ابنه المتوفى قبله عشرين فدانا وعليها
سبعمائة جنيه دين ،أمن على هذه الطيان بفوائد سبعة
فى المائة مقسطة إلى أربع عشرة سنة وظهر بعد وفاة
جدهما أنه أودع لهما فى بنك آخر مبلغ ألفى جنيه بفوائد
المائة أربعة ونصف وقد تعين عمهما وصيا عليهما.فهل
بموت الجد تحل القساط المؤجلة ويدفع الدين كله من
اللفى جنيه المودعة على ذمتهما فى البنك تفاديا من
الربا المحرم شرعا ،أم يبقى الدين المقسط على حالة
ليدفع فى مواعيده مع فوائده كما يبقى المبلغ المودع فى
البنك باسمهما على حاله بفوائده أيضا.أجاب :اطلعنا
على هذا السؤال.ونفيد بأنه متى كان الدين المذكور على
القاصرتين فإنه يجب شرعا قضاؤه من اللفى جنيه
خروجا من معصية الربا الذى هو من العقود الفاسدة التى
يجب فسخها شرعا ،ويحرم التمادى والصرار عليها ،كما
يحرم استثمار ما للقاصرتين من المال بطريق الربا
المحرم.هذا والّله تعالى أعلم.
الموضوع ) ( 617فوائد السندات محرمة.
المفتى :فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم 29.ربيع الول
1362هجرية 4 -ابريل 1943م.المبدأ :فوائد السندات
حرام لنها من الربا.سئل :ورث شخص عن والده بعض
سندات قرض القطن التى تدفع عنها الحكومة فوائد فهل
هذه الفوائد تعتبر من أنواع الربا التى حرمها المولى عز
64
وجل فى كتابه الحكيم.أجاب :اطلعنا على هذا
السؤال.ونفيد أن هذه الفوائد من الربا الذى حرمه الّله
سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز.وبهذا علم الجواب عن
السؤال.والّله تعالى أعلم.
الموضوع ) ( 618التصدق بالفوائد المحرمة غير
جائز.
المفتى :فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم 16.جمادى
الولى 1362هجرية 20 -مايو 1943م.المبادئ - 1:أخذ
الفوائد على الموال المودعة فى البنوك حرام لنه من
قبيل أخذ الربا - 2.التصدق بفوائد الموال المودعة
بالبنوك ل يقبلها الّله تعالى ويأثم صاحبها.سئل :لى مبلغ
من النقود أودعته فى بنك بدون فائدة لنى أعتقد أن
الفائدة حرام مهما كانت قليلة وأعلم أن الّله تعالى يمحق
الربا.وقد من الّله على بحب التصدق على الفقراء
والمساكين .وقد أشار على بعض الناس بأنى آخذ الفائدة
من البنك وأتصدق بها كلها على الفقراء ول حرمة فى
ذلك.فأرجو التكرم بإفتائى عما إذا كان أخذ الفائدة من
البنك لمحض التصدق بها فيه إثم وحرمة أم ل.وهل
وضعها فى جيبى أو فى ببتى إلى أن يتم توزيعها على
الفقراء فيه إثم وحرمة أم ل.أرجو الفادة.أجاب :اطلعنا
على هذا السؤال.ونفيد أن أخذ فوائد على الموال
المودعة بالبنوك من قبيل أخذ الربا المحرم شرعا ،ول
يبيح أخذه قصد التصدق به لطلق اليات والحاديث على
تحريم الربا.ول نعلم خلفا بين علماء المسلمين فى أن
الربا محرم شرعا على أى وجه كان ،هذا ول يقبل الّله
تعالى هذه الصدقة بل يأثم صاحبها كما تدل على ذلك
أحاديث كثيرة عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم.فقد
جاء فى كتاب جامع العلوم والحكم لبن رجب مانصه
)وأما الصدقة بالمال الحرام فغير مقبولة.كما فى صحيح
مسلم عن ابن عمر رضى الّله عنهما عن النبى صلى الّله
عليه وسلم.ل يقبل الّله صلة بغير طهور ول صدقة من
غلول وفى الصحيحين عن أبى هريرة رضى الّله عنه عن
النبى صلى الّله عليه وسلم قال ما تصدق عبد بصدقة من
65
مال طيب -ول يقبل الّله إل الطيب -إل أخذها الرحمن
بيمينه إلى آخر الحديث.وفى مسند المام احمد رحمه الّله
عن ابن مسعود رضى الّله عنه عن النبى صلى الّله عليه
وسلم قال ل يكتسب عبد مال من حرام فينفق منه
فيبارك فيه ول يتصدق به فيتقبل منه ول يتركه خلف
ظهره إل كان زاده إلى النار.إن الّله ل يمحو السيىء
بالسيىء ولكن يمحو السيىء بالحسن إن الخبيث ل يمحو
الخبيث ويروى من حديث رواح عن ابن حجيرة عن أبى
هريرة رضى الّله عنه عن النبى صلى الّله عليه وسلم
قال ما كسب مال حراما فتصدق به لم يكن له فيه أجر
وكان إصره )إثمه وعقوبته ( عليه.أخرجه ابن حيان فى
صحيحه ورواه بعضهم موقوفا على أبى هريرة وفى
مراسيل القاسم ابن مخيمرة قال قال رسول الّله صلى
الّله عليه وسلم )من أصاب مال من مأثم فوصل به رحمه
وتصدق به )لعلها أو تصدق به( أو أنفقه فى سبيل الّله
جمع ذلك جميعا ثم قذف به فى نار جهنم ( وروى عن أبى
الدرداء ويزيد بن ميسرة أنهما جعل مثل من أصاب مال
من غير حله فتصدق به مثل من أخذ مال يتيم وكسا به
أرملة وسئل ابن عباس رضى الّله عنهما عمن كان على
عمل فكان يظلم ويأخذ الحرام ثم تاب فهو يحج ويعتق،
ويتصدق منه فقال إن ا لخبيث ل يكفر الخبيث وكذا قال
ابن مسعود رضى الّله عنه إن الخبيث ل يكفر الخبيث
ولكن الطيب يكفر الخبيث.وقال الحسن أيها المتصدق
على المسكين ترحمه.ارحم من قد ظلمت .وبما ذكرنا
يعلم الجواب عن السؤال.والّله سبحانه وتعالى أعلم.
الموضوع ) (620العانة فى عمل الريا محرمة
شرعا.
المفتى :فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم 28.رمضان
1363هجرية 16 -سبتمبر 1944م.المبدأ :مباشرة
العمال التى تتعلق بالربا من كتابة وغيرها إعانة على
ارتكاب المحرم.وكل ما كان كذلك فهو محرم شرعا.سئل
:شخص يعمل كاتبا ببنك التسليف الزراعى.فهل عليه
حرمة فى هذا ،أو الدين يحرم عليه الشتغال ،علما بأنه
66
محتاج إليه فى معيشته وأن جميع أعمال البنك تقوم على
الفوائد والربا وذلك مما حرمه الشرع.أجاب :اطلعنا على
هذا السؤال.ونفيد أن الربا محرم شرعا بنص الكتاب
والسنة وبإجماع المسلمين.ومباشرة العمال التى تتعلق
بالربا من كتابة وغيرها إعانة على ارتكاب المحرم ،وكل
ما كان كذلك فهو محرم شرعا.وروى مسلم عن جابر
رضى الّله عنه والبخارى من حديث أبى جحيفة أن رسول
الّله صلى الّله عليه وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه
وشاهديه.واللعن دليل على إثم من ذكر فى الحديث
الشريف.وبهذا علم الجواب عن السؤال.والّله تعالى
أعلم.
الموضوع ) ( 621استثمار المال فى المصارف
من قبيل الربا المحرم.
المفتى :فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم 27.ربيع الول
1364هجرية 12 -مارس 1945م.المبادئ:
- 1استثمار المال فى المصارف من الربا المحرم شرعا.
- 2استثمار مال اليتامى فى المصارف من الربا
كذلك.سئل :من عمر ب.من عمان شرق الردن قال
تأسست فى مدينة عمان جمعية باسم )جمعية الثقافة
السلمية( غايتها إنشاء جامعة لتدريس العلوم العربية
والشرعية ،وقد جمعت مبلغا من المال أودعته فى أحد
البنوك المحلية ولما لم يتيسر لها البدء فى العمل حتى
الن وكانت أموالها معطلة بل فائدة وكان من الممكن
الحصول على فائدة من المصرف الموجودة به الموال
بحيث ينمو هذا المال إلى أن يتيسر إنفاقه فى سبيله
لذلك رأت الجمعية أن تسترشد رأى سماحتكم مستعملة
عما إذا كان يجوز لها تنمية المال المذكور بالصورة
المذكورة أسوة بأموال اليتام التى تنمو بمعرفة الموظف
المخصوص لدى المحكمة الشرعية.أجاب :اطلعنا على
هذا السؤال.ونفيد بأن استثمار المال بالصورة المذكورة
غير جائز لنه من قبيل الربا المحرم شرعا كما ل يجوز
استثمار أموال اليتامى بالطريق المذكورة.هذا وأن فيما
شرعه الّله تعالى من الطرق لستثمار المال لمتسعا
67
لستثمار هذا المال كدفعه لمن يستعمله بطريق المضاربة
الجائزة شرعا أو شراء ما يستغل من العيان إلى أن
يحين الوقت لستعماله فيما جمع من أجله فيباع حينئذ
وبهذا علم الجواب .والّله أعلم.
************
حكم التعامل بالربا في بلد الغرب
مجمع الفقه السلمي اســـــم المـفـــتــى
1429رقــــــم الـفــتـوى
27/05/2004تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
-1ما حكم التعامل بالربا فى حالة سفر أحد المسلمين
الى بلد الكفر؟
نص الفتوى
أخي الفاضل سلم الله عليك ورحمة الله وبركاته ،وبعد
أنقل إليك قرار المجمع الفقهي في حكم التعامل بالربا
داخل أو خارجا ونعود إلى حديث بعد نص القرار "الحمد
لله والصلة والسلم على من ل نبي بعده سيدنا ونبينا
محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .أما بعد .:
فإن مجلس المجمع الفقهي السلمي في دورته التاسعة
المنعقدة بمبنى رابطة العالم السلمي في مكة المكرمة
في الفترة من يوم السبت 12رجب 1406هـ إلى يوم
السبت 19رجب 1406هـ قد نظر في موضوع )تفشي
المصارف الربوية ،وتعامل الناس معها ،وعدم توافر
البدائل عنها( وهو الذي أحاله إلى المجلس معالي الدكتور
المين العام نائب رئيس المجلس.
وقد استمع المجلس إلى كلم السادة العضاء حول هذه
القضية الخطيرة ،التي يقترف فيها محرم ب َّين ،ثبت
تحريمه بالكتاب والسنة والجماع ،وأصبح من المعلوم من
الدين بالضرورة ،واتفق المسلمون كافة على أنه من
كبائر الثم والموبقات السبع ،وقد آذن القرآن الكريم
مرتكبيه بحرب من الله ورسوله ،قال تعالى) :يأيها الذين
آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم
68
فلكم رءوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون( )البقرة
.(279
وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه )ُلعن آكل
الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال :هم سواء( رواه
مسلم.
كما روى ابن عباس عنه )إذا ظهر الزنا والربا في قرية
فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله عز وجل( وروى نحوه ابن
مسعود.
وقد اثبتت البحوث القتصادية الحديثة أن الربا خطر على
اقتصاد العالم وسياسته ،وأخلقياته وسلمته ،وأنه وراء
كثير من الزمات التي يعانيها العالم .وأل نجاة من ذلك
إل باستئصال هذا الداء الخبيث الذي هو الربا من جسم
العالم ،وهو ما سبق به السلم منذ أربعة عشر قرًنا.
ومن نعمة الله تعالى أن المسلمين بدأوا يستعيدون ثقتهم
بأنفسهم ووعيهم لهويتهم ،نتيجة وعيهم لدينهم ،فتراجعت
الفكار التي كانت تمثل مرحلة الهزيمة النفسية أمام
الحضارة الغربية ،ونظامها الرأسمالي ،والتي وجدت لها
ما من ضعاف النفس من يريد أن يقسر النصوص يو ً
الثابتة الصريحة قسًرا لتحليل ما حرم الله ورسوله .وقد
رأينا المؤتمرات والندوات القتصادية التي عقدت في أكثر
ضا ،تقرر
من بلد إسلمي ،وخارج العالم السلمي أي ً
بالجماع حرمة الفوائد الربوية ،وتثبت للناس إمكان قيام
بدائل شرعية عن البنوك والمؤسسات القائمة على الربا.
ثم كانت الخطوة العملية المباركة ،وهي إقامة مصارف
عا،إسلمية خالية من الربا والمعاملت المحظورة شر ً
بدأت صغيرة ثم سرعان ما كبرت ،قليلة ثم سرعان ما
تكاثرت حتى بلغ عددها الن في البلد السلمية وخارجها
أكثر من تسعين مصرًفا.
وبهذا كذبت دعوى العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي الذين
ما أن تطبيق الشريعة في المجال القتصادي زعموا يو ً
مستحيل ؛ لنه ل اقتصاد بغير بنوك ،ول بنوك بغير فوائد.
وقد وفق الله بعض البلد السلمية مثل باكستان لتحويل
ذا ول بنوكها الوطنية إلى بنوك إسلمية ل تتعامل بالربا أخ ً
69
عطاء ،كما طلبت من البنوك الجنبية أن تغير نظامها بما
يتفق مع اتجاه الدولة ،وإل فل مكان لها .وهي سنة حسنة
لها أجرها وأجر من عمل بها إن شاء الله.
ومن هنا يقرر المجلس ما يلي .:
أول ً :يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله
ذا أو عطاًءا ،والمعاونة تعالى عنه من التعامل بالربا ،أخ ً
عليه بأي صورة من الصور ،حتى ل يحل بهم عذاب الله،
ول يأذنوا بحرب من الله ورسوله.
ثانًيا :ينظر المجلس بعين الرتياح والرضا إلى قيام
المصارف السلمية ،التي هي البديل الشرعي للمصارف
الربوية ويعني بالمصارف السلمية كل مصرف ينص
نظامه الساسي على وجوب اللتزام بأحكام الشريعة
السلمية الغراء في جميع معاملته وُيلزم إدارته بوجوب
ملزمة .ويدعو المجلس المسلمين وجود رقابة شرعية ُ
في كل مكان إلى مساندة هذه المصارف وشد أزرها،
وعدم الستماع إلى الشاعات المغرضة التي تحاول أن
تشوش عليها ،وتشوه صورتها بغير حق.
ويرى المجلس ضرورة التوسع في انشاء هذه المصارف
جد َ للمسلمين تجمًعا في كل أقطار السلم ،وحيثما وُ ِ
خارج أقطاره ،حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية
تهيئ لقتصاد إسلمي متكامل.
ثالثا :يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف
إسلمي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو
الخارج ،إذ لعذر له في التعامل معها بعد وجود البديل
السلمي .ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب،
ويستغني بالحلل عن الحرام.
رابًعا :يدعو المجلس المسئولين في البلد السلمية
والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة
لتطهيرها من رجس الربا ،استجابة لنداء الله تعالى:
)وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين( وبذلك يسهمون
في تحرير مجتمعاتهم من آثار الستعمار القانونية
والقتصادية.
70
سا :كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال خام ً
عا ،ل يجوز أن ينتفع به المسلم -مودع المال - حرام شر ً
لنفسه أو لحد ممن يعوله في أي شأن من شئونه ،ويجب
أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين ،من مدارس
ومستشفيات وغيرها .وليس هذا من باب الصدقة وإنما
هو من باب التطهر من الحرام.
ول يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية ،للتقوي
بها ،ويزداد الثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج ،فإنها
في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية،
وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين
ما بأنه ل يجوز أن يستمر وإضلل أبنائهم عن عقيدتهم .عل ً
في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة.
كما يطالب المجلس القائمين على المصارف السلمية
أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة ،وأن يوالوها
بالتوعية والتفقيه بأحكام السلم وآدابه حتى تكون
معاملتهم وتصرفاتهم موافقة لها.
إذا قرأت هذا فإني أقول لك لبد أن تضع في اعتبارك
البعد عن الربا قدر الطاقة والمكان فإن اضررت إلى
التعامل بصورة ل تتيح لك الفرار منها مع البنوك فلبد أن
تتخلص من الموال الزائدة في المشاريع السلمية ول
تعتبرها من باب الصدقة وإنما من باب التخلص من
الحرام سواء كان هذا داخل البلد السلمية أو بلد الكفر.
والله الموفق.
?http://www.al-eman.com/Ask/ask3.asp
id=1429&hide1=2&Next=&select1=*&select2=*&rad
1=&dbegin=&mbegin=&ybegin=&dend=&mend=&y
=end=&rad2=MOF&idser=&wordser
================
حكم التعامل بالربا مع غير المسلمين
دار الفتاء المصرية
19599رقــــــم الـفــتـوى
14/07/2004تاريخ الفتوى على الموقع
نص السؤال
71
أنا أعيش فى بلد غير إسلمى ،ول يمكننى أن أقضى
مصالحى إل عن طريق البنوك التى تتعامل بالربا ،فقيل
لى :إن الربا معهم ليس بحرام ،فهل هذا صحيح ؟ نص
الفتوى
تحدث العلماء عن الكفار هل هم مخاطبون بفروع
الشريعة -أم ل ،واختلفوا فى ذلك ،وبناء على هذا
لسلميةالختلف ،قالوا :إن المقيمين فى البلد ا ِ
يلتزمون بالحكام الشرعية ،سواء كان المقيم مسلما أو
ذميا ،لن تطبيق الحكام الشرعية ممكن فى البلد
السلمية فإذا سافر المسلم أو الذمى إلى دار الحرب
وحدثت منه مخالفة لحكام الشريعة ،أو حدثت من
شخص كان يقيم فى دار الحرب ثم عاد بعد ذلك إلى دار
السلم ،فل تطبق عليه أحكام الشريعة السلمية ،لن
القاضى المسلم ل تمتد وليته إلى المحل الذى ارتكبت
فيه الجريمة ،ومن هنا نقل عن أبى حنيفة أنه أجاز
للمسلم والذمى من أهل دار السلم إذا دخل دار الحرب
مستأمنين -أن يتعاقدا بالربا مع الحربى أو المسلم من
أهل دار الحرب الذى يهاجر إلى دار السلم ،لن أخذ
الربا فى هذه الحال يكون فى معنى إتلف المال بالرضا ،
وإتلف مال الحربى وبرضاه مباح ،لنه ل عصمة لدمه ول
لماله ،وقد نقل أبو يوسف عن أبى حنيفة قوله :إن
وجوب الشرائع يعتمد على العلم بها ،فمن لم يعلمها ولم
تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حكمية .وبهذا ،إذا دخل
المسلم أو الذمى دار حرب بأمان فتعاقد مع حربى على
لسلم الربا أو على غيره من العقود الفاسدة فى نظر ا ِ
جاز عند أبى حنيفة ومحمد وقد أفتى بذلك الشيخ محمد
بخيت المطيعى مفتى الديار المصرية السبق ونشره فى
رسالته عن أحكام التأمين " السكورتاه " ص 7مطبعة
النيل بمصر سنة 1906م ونقله الشيخ جاد الحق على
جاد الحق فى كتابه " فتاوى معاصرة ص . ، " 86هذا ما
قاله أبو حنيفة ،أما صاحبه أبو يوسف فقال :ل يجوز
للمسلم فى دار الحرب إل ما يجوز له فى دار السلم ،
لن حرمة الربا ثابتة فى حق العاقدين ،أما فى حق
72
المسلم فبإسلمه وأما فى حق الحربى فلن الكفار
مخاطبون بفروع الشريعة قال تعالى } وأخذهم الربا وقد
نهوا عنه { النساء ،161 :والئمة الثلثة قالوا :تطبق
لسلم لسلمية على كل من هو فى دار ا ِ أحكام الشريعة ا ِ
من المسلمين والذميين والمستأمنين ،كما يعاقب
المسلم والذمى على ما يرتكبانه فى دار الحرب ولو كان
الفعل مباحا فيها كالربا والقمار ،تنفيذا لحكام الشريعة .
وقد استظهر الشيخ جاد الحق على جاد الحق أن الخلف
بين فقهاء الحنفية إنما هو فى إمكان توقيع العقوبة على
التعامل المحرم إذا وقع من المسلم فى دار الحرب ،
ومال إلى رأى جمهور الفقهاء من حرمة التعامل بالربا
على المسلم أيا كان موقعه فى دار السلم أو فى دار
الحرب ،وذلك بمقتضى إسلمه ،اللهم إل إذا كان
مقترضا لضرورة ،أما أن يكون مقرضا فل يحل ،لنه ل
ضرورة فيه .وبهذا الفهم والتحليل يكون تصرف المسلم
فى دار ل يحكم فيها بالسلم مساويا لتصرفه فى دار
يحكم فيها بالسلم ،من جهة الحل والحرمة ،أما القضاء
الدنيوى المعتبر فيه ميدان تطبيقه فل يغير من حكم الّله
شيئا .
=======================
وفي كتاب الربا وأضراره -فتاوى في مسائل
من الربا المعاصر
المسألة الولى :العملة الورقية وأحكامها من الناحية
الشرعية.
المسألة الثانية :مسألة الحيلة الثلثية.
المسألة الثالثة :بيع المداينات بطريقة بيع وشراء
البضائع وهي مكانها.
المسألة الرابعة :صرف العملة إلى عملة أخرى.
المسألة الخامسة :بيع الذهب المستعمل بذهب جديد
مع دفع الفرق.
المسألة السادسة :بيع الذهب أو الفضة دينًا.
المسألة السابعة :المساهمة في شركات التأمين.
73
المسألة الثامنة :التعامل مع المصارف الربوية.
المسألة التاسعة :التعامل مع البنوك الربوية والعمل
فيها.
المسألة العاشرة :التأمين في البنوك الربوية.
المسألة الحادية عشرة :شراء أسهم البنوك.
المسألة الثانية عشرة :العمل في المؤسسات الربوية.
المسألة الثالثة عشرة :فوائد البنوك الربوية.
المسألة الرابعة عشرة :قرض البنك بفوائد سنوية.
المسألة الخامسة عشرة :القرض بعملة والتسديد
بأخرى.
المسألة السادسة عشرة :القرض الذي يجّر منفعة.
المسألة السابعة عشرة :التأمين التجاري والضمان
البنكي.
المسألة الولى :العملة الورقية وأحكامها من
الناحية الشرعية:
صدر في هذه المسألة قرار المجمع الفقهي الذي نصه
على النحو التي:
الحمد لله وحده ،والصلة والسلم على من ل نبي بعده،
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرًا .أما
بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي السلمي قد اطلع على
دم إليه في موضوع العملة الورقية ،وأحكامها البحث المق ّ
من الناحية الشرعية ،وبعد المناقشة والمداولة بين
أعضائه ،قّرر ما يلي:
ل :إنه بناء على أن الصل في النقد هو الذهب أو ً
والفضة وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق
الثمنية في أصح القوال عند فقهاء الشريعة.
وبما أن الثمنية ل تقتصر عند الفقهاء على الذهب
والفضة ،وإن كان معدنهما هو الصل.
وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمنًا ،وقامت مقام
الذهب والفضة في التعامل بها ،وبها تقوم الشياء في هذا
العصر ،لختفاء التعامل بالذهب والفضة ،وتطمئن النفوس
بتمولها وادخارها ويحصل الوفاء والبراء العام بها ،رغم أن
74
قيمتها ليست في ذاتها ،وإنما في أمر خارج عنها ،وهو
حصول الثقة بها ،كوسيط في التداول والتبادل ،وذلك هو
سّر مناطها بالثمنية.
وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب
والفضة هو مطلق الثمنية ،وهي متحققة في العملة
الورقية ،لذلك كله ،فإن مجلس المجمع الفقهي
السلمي ،يقّرر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته ،له حكم
النقدين من الذهب والفضة ،فتجب الزكاة فيها ،ويجري
الربا عليها بنوعيه ،فضل ً ونسيًا ،كما يجري ذلك في
النقدين من الذهب والفضة تمامًا ،باعتبار الثمنية في
العملة الورقية قياسا ً عليهما ،وبذلك تأخذ العملة الورقية
أحكام النقود في كل اللتزامات التي تفرضها الشريعة
فيها.
ثانيًا :يعتبر الورق النقدي نقدا ً قائما ً بذاته كقيام النقدية
في الذهب والفضة وغيرهما من الثمان ،كما يعتبر الورق
النقدي أجناسا ً مختلفة ،تتعدد بتعدد جهات الصدار في
البلدان المختلفة ،بمعنى أن الورق النقدي السعودي
جنس ،وأن الورق النقدي المريكي جنس ،وهكذا كل
عملة ورقية جنس مستقل بذاته ،وبذلك يجري فيها الربا
بنوعيه فضل ً ونسيا ً كما يجري الربا بنوعيه في النقدين
الذهب والفضة وفي غيرها من الثمان.
وهذا كله يقتضي ما يلي:
) أ ( ل يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره
من الجناس النقدية الخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما،
نسيئة مطلقًا ،فل يجوز مثل ً بيع ريال سعودي بعملة أخرى
متفاضل ً نسيئة بدون تقابض.
)ب( ل يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية
ل ،سواء كان ذلك نسيئة أو يدا ً بيد ،فل بعضه ببعض متفاض ً
يجوز مثل ً بيع عشرة ريالت سعودية ورقًا ،بأحد عشر ريال ً
سعودية ورقًا ،نسيئة أو يدا ً بيد.
)جـ( يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقًا ،إذا
كان ذلك يدا ً بيد ،فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية،
بريال سعودي ورقا ً كان أو فضة ،أو أقل من ذلك أو أكثر،
75
وبيع الدولر المريكي بثلث ريالت سعودية أو أقل من
ذلك أو أكثر إذا كان ذلك يدا ً بيد ،ومثل ذلك في الجواز بيع
الريال السعودي الفضة ،بثلثة ريالت سعودية ورق ،أو
أقل من ذلك أو أكثر ،يدا ً بيد ،لن ذلك يعتبر بيع جنس
بغير جنسه ،ول أثر لمجرد الشتراك في السم مع
الختلف في الحقيقة.
ثالثًا :وجوب زكاة الوراق النقدية إذا بلغت قيمتها أدنى
النصابين من ذهب أو فضة ،أو كانت تكمل النصاب مع
غيرها من الثمان والعروض المعدة للتجارة.
رابعًا :جواز جعل الوراق النقدية رأس مال في بيع
السلم ،والشركات.
والله أعلم :وبالله التوفيق ،وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم).(1
المسألة الثانية :مسألة الحيلة الثلثية:
س :عندي كمية من أكياس الرز وهو بمستودع لنا
ي أناس يشترونه مني بقيمته في السوق ويدينونه ويأتي إل ّ
على أناس آخرين فإذا صار على حظ المدين أخذته منه
بنازل ريال واحد من مشتراه مني ثم يأتي أناس مثلهم
بعدما يصير على حظي ويشترونه مني وهكذا وهو في
مكان واحد إل أنهم يستلمونه عدا ً في محله فهل في هذه
الطريقة إثم أم ل؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
جـ :نعم هذه الطريقة حيلة على الربا .الربا المغلظ
الجامع بين التأخير والفضل ،أي بين ربا الفضل وربا
النسيئة ،وذلك لن الدائن يتوصل بها إلى حصول اثني
عشر مثل ً بعشرة .وأحيانا ً يتفق الدائن والمدين على هذا
قبل أن يأتيا إلى صاحب الدكان على أنه يدينه كذا وكذا
من الدراهم ،العشرة اثني عشر أو أكثر أو أقل ،ثم يأتيان
على هذا ليجريا معه هذه الحيلة وقد سماها شيخ السلم
ابن تيمية :الحيلة الثلثية ،وهي بل شك حيلة على الربا،
ربا النسيئة وربا الفضل ،فهي حرام ومن كبائر الذنوب،
وذلك لن المحرم ل ينقلب مباحا ً بالتحايل عليه ،بل إن
()1فتاوى إسلمية لصحاب الفضيلة العلماء ،جمع محمد المسند .380-2/379 ،وانظر:
أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية .58-1/30
76
التحايل عليه يزيده خبثا ً ويزيده إثمًا ،ولهذا ذ ُك َِر عن أيوب
السختياني رحمه الله أنه قال في هؤلء المتحايلين قال:
إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان فلو أنهم أتوا
المر على وجهه لكان أهون ،وصدق رحمه الله ،فإن
المتحيل بمنزلة المنافق يظهر أنه مؤمن وهو كافر وهذا
متحيل على الربا ويظهر أن بيعه بيع صحيح وحلل).(2
فضيلة العلمة ابن عثيمين
المسألة الثالثة :بيع المداينات بطريقة بيع
وشراء البضائع وهي مكانها
س :ما حكم بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع
وهي في مكانها وهذه الطريقة هي المتبعة عند البعض
في مدايناتهم في الوقت الحاضر؟
جـ :ل يجوز للمسلم أن يبيع سلعة بنقد أو نسيئة إل إذا
كان مالكا ً لها وقد قبضها لقول النبي صّلى الله عليه
وسّلم ،لحكيم بن حزام” :ل تبع ما ليس عندك“) ،(3وقوله
صّلى الله عليه وسّلم في حديث عبد الله بن عمرو بن
العاص رضي الله عنهما” :ل يحل سلف وبيع ول بيع ما
ليس عندك“ رواه الخمسة بإسناد صحيح) ،(4وهكذا الذي
يشتريها ،ليس له بيعها حتى يقبضها أيضا ً للحديثين
المذكورين.
ما رواه المام أحمد وأبو داود ،وصححه ابن حبان ول ِ َ
والحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال :نهى رسول
الله صّلى الله عليه وسّلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى
يحوزها التجار إلى رحالهم).(5
وكما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله
عنهما قال” :لقد رأيت الناس في عهد رسول الله صّلى
ضَربونالله عليه وسّلم يبتاعون جزافا ً – يعني الطعام – ي ُ ْ
77
أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم“)،(6
والحاديث في هذا المعنى كثيرة).(7سماحة العلمة عبد
العزيز ابن باز
المسألة الرابعة :صرف العملة إلى عملة
أخرى:
س :أريد أن أشتري عشرة آلف دولر أمريكي من
شخص معين بسعر 40ألف ريال سعودي ،وسيكون
التسديد على أقساط شهرية ،كل قسط ألف ريال ،وأريد
أن أبيع هذه الدولرات في السوق بسعر 37.500ألف
ريال ،فما الحكم في ذلك علما ً بأنني محتاج لهذه النقود؟
جـ :الحكم في هذا هو التحريم ،فيحرم على النسان إذا
صرف عملة أن يتفرق هو والبائع من مجلس العقد إل بعد
قبض العوضين ،وهذا السؤال ليس فيه قبض العوض
الثاني الذي هو قيمة الدولرات ،وعلى هذا فيكون فاسدا ً
ل ،فإذا كان قد نفذ الن فإن الواجب على هذا الذي وباط ً
أخذ الدولرات أن يسددها دولرات ،ول يجوز أن يبني
على العقد الول ،لنه فاسد ،وقد ثبت عن النبي صّلى
الله عليه وسّلم أنه قال” :كل شرط ليس في كتاب الله
فهو باطل وإن كان مائة شرط ،قضاء الله أحق وشرط
الله أوثق“).(8فضيلة العلمة ابن عثيمين
المسألة الخامسة :بيع الذهب المستعمل بذهب
جديد مع دفع الفرق
س :رجل يعمل ببيع وشراء المجوهرات ،فيأتي إليه
شخص معه ذهب مستعمل فيشتريه منه وتعرف قيمته
بالريالت ،وقبل دفع القيمة في المكان والزمان ،يشتري
منه الذي باع له الذهب المستعمل ذهبا ً جديدًا ،وتعرف
قيمته ،ويدفع المشتري الباقي عليه ،فهل هذا جائز أم أنه
ل بد من تسليم قيمة الول كاملة إلى البائع ثم يسلم
78
البائع قيمة ما اشتراه من ذهب جديد من تلك النقود أو
من غيرها؟
جـ :في مثل هذه الحالة يجب دفع قيمة الذهب
المستعمل ،ثم البائع بعد قبض القيمة بالخيار إن شاء
يشتري ممن باع عليه ذهبا ً جديدا ً أو من غيره ،وإن
اشترى منه أعاد عليه نقوده أو غيرها قيمة للجديد حتى ل
يقع المسلم في الربا المحرم من بيع رديء الجنس
ل ،لما روى البخاري ومسلم رحمهما الربوي بجيده متفاض ً
الله تعالى أن رسول الله صّلى الله عليه وسّلم استعمل
ل تمررجل ً على خيبر فجاءه بتمر جنيب )جيد( فقال :أك ّ
خيبر هكذا؟ قال :ل ،إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين،
والصاعين بالثلثة ،فقال” :ل تفعل بع الجمع بالدراهم ،ثم
ابتع بالدراهم جنيبًا“) ،(9ولن المقاصة في مثل هذا البيع
ولو كانت في زمان ومكان البيع ،قد تؤدي إلى بيع الذهب
ل ،وذلك محرم ،لما روى مسلم رحمه الله بالذهب متفاض ً
تعالى عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه ،قال :قال
رسول الله صّلى الله عليه وسّلم” :الذهب بالذهب،
والفضة بالفضة ،والبر بالبر ،والشعير بالشعير ،والتمر
بالتمر ،والملح بالملح ،مثل ً بمثل ،سواء بسواء ،يدا ً بيد،
فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا ً
بيد“ .وفي رواية عن ابن سعيد” :فمن زاد أو استزاد فقد
أربا ،الخذ والمعطي سواء“).(10اللجنة الدائمة
س :ذهبت إلى بائع الذهب بمجموعة من الحلي القديمة
ثم وََزَنها وقال إن ثمنها 1500ريال واشتريت منه حلي
جديد بمبلغ 1800ريال هل يجوز أن أدفع له 300ريال
فقط )الفرق( أم آخذ 1500ريال ثم أعطيه 1800ريال
مجتمعة؟
جـ :ل يجوز بيع الذهب بالذهب إل مثل ً بمثل سواء
بسواء وزنا ً بوزن يدا ً بيد بنص النبي صّلى الله عليه وسّلم،
كما ورد ذلك في الحاديث الصحيحة ولو اختلف نوع
79
الذهب بالجدة والقدم أو غير ذلك من أنواع الختلف
وهكذا الفضة بالفضة.
والطريقة الجائزة أن يبيع الراغب في شراء ذهب
بذهب ،ما لديه من الذهب بفضة أو بغيرها من العمل
الورقية ويقبض الثمن ثم يشتري حاجته من الذهب
بسعره من الفضة أو العملة الورقية يدا ً بيد؛ لن العملة
الورقية منّزلة منزلة الذهب والفضة في جريان الربا في
بيع بعضها ببعض وفي بيع الذهب والفضة بها.
أما إن باع الذهب أو الفضة بغير النقود كالسيارات
والمتعة والسكر ونحو ذلك فل حرج في التفرق قبل
القبض لعدم جريان الربا بين العملة الذهبية والفضية
والورقية وبين هذه الشياء المذكورة وأشباهها.
ول بد من إيضاح الجل إذا كان البيع إلى أجل لقوله
َ َ
ل ن إ َِلى أ َ
ج ٍ م ب ِد َي ْ ٍ
داي َن ْت ُ ْ مُنوا ْ إ ِ َ
ذا ت َ َ نآ َ سبحانهَ} :يا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
ه{)(12).(11سماحة العلمة عبد العزيز ابن باز ى َفاك ْت ُُبو ُ
م ً
س ّ
م َ
ُ
المسألة السادسة :بيع الذهب أو الفضة ديناً:
س :إنسان أخذ مني مصاغ ذهب ،وثمن المصاغ ألف
ريال ،وقلت له ل يجوز إل نقدًا ،وقال سلفني ألف ريال،
وسلفته اللف وأعطاني إياه هل هذا يجوز؟
جـ :ل يجوز لنه احتيال على الربا؛ وجمع بين عقدين،
عقد سلف وعقد بيع ،وهو ممنوع أيضا ً).(13اللجنة الدائمة
س :إذا حضر شخص يريد أن يشتري بعض المجوهرات
ما وزنت له ما يريد وجد أن المبلغ الذي معه من الذهب ول َ ّ
ل يكفي قيمة للذهب فمعلوم في هذه الحالة أنه ل يجوز
لي بيعه الذهب وتسليمه له وهو لم يسلمني إل جزء من
القيمة لكن إذا كنا في وقت الصباح مثل ً وقال لي أترك
الذهب عندك حتى وقت العصر كي أحضر لك كامل
الدراهم وأستلم الذهب الذي اشتريته منك ففي هذه
الحالة هل يجوز لي أن أترك الذهب على كيسه وحسابه
80
حتى يحضر لستلمه أم يلزمني أن ألغني العقد وهو إن
حضر فهو كسائر المشترين وإل فل شيء بيننا؟
جـ :ل يجوز أن يبقى الذهب الذي اشتراه منك على
حسابه حتى يأتي بالدراهم ،بل لم يتم العقد تخلصا ً من
ربا النسيئة ويبقى الذهب لديك في ملكك فإذا حضر ببقية
الدراهم ابتدأتما عقدا ً جديدا ً يتم في مجلسه التقابض
بينكما).(14اللجنة الدائمة
المسألة السابعة :المساهمة في شركات
التأمين:
س :أنا من سكان الكويت ،وعندنا شركات مساهمة
خاصة بالعمال التجارية والزراعية والبنوك وشركات
التأمين والبترول ،ويحق للمواطن المساهمة هو وأفراد
عائلته ،فنرجو إفادتنا عن حكم الشرع في مثل هذه
الشركات.
جـ :يجوز للنسان أن يساهم في هذه الشركات إذا
كانت ل تتعامل بالربا ،فإن كان تعاملها بالربا فل يجوز،
وذلك لثبوت تحريم التعامل بالربا في الكتاب والسنة
والجماع ،وكذلك ل يجوز للنسان أن يساهم في شركات
التأمين التجاري؛ لن عقود التأمين مشتملة على الغرر
والجهالة والربا ،والعقود المشتملة على الغرر والجهالة
والربا محرمة في الشريعة السلمية).(15اللجنة الدائمة
المسألة الثامنة :التعامل مع المصارف الربوية:
صدر في ذلك قرار المجمع الفقهي السلمي التي
نصه:
إن مجلس المجمع الفقهي السلمي في دورته التاسعة
المنعقدة بمبنى رابطة العالم السلمي بمكة المكرمة في
الفترة من يوم السبت 12رجب عام 1406هـ إلى يوم
السبت 29رجب 1406هـ قد نظر في موضوع تفشي
المصارف الربوية وتعامل الناس معها وعدم توافر البدائل
عنها ،وهو الذي أحاله إلى المجلس معالي الدكتور المين
العام نائب رئيسي المجلس.
فتاوى إسلمية .2/353 ()14
81
وقد استمع المجلس إلى كلم السادة العضاء حول
هذه القضية الخطيرة التي يقترف فيها محرم بين ثبت
تحريمه بالكتاب والسنة والجماع.
وقد أثبتت البحوث القتصادية الحديثة أن الربا خطر
على اقتصاد العالم وسياسته وأخلقياته وسلمته ،وأنه
وراء كثير من الزمات التي يعانيها العالم ،وأنه ل نجاة من
ذلك إل باستئصال هذا الداء الخبيث الذي نهى السلم عنه
منذ أربعة عشر قرنًا.
ثم كانت الخطوة العملية المباركة وهي إقامة مصارف
إسلمية خالية من الربا والمعاملت المحظورة شرعًا.
وبهذا كذبت دعوة العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي
الذين زعموا يوما ً أن تطبيق الشريعة السلمية في
المجال القتصادي مستحيل؛ لنه ل اقتصاد بغير بنوك ،ول
بنوك بغير فوائد ،ومما جاء في القرار كذلك أنه:
ل :يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله أو ً
عنه من التعامل بالربا أخذا ً وعطاء ،والمعاونة عليه بأي
صورة من الصور.
ثانيًا :ينظر المجلس بعين الرتياح إلى قيام المصارف
السلمية بديل ً شرعيا ً للمصارف الربوية .ويرى المجلس
ضرورة التوسع في إنشاء هذه المصارف في كل القطار
السلمية وحيثما وجد للمسلمين تجمع خارج أقطاره،
حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية تهيئ لقتصاد
إسلمي متكامل.
ثالًثا :يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع
مصرف إسلمي أن يتعامل مع المصارف الربوية في
الداخل والخارج ،إذ ل عذر له في التعامل معها بعد وجود
البديل السلمي ،ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث
بالطيب ،ويستغني بالحلل عن الحرام.
رابعًا :يدعو المجلس المسؤولين في البلد السلمية
والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة
لتطهيرها من رجس الربا.
خامسًا :كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال
حرام شرعًا ،ل يجوز أن ينتفع به المسلم )مودع المال(
82
لنفسه أو لحد مما يعوله في أي شأن من شؤونه ،ويجب
أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين من مدارس
ومستشفيات وغيرها ،وليس هذا من باب الصدقة وإنما
من باب التطهر من الحرام.
ول يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية لتتقوى
بها ،ويزداد الثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج ،فإنها
في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية،
وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين
وإضلل أبنائهم عن عقيدتهم ،علما ً بأنه ل يجوز الستمرار
في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة.
كما يطالب المجلس القائمين على المصارف السلمية
أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة ،وأن يوالوها
بالتوعية والتفقيه بأحكام السلم وآدابه حتى تكون
معاملتهم وتصرفاتهم موافقة لها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .مجلة الدعوة،
)(16
1037
المسألة التاسعة :التعامل مع البنوك الربوية والعمل
فيها
س :ما الحكم الشرعي في كل من:
1ـ الذي يضع ماله في البنك فإذا حال عليه الحول أخذ
الفائدة.
2ـ المستقرض من البنك بفائدة إلى أجل؟
3ـ الذي يودع ماله في تلك البنوك ول يأخذ فائدة؟
4ـ الموظف العامل في تلك البنوك سواء كان مديرا ً أو
غيره؟
5ـ صاحب العقار الذي يؤجر محلته إلى تلك البنوك؟
جـ :ل يجوز اليداع في البنوك للفائدة ،ول القرض
بالفائدة؛ لن كل ذلك من الربا الصريح.
ول يجوز أيضا ً اليداع في غير البنوك بالفائدة ،وهكذا ل
يجوز القرض من أي أحد بالفائدة بل ذلك محرم عند
َ
ه ال ْب َي ْ َ
ع ل الل ّ ُ
ح ّ
جميع أهل العلم ،لن الله سبحانه يقول} :وَأ َ
83
ه الّربا وَي ُْرِبي حقُ الل ّ ُ م َم الّربا{ .ويقول سبحانه} :ي َ ْ حّر َ وَ َ
)(17
84
منه والكتفاء بما أباح الله ورسوله من المعاملت
الشرعية إنه ولي ذلك والقادر عليه).(23سماحة العلمة
عبد العزيز ابن باز
المسألة العاشرة :التأمين في البنوك الربوية:
س :الذي عنده مبلغ من النقود ووضعها في أحد البنوك
لقصد حفظها أمانة ويزكيها إذا حال عليها الحول فهل
يجوز ذلك أم ل؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
جـ :ل يجوز التأمين في البنوك الربوية ولو لم يأخذ
ما في ذلك من إعانتها على الثم والعدوان ،والله فائدة؛ ل ِ َ
سبحانه قد نهى عن ذلك ،لكن إن اضطر إلى ذلك ولم
يجد ما يحفظ ماله فيه سوى البنوك الربوية ،فل حرج إن
مل ل َك ُ ْ
ص َشاء الله للضرورة ،والله سبحانه يقول} :وَقَد ْ فَ ّ
ه{) ،(24ومتى وجد بنكا ً م إ ِل َي ْ ِ
ضط ُرِْرت ُ ْ م عَل َي ْك ُ ْ
م إ ِل ّ َ
ما ا ْ حّر َما َ َ
إسلمي ّا ً أو محل ّ أمينا ً ليس فيه تعاون على الثم والعدوان
يودع ماله فيه لم يجز له اليداع في البنك
الربوي).(25سماحة العلمة عبد العزيز ابن باز
المسألة الحادية عشرة :شراء أسهم البنوك:
س :ما حكم شراء أسهم البنوك وبيعها بعد مدة بحيث
ل؟ وهل يعتبر ذلك من الربا؟ يصبح اللف بثلثة آلف مث ً
جـ :ل يجوز بيع أسهم البنوك ول شراؤها لكونها بيع نقود
بنقود بغير اشتراط التساوي والتقابض؛ ولنها مؤسسات
ربوية ل يجوز التعاون معها ل ببيع ول شراء لقول الله
وى َول ت ََعاوَُنوا ْ عََلىسبحانه} :وَت ََعاوَُنوا ْ عََلى ال ْب ِّر َوالت ّْق َ
ن{).(26 ال ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ
ما ثبت عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه ”لعن آكل ول ِ َ
الربا وموكله وكاتبه وشاهديه“ ،وقال” :هم سواء“ رواه
المام مسلم في صحيحه) ،(27وليس لك إل رأس مالك.
85
ووصيتي لك ولغيرك من المسلمين هي الحذر من جميع
المعاملت الربوية ،والتحذير منها ،والتوبة إلى الله
سبحانه مما سلف من ذلك ،لن المعاملت الربوية
محاربة لله سبحانه ولرسوله صّلى الله عليه وسّلم ،ومن
نذي َ أسباب غضب الله وعقابه كما قال الله عز وجل} :ال ّ ِ
ْ
خب ّط ُ ُ
ه ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ما ي َُقو ُ ن إ ِّل ك َ َ مو َ ن الّربا ل ي َُقو ُ ي َأك ُُلو َ
طان من ال ْمس ذ َل َ َ
ل الّربا مث ْ ُ ما ال ْب َي ْعُ ِ م َقاُلوا ْ إ ِن ّ َ ك ب ِأن ّهُ ْ َ ّ ِ شي ْ َ ُ ِ َ ال ّ
عظ َ ٌ َ
ه
ن َرب ّ ِ مُ ْة ِ مو ْ ِ جاَءهُ َ ن َ م ْم الّربا فَ َ حّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َل الل ّ ُ ح ّ وَأ َ
عاد َ فَأول َئ ِ َ َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ
ك ن َ م ْ مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ ف وَأ ْ ُ َ َ ََْ
َ
ه الّربا وَي ُْرِبي حقُ الل ّ ُ م َ ن ،ي َ ْ دو َ خال ِ ُم ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ أ ْ
َ
م{) .(28وقال عز وجل: ل ك َّفارٍ أِثي ٍ ب كُ ّ ح ّ ه ل يُ ِ ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ ال ّ
َ
ن
ن الّربا إ ِ ْ م َ ي ِ ما ب َِق َ ه وَذ َُروا ْ َ مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ نآ َ ذي َ }َيا أي َّها ال ّ ِ
دم من الحديث ما تق ّ ن{ .ول ِ َ مِني َ مؤ ْ ِم ُ ك ُن ْت ُ ْ
)(29
86
)(31
آكل الربا وموكله وشاهديه“ وكاتبه وقال” :هم سواء“
).(32فضيلة العلمة ابن عثيمين
المسألة الثالثة عشرة :فوائد البنوك الربوية:
س :بعض البنوك تعطي أرباحا ً بالمبالغ التي توضع لديها
من قبل المودعين ،ونحن ل ندري حكم هذه الفوائد هل
هي ربا أم هي ربح جائز يجوز للمسلم أخذه؟ وهل يوجد
في العالم العربي بنوك تتعامل مع الناس حسب الشريعة
السلمية؟
ل :الرباح التي يدفعها البنك للمودعين على جـ :أو ً
ل له أن ينتفعالمبالغ التي أودعوها فيه تعتبر ربا .ول يح ّ
بهذه الرباح ،وعليه أن يتوب إلى الله من اليداع في
البنوك الربوية ،وأن يسحب المبلغ الذي أودعه وربحه
فيحتفظ بأصل المبلغ وينفق ما زاد عليه في وجوه البر
من فقراء ومساكين وإصلح مرافق عامة ونحو ذلك.
ثانيًا :يبحث عن محل ل يتعامل بالربا ولو دكانا ً ويوضع
المبلغ فيه على طريق التجارة ،مضاربة ،على أن يكون
ل ،أو بوضعذلك جزءا ً مشاعا ً معلوما ً من الربح كالثلث مث ً
المبلغ فيه أمانة بدون فائدة ،وصلى الله على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم).(33اللجنة الدائمة
المسألة الرابعة عشرة :قرض البنك بفوائد
سنوية:
س :المعاملة مع البنك هل هي ربا أم جائزة؟ لن فيه
كثيرا ً من المواطنين يقترضون منها؟
جـ :يحرم على المسلم أن يقترض من أحد ذهبا ً أو فضة
أو ورقا ً نقديا ً على أن يرد أكثر منه ،سواء كان المقرض
بنكا ً أم غيره ،لنه ربا وهو من أكبر الكبائر ،ومن تعامل
هذا التعامل من البنوك فهو بنك ربوي.
87
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم).(34اللجنة الدائمة
المسألة الخامسة عشرة :القرض بعملة
والتسديد بأخرى:
س :أقرضني أخي في الله )حسن .م( ألفي دينار
تونسي ،وكتبنا عقدا ً بذلك ذكرنا فيه قيمة المبلغ بالنقد
اللماني ،وبعد مرور مدة القرض – وهي سنة – ارتفع
ثمن النقد اللماني ،فأصبح إذا سلمته ما هو في العقد
أكون أعطيته ثلثمائة دينار تونسي زيادة على ما
اقترضته.
فهل يجوز لمقرضي أن يأخذ الزيادة ،أم أنها تعتبر ربا؟
ل سيما وأنه يرغب السداد بالنقد اللماني ليتمكن من
شراء سيارة من ألمانيا؟
جـ :ليس للمقرض )حسن .م( سوى المبلغ الذي
أقرضك وهو ألفا دينار تونسي ،إل أن تسمح بالزيادة فل
بأس ،لقول النبي صّلى الله عليه وسّلم” :إن خيار الناس
أحسنهم قضاء“ .رواه مسلم في صحيحه) ،(35وأخرجه
البخاري بلفظ” :إن من خيار الناس أحسنهم قضاء“).(36
أما العقد المذكور فل عمل عليه ول يلزم به شيء
لكونه عقدا ً غير شرعي ،وقد دّلت النصوص الشرعية
على أنه ل يجوز بيع القرض إل بسعر المثل وقت
التقاضي إل أن يسمح من عليه القرض بالزيادة من باب
الحسان والمكافأة للحديث الصحيح المذكور
آنفا ً).(37سماحة العلمة عبد العزيز ابن باز
س :طلب مني أحد أقاربي المقيمين بالقاهرة قرضا ً
وقدره 2500جنيه مصري ،وقد أرسلت له مبلغ 2000
دولر باعهم وحصل على مبلغ 2490جنيها ً مصريًا،
ويرغب حاليا ً في سداد الدين ،علما ً بأننا لم نتفق على
موعد وكيفية السداد ،والسؤال هل أحصل منه على مبلغ
88
2490جنيها ً مصريا ً وهو يساوي حاليا ً 1800دولر
أمريكي )أقل من المبلغ الذي دفعته له بالدولر( أم
أحصل على مبلغ 2000دولر علما ً بأنه سوف يترتب
على ذلك أن يقوم هو بشراء )الدولرات( بحوالي 2800
جنيه مصري )أي أكثر من المبلغ الذي حصل عليه فعل ً
بأكثر من 300جنيه مصري(؟
جـ :الواجب أن يرد ّ عليك ما اقترضته دولرات ،لن هذا
هو القرض الذي حصل منك له ،ولكن مع ذلك إذا
اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية فل حرج ،قال
ابن عمر رضي الله عنهما :كنا نبيع البل بالبقيع أو بالنقيع
بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير ،ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها
الدراهم ،فقال النبي صّلى الله عليه وسّلم” :ل بأس أن
تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء“) ،(38فهذا
بيع نقد من غير جنسه فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب
بالفضة ،فإذا اتفقت أنت وإياه على أن يعطيك عوضا ً عن
هذه الدولرات من الجنيهات المصرية بشرط أل تأخذ منه
جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل ،فإن هذا ل
بأس به ،فمثل ً إذا كانت 2000دولر تساوي الن 2800
جنيه ل يجوز أن تأخذ منه ثلثة آلف جنيه ولكن يجوز أن
تأخذ 2800جنيه ،ويجوز أن تأخذ منه 2000دولر فقط
يعني إنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل ،أي ل تأخذ أكثر لنك
إذا أخذت أكثر فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك ،وقد
نهى النبي عليه الصلة والسلم عن ربح ما لم يضمن،
وأما إذا أخذت بأقل فإن هذا يكون أخذا ً ببعض حقك،
وإبراء عن الباقي ،وهذا ل بأس به).(39فضيلة العلمة ابن
عثيمين
المسألة السادسة عشرة :القرض الذي يجّر
منفعة:
س :رجل اقترض مال ً من رجل لكن المقرض اشترط
أن يأخذ قطعة أرض زراعية من المقترض رهن بالمبلغ،
يقوم بزراعتها وأخذ غلتها كاملة أو نصفها ،والنصف الخر
أبو داود ،3/250برقم ،3345والنسائي في كتاب البيوع ،الباب رقم .52 ،50 ()38
89
لصاحب الرض حتى يرجع المدين المال كامل ً كما أخذه
فيرجع له الدائن الرض التي كانت تحت يده ،ما حكم
الشرع في نظركم في هذا القرض المشروط؟
جـ :إن القرض من عقود الرفاق التي يقصد بها الرفق
بالمقترض والحسان إليه ،وهو من المور المطلوبة
المحبوبة إلى الله عز وجل لنه إحسان إلى عباد الله وقد
َ
ن{).(40سِني َ
ح ِ ب ال ْ ُ
م ْ ح ّ ن الل ّ َ
ه يُ ِ سُنوا ْ إ ِ ّ
ح ِ
قال الله تعالى} :وَأ ْ
فهو بالنسبة للمقرض مشروع مستحب ،وبالنسبة
للمقترض جائز مباح.
وقد ثبت عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه استسلف
من رجل َبكرا ً ورد ّ خيرا ً منه ،وإذا كان هذا العقد أي
القرض من عقود الرفاق والحسان فإنه ل يجوز أن
يحول إلى عقد معاوضة وربح ،أعني الربح المادي
الدنيوي؛ لنه بذلك يخرج من موضوعه إلى موضوع البيع
والمعاوضات ،ولهذا تجد الفرق بين أن يقول رجل لخر:
بعتك هذا الدينار بدينار آخر إلى سنة ،أو بعتك هذا الدينار
بدينار آخر ثم يتفرقا قبل القبض ،فإنه في الصورتين
يكون بيعا ً حراما ً وربًا ،لكن لو أقرضه دينارا ً قرضا ً وأوفاه
بعد شهر أو سنة كان ذلك جائزا ً مع أن المقرض لم يأخذ
العوض إل بعد سنة أو أقل أو أكثر نظرا ً لتغليب جانب
الرفاق.
وبناء على ذلك فإن المقرض إذا اشترط على المقترض
نفعا ً ماديا ً فقد خرج بالقرض عن موضوع الرفاق فيكون
حرامًا.
والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جّر
منفعة فهو ربا ،وعلى هذا فل يجوز للمقرض أن يشترط
على المقترض أن يمنحه أرضا ً ليزرعها حتى ولو أعطى
المقترض سهما ً من الزرع؛ لن ذلك جر منفعة إلى
المقرض تخرج القرض عن موضوعه وهو الرفاق
والحسان).(41فضيلة العلمة ابن عثيمين
90
المسألة السابعة عشرة :التأمين التجاري
والضمان البنكي:
الحمد لله وحده والصلة والسلم على رسوله محمد
وعلى آله وصحبه وبعد..
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء على
الستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام ،والمقيد برقم
صه: 1100في 28/7/1400هـ ون ّ
لقد عرض لنا أمر فل بد فيه من التعامل مع البنك ،حيث
نحتاج إلى كفالة بنكية اسمها كفالة حسن تنفيذ )أي أن
يكون البنك ضامنا ً حسن تنفيذ التفاقية حسب نصوص
العقد( وقد فوجئنا بأن البنك يأخذ أجرة مقابل هذه
الكفالة )خطاب الضمان( الذي يقدمه ،ورجعنا لما تيسر
لدينا من كتب الفقه البسيطة فوجدنا أن الضمان أو
الكفالة )تبرع( ،فوقعنا في حيرة من أمرنا ،وأوقفنا
المشروع حتى نصل للحكم الشرعي الصحيح مقترنا ً
ما بلغنا عنكم بالدلة الشرعية ،فرأينا أن نبعث لفضيلتكم ل ِ َ
من العلم والتقوى والورع ،لذا نرجو من فضيلتكم أن
تعلمونا رأيكم مقترنا ً بالدلة الشرعية ،هل يجوز أخذ أجرة
على الكفالة أو الضمان؟
وكذلك عمليات التأمين على البضائع ضد ّ الحوادث،
والتأمين على الحياة ،وما رأي الشرع في مثل هذه
العقود؟
وأجابت بما يلي:
ل :ضمان البنك لكم بربح على المبلغ الذي يضمنكم أو ً
فيه لمن تلتزمون له بتنفيذ أي عقد ل يجوز؛ لن الربح
الذي يأخذه زيادة ربوية محرمة ،والربا كما هو معروف
محرم بالكتاب والسنة وإجماع المة.
ثانيًا :التأمين التجاري حرام ل ِ َ
ما يأتي:
1ـ عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية
الحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش ،لن المستأمن
ل يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما ُيعطي أو يأخذ،
فقد يدفع قسطا ً أو قسطين ثم تقع الكارثة ،فيستحق ما
من ،وقد ل تقع الكارثة فيدفع جميع القساط التزم به المؤ ّ
91
من ل يستطيع أن يحدد ما يعطي ول يأخذ شيئًا ،وذلك المؤ ّ
ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده ،وقد ورد في الحديث
الصحيح عن النبي صّلى الله عليه وسّلم النهي عن بيع
الغرر) .(42رواه مسلم.
2ـ عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة،
ما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية ،ومن الغرم بل لِ َ
جناية أو تسبب فيها ،ومن الغنم بل مقابل أو مقابل غير
مكافئ ،فإن المستأمن قد يدفع قسطا ً من التأمين ثم يقع
من كل مبلغ التأمين ،وقد ل يقع الحادث فيغرم المؤ ّ
من أقساط التأمين بل مقابل، الخطر ومع ذلك يغنم المؤ ّ
وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمارًا ،ودخل في عموم
مُنوا ْ َ
نآ َ النهي عن الميسر في قوله تعالىَ} :يا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
َ َ
ل م ِن عَ َ
م ْس ِ ج ٌ م رِ ْ ب َواْلْزل ُ صا ُ سُر َواْلن ْ َ مُر َوال ْ َ
مي ْ ِ خ ْما ال ْ َ
إ ِن ّ َ
ن{ . حو َ
م ت ُْفل ِ ُجت َن ُِبوهُ ل َعَل ّك ُ ْ
ن َفا ْ شي ْ َ
طا ِ ال ّ
)(43
أخرجه مسلم برقم ) (1513عن أبي هريرة رضي الله عنه. ()42
92
خف أو حافر أو نصل“) .(44رواه أحمد وأبو داود والنسائي
والترمذي وصححه ابن حبان.
وليس التأمين من ذلك ول شبيها ً به فكان محرمًا.
5ـ عقد التأمين في أخذ مال الغير بل مقابل هو أخذ بل
مقابل في عقود المعاوضات التجارية محّرم؛ لدخوله في
مُنوا ْ ل ت َأ ْك ُُلوا ْ نآ َ ذي َ
َ
عموم النهي في قوله تعالىَ} :يا أي َّها ال ّ ِ
أ َموال َك ُم بينك ُم بال ْباطل إل ّ أ َ
من ْك ُ ْ
م ض ِ ٍ را
َ َ ت ن
ْ َ ع ً ة ر
َ جاَ ِ ت نَ ن تَ ُ
كو ْ ْ َ ََْ ْ ِ َ ِ ِ ِ ْ َ
ً )(45 ّ ْ ُ
حيما{ . م َر ِ ن ب ِك ُ ْ
كا َه َ ن الل َ سك ُ ْ
م إِ ّ َول ت َْقت ُلوا أن ُْف َ
6ـ في عقد التأمين التجاري اللزام بما ل يلزم شرعًا،
من لم يحدث الخطر منه ،ولم يتسبب في فإن المؤ ّ
حدوثه ،وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن ،على
ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه
من لن يبذل عمل ً للمستأمن فكان المستأمن له ،والمؤ ّ
حرامًا.
نرجو أن يكون فيما ذكرناه نفع للسائل وكفاية ،مع
العلم بأنه ليس لدينا كتب في هذا الموضوع حتى نرسل
لكم نسخة منها ،ول نعلم كتابا ً مناسبا ً في الموضوع
نرشدكم إليه.
وبالله التوفيق .وصلى الله وسلم على عبده ورسوله
محمد وعلى آله وصحبه).(46
وقد اتضح أن التأمين التجاري والتأمين على الحياة ل
يجوز لدلة ،منها:
1ـ فيه ربا؛ لن الفائدة تعطى في بعض أنواعه – وهو
التأمين على الحياة – لنها تتضمن التزام المؤمن بأن
()44أخرجه الترمذي برقم ) (1700وأبو داود برقم ) ،(2574وابن ماجه ) (44و)
.(2878والنسائي ) (3587و) ،(3588وأحمد في المسند ) (474 ،358 ،2/256عن
أبي هريرة رضي الله عنه.
والحديث حسنه الترمذي ،وصححه ابن القطان ،وابن دقيق العيد قال أحمد شاكر في
تحقيق المسند ) (7476و) (8678و) (8981و)” :(9483إسناده صحيح“ ،وقال
الرناؤوط في شرح السنة )” :(10/393إسناده صحيح“.
()45سورة النساء ،الية.29 :
()46اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء :عبد الله بن قعود )عضو( ،عبد الرزاق
عفيفي )نائب رئيس اللجنة( عبد العزيز بن عبد الله بن باز )الرئيس( فتوى رقم
،3249وتاريخ 9/10/1400هـ.
93
يدفع إلى المستأمن ما قدمه إلى المؤمن مضافا ً إلى ذلك
فائدته الربوية ،فالمستأمن يعطي القليل من النقود ويأخذ
الكثير.
2ـ التأمين يستلزم أكل أموال الناس بالباطل.
3ـ يقوم التأمين على المقامرة والمراهنة؛ لنه عقد
معلق على خطر ،فتارة يقع ،وتارة ل يقع ،فهو قمار
ى.
معن ً
4ـ التأمين فيه غرر وجهالة.
5ـ التأمين يوقع بين المتعاقدين العداوة والخصام ،وذلك
أنه متى وقع الخطر حاول كل من الطرفين تحميل الخر
الخسائر التي حصلت ،ويترتب على ذلك نزاع ومشاكل،
ومرافعات قضائية.
6ـ ل ضرورة تدعو إلى التأمين ،فقد شرع الله
الصدقات في السلم ،وأوجب الزكاة للفقراء والمساكين
والغارمين ،والحكومة السلمية مسؤولة عن رعاياها).(47
=====================
مفاسد الربا وأضراره وأخطاره وآثاره
ن للّربا أضرار جسيمة ،وعواقب وخيمة ،والدين كأ ّلش ّ
السلمي لم يأمر البشرية بشيء إل وفيه سعادتها ،وعّزها
في الدنيا والخرة ،ولم ينهها عن شيء إل وفيه شقاوتها،
وخسارتها في الدنيا والخرة ،وللربا أضرار عديدة ،منها:
1ـ الربا له أضرار أخلقية وروحية؛ لننا ل نجد من
يتعامل بالربا إل إنسانا ً منطبعا ً في نفسه البخل ،وضيق
الصدر ،وتحجر القلب ،والعبودية للمال ،والتكالب على
المادة وما إلى ذلك من الصفات الرذيلة.
2ـ الربا له أضرار اجتماعية؛ لن المجتمع الذي يتعامل
بالربا مجتمع منحل ،متفكك ،ل يتساعد أفراده فيما بينهم،
ول يساعد أحد غيره إل إذا كان يرجو من ورائه شيئًا،
والطبقات الموسرة تضاد وتعادي الطبقات المعدمة.
()47انظر الربا والمعاملت المصرفية في نظر الشريعة السلمية ،للشيخ الدكتور عمر
عبد العزيز المترك ،ت 1405هـ ،ص .425 ابن
94
ول يمكن أن تدوم لهذا المجتمع سعادته ،ول استتباب
أمنه؛ بل ل بد أن تبقى أجزاؤه مائلة إلى التفكك،
والتشتت في كل حين من الحيان.
3ـ الربا له أضرار اقتصادية؛ لن الربا إنما يتعلق من
نواحي الحياة الجتماعية بما يجري فيه التداين بين الناس،
على مختلف صوره وأشكاله.
والقروض على أنواع:
أ ـ قروض يأخذها الفراد المحتاجون؛ لقضاء حاجاتهم
الذاتية ،وهذا أوسع نطاق تحصل به المراباة ولم يسلم
من هذه الفة قطر من أقطار العالم إل من رحم الله،
وذلك لن هذه القطار لم تبذل اهتمامها لتهيئة الظروف
التي ينال فيها الفقراء ،والمتوسطون القرض بسهولة،
فكل من وقع من هؤلء في يد المرابي مرة واحدة ل يكاد
يتخلص منه طول حياته ،بل ل يزال أبناؤه ،وأحفاده
يتوارثون ذلك الدين).(48
صّناع ،وملك الراضي ب ـ قروض يأخذها التجار ،وال ّ
لستغللها في شؤونهم المثمرة.
ج ـ قروض تأخذها الحكومات من أسواق المال في
البلد الخرى لقضاء حاجاتها.
وهذه القروض ضررها يعود على المجتمع بالخسارة،
والتعاسة مدة حياته ،سواء كانت تلك القروض لتجارة ،أو
لصناعة ،أو مما تأخذه الحكومات الفقيرة من الدول
الغنية؛ فإن ذلك كله يعود على الجميع بالخسارة الكبيرة
التي ل يكاد يتخلص منها ذلك المجتمع أو تلك الحكومات،
وما ذلك إل لعدم اتباع المنهج السلمي ،الذي يدعو إلى
كل خير ويأمر بالعطف على الفقراء والمساكين ،وذوي
وى َول الحاجات ،قال الله تعالى} :وَت ََعاوَُنوا ْ عََلى ال ْب ِّر َوالت ّْق َ
ديد ُ
ش ِه َ ن الل ّ َ ن َوات ُّقوا ْ الل ّ َ
ه إِ ّ ت ََعاوَُنوا ْ عََلى اْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ
ب{).(49 ال ْعَِقا ِ
وأمر الرسول صّلى الله عليه وسّلم بالتراحم،
والتعاطف ،والتكاتف بين المسلمين فقال عليه الصلة
انظر الربا لبي يعلى المودودي ص .40 ()48
95
والسلم” :إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد ّ بعضه بعضًا،
وشبك بين أصابعه“).(50
وقال عليه الصلة والسلم” :مثل المؤمنين في توادهم
وتراحمهم وتعاطفهم ،كمثل الجسد ،إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى“).(51
فل نجاة ،ول خلص ،ول سعادة ،ول فكاك من المصائب،
إل باتباع المنهج السلمي القويم واتباع ما جاء به من
أحكام ،وتعاليم.
دم 4ـ انعكاس الربا على المجتمعات السلمية ،وتق ّ
توضيحه.
5ـ تعطيل الطاقة البشرية ،فإن البطالة تحصل للمرابي
بسبب الربا.
6ـ التضخم لدى الناس بدون عمل.
7ـ توجيه القتصاد وجهة منحرفة ،وبذلك يحصل
السراف.
8ـ وضع مال المسلمين بين أيدي خصومهم ،وهذا من
أخطر ما أصيب به المسلمون ،وذلك لنهم أودعوا الفائض
من أموالهم في البنوك الربوية في دول الكفر ،وهذا
اليداع يجّرد المسلمين من أدوات النشاط ،ويعين هؤلء
الكفرة أو المرابين على إضعاف المسلمين ،والستفادة
من أموالهم).(52
9ـ الربا خلق وعمل من أعمال أعداء الله اليهود ،قال
وا َ
ل خذهم الربا وقَد نهوا ْ عَنه وأ َك ْل ِه َ َ
م َمأ ْ ِ ْ ْ ُ َ الله عز وجل} :وَأ ْ ِ ِ ُ ّ َ ْ ُ ُ
ذابا ً أ َِليمًا{).(53 م عَ َ من ْهُ ْن ِ
ري َ ل وَأ َعْت َد َْنا ل ِل ْ َ
كافِ ِ س ِبال َْباط ِ ِ
الّنا ِ
10ـ الربا من أخلق أهل الجاهلية فمن تعامل به وقع
في صفة من صفاتهم).(54
11ـ آكل الربا يبعث يوم القيامة كالمجنون ،قال الله
ْ
ذي م ال ّ ِ ن إ ِل ّ ك َ َ
ما ي َُقو ُ مو َ ن الّربا ل ي َُقو ُ ن ي َأك ُُلو َ ذي َتعالى} :ال ّ ِ
انظر الربا ،وآثاره على المجتمع النساني ،للدكتور عمر بن سليمان الشقر. ()52
96
طان من ال ْمس ذ َل َ َ
ما ال ْب َي ْعُ م َقاُلوا ْ إ ِن ّ َ ك ب ِأن ّهُ ْ َ ّ ِ شي ْ َ ُ ِ َ ه ال ّ خب ّط ُ ُ ي َت َ َ
عظ َ ٌ َ
ة مو ْ ِ جاَءهُ َ ن َ م ْ م الّربا فَ َ حّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ ل الّربا وَأ َ مث ْ ُ ِ
َ
عاد َ ن َ م ْ مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ ف وَأ ْ سل َ َ ما َ ه َ ن َرب ّهِ َفان ْت ََهى فَل َ ُ مُْ ِ
ن{).(55 َ فَأول َئ ِ َ
دو َ خال ِ ُ م ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ كأ ْ
12ـ يمحق الله أموال الربا ويتلفها ،قال الله عز وجل:
ل ك َّفاٍر ب كُ ّ ح ّ ه ل يُ ِ ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ ه الّربا وَي ُْرِبي ال ّ حقُ الل ّ ُ م َ }ي َ ْ
م{ .وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صّلى َ
أِثي ٍ
( 56 )
الله عليه وسّلم أنه قال” :الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير
إلى قل“).(57
13ـ التعامل بالربا يوقع في حرب من الله ورسوله
َ
نذي َ صّلى الله عليه وسّلم ،قال الله عز وجلَ} :يا أي َّها ال ّ ِ
ن، مِني َ مؤ ْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ ن الّربا إ ِ ْ م َ ي ِ ما ب َِق َ ه وَذ َُروا ْ َ مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ آ َ
ْ
م
ن ت ُب ْت ُ ْ سول ِهِ وَإ ِ ْ ن الل ّهِ وََر ُ م َ ب ِ حْر ٍ م ت َْفعَُلوا ْ فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ ن لَ ْ فَإ ِ ْ
َ
ن{).(58 مو َ ن َول ت ُظ ْل َ ُ مو َ م ل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ م َ سأ ْ م ُرُءو ُ فَل َك ُ ْ
ل على ضعف الّتقوى أو عدمها ،وهذا 14ـ أكل الربا يد ّ
يسبب عدم الفلح ويوقع في خسارة الدنيا والخرة ،قال
ضَعافا ً َ ْ َ
مُنوا ْ ل ت َأك ُُلوا ْ الّربا أ ْ نآ َ ذي َ الله تعالىَ} :يا أي َّها ال ّ ِ
نَ ،وات ُّقوا ْ الّناَر ال ِّتي حو َ م ت ُْفل ِ ُ ه ل َعَل ّك ُ ْ ة َوات ُّقوا ْ الل ّ َ ضاعََف ً م َ ُ
ن{ ُ ّ َ سو َ ّ ْ َ َ ْ أُ ِ
مو َ ح ُ م ت ُْر َ ل لعَلك ْ ه َوالّر ُ طيُعوا الل َ ن ،وَأ ِ ري َ ت ل ِلكافِ ِ عد ّ ْ
).(59
15ـ أكل الربا ُيوقع صاحبه في اللعنة ،فيبعد من رحمة
الله تعالى ،فإن النبي صّلى الله عليه وسّلم” :لعن آكل
الربا ،وموكله ،وكاتبه ،وشاهديه“ ،وقال” :هم سواء“).(60
16ـ آكل الربا يعذب بعد موته بالسباحة في نهرٍ من دم،
وتقذف في فيه الحجارة فيرجع في وسط نهر الدم ،وفي
الحديث عن سمرة رضي الله عنه بعد أن ساق الحديث
97
بطوله فقيل للنبي صّلى الله عليه وسّلم” :الذي رأيته في
النهر آكل الربا“).(61
17ـ أكل الربا من أعظم المهلكات ،فعن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه قال:
”اجتنبوا السبع الموبقات“ قالوا يا رسول الله وما هن؟
قال” :الشرك ،والسحر ،وقتل النفس التي حّرم الله إل
بالحق ،وأكل الربا ،وأكل مال اليتيم ،والتولي يوم الزحف،
وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات“).(62
18ـ أكل الربا يسبب حلول العذاب والدمار ،فعن ابن
عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى النبي صّلى الله عليه
وسّلم” :إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم
عذاب الله“).(63
19ـ الربا ثلثة وسبعون بابا ً من أبواب الشر ،فعن عبد
الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صّلى الله عليه
وسّلم قال” :الربا ثلثة وسبعون بابا ً أيسرها مثل أن ينكح
الرجل أمه ،وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم“).(64
98
20ـ الربا معصية لله ورسوله ،قال الله عز وجل:
ة أوَ َ خال ُِفون عَ َ
م فِت ْن َ ٌ ْ صيب َهُ ْ ن تُ ِ مرِهِ أ ْ نأ ْ ْ َ ن يُ َ ذي َ حذ َرِ ال ّ ِ }فَل ْي َ ْ
َ
ص الل ّ َ
ه ن ي َعْ ِ م ْ م{ .وقال تعالى} :وَ َ ب أِلي ٌ ذا ٌ م عَ َ صيب َهُ ْ يُ ِ
)(65
بذا ٌ ه عَ َ خاِلدا ً ِفيَها وَل َ ُ ه َنارا ً َ خل ْ ُ دود َهُ ي ُد ْ ِ ح ُ ه وَي َت َعَد ّ ُ سول َ ُ وََر ُ
ة
من َ ٍمؤ ْ ِ ن َول ُ م ٍ مؤ ْ ِ ن لِ ُ كا َ ما َ ن{ .وقال الله تعالى} :وَ َ
)(66
مِهي ٌ ُ
م ال ْ ِ َ َ
نم ْ خي ََرةُ ِ ن ل َهُ ُكو َ ن يَ ُ مرا ً أ ْ هأ ْ سول ُ ُ ه وََر ُ ضى الل ّ ُ ذا قَ َ إِ َ
ً )(67 َ
مِبينا{ . ضلل ً ُ ل َ ض ّه فََقد ْ َ سول َ ُ ه وََر ُ ص الل ّ َ ن ي َعْ ِ م ْ م وَ َ مرِهِ ْ أ ْ
مجهَن ّ َ ه َناَر َ ن لَ ُ ه فَإ ِ ّ سول َ ُ ه وََر ُ ص الل ّ َ ن ي َعْ ِ م ْ وقال عز وجل} :وَ َ
ن ِفيَها أ ََبدًا{).(68 دي َ خال ِ ِ َ
21ـ آكل الربا متوعد بالنار إن لم يتب ،قال الله عز
عظ َ ٌ َ
ن
م ْ ة ِ مو ْ ِ جاَءهُ َ ن َ ْ م الّربا فَ َ
م حّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ وجل} :وَأ َ
عاد َ فَُأول َئ ِ َ
ك ن َ م ْ مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ
ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ
ف وَأ ْ ُ َ َ َ ّ ِ ََْ
دون{ . َ
)(69
خال ِ ُ م ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ أ ْ
22ـ ل يقبل الله الصدقة من الربا ،لقول النبي صّلى
الله عليه وسّلم” :إن الله طيب ل يقبل إل طيبًا“).(70
23ـ ل يستجاب دعاء آكل الربا ،ففي حديث أبي هريرة
رضي الله عنه أن النبي صّلى الله عليه وسّلم ” ...ذكر
الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد ّ يديه إلى السماء :يا
ب ومطعمه حرام ،ومشربه حرام ،وملبسه ب ،يا ر ّ ر ّ
ذي بالحرام فأّنى ُيستجاب لذلك“ .
)(71
حرام ،وغُ ّ
24ـ أكل الربا يسبب قسوة القلب ودخول الران عليه،
كاُنوا ْ ما َ م َ ن عََلى قُُلوب ِهِ ْ ل َرا َ قال الله تعالى} :ك َل ّ ب َ ْ
ن{) .(72وقال النبي صّلى الله عليه وسّلم” :أل وإن سُبو َ ي َك ْ ِ
حفظه الله ،من تعليقه على الحديث رقم 851من بلوغ المرام لبن حجر رحمه الله.
()65سورة النور ،الية.63 :
()66سورة النساء ،الية.14 :
()67سورة الحزاب ،الية.36 :
()68سورة الجن ،الية.23 :
()69سورة البقرة ،الية.275 :
()70أخرجه مسلم 2/703برقم .1014
()71أخرجه مسلم كما تقدم 2/703برقم .1014
()72سورة المطففين ،الية.14 :
99
في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ،وإذا
فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب“).(73
25ـ أكل الربا يكون سببا ً في الحرمان من الطيبات،
ممَنا عَل َي ْهِ ْ حّر ْدوا ْ َ ها ُ ن َ ذي َ ن ال ّ ِ م َ قال الله تعالى} :فَب ِظ ُل ْم ٍ ِ
م
خذِهِ ُ ل الل ّهِ ك َِثيرًا ،وَأ َ ْ سِبي ِ ن َ م عَ ْ صد ّهِ ْ م وَب ِ َ ت ل َهُ ْ ت أُ ِ
حل ّ ْ ط َي َّبا ٍ
ل وَأ َعْت َد َْنا س ِبال َْباط ِ ِ ل الّنا ِ وا َ م َ
الربا وقَد نهوا ْ عَنه وأ َك ْل ِه َ
مأ ْ ِ ْ ْ ُ َ ّ َ ْ ُُ
ذابا ً أِليما{ .
ً )(74 َ م عَ َ ل ِل ْ َ
من ْهُ ْن ِ ري َ كافِ ِ
26ـ أكل الربا ظلم ،والظلم ظلمات يوم القيامة ،قال
نمو َ ظال ِ ُل ال ّ م ُ ما ي َعْ َ غافِل ً عَ ّ ه َ ن الل ّ َ سب َ ّ ح َ الله تعالىَ} :ول ت َ ْ
مْقن ِِعي َ م ل ِي َوْم ٍ ت َ ْ ما ي ُؤَ ّ
ن ُ مهْط ِِعي َ صاُرُ ، ص ِفيهِ الب ْ َ خ ُ ش َ خُرهُ ْ إ ِن ّ َ
َ
واٌء{ . م هَ َ م وَأفْئ ِد َت ُهُ ْ م ط َْرفُهُ ْ م ل ي َْرت َد ّ إ ِل َي ْهِ ْ سه ِ ُْرُءو ِ
)(75
100
من كرب يوم القيامة ،ومن ستر مسلما ً ستره الله يوم
القيامة“).(77
وثبت عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه قال” :من
أنظر معسرا ً أو وضع عنه أظله الله في ظله“).(78
28ـ الربا يقتل مشاعر الشفقة عند النسان؛ لن
المرابي ل يتردد في تجريد المدين من جميع أمواله عند
قدرته على ذلك ،ولهذا جاء عن النبي صّلى الله عليه
وسّلم أنه قال” :ل تنزع الرحمة إل من شقي“) .(79وقال
عليه الصلة والسلم” :ل يرحم الله من ل يرحم
الناس“) .(80وقال عليه الصلة والسلم” :الراحمون
يرحمهم الرحمن ،ارحموا من في الرض يرحمكم من في
السماء“).(81
29ـ الربا يسبب العداوة والبغضاء بين الفراد
والجماعات ،ويحدث التقاطع والفتنة).(82
30ـ يجّر الناس إلى الدخول في مغامرات ليس
مل نتائجها .وأضرار الربا ل ُتحصى ،ويكفي باستطاعتهم تح ّ
ل ما فيه ضرر أن نعلم أن الله تعالى ل يحرم إل ك ّ
ومفسدة خالصة أو ما ضرره ومفسدته أكثر من نفعه،
فأسأل الله لي ولجميع المسلمين العفو والعافية في
الدنيا والخرة).(83
الخاتمـة
م بحمد الله تعالى هذا البحث بعد الّتحّري ،والعناية، ت ّ
على قدر المستطاع ،والموضوع له أهمية كبيرة ،وجدير
بالعناية من الباحثين والعلماء المخلصين ،وما ذلك إل لن
الربا آفة خطيرة على المة السلمية؛ لن الربا مضاد
()77متفق عليه :البخاري برقم ،2442ومسلم 4/1996برقم .2580
()78مسلم 4/2302برقم .3006
()79أبو داود 4/286برقم ،4942والترمذي 4/323برقم ،1923وصححه اللباني في
صحيح الترمذي .2/180
()80متفق عليه :البخاري 8/208برقم ،7376ومسلم 4/1809برقم .2319
()81أبو داود 4/285برقم ،1941والترمذي 4/324برقم ،924وصححه اللباني في
صحيح الترمذي .2/180
()82انظر :توضيح الحكام من بلوغ المرام للبسام .4/7
()83انظر :توضيح الحكام من بلوغ المرام للبسام .4/7
101
لمنهج الله تعالى فيجب على جميع المسلمين التمسك
بكتاب الله ،وسنة رسوله صّلى الله عليه وسّلم ففيهما
سك بهما الخير كله ،وفيهما سعادة البشرية – لمن تم ّ
وعمل بما فيهما من أحكام وتوجيهات – في الدنيا
والخرة.
أما بالنسبة لهذا البحث المتواضع فقد بذلت فيه جهدا ً
طيبا ً إن شاء الله تعالى ،ومن نتائج هذا البحث استعراض
بعض المسائل المهمة التي يجب على كل مسلم أن
يعرفها؛ ليجتنب الوقوع فيما حّرم الله تعالى عليه ومنها:
1ـ الوقوف على الدلة القطعية في تحريم الربا ،وأن
من خالف هذه النصوص فقد أذن الله بمحاربته سبحانه
وتعالى ،ومن يستطع أن يقف لمحاربة الله تعالى؟
2ـ ذكر موقف اليهود من الربا عندما حرمه الله عليهم،
فاحتالوا بشتى الحيل ،حتى أكلوا الربا مجاهرة ،وخداعا ً
لله ،ولرسوله صّلى الله عليه وسّلم.
3ـ الوقوف على عادات الجاهلية قبل السلم ،وأنهم
كانوا في حالة يرثى لها ،من تكالب على المال ،ولو كان
طريقه محرما ً وضاّرًا .كما وقفنا على فساد عقولهم،
وانتكاس فطرهم التي فطر الله الناس عليها.
4ـ إن السلم عندما حّرم الربا فإنه لم يترك البشرية
ل البيع ،وجميع أنواع المضاربات بدون تعويض عنه ،بل أح ّ
المشروعة ،التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير،
والبركة ،والسعادة.
5ـ إن آكل الربا ملعون ،ومطرود من رحمة ربه تعالى،
كما دّلت على ذلك السنة الصحيحة.
6ـ الوقوف على أنواع الربا ،وأنه ينقسم إلى قسمين:
ربا الفضل ،وربا النسيئة ،وكلهما محّرم بالكتاب والسنة
والجماع.
7ـ جواز بيع الحيوان بالحيوان ،وجواز التفاضل ،والنساء
في الطعام غير المكيل ،والموزون ،وغير الذهب والفضة.
8ـ عدم جواز الدين في الصرف ،بل ل بد من المقابضة
الحالة بين المتصارفين ،وكذلك بيع الذهب بالفضة دينا ً أو
102
الفضة بالذهب دينا ً إلى أجل ..وهذا أمر ل يجوز لوجود
الدلة الصحيحة من السنة على تحريم ذلك.
9ـ عدم جواز بيع ما يسمى )بمد عجوة( وهذا السم
معروف عند الفقهاء.
10ـ بيع العينة محرم بنص السنة الصحيحة ،وقد وقع
فيه أكثر أهل هذا العصر ،إل من عصم الله.
11ـ استعراض بعض النصوص التي تأمر بالبتعاد عن
الشبهات فإن من وقع في الشبهات وقع في الحرام ،وأن
الجسد كله تابع للقلب؛ فبصلح القلب تصلح جميع
العضاء وبفساده تفسد كلها.
12ـ الوقوف على مضار الربا وآثاره ،ومفاسده ،وأنه ل
صلح ول سعادة ونجاة ول خلص إل باتباع المنهج
السلمي في جميع شئون الحياة.
13ـ تحذير المسلمين من المعاملة بالربا ،أو إيداع
الفائض من أموالهم في بنوك دول الكفر ،التي تستفيد
من هذا الفائض ،أو تستخدمه ضد ّ المسلمين.
14ـ تبيين بعض محاسن السلم ،وأنه دين السعادة،
والهداية ودين الرحمة والعطف ،والتراحم بين المسلمين،
وقد مثلتهم السنة في قول النبي صّلى الله عليه وسّلم:
”إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد ّ بعضه بعضًا“) (84فهذا
فضل عظيم امتن الله به على المسلمين المخلصين
الصادقين في إسلمهم.
15ـ ذكر أسباب تحريم الربا ،وأن الله عز وجل له
الحكمة البالغة ،ومعرفة الحكمة من الحكام الشرعية
لسنا ملزمين بمعرفتها ولله الحمد .فإن عرفنا الحكمة في
البخاري ،1/122برقم ،481ومسلم ،4/1999برقم .2585 ()84
103
بعض المور فزيادة علم وخير ،وإن لم نعرف عملنا بما
ما نهانا سبحانه ونقول :سمعنا أمرنا ربنا ،وانتهينا ع ّ
وأطعنا ،وربنا هو الحكيم فيما شرع ،الخبير بذلك سبحانه
وتعالى.
16ـ بيان حكم العملة الورقية من الناحية الشرعية.
17ـ عدم جواز بيع السلع وهي في مكانها حتى تنقل.
18ـ بيان حكم بيع الذهب المستعمل بذهب جديد ودفع
الفرق وأنه ل يجوز.
19ـ عدم جواز التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها؛
لن ذلك من التعاون على الثم والعدوان.
20ـ عدم جواز بيع أسهم البنوك ول شرائها ،لنها بيع
نقود بنقود.
21ـ عدم جواز عقد القرض الذي يجر منفعة.
22ـ تحريم التأمين التجاري والتأمين على الحياة ،لما
في ذلك من الغرر ،والجهالة ،وأكل أموال الناس بالباطل.
وختاما ً أسأل الله العلي العظيم أن يجعل عملي خالصا ً
لوجهه الكريم ،وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي ،وأن
يزيد من قرأ هذا الكتاب ،أو نشره ،أو طبعه ،علما ً وهدى،
وتوفيقا ً إنه ولي ذلك والقادر عليه ،وهذا جهد المقل فما
كان فيه من صواب فمن الله الواحد المّنان ،وما كان من
خطأ فمني ومن الشيطان ،والله بريء منه ورسوله صّلى
الله عليه وسّلم ،وأستغفر الله العظيم ،وصلى الله وسلم
على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا محمد بن عبد
الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين.
=====================
ل"؟ ج ْ
ع ّ
ع وت َ َ
ض ْ
نَ ": ع ْف َ ر ُ ع ِ ما َ
ذا ت َ ْ َ #
الحمد ُ لله وبعد .
إن من عقود البيع القديمة والمعروفــة فــي كتــب الفقهــاء
ل.ج ْضعْ وت َعَ ّل لها َ : صورةً يقا ُ
ن صـورةَ هـذا الـبيع وأقـوال وفي هذا البحث البسيط سنبي ُ
العلماء فيه مع ذكر الرجح منها .
ه:
صورت ُ ُ
ُ
104
عرفه بعض أهل العلم :تعجيل الدين المؤجل فــي مقابــل
التنازل عن بعضه .
ويقال أيضا :التنازل عن جــزء مــن الــدين المؤجــل ودفــع
الجزء الباقي في الحال .
ف العلماِء :
خل ُ
اختلف العلماء في حكم صورة هذا العقد على ثلثة أقوال
:
ل:ل الو ُ -القو ُ
جواز الوضع والتعجل .
-واستدلوا :
عن ابن عبــاس رضــي اللــه تعــالى عنهمــا قــال :لمــا أراد
رسول الله صلى الله عليـه وسـلم أن يخـرج بنــي النضــير
قالوا :يــا رســول اللــه ،إنــك أمــرت بإخراجنــا ولنــا علــى
الناس ديون لم تحل .قال :ضعوا وتعجلوا .
رواه الحاكم ) (2325وقال :هذا حديث صــحيح الســناد ،
ولم يخرجاه .
ورواه الطبراني في الوسط .
وقال الهيثمي في المجمع :رواه الطــبراني فــي الوســط
وفيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف وقد وثق .
وقال ابن كثير في البداية والنهاية :وفي صحته نظر .
وقد أجازها من الصحابة ابن عباس رضي الله عنهما .
روى سعيد بن منصور ومن طريقــه الــبيهقي ) (6/28مــن
طريق سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنــه كــان
ل يرى بأسا أن يقول :أعجـل لـك وتضـع عنـي .وإسـناده
صحيح .
وقال بجوازها النخعي من التابعين وُزفر من أصــحاب أبــي
حنيفة وأبو ثور مــن أصــحاب الشــافعي .وهــو روايــة عــن
المام أحمد وهو اختيار شيخ السلم ابــن تيميــة قــال فــي
الختيارات ) ص : (134ويصح الصلح عن المؤجل ببعضــه
حكي قول للشافعي .ا.هـ. حال وهو رواية عن أحمد و ُ
واخيتــار تلميــذه ابــن القيــم قــال فــي إعلم المــوقعين )
: (3/371لن هذا عكس الربا فإن الربــا يتضــمن الزيــادة
في أحد العوضــين فــي مقابلــة الجــل وهــذا يتضــمن راءة
105
ذمته من بعض العوض في مقابلة ســقوط الجــل فســقط
بعض بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الجل فــانتفع
بــه كــل واحــد منهمــا ولــم يكــن ربــا ل حقيقــة ول لغــة ول
عرفا .فإن الربا الزيادة وهي منتفية هنها .والذين حرمــوا
ذلك قاسوه على الربا ول يخفى الفرق الواضح بين قوله :
" إما أن تربي وإما أن تقضي " وبيــن قــوله " :عجــل لــي
وأهب لك مئة " .فأين أحدهما مــن الخــر ؟ فل نــص فــي
تحريم ذلك ول إجماع ول قياس صحيح .ا.هـ.
وافــتى بجــواز هــذه الصــورة المجمــع الفقهــي وكــثير مــن
الهيئات الشرعية وهذه بعض الفتاوى :
منظمــة المــؤتمر الســلمي -مجمــع الفقــه الســلمي
قرارات وتوصيات مجلس مجمع الفقه السلمي -الــدورة
الولــى حــتى الــدورة الثامنــة بعــد الطلع علــى البحــوث
الـــواردة إلـــى المجمـــع بخصـــوص موضـــوع ) :الـــبيع
بالتقسيط ( وبعــد الســتماع إلــى المناقشــات الــتي دارت
حوله .
تقرر :
الحطيطة من الدين المؤجــل لجــل تعجيلــه ســواء أكــانت
بطلب الدائن أم المدين ضع وتعجل جائزة شرعا ل تــدخل
في الربا المحرم إذا لم تكن بناء علـى اتفـاق مسـبق ومـا
دامت العلقة بين الدائن والمدين ثنائية فــإذا دخــل بينهمــا
طرف ثالث لم تجز لنها تأخذ عنــدئذ حكــم حســم الوراق
التجارية يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر القســاط
عنــد امتنــاع المــدين عــن وفــاء أي قســط مــن القســاط
المستحقة عليه ما لم يكــن معســرا إذا اعتــبر الــدين حــال
لموت المدين أو إفلسه أو مماطلته فيجوز في جميع هذه
الحالت الحط منه للتعجيل بالتراضي ضابط العسار الذي
يوجب النتظــار أل يكــون للمــدين مــال زائد عــن حــوائجه
الصلية يفي بدينه نقدا وعينا .ا.هـ.
مجموعـــة فتـــاوى الهيئة الشـــرعية -شـــركة الراجحـــي
المصرفية للستثمار قرار رقم ) ( 1
السؤال :
106
نرجــو إبــداء الــرأي الشــرعي حــول الســؤال المقــدم مــن
الشــركة المتضــمن أن الشــركة بــاعت علــى أحــد العملء
بضاعة على أن يدفع القيمة بعد ستة أشهر ووقــع العميــل
كمبيالة مؤجلــة الــدفع فــي التاريــخ المــذكور وبعــد مضــي
شــهرين مــن توقيــع العقــد رغــب العميــل فــي دفــع قيمــة
البضــاعة قبــل حــول الجــل وطلــب أن يوضــع عنــه بعــض
المستحق عليه مقابل تعجيل الدفع فهل يجوز إعادة جــزء
من المستحق عليه مقابل تعجيل الدفع ؟
الجواب :
وبعد تداول الهيئة للسؤال وأقوال أهل العلم انتهــت الهيئة
إلى أن ذلك جائز لما ورد عن رسول الله أنــه لمــا أراد أن
يجلي بنى النضير من المدينة ذكر له أن بينهم وبين الناس
ديون فأمرهم أن يضعوا ويتعجلوا ) رواه أبو داود وغيــره (
) انظر إغاثة اللهفان حيث احتج به ابن قيم رحمه الله (
وقد روى جواز ذلــك عــن ابــن عبــاس والنخعــي والحســن
وابن سيرين وهو راوية عن المام أحمد رحمه اللــه ووجــه
عند الشافعية وهو اختيار شيخ السلم ابن تيميــة وتلميــذه
ابن قيم والشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمهم اللـه قــال
ابن قيم رحمه الله :إن هذا عكس الربا فإن الربا يتضــمن
الزيادة في أحد العوضين في مقابلة الجــل وهــذا يتضــمن
براءة ذمته من بعــض العــوض فــي مقــابله ســقوط بعــض
الجــل فســقط بعــض العــوض فــي مقابلــة ســقوط بعــض
الجل فانتفع به كل واحد منهما ولم يكن هنا ربا ل حقيقــة
ول لغة ول عرفا والذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا
ول يخفى الفرق الواضح بين قــوله إمــا أن تربــى وإمــا أن
تقضى وبين قوله عجل لي وأهب لــك مــائة فــأين أحــدهما
من الخر فل نــص فــي تحريــم ذلــك ول إجمــاع ول قيــاس
صحيح انتهى مختصرا من حاشية ابن قاسم على الروض .
وقال الشيخ عبــد الرحمــن ســعدي فــي كتــابه المختــارات
الجلية من المسائل الفقهية :والصحيح جــواز الصــلح عــن
المؤجل ببعضه حال لنه ل دليل على المنع ول محذور فــي
هذا بل في ذلك مصلحة للقاضــي والمقتضــى فقــد يحتــاج
من عليه الحق إلى الوفاء قبل حلوله وقــد يحتــاج صــاحب
107
الحق إلى حقه لعذر من العذار وفى تجــويز هــذا مصــلحة
ظاهرة وأما قياس المانعين لهــذه المســألة بمســألة قلــب
الدين على المعسر فهذا القياس من أبعــد القيســة وبيــن
المريــن مــن الفــرق كمــا بيــن الظلــم المحــض والعــدل
الصريح انتهى مختصرا .
ل الثاني : -القو ُ
تحريم هذه الصورة .
وقال به عدد مــن الصــحابة والتــابعين ،وقــال بــه جمهــور
العلماء من الئمة الربعة .
-واستدلوا :
قال المام ابن القيم في إغاثة اللهفان ): (2/12
واحتـج المـانعون بـالثر والمعنـى -أمـا الثـار ففـي سـنن
البيهقي عن المقداد بــن الســود قــال :أســلفت رجل مئة
دينــار فقلــت لــه :عجــل تســعين وأحــط عشــرة دنــانير .
فقال :نعم .فذكرت ذلك للنــبي صــلى اللــه عليــه وســلم
فقال :أكلت ربا مقــداد وأطعمتــه .وفــي ســنده ضــعف .
وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عــن الرجــل
يكون له الدين علــى رجــل إلــى أجــل فيضــع عنــه صــاحبه
ويعجل له الخر فكره ذلك ابن عمر ونهى عنه .وصح عن
أبي المنهال أنه سأل ابن عمــر فقــال :لرجــل علــي ديــن
فقال لي :عجل لي لضع عنك .قــال :فنهــاني عنــه .....
ا.هـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية .مادة أجل .ما نصه :
واستدل جمهور الفقهاء على بطلن ذلك بشيئين :
أحدهما :
تســمية ابــن عمــر إيــاه ربــا ,ومثــل ذلــك ل يقــال بــالرأي
وأسماء الشرع توقيف .
والثاني :
أنه معلوم أن ربا الجاهلية إنمــا كــان قرضــا مــؤجل بزيــادة
مشروطة ،فكانت الزيادة بدل مــن الجــل ،فــأبطله اللــه
َ
وال ِك ُ ْ
م مـ َسأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْ
ن ت ُب ْت ُ ْ
تعالى ,وحرمه ،وقال " :وَإ ِ ْ
ن الّرَبا م َي ِ " ] البقرة [ 279 :وقال تعالى " :وَذ َُروا َ
ما ب َِق َ
" ] البقرة [ 278 :حظر أن يؤخذ للجل عوض .
108
فإذا كانت عليه ألف درهم مؤجلــة ،فوضــع عنــه علــى أن
يعجله ،فإنما جعل الحــط مقابــل الجــل ،فكــان هــذا هــو
معنى الربا الذي نص الله تعالى على تحريمه .
ول خلف أنه لو كان عليه ألــف درهــم حالــة ،فقــال لــه :
أجلنــي وأزيــدك فيهــا مــائة درهــم ،ل يجــوز ،لن المــائة
عوض مــن الجــل ،كــذلك الحــط فــي معنــى الزيــادة ،إذ
جعله عوضا من الجل ،وهذا هو الصل فــي امتنــاع جــواز
أخذ البدال عن الجال .
فحرمة ربا النساء ليست إل لشـبهة مبادلــة المـال بالجـل
وإذا كــانت شــبهة الربــا موجبــة للحرمــة فحقيقتــه أولــى
بذلك .
وأيضا فإنه ل يمكن حمل هذا على إســقاط الــدائن لبعــض
حقه ،لن المعجل لم يكن مســتحقا بالعقــد ،حــتى يكــون
استيفاؤه استيفاء لبعض حقه ،والمعجل خير من المؤجــل
ل محالة ،فيكون ) فيمــا لــو كـانت لـه عليـه ألـف مؤجلـة
فصالحه على خمسمائة حالة ( خمسمائة في مقابل مثلــه
مــن الــدين ،وصــفة التعجيــل فــي مقابلــة البــاقي -وهــو
الخمسمائة -وذلك اعتياض عن الجل ،وهو حرام .
ث: -القو ُ
ل الثال ُ
يجوز ذلك في دين الكتابة ول يجوز في غيره .
جاء في الموسوعة الفقهية .مادة أجل .ما نصه :
واستثنى من ذلك الحنفية والحنابلــة ) وهــو قــول الخرقــي
من علمائهم ( أنـه يجـوز أن يصــالح المـولى مكــاتبه علـى
تعجيل بدل الكتابة في مقابل الحط منه ،وذلك لن معنى
الرفاق فيما بينهما أظهر من معنى المعاوضـة ،فل يكــون
هذا في مقابلــة الجــل ببعــض المــال ،ولكــن إرفــاق مــن
المولى بحط بعض المــال ،ومسـاهلة مــن المكــاتب فيمــا
بقي قبل حلول الجل ليتوصل إلــى شــرف الحريــة ،ولن
المعاملة هنا هي معاملــة المكــاتب مــع ســيده ،وهــو يــبيع
بعض ماله ببعض ،فدخلت المسامحة فيه ،بخلف غيره .
ح:ل الراج ُ القو ُ
وبعد ذكر هذه القوال في المسألة الذي يترجــح -والعلــم
عند الله -هو القول الول والذي يجيز هذه الصورة .
109
قال الشيخ صالح بن فوزان الفــوزان فــي كتــاب " الفــرق
بين البيع والربا في الشؤيعة السلمية " ) ص : (21
والراجح ...وهو جواز ذلك مطلقا لنه ليس مع مــن منعــه
دليل صحيح والصل في المعاملت الصحة والجواز ما لــم
يدل دليل على التحريم ...ا.هـ
والله أعلم .
عبد الله زقيل
============
#الربا وتدمير المة
إن الحمد لله نحمــده ونســتعينه ونســتغفره ،ونعــوذ بــالله
من شرور أنفسنا ،ومن سيئات أعمالنــا ،مــن يهــده اللــه
فل مضل له ،ومن يضلل فل هادي له وأشهد أن ل إلــه إل
الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمــد كمــا صــليت علــى
إبراهيم ،وعلى آل إبراهيم ،إنك حميد مجيد ،اللهم بارك
على محمد وعلى آل محمد كما بــاركت علــى آل إبراهيــم
إنك حميد مجيد .
ـ أما بعد ـ
إخوتاه
من أشراط الساعة ظهور الربا وفشوها .
فعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وســلم قــال " :
بين يــدي الســاعة يظهــر الربــا والزنــى والخمــر " ] .قــال
الهيثمــي :رواه الطــبراني فــي الوســط ورجــاله رجــال
الصحيح [
والمر ل يتوقف عند هــذا الحــد فحســب ،بــل إن الــذي ل
يتعامل بها لبد أن يجد شيئا من غبارها .
ففــي مســتدرك الحــاكم وســنن أبــي داود وابــن مــاجه
والنسائي وغيرهم عن الحسن عن أبي هريــرة أن رســول
الله صلى اللــه عليــه وســلم قــال " :ليــأتين علــى النــاس
زمان ل يبقى فيه أحد إل أكل الربــا فــإن لــم يــأكله أصــابه
من غباره "
] قال الحاكم :وقد اختلف أئمتنا في ســماع الحســن عــن
أبي هريرة فإن صح سماعه منه فهذا حديث صحيح [ .
110
وقبل أن نخوض في هذه البلية الخطيرة ،نذكر أول بأمور
:
أول :إن الله غيور ،يغار أن تنتهك محــارمه ،فــاتق غيــرة
الله .
ثانيا :ل يكلف الله نفسا إل وسعها ،فقد جعل الله للناس
سعة من أمرهم ،فلــم يكلفهــم بمــا ل يطيقــون ،حــتى ل
يظن من انغمس في هذه المصيبة أن ترك الربــا شــيء ل
يمكن حدوثه في العصر الحديث ،ثم بعد ذلــك يحــاول أن
يجعله من الضرورات التي ل يمكن الستغناء عنها .
ثالثا :إن الله قــد هــدانا وأرشــدنا إلــى ســبيل الحــق ،ثــم
النــاس بعــد ذلــك إمــا شــاكرا وإمــا جاحــدا " ،إنــا هــديناه
السبيل إما شاكرا وإما كفورا " " ،فالحلل بيــن والحــرام
بين وبينهما أمور مشتبهات ومن اتق الشبهات فقد استبرأ
لدينه وعرضه " فيجب على المــؤمن تحــري الحلل وتــرك
الحــرام ،وحــري بــه أن يتــورع عمــا اختلــف فيــه مــن
المشتبهات حفظا لدينه وعرضه .
رابعا :أساس شريعة الله قائم على تحقيق مصالح العبــاد
ودرء المفاسد عنهم ،ول يمكن بحال أن يجعــل اللــه العــز
والمنعة والتقدم والحضارة لقوم بمعصــيته جــل وعل ،فمــا
عند الله ل ينال إل بطاعته .
خامسا :أن سبيل النجاة واضح جلي لمن أراد الله والــدار
الخرة ،ول يظنن ظــان أن فــي اتبــاعه لســبيل اللــه جــل
وعل العنت والمشقة ،فالله رفع عن الناس الحرج ،وقــد
أرشــدهم لنجــاتهم بــأن يحصــنوا أنفســهم ويبتعــدوا عــن
المهالك ومواطن الشبهات ،ويتحصنوا بسترة مــن الحلل
تكفيهم مغبة الوقوع في الحرام .
• عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول " :اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة مــن
الحلل " ] صححه الشيخ اللباني [
سادسا :المعصوم من عصمه الله ،ومن وجد الله كــافيه
مثل هــذه البليــا فليحمــد اللــه ،ومــن وجــد غيــر ذلــك فل
يلومن إل نفسه ،أل ترى هــذه الصــيحات الــتي تعلــو بيــن
حين وآخر طالبة النجاة من وحل هذه البلية ،لكن هيهــات
111
بعد أن تستحكم المور وتبدو المور على صورتها الحقيقية
،ويتبين للناس أن شرع الله هــو الحــق وأن مــا دونــه هــو
الباطل ولبد ،ولكن الناس ل يوقنون .
لجــل ذلــك ينبغــي أن نعلــم أن طلــب الحلل أمــر لزم
وفريضــة مــن أعظــم الفــرائض ،وأن ذلــك هــو الحصــن
الحقيقي من شرور هذه البليا والفتن .
تحري الحلل
قال الله تعالى " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملــوا
صالحا إني بما تعملون عليم" .
قال القرطبي :سوى الله تعــالى بيــن النــبيين والمــؤمنين
فــي الخطــاب بوجــوب أكــل الحلل وتجنــب الحــرام ،ثــم
شمل الكل في الوعيد الذي تضمنه قوله تعالى" :إني بمــا
تعملون عليم" صلى الله على رسله وأنبيائه .وإذا كان هذا
معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم .
وقد حثنا الشرع الحنيف إلى طلب الحلل وترك الحرام
• عن أنس بن مالــك عــن النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم
قــال " :طلــب الحلل واجــب علــى كــل مســلم " ] قــال
الهيثمــي فــي المجمــع :رواه الطــبراني فــي الوســط
وإسناده حسن [
فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين يزرق من يشــاء بغيــر
حساب وهو أعلم بالشاكرين
• أخرج الحاكم فــي المســتدرك وصــححه الشــيخ اللبــاني
في صحيح الجامع " ل تستبطئوا الرزق ،فإنه لم يكن عبــد
ليموت حتى يبلغه آخر رزق هــو لــه ،فــاتقوا اللــه وأجملــوا
في الطلب :أخذ الحلل ،وترك الحرام "
وفي تحري الحلل وترك الحرام فوائد عظام :
.1أكل الحلل صلح للقلــوب ،وأكــل الحــرام مــن أخطــر
مهلكات القلوب ومبددات اليمان .
أما ترى رسول الله حين قال " الحلل بيــن والحــرام بيــن
وبينهما أمور مشتبهات …… ..عقب ذلــك بقــوله " أل وإن
فــي الجســد مضــغة إذا صــلحت صــلح الجســد كلــه وإذا
فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب "
112
قال المنــاوي :فهـو ملـك والعضـاء رعيتــه ،وهـي تصـلح
بصلح الملك ،وتفسد بفســاده وأوقــع هــذا عقــب قــوله "
الحلل بيــن " إشــعارا ً بــأن أكــل الحلل ينــوره ويصــلحه
شبه تقسيه .وال ّ
.2أكل الحلل نجاة من الهلك .
ومن وقع في الحرام فهــو داخــل فــي قــوله تعــالى " :ول
تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " إذ هو في مظنة الهلكــة إل أن
يتغمده الله برحمته فيتوب عليه .
قال سهل بن عبد اللــه :النجــاة فــي ثلثــة :أكــل الحلل،
وأداء الفرائض ،والقتداء بالنبي صلى الّله عليه وسلم .
وقال :ول يصـح أكـل الحلل إل بـالعلم ،ول يكـون المـال
حلل حتى يصفو من ست خصال :الربا والحرام والسحت
والغلول والمكروه والشبهة .
.3ومن أكل الحرام حرم لذة اليمــان فــإن اللــه طيــب ل
يقبل إل طيبا
قيل :من أكل الحلل أربعين يوما نــور اللــه قلبــه وأجــرى
ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه .
قال بعضهم :من غض بصره عن المحــارم ،وكــف نفســه
عن الشهوات ،وعمر باطنه بالمراقبة وتعــود أكــل الحلل
لم تخطئ فراسته .
.4ما نبت من حرام فالنار أولى به
عن كعب بن عجرة قال :قال لي رسول اللــه صــلى اللــه
عليه وسلم :أعيذك بالله يــا كعــب بــن عجــرة مــن أمــراء
غشـي أبـوابهم فصـدقهم فـي يكونـون مـن بعـدي ،فمـن َ
كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولســت منــه ،ول
يرد علي الحوض ،ومن غشــي أبــوابهم أو لــم يغــش فلــم
يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنــا
منه وسيرد علي الحوض .
يا كعب بن عجرة :الصلة برهان ،والصوم جنــة حصـينة ،
والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.
يا كعب بن عجرة :إنــه ل يربــو لحــم نبــت مــن ســحت إل
كانت النار أولى به .
113
] قــال الترمــذي :حــديث حســن غريــب وصــححه الشــيخ
اللباني في صحيح الترمذي )[ (501
فشو الحرام
إذا علمت هذا فاعلم أن النبي أخبرنا أن الحــرام ســيطغى
في آخر الزمان ،حتى ل يتبين النــاس ول يســتوثقون مــن
حل وحرمة أموالهم .
ففي البخاري ومسند المــام أحمــد قــال صــلى اللــه عليــه
وسلم " ليأتين على الناس زمان ل يبــالي المــرء بمــا أخــذ
المال ،أمن حلل أم من حرام " .
وفي لفــظ عنــد النســائي " يــأتي النــاس زمــان مــا يبــالي
الرجل من أين أصاب المال من حلل أو حرام " .
أما ترى أن هذا هو زماننــا ورب العــزة ،أمــا تــرى تكــالب
الناس من أجل تحصيل مغريــات الـدنيا الـتي تتفتـح عليهـا
أعينهم ليل نهار ،فل يبالون بشيء سوى جمع المــال مــن
أي وجه ،حلل أو حــرام ل يهــم ،المهــم هــو جمــع المــال
للحصــول علــى المحمــول والــدش والســيارات الفارهــة
وقضــــاء الوقــــات فــــي ديــــار الفجــــور والعربــــدة
و…….و…….و ,,,,,الخ
من أجل ذلك تعقدت المور ،وصار الناس في حيــرة مــن
أمرهم ،فما يمر يوم إل وتجد من يســألك عــن هــذا الــذي
يبيع الدخان أو الخمور أو يعمل في شركة سياحة أو يعمل
في بنك ربوي أو يتعامل بالربــا ،أو الــذي بنــى ثروتــه مــن
البداية بتجــارة المخــدرات ويريــد أن يتــوب ول يعلــم مــاذا
يصنع في ماله ،وذاك الذي يعمل كوافيرا أو يــبيع ملبــس
النساء العارية الــتي يعلــم أن الــتي ستلبســها ســتفتن بهــا
شباب المسلمين فــي الشــوارع ،وهــذا الــذي يعمــل فــي
السينمات والمسارح والكباريهات و … و … الخ رب سلم
سلم
ومن المؤسف والمخجل أنك تستمع للولد وهم ل يــدرون
كيــف يــأكلون مــن مــال أبيهــم وهــم يعلمــون أنــه حــرام ،
وتجدك في كل مرة تبحث لهــؤلء عــن مخــرج وقــد ضــيق
النــاس علــى أنفســهم ســبل الخيــر والحلل ،ومــن هنــا
114
شاعت الفتاوى عن المال المختلط وأحكامه وغيرهــا ممــا
هو على هذه الشاكلة .
أمــا كــان الســبيل رحبــا واســعا فضــيقتموه باتبــاع الهــوى
واللهث وراء المال من غير وجه حلــه " ،أمــا يظــن أولئك
أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العــالمين
"
أنواع من البيوع الفاسدة
ولعلنا هنا مضطرون أن نتكلم سريعا عن بعض المعاملت
المالية الفاسدة التي شاعت بيــن النــاس ،ول ينتبــه إليهــا
أحد .لكن على وجه الجمال دون التوسع واللمام بطرف
ليناسب ما نحن بصدده .
فمن ذلك :
(1ما يسمى شرعا ببيع النجش .
وهو أن يزيد في السلعة من ل يريد شراءها ليخدع غيره ،
ويجره إلى الزيادة في السعر .
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ " ل تناجشــوا " إذ هــذا نــوع
من الخداع ول شك ،وقد قــال صــلى اللــه عليــه وســلم "
المكــر والخديعــة فــي النــار " وأنــت تجــد هــذه الصــورة
متكررة في المزادات ،ومعارض بيــع الســيارات ،وبعــض
المحال التجارية وهذا كسب خبيث لو يعلمون .
(2ما يسمى ببيع الغرر
ومثاله أن يبيع المجهول كاللبن في الضرع ،والسمك فــي
البحر ،والمحصول قبل جنيه ،أو ما يسمى ببيع الث ُن َّيا كأن
يقول لك :خذ هذا البستان إل بعض الزرع من غير تحديــد
فهذا المستثنى مجهول ،أما إذا كان معروفا فل حرج .
(3بيع المحرم والنجس
ومثــال ذلــك :بيــع الخمــور والمخــدرات ،وبيــع أشــرطة
الغاني ،بيع المجلت الفاســدة المروجــة للفكــار الخبيثــة
والصور الخليعة والعارية
ويدخل في ذلك ـ مثل ـ من يبيع السلح في وقت الفتنــة ،
أو من يبيع العنــب لمــن يســتخدمه فــي صــناعة الخمــور ،
وهكذا خذها قاعدة هنا كل ما أدى إلى حرام فهــو حــرام ،
وقــد قــال اللــه تعــالى " وتعــاونوا إلــى الــبر والتقــوى ول
115
تعاونوا علــى الثــم والعــدوان " وقــال العلمــاء :الوســائل
تأخذ حكم المقاصد فتنبــه ،لن المقولــة الشــائعة الن أن
يقال لك :ما لي أنا ،أنــا أعطيتهــا الفســتان ول أدري هــل
ستستخدمه في الحلل لزوجها أو تتكشف به في الشوارع
،والمرأة أمامه متبرجــة وهــو يــدري تمامــا أن مــا هــذا إل
لمعصية الله " بل النسان على نفســه بصــيرة ولــو ألقــى
معاذيره " أو هذا الذي في البنــك يقــول :وأنــا مــالي أ أنــا
الذي تعاملت بالربا ،أنا فقط مضطر لن أعمل في البنــك
لطلب الرزق .
والكل يتنصل من المعصية ،وكأنه ل دور لــه فــي إيقاعهــا
فلو تعاون الناس على فعل الخيرات وترك المنكــرات لمــا
وصل الحال إلى ما نحــن فيــه الن ،فالكــل مشــترك فــي
المعصية فليتأمل مثل ذلك .
(4بيع المسلم على بيع أخيه ،أو سومه على سوم أخيه
مثاله :أن يذهب الرجل للبائع فيقول لــه :رد هــذه المــال
على صاحبه وأنا سأشــتري منــك هــذه الســلعة بأزيــد مــن
ســعرها ،أو العكــس يــذهب للمشــتري ويقــول لــه بكــم
اشتريتها ؟ فيقول له :بكذا ،فيقول له :ردهــا عليــه وأنــا
أعطيك إياها بأقل من ثمنها .
أو يزايــد ويســاوم أخــاه فــي ســلعة لــم توضــع للمزايــدة
والمساومة بعد .
وأظن أن هذه الصــورة منتشــرة بشــكل واســع وقــد قــال
صلى الله عليــه وســلم " ل يبــع الرجــل علــى بيــع أخيــه "
] متفق عليه[ ][1
(5بيع العربون
وهو أن يدفع المشتري من ثمن السلعة التي يريدها جــزءا
على أل يرد عند الفسخ .بمعنى أنك تذهب للبائع وتعطيــه
جزءا من المال فإن كان من ثمن السلعة فلك أحقيــة رده
عند الفسخ وهذه الصــورة ل شــيء فيهــا ،وإنمــا الصــورة
الممنوعة أن يكون هذا العربون غير قابل للرد .
(5بيع العينة
مثل أن يبيع سلعة بأجل ،ثم يقوم هو بشرائها نقدا أو أحد
عماله احتيال ليأخذها بأقل من ثمنها .
116
صورتها :أن تبيع ثلجة مثل بــألف جنيــه تــدفع بعــد ســنة ،
فتذهب أنت أو أحــد أعوانــك المهــم تعــود لتشــتري نفــس
الثلجة بأقل من ثمنها نقدا وفي الحال فتشــتريها بـــ 800
جنيه مثل .فهذه الصورة حرام ل تجوز .
(6البيع عند النداء الخير لصلة الجمعة
هذا البيع حرام وهو منتشر للسف ل سيما في الســواق ،
وقد قال الله تعالى " إذا نــودي للصــلة مــن يــوم الجمعــة
فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خيــر لكــم إن كنتــم
تعلمون فإذا قضيت الصـلة فانتشـروا فـي الرض وابتغـوا
من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون " .
(7بيع السلعة قبل قبضها
مثاله :إذا اشترى إنسان ســلعة مــن مخــزن أو دكــان مثل
وجاء صاحب المخــزن أو الــدكان وبيــن لـه الســلعة بعينهــا
واتفقا ،فل يجوز للمشــتري أن يبيعهــا فــي محلهــا بمجــرد
هذا البيان والتفاق ،ول يعتبر ذلك تسلما ،بل لبـد لجـواز
بيع المشتري لها من حوزه للسلعة إلى محل آخر
روى المام أحمد عن حكيم بن حزام أنه قــال :قلــت :يــا
رسول الله إني أشتري بيوعا ما يحل لي منهــا ومــا يحــرم
علي .
قال :إذا اشتريت شيئا فل تبعه حتى تقبضه .
وروى المام أحمد وأبو داود عــن زيــد بــن ثــابت أن النــبي
صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حــتى
يحوزها التجار إلى رحالهم .
ولما رواه أحمد ومسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال :
قال النبي صلى اللــه عليــه وســلم " إذا ابتعــت طعامــا فل
تبعه حتى تستوفيه " .
وفي رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وســلم قــال :
من ابتاع طعاما فل يبيعه حتى يكتاله .
من المعاملت المالية المحرمة المنتشرة أيضا ً :
(8التأمين
وقــد صــدرت الفتــاوى الشــرعية مــن المجــامع الفقهيــة
المختلفة لتؤكد عدم جواز التأمين التجــاري بكــل صــوره ،
117
لنهــا عقــوده مشــتملة علــى الضــرر والجهالــة والربــا
والمقامرة وما كان كذلك فهو حرام بل شك .
ومــن ذلــك شـهادات الســتثمار وصــناديق التــوفير وفــوائد
القروض الربوية والتي سيأتي الحديث عنهــا فــي موضــوع
الربا .
وهاكم بيان لحقيقة الربا وخطورتها ،وما توعد الله به من
يقع في مثل هذه المعاملت .
الربا من أخطر البليا التي تهدد المجتمع المسلم
ْ
مــا ن إ ِل ّ ك َ َ مــو َ ن الّرب َــا ل َ ي َُقو ُ ن ي َـأك ُُلو َ َ قال الله تعــالى " ال ّـ ِ
ذي
م َقـاُلوا ْ طان من ال ْمس ذ َلـ َ َ
ك ب ِـأن ّهُ ْ َ ّ ِ شي ْ َ ُ ِ َ ه ال ّ خب ّط ُ ُ ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ي َُقو ُ
َ
جــاءهُ من َ م الّرَبا فَ َ حّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ ل الّرَبا وَأ َ ما ال ْب َي ْعُ ِ
مث ْ ُ إ ِن ّ َ
َ
ن م ْ مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ ف وَأ ْ سل َ َ ما َ ه َ ى فَل َ ُ من َّرب ّهِ َفانت َهَ َ ة ّ عظ َ ٌ مو ْ ِ َ
ق ُ
عاد َ فَأوْل َئ ِ َ
حــ ُ م َ ن } {275ي َ ْ دو َ خال ِ ُ م ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ كأ ْ َ
َ
ل ك َّفــارٍ أِثي ـم ٍ } ب ك ُـ ّ ح ّ ه ل َيُ ِ ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ ه ال ّْرَبا وَي ُْرِبي ال ّ الل ّ ُ
َ
ص ـل َةَ موا ْ ال ّ ت وَأقَــا ُ حا ِ صــال ِ َمُلوا ْ ال ّ مُنوا ْ وَعَ ِ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ {276إ ِ ّ
َ
م هــ ْ م وَل َ ُ ف عَل َي ْهِ ْ خو ْ ٌ م وَل َ َ عند َ َرب ّهِ ْ م ِ جُرهُ ْ مأ ْ كاةَ ل َهُ ْ َوآت َوُا ْ الّز َ
َ
مــا ه وَذ َُروا ْ َ من ُــوا ْ ات ُّقــوا ْ الل ّـ َ نآ َ ذي َ ن }َ {277يا أي َّها ال ّـ ِ حَزُنو َ يَ ْ
م ت َْفعَل ُــوا ْ ن } {278فَ ـِإن ل ّـ ْ مِني َ م ـؤ ْ ِ كنت ُــم ّ ن الّرَبا ِإن ُ م َ ي ِ ب َِق ْ َ
س ؤو ُ م ُر ُ م فَل َك ُـ ْ ســول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُـ ْ ن الل ّـهِ وََر ُ مـ َ ب ّ حـْر ٍ فَـأذ َُنوا ْ ب ِ َ
َ
ذو ن ُ كــا َ ن } {279وَِإن َ مــو َ ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ مــو َ م ل َ ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ مــ َ أ ْ
َ
م كنُتــ ْ م ِإن ُ خي ٌْر ل ّك ُ ْ صد ُّقوا ْ َ سَرةٍ وَأن ت َ َ مي ْ َ سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ عُ ْ
م ن ِفيـهِ إ ِل َــى الل ّـهِ ث ُـ ّ جعُــو َ مــا ت ُْر َ ن }َ {280وات ُّقــوا ْ ي َوْ ً مو َ ت َعْل َ ُ
ن }{281 مو َ م ل َ ي ُظ ْل َ ُ ت وَهُ ْ سب َ ْ ما ك َ َ س ّ ل ن َْف ٍ ت ُوَّفى ك ُ ّ
ما الربا ؟
الربا في اللغة :الزيادة مطلقا .
قال القرطبي :ثم إن الشرع قد تصرف في هــذا الطلق
فقصره على بعض موارده .
فمرة :أطلقه على كسب الحرام .كما قال الله تعالى في
اليهود " :وأخذهم الربا وقد نهوا عنه" ]النساء .[161 :ولم
يرد به الربا الشرعي الذي حكم بتحريمه علينــا وإنمــا أراد
المال الحرام ،كما قال تعالى" :سماعون للكــذب أكــالون
للسحت" ]المائدة [42 :يعني به المال الحرام من الرشا،
وما استحلوه من أموال الميين حيث قالوا " :ليس علينــا
118
في الميين سبيل " ]آل عمران .[75 :وعلى هــذا فيــدخل
فيه النهي عن كل مال حرام بأي وجه اكتسب.
والربــا الــذي عليــه عــرف الشــرع :الزيــادة فــي أشــياء
مخصوصة ) يعنون بذلك الموال الربوية كما سيأتي( .
أنواع الربا
(1ربا الفضل :
وهو البيع مع زيادة أحد العوضــين المتفقــي الجنــس علــى
الخر .
• فالصل أن الشيئين ) العوضين( إذا كانا من جنس واحد
واتفقا في العلة ] كانا موزونين أو مكيلين [ لبد لذلك من
شرطين :
أ ( التساوي وعلم المتعاقدين يقينا بذلك .
ب ( التقابض قبل التفرق .
• وإذا كانا مختلفين في الجنس ومتحدين فـي العلـة كـبيع
قمح بشعير مثل فل يشترط إل التقابض وتجوز المفاضلة .
• أما إذا اختلفا في الجنس والعلة كأن تــبيع قمحــا بــذهب
أو فضة فل يشترط فيه شيء من ذلك .
عن عبادة بن الصامت قال :قــال رســول اللــه صــلى اللــه
عليه وسلم " الذهب بالذهب .والفضة بالفضة .والبر بالبر.
والشــعير بالشــعير .والتمــر بــالتمر .والملــح بالملــح .مثل
بمثل .سواء بسواء .يدا بيد .فإذا اختلفــت هــذه الصــناف،
فبيعوا كيف شئتم ،إذا كــان يــدا بيــد " ] .أخرجــه مســلم )
(1587ك المساقاة ،باب الصــرف وبيــع الــذهب بــالورق
نقدا [
(2أما ربا النسيئة :فهو زيــادة الــدين فــي نظيــر الجــل ،
وهو ربا الجاهلية الذي كانوا يتعاملون به ،فكان الرجل إذا
أقرض آخر على أجل محدد ،فإذا جاء الجل ولــم يســتطع
الداء قــال لـه :تــدفع أو ترابــي فيزيــده فــي نظيــر زيــادة
الجل.
خطورة الربا
(1أكل الربا يعرض صاحبه لحرب اللــه ورســوله ،فيصــير
عدوا لله وسوله
119
قال الله تعالى " فإن لــم تفعلــوا فــأذنوا بحــرب مــن اللــه
ورســوله وإن تبتــم فلكــم رؤوس أمــوالكم ل تظلمــون ول
تظلمون " .
قيل المعنى :إن لم تنتهوا فأنتم حـرب للـه ولرسـوله ،أي
أعداء.
فهي الحرب بكل صورها النفسية والجسدية ،ومــا النــاس
فيه الن من قلق واكتئاب وغــم وحــزن إل مــن نتــاج هــذه
الحرب المعلنة لكل مــن خــالف أمــر اللــه وأكــل بالربــا أو
ساعد عليها ،فليعد سلحه إن استطاع ،وليعلم أن عقاب
الله آت ل محالة إن آجل أو عاجل ،وما عهدك بمــن جعلــه
الله عدوا له وأعلن الحرب عليه رب سلم سلم .
(2آكل الربا وكل من أعان عليه ملعون .
قال صلى الله عليه وسلم " آكل الربا ،وموكله ،وكاتبه ،
وشــاهداه ،إذا لمســوا ذلــك ،والواشــمة ،والموشــومة
للحسن ،ولوي الصــدقة ،والمرتــد أعرابيــا بعــد الهجــرة،
ملعونون على لسان محمد يوم القيامــة "] [2واللعــن هــو
الطرد من رحمة الله تعالى .
(3أكل الربا من الموبقات
قال الله تعالى " :الذين يــأكلون الربــا ل يقومــون إل كمــا
يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس "
قال ابن عباس في قــوله " :الــذين يجتنبــون كبــائر الثــم
والفواحش " قال :أكبر الكبائر الشراك بالله عــز وجــل ،
قال الله عز وجل " ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليــه
الجنة " ثم قال :وأكــل الربــا لن اللــه عــز وجــل يقــول "
الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقــوم الــذي يتخبطــه
الشيطان من المس " ] قال الهيثمي فــي المجمــع :رواه
الطبرانى وإسناده حسن [ .
وحقيقة الكبيرة أنها كل ذنب ورد فيــه وعيــد شــديد ،وقــد
جاء مصرحا بهذا في الصحيحين وغيرهما فعد رسول اللــه
أكل الربــا مــن الســبع الموبقــات .قــال صــلى اللــه عليــه
وسلم " اجتنبوا السبع الموبقات :الشرك بالله ،والســحر،
وقتل النفس التي حرم الله إل بالحق ،وأكل الربا ،وأكــل
120
مــال اليــتيم ،والتــولي يــوم الزحــف ،وقــذف المحصــنات
المؤمنات الغافلت " ][3
(4عقوبة آكل الربا أنه يسبح في نهر دم ويلقــم فــي فيــه
بالحجارة
وعن سمرة بن جندب قال :كــان النــبي صــلى اللــه عليــه
وسلم إذا صلى صــلة أقبــل علينــا بــوجهه فقــال مــن رأى
منكم الليلة رؤيا قال فإن رأى أحد قصها فيقــول مــا شــاء
الله فسألنا يوما فقال هل رأى أحد منكم رؤيا قلنا ل قــال
لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى
الرض المقدسة وفي سياق القصة قال ـ صلى الله عليــه
الصلة والسلم ـ " :فانطلقنا حتى أتينا على نهــر مــن دم
فيه رجل قائم على وسط النهــر وعلــى شــط النهــر رجــل
بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فــإذا أراد أن
يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فــرده حيــث كــان فجعــل
كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجــع كمــا كــان ثــم
فسر له هؤلء بأنهم آكلوا الربا " ] .رواه البخاري [ .
(5ظهور الربا سبب لهلك القرى ونزول مقت الله
قال صلى الله عليه وسلم " إذا ظهر الزنا والربا في قرية
فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله " ] أخرجــه الطــبراني فــي
الكبير الحاكم فــي المســتدرك عــن ابــن عبــاس ،صــححه
اللباني في صحيح الجامع ]. [ [679
(6مآل الربا إلى قلة وخسران .
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما
أحد أكثر من الربا إل كان عاقبــة أمــره إلــى قلــة " ] رواه
ابن ماجه والمام أحمد وصححه الشيخ اللباني [ .
(7أكل الربا من أسباب المسخ .
وفي مسند المام أحمد من حديث عبد الرحمــن بــن غنــم
وأبي أمامة وابن عباس " والذي نفس محمد بيــده ليــبيتن
ناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة
وخنــازير باســتحللهم المحـارم والقينـات وشــربهم الخمـر
وأكلهم الربا ولبسهم الحرير" ] رواه عبــد اللــه بــن المــام
أحمد في المسند وكذا ابن أبي الدنيا كما ذكره ابن القيــم
في إغاثة اللهفان [
121
الربا شقيقة الشرك .
" الربا سبعون بابا ،والشرك مثل ذلك " وفــي روايــة لبــن
ماجه " الربا ثلثة وسبعون بابا " ] أخرجه البزار عــن ابــن
مســعود وصــححه الشــيخ اللبــاني فــي صــحيح الجــامع )
[ (3540) ، (3538
(8الربا أشد من ستة وثلثين زنية
• قال صلى الله عليه وسلم " درهم ربا يأكله الرجل وهــو
يعلم ،أشد عند الله من ستة وثلثين زنية " ]أخرجه أحمد
في مسنده والطبراني في الكبير عن عبد الله بن حنظلــة
وصححه الشيخ اللباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجــامع )
[ (3375
• وفي لفظ عند البيهقي من حــديث ابــن عبــاس " درهــم
ربا أشد عند الله من ستة وثلثين زنية ومن نبت لحمه من
سحت فالنار أولى به " .
• وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أنس قــال " :خطبنــا
رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم ،فــذكر الربــا وعظــم
شأنه ،فقال :إن الرجل يصيب درهما من الربا أعظم عنــد
الله في الخطيئة من ست وثلثين زنية يزنيها الرجــل ،وإن
أربى الربا عرض الرجل المسلم " .
(9أدنى الربا ذنبا كمثل من زنا بأمه .
عن ابن مسعود قال :قال صلى الله عليه وسلم " :الربا
ثلثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكــح الرجــل أمــه ،وإن
أربى الربا عرض الرجل المسلم "
]أخرجه الحاكم في المســتدرك وصــحح الحــافظ العراقــي
في تخريــج الحيــاء إســناده وصــححه الشــيخ اللبــاني فــي
صحيح الجامع )[ (3539
وعن البراء بن عازب مرفوعا " الربا اثنان وســبعون بابــا ،
أدناها مثل إتيــان الرجــل أمــه ،وإن أربــى الربــا اســتطالة
الرجل في عرض أخيه "
] أخرجه الطبراني في الوســط وصــححه الشــيخ اللبــاني
في صحيح الجامع “[ ”3537
122
قال الطيبي :المراد إثــم الربــا ،ول بــد مــن هــذا التقــدير
ليطابق قوله أن ينكح " ثلثة وسبعون بابا ً أيسرها مثــل أن
ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم " .
قال الطيبي :إنمــا كــان الربــا أشــد مــن الزنــا لن فــاعله
حاول محاربة الشــارع بفعلــه بعقلــه قــال تعــالى " فــأذنوا
بحــرب مــن الل ّــه ورســوله " أي بحــرب عظيــم فتحريمــه
محض تعبد وأما قبيح الزنا فظاهر عقل ً وشرعا ً ولــه روادع
وزواجــر ســوى الشــرع فآكــل الربــا يهتــك حرمــة الّلــه ،
والزاني يخرق جلباب الحياء .
بيان حكم الشرع في بعض المعاملت الشائعة
أول :الفوائد المصرفية
صدرت الفتاوى المتتابعة من علماء العصر والصــادرة عــن
المجامع الفقهية بحرمة أخذ فوائد البنوك .
(1فمن ذلك فتـوى الشــيخ بكــري الصـدفي مفــتي الـديار
المصـــرية )ســـنة 1325هــــ 1907م ( عـــن دار الفتـــاء
المصرية .
(2وكــذا الشــيخ عبــد المجيــد ســليم )ســنة 1348هـــ
1930م ( بتحريــم اسـتثمار المـال المــودع بفـائدة البتــة ،
والفتوى الصادرة عنه )سنة 1362هـ ـ 1943م ( بــأن أخــذ
الفوائد عن الموال المودعة حرام ول يجوز التصدق بهــا ،
) وســنة 1364هـ ـ 1945م ( بــأنه يحــرم اســتثمار المــال
المــودع فــي البنــك بفــائدة ،وأن فــي الطــرق الشــرعية
لستثمار المال متسع للستثمار .
(3وأصــدر الشــيخ الــدكتور /عبــد اللــه دراز بحثــه )ســنة
1951م( بأن السلم لم يفرق بين الربــا الفــاحش وغيــره
فــي التحريــم ] .محاضــرة ألقاهــا فــي مــؤتمر القــانون
السـلمي ببـاريس وهـي مطبوعـة باسـم الربـا فـي نظـر
القانون السلمي [
(4كما أفتى الشيخ /محمد أبــو زهــرة )1390هـ ـ (1970
بأن الربا زيادة الدين في نظير الجــل وأن ربــا المصــارف
هو ربا القرآن وهو حرام ول شــك فيــه ،وأن تحريــم الربــا
يشــمل الســتثماري والســتهلكي فــي رد دامــغ للــذين
123
يرددون أن الضرورة تلجئ إلى الربا ] بحــوث فــي الربــا ،
ط دار البحوث العلمية 1970م [.
(5وأفتى الشيخ /جاد الحق علي جاد الحق مفــتي الــديار
المصرية )ســنة 1399هـ ـ 1976م ( بــأن ســندات التنميــة
وأذون الخزانــة ذات العــائد الثــابت تعتــبر مــن المعــاملت
الربويـة المحرمـة ،وأن إيـداع المـال بـالبنوك بفـائدة ربـا
محرم سواء كانت هذه المصارف تابعة للحكومة أو لغيرها
.
(6كمــا صــدر عــن المــؤتمر الثــاني للمصــرف الســلمي
بالكويت )سنة 1403هـ 1983م ( بحضور كوكبة من أبرز
العلمــاء والقتصــاديين بيانــا بــأن مــا يســمى بالفــائدة فــي
اصطلح القتصاديين هو من الربا المحرم .
(7ناهيك عن الفتاوى الصادرة عن المجمع الفقهــي بمكــة
المكرمــة ،واللجنــة الدائمــة للفتــاء والرشــاد بالمملكــة
العربية السعودية .
ثانيا :شهادات الستثمار وصناديق التوفير
صدرت عن مفــتي الــديار المصــرية فضــيلة الشــيخ /جــاد
الحق علي جاد الحــق )ســنة 1400هــ 1979م ( الفتــوى
بأن فوائد شهادات الستثمار وشهادات التــوفير مــن الربــا
المحرم ،وأنها ل تعد من قبيل المكافأة أو الوعد بجائزة .
و)سنة 1401هـ 1981م( بأن شهادات الستثمار )أ ،ب (
ذات الفــائدة المحــددة المشــروطة مقــدما زمنــا ومقــدارا
داخلة في ربا الزيادة المحرم .
و)ســنة 1980م( بــأن الفــائدة المحــددة علــى المبــالغ
المدخرة بصناديق التــوفير بواقــع كــذا فــي المــائة ،فهــي
محرمة لنها من باب الربا )الزيادة المحرمة شرعا ( .
ومن أراد أن يتثبت من هذا كله فليراجع فتاوى دار الفتــاء
المصرية كل في سنته وتاريخه .
------------------
] [1أخرجه البخــارى ) (5142ك النكــاح ،بــاب ل يخطــب
على خطبة أخيه حتى ينكــح أو يــدع ،ومســلم ) (1412ك
البيوع ،باب تحريم بيع الرجــل علــى بيــع الرجــل وســومه
على سوم أخيه – واللفظ له -
124
] [2أخرجه النسائي عن ابن مسعود ،و صححه السيوطي
واللباني “صحيح الجامع ] “ ، “ [5تخريــج الــترغيب 3/49
“{
] [3متفق عليه أبو داود النســائي عــن أبــي هريــرة ،وهــو
في صحيح الجــامع ] “ ، [144الرواء ، 1202 /ـ ، 1335
{ “ 2365
وكتبه
محمد بن حسين يعقوب
==============
#كيف بدأ الربا ..وكيف انتشر؟..
قبل أن نطلع على حقيقة الربا وآثاره في الناس..
لننظر أول في حكم الربا في الشــرائع الســابقة كاليهوديــة
والنصرانية ،وكيف بدأ وانتشر؟….
لقد حرم الله الربا على اليهود ،وهم يعلمون ذلك ،وينهون
عنه فيما بينهم ،لكنهم يبيحونه مع غيرهم ،جــاء فــي ســفر
التثنية :الصحاح الثالث والعشرين:
" للجنبي تقرض بربا ،ولكن لخيك ل تقرض بالربا".
ومنشــأ هــذا أنهــم ينظــرون إلــى غيرهــم نظــرة اســتعلء
واحتقار ،والتوراة وإن كانت قــد حرفــت إل أن شــيئا منهــا
بقي كما هو لم يحرف ،منهــا تحريــم الربــا ،لكنهــم حرفــوا
النص حينما أباحوه مع غير اليهودي…
والدين النصراني كذلك يحرمه ،ففي إنجيل لوقا:
" إذا أقرضــتم الــذين ترجــون منهــم المكافــأة فــأي فضــل
يعرف لكم؟…
ولكن افعلوا الخيرات وأقرضــوا غيــر منتظريــن عائدتهــا…
وإذا ً يكون ثوابكم جزيل" .
وقد أجمع رجال الكنيسة ورؤساؤها كمــا اتفقــت مجامعهــا
على تحريم الربا تحريما قاطعا ،حتى إن الباء اليســوعيين
وردت عنهم عبارات صارخة في حق المرابين ،يقول الب
بوني:
" إن المرابين يفقدون شرفهم في الحياة ،إنهم ليسوا أهل
للتكفين بعد موتهم" ..
125
ولم يكن تحريــم الربــا قاصــرا علــى أربــاب الــديانتين ،بــل
كذلك حرمه من اشتهر في التاريخ بالعلم والفهم والحكمة
كبعــض الفلســفة ،منهــم أرســطو ،وأفلطــون الفيلســوف
اليوناني الذي قال في كتابه القانون:
" ل يحل لشخص أن يقرض بربا" ..
وأما العرب في جاهليتهم على الرغم مــن تعــاملهم بــه إل
أنهم كــانوا ينظــرون إليــه نظــرة ازدراء ،وليــس أدل علــى
ذلك أنه عندما تهــدم ســور الكعبــة وأرادت قريــش إعــادة
بنائه حرصــت علــى أن تجمــع المــوال اللزمــة لــذلك مــن
البيوت التي ل تتعامل بالربا ،حتى ل يدخل في بنــاء الــبيت
مال حرام ،فقد قال أبــو وهــب بــن عابــد بــن عمــران بــن
مخــزوم " :يــا معشــر قريــش ل تــدخلوا فــي بنيانهــا مــن
كسبكم إل طيبا ،ل يدخل فيها مهــر بغــي ،ول بيــع ربــا ،ول
مظلمة أحد من الناس" ..
وإذا كان المر على هـذا النحـو ،وأصـحاب الـديانات كلهـم
يحرمون الربا ،كيف إذن بدأ وانتشر في العالم؟..
لقد كانت الجاهلية تتعامل بالربــا مــع قبــل الســلم ،فجــاء
السلم وحرمه كما هو معلوم بالنصوص ،وسد كــل أبــوابه
ووسائله وذرائعه ومنافذه ،حتى ما كان فيه شبهة من ربــا
منعه وحرمه ،كمنعه عليه الصلة والسلم من بيع صــاعين
من تمر رديء بصاع من تمر جيد ..
فامتثــل النــاس لــذلك ،وتلشــى الربــا ،وحــل محلــه الــبيع
والقرض الحسن والصدقة والزكاة..
وكما قلنا كانت أوربــا الــتي تــدين بالنصــرانية تحــرم الربــا
وتنهى عن التعامل به ،أما اليهود ـ والــذين كــانوا يمتنعــون
من التعامل بالربا فيما بينهم ـ كانوا ممنوعين من التعامل
به مع غيرهم تحت وطأة الكراهية والذل الذي كانوا فيه..
لكن ومنذ أواخر القرن السادس عشر ميلدي بدأت أوربــا
بالتمرد على هذا الحكم اللهي..
ففي عام 1593م وضع اســتثناء لهــذا الحظــر فــي أمــوال
القاصرين ،فصار يباح تثميرها بالربــا ،بــإذن مــن القاضــي،
فكان هذا خرقا للتحريم..
126
ثــم تبــع ذلــك اســتغلل الكبــار لنفــوذهم ،فقــد كــان بعــض
الملوك والرؤساء يأخذون بالربا علنا ،فهــذا لــويس الرابــع
عشر اقترض بالربا في 1692م ،والبابا بي التاسع تعامــل
كذلك بالربا في سنة 1860م.
كانت تلك محاولت وخروقات فردية..
لكن الربا لم ينتشر ولـم يقــر كقــانون معــترف بـه إل بعـد
الثورة الفرنسية ،فالثورة كانت ثورة على الــدين والحكــم
القطاعي والملكي..
وكان من جملة الحكام الدينية في أوربا كما علمنا تحريــم
الربا ،فنبذ هذا الحكم ضمن ما نبذ من أحكام أخر ،وكان ل
بد أن يحصل ذلك ،إذ إن اليهــود كــانت لهــم اليــد الطــولى
في تحريــك الثــورة الفرنســية واســتغلل نتائجهــا لتحقيــق
طموحــاتهم ،مــن ذلــك إنشــاء مصــارف ربويــة ،لتحقيــق
أحلمهم بالستحواذ على أمــوال العــالم ،وجــاءت الفرصــة
في تلك الثورة ،وأحل الربا وأقر:
فقد قررت الجمعية العمومية في فرنسا في المر الصادر
بتاريــخ 12أكتــوبر ســنة 1789م أنــه يجــوز لكــل أحــد أن
يتعامل بالربا في حدود خاصة يعينها القانون.
صدرت فرنسا التمرد على الدين وعزلــه عــن الحيــاة إلــى
كل أوربا ،ومن ذلك التمـرد علـى تحريـم الربـا ،وقـد كـان
اليهود في ذلك الحين من أصــحاب المــال ،وبــدأت الثــورة
الصناعية ،واحتاج أصحاب الصــناعات إلــى المــال لتمويــل
مشاريعهم ،فــأحجم أصــحاب المــال مــن غيــر اليهــود عــن
تمويل تلك المشاريع الحديثة خشية الخسارة..
أما اليهــود فبــادروا بإقراضــهم بالربــا ،ففــي قــروض الربــا
الربح مضمون ،ولو خسر المقترض ،وقد كانت أوربــا فــي
ذلك الحين مســتحوذة علــى بلــدان العــالم بقــوة الســلح،
فارضة عليها إرادتها ،فلما تملك اليهود أمرها وتحكموا في
إرادتهــا كــان معنــى ذلــك الســيطرة والتحكــم فــي العــالم
أجمع ،ومن ثم فرضوا التعامل الربا على جميع البلد الــتي
تقع تحت سـيطرة الغـرب ،فانتشــر الربــا وشـاع فـي كـل
المبادلت التجارية والبنــوك ،فــاليهود كــانوا ول زالــوا إلــى
اليوم يملكون اقتصاد العالم وبنوكه..
127
إذن ..اليهود هم وراء نشر النظام الربوي في العالم ،وكل
المتعاملين بالربـا هـم مــن خدمــة اليهــود والعــاملين علــى
زيــادة أرصــدة اليهــود ليســخروها فــي ضــرب الســلم
والمسلمين وكافة الشعوب..
انتشــر الربــا وانتشــر معــه كافــة المــراض القتصــادية
والسياسية والخلقية الجتماعية..
نبذة عن نشأة المصارف والبنوك:
المصارف جمع مصرف ،وهو يطلق على المؤسسات التي
تخصصــت فــي إقــراض واقــتراض النقــود ،وتســمى أيضــا
بالبنوك..
ولفــظ البنــك مشــتقة مــن اللفظــة اليطاليــة "بنكــو" أي
مائدة ،إذ كان لكل صيرفي فــي القــرون الوســطى مــائدة
يضعها في الطريق عليها نقود يتجر فيها ،وقد كان معظــم
الصيارفة من اليهود ،وصــناعة الصــيرفة ترجــع إلــى العهــد
الــذي نشــأت فيــه العلقــات التجاريــة بيــن الجماعــات
البشرية..
وقد عرف البابليون والغريق والرومــان علميــات البنــوك،
وبوجه عام كان الطابع الغــالب علــى وظيفــة البنــوك فــي
العصــــور القديمــــة حفــــظ الــــودائع الثمينــــة والنقــــود
والمحصولت الزراعية ،بالضافة إلى الحوالت المالية..
فقــد صــارت البنــوك علــى مــر اليــام مكانــا آمنــا لحفــظ
المدخرات من ذهب وفضة وجواهر ثمينة نظير أجر معين،
وكان هؤلء الصيارفة يعطون كل من يودع شيئا من المال
سندات فيها توثيق الودائع ،تستخدم في سحب مــا يحتــاج
إليه من نقود..
ثم تطورت العملية فبدأ هؤلء التجار المودعــون يتــداولون
هذه الســندات بينهــم فــي الــبيوع ووفــاء الــديون وتصــفية
الحسابات ،لن تداولها أخف مــن تــداول الــذهب والفضــة،
شعر الصيارفة بوجود المال الكثير في صناديقهم..
وقد ألــف المودعــون التعامــل بالســندات قبضــا وتســليما،
والمال باق عند الصيارفة لفترات طويلة ،قلما يأتي مــودع
يطلب نقوده ،ففكروا في استغللها والنتفاع بها بأنفسهم،
128
فبدءوا يعطونها النــاس قروضــا بفــائدة ،ويتصــرفون فيهــا،
وكأنهم أصحابها..
وهكــذا أصــبح الصــيارفة يأخــذون علــى الــذهب المــودع
أجريــن :أجــر علــى الحفــظ ،وأجــر مقابــل القــرض ،فلمــا
تطــورت هــذه العمليــة وأصــبحت الســندات تقــوم مقــام
الذهب في المعاملت..
بدأ الصيارفة يقرضون النــاس الســندات الورقيــة بــدل أن
يقرضوهم ذهبا..
وبهذه الطريقة تضخمت ثرواتهم التي لم تكن فــي أصــلها
إل أمــوال المــودعين ،وبــدؤوا يــدفعون فــائدة للمــودعين
لغرائهــم باليــداع ،وتحــولت عمليــة اليــداع إلــى علميــة
إقراض..
وبذلك أصــبح دور الصــيارفة هــو التوســط بيــن الشــخاص
الذين لديهم أمــوال ليمكنهــم اســتثمارها بأنفســهم ،وبيــن
الشــخاص المحتــاجين إلــى أمــوال لتثميرهــا ويســتحلون
الفرق بين الفائدتين..
وبتطــور التجــارة وأشــكالها تعــددت أعمــال المصــارف
وأنواعها ،فمنهـا المصـارف التجاريـة ،وهــي الـتي تمــارس
جميع العمال المتصلة بالتجـارة ،وتتميـز عـن سـواها مـن
حيــث اســتعدادها لقبــول الــودائع النقديــة مــن الفــراد أو
الشــركات وتخويــل المــودع حــق الســحب عليهــا ..وهنــاك
المصــارف الزراعيــة والصــناعية والعقاريــة ،وهــي الــتي
تقرض نظير فائدة ،ول تستقبل الودائع النقدية.
هذا باختصار حقيقة المصــارف ..وفــي المــرة القادمــة إن
شاء الله نتطرق إلى صور الربا..
أبو سارة
===============
#مستقبل الربا
يحيى بن موسى الزهراني
الحمد لله الواحد المعبود ،عم بحكمته الوجـود ،وشـملت
رحمته كل موجود ،أحمد سبحانه وأشكره وهو بكل لسان
محمــود ،وأشــهد أن ل إلــه إل اللــه وحــده ل شــريك لــه
الغفور الودود ،وعد من أطــاعه بــالعزة والخلــود ،وتوعــد
129
من عصاه بالنار ذات الوقود ،وأشهد أن نبينا محمــدا ً عبــد
الله ورسوله ،صاحب المقام المحمود ،واللواء المعقود ،
والحوض المورود ،صلى الله عليه وعلــى آلــه وأصــحابه ،
الركــع الســجود ،والتــابعين ومــن تبعهــم مــن المــؤمنين
الشهود ،وسلم تسليما ً كثيرا ً إلى اليوم الموعــود . . .أمــا
بعد :فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ،فاتقوه رحمكــم اللــه
تقوى من أناب إليه ،واحذروه حذر من يؤمن بيوم العرض
عليه ،واعبدوه مخلصين له الدين ،وراقبوه مراقبــة أهــل
اليقين ،وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين .
أمة السلم :في مثل هــذه اليــام مــن كــل عــام ،يحــزم
الناس أمتعتهم ،ويجهــزون حقــائبهم ،اســتعدادا ً للســفر ،
ولكل منهم مقصده ،فمن كان قصده الترويح البريء كان
مأجورا ً ،ومن كان قصده غيــر ذلــك ،فالعمــال بالنيــات ،
وكل هجرته إلى ما هاجر إليه ،ثــم تــوفى إليهــم أعمــالهم
يوم القيامة وهــم ل يبخســون ،قــال تعــالى " :إن اللــه ل
يظلم الناس شيئا ً ولكن الناس أنفسهم يظلمون "
أيها المسلمون :الناس في هذه الجــازة الصــيفية ،فــرق
شتى ،منهم من يســتعد للســفر ،ومنهــم مــن أخــذ أهبتــه
للزواج ،ومنهم من عزم على شراء سيارته ،ومنهــم مــن
يريــد تشــييد منزلــه ،وغيرهــم كــثير ،فكــل يحتــاج إلــى
النفقــات ،وتــأمين الحاجيــات ،ول يتــأتى ذلــك إل بوجــود
المــال ،وإن ممــا تأســف لــه النفــوس ،ونــذير حــرب
ضروس ،مـا يقـع فيــه كــثير مـن المسـلمين اليـوم ،مـن
تهــافت علــى البنــوك الربويــة ،والمصــارف المحرمــة ،
لقتراض المال الحرام ،من أجل متعة دنيوية ما تلبــث أن
تزول وتذهب ،ويكون وبالها على فاعلها ،قــال تعــالى " :
يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا الربــا أضــعافا ً مضــاعفة واتقــوا
الله لعلكم تفلحون * واتقوا النار التي أعدت للكافرين " ،
فلربما كان البيت قبرا ً ،والسـيارة تابوتـا ً ،والـزوج وبـال ً ،
فــاتقوا اللـه أيهـا المسـلمون ،واحـذروا دخــول الربـا فـي
تعاملتكم وأموالكم ،فذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون .
أمة السلم :الربا مــن أكــبر الكبــائر ،وأعظــم الجــرائم ،
وأشد العظائم ،الربـا يهلـك المـوال ،ويمحـق البركـات ،
130
ويجلــب الحســرات ،ويــورث النكســات ،قــال تعــالى " :
يمحق الله الربا ويربي الصــدقات " ،وعــن عبــد اللــه بــن
مسعود رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليــه وســلم
قال " :الربا وإن كثر فعاقبته تصــير إلــى قــل " ] أخرجــه
أحمد والحــاكم بســند صــحيح [ ،آكــل الربــا ملعــون علــى
لسان محمد صــلى اللــه عليــه وســلم ،خــارج مــن رحمــة
الله ،داخل في عذاب الله ،ما لــم يتــب ويســتغفر اللــه ،
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال " :لعــن رســول
الله صلى الله عليه وسلم آكل الربــا ،ومــوكله ،وكــاتبه ،
وشاهديه ،وقال :هــم ســواء " ] أخرجــه مســلم [ ،فــأي
ذنب أعظم من ذنب ملعون صاحبه ؟ وأي مصيبة أكبر من
مصيبة اللعن والطرد من رحمة الله تعــالى ؟ فــاتقوا اللــه
أيهــا النــاس ،واعلمــوا أنكــم محاســبون ،وعــن أمــوالكم
مسؤولون ،ولــن تنفعكــم أمــوالكم ول أولدكــم مــن اللــه
شيئا ً .
أمة السلم :الربا حرام كله ،قليله وكثيره ،قال تعالى :
" وأحل الله البيع وحــرم الربــا " ،وقــال صــلى اللــه عليــه
وسلم " :اجتنبــوا الســبع الموبقــات ،وذكــر منهــا ،وأكــل
الربا " ] متفق عليه [ ،الربــا حــرب للــه ولرســوله ،قــال
تعالى " :يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مــا بقــي مــن
الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فــأذنوا بحــرب مــن
الله ورسوله " ،والعجيب والعجائب جمة ،أن من النــاس
من يأكل الربــا عالمـا ً بحرمتــه ،عارفـا ً بعقــوبته ،متــذرعا ً
برحمة الله ومغفرته ،ونسي المسكين أن الله جل جللــه
يقول في كتابه العزيز " :اعلمــوا أن اللــه شــديد العقــاب
وأن الله غفور رحيم " ،ويقول سبحانه " :وإن ربــك لــذو
مغفرة للناس على ظلمهــم وإن ربــك لشــديد العقــاب " ،
الربا دمار للفراد والشــعوب ،وإشــعال لفتيــل الحــروب ،
الربا هلك للمــم والمجتمعــات ،صــغار وذلــة للمتعــاملين
به ،ول أدل على ذلك من هذه النكبات التي حطت رحالها
بأمة محمد صلى الله عليه وســلم ،مـن حــروب مـدمرة ،
وفيضــانات عارمــة ،وكســوف وخســوف ،وريــاح عاتيــة ،
وقتل وسرقات ،وجرائم واغتيــالت ،ونهــب للممتلكــات ،
131
كــوارث وحــوادث ،ليــس لهــا مــن دون اللــه كاشــفة ،ول
منجــي منهــا إل بتوبــة صــادقة ،ورجــوع إلــى اللــه الواحــد
القهار .
أيها المســلمون :فــي خضــم معــترك هــذه الحيــاة ،وفــي
بحرهــا المتلطــم المــواج ،هنــاك فئة مــن المســلمين ،
تجرءوا على الحرمات ،وارتكبــوا المنهيــات ،دون ورع ول
خوف ،فأكلوا الربا ،ودعوا النــاس إلــى أكلــه ،مجــاهرين
بالمعصية ،وقــد توعــدهم اللــه بعقــاب مــن عنــده ،علــى
لسان نبيه ،فقال صــلى اللــه عليــه وســلم " :كــل أمــتي
يدخلون الجنة إل من أبى " قيل :ومن يأبى يا رسول الله
؟ قال " :من أطاعني دخل الجنة ،ومن عصاني فقد أبى
" ] أخرجه البخاري [ ،ومن تعامل بالربا فقــد خــالف أمــر
الله وأمر نبيه صلى اللـه عليــه وسـلم ،وعصــى الوامــر ،
واقترف الزواجر ،وقد قال الله تعــالى " :فليحــذر الــذين
يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عــذاب أليــم
" ،وقـــد بيـــن اللـــه تعـــالى مـــآل العصـــاة والمـــذنبين ،
والمتعاملين بالربا ،والكليــن لــه ،فقــال تعــالى " :ومــن
يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا ً خالدا ً فيها ولــه
عذاب مهين " ،إن أمرا ً هذه نهايته ،وتلكم عاقبته لواجب
على كــل عاقــل أن يجتنبــه ويحــذره ،ويحــذر النــاس مــن
خطره وشره ،قال صــلى اللــه عليــه وســلم " :إذا ظهــر
الزنا والربا في قرية ،فقد أحلــوا بأنفســهم عــذاب اللــه "
] أخرجه الحاكم وحسنه اللباني [ .
أيها المسلمون :آكل الربا ل يستجاب لدعائه إذا دعا ،ول
تفتح له أبواب السماء ،فقد ذكــر النــبي صــلى اللــه عليــه
وسلم الرجل يطيل السفر أشــعث أغــبر ،يمــد يــديه إلــى
السماء ،يارب ،يارب ،ومطعمه حرام ،ومشربه حرام ،
وملبسه حرام ،وغذي بــالحرام ،فــأنى يســتجاب لــذلك "
] أخرجه مسلم في صــحيحه [ ،وعــن أبــي هريــرة رضــي
الله عنه أن رسول اللـه صــلى اللــه عليــه وســلم قــال " :
ليأتين على الناس زمان ل يبالي المرء بما أخذ المال أمن
حلل أم حرام ،فــإذ ذاك ل تجــاب لهــم دعــوة " ] أخرجــه
البخاري [ ،فالربا شؤم على صاحبه ،ظلم للمتعامل بــه ،
132
فيه ارتكاب لما حرم الله ورسوله ،وربما سلط الله علــى
صاحبه الفات المهلكة ،والكوارث المدمرة ،من غــرق أو
حرق أو لصوص أو أنظمة جائرة تذهب بــه جميعــه ،وكــم
رأى الناس وعاينوا ،وشاهدوا وبــاينوا ،عاقبــة الربــا علــى
أصحابه ،فكم من الثرياء المرابين ،والغنياء المحاربين ،
الــذين محــق اللــه مــا بأيــديهم ،حيــث علقتهــم الــديون ،
فأخذهم الله بعــذاب الهــون ،فصــاروا عالــة علــى النــاس
يتكففــون ،وصــدق اللــه العظيــم القــائل " :فبظلــم مــن
الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصــدهم عــن
سبيل الله كــثيرا ً * وأخــذهم الربــا وقــد نهــوا عنــه وأكلهــم
أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا ً أليما ً "
،وصدق عبد الله ورسوله صلى الله عليه وســلم ،القــائل
في الحديث الصــحيح " :مــا أحــد أكــثر مــن الربــا إل كــان
عاقبــة أمــره إلــى قلــة " ] أخرجــه ابــن ماجــة والحــاكم
وصححه اللباني . [ 28 / 2
أمة السلم :للربا أثار مخيفة ،وعواقب عنيفة ،منهــا مــا
تــم بيــانه ،ومنهــا :أن الربــا ســبب لظهــور المــراض
المستعصــية ،وكــثرة الدواء والوبئة ،وتســلط الحكــام ،
وانتشار الفقر والبطالة ،وكثرة الجريمة ،وشيوع الفســاد
في البلد بين العباد ،وهذا ما تعانيه المة اليوم ،فهل من
مدكر ومتعظ ؟ في الحديث ،ما ظهر الربا والزنا في قوم
إل ظهــر فيهــم الفقــر ،والمــراض المستعصــية ،وظلــم
السلطان ،ومن أعظم آثار الربــا فتك ـا ً ،وأشــدها ضــررا ً ،
أنه سبب لعذاب القبور ،ففــي الحــديث الصــحيح الطويــل
الذي أخرجه البخاري من حديث سمرة بــن جنــدب رضــي
الله عنه ،أن آكل الربا ُ ،يعذب مــن حيــن مــوته إلــى يــوم
القيامة ،بالسباحة في بحر الدم ،ويلقم حجارة من نــار ،
وهذا عذابه في قبره مع لعنة الله له ،أل فاتقوا الله عبــاد
الله ،وذروا ما بقي مــن الربــا ،واتركــوا كــل تعامــل بــه ،
واهجروا كل من تعامل به ،واحرصــوا رحمكــم اللــه علــى
تحري المال الحلل ،ففيه غنية عن الحرام .
أيها المســلمون :لمــا كــثرت البنــوك الربويــة ،وانتشــرت
الــدعايات الصــحفية ،تحــت شــعارات مضــلله ،وروايــات
133
باطلــة ،بأســماء منمقــة ،كالخــدمات البنكيــة ،والنظــام
المصــرفي ،والمــداينات ،والقــرض والفــائدة ،وحســاب
التوفير ،وودائع الئتمان ،ونحـو ذلـك ،لمــا تغيـر مســمى
الربا بتلكم المسميات ،انساق الناس وراء ترهات الحلم
،وسفهاء القلم ،فوقعوا في الربا عيانا ً بيانا ً ،فيا حسرةً
على العباد ،تاهوا في كل واد ،قال صلى الله عليه وسلم
" :يأتي على الناس زمان ل يبقى أحد إل أكل الربا ،ومن
لم يأكله أصابه من غبــاره " ] أخرجــه أبــو داود والنســائي
وابن ماجة [ ،والناظر في واقع المسلمين اليــوم ،يــدرك
مصداقية هــذا الحــديث ،وأي موظــف ل يمــر راتبــه بأحــد
البنوك الربوية ،فسبحان الله ما أحلمه علــى خلقــه ،ومــا
أرأفه بعباده ،وما أصبره على أذاهم ،ينــزل عليهــم نعمــه
ومننــه وخيراتــه ،ويقــابلون ذلــك بالمعاصــي والجحــود
والكفران ،قال تعالى " :يعرفون نعمة الله ثــم ينكرونهــا
وأكثرهم الكافرون " .
أيهــا المســلمون :إن اللـه حــرم الربـا فـي كتــابه العزيــز،
وحرمــه رســوله محمــد صــلى اللــه عليــه وســلم ،وأجمــع
العلماء على تحريمه ،ولم ُيحل في ملة قط ،فمن اعتقد
حله وقد جاءته اليات والحاديث ،فـإنه مفـارق للسـلم ،
وخارج منه ،لكــونه مكــذبا ً للــه ورســوله ،رادا ً علــى اللــه
ن ِبــالل ّهِ وَل َ مُنــو َ ن ل َ ي ُؤْ ِذي َ ورسوله ،قال تعالى َ " :قات ُِلوا ْ ال ّ ِ
ن ه وَل َ ي َـ ِ
ديُنو َ ســول ُ ُه وََر ُ م الل ّ ُ حّر َما َ ن َ مو َحرِ ُ بال ْي َوْم ِ ال ِ
خرِ وَل َ ي ُ َ
دين ال ْحق من ال ّذي ُ
ة عَــن جْزي َـ َطوا ْ ال ْ ِ
حّتى ي ُعْ ُ ب َ ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َِ َ َ ّ ِ َ ِ َ
ن " ،فانظروا عباد الله كيف أذن الله جــل صاِغُرو َ م َي َدٍ وَهُ ْ
وعل بقتال من لم ُيحرم ما حرمه الله ورسوله ،بــل وأذن
في حربهم ،وأخرجهــم مــن دائرة اليمــان والعيــاذ بــالله ،
فالربا حرام لما يحتويه من ظلم للبشرية ،وأكــل لحقــوق
النسانية ،في الربــا تجتمــع جميــع الشــرور ،بفعــل الربــا
تصبح المم طبقتان ،طبقة غنيــة ،وأخــرى فقيــرة ،الربــا
من أســباب الكســل والخمــول ،الربــا حــرام كلــه ،مهمــا
كانت أسبابه ودوافعه ،فليس هناك مسوغ يجيز لعبد مــن
عباد الله أن ينتهك حرمات ربه وخـالقه ،الربـا حـرام فـي
المور الستهلكية والنتاجية ،الربــا حــرام مــع المســلمين
134
وغير المســلمين ،الربــا حــرام ولــو حصــل التراضــي بيــن
الطرفين ،لنـه عـدوان للـه ولرسـوله ،ومعصـية ظـاهرة
الحجة والبيان .
أمة السلم :احذروا سخط الله ومقته وغضــبه ،واجعلــوا
بينكم وبين عذاب الله وقاية ،بفعــل الطاعــات ،واجتنــاب
المنهيــات ،أل وإن أعظــم المنهيــات بعــد الشــرك بــالله
التعامل بالربا ،ول يغرنكم من هلك مع الهــالكين ،فتلكــم
سبيل الغافلين ،وعاقبة المجرمين ،وتعاملوا فيمــا بينكــم
بالمعــاملت الطيبــة النافعــة ،وكونــوا عبــاد اللــه إخوان ـا ً ،
فــرأس المــال والخــبرات ،تــورث المنــافع والخيــرات ،
فاحذروا الربا أيها الناس ،ل يغرنك تسهيلتهم ،فهم واللــه
لم يسهلوها محبة لكم ،وإنمــا يريــدون اقتناصــكم ،فــاليوم
تكـــون المـــور ســـهلة ،وغـــدا ً تجتمـــع الـــديون ،ويكـــثر
المطالبون ،فل تستطيعون وفاءها ،فيعــود الغنــي فقيــرا ً ،
والمــترف مفلســا ً ،فــاتقوا اللــه تعــالى فــي أمــوالكم ،
واحــذروا دخــول الربــا فيهــا ،وابتعــدوا عنهــا طاعــة للــه ،
وخوفا ً من عقوبته ،فمن ترك شيئا ً لله عوضــه اللــه خيــرا ً
منه .
أيها المسلمون :كل الناس يعلم حرمة الزنا ،ولقــد جعــل
الله الربا أشد من الزنا ،قال صــلى اللــه عليــه وســلم " :
درهم ربا ً يأكله الرجل وهــو يعلــم أشــد مــن ســت وثلثيــن
زنية " ] أخرجه أحمد والطبراني فــي الوســط ،وصــححه
اللبــاني [ ،وقــال صــلى اللــه عليــه وســلم " :الربــا ثلث
وسبعون بابا ً ،أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه " ] أخرجه
الحاكم وصححه اللباني [ ،أعاذنا الله وإياكم من مضــلت
الفتن ،وسوء المحن ،بـارك اللـه لـي ولكـم فـي القـرآن
العظيم ،ونفعني وإياكم بما فيه من اليات والذكر الحكيم
،أقول ما سمعتم ،فما كان من صــواب فمــن اللــه ،ومــا
كان من خطأ فأســتغفر اللــه منــه ،واســتغفروه إنــه كــان
للوابين غفورا ً .
الخطبة الثانية
الحمد للــه حمــدا ً حمــدا ً ،والشــكر لــه شــكرا ً شــكرا ً ،لــه
الحمد كله ،وله الشكر كله ،وله الفضل كله ،وأشــهد أن
135
ل إله إل الله ،وحده ل شريك له ،أهل هو أن يعبد ،وأهل
هو أن يشكر ،أهل الثناء والمجــد ،أحــق مــا قــال العبــد ،
وكلنا له عبد ،وأشهد أن محمدا ً عبــده ورســوله ،وصــفيه
وخليله ،صلوات ربي وسلمه عليه ،وعلى آلــه وصــحبه ،
ومن تبع سنته ،واهتدى بهداه . . .أما بعد :
فيا أيها المسلمون :لقد كــثرت الــدعايات للعمــل بالربــا ،
وتعددت مجــالته ،وتنــوعت أســاليبه ،فعلــى المســلم أن
يخشــى اللــه ويتقــه ،ويعلــم أنــه موقــوف بيــن يــديه يــوم
القيامــة ،فمــن معــاملت الربــا المحرمــة اليــوم وأكثرهــا
شيوعا ً :
*** القرض بفائدة ،وصورة ذلك ،أن يقترض شخص من
آخر أو مؤسسة أو بنك مال ً علــى أن يــرده وزيــادة ،فهــذا
هو عين الربا الذي أجمعت المــة علــى تحريمــه ،وجــاءت
النصــوص الشــرعية بمنعــه والتحــذير منــه قــال تعــالى " :
وأحل الله البيع وحرم الربا فمــن جــاءه موعظــة مــن ربــه
فانتهى فله ما سـلف وأمــره إلـى اللـه ومــن عــاد فـأولئك
أصحاب النار هم فيها خالدون " .
*** ومن صور الربا المحرمة ،بيع العينة ،وصورة ذلــك ،
أن يبيع سلعة بثمن مؤجل على شخص ،ثم يشــتريها منــه
بثمن حال أقل من الثمن المؤجــل ،فهــذه معاملــة ربويــة
جعلــت الســلعة فيهــا حيلــة وســتارة فقــط ، محرمــة ُ ،
يتحايلون على الله تعــالى كمــا يتحــايلون علــى الطفــال ،
تعالى الله عــن ذلــك علــوا ً كــبيرا ً ،قــال صــلى اللــه عليــه
وســلم " :لئن تركتــم الجهــاد ،وأخــذتم أذنــاب البقــر ،
وتبايعتم بالعينة ،ليلزمنكم الله مذلة في رقــابكم ل تنفــك
عنكم ،حتى تتوبوا إلى الله ،وترجعوا على ما كنتــم عليــه
" ] أخرجه أبو داود [ .
*** ربا الدين ،وصورته أن يبيع الرجل على آخر بيعا ً إلــى
أجل مسمى ،فإذا جاء الجل ،ولم يكن عند صاحبه قضاء
،زاد في الثمن وأخــر عنــه فــي الــدفع إلــى أجــل مســمى
آخر ،وهذه هو الربا أضعافا ً مضاعفة ،وهــو ربــا الجاهليــة
الذي نهى الله عنه بقوله سبحانه " :يا أيها الذين آمنــوا ل
تأكلوا الربا أضعافا ً مضاعفة واتقوا الله " .
136
*** ربا النسيئة ،وله صــورة متعــددة ،منهــا :أن يقــرض
شخصا ً مبلغا ً من المال على أن يرده وزيادة ،ومنها :بيــع
النقود بالنقود ،أو النقود بالذهب إلى أجل بزيادة ،أو بيــع
ذلك من غير تقــابض فــي المجلــس ،ولــو لــم يكــن هنــاك
زيادة ،فهذا عين الربا الــذي نهــى عنــه النــبي صــلى اللــه
عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري رضي اللــه عنــه
قال :قال رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم " :الــذهب
بالـــذهب ،والفضـــة بالفضـــة ،والـــبر بـــالبر ،والشـــعير
بالشعير ،والتمر بالتمر ،والملح بالملح ،مثل ً بمثــل ،يــدا ً
بيد ،فمن زاد أو استزاد فقد أربى ،الخذ والمعطــي فيــه
ســواء " ] أخرجــه مســلم [ ،وفــي روايــة " :مثل ً بمثــل ،
سواًء بسواء ،يدا ً بيد ،فإذا اختلفت هذه الصــناف فــبيعوا
كيف شئتم إذا كان يدا ً بيد " ] أخرجــه مســلم مــن حــديث
عبادة بن الصامت رضي الله عنه [ ،وقال صلى الله عليه
وســلم " :ل تــبيعوا الــذهب بالــذهب ،إل مثل ً بمثــل ،ول
تشــفوا بعضــها علــى بعــض " ] متفــق عليــه [ ول تفضــلوا
بعضــها علــى بعــض ،وقــال صــلى اللــه عليــه وســلم فــي
الصناف الستة المذكورة " :ول تبيعوا منها غائبا ً بناجز " ]
متفق عليه [ ،وهذه النواع من الربا واقعــة اليــوم بكــثرة
جارفة ،وتكثر في المصارف ،وعند باعة الذهب والحلي ،
وإذا اختلفت الصناف حال البيع ،فيلزم أن تكون مقبوضة
في الحال فقط ،لقوله صلى اللــه عليــه وســلم " :بيعــوا
الذهب بالفضة كيف شئتم ،يــدا ً بيــد ،وبيعــوا الــبر بــالتمر
كيف شئتم ،يدا ً بيد ،وبيعوا الشعير بــالتمر كيــف شــئتم ،
يدا ً بيد " ] أخرجــه مســلم والترمــذي وأبــو داود [ ،ولفــظ
أبي داود " :ول بأس ببيع الذهب بالفضة ،والفضة أكثرهــا
،يدا ً بيد ،وأما نســيئة فل ،ول بــأس بــبيع الــبر بالشــعير ،
والشعير أكثرها ،يدا ً بيد ،وأما نسيئة فل " .
*** ومن صور الربــا اليــوم ،أن ُيعجــل الموظــف اســتلم
راتبــه قبــل نهايــة الشــهر مقابــل فــائدة ماليــة ،يســمونها
عمولة البطاقة ،وفي حقيقتهــا زيـادة ماليــة ربويـة ،يـرى
النــاس ظاهرهــا ،ويخفــى عليهــم باطنهــا ،وهــي معاملــة
ملعون صاحبها وآكلها والمتعامل بها ،فاحــذروا عبــاد اللــه
137
من تلـك اللعيــب المكشــوفة ،الــتي يتحــايلون بهــا علــى
النــاس ،ليــدخل الربــا فــي أمــوالهم ،فتمحــق بركاتهــا ،
وتزول خيراتها .
*** ومــن صــور الربــا ،اســتبدال الــذهب القــديم بــذهب
جديد ،ودفع الفرق بينهما ،وهذا عين الربا ،والصحيح في
ذلك ،أن يبع القديم ويقبض ثمنه ،ثم يشتري جديدا ً .
*** ومن وصر الربــا ،أن يشــتري ذهبـا ً دينـا ً أو أقســاطا ً ،
وهــذا رب ـا ً ل يجــوز التعامــل بــه ،لقــوله صــلى اللــه عليــه
وسلم " :الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة ،والبر بــالبر ،
والشعير بالشعير ،والتمــر بــالتمر ،والملــح بالملــح ،مثل ً
بمثل ،يــدا ً بيــد ،فمــن زاد أو اســتزاد فقــد أربــى ،الخــذ
والمعطي فيه ســواء " ] أخرجــه مســلم [ ،فليحــذر تجــار
العملت ،وتجار السبائك الذهبية ،أل يبيعوا حاضرا ً بغائب
،فلبــد مــن التقــابض والســتلم والتســليم فــي مجلــس
العقد .
*** ومن صور الربــا ،اليــداع بفــائدة ،وصــورته أن يضــع
ماله في أحد البنوك الربوية ،ويعطيــه البنــك فــائدة جــراء
النتفــاع بــالمبلغ ،وهــذا حــرام ،وفيــه تعــاون علــى الثــم
والعدوان ،ومعصية الرحمن .
أيهــا المســلمون :ل ريــب أن المســلمين أخــوة ،يســاعد
بعضهم بعضا ً ،ويعين أحــدهم أخــاه ،بشــفاعة حســنة ،أو
واسطة ل ظلــم فيهــا ،أو غيــر ذلــك مــن أوجــه المنفعــة ،
فمن شفع لخيه أو قضى له منفعة ،فل يجوز له أن يأخــذ
مقابل ذلك أجــرا ً ،ومــن فعــل فقــد أتــى بابـا ً عظيمـا ً مــن
أبواب الربا ،قــال صــلى اللــه عليــه وســلم " :مــن شــفع
لرجل شفاعة فأهدى له عليها فقبلها فقد أتى بابا ً عظيمــا ً
من أبواب الربا " ] أخرجه أبو داود [ ،وقال ابــن مســعود
رضي الله عنه " :مــن شــفع لرجــل شــفاعة فأهــدى إليــه
هدية فهي سحت " ،وقال صلى الله عليه وســلم " :كــل
قرض جر نفعا ً فهر ربا " .
أمة السلم :ربما وقع المســلم فــي الربــا وهــو ل يعلــم ،
فمن كان كذلك ،وجب عليه رد الحقوق إلى أهلها ،وترك
الربا فورا ً ،لنه من أسباب ســخط اللــه ،ومــن وقــع فــي
138
الربا مع بنك أو مصرف أو غيرها فإنه يرفع أمره للمحــاكم
الشــرعية ،ليتــبين الحــق مــن الباطــل ،أل فــاعلموا أيهــا
الناس أن من وقع في الربا عارفا ً أو جاهل ً ،فالعقد باطـل
،لحديث بلل رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى اللــه
عليه وسلم بتمر جيــد ،فقــال لــه النــبي صــلى اللــه عليــه
وسلم " :من أين هذا ؟ " ،فقال :كان عندنا تمر رديء ،
فبعت منه صــاعين بصــاع ،فقــال النــبي صــلى اللــه عليــه
وسلم " :هذا ربا فردوه ،ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنــا مــن
هذا " ] متفق عليه واللفظ لمســلم [ ،وهــذا دليــل واضــح
على بطلن العقد ولو تــم التوقيــع عليــه ،والموافقــة مــن
قبل المتعاقدين ،فكل تلك المور ل تجيز العمل بالربا .
أمة السلم :لقد كان سلفنا الصــالح رحمهــم اللــه تعــالى
ورضــي عنهــم أجمعيــن ،أبعــد النــاس عــن الحــرام ،بــل
وتركوا المباح ،خوفا ً من الوقوع في الحرام ،عرفوا قــدر
الموال ،وأمعنــوا النظــر فــي ســبيلها ،وطــرق الحصــول
عليهــا ،فكــانوا ل يحصــلونها إل مــن طريــق مبــاح ،ول
يصرفونها إل فــي وجــه لــه منفعــة ،ســلكوا فــي تحصــيلها
سبيل الورع ،وفي تصريفها سبيل الكرم والبذل المحمــود
،كان لبي بكر رضي الله عنه غلما ً ،فجاء يوم ـا ً بشــيء ،
فأكل منه أبو بكر رضي الله عنه ،فقال له الغلم :أتدري
ما هذا ؟ لقد كان ثمنا ً للكهانة ،فأدخل أبــو بكــر يــده فــي
فمه فقاء كل شيء في بطنه ،وشرب عمر بــن الخطــاب
رضي الله عنه لبنا ً فأعجبه ،فقال للذي ســقاه :مــن أيــن
لــك هــذا ؟ ،قــال مــررت بإبــل الصــدقة وهــم علــى مــاء
فأخذت من ألبانها ،فأدخل عمر يده فاستقاء ،هكــذا أيهــا
المســلمون كــان ســلفنا الصــالح يخرجــون الحــرام مــن
بطونهم ،بعد أكلــه وهــم جــاهلون بــه ،ومــا ضــرهم ذلــك
الفعل ،بل ملكوا زمام الــدنيا ،ومفاتيــح الخــرة ،وكــانت
حياتهم طيبة ،وعاقبتهم حميدة ،الله أكبر يا عباد الله ،ما
أعظم الفرق بين قوم أخرجوا الحرام من بطونهم ،وقوم
عرفوا الحــرام ،وقــرءوا كتــاب اللــه ،وتــدبروا ســنة نــبيه
صلى الله عليــه وســلم ،ثــم أقــدموا علــى أكــل الحــرام ،
شــتان بيــن الفريقيــن ،فريــق ملكــوا الرض وخيراتهــا ،
139
وفريــق ضــاع ملكهــم اليــوم ،فأصــبحوا عبيــدا ً للهــواء
والشهوات والشبهات ،قال الله تعالى " :إن الله ل يغيــر
ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقــوم ســوء
فل مرد له وما لهم مــن اللـه مـن وال " ،وإذا كـان أخــف
النــاس عــذابا ً يــوم القيامــة ،رجــل توضــع تحــت قــدميه
جمرتان من النار ،يغلي منهما دماغه ،فكيــف بمــن يأكــل
الربا وقد توعده الله بالخلود فــي النــار ،فــاتقوا اللــه أيهــا
الناس ،واعلموا أن الله عز وجــل ختــم آيــات النهــي عــن
الربا ،والمر بــتركه فــي ســورة البقــرة بقــوله تعــالى " :
واتقوا يوما ً ترجعون فيه إلى الله ثم تــوفى كــل نفــس مــا
كســبت وهــم ل يظلمــون " ،فهــل بعــد هــذا البيــان مــن
النصوص الشرعية بيان ؟ لهي أعظم دليل وبرهان ،ولكن
صدق الله العظيم إذ يقول " :إن فــي ذلــك لــذكرى لمــن
كــان لــه قلــب أو ألقــى الســمع وهــو شــهيد " ،وقــوله
سبحانه " :أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلــون إن
هم إل كالنعام بل هم أضل سبيل ً " ،وفي الموضوع أدلــة
كثيرة ،وأخبار غزيرة ،وفيما ذكرت كفايــة ،لمــن أدركتــه
العنايــة ،هــذا وصــلوا وســلموا رحمكــم اللــه علــى النــبي
المختار ،صادق الخبار ،سيد البرار ،حيث أمركــم بــذلك
العزيز الغفار ،فقال الواحــد القهــار " :إن اللــه وملئكتــه
يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صــلوا عليــه وســلموا
تسليما ً "
=============
#وقفة مع خطبة الوداع في تحريم الربا
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
اللهم لك الحمد أنت ربنا وأنــت إلهنــا وأنــت خالقنــا وأنــت
رازقنا وأنت ملذنا وأنت نصيرنا وأنت ظهيرنا وأنت مولنــا
نعم المولى ونعم النصير ،أشــهد أن ل إلــه إل اللــه وحــده
لشريك له وأشهد أن محمدا ً عبد الله ورسوله صــلى اللــه
عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرا ً .
أما بعد :فأوصــيكم عبــاد اللــه ونفســي بمــا يحفــظ العبــد
المــؤمن فــي ذريتــه مــن بعــده أل وهــو تقــوى اللــه ،وقــد
ش
خ َ أوصاكم بذلك ربكم وضمن لكم الثمرة إذ قال }:وَل ْي َ ْ
140
م خــاُفوا عَل َي ْهِـ ْ ضـَعاًفا َ ة ِ م ذ ُّري ّـ ً خل ِْفهِـ ْ ن َ مـ ْ ن ل َـوْ ت ََرك ُــوا ِ ذي َ ال ّـ ِ
دا){9النساء دي ً س ِ ه وَل ْي َُقوُلوا قَوًْل َ فَل ْي َت ُّقوا الل ّ َ
أحبتي في الله في مثل هـذا الموسـم موسـم الحـج وفـي
حجة الوداع قام خيــر البريــة صــلوات ربــي وســلمه عليــه
ومن أوتي جوامع الكلم على صعيد عرفة الطــاهر يخطــب
في جموع المسلمين معه ويضــع لهــم وللمــة مــن بعــدهم
دستور حياتهم ؛ وحيــث أنــه أوتــي جوامــع الكلــم فيصــعب
على عبد ضعيف مثلي أن يعــرض لتلــك الخطبــة الجامعــة
في مثل هذا الموقف ولكن لعلي أقف في كل عام وقفــة
مع تلك الكلمات العظيمة ،وأول كلمــات أقــف معهــا هــي
ل ضوعٌ وَأ َوّ ُ مو ْ ُ جاهِل ِي ّةِ َ قوله صلى الله عليه وسلم )):وَرَِبا ال ْ َ
ربا أ َ
ضــوعٌ مو ْ ُ ه َ ب فَـإ ِن ّ ُ مط ّل ِـ ِ ن عَب ْـدِ ال ْ ُ ِ ـ ْ ب س ِ ـا ـ ّ ب َ ع با
َ ِ ر ناَ با َ ِ ر ُ ع ض
َ ًِ
ه(( ،نعم إنــه تحريــم لتلــك الفــة العظيمــة الــتي طالمــا ك ُل ّ ُ
دمرت دول وأفقرتها وحولتها من حال الغنى لحال الفقر ،
تلك الفـة الـتي تمثـل أبشـع أنـواع السـتغلل مـن الغنـي
للفقير ،ذم الله جل جلله في كتابه أمــم مــن قبلنــا أكلــت
الربا وبين أنه كان من بين أســباب عقــوبتهم حيــث قــال :
م ت ل َُهــ ْ حل ّ ْت أُ ِ م ط َي َّبا ٍ مَنا عَل َي ْهِ ْ حّر ْ دوا َ ها ُ ن َ ذي َ ن ال ّ ِ م ْ } فَب ِظ ُل ْم ٍ ِ
م الّرَبا وَقَد ْ ن ُهُــوا عَن ْـ ُ
ه خذِهِ ْ ل الل ّهِ ك َِثيًرا وَأ َ ْ سِبي ِ ن َ م عَ ْ صد ّهِ ْ وَب ِ َ
َ
ل وَأعْت َد َْنا ل ِل ْ َ َ وأ َ
ذاًبا م عَ َ من ْهُ ْ ن ِ ري َ كافِ ِ س ِبال َْباط ِ ِ ِ نا
ّ ال َ
ل وا َ م
ْ أ م
ْ ِ ه ِ ل ْ ك َ
ما){161النســاء ،أيهــا الحبــة فــي اللــه لقــد نهانــا ربنــا َ
أِلي ً
وخالقنا عن أكل الربا في مواطن عدة مــن كتــابه الكريــم
َ
يما ب َِق َ ه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ نآ َ ذي َ فقال سبحانه َ }:ياأي َّها ال ّ ِ
ن) {278وقــال عظــم شــأنه: مِني َ مــؤْ ِ م ُ كنُتــ ْ ن ُ ن الّرَبــا إ ِ ْ مــ ْ ِ
َ ْ َ
ة َوات ُّقــوا ضــاعََف ً م َ ضَعاًفا ُ مُنوا َل ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ نآ َ ذي َ } َياأي َّها ال ّ ِ
ن) ،{130وحــذرنا منــه أيضــا ً حبيبنــا حــو َ م ت ُْفل ِ ُ كــ ْ ه ل َعَل ّ ُ الّلــ َ
ورسولن صلى الله عليـه وسـلم :حيــث عــده مــن السـبع
الكبائر الموبقات ،وقد بدل لنا وهو الناصح الشفوق بــأمته
الجهد في ضرب المثال لشناعة هــذا الفعــل حيــث قــال :
))الربا ثلثــة وسـبعون بابـا ً أيســرها مثـل أن ينكــح الرجـل
أمه ((..أخرجــه الحــاكم وصــححه والــبيهقي والبــن جريــر،
سُرهُ أن ينكح أمه وهو ما يعــادل أدنــى َ
فقولوا لكل الربا أي َ ُ
أبواب الربا فكيف بمن يأتي بأعظمها ،عباد الملك الجبــار
141
لشك أنكم تعلمون شدة جريمة الزنــا وحرمتهــا ومــا أعــد
اللــه لفاعلهــا ،لكــن جريمــة الربــا أشــد أخــبر بــذلك مــن
لينطــق عــن الهــوى إن هــو إل وحــي يــوحى حيــث قــال:
م أَ َ ْ
ن سـت ّةٍ وَث ََلِثيـ َ ن ِ مـ ْ شـد ّ ِ ل وَهُوَ ي َعْل َ ُ ج ُ ه الّر ُ م رًِبا ي َأك ُل ُ ُ ))دِْرهَ ٌ
ة (( ،ومن خطورة جريمة الربا ياعباد الله أنها لتقتصــر َزن ْي َ ً
على أكل الربا وموكله لكنها تمتد لتشــمل كــل مــن أعــان
ل الل ّـ ِ
ه ســو ُن َر ُ ل ل َعَ َ سُعودٍ َقا َ م ْ ن َ ن اب ْ ِ عليه أو شارك فيه فعَ ِ
شــاهِد َي ْهِ وَك َــات َِبه ه وَ َ م ـؤْك ِل َ ُ ل الّرَبا وَ ُ م آك ِ َ سل ّ َه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ َ
ُ(أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح فأين من يعملون في
كتابة الربا عن هذا الوعيــد أيحــب أحــدهم أن تنــاله اللعنــة
والعياذ بالله وهل يعلم معن اللعن بأنه الطرد والبعاد عــن
رحمة الله ،فهل إذا لم يرحمه الله تكفيــه رحمــة صــاحب
الربا الذي يعمل لديه ؟ هــذا إن كــان فــي قلبــه رحمــة ول
أخال من تعامل بالربا في قلبــه رحمــة .عبــاد اللــه تعــالوا
ننظر إلى حال آكل الربا في الدنيا ماذا يحصل لمواله ولو
جمــع الملييــن مــن الريــالت يخبرنــا بــذلك العليــم الخــبير
ب حـ ّ ه َل ي ُ ِ ت َوالل ّـ ُ ص ـد ََقا ِ ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ حقُ الل ّ ُ م َبقوله }:ي َ ْ
َ َ
ل وا ِم َوا ِفي أ ْ ن رًِبا ل ِي َْرب ُ َ م ْ م ِ ما آت َي ْت ُ ْم{ويقول }:وَ َ ل ك َّفارٍ أِثي ٍ كُ ّ
ه جـ َ ن وَ ْ دو َ
ريـ ُ ن َزك َــاةٍ ت ُ ِ م ْ م ِ ما آت َي ْت ُ ْعن ْد َ الل ّهِ وَ َ س فََل ي َْرُبوا ِ الّنا ِ
ُ
ن{ ،فقــد تعهــد الجبــار بمحــق ض ـعُِفو َ م ْ م ال ْ ُك هُ ـ ْ الل ّهِ فَ ـأوْل َئ ِ َ
أموال الربا مهما عظمت وهو جل جللــه ليخلــف الميعــاد
وقد يقول بعض من قصر نظره إنــا نــرى أناس ـا ً مــن أكلــة
الربا لم تمحق أموالهم فنقول لهم دققوا النظر في حالهم
واعرفوا أحــوالهم وحيــاتهم الشخصــية وانتظــروا عــاقبتهم
م بما عند قــارون وسترون المحق واضحا ً جليًا،ألم يغتر قو ٌ
من أموال وإمهال الله له ثم لما نزل به العقاب تبصــروا؟
ثم إن آكل الربا يقطع الحبل الذي بينــه وبيــن خــالقه وهــو
الدعاء فالعبد ضــعيف بــذاته ليملــك لنفســه ضــرا ً ولنفعـا ً
س َ
مفتقر لربه في كل أموره يقول جـل وعلَ }:ياأي َّهـا الّنـا ُ
َ
د{ وجعــل لنــا ميـ ُ ح ِ ي ال ْ َ ه هُوَ ال ْغَن ِـ ّ م ال ُْفَقَراُء إ َِلى الل ّهِ َوالل ّ ُ أن ْت ُ ْ
جل شأنه الدعاء وسيلة التصال بين فقرنا وغناه،وقد أخبر
صــلى اللــه عليــه وســلم عــن الرجــل أشــعث أغــبر يطيــل
السفر يمد يديه إلى السماء يــارب يــارب ومطعمــه حــرام
142
ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لــذلك فكيــف
بالله بمن أكل الربا،آكل الربا يوبق نفسه وأهله قال صلى
ن ب ْبــ َ ة)):يــاك َعْ َ جَر َ ن عُ ْ ب بْ َ الله عليه وسلم في وصيته لك َعْ َ
ت الّناُر أ َوَْلــى كان َ ِ ت إ ِّل َ ح ٍ س ْ ن ُ م ْ
ت ِ م ن َب َ َ ح ٌ ه َل ي َْرُبو ل َ ْ جَرةَ إ ِن ّ ُ عُ ْ
ه((أخرجــه المــام أحمــد والترمــذي وحســنه فهــذا يؤكــل بِ ِ
زوجته وأولده من سحت الربا فكيف يكــون حــالهم،ولــذى
أقول أيها الحبة أنه من زار شخص يتعامل أو يعمل
بالربا فل يأكل وليشــرب مــن مــاله حــتى ل ينطبــق عليــه
الحديث ،هذه صورة موجزة لحال آكل الربا في الدنيا أمــا
في حياة البرزخ فإنه في عذاب عظيــم فقــد ورد أن أكلــة
الربا في حياة البرزخ ملقون علــى سـابلة آل فرعـون -أي
علــى طريقهــم -وآل فرعــون كمــا أخبرنــا العليــم الحكيــم
يعرضــون علــى النــار كــل يــوم مرتيــن فــي الصــباح وفــي
المساء ،وكلما ذهبوا أو عادوا وطيؤا أكلة الربــا بأقــدامهم
وأكلة الربا كلما أرادوا الفرار من هذا المكــان ثقلــت بهــم
بطــونهم لن لهــم بطــون كــالبيوت تميــل بهــم فيعــودون
لتطأهم أقدام آل فرعــون القــذرة ،أمــا حــال القيــام مــن
ن ذي َ القبور للبعث فحــالهم أخــبر بهــا العظيــم بقــوله }:ال ّـ ِ
خب ّ ُ ْ
هطــ ُ ذي ي َت َ َ م اّلــ ِ مــا ي َُقــو ُ ن إ ِّل ك َ َ مــو َ ن الّرَبــا َل ي َُقو ُ َيــأك ُُلو َ
س{ ،ثم يــوم القيامــة هــو فيــس عــذاب م ّ ن ال ْ َ م ْ ن ِ طا ُ شي ْ َ ال ّ
أليم ففي حديث الرؤيا عنــد البخــاري وصــف عــذاب أكلــة
ي ل الن ِّبــ ّ ل َقا َ ه َقا َ ه عَن ْ ُ ضي الل ّ ُ ب َر ِ جن ْد ُ ٍ ن ُ مَرةَ ب ْ ِ س ُ الربا):عن َ
َ َ ة َر ُ َ َ
جاِني خَر َ ن أت ََياِني فَأ ْ جلي ْ ِ ت الل ّي ْل َ َ م َرأي ْ ُ سل ّ َ ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ َ
َ َ َ َ َ
إ َِلى أْر
ه
ن د َم ٍ ِفي ِ ْ م
حّتى أت َي َْنا عَلى ن َهَرٍ ِ سةٍ َفان ْطلْقَنا َ مَقد ّ َ ض ُ ٍ
ل جاَرةٌ فَأ َقَْبــ َ ح َ ن ي َد َي ْهِ ِ ل ب َي ْ َ ج ٌ ط الن ّهَرِ َر ُ س ِ م وَعََلى وَ َ ل َقائ ِ ٌ ج ٌ َر ُ
ذا أ َراد الرجـ ُ َ
مــى ج َر َ خـُر َ ن يَ ْ لأ ْ ذي فِــي الن ّهَـرِ فَـإ ِ َ َ َ ّ ُ ل ال ّـ ِ ج ُ الّر ُ
جـاَء مـا َ ل ك ُل ّ َ جعَـ َ ن فَ َ كـا َ ث َ حْيـ ُ جرٍ ِفي ِفيـهِ فَـَرد ّهُ َ ح َ ل بِ َ ج ُ الّر ُ
ذا مــا هَ ـ َ ت َ ن فَُقل ْـ ُ كا َ ما َ جع ُ ك َ َ جرٍ فَي َْر ِ ح َ مى ِفي ِفيهِ ب ِ َ ج َر َ خُر َ ل ِي َ ْ
َ
ل الّرَبا ( ،وأشد من ذلــك مــا ه ِفي الن ّهَرِ آك ِ ُ ذي َرأي ْت َ ُ ل ال ّ ِ فََقا َ
قد توعد الجبار به من أكل الربا من هذه المة ولم ينتهــي
ن مـ ْ بعد أن عرف الحكم بالخلود في النار حيــث قــال }:فَ َ
ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ
مُرهُ إ َِلى الل ّ ِ
ه ف وَأ ْ ُ َ َ ََ عظ َ ٌ ِ ْ َ ّ ِ مو ْ ِ جاَءهُ َ َ
ن)،{275 َ َ ُ
عاد َ فَأوْلئ ِ َ
دو َ خال ِـ ُ م ِفيهَــا َ ب الن ّــارِ هُ ـ ْ حا ُ ص َ كأ ْ ن َ م ْ وَ َ
143
وكم تحايل قوم على أكــل الربــا فمنهــم مــن يحتــج بحجــة
قديمة فيقول إنما الــبيع مثــل الربــا فــرد عليهــم اللــه جــل
جلله من فوق سبع سموات بقوله }:ذ َل َ َ
ما م َقاُلوا إ ِن ّ َ ك ب ِأن ّهُ ْ ِ
َ
م الّرَبا{ ،وسموه قــوم حّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ
ل الّرَبا وَأ َ مث ْ ُال ْب َي ْعُ ِ
باسم الفوائد البنكية ،وقال قوم إن الربا المحرم لينطبق
علــى تعــاملت البنــوك الربويــة المعاصــرة ،وهكــذا شــبه
وتحوير وتمويه يقــوم بهــا أكلــة الربــا ليظلــوا فــي أوســاط
المســلمين ،وأوجــز القــول أيهــا الحبــة فــي اللــه لضــيق
الوقت في الربا بأنه نوعان الول ربا الفضــل وهــو مبادلــة
مال بمثله متفاضل ً ،كأن تستبدل عشرة ريــالت ســعودية
بتسعة ريالت سعودية في نفس الــوقت ،وهــذه الصــورة
تقــع عــادة عنـد مـن يصـرفون الريــالت الورقيـة لمعدنيــة
لغرض استخدام هاتف العملة ،أو عند تجار الذهب حينمــا
تــذهب المــرأة بــذهب قــديم لســتبداله بــذهب جديــد ،
والحوط في صورة الذهب أن تبيع المرأة الــذهب القــديم
على الصائغ وتتسلم المبلــغ ثــم هــي بالخيــار إن أرادت أن
تشتري منه بالنقود أو من غيره ذهبا ً جديدا ً ،أمــا اســتبدال
الريال بالعملت الجنبية الخرى ولو كان متفاضل ً فل بأس
به بشرط أن يكون يدا ً بيد ،ومثاله إذا صرف رجــل دولرا ً
أمريكيا ً بأربعة ريالت فل بأس بشرط أن يقبض في نفس
المجلس أما إن تأخر ولو لزمن بسيط عن مجلــس العقــد
فقد دخل في الربــا .أعــوذ بــالله مــن الشــيطان الرجيــم :
َ
ن ن الّرب َــا إ ِ ْ مـ ْي ِ ما ب َِق ـ َ ه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ نآ َ َ } َياأي َّها ال ّ ِ
ذي
ْ
ه
سول ِ ِ ن الل ّهِ وََر ُ م ْ ب ِ حْر ٍ م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ ن لَ ْ مِنين فَإ ِ ْ مؤ ْ ِ م ُ كنت ُ ْ ُ
َ
ن مــو َ ن وََل ت ُظ ْل َ ُ مــو َ م َل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْمـ َسأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُـ ْ ن ت ُب ْت ُـ ْ وَإ ِ ْ
َ
خي ْـٌر صـد ُّقوا َ ن تَ َ سـَرةٍ وَأ ْ سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ
مي ْ َ ذو عُ ْ ن ُ كا َ ن َ وَإ ِ ْ
م ن ِفيهِ إ َِلى الل ّهِ ُثــ ّ جُعو َ ما ت ُْر َ ن َوات ُّقوا ي َوْ ً مو َ م ت َعْل َ ُ كنت ُ ْن ُ م إِ ْ ل َك ُ ْ
ن{ مو َ م َل ي ُظ ْل َ ُ ت وَهُ ْ سب َ ْ ما ك َ َ س َ ل ن َْف ٍ ت ُوَّفى ك ُ ّ
الخطبة الثانية
الحمدلله على إحسانه والشكر لــه علــى تــوفيقه وامتنــانه
وأشهد أن ل إله إل الله تعظيما ً لشــأنه وأشــهد أن محمــدا ً
عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليــه وعلــى
آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليما ً كثيرا ً .أما
144
بعد:فالنوع الثاني من أنواع الربا هــو ربــا النســاء،وصــورته
أن يقرض الرجـل مـال ً إلـى أجـل علـى أن يـرده بزيـادة ،
ومثاله أن يقرض بنك شخص ما مبلــغ ثلثمــائة ألــف ريــال
علــى أن يعيــدها المقــترض ثلثمــائة وســبعون مث ً
ل،فهــذا
المبلغ الزائد عن الثلثمائة وهي أصل القرض هي الربا،بل
حتى ولو اشــترط زيــادة ريــال واحــد فهــو ربــا،لكــن هنــاك
صورة ليست من الربا وهي أن يقترض الرجــل مــن أخيــه
مبلغ ألف ريال ثم يرده إليه بل شــرط ممــن أقرضــه ألــف
ومائة ريال فهذا من حسن القضاء ول بأس به،أيهــا الحبــة
في الله وقــد يقــول قــائل أنــا ل أتعامــل بالربــا ولكــن لــي
أسهم في مؤسسات تتعامل بالربــا فنقــول لــه إن الســهم
هو حصة شــائعة فــي ملكيــة هــذه المؤسســة فعليــك إثــم
تعامل تلك المؤسسة بالربا لنك تملكت فيها حصــة وأنــت
تعلم أنها تتعامل بالربا،أيها الحبة في الله إن الحديث عــن
أحكام الربا يطول ول تكفيه مثل هذه العجالة لكني أدعــوا
كل من يخشى اللــه واليــوم الخــر ويحــرص علــى إطعــام
أهله وولده من حلل أن يسأل أهــل العلــم قبــل أن يقــدم
على أي تعامل مالي يشك في حكمــه،ونحــن بفضــل اللــه
في هذه البلد قد تيسر لنا سبل العلم الشــرعي والفتــوى
في أمور ديننا ودنيانا،أحبتي في الله هناك فئة مــن النــاس
ضعفت أمام الغراءات التي تقدمه مؤسسات الربــا حيــث
تقدم قروض ـا ً كــبيرة بشــروط ميســرة ،فيــأتي الشــيطان
ليقــول لهــذا العبــد الــذي ضــعف يقينــه وإيمــانه بربــه إنــك
محتاج لخذ القرض لضرورة،خذه حتى تشتري أرضا ً خــذه
حتى تشتري سيارة خذه حتى تعمر عمارة،فينجــرف ذلــك
العبد ويقترض في الربا فيقع في فخ نصبه له عدوه اللذوذ
أبليس ليوبق عليه دنياه وآخرتــه ،نقــول لمثــل هــذا تــذكر
كيف لو أنك أخذت هذا القرض وعمرت عمارتــك ثــم قبــل
أن تدخلها جاءك ملك المــوت ليقبـض روحــك كيـف يكـون
حالك؟وبأي وجه تقابل ربــك وقــد تلطخــت يــداك بالربــا ؟
ستحاسب عن هذا الثم العظيم وحدك وسيتنعم بالعمــارة
وثتك،عباد الله إن من رحمة الله بنا أن فتح لنا باب التوبــة
والياب فمن تلطخ بشيء من ذلك فليتب لربه ولينته فإن
145
الله تواب رحيم ومن أبى فل يلومن إل نفسه ،اللهــم هــل
بلغت اللهم فاشهد .
==============
#الربا
يحيى بن موسى الزهراني
الخطبة الولى
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،وأشهد أن ل إله إل
الله وحده ل شريك له ،كثير الخيرات ،وعظيم البركات ،
وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله نــبي الهــدى والرحمــات ،
عليه من ربه أفضل الصلوات وأزكــى التســليمات ،وعلــى
آله وأصحابه أهل التقى والكرامـات ،ومـن تبعـه بإحسـان
إلى يوم العرصات . . .أما بعد :
لقد بعث الله نبيه محمدا ً صـلى اللــه عليــه وسـلم بالهــدى
ودين الحق ،فأبطل الله به مسالك الجاهلية ،وقضــى بــه
علـــى معـــالم الوثنيـــة ،فاستأصـــل شـــأفتها ،واجتـــث
جرثومتها ،وفي طليعة ذلك الكبيرة العظيمــة ،والجريمــة
الشــنيعة ،والمعصــية المتوعــد عليهــا بــالحرب مــن اللــه
ورســوله ،أل وهــي جريمــة ) الربــا ( ،فهيهــات أن ُتعمــر
الحيــاة وتشــاد الحضــارات وأنــاس يتعــاطون الربــا ،ول
يرعون للنســان كرامــة ،ول للعقــول حصــانة ،ول للــدين
صيانة .
فلما جاء السلم بعقيدة التوحيد الخالصة للــه ،وأشــرقت
أنوارها في جميع أصقاع المعمورة ،حــررت القلــوب مــن
رق العبودية لغير الله ،ورفعــت النفــوس إلــى قمــم العــز
والشموخ ،وسمت بالعقول عن بؤر المال وحبــه ،وعلــت
بالقلوب عن مستنقعات المــال الحــرام .كيــف ل وعقيــدة
المسلم أعز شيء عنده ،وأغلى شيء لــديه ،بهــا يــواجه
أعتى التحديات ،وبهـا يصـبر علــى البتلءات ،وبهـا يـترك
الغــراءات ،ويقــاوم موجــات القلــق والرق ،والكــتئاب
النفسي والضطرابات ،وبها يقيم سدا ً منيعا ً ،ودرعا ً متينا ً
أما زحف المال الحرام ،والغزو الفكري والعقدي ،ويحذر
من بضاعة اليهود الحاقدين ،أكلة الربــا المغرضــين ،مــن
هنا كانت أنبل معارك العقيــدة ،تحريــر العقــول النســانية
146
من كل ما يصادم الفطر ،ويصادر الفكر ،ويغتال المبادئ
والقيم .
لقد حــد اللــه ســبحانه وتعــالى لعبــاده حــدودا ً مــن تعــداها
وتخطاها إلى غيرها وقع فــي الحــرام وأدى بنفســه للهلك
والدمار ،وعــرض نفســه للعــذاب والعقــاب ،ففــي تعــدي
حدود الله ظلم للنفس البشرية ،ومعصــية لــرب البريــة ،
وهذا من أشــد أنــواع الظلــم ،ظلــم النســان لنفســه ،إذ
كيــف بإنســان وهبــه اللــه عقل ً وحكمــة وعلم ـا ً وخــط لــه
خطوطا ً ،وأرسل له رسل ً ،وأنزل له كتبا ً ،فتبين له الحق
مــن الباطــل ،ثــم يصــر علــى المعصــية وفعــل الــذنب ،
واقــتراف الصــغيرة والكــبيرة ،فمــن تعــدى حــدود اللــه ،
وانتهك محارمه غير مراع لمر ول نهي ،فقد أعد اللــه لــه
من العقوبة جزاًء وفاقا ً و } إن الله ل يظلـم النــاس شـيئا ً
ولكن الناس أنفسهم يظلمون { ،ولقد جاء الكتاب العزيز
،مرغبا ً في الخير ،ومرهبا ً من الشــر ،آمــرا ً بــالمعروف ،
وناهيا ً عن المنكر ،فيه وعد ووعيد ،وتخويف وتهديد ،فيه
الوامــر والنــواهي ،فنــأى بأتبــاعه عــن أوهــام الجاهليــة ،
وطهر نفوسهم من رجز الوثنيــة ،وابتعــد بهــم عــن براثــن
السفاف ،وبــؤر الســتخفاف فــي كــل صــوره وأنمــاطه ،
ويأتي في طليعة ذلك ) جريمة الربا ( لما يمثله من طعنــة
نافذة في صميم العقيدة ،وشرخ خطير في صرح التوحيد
،وتمــزق مــزر يضــعف القــوة ،ويــذهب العــزة ،ويجلــب
النتكاسة ،وسوء الخاتمة ،ويلحق الهزائم ،ويقضي على
العــزائم ،فتقــع الضــطرابات فــي المجتمــع ،وتحصــل
الفوضى في المــة ،فتغــرق ســفينتها فــي مهــاوي العــدم
والردى ،ولذا فقد نهى الشارع الكريم عــن ) الربــا ( فــي
محكم التنزيل ،وحذر من عاقبته السيئة ونهــايته المؤلمــة
فقال الله تعالى } :وأحل الله البيع وحرم الربا { ،فالربا
حــرام كلــه ،كــثيره وقليلــه ،بجميــع أشــكاله وأنــواعه ،
وصوره ومسمياته ،ولم يأذن الله في كتابه العزيز بحــرب
أحد إل أهل الربا ،فالناظر على مســتوى الفــراد والــدول
يجد مدى الخراب والدمار الذي خلفه التعامــل بالربــا مــن
الفلس والكساد والركود ،والعجـز عـن تسـديد الـديون ،
147
وشلل في القتصــاد ،وارتفــاع مســتوى البطالــة ،وانهيــار
الكــثير مــن الشــركات والمؤسســات ،وجعــل المــوال
الطائلة تــتركز فــي أيــدي قلــة مــن النــاس ،فأصــبح ناتــج
الكدح اليومي يصـب فـي خانـة تسـديد الربـا ،ولعـل هـذا
شيء من صــور الحــرب الــتي توعــد اللــه بهــا المتعــاملين
بالربا فقال جــل وعل } :يــا أيهــا الــذين آمنــوا اتقــوا اللــه
وذروا ما بقي من الربا إن كنتــم مــؤمنين فــإن لــم تفعلــوا
فأذنوا بحــرب مــن اللــه ورســوله { إنهــا بضــاعة مزجــاة ،
وتجارة كاسدة ،وحرب خاسرة مع اللــه تعــالى ،حــرب ل
تجدي فيها السفن ول الطائرات ،ول تنفع فيها القنابل ول
الدبابات ،فهي مع خالق الرض والسموات ،الــذي يقــول
للشيء كن فيكون ،فكيف يخوض عبد ضعيف ل حول لــه
ول قوة حربا ً ضروسا ً مع من له جنود الســموات والرض ،
وله جنود ل يعلمها إل هــو ،إنهــا حــرب غيــر متكــافئة مــن
أقدم عليها من البشر فقد أهلك نفسه وأذاقها ألم العذاب
ومرارة العقاب ،وضنك العيش في الدنيا والخرة
فكم نرى ونسمع عن أهل الربا وآكليه والمتعاملين به ومـا
حل بهــم مــن جنــود اللــه عــز وجــل فالســرطان وأمــراض
الشرايين والذبحة الصدرية وموت الفجأة من جنود الله }
وما يعلم جنود ربك إل هو { ،وقــال تعــالى } وللــه جنــود
السموات والرض وكان الله عليم ـا ً حكيم ـا ً { ،واســتمعوا
لعظمة جندي من جنــود اللــه تعــالى ،أخــبر عنــه الصــادق
المصــدوق صــلى اللــه عليــه وســلم فقــال ُ ] :أذن لــي أن
ُأحدث عن ملك من ملئكة الله تعالى من حملة العــرش ،
ما بين شـحمة ُأذنـه إلـى عـاتقه مسـيرة سـبعمائة سـنة [
) رواه أبــو داود وغيــره وأورده اللبــاني فــي السلســلة
الصحيحة ( ،سبحان الله العظيم ،إذا كان هــذا ملــك مــن
ملئكة الرحمن عز وجــل ،وخلــق مــن خلقــه ،وعبــد مــن
عباده ،فكيف بالخالق تعالى وتقدس ،يقول الله تعــالى :
} وما قدروا اللــه حــق قــدره والرض جميعـا ً قبضــته يــوم
القيامة والسموات مطويات بيمينــه ســبحانه وتعــالى عمــا
يشركون { ،ويقول تعالى } :فلينظر النسان مم خلق *
خلق من ماء دافق * يخرج مــن بيــن الصــلب والــترائب {
148
ويوم القيامة يقال لكل الربا خذ سلحك واســتعد للحــرب
مع الله ،استعد لخوض غمار الحرب مع من بيده ملكــوت
كل شيء ،مع من له جنود السموات والرض ،وما يفعــل
ذلك النسان صاحب اللحم والعظم في مثل ذلك الموقف
الرهيب العصيب ولكن } وما يؤمن أكثرهم بــالله إل وهــم
مشركون { فل حول ول قوة إل بالله العظيم .
معاشر المســلمين :لقــد شــبه اللــه عــز وجــل آكــل الربــا
بالمجنون والمصروع عندما يخرج من قــبره إلــى محشــره
فهو يتخبط فــي الرض ل يــدري مــا الخطــب ول يعلــم مــا
المر كمـا كـان يتخبـط فــي مــال اللـه بغيــر حـق ) الــذين
يــأكلون الربــا ل يقومــون إل كمــا يقــوم الــذي يتخبطــه
الشيطان من المس ( فأكلة الربا يقومون ويسقطون كما
يقوم المصروع لنهم أكلوا الموال ربا ً وحراما ً في الــدنيا ،
فانتفخت به بطونهم حتى أثقلتهم عن الخروج من قبورهم
يــوم القيامــة فكلمــا أرادوا النهــوض ســقطوا ،يريــدون
السراع مع الناس فل يستطيعون .قال صــلى اللــه عليــه
وسلم ] :إن رجال ً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهــم
النار يــوم القيامــة [ ) رواه البخــاري ( ،ولكــن وللســف :
) وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ( ،وقال صلى الله
عليه وسلم ] :كل جسـد نبـت مـن السـحت فالنـار أولـى
به [ ) رواه البخاري ( فالمال الحرام سبب لدخول النيران
،والبعد عن الجنان ،فقد جاء في الحديث عند الترمــذي ]
ل يدخل الجنة جسد غذي بالحرام [ ،فأكل المــال الحــرام
من ربا ً وغيره من أعظم موانع الدعاء ،أل ترى آكل الربــا
يدعو ليل ً ونهارا ً فل يستجاب لــه ،تــتراكم عليــه المصــائب
والمحن ،فل يستجاب له ،إنه مصداقا ً لقول النــبي صــلى
الله عليه وسلم ] :إن الله تعالى طيب ل يقبــل إل طيب ـا ً ،
وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقــال تعــالى
} يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ً { وقــال
تعالى } يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقنــاكم {
ثم ذكر الرجل يطيل الســفر أشــعث أغــبر يمــد يــديه إلــى
السماء ،يارب يارب ،ومطعمه حــرام ،ومشــربه حــرام ،
149
وملبســه حــرام ،وغــذي بــالحرام ،فــأنى يســتجاب لــه [
) رواه مسلم ( .
ولقد جاء التحذير من تعاطي الربــا أو التعامــل بـه ،ولعـن
صــاحبه وطــرده مــن رحمــة اللــه عــز وجــل وإبعــاده عــن
مرضاته سبحانه وتعالى ،ففي حــديث بــن مســعود رضــي
الله عنه قال ) :لعن رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم
آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء ( ) رواه
مســلم ( أي أنهــم ســواء فــي الثــم والمعصــية ،والجــزاء
والعقاب ،قال صلى اللــه عليــه وســلم ) :اجتنبــوا الســبع
الموبقات ) آي المهلكات ( قالوا يارسول الله :وما هــن ؟
قال :الشرك بالله والسحر وقتل النفس الــتي حــرم اللــه
إل بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحــف
وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات ( ) رواه الشيخان (
.
أيها المؤمنون عباد الله :عندما تنقلب الموازين ،وتنتكس
الفطر ،وتتحطم القيم ،ويقع النسان فــي أوحــال الــذنب
والكبيرة ،ويغوص في أعماق المعصية والرذيلة ،ويتلطــخ
بأوصاف قذرة قبيحة ،عند ذلك يصبح النسان في مصاف
البهائم ،وتلحقــه لومــة اللئم ،ولكــن العجيــب والعجــائب
جمــة قصــة ذلــك الســاذج البســيط ،الــذي فقــد عقلــه ،
وأسلمه لعدوه ،الشــيطان وأعــوانه ،فنــأى بنفســه بعيــدا ً
عن التوحيد ،ورمى بها في مستنقعات الجهل وحب المال
الحرام ،فلقد جاء شاب من أهــل الغفلــة والضــياع ،إلــى
المسؤول يطلب منه اســتقطاعا ً مــن راتبــه لعمليــة ربويــة
محرمة مع أحد البنوك الربوية ،وعندما وجــه إليــه النصــح
والرشاد ،والتخويف من أجــل الــترك والبتعــاد ،مســنودا ً
بقول أفضــل العبــاد صــلى اللـه عليــه وســلم الــذي قــال :
) الربا ثلثــة وســبعون بابـا ً أيســرها مثــل أن ينكــح الرجــل
أمه ( ،فبدل أن يقوم بشكر ذلك الناصح المين ،وحــامل ً
له هم الخوة فــي الــدين ،بــل رد قــائل ً :اعتــبرني ناكح ـا ً
للسرة كلها ،إنه والله الخســران المــبين ،والــران الــذي
غطــى القلــوب ،وأعمــى البصــار ،إن الزنــا مــع الغريبــة
عظيم ،فكيف بذات الرحم ؟ لقــد انســاق وراء الوهــام ،
150
واستسلم للباطيل وتفاهة الحلم ،فهو كالفراش يتهافت
علــى النــار ،إنــه أمــر مــذهل ،وجــواب مخجــل ،إن مــن
الحيوان الذي ل يفكر ،ول يمكن أن يقــدر ،مــن ل يمكــن
أن يقــع علــى أمــه ،فــذكر الــدميري فــي حيــاة الحيــوان
الكبرى وفي طيات كلمــه عــن الجمــل ،فقــال :ل يمكــن
للجمل أن ينزو على أمه ،فكان رجــل فــي ســالف الــدهر
ستر ناقة بثوب ثم أرسل ولدها عليها فلما عرف أنها أمــه
قتــل نفســه ،فســبحان اللــه العظيــم ،جمــل أعقــل مــن
رجل ،وحيوان أفهم من إنسان ،فهذا إنسان ل يبالي بــأن
ينكح أسرته من أجل حفنة من مــال حــرام ،وذاك حيــوان
يقتل نفسه لنه وقع على أمــه ،فشــتان مــا بيــن الثنيــن ،
فاحذروا عباد الله من عاقبة الربا وأكله ،فهو الطريق إلى
النار ،وبئس القرار .
ل وأن معاشر المسلمين :إن الربــا وإن كــثر فهــو إلــى قِ ـ ّ
بركته ممحوقة يقول الله تعالى ) يمحق الله الربــا ويربــي
الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم ( .وقال صــلى اللــه
عليه وسلم ] :الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل [ )
رواه الحاكم وهو في صحيح الجــامع ( ،فآكــل الربــا كــافر
كفر نعمة ،وإن استحله فهو كافر خارج من الدين ومــارق
منه ،يستتاب فإن تاب وإل قتل مرتدا ً والعياذ بالله ،فخير
اللــه إليــه نــازل وشــره إلــى اللــه صــاعد قــال تعــالى :
} أفبنعمة الله يجحدون { وقال تعالى } :يعرفون نعمــت
الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون { فآكل الربا ل يرضى
بما قسم الله له من الحلل ،ول يكتفي بما شرع لــه مــن
الكســب المبــاح ،بــل يســعى فــي أكــل المــوال بالباطــل
بأنواع المكاسب الخبيثة ،وأنواع العقود الخسيســة ،فهــو
جحود لما عليــه مــن النعمــة ،ظلــوم آثــم بأكــل الحــرام ،
ولذلك وصفه الله عز وجل بأنه كفار أثيم ،وكفران النعمة
سبب لتغير الحال وكثرة المرض والجنون والموت وسـبب
لزعزعة المن وعــدم الســتقرار قــال تعــالى } :وضــرب
الله مثل ً قرية كانت آمنة مطمئنـة يأتيهـا رزقهـا رغـدا ً مـن
كل مكان فكفرت بــأنعم اللــه فأذاقهــا اللــه لبــاس الجــوع
والخوف بما كانوا يصنعون { .
151
أيهــا المؤمنــون :يــدخل الفقــراء الجنــة قبــل الغنيــاء
بخمســمائة عــام كمــا ورد ذلــك فــي الحــديث وذلــك لن
الغنياء يحاسبون على أموالهم مــن أيــن اكتســبوها وفيمــا
أنفقوهــا وهــذا فــي المــال الحلل فمــا ظنــك بــذي المــال
الحرام .ولما سئل عيسى عليه السلم عن المال قال ] :
ل خير فيه ،قيل :ولم يا نبي الله ،قال :لنــه ُيجمــع مــن
حل ،قال :ل ي ُــؤدي حقــه ، جمع من ِ حل ،قيل :فإن ُ
غير ِ
قيــل :فــإن أدى حقــه قــال :ل يســلم صــاحبه مــن الكــبر
خيلء ،قيل :فإن سِلم ،قال ُ :يشغله عــن ذكــر اللــه ، وال ُ
قيل :فإن لم ُيشــغله ،قــال ُ :يطيــل عليــه الحســاب يــوم
القيامــة [ ،فتــأملوا رحمكــم اللــه هــذه العقبــات الخمــس
وقليل من يتجاوزها سالما ً .
فوالله إن ذلك هــو المحــق والنقصــان ،والــذل والهــوان ،
والمبين من الخسران .
فمن أستحل الربا وأصر على أكله وتعاطيه واســتمر علــى
ذلك أدى به إلى الكفر وسوء الخاتمه والعياذ بــالله ،ففــي
التعامل بالربا مخالفة لمر الله تعالى وأمر نبيه صلى اللــه
عليه وسلم قال تعالى } فليحذر الذين يخالفون عن أمــره
أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم { .
وفيه معصية لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وســلم
وتعد لحدود الله تبارك وتعالى وارتكاب لمحارمه وقد قــال
الله تعالى } :ومن يعص الله ورسوله ويتق حدوده يدخله
نارا ً خالدا ً فيها وله عذاب مهين { .
فتأمل أيها المسلم ما ذكره الله عز وجل في اليــات مــن
وعيد لكل الربا وعظيم ما يترتب على فعــل ذلــك المنكــر
العظيم من العقوبات والدخول في النيران فيا من تتعامل
بالربا تــب إلــى المــولى جــل وعل قبــل أن يحــل بســاحتك
هادم اللذات ومفــرق الجماعــات ثــم تقــول } يــاليتني لــم
أوت كتابيه ) ياليتها كانت القاضية)) مــا أغنــي عنــي مــاليه
) هلك عني سلطانية { فيقال لك } :خــذوه فغلــوه ) ثــم
الجحيــم صــلوه ) ثــم فــي سلســلة ذرعهــا ســبعون ذراعـا ً
فأسلكوه { .
152
فاحذر من عاقبــة التعامــل بالربــا وأقبــل علــى اللــه بتوبــة
نصوح تجب ما قبلها من الذنوب والعصيان .
أيها المســلمون :ل بــد لكــل عاقــل فطــن ،أن يعــرف أن
التعامل بالربا دسيســة ومكيــدة مــن دســائس أعــداء اللــه
اليهود ـ قاتلهم الله ـ ومكيدة مــن مكــائدهم العظيمــة ــ ل
كثرهم الله ـ ليبعدوا الناس عن دينهم ،فقد باءوا بالغضب
واللعن من اللــه تعــالى لكلهــم الربــا ،واســتحقوا الخــزي
والندامة ،ومسخوا خنازير وقردة ،يقول الله تعالى } :
إن العالم بأسره يئن من وطأة اليهودية الحاقدة ،ويــدعوا
باللعنة والمقت لهلها والقائمين عليها .
عباد اللـه :لقـد كـثرت الـدعايات للمسـاهمة فـي البنـوك
الربوية في الصحف وغيرها ،وإغراء الناس بإيداع أموالهم
مقابــل فــوائد ربويــة صــريحة ،ومــن المعلــوم مــن الــدين
بالضرورة أن تلك الفــوائد حــرام ســحت وهــي عيــن الربــا
الذي جاء تحريمه في الكتابين .
ومن كبائر الــذنوب ،فالربــا يفســد المــال علــى صــاحبه ،
ويمحق بركته ،ويسبب عدم قبول العمل الصالح .
وليعلم كل مسلم إنه مسؤول أمام ربه عن ماله مــن أيــن
اكتسبه وفيما أنفقه ،ففي الحديث عـن النـبي صـّلى اللـه
عليه وسلم أنه قال " :لن تــزول قــدما عبــد يــوم القيامــة
حتى يسأل عن أربع :عن شبابه فيمــا أبله ،وعــن عمــره
فيما أفناه ،وعن ماله من أيــن جمعــه وفيمــا أنفقــه وعــن
علمــه مــاذا عمــل بــه " ) رواه الــبزار والطــبراني بإســناد
صحيح (
والدلة على تحريمه كــثيرة ،قــال تعــالى " يــا أيهــا الــذين
آمنوا ل تأكلوا الربــا أضــعافا ً مضــاعفة واتقــوا اللــه لعلكــم
تعلمون " ،وقــال تعــالى " ومــا أتيتــم مــن ربـا ً ليربــو فــي
أموال الناس فل يربو عند الله " .
ى الله عليه وســلم " :الــذهب بالــذهب والفضــة وقال صل ّ
بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملــح
بالملح مثل ً بمثل يــدا ً بيــد فمــن زاد أو اســتزاد فقــد أربــى
الخذ والمعطي فيه سواء " ) رواه مسلم ( .
153
فهذه الدلة وغيرها تبين تحريم الربا وخطــره علــى الفــرد
والمة .
وإن ممــا تأســف لـه النفــوس أن ثلــة مــن النــاس ل يهتــم
بأحكام السلم وإنمــا يهتــم بمــا يــدر عليــه المــال مــن أي
طريق كان ،وما ذاك إل ّ لضعف اليمان وقلة الخوف مــن
الله تعالى ،وغلبة حب الــدنيا علــى القلــوب ،نســأل اللــه
السلمة .هذا هو الواقع المؤلم الذي آلت إليــه مجتمعــات
السلم ول حول ول قوة إل ّ بالله .فهذه الهزائم والخسائر
،وهذه البراكين والزلزل ،وهــذا الهــرج والمــرج ،وكــثرة
الحوادث والمرض ،كل ذلك بما كسبت أيدي النــاس مــن
ط للربا وغيره .قال عليه الصلة والسلم " :إذا ظهــر تعا ٍ
الزنا والربا في قريــة فقــد أحلــوا بأنفســهم عــذاب اللــه "
) رواه الحــاكم وقــال صــحيح الســناد ( .وقــال تعــالى " :
ظهر الفســاد فــي الــبر والبحــر بمــا كســبت أيــدي النــاس
ليذيقهم بعض الذي علموا لعّلهم يرجعون " وقال تعــالى :
" وما نرسل باليات إل تخويفا "
وقال تعالى " :وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورســله
فحاسبنها حسابا ً شديدا ً وعذبناها عذابا ً نكرا ً فــذاقت وبــال
أمرها وكـان عاقبــة أمرهــا خســرا * أعـد اللـه لهـم عــذابا ً
شديدا ً فاتقوا يا أولى اللبــاب " ،وقــال ابــن القيــم رحمــه
الله " إذا ظهر الزنا والربا في قرية ُأذن بهلكهــا " فبــدأت
المحن تتوالى والمصائب تتابع من جّراء التعامل بالربا .
قال ابن عباس رضي الله عنهمــا " مــن كــان مقيمـا ً علــى
حق علــى إمــام المســلمين أن يســتتيبه الربا ل ينزع منه ف ُ
فإن نزع وإل ّ ضرب عنقه " وصدق رضي الله عنه ،فالربــا
على شاكلة الزنا ،فمن هو الذي يســتطيع أن يزنــي أمــام
الناس جهرة وعلنية ،ومن هو الذي يقر على نفسه بالزنا
م ل يرجم ول يجلد ،فالربا كذلك من أعلن التعامل بـه أو ث ّ
علم عنه ذلك ،فحقٌ على المسلمين هجره تأديبا ً وزجــرا ً ،
ي المر تأديبه وتعزيره عنوة وقهرا ً ،حــتى وواجب على ول ّ
يعود إلى صوابه ويراجع دينه ويتــوب إلــى ربــه ويعــود عــن
غّيه وزيغه .
154
أيها المرابي ..يا مــن تتعامــل بالربــا :اتــق اللــه ،واجعــل
بينك وبين عذاب الله وقايــة ،واحــذر مــن مكــر اللــه ،فل
يــأمن مكــر اللــه إل ّ القــوم الخاســرون ،اســتعمل عقلــك
وحكم دينك وشرع نبيك ،الــذي قــال " :إنــه أتــاني الليلــة
آتيان ،وإنهما قال لي ،انطلق ،وإني انطلقت معهمــا .. ،
فانطلقنا فأتينا علــى نهــر قــال أحمــر مثــل الــدم وإذا فــي
النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمــع
عنــده حجــارة ،فيفغــر لــه فــاه ،فيلقمــه حجــرا ً فينطلــق
مــا رجــع إليــه فغــر لــه فــاه ،فيسبح ،ثــم يرجــع إليــه ،كل ّ
فألقمه حجرا ً ،قلت لهما :مــا هــذان ؟ قــال لــي :انطلــق
انطلق ،إلى أن قال :فإني رأيت الليلة عجب ـا ً ؟ فمــا هــذا
الذي رأيت ؟ قال لي :أما إنا سنخبرك .أما ّ الرجــل الــذي
أتيت عليه يسبح في النهــر ،ويلقــم الحجــارة ،فــإنه آكــل
الربا " ) رواه البخاري (.
وهذا عذاب أهل الربا في القبور إلى يوم البعــث والنشــور
وذلك تنكيل ً لهم ومد ّا ً للعذاب ،لعتراضهم على اللــه فــي
ل اللـه الـبيع وحـّرم الربــا " ، حكمه ،فالله يقــول " :وأحـ ّ
وهم يقولون :البيع مثل الربا ،فاعترضــوا علــى اللــه فــي
حكمه ورفضوا شرعه ،مع علمهم بتفريق اللــه بيــن الــبيع
والربا ،وهو سبحانه العليم الحكيم الذي ل معقب لحكمــه
ما يفعل وهــم ُيســألون ،وهــو العــالم بحقــائق ول ُيسأل ع ّ
المور ومصالحها وما ينفع عباده وما يضرهم .ولهــذا قــال
عليه الصلة والسلم " :وكــل ربـا ً فــي الجاهليــة موضــوع
تحت قدمي هاتين ،وأول ربا ً أضع ربا العباس " .
عباد الله :للربا صور عديدة ، ،وأشكال ٍ كثيرة ،حري بكل
مؤمن أن يسعى جاهدا ً لمعرفتها ،وكشف حقيقتها حتى ل
يقع في هذا الجرم العظيم ،والخطر الجسيم ،فمن صور
الربــا المتداولــة بيــن النــاس اليــوم ،وحســبنا اللــه ونعــم
الوكيل :
فمن صور الربا :أن يشتري الرجل سلعة بثمن مؤجل من
شخص أو بنك أو معرض ،ثم يبيعها عليه بثمــن حـال أقــل
من ثمنها المؤجل قبل أن يسدد قيمتها كاملة ،فهذه حيلة
على الربا ،يتحايلون على الله كما يتحايلون على الصبيان
155
مى بيع العينة ( .قال عليــه الصــلة والســلم " : ) وهذا يس ّ
إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذنــاب البقــر ،ورضــيتم بــالزرع
وتركتم الجهاد ،سلط الله ذل ً ل ينزعه حــتى ترجعــوا إلــى
دينكم " ) رواه أبو داود وهو حديث صحيح بمجموع طرقــه
السلسة الصحيحة ( .
ولما ّ سئل ابــن عبــاس رضــي اللــه عنهمــا عــن مثــل هــذه
المعاملــة قــال :هــذا حــرام ،حرمــه اللــه ورســوله .بــل
أخبرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من فعل ذلــك
من الصحابة جاهل ً بأنه قد أبطــل جهــاده مــع رســول اللــه
صلى الله عليه وسلم إل أن يتوب .
ومن صور الربــا :أن يســتدين مبلغـا ً مــن المــال علــى أن
يعيده بزيادة ،سواًء كان المتعامل معه شخصــا ً أو شــركة
أو بنكا ً أو غيرها ،فتلك المعاملة ربا ً ،والربا حرام .
ومــن صــور الربــا :أن يســتبدل ذهبـا ً قــديما ً بــذهب جديــد
ويدفع الفرق بينهما وهذا عين الربا ،والمعاملــة الصــحيحة
في ذلك :أن يبيع ذهبه القديم ويقبض ثمنــه ،ثــم يشــتري
ذهبا ً جديدا ً بثمن القديم ولو زاد نقودا ً من عنده بعد ذلك .
ومن صور الربا :أن يشتري ذهبا ً حال ً بثمن مؤجـل ،فهـذا
ربا محرم التعامل به ،ول تجوز المحاباة فيه ل لقريـب ول
لصديق ،لنه ل طاعة لمخلوق في معصــية الخــالق ،ولــو
كان أقرب قريب .
ومن صور الربا :قلب الدين على المعسر ،وهذا هــو ربــا
الجاهلية وذلك أنه إذا حل الــدين ولــم يكــن عنــده ســداد ،
زيد عليه الدين بكمّيات ونسب معينة حســب التــأخير وهــو
حرام بإجماع المسلمين .
ومن صــور الربــا :القــرض بفــائدة :وصــورته أن يقرضــه
شيئا ً ،بشرط أن يوفيه أكثر منه ،أو يدفع إليه مبلغــا ً مــن
المال على أن يــوفيه أكــثر منــه بنســب معينــة ،وهــو ربــا
صريح ،أو يقرضه مال ً علــى أن يعيــده وشــيئا ً معــه ســواء
من المال أو من غيره من الواني وغيرها .
ومــن صــور الربــا :اليــداع فــي البنــوك بفــائدة :وهــو مــا
مى بالودائع الثابتة إلى أجل ،فيتصرف البنك في هــذه يس ّ
156
الودائع إلى تمام الجل ،ويدفع لصاحبها فائدة ثابتة بنسبة
معينة في المئة ،وهذا ربا ل شك فيه ،ول ريب فيه .
عباد الله :يــا مــن ترجــون رحمــة اللــه وتخــافون عــذابه :
احــذروا مــن دخــول الربــا فــي معــاملتكم ،واختلطــه
بأموالكم ،فإن أكل الربا وتعاطيه من أكبر الكبائر وأخبــث
الخبائث وفيه الذن من اللــه لمتعــاطيه بــالفقر والمــراض
المستعصية وظلم السلطان ،فالربا يهلك الموال ويمحق
ف الموال العظيمة بالحريق البركات فكم تسمعون من تل ِ
والغرق والفيضان فيصــبح أهلهــا فقــراء بيــن النــاس ،وإن
بقيت هذه الموال الربوية بأيــدي أصــحابها فهــي ممحوقــة
البركة ،ل ينتفعون منهــا بشــيء ،إنمــا يقاســون أتعابهــا ،
ويتحملون حسابها ويصلون عذابها ،فالمرابي مبغوض عند
الله وعند خلقه ،لنه يأخذ ول يعطي ،ويجمــع ويمنــع ،ول
ينفق ول يتصدق ،شحيح جشع ،جموع منــوع ،تنفــر منــه
القلوب ،وينبذه المجتمع ،وهذه عقوبة عاجلــة ،وعقــوبته
الجلة أشد وأبقى ومــا ذاك إل ّ لن الربــا مكســب خــبيث ،
وسحت ضار ،وكابوس ثقيل على المجتمعــات البشــرية ،
فيجب على المسلم البتعــاد عنــه ،والتحــرز منــه ،لكــثرة
الوقوع فيه في هذا الزمان ،لما ّ طغــت المــادة ،وضــعف
المسلمون ،وفشا الجهل بأحكام الدين ،فقد أخــبر النــبي
صلى الله عليه وسلم بذلك فقال " :ليــأتين علــى النــاس
زمان ل يبقى منهم أحد إل أكل الربا فمن لم يــأكله أصــابه
من غباره " ) رواه أحمد وأبو داود (
فمن تأمل حال الناس اليــوم أدرك مصــداق هــذا الحــديث
الشريف وذلك أنه لما ّ فاضت الموال وتضخمت في أيــدي
فئام من الناس وضعوها في البنوك الربوية فأصــابهم مــن
الربا ما أصابهم ،فمنهم من أكله ومنهم من لم يأكله لكن
أعان على أكله فأصابه من غباره واللــه علــى مــا يفعلــون
شهيد .
أيها الخوة كيف يأتي النصر والناس قد أكلوا الربــا ،ومــن
لم يأكله أصابه من غباره ،ول حول ول قوة إل بــالله ،فل
بد من مراجعة النفس ،ورأب الصدع ،واجتمــاع الكلمــة ،
وتوحيد الصف ،
157
=============
#المرابون....؟؟!!
يقول الله تعالى } :يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مــا
بقي من الربا إن كنتــم مــؤمنين * فــإن لــم تفعلــوا فــأذنوا
بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أمــوالكم ل
تظلمون ول تظلمون{..
حرب من الله ورسوله ..غاية فــي التهديــد والوعيــد ،يــدل
على كبر هذه الخطيئة..
وقد جاءت السنة لتخبرنا بلعن آكــل الربــا ومــوكله وكــاتبه
وشاهديه ،عن جابر بن عبد الله قـال " :لعـن رسـول اللـه
صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكــاتبه وشــاهديه،
وقال :هم سواء".
أي المرابي والذي يقـترض بالمرابـاة والـذي يكتـب العقـد
والذي يشهد ،كلهم عليهم مــن اللــه لعنــة ،بــل قــد جــاءت
لتخبرنا بما يعقد اللسن ويذهل العقول ،فأدنى الربــا كــأن
ينكح الرجل أمه ..عن أبي هريرة قال :رسـول اللـه صـلى
الله عليه وسلم ) :الربــا ســبعون حوبــا ،أيســرها أن ينكــح
الرجل أمه(.
وهل ينكح الرجل أمه ؟!..
إنه غاية في البشاعة والشناعة ،قال تعــالى } :ول تنكحــوا
ما نكح آباؤكم من النساء إل ما قد سلف إنه كـان فاحشـة
ومقتا وساء سبيل{..
فوصف من نكح زوج أبيــه بكــونه قــد فعــل فاحشــة وأتــى
مقتا وساء سبيله ،فكيف إذن إذا نكح أمه؟..
إن المرابي أشد لعنة ممن نكح أمــه ،فــإذا كــان ذلــك فــي
أدنى الربا ،فكيف إذن فيمن كان يتقلب فــي أعلــى الربــا،
والذين يملكون المؤسسات التي ل تتاجر إل بالربا؟..
عن سمرة بن جندب قــال :رســول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم ) :أريت الليلة رجليــن أتيــاني فأخرجــاني إلــى أرض
مقدسة ،فانطلقنا حتى أتينا علــى نهــر مــن دم ،فيــه رجــل
قائم ،وعلى وسط النهــر رجــل بيــن يــديه حجــارة ،فأقبــل
الرجل الذي فـي النهــر ،فـإذا أراد الرجـل أن يخــرج رمـى
ل بحجر في فيه فـرده حيـث كـان ،فجعـل كلمـا جـاء الرج َ
158
ليخرج رمى في فيه بحجــر فيرجــع كمــا كــان ،فقلــت :مــا
هذا؟ ،فقال :الذي رأيته في النهر :آكل الربا( .
ويوم القيامة يقوم آكل الربا من قبره يتخبط كالذي أصابه
المس ،قال تعالى } :الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما
يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس{..
عن قتادة" :تلــك علمــة أهــل الربــا يــوم القيامــة ،يبعثــون
وبهم خبل".
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا:
لــم كــل هــذا الوعيــد والتشــنيع علــى آكــل الربــا خاصــة،
والراضـــي لنفســـه أن يعطـــي غيـــره الربـــا ،والكـــاتب،
والشاهد؟..
أليــس الربــا يحــل أزمــة أنــاس ل يجــدون مــن يــداينهم،
فيــذهبون إلــى المرابيــن فيقرضــوهم بــالفوائد إلــى أجــل،
وكلما تأخروا زيد عليهم في الربا ،لكنهم فــي مقابــل ذلــك
يخرجــون مــن أزمــاتهم ،فيملكــون أرضــا ،ويبنــون بيتــا،
ويجتهدون في قضــاء الــدين قبــل أن تزيــد عليهــم الفــوائد
الربوية؟..
النــاس ل يجــدون اليــوم مــن يقرضــهم إل المرابــون ،فمــا
عساهم أن يفعلوا؟..
هل من حل؟..
حيرة يجد النسان نفسه فيها...؟؟؟!!!..
بين نصـوص بليغـة شـديدة الوعيـد ،ل تفـرق بيـن صـاحب
الحاجة ،والمتساهل الذي يقترض من دون حاجة..
فكل النصوص تحــذر وتتوعـد وتلعــن وتعلــن الحــرب علـى
آكلي الربا ،ول نجد فيها عذرا لصاحب حاجة لــم يجــد مــن
يقرضه ،وإنسان بلغت به الحاجة أنه ل يجد من يقرضــه إل
ب ،يأخذ منه أكثر مما يعطيه على مدى الزمن.. مرا ٍ
فمن الناس من يقــف عنــد المــر ويخــاف مخالفــة الــرب،
فيترك الربا والتعامل مع المرابين ،ولو لم يجــد مــن يمــده
بمال يعينه على أزمات الحياة..
ومنهــم مــن يحنــق ،ويســخط ،ويقتحــم ،ويعلــن قبــوله
واستعداده لحرب الله تعالى المنتقم الجبار..
هؤلء المقترضون ،فما بال المقرضين المرابين؟..
159
الذين قد تخطوا بـاب الحيـرة ،وصـاروا يـأكلون الربـا ليـل
نهار ،سرا وعلنية ،بثقة تامة ،ولم يــأبهوا لنصــوص تزلــزل
الجبال وتدك الرض وتنفطر السماء لجلها مخافة وخشية
مــن غضــب الجبــار وحربــه ،علــى مــن أعلــن العصــيان
والمخالفة ،ما بالهم وكيف حالهم؟..
نعــود ونقــول :لــم جــاءت النصــوص بمثــل هــذا الوعيــد
الشديد؟..
نجيب فنقول:
المرابي ظالم شديد الظلم...
يزداد شبعا ،والناس يزدادون جوعا..
وهــو الســبب فــي جــوعهم ،إنــه يأكــل أمــوالهم بــالقرض
والدين ،ويضرب لهم أجل مـع زيـادة يسـميها فـائدة ،كلمـا
تــأخروا فــي الســداد زاد عليهــم ،حــتى يــتركهم بل مــال،
فيستولي على ما بأيديهم إن كان بأيديهم شيء..
قــد كــان المرابــي فــي القــديم يصــطاد ذوي الحاجــة ،أمــا
مرابي اليوم فيعمــل علــى اصــطياد جميــع النــاس ،يخــترع
الطرق الخبيثــة للســتيلء علــى أمــوالهم ،بإعلنــات براقــة
داعية إلى وضع الموال عنده ،وبإغراء الناس أن يقترضــوا
منه مقابل تســهيلت فــي مجــالت الــبيع والشــراء والبنــاء
وغير ذلك..
فــإذا وقعـوا اسـتولى علــى أمــوالهم حــتى يــتركهم وليــس
بأيديهم شيء ،ولو قـدر لقتطـع مـن أجسـادهم إذ عجـزوا
عن السداد ،كما فعل تاجر البندقية ..؟؟..
وتــاجر البندقيــة رجــل يهــودي جشــع ،كــان يقــرض النــاس
بالربا ،فأقرض رجل ،فعجز عن السداد بسبب الربا ،فصار
يقتطع من لحمــه ،إذ لــم يكــن يملــك غيــره ،وهكــذا يفعــل
المرابي اليوم...؟؟؟؟!!!!...
أليس يتسبب في جــوع النــاس وفقرهــم ،حينمــا يقرضــهم
فيأخذ فيسترد ماله أضعافا مضاعفة؟..
إن الربــا مصــدر فقــر المجتمــع ،وتــرك النــاس بل شــيء،
ليتكدس المال في أيدي المرابين ،فيـزدادوا غنــى ،ويـزداد
الناس فقرا ،وهو يتسبب في انهيارات اقتصادية كبيرة..
160
الربا يقضي على طموحات الناس ،فالمال عصب الحيــاة،
والربا يسلبه من الناس ،ويتركهم عالة يتكففون المرابين،
يطلبون منهــم بالذلــة مــا أخــذوه منهــم بالخــداع والحيلــة،
باسم القرض والدين والتسهيلت..
إن المرابين أعداء الله ورسوله وأعداء النســانية والخلق
والقيم..
إن المجتمع في ظــل المجتمــع الربــوي تنتشــر فيــه جميــع
المنكرات:
فالموال بأيدي المرابين ،وهم أجرؤ النــاس علــى الــذنب،
بشهادة النبي صلى اللــه عليــه وســلم ،حيــث جعــل أيســر
الربا كأن ينكح الرجــل أمــه ،فهــل ثمــة جــرأة كهــذه علــى
الذنب ؟..
وهل يكون للمرابي بعد هذا ضمير أو خلق؟..
إنه الن يملك المال الكثير ،الذي يكفي شعبا كامل ،فمــاذا
يفعل به؟..
إنه ل يخاف الله ول يعرف الحلل من الحرام..
إنه يسعى في كل مفسد ومدمر ،وهــل شــيء أفســد مــن
الربا؟...
فالذي وقع فيه ل يمتنع من أن يقــع فــي غيــره مــن أنــواع
المحرمات المفسدة..
يوظف ماله الذي جناه من الحـرام فـي الحـرام ،فمثلـه ل
يوفق إلى خير ،وهل يوفق إلى خيــر مـن أعلـن اسـتعداده
لحرب الله ورسوله؟..
فمثله جدير بأن يغرق المجتمع بأنواع من الفساد الفكــري
والخلقي ،ويسخر ماله في إفســاد أخلق النــاس ،فيجلــب
للناس كل ما يضرهم ول ينفعهم من اللهو واللعب والفتنة
والفساد ،فليس شيء ممنوع عنده ،فقد تخطــى الحــواجز
كلها وانطلق يجري وراء الشيطان ،يركع له ويسجد..
إن الربا سبب غلء السعار ،وما يترتب عليــه مــن شــظف
العيش وتعذر الحصول على متطلبات الحياة ،والحرمان ـــ
تبعــا لــذلك ـ ـ مــن الضــرورات الساســية كبنــاء المســكن
والزواج ،وذلك يفضي إلى كثرة الفســاد الخلقــي ،حيــث ل
يجــد الشــاب مــال يــتزوج بــه ويقيــم مســكنا يســكن فيــه،
161
فينصــرف عنــه ،فتقــل نســب الــزواج ،والنتيجــة كــثرة
الفواحش والثام ،حيث يحــرم الشــاب والفتــاة مــن تلبيــة
حاجة الغريزة لقلة المال ،وهــم يجــدون فــي ذات الــوقت
أنواعا من الفساد متيسرا بفعل أولئك المرابين..
كيف ترتفع السعار بفعل المرابين؟.
يأتي صاحب مشروع غذائي مثل ،يقــترض مــن أهــل الربــا
ليقيم المشروع ،فيقرضوه مقابــل الفــائدة فــي كــل عــام،
وكلما تأخر في السداد زادت الفائدة ،فيبدأ في المشــروع
وقد وضع في حسابه عند بيعه للسلعة أن يكون فيها الربح
بالضافة إلى الفــائدة ،أي أن الفــائدة يتحملهــا المســتهلك
حين شرائه للسلعة ل المقترض ،فتمضي المــدة المحــددة
فل يســدد فــتزداد الفــائدة عليــه ،وهــو ل يهمــه ذلــك ،لنــه
يضــيفها إلــى ثمــن الســلعة ،ليتحملهــا المســتهلك ،ليرتفــع
سعرها..؟!!!!!!!.....
وهكــــذا ..كلمــــا تــــأخر فــــي الســــداد زادت الفــــوائد
عليه..فيضيفها إلى ثمن السلعة ،فيزداد سعرها..
فمن الذي تحمل تسديد تلك الفوائد الربوية؟..
ليس المقترض ،بل المستهلك..
ومن هنا نفهم لماذا تزداد أسعار المواد كل يوم..
إن الزيادة الربويــة تــذهب إلــى خزانــة المرابيــن ،والنــاس
يعيشــون الهــم وهــم يراقبــون ارتفــاع أســعار الســلع ،ول
يملكون ردها أو إيقافها ،ول يملكون كــذلك العــراض عــن
شرائها ،فهي حاجات أساســية ل يمكنهــم الســتغناء عنهــا،
فتأكــل كــل مــدخولتهم ،فل يجنــون إل الحســرة والفقــر
واللم..
وأما أكلة الربا فهم في النعيم والخيرات يتقلبون ،وليسـت
تلك الخيرات من عرقهم ول من كدهم واســتحقاقهم ،بــل
هم يأكلون كد وعرق واستحقاق غيرهم..
هم كرجل سمين ،ملء أناقة وفخامة ،أتى إلى طفل فقير
يتيم ،ل يملك إل ثوبا خلقا ،وجسدا ضعيفا ،في يده كســرة
خبر يريد أكلها ليسد جوعته ،فاختطفها قبل أن تصــل إلــى
فمه ،ليأكلها ،ويترك الضعيف يتلوى من الجوع…
أفل يستحق اللعنة ،والحرب من الله؟..
162
هذا استحق اللعنة ،لن فعل هذا بفــرد واحــد ،فكيــف مــن
يفعل ذلك ليل نهار بـآللف وملييــن البشـر يـتركهم عالـة
جوعى فقراء ل يملكون أبسط متطلبات الحياة؟…
إن الحياة المبنية على الخوة والرحمة هي الحياة الطيبــة،
وإن الفقير والمحتــاج إذا وجــد مــن يتصــدق عليــه بهبــة أو
قرض حسن ل ربا فيه ،يطمئن إلى إخوانه ،وتنتشــر فيهــم
المودة والرحمة والتعاون على البر والتقوى..
أمــا إذا صــارت الحيــاة مليئة باســتغلل الظــروف الحرجــة
وحاجات الناس وأكل أمــوالهم بالباطــل ،وصــار الهــم فــي
سرقة الموال باسم الفائدة والخداع والحيلة انقلبت كئيبة
فاسدة ل تصلح للعيش ول للبقاء ،ولــذا قــال تعــالى } :يــا
أيها الذين آمنوا ل تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا اللــه
لعلكــم تفلحــون * واتقــوا النــار الــتي أعــدت للكــافرين
وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون{..
والربــا مهمــا زادت وحصــلت فإنهــا غيــر مباركــة ،بــل هــي
ممحوقة ،والمرابي نهايته وخيمة ،وعاقبه الخسران ،فكــم
من مراب أكل الربا سلط الله عليه من يأخذ مــاله ويكــف
يده ويذله بعد العزة ليموت بحسـرته ،كمـا أكـل مـن قبـل
أموال الناس وأماتهم جوعا وحسرة ،والجــزاء مــن جنــس
العمل ،ول يظلم ربك أحدا ،قال تعالى } :يمحق الله الربا
ويربي الصدقات{..
وقال } :وما آتيتم مــن ربــا ليربــوا فــي أمــوال النــاس فل
يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك
هم المضعفون{.
وأخيرا نقول :المفاهيم عند كثير من الناس منقلبة:
يــرون الزانــي والســارق وشــارب الخمــر فيرحمــونه أو
يزجرونــه ،لنــه عــاص ،ويــرون آكــل الربــا ،فيــوقرونه
ويعظمونه ،ويفسحون له المجلس..
ولــو قايســنا بيــن ذنــب الزانــي وشــارب الخمــر والســارق
وذنب المرابي ،لكان ذنب المرابي أضعاف ذنوب أولئك..
كيف وقد جعل النبي صلى الله عليه وسـلم الربـا سـبعون
حوبا ،أيسرها أن ينكح الرجل أمه..؟؟!!!... ُ
فالمرابي أشد أصحاب الكبائر جرما ،فاعرفوا ذلك..
163
وصاحب الربــا يعامــل كســائر أصــحاب الكبــائر مــن حيــث
النصــح والــدعوة بالحكمــة والموعظــة الحســنة ،والزجــر
والهجر ،إن كان فيه جدوى..
أبو سارة
===============
#حكم المساهمة في شركة المراعي
د .يوسف بن عبدالله الحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة المام .الرياض
السؤال :
ما حكم الكتتاب في شركة المراعي ؟ وهــل هــي تتعامــل
بالربا ؟ .
الجواب :بعد الطلع على القوائم المالية للشركة ،تــبين
أن الشــركة تقــرض وتقــترض بالربــا ،ومجمــوع القــروض
الربوية من البنوك الربوية ) (535000000ريال ً سعوديا ً ،
والودائع الربوية في البنوك التجاريــة ) (46109000ريــال ً
سعوديا ً .
وعليه فإن الكتتاب أو المساهمة فيها محــرم شــرعا ً ؛ لن
السهم ملــك مشــاع فــي الشــركة ؛ فــأي نشــاط للشــركة
فالمساهم شريك فيه .
َ
مــاه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ نآ َ َ قال الله تعالى َ " :يا أي َّها ال ّ ِ
ذي
م ت َْفعَل ُــوا فَـأ ْذ َُنوا
ن ل َـ ْ
ن * ف َ ـإ ِ ْ مِني َ م ـؤ ْ ِم ُن ك ُن ْت ُـ ْ ن الّرَبا إ ِ ْ م َ
ي ِ ب َِق َ
م َل َ
وال ِك ُ ْ
مــ َ
سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْن ت ُب ْت ُ ْ سول ِهِ وَإ ِ ْ ن الل ّهِ وََر ُ م َب ِ حْر ٍ بِ َ
ن" )البقرة . ( 279 ،278و عن جابر مو َ ن وََل ت ُظ ْل َ ُ مو َ ت َظ ْل ِ ُ
بن عبدالله رضي الله عنه قال " :لعن رسول اللــه صــلى
اللــه عليــه وســلم آكــل الربــا ومــؤكله وكــاتبه وشــاهديه .
وقال :هم سواء " أخرجه مسلم .
ولعل من المهم أن أنبــه فــي الجــواب علــى هــذا الســؤال
على المور التية :
أول ً :أدعو جميع الشركات إلى ضرورة التزام شــرع اللــه
تعالى في معاملتها ،وأن تضـع لجنـة شـرعية ترشـح مـن
قبل الجهات العلميــة كــدار الفتــاء أو المجمــع الفقهــي أو
القسام العلمية في الكليات الشرعية ،وليس انتقــاءً مــن
الشركة .
164
ثانيا ً :توعية الناس بمطالبة الشركات باللجان الشــرعية ،
وأن يعرفــوا ســبب امتنــاع الشــركة مــن وضــع اللجنــة
الشرعية .
ثالثا ً :أنشأ بعض أهل العلــم المعاصــرين قــول ً جديــدا ً فــي
التفصيل بين الربا الكثير والربــا اليســير ؛ فــإن كــان الربــا
قليل ً في الشــركة جــاز المســاهمة فيهــا وإل فل ،وحــددوا
الربا اليسير وفق الشروط التية :
.1أل يتجاوز إجمالي المبلغ المقترض بالربــا عــن الثلــث ،
والــرأي الخــر أل يتجــاوز %25مــن إجمــالي موجــودات
الشركة .
.2أل تتجاوز الفوائد الربوية أو أي عنصر محــرم عــن %5
من إيرادات الشركة .
.3أل يتجاوز القراض بالربا أو أي استثمار أو تملك محرم
عن %15من إجمالي موجودات الشركة.
ثم اختلفوا في تحديد هذه النسب بين الرفع والخفض إلى
أكثر من أربعة أقوال .
وقــد عللــوا الجــواز بالحاجــة ،وعمــوم البلــوى ،فجميــع
الشركات الكبرى المســاهمة ترابــي إل مــا نــدر ،والنــاس
بحاجة إلــى تنميــة أمــوالهم ول يجــدون إل هــذه الشــركات
وخصوصا ً أصحاب رؤوس الموال الصغيرة ،وفــي القــول
بالتحريم تضييق عليهم ،ومــتى مــا انــدفعت هــذه الحاجــة
عاد الحكم إلى التحريم ،وتندفع الحاجة بوجود الشــركات
الملتزمة بالضوابط الشرعية .وأن العفو عن اليســير مــن
الربا كعفو الشرع عن يســير بعــض أنــواع النجاســة ) هــذا
خلصة ما وقفت عليه من البحوث المنشورة ( .
والصواب أن المساهمة في الشركات التي تقع فــي الربــا
اليســـير محـــرم شـــرعا ً ،وهـــو قـــول جمـــاهير العلمـــاء
المعاصرين ،والدلة على التحريم :
أول ً :أن الربــا محــرم شــرعا ً قليلــه وكــثيره ،وقــد أجمــع
العلماء علــى حرمتــه مطلقـا ً ،ول أعــرف أحــدا ً مــن أهــل
العلم المتقدمين قال بجــواز ربــا النســيئة عنــد الحاجــة إذا
كان أقل من الثلث .بل جاءت النصــوص بتعظيــم جريمــة
الربا حتى لو كان قليل ً ؛ فعن عبد الله بــن حنظلــة غســيل
165
الملئكة رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " :درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشــد مــن
ستة وثلثين زنية " أخرجه أحمد بسند صحيح .وعــن عبــد
الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى اللــه عليــه
وسلم قال " :الربــا ثلثــة وســبعون بابـا ً أيســرها مثــل أن
ينكــح الرجــل أمــه " ..أخرجــه الحــاكم وصــححه ووافقــه
الذهبي .والحديث صحيح بمجموع شواهده .
ثانيا ً :لو سلمنا جدل ً بالجواز عند الحاجة ،فإن المســاهمة
في هذه الشركات ليست مــن الحاجــة ؛ لن حاجــة تنميــة
الموال مندفعة بأنواع التجــارة الخــرى ؛ كــالبيع والشــراء
الفــردي أو بالتوكيــل ،أو بالمضــاربة ،أو بأســهم شــركات
العقار وغيرها التي ل تتعامل بالربا وهي كثيرة ولله الحمد
،وغير ذلك.
ثالثا ً :أن هذا القول ) وهــو القــول بجــواز المســاهمة فــي
الشركات التي تتعامل بالربــا القليــل ( :فيــه إســهام فــي
بقاء هذه الشركات علــى هــذا المســلك الربــوي ،ودعــوة
لمشـــاركة النـــاس فيهـــا ،وتضـــييق ضـــمني للشـــركات
ب فــي تــأخير مشــروع الصــلح السلمية الناشــئة ،وســب ٌ
القتصادي وتنقيته من الربا ومما حرم الله .
ولو كانت الفتوى صريحة في المنع للجأت هذه الشــركات
إن شاء الله في بلد المسلمين إلى وضع اللجان الشرعية
والبعـــد عـــن الربـــا ؛ لن معظـــم النـــاس أقـــدموا علـــى
المســاهمة بنــاًء علــى الفتــوى الشــرعية ،وخصوص ـا ً مــع
الوعي الشرعي في السنوات الخيرة ،والمشايخ يدركون
هذه الحقيقة من خلل كثرة أسئلة الناس عنها والتي ربما
طغت على أسئلتهم في الطهارة والصلة .
وللحديث عن هــذه التنبيهــات مزيــد تفصــيل ســيخرج بعــد
اكتماله بإذن الله تعالى .
قاله وكتبه :د .يوسف بن عبدالله الحمد
أســتاذ الفقــه المســاعد بجامعــة المــام /كليــة الشــريعة
بالرياض .
ص ب 156616الرياض 11778
هاتف وناسوخ 4307275/01
166
1426 /20/5هـ
================
#حكم المساهمة في شركة التصالت السعودية
د .يوسف بن عبدالله الحمد
الحمــد للــه رب العــالمين ،والصــلة والســلم علــى نبينــا
محمد وعلى آله وصحبه .أما بعد .
فقد وصلني أسئلة كثيرة جدا ً عن حكم الكتتاب في أسهم
شركة التصالت الســعودية .وقــد اطلعــت علــى القــوائم
المالية للشركة لعامي ) 2000و ، ( 2001وناقشت عددا ً
مــن أهــل الختصــاص القتصــادي فــي هــذا ،وبعــد النظــر
والتأمل ظهر لي أن المساهمة فيها أمــر محــرم ،وســبب
التحريـــم :ممارســـة الشـــركة لجملـــة مـــن المحـــاذير
الشرعية ،ومنها :
.1إيداع أموالها في البنوك الربوية في حساب الفوائد .
.2القروض طويلة الجل وقصيرة الجل في مقابل عوائد
ربوية .
وقــد تحصــل للشــركة مــن هــذين العمليــن مئات الملييــن
الربوية ،كما هو مســجل فــي القــوائم الماليــة للشــركة ،
وأنقل هنا فقط نص ما جاء فــي القائمــة الماليــة للشــركة
في قائمة التدفق النقدي بالريال السعودي " :العائد مــن
القروض طويلة الجــل لعــام 2000م )( 850,000,000
والعـــائد مـــن القـــروض طويلـــة الجـــل لعـــام 2001م )
. " ( 600,000,000كما هو منشور في موقعها الرسمي
فــــــــــــــــــــــــــــــي النــــــــــــــــــــــــــــــترنت :
http://www.stc.com.sa/arabic/html/ar_annual_budget.htm
.3اقتراض أموال طائلة بالفوائد الربوية ،وأنقل هنا نــص
ما ذكر فــي القائمــة الماليــة " :وقــد تــم تســديد القــرض
الول البـــــالغ ) (2.250.000,000وفـــــوائده بتواريـــــخ
استحقاقه ،وكان آخر قسط مسدد في الربــع الرابــع مــن
عام 2001م " .كما هو منشور في الموقــع الرســمي فــي
النترنت .
.4خدمة التصال بالرقم ) (700والذي يستعمل في كــثير
مــن الحيــان فــي القمــار فــي المســابقات ،أو الهــدايا
167
المحرمة كالموسيقى والغاني الماجنة .مع إقرار الشركة
لذلك .
.5اســتثمار الشــركة فــي عــدد مــن الشــركات والقمــار
الصناعية التي ل تتورع في نشر مــا حــرم اللــه .وقــد بلــغ
استثمار الشركة في القمــر الصــناعي ) عربســات ( لعــام
2001م ) ( 637,151,000بالريال السعودي .
وأعظم هذه المحاذير الشرعية هو ) الربا ( الذي قال الله
َ
ي مــا ب َ ِْق ـ َ ه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقوا الل ّـ َ نآ َ ذي َتعالى فيه َ " :يا أي َّها ال ّ ِ
م ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ن ل َـ ْ ن)(278فَـإ ِ ْ مِني َ م ـؤ ْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُـ ْ ن الّرب َــا إ ِ ْ م َ ِ
م َل َ
وال ِك ُ ْمــ َ
سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْ ن ت ُب ْت ُ ْ سول ِهِ وَإ ِ ْ ن الل ّهِ وََر ُ م َ ب ِ حْر ٍ بِ َ
ن) (279سورة البقرة . مو َ ن وََل ت ُظ ْل َ ُ مو َ ت َظ ْل ِ ُ
ن إ ِّل ْ
مو َ ن الّرَبا َل ي َُقو ُ ن ي َأك ُُلو َ َ ذيوفي اليات التي قبلها " :ال ّ ِ
طان مـن ال ْمـس ذ َلـ َ َ
م ك ب ِـأن ّهُ ْ ّ ِ َ شـي ْ َ ُ ِ َ ه ال ّ خب ّط ُ ُ ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ما ي َُقو ُ كَ َ
َ
ن مــ ْ م الّرَبا فَ َ حّر َه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ ل الّرَبا وَأ َ مث ْ ُ ما ال ْب َي ْعُ ِ َقاُلوا إ ِن ّ َ
ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ
مُرهُ إ َِلى الل ّ ِ
ه ف وَأ ْ ُ َ َ عظ َ ُ ٌ ِ ْ َ ّ ِ ْ َ َ مو ْ ِ جاَءهُ َ َ
ن)(275 َ عاد َ فَـأول َئ ِ َ
دو َ خال ِـ ُ م ِفيهَــا َ ب الن ّــارِ هُـ ْ حا ُ صـ َ كأ ْ ن َ م ْ وَ َ
ل ك َّفــاٍر ب ك ُـ ّ حـ ّ ه َل ي ُ ِ ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ حقُ الل ّ ُ م َ يَ ْ
م) (276سورة البقرة . َ
أِثي ٍ
و عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال " :لعن رسول
اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم آكــل الربــا ومــؤكله وكــاتبه
وشاهديه .وقال :هم سواء " أخرجه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليــه
وسلم قال " :اجتنبوا الســبع الموبقــات ) أي المهلكــات (
قالوا :يــا رســول اللــه ومــا هــن ؟ قــال :الشــرك بــالله ،
والسحر ،وقتل النفس التي حــرم اللــه إل بــالحق ،وأكــل
الربا ،وأكل مال اليــتيم ،والتــولي يــوم الزحــف ،وقــذف
المحصنات المؤمنات الغافلت " متفق عليه .
و عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملئكة رضي الله عنهما
قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :درهم ربــا
يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلثين زنية " أخرجه
أحمد بسند صحيح .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النــبي صــلى
الله عليه وسلم قال " :الربا ثلثــة وســبعون بابـا ً أيســرها
168
مثــل أن ينكــح الرجــل أمــه " ..أخرجــه الحــاكم وصــححه
ووافقه الذهبي .والحديث صحيح بمجموع شواهده .
أما القول بجواز المساهمة فــي هــذه الشــركة مــع إخــراج
النسبة المحرمة من الرباح ،فهو محــل نظــر :لن ســهم
المشترك سيكون ملكا ً مشاعا ً فــي جميــع أجــزاء الشــركة
وحينئذ سيكون مشاركا ً بجزء من ماله في الربا والعمــال
المحرمــة الخــرى ،ول يجــوز للمــؤمن أن يقــدم علــى
الشتراك في ما حرم الله وهو يعلم بذلك مسبقا ً .
ولو قيل إن هذه الشركة تضع عشرات المليين في تجارة
الخمور والمراقص والبغاء ،لما رضي أحد بالمشاركة فيها
،فكيف وهي ُتشغل أكثر من مليارين من الريالت بالربا ،
الذي هو أعظم جرما ً من تعاطي الخمر والبغاء ،بل الربــا
أعظم ذنب في السلم بعد الكفر بالله وقتل النفس الـتي
حرم الله ،وقد توعد الله بمحقه ،وهو إيــذان بحــرب مــن
الله ،ودرهم ربا أشد من ست وثلثين زنية ،وأهون الربــا
مثل أن ينكح الرجل أمه .
ثم إن هذا التفصيل إنما يقال لمن كان مساهما ً في شركة
تتعامل بالربا في شيء من أعمالهــا ،ثــم أراد التوبــة إلــى
الله منها ،أو أنه ســاهم جــاهل ً ثــم علــم بــالحكم .فيقــال
حينئذ :الواجب أن ترجع السهم إلــى أصــحابها وتســترجع
أموالك ،وما أتــاك مــن أربــاح فإنــك تتخلــص مــن النســبة
س
م ُرُءو ُ كــ ْ م فَل َ ُ
ن ت ُب ُْتــ ْ
المحرمــة ،قــال اللــه تعــالى " :وَإ ِ ْ
َ
ن". ن وََل ت ُظ ْل َ ُ
مو َ م َل ت َظ ْل ِ ُ
مو َ وال ِك ُ ْ
م َ
أ ْ
وقــد صــدر مــن اللجنــة الدائمــة برئاســة ســماحة الشــيخ
عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ــ فتـوى بتحريـم المسـاهمة
في الشركات الــتي تتعامــل بالربــا ) برقــم 6823وتاريــخ
( 12/4/1404وأنقل هنا نص السؤال والجواب :
السؤال " :هل يجوز المساهمة بالشــركات والمؤسســات
المطروحة أسهمها للكتتاب العام في الــوقت الــذي نحــن
يســاورنا الشــك مــن أن هــذه الشــركات أو المؤسســات
تتعامل بالربا في معاملتها ،ولم نتأكد من ذلك ،مع العلم
أننا ل نستطيع التأكد من ذلك ،ولكن كما نسمع عنهــا مــن
حديث الناس .
169
الجواب :الشــركات والمؤسســات الــتي ل تتعامــل بالربــا
وشيء من المحرمات يجوز المســاهمة فيهــا .وأمــا الــتي
تتعامل بالربــا وشــيء مــن المحرمــات فيحــرم المســاهمة
فيها .وإذا شك في أمر شركة ما فالحوط لــه أل يســاهم
عمل ً بقول النبي صلى الله عليه وسلم ) دع ما يريبك إلى
ما ل يريبك ( وقول النبي صــلى اللــه عليــه وســلم ) ومــن
اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء .
الرئيس :عبدالعزيز بن عبدالله بن باز .
نائب رئيس اللجنة :عبدالرزاق عفيفي .
عضو :عبدالله بن قعود .عضو :عبدالله بن غديان .
وأرى أنه من المهم التوجه بالنصــح بضــرورة تكــوين لجنــة
شرعية موثوقــة فــي شــركة التصــالت وضــبط معاملتهــا
شرعا ً وإبعادها عما حرم الله ،وحينئذ ســتكون محــل ثقــة
الناس إن شاء الله تعالى .وبالله التوفيق .
=============
#حكم الستثمار المالي في المؤسسات التي
تعطي نسبة عائد ثابتة
السؤال:
هــل صــحيح أن الســلم يمنــع الســتثمار المــالي فــي
المؤسسات التي تعطي نسبة عائد ثابتة ؟.
الجواب:
الحمد لله
دين السلم هو الدين الحق الذي جــاء بــه الرســول صــلى
الله عليه وسلم وقد اشــتمل علــى أكمــل الشــرائع ،قــال
تعالى ) :اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي (
فشريعة القرآن شريعة كاملة شاملة خالدة ،ففيها جميــع
الحكام التي بها ســعادة العبــاد فــي معاشــهم ومعــادهم ،
ددومن ذلك الحكام المالية ،وهي الحكام التي تنظم وتع ّ
طرق كسب المال وصرفه ،فل يجوز اكتساب المال بكــل
طريقة ول يجوز صرف المال في كل ما يشتهي النسان ،
فل بد ّ أن يخضع النسان في كل ذلك إلى شرع الله ومــن
ذلك أن الله تعالى حّرم الربا ،قال تعــالى ) :وأح ـ ّ
ل اللــه
170
البيع وحّرم الربا ( ،وقــال تعــالى ) :يــا أيهــا الــذين آمنــوا
اتقوا اللــه وذروا مــا بقــي مــن الربــا ( .ومــن صــور الربــا
الظاهر أخذ الفوائد على القــروض أو إعطائهــا ،فل يجــوز
القرض بفائدة ،وما يسمى بالفـائدة فـي لغـة البنــوك هـو
الربا في لغة الشرع .واما القــرض الحســن فهــو القــرض
الذي يقصد بــه الرفــاق والحســان إلــى الغيــر وذلــك بــأل
يكــون المقصــود أخــذ الفــائدة والزيــادة ،فمــا يســمى
بالقروض في لغــة البنــوك هــي فــي الحقيقــة عقــود ربــا ،
والله تعالى حكيم في شرعه لنه تعالى شرع الشرائع بما
فيها من المصالح العاجلة والجلة وهو الحكيم العليم .
كتبه
فضيلة الشيخ
عبدالرحمن بن ناصر البراك
============
#رسائل عاجلة في شركة ينساب
د .يوسف بن عبدالله الحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة المام .الرياض
الحمد لله ،والصلة والسلم على نبينــا محمــد وعلــى آلــه
وصحبه أجمعين .أما بعد .
فقد واجهت كما واجه غيــري مــن المشــايخ وطلب العلــم
كما ً هائل ً من أسئلة الناس عن حكم الكتتــاب فــي شــركة
"ينساب" ،وهي ظاهرة طيبة تتزايد ولله الحمد مــع نشــر
الوعي في المجتمع ،وهي دللة على حرص النــاس علــى
البعد عما حرم الله ،وقد وجد النــاس فراغ ـا ً واضــحا ً فــي
الفتيــا الجماعيــة ،حــتى بــادر بعــض المشــايخ وفقهــم اللـه
بالفتيــا الفرديــة المكتوبــة ،أو الشــفوية فــي القنــوات
الفضــائية ،فرأيــت مــن المناســب أن أبعــث حــول هــذا
الموضوع بثلث رسائل :
الولى :رسالة عامة في بيان حكم الكتتاب فيها .
والثانية :إلى طلب العلم المهتمين بهذه المسائل .
والثالثة :إلى رئيس أعضاء مجلس إدارة شركة "ينساب".
أما الولى :فبعد النظر فــي نشــرة الصــدار لشــركة ينبــع
الوطنيـــة للبتروكيماويـــات " ينســـاب" الصـــادرة فـــي
171
5/11/1426هـ ،تبين أنها قائمة علــى النظــام الرأســمالي
الربوي ،وأنها لم تلــتزم بشــرع اللــه تعــالى فــي معاملتهــا
المالية ،ويظهر ذلك من خلل التي :
أول ً :أعلنت "ينســاب" عزمهــا علــى إيــداعات ربويــة فــي
بنــوك محليــة ،وأن النســبة الربويــة مقــدارها )%4.85ـ (،
ومقــدار اليــداع الربــوي بالريــالت )(5.556.657.000
والذي يمثل ) (%98.58من مجموع رأس مال الشــركة )
، (5.625.000.000وأن رأس المــــال يشــــمل أســــهم
المكتتبين المؤسسين وعموم الناس .
وقد صرحت الشركة بأنها بــدأت مزاولــة النشــاط المــالي
لها بإيداع ما تحصل لها من أموال المؤسســين ،وقــد عــاد
إليهـــا مـــن الفـــوائد الربويـــة حـــتى صـــدور النشـــرة )
4.375.000ريا ً
ل(.
ثانيــا ً :الــتزمت "ينســاب" بفــائدة ربويــة لشــركة ســابك
مقدارها )10.000.000ريال ( مقابل قرض مالي مقداره
)1.208.510.000ريال ( .
ثالثا ً :حصلت سابك لصــالح "ينســاب" التزام ـا ً خطي ـا ً مــن
أحد البنــوك الربويــة العالميــة ABN AMROعلــى قــرض
ربــوي صــرف قيمتــه ) (13.125.000.000ثلثــة عشــر
مليارًا ،ومائة وخمس وعشرون مليون ريال سعودي .
ثم ذكرت النشرة بأن البنك -وليس الشــركة -يقــوم الن
بالتفــاوض مــع المصــارف الدوليــة والقليميــة والمحليــة
لتقديم قروض تجارية وإسلمية عادية للمشروع .
وهذا يعني أن البنك سيحصل هذه القروض مع مــن ســيتم
ك للشــركة بفــائدة ربويــة، التفاق معه ،ثم سيقرضــها البنـ ُ
صــل بعــض التمويــل بالمرابحــة وعليــه فــإن البنــك لــو ح ّ
السلمية فإنه سيقرضها للشركة " ينساب " بقرض ربوي
.
وبناًء على ما سبق؛ فإن الكتتاب في شركة ينساب محرم
شرعًا.
ووجه التحريم :أن المكتتب شريك معهــم ،ومفــوض لهــم
فــي الدارة الماليــة ،وموافــق علــى مــا تضــمنته نشــرة
172
الصدار ،الذي وقع العقد معهم بنــاءً عليهــا ،ول فــرق فــي
التحريم بين المكتتب والمساهم بعد التداول والمضارب .
والربا أعظــم ذنــب فــي الســلم بعــد الكفــر بــالله ،وقتــل
النفس التي حرم الله ،حــتى لــو كــان يســيرًا ،ومــن تأمــل
النصــوص الــواردة فــي حرمــة الربــا أدرك عظــم هــذه
الجريمة ،ومن هذه النصوص :
َ
مــاه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ نآ َ َ ذيقول الله تعالىَ)) :يا أي َّها ال ّ ِ
م ت َْفعَل ُــوا فَـأ ْذ َُنوان ل َـ ْ
ن * ف َ ـإ ِ ْ مِني َ م ـؤ ْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُـ ْن الّرَبا إ ِ ْ م َ
ي ِ ب َِق َ
م َل َ
وال ِك ُ ْ
مــ َ
سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْن ت ُب ْت ُ ْ سول ِهِ وَإ ِ ْ ن الل ّهِ وََر ُ م َب ِ حْر ٍ بِ َ
ن(( )البقرة . (279 ،278 مو َ ن وََل ت ُظ ْل َ ُ مو َ ت َظ ْل ِ ُ
وحديث جابر بن عبد الله -رضــي اللــه عنــه -قــال)) :لعــن
رسول الله -صــلى اللــه عليــه وســلم -آكــل الربــا ومــؤكله
وكاتبه وشاهديه .وقال :هم سواء(( أخرجه مسلم .
وعن عبــد اللــه بــن حنظلــة غســيل الملئكــة -رضــي اللــه
عنهما -قال :قال رســول اللــه -صــلى اللــه عليــه وســلم:-
))درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشــد مــن ســتة وثلثيــن
زنية(( أخرجه أحمد بسند صحيح.
وعن عبد الله بـن مسـعود -رضـي اللـه عنـه -عـن النـبي-
صلى الله عليه وســلم -قــال)) :الربــا ثلثــة وســبعون باب ـا ً
أيســرها مثــل أن ينكــح الرجــل أمــه ((..أخرجــه الحــاكم
وصــححه ووافقــه الــذهبي .والحــديث صــحيح بمجمــوع
شواهده .
وليس من المناسب بعد هذه النصوص تخفيف كلمة الربــا
عنــد النــاس كتســمية الفــوائد الربويــة بــالعوائد البنكيــة،
وتســمية الشــركات الربويــة بالمختلطــة ،وتســمية البنــوك
الربوية بالتقليدية ،والصــواب أن تســمى المــور بأســمائها
الشرعية؛ فيقال بنك ربوي ،وشركة مختلطة بالربــا ،ونحــو
ذلك ،حتى ل يغرر الناس في دينهم .
الرسالة الثانيـة :إلــى أهـل العلـم الـذي أفتـوا بـالجواز أو
المنع أو توقفوا .
إن اليسر للناس ،والصلح لهم ،والرفق بهم ،ما كان فــي
شرع الله حــتى لــو كــان الحكــم بــالتحريم ،والعلمــاء إنمــا
يبينون الحكم للنــاس وفــق الكتــاب والســنة ،ول يقــدمون
173
الرأي على النص ،وكل مصلحة تعارض النص فهــي ملغــاة
كما هو مقرر في علم الصول .
ثم إن الفتيا بالجواز في هذه الشركة وأمثالهــا أوســع مــن
أن تكون جوابـا ً علـى ســؤال ،بـل يـترتب عليهــا عــدد مـن
المفاسد الكــبرى؛ فــإن الصــلح فــي الميــدان القتصــادي
وإبعاده عن الربا ،وما حرم الله ل يزال متأخرا ً جدا ً مقارنة
بغيــره ،وهــذه الشــركة وأمثالهــا قــد وضــعت مؤسســات
ضخمة في الستشارة المالية والقانوية ،ودراســة الســوق
والعلقات العامة ،بينما لم تضع جهــة أو لجنــة للستشــارة
الشرعية ؛ فهي تتبنــى العــراض عــن اللجــان الشــرعية ،
ويبقى مجلس الدارة على وجل حتى يتقدم واحد أو أكــثر
من أهل العلم بالفتيا بالجواز ،فيقبـل النـاس أفواجـا ً علـى
الكتتاب ،وقد ظن المفتي بالجواز أن في ذلك المصلحة ،
والرفق بالناس ،والتدرج في الصلح .
وليس المر كذلك ،فإن الفتيــا بــالجواز مــن أهــم أســباب
تــأخر المشــروع الصــلحي فــي الميــدان القتصــادي؛ لن
الفتيا بالجواز سبب أســاس فــي بقــاء الشــركات الربويــة؛
وإضعاف الشركات السلمية الناشــئة ،وقــد شــهد الواقــع
بأن الفتيا بالجواز :أكبر وسيلة تسويقية للكتتاب ،وارتفــاع
السهم بعد التداول ،وضخ الموال الطائلة في جيوب أكلة
الربا من المكتتــبين المؤسســين ،أو البنــوك الربويــة ؛ لن
معظم الناس يقدم أو يحجم بناًء على الفتوى .
ولمــا كــان المــر بهــذه المثابــة ،فــإني أدعــوا أهــل العلــم
والفضل إلى الفتيا الجماعيــة فــي هــذه القضــية وأمثالهــا،
واشــتراط وضــع اللجــان الشــرعية والرقابيــة المســتقلة،
والـــتي ترشـــحها المجـــامع الفقهيـــة ،أو دار الفتـــاء ،أو
القسام الفقهية في الكليات الشرعية .
الرسالة الثالثة :إلى رئيس مجلس إدارة شركتي "سابك"
و "ينساب" وأعضائهما ،فإني أوصيهم بتقــوى اللــه تعــالى،
وأدعوهم إلى إعلن التوبة إليه من جريمة الربا وإشــاعته،
والمســارعة فــي الــتزام شــرع اللــه ،فــإن الــدنيا فانيــة،
والخرة هـي دار القـرار ،وأن يتــذكروا بـأنهم داخليـن فـي
174
وعيد حديث جابر مرفوعًا)) :لعن اللــه آكــل الربــا ومــؤكله
وكاتبه وشاهديه ،وقال :هم سواء(( أخرجه مسلم.
وأن إصــرارهم علــى هــذا العمــل إيــذان بحــرب مــن اللــه
ورسوله.
َ
ه وَذ َُروا َ
مــا مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ نآ ََ قال الله تعالىَ )) :يا أي َّها ال ّ ِ
ذي
م ت َْفعَل ُــوا فَـأ ْذ َُنوان ل َـ ْ
ن * ف َ ـإ ِ ْمِني َ م ـؤ ْ ِ
م ُ ن ك ُن ْت ُـ ْ
ن الّرَبا إ ِ ْ م َ
ي ِب َِق َ
ه(()البقرة.(278: سول ِ ِ ن الل ّهِ وََر ُ م َب ِ حْر ٍ
بِ َ
وبهذا تنتهي الرسائل ،والحمد لله رب العالمين,,,
===============
#إلى كل من خسر أو تعلق أو تورط في السهم
محمد بن عبدالله
الحمد للــه رب العــالمين والصــلة والســلم علــى أشــرف
النبيـــاء والمرســـلين نبينـــا محمـــد وعلـــى آلـــه وصـــحبه
أجمعين ...
أما بعد :
فسلم الله عليكم جميعا ورحمته وبركاته ..
وحياكم الله وبياكم ..
وجعل الجنة مثوانا ومثواكم ...
آمين ..
اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله
اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرا مما نقول ..
اللهم لك الحمد حتى ترضى ولــك الحمــد إذا رضــيت ولــك
الحمد بعد الرضى
اللهم أغننا بطاعتــك عــن معصــيتك وبحللــك عــن حرامــك
وبفضلك عمن سواك
اللهم أغننا عمن أغنيته عنا ..
اللهم زدنا ول تنقصنا ..
اللهم إنــا نســألك العلــم النــافع و القلــب الخاشــع والعيــن
الدامع والرزق الواسع والنفس الشابع ..
اللهم اقطع تعلق قلوبنا بأحد من خلقك ..
اللهم اقطع تعلق قلوبنا بأحد سواك ..
يا حي يا قيوم برحمتك نســتغيث أصــلح لنــا شــأننا كلــه ول
تكلنا إل أنفسنا طرفة عين ..
175
اللهم ارزقنا من حيث ل نحتسب ..
اللهم فرج همومنا ونفس كروبنا ..
اللهم اشرح صورنا ويسر أمورنا ..
آمين
آمين
آمين ..
إلى كل من خسر أو تعلــق أو تــورط فــي الســهم ))مهــم
جدا ((
إلى كل من خسر ماله أو جزءا منه ..
إلى كل من تورط ..
إلى كل من فقد المل ..
أقول :
أول:
أحسن ظنك بالله ,وتوكل عليه ,واعلم أن كل ذلك مقدر
ٌ ومكتوب ..
فل تبتأس ول تحزن ..ول يضق صدرك ...
واعلم أن الله قد تكفل بأرزاق العباد ..
ل تحزن ..فرزقك مقسوم..
وقدرك محسوم..
وأحوال الدنيا ل تستحق الهموم..
مت َــاعُ ال ْغُـُروِر
حي َــاةُ الـد ّن َْيا إ ِّل َ
مــا ال ْ َ
لنها كلهــا إلــى زوال ..وَ َ
]الحديد .[20
واعلــم أنــك لــن تمــوت إل وقــد أخــذت مــا كتــب لــك أو
عليك ...
والحمد لله على كل حال ..
ثانيا :
ل بد أن تعلم أنك لســت الوحيــد الــذي خســر أو تــورط أو
ضاع ماله ...
بل هناك الكثير والكثير غير ...
وإذا كنت قد فقدت ربع مالك ,فاعلم أن هنــاك مــن فقــد
نصف ماله ...
وإذا كنت قد فقدت نصف مالك ,فاعلم أن هناك من فقد
ماله كله ..
176
فاحمد الله ..واقنع بما آتاك الله ...
اخوتي تأملوا الناس من حولكم هل يخلو أحد مــن مصــيبة
أزعجته،
أومن مشكلة أقلقته ،
أو من مرض أقعده ،
أومن هم احرقه أو .......أو .......إلخ ,,
هذا هو حال الناس ... ،غنى وفقر ..ربح وخسارة ..حياة
وموت ...صحة ومرض ..فرح وحزن ...
لكن البعض يزيد ألمه بسخطه وجزعــه فبعــد ذلــك يخســر
دينه ودنياه فاحذر أن تكون مــن المتســخطين ،بــل يجــب
علينا الرضا بالقضاء،والصبر على البلء لكي ننال الدرجات
العل قــال تعــالى"إنمــا يــوفى الصــابرون أجرهــم بغيــر
حساب"وقال صلى الله !عليه وسلم ))والصبر ضياء((
عليك أن تتذكر نعم اللـه عليــك فــي نفسـك خاصــة ،ومــن
ذلك أن تستحضر هذه النعم فــي جميــع جوارحــك واجعــل
نظرك فيمن أصيب ممن حولك ،كم يصرفون من الموال
ويذهبون مــن الوقــات وكــم يســهرون ويتعبــون فــي علج
أمراض ،أنت في عافية منها.
ثالثا :
هكذا هي الدنيا ..
يوم لك ويوم عليك ...
تربح يوما ..وتخسر يوما ..
الدنيا ل تستقيم لحد على حال ...
ل تحزن
..فالبلء جزء ل يتجزء من الحياة..
ل يخلو منه ..غني ول فقير ..ول ملك ول مملوك ..ول نــبي
مرسل ..ول عظيم مبجل..
فالناس مشتركون فــي وقــوعه ..ومختلفــون فــي كيفيــاته
ن ِفي ك َب َدٍ ]البلد.[4:سا َ خل َْقَنا ا ْ ِ
لن َ ودرجاته ..ل ََقد ْ َ
طبعــت علــى كــدر وأنــت تريــدها ----صــفوا ً مــن القــذاء
والكدار
هي المور كما شــاهدتها دول ---مــن ســره زمــن ســاءته
أزمان
177
وهذه الدار ل تبقي على أحد ---ول يــدوم علــى حــال لهــا
شان
رابعا :
حث الشرع على الصبر في مــواطن الشــدائد و حــذر مــن
سخط في حــال النكســار،وان تعجــب كيــف الشكوى و الت ّ
نفذت تعاليم السلم إلى أعماق النفــس فمســت منــاطق
الشــعور والوجــدان فيهــا،فإننــا ل نملــك إل أن نتأمــل هــذا
التماس بخشوع و إجلل،فيجب علينا أن نصبر و نحمد الله
في السراء و الضراء لن النسان ))إن أصابته سراء شكر
فكان خير له،وان إصابته ضراء صبر فكان خيــر لــه((فكــل
ما يصاب به العبد من هم وضيق وابتلء،إذا احتسب لــوجه
الله كتب له الجر والثواب وكانت تطهيرا له مــن الــذنوب
وكفرت سيئاته فل نجــزع ول نســخط لن هــذا البتلء مــن
الله،قال صلى الله عليه وسلم)ممن هم ول غم،ول وصــب
ولنصب،حتى الشوكة يشاك بها المسلم أل كفــر اللــه بهــا
من خطاياه((
و ل يغب عن بالك أن مصائبنا بسبب ذنوبنا وتقصــيرنا فــي
َ َ
مديك ُ ْ
ت أي ْـ ِ مــا ك َ َ
سـب َ ْ صــيب َةٍ فَب ِ َ
م ِن ُم ْم ِ صاب َك ُ ْ
ما أ َ طاعة الله }وَ َ
ر{ )الشورى ،(30:فأصلح ما بينك وبين الله ن ك َِثي ٍوَي َعُْفو عَ ْ
يصلح الله ما بينك وبين الناس.
واعلم أن المسلم رابح في كل حال :فما يصــيب المســلم
م حتى وخزة الشــوكة إل من نصب ول وصب ول هم ول غ ّ
كفر الله عنه به من خطاياه.
خامسا :
ل تقلق
المريض سيشفى..
والغائب سيعود..
والمحزون سيفرح..
والكرب سيرفع..
والضائقة ستزول..
ر
سـ ِ مـعَ ال ْعُ ْ
ن َ وهذا وعد الله إن الله ل يخلف الميعــاد ..فَـإ ِ ّ
سرا ً ]الشرح.[6،5: سرِ ي ُ ْمعَ ال ْعُ ْ ن َ سرا ً ) (5إ ِ ّ
يُ ْ
178
سر في الية ..ليطمئن قلبك.. ل تحزن ..فإنما كرر الله الي ُ ْ
وينشرح صدرك..
ســير يعقبــه
عســر ُيســرين { ..الع ِ واعلم أنه } :لن يغلب ُ
الُيسر ..كما الليل يعقبة الفجر..
ولرب ضائقة يضيق بها الفتى *** وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** ُفرجت وكنت أظنها ل
ُتفرج
سادسا :
صيحة نذير :
الربا
الربا
الربا
اتقوا الله يا أهل الربا ..
اتقــوا اللــه وراقبــوه ..واخشــوا يومــا ترجعــون فيــه إلــى
الله ...
الربا من أكبر الكبائر ..
وقد تأذن الله بالحرب على أهله ...
الربا يا أيها المسلم ...قليل أو كثير ...حرام ...حــرام ...
حرام ...
كبيرة من الكبائر ...موبقة من الموبقات ...ومــن أعظــم
الجرائم ...وأشد العظائم ...
الربـــا يهلـــك المـــوال ...ويمحـــق البركـــات ...ويجلـــب
الحسرات ...ويورث النكسات ،قال تعالى " :يمحق الله
الربا ويربي الصدقات "
الربا دمار للفراد والشعوب ...وإشعال لفتيل الحروب ...
الربا هلك للمم والمجتمعات ...بل صغار وذلة للمتعاملين
به ...
ول أدل على ذلك مــن هــذه النكبــات الــتي حطــت رحالهــا
بأمة محمد صلى الله عليه وســلم ،مـن حــروب مـدمرة ،
وفيضــانات عارمــة ،وكســوف وخســوف ،وريــاح عاتيــة ،
وقتل وسرقات ،وجرائم واغتيــالت ،ونهــب للممتلكــات ،
كــوارث وحــوادث ،ليــس لهــا مــن دون اللــه كاشــفة ،ول
179
منجــي منهــا إل بتوبــة صــادقة ،ورجــوع إلــى اللــه الواحــد
القهار ...
ن الحرب على الله ورسوله ... من يأكل الربا يعل ُ
فيا ُترى من يحارب الله ورسوَله أتراه ينتصر ؟!!
أتراه يكسب في الباقية ؟!!
ْ
مــا ن إ ِل ّ ك َ َ مــو َ ن الّرب َــا ل َ ي َُقو ُ ن ي َـأك ُُلو َ َ ذيقال الله تعــالى " ال ّـ ِ
م َقـاُلوا ْ طان من ال ْمس ذ َلـ َ َ
ك ب ِـأن ّهُ ْ َ ّ ِ شي ْ َ ُ ِ َ ه ال ّ خب ّط ُ ُ ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ي َُقو ُ
َ
جــاءهُ من َ م الّرَبا فَ َ حّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ ل الّرَبا وَأ َ مث ْ ُما ال ْب َي ْعُ ِ إ ِن ّ َ
ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ
ن م ْ مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ ف وَأ ْ ُ َ َ ََ َ ّ ّ ِ عظ َ ٌ ّ مو ْ ِ َ
ق َ ُ
عاد َ فَأوْل َئ ِ َ
حــ ُ م َ ن } {275ي َ ْ دو َ خال ِ ُ م ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ كأ ْ َ
َ
ل ك َّفــارٍ أِثي ـم ٍ } ب ك ُـ ّ ح ّ ه ل َيُ ِ ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ ه ال ّْرَبا وَي ُْرِبي ال ّ الل ّ ُ
َ
ص ـل َةَ موا ْ ال ّ ت وَأقَــا ُ حا ِ صــال ِ َمُلوا ْ ال ّ مُنوا ْ وَعَ ِ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ {276إ ِ ّ
كاةَ ل َه َ
م هــ ْ م وَل َ ُ ف عَل َي ْهِ ْ خو ْ ٌ م وَل َ َ عند َ َرب ّهِ ْ م ِ جُرهُ ْ مأ ْ ُ ْ َوآت َوُا ْ الّز َ
َ
مــا ه وَذ َُروا ْ َ من ُــوا ْ ات ُّقــوا ْ الل ّـ َ نآ َ ذي َ ن }َ {277يا أي َّها ال ّـ ِ حَزُنو َ يَ ْ
م ت َْفعَل ُــوا ْ ن } {278فَ ـِإن ل ّـ ْ مِني َ م ـؤ ْ ِ كنت ُــم ّ ن الّرَبا ِإن ُ م َ ي ِ ب َِق ْ َ
س ؤو ُ م ُر ُ م فَل َك ُـ ْ ســول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُـ ْ ن الل ّـهِ وََر ُ مـ َ ب ّ حـْر ٍ فَـأذ َُنوا ْ ب ِ َ
َ
ذو ن ُ كــا َ ن } {279وَِإن َ مــو َ ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ مــو َ م ل َ ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ مــ َ أ ْ
َ
م كنُتــ ْ م ِإن ُ خي ٌْر ل ّك ُ ْ صد ُّقوا ْ َ سَرةٍ وَأن ت َ َ مي ْ َ سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ عُ ْ
م ن ِفيـهِ إ ِل َــى الل ّـهِ ث ُـ ّ جعُــو َ مــا ت ُْر َ ن }َ {280وات ُّقــوا ْ ي َوْ ً مو َ ت َعْل َ ُ
ن }{281 مو َ م ل َ ي ُظ ْل َ ُ ت وَهُ ْ سب َ ْ ما ك َ َ س ّ ل ن َْف ٍ ت ُوَّفى ك ُ ّ
ل وقال -صلى الله عليه وسّلم )) : -درهم ربـا يـأكّله الرجـ ُ
وهو يعلم ؛ أشد ّ مــن ســتةٍ وثلثيــن زنيــة (( ]رواه أحمــد و
صــححه اللبــاني عــن عبــد اللــه بــن حنظلــة -رضــي اللــه
عنه... [-
ث وسبعون بابــا ؛ وقال عليه الصلة و السلم )) :الربا ثل ٌ
ل أمه (( ]صــححه اللبــاني فــي ح الرج ُ ل أن ينك َ أيسُرها مث ُ
صحيح الترغيب[.
فاتق الله في نفسك إن كنــت ممــن يســاهم فــي الســهم
ل الحرام . ك لك ِ سك وأهل َ ض نف َ الربوية ول تعر ْ
وعن سمرة بن جندب قال :رسول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم ) :أريت الليلة رجليــن أتيــاني فأخرجــاني إلــى أرض
مقدسة ،فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم ،فيــه رجــل
قائم ،وعلى وسط النهــر رجــل بيــن يــديه حجــارة ،فأقبــل
180
الرجل الذي فـي النهــر ،فـإذا أراد الرجـل أن يخــرج رمـى
ل بحجر في فيه فـرده حيـث كـان ،فجعـل كلمـا جـاء الرج َ
ليخرج رمى في فيه بحجــر فيرجــع كمــا كــان ،فقلــت :مــا
هــذا؟ ،فقــال :الــذي رأيتــه فــي النهــر :آكــل الربــا( رواه
البخاري
م ل تجــرح دينــك بســهم ربــا ،وإل فإنــك ولذلك أيها المسل ُ
تعلن الحرب على الله ورسوله ...
تخلصوا من الربا وتوبوا إلى الله ...يا عباد الله ...
ومن ترك شيئا ً لله عوضه الله خيرا منه ...
فالله الله في أكل الحلل ... .
وعليكــم بكــثرة الســتغفار ...وكــثرة الــدعاء ...وصــدق
اللجوء إلى الله ..
عليكم بالتوبة النصوح من جميع المعاصي والذنوب ..
.
.
إلى الله المشتكي :
أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
يا من إليه المشتكي والمفزع
يا من يرجى للشدائد كلها
أمنن فان الخير عندك أجمع
يا من خزائن ملكه في قول كن
فبالفتقار إليك فقري أدفع
مالي سوى فقري إليك وسيلة
ولن طردت فأي باب أقرع
مالي سوى قرع لبابك حيلة
إن كان فضلك عن فقير يمنع
ومن الذي أدعو وأهتف باسمه
الفضل أجزل والمواهب أوسع
حاشى لجودك أن تقّنط عاصيا
والطف بنا يا من إليه المرجع
فاجعل لنا من كل ضيق مخرجا
والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته ...
181
أخوكم محمد بن عبدالله
...السياسي ...
mohd242@hotmail.com
الرياض ..
الحد 1427 / 3 / 18هـ
----------------------------------------------
ملحظة :
--تمـــت الســـتعانة والســـتفادة مـــن بعـــض المقـــالت
والكتابات في الشبكة عند إعداد هــذا الموضــوع ..فجــزى
الله الجميع خيرا
--أرجو من الجميع نشر هذا الموضوع كامل فــي منتــديات
المال والسهم ...وغيرها من المنتديات ..
==============
ب سهم ٍ أصاب مقتل ُ#ر ّ
عبدالله القحطاني
الحمد لله الواحد المعبود ،عم بحكمته الوجـود ،وشـملت
رحمته كل موجــود ،أحمــده ســبحانه وأشــكره وهــو بكــل
لسان محمود ،وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك لــه
الغفور الودود ،وعد من أطــاعه بــالعزة والخلــود ،وتوعــد
من عصاه بالنار ذات الوقود ،وأشهد أن نبينا محمــدا ً عبــد
الله ورسوله ،صاحب المقام المحمود ،واللواء المعقود ،
والحوض المورود ،صلى الله عليه وعلــى آلــه وأصــحابه ،
الركــع الســجود ،والتــابعين ومــن تبعهــم مــن المــؤمنين
الشهود ،وسلم تسليما ً كثيرا ً إلى اليوم الموعود . . .
أيها الموحد /
فــي خضــم معــترك هــذه الحيــاة ،وفــي بحرهــا المتلطــم
المواج ،هناك فئة من المسلمين ،تجرءوا على الحرمات
،وارتكبوا المنهيات ،دون ورع ول خــوف ،فــأكلوا الربــا ،
ودعــوا النــاس إلــى أكلــه ،مجــاهرين بالمعصــية ،وقــد
توعدهم الله بعقاب من عنــده ،علــى لسـان نــبيه ،فقــال
صلى الله عليه وسلم " :كل أمتي يدخلون الجنــة إل مــن
أبــى " قيــل :ومــن يــأبى يــا رســول اللــه ؟ قــال " :مــن
أطاعني دخل الجنة ،ومــن عصــاني فقــد أبــى " ] أخرجــه
182
البخاري [ ،ومن تعامل بالربا فقـد خـالف أمـر اللـه وأمـر
نبيه صلى اللــه عليــه وســلم ،وعصــى الوامــر ،واقــترف
الزواجر ،وقد قال الله تعالى " :فليحذر الــذين يخــالفون
عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم "
وفي فترةٍ لم يسبق لها مثيل ،تهــافت النــاس علــى الــبيع
والشراء في السهم المحليــة والخارجيــة ،وأصــبحت فــي
لمح البصر شــغل مجالســنا ومنتــدياتنا ،حــتى أصــبح أكــثر
أفراد مجتمعاتنا بين الستثمار والمضاربة فيها ...ففتحــت
صالت استثمارية من أجل ذلك ...
وأصبح هناك مواقع عدة على الشبكة المعلوماتية ...
ورواد غرف السهم على بعض برامج الشبكة المعلوماتيــة
أضعاف أضعاف باقي الغرف الخرى ...
دة ...
ومنتديات ع ّ
ودورات وبرامج تعليمية ...
وكل ذلك من أجل السباق في مضمارها ...
ب سهم ٍ من أسهمنا يا أخي الكريم أصاب مقتل في ديــن ُر ّ
العبــد ...بســبب طعــم المــال الــذي جنــاهُ المســتثمر أو
المضارب في شركة ربوية ولو كان فيها نسبة قليلة ...
فبعض الناس أخرص لسانه عن سؤال العلماء المختصــين
فـــي ذلـــك ،فل يعـــرف الشـــركة الحلل مـــن الشـــركة
الحرام ...
وبعضهم تجاهــل الصــوت الغلــب فــي حرمتــه ...فيســمع
وُيقِنع نفسه مع ذلك بأنه لــم يســمع ،ويأكــل الحــرام فــي
صباحه ومسائه ،وبعد العشاء ُيعّنف على من يتشــد ّد ُ فــي
بعض الفتاوى التي ُتبرئ دينه ...
ب فيه وماذا ينفع النسان إذا أصاب هذا السهم الذي يضار ُ
أو يســتثمره فــي أعظ ـم ِ شــيء لــدى بنــي النســان وهــو
الدين ...
في البخاري ومســند المــام أحمــد قــال صــلى اللــه عليــه
وسلم " ليأتين على الناس زمان ل يبــالي المــرء بمــا أخــذ
المال ،أمن حلل أم من حرام " .نسأل الله العافية ...
الربا يا أيها المسلم ...قليل أو كثير ...حرام ...حــرام ...
حرام ...
183
كبيرة من الكبائر ...موبقة من الموبقات ...ومــن أعظــم
الجرائم ...وأشد العظائم ...
الربـــا يهلـــك المـــوال ...ويمحـــق البركـــات ...ويجلـــب
الحسرات ...ويورث النكسات ،قال تعالى " :يمحق الله
الربا ويربي الصدقات "
الربا دمار للفراد والشعوب ...وإشعال لفتيل الحروب ...
الربا هلك للمم والمجتمعات ...بل صغار وذلة للمتعاملين
به ...
ول أدل على ذلك مــن هــذه النكبــات الــتي حطــت رحالهــا
بأمة محمد صلى الله عليه وســلم ،مـن حــروب مـدمرة ،
وفيضــانات عارمــة ،وكســوف وخســوف ،وريــاح عاتيــة ،
وقتل وسرقات ،وجرائم واغتيــالت ،ونهــب للممتلكــات ،
كــوارث وحــوادث ،ليــس لهــا مــن دون اللــه كاشــفة ،ول
منجــي منهــا إل بتوبــة صــادقة ،ورجــوع إلــى اللــه الواحــد
القهار ...
ن الحرب على الله ورسوله ... من يأكل الربا يعل ُ
فيا ُترى من يحارب الله ورسوَله أتراه ينتصر ؟!!
أتراه يكسب في الباقية ؟!!
ْ
مــا ن إ ِل ّ ك َ َ مــو َ ن الّرب َــا ل َ ي َُقو ُ ن ي َـأك ُُلو َ َ قال الله تعــالى " ال ّـ ِ
ذي
م َقـاُلوا ْ طان من ال ْمس ذ َلـ َ َ
ك ب ِـأن ّهُ ْ َ ّ ِ شي ْ َ ُ ِ َ ه ال ّ خب ّط ُ ُ ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ي َُقو ُ
َ
جــاءهُ من َ م الّرَبا فَ َ حّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ ل الّرَبا وَأ َ ما ال ْب َي ْعُ ِ
مث ْ ُ إ ِن ّ َ
ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ
ن م ْ مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ ف وَأ ْ ُ َ َ ََ َ ّ ّ ِ عظ َ ٌ ّ مو ْ ِ َ
ق َ ُ
عاد َ فَأوْل َئ ِ َ
حــ ُ م َ ن } {275ي َ ْ دو َ خال ِ ُ م ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ كأ ْ َ
َ
ل ك َّفــارٍ أِثي ـم ٍ } ب ك ُـ ّ ح ّ ه ل َيُ ِ ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ ه ال ّْرَبا وَي ُْرِبي ال ّ الل ّ ُ
َ
ص ـل َةَ موا ْ ال ّ ت وَأقَــا ُ حا ِ مُلوا ْ ال ّ
صــال ِ َ مُنوا ْ وَعَ ِ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ {276إ ِ ّ
كاةَ ل َه َ
م هــ ْ م وَل َ ُ ف عَل َي ْهِ ْ خو ْ ٌ م وَل َ َ عند َ َرب ّهِ ْ م ِ جُرهُ ْ مأ ْ ُ ْ َوآت َوُا ْ الّز َ
َ
مــا ه وَذ َُروا ْ َ من ُــوا ْ ات ُّقــوا ْ الل ّـ َ نآ َ ذي َ ن }َ {277يا أي َّها ال ّـ ِ حَزُنو َ يَ ْ
م ت َْفعَل ُــوا ْ ن } {278فَ ـِإن ل ّـ ْ مِني َ م ـؤ ْ ِ كنت ُــم ّ ن الّرَبا ِإن ُ م َ ي ِ ب َِق ْ َ
س ؤو ُ م ُر ُ م فَل َك ُـ ْ ســول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُـ ْ ن الل ّـهِ وََر ُ مـ َ ب ّ حـْر ٍ فَـأذ َُنوا ْ ب ِ َ
َ
ذو ن ُ كــا َ ن } {279وَِإن َ مــو َ ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ مــو َ م ل َ ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ مــ َ أ ْ
َ
م كنُتــ ْ م ِإن ُ خي ٌْر ل ّك ُ ْ صد ُّقوا ْ َ سَرةٍ وَأن ت َ َ مي ْ َ سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ عُ ْ
م ن ِفيـهِ إ ِل َــى الل ّـهِ ث ُـ ّ جعُــو َ مــا ت ُْر َ ن }َ {280وات ُّقــوا ْ ي َوْ ً مو َ ت َعْل َ ُ
ن }{281 مو َ م ل َ ي ُظ ْل َ ُ ت وَهُ ْ سب َ ْ ما ك َ َ س ّ ل ن َْف ٍ ت ُوَّفى ك ُ ّ
184
ل وقال -صلى الله عليه وسّلم )) : -درهم ربـا يـأكّله الرجـ ُ
وهو يعلم ؛ أشد ّ مــن ســتةٍ وثلثيــن زنيــة (( ]رواه أحمــد و
صــححه اللبــاني عــن عبــد اللــه بــن حنظلــة -رضــي اللــه
عنه... [-
ث وسبعون بابــا ؛ وقال عليه الصلة و السلم )) :الربا ثل ٌ
ل أمه (( ]صــححه اللبــاني فــي ح الرج ُ ل أن ينك َ أيسُرها مث ُ
صحيح الترغيب[.
فاتق الله في نفسك إن كنــت ممــن يســاهم فــي الســهم
ل الحرام . ك لك ِ سك وأهل َض نف َ الربوية ول تعر ْ
وعن سمرة بن جندب قال :رسول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم ) :أريت الليلة رجليــن أتيــاني فأخرجــاني إلــى أرض
مقدسة ،فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم ،فيــه رجــل
قائم ،وعلى وسط النهــر رجــل بيــن يــديه حجــارة ،فأقبــل
الرجل الذي فـي النهــر ،فـإذا أراد الرجـل أن يخــرج رمـى
ل بحجر في فيه فـرده حيـث كـان ،فجعـل كلمـا جـاء الرج َ
ليخرج رمى في فيه بحجــر فيرجــع كمــا كــان ،فقلــت :مــا
هــذا؟ ،فقــال :الــذي رأيتــه فــي النهــر :آكــل الربــا( رواه
البخاري
م ل تجــرح دينــك بســهم ربــا ،وإل فإنــك ولذلك أيها المسل ُ
تعلن الحرب على الله ورسوله ...
نت مــن أ ّ ت شراَء أسهم ِ أيّ شركةٍ فعليك أن تتثب َ وإذا أرد َ
م فــي ن تســاه َ لأ ْح بحــا ٍطها مباحــا ً ونقيــا ،فل يصــ ّ نشــا َ
ت ك الربوية ،أو الشــركا ِ ن التجاري ،أو البنو ِ ت التأمي ِ شركا ِ
ر
ن أو الخم ِ المصنعةِ للسلِع التي حرمها الله تعالى ،كالدخا ِ
ن تشارك في الشركةِ التي سلمت مــن وما شابه ذلك ،أوأ ْ
الربا إيداعا ً واقتراضا ً ...
ل منه النسان يحرمه من دعوة مستجابة ... ب سهم ٍ يأك ُ ُر ّ
م ...قــد يأتيــك نكبــة ... قد يأتيــك مــرض ...قــد يأتيــك هـ ّ
فترفع يديك إلى الله فتقول يارب ...يارب ...يارب ...
فل يستجيب الله لك ...
ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجــل يطيــل الســفر
مد ّ يديه إلــى الســماء يــارب يــارب ومطعمــه أشعث أغبر ي ُ
185
حرام ،ومشربه حرام ،وملبسه حرام ،وغذي بالحرام ...
ب له !! رواه مسلم ... قال الرسول :فأنى يستجا ُ
ب سهم ربوي كان شؤما على صاحبه ،ربما سلط اللــه وُر ّ
عليه بسببه الفــات المهلكــة ،والكــوارث المــدمرة ،مــن
غــرق أو حــرق أو لصــوص أو أنظمــة جــائرة تــذهب بــه
جميعــه ،وكــم رأى النــاس وعــاينوا ،وشــاهدوا وبــاينوا ،
عاقبة الربا على أصحابه ،فكــم مــن الثريــاء المســاهمين
بالربــا محــق اللــه مــا بأيــديهم ،حيــث أصــابتهم الــديون ،
فأخذهم الله بعــذاب الهــون ،فصــاروا عالــة علــى النــاس
يتكففــون ،وصــدق اللــه العظيــم القــائل " :فبظلــم مــن
الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصــدهم عــن
سبيل الله كــثيرا ً * وأخــذهم الربــا وقــد نهــوا عنــه وأكلهــم
أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا ً أليما ً "
ب ســهم مــن الســهم أمــرض مســتثمريها ومضــاربيها ، ُر ّ
فسبب لبعضهم أمراضا نفسية ،وحالت عصــبية ،وضــيق
وهم ،وهذا ل ينبغي ...لن من يساهم يــدخل بنيــة الربــح
والخســارة ،فــإذا خســر فل ينســى الركــن الســادس مــن
ه
أركان اليمان الستة وهــو اليمــان بالقضــاء والقــدر خي ـرِ ِ
وشّره ...
ب سهم من السهم يا موحدون ... ُر ّ
س عــن أصاب مقتل في إقتصادنا التجــاري ...فعط ّــل النــا ُ
تطوير هذا البلــد ،وإنشــاء المصــانع وإقامــة المشــاريع ...
فتقلصـــت حركـــة البنـــاء ...وأصـــاب الفتـــوُر الحركـــة
التجارية ...وعلينــا أيهــا النــاس أن ل ننفــرط بالكليــة فــي
وضع أموالنا فــي هــذه المســاهمات ) أقصــد المســاهمات
النقيــة ( ،وأن يتفطــن النســان فــي إيجــاد المكاســب
التجارية التي تعود عليه وعلى أهل البلد بالخير والفــائدة ،
طعما ً سهل ً للكبــارِ دون أن يشــعر ،مــن ح النسان ُ ول يصب ُ
أجل أل يصبح بين لحظات في قطار المفلسين ...
ب سهم ٍ أيهـا المسـلمون -:ضــيع أمانـة المسـلم بســبب ُر ّ
س،ش نفســه فــي تعــامِله مــع النــا ِغشــه وخــداعه ،فيغُـ ّ
ش الخداع ،وأشدهم من يوهم ويعتمد ُ في تعاملهِ على الغ ّ
النــاس بــأنه يشــتغل فــي الســهم النقيــة مــن أجــل أن
186
يســاهموا معــه وهــو يشــتغل فــي الســهم الحــرام أو
ي -صلى الله عليه وسلم -يقول )) :من المختلطة ...والنب ّ
غشنا فليس منا(( رواه مسلم ...
وكذلك من المهـم أن ل يضـيع النسـان أمـانته فـي عملـه
ووظيفته ،فما يحصــل الن مــن بعــض المــوظفين وبعــض
المعلمين في اشتغالهم بشاشــات الســهم وتــرك أمــانتهم
شيء عجيب ...شيء تتفطُر له الكباد ...
وأصبح بعض الموظفين يتسترون في أعمالهم مع بعضــهم
البعــض بســبب مصــلحتهم الشخصــية ،فضــيعوا المانــة
شوا ِ الرعية ...قال الرسول صلى الله عليه وسلم )) ما وغ ّ
من عبد يسترعيه الله رعية ،يموت يوم يموت وهــو غــاش
لرعيته إل حرم الله عليه الجنة ((
فليتق الله العبد وليحفظ أمانته ...
م من الســهم صـد ّ النســان عــن ذكــر اللــه ول يصيب سه ٌ
ق
ب المالية ،لها بري ٌ م والمكاس ُ تعالى والصلة ،نعم السه ُ
ولمعان ؛ لكنها ل تلهينا عن التجارة مع الواحد الديان ...
ه على جمِع حطام ِ الدنيا إذا ُأوقـف ماذا ينفعُ النسان حرص ُ
ة على سقر؟ وما أدراك ما سقر ؟ ل ُتبقي ول تــذر ،لواح ـ ٌ
ة عشر ؟!! ر ،عليها تسع ُ للبش ِ
ه علــى ارتفــاع أو انخفــاض مؤشــر ماذا ينفُعه حينئذ حرصـ ُ
ة ث يمن ـ ً السهم إذا أوقف بين يدي الله تعــالى ،وبــدأ يبح ـ ُ
ويسرةً عن حسنةٍ واحدةٍ ُتنجيه بإذن الله تعــالى مــن نــاره
وجحيمه 0...
ع
جاَرةٌ َول ب َي ْ ٌ م تِ َ ل ل ت ُل ِْهيهِ ْ جا ٌلنكن ممن قال الله فيهم )) :رِ َ
وم ـا ً ن يَ ْخــاُفو َ صــلةِ وَِإيت َــاءِ الّزك َــاةِ ي َ َ ن ذِك ْرِ الل ّـهِ وَإ ِقَــام ِ ال ّ عَ ْ
َ
صاُر(( )النور. (37: ب َواْلب ْ َ ب ِفيهِ ال ُْقُلو ُ ت َت ََقل ّ ُ
جــا * خَر ً م ْ
ه َجعَــل ل ّـ ُ ق الل ّـ َ
ه يَ ْ مــن ي َت ّـ ِ يقول اللــه تعــالى)) :وَ َ
ل عَل َــى الل ّـهِ فَهُ ـ َ
و مــن ي َت َوَك ّـ ْ ب وَ َ س ُحت َ ِ ث َل ي َ ْ حي ْ ُن َ م ْ
ه ِ وَي َْرُزقْ ُ
َ
يٍء قَ ـد ًْرا(( شـ ْ ل َ ه ل ِك ُـ ّ ل الل ّ ُ جع َ َمرِهِ قَد ْ َ ه َبال ِغُ أ ْ ن الل ّ َه إِ ّ سب ُ ُ
ح ْ َ
)سورة الطلق . (3.2:
ة ب عبــدا ً حقيق ـ َ ن عيينة -رحمه الله : -ل ُيصي ُ نب ُ قال سفيا ُ
ل بيَنه وبين الحــرام ِ حــاجزا ً مــن الحلل ، ن حتى يجع َ اليما ِ
187
م ومــا تشــابه منــه .نســأل اللــه أن يكفينــا
وحتى يــدعَ الثـ َ
بحلله عن حرامه وبفضله عمن سواه ...
وأحيل كل من كان لديه مبلغــا للمســاهمة ،أن يســتعرض
بين كل وقت وآخر القوائم النقية التي تتجــدد دائمــا علــى
موقع شبكة نور الســلم ...ول ينســى المســتثمرون مــن
إخراج زكاة أموالهم من الرباح الســنوية ،أو مــن الربــاح
الـتي دارت عليهـا الحـول ومـن أراد السـتزادة مـن زكـاة
الســهم أو بعــض الحكــام المتعلقــة بالمعــاملت الماليــة
فليرجع إلى موقع اسمه الربــح الحلل أو يرجــع إلــى أهــل
العلم الثقات ...
وقد يظهر بين وقت وآخر شركات يكــون فيهــا اكتتــاب ...
وقد تكــون بعــض الشــركات مــن الشــركات ذات النشــاط
المباح ولكنها تقترض وتودع بالرب ...
وقــد اختلــف الفقهــاء المعاصــرون فــي هــذا النــوع مــن
الشركات ...
منهم من قال بأنهـا جـائزة ومنهـم مـن قـال بـأنه ل يجـوز
الكتتاب فيها وهذا القول عليه أكثُر أهل العلم ،ومنهم ...
مجمع الفقه السلمي التــابع لمنظمــة المــؤتمر الســلمي
بجــدة ،ونــص قرارهــم فــي الســهم المختلطــة ) الصــل
حرمة السهام فــي شــركات تتعامــل أحيانـا ً بالمحرمــات ،
كالربـــا ونحـــوه ،بـــالرغم مـــن أن أنشـــطتها الساســـية
مشروعة ...
والمجمع الفقهي التابِع لرابطة العالم السلمي فــي مكــة
المكرمة ،ونص قرارهـم " ل يجـوز لمسـلم شـراء أسـهم
الشـركات والمصـارف إذا كـان فـي بعـض معاملتهـا ربـا،
وكان المشتري عالما ً بذلك"
وممن قال بالتحريم أيضًا :اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة
والفتاء
،والهيئة الشـــرعية لـــبيت التمويـــل الكويـــتي ،والهيئة
الشرعية لبنــك دبــي الســلمي ،وهيئة الرقابــة الشــرعية
للبنــك الســلمي فــي الســودان ،وعــدد مــن الفقهــاء
المعاصرين ...
188
وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة مــن الكتــاب والســنة
تدل بعمومهـا علـى تحريـم الربـا قليلـه وكــثيره ،ولن يـد
الشركة على المال هــي نفــس يــد المســاهم ،فــأي عمــل
تقــوم بــه فهــو عملــه ل فــرق بينهمــا ،فكمــا يحــرم علــى
النسان أن يســتثمر جــزءا ً مــن مــاله – ولــو يســيرا ً – فــي
معاملت محرمة ،فكذا يحرم عليه المشاركة في شــركات
تتعامل بالحرام ،لن المال المستثمر هو ماله بعينه ...
مر ويستعد للكتتاب في مثــل هــذه وفي مجتمعاتنا من يش ّ
الشركات ...وما إن يسمع بأن أي من هذه الشركات من
الشركات الغير نقية ...
إل توقف عن العزم بالكتتاب فيها ...
وتحرك منسوب اليمان لديه وردعه عن ذلك ...
وأفشل خطته الشيطانية التي تراوده بين وقت وآخر بتتبع
الّرخص وأخذ فتوى من قال لهم بالجواز ...
ومن ترك شيئا ً لله عوضه الله خيرا منه ...
فالله الله في أكل الحلل ... .
قال الله تعالى " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملــوا
صالحا إني بما تعملون عليم" .
قال القرطبي :سوى الله تعــالى بيــن النــبيين والمــؤمنين
فــي الخطــاب بوجــوب أكــل الحلل وتجنــب الحــرام ،ثــم
شمل الكل في الوعيد الذي تضمنه قوله تعالى" :إني بمــا
تعملون عليم"
ففي أكل الحلل صلح للقلوب ،و نجاة من الهلك ،ولذة
اليمان فإن الله طيب ل يقبل إل طيب ...
فل ننساق خلف البنوك الربوية ،والدعايات الصحفية التي
تحت شعارات مضلله ،وروايات باطلة ،بأســماء منمقــة ،
كالخــدمات البنكيــة ،والنظــام المصــرفي ،والمــداينات ،
والقــرض والفــائدة ،وحســاب التــوفير ،وودائع الئتمــان ،
ونحــو ذلـك ،لمـا تغيــر مسـمى الربــا بتلكــم المسـميات ،
انســاق النــاس وراء ترهــات الحلم ،وســفهاء القلم ،
فوقعوا في الربا عيانا ً بيانا ً ،فيا حسرةً على العباد ،تــاهوا
في كل واد ...
=============
189
#حكم القروض الزراعّية
السؤال :
تقــوم الحكومــة الجزائريــة بــدعم الفلحيــن فــي بعــض
المشــاريع الزراعّيــة بتقــديم نســبة مئويــة مــن تكلفــة
لح أن يــدفع النســبة الباقيــة المشروع للفلح ،و علــى الف ّ
من تكلفة المشروع بنفسه .
و إن كان غير قادر علــى ذلــك اقترضــها مــن البنــك بــدون
فوائد .
م إنجــاز المشــروع ) كحفــر البــار مثل ( مــن طــرف و يت ـ ّ
مقاول يختاره الفلح و إن كان قادرا علــى إنجــازه بنفســه
مع عمال قام بذلك ) كغرس النخيل مثل ( .
لكن ل تقوم الحكومة بدفع النسبة المذكورة أعله إل عــن
طريق البنك المذكور حيث يأخذ من تكلفة المشروع نسبة
3بالمائة معتــبرا ً إياهــا -خــدمات و مرتبــات للموضــفين و
نحو ذلك .
كما يشترط على الفلح المدعوم تــأمين المشــروع و فتــح
حساب بنكي بمبلــغ يقــدر بثلثــة آلف دينــار جــزائؤي فــي
البنك الوسيط .
ملحظات :
-1ل يوجــد أي نشــاط فــي البلد ل يخضــع للتــأمين حــتى
مرتبات الموظفين .
-2البنك الوسيط يتعامل بالربا وبغير الربا .
فما حكم الشرع في هذه المعاملة ؟
الجواب :
أقول مستعينا ً بالله تعالى :
مــا ذكــره الخ الســائل فــي مطلــع ســؤاله مــن إمكانّيــة
الحصول على قرض غير ربوي ) بدون فوائد ( ،ل إشــكال
و
مــن شــاء إذا تيّقــن خلـ ّفيه ،و له أن يقــترض مــا شــاء م ّ
العقد من الربا المحّرم .
دي و إذا كانت الدولة أو غيرها مــن الجهــات الدافعــة ل تــؤ ّ
ف يقتطــع مــن المبلــغ إليــك حّقــك إل عــن طريــق مص ـرِ ٍ
مكــره ل ة مئوي ّــة قل ّــت أو كث ُـَرت ،و أنــت ُ
المستحق نســب ً
190
خيار لك في ذلك ،فلست آكل ً للربا و ل موكل ً له ،و الثم
خذه . على معطيه و آ ِ
مثل هذه الحالة إل كمثل ما تقوم به بعض الحكومات و ما َ
مال ظفين و الع ّ دي رواتب المو ّ و الشركات الكبرى التي تؤ ّ
عــن طريــق المصــارف الربوي ّــة حصــرا ً ،فتشــترط علــى
ي
ب جارٍ باسمه ،و تودع راتَبــه الشــهر ّ ظف فتح حسا ٍ المو ّ
في حسابه مباشرةً ،و ل ُتعطيه حّقه نقدا ً ) يدا ً بيدٍ ( و إن
طلب ذلك و أصّر عليه ،فل يَقع الثم عليه في هذه الحال
كنهدع في حسابه من مال فوَر تم ّ ض ما يو َ ،و عليه أن َيقب َ
رف . كي ل تترتب عليه زيادةٌ ِربوّية عائدةٍ له أو للمص ِ
و عليه فـإذا كـان للخ السـائل خيـاٌر فـي اسـتلم القـرض
ُ
ما إن أكرهَ رض ،فل يجوز له غير ذلك ،أ ّ مباشرةً من المق ِ
على الَقبض عن طريق المصرف ،فل بأس فــي ذلــك ،و
الثم على من ألجأه إليه ،و أكرهه عليه .
م ل أدري إن كانت زيادة الثلثــة فــي المــائة ) المــذكورة ث ّ
في السؤال ( ُتدَفع مّرة واحدة خلل مدة العقــد الــتي قــد
ل ســنةٍٍ ،فــإن كــانت تــؤدى م ـّرةً تطول ،أو ُتدفع مـّرةً كـ ّ
ٍ
ددةٍ معلومــة ،ل يــؤّثر فيهــا تــأخر محـ ّ واحدةً ِلقاء خــدمات ُ
السداد ،فقد يكون المر لقــاء خــدمات مصــرفّية حّق ـا ً ،و
مع ذلك فل بد ّ من التأكد قبــل إجــراء العقــد ،فــإذا انتفــى
دمة من خدمات المق ّ م التفاق على أجرةٍ لل َ الربا يقينا ً ،و ت ّ
ة ل تحــايل ً فل بــأس فــي العقــد فــي هــذه المصرف حقيق ـ ً
الحال و الله أعلم .
ما إن كانت هذه الزيادة ُ ،تدَفع سنويا ً ،أو تزيد فــي حــال أ ّ
خر عن السداد ،أو كانت هناك زيادة أخرى -مهما كان التأ ّ
مقدارها – يدفعها المقترض مقابـل الجـل ؛ فالزيـادة فـي
هذه الحال رَِبوّية و ل أثر لتسميتها فوائد أو رسوم خدمات
ن العبرة في العقود بالمقاصد أو غير ذلك في الحكم ،إذ إ ّ
و المعاني ،ل باللفاظ و المباني كما هو مق ـّرر عنــد أهــل
العلم .
ض للزراعــة ) الِفلحــة ( و على من أراد الحصول على َقر ٍ
ســع فــي بــاب أو غيرهــا أن يحتــاط مــن الربــا ،و ل يتو ّ
191
در بَقد َِرها ،و من ترك شــيئا ً ن الضرورة ُتق ّ الضرورات ،ل ّ
وضه الله خيرا ً منه . لله ع ّ
ما قول السائل ) :ل يوجد أي نشاط فــي البلد ل يخضــع أ ّ
ن التأمين للتأمين حتى مرتبات الموظفين ( فالظاهر فيه أ ّ
م علــى إجباريّ في بلــد الســائل ،و إذا كــان كــذلك فل إث ـ َ
الفراد المكرهين عليه ،ما لم ُيقدموا عليه اختيارا ً .
ما التأمين الختياري فالبحث فيــه يطــول ،و الخلف فــي أ ّ
دمم بيــاِنه ،لعـ َ آحــاد مســائله مشــهور ،و ليــس هــذا مقــا َ
السؤال عنه .
فن المصرف الوسيط يتعامل بالربا و بغير الربا ،كا ٍ و كو ُ
ن بعض المصارف ةوأ ّ ص ًلوجوب الشبهة في تعاملته ،خا ّ
تودِعُ أموال المستثمرين في حسابات تزعم أّنها ل تتعامل
فيها بالربا ،بــل تعيــد إليهــم رؤوس أمــوالهم عنـد َ الط َل َــب
بــدون زيــادةٍ أو ُنقصــان ،و ل يعنــي هــذا أّنهــا أبَقــت هــذه
رض بعضــها و ُ
خَزائِنهــا ،بــل رّبمــا أق ـ ِ مدةً فــي َ الموال مج ّ
ترّتبت على إقراضه زيادات ربوّية استأثر بها المصرف ،و
ة
دها إلى الموِدع ،و هذا ل ُيخرج المعاملــة مــن دائر ِ لم يؤ ّ
المحّرمات ،لوجود الربا فيها و إن لم يقبضه الموِدع .
شرعا ً م َ ربويّ محّر ٌ رف ال ِ التعامل مع المص ِ ن
و لذلك أرى أ ّ
ة على الربا و إن لــم يك ُــن أكل ً مباشــرا ً ٌ ن في ذلك إعان ٌٌ ،ل ّ
ل الّرب َــا ن آك ِـ َ ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ل َعَ َ سو ُ ن َر ُ له ،ل ّ
واٌء ( فيمــا رواه سـ َ م َ شاهِد َي ْهِ وَقَــا َ
ل ) :هُ ـ ْ ه وَ َ ه وَ َ
كات ِب َ ُ موك ِل َ ُ
وَ ُ
جاِبر بن عبد الله رضي الله ن َ مسلم و الترمذي و أحمد عَ ْ
عنه .
ض من الدولة إذا و بالجملةِ فل بأس من الحصول على قر ٍ
خل من الربا يقينا ً ،و إل ّ فل ،و الله تعالى أعلم .
و أســأل اللــه تعــالى أن يوفقنــا و الخ الســائل ،و ســائر
المسلمين لما فيه صلح الدنيا و الدين .
ب العــالمين ،و صــلى اللــه و سـّلم و بــارك و الحمد لله ر ّّ
ّ
مد و آله و صحبه أجمعين . على نبّينا مح ّ
كتبه
د .أحمد عبد الكريم نجيب
============
192
#وضع المال في البنك ،وأخذ الفائدة عليه ،
والتصرف بها
الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله
وبعد
س علمي مع بعض أفاضل إخواننــا ،وكــان فقد جمعنا مجل ٌ
من ضمن السئلة التي تدوولت في اللقــاء :الســؤال عــن
مدى جواز وضع المال فــي البنــوك الربويــة ؟ وهــل يجــوز
لمن اضــطر لوضــعها أن يخــذ الفــائدة والزيــادة الربوي ّــة ؟
وأين يتم تصريفها بعد أخذها ؟
وكان من رأيي :أنــه ل يجــوز للنســان المسـلم ابتــداءً أن
يضع ماله في البنوك الربوي ّــة ،وأنــه كمــا أنــه يــأمن علــى
أهله في البيت ،فإنه من باب ولى أن يــأمن علــى مــاله ،
إل إذا كان المال أعز عنده من أهله !
ولم نسمع عن دعوة لوضع الهل فــي مكــان حيــن خــروج
الواحد من أصحاب الموال خارج بيته !
لــذا ل يجــوز وضــع المــال ابتــداًء إل فــي حــال الضــرورة
القصوى والت يخاف فيها النسان على نفسه وأهله وماله
.
وقد تيسرت في هذا الزمان وسائل كثيرة لحماية المــوال
لم تكن معروفة في الزمنة الغابرة مع كثرة الموال فيمــا
مضى .
وأما الجواب عن الثاني :فهو أنه من اضــطر لوضــع مــاله
في البنــك فــإنه ) يجــب ( ! عليــه أن يأخــذ مــا يكــون فــي
رصيده من المال الربوي الزائد ،وأنــه ) ل يجــوز ( لــه أن
يمكن الكفرة أو الفجـرة مـن هـذا المـال ل لشخصـهم ول
لمؤسستهم .
وأما الجواب عن الثالث :فهو أنــه يجــوز أن يتصــرف فــي
المال في ) جميــع ( وجــوه الخيــر مــن غيــر إلــزام بجــانب
معين ،وذلك لعــدم وجــود الفــرق فضــل عــن الــدليل بيــن
جوانب الخير .
فيجوز دفعها طعاما ً للفقراء ،أو كسوة للعرايــا ،أو قضــاءً
لدين المدينين ،أو إعانة للمجاهدين .والله أعلم
193
ثم وجــدت بعــد مجلســنا ذاك بعــض فتــاوى لكبــار علمائنــا
بمثل ما ذكرت فأحببت ذكرها للفائدة .
والحمد لله على توفيقه
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
أما ما أعطاك البنك من الربــح :فل تــرده علــى البنــك ول
تأكله ،بل اصرفه في وجوه البر كالصدقة على الفقــراء ،
وإصلح دورات المياه ،ومساعدة الغرمــاء العــاجزين عــن
قضاء ديونهم " … ،فتاوى إسلمية " ) . ( 407 / 2
سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله :
هل جائز شرعا ً أن أودع مالي وأخذ فائدة عليــه ،وأعطــي
الفائدة للمجاهدين مثل ً ؟
فأجاب :
حيث عرف أن هــذه البنــوك تتعــاطى الربــا ،فــإن اليــداع
عندها :فيه إعانة لها علـى الثـم والعـدوان ،ننصـح بعـدم
التعامل معها .
لكن إن اضطر إلى ذلك ولم يجد مصرفا ً أو بنكا ً إســلمي ّا ً :
فل بــأس باليــداع عنــدها ،ويجــوز أخــذ هــذا الجعــل الــذي
يــدفعونه كربــح أو فــائدة ! لكــن ل يــدخله فــي مــاله ،بــل
يصــرفه فــي وجــوه الخيــر علــى الفقــراء والمســاكين
والمجاهدين ونحوهم ،فهو أفضل من تركــه لمــن َيصــرفه
على الكنائس والدعاة إلى الكفر والصــد عــن الســلم " .
فتاوى إسلمية " ) . ( 409 ، 408 / 2
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله :
كيف أتخلص من الفوائد الربوّية شرعا ً ؟
فأجاب :
أرى وأستحسن أخذها من البنوك ،وصرفها في وجوه البر
وفي العمال الخيرية من مساجد ومدارس خيرية في بلد
إسلمية محتاجة لذلك بدل ً من أن يأكلها أهــل البنــط وهــم
السبب ،فيدخل في حديث " لعن الله آكل الربا وموكله "
" .فتاوى إسلمية " ) . ( 409 / 2
صرف الفوائد الربوية
اتفقــت كلمــة المشــتركين فــي الملتقــى علــى أن فــائدة
البنوك هي ربا أما السؤال أنــه هــل يســحب مبلــغ الفــائدة
194
من البنوك أو ل يســحب وإذا ســحب فمــا هــي مصــارفه ؟
فقد اتخذ القرار التالي بهذا الصدد ل يترك في البنــوك مــا
تعطي من المبالغ باســم الفــائدة بــل يســحب وينفــق فــي
المصارف التالية :
أول :ينفق مبلغ الفائدة الحاصلة من البنوك على الفقــراء
والمســاكين بــدون نيــة الثــواب اتفقــت علــى هــذا كلمــة
المشاركين جميعا
ثانيا :ل يجوز صرف هذا المبلغ في المساجد وشؤونها
ثالثا :ذهب معظم المشاركين في الملتقــى إلــى أن مبلــغ
الفائدة يجوز صرفه في العمال الخيريــة ماعــدا مصــارف
الصدقات الواجبة وذهـب الخـرون إلـى أن يصـرف تمامـا
على الفقراء والمساكين ل غير *
مجمع الفقه ) الهند ( قرار ) . ( 5
تعليق :رضا أحمد صمدي
الخ إحســـان العتيـــبي حفظـــه اللـــه ،والخـــوة الكـــرام
المشاركين ،السلم عليكم ورحمة الله وبركاته .
أرجو أن تسمحوا لي بإضافة بعض المفاهيم لتوضيح مأتى
الفتوى التي أجمعت عليها المجامع الفقهية بضرورة عــدم
ترك الفوائد للبنوك الربويــة وبخاصــة الــتي أســهمها ملــك
للجانب .
فأصل الفائدة أو الربا أنه ملك لدافعه ،والواجب رده إليه
،والدافع للربا ليس البنك شــرعا وقانونــا ،فالبنــك عبــارة
عن شركة مســاهمة ،والــدافعون للربــا هــم المســاهمون
في البنــك وكــذلك المقترضــون ،وقــد اســتقر فــي عــرف
القتصاد جهالة صاحب الربا المدفوع عينا ،فصار الربــا أو
الفائدة التي يدفعها البنك لعملئه في حكم اللقطة التي ل
مالك لها ،ولما رأى أهل العلم أن غــالب البنــوك تتصــرف
في الربا المتروك من أهل التقوى بغير ما أحل الله ،كمــا
تفعله البنوك النصرانية من إنفــاق تلــك الفــوائد المتروكــة
في بناء الكنائس ونحو ذلك أفتى علماء المة فــي العصــر
الحديث ولم أعلم لهــم مخالفــا بعــدم جــواز تــرك الفــائدة
للبنك ،بل يجب أخذها من باب المصلحة المرسلة ) وهي
التي لم يات في الشرع كلم بإثباتها أو نفيها كحالتنا هذه (
195
،ويعلم من ذلك أنه ل تعارض بين أخذ تلــك الفــائدة وبيــن
قول الله تعالى :فلكم رؤؤس أموالكم ..
لن الله تعالى سكت عن ذلك الربا فيمــا لــو لــم يكــن لــه
صاحب ،إذ لــو كــان لـه صـاحب فهــو أحــق بــه ول ريــب ،
ولكن قد علم أن الفائدة المتروكة لن تعود إلى أربابها بــل
سينفقها البنك فيما يراه صالحا وقــد تنفقــه بعــض البنــوك
فــي إقامــة حفلت تشــرب فيهــا الخمــور وتفعــل فيهــا
المنكــرات ،فــوجب درء المفســدة أو تقليلهــا كمــا وجــب
جلــب المصــلحة أو تكميلهــا وهــذه هــي قاعــدة الشــرع
المطــردة ،فالشــرع جــاء بــذلك ووجــب رعايــة مقاصــد
الشريعة وعدم الوقف عند النصوص لنها تــدور مــع العلــة
وجودا وعدما .
وفي الجملة فترك الفوائد الربوية حرام ل يجوز ،كمــا أن
اليــداع بــدون ضــرورة حــرام ل يجــوز ،والضــرورة لهــا
صورة ،وقد تنــزل الحاجــة منزلــة الضــرورة كحالــة بعــض
الشــركات الــتي ليمكــن أن تمــارس التجــارة كالســتيراد
والتصــدير والتوريــد إل بخطابــات ضــمان واعتمــاد فهــذه
يرخص لها التعامل مع البنك ولكن يجب البحث عن البنــك
السلمي أي الذي يعمــل قــوانين الشــرع فهــو أولــى مــن
غيره ،وغالب البنوك ألسلمية فيها قصور وتقصير ولكنها
على أي حال أفضل مــن غيرهــا والمســئولية ســتقع علــى
اللجنــة المراقبــة ،فــوجب التنــبيه علــى هــذا ،كمــا أن
الضرورة تقدر بقدرها ،فل يجوز التوسع في التعامــل مــع
البنك متى كفى التعامل معه بالقدر المحتاج إليه .
وختاما أسال الله تعــالى أن ينقــي أمــوال المســلمين مــن
الحرام ،وأن يرزقنا الحلل الطهور ،إنه ولي ذلك والقادر
عليه ،والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته .
رد :إحسان العتيبي
الخ الفاضل رضا
قلت ،)) :ولما رأى أهل العلم أن غــالب البنــوك تتصــرف
في الربا المتروك من أهل التقوى بغير ما أحل الله ،كمــا
تفعله البنوك النصرانية من إنفــاق تلــك الفــوائد المتروكــة
196
في بناء الكنائس ونحو ذلك أفتى علماء المة فــي العصــر
الحديث ولم أعلم لهــم مخالفــا بعــدم جــواز تــرك الفــائدة
للبنك (( .
وأخبرك أن الشــيخ ابــن عــثيمين رحمــه اللــه يخــالف فــي
هذا !
قال الشيخ رحمه الله :
...فإن دعت الضرورة إلــى ذلــك بحيــث يخشــى النســان
على ماله أن يسرق أو ينهب ،بل ربما خشي على نفســه
أن يقتــل ليؤخــذ مــاله :فل بــأس أن يضــعها فــي البنــك
للضرورة .
ولكن إذا وضعها للضرورة :فل يأخذ شيئا ً في مقابــل هــذا
الوضع ،ويحرم عليه أن يأخذ شــيئا ً ؛ لنــه إذا أخــذ شــيئا ً :
فإنه يكون ربا ،وإذا كان ربا :فقد قال اللــه تعــالى } :يــا
أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتــم
مؤمنين .فإن لم تفعلوا فأذنوا بحــرب مــن اللــه ورســوله
وإن تبتم فلكم رؤوس موالكم ل تظلمون ول ُتظلمون { ]
البقرة . [ 279 ، 278 /
والية صريحة وواضحة بأل نأخذ شيئا ً منها ……الخ
" فتاوى البيوع " ) ص . ( 47
ولكلم الشيخ رحمه الله تتمة تعاجزت عن كتابتها ،وفيهــا
) ( 8وجه في المنع !
الخ الفاضل جعفر
تسميتهم هذا البيع " بيع المرابحة " ليس هو على ما أراده
الفقهاء قديما ً ،فهي تسمية محدثة بمعنى محدث ل أصــل
له – على الصورة المشتهرة . -
فبيع المرابحة هو بيع المانة وهي الــتي يحــدد فيهــا الثمــن
بمثل رأس المال ،أو أزيد ،أو أنقص.
وسميت بيوع المانة بهذا السم لنه يؤتمن فيها البائع في
إخباره برأس المال ،وهو على ثلثة أنواع :
.1بيع المرابحة :وهو البيع الذي يحدد فيــه الثمــن بزيــادة
على رأس المال .
.2بيــع التوليــة :وهــو الــبيع الــذي يحــدد فيــه رأس المــال
نفسه ثمنا بل ربح ول خسارة .
197
.3بيع الوضيعة - :أو :الحطيطــة ،أو :النقيصــة : -وهــو
بيع يحدد فيه الثمن بنقص عن رأس المال -أي :بخســارة
.-
وإذا دققت النظر علمــت أن الصــورة ل تنطبــق علــى بيــع
المرابحة بالمعنى الذي قاله الفقهاء .
ت :إن المشتري يأتي للبنك ويتفق معه علــى ربــح فإن قل َ
معين يضيفه البنك على رأس ماله :
قلت لك :إن البنك أثناء هذا التفاق ليس مالكا ً للسلعة !!
وإن رأس مال البضاعة :ليس هــو علــى معرفــة بــه ،بــل
الــذي يحــدد رأس المــال هــو " المشــتري " !! نعــم هــو
المشــتري وهــو الــذب يــذهب ويمــاكس صــاحب البضــاعة
ليأتي بأدنى سعر !
هذه حقيقة العقد ،دعك من ظاهره
أخي الفاضل
اجتماع من ذكــرت علــى حــل الــبيع ل يعنــي أنــه إجمــاع !
وكيف يكون كذلك وقد خالف في جواز هــذا الــبيع إمامــان
مــن أئمــة الــدنيا وهمــا :الشــيخ اللبــاني والشــيخ ابــن
عثيمين ؟؟
وهذا البيع مخالفاته للشرع كثيرة ،ومنها :
.1بيع ما ل يملك
حيث يشتري البنك من غير مالك البضاعة الشرعي !!
كيف ؟
أنا أقول لك – وقد حصل هذا معي ! –
إذا أراد أحد ٌ شراء سيارة من " الحراج " – وهــي الصــورة
التي حدثت معي – فإنه يذهب لســوق الحــراج ،فــإذا رأى
صــل أدنــىسيارة وأعجــب بهــا :مــاكس صــاحبها حــتى يح ّ
سعر
فــإن فعــل :اشــترى ودفــع " عربونــا ً " وأخــذ السمســار
عمولته !
ويفترقان على أن يكــون التســجيل للســيارة فــي الغــد أو
بعده
والن :مـــن هـــو المالـــك الشـــرعي ! – ل القـــانوني –
للسيارة ؟
198
إنه " المشتري "
ويذهب الثنان بعدها إلى " البنك السلمي " لتتميــم الــبيع
هناك وقبض البائع ! الثمن
فكيف يتم التفاق في البنك ؟
ومن الذي يبيع البنك ؟
وممن يشتري البنك ؟
وممن يشتري المشتري !! مرة أخرى ؟؟
الذي يحصل :
أن البنك يشتري السيارة من " البائع " !!!!! وهو ل يملك
السيارة ،وكف يملكها وهو الذي باعني إياها بالمس ؟؟؟
ثم إذا اشترى البنك منه ! باعني إياها !!
وكيف يبيعني إياها وأنا مالكها الشرعي !؟
فالبنك اشترى ممن ل يملـك ! والبــائع بــاع مــا ل يملــك !!
والمشتري اشترى ما يملك !!!
.2ربح ما لم يضمن
وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم
والبنك ل تمر عليه لحظة " ضمان " يضمن فيهــا البضــاعة
المشتراة !
فأثنــاء وجودنــا فــي " الحــراج " ل علقــة لـه بالســيارة ول
بخرابها ول بتلفها ،وأثناء مجيئنا إليه :كذلك ،وأثناء إإتمام
الصفقة في البنك :كذلك !
فيشتري البنك ويبيع ويربح وهو لم يضمن لحظــة واحــدة ،
بل ضمانها إما على البائع وإما على المشتري !
.3البيع قبل الحيازة
والبنك ل يحوز البضاعة لرحله ،وقد نهى النبي صلى اللــه
عليه وسلم التجار أن يـبيعوا السـلع حــتى يحوزهـا أحــدهم
إلى رحله .
وهذا ما ل يفعله البنك
ففي بعض الحيان يؤتى بالبضاعة عنده عند " باب البنك "
!
وفي أحيان قليلة " يقوم " معه الموظــف ليــرى البضــاعة
في " محلها " !
وأما قول بعضهم :إن هذا خاص بالطعام :
199
فيرد عليه من وجهين :
أ .عموم قوله " السلع " .
ب .قول ابن عباس " ول أحسب غير الطعام إل مثله " .
والمعروف أن ذكر بعــض أفــراد العمــوم بحكــم موافــق ل
يخصص الحكم ،فذكر " الطعام " في حــديث آخــر بحكــم
موافق ل يجعل الحكم خاصا فــي الطعــام كمــا هــو واضــح
بّين .
.4فتح باب شر
والشرور والمفاسد المترتبة على مثل هذه الصور كثيرة ،
ومنها :
أن بعض التجار صار يبيع " الفواتير " دون البضاعة ،وهذا
يعلمه البنك ،لكن هم تجار كذلك – كما صــرح مــدير فــرع
لهم -ول يهمهم سوى الربح !
وقــد جــاء بعــض إخواننــا التجــار ليســألني عــن حكــم بيــع
الفواتير للبنك السلمي !
فلما استفسرت منه قال :إن كثيرا ً من النــاس ل يريــدون
الشراء الحقيقــي ،فيــذهبون للتــاجر ويتفقــون معــه علــى
بضاعة وهميــة يوقعــون التفــاق عليهــا ثــم يرجعونهــا إلــى
التاجر نفسه !
فإذا اســتلم التـاجر ثمنهــا مــن البنــك :أعطاهــا للمشـتري
وأخذ منها نسبة تصل لـ ! % 10
والتاجر أخذ هذه النسبة على " البــارد المــبرد " فبضــاعته
عنده ،ومال المشتري والبنك في جيبه !!
وإذا كـانت لـك " واسـطة " فـي البنـك :فـإن بضـاعتك ل
تتحرك من مكانها !!!
وقد حصلت قصة طريفة عندنا كما في الصورة الســابقة ،
وهي أن التاجر انقلب علــى المشــتري فلــم يعطــه المبلــغ
لطمعه به ،وألزمــه بالبضــاعة فلــم يكــن للمشــتري رغبــة
بها ،فقال له التاجر :دع البضاعة عندي ،وأتني كــل آخــر
شهر لعطيك قسط البنك تدفعه لهم !!
.5مشابهة بني إسرائيل في الحيل
200
والمقصــود الحقيقــي مــن هــذا العقــد :هــو دْيــن يريــده
المشتري من البنك ،لكن البنك لن اسمه ! " السلمي "
! ل يعطيه قرضا ً حسنا ً ول سيئا ً يأخذ عليه ربا
فاحتالوا بهذه الطريقة للوصول إلى هذا المقصود
وللعلم
فقد أعلن عن صفقة مولها بعض البنوك السلمية لشــراء
طائرة !!
فأســألك بــالله هــل ذهــب البنــك ورآهــا فضــل أن يكــون
حازها ؟؟
إن الذي يحصل في هــذه الصـورة مـن العقـد هـو الحـرام
بعينه وهي الحيلة بعينها
وكثير من التجار يشترون بضــائعهم مــن الخــارج ويتفقــون
مع المصانع ويدفعون العربون فــإذا بقــي التمويــل والــدفع
جاء دور البنك !!
فهل هذا البنك من التجار !!؟؟
ومما يدل على أنه ليس من التجار :
أن موظف هذا القسم يشتري أي بضاعة ! فهل مر عليــك
" رجل " يفهم في " كل شيء " ؟؟
إن هذا الموظف ل يعدو دوره عن شــراء " فــواتير " وبيــع
لفقير ل يملك المال .
وقد يكون فيه إضافة أو زيادة
لكني أكتب بأصبع واحدة ! فل أستطيع التكملة
وقد ل أرد لن المر واضح وأرجو أن يتضح لك ولغيرك
وأذكــرك أن العــبرة فــي العقــود بمعانيهــا وحقيقتهــا ل
بألفاظها وظاهرها .
والله أعلم
كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبي
أبو طارق
==============
#من أحكام السهم
د .راشد بن أحمد العليوي
201
لقــد جــاء الســلم شــامل ً ومنظم ـا ً لجميــع شــؤون الحيــاة
ومناحيها فما من جــانب إل وللــدين فيــه توجيهــات وحــدود
ومعالم وتعليمات ومن هذه الجوانب التي جاءت الشــريعة
بتنظيمها مــا يتعلــق بجــانب المــوال وتنميتهــا واســتثمارها
ويكثر في هذه اليام السؤال عن السهم وأحكامهــا ولهــذا
فالحــديث فــي هــذا اليــوم المبــارك عــن بيــان الحكــام
الشرعية المتعلقة بها في حدود ما يسمح به الوقت ويلئم
المقام..
شركة المساهمة نوع مــن شــركات المــوال وهــي إحــدى
أهم الصيغ التي تم ابتكارها في العصر الحاضر وقام عليها
القتصـــاد المعاصـــر وبواســـطتها يمكـــن الـــدخول فـــي
المشروعات الضخمة التي تحتاج إلـى أمـوال هائلـة حيـث
يتم تجميعها من آلف النــاس بحســب أســهمهم فــي هــذه
الشركة حيث يجتمع من المدخرات الصــغيرة مــن الفــراد
ما تتمكن به شركة المســاهمة مــن الســتثمارات الكــبيرة
التي ما كان يمكن للفرد العادي أن يقدر عليها وعلى هــذا
فالمساهم في شركة معينة معناه أنه يمتلك جــزءا ً وحصــة
ونصيبا ً مشاعا ً في هذه الشركة بمقدار ما عنده من أسهم
فمن كان عنده أسهم كثيرة فهــو يمتلــك جــزءا ً كــبيرا ً مــن
الشركة ومن كان عنده أسهم قليله فهو يمتلك جزءا ً قليل ً
من الشركة بحسب أسهمه..
وهذا هو معنى السهم ,أي حصة ونصيب وجزء مشاع مــن
أموال الشركة النقدية والعينية يكون لمالك السهم.
وإذا نظرنــا إلــى شــركات المســاهمة المطروحــة أســهمها
للتداول في السوق المحلية والتي تبلــغ أكــثر مــن ســبعين
شركة مساهمة نجدها على أربعة أقسام ويختلــف الحكــم
الشرعي لكل قسم:
فالقسم الول :أسهم البنوك الربوية.
فشــراء هــذه الســهم مجــرم بإجمــاع أهــل العلــم لن
المساهم معناه أنه شريك في هذا البنك الربوي وله جــزء
وحصــة ونصــيب منــه ومعلــوم حرمــة الربــا والنصــوص
الشــرعية الــواردة فــي الوعيــد الشــديد لخــذه ودافعــه
والمتعاون فيه.
202
وأما أســهم البنــوك الســلمية فهــذه حلل ول شــيء فيهــا
بحمد الله..
ومثل البنوك الربوية في التحريم أسهمك الشــركات الــتي
تمارس نشاطا ً محرما ً أصل ً وهذه غير موجودة في السوق
المحلية لكنهــا موجــودة فــي الســوق الدوليــة عــن طريــق
محافظ البنوك الربوية.
وكذلك أيضا ً يمكن للفــرد أن يشــتريها عــن طريــق شــبكة
النترنت كشركات تصنيع الخمور أو تربية الخنازير أو نحــو
ذلك من النشطة المحرمــة لــذاتها ,فهــذه ل يجــوز شــراء
أسهمها باتفاق أهل العلم.
القســم الثــاني :أســهم شــركات نشــاطها مبــاح وجــائز
كالشركات الزراعية والصناعية والخدمية ول تتعامل بالربا
ل أخــذا ً ول عطــاًء ..فهــذه تجــوز المســاهمة فيهــا وشــراء
أسهمها ويبلغ عددها فــي الســوق المحليــة بضــع شــركات
فقط .فهذه الشركات هي السالمة من الربا.
القسم الثالث :أسهم شركات أصل نشــاطها مبــاح وجــائز
كالشركات الزراعية والصناعية وشركات الخدمات ,ولكنها
تتعامل بالربا أخــذا ً أو عطــاءا ً أو كليهمــا ويأتيهــا الربــا عــن
طريــق اقتراضــها بفــوائد ربويــة مــن البنــوك إذا احتــاجت
لتمويل إنتاجها فتقترض من البنوك بفــوائد ربويــة وبعضــها
تتوفر أحيانا ً لديه سيوله من النقــود فتضــعها الشــركة فــي
البنك وتأخذ عليها فوائد ربوية تضمها إلــى أرباحهــا .وهــذه
مع السف أغلب الشــركات الموجــودة هنــا هــي مــن هــذا
الصنف.
وهــذا القســم مــن الشــركات اختلــف العلمــاء فــي حكــم
المساهمة فيها وشراء أسهمها:
فذهبت مجموعة من العلماء إلـى تحريــم المسـاهمة فيهــا
وشراء أسهمها لن المساهم معنــاه أنــه شــريك فــي هــذا
الربا المحرم ،وهذا القول أقوى وأبرأ للذمة.
وذهبت مجموعة مــن العلمـاء إلــى جـواز المســاهمة فيهــا
وشراِء أسهمها ,واشترط لذلك شروطا ً منها:
ي علــى أنهــا ســتتعاطى -أل ينص نظــام الشــركة الساسـ ّ
الربا.
203
-وأن يكون الربا فيها قليل ً وحددوا القليل بأل يزيد مقــدار
الربا على ثلث أموال الشركة..واختاروا الثلــث لن الثلــث
جاءت الشريعة باختياره واعتباره في عدد من المسائل.
-أن يقوم مالك السهم بالتخلص من مقدار الربا الموجود
في الربــاح الــتي تحصــل عليهــا وجوبـا ً وأل يســتفيد منهــا,
واســتدل القــائلون بهــذا القــول بقواعــد شــرعية كقاعــدة
عموم البلــوى ورفــع الحــرج فــي الشــريعة الســلمية وأن
الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة وأنــه يجــوز تبعـا ً مــا ل
يجوز استقل ً
ل.
ونحــو ذلــك مــن الســتدللت الــتي ليــس هــذا موضــوع
تفصيلها ،وليس معنى هذا القول إباحــة القليــل مــن الربــا
كما قد يتبادر إلــى أذهــان البعــض بــل نـص القــائلون بهــذا
القول على أنه ل شك في أن المســؤولين القــائمين علــى
الشركة الذين يتخذون قرار القراض أو القتراض بربــا أن
ذلك محرم عليهم وأنهم آثمون.
ويجب أن يتنبه الناس الــذين يمتلكــون أســهمها فــي هــذه
الشركات تساهل ً منهم بــالحكم أو تقليــدا ً لهــذا الــرأي أنــه
يجــب عليهــم وجوبــا ً شــرعيا ً عنــد جميــع أهــل العلــم أن
يتخلصوا من مقدار الربا الــذي يحصــلون عليــه مــن أربــاح
هذه السهم وأكثر النــاس ل يعلــم هــذا الحكــم وبالتــالي ل
يعمل به.
والرباح تأتي من طريقين:
الطريق الول :الرباح التي تصرف سنويا ً للسهم.
الطريق الثاني :الفرق الموجب بيــن قيمــة شــراء الســهم
وبيعها.
فهذان الطريقان يسهم الربا في أرباحهما فيجب التخلــص
من مقدار الربا الموجود فيهما.
وها هنا سؤال وجيه :وهو كم مقدار الربا الذي يتخلص منه
الشخص؟
والجواب على ذلك :أن هذا يختلف من شركة إلــى أخــرى
بل ومن سنة إلى أخرى في نفس الشركة بحسب المبالغ
التي أقرضــتها أو اقترضــتها وحســاب ذلــك شــاق وعســير
وشائك ومعقد ويســتلزم تحليل ً لميزانيــات الشــركات فــي
204
كل عام وتحديد ذلـك يســتدعي معرفــة فقهيـة واقتصـادية
ومحاسبية واجتماع ذلك في واحد من أهل العلم أندر مــن
الكبريت الحمر.
والناس محتاجون إلــى بيــان ذلــك ليتخلصــوا مــن العنصــر
الربوي المحرم.
وبتتبــع ذلــك اتضــح أن الغــالب علــى العنصــر المحــرم أن
ة إلى الربح وأنــه مــع الســف بقــدر مــا ينجــس نسبته قليل ٌ
الحلل ويلحق الحرج بالناس فالواجب على القائمين على
هــذه الشــركات أن يتقــوا اللــه عــزو جــل وأن يريحــوا
المساهمين من هذا الحرج ،ولكننا في زمن قال عنه النبي
صلى الله عليه وسلم) :يأتي علــى النــاس زمــان مــن لــم
يأكــل الربــا أصــابه مــن غبــاره( وفــي روايــة )أصــابه مــن
بخاره(.
فما أعظمه وأدقه من تعبير نبــوي معجــز ل يصــدر إل عــن
نبي أوتي جوامع الكلم .
أقول :وبالنظر إلى هــذه النســبة المحرمــة وجــد أنهــا فــي
الغالب ل تزيد عن عشــرين فــي المــائة مــن الربــاح فــإذا
تخلص المساهم من خمــس الربــاح فــأرجو أن يكــون قــد
ســلم مــن الربــا وأخرجــه ونقــول :تخلــص منــه ول نقــول:
تصدق به لن الصدقة ل تكون إل بمال طيب واللــه طيــب
ل يقبل إل طيبا ً وهذا ربا محرم يتخلــص منــه ويــدفعه إلــى
الجهــات الخيريــة والمحتــاجين والمــدينين ونحــو ذلــك مــن
ل عليهــا حــرام علـى المسـاهم وهكــذا المصارف وهـو حل ٌ
المر في كل الموال المكتسبة من طريق محرم والتي ل
ترد على أصحابها أو ل يستحقون ردهــا عليهــم أو ل يمكــن
ردهــا عليهــم يتخلــص منهــا بالتوبــة ودفعهــا للمحتــاجين
وللجهات الخيرية.
وفــي مســألة تقــدير نســبة الربــح المحــرم نــص الفقهــاء
رحمهم اللـه أنـه إذا اختلــط المـال الحلل بالمــال الحــرام
وجهلت النسبة تماما ً أن المال ينصف نصفين فيأخذ نصــفا ً
ويتخلص من النصف أي يتخلص من خمسين بالمائة ،وهذا
في حال الجهل المطلق.
205
القسم الرابع من أقسام شركة المساهمة :شركات يكون
أصل نشاطها مباحا ً وجــائزا ً ولكنهــا تتعامــل بالربــا ويكــون
الربا فيها كثيرا ً أي أن يزيد من ثلث أموالها فهــذه محرمــة
حتى عند الذين يجيـزون القسـم الثـالث أي إذا كـان الربـا
قلي ً
ل.
ة فــي الســوق المحليــة والــواجب وهي بضعَ عشــرةَ شــرك ً
طلب القالة من شراء أسهم الشركة ولكـن ل توجـد آليـة
لذلك فيبقى أنه يجب بيعها والتخلص مــن العنصــر الربــوي
المحرم من أرباحها والغالب أن نسبته كبيرة فإن استطاع
أن يعرفها عمل بمقدارها وإل أعمل القاعــدة الــتي ذكرهــا
الفقهاء في اشتباه واختلط المال المحــرم بالمــال الحلل
وذلك بإخراج نصف الرباح والتخلص منها.
هــذا وقــد كـثر الســؤال فـي الفــترة الماضـية عــن شـركة
الصــحراء الــتي طرحــت قبــل أشــهر وكــانت الفتــوى أن
المساهمة فيها جائزة لنها لم تعلن أنها ستقترض بربا ولم
يحصل منها ذلك فــي حينــه والصــل الســلمة حــتى يثبــت
العكس كما هو متقرر في قواعد الشريعة.
وإذا فرضنا أنها فعلت ذلك مستقبل ً فتنطبق عليها القسام
التي ذكرت سابقًا ,وهكذا المر لو أن شركة كانت تتعامل
بالربا ثم تابت منه فنقول بجواز المساهمة فيها.
وممــا يكــثر الســؤال عنــه فــي هــذه اليــام شــركة اتحــاد
اتصالت التي طرحت خلل اليام الماضــية ,فهــذه أعلنــت
قبل شهرين أنها ستأخذ تمويل ً بعضه بربــا وبعضــه بطريــق
شــرعي ولــو فعلــت ذلــك لنطبــق عليهــا مــا ذكرنــاه فــي
القسام الســابقة ولكــن الشــركة أعلنــت قبــل فــترة أنهــا
أخذت التمويل كله والبالغ نحوا ً من سبعة مليارات بطريق
شــرعي بأســلوب التــورق والمرابحــة مــن بنــوك إســلمية
وحتى من بنوك ربوية لكن أتمــت العمليــة معهــا بأســلوب
جائز ,وهذا العلن منها صحيح وصادق وقد تم التأكد ممن
شاركوا فيه بأن التمويل قد تم بأسلوب شرعي.
وعلى هذا فنقول :إنه ل بأس بالمساهمة فيها إن شاء الله
ومــن أراد الــورع فبــاب الــورع مفتــوح ولكــن الكلم فــي
مقاطع الحلل والحرام ل في مقام الورع والحتياط.
206
وكذلك أيضا ً يكثر سؤال في هذه اليام عن المساهمة في
البنـــك الجديـــد الـــذي ســـيطرح خلل الفـــترة القادمـــة
والمسمى ببنك البلد ,والمساهمة فيه جائزة إن شاء اللــه
كون من مجموعة من الصيارفة. لنه بنك إسلمي ت ّ
وكــون بعضــهم كــان ل يلــتزم بالضــوابط الشــرعية فــي
معاملته فهذا ل يؤثر في شرعية البنك الجديد؛ فلو فرضنا
مثل ً أن مجموعة اشتركوا في مشروع إنتاجي وكان واحــد
من هذه المجموعة حصل علــى المــال بطريــق محــرم فل
يؤثر هذا على مشروعية هــذا المشــروع فنقــول بــأن هــذا
المشروع محرم ،بل الحكم مختص بهذا الشخص فقط.
ومما يتساءل عنه كثير من الناس أن التعامل بالسهم هل
يحرم لنه قمار حيث قد يربح النسان فــي جلســة واحــدة
مبلغا ً كبيرا ً فنقول بأنه ل وجود للقمار في تــداول الســهم
عن طريــق الشاشــة وأن تحريــم الســهم ل يعلــل بوجــود
المقامرة فيها فالتجــارة فــي الســهم فيــه مغــامرة ولكــن
ليس فيه مقامرة والمغــامرة والمخــاطرة ليســت محرمــة
بذاتها ولكن المشــكلة فــي الســهم هــو وجــود الربــا وهــو
الغالب عليها؛ ولهذا فالتجــارة فــي الســهم كمــا هــي فــي
الواقع إما محرمة حرمة واضحة أو محرمة لـدى مجموعـة
من العلماء أو محل شبهة والقليل منها هو سالم من الربا
ولهذا فل ننصح بامتهان السـتثمار فيهــا لن السـلمة فيهـا
قليلة...
وأما ما يتصــل بكيفيــة زكــاة الســهم فإننــا نقــول إن كــان
الشـخص اشـترى السـهم مــن أجـل أرباحهـا السـنوية ول
يقصد المتــاجرة بهــا فــإن الشــركات نفســها تــدفع الزكــاة
للدولة لمصلحة الزكاة والدخل وهذا يكفــي إن شــاء اللــه,
وإن كان الشخص اشترى السهم من أجل المتــاجرة فيهــا
والمضــاربة بهــا بمعنــى أنــه يــبيع ويشــتري بهــا ول يقصــد
الحصول على أرباحها السنوية فإنها تكون في حقه بمثابــة
عروض التجارة فهذا الشخص إذا جاء وقت إخراجه للزكاة
فإنه ينظـر كـم تسـاوي أسـهمه فـي السـوق ويزكـي هـذا
المبلغ وله أن يخصم مقدار الزكــاة الــذي دفعتــه الشــركة
لمصلحة الزكاة والدخل وتبرأ ذمتــه وإن لــم يخصــمه تــبرأ
207
ذمته ويكون قد دفع أكثر من الــواجب ويمكنــه فــي تقــدير
قيمة أســهمه مــن العتمــاد علــى مــا ينشــر فــي الصــحف
ويأخذ المتوسط من السعار المعلنة ..
هــذه أيهــا الخــوة المســلمون بعــض الحكــام الشــرعية
المتعلقة بالسهم ذكرناها بإيجاز شديد في حدود ما تسمح
به هذه السطور.
أسأل الله عزوجل أن يفقهنا في دينه وشرعه وأن يرزقنــا
الحلل ويجنبنا الربا والريبة إنه ســميع قريــب وصــلى اللــه
على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
12/9/1425هـ
المصدر :موقع دعوة السلم
=============
#ما حكم الكتتاب في شركة إعمار المدينة
القتصادية وحكم تداول أسهمها؟
المجيب :د .يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ،أما بعد
فإن نشاط هذه الشركة في تطوير مدينة الملــك عبــدالله
القتصادية المزمع إنشاؤها على ساحل البحر الحمر ،وهو
نشاط مباح ،ويبلغ رأسمال الشــركة 8500مليــون ريــال،
وليس عليها حاليا ً قروض أو تسهيلت بنكية .وقد جاء فــي
نشــرة الصــدار أن حصــص المؤسســين النقديــة البالغــة
4250مليــون ريــال أودعــت قبــل التأســيس لــدى البنــك
الســعودي البريطــاني وحققــت فــوائد ربويــة بمقــدار 86
مليــون ريــال ،وأمــا أمــوال المكتتــبين فقــد نصــت نشــرة
الصدار على أنها ستودع في حســاب الشــركة لــدى فــرع
المانة السلمي بالبنك السعودي البريطــاني .وقــد جــرت
مخاطبـــة المســـئولين فـــي الشـــركة لتحويـــل أمـــوال
المؤسسين إلى ودائع مجازة شــرعًا ،ونرجــو أن يتــم ذلــك
قريبًا.
والــذي يظهـر هـو جـواز الكتتـاب فـي هــذه الشــركة؛ لن
أموال المكتتبين ســتودع فــي حســابات مجــازة مــن الهيئة
الشرعية بالبنك المذكور ،ثم تصرف فــي النشــاط المبــاح
208
للشركة .وأما الفوائد التي تحققت من أموال المؤسســين
قبل التأســيس فــإني أوجــه النصــيحة لهــم بالمبــادرة إلــى
التخلص منها بصرفها في أوجه البر المختلفة ،وأل تــدخلها
الشركة ضمن حساباتها النظامية ،وأن تبادر بــالعلن عــن
ذلــك وعــن التزامهــا فــي جميــع اســتثماراتها وعقودهــا
التمويليــة المســتقبلية بالضــوابط الشــرعية حــتى يطمئن
الناس للكتتاب فيها ،لسيما وأن هذه الشركة تحمل اسم
خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيــز –
حفظه اللـه -المعــروف بحبـه الخيـر للمـواطنين ،وحرصــه
على أن يتاح الكتتاب لكبر قدرٍ منهم.
ومن اكتتب ثم باع أســهمه بربــح خلل الســنة الولــى –أي
قبل انعقاد الجمعية العمومية في نهاية السنة -فليس عليه
تطهير شــيء مــن الربــح؛ لنــه لــم يصــل إليــه شــيء مــن
اليرادات المحرمة ،وأما مــن احتفــظ بأســهمه إلــى نهايــة
السنة فقد يلزمه التطهير إذا تبين أن الشركة لــم تتخلــص
مــن فــوائد مــا قبــل التأســيس .وســيبين ذلــك فــي حينــه
بمشيئة الله تعالى.
وختاما ً فأذكر إخواني القائمين على هذه الشــركة وغيرهــا
من الشركات المساهمة بتقوى الله تعالى فيما استرعاهم
عليه ،وأن يطهروا شركاتهم من الربا ،فهو مـاحق للبركـة،
جالب للنقمة ،وإنها أمانة ،وسيسألون عنهــا يــوم القيامــة،
وإن من خيانة المانة التعامل بمعاملت محرمــة .ول عــذر
لهم في ذلك فالبدائل الشرعية متاحة ولله الحمــد ،ونحــن
في بلدٍ قائم ٍ على تحكيم شريعة الله .وكل ما يخالف هــذه
الشريعة الغراء فهو مرفوض شرعا ً ونظامًا ،ومــا تمارســه
ض أو إيداٍع بالربا يعد مــن المخالفــات أي شركة من اقترا ٍ
الشرعية والنظامية التي يجب على المســاهم أن يعــترض
عليهــا عنــد حضــوره الجمعيــة العموميــة للشــركة .واللــه
الموفق.
حكم تداول أسهم شــركة إعمــار المدينــة القتصــادية بعــد
طرحها للتداول
يجــوز تــداول أســهم الشــركة بعــد طرحهــا للتــداول فــي
السوق المالية؛ لن الشركة مــتى مــا اكتســبت الشخصــية
209
العتبارية فيجوز تداول أســهمها ولــو اشــتملت موجوداتهــا
على النقود والديون؛ لن تلك الموجودات تابعة لشخصيتها
العتبارية ،فضل ً عن أن هذه الشــركة تمتلــك حالي ـا ً أرض ـا ً
بقيمة 1700مليون ريال -وهي حصة أحد المؤسسين في
رأس المــال -بالضــافة إلــى الحقــوق المعنويــة .واللــه
الموفق.
مــا حكــم الكتتــاب فــي مدينــة إعمــار القتصــادية )مدينــة
الملك عبدالله( ؟
الشيخ :محمد بن سعود العصيمي
الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ،أما بعــد أمــا
نشاط الشركة فيظهر منه السلمة والجواز ،ولكن للسف
الشديد جــاء فـي نشــرة الصـدار المفصـلة أنـه تــم إيــداع
حصـــص المؤسســـين النقديـــة لـــدى البنـــك الســـعودي
البريطاني وحققت فوائد ربويـة بمقـدار 86مليـون ريـال،
مع النص فــي النشــرة نفســها علــى أن أمــوال المكتتــبين
ستودع في حساب الشــركة لــدى فــرع المانــة الســلمي
بالبنك السعودي البريطاني .وحيث إن كثيرا من الســائلين
ينص في سؤاله على أنه ل يريد الشتراك فــي أي شــركة
تحتوي تعاملتها على نسبة ولو ضئيلة من الربا ،فإني أبين
لهم أن هذه الشركة ل يصح الكتتاب فيهــا مــا دامــت فــي
وضعها الراهن .فإن قررت الشركة التخلص من هذا الربــا
المتحقق لها جاز الكتتاب فيها حينئذ ،وفــي الختــام أســأل
اللــه للقــائمين عليهــا التوفيــق لمــا يرضــيه ســبحانه ،وأن
يحققوا ما يريده الرب تبارك وتعالى مــن البعــد عــن الربــا
المتوعد فيه بحرب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
مــا حكــم الكتتــاب فــي شــركة إعمــار المدينــة الصــناعية
المطروحة الن للكتتاب ؟.
د .يوسف بن عبدالله الحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة المام .الرياض
الجابة
شركة " إعمار المدينـة الصـناعية " نشـأت قريبـا بتحـالف
تقــوده شــركة " إعمــار العقاريــة " الماراتيــة ،مــع بعــض
التجار السعوديين .وهــدف الشــركة إنشــاء مدينــة الملــك
210
عبدالله الصناعية على ساحل البحر الحمــر شـمال مدينــة
جدة .وتنقسم هذه المدينة إلى ست منــاطق رئيســية " :
.1الميناء البحــري .2 .المنطقـة الصــناعية .3 .المرافــق
الشــاطئية )فنــادق ومتــاجر ونــوادي ( .4الجزيــرة الماليــة
) للمؤسســات والشــركات الماليــة العالميــة والمحليــة(
كــون .5الحيــاء الســكنية .6 .المنطقــة التعليميــة "وقــد ُ
عين له رئيسًا. للشركة مجلس إدارة و ُ
ويهدف الكتتاب العام إلى تمويل إنشاء المدينة .
ويبلــغ مجمــوع رأس مــال الشــركة ) (8.500.000.000
ثمان مليارات ونصف المليار من الريالت السعودية .وقد
نصت الشركة في نشرة الصدار على أنها أودعت الموال
النقدية للمؤسسين في حساب الفوائد الربوية ومقدارها )
(4.250.000.000أربـــع مليـــارات ومائتـــان وخمســـون
مليون ريال سعودي ،وهذا المبلغ يســاوي نصــف مجمــوع
رأس مال الشركة ،وقد تحصل لها فوائد ربوية مقدارها )
(86.000.000ست وثمانون مليون ريال ســعودي .وقــد
وضــعت الشــركة مــدققا ً مالي ـا ً ،ومستشــارا ً قانوني ـا ً مــن
شركات عالمية ،لكنها لم تضع مستشارا ً شرعيا ً .
ويظهــر مــن هــذا بجلء أن الشــركة قائمــة علــى النظــام
الرأسمالي الربوي في معاملتها المالية ،وأنهــا لــم تلــتزم
بشرع الله تعالى فيها ،وعليه فإنه ل يجوز الكتتاب فيها .
ويظن بعض الناس أن الشكال في الفوائد الربوية فقط ،
والصواب أن يقال :إن الشركة أقرضت نصف موجوداتهــا
بالربا ،والربا أعظــم ذنــب فــي الســلم بعــد الكفــر بــالله
وقتل النفس التي حـرم اللـه تعـالى .وتزيـد الحرمـة فـي
المجاهرة والعلن والتسجيل الرسمي في نشرة الصــدار
التي يخشى أن يكــون فيهــا معنــى الســتحلل ،ولــو قيــل
للناس إن هذه الشركة تتاجر بنصف أموالها في بيع الخمر
أو المخدارت أو دور البغــاء أو الفلم الباحيــة أو أشــرطة
الغناء أو حتى بيع الدخان ،وأنها لم تربح ريال ً واحدا ً ؛ لنفر
الناس منها ولم يجرؤ أحد على الفتيا بــالجواز ،وهــذا كلــه
يبين تساهل الناس بجريمة الربا .قال اللــه تعــالى } :ي َــا
َ
ن ك ُن ُْتــ ْ
م ن الّرَبا إ ِ ْ
م َ
ي ِ ه وَذ َُروا َ
ما ب َِق َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ
نآ َ أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
211
ْ
ســول ِهِن الل ّـهِ وََر ُ مـ َ ب ِ حـْر ٍ م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ
ن لَ ْن * فَإ ِ ْ مِني َ مؤ ْ ُِ
َ
ن{ مـو َن وََل ت ُظ ْل َ ُمـو َ م َل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْمـ َ
سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْن ت ُب ْت ُ ْوَإ ِ ْ
)البقرة . ( 279 ،278
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال " :لعــن رســول
اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم آكــل الربــا ومــؤكله وكــاتبه
وشاهديه .وقال :هم سواء " أخرجه مســلم .وعــن عبــد
الله بن حنظلة غســيل الملئكــة رضــي اللــه عنهمــا قــال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " :درهم ربـا يــأكله
الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلثين زنية " أخرجه أحمد
بسند صحيح .وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قــال " :الربــا ثلثــة وســبعون
بابا ً أيسرها مثل أن ينكح الرجــل أمــه " ..أخرجــه الحــاكم
وصــححه ووافقــه الــذهبي .والحــديث صــحيح بمجمــوع
شواهده .
وكم هو محــزن مــا يحصــل للنــاس مــن اضــطراب الــرأي
والختلف عند كل اكتتاب ،أو يقال :ناصحناهم فــي تــرك
الربا وإنهــم وعــدونا ،أو يقــال :إن أمــوال المســاهمين ل
صلة لها بالقروض الربوية ،وغير ذلك مما يعين على بقــاء
الربا في الشركات بطريقة غير مقصوده .
والــذي أعتقــده أن أهــم أســباب هــذا الضــطراب ،وأهــم
أســباب بقــاء الربــا فــي الشــركات القائمــة ووجــوده فــي
الشركات القادمة هو الفتيــا بــالجواز ،فهــي أكــبر مســوق
ت بالجواز لما أقدم النــاس عليهــا ، تجاري لهم ،ولو لم يف َ
ولخضعت الشركات لمطالب العلماء ،ثم إن الجميع يعلـم
أن المور المالية فــي الشــركات ـ ـ مــع ســيطرت النظــام
الرأسمالي الربوي ـ تصعب سلمته بدون اللجنة الشرعية
.وعليه فيكون شرط الفتيا بالجواز وجود اللجنة الشــرعية
المســـتقلة مـــن حيـــن التأســـيس كالمستشـــار المـــالي
والقانوني .
ة شــرعية معتــبرة ونظر المفتي للمــآل فــي فتــواه سياسـ ٌ
حتى لو كان له اجتهاد آخر في أعيان المســائل .ملتمســا ً
من إخوتي وأحبتي من طلبة العلــم وأهلـه النظـر والتأمــل
في هـذا المطلـب الملـح فـي إصـلح الوضـع المـالي فــي
212
الشــركات المحليــة .وقــد فصــلت هــذا المــر فــي بحــثين
سابقين فــي حكــم الكتتــاب فــي شــركة ينســاب .وبــالله
التوفيق .
قاله وكتبه :د .يوسف بن عبدالله الحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة المام بالرياض .
ص ب 156616الرياض 11778
هاتف وناسوخ 4307275/01
1427 /27/6هـ
http://www.saaid.net/Doat/yusuf/28.htm
===============
#المساهمة في الشركات
يحيى بن موسى الزهراني
الحمد لله رب العالمين ،وأشهد أن ل إله إل الله وحــده ل
شـــريك لـــه ،ولـــي الصـــالحين ،ول عـــدوان إل علـــى
الظالمين ،وأشهد أن محمدا ً عبــد اللــه ورســوله الميــن ،
صلى الله وســلم وبــارك عليــه وعلــى آلــه وأصــحابه الغــر
المحجليــن ،وعلــى التــابعين وتــابعيهم بإحســان إلــى يــوم
الدين . . .أما بعد :
فــالله جــل وعل خلــق العبــاد لعبــادته ســبحانه وحــده ل
شريك ،وأرسل لهم الرســل ،وأنــزل لهــم الكتــب ،وحــد
لهم حدودا ً ل يجوز لهم تعديها ،وخط لهـم خطوطـا ً يحــرم
عليهم تجاوزها ،ونحــن أمــة الســلم أرســل إلينــا محمــدا ً
عبدا ً ورسول ً ،شفيقا ً عطوفا ً ،رءوفا ً رحيما ً ،وأنــزل إلينــا
أفضل كتبه ،وأعظم كلماته ،القرآن الكريــم ،فيــه تبيان ـا ً
لكل شيء ،فالحلل ما أحله اللــه ورســوله ،والحــرام مــا
حرمه الله ورسوله .
قال ابن القيــم فــي مــدارج الســالكين " :أمــا الزهــد فــي
الشبهة :فهو ترك ما يشتبه علـى العبـد :هـل هـو حلل أو
حرام ؟ كما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهمــا
ل: ل الله صلى الله عليه وســلم يقــو ُ ت رسو َ ،يقول :سمع ُ
مهــا ت ل ي َعْل َ ُ شـّبها ٌ م َن ،وَب َي َْنهمــا ُ
م ب َي ّـ ٌحــرا ُ
نَ ،وال َ حل ُ
ل ب َي ّـ ٌ " ال َ
ه َ م َ
دين ِس ـت َب َْرأ ل ِـ ِتا ْ ش ـّبها ِ ن اّتقــى ال ُ س .فم ـ ِ ن النــا ِ كــثيٌر م ـ َ
حمى ل ال ِ حو ْ َعى َ ت :كراٍع ي َْر َ ن وَقَعَ في ال ّ
شُبها ِ م ْضه ،و َ عْر ِو ِ
213
مــىح َن ِ حمــى ،أل إ ِ ّ ك ِملـ ٍ ل َ ن ِلكـ ّ
ن ي ُــواقَِعه .أل وإ ِ ّ كأ ْش ُُيو ِ
ة :إذاض ـغ َ ً
م ْ سـدِ ُ
ج َ
ن فــي ال َ مه .أل وإ ِ ّ محــارِ ُ
ض ـه ِ َ
اللهِ فِــي أر ِ
س ـد ُ كلــه، ت فَ َ
س ـد َ الج َ سد َ ْجسد ُ كّله ،وإذا فَ َ ح ال َ صل َ َ ت َ ح ْصل َ َ
َ
ب " ] متفق عليه [ . ْ ْ َ
ي الَقل ُ أل وهِ َ
فالشبهات برزخ بين الحلل والحرام ،وقد جعــل اللــه عــز
وجل بين كل متباينين برزخا ً ،كما جعل الموت ومــا بعــده
برزخا ً بيـن الـدنيا والخـرة ،وجعـل المعاصـي برزخـا ً بيـن
اليمان والكفر ،وجعل العراف برزخا ً بين الجنــة والنــار ،
وكذلك جعل بين كل مشعرين من مشاعر المناسك برزخا ً
ـ حاجزا ً ـ بينهما ،ليس من هــذا ول هــذا ،فمحســر بــرزخ
بين منى ومزدلفة ،ليس مــن واحــد منهمــا ،فل يــبيت بــه
الحاج ليلة جمع ،ول ليالي منى ،وبطن عرنــة بــرزخ بيــن
عرفة وبين الحرم ،فليــس مــن الحــرم ،ول مــن عرفــة ،
وكذلك ما بين طلــوع الفجــر وطلــوع الشــمس بــرزخ بيــن
الليل والنهار ،ليس من الليل لتصرمه بطلوع الفجــر ،ول
من النهار لنه من طلـوع الشـمس ،وإن دخـل فـي اسـم
اليوم شرعًا.
وكذلك منازل السير :بين كل منزلتين برزخ يعرفه الســائر
في تلك المنــازل ،وكــثير مــن الحــوال والــواردات تكــون
برازخ ،فيظنهـا صـاحبها غايـة ،وهـذا لـم يتخلـص منـه إل
فقهاء الطريق ،والعلماء هم الدلة فيها " انتهى .
واليوم ولكثرة وسائل الدعوة إلى اللــه ،أصــبحت ل تــرى
إل قليل ً مــن النــاس ممــن يجهــل أهــم الحــوادث ،وبعــض
أحكام النوازل ،فإذا مــا نزلــت نازلــة ،بحــث النــاس عــن
حكمها بســؤال أهــل العلـم عنهــا ،أل وإن أعظــم النــوازل
اليــوم ] مســاهمات البنــوك [ ،بيــع الســهم وشــراؤها
وتداولها ،والتي كثر الجدل حولها وعنها .
فقد كثر السؤال عنها ،حتى إن كثيرا ً من النــاس ل يســأل
عنها إل من يرخص في جواز التعامل والكتتاب فيها ،وأما
عرف عنه من أهل العلم تغليــب جــانب الحــرام علــى من ُ
جــانب الباحــة ،فهــذا ل يســأله النــاس إل إذا كــانت لهــم
حقوقـا ً عنــد الخريــن ،أمــا إذا كــانت لهــم المصــلحة عنــد
الخرين فل يسألون عن الحكم ،وهذا أمر معلوم اليوم .
214
مــآ ُ
وإني أذكر كل مسلم ومسلمة بقــول اللــه تعــالى " :وَ َ
ل ?ل ُــو?ا أ َهْ ـ َ سـ ـ َ م? ف ْ حي إ ِل َي ْهِ ـ ْ جال ً ن ّــو ِ ك ِإل رِ َ من قَب ْل ِ َ سل َْنا ِ أْر َ
َ
ن". مو َ م ل ت َعْل َ ُ كنت ُ ْ الذ ّك ْرِ ِإن ُ
فيجب على العبد أن يحتاط لدينه ول يسأل من يعتقــد أنــه
يرخص للناس بسبب أو بدون سبب كمن يتجرأ على الفتيا
مثل ً ،فهذا وإن ُأفتي في مسألة وهو يعرف حقيقتها ولكنه
خالف عالم آخر له شأنه في الفتــوى ولــه صــولته وجــولته
في العلم ،فل يجوز له أن يأخذ بالرخصة لعلمه حرمة مــا
صارِيّ رضي اللــه سمَعا َ َ ُ
ن الن ْ َ ن ِ ْ س بْ ِ وا ِ ن الن ّ ّ قد أفتي به َ ،عَ ِ
ل": ن ال ْب ِـّر َوال ِث ْـم ِ ؟ فََقــا َ ل اللهِ عَ ِ
سو َ ّ ت َر ُ سأل ْ ُ لَ : عنه َقا َ
ت ك ،وَك َرِهْـ َ صـد ْرِ َ ك فِــي َ حــا َ ما َ م َ ق َ ،وال ِث ْ ُ ن ال ْ ُ ْ ال ْب ِّر ُ
خل ِ س ُ ح ْ
َ
س " ] أخرجه مسلم [ ،وقال ابن عمــر ن ي َط ّل ِعَ عَل َي ْهِ الّنا ُ أ ْ
ة الت ّْقوى حــتى ي َـد َعَ رضي الله عنهما " :ل يبلغ العَب ْد ُ حقيق َ
در " ] أخرجه البخاري [ . ص ْ ك في ال ّ ما حا َ
فالله عز وجــل يعلـم خائنـة العيــن ومـا تخفـي الصــدور ،
مطلــع علــى القلــوب ومــا تخفيــه لــذلك فهــو ســبحانه ُ
وتضمره ،لن السر عنده علنية ،ولهذا يجب علــى العبــد
أن يتحرى الفتوى من أهلها ،وإن وقع في الشبه فعليه أن
يحذرها ،لن الشبهة توقع في الحرام ،وأسهم الشــركات
شـب َهِ ،فعلــى العبــد أن يتــق اللــه تعــالى كلها تدور حول ال ُ
ويحــذر مــواطن العــذاب ،ومكــامن العقــاب ،فل أشــد
وأعظم من أكل المال الحرام ،والنسان مهما عاش فــي
هذه الحياة الدنيا ،فهو لبد ميت ،ومنتقل إلى دار البرزخ
التي فيها بداية النعيم والجحيم ،فالقبر أول منازل الخرة
،فإن نجى منه صــاحبه فمــا بعــده أهــون منــه ،وإن هلــك
صاحبه فمــا بعــده أشــد منــه والعيــاذ بــالله ،وأكــل المــال
الحرام من أشد الخطار ،وأعظم الغترار ،وأطم الشنار
ن أ َب ِــي هَُري ْـَرةَ ،كيف ل وقد جــاء فــي صــحيح مســلم ،عَـ ْ
ل الل ّـهِ صــلى اللــه عليــه ســو ُ ل َر ُ ل :قَــا َ رضي الله عنه قَــا َ
َ
نل إ ِل ّ ط َّيب ـا ً ،وَإ ِ ّ ب ل َ ي َْقب َـ ُ ه ط َي ّ ٌ ن الل ّ َ س إِ ّ وسلم " :أي َّها الّنا ُ
ل َ } :يا أ َي ّهَــا ن ،فََقا َ سِلي َ مْر َ مَر ب ِهِ ال ْ ُ
َ
ما أ َ ن بِ َ مِني َ مؤ ْ ِ مَر ال ْ ُ
الل ّ َ
هأ َ َ
ن ملــو َ ُ مــا ت َعْ َ ً
صاِلحا إ ِّني ب ِ َ ملوا َ ُ ت َواعْ َ ن الطي َّبا ِ ّ م َ ل كلوا ِ ُ ُ س ُ الّر ُ
مُنوا ك ُُلوا َ
نآ َ ذي َ ل َ } :يا أي َّها ال ّ ِ م { ] المؤمنون [ 15وََقا َ عَِلي ٌ
215
ل ج ُ م ذ َك ََر الّر ُ م { ] البقرة " [ 271ث ُ ّ ما َرَزقَْناك ُ ْ ت َ ن ط َي َّبا ِ م ْ ِ
َ َ
ب ماِء َ ،يا َر ّ س َ مد ّ ي َد َي ْهِ إ َِلى ال ّ ث أغْب ََر ،ي َ ُ شع َ َ سَفَر ،أ ْ ل ال ّ طي ُ يُ ِ
م، حـَرا ٌ ه َ سـ ُ مل ْب َ ُ م ،وَ َ حـَرا ٌ ه َ شَرب ُ ُ م ْ م ،وَ َ حَرا ٌ ه َ م ُ مط ْعَ ُ ب وَ َ َيا َر ّ
َ
ب ِلذاِلك؟ " . جا ُ ست َ َ حَرام ِ ،فَأّنى ي ُ ْ وَغُذِيَ ِبال ْ َ
وهذا غيض من فيض ،وقليل من كثير من العذاب والنكال
الذي ُيلم بآكل المال الحرام .
فاتقوا الله أيهــا المســلمون ودعــوا مــا يريبكــم إلــى مــا ل
يريبكم كما صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ه خ ـذ َ الل ّـ ُ وُأذكر أهل الفتوى بقول اللــه عــز وجــل " :وَإ ِذ ْ أ َ َ
ميَثاقَ ال ّـذي ُ
ه? مــون َ ُ س َول ت َك ْت ُ ُ ه? ِللن ّــا ِ ب ل َت ُب َي ّن ُن ّـ ُ ن أوت ُــوا ال ْك ِت َــا َ ِ َ ِ
مــا س َ من ًــا قَِليل فَب ِئ ْ َ ه? ث َ َ شـت ََرْوا ب ِـ ِ م َوا ْ ذوهُ وََرآَء ظ ُهُــورِهِ ْ فَن َب َـ ُ
ن " ] آل عمران . [187 شت َُرو َ يَ ْ
ول أظن أن عالما ً من علمائنا يشتري الحياة الدنيا بالخرة
،معاذ الله أن يكون هذا ،ولكن ربما اختلط على بعضــهم
أمورا ً ،واشتبهوا في أخرى ،فأفتى بغير ما يوافق الشــرع
خطأ ً وزلل ً ،فهذا مأجور كما جاء في حديث معاذ بن جبــل
مــا ل الله صلى الله عليه وسلم ل َ ّ سو َ ن َر ُ رضي الله عنه ،أ ّ
ك ض لَ َ ذا عََر َ ضي إ َ ف ت َْق ِ ل " :ك َي ْ َ ن قا َ م ِ ن ي َب ْعََثه إَلى ال ْي َ َ أَراد َ أ ْ
ج ـد ْ فِــي م تَ ِ ن ل َـ ْ ل َ :فإ ْ ب الله .قا َ ضي ب ِك َِتا ِ ل :أقْ ِ ضاٌء ؟ قا َ قَ َ
ل اللــه صــلى اللــه عليــه ســو ِ س ـن ّةِ َر ُ ل :فَب ِ ُ ب الله ؟ قــا َ ك َِتا ِ
ل الله صلى اللــه سو ِ سن ّةِ َر ُ جد ْ ِفي ُ م تَ ِ ن لَ ْ ل َ :فإ ْ وسلم ،قا َ
جت َهِ ـد ُ َرأ ْي ِــي وَل َ عليه وسلم ،ول َ في كتاب اللــه ؟ قــا َ َ
ل:أ ْ َِ ِ َ ِ
ص ـد َْرهُ ، ل الله صــلى اللــه عليــه وســلم َ سو ُ ضَرب َر ُ آلو ،فَ َ
مــا ل اللــه ،ل ِ َ ســو ِ ل َر ُ ســو َ ذي وَفّـقَ َر ُ مد ُ للــه ال ّـ ِ ح ْ ل :ال ْ َ فََقا َ
ل الله " ] أخرجه أبو داود وغيره [ . سو َ ضي َر ُ ي ُْر ِ
ل الل ّـ ِ
ه ســو ُ ل َر ُ ل :قَــا َ ن أ َِبي هَُري َْرةَ رضــي اللــه عنــه قَــا َ عَ ْ
َ
ب صــا َ جت َهَد َ فَأ َ م َفا ْ حاك ِ ُ م ال ْ َ حك َ َ ذا َ صلى الله عليه وسلم " :إ َ
َ َ َ فَل َ َ
جٌر " ] أخرجه النســائي هأ ْ خط َأ فَل َ ُ جت َهَد َ فَأ ْ ذا ا ْ ن َوإ َ جَرا ِ هأ ْ ُ
وغيره [ .
فأمر الفتيا ليس بالمر الهين أو الســهل كمــا يظنــه بعــض
المتعالمين اليوم ،بل هو توقيع عن الله عز وجــل فــي أن
ت أفــتى النــاس هذا المر حلل أم حرام ،فما ظنكم بمف ـ ٍ
بخلف ما جاء به الشرع المطهر هــوىً لنفســه أو مداهنــة
216
لحاكم أو اتباعا ً للشيطان أو غير ذلك لينال شــهرة واســعة
في الدنيا ،ويم القيامة ُيرد إلى أشد العذاب ؟
فأقول يجب على العلماء وأهل الفتوى أن يجتمعوا ليجــاد
حــل لي نازلـة قبــل نزولهــا أو وقــت نزولهــا ،وحــتى بعــد
نزولها ،ومن ذلك الجتماع لصدار فتوى في حكــم معيــن
مختلف فيه ل يسوغ فيه الختلف ،ويكون فيــه أدلــة أحــد
الفريقين أقــوى مــن أدلــة الخــر ،فحبــذا لــو اجتمــع أهــل
الفتوى وأصدروا حكما ً واحدا ً لئل يقع الناس فــي علمــائهم
ويتهمــونهم اتهامــات باطلــة كــانوا فــي منــأى عنهــا ،فلــوا
درءوا عن أنفسهم الغيبة والسباب والشتائم ،وربما وصل
المر إلى الطعن في علمهم وفتواهم ،واتهامهم بأنهم تبع
لفلن أو فلن ،ل ســيما فــي أمــور الســهم والســندات
والمحـــافظ الســـتثمارية الـــتي وقــع فـــي حبائلهـــا جـــل
المسلمين اليــوم فــي مشــارق الرض ومغاربهــا ،مــا بيــن
الجواز والتحريم .
فالله الله أيها العلماء بالمســلمين ،رفقـا ً رفقـا ً بهــم فهــم
على بوابة مـن الهاويـة والوقـوع فـي الحـرام والمشـتبه ،
والمة بأسرها تنزلق في مزالق المم قبلها من ابتعاد عن
الدين ،ورضا ً بالـدنيا وزينتهـا ،لقـد تـرك النـاس الصـلة ،
وهجروا بيوت الله ،لهثا ً وراء السهم ،بل وصل المر إلى
التماسك باليدي والخصام والســباب والضــرب حــتى نقــل
بعضهم إلى المستشفيات جراء حرب السهم الســتثمارية
المشتبهة .
ول يخفى أن الوقوع في المشتبه وقوع في الحــرام ،فلــو
أفتيت شخصا ً بجــواز التعامــل مــع الشــركة الفلنيــة ،وأن
جزءا ً ضئيل ً من رأس مالها فيه ربا ً ،أو كانت ممن يتعامــل
بالربا بجزء بسيط ل يتجاوز %10مــن رأس مالهــا مثل ً أو
أقل أو أكثر ،أو أنها تــودع شــيئا ً بســيطا ً مــن أموالهــا فــي
بنوك ربوية ،إلى غير ذلك من تعــاملت الربــا ،إن أفــتيت
شخصا ً بجواز التعامل مع تلك الشركة أو ذلك البنك ،أيــن
تذهب من الله تعالى الذي حرم الربا قليله وكــثيره ؟ مــن
أين لك هذا العلم الذي أجاز لــك الفتيــا بجــواز أكــل قليــل
الربا ،والله تعالى يقول " :يا أيها الذين آمنــوا اتقــوا اللــه
217
وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لــم تفعلــوا
فأذنوا بحــرب مــن اللــه ورســوله فــإن تبتــم فلكــم رؤوس
أموالكم ل تظلمون ول تظلمـون " ،وأيـن أنـت مـن قـول
الله جل وعل " :وأحل اللــه الــبيع وحــرم الربــا " ،وقــول
الله تعالى " :يمحق الله الربــا ويربــي الصــدقات واللــه ل
يحب كل كفار أثيم " فهذه الدلة وغيرهــا مــن كتــاب اللــه
تعالى تدل دللة قاطعــة علــى تحريــم الربــا قليلــه وكــثيره
سواء .
فالله عز وجل لم يفرق بين قليل الربــا وكــثيره ،بــل كلــه
سواء .
عقوبــة الربــا ل تخفــى علــى مســلم ذو عقــل وبصــيرة ،
فعقوبته من أشد العقوبات ،إن لم يكن الربا أشــدها بعــد
الشــرك بــالله ،فآكــل الربــا ملعــون وخــائن ،والربــا مــن
الموبقات التي تقذف بصاحبها إلى النار والعياذ بالله ،عن
ي صـلى اللـه عليـه ن النـب ّ ه عنـه ،عـ ِ ي اللـ ُ أبي هريرةَ رض َ
سبعَ الموبقات ،قالوا :يــا رســو َ
ل وسلم قال " :اجتِنبوا ال ّ
لســحُر ،وقت ْـ ُ ه ،وال ّ ك بــالل ِ شــر ُ ن ؟ قــال " :ال ّ اللهِ ،وما هُـ ّ
ل ل مــا ِ ل الّربــا ،وأك ـ ُ ق؛ وأك ُ ه إل ّ بالح ّ م الل ُحّر َ س التي َالّنف ِ
ت ت المؤمنــا ِ محصــنا ِ ف ال ُ ف ،وقذ ُ الَيتيم ،والّتوّلي يوم الّزح ِ
ت " ] متفق عليه [ . الغاِفل ِ
ل الل ّهِ صلى اللــه سو ُ ن َر ُ ل :ل َعَ َ جاب ِرٍ رضي الله عنه َقا َ ن َ
عَ ْ
ل: ه ،وََقــا َ
شاهِد َي ْ ِه ،وَ َ ه ،وَ َ
كات ِب َ ُ موك ِل َ ُ ل الّرَبا ،وَ ُ عليه وسلم آك ِ َ
واٌء ] أخرجه البخاري ومسلم [ . س َ
م َ هُ ْ
عن ابن مسعود رضي الله عنه ،أن النبي صلى الله عليــه
ل"] ربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى ق ّ وسلم قال " :ال ِ
أخرجه أحمد [ .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ،عن النــبي صــلى
اللــه عليــه وســلم قــال " :لعــن اللــه آكــل الربــا ومــوكله
وشاهديه وكاتبه ،قال :وقــال :مــا ظهــر فــي قــوم الربــا
والزنا إل أحلوا بأنفسهم عقاب اللـه عـز وجـل " ] أخرجـه
أحمد [ .
ة خطــورة فمن تأمل تلك النصــوص الشــرعية أدرك حقيق ـ ً
الربا ولــو كــان قليل ً علــى الفــراد والمجتمعــات بــل علــى
218
المم ،لما فيه من تع لحدود الله تعالى ،ولحتــوائه علــى
ظلـم النـاس وأكـل أمـوالهم بالباطــل ،ولمـا يحتـويه مـن
مماطلة ،ومحاربة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
وربما كان هذا الضعف الذي تعانيه المة اليوم دليل قاطعا ً
ودامغا ً لكلــي الربــا ،والمتعــاملين بــه ،وكــذا نــرى اليــوم
إمساك السماء عن قطرها ،ومنع الرض لبركتها .
مما يجعل المؤمن يراجع نفسه مــائة مــرة قبــل أن ُيقــدم
على أمر مباح فكيف بـأمر المشـتبه أو المحـرم لهـو أبعـد
عن ذلك .
واليوم أكل الناس كلهم الربا ،ومن لــم يــأكله أصــابه مــن
غباره ،وهذا أمر واضح ل يختلف فيه اثنيــن ،ول حــول ول
قوة إل بالله ،فأي نصر نريد ،وأي عزة نروم ،وأي تقــدم
ننشد ،والناس ينساقون وراء القاصي والداني ســعيا ً وراء
الربا والعياذ بالله .
ولم يكن لهم أن يفعلــوا ذلــك ،لــول وجــود الفتــاوى الــتي
أوقعت الناس فــي الحيــرة والضــيق ،والــتي دعتهــم إلــى
محاربة الله عز وجل عيانا ً بيانا ً .
فكل من العلماء وأهل الفتوى على ثغــر ،فســدوا الثغــور،
حجبا ً إلــى نــار جهنــم ،بــل
سترا ً و ُ ول تفتحوا للناس أبوابا ً و ُ
اتقــوا اللــه عــز وجــل ،واخشــوه وراقبــوه ،أغلقــوا علــى
الناس أبواب الحرام والمتشابه حــتى ل يقعــوا فيمــا حــرم
الله ،فالربا دمار للمم ،خراب للديار ،هلك للناس ،ذلة
للعباد ،دناءة في الخلق ،استجلب لمقت الله وعقــابه ،
سبب لتــداعي العــداء واعتــدائهم ،والواقــع خيــر شــاهد ،
وأعظــم برهــان ،نســأل اللــه العفــو والعافيــة ،والتوبــة
الصادقة .
والقاعدة الفقهية تقول :
دم الحاظر على المبيح احتياط ـا ً إذا اجتمع حاظر ومبيح ،قُ ّ
وبراءة للذمة .
وهذه قاعدة مهمة جدا ً يجب أن يأخذ بها أهل الفتوى عــن
السهم ،فقد أوقعوا الناس في حيرة مــن أمــر دينهــم ول
حول ول قوة إل بالله ،والله جل وعل سائل المفــتي يــوم
القيامة عن دليــل تحليلــه لقليــل الربــا ،مــع أن النصــوص
219
الشرعية جاءت بتحريم الربا دون تحديد أو بيان للكــثرة أو
القلة .
والنــاس اليــوم لــم يعــودوا يتورعــون عــن أكــل الربــا
والمساهمة في البنـوك والمؤسسـات والشـركات صـاحبة
السهم ،ول يخرجون قيمة الربا الموجـود فـي أسـهمهم ،
وربما خفي ذلك عن بعض أهل الفتــوى بجــواز المســاهمة
في الشركات المختلطــة ،ومعنــى مختلطــة :أي أن فيهــا
نسبة من الربا ،والربا كما علمنا حرام كله ،ل فــرق فيــه
بيــن قليــل ول كــثير ،بــل كلمــا زاد الربــا زادت العقوبــة
والعذاب .
أقول :لــم يعــد هنــاك ورع أو زهــد مــن قبــل النــاس فــي
السهم الربوية ،بــل يــأتي أحــدهم الشــيطان ويســول لــه
ويملي له حتى ل يبالي من أين أكــل المــال أمــن حلل أم
حرام ؟ وحتما ً سينال المفتى قسطا ً من العذاب ،لنه هــو
الذي أفتى بجواز المساهمة في الشــركات المختلطــة مــع
إخراج نسبة الربا ،فأكل الناس الربا ورضوا به .
وهذا هو الواقع اليوم ،فأي إنسان يســاهم ل تعنيــه نســبة
الحرام الموجودة ،بل القصد والغاية عدد السهم ومقــدار
الربح ،فهل فطن لذلك أهــل الفتــوى ،وراجعــوا أنفســهم
قبل أن يوقعوا عن ربهم .
مما سبق بيانه ظهر جليـا ً أنـه ل يجـوز المسـاهمة فـي أي
شركة أو بنك في صــورة محرمــة مهمــا صــغرت أو دقــت
هذه المعاملة وممن ذهب إلى هــذا القــول :مجمــع الفقــه
السلمي التابع لمنظمة المــؤتمر الســلمي بجــدة ،ونــص
قراره هو:
" ج :الصل حرمــة الســهام فــي شــركات تتعامــل أحيان ـا ً
بالمحرمــات ،كالربــا ونحــوه ،بــالرغم مــن أن أنشــطتها
الساسية مشروعة " )].([1وكذلك لمجمع الفقهــي التــابع
لرابطة العالم السلمي في مكــة المكرمــة ،ونـص قــراره
هو:
" ل يجوز لمسلم شــراء أســهم الشــركات والمصــارف إذا
كان في بعض معاملتها ربا ،وكان المشتري عالمـا ً بــذلك"
)].([2
220
وممن قال بالتحريم أيضًا :اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة
والفتاء )] ،([3والهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويــتي )]
،([4والهيئة الشــرعية لبنــك دبــي الســلمي )] ،([5وهيئة
الرقابة الشرعية للبنك الســلمي الســوداني )]،([6وعــدد
من الفقهاء المعاصرين )].([7
وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة مــن الكتــاب والســنة
تدل بعمومهـا علـى تحريـم الربـا قليلـه وكــثيره ،ولن يـد
الشركة على المال هــي نفــس يــد المســاهم ،فــأي عمــل
تقــوم بــه فهــو عملــه ل فــرق بينهمــا ،فكمــا يحــرم علــى
النسان أن يســتثمر جــزءا ً مــن مــاله – ولــو يســيرا ً – فــي
معاملت محرمة ،فكذا يحرم عليه المشاركة في شــركات
تتعامل بالحرام ،لن المال المستثمر هو ماله بعينه.
وقال آخرون :بالجواز بضوابط .
وممــن ذهــب إلــى هــذا القــول :الهيئة الشــرعية لشــركة
الراجحــــي)] ،([8والهيئة الشــــرعية للبنــــك الســــلمي
الردني)] ، ([9والمستشار الشرعي لدلة البركة )]، ([10
ونــدوة البركــة السادســة )] ، ([11وعــدد مــن العلمــاء
المعاصرين )].([12
وقد اشترط أصحاب هذا القول شــروطًا؛ إذا تــوفرت جــاز
تداول أسهم بعض الشركات ،وإذا تخلف منهــا شــرط لــم
يجز ،وهذه الشروط سيأتي بيانها.
وقد استدل أصحاب هذا القول بعدد من القواعد :كقاعــدة
رفع الحرج ،والتبعيــة ،والحاجــة العامــة ،وعمــوم البلــوى،
ومراعــاة قواعــد الكــثرة والقلــة والغلبــة ،وكــذلك جــواز
التعامل مع من كان غالب أمواله حلل.
ضوابط القائلين بالجواز:
-1الضابط الول :تحديد نسبة القتراض الربوي.
اختلــف القــائلون بــالجواز فــي تحديــد هــذه النســبة علــى
أقوال:
القــول الول :أن ل تزيــد نســبة القــروض عــن %25مــن
إجمالي الموجودات ،وبه أخذت هيئة الراجحي في قرارهــا
رقم .485
221
القول الثاني :أن ل تساوي أو تزيد عن %33من إجمــالي
الموجودات ،وبه أخذ " الداو جونز السلمي".
القول الثالث :أن ل تزيد القروض عــن %30مــن القيمــة
الســـوقية لمجمـــوع أســـهم الشـــركة ،وبـــه أخـــذت هيئة
المحاسبة والمراجعة للمؤسســات الماليــة الســلمية فــي
البحرين.
القول الرابع :أن ل تزيد القروض عــن %30مــن إجمــالي
القيمة السوقية ما لــم تقــل عــن القيمــة الدفتريــة ،وبهــذا
صــدر تــوجيه الهيئة الشــرعية بشــركة الراجحــي المبلــغ
بخطاب رئيسها الموجه لرئيــس مجلــس إدارة الشــركة )]
.([13
القــول الخــامس :أن ل تزيــد القــروض عــن % 30مــن
إجمالي موجودات الشركة ،وهذا الضابط آخر ما استقرت
عليه أكثر الهيئات الشرعية في البنوك السعودية .
-2الضــابط الثــاني :نســبة المصــروفات المحرمــة لجميــع
مصروفات الشركة.
وحددت هذه النسبة بـ %5من إجمالي المصروفات ،وهذا
الضابط توجهت إليه الهيئات أخيرا ً .
-3الضــابط الثــالث :حجــم العنصــر المحــرم )الســتثمار
المحرم(:
اختلف القائلون بــالجواز فــي تحديــد نســبة حجــم العنصــر
الحرام على أقوال:
القــول الول :أن ل يتجــاوز العنصــر الحــرام %15مــن
إجمالي موجودات الشركة ،وبه أخذت هيئة الراجحي فــي
قرارها رقم .485
القول الثاني :أن ل يتجاوز المبلغ المودع بالربا %30مــن
القيمة السوقية لمجموع أسهم الشـركة ،وبـه أخـذت هيئة
المعايير المحاسبية في البحرين.
القول الثالث :عدم اعتبار هــذا الضــابط ،وبــه وجهــت هيئة
الراجحي من خلل خطابها المبلغ من رئيسها النف الذكر،
وكذلك لم يعتبر الداو جونز هذا الضابط.
-4الضابط الرابع :نسبة اليرادات المحرمة:
222
اختلــف القــائلون بــالجواز فــي تحديــد هــذه النســبة علــى
أقوال:
القول الول :أن ل يتجاوز مقدار اليراد الناتــج مــن عنصــر
محرم %5مــن إجمــالي إيــرادات الشــركة ،وبهــذا أخــذت
الهيئة الشرعية لشركة الراجحي في قرارها .485وكذلك
هيئة المعايير المحاسبية في البحرين.
القول الثاني :أن ل تتجاوز اليــرادات غيــر التشــغيلية %9
مــن اليــرادات التشــغيلية ،وبهــذا أخــذ " الــداو جــونز
السلمي".
الخلصة:
إن الهيئات الشــرعية إذا تخلــف عنــدها ضــابط واحــد مــن
الضــوابط حكمــوا علــى الشــركة بــالتحريم وصــنفوها مــن
الشركات المحرمة ،فكيــف إذا تخلــف أكــثر مــن ضــابط ؟
] خالد إبراهيم الدعيجي بتصرف [ .
أسأل الله الهداية والتوفيق والسداد ،ومعرفــة الصــواب ،
واجتنــاب الخطــأ والزلــل ،إنــه ولــي ذلــك والقــادر عليــه ،
وصلى الله وسلم وبارك علــى نبينــا محمــد ،والحمــد للــه
رب العالمين .
---------------
)] ([1مجلة المجمع 7/1/712
)] ([2قــرارات المجمــع الفقهــي ص .297وتاريــخ القــرار
20/8/1415هـ.
)] ([3فتاوى اللجنة . 13/407
)] ([4الفتاوى الشرعية فــي المســائل القتصــادية ،فتــوى
رقم ).(532
)] ([5فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنــك دبــي الســلمي،
فتوى رقم ).(49
)] ([6فتـــاوى هيئة الرقابـــة الشـــرعية للبنـــك الســـلمي
السوداني ،فتوى رقم ).(16
)] ([7منهـــم :د .صـــالح المرزوقـــي فـــي بحثـــه ))حكـــم
الشـــتراك فـــي شـــركات تـــودع أو تقـــرض بفـــوائد(( د.
السالوس في بحثه ))أحكــام أعمــال البورصــة فــي الفقــه
الســلمي(( المقــدم لمجمــع الفقــه الســلمي بجــده فــي
223
دورته السادسة ،مجلة المجمــع ،6/2/1343والشــيخ عبــد
اللــه بــن بيــه فــي بحثــه ))المشــاركة فــي شــركات أصــل
نشــاطها حلل إل أنهــا تتعامــل بــالحرام(( المقــدم لمجمــع
الفقــه الســلمي فــي دورتــه الســابعة ،مجلــة المجمــع
.7/1/415
)] ([8قرارات الهيئة الشرعية للشركة 1/241
)] ([9الفتــاوى الشــرعية للبنــك الســلمي الردنــي فتــوى
رقم ).(1
)] ([10الجوبــة الشــرعية فــي التطبيقــات المصــرفية،
مجموعة دلة البركة فتوى رقم ).(37
)] ([11الفتاوى القتصادية ص .19
)] ([12منهم فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين )مجلة النــور
ع 183لعام 1421هـ( وفضيلة الشيخ عبــد اللــه بــن منيــع
في بحثه المنشور بمجلة البحوث الفقهيــة المعاصــرة ع 7
لعــام 1411هـ ـ بعنــوان ))حكــم تــداول أســهم الشــركات
المساهمة(( ،وكل من د .نزيه حماد ،ومصــطفى الزرقــاء،
ومحمد تقــي العثمــاني ،انظــر )مجلــة النــور ع 183لعــام
1421هـ( ود .علــي محــي الــدين القــره داغــي فــي بحثــه
المقدم لمجمع الفقه السلمي في دورته التاسعة بعنــوان
))الستثمار في السهم((
)] ([13بخطـــــاب رقـــــم /14/425هــــــ ش وتاريـــــخ
20/3/1425هـ.
================
#حكم المساهمة في شركة التصالت
الحمد لله رب العالمين ،و أشهد أن ل إله إل الله وحده ل
شريك له ،و أشهد أن محمدا ً عبده و رســوله صــلى اللــه
عليه و على آله و صحبه و سلم ..و بعد :
فقد كثرت السئلة حول المساهمة في شــركة التصــالت
فأقول و بالله التوفيق :
إن الله تعال قــد بي ّــن الحلل و الحــرام فــي كتــابه و علــى
لسان رسوله صلى الله عليه و سلم ،قال الله تعــالى ) و
نزلنـا عليـك الكتـاب تبيانـا ً لكـل شـيء و هـدى و رحمـة و
م
حــّر َ
ما َ
م َل ل َك ُ ْ بشرة للمسلمين ( و قال تعالى ) وَقَد ْ فَ ّ
ص َ
224
َ
موائ ِهِ ْن ب ِـأهْ َضـّلو َ ن ك َِثيـًرا ل َي ُ ِ م إ ِل َي ْـهِ وَإ ِ ّ ضط ُرِْرت ُ ْ ما ا ْ م إ ِّل َ عَل َي ْك ُ ْ
َ
ن ( و قال النــبي صــلى دي َ معْت َ ِ م ِبال ْ ُ ك هُوَ أعْل َ ُ ن َرب ّ َ عل ْم ٍ إ ِ ّب ِغَي ْرِ ِ
اللــه عليــه و ســلم ) إن الحلل بّيــن و إن الحــرام بّيــن و
بينهما متشابهات ل يعلمهن كثير من النــاس ،فمــن اتقــى
الشبهات استبرأ لدينه و عرضــه ( الحــديث متفــق عليــه و
اللفظ لمسلم من حــديث النعمــان بــن بشــير رضــي اللــه
عنهما .
و بــالنظر إلــى العمــال الماليــة الــتي تمارســها شــركة
التصالت تبين أنها واقعة في معاملت بّينــة التحريــم تعــد
من الكبائر ) أولها ( الربا و ذلك من وجهين :
الول :إيداع السيولة الماليــة فــي البنــوك الربويــة و أخــذ
الفوائد عليها .
الثــاني :الســتثمار فــي القــروض طويلــة الجــل بفــوائد
ربوية .
و من المعلوم أن الربا من أعظم الذنوب و قد عده
رسول الله صلى الله عليه و سلم من السبع ا لموبقات ،
و آذن الله تعالى المصّر عليه بالحرب فقال تعالى ) يا أيها
اللذين آمنو اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم
مؤمنينفإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله و إن
تبتم فلكم رؤوس أموالكم ل تظلمون و ل ُتظلمون ( .
و ) ثاني ( العمال البّينة التحريم التي تمارسها الشــركة :
) القمار ( مــن خلل خدمــة الرقــم ) ( 700و للعلـم فـإن
نصيب الشركة هو %35من مجموع العوائد ،و القمار هو
الميسر الذي حرمه الله تعالى في كتابه ،قال تعــالى ) ي َــا
َ َ َ
ب َواْلْزَل ُ
م سـُر َواْلن ْ َ
صــا ُ مي ْ ِ مـُر َوال ْ َ خ ْمــا ال ْ َ من ُــوا إ ِن ّ َ نآ َ ذي َ أي َّها ال ّ ِ
م ( ،و دخـول كـ ْ جت َن ُِبوهُ ل َعَل ّ ُ ن فَــا ْ طا ِشـي ْ َ ل ال ّ مـ ِ ن عَ َ مـ ْ س ِ ج ٌ رِ ْ
التصالت في هذه المعاملة هو من بــاب ) المشــاركة ( ل
مــن بــاب ) الجــارة ( فهــي تقــدم الخدمــة الهاتفيــة ،و
الطرف الخر يقدم العمل .فهي شريك أســاس فــي هــذا
الميسر و القمار .
و ) ثالثها ( :الستثمار في أعمــال تجاريــة محرمــة و مــن
ذلك استثمارها ما يزيد على 600مليون ريال فــي القمــر
الصناعي عربسات و الذي يؤجر على قنوات تبث الفســاد
225
الفكــري و الخلقــي ،و الســتثمار و التجــارة فــي الحــرام
حرام .
و قد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهمــا
قال :بلغ عمر أن فلنا ً باع خمرا ً فقال ) :قاتل الله فلنــا ً
ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :لعن
الله اليهود حرمت عليهـم الشـحوم فجملوهـا فباعوهـا ( و
اللفظ للبخاري .
و مــن المعلــوم أن ســهم المكتتــب ) مشــاع ( فــي جميــع
أجزاء الشركة ،و كل من اشترى من السهم صار شريكا ً
بقدر أسهمه و إدارة الشركة في منزلة الوكيل عــن حملـة
السهم و لذلك فالمساهم يكون بالضــرورة متعــامل ً بهــذه
الكبــائر و مشــاركا ً فيهــا عــن طريــق وكيلــه و هــو إدارة
الشركة و قد دخل المساهمة برضــاه التــام وفــق شــروط
معينــة فل يســتطيع تعــديل تعــاملت الشــركة و ل تغييــر
نظامها ..مع ما في ذلك من العانة الظاهرة على الثم و
العدوان و قد قال تعالى ) و تعاونوا على الــبر و التقــوى و
ل تعاونوا على الثم و العدوان ( .
و بــذلك تــبّين أن شــراء أســهم الشــركة و مــا ماثلهــا أمــر
واضح التحريم ليس فيه اشتباه و لله الحمد .
و يحسن أن أنبه إلى أمور :
الول :ينبغي أل ُيخلط بيـن هـذه المسـألة – أعنـي شـراء
أسهم شركة التصالت و مــا ماثلهــا – و بيــن معاملــة مــن
اختلــط فــي مــاله الحلل و الحــرام فهــذه مســألة أخــرى
فمعاملة من أختلط في ماله الحلل و الحرام تعني شــراء
سلعة منه أو استئجارها أو القتراض الحسن منه أو الكــل
عنده أو الستعارة منه أو قبول هديته و نحو ذلك فهذا كله
جائز ما لم يعلم أن الشــيء المقــدم فــي المعاملــة حــرام
بعينه .
لكن ل يجوز الشتراك معــه فــي أعمــال محرمــة و يمكــن
التمثيــل لمــن اختلــط الحلل و الحــرام بمــاله بشــركة
التصالت نفسها بالنسبة لمريد خدمــة الهــاتف أو الجــوال
أو نحوهما من خدمات الشركة التي تقدمها للناس مــا لــم
226
يعلــم أنهــا محرمــة فهــذه الخــدمات يجــوز شــراؤها و
استئجارها و نحو ذلك .
لكن ل يجوز الدخول مع الشركة في معاملتها المحرمــة و
كــل مــن ملــك مــن أســهمها فقــد شــارك فــي معاملتهــا
المحرمة .
الثــاني :قلــة المــداخيل المحرمــة لشــركة التصــالت أو
كثرتها ل يغير من الحكم شيئا ً فــالحرام حــرام قـ ّ
ل أو كــثر
قال صلى اللـه عليـه و سـلم ) :مـا أسـكر كــثيره فقليلـه
حرام ( رواه المام أحمد و صححه الدارقطني من حــديث
ابن عمر رضي الله عنهما ،و لكن كلما كــثر الحــرام كــان
الثم أعظم .
علما ً أن عوائد الشــركة مــن المعــاملت المحرمــة ليســت
قليلة كمــا يعلــم مــن موقعهــا علــى النــترنت و قــد بلغــت
عوائد الربا في القروض طويلة الجل للســنتين 2000م و
2001م أكثر من ) 1400ميلون ريال ( !! فإذا كانت هذه
هــي العــوائد فكــم كــانت القــروض المســتثمرة فــي هــذا
المجال الخبيث ؟!!
الثــالث :ينبغــي إذا ُأريــد معرفــة نســبة مــا يقســم علــى
المساهمين من العوائد المحرمة إلى غيرها أن ينظر إليهــا
بالنسبة إلى أرباح الشركة ل إلى أصــولها العامــة فالربــاح
هي التي توزع على المساهمين ل الصول .
الرابع :القول بأن المساهم في الشــركة إذا أخــرج نســبة
معينة تبرأ ذمته و يتخلــص مــن الثــم قــول فيــه نظــر مــن
وجوه :
) أول ً ( :أن مجرد القدام على إبرام العقد المحرم كالربا
أو القمار أمر محرم و لو نوى أن يــتركه و قــد لعــن النــبي
صــلى اللــه عليــه و ســلم " آكــل الربــا " و " مــوكله " و "
كاتبه " و " شاهديه " و قال ) هم سواء ( رواه مسلم .
فانظر كيف لعن النبي صلى الله عليه و سلم الشاهدين و
جعلهما مساويين لكل الربا مع أنهما قــد ل يحصــلن علــى
درهم واحد و ذلك و الله أعلــم بســبب الرضــا بهــذا العقــد
الخبيث و العانة على وقوعه و إتمامه .
227
) ثانيا ً ( :أن أخــذ الفــوائد الربويــة مــن أصــحابها أخــذ لهــا
بالباطل ،و لو كان ذلك بموافقتهم ،و القــدام علــى أخــذ
المال بالباطل أمر محرم و لو نوى التخلص منــه و قــد ذم
الله تعالى اليهود على أخذهم الربا و أكلهم أمــوال النــاس
بالباطل قال تعالى ) فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهــم
طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخــذهم
الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال النــاس بالباطــل وأعتــدنا
للكافرين منهم عذابا أليما ( و أخذهم الربا أعم من أكله .
) ثالثا ً ( :ل ينبغي للمسلم أن يقدم على العقود المحرمــة
ثــم يقــول ســأتخلص منهــا ولــو قيــل بهــذا لنفتــح علــى
المسلمين بــاب مــن الشــر عظيــم و قاعــدة ســد الــذرائع
الثابتة في الشريعة توجب سد مثل هذا الباب .
) رابعا ً ( :قال الله تعالى فــي آيــات الصــيام بعــد أن ذكــر
بعض المنهيات ) تلك حــدود اللــه فل تقربوهــا كــذلك يــبين
اللــه آيــاته للنــاس لعلهــم يتقــون ( فــأمر تعــالى عبــاده
المســلمين باجتنــاب الحــرام و عــدم القــتراب منــه لن
النسان ل يدري إذا وقع فــي الحــرام أيتلخــص و يتــوب أم
ل ،و ربما ينفتح لــه بــاب التأويــل الــذي قــال عنــه المــام
أحمد :أكثر خطأ الناس من جهة التأويل و القياس .
و ربما مات ،و ورثها من ل يقيم وزنــا ً للحلل و الحــرام و
قد قال صلى الله عليه و سلم ) ليأتين على النــاس زمــان
ل يبالي المرء بما أخذ المــال ؛ أمــن حلل أم مــن حــرام (
رواه البخاري في الصحيح مــن حــديث أبــي هريــرة رضــي
الله عنه .
) خامسا ً ( :أن الــذي يوصــف لــه طريــق الخلص بــإخراج
نسبة معينه هو التــائب النــادم أو مــن دخــل عليــه الحــرام
دون علمـه و مـن المعلـوم أن مـن شـروط التوبـة القلع
فورا ً عن الذنب و العزم على أن ل يعود و هذان مفقودان
فيمن يدخل هذه الشركة و أمثالها عالمـا ً عامــدا ً مختــارا ً و
لو مع نية التخلص من الحرام .
التنبيه الخامس :قد يسأل بعض مــن اشــترى مــن أســهم
هذه الشركة و أمثالها ) ماذا يصنع ؟ (
228
و الذي يظهر و الله تعالى أعلــم أن عليــه أن يبيعهــا علــى
أصحابها من المؤسسين و أعضاء الدارة برأس ماله الذي
اشترى به فقط ،لقــوله تعــالى ) و إن تبتــم فلكــم رؤوس
أموالكم ل تظلمون و ل تظلمون ( فإن تعذر الــبيع فيجــب
عليه التحري الشديد في إخراج قــدر مــا يــدخل عليــه مــن
الحرام بنيه التخلص ل بنية التقــرب إلــى اللــه تعــالى فــإن
الله تعالى طيب ل يقبل إل طيبـا ً كمــا أخــبر بــذلك رســول
الله صلى الله عليه و ســلم فــي حــدي أبــي هريــرة الــذي
رواه مسلم في صحيحه .
و للجنــة الدائمــة فتــوى فــي كيفيــة التخلــص مــن الســهم
المحرمة في الجزء ) ( 13صـ 508من فتاوى اللجنة .
و الله تعالى أعلم و هو سبحانه ولي التوفيق .
و صلى الله و سلم على عبده و رسوله محمد صــلى اللــه
عليه و سلم .
كتبه /بشر بن فهد البشر .
==============
#ماذا لو قيل لك :هذا الّناكح أمه ؟!
يستعظم كثير من الناس أمورا ً عظيمة ،ويستشنع آخرون
أشياء شنيعة .
ح أمهفلو قيل لبعض الناس :فلن نك َ َ
لستشنعوا ذلك واستعظموه ،وهو كذلك .
لكن لو قيل لهم :إن فلنا ً يتعامل بالربا
لمــا تعــاظموا ذلــك ،ولربمــا أصــبح المرابــي جليســهم
وأنيسهم .
ول مانع عندهم من تزويجه
والتعامل بالربا أعظم من أن ينكح الرجل أمه .
مه
والمرابي أشد مما لو وقع الشخص على أ ّ
قال عليه الصلة والسلم :أهون الربا كالــذي ينكــح أمــه ،
وإن أربى الربا استطالة المرء فــي عــرض أخيــه .صــحيح
الجامع الصغير لللباني
وقال عليه الصلة والسلم :الربا اثنان وسبعون بابا أدناها
مثل إتيان الرجل أمه .صحيح الجامع الصغير لللباني .
229
وقال عليه الصلة والسلم :درهم ربــا يــأكله الرجــل وهــو
يعلم أشد عند اللــه مــن ســتة وثلثيــن زنيــة .رواه المــام
أحمد وغيره ،وصححه اللباني .
فإذا كان هذا أهون الربا
وإذا كان هذا في درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم
فما بالكم بأعظم الربا ؟
وما ظنكم بمــن يأكــل اللف بــل يتج ـّرع ملييــن الــدراهم
والدنانير من ربا صريح ؟
ل شك أن هذا أعظم وأشنع
غير أن كثرة المساس ُتذهب الحساس
فلما تعامل به الناس ،واستمرءوه خف ذلك في موازينهم
.
كمــا أن هــذا أهــون الربــا ...والربــا وأربــى وأعظــم الربــا
ف وهــو أعظــم استطالة المرء في عرض أخيه ...إما بقــذ ٍ
الستطالة ،وإما باالغيبة والنميمة ،ولذا قال عليه الصــلة
والسلم :إن دماءكم وأموالكم وأعراضــكم حــرام عليكــم
كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا .متفق
عليه .
حرمــة هــذه الشــياء ،وأنهــا كحرمــة يــوم ع َ
ظم ُ فهذا ُيبّين ِ
النحر في بلد الله الحرام مكة المكرمة في شهرٍ محــرم ،
وهو شهر ذي الحجة .
ولو قيل لبعض الناس :فلن فعل بــأمه الفاحشــة أو وقــع
على محارمه
لستعظموا ذلك ،وهو ورب الكعبة عظيم شنيع .
لكن لو قيل لهم :
فلن يذهب للسحرة ...
أو فلن يتعّلم السحر ...
أو فلنة ذهبت للساحرة لُتحّبب زوجها إليها ...
أو فلن يطوف بالقبور ويدعو الموات ...
أو فلن يقع في الشرك ،ولديه شركيات ...
لما كان ذلك مستعظما !!
ول شك أن المعصية والكبيرة مهما عظمــت فإنهــا ل تبلــغ
حد ّ الشرك ما لم يستحّلها فاعلها .
230
وصاحب الكبيرة تحت مشــيئة اللــه إن شــاء غفــر لــه وإن
شاء عذبه .
غير أن تعّلم السحر أو الذهاب إلــى الســحرة والرضــا بمــا
هم عليه كفٌر بواح بما أنزل على محمــد صــلى اللــه عليــه
وسلم .
قال عليه الصلة والسلم :
من أتى كاهنا أو عرافا فصــدقه بمــا يقــول فقــد كفــر بمــا
أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم .رواه المام أحمد
وغيره ،وهو حديث صحيح .
ومــن طــاف بــالقبور أو دعــا المــوات فقــد أحيــا شــريعة
فرعون هذه المة أبي جهل
وأقام دين عمرو بن لحي الخزاعي ،الذي رآه النبي صلى
الله عليه وسلم يجر أمعائه في النار .
ومن مات على الشرك فهو خالد مخلد ٌ في النار .
ْ
مـأَواهُ ة وَ َ
جن ّـ َه عََليـهِ ال ْ َم الل ّـ ُحـّر َك ِبالل ّهِ فََقد ْ َشرِ ْمن ي ُ ْ ه َ) إ ِن ّ ُ
الّناُر (
مــن ك لِ َن ذ َل ِـ َدو َ مــا ُك ب ِـهِ وَي َغِْفـُر َشـَر َ ه ل َ ي َغِْفُر َأن ي ُ ْن الل ّ َ )إ ِ ّ
شاء ( يَ َ
فهذا أعظم وأبشع وأشنع .
فالشرك أقبح القبائح وأعظم الذنوب .
مه ؟ ُ
فماذا لو قيل لك :هذا الناكح أ ّ
هل كنت ُتطيق النظر إليه ؟؟؟
أدع لك الجواب !
وثم ميزان مقلوب أو موازين مقلوبة ومختلة ...غيــر أنــي
أخشى الطالة ،ولعلي أكتب عنها لحقا .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
==============
#حكم التعامل مع المصارف الربوّية
السؤال :
ما حكم التعامــل مــع المصــارف الربوي ّــة بقصــد التــوفير و
الستثمار ،و حفظ المال من الضياع ؟
الجواب :
231
التعامل مع المصارف الربوّية ل يجوز ،سواًء أخذ العميــل
كها للبنك و لم الفائدة لنفسه ،أو أنفقها على غيره ،أو تر َ
ن التحريم يشمل أكل الربا ،و إعطــاءه يأخذ منها شيئا ً ،ل ّ
،و التعامل به .
و الحكم بالتحريم ثابت للربا بجميع صوره ،و أبوابه و هي
كأبواب الشرك ،بضعٌ و سبعون بابا ً ،كما صح بذلك الخبر
ح في ) الترغيب ،الذي رواه الحافظ المنذري بإسنادٍ صحي ٍ
و الترهيب ( .
وليحذر المتعاملون مع المصارف الربوّية من الوقوع تحت
طائلة حرب ل هوادة فيها ،أعلنها الله تعالى عليهم ما لــم
من ُــوا ْ َ
نآ َ ذي َ يبادروا بالتوبة ،فقد قال سبحانه ) :ي َــا أي ّهَــا ال ّـ ِ
ن )(278 مِني َ مــؤْ ِ كنُتم ّ ن الّرَبا ِإن ُ م َ ي ِ ما ب َِق َ ه وَذ َُروا ْ َ ات ُّقوا ْ الل ّ َ
فَإن ل ّم تْفعُلوا ْ فَأ ْ
م ســول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُـ ْ ن الل ّـهِ وََر ُ َ ـ م
ّ ب
ٍ رْ ـ ح
َ ِ ب ْ ا نو
ُ َ ذ ْ َ َ ِ
َ ْ ْ َ
ن ) (279وَِإن مــو َ ن وَل ت ُظل ُ َ مو َ م ل ت َظل ِ ُ َ ُ
وال ِك ْ م َ سأ ْ ؤو ُ م ُر ُ فَل َك ْ
ُ
خْيــٌر ل ّ ُ صد ُّقوا ْ َ َ
م كــ ْ سَرةٍ وَأن ت َ َ مي ْ َ سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ ذو عُ ْ ن ُ كا َ َ
ن ( ] البقرة [ . مو َ م ت َعْل َ ُ كنت ُ ْ ِإن ُ
روى ابن كثير في تفسير هــاتين اليــتين قــول اب ْــن عَب ّــاس
َ ْ
ســوله ،و ن الل ّــه وَ َر ُ مـ ْ ب ِ حْر ٍ ست َي ِْقُنوا ب ِ َ ب أي ْ :ا ِ ْ حْر ٍ فَأذ َُنوا ب ِ َ
حّقــا ن َ ه ك َــا َ زع عَن ْـ ُ ما عََلى الّرب َــا ل ي َن ْـ ِ مِقي ً ن ُ
عََلى إمام ال ْمسل ِمي َ
كا َ ن َ م ْ َقوَله :فَ َ
ب عُُنقه ضَر َ ن ن ََزعَ وَِإل َ ه فَإ ِ ْ ست َِتيب ُ ن يَ ْ نأ ْ ُ ْ ِ َ ِ َ
مــا َ ْ َ
ن أن ّهُ َ ري َ ِ سـي ســن َواب ْــن ِ ح َ ن ال َ عـ ْ حـاِتم َ ،وَ روى ابن أب ِــي َ
م قَد ْ أ َذِن ُــوا صَيارَِفة لك ََلة الّرَبا وَ إ ِن ّهُ ْ ؤلِء ال ّ ن هَ ُ َقال :وَ َالّله إ ِ ّ
عــاِدل مام َ ن عََلى الّناس إ ِ َ كا َ سوله وَ ل َوْ َ ن الّله وَ َر ُ م ْ ب ِ حْر ٍ بِ َ
ل ســلح .وَ َقــا َ م ال ّ ضــعَ ِفيِهــ ْ ن َتــاُبوا وَ ِإل وَ َ م َفــإ ِ ْ ســت ََتاب َهُ ْ ل ْ
ن الل ّــه قَـد ْ ن الّرَبا فَإ ِ ّ م ْ طة هَذِهِ ال ْب ُُيوع ِ خال َ َ م َ م وَ ُ دة :إ ِّياك ُ ْ قََتا َ
ة. صي َت ِهِ َفاقَ ٌ مع ْ ِ م إ َِلى َ جئ ْن َك ُ ْ ه َفل ت ُل ْ ِ طاب َ ُ حلل وَ أ َ َ سع َ ا ل ْ َ أو ْ َ
َ
ل التعاملت المصــرفّية المعاصــرة ما ل ريب فيه أن ج ّ وم ّ
ت شائبةٍ ربوي ّةٍ ،ما لم تكن من الربا المحض ،باســتثناء ذا ُ
تعاملت المصارف السلمّية في الغالب .
و من المعاملت المحّرمة في هذا الباب إيداع الموال في
المصارف و القتراض منهــا مــن غيــر ضــرورة ،أو تجــاوز
الضرورات إلى الكمالّيات ،كالتوسع في شــراء المســاكن
و المراكب و الثاث ،و تسديد قيمته بزيادةٍ ربوّية عليهــا ،
232
فليحذر الذين توّرطوا في شيء من ذلك ،و ليتقــوا اللــه ،
فل ي َط َْعموا حراما ً ،أو ُيطعموه من يعولون مــن الهليــن و
البنين .
ن تنــازله عــن الزيــادة الربوّيــة لصــالح و ل يظــن أحــد ٌ أ ّ
جهــا فــي وجــه مــن وجــوه الــبر و الصــلة المصرف أو إخرا َ
بــدون توب ـةٍ ،يخرجــه مــن المحظــور ،و يبيــح لــه متابعــة
ن التعامل بالربا أو المساعدة تعامله مع ذلك المصرف ،ل ّ
عليــه أو المســاهمة فيــه ســواٌء فــي الحرمــة ،فقــد روى
جاِبر بن عبد الله رضي الله ن َ مسلم و الترمذي و أحمد عَ ْ
ل الل ّهِ صلى اللــه عليــه وســلم آك ِـ َ
ل سو ُ ن َر ُ عنه َ ،قال :ل َعَ َ
واٌء ( .
س َ
م َل ) :هُ ْشاهِد َي ْهِ وََقا َه وَ َ ه وَ َ
كات ِب َ ُ موك ِل َ ُ
الّرَبا وَ ُ
وضه الله خيرا ً منه ،و في الحلل ما و من ترك شيئا ً لله ع ّ
ُيغني عن الحرام ،لمن أحسن التدبير ،و الله الموّفق .
كتبه
د .أحمد عبد الكريم نجيب
===============
#مناقشة علمية هادئة للقول بجواز الكتتاب
في ينساب
د .يوسف بن عبدالله الحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة المام .الرياض
الحمد لله ،والصلة والسلم على نبينــا محمــد وعلــى آلــه
وصحبه أجمعين .أما بعد
فقد أخرجــت قبــل أســبوع رســالة بعنــوان ) ثلث رســائل
عاجلة حول الكتتاب في شركة ينساب ( .
ثــم اطلعــت علــى بعــض المناقشــات العلميــة المكتوبــة
والشــفوية عــبر القنــوات الفضــائية مــن بعــض المشــايخ
الفضلء الذين أفتوا بالجواز ،وقــد لحظــت تضــمنها بعــض
الخطاء في النقل وقراءة نشرة الصدار ،فحاولت بعــدها
التصال ببعضهم مرارا ً فلم يتيسر .
ونظرا ً لستشكال كثير من الناس حولها ،رأيت إخراج هذه
المناقشة العلمية على أل ينفك قارئها عن الرسائل الثلث
الـــتي ســـبق نشـــرها فـــي موقـــع نـــور الســـلم بتاريـــخ
16/11/1426هـ ،وفق النقاط التية :
233
أول ً ُ :نسب القول بجواز الكتتاب في الشركات المختلطة
بالربا إلى فضــيلة الشــيخ محمــد بــن عــثيمين رحمــه اللــه
تعالى .
والقرب أنه رجع عن فتـواه ؛ فقـد أفـتى أول ً بـالجواز مـع
النصح والتأكيد على تركهــا ،فــي فتــوى بخــط يــده بتاريــخ
21/4/1412هـ ،ثم أفتى بتحريمها فــي فتــواه المنشــورة
في مجلة الدعوة بتاريخ 1/5/1412هـ والتي بيــن فضــيلته
حرمــة الكتتــاب فيهــا ،وأن مــن اكتتــب فيهــا جــاهل ً فــإنه
يسعى في فك الشتراك ،فـإذا لـم يتمكـن أخـرج النسـبة
المحرمة ،وهذا نص السؤال والجواب :
الســؤال :مــا الحكــم الشــرعي فــي أســهم الشــركات
المتداولة في السواق ،هل تجوز المتاجرة فيها ؟
الجــواب :ل أســتطيع أن أجيــب علــى هــذا الســؤال ؛ لن
الشركات الموجودة فــي الســواق تختلــف فــي معاملتهــا
بالربا ،وإذا علمت أن هــذه الشــركة تتعامــل بالربــا وتــوزع
أرباح الربا على المشتركين ،فإنه ل يجوز أن تشترك فيها
،وإن كنت قد اشتركت ثم عرفت بعــد ذلــك أنهــا تتعامــل
بالربا ،فإنك تــذهب إلــى الدارة وتطلــب فــك اشــتراكك ،
فإن لم تتمكن ،فإنك تبقى على الشركة ،ثــم إذا ُقــدمت
الرباح وكان الكشف قد بين فيه موارد تلك الربــاح فإنــك
تأخــذ الربــاح الحلل ،وتتصــدق بالربــاح الحــرام تخلص ـا ً
منها ،فإن كنــت ل تعلــم بــذلك فــإن الحتيــاط أن تتصــدق
بنصف الربح تخلصا ً منه ،والبــاقي لــك ؛ لن هــذا مــا فــي
اســتطاعتك ،وقــد قــال اللــه تعــالى ":فــاتقوا اللــه مــا
استطعتم" .انتهت الفتوى .
وللشيخ رحمه الله فتوى أخرى بــالمنع مطلقـًا ،وهــي غيــر
مؤرخة ،وهذا نص السؤال والجواب :
السؤال :لقد انتشرت في زماننا هـذا الشـركات التجاريـة
بأنواعها المختلفة وكثر المساهمون فيها بأموالهم بحثا ً عن
ن بعض المساهمين يحصل على الربح ولكن الذي يحدث أ ّ
ربح ليــس مــن عمــل تلــك الشــركة ولكنــه مــن المتــاجرة
بسندات السهم التي ساهم بها فيبيع الســند الــذي قيمتــه
مثل ً 100ريال يبيعه بـ 200ريال أو أكثر حسب قيمــة تلــك
234
السندات في ذلك الوقت ،فهل هذا التعامل بهذه الطريقة
صحيح أم ل ؟
الجواب :التعامل صــحيح إذا كــانت الشــركة الــتي ســاهم
فيها خالية من الربا ،فإن بيع النسان نصيبه مــن الشــركة
بربح جائز ول حرج فيــه ،لكــن بشــرط أن يكــون معلوم ـا ً
لدى البائع والمشــتري ،فيعــرف أن لــه مثل ً 10أســهم أو
15سهما ً من كذا وكذا حتى ل يبقى المر مشكل ً فإذا كان
معلوما ً فإنه ل بأس به سواء كــان ذلــك فــي الشــركات أو
في مساهمات عقارية كذلك أهـ ) .فتاوى للتجــار ورجــال
العمال ص . (48 - 47
ولو وجد فتاوى غير مؤرخة أو احتمــل المــر عــدم معرفــة
التاريخ ،فإن القرب لفتاوى الشيخ هو التحريم ،لما علــم
عنــه مــن شــدة تحــرزه مــن أخــذ الربــا ،وتحريمــه تــأجير
المحلت على صوالين الحلقة التي تحلق اللحــى ،وعلــى
التموينات التي تبيع الدخان ،إضــافة إلــى تحريمــه للعمــل
في البنوك الربوية حارسا ً أو ســائقا ً ،أو اليــداع فيهــا فــي
الحساب الجاري ؛ لنه من التعاون على الثم والعدوان .
وما نحن فيه أولى بالمنع .
ثم لو فرضنا أن المر ل يزال مشتبها ً ،أو ثبــت أن القــول
الخير للشيخ هو الجواز ،فإن العبرة في معرفة الحق هو
الدليل ،وليس من الصواب دفع الناس بفتوى الشيخ ابــن
عثيمين رحمه الله إلى الكتتاب فــي شــركة ينســاب الــتي
أعلنت الربا الصراح نظاما ً لها في المعاملت المالية.
ثانيا ً :أكد بعض المشايخ أن الشركة إنمــا وضــعت الــودائع
الربوية من أموال المكتتبين المؤسسين فقط دون اكتتاب
المواطنين .
وهذا غير صحيح ،فإن الشركة قد نصت على أنها ستدخل
مجموع أمــوال المكتتــبين المؤسســين ،وكــذلك الكتتــاب
العام في حساب الفوائد ،وقد نصت الشركة على ذلــك ،
وأورد هنا نص ما جاء في نشرة الصــدار ) ص " : ( 60
حقوق المساهمين :
235
رأس المال المدفوع من قبــل المؤسســين – بالريــالت) -
(3.656.250.000ورأس المــال المتوقــع مــن الكتتــاب
العام ). (1.968.750.000
ثم جــاء فــي )ص (61مــا نصـه :الرصــدة لــدى البنــوك :
وديعـــة لجـــل ) .. (5.566.657.000الوديعـــة لجـــل ،
والحساب الجاري محتفظ بهما لدى بنك محلــي ،وتحقــق
الوديعة لجــل عمولــة ســنوية – أي فــوائد ربويــة – بنســبة
%4.85تقريبا ً اهـ.
وبهـذا يتضـح دخـول أمـوال الكتتـاب العـام مـن الجمهـور
فيها .
ثالثا ً :ذكر بعض المشايخ أن الشــركة ســتأخذ تمــويل ً مــن
بعــض البنــوك ؛ إمــا بقــروض تجاريــة ،وإمــا بمرابحــات
إسلمية .
وهـذا غيـر صـحيح ،فمـن تأمـل نـص مـا جـاء فـي نشـرة
الصدار يجد أن البنك الــذي وعــد بالتمويـل ABN AMRO
يقــوم الن بالتفــاوض مــع المصــارف الدوليــة والقليميــة
والمحليـــة لتقـــديم قـــروض تجاريـــة وإســـلمية عاديـــة
للمشروع .
أي أن أنهم وعدوا بالقتراض الربوي وغير الربوي ،وليس
المر على سبيل التردد ،هذا أول ً .
وثاني ـا ً :أن البنــك المتعهــد بالتمويــل ســيقدم مجمــوع مــا
تحصل له من هذه البنوك لشركة ينســاب ،فهــل ســيكون
وسيطا ً بأجرة ،أو مقرضا ً بفائدة فيكون القرض حينئذ كله
بالربا؟! .
وهذا نص ما جاء فــي نشــرة الصــدار ) :ص : (29تمويــل
المشروع :حصــلت ســابك لصــالح ينســاب ،علــى الــتزام
خطــي مبــدئي مــن بنــك إيــه.بــي.إن.أمــرو ABN AMRO
بموجب خطاب التزام مؤرخ في 30نوفمــبر 2005تعهــد
بموجبه بتغطية تسهيلت تمويلية بدون حــق الرجــوع علــى
المساهم الرئيس بقيمة 13.125مليــون ريــال ســعودي -
أي 13مليارا ومائة وخمسا وعشرين مليون ريال سعودي
– "اهـ .
236
وجــاء أيضـا ً فــي نفــس الصــفحة تحــت عنــوان :القــروض
ورأس المال العامل البتدائي " :يقوم بنك إيه.بي.إن.أمرو
حاليا ً بالتفاوض مع المصارف الدولية والقليميــة والمحليــة
وبعــض الجهــات الشــبه حكوميــة لتقــديم قــروض تجاريــة
وإســلمية عاديــة للمشــروع ..إضــافة لتســهيلت القــروض
المــذكورة أعله ،ســيطلب قــرض لتمويــل رأس المــال
العامل البتدائي بقيمة 833مليــون ريــال ســعودي ،ويتــم
ترتيبه كجزء من القروض"اهـ .
ون من خطورة الربا على كــثير مــن النــاس ،بــل رابعا ً :ه ّ
حتى على كثير من طلبة العلم ما ذكر من أن نسبة الجزء
المحرم في الشركة ل يتجاوز الواحد في اللف ،وأن هذه
نسبة قليلة جدا ً .
وهذا الطلق غير صحيح أيض ـا ً .ويــزول اللبــس بالتوضــيح
التي :أودعت ينساب ما تحصل لها من أمــوال المكتتــبين
المؤسسين في وقت قصير فحصلت عوائد ربوية مقدارها
ل( فالحقيقـــة إذا ً أن الشـــركة قـــامت)4.375.000ريـــا ً
بتوظيف أمــوال المكتتــبين المؤسســين فــي الحــرام وهــو
الربا ،ووعدت بإجراء ذلك في أموال الكتتاب العــام كمــا
سبق بيانه .
ومما يؤكد تهاون الناس بجريمـة الربـا أن النـاس لـو قيـل
لهم بأن الشركة ســتقوم بتشــغيل أمــوال المكتتــبين مــدة
شهر واحد فقط في المتاجرة في المخدرات أو الخمور أو
دور البغاء ،وأن العائد منها سيكون واحــدا ً فــي المليــون :
لنفر المؤمنون الناس من ذلك بالفطرة ،ولــم تكــن كلمــة
)واحد في المليون( سببا ً في تساهلهم بالكتتــاب ،فكيــف
بأخذ الربا الذي هو أعظم منها ؟!.
خامس ـا ً :العــبرة فــي معرفــة نظــام الشــركة هــو نشــرة
الصدار الرسمية .وينبني عليه أمران :
الول :أنــه ل عــبرة بــالكلم الشــفوي ،لن الشــركات
الكبرى ل تعمل إل وفق نظام رسمي ،ومجالس إداريــة ،
ورقابة صارمة بمطابقة مافي نشرة الصدار .
الثاني :أن ما وعدت به الشــركة مــن القــروض الربويــة ،
قد وقع عليه المكتتــب .فل يقــال فيــه نشــارك ؛ لنــه قــد
237
يتغير ،أو أن المر محتمل ،ونحو ذلــك ممــا تنفيــه نشــرة
الصدار الرسمية للشركة .
وأدعو الجميع إلى تأمل نص مــا جــاء فــي نشــرة الصــدار
)صفحة أ ( تحت عنوان ) إشــعار هــام ( :وتتحمــل ســابك
كامل المسؤولية عـن دقـة المعلومـات الـواردة فـي هـذه
النشــرة ،وتؤكــد حســب علمهــا واعتقادهــا بعــد إجــراء
الدراسات الممكنة وإلى الحد المعقول :أنــه ل توجــد أيــة
وقائع أخرى يمكن أن يؤدي عدم تضمينها في هذه النشرة
إلــى جعــل أيــة إفــادة واردة هنــا مضــللة ..ويتحمــل كــل
مستلم لنشرة الصدار قبل اتخاذ قرار الستثمار مسؤولية
الحصـــول علـــى استشـــارة مهنيـــة مســـتقلة بخصـــوص
الكتتاب ..اهـ .
وأخيرا ً :
إن ســبب حرصــي وكتــابتي فــي هــذا الموضــوع أن المــر
أوسع من أن يكون بحثا ً فقهيا اجتهاديا ً ؛ لن الفتيا بــالجواز
ســبب أســاس فــي بقــاء الربــا فــي الشــركات القائمــة
والقادمة ؛ لن إقبال الناس على الكتتاب وارتفاع الســهم
مبني في أكثره على الفتيا بالجواز ،ولو لم يفــت بــالجواز
لما أقبل النــاس ،ولخضــعت الشــركة وأمثالهــا حينئذ إلــى
مطالب العلماء -بإذن الله تعالى -وقبلوا باشتراط وجــود
اللجنة الشرعية التي ترشحها جهة علمية مستقلة .
وعليه فإن هذه المناقشة إنما هي حسبة على منكــر الربــا
في الشركات ،والهجر من أقــوى وســائل إنكــاره ،وأرهــا
متعينة في هذه المرحلــة .راجيـا ً أن يطلــع مــن قــرأ هــذه
المناقشة على الرسائل الثلث السابقة .
وبهذا تنتهي المناقشة والحمد لله رب العالمين .
================
#رسالة إلى التاجر المسلم
فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه ،ونعوذ به مــن
شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده الله فل مضل له،
ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أن ل إله إل اللــه وحــده ل
شريك له ،وأشــهد أن محمــدا ً عبــده ورســوله ،صـلى اللـه
238
عليه وعلى آله وسلم تسليما ً كثيرا ً إلى يوم الدين ،ثم أمــا
بعد:
فمن نعم الله على عباده أن أحل لهـم الـبيع وأبــاحه لهــم،
َ
م الّرب َــا{ ه ال ْب َي ْـعَ وَ َ
ح ـّر َ ل الل ّـ ُ
حـ ّ
وحــرم عليهــم الربــا } .وَأ َ
]البقرة . [275وفي البيع تحصيل لمنافع عظيمة يحتاجهــا
الناس في حياتهم ،لن النــاس ل بــد وأن تتعلــق نفوســهم
بما في يد الغير ،فكان البيع هو الوسيلة الــتي أباحهــا اللــه
لعباده لكي يصلوا إلى ما يريدون ،وهو بذل الثمــن لتملــك
المثمن .
وحديثنا هنا نخــص بــه التــاجر المســلم :الــذي اختــار الــبيع
والشــراء وســيلة لكســب المــال ،وأنعــم بهــا مــن وســيلة،
فالنبي صلى الله عليـه وسـلم اشـتغل بالتجـارة مـدة مـن
الزمن ،وكثيٌر من الصحابة كانوا تجارا ً كــأبي بكـرٍ الصــديق
وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عــوف وغيرهــم .ولــم
تكـن تلـك التجـارة مانعـة لهـم مـن إقامـة شـعائر اللـه أو
التفريط فيها ،بل بذلوها رخيصة لــدين اللــه وفــي ســبيله،
ط في قلوبهم بل كــانت فــي أيــديهم ،ول فلم تكن الدنيا ق ٌ
أدل على ذلك إل فعل أبي بكر -رضي الله عنه -عندما جاء
بكل ماله لرسول الله صلى الله عليـه وسـلم متصـدقا ً بـه
يرجو الثواب من الله عز وجل ،فقال له رسول الله صــلى
الله عليه وسلم :ماذا تركت لهلك؟ قال :تركت لهم اللــه
ورسوله]رواه أبو داود . [1678 :وكذا عثمــان-رضــي اللــه
عنه -له في هذا قصص مشهورة ومن أعظمهــا بــذل كــثير
من ماله لتجهيز جيش العسرة ،حتى قال لــه رســول اللــه
صلى الله عليه وسلم ) :ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم
.مرتيـن ( ]رواه الترمـذي وقـال :حسـن غريـب مـن هـذا
الوجه[ .
ُ
أخي التاجر المسلم :لما أخاطبك بالتــاجر المســلم ،أعنــي
أنك لست كالتاجر الكافر همه كيف الحصول علــى المــال
بأي وسيلة كانت ،وكيف يخراج المال من جيوب الناس …
ولما ُأخاطبك بالتاجر المسلم فإنني أخاطب فيك إســلمك
وإيمانك ،لن الشواهد والتجــارب أكــدت علــى أن مــن لــم
يكن عنــده ديــن ،ل يتــوانى عــن ركــوب كــل طريــق حــتى
239
يحصــل علــى المــال ،مهمــا كــانت الوســيلة وهــل هــي
مشــروعة أو غيــر مشــروعة ،وهــل هــي مفســدة للقيــم
والخلق أو غير مفسدة ،المهم عنده الحصول على المال
بأي ثمن .
ولذا فإنه نوجه لخواننا التجار نصــيحة نرجــو أن تنيــر لهــم
الطريــق ،وتقــوم المعــوج ،وترشــد الضــال إلــى ســواء
السبيل .فأقول مستعينا ً بالله :
-أيها التاجر المســلم عليــك بالنصــيحة للمســلمين :وعــدم
غشـهم ،ومـن صـور النصـيحة الـتي تبـذلها للنـاس :الربـح
المعقول الذي ل يشق على المشتري ،وإخباره عن جــودة
السلعة وعدم المبالغة فيها ،وعــدم كتمــان عيوبهــا .فــإن
ش ل يرضــي اللــه عــز وجــل، كتمان العيب في السلعة غ ـ ٌ
وهو ممحق لبركة البيع ،نازع لهــا :قــال صــلى اللــه عليــه
وسلم ) :البيعان بالخيار مــا لــم يتفرقــا فــإن صــدقا وبينــا
بــورك لهمــا فــي بيعهمــا وإن كــذبا وكتمــا محقــت بركــة
بيعهما ( ]رواه البخاري ،2110:ومسلم. [1532:
-وقم بالــدعوة إلــى اللــه والمــر بــالمعروف والنهــي عــن
المنكــر :فإنهــا مــن أعظــم القــرب ،وليكــن أمــرك ونهيــك
ودعوتك بالحســنى وبــالقول الحســن ،وعليــك بليــن الكلم
فإنه طريق لفتح قلوب البواب المغلقـة .وطـرق الــدعوة
كثيرة ،كالتـذكير بـالله لمـن يأتيـك فـي متجـرك ،أو توزيـع
الكتب والشرطة … إلخ .
-وعليك بصدق الحديث ،وحسن المعاملة :فإن مــن اتقــى
الله ،وصدق الناس ،وأحسن إليهم نـال رضـا اللـه ،وجعلـه
الله محبوبا ً إلى الخلق ،ورزقه من حيث ل يحتسب .
ل الناس إن هم اشتروا من عندك سلعة ثــم نــدموا : -وأق ِ
فإن كثير من الناس قد يشترون شــيئا ً ثــم ينــدمون عليــه،
ويتحسرون ،ويتمنون أنهم لم يشتروه ،فإن جاءوك ليردوا
ما أخذوه وكان سليمًا ،فاعــذرهم واردد لهــم أمــوالهم ،ول
تجبرهم على الشراء مما عندك فقد ل يريدونه ،ول يغلبنك
حب الدنيا على نفع الناس؛ والحق أنك تنفع نفسك .قــال
صلى اللــه عليــه وســلم ) :مــن أقــال مســلما أقــاله اللــه
عثرته ( ]رواه أبو داود. [3460:
240
-وكن سمحا ً في البيع والشراء ،وانظــر المعســر ،وتجــاوز
عنه لعل الله أن يتجاوز عنك في وقت أنت أحوج ما تكون
إلى تجاوز الله عنك .قال صــلى اللــه عليــه وســلم) :رحــم
الله رجل سمحا إذا بــاع وإذا اشــترى وإذا اقتضــى ( ]رواه
البخاري . [2076:وقــال صــلى اللــه عليــه وســلم ) :كــان
تاجر يداين الناس فإذا رأى معســرا قــال لفتيــانه تجــاوزوا
عنــه لعــل اللــه أن يتجــاوز عنــا فتجــاوز اللــه عنــه ( ]رواه
البخاري ،2078:ومسلم . [1562:وقال صــلى اللــه عليــه
وسلم ) :من أنظــر معســرا أو وضــع عنــه أظلــه اللــه فــي
ظله… الحديث ( ] مسلم. [3014:
-أد زكــاة مالــك .فهــو حــق للــه ل لــك ،فإنــك إن فعلــت
أطعت ربك ،بارك لك في مالك ،وإن عصيته وحبست حق
الله عليكُ ،نزعت البركة منه ،ويكون وبال ً عليك في الدنيا
والخرة ،ونالك ما نال الـذي يكنــز الـذهب والفضـة :قـال
فُقون َهَــا فِــي ة وََل ي ُن ْ ِ ض َب َوال ِْف ّ ن الذ ّهَ َ ن ي َك ْن ُِزو َ
ذي َ تعالىَ } :وال ّ ِ
مى عَل َي ْهَــا فِــي ذاب أ َ ل الل ّهِ فَب َ ّ
ح َ
م يُ ْ م)(34ي َوْ َ ٍ لي
ِ م ب ِعَ َ ٍ شْرهُ ْ سِبي ِ َ
مــا م هَ ـ َ
ذا َ م وَظ ُهُــوُرهُ ْ جن ُــوب ُهُ ْ م وَ ُ جَباهُهُ ْ
وى ب َِها ِ م فَت ُك ْ َ جهَن ّ َ َنارِ َ
ن)]{ (35التوبــة[ . م ت َك ِْنــُزو َ ما ك ُن ْت ُ ْ ذوُقوا َ م فَ ُسك ُ ْ م ِل َن ُْف ِ ك َن َْزت ُ ْ
ثم إنك بمنعك زكاة مالك-حق الله عليك -تكون قد أســأت
إلى خلق الله ،لنك كنت سببا ً في منع الغيث من السماء،
قال صلى الله عليه وسلم …) :ولم يمنعوا زكــاة أمــوالهم
إل منعوا القطر من السماء ولــول البهــائم لــم يمطــروا …
الحديث( ]رواه ابــن ماجــة ،4019:وقــال اللبــاني حســن:
برقم. [3262:
-انفع نفسك بالنفاق في سبيل الله ،فإنك إن بذلت مالك
لوجه الله ،وأنفقته في سبيله ،تنفــع نفســك ويقربــك عنــد
مولك ،وليس لك من مالك إل ما أنفقته في سبيله .فعن
عبد الله بن الشخير-رضي الله عنــه -قــال ) :أتيــت النــبي
صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر ،قال :يقول
ابن آدم :مالي ،مالي .قال :وهل لك يا ابن آدم من مالك،
إل مــا أكلــت فــأفنيت ،أو لبســت فــأبليت ،أو تصــدقت
فأمضــيت ( ]رواه مســلم . [2958:أمضــيت أي :أبقيــت .
وقال صلى الله عليه وســلم ) :إذا مــات النســان انقطــع
241
عنه عمله إل من ثلثة :إل من صدقة جارية ،أو علم ينتفــع
به ،أو ولد صالح يدعو له ( ]رواه مسلم. [1631:
-وأحذر :من إضاعة الصــلة لجــل كســب بضــعة ريــالت،
فإن الدنيا ل تسوى عند الله جناح بعوضة ،فإذا ُأذن للصلة
فأترك الدنيا-الزائلة -وراء ظهرك ،وأطلب الخرة –الدائمة
– التي ل تزول .ومن تشاغل عن الصــلة بــالبيع والشــراء
َ
ن ذي َ فقد أثم ووقــع فــي المحــرم .قــال تعــالىَ }:ياأي ّهَــا ال ّـ ِ
ر
كــ ِ وا إ َِلــى ذِ ْ سع َ ْ معَةِ َفا ْ ج ُ ن ي َوْم ِ ال ْ ُ م ْ صَلةِ ِ ذا ُنودِيَ ِلل ّ مُنوا إ ِ َ َءا َ
ن{ مــو َ م ت َعْل َ ُ ن ك ُن ُْتــ ْ م إِ ْ كــ ْ خْيــٌر ل َ ُ م َ كــ ْ الّلــهِ وَذ َُروا ال ْب َْيــعَ ذ َل ِ ُ
] الجمعة . [9 :وهذا الحكم ليس في الجمعة فحسب ،بــل
أي تجارة ألهت عن صلة فهو محرم .
-وأحذر :مــن الغــش فــإنه مقيــت ،والغــاش متوعـد ٌ علــى
لسان رسولنا-صلى الله عليه وسلم ) : -من غــش فليــس
مني ( ] رواه مسلم . [102 :ول شك أن الغش من كبــائر
الذنوب .وصور الغش كثيرة ،والتجار أعلم بها من غيرهــم،
طلع على السرائر ،فليحــذر التــاجر مــن يــوم تبلــى والله م ّ
فيه السرائر ،فما كان مخفيا ً في الــدنيا يظهــره اللــه يــوم
الخرة .
-وأحـــذر الربـــا فـــإنه بئس المكســـب وبئس المنقلـــب:
ل ك َّفاٍر ب كُ ّ ح ّ ه َل ي ُ ِ ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ ّ ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال حقُ الل ّ ُ م َ} يَ ْ
ْ َ
ن الّرَبــا ن ي َأك ُُلو َ ذي َ أِثيم ٍ { ]البقرة . [276:وقال تعالى } :ال ّ ِ
سم ّ ن ال ْ َ م َ ن ِ طا ُ شي ْ َ ه ال ّ خب ّط ُ ُ ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ما ي َُقو ُ ن إ ِّل ك َ َمو َ َل ي َُقو ُ
َ ذ َل َ َ
م ح ـّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ ل الّرَبا وَأ َ مث ْ ُ ما ال ْب َي ْعُ ِ م َقاُلوا إ ِن ّ َ ك ب ِأن ّهُ ْ ِ
ف سـل َ َ مــا َ ه َ ن َرب ّـهِ فَــان ْت ََهى فَل َـ ُ مـ ُ ْ ة ِ عظ َـ ٌ مو ْ ِ جاَءهُ َ ن َ م ْ الّرَبا فَ َ
َ عاد َ فَ ـأول َئ ِ َ َ
م ِفيهَــا ب الن ّــارِ هُ ـ ْ حا ُ صـ َ كأ ْ ن َ م ْ مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ وَأ ْ
ن{] البقـرة . [275 :وعـن جـابر-رضـي اللـه عنـه- دو َ خاِلـ ُ َ
قال ) :لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم :آكــل الربــا،
ومؤكله ،وكاتبه ،وشاهديه وقال :هم سواء( ]رواه مســلم:
.[1598وصور الربا كثيرة ،ول تقل من عنــد نفســك هــذه
الوسيلة الفلنيــة جــائزة ول شــيء فيهــا أو نحــو ذلــك ،بــل
س ـأ َُلوا ارجع إلى أهل العلم الراسخين فيه ،واسألهم َ } :فا ْ
ن { ] النبياء . [7 :ول تتشبث مو َ م َل ت َعْل َ ُ ن ك ُن ْت ُ ْ
ل الذ ّك ْرِ إ ِ ْ أ َهْ َ
242
بفتوى أنصاف العلماء وأحذرهم ،وأنجــو بنفســك إن أردت
لها الفلح .
-وأحذر :من بيع العينة فإنها محرمــة علــى لســان رســول
الله صــلى اللــه فعــن ابــن عمــر-رضــي اللــه عنهمــا -قــال
سمعت رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم يقــول) :إذا
تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتــم
الجهاد سلط اللــه عليكــم ذل ً ل ينزعــه حــتى ترجعــوا إلــى
دينكم( ]رواه أبو داود 3462:وصححه اللباني[ .
وصورة العينة :أن يــبيع شــخص ســلعة علــى شــخص آخــر
بثمن مؤجل ،ثم يشتريها منه بثمن حال أقل من المؤجل .
مثال ذلك :أن يبيع شخص على آخر سيارة بعشرين ألفــا ً
إلى أجل ،ثم يشتريها منه بخمسة عشر ألفا ً حالة يســلمها
له ،وتبقى العشرون اللـف فـي ذمتـه إلـى حلـول الجـل؛
فيحرم ذلك؛ لنه حيلة يتوصــل بهــا إلــى الربــا ،فكــأنه بــاع
دراهم مؤجلة بدراهم حالــة مــع التفاضــل ،وجعــل الســلعة
حيلــة فقــط ] .الملخــص الفقهــي) : (2/13للشــيخ صــالح
الفوزان[ .
-وأحذر :من بيع محــرم النفــع ،أو ممــا يســتعان بــه علــى
م ،وهو من التعــاون علــى معصية الله؛ فإن هذا البيع محر ٌ
ن{ الثــم والعــدوان } :وََل ت ََعــاوَُنوا عََلــى اْل ِْثــم ِ َوال ُْعــد َْوا ِ
]المائدة . [2 :وهذا الــبيع؛ كــبيع الخمــر ،وبيــع آلت اللهــو،
والدخان ،ومن كان مثلها في التحريم .
-ول تبع على بيع أخيك ،أو تشتري على شراءه ،فــإن هــذا
يجلــب العــداوة والبغضــاء بيــن المســلمين ،ويفــرق فيمــا
بينهم ،وفوق ذلك أنه محرم ،فعن عبد الله بن عمر-رضــي
الله عنهما -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ) :ل
يبيع بعضكم على بيع أخيه (]رواه البخاري. [2139:
ومثال البيع على البيع :أن يشتري زيد مــن عمــرو ســيارة
بعشرة آلف ،فيذهب رجل إلى زيد ويقول له أنــا أعطيــك
أحسن منها بتسعة ،أو مثلها بثمانية ،ونحو ذلك .
ومثال الشراء على الشراء :أن يبيع زيد على عمرو ســلعة
بتسعة ،فيأتي رجل آخر ويقول لزيد –البــائع :-أنــا أعطيــك
243
فيها عشرة ،أو نحو ذلك .وكل هذا محرم ،والشراء داخل
في البيع .
-وأحذر :من النجش :فهو ظلم وعدوان ،قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ) :إياكم والظن فــإن الظــن أكــذب
الحــديث ،ول تحسســوا ،ول تجسســوا ،ول تناجشــوا ،ول
تحاســدوا ،ول تباغضــوا ،ول تــدابروا ،وكونــوا عبــاد اللــه
إخوانا ( ]البخاري. [6066:
والنجش :هو الزيادة في قيمــة الســلعة مــع عــدم الرغبــة
في الشراء ،حتى ترتفع قيمــة الســلعة .وهــذا فيــه تغريــر
بالمشتري وخــديعته وإضــرار بــه .وهــذا يقــع كــثيرا ً اليــوم
وخصوصا ً في ) حراج السيارات( .
ومــن صــور النجــش المحــرم أن يقــول صــاحب الســلعة:
ُأعطيت بها كذا وكذا ،وهو كاذب ،أو يقول :اشتريتها بكــذا
وهو كاذب .
ومن صور النجش المحــرم أن يقــول صــاحب الســلعة :ل
أبيعها إل بكذا أو كذا؛ لجــل أن يأخــذها المشــتري بقريــب
ممــا قــال ،كــأن يقــول :فــي ســلعة ثمنهــا خمســة :أبيعهــا
بعشرة؛ ليأخذها المشــتري بقريــب مــن العشــرة ] .انظــر
الملخص الفقهي (2/19) :للشيخ :صالح الفــوزان[ قلــت:
وهذا منتشر الن بين البائعين إل من رحم الله .
-ول تحلف بــالله كــذبا ً وزورًا ،مــن أجــل متــاع مــن الــدنيا
م لهــم ،وجنــب قليل،فإنه أكل لموال الناس بالباطل ،وظل ٌ
نفسك سخط ربــك عليــك ،قــال صــلى اللــه عليــه وســلم:
) من حلف على يمين يقتطــع بهــا مــال امــرئ مســلم هــو
عليها فاجر لقي الله وهو عليــه غضــبان…الحــديث ( ]رواه
البخـاري ،2357:ومسـلم ، [138:وقـال صـلى اللـه عليـه
وسلم ) :إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق
( ]رواه مسـلم . [1067 :وقـال صـلى اللـه عليـه وسـلم:
) ثلثــة ل يكلمهــم اللــه يــوم القيامــة ول ينظــر إليهــم ول
يزكيهم ولهم عذاب أليم ،قال :فقرأها رســول اللــه صــلى
الله عليه وسلم ثلث مرارا .قال أبو ذر-رضي الله عنــه:-
خابوا وخسروا من هم يــا رســول اللــه؟ .قــال :المســبل،
244
والمنان ،والمنفق سلعته بالحلف الكــاذب ( ]رواه مســلم:
. [106
-وأحــذر مــن التعــرض لعــراض المســلمين؛ فــإنه بئس
البضاعة عند العرض علــى اللــه .فــإن مــن الباعــة مــن ل
يخاف الله في نساء المسلمين ،فيحــاول التغريــر بهــم ،أو
استدراجهم ،حتى ينال منهن ما يريد ،وليحذر سخط الجبار
فإنه يعلم خائنة العين وما تخفي الصــدور .أل فليتــق اللــه
ذلك البائع ،وليعلم أن أعراض المسلمين حرام عليه ،قــال
صـــلى اللـــه عليـــه وســـلم ) :فـــإن دمـــاءكم وأمـــوالكم
وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هـذا فـي شـهر كـم
هــذا فــي بلــدكم هــذا …الحــديث ( ]رواه البخــاري،67:
ومســـلم . [1679:وأن أذيتهـــم محرمـــة قـــال تعـــالى:
سـُبوا مــا اك ْت َ َت ب ِغَي ْـرِ َ مؤ ْ ِ
من َــا ِ ن َوال ْ ُ مِني َ م ـؤ ْ ِ ن ال ْ ُذو َ ن ي ُـؤْ ُ ذي َ } َوال ّ ِ
مِبيًنا { ]الحزاب.[58: ما ُ مُلوا ب ُهَْتاًنا وَإ ِث ْ ً فََقدِ ا ْ
حت َ َ
-ول تجلب الفساد والشر إلى بلد المسلمين .فــإن إثمهــا
ووزرها عليك؛ وهو مــن غــش المســلمين وعــدم النصــيحة
لهم .كاستيراد الملبس التي تكشف العورات والســوآت،
أو جلــب المشــروبات أو المطعومــات المحرمــة ،أو جلــب
الفلم الخليعة والصور الماجنة… إلخ .
-وأحذر من بيع المباح إذا علمت أنه ُيستعمل في معصــية
الله :كبيع العصير لمن يتخــذه خمــرًا ،أو بيــع الســلح لمــن
يقتل نفسا ً معصومة ،أو بيع )الشرطة( لمن )ينسخ( عليها
ل في قوله تعــالى: الغاني أو الكلم الخليع .وهذا كله داخ ٌ
ن { ]المائدة. [2 : } وََل ت ََعاوَُنوا عََلى اْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ
-وإياك و التطفيف في الميــزان ،فــإن فيــه نزلــت ســورة
ن )(1 مط َّفِفي ـ َ ل ل ِل ْ ُ
قــال اللــه تعــالى فــي أول آياتهــا } :وَي ْـ ٌ
م أ َْو
كاُلوهُ ْ ذا َ ن ) (2وَإ ِ َ ست َوُْفو َ س يَ ْ ِ ذا اك َْتاُلوا عََلى الّنا ن إِ َ ذي َ ال ّ ِ
ظـن ُأول َئ ِ َ َ َ
ن )(4 مب ُْعوث ُــو َ م َ ك أن ُّهـ ْ ن ) (3أَل ي َ ُ ّ سـُرو َ خ ِم يُ ْ وََزُنوهُ ْ
ن ){ (6 مي َ ب ال َْعـال َ ِ س ِلـَر ّ م الن ّــا ُ م ي َُقــو ُ م)َ(5يـوْ َ ظيـ ٍ ل ِي َـوْم ٍ عَ ِ
]المطففيــن . [6-1 :والتطفيــف هنــا :هــو بخــس النــاس
حقوقهم في المكيال والميزان ظلم ـا ً وعــدوانًا ،فتوعــدهم
الله هذا الوعيد الشديد .
245
-وأحذر من التغرير بالناس ،بأي نــوع مــن أنــواع التغريــر،
وكثير من المسابقات التي تعمــل الن مــن قبــل المحلت
التجاريــة ،هــو خــداع للنــاس ،وأكــل لمــوالهم بــالزور ،لن
المشــتري مــا انــدفع لشــراء الســلعة إل طمع ـا ً فــي نيــل
الجوائز المعروضة ،فيجتهد هذا المسكين مخرج ـا ً مــا فــي
جيبه لشراء شيئا ً قد ل يحتاجه ،أمل ً فــي حلــم قــد يتحقــق
وقد ل يتحقق ! .فاتقوا الله يا أيها التجار في خلق الله .
وقد سُئل فضيلة الشــيخ محمــد الصــالح العــثيمين-حفظــه
ل هذا نصه :-هل يجوز أن أعلن للجميــع أن مــن الله -سؤا ٌ
يشــتري مــن عنــدي ســيارة يحصــل علــى رقــم ،ولمــدة
جعل سحب علــى هــذه الرقــام ،فالــذي محدودة ،وبعدها ي ُ
ُ
ُيسحب رقمه يحصل على جائزة قيمة ،وبذلك أرغــب فــي
بضاعتي ويكثر زبائني .أفتونــا عــن هــذه الطريقــة جزاكــم
الله خيرا ً ؟
فأجاب :هذا ل يجوز لنه إما قمار أو شبيه به ،والله تعــالى
َ َ
بصا ُسُر َواْلن ْ َ مُر َوال ْ َ
مي ْ ِ ما ال ْ َ
خ ْ مُنوا إ ِن ّ َن َءا َذي َ يقولَ } :ياأي َّها ال ّ ِ
جت َن ُِبوهُ ل َعَل ّ ُ شــي ْ َ َ
م
كــ ْ ن َفــا ْ طا ِ ل ال ّ مــ ِن عَ َ مــ ْس ِ جــ ٌ م رِ ْ َواْلْزَل ُ
ن { ]المــائدة . [90 :والميســر :هــو القمــار الــذي حــو َ ت ُْفل ِ ُ
يكون الداخل فيه بين غانم وغارم ] .فقه وفتــاوى الــبيوع:
ص . [414
وختامًا :أسأل مولنا الجليل ،أن يغفــر لــي ولكــم ،ولســائر
المسلمين من كل ذنب وخطيئة ،إنه ولي ذلــك وهــو علــى
كل شيء قدير .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ل إله إل أنت ،اســتغفرك
وأتوب إليك ،وصلى اللــه وسـلم وبــارك علــى نبينــا محمــد
وعلى آله وصحبه أجمعين ،وآخر دعوانا أن الحمد للــه رب
العالمين .
==============
#حكم تملك الوراق المالية وأرباحها بالقبض
عبد المجيد بن صالح المنصور
الحمد لله وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده أما
بعد:
246
فإن طلب الربــح الحلل والســعي فيــه بجــد ،والقلع عــن
الربح الحـرام والبتعــاد عنــه أصـبح مطلبـا ً ملحـا ً فــي هــذا
الوقت أكثر من أي وقت مضى؛ وذلك لما نرى مــن كــثرة
النكسات القتصادية على شتى الصــعد ،ولمــا يســببه مــن
ُبعد في إجابة الدعوات ففي صحيح مسلم من حديث أبــي
هريرة قال قال رسول اللـه صـلى اللـه عليـه وسـلم ) إن
الله طيب ل يقبل إل طيبا وإن الله أمر المؤمنين بمــا أمــر
به المرســلين فقــال "يــا أيهــا الرســل كلــوا مــن الطيبــات
واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم" ) (1وقــال "يــا أيهــا
الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم")(2ثم ذكر الرجل
يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى الســماء يــا رب يــا
رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبســه حــرام وغــذي
بالحرام فأنى يســتجاب لــذلك( ،وإن طلــب الحلل واجــب
على كل مسلم ،وإنبات اللحم من سحت) (3محــرم النــار
أولى به) ،(4ويجب لمن وقع بشــيء مــن ذلــك المســارعة
إلى التوبــة والتخلــص مــن المــال المحــرم أيـا ً كــان نــوعه
وشكله؛ وذلك برده إلى مستحقه الصــلي أو البــدلي عنــد
تعذره.
وفي هذا الزمن ابتلي كثير من المسلمين بالتعامــل بالربــا
مع الفراد أو الشركات أو البنوك أو غير ذلك ،وعندها يقــع
الناس في الحرج ،وترد بعض الشكالت والتساؤلت الــتي
تعرض على طلب العلم والمفتين على نحو:
هل المقبوض بعقد ربوي يملك أو ليملك؟ ومــا الحكــم إذا
نتج عن هذا المقبوض بعقد ربوي ربح هل يملكه المشتري
أو ل يملكه ويكون لمالك الصــل)البــائع( بنــاء علــى فســاد
العقد ولــم يثبــت الملــك فــي الصــل بقبضــه؟ ومــا كيفيــة
التخلص من الربح الربوي؟ وهــل يجــوز التصــدق بــه علــى
الفقراء والمساكين ونحوهم؟ وهــل يجــوز رد الربــاح إلــى
البنك؟ وغير ذلك من السئلة التي حاولت جعل جوابها في
نسق واحد في أثناء البحث ،لبناء بعضها على بعض.
رب مث ً
ل، ضـ ِ
ولجــل تبســيط صــورة هــذا الموضــوع أكــثر أ ْ
فأقول :لــو أن مســلما ً عقــد عقــدا ً ربويـا ً وقبــض المعقــود
عليــه ،وليكــن أســهما ً قبضــها بعقــد ربــوي ووضــعت فــي
247
محفظتــه) ،(5ولــم يضــارب بهــا ،ورغــب فــي أرباحهــا ثــم
مــن استحقت الرباح ،فهل يملك تلك السهم بــالقبض؟ ول ِ
تكون هذه الرباح المقبوضة بعقد ربوي ؟
هــل تكــون لمشــتري تلــك الوراق الماليــة بعقــد فاســد أو
للمالك الصل )البائع( وهي )الشركة مصدرة تلك الوراق(
بناء على أن المقبوض بعقد فاسد ل يملك؟
ولجــل معرفــة لمــن الربــاح؟ لبــد مــن معرفــة لمــن
الصل)السهم المقبوض بعقــد ربــوي( أي هــل تملــك تلــك
الوراق المالية بالقبض أو ل ؟
هذه المسألة مــن النــوازل الفقهيــة الــتي لــم يتطــرق لهــا
ل ،ولكن أصولها موجودة فــي الفقهاء السابقون بحثا ً وتدلي ً
كتبهــم ،فــإن هــذه المســألة تعــود إلــى مســألة) ملكيــة
المقبوض بعقد فاسد ( فيكون التخريج عليها.
فيقــال :إن العلمــاء اختلفــوا فــي تملــك الوراق الماليــة
الربوية بالقبض على قولين:
القول الول:
ذهــب جمهــور الفقهــاء مــن المالكيــة) ،(6والشــافعية)،(7
والحنابلة) ،(8وبعض الحنفية) (9إلى أن العقــود الربويــة ل
تملك ولو اتصل بها القبض ،بل هي مفسوخة أبــدًا ،وعلــى
قــولهم هــذا فل تملــك الوراق الماليــة الربويــة بــالقبض،
ويجب فسخ العقد وردها .
جاء في "المدونة" عن ابــن وهــب قــال ):وســمعت مالكـا ً
يقول الحرام البين من الربا وغيره يرد إلى أهله أبدا ً فــات
أو لم يفت).(11)((10
وقال ابن عبد البر ) :قال مالك :ومن الــبيوع مــا يجــوز إذا
تفاوت أمره وتفاحش رده ،فأما الربا فإنه ل يكون فيــه إل
الرد أبدًا ،ول يجوز منه قليل ول كثير ول يجوز فيه ما يجوز
مم فَل َك ُ ْ
في غيره؛ لن الله تعالى يقول في كتابه} :وَِإن ت ُب ْت ُ ْ
َ
ن{).(12 مو َن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ
مو َم ل َ ت َظ ْل ِ ُ
وال ِك ُ ْ
م َ
سأ ْ ُر ُ
ؤو ُ
ثم قال) :هذا قول صحيح في النظر وصحيح من جهة الثر
فمن قاده ولم يضطرب فيه فهو الخّير الفقيه.(13)(...
وقال ) :وقد اتفــق الفقهــاء علــى أن الــبيع إذا وقــع بالربــا
مفسوخ أبدا ().(14
248
وقال السرخسي من الحنفية ):إن الربا ...ل يكون موجبــا ً
للملك بكل حال().(15
القول الثاني:
ذهب جمهور الحنفية) (16إلى أن العقــود الفاســدة ومنهــا
الربا تملك إذا اتصل بها القبض ،ولكنــه ملــك خــبيث يجــب
فسخه ،فإن تصرف به بــبيع أو هبــة أو نحــوه صــح ،وعليــه
فإن الوراق المالية الربوية تملك عند جمهــور الحنفيــة إذا
اتصل بها القبض ،لكنهــا ملــك خــبيث يجــب عليــه رد الربــا
على من أربى عليه.
والراجح في هذه المسألة -والله أعلم -أن الوراق المالية
الربوية ل تملك ولــو اتصــل بهــا القبــض ،ويجــب فســخ مــا
قبض منها ،فيرد الوراق المالية إلى بائعها ،ويســترد ثمنهــا
إن أمكن ،وإل يتخلص منها بالبيع).(17
و الدلــة علــى هــذا كــثيرة ومــن أقواهــا مــا رواه البخــاري
ومسلم فــي صــحيحيهما مــن حــديث أبــي ســعيد الخــدري
رضــي اللـه عنــه قــال)) :جــاء بلل بتمــر برنــي ،فقــال لــه
رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم )) :مــن أيــن هــذا؟((
فقــال بلل :تمــر كـان عنـدنا رديـء ،فبعــت منــه صـاعين
بصاع؛ لمطعم النبي صلى الله عليه وســلم فقــال رســول
الله صلى الله عليه وسلم عند ذلـك )) :أوه عيـن الربـا ،ل
تفعل ،ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخــر ثــم
اشتر به(() ،(18وفي روايــة لمســلم )) :فــردوه ثــم بيعــوا
تمرنا واشتروا لنا من هذا(().(19
ووجه الدللة من الحديث :أن النبي صلى الله عليه وســلم
أمــر بــالرد ولـم يقــره علــى هــذا العقــد الربــوي ،بــل أمــر
بفسخه مع اتصال القبض به.
قال النووي عند هذا الحــديث ) :وقــوله :صــلى اللــه عليــه
وسلم ]هذا الربا فردوه[ هذا دليل على أن المقبوض بــبيع
فاسد يجب رده على بــائعه وإذا رده اســترد الثمــن()،(20
وقال ابن حجر) :وفيه أن البيوع الفاسدة ترد().(21
حكم أرباح الوراق المالية بعد القبض:
لما عرفنا حكم تملك الوراق المالية بــالقبض ،بقــي حكــم
ما ينتــج عــن تلــك الوراق مــن أربــاح ،وإن أقــرب تكييــف
249
فقهي لتلك الرباح هو نماء المقبــوض بعقــد فاســد ،وهــذا
النماء من قبيل النمــاء المنفصــل غيــر متولــد مــن الصــل
كالكســب والغلــة ،والعلمــاء مختلفــون فــي حكــم نمــاء
المقبوض بعقد فاسد من حيث ملكيته تبعا ً لختلفهــم فــي
ملكية أصله على القولين السابقين.
أما من حيث وجوب رد النمــاء إلــى مالــك الصــل )البــائع(
فلم تختلف أقوال المذاهب الربعة في ذلك؛ فإنهم قضــوا
بوجوب رد النماء –ومنه الرباح -مع أصــله إلــى البــائع وأن
ذلك النماء والربح ل يمنع الفسخ – ،وإليك بيان ذلك:
أما الشافعية ،والحنابلة ،والظاهريــة :فهــم علــى قاعــدتهم
السابقة ليثبتون الملــك بــالقبض ،ويوجبــون رد المقبــوض
بعقد فاسد ونماءه سواء أكان ربويا ً أم غير ربوي.
أما المالكية :فـإنهم ل يثبتــون الملـك فـي العقــود الربويــة
مطلقًا ،وهو مفسوخ عندهم أبدا ً سواء فــات أم لــم يفــت،
ول يكون فيه إل الرد أبدًا ،ول يجوز منه قليــل ول كــثير ول
يجوز
فيــه مــا يجــوز فــي غيــره) (22ول ينتقــل الضــمان فيــه
للمشتري.
فظاهٌر أن الغلة والرباح ل تأثير لها على الحكم في العقد
صــير العقــدالربوي-عند المالكية ،-وأن هــذه الزيــادات ل ت ّ
فائتًا ،وبالتالي يجب عنــدهم رده وأربــاحه علــى مــن أربــى
عليه ).(23
جاء في مواهب الجليل ) :وهنا -أي فــي العقــد الربــوي -
لم ينتقل الضمان لبقاء المبيع تحت يد بائعه ،فل يحكم لــه
-أي المشــتري-بالغلــة بــل لــو قبــض المشــتري المــبيع،
وتسلمه بعد أن أخله البائع ثم آجره المشــتري للبــائع لــم
يجز؛ لن ما خرج من اليد وعاد إليها لغو.(24)(...
أما الحنفية) :(25فإنهم وإن أثبتوا الملك بــالقبض إل أنهــم
قالوا :إن الزيادة -المنفصلة -على المقبوض بعقد فاسد ل
تمنع الفسخ ،ويجــب ردهــا مــع أصــلها إلــى البــائع ،ولــزوم
ضمانها عند التلف ،ســواء أكــانت هــذه الزيــادة المنفصــلة
متولدة من الصل كالولد واللبن والثمرة؛ لن هذه الزيادة
تابعة للصل لكونهــا متولــدة منــه ،والصــل مضــمون الــرد
250
فكذلك الزيادة ،كمــا فــي الغصــب ،أم كــانت الزيــادة غيــر
متولــدة مــن الصــل كالهبــة والصــدقة والكســب والغلــة
والرباح؛ لن الصل مضــمون الــرد ،وبــالرد ينفســخ العقــد
من الصل فتبين أن الزيادة حصلت على مالكه).(26
الترجيح:
يلحظ فــي المســألة أنــه وإن اختلــف العلمــاء فــي تملــك
الوراق الماليــة الربويــة بــالقبض إل أن المــذاهب الربعــة
اتحد قولهم في الرباح ،فإنهم اتفقوا على أن هذه الربــاح
الربوية والتي تعتبر نمــاًء منفص ـل ً مــن ملــك البــائع لتمنــع
الفسخ ويجب ردها مع الصل إلى البــائع؛ حــتى علــى رأي
الحنفية الذين يثبتون الملكية فــي المقبــوض بعقــد فاســد؛
لنها حصلت في ملكــه ،وحــتى علــى رأي المالكيــة الــذين
يعتــبرون النمــاء فوتــا ً فــي المــبيع يثبــت بــه الملــك فــي
المقبوض بعقد فاسد إل الربا لن الربا عندهم ليثبــت فيــه
الملك أبدا .
ومــع أن هــذا هــو الصــل والراجــح فــي المســتحق للربــح
الربوي إل أن المستحق شيء وطريقة التخلص منه شيء
آخر؛ وذلك أنــه قــد يســتحقه صــاحبه ابتــداء ولكــن لســبب
شرعي أو عذر أومانع نصرف الربــح الربــوي لجهــة أخــرى
دون مستحقه ابتداء .
لذا يقال إن مستحق الربح الربوي ل يخلو من ثلث حالت
.
الحال الولى :إذا كان مستحق هذه الرباح الربوية شخصا ً
معينا ً معلومًا ،ويمكن ردها -أي الرباح والصل -إليــه ،ولــم
يكن معروفا ً بالتعامل بالربــا والحــرام فــالواجب فــي هــذه
الحالة رد تلــك الربــاح وأصــلها إليــه؛ لنهــا مقبوضــة بعقــد
فاســد ،والربــاح لهــا حكــم أصــلها؛ لنهــا تبــع ،والتبــع يتبــع
الصل) ،(27والتبع يملك بملك الصل) ،(28والتابع ل يفرد
بالحكم).(29
الحال الثانية :إذا كان مستحق الرباح مجهول ً أو تعذر الرد
إليه ولم يكن معروفا ً بالتعامل بالربــا والحــرام فــإنه يجــب
على المشتري التخلص من المقبوض بعقد ربوي وأربــاحه
بالتصدق به -على الفقراء والمساكين -...عن صاحبه بنيــة
251
التخلص منه ل بنية التقرب إلى الله تعــالى بهــذه الصــدقة
كما هو قول جمهور الفقهاء مــن الحنفيــة) (30والمالكيــة)
(31والحنابلة) (32وبعــض الشــافعية) ،(33واختيــار شــيخ
السلم ابن تيمية -رحمه الله -فــي أكــثر مــن موضــع مــن
فتاويه ،والقاعدة عند شــيخ الســلم ابــن تيميــة فــي هــذا)
):(34أن الموال التي تعذر ردها إلــى أهلهــا لعــدم العلــم
ل ،وأن مــن كــان عنــده مــال ل يعــرف صــاحبه بهــم مث ً
كالغاصب التائب والمرابي التائب ونحوهم ممن صار بيــده
مــال ل يملكــه ول يعــرف صــاحبه فــإنه يصــرف إلــى ذوي
الحاجات ومصالح المسلمين() ،(35وقال) :هذا عنــد أكــثر
العلماء().(36
ثم قال ) :إذا تبين هــذان الصــلن فنقــول :مــن كــان مــن
ذوي الحاجــات كــالفقراء والمســاكين والغــارمين وابــن
السبيل ،فهؤلء يجوز ،بل يجــب أن يعطــوا مــن الزكــوات،
ومن الموال المجهولة باتفاق المسلمين ().(37
وقال ) :وما تصدق به فإنه يصرف في مصالح المسلمين،
فيعطــى منــه مــن يســتحق الزكــاة ،ويقــرى منــه الضــيف،
ويعان فيه الحاج ،وينفق في الجهاد وفي أبواب الــبر الــتي
يحبها الله ورسوله كمــا يفعــل بســائر المــوال المجهولــة،
وهكذا يفعل من تاب من الحــرام وبيــده الحــرام ل يعــرف
مالكه ().(38
وقال ) :المال الــذي ل نعــرف مــالكه يســقط عنــا وجــوب
رده ،فيصرف في مصالح المسلمين ،والصدقة من أعظــم
مصالح المسلمين ،وهذا أصــل عــام فــي كــل مــال يجهــل
مالكه بحيث يتعذر رده إليه كالمغصوب والعواري والودائع
يتصدق بها عن صاحبها أو يصرفها في مصــالح المســلمين
علــى مــذهب مالــك وأحمــد وأبــي حنيفــة وغيرهــم ،وإذا
صرفت على هذا الوجه جــاز للفقيــر أخــذها؛ لن المعطــي
هنا إنما يعطيها نيابة عن صاحبها().(39
قال القرطبي) :قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من
الموال الحرام إن كانت رًبا فليردها على من أربى عليــه،
ويطلبه إن لم يكن حاضًرا فإن أيس من وجوده فليتصــدق
بذلك().(40
252
وقــال الغزالــي ) :إذا كــان معــه مــال حــرام وأراد التوبــة
والبراءة منه -فإن كان له مالك معين -وجــب صــرفه إليــه
أو إلى وكيله ،فإن كان ميتـا ً وجـب دفعـه إلـى وارثـه ،وإن
كان لمالك ل يعرفه ويئس من معرفته ،فينبغي أن يصرفه
في مصالح المسلمين العامة كالقناطر والربط والمســاجد
ومصالح طريق مكة ،ونحو ذلــك ممــا يشــترك المســلمون
فيه ،وإل فيتصدق به على فقير أو فقراء.(41)(...
الحـال الثالثـة :إذا كـان مسـتحق الربـاح الربويـة معلومـا ً
وأمكـن الـرد إليـه ،بْيـد َ أنـه يعـرف عنـه التعامـل بـالحرام
كالمقبوض من البنــوك أو الشــركات الــتي تتعامــل بالربــا،
والمقبوض على الزنا -مهور البغاء -والغناء ولعب القمــار
وثمن الخمر ،والمقبوض على النياحة وغير ذلك فالصــحيح
من أقوال أهل العلم في هذه الحال أنه ل يجوز رد المــال
والربح على ذلك الزاني ول تلك الشركة وذلك البنك ،حتى
ل يجمــع لــه بيــن العــوض والمعــوض ،وعليــه إذا قبــض
المشتري تلك الربــاح أن يتصــدق بهــا بنيــة التخلــص منهــا
وهــذا قــول عنــد المالكيــة) ،(42وعنــد الحنابلــة ،وهــو
المنصــوص عــن أحمــد فــي ثمــن الخمــار أنــه ل يــرد إلــى
صاحبه ،ويجب عليه التخلص منه والتصدق به فــي مصــالح
المسلمين) ،(43وانتصر لهذا شيخ السلم ابن تيمية)،(44
وابن القيم).(45
والقاعــدة عنــد هــذين الشــيخين-رحمهمــا اللــه -فــي هــذه
المسألة ) :كل كســب خــبيث لخبــث عوضــه عين ـا ً كــان أو
منفعة يكون التخلص منه بالصدقة به ().(46
وسئل شيخ الســلم ابــن تيميــة -رحمــه اللــه -عــن امــرأة
كانت مغنية ،واكتســبت فــي جهلهــا مــال ً كــثيرا ً وقــد تــابت
وحجت إلى بيت الله تعــالى ،وهــي محافظــة علــى طاعــة
الله ،فهل المال الذي اكتسبته مــن حــل وغيــره إذا أكلــت
وتصدقت منه تؤجر عليه ؟
فأجاب :المــال المكســوب إن كــانت عيــن أو منفعــة)(47
مباحة في نفسها ،وإنما حرمت بالقصد مثل من يبيع عنبــا ً
لمن يتخذه خمرا ً أو من يســتأجر لعصــر الخمــر أو حملهــا،
فهذا يفعله بالعوض لكن ل يطيب له أكلــه ،وأمــا إن كــانت
253
العين أو المنفعة محرمة كمهر البغي وثمن الخمر ،فهنــا ل
ُيقضى له به قبل القبض ،ولو أعطاه إياه لــم يحكــم بــرده
مـع لهــم بيـن ج ِ
فــإن هــذا معونــة لهـم علــى المعاصــي إذا ُ
العــوض والمعــوض ،ول يحــل هــذا المــال للبغــي والخمــار
ونحوهما ،لكن يصرف فــي مصــالح المســلمين) ،(48فــإن
مار ،وكانوا فقراء جاز أن يصرف ي وهذا الخ ّتابت هذه البغ ّ
إليهم من هذا المال مقدار حاجتهم ،فإن كان يقدر يتجر أو
طي ما يكون له رأس مال، ُ
يعمل صنعة كالنسج والغزل أعْ ِ
وإن اقترضــوا منــه شــيئا ليكتســبوا بــه ولــم يــردوا عــوض
القرض كان أحسن ،وأما إذا تصدق به لعتقــاده أنــه يحــل
عليه أن يتصدق به فهذا يثاب على ذلك ،وأما إن تصدق به
كما يتصدق المالــك بملكــه فهــذا ل يقبلــه اللــه؛ إن اللــه ل
يقبل إل الطيب ،فهذا خــبيث ،كمــا قــال النــبي صــلى اللــه
عليــه وســلم)) :مهــر البغــي خــبيث(() ،(50)((49وقــال:
) نعم البغي والمغني والنائحة ونحوهم إذا أعطوا أجورهم،
ثم تابوا ،هل يتصدقون بهــا أو يجــب أن يردوهــا علــى مــن
أعطاهموهــا؟ فيهــا قــولن :أصــحهما أنــا ل نردهــا علــى
الفســاق الــذين بــذلوها فــي المنفعــة المحرمــة ،ول يبــاح
الخذ ،بل يتصدق بها وتصرف في مصالح المسلمين ،كمــا
نص عليه أحمد في أجرة حمل الخمر().(51
سّلم إليهم وقال ابن القيم ) :فإن قيل :فما تقولون فيمن ُ
المنفعة المحرمــة الــتي اســتأجروه عليهــا كالغنــاء والنــوح
والزنى واللواط؟ قيل إن كان لم يقبض منهم العــوض لــم
يقض له به باتفاق المة ،وإن كان قد قبــض لــم يطــب لــه
أكله ،ولم يملكه بذلك،والجمهور يقولون يرده عليهــم؛لنــه
قبضه قبضـا ً فاســدًا ،وهــذا فيــه روايتــان منصوصــتان عــن
المام أحمد؛ إحداهما :أنه يــرده عليهــم ،والثانيــة :ل يــأكله
ول يرده بل يتصدق به ،قال شيخنا :وأصح الروايتين أنــه ل
يرده عليهم ول يباح للخذ ،ويصرف في مصالح المسلمين
كما نص عليه أحمد في أجــرة حمــال الخمــر() ،(52وقــال
في موضع آخر ) :فصل المســألة الثانيـة إذا عــاوض غيـره
معاوضة محرمة ،وقبض العــوض كالزانيــة والمغنــي وبــائع
الخمــر وشــاهد الــزور ونحــوهم ،ثــم تــاب والعــوض بيــده،
254
فقالت طائفة :يــرده إلــى مــالكه؛ إذ هــو عيــن مــاله ،ولــم
يقبضه بإذن الشارع ،ول حصل لربه في مقابلته نفع مباح،
وقالت طائفة :بل توبته بالتصــدق بــه ول يــدفعه إلــى مــن
أخذه منه ،وهو اختيار شيخ السلم ابن تيمية ،وهو أصــوب
القولين().(53
وقال )إن الذي عاوض على خمر أو خنزير أو علــى زنــا أو
فاحشــة أو غيــر ذلــك أخرجــه باختيــاره واســتوفى عوضــه
المحرم ،فل يرد العوض إليه ؛ لنه ل يسوغ عقل ً أن يجمــع
له بين العوض والمعوض عنه ،فإن في ذلك إعانة له علـى
الثم والعدوان ،وتيسيرا ً لصــحاب المعاصــي ،ومــاذا يريــد
الزاني وصاحب الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضــه ويســترد
ماله ،فهذا مما تصان الشريعة عــن التيــان بــه ،ول يســوغ
القــول بــه ،وهــو يتضــمن الجمــع بيــن الظلــم والفاحشــة
والغدر ،ومن أقبح القبح أن يســتوفي عوضــه مــن المزنــي
بها ثم يرجع فيما أعطاها قهرًا ،فقبح هذا مستقر في فطر
جميع العقلء فل تأت به الشريعة(). (54والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
----------------------------------------
) (1المؤمنون آية 15
) (2البقرة آية 271
) (3قال المنذري )الســحت بضــم الســين وإســكان الحــاء
وبضمهما أيضا هو الحرام وقيل هو الخبيث من المكاسب(
الترغيب والترهيب ).(2/349
)) (4انظــر الكلم حــول هــذا الحــديث :تخريــج الحــاديث
والثار للزيلعي) (398وتلخيص الحبير )(4/149
) (5قَْبــض الســهم :وضــعها فــي المحفظــة؛ لن القبــض
مرجعه إلى العرف-كمــا مقــرر -و ل يعتــبر قابضـا ً للســهم
عرفا ً إل بوضعها في المحفظة،والله أعلم.
) (6المدونة الكبرى ) ،(4/145والتمهيــد لبــن عبــد الــبر )
،(5/29وبدايـــة المجتهـــد ونهايـــة المقتصـــد )،(2/230
والستذكار ).(21/139
) (7الم ) (2/53و) (3/247و) ،(6/184والمهــــــــــــذب
للشيرازي) ،(1/275والحاوي الكبير) ،(5/316والمجموع)
255
،(9/377وروضـــة الطـــالبين ) ،(3/72والنـــوار لعمـــال
البرار ).(1/333
) (8المغني ) ،(6/327والنصاف) ،(4/473وشرح منتهــى
الرادات ) ،(3/237وكشاف القنــاع ) ،(3/245والفــروع )
(6/287ومعــه تصــحيح الفــروع وحاشــية ابــن قنــدوس،
والمستوعب للسامري ) ،(2/61وفتح الملك العزيز بشرح
الوجيز للبغدادي الحنبلي ) ،(3/561والمحــرر فــي الفقــه)
.(1/323وتقرير القواعد لبن رجب ).(2/189
) (9ومنهــم زفــر والسرخســي ،انظــر :الجــامع الصــغير )
،(1/332وأصول السرخسي ص ).( 83
) (10الفــوات عنــد المالكيــة يعنــي أحــد خمســة أشــياء :
الول :تغيــر الــذات وتلفهــا كــالموت والعتــق وهــدم الــدار
وغــرس الرض وأكــل الطعــام ونمــاء المــبيع ونقصــانه .
والثاني :حوالة السواق .والثــالث :الــبيع .والرابــع :حــدوث
عيب .والخامس :تعلق حـق الغيـر كرهـن السـلعة .انظـر
القوانين الفقهية لبن جزيــء ص) (265والشــرح الصــغير
للدردير
) (11المدونـــة الكـــبرى ) ،(4/148ومـــواهب الجليـــل )
.(4/381
) (12سورة البقرة ،آية).(279
) (13الستذكار ).(21/139
) (14التمهيـــد ) ،(5/129والســـتذكار ) (19/146وهـــذا
النقل لتفاق الفقهــاء فــي هــذه المســألة فيــه نظــر ،فــإن
جمهور الحنفية يرون أن المقبوض بعقد ربــوي يملــك وإن
كان واجب الفسخ ،وخالفهم شمس الدين السرخسي في
هذه المسألة ،فوافق الجمهور كما في المتن.
) (15أصول السرخسي ص ) .( 83وانظر :البحر الرائق )
،(6/136وحاشية ابن عابدين ).(5/169
) (16انظــر :فــي بيــان مــذهب الحنفيــة الكتــب التاليــة :
الجامع الصــغير ) ،(332-1/331بــدائع الصــنائع )،(5/299
وما بعدها و) ،(5/263والمبسوط ) ،(29/142وشرح فتــح
القدير ومعه شرح العناية ) (6/400ومابعدها ،والبناية فــي
شرح الهداية ) ،(6/377والبحر الرائق شرح كنــز الــدقائق
256
)(6/99وما بعدها و) ،(6/136والختيار لتعليــل المختــار )
،(2/22وحاشــية ابــن عابــدين ) (7/233ومــا بعــدها و)
،(5/169ومجمع النهر في شرح ملتقــى البحــر )،(2/65
والشباه والنظائر ص ) ،(209ورؤوس المســائل الخلفيــة
ص) ،(288وكشف السرار للبخاري )(1/269
) (17سوف أفرد هــذه المســألة فــي بحــث مســتقل فــي
المستقبل-إن شاء الله -وهي )حكم التخلــص مــن الوراق
المالية بالبيع(
) (18رواه البخاري في صــحيحه )كتــاب الوكالــة -بــاب إذا
باع الوكيــل شــيئا ً فاســدا ً فــبيعه مــردود( ،(2/613)2188
ومسلم في صحيحه )كتاب المساقاة -باب بيع الطعام مثل ً
بمثل( .(3/1215)1594
) (19رواه مسلم في صحيحه )كتاب المســاقاة -بــاب بيــع
الطعام مثل ً بمثل( ).(3/1215
) (20شرح النووي على صحيح مسلم ).(11/22
) (21فتح الباري ).(4/401
) (22الســــتذكار ) (21/139و) ،(19/146والتمهيــــد )
،(5/129وانظـــر المدونـــة الكـــبرى ) (4/148ومـــواهب
الجليــل ) (4/381وشــرح ميــارة ) .(2/8هــذا حكمــه عنــد
المالكية إذا كان ربويا ً أما إذاكان العقد الفاسد غيــر ريــوي
فالمر عندهم معلق على الفوات إن فات ثبت فيه الملــك
وإل فل.
) (23انظر :الجامع لحكام القرآن للقرطبي ).(3/366
) (24مـــواهب الجليـــل ) (374-4/373بتصـــرف يســـير،
وانظر شرح ميارة ). (2/8
) (25بدائع الصنائع ) ،(5/302والفتاوى الهندية )،(3/148
ومجمــع الضــمانات ص) ،)216وحاشــية ابــن عابــدين)
.(303-7/302
) (26بدائع الصنائع ).(5/302
) (27موسوعة القواعد الفقهية للبورنو ).(3/187
) (28المرجع السابق.
) (29المنثور) ،(1/234والشباه والنظائر لبــن نجيــم ص)
،(120وموسوعة القواعد الفقهية للبورنو ).(3/158
257
) (30الختيار لتعليل المختار لبن مورد ) ،(3/61وحاشــية
ابن عابدين ).(3/223
) (31الجامع لحكام القرآن للقرطــبي ) ،(3/366وفتــاوى
ابــن رشــد ) ،(1/632والمعيــار المعــرب للونشريســي )
.(9/551
) (32مجمـــــــوع الفتـــــــاوى) (28/592و )(29/264و)
،(29/321والفتــاوى الكــبرى )(5/421و) ،(213-4/210
والفــروع لبــن مفلــح ) (4/513و) ،(2/667والنصــاف )
،(213-6/212وقواعـــد ابـــن رجـــب ص) ،(225وجـــامع
العلوم والحكم ).(1/104
) (33المجموع شرح المهــذب النــووي ) ،(9/428وانظــر:
المنثــور فــي القواعــد للزركشــي ) ،(2/231وفتــاوى ابــن
حجر ).(4/357
) (34مجمـــــــوع الفتـــــــاوى ) (28/284و) (28/568و)
.(29/241
) (35مجمـــوع الفتـــاوى ) (569-28/568و) (30/413و)
.(29/263
) (36المراجع السابقة.
ل بعــض البــاحثين حينمــا ) (37المرجع الســابق ،ولقــد وَهَـ َ
ظن من قول شيخ السلم ابن تيمية فــي بعــض المواضــع
"يصــرف فــي مصــالح المســلمين" أنــه خــاص بــالمرافق
العامة فقط ،وأن شــيخ الســلم ابــن تيميــة ل يــرى جــواز
صرفها للفقراء والمســاكين ،والكلم المنقــول فــي المتــن
يرد هذا الظن ،وكلم شيخ الســلم ابــن تيميــة هنــا ظــاهر
في جواز صرف المال الحــرام إلــى الفقــراء والمســاكين،
وكلمه أيضا ً يفسر بعضه بعضًا ،ثم إن الفقراء يدخلون في
مصالح المسلمين.
وذكر شيخ السلم ابن تيمية أيضا ً في موضع آخــر أن مــن
أراد التخلص من الحرام والتوبة ،وتعــذر رده إلــى أصــحابه
فلينفقــه فــي ســبيل اللــه -أي فــي الجهــاد -عــن أصــحابه،
مجموع الفتاوى ) (28/421والذي يظهر -واللــه أعلــم -أن
قوله هذا لم يقصد به حصره على هــذه الجهــة ،وإنمــا أراد
ذكر إحدى أهم مصالح المسلمين الــتي ينفــق فيهــا المــال
258
الحرام-وهي الجهاد في سبيل الله -فيكون داخل ً في رأيــه
الول ،وليس رأيا ً آخر له كمــا ظــن بعــض البــاحثين بــدليل
كلمه التي.
) (38مجموع الفتاوى ).(30/328
) (39مجموع الفتاوى ) (29/263و).(29/321
) (40الجامع لحكام القرآن ).(3/366
) (41المجموع شرح المهذب ).(9/428
) (42مقدمات ابن رشد ).(2/618
) (43مسائل المام أحمد وابن راهــويه للكوســج )،(2/66
والكـــافي لبـــن قدامـــة ) ،(2/756ومجمـــوع الفتـــاوى )
،(30/209واقتضــاء الصــراط المســتقيم ) ،(1/247وزاد
المعاد ) ،(5/782والنصاف ) ،(11/212وكشاف القنــاع )
.(6/317
) (44مجمـــوع الفتـــاوى )(28/666و ) (292-29/291و)
(309-29/308و) ،(30/209واقتضاء الصراط المســتقيم
ص).(265
) (45زاد المعاد في هــدي خيــر العبــاد ) ،(5/778وأحكــام
أهل الذمة ) ،(1/574ومدارج السالكين ).(1/390
) (46زاد المعاد في هدي خير العباد ).(5/779
) (47هكذا في مجموع الفتاوى ،ولعل الصــواب) :إن كــان
ة مباحة(.عينا ً أو منفع ً
ت) (48يلحــظ هنــا أن شــيخ الســلم ابــن تيميــة لــم ي ُْف ـ ِ
بملكيــة هــذا المــال الخــبيث مــع كونهــا جاهلــة وقــد تــابت
وحافظت على حدود الله ،وذكر في موضع آخر) (22/8أن
من تاب على أموال محرمة قبضها فــي حــال الفســق أنــه
يملكها؛ لن التوبة تهدم ما كان قبلها وأنه ليس بأولى مــن
الكــافر ،والفــرق بيــن القــولين -واللـه أعلــم -أن وجــوب
التخلص إنما هو في العين والمنفعة المحرمــة فــي أصــلها
كمهر البغي ...أوكان المال موجودا ً وأمكن التخلص منــه،
وقوله الخر محمول على ماكان محرم ـا ً فــي وصــفه دون
أصله أو حرم لكسبه أو كان المال المحرم قبض في حــال
الفسق منذ زمن بعيد ولم يمكن تمييزه ،أو يكون هذا رأي
آخر له في المسألةوالله أعلم.
259
) (49رواه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ )كتاب المساقاة
-باب تحريم ثمن الكلب وحلــوان الكــاهن ومهــر البغــي( )
.(3/1199
) (50مجموع الفتاوى ).(29/308
) (51اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيــم
).(1/247
) (52أحكام أهل الذمة).(1/575
) (53مدارج السالكين ).(1/390
) (54زاد المعاد ) (5/779بتصــرف يســير ،وانظــر مــدارج
السالكين ).(1/390
المصدر :موقع المسلم
==============
#تحذير الجالية من المنكرات السارية )(1
الخطبة الولى
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ،و نعــوذ بــالله
من شرور أنفسنا ،و من سيئات أعمالنا ،مــن يهــده اللــه
فل مضل له ،و من يضلل فل هادي له ،و أشهد أن ل إلــه
إل الله وحــده ل شــريك لــه ،و أشــهد أن محمــدا ً عبــده و
رسوله .
ن إل و } يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حـق تقـاته و ل تمـوت ّ
أنتم مسلمون { ] آل عمران . [ 102 :
} يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفــس واحــدة
ث منهمــا رجــال ً كــثيرا ً و نســاء ،و و خلق منها زوجهــا و ب ـ ّ
اتقوا الله الذي تساءلون به و الرحام إن الله كـان عليكــم
رقيبا ً { ] النساء . [ 1 :
} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قــول ً ســديدا ً يصــلح
لكــم أعمــالكم ويغفــر لكــم ذنــوبكم ) و مــن يطــع اللــه و
رسوله فقد فاز فوزا ً عظيما ً ){ ] الحزاب . [ 70،71:
مة السلم : ما بعد فيا أ ّ
أ ّ
كرهٌ لنا ي المشركين و هو ُ كتب علينا أن نعيش بين ظهران ْ ُ
،لما جاء من التحذير منه ،و النكيرِ على من أ َِلفــه ،فقــد
ن عَب ْـدِ ريـرِ ب ْـ ِ
ج ِ
روى أبو داود و الترمذي بإسناد صحيح عن َ
ن رسول الله صلى الله عليــه الل ّهِ الَبجلي رضي الله عنه أ ّ
260
ل مس ـل ِم يقي ـم بي ـ َ َ
ن أظ ْهُ ـ ِ
ر ٍ ُ ِ ُ َْ َ ن كُ ّ ُ ْ م ْ ل » :أَنا بريء ِ و سّلم َقا َ
ل » :لَ م ؟ قَــا َ ل الل ّـهِ ل ِـ َ ســو َ ن « .قَــاُلوا :ي َــا َر ُ كي َ ش ـرِ ِ م ْ ال ْ ُ
ما « . ت ََراَءى َناَراهُ َ
مة رسول اللــه ،كيــف يكــون و ما ظّنكم بمن برئت منه ذ ّ
في الحياة حاُله ،و إلم َيصير في الخرة مآله .
م الَعبـد َ صـ ُ مـدٍ *** مــا َيع ِ ي مح ّ ي هــد ِ ما لم يكن فــي الهــد ِ
ف من الردى الضعي َ
غيَر حر *** بين الردى و الران َ أَ
س و لم ي َ ُ ِ النفو أهواء ه
ُ دت َ رْ
ددا تر ّ
ك إن ن هل ٍ ت مـ ْ م أُيفل ِـ ُ ما ظّنكم بالَعبدِ منه تبّرأت *** ِذم ـ ٌ
عدا َ
فكم من اخوةٍ لنا ضاعوا في غربتهم ،و أضاعوا ما ائتمنوا
عليه من الهلين و البنين ،فعاشوا غرباَء قد ماتت الغيــرة
في نفوسهم ،و تبّلدت تجاه المنكرات أحاسيسهم ،فترى
الواحد منهم كالكافر في ظاهره ،و قــد خبــا نــور اليمــان
غرسا ً . في باطنه ،فلم يرفع به رأسا ً ،و لم َيغرس له َ
دة في مسيرنا ل أقدامنا ،و ننحرف عن الجا ّ فلنحذر أن تز ّ
،فَن ََقع فــي حبــائل الشــيطان و مــا أكَثرهــا ،و نصــيَر إلــى
ملها . سنها في أعيننا و ج ّ ف استشرفها ،فح ّ سفاس َ
ن الشــيطان يعطــي العبــد تســعا ً و قال بعض السلف ) :إ ّ
تسعين ليوقعه في واحدةٍ ( ،فإذا وقع فيها نال عقــابه ،و
لقي هلكه .
ذا ل للنسان ال ْك ُْفــر َفــإ ِ َ سو ّ ُ طان إ ِذ ْ ي ُ َ شي ْ َ ل ال ّ مث َ ِ مثله ك َ َ و كان َ
َ َ
خــاف ل ) :إ ِن ّــي أ َ ل وَ َقا َ ص َ ه وَ ت َن َ ّ من ْ ُ ه ت َب َّرأ ِ ه لَ ُ سوّل َ ُ ما َ ل ِفي َ خ َ دَ َ
ض الــرواة مــن قصــص ن ( .وَ قَد ْ ذ َك ََر ب َعْ ـ ُ مي َ ب ال َْعال َ ِ الّله َر ّ
بني إسرائيل ما يصلح مثال ً لمــا نحــن بصــدده فــروى ا ِب ْــن
مْعت سـ ِ لَ : رير في تفسيره عن عَْبد الل ّــه ب ْــن ن َِهيــك قَــا َ ج ِ َ
ن ســَنة وَ إ ِ ّ ن َ سّتي َ ن َراهًِبا ت َعَب ّد َ ِ ه ي َُقول :إ ِ ّ ي الّله عَن ْ ُ ض َ عَل ِّيا َر ِ
جن َّها وَ ل ََها أخــوة َ َ َ َ
مَرأة فَأ َ مد َ إ َِلى ا ِ ْ طان أَراد َهُ فَأعَْياهُ فَعَ َ شي ْ َ ال ّ
جــاُءوا ل :فَ َ داِويَها قَــا َ س فَي ُـ َ ذا ال َْق ّ م ب ِهَ َ ل لخوَت َِها :عَل َي ْك ُ ْ فََقا َ
ها إ ِذ ْ عن ْــد َ مــا ِ مــا هُ ـوَ ي َوْ ً عْنده فَب َي ْن َ َ ت ِ كان َ ْ ها ،وَ َ داَوا َ ب َِها إ ِل َي ْهِ فَ َ
َ َ
جــاَء إخوتهــا ، مـد َ إ ِل َي ْهَــا فََقت َل َهَــا فَ َ ت فَعَ َ مل َـ ْ ح َ ها فَ َ ه فَأَتا َ جب َت ْ ُ أعْ َ
حبك ،و إ ِّنك أ َعْي َْيتِني ،أ ََنــا صا ِب :أَنا َ
َ
طان ِللّراهِ ِ شي ْ َ ل ال ّ فََقا َ
261
ُ َ
جد ْ ِلــي ســ ُ ت ِبك َفا ْ صن َعْ ُ ما َ م ّجك ِ ذا ِبك فَأط ِعِْني أن ْ ِ صن َْعت هَ َ َ
من ْــك ريــء ِ ل ) :إ ِن ّــي ب َ ِ ه ،قَــا َ جد َ لـ ُ َ س َ ما َ َ
جد َ ،فَل ّ س َ دة فَ َ ج َ س ْ َ
َ ن ( فَذ َل ِ َ َ ْ ّ َ
ل مث َـ ِ وله تعالى ) :ك َ ك قَ ْ مي َ ب الَعال ِ خاف الله َر ّ إ ِّني أ َ
ريــء ل إ ِن ّــي ب َ ِ ما ك ََفـَر قَــا َ ل للنسان ا ُك ُْفْر فَل َ ّ طان إ ِذ ْ َقا َ شي ْ َ ال ّ
نريــرٍ أ ّ ج ِ ن ( .وَ روى ا ِْبن َ مي َ ب ال َْعال َ ِ خاف الّله َر ّ مْنك إ ِّني أ َ َ ِ
سُعود رضي الله عنه قــال فِــي هَ ـذِهِ اليــة : م ْ عَْبد الّله ْبن َ
ت ت َأ ِْوي كان َ ْ ن ل ََها أ َْرب ََعة إخوة وَ َ كا َ عى ال ْغََنم وَ َ مَرَأة ت َْر َ ت اِ ْ كان َ ْ َ
جـَر ب ِهَــا ل الّراهِــب فََف َ ل فَن َـَز َ مَعة َراهِــب قَــا َ صوْ َ ل إ َِلى َ َ ِبالل ّي ْ ِ
م ا ِد ْفِن ْهَــا فَإ ِن ّــك ه ا ُقْت ُل ْهَــا ث ُـ ّ ل ل َـ ُ طان فََقــا َ شي ْ َ ت فَأَتاهُ ال ّ مل َ ْ ح َ فَ َ
ل فَـأ ََتى م د َفَن َهَــا قَــا َ ولــك فََقت َل َهَــا ث ُـ ّ مع قَ ْ سـ َ دق ي ُ ْ صـ ّ م َ جــل ُ َر ُ
حب صــا ِ ن الّراهِــب َ م إِ ّ ل ل َهُ ْ مَنام فََقا َ طان إخوتها ِفي ال ْ َ شي ْ َ ال ّ
َ ُ
كان م َ م د َفَن ََها ِفي َ حب َل ََها قَت َل ََها ث ُ ّ ما أ ْ م فَل َ ّ خت ِك ُ ْ جَر ب ِأ ْ مَعة فَ َ صو ْ َ ال ّ
م وََالل ّــه ل ََق ـد ْ َرأ َي ْــت من ْهُ ـ ْ جــل ِ ل َر ُ حوا قَــا َ صب َ ُ ما أ ْ
َ
ذا فَل َ ّ ذا وَك َ َ كَ َ
ل م أ َت ُْرك ؟ قَــاُلوا ل ب َـ ْ مأ ْ
ال ْبارحة رؤْيا ما أ َدري أ َقُصها عَل َيك ُ َ
ْ ْ ّ َ َ ِ َ ُ َ َ ْ ِ
َ
ل الخر وَأن َــا وََالل ّــه ل ََق ـد ْ َرأي ْــت َ صَها فََقا َ صَها عَل َي َْنا َقا َ
ل فََق ّ قُ ّ
َ َ
مــا ك َقاُلوا فَوَ َالل ّهِ َ ل الخر وَأَنا وََالّله ل ََقد ْ َرأْيت ذ َل ِ َ ك فََقا َ ذ َل ِ َ
ك م عَل َــى ذ َل ِـ َ مِلكهـ ْ سـت َعْد َْوا َ ل َفان ْط َل َُقوا َفا ْ يٍء َقا َ ْ ش ذا ِإل ل ِ َ هَ َ
ش ـي ْ َ َ َ
طان ه ال ّ م ا ِن ْط َل َُقــوا ب ِـهِ فَل َِقي َـ ُ هب فَ ـأت َوْهُ فَ ـأن َْزُلوهُ ث ُـ ّ الّرا ِ
َ َ
ري ه غَي ْـ ِ من ْـ ُجيك ِ ن ي ُن ْ ِ ذا وَل َ ْ ذي أوْقَعُْتك ِفي هَ َ ل إ ِّني أَنا ال ّ ِ فََقا َ
مــا أوْقَعْت ُــك ِفي ـهِ قَــا َ َ ُ
ل م ّ جيــك ِ دة وَأن ْ ِ ح َ دة َوا ِ ج َ س ْ جد ْ ِلي َ س ُ َفا ْ
ُ َ َ
ل. خذ َ فَُقت ِ َ ه وَأ ِ من ْ ُ م ت َب َّرأ ِ مِلكه ْ وا ب ِهِ َ ما أت َ ْ ه فَل َ ّ جد َ ل َ ُ س َ فَ َ
إّنهــا حبــائل إبليــس ،و تلبيســات الخســيس ،فالحــذاِر
الحذار ،و إل فالّنار و العار و الشنار و الدمار .
و من تلــبيس إبليــس علــى العبــاد تزييــن الباطــل لهــم ،و
ســعوا فــي الرخــص ، تقريــب الــذرائع ليــوقعهم ،حــتى يتو ّ
حَيل ،و يقعدوا عن النوافل ،فيصيروا إلـى فيصيروا إلى ال ِ
مل . ترك ما وجب من الع َ
و إذا اجتمعت على المرء غربة الدين و غربة الــدار ،صــار
ل ليس لها من دون الله كاشفة ،ما لـم ُيقّيـض لـه إلى حا ٍ
جــزه ،فيقــف ح َمــن ُيمســك بيــده ،أو يأخــذ عــن النــار ب ُ
بالنصــيحة إلــى جــانبه ،يــأمره بــالمعروف و ينهــاه عــن
صَبر . دكر ،و يواسيه إن َ المنكر ،يعينه إن ا ّ
262
ة ،حب ّـا ً فــي الخيــر و من هذا الباب تأتي موعظتنــا الســاع َ
س رضي الله عنــه ، للغير ،فقد روى الستة و أحمد عَ َ
ن أن َ ٍ ْ
ل )) :ل يــؤمن أحــدكم ى صلى الله عليه وسلم قَــا َ ن الن ّب ِ ّ أ ّ
حتى يحب لخيه ما يحــب لنفســه (( ،و دعــوةً إلــى المــر
بــالمعروف و النهــي عــن المنكــر ،رجــاء أن نكــون مــن
منــا اللــه بعــذاب مــن عنــده ،قــال المصــلحين ،كــي ل يع ّ
َ
حون صــل ِ ُ م ْ ك ال ُْقَرى ب ِظ ُل ْم ٍ وَأهْل َُها ُ ك ل ِي ُهْل ِ َ ن َرب ّ َ كا َ ما َ تعالى :وَ َ
]هود. [117:
نعــ ْ و روى أحمــد و أبــو داود و الترمــذي ،و اللفــظ لــه َ
ى صــلى اللــه عليــه وســلم أن ّــه ّ ن الن ّب ِـ ِ ن عَـ ِ مان ال ْي َ َ ة بْ ِ حذ َي َْف َ ُ
ْ
ن ن عَ ِ ف وَل َت َن ْهَوُ ّ معُْرو ِ ن ِبال ْ َ مُر ّ سى ب ِي َدِهِ ل َت َأ ُ ذى ن َْف ِ ل َ » :وال ّ ِ َقا َ
َ َ
م ه ث ُـ ّ عَقاب ـا ً ِ
من ْـ ُ م ِ ث عَل َي ْك ُـ ْ ن ي َب ْعَ ـ َ هأ ْ ن الل ّـ ُ ش ـك َ ّ من ْك َرِ أوْ ل َُيو ِ ال ْ ُ
ث دي ٌ حـ ِ ذا َ ســى هَ ـ َ عي َ ل أ َب ُــو ِ م « َ .قا َ ب ل َك ُ ْ جا ُ ست َ َ ه فَل َ ي ُ ْ عون َ ُ ت َد ْ ُ
ن. س ٌ ح َ َ
فمن أمر بالمعروف و نهى عن المنكر فقــد أدى مــا أمــره
الله به فــي هــذا البــاب ،و وجــب عليــه بـّر مــن اســتجاب
ن إليه و من أصّر على مــا وقــع فيــه مــن لدعوته و الحسا ُ
ما أقيم عليه من الحجج البّينات ،و المنكرات ،و أعرض ع ّ
ن ره ،لما رواه أبــو داود بإســناد صــحيح عَـ ْ جب زجُره بهج ِ
ل الل ّهِ صلى الله عليه سو ُ ل َر ُ ل َ :قا َ سُعودٍ َقا َ م ْ ن َ ِ عَب ْدِ الل ّهِ ب ْ
ن كــا َ ل َ سَراِئي َ ص عََلى ب َِنى إ ِ ْ ل الن ّْق ُ خ َ ما د َ َ
ل َ ن أ َوّ َ وسلم » :إ ِ ّ
ع
صـن َ ُ ما ت َ ْ ذا ات ّقّ الل ّهِ وَ د َعْ َ ل َ :يا هَ َ ل فَي َُقو ُ ج َ ل ي َل َْقى الّر ُ ج ُ الّر ُ
َ
ن كــو َ ن يَ ُ كأ ْ ه ذ َل ِ َ
من َعُ ُ ن ال ْغَدِ فَل َ ي َ ْ م َ م ي َل َْقاهُ ِ ك ثُ ّ ل لَ َ ح ّ ه ل َ يَ ِ فَإ ِن ّ ُ
َ
ب ه قُل ُــو َ ب الل ّـ ُ ض ـَر َ ك َ ما فَعَُلوا ذ َل ِـ َ ه وَقَِعيد َهُ فَل َ ّ ريب َ ُ ش ِ ه وَ َ كيل َ ُ أ ِ
ض«. م ب ِب َعْ ٍ ضه ِ ْ ب َعْ ِ
ب مقامنــا هــذا طلـ ُ ما شاع بين المسلمين في زماننا و ُ وم ّ
المال من غير حّله ،و من ذلك الحصول عليه بوسائل غير
مشروعة ،قائمةٍ على التحايــل و التطــاول تــارةً ،و علــى
التذّلل و النكسار للكّفار ،و امتهان النفــس أمــامهم تــارة
أخرى ،فضل ً عن مباشرة العمل المحّرم ،و منه العمــال
التابعة للكنائس ،و إن بدا أّنها أعمال بّر و إنسانّية ،و كذا
دم العمل فـي المطـاعم و المقـاهي و النـوادي ،الـتي تقـ ّ
وقها ،فهل ضاقت الرزاق علــى المســلم المحّرمات و تس ّ
263
حتى يمتهن نفسه ،و يعمل نادل ً يقدم الخمرة للسكارى ،
دم للنزلء لحــوم المي ْت َـةِ و الكلب و أو ُيعّلب أو يطهو أو يق ّ
ل اكتسابها دريهمات ل بركة فيها ،و ل يح ّ الخنازير ،طلبا ً ل ُ
ن الله إذا حّرم شيئا ً حّرمه ثمنه و العانــة عليــه ، أصل ً ،فإ ّ
ي ،و حلــوان و من ذلك تحريم ثمــن الكلــب ،و مهــر البغـ ّ
الكاهن ،الثابت فــي ســنن أبــي داود و النســائي و مســند
أحمد بإسنادٍ صحيح .
ن عشــرةٍ بســبب الخمــرة ،فقــد روى و مثــل ذلــك لعــ ُ
ل: ك َقا َ الترمذي و ابن ماجة و أحمد عن عَ َ
مال ِ ٍ ن َ س بْ ِن أن َ ِ ْ
ر
مـ ِ خ ْ ل الل ّـهِ صــلى اللــه عليــه وســلم فِــي ال َ
ْ ســو ُ ن َر ُ » ل َعَـ َ
ةمول َـ َ ح ُ م ْ مل َهَــا َوال ْ َ حا ِ شارِب ََها وَ َ ها وَ َ صَر َ معْت َ ِ ها وَ ُ صَر َ عا ِ شَرةً َ : عَ َ
شت ََراةَ م ْ شت َرِىَ ل ََها َوال ْ ُ م ْ من َِها َوال ْ ُ ل ثَ َ ساقِي ََها وََبائ ِعََها َوآك ِ َ إ ِل َي ْهِ وَ َ
ه«. لَ ُ
ما ابتليت به القلّية السلمّية في ديار الغرب ،الوقوع وم ّ
في الربا بصورة أو أخرى ،و أبواب الربا كأبواب الشرك ،
بضعٌ و ســبعون بابـا ً ،كمــا صــح بــذلك الخــبر ،الــذي رواه
الحافظ المنذري في ) الترغيب و الترهيب ( .
فليحذر المتعاملون مع المصارف الربوّية من الوقوع تحت
طائلة حرب ل هوادة فيها ،أعلنها الله تعالى عليهم ما لــم
من ُــوا ْ َ
نآ َ ذي َ يبادروا بالتوبة ،فقد قال سبحانه ) :ي َــا أي ّهَــا ال ّـ ِ
ن )(278 مِني َ مــؤْ ِ كنُتم ّ ن الّرَبا ِإن ُ م َ ي ِ ما ب َِق َ ه وَذ َُروا ْ َ ات ُّقوا ْ الل ّ َ
ْ
م ســول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُـ ْ ن الل ّـهِ وََر ُ مـ َ ب ّ ح ـْر ٍ م ت َْفعَُلوا ْ فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ فَِإن ل ّ ْ
َ
ن ) (279وَِإن مــو َ ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ مو َ م ل َ ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ م َ سأ ْ ؤو ُ م ُر ُ فَل َك ُ ْ
خْيــٌر ل ّ ُ صد ُّقوا ْ َ َ
م كــ ْ سَرةٍ وَأن ت َ َ مي ْ َ سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ ذو عُ ْ ن ُ كا َ َ
ن ( ] البقرة [ . مو َ م ت َعْل َ ُ كنت ُ ْ ِإن ُ
روى ابن كثير في تفسير هــاتين اليــتين قــول اب ْــن عَب ّــاس
َ ْ
ســوله ،و ن الل ّــه وََر ُ مـ ْ ب ِ ح ـْر ٍ س ـت َي ِْقُنوا ب ِ َ ب أي ْ ا ِ ْ ح ـْر ٍ فَأذ َُنوا ب ِ َ
حّقــا ن َ ه ك َــا َ زع عَن ْـ ُ ما عََلى الّرب َــا ل ي َن ْـ ِ مِقي ً ن ُ كا َ
عََلى إمام ال ْمسل ِمي َ
ن َ م ْ َقوَله :فَ َ
ب عُُنقه ضَر َ ن ن ََزعَ وَِإل َ ه فَإ ِ ْ ست َِتيب ُ ن يَ ْ نأ ْ ُ ْ ِ َ ِ َ
َ َ
مــا ن أن ّهُ َ ري َ ِ سـي ســن َواب ْــن ِ ح َ ن ال ْ َ عـ ْ حـاِتم َ ،وَ روى ابن أب ِــي َ
َ
م قَد ْ أذِن ُــوا صَيارَِفة لك ََلة الّرَبا وَ إ ِن ّهُ ْ ؤلِء ال ّ ن هَ ُ َقال :وَ َالّله إ ِ ّ
عــاِدل مام َ ن عََلى الّناس إ ِ َ كا َ سوله وَ ل َوْ َ ن الّله وَ َر ُ م ْ ب ِ حْر ٍ بِ َ
ل ســلح .وَ َقــا َ م ال ّ ضــعَ ِفيِهــ ْ ن َتــاُبوا وَ ِإل وَ َ م َفــإ ِ ْ ســت ََتاب َهُ ْ ل ْ
264
ن الل ّــه قَـد ْن الّرَبا فَإ ِ ّ طة هَذِهِ ال ْب ُُيوع ِ
م ْ خال َ َ م َ م وَ ُ دة :إ ِّياك ُ ْ قََتا َ
ة. صي َت ِهِ َفاقَ ٌ
مع ْ ِ م إ َِلى َ ه َفل ت ُل ْ ِ
جئ ْن َك ُ ْ طاب َ ُ حلل وَ أ َ َ سع َ ا ل ْ َ أو ْ َ
َ
ل التعاملت المصــرفّية المعاصــرة ما ل ريب فيه أن ج ّ وم ّ
ت شائبةٍ ربوي ّةٍ ،ما لم تكن من الربا المحض ،باســتثناء ذا ُ
تعاملت المصارف السلمّية الــتي ل وجــود لهــا فــي هــذه
الديار .
و من المعاملت المحّرمة في هذا الباب إيداع الموال في
المصارف و القتراض منهــا مــن غيــر ضــرورة ،أو تجــاوز
الضرورات إلى الكمالّيات ،كالتوسع في شــراء المســاكن
و المراكب و الثاث ،و تسديد قيمتها بزيادةٍ ربوّية عليها ،
فليحذر الذين توّرطوا في شيء من ذلك ،و ليتقــوا اللــه ،
فل ي َط َْعموا حراما ً ،أو ُيطعموه من يعولون مــن الهليــن و
البنين .
ن تنازله عن الزيــادة الربوي ّــة لصــالح و ل يظن أحد ٌ منهم أ ّ
جهــا فــي وجــه مــن وجــوه الــبر و الصــلة المصرف أو إخرا َ
بــدون توب ـةٍ ،يخرجــه مــن المحظــور ،و يبيــح لــه متابعــة
ن التعامل بالربا أو المساعدة تعامله مع ذلك المصرف ،ل ّ
عليــه أو المســاهمة فيــه ســواٌء فــي الحرمــة ،فقــد روى
جاِبر بن عبد الله رضي الله ن َ مسلم و الترمذي و أحمد عَ ْ
ل ل الل ّهِ صلى اللــه عليــه وســلم آك ِـ َ سو ُ ن َر ُ عنه َ ،قال :ل َعَ َ
واٌء ( ،فتوبوا س َ
م َ ل ) :هُ ْ شاهِد َي ْهِ وََقا َ ه وَ َ ه وَ َ
كات ِب َ ُ موك ِل َ ُ الّرَبا وَ ُ
إلى الله جميعا ً أّيها المؤمنون لعّلكم ُتفلحون .
ه وََلدا م إذا أطَعمت َ ُ ن الحرا َ إ ّ
غدا ب الصغيُر على استمرائ ِهِ و َ ش ّ
ش مجتِهدا َيسَعى ل ُِيحرَِزه ما عا َ
ما سواهُ غدا رضا ً ع ّ معت َ ِ ح ُ و ُيشي ُ
مــافاتقوا الله ياعباد الله ،و طّهروا أنفسكم و أمــوالكم م ّ
ن الحــرام للبركــة يوقــع فــي ســخط اللــه ،و اعلمــوا أ ّ
مســحقة ،و حقــة ،و أن المعاصــي لســباب الســعادة ُ مم ِ ُ
الندامة بمقترفها لحقة .
مل ،و عصمنا مــن وّفقني الله و إّياكم لخيَريْ القول و الع َ
الضللة و الزلل
265
ّ
مد و آله و صــحبه و صّلى الله و سّلم و بارك على نبّّيه مح ّ
أجمعين
الخطبة الثانية
ة السلم ! م َأ ّ
مــا يوقــع فــي اتقوا الله ،و طهّــروا أنفســكم و أمــوالكم م ّ
حقــة ،و أن مم ِ ن الحــرام للبركــة ُ سخط اللـه ،و اعلمــوا أ ّ
ن الندامـــة مســـحقة ،و أ ّ المعاصـــي لســـباب الســـعادة ُ
بمقترفها لحقة .
مــبين ،أن ُيصــاب المــرء فــي عَِقب ِــه ، خســران ال ُ و مــن ال ُ
دعائهم بعد وفــاته ،و مــا فيفسد أبناؤه ،و ُيحرم النتفاع ب ُ
القامة بين ظهراَني الكافرين إل مظّنة لــذلك ،فكــم مــن
خُلقي ّا ً بعد أن فّرط في صر أبناؤه ،أو انحرفوا ُ ب مسلم تن ّ أ ٍ
فق إل بعد وقوع الفأس في الــرأس ،حيــن شبابه ،و لم ي ُ ِ
لم ي َُعد يقوى على التدارك بعد التهالك .
حكــم الجهــاض ،بعــد ل في ُ ماذا أقول و قد استفتاني رج ٌ
ت الربعةِ عشَر خريف ـا ً جنيــن أن تحّرك بين أحشاء ابنته ذا ِ
من أب كاثوليكي .
ن السبب ،و هو تفريط الب ل بيا َ أأفتيه فيما سأل ،و أغف ُ
م ،و ل تربيـة في زمن الشباب ،حيث لم ُيحسن اختيار ال ّ
س ـُهم فــي م َ ج بهم في مدارس النصــارى ،و غَ َ البناء ،و ز ّ
مستنقع آسن بالمنكرات ،ينهلــون مــن منــابع النحلل ،و
يجارون الكفرة في الزي و الخلق .
و ماذا أقول لمن فّرت ابنته القاصر مع عشــيقها إلــى بل َـدٍ
ط عليه القــتراب مــن منزلهــا ،و شَر ُ ظرت ال ُ ح َ مجاور ،و َ
ج به خلف قضبان الحديد . إل غُّلت يداه بالقيود ،و ُز ّ
مــاذا أقــول ،و مــا ذا أقــول ،و قلــبي يتفط ّــر ألمـا ً حينمــا
شت في دت ،و تف ّ ي أحوال المسلمين ،و قد تر ّ ُتعرض عل ّ
كثيرٍ منها مظاهر الخذلن و الذوبان فــي مجتمـٍع ل يعــرف
حَرما ً .قَِيما ً ،و ل يرعى ُ
لو م *** و الــدمعٌ منهم ـ ٌ ي الل ـ ُ مــاذا أقــول و قــد أودى ب ـ َ
م
ب َيحت َدِ ُخط ُ ال َ
خل ُـقٌ يــراهُ ه *** فبات ل ُ أبكي على الجيل قد تاهت مواكب ُ ُ
م
أو قِي َ ُ
266
مت ِّبع ـا ً *** لــم ي َــرعََ ُ
معَتقــدا ً مس ـا ً للغــرب ُ منغَ ِ ش ُفي الطي ِ
محَر ُت به ال ُ صين َ ْ
و مــن المــراض الســارية فــي جســد الجاليــات المســلمة
ف التأّثر بمــا يجــري خارج ديار السلم – يا عباد الله -ضع ُ
دم للمسلمين في أنحاء العالم من مصائب و نكبات ،و عــ َ
التفاعل مع قضاياهم ،أو مشاركتهم آلمهم و آمالهم ،مع
ن الهتمام بأمر المسلمين من واجباتهم على التعيين . أ ّ
و من المؤســف المــؤلم أن ي ُــدافع العــالم عــن حفنــة مــن
ي عن بقرة تنحــر فــي كشــمير ، اليهود ،و يدافع مليار وثن ّ
بينمــا يغفــو العــالم ،و نغفــوا معــه عنــدما تمتهــن كرامــة
دساتهم .حُرماتهم و مق ّ المسلمين ،و ُتدّنس ُ
ميذني أ ّ مست في أ ُ ُ قد هَ َ
ب المستعرة من الحر ِ في َز َ
ن بساحتنا ب ََقرة لو أ ّ
خَزتها يوما ً إبرة قد وَ َ
دمها َقطرة أو ن ََزفت من َ
ل شعرة ذي ٍ أو فقدت من َ
ت الهندوس جميعا ً لرأي َ
يأتون إليها بالُنصرة
ن بساحتنا ِنف ٌ
ط لو أ ّ
جم فحم ٍ أو د ُّرة من َ أو ِ
ي و الداني ت القاص َ لرأي َ
ُيطفون النار المستعرة
ن هنا نجمة داوود لو أ ّ
ة حّقادٍ و يهود أو حفن ُ
ت العاَلم يا َولدي لرأي َ
يتفانى في نصر الِتلمود
سفا ً َ
ما السلم فوا أ َ أ ّ
ي على حين الغُّرة قد ُرم َ
صُره إذ ليس له من ين ُ
أو َيرفعُ في الدنيا أمره
ُ ّ
أل و صّلوا و سّلموا على نبيكم المين ،فقد أمرتــم بــذلك
ن اللــه و ب العــالمين ) :إ ّ فــي الــذكر الحكيــم ،فقــال ر ّ
267
ملئكته يصّلون على النبي يا أّيها الذين آمنوا صّلوا عليــه و
سّلموا تسليما ( و على آله و صحبه أجمعين .
==========
) )(1خطبة الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب في مسجد
دبل ِــن بإيرلنــدا فــي الســابع مــن صــفر الخيــر عــام 1423
َ
شر من نيسان 20 02للميلد للهجرة ،الموافق للتاسع عَ َ
(
كتبه
د .أحمد عبد الكريم نجيب
============
#المساهمة في شركات أصل نشاطها مباح
خالد بن إبراهيم الدعيجي
الحمد لله رب العالمين ،والصــلة والســلم علــى أشــرف
خلــق اللــه أجمعيــن محمــد بــن عبــد اللــه وآلــه وصــحبه
أجمعين ،وبعد:
هذه المسألة من المسائل النازلة التي تحتــاج إلــى بســط
في إجابتها ،فأقول وبالله التوفيق:
هذا النوع من الشركات اختلــف فيــه العلمــاء المعاصــرون
اختلًفا كبيًرا ،وقبل أن نبدأ في ذكر القوال في هذا النــوع
من الشركات يحسن بنا أن نحــرر محــل النــزاع فــي هــذه
المسألة :أن المساهمة في الشــركات الــتي يغلــب عليهــا
المتاجرة بالنشطة المحرمة ،محرمــة ول تجــوز لمــا فيهــا
من العانة على الثم والعدوان.
وأن من يباشر إجراء العقود المحرمــة بالشــركة -كأعضـاء
مجلس الدارة الراضــين بــذلك -أن عملهــم محــرم ،قل ّــت
نسبة الحرام في الشركة أم كثرت.
وأن الشتراك في تأسيس شركات يكون من خطة عملهــا
أن تتعامل في جملة معاملتها بــالعقود المحرمــة ،أو كــان
صا في نظامها على جواز ذلك ،فــإن هــذا الشــتراك منصو ً
محرم.
وأن المساهم ل يجوز له بأي حال مــن الحــوال أن يــدخل
في ماله كسب الجزء المحرم من السهم ،بل يجب عليــه
إخراجه والتخلص منه ،حتى على القول بجواز مساهمته.
268
واختلفوا في حكم المســاهمة فــي الشــركات المشــروعة
مــن حيــث الصــل لكنهــا تتعامــل فــي بعــض معاملتهــا
بالنشــطة المحرمــة أو تقــترض أو تــودع بــالفوائد علــى
قولين:
القول الول :الجواز
وممــن ذهــب إلــى هــذا القــول :الهيئة الشــرعية لشــركة
الراجحــي ،والهيئة الشــرعية للبنــك الســلمي الردنــي ،
والمستشـــار الشـــرعي لدلـــة البركـــة ،ونـــدوة البركـــة
السادسة ،وعدد من العلماء المعاصرين منهم الشــيخ عبــد
الله بن منيع حفظه الله.
طا ؛ إذا تــوفرت جــاز وقد اشترط أصحاب هذا القول شرو ً
تداول أسهم هــذا النــوع مــن الشــركات ،وإذا تخلــف منهــا
شرط لم يجز ،و منها:
مــا جــاء فــي قــرار الهيئة الشــرعية لشــركة الراجحــي
المصرفية رقم )(485
يجب أن يراعى في الستثمار والمتــاجرة فــي أســهم هــذا
النوع من الشركات المساهمة الضوابط التالية:
إن جواز التعامل بأسهم تلك الشركات مقيد بالحاجة ،فإذا
وجــدت شــركات مســاهمة تلــتزم اجتنــاب التعامــل بالربــا
وتسد الحاجة فيجب الكتفاء بها عن غيرهــا ممـن ل يلـتزم
بذلك.
أل يتجــاوز إجمــالي المبلــغ المقــترض بالربــا -ســواء أكــان
ضــا قصــير الجــل (%25) -مــن ضا طويل الجــل أم قر ًقر ً
ما أن القتراض بالربا حرام إجمالي موجودات الشركة ،عل ً
مهما كان مبلغه.
أل يتجاوز مقدار اليراد الناتج من عنصر محرم ) (%5مــن
جــا عــنإجمالي إيراد الشركة ،سواء أكــان هــذا اليــراد نات ً
الستثمار بفائدة ربوية أم عـن ممارسـة نشـاط محـرم أم
عن تملك المحرم أم عن غير ذلك .
وإذا لــم يتــم الفصــاح عــن بعــض اليــرادات فيجتهــد فــي
معرفتها ،ويراعي في ذلك جانب الحتياط.
269
أل يتجاوز إجمالي حجم العنصر المحرم -استثماًرا كــان أو
كــا لمحــرم -نســبة ) (%15مــن إجمــالي موجــودات تمل ً
الشركة.
والهيئة توضح أن ما ورد من تحديد للنسب في هذا القرار
مبنــي علــى الجتهــاد ،وهــو قابــل لعــادة النظــر حســب
القتضاء
وذهبــت الهيئة الشــرعية لدلــة البركــة إلــى التفريــق بيــن
النشطة المحرمة التي تزاولها الشركة:
حــا ،ولكنهــا تتعامــل بجــزء مــن
فإن كان أصل نشــاطها مبا ً
رأس مالها مثًل بتجــارة الخمــور ،أو إدارة صــالت القمــار،
ونحوها من النشطة المحرمة ،فل يجوز تملك أســهمها ول
تداولها ببيع أو شراء.
أما إن كانت تودع أموالها في البنوك الربوية ،وتأخــذ علــى
ذلك فوائد ،أو أنها تقترض من البنوك الربويــة ،مهمــا كــان
الدافع للقتراض ،فإنه في هذه الحالة يجوز تملك أســهمها
بشرط احتساب النسبة الربوية وصرفها في أوجه الخير.
واستدل أصحاب هذا القول بقواعد فقهية عامة ،منها:
1-قاعدة :الحاجة العامة تنزل منزلة الضــرورة الخاصــة".
وقالوا :إن حاجة الناس تدعو للمساهمة بهذه الشركات.
2-قاعدة :يجوز تبًعا ما ل يجوز استقلًل" .وقالوا :إن الربا
في هذه الشركات تابعٌ غير مقصود فيعفى عنه.
3-قاعدة :اختلط الجزء المحــرم بــالكثير المبــاح ل يصــير
ما".
المجموع حرا ً
دا فيكـون فقالوا :إن الربـا فـي هــذه الشــركات يسـير جـ ّ
مغموًرا في المال المباح الكثير.
القول الثاني:
يــرى جمهــور العلمــاء المعاصــرين ،وعــدد مــن الهيئات
الشرعية تحريم المساهمة في الشركات التي يكون أصل
حـــا ،إذا كـــانت تتعامـــل ببعـــض المعـــاملت نشـــاطها مبا ً
المحرمة كــالقراض والقــتراض بفــائدة ،فيحــرم الكتتــاب
بها ،وبيعها وشراؤها وامتلكها.
وممــن ذهــب إلــى هــذا القــول :اللجنــة الدائمــة للبحــوث
العلمية والفتاء بالمملكة ،وعلى رأسها سماحة الشيخ عبد
270
العزيز بن باز ،رحمه الله ،والهيئة الشرعية لــبيت التمويــل
الكويــتي ،والهيئة الشــرعية لبنــك دبــي الســلمي ،وهيئة
الرقابة الشرعية للبنــك الســلمي الســوداني ،وعــدد مــن
الفقهاء المعاصرين.
وأصدر مجمعان فقهيان مشهوران قرارين يقضيان بتحريم
هذا النوع من الشركات ،وهذان المجمعان يحويان ثلة من
علماء العصر المعتبرين ،فأما المجمع الول فهو:
المجمع الفقهي التابع لمنظمـة المــؤتمر الســلمي بجــدة،
ونص قــراره هــو ) :الصــل حرمــة الســهام فــي شــركات
تتعامل أحياًنا بالمحرمات ،كالربــا ونحــوه ،بــالرغم مــن أن
أنشطتها الساسية مشروعة ( .
وأما المجمع الثاني فهو :المجمــع الفقهــي التــابع لرابطــة
العالم السلمي في مكة المكرمة ،ونص قــراره هــو ) :ل
يجوز لمسلم شراء أسهم الشــركات والمصــارف إذا كــان
ما بذلك في بعض معاملتها ربا،وكان المشتري عال ً
واستدل أصحاب هذا القول:
-1أدلة تحريم الربا في الكتاب والسنة ،وقالوا :إن هــذه
الدلة لم تفرق بين قليل أو كثير ،وبين تابع أو مقصود .
وى وََل 2-قــول اللــه تعــالى )) :وَت َعَــاوَُنوا عَل َــى ال ْب ِـّر َوالت ّْق ـ َ
ديد ُشـ ِه َ ن الل ّـ َ ه إِ ّ ن َوات ُّقــوا الل ّـ َ ت ََعاوَُنوا عَل َــى اْل ِث ْـم ِ َوال ْعُـد َْوا ِ
ب(( )المائدة. (2 : ال ْعَِقا ِ
وعن جابر ،رضي الله عنه ،أن النبي صلى الله عليه وسلم
ه(( .رواه شــاهِد َي ْ ِ ه وَ َ كــات ِب َ ُ مــؤْك ِل َ ُ
ه وَ َ ل الّرَبــا وَ ُ كــ َ
نآ ِ )) :ل ََعــ َ
مسلم ). (1598
ووجه الدللــة مــن هــذين النصــين :أن الــذي يســاهم فــي
الشركات التي تتعامل بالمحرمات معيــن لهــا علــى الثــم،
فيشمله النهي.
ْ
ل،جــ ُه الّر ُ م رًِبا ي َأك ُل ُ ُ -3قوله عليه الصلة والسلم )) :دِْرهَ ُ
ة(( .أخرجــه أحمــد ) ت وَثلِثيــن َزْني ـ ً س ّ من ِ شد ّ ِ م ،أ َ َوَهُوَ ي َعْل َ ُ
، (21957والدارقطني ،3/16والطبراني فــي الوســط )
.(2628
ووجه الدللة منه :أن النبي ،صلى الله عليه وســلم ،عــد
أكل درهم واحد مــن الموبقــات ،ورتــب عليــه هــذا الوعيــد
271
الشديد ،فكيف بمن يضع المئيــن واللف مــن أمــواله فــي
المصارف الربوية؟ وإخراج قدر الحرام تخمين ،فمــن غيــر
المستبعد أن يدخل ماله شيء من الحرام.
بقي أن يقال:
إن أصــحاب القــول الول اشــترطوا فــي جــواز المشــاركة
بمثل هذه الشــركات :أن يتخلــص المســاهم مــن الكســب
المحرم.
ومما يؤكد أن هذا الشتراط افتراضي وليــس واقعي ّــا ،أنــه
يستحيل تحديد مقدار الكسب المحرم من عوائد السهم.
ونحن هنا في مقام ل يحتمل الظن والتخمين ،بل ل بد من
القطع واليقين.
وإيجاب البعض -عنـد الجهــل بـالحرام -إخــراج نصـف ربـح
السهم أو ثلثه فهم قالوا به من بــاب الحتيــاط ،وهــو نــافع
في حالة وجود أرباح حقيقية للشركة من النشاط المبــاح،
ضا غير شاق من الناحية العملية ،إل أنه غيــر عملــي وهو أي ً
ول يفي بالغرض في صورتين:
حا تــذكر مــن مبيعاتهــاالولى :عندما ل تحقق الشركة أربا ً
في بعض السنوات ،فتبقى معتمـدة فــي توزيعـات الربــاح
على فــوائد الــودائع ،والســندات البنكيــة والوراق قصــيرة
الجل ذات الدخل الثابت.
الثانية :كما أن بعض الشركات تقــوم بتوزيــع الربــاح قبــل
البدء بتشغيل منشــآتها وهــذه الربــاح تحصــلت عليهــا مــن
إيداع رأس المال في البنوك.
وعليه :إذا كان المــر محتمًل فل يكفــي التقــدير فــي هــذه
الحالة.
أما تحديد مقدار الكسب الحرام ،كما تفعله بعــض الهيئات
الشرعية ،من أجل دقة التخلص من الحــرام فهــو متعــذر؛
لمور ،منها:
-أن جميع المجيزيــن يفترضــون أن الشــركة تــودع وتأخــذ
فوائد ،فيوجبون علــى المســاهم إخــراج مــا يقابــل نصــيب
الودائع من الرباح.
272
فإذا كانت الشركة تقترض من البنوك لتمويــل أعمالهــا ،أو
لجراء توسعات رأسمالية ونحو ذلك ،فما الســبيل لتحديــد
ما يقابل هذه القروض من الرباح؟
-أن أغلب المستثمرين يشترون الســهم بقصــد الحصــول
علــى الربــاح الرأســمالية ،أي فــرق الســعر بيــن الشــراء
والبيع ،ومن المتعذر في هذه الحالة تحديد مقدار الكســب
الحرام ،لســيما وأن مــن العوامــل المــؤثرة علــى القيمــة
السوقية للسهم مــدى قــدرة الدارة علــى الحصــول علــى
التسهيلت والقروض البنكية.
-إذا خسرت الشركة ،فما هو نصيب الكسب الحــرام مــن
هذه الخسـارة؟ إذا علمنـا أن إيــرادات الـودائع والسـندات
ثابتة ،فهذا يعني أن الخسارة على من يريــد التخلــص مــن
الربا ستكون مضاعفة.
-ومن المعتاد أن الشركة تستثمر جــزًءا مــن أموالهــا فــي
شركات تابعة أو شركات زميلة أو في صناديق اســتثمارية
بالسهم أو الســندات ،وقــد تكــون تلــك الســهم لشــركات
ذات أنشــطة محرمــة أو ذات أنشــطة مباحــة وتتعامــل
بالفوائد ،وهكذا تمتــد السلســلة إلــى مــا ل نهايــة ،ويصــبح
تحديــد الحــرام فــي هــذه السلســلة مــن الشــركات أشــبه
بالمستحيل.
ضا لو فرضنا أنه يمكن التخلــص مــن الربــاح المحرمــة وأي ً
الربوية ،فهو تخلص من الكل للربا ،لكن هذا المساهم قد
شارك في دفع الربا للممولين للشركة ،فهو وإن لم يــأكله
فقد آكله ،والنبي صلى الله عليه وسلم حرم المرين فهــو
لعن آكل الربا ومؤكله .أخرجه مسلم ). (1597
الترجيح:
من خلل استعراض بعض أدلة القولين يتبين ما يلي:
أن القول الول يتوجه القول به بالشروط التالية:
عا
-إذا لــم توجــد شــركة مســاهمة ل تتعامــل بالربــا إيــدا ً
ضا ،حيث كانت جميع شركات الســوق ممــا يتعامــل واقترا ً
بالربا.
-وهذا الشرط منتف في هذا العصر حيــث أثبتــت دراســة
أجريتهــا نشــرها الموقــع ،أنــه توجــد شــركات مســاهمة
273
معاملتها حلل بالكامل ،ومما يؤيد هــذا الشــرط أن الهيئة
الشرعية للراجحي ذكرت في قرارهــا رقــم ) ) : (485إن
جواز التعامل بأسهم تلــك الشــركات مقيــد بالحاجــة ،فــإذا
وجــدت شــركات مســاهمة تلــتزم اجتنــاب التعامــل بالربــا
وتسد الحاجة فيجب الكتفاء بها عن غيرهــا ممـن ل يلـتزم
بذلك .
-إذا كان نظام الدولة يجبر الشركات أن تــودع جــزًءا مــن
ضــا بــأن تــدخلأموالهــا فــي البنــوك الربويــة ويجــبرهم أي ً
الفوائد ضمن أرباح المساهمين.
وهذا الشرط حسب علمي غيـر موجـود فـي هـذا العصـر،
لنتشــار البنــوك الســلمية ،ومــن ثــم انتشــار المعــاملت
السلمية المصرفية.
دا مــن إتمــام عملياتهــا إل عــن طريــق -أّل تجد الشركة بـ ّ
القتراض بالربا.
وهــذا الشــرط منتــف فــي هــذا العصــر؛ إذ وجــدت بنــوك
إســلمية تمــول الشــركات بــالطرق المباحــة :كالمرابحــة،
وعقود الستصناع ،والسلم ،والمشاركة المنتهية بالتمليــك،
والجارة المنتهية بالتمليك ،وغير ذلك مما جــاءت شــريعتنا
بإباحته.
-ثم إن المتأمل في القول الول يجد :أن القــول بــه كــان
في فترة فشا فيها الربا ،والبنوك السلمية لــم تقــم علــى
ساقيها ،أما في هذه المرحلة فالمر عكــس ذلــك ،فنحمــد
الله عز وجل أن انتشرت هذه البنوك السلمية في أنحــاء
الرض ،فأيهما أسهل بالله عليكم تحويــل بنــك ربــوي إلــى
بنك إسلمي أم تحويل شــركة تتعامــل بالربــا إلــى شــركة
خالية من ذلك؟ لشك أنه الثاني.
فالــذي يظهــر لــي رجحــان القــول الثــاني ،وهــو حرمــة
حــا،
المساهمة في الشركات التي يكون أصل نشــاطها مبا ً
وتتعامــل بــالفوائد أو بغيرهــا مــن المعــاملت المحرمــة،
لعموم الدلة الشرعية في تحريم الربا قليله وكثيرة ،فلم
تستثن تلك الدلة ما كان تابًعا أو مغموًرا أو يسيًرا.
وبالتالي يحرم المتاجرة والستثمار بهذه السهم مــن هــذا
النوع من الشركات.
274
وأما السهم التي عندك من التأســيس فمــا اســتلمته مــن
أرباح سابقة ،وهي أرباح ربوية وأنت ل تعلم عنها فل بــأس
عليك فيها ،ويجب عليك التخلص من هذه الســهم وبيعهــا.
والله تعــالى أعلــم .وصــلى اللـه وســلم علــى نبينــا محمــد
وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر :شبكة نور السلم
================
#التأخر في النجاب حتى قضاء الديون
السؤال :
هل علي أن أتريث ول أحاول أن يكون لي أطفال ,بســبب
مخاوفي أل أوفر للطفال الذين قد يرزقني الله بهم مناخا
إسلميا في العائلة؟ علي ديون من الماضي وأنــا أســددها
بالضافة إلى الفوائد التي عليها .وأنا أظن أنه يجدر بي أن
أنتظر على إنجاب الطفال حتى أتمكن من سداد الــديون.
فما هو رأيك في ذلك ؟.
الجواب :
الحمد لله
قال تعالى ) :وما من دابة إل علــى اللــه رزقهــا ( ،وقــال
تعالى ) :وكأين من دابة لتحمل رزقها الله يرزقها وإياكم
وهو السميع العليم ( ،وقال تعالى ) :إن الله هــو الــرزاق
ذو القوة المتين (
وقال تعالى ) :فابتغوا عند الله الرزق واعبــدوه واشــكروا
له ( .
وقد ذم الله أهل الجاهليــة الــذين يقتلــون أولدهــم خشــية
الفقر ونهى عن صنيعهم ،قال تعالى ) :ول تقتلوا أولدكم
خشــية إملق نحــن نرزقهــم وإيــاكم ( .وأمــر اللــه عبــاده
بالتوكل عليه في جميع المور وهو الكافي لمن توكل عليه
،قال تعالى ) :وعلـى اللـه فتوكلـوا إن كنتـم مـؤمنين ( ،
وقال تعالى ) :ومن يتوكل على الله فهو حسبه ( .
فعليك أيها الخ السائل أن تتوكل على مولك في حصــول
رزقك ورزق أولدك ،ول يمنعــك الخــوف مــن الفقــر مــن
طلب الولد والتســبب فــي النجــاب فــإن اللــه قــد تكفــل
برزق الجميع ،وفي ترك النجاب خوفا من الفقر مشــابهة
275
لهل الجاهليــة .ثــم اعلــم أيهــا الخ الكريــم أن القــتراض
بالفائدة هو من الربا الذي توعد الله أهلـه بـأليم العقـاب ،
وهو أحد السبع الموبقات أي المهلكات ،قال عليه الصلة
والسلم " :اجتنبوا السبع الموبقات .....إلى قــوله وأكــل
الربا " .وقال عليه الصلة والسلم " :لعن الله آكل الربا
وموكله " ...الحديث .وإن أكل الربــا مــن أعظــم أســباب
الفقر ،ومحق البركة كما قال تعالى ) :يمحق اللــه الربــا
ويربــي الصــدقات ( .وأظنــك ل تعــرف حكــم القــتراض
بالفائدة فاستغفر الله مما مضى ،ول تعد ،واصبر وانتظر
من ربك الفرج واطلب الرزق من عنده ،وتوكل عليــه إن
الله يحب المتوكلين .
كتبه
فضيلة الشيخ
عبدالرحمن بن ناصر البراك
=============
#استثمار المال فى المصارف من قبيل الربا
المحرم
فتاوى الزهر ) -ج / 7ص (238
استثمار المال فى المصارف من قبيل الربا المحرم
المفتي
عبد المجيد سليم .
ربيع الول 1364هجرية 12 -مارس 1945م
المبادئ
- 1اســتثمار المــال فــى المصــارف مــن الربــا المحــرم
شرعا .
- 2استثمار مال اليتامى فى المصارف من الربا كذلك
السؤال
من عمر ب .
من عمان شــرق الردن قــال تأسســت فــى مدينــة عمــان
جمعيــة باســم )جمعيــة الثقافــة الســلمية( غايتهــا إنشــاء
جامعة لتدريس العلــوم العربيــة والشــرعية ،وقــد جمعــت
مبلغا من المال أودعته فى أحد البنــوك المحليــة ولمــا لــم
يتيســر لهــا البــدء فــى العمــل حــتى الن وكــانت أموالهــا
276
معطلة بل فائدة وكان من الممكــن الحصــول علــى فــائدة
من المصرف الموجودة به الموال بحيث ينمو هــذا المــال
إلى أن يتيسر إنفــاقه فــى ســبيله لــذلك رأت الجمعيــة أن
تسترشد رأى سماحتكم مستعملة عما إذا كــان يجــوز لهــا
تنمية المــال المــذكور بالصــورة المــذكورة أســوة بــأموال
اليتــام الــتى تنمــو بمعرفــة الموظــف المخصــوص لــدى
المحكمة الشرعية
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد بأن استثمار المال بالصورة المذكورة غير جائز لنــه
من قبيل الربا المحرم شرعا كما ل يجوز اســتثمار أمــوال
اليتامى بالطريق المذكورة .
هــذا وأن فيمــا شــرعه الل ّــه تعــالى مــن الطــرق لســتثمار
المال لمتسعا لستثمار هذا المــال كــدفعه لمــن يســتعمله
بطريق المضاربة الجائزة شرعا أو شــراء مــا يســتغل مــن
العيان إلى أن يحين الوقت لستعماله فيما جمع من أجله
فيباع حينئذ وبهذا علم الجواب .
والّله أعلم
=============
#هل العائد من البنوك السلمية من باب الربا؟
فتاوى معاصرة ) -ج / 1ص (186
الموضوع :هل العائد من البنوك السلمية من باب الربا؟
السؤال:
اطلعنا علــى الطلــب الــوارد إلينــا عــن طريــق النــترنت -
المقيد برقم 17لسنة 2004المتضمن -:أضع نقودي في
بنك مصر فرع المعاملت السلمية في دفتر توفير بنظــام
الوكالة وبسعر عائد متغير يتم تحديده كل ســنة ويشــترط
البنك على نفسه أن يوظــف المــال فيمــا أحلـه اللــه فهــل
عائد هذه الموال ربا أم ل ؟
المفتي :فضيلة الستاذ الدكتور /علي جمعة.
الجواب:
ل مانع شرعا ً للسائل أن يودع أمواله في البنوك السلمية
وأن يأخذ ربح هذا المال حتى وإن كان ل يعرف كيــف يتــم
277
استثماره مادام القائمون على العمل في هذه البنــوك قــد
تعهدوا أن كل معــاملتهم ل تتعــارض مــع أحكــام الشــريعة
السلمية .
ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال .
والله سبحانه وتعالى أعلم
==============
#الفرق بين الربا والرشوة
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ) -ج / 15
ص (375
الربا
السؤال الول من الفتوى رقم )(9374
س :1ما الفرق بين الربــا والرشــوة ،وهــل أنكــر الســلم
الرشوة ،وما حكمها في السلم؟
ج :1أوًل :الربــا معنــاه فــي اللغــة :الزيــادة ،وهــو شــر ً
عا
قسمان :ربا فضل ،وربا نسأ ،فربا الفضل هــو :بيــع مكيــل
مطعوم بمكيل مطعــوم مــن جنســه ،مــع زيــادة فــي أحــد
العوضين ،وبيع موزون بموزون من جنسه ،مع زيــادة أحــد
العوضين ،كذهب بــذهب ،أو فضــة بفضــة ،مــع زيــادة أحــد
العوضين ،وربا النسأ :بيع مكيل مطعــوم بمكيــل مطعــوم،
مع عدم التقابض فــي مجلــس العقــد ،ســواء اتحــد جنــس
العوضين أو اختلــف ،وبيــع مــوزون بمــوزون مــن ذهــب أو
فضة أو ما يقـوم مقامهمــا مـن الـورق النقـدي ،مــع عــدم
القبض في مجلس العقد ،سواء اتفق الجنس أو اختلف.
=============
#سبب تحريم الربا
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ) -ج / 15
ص (379
السؤال السادس من الفتوى رقم )(9450
س :6ما سبب تحريم الربا؟
ج :6يجــب علــى المســلم التســليم والرضــا بأحكــام اللــه
سبحانه ولو لم يعرف علة الوجوب أو التحريم ،لكن بعــض
الحكام تكون علة التحريم ظاهرة ،كما في تحريــم الربــا،
حيث فيه استغلل حاجــة الفقيـر ،ومضـاعفة الــدين عليـه،
278
وما ينشأ عن ذلــك مــن العــداوة والبغضــاء ،وفــي تعــاطي
الربا ترك العمـل والعتمـاد علـى الفـوائد الربويـة ،وعـدم
الســعي فــي الرض ،وغيــر ذلــك مــن المضــار والمفاســد
العظيمة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه
وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء
عضو //نائب رئيس اللجنة //الرئيس //
عبد الله بن غديان //عبد الرزاق عفيفي //عبد العزيز بن
عبد الله بن باز //
==============
#الربا ثلث وسبعون بابا
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ) -ج / 15
ص (380
السؤال الثاني من الفتوى رقم )(9636
س :2قيل في أحد الحـاديث عـن الرسـول فــي موضــوع
الربا :أن الربا ثلثــة وســبعون باب ًــا .مــا هــي هــذه البــواب
بالتفصيل لكي يتجنبها النــاس ،والعمــل علــى البتعــاد عــن
الوقوع فيها؟
ج :2حديث » :الربا ثلث وسبعون بابــا « رواه ابــن مــاجه
عن ابن مسعود ورواه الحاكم بزيــادة » :أيســرها مثــل أن
ينكح الرجل أمه ،وإن أربى الربا عرض الرجــل المســلم «
) ، (1ذكرهمــا الســيوطي فــي )الجــامع الصــغير( ،ورمــز
للول بالضعف ،ولروايــة الحــاكم بالصــحة ،ونقــل المنــاوي
في )الفيض( عن الحافظ العراقي :أن إســنادهما صــحيح،
والمـراد بالربـا :إثـم الربـا ،قـال الطيـبي :ل بـد مـن هـذا
التقدير؛ ليطابق قوله » :أن ينكح « ،ويدل لذلك رواية» :
الربا سبعون حوًبا « عن ابن ماجه ،والحوب :الثم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه
وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء
عضو //نائب رئيس اللجنة //الرئيس //
279
عبد الله بن غديان //عبد الرزاق عفيفي //عبد العزيز بن
عبد الله بن باز //
_________
) (1ابن ماجه 764 / 2برقم )،2274ـ ،(2275والحاكم
،37 / 2والصبهاني فــي )تاريــخ أصــبهان( 61 / 2مــن
حــديث عبــد اللــه رضــي اللــه عنــه .وروى الطــبراني فــي
)الكبير( بعضه موقوًفا على عبد الله رضي اللــه عنــه / 9
321برقم ) ،(9608ورواه الطبراني في )الوسـط( ،مـن
حديث البراء رضي الله عنه 158 / 7برقم )) (7151ط:
دار الحرميــن( ،ورواه ابــن الجــارود فــي )المنتقــى( مــن
حديث أبي هريرة رضي الله عنه 220-219 / 2برقــم )
.(647
==============-
#ما هي الشياء التي يحرم فيها الربا؟
السؤال الثالث من الفتوى رقم )(16875
س :3ما هي الشياء التي يحرم فيها الربا؟
ج :3الشياء التي يحرم فيهــا الربــا هــي :الــذهب والفضــة
والبر والشعير والتمر والملــح ،ومــا شــارك هــذه الصــناف
الستة في علة الربا ،وهي في النقدين الثمنية ،وفــي بقيــة
الصــناف الكيــل مــع الطعميــة علــى الصــحيح مــن أقــوال
العلماء.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه
وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء
عضو //عضو //عضو //الرئيس //
بكر أبو زيد //عبد العزيــز آل الشــيخ //صــالح الفــوزان //
عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
==============
#الربا على المرابي والمقترض
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ) -ج / 15
ص (382
السؤال الول والثاني من الفتوى رقم )(3630
280
س ،1ـ :2هل يحرم الربا حيــث وجــد ،وبــأي صــورة علــى
الطرفيــن )الطــرف المرابــي والطــرف المقــترض( علــى
الطلق؟ أم يحــرم فقــط علــى الطــرف المرابــي دون
الطرف المقترض ،وإن لم يكن هنــاك جنــاح ول وزر علــى
الطرف المقترض فهل هذا مشروط بالحاجة لهــذا المــال،
طا فيــه؟ وعدم الستطاعة والفقر ،أم ليست الحاجــة شــر ً
فإذا كان يجوز لمن كانت به حاجة فهل يجوز لمن لم تكن
به حاجة شديدة القتراض من بنــك يتعامــل بالربــا بفــائدة
ســنوية مشــروطة %15فــي الســنة مثًل ،حيــث يســتطيع
العمــل فــي هــذا المــال ،وتحقيــق ربــح أكــبر مــن الفــائدة
حــا مــن المشروطة %50في السنة مثًل ،وبذلك يحقق رب ً
خلل الفــرق بيــن الفــائدة المشــروطة وبيــن الربــح الــذي
حصل عليه من خلل عمله في المال المقترض %35تبًعا
للمثال المضروب ،أم ل يجوز؟
ج ،1ـ :2أوًل :يحرم الربا حيــث وجــد ،وبــأي صــورة كــان،
على صاحب رأس المال ،ومن اقترض منه بفــائدة ،ســواء
كان المقترض فقيًرا أم غنًيا ،وعلى كل منهما وزر ،بل كل
منهما ملعون ،ومن أعانهما على ذلك ،مــن كــاتب وشــاهد
ضا؛ لعموم اليات والحاديث الثابتــة الدالــة علــى ملعون أي ً
ْ
ن مــو َ ن الّرب َــا َل ي َُقو ُ ن ي َأك ُُلو َ َ تحريمه ،قال الله تعالى } :ال ّ ِ
ذي
طان من ال ْمس ذ َل َ َ
م ك ب ِـأن ّهُ ْ َ ّ ِ شي ْ َ ُ ِ َ ه ال ّ خب ّط ُ ُذي ي َت َ َ م ال ّ ِما ي َُقو ُ إ ِّل ك َ َ
َ
ن مــ ْم الّرَبا فَ َ حّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ ل الّرَبا وَأ َ ما ال ْب َي ْعُ ِ
مث ْ ُ َقاُلوا إ ِن ّ َ
ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ
مُرهُ إ َِلى الل ّ ِ
ه ف وَأ ْ ُ َ َ ظَ ٌ ِ ْ َ ّ ِ ْ َ َ ع
مو ْ ِجاَءهُ َ َ
ق َ ُ
عاد َ فَأول َئ ِ َ
حـ ُ م َن {} ي َ ْ دو َخال ِ ُ
م ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُص َ كأ ْ ن َ م ْ وَ َ
َ ه َل ي ُ ِ
ل ك َّفارٍ أِثيـم ٍ { ) ب كُ ّ ح ّ ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ الل ّ ُ
(1اليات ،وروى عبادة بن الصامت رضي اللــه عنــه ،عــن
النبي صلى الله عليه وسلم أنــه قــال » :الــذهب بالــذهب،
والفضة بالفضــة ،والــبر بــالبر ،والشــعير بالشــعير ،والتمــر
دا بيــد، بالتمر ،والملح بالملح ،مثًل بمثل ،ســواء بســواء ،ي ـ ً
فمن زاد أو استزاد فقد أربى «
_________
) (1سورة البقرة اليتان . 276 ، 275
281
رواه مسلم في صحيحه وروى أبــو ســعيد الخــدري رضــي
الله عنه ،أن النبي صلى الله عليه وسلم قـال » :ل تــبيعوا
الذهب بالذهب إل مثًل بمثل ،ول تشفوا بعضها على بعض،
ول تبيعوا الــورق بــالورق إل مثًل بمثــل ،ول تشــفوا بعضــها
على بعض ،ول تبيعوا منها غائًبا بناجز « ) (1رواه البخــاري
ومسلم وروى المام أحمد والبخاري أن النــبي صــلى اللــه
عليه وسلم قال » :الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة ،والبر
بالبر ،والشعير بالشعير ،والتمر بالتمر ،والملح بالملح ،مثًل
دا بيــد ،فمــن زاد أو اســتزاد فقــد أربــى ،الخــذبمثــل ،يــ ً
والمعطي فيه سواء « ،وثبت عن جابر بن عبد الله رضي
الله عنهما ،أنه قال » :لعن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم آكــل الربــا ومــوكله وكــاتبه وشــاهديه ،وقــال" :هــم
سواء « رواه مسلم .
_________
) (1مالك ،633-632 / 2والشافعي في )المســند( / 2
،157 ،157-156وفي )الرسالة( ص ،277-276برقم )
) (758ت :شاكر( ،وأحمد ،61 ،53 ،51 ،4 / 3والبخاري
،31-30 / 3ومسلم ،1208 / 3ـ 1209برقم )،(1584
والترمذي 543 / 3برقم ) ،(1241والنسائي -278 / 7
279 ،279برقم ) ،(4571 ،4570وعبد الرزاق 122 / 8
برقــم ) ،14563ـ ،(14564وابــن أبــي شــيبة 101 / 7
)بنحوه مختصًرا( ،وابـن حبــان ،391 / 11ـ 392برقــم )
،5016ـ ،(5017وابـن الجــارود 226 / 2برقـم )،(649
والطيالســي ص 290برقــم ) (2181مختص ـًرا ،والــبيهقي
،276 / 5ـ ،157 / 10والبغــوي 65-64 / 8برقــم )
.(2061
282
ونحــوه ،ل بنســبة مــن رأس المــال ،ول بــدراهم معلومــة
الربح ،ومن عجز عن العمل مع فقره؛ حلــت لــه المســألة
والزكاة والضمان الجتماعي.
ثانًيا :ليس لمسلم سواء كان غنًيا أو فقيًرا أن يقترض مــن
البنك أو غيــره بفــائدة %5 ،أو %15أو أكــثر أو أقــل؛ لن
ذلك من الربا ،وهو من كبائر الذنوب ،وقد أغناه اللــه عــن
ذلك بما شرعه من طرق الكسب الحلل كمــا تقــدم ،مــن
العمل عنــد أربــاب العمــال أجيـًرا أو النتظــام فــي عمــل
حكومي مبــاح ،أو التجــار فــي مــال غيــره مضــاربة بجــزء
مشاع معلوم من الربح كما تقدم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه
وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء
عضو //عضو //نائب رئيس اللجنة //الرئيس //
عبد الله بن قعود //عبــد اللــه بــن غــديان //عبــد الــرزاق
عفيفي //عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
==============
#أكل الربا للضرورة
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ) -ج / 15
ص (416
السؤال الثالث من الفتوى رقم )(9275
س :3هناك بعض الناس يتعاملون بالربــا ،ويــدخلون الربــا
ضا في قاعدة :الضرورة تبيح المحظورات .فمــا الحكــم: أي ً
شخص عليه دين :إما أن يدفعه ،أو يقدم للمحاكمة؛ فأخــذ
بالربا؟
ج :3ل يجوز التعامل بالربا مطلًقا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه
وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء
عضو //نائب رئيس اللجنة //الرئيس //
عبد الله بن غديان //عبد الرزاق عفيفي //عبد العزيز بن
عبد الله بن باز //
=============
283
#الشهادة على عقد الربا
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ) -ج / 15
ص (422
الشهادة على عقد الربا
السؤال الول من الفتوى رقم )(10426
س :1لقد طلب عمي أن أشهد معه في بنك مــن البنــوك
ما بأن والدي على قرض ،وهذا القرض فيه فائدة )ربا( ،عل ً
وعمي في هذا المال مشتركان ،ولكن منعت نفســي مــن
الشــهادة فتكــونت مشــاكل ،فــأديت الشــهادة وأنــا لســت
راضًيا عن نفسي ول عــن الشــهادة ،ونــدمت وحزنــت لمــا
بدر مني ،وأنــا فــي حيــرة مــن أمــري وفــي دوامــة ،أرجــو
الفادة.
ج :1تحرم الشهادة على عقد الربــا ،ويجــب عليــك التوبــة
والســتغفار ممــا وقــع منــك مــن الشــهادة علــى القــرض
الربوي.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه
وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء
عضو //نائب رئيس اللجنة //الرئيس //
عبد الله بن غديان //عبد الرزاق عفيفي //عبد العزيز بن
عبد الله بن باز //
=============
#دفع فوائد الربا المحصول عليها مقابل فوائد
الربا المطالب بها من البنك
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ) -ج / 15
ص (500
الفتوى رقم )(7209
س :وضعت مبلًغا من الفلوس في البنــك ،وحصــلت عليــه
فوائد الربــا مبلــغ عشــرة آلف شــلن كيني ًــا ،10000ولــم
ضــاأســتعمل هــذه الفــوائد الربــا ،وتركتهــا كمــا هــي وأي ً
ضا من البنك بفوائد الربا ،ويطالبون الن بدفع استلمت قر ً
فوائد الربا مبلغ عشرة آلف شلن كينًيا ،هل يجــوز لــي أن
284
أدفع فوائد الربا التي حصلت عليها بفوائد الربا المســتحقة
علي للبنك؟
ج :إيداعك مبالغ فــي البنــك الربــوي وأخــذك فــوائد عليهــا
ضا من البنك بفوائد حرام ،ول يجــوز لــك حرام ،وأخذك قر ً
أن تدفع ما أخذته من الفوائد الربوية مقابل مبلغــك الــذي
دا للفــوائد الــتي لزمتــك مــن أجــلأودعته في البنك؛ تسدي ً
اقتراضك مبلًغا من البنك ،بل يجب عليــك أن تتخلــص مــن
الفوائد التي تسلمتها عن مبلغك بإنفاقهــا فــي وجــوه الــبر
من فقراء ومســاكين ،وإصــلح مرافــق عامــة ونحــو ذلــك،
وعليك التوبة والستغفار واجتناب التعامل بالربا ،فإنه مــن
كبائر الذنوب ،واتق الله؛ فإنه من يتقه يجعل له من أمــره
يسًرا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه
وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء
عضو //عضو //نائب رئيس اللجنة //الرئيس //
===============
#أخذ الربا لتسديد الضرائب الملزم بها
الفتوى رقم )(13639
س :أفيد فضيلتكم أنني أحد الطلبة السعوديين الدارســين
في بريطانيا ،وحيث إنــه تفــرض علينــا ضــرائب مــن قبــل
الحكومة البريطانية ،مثل ضــريبة الطــرق وضــريبة أخــرى
مقدارها %15على المواد التي نقوم بشرائها غير المــواد
الغذائية ،وملبس الطفال ،وحالًيا تم تطبيق ضريبة جديدة
على الخدمات البلدية ،الــتي تقــدمها بلديــة المدينــة ،مثــل
التعليــم ،النظافــة ،المســابح ،المتنزهــات ،أمــاكن الــترفيه
والخدمات الجتماعية ،وحيــث إننــا ل نســتفيد مــن معظــم
هذه الخدمات ،حيث إنها تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيــف،
ونستفيد فقـط مـن التعليـم والنظافـة وملعـب الطفـال،
ومن المفروض علينا دفع هذه الضــريبة والــتي تــتراوح مــا
بيــن 3000إلــى 4000ريــال ســعودي فــي الســنة ،أي
حوالي 300ريال سعودي شهرًيا ،والسؤال هنا يــا فضــيلة
الشيخ :هل يجوز لي أن أضع مبلًغا من المال فــي حســاب
285
حــااليداع وهو حساب ربوي )يتعامــل بالربــا( ويعطــي أربا ً
تصل إلــى %12فــي الســنة ،وأقــوم بتســديد بعــض هــذه
الضرائب من الرباح أو الفوائد التي أتحصل عليها من هذا
الحســاب؟ ونظ ـًرا لعــدم اســتطاعتي التصــرف فــي هــذا
مـاه َ الموضوع إل عن بينة عمًل بقوله تعالىَ } :فـات ُّقوا الّلـ َ
م { فإني آمل مــن فضــيلتكم التكــرم بــالرد علــى ست َط َعْت ُ ْ
ا ْ
هذه الرسالة في أقــرب فرصــة؛ حــتى يمكننــي التصــرف،
حيث إن تسديد هذه الضرائب سوف يضــيف إلــى أعبــائي
الماديــة .ســائًل المــولى الكريــم أن يطيــل فــي عمركــم،
ويمــدكم بالصــحة والعافيــة ،وفــي الختــام تقبلــوا أطيــب
تحياتي.
ج :ل يجوز لك أن تودع بفائدة لتسديد ما يترتب عليك من
الضرائب من هذه الفائدة؛ لعموم أدلة تحريم الربا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه
وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء
عضو //نائب رئيس اللجنة //الرئيس //
عبد الله بن غديان //عبد الرزاق عفيفي //عبد العزيز بن
عبد الله بن باز //
============
#من لم يجد ما يسد حاجته إل عن طريق الربا
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ) -ج / 16
ص (44
السؤال الثالث من الفتوى رقم )(9422
س :3إذا كان المسلم فقيًرا ويعيش في بلــد غيــر مســلم
ضــا ،وإنــه مجبــور علــى وليــس لــه مــن يســاعده مالي ًــا قر ً
استقراض مبلغ من البنــك ،مــع دفــع مبلــغ زائد رب ًــا ،فهــل
يجــوز لــه دفــع مبلــغ زائد رب ًــا للبنــك نظـًرا إلــى أن حــالته
الفقيرة تضطره على ذلك؟
ج :3ليس له عذر في سد حاجته عن طريق الربا ،ويجــب
عليــه التمــاس ســبب آخــر مبــاح ،أو النتقــال إلــى بلد
المســلمين إن تيســر ذلــك؛ ليتعــاون معهــم علــى الــبر
والتقوى ،ويحفظ دينه عن الفتن ،وينال ما فيه سد حــاجته
286
ق الّلـ َ
ه ن ي َّتـ ِمـ ْ من مال وعلـم ،وقـد قـال اللـه تعـالى } :وَ َ
ب { )(1ـ ، سـ ُ ث َل ي َ ْ
حت َ ِ حي ْ ُن َ م ْ ه ِ جا {} وَي َْرُزقْ ُ خَر ً
م ْ ل لَ ُ
ه َ جع َ ْ
يَ ْ
َ
سًرا { مرِهِ ي ُ ْ نأ ْ م ْه ِ ل لَ ُجع َ ْه يَ ْق الل ّ َن ي َت ّ ِ
م ْ
وقال سبحانه } :وَ َ
(2) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه
وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء
عضو //نائب رئيس اللجنة //الرئيس //
عبد الله بن غديان //عبد الرزاق عفيفي //عبد العزيز بن
عبد الله بن باز //
_________
) (1سورة الطلق اليتان . 3 ، 2
) (2سورة الطلق ،الية . 4
===============
#التصرف في الفوائد بعد التوبة من أخذ الربا
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ) -ج / 16
ص (60
الفتوى رقم )(4843
س :رجل ل يعرف شيًئا عن حرمــة الربــا ،أو يعــرف وغيــر
ملتزم بتعاليم السلم ،ثم علم والتزم ،ولكن كان في يديه
حصيلة من الفوائد التي أخذها من البنــك .مــا هــي أفضــل
طريقة لكي يتخلص من هذه الفوائد التي فــي يــديه علــى
أن ل يضع في البنك أي مبلغ بعد الن؟ أفيدونا جزاكم الله
خيًرا عنا وعن المسلمين.
ج :يجب عليه أن يتصدق على الفقراء والمساكين بالمــال
الذي حصل عليه من البنك كفوائد وهو ل يعلم.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه
وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء
عضو //عضو //نائب رئيس اللجنة //الرئيس //
عبد الله بن قعود //عبــد اللــه بــن غــديان //عبــد الــرزاق
عفيفي //عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
=============
287
#جريان الربا في الورق النقدي
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ) -ج / 16
ص (118
الفتوى رقم )(3291
س :هــل يقــع الربــا فــي الفلــوس وفــي الليــرة التركيــة
المنقوشــة بصــور مخصوصــة ،المــأخوذة مــن القرطــاس
والنحـــاس ،وكـــذا ريـــال العربيـــة الســـعودية الســـلمية،
المأخوذة من القرطاس والنحاس أم ل؟
كما بين في جميع الكتب الشرعية ،ول شيء في الفلــوس
من الربــا ،وكمــا قــال المــام الشــافعي فــي كتــابه )الم(:
)وأن الفلوس ليست بثمن للشــياء المتلفــة؛ لنــه ل زكــاة
فيها ،ومما ل ربا فيه(.
ج :وأجــابت بمــا يلــي :ســبق أن درس مجلــس هيئة كبــار
العلماء موضوع الورق النقدي ،وأصدر فيه قراًرا بالكثريــة
جاء فيه :أوًل :جريان الربا بنــوعيه فيهــا ،كمــا يجــري الربــا
بنــوعيه فــي النقــدين الــذهب والفضــة ،وفــي غيــره مــن
الثمان ،كالفلوس ،وهذا يقتضــي مــا يلــي :أ -ل يجــوز بيــع
بعضه ببعض ،أو بغيره من الجنــاس النقديــة الخــرى مــن
ذهب أو فضة أو غيرهما نسيئة مطلًقا فل يجــوز ،مثًل :بيــع
الدولر المريكي بخمســة أريلــة ســعودية أو أقــل أو أكــثر
نسيئة .ب -ل يجوز بيع الجنــس الواحــد منــه بعضــه ببعــض
دا بيــد ،فل يجــوز مثًلمتفاضًل ،سواء كان ذلك نســيئة أو يـ ً
بيع عشرة أريلة ســعودية ورقًــا بأحــد عشــر ريــاًل ســعودًيا
ورًقا .جـ -يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلًقا ،إذا
دا بيـد ،فيجـوز بيـع الليـرة السـورية أو اللبنانيـة كان ذلك ي ً
بريال سعودي ورًقا كان أو فضة أو أقل من ذلــك أو أكــثر،
وبيع الدولر المريكي بثلثة أريلة سعودية أو أقل أو أكــثر؛
دا بيــد ،ومثــل ذلــك فــي الجــواز بيــع الريــال
إذا كان ذلك ي ً
السعودي الفضة بثلثة أريلة سعودية ورق أو أقــل أو أكــثر
دا بيــد؛ لن ذلــك يعتــبر بيــع جنــس بغيــر جنســه ،ول أثــر يـ ً
لمجرد الشــتراك فــي الســم مــع الختلف فــي الحقيقــة.
ثانًيا:
288
وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين مــن ذهــب أو
فضــة ،أو كــانت تكمــل النصــاب مــع غيرهــا مــن الثمــان
والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لهــل وجوبهــا.
ثالّثا :جواز جعلها رأسمال في السلم والشركات.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه
وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء
عضو //عضو //نائب رئيس اللجنة //الرئيس //
عبد الله بن قعود //عبــد اللــه بــن غــديان //عبــد الــرزاق
عفيفي //عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
==============
#قاعدة الربا
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ) -ج / 16
ص (204
السؤال الول من الفتوى رقم )( 17321
س :1ما الحكم إذا كان يشــتري الــذهب الصــافي بالجــل
ويشتري بالنقد كذلك؟
ج :1قاعدة الربا -1 :أن الربوي إذا اتحــدت علتــه وجنســه
حــرم فيــه التفاضــل والنســأ ،كالــذهب بالــذهب والفضــة
بالفضة ،ولــو كــان أحــدهما جيــدا والخــر رديئا -2 .وأنــه ل
يجوز بيع المصوغ من الــذهب والفضــة بجنســه بــأكثر مــن
وزنــه مقابــل الصــنعة -3 .وأن الربــوي إذا اتحــدت علتــه
واختلف جنسه جاز فيه التفاضــل ،وحــرم النســأ ،كالــذهب
بالفضــة ،فــإنه يجــوز بيــع أحــدهما بــالخر متفاضــل ،ولكــن
يشترط التقابض في مجلس العقــد قبــل التفــرق -4 .وإذا
اختلفت علته وجنسه جاز فيــه التفاضــل والنســأ ،كالــذهب
بالحنطة والفضــة بالشــعير -5 .وأنــه ل يجــوز بيــع الربــوي
بجنسه ومعهما أو مع أحدهما شيء من غير جنسهما ،كمد
عجوة ودرهم بمثلهما أو بمدين ودرهمين ،أو دينار ودرهــم
بدينار -6 .وأن فــروع الجنــاس أجنــاس بــاختلف أصــولها،
فــدقيق الشـعير جنـس ،وخـبزه جنـس وهكــذا -7 .وأنـه ل
يجوز بيع الربوي إل بمعياره الشــرعي ،فاعتبــار المســاواة
فــي الموزونــات بــالوزن ،وفــي المكيلت بالكيــل -8 .وأن
289
المماثلة ل بد من تحققها فيما اشترطت فيه ،والشك فيها
كتحقق المفاضلة -9 .وأن الربــا المحــرم يجــري فــي غيــر
العيان الستة المنصوص عليها ،وأنه متعــد منهــا إلــى كــل
ملحق بشيء منها.
والدلة على هذا كــثيرة منهــا :حــديث عبــادة بــن الصــامت
رضي الله عنه ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
» الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة ،والــبر بــالبر ،والشــعير
بالشعير ،والتمر بالتمر ،والملح بالملــح ،مثل بمثــل ،ســواء
بسواء ،يدا بيد ،فإذا اختلفــت هــذه الصــناف فــبيعوا كيــف
شئتم؛ إذا كان يدا بيد « رواه مسلم وأحمد .
وما صح عنه صلى اللــه عليــه وســلم أنــه قــال » :الــذهب
بالذهب وزنا بوزن ،والفضة بالفضة وزنا بوزن ،والبر بــالبر
كيل بكيــل ،والشــعير بالشــعير كيل بكيــل « رواه الثــرم
والطحاوي وما رواه مسلم وغيره مــن حــديث فضــالة بــن
عبيد قال » :اشتريت قلدة يوم خيــبر بــاثني عشــر دينــارا
فيها ذهب وخـرز ،ففصـلتها فوجـدت فيهـا أكـثر مـن اثنــي
عشر دينارا ،فذكرت ذلك للنــبي صــلى اللــه عليــه وســلم؛
فقال" :ل تباع حتى تفصل « .وما رواه مسلم وغيره عــن
جابر رضي الله عنه قال » :نهــى رســول اللــه صــلى اللــه
عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر ل يعلم كيلها بالكيــل
المسمى من التمر « .
وبناء على ما ذكر فل يجوز فعــل مــا ذكرتـه فــي الســؤال؛
لن الذهب إذا بيع بجنسـه -ذهـب بــذهب -متفاضــل مــؤجل
دخله ربا الفضل والنسيئة ،وإذا بيع متماثل مؤجل دخله ربــا
النسيئة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه
وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء
عضو //عضو //عضو //عضو //الرئيس //
بكر أبو زيد //عبد العزيــز آل الشــيخ //صــالح الفــوزان //
عبد الله بن غديان //عبد العزيز بن عبد الله بن باز //
==============
:#مسألة :تحريم الربا
290
مجموع فتاوى ابن تيمية ) -ج / 7ص (79
ري ـم ِ ح ِ ن تَ ْ ه ع َـ ْ ح ُ ه ُرو َ س الل ّ ُ سَلم ِ قَد ّ َ خ اْل ِ ْ شي ْ ُ ل َ سئ ِ َ ب الّرَبا ُ َبا ُ
ص ـُلوا م ؛ ل ِي َت َوَ ّ س ال ْي َوْ َ ن الّنا ِ ت ب َي ْ َ مَل ِ مَعا َ ن ال ْ ُ م ْ ل ِ ما ي ُْفعَ ُ الّرَبا وَ َ
ب سًرا فَي َْقل ِـ ُ مع ْ ِ ن ُ مد ُْيو ُ ن ال ْ َ كو ُ ن يَ ُ ل الد ّي ْ ُ ح ّ ذا َ ب َِها إَلى الّرَبا وَإ ِ َ
مــوِر ُ
م وَُلةُ اْل ُ ما ي َل ْـَز ُ ل وَ َ ما ٍ خَرى ب ِزَِياد َةِ َ مل َةٍ أ ُ ْ مَعا َ ن ِفي ُ الد ّي ْ َ
ْ
مــا ن َ دو َ مــال ِهِ ُ س َ ل َرأ ُ مــا ِ ب ال ْ َ ح ِ صــا ِ ل ي َُرد ّ عََلى َ ذا وَهَ ْ ِفي هَ َ
مل َةِ الّرَبا ؟ مَعا َ َزاد َ ِفي ُ
ب وا ُ ج َ ال ْ َ
َ
مــاِع .وَقَ ـد ْ ج َ س ـن ّةِ َواْل ِ ْ ب َوال ّ م ِبال ْك ِت َــا ِ حَرا ٌ مَراَباةُ َ ب :ال ْ ُ جا َ فَأ َ
ه موك ِل َ ُ ل الّرَبا وَ ُ م آك ِ َ سل ّ َ ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ سو ُ ن َر ُ } ل َعَ َ
ل ه { َقــا َ ل َلــ ُ حّلــ َ م َ ل َوال ْ ُ حّلــ َ م َ ن ال ْ ُ شــاهِد َي ْهِ .وَل ََعــ َ ه وَ َ كــات ِب َ ُ وَ َ
كا َ
ل صــ ُ نأ ْ ن َ َ ن .وَإ ِ ْ مل ُْعوَنا ِ ن َ ح َ .فاِلث َْنا ِ حي ٌ ص ِ ث َ دي ٌ ح ِ مذِيّ َ الت ّْر ِ
َ
ل مــا ُ ل ال ْ َ ج ِ ه عََلى الّر ُ ن لَ ُ كو ُ ل يَ ُ ج َ ن الّر ُ جاهِل ِي ّةِ :أ ّ الّرَبا ِفي ال ْ َ
َ َ
م ت ُْرب ِــي ؟ . ضــي ؟ أ ْ ه :أت َْق ِ ل ل َـ ُ ل قَــا َ ج ُ ل اْل َ َ ح ّ ذا َ ل فَإ ِ َ ج ُ مؤ َ ّ ال ْ ُ
ل مــا ِ ذا فِــي ال ْ َ ل وََزاد َ هَ ـ َ جـ ِ ذا فِــي اْل َ َ ن وَفّــاهُ وَإ ِّل َزاد َ هَ ـ َ ف َ ـإ ِ ْ
َ
مــاِع ج َ م ب ِإ ِ ْ حَرا ٌ ذا الّرَبا َ حد ٌ .وَهَ َ ل َوا ِ ص ُ ل َ .واْل ْ ما ُ ف ال ْ َ ضاعَ ُ فَي َت َ َ
س ـُلوا َ
ن ت َوَ ّ صــود َ وَل َك ِـ ْ م َْق ُ ذا هُوَ ال ْ َ ن هَ َ كا َ ذا َ ما إ َ ن .وَأ ّ مي َ سل ِ ِ م ْ ال ْ ُ
ن مي َ ســل ِ ِ م ْ ن ال ْ ُ م ْ ن ِ خُرو َ مت َأ ّ ذا ت ََناَزعَ ِفيهِ ال ْ ُ خَرى ؛ فَهَ َ مل َةٍ أ ُ ْ مَعا َ بِ ُ
َ َ
مــا م فَإ ِن ّ َ ح ـَر ٌ م ْ ذا َ ن هَ ـ َ م ن ِـَزاعٌ أ ّ ن ب َي ْن َهُ ـ ْ م ي َك ُـ ْ ة فَل َ ْ حاب َ ُ ص َ ما ال ّ وَأ ّ
َ
ه شُهوَرةٌ .وََالّلــ ُ م ْ ك ك َِثيَرةٌ َ م ب ِذ َل ِ َ ت َواْلَثاُر عَن ْهُ ْ ل ِبالن ّّيا ِ ما ُ اْلعْ َ
َ
ل مــا ِ ل ال ْ َ ن وَأك ْ ِ جي َ حَتا ِ م ْ ضَررِ ال ْ ُ ن َ م ْ ما ِفيهِ ِ م الّرَبا ل ِ َ حّر َ ت ََعاَلى َ
َ
ل حـ ّ ذا َ مــا إ َ ت الّرب َوِي ّةِ .وَأ ّ مَل ِ مَعا َ جود ٌ ِفي ال ْ ُ مو ْ ُ ل وَهُوَ َ ِبال َْباط ِ ِ
َ
ن نأ ْ مي َ سل ِ ِ م ْ ماِع ال ْ ُ ج َ جْز ب ِإ ِ ْ م يَ ُ سًرا :ل َ ْ مع ْ ِ م ُ ري ُ ن ال ْغَ ِ كا َ ن وَ َ الد ّي ْ ُ
ن ب إن ْظ َــاُرهُ وَإ ِ ْ جـ ُ ل يَ ِ ها ؛ ب َ ْ مل َةٍ وََل غَي ْرِ َ مَعا َ ب َل ب ِ ُ ب ِبال َْقل ْ ِ ي َْقل ِ َ
ع
مـ َ ب َل َ ة إل َــى ال َْقل ْـ ِ جـ َ حا َ ن عَل َي ْهِ ال ْوََفاُء فََل َ كا َ سًرا َ مو ِ ن ُ كا َ َ
ُ
مــورِ ب َعْ ـد َ ب عَل َــى وَُلةِ اْل ُ ج ُ وا ِ َ ســارِهِ َ .وال ْـ معَ إعْ َ سارِهِ وََل َ يَ َ
ْ َ
ن دي َ مـ ِ مُروا ال ْ َ ن ي َـأ ُ مل َةِ الّرب َوِي ّـةِ :ب ِـأ ْ مَعا َ ن ِبال ْ ُ مِلي َ مت ََعا ِ زيرِ ال ْ ُ ت ََعْ ِ
سِق ُ ْ
ن كــا َ ن َ ة فَإ ِ ْ طوا الّزَياد َةَ الّرب َوِي ّ َ ل .وَي ُ ْ ما ِ س ال ْ َ ن ي ُؤَد ّيَ َرأ َ أ ْ
ب سـ ِ ح َ من ْهَــا ب ِ َ من ْهَــا وَفِــي ِدين ِـهِ ِ ت ي ُـوَّفى ِ مغَّل ٌ ه ُ سـًرا وَل َـ ُ مع ْ ِ ُ
َ
م. ه أعْل َ ُ ن وََالل ّ ُ كا ِ م َ اْل ِ ْ
===============
#باب الربا
الفتاوى الكبرى ) -ج / 8ص (142
291
ة في تحريم ربا ال َْفضل ال ْك َي ُ َ
م ـعَ ن َ ل أوْ ال ْوَْز ُ ْ ْ ِ َ ْ ِ ِ َِ ب الّرّبا َوال ْعِل ّ ُ ِ َبا ُ
َ
ن مـ ْ صـوِغ ِ م ُ جـوُز ب َْيـعُ ال ْ َ مـد َ ،وَي َ ُ ح َ نأ ْ عـ ْ ة َ الط ّعْم ِ ،وَهُوَ رَِواي َ ٌ
ل جع َ ـ ُ ل ،وَي ُ ْ ماث ُـ ِ ط الت ّ َ شت َِرا ِ ن غَي ْرِ ا ْ م ْ سه ِ ِ جن ْ ِ ضة ِ ب ِ ِ ب َوال ِْف ّ الذ ّهَ ِ
س ـه ِ ، س ب ِن َْف ِ جن ْـ ٍ س ب ِرِب ًــا وََل ب ِ ِ صــيغَةِ ل َي ْـ َ مَقاب َل َةِ ال ّ الّزائ ِد ُ ِفي ُ
ج. شي َْر ٍ م بِ َ س ٌ م ِ س ْ ن ،وَ ِ ت ب َِزي ُْتو ٍ سةٍ وََزي ْ ٌ ري َ خب ٌْز ب ِهَ ِ فَي َُباعُ ُ
ه
ري الّرَبـا ِفيـ ِ جـ ِ ذا قُل َْنـا ي َ ْ ديـدِ إ َ ح ِ س َوال ْ َ حا ِ ن الن ّ َ م ْ ل ِ مو ُ مع ْ ُ َوال ْ َ
ب صــن ْعَةِ ك َث َِيــا ِ ه ب َعْد َ ال ّ صد ُ وَْزن ُ ُ ن ي ُْق َ كا َ ذا َ مول ِهِ إ َ مع ْ ُ ري ِفي َ ج ِ يَ ْ
َ َ ها وَإ ِّل فََل ،وَهُوَ َثال ِ ُ س َ َ
ل هــ ِ لأ ْ وا ِ ث أْقــ َ حو ِ َ ل وَن َ ْ طا ِ ريرِ َواْل ْ ح ِ ال ْ َ
دا صــو ً مْق ُ س ـه ِ َ جن ْ ِ ن ِ مـ ْ ن ِ وا ٍ حي َـ َ ح ـم ِ ب ِ َ م ب َي ْـعُ الل ّ ْ ح ـُر ُ ال ْعِل ْـم ِ ،وَي َ ْ
حم ِ . ل ِل ّ ْ
مــا ك ،وَ َ مال ِ ٌ ه َ حّري ،وََقال َ ُ ت الّرب َوِي ّةِ ِبالت ّ َ موُْزوَنا ِ جوُز ب َي ْعُ ال ْ َ وَي َ ُ
ه
ضـ ِ جــوُز ب َي ْـعُ ب َعْ ِ ن يَ ُ ها ِ ل اْل َد ْ َ مث ْ ُ ن ِ ل َوال ْوَْز ُ ف ِفيهِ ال ْك َي ْ ُ خت َل ِ ُ َل ي َ ْ
جوُز ال ْعََراي َــا ببعض ك َيًل ووزنا ،وعَ َ
ل عَل َي ْهِ ،وَي َ ُ ما ي َد ُ ّ مد َ َ ح َ نأ ْ َ ْ َِْ ٍ ْ َ َْ ً
َ
و
جوَةٍ ،وَهُ َ ن عَ ْ م ْ ة ِ سأل َ ٌ م ْ جوُز َ ميِع ال ْعََراَيا َوالّزُروِع ،وَي َ ُ ج ِ ِفي َ
َ ة ،وَ َ َ َ
مــد َ ح َ بأ ْ مذ ْهَ ِ ظاهُِر َ حِنيَف َ ب أِبي َ مذ ْهَ ُ مد َ وَ َ ح َ نأ ْ ة عَ ْ رَِواي َ ٌ
َ
ت سـ ْ ة ل َي ْ َ حل ْي َـ َ ن ال ْ ِ حل ْي َت ِـهِ ِل ّ س ِ جن ْ ِ حّلى ب ِ ِ م َ ف ال ْ ُ سي ْ ِ واُز ب َي ِْع ال ّ ج َ َ
صود َةٍ . مْق ُ بِ َ
ل ،وََل ٍ مث ْـ مث ًْل ب ِ ِ ص ـة ٍ ِ َ خال ِ شـَها ب ِ َ صـد ُ ِغ ّ ضـةٍ َل ي َْق ِ جوُز ب َي ْـعُ فِ ّ وَي َ ُ
َ صْر ِ ْ ُ حُلو ُ
حدِ س الّنافَِقةِ ب ِأ َ ف َ الُفلو ِ ض ِفي َ ل َوالت َّقاب ُ ُ ط ال ْ ُ شت ََر ُ يُ ْ
َ
خَتاَرهَــا صــورٍ َوا ْ من ْ ُ مد َ ن ََقل ََها أب ُــو َ ح َ نأ ْ ة عَ ْ ن ،وَهُوَ رَِواي َ ٌ الن ّْقد َي ْ ِ
جــوُز ن يَ ُ وا ِ حي َـ َ ب َوال ْ َ كالث َّيا ِ ل ِفيهِ َ ض ُ جاَز الت َّفا ُ ما َ ل ،وَ َ ن عَِقي ٍ اب ْ ُ
ن ة عَ ـ ْ ســاوًِيا وَإ ِّل فََل ،وَهُ ـوَ رَِواي َـ ٌ مت َ َ ن ُ ن ك َــا َ ســاُء ِفي ـهِ إ ْ الن ّ َ
َ
جاَز . ما َ مت ِهِ َ صط ََرَفا د َي ًْنا ِفي ذِ ّ نا ْ مد َ ،وَإ ِ ْ ح َ أ ْ
كاه ابن عَبد ال ْبر عَ َ
ص مــا ن َـ ّ خَلفًــا ل ِ َ ك ِ مال ِ ٍ ة وَ َ حِنيَف َ ن أِبي َ ْ ّ ح َ ُ ْ ُ ْ ِ َ وَ َ
َ َ َ
م ـد َ ح َ نأ ْ ة ع َـ ْ ق وَهُ ـوَ رَِواي َـ ٌ ة َالت ّوَّر ِ سأل َ ُ م ْ م َ حُر ُ مد ُ ،وَي َ ْ ح َ عَل َي ْهِ أ ْ
ة ســيئ َ ً ما َل ي َُباعُ ن َ ِ ن َ م ِ ن ثَ َ خذ ُهُ عَ ْ مأ ْ حُر َ ة َ سيئ َ ً ن َباعَ رِب َوِّيا ن َ ِ م ْ وَ َ
ة. ج ٌ حا َ ن َ م ت َك ُ ْ ما ل َ ْ َ
خ أب ِــي َ م ـهِ َوال ّ َ ْ ٌ
ش ـي ْ ِ ري ِ ح ِ م ـد َ فِــي ت َ ْ ح َ مــام ِ أ ْ ن ال ِ َ سط ب َي ْـ َ وَهُوَ ت َوَ ّ
ذا حِقيـقُ فِــي عُُقـودِ الّرب َــا إ َ حل ّهِ َ ،والت ّ ْ ي ِفي ِ س ّ مْقدِ ِ مدٍ ال ْ َ ح ّ م َ ُ
ض ال ُْفَقَهــاءِ َ
ن ب َعْ ُ كا َ ن َ ن َل عَْقد َ ،وَإ ِ ْ ضأ ْ ل ِفيَها ال َْقب ْ ُ ص ُ ح ُ م يَ ْ لَ ْ
م، مــا ت َـ ّ ن َ م ب ُط َْل ُ م ي َت ِـ ّ مــا َلـ ْ ن َ ل ال ْعَْقـد ُ فَهُـوَ ب ُط َْل ٌ ل ب َط َ َ ي َُقو ُ
َ مَياُء َباط ِل َ ٌ
ريـم ِ الّرب َــا ، ح ِ ن تَ ْ مـ ْ شد ّ ِ مَها أ َ ري ُ ح ِ ة وَت َ ْ م ٌ حّر َ م َ ة ُ كي ْ َوال ْ ِ
ص ـَناعَت َِها معْرِفَ ـةِ ِ ل عَل َــى َ م ُ ش ـت َ ِ ب ال ّت ِــي ت َ ْ جوُز ب َي ْعُ ال ْك ُت ُـ ِ وََل ي َ ُ
292
ه َل حي َ ُ َ
ح أن ّـ ُ صـ ِ ُ ل َوال ّ صـ ٌ مــورِ ب ِإ ِت َْلفِهَــا .فَ ْ ض وَُلةِ اْل ُ وَأفَْتى ب َعْ ُ
حَها أ َوْ َل ، ص ـَل ُ َ دا واٌء ب َـ َ َ سـ ة ب ِعُُروقَِها َ مل َ ً ج ْ مَقاِثي ُ جوُز ب َي ْعُ ال ْ َ يَ ُ
ُ َ َ ْ
ل صــو ِ ن ال ْعُـُروقَ ك َأ ُ ما :أ ّ ح ـد ُهُ َ ن:أ َ ذا ِ خـ َ مأ َ ه َ ل ل َـ ُ ذا ال َْقـوْ ُ وَهَ َ
ر
ج ِ شـ َ حَها ك َب َي ْـِع ال ّ ص ـَل ِ ل ب ُـد ُوّ َ ضَراَوات قَب ْ َ خ ْ جرِ ،فَب َي ْعُ ال ْ َ ش َ ال ّ
جوُز ت َب ًَعا . حه ِ ي َ ُ صَل ِ ل ب ُد ُوّ َ مرِهِ قَب ْ َ ب ِث َ َ
حي َ وال ْ ْ
ي ل فِــي ن َهْ ـ ِ خ ْ م ت َـد ْ ُ ن هَـذِهِ ل َـ ْ حأ ّ ص ِ ُ خذ ُ الّثاِني وَهُوَ ال ّ مأ َ َ َ
ة َ
ح العَْقـد ُ عَلـى اللَقطـ ِ ّ َ ْ صـ ّ ل يَ ِ م بَ ْ سل َ ّ ه عَلي ْهِ وَ َ َ ّ
صلى الل ُ ّ ي َ الن ّب ِ ّ
َ َ
ن مْقث َـأةُ ؛ ِل َ ّ س ال ْ َ ن ت َي ْب َـ َ مةِ إَلى أ ْ دو َ مع ْ ُ جود َةِ َوالل َّقط َةِ ال ْ َ مو ْ ُ ال ْ َ
ك. ة إَلى ذ َل ِ َ عي َ ٌ دا ِ ة َ ج َ حا َ ال ْ َ
َ ويجوز بيع ال ْمَقاِثي دو ُ
ذا حاب َِنا ،وَإ ِ َ صـ َ ضأ ْ ه ب َعْ ُ صول َِها وََقال َ ُ نأ ُ ُ َ ََ ُ ُ َْ ُ َ
و
س وَهُ ـ َ جن ْـ ِ ك ال ْ ِ جاَز ب َي ْعُهَــا وَب َي ْـعُ ذ َل ِـ َ جَرةٍ َ ش َ ض َ ح ب َ َعْ ِ صَل ُ دا َ بَ َ
سعْدٍ . ن َ ِ ث بْ ل الل ّي ْ ِ مد َ ،وَقَوْ ُ ح َ نأ ْ ة عَ ْ رَِواي َ ٌ
ك أ َوْ الـّزْرِع ب ذ َل ِ َ حا َ ص َ نأ ْ
ة اْل َجناس ال ِّتي ساَء حمل ُه فَإ َ
َ ْ ُ ِ ّ َ ْ َ ِ وَب َِقي ّ ُ
َ
ن مــ ْ ه فَ ِ مين ُ ُ ض ِ ن تَ ْ مك ِ ُ ش َل ي ُ ْ جي ْ ٍ جَرادٍ أوْ َ ن َ م ْ حةٍ وَل َوْ ِ جائ ِ َ ذي ب ِ َ ال ّ ِ
ة فِــي حـ ُ جائ ِ َ ت ال ْ َ ري ،وَث َب َت َـ ْ شت َ َِ م ْ ط ال ْ ُ م ي َُفّر ْ ن لَ ْ ن َبائ ِعِهِ إ ْ ما ِ ض َ َ
َ
سـاِوي ت تُ َ مث ًَل وَك َــان َ ْ ف َ ض ب ِـأل ْ ٍ ذا اك ْت ََرى اْلْر َ ما إ َ مَزارِِع ،ك َ َ ال ْ َ
مــا خَل ُ ن هَ ـ َ بال ْجائ ِحة سبعمائ َة ،وبعض الناس يظ ُـ َ
ف َ ذا ِ نأ ّ ّ ِ َ َ ِ َ َْ ِ ٍ ََْ ُ ّ ِ َ
ْ َ
ر
ج ِ ســت َأ ِ م ْ ن ال ْ ُ ما ِ ض َ ن َ م ْ ن ِ كو ُ ف يَ ُ ذا ت َل ِ َ هإ َ س ُ ن ن َْف َ معَْنى أ ّ ِفي ال ْ َ
ه
ما ِفي ِ ذا َ شت ََراةِ ،فَهَ َ م ْ مَرةِ ال ْ ُ كالث ّ َ ن َ كو ُ ب الّزْرِع َل ي َ ُ ح ِ صا ِ ن َ م ْ ِ
مت َِها َ ْ ُ خَل ُ ما ال ْ ِ خَل ٌ
ص ِقي َ ض وَن َْق ِ جَرةِ الْر ِ سأ ْ ف ِفي ن َْف ِ ف ،وَإ ِن ّ َ ِ
ة فِــي حـ ُ جائ ِ َ ت ال ْ َ حا وَن َب َت َـ ْ ن الّر َ ماُء عَ ْ ما ل َوْ ان َْقط َعَ ال ْ َ ن كَ َ كو ُ فَي َ ُ
مَزارِِع . ال ْ َ
==============
ةض ً ف ّ ن ِ عي َ ة ب ِأ َْرب َ ِ ض ً ف ّ فا ِ ص ً ع نِ ْ ن َبا َ م ْ ع ّ #باب الرباَ -
ها وْزن ُ َ َ
فتاوى الرملي ) -ج / 2ص (473
ة َ سئ ِ َ
ضــ ً ن فِ ّ ة ِبــأْرب َِعي َ ض ً صًفا فِ ّ ن َباعَ ن ِ ْ م ْ ل ( عَ ّ ب الّرَبا ( ) ُ ) َبا ُ
َ
ذا ن ه َـ َ مـ ْ ذا الّرب ْـعُ ب ِـوَْزن ِهِ ِ ل ب ِعُْتك هَـ َ ضةِ أوْ َقا َ ن ال ِْف ّ وَْزن َُها وَْز ُ
ح صـ ّ ل يَ ِ م قَـد ُْرهُ فَهَـ ْ م ي ُعْل َـ ْ س ل َـ ْ حا ٌ ما ن ُ َ من ْهُ َ ل ِ ف وَِفي ك ُ ّ ص ِ الن ّ ْ
حــدٍ فََل يٍء َوا ِ ش ْ صاَر ك َ َ ث َ حي ْ ُ ضة ِ ب ِ َ س ِبال ِْف ّ حا ِ ط الن ّ َ خت َِل ِ ال ْب َي ْعُ ِل ْ
جوَةٍ وَدِْرهَم ٍ ؟ مد ّ عَ ْ جوَةٍ وَدِْرهَم ٍ ب ِ ُ مد ّ عَ ْ ن ك َب َي ِْع ُ كو ُ يَ ُ
َ َ
ة
حِقيَق ـ ِ ماث َل َـةِ ك َ َ م َ ل ِبال ْ ُ جه ْ ـ ُ ل إذ ْ ال ْ َ ن ال ْب َي ْـعَ َباط ِـ ٌ ب ( ب ِأ ّ جا َ ) فَأ َ
خت َِل ُ َ
ة ِفــي ح َ ص ّ ضي ال ّ ما ي َْقت َ ِ شْرط ِهِ فَإ ِن ّ َ ط بِ َ ما اِل ْ ضل َةِ وَأ ّ مَفا َ ال ْ ُ
293
ضــا َ ال ْمكيل َل في ال ْموزون ول َـو سـل ّ َ
ضــيَها ِفيـهِ أي ْ ً ه ي َْقت َ ِ م أن ّـ ُ َ ُْ ِ َ ْ ُ َ ِ َ ِ ِ
ة الّرب َوِيّ . ماث َل َ ُ م َ ت ُ ذا عُرِفَ ْ هإ َ حل ّ ُ م ِ فَ َ
==============
مث ًَل دا َ م ّ ن ُ دا ب ِث ََلِثي َ م ّ ن ُ رو َ ش ِ ع ْ #باب الربا -ال ْ ِ
الفتاوى الفقهية الكبرى ) -ج / 4ص (403
ب حــ ّ ه َ مَعــ ُ ن َ ْ م
ه عَ ّ ه ت ََعاَلى عَن ْ ُ ي الل ّ ُ ض َ ل ( َر ِ سئ ِ َ ب الّرَبا ) وَ ُ َبا ُ
َ َ
س سـ َ ب فَأ ّ حـ ّ ك ال ْ َ شـَراَء ذ َل ِـ َ ل ب َل َـدِهِ ي َب ْغِــي ِ ض أه ْ ـ ِ جاَءهُ ب َعْ ُ وَ َ
م ي َعْن ِــي عن ْـدِهِ ْ عـد َةٍ ِ شـت ََرى عَل َــى َقا ِ م ْ ب ال ْ ُ حـ ّ ك ال ْ َ ب ذ َل ِ َ ح ُ صا ِ َ
َ َ
م مث ًَل ث ُـ ّ دا َ مـ ّ ن ُ دا ب ِث ََلِثيـ َ م ّ ن ُ ري َ ِ ش ن ال ْعِ ْ حوا عََلى أ ّ صط َل َ ُ ما ْ أن ّهُ ْ
َ
ه
م ل ِــي هَ ـذِ ِ س ـل ِ ْ خ ـَر :أ ْ لآ َ ٍ جـ ل ل َِر ُ ب َقا َ ح ّ ب ال ْ َ ح ُ صا ِ َ كب َعْد َ ذ َل ِ َ
َ
ك م ذ َل ِـ َ س ـل َ َ ب فَأ ْ حـ ّ مـد ّ َ ن ُ ل ب ِث ََلِثيـ َ جـ ِ ذا الّر ُ م عَل َــى هَـ َ الد َّراهِ َ
ك ش ـَرى ب ِهَــا ذ َل ِـ َ ب وَ َ حـ ّ ش ـَراَء ال ْ َ ذي ي َب ْغِــي ِ ص إَلى ال ّـ ِ خ ُ ش ْ ال ّ
ب ح ّ ب ال ْ َ ح َ صا ِ ص َ خل ّ ُ ة تُ َ حيل َ ُ ل هَذِهِ ال ْ ِ م ذِك ُْرهُ فَهَ ْ مت ََقد ّ َ ب ال ْ ُ ح ّ ال ْ َ
بعد أ َن أ َسس قَب َ َ
ن؟ ن ب ِث ََلِثي َ ري َ ش ِ ن ال ْعِ ْ لأ ّ َْ َ ْ ّ َ ِ
َ َ
عن ْـد َ جــائ َِزةٌ ِ ن الّرب َــا َ مـ ْ ة ِ صـ َ خل ّ َ م َ ة ال ْ ُ حيل َـ َ ن ال ْ ِ ب ( ب ِـأ ّ جــا َ ) فَأ َ
ة عاي َـ ً ة رِ َ مك ُْروهَ ـ ٌ ك وَت َعَــاَلى ل َك ِن ّهَــا َ ه ت ََباَر َ ه الل ّ ُ م ُ ح َ ي َر ِ شافِعِ ّ ال ّ
خَلف جماعَة م َ
ها وَقَــاُلوا إن ّهَــا َل ت ُِفي ـد ُ مو َ حّر ُ ل ال ْعِل ْم ِ َ ن أهْ ِ ِ َ َ ٍ ِ ْ لِ ِ
َ َ ذا َ مهِ فَإ ِ َ
ن شافِعِّيا وَأَراد َ أ ْ ص َ ٌ خش ْ ن َ كا َ ن الّرَبا وَإ ِث ْ ِ م ْ ص ِ خِلي َ الت ّ ْ
َ
ن ك ك َـأ ْ ه ذ َل ِـ َ جــاَز ل َـ ُ ن الّرب َــا َ مـ ْ ص ب ِـهِ ِ خل ّ َ من َْها ل ِي َت َ َ شي ًْئا ِ ل َ ي َْفعَ َ
َ
ت إل َي ْــك هَـذِ ِ
ه م ُ س ـل َ ْ هأ ْ من ْـ ُ ري ِ شت َ ِ جاَء ي َ ْ ن َ م ْ ه لِ َ مع َ ُ ذي َ ل ال ّ ِ ي َُقو َ
ص ـَفات َِها مي ـعَ ِ ج ِ ذا وَي َـذ ْك ُُر َ صَفت َُها ك َ َ عا ِ صا ً ن َ م ِفي ث ََلِثي َ الد َّراهِ َ
طيــهِ ِفــي ظــاهًِرا وَي ُعْ ِ خت َِلًفــا َ ضا ْ ف ب َِهــا ال َْغــَر ُ خت َِلــ ُ ال ِّتــي ي َ ْ
ه وَي َْنــذ ُُر مع َ ُ ذي َ ب ال ّ ِ ح ّ ك ال ْ َ ه ذ َل ِ َ م ي َهَب ُ ُ م ثُ ّ ك الد َّراهِ َ س ت ِل ْ َ جل ِ ِ م ْ ال ْ َ
ه
مِتــ ِ عا ِفــي ذِ ّ صــا ً ن َ ب ب ِث ََلِثيــ َ حـ ّ ب ال ْ َ ح ِ صــا ِ ش ـَراِء ل ِ َ ريــد ُ ال ّ م ِ ُ
ب ح ُ صــا ِ مِتــهِ وَ َ عا ِفي ذِ ّ صا ً ن َ ما ِفي ث َلِثي َ َ ب دِْرهَ ً ح ّ ب ال َ ْ ح ِ صا ِ وَ َ
ن مـ ْ ه ِ معَـ ُ مــا َ ري َ شـت َ ِ ه ِبـهِ أ َوْ ي َ ْ ه أوْ ي َن ْذ ُُر ل َـ ُ
ال ْحب يهبه ما مع َ
َ ّ ََُ ُ َ َ َ ُ
عا صــا ً ن َ ما ِفي ث ََلِثي َ ب دِْرهَ ً ح ّ ب ال ْ َ ح َ صا ِ م َ سل ّ ُ ب ب ِدِْرهَم ٍ وَي ُ َ ح ّ ال ْ َ
ن ال ْوُقُــوِع ِفـي مـ ْ مان َِعـةِ ِ حةِ ال ْ َ حي َ صـ ِ ل ال ّ حي َـ ِ ن ال ْ ِ م ْ ك ِ حوَ ذ َل ِ َ وَن َ ْ
َ
ب. وا ِ ص َ م ِبال ّ ه وَت ََعاَلى أعْل َ ُ حان َ ُ سب ْ َ ه ُ وَْرط َةِ الّرَبا وََالل ّ ُ
==============
#الفصل السادس في تفسير الربا وأحكامه
الفتاوى الهندية ) -ج / 21ص (216
294
َ
مهِ ( وَهُـوَ فِــي حك َــا ِ ســيرِ الّرب َــا وَأ ْ س ِفي ت َْف ِ سادِ ُ ل ال ّ ص ُ ) ال َْف ْ
ض ـةِ مَعاوَ َ ض فِــي ُ عو َ ٌ ه ِ ل َل ي َُقاب ِل ُ ُ ما ٍ ل َ ض ِ ن فَ ْ عَباَرةٌ عَ ْ شْرِع ِ ال ّ
ه
س ِ جن ْ ِ مع َ ِ ن ِبيعَ َ موُْزو ٍ ل وَ َ كي ٍ م ِ ل َ م ِفي ك ُ ّ حّر ٌ م َ ل وَهُوَ ُ ما ٍ ل بِ َ ما ٍ َ
ل مــا ي ُك َــا ُ ل ِفي َ ْ
س وَن َعْن ِــي ِبالَق ـد ْرِ الك َي ْـ َ ْ جن ْـ ُ ْ
ه الَق ـد ُْر َوال ِ ْ علت ُـ ُ ّ وَ ِ
ر
مـ ِ شـِعيرِ َوالت ّ ْ ل ك َــال ْب ُّر َوال ّ كي ُ م ِ ذا ِبيعَ ال ْ َ ن فَإ ِ َ ما ُيوَز ُ ن ِفي َ َوال ْوَْز َ
َ وال ْمل ْ َ
ي مــا ي ُب َــاعُ ب ِــاْلَواقِ ِ ض ـة ِ و َ َ ب َوال ِْف ّ
َ
كال ـذ ّهَ ِ ن َ م ـوُْزو ُ ح أو ْ ا ل ْ َ َ ِ ِ
جّيــد ُهُ ح وَ َ صــ ّ ما َل ي َ ِ حد ُهُ َ لأ َ ض َ ن ت ََفا َ ح وَإ ِ ْ ص ّ ل َ مث ْ ٍ مث ًْل ب ِ ِ سه ِ ِ جن ْ ِ بِ ِ
ما ِفيهِ الّرب َــا م ّ جي ّدِ ِبالّرِديِء ِ ح ب َي ْعُ ال ْ َ ص ّحّتى َل ي َ ِ واٌء َ س َ ه َ وََرِديئ ُ ُ
ة
حــ ِ ن َوالت ّّفا َ حْفن َت َي ْ ِ حْفَنــةِ ِبــال ْ َ جــوُز ب َْيــعُ ال ْ َ ل وَي َ ُ مْثــ ٍ مث ًْل ب ِ ِ إّل ِ
حْفن َةِ وَل َوْ ت ََباي َعَــا حك ْم ِ ال ْ َ صاٍع ِفي ُ ف َ ص ِ ن نِ ْ دو َ ما ُ ن وَ َ ح َت َي ْ ِ ِبالت ّّفا َ
ص ج ّ كــال ْ َ ضــًل َ مت ََفا ِ ســهِ ُ جن ْ ِ مط ُْعــوم ٍ ب ِ ِ موُْزوًنــا غَْيــَر َ كيًل أوْ َ م ِ َ
م ح ـّر َ س ُ جن ْـ ُ ْ
ج ـد َ الَق ـد ُْر َوال ِ ْ ن وُ ِ عن ْـد ََنا وَإ ِ ْ ج ـْز ِ م يَ ُ َ
دي ـدِ ل ـ ْ ح ِ َوال َ ْ
َ
ل ضــ ُ ل ال َْف ْ ح ّ خُر َ م اْل َ ما وَعُدِ َ حد ُهُ َ جد َ أ َ ن وُ ِ ساُء وَإ ِ ْ ل َوالن ّ َ ض ُ ال َْف ْ
ذا فِــي ســاُء ك َـ َ ل َوالن ّ َ ضـ ُ ل ال َْف ْ حـ ّ ما َ ن عُـدِ َ ســاُء وَإ ِ ْ م الن ّ َ حـّر َ وَ ُ
م ســل ّ َ ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ سو ُ ص َر ُ يٍء ن َ ّ ش ْ ل َ كاِفي وَك ُ ّ ال ْ َ
ك ن ت َـَر َ عََلى تحريم التَفاضـل فيـه ك َيًل فَهـو مكيـ ٌ َ
دا وَإ ِ ْ ل أب َـ ً ُ َ َ ِ ُ ِ ِ ِ ْ َ ْ ِ ِ ّ
ح م ـرِ َوال ْ ِ ْ حن ْط َـةِ َوال ّ ل ال ْ ِ مث ْـ ُ س ال ْك َي ْ َ
مل ـ ِ ش ـِعيرِ َوالت ّ ْ
شيٍء نص عََلى تحريمـه وزنــا فَهـو مـوزو َ
ل ِفي ـهِ ِ الّنا ُ
ن دا وَإ ِ ْ ن أب َـ ً ُ َ َ ُْ ٌ َ ْ ِ ِ ِ َْ ً ل َ ْ ُ ّ وَك ُ ّ
ذا فِــي ض ـةِ ك َـ َ ب َوال ِْف ّ ل ال ـذ ّهَ ِ مث ْـ ُ ن ِفي ـهِ ِ س ال ْـوَْز َ ك الن ّــا ُ ت َـَر َ
ه ك َي ًْل عََلــى ف ك َوْن ُ ُ ن عُرِ َ ص ِفيهِ وَل َك ِ ْ ما َل ن َ ّ ج وَ َ ِ ها ج ال ْوَ ّ سَرا ِ ال ّ
َ
ن دا وَإ ِ ْ ل أب َ ً كي ٌ م ِ م فَهُوَ َ سل ّ َ ه عَل َي ْهِ وَ َ صّلى الل ّ ُ ل الل ّهِ َ سو ِ عَهْدِ َر ُ
موُْزون ًــا ه َ ف ك َـوْن ُ ُ مــا عُـرِ َ مان َِنا وَ َ ه وَْزًنا ِفي َز َ س ب َي ْعَ ُ اعَْتاد َ الّنا ُ
َ
ف م ي ُعَْر ْ ص ِفيهِ وَل َ ْ ما َل ن َ ّ دا وَ َ ن أب َ ً موُْزو ٌ ت فَهُوَ َ ك ال ْوَقْ ِ ِفي ذ َل ِ َ
ه
م ي ُعْت َب َُر ِفي ـ ِ سَل ُ صَلةُ َوال ّ ل الل ّهِ عَل َي ْهِ ال ّ سو ِ ه عََلى عَهْدِ َر ُ حال ُ ُ َ
ه ن ت ََعاَرُفوا وَْزن َ ُ ي وَإ ِ ْ ه فَهُوَ ك َي ْل ِ ّ َ
ن ت ََعاَرُفوا ك َي ْل ُ س فَإ ِ ْ ف الّنا ِ عُْر ُ
ذا ي وَهَ ـ َ ي وَوَْزن ِـ ّ ه فَهُوَ ك َي ْل ِ ّ ه وَوَْزن َ ُ ن ت ََعاَرُفوا ك َي ْل َ ُ ي وَإ ِ ْ فَهُوَ وَْزن ِ ّ
ه ت ََعاَلى -ك َ َ ك ُل ّه قَو ُ َ
ذا ِفي ما الل ّ ُ مه ُ َ ح َ مدٍ َ -ر ِ ح ّ م َ ة وَ ُ حِنيَف َ ل أِبي َ ُ ْ
ط. حي ِ م ِ ال ْ ُ
==============
#صورة من صور الربا
الفتاوى الثلثية ) -ج / 1ص (42
صورة من صور الربا
295
] الســؤال [ رجــل بــاع علــى آخــر بضــاعة يســددها علــى
أقساط شهرية وثمن المبيع تسعة آلف ريال ،واتفق على
أنه إذا تخلف المشتري عن التسديد فإنه يدفع زيادة علــى
هذا المبلغ قدرها ألــف ريــال ،وهــذه الزيــادة تعطــى لمــن
يستخلص منه المال ،فما حكم البيع؟
الجواب :هذا الشرط فاسد وباطل لنه ربا ،إذ أن النسـان
إذا باع السلعة بثمن فإنه ل يمكن أن يزيد فيهــا ،فالشــرط
باطل وليس له إل ما باع به أول ً
.......
من هو المسيح الدجال؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
] السؤال [ هل ابن صياد هو المسيح الدجال الــذي يخــرج
في آخر الزمان؟ أم هو الرجل الذي في الدير وهو أعظــم
إنسان خلقًا؟ أم الجساسة؟ وهل هــو موجــود الن أعاذانــا
الله من فتنته وشره؟
الجواب :هؤلء كلهم ليســوا المســيح الــدجال الــذي يكــون
في آخر الزمان ،أما ابن صياد فهو دجال مــن الدجاجلــة ل
شك ،وكذاب وكاهن ،وأما حديث الجساســة ففــي نفســي
من صــحته شــيء؛ لن فيــه أشــياء منكــرة ،ولن الرســول
عليه الصلة والسلم قـال فــي آخـر حيــاته فــي مـا معنـى
الحديث) :ل يمر مــائة ســنة وفــي الرض ممــن هــو عليهــا
اليوم أحد( لكنه بشر يخلقه الله عز وجل في حينه
.......
وسائل الدعوة ليست توقيفية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
] السؤال [ كثر الكلم في وسائل الدعوة من حيث كونهــا
توقيفية أم ل ،فما القول الفصل في هذه المسألة؟
الجواب :القول الفصل أن وسائل الــدعوة مــا يتوصــل بــه
إلــى الــدعوة وليســت توقيفيــة ،لكنــه ل يمكــن أن تكــون
الدعوة بشيء محرم كمــا لــو قــال قــائل :هــؤلء القــوم ل
يقبلون إل إذا طلبتم الموســيقى أو المزاميــر أو مــا أشــبه
ذلك ..هذه محرمة ،وأما غير ذلك فكل وســيلة تــؤدي إلــى
المقصود فإنها مطلوبة
296
============
#وجوب التخلص من الربا الحاصل على رأس
المال:
لقاءات الباب المفتوح ) -ج / 24ص (30
وجوب التخلص من الربا الحاصل على رأس المال:
السؤال :فضيلة الشيخ! أحد الخوة كان يضــع أمــواله فــي
ل تاب من ذلك، البنك ،والحمد لله وبفضل من الله عّز وج ّ
وكانت السهم -كما يقول -سعر السهم منها ) (100ريال،
ل،وحصل أن خسر هذا البنك ،فصار سعر السهم ) (80ريا ً
أي :أنهم أعادوا له أقل من رأس المــال ،وهــو يعــرف أنــه
إذا تــاب لــه رأس مــاله؛ ولكــن قبــل ذلــك وّزعــوا أرباح ـا ً
بخمسة ريالت ،وأخذ الرباح ،فهــل يتخلــص مــن الخمســة
ريالت هذه ،أم يجعلها ضمن رأس المال؟
الجــواب :الــواجب عليــه أن يتخلــص مــن هــذه الخمســة
ريالت؛ لنها في وقتها تعد ّ زيادةً وربًا ،فهي ليست أرباحــا ً
بل خسارة .فعليه أن يتصدق بمــا جــاءه مــن الزيــادة قبــل
التوبة تخّلصا ً منها ،ل تقربا ً إلى الله بها .السائل :وإن كــان
في حين توبته أراد أن يصفي فــأعطوه الخمســة ريــالت؟
الشيخ :نفس الشيء ،ما دام أنه الن خســر فمعنــى ذلــك
أن هذه الزيادة كانت قبل أن يحصل النقص برأس المال.
==============
#تغليظ الشارع في تحريم الربا:
لقاءات الباب المفتوح ) -ج / 27ص (10
تغليظ الشارع في تحريم الربا:
الســؤال :فضــيلة الشــيخ :شــخص اضــطر لخــذ الفــوائد
الربوية يقول :أليس الفضل أن آخــذها وأجعلهــا فــي بنــاء
المســاجد أو للفقــراء بــدل ً مــن أن يســتفيد منهــا أعــداء
السلم؟
الجواب :الواقع أن هذا السؤال سؤال مهم لشدة الحاجــة
إلى معرفة الجواب المبني علــى الكتــاب والســنة ل علــى
استحسان العقل ،ونحن إذا بنينا جواب هذا الســؤال علــى
الكتاب والسنة تبين لنا أنه ل يحل لهذا أن يأخذ هذا الربــا؛
َ
همن ُــوا ات ُّقــوا الل ّـ َ
نآ َ لقول الله تبارك وتعــالى :ي َــا أي ّهَــا ال ّـ ِ
ذي َ
297
م ت َْفعَُلــوان َلــ ْ ن * فَإ ِ ْ مِني َ مؤ ْ ِ
م ُن ك ُن ْت ُ ْ ن الّربا إ ِ ْم َي ِ ما ب َِق َ وَذ َُروا َ
ْ
س
ؤو ُ م ُر ُ م فَل َك ُـ ْ ن ت ُب ْت ُـ ْ
ســول ِهِ وَإ ِ ْن الل ّـهِ وََر ُ مـ َ
ب ِ حـْر ٍ فَـأذ َُنوا ب ِ َ
َ
ن ]البقرة [279-278:فهنــا مو َ ن َول ت ُظ ْل َ ُ مو َ م ل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ
م َأ ْ
بين الله عز وجل أن النسان إذا تــاب فليــس لــه إل رأس
ماله فقط ،ل يظلم ول ُيظلم .وثبت في صحيح مســلم أن
النبي صلى الله عليه وســلم خطــب النــاس يــوم الجمعــة،
فقال) :أل وإن ربا الجاهلية موضوع ،وإن أول ربا ً أضع من
ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله( ،فأنت
ترى في هذا الحديث أن الرســول وضــع الربــا الــذي كــان
معقودا ً في الجاهلية قبل تقرر الحكام فــي الســلم ،فمــا
بالك بربا حصل بعد تقرر الحكام في السلم؟! وعلى هذا
نقول :ل يجوز للشــخص أن يأخــذ الربـا مـن البنـوك مهمــا
كانت هذه البنوك ،ثم نقول :لو فرضنا صدق مــا قيــل مــن
أن هــذه الفــوائد ترســل إلــى الكنــائس وإلــى محاربــة
المســلمين فــإنه ل إثــم عليــه فــي ذلــك ،لمــاذا؟ لن هــذه
الفوائد ليس فوائد مــاله ،إذ مــن الممكــن أن يكــون مــاله
الذي أعطاه هذا البنك تصرف فيه البنك تصرفا ً خسر فيــه
أو تصرفا ً لم يربح فيه ،أو تصرفا ً ربح فيه دونما وضــع مــن
الربــا ،فــالقول :إن هــذه فــوائد مــاله ليــس بصــحيح ،هــذه
ليست فوائد ماله ،هذه ربا يعطيها البنـك مـن أعطـاه هـذا
المال ينتفع به ،وإذا لم تكن ثمرات ماله فليس عليــه مــن
صرفت إلى بناء الكنائس أو إلى سلح إثمه نصيب فيما لو ُ
يصوب إلى صدور المسلمين .ثم نقول :إننا إذا منعنــا هــذا
الربا وقد يكون أموال ً طائلة -قد يكون ملييــن -إذا منعنــاه
وقلنا للمسلمين :أيها المسلمون ،إنكم بإيمانكم وإسلمكم
ل يحل لكم أن تأخذوا الربا فسوف يضطر المسلمون إلى
أن يبحثوا عن مصارف إسلمية وبنوك إســلمية يســتغنون
بهــا عــن هــذه البنــوك الربويــة؛ لن الزمــات والحاجــات
والضرورات ل بد أن تبرز شيئا ً ما ،فإذا قيــل للنــاس :هــذا
دعون أنه فوائد ل يحل لكم ،وأنتم إذا أخذتموه الربا الذي ت ّ
فقد أكلتم الربا حين أكلتموه ،وإن تصدقتم بــه تقرب ـا ً إلــى
اللــه لــم يقبــل منكــم وإن تصــدقتم بــه تخلص ـا ً منــه ،فمــا
الفائدة مــن أن يلــوث النســان يــده بالنجاســة ثــم يــذهب
298
منــع هــذا ،فــإنه ل شــك أنــه ســيكون ليغسلها .فنقول :إن ُ
ونــون سببا ً لكون الناس يبحثون عن مصــادر إســلمية ،وي ُك َ ّ
بنوكا ً إسلمية يستغنون بها عن هذه البنوك الربوية .ثم إننا
نقول :ل شك أن علماء اليهود والنصارى يعلمون أن الربــا
م خ ـذِهِ ُمحرم عليهم ،فإن الله تعالى قــال فــي القــرآن :وَأ َ ْ
ه ]النســاء [161:فهــم يعلمــون هــذا فــي الّربا وَقَد ْ ن ُُهوا عَن ْ ُ
كتبهم ،ويعلمون كذلك أن المسلمين قد نهوا عنــه ،فيفــرح
أعــداء المســلمين إذا رأوا أن المســلمين اســتحلوا الربــا
وأخــذوه ،ويعلمــون أن المعاصــي مــن أســباب الخــذلن،
فيــرون أن أخــذ المســلمين لهــذه المــوال الربويــة ســهام
صــوبها المســلمون نحــو صــدورهم؛ لن المعاصــي ســبب
للخذلن ،ول يخفى علينا جميعا ً ما وقع لرسول اللــه صــلى
الله عليه وسلم وأصحابه ،وهم والله أعظم جند على وجه
خلق آدم وقد كانوا تحت قيادة أعظم قائد مــن الرض منذ ُ
بني آدم ،ومع ذلك حصلت عليهم الهزيمة لمعصية واحــدة:
َ
مـا ن ب َعْـدِ َ مـ ْ م ِ صـي ْت ُ ْ
مـرِ وَعَ َ م ِفي اْل ْ م وَت ََناَزعْت ُ ْ شل ْت ُ ْ
ذا فَ ِ حّتى إ ِ َ َ
َ
ريـد ُن يُ ِ مـ ْ م َمن ْك ُـ ْريـد ُ الـد ّن َْيا وَ ِ
ن يُ ِ
مـ ْم َ من ْك ُـ ْن ِ حّبو َ ما ت ُ ِ
م َ أَراك ُ ْ
خ ـَرةَ ]آل عمــران [152:حصــلت الهزيمــة .فــإذا كــانت اْل ِ
معصية واحدة وهــي دون الربــا حصــل فيهــا الخــذلن فمــا
ت علــى أي بالك بالربا الذي جاء فيه من الوعيد مــا لــم يــأ ِ
معصية كانت إل الشرك ،كما قال ذلك شــيخ الســلم ابــن
تيمية رحمه الله ،فكيف نستحل الربا؟! فهــؤلء إذا علمــوا
أننا استحللنا الربا ل شــك أنهــم يفرحــون بهــذا ،ويقولــون:
الن فعل المسلمون ما به خذلنهم ،والواقــع شــاهد بهــذا؛
فالمسلمون يمثلون اليوم جزءا ً كــبيرا ً مــن البشــرية ،ومــع
طعا ً وهم يشاهدون ،لم يستطيعوا أن طع أوصالهم قَ ْ هذا ت َُق ّ
يرفعــوا رأسـا ً بــذلك ،فهــذه البوســنة والهرســك جمهوريــة
إسلمية مستقلة معترف بهــا دولي ـا ً تمــزق؛ يقت ّــل أبناؤهــا،
وتنتهك أعـراض نسـائها ،وي َُيتـم أطفالهـا ،والمسـلمون لـم
يحركوا لذلك ساكنًا! ول يخفى علينا الوثيقة الســرية الــتي
عثر عليهــا الخــوة فــي البوســنة والهرســك الصــادرة مــن
رئيس وزراء بريطانيا إلى وزير خــارجيته ،حيــث يقــول :إن
المسلمين ل يمكن أن يتحركوا تحركا ً تستفيد منه البوسنة
299
والهرسك؛ لنهم تحت إمرتنا .أو كلمة نحوها .ويقــول :إننــا
ســنمانع بشــدة أن تقــوم جمهوريــة إســلمية فــي أوروبــا،
ونمانع بشدة أن نعطي المسلمين سلحا ً يدافعون به عــن
أنفسهم ،وهــذا تحـد ّ للشــعور الســلمي ،لكــن لمــاذا؟ لن
المســلمين مــع الســف عنــدهم مــن العصــيان مــا يــوجب
الخذلن والنكسار ،نســأل اللــه العافيــة .فلهــذا نقــول :إن
هذه الموال الربوية
التي يقال عنها :إنها فــوائد ،هــي واللــه خســائر ،ول يجــوز
ل مــن الحــوال ،فــأنتم أيهــا المســلمون! إذا أخذها بأي حا ٍ
شئتم التخلص من هــذا الثــم اتركــوا الربــا ،أنشــئوا بنوك ـا ً
إسلمية تسير على نهج الله؛ على كتاب الله وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم ،وبذلك تسلموا ،لكــن لــو فــرض أن
البنك أصر على أخذ هذه المــوال الربويـة كمــا يوجـد فــي
بعض البنوك؛ فبعض البنوك تقول :ل يمكن أن أقبــل منــك
رد هذا الشيء؛ لن هذا يخل بحساباتي فهنا تأخــذها؛ لنــك
مرغم عليها ،ثم تتصدق بها تخلصا ً منهـا ل تقربـا ً إلـى اللـه
بها.
=============
#صور من البيوع التي يدخل فيها الربا:
لقاءات الباب المفتوح ) -ج / 93ص (17
صور من البيوع التي يدخل فيها الربا:
السؤال :رجل يبيع سيارات فأتاه شخص يريــد أن يشــتري
منه سيارة ،فقال :عندي سيارتان الســيارة الثانيــة أفضــل
من السيارة الولى ،وسوف أشتريها لــك وأبيعهــا لــك كمــا
تشــاء إمــا نقــدا ً أو تقســيطًا ،والنقــد حــوالي أربعيــن ألــف
والتقسيط اثنين وستين ألف ،فما حكم هذا البيع هــل فيــه
ربا؟
الجواب :إذا كان هذا الــذي يريــد أن يــبيع الســيارة ليســت
السيارة في ملكه ولكن يريد أن يشــتريها لهــذا الشــخص،
فهذا حرام عليه أن يأخذ أكثر من القيمة الــتي دفــع ،فــإذا
اشتراها بخمسين ل يجوز أن يبيعها بواحد وخمســين؛ لنــه
إن فعل ذلك وقع في الربا ،ولكن يبيعها بخمســين ويكــون
قد أقرض المشتري ثمن السيارة ،وهذا خير .أما إذا كانت
300
السيارات موجودة عند الرجل وصار الناس يأتون يشترون
منــه فيقــول لهــم :إن اشــتريتم بتقســيط فهــو بكــذا ،وإن
اشــتريتم نقــدا ً فهــو بكــذا ،يعنــي :أنــزل ،مثل ً يقــول :هــي
بالتقسيط بستين ألف ،وهي بالنقد بخمسين ألف ،فهــذا ل
بــأس بــه ،إذا أخــذها المشــتري بأحــد الثمنيــن؛ لن هــذا ل
محظور فيه ،وليس فيه ربا ،وليس فيـه جهالـة وغـرر ،بـل
هو بيع واضح ،لن ينصرف المشتري إل وقد علم حاله هــل
اشتراها بمؤجل أو اشتراها بنقد .وأما ما ذهب إليــه بعــض
أهل العلم وقالوا :إن هــذا مــن البيعــتين فــي بيعــة والنــبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيعتين في بيعــة،
فهذا ليس بصواب ،لنك إذا قلت :هذه بعشــرين نســيئة أو
بعشرة نقدا ً فأخذها بأحد الثمنين فليس هناك بيعتان ،هــي
خي َّر النسان فيها بين ثمنين ،أحدهما أكثر بيعة واحدة لكن ُ
ولكنه مؤجل والثاني أقل ولكنه نقــد .والبيعــتين فــي بيعــة
إنما تنطبق على مسألة العينة وهي :أن يبيع النسان شيئا ً
بمائة إلى أجل ثم يشتريه بثمانين نقدًا ،فإن هذا هو العينة
التي حذرنا النبي صلى اللــه عليــه وعلــى آلــه وســلم فــي
قوله) :إذا تبايعتم بالعينة ،وأخذتم بأذنــاب البقــر ،ورضــيتم
بالزرع ،وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذل ً ل ينزعــه مــن
قلوبكم حتى ترجعوا إلى دينكم(.
=============
#حرمة أخذ الربا وكيفية التخلص منه:
لقاءات الباب المفتوح ) -ج / 109ص (9
حرمة أخذ الربا وكيفية التخلص منه:
السؤال :ما رأيكم فيمن حصل على مال ربوي سواء كــان
من البنوك الربوية أو حصل عليه من نظــام الدخــار الــذي
يعمل به في بعض الشركات ,ويريد أن يتخلــص منــه ,هــل
له أن ينفقه في أعمال الخيــر كبنــاء المســاجد وغيرهــا ,أو
يقضي الديون عن المسلمين ،أو يعطي أقاربه المحتاجين,
أو يترك هذا المال الربوي ول يأخذ منه شيئا ً وجزاكم اللــه
خيرًا؟
الجواب :أما إذا كان لم يأخذ هذا المال فإنه ل يحل لــه أن
َ
من ُــوا
نآ َ يأخذه بل يدعه؛ لن الله تعالى يقولَ :يا أي ّهَــا ال ّـ ِ
ذي َ
301
ن الّربــا ]البقــرة [278:أي: مـ َي ِمــا ب َِق ـ َ ات ُّقــوا الل ّـ َ
ه وَذ َُروا َ
اتركوه ,وقال النبي صـلى اللـه عليـه وسـلم وهـو يخطـب
بالناس يوم عرفة قال) :ربا الجاهلية موضوع -أي :مهــدر-
وأول ربا ً أضع من ربانا ربا العباس بن عبــد المطلــب فــإنه
موضوع كله( فألغى النبي صلى الله عليه وسلم كل الربــا
مع أنه عقد في الجاهلية قبل السلم ،فمن كان قد عامل
معاملــة ربويــة ولــم يأخــذ الربــا فــالواجب عليــه أن يــدعه
لصاحبه ,وأن يتوب إلى الله عز وجل .أما إذا كان قد أخذه
فإن كان جهل ً منه ول يدري أنه حرام فإن تــوبته تجــب مــا
ه
ن َرب ّـ ِ
مـ ْ عظ َـ ٌ
ة ِ مو ْ ِ
جــاَءهُ َ
ن َ قبلها وهو له ,لقوله تعالى :فَ َ
مـ ْ
ف ]البقــرة .[275:وأمــا إذا أخــذه وهــو س ـل َ َ
ما َ ه ََفان ْت ََهى فَل َ ُ
يعلم أنه حرام لكنه كان ضعيفا ً في الدين ,قليل البصــيرة,
فهنا يتصدق به ,إن شاء في بناء المســاجد ،وإن شــاء فــي
قضاء الديون عمن عجز عن قضائها ,وإن شاء في أقــاربه
المحتاجين؛ لن كل هذا خير.
=============
#بعض أنواع بيوع الربا:
لقاءات الباب المفتوح ) -ج / 114ص (28
بعض أنواع بيوع الربا:
السؤال :وجدت في بلد ما إعلن ـا ً بخصــوص تــوفير قــرض
وتسديده بالقساط وصورته كالتالي :شــخص يريــد شــراء
سيارة ،فذهب إلى بيت التمويل ،فيقوم هذا البيت بشــراء
السيارة التي يريدها الشــخص ،ومــن ثــم تحويلهــا باســمه،
على أن يكون ثمن بيعهــا لــه أكــثر مــن ثمــن شــرائها هــو،
ويقوم الشخص بدفع القساط إلى بيت التمويل.
الجواب :يعني :مثل ً يذهب إلى بيت التمويل يقول :أنا أريد
السيارة فيشتريها باسمه وينقد الثمن ثم يبيعها علــى هــذا
الطالب بأكثر من الثمن مقسـطًا! هـذه حيلـة علـى الربـا,
يعني :بدل مــن أن يقــول :خــذ خمســين ألــف ريــال قيمــة
السيارة ,وهي عليك بستين ألف إلى أجل ,أتى بهــذا الــبيع
الصوري ,بيت التمويل الن لول أن هذا الرجل جاء يطلــب
السيارة هل يشتري السيارة؟ ل ,ولــو أن طــالب الســيارة
قــال :اشــتريها بقيمتهــا ,بمعنــى :تشــتريها بخمســين ألــف
302
وآخــذها منــك بالتقســيط بخمســين ألــف هــل يقبــل بيــت
التمويــل؟ أقطــع أنــه ل يقبــل ,إذًا :مــا الــذي قصــد بيــت
التمويــل مــن هــذه المعاملــة؟ قصــد الزيــادة ,فهــذا -فــي
الحقيقة -قرض بزيادة لكنه بحيلة )لفــة( ومعلــوم أن اللــه
خائ ِن َـ َ ْ َ
مــا
ن وَ َ
ة العْي ُـ ِ عز وجل ل تنفع عنده الحيل ,فهو ي َعْل َ ُ
م َ
دور ]غــافر [19:فلــو قيــل لــبيت التمويــل :مــا صـ ُخِفــي ال ّ
تُ ْ
قصدك بشراء هذه السيارة وبيعها على هذا الرجل؟ لقــال
بكــل تأكيــد :إن قصــده الزيــادة ,ول يمكــن أن يــدعي أن
قصده الحسان إلى هذا الرجل أبدًا ,يقــول بعــض النــاس:
ل -لو أن الرجل المشتري قال :ل أريد الســيارة ،قبلهــا -مث ً
بيت التمويل ,فنقول :أول ً هذه حجة ل تنفع عنــد اللــه؛ لن
هــذا الــذي طلــب الســيارة هــل ســيتركها؟ ل يتركهــا وهــو
يريدها ,ولهذا لو أحصيت ألف معاملــة مــن هــذا النــوع مــا
ون ,فل تغتر بعمــل النــاس .والفــائدة وجدت واحدا ً منهم هَ ّ
التي يأخذها هــذا الرجــل تعتـبر ربـا ,والربــا الصــريح الــذي
تفعله البنوك أهون من هذا؛ لن الربــا الصــريح ربــا يــدخل
النسان فيه على أنه عاص لله ويحاول أن يتوب ,أمــا هــذا
فيدخل فيه على أنــه مبــاح ,وهــذا ل يجــوز ,اليهــود تحيلــوا
على محارم الله بأدنى من هذا ,حرم الله عليهم الشــحوم
قال :ل تأكلوا الشحوم ,فماذا كانوا يصنعون؟ قالوا :نذوب
الشحم ثم نــبيع الشــحم ونأخــذ الثمــن ,الصــورة الن هــل
أكلوا الشـحم؟ مـا أكلـوه ول بـاعوا الشـحم علـى طـبيعته
وأيضا ً ذوبــوه ,حـتى ل يقــال :إنكــم بعتــم مــا حــرم عليكــم
وأكلتم ثمنه ,فذّوبوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه ,والرسول عليه
الصلة والسلم قــال) :قاتــل اللــه اليهــود! حرمــت عليهــم
الشحوم ثم جملوها فباعوها وأكلوا ثمنها( .وكذلك أصحاب
السبت حرمت عليهم الحيتان يــوم الســبت فــابتلهم اللــه
شّرعا ً على وجه الماء من وجعل الحيتان تأتي يوم السبت ُ
كثرتها ,وغير يوم السبت ل يرونها ,فقالوا :مــاذا نعمــل؟ ل
يمكن أن تــذهب هــذه الحيتــان بــدون أكــل ,عملــوا شــبكة
يضعونها يوم الجمعة ,فتــأتي الحيتــان تــدخل فــي الشــبكة
يوم السبت فإذا كان يــوم الحــد جــاءوا وأخــذوها ,وقــالوا:
نحــن مــا صــدناها يــوم الســبت ،صــدنا يــوم الحــد ,فمــاذا
303
عوقبوا؟ عوقبوا في الدنيا يدا ً بيد ,قال اللــه تعــالى :فَُقل ْن َــا
ن ]البقرة [65:فكانوا قردة تتعــاوى سِئي َ
خا ِ م ُ
كوُنوا قَِرد َةً َ ل َهُ ْ
والعياذ بالله .ل يجوز -أبدًا -أن نستحل محارم الله بالحيــل
إطلقًا ,وإن أفتاك الناس وأفتوك ,فكر أنــت بنفســك ,هــل
هذا إل حيلة؟ أما لو كان هذا بيت التمويــل عنــده ســيارات
يأتي زيد ويبيع عليه نقدا ً بخمسين ,ويأتي عمرو ويقول :أنا
أريدها مقسطة فيقول :بستين فهذه ل بأس ,لكن كــونه ل
يشتري إل لجل يأخذ الربــا هــذا ل يشــك النســان أن هــذا
حيلـة .إذا كـان يجـب عليـه النســان أن يتـوب ول يتعامــل
بهذا ,فإن كان لم يعلـم بـأنه حـرام فمـا أخــذه فهــو حلل,
وإن كان قد علم وعاند فهذا محل نظر ,قد نقول :إذا تاب
عظ َـ ٌ
ة مو ْ ِ
جــاَءهُ َ
ن َ فله ما سلف كما قال الله عز وجل :فَ َ
مـ ْ
مـُرهُ إ ِل َــى الل ّـهِ ]البقــرة: من ربه َفانتهى فَل َـه مــا سـل َ َ َ
ف وَأ ْ َ ُ َ ِ ْ َ ّ ِ ََْ
[275وقــد يقــال :ل هــذا الرجــل معانــد فيجــب عليــه أن
يتصدق بكل ما أخذ من هذا .بارك الله فيكم وزادنا وإياكم
علما ً نافعا ً وإلى اللقاء إن شاء الله فــي الخميــس القــادم,
نسأل الله لنا ولكم التوفيق.
=============
#حكم الستعانة بمن يتعامل الربا:
لقاءات الباب المفتوح ) -ج / 124ص (14
حكم الستعانة بمن يتعامل الربا:
السؤال :فضيلة الشــيخ! هنــاك الســندات الــتي تــوزع مــن
ثمن محاصيل القمح ،يوجد أحد الخوة له سـند منهـا ثمنــه
ل ،ولـه أيضـا ً أنـاس يطلبـونه دينـًا ،فأحـدهم قـال: مبلغ عا ٍ
أعطنــي الســند ووكلنــي عليــه وأنــا أســتوفي هــذا الــدين
بطريقتي الخاصة وأرد لك الباقي ،فهــل فــي هــذا شــيء؟
الشــيخ :ويعطيــه .الســائل :نعــم .الشــيخ :مــا فيــه بــأس.
السائل :طبعا ً إذا أعطاه السند وأعطــاه وكالــة ،يقضــيه أو
ما يقضيه إل بطريقة وهي البنك .الشــيخ :ســيأخذ مــا فــي
ل .السـائل :بطريقــة البنــك ل؛ لنهـم سـيأخذون السند كام ً
عليه.
الشــيخ :إي نعــم ،لكــن أنــا ظننــت أن لــه مــدى بالجهــات
المسئولة ،ويمكن يؤثر ،المهم أنه إذا كــان ل يــترتب عليــه
304
الربا فل بأس ،يعنــي هــو اسـتئجار .السـائل :يعنــي نقـول:
الربا هو منه ليس مني .الشيخ :ل ،إذا علمت أنه ل يتوصل
إلى هذا إل بالربا فقد عاونته على الثــم ،واللــه عــز وجــل
ن ]المــائدة[2:؛ لكــن يقولَ :ول ت ََعاوَُنوا عََلى اْل ِث ْـم ِ َوال ْعُـد َْوا ِ
ت أنهــم فســحوا بعــض الشــيء وقــالوا :مــن أراد أن سمع ُ
ل :هو بمائة ألــف ولــه ول فعليه أن يجزئ هذا المبلغ ،مث ً يح ّ
ن عشــرين، أناس يطلبونه أحدهم يطلبه عشرة آلف ،وثــا ٍ
ول هذا المبلغ ،يحول على الــذين وثالث ثلثين وأراد أن يح ّ
يطلبونه ،ل بأس فيه تفسحه .السائل:المصلحة تأخذ مــائة
ريال على كل شــيك؟ الشــيخ :أنــا لــم أســمع بهــذا ،وإنمــا
سمعت بالتجزئة توسـعة للنـاس ،وهـذا طيـب يحـل بعـض
الشيء.
===============
#حكم أخذ الورثة من التركة التي تكون من
الربا:
لقاءات الباب المفتوح ) -ج / 135ص (12
حكم أخذ الورثة من التركة التي تكون من الربا:
السؤال :فضيلة الشيخ! إذا علــم الــوارث أن مــورثه يأكــل
الربا هل يجوز له أخذ نصيبه من الميراث؟
الجواب :يعني :إذا علمنا أن الميت كان يتعامل بالربا فهل
يجوز لورثته أن يأخذوا نصــيبهم مــن التركــة؟ نقــول :نعــم
يجوز ،والثم على نفس الميت؛ إل إذا كان الربا لم يقبــض
حتى الن فهنا نقول للورثة :اقبضوا الربا ممــن هــو عليــه،
ولكن ل تأكلوه ،وتصدقوا به ،أو اجعلوه فــي المســاجد ،أو
في الطرق ،أو في أعمال خير ،أما ما قُِبص فالقــابض هــو
الميــت والثــم عليــه ،ومــا لــم ي ُْقب َــض ل يحــل للورثــة أن
يقبضوه لنفسهم بل يقبضوه لجل أن يصرفوه في أعمال
ل -وهــو ربــا؟ الخيــر ،قــد يقــول قــائل :لمــاذا يقبضــونه -مث ً
نقول :لن هـذا المرابـي الـذي دفـع الربـا قـد أقـدم عليـه
ورضي به وعامل به فل نجمع له بين أن ينتفع بالمال هــذه
المدة وينتفع أيضـا ً بالربــا ،نقــول :هــاته ،فنأخــذه ونعطيــه،
ونجعله فــي المصــالح العامــة .وإن رأوا أن مــن المصــلحة
305
ت ل .أفهمـ َ ترك الربا كمــا لــو كـان فقيــرا ً فل يأخــذونه أصـ ً
الن؟
=============
#صورة من صور الربا:
لقاءات الباب المفتوح ) -ج / 148ص (13
صورة من صور الربا:
السؤال :أنا صاحب تجارة فأبيع بضاعتي علــى مؤسســات
أو شركات أو جمعيات ثم أحصل هــذه الفلــوس بعــد عــدة
أشهر ،خمســة أشــهر أو ســتة أشــهر وأحيانـا ً تطــول هــذه
المدة حتى تتجمد فلوسي عند هذه الشركات ،يقوم البنك
-أحيانا ً بنوك إسلمية عندنا -بدفع هذه الفلوس حال ً نــاقص
قيمــة الفــائدة مثل ً المــائة دينــار يعطينــي البنــك خمســة
وتسعين دينارا ً يدفعها حال ً والبنك يحصلها من التــاجر هــذا
في المستقبل ،فأنا استفدت منها أني أخذت فلوسي حال ً
بدل أن تبقى عندهم ستة أشهر بهذه الطريقة؟
الشيخ :والبنك استفاد الزيادة؟ السائل :نعم .الشيخ :هــذه
فيها محذوران :المحذور الول :هو الربا؛ لن البنك أعطاك
خمسة وتسعين بمائة وهــذا رب ـا ً صــريح ،وهنــاك أيض ـا ً ربــا
الفضل وربا النسيئة يعنــي :ربــا الزيــادة وربــا التــأخير؛ لن
البنك سيتأخر قبضه لهذا العوض .المحذور الثاني :أنه بيــع
ما ليس عندك وما ليس في قبضــتك؛ لنــك بعــت مــا فــي
الذمة على هذا البنــك ،بعتهــا الن علــى هــذه الشــركة مــا
ل ،بعــت الــدنانير للبنــك قبــل أن الذي في ذمتها؟ دنانير مث ً
تقبضه وقبل أن تكون بملكك ففيهــا محــذوران ،فــإن كــان
المر قد مضــى فــالواجب التوبــة إلــى اللــه عــز وجــل وأل
ترجع لمثل تلك المعاملة ،وإن كان لم يكن فالواجب عليك
أل تدخل في مثل هذا.
==============
#كيفية نصح العاملين في البنوك وتحذيرهم
من الربا:
لقاءات الباب المفتوح ) -ج / 149ص (18
كيفية نصح العاملين في البنوك وتحذيرهم من الربا:
306
ؤنا كثيرا ً ما نشاهده من بيوت الربا ،فهل السؤال :إنه يسوْ ُ
لو قام النسان وقــام شــخص بتوزيــع أشــرطة تحــذر مــن
الربا أو كروت دعوية على العاملين في نفس البنــك ،هــل
هذه لئقة؟
الجواب :ل شك أن بيان حكم الربا وأنه من أعظم الذنوب
أمر مطلوب ،ولكــن يبقــى النظــر :هــل ل يكــون فــي هــذا
عرضة لهذا الفاعل من أن يعرض نفسه لمر يكون ضــررا ً
عليه وعلى غيره ،فأنت إذا تمكنت مــن أن تنصــح العمــال
في البنوك نصيحة خاصة قد يكون أثرها أحسن.
============
#فوائد البنوك ) الربا (
فتاوى يسألونك ) -ج / 1ص (98
فوائد البنوك ) الربا (
يقول السائل :إذا كان لفرد أو مؤسسة أموال في البنوك
سالفة الذكر متأتية عن طريق تحـويلت ماليـة أو شـيكات
سياحية حيــث تمكــث المــوال لفــترة فــي البنــك باختيــاره
ويترتب عليها فوائد ربوية فهل يجوز أخذ هذه الفوائد ؟
الجواب :ل يجوز للمسلم اصل ً أن يضــع أمــواله فــي بنــك
ربوي ابتداًء إل لضـرورة .فـإذا حصـل ووضـع أمـواله فيـه
أعطاه البنك ربا وهو ما يسميه النــاس اليــوم زورا ً وبهتانـا ً
فائدة فحينئذٍ يتصرف فيها كما يلي :
أول ً :ل يجــوز تــرك المــوال الــتي تســمى فــائدة للبنــوك
الربوية كما يدعي بعض الناس حيث يقولــون إن هــذا مــن
باب التقوى والورع فهذه تقوى زائفــة وفــي غيــر محلهــا .
ومــن المعــروف أن البنــوك الربويــة إذا تركــت لهــا تلــك
الموال تنفقها في مصالحها الشخصية .
ثانيا ً :ل يجوز النتفاع بتلك الموال انتفاع ـا ً شخصــيا كــأن
ينفقها الشخص على نفسه أو على أهله فهــذه المــوال ل
تحــل للشــخص أبــدا ً ول يحــل لــه إنفاقهــا فــي مصــالحه
الشخصية .
ثالثا ً :على المودع المذكور في السؤال أخذ تلــك المــوال
وإنفاقها علــى الفقــراء وبعــض مصــالح المســلمين العامــة
كبناء مدرسة أو مستشفى أو تجهيز شارع ونحو ذلك .
307
وقد أفتى بــذلك طائفــة مــن علمــاء العصــر منهــم فضــيلة
الشيخ العلمــة مصــطفى الزرقــا حيــث قــال ) إن التــدبير
الصحيح الشرعي في هذه الفوائد أن يأخذها المــودع مــن
المصرف دون أن ينتفع بها في أي وجه من وجوه النتفــاع
فعليه أن يأخــذ تلــك الفــوائد الــتي يحتســبها لــه المصــرف
الربوي عن ودائعه ويوزعها على الفقراء حصــرا ً أو قصــرا ً
لنهم مصرفها الوحيد ( .
وهذا رأي سديد إن شاء الله ولكــن ل أوافقــه علــى قصــر
تلك الموال على الفقراء فقط بل يجوز صرفها في بعــض
مصالح المسلمين العامة كما ذكرت قبل قليل وينبغــي أن
يعلم أّنه يجوز أن تدفع الزكاة من تلــك المــوال وكــذلك ل
يجوز دفعها في بناء المساجد .
==============
#حساب التوفير ربا
فتاوى يسألونك ) -ج / 1ص (99
حساب التوفير ربا
يقول السائل :ما الحكم في حساب التــوفير وهــل يــدخل
ذلك في حكم الربا ؟
الجواب :ل شك أن للبنوك الربوية أساليب كــثيرة مغريــة
لجلب الزبائن للتعامل معها وليــداع أمــوالهم حــتى توســع
أعمالها وتزيد من دخلها وتزين للناس طرق كســب كــثيرة
ولكنها ل تخرج في حقيقة المــر عــن دائرة الربــا المحــرم
ومن ذلك دعوة الناس إلى فتح حسابات التوفير لدى هذه
البنوك بطرق دعائية براقة تستهوي كثيرا ً من الناس ومــن
ذلك ما جاء في دعاية أحد البنوك من أن حسابات التوفير
هــي ضــمان وأمــان للمســتقبل ونحــو ذلــك مــن الكلم
الزائف .
ومن المعلوم أن البنوك تدفع ما تسميه فوائد مجزية على
حسابات التوفير وهي في الحقيقة من الربا المحرم .
ومما يؤسف لــه أن كــثيرا ً مــن النــاس يقبلــون علــى فتــح
حسابات التــوفير هــذه ويزعمــون أنهــم يؤمنــون مســتقبل
أولدهم ويدخرون لهم وهذه المدخرات تنمو بالربا الحرام
والمال الحرام ل يبارك الله فيه بل يسحقه ويمحقه .
308
ه ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ حقُ الل ّ ُ م َيقول الله تعالى ):ي َ ْ
ل ك َّفارٍ أ َِثيم ٍ ( . ب كُ ّ ح ّ َل ي ُ ِ
وعلى المسلم أن يوقن بــأن الرزاق بيــد اللــه وأن تــأمين
المستقبل كما يقولون ل يكون عــن طريــق الحــرام وإنمــا
يكون بالدخار من المــال الحلل فهــذا الــذي يــدخر لولده
من المال الحــرام وبطــرق حــرام إنمــا يربــي أولده علــى
الحرام وينفق عليهــم مــن الحــرام ويــدخر لهــم نــار جهنــم
والعياذ بالله .
يقول الرسول صلى الله عليــه وســلم ):إن اللــه طيــب ل
يقبل إل طيبا ً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرســلين
َ
حا صــال ِ ً مل ُــوا َ ت َواعْ َ ن الط ّي ّب َــا ِ مـ َ ل ك ُل ُــوا ِ س ُ فقال َ ):ياأي َّها الّر ُ
من ُــوا ك ُل ُــوا َ
ن َءا َ ذي َ م ( .وقال َ ):ياأي َّها ال ّ ِ ن عَِلي ٌ مُلو َ ما ت َعْ َ إ ِّني ب ِ َ
م ( ثــم ذكــر الرجــل يطيــل الســفر مــا َرَزقْن َــاك ُ ْ ت َ ن ط َي َّبا ِ م ْ ِ
أشعث أغبر يمد يده إلــى الســماء يــا رب يــارب ومطعمــه
حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغــذيه بــالحرام فــأنى
يستجاب له ( رواه مسلم .
وعلــى كــل مســلم أن يســعى لتــأمين مســتقبل أولده
بالكسب المشروع الحلل ول يكون ذلك أبــدأ ً عــن طريــق
َ
ه ال ْب َي ْـ َ
ع ل الل ّـ ُ حـ ّ الربا المحرم بنص كتــاب اللــه تعــالى ):وَأ َ
مــا ه َ ن َرب ّـهِ فَــان ْت ََهى فَل َـ ُ م ُـ ْ
ة ِ عظ َـ ٌ مو ْ ِجاَءهُ َ ن َ م ْ م الّرَبا فَ َ حّر َ وَ َ
َ عاد َ فَأول َئ ِ َ َ
م ب الن ّــارِ هُ ـ ْ حا ُ صـ َ كأ ْ ن َ م ْ مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ ف وَأ ْ سل َ َ َ
ع َ َ
ةظــ ٌ مو ْ ِ جاَءهُ َ ن َ م ْ م الّرَبا فَ َ حّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ دون َوَأ َ خال ِ ُ ِفيَها َ
َ
ن عَــاد َ مـ ْ مـُرهُ إ ِل َــى الل ّـهِ وَ َ ف وَأ ْ س ـل َ َما َ ه َ ن َرب ّهِ َفان ْت ََهى فَل َ ُ مُْ ِ
ن(. َ فَأول َئ ِ َ
دو َ خال ِ ُ م ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ كأ ْ
===============
#العمل في البنوك الربوية حرام
فتاوى يسألونك ) -ج / 1ص (101
العمل في البنوك الربوية حرام
تقول الســائلة :إن زوجهــا يعمــل فــي البنــك وتســأل هــل
المعاش -الراتب -حلل أم حــرام ؟ وهــل وضــع المــوال
في البنوك بدون أخذ الفائدة يجوز أم ل ؟
َ
م الّرَبـا حـّر َ ه ال ْب َْيـعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ الجواب :يقول الله تعالى ):وَأ َ
ة من ربه َفانتهى فَل َـه مــا س ـل َ َ َ
م ـُرهُ ف وَأ ْ َ ُ َ عظ َ ٌ ِ ْ َ ّ ِ ْ َ َ مو ْ ِ جاَءهُ َ ن َ م ْ فَ َ
309
عاد فَُأول َئ ِ َ َ
ن دو َخال ِـ ُ م ِفيهَــا َ ب الّنارِ هُ ـ ْ حا ُ ص َ كأ ْ ن َ َ م ْ إ َِلى الل ّهِ وَ َ
ل ك َّفــاٍر ب ك ُـ ّ حـ ّ ه َل ي ُ ِ ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ حقُ الل ّ ُ م َ يَ ْ
صـَلةَ َ َ
موا ال ّ ت وَأقَــا ُ حا ِ صــال ِ َمل ُــوا ال ّ من ُــوا وَعَ ِ ن َءا َ ذي َ ن ال ّ ِأِثيم ٍ إ ِ ّ
م وََل كاةَ ل َه َ
ف عَل َي ْهِ ـ ْ خ ـو ْ ٌ م وََل َ عن ْـد َ َرب ّهِ ـ ْ م ِ جُرهُ ْ مأ ْ ُ ْ وا الّز َ وََءات َ ُ
َ
ن م َ
ي ِ ما ب َِق َ ه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ ن َءا َ َ ذين َياأي َّها ال ّ ِ حَزُنو َ م يَ ْ هُ ْ
ْ
ن الل ّهِ م َب ِ حْر ٍ م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ ن لَ ْ ن فَإ ِ ْ مِني َ مؤ ْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ الّرَبا إ ِ ْ
ن وََل َ
مــو َ م َل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ مـ َ سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُـ ْ ن ت ُب ْت ُـ ْســول ِهِ وَإ ِ ْ وََر ُ
ن(. مو َ ت ُظ ْل َ ُ
مما ل شك فيه أن الربا محرم شرعا ً باتفاق أهــل العلــم ،
وأن النظــام القتصــادي الســلمي يحــارب الربــا وكــل
المؤسسات الربوية ،وقد شــدد الســلم فــي أمــر الربــا ،
فبالضافة لليات الســابقة يقــول رســول اللــه صــلى اللــه
عليــه وســلم ) :اجتنبــوا الســبع الموبقــات -المهلكــات -
قلنا :وما هي يا رسول الله ؟ قال :الشرك بالله والسحر
وقتل النفس التي حرم اللــه إل بــالحق وأكــل الربــا وأكــل
مــال اليــتيم والتــولي يــوم الزحــف وقــذف المحصــنات
الغافلت المؤمنات ( رواه مسلم .
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ):لعن اللــه
آكل الربا ومؤكله وكــاتبه وشــاهديه وقــال :هــم ســواء ( ،
رواه مسلم .
وعن ابن مســعود أن النــبي صـلى اللـه عليــه وسـلم قـال
) الربا ثلثة وسبعون شعبة أيسرها مثــل أن ينكــح الرجــل
أمه ( رواه الحاكم وصصحه ،وغير ذلك من الحاديث .
وبناًء على ما سبق فقد قرر كــثيٌر مــن أهــل العلــم حرمــة
العمل في البنوك الربوية ،حتى ولــو كــان العمــل حارسـا ً
ليليا ً للبنك ،لن ذلك من باب التعاون على الثم والعدوان
،وهو محرم بنص القرآن الكريم وكــذلك فقــد أفــتى كــثير
من العلماء المعاصرين بحرمة تأجير المحلت أو العمارات
للبنوك الربوية لذات السبب السابق .
وأما إيداع الموال في البنوك الربوية ،فالصــل فــي ذلــك
التحريــم ول يجــوز إل فــي حالــة الضــرورة ،كــأن يخشــى
النسان على ماله من الضياع ول يجد مكانا ً آمنــا لوضــعه
ب جارٍ ول يأخذ ربا عليه . إل في البنك كحسا ٍ
310
أقول هذا وأنا أعلم أن التعامل مــع البنــوك الربويــة أصــبح
بلء عاما ً ل ينجو منه إل القليل ،وأعلم أن امتنــاع شــخص
أو أشخاص من العمل مع البنوك الربوية أو اليداع فيهــا ل
يحل المشكلة المستعصية ،لن المشكلة جزء من سيئات
النظام العام الذي نعيشه وونحياه ،ولكن ســددوا وقــاربوا
واتقوا الله ما استطعتم .
===============
#فوائد صندوق التوفير هي الربا المحرم
فتاوى يسألونك ) -ج / 8ص (121
فوائد صندوق التوفير هي الربا المحرم
يقول السائل :إنه يعمل فــي شــركة ويوجــد فيهــا صــندوق
توفير للموظفين حيث إن الشركة تقتطع نسبة مـن راتـب
الموظف وتدفع ضعفها ويوضع المال في صــندوق التــوفير
وقد قامت الشركة بوضع المــال فــي بنــك ربــوي وأخــذت
عليه فوائد كما وقامت الشــركة بــإقراض المــوظفين مــن
صندوق التوفير بالفائدة فمــا حكــم الربــاح الــتي تحققــت
حيث إن الشركة ستوزعها على الموظفين أفيدونا؟
الجواب:إن ما سماه السائل أرباحا ً إنمـا هـو فـي الحقيقـة
الربا المحرم بالنصوص القطعية من كتاب اللــه عــز وجــل
وسنة نبيه -صلى الله عليــه وســلم -ول شــك أن الفــوائد
البنكية هــي الربــا المحــرم والــواجب علــى الموظــف فــي
الشركة المذكورة أن يتخلص من هذا المال الحــرام فكــل
مال حرام ل يجوز للمسلم أن ينتفع به انتفاعا َ شخصــيا ً فل
يجــوز أن يصــرفه علــى نفســه ول علــى زوجتــه ول علــى
أولده ول على من يعولهم ول يجوز أن يــدفع منــه ضــريبة
ول نحوها لنه مال حرام بل هو من السحت ومصرف هذا
المال الحرام وأمثاله هو إنفاقه على الفقراء والمحتــاجين
ومصــارف الخيــر كــدور اليتــام والمؤسســات الجتماعيــة
ونحوها .ول يجوز ترك هذه الموال للبنوك بل تؤخذ وتنفق
في جهات الخير والبر.
ويجب علــى الموظــف فــي الشـركة المـذكورة أن يعــرف
مقدار المبلغ الذي حسم مــن راتبــه ومقــدار المبلــغ الــذي
311
أضافته الشركة وهذا يكون حلل ً له وأما الربا فيصرفه كما
ذكرت آنفًا.
ل إن الموظف ليس مسئول ً عمــا قــامت بــه ول يقولن قائ ٌ
الشركة من تشــغيل أمــوال صــندوق التــوفير بالربــا أو أن
الثم يقع على المسؤول عــن الصــندوق أو نحــو ذلــك مــن
العتــذارات الــتي تردهــا قواعــد الشــريعة الســلمية فــإنه
ينبغي أن يعلم أنه ل يجوز للمسلم أن يكون طرفا ً فــي أي
عملية ربوية بطريق مباشر أو غير مباشر لن الربا محــرم
بنصوص صريحة في كتاب الله وسنة رسوله -صــلى اللــه
ْ
ن الّرَبــا ن ي َأك ُُلو َ ذي َ عليه وسلم -فمن ذلك قوله تعالى } :ال ّ ِ
سم ّ ن ال ْ َ م ْ ن ِ طا ُ شي ْ َ ه ال ّ خب ّط ُ ُ ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ما ي َُقو ُ ن إ ِل ّ ك َ َ مو َ ل ي َُقو ُ
َ ذ َل َ َ
م ح ـّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ ل الّرَبا وَأ َ مث ْ ُ ما ال ْب َي ْعُ ِ م َقاُلوا إ ِن ّ َ ك ب ِأن ّهُ ْ ِ
ف سـل َ َ مــا َ ه َ ن َرب ّـهِ فَــانت ََهى فَل َـ ُ مـ ُ ْة ِ عظ َـ ٌ مو ْ ِ جاَءهُ َ ن َ م ْ الّرَبا فَ َ
عاد فَ ـأول َئ ِ َ َ َ
م ِفيهَــا ب الن ّــارِ هُ ـ ْ حا ُ صـ َ كأ ْ ْ ن َ َ م ْ مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ وَأ ْ
ب حـ ّ ه ل يُ ِ ت َوالل ّـ ُ صـد ََقا ِ ه الّرب َــا وَي ُْرب ِــي ال ّ حقُ الل ّ ُ م َ ن يَ ْ دو َ خال ِ ُ َ
َ َ
موا ت وَأقَــا ُ حا ِ صــال ِ َ مل ُــوا ال ّ من ُــوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ ل ك َّفارٍ أِثيم ٍ إ ِ ّ كُ ّ
كاةَ ل َه َ
م ف عَل َي ِْهــ ْ خو ْ ٌ م َول َ عن ْد َ َرب ّهِ ْ م ِ جُرهُ ْ مأ ْ ُ ْ وا الّز َ صلةَ َوآت َ ْ ال ّ
َ
ي
مــا ب َِق ـ َ ه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ نآ َ َ ذين َياأي َّها ال ّ ِ حَزُنو َ م يَ ْ َول هُ ْ
ْ
ن م ْ ب ِ حْر ٍ م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ ن لَ ْ ن فَإ ِ ْ مِني َ مؤ ْ ِ م ُ كنت ُ ْ ن ُ ن الّرَبا إ ِ ْ م ْ ِ
َ
ن مــو َ م ل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ مـ َ سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُـ ْ ن ت ُب ْت ُـ ْ سول ِهِ وَإ ِ ْ الل ّهِ وََر ُ
ن { سورة البقرة اليات .279-275 مو َ َول ت ُظ ْل َ ُ
ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم ):-اجتنبوا الســبع
الموبقات -المهلكات -قلنــا :ومــا هــي يــا رســول اللــه ؟
قال:الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم اللــه إل
بالحق وأكل الربا وأكل مــال اليــتيم والتــولي يــوم الزحــف
وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات ( رواه مسلم.
وجاء في الحديث عن جابر -رضي الله عنه -قــال ):لعــن
رسول الله -صلى الله عليــه وســلم -آكــل الربــا ومــؤكله
وكاتبه وشاهديه وقال :هم سواء ( رواه مسلم قال المــام
النووي ]:قوله :لعن رسول الله -صلى الله عليه وســلم -
آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال :هـم سـواء ( هـذا
تصــريح بتحريــم كتابــة المبايعــة بيــن المــترابين والشــهادة
312
عليهما .وفيه :تحريم العانــة علــى الباطــل .واللـه أعلــم [
شرح النووي على صحيح مسلم .4/207
وعن ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال):
الربا ثلثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه
( رواه الحاكم وصححه.
وفي رواية النسائي عن ابــن مســعود -رضــي اللــه عنــه -
قال ):آكل الربا ومؤكله وشــاهداه وكــاتبه إذا علمــوا ذلــك
ملعونون على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم -يــوم
القيامة ( وهو حديث صحيح وغير ذلك من النصوص.
وإننــي لســتغرب ممــا يفــتي بــه بعــض المنتســبين للعلــم
الشرعي من إباحة الربا تحــت أســماء مختلفــة مثــل بــدل
خدمات أو أن هدف المقرض ليــس الربــا أو أن المشــتري
فيما يسمى بالتقسيط الميسر اشترى السلعة مــن التــاجر
ودفع الثمن المتفق عليه بدون زيادة وإن كان هنالك عقــد
ربوي بين التــاجر والبنــك الربــوي وأن ل علقــة للمشــتري
بذلك العقد وإن دفع عن طريق البنك الربــوي ونحــو ذلــك
من الترهات فكل ما سبق هو من الربا الحرام وهنا يجــب
التذكير بالقواعد التية:
.1يحرم التعــاون علــى الثــم والعــدوان بنــص كتــاب اللــه
ْ َ َ تعالى } :وَت ََعاوَُنوا عََلى ال ْب ِّر َوالت ّْق َ
وى وَل ت ََعاوَُنوا عَلى ال ِث ْم ِ
ب { ســورة ديد ُ ال ْعَِقــا ِ ه َ
شـ ِ ن الل ّـ َ
ه إِ ّ ن َوات ُّقــوا الل ّـ َ
َوال ْعُ ـد َْوا ِ
المائدة الية .2
.2إذا استقر الدين في الذمــة فل تجــوز الزيــادة عليــه لن
ذلك عين الربا.
.3كل زيادة مشروطة على القرض ربــا بغــض النظــر عــن
اسمها فتغيير السماء ل يغير من حقائق المسميات شــيئا ً
فقد صار شائعا ً عند كــثير مــن المتعــاملين بالربــا التلعــب
ة منهـــم لتغييـــر الحقـــائق باللفـــاظ والعبـــارات محاولـــ ً
والمســميات بتغييــر أســمائها فقــط فالربــا يســمى فــائدة
ويسمى رسم خدمات وقد أخبر النــبي -صــلى اللــه عليــه
وسلم -عن مثل هــذا التلعــب مــن تغييــر النــاس لســماء
المحرمات كما جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه
وسلم -قال ):ليستحلن طائفة من أمتي الخمــر يســمونها
313
بغير اسمها ( رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو حــديث
صحيح كما قال الشيخ اللبــاني فــي غايــة المــرام ص ،24
وفي السلسلة الصحيحة .1/136
وجاء في رواية أخرى ):إن ناسا ً من أمتي يشربون الخمــر
يسمونها بغير اسمها ( رواه الحاكم والبيهقي ولــه شــواهد
تقويه ،وقد صدق الصادق المصدوق فــإن الخمــور تســمى
في زماننا بالمشروبات الروحية.
وروي في الحديث أنه عليه الصــلة والســلم قــال ):يــأتي
على الناس زمان يستحلون الربا باسم الــبيع ( ذكــره ابــن
القيم في إغاثة اللهفــان .1/352وضــعفه الشــيخ اللبــاني
في غاية المرام ص .25ثم قال ...]:معنى الحــديث واقــع
كما هو مشاهد اليوم [.
ويجب أن يعلم أن العبرة في العقود بالمقاصــد والمعــاني
ل باللفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا.
وخلصــة المـر أن فـوائد صـندوق التـوفير هـي مــن الربــا
المحرم ويجــب علــى الموظــف أن يتخلــص منهــا بإنفاقهــا
على الفقراء أو في المصالح العامة ول يجوز صــرفها فــي
المساجد ول يجوز للموظف أو من يعولهم النتفاع بها.
==============
#هل الربا أعظم من الزنى؟
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 4ص (509
هل الربا أعظم من الزنى؟
المجيب د .سامي بن إبراهيم السويلم
باحث في القتصاد السلمي
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ 14/7/1423هـ
السؤال
السلم عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد ذكر الرسول -صلى اللــه عليــه وســلم -أن الربــا أشــد
عند الله -عز وجل -من ســت وثلثيــن زنيــة ،وفــي حــديث
آخر أشد من زنية واحدة ،وفي القرآن الكريم أن من أكل
الربــا ومــات دون توبــة فهــو مــن الخالــدين فــي جهنــم،
السؤال :لماذا جعل الله -عــز وجــل -جريمــة الربــا أعظــم
314
من جريمة الزنا؟ وجزاكم اللــه عنــا وعــن المســلمين كــل
خير.
الجواب
الحمد لله وحده ،والصلة والسلم على من ل نــبي بعــده،
وبعد:
لم يرد في القرآن أن المرابي مخلد فـي النـار ،وإنمــا ورد
أن المرابيــن "ل يقومــون إل كمــا يقــوم الــذي يتخبطــه
الشيطان مــن المــس" ]البقــرة [275:وأن الــذين يــأكلون
الربا معلنـون للحـرب علـى اللـه ورسـوله -عليـه الصـلة
والسلم ":-فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله"
]البقرة ،[279 :وفي الصحيحين البخاري ) (2766ومسلم
)(89أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال":اجتنبوا السبع
الموبقات" وذكر منها "الربا" ولم يذكر الزنــا ،وروى أحمــد
) (21957والطــــبراني ) : (11/94إل أنــــه قــــال ":ثلث
وثلثــون" بــدل "ســت وثلثــون" -أنــه -صــلى اللــه عليــه
وسلم -قال":درهم ربا يأكله الرجــل وهــو يعلــم أشــد مــن
ست وثلثين زنية" ،قال الهيثمي :ســنده صــحيح )الزواجــر
عن اقتراف الكبائر ،ص .(379
وأما وجه تغليــظ العقوبــة الخرويــة علــى الربــا أكــثر مــن
الزنا ،فهو لحكمة يعلمها الله -تعالى ،-وقد يكون ذلــك لن
الشهوة في أصلها رغبة فطرية جبل عليهــا النســان ،فــإن
ضعها في حلل أجــر ،وإن وضــعها فــي حــرام أثــم ،لكــن وَ َ
أصــل الشــهوة أمــر جبلــي فطــري ،أمــا الربــا فليــس مــن
الفطرة ،بل هو مناف للفطرة؛ لنه ظلم والنسان مفطور
علــى بغــض الظلــم ،وهــو اســتغلل للخريــن ،والنســان
مفطور علــى حــب مســاعدة الخريــن وليــس اســتغللهم،
فالربا مناقض للفطــرة ،ومنــاقض لســنن الكــون والحيــاة،
ومنــاقض لســس العــدل الــذي قــامت عليــه الســماوات
والرض ،فل غرابة أن تكون عقوبته أعظم وأشد عند اللــه
-تعالى -من الزنا ،والله أعلم.
===========
#هل هو شريك في إثم الربا ؟
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 8ص (502
315
هل هو شريك في إثم الربا ؟
المجيب د .عبد العظيم بن إبراهيم المطعني
رئيس قسم التفســير والحــديث بكليــة أصــول الــدين فــي
جامعة الزهر
المعاملت /البيوع/مسائل متفرقة
التاريخ 03/01/1426هـ
السؤال
لدينا مصنع حكومي لتوزيع السمنت ،وهذا المصنع ل يقوم
بإعطاء مادة السمنت إل لمن لديه رخصة بنــاء ومتحصــل
على قرض من المصــرف )القــرض طبعـا ً بفــوائد( ،ولــدي
مــن لــديهم قــروض صديق يقوم بشراء الحصص الزائدة ع ّ
لكي يقوم ببيعهــا ،والربــح فيهــا ،وســؤالي :هــل يعتــبر هــو
كذلك مشترك بالستفادة من القرض؟ حيث إنــه ل يمكــن
الحصول على السمنت إل إذا كان لديك قرض عقاري.
الجواب
الحمد لله وحده ،والصلة والسلم على من ل نبي بعده
فصديقك الذي يقوم بشــراء الكميــات الــزائدة عــن حاجــة
أصحابها ثم يتاجر فيها فعمله هذا مباح ومنفصل تماما عن
الوســائل الــتي اشــترى بهــا البــائعون كميــات الســمنت
المشار إليه ودخله منه حلل وهو غير مســؤول أمــام اللــه
عن القروض المدفوع عنهــا فــوائد ربويـة واللـه عـز وجــل
يقــول" :ول تــزر وازرة وزر أخــرى"]فــاطر ،[18:ويقــول:
"كل نفس بما كسبت رهينة"]المــدثر .[38:واللـه -تعــالى-
أعلم.
===============
#هل هذه المعاملة من الربا؟
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 9ص (20
هل هذه المعاملة من الربا؟
المجيب أ.د .سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليــا بجامعــة المــام محمــد بــن ســعود
السلمية
المعاملت /البيوع/مسائل متفرقة
التاريخ 13/09/1425هـ
316
السؤال
السلم عليكم.
هل هذه الصورة من الربا وهي :أن يأتي ســائق المطعــم
بالطلب ،ويطلب منــك الثمــن ،مثل ً )عشــرة ريــالت!( ،فل
يجــد أحياًنــا صــرف خمســين أو مئات ،فيقــول لــك هــذا
السائق :هات الخمسـين ،وآتيـك بالبــاقي بعــد حيـن ،فهـل
هذه المعاملة حرام؟
الجواب
الحمد لله وحده ،والصلة والسلم على من ل نــبي بعــده،
وعلى آله وصحبه أجمعين ،وبعد:
وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته.
فــالجواب ،واللــه أعلــم ،جــواز الصــورة الــتي جــاءت فــي
الســؤال ،فل تــدخل فــي الربــا فــي نظــري؛ لنهــا ليســت
صرًفا ،ول هي بمعناه ،وليست أي ً
ضا حيلة إليــه ،وإنمــا هــي
شراء شيء أو طلبــه بثمــن معلــوم بقــي لحــد المتبــايعين
مبلغ غيــر مقبــوض ،فالصــرف الممنــوع صــورته أن يقــول
شخص لخر :اصرف لي هــذه العملــة مــن فئة الخمســين
ل .فيقول المطلوب منه الصــرف :مــا عنــدي إل عشــرة مث ً
فخــذها وآتيــك بالبــاقي .ويفترقــا مــن غيــر قبــض البــاقي،
ضا ما كان حيلة إلــى الربــا ،هــذا وليــس
ويدخل في ذلك أي ً
في الصورة المذكورة في السؤال شيء من ذلك ،بل هي
شراء لشيء غير ربوي كما تقدم إيضاحه ،ولهذا يظهر لــي
جوازها .والله أعلم.
=============
#ما يدخله الربا من صرف النقود
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 9ص (70
ما يدخله الربا من صرف النقود
المجيب أ.د .سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليــا بجامعــة المــام محمــد بــن ســعود
السلمية
المعاملت /الصرف وبيع العملت/مسائل متفرقة
التاريخ 22/6/1424هـ
السؤال
317
السلم عليكم ورحمة الله وبركاته.
نود من فضيلتكم إيضاح هذه المسألة :سمعت مــن بعــض
الناس أن هناك بعض المعاملت في صرف النقــود تــدخل
في الربا ،أو إنها ربا صريح ،فسأعطيكم هذا المثال لوضح
المقصود ،مثل رجل معه 500ريال فذهب لشراء شــماغ،
فعندما اختار أحـد النـواع ،قـال لـه البـائع إنـه ليـس لـديه
صــرف ،فــذهب هــذا الرجــل إلــى البقالــة المجــاورة لهــذا
المحل ،فصرف ال 500ريال ،فعند الصرف قــال صــاحب
البقالة إني الن معي 400ريال ،خذها واشــتري الشــماغ،
وتعال إلي بعد نصف ساعة ،حتى أعطيك المئة المتبقية.
مثال آخر وهو يحصل دائما عند من يــبيعون الــذهب ،وهــو
أن تأتي المرأة لشراء ذهب ،فل يكــون مــع البــائع صــرف،
ى بعــدفيقول لها اذهــبي تجــولي فــي الســوق ،وتعــالي إلـ ّ
نصف ساعة لكي تأخذي الباقي ،هل يعتبر هذا فيه ربا لن
التقابض لم يكن في نفس الوقت؟
الله يجزيكم خيرًا ،نريد التفصيل في مسألة صرف النقود.
والسلم عليكم.
الجواب
الحمد لله وحده ،والصلة والسلم على من ل نــبي بعــده،
وعلى آلــه وصــحبه أجمعيــن .وبعــد فقــد روى مســلم فــي
صــحيحه ) ،(1587وغيــره أن النــبي -صــلى اللــه عليــه
وسلم -قال" :الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة..مثل ً بمثــل
سواًء بسواء يدا ً بيد" .الحــديث ،فــبين النــبي -صــلى اللــه
عليه وسلم -أن بيع الشيء بجنسـه لبـد فيـه مـن أمريـن:
الول القبـض مــن الطرفيــن فـي مجلــس العقــد ،والثـاني
التساوي ،وفي نهاية الحديث قال النبي -صــلى اللــه عليــه
وسلم" -فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيــف شــئتم إذا
كان يدا ً بيــد" ،هــذا ومعلــوم أن أكــثر المعــاملت فــي هــذا
الزمــان بــالعملت الورقيــة ،وهــي بــدل الــذهب والفضــة،
والبــدل لــه حكــم المبــدل ،فيكــون حكمهــا حكــم الــذهب
والفضــة ،وبنــاء علــى هــذا فــإنه مثل ً عنــد صــرف فئة
خمسمائة من هذه الورق ل بد من التقابض بين الطرفيــن
في مجلس العقد ،فل يجوز أن يأخذ البعض ويؤخر البعــض
318
الباقي للحــديث الســابق ،وأيضـا ً فــي المثــال الخــر الــذي
ذكــره الســائل ل يجــوز ،كمــا فــي المثــال الول للصــلة
السابقة في المثال الول ،وهي عدم القبــض فــي مجلــس
العقد ،وعلى المشترية في هــذا المثــال أن تــؤخر الشــراء
والتفـاق مـع صـاحب الـذهب حـتى يكـون لـديه الصـرف،
ليتحقق شرط القبض في مجلس العقد ،والله أعلم .
===============
#شبهات لكل الربا
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 9ص (80
شبهات لكل الربا
المجيب د .عبد الله بن إبراهيم الناصر
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
المعاملت /الربا والقرض/ربا الفضل وربا النسيئة
التاريخ 14/04/1425هـ
السؤال
ما رأي الدين فيمن ل يجــد حرج ـا ً فــي أكــل مــال الفــائدة
العائد من البنوك الربوية ،مبررا ً ذلك بكــون الســلم حـّرم
الربا حتى يحمي الفقير من جشع وطمع الغني ،وحتى يتم
التكافل بينهما؟
الجواب
دلت النصوص الصريحة من القــرآن والســنة علــى حرمــة
الربا أخذا ً وإعطاًء وتعاونًا ،ومن ذلك قوله -تعالى" :-يا أيها
الذين آمنوا ل تأكلوا الربا أضــعافا ً مضــاعفة" ]آل عمــران:
[130وقوله -تعالى" :-يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللــه وذروا
ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين" ]البقرة.[279:
والربا الذي ورد في السؤال هو ربا القرض وهو :اشــتراط
الزيادة في رد بدل القرض.
حيث يتفق المقرض -وهو هنا العميل -مع المقترض -وهــو
البنك -على أن يقرضه مبلغا ً من المال -وهو الــذي يــودعه
ل ،وســواًء فــي عنده -مقابل نسبة مئوية محددة كـ %6مث ًَ
ذلك كان التفاق صريحا ً أو ضمنيا ً أو كــانت الزيــادة بمبلــغ
مقطوع أونسبة مئويــة محــددة ،أو كــان المقــرض غني ـا ً أو
فقيرًا.
319
أمــا ادعــاء التفريــق بيــن القــرض النتــاجي والســتهلكي
فيجوز الربا في الول دون الثاني؛ لن الول يقترض لينتــج
م يجـوز أخـذ ويستثمر -كما هو الشأن فـي البنـك -ومـن ثـ ّ
الربا عليه فإن هذا غير صحيح لما يلي:
-1عموم النصــوص القرآنيــة والحــاديث النبويــة المحرمــة
للربا من دون تفريق بين نوع وآخر.
-2أن العباس بن عبدالمطلب عم النبي -صــلى اللــه عليــه
وســلم -ورضــي عنــه -كــان يقــترض فــي الجاهليــة لجــل
استثمار الموال ،فيعطي المقرض نسبة محــددة والبــاقي
له ،ومــع ذلــك حرمــه الرســول -صــلى اللــه عليــه وســلم-
ووضعه كما ورد في حــديث حجــة عــام الــوداع.فيمــا رواه
مسلم) (1218من حديث جابر بن عبــد اللــه -رضــي اللــه
عنهما-
أما حكم الذي يأكل الربا فإنه فاسق؛ لنه خالف النصــوص
الشرعية ،ولما ورد في الربا من وعيــد لكلــه وللمتعــاونين
فيه ،منها حــديث" :اجتنبــوا الســبع الموبقــات وذكــر منهــا:
"وأكــل الربــا"رواه البخــاري) ،(2767ومســلم) (89مــن
حديث أبي هريرة -رضي اللــه عنــه -وكــذلك حــديث جــابر
-رضي الله عنه -أن رسول الله -صلى اللــه عليــه وســلم-
"لعن آكل الربا ومؤكله وشــاهديه وكــاتبه" رواه الترمــذي)
،(1206وأبـــو داود) ،(3333وغيرهـــم مـــن حـــديث ابـــن
مسعود -رضي الله عنه.-
ولذا فإنني أنصح هذا الخ بأن يتوب إلى اللــه وينتهــي عــن
أكل الربا ،ول يستدل بهذه الشبهات الــتي دلــت النصــوص
الصريحة على بطلنها ،والله أعلم.
===============
#شبهات لكل الربا
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 9ص (80
شبهات لكل الربا
المجيب د .عبد الله بن إبراهيم الناصر
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
المعاملت /الربا والقرض/ربا الفضل وربا النسيئة
التاريخ 14/04/1425هـ
320
السؤال
ما رأي الدين فيمن ل يجــد حرج ـا ً فــي أكــل مــال الفــائدة
العائد من البنوك الربوية ،مبررا ً ذلك بكــون الســلم حـّرم
الربا حتى يحمي الفقير من جشع وطمع الغني ،وحتى يتم
التكافل بينهما؟
الجواب
دلت النصوص الصريحة من القــرآن والســنة علــى حرمــة
الربا أخذا ً وإعطاًء وتعاونًا ،ومن ذلك قوله -تعالى" :-يا أيها
الذين آمنوا ل تأكلوا الربا أضــعافا ً مضــاعفة" ]آل عمــران:
[130وقوله -تعالى" :-يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللــه وذروا
ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين" ]البقرة.[279:
والربا الذي ورد في السؤال هو ربا القرض وهو :اشــتراط
الزيادة في رد بدل القرض.
حيث يتفق المقرض -وهو هنا العميل -مع المقترض -وهــو
البنك -على أن يقرضه مبلغا ً من المال -وهو الــذي يــودعه
ل ،وســواًء فــي عنده -مقابل نسبة مئوية محددة كـ %6مث ًَ
ذلك كان التفاق صريحا ً أو ضمنيا ً أو كــانت الزيــادة بمبلــغ
مقطوع أونسبة مئويــة محــددة ،أو كــان المقــرض غني ـا ً أو
فقيرًا.
أمــا ادعــاء التفريــق بيــن القــرض النتــاجي والســتهلكي
فيجوز الربا في الول دون الثاني؛ لن الول يقترض لينتــج
م يجـوز أخـذ ويستثمر -كما هو الشأن فـي البنـك -ومـن ثـ ّ
الربا عليه فإن هذا غير صحيح لما يلي:
-1عموم النصــوص القرآنيــة والحــاديث النبويــة المحرمــة
للربا من دون تفريق بين نوع وآخر.
-2أن العباس بن عبدالمطلب عم النبي -صــلى اللــه عليــه
وســلم -ورضــي عنــه -كــان يقــترض فــي الجاهليــة لجــل
استثمار الموال ،فيعطي المقرض نسبة محــددة والبــاقي
له ،ومــع ذلــك حرمــه الرســول -صــلى اللــه عليــه وســلم-
ووضعه كما ورد في حــديث حجــة عــام الــوداع.فيمــا رواه
مسلم) (1218من حديث جابر بن عبــد اللــه -رضــي اللــه
عنهما-
321
أما حكم الذي يأكل الربا فإنه فاسق؛ لنه خالف النصــوص
الشرعية ،ولما ورد في الربا من وعيــد لكلــه وللمتعــاونين
فيه ،منها حــديث" :اجتنبــوا الســبع الموبقــات وذكــر منهــا:
"وأكــل الربــا"رواه البخــاري) ،(2767ومســلم) (89مــن
حديث أبي هريرة -رضي اللــه عنــه -وكــذلك حــديث جــابر
-رضي الله عنه -أن رسول الله -صلى اللــه عليــه وســلم-
"لعن آكل الربا ومؤكله وشــاهديه وكــاتبه" رواه الترمــذي)
،(1206وأبـــو داود) ،(3333وغيرهـــم مـــن حـــديث ابـــن
مسعود -رضي الله عنه.-
ولذا فإنني أنصح هذا الخ بأن يتوب إلى اللــه وينتهــي عــن
أكل الربا ،ول يستدل بهذه الشبهات الــتي دلــت النصــوص
الصريحة على بطلنها ،والله أعلم.
=============
#شبهة جريان الربا في العملت الورقية!
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 9ص (87
شبهة جريان الربا في العملت الورقية!
المجيب د .خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
المعاملت /الربا والقرض/ربا الفضل وربا النسيئة
التاريخ 21/07/1425هـ
السؤال
حا؛طرح أحد الخوة هذا الموضوع ،وأتمنــى أن أجــد توضــي ً
جزاكم الله خيًرا ،هل هناك ربا في العصر الحالي؟ أنا أرى
أنه لم يعد هناك ربا بالمعنى الديني ،وبالتــالي أرى أن مــن
حــق أي إنســان أن يســتفيد مــن إيــداعاته بالبنــك ،وأن
يتقاضــى أرباحهــا حلًل ُزلًل ،وأرجــو مــن علمــاء الــدين
مناقشة هذا الرأي ،وإليكم التوضيح:حرم الربا عندما كانت
العملة ذات سعر ثابت ،حيث كان الدينار يشــتري لــك مثًل
مــا ،وذلــك لن الــدينارعشرة من البل ،الن أو بعد 50عا ً
كا من الذهب أو الفضة ،وقيمته ثابتــة ل تتغيــر، كان مسكو ً
كما أن الدينار كان عملة ل سلعة تتداول في السواق ،أما
اليــوم فقــد أصــبحت جميــع العملت تشــترى وتبــاع فــي
السواق مثل الخضار والفواكه والملبــس ،وبالتــالي وكمــا
322
يحق لتاجر الخضار أن يضع الربح المناسب لبضاعته ،يحق
لرجل أودع نقوده في بنك يمارس بيــع العملــة أن يحصــل
على أرباح بضاعته.
الجواب
الحمد للــه وحــده ،والصــلة والســلم علــى رســول اللــه..
وبعد:
الرأي أن حديث أبــي ســعيد وحــديث عبــادة -رضــي اللــه
عنهما -أخرجهما مسلم ) (1587 ،158أن النبي صلى الله
ة ،والُبــّر ة بالفض ِ ض ُب ،والِف ّ ذه ِ ب بال ّ عليه وسلم قال" :الذ ّهَ ُ
مث ْل ًح ِ ح بال ِ ْ مل ْ ُ شِعيُر بال ّبالب ُّر ،وال ّ
مل ِ َ
ر ،وال ِ م ِ
مُر بالت ّ ْ
َ
شِعيُر ،والت ّ ْ
ست ََزاد َ فََقد ْ أْرَبى". ن َزاد َ أوْ ا ْ م ْ واٍء ،فَ َ
س َ
واًء ب َ
س َ
لَ ، مث ْ ٍ
بِ ِ
وقولك في السؤال :بأن الدينار قيمته ثابتة ل تتغيــر ،فهــذا
غير صواب ،بــل الــدينار يتغيــر مــن قــديم الزمــن ،وكــذلك
درهم الفضة ،ولو فرضنا أنــه ل يتغيــر فــإن الشــارع أثبــت
ة "...إلى أن قال ة بالفض ِ ب والفض ُ ب بالذه ِ الربا فيه" :الذه ُ
ل ،سواًء بسواٍء". صلى الله عليه وسلم" :مثل ً بمث ٍ
وأمــا قولــك :إن العملت أصــبحت الن تبــاع وتشــترى،
ضا -في الزمن السابق كانت الدنانير والــدراهم فكذلك -أي ً
تباع وتشترى ،ولهذا ورد في حديث ابن عمــر -رضــي اللــه
خــذ ُ
دنانيرِ وآ ُ ل بــالب َِقيِع فــأبيعُ بالــ ّ لبــ َت أبيــعُ ا ِعنهمــا :-كنــ ُ
خـذ ُ الــدنانيَر .أخرجــه أحمــد ) م ،وأبيـعُ بالــدراهم ِ وآ ُ الــدراه َ
، (6427وأبـــو داود ) .(3354يعنـــي :يـــبيعون بالـــدراهم
ويبــدلون بالــدراهم دنــانير" ،ونــبيع بالــدنانير ونأخــذ عليهــا
الدراهم" .والنبي صــلى اللــه عليــه وســلم قــال" :الــذهب
بالذهب ،والفضة بالفضة "..إلى أن قال" :مثل بمثل سواء
بسواء" .وهذا المضروب وغير المضروب ،فثبوت الربا في
الذهب والفضة )الــدراهم والــدنانير( ،ومــا ذكــره الســائل-
من شبهتين ،هذا غير مسّلم كما ذكرنا ،وإذا ثبت هــذا فــي
الذهب والفضة ،فــإن الشــريعة ل تفــرق بيــن المتمــاثلت،
فالعلة -كمــا ذكــر شــيخ الســلم ابــن تيميــة رحمــه اللــه،
وغيره -في الذهب هي كونه ثمن الشــياء ،وهــذا يــرد الن
على العملت الورقية ،أنها ثمن للشياء فيسري فيها الربا.
والله أعلم.
323
=================
#هل هذا من الربا؟
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 9ص (95
هل هذا من الربا؟
المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
المعاملت /الربا والقرض/أحكام البنوك والتعامل معها
التاريخ 13/7/1425هـ
السؤال
شــيخي الفاضــل :الســلم عليكــم ورحمــة اللــه و بركــاته.
وبعد:
أرجو إفتائي في بعض المسائل المتعلقــة بــالقروض وهــي
كالتالي:
-1إذا أردت شراء سيارة بنظــام القســط )وطبع ـا ً ســوف
يخبرني البائع عن سعر الفائدة
الــذي ســوف يحســب علــى أساســه القســط ،وهــذا تبع ـا ً
للضمانات التي سوف أقدمها له( ،هل هذا يعتبر ربا ً أم ل؟
إذا كنت قد أخذت بالفعل قرضا ً من بنــك مــا ،لحــاجتي لــه
في عملي ومعاشي ،وقد كنت
أخذت جزءا ً منـه لشـراء سـيارة ،هـل هـذا ربـا؟ وإذا كـان
كذلك ،ماذا أفعل للتخلص منــه ومــن ذنبــه؟ -ولكــم جزيــل
الشكر و جعلكم الله نفعا ً للمسلمين.-
الجواب
وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته.
طالما أن السائل قد اشــترى ،أو قــد اتفــق مــع مريــد بيــع
السيارة على الشراء ،وعلى ثمــن الشــراء ،وعلــى تحديــد
الجل ،وعلى تحديد الثمن ،ثم جرى العقد بينهما على هــذا
التفاق ،بعد أن تم التأكد بأن البائع مالك للــذي بــاعه وهــو
ل ،فل يظهر في ذلك بأس ،ول يعتــبر ذلــك مــن السيارة مث ً
المور المنهي عنها ،أو من المور الربوية ،وإنمـا هـذا بيـع،
والله -سبحانه وتعــالى -يقــول" :وأحــل اللــه الــبيع وحـّرم
الربا"]البقرة ،[275 :وقــال -ســبحانه وتعــالى -فــي ذكــر
أحكام البيوع المؤجلة" :يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين
324
إلى أجــل مســمى فــاكتبوه]"...البقــرة ،[282 :فهــذا يــدل
على أن الــبيع إذا كــان مــؤجل ً فهــو بيــع صــحيح ،ولــو كــان
الثمن زائدا ً عن قيمته أو ثمنه في الحال ،فإن هذه الزيادة
في مقابل تأجيل الثمن إلى ما يتفقان عليه.
أما ما ذكر السائل من أنــه أخــذ مــن البنــك قرضـا ً بفــائدة
ربوية وليس شراء سلعة ونحوها ،فهو حــرام ،وقــد قــال -
سبحانه وتعالى -في كتابه الكريم" :وأحل الله البيع وحــرم
الربــا"]البقــرة ،[275 :وقــال -ســبحانه وتعــالى" :-يــا أيهــا
الذين آمنوا اتقــوا اللــه وذروا مــا بقــي مــن الربــا إن كنتــم
مـــؤمنين فـــإن لـــم تفعلـــوا فـــأذنوا بحـــرب مـــن اللـــه
ورســوله"]البقــرة ،[279-278 :وقــال -صــلى اللــه عليــه
وسلم" :-لعن الله آكل الربا ،ومــوكله ،وشــاهديه ،وكــاتبه"
رواه مسلم) ،(1597وعليه أن يتقــي اللــه -ســبحانه -وأن
يتوب ،وأن يستشعر ذنبه في ذلك ،وأل يعود إلى مثل هذا،
ونظــرا ً إلــى أن القضــية قــد انتهــى أمرهــا ،وليســت الن
بمقدوره حتى يحتاط ،وحتى يقلع ،ويبتعد ،بل حســبما جــاء
فــي ســؤاله أن اقتراضــه قــد تــم ،وأنــه قــد أخــذ المبلــغ،
واشــترى ببعضــه ســيارة وبــاقيه قضــى بــه حــوائجه ،وقــد
استقرت ذمته بذلك المبلغ ،وبمـا عليــه مـن فـوائد ربويـة،
وهذا ل شك أنه إجرام ،ول شك أنه معصية منه ،فعليــه أن
يستغفر الله ،وأن يتوب إليه ،ونسأل الله -سبحانه وتعالى-
أن يتجاوز عنه ،ويغفر له.
==============
#العمل في البنوك
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 9ص (97
العمل في البنوك
المجيب د .خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
المعاملت /الربا والقرض/أحكام البنوك والتعامل معها
التاريخ 23/3/1424هـ
السؤال
ما حكم العمل في البنوك؟ فأنا كنت أعمل في بنك ببلدي
فيها يطلق عليها البنوك السلمية ،لكنها في حقيقة المــر
325
ليست كذلك ،فكيف أكفر عن هذا العمل الذي كنت أعمل
به؟ فأرجو من فضيلتكم الفادة ،وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
المــال إذا كــان محرمــا ً لكســبه ،فل يخلــو الكاســب مــن
أمريــن ،المــر الول :أن يعلــم وجــه التحريــم ،وأن هــذا
الكسب محرم فإن عليه أن يتخلص منه بوجــوه القربــات،
حيث يتصدق بــه علــى الفقــراء والمســاكين ،ويجعلــه فــي
الجمعيات الخيريـة وبنـاء المسـاجد ،والمـدارس الشـرعية
وغير ذلك.
المر الثاني :أن يجهل أن هــذا المــر محــرم ،أو يظــن أنـه
حلل ..إلخ ،ثم يتوب فهذا ليس عليه شيء.
=============
#التقسيط بين البنك والمعرض
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 9ص (98
التقسيط بين البنك والمعرض
المجيب د .راشد بن أحمد العليوي
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
المعاملت /الربا والقرض/أحكام البنوك والتعامل معها
التاريخ 6/3/1424هـ
السؤال
عندي معرض سيارات ،وأمتلك فيه سيارات ،وأبيعهــا لمــن
جاء بالكاش ،ومــن أراد أن يشــتري بالتقســيط أقــول لــه:
اذهــب لي بنــك راتبــك محــول عليــه ،مــا عــدا الراجحــي،
وأطلب منه أن يحضر مشهدا ً براتبـه ،ثـم أعطيـه تسـعيرة
للبنك المحول راتبه عليه ،ليشتري البنك الســيارة ،والبنــك
يرسل خطابا ً بالموافقة على أن يشــتري الســيارة ويبيعهــا
بالقساط على الزبون ،وقد يحدث بيننا وبين البنك تفاوض
على الســعر ،وإذا تــم التفــاق نبعــث بيانــات الســيارة ثــم
يبيعهــا للزبــون ،وتصــبح فــي ملكيــة الزبــون ،ثــم يعرضــها
الزبون للبيع وهي عندنا في المعرض ،فنتفاوض معه علــى
شــراء الســيارة منــه ،وقــد نتفــق وقــد ل نتفــق ،ويســحب
سيارته ويبيعها على غيرنا.
الجواب
326
هذا العمل لم يستوف الجــراءات الشــرعية ،وبالتــالي فل
يسوغ شرعًا ،والجراءات الشرعية كما يلي :إذا جــاء مــن
يرغب الشراء بالتقسيط فل بأس أن يعطــي إفــادة بالبنــك
طى تســعيرة للســيارة ،ثــم يتعيــنالمحول راتبه عليه ،وي ُعْ َ
على البنك أن يشتري السيارة من المعرض ويخرجها منه،
ويحوزها بأوراقها النظامية ،ثم بعد ذلك يعقد مع المشتري
عقد البيع بالتقسيط ،ثم بعد أن يقبضها المشتري ويحوزها
بأوراقها النظامية ،ويستلمها من البنك ،ويخرجها عن موقع
البيع ،له أن يبيعهــا فــي أي مكــان وعلــى أي شــخص عــدا
البنك ،ولو كان المعرض الول ،والله أعلم.
==============
#أموال الربا بعد التوبة
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 9ص (204
أموال الربا بعد التوبة
المجيب محمد بن صالح الدحيم
القاضي في محكمة الليث
التصــنيف الفهرســة /المعــاملت /الربــا والقــرض/الفــوائد
الربوية وكيفية التخلص منها
التاريخ 8/3/1423
السؤال
يقول الله -ســبحانه وتعــالى -فــي ســورة البقــرة فــي آيــة
الربا" :فمن جاءه موعظة من ربه فــانتهى فلــه مــا ســلف
وأمره إلى اللــه" ]البقــرة [275:اليــة ،هــل هــذا يعنــي أن
المرابي إذا تاب عن الربا ولديه أموال مختلطة تكون حلل ً
لــه ،ويعفــى عنــه؟ أم يجــب عليــه إخــراج أمــوال الربــا
والتخلص منها؟
الجواب
الحمد لله وحده ،وبعد :فهذه مسألة مــن المســائل الكبــار
وتحتاج إلى فتــوى محــررة ،ولــذا فــإنني ســأنقل هنــا كلم
شيخ السلم /ابن تيمية -رحمه الله -حيث حرر وشفى.
قال -رحمه الله..." :-وأما ما كان قبضه ،فقــد قــال" :فلــه
ما سلف وأمــره إلــى اللــه" ]البقــرة ، [275:فاقتضــى أن
السالف له للقابض ،وأن أمره إلى الله وحده ل شريك له،
327
ليس للغريم فيه أمر ،وذلك أنه لما جاءه موعظة من ربــه
فانتهى كان مغفرة ذلك الذنب والعقوبــة عليــه إلــى اللــه،
وهذا قد انتهى في الظاهر "فله ما سلف وأمره إلى الله"
]البقرة [275:إن علم من قلبه صحة التوبــة غفــر لــه وإل
عاقبه.
ثــم قــال" :اتقــوا اللــه وذروا مــا بقــي مــن الربــا إن كنتــم
مؤمنين" ]البقرة ،[278:فأمر بترك الباقي ولــم يـأمر بــرد
المقبوض.
وقال" :وإن تبتم فلكم رؤوس أمــوالكم" ]البقــرة [279:ل
يشترط منها ما قبض ،...والقــرآن يــدل علــى هــذا بقــوله:
"فمــن جــاءه موعظــة مــن ربــه فــانتهى فلــه مــا ســلف"
]البقرة ،[275:وهذا عام في كل مــن جــاءه موعظــة مــن
ربه ،فقد جعل الله له ما سلف ،...وهــذا وإن كــان ملعونـا ً
على ما أكله وأوكله فإذا تاب غفــر لــه ،ثــم المقبــوض قــد
يكون اتجــر فيــه وتقلــب ،وقــد يكــون أكلــه ولــم يبــق منــه
شيء ،وقد يكون باقيًا ،فإذا كان قد ذهب وجعله دينا ً عليــه
كان في ذلك ضرر عظيم ،وكان هذا منفرا ً عــن التوبــة،...
وكثير من العلماء يقولون :إن السارق ل يغــرم لئل يجتمــع
عليــه عقوبتــان...وهــذا أولــى لئل يجتمــع علــى المرابــي
عقوبتان إسقاط ما بقي والمطالبة بما أكل وإن كان عيــن
المال باقيا ً فهو لم يقبضه بغير اختيار صاحبه ،...بل قبضــه
باختياره ورضاه بعقد من العقود ،وهــو لــو كــان كــافرا ً ثــم
أسلم لم يرده ،وقد قال -تعالى" :-فمن جاءه موعظة من
ربه فانتهى فلــه مــا ســلف وأمــره إلــى اللــه] "...البقــرة:
،[275ومن تدبر أصول الشرع علــم أنــه يتلطــف بالنــاس
في التوبة بكل طريق.
من كتاب )تفسير آيات أشكلت (595-2/574
================
#الوفاء بدين الربا
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 9ص (212
الوفاء بدين الربا
المجيب د.حمد بن حماد الحماد
عضو هيئة التدريس بالجامعة السلمية
328
التصنيف الفهرســة /المعــاملت /الربــا والقــرض/بطاقــات
الئتمان
التاريخ 17/10/1423
السؤال
قبل سنوات كان لدي عدد من بطاقات الئتمــان ( )Credit
،((Cardsوبعد مدة طويلة مــن الســتخدام والتســديد جــاء
وقــت لــم أســتطع فيــه الوفــاء بالســتحقاقات الشــهرية،
فبدأت ل أدفع ،وكنت أظن أنه ل ذنب علــي؛ لن شــركات
بطاقات الئتمان لم تكن شركات إســلمية .وبعــد محادثــة
مع صديق لي أحسست بالندم على ما فعلت .فماذا يجــب
علــي الن أن أفعــل؟ إذ مــن الصــعب التصــال بجميــع
الشركات ،كما أنها ستطالب بتســديد المبــالغ إضــافة إلــى
غرامــات التــأخير فــي الســداد ،وكــذلك الفــوائد الربويــة )
،(interestفمــاذا أفعــل لكــي تــبرأ ذمــتي ،وتقبــل توبــتي؟
جزاكم الله خيرًا.
الجواب
فيما يتعلق بالستحقاقات المترتبة عليــك بســبب بطاقــات
ل :يجــب عليــك التوبــةالئتمان -كما ورد فــي الســؤال ،-أو ً
والندم وعدم العودة؛ لنك ارتكبت أمرا ً عظيما ً باشــتراكك
في عقود تعلم أن فيها ربا.
وثانيًا :يجب عليك أن ترد الحقــوق لهلهــا -وإن كــانوا غيــر
مسلمين ،-لكن إن اســتطعت أن تعطيهــم حقــوقهم فقــط
بدون زيادة بسبب ربا ،أو عقد باطل فلك ذلك ،أقــول :إن
استطعت ولم يلحقك مسؤولية ،أو ضرر فلك ذلك ،والله -
سبحانه وتعالى -أعلم.
=============
#هل هذا من الربا
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 9ص (254
هل هذا من الربا
المجيب د .عبد الله بن محمد السعيدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصــنيف الفهرســة /المعــاملت /الربــا والقــرض/مســائل
متفرقة
329
التاريخ 14/04/1425هـ
السؤال
لي زميل في العمل تّقدم بطلب للحصول على شــقة مــن
أحد المشاريع لسكان الشباب ،حيــث تبلــغ قيمــة الوحــدة
نحــو 27000 :جنيــه ،يــدفع منهــا قبــل اســتلم الوحــدة
12500جنيه ،والباقي بأقساط شهرية علــى 33ســنة ،مــع
العلم بوجود زيادة على أصل المبلغ ،مقابل التقسيط فــي
الــدفع "يــدفع المبلــغ المتبقــي بإجمــالي أقســاط نحــو
25000جنيــه" ،وكــذا وجــود غرامــات للتــأخير فــي دفــع
القســـاط الشـــهرية ،مـــع العلـــم أن هيئة المجتمعـــات
العمرانيــة قــد اتفقــت مــع بنــك الســكان والتعميــر علــى
دد الحصول على قرض 15000جنيه للوحدة الواحدة ،تســ ّ
بمعرفة المنتفع على 33سنة 25000جنيه.
-1هل هذا من باب الربا المحرم؟
-2ماذا أفعل لو كانت من الربا؟
أ-إذا دفعت جميع المبلــغ المتبقــي دفعــة واحــدة )15000
جنيه( لن يتبقى معــي مــن المــال مــا أســتطيع الــزواج بــه
وتجهيز بيت الزوجية ،وبالتالي ســيتأخر زواجــي نحــو أربــع
سنوات تقريبًا.
ب-هل أقوم بتقســيط المبلــغ علــى أربــع ســنوات اختيــارا ً
لخف الضررين بالنسبة لي؟
ج-هل أفسخ العقــد ،مــع العلــم بــأني سأخســر مبلغـا ً مــن
المال؟
الجواب
يا أخي -حفظك الله -قد تضمن سؤالك عدة مسائل:
أولهــا :أن قيمــة الشــقة نقــدًا= 27ألفـًا ،ول إشــكال فــي
ذلك.
ثانيهــا :أن قيمــة الشــقة بالتقســيط= 37500جنيــه ول
إشكال في ذلك ،إذا خل من موانع أخرى.
ثالثها :ما يفرض من غرامة علــى تــأخير ســداد القســاط،
وهو ربا ل يجوز الوفاء به ،ويمكن تلفيه من خلل اللــتزام
بالوفاء في الوقت المحدد.
330
رابعها :اتفاق هيئة المجتمعات العمرانية مع بنــك الســكان
والتعمير على تقديم قرض بقدر 15000يسدد علــى مــدار
33سنة بقدر ،25000والقرض بهذه الصورة ربا ل يجــوز،
فإن كــان المقــترض هــو هيئة المجتمعــات العمرانيــة فــإن
ذلك يحتمل احتمالين:
الحتمال الول :أن مشــتري الشــقة يســدد للبنــك الربــوي
بالنيابة عن المدين الصــلي للبنــك وهــي هيئة المجتمعــات
العمرانية ،وعلى هذا الحتمال الولى أن يجتنب المشــتري
التسديد للبنك ،ويسدد للبائع مباشرة ،فإن لم يمكنه ذلــك،
وكان محتاجا ً للسكن ،ول تسعفه إمكانات في الشراء مــن
جهة غير هذه الجهة ،فأرجو أل حرج عليه ،فإنه ليس طرفا ً
في الربا ،إذ إن طرفيه الهيئة ،والبنك.
الحتمال الثاني :أن مشتري الشــقة يســدد للبنــك الربــوي
على وجه الحوالة ،بمعنــى أن الهيئة -وهــي مــدين للبنــك -
قد أحالت دائنها )البنك( ،علــى مــدينها )مشــتري الشــقة(،
ويكون ذلك بعقد بين الطراف يتــم بعــد إبــرام عقــد الــبيع
بيــن الهيئة والمشــتري ،وعلــى هــذا الحتمــال يكــون عقــد
ل ،فل يــؤدي المشــتري الثمــن للبنــك ،لكــن الحوالــة بــاط ً
للهيئة ،فإن ألزمته الهيئة بالدفع للبنك كان ذلك على وجــه
الوكالة؛ نظرا ً لبطلن الحوالة ،وإذا كان على وجه الوكالــة
فقد تقدم الكلم عليه في الحتمال الول.
فإذا لم يكن المشتري طرفا في الربا ،ولم يكن قصده ،أو
رضــي بــه وأرغــم علــى الوفــاء للبنــك كمــا تقــدم ،وكــان
محتاجًا ،ول يجد طريقا ً غير ذلك ،فأرجو أل حرج عليه.
وإن كان المقــترض هــو مشــتري الشــقة ،بمعنــى أن هيئة
المجتمعات العمرانية قد اتفقت مع بنك السكان والتعمير
دم البنك للمشتري قرضا ً قــدره 15000ليــرده على أن يق ّ
المشتري إلى البنك بعد 33ســنه بقــدر 25000فهــذا ربــا،
فإذا أقدم عليه المشتري وقع في الربا ،فعليه التوبــة إلــى
الله -تعالى ،-وعليه الخروج من هذا الربــا بمــا يمكنــه مــن
طرق مشروعة منها:
-1أن يتفق مع البنك على إسقاط الفائدة.
331
-2أو يتفق معه على أن يعجل له القرض لتسقط الفــائدة،
ويمكنه حينئذ أن يتجه إلى بنك إسلمي في بلده؛ ليشتري
منهم بنظام المرابحة "التورق" ما يحصل منه على سيولة
عاجلة يسدد بها ما عليه من قرض دفعة واحدة ،ثم يســدد
للبنك السلمي ثمن ما اشتراه منه علــى أقســاط حســب
اتفاقهما.
-3أو أن يفسخ العقـد ،إذا لـم يجـد مخرجـا ً يخـرج بـه مـن
الربا.
"ومــن يتــق اللــه يجعــل لــه مخرجــا ويرزقــه مــن حيــث ل
يحتسب"]الطلق.[3-2 :
أما قولك) :هل أقوم بتقسيط المبلغ على أربع سنوات(...
لم تظهر لي فيه وجه تلفي الربا.
وأخيرا ً فإني أوصي بتقوى الله -عز وجل -فإن الدنيا فانيــة
والخرة باقية ،ومن تقواه:
أ-اجتناب الشبهات "فمن اتقى الشبهات اســتبرأ لــدينه(...
الحديث رواه البخــاري) ،(52ومســلم) (1599مــن حــديث
النعمان بن بشير -رضي الله عنهما.-
ب-السؤال عن الشيء قبل الوقوع فيه.
ج -الرجوع إلى الحق بعد تــبينه ،فــإن الرجــوع إلــى الحــق
خير من التمادي في الباطل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
==============
#كفالة مقترض الربا
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 9ص (327
كفالة مقترض الربا
المجيب أ.د .سعود بن عبدالله الفنيسان
عميــد كليــة الشــريعة بجامعــة المــام محمــد بــن ســعود
السلمية سابقا ً
التصنيف الفهرسة /المعاملت/الضمان والكفالة
التاريخ 24/11/1423هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلم عليكم ورحمة الله وبركاته.
332
هناك مؤسسة تعنى بشؤون الســكان تقــدم قروضــا لمــن
يرغب في استكمال إعمار بيتــه بفــائدة قليلــة %3ولمــده
تزيد على خمس سنوات مــن بــاب مصــاريف المــوظفين،
وقد أفتى بعض العلماء هنا بجواز ذلك فهــل يجــوز لــي أن
أكفل شخصا ً يريد أخذ قرض من هذه المؤسسة؟
الجواب
ل يجوز القــتراض بفــائدة ربويــة مهمــا قلــت النســبة ولــو
وزعت على عشرات السنين لن قليل الربا وكثيره حرام،
وتبرير هــذه النســبة الربويــة علــى أنهــا أتعــاب ومصــاريف
للموظفين غيــر صــحيح وإنمــا ذلــك تزييــن مــن الشــيطان
والنفس أمارة بالسوء ول أعرف فتوى معتبرة لهل العلم
كما ذكرت في سؤالك ،إذ ربما السؤال أو تعليــل الجــواب
على غير هذه الصورة المسؤول عنهــا هنــا .وعلــى فــرض
وقوع هذه الفتوى على هذه الصورة فإنه من الخير لك أن
تجتنــب الشــبهات فتأخــذ بــالحوط فيمــا يخصــك لحــديث
النعمان بن بشير "الحلل بين والحرام بيــن وبينهمــا أمــور
مشتبهات ل يعلمهن كثير من الناس فمن اتقــى الشــبهات
فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع فــي
الحــرام" البخــاري ) ،(52ومسـلم ) (1599وفــي الحــديث
الصحيح " البر حسن الخلـق والثـم مـا حـاك فـي النفـس
وكرهــت أن يطلــع عليــه النــاس" مســلم ) (2553وفــي
الحديث الخر" :استفت قلبك البر ما اطمــأن إليــه القلــب
والثم ما حاك في النفــس وتــردد فــي الصــدر وإن أفتــاك
الناس وأفتوك" أحمد ) .(18006وعلى هذا فل يجــوز لــك
أن تكفل شخصا ً يتعامل بهذه المعاملة .وصــلى اللــه علــى
نبينا محمد.
===============
#هل هذا الصرف من الربا؟
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 9ص (351
هل هذا الصرف من الربا؟
المجيب د .محمد بن سعود العصيمي
أستاذ القتصاد السلمي المشارك بجامعــة المــام محمــد
بن سعود السلمية
333
التصنيف الفهرسة /المعاملت/الحوالة
التاريخ 25/08/1425هـ
السؤال
أنا تاجر ،وأشتري -من عنــد أحــد الصــرافين أحيانـًا -مبــالغ
من الدولر أو اليورو محولــة إلــى الصــين والهنــد ،وتكــون
طريقة البيع كالتالي :نتفق على الســعر للــدولر أو اليــورو
الواحد مقابل العملة الوطنيــة) 330أوقيــة مقابــل الــدولر
الواحد مثل( أعطيه نصف المبلغ أو أقــل منــه ،ويقــوم هــو
بتحويل المبلغ إلى الدولة المطلوبــة ،وبعــد وصــول المبلــغ
أدفع له الباقي.هل يوجد في هذه العملية ربا؟
الجواب
الحمد لله والصلة علــى رســول اللــه وعلــى آلــه وصــحبه
ومن واله ،أما بعد:
ل بد أول ً من التصارف الصحيح ،وذلك بأن يسلم من يريــد
الحوالة كامل المبلغ إلى محل الصرف أو البنــك التجــاري،
ويستلم القيمة بالعملة المطلوبة ،وهي الــدولر المريكــي
أو اليورو كما في السؤال .ثم تجري الحوالة بعد ذلك .وقد
جعل مجمع الفقه الســلمي القيــد البنكــي قبضــا .وعليــه،
فلو ســلم طــالب الحوالــة المبلــغ ،وقيــد البنــك مــا يقــابله
بالعملة المطلوبة )وهــي الــدولر أو اليــورو( ،فتعــد قبضــا،
ويصح عقد الصرف .ثم تجري الحوالة بعد ذلك.
والله أعلم وأحكم.
==============
#العمل في شركة أصل مالها من الربا
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 10ص (32
العمل في شركة أصل مالها من الربا
المجيب نزار بن صالح الشعيبي
القاضي بمحكمة الشقيق
التصنيف الفهرسة /المعاملت/الجارة والجعالة
التاريخ 28/2/1425هـ
السؤال
أعمل في شركة كبيرة ،وأنا موظفـة بهـا منـذ سـنة ،رأس
مال الشركة عبارة عن قرض ومجموعة مساهمين دفعــوا
334
مبالغ لنشاء هذه الشركة ،ولكــن بعــد ســنوات تــم شــراء
الشركة من قبل الدولة ،وتــم ســداد القــرض ،وتــم إرجــاع
المبالغ الخاصة بالمساهمين ،أي أن الشركة أصبحت تابعة
للدولة ،وأصبحت إيراداتها تابعة لخزينة الدولــة ،وأصــبحت
مرتبات موظفيها مــن خزينــة الدولــة ،ولكــن ســؤالي هــل
مرتباتنا حرام باعتبار أن الشركة عندما بدأت كانت عبــارة
عن قرض ربوي أي ما بني على باطــل فهــو باطــل ،وهــل
يجوز لي العمل في مكان أختلط به مع الرجال قليل ً علمــا
بأن المسؤول عندنا رجل ،وأنا أتعامل مــع الرجــال أحيان ـًا.
.أفيدوني مما أفادكم الله.
الجواب
الحمد لله وحده ،وبعد:
ما دام الحال ما ذكر وحيث إن الدولة قــامت بشــراء هــذه
الشركة وسداد هذا القــرض ،وتــم إرجــاع المبــالغ الخاصــة
بالمساهمين ،فكأن الــدائرة قــد بــدأت مــن جديــد والعقــد
السابق بين الشركة وموظفيها قد ألغــي ،وقــامت الدولــة
بالتعاقد من جديــد معكــم فل يــرد الشــكال المــذكور ،أمــا
سؤالك عن حكم العمل في مكان يحصل به اختلط قليــل
فالجواب إن من القواعد المقررة في الشريعة منع كل ما
يؤدي إلى الرذيلة ،ومتى علم وجود سبب يفضي غالبا ً إلى
المحرم فهو محرم ،فالختلط مــتى أدى إلــى الفتنــة فهــو
محرم ،أما إذا كان يسيرا ً كما تذكرين ولــم يصــاحبه خلــوة
أو تبرج وسفور ،أو خضوع بــالقول فل حــرج فــي ذلــك إن
شاء الله -تعالى.-
===============
#القانون ُيلزمه بتسديد فائدة الربا فماذا يفعل؟
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 12ص (196
القانون ُيلزمه بتسديد فائدة الربا فماذا يفعل؟
المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
التصــــنيف الفهرســــة /فقــــه الســــرة /استشــــارات
اجتماعية/أخرى
التاريخ 28/10/1424هـ
335
السؤال
تحملــت عــن امــرأة دينـا ً عليهــا ،أخــذته عــن طريــق الربــا
وصورته) :أنها أخذت من امرأة ذهبا ً بقيمة 350ألف ريال
يمني إلى أجل ،على أن ترده مع الزيادة ،وأنــا الن أســدد
عنهــا الــدين مــع الزيــادة ،لكونهــا فقيــرة ول تقــدر علــى
التسديد ،وقد تتعرض لمشاكل عظيمــة ،فمــا حكــم ذلــك؟
أفتونا مأجورين.
الجواب
إذا كــان الســائل والمــرأة المدينــة يســتطيعون أن يكتفــوا
بسداد رأس المال فقط فنقـول ينبغـي لهـم ذلـك ،أمــا إذا
كان هناك إجبـار ،وهنـاك قــوة تمثيليــة تأخــذ منهـم الحـق،
سواء أكان ذلك بحق مشروع أو غيــر مشــروع فينبغــي أن
يسدد عنها ،وأن تبعـد عـن أسـباب إهانتهـا وإجبارهـا علـى
أمور ل تستطيع ردها.
==============
#هل الربا ضرورة اقتصادية؟
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 12ص (392
هل الربا ضرورة اقتصادية؟
المجيب د .يوسف بن عبد الله الشبيلي
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصــنيف الفهرســة /الــدعوة الســلمية/شــمول رســالة
السلم وعمومها
التاريخ 29/3/1425هـ
السؤال
أنا طالب مقيم فــي دولــة غربيــة ،وخلل إقــامتي ناقشــت
بعض المسلمين الذين يجعلون العقل هو الحكم في قبول
أدلة الشرع ،فأخذوا يناقشوني في حرمة الربا وأن الحــال
الن في العالم مــن العولمـة والبورصـة العالميـة تسـتلزم
التعامل بالفوائد ،ولقد حــاولت تــبيين عظــم حرمــة الربــا،
ولكن للسف من غير فائدة ،أرجو من سماحتكم تــوجيهي
في طريقـة مناقشـتهم والكتـب الـتي تنصـح فــي قراءتهـا
لمناقشة مثل هذا الصنف من الناس .وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
336
الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ،أما بعد:
وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته.
فمن الممكن مناقشة هؤلء من خلل عدة محاور:
الول :بيان ما يجب على المسلم تجاه النصوص الشرعية
من التســليم والنقيــاد لحكــم اللــه ،وأن المــؤمن ل يكــون
مؤمنا ً حقا ً حتى يحكــم النصــوص الشــرعية ســواء وافقــت
عقلــه القاصــر وهــواه أو لــم تــوافقه ،وأن مــن مقتضــى
اليمان بالله أن يستســلم العبــد لحكمــه ،يقــول ســبحانه:
كموك فيما شجر بينهم ثــم ل "فل وربك ل يؤمنون حتى يح ّ
يجدوا في أنفسهم حرجا ً ممــا قضــيت ويســلموا تســليما "
]النساء.[65:
الثاني :على العبد أن يوقن دومـا ً أن حكــم اللــه فيــه غايــة
المصلحة والخير الدنيوي والخــروي للعبــاد ،وأن العبــد إذا
ظهر له خلف ذلك فإنما هــو لقصــوره البشــري؛ لن اللــه
تعالى هو واضع هذه الحكام ،وهو أدرى بمصالح العباد من
أنفسهم ،يقول تعالى" :ومن أحسن من الله حكم ـا ً لقــوم
يوقنون " ]المائدة.[50:
الثالث :وأما كون النظام السائد في السواق العالمية هــو
نظــام الفــائدة فهــذا ل يعنــي أنــه أفضــل مــن النظــام
القتصادي الســلمي ،لن انتشــار نظــام الفــائدة كــان لــه
أسبابه ومبرراته ،ومنها الدعم الكبير الذي حظــي بــه هــذا
النظام من قبل المؤسسات الرأســمالية وأصــحاب النفــوذ
والسلطة ،وهم المستفيد الول منه ،وصاحب ذلك ضعف
سياسي عند المسلمين نتج عنه غياب أو انحســار البــدائل
الشرعية المناسبة ،وكــون الــدول الرأســمالية قــد حققــت
قدرا ً أكبر من الرفاهية مقارنة بالدول الخرى ل يرجع ذلك
بالضرورة إلى نجاح نظامها القتصادي ،فثمة عدة عوامل
ساعدت على ذلك من أهمها :الستقرار السياســي ،وبنــاء
مؤسسات المجتمع المدني من سلطة تشــريعية وقضــائية
وتنفيذيــة علــى نحــو تفــوقت فيــه علــى كــثير مــن الــدول،
والهم من ذلــك هــو ابتزازهــا لخيــرات الشــعوب الخــرى،
وتســـخيرها لكافـــة إمكانياتهـــا العســـكرية والسياســـية
والستخباراتية ،لدعم نظامها القتصادي ،تحت مســميات
337
متعـــددة ،فتـــارة باســـم الســـتعمار ،وتـــارة بالضـــغوط
الخارجية ،وأحيانا ً بالحصار القتصادي ،ومكافحــة الرهــاب،
وأحيانــا ً بــدعوى الصــلح الداري ،..وقــل مــا شــئت مــن
المسميات التي ل تنطلي على عاقــل ،ويــدرك اللــبيب أن
المقصود منها هــو التضــييق علــى بقيــة الــدول وامتصــاص
خيراتها وإجهاض أي محاولة لمنافسة الدول الستعمارية.
الرابــع :ول يخفــى علــى النــاظر بتمعــن مــا ســببه النظــام
الرأسمالي من ويلت ونكبات على الشعوب والمجتمعات،
حيث نجد دول ً برمتها تنهار اقتصــادياتها فــي أيــام معــدودة
بسبب الجو الملئم لمثل ذلك الذي أوجــده هــذا النظــام ،
كما يكفي أن نعــرف أن أكــثر مــن نصــف ســكان الرض -
في ظل النظام الرأسمالي -يعيشون تحــت خــط الفقــر ،
وأن %5فقط من العالم تعادل ثروتهم ثروة بقية العــالم،
بل نجد المؤشــرات القتصــادية داخــل الــدول الرأســمالية
نفسها تشير إلى أن كفة الغنياء في تصاعد مستمر علــى
حساب الفقراء ،ومرد ذلــك إلــى الليـة الــتي يســير عليهــا
ى
النظام الرأسمالي والتي من شــأنها أن تزيــد الغنــي غن ـ ً
والفقيــر فقــرا ،فكيــف يؤمــل بعــد ذلــك أن يعــم الرخــاء
بسيادة هذا النظام في العالم.
الخامس :وقد ظهرت بعض البدائل المتفقة مع االشريعة
الســلمية فــي العقــدين الماضــيين فــي البلــدان الغربيــة
نفســها ،فظهــر مــا يعــرف ب )صــناديق الســتثمار( )
(Investment fundsوهي فــي الحقيقــة مبنيــة علــى نظــام
المشاركة في الربح والخسارة الــذي عرفــه الســلم قبــل
أكثر مــن أربعــة عشــر قرنـًا ،وقــد حققــت تلــك الصــناديق
نجاحا ً منقطع النظير على حساب نظام الفائدة ،مما حــدا
بكثير مــن الــدول الوروبيــة وعلــى رأســها ألمانيــا إلــى أن
تجعلها من ضمن العمال الساسية التي تمارســها البنــوك
التجارية ،بعد أن كان مترسخا ً في الذهان لقرون متعــددة
أن دور المصارف يقتصر على القراض بــالفوائد ،ويكفــي
أن نعــرف أن القيمــة الســوقية لصــناديق الســتثمار فــي
أمريكــا وحــدها تزيــد عــن ثلثــة ترليونــات دولر ،وفــي
اعتقادي أن صناديق الستثمار خطوة في التجاه الصــحيح
338
للتخلص من نظام الفائدة والعتماد على الستثمار بنظــام
الربح المبني على عقد المشاركة.
السادس :وإتماما ً للفائدة أشـير إلـى مقارنـة سـريعة بيـن
نظام الربح المبني على المشاركة ،ونظام الفائدة المبني
على عقد القرض ،فقد جاء تحريم الفائدة الربوية وإباحــة
الربح في الشريعة الســلمية ،لتحقيــق مقاصــد عظيمــة،
ومصالح كبيرة تعــود بــالخير علــى البشــرية جمعــاء ،دفع ـا ً
للظلم عنهم ،وتحقيقا ً للعدل بينهم ،إل أن النســان ذلــك
الظلوم الجهول بما يعتري فطرته من النتكاس والغفلــة ،
ل يتوانى عن الخضوع ذليل ً لكل ما يشرعه أهل الرض بما
تحمله تلك التشريعات من ظلم وجور وطغيان.
فالسلم حين حرم الفائدة فإنما حرمها لما تنطــوي عليــه
من الظلم والفساد بين العباد ،وحين أباح الربح فلمــا فيــه
من العدل والصلح بين الناس ،ولنتأمل فــي بعـض الثــار
القتصادية لكل منهما:
-1فالربح يحقق الهداف التنمويــة للبلد علــى عكــس مــا
تؤديه الفائدة ،ذلك أنه من المعروف أنه فيمــا عــدا بعــض
القــروض التنمويــة الممنوحــة مــن هيئات متخصصــة فــإن
ســوق القــروض يعــد ســوقا ً قصــير الجــل بمعنــى أن
المقرضين في الغــالب يتحاشــون القــراض طويــل الجــل
خوفا ً من تقلــب أســعار الفــائدة أو تــدني القــوة الشــرائية
للنقود أو التغير في معدلت الصرف .
لذلك يبدو التعارض قائما ً بين أهداف المقرضين وسلوكهم
وبين الحاجة للستثمار طويل الجل في معظــم المجــالت
القتصــادية الحيويــة ،والــتي ل تتحقــق إل باعتبــار الربــح
معيارا ً للنتاج.
-2ونظام الربح يضــمن تحــول رأس المــال فــي المجتمــع
إلى رأس مال منتــج يســاهم فــي المشــروعات الصــناعية
والزراعية وغير ذلك ،بينما في نظام الفائدة يودع النــاس
فائض أموالهم النقدية في البنوك مقابــل فــائدة منخفضــة
الســعر يقررهــا البنــك لــودائعهم ،ثــم يقــوم بتحويــل هــذه
الموال إلى خــارج البلد واقتضــاء فــوائد مضــمونة عليهــا،
دون أن تشارك هذه الموال في التنمية القتصادية.
339
-3الربح عامل توزيــع للمــوارد القتصــادية بخلف الفــائدة
التي تعتبر أداة رديئة ومضللة في تخصيص الموارد ،وذلــك
لن آلية الربح تشجع على توجيه الموال إلى الستثمارات
العلى جدوى والكــثر إدرارا ً للعــائد ،بينمـا تتحيــز الفـائدة
بصفة رئيســية للمشــروعات الكــبيرة الــتي تحصــل بحجــة
ملءتها على قروض أكبر بسعر فائدة أقل ،بصــرف النظــر
عن إنتاجيتها ،مما يساعد على تركيــز الــثروات فــي أيــدي
قلة قليلة من المرابين .
-4ولن الربح ناتج عن ارتبــاط المــال بالعمــل فالتــدفقات
النقدية التي تتحقق وفقـا ً لهــذا النظــام مرتبطــة بتــدفقات
مقابلة من السلع والخــدمات الضــرورية للمجتمــع ،وذلــك
بخلف نظام الفائدة حيث تنطــوي عمليــات منــح الئتمــان
في المصارف التقليدية على زيادة كمية النقود المعروضة
بما يسمح بمزيد من الضغوط التضخميه.
- 5أن البنوك في اســتغللها للــودائع بنظــام الفــائدة إنمــا
تخلق نقودا ً مصطنعة هي ما يســمونه بالئتمــان التجــاري،
وهي بهــذا تغتصــب وظيفــة الدولــة المشــروعة فــي خلــق
النقود بما يحف هذه الوظيفة مــن مســئوليات ،ول ينفــرد
بهذا الرأي علماء المسلمين بل قد أجمع كــثير مــن علمــاء
القتصاد في الغرب على أن الئتمان الذي تقــدمه البنــوك
سواء كان في قروض الســتهلك أو النتــاج مــن شــأنه أن
يزعـــزع النظـــام القتصـــادي لن التعامـــل فـــي البلد
الرأسمالية لم يعد بالذهب أو بالفضــة أو بــأوراق النقــد إل
في القليل النــادر ،أمــا أكــثر التعامــل فيجــرى بالشــيكات،
والثابت بحكم الواقع أن البنوك تميــل فــي أوقــات الرخــاء
إلى التوسع في القراض بفتح العتمادات التي تربو علــى
رصيدها أضعافا ً مضاعفه ،وميلها فــي أوقــات الركــود إلــى
الحجــام عنــه وإرغــام المقترضــين علــى الســداد ،فهــذا
البســط والقبــض الــذي تتحكــم فيــه إرادة القــائمين علــى
المصارف الربوية هو من أهـم العوامـل الـتي تهـز الكيـان
القتصادي ويفضي إلى تتابع الزمات.
-6ول ينقضـي عجـب النسـان حيـن نعلـم أن مـن علمـاء
المسلمين المتقدمين من تحدث عــن الضــرار القتصــادية
340
للربا وكأنما هو يصــف حالـة التخبــط الـتي يعيشــها العـالم
القتصادي اليوم:
فيقول المام الغزالي رحمــه اللــه) :إنمــا حــرم الربــا مــن
حيث إنه يمنع الناس من الشــتغال بالمكاســب وذلــك لن
صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة الربا من تحصيل درهــم
زائد نقــدا ً أو آجل ً خــف عليــه اكتســاب المعيشــة فل يكــاد
يتحمل مشقة الكســب والتجــارة والصــناعة وذلــك يفضــي
إلى انقطاع منافع الخلق ،ومن المعلوم أن مصالح العالم
ل تنتظم إل بالتجارات والحرف والصناعة والعمار(.
ويتحدث ابن القيم -رحمه الله -عن الضرر الناشــئ عنــد
الســترباح بــالنقود وحكمــة تحريــم ربــا الفضــل فيقــول:
)والثمن هو المعيار الذي يعرف به تقويم المــوال ،فيجــب
أن يكون محدودا ً مضبوطا ً ل يرتفع ول ينخفض إذ لــو كــان
الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكــن لنــا ثمــن نعتــبر بــه
المبيعات بل الجميع سلع ،وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون
به المبيعات حاجة ضرورية عامة ،وذلك ل يمكن إل بســعر
تعرف به القيمة وذلك ل يكون إل بثمــن تقــوم بــه الشــياء
ويستمر على حالــة واحــدة ،ول يقــوم هــو بغيــره إذ يصــير
ســلعة يرتفــع ،وينخفــض فتفســد معــاملت النــاس ،ويقــع
الحلــف ويشــتد الضــرر كمــا رأيــت حــد فســاد معــاملتهم،
والضرر اللحق بهم حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربــح
فعم الضرر وحصل الظلم ،فالثمان ل تقصد لعيانهــا بــل
يقصد منها التوصل إلــى الســلع ،فــإذا صــارت فــي نفســها
سلعة تقصد لعيانها فسد أمر الناس(.
وفي تفسير المنار) :وثم وجه آخر لتحريــم الربــا مــن دون
البيع ،وهو أن النقدين إنما وضعا ليكونا ميزانا ً لتقــدير قيــم
الشياء التي ينتفع بها الناس في معايشهم فإذا تحول هــذا
وصار النقد مقصودا ً بالستغلل فإن هذا يؤدي إلــى انــتزاع
الثروة من أيدي أكــثر النــاس ،وحصــرها فــي أيــدي الــذين
يجعلون أعمالهم قاصرة على استغلل المال بالمال(.
وختاما ً فهذه بعض أسماء الكتب المفيدة في الموضوع:
-1نحو نظام نقدي عادل ،للدكتور :محمــد عمــر شــبابرا ،
وهو من مطبوعات المعهد العالمي للفكر السلمي ،وهذا
341
المعهد موجود عندكم في أمريكا ،وعنــوانه علــى الشــبكة
العالمية هوhttp://www.iiit.org :
-2موســوعة القتصــاد الســلمي للــدكتور /محمــد عبــد
المنعم جمال
-3بالضافة إلى عدد من المطبوعات لــدى معهــد العلــوم
الســلمية والعربيــة فــي أمريكــا ،وهــو موجــود فــي وليــة
فرجينيا ،وعنــوانه علــى الشــبكة العالميــةwww.iiasa.org :
وبإمكانــك التصــال بهــم علــى الرقــم 7032073901 :
وسيقومون بإذن الله بتزويدك بما تحتاج إليه من كتب .
=============
ري بمال الربا #الصلة في مركز إسلمي اشت ُ ِ
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 15ص (405
ري بمال الربا الصلة في مركز إسلمي اشت ُ ِ
المجيب د .محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/10/1424هـ
السؤال
نصلي الصلوات المكتوبة بأحد المراكز السلمية ،وقد قام
القائمون عليه بتسديد ثمنه بقــرض ربــوي أفتـاهم بجـوازه
أحد المشايخ في أوربا ،فهــل الفضــل لنــا الســتمرار فــي
أداء المكتوبات بالمسجد؟ أم نصلي فــي بيوتنــا؟ علم ـا ً أن
أقرب مسجد يبعد حوالي 6كيلو متر .وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
فتــوى مــن ذكــرت ل تصــح ،ول يجــوز بنــاء المســاجد مــن
أموال ربوية أو مسروقة ،ولو نظرت إلى مشركي قريــش
حينما أرادوا بناء الكعبة حينما تهدمت فإنهم جنبوا المــوال
المحرمة فــي بنائهــا ،حــتى قصــر بنــاؤهم عــن بنــاء جميــع
الكعبة ،فحجروا الجـزء الـذي لـم يبـن ،وأمـا إذا تـم البنـاء
وانتهى فالثم على من أفتاكم ،وأما صلتكم فيه فصحيحة.
================
#هل يدخل هذا في الربا؟
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 16ص (275
342
هل يدخل هذا في الربا؟
المجيب أ.د .عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/01/1427هـ
السؤال
تقدمت للحصول على سكن من إحــدى الشــركات التابعــة
للدولة ،بحيث دفعــت ربــع القيمــة والبــاقي علــى أقســاط
شهرية تخصم مــن الراتــب بعــد الســتلم ،مــع العلــم بــأن
الثمن مبين مسبقًا ،ولكن دخل طرف ثالث من غير علمنا
وهو المصرف العقاري ،بحيث غطــى بــاقي المبلــغ }ثلثــة
ي{ ،ووضــع عمولــة وعــائد خدمــة، أرباع الثمن المتبقي عل ّ
ل ،فهــل تعتــبربحيث زاد الثمن عن الثمن المتفق عليــه أو ً
هذه الزيادة من الربا؟
الجواب
الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ،وبعد:
فهذا من الربا الواضح ،فهذه الزيادة سواء سميت عمولــة
أو عائد أو غير ذلك فهي ربا صريح ،لنهم دفعوا عنك مبلغا ً
وتعيده بعد مدة أكثر ممــا دفعــوا عنــك ،ونصــيحتي لــك أن
تتخلص وتســدد إن كنــت تقــدر ،وإل فــألزم الشــركة الــتي
كتبت معها عقدا ً أن تلتزم بالعقد ،وأل تطلب منــك زيــادة،
و"المؤمنون على شروطهم إل شرطا ً أحل حراما ً أو حــرم
حل ً
ل" ،والله أمرنا بالوفاء بالعقود.
وإن كان هذا المـر بغيـر اختيـارك ولـم تسـتطع أن تسـدد
حاضــرا ً أو تتخلــص مــن المعاملــة فــأنت معــذور ،واللــه ل
يكلــف نفســا ً فــوق طاقتهــا ،والمشــقة تجلــب التيســير،
ويتحمل الوزر من ألزمــك وأوقعــك فــي المحــذور ،وفقــك
الله لطيب المطعم ،ورزقنا وإيــاك الحلل وجنبنــا الحــرام،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
==============
#هل هذا من بيع الجل أم الربا؟
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 16ص (356
هل هذا من بيع الجل أم الربا؟
343
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة /جامعة المام محمد بن سعود السلمية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/03/1427هـ
السؤال
أنا أعمل لدى متعهد )مؤسسة خاصة( للــدوائر الحكوميــة،
طبيعة عملها شـراء وتـأمين مـا تحتـاجه بعـض القطاعــات
الحكومية من السوق داخليــا أو خارجيـًا ،وبعــد ذلــك تقــوم
بإضافة نسبة العمولة ) (%20إلى سعر السوق ،بحيث إن
القطــاع الحكــومي يــدفع للمؤسســة بالجــل ،وفــي بعــض
الحيان يحتاج القطاع الحكــومي إلــى الســيولة لشــراء مــا
دا ،وعنــديحتــاجه ،فتقــوم المؤسســة بإعطــائك المــال نق ـ ً
السداد تقوم بإضافة نسبة العمولة.
فهل يعد هذا ربا؟ وفي حالة وجــود ربــا فهــل راتــبي الــذي
ي تــرك العمــل والبحــث ما؟ وهل يجب عل ّ أخذته يعتبر حرا ً
عن عمل آخــر ،وإخبــار صــاحب المؤسســة بســبب تركــي
العمل؟ أفيدوني ،وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد الله ،والصلة والسلم على رسول الله ،وبعد:
فإن ما تقوم به المؤسسة المذكورة من تــوفير احتياجــات
بعــض القطاعــات الحكوميــة ،حيــث تقــوم بالشــراء مــن
السوق ،وتضيف هامش ربح ،على أن تسدد الجهة العامــة
نقدا أو بالجل ل حرج فيه ول إشكال ،فهو من البيع الــذي
أحله الله في كتابه ،وإن كانت الجهة العامة هي التي تعين
السلعة ،وتطلب من المؤسسة الخاصة شراءها لهــا علــى
أن تسدد بعد مدة بسعر أعلــى متفــق عليــه فهــذا أيضــا ل
إشكال فيه ،وهو ما اصطلح على تسميته اليوم بالمرابحــة
للمر بالشراء ،وهو جـائز -إن شـاء اللـه -بشـرطه ،بحيـث
يدخل في ملك المؤسسة ،ثم تبيعه على الجهة العامة.
وأما أن تقرض المؤسسة الخاصــة الجهــة الحكوميــة مــال ً
-على أن تسدده هذه الخيرة بعد مــدة مضــاًفا إليــه نســبة
من القرض قّلت أو كثرت -فهو عين الربا الذي حرمه الله
في كتابه.
344
وأما عن مشروعية العمل في مثل هذه المؤسسات ،فهذا
يعود إلى طبيعة عمل المؤسسة أساسا ،فــإن كــان عملهــا
الصلي هو الحلل وهو الغـالب عليهـا ،وإنمـا يـدخل عليهـا
بعض المال الحرام ،فالعمل فيهــا جــائز ،وعلــى المــرء أن
يتجنب عقد الصفقات المشــبوهة أو المحرمــة ول يقربهــا،
وراتبه الذي يأخذه على عملــه الحلل حلل إن شــاء اللــه،
ومن وجد عمل مكافئا لعمله في مكان آخــر ل شــبهة فيــه
فالحوط لدينه أن ينتقل .والله أعلم.
==============
ن لهم على الربا؟ معي ٌ #هل أنا ُ
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 16ص (444
ن لهم على الربا؟ معي ٌ هل أنا ُ
المجيب أ.د .عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ جامعي في جامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 18/05/1427هـ
السؤال
أعمل في شركة يتطلب العمل بها سيارة ،فتقوم الشركة
بسحب قرض من البنك باسمي وبضمان الشركة لتشتري
السيارة ،علــى أن تســدد الشــركة القــرض بفــوائده علــى
مدار خمس سنوات ،علما ً أني ل أدفع شيئًا ،والشركة هي
يالتي تتحمل كل شيء .فهل هذا العمل حرام؟ وماذا علــ ّ
أن أفعل لسـرتي .لنـي لـو تركــت العمــل سيصـبح بــاقي
المبلغ في ذمتي؟
الجواب
الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ،وبعد:
فهذا العمل ل يجوز ،حيث قامت الشــركة بــالقتراض مــن
البنك قرضا ً باسمك؛ لنه من الربا ،والله تعــالى نهانــا عــن
َ
من ُــوا ات ُّقــوا الل ّـ َ
ه نآ َذي َالتعامل بالربا ،قال تعالىَ" :يا أي َّها ال ّ ِ
ن" ]البقـرة،[278: مـؤْ ِ
مِني َ ن الّرَبا ِإن ك ُن ْت ُــم ُ
م َ
ي ِ وَذ َُروا َ
ما ب َِق َ
وموافقتك على ســحب قــرض مــن البنــك باســمك لصــالح
الشركة من التعاون على الثم والعدوان ،الــذي نهــى اللــه
345
وى وََل ت َعَــاوَُنوا عَل َــى عنه بقوله" :وَت ََعاوَُنوا عََلى ال ْب ِـّر َوالت ّْقـ َ
ن" ]المائدة.[2: اْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ
وقيـام الشـركة بالسـداد عنـك للبنـك ل يخلـي ذمتـك مـن
المشاركة في هذا العمل ،فعليك بالتوبة والستغفار وكثرة
العمل الصالح ،وإن اســتطعت أن تــرد بــاقي المبلــغ الــذي
اقترضته للبنك فهو أولى وأفضل ،وإن لم تســتطع فعليــك
بالصبر حتى تقــوم الشــركة بالســداد عنــك لقــوله تعــالى:
م" ]التغابن.[16: ست َط َعْت ُ ْما ا ْ ه َ"َفات ُّقوا الل ّ َ
وأوصيك -أخي الكريم -بعدم العودة إلى هذا العمــل الــذي
وقعت فيه؛ لن الربا من أشد المعاصي التي يبغضــها اللــه
تعالى ،وتوعد عليها بالحرب لمن تعامل به ،فاحرص علــى
طيب مطعمك ،وطلب الرزق الحلل ،وتذكر قــوله تعــالى:
ث َلحي ْـ ُ
ن َ مـ ْه ِ جــا وَي َْرُزقْـ ُ خَر ً جعَــل ل ّــه َ
م ْ ه يَ ْق الل ّـ َ مــن ي َت ّـ ِ "و َ َ
ب" ]الطلق.[3-2: س ُحت َ ِ يَ ْ
وفقك الله للعلم النافع والعمل الصالح ،وصلى الله وسلم
على نبينا محمد.
==============
#التخلص من الربا بإعطائه للم!
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 17ص (16
التخلص من الربا بإعطائه للم!
المجيب د .عبد الله بن عبد الله بن عبيد الزايد
مدير الجامعة السلمية بالمدينة سابقا ً
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/02/1427هـ
السؤال
ادخرت بالبنك قيمة مالية ،وبما أنــه بنــك ربــوي فــإن هــذه
القيمة ارتفعت ،وأريــد التخلــص منهــا ,فهــل يجــوز لــي أن
أعطيها لمي؟ علما بأنها أرملة ول دخل لها إل ما نجود بــه
عليها.
الجواب
الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ،وبعد:
346
فإذ كنتم تجودون على أمكــم مــن قــدرتكم الماليــة بمــا ل
يؤثُر على ما تحتاجونه لمور حياتكم المشروعة فاستمروا
على ذلك ،دون أن تعطوها من الفوائد الربوية.
أما إذا كان ما تدفعونه للوالــدة لس ـد ّ حاجاتهــا وضــروراتها
يــؤثر عليكــم ،بحيــث ل تســطيعون ســد حاجــاتكم؛ لنكــم
ب مــا يكــون إلــى عــدم قــدرتكم تمنحون الوالدة جزًءا أقر ُ
على ســد الحاجــات والضــرورات فل بــأس أن تــدفعوا لهــا
الناتج الربوي ،على أن يقتصر ما تـدفعونه مــن ذلـك علــى
الضــروريات أو الحاجــات المّلحــة للوالــدة ،والبــاقي مــن
الفوائد الربوية الزائدة على حاجة الوالدة يدفع للمحتاجين
من الفقراء الخريــن ،والولــى دفــع البــاقي للمحتــاج مــن
الفقراء ،وأحقهم الفقراء القارب غير الورثة .والله أعلــم،
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
=============
#الربا والصرف
فتاوى واستشارات السلم اليوم ) -ج / 17ص (277
أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الول ص 93-88
قرار هيئة كبار العلماء
رقم)(10وتاريخ 17/4/1393هـ
الورق النقدي
هيئة كبار العلماء 22/8/1426
26/09/2005
الحمد لله وحده ،والصلة والسلم على مــن ل نــبي بعــده
محمد ،وعلى آله وصحبه،وبعد:
فبناء على توصية رئيس إدارات البحــوث العلميــة والفتــاء
والــدعوة والرشــاد ،والميــن العــام لهيئة كبــار العلمــاء
-بدراسة موضوع الورق النقدي من قبل هيئة كبار العلماء؛
استنادا ً إلى المــادة الســابعة مــن لئحــة ســير العمــل فــي
الهيئة التي تنص على أن ما يجري بحثه في مجلس الهيئة
يتم بطلب مــن ولــي المــر ،أو بتوصــية مــن الهيئة،أو مــن
أمينهــا ،أو مــن رئيــس إدارات البحــوث العلميــة والفتــاء
والدعوة والرشــاد،أو مــن اللجنــة الدائمــة المتفرعــة عــن
الهيئة -فقد جرى إدراج الموضوع في جدول أعمــال الهيئة
347
لـــدورتها الثالثـــة المنعقـــدة فيمـــا بيـــن 1/4/1393هــــ و
17/4/1393هـ ،وفي تلك الدورة جرى دراســة الموضــوع
بعد الطلع على البحث المقدم عنــه مــن اللجنــة الدائمــة
للبحوث العلمية والفتاء.
وبعد استعراض القــوال الفقهيــة الــتي قيلــت فــي حقيقــة
الوراق النقدية من اعتبارها أسنادًا ،أو عروض ـًا ،أو فلوســا
ً،أو بدل ً عن ذهب أو فضة ،أو نقدا ً مستقل ً بذاته،وما يترتب
على تلك القوال من أحكام شرعية -جرى تــداول الــرأي
فيها ،ومناقشة ما على كل قول منها مــن إيــرادات .فتنتــج
عن ذلك العديــد مــن التســاؤلت الــتي تتعلــق بــالجراءات
المتخــذة مــن قبــل الجهــات المصــدرة لهــا:وحيــث أن
الموضوع من المسائل التي تقضــي المــادة العاشــرة مــن
لئحــة ســير عمــل الهيئة بالســتعانة بالشــؤون القتصــادية
والجتماعية والنظمة العامة بما في ذلك القضــايا البنكيــة
والتجارية والعمالية ،فإن عليها أن تشرك في البحث معهــا
واحدا ً أو أكثر من المتخصصين في تلك العلوم -فقد جــرى
استدعاء سعادة محافظ مؤسسة النقد العربــي الســعودي
الدكتور أنور علي،وحضر معه الــدكتور عمــر شــابريه أحــد
المختصين في العلــوم القتصــادية ،ووجهــت إلــى ســعادته
السئلة التالية:
س :1هل تعتبر مؤسسة النقد ورق النقــد الســعودي نقــدا ً
قائما ً بذاته أم تعتبره ســندات تتعهــد الدولــة بــدفع قيمتهــا
لحاملها،كما هو مدون على كل فئة من فئات أوراق النقــد
الســعودي،وإذا لــم يــرد معنــى هــذه العبــارة ،فمــا معنــى
اللتزام بتسجيلها على كل ورقة،وهل يعني ذلك التعهد أن
ورق النقد السعودي مغطى بريالت فضية أم ل؟
س :2هل لكــل عملــة ورقيــة غطــاء مــادي محفــوظ فــي
خزائن مصدريها ،إذا كان كذلك فهــل هــو غطــاء كامــل أم
غطاء للبعض فقط ،وإذا كان غطاء للبعــض فمــا هــو الحــد
العلى للتغطية ،وما هو الحد الدنى لها؟
س :3ما نوع غطاء العملت الورقية ،وهل توجد عملة لي
دولة ما مغطاة بالفضة،وله هناك جهات إصدار تخلت عــن
فكرة التغطية المادية مطلقًا؟
348
س :4المعــروف أن الورقــة ل قيمــة لهــا فــي ذاتهــا،وإنمــا
قيمتها في الخارج عنها ،فما هي مقومات هذه القيمة؟
س :5نرغب في شرح نظرية غطاء النقد بصفة عامة ،وما
هي مقومات اعتبار العملة الورقية على الصعيدين الدولي
والمحلي؟
س :6هل الغطــاء ل يكــون إل بالــذهب ،وإذا كــان بالــذهب
وغيره فهل غير الذهب فرع عن الذهب باعتبــار أنــه قيمــة
له ،وهل يكفي للغطاء ملءة ومتانة اقتصادها وقوتهــا ولــو
لم يكن لنقدها رصيد؟
===============
)#الربا والقرض والعمل في البنوك(
فتاوى إسلمية ) -ج / 2ص (828
من قرارات المجمع الفقهي حول العملة الورقية
الحمد لله وحده ،والصلة والسلم على من ل نــبي بعــده،
سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .أما بعد
فــإن مجلــس المجمــع الفقهــي السـلمي قــد اطلــع علـى
البحث المقدم إليه في موضوع العملة الورقية ،وأحكامهــا
مــن الناحيــة الشــرعية ،وبعــد المناقشــة والمداولــة بيــن
أعضائه ،قرر ما يلي
أول ً أنه بناء على أن الصل في النقد هــو الــذهب والفضــة
وبناء على أن علة جريان الربا فيهمــا هــي مطلــق الثمنيــة
في أصح القوال عند فقهاء الشريعة.
وبمــا أن الثمنيــة ل تقتصــر عنــد الفقهــاء علــى الــذهب
والفضة ،وإن كان معدنهما هو الصل.
وبما أن العملة الورقيــة قــد أصــبحت ثمنـًا ،وقــامت مقــام
الذهب والفضة في التعامل بها ،وبها تقوم الشياء في هذا
العصر ،لختفاء التعامل بالذهب والفضة ،وتطمئن النفوس
بتمولها وادخارها ويحصل الوفاء والبراء العام بها ،رغم أن
قيمتها ليست في ذاتها ،وإنما فــي أمــر خــارج عنهــا ،وهــو
حصول الثقة بها ،كوسيط في التداول والتبادل ،وذلــك هــو
سر مناطها بالثمنية.
وحيــث أن التحقيــق فــي علــة جريــان الربــا فــي الــذهب
والفضــة هــو مطلــق الثمنيــة ،وهــي متحققــة فــي العملــة
349
الورقيـــة ،لـــذلك كلـــه ،فـــإن مجلـــس المجمـــع الفقهـــي
السلمي ،يقرر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته ،له حكم
النقدين من الذهب والفضة ،فتجــب الزكــاة فيهــا ،ويجــري
الربــا عليهــا بنوعيــة ،فضـل ً ونســيًا ،كمــا يجــري ذلــك فــي
النقدين مــن الــذهب والفضــة تمامـًا ،باعتبــار الثمنيــة فــي
العملة الورقية قياسا عليهما ،وبذلك تأخذ العملــة الورقيــة
أحكام النقود في كــل اللتزامــات الــتي تفرضــها الشــريعة
فيها.
ثانيا ً يعتبر الورق النقدي نقدا ً قائما ً بذاته كقيام النقدية في
الذهب والفضة وغيرهمــا مــن الثمــان ،كمــا يعتــبر الــورق
النقدي أجناسا ً مختلفة ،تتعــدد بتعــدد جهــات الصــدار فــي
البلــدان المختلفــة ،بمعنــي أن الــورق النقــدي الســعودي
جنـس ،وأن الـورق النقـدي المريكـي جنـس ،وهكـذا كـل
عملة ورقية جنس مستقل بذاته ،وبذلك يجري فيهــا الربــا
بنوعيه فضل ً ونسيا ً كما يجــري الربــا بنــوعيه فــي النقــدين
الذهب والفضة وفي غيرها من الثمان.
وهذا كله يقتضي ما يلي
) أ ( ل يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعـض أو بغيـره مـن
الجناس النقدية الخرى
من ذهب أو فضة أو غيرهما ،نسيئة مطلقًا ،فل يجــوز مثل ً
بيع ريال سعودي
بعملة أخرى متفاضل ً نسيئة بدون تقابض.
) ب( ل يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضــه
ل ،سواءببعض متفاض ً
كان ذلك نسيئة أو يدا ً بيد ،فل يجوز مثل ً بيع عشرة ريالت
سعودية ورقًا ،بأحد
عشر ريال ً سعودية ورقًا ،نسيئة أو يدا ً بيد.
) ج ( يجوز بيع بعضــة ببعــض مــن غيــر جنســه مطلقـًا ،إذا
كان ذلك يدا ً بيد ،فيجوز بيع
الليرة السورية أو اللبنانيــة ،بريــال ســعودي ورق ـا ً كــان أو
فضة ،أو أقل من ذلك أو
أكثر ،وبيع الدولر المريكي بثلث ريالت ســعودية أو أقــل
من ذلك أو أكثر إذا
350
كــان ذلــك يــدا ً بيــد ،ومثــل ذلــك فــي الجــواز بيــع الريــال
السعودي الفضة ،بثلثة
ريالت سعودية ورق ،أو أقل من ذلك أو أكثر ،يدا ً بيــد لن
ذلك يعتبر بيع جنس
بغيــر جنســه ،ول أثــر لمجــرد الشــتراك فــي الســم مــع
الختلف في الحقيقة.
ثالثا ً وجوب زكــاة الوراق النقديــة إذا بلغــت قيمتهــا أدنــى
النصابين من ذهب أو فضة،
أو كانت تكمل النصاب مع غيرهــا مــن الثمــان والعــروض
المعدة للتجارة.
رابعا ً جواز جعل الوراق النقدية رأس مال في بيع السلم،
والشركات.
والله أعلم ،وبالله التوفيق ،وصلى الله على سيدنا محمــد
وعلى آله وصحبه وسلم.
==============
#التحايل على الربا
فتاوى إسلمية ) -ج / 2ص (831
التحايل على الربا
س احتجت إلى مبلغ من المــال لكمــال بنــاء منزلــي فــي
إحدى مدن المملكة وذهبت إلــى شــخص وطلبــت منــه أن
يسلفني ما يستطيع من مال فقال أريد أن أعطيك ســيارة
ــ اسم أنني بعــت عليــك ســيارة ــ ـ فأعطــاني )(12'000
ريال وسجلها عنده بواحد وعشرين ألف ريال وحيث أننــي
لم أشاهد السيارة ول أدري ما لونها ،فقط سجلها بالورقة
وقال تسدد كل شهر ألف ريال وحيــث أننــي رضــيت بهــذا
العمل في نفس الوقت حين كنت مضطرا ً إلى المال وأنــا
الن ســددت ) (8500ريــال فقــط وبقــي ) (12500فهــل
يلزمني تسديد المبلغ الزائد عن رأس مــاله أرجــو إفــادتي
جزاكم الله خيرًا..؟
ج إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل فهذه المعاملة باطلة
وقد اجتمع فيها ربا الفضل وربا النسيئة ،وليس للذي دفــع
لك الدراهم إل رأس ماله وهو اثنا عشر ألــف ريــال فقــط
لنه لم يعطك السيارة ول باعهــا عليــك حســب مــا ذكــرت
351
وإنما أعطاك دراهم بدراهم وهذا منكر ظاهر وربــا صــريح
فعليكما جميعا ً التوبة إلى الله من ذلــك وعــدم العــود إلــى
مثله .نسأل الله أن يتوب عليكما.
الشيخ ابن باز
============
#التحايل على الربا أيضا ً
فتاوى إسلمية ) -ج / 2ص (832
التحايل على الربا أيضا ً
س عندي كمية من أكياس الرز وهو بمســتودع لنــا ويــأتي
إلي أناس يشترونه مني بقيمته في السوق ويدينونه علــى
أناس آخرون فإذا صار على حظ المدين أخذته مــن بنــازل
ريال واحد من مشتراه مني ثم يــأتي أنــاس مثلهــم بعــدما
يصير على حظي ويشترونه منــي وهكــذا وهــو فــي مكــان
واحد إل أنهم يستلمونه عدا ً في محله فهل هــذه الطريقــة
إثم أم ل أفيدونا جزاكم الله خيرًا.؟
ج نعم هذه الطريقة حيلة على الربا .الربا المغلظ الجــامع
بين التأجير والفضــل ،أي بيــن ربــا الفضــل وربــا النســيئة،
وذلك لن الدائن يتوصل بها إلى حصــول اثنــي عشــر مثل ً
بعشرة .وأحيانا ً يتفق الــدائن والمــدين علــى هــذا قبــل أن
يأتيا إلــى صــاحب الــدكان علــى أنــه يــدينه كــذا وكــذا مــن
الدراهم ،العشرة اثني عشر أو أكثر أو أقل ،ثم يأتيان إلى
هذا ليجريا معه هذه الحيلة وقد سماها شــيخ الســلم ابــن
تيمية الحيلة الثلثيــة ،وهــي بلشــك حيلــة علــى الربــا ،ربــا
النسيئة وربا الفضل ،فهي حرام ومن كبائر الذنوب ،وذلك
لن المحرم ل ينقلب مباحا ً بالتحايل عليه ،بــل إن التحايــل
عليــه يزيــده خبثــا ً ويزيــده إثمــًا ،ولهــذا ذكــر عــن أيــوب
السختياني رحمه الله أنه قال في هــؤلء المتحــايلين قــال
إنهم يخادعون الله كما يخــادعون الصــبيان فلــو أنهــم أتــوا
المر على وجهــه لكــان أهــون ،وصــدق رحمــه اللــه ،فــإن
المتحيل بمنزلة المنافق يظهر أنه مؤمن وهــو كــافر وهــذا
متحيل على الربا ويظهر أن بيعه بيع صحيح وحلل.
الشيخ ابن عثيمين
=============
352
#ليس هذا المال من الربا
فتاوى إسلمية ) -ج / 2ص (839
ليس هذا المال من الربا
س نحن مجموعة حضرنا من السودان وتعاقدنا مع شركة
في الخارج كعمال وعند وصــولنا مقــر الشــركة وجــدنا أن
الشركة تعاقــدت مــع البنــوك ،والبنــوك تتعامــل بالربــا مــع
الزبائن ،واشتغلنا في الحراسة أي حراس لصالح الشــركة
التي هي أبرمت عقودات مــع البنــوك وهــي تعطينــا جــزءا ً
يســيرا ً مــن المبلــغ الــذي تعاقــدت معــه مــع البنــوك ،أحــد
زملئنا قال إن هذا ربا لن المــال يصــلنا بواســطة وســيط
هي الشركة .الرجاء أن تعرفونا هل هذا ربا؟.
ج ل أري بذلك بأسا ً حيث إن عملكم إنما هــو مــع الشــركة
ول صــلة لكــم بــالبنوك ،فــأنتم تشــتغلون كحــراس لصــالح
الشركة ،وهي التي تصرف لكم الرواتــب ،أمــا عملهــا مــع
البنوك فالغالب أن الشركات كلها تتعامل مــع البنــوك فــي
اليداع والضمان واليراد والقتراض ونحو ذلك والثم على
أهل الشركة.
الشيخ ابن جبرين
=============
#هذه المعونة عين الربا
فتاوى إسلمية ) -ج / 2ص (863
هذه المعونة عين الربا
س أحــد البنــوك عــرض علــى المســؤولين عــن صــندوق
الطلبــة حفــظ أمــوال الصــندوق مقابــل مــا يســميه البنــك
معونة وهي عبارة عن مبلغ مــن المــال يتــم إعطــاؤه دون
مقابل سوى حفظ المبلــغ ،ويقــوم البنــك بــدوره بتشــغيله
واستثماره .فهل يجوز إيداع المبلغ في ذلك البنك؟
ج هذا العمل ل يجوز ،لنه عيــن الربــا ،وحقيقتــه أن البنــك
يتصــرف فــي أمــوال الصــندوق بفــائدة معلومــة يســلمها
للصــندوق ،وإنمــا ســماها البنــك معونــة تلبيســا ً وخــداعا ً
وتغطية للربا.
والربا ربا وإن سماه الناس ما سموه . .والله المستعان.
الشيخ ابن باز
353
==============
#العمل في بنوك الربا إعانة لها على الثم
فتاوى إسلمية ) -ج / 2ص (870
العمل في بنوك الربا إعانة لها على الثم
س لي ابن عم شغال في أحد البنوك كاتب ـًا ،وأفتــاه بعــض
العلماء أل يبقــى فيـه وأن يبحـث عـن وظيفـة أخـرى غيـر
البنك أفيدونا عن ذلك جزاكم الله خيرا ً هل يجوز أم ل؟
ج قد أحسن الذي أفتاه بالفتوى المذكورة ،لن العمل في
البنوك الربوية ل يجوز ،لكون ذلك من إعانتهــا علــى الثــم
والعدوان ،والله سبحانه يقول )وتعاونوا على البر والتقوى
ول تعاونوا على الثم والعدوان واتقوا اللــه إن اللــه شــديد
العقاب(.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليــه وســلم أنــه لعــن
آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال ))هم سواء((.
أخرجه مسلم في صحيحة.
الشيخ ابن باز
===============
#العمل في بنوك الربا ل يجوز
فتاوى إسلمية ) -ج / 2ص (874
العمل في بنوك الربا ل يجوز
س كنت في مصر أعمل في أحد البنوك التابعة للحكومة،
ومهمة هذا البنك إقراض الزراع وغيرهم بشــروط ميســرة
لمدة تتراوح ما بين عدة شهور إلى سنوات ،وتصرف هذه
السلف والقروض النقدية والعينية نظيــر فــوائد وغرامــات
تأخير يحددها البنــك عنــد صــرف الســلف والقــروض مثــل
%3أو %7أو أكــثر مــن ذلــك زيــادة علــى أصــل القــرض،
وعنــدما يحــل موعــد ســداد القــرض يســترد البنــك أصــل
القرض زائدا ً الفوائد والغرامــات نقــدًا ،وإذا تــأخر العميــل
عن السداد في الموعد المحدد يقوم البنك بتحصيل فــوائد
تأخير عن القرض مقابل كل يوم تأخير ،زيادة عن الســداد
في الميعاد.
354
وعليــه فــإن إيــرادات هــذا البنــك هــي جملــة فــوائد علــى
القــروض ،وغرامــات تــأخير لمــن لــم يلــتزم بالســداد فــي
المواعيد المحددة.
ومن هذه اليرادات تصرف مرتبات الموظفين في البنك.
ومنذ أكثر من عشرين عامـًا ،وأنـا أعمـل فـي هـذا البنـك،
تزوجــت مــن راتــب البنــك وأتعيــش منــه وأربــي أولدي
وأتصدق وليس لي عمل آخر ،فما حكم الشرع في ذلك؟
ج عمل هذا البنك يأخذ الفــوائد الساســية والفــوائد الخــر
من أجل التأخير كلها ربا ،ول يجــوز العمــل فــي مثــل هــذا
البنك لن العمل فيه من التعاون على الثم والعدوان وقــد
قال الله سبحانه وتعالى )وتعاونوا علــى الــبر والتقــوى ول
تعـاونوا علـى الثـم والعـدوان واتقـوا اللـه إن اللـه شـديد
العقاب(.
وفي الصحيح عن جابر بن عبــدالله عــن النــبي صـلى اللــه
عليه وسلم أنه لعــن آكــل الربــا ومــوكله وكــاتبه وشــاهديه
وقــال ))هــم ســواء(( .رواه مســلم . .أمــا الرواتــب الــتي
قبضتها فهي حل لك إن كنت جاهل ً بالحكم الشرعي لقول
اللــه ســبحانه )وأحــل اللــه الــبيع وحــرم الربــا فمــن حــاءه
موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن
عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا
ويربي الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم( ،أما إن كنت
عالما ً بأن هذا العمل ل يجوز لك فعليك أن تصرف مقابــل
ما قبضت من الرواتــب فــي المشــاريع الخيريــة ومواســاة
الفقراء ،مع التوبة إلى الله سبحانه ،ومــن تــاب إلــى اللــه
توبة نصوحا ً قبل اللــه تــوبته وغفــر ســيئاته كمــا قــال اللــه
سبحانه )ياأيها الــذين آمنــوا توبــوا إلــى اللــه توبــة نصــوحا ً
عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري
من تحتها النهار( الية.
وقال تعالى )وتوبوا إلى الله جميعا ً أيهــا المؤمنــون لعلكــم
تفلحون(.
الشيخ ابن باز
==============
#الربا والتحايل عليه
355
موسوعة خطب المنبر ) -ج / 1ص (120
الربا والتحايل عليه
محمد بن صالح العثيمين
عنيزة
الجامع الكبير
الخطبة الولى
أما بعد:
أيهــا النــاس :اتقــوا اللــه تعــالى واحــذروا أســباب ســخطه
وعقابه واحــذروا الربــا فــإنه مــن أســباب لعنــة اللــه ومــن
الكبائر التي حذر الله عنها ورسوله قال الله تعالى :يا أيهـا
الذين آمنوا اتقــوا اللــه وذروا مــا بقــي مــن الربــا إن كنتــم
مؤمنينفــإن لــم تفعلــوا فــأذنوا بحــرب مــن اللــه ورســوله
]البقرة .[279-278:وقال النــبي )) :الربــا ثلث وســبعون
بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمــه(( ]رواه الحــاكم ولــه
شواهد[.
وفي صحيح مسلم عن جابر قال)) :لعن رسول اللــه آكــل
الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقــال هــم ســواء يعنــي فــي
الثم((.
أيها المسلمون :إن الربا فساد في الدين والدنيا والخــرة،
إنــه فســاد فــي المجتمــع واســتغلل مبنــي علــى الشــح
والطمع ،ولكن المرابي قد زين له سوء عمله فرآه حسنا،
فهو من الخسرين أعمال الذين ضــل ســعيهم فــي الحيــاة
الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
أيها المسلمون :لقـد بيـن النـبي الربـا وأيـن يكـون وكيـف
يكون فقال )) :الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بــالبر
والشعير بالشعير والتمر بــالتمر والملــح بالملــح مثل بمثــل
يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى ،الخذ والمعطي فيــه
سواء(( ]رواه أحمد والبخاري[.
فهذه هي الصناف التي نص عليها رسول الله وألحــق بهــا
العلماء ما كان في معناه ،بين النبي أن هــذه الصــناف إذا
بيــع الشــيء منهــا بجنســه فل بــد فيــه مــن أمريــن :الول
القبض من الطرفين في مجلس العقد ،والثــاني التســاوي
356
بأن ل يزاد أحدهما على الخر ،فإن اختل أحد المرين وقع
المتعاقدان في الربا.
أيها الناس :إن من المعلوم أن أكثر الــدول الن ل تتعامــل
بالذهب والفضة وإنما تتعامل بــالنواط بــدل عــن الــدراهم
والبدل له حكــم المبــدل ،فيكــون لهــذه النــواط حكــم مــا
جعلت بدل عنه من الذهب والفضة وإذا كان معلوما أنــه ل
يجوز أن يعطى الرجل مئة من هذه الوراق بمائة وعشرة
مثل إلى أجل لن هذا ربا صريح فإنه ل يجوز التحيــل علــى
ذلك بأي نوع كان من الحيــل ،ولكــن الشــيطان وهــو عــدو
بني آدم فتح على كثير من الناس باب التحيل على محارم
حــرمالله كما فتحها على اليهود وغيرهم ،والحيلة على الم ّ
أن يتوصــل النســان إلــى المحــرم بشــيء صــورته صــورة
المباح.
وقد حذر النبي أمته مــن التحيــل علــى المحرمــات فقــال:
))ل ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بــأدنى
الحيل(( وقال بعض السلف في المتحايلين أنهم يخــادعون
الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا المر علــى وجهــه لكــان
أهون ،والحيلة على المحرم ل ترفع التحريم عنه وإنما هي
فعل للمحرم مع زيادة المكــر والخــداع للــه رب العــالمين
الذي يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور والمتحايل على
المحــرم ل يقصـد إل المحــرم فلـه مـا نـوى .قـال النـبي :
))إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى((.
أيها المسلمون :إن للتحايل على الربا صورا كثيرة أكثرهــا
شيوعا بيننا طريقة المداينة التي يستعمله كثير من الناس
وهي أن يتفق الدائن والمــدين أول علــى المعاشــرة يتفــق
معه على الدراهم يقول أريــد عشــرة آلف ريــال العشــرة
بعشرة ونصف مثل ثم يذهب الدائن المــدين إلــى صــاحب
دكان عنده أمــوال مكدســة إمــا ســكر أو ربطــات خــام أو
غيرها فيشتريها الدائن شراء صــوريا ليــس لــه بهــا غــرض
سوى الوصول إلى بيع العشــرة بعشــرة ونصــف ،والــدليل
أنه شراء صوري أنه ل يكاسر بالثمن ول يقلب السلعة ول
يفتشــها كمــا يفعــل المشــتري حقيقــة وربمــا كــانت هــذه
المــوال أفســدها طــول الزمــن أو أكلتهــا الرض لنهـا لـم
357
تنقل ولم تقلب ولم تفتش وبعد هذا الشراء الصوري يــبيع
الدائن هذه السلع على المدين بما اتفقــا عليــه مــن الربــح
ثم يعود المدين فيبيعها على صاحب الدكان ويخرج بدراهم
وهذا العمل بعينه هو ما حكاه شيخ السلم ابن تيميه فــي
كتاب أبطال التحليــل مــن جملــة صــور الحيــل حيــث قــال
رحمه الله :وكذلك بلغني أن من الباعــة مــن قــد أعــد بــزا
لتحليل الربا ،فإذا جاء إلى من يريد أن يأخذ منه ألفا بألف
ومائتين ذهبا إلى ذلك المحلل فاشترى منه المعطى ذلــك
البز ثم يعيده للخذ ثم يعيده الخذ إلى صاحبه وقــد عــرف
الرجل بذلك بحيث أن هذا البز الذي يحلل به الربا ل يكــاد
يبيعه البيع البات انتهى.
وقد قال قبل ذلك فيا سبحان الله العظيــم أن يعــود الربــا
الذي عظم الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مســتحله
ولعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه وجاء فيــه مــن الوعيــد
ما لم يجيء في غيره إلى أن يستحل بأدنى سعي من غير
كلفة أصل إل بصورة عقد هي عبث ولعب.
وقال في الفتــاوي أيضــا وكــذلك إذا اتفقــا علــى المعاملــة
الربوية ثم أتيا إلى صاحب حانوت يطلبان منه متاعا بقــدر
المال فاشتراه المعطى ثم باعه على الخذ إلــى أجــل ثــم
أعاده إلى صاحب الحانوت بأقل من ذلـك فيكـون صـاحب
ل فهذا من الربا الــذي ل ريــب جع ْ ٍ
الحانوت واسطة بينهما ب ُ
فيه انتهى.
أيها المسلمون :إن المداينة بهذا البيع الصوري -الذي يعلم
الله جل وعل ويعلم المتعاقدان أنفســهما أنهمــا لــم يريــدا
حقيقة البيع ،وإنما أرادا دراهم بدراهم فالــدائن أراد الربــح
والمدين أراد الدراهم وأدخل هذا العقد الصوري بينهما.
أقول :إن هذه المداينة تشتمل على عدة محاذير:
الول :أنها تحيل على المحرم وخداع لله ورســوله ،ونحــن
نقول لهذا المتحايــل أن حيلتــك لــن تغنــي عنــك مــن اللــه
شيئا .ألم تعلم بأن الله يرى؟ ألم تعلم بأن الله يعلم خائنة
العين وما تخفي الصــدور؟ ألــم تعلــم بــأن الحســاب يــوم
القيامــة علــى مــا فــي قلبــك؟ أفل يعلــم إذا بعــثر مــا فــي
358
القبوروحصل ما في الصدور يوم تبلى السرائر فما له من
قوة ول ناصر ]الطارق[.
المحذور الثاني :أن هــذه المعاملــة تــوجب قســوة القلــب
والتمادي في الباطل ،فإن صاحبها يظن أنه على حق ،فلو
أتيته بكل دليل ما سمع منك لن قلبه مغمور بمحبــة هــذه
المعاملة السيئة لسهولتها ،والنفس إذا اعتادت على الربح
المحرم بهذه الطريقة الســهلة صــعب عليهــا تركهــا إل أن
يعينها الله بمدد منه ،وتعرف حقيقة واقعهــا وشــؤم عاقبــة
معاصيها ،وأن هذه الرباح التي تحصل لها بطريق التحايــل
على محارم الله ليس منها إل الغرم والثم.
المحذور الثالث :إن في هذه المعاملة السيئة معصــية للــه
ولرسوله فقد نهى النبي عن بيع الســلع حــتى تنقــل .قــال
ابن عمر رضي الله عنهمــا كــان النــاس يتبــايعون الطعــام
جزافا بأعلى السوق فنهاهم النبي أن يبيعوه حــتى ينقلــوه
روه البخاري.
وعن زيد بن ثابت أن النبي نهى أن تباع السلع حيث تبتــاع
حــتى يحوزهــا التجــار إلــى رحــالهم رواه أبــو داود فكيــف
ترضى لنفسك أيها المسلم أن تتعامل بمعاملة يكون فيهــا
معصية الله ورسوله والوقوع فيما حذر الله ورســوله منــه
من أجل كسب ل يعود عليــك بــالخير والبركــة ،فتــب إلــى
ربك واتق الله في نفسك واعرف حقيقة الدنيا وأنها زائلــة
ول تقدمها على الخــرة ،قولــوا ســمعنا وأطعنــا ول تقولــوا
سمعنا وعصينا.
فكروا في هذه المعاملة تفكيــرا ســليما مــن الهــوى يتــبين
لكم حقيقة أمرها ،واســلكوا طريقــتين ســليمتين إحــداهما
طريقة الحسان وهي القرض بدون ربــح فــإن أبيتــم ذلــك
فاسلكوا الطريقة الثانية طريقة السلم وهي الــتي تســمى
المكتب تعطون دراهم بسلع معينة إلـى أجـل معلـوم كمـا
كان الناس يفعلون ذلك على عهــد النــبي مثــل أن تعطيــه
ألف ريال بعشرين كيس سكر مثل يعطيك إياها بعد ســنة،
فهذا جائز.
وكذلك إذا احتاج إلى سلعة معينة كسيارة تســاوي عشــرة
آلف فبعتها عليه بأحد عشر ألفا أو أكثر إلــى أجــل معيــن،
359
فل بأس به سواء كان الجل مــدته واحــدة أو كــان موزعــا
على الشهر والسنوات.
وفقني الله وإياكم لسلوك طريق الزهد والورع وجنبنــا مــا
فيه هلكنا من الشح والطمع وجعلنا ممن رأى الحــق حقــا
واتبعه ورأى الباطل باطل واجتنبه إنه جواد كريم.
==============
#بعض حيل الربا
موسوعة خطب المنبر ) -ج / 1ص (183
بعض حيل الربا
محمد بن صالح العثيمين
عنيزة
الجامع الكبير
الخطبة الولى
أيهــا النــاس اتقــوا اللــه تعــالى واحــذروا أســباب ســخطه
وعقــابه احــذروا مــا حــذركم اللــه منــه إن كنتــم مــؤمنين
واحذروا الربا فإنه من أسباب لعنة اللــه تعــالى ومقتــه إن
الربا من أكبر الكبائر التي حذر الله تعالى عنها فــي كتــابه
وحذر رسول الله عنها في سنته وأجمــع المســلمون علــى
تحريمها ،اسمعوا قــول اللــه تعــالى :يــا أيهــا الــذين آمنــوا
اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لــم
تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ]البقرة.[279-278:
اسمعوا قول الله تعالى :يا أيها الذين آمنوا ل تــأكلوا الربــا
أضعفا مضاعفة واتقــوا اللــه لعلكــم تفلحــون واتقــوا النــار
الــتي أعــدت للكــافرين وأطيعــوا اللــه والرســول لعلكــم
ترحمــون ]آل عمــران .[132-130:واســمعوا قــول اللــه
تعالى :الذين يأكلون الربـا ل يقومـون إل كمـا يقـوم الـذي
يتخبطه الشيطان من المس ذلــك بــأنهم قــالوا إنمــا الــبيع
مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جــاءه موعظــة
من ربه فانتهى فله ما ســلف وأمــره إلــى اللــه ومــن عــاد
فأولئك أصحاب النار هــم فيهــا خالــدون يمحــق اللــه الربــا
ويربي الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم ]البقرة-275:
.[276اسمعوا هذه اليات وافهموها وعوها ونفــذوها فــإن
لــم تفهموهــا فاســألوا أهــل اذكــر إن كنتــم ل تعلمــون أو
360
طالعوا ما قاله المفسرون فيها إن كنتم تقدرون لقد قــال
شيخنا عبد الرحمــن بـن سـعدي رحمــه اللـه تفســير اليــة
الثالثة :ذكر الظالمين أهل الربا والمعاملت الخبيثة وأخبر
أنهم يجازون بحسب أعمالهم فكمــا كــانوا فــي الــدنيا فــي
طلب المكاســب الخبيثــة كالمجــانين عوقبــوا فــي الــبرزخ
والقيامــة بــأنهم ل يقومــون مــن قبــورهم أو يــوم بعثهــم
ونشورهم إل كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المــس
أي من الجنون والصــرع ،ولقــد صــدق رحمــه اللــه تعــالى
فإن المرابين كالمجانين ل يعون موعظــة ول يرعــون عــن
معصية نسأل الله لنا ولهم الهداية .
أيها الناس اسمعوا ما صح عن رسول الله من حديث جابر
أن النبي )) :لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقــال
هم سواء(( ،رواه مسلم ،اسمعوا ما صح عنه من حــديث
سمرة بن جندب أن النبي )) :رأى في منامه نهرا مــن دم
فيه رجل قائم وعلى شــط النهــر رجــل بيــن يــديه حجــارة
فأقبل الرجــل الــذي فــي النهــر فــإذا أراد أن يخــرج رمــاه
الرجل الذي على شط النهر بحجر فــي فمــه فــرده حيــث
كان فجعل الرجل فــي نهــر الــدم كلمــا جــاء ليخــرج رمــاه
الرجل الذي على شط النهر بحجـر فــي فمـه فيرجــع كمـا
كان فسأل النبي عن هذا الرجل الــذي رآه فــي نهــر الــدم
فقيل هــذا آكــل الربــا(( رواه البخــاري ،اســمعوا مــا رواه
أحمد من حديث أبي هريرة أن النبي )) :أتــى ليلــة أســري
به على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خــارج
بطونهم فقلت من هؤلء يا جبريل قال هؤلء أكلة الربــا((،
واسمعوا ما جاء في الحديث)) :الربــا ثلثــة وســبعون بابــا
أيســرها مثــل أن ينكــح الرجــل أمــه(( رواه الحــاكم ولــه
شواهد.
أيها المسلمون :لقد بين رسول الله لمته الربا أين يكون
وكيف يكون بيانا شافيا واضحا إل لمن بـه مـرض أو عمـى
لقد قال رسول الله )) :الــذهب بالــذهب والفضــة بالفضــة
والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بـالتمر والملــح بالملـح
مثل بمثــل يــدا بيــد فمــن زاد أو اســتزاد فقــد أربــى الخــذ
والمعطي فيه ســواء(( رواه مســلم .وفــي لفــظ لــه فــإذا
361
اختلفت هذه الصناف الستة إذا بيــع الشــيء منــه بجنســه
مثل أن يباع الذهب بالذهب فل بد فيه من شــرطين اثنيــن
أحدهما أن يتساويا في الوزن والثاني أن يتقابض الطرفان
في مجلس العقد فل يتفرقا وفي ذمة أحدهما شيء للخر
فلو بــاع شــخص ذهبــا بــذهب يزيــد عليــه وزنــا ولــو زيــادة
يسيرة فهو ربا حرام والبيع باطل .ولو باع ذهبا بذهب مثله
في الوزن ولكن تفرقا قبل القبض فهــو ربــا حــرام والــبيع
باطل .وبين رسول اللــه أن هــذه الصــناف الســتة إذا بيــع
أحدها بجنــس آخــر فل بــأس أن يكــون أحــدهما أكــثر مــن
الخر ولكن ل بد من التقابض مــن الطرفيــن فــي مجلــس
العقد بحيث ل يتفرقان وفي ذمة أحدهما للخر شيء .فلو
باع ذهبا بفضة وتفرقا قبل القبــض فهــو ربــا حــرام والــبيع
باطل.
أيها الناس لقد كان التعامل سابقا بالذهب والفضة وأصــبح
التعامل الن بالوراق النقدية بــدل عنهــا والبــدل لــه حكــم
المبــدل فل يجــوز التفــرق قبــل القبــض إذا أبــدلت أوراقــا
نقدية بجنسها أو بغير جنسها فلو قلــت لشــخص خــذ هــذه
الورقة ذات المائة اصــرفها لــي بورقــتين ذواتــى خمســين
فإنه يجب أن تسلم وتستلم قبل التفرق فإن تأخر القبــض
من الطرفين أو أحدهما فقد وقعا في الربا ،ولقد صار من
المعلوم عند الناس أنك لو أخذت مــن شــخص مــائة ريــال
من النقد الورقي بمائة وعشرة مؤجلة إلى سنة أو أقل أو
أكثر لكان ذلك ربا وهذا حق فإن هذه المعاملــة مــن الربــا
الجامع بين ربا الفضــل وربــا النسـيئة بيـن الربـا المقصــود
والذريعــة ولكــن مــن المؤســف أن كــثيرا مــن المســلمين
صاروا يتحيلون على هذا الربا بأنواع مــن الحيــل ،والحيلــة
أن يتوصل الشخص إلى الشــيء المحــرم بشــيء ظــاهره
الحل فيستحل محارم الله بأدنى الحيل.
وإن الحيلة على محارم الله تعالى خداع ومكر إنهــا خــداع
ومكر يخادع بها العبد ربه يخادع بها من يعلم خائنة العيــن
وما تخفي الصدور أفيظن هذا المخــادع الــذي لذ بخــديعته
أن أمره ســيخفى علــى اللــه أفل يقــرأ قــول اللــه تعــالى:
واعلموا أن الله يعلم ما فــي أنفســكم فاحــذروه ]البقــرة:
362
.[235أليس في نيته وقرارة نفسه أنه يريد ما حرم اللــه
ولكن يكسوه بثوب من الخداع والمكــر ل ينطلــي إل علـى
مثله ممن جعل الله على بصره غشاوة.
إن الحيل على الربا كثيرة ولكن أكثرهــا شــيوعا أن يجيــء
الرجل لشخص فيقول له إني أريد كذا وكــذا مــن الــدراهم
فهل لك أن تدينني العشر أحد عشر أو إثنى عشر أو أقــل
أو أكثر حسب ما يتفقــان عليــه ثــم يــذهب الطرفــان إلــى
صاحب دكان عنده بضاعة مرصوصة معدة لتحليل الربا قد
يكون لها عدة سنوات إمــا خــام أو ســكر أو رز أو هيــل أو
غيرها مما يتفق عند صاحب الدكان أظن أن لو وجدا عنده
أكياس سماد يقضيان بها غرضــهما لفعل فيشــتريها الــدائن
من صاحب الــدكان شــراء صــوريا ل حقيقيــا أقــول شــراء
صوريا ل حقيقيا لنه لم يقصد السلعة مــن الصــل بــل لــو
وجد أي سلعة يقضي بها غرضه لشتراها ثــم هــو ل يقلــب
الســلعة ول يمحصــها ول يكاســر فــي الثمــن وربمــا كــانت
ة وهو ل السلعة معيبة أفسدها طول الزمن أو أكلتها ال ََر َ
ض ُ
يعلم ثم بعد هذا الشراء الصوري يتصدى لقبضها الصــوري
أيضا فيعدها وهو بعيد عنها وربمــا أدرج يــده عليهــا تحقيقــا
للقبض كما يقولون ثــم يبيعهــا علــى المــدين بالربــح الــذي
اتفقــا عليــه ول أدري هــل يتصــدى المــدين لقبضــها ذلــك
القبــض الصــوري قبــل بيعهــا علــى صــاحب الــدكان فــإذا
اشتراها صاحب الدكان سلم للمــدين الــدراهم وخــرج بهــا
قال شيخ الســلم ابـن تيميـه مـن 109مـن كتـاب إبطـال
حَيل لقد بلغني أن من الباعة من أعــد بــزا لتحليــل الربــا ال ِ
فإذا جاء الرجــل إلــى مــن يريــد أن يأخــذ منــه ألــف بــألف
ومائتين ذهب إلى ذلك المحلل فاشترى منه المعطي ذلك
البز ثم يعيده للخذ ثم يعيده الخذ إلى صــاحبه وقــال فيــه
أيضا فيا سبحان الله العظيم أيعــود الربــا الــذي قــد عظــم
الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مستحله ولعــن آكلــه
وموكله وكاتبه وشاهديه وجاء فيه من الوعيد ما لــم يجــئ
في غيرها إلى أن يستحل بأدنى سعي من غير كلفة أصــل
إل بصورة عقد هي عبث ولعب وقد ذكر شيخ السلم هذه
مع ابن قاسم ص 441ج (29 المسألة أيضا في الفتاوي )ج ْ
363
وقال هي من الربا الذي ل ريــب فيــه مــع أن هــذه الحيلــة
الربوية التي شاعت بين الناس تتضمن محاذير:
الول :أنها خداع ومكر وتحيل على محارم اللــه والحيلــة ل
تحلل الحرام ول تسقط الواجب ولقد قــال بعــض الســلف
في أهل الحيل يخادعون اللــه كمــا يخــادعون الصــبيان لــو
أتوا المر على وجهه لكان أهون.
المحذور الثاني :أنها توجب التمادي في الباطــل فــإن هــذا
المتحيل يرى أن عمله صحيح فيتمــادى فيــه أمــا مــن أتــى
المــر الصــريح فــإنه يشــعر أنــه وقــع فــي هلكــة فيخجــل
ويستحي من ربه ويحاول أن ينـزع مـن ذهبـه ويتـوب إلـى
ربه.
المحذور الثالث :أن السلعة تباع في محلهــا بــدون قبــض
ول نقل وهذا معصية لرسول اللـه فعـن زيـد بـن ثـابت أن
النــبي )) :نهــى أن تبــاع الســلع حيــث تبتــاع(( يعنــي فــي
المكان الذي اشتريت فيه حتى يحوزها التجار إلى رحالهم
رواه أبــو داود والــدارقطني ويشــهد لــه حــديث ابــن عمــر
رضــي اللــه عنهمــا قــال)) :كــان النــاس يتبــايعون الطعــام
جزافا بأعلى السوق فنهاهم النبي أن يبيعوه حتى ينقلوه((
رواه البخاري.
وقد يتعلل بعض الناس فيقول إن عد هذه الكيــاس قبــض
لهــا فنقــول إذا قــدرنا أنــه قبــض فهــل هــو نقــل وحيــازة
والنبي )) :نهى عن بيع السلع حتى تحاز إلى الرحال(( ثــم
هل جاء في السنة أن مجرد العد قبض إن القبــض هــو أن
يكــون الشــيء فــي قبضــتك وذلــك بحيــازته إلــى محلــك
بالضافة إلى عده أو كيله أو وزنه إن كان يحتاج إلى ذلك.
فيــا عبــاد اللــه اتقــوا اللــه تعــالى واحــذروا التحيــل علــى
محارمه واعدلوا عــن المعــاملت الحــرام إلــى المعــاملت
الحلل إما بطريق الحسان إلى المحتاجين بإقراضهم وإما
بالسلم الذي تسمونه الكتــب تعطــونه دراهــم بســلعة فــي
ذمته يسلمها لكــم وقــت حلولهــا وإمــا بــبيع الســلعة الــتي
يحتاجها بعينها إذا كــان يحتــاج لســلعة معينــة كفلح يحتــاج
لمكينة وهي عنــدك فتبيعهــا عليــه بثمــن مؤجــل أكــثر مــن
364
ثمنها حاضرا وكشخص محتاج لسيارة فتبيعهــا عليــه بثمــن
مؤجل أكثر من ثمنها حاضرا.
والمعاملت البديلة عن تلك المعاملة المحرمة كثيرة ومن
أراد استيضـاحها فليسـأل عنهـا أهـل العلـم ،وفقنـي اللـه
وإياكم للهدى والتقى والعفاف والغنى وحمانا ممــا يغضــبه
إنه جواد كريم .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المســلمين
من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
=============
#الربا في الذهب
موسوعة خطب المنبر ) -ج / 1ص (184
الربا في الذهب
محمد بن صالح العثيمين
عنيزة
الجامع الكبير
الخطبة الولى
أما بعــد :فقــد قــال اللــه عــز وجــل :واللـه يريــد أن يتــوب
عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميل عظيما
يريد الله أن يخفف عنكم وخلق النسان ضــعيفا ]النســاء:
.[28-27هكــذا يقــرر اللــه تعــالى هــذه الكليــة العاملــة
الشاملة لكل إنســان ،إن كــل إنســان خلــق ضــعيفا ،خلــق
ضعيفا في نشأته :مــن أي شــيء خلقــه مــن نطفــة خلقــه
نطفة صبابة من الماء المهين.
وخلق ضــعيفا فــي علمــه :ومــا أوتيتــم مــن العلــم إل قليل
]السراء .[85:فعلمه قليــل ومحفــوف بــآفتين جهــل قبــل
العلــم ونســيان بعــده فهــو ل يعلــم المســتقبل حــتى فــي
تصــرفات الخاصــة :ومــا تــدري نفــس مــاذا تكســب غــدا
]لقمان .[34:خلق ضعيفا في تصرفه وإدراكــه قــد يتصــور
البعيد قريبا والقريب بعيدا والنافع ضــارا والضــار نافعــا ول
يدرك النتائج التي تتمخض عن تصرفاته.
ومن أجــل هــذا الضــعف وهــذا القصــور رحــم اللــه الخلــق
بإرســال الرســل وأنــزل معهــم الكتــاب والميــزان ليقــوم
النــاس بالقســط فيســيروا علــى صــراط اللــه المســتقيم
365
ويستنيروا بهدى الله العليم الحكيم ولئل يبتدعوا تشريعات
من عند أنفسهم يسلكون بها المتاهات في الظلم والجــور
والنــزاع والخلف أو يســنوا أنظمــة متناقضــة فوضــوية إن
أصــلحت جانبــا مــن الحيــاة أفســدت جــوانب ،أو يتبعــوا
أهواءهم ويطلقوا حرياتهم في تصرفاتهم وفــي معــاملتهم
ول يمكن لشخص أن يطلق حريته بدون قيود إل كان ذلــك
على حساب حرية الخرين.
ولقد عمي قوم أو تعاموا عن الحق حيث ظنوا أو عموا أن
شرائع الله تعــالى إنمــا جــاءت لصــلح العبــادات والخلق
دون المعاملت فاتبعوا أهواءهم فــي معــاملتهم فشــرعوا
القوانين وتصرفوا كما يشاءون فشــاركوا اللــه تعــالى فــي
شرعه وعتوا عن أمره في شــريعته :أل يظــن أولئك أنهــم
مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين .أفل
يرجع هؤلء إلى رشدهم ويتبعــون ســبيل ربهــم ويلــتزمون
بشريعته ويقفون عند حدوده ويقولــون ســمعنا وأطعنــا ول
يكونون كالذين قالوا :سمعنا وهــم ل يســمعون أو كالــذين
قالوا :سمعنا وعصينا.
أيها الناس إن شريعة الله نظمت للناس طرق معــاملتهم
فيها بينهم كما نظمت طرق أخلقهم ومعاملتهم مع ربهــم
فالواجب على كل مؤمن بالله واليوم الخــر أن يــدين للــه
بالطاعة في عباداته وأخلقه ومعــاملته ول يكــون كالــذين
يؤمنــون ببعــض الكتــاب ويكفــرون ببعــض ،يــدين للــه فــي
عباداته وأخلقه ويتبع هواه في معاملته فإنه مسؤول عــن
ذلك كله ،وكم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله من وعد
لمن استقام في معاملته على أمر الله ووعيــد علــى مــن
تعدى فيها حدود الله.
أيها الناس لقد جرم الله تعالى الربا في كتــابه وفــي ســنة
رسوله وأجمع على ذلك علماء المسلمين فــي كــل عصــر
وفي كل مصر لم يختلف منهم في تحريمه اثنان قال اللــه
تعالى :يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا
إن كنتم مؤمنين فــإن لــم تفعلــوا فــأذنوا بحــرب مــن اللــه
ورسوله ]البقرة .[279-278:وأي جرم في المعاملة أبلــغ
من معاملة يكون فيها النسان معلنا بحرب اللــه رســوله .
366
وعن جـابر بـن عبـد اللـه رضـي اللـه عنهمـا قـال)) :لعـن
رسول الله آكل الربا وموكله وكــاتبه وشــاهديه وقــال هــم
سواء(( رواه مسلم .ولقد بين رسول اللــه مــا يكــون فيــه
الربــا وكيــف يكــون ففــي صــحيح مســلم عــن عبــادة بــن
الصامت أن النبي قال)) :الذهب بالذهب والفضــة بالفضــة
والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بـالتمر والملــح بالملـح
مْثل بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هــذه الصــناف ِ
فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد(( .ولــه مــن حــديث أبــي
سعيد أن النبي قال)) :فمن زاد أو استزاد فقد أربى الخذ
والمعطي فيه سواء((.
فبين رسول الله في هذا الحديث أنه ل يجــوز بيــع الــذهب
بالذهب إل بشرطين ،الول :أن يكونا سـواء فـي الـوزن ل
يزيد أحدهما على الخر ،والثــاني :أن يكــون ذلــك يــدا بيــد
بمعنى أن يسلم كل واحد من الطرفين لصــاحبه مــا بــادله
به قبل أن يتفرقــا فــإن زاد أحــدهما علــى الخــر فهــو ربــا
والعقد باطل ،وإن تفرقا قبل القبض من الطرفين فالعقــد
باطل ،وهو من الربا أيضا ،وهكذا إذا بيعت الفضة بالفضــة
أو البر بالبر أو الشعير بالشــعير أو التمــر بــالتمر أو الملــح
بالملح فل بد من هذين الشرطين :التساوي والقبــض مــن
الطرفين فلو باع صاعا من بر بصاع منــه وزيــادة فهــو ربــا
ولو كانت القيمة واحدة ،وعلى هذا فإذا كان عنــد امرأتيــن
حلــي وأحبــت إحــداهما أن تبــادل الخــرى فل يجــوز إل أن
يوزن حلي كل واحدة منهما فيكونا سواء وأن تتقابضا قبل
التفرق ،وأجاز بعض العلماء التبادل مع زيادة أحدهما على
الخر إذا كان مع الناقص شيء يقابــل الزيــادة أمــا إذا بيــع
الــذهب بالفضـة فــإنه ل يشــترط التسـاوي وإنمــا تشــترط
التقــابض قبــل التفــرق بحيــث يقبــض البــائع الثمــن كــامل
ويقبــض المشــتري مــا اشــتراه كــامل ،فلــو بــاع شــخص
سوارين من ذهب بمائتي ريــال وكــل واحــد يســاوي مــائة
فأعطاه المشتري مائة ريال وأخذ السوارين وقال آتي لك
بعد قليل ببقية الثمن فهذا حرام عليهما ول يصــح الــبيع إل
في سوار واحد فقط أما السوار الثاني فبيعه باطل لن ما
يقابله من الثمن لم يقبض.
367
ولقــد بلغنــي أن الصــواغ وتجــار الحلــي يــبيعون الحلــي
بالــدراهم ول يقبضــون الثمــن مــن المشــتري وهــذا حــرام
عليهم وحرام على المشتري وهو من الربا الملعون فاعله
على لسان محمــد وفــي ظنــي أن بعضــهم ل يــدري علــى
حكــم هــذا المســألة وإل فل أظــن أن مؤمنــا بــالله واليــوم
الخر يعلــم أن هــذا ربــا ثــم يتعامــل بــه ل ســيما وأن فــي
التقابض سلمة من الربا ومصلحة للطرفين فالبــائع ينتفــع
بنقد الثمــن ويســلم مــن مماطلــة المشــتري أو نســيانه أو
إعساره المشتري يفك ذمته بتسليم الثمن وخلو ذمته من
الطلب .وقد يفتي بعض المتعاملين بهذا نفسه فيقول :أنــا
لم أبع ذهبا بفضة وإنما بعت ذهبــا بقرطــاس فنقــول هــذه
الفتوى غلــط فــإن هــذه الوراق جعلــت نقــدا وعملــة بيــن
الناس بمقتضى قرار الحكومة فلهــا حكــم مــا جعلــت بــدل
عنه فإذا جعلت بدل عن الريــالت الفضــية كــان لهــا حكــم
الفضة وكل أحد يعلم بأن هــذه الوراق النقديــة ليــس لهــا
قيمة باعتبار كونها ورقا فالسواق مملوءة مــن قصاصــات
الورق التي بقدر ورقة النقد وليس لها قيمة أصل بــل هــي
ملقاة في الزبل للتلف والحراق .فاتقوا اللــه عبــاد اللــه
وسيروا في عباداتكم ومعاملتكم وجميع تصــرفاتكم علــى
شريعة الله ول تتبعوا أهواءكم فإن الله يقول :ومــن أضــل
ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن اللــه ل يهــدي القــوم
الظالمين ]القصص.[50:
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المســلمين
من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
===============
#دروس من سورة يوسف عليه السلم
) التمكين ( -الربا
موسوعة خطب المنبر ) -ج / 1ص (343
دروس من سورة يوسف عليه السلم ) التمكين ( -الربا
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
قباء
الخطبة الولى
368
أما بعد:
فقــال اللــه تبــارك وتعــالى :وقــال ائتــوني بــه استخلصــه
لنفسي فلما كلمه قال إنك اليــوم لــدينا مكيــن أميــن قــال
اجعلني على خزائن الرض إني حفيظ عليم ]يوسف.[54:
هذه بداية مرحلة جديدة في قصــة يوســف عليــه الســلم،
وطويت مرحلة ،فلم يعد للقصة بعد ذلــك أي ذكــر للعزيــز
وامرأته فهنا مرحلة مطويــة ،هــي مرحلــة المحنــة والبتلء
وفيها تجلى صبر يوســف وإصــراره علــى عــدم المعصــية،
وتجلــى فيهــا عقلــه وحكمتــه وحســن تصــرفه وتــدبيره -
وانتهت تلك المرحلة وطــويت وجــاءت المرحلــة الجديــدة،
مرحلــة التمكيــن ،تتمثــل فيهــا العاقبــة الحميــدة للمتقيــن
وعنايــة اللــه تعــالى وحمــايته للصــابرين ،ونصــرته لعبــاده
الصــالحين -وهــا هــو يوســف يخــرج مــن جــوف المحنــة
وظلمــات الســجن معــززا مكرمــا عظيــم المكانــة فــي
القلوب ،فها هو الملك نفسه يستخلفه لنفسه لما رأى من
أمانته وعفته وموهبته وإخلصه ،فإن الغــالب علــى أحــوال
الناس أن من كان منهم صــاحب موهبــة وخــبرة يكــون بل
أمانة وإخلص وإن من كان منهم ذا تقــوى وورع يكــون بل
موهبة وخبرة ،وأما إذا تواجدت الصفتان في شخص واحــد
فيكون نادرا .ولذلك استخلص الملك يوسف عليــه الســلم
لنفسه وعزم على الستفادة منه والستعانة به ،من خبرته
وأمانته ولقد كان في أمس الحاجة إليـه ،فغـالب الحاشـية
والموظفين منافقون ومرتشون سراقون.
ويبدو أنه كان ملكا حكيما وإن كان وثنيا كافرا ،ومن عقلـه
عرف قيمة هذا الشخص فلما كلمه قــال إنــك اليــوم لــدينا
مكين أمين أي لما كلمه وسمع منه ،وقد كان يســمع عنــه
واشتد شوقه إليه وليس من رأى كمن سمع ،فلما شاهده
زادت هــذه الشخصــية كــبرا وعظمــة فــي نفســه .فاختــار
يوسف المالية ،خزائن الرض ،ولكنه ما اختار ذلك إل بعــد
أن رأى عــزم الملــك علــى تــوليته ،فل يقــال كيــف طلــب
الوزارة لنفسه ونحن نعلم أن طلب المارة منهي عنه في
شريعتنا ،ومن طلب المارة أو المناصب ل يولى إياها فــي
شريعتنا ،ولكن يوسف ما طلب هذه المســؤولية الشــائكة
369
إل بعد أن عرض عليه الملــك ذلــك .إنــه اختيــار مــدروس،
فإن يوسف كان على علــم بمــا ينتظــر هــذا المجتمــع مــن
كوارث نتيجة للفساد في هذا المجتمــع مــن نهــب ورشــوة
وفرض إثاوة وغير ذلك من أسباب ممــا يــؤدي إلــى انهيــار
الدول.
واختياره ذلك يدل على أنــه عليــه الســلم لــم ينظــر لهــذا
المنصب نظرة رجل مهتم بالمنصب والمغنم ولكن نظــرة
رجل صاحب رسالة يريــد الصــلح ،لــذلك نظــر إلــى ذلــك
التمكين الذي عرض عليه -فاختار أصعب منصــب وأشــق
مهمــة فــي هــذا المجتمــع وهــو التصــدي للفســاد وخاصــة
الفساد القتصادي الذي نخر في المجتمع.
وهكذا يجب أن يكون لنا في ذلك القدوة وخاصــة أصــحاب
المراتب القيادية فــإن المنصــب والوظيفــة ليســت فرصــة
للنهب والسرقة والختلس ،بل إنهــا مهمــة وأمانــة كلفــت
بها ،فيجب أن تنظر إليها نظرة إصلح.
-------------------------
الخطبة الثانية
أما بعد:
فإن الربا يجر على المجتمع المصائب التية:
اللعنة اللهية أو الطرد من رحمة الله عز وجل ،أعلن ذلك
الصادق الميــن حينمــا قــال فــي الحــديث الــذي نوهنــا بــه
سابقا ))لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه(()](1
[1فجميع من عمل به مطرودون من رحمــة اللــه والعيــاذ
بالله.
آكل الربا ومن يتعامل به حجــز لنفســه مكانــا فــي جهنــم،
فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم)) :كل جسد نبــت
عن السحت فالنار أولى به(().[2](2
كل من أكل الربا أو تعامــل بــه فقــد أتــى بابــا مــن أعظــم
أنــواع الكبــائر ،فقــد روي عــن الرســول صــلى اللــه عليــه
وسلم)) :درهم من ربا يأكله الرجل أشد من ست وثلثيــن
زنية(().[3](3
من أكل الربا أو تعامل به فقــد حكــم علــى مــاله بــالمحق
والهلك والدمار ونزع البركة ول يغرنه الستدراج والمهال
370
إذا كثرت أمواله الربوية :يمحق الله الربا ويربي الصدقات
]البقرة.[276:
فإنه يعاتب بــأل يســتجاب دعــاؤه وأل تســتجاب اســتغاثته،
فإن النسان ضعيف تعرض له كوارث ونكبات فيحتاج إلى
ربه ،ول يجد في كثير من الحيان بل كــل الحيــان ،ل يجــد
إل الــدعاء ،فــإذا حــرم مــن الســتجابة فهــذا مــن أشــد
العقوبات .قال سيدنا رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم:
))رب رجل أشعث أغبر يرفع يــديه إلــى الســماء يقــول يــا
رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حــرام وملبســه حــرام
وغذي بالحرام فأنى يستجاب له(() ،[4](4أي ل يســتجاب
له أبدا .فاحذر أكل الحرام وأعظم الحرام هــو الربــا .وقــد
قال سعد بن أبي وقاص رضــي اللــه عنــه لســيدنا رســول
الله صلى الله عليه وسلم)) :يا رســول اللــه ،ادع اللــه أن
يجعلني مستجاب الدعوة ،فقــال لــه الرســول صــلى اللــه
عليه وسلم :يا سعد أطب مكسبك تجب دعوتك(().[5](5
ومن أعظم المصائب التي تحل على المجتمع بشؤم أهــل
الربــا والمتعــاملين بهــا أن يحــل بهــم العــذاب فيؤخــذون
بالســـنين -أي بحبـــس المطـــر والغيـــث -فلـــول دعـــاء
المساكين ورجاء الفقراء والمساكين وبكاء الطفال الذين
ل يعقلوا ورغاء البهائم ما نــزل المطــر ،ولكــن اللــه رحيــم
وببركة هؤلء ينزل المطر.
فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال ســمعت رســول
الله صلى الله عليــه وســلم يقــول)) :مــا مــن قــوم يظهــر
فيهم الربا إل أخذوا بالســنين ،ومــا مــن قــوم يظهــر فيهــم
الرشا إل أخذوا بالرعب(().[6](6
أما بعد :فــإن أفضــل الكلم كلم اللــه وخيــر الهــدي هــدي
محمد صلى الله عليه وسلم.
__________
) (1مسلم كتاب المسافاة ).(1598
) (2حلية الولياء ).(1/31
) (3أحمد ) ،(5/225صححه اللباني اسناده في المشــكاة
).(2/859
) (4مسلم كتاب الزكاة ).(1015
371
) (5عزاه الهيثمي فــي المجمــع للطــبراني فــي الصــغير ،
وقال ) :وفيه من لم أعرفهم( ).(10/294
) (6أحمد ).(4/205
================
#دروس من سورة يوسف ) الربا (
موسوعة خطب المنبر ) -ج / 1ص (348
دروس من سورة يوسف ) الربا (
عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري
المدينة المنورة
قباء
الخطبة الولى
أما بعد:
فقال الله تبارك وتعالى :وكذلك مكنا ليوســف فــي الرض
يتبوأ منها حيث يشاء ،نصيب برحمتنا مــن نشــاء ول نضــيع
أجر المحسنين ]يوسف.[56:
التمكين من المكنة والمكانــة ،ومعنــاه القــدرة والسـلطان
والرفعـــة .وقـــوله مكنـــا ليوســـف أي أعطينـــاه القـــدرة
والسلطان والمكانــة الرفيعــة بيــن النــاس .وهــذا التمكيــن
مطلق بخلف التمكين الذي ذكر في الية قبل ذلك :وقال
الذي اشتراه من مصــر لمرأتــه أكرمــي مثــواه عســى أن
ينفعنــا أو نتخــذه ولــدا .وكــذلك مكنــا ليوســف فــي الرض
]يوسف .[21:فالمقصود بالرض في هذه الية بيت العزيز
وأملكه ،فذاك تمكيــن محــدود ،انتهــى لــم يســتمر ،انتهــى
بسجن يوسف ،ولكنه كــان منــزل فــي الطريــق إلــى هــذا
التمكين النهائي.
فإن يوسف عليه السلم كان من المحسنين ،أحســن فــي
نفسه ،وأحسن مع ربه ،وأحسن في اتباع المنهج المنــزل.
ومن سنن الله الكونية الــتي ل تبــدل أن مــن أحســن فــي
اتبــاع الوســائل والســباب أنــه يحصــل النتيجــة ،فــإن اللــه
سبحانه وتعالى ل يضيع أجره ،فإن من أخذ بأسباب القــوة
والظفر حصل على ذلــك مؤمنــا كــان أو كــافرا ،هــذه مــن
مقتضى عدل اللــه ســبحانه وتعــالى :نصــيب برحمتنــا مــن
372
نشاء ول نضيع أجر المحسنين ،هذا الحسان معنى شامل
يشمل الحسان في اتخاذ السباب والوسائل.
فما بالك بالمؤمن إذا أحسن وكان إحســانه متكــامل ،فهــو
مع معرفته بالله عز وجل وتوحيده له ،عمل واجتهد وصــبر
وتجلد وأحسن في اتباع المنهــج فــإن هــذا يحصــل النتيجــة
وتدركه الرحمة الخاصة بالمؤمنين دون غيرهم.
أمــا المــؤمن إذا اســتعجل دون أن يعمــل وأخطــأ المنهــج
المنزل فلم يشفع له صلحه ول صدق نيته فإن النتائج لــم
تعلق علــى اليمــان فقــط ولكــن علــى اليمــان والعمــل -
التمكين لم يربط بمجرد اليمان ولكن بإحسان العمل مــع
اليمان هل جزاء الحسان إل الحسان ]الرحمن .[60:مــع
أن القرآن قد يطلق اليمان في بعض الحيان ويقصد بهذا
أي اليمان مع الحسان في العمل.
ولما كان إحسان العمل شرطا فــي التمكيــن فــإن الــدوام
على ذلك أيضا شرط فــي التمكيــن ،اللــتزام بشــرع اللــه
شرط الذين إن مكنــاهم فــي الرض أقــاموا الصــلة وآتــوا
الزكاة وأمروا بــالمعروف ونهــوا عــن المنكــر وللــه عاقبــة
المور ]الحج .[41:تأمل هذه الخاتمة العجيبة ،خاتمة الية،
إنها تطمئن المؤمنين العاملين بشرع الله أل يخــافوا أحــدا
من الخلق فإن الله هو مولهم وناصرهم وسيجعل العاقبة
له ،فالملك كله له ،فإن الذي يصــرف الملــك هــو مــولهم
يحميهم وينصرهم.
وفي هذه الخاتمة أيضا تهديد للمسلمين إذا ما تخاذلوا عن
شرع الله وانحرفوا عن إقام الصلة ،وإيتاء الزكــاة والمــر
بالمعروف والنهــي عــن المنكــر ،أي انحرفــوا عــن المنهــج
المنزل ،فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن ينزع الملك
ويسلط على المتخاذل عدوه ويجعل العاقبــة لغيــره وقــال
ذلــك ســبحانه وتعــالى صــراحة وإن تتولــوا يســتبدل قومــا
غيركم ]محمد .[38:إل تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل
قوما غيركم ول تضروه شيئا ]التوبة.[39:
-------------------------
الخطبة الثانية
أما بعد:
373
حقيقتان هامتان يجب أن نعرفهما حتى نفقه ونفهــم لمــاذا
حرم الله الربا وأحل البيع بدل منه:
أن المــال فــي الحقيقــة هــو ملــك اللــه تعــالى والنســان
مستخلف فيه ،ليس هذا المال ملكك أيها النســان ،فعليــه
أن ينفذ فيه أوامر المالك الحقيقي سبحانه وتعــالى :آمنــوا
بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ]الحديد:
.[7
أن المالك الحقيقــي والشــارع الحكيــم أراد أن يكــون هــذا
المال ســببا فــي عمــارة الرض ،لقضــاء مصــالح المجتمــع
وسد حاجات الناس ولذلك أمر بأن يحرك في السوق ،بأن
يوجه في السوق ،ويحرك بــأنواع الســتثمارات الــتي فيهــا
رخاء المجتمع ونماؤه .فصاحب المال إذا أنشأ بماله بقالــة
أو محطة بنزين أو مستشفى أو صــيدلية أو مخــبزا أو غيــر
ذلك مــن المشـاريع النافعـة ،فـإنه يكـون قــد حقـق بـذلك
لنفسه الربح بالبيع الحلل ،هذا هو هــدف الشــارع الحكيــم
وهو تحريك المال حتى يرجع النفع على الطرفين صــاحب
المال والمجتمع.
أما الفوائد الربوية فهي تحقــق أكــبر عــائق أمــام اســتثمار
هذه الموال ،فهي تجمد الموال وتدور هــذه المــوال فــي
دائرة مغلقة تصب في مصلحة صاحب المال فقط ،فهــذه
المؤسســات الربويــة هــي رمــز لســتبداد صــاحب المــال
وأنانيته.
أرأيتــم لــو أن كــل مــن عنــده مــال اســتمرأ هــذه الفــائدة
الربويــة الســهلة المضــمونة وأودع أمــواله فــي البنــوك
وتجمدت فماذا استفاد المجتمع منها.
هــذا وأصــحاب تلــك المؤسســات الربويــة ولــو تعــددت
أســماؤها وأشــكالها ،فــإنهم فــي الحقيقــة ينهبــون أمــوال
الناس ويستغلون حاجتهم ويتلعبون بمصالحهم ثم يكذبون
على الناس فيدعون أن الربــا ينفــع المجتمــع بينمــا يعــرف
النــاس كلهــم أن الفــائدة الربويــة هــي أكــبر عــائق أمــام
التنمية ،الغربيون يعرفون ذلك وكتبوه فــي دراســاتهم ،فل
تكذبوا على الناس أيها الكاذبون ،كم مرفقا يخدم المجتمع
أنشأتموه؟ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخــر ،كّفــوا عــن
374
الربا وحولوا أموالكم الهائلة إلى مــا فيــه الخيــر للمجتمــع،
إلى مــا أحلــه اللــه تعــالى ،إلــى الــبيع ،إلــى التجــارة ،إلــى
الرض بالجهد والعمل ،فالله تعالى حكيم ،ما حرم للنــاس
شيئا إل وحلل آخر بدل منه ،فهنا قد حرم الربا لما فيه من
تعطيل لحركة النمو وأحل البيع.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللــه وذروا مــا بقــي مــن الربــا إن
كنتم مؤمنين ]البقرة.[278:
=============
#الربا والقرض
موسوعة خطب المنبر ) -ج / 1ص (367
الربا والقرض
عثمان بن جمعة ضميرية
الطائف
الخطبة الولى
وبعد :
فإن الله تعالى بعث لنبيه خاتما لنبيائه ،وأنزل عليه كتابــا
خاتما لكتبه ،وأمرنا فيها وأن ل نرفع أصواتنا فــوق صــوته
وأل نتقدم بين يدي أمره ،وقد توله ربه فيما ينطــق :ومــا
ينطق عن الهوى ،ثم أمرنا بالخذ بما أتانا ونهانا عنه :ومــا
أتاكم الرسول فخذون وما نهاكم عنه فانتهوا ،وحذرنا من
مخالفة أمره :فليحذر الذين يخالفون أمره أن تصيبه فتنــة
أو يصبهم عذاب أليم .
أيها المؤمنون :رأينا الضرار الكــبيرة والمفاســد العظيمــة
للربا ،ولــذلك وقــف النــبي فــي حجــة الــوداع ليبطلــه ،إن
السلم يقيم مجتمعــه علــى دعــائم مــن اليمــان الصــادق
بالله والثقة بما عنده ،ويربط بيــن أفــراده بربــاط الخــوة
والتعــاون والتــآزر ،ويجعــل الفــرد فــي كفالــة إخــوانه
ورعايتهم ،فل يجوز أن يــتركوه للحاجــة ،ول أن يســتغلوا
حاجته فيفرضوا عليه الربا الحرام ،وعندما يغلــق الســلم
أمامنا بابا من أبواب الحــرام فــإنه يفتــح أبوابــا كــثيرة مــن
الحلل ،فعندما حرم الربــا ،أبــاح لنــا خروجــا مــن الثــام ،
القرض والمضاربة في المعاملت .
375
أما القــرض فهــو قربــة مــن القربــات ،فيــه إيصــال النفــع
للمقترض وقضاء حاجة وتفريج كربته وإعانته علــى كســب
قربــة أخــرى ويصــبح هــذا القــرض واجب ـا ً علينــا..إذا كــان
المقترض مضطرا لذلك محتاجا إليه وقد حــث اللــه تعــالى
على القرض وجعلــه معاملــة معــه ســبحانه :مــن ذا الــذي
يقرض الله قرضا ً حسنا ً فيضاعفه له أضــعافا ً كــثيرة واللــه
يقبض ويبسط وإليه ترجعون والحياة بيد الله والــرزق بيــد
اللــه والقــرض يضــاعف ،مــال وبركــة وذكــرا حســنا وكنــى
سبحانه في الحديث عن الفقير المحتاج بنفسه ليحث هذه
المعاملة فقال فيما يرون عــن ربــه )) :يقــول اللــه تعــالى
يوم القيامة يا بــن آدم مرضــت فلــم تعــدني ..أســتطعمتك
فلم تطعمني. ((....
وقرن الله تعالى القرض بالصلة والزكاة :وأقيموا الصــلة
وأتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا ً حسنا ً .
وقرنه مع اليمان بالرسل ومع شعائر العبادة ووعــد عليــه
بتكفير الذنب ودخــول الجنــات :لئن أقمتــم الصــلة وأتيتــم
الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتمــوهم وأقرضــتم اللــه قرض ـا ً
حسنا ً لكفرن عنكم سيئاتكم ولدخلنكم جنات تجــري مــن
تحتها النهار فمن كفــر بعــد ذلــك منكــم فقــد ضــل ســواء
السبيل .
وتواردت أحاديث النبي )) :من منح منيحة لبــن أو وَِرق أو
هدى زقاقا كان له مثل عتق رقبة (( وروى أن رجل دخــل
الجنة فرأى مكتوبا على بابهــا)) :الصــدقة بعشــر أمثالهــا ،
والقرض بثمانية عشر((.
)) ما من مسلم يقرض مرتين إل كان كصدقة مرة(( .
وفي القرض تيسير على وقضاء لحاجة وتعاون علــى الــبر
والتقوى :وتعاونوا على )) ..من يســر علــى معســر يســر
الله عليه في الدنيا والخرة (( والقرض شــكر بنعمــة اللــه
تعالى تستوجب اليات لئن شكرتم لزيدنكم .
وبعــد القــرض يرغــب الســلم فــي التيســير المقــترض
المعسر وإمهاله فــي الــدفع بــل يرغــب فــي التنــازل عنــه
والوضع ،فعن أبي قتادة أنه طلب غريما له فتوارى عنه ،
ثــم وجــده فقــال إنــي معســر ،فقــال :آللــه قــال :فــإني
376
سمعت رسول الله يقول )) :من سره أن ينجيه الله مــن
كرب يوم القيامة ،فلينفس عــن معســر أو يضــع عنــه(( ،
وعن حذيفة )) :تلقت الملئكة روح رجل ممن كان قبلكــم
فقالوا :حملت من الخير شيئا ؟ قال ل ،قالوا :تذكر ،قال
كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوز
عن الموسر ،فقال الله تعالى :تجاوزوا عنه ((
وعن بريدة)) :سمعت رسول الله ،من أنظر معسرا فلــه
كل مثله صدقة ،قال :ثم سمعته يقول :من أنظر ،فلــه
كل يوم مثليه ،قــال :لــه كــل يــوم مثلــه صــدقة ،قبــل أن
يحمــل الــدين ،فــإذا حــل فــأنظره فلــه بكــل يــوم مثليــه
صدقة (( .
وهذه الحاديث وغيرها فــي فضــل القــرض ومريــد العــون
وسد خلة المحتاج ،إنما تواردت كلها ترغب فــي القــرض،
فقــد يبخــل النســان بــالقرض أو يحســب حســابا لعــدم
الوفاء ،أو يعطل المال فيمسك ول يقرض .
وهو أيضا :مال مضمون حــتى لــو هلــك بيــد المقــترض أو
خسر المقترض ،فإن المال ثابت في ذمته ،أمــا لــو كــان
في شركة فإنه يهلك على حصة الثنين .
أيها المسلمون :هذه وسيلة من الحلل تنقــى بهــا الحــرام
ويبتعد عن الربا .
أما الوسيلة الثانية فهي بيع الســلم ،أمــا الوســيلة الثالثــة
فهي شركات المضاربة .
ولئن حث السلم على القرض فإنه يحث المقترض علــى
الوفاء والسعي من أجل ذلك ويصــدق)) :مــن أخــذ أمــوال
الناس يريد أداءهــا أدى اللــه عنــه ومــن أخــذ يريــد إتلفهــا
أتلفه الله(( وكان صلى الله عليه وسلم يقضي الدين عــن
المدين فيقول )) :من مات وترك مال فلهله ،ومــن تــرك
كل أو ضياعا فإلي وعلي ((.
وقال ))الــدين دينــان فمــن مــات وهــو ينــوي قضــاءه فأنــا
وليه ،ومن مات وهو ل ينوي قضاءه فذاك الذي يؤخذ من
حسناته ،ليس يومئذ دينار ول درهم ((.
وفي قصة الرجل من بني إسرائيل دليل على ذلك وشاهد
.
377
تحريم مطل الغني ظلم.
==============
#الربا وآثاره
موسوعة خطب المنبر ) -ج / 1ص (368
الربا وآثاره
عثمان بن جمعة ضميرية
الطائف
الخطبة الولى
وبعد :أيها المسلمون:
فإن من البديهيات المسلمة والتي يؤمن بها كل واحد منــا
أن الله سبحانه وتعالى هو مالك كل موجود لنه هو خالقه
وقد جعل الله تعالى هذا النسان خليفــة فــي هــذه الرض
وفق منهــج اللــه وحســب شــريعته ،فكــل مــا خــالف هــذه
الشريعة والمنهج كان باطل وكان ظلما وكان عدوانا ،فــإن
لله سبحانه وتعالى على خلقه شروطا وعهودا وحقوقا.
وقد أوجب الله سبحانه وتعالى على المــؤمنين أن يكونــوا
متعــاونين متكــافلين ،فيكــون بعضــهم أوليــاء بعــض ،وأن
ينتفعوا برزق الله الذي أعطاهم على أساس هذا التكافل،
فأوجب الزكاة ،وشرع القرض الحسن ،ثــم أوجــب عليهــم
أن يلتزموا في معاملتهم جانب القصد والعتدال ويتجنبــوا
السرف والتبــذير والشــطط فيمــا ينفقــون ،وكتــب عليهــم
الطهارة في النية والعمل ،والنظافة في الوســيلة والغايــة
هذه جملة من المبادئ العقائديــة ،والخلقيــة والجتماعيــة
التي أقام السلم نظامه الجتماعي عليها ،ومــن ثــم كــان
التعامل بالربا عملية تصطدم مع قواعد اليمــان ،ل رعايــة
فيها لعقيدة ،ول خلق ول مبادئ ول غايات سامية .
إن الربا يقوم ابتداء علـى أســاس أنـه ل علقـة بيــن إرادة
الله وحياة البشر ،فكأن من يعامله بـه يجعــل نفسـه ســيد
هذه الرض ابتداء ،وهو غير مقيد بعهد من الله أو أنه غيــر
ملزم باتباع أوامره في الكسب والعمل وتنمية المال ،كما
يجعل غاية الغايات في الوجود النساني هو تحصيل المــال
بأي وسيلة ومن ثم يتكالب عليه وعلى المتاع به ،ويــدوس
في الطريق كل مبدأ وكل صالح للخرين ،ثــم ينشــئ فــي
378
النهاية نظاما يسحق البشرية سحقا ،ويشــقيها فــي حياتهــا
أفــرادا وجماعــات ودول وشــعوبا لمصــلحة جماعــة مــن
المرابين ،ويحطمها أخلقيا ونفســيا وعصــبيا عنــدما يجعــل
المال في النهاية بيد حفنة المرابين ،هؤلء الذين يمتصــون
جهود وعرق ودماء الخرين المحتاجين للمال ،ثم إن جميع
المستهلكين يؤدون ضريبة غير مباشــرة لهــؤلء المرابيــن،
فإن أصحاب الصــناعات والتجــار ل يــدفعون فــائدة المــال
الذي يقترضــونه بالربــا إل مــن جيــوب المســتهلكين ،فهــم
يزيدون في أثمان السلعة الستهلكية ،فيتوزع عبؤها علــى
أهل الرض لتدخل في جيوب المرابين.
ولذلك أيها المسلمون :يجب أن تــذكروا أنــه ل إســلم مــع
قيام نظام ربوي لنه يتنافى مع أصــل اليمــان ،حــتى ولــو
خادع بعض الناس أنفسهم في تبرير شيء من ذلك الربا.
وإن النظام الربوي بلء علــى النســانية فــي إيمانهــا وفــي
أخلقها وفي حياتهــا القتصــادية ،فهــو أبشــع نظــام يمحــق
ســعادة البشــر محقــًا ،علــى الرغــم مــن أنــه يبــدو كــأنه
مساعده من هذا النظام للنمو وسد الحاجات ،واذكروا أن
التعامل الربوي لبد أن يفسد ضمير الفرد وخلقه وشعوره
تجاه أخيه في الجماعة ،ثم يفسد حياة الجماعة وتضــامنها
بمـــا ينشـــره فيهـــا مـــن روح الطمـــع والجشـــع والثـــرة
والمغامرة.
لهــذا كلــه أيهــا المســلمون :ولغيــره مــن الســباب وقــف
السلم من الربا موقــف الحــرب الســاخنة الــتي ل هــوادة
فيها ،وشنع على أصحاب هذه المعاملة أبلغ تشنيع ،وحمــل
عليهم حملة مفزعة مرعبة وهددهم تهديدا معنويــا وحســيا
فقال سبحانه وتعــالى :الــذين يــأكلون الربــا ل يقومــون إل
كما يقوم الذي يتخبطه الشــيطان مــن المــس ذلــك بــأنهم
قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمــن
جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله
ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله
الربا ويربي الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم .
فأكلة الربا ل يقومون في الحياة ل يتحركون فيها إل حركة
الممسوس المضطرب القلق المتخبط الذي ل يســتقر لــه
379
قرار ول طمأنينة ول راحة ،يعيش حياة القلق والضطراب
والخــوف والمــراض النفســية والعصــيبة والخــوف علــى
المال ،والخوف مــن الخســارة والخــوف مــن المحــق ،ثــم
الخوف من الكفر والله ل يحب كــل كفــار أثيــم ثــم ينــادي
الله تعالى الذين يريدون تحقيــق إيمــانهم فيقــول :يــا أيهــا
الذين آمنوا اتقــوا اللــه وذروا مــا بقــي مــن الربــا إن كنتــم
مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن
تبتــم فلكــم رؤوس أمــوالكم ل تظلمــون ول تظلمــون وإن
كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خيــر لكــم
إن كنتم تعلمون .
ثــم يربــط اللــه تعــالى هــذه الحكــام جميعــا بتقــوى اللــه
والخوف من عقابه يوم الحساب واتقوا يوما ً ترجعون فيــه
إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمون .
ثم تواردت أحاديث النــبي تحــذر مــن الربــا وتــبين عــواقبه
ففــي الصــحيحين عــن أبــي هريــرة)) :اجتنبــوا الســبع
الموبقات ،الشرك بالله الســحر وعقــوق الوالــدين ،وقتــل
النفس التي حرم اللـه إل بـالحق ،وأكـل الربـا وأكـل مـال
اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلت((.
الربا سبب للعن والطرد من رحمة الله ،يشترك في ذلــك
كل من له علقة بالربا شهادة أو كتابة أو أخــذا أو إعطــاء،
وفي الصحيحين عن ابن مسعود )) :لعن رسول الله آكــل
الربا وموكله(( .وعن جابر)) :لعن رســول اللــه آكــل الربــا
وموكله وكاتبه وشاهديه وقال :هم سواء((.
وإذا كان الجزاء مـن جنـس العمــل فاســمعوا إلـى عقوبـة
أخروية تبدأ بعد الموت إلــى قيــام الســاعة مــع مــا ينتظــر
صــاحبها مــن عقوبــة بعــد البعــث ،فقــال )) :رأيــت الليلــة
رجلين )أي ملكين( ،فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا
حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى شط النهر
رجل بين يديه حجارة ،فأقبل الرجل الذي في النهــر ،فــإذا
أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجــر فــي فمــه ،فــرده
حيث كان ،فقلت :ما هذا الــذي رأيــت فــي النهــر؟ فقــال:
آكل الربا((.
380
وفي الحديث الصحيح كذلك تشنيع لهذه المعاملــة وجعلهــا
في مستوى الزنا بل هي أشــد مــن الزنــا ،فكيــف إذا كــان
الزنا بــالم ،فعــن النــبي قــال)) :الربــا ثلث وســبعون بابــا
أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه(( ،وقال)) :الدرهم يصيبه
الرجل من الربا أعظــم عنــد اللــه مــن ثلثــة وثلثيــن زنيــة
يزنيها في السلم((.
وهو سبب لعذاب الله وسبب للعقوبات العاجلة في الدنيا،
ففي الحديث)) :ما ظهــر فــي قــوم الزنــا والربــا إل أحلــوا
بأنفسهم عذاب الله(( ،وفي حديث عمرو بن العاص)) :ما
من قوم يظهر فيهم الربا إل أخذوا بالسنة ،ومــا مــن قــوم
يظهر فيهم الرشا إل أخذوا بالرعب((.
وقد رأى عليه الصـلة والسـلم عقوبـة رهيبـة لكلـة الربـا
وهــو فــي رحلــة الســراء والمعــراج فقــال )) :رأيــت ليلــة
أسرى بي لما انتهينا إلى السماء السابعة ،فنظرت فــوقي
فإذا أنا برعد وبروق وصواعق ،فأتيت على قــوم :بطــونهم
كالبيوت فيها الحيات )الفــاعي( تــرى مــن خــارج بطــونهم
قلت :من هؤلء يا جبريل ،قال :هؤلء آكلة الربا((.
فاحذروا ذلك كله على أنفسكم أيها المؤمنون فما من أحد
أكثر من الربا إل كان عاقبة أمره إلــى قلــة ،وليــأتين علــى
الناس زمان ل يبقى منهم أحد إل أكل الربا ،فمن لم يأكله
أصابه من غباره.
أيها المسلمون :فقد يقول بعض إني مضطر للقــرض بربــا
كــي أكمــل عمــارتي أو أوســع تجــارتي ،أو مــا شــابه ذلــك
والضرورات تبيح المحظورات ،فاعلموا أن ذلك ليــس مــن
الضرورة التي تبيح المحرمات.
وقد يقول بعضهم كيف أعطي أموال للخرين ينتفعون بهــا
وأعطلها عن العمل ول استفيد منها.
ونسي هؤلء أن القرض يجــب أن يكــون منزهــا عــن هــذه
المنفعــة الماديــة ول يــراد بــه إل وجــه اللــه ،وفيــه ضــمان
للمال فسيرده صاحبه كامل دون خسارة ،ولو كــان عنــدك
لم يكن مضمونا.
أمــا إذا ردت النفــع المــادي مــع ذلــك فــإن الســلم شــرع
شركة المضاربة.
381
==============
#الربا ..حكمه وخطره
موسوعة خطب المنبر ) -ج / 1ص (557
الربا ..حكمه وخطره
عبد الله بن صالح القصير
الرياض
جامع المير متعب
الخطبة الولى
أما بعد:
فيا أيها النــاس :توبــوا إلــى اللــه قبــل أن تموتــوا ،وبــادروا
بالعمال الصالحة قبل أن تشغلوا ،وصلوا الذي بينكم وبين
ربكم بطاعتكم له وكثرة ذكره تســعدوا ،وأكــثروا الصــدقة
في الســر والعلنيــة ترزقــوا ،وأمــروا بــالمعروف تخصــبوا،
وانهــوا عــن المنكــر تنصــروا ،ول يتطــاولن عليكــم المــد
فتقسوا قلوبكم ،ول يلهينكم المل فكل ما هو آت قريــب،
وإنما البعيد ما ليس بآت ،فل تكونوا ممن خدعته العاجلــة،
وغرته المنية ،واستهوته الخدعة ،فركــن إلــى دار ســريعة
الزوال وشيكة النتقــال ،بــل خــذوا الهبــة للنقلـة ،وأعـدوا
الزاد لقرب الرحلة ،فإن كــل امــرئ علــى مــا قــدم قــادم،
وعلى ما خّلف نادم.
أيها الناس :كان نبيكم محمد كثيرا ً ما يذكر الربا في خطبه
ومواعظه ،محــذرا منــه ،مبينـا ً خطــره ،منبهـا ً علــى عظــم
شأنه وسوء عاقبة أهله في العاجلة والجلة؛ إقامة للحجة،
َ
وقطعا ً للمعذرة ،ونصحا ً للعباد ،وتذكيرا ً بســوء حــال أكلت ِـ ِ
ه
يوم المعاد؛ فقد صح عنــه أنــه عـد ّ أكــل الربــا مــن الســبع
الموبقات -التي توبق أهلها فــي الثــم ،ثــم تغمســهم فــي
النار -وقرنه بالشرك بالله والسحر .وصــح عنــه أنــه لعــن
آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال)) :هــم فــي الثــم
سواء(( .واللعن من الرسول هــو الــدعاء بــالطرد والبعــاد
عن مظان الرحمة .فأي عاقل ناصح لنفسه يرضى لنفسه
أن تحقق فيه دعوة النــبي عليــه بــاللعن؟! وصــح عنــه أنــه
رأى آكل الربا يسبح في نهر من دم كلما أراد الخروج منه
ي في فيه بحجر فأبعد. م َ
ُر ِ
382
وروي عنه أنه وقف يوما على الصــيارفة فقــال)) :أبشــروا
بالنــار(( .وروي أنــه قــال)) :أربعــة حــق علــى اللــه أن ل
يــدخلهم الجنــة ول يــذيقهم نعيمه ـًا :مــدمن الخمــر ،وآكــل
الربا ،وآكل مال اليتيم ،والعــاق لوالــديه(( ،وروي عنــه أنــه
قال)) :إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عنــد اللــه
من الخطيئة من ست وثلثين زنية يزنيهــا الرجــل(( .وروي
أنه قال)) :الربا ثلثة وسبعون باب ـا ً أيســرها مثــل ان ينكــح
الرجل أمه(( .وكفى بذلكم -يا عباد الله -زجرا ً عن الربا،
وتنبيها ً على فظاعة التعامل به ،وتحذيرا ً من ســوء منقلــب
آكله ،فما أشنعه من معاملة! وما أشأمه من كسـب! ولـذا
روي عنه أنه قال)) :شر المكاسب كسب الربا((.
أيها المسلمون :ولقد جاءت نصوص القرآن المجيد بوعيــد
أكلة الربا بضــروب العقوبــات وألــوان الوعيــد ،وفــي ذلــك
ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهــو شــهيد .قــال
تعالى :الذين يأكلون الربـا ل يقومـون إل كمـا يقـوم الـذي
يتخبطه الشيطان من المس ذلــك بــأنهم قــالوا إنمــا الــبيع
مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جــاءه موعظــة
من ربه فانتهى فله ما ســلف وأمــره إلــى اللــه ومــن عــاد
فأولئك أصحاب النار هــم فيهــا خالــدون يمحــق اللــه الربــا
ويربــي الصــدقات واللــه ل يحــب كــل كفــار أثيــم ]ســورة
البقرة.[276-275:
وقال تعالى :يا أيها الذين ءامنوا اتقوا اللــه وذروا مــا بقــي
من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من
الله ورسوله وإن تبتــم فلكــم رءوس أمــوالكم ل تظلمــون
ول تظلمون ]سورة البقرة.[279-278:
وقال تعــالى :يــا أيهــا الــذين آمنــوا ل تــأكلوا الربــا أضــعافا ً
مضــاعفة واتقــوا اللــه لعلكــم تفلحــون واتقــوا النــار الــتي
أعدت للكافرين ]سورة آل عمران.[131-130:
فــأخبر ســبحانه أن أكلــة الربــا يقومــون يــوم القيامــة مــن
قبـــورهم مجـــانين -أو فـــي هيئة المجـــانين -يصـــرعون
ويخنقون ،وكفى بذلك تنبيها على سوء حالهم يوم المعــاد،
وفضيحة لهم بين العبـاد علـى رؤوس الشـهاد .ولمـا كـان
أكلة الربا يحاربون الله ورســوله بهــذه المعاملــة الظالمــة
383
الثمة آذنهم الله بحرب منه ومن رسوله ،ومن حاربه اللــه
دكر؟؟ ســيهزم ورســوله فهــو مهــزوم مغلــوب ،فــأين الم ـ ّ
الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعــدهم والســاعة أدهــى
وأمر ]القمر.[46-45:
ولذا توعدهم الله يــوم القيامــة -إن لــم يتوبــوا عــن الربــا
وينتهوا -بالنار التي أعدت للكافرين؛ هــم أصــحابها ،وهــي
صاحبتهم ،يلزمونها وتلزمهم ملزمــة الغريــم لغريمــه ،فل
فكــاك لحــدهما مــن الخــر فــي ذلــك اليــوم الخــر ،فهــذا
جزاؤهم إن جازاهم الله يوم تبلى السرائر.
وأي لحم نبت من سحت فالنار أولى به .فيا ويل آكل الربا
يوم حسابه مما بين النــبي ذلـك فــي فصــيح خطـابه)) :إن
رجال ً يتخوضون في مال اللــه بغيــر حــق فلهــم النــار يــوم
القيامة(( فما أعظم الحسرة والندامة!!.
أيها المسلمون :لقد تواطأت السنة مع القــران فــي وعيــد
أكلة الربا لما ارتكبوه مــن شــنيع الثــم وعظيــم العــدوان،
فاحذروا أن تكونوا ممن يشمله هــذا الوعيــد ،فــإن عــذاب
الله شديد .فقد صح في الحديث عن النبي أنه قــال)) :إن
أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل توضــع فــي أخــص
قدميه جمرة من النار يغلي منها دماغه((.
أيها المسلمون :اعلموا أنكم اليوم فــي زمــان ومكــان قــد
فشا فيهما الربا ،وأكله كثير من الناس إيثارا ً للحيــاة الــدنيا
على الخرة ،فتعامــل بــه ،وأكلــه كــثير ممــن ينتســب إلــى
الســلم ،وهــم يعلمــون أنــه كســب حــرام ،فتحقــق قــول
النبي )) :ليأتين على الناس زمان ل يبالي المــرء بمــا أخــذ
من المال ،أمن الحلل أم الحرام((.
فيا ويحهم -إن لم يتوبوا -يــوم يعرضــون ل تخفــى منهــم
خافية ،فيسألون عما ارتكبوه في هذه الدنيا الفانية ،فلــزم
الجــواب ،وزال الرتيــاب فوربــك لنســئلنهم أجمعيــن عمــا
كانوا يعملون ]سورة الحجر.[93-92:
أيها المسلمون :إن كثيرين من الناس اليوم استحلوا الربــا
بالبيع باسمه وصورته وتحــت ســتاره ،يخــادعون اللــه كمــا
يخادعون الصــبيان ،ومــا منهــم أحــد إل ســيكلمه ربــه يــوم
القيامة ليس بينه وبينه ترجمــان ،فليعــدوا للســؤال جوابـًا،
384
وليكن الجواب صوابًا ،وإل فليحــذروا النــار فإنهــا موعــودة
بكل آثم كفار.
أيها المسلمون :إن مما تجري بــه معــاملت النــاس اليــوم
أخذ الزيادة الــتي يســمونها زورا ً وبهتان ـًا :الفــائدة؛ يأخــذها
الدائن من المدين نظير تأجيـل الــدين مـن قـرض أو ثمـن
مبيع أو نتيجة تفضيل أحد المبيعين على الخر ممــا يجــري
فيه ربا الفضــل :كالــذهب بالــذهب ،وغيــره ممــا فيــه علــة
الربا ،وقد تكون هذه الزيادة مشروطة ،وقد تكون متعارفا ً
عليها كما هو واقع كثير من المعاملت البنكية وغيرها مــن
المعاملت الربوية الشائعة في هذا الزمــان والــتي اكتــوى
بنارها كثير من بني النسان .من ذلك:
-القراض النقدي من شــخص أو مؤسســة ماليــة لطــرف
آخر إلى أجل ،حيث يفرضون على هذا القرض زيادة تقدر
بنسبة مئوية.
-الفــوائد الــتي تؤخــذ مقابــل تأجيــل الــديون الحالــة علــى
الشــخاص أو المؤسســات إلــى فــترة أخــرى يرجــى أن
تتمكن من تسليم ما عليها من التزامــات ،وتتضــاعف هــذه
الفائدة كلما تأخر التسديد.
فهاتان الصورتان من ربا النســيئة الــذي كــانت تتعامــل بــه
الجاهلية حين نزل القــران ،وجــاء بشــأنها الوعيــد الشــديد
والتهديــد الكيــد ،حيــث كــان أهــل الجاهليــة يقرضــون أو
يقترضون الدراهم والدنانير إلــى أجــل بزيــادة تــزداد كلمــا
تأخر الوفــاء ،وكــانوا يأخــذونها أيضــا مقابــل تأجيــل الــدين
ل إلى أجل آخـر ،حيـث يقـول الـدائن لمـدينه :إمـا أن الحا ّ
تقضي أو تربي.
ومن صور الربا المعاصر ما يقــوم بــه بعــض الشــخاص أو
المؤسســـات الماليـــة مـــن تمويـــل بعـــض المشـــروعات
العمرانيــة أو الزراعيــة أو الصــناعية ونحوهــا بمــا يلــزم
لنشائها من المواد ونحوها بسعر السوق -وقت العقــد أو
الطلــب -علــى أن يــرد صــاحب المشــروع للممــول هــذا
المبلغ مع زيادة تقدر بنسبة مئوية قد تكون قابلــة للزيــادة
مقابل ذلك.
385
ومن صور الربا -أيضا -بيع عملت الدول المختلفة عملــة
بأخرى دون تسليم وقبض المبيعين أو أحدهما في مجلــس
البيع .وكذلك بيع الذهب بالوراق النقدية دون قبض.
أيها المسلمون :فهذه صور من الربا وغيرهــا كــثير ممــا ل
يمكــن حصــره فــي هــذه الــذكرى ممــا يتعامــل بهــا بعــض
الناس ،وهي ربــا صــريح ،ومنكــر قبيــح ،وكــثيرين يجهلــون
ذلــك ،وآخــرون يعرفــون ولكــن قتلهــم الشــح والتهالــك،
اشــتروا الحيــاة الــدنيا بــالخرة ،فــبئس مــا يشــترون ،قــد
عرضوا أنفسهم لليم العذاب وشديد العقاب :ألــم يعلمــوا
أنه من يحادد الله ورسوله فأن لــه نــار جهنــم خالــدا ً فيهــا
ذلك الخزي العظيم ]سورة التوبة.[63:
أيها المسلمون :اجتنبوا الربا وكل كسب حرام؛ فــإنه يمنــع
إجابة الدعاء ،ويورث الشقاء ،ويجلب أنواع البلء ،ويقســي
القلوب ،ويغريها بــالثم والفحشــاء ،ل تســمع مــن صــاحبه
الــدعوات ،ول تقبــل منــه الصــدقات ،ول يبــارك اللــه فــي
التجــارات ،ول يثــاب علــى النفقــات ،عليــه غرمــه ولغيــره
ُ
غنمه.
فاتقوا الله يا أهل السلم ،واجتنبوا الحرام ،واحذروا الثام
ومن ترك شيئا ً لله عوضه اللــه خيــرا ً منــه ،ومــن اســتغنى
عن شيء أغناه الله عنه ،ومن يستعفف يعفه الله ن ومن
يتق اللــه يرزقــه اللــه :ومــن يتــق اللــه يجعــل لــه مخرجـا ً
ويرزقه من حيث ل يحتسب ومــن يتوكــل علــى اللــه فهــو
حسبه إن الله بالغ أمره قــد جعــل اللــه لكــل شــيء قــدرا ً
]سورة الطلق .[3-2:ومن يتق اللـه يجعــل لـه مــن أمــره
يسرا ً ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتــق اللــه يكفــر عنــه
سيئاته ويعظم له أجرا ً ]سورة الطلق.[5-4:
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ،ونفعنا بما فيه من
اليات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين
والمــؤمنين مــن كــل ذنــب ،فاســتغفروه إنــه هــو الغفــور
الرحيم.
================
386
#حول الربا والبنوك والمؤسسات الربوية
والمساهمة فيها
موسوعة خطب المنبر ) -ج / 1ص (1809
حول الربا والبنوك والمؤسسات الربوية والمساهمة فيها
سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
الطائف
سعيد الجندول
الخطبة الولى
أما بعد:
فيكــثر القيــل والقــال فــي كــثير مــن مســائل الــدين حيــن
تعرض بصورة قد تماثل الدعايــة للشــر أو أقــل ممــا يــبرز
الخير وينّبه الناس ويحذرهم من التعامل بما يخالف شــرع
الله سبحانه وتعالى ،ولكــن النفــوس المريضــة والــتي لــم
يباشرها اليمان ويستقر في ســويداء قلوبهــا تصــطاد فــي
الماء العكر وتحسن السباحة فيــه ،وهــذا شــأن المنــافقين
في كل زمان ومكان من عهد رسول الله صلى الله عليــه
وسلم إلى أن تقــوم الســاعة لنهــم داء عضــال ينخــر فــي
جســم المــة المســلمة بإثــارة الشــبهات وتزييــف القــول
وإعطاء المور هالـة إعلميـة وإثـارة القلقـل والفتـن فـي
المجتمع والتربص بالمؤمنين لليقاع بهم ،ذلك دينهم وهــذا
شأنهم في الحياة ،وهذا معلوم لدى العلماء وطلبــة العلــم
ولكن عامة الناس الــذين يثــار فــي أوســاطهم مــا يخــالف
تعــاليم الســلم تنطلــي عليهــم ألعيــب القــوم ومعســول
قولهم.
مع علم الجميع بحديث رسول الله صلى الله عليــه وســلم
والمجمل لحكام الحلل والحرام ووجــود المشــتبهات بيــن
ذلــك والــتي ل يعلمهــا كــثير مــن النــاس وأن الــذي يتقــي
الشبهات فإنما يستبرئ لدينه وعرضه بابتعاده عن الوقــوع
فــي المــور المشــتبهة فضــل ً عــن الوقــوع فــي المــور
المحرمة .قال رسول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم)) :إن
الحلل بيــن وإن الحــرام بيــن ،وبينهمــا أمــور مشــتبهات ل
يعلمهن كثير من الناس ،فمن اتقى الشبهات فقــد اســتبرأ
لدينه وعرضه ،ومن وقع فــي الشــبهات وقــع فــي الحــرام
387
كالراعي يرعى حول الحمى يوشــك أن يرتــع فيــه ،أل وإن
لكل ملك حمى ،أل وإن حمــى اللــه محــارمه ،أل وإن فــي
الجسد مضغة إذا صلحت صـلح الجسـد كلـه ،وإذا فســدت
فسد الجسد كله ،أل وهي القلب((.
إن ممـا يؤسـف لـه فـي مجتمعـات المسـلمين اليـوم هــو
تحكيم عقولهم واتباع رغباتهم وشهوات أنفسهم في كــثير
من أمور دينهم دون مستند من كتاب أو سنة أو إجمــاع أو
قيــاس بــل هــو الهــوى وتحكيــم العقــل بعلــم وبغيــر علــم،
فعندما تثار قضية أو يعرض أي أمر من أمور الشرع سواء
كــان الشــخص خالي ـا ً بنفســه أو فــي مجتمــع ،صــغر ذلــك
المجتمع أو كبر نجد تناول ذلك الموضــوع بعيــدا ً عــن أدلــة
الكتاب والسنة والوقوف عندها ،نجد تحكيم العقل والواقع
ب مــن والمنطق والهوى ،ويــاله مــن بعـدٍ عــن الحــق وقــر ٍ
الباطل .ومن تلك المور التي تثار بين الناس أمور واضحة
التحريم بنص الكتاب والسنة ،وإذا وجد النص مــن الكتــاب
أو السنة فل اجتهــاد مــع النــص ،ومنهــا مــا هــو داخــل فــي
المور المشتبهة علــى بعــض النــاس أو علــى كــثير منهــم،
وتثار تلك المور إما بقصدٍ حسن لمعرفة الحكم الشــرعي
أو بسوء قصدٍ لمور متعددة عند أصحاب المقاصد السيئة،
هم أول الناس علما ً بمقاصدهم السيئة.
ومن تلك المور السؤال عن الربا ،والربــا معلــوم تحريمــه
في دين السلم بنــص القــرآن الكريــم والســنة المطهــرة
سواء كان المتعامل به فردا ً أو جماعة أو مؤسسة أو هيئة
أو اتخذ أي شكل من الشكال وصيغة مــن الصــيغ ،فالربــا
حرام في السلم التعامل به ،وهو من كبائر الذنوب الــتي
تسبب محق البركة وغضــب اللــه عــز وجــل وعــدم قبــول
العمل والدعاء ،وليس التحريـم مـن عـالم مـن العلمـاء أو
شخص من المســلمين وليــس لهــم ذلــك ول غيــره ،وإنمــا
حرمه الله عز وجل ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم،
قال الله عز وجل :الذين يــأكلون الربــا ل يقومــون إل كمــا
يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلــك بــأنهم قــالوا
إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جــاءه
موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن
388
عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا
ويربي الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم ]البقرة-275:
.[276ثم أعقبها سبحانه بآيات واضحة لمن كان له أدنــى
بصيرة أو خوف منه عز وجل أو يريد اليمــان إن لــم يكــن
مؤمنا ً ومصدقا ً بوعــد اللــه ووعيــده .فبعــد أن ذكــر تحريــم
الربا في الية الســابقة وورد نــص قطعــي الدللــة ل غبــار
عليه ويعرفه العالم والجاهل وهو قــوله عــز وجــل :وح ـّرم
الّربــا .أعقــب ذلــك فــي آيــة أخــرى بمنــاداة المــؤمنين
ومخــاطبتهم بــأحب الســماء إليهــم ليســترعي انتبــاههم
وليترفعوا عن المحرمات ويتقوا الله ويحــذروا أليــم عقــابه
بأن يبتعدوا عن الربا إذا كان لديهم إيمان ،وإذا لــم يفعلــوا
فهــم محــاربون للــه ورســوله محــادون مبغضــون لتعــاليم
الكتــاب والســنة ،ومــا أعظــم جريمــة مــن يحــارب اللــه
ورسوله ،فالخزي والعذاب والنكال هــو جــزاؤه فــي الــدنيا
َ
مــاه وَذ َُروا ْ َ مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َن ءا َ َ والخرة .قال تعالى :يأي َّها ال ّ ِ
ذي
م ت َْفعَل ُــوا ْ َفـأ ْذ َُنوا ْ ن فَـِإن ّلـ ْ مِني َ م ـؤ ْ ِ م ّ كنت ُـ ْن الّرَبواا ْ ِإن ُ م َ
ى ِ ب َِق
َ َ
م لَ موال ِك ُ ْسأ ْ م ُرءو ُ م فَل َك ُ ْ سول ِهِ وَِإن ُتبت ُ ْ ن الل ّهِ وََر ُ م َ ب ّ حْر ٍ بِ َ
ن ]البقــرة .[279-278:هــذه بعــض ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ
مــو َ مــو َ ت َظ ْل ِ ُ
الدلة من القرآن الكريــم ،أمــا مــن الســنة الصــحيحة عــن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقوله صــلى اللــه عليــه
وسلم)) :اجتنبوا السبع الموبقات ،قالوا :وما هن يا رسول
الله؟ قال :الشرك بالله ،وقتل النفس الــتي حــرم اللــه إل
بالحق ،وأكل الربا ،وأكل مال اليتيم ،والتولي يوم الزحف،
وقذف المحصنات الغافلت المؤمنــات ،وشــهادة الــزور((.
وعن جابر رضي الله عنه قال)) :لعــن رســول اللــه صــلى
اللــه عليــه وســلم آكــل الربــا ومــوكله وكــاتبه وشــاهديه
وقال:هم سواء(( .فهذه بعض الدلة التي تبين تحريم الربا
علــى الفـرد والمجتمـع وأن مـن تعامــل بـه وتعاطـاه فهــو
مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب ومحارب لله ورسوله.
ومهما كثر المروجون للربا والمتعاملون به فل يخرجه عن
دائرة التحريم قيد شعرة ،ول يغتر المسلم بكثرة الهالكين
والواقعين فيه والداعين إليه وإلى غيــره مــن المحرمــات،
ك عَــن ضـّلو َ ض يُ ِ ر
ْ ال ـى ـِ ف ـن ـ م
َ رَ ـَ ثقال تعــالى :وَِإن ت ُط ِـعْ أ َك ْ
ِ
389
َ
سمــا أك ْث َـُر الن ّــا ِ ل الل ّهِ ]النعام .[116:وقال تعــالى :وَ َ سِبي ِ َ
ن ]يوسف.[103: مِني َمؤ ْ ِت بِ ُ
ص َ حَر ْوَل َوْ َ
ولقد أصبح هم كثير من الناس جمع المال مــن أي طريــق
سواء كان حلل ً أو حرامًا ،وهــذا تصــديق لحــديث الرســول
صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه)) :يــأتي علــى النــاس
زمان ل يبالي الرجل من أين اكتسب مــاله مــن الحلل أم
من الحرام(( .وكما قال عليه الصلة والسلم)) :يأتي على
الناس زمان ل يبقى بيت إل ويدخله الربــا ،وإن لــم يــدخله
نالهم مــن غبــاره(( .وهــذا الواقــع المــؤلم فــي مجتمعــات
المسلمين مؤذن بحلول غضـب اللـه ونقمتـه الـتي سـوف
تعم الصالح والطالــح حيــث قــال ســبحانه وتعــالى محــذرا ً
ن ة ل ّ تُ ِ
صــيب َ ّ ومنذرا ً من شؤم المعاصي والذنوبَ :وات ُّقوا ْ فِت ْن َ ً
َ
ب ديد ُ ال ْعَِقــا ِ
شـ ِ ه َ ن الل ّـ َموا ْ أ ّ
ة َواعْل َ ُ
ص ً
خا ّ
م َ منك ُ ْ موا ْ ِن ظ َل َ ُ ذي َال ّ ِ
م كثير من الناس اليــوم هــو جمــع المــال ]النفال .[25:فه ّ
واستغلل حاجة بعضهم بعضا ً لنهب ما في أيديهم وإثقالهم
وتحميلهم الديون بالحيل الموقعة فــي المعــاملت الربويــة
والحتيال على شرع الله ومشابهة اليهــود الــذين يرتكبــون
المحرمات بأدنى الحيــل ،وقــد أصــبح هــذا الشــبه والخلــق
اليهودي فــي مجتمعــات المســلمين بمــا يروجــه شــياطين
النــس والجــن مــن تزييــن المكاســب المحرمــة وتلبيســها
لباس الحلل باسم البيع ،حيث دخلــت المعــاملت الربويــة
تأخذ أشــكال الحلل فــي الظــاهر ولكــن القصــد منهــا هــو
الوقوع في الربا والتعامل به ولكن بطرق ملتوية ظاهرهــا
ل وباطنها الحرمــة ظــانين بــأن ذلــك يخفــى علــى رب ح ّ
ال ِ
العّزة والجلل إذا هو خفي علــى البشــر .فمــا أقــل الــورع
فــي هــذه اليــام ومــا أكــثر الوقــوع فــي المحرمــات وفــي
الشبهات التي أخبر الرسول صـلى اللـه عليـه وسـلم بــأن
من وقع فيها فسوف يقع في الحرام ل محالة بقوله عليــه
الصــلة والســلم قبــل نهايــة الحــديث)) :ومــن وقــع فــي
الشبهات وقع في الحرام((.
فاتقوا الله عباد الله واحذروا الوقوع في الربا والتعامل به
والمســاهمة والمســاعدة والمعاونــة عليــه باليــداع لغيــر
ضرورة أو غيرها في المصارف الربوية المســماة بــالبنوك
390
أو لدى المرابين أفرادا ً أو جماعات أو مؤسسات وشركات
لنه تعــاون علــى الثــم والعــدوان ومحاربــة للــه ورســوله،
وتوبوا إلى الله عز وجل كما أمر الله تبارك وتعــالى حيــث
قال عز وجل في التوبــة مـن الربـا بعـد التحـذير منـه وَِإن
َ
ن مـــو َ ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ مـــو َم ل َ ت َظ ْل ِ ُ مـــوال ِك ُ ْ
سأ ْ م ُرءو ُ م فَل َك ُـــ ْ ُتبت ُـــ ْ
مــن ]البقرة .[279:وكما قال ذلك بعد ذكر تحريم الربــا :فَ َ
ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ
مُرهُ إ َِلى الل ّ ِ
ه ف وَأ ْ ُ َ َ ََ عظ َ ٌ ّ ْ ّ ّ ِ مو ْ ِجاءهُ َ َ
ن ]البقــرة: َ َ ُ
عاد َ فَأوْلئ ِ َ
دو َ خال ِـ ُ
م ِفيهَــا َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ كأ ْ ن َ م ْوَ َ
.[275وقال تعالى آمــرا ً عبــاده المــؤمنين بالتعــاون علــى
البر والتقوى وناهيا ً ومحذرا ً لهم من التعاون علــى أي إثــم
ْ َ وعدوان :وَت ََعاوَُنوا ْ عََلى اْلبرِ َوالت ّْق َ
وى وَل َ ت ََعاوَُنوا عَلى ال ِث ْم ِ
ن ]المائدة.[2: َوال ْعُد َْوا ِ
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد للــه حمــدا ً كــثيرا ً طيبـا ً مباركـا ً فيــه كمــا يحــب ربنــا
ويرضى ،أحمده عز وجل وأشكره وأثني عليــه الخيــر كلــه
وأشــهد أن ل إلــه إل اللــه وحــده ل شــريك لــه وأشــهد أن
ل سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا ً عبد الله ورســوله ،اللهــم ص ـ ّ
وســلم وبــارك علــى عبــدك ورســولك محمــد وعلــى آلــه
وصحبه.
أما بعد:
فلقد اســتمرأ بعــض المســلمين الكســب الحــرام وانتشــر
انتشارا ً يؤذن بالعقوبــة إن لــم يؤخــذ علــى أيــدي مرتكــبيه
بالمر بالمعروف والنهي عن المنكــر وأطــر أصــحابه علــى
الحق أطرًا ،لن سفينة نجاة المجتمــع المــاخرة فــي هــذه
الحياة الدنيا ل تنجو إل بالقيام بهذا الركن العظيم الذي هو
المر بــالمعروف والنهــي عــن المنكــر والــدعوة إلــى اللــه
عمومًا.
وحينما يأخذ المنكر والمر المحرم صبغة الحلل في نظــر
النــاس واعتقــادهم حينئذٍ يجــب البيــان والتوضــيح إجمــال ً
وتفصــيل ً علــى حســب الحالــة دون إخلل بقواعــد الشــرع
المطهر ،وعليه يجب التنبيه إلــى أمــر انتشــر وليــس علــى
مستوى المؤسسات الربويــة لكــن علــى مســتوى الفــراد
391
حيــث يتــم التعامــل بالربــا الــذي هــو المقصــود مــن تلــك
المعاملة ولكن باسم البيع في الظاهر ،حيــث المؤسســات
أو الفراد يبيعون ما ل يملكون ،وإنما هي الوراق التي يتم
التوقيع عليها من الطرفين ،وكذلك الطرف الثالث المالــك
والبائع الحقيقي ،حيث يأتي صاحب الحاجة إلى المؤسسة
أو الفرد المرابــي حقيقــة ،وفــي الظــاهر تعــامله إســلمي
شرعي ل غبار عليــه ،يــأتي يريــد منــه أرضـًا ،أو عقــارًا ،أو
سيارة ،أو أثاثًا ،أو أدوات أيا ً كانت وهو ل يملكهــا ويــذهبان
إلى الذي يملكها أو بمكالمة هاتفية ليــدفع الطــرف الثــاني
الثمن للطرف الثــالث الــذي يملــك دون أن يمتلــك الثــاني
تلك السلعة أو يحوزها لملكيتــه ،ولــو حازهــا وملكهــا علــى
الوراق فل يخرجهـا ذلـك عـن الوقـوع فـي الربـا المحـرم
شرعا ً والذي يستغل به حاجة أخيه المسلم لينهب مــا فــي
يديه ويثقل كاهله بالديون ويأكل مــاله حرامـا ً وســحتًا ،مــع
أن أطول آية في القرآن وهي آية الدين معطل العمل بهــا
بين المسلمين اليوم والتي جاءت بعد ذكر اليات المحرمة
للربــا والناهيــة والزاجــرة والمتوعــدة لمــن يتعامــل بالربــا
بالعذاب الليم والتي أمر عز وجل في نهايتهــا باتقــاء يــوم
يرجع فيه العبــاد إلــى اللــه ويقفــون بيــن يــديه ثــم أعقبهــا
بــأطول آيــة تبــث الرحمــة واللفــة والتعامــل الكريــم بيــن
المسلمين الطالبين للجــر مــتى عملــوا بهــذه اليــة كتابــة
وشهادة وأداًء وطلبا ً للجر الموعود به على لســان رســول
الله صــلى اللــه عليــه وســلم لمــن يقــرض أخــاه المســلم
ويمهله بضعفين من الجر إلى ثمانية عشر ضــعفًا ،وجعــل
القرض من حق المسلم على المسلم حين قال عندما عد
الحقوق)) :وإذا استقرضك أقرضته((.
إنه لما غاب عن واقع المسلمين تطبيق اليات والحــاديث
م أكثرهم نهب ما في أيــدي في كثير من معاملتهم صار ه ّ
إخوانهم المسلمين بالحرام الصريح وبالمشــتبه وبالتحايــل
سواء بالربا أو بأكل المــال حرام ـا ً عنــوة واقتطــاعه منهــم
ظلمـا ً أو الرشــوة أو الغــش المنتشــر فــي الــبيع والشــراء
الذي ل تكاد تخلو منه سلعة أو التحايــل علــى الربــا باســم
الــبيع وغيرهــا مــن المعــاملت البعيــدة عــن روح الســلم
392
وسماحته وأخلق أهله العاملين به نصا ً وروحا ً والمطبقيــن
له في كل صغيرة وكبيرة.
وعلينا أن نبتعد عن طريق اليهود في العمل بالحيــل الــتي
ل تحل الحــرام أبــدا ً والــتي انتشــرت بيــن المســلمين فــي
معاملتهم واتخذت أشــكال ً وصــورا ً متعــددة وهــي محرمــة
شرعا ً مهما تحايل أصـحابها المتعـاملون بهـا ،قـال رسـول
الله صلى الله عليــه وســلم فيمــا رواه البخــاري ومســلم:
))قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوهــا وأكلــوا
ثمنها(( .وفي رواية للجماعة -قال رسول الله صــلى اللــه
عليه وسلم)) :قاتل الله اليهــود إن اللــه لمــا حــرم عليهــم
شحومها جملوه ثم باعوه وأكلــوا ثمنــه(( .أي لمــا حرمــت
عليهم شحوم البقر والغنــم الــتي حــول المعــدة والكليــتين
مل َِها على النار فــي القــدور وبيعهــا
ج ْ
احتالوا على التحريم ب ِ َ
وأكل ثمنها ،كذلك الحال في احتيالهم علــى صــيد الســمك
يوم السبت عندما اختبرهم الله وامتحنهــم بــذلك فاحتــالوا
على انتهاك محارم الله بما تعاطوه من السباب الظــاهرة
التي هي فــي البــاطن تعــاطي الحــرام .قــال رســول اللــه
صــلى اللــه عليــه وســلم)) :ل ترتكبــوا مــا ارتكبــت اليهــود
فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل((.
وهــذه الحيــل تنطبــق علــى أعــداد ليســت بالقليلــة مــن
المســلمين فــي التحايــل علــى المعــاملت الربويــة الــتي
ظاهرها البيع ولكن حقيقتها هو استحلل الربا بتلك الطرق
الملتوية والتي أخذت أشكال ً وصورا ً مختلفة ،هــدفها صــيد
الفريسة وإيقــاعه فــي شــباك الحيــل ،أي صــاحب الحاجــة
الذي أتى للشركات أو المعــارض أو المصــارف أو الفــراد
والذي يريد الحصول على نقود يحتاجها في زواج أو خلفه
ثم يصطاده أولئك المتربصون به وبأمثاله من الملييــن ول
أقول العشرات أو المئات أو اللوف وعشراتها ومئاتها لن
غالب الناس اليــوم واقعــون فــي تلــك الــديون المتراكمــة
عليهم منذ عشرات السنين بسبب حاجتهم الولــى لبعــض
النقــود الــتي أدت نتيجتهــا وســلبياتها الحتميــة إلــى هــذه
المآزق التي قد ل يتخلص منها كثير من الناس في حياتهم
وقبل موتهم بل تبقى ذممهم مرهونة لتلك الديون التي لم
393
تنفــك عنهــم طــوال حيــاتهم وذاقــوا مــرارة الحيــاة مــن
استغلل أصــحاب المــوال مــن الغنيــاء لحاجــات الفقــراء
والضعفاء وعامــة النــاس ومــن خلل اســتدراج المصــارف
المسماة بالبنوك الربوية وغيرها التي تستدرج النــاس بمــا
تنشره من دعايات لتوفير حاجاتهم وإصدار البطاقات التي
يغتّر بها كثير منهم ومن ثم يقعون في الربا خطوة خطوة،
وقــد أصــاب الفلس بعــض أصــحاب مئات الملييــن بعــد
تعاملهم بالربا مع تلك المصارف ،فاســتمراء النــاس للربــا
وانتشاره وتسمية الموال التي تأتي عــن طريــق التعامــل
ول تلــك به الفوائد والرباح ل يغّير من الواقع شــيئا ً ول تح ـ ّ
السماء المسميات من الحرام إلى الحلل أبــدا ً فهــي ربــا
صريح محرم فـي ديـن السـلم ،والسـماء الجديـدة للربـا
حيث يسمى بالفوائد والرباح المركبة والبسيطة ،وللخمور
بــالقهوة والمشــروبات الروحيــة وللغــاني والموســيقى
والطبول بالفنون والتسلية والترفيه ل يخرجهــا قيــد أنملــة
من الحرام إلى الحلل ،فاختراع أسماء للمحرمات غير ما
سميت ل يخرجها عن مسمياتها بل إن ذلــك مــن علمــات
الساعة التي ورد عنها الخبر من سيد البشر محمــد صــلى
الله عليه وسلم.
فليحــذر كــل مســلم مــن التعامــل بالربــا وأخــص أصــحاب
معارض الســيارات الــذين اســتغلوا حاجــات النــاس باســم
التقسيط وقد تجلس السيارة في المعرض إلــى أن تتلــف
عجلتها وإطاراتها ويتغير لونها ،وتباع مــن صــاحب الحاجــة
مون بالشــريطية لحــد الوســطاء والسماســرة الــذين يس ـ ّ
المحللون للبيع ثم تعاد لصاحب المعرض وهكذا وهي فــي
مكانها ،أو تخرج للحيلة فقط لن القصد اصــطياد أصــحاب
الحاجات وتســجيل الـديون المضــاعفة عليهـم والســيارات
التي هي حيل وخداع باسم البيع والشراء ،ومثل ذلك فــي
التجار الــذين تتلــف لــديهم أكيــاس الحــب والســكر والبــن
والهيل والرز ،وطرق المعاملت الربوية كــثيرة ليــس هــذا
مجالها ولكن التنبيه والشارة كافيــة ،هــذا مــا تــم إيضــاحه
علــى ســبيل الجمــال مــن أجــل الــذكرى الــتي ينتفــع بهــا
المؤمنون ولمن كان له قلب واع خائف وجل من الله عــز
394
ن مِني َمــؤْ ِ ن الــذ ّك َْرى َتنَفــعُ ال ْ ُ كــْر َفــإ ِ ّل قــال تعــالى :وَذ َ ّ وجــ ّ
ت الـذ ّك َْرى ]الذاريات .[55:وقال عز وجــل :فَـذ َك ّْر ِإن ن َّفعَـ ِ
صـَلى الن ّــاَر ذى ي َ ْ شـَقى ال ّـ ِ جن ّب ُهَــا ال ْ ْ
شــى وَي َت َ َ خ َ مــن ي َ ْ سي َذ ّك ُّر ََ
ك لــذِك َْرى َ ن ِفى ذال ِ َ ال ْك ُب َْرى ]العلى .[12-9:وقال تعالى :إ ِ ّ
َ َ
شِهيد ٌ ]ق.[37: معَ وَهُوَ َ س ْ ب أوْ أل َْقى ال ّ ه قَل ْ ٌن لَ ُ كا َمن َ لِ َ
فعلينا أن نتقـي اللـه تعـالى ونخشـى عـذابه وبطشـه فـي
الدنيا ،ويوم يقوم النــاس لــرب العــالمين يــوم يتخلــى عنــا
أقرب قريب لنا ول يبقى إل الحسنات والسيئات وتأتي كل
نفس تجادل عن نفسها وتوفى ما عملت في هــذه الحيــاة
الدنيا ،وتذكروا دائما ً الية القرآنية الــتي جــاءت بعــد آيــات
تحريم الربا والتحذير من عواقبه وقد جاءت آيتان كريمتان
بعــدها مباشــرة ،فيهمــا الحلـول الشـافية الكافيــة الكفيلـة
بإذن الله بما يبعد الناس عن الربــا والوقــوع فيــه فلنتأمــل
هذه والتي بــدأت بــالحث علــى النفــاق ولنربــط بيــن كــل
اليــات ابتــداًء مــن اليـة الــتي قبــل آيــة الكرســي ونتأمــل
ونتدبر كلم ربنا ونعمل به ونطبقه في حياتنا فذلك خير لنا
ه
ن ِفي ـ ِ جعُــو َ مــا ت ُْر َفي الدنيا والخرة .قال تعالىَ :وات ُّقــوا ْ ي َوْ ً
ن مــو َ م ل َ ي ُظ ْل َ ُ ت وَهُ ـ ْ س ـب َ ْ مــا ك َ َ س ّ ل ن َْف ـ ٍ م ت ُوَّفى ك ُ ّ إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ
]البقرة.[281:
============
#عن الربا
موسوعة خطب المنبر ) -ج / 1ص (1823
عن الربا
سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
الطائف
سعيد الجندول
الخطبة الولى
أما بعد:
فعلينا أن نتقي الله ونحذر من دخــول الربــا فــي معاملتنــا
واختلطه بأموالنا فإن أكل الربا وتعاطيه من أكــبر الكبــائر
عند الله ،وقد توعد الله المرابي بالنــار وآذنــه بحــرب مــن
َ
ه من ُــوا ْ ات ُّقــوا ْ الل ّـ َ ن ءا َ ذي َ الله ورسوله ،قال عز وجل :يأي َّها ال ّ ِ
م ت َْفعَل ُــوا ْ ن فَِإن ل ّـ ْ مِني َ مؤ ْ ِ م ّ كنت ُ ْ ن الّرَبواا ْ ِإن ُ م َ ى ِ وَذ َُروا ْ َ
ما ب َِق َ
395
ْ
سم ُرءو ُ م فَل َك ُـ ْ ن الل ّـهِ وََر ُ
ســول ِهِ وَِإن ُتبت ُـ ْ مـ َ ب ّ حـْر ٍ فَـأذ َُنوا ْ ب ِ َ
َ
ن ]البقرة.[279-278: مو َ ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ
مو َ م ل َ ت َظ ْل ِ ُ موال ِك ُ ْ أ ْ
فهذا النص القرآني واضح الدللة على تعليق إيمان الــذين
آمنوا على ترك ما بقي من الربا ،فهم ليســوا بمــؤمنين إل
أن يتقوا الله ويذروا ما بقي من الربا ،ليسوا بمؤمنين ولــو
أعلنوا أنهــم مؤمنــون ،فــإنه ل إيمــان بغيــر طاعــة وانقيــاد
واتباع لما أمر الله بــه ،ول يــدع إنســانا ً يتســتر وراء كلمــة
اليمان بينما هو ل يطيع ول يرتضي ما شرع الله عز وجل،
ول ينفذ هذا الشرع فــي حيــاته ول يحكمــه فــي معــاملته،
فالذين يفرقون في الدين بين العتقاد والمعاملت ليســوا
بمؤمنين مهما ادعوا اليمــان وأعلنــوا بلســانهم أو بشــعائر
م ت َْفعَل ُــوا ْ فَـأ ْذ َُنوا ْالعبــادة الخــرى أنهــم مؤمنــون!! فَـِإن ل ّـ ْ
سول ِهِ ]البقــرة .[279:مــاذا يســتطيع أن ن الل ّهِ وََر ُ م َ ب ّ حْر ٍ بِ َ
يــواجه هــذا النســان الضــعيف الفــاني فــي حــرب رهيبــة
معروفــة المصــير ،إنــه يفتــح علــى نفســه بــاب الخســران
والهلك.
لقد أمر رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم عــامله علــى
مكة بعد نزول هذه اليات التي نزلــت متــأخرة أن يحــارب
آل المغيرة هناك إذا لم يكفوا عــن التعامــل الربــوي ،وقــد
أمر صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم فتح مكة بوضــع
كل ربا في الجاهلية _ وأوله ربا عمه العباس _ عن كاهــل
المدينين الذين ظلوا يحملونه إلى مــا بعــد الســلم بفــترة
طويلة ولم يأمرهم برد الزيادات التي سبق لهم أخذها في
حــال الجاهليــة فقــال فــي معــرض خطبتــه عليــه الصــلة
والسلم)) :وكل ربــا فــي الجاهليــة موضــوع تحــت قــدمي
هاتين ،وأول ربا أضع ربا العباس.((. .
وقد لعن رسـول اللـه صـلى اللـه عليـه وسـلم آكـل الربـا
وموكله وكاتبه وشاهديه ،وما ظهر الربا والزنا في قــوم إل
ظهر فيهم الفقر والمراض المستعصية التي لم تكــن فــي
أسلفهم وظلم السلطان .إن الربا يهلــك المــوال ويمحــق
البركات وإن تراءت لصحابها بأنها كثيرة في نظرهم .قال
ت ]البقــرة.[276: صد ََقا ِه ال ّْرَبواا ْ وَي ُْرِبى ال ّ حقُ الل ّ ُ م َ تعالى :ي َ ْ
لقد شــدد اللــه الوعيــد علــى آكــل الربــا وجعــل أكلــه مــن
396
أفحش الخبائث وأكبر الكبــائر وبيــن عقوبــة المرابــي فــي
الدنيا والخرة وأخبر بأنه محــارب للــه ولرســوله ،فعقوبــة
الربا في الــدنيا أنــه يمحــق بركــة المــال ،ويعرضــه للتلــف
والزوال حتى يصبح صاحبه من أفقر بني آدم ،وكم نســمع
من تلف الموال العظيمــة بــالحريق والغــرق والفيضــانات
فيصبح أهلها فقراء بيــن النــاس ،وإن بقيــت هــذه المــوال
الربوية بأيدي أصــحابها فهــي ممحوقــة البركــة ل ينتفعــون
منهــا بشــيء ،بــل هــي شــر عليهــم يعــانون منــه ويلقــون
ن عذابها يوم صل َوْ َ
العذاب من أتعابها .ويتحملون حسابها وي َ ْ
القيامة ويرثها غيرهم في الدنيا.
والمرابــي مبغــض عنــد اللــه وعنــد النــاس لنــه يأخــذ ول
يعطــي ،يجمــع ويمنــع ،ل ينفــق ول يتصــدق ،شــحيح جشــع
جمـوع منـوع ،تنفـر منـه القلـوب وينبـذه المجتمـع ،وهـذه
عقوبات عاجلة ،وأما عقوبته الجلة فهي أشد وأبقى ،وقــد
ورد فــي القــرآن الكريــم والســنة المطهــرة مــا يلقيــه
المرابي ،فورد في القرآن الكريم عن حــال المرابــي عنــد
نذي َقيامه من قبره للحشر والنشور قول الله عز وجل :ال ّ ِ
خب ّ ُ ْ
ه
طــ ُ م اّلــ ِ
ذى ي َت َ َ مــا ي َُقــو ُن إ ِل ّ ك َ َ
مــو َن الّرَبــواا ْ ل َ ي َُقو ُ
َيــأك ُُلو َ
س ]البقــرة .[275:وذلــك أن النــاس إذا م ّ ن ال ْ َ
م َ
ن ِ شي ْ َ
طا ُ ال ّ
بعثوا من قبورهم خرجوا مسرعين إلى المحشر كمــا قــال
سَراعا ً ]المعارج: ث ِ دا ِج َن ال ْ ْ م َ ن ِ جو َ
خُر ُم يَ ْ الله عز وجل :ي َوْ َ
.[43إل آكل الربــا فــإنه يقــوم ويســقط كحالــة المصــروع
الذي يقــوم ويســقط بســبب الصــرع ،لن أكلــة الربــا فــي
الدنيا تكبر بطونهم بسبب تضخم الربــا فيهــا فكلمــا قــاموا
مــوا بالســراع مــع النــاس سقطوا لثقل بطونهم ،وكلمــا ه ّ
تعثروا وتأخروا عقوبة وفضــيحة لهــم ثــم يــأتيهم بعــد ذلــك
العذاب الليم.
وفي حديث السراء أن النبي صلى اللــه عليــه وســلم رأى
رجل ً يسبح في نهر من الــدم وكلمــا جــاء ليخــرج مــن هــذا
النهر استقبله رجل على شاطئ النهــر وبيــن يــديه حجــارة
يرجمه بحجر منها في فمه حتى يرجع حيــث كــان ،فســأل
عنه النبي صلى الله عليه وسلم فُأخبر أنه آكل الربا .وجاء
في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النــبي
397
صــلى اللــه عليــه وســلم أتــى ليلــة أســري بــه علــى قــوم
بطونهم كالبيوت فيهــا الحيــات تــرى مــن خــارج بطــونهم،
فقلت)) :من هؤلء يا جبريل؟ قال :هؤلء أكلة الربا((.
وورد عنه صلى اللــه عليــه وســلم أنــه قــال)) :الربــا ثلثــة
وسبعون بابا ً أيســرها مثــل أن ينكــح الرجــل أمــه(( .وعــن
جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وســلم قــال:
))لعن الله آكل الربا وموكله وكــاتبه وشــاهديه وقــال :هــم
سواء((.
أيهــا المســلمون :إن الربــا حــرام فــي جميــع الشــرائع
ن مـ َ السماوية قــال اللـه تعــالى فــي حــق اليهــود :فَب ِظ ُل ْـم ٍ ّ
م عَــن ص ـد ّهِ ْ م وَب ِ َ ت ل َهُ ْ حل ّ ْ ت أُ ِ م ط َي َّبا ٍ مَنا عَل َي ْهِ ْ حّر ْ دوا ْ َ ها ُ ن َ ذي َ ال ّ ِ
خذهم الربا وقَد نهوا ْ عَنه وأ َك ْل ِه َ َ
ل مــوا َ مأ ْ ِ ْ ْ ُ َ ل الل ّهِ ك َِثيرا ً وَأ ْ ِ ِ ُ ّ َ َ ْ ُ ُ سِبي ِ َ
ذابا ً أِليما ً ]النساء: َ ل وَأعْت َد َْنا ل ِل ْ َ َ
م عَ َ من ْهُ ْ ن ِ ري َ كافِ ِ س ِبال َْباط ِ ِ الّنا ِ
.[161-160
وفي السلم مر تحريم الربا بأدوار أربعة تــدرج فيهــا فــي
تقرير التحريم حيث نزلت الية السالفة الذكر وفي المــرة
الثانية حيث التلويح فيها بالتحريم ل التصريح ،وقد ســبقتها
مـن ِربـا ً ل ّي َْرب ُـوَا ْ م ّ ما ءات َي ْت ُـ ْ الية الكريمة حيث قال تعالى :وَ َ
َ
ة
مــن زكــا ٍ م ّ مــا ءات َي ْت ُـ ْ عند َ الل ّهِ وَ َ س فَل َ ي َْرُبوا ْ ِ ِ ل الّنا ِ وا َ م
ِفى أ ْ
ن ]الــروم .[39:ثــم ضعُِفو َ م ْ م ال ْ ُ ك هُ ُ ه الل ّهِ فَأ ُوْل َئ ِ َ ج َ
ن وَ ْ دو َ ري ُ تُ ِ
ضــَعافا ً َ ْ َ
مُنوا ْ ل َ ت َأك ُُلوا ْ الّرَبا أ ْ ن ءا َ ذي َ نزل قوله تعالىَ :ياأي َّها ال ّ ِ
ة ]آل عمــران .[130:ثــم نــزل التحريــم الكلــي ضــاعََف ً م َ ّ
القاطع الذي ل شك فيه لدى كل مؤمن ول تفريق فيه بين
َ
مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ
ه ن ءا َ ذي َ قليل أو كثير حيث قال تعالى :يأي َّها ال ّ ِ
م ت َْفعَل ُــوا ْ ن فَِإن ل ّـ ْ مِني َ مؤ ْ ِ م ّ كنت ُ ْ ن الّرَبواا ْ ِإن ُ م َ ى ِ وَذ َُروا ْ َ
ما ب َِق َ ف َ ـأ ْ
سُ رءو ُ م
ْ ـُ ك َ لَ ف مْ ـ ُ ت تب
ُ إن َِ و ِ ه ِ ل ـو ـ س ُ ر
ََ و ِ ه ـّ ل ال ن
َ ـ مّ بْ ٍ ر ـ ح َ ِ ب ْ ا نو ُ َ ذ
َ ْ ْ َ
ن ]البقــرة.[279-278: مــو َ ن وَل ت ُظل ُ َ مــو َ م ل َ ت َظل ِ ُ مــوال ِك ُ ْ أ ْ
وذلك بعد الحكم الصريح بالتحريم في اليــة الــتي ســبقت
َ
م ح ـّر َه ال ْب َي ْـعَ وَ َ ل الل ّـ ُ حـ ّ هذه اليات حيث قال عــز وجــل :وَأ َ
ف س ـل َ َ
مــا َ ه َ ن ّرب ّهِ فَــانت ََهى فَل َـ ُ مُ ْ ة ّ عظ َ ٌ مو ْ ِ جاءهُ َ من َ الّرَبواا ْ فَ َ
عاد فَ ـأول َئ ِ َ َ َ
م ِفيهَــا ب الن ّــارِ هُ ـ ْ حا ُ صـ َ كأ ْ ْ ن َ َ م ْ مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ وَأ ْ
ن ]البقرة .[275:ومع هذا الوعيد الشديد لمــن أكــل دو َ خال ِ ُ َ
الربا فإن كثيرا ً من المســلمين ل يبــالون فــي جمــع المــال
398
مــن أي طريــق ،ل يهمهــم إل تضــخيم الــثروة وتكــديس
الموال _ التي سوف يجــدون عاقبــة الخســران فيهــا فــي
الــدنيا والخــرة ،فــالحرام عنــدهم مــا تعــذر عليهــم أخــذه،
والحلل في عرفهم ما تمكنوا من تنــاوله مــن أي طريــق،
وهذا يدل على عدم خشية الله في قلوبهم وإعراضهم عن
دينهــم وعــدم مبــالتهم بأحكــام الشــريعة وتطبيقهــا فــي
حيــاتهم ،وإذا وصــل حــال المجتمــع إلــى هــذا المســتوى
فعقوبة ذلك قريبة ،ول خير في حيــاة تبنــى علــى الربــا ول
فــي كســب مــورده حــرام ،إن مــال ً يجمــع مــن حــرام
كالمستنقع المتجمع من المــاء النجــس القــذر ،يتــأذى مــن
نتن ريحه كل من قرب منه أو مّر عليه.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد للــه حمــدا ً كــثيرا ً طيبـا ً مباركـا ً فيــه كمــا يحــب ربنــا
ويرضى أحمده تبارك وتعالى وأشكره وأشهد أن ل إلــه إل
الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمــدا ً عبــده ورســوله،
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى
آله وصحبه.
أما بعد:
فلقـد اعتـبر السـلم الربـا مـن أكـبر الجـرائم الجتماعيـة
والدينية ،وشن عليه حربا ً ل هوادة فيهــا ،وتوعــد اللــه جــل
جلله المتعاملين بالربــا بالعــذاب الليــم ،ويكفــي أن نعلــم
عظم هذه الجريمة النكراء من خلل تصوير حالة المرابين
ذلك التصوير الشنيع الفظيع الذي صورهم به فــي القــرآن
س مــن الجــن ،فهــو الكريم ،صورة الشــخص الــذي بــه مـ ّ
يتخبط ويهذي كالمجنون الذي أصيب فــي عقلــه وجســمه،
ولم يبلغ من تفظيع أمر من أمور الجاهليــة _ أراد الســلم
إبطاله _ ما بلغ من تفظيع أمر الربــا ،ول بلــغ مــن التهديــد
في منكر من المنكرات كما بلغ في شأن الربا والمرابيــن،
فالربا في السلم جريمة وكبيرة من الكبــائر ومــن الســبع
الموبقات التي حذر منها الرسول صلى الله عليــه وســلم،
والربا أساس المفاسد وأصل الشرور والثام ،وهــو الــوجه
الكالح الطالح الذي يقابل الصدقة والبر والحسان والزكاة
399
والــدين المــأمور بهــا فــي الســلم ،ولــو تــدبر المســلمون
ووعوا قرآنهم وقرأوا اليات الــتي قبــل هــذه اليــات الــتي
تحرم الربا وفي ثناياها وبعدها لو فعلوا ذلــك لدركــوا ســر
التحريم وكذلك ما يصلح المجتمــع المســلم ويجعــل حيــاته
آمنة مطمئنة قائمة على المحبة والخاء واليثار ،بعيدة عن
حب الذات والنانية والثرة.
إن الصدقة والدين عطاء وسماحة ،وطهارة وزكــاة للمــال
والنفــس ،وتعــاون وتكافــل .والربــا شــح وقــذارة ودنــس
وجشع وأثرة وأنانية ،الصدقة والزكاة إعطاء المــال للغيــر
بدون عوض ول رد من البشر ،ولكن الجر مدخر عند اللــه
جل جلله متى صلحت النية وكان صوابا ً وتقبله رب العــزة
والجلل ،أما الربا فهو استرداد للــدين ومعــه زيــادة حــرام
متقطعة من جهد المدين أو من لحمه مــن جهــده إن كــان
ده وعملــه، قد عمل بالمال الذي استدانه فربــح نتيجــة لك ـ ّ
ومن لحمه إن لم يربــح أو خســر ،أو كــان قــد أخــذ المــال
للنفقة على نفسه وأهله.
فل عجب إذا ً أن يعده السلم أعظم المنكــرات والجــرائم
الجتماعية والدينية ،وأن يعلن الحرب على المرابينَ :فــِإن
ْ
ســول ِهِ ]البقــرة.[279:ن الل ّـهِ وََر ُ
م َ
ب ّ م ت َْفعَُلوا ْ فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ
حْر ٍ لّ ْ
وذلك للضرار الفادحة والمساوئ الــتي تــترتب عليــه مــن
النواحي النفسية والجتماعية والقتصادية ،حيث يولــد فــي
النسان حب الثرة والنانية فل يعرف إل نفسه ول يعــرف
إل مصلحته ونفعه وبذلك تنعدم فيه روح التضــحية واليثــار
ومعاني حب الخير ،ويغدو المرابي وحشا ً مفترسا ً ل يهمــه
مــن الحيــاة إل جمــع المــال ،وامتصــاص دمــاء النــاس،
واستلب ما في أيديهم.
ويوّلد الربا العداوة والبغضاء بين أفــراد المجتمــع ويقضــي
على كــل مظــاهر الشــفقة والــبر والحســان ،ويــزرع فــي
القلب الحســد والبغضــاء ،ويــدمر قواعــد المحبــة والخــاء،
ويقسم الناس إلــى طبقــتين ،طبقــة مترفــة :تعيــش علــى
النعيــم والرفاهيــة والتمتــع بعــرق جــبين الخريــن .وطبقــة
معدمة :تعيش علــى الفاقــة والحاجــة والبــؤس والحرمــان
وبذلك ينشأ الصراع بين الطبقتين.
400
إن المعاملت الربوية لها صور متعددة ,وهي تتفــاوت فــي
الثم فأدناها مساعدة المرابي بوضع المال عنده ليحفظه،
وأعلها ما يسمى بالفوائد وهو عين الربا ،ومــا نــذكره هنــا
هو صورة من صور متعددة.
إن بعض المسلمين إذا لم يذكر له الحكم صريحا ً في الربا
ل يفهمه تلويحا ً وتعريضًا ،فتكثر السئلة عن حكم أخــذ مــا
يسمى بالفوائد من المصارف أو ما يسمى بالبنوك؟ وعــن
وضع المال عندهم أمانة؟ وعن عمل الموظف لديهم؟
لــذا فــإن تســمية الربــا بــالفوائد هــو مــن بــاب التــدليس
والتلــبيس علــى النــاس ،فــذلك هــو عيــن الربــا الصــريح
المحرم في القرآن والســنة ،ومــن تعامــل بهــذه المعاملـة
ســواء كــان آخــذا ً أو معطي ـا ً أو كاتب ـا ً أو شــاهدا ً فهــو مــن
المرابين الملعونين على لسان رسول الله صلى الله عليه
وســلم ومــن المحــاربين للــه ورســوله ،ول يخــرج منــه
الموظــف الــذي يعمــل فــي المصــارف لنــه كــاتب للربــا
وشاهد عليه ومعين ومساعد على انتشاره فــي المجتمــع،
وأبواب الرزق الحلل مفتوحة ،ومن ترك شيئا ً للــه عوضــه
الله خيرا ً منه ،قال رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم:
))لعن الله آكــل الربــا ومــوكله وكــاتبه وشــاهديه(( .فــذلك
عام ســواء كــان علــى مســتوى الفــرد أو الشــركات الــتي
تتعامل بالربا المكونة من مئات الفراد ،هذا بالنسبة للخذ
والعطاء في حــال القــرض أو القــراض زيــادة علــى رأس
المال.
أما الذين يودعون أمـوالهم عنــد المرابيــن فهـو يعـاونونهم
دونهم بالمــال على أكل الربــا وعلــى الثــم والعــدوان ويم ـ ّ
لكي ينتشر الحرام في المجتمــع ،فل عــذر لحــد فــي هــذا
البلد أن يضــع مــاله لــدى المصــارف الربويــة ،والمصــارف
البعيدة عن التعامل بالربا موجودة أيضًا ،فعلى كل مســلم
أن يتقي الله ويخاف من العذاب الليم في الدنيا والخــرة
ول يتعامل بالربا ول يساعد عليه ،وعليه أن ينصح من كان
واقعا ً فيه وعليه أن يسحب أمواله ول عذر له في ذلك في
هذا البلــد ول يغــتر بكــثرة الهــالكين والــواقعين فــي ذلــك،
فإنهم ليسوا قدوة صالحة في فعلهم ذلك كما قال تعــالى:
401
وى وَل َ ت ََعاوَُنوا ْ عََلى ال ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ
ن وَت ََعاوَُنوا ْ عََلى اْلبرِ َوالت ّْق َ
]المائدة .[3:أما إن كان في بلد غير آمن فإن وضع المــال
لدى المرابين يكون من باب الضرورة فقط والخوف على
ضياعه ،ومتى وجد طريقا ً غيــر ذلــك فــإنه ل عــذر لــه فــي
اليداع لديهم لنه بذلك يدعمهم بالمال ويعينهم على الربــا
وأكل أموال الناس بالباطل .فاتقوا الله عباد الله وذروا ما
بقي من الربا إن كنتم مؤمنين.
================
#التحذير من الربا
موسوعة خطب المنبر ) -ج / 1ص (2217
التحذير من الربا
402
ق ،فــالمؤمن يحــرم مــا حــرم حـ ّ ن ال ْ َن ِدي َديُنو َه وَل َ ي َ ِسول ُ ُوََر ُ
الله ورسوله ،ويعتقد ذلك إيمانًا.
أيهــا المســلم ،إن مــا حــرم اللــه مــن المحرمــات فليــس
ق إلــى أن تحريمه خاصا ً بزمن معين ،وإنما هذا التحريم بــا ٍ
يرث الله الرض ومن عليها ،وهو خير الوارثين.
ول المحرمــات إلــى طاعــات وعبــادات، فل يمكــن أن تتحـ ّ
حّرمت بالمس فهي حــرام إلــى المحرمات محرمات ،كما ُ
قيام الساعة.
حــرم اللــه نكــاح المهــات والبنــات والخــوات وبنــات الخ
وبنات الخت والعمات والخالت وأمهات النســاء وزوجــات
الباء والبناء ،أُيمكن للمسلم أن يقول :قد يأتي زمان يباح
للمســلم أن ينكــح أمــه أو بنتــه أو أختــه؟! حاشــا للــه،
ت إلى البــد ،ول يمكــن أن يــأتي زمــن فالمحرمات محرما ٌ
ل ،ذاك مخــالف لشــرع اللــه ،فلــن يتحول الحــرام فيــه حل ً
يصلح آخر المة إل ما أصلح أولها.
أيها المسلم ،فاعتقد تحريم ما حــرم اللــه اعتقــادا ً جازم ـًا؛
لتكون من المؤمنين بالله وبكتابه وبرسوله.
أيهــا المســلمون ،إن مــن تلكــم المحرمــات المعــاملت
الربوية ،فالمعاملت الربوية حرمها الله في كتابه ،وحرمها
رسوله ،وتحريمهــا معلــوم مــن ديــن الســلم بالضــرورة،
فالمؤمن يعتقد أن الربا حــرام ،أن التعامــل بالربــا حــرام،
يعتقده إيمانا ً جازمًا ،ويبتعد عنه طاعة للــه ورســوله ،فــإن
َ
همن ُــوا ْ ات ُّقــوا ْ الل ّـ َن ءا َ ذي َ البعد عنه عنوان اليمــان ،ياأي ّهَــا ال ّـ ِ
ن ]البقـرة،[278: مِني َ مـؤْ ِم ّ ن الّرَبواا ْ ِإن ُ
كنت ُ ْ م َى ِ ما ب َِق َ وَذ َُروا ْ َ
فاليمـــان الصـــحيح يحـــول بيـــن المـــرء المســـلم وبيـــن
المعــاملت الربويــة ،اليمــان الصــحيح يحــول بيــن المــرء
المسلم وبين التعامل بالربــا؛ لن الربــا محــرم فــي شــرع
حرمته في الشــرائع الســابقة ،فلــم تــأت شــريعة الله ،بل ُ
َ
م الّرب َــا وَقَـد ْ خـذِهِ ُ بحل الربا ،ولذا ذم الله اليهود بقــوله :وَأ ْ
ه ]النساء.[161: ن ُُهوا ْ عَن ْ ُ
أيها المسلم ،إن الله حرم الربا في كتابه العزيــز ،وحرمــه
رســوله محمــد ،فمــن اعتقــد حلــه وقــد ســمع اليــات
والحاديث ،من اعتقد حلــه فــإنه مفــارق للســلم ،وخــارج
403
من ملة السلم؛ لكونه مكذبا ً لله ورسوله ،رادا ً على اللــه
ورسوله.
أيهــا المســلمون ،إن اللــه حــرم الربــا لمــا فيــه مــن البلء
َ
م لَ مــوال ِك ُ ْسأ ْ م ُرءو ُ م فَل َك ُـ ْ والفساد ،قال تعــالى :وَِإن ُتبت ُـ ْ
ن ]البقــرة ،[279:فســمى اللــه الربــا مــو َ ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ مــو َ ت َظ ْل ِ ُ
ظلمًا ،نعم ،إنه ظلم بكل ما تحمله الكلمة من معنــى ،إنــه
ظلم لمن تعامله فتأخذ منــه أكــثر ممــا تعطيــه ،إنــه ظلــم
للنسانية ،ظلم للبشر .وأي ظلم أعظم من ظلــم الربــا؟!
إنه يقسي القلب ،إنه يقطع أسباب الخير وفعل الخير ،إنه
ه ال ّْرب َــواا ْحـقُ الّلـ ُ م َيسبب محق البركــة ،وذهــاب الــرزق ،ي َ ْ
]البقرة ،[276:إنه ينشر الجريمة ،ويكّثر البطالــة ،ويجعــل
النانيــة فــي قلــوب العبــاد ،إنــه ليــس ]بيعـًا[ ولكنــه ظلــم
وعدوان ،تتكون طبقة غنية إلى آخر الحدود ،وطبقة فقيرة
مدقعه ،إن هذا الربا والتعامل به ســبب لحلــول العقوبــات
والمثلت ،سبب لسخط الرب جــل وعل ،وســبب لحصــول
الكساد والفلس والعياذ بالله .إن الله جل وعل حرمه لما
يعلم جل وعل فيــه مــن الفســاد العظيــم ،ومــا توعــد اللــه
كبيرة ً بعد الشرك ما توعد به آكل الربا ،فإنه قـال فيـه مـا
ْ
ه
ســول ِ ِ ن الل ّـهِ وََر ُ َ مـ ب ّ ٍ ح ـْرم ت َْفعَل ُــوا ْ فَ ـأذ َُنوا ْ ب ِ َ قــال :فَ ـِإن ل ّـ ْ
مُنـوا ْ ل َ ت َـأ ْك ُُلوا ْ الّرَبـا ن ءا َ ذي َ
َ
]البقرة ،[279:وقــالَ :ياأي ّهَــا اّلـ ِ
ن َوات ُّقــوا ْ الن ّــاَر َ
حــو َ م ت ُْفل ِ ُه ل َعَل ّك ُـ ْة َوات ُّقوا ْ الل ّـ َ ضاعََف ً م َ ضَعافا ً ّ أ ْ
ل ل َعَل ّ ُ َ ال ِّتــى أ ُ ِ
م كــ ْ ســو َ ه َوالّر ُ طيُعــوا ْ الّلــ َ ن وَأ ِ ري َكــافِ ِ ت ل ِل ْ َ عــد ّ ْ
ن ]آل عمران.[132-130: مو َ ح ُ ت ُْر َ
أيها المسلمون ،ليس الربا عملية اقتصادية؛ ولكنها عمليــة
ظلم وامتصاص للموال ،وأكل لها بالباطــل ،وقضــاء علــى
معنويات الناس ،وتحطيم لقيمهم ومعنوياتهم ،وجعل المة
لُ ،تبعــدهم عــن المكاســب النافعــة، تعيــش كســل ً وخمــو ً
والمشاركات الناجحة ،والمضاربات المفيدة ،إلى أن تجعل
تلك المعاملت إنما هي ربح على الناس بغير حق.
أيها المسلم ،مالك ماُلك ،وقد خولك الله مال ومّلكك إياه،
خر هذا المال في سبيل ظلم ولكنه جل وعل ينهاك أن تس ّ
البشرية ،وإنما يرشدك إلى أن يكون هذا المال مال ً نافعًا،
ينفعك وينفع غيرك.
404
من ُــوا ْ ات ُّقــوا ْ َ
ن ءا َ ذي َ أيها المسلمون ،إن الله يقول :ياأي ّهَــا ال ّـ ِ
م ن فَـِإن ل ّـ ْ م ـؤ ْ ِ
مِني َ م ّكنت ُـ ْ ن الّرب َــواا ْ ِإن ُ مـ َ ى ِ ما ب َِق َ ه وَذ َُروا ْ َ الل ّ َ
ْ
م م فَل َك ُـ ْســول ِهِ وَِإن ُتبت ُـ ْ ن الل ّـهِ وََر ُ مـ َ ب ّ حـْر ٍ ت َْفعَل ُــوا ْ فَـأذ َُنوا ْ ب ِ َ
َ
ن ]البقــرة،278: مــو َ ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ مــو َ م ل َ ت َظ ْل ِ ُ مــوال ِك ُ ْ سأ ْ ُرءو ُ
َ
ى
مـا ب َِقـ َ ه وَذ َُروا ْ َ مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الّلـ َ ن ءا َ ذي َ ،[279وقال :ياأي َّها ال ّ ِ
ن ،وأخــبر أن الربــا ممحــوق مِني َ م ـؤ ْ ِ م ّ ن الّرب َــواا ْ ِإن ُ
كنت ُـ ْ مـ َ ِ
ب حـ ّه ل َ يُ ِت َوالل ّـ ُ صـد ََقا ِ ه ال ّْرَبواا ْ وَي ُْرِبى ال ّ حقُ الل ّ ُ م َ البركة :ي َ ْ
ل ك َّفارٍ أِثيم ٍ ]البقرة ،[276:ورسول الله يلعن آكل الربا، َ كُ ّ
ويلعن موكل الربا ،ويلعــن كــاتب الربــا ،ويلعــن الشــاهدين
على عقود الربا ،كل أولئك ملعونون على لســان محمــد )
.[2](2
أيها المسلم ،إن دعاة الربا والمتعامل بالربا يــبررون قبيــح
أعمالهم وظلمهم وجورهم بأن الربا إنما يحرم في المــور
الستهلكية ،وأما المور النتاجيــة فل مــانع مــن ذلــك ،كــل
هذا من الخطأ ،فالربا محرم قليله وكثيره ،مع المســلم أو
مع غير المسلم ،لنه ظلم واقتطاع مال بغيــر حـق ،سـواء
كان في المور الســتهلكية أو فــي المــور النتاجيــة ،كــل
ذلك حرام في شريعة الله.
يبّرر المرابون أعمالهم بأن التراضي بين المتعاملين يسوغ
تلك المعاملة الخبيثــة ،فنقــول :أيهــا المســلم ،وإن حصــل
التراضي فذاك معصية لله ،ومحـادة لمـر اللـه ،فـإن اللـه
جل وعل حرم الربا بين المسلمين ولو تراضى المتعاملن،
ل ما حرم الله. فإن الربا حرام وليس رضاهما بمح ّ
أيها المسلم ،إن الربا ليــس بيع ـًا ،وقــد رد ّ اللــه علــى مــن
جعله مـن الـبيع فقـال :ذ َلـ َ َ
ل مْثـ ُمـا ال ْب َْيـعُ ِ م َقـاُلوا ْ إ ِن ّ َ ك ِبـأن ّهُ ْ ِ
م الّرَبواا ْ ]البقرة.[275: َ
حّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ الّرَبواا ْ وَأ َ
أيها المسلم ،ل يغرنك ما تقوله المصــارف والبنــوك بــأنهم
يقدمون لك ســيولة لتقضــي حاجتــك ،إنهــم يقــدمونها لــك
ولكنهــا بــالفوائد ،ول تــزال فــائدة تلــو فــائدة حــتى تكــون
ن تحت وطأتها بعــد حيــن ،ترضــى الفوائد فوائد مركزة ،تئ ّ
بها يوما ً ويومًا ،ثم تتابع عليك الفوائد حتى تقضي على كل
ثرواتك وكل ممتلكاتك.
405
ص ســانحة ،ل أيهــا المســلم ،ل يخــدعنك قــولهم :إنهــا فــر ٌ
ورّبي ،إنها شقاء وعناء ،إنها ظلم لذلك النسان الذي يأتي
وينخدع بهذه التسهيلت ،ويظنهــا أمـرا ً يســيرًا ،ولكــن فـي
العواقب يستبين له الضرر ،ويستبين له الخطر ،ويعلم أنــه
قد ألحق الذى بنفسه.
ب علــى المســلم أيها المسلم ،إن الربــا بكــل صــوره واج ـ ٌ
تقوى الله والبعد عنه ،نبينا حرم الربا في سنته فقــال فــي
حجة الوداع)) :أل كل ربا من ربا الجاهلية فموضــوع تحــت
قــدمي ،وأول ربــا أضــع مــن ربانــا ربــا عبــاس بــن عبــد
المطلب(() [3](3وكان العباس رضــي اللــه عنــه قبــل أن
يســلم كســائر ]أهــل[ الجاهليــة عنــدهم ربــا القــرض ،إذا
أقرضوا الفقير قرضا ً طالبوه بأن يكــون هنــاك زيــادة عنــد
الوفاء ،وكــذلك إذا حل ّــت آجــال الــديون قــالوا لــه :إمــا أن
تقضي وإما أن ت ُْرب ِــي ،إمــا تعطــي الحــق فــي وقتــه ،وإمــا
يضيف عليه فوائد مقابل التأخير .هذا الربا الذي كــان فــي
الجاهلية ،فجاءت آيات القرآن تحرمه ،وتمنع منــه ،وتحــذر
المة من شره ،وأنه بلء وظلم للعباد.
وجاءت السنة تحرم ربا الفضل بيــن النــوعين ،بيــن نــوعي
الذهب ،أنه ل يباع الذهب بالذهب ،إل مثل ً بمثــل ،يــدا ً بيــد،
سواء بسواء ،ول تباع الفضة إل مثل ً بمثل ،يدا ً بيــد ،ســواء
بسواء ،ول يباع البر والشعير والتمر والملح إل مثل ً بمثــل،
سواء بسواء ،يدا ً بيد ،ولو كــان أحــدهما أجــود َ مــن الخــر،
سدا ً لباب ربا النسيئة.
إن السلم حرم الربا ،وحرم على المسلمين التعامــل بــه،
فليتق المسلم ربه.
م ضــرره ،وكــثر م شــره ،وعـ ّ أيها المسلم ،ل تقل :الربا عـ ّ
خطره ،فأنا أسير مع الناس في مسارهم ،ل يا أخي ،أنقــذ
نفسك من عذاب الله ،ول يغرنك من هلــك مــع الهــالكين،
أنقذ نفسك من عذاب الله ،واحــذر التعامــل بالربــا ،واللــه
جل وعل إذ حرم الربا فــإنه ليــس ضــروريا ً للعبــاد ،فهنــاك
المكاسب الطيبــة الحميــدة الــتي فيهــا الخيــر الكــثير ،بمــا
يغنــي عــن الربــا لــو عقــل المســلمون ذلــك ،لــو فكــر
المسلمون في التعاون فيما بينهم ،تعاون رأس المـال مــع
406
الخــبرات ،لدى ذلــك إلــى منــافع وخيــرات كــثيرة ،ولكــن
النانية سيطرت على كثير مــن النفــوس ،فــأراد مــال فــي
البنكُ ،يعطى عنه كل سنة نســبة معينــة ،ويعـد ّ نفســه أنــه
من المرتاحين ،وأنه من الغانمين ،ول يعلم أنه ممن حّقت
عليه لعنة الله.
أيها المسلم ،فاتق الله في نفسك ،وخلص معاملتــك مــن
الربا ،وابتعد عنه بكل صورة ،فإن ابتعدت عنــه طاعــة للــه
أغناك الله بما هو خير لك منه ،وفتح الله عليك ما هو خير
لك منه ،فاتق الله أيها المسلم ،وابتعد عن التعامل بالربــا،
واحذر كل الحذر الربا ،وما يقرب إليه ،ذلك علمة اليمان.
ومن وقع في الربا فليعلم أنه حــارب اللــه ورســوله ،قــال
جّرب علــى أكلـة الربــا أنهــم ل ُيختــم لهــم بعض السلفُ " :
بخير والعيــاذ بــالله" ،أنــه ل يختــم لهــم بخيــر ،وأنهــم عنــد
موتهم يظهر من ندمهم وسوء حالهم ما الله به عليم.
فلنتق الله في مكاسبنا ،ولنطهّــر أموالنــا مــن الربــا ،فــإن
المسلم يجب أن يحاسب نفســه ،وأن ينقــذها مــن عــذاب
الله.
اسأل الله أن يطهر مكاسبنا من كــل خــبيث ،وأن يحفظنــا
بالسلم ،ويعيذنا من تلك المعاملت الخبيثة ،إنه على كــل
شيء قدير.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ،ونفعني وإياكم بما
فيه من اليات والذكر الحكيم ،أقول قــولي هــذا وأســتغفر
الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المســلمين مــن كــل
ذنب ،فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله حمــدا ً كــثيرا ً طيبـا ً مباركـا ً فيـه ،كمـا يحــب ربنــا
ويرضــى ،وأشــهد أن ل إلــه إل اللــه وحــده ل شــريك لــه،
وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ،صلى الله عليه وعلى آله
وصحبه ،وسلم تسليما ً كثيرا ً إلى يوم الدين.
أما بعد :أيها الناس ،اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله ،إن نبينا جعل الربا أحد السبع الموبقــات ،فقــال:
))اجتنبوا السبع الموبقات(( قالوا :ما هن يا رســول اللــه؟
407
قال)) :الشراك بالله ،والسحر ،وقتل النفــس الــتي حــرم
الله إل بالحق ،وأكل الربا(() [1](4فجعــل أكــل الربــا أحــد
السبع الموبقات المهلكات.
صــر فــي تجارتــك، صــر فــي مالــك ،تب ّ فيا أخي المســلم ،تب ّ
صر في مصالحك ،فإياك أن تقدم علــى الربــا ،وإيــاك أن تب ّ
تغتر بالمرابين ،وإياك أن يخــدعك المرابــون .إن الربــا بلء
عظيم ،وإن زعم أهله أنهم يحسنون ،فهم يسيئون للناس.
أيها المسلم ،احذر الربا ،وابتعد عنه ،سواء في العتمادات
أو غيرها ،ل تفتح اعتمادا ً إل على قدر ما تســتطيع وتملــك،
وإياك أن يخدعك المصرف فيعطيك ما تريد بأسباب الربا،
اتق الله وابتعد عن الربا ،وارض بما قسم الله لكُ ،قــل ل ّ
ك ك َْثــَرةُ ال ْ َ َ
ثخِبيــ ِ ب وََلــوْ أعْ َ
جَبــ َ ث َوالط ّّيــ ُ وى ال ْ َ
خِبيــ ُ ســت َ ِ
يَ ْ
]المائدة ،[100:ل يغرنك تسهيلتهم ،فهم والله لم يسهلوا
لك محبة لك ،وإنما يريدون اقتناصك ،فاليوم تكون المــور
سهلة ،وغدا ً تجتمع عليك الــديون ،وتــتراكم عليــك الــديون
الكثيرة ،فل تستطيع وفاءهــا ،فتعــود مفلسـا ً فقيــرا ً بعــدما
كنــت غنيـًا ،فــاتق اللــه فإنهــا معاملــة حّرمهــا اللــه عليــك،
وحرمها عليك رسولك ،فابتعد عنها طاعة لله ،ابتعد عنهــا
طاعة لله وخوفا ً من عقوبة الله ،هكذا يكون المؤمن.
أسأل الله أن يثبت الجميع على دينه.
واعلموا ـ رحمكم اللــه ــ أن أحســن الحــديث كتــاب اللــه،
وخير الهدي هدي محمد ...
__________
) (1أخرجه مسلم في اليمان ) (15من حديث جابر رضي
الله عنهما.
) (2حديث لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه آخرجــه
مسلم في المساقاة ) (1598من حديث جابر رضــي اللــه
عنهما.
) (3جزء من حديث جابر الطويل في حجة النبي ،أخرجــه
مسلم في الحج ).(1218
) (4أخرجه البخــاري فــي الوصــايا ) ،(2767ومســلم فــي
اليمان ) (89من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
==============
408
#أكل الربا
موسوعة خطب المنبر ) -ج / 1ص (3858
أكل الربا
عبد العزيز بن الطاهر بن غيث
طرابلس
7/5/1425
بلل بن رباح
الخطبة الولى
أما بعد :نتكلم اليوم ـ بــإذن اللــه ــ عــن كــبيرة مــن كبــائر
الذنوب والمعاصي ،حرمها ديننا الحنيف تحريما قاطعا لمــا
فيها من مخالفة لشرع الله وضــرر وظلــم للنــاس ،وتوعــد
الله ورسوله مرتكب هذه الكبيرة بوعيد عظيم.
نتكلم عن معصية أكل الربــا والتعامــل بــه ،فــالله ســبحانه
أحل للمسلم أن يسعى فــي طلــب المــال مــن حلــه ،وأن
يتاجر بالحلل ليكسب المــوال ،ولــم يحــل لــه أن يســتغل
حاجــة المحتــاجين ليضــاعف أمــواله أو أن يقــترض بالربــا،
َ
م الّرَبا ]البقرة.[275: حّر َه ال ْب َي ْعَ وَ َل الل ّ ُح ّ يقول سبحانه :وَأ َ
شيء إذا زاد، والصل في معنى الربا :الّزيادة ،يقال :ربا ال ّ
ه ال ّْرَبا وَي ُْرِبــي حقُ الل ّ ُ م َومن ذلك قول الّله تبارك وتعالى :ي َ ْ
ت ]البقرة ،[276:أي :ينميها ويزيدها. صد ََقا ِ
ال ّ
وهذا الربا ـ إخوة اليمان ـ قبيح ومذموم ومحرم فــي كــل
ة
ل في شــريع ٍ ن الّربا لم يح ّ الشرائع ،قال بعض العلماء" :إ ّ
ه ]النســاء: م الّرب َــا وَقَـد ْ ن ُهُــوا ْ عَن ْـ ُ خـذِهِ ُ ط لقوله تعالى :وَأ َ ْ ق ّ
ســابقة" .ولكــن أهــل الكتــاب ،[161يعني :فــي الكتــب ال ّ
حرفوا كتبهم وغيـروا فيهــا ،فصــار اليهـود يحلـون التعامــل
بالربــا مــع غيــر اليهــود ليمتصــوا ثرواتهــم ويســتولوا علــى
أملكهم ،ثم توسعوا فيه حتى صاروا ل يتعاملون إل به ،ثم
أفلحوا في أن يعمموه على كل العالم ،فصــار العــالم كلــه
يتعامل بالربا لتصب فوائده فــي النهايـة فــي جيــب اليهــود
في أكثر الحيان.
وقد عرف عرب الجاهلية الربا وكانوا يتعاملون بــه ،وكــان
إذا استدان بعضهم من بعــض وحــان وقــت الســداد يقــول
الدائن للمدين" :تقضي أم ُتربي" ،أي :إن كان لــديك مــال
409
تقضي دينك وإل أزيــدك فــي المــدة وتزيــدني فــي المــال،
ولكن العرب مع تعاملهم بهذا الربا إل أنهم كــانوا يعرفــون
خبثه وأنه كسب حرام ،فكانوا ل يضعون أمــوال الربــا فــي
المور المقدسة لديهم ،يروى عن ابن وهب بن عمــرو بــن
عــائذ وهــو خــال عبــد اللــه والــد النــبي وكــان شــريفا مــن
رجالت العرب في الجاهلية ،يروى عنه أنــه قــال مخاطبــا
قريش عند إعادة بناء الكعبة" :يا معشر قريش ،ل تــدخلوا
في بنيانها من كسبكم إل طيبا ،ل يدخل فيها مهر بغي ،ول
بيع ربا ،ول مظلمة أحد من الناس" ،وهذا أكبر دليــل علــى
خبث الربا وخسته واتفاق الناس حتى فــي الجاهليــة علــى
ذمه.
ثــم جــاء شــرعنا المطهــر وشــريعتنا الســلمية الســمحة
فحذرت من هذا الذنب العظيم وهــذه المعاملــة الممقوتــة
التي ُتستغل فيها حاجة المحتاج لُيسلب منه ماله أو متاعه
ويؤول إلى جيب المرابي ،جاء الســلم والنــاس يتعــاملون
من ُــوا ْ ل َ َ
نآ َ ذي َ بالربا فحرمه عليهم ،يقول سبحانهَ :يا أي َّها ال ّـ ِ
َ ْ
ن ]آل حو َ م ت ُْفل ِ ُه ل َعَل ّك ُ ْة َوات ُّقوا ْ الل ّ َ
ضاعََف ً
م َ ت َأك ُُلوا ْ الّرَبا أ ْ
ضَعاًفا ّ
عمــران ،[130:هــذا تحــذير مــن أن يمل المســلم بطنــه
بكسب الربا ،تحذير من أن ينبت لحم المسلم من ســحت
الربا وفوائده؛ لنه بذلك ل ُينعم جسمه بل يضره ويعرضــه
إلى عذاب الله وعقابه ،نعم يعرضــه إلــى عــذاب اللــه لن
رسول الله يقول)) :ل يربو لحم نبت من ســحت إل كــانت
النار أولى به(( أخرجه الترمذي عن كعب بن عجرة.
إذا نبت لحم النسان من سحت الحرام ومن سحت الربــا
ومن سحت السرقة وغيرها فإنه يهيئ هذا الجسم لعــذاب
النار ،يهيئه ليصلى نارا حامية ،فما أخبث هذا الدرهم الذي
يتمتع به النسان في هذه الــدنيا الفانيــة ثــم يعقبــه عــذاب
متواصل ل يطاق.
إننا ـ عباد الله ـ إذا أردنا أن نتخذ وقاية من النار وإذا أردنا
أن نجعل سترا بيننا وبين النار فعلينا أن نبتعد عــن الحــرام
وأن نتخذ من الحلل رزقا وكسبا ،يقول في الحديث الــذي
أخرجه ابن حبان عن النعمــان بــن بشــير)) :اجعلــوا بينكــم
410
وبين الحرام ســترا مــن الحلل(( ،أي :اســتعينوا بمــا أحــل
الله من رزق وكسب كي ل تقعوا فيما حرم الله.
والربا من أهم المحرمات في الكســب ،بــل إن اللــه أنــذر
القــائمين علــى الربــا والمتعــاملين بــه بحــرب مــن اللــه
ورسوله ،وهو ما لم ينذر به أي عاص بمعصية أخــرى غيــر
الربا ،وهذا ينبيك بفداحة هــذه المعصــية ،يقــول تعــالى :ي َــا
َ
كنُتــم ن الّرَبا ِإن ُ م َي ِ ما ب َِق َه وَذ َُروا ْ َ مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ
نآ َ َ ذي أي َّها ال ّ ِ
ْ
ه
سـول ِ ِ ن الّلـهِ وََر ُ مـ َ ب ّ م ت َْفعَُلـوا ْ َفـأذ َُنوا ْ ب ِ َ
حـْر ٍ ن فَِإن ّلـ ْ مِني َ مؤ ْ ِ
ّ
]البقرة ،[279 ،278:قال قتادة كما في تفسير ابن كثير:
جــا ـ ـ أي: "أوعدهم الّله بالقتل كما يسمعون ،وجعلهــم بهر ً
دماؤهم مهدورة ـ أين ما أتوا ،فإياكم ومخالطة هذه البيوع
من الربا ،فإن الله قد أوســع الحلل وأطــابه ،فل يلجئنكــم
إلى معصيته فاقة" رواه ابن أبــي حــاتم .وقيــل :إن معنــى
الية :إن لم تنتهوا فأنتم حرب لله ولرسوله أي أعداء للــه
ورسوله ،وروى ابــن عبــاس أنــه يقــال يــوم القيامــة لكــل
الربا :خذ سلحك للحرب.
هذا هو التحذير العظيم لكل الربا ،فما الذي يدعو المسلم
لرتكاب هذا الذنب؟! وكيف تهــون عليــه نفســه فيعرضــها
إلى حــرب مــن اللــه ورســوله ،حــرب مــن رب الســموات
والرض ،مــن خضــعت لــه المخلوقــات جميعــا ،مــن ســبح
الرعد بحمده والملئكــة مــن خيفتــه ،وحــرب مــن رســوله
الذي أرسله رحمة للعالمين؟! هل عاقل من يعرض نفسه
إلى هــذا الخطــر؟! وهــل حكيــم مــن يــدخل هــذه الحــرب
المعلومة النتيجة؟!
ولعــل مــن أهــم الــدوافع إلــى الربــا قلــة إيمــان النســان
بموعود اللــه فــي الــرزق ،فلــو كــان النســان مؤمنــا حقــا
وموقنا بأنه لن ُيحرم رزقا كتبه الله له فلن يلجأ أبــدا إلــى
دخــول بــاب حــرم اللــه دخــوله ،ولكــن الثقــة فــي الــرزق
مهزوزة ،والعتماد على الرزاق ضعيف ،لهذا يلجأ النســان
إلى كل البواب ول يلجــأ إلــى بــاب العزيــز الوهــاب الــذي
ماء سـ َ كتب الرزاق لعباده وحددها ،يقول سبحانه :وَفِــي ال ّ
ه لَ َ ب السماء واْل َ
مث ْـ َ
ل ح ـق ّ ّ ض إ ِن ّ ُِ رْ َ ّ َ ن فَوََر ّ دو َ ما ُتوعَ ُ م وَ َ رِْزقُك ُ ْ
َ
ن ]الذاريات،22:ـ ،[23كما أن النســان إذا م َتنط ُِقو َ ما أن ّك ُ ْ َ
411
ابتعد عن دين الله وركن إلى الدنيا وشغف بمتاعها وزينتها
فــإنه ل يبــالي مــن أي مكــان جلــب المــال وكســبه ،وهــذا
يجعله يقــع فــي المحظــور ،يقــول )) :ليــأتين علــى النــاس
زمان ل يبــالي المــرء ممــا أخــذ المــال أمــن حلل أم مــن
حرام(( أخرجه البخاري عــن أبــي هريــرة .ولكــن المســلم
الحق والمسلم الصادق ل يمكــن أن يستســهل أمــرا لعــن
الله فاعله وأنذره وبالغ في ذمه لن اللعنة تعنــي الغضــب
وتعني العــذاب ،فالمتعامــل بالربــا كمــا يخــبر رســول اللـه
معــرض للعنــة اللــه رب العــالمين ســواء كــان مقرضــا أو
مقترضا وهذا ليس بالمر الهين ،أخــرج المــام أحمــد عــن
ابن مسعود أن رســول اللــه قــال)) :لعــن اللــه آكــل الربــا
وموكله وشاهده وكاتبه(( .فاللعنـة ليسـت علـى المقــرض
بالربا وحده ،بل هي على الطرفين ،بل إنهــا تشــمل حــتى
من يكتبه ومن يشهد عليه ،كل هــؤلء تلحقهــم لعنــة الربــا
والعياذ بالله.
وآكل الربا ـ إخوة اليمان ـ يعذب على هذه المعصية عذابا
شديدا ،وصف رسول الله شيئا من هذا العذاب في حديث
الرؤيا التي رآها ،والذي أخرجه البخاري عن سمرة ،يقــول
في هذا الحديث)) :رأيت الليلــة رجليــن أتيــاني فأخرجــاني
إلى أرض مقدسة ،فانطلقنا حــتى أتينــا علــى نهــر مــن دم
فيه رجل قائم وعلى شط النهــر رجــل بيــن يــديه حجــارة،
فأقبل الرجــل الــذي فــي النهــر فــإذا أراد أن يخــرج رمــى
الرجل بحجر في فيه فـرده حيـث كـان ،فجعـل كلمـا جـاء
ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان ،فقلت :ما هــذا
الذي رأيته فـي النهـر؟ قـال :آكـل الربـا(( ،كمـا بيـن اللـه
ســبحانه أن آكــل الربــا يقــوم يــوم القيامــة مــن قــبره
كالمجنون جزاء ما أكل من أموال محرمة ،يقول ســبحانه:
ْ
خب ّط ُـ ُ
ه م ال ّـ ِ
ذي ي َت َ َ ن إ ِل ّ ك َ َ
ما ي َُقــو ُ ن الّرَبا ل َ ي َُقو ُ
مو َ ن ي َأك ُُلو َ
ذي َال ّ ِ
س ]البقرة ،[275:قال ابن كثير" :أي :ل م ّ ن ال ْ َ
م َن ِ طا ُشي ْ َ
ال ّ
يقومون من قبورهم يوم القيامــة إل كمــا يقــوم المصــروع
حال صرعه وتخبط الشــيطان لــه؛ وذلــك أنــه يقــوم قيامــا
منكرا" ،وقال ابن عباس) :آكل الربا يبعث مجنونا يخنــق(،
412
هذه هي فداحة ،هذه المعصــية العظيمــة ،وهــذا مــا تجنيــه
على صاحبها من عقوبات مادية ومعنوية.
ســا مــن ي :ذكر الل ّــه تعــالى لكــل الّربــا خم ً سرخس ّ قال ال ّ
العقوبات:
ْ
ن الّرب َــا ل َ ن ي َـأك ُُلو َ إحداها :الّتخّبط ،قـال الّلـه تعـالى :ال ّـ ِ
ذي َ
س مـ ّ ن ال ْ َمـ َ ن ِطا ُ ش ـي ْ َ ه ال ّ خب ّط ُ ُ ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ
ما ي َُقو ُن إ ِل ّ ك َ َ مو َ ي َُقو ُ
]البقرة.[275:
ه ال ّْرب َــا ]البقــرة: حـقُ الل ّـ ُ م َ الّثانيــة :المحــق ،قــال تعــالى :ي َ ْ
،[276والمراد :الهلك والستئصال ،وقيل :ذهــاب البركــة
والستمتاع حّتى ل ينتفع به ول ولده بعده.
ْ
ن الل ّـ ِ
ه مـ َب ّ حـْر ٍ الّثالثة :الحرب ،قال الل ّــه تعــالى :فَـأذ َُنوا ْ ب ِ َ
سوِله ]البقرة.[279: وََر ُ
ن الّرَبا ِإن م َ
ي ِ ما ب َِق َ الّرابعة :الكفر ،قال الّله تعالى :وَذ َُروا ْ َ
ن ]البقرة ،[278:وقال سبحانه بعد ذكــر الّربــا: مِني َ مؤ ْ ِكنُتم ّ ُ
ل ك َّفــارٍ أ َِثي ـم ٍ ]البقــرة ،[276:أي :كّفــاٍر ب ك ُـ ّ حـ ّ ه ل َ يُ ِ َوالل ّـ ُ
باستحلل الّربا ،أثيم ٍ فاجرٍ بأكل الّربا.
ك ُ
ن عَــاد َ فَـأوْل َئ ِ َ مـ ْ الخامسة :الخلود في الّنار ،قال تعالى :وَ َ
ن ]البقرة.[275: َ
دو َ خال ِ ُم ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ
أ ْ
فل ينبغــي ـــ إخــوة اليمــان ـــ لمســلم يــؤمن بــالله ربــا
وبالســلم دينــا وبمحمــد نبيــا ورســول أن يلجــأ إلــى هــذه
المعاملة الممقوتة ،فيبني بها بيتا أو يطعم منها أهل وولدا،
بــل علــى المســلم أن يصــبر ،وأن يســعى للكســب مــن
الحلل ،وأن يدعو الله سبحانه أن يفتح عليه أبواب رزقــه،
فإن الله سبحانه ل يعجزه شيء.
أسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه رضاه وهداه ،أقول قــولي
هذا ،وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ،والعاقبة للمتقيــن ،ول عــدوان إل
علــى الظــالمين ،وصــلى اللــه وســلم وبــارك علــى عبــده
ورسوله محمد ،وعلى آله وصحبه أجمعين.
معشر المسلمين ،لقد نظر السلم إلى الربا نظرة ملؤهــا
المقت والكره ،لهذا حذر أتباعه منه وذمــه لهــم ،وقــد بلــغ
413
من هذا التحذير أن رسول الله يقول كما في مسند أحمــد
من حديث عبد الله بـن حنظلـة وهـو فـي صـحيح الجـامع:
))درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله مــن ســتة
وثلثين زنية(( ،كما أنه ركز على أمر الربا فيما ركــز عليــه
من أمور مهمة في خطبة حجة الوداع ،تلك الخطبــة الــتي
أوصــى فيهــا المســلمين بــأهم الوصــايا ،يقــول فــي تلــك
الخطبة العظيمة كما عند ابن ماجه من حــديث عمــرو بــن
الحوص)) :فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام،
كحرمة يومكم هذا ،في شهركم هذا ،في بلدكم هذا(( ،ثــم
يقــول )) :وإن كــل ربــا مــن ربــا الجاهليــة موضــوع ،لكــم
رؤوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون ،أل يــا أمتــاه :هــل
بلغت؟(( ثلث مرات ،قــالوا :نعـم ،قــال)) :اللهــم اشـهد((
ثلث مرات.
هذه وصــية الــوداع مــن رســول اللــه قبــل أن يغــادر هــذه
الدنيا ،يوصي بها أمته ناصــحا مشــفقا ،وُيشــهد اللــه علــى
ذلك ،فهل تكون أمة تابعة لنبيها مطيعة له أمة تعصيه فــي
آخر وأهم وصاياه؟! وماذا تنتظر المة إذا عصت هذا المر
اللهي وهذه الوصية النبويــة؟! هــل تنتظــر رفعــة وعــزا؟!
ماذا تنتظر أمة تعاملت بالربا المحرم؟! هــل تنتظــر رخــاءً
ونماًء؟! ل يمكن أن يكــون رخــاء ونمــاء فيمــا حرمــه اللــه
سبحانه ،لهذا قد ينتعــش اقتصــاد يقــوم علــى الربــا ولكنــه
انتعــاش يحمــل فــي طيــاته الهلك والخســران وإن طــال
الزمن ،يقول فيما أخرجه الحاكم من حــديث ابــن عبــاس:
))إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب
الله((؛ لهذا ينبغي علينا أن نبتعد عن هذه المعصية ،وأن ل
نقترب منها إن كنــا نريــد الفلح وإن كنــا نريــد النجــاة ،فل
سبيل إلى النجــاة إل فــي البتعــاد عمــا حــرم اللــه ،يقــول
سهل بن عبد الله كما في تفسير القرطــبي" :النجــاة فــي
ثلثــة :أكــل الحلل ،وأداء الفــرائض ،والقتــداء بــالنبي "،
فالنجاة إًذا في طلب الحلل ،أما العتماد في هــذه الحيــاة
ومطالبها على الحرام واللجوء إلى الربا وغيره ممــا حــرم
الله فإنه ل ينفع ول يدوم ول يفضي إل إلــى القلــة والفقــر
مهما استكثر النسان منه ،عن ابن مسعود أن رسول الله
414
قال)) :ما أحد أكثر من الربا إل كان عاقبة أمره إلى قلة((
أخرجه ابن ماجه.
فلنتق الله عباد الله ،ول يدفعنا طلب الــرزق أو قلتــه إلــى
أن نطرق أبواب الحرام.
أسأل الله أن يهدينا إلــى صـالح القــوال والعمــال ،اللهــم
أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ،وأرنا الباطــل بــاطل وارزقنــا
اجتنابه...
==============
#خطر الربا
موسوعة خطب المنبر ) -ج / 1ص (5076
خطر الربا
محمد بن مبروك البركاتي
الليث
جامع بايزيد
الخطبة الولى
حا قوي ًــا ومــؤثًرا مــن لقد أقر القــرآن الكريــم القصــة ســل ً
أسلحة الدعوة إلى السلم وانتشاره؛ للتنفير مــن الرذيلــة
والقبائح والترغيب في القيم الخلقيــة والفضــائل ،وأخــذت
حيزا كبيًرا مــن القــرآن الكريــم ،فــي قصــص الرســل مــع
أقوامهم في عصور كثيرة ،وقصص الصالحين مــن عبــاده،
مـا ن ال ْ ك أَ ص عَل َْيـ َ
ص بِ َِ صـ
َ ق
َ َ سـ
َ ح
ْ ن ن َُقـ ّ حـ ُ قال اللـه تعـالى :ن َ ْ
َ
ن ن ال ْغَــافِِلي َ
مـ ْ ن قَب ْل ِـهِ ل َ ِ م ْ ت ِ كن َن ُن وَإ ِ ْ ذا ال ُْقْرآ َك هَ َ حي َْنا إ ِل َي ْ َ
أو ْ َ
عب ْـَرةٌ م ِ ص ـه ِ ْ
ص ِ ن فِــي قَ َ كا َ]يوسف ،[3 :وقال سبحانه :ل ََقد ْ َ
َ ُ
صصـ ْ ب ]يوســف ،[111 :وقــوله تعــالىَ :فاقْ ُ لوْل ِــي الل ْب َــا ِ
ن ]العراف ،[176 :وقــوله تعــالى: م ي َت ََفك ُّرو َ ص ل َعَل ّهُ ْ َ ص
َ ال َْق
نحن نُقص عل َي َ َ
حقّ ]الكهف.[13 : م ِبال ْ َ ك ن َب َأهُ ْ ّ َ ْ َ ْ ُ َ
وإليكم هذه القصة لخذ العبرة منها:
تزوج شاب في عنفــوان شــبابه بشــابة ذات ديــن وحســب
ونسب وجمال ،وقد كانت الحياة بينهم من أجمل ما يكون
بين امرأة وزوجها ،يحب بعضهم بعضا ،وقد رزقه الله منها
ابًنا إل أن هذه الحياة لم يرد الله لها الستمرار ،فقد حدث
لهذا الشاب حـادث مـروريّ راح ضـحيَته ،ومـا إن انقضـت
ل طــاب يتقــاطرون عليهــا ،كــ ّ عــدة هــذه الشــابة إل والخ ّ
415
يريدها ،ولكنها آلت على نفسها أن ل تتزوج لتتفّرغ لتربيــة
وض عـن ابنها الذي كانت تحّبه أشد ّ الحـب وتـرى فيـه الِعـ َ
زوجها الذي أحّبته ،وقد اجتهدت بالفعل في تربيته ،وتبــذل
له كل غال ونفيس ،وما يرغب أمرا إل ويجده ملبى.
مه ،ويدخل المرحلة البتدائية وتمر اليام على هذا البن وأ ّ
وهي أكبر معين له بعد الله ،تساعده في مــذاكرته وتــذّلل
وقين في دراسته ،ول تــزال له العوائق حتى كان من المتف ّ
وق ،ثــم يــدخل المرحلــة الفرحة تمل قلبها بهذا البن المتف ّ
ون هــذا المتوسطة ول يزال في تفــوقه ،ويشــاء اللــه ويك ـ ّ
الشــاب علقــة مــع بعــض زملئه مــع اختبــارات الفصــل
الدراسي الثاني من الصف الثاني المتوسط ،حيــث يــذهب
مــهليــذاكر معهــم ،وبــدأ يســهر معهــم للمــذاكرة ،ولكــن أ ّ
الحنون ل يطاوعها قلبها أن يسهَر ابنها خارج المنزل ،فمــا
زالت بــه تناصــحه وتحــاول أن ل يخــرج بعيــدا عنهــا ،فهــي
تحتــاجه وتخــاف عليــه ،حــتى رضــي أن تكــون مــذاكرتهم
مــه ،ففرحــت المســكينة وسهرهم في منزلــه قريب ًــا مــن أ ّ
وأخذت تجّهز له ولزملئه ما يحتاجونه من وسائل الراحــة،
ونذرت نفسها لخدمته وزملئه.
وتمر اليام وإذا بها ذات يوم تشتكي آلما تجــدها ،وتــذهب
لبنهــا ليوصــلها لقــرب مستشــفى ليكشــف عليهــا ،إل أن
البن أخذ يتبّرم ويعتذر بعــدم وجــود الســيارة ،فعنــدما لــم
دا من توصيلها أخذ سيارة أحد أصحابه ثـم ذهـب بهــا يجد ب ّ
إلى باب المستشفى ثم تركها وذهب إلــى أصــحابه ،وفــي
المستشفى تأبى إل أن تكشف عليها طبيبة ،ولكن لما لــم
تجد طلبت من الطبيب أن ل يرى منها إل ما دعت الحاجة
إليه ،وطلب منها الطبيب بعــض التحاليــل .ثــم بعــد خــروج
النتيجة قال لها الطبيب :مبارك أنــت حامــل ،فلــم تكــترث
بقوله ظّنا منها أنه يمــزح معهــا ،فكــرر عليهــا الطــبيب أن
نتيجة الفحوصات تقول :إنك حامل ،فلما رأت أن الطــبيب
جــاد ّ فــي كلمــه قــالت :يــا دكتــور ،كيــف حامــل وأنــا غيــر
متزوجة ولم يطأني بشر؟! قال :وكيف حملت؟! فلما رأى
استغرابها بدأ يبحث معها في المر حتى ع ـَرف حالهــا مــع
416
ت ،فاذهبي إلــى بيتــك ُ
صب ِ ولدها وأصحابه ،فقال :منهم قد أ ِ
وكوني على عادتك حتى تكتشفي المر.
وبالفعل ذهبت إلى بيتهــا وجاءهــا ابنهــا علــى عــادته دائمــا
ليسِقَيها كأس حليب قبــل النــوم ،فأخــذته منــه وتظــاهرت
أنها شربته ،وبقيت متحسسة الخــبر ،وإذا بــه يأتيهــا ليأخــذ
حاجة الرجل مــن امرأتــه منهــا وهــي نائمــة كمــا كــان قــد
عملها معها قبل ذلك ،فانتبهت فإذا به ابنهــا يريــد منهــا مــا
يريد الرجل من امرأته ،وإذا به ليس بعقلــه فقــد اســتخدم
در حــتى أفقــده عقلــه وجــاء إلــى أمــه ليزنــي بهــا، المخ ـ ّ
فأصيبت بخيبة أمل في ابنها وبمصيبة في نفســها ،وصــدق
رســول اللــه حيــن وصــف الخمــر بقــوله)) :الخمــر أم
الخبائث(( رواه الطبراني وصححه اللباني ،فهي تجمع كل
الخبائث الدينية والدنيوية ،فصاحبها مفســد لعقلــه ،مفســد
حته ،مؤذ لهلـه وجيرانـه وملئكتـه، لبدنه وقوته ومنهك لص ّ
وصاحب الخمر مغضب لربــه ســبحانه وتعــالى الــذي نهــى
عد صاحبها بالعذاب في الدنيا والخرة ،قال عن شربها وتو ّ
َ َ
ب صــا ُ س ـُر َوالن َ مي ْ ِ م ـُر َوال ْ َ خ ْ ما ال ْ َ
مُنوا إ ِن ّ َ نآ َ ذي َ تعالىَ :يا أي َّها ال ّ ِ
م جت َن ُِبوهُ ل َعَل ّ ُن َفــا ْ شــي ْ َ ل ال ّ َ
كــ ْ طا ِ مــ ِ ن عَ َ مــ ْ س ِ جــ ٌ م رِ ْ َوالْزل ُ
طا َ
داوَةَ م ال َْعــ َكــ ْ ن ُيوِقــعَ ب َي ْن َ ُ نأ ْ شــي ْ َ ُ ريــد ُ ال ّ مــا ي ُ ِ ن إ ِن ّ َ
حــو َ ت ُْفل ِ ُ
نعــ ْ ن ذِك ْرِ الل ّهِ وَ َ م عَ ْ صد ّك ُ ْ سرِ وَي َ ُ مي ْ ِ مرِ َوال ْ َ خ ْ ضاَء ِفي ال ْ َ َوال ْب َغْ َ
ن ]المائدة،90 :ـ .[91والمخـدرات الصلة فَه ْ َ
منت َُهو َم ُ ل أن ْت ُ ْ ّ ِ َ
أخبث من الخمر لنها تؤّدي إلى ذهــاب العقــل ،فعــن عبــد
الله بن عمر قال :قال رسول اللــه )) :كــل مســكر خمــر،
وكل خمر حرام(( رواه مسلم.
عباد الله ،لعلكم استبشعتم هــذا الفعــل مــن هــذا الشــاب
عندما زنى بأمه أعاذني الله وإياكم ،ول شك أنه أمر بشــع
غاية البشاعة ،ولعلكم تظنون أنني سقت هذه القصة لكم
لنحذر خطر المخدرات ،صحيح أنه أحد المــور الــتي أردت
دم عليه كــثير ذر منها ،ولكن ـ يا عباد الله ـ إن ما يق ِ أن أح ّ
من الناس اليوم مــن التعامــل بالربــا أشــد مــن هــذا بنــص
حديث رسول الله ،فقــد أخــرج الحــاكم والــبيهقي بإســناد
صحيح من طريق ابن مسعود مرفوعا قــوله)) :الربــا ثلث
وسبعون بابا ،أيسرها مثل أن ينكح الرجــل أمــه(( ،وأخــرج
417
ضا بإسناد ل بأس بــه مــن طريــق أبــي هريــرة مرفوعــا: أي ً
))الربا سبعون بابا ،أدناهــا كالــذي يقــع علــى أمــه(( .فهــل
استشعرتم معي خطر الربا؟! إنه حرب لله ورسوله ،قــال
َ
ي
مـا ب َِقـ َ ه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقوا الّلـ َ نآ َ َ الله عز وجلَ :يا أي َّها ال ّ ِ
ذي
كنتم مؤْمنين فَإن ل َم تْفعُلوا فَأ ْ
ن م
ِ
ْ ٍ ْ ْ ب ر ح
َ ِ ب نواُ َ ذ ن ُ ُ ْ ُ ِ ِ َ ِ ْ ْ َ َ ن الّرَبا إ ِ ْ م ْ ِ
م ت َْفعَُلوا فَ ـأذ َُنوا ن لَ ْ سول ِهِ ]البقرة ،278 :ـ ،[279فَإ ِ ْ الل ّهِ وََر ُ
ه ،ومن يطيق محاربة الله؟! سول ِ ِ ن الل ّهِ وََر ُ م ْ ب ِ حْر ٍ بِ َ
ولقـــد تحـــدثنا فـــي الســـبوع الماضـــي عـــن الســـهم
والمســاهمات والمضــاربة فيهــا والســتثمار ،وذكرنــا كيــف
إقبال الناس على ذلك مــن غيــر تــوّرع ول خشــية أن يقــع
أحدهم في الربا ،بل لقد تساهل البعض فــي ذلــك تســاهل
كــبيًرا ،وعنــدما تــذكر لــه شــركة بأنهــا مقترضــة بالربــا أو
رث ،ونســي المســكين أو تناســى هــذه مودعة بالربا ل يكت َ ِ
الحاديث واليات.
ْ
ن مــو َ ن الّرب َــا ل ي َُقو ُ ن ي َـأك ُُلو َ
َ ذي عباد الله ،قال الّله تعالى :ال ّ ِ
طان من ال ْمس ذ َل َ َ
مك ب ِـأن ّهُ ْ َ ّ ِ شي ْ َ ُ ِ ْ ه ال ّ خب ّط ُ ُ ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ما ي َُقو ُ إ ِل ّ ك َ َ
َ
م الّرب َــا حـّر َ ه ال ْب َي ْـعَ وَ َ ل الل ّـ ُ
حـ ّل الّرب َــا وَأ َ مث ْـ ُ ما ال ْب َي ْـعُ ِ َقاُلوا إ ِن ّ َ
]البقرة .[275 :وتــواترت الســنة الشــريفة فــي المســألة،
دعي وبلغت حدا ل يســع أيّ مســلم ولــو كــان قروي ّــا أن ي ـ ّ
الجهل به ،جاء من غير طريــق أن رســول اللــه لعــن آكــل
الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه ،صح عنه )) :اجتنبــوا الســبع
الموبقات(( ،قيل :يا رسول الّله ،وما هن؟ قال)) :الشــرك
بالّله ،والسحر ،وقتـل النفـس الــتي حــرم الّلـه إل بـالحق،
وأكل مال اليتيم ،وأكل الربا(( الحديث ،وأخرج الــبزار مــن
طريق أبي هريرة مرفوعا)) :الكبائر سبع ،أولهــن الشــرك
بــالله ،وقتــل النفــس بغيــر حقهــا ،وأكــل الربــا(( ،وأخــرج
البخــاري وأبــو داود عــن أبــي جحيفــة :لعــن رســول اللــه
الواشمة والمستوشمة وآكل الربا ومؤكله ،وأخرج الحــاكم
بإسناد صحيح عن أبي هريرة مرفوعا)) :أربعــة حــق علــى
الّله أن ل يدخلهم الجنة ول يذيقهم نعيمها :مــدمن الخمــر،
وآكل الربا ،وآكل مال اليتيم بغير حــق ،والعــاق لوالــديه((،
وأخرج البزار بإسناد صحيح مرفوعا)) :الربا بضع وســبعون
بابا ،والشرك مثل ذلك(( ،وأخرج الطبراني في الكبير عن
418
عبد الله بن سلم مرفوعــا)) :الــدرهم يصــيبه الرجــل مــن
الربا أعظـم عنـد اللـه مـن ثلث وثلثيـن زنيـة يزنيهـا فـي
السلم(( ،وعن عبد اللــه موقوفــا) :الربــا اثنــان وســبعون
حوبا ،أصغرها حوبا كمن أتى أمه في السلم ،ودرهم مــن
الربا أشد من بضع وثلثين زنية( ،قال) :ويأذن الّله بالقيــام
للبّر والفاجر يوم القيامة إل آكل الربا فإنه ل يقوم إل كمــا
يقوم الذي يتخبطه الشــيطان مــن المــس( ،وأخـرج أحمــد
والطبراني في الكــبير ورجــال أحمــد رجــال الصــحيح مــن
طريــق عبــد اللــه بــن حنظلــة غســيل الملئكــة مرفوعــا:
))درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد مــن ســت وثلثيــن
زنية((.
أبعد هــذه النصــوص يــأتي متــأّول أو متســاهل ويقــول :إن
الربا في الشركة الفلنية يسير ل يضر؟! وما أسكر كــثيره
فقليله حرام.
فالحذر الحذر ـ عباد الله ـ ـ مــن الربــا قليل كــان أو كــثيًرا،
واستفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك.
===============
#الربا :صوره ،أقسام الناس فيه
مجلة البيان ) -ج / 2ص (28
الربا ..صوره -أقسام الناس فيه
بقلم فضيلة الشيخ /محمد بن صالح العثيمين
إن الحمــد للــه نحمــده ونســتعينه ونســتغفره ونتــوب إليــه
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومــن ســيئات أعمالنــا ..مــن
يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أن
ل إله إل الله وحده ل شريك له ،وأشهد أن محمــدا ً عبــده
ورسوله ،صلى الله عليه وسلم ،وعلى آله وأصحابه ومن
تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،وسلم تسليما ً ،وبعد..
فــإن اللــه تعــالى إنمــا خلــق الجــن والنــس وأودع فيهــم
العقــول والدراك وبعــث فيهــم الرســل وبــث فيهــم النــذر
ليقوموا بعبادته والتذلل له بالطاعــة مقــدمين أمــره وأمــر
رسله على ما تهواه أنفسهم ،فإن ذلك هو حقيقة العبــادة
مــا ك َــا َ
ن ومقتضــى اليمــان ،كمــا قــال اللــه تعــالى )) :و َ
َ ذا قَضــى الّلـه ورســول ُ َ
نمــرا ً أن ي َك ُــو َ
هأ ُْ ُ َ ُ َ من َةٍ إ َ
مؤ ْ ِ
ن ول ُ مؤ ْ ِ
م ٍ لِ ُ
419
خيرةُ م َ
لضــ ّ ه فََقــد ْ َ سول َ ُ ه وَر ُ ص الل ّ َ من ي َعْ ِ مو َ مرِهِ ْنأ ْ م ال ِ َ َ ِ ْ ل َهُ ُ
مِبينًا(( ]الحزاب.[36 : ضلل ً ّ َ
فل خيار للمؤمن -إن كان مؤمنا ً حقا ً -في أمر قضـاه اللـه
ورسوله ،وليس أمامه إل الرضا به ،والتسليم التام سواء
وافق هواه أم خالفه ،وإل فليس بمؤمن ،كما قــالي اللــه
جَرشـ َ مــا َ ك ِفي َ مــو َ حك ّ ُ حت ّــى ي ُ َ ن َ مُنو َ ك ل ي ُؤْ ِ تعالى َ)) :فل وَرب ّ َ
َ
موا ســل ّ ُ ت وي ُ َ ضي ْ َ ما قَ َ م ّ حَرجا ً ّ م َ سه ِ ْ دوا ِفي أنُف ِ ج ُ م ل يَ ِم ثُ ّب َي ْن َهُ ْ
سِليمًا(( ]النساء.[65: تَ ْ
وقد أخبر اللــه تعــالى أن العــدول عــن حكمــه وعــن اتبــاع
جيُبوا ســت َ ِم يَ ْ رسوله أنه أضل الضلل فقال تعالى َ)) :فإن ل ّ ْ
ض ّ ك َفاعْل َم أ َنما يتبعون أ َهْواَءهُم وم َ لَ َ
واهُ هــ َ ن ات ّب َعَ َ م ِ م ّل ِ نأ َ ْ َ ْ َ ْ ّ َ َُِّ َ
ن(( مي َ م الظ ّــال ِ ِ دي الَق ـوْ َ ه ل ي َهْ ـ ِ ن الل ّـ َ ن الل ّـهِ إ ّ مـ َ دى ّ ب ِغَي ْرِ هُ ـ ً
]القصص.[50:
إذا تــبين هــذا فــاعلم أن أوامــر اللــه تعــالى تنقســم إلــى
قسمين :قسم فيما يختص بمعاملته ســبحانه ؛ كالطهــارة
والصلة والصيام والحج ،وهذه ل يستريب أحد في التعبــد
لله تعالى بها .وقسم فيمــا يختــص بمعاملــة الخلــق وهــي
المعاملت الجارية بينهــم مــن بيــع وشــراء وإجــارة ورهــن
وهبة ووصية ووقــف وغيرهــا ،وكمــا أن تنفيــذ أوامــر اللــه
تعالى والتزام شريعته في القسم الثــاني أمــر واجــب ،إذ
الكل من حكــم اللــه تعــالى علــى عبــاده ،فعلــى المــؤمن
تنفيذ حكم الله والتزام شريعته في هذا وذاك .
ولقد شرع الله تعالى لعباده فــي معــاملتهم نظم ـا ً كاملــة
مبنية علــى العــدل ل تســاويها أي نظــم أخــرى ،بــل كلمــا
ابتعدت النظم أو ابتعد الناس عن العمــل بنظــم الشــريعة
كــان ذلــك أكــثر الظلــم ،وأوغــل فــي الشــر والفســاد
والفوضى .
وإن من الظلم في المعاملت واجتناب العدل والســتقامة
فيها أن تكون مشتملة على الربا الذي حذر الله تعالى منه
في كتابه وعلى لسان رسوله -صــلى اللــه عليــه وســلم -
وأجمع المسلمون على تحريمه .
َ
مــاه وذ َُروا َ مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ نآ َ َ ذيقال الله تعالى َ)) :يا أي َّها ال َ ِ
م ت َْفعَل ُــوا فَـأ ْذ َُنوا ن * فَــإن ل ّـ ْ مِني َ م ـؤ ْ ِ كنت ُــم ّ ن الّرَبا إن ُ م َي ِ ب َِق َ
420
َ
مل وال ِك ُ ْ مــ َ سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْ سول ِهِ وإن ت ُب ْت ُ ْ ن الل ّهِ وَر ُ م َ ب ّ حْر ٍ بِ َ
سـَرةٍ فَن َظ ِـَرةٌ إل َــى ذو عُ ْ ن ُ ن * وإن ك َــا َ مــو َ ن ول ت ُظ ْل َ ُ مو َ ت َظ ْل ِ ُ
ن * وات ُّقــوا مــو َ م ت َعْل َ ُ كنت ُـ ْ م إن ُ خي ٌْر ل ّك ُـ ْ سَرةٍ وَأن تصدُقوا َ مي ْ َ َ
ت س ـب َ ْ مــا ك َ َ س ّ م ت ُوَّفى ك ُ ّ ّ
ن ِفيهِ إلى اللهِ ث ُ ّ َ ً
ل ن َْف ـ ٍ جُعو َ وما ت ُْر َ يَ ْ
ن(( ]البقرة.[281-278: مو َ م ل ي ُظ ْل َ ُ وه ُ ْ
ض ـَعافا ً َ ْ َ
من ُــوا ل ت َـأك ُُلوا الّرب َــا أ ْ نآ َ ذي َ وقال تعالى َ)) :يا أي َّها ال َ ِ
ن * وات ُّقــوا الن ّــاَر ال َت ِــي حــو َ م ت ُْفل ِ ُ ه ل َعَل ّك ُـ ْ ة وات ُّقوا الل ّـ َ ضاعََف ً م َ ّ
ّ َ ّ َ ْ أُ ِ
م ل لعَلك ُـــ ْ ســـو َ ه والّر ُ طيعُـــوا اللـــ َ ن * وأ ِ ري َ ت ل ِلك َـــافِ ِ عـــد ّ ْ
ن(( ]آل عمران.[132-130 : مو َ ح ُ ت ُْر َ
ْ
م ما ي َُقو ُ ن إل ّ ك َ َ مو َ ن الّرَبا ل ي َُقو ُ ن ي َأك ُُلو َ َ ذي وقال تعالى )) :ال َ ِ
طان من المـس ذ َلـ َ َ
مـا م َقـاُلوا إن ّ َ ك ِبـأن ّهُ ْ ّ ِ َ شي ْ َ ُ ِ َ ه ال ّ خب ّط ُ ُ ذي ي َت َ َ ال َ ِ
َ
جــاَءهُ مــن َ م الّرب َــا فَ َ حـّر َ ه الب َي ْـعَ و َ ل الل ّـ ُ حـ ّ ل الّرَبا وأ َ مث ْ ُ الب َي ْعُ ِ
ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ
ن م ْ مُرهُ إَلى الل ّهِ و َ ف وأ ْ ُ َ َ ََ ّ ّ ِ عظ َ ٌ ّ مو ْ ِ َ
َ ُ
ه ح ـقُ الل ّـ ُ م َ ن * يَ ْ دو َ خال ِـ ُ م ِفيهَــا َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ كأ ْ عاد َ فَأوْل َئ ِ َ َ
َ
م((]البقرة ل ك ُّفارٍ أِثي ٍ ب كُ ّ ح ّ ه ل يُ ِ ت والل ّ ُ صد ََقا ِ الّرَبا وي ُْرِبي ال ّ
، [276-275 :يعنى ل يقومون من قبــورهم يــوم القيامــة
خب ّــل المجنــون الــذي يصــرعه الشــيطان . م َ إل كما يقوم ال ُ
هكــذا قــال ابــن عبــاس رضــى اللـه عنهمــا وغيــره .وفــى
صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضــي اللــه عنهمــا أن
النبي -صلى الله عليــه وســلم -لعــن آكــل الربــا ومــوكله
وكــاتبه وشــاهديه ،وقــال :هــم ســواء .واللعــن :الطــرد
والبعاد عن رحمة الله تعالى .
وفى صحيح البخاري من حديث ســمرة بــن جنــدب رضــي
الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم -رأى في منامه
نهرا ً من دم ،فيه رجل قائم ،وعلي شط النهر رجــل بيــن
يديه حجارة ،فأقبل الرجل الــذي فــي النهــر فــإذا أراد أن
يخرج ،رماه الرجل الذي على شط النهر بحجر فــي فمــه
فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخــرج رمــاه الــذي علــى
شط النهر بحجر فيرجع كمــا كــان ،فســأل النــبي -صــلى
الله عليه وسلم -عن هذا الرجل الذي في نهر الدم فقيل
آكل الربا .
ولقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم -لمتــه أيــن
يكون الربا ،وكيــف يكــون ،بيانـا ً شــافيا ً واضــحا ً ،فقــال -
421
صلى الله عليه وسلم : -الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة
،والبر بالبر ،والشعير بالشعير ،والتمــر -بــالتمر ،الملــح
بالملح .مثل ً بمثل ،يدا ً بيد ،فمن زاد أو استزاد فقد أربى
،الخذ والمعطى فيه ســواء .رواه مســلم .وفــي لفــظ :
فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كــان يــدا ً
بيد .
فهذه الصناف الستة هي محل الربــا بــالنص) : (1الــذهب
والفضة والبر والشــعير والتمــر والملــح وقــد بيــن النــبي -
صلى الله عليه وسلم -كيفية الربا فيها فأوضح أن التبــايع
فيها يكون على وجهين :
الوجه الول :
أن يباع منها بجنسه مثل أن يباع ذهــب بــذهب ،فيشــترط
فيه شرطان اثنان :
أحدهما :أن يتساويا في الوزن .
والثاني :أن يكون يدا ً بيد بحيث يتقابض الطرفان قبــل أن
يتفرقا .فلو باع ذهبا ً بذهب يزيد عليه في الوزن ولو زيادة
يسيرة فهو ربا حرام ،والبيع باطــل ولــو بــاع ذهب ـا ً بــذهب
يساويه في الــوزن وتفرقــا قبــل القبــض فهــر ربــا حــرام ،
والبيع باطــل ،ســواء تــأخر القبــض مــن الطرفيــن أو مــن
طرف واحد .
الوجه الثاني :
أن يباع واحد من هذه الصناف بغير جنسه ،مثـل أن يبـاع
ذهب بفضة فيشترط فيه شرط واحد ،وهو أن يكــون يــدا ً
بيد بحيث يتقايض الطرفان قبل أن يتفرقا ،فلو بــاع ذهب ـا ً
بفضة وتفرقا قبل القبض فهو ربــا حــرام ،والــبيع باطــل ،
سواء تأخر القبض من الطرفين أو من طرف واحد .
ولقد كان الذهب والفضة منذ أزمنة بعيــدة محــل التعامــل
بيــن النــاس قيمــا ً للعيــان والمنــافع ،فأصــبح التعامــل
بالوراق النقدية بدل ً عنها والبدل لــه حكــم المبــدل ،فــإذا
بيعت ورقة من النقود بورقة أخرى فلبد من التقايض قبل
التفـرق ،سـواء كـانت مـن جنسـها أم مـن غيـر جنسـها ،
وسواء كانت هذه الوراق بدل ً عن ذهب أم بدل عــن فضــة
فلو صرفت ورقة نقدية سعودية من ذوات المائة بورقـتين
422
من ذوات الخمسين فلبد من التقابض من الطرفيــن قبــل
التفرق .ولو صرف دولرا ً بأوراق نقد ســعودية فلبــد فــي
التقابض من الطرفين قبل التفرق أيضًا .ولو اشترى حلــي
ذهــب أو فضــة بــأوراق نقديــة فلبــد مــن التقــابض مــن
الطرفين قبل التفرق لنه كبيع الذهب بالفضــة الــذي قــال
فيه النبي -صلى الله عليــه وســلم : -فــإذا اختلفــت هــذه
الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا ً بيد .
ولقــد انقســم النــاس فــي المعــاملت الربويــة إلــى ثلثــة
أقسام:
قسم :هــداهم اللــه تعــالى ونــور بصــائرهم ووقــاهم شــح
أنفسهم وعرفوا حقيقة المال ،بل حقيقة الدنيا أنها عارية
مسلوبة ،وفيء زائل ،وأن كمال العقل والدين أن يجعــل
الرجل المال وسيلة ل غاية ،وأن يجعله خادما ً ل مخــدوما ً
فتمشوا في اكتساب أموالهم وصرفها على ما شرعه لهم
خالقهم الذي هو أعلم
بما يصلحهم وأرحم بهم مــن أنفســهم ،فأخــذوا بمــا أحــل
اللـــه واجتنبـــوا مـــا حـــرم اللـــه ،وهـــؤلء هـــم النـــاجون
ه
سـ ِ ح ن َْف ِ مــن ي ُــوقَ ُ
شـ ّ المفلحــون .قــال اللــه تعــالى )) :و َ
ن(( ]الحشر. [9: حو َمْفل ِ ُ
م ال ُ فَأ ُوْل َئ ِ َ
ك هُ ُ
القسم الثاني :من تعاملوا بالربا علــى وجــه صــريح ،إمــا
جهل ً منهم أو تجاهل ً أو عنادا ً ومكابرة ،وهؤلء مســتحقون
لما تقتضيه حالهم من الوعيد على أكل الربا ،على ما جاء
في نصوص الكتاب والسنة .
القسم الثالث :من تعاملوا بالربا من وجه الحيلــة والمكــر
والخداع ،وهؤلء شر من القسم الثاني ،لنهم وقعوا فــي
مفسـدتين :الربـا ،ومفسـدة الخـداع ،ولهـذا قـال بعـض
السلف فــي أهــل الحيــل :يخــادعون اللــه كمــا يخــادعون
الصبيان ،لو أنهم أتوا المر على وجهه لكان أهون .
ونحن نذكر من فعل هذين القســمين مــا كــان شــائعا بيــن
الناس .فالشائع من فعــل القســم الول ربــا البنــوك وهــو
على وجهين :
423
أحدهما :أن يأخــذ البنــك دراهــم مــن شــخص بربــح نســبة
مئوية يدفعها البنك كل شـهر أو كــل سـنة ،أو عنـد انتهـاء
مدة الجل إن كان مؤجل ً .
الثاني :أن يعطي البنك دراهم لشخص بربح نســبة مئويــة
يأخذها البنك كل شهر أو كل سنة أو عند انتهاء مدة الجل
،إن كان مؤجل ً .
فأما إذا أخذ البنــك الــدراهم مــن شــخص بــدون ربــح فلــه
وجهان :
أحدهما :أن يأخــذ هــذه الــدراهم علــى وجــه الوديعـة بــأن
يحفظ الدراهم بأعيانها لصاحبها ،ول يــدخلها فــي صــندوق
البنك ،ول يتصرف فيها ،بل يبقيها في مكان إيداعها حتى
يأتي صاحبها فيأخذها ،فهذا جائز ،وهذا الوجه ليس للبنك
فيــه فــائدة اللهــم إل أن يكــون بيــن القــائمين عليــه وبيــن
صاحب صــحبة .فيحســنوا إليــه بحفـظ دراهمـه فــي حــرز
البنك .ولذلك لو طلب البنك أجرة على حفظها لكل شهر
أجرة معلومة لكان ذلك جائزا ً .
الــوجه الثــاني :أن يأخــذ البنــك هــذه الــدراهم علــى وجــه
القرض ،بحيث يدخلها في صندوق البنك ،ويتصــرف فيهــا
كما يتصرف في مــاله ،فهــذه قــرض وليســت بإيــداع وإن
سماها الناس إيداعا ً ،فالعبرة بالحقــائق ل باللفــاظ ،وإذا
كانت قرضا ً للبنك فهي إرفاق به ومساعدة وتنمية لربحه ،
فإذا كــان البنــك ل يتعامــل إل بالربــا فل ريــب أن إعطــاءه
ن ظاهر على الربا ، الدراهم على هذا الوجه حرام لنه عو ٌ
وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم -لعــن كــاتب الربــا
وشاهديه فكيف بمن يضم ماله إلى مــال المرابــي فيــزداد
ربحه ومراباته .
أما إذا كان البنك له موارد أخرى غير ربوية مثل أن يكــون
له مساهمات في شركات طيبة المكسب ،ولــه مبايعــات
وتصــرفات أخــرى حلل فــإن إعطــاءه الــدراهم علــى هــذا
الــوجه ليــس بحــرام ،لنــه ل يتحقــق صــرفها فــي الــوجه
الربوي من تصرفات البنك ،لكن البعد عن ذلك أولى لنــه
موضع شبهة ،إل أن يحتاج النسان إلى ذلك ،فإن الحاجة
424
تبيــح المشــتبه لقــوة المقتضــى وضــعف المــانع .هــذا هــو
الشائع من فعل القسم الول من المتعاملين بالربا .
أما الشائع من فعل القسم الثــاني مــن المتعــاملين بالربــا
فهــو أن يــأتي الرجــل لشــخص فيقــول :إنــي أريــد مــن
الدراهم كذا وكذا فهل لك أن تدينني العشر أحــد عشــر أو
ثلثة عشر أو أقــل أو أكــثر حســب مــا يتفقــان عليــه ،ثــم
يذهب الطرفان إلى صاحب دكان عنـده بضـائع مرصوصـة
قد يكون لها عدة سنوات إما خام أو سكر أو رز أو هيل أو
غيره مما يتفق عند صـاحب الـدكان ،أظـن أن لـو وجـدوا
أكياس سماد يقضيان بهــا غرضــهما لحصــل التفــاق عليهــا
فيشتريها الــدائن مــن صــاحب الــدكان شــراًء صــوريا ً غيــر
حقيقي ،نقول إنه صوري ل حقيقي لنه لم يقصد الســلعة
بعينها بل لو وجد أي سلعة يقض بها غرضه لشتراها ولنه
ل يقلــب الســلعة ول يمحصــها ول يمــاكس )يكاســر( فــي
الثمــن وربمــا كــانت الســلعة معيبــة مــن طــول الزمــن أو
تسلط الحشــرات عليهــا ،ثــم بعــد هــذا الشــراء الصــوري
يتصدى لقبضها ذلك القبض الصــوري أيض ـا ً ،فيعــدها وهــو
بعيــد عنهــا ،وربمــا أدرج يــده عليهــا تحقيق ـا ً للقبــض كمــا
يزعمون ،والقبض في مدلوله اللغــوي أن يكــون الشــتيء
فــي قبضــتك ،وبعــد هــذا القبــض الصــوري يبيعهــا علــى
المستدين بالربح الذي اتفقا عليه من قبل ،ول ندري هــل
يتصدى هو أيضا ً لقبضها القبض الصوري كما قبضها الدائن
أو يبيعها على صاحب الــدكان بــدون ذلــك ،فــإذا اشــتراها
صاحب الدكان سلم للمدين الدراهم وخرج بها .قال شيخ
السلم ابــن تيميــة رحمــه اللــه تعــالى فــي كتــابه )إبطــال
التحليــل ص : (109بلغنــي أن مــن الباعــة مــن أعــد بــزا ً
لتحليل الربا فإذا جاء الرجل إلــى مــن يريــد أن يأخــذ منــه
ألفا بألف ومائتين ذهبا ً إلى ذلك المحلل فاشترى المعطى
منه ذلك الــبز ثــم يعيــده الخــذ إلــى صــاحبه ،وقــد عــرف
الرجل بذلك بحيــث إن الــبز الــذي يحلــل بــه الربــا ل يكــاد
يبيعه البيع البتات ا هـ .
وقال في الفتاوى ، 430 /29جمع ابن قاسم :إذا اشترى
له بضاعة وباعها له فاشتراها منه أو باعها للثالث صــاحبها
425
الذي اشتراها المقرض منــه فهــذا ربــا .وفــي ص - 436
437مــن المجلــد المــذكور :فهــذان المتعــاملن إن كــان
قصدهما أخذ دراهم بدراهم إلى أجل فبأي طريــق توصــل
إلى ذلك كان حراما ً وفــى ص 438منــه :فهــذه المعاملــة
وأمثالها من المعاملت التي يقصد بهــا بيــع الــدراهم بــأكثر
منها إلى أجل هي معاملة فاسدة ربوية ،قال :وعلى ولى
المــر المنــع مــن هــذه المعــاملت الربويــة وعقوبــة مــن
يفعلهــا ،وفــي ص 441منــه :وكــذلك إذا اتفقــا علــى
المعاملة الربوية ،ثم أتيا إلى صاحب حانوت يطلبــان منــه
متاعا ً بقدر المال فاشتراه المعطــى ثــم بــاعه علــى الخــذ
إلى أجل ،ثم أعاده إلى صاحب الحــانوت بأقــل مــن ذلــك
جعل؟ فهــذا أيض ـا ً فيكون صاحب الحانوت واسطة بينهما ب ُ
من الربا الذي لريب فيه .وفي ص 447منه :وأصل هذا
ئ مــا نــوى ،فــإن الباب أن العمال بالنيات وإنما لكل امر ٍ
كان قد نوى ما أحله الله فل بأس ،وإن نوى ما حرم اللــه
وتوصل إليـه بحيلـة فـإن لـه مــا نــوى .وقـال فــي أبطـال
التحليل ص : 108فيا سبحان اللــه العظيــم ،أيعــود الربــا
الذي قد عظم اللــه شــأنه فــي القــرآن ،وأوجــب محاربــة
مستحله ،ولعن أهل الكتاب بأخــذه ،ولعــن آكلــه ومــوكله
وكاتبه وشاهديه ،وجاء فيه مــن الوعيــد مــا لـم يجــئ فــي
غيره إلى أن يستحل جميعه بــأدنى ســعي مــن غيــر كلفــة
أصل ً إل بصورة عقد هي عبث ولعب يضحك منها ويســتهزأ
بها أم يستحسن مؤمن أن ينسب نبيا ً من النبياء فضل ً عن
سيد المرسلين بل أن ينسب رب العالمين إلــى أن يحــرم
هذه المحارم العظيمة ثم يبيحها بضرب من العبث والهزل
الذي لم يقصد ولــم يكــن لــه حقيقــة وليــس فيــه مقصــود
المتعاقدين قط ؟!.
وقال ابن القيم وهو أحد تلميذ شيخ السلم ابن تيمية في
كتابه الذي لم نر مثله في بابه ) :إعلم الموقعين (3/148
تحقيق عبد الرحمن الوكيل :وهكذا الحيــل الربويــة ،فــإن
الربا لم يكن حرامـا ً لصــورته ولفظــه ،وإنمــا كــان حرامـا ً
لحقيقته التي امتاز بها عــن حقيقــة الــبيع ،فتلــك الحقيقــة
حيث وجدت وجــد التحريــم فــي أي صــورة ركبــت ،وبــأي
426
لفظ عبر عنها ،فليس الشأن في السماء وصور العقود ،
وإنما الشأن في حقائقها ومقاصدها وما عقدت له.ا هـ .
وهذه المعاملة الشائعة بين الناس في التحايل علــى الربــا
تتضمن محاذير منها :أنها خداع ومكر وتحيل علــى محــارم
الله تعالى .والحيلة ل تحلل الحرام ،ول تسقط الواجب ،
بل تزيد القبيح قبحا ً إلى قبحه ،حيث تحصل بهــا مفســدته
مع مفسدة الخداع والمكر ،ولهذا قال بعض الســلف فــي
المتحايلين :يخادعون الله كما يخادعون الصبيان ،لو أتــوا
المر على وجهه لكان أهون .ومنها :أنها تــوجب التمــادي
في الباطل ،فإن المتحّيل يرى أن عمله صــحيح فيتمــادى
فيه ،ول يشعر نفسه بأنه مــذنب ،فل يؤنبهــا علــى ذلــك ،
ول يحاول القلع عنــه ،أمــا مــن أتــى الباطــل علــى وجــه
صريح فإنه يشعر أنه وقع في هلكة فيخجل ويســتحي مــن
ربه ويحاول أن ينزع من ذنبه ويتوب إلى الله تعالى.
ومنها :أن السلعة تباع في محلها بــدون قبــض صــحيح ول
نقل ،وهذا معصية لرسول الله -صـلى اللـه عليـه وسـلم
، -فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي -صلى اللــه
عليه وســلم -نهــى أن تبــاع الســلع حيــث تبتــاع -أي فــي
المكــان الــذي اشــتريت فيــه -حــتى يحوزهــا التجــار إلــى
رحالهم .رواه أبو داود ،ويشــهد لـه حــديث عبــد اللـه بــن
عمر بــن الخطــاب رضــى اللــه عنهمــا قــال :كــان النــاس
يتبايعون الطعام جزاف ـا ً بــأعلى الســوق ،فنهــاهم النــبي -
صــلى اللــه عليــه وســلم -أن يــبيعوه حــتى ينقلــوه .رواه
البخاري ..وقد يتعلــل بعــض النــاس فيقــول :إن عــد هــذه
الكياس قبض لها فنقول :القبض مـدلول لفظـي وهـو أن
يكون الشيء في قبضتك وهذا ل يتحقق بمجرد العـد ّ ،ثــم
لو قــدرنا أن العــد قبــض ،فهــل حصــل النقــل والحيــازة ؛
والنبي -صلى الله عليه وسلم -نهى أن تباع السلع حيــث
تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم .
وقد يتعلل بعض الناس بــأن هــذه المعاملــة مــن التــورق ،
فنقول :ليست هذه من التورق الذي اختلــف فــي جــوازه
فإن التورق أن يشــتري المحــاج ســلعة بثمــن مؤجــل زائد
عن ثمنها الحاضر من أجل أن يبيعها وينتفــع بثمنهــا ،فهــو
427
يشتري سلعة بعينها مقصودة مملوكة للبائع ،أما المعاملة
الشائعة هذه فليست كذلك فان البائع والمشــتري يتفقــان
على الربح ،وهى ليست في ملكه ،ثم إن السلعة ليست
معلومــة لهمــا ول معلومــة الثمــن ول مقصــودة ،ولــذلك
يأخذان أي سلعة تتفق عند صاحب الدكان بأي ثمن كــان ،
حتى إن بعضــهم إذا لــم يجــد ســلعة عنــد صــاحب الــدكان
تكفي قيمتها للدراهم الــتي يحتاجهــا المتــدين رفــع قيمتهــا
حتى تبلغ الدراهم المطلوبة ،وربما اشتراها الدائن فباعها
على المتدين ثم باعها المتدين على صاحب الدكان ثم عاد
صاحب الدكان فباعهــا علــى الــدائن مــرة ثانيــة ثــم باعهــا
الدائن على المتدين ،وهكذا يكــررون العقــد مــرات حــتى
تبلغ الدراهم المطلوبــة فــأين هــذه المعاملــة مــن التــورق
الذي هو موضع خلف بين العلمــاء) ، (2وقــد نــص المــام
أحمد رحمه الله تعالى في رواية أبــي داود علــى أنهــا -أي
مسألة التورق -مــن العينــة ذكــره ابــن القيــم فــي تهــذيب
السنن ، 5/108وذكر في النصاف عن المام أحمــد فيهــا
ثلث روايات :الباحة والكراهــة والتحريــم ،واختــار شــيخ
السلم ابن تيمية تحريم التورق وكــان يراجــع فيهــا كــثيرا ً
فيأبى إل تحريمها .وقد شاع في هذه المعاملة المتحيل بها
على الربا .أن الناس يقولون فيها ) :العشر أحد عشــر( ،
وهذا مكروه في البيع الذي ليس حيلــة علــى الربــا .وعــن
المام أحمــد -رحمــه اللــه -أنــه الربــا ،وقــال أيضـا ً :كــأنه
دراهم بدراهم ل يصح .
وقد تدرج كثير من الناس بهذه المعاملة إلـى الوقــوع فـي
الربـــا الصـــريح ،ربـــا الجاهليـــة الـــذي يـــأكلونه أضــعافا ً
مضاعفة ،فإذا حل الجل ولم يوف المدين إمــا لعجــزه أو
مماطلته قال له الدائن .خله يبقى بمعاشرته فيربى عليه
كل سنة ذلك الربح الــذي اتفقــا عليــه وســمياه معاشــرة ،
نسأل الله تعالى السلمة .
المخرج المشروع :
والموفق يستطيع التخلص من هذا الفخ الــذي أوقعــه فيــه
الشيطان والشح ،فيصرف تعامله إلى البيع والشراء على
الوجه السليم ،ويقضي حاجة المحتاج إما بإقراضه ،وإمــا
428
بالسلم بأن يعطيه دراهم بعــوض يســلمه لــه بعــد ســنة أو
أكثر حسبما يتفقان عليــه ،مثــل أن يقــول :هــذه عشــرة
آلف ريال اشتريت بها منك ،مائة كيــس ســكر تحــل بعــد
سنة ،وقيمة الكيــس بــدون أجــل مــائة وعشــرة ريــالت ،
فهنا حصل للبــائع الــذي هــو المســتدين انتفــاع بالــدراهم ،
وحصــل للمشــتري الــذي هــو الــدائن انتفــاع بربــح عشــرة
ريالت في كــل كيــس ،وربمــا يرتفــع ســعره عنــد الوفــاء
فيربح أكثر ،وربما ينزل فل يحصل لــه إل دراهمــه أو أقــل
وبهذا يخرج عن الربا ويكون كالبيع المعتاد الذي يربح فيــه
أحد المتعاقـدين أو يخسـر حسـب اختلف السـعر .وهـذه
المعاملة كانت شائعة بين الناس إلى عهد قريـب وتسـمى
في لغة العامة )المكتــب أو الكتــب( ينطقــون الكــاف بيــن
السين والكاف ? فهاتان طريقتان لقضاء حاجة المحتاجين
:القرض والمكتب .فــإن لــم يشــأ المتعاقــدان ذلــك فثــم
طريقة ثالثة إذا كانت حاجة المدين بشيء معيــن مثــل أن
يكون محتاجا لسيارة أو ماكينة وقيمتها كذا وكذا ،فيبيعهــا
الدائن عليه بأكثر إلى أجل يتفقان عليه ،لن قصد المدين
هنا نفس تلك العين ل دراهم بدراهم .
ثل حي ْـ ُن َ مـ ْ ه ِ خَرج ـا ً * وي َْرُزقْ ـ ُ م ْه َ جَعل ل ّـ ُ ه يَ ْ ق الل ّ َ من ي َت ّ ِ ))و َ
نمـ ْ ه ِجَعل ل ّـ ُ ه يَ ْ ق الل ّ َ من ي َت ّ ِ ب((]الطلق )) ، [3-2 :و َ س ُحت َ ِ يَ ْ
سرًا(( ]الطلق ، [4:هكذا قــال اللــه تعــالى .وقــال َ
مرِهِ ي ُ ْ أ ْ
َ
م جعَــل ل ّك ُـ ْ ه يَ ْ من ُــوا إن ت َت ُّقــوا الل ّـ َ نآ َ ذي َ تعالى )) :ي َــا أي ّهَــا ال َـ ِ
ل ضـ ِ ذو الَف ْ ه ُ م والل ّـ ُ م وي َغِْفْر ل َك ُـ ْ سي َّئات ِك ُ ْ
م َ عنك ُ ْ فُْرَقانا ً وي ُك َّفْر َ
م((]النفال.[29: ظي ِ العَ ِ
َ
جــاَءهُ مــن َ م الّرب َــا فَ َ حـّر َ ه الب َي ْـعَ و َ ل الل ّـ ُ ح ّوقال تعالى )) :وأ َ
ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ
ن م ْمُرهُ إَلى الل ّهِ و َ ف وأ ْ ُ َ َ ََ ّ ّ ِ عظ َ ٌ ّ مو ْ ِ َ
ن((]البقــرة: َ ُ
عَــاد َ فَ ـأوْل َئ ِ َ
دو َ خال ِـ ُ م ِفيهَــا َ ب الن ّــارِ هُ ـ ْ حا ُ صـ َ كأ ْ
. [275
فالتوبة إلى الله تعالى إذا كانت نصــوحا ً تمحــو مــا قبلهــا ،
وإذا كانت هذه المعاملت المحرمة فعلها العبد تقليدا ً لمن
يحسن الظن به أو تأويل ً اشتبه عليه به وجــه الصــواب ثــم
رجع إليه بعد علمه به فإنه ل يؤاخــذ بــه ،فإنمــا المؤاخــذة
429
فيمن علم الخطأ وتمادى فيه ،والله يهدي من يشــاء إلــى
صراط مستقيم .
الهوامش :
-1وألحــق جمهــور العلمــاء بهــا مــا يســاويها فــي العلــة
والحكمة على خلف بينهم في تحقيق العلــة ،وليــس هــذا
محل بسطها.
-2ولذا يحكى ابن تيمية الخلف في التورق ،ولكن يقــول
في هذه المعاملة :هو من الربا الذي ل ريب فيه.
==============
#فتاوى حول الربا والمفطرات
مجلة البيان ) -ج / 18ص (49
الفتاوى
وصلت المجلة هذه السئلة من الخوة القــراء وقــد تــوجه
بها مندوبنا إلى فضيلة الشيخ عبد الله بــن جــبرين فأجــاب
عليها مشكورا ً ،وجزاه الله خيرا ً ونفع به.
ما حكم اليداع في البنوك الربوية ؟
يجوز للضرورة إذا لـم يوجـد غيـره مـن البنـوك السـلمية
وخيف عليها من اللصوص ...
ما حكم المساهمة في شركات تتعامــل فــي الربــا وأصــل
نشاطها ليس ربوّيا ؟
ل يجــوز المســاهمة فــي مثــل هــذه الشــركات إذا كــانوا
يودعون عند البنوك ويأخذون فــوائد ربويــة يضــيفونها إلــى
رأس المال.
ما حكم المضاربة في المصارف السلمية ؟
يجوز إذا تحقق أنها إسلمية ليس فيها شبهة ول تدخل مــع
البنوك الربوية.
ما حكم التجارة بشراء العملت سواء عــن طريــق البنــوك
أو عن طريق شركات خاصة ؟
يجــوز الصــرف الــذي هــو بيــع نقــد بنقــد بشــرط الحلــول
والتقابض قبل التفرقة ويقوم قبض الشيك الذي له رصــيد
مقام قبض النقد.
ما الذي يفطرمن الشياء التالية:
-القطرة :العينية ،النفية ،الذنية ؟
430
-الحقنة :العضلية ،الوريدية،الجلدية ؟
-حقن المخدر في اللثة لقلع السنان؟
-استعمال فرشاة ومعجون السنان أثناء الصيام ؟
-المبخرات عن طريق الفم كاستنشاق الدواء عن طريــق
الفم في مرض الربو ؟
-التحاميل الشرجية ،الحقن الشرجية ؟
-تفطر النفية إذا وصلت إلــى الحلــق ،ول تفطــر العينيــة
والذنية وإن كانت مكرو هة ..
-يفطر من البر ما يصل إلى الجــوف كحقــن الوريــد ومــا
كان مغذّيا أو مقوّيا من غيرها.
ل تفطر حقن المخــدر حيــث إن أثرهــا موضــعي ل يتجــاوز
موضع السنان.
-استعمال الفرشاة والمعجون مكــروه مخافــة أن يختلــط
بالريق ويدخل الجوف ،وإذا تحفظ فإنه ل يفطر.
-المبخرات يكره إل لضرورة وحينئذ فل يفطر.
-التحاميل تفطر حيث إنها تدخل إلى الجوف.
والله أعلم.
=============
#تنويه ورد )حول كلم الشيخ ابن باز فى الربا(
مجلة البيان ) -ج / 36ص (94
تنويه ورد ّ
أرســل لنــا الــدكتور علــي الســالوس -حفظــه اللــه -عــن
طريق هيئة الرقابة الشرعية في مصرف قطــر الســلمي
هذا الرد من سماحة الشيخ عبــد العزيــز بــن بــاز علــى مــا
كتبته جريدة "الهرام" :
الحمــد للــه والصــلة والســلم علــى رســول اللــه وآلــه
وصحبه .
أما بعد :فقد اطلعت على ما نشرته صــحيفة "الهــرام" -
الصادرة في 18/2/1411هـ الموافــق 7/7/1990م نقل ً
عن معــالي وزيــر الوقــاف المصــري بــأنني أفــتيت بجــواز
التعامــل مــع البنــوك بــالفوائد مــن أجــل الضــرورة ..اهـ ـ
المقصود .
431
ومن أجل إيضاح الحق للقراء وغيرهم أعلن أن هذا النقــل
ل صحة له ،وقد صدرت عنــي فتــاوى كــثيرة ُنشــرت فــي
الصحف المحلية وغيرها بتحريم الفوائد البنكية المعروفة ؛
لن الدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على ذلك.
وحســبنا اللــه ونعــم الوكيــل ،ونســأل اللــه أن يوفــق
المسلمين جميعا ً لكل ما يوافق شــرعه المطهــر ويعيــذهم
من أســباب غضــبه .وصــلى اللــه علــى نبينــا محمــد وآلــه
وصحبه.
==============
#الربا والدوات النقدية المعاصرة )(1
مجلة البيان ) -ج / 100ص (36
دراسات اقتصادية
الربا والدوات النقدية المعاصرة
)(1
د .محمد بن عبد الله الشباني
يمثل تعدد أنواع وأشكال الدوات النقدية المستخدمة فــي
ســداد اللتزامــات الماليــة أهــم المتغيــرات فــي المجتمــع
المعاصــر فيمــا يتعلــق بموضــوع التبــادل النقــدي ،بجــانب
اتساع نطاق التجار بــالعملت الورقيــة ،الــتي تمثــل الداة
النقدية ذات اللزام النظامي في سداد اللتزامات الناشئة
عن التبادل السلعي والخدمي في المجتمع.
إن دراسة ظاهرة استخدام الدوات النقدية المتعـددة فـي
سداد اللتزامات الناشئة عن ممارسة النشطة القتصادية
المختلفة )مثل :الشــيكات ،وبطاقــات الئتمــان المختلفــة(
كأدوات تحل محل النقود المعدنية أو الورقيــة ،يرجــع إلــى
ما يكتنف هذه الساليب من تســاؤلت عــن مــدى شــرعية
هذه الدوات من ناحية ،ومواطن الربا التي يمكن أن توجد
نتيجــة لســتخدام هــذه المســتجدات مــن وســائل ســداد
اللتزامات مــن خلل الوحــدات المصــرفية المختلفــة مــن
ناحية أخرى.
يرتبط فهم طبيعة هــذه الدوات ودورهــا فــي تحقيــق أهــم
وظائف النقـود بفهــم النظريـة النقديــة ،الــتي تهتــم بربــط
النقود بالمتغيرات القتصادية.
432
إن فهم النظريــة النقديــة يســتدعي تحديــد ماهيــة النقــود،
وتكوينها ،وأشــكالها ،وطبيعــة العلقــات المرتبطــة بتأديتهــا
لوظائفها ،وإبــراز وجهــة النظــر الشــرعية مــن خلل فهــم
ودراسة النصوص من القرآن والسنة ،مــع تحديــد النظــرة
الشرعية لمفهوم النقد )بوصفه معيــارا ً لتفســير التغيــرات
فـــي أثمـــان الســـلع والخـــدمات( والدوات المعاصـــرة
المســتخدمة فــي تحقيــق وظيفــة النقــد الخاصــة بتيســير
التبادل السلعي والخدمي ،ومواطن الحرمة عند اســتخدام
هذه المستجدات من الدوات.
وفي هذه المقالة سوف أحاول دراسة الجوانب الشــرعية
لهــذه الدوات ومــواطن الربــا جميع ـًا ،مــع محاولــة إلقــاء
الضوء بشكل مختصر على ماهية النقود من وجهــة النظــر
السلمية.
ماهية النقود:
تحاول الدراسات التاريخيــة للنظــام النقــدي الجابــة علــى
السؤال التالي:
ماذا ُيعنى بالنقود؟ وتأتي الجابة على أنها :ســلعة متميــزة
تمتاز من بين باقي الســلع للقضــاء علــى المقايضــة ،ولهــا
وظائف تقليدية وأشكال معينــة ،وترتبــط بهيئات اقتصــادية
محددة(1) .
لقد ترتب على النظرة المتعلقة بأن النقد ما هو إل ســلعة
مختارة من بين السلع :حصر نطــاق التحليــل النقــدي فــي
الجانب العيني؛ فالظواهر الساسية في الحياة القتصــادية
يمكن دراستها من خلل الجانب العيني )ســلع وخــدمات(،
أما النقود فهي مجرد غطاء خارجي للشياء ،يجب معرفــة
ما وراءه ،فقيمة المنتجــات ل تجــد مقياســها فــي الســعار
النقدية ،وإنما في علقات المبادلة بين السلع في الســعار
النسبية بينها ،وإن ما يتخذ مظهرا ً نقدي ّا ً ما هو في الحقيقة
إل عملية توفيق بين عناصر النتاج من :رأس مال ،وعمل،
ومعرفة فنية ،وموارد طبيعية ،وأجر نقدي.
433
إلى رأس المال النقدي ،وإنما في تحــوله إلــى رأس مــال
ن ،فالقاعــدة العامــة طبيعي ،أي :إلــى أجهــزة وآلت ومبــا ٍ
إذن هي :أن حقيقة الظواهر القتصادية ما هي إل ظــواهر
عينية ،وما النقود إل أداة فنية ليس لها من وظيفــة ســوى
تسهيل عمليات المبادلة والتراكم الرأسمالي فــي اقتصــاد
مبادلة النتاج.
إن هــذا التجــاه التحليلــي لماهيــة النقــود ،لــم يكــن حــدثا ً
عارضا ً بقدر ما كان نتاج مجموعة من الظــروف التاريخيــة
والفكرية المصاحبة للتغيرات التي حدثت في القتصاديات
الوروبية خلل فترة تراجع المة الســلمية ،ودخولهــا فــي
فــترة الضــمحلل والجمــود والنفصــام مــا بيــن معطيــات
ومبادئ الشريعة السلمية والركود الــذي أصــاب مختلــف
أوجه الحياة في المة السلمية ،أما بالنسبة للقتصــاديات
الوروبيـــة ،فقـــد تميـــزت بتعـــدد الضـــطرابات النقديـــة
والتجارب في تطوير العمــل المصــرفي ،مــع تغيــر وتبــدل
الظــروف التاريخيــة ،الــتي أدت إلــى تفســير الكــثير مــن
العلقـــات النقديـــة غيـــر المتوازنـــة والمرتبطـــة بالنتـــاج
والسعار ،وفي مواجهة هذا التجــاه )التجــاه العينــي( بــرز
اتجاه فكري مضاد لــه قــائم علــى رفــض تجريــد القتصــاد
العيني من كل خصيصة نقدية؛ حيث يــرى أن للنقــود دورا ً
وأهمية في تفسير الظواهر العينيــة ،ممــا أعطــى للتحليــل
النقدي دورا ً على حساب التحليل العيني.
يرتبـــط دور النقـــود فـــي أداء مهامهـــا بوصـــفها ظـــاهرة
اجتماعية ذات أبعاد متعددة مــن حيــث إنهــا تمثــل وســائل
الدفع التي يحتاج إليها القتصاد بتطور العلقات القتصادية
)إنتاجا ً وتوزيع ـًا( مــن مرحلــة النتــاج الــذاتي القــائم علــى
إشــباع الحاجــات الذاتيــة إلــى مرحلــة النتــاج المتخصــص
المقترن بالحاجة إلى المبادلة ،التي بدأت بالمقايضــة ومــا
صاحبها من معوقات بسبب تعدد الطراف وتعــدد الســلع،
مما أدى إلى اختيار سلعة معينــة كقاعــدة للمقارنــة ،وبهــا
تقاس قيم السلع الخرى ،وما استتبع ذلك من قبــول هــذه
السلعة ،باعتبار أن لها قيمة ذاتيــة تقبــل مــن الجميــع فــي
434
عمليات التبادل ،مع إمكانيــة تخزينهــا وانتقالهــا مــن حيــث
الزمان والمكان.
لقد واجه النسان مشكلة اختيار السلعة القابلة لن تكــون
وسـيطا ً للمبادلـة ،ومقبولـة مـن الجميـع ،وتكـون مقياسـا ً
للسلع الخرى.
خصائص النقود:
لقــد توصــل النســان مــن خلل تجــاربه إلــى ضــرورة أن
تتصف النقود بخصائص معينة ،حتى تقوم بوظائفها ،وهــذه
الخصائص يمكن إجمالها في المور التالية ):(2
-1أن تكــون الوحــدات الــتي تتكــون منهــا الســلعة كنقــد
مقبولة من الجميع ،وهذا القبــول يعطيهــا خاصــية اللــزام،
وبعد تولي الدولة فرض القبول لوحدات النقد ساعد ذلــك
المر على أن تصبح النقــود الورقيــة الــتي يصــدرها البنــك
المركزي ملزمة للجميع ومبرئة للذمــة ،وبالتــالي :ظهــرت
النظرية التي تقول :إن النقود ليست لها قيمة فــي ذاتهــا،
وإنما تستمد هذه القيمة من سلطة الجبــار ،فالدولــة هــي
جد النقود ،وهي التي تزيل عنها هذه القدرة. التي تو ِ
-2أن تكون لها صفة الدوام والثبات ،ففقدان النقــد لهــذه
الصفة يضعفها من القيام وظائفها المتمثلة في أنها مخزن
للقيمة ،ووسيلة لتسديد الديون ،فعــدم الثبــات يــؤدي إلــى
الضطراب في المعاملت.
-3تــوفر عنصــر النــدرة ،فالنــدرة عنصــر أســاس لفــرض
الحترام والتناسب مع حجم المعــاملت والمحافظــة علــى
القيمــة ،لقــد كــان اختيــار الــذهب والفضــة فــي الماضــي
سا ً على ما يتمتعان به من نــدرة نســبية فــي الوجــود مؤس ً
الطبيعي ،وبعد قيام الدولة باللزام بقبول النقود الورقيــة،
فقد اســتخدم لتحقيــق هـذه الخاصـية فـرض القيــود علــى
الصدار النقدي الورقي.
-4إمكانيــة النقســام ،أي :إمكانيــة تجزئتهــا إلــى وحــدات
صغيرة نهائية أو ل نهائية ،وهــذه القابليــة تســتلزم القــدرة
علــى تجــزئة قيمتهــا ،وبالتــالي :تجــزئة الوحــدات النقديــة
الموازية على أن يتبع هذا النقســام التكــافؤ أو المســاواة
بين قيمة مجموع الجزاء المقسمة ووحــدة النقــد الكليــة،
435
ولمواجهــة الحاجــة إلــى انقســام الوحــدات النقديــة تعمــد
الدولة في العصر الحديث إلى إصــدار مــا يســمى بالعملــة
المساعدة؛ سواء أكان على أساس معدني أو أوراق نقدية
مســاعدة تقــوم بــدور وحــدات التجــزئة لوحــدات النقــد
الورقيــة ،والغــرض منهــا :تســهيل المعــاملت ومواجهــة
اختلف أحجام السلع.
وظائف النقود:
على ضوء ما سبق من مناقشة لماهية النقود والخصــائص
التي يجب أن تتــوفر فـي أي سـلعة تتخــذ نقــدًا :يتضــح أن
النقود ليســت غايــة فــي ذاتهــا ،بقــدر مــا هــي أداة لتأديــة
وظائف معينة يمكن إجمالها في المور التالية ):(3
-1قيــاس قيــم الســلع والخــدمات :فــالنقود هــي مقيــاس
للقيمة ووحدة للمحاسبة ،فعدد الوحــدات النقديــة اللزمــة
للحصول على السلعة ،الــتي تســتبدل بهــا الســلعة ،تعتــبر
ثمنا ً أو قيمة لهــذه الســلعة ،وحيــث إن النقــود هــي وحــدة
القيــاس المشــتركة لقيــم جميــع الســلع ،وبالتــالي :يمكــن
المقارنة بين القيــم النســبية لمختلــف الســلع عــن طريــق
تقدير عدد الوحــدات النقديــة اللزمــة للحصــول علــى كــل
سلعة.
-2أداة للدفع ووســيط للمبادلــة :فــالنقود تســتخدم كـأداة
للمدفوعات؛ للحصــول علــى الســلع والخــدمات مــن خلل
الشراء ،والبيع ،وتقــديم الخدمــة ،أوالحصــول عليهــا ،فعــن
طريق تقديم كمية من النقــود أو فتــح حســاب فــي البنــك
التجــاري :يتــم دفــع المعــاملت الماليــة وإشــغال الذمــة
وإبراؤها ،فالنقود أداة لتسديد كافة اللتزامات.
-3النقود مخزن للقيمة :وهذه الوظيفــة مرتبطـة بخاصـية
الثبات والدوام ،فالنقود بما تمثله من قــوة شــرائية يمكــن
أن تكتنــز فــي لحظــة معينــة ،أي :يحتفــظ بهــا لتنفــق فــي
لحظة تالية ،وهي بذلك تربط قيمة السلع بالزمن ،والنقود
بفكرة المضاربة ،والقيام بتحقيــق الدخــار وتراكــم رؤوس
الموال.
وفــي الماضــي ،حينمــا كــانت المعــادن النفيســة )الــذهب
والفضة( يتم تداولها نقودًا ،فيتمثل التخزين فـي الحتفــاظ
436
بهــا ،أمــا بعــد أن حلــت النقــود الورقيــة محلهــا ،فيتمثــل
التخزين في اليداع في البنـوك ،وينتـج عــن الحتفـاظ بهـا
في البنوك :الحصول علــى ثمــن لهــذا اليــداع يتمثــل فــي
الفائدة التي تمنح للمودعين.
طبيعة النظام النقدي:
من خلل الستعراض السابق اتضحت لنا ماهية النقود من
حيث خصائصــها ووظائفهــا ،المــر الــذي سيســاعدنا علــى
معرفة طبيعة النظــام النقــدي ،وبالتــالي :تحديــد التكييــف
الفقهي كمــا نــراه للنظــام النقــدي المعاصــر ،مــع توضــيح
ومناقشة البعاد الشــرعية للدوات المســتجدة للــدفع فــي
النظام النقدي المعاصر ،مع محاولة تحديــد مــواطن الربــا
التي يمكن أن تنشأ من خلل استخدام هذه الدوات.
النظــام النقــدي لي مجتمــع مــن المجتمعــات مــا هــو إل
مجموعــة مــن العلقــات والتنظيمــات الــتي تحكــم الوضــع
النقدي ضــمن فــترة زمنيــة معينــة ونطــاق مكــاني محــدد،
وبالتالي :فل بد من تــوفر ثلث خصـائص للنظــام النقــدي)
،(4وهي:
(1قيام النظام على عدد من العناصر ،من أهمهــا :عنصــر
القاعدة النقديــة ،الــتي يقصــد بهــا المقيــاس الــذي يتخــذه
المجتمع أساسا ً لحساب القيمة القتصادية ،والغايــة منهــا:
المحافظــة علــى القيمــة القتصــادية للنقــود )أي :قوتهــا
الشرائية( في النطاقين الداخلي والخارجي.
تقوم القاعدة النقدية على ظاهرة الندرة للمــوارد النقديــة
عنــدما كــان النقــد يأخــذ شــكل ً مادي ّــا متمثل ً فــي المعــادن
النفيسة ،التي تتمتــع بنــدرة طبيعيــة ،ولكــن المــر اختلــف
عنــدما اســتندت القاعــدة النقديــة علــى القيمــة الورقيــة
)قاعدة النقد الورقية( ،وبالتالي :حــل الجــانب التنظيمــي،
الذي يتمثل في مجموعة الشروط والقواعــد الــتي تضــعها
السلطات النقدية في الدولة ،للتعبير عن تصــورها للقيمــة
النقدية وارتباطها بالقيم القتصادية ،وهــي شــروط تهــدف
غالبا ً إلى تحقيق الســتقرار النقــدي ،أي :تحقيــق التوافــق
بين حجم وسائل الدفع وقدرات الجهاز النتاجي ،وبالتالي:
فكفاءة القاعدة النقدية تقاس بقــدرتها علــى التحكــم فــي
437
عــرض النقــود القانونيــة ،عــن طريــق غطــاء الصــدار
والئتمان ،عن طريق التحكم في الودائع وفي رقابة البنك
المركــزي علــى البنــوك التجاريــة ،بجــانب هــذا العنصــر
الساس هنــاك عناصــر ثانويــة فــي النظــام النقــدي ،ومــن
أهمها :وحدة النقد الرســمية المســتخدمة فــي الحســابات
النقدية ،فلكل اقتصاد قومي وحـدة نقـد رسـمية تسـتخدم
في الحسابات النقدية ،مثل :الريــال ،والجنيــه ،والــدولر...
ترتكــز عليهــا المــدفوعات الداخليــة الناتجــة عــن دفــع
اللتزامــــات الماليــــة )الــــبيع ،والشــــراء ،والجــــور،
والربــاح...إلــخ( ،ويلــزم لهــذه الوحــدة الحســابية صــفتان
أساسيتان :الولى :الصفة القانونية ،أي :التمتع بقوة إبــراء
جب َــر الــدائن علــى قبولهــا
مطلقة في الوفاء باللتزامــات ي ُ ْ
وفاًء لدينه ،ويعفى المـدين مـن دينـه بمجـرد السـداد بهـا،
ويقبلها الجميع فــي المعــاملت .الثانيــة :الصــفة اللزاميــة
لسعرها ،بحيث ل يســمح بتحويلهــا إلــى أي نــوع آخــر مــن
النقود ،ولكــن وظــائف وعلقــات النقــود الساســية طغــت
على دور وأهمية القاعدة النقدية ،وهذا ما نشاهده في أن
العلقة بين وحدات النقد الساسية )الريال /الــدولر ،مث ً
ل(
وأدوات الدفع الخرى )نقود ائتمانيــة ،أذون خزانــة ،أوراق
ماليــة( مرتبطــة بموضــوع الســيولة؛ فــالنقود الساســية
بصــفتها نقــودا ً قانونيــة ونهائيـة تمثـل قيمــة الســيولة ،أمـا
أدوات الدفع الخــرى :فهــي تتمتــع بــدرجات متفاوتــة مــن
السيولة قد تتحول عاجل ً أو آجل ً إلى نقود أساسية بحسب
دورها في النشاط القتصادي.
(2النظــام النقــدي نظــام اجتمــاعي ل يمكــن فصــله عــن
البيئة الجتماعية والقتصادية التي يعمل فيها ،فهي تعكس
بالضرورة القتصاد الذي وجــد لخــدمتها ،فالنظــام النقــدي
في القتصاد الرأسمالي الربوي يختلف عن النظام النقدي
ل :النظام النقدي في اقتصاد تقوم قيمه على السلم ،فمث ً
الرأسمالي يقوم على الربا ،فجميع أشكال المعاملت في
هذا النظام تدور حــول تلــك الفــائدة الربويــة ،أمــا النظــام
النقدي السلمي في حالة قيامه في مجتمع يلتزم بالنظام
القتصــادي الســلمي :فلــن يكــون للفــائدة الــدور المــؤثر
438
والفاعل ،بل سيحل مفهوم الربح والخسارة محل مفهــوم
الفائدة الربوية.
(3النظــام النقــدي نظــام متغيــر حســب مــا يحــدث فــي
النظام القتصادي والجتماعي الذي ينتمـي إليـه ،فالنظـام
النقدي يمثل الشكل الخــاص لتــداول النقــود فــي اقتصــاد
ل :التغيـــرات الـــتي حـــدثت فـــي النظـــام المبادلـــة ،فمث ً
القتصادي الرأسمالي أثــرت فــي تطــور النظــام النقــدي؛
حيث مر هذا النظام من مرحلة قاعدة الذهب إلى مرحلــة
قاعدة النقد الورقية ،ومرحلة الليبرالية النقدية إلى مرحلة
التدخل النقدي ،وهذا التغير كان نتيجة لطبيعة التوافق بين
البيئة القتصادية والظواهر النقدية؛ بقصد المحافظة علــى
الهداف الرئيسة للنظام الرأسمالي.
النظام النقدي والنقود الورقية:
يقتضــي فهــم النظــام النقــدي المعاصــر معرفــة العلقــة
ودراستها بين خاصــية النظــام النقــدي )القاعــدة النقديــة(
والنقود الورقية والئتمانية ،وهذا يقتضي إلقاء الضوء على
ل مــن النظــامين النجليــزي تطــور هــذه العلقــة فــي كــ ّ
والفرنســي؛ باعتبــار أن هــذين النظــامين يمثلن القــوتين
الرئيستين في النظام الرأسمالي؛ حيث كان لهمـا الريــادة
في ابتكــار النظــم النقديــة وتطويرهــا فــي القــرن التاســع
عشر ،ومنهما انتقلــت هــذه النظــم إلــى بقيــة اقتصــاديات
العالم.
لقد اعتبر النظامان وحــدات النقــد الذهبيــة نقــودا ً قانونيــة
ونهائية ،أي :إنها تمثل نقود القاعدة النقدية ،فوحدة النقــد
أصبحت تساوي وزنـا ً معينـا ً مــن الــذهب ،وهــذا يعنــي :أن
كمية معينة من هذا المعدن النفيس تعتــبر مقياس ـا ً للقيــم
القتصادية في المجتمع ،ووحدة الحساب لهذه القيم ،وقد
أدى التطور القتصادي واتساع نطــاق التبــادل إلــى ظهــور
أدوات دفع أخرى ،بعضها يتمتـع بخاصـية قـوة البـراء دون
الخاصية النهائية ،أي :القدرة على التحول إلى نقود أخرى
)النقود الورقية( ،و بعضها الخر ل يتمتع بالقبول الجبــاري
ول بالخاصية النهائية )النقود الئتمانية( ،وإنما تستخدم في
المعاملت على أساس القبول الختياري وثقة الفراد فــي
439
المؤسســات الــتي تصــدرها ،ومــن المعــروف أن النقــود
الورقية نمــت وتطــورت مــن خلل تطــور النظــام النقــدي
الفرنسـي ،كمـا أن النقـود الئتمانيـة نمـت وتطـورت مـن
خلل تطور النظام النقدي النجليزي.
ومن خلل التجربة التاريخية للفترة من سنة 1797م حتى
ســنة 1818م توصــل النظامــان إلــى جعــل وحــدة النقــد
تســاوي وزن ـا ً معين ـا ً مــن الــذهب أو الفضــة ،وقصــر حــق
الصدار للنقود الورقية )المصرفية( على بنك فرنسا وبنك
إنجلترا ،وأصبح لهاتين المؤسستين الخيار بالنســبة لغطــاء
الصدار ،إما بضمان احتىاطي معــدني )ذهــب أو فضــة( أو
تغطيــة الصــدار بالئتمــان الــذي تمنحــه ،وبالتــالي :تصــبح
النقــود الورقيــة أداة ائتمــان ووســيلة للقــراض والتمويــل
لقطاعــات التجــارة والمعــاملت ،فعنــدما يكــون غطــاء
الصــدار متمثل ً فــي الئتمــان :يتــم اتبــاع أســلوب الخصــم
وإعادة الخصم باستخدام الوراق التجارية ،وبصــفة خاصــة
)السند الذني( و)الكمبيالت( ،وبالتالي :فإن إصدار النقود
الورقيــة مــن خلل الضـــمان يتـــم تغطيتــه بالكمبيــالت
المخصومة ،بحيث يكون غطاًء لها بدون حاجــة إلــى زيــادة
الرصــيد المعــدني ،والنتيجــة :أنــه يمكــن أن يتجــاوز حجــم
النقــود المصــدرة حجــم غطــاء الصــدار المعــدني ،وتحــت
نظام الصدار الورقي بضمان الئتمان :فإن جملــة النقــود
الورقية المعروضة في التداول كانت مغطاة جزئي ّا ً بالنقود
المعدنية ،أما الجزء الخر فيكون مغط ّــى فعلي ّـا ً بالئتمــان،
كما أن النظام النجليزي اتبع طريقة فتح العتمــاد وأداتهــا
النقود الئتمانية )الشيكات(.
على ضوء ما سبق من إيضاح لفكرة تطور النظام النقدي
وتحديــد طــبيعته ومــاهيته ،يتضــح لنــا :أن النظــام النقــدي
المعاصر مؤسس على النقود الورقية ،التي تتمتع بصــفتي
القانونية والنهائية؛ لتساعدها وتكملها في تحقيق وظائفهــا
وحجمهــا :النقــود الئتمانيــة ،وهمــا معــا ً يكونــان الرصــيد
النقدي ،أي :مجموع أوراق الدفع المتاحــة لقتصــاد معيــن
في فترة زمنية معينة.
440
وبهذا برزت قاعدة النقد الورقيــة ،حيــث انفصــلت القيمــة
القتصادية للنقود عن أي قيمة اقتصادية لي ســلعة ماديــة
معينــة وبصــفة خاصــة :الــذهب فقيمــة النقــود فــي قوتهــا
الشرائية ،أي :في قدرتها على التحول إلى سلع وخدمات،
وبذلك تصبح النقود أداة الدفع في اللحظة الحالية وتمثيــل
للثروة في اللحظة المستقبلية.
إن قاعدة النقد الورقية ل تتجسد في مظهر مـادي معيـن،
وإنما هي تتمثل في مجموعة الشروط والقيــود التنظيميــة
التي تضعها الدولة لصدار النقود الورقية القانونيــة ،وهــذه
القاعــدة أدت إلــى ظهــور أدوات دفــع متعــددة ومتنوعــة،
وخاصة بعد ثــورة التصــالت ،الــتي ســاعدت علــى ظهــور
وســائل جديــدة ،يتــم بموجبهــا ســداد اللتزامــات بــدون
اســتخدام النقــود الورقيــة ،مثــل) :بطاقــات الصــرف(،
و)بطاقات الئتمان( ،و)الشيكات(؛ ممــا يســتدعي دراســة
هذه الدوات مــن الناحيــة الشــرعية ،وتحديــد منــاط الربــا
فيها.
وللحديث صلة
__________
(1القتصاد والنقد المصرفي ،د .مصطفي رشدي شــيحة،
ص .34
(2المرجع السابق ،ص .70
(3المرجع السابق ،ص .73،82د.
(4المرجع السابق ،ص .83،88د.
================
#الربا والدوات النقدية المعاصرة )(2
مجلة البيان ) -ج / 101ص (34
دراسات اقتصادية
الربا والدوات النقدية المعاصرة
)(2
د .محمد بن عبدالله الشباني
في الحلقة الولى من هذه الدراسة تمــت مناقشــة ماهيــة
النقود ووظائفها ،وطبيعة النظام النقدي والنقـود الورقيـة.
وفي هذه الحلقة :سوف تتــم مناقشــة ماهيــة النقــود فــي
441
الســلم ،والتخريــج الفقهــي الخــاص بــالعملت الورقيــة
والمواطن الربوية فيها.
ماهية النقود في السلم :
يرتكز الصل الشرعي فيمــا يتعلــق بطبيعــة النقــود :علــى
أساس أن النقد هو الداة الــتي تقي ّــم بهــا الشــياء ،وليــس
على أساس أن النقد سلعة بحد ذاتها ،ولكنه أداة للتبــادل،
ويشير القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في قوله )تعالى(:
ة(( ]يوسف [20 :ففي دود َ ٍ
مع ْ ُ
م َ
س د ََراهِ َ
خ ٍ
ن بَ ْ شَروْهُ ب ِث َ َ
م ٍ ))وَ َ
هذه اليــة تفريــق بيــن الثمــن وبيــن أداة الثمــن ،وألحقــت
بالثمن صفة ملزمة له وهي التفســير؛ حيــث وصــف ثمــن
بيــع يوســف )عليــه الســلم( بــالبخس ،أي :بالقلــة ،قــاله
مجاهد والشعبي) .(1لقد أشارت الية إلــى أمريــن :الول:
أن قيمة وثمن يوسف )عليه السلم( كان قليل ً ل يتفق مع
حقيقة قيمتــه ،وقــد أشــار إلــى هــذه الحقيقــة المــام ابــن
العربي في كتابه أحكام القــرآن عنــد تفســيره لهــذه اليــة
بقوله) :وقيل في )بخس( أنه بمعنــى حــرام ،ول وجــه لــه،
وإنما الشارة فيه إلى أنه لــم يســتوف ثمنــه بالقيمــة؛ لن
إخوته إن كانوا باعوه ،فلم يكن قصدهم ما يستفيدون من
ثمنه ،وإنما كان قصدهم ما يستفيدون من خلو وجه أبيهــم
عنه().(2
المر الثاني :أن الشارة إلى الدراهم بعد إيراد لفظ الثمن
ما هو إل إشعار بأنها أداة لتحديد القيمــة ،وبالتــالي :يمكــن
أن تكــون الداة المســتحدثة فــي الثمــن تتفــاوت وتتعقــد
أشـــكالها وأنواعهـــا حســـب ظـــروف النـــاس وطبيعـــة
المجتمعات.
لقد فهم فقهاء المسلمين وعلماؤهم طبيعة النقد وعلقتــه
بالعمليات التبادلية ،فقد أشار ابن قدامة فــي كتــابه القيــم
)المغني( إلــى حقيقــة النقــد وطــبيعته عنــدما تحــدث عــن
الزكاة ،فقام بالتفرقة بيــن زكــاة الــزروع والثمــار ،وزكــاة
المعدن المستخرج من الرض ،وأشار إلــى الفــرق بينهمــا
مع أن مصدرهما واحد ،وهــو الرض ،يقــول )رحمــه اللـه(:
)أما الزروع والثمار فهــي نمــاء فــي نفســها ،تتكامــل عنــد
إخراج الزكاة منها ،فتؤخذ الزكاة منها حينئذ ،ثم تعــود فــي
442
النقــص ل فــي النمــاء ،فل تجــب فيهــا زكــاة ثانيــة؛ لعــدم
إرصادها للنماء ،والخارج من المعــدن مســتفاد خــارج مــن
الرض بمنزلــة الــزرع والثمــر ،إل أنــه إن كــان مــن جنــس
الثمان ففيه الزكاة عند كل حول؛ لنـه مظنــة للنمــاء مــن
حيث إن الثمان قيم الموال ورأس مال التجــارات ،وبهــذا
تحصل المضاربة والشركة؛ وهــي مخلوقــة لــذلك :فكــانت
بأصلها وخلقتها كمال التجارة المعد لها().(3
فقد ربط ابن قدامة بين قيم الموال والثمــان ،حيــث يتــم
تحديد قيم الموال من خلل تحديد الثمان؛ ولهــذا :عنــدما
تحدث في )باب الربا والصرف( عـّرف الصــرف بــأنه :بيــع
الثمان بعضها ببعض) ،(4وقد أوضح هذا المفهوم المتمثل
في أن طبيعة النقد تتمثل فــي أنهــا الوســيلة لتحديــد قيــم
مختلف الشياء ،حيث أكد ذلك عند مناقشــة زكــاة الــذهب
والفضة الصحيحة والمكسرة ،حيث رأى جواز الخراج عن
الذهب والفضة الصحيحتين أكثر من المكسرة؛ معلل ً ذلــك
بأن )الفرق بينهما )أي :الصحيحة والمكســرة( :أن القصــد
من الثمان القيمة ل غير ،فإذا تســاوى الــواجب والمخــرج
في القيمــة والقــدر جــاز ،وســائر المــوال يقصــد النتفــاع
بعينها ،فل يلزم من التساوي في المريــن الجــزاء؛ لجــواز
أن يفوت بعض المقصود().(5
ن قدامــة فــي هــذا المفهــوم ،حيــث ن عابدين ابـ َ ويوافق اب ُ
يقــول) :رأينــا الــدراهم والــدنانير ثمن ـا ً للشــياء ،ول تكــون
الشياء ثمن ـا ً لهــا ...فليســت النقــود مقصــودة لــذاتها ،بــل
وسيلة إلى المقصود().(6
ويتولى ابن القيم )رحمه الله( في كتابه )إعلم الموقعين(
إيضــاح طبيعــة النقــود ودورهــا بشــكل جلــي ،وبمنطــق
اقتصــادي ســليم ،عنــد تحديــد علــة الربــا بالنســبة للــذهب
والفضة باعتبار أنهما الوسيلتان المستخدمتان في التبادل،
يقول...) :العلة فيهما )الدراهم والدنانير( :الثمنيــة ،وهــذا:
قول الشافعي ،ومالك ،وأحمد في الروايــة الخــرى ،وهــذا
هو الصــحيح ،بــل الصــواب ...فالتعليــل بــالوزن ليــس فيــه
مناسبة ،فهو طــرد محــض ،بخلف التعليــل بالثمنيــة ،فــإن
الدراهم والدنانير أثمان المبيعات ،والثمن هو المعيــار ،بــه
443
ُيعرف تقويم الموال ،فيجب أن يكون محدودا ً مضــبوطا ً ل
يرتفــع ول ينخفــض ،إذ لــو كــان الثمــن يرتفــع وينخفــض
كالسلع ،لم يكن لنا ثمن نعتــبر بــه المبيعــات ،بــل الجميــع
سلع ،وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون بــه المبيعــات حاجــة
ضرورية عامة ،وذلك ل يمكن إل بسعر تعرف بــه القيمــة؛
وم به الشياء ويستمر على حالة وذلك ل يكون إل بثمن تق ّ
وم هو بغيره؛ إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض، واحدة ،ول يق ّ
خلف ويشتد الضرر ...فلــو فتفسد معاملت الناس ،ويقع ال ُ
أبيح ربا الفضــل فــي الــدراهم والــدنانير ،مثــل :أن يعطــى
صحاحا ً ويأخذ مكســرة ،أو خفافـا ً ويأخــذ ثقــال ً أكــثر منهــا:
لصارت متجرًا ،أو جر ذلك إلــى ربــا النســيئة فيهــا ول بــد،
فالثمــان ل تقصــد لعيانهــا ،بــل يقصــد التوصــل بهــا إلــى
السلع ،فإذا صارت في أنفسها ســلعا ً لعيانهــا :فســد أمــر
الناس ،وهذا معنى معقــول يختــص بــالنقود ل يتعــدى إلــى
سائر الموزونات().(7
من خلل هذه المناقشــة الــتي أوردهــا ابــن القيــم )رحمــه
اللـه( يتضــح دور النقـود؛ حيــث يجــب أن يقتصـر علــى أن
تكــون أداة لتحديــد قيــم الشــياء؛ وبالتــالي :فل يجــوز أن
تستخدم النقود سلعا ً يتجــر بهــا ،وبهــذا :فــإن مــا يتــم مــن
مضــاربات فــي ســوق العملت يجعــل النقــود ســلعا ً ُتعــد
للربح ،حيث نتج عن ذلك أضرار كبيرة كما هو مشاهد في
الواقــع المعاصــر ،فيمــا يتعلــق بتذبــذب أســعار العملت،
واتجاه كثير من فوائض الموال إلى التجار فيهــا بــدل ًً مــن
الستثمار في المشروعات النتاجية.
على ضوء ما سبق يمكن القــول :إن الشــرع الســلمي ل
يشترط شــكل ً معينـًا ،أو مــادة معينــة للداة النقديــة؛ فقــد
تكون مسكوكات ذهبية ،أو فضــية ،أو نحاســية ،أو أي نــوع
مــن المعــادن ،أو ورقيــة ،وتعتــبر نقــودا ً إذا تــوفرت فيهــا
العناصر التي أشار إليها ابن القيم ،وهي:
-1اعتبـــار النقـــد أداة للـــدفع ووســـيلة للتبـــادل للســـلع
والمنافع.
-2اعتباره أداة لتقييم الشياء ومعرفة أثمان المبيعات.
444
-3ثبات قيمة الوسيلة التي تستخدم لتقييم الشياء وثبات
معيارها ،بحيث ل ترتفع ول تنخفض.
-4عدم التجار بها ،أي :عدم اعتبارها سلعة يتجر بها.
ووفقا ً لهذه الضــوابط :فــإن النظريــة النقديــة كمــا توصــل
إليها ابن القيم تتفق في بعض جوانبها مع مــا تــم التوصــل
إليــه فــي هــذا العصــر فــي ظــل مــا عــرف بقاعــدة النقــد
الورقية ،حيث انفصلت القيمة القتصــادية للنقــود عــن أي
قيمة اقتصادية لي سلعة مادية معينة ،وبالتالي :فإن هــذه
القاعدة تتمثل في مجموعــة الشــروط والقيــود التنظيميــة
التي تضعها الدول لصدار النقود الورقيــة ومــا تطــور مــن
وســائل فــي التــداول النقــدي ،وهــو مــا عــرف بــالنقود
الئتمانية ،ومن هذا يتضح :أن وجهه نظر ابن القيم تختلف
عما هو متعارف عليه في العصر الحاضر؛ فابن القيم يرى
عــدم جــواز التجــار فــي النقــود؛ بخلف النظــام النقــدي
المعاصر الذي يقوم على اعتبار النقــود ســلعة مثــل بــاقي
السلع لها قيمة ذاتية تتمثل في قيمة الزمــن ،الــذي يقــوم
على فكرة الربا؛ حيث إن العلة فــي التذبــذب فــي أســعار
العملت في السوق المالية العالمية يعود فيما أظنــه إلــى
نقص الضوابط الخاصة بالنقود حسب مــا أشــار إليهــا ابــن
القيم ،ومنها منع التجار بالنقود.
على ضوء ما سبق من تحديد لمفهوم النقد عند ابن القيم
وغيره من فقهاء المسلمين :فما هو الموقف تجاه النقــود
الورقية من حيث شرعيتها ومدى جريان الحكــم الشــرعي
للــذهب والفضــة عليهــا ،بعــد أن أصــبح التعامــل بالــذهب
ل؛ لتســاع وكــبر حجــم التبــادل الســلعي والفضــة مســتحي ً
والخدمي بين أفراد المجتمع؟.
إن الجابــة علــى هــذا التســاؤل ترتبــط وفــق مــا ســبق
ة
مناقشــته بــأن اســتخدام معــدني الــذهب والفضــة وســيل ً
للتبادل وإبراء الذمة ،وارتباط علــة الربــا بالنســبة للــذهب
والفضة بالثمنية ،وأن قيــام الوراق النقديــة مقــام الــذهب
والفضة يؤدي إلى سريان العلــة عليهــا ،وبالتــالي :ســريان
الحكام المترتبة علــى الــذهب والفضــة عليهــا ،باعتبــار أن
العملت هــي أجنــاس؛ حيــث إن الــذهب جنــس والفضــة
445
جنس ،وأن العلة الجامعة بين الذهب والفضة فــي أحكــام
الصرف هــي الثمنيـة ،وبالتـالي :ســريان هــذه العلـة علــى
النقود الورقية لعتبارين:
-1اجتمــاع طبيعــة الجــانب المــادي مــن حيــث إن المــادة
للعملت الورقية هي الورق ،بينما الجامع للــذهب والفضــة
مادة المعدن.
-2اجتماع علة الثمنية بعين الذهب والفضة ،وهــذا يســري
على العملت الورقية المختلفة لمختلف الدول.
على ضوء هذا :تصبح العملت الورقية أجناس بتعدد جهات
إصدارها ،فالنقــد المريكــي مثل ً جنــس ،والنقــد الســعودي
جنس ...وهكذا ،وقد أفتت هيئة كبار العلماء في السعودية
بأن العملت الورقية أجناس).(8
حيث نص على جريان الربا بنوعيه )الفضل والنســاء( فــي
العملت الورقيــة ،كمــا يجــري الربــا بنــوعيه فــي النقــود
المســبوكة مــن الــذهب والفضــة وغيرهــا مــن المعــادن
كالفلوس ،وقد أيد المجمع الفقهي السلمي هذه الفتوى)
.(9
على ضوء هذا :فإن عمليات الصرف الحاضر بين العملت
المختلفة جائزة عند توفر شرطي الحلــول والتقــابض ،أي:
جواز شراء الدولر المريكي بسعر ثلثة ريالت ونصــف أو
أكثر أو أقل ،بشـرط التقـابض بسـعر اليـوم ،اسـتنادا ً إلـى
حديث ابن عمر الذي جاء فيــه) :كنــت أبيــع البــل بــالبقيع؛
فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم ،وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير،
آخذ هذه من هذه ،وأعطي هذه مــن هــذه ،فــأتيت رســول
اللــه فــي بيــت حفصــة ،فقلــت يــا رســول اللــه :رويــدك،
أســألك :إنــى أبيــع البــل بــالبقيع ،فــأبيع بالــدنانير وآخــذ
الدراهم ،وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ،آخذ هذه مــن هــذه،
وأعطي هذه من هذه ،فقال رسول الله :ل بأس أن تأخــذ
بسعر يومها؛ ما لم تفترقــا وبينكمــا شــيء() (10فالواضــح
من هذا الحديث :أن التصارف الجاري فيه تقابض بمظهره
الشكلي على أساس الحق القائم بهيئة دنــانير فــي الذمــة
بتسديده بما يساويه من دراهم بسعر ذلك اليوم.
446
وعليه :فما هــو حكــم التعامــل العملــي الــذي يحــدث فــي
البنوك من حيث أســلوب التصــارف؟ ،فمــن المعــروف أن
عملية الصرف :إما أن تكون من خلل الصندوق ،أو بالقيد
على حساب العميل ،ومــا يرتبــط بــذلك أيض ـا ً مــن عمليــة
الـــبيع والشـــراء بـــالعملت مـــن خلل أســـواق العملت
العالمية .فما هي مواطن الربا على ضوء هذا الواقع؟.
أما بالنسبة للدفع والخذ من البنك مباشــرة بتبــادل عملــة
ورقية مقابل شراء عملة أخرى :فل إشكال فيه من ناحيــة
توافر شرط التقــابض؛ حيــث يســلم الراغــب فــي الشــراء
النقود المحلية ،ويتسلم العملة الخرى ،فهذا تقــابض حــال
ومنجز ،أما إذا كان دفع العملة من حســاب الشــخص فــي
البنك نفسه بخصــم قيمــة العملــة المشــتراة مــن حســاب
المشتري لدى البنك ،وحيث إن البنك يتعامل مع الحســاب
المفتوح لديه من قبل المشتري على أساس أنه وكيل لــه
الحــق بالــدفع والضــافة عنــد ورود تعميــد مــن صــاحب
الحســاب ،فــإذا كــان المــر كــذلك ،فــإنه يتــوفر فــي هــذا
السلوب أساس التقابض؛ حيث إن البنك يتسلم ما يقابــل
قيمة العملــة المشــتراة مــن حســابه المــودع لــدى البنــك،
وهذا المال هو وديعة محفوظة لديه وهو مفوض بالتصرف
فيها مع ضمانها للمودع.
المواطن الربوية في عمليات تبادل العملت الورقية :
أصبح التعامل بالعملت شـراًء وبيعـا ً أسـلوبا ً مـن أسـاليب
الحصول على الرباح ،وبالتالي :ظهرت صناديق خاصة في
البنوك تتولى التعامل بهــا فــي ســوق العملت فــي أوروبــا
وأمريكا ،وتحولت النقود إلى سلع يتم التجار بهــا ،واعتــبر
التجار فيها من المور التي تزاولها بعض البنوك السلمية
كوسيلة لتحقيق الرباح لعملئها المودعين لــديها بــدل ً مــن
أخذ الفائدة الربوية.
يأخــذ أســلوب التجــار بــالعملت صــورا ً متعــددة ،وقبــل
مناقشة مواطن الربا في هذه الصور والتعامــل ل بــد مــن
مناقشة المبدأ الساس ،وهو :هل يجوز التجــار بــالعملت
شراًء وبيعًا؟ ...تختلف الراء حول ذلك :فمن مجيز للتجار
فيها إذا تحقق التقابض في مجلس العقد ،وذلــك بالخصــم
447
مــن حســابات المتــاجرة بــالعملت لــدى السمســار الــذي
جر )قــد متــا ِ
يتولى إجراء عمليات البيع والشراء نيابة عن ال ُ
يكون السمسار بنكا ً أو مؤسسة أو فردا ً يقوم بهذا العمل(
وفق شروط وقواعــد تحــدد مــن يقــوم باتخــاذ قــرار الــبيع
والشراء سواء أكان السمسار باعتبــاره وكيل ً مفوض ـا ً مــن
قبــل المتــاجر فــي العملت ،أو تلقــي التعليمــات الخاصــة
بإنفــاذ الــبيع والشــراء مــن قبــل المتــاجر وفــق إجــراءات
معينة.
يقوم السمســار بعمليــات التصــال بمنــدوبيه فــي أســواق
العملت العالمية بإنفاذ التعليمات الخاصة بالشراء أو البيع
لصالح عملئه ،وقيــدها بالضــافة أو الخصــم علــى حســابه
لدى مندوبيه في تلك الســواق ،ويتحقــق شــرط التقــابض
من خلل القيد على الحســابات المختلفــة باعتبــار أن قيــد
الضافة والخصم يماثل عمليات التقابض المادي للعملت؛
لهذا :فإن بعض البنوك السلمية تزاول نشاط التجار فــي
بيع وشراء العملت وفق هذا السلوب ،باعتبار أنه أسلوب
من الساليب الجــائزة لتحقــق شــرط التقــابض ،وبالتــالي:
انتفاء الربا من هــذا الســلوب واعتبــاره قنــاة مــن قنــوات
استغلل المدخرات واستثمارها.
إن الحرمة لهذا التعامل كمــا أراهــا ل تقــوم علــى أســاس
تغير وسيلة التقابض في مجلس العقد ،حيث تبدل أسلوب
التقابض وطبيعة مجلس العقد؛ فقد أصــبح مجلــس العقــد
يتــم مــن خلل وســائل التصــال الحديثــة الــتي ســهلت
ووسعت نطاق مجلس العقد من خلل التخاطب بالتهــاتف
والفاكس والحاسب اللي ،أي :أصبحت الســواق متقاربــة
وكأنها في مكان واحد ،وأصبح حلول القيد على الحسابات
المختلفــة ،بــديل ً عــن التقــابض المــادي والحصــول علــى
التفويض واللتزام بذلك باستخدام هذه الوسائل الحديثة.
إن الحرمــة تأخــذ جانب ـا ً آخــر ،وهــو :تغيــر طبيعــة وظيفــة
النقود ،فالنقود ليست سلعة يتجر فيها مثــل بقيــة الســلع،
وخاصة النقود الورقية الــتي ل يمكــن تحويلهــا إلــى ســلعة
اقتصــادية مثــل الــذهب والفضــة اللــذين يمكــن شــراؤهما
كســلع لســتخدامهما مــواد ّا ً أوليــة لصــناعات مختلفــة،
448
وبالتالي :الخروج بــالنقود عــن طبيعتهــا الــتي جعلــت لهــا،
والتي من أجلها تم قبولها ،وهي :أنهــا أداة للــدفع ووســيلة
للتبادل ،وقد سبق أن أوضحنا وجهة نظر المام ابن القيــم
واستشهادنا بقوله.
إن التحليل والمنطقية التي وصل إليها ابــن القيــم )رحمــه
الله( فيما يتعلق بــالنقود ،والــتي حــددت مشـكلة النظريـة
النقدية المعاصرة فــي أن التجــار فــي العملت هــو العلــة
فــي اضــطراب أســواق النقــد العالميــة؛ حيــث إن التجــار
بالعملت قد أفسد عملية التبادل التجاري ،وألحــق الضــرر
بالتبــادل مــن خلل اضــطراب أســعار الســلع العالميــة،
فأصبحت العملت تخضع لتقلبات قانون العرض والطلــب؛
مما أثر على أسعار السلع؛ فالتاجر الذي يرغب في شــراء
أي عملة بقصد الستيراد لسلعة معينة من أي بلـد ســيتأثر
بالتذبذب في أسعار العملت التي يود الستيراد بواسطتها
من خلل عمليات المضاربة في العملت ،حيث إن العرض
والطلب على العملت غير حقيقــي ،حيــث تتــم المضــاربة
فيها والتجار فيها بيعا ً وشراًء ،ليس بقصــد شــرائها لــذاتها
لتحقيــق الوظيفــة الساســية للنقــود ...وهــذا يــؤدي إلــى
مفسدة وإضرار بالناس ،كما قال ابــن القيــم ،حيــث قــال:
منعــوا مــن التجــارة فــي الثمــان)وســر المســألة :أنهــم ُ
بجنسها؛ لن ذلك يفسد عليهم مقصود الثمان ،ومنعوا من
التجــارة فــي القــوات بجنســها ،لن ذلــك يفســد عليهــم
مقصود القوات ،وهذا المعنى بعينه موجود فــي بيــع التــبر
والعين؛ لن التبر ليس فيه صنعة يقصد لجلها؛ فهو بمنزلة
الدراهم التي قصد الشــارع أل يفاضــل بينهــا ،ولهــذا قــال:
)تبرها وعينها سواء( فظهرت حكمة تحريم ربا الّنساء فــي
الجنس والجنسين ،وربا الفضل في الجنــس الواحــد()(11
وفي موضع آخر أورد )رحمه الله( مناقشـة لطيفـة خاصـة
عــن اســتعمال المــادة المضــروبة منهــا العملــة المعدنيــة
لغراض أخرى غيــر غــرض النقــد ،تــدل علــى مــدى عمــق
فهمــه لمفهــوم النقــد ودوره فــي الحيــاة القتصــادية ،مــع
معــالجته لزدواجيــة اســتخدام معــدن الــذهب لغــراض
صــناعية وكــأداة للنقــد ،يقــول )رحمــه اللــه() :إن الحليــة
449
المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع،
ل من جنس الثمان ،ولهذا لم تجب فيها الزكاة ،فل يجري
الربا بينها وبين الثمان ،كما ل يجــري بيــن الثمــان وســائر
السلع وإن كانت من غير جنسها؛ فإن هــذه بالصــناعة قــد
خرجت عن مقصود الثمان ،وأعــدت للتجــارة ،فل محــذور
في بيعها بجنسها ول يدخلها )إما أن تقضي ،وإما أن تربي(
إل كما يدخل في سائر السلع إذا بيعت بــالثمن المؤجــل()
،(12ومــن هــذا النــص نــدرك :أنــه يجــوز شــراء الحلــي
المصنوعة من مــادة العملـة المعدنيــة ،ولــو تفاضـلت مـن
حيــث اختلف الــوزن مــا بيــن وزن الحلــي ووزن العملــة
المعدنية ،إذا تم التقابض يدا ً بيد في مجلس العقد مثل بيع
الذهب بالفضة.
وعلى ضوء ما سبق :فإن التجار في العملت بيعا ً وشــراءً
بقصد الربــح ،وليــس بقصــد اســتخدامها مــن أجــل تمويــل
الستيراد والتجــارة فــي الســلع :مكــروه ،وقــد يصــل إلــى
الحرمة؛ للمور التالية:
-1التوسع في البيع والشراء في أسواق العملت العالمية
أدى إلى هــروب أمــوال المســلمين إلــى الــدول الكــافرة،
وهذا التجار ل يهدف إلــى الحصــول علــى ســلع وخــدمات
يحتاجها المسلمون ،ولكنه بقصد المضاربة لتحقيق الربــح؛
مما أدى إلى ضياع فرصة الستفادة مــن هــذه المــدخرات
الــتي يتــم اســتخدامها فــي التجــار فــي العملت الجنبيــة،
والقاعــدة الشــرعية تقــول :عنــد اجتمــاع المصــالح مــع
المفاسد ،فإذا كانت المفسدة أعظم من المصــلحة :درأنــا
المفســدة ،ولــو تــأتى ذلــك بفــوات المصــلحة ،والمصــلحة
الفائتة هي ما يمكن أن يحققه المتــاجر فــي العملت فــي
أسواق العملت الجنبية من أربــاح ،لكــن مفســدة تســرب
أموال المسلمين من بلد المسلمين وعدم استغللها فيمــا
فيه منفعــة ومصــلحة للقتصــاد يحقــق مفســدة أكــبر مــن
المصــلحة الــتي قــد يحققهــا المتــاجر فــي العملت ،يقــول
مــا إث ْـ ٌ
م س ـرِ قُ ـ ْ
ل ِفيهِ َ م ـرِ َوال ْ َ
مي ْ ِ خ ْ
ن ال َ ِ ك عَ سأ َُلون َ َ
)تعالى()) :ي َ ْ
َ
مــا(( ]البقــرة: مــن ن ّْفعِهِ َ مــا أك ْب َـُر ِمه ُ َ س َوإث ْ ُ مَنافِعُ ِللّنا ِ ك َِبيٌر وَ َ
[219فحرمهما لن مفسدتهما أكبر من منفعتهما.
450
-2أن خــروج المــوال مــن بلد المســلمين بقصــد التجــار
بالعملت الجنبية للــدول الكــافرة يحــدث أضــرارا ً بميــزان
المدفوعات للبلد السلمية؛ حيث إن هذا الخروج ل يقابله
سلع ول خدمات تفيد اقتصاد الدول السلمية ،بل إن ذلــك
يمثل تهريبا ً لفائض النتاج المحلــي وضــخه لصــالح القــوى
الجنبية ،وفي هذا تعاون علــى الثــم بإضــعاف اقتصــاديات
الدول السلمية وحرمانها من الموال التي يمكــن لــو تــم
اســتثمارها فــي مجــالت إنتاجيــة أن تزيــد الناتــج القــومي
وتسهم في تشغيل القوى العاملة العاطلة.
-3يرتبــط التجــار فــي العملت بشــبهات أخــرى تؤكــد
الحرمة ،ومن ذلك :ما يعرف ببيع وشراء الخيــارات ،حيــث
ل يتم الشراء والبيع في محل العقد ،وإنما يتم إعطاء خيار
لمشتري العملة بإتمام الصفقة أو عدمها خلل فترة زمنية
معينة ،ويتم دفع مبلغ معين من قيمة الصــفقة خلل فــترة
الخيار ،يحق للمشتري أو البائع فيها إمضاء البيع والشــراء،
ويتم التجــار فــي هــذه الخيــارات أيضـًا ،وإذا انتهــت فــترة
الخيار ولـم يقـم المشـتري بالتصـرف بهـذا الخيـار بإتمـام
الصفقة أو بيع الخيار بسعر أعلى مما اشــتراه بــه :يخســر
ما دفعه ،وهذا السلوب يقوم على التوقعــات والمضــاربة،
فهــو شــراء وبيــع غيــر نــاجز ،وبالتــالي :حصــل المحــذور
الشرعي بعدم التقابض الحسابي.
تتــم ممارســة التجــار بــالعملت مــن قبــل بعــض البنــوك
الســلمية ،وقــد أوجــدت لهــا صــناديق اســتثمارية ،وأجيــز
شراء وبيع العملت بهدف تحقيق الربح نتيجة للتذبذب في
أسعار العملت ،ولذا :فإن الواجب المتناع عــن ذلــك ،أمــا
شــراء العملت مــن المصــارف بقصــد تمويــل عمليــات
الستيراد ،وليــس بقصــد تحقيــق الربــح مــن خلل التجــار
فيهــا :فهــذا أمــر جــائز؛ لن ذلــك بقصــد تحقيــق التبــادل
السلعي والخدمي ،وهي الوظيفة الساسية التي من أجلها
جعلت النقود ،ويدل على ذلك حديث ابن عمر )رضي اللــه
عنهمــا( الــذي رواه أبــو داود والنســائي ،جــاء فيــه) :أتيــت
رسول الله وهو في بيــت حفصــة ،قلــت :يــا رســول اللــه:
رويــدك ،أســألك ،إنــي أبيــع بــالبقيع؛ فــأبيع بالــدنانير وآخــذ
451
الدراهم ،وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ،آخذ هذه مــن هــذه،
و أعطي هذه من هذه ،فقال رسول الله :لبأس أن تأخــذ
بســعر يومهــا ،مــا لــم تفترقــا وبينكمــا شــيء() ،(13فهــذا
الحديث يوضح دور التصارف وتبادل النقــود بعضــها ببعــض
من أجل تيسير التجارة؛ حيث إن القصد مــن ذلــك :إتمــام
عمليــات التبــادل الســلعي ،وبالتــالي :فــإن شــراء العملــة
الجنبيــة بســعر يومهــا عنــد فتــح العتمــاد أو ســداد قيمــة
السلعة الواردة عند وصول البضــاعة بســعر فتــح العتمــاد
وبسعر سداد قيمة العتماد :هو ما يمكــن أن يقــاس علــى
حديث ابن عمر )رضي الله عنهما(.
أما الصورالخرى للتعامل بالعملت ،التي يمكن أن يشوبها
الربا ،فهي الصور التالية:
-1بيع وشراء العملت على أساس السعر الجل ولو كــان
القصد من ذلك تثبيت قيمة السلع المستوردة ،وقصد هــذا
التعامل هو :التعاقد على شراء العملة حاليًا ،ولكن تنفيذها
أو قيدها لصالح المشتري وخصمها من رصيد البــائع ل يتــم
إل بعد مدة مؤجلة متفق عليهــا :شــهر ،أو ثلثــة أشــهر،...
والسعر إمــا أن يكــون مســاويا ً للســعر الحاضــر ،أو أعلــى
منه ،أو أقل منــه ،والختلف فــي الســعر يعــود إلــى توقــع
ارتفــاع الفــائدة أو انخفاضــها بيــن مراكــز بيــع العملت
العالمية.
وربوية هــذا التعامــل تتمثــل فــي عــدم تنفيــذ التعاقــد فــي
مجلس العقــد ،وهــو مخــالف للمنــع الــوارد فــي الحــاديث
النبوية المحرمة لربا الّنساء والتفاضل.
-2الشراء والبيع الجل للعملت ،وهو ما يعرف في سـوق
العملت باســم ســواحب ،حيــث يتــم شــراء عملــة مؤجلــة
التسلم ،وفي الوقت نفسه :يتم بيعها بعملة أخرى مؤجلة؛
ل :يتم شراء دولرات مقابل جنيهات إسترلينية حاضرا ً فمث ً
ل ،ثم بيع ما اشتراه نفسه بريالت مؤجلة ،أي :يتم أو مؤج ً
التسليم على ما تعاقد عليه عند حلول الجل.
إن التصارف على هذا الساس باعتبار أن العملت أجناس
أثمان يتوفر فيها علة الثمنية عند من اعتــبر أن العلــة هــي
الثمنيــة ..هــذا التعامــل مــن الصــرف يعتــبر تعــامل ً ربوي ّــا
452
لحديث عبادة بن الصامت عن عبدالله ) ...سمعت رسول
الله ينهى عن بيع الــذهب بالــذهب والفضــة بالفضــة والــبر
بالبر والشــعير بالشــعير والتمــر بــالتمر والملــح بالملــح إل
سواء بسواء عينا ً بعين .فمن زاد أو ازداد فقــد أربــى).(...
(14
الهوامش :
(1النكت والعيون :تفسير المام أبي الحســن المــاوردي
جـ 3ص
(2أحكام القرآن لبي بكر بن العربي جـ 3ص .1067
(3المغني جـ 2ص .625
(4المغني جـ 4ص ..59
(5المرجع السابق ،جـ 3ص .10
(6مجموعة رسائل ابن عابدين ،ص .57
(7إعلم الموقعين ،لبن القيم ،جـ 2ص .137
(8القرار رقم 2الصادر في الدورة الثالثة المنعقده فيمــا
بين 1/4/1393هـ إلى 17/4/1393هـ.
(9القرار رقم 6الدورة الخامسة المنعقدة برابطة العالم
السلمي فيما بين 16/4/1402 8هـ.
(10أخرجه النسائي :كتاب البيوع ،جـ 7ص 283
(11إعلم الموقعين ،،جـ 2ص .140
(12السابق ،جـ 2ص .141
(13سبق تخريجه
(14مسلم ،باب المساقاة ،ح.1587/
==============
#الربا والدوات النقدية المعاصرة )(3
مجلة البيان ) -ج / 103ص (28
دراسات اقتصادية
الربا والدوات النقدية المعاصرة
)(3
د.محمد بن عبدالله الشباني
في الحلقة السابقة من هذه الدراسة تمت مناقشة ماهيــة
النقــود فــي الســلم ،والمــواطن الربويــة فــي عمليــات
العملت الورقية ،وفي هذه الحلقـة ســيتم مناقشــة أدوات
453
الدفع من غيــر النقــود الورقيــة ،ومــواطن الربــا فــي هــذه
الدوات.
لقد تعددت أدوات الدفع المستخدمة فــي النظــام النقــدي
المعاصر ،كما تعــددت أشــكال الوســائل المســتخدمة فــي
دفع اللتزامات ،وبخاصة بعد ثورة التصــالت اللكترونيــة،
بحيــث أصــبح العــالم مرتبــط بعضــه ببعــض حيــث تتــم
المبادلت التجارية ،وســداد اللتزامــات فــي وقــت حــدوث
عمليات التبــادل ،مهمــا تباعــدت القــاليم وتعــددت أمكنــة
السداد ،فأصبح مــن الممكــن اســتخدام بطاقــات الصــرف
اللكتروني لسداد اللتزامات في أي مكان في العالم.
أساليب سداد اللتزامات الجديدة:
ل بد من إلقاء الضوء على تلك الوسائل المســتخدمة فــي
سداد اللتزامات بــدون اســتخدام النقــود الورقيــة وتحديــد
مــواطن الربــا فيهــا ،وتتمثــل هــذه الدوات فــي الشــكال
التالية:
الشيكات:
تنقسم الشيكات التي يتم تبادلهــا لســداد اللتزامــات إلــى
نوعين:
النوع الول :شــيكات يصــدرها الفــراد علــى البنــوك الــتي
يوجــد لــديها حســابات خاصــة بهــم ويتــم اليــداع فيهــا ،و
)الشيك( بهذه الصفة هو أمر مكتوب وفق أوضــاع شــكلية
استقر عليها الصرف ،تتضمن أمرا ً صادرا ً من شخص )هــو
الساحب( إلى شخص آخر )هو المسحوب عليه ـ ـ البنــك(:
بأن يدفع لشــخص ثــالث أو لمــره أو لحــامله )المســتفيد(
مبلغــا ً معينــا ً بمجــرد الطلع) ،(1والشــيك إذا كــان لمــر
جة )سْفت َ َ
ساحبه فهو ورقة ثلثية الطراف ،ويشبه عندئذ ال ّ
(2مع اختلف بين السفتجة والشيك ،من حيث :إن سحب
الشيك بدون وجود رصيد للساحب لــدى المســحوب عليــه
يفي بـهُ ،يعتـبر جريمـة يسـتحق عليهـا السـاحب العقوبـة،
وهي عقوبة مقصورة على ساحب الشــيك ،والشــيك بهــذا
العتبار :هو ورقة تجارية ،والتكييف الفقهي للشيك يرتبــط
بأن اليداع في البنك المسحوب عليه من الســاحب ليــس
إيداعا ً حقيقة ،وإنما هو صورة مــن صــور القــراض يــترتب
454
عليها انتقال ملكية النقود إلى البنــك المــودع لــديه ،وبهــذا
يكون السحب على الحساب الجاري في البنــك مــن قبيــل
تقاضي ديــن أو جــزء منــه ،وهــذا حــق للمقــرض :يباشــره
بنفسه إن شاء ،أو بمن ينوب عنه؛ حيث يتم تظهير الشيك
تظهيرا ً ناقل ً للملكية ،أو تظهير توكيل ،والــذي يقصــد منــه
تمكين المظهّــر إليــه مــن تحصــيل قيمــة الشــيك لحســاب
المظِهر.
على ضوء ذلك :فإن الشيك يمثل نوعا ً جديدا ً من أســاليب
سداد اللتزامات واعتباره صورة مــن صــور وســائل إيجــاد
النقــود الئتمانيــة مــن خلل توســيع نطــاق نقــل المــوال
حسابي ّا ً بين مختلف الحسابات سواء فــي البنــك الواحــد أو
فروعه أو بين مختلف البنوك الخرى وفروعها.
الشيك ـ وفق أسلوب التعامــل بــه الجــاري عرف ـا ً بوصــفه
أداة للتحويل على مدينه )البنك( بسداد ما عليه من التزام
من وديعته التي لدى البنــك ـ ـ جــائز شــرعًا؛ علــى أســاس
القاعدة الشرعية :الصــل فــي المــور الباحــة إل مــا جــاء
دليل بحرمتها ،ول يدخل الربــا فــي الشــيك نفســه بوصــفه
وسيلة من وسـائل دفــع اللتزامــات المســتحدثة ،أي :إنهــا
تقوم بدور النقود من حيث سداد اللتزام عند شراء سلعة
من الســلع ...و إذا كــانت الســلعة ذهب ـا ً أو فضــة مصــنعة،
فهل يجوز دفع قيمة هذه الســلع المصــنعة مــن الــذهب أو
الفضة بالشيك ،بحكم أن أســاس النقــود الورقيــة مرتبــط
بالذهب من حيث ما يعــرف بالتغطيــة عنــد إصــدار النقــود
الورقيــة أو عملــة ورقيــة أخــرى مغطــاة جزئّيــا ً أو كلّيــا ً
بالذهب ،أو مربوطة سوقي ّا ً مــن حيــث التــأثير فــي قيمتهــا
بالذهب مثل الدولر؟.
إن الشبه تثار على أساس أن الشيك حوالة على البنــك ،و
بالتالي :فقدان شرط التقابض فــي المجلــس ،وعليــه :فل
يجوز شراء الذهب أو الفضة؛ باعتبــار أن هــذين المعــدنين
هما أصل النقدين ،وأن النقــود الورقيــة أجنــاس ،والــذهب
جنس ،والفضة جنس ،والعلة الجامعة بينهما هــي الثمنيــة،
وبالتالي :فل بد من التقابض في مجلس العقد ،وعليه :فل
يجوز استخدام الشــيك بــدل ً عــن النقــد عــن شــراء هــذين
455
المعدنين ،أمــا الــرأي الخــر :فيــرى جــواز ذلــك؛ حيــث إن
الــذهب والفضــة المصــنعة أو التــبر ل يعتــبرون نقــودًا،
وبالتالي :فقدوا شرط الثمنية ،وإنمــا يعتــبرون ســلعة مــن
السلع ،يجوز شراؤها وســداد قيمتهــا بالشــيك الــذي يمثــل
وسيلة من وسائل الدفع باعتبــاره حوالــة ،حيــث يجــوز أن
حيــليحيل المدين على دائنه ــ وهــو البنــك الــذي قــام الم ُ
بوضع نقود لديه ـ وديعة مسموحا ً للبنك بالتصرف فيها ،مع
شرط إعادتها أو جزء منها حسب طلب المودع أو بموجب
أمر منه ،وهذا الرأي يقوم على ما يراه ابن القيــم )رحمــه
الله( :بأن النقود هي وسيلة لتقويم السلع ،وأن الــذهب أو
الفضة ـ سواء أكانا حلية أو سبائك ـ هما سلع خرجت عــن
طبيعة النقود ،وهو رأي سبقت الشارة إليه فــي الحلقــات
الماضية ،ونحن نميل إلى الخذ بــه ،وعليــه :فل بــأس مــن
سداد قيمــة المصــوغات والتــبر والســبائك مــن الــذهب أو
الفضة بالشيكات التي يصدرها المشتري على البنك الــذي
أودع لديه ماله.
النوع الثاني) :الشيك السياحي( وهو أسلوب من أســاليب
السداد الخاصة بالمسافرين تمكنهم من ســداد التزامــاتهم
المالية التي نشأت خلل قيــامهم بالســفر خــارج بلــدانهم،
وُيعّرف )الشيك الســياحي( بعــدة تعــاريف ،منهــا)) :(3أنــه
شيك مسحوب على مراســل البنــك المصــدر لــه( ،ومنهــا:
)أنه الشكل المعــدل لخطــاب العتمــاد الســياحي ،ويتميــز
بقــابليته للوفــاء لــدى البنــوك علــى المســتوى العــالمي(،
ومنها) :أنه أحد أنــواع الشــيكات الــتي اســتحدثت لتمكيــن
السياح من الحصول على ما يلزمهم من نقــود دون حاجــة
إلى حملها معهم والتعرض لمخاطر السرقة والضياع(.
بوجه عام ،فإن الشيك السياحي هو :عبارة عن شكل مــن
تلــك الصــكوك الــتي يســتخدمها المســافرون أداةً للوفــاء،
وتتميز بالسهولة من ناحية ،حيث تكون مقبولة في الوفاء،
ليس فقط لدى فروع البنك المصدر لها أو لدى مراســليه،
وإنما لدى الفراد أيضًا ،ويقبل هؤلء تسوية حقــوقهم عــن
طريقها.
456
فالشيك السياحي هو :صك يحمل اســم شــيك لكنــه ســند
محرر في شكل تعهد بالوفاء.
يأخــذ الشــيك الســياحي المواصــفات والشــروط نفســها
للشيك العادي الذي يصدره الفراد ،إل أنه يختلف عنه في
أن من يقــوم بإصــدار الشــيك الســياحي يجمــع بيــن صــفة
الساحب والمسحوب عليه في الوقت نفســه ،وبهــذا يأخــذ
شــكل الوراق النقديــة؛ حيــث لــه خصــائص أوراق النقــد
نفسها التي تتميز عن غيرها من الصكوك في :أنهــا تصــدر
في مجموعات ،كما تنقسم إلى قطع ذات قيــم متســاوية،
كما أنها تصدر بــدون تحديـد مـدة معينـة لتقادمهـا ،ولكنهـا
تختلــف عــن الوراق النقديــة مــن حيــث إنهــا تعتــبر تعهــدا ً
بالدفع من جــانب البنــك المصــدر لهــا مقابــل إيــداع بعــض
أوراق النقد ،كما إنها من ناحية التداول تتــم علــى أســاس
التظهير ،أما النقود فهي صكوك للحامل تنتقل من يد إلــى
أخــرى عــن طريــق التســليم المــادي) ،(4وبالتــالي :فــإن
الشيك السياحي هو نوع من أنواع النقود الئتمانيــة يمكــن
عن طريقه تسوية اللتزامات دون حاجة إلى اللتجاء إلــى
الوراق النقدية.
تتمثــل العلقــة فــي الشــيك الســياحي فــي أن لهــا ثلثــة
درة صــ ِ
م ْ
أطــراف :فــالطرف الول :البنــك أو الشــركة ال ُ
للشــيك الســياحي ،والطــرف الثــاني :المراســل أو البــائع
الذي يتولى بيع هذه الشيكات للجمهور ،حيــث يعتــبر وكيل ً
در للشــيك ،فالمراســل هــو وكيــل عــن الشــركة ص ِ
م ْ
عن ال ُ
المصدرة لهذا الشيك ،فالشــيك لــديه بمثابــة وديعــة ،وهــو
غيــر ملــزم بــرد الثمــن إل بعــد صــرفها علــى المشــتري،
ويتقاضــى البنــك المراســل عمولــة لقــاء مصــارفته لهــذه
الشيكات ،أما الطرف الثالث :فهو المشتري لهذا الشــيك،
حيث يقوم بدفع مبلغ معين من النقود ،إما بالعملة نفســها
المصدر بها الشيك أو بعملة أخرى؛ فالعلقة بيــن الشــركة
المصــدرة للشــيك الســياحي والمشــتري علقــة تصــارف،
تمت من خلل المراسل الوكيل للبنك المصدر وفــق عقــد
الصدار الذي يوقع عليه المشــتري لهــذه الشــيكات ،فيمــا
يعرف بطلب الشــراء ،حيــث حــددت التزامــات المشــتري
457
التي مــن ضــمنها التوقيــع علــى الشــيكات المشــتراة فــي
المكان المخصص لحظة الشراء ،واللــتزام بــالتوقيع مــرة
ثانية عند قبض قيمة الشيك أو عند تظهيــره لشــخص آخــر
لقاء حصوله على ســلع أو خــدمات ،وتنتهــي دورة الشــيك
السياحي بقيــام المصــدر الول بســداد قيمتهــا لمــن يقــوم
بالمطالبة بالسداد سواء المشتري الصلي أو من ظ ُّهر لــه
الشيك).(4
من خلل الستعراض الســابق لطبيعــة الشــيك الســياحي،
فإن مجال الخوف من تحقق الربا هــو عنــد الشــراء وعنــد
البيع لهذا الشيك ،فمن ناحية :شــراء الشــيكات الســياحية
ل؛ ففــي هــذه الحالــة بقيمة دولرية تــدفع عنهــا ريــالت مث ً
يعتبر المر مصــارفة ول يتــم التقــابض النقــدي ،حيــث يتــم
شراء صــك ذمــة بقيمــة عــدد مــن الــدولرات مقابــل دفــع
ريــالت وبمــوجب هــذا فــي أي مكــان مــن المكنــة لــدى
مراســليه )وكلئه( مــع قــابليته للتظهيــر ،فهــو ســند ديــن،
وبهذا :فهو ل يعتبر نقدًا ،ولكنه بديل عن النقد ،وعلى هــذا
الساس :يمكن اعتبار تسليم الشيك مقابــل العملــة الــتي
تم شراؤه بها :تقابضا ً مادي ًّا ،وعليه :فإذا تم إصدار الشــيك
بالعملة نفسها ،وتم شراؤه بالعملة المصدر بهــا ،فل يجــوز
الزيادة في قيمـة الشـيك ،ومـا يتـم دفعـه يمكـن تخريجـه
جة .والسفتجة تعرف :بأنها إعطاء مــال سْفت َ َ
على أساس ال ّ
لخـر مــع اشــتراط القضـاء فــي بلـد آخــر ،والقصــد منهـا:
ضمان السلمة من خطر الطريق ،فهو يدفع قيمة الشــيك
السياحي على ســبيل القــرض ل علــى ســبيل المانــة)،(6
لكن في حالة قيام المشتري بشراء الشيك السياحي بنقد
مخــالف للنقــد الــذي صــدر بــه الشــيك؛ فلــو كــان الشــيك
مصدرا ً بالدولرات ،وتم دفع قيمــة هــذا الشــيك بالريــالت
فيمكن تخريج الشيك على أنه مصارفة ،يتــم التبــادل فيهــا
بين الشيك السياحي والعملة المشــتراة بـه بسـعر صـرف
العملة الواردة في الشيك السياحي مع العملــة المشــترى
بها ،أي :إنه يجب توافر شرط التقابض في مجلس العقــد،
أي قبض قيمة الشيك بالعملة المشتراة بهــا؛ ســواء أكــان
القبض نقدا ً أو بتسجيل على الحساب مــع تســليم الشــيك
458
السياحي للمشتري ،باعتبــار أن الشــيك الســياحي يتصــف
ببعض صفات النقود الورقية.
إن موطن الربا فــي الشــيك الســياحي هــو :إذا تــم شــراء
الشــيك الســياحي بالعملــة نفســها المصــدر بهــا الشــيك
السياحي ،وتفاوتت القيمة بين الشيك ومــا تــم دفعــة ،أمــا
إذا اختلف نــوع العملــة المشــترى بهــا الشــيك مــع العملــة
المصدر بها ،فتنطبــق أحكــام الصــرف مــن حيــث ضــرورة
توافر شرط التقابض ،وكذلك ينطبق المــر فــي حالــة بيــع
الشيك السياحي أو تظهيره.
بطاقات الئتمان:
بدأ استعمال بطاقة الئتمان بعد الحــرب العالميــة الثانيــة،
وتقــوم فكــرة بطاقــة الئتمــان علــى فكــرة الشــراء علــى
الحساب؛ حيـث كـان يسـتعملها أصـحاب المتـاجر مـع فئة
معروفة من عملئهم؛ حيث يســمح لهــم بالشــراء حاضــرًا،
ثم الدفع في نهاية الشهر أو بداية الشــهر الــذي يليــه ،ثــم
تطورت الفكرة لدى بعــض المتــاجر الكــبيرة ذات الفــروع
المتعددة ،فأصدرت بطاقات بلستيكية تحمل اسم الزبون
ورقــم حســابه مــع المتجــر ،ويســمح لــه أن يشــتري علــى
الحساب على أن يتم الــدفع بعــد إرســال الفــاتورة لــه ،أو
يقوم بدفع المستحق عليه على أقساط شهرية ،بالضــافة
إلــى رســوم تحــدد علــى البطاقــة ،حيــث يتــم التفــاق مــع
البنوك بإعطائهم ائتمانا ً على المبالغ المستحقة لهــم لــدى
الزبائن الممنوح لهم هذه البطاقات ،حتى أصبح كل متجــر
يصدر مثل هذه البطاقات ،فأصبح يتعين على الزبون حمل
عدة بطاقات ،لكل متجر من المتــاجر الــتي يتعامــل معهــا
بطاقة ،لنه ل يستطيع استعمال بطاقــة متجــر فــي متجــر
آخر ،وهذا أدى إلى ظهــور بطاقــة واحــدة علــى المســتوى
القــومي تغطــي كافــة حــدود الدولــة ،وتقبــل فــي جميــع
المتاجر في داخل الدولة الواحدة ،وبــالعمله المحليــة ،ثــم
تطور المر بضمان حصولهم على قيمة مبيعــاتهم وحســب
السعر السائد لعملة كل دولة ،بحيث ل يتحمــل التــاجر أي
مخــاطر مــن تغييــر ســعر صــرف العملــة ،ويحصــل علــى
مستحقاته بســرعة وبعملتــه المحليــة بــدون الــدخول فــي
459
متاهــات أســعار الصــرف بيــن مختلــف العملت فــي دول
العالم(7).
كيفية عمل بطاقات الئتمان:
إن أسلوب عملية التعامــل ببطاقــات الئتمــان يتمثــل فــي
تقديم بطاقة الئتمان التي يتم الحصول عليها ،إما مباشرة
در لها ،أو عـن طريـق البنـك الـذي يتعامـل معـه من المص ِ
حامل البطاقة ،فعند شرائه لســلعة مــن الســلع أو صــرف
مبلغ من المبالغ من خلل أجهزة الصــرف اللــي ل يحتــاج
المر إل إلى إدخال البطاقة في الجهاز الذي يتــولى جميــع
الجــراءات الخاصــة بالســحب وإعطــائه إشــعارا ً بمــا تــم
خصــمه ودفعــه إليــه ،أو قيــام البــائع الــذي يتــولى اســتلم
بطاقة الئتمان الخاصة بالمشتري التي تحمل اسمه ورقم
حسابه وتوقيعه ،حيث يتم إدخال البطاقة في جهــاز خــاص
وكتابة المبلغ المحدد فــي نمــوذج ورقــي يقــوم المشــتري
حامل البطاقة بالتوقيع عليه ،بما يماثل التوقيع الذي يوجد
على البطاقة ،وفي بعــض الحيــان :يقــوم البــائع بالتصــال
ف فــي حســاب برقم معيــن ،ليتأكــد مــن وجــود رصــيد كــا ٍ
حامل البطاقة ،وبعد إتمام العملية يسلم البائع المشتريات
التي وقــع عليهــا المشــتري ،ويحتفــظ بنســخة منهــا لــديه،
ونسخة ثانية ترسل إلى الجهــة المصــدرة للبطاقــة للقيــام
بسداد المستحق للبائع ،وفي نهاية الشــهر ُترســل فــاتورة
بهــا كشــف الحســاب بجميــع المشــتريات والمســحوبات
النقدية على عنوان حامل البطاقة حيث يقوم بــدفع كامــل
المبلغ أو دفعه على أقساط شهرية ،ويتم الدفع :إما نقــدًا،
أو بشيك ،أو خصما ً من الحساب لدى البنك الوســيط فــي
منح صاحب الحساب لديه هذه البطاقة.
أنواع البطاقات:
تتعدد أنواع البطاقات ،ويمكن تقسيمها إلى نوعين:
النوع الول :بطاقات المتجر التي يمكــن اســتعمالها فقــط
في تلك المتاجر أو فروعها المنتشرة في أنحاء البلد.
أما النـوع الثـاني :ــ وهـو أكـثر شـيوعا ً ــ :فهـو البطاقـات
الشاملة التي لها طبيعــة دوليــة ،مثــل بطاقــات )أمريكــان
اكسبرس( و )ميروا( )وماستر كارد(...إلخ.
460
كما تنقسم تلك البطاقات ـ من حيث الدفع ـ إلى نوعين:
النوع الول :يعــرف ببطاقــة الســحب ،وهــي الــتي تســمح
لحاملهــا بإمكانيــة الســحب النقــدي مــن حســاب حامــل
البطاقة ،شريطة توفر مــا يغطــي المبلــغ المســحوب مــن
الحساب وتسديد قيمة المشتريات من البضائع والخــدمات
لدى نقاط البيع المتوفر لديها أجهزة التصال ،وهــذا النــوع
ينقســم إلــى قســمين :قســم خــاص بالســحب وتســديد
المشتريات داخل الدولة الواحدة ،وقسم يتم السحب فيــه
خارج الدولة من خلل شبكة التصال العالمية ،ويتم القيــد
على حســاب العميــل مباشــرة ،وبعــض بطاقــات الســحب
الدولية التي تصــدرها بعــض البنــوك ل تشــترط فــي حالــة
السحب من أجهزتها تسجيل أي عمولــة ،ولكــن فــي حالــة
السحب من أجهزة بنوك أخرى يتم تسجيل عمولة ســحب
درةعلى حساب حامل البطاقة ،ول تستفيد الجهات المصــ ِ
لهــذا النــوع مــن البطاقــات الــتي ل تحتســب فــائدة علــى
السحب عند شـراء البطاقـة مـن مراكـز الـبيع فـي خـارج
الدولة أو داخلها من حساب حامل البطاقــة ،ولكنهــا تأخــذ
عمولة على مقدار المباع بما يعادل أحيانا ً ما بين %2إلى
%7من قيمة ما قام حامل البطاقة بشرائه.
النــوع الثــاني :مــا يعــرف ببطاقــة الئتمــان ،حيــث يمكــن
لحامل البطاقة السحب أو الشراء وسداد ما قــام بســحبه
أو ما قــام بشــرائه مــن نقــاط الــبيع علــى دفعــات حســب
رغبتــه وضــمن أقســاط شــهرية بحــد أدنــى تحــدده الجهــة
المصدرة للبطاقة ،وفي هذه الحالة :فإن الجهة المصــدرة
للبطاقة تتقاضى فائدة على الرصيد المتبقــي علــى حامــل
البطاقة تتراوح بين %18إلى %24سنوي ًّا.
التكييف الفقهي لبطاقات الئتمان ،ومواطن الربا فيها:
على ضوء ما سبق مــن تحديــد لماهيــة بطاقــات الئتمــان:
فإن هذه البطاقات تمثل نوعـا ً جديـدا ً مـن أسـاليب سـداد
اللتزامات وصورة من صور وسائل إيجاد النقود الئتمانيــة
من خلل توسيع نطاق نقل المــوال حســابي ّا ً بيــن مختلــف
الحسابات للبنك الواحد أو البنوك المختلفة.
461
والسداد والسحب ـ من حســاب الشــخص ــ الــذي يجــري
التعامــل بــه باســتخدام بطاقــات الســحب الئتمانيــة جــائز
شرعا ً على أساس القاعدة الشرعية :الصــل فــي المــور
الباحة إل ما جاء دليل بحرمته ،وهو يمثــل ســحبا ً وســدادا ً
من وديعته التي لدى البنك ،ول يدخل الربا إل فيما يعــرف
ببطاقات الئتمان؛ حيث يتم تسديد ما تم ســحبه ،ومــا تــم
سداده من قبل البنك المصدر للبطاقة ،واحتساب الفــوائد
على الرصيد غير المسدد ،فهذا يعتبر إقراضـا ً لمــن يحمــل
هذا النوع من البطاقات الئتمانية ،وكذلك مــا يتــم تحميلــه
على حساب حامل البطاقة الذي يقــوم بالســحب النقــدي
بمــوجب بطاقــات الئتمــان ،كمــا أن هنــاك صــورة أخــرى
للتعامل الربوي بالنسبة لمن يحمل بطاقة الئتمــان ،حيــث
يقوم باســتخدامها لســداد مشــترياته ،ويتــم القيــد الفــوري
در البطاقــة الــذي يقــوم بالســداد مص ـ ِ
على حسابه ،ولكن ُ
للبائع نيابة عنه يأخذ نسبة مــن قيمــة مــا تــم شــراؤه مــن
البائع ما بين %2إلى %7من قيمة فاتورة البيع ،فــإن مــا
يأخذه البنك يعتبر ربًا؛ لن مــا يتــم يشــبه الخصــم؛ فالبــائع
يقدم للبنك المصدر للبطاقة فاتورة الشراء لخصمها لديه،
وهو يقبل ذلك من أجل تنمية مبيعاته.
كلمة لمستخدم هذه البطاقات:
ولهذا :فإن مستخدم بطاقات الئتمان ،ولو كان ل يدفع هو
فائدة على ما يقــوم بشــرائه لكفايــة رصــيده ،فــإنه يكــون
متعاونا ً على الثم ،من خلل تشجيعه للبنوك باشتراكه في
هــذه البطاقــات ،بجــانب مــا تســببه هــذه البطاقــات مــن
محاذير ،منها:
-1السراف في الستهلك؛ فوجود هـذه البطاقـات يـؤدي
إلى سهولة الشــراء الفــوري والــدفع المؤجــل ،ممــا يــدفع
بعض الفراد إلــى النفــاق بــدون حســاب؛ حيــث ل يشــعر
المرء بتلك المدفوعات إل عندما يتســلم كشــف الحســاب
الشهري ويستحق عليه الدفع ،وهذا قــد يقــع تحــت النهــي
الذي جاء في الحديث الــذي رواه أحمــد عــن عبــدالله بــن
مســعود) :أن رســول اللــه نهــى عــن التعقــر فــي المــال
462
والهل( ،كما قد يضطره إلى دفع فوائد ربوية لعدم كفايــة
الرصيد عند المطالبة بالسداد.
-2رســوم الشــتراك لبعــض بطاقــات الئتمــان تــتراوح ـ ـ
حسب نوعية البطاقة :عادية ،فضـية ،ذهبيـة ــ مـن ثلثمئة
ريال سعودي إلــى ألــف ريــال ســعودي ،بجــانب أن هنــاك
رسوم تجديد سنوية تــتراوح مــا بيــن ثلثمئة إلــى ســبعمئة
ريال ،وهــذه الرســوم الــتي تؤخــذ نــوع مــن أكــل المــوال
دري هذه البطاقات. ص ِ
م ْ
بالباطل من قبل ُ
-3هناك بعض البنوك التي تحاول أن تمارس العمل علــى
ضــوء الشــريعة ،ولكنهــا فيمــا يتعلــق ببطاقــات الئتمــان
تتساهل في الممارســة؛ بحكــم أنهــا تقــوم بعمــل الوكالــة
للشركات المصدرة لهذه البطاقات ،فتقوم بإشعار عملئها
بــأن مــن يســتخدم أجهــزة ســحبها ل تأخــذ عليــه عمولــة
للسحب النقدي ،وإذا تم السحب من أجهزة خاصة ببنــوك
ص ـا ً بالســحب النقــدي ،أمــا
أخــرى ،فإنهــا تأخــذ رســما ً خا ّ
بالنسبة للشراء من نقاط البيع :فهذه البنــوك ل تأخــذ مــن
العميل شيئًا ،حتى لو تجــاوز مــا تــم دفعــه رصــيد حســابه،
لكنها تأخذ من البائع نسبة معينة لقاء سدادها للمشــتريات
التي تم استخدام البطاقة المصدرة من قبلها ،ول شك أن
ما تأخذه من البائع هو نوع من الخصم الربوي ،ل يجوز أن
تمارسه تلــك البنــوك ،وخاصــة أنهــا تحــاول أبــراز الصــورة
السلمية للتعامل.
-4العمولت )الربا( على الرصيد الذي ل يستطيع العميــل
أن يسدده عند استلمه لكشــف الحســاب الــوارد لــه مــن
البنك مما يؤدي إلى تراكم الفوائد على الرصيد حيث تصل
نسبة الربا إلى ما بين %18إلى %24سنوي ًّا.
هل لستخدام هذه البطاقات فوائد؟:
حقق التعامل ببطاقات الئتمان بعض الفوائد ،من أهمها:
-1المان :فالشخص ل يحتاج إلى حمل مبالغ نقدية كبيرة
معه في كل الوقات ،سواء أكان في داخل حــدود بلــده أو
كــان مســافرا ً فــي البلد الخــرى؛ وبــذلك يقــل تعرضــه
للسرقة ،أو فقدان ما يحمله من نقود.
463
-2سهولة إجراء التعاملت التجارية ودفع فــواتير الفنــادق
وإيجار السيارات وغيرها.
وتحقيــق هــذه الفــوائد وتجنــب المحــاذير الشــرعية مــن
اســتخدام بطاقــات الئتمــان يمكــن أن يتحقــق إذا اقتصــر
الفــرد علــى بطاقــات الســحب فقــط ،حيــث إن هــذه
البطاقات تماثل الشيكات من حيث اعتبارها وسيلة لسداد
اللتزامات أو للسحب من مال حامل البطاقة لدى البنك.
سؤال مهم:
والتساؤل الذي يمكن أن يثار فيمــا لــو أخــذ البنــك عمولــة
لقاء اســتخدام بطاقــات الســحب ســواء علــى كــل عمليــة
سحب أو استفسار ،أو عمولة مقطوعة ســنوية لقــاء منــح
حامل البطاقة خدمة استخدام أجهزة الصرف اللي.
ول شك أن هناك مصاريف يتحملها البنك لقاء تــوفير هــذه
الخدمة سواء ما يتعلق بقيمة الجهاز أو تكــاليف الخطــوط
الهاتفية المستخدمة من قَِبل هذه الجهزة ،فهل يجوز أخذ
هذه العمولة؟.
إن الجابة على ذلك يحددها واقع السوق من ناحية ،وواقع
أعمال البنوك ،فإذا كانت البنوك تلتزم في أعمالها أحكــام
الشــريعة ،وكــان تــوفير هــذه الخدمــة ســوف يــؤدي إلــى
خسائر يتحملها البنك المصدر لهذه البطاقة ،فل بأس بأخذ
عمولة مقطوعة كأجرة لتوفير هذه الخدمة لمستخدم هذه
البطاقة ،بشرط عدم ربط هذه العمولة بالزمن أو بــالمبلغ
المسحوب ،وإنما هي أجرة تدفع للبنك لقاء تــوفيره لهــذه
الخدمة ،على أســاس أن هــذه الخدمــة تــؤدي إلــى تحمــل
البنك نفقات إضافية ،أما بالنسبة لخذ عمولة علــى نقــاط
البيع التي تستخدم أجهــزة الصــرف ،فهــذا ل يجــوز أخــذه،
لسببين:
464
بطاقة سحب دولية ،فإن فــاتورة الــبيع الــتي يتــم الخصــم
عليها تشبه )الكمبيالة( ،ومن المور المتفق عليهــا :أن مــا
يؤخــذ مــن خصــم لقــاء ســداد قيمــة الكمبيالــة مــن تاريــخ
استحقاقها يعتبر ربا ،ويسري هذا الحكم على ما يؤخذ من
در البطاقة بسداد قيمة ما اشتراه ص ِم ْ
البائعين؛ حيث يقوم ُ
حاملو البطاقات مقابل الخصم الذي يحصل عليه هــو ،أي:
در البطاقة وليس حامل البطاقة ،وأن ما يعطيه البــائع ص ِ
م ُْ
در هو بمثابة خصم ...فلو لم يقم البائع بهذا الخصــم، ص ِ
م ْ لل ُ
لما قام مصدر البطاقة بسداد قيمة ما قام حامل البطاقــة
بشرائه ،فالبائع إنما خضع لذلك رغبـة فـي زيـادة مبيعـاته،
حيــث إن معظــم حــاملي البطاقــات قــد ل يكــون لــديهم
الرصيد الكافي لتغطية مشترياتهم ،وبالتــالي :فــإن عمليــة
البيع التي تتم بين حامل البطاقة والبائع هــي بيــع بالجــل،
وضــمان مصــدر البطاقــة الئتمانيــة وقيــامه بالســداد بعــد
خصم النسبة المقــررة مســبقا ً لقبــول الســداد للبــائع ،ثــم
مطالبــة الحامــل بالســداد ،ســواء بالكامــل أو بالتقســيط
لمصدر البطاقة :هو نوع من أنواع بيع الدين بالدين.
الهوامش :
(1بنوك تجارية بدون ربا ،ص ،76لكاتب الدراسة.
(2حوالة صادرة مــن دائن ،ي ُك َل ّـ ُ
ف فيهــا مــدينه دفــع مبلــغ
معين لذن شــخص ثــالث أو لذن نفســه ،أو لذن الحامــل
للحوالة ،المعجم الوجيز ،ص .312
-البيان -
(3الشــيكات الســياحية :طبيعتهــا ونظامهــا القــانوني ،د.
أميرة صدقي ،ص 21ـ .22
(4المرجع السابق ،ص 73ـ .79
(5المرجع السابق ،ص .128 112
(6الربـــا والمعـــاملت المصـــرفية فـــي نظـــر الشـــريعة
السلمية ،د .عمر بن عبدالعزيز المترك ،ص .279
(7بطاقة الئتمان :عيوبها ومحاسنها ،د .وديع أحمد فاضل
ل( 18 ،مارس 94م . كابلي ،مجلة )أهل ً وسه ً
================
#من مسائل الربا
465
مجلــة الجامعــة الســلمية بالمدينــة المنــورة ) -ج / 4ص
(112
من مسائل الربا
لسماحة رئيس الجامعة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بــن
باز
الحمد لله والصلة والسلم علــى رســول اللــه وعلــى آلــه
وصحبه.
أما بعد ،فقد سألني غير واحد عن معاملــة يتعاطاهــا كــثير
من الناس وهي أن بعضهم يدفع إلى البنــك أو غيــره مــال ً
معلوما على سبيل المانــة أو ليتجــر بــه القــابض علــى أن
يدفع القابض إلى الدافع ربحا معلوما كل شهر أو كل سنة
مثال ذلك أن يدفع شخص إلى البنك أو غيره عشــرة آلف
ريال أو أقل أو أكثر على أن يدفع إليه القابض مــائة ريــال
أو أكثر أو أقل كــل شــهر أو كــل ســنة ،وهــذه المعاملــة ل
شك أنها من مسائل الربا المحــرم بــالنص والجمــاع وقــد
دلت اليات القرآنية والحاديث النبوية علــى أن أكــل الربــا
مــن كبــائر الــذنوب ومــن الجــرائم المتوعــد عليهــا بالنــار
ْ
ن مــو َ ن الّربا ل ي َُقو ُ ن ي َأك ُُلو َ َ واللعنة .قال الله سبحانه} :ال ّ ِ
ذي
طان من ال ْمس ذ َل َ َ
م ك ب ِـأن ّهُ ْ َ ّ ِ شي ْ َ ُ ِ َ ه ال ّ خب ّط ُ ُذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ما ي َُقو ُ إ ِل ّ ك َ َ
َ
ن مــ ْ م الّربا فَ َ حّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ ل الّربا وَأ َ مث ْ ُ ما ال ْب َي ْعُ ِ َقاُلوا إ ِن ّ َ
ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ
مُرهُ إ َِلى الل ّ ِ
ه ف وَأ ْ ُ َ َ ظَ ٌ ِ ْ َ ّ ِ ْ َ َ ع
مو ْ ِ جاَءهُ َ َ
َ ُ
حقُ الل ّ ُ
ه م َن يَ ْ دو َ خال ِ ُ م ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ كأ ْ عاد َ فَأول َئ ِ َ ن َ م ْ وَ َ
َ
م{ وقــال ل ك َّفارٍ أِثيــ ٍ ب كُ ّ ح ّ ه ل يُ ِ ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ الّربا وَي ُْرِبي ال ّ
َ
ن مـ َ
ي ِ مــا ب َِقـ َ ه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ نآ َ َ ذي تعالىَ} :يا أي َّها ال ّ ِ
ْ
ن مـ َ ب ِ حـْر ٍ م ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ب ِ َ ن ل َـ ْ ن .فَإ ِ ْ مِني َ مؤ ْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ الّربا إ ِ ْ
َ
ن مــو َ م ل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ مـ َ سأ ْ ؤو ُ م ُر ُ م فَل َك ُـ ْ ن ت ُب ْت ُـ ْ سول ِهِ وَإ ِ ْ الل ّهِ وََر ُ
ن{ .ففــي هــذه اليــات الكريمــات الدللــة مــو َ َول ت ُظ ْل َ ُ
الصريحة على غلظ تحريم الربا وأنه من الكبــائر الموجبــة
للنــار كمــا أن فيهــا الدللــة علــى أن اللــه ســبحانه يمحــق
كسب المرابي ويربي الصدقات أي يربيهــا لهلهــا وينميهــا
حتى يكون القليل كثيرا إذا كــان مــن كســب طيــب .وفــي
الية الخيرة التصريح بأن المرابــي محــارب للــه ورســوله
وأن الواجب عليه التوبة إلى الله سبحانه وأخذ رأس مــاله
466
من غير زيادة .وقد صح عن رسول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم
سواء ،فالواجب علــى كــل مســلم أن يتقــي اللــه ســبحانه
ويراقبه في جميع المور وأن يحذر ما حرم الله عليــه مــن
القــوال والعمــال والمكاســب الخبيثــة ومــن أعظمهــا
وأخطرها مكاسب الربــا الــذي أنــزل اللــه فيــه مــا يــوجب
الحذر منه والتواصي بتركه ،وقد نقل أبو محمــد عبــد اللــه
بن أحمــد بــن قدامــة رحمــه اللــه فــي كتــابه المغنــي عــن
الحافظ ابن المنذر إجماع العلماء علــى تحريــم مثــل هــذه
المعاملة وفي ذلك كفاية ومقنع لطالب الحق ،وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
رئيس الجامعة السلمية بالمدينة المنورة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
===============
#التحذير من الربا وخطره
عبدالعظيم بدوي الخلفي ... ... ...
الخطبة الولى ... ... ...
عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملئكة قال :قــال رســول
الله )) :درهم ربا يأكله الرجــل وهــو يعلــم أشــد عنــد اللــه
تعالى من ستة وثلثين زنية((.
إن الصدقة هي الـوجه المشـرق الصـالحة للمعاملـة الـتي
يتعامل بها الناس ،ويقابلها الوجه الكالح الطالح وهو الربا،
وشّتان بين الوجهين:
فالصدقة عطاء وسماحة ،وطهارة وزكاة ،وتعاون وتكافل.
والربا شح وقذارة ودنس ،وأثرة وفردية.
والصدقة نزول عن المال بل عوض ول رد.
والربا استرداد للدين ومعه زيادة حرام مقتطعة مــن جهــد
المدين أو من لحمه ،من جهده إن كــان قــد عمــل بالمــال
الذي استدانه فربح نتيجة لعمله هو وكده ،ومــن لحمــه إن
كان لم يربح أو خسر ،أو كان قد أخــذ المــال للنفقــة منــه
على نفسه وأهله ولم يستربحه شيئا.
ولهذا تحدث القرآن عن الصدقة ثــم أتبعهــا بالحــديث عــن
الربا ،الوجه الخر الكالح الطالح ،وكشف عما فــي عمليــة
467
الربا من قبح وشناعة ،ومن جفاف فــي القلــب وشــر فــي
المجتمع ،وفساد في الرض وهلك للعباد.
ولم يبلغ مــن تفظيــع أمــر أراد الســلم إبطــاله مــن أمــور
الجاهلية ما بلغ من تفظيع الربا ،ول بلــغ مــن التهديــد فــي
اللفظ والمعنى ما بلغ من التهديد في أمر الربا.
ولما كان الربا قد شاع في عصرنا هذا شيوعا كــثيرا جعــل
السلمة منه من الصعوبة بمكـان ،كـان لبـد مـن الحـديث
عن الربا وبيان خطره وخطر عقوبته لعل المرابين يتقــون
أو يحدث لهم ذكرا ،فنقول وبالله التوفيق:
الربا في اللغة :الزيادة
قال تعالى :وتــرى الرض هامــدة فــإذا أنزلنــا عليهــا المــاء
اهتزت وربت ]الحج.[5:
وهو في الشرع :الزيادة في الدين على رأس المال قّلــت
أو كثرت ،وهو حرام بالكتاب والسنة وإجماع المة.
قــال تعــالى :يــا أيهــا الــذين آمنــوا ل تــأكلوا الربــا أضــعافا
مضاعفة ]آل عمران.[130:
وليس القيد هنا لفادة الشــرطية ،ولكنــه لبيــان الواقــع فل
يعتد به ،بدليل قوله تعالى :وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم
]البقرة.[279:
وقــال النــبي )) :اجتنبــوا الســبع الموبقــات ((...وعـد ّ منهــا
الربا.
وقال )) :الربا بضع وسبعون بابا ،أهونها مثل إتيان الرجــل
أمه((.
وقال )) :ما أحد أكثر من الربــا إل كــان عاقبــة أمــره إلــى
قلة((.
وفي حديث الرؤيا الطويل عند البخــاري)) :أن النــبي أتــى
على نهر أحمر مثل الدم ،وإذا في النهر رجــل ســابح ،وإذا
على شط النهر رجل قــد جمــع عنــده حجــارة كــثيرة ،وإذا
ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يــأتي ذلــك الــذي قــد جمــع
عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا ،فينطلـق يســبح
ثم يرجع إليه ،كلما رجع فغر له فاه فألقمه حجرا ،فقــال :
ما هذا؟ فقيل له :إنه آكل الربا((.
468
ولقــد شــن القــرآن الكريــم حملــة شــديدة عنيفــة علــى
المرابين نسوقها بلفظها ثم نأتي عليها بالبيان.
قال تعالى :الــذين يــأكلون الربــا ل يقومــون إل كمــا يقــوم
الذي يتخبطه الشيطان من المـس ذلـك بـأنهم قـالوا إنمـا
البيع مثل الربا وأحــل اللــه الــبيع وحــرم الربــا فمــن جــاءه
موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن
عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا
ويربي الصدقات واللــه ل يحــب كــل كفــار أثيــم إن الــذين
آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلة وآتــوا الزكــاة لهــم
أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هـم يحزنــون يــا أيهــا
الذين آمنوا اتقــوا اللــه وذروا مــا بقــي مــن الربــا إن كنتــم
مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن
تبتــم فلكــم رؤوس أمــوالكم ل َتظلمــون ول ُتظلمــون وإن
كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خيــر لكــم
إن كنتم تعلمون واتقــوا يومــا ترجعــون فيــه إلــى اللــه ثــم
توفى كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمــون ]البقــرة-275:
.[281
إنها الحملــة المفزعــة ،والتصــوير المرعــب الــذين يــأكلون
الربا ل يقومون إل كما يقوم الذي يتخبطــه الشــيطان مــن
المس وما كان أي تهديــد معنــوي ليبلـغ إلــى الحـس مبلــغ
هـــذه الصـــورة المجســـمة الحيـــة المتحركـــة ،صـــورة
الممسوس المصروع وهي صورة معروفة معهودة للناس.
والنص يستحضرها لتؤدي دورها اليحائي في إفزاع الحس
لستجاشة مشاعر المرابين ،وهّزها ه ـّزة عنيفــة تخرجهــم
من مألوف عادتهم ومن حرصهم على ما يحققه لهــم مــن
الفائدة.
والــذين يــأكلون الربــا ليســوا هــم الــذين يأخــذون الفــائدة
الربوبيــة وحــدهم ،إنمــا هــم كــل المتعــاونين علــى إجــراء
العملية الربوية:
عن جابر بن عبد الله قال)) :لعن رسول اللــه آكــل الربــا،
وموكله ،وشاهديه وكاتبه ،وقال :هم سواء((.
والقــرآن يصــفهم بــأنهم ل يقومــون إل كمــا يقــوم الــذي
يتخبطه الشيطان من المس
469
إنهـــم ل يقومـــون فـــي الحيـــاة ول يتحركـــون إل حركـــة
الممســوس المضــطرب القلــق المتخبــط الــذي ل ينــال
استقرارا ول طمأنينة ول راحة ،وهــذا أمــر أصــبح مشــاهدا
في هـذا العصـر ،فالنـاس مـع الحضـارة والرقـي والتقـدم
والرخــاء قلقــون خــائفون مضــطربون ،قــد فشــت فيهــم
المراض العصبية والنفسية ،والسبب هو خواء الرواح من
زاد اليمان ،الذي هو سبب الطمأنينــة والســكينة والهــدوء
والراحة الذين آمنــوا وتطمئن قلــوبهم بــذكر اللــه أل بــذكر
الله تطمئن القلوب ]الرعد.[28:
دي لبــد أن يعلــم أن وحين يشقى العالم وهو في رخاء مــا ّ
السبب هو فقد الغذاء الروحي ،الذي سببه العــراض عــن
ذكر الله ،كما قال تعالى :ومن أعرض عن ذكري فــإن لــه
معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ]طه.[124:
ولكن القــوم ل يستحضــرون هــذا الســر ،ول يهتــدون إليــه
سبيل ،لن لهم قلوب ل يفقهون بها ]العراف.[179:
ولقد اعترض المرابون في عهد رسول اللــه علــى تحريــم
الربا وتحليل البيع ذلك بــأنهم قــالوا إنمــا الــبيع مثــل الربــا
وكانت الشبهة التي ركنوا إليها هي أن الــبيع يحقــق فــائدة
وربحا ،كما أن الربا يحقق فائدة وربحا ،وهي شــبهة أوهــى
من بيت العنكبوت.
فالعمليات التجارية قابلة للربح والخســارة ،أمــا العمليــات
الربوية فهي محدودة الربح في كل حالــة ،هــذا هــو منــاط
التحريم والتحليل :إن كل عملية يضــمن فيهــا الربــح علــى
أية وضع هي عملية ربويــة محرمــة ،بســبب ضــمان الربــح
وتحديده ،ول مجال للمماحلة فــي هــذا ول للمـداراة ،ولــذا
أحل الله البيع وحرم الربا .
ولما كان الله تعالى ل يؤاخــذ إل بعــد إقامــة الحجــة قــال:
فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فلــه مــا ســلف ،فمــن
سمع موعظة من ربه فل يكل ّــف بــرد ّ مــا أخــذ مــن النــاس
قبل ذلك ،وحسبه أن ل يزيــد عليهــم بعــد الموعظـة ،لكـن
انظر إلى خطر المر وهــو قــوله تعـالى :وأمــره إلــى اللـه
جسا من المر خائفا منه يقول :كفاني ما مضى، ليظ ّ
ل متو ّ
470
ولعل الله أن يغفر لي إذا تبــت وأنبــت ولــم أقــع فيــه بعــد
ذلك.
)ومن عــاد( بعــد بيــان اللــه وتــذكيره وتوعّــده لكلــة الربــا
فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .وفي هذا التصــريح
بأن أكلة الربا في النار خالــدون إل مــن مــات منهــم علــى
التوحيد ،فإن خلوده ليــس كخلــود الكــافرين ،وإنمــا ينفعــه
علم من النصوص الخرى. التوحيد يوما ما ،كما ُ
ولمــا علــم اللــه أن مــن عبــاده مــن ل يقيــم وزنــا ليــوم
الحساب ،ويسقطه من حسابه ،فقد أنذرهم بــالمحق فــي
الدنيا يمحق الله الربا .
والمحق :هو محو الشــيء والــذهاب بــه ،وقــد اشــتهر هــذا
حتى عرفه العامة ،فكم من آكــل ربــا حــل بــه البلء فــأتى
الله بنيانهم من القواعد فخّر عليهــم الســقف مــن فــوقهم
وأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون ]النحل.[26:
ذلك لهم خزي في الدنيا ]المائدة.[33:
ثم يوم القيامة يخزيهم ]النحل.[27:
فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ]النمل.[52:
أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلـوب يعقلـون بهـا أو
آذان يســمعون بهــا فإنهــا ل تعمــى البصــار ولكــن تعمــى
القلوب التي في الصدور ]الحج.[46:
والله سبحانه يعّقب على هذا الوعيد فيقول :والله ل يحب
كل كفار أثيم والكفار هو الذي كفر نعمة اللــه وجحــد من ّــة
ربه .والثيم من أثــم بإصــراره علــى المعصــية ،وفــي هــذا
النص إشارة إلى أن الله يحب الشاكرين ويحب التوابين.
ثم أدخل هـذه اليـة وهـي قـوله :إن الـذين آمنـوا وعملـوا
الصالحات وأقاموا الصلة وآتــوا الزكــاة لهــم أجرهــم عنــد
ربهم ول خوف عليهــم ول هــم يحزنــون أدخلهــا بيــن آيــات
الربا ليبين أن أكبر الســباب الــتي تعيــن علــى تــرك الربــا
اليمــان ،وأن آكــل الربــا ل يأكــل الربــا وهــو مــؤمن ،قــال
دقوا إذعان بما جاء مــن عنــد تعالى :إن الذين آمنوا أي :ص ّ
الله فــي هــذه المســألة وغيرهــا وعملــوا الصــالحات الــتي
تصلح بها نفوسهم وشأن من يعيش معهم ،ومنها مواســاة
المحتاجين ،والرحمة بالبائسين وإنظار المعسرين وأقــاموا
471
كر المــؤمن بــالله فتزيــد فــي إيمــانه وحب ّــه الصلة التي تذ ّ
لربه ،حتى تسهل عليه طاعته في كل شيء وآتــوا الزكــاة
التي تزكي النفس من رذيلة البخل والحرص وتمّرنها على
أعمال الــبر حــتى تســهل عليهــا ويكــون تــرك أكــل أمــوال
الناس بالربا أسهل.
وإنما ذكر الصلة والزكــاة لنهمــا أعظــم العبــادة النفســية
والمالية ،فمن أتــى بهمــا كــاملتين ســهل عليــه كــل عمــل
صالح.
والله يعدهم بأن لهــم أجرهــم عنــد ربهــم يحفظــه لهــم ول
خوف عليهم ول هم يحزنون فهو وعد بالمن فل يخــافون،
وبالسعادة فل يحزنون ،في القوت الــذي يتوعــد فيــه أكلــة
الربــا بــالمحق والســحق ،وبــالتخبط والضــلل ،وبــالقلق
والخوف.
وفي ظل هذا للرخــاء المــن الــذي يعــد اللــه بــه الجماعــة
المسلمة التي تنبذ الربــا مــن حياتهــا فتنبــذ الكفــر والثــم،
وتقيم هذه الحياة علــى اليمــان والعمــل الصــالح والصــلة
والزكاة ،في ظل هــذا الرخــاء المــن يهتــف بالــذين آمنــوا
بالهتاف الخير ليحولوا حياتهم عن النظام الربــوي الــدنس
المقيت ،وإل فهــي الحــرب المعلنــة مــن اللــه ورســوله بل
هوادة ول إمهال ول تأخير :يا أيهــا الــذين آمنــوا اتقــوا اللــه
وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فوصفهم باليمان،
كرهم بالتقوى ،ثم انتقل إلى المــر بــترك مــا بقــي مــن وذ ّ
الربا لمن كانوا يرابون.
ثم وصل ذلك بقوله :إن كنتم مؤمنين أي إن كان إيمــانكم
تاما شامل لجميع ما جاء به محمد من الحكام فذروا بقايــا
الربا.
ويؤخذ من هذا أن من لم يترك ما بقي من الربا بعــد نهــي
الله تعالى عنه وتوعده عليه فل يعد ّ من أهل هــذا اليمــان
التام الشامل.
ى بــالترهيب الــذي وهكــذا يأخــذهم بــالترغيب أول ،ثــم ثن ـ ّ
يقصم الظهور ،ويزلــزل القلــوب :فــإن لــم تفعلــوا فــأذنوا
بحرب من الله ورسوله .
472
أي :إن لم تتركوا ما بقي لكم من الربا كما أمرتم فاعلموا
واستيقنوا بأنكم على حرب من الله ورسوله.
ويا للهول :حرب من الله ورسوله!! إن الخصم ليعرف أن
عدّوه يعد ّ العدة ليشن الغارة عليــه فل يهــدأ ول ينــام ،مــع
احتمال أن يدفع عن نفسه ،وأن يكون هو المنتصر .فكيف
إذا أعلم بالحرب من اللــه ورســوله؟! وهــي حــرب رهيبــة
معروفــة المصــير ،مقــررة العاقبــة ،ل هــوادة فيهــا ،وأيــن
النسان الضعيف الفاني من تلك القدرة الجّبارة الســاحقة
الماحقة؟!.
م مــن القتــال بالســيف والمــدفع. وهذه الحرب المعلنة أع ّ
إنها حرب على العصــاب والقلــوب ،وحــرب علــى البركــة
والرخاء ،وحرب على السعادة والطمأنينــة ،حــرب يســلط
اللــه فيهــا بعــض العصــاة علــى بعــض ،حــرب المطــاردة
والمشاكسة ،حرب الغبن والظلم ،حرب القلــق والخــوف،
وأخيرا حرب السلح بيــن المــم والجيــوش ،والــدول ،إنهــا
الحرب المشبوبة دائما ،وقــد أعلنهــا اللــه علــى المرابيــن،
وهي مسعرة الن تأكل الخضر واليابس ،والبشرية غافلــة
عما يفعل بها.
ثم عـّرض بالتوبــة فقـال :وإن تبتــم يعنـي مـن المعـاملت
الربوية فلكم رؤوس أموالكم ل تظلمون الناس بأخذ الربا
ول تظلمون ببخسكم رؤوس أموالكم .فكل من تــاب مــن
الربا :فإن كانت معاملت ســالفة فلــه مــا ســلف ل يكل ّــف
رّده ول إضاعته ،وأمره إلى الله ينظر فيه.
وإن كانت معاملت موجودة وجــب عليــه أن يقتصــر علــى
رأس ماله ،فإن أخذ زيادة فقد تجرأ على الربا.
ثم يرشد صاحب المال إلى ما يجب عليه نحو الــذي عليــه
الدين فيقول :وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميســرة وأن
تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون .
إنها السماحة الندي ّــة الــتي يحملهــا الســلم للبشــرية .إنــه
الظل الظليل الذي نادى إليه البشـرية المتعبــة فــي هجيـر
الثــرة والشــح والطمــع والتكــالب ،إنهــا الرحمــة للــدائن
والمدين ،وللمجتمع الذي يظل الجميع.
473
إن المعسر في السلم ل يطارد من صاحب الدين أو مــن
القانون والمحاكم ،إنما ينظر حتى يوسر ،ثــم إن المجتمــع
المســلم ل يــترك هــذا المعســر وعليــه ديــن ،فــالله يــدعو
صاحب الدين أن يتصدق بدينه إن تطوع بهــذا الخيــر ،وهــو
خير لنفسه كما هو خير للمدين ،وهــو خيــر للجماعــة كلهــا
ولحياتها المتكالفة ولو كان يعلم ما يعلمه الله من ســريرة
هذا المر.
وقــد كــثرت الحــاديث فــي الــترغيب فــي إنظــار المعســر
والتجاوز عنه ،ومنها :قوله )) :مــن أنظــر معســرا أو وضــع
عنه أظله الله في ظّله((.
وعن حذيفة قال :قال رسول الله )) :أتــى اللــه بعبــد مــن
عبيده يوم القيامة قال :ماذا عملت لي في الدنيا؟ فقــال:
ما عملت لك يــا رب مثقــال ذرة فــي الــدنيا أرجــوك بهــا -
قالها ثلث مرات -ثم قال عنــد آخرهــا :يــا رب إنــك كنــت
أعطيتني فضل مال ،وكنت رجل أبــايع النــاس ،وكــان مــن
خلقي الجواز ،فكنت أيسر على الموسر وأنظــر المعســر.
فقال الله عز وجل :أنا أحق من ييسر ،أدخل الجنة((.
ثم يجئ التعقيب العميق اليحاء الذي ترجــف منــه النفــس
المؤمنة وتتمنى لو تنزل عن الدين كلــه ثــم تمضــى ناجيــة
من الله يوم الحساب :واتقوا يوما ترجعون فيــه إلــى اللــه
فأنجع شيء لمــرض القلــوب تــذكر يــوم الــدين وهــو يــوم
عســير ،لــه فــي قلــب المــؤمن وقــع شــديد ،واتقــوا يومــا
ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم ل
يظلمون .
كان هذا التحذير من ربا النسيئة :وهو الزيــادة فــي الثمــن
من أجل الزيادة في الجل.
ومن باب سد الذرائع حّرم السلم نوعا آخر من الربا وهو
ربا الفضل.
وربا الفضل معناه :بيع جنس بجنسه متفاض ً
ل.
وهــو محصــور فــي أصــناف ســتة ،بّينهــا قــوله )) :الــذهب
بالذهب ،والفضة بالفضة ،والبر بــالبر ،والشــعير بالشــعير،
والتمر بالتمر ،والملح بالملح ،مثل بمثل ،سواء بسواء ،يــدا
474
بيد ،فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كــان
يدا بيدا((.
فهذه الصــناف الســتة ل يجــوز بيــع الجنــس منهــا بجنســه
متفاضــل :فل يجــوز بيــع مــائة جــرام ذهبــا قــديما بتســعين
جراما ذهبا جديدا ،وكذلك الفضة.
ول يجوز بيع كيلتين من قمح رديء بكيلــة مــن قمــح جيــد،
وهكذا بقية الصناف.
ول يجوز التأخير في القبض وإن كان هناك تماثل ،بل لبــد
من التقابض في المجلس.
فإن اختلفت الجناس والعلة جاز الــبيع والشــراء متفاضــل
وجاز التأخير ،كأن تشتري قمحا بنقد ،أو ملحا بنقد.
وإن اختلفت الجنــاس واتحــدت العلــة جــاز التفاضــل دون
التأخير :فيجوز أن تشتري عشرين جراما ذهبا بمائة فضــة
مثل .أو تشتري كيلتين قمحا بأربع شعيرا ،أو تشتري مــائة
ريال سعوديا بتسعين جنيهــا مصــريا ،فهــذا التفاضــل جــائز
شريطة التقابض في المجلس .فل يجوز أن تشــتري مــائة
ريال بتسعين جنيها وتبقى لك أو عليك بقية.
وكذلك ل يجوز أن تشتري ذهبا بنسيئة ،ول أن تدفع بعــض
القيمة ويبقى عليك بعضها ،بل لبد مــن دفــع القيمــة كلهــا
نقدا قبل مغادرة المجلس .ومن الخطأ الذي يقع فيه كثير
من الناس عند استبدال الذهب القديم بجديد أنهم يــبيعون
القديم ول يقبضـون ثمنـه ،ثـم يشـترون الجديـد ويـدفعون
الفرق ،وهذا داخل في ربا الفضــل ،والصــحيح أن تــبيع مــا
معك وتقبض ثمنه ،ثم تشتري الجديد وتدفع ثمنه.
فــاعتبروا يــا أولــي البصــار وخــذوا حــذركم ،وتفقهــوا فــي
دينكـــم ،فـــإنه ))مـــن يـــرد اللـــه بـــه خيـــرا يفّقهـــه فـــي
الدين((... ... ... .
================
#أشر ما دخل جوف ابن آدم الربا
موسوعة الدين النصيحة ) - 5-1ج / 1ص (222
فأقول بعد حمد الله والثناء عليــه والصــلة والســلم علــى
رسوله إن من ترك صلة مكتوبة واحدة حتى يخرج وقتهــا
مخرجا ً عن الملة السلمية وهو قادر على أدائها كفر كفرا ً ُ
475
في أرجح قولي العلماء ،وأجمعت المة على قتله إل ّ قليل ً
منهم إذا جيــء بــه إلــى الحــاكم أو مــن ينــوب عنــه وذ ُك ّـَر
بخطورة ترك الصلة فأبى عن أداء صلة واحدة حتى خرج
وقتها.
ممن روي عنه كفر تارك الصلة كسل ً من الصحابة :علــي
بن أبي طالب ،وسعد بن أبي وقاص ،وابن مســعود ،وابــن
عباس ،وجابر ،وأبي الدرداء رضي الله عنهم ،وقال عمــر:
ظ في السلم لمن ضيع الصلة" ،وقال عبد الله بــن "ل ح ّ
شقيق وهو من كبارالتابعين" :لم يجمع الصــحابة علــى أن
ترك شيء من العمال كفر سوى الصلة".
لمن التــابعين ومــن وممــن قــال يكفــر تــارك الصــلة كسـ ً
بعــدهم إبراهيــم النخعــي ،والحكــم بــن عتيبــة ،وأيــوب
السختياني ،وابن المبارك ،وأحمد بن حنبــل ،وإســحاق بــن
راهويه ،واستدل هؤلء من القرآن بالتي ":أضاعوا الصلة
واتبعوا الشهوات فسوف يلقون ِغي ًّا"" ،وأقيموا الصــلة ول
تكونوا من المشركين"" ،إنمــا تنــذر الــذين يخشــون ربهــم
بالغيب وأقاموا الصلة".
قيل لبن مسعود رضي الله عنه إن الله يكثر ذكــر الصــلة
في القرآن" الذين هم علــى صــلتهم دائمــون" " ،والــذين
ل للمصلين الــذين هــم هم على صلتهم يحافظون" " ،فوي ٌ
عن صلتهم ساهون" ،فقال عبد الله :على مواقيتها .فقال
له قائل :ما كنا نرى إل ّ أن نــترك .فقــال عبــد اللــه :تركهــا
كفر.
ومن الحاديث الصحيحة الصريحة بالتي:
" .1بين العبد وبين الكفر ترك الصلة" وفي روايــة" وبيــن
الشرك ترك الصلة".
" .2العهد الذي بيننا وبينهم الصلة فمن تركها فقد كفر".
" .3نهيت عن قتل المصلين".
" .4من ترك صلة العصر متعمدا ً فقد حبط عمله".
" .5ما منعك أن تصلي مع الناس الست برجل مسلم".
قال ابن عبد البر معلقا ً وشارحا ً للحــديث الســابق) :وفــي
هذا والله اعلــم أن مــن ل يصــلي ليــس بمســلم وإن كــان
موحدًا(.
476
ولهذا فإن حكم تارك الصلة في الدنيا:
.1ل يزوج بمسلمة وإن كان متزوجا ً بمسلمة فّرق بينهما.
.2ليسلم عليه ،وليزار ،وليعاد ،وليؤاكل ،وليسكن معه،
ولتجاب دعوته زجرا ً له ولمثاله.
.3ليس له ولية على بناته وحريمه.
.4إن كان يصلي ثم تركها حبطــت أعمــاله الســابقة كلهــا
مــن صــلة ،وزكــاة ،وحــج ،فــإذا عــاود الصــلة عليــه حجــة
السلم ،وإخراج الزكاة.
.5مهدر الدم ،والمال ،والعرض.
.6ل يغســل إذا مــات ،ول يكفــن ،ول يــدفن فــي مقــابر
المسلمين ،ول يرثه أهله في أرجح قولي أهل العلم.
أما في الخرة :فمصيره إلى سواء الجحيم" :قالوا لم َنــ ُ
ك
من المصلين" ،هل يعلم تارك الصلة أن أسوته من الخلق
إبليس وخلفائه من كل خبيث" :وإذ قلنا للملئكــة اســجدوا
لدم فسجدوا إل ّ إبليس".
قال إســحاق بــن راهــويه) :فمــن لـم يجعـل تـارك الصـلة
كافرًا ،فقد ناقض ،وخالف أصل قــوله وقــول غيــره ،قــال:
مَر بسجودها، ُ
ولقد كفر إبليس إذ لم يسجد السجدة التي أ ِ
قال :وكذلك تارك الصلة عمدا ً حتى يخرج وقتها كــافر إذا
أبى قضاءها(.
وهل يعلم أن الله غني عن صلته وصلة غيره" :يا عبادي،
لو أن أولكم وآخركم ،وإنسكم وجنكــم ،كــانوا علــى أفجــر
قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكــي شــيئًا ،إنمــا هــي
أعمالكم أحصيها عليكم ،فمن وجد خيرا ً فليحمد الله ،ومن
ن إل ّ نفسه". وجد غير ذلك فل يلوم ّ
وهــل يعلــم تــارك الصــلة أن نــزلءه ورفقــاءه فــي ســقر
ي بــن خلــف ،وغيرهــم مــن هامان ،وقارون ،وفرعون ،وأب َـ ّ
أئمة الكفر والضلل؟
قال أحمد بن حنبـل :ل يكفـر أحـد بـذنب إل ّ تـارك الصـلة
عمدًا.
وقال إسحاق بن راهويه :وكذلك كان رأي أهل العلــم مــن
لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننــا هــذا أن تــارك
الصلة عمدا ً من غير عذر حتى يذهب وقتها كــافر إذا أبــى
477
من قضائها ،وقال :ل أصليها .قال إسحاق :وذهاب الــوقت
أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس ،والمغرب إلى طلـوع
الفجر.
أل يعلم تارك الصلة أن الموت آت وكــل آت قريــب وأنــه
ســب نفســه قد يموت الن؟ أمــا آن لتــارك الصــلة أن ُيحا ِ
سب ،وأن يتوب إلــى اللــه قبــل أن يحــال بينــه قبل أن ُيحا َ
وبين ذلك؟
أل يعلم تارك الصلة أن السلم يجب ما قبله ،وأن التوبــة
تجب ما قبلها؟
ماذا ينتظر تارك الصــلة إل ّ فقــرا ً منســيًا ،أوغنــى مطغي ـًا،
أومرضا ً مفسدًا ،أوهرما ً مفندا ً -مضــعفا ً -أوموت ـا ً مجهــزًا،
أوالدجال فشر غائب ينتظــر ،أوالســاعة "فالســاعة أدهــى
وأمر"؟
أل يحذر تارك الصلة من اجتماع سكرة المــوت ،وحســرة
الفوت؟
اللهم هل بلغت اللهم فأشهد.
اللهم اهد شــبابنا ،وأصــلح نســاءنا ،ورد ضــاّلنا ،واختــم لنــا
ل اللهــم بخير ،واجعل عاقبــة أمورنــا كلهــا إلــى خيــر ،وصـ ّ
وســـلم علـــى محمـــد القـــائل ":كـــل أمـــتي معـــافى إل ّ
المجــاهرين" ،وعلــى آلــه وصــحابته الطــاهرين الطيــبين،
وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
===============
#كفالة مقترض الربا
كفالة مقترض الربا
المجيب ...أ.د .سعود بن عبدالله الفنيسان
عميــد كليــة الشــريعة بجامعــة المــام محمــد بــن ســعود
السلمية سابقا ً
التصنيف ...الفهرسة /المعاملت/الضمان والكفالة
التاريخ 24/11/1423 ...هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلم عليكم ورحمة الله وبركاته.
478
هناك مؤسسة تعنى بشؤون الســكان تقــدم قروضــا لمــن
يرغب في استكمال إعمار بيتــه بفــائدة قليلــة %3ولمــده
تزيد على خمس سنوات مــن بــاب مصــاريف المــوظفين،
وقد أفتى بعض العلماء هنا بجواز ذلك فهــل يجــوز لــي أن
أكفل شخصا ً يريد أخذ قرض من هذه المؤسسة؟
الجواب
ل يجوز القــتراض بفــائدة ربويــة مهمــا قلــت النســبة ولــو
وزعت على عشرات السنين لن قليل الربا وكثيره حرام،
وتبرير هــذه النســبة الربويــة علــى أنهــا أتعــاب ومصــاريف
للموظفين غيــر صــحيح وإنمــا ذلــك تزييــن مــن الشــيطان
والنفس أمارة بالسوء ول أعرف فتوى معتبرة لهل العلم
كما ذكرت في سؤالك ،إذ ربما السؤال أو تعليــل الجــواب
على غير هذه الصورة المسؤول عنهــا هنــا .وعلــى فــرض
وقوع هذه الفتوى على هذه الصورة فإنه من الخير لك أن
تجتنــب الشــبهات فتأخــذ بــالحوط فيمــا يخصــك لحــديث
النعمان بن بشير "الحلل بين والحرام بيــن وبينهمــا أمــور
مشتبهات ل يعلمهن كثير من الناس فمن اتقــى الشــبهات
فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع فــي
الحــرام" البخــاري ) ،(52ومسـلم ) (1599وفــي الحــديث
الصحيح " البر حسن الخلـق والثـم مـا حـاك فـي النفـس
وكرهــت أن يطلــع عليــه النــاس" مســلم ) (2553وفــي
الحديث الخر" :استفت قلبك البر ما اطمــأن إليــه القلــب
والثم ما حاك في النفــس وتــردد فــي الصــدر وإن أفتــاك
الناس وأفتوك" أحمد ) .(18006وعلى هذا فل يجــوز لــك
أن تكفل شخصا ً يتعامل بهذه المعاملة .وصــلى اللــه علــى
نبينا محمد.
===============
#كيف يستثمر المسلم ماله بعيدا ً عن شبهات
الربا
إن اللــه تعــالى جعــل المــال عصــب هــذه الحيــاة ،وأداة
التفاعــل بيــن النــاس ،وجعــل الولد ثمــرة القلــب وقــرة
العيــن .وجعلهمــا مع ـا ً زينــة الحيــاة الــدنيا فقــال ســبحانه
479
تحي َــاةِ ال ـد ّن َْيا َوال َْباقِي َــا ُة ال ْ َ
ن ِزين َـ ُ ل َوال ْب َن ُــو َ مــا ُ وتعــالى} :ال ْ َ
َ عند َ َرب ّ َ
مل{ ]الكهف.[46 : خي ٌْر أ َ واًبا وَ َك ثَ َ خي ٌْر ِ ت َ حا ُ صال ِ َ
ال ّ
وأثبــت الواقــع أن النــاس حيــن يضــعف إيمــانهم يفتنــون
بأموالهم وأولدهم عن طاعة الله تعالى ،لــذلك حــذر اللــه
تعالى المؤمن من ذلك واعتبر ذلــك خيانــة للــه ولرســوله،
َ
ســو َ
ل ه َوالّر ُ خوُنوا ْ الّلــ َ مُنوا ْ ل َ ت َ ُنآ َ ذي َفقال تعالىَ} :يا أي َّها ال ّ ِ
َ َ
ن{ ]النفال.[27 : مو َ م ت َعْل َ ُ م وَأنت ُ ْ خوُنوا ْ أ َ
ماَنات ِك ُ ْ وَت َ ُ
لذلك كــان لزامـا ً علــى كــل مســلم أن يتقــي فتنــة المــال
ويبتعد عن الحــرام بكـل صــوره ،فــدورة المـال فـي حيـاة
المسلم أشبه بالنهر في منبعــه ومجــراه ومصــبه ،فالمــال
منبعه الكتساب ومصبه النفاق ومجراه ما بين ذلك وهــي
فترة تملك النسان له ،والعبد يحاســب علــى كــل مرحلــة
من هذه المراحل ،ومن أعظــم فتــن المــال اكتســابه مــن
حــرام ،وطــرق الحــرام كــثيرة ومتعــددة ومنهــا "الختلس
والسرقة والغلول والرشوة وأكل الحرام وأكل مال اليــتيم
والغش" ،ومن أبرزها استثماره أو اقتراضه الربا.
وبهذا صار المال من أعظــم الفتــن ،لنــه إذا بــدأت الفتنــة
من منبعه فإنه ل ُيرجى منه خيــر بعــد ذلــك ،ومــن أراد أن
يتقي فتنة المــال مــن منبعــه يجــب أن يكســبه مــن حلل،
وطرق الحلل كــثيرة ومتعــددة ،كمــا يجــب علــى المســلم
التقــي أن يكــون حريص ـا ً علــى اللــتزام بشــرع اللــه فــي
معاملته المالية لن كل شيء سيحاسب عليه مرة واحدة
إل المال سُيحاسب عليه مرتين ،مرة عند اكتســابه ومــرة
عند إنفاقه ،كما قال رسول الله ص ـّلى اللــه عليــه وس ـّلم:
"ل تزول قدما عبد يوم القيامة حتى ُيسأل عــن أربــع :عــن
عمره فيما أفناه ،وعن شــبابه فيمــا أبله ،وعــن مــاله مــن
أين اكتسبه وفيم أنفقه ،وعن علمه ماذا فعل به" )أخرجــه
المام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمر(.
أين نستثمر أموالنا؟
لقد أثارت فتنة إيداع الموال في البنــوك التقليديــة الكــثير
من الجدل بين الفقهاء ،وترتب على ذلك أن بعــض الــذين
كانوا يستثمرون أموالهم في هـذه البنــوك بـدءوا فعل ً فــي
سحبها منها تجنبا ً للشبهات ملــتزمين بحــديث رســول اللــه
480
صّلى الله عليه وس ـّلم" :إن الحلل بيــن وإن الحــرم بيــن،
وبينهما أمور مشتبهات ل يعلمهن كــثير مــن النــاس ،فمــن
اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" ،ووصــيته ص ـّلى
الله عليه وسّلم التي يوصينا فيها" :دع مــا يريبــك إل مــا ل
يريبك".
ويتســاءل المســلمون :أيــن نســتثمر أموالنــا؟ ويوجــد منــا
الموظف والرملة والمحال إلى المعاش ،وغيــر ذلــك مــن
الذين ل يستطيعون ضــربا ً فــي الرض وهــم الن يودعــون
أموالهم في البنوك التقليدية بفــائدة للحصــول علــى إيــراد
يعينهــم علــى الحاجــات الصــلية للحيــاة مثــل المأكــل
والمشرب والعلج والتعليم والمسكن ...ونحو ذلك.
كما ظهر سؤال آخر :هــل معــاملت المصــارف الســلمية
حلل؟ وخصوص ـا ً فــي ظــل مــا ُيثــار حولهــا مــن شــبهات،
ومنها :أنها تتعامل مع البنوك التقليدية ،وأنهــا تــودع بعض ـا ً
من أموالها لدى البنك المركزي ،وأنهــا تــوزع عــائدا ً قريب ـا ً
مــن الفــائدة الــتي توزعهــا البنــوك التقليديــة ،وأن بعــض
الموظفين فيها يدعون بأنه ل توجــد فــروق جوهريــة بينهــا
وبين البنوك التقليدية ،وأنه ل فرق بين التمويل بالمرابحــة
لشراء سلعة وبين القتراض بفائدة من البنوك التقليدية.
كل هذه التسـاؤلت وغيرهـا تحتـاج إلـى إجابـة لمـن يريـد
الستثمار والتمويل وهذا هو القصد من هذه الدراسة.
حيرة ولبس
لقد انقسم المسلمون إزاء التساؤلت السابقة إلــى فــرق
على النحو التالي:
- 1فئة ل تعطي أي اعتبار للحلل والحرام ويهمهــا العــائد
الكبير على رأس المال ،وتفصل بين الدين والحيــاة ،وبيــن
العبادات والمعاملت ،وتقول" :دع ما لقيصــر لقيصــر ومــا
لله لله" ،وتتعامل مع أي بنك سواء كــان وطني ـا ً أو أجنبي ـًا،
يهوديا ً أو إســلميًا ،المهــم عنــدها أن تحصــل علــى أقصــى
ربحية أو عائد بأي وسيلة حتى ولو بطرق غيــر مشــروعة،
وهؤلء ل يهمهم النواحي الشرعية لستثمار المال.
- 2فئة تتبع الفتوى التي تتفق مــع هــوى النفــس وتقــول:
"ضعها في رقبة عالم واخرج سالم" ،ول تريد أن تبذل أي
481
جهــد للبحــث عــن الدلــة والحقيقــة ،أن تجنــب الشــبهات،
وتميل إلى الخذ بالرخص.
- 3فئة ورعة تتجنب الشــبهات وتضــع حــاجزا ً مــن الحلل
بين الحرام والمشتبه فيه ،وهي الفئة الــتي دخــل الخــوف
من الله إلى قلبها وتريد أن تتحرى الحلل وتستشعر قــول
َ
يما ب َِق َ ه وَذ َُروا ْ َ مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َنآ َ َ الله عز وجلَ} :يا أي َّها ال ّ ِ
ذي
ْ
ب حـْر ٍ م ت َْفعَل ُــوا ْ فَـأذ َُنوا ْ ب ِ َ ن ،فَـِإن ل ّـ ْ مِني َمؤ ْ ِ كنُتم ّ ن الّرَبا ِإن ُ م َِ
َ م فَل َ ُ
م لَ وال ِك ُ ْمــ َسأ ْ ؤو ُ م ُر ُكــ ْ ســول ِهِ وَِإن ت ُب ُْتــ ْ ن الّلــهِ وََر ُ مــ َ ّ
ن{ ]البقرة ،[279 - 278 :وقوله عز مو َ ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ مو َت َظ ْل ِ ُ
ل م ت ُـوَّفى ك ُـ ّ ن ِفيهِ إ ِل َــى الل ّـهِ ث ُـ ّ جُعو َ ما ت ُْر َ وجلَ} :وات ُّقوا ْ ي َوْ ً
ن{ ]البقــرة ،[281 :وقــول مو َ م ل َ ي ُظ ْل َ ُ ت وَهُ ْ ما ك َ َ
سب َ ْ س ّ
ن َْف ٍ
الرســول صـّلى اللــه عليــه وسـّلم" :لعــن اللــه آكــل الربــا
وموكله وشاهديه وكاتبه" )رواه مســلم( ،وهــذه الفئة هــي
التي يهمها تماما ً أن تعرف الحــق فتتبعــه وتعــرف الباطــل
فتتجنبه ،وتدعو الله سبحانه وتعالى دائما ً بالدعاء المــأثور:
"اللهم اكفنــا بحللــك عــن حرامــك ،واغننــا بفضــلك عمــن
سواك".
لقد أصاب هــذه الفئة الخــوف والوجــل والحيــرة والشــك،
وتسأل كيف تستثمر المال بعيدا ً عن الشك والريبــة؟ كمــا
ترفض الفتوى التي ل سند لها من القرآن أو السنة أو من
أقوال الفقهاء من الخلف أو السلف ،وهذه الفئة هي التي
تعنينا فــي هــذه الدراســة ونحــاول أن نوضــح لهــا الحكــام
والمبــادئ والضــوابط الشــرعية لســتثمار المــال وتمويــل
المشروعات على النحو التالي.
الضوابط الشرعية لستثمار المال
في ظل انتشــار وســائل توصــيل العلــم للنــاس مــن خلل
وســائل التكنولوجيــا الحديثــة ومنهــا شــرائط الكاســيت
والفيديو والحاسوب والنترنت والقنــوات الفضــائية ،يجــب
على المؤمن التقي الذي يخشى الله أن يبحث عن الدلــة
القوية لكل رأي ،ويختار الرأي الذي يرتاح إليه قلبه ،وفق ـا ً
لوصية رسول الله صّلى الله عليه وسّلم" :الثــم مــا حــاك
في صدرك وتخاف أن يطلع عليه النـاس" ،ووصـيته صـّلى
اللــه عليــه وسـّلم الــتي يوصــي فيهــا "اســتفت قلبــك" ول
482
ينبغي ول يجوز شرعا ً أن نقول" :ضــعفها فــي رقبــة عــالم
واخرج سالم".
ولقد اتفق الفقهاء من السلف والخلف على مجموعة مــن
الضــوابط المســتنبطة مــن مصــادر الشــريعة الســلمية
لستثمار الموال بعيدا ً عن الربا ،ومن أهمها:
-استثمار المال في مجالت الحلل الطيــب :المشــروعية
والطيبات.
-فقه الولويات :الضرورات فالحاجيات.
-المشاركة في الربح والخسارة وهو ما يسمى في الفقــه
"الغنم بالغرم".
-المحافظة على المال لنه قوام الحياة ول يجب تعريضــه
للهلك.
-تنمية المال حتى ل تــأكله الزكــاة "الصــدقة" بالســتثمار
وحبسه عن التداول.
-ل كسب بل جهد ول جهــد بل كســب ،وذلــك عنــد تفاعــل
ومشاركة المال مع العمل.
-ربــط العــوائد بالمخــاطر وكلمــا زادت المخــاطر زادت
العوائد ول ربح حلل بدون مخاطر.
-ضوابط أخرى كثيرة يضيق المقــام لبيانهــا ولكــن نكتفــي
بما نحتاجه الن في هذه الدراسة.
لذلك يجب علــى مــن يخشــى اللــه ويتقــه أن يلــتزم بهــذه
الضوابط قبل أن يقدم علــى اســتثمار أمــواله ،كمــا يجــب
عليه تجنب هوى النفس الــتي أحيان ـا ً يزيــن لهــا الشــيطان
الحرام الكثير فتقدم عليه ول تبالي بأن الحلل القليل فيــه
البركة من الله.
البواعث والدوافع الذاتية لستثمار المال بالحلل
مــن البــواعث والــدوافع والحــوافز الــتي ترشــد وتــوجه
المسلم المؤمن التقي إلــى الســتثمار الحلل الطيــب مــا
يلي:
-اليمان العميق القوي بأن المال مال الله وأنه مستخلف
فيه ،ولذلك يجب أن يكون استثمار المال وفقا ً لشرع الله
المالك الحقيقي لهذا المال.
483
-اليمــان الصــادق الراســخ بــأن اللــه يبــارك فــي الحلل
الطيب القليل ويمحق الخبيث ولو كثر.
-اليمان بالمحاسبة الخروية مع اللــه يــوم القيامــة ،وأننــا
سنســأل لمــاذا اســتثمرنا أموالنــا بالربــا وفــي الخبــائث؟
مصداقا ً لقوله تعالى فــي آخــر آيــات الربــاَ} :وات ُّقــوا ْ ي َوْ ً
مــا
م لَ ت وَهُ ْ سب َ ْما ك َ َ س ّ
ل ن َْف ٍ ن ِفيهِ إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ
م ت ُوَّفى ك ُ ّ جُعو َ ت ُْر َ
ن{ ]البقرة ،[281 :وقول الرسول صّلى الله عليــه مو َي ُظ ْل َ ُ
وسّلم" :ل تزول قدما عبد يــوم القيامــة حــتى ُيســأل عــن
عمره فيما أفناه ،وعن علمه فيما فعل ،وعن ماله من أين
اكتسبه وفيم أنفقه ،وعن جسمه فيما أبله" )الترمذي(.
-اليمان بأن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى.
كيف تستثمر مالك بالحلل
لقد فتح الله أبوابا ً شتى من الحلل الطيــب ليســتثمر مــن
خلل المال ،فل يســتوي ول يتماثــل الربــح الحلل الطيــب
مــا ال ْب َي ْـ ُ
ع مع الربا الحرام ..لقد قالوا ومــازالوا يقولــون }إ ِن ّ َ
َ
ه ال ْب َي ْـ َ
ع ل الل ّـ ُ حـ ّل الّرب َــا{ ،فــرد اللــه عليهــم يقــوله} :وَأ َ مث ْ ُ ِ
م الّرَبا{ ،ومدلول ذلك :لقد أحل الله الربح الناتج مــن حّر َ وَ َ
البيع والشراء ،وحرم الربــا الناتــج مــن مبادلــة مــال بمــال
وزيادة بدون أن توجد سلعة أو خدمة ليتــم التعامــل عليهــا
بما كان يتعامل العباس عم النبي صّلى اللــه عليــه وس ـّلم
قبل السلم حيث كان يمول التجار بالربا ،ونهــاه الرســول
صـّلى اللـه عليـه وسـّلم عـن ذلـك .ومـن أمثلـة الوسـائل
الحلل لستثمار المال على سبيل المثال ما يلي:
ل :الستثمار الذاتي: أو ً
أي أن يقوم صاحب المال بتشغيل ماله بنفسه ،أو يشتري
بــه محلت تجاريــة ويؤجرهــا ...أو يشــتري ســلعا ً معمــرة
للمستقبل ،ويجب أن يضع الفرد نصب عينيــه دائم ـا ً تنميــة
ل ،كما يجب أن يوقن تماما ً أن مجالت ماله ول يتركه عاط ً
الستثمار الحلل مفتوحة ميسرة والمحرمة هي الذي ورد
نص يحرمهـا ،كمـا يجـب أن يتأكـد مـن الحلل فـي مجـال
الستثمار من تطبيق القاعدة الشرعية وفي الوسيلة إليــه
مع مشروعية الغاية ومشــروعية الوســيلة ،وهــذه الصــيغة
مــن صــيغ اســتثمار المــال تصــلح لمــن عنــده خــبرة فــي
484
مجالت العمال ول تصلح لمــن ل يســتطيعون ضــربا ً فــي
الرض مثل الموظفين والرامل والشيوخ ونحوهم.
ثانيا ً الستثمار عن طريق نظام المضاربة
السلمية "فكرة توظيف الموال المشروعة":
وهو نــوع مــن أنــواع المشــاركة بيــن صــاحب رأس المــال
وصــاحب العمــل ،حيــث يتــوفر لــدى الول رأس المــال
وتنقصه الخبرة العملية أو يصــعب عليــه القيــام بممارســة
الخبرة العملية أو يصعب عليه القيام بممارسة المعاملت،
ويتوفر لدى الثاني الخبرة والمقدرة على ممارسـة نشــاط
المعاملت سواء أكــانت تجاريــة أم زراعيــة أم صــناعية أم
خدميــة ويتفقــان ســويا ً علــى توزيــع عــائد ربــح عمليــات
المعاملت الفعلية كل فــترة زمنيــة بينهمــا بنســبة يتفقــان
عليها "أي تطبيق قاعدة الغنم بالغرم".
وهناك شروط مختلفة لعقد المضاربة السلمية ،ولكن قد
تتخذ أشكال ً مختلفة وكل أشــكالها مشــروعة مــا لــم تكــن
في أي منها مخالفة لنص شــرعي ،ويرجــع فــي ذلــك إلــى
فقه المضاربة في كتب الفقه.
ومن الضوابط الشرعية للمضاربة السلمية ما يلي:
-أن تكون في مجال الحلل الطيب.
-أن ل يضمن صاحب العمل رأسمال المضارب.
-أن ل يضمن صاحب العمل ربحا ً محددا ً مســبقا ً لصــاحب
المال.
-يضمن صاحب العمل لصاحب المال التعدي والهمال.
-ل يشترك صاحب المال في الدارة بل له حق الشــراف
والمراقبة.
ولكــي يمكــن تطــبيق هــذه الوســيلة أو الصــيغة يجــب أن
يتوافر في صاحب العمل المانة والصدق والكفاءة الفنية،
وهذا يتطلب من صاحب المال أن يختار من يخــافون اللــه
ولديهم الخبرة والحنكة والبصيرة.
ثالثًا :استثمار المال بطريــق المشــاركة )نظـم الشــركات:
تضامن -توصية -محاصة(:
ُيقصد بالمشاركة هنا أن يشترك اثنان أو أكــثر فــي تجــارة
أو صناعة أو زراعــة أو تقــديم الخــدمات للغيــر كــل منهــم
485
ل ،على أن يقتسما ما يسوقه الله إليهم من يقدم مال ً وعم ً
ربح حسب ما يتفقا عليه ،وإذا خسرا توزع بينهم الخســارة
بنسبة حصة كل منهم في رأس المال.
وتتعــدد صــور ونظــم المشــاركة حســب طبيعــة الشــركاء
والعمليات التي سوف يقومــون بهــا ،وفــي ضــوء القاعــدة
الشرعية :أن الصل في المعاملت الحل والباحــة مــا لــم
يصطدم بنص شرعي يــوجب التحريــم ،فكــل المشــاركات
حلل ،فمنها المشــاركة الثابتــة ومنهــا المشــاركة المنتهيــة
بالتمليك ،ويعتبر استثمار الموال طبق ـا ً لنظــام المشــاركة
مـــن أهـــم الطـــرق المشـــروعة لملءمتهـــا مـــع طبيعـــة
المشروعات القتصادية المعاصرة ،وهنــاك صــور مختلفــة
للمشاركة أجازها فقهــاء الســلم مثــل شــركات التضــامن
والتوصية البسيطة والمحاصة وشركات الصنائع ،وشركات
الوجــوه ،وأي صــورة أخــرى مســتحدثة تتفــق مــع أحكــام
ومبادئ الشريعة السلمية.
ومن متطلبات هذه الصيغ وجود الشــريك الميــن الصــادق
الكفــء ومجــال الســتثمار الحلل الطيــب ،كمــا يجــب أن
تكتب العقود وتوثق ،ويوضــح فيهــا شــروط الدارة وتوزيــع
الرباح والخسائر والتصفية ،والتخارج أو نحــو ذلــك ،وهــذه
الشركات هي قوام النشاط القتصادي والتنميــة الشــاملة
للمجتمــع وتعالــج مشــكلة التضــخم ،لن المــوال تكــون
مستثمرة في أصول عينية.
رابعًا :استثمار المال عن طريـق المسـاهمات فـي رؤوس
أموال الشركات المساهمة:
تعتــبر شــركات المســاهمة ومــا فــي حكمهــا مــن صــيغ
الستثمار التي أجازها الفقهاء المعاصرون لنها تقوم على
أســاس قاعــدة المشــاركة فــي الربــح والخســارة "الغنــم
بالغرم" بشرط أن تعمل في مجال الحلل الطيــب ووفق ـا ً
للولويات السلمية.
ورأسمال الشركة المساهمة مقســم إلــى حصــص يطلــق
على كل حصــة ســهم ،ويعتــبر حامــل الســهم شــريكا ً فــي
صافي الموجودات "أصول" الشركة ،وفي نهاية كل فــترة
مالية تحسب النتائج ،فــإذا كــانت ربح ـا ً يــوزع علــى حملــة
486
الســهم بضــوابط قانونيــة ونظاميــة وإذا تحققــت خســارة
يتحملها حملة السهم بحسب ما يمتلك كل منهــم ،ويعتــبر
التعامــل فــي الســهم العاديــة حلل ً مــتى كــانت الشــركة
المصدرة له تتعامل في الحلل.
وتعتبر الشركات بصفة عامة والشركات المساهمة بصــفة
خاصة من دعائم النشــطة القتصــادية بصــفة خاصــة مــن
دعــائم النشـطة القتصــادية فــي أي دولـة وبــدونها يكــون
الكســاد والتخلــف ،وتحــاول الــدول وضــع النظــم وســن
القوانين لتشجيع هذا المجال من الستثمار.
كمــا تعتــبر الســهم مــن أهــم الوراق الماليــة الــتي يتــم
التعامل عليها في سوق الوراق المالية حيــث تســهل مــن
انســياب المــوال لتمويــل المشــروعات وهــذا مــا تســعى
الدول لتحقيقه.
وهنا يجب على دعــاة المصــالح المرســلة مــن الفقهــاء أن
يشجعوا هذا النوع من الستثمار ول يصدوا عنه لنه أفضل
مــن إيــداع المــوال فــي البنــوك بفــائدة ،ولن المصــلحة
الحقيقية للوطن هي تشجيع إنشاء الشركات وحث الناس
على شراء الســهم الحلل بــدل ً مــن تخزينهــا فــي البنــوك
بفائدة وفقا ً لنظــام المتــاجرة فــي الــديون ،وهنــاك فــروق
جوهرية بين الربــح الحلل الناتـج مـن السـهم وبيــن الربــا
الناتج من إيداع المال لدى البنوك التقليدية.
خامسًا :استثمار المــوال بنظــام المضــاربة الســلمية مــع
البنوك السلمية:
لقد أسست المصارف السلمية على أساس تجميع المال
بصيغة المضاربة السلمية ،فالعقــد الــذي بيــن المســتثمر
وبيــن المصــرف السـلمي هــو عقـد مضـاربة يقــوم علــى
أساس قاعــدة "الغنــم بــالغرم" أي المشــاركة فــي الربــح
والخســارة ،ويقــوم المصــرف الســلمي بتشــغيل تلــك
الموال واستثمارها مع الغير بصــيغ المشــاركة والمرابحــة
والجارة والستصناع والسلم ونحو ذلك ،وما يأتي من ربح
يوزع بينه وبين أصحاب الموال وتقوم هيئات الرقابــة فــي
المصارف السلمية بالطمئنــان إلــى أن هــذه المعــاملت
487
تتم وفقا ً لحكام ومبادئ الشريعة السلمية وتغطي بــذلك
شهادة تنشر مع القوائم المالية.
مــن هنــا نجــد أن العقــود الــتي بيــن أصــحاب المــوال
"المستثمرين -المودعين" وبين المصرف الســلمي هــي
عقــود مضــاربة ل يضــمن فيهــا المصــرف ربح ـا ً معين ـا ً ول
يحدده مقدما ً بــل يعــرف بعــد اســتثمار هــذه المــوال فــي
تمويل المشروعات ومعرفة الربــاح الفعليــة الــتي ُتقســم
بينهم وبين المصرف وذلك في نهاية كل فترة مالية.
وبــالرغم مــن الشــبهات والخطــاء الــتي تقــع فيهــا بعــض
المصارف السلمية في بعض الــدول العربيــة والســلمية
والجنبية إل أنها في مجملها أفضل من إيداع المــوال فــي
البنوك التقليدية الــتي هــي موضــع شــك وريبــة ول يطمئن
إليها كثير من الناس.
وفــي هــذا المقــام نناشــد المســؤولين عــن المصــارف
السلمية بأن يتقوا الله فــي معــاملتهم ،كمــا نطلــب مــن
هيئات الرقابة الشرعية بذل المزيد من الجهد في الرقابــة
الفعالــة لتأكيــد الثقــة وتجنــب الشــك وســد الــذرائع أمــام
الناس.
استثمار الموال من خلل المؤسسات التعاونية
تقوم المؤسسات التعاونية المختلفة على نظام المساهمة
والمشاركة وفقا ً لسس معينة ول تختلف هذه المؤسسات
عــن نظــام الســتثمار فــي الشــركات إل مــن حيــث نظــم
العمل والدارة حيث تقوم على أساس قاعــدة المشــاركة
في الربح والخســارة "الغنــم بــالغرم" وعــدم ضــمان ربــح
معين ،ومن أمثلة ذلك تعاونيات السكان وتعاونيات النقــل
وتعاونيات التعليم وتعاونيات التأمين.
وهناك صيغ استثمار أخرى للمال يضيق المقام لبيانها مثل
المزارعـــة والمســـاقاة والســـلم والستصـــناع والجـــارة
المنتهيــة بالتمليــك ،ومــا ذكــر كــان علــى ســبيل المثــال ل
الحصر.
حقائق وثوابت حـول الســتثمار وفقـا ً للشــريعة الســلمية
يجب على المسلم المؤمن التقي الوجل الذي يبحــث عــن
كيفية استثمار ماله أن يوقن الثوابت التية:
488
-لقد أحل الله الربح الناتج من النشطة المختلفــة الحلل
الطيبة وحرم الربا الناتج من مبادلة مال بمال وزيادة.
-يمحــق اللــه ســبحانه وتعــالى بركــة المعــاملت الربويــة
ه ال ّْرَبا{.
حقُ الل ّ ُ مصداقا ً لقوله عز وجل} :ي َ ْ
م َ
-تجنــب المعــاملت الــتي فيهــا شــبهات" ،فــالحلل بيــن
والحرام بين وبينهما أمور مشــتبهات ل يعلمهــن كــثير مــن
الناس فمن اتقى الشبهات فقــد اســتبرأ لــدينه وعرضــه"،
فاتق الله أيها المستثمر ،والتزم بوصية رسول اللــه ص ـّلى
الله عليه وسّلم" :دع ما يريبك إلى ما ل يريبك".
-عندما يحرم الله بابا ً من المعاملت الماليــة يفتــح أبواب ـا ً
شتى من الحلل فهو سبحانه وتعالى الذي يعلم مــن خلــق
وهو اللطيف الخبير.
-يجب التحري والطمئنان إلى الدلة الشرعية التي يرتاح
إليها قلب النسان.
ختمت آيات الربا بالتذكير باليمان والتقوى }َوات ُّقــوا ْ -لقد ُ
ه{. ن ِفيهِ إ َِلى الل ّ ِ
جُعو َ
ما ت ُْر َي َوْ ً
القتصاد السلمي /ربيع الخر 1426هـ العدد 289
الدكتور /حسين شحاتة -خبير استشاري فــي المعــاملت
المالية الشرعية
==============
#الّربا بين النهج الرباني والنهج العلماني
بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي
من أكثر القضــايا الــتي تعــددت فيهــا الفتــاوى فــي واقعنــا
صا ً المعاصر هي قضّية الربا .والّربا أشد ّ ما حّرمه السلم ن ّ
في القرآن الكريم وفي الحــاديث الشــريفة .فل يح ـقّ أن
يقف المسلم من هذه القضّية ومن الفتاوى الــتي صــدرت
لهــا موقــف الحــائر التــائه ،إل إذا غلبــه الجهــل بالكتــاب
والسّنة ،وضعف اليمان وغلب الهوى !
ور لهــذه القضــية اضــطراب ولقــد رافــق اضــطراب التص ـ ّ
ور لقضايا أخرى كــثيرة فــي واقــع المســلمين اليــوم. التص ّ
دد الســس دد الفتاوى والراء ،وتعــ ّ ولقد كشف عن هذا تع ّ
التي َيعتمد عليها هذا الــرأي أو ذاك ،واشــتراك مســتويات
ددة في إصدار الرأي. متع ّ
489
ن الواقــع لــم
ومما ساعد على ذلــك الضــطراب والتعـد ّدِ أ ّ
جـة
يعـد َيفـرض علـى كـل صـاحب رأي أن ي ُت ِْبـع رأيـه بالح ّ
والبّينــة مــن الكتــاب والسـّنة دون أي تأويــل فاســد ،ومــن
الواقع الذي ي ُْفَهم من خلل الكتــاب والســنة .لــذلك أصــبح
من السهل إطلق الراء متفّلتة من هنا أو هناك ،ما دامــت
الحجة والبّينة غير مطلوبة ،وما دام الــرأي يقــاس بــالهوى
ور البشــري للمصــلحة ،وبضــغط والرغبــة أحيانــًا ،وبالتصــ ّ
الواقع.
لقد أصبح تـارك الصـلة حـّرًا ،وتـارك الصـوم حـّرًا ،وتـرى
بعض النساء في كثير من القطار في العالم يخرجــن كمــا
ن الهــوى دون حشــمة فــي اللبــاس ،مــع تــبّرج يشــاء لهــ ّ
وكشف للزينــة ،وإثــارة للشــهوات .وأصــبح بعــض الرجــال
المنتسبين إلى السلم يشربون الخمر جهارا ً دونمــا حــرج
في حماية القانون.
خلصة ذلك أن حدود السلم أصبحت ت ُْنتهك بصورة علنية،
ســواءً
جهَــر بــه مــن الرجــل والمــرأة َ ن الفســق أصــبح ي ُ ْ وأ ّ
بسواٍء.
عــران ُنظرة عاجلة في العالم السلمي تكشف لنا كيف أ ّ
السلم قــد ُنقضــت عــروةً فعــروة ،كمــا جــاء فــي حــديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فعن أبي أمامة رضي اللــه عنــه عــن الرســول صــلى اللــه
عليه وسلم أنه قال :
ة ،فكّلما انتقضت ُ
عــْروةً عرا السلم عُْروةً عُْرو ً ن ُ ض ّ
) لُتنَق َ
نن نقضـا ً الحكــم وآخرهـ ّ تشّبث الّناس بالتي تليهــا ،فــأوله ّ
الصلة ( ] رواه أحمد وابن حبان والحاكم [)(1
في هــذه الجــواء ،حيــث امتــدت الديمقراطيــة والعلمانيــة
بنظامهــا الرأســمالي ،وحيــث ســيطر النظــام الرأســمالي
الربوي على معظم أنحاء العالم ،أو جميعهُ ،تدعمه القــوى
العسكرية والعلمية والفكرية العلمانية ،وتــدعمه حركــات
التنصير التي كانت في كثير مــن الحيــان ممهــدة للزحــف
العســكري المعتــدي ،وتــدعمه الشــركات التجاريــة الــتي
تجعــل نشــاطها كــذلك ممهــدا ً للغــزو الجرامــي الظــالم،
وتــدعمه القــوى اليهوديــة ومؤسســاتها ،فــي هــذه الجــواء
490
صدرت الفتاوى المتعددة المتضاربة حول البنوك وعملهــا،
ل ما يتعّلــق بــذلك وحول الفائدة الربوية وحكمها ،وحول ك ّ
من قضايا.
ن " اليهود " كانوا من بين أهم القــوى ك لحظة في أ ّ ل نش ّ
الــتي ســاهمت فــي بنــاء النظــام القتصــادي الرأســمالي
الربوي ،كما كـانوا هـم بنـاة النظـام الربـوي فـي التعامـل
القتصادي في الجزيرة العربية قبل أن يلغي الســلم هــذا
النظام كّله وُيحّرمه تحريما ً شديدًا.
كي بقــوله ولقد بدأ النهي عن الربا والتحريم في العهد الم ّ
سبحانه وتعالى :
) وما أتيتم من ربا ليربو فــي أمــوال النــاس فل يربــو عنــد
الله ومــا أتيتــم مـن زكــاة تريــدون وجـه اللـه فــأولئك هـم
المضعفون (
] الروم [39 :
لم أخذ بعد ذلك يسيطر على النشاط القتصادي الذي ح ّ ث ّ
وماته في التعامل القتصادي بين المسلمين محــ ّ
ل ل مق ّبك ّ
النظام الربوي اليهودي حــتى إذا اســتقّر الحكــم للســلم،
كــدوأصبحت كلمة الله هي العليا ،وشرع الله هو العلى ،أ ّ
جة الــوداع حرمــة رسول الله صلى الله عليه وسّلم في ح ّ
الربا في خطبته في عرفــة بعــد أن زالــت الشــمس وأتــى
بطــن الــوادي ،وقــد اجتمــع حــوله أكــثر مــن مئة وأربعــة
وعشرون ألفا ً من الناس ،فقــام فيهــم خطيبـًا ،فقــال فــي
جملة ما قال :
ن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يـومكم هـذا ) …إ ّ
ل شــيء مــن أمــر في شهركم هذا فــي بلــدكم هــذا .أل كـ ّ
الجاهلّية تحت قدمي موضوع ،ودمــاء الجاهليــة موضــوعة،
وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابــن ربيعــة بــن الحــارث ـ ـ
وكان مسترضعا ً في بني سعد فقتلته هذيل ـ وربا الجاهلية
موضــوع ،وأول ربــا أضــع مــن ربانــا ربــا عبــاس بــن عبــد
المطلب ،فإّنه موضوع كله …(2)(..
ج وخطة يــدفَُعها الســلم ويبنيهــا اليمــان إذًا ،كان هناك نه ٌ
في رعاية الوحي المتنّزل من السماء على النبوة الخاتمة.
491
لقد كان هناك نهج رباني ُأنزل ليمتد ّ مع الزمن ،وليمتد ّ في
الرض ،ل ليتوقف أو يتراجع.
أنزل الله هذه الرسالة رســالة كاملــة ،اكتملــت مــع حجــة
الوداع ،لتحملها أمة السلم أمانــة فــي عنقهــا حــتى قيــام
ل الحلل وُتح ـّرم حـ ّ الساعة ،لتطّبقها كّلها ل جــزًء منهــا .لت ُ ِ
الحرام وتقيم شرع الله في جميع شؤون الحياة.
وجاء تحريم الربا في الكتاب والسنة تحريما ً قاطع ـًا ،أش ـد ّ
سر ما في السلم من تحريم ،جاء تحريما ً بّينا ً جلي ّا ً حتى يي ّ
الله لعباده اجتناب الحرام.
وجاءت أحكام السلم ونصوصها تحيط بأفعال العبــاد فــي
ل مكان إلى أن تقوم الســاعة ،وتــوّفر البيــان ل عصر وك ّ ك ّ
ل للمؤمن التقي لكل عمل يقوم بـه ليظــل عارفـا ً بمــا أحـ ّ
الله له وما حّرم عليه.
حْيرة من أمرهـم ،ل يـدرون وما كان الله ليترك عباده في َ
ما هو الحلل وما هو الحرام ،ومصير النسان مــع الحــرام
إلى النار ،إلى جهنم ! فالله أرحــم بعبــاده مــن أن ل يــبين
لهم.واستمع إلى قوله سبحانه وتعالى :
) … .ونّزلنا عليك الكتاب تبيانا ً لكل شــيء وهــدىً ورحم ـ ً
ة
وبشرى للمسلمين (
] النحل [89 :
وكذلك في أحاديث رسـول اللـه صـلى اللـه عليـه وسـلم،
فعن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنــه قــال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
ن الحرام بّين وبينهما أموٌر مشتبهات ل ن الحلل بّين وإ ّ
)إ ّ
ن كثيٌر من الناس ،فمن اتقى الشبهات فقــد اســتبرأ يعلمه ّ
لدينه وعرضه ،ومن وقع في الشــبهات وقــع فــي الحــرام،
نحمى يوشــك أن يرتــع فيــه .أل وإ ّ كالّراعي يرعى حول ال ِ
ن فــي حمــى اللــه محــارمه ،أل وإ ّ ن ِ حمــى أل وإ ّ ل ملك ِلك ّ
الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كّلــه ،وإذا فســدت
فسد الجسد كّله .أل وهي القلب (
] رواه الشيخان [
ل مســلم جــاء بيانهــا ن التكاليف الرّبانية التي هي شأن ك ّ إ ّ
وافيا ً لكل من صــدق إيمــانه وأتقــن اللغــة العربيــة ،وذلــك
492
ل مســلم ،ول عــذر لمســلم إذا تخل ّــف عــن واجب على ك ـ ّ
الوفاء بطلب العلم من الكتــاب والس ـّنة كمــا جــاءا باللغــة
العربية ،ورضي بالبقاء على جهله.
فعن أنس وغيره عن رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم
أنه قال :
ل مسلم ( ) طلب العلم فريضة على ك ّ
] أخرجه الطبراني وغيره ])(3
ســر اللــه برحمتــه القــرآن الكريــم للــذكر ،للتلوة ولقــد ي ّ
سرنا القرآن للذكر فهــل مــن والتدّبر والعمل به ) :ولقد ي ّ
دكر (
م ّ
] القمر [17 :
"فالربا " كما جاء تحريمــه فــي القــرآن والس ـّنة ،ل ب ـد ّ أن
ل مســلم حــتى ل يقــع أحــد فــي أمــر يكون واضحا ً جلي ّا ً لك ّ
ل مســلم حرام ول في شــبهة .فــأمر " الربــا " متعل ّــق بك ـ ّ
وليس يطبقه خاصة من المسلمين.
والحلل والحرام ل ُيبّين إل من عند اللــه ورســوله ،وليــس
ص مــن الكتــاب والسـّنة ،أو لحد أن يحّرم أو ُيحّلل دون نـ ّ
ص واضــح .وأمــر ذلـك عظيــم ،فالنـاس اجتهاد قائم على ن ّ
م إلى جّنة أو نار ،فل ُيعقل ستقف للحساب يوم القيامة ،ث ّ
أبدا ً أن يترك الله سبحانه وتعالى أي أمر يقود إلى النار إل
بّينه ،فإذا التبس المــر علــى أحــد فهــو نتيجــة خلــل عنــده
وليس في منهاج الله ،وعليه أن ينهض ليعالج الخلل عنده،
كجهلــه باللغــة العربيــة وعــدم طلبــه العلــم مــن الكتــاب
والسنة ،أو غلبه الهوى والشــهوات فــي نفســه ،وخضــوعه
لضغط الواقع ،فيؤّول وُيفسد في التأويل :
كر بالقرآن من يخاف وعيد ( ) ….فذ ّ
] ق [45 :
ل ربــا كــان معروفـا ً لــدى والّربا المحّرم في السلم هو كـ ّ
عّلة الربا متحّققة المسلمين ،أو لم يكن معروفًا ،ما دامت ِ
ن نصـوص الحكــام تحيـط فيه ،إلــى يــوم القيامــة .ذلــك ل ّ
بجميع أفعال العباد إلى يوم القيامـة فـي أي مكـان رحمـة
منه سبحانه وتعالى بعباده.
493
فإذا كــان النــاس فــي جاهليــة ابتــدعوا نوعـا ً مــن التعامــل
ن الناس يمكن لهــم فــي المحّرم ،أو تعّلموه من اليهود ،فإ ّ
ل زمن أن يستحدثوا من وسائل التعامل بالمال والبيع ما ك ّ
ســتحدث هــذه فيه حرام وظلــم ،وبصــورة خاصــة عنــدما ت ُ ْ
الوسائل والبواب في مجتمعات ل تلــتزم بأحكــام اليمــان
وتشريع السلم ،فيغلب عليها الظلم والعــدوان واســتغلل
القوي للضعيف ،والخداع والغش وغير ذلــك ،حيــث يســود
قــانون بشــريٌ ل يمكــن لـه أن يرعــى مصــالح العبــاد كمــا
يرعاها التشريع الرباني ،مهما حمل من وســائل الزخــرف
والغراء.
عّلة تحريم الربــا هــي الظلــم واســتغلل حاجــة الضــعيف و ِ
للقوي ،والفقير للغني ،وبصورة عامــة" ،هــي أكــل أمــوال
الناس بالباطل ".
ليست القضية قضّية عقلية فقط ،فالعقل البشــري وحــده
ل يســتطيع أن يكشــف جميــع أنــواع الباطــل وأســاليبه
الشيطانية ،إل أن يكون شرع الله هـو الـذي يهـدي العقـل
وينير له الطريق ،ول يستطيع العقل وحده أن يدرك جميع
حقائق الحكمة الربانيــة البالغــة فــي تشــريعه ،وقــد يــدرك
بعضها.
فالنظــام الرأســمالي والفكــر العلمــاني ل يمكــن أن ينشــأ
ل أنواعهــا،منهما عدل حقّ ينبثق مــن أجــواء الفاحشـة بكـ ّ
وأجواء العــدوان والغــزو وســرقة ثــروات الشــعوب .حــتى
ل عن الصراط المستقيم حين تدفعه العقل البشري سيض ّ
وتـــوجهه العلمانيـــة ومـــذاهبها والرأســـمالية وطغيانهـــا
ديــة الدنيويــة،والشهوات والنــزوات وصــراع المصــالح الما ّ
وضغوط ذلك كّله.
ن بعض المسلمين الذين أخــذوا ُيؤّولــون بعــض مــا ح ـّرم إ ّ
الله في ُنصوص ثابتة ،إنما تأّثروا بهذا الج ـوّ الصــاخب مــن
الديمقراطية والعلمانية ،حتى أصبح كثير منهــم يتحــاكمون
إلى عقولهم وحدها ،بعيدا ً عن نور اليمان والتوحيد ،وعــن
نصــوص التشــريع الرب ّــاني ،تــؤّثر فيهــم زخــارف العلمانيــة
وضغطها الكبير ،وقد يلوون اليات والحاديث عــن معناهــا
ق ،أو يؤولونها تأويل هوى. الح ّ
494
و"الضرورة " لها ضوابط وأحكام ،فل يجوز أن نغّير أحكام
مالسلم كلما وجدنا صعوبة في الواقـع أو ضـغطا ً منـه ،ثـ ّ
ُنسمي ذلك " فقه الواقع " .فل يوجد شـيء اسـمه " فقـه
الواقع " ،لن الفقــه كل ّــه للواقــع ،والواقــع كل ّــه ركــن مــن
أركان القفه .يمكن أن نقول " فقـه القتصـاد " ،أو " فقـه
السياســة " .فــالفقه لــه ثلثــة أركــان :صــفاء اليمــان
والتوحيد ،وصـدق العلـم بمنهـاج اللـه ،ووعـي الواقـع مـن
خلله ل من خلل هوى.
ور المجرمــون فــي الرض جميــع أســباب الفتنــة لقــد طــ ّ
خروا العلــم لــذلك كّلــه ،فقــد والفســاد فــي الرض ،وســ ّ
ورت تعددت ألوان الفاحشة وألوان الغــراء لهــا ،وقــد تط ـ ّ
خر العلم لذلك ،فل عجــب إذا س ّوسائل الظلم والعدوان ،و ُ
ور المجرمون في الرض وســائل أكــل المــال بالباطــل، ط ّ
وأشكال الربا ،واستحدثوا منها ما لم يكن متــوافرا ً ســابقًا،
ن منهاج الله بنصوصه المطلقة الثابتة هو ح ـقّ مطلــق ولك ّ
يحيط بأحوال العباد وأفعالهم في كــل زمــان ومكــان .وإن
بدا قصور فهو في جهد النسان وضعفه وليس في منهــاج
اللــه .لــذلك جــاء منهــاج اللــه حّق ـا ً مطلق ـا ً للعصــور كّلهــا
وللبشرية كلها ،وهذا وجه مــن وجــوه إعجــازه ل يبُلغــه أ ّ
ي
منهج بشري .عندما ندرس الواقع اليــوم ،ومــا قــد يفرضــه
من ضرورة أو حاجة ،فل ندرس جــزًء مــن الواقــع ونغفــل
أجزاًء وأجزاًء ! فالمســلم الــذي يرمــي نفســه فــي أجــواء
الضرورة تحت هذا العــذر أو ذاك ،ولــم يكــن قــد اســتفتى
السلم حين رمى بنفسه فــي أجــواء الضــرورة أو الفتنــة،
م لــه إل بارتكــاب الحــرام، حتى إذا عرضت له حاجــة ل تتـ ّ
تذكر عندئذ السلم وأخــذ يــبرز حكــم الضــرورة والحاجــة.
دعيه بعضهم من حاجــة وضــرورة شــرعية وربما يكون ما ي ّ
هــو رغبــة أكــثر منهــا حاجــة وضــرورة ،أو حاجــة لتحســين
مستواه يسميها ضرورة شرعية.
ل ،ولـــو كـــان تحـــت ن ممارســـة الحـــرام ل تجعلـــه حل ً إ ّ
الضرورة .فالضرورة يجب أن تكــون حالــة غيــر مســتديمة
في أغلب الحالت ،والتحريم مستديم.
495
ن تكــون للمســلمين مــا أ ْ
والضرورة تكون لفرد أو أفــراد ،أ ّ
جميعا ً أو لقطـاع واســع منهـم ،فتلــك ضـرورة تحتـاج إلــى
وقفة طويلة ،ودراسة واسعة أمينة لمعرفة ســبب نشــوئها
وحقيقة حكمها.
ة عــن هــوان المســلمين فإذا كانت الحاجة والضرورة ناتج ً
وعدم وفائهم بعهدهم مع الله ،ول بالمانة التي يحملونهــا،
دى إلــى أو ناتجــة عــن تقصــير أّدى إلــى تقصــير ،وتنــازل أ ّ
تنــازل ،حــتى غلــب الهــوان علــى المســلمين ،وخضــعوا
مستســلمين لغيــر شــرع اللــه ،وابتلهــم اللــه بمــا كســبت
أيــديهم ،فتفّرقــوا ورضــوا بالفرقــة الــتي حّرمهــا الســلم،
وتمّزقوا ورضوا كذلك بالتمزيق ،وتصارعوا وقد نهاهم الله
حت القلوب والديار لعداء الله الذين فرضوا عن ذلك ،فَُفت ِ َ
شرعا ً غيـر شـرع اللـه ،أنـأتي بعــد ذلـك كّلـه ل ُِنفــتي لمـن
اضطّرته هذه التنــازلت إلــى ارتكــاب مــا يخــالف الســلم
بجواز المخالفة ،وندع المخالفــة الكــبر والنحــراف الش ـد ّ
دون فتوى ؟! كيف يعقل هذا ؟!
ل لنا أن نلقي بهواننا وعجزنا وتقصيرنا وتفريطنا فــي ل يح ّ
ل لنــا مــع هــذام التكاليف الرّبانية على دين الله ،ول يح ّ أه ّ
كّله أن نفتي لمن قنع واستسلم ورضـي بحكـم غيـر حكـم
الله في ألف قضّية هامة وخطيرة ،بجواز مخالفــة هــذه أو
تلك تحت ادعاء ضرورة هو صنعها ،أو صنعتها أمته وأهله.
ن مفهوم الضرورة في السلم كان يحمل معنــاه والمــة إ ّ
المســلمة عزيــزة قويــة ،ناهضــة بمســؤولياتها .أمــا اليــوم
فللقضّية كّلها صورة أوسع .وأول ما نــدعو إليــه أن ينهــض
ل إلى مسؤولياته يطلب الخرة يؤثرهــا علــى المسلمون ك ّ
الــدنيا .وأول هــذه المســؤوليات الشــرعية أن ينهــض كــل
مسلم إلى الوفاء بحديث الرسول صلى الله عليه وســلم،
وباليات الكــثيرة فــي كتــاب اللــه ،ممــا يفــرض علــى كــل
مســلم أن يعــرف دينــه ،وأن يعــرف المســؤوليات الــتي
سيحاســبه اللــه عليهــا والــتي تقــوم علــى الشــهادتين
والشــعائر ،التكــاليف الربانيــة الــتي تنهــض علــى الركــان
الخمسة والتي تبني عليها .ومن أين يعــرف المســلم هــذه
496
كر بحــديث التكاليف الربانية إل من منهاج الله .ونعيــد ونــذ ّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سبق ذكره :
ل مسلم ( ) طلب العلم فريضة على ك ّ
ما بال بعض المســلمين اليــوم يســألون عــن الفتــوى فــي
حاجة عرضت لهم ،ول يسألون الفتوى فيما هــم فيــه مــن
تقصير وعجــز ومخالفـة وهــوان .ومـن الــذي عليـه واجــب
إيقــاظ المنتســبين إلــى الســلم بمســؤولياتهم الفردّيــة
والتكاليف الربانية ؟!
فــإذا رضــي هــذا وذاك قرن ـا ً أو قرنيــن أو قرون ـا ً بمخالفــة
السلم والتنازل عن شــرعه وأحكــامه ،أفيــأتون ليســتفتوا
في حاجــة عرضــت ،جــاهلين حاجــات أخــرى ومســؤوليات
أخرى.
أما من وجد أنه أوفى بعهده مع الله ،وبالتكاليف الرّبانيــة،
واستوعب ذلك جهده وعلمه وطــاقته وأمــانته ،فنقــول إن
حسابه وحسابنا كّلنا عند الله سبحانه وتعالى.
لذلك ل بد ّ من تناول قضايا واقع المسلمين اليوم ـ نتناولها
درس واحــدة واحــدة حســب أهميتهــا فــي ميــزان اللــه ،لت ُـ ْ
ضع لها العلج النابع من الكتــاب والســنة ،علــى صــورة ويو َ
منهجّية تجتمع عليها المة صّفا ً واحدا ً كالبنيان المرصوص.
ول أجد في واقع المسلمين اليوم إثما ً ول معصّية أشد ّ من
تفّرق المسلمين بما كسبت أيديهم.
مــل المســلم نفســه مــن خلل ذلــك كّلــه ،ل بــد ّ أن يتح ّ
مسؤولية الضرورة الــتي تــدفعه إلــى إثـم أو معصــية ،وأن
يتخــذ هــو قــراره بنفســه دون أن تصــدر فتــوى عامــة
مــل واحـد ٌ آثــام للمسلمين تبيح ارتكاب ما حـّرم اللــه فيتح ّ
الجميع .ومن وجد أنه ل يستطيع أن ُيفتي لنفسه فليســأل
من هو أعلم منــه ،علــى أن ينهــض فــورا ً إلــى مســؤولياته
الفردي ّــة والتكــاليف الربانيــة المنوطــة بــه ،وإن مثــل هــذا
النهوض هو أول الخطوات لمعالجة هذه المراض ،وعسى
أن يغفر الله به لعباده المؤمنين الذين التقـوا صـفا ً واحــدا ً
يجاهدون في سبيل الله على نهج وخطة.
) (1صحيح الجامع الصغير وزيادته :رقم ).(5057
497
) (2الرحيق المختوم :صفي الرحمن المباركفوري ـــ ص:
.421وسائر كتب السيرة.
) (3صحيح الجامع الصغير وزيادته :رقم .(3913 ) :
==============
#كفالة مقترض الربا
المجيب ...أ.د .سعود بن عبدالله الفنيسان
عميــد كليــة الشــريعة بجامعــة المــام محمــد بــن ســعود
السلمية سابقا ً
التصنيف ...الفهرسة /المعاملت/الضمان والكفالة
التاريخ 24/11/1423 ...هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلم عليكم ورحمة الله وبركاته.
هناك مؤسسة تعنى بشؤون الســكان تقــدم قروضــا لمــن
يرغب في استكمال إعمار بيتــه بفــائدة قليلــة %3ولمــده
تزيد على خمس سنوات مــن بــاب مصــاريف المــوظفين،
وقد أفتى بعض العلماء هنا بجواز ذلك فهــل يجــوز لــي أن
أكفل شخصا ً يريد أخذ قرض من هذه المؤسسة؟
الجواب
ل يجوز القــتراض بفــائدة ربويــة مهمــا قلــت النســبة ولــو
وزعت على عشرات السنين لن قليل الربا وكثيره حرام،
وتبرير هــذه النســبة الربويــة علــى أنهــا أتعــاب ومصــاريف
للموظفين غيــر صــحيح وإنمــا ذلــك تزييــن مــن الشــيطان
والنفس أمارة بالسوء ول أعرف فتوى معتبرة لهل العلم
كما ذكرت في سؤالك ،إذ ربما السؤال أو تعليــل الجــواب
على غير هذه الصورة المسؤول عنهــا هنــا .وعلــى فــرض
وقوع هذه الفتوى على هذه الصورة فإنه من الخير لك أن
تجتنــب الشــبهات فتأخــذ بــالحوط فيمــا يخصــك لحــديث
النعمان بن بشير "الحلل بين والحرام بيــن وبينهمــا أمــور
مشتبهات ل يعلمهن كثير من الناس فمن اتقــى الشــبهات
فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع فــي
الحــرام" البخــاري ) ،(52ومسـلم ) (1599وفــي الحــديث
الصحيح " البر حسن الخلـق والثـم مـا حـاك فـي النفـس
498
وكرهــت أن يطلــع عليــه النــاس" مســلم ) (2553وفــي
الحديث الخر" :استفت قلبك البر ما اطمــأن إليــه القلــب
والثم ما حاك في النفــس وتــردد فــي الصــدر وإن أفتــاك
الناس وأفتوك" أحمد ) .(18006وعلى هذا فل يجــوز لــك
أن تكفل شخصا ً يتعامل بهذه المعاملة .وصــلى اللــه علــى
نبينا محمد.
===============
#الربا في ضوء الكتاب والسنة
مجلة البحوث السلمية ) -ج / 11ص (143
الربا في ضوء الكتاب والسنة
بقلم الشيخ عبد الله عبد الغني خياط
َ
ه وَذ َُروا مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ نآ َ ذي َ سورة البقرة الية َ 278يا أي َّها ال ّ ِ
ن سورة البقرة اليــة 279 مِني َ مؤ ْ ِ م ُن ك ُن ْت ُ ْن الّرَبا إ ِ ْ م َ ي ِ ما ب َِق َ َ
ْ
سول ِهِ .ن الل ّهِ وََر ُ م َ ب ِ حْر ٍ م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ ن لَ ْ فَإ ِ ْ
تقديم
السلم دين العمل والكد ،وبقدر ما يعمل المسلم يأخــذ ،
وبقدر ما يغرس يحظى بالثمار ،أما التبطل والقعــود عــن
الكســب المشــروع اتكــال علــى مجهــود الغيــر أو اعتــدادا
بغنيمة باردة تصل إليه دون عناء وبذل جهد ،فليــس ذلــك
من دين السلم ،بل هو مناقض لما جاء به السلم وحض
عليه ورغب فيه ،أل ترى كيف توحي الية الكريمة التاليــة
وأمثالها بمزاولة العمل بعــد أداء فريضــة اللــه ابتغــاء رزق
الله ،ودفعا للتبطل ،يقول الله سبحانه :ســورة الجمعــة
َ
ة
مع َ ِ ج ُ ن ي َوْم ِ ال ْ ُ م ْصَلةِ ِ ذا ُنودِيَ ِلل ّ مُنوا إ ِ َ نآ َ ذي َ الية َ 9يا أي َّها ال ّ ِ
من ك ُن ْت ُـ ْ م إِ ْ خي ْـٌر ل َك ُـ ْم َ وا إ َِلى ذِك ْرِ الل ّهِ وَذ َُروا ال ْب َي ْعَ ذ َل ِك ُ ْ سع َ َْفا ْ
صــَلةُ ت ال ّ ضــي َ ِذا قُ ِ ن ســورة الجمعــة اليــة َ 10فــإ ِ َ مــو َ ت َعْل َ ُ
َْ
ل الّلـهِ َواذ ْك ُـُروا الّلـ َ
ه ضـ ِ ن فَ ْ م ْ ض َواب ْت َُغوا ِ شُروا ِفي الْر ِ َفان ْت َ ِ
ن.حو َ ك َِثيًرا ل َعَل ّك ُ ْ
م ت ُْفل ِ ُ
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(194 :
فالمر بالنتشار في الرض قرنه ســبحانه بالفريضــة الــتي
هي عماد الدين ،وفتح النظار للتجاه إليه والخذ كمقــوم
للحياة ترتكز عليه ،وجاء فــي الحــديث :صــحيح البخــاري
البيوع ),(1966سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2138مســند
499
أحمد بن حنبل ) .(4/132ما أكل أحد طعاما خيرا لــه مــن
أن يأكل من عمل يده وإن نــبي اللــه داود كــان يأكــل مــن
عمل يده ،وفي حديث آخر يقول رسول الله -صلى اللــه
عليه وسلم -لفقير جاء يطلب مــددا مــن المــال :صــحيح
البخــــاري الزكــــاة ),(1401صــــحيح مســــلم الزكــــاة )
,(1042سنن الترمذي الزكاة ),(680سنن النسائي الزكاة
),(2589مســند أحمــد بــن حنبــل ),(2/300موطــأ مالــك
الجــامع ) .(1883لئن يحــتزم أحــدكم حزمــة مــن حطــب
فيحملها على ظهــره فيبيعهــا خيــر لــه مــن أن يســأل رجل
يعطيه أو يمنعه .
هــذه مقدمــة وضــعناها بيــن يــدي بحــث اليــوم لنركــز فــي
الذهان أن الربــا تبطــل وقعــود عــن الكســب المشــروع ،
واســتمراء لحيــاة رتيبــة ل نصــب فيهــا ول كــد ول عنــاء أو
جهــد ،بــل يعيــش صــاحبها علــى حســاب الخريــن يأكــل
كسبهم ويمتص نشاطهم ،ويجعلهم كالجراء يعملون لــه ،
وليتهم يأخذون أجرا على عملهم ،وإنما يأكلون من فتــات
المائدة لو فضل من المــائدة فتــات ،وســوف نســير -إن
شاء اللــه -فــي كتابــة هــذا البحــث علــى المخطــط الــذي
رسمناه له على ضوء الكتاب والسنة ،فنبــدأ أول بتعريــف
الربا لغة وشرعا ( 2 ) ،الربــا فــي آي الكتــاب العزيــز ) ،
( 3الربــا فــي الســنة ( 4 ) ،حكــم الربــا فــي الســلم ،
ويشتمل هذا المبحث على :
أ -مضار الربا .
ب -تحريم الربا .
ج -أنواع الربا وحكم كل نوع .
د -وسائل القضاء على الربا ويتفرع عنه ما يأتي :
- 1القرض الحسن .
- 2الحض على التعــاون لصــالح الفــرد والمجتمــع ،وهــذا
التعاون يترجم عنه التعــاون الصــناعي والتعــاون الزراعــي
التعاون الجتماعي .
- 3خطر الربا الستهلكي والنتاجي .
- 4خاتمة .
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(195 :
500
تعريف الربا لغة وشرعا
أما التعريف اللغوي فهو :الزيادة على الشيء ومنه )أربى
فلن على فلن ( إذا زاد عليه )وربا الشــيء( إذا زاد علــى
ما كان عليه فعظم )فهو يربــو ربــوا( ،وإنمــا قيــل للرابيــة
)رابية( لزيادتها في العظم والشراف على ما استوى مــن
الرض مما حولها من قولهم )ربا يربــو( ،ومــن ذلــك قيــل
)فلن في رباوة قومه( يراد أنه فــي رفعــة وشــرف منهــم
فأصل الربا الناقة والزيــادة ,ثــم يقــال ) :أربــى فلن( أي
أناف ماله حيــن صــيره زائدا وإنمــا قيــل للمربــي )مــرب(
لتضعيفه المال الذي كان له علــى غريمــه حــال أو لزيــادته
عليه السبب الجــل الــذي يــؤخره إليــه فيزيــده إلــى أجلــه
الذي كان له قبل حل دينه عليه ولذلك قال تعالى :سورة
من ُــوا َل ت َـأ ْك ُُلوا الّرب َــا
نآ َ
َ
آل عمران اليــة 130ي َــا أي ّهَــا ال ّـ ِ
ذي َ
َ
ة آل عمــران ،مــن اليــة ، 130تفســير ضــاعََف ً ض ـَعاًفا ُ
م َ أ ْ
الطبري ج 6ص . . 7
وأما تعريف الربا فــي الشــرع فيقــع علــى معــان لــم يكــن
السم موضوعا لها في اللغة ،ويدل عليه أن النــبي صــلى
الله عليه وسلم سمى النسء ربـا فــي حــديث أســامة بـن
زيد فقال :صحيح البخاري البيوع ),(2067صــحيح مســلم
المســاقاة ),(1596ســنن النســائي الــبيوع ),(4581ســنن
ابــن مــاجه التجــارات ),(2257مســند أحمــد بــن حنبــل )
,(5/200ســنن الــدارمي الــبيوع ) .(2580إنمــا الربــا فــي
النسيئة ،وقال عمر بن الخطاب إن آية الربا من آخــر مــا
نزل من القرآن وإن النبي صــلى اللــه عليــه وســلم قبــض
قبل أن يبينه لنا فدعوا الربا والريبة .
فثبت بذلك أن الربا قد صار اسما شرعيا لنه لو كان باقيا
على حكمه في أصل اللغة لما خفي على عمر ؛ لنه كــان
عالما بأسماء اللغة ؛ ولنه من أهلها ويدل عليه أن العــرب
لم تكن تعرف بيع الذهب بالذهب والفضــة بالفضــة نســء
ربا ،وهو ربا في الشرع وإذا كان ذلك على ما وصفنا صار
بمنزلة سائر السماء المجملة المفتقرة إلــى البيــان وهــي
السماء المنقولة من اللغــة إلــى الشــرع لمعــان لــم يكــن
الســلم موضــوعا لهــا فــي اللغــة نحــو الصــلة والصــوم
501
والزكاة فهو مفتقر إلى البيان ول يصح الستدلل بعمــومه
في تحريــم شــيء مــن العقــود إل فيمــا قــامت دللتــه أنــه
مسمى في الشــرع بــذلك أحكــام القــرآن ج 1ص - 551
. . 552
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(196 :
مبحث الربا في الكتاب العزيز
ننتقل بعد هذا البسط في مــدلول الربــا لغــة وشــرعا إلــى
إيراد اليات القرآنية التي جاء فيها ذكر الربا موضــحا قــال
ن ذي َ تعالى في سورة البقــرة ســورة البقــرة اليــة 275ال ّـ ِ
خب ّ ُ ْ
ه طــ ُ ذي ي َت َ َ م اّلــ ِ مــا ي َُقــو ُ ن إ ِّل ك َ َ مــو َ ن الّرَبــا َل ي َُقو ُ َيــأك ُُلو َ
طان من ال ْمس ذ َل َ َ
ل الّرب َــا مث ْـ ُ ما ال ْب َي ْـعُ ِ م َقاُلوا إ ِن ّ َ ك ب ِأن ّهُ ْ َ ّ ِ شي ْ َ ُ ِ َ ال ّ
عظ َـ ٌ َ
ه
ن َرب ّـ ِ مـ ُْ ة ِ مو ْ ِ جــاَءهُ َ ن َ مـ ْ م الّرَبا فَ َ حّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ وَأ َ
ن عَــاد َ َفـأول َئ ِ َ َفانتهى فَل َه ما سـل َ َ َ
ك مـ ْ مـُرهُ إ َِلـى الّلـهِ وَ َ ف وَأ ْ ُ َ َ ََْ
ن ســورة البقــرة اليــة 276 َ
دو َ خال ِـ ُم ِفيهَــا َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ أ ْ
ل ك َّفــاٍر ب ك ُـ ّ حـ ّ ه َل ي ُ ِ ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ حقُ الل ّ ُ م َ يَ ْ
مل ُــوا َ
مُنــوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ن ال ّ ـ ِ أِثي ـم ٍ ســورة البقــرة اليــة 277إ ِ ّ
الصال ِحات وأ ََقاموا الصَلةَ وآتـوا الزك َــاةَ ل َه ـ َ
عن ْـد َ م ِ جُرهُـ ْ مأ ْ ُ ْ ّ َ َ ُ ّ ُ ّ َ ِ َ
ن ســورة البقــرة اليــة حَزُنو َ م يَ ْ م وََل هُ ْ ف عَل َي ْهِ ْ خو ْ ٌ م وََل َ َرب ّهِ ْ
َ
ن الّرب َــا مـ َ ي ِ ما ب َِق َ ه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ نآ َ ذي َ َ 278يا أي َّها ال ّ ِ
م ت َْفعَل ُــوا ن ل َـ ْ ن سورة البقرة اليــة 279فَـإ ِ ْ مِني َ مؤ ْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ إِ ْ
ْ
سم ُرُءو ُ م فَل َك ُـ ْ ن ت ُب ْت ُـ ْ ســول ِهِ وَإ ِ ْ ن الل ّـهِ وََر ُ مـ َ ب ِ حـْر ٍ فَـأذ َُنوا ب ِ َ
َ
ن سورة البقــرة اليــة 280 مو َ ن وََل ت ُظ ْل َ ُ مو َ م َل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ م َ أ ْ
َ
خي ْـٌر صـد ُّقوا َ ن تَ َ سـَرةٍ وَأ ْ مي ْ َ سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ ذو عُ ْ ن ُ كا َ ن َ وَإ ِ ْ
مــا ن سورة البقرة الية َ 281وات ُّقــوا ي َوْ ً مو َ م ت َعْل َ ُ ن ك ُن ْت ُ ْ م إِ ْ ل َك ُ ْ
م َل ت وَهُ ْ سب َ ْ ما ك َ َ س َ ل ن َْف ٍ م ت ُوَّفى ك ُ ّ ن ِفيهِ إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ جُعو َ ت ُْر َ
ن. مو َ ي ُظ ْل َ ُ
تفسير اليات
يقول الحافظ ابن كثير -يرحمه اللــه " : -لمــا ذكــر تعــالى
البرار المؤدين للنفقات المخرجيــن للزكــوات المتفضــلين
بــالبر والصــدقات لــذوي الحاجــات والقرابــات فــي جميــع
الحوال والوقات شرع في ذكر أكلة الربا وأمــوال النــاس
بالباطل وأنواع الشبهات فـأخبر عنهـم يـوم خروجهــم مــن
قبورهم وقيامهم منها إلى بعثهم ونشورهم فقال :ســورة
502
ْ
ن إ ِّل ك َ َ
مــا مــو َ ن الّرب َــا َل ي َُقو ُ ن ي َـأك ُُلو َ ذي َالبقرة اليــة 275ال ّـ ِ
س أي ل يقومون من م ّ ن ال ْ َم َن ِ طا ُ شي ْ َه ال ّ خب ّط ُ ُ م ال ّ ِ
ذي ي َت َ َ ي َُقو ُ
قبورهم يوم القيامة إل كما يقوم المصروع حــال صــرعه ،
وتخبط الشيطان له ،وذلك أنه يقوم قيامـا منكــرا .وقـال
ابن عباس :آكل الربا يبعث يــوم القيامــة مجنونــا يخنــق .
رواه ابــن أبــي حــاتم ،ونقــل -أي ابــن كــثير -عــن بعــض
مفسري السلف نحو هذا المعنى ,ثم استمر يرحمــه اللــه
في نقل الروايات عــن مفســري الســلف فــي أن قيــامهم
على الوضع المذكور يكون يوم القيامة ونقل
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(197 :
عن ابن جرير بالسند إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال
:يقال يوم القيامة لكل الربــا خــذ ســلحك للحــرب وقــرأ
ْ
ن الّرب َــا اليــة وذلــك ن ي َـأك ُُلو َذي َسورة البقرة اليــة 275ال ّـ ِ
حين يقوم من قبره تفسير ابن كثير ,ج 2ص , . 55-54
وجاء في "فتح القدير" عنــد تفســير قــوله تعــالى :ســورة
ْ
ن الّرَبا قوله :اختصـاص هـذا ن ي َأك ُُلو َ
ذي َالبقرة الية 275ال ّ ِ
الوعيد بمن يأكله بل هو عام لكل من يعامل بالربا فيأخذه
ويعطيــه وإنمــا خــص الكــل لزيــادة التشــنيع علــى فــاعله
ولكونه هو الغرض الهم فإن آخذ الربا إنما أخــذه للكــل ،
ن أي يــوم مــو َ وقــوله :ســورة البقــرة اليــة َ 275ل ي َُقو ُ
القيامة كما يــدل عليــه قــراءة ابــن مســعود وبهــذا فســره
جمهور المفسرين قالوا :إنه يبعــث كــالمجنون عقوبــة لــه
وتمقيتــا عنــد أهــل المحشــر ،وقيــل :المــراد تشــبيه مــن
يحرص في تجارته فيجمع ماله مــن الربــا بقيــام المجنــون
لن الحرص والطمع والرغبة في الجمع قد استفزته حــتى
صار شبيها في حركته بالمجنون كما يقال لمن يسرع فــي
مشية ويضطرب في حركاتها :إنــه قــد جــن ,ومنــه قــول
العشى :
وتصبح من غب السرى وكأنها ...ألم بها من طائف الجــن
أولق
فجعلها -أي ناقته -بسرعة مشيها ونشــاطها كــالمجنون ،
ذي م اّلــ ِ وقــوله :ســورة البقــرة اليــة 275إ ِّل ك َ َ
مــا ي َُقــو ُ
ن أي إل قيامــا كقيــام الــذي يتخبطــه , طا ُ شــي ْ َ ه ال ّ خب ّ ُ
طــ ُ ي َت َ َ
503
والخبــط :الضــرب بغيــر اســتواء كخبــط العشــواء وهــو
المصــروع ,والمــس :الجنــون ,والمــس :المجنــون ,
وكذلك الولق وهو متعلــق بقــوله يقومــون أي ل يقومــون
م من المس الذي بهم سورة البقرة الية 275إ ِّل ك َ َ
ما ي َُقــو ُ
ن أو متعلق بيقوم ,وفي اليــة دليــل طا ُشي ْ َه ال ّ خب ّط ُ ُذي ي َت َ َال ّ ِ
على فساد قول من قــال :إن الصــرع ل يكــون مــن جهــة
الجن وزعم أنه من فعل الطبائع ,وقال :إن الية خارجــة
علــى مــا كــانت العــرب تزعمــه مــن أن الشــيطان يصــرع
النســان وليــس بصــحيح وأن الشــيطان ل يســلك فــي
النسان ول يكون منه مس وقد اســتعاذ النــبي صــلى اللــه
عليه وسلم من أن يتخبطه الشيطان .
كما أخرجه النسائي وغيره قوله ذلك إشارة إلــى مــا ذكــر
من مبالغة بجعلهم الربا أصل والبيع فرعا ,أي :إنما الــبيع
بل زيادة عند حلول الجل كالبيع بزيادة عنــد حلــوله ،فــإن
العرب كانت ل تعرف ربا إل ذلك فرد الله عليهــم بقــوله :
َ
م الّرَبا أي أن ه ال ْب َي ْعَ وَ َ
حّر َ ل الل ّ ُ
ح ّ
سورة البقرة الية 275وَأ َ
الله أحل البيع وحرم نوعا من أنواعه وهو الــبيع المشــتمل
على الربا .والبيع
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(198 :
مصدر باع يبيع أي دفع عوضا وأخذ معوضا ،والجملة بيانية
ل محل لها من العراب ،قوله :سورة البقـرة اليـة 275
ن َرب ّـهِ أي :مــن بلغتــه موعظــة مــن م ْ
ة ِعظ َ ٌمو ْ ِجاَءهُ َ ن َ م ْفَ َ
الله من المــواعظ الــتي تشــتمل عليهــا الوامــر والنــواهي
ومنها ما وقع هنا من النهي عن الربا فــانتهى أي :فامتثــل
النهي الذي جاءه وانزجر عن المنهي عنه ،وهو معطوف ،
أي :قوله :فانتهى علــى قــوله :جــاءه وقــوله :مــن ربــه
متعلق بقوله ) :جاءه( أو بمحـذوف وقـع صـفة لموعظـة ،
أي كائنة من من ربه فله ما ســلف أي مــا تقــدم منــه مــن
الربا ل يؤاخذ به لنه فعلــه قبــل أن يبلغــه تحريــم الربــا أو
قبل أن تنزل آية تحريم الربا ،وقوله :سورة البقرة اليــة
مُرهُ إ َِلى الل ّهِ قيل :الضمير عائد إلــى الربــا ،أي : َ
275وَأ ْ
وأمر الربا إلى الله فــي تحريمــه علــى عبــاده واســتمراره
ذلك التحريم ,وقيل الضمير يرجع إلى المرابي ,أي :أمر
504
من عاد بالربا إلى الله في تثبيته علــى النتهــاء أو الرجــوع
إلى المعصية ومن عاد إلى أكل الربا والمعاملة بــه ســورة
ن البقرة الية 275فَُأول َئ ِ َ َ
دو َخال ِـ ُ
م ِفيهَــا َ ب الن ّــارِ هُ ـ ْ حا ُص َ كأ ْ
والشارة إلى من عاد ،وجمع أصحاب باعتبار معنى مــن ،
وقيل إن معنى مــن عــاد هــو أن يعــود إلــى القــول ســورة
ل الّرب َــا وأنــه يكفــر بــذلك مــا ال ْب َي ْـعُ ِ
مث ْـ ُ البقرة الية 275إ ِن ّ َ
فيســتحق الخلــود ,وعلــى التقــدير الول يكــون الخلــود
مستعارا على معنى المبالغــة ،كمــا تقــول العــرب :ملــك
خالــد ]أي :طويــل البقــاء[ ،والمصــير إلــى هــذا التأويــل
واجب للحاديث المتواترة القاضية بخروج الموحــدين مــن
ه الّرب َــا أي ح ـقُ الل ّـ ُ م َ النار قوله :سورة البقرة الية 276ي َ ْ
يــذهب بركتــه فــي الــدنيا ،وإن كــان كــثيرا فل يبقــى بيــد
صاحبه .وقيل :يمحق بركته فــي الخــرة ,قــوله تعــالى :
َ
مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ
ه وَذ َُروا نآ َ ذي َ سورة البقرة الية َ 278يا أي َّها ال ّ ِ
ن قــوله :اتقــوا قــوا مِني َ م ـؤ ْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُـ ْ
ن الّرب َــا إ ِ ْ مـ َي ِ
مــا ب َِق ـ َ
َ
أنفسكم من عقابه واتركوا البقايا التي بقيت لكم من الربا
,وظاهره أنه أبطل من الربا ما لــم يكــن مقبوضــا ،قــوله
ن قيل :هو مِني َمؤ ْ ِم ُ ن ك ُن ْت ُ ْ تعالى :سورة البقرة الية 278إ ِ ْ
شرط مجازي على جهة المبالغة ،وقيل :إن إن في هــذه
الية بمعنى )إذ( قال ابن عطية :وهو مردود ل يعرف فـي
اللغــة ،والظــاهر أن المعنــى :إن كنتــم مــؤمنين علــى
الحقيقة فـإن ذلــك يســتلزم امتثــال أوامــر اللـه ونــواهيه ،
م ت َْفعَل ُــوا يعنــي مــا ن ل َـ ْ قوله :سورة البقرة الية 279فَ ـإ ِ ْ
أمرتم به من التقاء وترك ما بقي من الربا ســورة البقــرة
ْ
سول ِهِ أي فاعلموا بها ، ن الل ّهِ وََر ُ م َ ب ِ حْر ٍ الية 279فَأذ َُنوا ب ِ َ
من أذن بالشيء إذا علم به ,وقيل هو من الذن بالشــيء
وهو الستماع لنه من طريـق العلـم ،وقـرأ أبـو بكـر عـن
عاصم وحمزة فأذنوا على معنى فأعلموا غيركم أنكم على
حربهم ،وقد دلت هذه الية على أن أكل الربا والعمل بــه
من الكبائر ول خلف في ذلــك ,وتنكيــر الحــرب للتعظيــم
وزادها تعظيما نسبتها إلى اسم الله
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(199 :
505
العظم وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته ،قــوله فــإن
سم ُرُءو ُ تبتم أي من الربــا ســورة البقــرة اليــة 279فَل َك ُـ ْ
َ
ن م تأخــذونها ســورة البقــرة اليــة َ 279ل ت َظ ْل ِ ُ
مــو َ وال ِك ُ ْمـ َ أ ْ
غرمــاءكم بأخــذ الزيــادة ســورة البقــرة اليــة 279وََل
ن أنتم من قبلهم بالمطل والنقص ,والجملة حاليــة مو َ ت ُظ ْل َ ُ
أو اســتثنائية وفــي هــذا دليــل علــى أن أمــوالهم مــع عــدم
التوبة حلل لمن أخــذها مــن الئمــة ونحــوهم ممــن ينــوب
ة
سَر ٍذو عُ ْ ن ُ كا َ ن َ عنهم ،قوله :سورة البقرة الية 280وَإ ِ ْ
لمــا حكــم ســبحانه لهــل الربــا بــرءوس أمــوالهم عنــد
الواجــدين للمــال حكــم فــي ذوي العســرة بــالنظرة إلــى
يسار ] ,والعسرة[ ضيق الحال من جهة عدم المال ,ومنه
جيش العسرة ] ,والنظرة[ التــأخير ] ,والميســرة[ مصــدر
بمعنى اليسر وارتفع ذو بكان التامة بمعنى وجد ،واســتمر
في شــرحه لرفــع ذو ثــم أورد روايــة للمعتمــر عــن حجــاج
الوراق قال في مصحف عثمان " :إن كان ذا عسرة" قال
النحاس ومكي والنقــاش وعلــي :هــذا يختــص لفــظ اليــة
بأهل الربا ،وعلى من قرأ ذو فهــي عامــة فــي جميــع مــن
عليه دين وإليه ذهب الجمهور .
صد ُّقوا بحذف إحــدى َ
ن تَ َ قوله :سورة البقرة الية 280وَأ ْ
التــاءين ،وقــرئ بتشــديد الصــاد أي :وأن تصــدقوا علــى
معسر غرمائكم بالبراء خير لكم ،وفيه الترغيب لهم بــأن
يتصدقوا برءوس أموالهم على من أعسر وجعل ذلك خيرا
من النظار قاله السدي .
ونقل ابن جرير الطبري في تفسيره أن المــراد :التصــدق
برءوس أموالكم على الغني والفقير منهم قــال ) :وأولــى
التأويلين بالصــواب تأويــل مــن قــال :معنــاه وأن تصــدقوا
على المعسر بــرءوس أمــوالكم خيــر لكــم لنــه يلــي ذكــر
حكمه فـي المعنييـن وإلحـاقه بالـذي يليـه أحـب إلـي مـن
إلحاقه بالذي بعد منه ( تفسير الطبري ,ج 6ص . . 35
ن جــوابه مــو َ م ت َعْل َ ُن ك ُن ْت ُـ ْقوله :سورة البقــرة اليــة 280إ ِ ْ
محذوف أي إن كنتم تعلمون أنه خير لكم عملتم به ،قوله
مــا هــو يــوم القيامــة ، :سورة البقرة الية َ 281وات ُّقــوا ي َوْ ً
وتنكيره للتهويــل ،وهــو منصــوب علــى أنــه مفعــول بــه ل
506
ن ِفي ـهِ إ ِل َــى جعُــو َ ظرف ،قوله سورة البقرة اليــة 281ت ُْر َ
الل ّهِ وصف له ,وذهب قوم إلى أن هذا اليوم المذكور هــو
يوم الموت وذهب الجمهور إلى أنه يوم القيامة كما تقــدم
قوله إلى الله وفيه مضاف محذوف تقديره إلى حكم اللــه
ت مــن سب َ ْما ك َ َ س َل ن َْف ٍ م ت ُوَّفى ك ُ ّسورة البقرة الية 281ث ُ ّ
النفوس المكلفة ما كسبت أي :جزاء ما عملت مــن خيــر
ن
مــو َ م َل ي ُظ ْل َ ُ أو شر وجملة ســورة البقــرة اليــة 281وَهُـ ْ
حالية ,وجمع الضمير لنه أنســب بحــال الجــزاء ,كمــا أن
الفراد أنسب بحال الكسب ,
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(200 :
وهذه اليـة فيهــا الموعظـة الحســنة لجميـع النــاس ,وقـد
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبــي حــاتم عــن الســدي
َ
من ُــوا نآ َ ذي َفي قوله :سورة البقــرة اليــة 278ي َــا أي ّهَــا ال ّـ ِ
ن الّرَبا قال :نزلت في العبــاس م َ ي ِما ب َِق َه وَذ َُروا َات ُّقوا الل ّ َ
بن عبد المطلب ورجل من بني المغيرة كانا شريكين فــي
الجاهلية يسلفان الربا إلى ناس من ثقيــف فجــاء الســلم
ولهما أموال عظيمة فــي الربــا .فــأنزل اللــه هــذه اليــة ,
وأخرج ابن جرير عــن ابــن جريــج قــال :كــانت ثقيــف قــد
صالحت النبي صلى الله عليه وسلم على أن مـا لهـم مــن
ربا على الناس وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع
,فلما كان الفتــح اســتعمل عتــاب بــن أســيد علــى مكــة ,
وكانت بنو عمرو بن عوف يأخذون الربا من بنــي المغيــرة
وكان بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية ,فجــاء الســلم
ولهم عليهم مال كــثير فأتــاهم بنــو عمــرو يطلبــون ربــاهم
فأبى بنو المغيرة أن يعطــوهم فــي الســلم ورفعــوا ذلــك
إلى عتاب بن أسيد فكتـب عتـاب إلـى رسـول اللـه صـلى
الله عليه وسلم فنزلت :سورة البقرة اليــة 278ي َــا أ َي ّهَــا
ن الّرب َــا فكتــب بهــا مـ َ ي ِ ه وَذ َُروا َ
ما ب َِقـ َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َنآ َ ال ّ ِ
ذي َ
رسول الله صلى الله عليه وســلم إلــى عتــاب وقــال :إن
رضوا وإل فآذنهم بحرب ,وبسند ابن جرير وغيره عن ابن
ْ
بحـْر ٍ عباس في قوله :سورة البقـرة اليـة َ 279فـأذ َُنوا ب ِ َ
قال :من كان مقيما علــى الربــا ل ينــزع منــه فحــق علــى
إمام المسلمين أن يستتيبه ،فإن نــزع وإل ضــرب عنقــه ,
507
وأخرجوا أيضا عنــه فــي قــوله :ســورة البقــرة اليــة 279
ْ
ب قال :استيقنوا بحرب ،وأخــرج أهــل الســنن حْر ٍفَأذ َُنوا ب ِ َ
وغيرهم عــن عمــرو الحــوص أنــه شــهد حجــة الــوداع مــع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقــال :ســنن الترمــذي
تفسير القرآن ),(3087سنن ابن ماجه المناسك ).(3055
أل وإن كل ربا في الجاهلية موضوع ,لكم رءوس أموالكم
ل تظلمون ول تظلمون ،وأول ربا موضــوع ربــا العبــاس .
وأخرج ابن منده عن ابن عباس قال :نزلت هذه الية في
م
ن ت ُب ْت ُ ْ
ربيعة بن عمرو وأصحابه سورة البقرة الية 279وَإ ِ ْ
َ
م وبالسند عن ابــن عبــاس فــي قــوله وال ِك ُ ْ
م َ
سأ ْ م ُرُءو ُ فَل َك ُ ْ
سَرةٍ قال : ن ُ
ذو عُ ْ ن َ
كا َ تعالى :سورة البقرة الية 280وَإ ِ ْ
نزلت في الربا ،وأخرج عبد الرزاق بالسند عن ابن جريــج
عن الضحاك في الية قال :وكذلك كل دين على مســلم ,
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحــوه وقــد وردت
أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما في الترغيب لمن
له دين على معسر أن ينظره ,وبالســند عــن ابــن عبــاس
قال :آخر آية نزلت من القرآن ســورة البقــرة اليــة 281
ن ِفيهِ إ َِلى الل ّـهِ وعــن ابــن عبــاس أيضــا جُعو َ ما ت ُْر َ
َوات ُّقوا ي َوْ ً
كان بين نزولها وبين موت النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم
إحدى وثمانون يوما ,وعن سعيد بن جبير أنه عاش النــبي
صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليــال فتــح القــدير )
1ص 297ـ . ( 299 -298ا هـ .
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(201 :
خلصة التفسير
تلخص من مجموع ما أوردناه في تفسير اليات ما يأتي :
-1المــراد بأكــل الربــا جميــع التصــرفات وعــبر عــن ذلــك
بالكل لنه الغرض الرئيسي وغيره من الغراض تبع له .
-2تشبيه المرابــي بالمصــروع لن المصــروع يتخبــط فــي
سيره فينهض ويسقط وكذلك آكل الربا يوم القيامة .
-3تشبيه البيع بالربا مبالغة في جعل الربا أصل في الحــل
والبيع فرعا والعكس هو الصحيح .
-4المحقق يشمل ما يأتي :
508
أ -المحق بالكلية بحيث يذهب المال من يد المرابــي دون
أن ينتفع به .
ب -محق بركة المال مهما كثر فإن عاقبته إلى قل .
-5إسدال الســتر علــى مــا ســبق مــن تعــاطي الربــا قبــل
تحريمه فل يلحق المرء تبعته .
-6الترغيب في بذل الصدقات للوعد الكريــم بتنميــة اللــه
لها .
-7الوعيد الشديد لمن يزاول تعاطي الربا بعد التحريم .
-8للمرابي أن يأخذ رأس ماله ويدع الزيادة عليه .
-9الترغيب في إنظار المعسر أو إبراء ذمته من الدين .
-10توجيه النظار ليوم القيامة والتذكير بالوقفة فيه أمام
رب العزة للحساب والجزاء على العمال .
) مبحث الربا في السنة النبوية (
قوام الدين وعمــاده والمصــدر الــذي يؤخــذ منــه التشــريع
كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقــد
عرضنا فيما تقدم من هذا المبحــث لليــات الـتي ورد فيهـا
ذكر الربا وتحريمه
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(202 :
والوعيد عليه ونردف ذلك بما ورد في الســنة النبويــة فــي
موضوع الربا ولن نستعرض كل الحاديث الواردة في ذلك
وإنما نكتفي منها بما يلي :
- 1حديث أبي هريرة رضي الله عنــه قــال :قــال رســول
اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم صــحيح البخــاري الوصــايا )
,(2615صحيح مسلم اليمان ),(89سنن النسائي الوصــايا
),(3671ســنن أبــو داود الوصــايا ) .(2874اجتنبــوا الســبع
الموبقات قالوا :يا رسول اللــه ومــا هــن؟ قــال :الشــرك
بالله ,والسحر وقتل النفـس الــتي حــرم اللـه إل بـالحق ,
وأكل الربــا ,وأكــل مــال اليــتيم ,والتــولي يــوم الزحــف ,
وقــذف المحصــنات الغــافلت المؤمنــات رواه البخــاري
ومسلم .
الشرح
قوله )اجتنبوا( أي :أبعدوا وهو أبلغ من قوله دعوا واتركوا
لن النهي عن القربان أبلــغ كقــوله :ســورة النعــام اليــة
509
ن قــوله : مــا ب َط َـ َ ما ظ َهََر ِ
من َْها وَ َ ش َ ح َوا ِ 151وََل ت َْقَرُبوا ال َْف َ
الموبقات أي :المهلكات وسميت هذه موبقات لنها تهلــك
فاعلها فــي الــدنيا بمــا يــترتب عليهــا مــن العقوبــات وفــي
الخرة من العذاب ,وفي حـديث ابـن عمـر عنـد البخـاري
فــي الدب المفــرد والطــبري فـي التفســير وعبـد الــرزاق
مرفوعا وموقوفا قــال :ســنن أبــو داود الوصــايا ).(2874
الكبــائر تســع وذكــر الســبعة المــذكورة وزاد واللحــاد فــي
الحرم وعقــوق الوالــدين إلــى آخــر مــا أفــاض فيــه شــارح
الحديث في تعداد الكبائر ،قوله ) :الشــرك بــالله( هــو أن
يجعل لله ندا يدعوه ويرجوه ويخافه كما يخاف اللــه .بــدأ
به لنه أعظــم ذنــب عصــي اللــه بــه فــي الرض كمــا فــي
الصحيحين عن ابن مسعود صحيح البخاري تفسير القــرآن
),(4207صحيح مسلم اليمان ),(86سنن الترمذي تفسير
القرآن ),(3183سنن النسائي تحريم الدم ),(4014ســنن
أبو داود الطلق ),(2310مسند أحمد بن حنبــل ).(1/434
سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الــذنب أعظــم عنــد
الله قال :أن تجعل لله ندا وهو خلقك الحــديث ،وأخرجــه
الترمذي بسنده عن صفوان بــن عســال ثــم أورد الحــديث
بتمامه وقال :صحيح .
قوله ) :السحر( السحر في اللغة عبارة عما خفي ولطــف
سببه ،وقال في الكافي :السحر عزائم ورقــى يــؤثر فــي
القلوب والبدان إلى آخر مــا أفــاض فيــه الشــارح يرحمــه
الله ،قوله ) :وقتل النفس التي حرم الله( أي حـرم اللـه
قتلها وهي نفس المسلم المعصوم ) .إل بالحق( أي :بــأن
تفعل ما يوجب قتلها ,قوله ) :وأكل الربا( تناوله بأي وجه
نذي َكــان كمــا قــال تعــالى :ســورة البقــرة اليــة 275ال ّـ ِ
خب ّ ُ ْ
ه
طــ ُ ذي ي َت َ َ م اّلــ ِ ن إ ِّل ك َ َ
مــا ي َُقــو ُ مــو َن الّرَبــا َل ي َُقو ُ َيــأك ُُلو َ
س اليات من ســورة البقـرة ،قـال ابــن م ّ ن ال ْ َ
م َ
ن ِ طا ُشي ْ َال ّ
دقيق العيد :وهو مجــرب لســوء الخاتمــة نعــوذ بــالله مــن
ذلك وأكل مال اليتيم يعني التعدي فيــه وعــبر بالكــل لنــه
أعم وجوه النتفاع ,قوله ) :والتولي يوم
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(203 :
510
الزحف( أي الدبار عن الكفار وقت التحام القتــال ،وإنمــا
يكون كبيرة إذا فر إلى غير فئة أو غير متحرف لقتال كمــا
قيد به في الية ) (15فــي ســورة النفــال ســورة النفــال
حًفا فََل َ
ن ك ََفُروا َز ْ م ال ّ ِ
ذي َ ذا ل َِقيت ُ ُ
مُنوا إ ِ َ
نآ َ الية َ 15يا أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
م اْل َد َْبــاَر وقــوله ) :وقــذف المحصــنات الغــافلت ت ُوَّلــوهُ ُ
المؤمنات ( أي :المحفوظات مــن الزنــا والمــراد الحــرائر
العفيفات فتح المجيد )ص 237إلى (240فتح الباري 12
,184-181 /وصحيح مسلم بشرح النووي . . 88-83 / 2
- 2حديث عبد اللــه بــن مســعود رضــي اللــه عنــه صــحيح
مســـلم المســـاقاة ),(1597ســـنن الترمـــذي الـــبيوع )
,(1206ســنن أبــو داود الــبيوع ),(3333ســنن ابــن مــاجه
التجارات ),(2277مسند أحمد بــن حنبــل ),(1/465ســنن
الدارمي البيوع ) .(2535أن النبي صلى الله عليــه وســلم
لعــن آكــل الربــا ومــؤكله وشــاهديه وكــاتبه رواه الخمســة
وصححه الترمذي غير أن لفــظ النســائي :ســنن النســائي
الزينة ),(5102مسند أحمد بن حنبل ) .(1/465آكل الربــا
ومؤكله وشــاهديه وكــاتبه إذا علمــوا ذلــك ملعونــون علــى
لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة .
- 3عبد الله بن حنظلة غسيل الملئكة قال :قال رســول
اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم :مســند أحمــد بــن حنبــل )
.(5/225درهم من ربا يأكله الرجـل وهـو يعلـم أشـد مـن
ست وثلثين زنية رواه أحمد .
الشرح
حــديث ابــن مســعود أخرجــه أيضــا ابــن حبــان والحــاكم
وصححاه وأخرجه مســلم مــن حــديث جــابر بلفــظ صــحيح
مســـلم المســـاقاة ),(1597ســـنن الترمـــذي الـــبيوع )
,(1206ســنن النســائي الطلق ),(3416ســنن أبــو داود
البيوع ),(3333سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2277مســند
أحمد بن حنبل ),(1/465ســنن الــدارمي الــبيوع ).(2535
أن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم لعــن آكــل الربــا
ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقــال :هــم ســواء .وفــي البــاب
عن علي رضي الله عنه عند النســائي وعــن أبــي جحفــة ,
وحديث عبد الله بــن حنظلــة أخرجــه أيضــا الطــبراني فــي
511
الوسط والكبير قــال فــي مجمــع الــزوائد :ورجــال أحمــد
رجال الصحيح ،ويشهد لــه حــديث الــبراء عنــد ابــن جريــر
بلفــظ :ســنن ابــن مــاجه التجــارات ) .(2274الربــا اثنــان
وستون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وهو حديث صــحيح
,وحديث أبي هريرة عند البيهقي بلفظ :سنن ابــن مــاجه
التجارات ) .(2274الربا ثلثة وسبعون بابا أدناهــا مثــل أن
ينكح الرجل أمه ،وأخرج ابن جرير نحــوه ،وكــذلك أخــرج
عنه نحوه ابن أبي الدنيا وحديث عبد الله بن مســعود عنــد
الحــاكم وصــححه بلفــظ :ســنن ابــن مــاجه التجــارات )
.(2275الربــا ثلثــة وســبعون بابــا أيســرها مثــل أن ينكــح
الرجل أمــه وأن أربــى الربــا عــرض الرجــل المســلم وهــو
حديث صحيح ،وقوله )آكل الربا( ومؤكله بسكون الهمــزة
بعد الميم ويجــوز إبــدالها واوا أي :ولعــن مطعمــه غيــره ،
وسمي آخذ المال آكل ،ودافعه مؤكل ؛ لن المقصود منه
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(204 :
الكل وهو أعظم منافعه وسببه إتلف أكثر الشياء .
قــوله ) :وشــاهديه( روايــة أبــي داود بــالفراد والــبيهقي
وشاهديه أو شاهده ،قــوله ) :وكــاتبه( دليــل علــى تحريــم
كتابة الربا إذا علــم ذلــك ،وكــذلك الشــاهد ل يحــرم عليــه
الشهادة إل مع العلم ،فأما من كتب أو شهد غير عالم فل
يدخل في الوعيــد ,قــوله ) :أشــد مــن ســت وثلثيــن . . .
إلخ ( يدل على أن معصــية الربــا مــن أشــد المعاصــي لن
المعصــية الــتي تعــدل معصــية الزنــا الــتي هــي فــي غايــة
الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور بل أشــد منهــا ل
شك أنها قد تجاوزت الحد في القبح ،وأقبح منها استطالة
الرجل في عرض أخيه المسلم ولهذا جعله الشــارع أربــى
الربا .فالرجل يتكلم بالكلمة التي ل يجد لها لــذة ول تزيــد
في ماله ول جاهه فيكون إثمه عند الله أشد مــن إثــم مــن
زنى ستا وثلثين زنية هذا ما ل يصــنعه بنفســه عاقــل نيــل
الوطار ,ح ) 5ص . . (297-296
- 4حديث سمرة بن جندب الطويل نجتزئ منه بما يلــي :
قال :صحيح البخاري التعبير ),(6640صحيح مسلم الرؤيا
),(2275سنن الترمــذي الرؤيــا ),(2294مســند أحمــد بــن
512
حنبل ) .(5/15كان رسول الله صلى الله عليــه وســلم إذا
صلى الغداة أقبل علينا بوجهه فقال :هل رأى منكــم أحــد
الليلة رؤيا فإن كان أحد رأى فيها رؤيا قصها عليــه فيقــول
فيها ما شاء الله ،فسألنا يومــا هــل رأى أحــد منكــم رؤيــا
فقلنا :ل ،قال :ولكني رأيت الليلة رجليــن أتيــاني فأخــذا
بيــدي فأخرجــاني إلــى أرض مســتوية أو فضــاء ،فمررنــا
برجل جالس ورجــل قــائم علــى رأســه وبيــده كلــوب مــن
حديد يدخله في شــدقه فيشــقه حــتى يبلــغ فــاه ثــم يفعــل
بشدقه الخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيه فيصنع
به مثل ذلك ،قال :قلت ما هذا؟ قال :انطلــق ،واســتمر
الرسول صلى الله عليـه وســلم فـي ســرد رؤيتــه إلـى أن
قال :فانطلقنا حتى نأتي على نهر من دم فيه رجــل قــائم
وعلى شط النهر رجل قائم بين يــديه حجــارة فأقبــل ذلــك
الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج منه رمى الرجــل
بحجر في فيه فرده حيث كـان ،فجعــل كلمــا جــاء ليخــرج
رمى في فيه بحجــر فــرده حيــث كــان ،فقلــت لهمــا :مــا
هذا؟ قال :انطلق .الحديث أخرجــه البخــاري نعــرض بعــد
هذا لليضاح عن الفقرات التي وردت في هذا الحديث عن
الملكين :
قال :أما الرجل الذي رأيت يشق شدقه فإنه رجــل كــذاب
يتحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الفاق فهو يصــنع بــه
ما ترى إلى يوم القيامة ،وأما الرجــل الــذي رأيتــه يشــدخ
رأسه فإن ذلك رجل علمه اللــه القــرآن فنــام عنــه بالليــل
ولم يعمل بما فيه بالنهار فهو
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(205 :
يعمل به ما رأيت إلى يوم القيامة ،وأما الــذي رأيــت فــي
نهر الدم فذاك آكل الربا وهذه الفقرة هي المقصودة مــن
إيراد هذا الحديث شرح السنة ,ص . . 53-52-51
وعلق المام الذهبي في كتابه الكبائر على هذا الحديث أو
على الفقرة التي جاء فيها الوعيد لكل الربا بقــوله " . . .
إن آكــل الربــا يعــذب مــن حيــن يمــوت إلــى يــوم القيامــة
بالسـباحة فـي النهـر الحمـر الـذي هـو مثـل الـدم ويلقـم
بالحجارة وهو المال الحرام الــذي كــان جمعــه فــي الــدنيا
513
يكلف المشقة فيه ويلقم حجارة من نار كما ابتلــع الحــرام
في الدنيا ،هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مــع
لعنة الله له كما في حديث أبي أمامــة بســند ضــعيف جــدا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :سنن النســائي
الزكاة ),(2562مسند أحمد بن حنبــل ) .(2/69أربــع حــق
على الله أن ل يدخلهم الجنــة ول يــذيقهم نعيمهــا :مــدمن
الخمر ،وآكل الربا ،وآكل مال اليتيم بغيــر حــق ،والعــاق
لوالديه إل أن يتوبوا أخرجه الحاكم وأبو الشيخ والمقدسي
في المختارة ،وقد ورد أن أكلة الربا يحشرون فــي صــور
الكلب والخنازير من أجل حيلهم على أكل الربا كما مسخ
أصحاب الســبت حيــن تحيلــوا علــى إخــراج الحيتــان الــتي
نهاهم الله عن اصطيادها يوم السبت فحفــروا لهــا حياضــا
تقع فيها يوم السبت ،فيأخذونها يــوم الحــد .فلمــا فعلــوا
ذلك مسخهم الله قردة وخنــازير ،وهكــذا الــذين يتحيلــون
علــى الربــا بــأنواع الحيــل فــإن اللــه ل تخفــى عليــه حيــل
المحتالين الكبائر ,ص . . 69-68ا هـ .
وحسبنا الحاديث التي أوردناها عن الربا وبشاعته وعقوبة
المرابين ،ننتقل بعد ذلك إلى :
مبحث حكم الربا في السلم
وقد تقدم من آي الكتاب العزيز ،والسنة النبوية ما يشــعر
ويوجب تحريم الربا مما ل يدع مجــال للــتردد فــي ذلــك أو
التأويــل ولــم يحــرم الســلم شــيئا إل لحكمــة واضــحة أو
منفعــة تعــود علــى العبــاد وتبعــا لتحريمــه حــرم الوســائل
المفضية إليه سدا للذريعة ،فمثل :حرم بيع العينة بكســر
العين وفتح النون وهي :أن تباع سلعة بثمــن معلــوم إلــى
أجل ثم يشتريها البائع مــن المشــتري بأقــل ليبقــى الكــثير
في ذمته ،وسميت عينـة لحصــول العيــن أي النقــد فيهــا ؛
ولنه يعود إلى
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(206 :
البائع عين ماله ،واستدل لتحريم بيع العينة بالحديث الذي
رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :سمعت
رسول الله صلى الله عليه وســلم يقــول :ســنن أبــو داود
البيوع ),(3462مسند أحمد بن حنبــل ) .(2/84إذا تبــايعتم
514
بالعينة وأخذتم بأذنــاب البقــر ،ورضــيتم بــالزرع ،وتركتــم
الجهاد ،سلط الله عليكم ذل ل ينزعه حتى تراجعوا دينكم
.
ففي هذا الحديث دليل على تحريم هذا البيع ،وذهب إليــه
مالك وأحمد وبعض الشافعية قالوا :لما فيــه مــن تفــويت
مقصد الشارع مــن المنــع عــن الربــا وســد الــذرائع ،قــال
القرطبي :لن بعض صور هذا البيع تــؤدي إلــى بيــع التمــر
بالتمر متفاضل ويكون الثمن لغوا سبل السلم ,ج , 3ص
. . 55ا هـ .نعود إلى الحديث آنف الــذكر ســنن أبــو داود
البيوع ),(3462مسند أحمد بن حنبــل ) .(2/84إذا تبــايعتم
بالعينة الحديث .لنكشف عن صحته وهل عليه مأخــذ مــن
حيث سنده يهبط به عن درجة الصحة .
يقول الشيخ محمد ناصر الــدين اللبــاني حفظــه اللــه فــي
كتابه )سلسلة الحاديث الصـحيحة( " :هـو حـديث صـحيح
لمجموع طرقه وقد وقفت على ثلث منهــا كلهــا عــن ابــن
عمر رضي الله عنه مرفوعا ،الولــى :عــن إســحاق أبــي
عبد الرحمن أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعا حدثه عن
ابن عمــر قــال :فــذكره -أي الحــديث -إلــى أن قــال -أي
الشيخ اللباني : -روي ذلك من وجهين عن عطاء بن أبــي
رباح عن ابن عمر يشير بذلك إلــى تقويــة الحــديث ،وقــد
وقفت علــى أحــد الــوجهين المشــار إليهمــا وهــو الطريــق
الثانية :عن أبي بكر بن عياش عن العمش عن عطاء بن
أبي رباح عن ابن عمر أخرجه أحمــد ،الثالثــة :عــن شــهر
بن حوشب عن ابن عمر رواه أحمد .
ثم وجدنا له شاهدا من روايـة بشــير بــن زيــاد الخراســاني
حدثنا ابن جريج عن عطاء عن جــابر ســمعت رســول اللــه
صلى الله عليه وسلم -فذكره -أي الحديث ،أخرجــه ابــن
عدي في ترجمة بشير هذا من )الكامل( وهو غير معروف
،فــي حــديثه بعــض النكــارة ،وقــال الــذهبي ولــم يــترك
سلسلة الحاديث الصــحيحة ,ج , 1ص 15ـ ـ . . 16وجــاء
في )معالم السنن( توجيه الخطابي لوجهة نظر المحرمين
للعينة ،قال المحرمون للعينة :الدليل على تحريمهــا مــن
وجوه ,أحدها :أن الله تعـالى حــرم الربـا والعينــة وسـيلة
515
إليه بل هـي مـن أقـرب وسـائله ،والوسـيلة إلـى الحـرام
حــرام ،فهنــا مقامــان أحــدهما :بيــان كونهــا وســيلة ،
والثــاني :بيــان الوســيلة إلــى الحــرام حــرام ،فأمــا الول
فيشهد له النقل والعرف والنية
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(207 :
والقصد وحال المتعاقــدين ثــم أورد جملــة أحــاديث تصــور
البيع بالعينة إلى أن قال :وأما شهادة العرف بذلك فأظهر
من أن تحتــاج إلــى تقريــر بــل قــد علــم اللــه وعبــاده مــن
المتبايعين قصــدهما أنهمــا لــم يعقــدا علــى الســلعة عقــدا
يقصــدان بــه تملكهــا ,ول غــرض لهمــا فيهــا بحــال وإنمــا
الغرض والمقصــود بالقصــد الول ،مــائة بمــائة وعشــرين
وإدخال تلــك الســلعة فــي الوســط تلــبيس وعبــث ،وهــي
بمنزلة الحرف الذي ل معنى لـه فـي نفسـه بـل جيـء بـه
لمعنى فــي غيــره ،حــتى لــو كــانت تلــك الســلعة تســاوي
أضعاف ذلك الثمن أو تســاوي أقــل جــزء مــن أجــزائه لــم
يبالوا بجعلها موردا للعقد لنهم ل غرض لهم فيهــا ،وأهــل
العرف ل يكابرون أنفسهم فـي هـذا .وأمـا النيـة والقصـد
فــالجنبي المشــاهد لهمــا يقطــع بــأنه ل غــرض لهمــا فــي
السلعة وإنما القصد الول مائة بمائة وعشرين فضــل عــن
علم المتعاقدين ونيتهما ،ولهــذا يتواطــأ كــثير منهــم علــى
ذلك قبل العقد ثم يحضران تلك الســلعة محلل لمــا حــرم
الله ورسوله .
وأما المقام الثاني وهــو أن الوســيلة إلــى الحــرام حــرام ،
فبــانت بالكتـاب والسـنة والفطــرة والمعقــول ،فـإن اللـه
سبحانه مسخ اليهود قردة وخنازير لما توسلوا إلى الصــيد
الحــرام بالوســيلة الــتي ظنوهــا مباحــة ،وســمى أصــحاب
رسول الله صـلى اللـه عليـه وسـلم والتــابعون مثــل ذلـك
مخادعة كما تقدم ،وقال أيوب السختياني :يخادعون الله
كما يخــادعون الصــبيان ،لــو أتــوا المــر علــى وجهــه كــان
أسهل .والرجوع إلى الصحابة في معاني اللفــاظ متعيــن
سواء كانت لغوية أو شرعية والخداع حــرام ,وأيضــا فــإن
هذا العقد يتضمن إظهار صورة مباحة وإضمار ما هو أكــبر
من الكبائر فل تنقلب الكبيرة مباحة بإخراجهــا فــي صــورة
516
البيع الذي لم يقصد نقل الملــك فيــه أصــل .وإنمــا قصــده
حقيقة الربا .
وأيضا فإن الطريق متى أفضت إلى الحرام فإن الشــريعة
ل تأتي بأختها أصل ؛ لن إباحتها وتحريــم الغايــة جمــع بيــن
النقيضــين ،فل يتصــور أن يبــاح شــيء ويحــرم مــا يفضــي
إليه ،بل ل بد من تحريمهمــا أو إباحتهمــا .والثــاني باطــل
قطعا فتعين الول ،وأيضا فإن الشارع إنما حرم الربا لن
فيه أعظم الفساد والضرر فل يتصور مع هذا أن يبيــح هــذا
الفساد العظيم بأيسر شيء يكون من الحيل مختصر سنن
أبي دواد ,ج 5ص ) . ( 102 ,101 ,100ا هـ .
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(208 :
ولشيخ السلم ابن تيمية -يرحمه الله -جملة فتـاوى فـي
مسألة بيع العينــة منهــا :أنــه ســئل عــن رجــل طلــب مــن
إنسان ألف درهــم إلــى ســنة بــألف ومــائتي درهــم فبــاعه
فرسا أو قماشا بألف درهــم واشــتراه منــه بــألف ومــائتي
درهم إلى أجل معلوم .
فأجــاب :ل يحــل لــه بــذلك بــل هــو ربــا باتفــاق الصــحابة
والعلماء ،كما دلت على ذلك سنة رسول الله صــلى اللــه
عليه وسلم .سئل ابن عباس رضي الله عنه عن رجل باع
حريرة تم ابتاعها لجل زيادة درهم فقال :دراهــم بــدراهم
دخلت بينهما حريرة ،وسئل عن ذلك أنس بن مالك فقال
:هذا مما حرم الله ورسوله .وقالت عائشة لم ولــد زيــد
بن أرقم في نحو ذلك :بئس ما شريت وبئس ما اشتريت
،أخبري زيدا أنه قد أبطل جهــاده مــع رســوله اللــه صــلى
اللــه عليــه وســلم إل أن يتــوب .فمــتى كــان المقصــود
المتعامل دراهم بدراهم إلى أجل ،فإنما العمــال بالنيــات
وإنما لكل امرئ ما نوى .
فســواء بــاع المعطــى الجــل أو بــاع الجــل المعطــى ثــم
استعاد السلعة ,وفي السنن عـن النـبي صـلى اللـه عليـه
وســلم أنــه قــال :ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1231ســنن
النســــائي الــــبيوع ),(4632ســــنن أبــــو داود الــــبيوع )
,(3461مسند أحمد بن حنبــل ) .(2/432مــن بــاع بيعــتين
في بيعة فله أوكسهما أو الربا ,وفيه أيضا :سنن أبو داود
517
البيوع ),(3462مسند أحمد بن حنبــل ) .(2/84إذا تبــايعتم
بالعينة واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد فـي سـبيل اللـه
أرسل الله عليكــم ذل ل يرفعــه عنكــم حــتى ترجعــوا إلــى
دينكم وهذا كله بيع العينــة وهــو بيعتــان فــي بيعــة ،وقــال
صـــلى اللـــه عليـــه وســـلم :ســـنن الترمـــذي الـــبيوع )
,(1234ســنن النســائي الــبيوع ),(4611ســنن أبــو داود
البيوع ),(3504سنن ابــن مــاجه التجــارات ),(2188ســنن
الدارمي البيوع ) .(2560ل يحل سلف وبيــع ول ســلف ول
شرطان في بيع ول ربــح مــا لــم يضــمن ول بيــع مــا ليــس
عندك قال الترمــذي :حــديث صــحيح ،فحــرم صــلى اللــه
عليه وسلم أن يبيع الرجــل شــيئا ويقرضــه مــع ذلــك فــإنه
يحابيه في البيع لجل القرض حتى ينفعه فهــو ربــا .وهــذه
الحــاديث وغيرهــا تــبين أن مــا تواطــأ عليــه الــرجلن بمــا
يقصدان به دراهم بدراهم أكثر منها إلــى أجــل فــإنه ربــا ،
سواء كان يبيع ثم يبتاع أو يبيع ويقــرض ومــا أشــبه ذلــك ،
والله أعلم مجموع الفتاوى ,ج 29ـ ص 433 ,432 ,431
.
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(209 :
الخلصة
اتضح مما أوردناه من آي الكتاب العزيز وتفسيرها والسنة
النبوية وشروحها وأقوال الصحابة والتابعين :اتضح تحريـم
الربا في السلم والوسائل المفضية إليه فتلخص من ذلك
ما يأتي :
- 1النهي عن تعاطي الربا بكل اللوان والوسائل .
- 2إنه من الموبقات أي المهلكات .
- 3إنه من كبائر الذنوب .
- 4لعن آكل الربا ومؤكله وكل من تعاون عليــه بكتابــة أو
شهادة .
- 5معصية أكل الربا تجاوزت الحد في القبــح لنهــا تعــدل
معصية الزنا .
- 6آكل الربا كما جاء في حــديث ســمرة وتعليــق صــاحب
شرح السنة :يعذب في البرزخ بالسباحة في النهر الحمر
518
،ويلقم بحجارة من نار ،وعليــه اللعنــة ثــم الحيلولــة بينــه
وبين دخول الجنة .
- 7حرمة عرض المسلم وتحريم الستطالة فيه .
- 8أكلة الربا يحشرون في صــورة الكلب والخنــازير مــن
أجل تحيلهم على أكله .
- 9من وسائل التحيل لكل الربا بيع العينة .
- 10الوعيد الوارد على التبايع بالعينة .
- 11الوسيلة للحرام محرمة .
- 12تحريم الربا وإباحة الوسيلة الموصــلة إليــه هــو جمــع
بين النقيضين وذلك ل يقره السلم .
- 13ل يحل سلف وبيع ،ول شرطان في بيع ،ول ربح ما
لم يضمن ،ول بيع ما لم يكن تحت تصرف البائع .
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(210 :
- 14مــا تواطــأ عليــه البــائع والمشــتري بمــا يقصــدان بــه
دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل فإنه ربا ،سواء كان يبيع
ثم يبتاع أو يبيع ويقرض وأمثال ذلك .
مضار الربا وحكمة تحريمه
قلــت فــي مقدمــة هــذا البحــث :إن الســلم ديــن العمــل
وبقدر ما يعمل المسلم يأخــذ ،أمــا التبطــل والقعــود عــن
الكســب المشــروع اتكــال علــى مجهــود الغيــر أو اعتــدادا
بغنيمة باردة تصل إليه فليس ذلك من دين السلم بل هــو
مناقض لما جاء به السلم .ومن ثم نجد المــدخل لمضــار
الربا فهو تبطل يعيش المتعاطي له علــى حســاب الغيــر ؛
يأكل كسبهم ويمتص نشاطهم إلــى آخــر مــا ســطرته فــي
المقدمــة ،بالضــافة إلــى أنــه يســبب العــداء بيــن أفــراد
المجتمـــع .وديـــن الســـلم ديـــن الـــتراحم والتعـــاطف
والمساواة ل يقر الهامل الذي يعيش كالمتطفل على كدح
غيره ،يستمرئ حياة الدعة ليأكل الربا غنيمــة بــاردة دون
عناء وجهــد فــي الكســب ،ولــذلك أبــاح اللـه الــبيع وحــرم
الربا ؛ للفارق العظيم بين البيع والربا ،فالبيع :كــد وجهــد
مبــذول ولقمــة يأكلهــا البــائع مــن عــرق الجــبين ،بخلف
المرابي فإنه تتضخم ثروتــه وينمــو مــاله بالغنيمــة البــاردة
التي يستبزها من الفقير المحتاج .
519
وهنالك خســارة قــد تحيــق بــالمرابي دون أن يحســب لهــا
حســابا أل وهــي هبــوط الســعار والــديون الــتي أثقــل بهــا
نفســه وأخــذها بفــائدة ليوســع بهــا تجــارته قــد ينجــم عنــه
الفلس ،فهــو مضــطر إذا حــان أجــل التســديد أن يــبيع
السلعة برأس مالها حتى يأتي على كل السلع الــتي تحــت
يديه والتي كانت قوام تجارته ويغدو صفر اليدين ،بــل قــد
تلجئه الحاجة إلى أن يتكفف الناس أو يركن إلى الستدانة
،وذلك ما تترجم عنه الية الكريمــة :ســورة البقــرة اليــة
ه الّرب َــا والحــديث النبــوي الشــريف :ســنن حقُ الل ّ ُ
م َ
276ي َ ْ
ابــن مــاجه التجــارات ),(2279مســند أحمــد بــن حنبــل )
.(1/395الربا وإن كثر فإن عاقبته إلــى قــل أو كمــا قــال
رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وذكر بعض العلماء المعاصرين عن مضار الربا أنــه وســيلة
للستعمار وشقائه فقد ثبــت أن الغــزو القتصــادي القــائم
علــى المعــاملت الربويــة كــان التمهيــد الفعــال للحتلل
العسكري الذي سقطت أكثر دول الشرق تحــت رحمتــه ،
فقد اقترضت الحكومــات الشــرقية بالربــا وفتحــت أبــواب
البلد للمرابين الجانب فما هي إل ســنوات معــدودة حــتى
تسربت
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(211 :
الثروة من أيدي المــواطنين إلــى هــؤلء الجــانب حــتى إذا
أفــاقت الحكومــات وأرادت الــذود عــن نفســها وأموالهــا
استعدى هؤلء الجانب عليها دولهم فدخلت باســم حمايــة
رعاياها ،ثم تغلغلت هي كــذلك فوضــعت يــدها مســتثمرة
مرافق البلد ،ولهذا لعن رســول اللــه آكــل الربــا ومــؤكله
وكاتبه وشــاهديه ،وقــال :هــم ســواء رواه مســلم ــ روح
الدين السلمي ص . . 332
أمــا حكمــة تحريــم الربــا فتشــمل الجــانب القتصــادي
والخلقي والجتماعي ،وتفصــيل ذلــك ملخصــا فيمــا جــاء
في تفسير الفخر الرازي وهي كما يلي :
- 1إن الربا يقتضي أخذ مال النسان من غير عوض ؛ لن
من يبيع الدرهم بالدرهمين يحصل له زيادة درهم من غيــر
عوض .ومال النسان متعلق بحــاجته ولــه حرمــة عظيمــة
520
كما جاء في الحــديث :مســند أحمــد بــن حنبــل ).(1/446
حرمة مال المسلم كحرمة دمه فوجب أن يكون أخذ مــاله
من غير عوض محرما .
- 2إن العتمــاد علــى الربــا يمنــع النــاس عــن الشــتغال
بالمكاسب ،وذلك لن صاحب الدرهم إذا تمكــن بواســطة
عقد الربا من تحصيل الــدرهم الــزائد نقــدا كــان أو نســيئة
خف عليه اكتساب وجه المعيشة ،فل يكاد يتحمل مشــقة
الكسب والصناعات الشــاقة والتجــارة وذلــك يفضــي إلــى
انقطاع منافع الخلق .ومن المعلــوم أن مصــالح العــالم ل
تنتظــم إل بالتجــارات والحــرف والصــناعات والعمــارات ،
وهذا هو الجانب القتصادي .
- 3إنــه يفضــي إلــى انقطــاع المعــروف بيــن النــاس مــن
القرض ؛ لن الربا إذا حرم طابت النفوس بقرض الدراهم
واســترجاع مثلــه .ولــو حــل الربــا لكــانت حاجــة المحتــاج
تحملــه علــى أخــذ الــدرهم بــدرهمين فيفضــي ذلــك إلــى
انقطاع المواساة والمعروف والحسان ،وهذا هو الجــانب
الخلقي .
- 4إن الغالب أن المقرض يكون غنيا والمستقرض يكــون
فقيرا ،فالقول بتجــويز عقــد الربــا تمكيــن مــن يأخــذ مــن
الفقير الضعيف مال زائدا وذلك غير جــائز برحمــة الرحيــم
وهذا هــو الجــانب الجتمــاعي .ومعنــى هــذا أن الربــا فيــه
اعتصار الضعيف لمصلحة القوي ونــتيجته أن يــزداد الغنــي
غنــى والفقيــر فقــرا ممــا يفضــي إلــى تضــخم طبقــة مــن
المجتمع على حساب طبقة
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(212 :
أو طبقات أخرى مما يخلق الحقاد والضــغائن ويــورث نــار
الصراع بين المجتمع بعضه ببعــض ،ويــؤدي إلــى الثــورات
المتطرفة والمبادئ الهدامــة ،كمــا أثبــت التاريــخ القريــب
خطــر الربــا والمرابيــن علــى السياســة والحكــم والمــن
المحلي والدول جميعا الحلل والحرام ص . . 263
أنوع الربا وحكم كل نوع
الشح :خلة وضعة وهـوان تـزري بصـاحبها وتجعلـه نشـازا
في مجتمعه ،يجمع المال ويشح بإنفاقه حتى على مصالح
521
نفسه .وعلى العكس منه البذل بسخاء خاصة فــي وجــوه
البر والخير وإغاثة الملهوف وكل ما فيه مصلحة للمجموع
.وعلى هذا العتبار جاء تحريم الربا والترغيب فــي البــذل
ابتغاء كريم الجر ،ونــزل القــرآن والعــرب تتعامــل بالربــا
لتفكك مجتمعهــم وانفصــام عــرى التــآلف بينهــم ،فعنــدما
تنزل الحاجة بأحدهم أو يوصله الفقر بالرغــام ل يجــد مــن
يسعفه أو يعينــه فــي محنتــه أو ينقــذه مــن ذل الحاجــة إل
بنكبته بالزيادة على ما يقرضه ،والمفاضلة بين ما يقبضــه
ويعيــده مــن مــال ،وذلــك هــو الربــا الــذي جــاء الســلم
بتحريمــه ،وقــد أوردنــا مــن آي الكتــاب العزيــز والســنة
المطهرة ما يكفي عن المزيد ،بقي أن نوضح نوعية الربــا
المحرم والذي كانت العرب تتعامــل بــه ،جــاء فــي كتــاب
"أحكام القرآن " قوله :الربــا الــذي كــانت العــرب تعرفــه
وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلــى أجــل بزيــادة
على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به ولــم يكونــوا
يعرفون البيع بالنقد إذا كان متفاضل من جنس واحد ،هذا
كان المتعارف المشهور بينهم ،ولذلك قال تعالى :سورة
س َ
ل الن ّــا ِ
وا ِ
مـ َ
ن رًِبا ل ِي َْرب ُـوَ فِــي أ ْ
م ْم ِ ما آت َي ْت ُ ْ
الروم الية 39وَ َ
عن ْد َ الل ّهِ فأخبر أن تلــك الزيــادة المشــروطة إنمــا فََل ي َْرُبو ِ
كانت ربــا فــي المــال العيــن لنــه ل عــوض لهــا مــن جهــة
المقــرض وقــال تعــالى :ســورة آل عمــران اليــة َ 130ل
َ ْ
ة إخبارا عن الحــال الــتي خــرج ضاعََف ً م َ ضَعاًفا ُت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ
عليها الكلم من شرط الزيادة أضعافا مضــاعفة ،فأبطــل
اللــه الربــا الــذي كــانوا يتعــاملون بــه وأبطــل ضــروبا مــن
البياعات وسماها ربا ،فانتظم قوله تعالى :سورة البقــرة
م الّرَبا تحريم جميعها لشمول السم عليهــا حّر َ
الية 275وَ َ
من طريق الشرع ،ولم يكن تعاملهم بالربا إل على الوجه
الذي ذكرناه من قرض دراهم أو دنانير إلــى أجــل )الجــزء
رقم ،11 :الصفحة رقم(213 :
مع شرط الزيادة أحكــام القــرآن للجصــاص ,ص . 552ا
هـ .
وذكر صاحب تفسير آيــات الحكــام أن الربــا ينقســم إلــى
قسمين :ربا النسيئة ،وربا الفضــل .فربــا النســيئة :هــو
522
الذي كان معروفا بين العرب في الجاهلية ل يعرفون غيره
وهو أنهم كانوا يدفعون المــال علــى أن يأخــذوا كــل شــهر
قدرا معينا .فإذا حل الجل طــولب المــدين بــرأس المــال
كامل فإن تعذر الداء زادوا في الحق والجل .
وربا الفضل :أن يباع من الحنطــة بمنــوين منهــا أو درهــم
بدرهمين أو دينار بدينارين أو رطل من العســل برطليــن ،
وقد كان ابن عباس ل يحرم إل القسم الول ،وكان يجــوز
ربا الفضل اعتمادا على ما روي أن النبي صلى اللــه عليــه
وســلم قــال :صــحيح مســلم المســاقاة ),(1596ســنن
النســائي الــبيوع ),(4581ســنن ابــن مــاجه التجــارات )
,(2257ســنن الــدارمي الــبيوع ) .(2580إنمــا الربــا فــي
النسيئة ولكن لما تواتر عنده الخبر بــأن النــبي صــلى اللــه
عليه وسلم قال :صحيح مسلم المســاقاة ),(1588ســنن
النســائي الــبيوع ),(4559ســنن ابــن مــاجه التجــارات )
,(2255مسند أحمد بن حنبل ) .(2/232الحنطة بالحنطــة
مثل بمثل يدا بيد وذكر الصناف الستة كما رواه عبادة بــن
الصامت وغيره رجع عن قوله .
وأمــا قــوله عليــه الســلم :صــحيح مســلم المســاقاة )
,(1596ســنن النســائي الــبيوع ),(4581ســنن ابــن مــاجه
التجارات ),(2257مسند أحمد بن حنبــل ) .(5/200وإنمــا
الربا فــي النســيئة فمحمــول علــى اختلف الجنــس ،فــإن
النسيئة حينئذ تحرم ويباح التفاضل كبيع الحنطــة بالشــعير
تحرم فيه النسيئة ويباح التفاضل ولذلك وقع التفاق علــى
تحريم الربا في القسمين .أما )الول( :فقد ثبت تحريمه
بــالقرآن ) ،وأمــا الثــاني( :فقــد ثبــت تحريمــه بــالخبر
الصحيح .كما روي عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه
أن النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم قــال :صــحيح مســلم
المساقاة ),(1587ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1240ســنن
النســــائي الــــبيوع ),(4561ســــنن أبــــو داود الــــبيوع )
,(3349سنن ابن ماجه التجارات ),(2254مسند أحمد بن
حنبــل ),(5/314ســنن الــدارمي الــبيوع ) .(2579الــذهب
بالـــذهب ،والفضـــة بالفضـــة ،والـــبر بـــالبر ،والشـــعير
بالشعير ،والتمر بالتمر ،والملح بالملح ،مثل بمثل ســواء
523
بسواء يدا بيد ،فإذا اختلفــت هــذه الصــناف فــبيعوا كيــف
شئتم إذا كان يدا بيد .واشتهرت روايتـه هـذه حـتى كـانت
مسلمة عند الجميع .
ثم اختلف العلماء بعد ذلك فقال نفاة القياس :إن الحرمة
مقصورة على هذه الشياء الستة ،وقال أبو حنيفة ومالك
والشــافعي وأحمــد وجمهــور الفقهــاء :إن الحرمــة غيــر
مقصورة على هذه الشياء الستة ،بل تتعداها إلى غيرها .
وأن الحرمة ثبتت في هذه الستة لعلــة ،فتتعــدى الحرمــة
إلى كل ما توجد فيه تلك العلة ،ثم اختلفوا في هذه العلة
.فقال الحنفية :إن العلة هي اتحــاد هــذه الشــياء الســتة
فــي الجنــس والقــدر -أي الكيــل والــوزن -فمــتى اتحــدت
البلــدان فــي الجنــس والقــدر حــرم الربــا كــبيع الحنطــة
بالحنطــة وإذا عــدما معــا حــل التفاضــل والنســيئة كــبيع
الحنطة بالدراهم إلى أجل .وإذا عدم القدر واتحد الجنس
حل الفضل دون النسيئة كبيع عبد بعبدين ،
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(214 :
وإذا عدم الجنس واتحــد القــدر حــل الفضــل دون النســيئة
أيضا كبيع الحنطة بالشعير .
وقال المالكية :إن العلة هي اتحاد الجنسين مــع القتيــات
أو ما يصلح به القتيات .وقــال الشــافعية :إن العلــة فــي
الــذهب والفضــة هــي اتحــاد الجنــس مــع النقديــة ،وفــي
الشياء الربعة الباقية اتحاد الجنس مع الطعم ,والتفاضل
في أمر الربا يعلم من كتب الفقه تفســير آيــات الحكــام ,
ص . 263 , 162
نوعية الربا كما أوضحها ابن القيم
وقفت في جملة ما وقفت عليه من المراجــع علــى كتــاب
بعنــوان ) :الــودائع المصــرفية النقديــة واســتثمارها فــي
السلم( لمؤلفه " حسن عبد الله المين " أورد فيــه نــص
ابن قيم الجوزية رحمه الله عن نوعية الربا وقدم له بقوله
:
تكلمنا فما سبق عن التقسيم الفقهــي القــديم للربــا :ربــا
النسيئة ،وربا الفضل . . .وبقي هنــاك قســم ثــالث للربــا
وضعه عالم جليل هو ابن القيم الجوزية وهو تقسيم يتفــق
524
في مضمونه مع تقسيم الربا :إلى ربا ديــون ،وربــا بيــوع
ولكنه يســمي الول :الربــا )الجلــي( وأن تحريمــه تحريــم
مقاصد ؛ لنه ثابت بــالقرآن الكريــم وهــو مــا كــانت تفعلــه
الجاهلية .ويسمي النوع الثاني :الربا )الخفي( وأنه حــرم
سدا للذريعة من الربا الجلي فتحريمه تحريم وســيلة وهــو
الذي ثبت بالسنة في الصناف الستة ،ثم ذكر النــص مــن
كتــاب )إعلم المــوقعين( فقــال -أي ابــن القيــم : -الربــا
نوعان :جلي وخفي ؛ )فالجلي( :حرم لما فيه من الضرر
العظيم ) ،والخفي( :حرم لنه ذريعة إلى الجلي .فتحريم
الول قصدا ،وتحريم الثاني وسيلة .
فأما الجلي :فربا النســيئة وهــو الــذي كــانوا يفعلــونه فــي
الجاهلية مثــل أن يــؤخر دينــه ويزيــده فــي المــال .وكلمــا
أخره زاد في المــال حــتى تصــير المــائة عنــده آلفــا إعلم
الموقعين ,ج 2ـ ص . . 99
وأما ربا الفضل :فتحريمه من باب سد الذرائع كما صــرح
به في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النــبي
صــلى اللــه عليــه وســلم قــال :مســند أحمــد بــن حنبــل )
.(2/109ل تبيعوا الدرهم بالدرهمين فــإني أخــاف عليكــم
الرماء والرمــاء هــو الربــا .فمنعهــم مــن ربــا الفضــل لمــا
يخافه عليهم من ربا النسيئة ،
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(215 :
وذلك أنهــم إذا بــاعوا درهمــا بـدرهمين ،ول يفعـل هـذا إل
للتفاوت الذي بيـن النـوعيين ،إمـا فـي الجـودة وإمـا فـي
السكة وإما في الثقل والخفة وغير ذلــك ،تــدرجوا بالربــح
المعجل فيها إلى الربــح المــؤخر وهــو عيــن ربــا النســيئة ،
وهذه ذريعة قريبة جدا فمن حكمة الشارع أن ســد عليهــم
هذه الذرائع ومنعهم من بيع درهم بدرهمين نقدا أو نســيئة
إعلم الموقعين ,ج 2ـ ص . . 100-99
التعامل مع البنوك
التعامل مع البنوك على إقــراض المــال بفــائدة مشــروطة
محددة كاثنين في المائة مثل أو أكثر أو أقل ،هل هو مــن
أنواع الربا المحرم أم له احتمال آخر؟
525
نعود مرة أخرى إلى كتاب الــودائع المصــرفية آنــف الــذكر
فنجد المؤلف يقرر بصراحة أن معنى الزيادة فــي القــرض
عند العقــد هــي إحــدى صــورتي ربــا الجاهليــة الــذي حــرم
تحريما قاطعا بنص القرآن ،ونص كلمه كالتي ) :إذا كان
معنــى الفــائدة يختلــف عــن معنــى الربــح فــي المصــطلح
الفقهي ول يلتقي معه بحال ،فماذا يكون موقــف الفــائدة
من الربا ،هل تلتقي معه في إحدى صوره أم أنها تختلــف
عنه كمـا اختلفــت عـن الربـح ول تلتقـي معـه فــي واحــدة
منها ،ثم أفاض في البسط حتى قال :تبين لنا على ضــوء
ما تقدم أن معنــى )الفــائدة( علــى ضــوء مــا تقــدم يلتقــي
تمامــا فــي مقــاييس الفقــه والشــريعة الســلمية بمعنــى
الزيــادة فــي القــرض عنــد العقــد وهــي أحــد صــورتي ربــا
الجاهلية الذي حرم تحريما قاطعا بنص القــرآن ،بــل هــي
الصورة البارزة في ربـا الجاهليـة حـتى أن الجصـاص بـالغ
في التوكيد عليها لدرجــة أنــه قــال :ولــم يكــن تعــاملهم -
أي :عرب الجاهلية -بالربا إل على الوجه الذي ذكرنــا مــن
قرض دراهم أو دنانير إلى أجل مع الزيادة ،فالفــائدة إذن
مــا هــي إل زيــادة مشــروطة فــي قــرض مؤجــل لمصــلحة
المودع في حالة الــودائع المؤجلــة أو ودائع الدخــار بــدليل
عدم وجودها في الودائع الجارية -أي :تحت الطلــب -مــع
أنها هي أيضا معتبرة قرضا في الفقه والتشريع ،كما أنهــا
زيادة فــي قــرض مؤجــل أيضــا لمصــلحة البنــك فــي حالــة
إقراضه لشخص آخر ،فالزيادة في حالة استقراض البنــك
بقبول الودائع المؤجلة أو إقراضه بدفع قروض من أمــواله
الخاصة
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(216 :
أو من ودائع المقترضين الخرين هي ربــا .بــل هــي الربــا
الذي ل يشك فيه ؛ لنها إحدى صورتي ربا الجاهليــة الــذي
كــانوا يتعــاملون بــه والــذي حرمــه القــرآن تحريمــا قاطعــا
َ
ه ال ْب َي ْـ َ
ع ل الل ّـ ُ
حـ ّ
بقوله تعالى :ســورة البقــرة اليــة 275وَأ َ
م الّرَبا وقال فيه رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم حّر َ
وَ َ
فــي حجــة الــوداع :ســنن الترمــذي تفســير القــرآن )
,(3087ســنن أبــو داود الــبيوع ),(3334ســنن ابــن مــاجه
526
المناسك ) .(3055ربا الجاهلية موضوع وأول ربــا أبــدأ بــه
ربا العباس بن عبد المطلب .
تحريم الربا الستهلكي والنتاجي
يفرق بعض علماء القتصاد من الغربيين بين تحريــم الربــا
الســتهلكي والنتــاجي بــدعوى أن تحريــم الربــا كــان مــن
الضروريات في الماضي وأن إباحته فــي هــذا العصــر مــن
الضروريات أيضا ؛ لن الدين فيمــا مضــى كـان للســتهلك
وأما الن فهو للنتاج .وهو زعم متداع ؛ لن الربا إن كــان
للستهلك فهو لنفقــة المســتدين علــى حاجــاته الضــرورية
فإنه ل يجوز أن يرهق برد زائد على دينه ،فحسبه أن يــرد
أصل الدين عنــد الميســرة .وإن كــان للنتــاج فالصــل أن
الجهد الذي يبذله المستدين هو الــذي ينــال عليــه الربــح ل
المال الذي يستدينه فالمال ل يربح إل بالجهــد روح الــدين
السلمي ,ص . . 334 ,333
وفــي إطــار الحــديث عــن أنــواع الربــا يتحــدث الداعيــة
السلمي أبو العلى المودودي في الفصــل الخــامس مــن
كتابه )الربا( تحــت عنــوان "الربــا وأحكــامه " فيقــول :إن
الربــا هــو الزيــادة الــتي ينالهــا الــدائن مــن مــدينه نظيــر
التأجيل ،وهذا النوع مــن الربــا يصــطلح عليـه شــرعا بربــا
النسيئة أي الزيادة بســبب النســيئة وهــي التأجيــل ،وهــذا
النوع من الربا هو المنصوص علـى تحريمـه فـي القـرآن ،
وأجمع على تحريمه السلف الصــالح والعلمــاء المجتهــدون
من بعدهم وتعاقبت القرون على ذلك الجماع ولم يتطرق
إليه الريب في عصر من العصور واستمر في البسط إلــى
أن قال :لقد كان السلم إنما نهى عن التعامل بالربا فـي
شــئون الــدين والقــرض فــي بــادئ المــر ،واســتمر فــي
البسط فتحدث عن ربا الفضل وقال :وهذا النوع أيضا قد
حرمه النبي صلى الله عليــه وســلم لنــه يفتــح البــاب فــي
وجه الناس إلى الربا الصريح وينشئ فيهم
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(217 :
عقلية من نتائجها اللزمة شــيوع المرابــاة فــي المجتمــع ،
وذلك عين ما أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم بقــوله :
مسند أحمد بن حنبل ) .(2/109ل تبيعوا الدرهم بــدرهمين
527
فإني أخاف عليكم الرماء وهو الربا .وتحدث عن حكم ربا
الفضل وأورد حديث عبــادة بــن الصــامت وجملــة أحــاديث
في معناه ،ثــم علــق عليهــا تعليقــا ضــافيا ثــم ذكــر خلف
الفقهاء في علة تحريم ربا الفضل وخلــص مــن ذلــك إلــى
القول بأن الختلف بين المذاهب في المور الــتي يــدخلها
الربا إنما هو من المور المشتبهة الواقعة علــى الحــد بيــن
الحلل والحـــرام ،فـــإن حـــاول أحـــد الن محتجـــا بهـــذه
المسائل المختلف فيها أن يرمي بالشتباه أحكام الشريعة
في المعاملت التي قــد وردت النصــوص علــى كونهــا مــن
الربا ويفتح باب الرخص والحيل بهــذا الطريــق للســتدلل
ويدعو المة إلى سلوك طرق الرأسمالية فل شك أنه يعــد
تاركا للكتاب والسنة للظن والخرص وضال مضل ولو كــان
مخلصا صادق النية عند نفسه الربا ص . 98 ,91 ,90ا هـ
.
وسائل القضاء على الربا
من مزايا دين السلم أنه لم يحرم شيئا إل وأوجد له بديل
يغنــي عنــه ،ويأخــذ بحجــز المســلمين مــن أن يقعــوا فــي
المحــرم المنكــور ،ول نطيــل ضــرب المثلــة لــذلك وإنمــا
نكتفي بتحريم الخمر .أبــدل اللــه المســلمين عــن شــربها
بشرب جميع العصيرات والمنتبذات مما ل يكون فيه شبهة
حرام وعندما حرم الربــا أبــاح الــبيع والتجــارة فــي المــور
المباحة وأنواع المضاربة ،وهكذا فلم يرهق المســلم مــن
أمره عسرا ،ولم يكلفه شططا ،وإنما أوجــد لــه الحلــول
وشرع وسائل من شأنها القضاء على الربا والتجــافي عنــه
والترفع عن مزالقه والتورط في إثمـه ،ويشــمل ذلـك مـا
يأتي :
)أ( القرض الحسن :فبــدل مــن أن يقــرض المســلم مــاله
بفائدة تقض مضجع المقترض وتزيـد مــن محنتــه وبلبـاله ،
رغب السلم في القرض الحسن بالوعد الكريــم والجــزاء
ن َ
ذا مـ ْ
الضافي كما قال تعالى :سورة البقــرة اليــة َ 245
عَفه ل َ َ
ضَعاًفا ك َِثيَرةً ،
هأ ْضا ِ ُ ُ سًنا فَي ُ َ
ح َ
ضا َ ض الل ّ َ
ه قَْر ً ال ّ ِ
ذي ي ُْقرِ ُ
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(218 :
528
ضذي ي ُْق ـرِ ُ ذا ال ّـ ِ ن َ مـ ْ وقال تعالى :سورة الحديد الية َ 11
عَفه ل َه ول َ َ
م. ري ٌجٌر ك َ ِ هأ ْ ضا ِ ُ ُ َ ُ سًنا فَي ُ َ ح َ ضا َ ه قَْر ً الل ّ َ
)ب( إنظار المعسـر ريثمـا يـزول إعسـاره والـترغيب فـي
إبراء ذمته من الدين دون مطالبته كما قال تعالى :سورة
ة
س ـَر ٍ مي ْ َسَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ ِل َــى َ ذو عُ ْ ن ُ كا َن َ البقرة الية 280وَإ ِ ْ
َ
ن. مو َ م ت َعْل َ ُ
ن ك ُن ْت ُ ْ م إِ ْ خي ٌْر ل َك ُ ْصد ُّقوا َ ن تَ َ وَأ ْ
)جـــ( التعــاون فــي مختلــف دروبــه وبكــل وســائله يشــمل
التعاون الجتماعي والصناعي والزراعي ويدخل في إطــار
ذلــك الضــمان الجتمــاعي وتمويــل المزارعيــن وأصــحاب
الصناعات بما يشــد أزرهــم ويضـاعف إنتــاجهم فيمــا يعــود
بالخير للمجموعة الســلمية ،وثمــة فتــح المــدارس وبنــاء
المستشفيات ودور العجــزة ،ومــا إليـه ممـا تشــمله اليـة
الكريمــة ســورة المــائدة اليــة 2وَت ََعــاوَُنوا عََلــى ال ِْبــّر
وى ,فيغدو المجتمع في ظلل هذا التعــاون الشــامل َوالت ّْق َ
سعيدا بعيدا عن مآســي الربــا والنــزلق إلــى أوحــاله ،ول
يغيــب عــن الذهــان إخــراج زكــاة المــوال ودفعهــا إلــى
مستحقيها كما نصت على ذلك الية الكريمة سورة التوبــة
ن مِلي َ ن َوال ْعَــا ِ كي ِســا ِ م َ ت ل ِل ُْفَق ـَراِء َوال ْ َ ص ـد ََقا ُ مــا ال ّ اليــة 60إ ِن ّ َ
ل سِبي ِن وَِفي َ مي َ ب َوال َْغارِ ِ م وَِفي الّرَقا ِ مؤَل َّفةِ قُُلوب ُهُ ْ عَل َي َْها َوال ْ ُ
ل ،وجملة القول أن وسائل القضــاء علــى سِبي ِ ن ال ّ ّ
اللهِ وَا ِب ْ ِ
الربا والخذ بها والتعاون على تنفيذها وفي الطليعة إخراج
الزكاة دون تهرب أو تسويف أو طغيان النانية على بعــض
النفوس فتستأثر بالمال وتحتجزه وتشــح بــه فل تســتجيب
لنفاقه كما أمر الله وكما قال تعالى :سورة الحديد اليــة
َ
ن خل َِفي َ سـت َ ْ
م ْ م ُ جعَل َك ُـ ْ مــا َ م ّ فُقــوا ِ ســول ِهِ وَأن ْ ِ من ُــوا ب ِــالل ّهِ وََر ُ 7آ ِ
ِفيهِ ،كل أولئك مما يحول دون الرتداع في أرجــاس الربــا
والوقوع في أوحاله .
وقبل أن نضع القلم يجدر أن نعرض لموضوع كثر الخذ به
في أعقاب الزمن وهو بيع التورق ،يشتري المرء الســلعة
بثمن إلى أجل ثم يبيعها بأقل من الثمن الذي اشــتراها بــه
وذلك ما يسمى بمسألة التورق لن البائع ليــس لــه حاجــة
في السلعة وإنما حــاجته فــي الــورق ،وإيضــاح ذلــك مــن
529
قول شيخ السلم ابن تيمية -رحمه الله -في فتاويه حيث
يقول :وقد
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(219 :
سئل عن الرجل يبيع سلعة بثمن مؤجـل ثـم يشـتريها مـن
ذلك الرجل بأقــل مــن ذلــك الثمــن حــال هــل يجــوز أم ل؟
فأجــاب :إذا بــاع الســلعة إلــى أجــل ثــم اشــتراها مــن
المشــتري بأقــل مــن ذلــك حــال فهــذه تســمى ) مســألة
العينة ( .وهي غير جائزة عنــد أكــثر العلمــاء كــأبي حنيفــة
ومالك وأحمد وغيرهم ،وهو المأثور عن الصحابة كعائشــة
وابن عباس وأنس بن مالك ،فـإن ابــن عبــاس ســئل عـن
حريرة بيعت إلى أجــل ثــم اشــتريت بأقــل فقــال :دراهــم
بدراهم دخلت بينهما حريرة ،وأبلغ من ذلك أن ابن عباس
قــال :إذا اشــتريت بنقــد ثــم بعــت بنســيئة فتلــك دراهــم
بدراهم .فبين أنه إذا قوم السلعة بــدراهم ثــم باعهــا إلــى
أجل فيكون مقصوده دراهم بــدراهم -والعمــال بالنيــات-
وهــذه تســمى ) التــورق ( .فــإن المشــتري تــارة يشــتري
السلعة لينتفع بها وتارة يشتريها ليتجر بها فهــذان جــائزان
باتفــاق المســلمين ،وتــارة ل يكــون مقصــوده إل أخــذ
الدراهم فينظر كم تساوي نقدا فيشتري بها إلى أجــل ثــم
يبيعها في السوق بنقد فمقصوده الورق .فهذا مكروه في
أظهر قولي العلمــاء ،كمــا نقــل ذلــك عــن عمــر بــن عبــد
العزيز وهو إحدى الروايتين عن أحمد إلى آخــر مــا أفــاض
فيه يرحمه الله مما خرج به للستطراد الفتــاوى ,ج 29ـ ـ
ص . . 447 ,446
خاتمة البحث
نــأتي بعــد أن فرغنــا مــن كتابــة البحــث بتوفيــق اللــه إلــى
الخاتمة فقد عرضنا بعد المقدمة لتعريف الربا لغة وشرعا
وأوردنا اليات القرآنية التي جاءت منتظمة عــن الربــا مــع
تفسيرها وقد تحصل من التفسير ما يأتي :
ا -المراد بأكل الربا جميع التصرفات .
- 2تشبيه المرابي بالمصروع .
- 3المحق يشمل ذهاب المال وذهاب بركته .
- 4ل يلحق متعاطي الربا تبعة التعامل به قبل التحريم .
530
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(220 :
- 5الترغيب في بذل الصدقات .
- 6الوعيد لمن تعاطى الربا بعد التحريم .
- 7للمرء أن يأخذ رأس ماله بعد التوبة من تعاطي الربا .
- 8الترغيب في إنظار المعسر وإبراء ذمته ،وأردفنا ذلك
بمبحث الربا في السنة وإيراد نــص مــا ورد مــن الحــاديث
مع شرحها ثم بيــان حكــم الربــا فــي الســلم وأنــه محــرم
بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة وأساطير العلــم بمــا فــي
ذلك تحريم كل وسيلة تفضي إليه كبيع العينــة واستخلصــنا
من مجموع ذلك ما يأتي :
أ -النهي عن تعاطي الربا بكل اللوان والوسائل .
ب -إنه من الموبقات ومن كبائر الذنوب .
جـ -لعن آكل الربا كل متعاون عليه .
د -معصية الربا تجاوزت الحد في القبح .
هـ -تحريم الستطالة في عرض المسلم .
و -آكل الربا يعذب في الــبرزخ وعليــه اللعنــة ويحــال بينــه
وبين دخول الجنة .
ز -أكلة الربا يحشرون في أسوأ صورة .
ح -تحريم التبايع بالعينة والوعيد عليها .
ط -الوسيلة للحرام محرمة .
ك -ل يحل سلف ول بيع ول شرطان في بيع ول ربح ما لم
يضمن ول بيع ما لم يكن تحت تصرف البائع .
ل -ما تواطأ عليه البائع والمشتري بما يقصدان بــه دراهــم
بدراهم أكثر منها إلى أجل فهو ربا محرم ســواء كــان يــبيع
ثم يبتاع أو يبيع ويقرض .
ثــم انتقلنــا بعــد ذلــك إلــى مضــار الربــا وحكمــة تحريمــه ،
وأوردنــا نقــول عــن ذلــك مــن أقــوال العلمــاء القــدامى
والمعاصرين مبسوطة في الصفحات ) ، 18ـ (19وعقبنــا
بمبحث أنواع الربا وحكم كل نوع فذكرنا ربا النســيئة وأنــه
هو الربا الذي كانت تتعامل به الجاهلية الولــى وهــو الــذي
ورد تحريمه بالقرآن ،ثم ربا الفضــل وتحريمــه جــاءت بــه
السنة النبوية سدا
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(221 :
531
للذريعة ،وعرضنا لعلة تحريم ربا الفضل واختلف العلماء
فيها ،ثم لنوعية الربا كما أوضحها ابن القيم -يرحمه اللــه-
ثــم لبحــث التعامــل مــع البنــوك وفيــه القــرض بالفــائدة
المشروطة وأنها محرمــة ،ثــم تناولنــا بحــث تحريــم الربــا
الستهلكي والنتاجي ورد نظرية تحريم الربا في الماضــي
وإباحته في الحاضر ،وأردفنا ذلــك بالحــديث عــن وســائل
القضاء على الربا وذكرنا أن منها القرض الحســن وإنظــار
المعســر وإبــراء ذمتــه والتعــاون الجتمــاعي والصــناعي
والزراعي وتوزيع أموال الزكاة ،ثم أنهينا البحث بموضــوع
التورق وأنه مكروه وأوردنا فتوى لشيخ السلم ابن تيميــة
-يرحمه الله -في هذه المسألة .وأســأل اللــه أن يــأجرني
بقدر ما بذلت في هذا البحــث مــن جهــد علمــي وجســمي
ولم أصل فيه إلى الكمال ،وإنما هو إسهام وجهــد مقــل ،
وأن يشمل سبحانه بتوفيقه ابني أسامة على ما أسهم بــه
من تهيئة المراجع المطلوبة للبحث والعون بجهــد مشــكور
وينفع به كل من قرأه مغضيا عما لعله أن يكــون فيــه مــن
مآخذ -فالكمال لله وحده -ويأجر أيضا كل من تعاون على
إشاعته بكل وسيلة خاصة مجلة البحوث بالرياض ورئاســة
تحريرها والمشرفين عليها .
وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصــحبه
ومن اتبع سبيله وسار على نهجه ،وقد فرغت مــن وضــعه
في شهر جمادى الثانية سنة ألف وأربعمائة وأربعة .
والله يوفقنا إلى ما فيه الخير والرشاد ، ، ،
ثبت المراجع والمصادر
- 1ابن تيمية ،أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني .
)الفتاوى( .
الطبعة :الولى 1382هـ .
الرياض :مطابع الرياض .
- 2ابن حجر ،أحمد بن علي العسقلني .
)فتح الباري بشرح صحيح البخاري( .
الطبعة :الولى .
تصحيح وترقيم :محمـد فـؤاد عبـد البـاقي -محـب الـدين
الخطيب .
532
القاهرة :المطبعة السلفية ) 13جزء( .
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(222 :
- 3ابن جرير ،أبو جعفر محمد بن جعفر الطبري .
)جامع البيان عن تأويل آي القرآن( .
تحقيق :محمود محمد شاكر -أحمد محمد شاكر .
الطبعة :الولى .
القاهرة :دار المعارف ) 15جزء( .
- 4ابن كثير ،أبو الفداء عماد الدين القرشي الدمشقي .
)تفسير القرآن العظيم( .
الطبعة :الولى 1347هـ .
القاهرة :مطبعة المنار ) 9أجزاء ومعه تفسير البغوي( .
- 5ابن حنبل ،أحمد بن محمد الشيباني .
)المسند( .
الطبعة :الولى .
القاهرة :المطبعة الميمنية المصرية ) 6أجزاء( .
- 6المير الصنعاني ،محمد بن إسماعيل .
)سبل السلم شرح بلوغ المرام من أدلة الحكام( .
الطبعة الولى .
القاهرة :إدارة الطباعة المنيرية ) 4أجزاء( .
- 7اللباني ،محمد ناصر الدين اللباني .
)سلسلة الحاديث الصحيحة( .
الطبعة :الثانية 1399هـ .
بيروت :المكتب السلمي 4) .مجلدات( .
- 8المين ،حسن عبد الله .
)الودائع المصرفية واستثمارها في السلم( .
الطبعة :الولى .
جدة :دار الشروق .
- 9البخــاري ،أبــو عبــد اللــه محمــد بــن إســماعيل بــن
بردزيه .
)الجامع الصحيح المسند المختصر مــن أمــور رســول اللــه
صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه( .
القاهرة :إدارة الطباعة المنيرية 9) .أجزاء( .
)الجزء رقم ،11 :الصفحة رقم(223 :
533
- 10البغوي ،أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء .
)شرح السنة( .
الطبعة :الولى 1399هـ .
بيروت :المكتب السلمي ) 16جزء( .
- 11الجصاص ).أحكام القرآن( .
- 12الذهبي ،أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد .
)الكبائر ( .
تصحيح وتعليق :محمد عبد الرزاق حمزة .
الطبعة :الولى 1356هـ .
- 13السايس ،محمد علي .
)تفسير آيات الحكام( .
القاهرة :مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح ) 4أجزاء( .
- 14الشوكاني ،محمد بن علي .
)فتــح القــدير الجــامع بيــن فنــي الروايــة والدرايــة فــي
التفسير( .
بيروت :محفوظ العلي ) 6أجزاء(
- 15طباع ،عفيف عبد الفتاح .
)روح الدين السلمي( .
الطبعة :الثانية عشرة .
بيروت :دار العلم للمليين .
- 16القرضاوي ،يوسف .
)الحلل والحرام في السلم( .
- 17مسلم ،ابن الحجاج القشيري النيسابوري .
)الجــامع المسـند المختصــر مــن السـن بنقــل العـدل عـن
العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم( .
تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي .
بيروت :تصوير دار الكتاب العربي ) 5أجزاء( .
- 18المودودي ،أبو العلى ).الربــا( .الطبعــة :بيــروت :
مؤسسة الرسالة .
==============
#أحاديث ربا الفضل وأثرها في العلة والحكمة
في تحريم الربا
مجلة البحوث السلمية ) -ج / 42ص (455
534
أحاديث ربا الفضل وأثرها في العلة والحكمــة فــي تحريــم
الربا
للشيخ :محمد بن علي بن حسين الحريري
خلصة البحث :
يهدف البحث إلى حصــر أحــاديث ربــا الفضــل-ربــا الــبيوع-
التي استشهد بها الفقهاء وتخريــج هــذه الحــاديث بعزوهــا
إلــى مصــادرها ،وأهــم الراء الفقهيــة الــتي تنــاولت هــذه
الحاديث ليضاح العلة الربوية وحكمة التحريــم ،وتصــنيف
هذه الحـاديث بالنسـبة إلـى روايـة كـل صـحابي ،وتقييـم
مرويات الصحابي إلى الموضوعات التي تناولها الحــديث ،
ثم أفردت أحاديث المزابنة وبيع الحيوان بمبحــث مســتقل
لمعظم رواة الحــاديث فــي هــذين الموضــوعين وتلخيــص
المذاهب الفقهية فيها ،ثم سردت أهم النتائج المســتفادة
من مجموع الحاديث .
ويحتــاج البــاحثون والفقهــاء عنــد معــالجتهم مســائل الربــا
والصرف إلى الستدلل بأحاديث نبوية متعددة ،وبروايات
تضم زيادة كلمة أو جملة تؤثر فــي الحكــم الفقهــي ،وقــد
لمست من خلل معاناتي لهذه الجوانب شدة الحاجة إلــى
حصر الحاديث النبويــة فــي هــذا البــاب أو معظمهــا علــى
القل ؛ ليكون لدى المسلم
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(228 :
فكرة شاملة حول الربــا فــي الســنة النبويــة وعلقــة ذلــك
الربا بما ذكرته اليات القرآنية .
ودراسة الحاديث النبويــة المبينــة لحكــام الربــا والصــرف
تحتاج إلى دراسة متأنية تستهدف الجوانب التالية :
- 1محاولة ترتيب الحــاديث النبويــة ترتيبــا تاريخيــا يمكــن
معــه فهــم السياســة النبويــة فــي تطــبيق حكــم الربــا ،
ومحاربته ،واستئصاله من حياة المسلمين القتصادية .
- 2دراسة هذه الحاديث بحســب أهميتهــا فــي الســتدلل
الفقهي عند أئمة المذاهب الربعة وسائر المجتهــدين فــي
بقية العصور .
535
- 3بيــان وجــه التكامــل والتلقــي والمواءمــة بيــن الربــا
المحــرم فــي القــرآن الكريــم والربــا المحــرم فــي الســنة
النبوية .
وقد أفلح المحدثون رحمهم الله في استقراء أحاديث الربا
،ونجد ذلك واضحا عند البغوي فــي )شــرح الســنة( حيــث
حكم لعشرة أحــاديث بالصــحة ،وســائر الحــاديث يــتراوح
بيــن الحســن وهــو أكثرهــا ،وربمــا حصــل الضــعف والــرد
لبعض تلك الحاديث .
واستقصــى ابــن الثيــر فــي جــامع الصــول أحــاديث الربــا
ومصادر تخريجها بإيجاز يتيح للباحث التوسع والستقصاء .
كما استقصى الحافظ بدر الدين العيني في عمدة القــارئ
تخريج أحاديث الربــا فــي أبــواب البخــاري المتعــددة ،مــع
الشارة إلى من ذكره من المحدثين .
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(229 :
وقد ذكر السبكي في تكملة المجموع أحاديث ربــا الفضــل
عن عشرين من الصــحابة ،وعــزا مرويــاتهم إلــى أصــولها
الحديثية مع الشارة إلى ضعف اثنين منها فقط المجمــوع
شرح المهذب ) (60 / 10ط .المنيرية . .
كما ذكر المولوي السنبهلي روايــة حــديث العيــان الســتة
عن ستة عشر صحابيا ،مع ذكر من أخرجها من المحدثين
شــرح معــاني الثــار للطحــاوي -ج -4حاشــية ص -65دار
الكتب العلمية -بيروت ط 2 .عام 1407هـ . .
وقد جعل الشافعي حديث عبادة بن الصــامت رضــي اللــه
عنه عمدة باب في الربا ،وقدمه على حــديث أبــي ســعيد
الخدري ؛ لن عبادة أكبر سنا وأقدم صحبة .
أما الحنفية فقد جعلوا حــديث أبــي ســعيد الخــدري عمــدة
الباب عندهم فهو أتم الحــاديث بعــد حــديث عبــادة شــرح
مسلم للنووي ) ، (13 / 11والمجمــوع )(394 / 9ـ .ـ ،
والحديثان متفق على صحتهما بإجماع المة .
ويمكننا تصنيف أحاديث الربا في أربعة أصناف الجامع في
أصــول الربــا -د .رفيــق المصــري -ص ، 61دار القلــم
1412هـ : .
536
الول :الحاديث التي تنفر من الربــا وتنــذر عليــه بالوعيــد
الشديد ؛ لنه من الكبائر .
الثاني :أحاديث تتعلق بالمعنى العام والموسع للربا ؛
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(230 :
كــالنهي عــن بيــع الثمــار قبــل بــدو صــلحها ،و"غبــن
المسترسل ربا " ،و " الناجش آكل ربا " .
الثالث :النهي عن ربا الجاهلية -الديون -وهي الحــاديث
المؤكدة للنصوص القرآنية .
الرابع :أحاديث النهي عن ربا البيوع -ربا الفضل . -
وسأحاول تناول القسم الخير من الحاديث تسهيل للعــزو
إليها من المبــاحث القادمــة ،وحــاولت جمــع أحــاديث كــل
صحابي على حدة ؛ كي ل يتشتت الموضوع وتتفرع السبل
.
) (1أحاديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :
هو أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخــدري ،استصــغر
يوم أحد ،واستشهد أبوه مالك بن سنان في تلك الغزوة ،
وقد شهد أبو سعيد غزوات مـا بعـد أحـد ،كـان مــن أفقــه
أحداث الصحابة رضي الله عنهم ،وانتقل إلى رحمــة اللــه
تعالى عام 63هـ أو 65هـ ،فهو مــن ســن عبــد اللــه بــن
عمر ،والبراء بن عازب ،وسمرة بن جنــدب ،ورافــع بــن
خديج رضي الله عنهم ،والفارق بينهم سنة واحــدة تقريبــا
الصابة في تمييز الصحابة ). . (32 / 2
ويمكن تقسيم مرويات أبي سعيد في الربا والصــرف إلــى
ثلثة أقسام :
- 1حديث العيان الستة .
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(231 :
- 2أحاديث الصــرف والـرد علــى ابـن عبـاس رضـي اللـه
عنهما في إباحة الفضل في الصرف .
- 3أحاديث مبادلة التمر بالتمر -الرديء بالجيد .
أول :حديث العيان الستة :
أخرج مسلم في صحيحه عــن أبــي ســعيد الخــدري قــال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :الــذهب بالــذهب ،
والفضة بالفضة ،والبر بالبر ،والشــعير بالشــعير ،والتمــر
537
بالتمر ،والملح بالملح ،مثل بمثل ،يــدا بيــد ،فمــن زاد أو
استزاد فقد أربى ،الخذ والمعطي سواء .
ثانيا :أحاديث الصرف :
أخرج البخاري عن عبد الله بن يوسف ،عــن مالــك ،عــن
نافع ،عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنــه :أن رســول
الله صلى الله عليه وسلم قال :ل تبيعوا الــذهب بالــذهب
إل مثل بمثــل ،ول تشــفوا بعضــها علــى بعــض ،ول تــبيعوا
الورق بالورق إل مثل بمثل ،ول تشفوا بعضها على بعض ،
ول تبيعوا منها غائبا بناجز
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(232 :
كما أخرج البخاري بسنده ،عن سالم بن عبد الله عن عبد
الله بن عمر رضي الله عنهما ،أن أبا سعيد الخدري حدثه
مثل ذلك حديثا عن رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم ،
فلقيه عبد الله بن عمر فقال :يا أبا سعيد ،ما هــذا الــذي
تحدث عن رسول الله صلى الله عليــه وســلم؟ فقــال أبــو
سعيد في الصرف :سمعت رسول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم يقول :الذهب بالذهب ،مثل بمثل ،والورق بالورق
مثل بمثل .
وأخرج البخاري ،عــن أبــي صــالح الزيــات ،أنــه ســمع أبــا
سعيد الخدري رضي الله عنــه يقــول " :الــدينار بالــدينار ،
والدرهم بالدرهم " فقلت له :فإن ابــن عبــاس ل يقــوله .
قال أبو سعيد :سألته ،فقلت :ســمعته مــن النــبي صــلى
الله عليه وسلم أو وجدته في كتاب الله؟ وقال :كل ذلــك
ل أقوله وأنتم أعلم برسول الله مني ولكن أخبرني أسامة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :ل ربا إل في النسيئة
.
وفي رواية الترمذي ،قال نافع ) :انطلقت أنــا وابــن عمــر
إلى
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(233 :
أبي سعيد ،فحدثنا :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ،سمعته أذناي هاتان يقول :ل تبيعوا الذهب بالــذهب
إل مثل بمثــل ،والفضــة بالفضــة إل مثل بمثــل ،ل تشــفوا
بعضه على بعض ،ول تبيعوا منه غائبا بناجز .
538
ولمسلم ،عن أبي نضرة قال " :سألت ابن عمــر ،وابــن
عباس عن الصرف فلم يريا به بأسا ،فإني لقاعد عند أبي
سعيد الخدري ،فسألته عن الصــرف فقــال :مــا زاد فهــو
ربــا ،فــأنكرت ذلــك لقولهمــا ،فقــال :ل أحــدثك إل مــا
سمعت من رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم ،صــحيح
البخـــاري الـــبيوع ),(2089صـــحيح مســـلم المســـاقاة )
,(1594سنن النسائي البيوع ),(4553موطأ مالك البيوع )
,(1315سنن الدارمي البيوع ) .(2577جاءه صاحب نخلــة
بصاع من تمر طيــب ،وكــان تمــر النــبي صـلى اللـه عليــه
وسلم هذا اللون ،فقال له النبي صلى الله عليــه وســلم :
" أنى لك هذا؟ " قال :انطلقــت بصــاعين ،فاشــتريت بــه
هذا الصاع ،فإن سعر هذا فـي الســوق كـذا ،وسـعر هـذا
كذا ،فقال رسول الله صلى الله عليــه وســلم " :ويلــك ،
أربيــت ،إذا أردت ذلــك ،فبــع تمــرك بســلعة ،ثــم اشــتر
بسلعتك أي تمر شــئت ،قــال أبــو ســعيد :فــالتمر بــالتمر
أحق أن يكون ربـا أم الفضـة بالفضـة؟ قـال :فـأتيت ابـن
عمر بعد ،فنهاني ،ولم آت ابــن عبــاس ،قــال :فحــدثني
أبو الصهباء :أنه سأل ابن عباس عنه
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(234 :
بمكة فكرهه " مسلم بشرح النووي ). . (24 / 11
ولمسلم من رواية أخرى ،عن أبي نضرة قــال " :ســألت
ابن عباس عن الصرف فقال :يدا بيد؟ فقلت :نعم ،قال
:ل بأس ،فأخبرت أبــا ســعيد ،فقلــت :إنــي ســألت ابــن
عباس عن الصرف فقال :يدا بيد؟ قلـت :نعـم قـال :فل
بــأس بــه ،قــال :أوقــال ذلــك؟ إنــا ســنكتب إليــه فل
يفتيكموه ،قال :صــحيح البخــاري الــبيوع ),(2089صــحيح
مسلم المســاقاة ) .(1594فــوالله لقــد جــاء بعــض فتيــان
رسول الله صلى الله عليــه وســلم بتمــر فــأنكره ،قــال :
كأن هذا ليس من تمر أرضنا ،قال :كان في تمر أرضــنا ،
أو في تمرنــا ،العــام بعــض الشــيء ،فأخــذت هــذا وزدت
بعض الزيادة ،قال " :أضعفت ،أربيــت ،ل تقربــن هــذا ،
إذا رابك من تمرك شيء فبعه ،ثم اشتر الــذي تريــد مــن
التمر . .
539
ثالثا :أحاديث بيع التمر الرديء بالجيد :
وعن أبي سعيد الخدري ،وأبي هريرة رضي اللــه عنهمــا ،
صحيح البخاري البيوع ),(2089صحيح مســلم المســاقاة )
,(1593ســنن النســائي الــبيوع ),(4553ســنن ابــن مــاجه
التجارات ),(2256مســند أحمــد بــن حنبــل ),(3/60موطــأ
مالك البيوع ),(1315ســنن الــدارمي الــبيوع ) .(2577أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجل على خيبر
،فجاءه بتمر جنيب ،فقال " :أكل تمر خيبر هكذا؟ " قال
:ل واللــه يــا رســول اللــه ،إنــا لنأخــذ الصــاع مــن هــذا
بالصاعين ،والصاعين بالثلث ،فقال " :ل تفعل بع الجمع
بالدراهم ،ثم ابتع بالدراهم جنيبا ،وقال في الميزان مثــل
ذلك متفق عليه ،أخرجه
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(235 :
البخاري من رواية عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن ،
عن سعيد بن المسيب ،عن أبي سعيد وأبي هريرة ،قــال
ابن عبد البر :لم يذكر أبو هريرة إل في رواية عبد المجيد
،وقد رواه قتادة ،عن سعيد بن المسيب ،عن أبي سعيد
الخدري وحده ،وقــد أخــرج النســائي ،وابــن حبــان روايــة
قتادة من طريق سعيد بن أبي عروبــة عنــه ،لكــن ســياقه
مغاير لقصة عبد المجيد .
وقد جاء فـي إحـدى الروايـات بـدل ] اسـتعمل رجل علـى
خيبر [ ]بعث أخا بني عدي مــن النصــار إلــى خيــبر [ وقــد
صرح باسمه أبو عوانة والدارقطني من طريق عبد العزيز
الدراوردي عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمــن بــن
عوف ،بأن الرجل الذي استعمل على خيبر هو ســواد بــن
غزية -بوزن عطية -ولعله الذي قبل جلد النبي صلى اللــه
عليه وسلم فــي غــزوة بــدر عنــدما كــان ســواد بــارزا فــي
الصف .والمراد بالجنيب :الطيــب ،الصــلب الــذي أخــرج
منــه حشــفه ورديئه ،بعكــس الجمــع ،أي :المختلــط ،
والحكــم الواضــح فــي الحــديث :أن التمــر ل يبــاع إل مثل
بمثل في الكيل ،وهذا معنى -وكــذلك الميــزان -فمــا يبــاع
موزونا يراعى فيه التماثل عند
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(236 :
540
اتحاد الجنس ،ول عبرة للجودة والرداءة ،فالتمر باختلف
أنواعه جنس واحد .وقد أمر صلى الله عليه وسلم بفسخ
العقد ،كما سيأتي في رواية مسلم :هذا الربا فردوه من
طريق أبي نضرة ،عن أبي سعيد .
عن أبي سعيد قال :جاء بلل إلى النبي صــلى اللــه عليــه
وسلم بتمر برني ،فقال له النبي صلى الله عليه وســلم :
" من أين هذا؟ " قال :كان عندنا تمر رديء ،فبعــت منــه
صاعين بصاع ،فقال " :أوه ،عين الربــا ،عيــن الربــا ،ل
تفعل ،ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ،ثــم
اشتر به " متفق عليه .
وروى البخاري ،عن أبــي سـعيد رضــي اللـه .عنــه قــال :
صحيح البخاري البيوع ),(1974صحيح مســلم المســاقاة )
,(1595ســنن النســائي الــبيوع ),(4555ســنن ابــن مــاجه
التجارات ),(2256مســند أحمــد بــن حنبــل ),(3/10موطــأ
مالك البيوع ),(1315سنن الــدارمي الــبيوع ) .(2577كنــا
نرزق تمــر الجمــع ،وهــو :الخلــط مــن التمــر ،وكنــا نــبيع
صاعين بصاع ،فقال النبي صــلى اللــه عليــه وســلم " :ل
صاعين بصاع ،ول درهمين بدرهم .
وفـــي روايـــة النســـائي :صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )
,(1974صحيح مســلم المســاقاة ),(1595ســنن النســائي
البيوع ),(4555سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2256مســند
أحمد بن حنبل ),(3/51سنن الــدارمي الــبيوع ) .(2577ل
صاعي تمر بصاع ،ول درهمين
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(237 :
بدرهم .
وقــد أخــرج الموطــأ الحــديث الول -موصــول أبــي ســعيد
الخدري -مرسل ،عن عطــاء بــن يســار الموطــأ -الــبيوع-
باب ما يكره مــن بيــع التمــر ) (623 / 2رقــم الحــديث )
، . (200كمــا أخــرج النســائي مثلــه ،عــن أبــي صــالح
الزيــات :ســنن النســائي الــبيوع ) .(4552أن رجل مــن
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال :يا رسول الله ،
إنا ل نجد الصيحاني ول العذق بجمع التمر حــتى نزيــدهم ،
541
فقال رسول الله صلى الله عليه وســلم " :بعــه بــالورق ،
ثم اشتر بذلك .
وقد أخرج الدارمي حديث بلل المتقدم ،قــال بلل رضــي
الله عنه :سنن الدارمي البيوع ) .(2576كــان عنــدي مــد
تمر للنبي صلى الله عليه وسلم فوجدت أطيب منه صــاعا
بصاعين ،فاشتريت منه ،فأتيت به النبي صلى اللــه عليــه
وســلم ،فقــال " :مــن أيــن هــذا لــك يــا بلل ؟ " قلــت :
اشتريته صاعا بصاعين ،قال " :رده ،ورد علينا تمرنا .
وأخرج الطحاوي حديث بريدة بسند فيه الفضل بن حــبيب
السراج :أن رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم اشــتهى
تمــرا ،فأرســل بعــض أزواجــه -ول أراهــا إل أم ســلمة -
بصاعين من تمر ،فأتوا بصاع من عجوة ،فلمــا رآه صــلى
الله عليــه وســلم أنكــره فقــال " :مــن أيــن لكــم هــذا؟ "
قـالوا :بعثنـا بصـاعين ،فأتينـا بصـاع ،فقـال " :ردوه فل
حاجة لي
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(238 :
فيه ) (2أحاديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه :
هو صحابي كبير ،توفي بالرملة عام 35هــ الصــابة )/ 2
-(261ط -دار الكتــاب العربــي ، .وحــديثه فــي العيــان
الستة هو العمدة عند الشافعية ،وجميع مرويات الحــديث
تدور حول موضوع العيان الســتة إل مــا روي مــن ســرده
الحــديث خلل قصــة بيــع معاويــة آنيــة الفضــة بــأكثر مــن
وزنها .
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنــه ،عــن النــبي صــلى
اللــه عليــه وســلم أنــه قــال :صــحيح مســلم المســاقاة )
,(1587ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1240ســنن النســائي
البيوع ),(4561سنن أبــو داود الــبيوع ),(3349ســنن ابــن
مـــاجه التجـــارات ),(2254مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )
,(5/314سنن الــدارمي الــبيوع ) .(2579الــذهب بالــذهب
مثل بمثل ،والفضة بالفضة مثل بمثل ،والتمر بــالتمر مثل
بمثل ،والبر بالبر مثل بمثــل ،والملــح بالملــح مثل بمثــل ،
والشعير بالشعير مثل بمثل ،فمن زاد أو ازداد فقد أربى ،
بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد ،وبيعوا البر بالتمر
542
كيف شئتم يدا بيد ،وبيعوا الشعير بالتمر كيــف شــئتم يــدا
بيد
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(239 :
وفي رواية أبي قلبة ] عبد الله بن زيد بــن عمــر الجرمــي
البصري أحد العلم [ قال :كنت بالشام فــي حلقــة فيهــا
مســلم بــن يســار فجــاء أبــو الشــعث ] شــراحيل بــن آدة
الصــنعاني يــروي عــن شــداد بــن أوس وثوبــان وأوس بــن
أوس الثقفي وعبادة بن الصامت وغيرهم وثقه ابن حبان [
فقالوا :أبو الشعث أبــو الشــعث ،فجلــس ،فقلــت لــه :
حدث أخانا حديث عبادة بن الصامت ،فقال :نعم ،غزونا
غزاة وعلى الناس معاويــة ،فغنمنــا غنــائم كــثيرة ،فكــان
فيما غنمنا آنية من فضة ،فأمر معاوية رجل أن يبيعها فــي
أعطيات الناس ،فتسارع الناس في ذلك ،فبلغ عبادة بــن
الصامت فقام ،فقال " :إني ســمعت رســول اللــه صــلى
الله عليه وســلم صــحيح مســلم المســاقاة ),(1587ســنن
الترمــــذي الــــبيوع ),(1240ســــنن النســــائي الــــبيوع )
,(4561ســنن أبــو داود الــبيوع ),(3349ســنن ابــن مــاجه
التجارات ),(2254مسند أحمد بــن حنبــل ),(5/314ســنن
الدارمي البيوع ) .(2579ينهى عن بيــع الــذهب بالــذهب ،
والفضة بالفضة ،والبر بالبر ،والشــعير بالشــعير ،والتمــر
بالتمر ،والملح بالملح ،إل سواء بسواء ،عينا بعين ،فمن
زاد أو ازداد فقد أربى فــرد النــاس مــا أخــذوا ،فبلــغ ذلــك
معاوية ،فقام خطيبا فقال :أل ما بال رجال يتحدثون عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قــد كنــا نشــهده
ونصحبه فلــم نســمعها منــه ،فقــام عبــادة بــن الصــامت -
فأعاد القصة -وقال :لنحدثن بما سمعنا مــن رســول اللــه
صلى اللــه عليــه وســلم وإن كــره معاويــة ،أو قــال :وإن
رغم ما أبـالي أل أصـحبه فـي جنـده ليلـة سـوداء المرجـع
السابق . .
وقد أخرج مسلم الحديث برواية :صحيح مسلم المساقاة
),(1587ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1240ســنن النســائي
البيوع ),(4563سنن أبــو داود الــبيوع ),(3349ســنن ابــن
مـــاجه التجـــارات ),(2254مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )
543
,(5/314سنن الــدارمي الــبيوع ) .(2579الــذهب بالــذهب
والفضة بالفضة . . .مثل بمثل ،سواء بســواء ،يــدا بيــد ،
فإذا
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(240 :
اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد .
وروى أبو داود ،عن عبادة بن الصــامت :أن رســول اللــه
صلى الله عليــه وســلم قــال :صــحيح مســلم المســاقاة )
,(1587ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1240ســنن النســائي
البيوع ),(4563سنن أبــو داود الــبيوع ),(3349ســنن ابــن
مـــاجه التجـــارات ),(2254مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )
,(5/314سنن الدارمي البيوع ) " .(2579الذهب بالــذهب
تبرها وعينها ،والفضة بالفضة تبرهــا وعينهــا ،والــبر بــالبر
مدي بمدي ،والشعير بالشعير مدي بمدي ،والتمر بــالتمر
مدي بمدي ،والملح بالملح مدي بمدي ،فمن زاد أو ازداد
فقد أربى ،ول بأس ببيع الذهب بالفضة والفضــة أكثرهمــا
يــدا بيــد ،وأمــا نســيئة فل ،ول بــأس بــبيع الــبر بالشــعير
والشعير أكثرهما يدا بيد ،وأما نسيئة فل .
وأخرج النسائي أنه جمع المنزل بيــن عبــادة بــن الصــامت
ومعاوية ،فحدثهم عبادة قال :صحيح مســلم المســاقاة )
,(1587ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1240ســنن النســائي
البيوع ),(4560سنن أبــو داود الــبيوع ),(3349ســنن ابــن
مـــاجه التجـــارات ),(2254مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )
,(5/314سنن الدارمي البيوع ) .(2579نهانا رســول اللــه
صلى الله عليه وسلم عـن بيـع الـذهب بالــذهب ،والــورق
بالورق ،والبر بالبر ،والشعير بالشــعير ،والتمــر بــالتمر ،
والملح بالملــح ،إل مثل بمثــل ،يــدا بيــد ،وأمرنــا أن نــبيع
الــذهب بــالورق ،والــورق بالــذهب ،والــبر بالشــعير ،
والشعير بالبر ،يدا بيد كيف شئنا وروي بصيغة نهى .
) (3حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه :
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهمــا أن النــبي صــلى اللــه
عليه
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(241 :
544
وســلم قــال :صــحيح مســلم المســاقاة ),(1596ســنن
النســائي الــبيوع ),(4581ســنن ابــن مــاجه التجــارات )
,(2257ســنن الــدارمي الــبيوع ) .(2580إنمــا الربــا فــي
النسيئة ،وفي رواية أخرى قال :صحيح البخاري الــبيوع )
,(2067صحيح مســلم المســاقاة ),(1596ســنن النســائي
البيوع ),(4581سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2257مســند
أحمد بن حنبل ),(5/200سنن الدارمي البيوع ) .(2580ل
ربا فيمــا كــان يــدا بيــد .وهــو حــديث صــحيح متفــق عليــه
والمقصــود بــه " :ل ربــا . .أي الغلــظ الشــديد التحريــم
المتوعد عليه بالعقاب الشديد ،كما تقول العرب :ل عالم
في البلد إل زيد مع أن فيها علماء غيره وإنما القصد نفــي
الكمل ل نفي الصل ،وأيضا فنفي تحريم ربا الفضل مــن
حديث أسامة إنما هو بالمفهوم ،فيقدم عليــه حــديث أبــي
سعيد ؛ لن دللته بالمنطوق ويحمــل حــديث أســامة علــى
الربا الكبر .
وقــال الطــبري :معنــى حــديث أســامة صــحيح مســلم
المســاقاة ),(1596ســنن النســائي الــبيوع ),(4580ســنن
ابــن مــاجه التجــارات ),(2257مســند أحمــد بــن حنبــل )
,(5/209ســنن الــدارمي الــبيوع ) .(2580ل ربــا إل فــي
النسيئة إذا اختلفــت النــواع حيــث يجــوز التفاضــل ويبقــى
الربا في التأجيل فقـط ،وقـد وقـع فـي نسـخة الصـنعاني
قال البخاري سمعت سليمان بن حرب يقول " :ل ربــا إل
فــي النســيئة " هــذا عنــدنا فــي الــذهب بــالورق والحنطــة
بالشعير متفاضل ول بأس به يدا بيــد ول خيــر فيــه نســيئة"
وأخرج البيهقي بسنده ،أنه سمع أبا الجوزاء يقول :كنت
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(242 :
أخدم ابن عباس تسع ســنين ،إذ جــاءه رجــل فسـأله عــن
درهم بدرهمين؟ فصاح ابن عباس وقال :إن هــذا يــأمرني
أن أطعمه الربا ،فقــال نــاس حــوله :إن كنــا لنعمــل هــذا
بفتياك ،فقــال ابــن عبــاس :قــد كنــت أفــتي بــذلك حــتى
حدثني أبو سعيد وابــن عمــر :أن النــبي صــلى اللــه عليــه
وسلم نهى عنه ،وأنا أنهاكم عنه .
545
وأخرج البيهقي قال :سئل لحق بن حميد أبــو مجلــز وأنــا
شاهد عن الصرف ،فقال :كان ابن عباس ل يرى به بأسا
زمانا من عمره ،حتى لقيه أبو سعيد الخدري ،فقال لــه :
يا ابــن عبــاس ،أل تتقــي اللــه ،حــتى مــتى تؤكــل النــاس
الربا ،أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قــال
ذات يوم -وهو عند زوجته أم سلمة " : -إني أشـتهي تمـر
عجوة " وإنها بعثت بصاعين من تمر عتيق إلى منزل رجل
من النصار ،فأتيت بدلهما بصاع من عجوة ،فقدمته إلــى
رسول الله ،فأعجبه فتناول تمــرة ثــم أمســك ،فقــال " :
من أين لكم هذا؟ " قالت :بعثت بصاعين من تمــر عــتيق
إلــى منــزل فلن ،فأتينــا بــدلها مــن هــذا الصــاع الواحــد ،
فألقى التمرة من يده ،وقال " :ردوه ردوه ،ل حاجة لي
فيـــه ،التمـــر بـــالتمر ،والحنطـــة بالحنطـــة ،والشـــعير
بالشعير ،والذهب بالــذهب ،والفضــة بالفضـة ،يــدا بيــد ،
مثل بمثل ،ليس فيه زيادة ول نقصان ،فمن زاد أو نقــص
فقد أربــى ،وكــل مــا يكــال أو يــوزن فقــال ابــن عبــاس :
ذكرتني يا أبــا ســعيد أمــرا أنســيته ،أســتغفر اللــه وأتــوب
إليه ،وكــان ينهــى بعــد ذلــك أشــد النهــي الــبيهقي -كتــاب
البيوع -ما يستدل على رجوع ابن عباس رضي الله عنــه )
. (286 -282 / 5
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(243 :
) (4أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه :
عن أبي هريرة رضــي اللــه عنــه قــال :قــال رســول اللــه
صــلى اللــه عليــه وســلم :صــحيح مســلم المســاقاة )
,(1588ســـنن ابـــن مـــاجه التجـــارات ) .(2255الـــذهب
بالذهب وزنا بوزن ،مثل بمثل ،والفضة بالفضة وزنا بوزن
،مثل بمثل ،فمن زاد أو استزاد فهو ربا ،وفي رواية قال
:صحيح مسلم المساقاة ),(1588سنن النسائي الــبيوع )
,(4567سنن ابن ماجه التجارات ),(2255مسند أحمد بن
حنبــل ),(2/485موطــأ مالــك الــبيوع ) " .(1323الــدينار
بالدينار ل فضل بينهما ،والدرهم بالدرهم ل فضل بينهمــا ،
وفـــي روايـــة الموطـــأ :صـــحيح مســـلم المســـاقاة )
,(1588ســنن النســائي الــبيوع ),(4567مســند أحمــد بــن
546
حنبـــل ),(2/379موطـــأ مالــك الـــبيوع ) .(1323الـــدينار
بالدينار ،والدرهم بالــدرهم ل فضــل بينهمــا ،وفــي روايــة
أخرى قال :التمر بــالتمر ،والحنطــة بالحنطــة ،والشــعير
بالشعير ،والملح بالملح ،مثل بمثل ،يدا بيد ،فمن زاد أو
استزاد فقد أربى إل ما اختلفت ألوانه .
وواضح مــن مجمــوع روايــات حــديث أبــي هريــرة تقســيم
العيــان الربويــة إلــى مجموعــتين :الطعمــة الربعــة ،
والثمان ،وهو إجماع الفقهاء ،فل عــبرة لمــن يقــول :إن
العلة في العيان الستة يجب أن تكون علة واحدة .
) (5حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفــي رضــي اللــه
عنه -ت 51هـ :
أبو بكرة -رضي الله عنــه -حــديثه فــي البخــاري بســنده ،
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ،عــن أبيــه قــال :قــال أبــو
بكرة رضي الله
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(244 :
عنه :قال رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم :صــحيح
البخـــاري الـــبيوع ),(2066صـــحيح مســـلم المســـاقاة )
,(1590ســنن النســائي الــبيوع ),(4579مســند أحمــد بــن
حنبل ) .(5/38ل تبيعوا الذهب بالــذهب إل ســواء بســواء ،
والفضة بالفضة إل سواء بسواء ،وبيعوا الــذهب بالفضــة ،
والفضة بالذهب كيف شئتم .وأخرجه البخاري من طريــق
آخر عن يحيى بن أبي إسحاق ،عن عبد الرحمن بــن أبــي
بكرة ،عــن أبيــه رضــي اللــه عنــه قــال :صــحيح البخــاري
الــبيوع ),(2071صــحيح مســلم المســاقاة ),(1590ســنن
النسائي البيوع ),(4578مســند أحمــد بــن حنبــل ).(5/38
نهى النبي صــلى اللــه عليــه وســلم عــن الفضــة بالفضــة ،
والــذهب بالــذهب ،إل ســواء بســواء ،وأمرنــا أن نبتــاع
الذهب بالفضة كيـف شـئنا ،والفضـة بالـذهب كيـف شـئنا
والحديث أيضا أخرجه مسلم ،وفي آخره :صــحيح مســلم
المساقاة ),(1590مسند أحمد بن حنبــل ) .(5/49فســأله
رجل ،فقال :يدا بيد؟ قــال :هكــذا ســمعت ،وذكــره أبــو
عوانة في مستخرجه ،وفي آخره :صحيح البخاري الــبيوع
),(2066صحيح مسلم المسـاقاة ),(1590سـنن النسـائي
547
البيوع ),(4579مســند أحمــد بــن حنبــل ) .(5/38والفضــة
بالذهب كيف شئتم ،يدا بيد .
وأصرح من ذلــك حـديث عبــادة بــن الصـامت عنـد مسـلم
صحيح مسلم المساقاة ),(1587مسند أحمــد بــن حنبــل )
.(5/320فإذا اختلفت الصناف فبيعوا كيف شئتم .
) (6أحاديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
روى البخــاري ،والموطــأ " :قــال مالــك بــن أوس بــن
الحدثان النضري :أنه التمس صــرفا بمــائة دينــار ،قــال :
فدعاني طلحة بن
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(245 :
عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني فأخذ الذهب يقلبها
بيده ثم قال :حتى يأتي خازني من الغابـة ،وعمــر يســمع
ذلك ،فقال :والله ل تفارقه حتى تأخذ منه ،قــال رســول
الله صلى الله عليــه وســلم :الــذهب بالــذهب ربــا إل هــاء
وهاء ،والبر بالبر ربا إل هاء وهاء ،والشــعير بالشــعير ربــا
إل هاء وهاء ،والتمر بالتمر ربا إل هاء وهاء .
وأخرج مالك في الموطأ ،عن عبــد اللــه بــن عمــر رضــي
الله عنهما :أن عمر بن الخطاب رضي الله عنــه قــال " :
ل تبيعوا الذهب بالـذهب إل مثل بمثـل ،ول تشـفوا بعضـها
على بعــض ،ول تــبيعوا الــورق بــالورق إل مثل بمثــل ،ول
تشــفوا بعضــها علــى بعــض ،ول تــبيعوا الــورق بالــذهب
أحدهما غائب والخــر نــاجز ،وإن اســتنظرك إلــى أن يلــج
بيته فل تنظره إنـي أخـاف عليكـم الرمـاء ،والرمـاء :هـو
الربا " الموطأ -كتاب البيوع -باب بيع الذهب بالفضــة تــبرا
وعينا -رقم ). . (635 ، 634 / 2) (36 -35 -34
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(246 :
هكذا أخرجه مالك موقوفــا ،عــن نــافع ،عــن ابــن عمــر ،
وعن عبد الله بن دينار ،عن ابــن عمــر ،عــن أبيــه ،وهــو
نفس حديث أبي سعيد الخدري في الصحيحين ،وجــاء بــه
هنــا بزيــادة :موطــأ مالــك كتــاب الــبيوع ) .(1328وإن
استنظرك إلى أن يلج " . .إلخ الحديث .
وأخرج البيهقي بسنده ،عن أبي جمرة ميمـون القصـاب ،
عن سعيد بن المسيب ،عن عمــر رضــي اللــه عنــه ،عــن
548
النبي صلى الله عليه وسلم قال :صحيح مسلم المساقاة
),(1587ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1240ســنن النســائي
البيوع ),(4561سنن أبــو داود الــبيوع ),(3349ســنن ابــن
مـــاجه التجـــارات ),(2254مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )
,(5/314سنن الدارمي البيوع ) .(2579الــذهب بالــذهب ،
والفضة بالفضة ،والحنطة بالحنطة ،والشــعير بالشــعير ،
مثل بمثل ،من زاد أو ازداد فقد أربى وأبو جمرة ضعيف ،
وقد اضطرب السند بسببه " .
) (7حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
أصل حديثه عند ابن ماجه بسنده ،عن عمر بن محمد بــن
علي بن أبي طالب ،عن أبيه ،عن جده قال :قال رسول
الله صلى اللــه عليــه وســلم :الــدينار بالــدينار ،والــدرهم
بالــدرهم ،ل فضــل بينهمــا ،فمــن كــانت لــه حاجــة بــورق
فليصـــطرفها بـــذهب ،ومـــن كـــانت لـــه حاجـــة بـــذهب
فليصطرفها بورق ،والصرف هاء هاء .
) (8حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه :
أخرج مالك في الموطأ ،أنه بلغه عن جده مالك بن أبي
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(247 :
عامر :أن عثمان بن عفــان قــال :قــال لــي رســول اللــه
صلى الله عليه وسلم :صحيح مسلم المســاقاة ).(1585
ل تبيعوا الدينار بالدينارين ،ول الــدرهم بالــدرهمين ،وقــد
وصله مسلم من طريق ابن وهب ،عن مخرمة بن بكيــر ،
عن سليمان بن يسار .
) (9حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه :
عن معمر بن عبد الله بن نافع رضي الله عنــه أنــه أرســل
غلمه بصاع قمح ،فقال :بعه ثم اشتر به شعيرا ،فــذهب
الغلم فأخذ صاعا وزيــادة بعــض صــاع ،فلمــا جــاء معمــرا
أخبره بذلك ،فقــال لـه معمــر :لــم فعلــت ذلـك؟ انطلــق
فرده ،ول تأخذن إل مثل بمثل ،فإني كنت أســمع رســول
الله صلى الله عليه وسلم يقول :صحيح مسلم المســاقاة
),(1592مسند أحمد بن حنبل ) .(6/401الطعام بالطعــام
مثل بمثل" قال :وكان طعامنا يــومئذ الشـعير ،قيــل لـه :
فإنه ليس بمثله ،قال " :إني أخاف أن يضارع .
549
وأخرج مالك في الموطأ ،عن ســعيد بــن المســيب ،عــن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :ل ربــا إل فيمــا
كيل أو وزن مما يؤكل
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(248 :
أو يشرب ،والصحيح :أنه مــن قــول ســعيد ،ومــن رفعــه
فقد توهم .
) (10عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :
لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما عدة أحاديث في أبواب
الربا ،ولعل أشهر أحاديثه هي :
- 1حديث اقتضاء الــذهب مــن الــورق ،وبــالعكس عنــدما
كان يبيع البل بالبقيع .
- 2حديث الحسان في أداء القرض .
- 3منع ربا الفضــل فــي الصــرف ول عــبرة للصــياغة فــي
النقدين .
- 1اقتضاء الذهب من الورق :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :سنن الترمذي الــبيوع
),(1242ســنن النســائي الــبيوع ),(4582ســنن أبــو داود
البيوع ),(3354سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2262مســند
أحمد بن حنبل ),(2/139ســنن الــدارمي الــبيوع ).(2581
كنــت أبيــع البــل بــالبقيع ،فــأبيع بالــدنانير فآخــذ مكانهــا
الورق ،وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير ،فــأتيت رســول
اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم ،فوجــدته خارجــا مــن بيــت
حفصة ،فسألته عن ذلك ؛ فقال " :ل بأس به بالقيمة .
وهذه رواية الترمذي ،وقال الترمذي :وقــد روي موقوفــا
علــى ابــن عمـر الترمــذي -الجـامع الصــحيح -ترقيـم عبــد
الباقي ) (544 / 3رقم الحديث ). (1242
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(249 :
وفــي روايــة أبــي داود قــال :ســنن الترمــذي الــبيوع )
,(1242ســنن النســائي الــبيوع ),(4582ســنن أبــو داود
البيوع ),(3354سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2262مســند
أحمد بن حنبل ),(2/139ســنن الــدارمي الــبيوع ).(2581
كنت أبيع البــل بــالبقيع ،فــأبيع بالــدنانير وآخــذ الــدراهم ،
وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ،آخذ هذه من هذه ،وأعطــي
550
هذه من هذه ،فأتيت رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم
وهو في بيــت حفصــة ،فقلــت :يــا رســول اللــه ،رويــدك
أسـألك ،إنـي أبيـع البـل بالـدنانير وآخـذ الـدراهم ،وأبيـع
بالدراهم وآخذ الدنانير ،آخذ هذه من هذه ،وأعطــي هــذه
من هذه ،فقال رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم " :ل
بأس أن تأخذها بسعر يومها ،ما لم تفترقا وبينكما شيء .
وفي أخرى لــه بمعنــاه ،والول أتــم ،ولــم يــذكر " بســعر
يومها" .
وأخرج النسائي نحوا من هذه الروايات .
وله في أخرى " :أنه كان ل يرى بأسا في قبــض الــدراهم
من الدنانير ،والدنانير من الــدراهم " النســائي -بــاب بيــع
الفضة بالذهب وبيع الذهب بالفضة ). . (281 / 7
واقتضاء الذهب من الفضة أو العكس عــن أثمــان الســلعة
هو في الحقيقة بيع ما لــم يقبــض ،فــدل جــوازه علــى أن
المقصود بيع ما لم يقبض ما يــراد بــبيعه الربــح ؛ لمــا روي
من النهي عن ربح ما لم
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(250 :
يضمن ،واقتضاء الذهب من الفضة خارج عن هذا المعنــى
؛ لن المــراد بــه :التقــابض حيــث ل يشــق ول يتعــذر ل
التصارف والترابح .واشتراط كونها بسعر يومها فل تطلب
ربح ما لم تضمن واشــتراط أن ل يتفرقــا وبينهمــا شــيء ؛
لنه في الحقيقــة صــرف ،ول يصــح إل بالتقــابض .وأكــثر
أهــل العلــم علــى جــواز اقتضــاء الــدراهم مــن الــدنانير
وبالعكس ،ومنعه ابن شبرمة وأبو سلمة بن عبد الرحمــن
معالم الســنن للخطــابي ،وتهــذيب ابــن القيــم )(25 / 5
تحقيق محمد حامد الفقي -مطبعة السنة المحمدية . .
وقد تفرد برفع الحديث سماك بن حرب .قال شعبة :وأنا
أفرقه ،وسبب ضعفه أنه كان يقبل التلقيــن ،ولكنــه إلــى
التوثيــق أقــرب إن شــاء اللــه ،فحــديثه حســن كمــا هــو
مقتضى كلم ابن عدي المجموع )، 110 / 10ـ ، (111
والبيهقي ). . (284 / 5
- 2الحسان في أداء القرض :
551
أخرج مالك رضي الله عنه قال " :بلغني أن رجل أتى ابن
عمر رضي الله عنهما ،فقال :إنــي أســلفت رجل ســلفا ،
واشترطت عليه أفضل مما أسلفته ،فقــال عبــد اللــه بــن
عمر :فذلك الربا ،قال :
فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن ؟ قال عبد الله بن عمر :
السلف على ثلثة وجوه :سلف تسلفه تريد به وجه الله ،
فلك وجه الله ،وسلف تسلفه تريد به وجه صاحبك ،فلــك
وجه صاحبك ،وسلف
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(251 :
تسـلفه لتأخـذ خبيثـا بطيـب ،فـذلك الربـا ،قـال :فكيـف
تـــأمرني يـــا أبـــا عبـــد الرحمـــن ؟ قـــال :أرى أن تشـــق
الصـحيفة ،فـإن أعطـاك مثـل الـذي أسـلفته قبلتـه ،وإن
أعطاك دون الــذي أســلفته فأخــذته أجــرت ،وإن أعطــاك
أفضل مما أسلفته طيبة به نفسه ،فذلك شكر شكره لــك
ولك أجر ما أنظرتــه " الموطــأ -كتــاب الــبيوع -بــاب مــا ل
يجوز من السلف ) (681 / 2رقم الحديث في الكتــاب )
. . (92
وعن مجاهد بن جبر رحمه الله أنه قال " :استسلف عبــد
الله بن عمــر مــن رجــل دراهــم ،ثــم قضــاه دراهــم خيــرا
منها ،فقال الرجل :يا أبــا عبــد الرحمــن ،هــذه خيــر مــن
دراهمي الــتي أســلفتك ،فقــال عبــد اللــه بــن عمــر :قــد
علمت ،ولكن نفسي بذلك طيبة " الموطأ -كتــاب الــبيوع-
باب ما يجوز من الســلف ) (681 / 2رقــم الحــديث فــي
الكتاب ). . (90
- 3منع ربا الفضل في الصرف ،ول عبرة لصياغة الحلــي
من النقدين :
أخرج مالك في الموطأ ،عن حميد بن قيس المكي ،عــن
مجاهد بن جبر أنــه قــال :كنــت مــع عبــد اللــه بــن عمــر ،
فجاءه صائغ ،فقال له :يا أبا عبــد الرحمــن ،إنــي أصــوغ
الــذهب ،ثــم أبيــع الشــيء مــن ذلــك بــأكثر مــن وزنــه ،
فأستفضل قدر عمــل يــدي ،فنهــاه عبــد اللــه عــن ذلــك ،
فجعل الصائغ يردد عليه المسألة وعبــد اللــه ينهــاه ،حــتى
انتهى إلى باب المسجد ،أو إلى دابة يريد أن يركبهــا ،ثــم
552
قــال عبــد اللــه بــن عمــر :الــدينار بالــدينار ،والــدرهم
بالدرهم ،ل فضل
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(252 :
بينهما ،هذا عهد نبينا إلينا ،وعهدنا إليكم .
وأخــرج النســائي النســائي ) (278 / 7بــاب الــدرهم
بالدرهم .المسند منه فقط ،وجعله من مسند عمر رضي
الله عنه ،تبعا لمالك رحمه الله ،وتبعهمـا ابـن الثيـر فـي
)جامع الصــول( ،إل أنــه أســنده لعمــر رضــي اللــه عنــه ،
ولعله سقطت كلمة -ابن -من النســخة الــتي وقعــت لبــن
الثير جامع الصول ). . (468 / 1
وروى الشافعي هذا الثــر ،عــن ســفيان بــن عيينــة ،عــن
وردان الرومي -الصائغ -عن ابن عمر ،فقال في آخره :
" هذا عهد صاحبنا إلينا ،وعهدنا إليكــم " تكملــة المجمــوع
شرح المهذب -تقي الدين الســبكي )، 64 / 10ـ (65ـ ،
والــبيهقي ) ، . (292 -279 / 5قــال الشــافعي :يعنــي
بصــاحبنا :عمــر بــن الخطــاب رضــي اللــه عنــه ،ورجــح
البيهقي ذلك ؛ لن الخبار ترجح أن ابن عمر لم يسمع في
ذلك من النبي شيئا .ثم قال الشــافعي :ولعلــه أراد عهــد
النبي إلى أصحابه بعدما ثبت له ذلك من حديث أبي سعيد
وغيره .وتكلم ابن عبد البر في ذلك ،ورجح رواية مالك ،
ونسب الخطأ للشافعي ،ورأى أن روايــة ســفيان الثــوري
مجملة ورواية مالك مبينة ]صاحبنا -نبينــا[ ولكــن الصــواب
مع الشافعي ؛ لما روى مسلم ،عن نافع قال " :كان ابن
عمر يحدث عن عمر في الصــرف ولــم يســمع مــن النــبي
صلى الله عليه وسلم فيه
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(253 :
شيئا ،ولكن لرواية ابن عمر أصل في تحريم ربا الفضل ؛
لنه روى حادثة بلل عنــدما جــاء بتمــر جنيــب ولعلــه -ابــن
عمر -أرسل ذلـك ؛ لمـا ثبــت لـه مــن حــديث أبـي سـعيد
وغيــره " التمهيــد -ابــن عبــد الــبر -ط .المغــرب )/ 2
. . (248
عن ابن عمر رضي الله عنه قال :قال رسول اللــه صــلى
الله عليه وسلم :ل تبيعوا الدينار بالــدينارين ،ول الــدرهم
553
بالــدرهمين ،ول الصــاع بالصــاعين ،فــإني أخــاف عليكــم
الرماء " -وهو :الربا -فقام إليه رجل ،فقال :يــا رســوله
الله ،أرأيت الرجل يبيع الفرس بالفراس ،والنجيبة بالبل
فقال " :ل بأس ،إذا كان يدا بيد .
) (11حديث البراء بن عازب وزيد بن أرقم :
أخرج البخــاري بســنده قــال :ســمعت أبــا المنهــال ] عبــد
الرحمن بن مطعم البناني المكــي يــروي عــن ابــن عبــاس
والبراء بن عازب وزيد بن أرقــم ت عــام 106هـــ[ قــال :
سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهم عن
الصرف ،فكل واحد منهم يقول :هذا خير مني ،فكلهمــا
يقــوله :صــحيح البخــاري الــبيوع ),(2070صــحيح مســلم
المساقاة ),(1589ســنن النســائي الــبيوع ),(4575مســند
أحمد بن حنبل ) .(4/289نهى رسول الله صلى الله عليــه
وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا .
وقد أخرج البخاري هذا الحديث برواية أخر
ى عن أبي المنهال قال :كنت أتجر في الصرف ،فسألت
زيد بن أرقم رضي لله عنه ] تحويل السند [ سألت الــبراء
بن عازب وزيد بن أرقم عن
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(254 :
الصــرف فقــال :صــحيح البخــاري الــبيوع ),(1955صــحيح
مســـلم المســـاقاة ),(1589ســـنن النســـائي الـــبيوع )
,(4575مسند أحمد بن حنبل ) .(4/372كنا تــاجرين علــى
عهد رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم ،فســألنا رســول
الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف فقــال " :إن كــان
يدا بيد فل بأس ،وإن كان نسيئا فل يصلح .
وأخرجه البخــاري ثالثــة قــال :صــحيح البخــاري الشــركة )
,(2365صحيح مســلم المســاقاة ),(1589ســنن النســائي
البيوع ),(4575مسند أحمد بن حنبل ) .(4/374سألت أبــا
المنهال عن الصرف يدا بيد ،فقال :اشتريت أنـا وشــريك
لي شيئا يدا بيد نسيئة فجاءنا البراء بن عازب ،فســألناه ،
فقال :فعلت أنا وشريكي زيــد بــن أرقــم ،وســألنا النــبي
صلى الله عليه وسلم عن ذلك ،فقال " :ما كان يــدا بيــد
فخذوه ،وما كان نسيئة فردوه .
554
ولكن أوضح روايــات البخــاري لهــذا الحــديث تلــك الروايــة
التي جاء بها في أول كتاب مناقب النصار .
عن سفيان عن عمر وسمع أبا المنهال -عبد الرحمــن بــن
مطعم -قال :صــحيح البخــاري المنــاقب ),(3724صــحيح
مســـلم المســـاقاة ),(1589ســـنن النســـائي الـــبيوع )
,(4575مسند أحمد بــن حنبــل ) .(4/374بــاع شــريك لــي
دراهم بدراهم في السوق نسيئة ،فقلت :ســبحان اللــه ،
أيصلح هذا؟ فقــال :ســبحان اللــه ،واللــه لقــد بعتهــا فــي
السوق فما عابه أحد ،فسألت البراء بن عــازب ،فقــال :
قدم النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتبــايع هــذا الــبيع ،
فقال " :ما كان يدا بيد فليس به بأس وما كان نســيئة فل
يصلح " والق زيد بن أرقم
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(255 :
فاسأله ،فإنه كان أعظمنا تجارة ،فسألت زيد بن أرقــم ،
فقال مثله .
والبراء بن عازب استصغر يوم بدر مع عبد الله بن عمــر ،
ثم شهد أحدا وبقية المشاهد ،وقد فتح الري عام 24هـ ،
وشهد فتح ] تستر [ مع أبي موسى الشعري ،تــوفي فــي
إمارة مصعب بــن الزبيــر عــام 72هــ الصــابة فــي تمييــز
الصحابة ) (146 / 1ترجمة ). . (68
أما زيد بن أرقم رضي الله عنه فقـد استصـغر يــوم أحــد ،
وكانت أول مشاهده غزوة الخندق ،توفي رضي الله عنــه
عام 66هـ ،وقيـل 68هــ ،وقــد صـرح الــبراء وزيــد فـي
حــديثهما أنهمــا كانــا شــركاء فــي التجــارة ،وواضــح مــن
الحديث أنه يحكي ما كان أول الهجرة حيث اعتــاد النســاء
وعدم التقابض ،وهو ما كان شائعا فــي الجاهليــة ؛ ولهــذا
صرح الحميدي فــي مســنده بــأن الحــديث منســوخ مســند
الحميدي ). . (318 ، 317 / 2
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(256 :
ولزيد بن أرقم ذكر في حديث أبي إســحاق الســبيعي عــن
امرأته العالية بنت أنفع بن شرحبيل أنها قــالت " :دخلــت
أنا وأم ولد زيد بن أرقم وامرأته علـى عائشـة رضـي اللـه
عنها ،فقالت أم ولد زيد بن أرقــم :إنــي بعــت غلمــا مــن
555
زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلــى العطــاء ،ثــم اششــريته
منه بستمائة درهم ،فقالت لها :بئس مـا شـريت ،وبئس
ما اشتريت ،أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطــل جهــاده مــع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إل أن يتوب ،قالت :يــا
أم المؤمنين ،أرأيت إن لــم آخــذ إل رأس مــالي؟ فقــرأت
ن
مــ ْة ِ ع َ
ظــ ٌ مو ْ ِ
جاَءهُ َ
ن َم ْعائشة :سورة البقرة الية 275فَ َ
م ـُرهُ إ ِل َــى الل ّـهِ والحــديث رب ـه فَــانتهى فَل َـه مــا س ـل َ َ َ
ف وَأ ْ َ ُ َ ََْ َ ّ ِ
ضعيف ؛ لن فيه داود بن الزبرقان الــذي قــال فيــه يحيــى
بن معين :ليس بشيء ،وضعفه جدا علــي بــن المــديني ،
واتهمــه آخــرون بعــدم الحفــظ ؛ ولهــذا قــال عنــه أحمــد :
صدوق فيما وافق الثقات ول يحتج به إذا انفرد .
قال الشافعي :لو ثبت هذا الحديث فإن عائشة رضي الله
عنها عابت على زيد بن أرقم بيعا إلى العطــاء ؛ لنــه أجــل
غير معلوم ،وهذا ما ل يجيزه الشافعي ،وإن أجاز العينــة
في شكلها الظاهري ،ومن أصوله رحمه الله :إن اختلــف
الصحابة في مسألة
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(257 :
أن يأخذ بقول مــن وافقــه القيــاس ،ثــم يقــول :ونحــن ل
نثبت الحديث عن عائشة ،كما أن زيدا ل يبيع إل مــا يــراه
حلل ،ول يبتاع إل مثله المجموع ). . (160 -151 / 10
) (12فضالة بن عبيد رضي الله عنه :
عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه ،عن النبي صــلى اللــه
عليه وسلم قال :ل تبيعوا الذهب بالذهب إل وزنا بوزن .
عــن فضــالة بــن عبيــد قــال :صــحيح مســلم المســاقاة )
,(1591ســنن النســائي الــبيوع ),(4573ســنن أبــو داود
البيوع ),(3351مسند أحمد بن حنبل ) .(6/19أتي رســول
الله صلى الله عليه وسلم وهــو بخيــبر بقلدة ،فيهــا خــرز
وذهب ،وهي من المغانم تباع ،فــأمر رســول اللــه صــلى
الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلدة ،فنــزع وحــده ،
ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وســلم " :الــذهب
بالــذهب وزنــا بــوزن ،وفــي روايــة قــال :صــحيح مســلم
المساقاة ),(1591سنن النسائي البيوع ),(4573سنن أبو
داود الــبيوع ),(3352مســند أحمــد بــن حنبــل ).(6/21
556
اشتريت يوم خيـبر قلدة بـاثني عشـر دينــارا ،فيهــا ذهــب
وخرز ففصلتها ،فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينــارا ،
فذكرت ذلك للنبي صــلى اللــه عليــه وســلم ،فقــال " :ل
تباع حتى تفصل .
وفي أخرى قــال حنــش الصــنعاني ) :كنــا مــع فضــالة فــي
غزوة ،فطــارت لــي ولصــحابي قلدة ،فيهــا ذهــب وورق
وجوهر ،
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(258 :
فأردت آن أشــتريها ،فســألت فضــالة بــن عبيــد ،فقــال :
انزع ذهبها فاجعله في كفة ،واجعل ذهبك في كفة ،ثم ل
تأخذن إل مثل بمثل ،فإني سمعت رسول الله صــلى اللــه
عليه وسلم يقول :صحيح مسلم المســاقاة ) .(1591مــن
كان يؤمن بالله واليوم الخر فل يأخذن إل مثل بمثل .
وأخرج الترمذي الرواية الثانية ،وأبو داود الثانية والثالثــة ،
ولبـــي داود أيضـــا قـــال :صـــحيح مســـلم المســـاقاة )
,(1591ســنن النســائي الــبيوع ),(4573ســنن أبــو داود
البيوع ),(3351مسند أحمد بن حنبل ) .(6/19أتي رســول
الله صلى اللـه عليـه وسـلم عـام خيـبر بقلدة فيهـا ذهـب
وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنــانير أو بســبعة دنــانير ،فقــال
النبي صلى الله عليه وسلم " :ل ،حتى تميز بينه وبينــه "
فقال :إنما أردت الحجارة ،وفــي روايــة التجــارة :فقــال
النبي صلى الله عليه وسـلم " :ل ،حــتى تميــز بينهمــا " ،
قال فرده :حتى ميز بينهما .
وفي أخرى قال :صحيح مسـلم المســاقاة ),(1591ســنن
الترمــــذي الــــبيوع ),(1255ســــنن النســــائي الــــبيوع )
,(4574ســنن أبــو داود الــبيوع ),(3351مســند أحمــد بــن
حنبل ) .(6/19أصــبت يــوم خيــبر قلدة فيهــا ذهــب وخــرز
فــأردت أن أبيعهــا ،فــذكر ذلــك للنــبي صــلى اللــه عليــه
وسلم ،فقال " :افصل بعضها من بعض ثم بعها .
وفي أخرى قــال :كنــا مــع رســول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم يــوم خيــبر نبــايع اليهــود الوقيــة الــذهب بالــدينارين
والثلثة ،فقال رسول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم " :ل
تبيعوا الذهب بالذهب إل وزنا بوزن
557
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(259 :
وحديث فضالة ،قــال فــي التلخيــص :لــه عنــد الطــبراني
طرق كثيرة جدا فيها قلدة من خرز وذهب -ذهب وجوهر-
خرز معلقــة بــذهب ،وروي بيعهــا بســبعة دنــانير ،وبــاثني
عشر دينارا ،وبتسعة دنانير ،وقد أجاب البيهقي عــن هــذا
الختلف بأنهــا بيــوع متعــددة شــهدها فضــالة ،قــال ابــن
حجر :وهذا الختلف ل يوجب ضــعفا ،بــل المقصــود مــن
الستدلل محفوظ ل اختلف فيه ،وهو النهي عــن بيـع مـا
لم يفصل ،وأما جنسها وقدر ثمنها فل يتعلق به ما يــوجب
الحكــم بالضــطراب ،ســيما وأن معظــم الــرواة ثقــات ،
فيحكــم بصــحة روايــة أحفظهــم وأضــبطهم وتكــون روايــة
الباقين بالنسبة إليه شاذة .
وخلصة الحديث :أن الذهب المختلط بغيره ل يجوز بيعــه
بذهب حــتى يفصــل ويميــز ؛ ليعــرف مقــدار الــذهب بدقــة
ويتحقق التماثل بيقين ،ومثل ذلك الفضة وســائر العيــان
الربوية نيل الوطار ). . (305 / 5
والموضوع الذي تطرحه أحاديث فضالة بن عبيــد قــد رأينــا
مثله في أحاديث عبادة بن الصامت ،وروي مثلها عن أبي
الدرداء مع معاوية رضي الله عنه ،وهــي مــا أخــرج مالــك
في الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بــن يســار ،ســنن
النســـائي الـــبيوع ),(4572مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )
,(6/448موطأ مالك البيوع ) .(1327أن معاويــة بــن أبــي
سفيان بــاع ســقاية مــن ذهــب أو ورق بــأكثر مــن وزنهــا ،
فقال أبو الدرداء :ســمعت رســول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم ينهى عن مثل هذا إل مثل بمثل ،فقال له معاويــة :
ما أرى بمثل هذا بأسا فقال أبو الدرداء :من يعذرني مــن
معاوية ؟ أنا
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(260 :
أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن
رأيه ،ل أساكنك بأرض أنت بها ثم قدم أبــو الــدرداء علــى
عمر بن الخطاب فذكر ذلك له ،فكتب عمر بــن الخطــاب
إلى معاوية أن ل تبيع ذلك إل مثل بمثل وزنا بوزن " .
558
وأخرج في الموطأ عن يحيى بن سعيد قال :موطــأ مالــك
البيوع ) .(1322أمر رسول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم
السعدين يوم خيبر أن يبيعا آنية مـن المغنـم مـن ذهـب أو
فضة ،فباعا كل ثلثة بأربعة عينا أو كل أربعة بثلثة عينــا ،
فقال لهما " :أربيتما فردا .
وروى سعيد بن منصــور أن عمــر رضــي اللــه عنــه أرســل
رجل ليبيع آنية مموهة بالذهب ،فباعهــا مــن يهــودي بــأكثر
من وزنها ،فــأمره عمــر بالفســخ ،وأمــره أن يبيعهــا وزنــا
بوزن سنن سعيد بن منصور . .
) (13سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :
عن أبي عياش رضي الله عنه -واسمه زيد -أنه سأل
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(261 :
سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت ،فقال له سعد :
أيتهما أفضل؟ قال :البيضاء ،فنهاه عن ذلك ،وقال سعد
:ســمعت رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم صــحيح
البخاري كتاب الجمعة ),(1005كتاب العلــم ),(122كتــاب
الجنــائز ),(1320كتــاب الزكــاة ),(1393كتــاب الحــج )
,(1507,1577كتــاب الصــوم ),(1796كتــاب الوضــوء )
,(182كتاب الصوم ),(1878كتــاب الــبيوع ),(1943كتــاب
الوضــوء ),(199كتــاب الــبيوع ),(2072كتــاب الجــارة )
,(2156كتــــاب الحــــوالت ),(2176كتــــاب الوكالــــة )
,(2185,2188كتــاب المســاقاة ),(2253كتــاب المظــالم
والغصب ),(2336كتاب الهبة وفضلها والتحريــض عليهــا )
,(2431كتــاب الشــهادات ),(2516,2518كتــاب الصــلح )
,(2562كتاب الشــروط ),(2576كتــاب الجهــاد والســير )
,(2782كتــاب فــرض الخمــس ),(2927كتــاب الحيــض )
,(299كتاب الجزية ),(2998,3013كتاب أحــاديث النبيــاء
),(3164,3184,3219,3220,3237كتـــــاب الـــــتيمم )
,(340كتاب المناقب ),(3411كتاب الصــلة ),(342كتــاب
المنـــــاقب ),(3497,3648,3694كتـــــاب المغـــــازي )
(3767,3809,3844,3875,3990,4093,4094,4156
,كتـــــــــــــــــاب تفســـــــــــــــــير القـــــــــــــــــرآن )
,(4210,4424,4448,4449,4473,4613كتاب فضــائل
559
القـــــــــــــرآن ),(4765كتـــــــــــــاب النكـــــــــــــاح )
,(4813,4818,4826,4893,4895كتـــــــــاب الطلق )
,(4999كتـــاب النفقـــات ),(5043,5057كتـــاب الـــذبائح
والصــيد ),(5173كتــاب الشــربة ),(5273كتــاب الطــب )
,(5417,5441كتاب اللباس ),(5470,5487كتــاب الدب
),(5689,5725كتــــاب الرقــــاق ),(6078,6173كتــــاب
كفــــــارات اليمــــــان ),(6342كتــــــاب الفــــــرائض )
,(6347,6403,6455كتاب الذان ),(652كتاب التعــبير )
,(6581,6625كتـــاب الفتـــن ),(6673كتـــاب العتصـــام
بالكتاب والسنة ),(6857,6864,6875,6884كتــاب بــدء
الـــــــــــــــوحي ),(7كتـــــــــــــــاب التوحيـــــــــــــــد )
,(7000,7040,7043,7079كتـــاب العلـــم ),(74كتـــاب
الذان ),(773كتـــاب العلـــم ),(78,86كتـــاب الجمعـــة )
,(936صحيح مسلم كتاب الطلق ),(1471كتاب
الــبيوع ),(1536كتــاب المســاقاة ),(1594كتــاب فضــائل
الصــحابة ),(2144,2501ســنن الترمــذي كتــاب الــبيوع )
,(1225سنن النسائي كتاب البيوع ),(4545سنن أبو داود
كتاب البيوع ),(3359ســنن ابــن مــاجه كتــاب التجــارات )
,(2264مسند أحمد بن حنبل ),(1/164موطأ مالك كتــاب
البيوع ),(1316سنن الدارمي كتاب المقدمة ) .(45يسأل
عن اشتراء التمر بالرطب ،فقال رسول اللــه صــلى اللــه
عليه وسلم " :أينقص الرطــب إذا يبــس؟ " قــال :نعــم ،
فنهاه عن ذلك .
وفي رواية أخرى لبي داود عن أبي عياش أنه سمع ســعد
بــن أبــي وقــاص يقــول :صــحيح البخــاري كتــاب الــبيوع )
,(2063,2079,2087كتــاب المســاقاة ),(2254صــحيح
مسلم كتاب البيوع ),(1536سنن الترمذي كتاب الــبيوع )
,(1224,1237,1302,1303سنن النسائي كتاب البيوع )
,(4532,4534,4543,4620سنن أبو داود كتاب الــبيوع )
,(3360سنن ابــن مــاجه كتــاب التجــارات ),(2270مســند
أحمد بن حنبـل ),(2/108,2/150,2/8كتـاب بـاقي مسـند
المكثرين ),(3/310كتاب أول مسند المدنيين رضــي اللــه
عنهم أجمعين ),(4/2,4/21كتــاب أول مســند البصــريين )
560
,(5/12كتـــاب مســـند النصـــار رضـــي اللـــه عنهـــم )
,(5/182كتــــــــــاب أول مســــــــــند البصــــــــــريين )
,(5/19,5/21,5/22كتــــاب بــــاقي مســــند النصــــار )
,(5/365كتاب أول مسند البصــريين ),(5/99موطــأ مالــك
كتــاب الــبيوع ),(1317ســنن الــدارمي كتــاب الــبيوع )
.(2564,2579نهى رسول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم
عن بيع الرطب بالتمر نسيئة .
) (14جابر بن عبد الله رضي الله عنه :
روى أبــو محمــد عبــد اللــه بــن وهــب فــي مســنده قــال :
أخبرني ابن لهيعة ،عن أبي الزبير ،عــن جــابر قــال :كنــا
في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعطي الصــاع
من حنطة في ستة آصع من تمــر ،فأمــا ســوى ذلــك مــن
الطعام فيكره ذلك إل مثل بمثل ،فالتماثل في بيع النقد -
الحال -شرط ل بد منه المجموع ). (66 / 10
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(262 :
) (15رويفع بن ثابت رضي الله عنه :
أخرجه الطحاوي بسنده عن حنش الصــنعاني يحــدث عــن
رويفع بن ثــابت يقــول :إن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم قال في غزوة خيبر " :بلغني أنكم تبتاعون المثقال
بالنصــف والثلــثين ،وأنــه ل يصــلح إل المثقــال بالمثقــال
والوزن بالوزن ،ورويفع بن ثابت صــحابي أنصــاري ،قــال
البخاري عنه في التاريخ الكبير :يعد في المصــريين ،ولــه
حــديث ســمعه مــن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم
المجموع ). . (67 / 10
) (16أنس بن مالك رضي الله عنه :
عن أنس ،أن النبي صلى الله عليه وسلم قــال :مــا وزن
مثل بمثل إذا كان نوعا واحدا ،وما كيل مثل بمثل إذا كــان
نوعا واحدا .
) (17أبو بكر الصديق رضي الله عنه :
أخرج ابــن أبــي شــيبة وعبيــد بــن حميــد ،عــن محمــد بــن
السائب الكلبي ،عن سلمة بن السائب ،عن أبــي رافــع ،
عن أبي بكر رضي الله عنــه قــال ) :ســمعت النــبي صــلى
الله عليه وســلم يقــول :صــحيح البخــاري كتــاب الــبيوع )
561
,(2066,2071صـــــحيح مســـــلم كتـــــاب المســـــاقاة )
,(1588سنن الترمذي كتاب الــبيوع ),(1240,1241ســنن
النســائي كتــاب الــبيوع ),(4563,4564,4569ســنن أبــو
داود كتاب البيوع ),(3349,3353ســنن ابــن مــاجه كتــاب
الزكــاة ),(1787كتــاب المقدمــة ),(18كتــاب الزكــاة )
,(1820كتـــاب التجـــارات ),(2253,2255,2262كتـــاب
الجهــاد ),(2807كتــاب الشــربة ),(3414كتــاب الفتــن )
,(3952كتــاب الزهــد ),(4305مســند أحمــد بــن حنبــل )
,(3/93كتاب باقي مسند النصار ),(5/271سنن الــدارمي
كتاب البيوع ) .(2578,2579الذهب بالذهب وزنـا بــوزن ،
والفضة بالفضة وزنا بوزن ،والزائد والمســتزيد فــي النــار
والكلبي ضعيف .
)الجزء رقم ،52 :الصفحة رقم(263 :
وحكم الســبكي فــي )تكملــة المجمــوع( :أن الحــديث لــم
يصح المجموع ). . (59 / 10
==============
#تفسير آيات الربا
مجلة البحوث السلمية ) -ج / 52ص (376
تفسير آيات الربا
للدكتور :فريد بن مصطفى السلمان
كليــة أصــول الــدين -جامعــة المــام محمــد بــن ســعود
السلمية
الحمــد للــه رب العــالمين ،والصــلة والســلم علــى ســيد
النبيــاء والمرســلين ،محمــد الهــادي الميــن ،وعلــى آلــه
وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ،وبعد :
فقد كثر الكلم فــي العصــر الحاضــر عــن الربــا ،ويحــاول
البعــض أن يســميه بغيــر اســمه ،ويحــور معــاني اليــات
الكريمـة ،الـتي أجمـع عليهـا سـلف هـذه المـة وخلفهـا ،
فاجتهدت في جمع أقوال أهل العلم في تفسير آيات الربا
،لعلي أسهم قدر الوسع والطاقة ،في بيان مسألة علمية
في غاية الهمية تصدى لها العلماء قديما وحديثا .
وقد حاولت في هذا البحــث ،بعــد بيــان أســباب النــزول ،
ومعاني ألفاظ اليات القرآنية ،تركيز البحث فــي مســائل
562
محددة ،بحيث يسهل على القارئ المراجعة والســتفادة ،
سائل الله تعالى أن يوفقني فيما قصدت ،وأن يتجاوز عما
سلف مني من خطأ أو تقصير ،إنه ولي
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(184 :
ذلك والقادر عليه ،وأصلي وأسلم على خير خلقــه محمــد
وعلى آله وصحبه وسلم ،وآخر دعوانا أن الحمــد للــه رب
العالمين .
ْ
ن ن ي َـأك ُُلو َ ذي َ قال الله تعالى :ســورة البقــرة اليــة 275ال ّـ ِ
ن مـ َ ن ِ طا ُ ش ـي ْ َ ه ال ّ خب ّط ُـ ُ ذي ي َت َ َ م ال ّ ِما ي َُقو ُ ن إ ِّل ك َ َ مو َ الّرَبا َل ي َُقو ُ
َ ال ْمس ذ َل َ َ
ه ال ْب َي ْ َ
ع ل الل ّ ُ ح ّ ل الّرَبا وَأ َ مث ْ ُ ما ال ْب َي ْعُ ِ م َقاُلوا إ ِن ّ َ ك ب ِأن ّهُ ْ َ ّ ِ
مــا ه َ ن َرب ّـهِ فَــان ْت ََهى فَل َـ ُ م ُـ ْ ة ِ عظ َـ ٌ مو ْ ِ جاَءهُ َ ن َ م ْ م الّرَبا فَ َ حّر َ وَ َ
َ عاد َ فَأول َئ ِ َ َ
م ب الن ّــارِ هُ ـ ْ حا ُ صـ َ كأ ْ ن َ م ْ مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ ف وَأ ْ سل َ َ َ
ه الّرب َــا حـقُ الّلـ ُ م َ ن سـورة البقــرة اليـة 276ي َ ْ دو َ خال ِـ ُ ِفيَها َ
َ ه َل ي ُ ِ
ل ك َّفارٍ أِثيم ٍ سورة البقــرة ب كُ ّ ح ّ ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ وَي ُْرِبي ال ّ
َ
موا ت وَأَقــا ُ حا ِ صــال ِ َ مُلــوا ال ّ مُنــوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ن اّلــ ِ اليــة 277إ ِ ّ
َ
م ف عَل َي ِْهــ ْ خو ْ ٌ م وََل َ عن ْد َ َرب ّهِ ْ م ِ جُرهُ ْ مأ ْ كاةَ ل َهُ ْ وا الّز َ صَلةَ َوآت َ ُ ال ّ
َ
مُنوا نآ َ ذي َ ن سورة البقرة الية َ 278يا أي َّها ال ّ ِ حَزُنو َ م يَ ْ وََل هُ ْ
ن ســورة مِني َ مــؤْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ ن الّرَبا إ ِ ْ َ م
ي ِ َ ما ب َِق ه وَذ َُروا َ ات ُّقوا الل ّ َ
ْ
ن الل ّـ ِ
ه مـ َ ب ِ حـْر ٍ م ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ب ِ َ ن ل َـ ْ البقرة الية 279فَإ ِ ْ
ن وََل َ
مــو َ م َل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ مـ َ سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُـ ْ ن ت ُب ْت ُـ ْ ســول ِهِ وَإ ِ ْ وََر ُ
ة
س ـَر ٍ ذو عُ ْ ن ُ ن ك َــا َ ن ســورة البقــرة اليــة 280وَإ ِ ْ مــو َ ت ُظ ْل َ ُ
َ
ن مو َ م ت َعْل َ ُ ن ك ُن ْت ُ ْ م إِ ْ خي ٌْر ل َك ُ ْ صد ُّقوا َ ن تَ َ سَرةٍ وَأ ْ مي ْ َ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ
ن ِفيهِ إ َِلى الّلــ ِ
ه جُعو َ ما ت ُْر َ سورة البقرة الية َ 281وات ُّقوا ي َوْ ً
ن - 275 . مــو َ م َل ي ُظ ْل َ ُ ت وَهُ ـ ْ س ـب َ ْ مــا ك َ َ س َ ل ن َْف ٍ م ت ُوَّفى ك ُ ّ ثُ ّ
281سبب النزول :أخرج أبو يعلى في مسنده وابن منده
من
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(185 :
طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبــاس -رضــي اللـه
عنهما -في سبب نزول قوله تعالى :ســورة البقــرة اليــة
َ
ن الّرَبا م َ ي ِ ما ب َِق َ ه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ نآ َ ذي َ َ 278يا أي َّها ال ّ ِ
قال :بلغنا أن هذه الية نزلت فــي بنــي عمــرو بــن عــوف
من ثقيف ،وفي بني المغيرة من بني مخزوم ،وكانت بنو
المغيرة يربــون أي يأخــذ المغيــرة مــن بنــي عمــرو المــال
563
بطريق الربا لثقيف ؛ فلما أظهر الله رســوله علــى مكــة ،
وضع يومئذ الربا كله ،فأتى بنو عمــرو وبنــو المغيــرة إلــى
عتاب بن أسيد وهو على مكــة ،فقــال بنــو المغيــرة :أمــا
جعلنا أشقى الناس بالربا ؟ ووضع عن الناس غيرنا .فقال
بنو عمرو :صولحنا على أن لنا ربانا فكتب عتاب في ذلــك
إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -فنزلت هذه الية
م ت َْفعَُلوا فَـأ ْذ َُنوان لَ ْ
والتي بعدها سورة البقرة الية 279فَإ ِ ْ
سول ِهِ فعرف بنو عمـرو أن ل يـدان لهـم ن الل ّهِ وََر ُ
م َب ِ حْر ٍ بِ َ
بحرب من الله ورسوله ،يقول الله تعالى :
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(186 :
م َل َ
وال ِك ُ ْ مـ َ
سأ ْم ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْ
ن ت ُب ْت ُ ْسورة البقرة الية 279وَإ ِ ْ
ن فتأخذون أكثر ول تظلمون فتبخسون منه . مو َت َظ ْل ِ ُ
وقال السدي :نزلت في العباس وخالد بن الوليــد ،وكانــا
شريكن في الجاهلية يسلفان في الربــا .فجــاء الســلم ،
ولهما أموال عظيمة في الربا ،فأنزل الله تعالى هذه الية
،فقال النبي -صلى الله عليه وسلم : -أل إن كل ربا من
ربا الجاهلية موضوع ،وأول ربا أضعه ربا العباس بــن عبــد
المطلب .
وقال عطاء :إنها نزلت فــي العبــاس بــن عبــد المطلــب ،
وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما -وكانا قد أسلفا فــي
التمر ،فلما حضر الجذاذ قال لهما صاحب التمر :ل يبقى
لي ما يكفي عيالي ،إذا أنتما أخــذتما حظكمــا كلـه ،فهــل
لكما أن تأخذا النصــف وتــؤخرا النصــف ،وأضــعف لكمــا ،
ففعل ،فلما حل الجل طلبا الزيادة ،فبلغ ذك رسول الله
-صلى الله عليه وسلم -فنهاهما ،وأنزل الله هذه اليــة ،
فســمعا وأطاعــا وأخــذا رؤوس أموالهمــا أســباب النــزول
للواحدي ص 96رقم . . 184
وجاء عن الكلــبي فــي ســبب نــزول قــوله تعــالى :ســورة
ة
س ـَر ٍ سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ ِل َــى َ
مي ْ َ ذو عُ ْ ن ُ ن َ
كا َ البقرة الية 280وَإ ِ ْ
قال أسباب النزول للواحدي ص 96رقم . 186قالت بنــو
عمرو بن عمير لبني
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(187 :
564
المغيــرة :هــاتوا رؤوس أموالنــا ولكــم الربــا نــدعه لكــم .
فقال بنو المغيرة :نحن اليوم أهل عسرة فأخرونا إلى أن
ندرك الثمرة ،فــأبوا أن يــؤخروهم ،فــأنزل اللــه تعــالى :
سَرةٍ الية .ذو عُ ْ ن ُ كا َن َ سورة البقرة الية 280وَإ ِ ْ
مناسبة اليات لما قبلها :
لما ذكر الله تعالى عباده البرار الــذين يــؤدون الزكــوات ،
المتفصلين بالبر والصدقات ،لذوي الحاجــات والقرابــات ،
في جميع الحوال والوقــات ،شــرع فــي ذكــر أكلــة الربــا
وأموال الناس بالباطل ،وأنواع الشبهات تفسير ابن كــثير
، 326 / 1تفســير البحــر المحيــط ، 703 / 2تفســير
الرازي ، 87 / 7تفسير القاسمي . . 700 / 3
وذلك من باب المقابلــة ،وكمــا يقولــون " وبضــدها تتميــز
الشياء " ،وقد أكــثر اللــه تعــالى مــن هــذا الســلوب فــي
كتابه العزيــز ،فنجــد ذكــر صــفة أصــحاب النــار يــأتي فــي
مقابلة صفات أهل الجنة وهكذا .
بيان معاني اللفاظ :
ْ
ن الّرب َــا الربــا لغــة ن ي َأك ُُلو َذي َ - 1سورة البقرة الية 275ال ّ ِ
ذا أ َن َْزل َْنا
الزيادة ،ومنه قوله تعالى :سورة الحج الية 5فَإ ِ َ
ت ســورة الحــج ،اليــة ، 5وســورة ت وََرب َ ْ عَل َي َْها ال ْ َ
ماَء اهْت َّز ْ
فصلت ،الية . 39أي زادت بنمو النبات ،فــزاد علــى مــا
حوله .
ومنه ما جاء في الحديث الصحيح :فل والله ما أخذنا من
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(188 :
لقمة إل ربا من تحتها .
أي زاد الطعام ببركة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم .
وعبر عن الخذ ومطلق التصرف بالكل ،وذلك لن غــالب
ما ينتفع به ،إنما يكون للكل .
وقيــل للتشــنيع علــى أكلــة الربــا ،فكــأنهم يــأكلون هــذه
الموال المختلفة في بطونهم .
وتعريــف الربــا للعهــد ،أي ل تــأكلوا الربــا المعهــود فــي
الجاهلية تفسير المنار . . 94 / 3
أما الربا في الصطلح ،فقــد اختلفــت فــي ذلــك عبــارات
العلماء ،منهـا مــا ذكـره ابــن قدامــة فــي المغنـي ،حيــث
565
قال :المغني " 5 / 4وهو في الشرع الزيادة في أشــياء
مخصوصة " .وقال اللوسي " :هو فضل مــال خــال عــن
العوض في معاوضة مــال بمــال روح المعــاني ، 48 / 3
وهذا التعريــف نقلـه القاســمي فــي محاســن التأويــل / 3
. . 700
ذي م اّلــ ِ ما ي َُقو ُ ن إ ِّل ك َ َ
مو َ - 2سورة البقرة الية َ 275ل ي َُقو ُ
س أي ل يقومــون مــن قبــورهم مـ ّن ال ْ َ
م َ
ن ِ شي ْ َ
طا ُ خب ّط ُ ُ
ه ال ّ ي َت َ َ
يوم القيامة إل كالمجــانين ،عقوبــة لهــم عنــد جميــع أهــل
المحشــر ،ويقــوي هــذا القــول الــذي ذهــب إليــه عامــة
المفسرين قراءة عبد الله بن مسعود ) :ل يقومــون يــوم
القيامة إل كما يقوم تفسير ابن كــثير ، 326 / 1تفســير
البحر المحيط . . 705 / 1
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(189 :
وقيل :إن المراد بالية تشبيه حال أكلة الربا في حرصــهم
وجشعهم في الحياة الدنيا ،بحال المصروعين المجــانين ،
الذين يخبطون على غير هدى .
والخبــط :الضــرب بغيــر اســتواء ،خبــط العشــواء مختــار
الصحاح مادة ) خبط ( تفسير أبي السعود . . 266 / 1
ومنه قيل :خبط عشواء ،وهــي الناقــة الــتي فــي بصــرها
ضــعف ،تحبــط إذا مشــت ،ل تتــوقى شــيئا ،وتخبطــه
الشــيطان ،أي أفســده مختــار الصــحاح مــادة ) خبــط (
تفسير أبي السعود . . 266 / 1
والمــس :الجنــون القــاموس المحيــط مــادة ) مــس ( ،
الكشاف ، 399 / 1والمفردات ص ، 467البحر المحيط
، 706 / 1وأصله من المس باليد ،فكأن الشيطان يمس
النسان فيجنه .
قال الراغب :وكنى بالمس عن الجنون ،والمــس ،يقــال
في كل ما ينال النسان من أذى المفردات ص . . 467
- 3سورة البقرة اليــة 275ذ َلـ َ َ
مــا ال ْب َي ْـ ُ
ع م قَــاُلوا إ ِن ّ َك ب ِـأن ّهُ ْ ِ
ل الّرَبا أي حــل بهــم ذلـك العقــاب ؛ لنهــم جعلـوا الــبيع مث ْ ُِ
كالربا .وكان الصل أن يقولوا إن الربا مثل الــبيع ،ولكــن
لشدة تمسكهم بالربا جعلوا الربا أصل في
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(190 :
566
الحل ،وقاسوا عليه البيع .
َ
م الّرب َــا حـّر َ ه ال ْب َي ْـعَ وَ َ ل الل ّـ ُ ح ّ - 4سورة البقرة الية 275وَأ َ
إبطــال لقياســهم ،وبيــان لفســاد قياســهم ،وبيــان أنــه ل
قياس مع النص .
ه
ن َرب ّـ ِ مـ ْ ة ِ عظ َ ـ ٌ مو ْ ِجاَءهُ َ ن َ م ْ - 5سورة البقرة الية 275فَ َ
مُرهُ إ َِلى الل ّهِ فمن بلغه النهــي عــن َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ
ف وَأ ْ ُ َ َ ََْ
الربا فانتهى ،فله ما أخذه قبل نزول التحريم ،ول يسـترد
منه ،والله يجازيه على انتهائه إن كان صادق النية ،وقيل
:يحكم فــي شــأنه ،ول اعــتراض لكــم عليــه تفســير أبــي
السعود . . 266 / 1
ب َ ُ
ن عَــاد َ فَ ـأول َئ ِ َ
حا ُ صـ َ كأ ْ مـ ْ - 6سورة البقــرة اليــة 275وَ َ
ن ومن عــاد إلــى القــول بتحليــل الربــا دو َ خال ِ ُم ِفيَها َ الّنارِ هُ ْ
فأولئك أصحاب النار خالدون فيها .وقيل :العود هنا يــراد
به التعامل بالربا ،والخلود في النار إنما جــاء علــى ســبيل
التهديــد والوعيــد ،وبيــان لطــول المكــث ،وليــس الخلــود
البدي ،لن ذلك إنما هو للكفار .
ه الّرَبــا وَي ُْرِبــي حــقُ الّلــ ُ م َ - 7ســورة البقــرة اليــة 276ي َ ْ
ت يمحق الله الربا بأن يذهب بركته ،ويهلك المــال صد ََقا ِ ال ّ
الذي يدخل فيه ،ويضاعف ثواب الصــدقات ،ويبــارك فــي
المــال الــذي أخرجــت منــه الصــدقة ،والمحــق :النقــص
والذهاب ،ومنه المحــاق فــي الهلل ،يقــال :محقــه ،إذا
أنقصه وأذهب بركته .
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(191 :
َ ه َل ي ُ ِ
ل ك َّفــارٍ أِثي ـم ٍ ب ك ُـ ّ ح ّ - 8سورة البقرة الية َ 276والل ّ ُ
واللــه ل يحــب كــل كفــور القلــب ،مصــر علــى تحليــل
المحرمات ،أثيم منهمك في ارتكاب المعاصي .
مُلــوا مُنــوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ن اّلــ ِ - 9ســورة البقــرة اليــة 277إ ِ ّ
َ َ
عن ْـد َ
م ِ جُرهُـ ْ مأ ْ وا الّزك َــاةَ ل َهُ ـ ْ صَلةَ َوآت َـ ُموا ال ّ ت وَأَقا ُحا ِ صال ِ َ ال ّ
ن فــي توســيط هــذه حَزن ُــو َ م يَ ْ م وََل هُ ـ ْ ف عَل َي ْهِ ْ م وََل َ
خو ْ ٌ َرب ّهِ ْ
الية بين آيات الربا ما يشير إلــى المقابلــة ،فكــأن الــذين
يأكلون الربا ليسوا من هذا الصنف ،الذي وعده اللــه هــذا
الوعد الحسن .
567
َ
همُنوا ات ُّقوا الل ّ َ نآ َذي َ - 10سورة البقرة الية َ 278يا أي َّها ال ّ ِ
ن اجعلوا بينكم وبين مِني َ مؤ ْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ
ن الّرَبا إ ِ ْم َ ي ِ ما ب َِق َ وَذ َُروا َ
عــذاب اللــه وقايــة ،بــترككم مــا بقــي لكــم مــن الربــا ،
وصفحكم عنه ،إن كنتم آمنتــم بــالله -عــز وجــل -وعلــى
هذا يكون الخطاب لثقيف في أول دخولهم فــي الســلم ،
وإذا كانت الية في المؤمنين ،فمجيء الشرط هنا للحــث
والمبالغة في اللتزام .
ْ
ب حْر ٍم ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ ن لَ ْ - 11سورة البقرة الية 279فَإ ِ ْ
سول ِهِ فإن لم تتركوا الربــا ،فاســتيقنوا بحــرب ن الل ّهِ وََر ُ م َ ِ
من الله ورسوله ،وقد روي عن ابن عبــاس -رضــي اللــه
عنهما -أنه قال :من كان مقيما على الربا ،ل ينزع عنه ،
فحــق علــى إمــام المســلمين أن يســتتيبه ،فــإن نــزع وإل
ضرب عنقه ،وفي رواية أخرى عنه ،أنه يقال يوم القيامة
لكل الربا خذ سلحك للحرب تفسير الطبري . 71 / 3أي
لمحاربة الله -عز وجل -وفي ذلــك بيــان لشــدة العقوبــة
التي تنتظره .
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(192 :
س م ُرُءو ُ كــ ْم فَل َ ُ
ن ت ُب ُْتــ ْ - 12ســورة البقــرة اليــة 279وَإ ِ ْ
َ
ن إن تبتــم فــتركتم أكــل مــو َ ن وََل ت ُظ ْل َ ُ مــو َم َل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْمــ َ أ ْ
الربا ،فلكم رؤوس أموالكم من الــديون الــتي لكــم علــى
الناس ،دون زيادة أو نقصان .
س ـَرةٍ فَن َظ ِـَرةٌ ذو عُ ْ ن ُ كا َ ن َ - 13سورة البقرة الية 280وَإ ِ ْ
سَرةٍ وإن كان المدين عجز عن سداد أصل المــال ، مي ْ َ إ َِلى َ
فيمهل إلى وقت استطاعته ،وهذا عام في الديون كلهــا ،
وفي أصل المال الذي أعطي بقصد الربا ،وهــو الراجــح ،
وقيل :إن الية خاصة بــرأس المــال الــذي أعطــي بقصــد
الربا تفسير الطبري . . 74 / 3
و ) كان ( في الية تامــة ،بمعنــى وجــد ،أي وإن وجــد ذو
عسرة تفسير الكشاف . . 247 / 1
َ
ن خي ْـٌر ل َك ُـ ْ
م إِ ْ ص ـد ُّقوا َ ن تَ َ - 14سورة البقرة اليــة 280وَأ ْ
ن وأن تتصـــدقوا علـــى المعســـر بـــرؤوس مـــو َ م ت َعْل َ ُ ك ُن ْت ُـــ ْ
أمــوالكم ،مــن أن تمهلــوه إلــى وقــت يســاره ،إن كنتــم
تعلمون ما يترتب على ذلك من الفضل والثواب عند الله .
568
ن ِفي ـهِ جعُــو َ مــا ت ُْر َ
- 15سورة البقرة اليــة َ 281وات ُّقــوا ي َوْ ً
نمــو َ م َل ي ُظ ْل َ ُ ت وَهُ ـ ْ مــا ك َ َ
س ـب َ ْ س َل ن َْف ـ ٍ إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ
م ت ُوَّفى ك ُ ّ
المــراد بــاليوم يــوم القيامــة ،وجــاء التنكيــر للتفخيــم
والتهويل ،وتعلق التقاء بهذا اليوم ،للمبالغة في التحــذير
ممــا فيــه ،مــن الهــوال والشــدائد ،وفــي قــوله تعــالى :
س يفيــد العمــوم ل ن َْف ـ ٍ م ت ُوَّفى ك ُ ّسورة البقرة الية 281ث ُ ّ
والمبالغــة فــي تهويــل مــا يــترتب علــى ذلــك اليــوم مــن
الحساب ،فتجزى كل نفس بما عملت ،من خير أو شــر ،
) ) وهم ل يظلمون ( ( .
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(193 :
فل ينتقــص مــن حســناتهم ،بــل تكــون الحســنة بعشــر
أمثالها ،وتجزى السيئة بمثلها .
وروي عن ابن عباس -رضي اللــه عنهمــا -أن هــذه اليــة
آخر آية نزل بها جبريل -عليه السلم -وقال :ضــعها فــي
رأس المائتين والثمانين من البقرة ،وعاش رسول اللــه -
صلي الله عليه وسلم -بعدها واحدا وعشرين يوما ،وقيل
واحدا وثمــانين ،وقيــل ســبعة أيــام ،وقيــل ثلث ســاعات
تفسير الطبري ، 76 / 3الدر المنثور ، 116 / 2تفسير
أبي السعود ، 268 / 1فتح الباري . . 314 / 4
وروي أنه -عليه الصلة والسلم -قال :اجعلوها بيــن آيــة
الربا وآية الدين .
ما يستفاد من اليات :
أ -أنواع الربا :
عامة المعاملت الربوية تنحصر في قسمين :
ربا النسيئة ،وربا الفضل .وغالب البيوع المحرمة إمــا أن
يكون هذا المنع لزيادة في عين المــال ،وإمــا فــي منفعــة
لحــدهما دون الخــر ،ومــن الــبيوع مــا ليــس فيــه معنــى
الزيادة ،كــبيع الثمــرة قبــل بـدو صـلحها ،وكـالبيع سـاعة
النداء يوم المجمعة ،فإن قيل لفاعلهــا احمــل ربــا فتجــوز
وتشبيه التفسير الكــبير ، 92 / 7تفســير القرطــبي / 3
، 348المغني لبن قدامة . . 51 / 6
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(194 :
569
وقال ابن حجر الهيتمي :هو ثلثة أنواع :ربا الفضل ،وربا
اليد ،وربا النسيئة ،وزاد ) ) المتولي ( ( نوعــا رابعــا وهــو
ربا القرض الزواجر عن اقتراف الكبائر . . 205 / 2
ويمكن القول أن هذه النواع الربعة عائدة إلى القســمين
الولين ،وهما ربا النسيئة وربا الفضل .
ونبدأ أول بتعريف ربا النسيئة وبيانه :
أ -ربا النسيئة :
النســيء لغــة المفــردات للراغــب الصــفهاني ص ، 492
المعجــم الوســيط مــادة ) نســأ ( .تــأخير فــي الــوقت ،
ويقال :نسأ الله في أجلــك -أي أخــر اللــه أجلــك -ومنــه
قوله -صلى الله عليه وســلم : -صــحيح البخــاري الدب )
,(5639سنن الترمذي البر والصــلة ),(1979مســند أحمــد
بن حنبل ) .(2/374من أحب أن يبسط له في رزقه ،وأن
ينسأ له في أثره فليصل رحمه .
والنسيئة بيع الشيء بالتأخير ،ومنها النسيء الــذي كــانت
العرب تفعله ،وهو تأخير بعض الشــهر الحــرم إلــى شــهر
آخر ،قال تعالى :
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(195 :
ســيُء زِي َــاد َةٌ فِــي ال ْك ُْف ـ ِ
ر مــا الن ّ ِ ســورة التوبــة اليــة 37إ ِن ّ َ
والمنسأ عصــا ينســأ بهــا الشــيء أي يــؤخر المفــردات ص
. . 492
م عَل َــى ما د َل ّهُـ ْ
ومن ذلك قوله تعالى :سورة سبأ الية َ 14
َ ض ت َأ ْك ُـ ُ داب ّـ ُ ْ َ
ه أمــا ربــا الفضــل فــي سـأت َ ُ من ْ َ
ل ِ ة الْر ِ مـوْت ِهِ إ ِّل َ
َ
اصطلح العلماء ،فقد اختلفت فيه عبارات الفقهــاء ،تبعــا
لختلفهــم فــي علــة ربــا الفضــل ويمكــن القــول أن ربــا
النسيئة كــان معلومــا معروفــا فــي الجاهليــة ،قبــل نــزول
اليات القرآنية بتحريمــه ،ولــذلك قــال ســبحانه وتعــالى :
ْ
ن الّرب َــا فهــو ربــا ن ي َـأك ُُلو َ ذي َســورة البقــرة اليــة 275ال ّـ ِ
معروف معلوم ،وهو الزيادة في الجل مقابل الزيادة في
البدل ،وهو المال .
وهذا هو الربــا الــذي أجمــع المســلمون علــى منعــه ،ولــم
يخالف فيه أحد ،فكانوا في الجاهلية يعطــي الرجــل رأس
ماله لرجــل آخــر ،علــى أن يــرده إليــه بعــد مــدة معينــة ،
570
بزيادة معينة .فتكون الزيادة نظير التأجيل ،وهذا هــو ربــا
النسيئة .
فقد جاء في تفسير الرازي ) ) :إن ربا النسيئة هــو الــذي
كان
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(196 :
مشهورا في الجاهلية ،لن الواحد منهــم كــان يــدفع مــاله
لغيره إلى أجل أن يأخذ منه كل شهر قدرا معينا .
ورأس المال باق على حاله ،فإذا حل طالبه برأس ماله ،
فإن تعذر عليه الداء زاده في الحــق والجــل ( ( التفســير
الكبير . . 92 / 7
ويؤكد ذلك حديث زيد بن أسلم وقال ) ) كــان الربــا الــذي
أذن الله فيه بالحرب لمن يتركه ،كان عند أهــل الجاهليــة
على وجهين ،كأن يكون للرجل على الرجل حق إلى أجل
،فإذا حل الحق ،قــال صــاحب الحــق :أتقضــي أم تربــي
( ( 000الحديث .
ب -ربا الفضل :
ذهب جمهور العلماء إلى تحريم ربا الفضل ،في الصناف
الستة
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(197 :
التالية :الذهب ،الفضة ،البر ،الشعير ،التمــر ،الملــح .
فل يجوز بيع جنس منها بجنسه متفاضل ،حــال أو مــؤجل ،
فيحرم بيع درهم بدرهمين نقدا أو مؤجل ،وكــذا بيــع صــاع
بر بصاعي بر نقدا ،أو مؤجل الربا والمعــاملت المصــرفية
ص . . 56
والدلــة علــى تحريــم هــذا النــوع صــريحة وصــحيحة مــن
السنة .منها :
أول :حــديث عبــادة بــن الصــامت -رضــي اللــه عنــه -أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال :صحيح مســلم
المساقاة ),(1587ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1240ســنن
النســــائي الــــبيوع ),(4561ســــنن أبــــو داود الــــبيوع )
,(3349سنن ابن ماجه التجارات ),(2254مسند أحمد بن
حنبــل ),(5/314ســنن الــدارمي الــبيوع ) .(2579الــذهب
بالذهب ،والفضة بالفضة ،والبر بالبر ،والشعر بالشــعر ،
571
والتمر بالتمر ،والملح بالملح ،مثل بمثل ،سواء بســواء ،
يدا بيد ،فإذا اختلفت هذه الصناف ،فبيعوا كيــف شــئتم ،
إذا كان يدا بيد ( .
فيفهم من الحديث أنـه عنــد عــدم اختلف الصـناف ليــس
لهم الخيار في البيع كيف شاءوا .
ثانيا :حــديث أبــي ســعيد الخــدري أنــه -صــلى اللــه عليــه
وسلم -قال بعد أن ذكر الصناف الستة :مثل بمثل ،يــدا
بيد ،فمن زاد أو استزاد فقد أربــا ،الخــذ والمعطــي فيــه
سواء صحيح البخاري 65 / 3صحيح مسلم . . 42 / 5
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(198 :
وفي رواية أنـه -صـلى اللـه عليـه وسـلم -قـال :صـحيح
البخـــاري الـــبيوع ),(2068صـــحيح مســـلم المســـاقاة )
,(1584ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1241ســنن النســائي
البيوع ),(4570مسند أحمد بن حنبــل ),(3/4موطــأ مالــك
البيوع ) .(1324ل تبيعوا الذهب بالذهب إل مثل بمثل ،ول
تشــفوا ل تشــفوا :ل تزيــدوا ،ول تفضــلوا أحــدهما علــى
الخر ،جامع الصول . 550 / 1بعضها علــى بعــض ،ول
تــبيعوا الــورق الــورق :الفضــة ،مضــروبة كــانت أو غيــر
مضروبة ) المعجم الوســيط مــادة ورق ( .بــالورق إل مثل
بمثل ،ول تشــفوا ول تفضــلوا ) فتــح البــاري . 380 / 4
بعضها علــى بعــض ،ول تــبيعوا منهــا غائبــا بنــاجز النــاجز ،
المعجل الحاضر ) جامع الصول . ، . ( 55 / 1
وقال الشنقيطي ) ) :والحـق الـذي ل شـك فيـه منـع ربـا
الفضل في الصناف الستة المذكورة ( ( أضواء البيان / 1
، 292وقال أيضا :حكى غير واحد الجماع على تحريمه .
.
وقال القرطبي ) ) :اعلم -رحمك اللـه -أن مســائل هــذا
الباب كثيرة وفروعه منتشرة ،والذي يربط لك ذلك ،هــو
ما اعتبره العلماء في علة الربا ( ( تفســير القرطــبي / 3
. . 352
- 2علة تحريم ربا الفضل :
إن حكمة تحريم ربا النسيئة وما يترتب عليه مــن أضــرار ،
أمر
572
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(199 :
مسلم ظاهر ،ل يماري فيــه أحــد ،حــتى غيــر المســلمين
يعترفون هذه الضرار والمفاسد .
أمــا ربــا الفضــل فقــد تخفــى علــة التحريــم فيــه ،ولــذلك
اختلفت أقوال العلماء في هذه المسألة .
وقد نص الشارع على تحريم ربا الفضل في ستة أعيــان ،
وهــي :الــذهب ،والفضــة ،والــبر ،والشــعير ،والتمــر ،
والملــح لقــوله -صــلى اللــه عليــه وســلم :صــحيح مســلم
المساقاة ),(1587ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1240ســنن
النســــائي الــــبيوع ),(4561ســــنن أبــــو داود الــــبيوع )
,(3349سنن ابن ماجه التجارات ),(2254مسند أحمد بن
حنبــل ),(5/314ســنن الــدارمي الــبيوع ) .(2579الــذهب
بالذهب ،والفضة بالفضة ،والبر بالبر ،والشعير بالشعر ،
والتمر بالتمر ،والملح بالملح ،مثل بمثل ،سواء بســواء ،
يدا بيد الحــديث ســبق تخريجــه ص . 297فــاتفق العلمــاء
على تحريم التفاضل فيها مع اتحاد الجنس ،وتنازعوا فيما
عــداها .فطائفــة قصــرت التحريــم علــى هــذه الصــناف
فقط ،وهو مذهب أهل الظاهر نيل الوطار . . 302 / 5
وذهــب الحنفيــة وأحمــد فــي ظــاهر مــذهبه إلــى أن علــة
التحريم مكيل وموزون بجنســه فكــل مــا يــدخل الكيــل أو
الوزن من جنس واحد ،إن بيــع بعضــه ببعــض متفاضــل أو
نسيئة ل يجوز ،ولو باع ثوبا
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(200 :
بثوب نسأ ،لم يجز لتحاد الجنس .
ومنعوا كذلك بيع التراب بعضه ببعض متفاضل ،لنه يدخله
الكيل ،ولــو بــاع حديــدا بنحــاس لــم يجــز لوجــود الــوزن ،
وأجازوا الخبز رغيفا برغيفين ؛ لنه معدود ،غير مكيــل ول
موزون فــي عرفهــم ،وإن كــان الخــبز يــوزن فــي العصــر
الحاضر .
وقال الشافعي :العلة كونه مطعوما جنسا ،وإن لم يكــن
مكيل ول موزونا ،وهو رواية عن أحمــد .وهــذا قــوله فــي
الجديد .فل يجوز عنده بيع الخبز بالخبز متفاضل ول نسيئة
573
،ول يجوز بيع بيضة ببيضتين ،ول بطيخة ببطيخــتين ل يــدا
بيد ول نسيئة ؛ لن ذلك كله طعام مأكول .
وقال في القديم :كونه مكيل أو موزونــا ،كمــا هــو الحــال
عند الحنفية .
وذهــب المالكيــة إلــى كــونه مقتاتــا مــدخرا للعيــش غالبــا
جنسا ،كالصناف الواردة في الحــديث ،مــن التمــر والــبر
والشعير وما في معناهــا ،مــن الرز والسمســم والــذرة ،
والقطاني من الفول والعدس والحمــص ،وكــذلك اللحــوم
واللبان والزيــوت ،والثمــار كــالعنب والزبيــب والزيتــون ،
ويلحق بها العسل والسكر ،فهذا كله يدخله الربا من جهة
النسأ .
وجائز فيه التفاضل ،لقوله -عليه الصــلة والســلم : -إذا
اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يــدا بيــد .
ول ربا في
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(201 :
رطــب الفــواكه الــتي ل تبقــى ،كالتفــاح والرمــان والقثــاء
والخضروات .
وقال مالك :ل يجوز بيع البيض بالبيض متفاضل ؛ لنه ممــا
يدخر ،ويجوز عنده مثل بمثل .
وفــي روايــة عــن الشــافعي ،وروايــة عــن أحمــد أن علــة
التحريــم الطعــام إذا كــان مكيل موزونــا جنســا تفســير
القرطبي ، 352 / 3شــرح فتــح القــدير . 4 / 7وهــذه
الرواية تجمع بين رأي الحنفية والشــافعية والحنابلــة الربــا
والمعاملت في السلم ص 161محمد رشيد رضا . .
ومن هذا يظهر أن الجنس معتبر عند الجميع ،فيما يتعلــق
به من تحريم ربا الفضل عند انضمام غيره إليه .
وأما الــدراهم والــدنانير ،فعنــد أبــي حنيفــة ،وروايــة عــن
أحمد ،العلة فيهما كونهما موزونين .
وذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن العلة في ذلــك هــي
الثمنية ،وقد أجمعوا على جواز ذلك فــي الموزونــات مــن
النحـــاس والحديـــد .فالـــدراهم والـــدنانير هـــي أثمـــان
المبيعــات ،والثمــن هــو المعيــار الــذي بــه يعــرف تقــويم
574
الموال ،فيجب أن يكون مضبوطا الربــا والمعــاملت فــي
السلم ص 156محمد رشيد رضا . .
- 3الخلف في تحريم ربا الفضل :
ذهب عامة أهل العلم إلى تحريم ربا الفضل ،وأنه كحرمة
ربا النسيئة ،
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(202 :
ووردت روايات عن بعــض الصــحابة تفيــد عــدم وجــود ربــا
الفضل ،وجعلوا الربا محصورا في ربا النسيئة المغني / 4
. 1وكانوا يقولون :إنما الربا في النسيئة ،لقــوله -عليــه
الصلة والسلم : -ل ربا إل في النسيئة .
وقد روي أن عبد الله بــن عبــاس رجــع عــن رأيــه ،عنــدما
راجعه في ذلك أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه . -
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(203 :
وقال الشعبي :حدثني بضعة عشر نفرا من أصــحاب ابــن
عباس -رضي الله عنهما -الخــبر ،فـالخبر أنـه رجـع عــن
فتواه فقال :الفضل حرام .
وقال جابر بن زيد -رضي الله عنه : -ما خرج ابن عبــاس
-رضي الله عنهما -من الــدنيا حــتى رجــع عــن قــوله فــي
الصرف والمتعة المبسوط للسرخســي ، 6 / 14ـ / 12
. . 106
وقال ابن قدامة في المغنــي :فــإن لــم يثبــت رجــوع ابــن
عبــاس ،فإجمــاع التــابعين بعــده يرفــع قــوله المغنــي مــع
الشرح الكبير . . 123 / 4
وقد أنكر ابن حزم الظاهري رجوع ابن عباس عــن قــوله ،
كما أنكر الجماع على تحريم ربا الفضل ،وذكر أن فقهــاء
مكة مــن تلميــذ ابــن عبــاس -رضــي اللــه عنهمــا -كــانوا
يقولون بقوله المحلى لبن حزم . . 566 / 8
ولكــن عامــة أهــل العلــم علـى تحريـم ربـا الفضــل ،وربـا
القــرض ،وربــا النســيئة ،ولهــم أدلــة مــن ظــاهر الكتــاب
والسنة والثار .
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(204 :
ولقد وفق الشنقيطي بين ما ذهب إليــه جمهــور العلمــاء ،
وبين ما روي عن ابن عباس ،وأسامة بن زيــد وغيرهمــا ،
575
بأن مراد النبي -صلى الله عليــه وســلم -بقــوله :صــحيح
مســـلم المســـاقاة ),(1596ســـنن النســـائي الـــبيوع )
,(4580سنن ابن ماجه التجارات ),(2257مسند أحمد بن
حنبل ),(5/209ســنن الــدارمي الــبيوع ) .(2580ل ربــا إل
في النسيئة ،إنما هو جواز الفضل في جنسين مختلفيــن ،
واختار هذا الوجه البيهقي في السنن الكبرى .
وقال ابن حجر في فتــح البــاري :وقــال الطــبري :معنــى
حديث أسامة -ل ربا إل فــي النســيئة -إذا اختلفــت أنــواع
البيع والفضل فيه يدا بيد ربا ،جمعا بينه وبين حــديث أبــي
سعيد الخدري فتح الباري . . 382 / 4
- 4صرع الجن للنسان :ذهب عامــة المعتزلــة وأبــو بكــر
الــرازي الجصــاص مــن الحنفيــة ،وفخــر الــدين الــرازي ،
والقفال من الشافعية ،والقاضي أبو يعلى مــن الحنابلــة ،
إلى إنكار صرع الجن للنسان ،وقالوا :إن الجــن مخلــوق
ليس له سلطان على النس ،بل هو عالم مســتقل بــذاته
وافقهم في ذلك محمد رشيد رضا تفسير المنار ،ومحمود
شــلتوت وبعــض المعاصــرين ، .وفســروا قــوله تعــالى :
ذي م ال ّـ ِ ن إ ِّل ك َ َ
مــا ي َُقــو ُ ســورة البقــرة اليــة َ 275ل ي َُقو ُ
مــو َ
س. م ّ ن ال ْ َ
م َ
ن ِطا ُشي ْ َ خب ّط ُ ُ
ه ال ّ ي َت َ َ
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(205 :
بأن هذا ورد وفق ما كان يتداوله العرب في الجاهلية .
ومما قاله الزمخشري في تفسير الية :وتخبط الشــيطان
من زعمات العرب ،يزعمون أن الشيطان يخبط النســان
فيصرع ،والخبط الضرب على غير استواء ،فورد على ما
كانوا يعتقدون ،والمس الجنون ،ورجل ممسوس ،وهــذا
أيضا مــن زعمــاتهم ،وأن الجنــي يمســه فيختلــط عقلــه ،
وكذلك جن الرجل معناه ضربته الجن ،وفي رؤيتهم للجن
قصص وأخبار وعجائب تفسير الكشاف . . 399 / 1
وقالوا إن ما جاء في اليــة ،إنمــا كــان وفقــا لمــا يتــداوله
العرب ،وليس بتقرير وتأكيد لهذه الدعوى ،ويشبه هذا ما
َ
جاء في قوله تعالى :سورة الصافات الية 65ط َل ْعَُها ك َأن ّ ُ
ه
ن.
طي ِشَيا ِ س ال ُّرُءو ُ
576
فـــرؤوس الشـــياطين لـــم يشـــاهدها النـــاس ،ولكنهـــم
يتصورونها بصورة بشعة منفرة .
وقالوا :إن الروايات الواردة في صرع الجن للنســان لــم
يصح منها شيء ،وهذه المسألة من مسائل العقيــدة ،ول
يصح الجزم فيها بناء على الدلة الظنية .
وقالوا أيضا :إن هذه الية شبيهة بقوله تعالى :سورة ص
كــر عَبــدنا أ َيــوب إذ ْ نــادى ربــ َ
ي
ســن ِ َ
م ّ
ه أّنــي َ
َ ِ َ َ َ ّ ُ اليــة َ 41واذ ْ ُ ْ ْ َ َ ّ
ب. ذا ٍب وَعَ َ
ص ٍ
ن ب ِن ُ ْ شي ْ َ
طا ُ ال ّ
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(206 :
فالراجح عند أهل العلم أن مس الشــيطان ليــوب -عليــه
الســلم -إنمــا كــان بطريــق الوسوســة .ولــم يكــن ذلــك
المس من باب صرع الجن تفسير اللوسي . . 206 / 23
ومما قــاله القاضــي أبــو الســعود فــي تفســيره " :وقيــام
المصــروع وارد علــى مــا يزعمــون أن الشــيطان يخبــط
النســان ،فيصــرع ويخبــط ،والخبــط :الضــرب بغيــر
اســتواء ،كخبــط العشــواء ،وفــي قــوله ) :مــن المــس (
قال :أي الجنون ،وهــذا أيضــا مــن زعمــاتهم ،أن الجنــي
يمسه فيختلط عقله ،فلذلك يقال :جــن الرجــل " وفعــل
الرازي الجصاص فــي تفســيره مثــل ذلــك أحكــام القــرآن
للجصاص . . 48 ، 47 / 1
وهناك كــتيب صــغير عنــوانه ) :بينــي وبيــن الشــيخ حامــد
الفقي ( حمل فيه مؤلفه أحمــد شــاكر بشــدة علــى حامــد
الفقي ؛ لنه نقل أقوال أهل العلم فــي عــدم صــحة صــرع
الجن للنسان ،ونقل قول الشافعي :
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(207 :
" مــن ادعــى أنــه يــرى الجــن ،ويســتعين بهــم ،فإنــا نــرد
شــهادته ،ونتهمــه بالكــذب " بينــي وبيــن الشــيخ حامــد
الفقي /أحمد شاكر . .
وذكــر العلمــاء أن مــن ادعــت الحمــل مــن الجــن ،وظهــر
حملها ،فل يصدق قولها ،ويقام الحد عليها .
وقد مال صاحب المنار إلى هذا المذهب ،ونقل عــن ابــن
عطية قوله في تفسير الية :إن المــراد مــن اليــة تشــبيه
المرابي في الدنيا بــالمتخبط المصــروع ،كمــا يقــال لمــن
577
يصرع بحركــات مختلفــة :قــد جــن .ثــم قــال :وهــذا هــو
المتبادر ،ولكن ذهب الجمهور إلى خلفه ،وقــالوا إن مــن
علمة المرابين يوم القيامــة أنهــم يبعثــون كالمصــروعين ،
ورووا ذلك عن ابن عباس وابن مسعود .
ثم قال :والمتبادر إلى جميع الفهام ما قاله ابــن عطيــة ؛
لنــه إذا ذكــر القيــام انصــرف إلــى النهــوض المعهــود فــي
العمال ،ول قرينة تدل على أن المراد به البعــث ،وهــذه
الروايات ل يسلم منها شيء من قول في سنده ،وهي لم
تنــزل مــع القــرآن ،ول جــاء المرفــوع منهــا مفســرا لليــة
تفسير المنار . . 80 / 3
ثم ختم كلمه بأنه قــد يكــون المــراد مــن الجــن الجســام
الحيــة الخفيــة ،الــتي عرفــت فــي هــذا العصــر بواســطة
النظارات المكبرة ،وتسمى الميكروبات تفسير المنار / 3
. . 81
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(208 :
وأقول إن ما نقله محمد رشيد رضا عن ابن عطية ،حــتى
وإن ســلمنا بــأنه هــو الراجــح ،فــإنه ل يتعــارض مــع رأي
جمهور العلماء الذين ذكروا بأن هذا القيام يكون القيامـة ؛
لنه ل يمنع أن يكون حال هؤلء المرابين في تخبطهم في
الدنيا والخرة ،فهـم فـي الـدنيا علـى هـذا الحـال ،وعنـد
قيامهم يوم القيامة كذلك ،يكونون على نفس تلك الحــال
والصفة .
وكــذلك مــا نقلــه عــن ابــن عطيــة ،فــإنه ل يتعــارض مــع
القائلين بصرع الجن للنسان .
أما قوله :بأن المراد بالجن الميكروب ،فهذا قول واضــح
التهــافت ،ومــن المآخــذ المعــدودة علــى صــاحب تفســير
المنار ،والتي تأثر فيها بصاحبه محمد عبده .
أما جمهور العلماء ،فقد ذهبــوا إلــى إمكانيــة صــرع الجــن
للنسان ،والتلبس به ،والتكلم على لسانه .
وممــا قــاله شــيخ الســلم ابــن تيميــة فــي هــذه المســألة
مجموع الفتاوى : . 280 / 24
" فمــن كــذب .بمــا هــو موجــود مــن الجــن والشــياطين
والســحر ،ومــا يــأتون بــه علــى اختلف أنــواعه ،كــدعاء
578
الكــواكب ،وتخريــج القــوى الفعالــة الســماوية بــالقوى
المنفعلة الرضية ،وما ينزل من الشياطين
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(209 :
علــى كــل أفــاك أثيــم ،فالشــياطين الــتي تنــزل عليهــم ،
ويسمونها روحانيــة الكــواكب ،وأنكــروا دخــول الجــن فــي
أبدان النس ،وحضورها بما يستحضرون بــه مــن العــزائم
والقسام ،وأمثال ذلك كما هو موجود ،فقد كذب بما لــم
يحط به علما " .
وقال في موضع آخر " :إن من الناس من رآهـم ،وفيهـم
من رأى من رآهم ،وثبت ذلك عنده بالخبر واليقين ،ومن
النــاس مــن كلمهــم وكلمــوه ،ومــن النــاس مــن يــأمرهم
وينهــاهم ويتصــرف فيهــم ،وهــذا يكــون للصــالحين وغيــر
الصالحين ،ولو ذكرت ما جرى لي ولصحابي معهم لطال
الخطاب ،وكــذلك مــا جــرى لغيرنــا ،لكــن العتمــاد علــى
الجوبة العلمية يكون على ما يشترك النــاس فــي علمــه ،
ول يكون بما يختص بعلمه المجيب ،إل أن يكــون الجــواب
لمن يصدقه فيما يخبر به " مجموع الفتاوى . . 232 / 4
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبــل :قلــت لبــي :إن قومــا
يزعمون أن الجني ل يدخل في بــدن النســي ،فقــال :يــا
بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه مجموع الفتاوى / 24
276لقط المرجان للسيوطي ص . . 134
وقال ابن القيم في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد :
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(210 :
الصــرع صــرعان :صــرع مــن الرواح الخبيثــة الرضــية ،
وصرع من الخلط الرديئة .
والثاني هو الذي يتكلم فيه الطباء فــي ســببه وعلجــه زاد
المعاد . . 66 / 4
وقد كتب الشيخ عبد العزيز بن باز رسالتين الولــى :فــي
مسألة دخول الجني فــي بــدن النســان ،وجــواز مخاطبــة
الجــن للنــس ،والثانيــة :فــي العلج عــن طريــق الســحر
والكهانــة رســالتان ،عبــد العزيــز بــن بــاز ،دار الســلم-
الرياض ط 1سنة 1411هـ . .
579
وقد فرق الشيخ أبــو بكــر الجــزائري بيــن الشــيطان الــذي
ليس له سلطان على النسان إل بالوسوسة ،وبين الجني
الذي يصرع النسان ،ويتلبس به فيصرعه ،وينطق الجني
على لسانه الدفاع عن الغزالي ) 33- 23راسم للدعاية (
ط 1سنة 1410هـ . .
وقد اســتدل الجمهــور بأدلــة عديــدة مــن الكتــاب والســنة
والثار .
وقــد تعقــب القاســمي مــا ذكــره صــاحب الكشــاف فــي
تفسيره ،ونقل ما كتبه المام ناصر الدين أحمد بن المنير
السكندري ،فقال كتاب النصــاف فيمــا تضــمنه الكشــاف
مـــن العـــتزال ) 399 / 1مطبـــوع علـــى هـــامش
الكشاف ( : .معنى قول الكشاف :من زعمات العــرب ،
أي كذباتهم وزخــارفهم الــتي ل حقيقــة لهــا ،وهــذا القــول
علــى الحقيقــة مــن تخبــط الشــيطان بالقدريــة ،ومــن
زعماتهم المردودة بقواطع الشرع .
ثم قال :واعتقاد الســلف ،وأهــل الســنة ،أن هــذه أمــور
على حقائقها واقعة ،كما أخبر الشرع عنها ،وإنما القدرية
خصماء العلنية ،فل جرم أنهم ينكرون كثيرا مما يزعمونه
مخالفا لقواعدهم .ومن ذلك :السحر ،وخبطة الشيطان
،ومعظم أحوال الجن تفسير القاسمي 701 / 3ما بعدها
..
وصرح القرطبي بأن هذه الية دليل على فسـاد مــن أنكــر
الصرع من جهة الجن تفسير القرطبي . . 355 / 3
وأقــول :إن القضــية مــا زالــت محــل خلف ،ليــس بيــن
المســلمين فقــط ولكنــه حــتى عنــد النصــارى واليهــود ،
وغيرهم من المم .
وقد قامت بعض الدراســات الميدانيــة فــي جامعــة الملــك
سعود .
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(212 :
كما سجلت رسالة جامعية فــي جامعــة المــام محمــد بــن
سعود السلمية في قســم القــرآن وعلــومه ،زار البــاحث
بعض المنازل التي يعالــج فيهــا الصــرع ،ولــم يتمكــن مــن
تسجيل دليل علمي حقيقي ظاهر على ذلك .
580
فعند ادعاء أن المصروع قد تلبــس بــه جنــي هنــدي ،وأنــه
يتكلم الهندية ،جاء مترجم هندي ليسمع ما يهذي بــه ذلــك
المصروع ،وأنكر أن يكون مثل هذا الكلم لــه أدنــى صــلة
باللغــة الهنديــة ،بــل هــو مجــرد هــذيان ،وتغيــر صــوت
ورعشات وهكذا .
ونحن عندما نأخذ برأي الجمهور ل يعني أننا نشجع النــاس
على الذهاب للسحرة والمشعوذين ،بل ندعوهم للتمسك
بكتــاب اللــه والتحصــن بــه ،والبعــد عــن مــواطن الريــب
والزلل ،فإن الله هو خير حافظا وهو أرحم الراحمين .
- 5الحكمة مــن تحريــم الربــا انظــر :تفســير المنــار / 3
، 91روائع البيان للصابوني : . 394 / 1
لقد حرم الله الربا ،لما يترتب عليه من أضرار ومفاســد ،
تعم الفرد والمجتمــع ،وتتســع دائرة هــذا الفســاد لتشــمل
النواحي القتصادية والجتماعية والنفسية .
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(213 :
فقد جعل الله تعالى طريق تعامل الناس ،واســتفادة كــل
منهم من الخــر ،عــن طريــق العمــل ،والربــا زيــادة فــي
المال دون عمل .
ويختلــف الــبيع عــن الربــا ؛ لن الــبيع يلحــظ فيــه انتفــاع
المشتري بالسلعة انتفاعــا حقيقــا ،أمــا الربــا فهــو إعطــاء
الدراهم وأخذها مضــاعفة فــي وقــت آخــر ،وهــي غالبــا ل
تعطى بالرضا ،بل بالكره والضطرار .
وكذلك فإن الربا يؤدي إلــى تكــدس المــال فــي أيــدي فئة
قليلة من النــاس ،تجعــل عملهــا مقصــورا علــى اســتغلل
المال بالمال ،وما نشاهده في العصر الحاضر أكــبر دليــل
على ذلك .
فالمال مكدس عند أصــحاب البنــوك ،وشــركات التــأمن ،
وما شابهها ،ويتحكــم هــؤلء فــي كــل شــيء ،ويكفــي أن
نشــير إلــى مــا فعلــه اليهــود ويفعلــونه الن ،مــن تحكــم
واستغلل لشــعوب الرض قــديما وحــديثا ،وذلــك باعتمــاد
الربا والوسائل المحرمة لجمع المال .
والربا كذلك يؤدي إلى وقوع الضغينة والبغضاء بيــن أفــراد
المجتمع الواحد ،الذي يجب أن تسوده الرحمة والخاء .
581
كما أنه يفضي إلى امتناع الناس عن تحمل المشاق ،فــي
الكسب والتجارة والصناعة ؛ فيؤدي إلــى انقطــاع مصــالح
الخلق ،ويفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس .
ول يقال :إن رأس المال لو بقي في يــد صــاحبه لســتفاد
منه وربح بالمتاجرة فيه ،فلما دفعــه للمحتــاج جــاز لــه أن
يأخذ زيادة عــن رأس مــاله ،مقابــل تعطــل النتفــاع بهــذا
المال تفسير آيات الحكام للسايس . . 168 / 1
وذلك لن الربح المزعوم لهذا المال لو بقي في يد صاحبه
أمــر موهــوم مظنــون ،فقــد يحصــل وقــد ل يحصــل ،أمــا
الزيــادة علــى رأس المــال فهــي ملــك للفقيــر علــى وجــه
اليقين ،وقد يخسر ذلك المحتاج في تعامله بــرأس المــال
الــذي اســتدانه ،فيجمــع عليــه خســارته فــي التجــارة ،
والزيادة التي يطلبها المرابي على رأس المال .
- 6بيع العينة انظــر الــذرائع الربويــة ،ســليمان الملحــم ،
رسالة ماجستير في كلية الشريعة : .
العينة بكسر العين المهملة ،ثم ياء تحتية ساكنة ،ثم نون
.
قال ابن فارس :العين هو المال العتيــد الحاضــر ،يقــال :
هو عين غير دين ،أي هو مال حاضر تــراه العيــون معجــم
مقاييس اللغة ،مادة ) عين ( . . 203 / 4 ،
ومن المجاز :إطلق العين على الميل في الميزان .قــال
الراغب :وتستعار العين للميل في الميزان المفردات في
غريب القرآن ص . . 355
وقد اشتقت العينة من هذا الصل ،قال الخليل بــن أحمــد
الفراهيدي :اشتقت من عين الميزان وهي زيادته .
ووافقه ابن فارس فقال :هذا الذي ذكره الخليل صــحيح ؛
لن العينة ل بد أن تجر زيادة معجم مقاييس اللغة ،مــادة
) عين ( ، .وقال الزهري :العينة اشتقاقها من
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(215 :
العين ،وهـو النقـد الحاضـر تهـذيب اللغـة للزهـري / 3 ،
. . 207
وقـــال الجـــوهري :العينـــة بالكســـر وســـكون المثنـــاة :
السلف ،ويقال :اعتان الرجل ،إذا اشترى الشيء نسيئة
582
الصحاح للجوهري ) ،مادة عين ( . .وقــال ابــن منظــور :
والعينة :الربا لسان العرب ) ،مادة عين ( . .
وقال في القــاموس المحيــط :وعيــن ،أخــذ بالعينــة ،أي
السلف أو أعطى بها ،والتاجر باع سلعته بثمن إلى أجل ،
ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن القاموس المحيط ) ،
مادة عين ( . .
وللعينة صور متعددة ،ولكنها فــي عامتهــا تــدخل فــي بيــع
المضطر ،كأن يحتاج رجل إلى نفقة ،فل يعطيه الموســر
بــالقرض ،ولكــن يــبيعه الســلعة بضــعف ثمنهــا ،فيضــطر
المحتــاج لبيعهــا بخســارة مــن أجــل حصــوله علــى المــال
انظر :الفتاوى الكبرى لبن تيمية . . 137 / 3 ،
وقال ابن قدامــة :إن مــن بــاع ســلعة بثمــن مؤجــل ،ثــم
اشتراها من المشتري بأقل منه نقدا ،فهــو عينــة المغنــي
لبن قدامة . . 260 / 6 ،
وقال البنا الساعاتي في تعليقه علــى مســند أحمــد الفتــح
الرباني لترتيب مسند المام أحمد ، 44 / 15نيل الوطار
: . 319 / 5فسر الفقهاء
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(216 :
العينة ،أن يبيع الرجل ســلعة لرجــل آخــر إلــى أجــل ،ثــم
يشتريها منــه بثمــن حــال نقــدا فــي المجلــس ،بأقــل مــن
الثمن الذي باعها به ،ليبقى الكثير في ذمته ويســلما مــن
الربا ،وقيل لهــذا الــبيع عينــة ،لن مشــتري الســلعة إلــى
أجل يأخذ بدلها عينــا ،أي نقــدا حاضــرا معجل ،ليصــل بــه
إلى مقصوده ،مــع بقــاء الثمــن الكــثير فــي ذمتــه ،وذلـك
حرام باتفاق العلماء ،إن اشترط المشتري على البائع أن
يشتريها منه بثمن معلوم ؛ لنه حيلــة علــى تحليــل الربــا ،
فإن لــم يكــن بينهمــا شــرط ،أجازهــا الشــافعية ،ومنعهــا
جمهور العلماء .
ولو باعها المشتري من غيــر بائعهــا فــي المجلــس ،فهــي
عينة أيضا لكنها جائزة بالتفاق إذا خلت من التواطؤ علــى
الحيلة .
وقــال الشــوكاني :ســميت عينــة ،لن العينــة هــو المــال
الحاضر ،والمشتري إنما يشتريها ليبيعهــا بعيــن حاضــرة ،
583
ليصــل إلــى مقصــوده نيــل الوطــار ، 319 / 5تفســير
القرطبي . . 361 / 5
وذهب ابن القيم إلى عدم جواز بيــع العينــة ،مســتدل بمــا
روي عن الوزاعي عن النبي -صلى الله عليه وسلم -أنه
قال :يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع وقــال :
هذا الحـديث وإن كـان مرسـل ،فـإنه صـالح للعتضـاد بـه
بالتفاق ،وله من المسندات ما يشهد له نيل الوطار / 5
. . 319
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(217 :
وبيع العينة حيلة ومكــر وخديعــة ،وهــو ل يرفــع المفســدة
التي حرم الربا مــن أجلهــا ،بــل يزيــدها قـوة وتأكيـدا مــن
وجوه عديدة نيل الوطار . . 319 / 5
وقال القرطبي :إن من أباح بيع العينة ،فليبح حفر البئر ،
ونصب الحبالت لهلك المســلمين والمســلمات ،وذلــك ل
يقوله أحد يقصد حفر البئر ليقع فيه النــاس .وقــال :لقــد
اتفقنا على منع مــن بــاع العينــة ،إذا عــرف بــذلك وكــانت
عادته تفسير القرطبي . . 360 / 3
وقد وردت من السنة عدة روايات فــي تحريــم هــذا النــوع
من البيوع الذي هو صورة من صور الربــا ،نــذكر منهــا مــا
يلي :
ما أخرجه أحمــد وأبــو داود ،عــن ابــن عمــر -رضــي اللــه
عنهما -أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال :إذا
تبايعتم بالعينة ،وأخـذتم أذنـاب البقـر ،ورضـيتم بـالزرع ،
وتركتم الجهاد ،سلط الله عليكم ذل ل ينزعه حتى ترجعوا
إلى دينكم .
- 2أخرج الدارقطني ،عن أبي إسحاق السبيعي ،عن
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(218 :
امرأته أنها دخلت على عائشة -رضي الله عنها -فــدخلت
معها أم ولد زيد بن أرقم ،فقــالت :يــا أم المــؤمنين إنــي
بعت غلما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نســيئة ،وإنــي
ابتعته منه بستمائة نقدا .فقــالت لهــا عائشـة " :بئس مــا
اشتريت ،وبئس مــا شــريت ،أخــبريه أن اللــه تعــالى قــد
أبطل جهاده مع رسول الله -صلى اللـه عليـه وسـلم -إل
584
أن يتوب ،فقالت لها :أرأيت إن لم آخــذ إل رأس مــالي ،
قالت :فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فلــه مــا ســلف
".
ويدل الحديث أنه ل يجوز لمن باع شيئا بثمن مؤجل ،أن
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(219 :
يشتريه من المشتري بأقــل مــن ذلــك الثمــن نقــدا ،قبــل
قبض الثمن الول .وتصريح عائشة بــأن مثــل هــذا الفعــل
موجب لبطلن الجهاد مع رســول اللــه -صــلى اللــه عليــه
وسلم -يدل على أنها قد علمت التحريم بنص من الشارع
،إما على جهة العموم ،أو جهة الخصوص ،كما جــاء فــي
حديث بيع العينة المتقدم نيل الوطار . . 317 / 5
وقد ذكر العلماء للعينة صورا متعددة ،ومن هذه الصور :
أ -أن يعطي الرجــل الخــر مبلغــا مــن المــال دون زيــادة ،
ولكنه يطلب منه سداد هذا المبلغ عن طريق عمــل يــؤديه
إليه .
ولكنه ل يدفع له أجر أمثاله ،بل غالبا ما يكون ذلك الجــر
أدل من نصف الجرة المعتادة .
وقد كان هناك شيخ في قريتنا يفعل ذلك ،حتى مع أقاربه
المحتاجين ،إذ كان يشــتري الرض غيــر المزروعــة بثمــن
زهيد ،ثم يكلف الخرين الذين يداينهم بالعمل فــي أرضــه
بنصــف الجــر تقريبــا ،ويــدعي أنــه يريــد أن يعينهــم لكــي
يقوموا بسداد ما في ذمتهم ،فيعملــون طيلــة الســنة فــي
أرضه يزرعونهــا ،ويســمدونها ،ويقومــون علــى رعايتهــا ،
بأجر زهيد .فيصبح الربا الذي يأخذه منهم مضاعفا ،أكــبر
مـن ربـا البنـوك ومـا شـابهها .والقاعـدة المشـهورة عنـد
العلماء " :أن كل قرض جر نفعا فهو ربا " .
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(220 :
وما ذكره ابن تيمية ،من أن عامة صور بيــع العينــة يــدخل
في بيــع المضــطر ،وبالتــالي فــالحكم يجمــع هــذه الصــور
عامة ،لنه استغلل لحاجة المضطر ،فهو كلم متفق مــع
روح الشريعة .
- 2ومن صور العينة ما يســمى بــالتورق وهــو أن يشــتري
الرجل السلعة ل حاجة لـه بهــا ،بثمــن مؤجــل ،أكــثر مــن
585
سعرها الحقيقي في السوق ،ثم يبيعها بثمن معجل ،أقل
ممــا اشــتراها بــه ،وغالبــا مــا يبيعهــا بأقــل مــن ســعرها
الحقيقي في السوق ،فتكون خســارته فــي الســلعة أكــبر
من الفائدة الربوية ،وهو أمر مشتهر في شراء السيارات
،فيشتري الرجل سيارة نسيئة من الشــركة بعشــرة آلف
دينار ،على أن يدفع الثمن على أقساط مؤجلة ،ثم يأخــذ
الرجل السيارة ويبيعها في الســوق بتســعة آلف أو أقــل ،
لنه أصل ل يريد السيارة ،ولكن يريد الحصول على المال
.
وقد ذهب عمر بن عبد العزيز إلى تحريــم التــورق ،وقــال
عنه :إنه أخية الربا ،وذهــب إلــى ذلــك المــام أحمــد فــي
إحدى الروايتين عنه ،ورجح ذلك ابن تيمية مجمــوع فتــاوى
ابن تيمية . . 431 / 29
وقد ذهب الشيخ عبد العزيز بن باز إلى جواز التورق انظر
:مجلة البحوث السلمية ،العــدد ) ( 7ص ، . 53ووضــع
رسالة في ذلك بعنوان ) التورق ( ،كمــا ذهــب إلــى جــواز
ذلك الكمال بن الهمام من الحنفية ،والقاضي أبو يوســف
حاشية ابن عابدين ، . 326 / 5وعامة الشافعية كما هــو
مشهور عنهم الم 38 / 3تكملة المجموع ، . 149 / 10
وابن حزم الظاهري المحلى . . 47 / 9
- 3ومن صـور العينـة أن يعطـي الرجـل لخـر مبلـغ ألـف
دينار قرضا ،على أن يبيعه ســلعة ل تســاوي دينــارا بمــائة
دينار .
وهذه المسألة تسمى مسألة السبحة ؛ لنه بعد أن يعطيــه
المــال ،يــبيعه ســبحة عنــده بمبلــغ كــبير ،يفــوق النســبة
الربوية التي يصرح بها الخرون .والدليل في هــذا المقــام
ن ه َوال ّـ ِ
ذي َ ن الل ّـ َ
عو َخــادِ ُقوله تعالى :سورة البقرة الية 9ي ُ َ
َ
ن.شعُُرو َ ما ي َ ْم وَ َ ن إ ِّل أن ُْف َ
سه ُ ْ عو َ
خد َ ُ
ما ي َ ْ
مُنوا وَ َ
آ َ
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(222 :
وقد سئل ابن عباس -رضي اللـه عنهمـا -عـن رجـل بـاع
حريــرة ثــم ابتاعهــا لجــل زيــادة درهــم ،فقــال :دراهــم
بدراهم دخلت بينهمــا حريــرة .ســئل عــن ذلــك أنــس بــن
586
مالك فقال :هذا مما حــرم اللـه ورسـوله مجمـوع فتــاوى
ابن تيمية . . 432 / 29
فمــتى كــان مقصــود التعامــل دراهــم بــدراهم إلــى أجــل :
صحيح البخـاري بـدء الـوحي ),(1صـحيح مسـلم المــارة )
,(1907ســنن الترمــذي فضــائل الجهــاد ),(1647ســنن
النســــائي الطهــــارة ),(75ســــنن أبــــو داود الطلق )
,(2201سنن ابن مــاجه الزهــد ),(4227مســند أحمــد بــن
حنبل ) .(1/43وإنما العمال بالنيات وإنما لكــل امــرئ مــا
نوى .
وقد جاء في الحديث عن رســول اللــه -صــلى اللــه عليــه
وسلم -أنه قال :من باع بيعتين في بيعة ،فلــه أوكســهما
أو الربــا وقــال -صـلى اللـه عليـه وســلم :ل يحــل سـلف
وبيع ،ول شرطان في بيع ،ول ربح ما لم يضمن ،ول بيــع
ما ليس عندك فحرم النبي -صلى اللــه عليــه وســلم -أن
يبيع الرجل شيئا ،ويقرضه مع ذلك ،فإنه يحابيه في الــبيع
لجل القرض ،حــتى ينفعــه فهــو ربــا مجمــوع فتــاوى ابــن
تيمية . . 433 / 29وقد نقل عن محمد بن الحسن قوله
في بيع العينة حاشية ابن عابدين : . 326 / 4
هذا الــبيع فــي قلــبي كأمثــال الجبــال ذميــم اخــترعه أكلــة
الربا ،وقد ذمهم رسول اللــه -صــلى اللــه عليــه وســلم -
فقال :سنن أبو داود البيوع ),(3462مسند أحمد بن حنبل
) .(2/84إذا تبــايعتم بالعينــة . . .الحــديث .وقــد عنــون
الشيخ أبو زهرة لمسألة العينة بحوث في الربا 27محمــد
أبو زهــرة . .فقــال " :التحايــل علــى الربــا بــبيع العينــة "
وحمل على الذين قالوا :بجوز ذلك مــن المحــدثين حملــة
شديدة .
وقال المام أحمد فيمن يتعامــل بالعينــة " :ل يعجبنــي أن
يكتــب عنــه الحــديث " الفــروع 170 / 4ابــن مفلــح
الراميني . .
- 7الربا من أكبر الكبائر :
الربا من أكبر الكبائر بنص القرآن الكريم ،وبمــا جــاء فــي
السنة الشريفة ،الــتي بينــت عظــم هــذه المعصــية ،ومــا
يترتب عليها من حرب الله ورســوله ،وعقوبــة فــي الــدنيا
587
بمحق البركــة ،والتخبــط علــى غيــر هــدى ،وعقوبــة فــي
الخرة تظهر في تخبطهم ،كالذي يتخبطه الشــيطان مــن
المس ،
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(224 :
وعذاب أليم في عذاب جهنـم وبئس المهـاد ،إل أن يتـوب
الله عليه .
وهناك روايات عديدة وردت فــي عقوبــة أكــل الربــا ،وذم
من يقدم على ارتكــاب هــذه المعصــية ،ونــذكر مــن هــذه
النصوص ما يلي :
- 1ما جاء في الصحيح عن جابر بن عبد الله -رضي اللــه
عنه -قال :لعن رســول اللـه -صـلى اللـه عليـه وسـلم -
أكــل الربــا ،ومــوكله ،وكــاتبه ،وشــاهديه ،وقــال :هــم
سواء .
- 2ما أخرجه الحافظ الهيثمي عــن عبــد اللــه بــن حنظلــة
غسيل الملئكة أن النبي -صلى الله عليه وســلم -قــال :
درهم ربما يأكله
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(225 :
مسند أحمد بن حنبل ) .(5/225الرجل وهو يعلم أشد عند
الله من ست وثلثين زنية .
- 3ما روي عنه -صلى الله عليه وسلم -أنه قــال صــحيح
الجامع الصغير ، 663 / 1برقم ، 3539وقال اللبــاني :
صحيح ) الترغيب والترهيب : ( 50 / 3ســنن ابــن مــاجه
التجارات ) .(2274الربا ثلثة وسبعون بابا ،أيســرها مثــل
أن ينكــح الرجــل أمــه ،وإن أربــا الربــا عــرض الرجــل
المسلم .
- 4مــا أخرجــه البخــاري عــن أبــي جحيفــة قــال :صــحيح
البخـــاري اللبـــاس ),(5617ســـنن أبـــو داود الـــبيوع )
,(3483مسند أحمد بن حنبل ) .(4/308نهى رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -عن ثمن الــدم -أجــرة الحجامــة -
وثمن الكلب ،وكسب البغي ،ولعن أكل الربا ،ومــوكله ،
والواشمة ،والمستوشمة والمصور .
- 5جاء ذكر الربا فــي الصــحيح ،فــي قــوله -صــلى اللــه
عليه وســلم : -صــحيح البخــاري الوصــايا ),(2615صــحيح
588
مسلم اليمان ),(89سنن النسائي الوصايا ),(3671ســنن
أبــو داود الوصــايا ) .(2874اجتنبــوا الســبع الموبقــات . .
وذكر منهن آكل الربا
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(226 :
وقال القرطبي :جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال :يا أبا
عبد الله ،إني رأيت رجل ســكران يتعــاقر ،يريــد أن يأخــذ
القمر ،فقلت :امرأتي طالق ،إن كان يـدخل جـوف ابـن
آدم شيء أشر من الخمر .فقال مالك :ارجع حتى أنظــر
في مسألتك .فلما رجع الرجــل ،قــال لــه المــام مالــك :
امرأتك طالق .فقد تصفحت كتاب الله وســنة نــبيه ،فلــم
أر شيئا أشر من الربا ،وقد آذن اللــه فيــه لكلــه بــالحرب
من الله ورسوله تفسير القرطبي . . 364 / 3
- 6جاء في الصحيح عن ســمرة بــن جنــدب -رضــي اللــه
عنه -قال صحيح البخاري بشرح فتح البــاري ، 313 / 4
برقم : . 2085
قال النــبي -صــلى اللــه عليــه وســلم : -صــحيح البخــاري
البيوع ),(1979مسند أحمد بن حنبل ) .(5/9رأيــت الليلــة
رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة ،فانطلقنا حتى
أتينا على نهر من دم ،فيه رجل قائم ،وعلى وسط النهــر
رجل بين يديه حجارة .فأقبل الرجل الذي في النهر ،فإذا
أراد الرجل أن يخرج ،رمى الرجل بحجر في فيــه ،فــرده
حيث كان ،فجعل كلما جاء ليخرج رمى فــي فيــه بحجــر ،
فيرجع كما كان .فقلت :ما هذا ؛ فقال :الذي رأيتــه فــي
النهر :آكل الربا
- 8التدرج في تحريم الربا :
لقد سلك القرآن الكريم أسلوب الرفق والتدرج ،في نقل
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(227 :
المخــاطبين مــن حيــاة الجاهليــة البغيضــة ،إلــى ســماحة
الســلم ويســره ،وتجلــى ذلــك فــي شــرائع الســلم ،
وأحكامه العملية ،علــى خلف الحــال فــي تغييــر العقيــدة
الفاسدة ،وترسيخ عقيدة السلم .
وسبب هذا التدرج في تحريم بعض الحكام الفرعيــة ،هــو
رسوخ وتعلق المخاطبين بهذه العادات والفعال ،حتى أنه
589
كان من الصعب عليهم المتثال للقلع عنها دفعة واحدة ،
في مرة واحدة .
ورضي الله عن عائشة أم المؤمنين وهي القائلــة " :إنمــا
نزل أول ما نزل من القــرآن ســورة مــن المفصــل ،فيهــا
ذكر الجنة والنار ،حتى إذا ثاب الناس إلى الســلم ،نــزل
الحلل والحرام ،ولو نــزل أول شــيء ل تشــربوا الخمــر ،
لقالوا :ل ندع الخمر أبدا .ولــو نــزل ل تزنــوا ،لقــالوا :ل
ندع الزنا أبدا ( أخرجه البخاري في فضائل القــرآن ،بــاب
تأليف القرآن ،صحيح البخاري بشرح فتح الباري 38 / 9
برقم . . 4993
ونجد هذا التدرج في تحريم الربا فــي أربــع آيــات قرآنيــة ،
تتعلق بتحريم الربا ،واحدة منها نزلت بمكــة ،وثلث فــي
المدينة .
م ما آت َي ْت ُ ْ الية الولى :قوله تعالى :سورة الروم الية 39وَ َ
َ
م ما آت َي ُْتــ ْ عن ْد َ الل ّهِ وَ َ س فََل ي َْرُبو ِ ل الّنا ُ ِ وا ِ م َ ن رًِبا ل ِي َْرب ُوَ ِفي أ ْ م ْ ِ
ن. ضعُِفو َ م ْ م ال ْ ُ ك هُ ُه الل ّهِ فَأول َئ ِ َ ج َ ن وَ ْ دو َ ري ُ كاةٍ ت ُ ِ ن َز َ م ْ ِ
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(228 :
ُْ
النساء الية 160فَب ِظلم ٍ ُ
الية الثانية :قوله تعالى :سورة
م ص ـد ّهِ ْ م وَب ِ َ ت ل َهُ ـ ْحل ّ ْ تأ ِ م ط َي َّبا ٍ مَنا عَل َي ْهِ ْ حّر ْ دوا َ ها ُ ن َ ذي َ ن ال ّ ِ م َ ِ
م َ
ل الل ّـهِ ك َِثي ـًرا ســورة النســاء اليــة 161وَأ ْ
خ ـذِهِ ُ سِبي ِ ن َ عَ ْ
َ َ
ل. س ِبال َْباط ِ ِ ل الّنا ِ وا َ م َمأ ْ ه وَأك ْل ِهِ ْ الّرَبا وَقَد ْ ن ُُهوا عَن ْ ُ
وجاءت هذه الية لتوجه النظار ،تهيــء النفــوس ،لتقبــل
فكرة التحريم .
الية الثالثة :قوله تعالى :سورة آل عمران اليــة 130ي َــا
َ ْ َ
ة َوات ُّقوا الّلــ َ
ه ضاعََف ً م َ ضَعاًفا ُ مُنوا َل ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ نآ َ ذي َ أي َّها ال ّ ِ
ن.حو َ م ت ُْفل ِ ُ ل َعَل ّك ُ ْ
وجــاءت هــذه اليــة لتفيــد تحريــم الربــا فــي الضــعاف
المضاعفة ،وهي إحدى حالت الربا .
ن ذي َ الية الرابعة :قوله تعالى :سورة البقرة الية 275ال ّ ِ
خب ّ ُ ْ
هطــ ُ ذي ي َت َ َ م اّلــ ِ مــا ي َُقــو ُ ن إ ِّل ك َ َ مــو َ ن الّرَبــا َل ي َُقو ُ َيــأك ُُلو َ
س اليات . م ّ ن ال ْ َ م َ ن ِ طا ُ شي ْ َ ال ّ
فهذه الية صريحة في تحريم جميــع أنــواع الربــا ،ل فــرق
بين القليل والكثير في ذلك .
590
ذو ن ُ كا َن َ - 9في قوله تعالى :سورة البقرة الية 280وَإ ِ ْ
ة
سَر ٍمي ْ َسَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َعُ ْ
نسخ لما كان عليه العمل في الجاهلية ،وصــدر الســلم ،
من أن الحر يباع بالدين ،إن عجز عن سداده ،ويبين ذلك
ما أخرجه الدارقطني عن زيد بن أسلم قال :رأيت شــيخا
بالسكندرية ،يقال
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(229 :
له ) :سرق ( ،فقلت :مــا هــذا السـم ؛ فقــال :ســمانيه
رسول الله -صلى الله عليه وسلم -ولــن أدعــه ،قلــت :
لم سماك ؟ ،قال قدمت المدينة فأخبرتهم أن مالي يقدم
،فبايعوني فاستهلكت أموالهم ،فأتوا بي إلى رسول اللــه
-صلى الله عليه وسلم -فقال لي :أنت ســرق ،وبــاعني
بأربعة أبعرة ،فقال الغرماء للذي اشتراني :ما تصنع به ،
قال :أعتقه ،فلســنا بأزهــد منــك فــي الجــر ،فــأعتقوني
بينهم ،وبقي اسمي .
وأخرج البزار مثل ذلك ،ولكن هذه الروايات ل يحتج بها .
وروي عن ابن عباس أن المهال إنما هو في الربا خاصة .
أما في سائر الــديون فــإنه يــدفع أو يحبــس حــتى يــوفي ،
وهذا في حالة عدم وجود الفقر المــدقع ،أمــا إذا كــان لــه
مال ،فإنه يحجر على ماله أو عقاره في الدين .
وقيــل :إن المهــال عــام فــي الربــا ،وفــي الــديون علــى
عمومها .
وقد ذكر عن شريح القاضي أنه أمر بحبس المدعى عليه ،
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(230 :
لنه لم يدفع ما في ذمته ،فقيل لــه :إنــه معســر ،فقــال
شريح :إنما ذلك في الربا تفســير الــرازي . 111 / 7ـ ،
هن الل ّ َوالله تعالى قال في كتابه :سورة النساء الية 58إ ِ ّ
ت إ َِلى أ َهْل َِها . َ يأ ْمرك ُ َ
ماَنا ِدوا اْل َ ن ت ُؤَ ّ
مأ ْ َ ُ ُ ْ
ولكن الصــحيح أن المهــال عــام فــي كــل ديــن ،اســتدلل
ة
سـَر ٍ ذو عُ ْ ن ُ ن َ
كا َ بقوله تعالى :سورة البقرة الية 280وَإ ِ ْ
س ـَرةٍ وهــذا قــول عامــة الفقهــاء ،كــأبي فَن َظ ِـَرةٌ إ ِل َــى َ
مي ْ َ
حنيفة ،ومالك ،والشافعي تفسير الرازي . . 111 / 7
591
وذكر الفخر الرازي :أن وجوب النظار ،لما ثبت في هذه
الية بحكم النص ،ثبت وجوبه في سائر الصــور .وهــو أن
العاجز عن أداء المال ل يجوز تكليفه به تفسير الرازي / 7
. . 111
- 10من كثرت عليه الــديون ،ولــم يســتطع الوفــاء بهــا ،
فللحاكم أن يخلعه عن ماله كلــه ،ول يــترك لــه خادمــا ول
مسكنا ،ول يبقى له إل ملبسه تفسير القرطبي 372 / 3
..
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(231 :
ومما يدل علــى ذلــك ،مــا أخرجــه مســلم فــي صــحيحه ،
وأصحاب السنن ،عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه
-قــال صــحيح مســلم المســاقاة ),(1556ســنن الترمــذي
الزكاة ),(655سنن النسائي البيوع ),(4530سنن أبو داود
البيوع ),(3469سـنن ابــن مــاجه الحكــام ),(2356مســند
أحمد بن حنبل ) .(3/58أصيب رجل في عهد رســول اللــه
-صلى الله عليه وســلم -فــي ثمــار ابتاعهــا فكــثر دينــه ،
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -لغرمائه :خذوا
ما وجدتم وليس لكم إل ذلك .
وقال أبو حنيفة :يحبس ويلزم ،لمكان أن يظهر له مــال
في المستقبل .
ويحبس على الصحيح من قــول الجمهــور حــتى يتــبين أنــه
معسر ،أو إذا اتهم بأنه غيب ماله ،أمــا إذا صــح عســره ،
فل يحبس على الصحيح تفسير القرطبي . . 372 / 3
ويستحب لصاحب الدين أن ينظــر المــدين المعســر ،ولــه
بــذلك فضــل وأجــر ،ولــه بكــل يــوم أنظــر فيــه المعســر
صدقة ،وجاء في الصحيح
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(232 :
أن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم قــال :صــحيح
البخاري في الستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس )
,(2261صحيح مسـلم المســاقاة ),(1561ســنن الترمـذي
البيوع ),(1307سـنن ابــن مــاجه الحكــام ),(2420مســند
أحمد بن حنبل ) .(4/120حوسب رجل ممن كان قبلكــم ،
فلم يوجد له من الخير شيء ،إل أنه كان يخالط النــاس ،
592
وكان موسرا ،فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر
،قال :قال الله عز وجل :نحن أحق بــذلك منــه ،تجــاوزوا
عنه .
- 11روي عن ابن عباس رضي الله عنهمــا :أنــه لــو أصــر
أهل بلدة على أكل الربا ،فإن للمام أن يســتتيبهم ،فــإن
لــم يرجعــوا فــإنهم يقــاتلون ،ويصــح للمــام أن يحــاربهم
تفسير القرطبي . .364 , 363 / 3
وقال ابن خويز منداد :لو أن أهل بلد اصطلحوا على الربا
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(233 :
استحلل كانوا مرتدين ،والحكــم فيهــم كــالحكم فــي أهــل
الــردة ،وإن لــم يكــن ذلــك منهــم اســتحلل ،جــاز للمــام
محاربتهم ،أل ترى أن الله تعالى قد أذن في ذلــك فقــال:
سورة البقرة الية َ 279فـأ ْ
ه
ســول ِ ِن الّلـهِ وََر ُ َ مـ
ِ ب
ٍ ر
ْ حـَ ِ ب نواُ َ ذ
الدر المنثور . . 108 / 2
- 12مــن شــروط التوبــة الصــادقة لكــل الربــا ،أن يــرد
المرابي المال الذي أخذه زيادة ،والكتفاء برأس المــال ،
نويدل على ذلك قوله تعالى :سورة البقرة اليــة 279وَإ ِ ْ
َ
ن. مو َ ن وََل ت ُظ ْل َ ُمو َ م َل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ
م َ
سأ ْ م فَل َك ُ ْ
م ُرُءو ُ ت ُب ْت ُ ْ
ويجب على من أخذ المـال ،أن يعيـد رأس المـال كـامل ،
ول يؤخر الدفع إن كان موسرا ،فقد صح عن رسول اللــه
صلى الله عليـه وسـلم قـوله :مطـل الغنـي ظلـم .وقـال
عليه الصلة والسلم :لي الواجد يحل عرضه وعقوبته وإذا
طالت المدة ،ولم يعــرف الرجــل الــذي أخــذ منــه الربــا ،
فعلــى آكــل الربــا التــائب أن يتحــرى ،فــإن عجــز عــن
معرفته ،فله أن يتصدق بهذا المال عنه .
- 13الربا في دار الحرب :
ذهب الحنفية خلفا لبي يوسف ،إلى جواز أخذ الربــا مــن
الكفار في دار الحرب؛ لن مال الحربي مباح بغير عقد .
واحتجوا لرأيهم بما روي عن مكحول عن النبي صلى اللــه
عليــه وســلم قــال :ل ربــا بيــن المســلمين وبيــن أهــل دار
الحرب .
593
وهذا الحديث وإن كان مرسل ،إل أن مكحول فقيــه ثقــة ،
والمرسل منــه مقبــول المبســوط للسرخســي 56 / 14
حاشية ابن عابدين . .186 / 5
كما استدلوا بما جاء في تفسير قوله تعالى :سورة الــروم
م سورة الــروم ت الّرو ُ الية 1الم سورة الروم الية 2غُل ِب َ ِ
َْ َ
ن، سـي َغْل ُِبو َ ن ب َعْـدِ غَل َب ِهِـ ْ
م َ مـ ْم ِض وَهُـ ْ
الية ِ 3في أد َْنى الْر ِ
فقد ورد أن أبا بكر رضي الله عنه خاطر المشركين علــى
غلب الروم لفارس ،كمــا أخــبرت اليــة الكريمــة ،فأجــاز
عليــه الصــلة والســلم لبــي بكــر أن يأخــذ خطــره ،وهــو
القمار بعينه ،بين أبي بكر ومشركي مكة ،
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(235 :
وكانت مكة دار شرك .
ويرد جمهور العلماء على هذا الدليل ،بأن ذلك كــان قبــل
تحريم المخاطرة والمقامرة ،وبعد أن تحقق نصر الروم ،
وأخذ أبو بكر رضي الله عنه ما خاطر عليه ،تصدق به .
وذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة
شرح فتح القــدير ، 38 / 7الربــا والقــروض ص . 95ـ ،
ومعهم أبو يوسف من الحنفية ،إلى تحريم الربــا مطلقــا ،
بل تفريق بين دار السلم ودار الحرب ،فما هو محرم في
دار الســـلم ،فهـــو محــرم فــي دار الحــرب ،كــالخمر
والخنزير وسائر المحرمات .
وقالوا :إن حديث مكحول مرسل وضعيف ،فل حجة فيه ،
وهو محتمل للنهي ،فهو نفي في معنى النهــي ،كمــا فــي
ق
ســو َ ث وََل فُ ُ قوله تعالى :سورة البقرة الية 197فََل َرفَ ـ َ
ج. ل ِفي ال ْ َ
ح ّ دا َ وََل ِ
ج َ
وأما القول بأن أموال الحربي مباحــة بل عقــد ،فل نســلم
هذه الدعوى ،إن دخلها مسلم بأمان ،وإن كان بغير أمان
،فالعلة منتقضة .
ول يلزم من كون أموالهم تباح بالغتنام اســتباحتها بالعقــد
الفاسد المجموع للنووي. 392 / 9 ،
كما أن وضع الموال عند الكفـار بـدعوى جــواز أخــذ الربـا
منهم ،إنما يكون لهم عونا على قتال المســلمين ،ووضــع
اقتصاد المسلمين بأيدي أعدائهم .وقد وصل الحال ببعض
594
هؤلء الجامدين أن يفتوا بوضع الموال في بنــوك الكفــار؛
لن الربا في هذا الحال جــائز ،وقــال بعضــهم :بــل توضــع
في بنوك الكفار من غير ربا .
أما مجرد وضع الموال في بنوك المسلمين ،فإن هذا ربــا
محرم ،وإن كان بغير فائدة ،فهو محــرم عنــدهم كــذلك ،
لما فيه من العانة لهذه البنوك .
ولله المر مــن قبــل ومــن بعــد ،فقــد اختلطــت العقــول ،
ولعبت بالرءوس الهــواء ،ومــات العلــم بمــوت العلمــاء ،
واتخذ الناس من بعد ذلك رءوسا جهال ،يفتون بغير علم ،
فيضلون ويضلون .
- 14شبهات حول الربا:
يخوض بعض المتأخرين في شبهات حــول الربــا ،منهــا أن
القتصاد العالمي قائم على البنوك والتعامل بالربا .ومنهــا
أن عمــل البنــوك اليــوم يشــبه المضــاربة ،فالبنــك يجنــي
أرباحا من هذه الودائع ،وهو يدفع نسبة مـن هـذه الفـوائد
عن طواعية ورضا .وإذا وضعنا هذه
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(237 :
الموال في البنوك دون أخذ فائدة -أي الربا -فإننــا نعيــن
البنــك بــذلك ،وإذا أخــذناها ،فيمكــن أن نســاعد منهــا
المحتاجين ،ومعظم هذه الشبهات الــدائرة يجمعهــا قــول
الكفار منذ ألــف وأربعمــائة عــام ،فيمــا حكــاه عنهــم اللــه
ل الّرب َــا فــوجه ما ال ْب َي ْعُ ِ
مث ْ ُ تعالى :سورة البقرة الية 275إ ِن ّ َ
المشابهة لمن أراد أن يتلعب بشرع الله يمكن أن يوجد ،
ولكن الله أحل البيع وحرم الربا .
ونقــول :إن شــيوع الباطــل ل يجعلــه حقــا ،وقــد بــدأت
محاولت محدودة للتعامل البنكي ،قائمة على منهج الــبيع
وتحريم الربا ،وهي داخلــة تحــت مــا أطلــق عليــه البنــوك
الســلمية .وهــذه البنــوك تحــارب مــن بعــض علمــاء
المســلمين ،كمــا تحــارب مــن البنــوك الخــرى الربويــة
بدعاوى مختلفة .
ومن ضمن هذه المغالطــات ،أن البنــوك الســلمية تــدفع
ربحا غير محدد ،بينما تدفع البنوك الخــرى ربحــا محــددا ،
وهذه أضمن لمصلحة الفقيــر ،كمــا أنــه يمكــن اعتبــار مــا
595
يــدفعه البنــك مــن ربــا ،بمثابــة نســبة ربــح قياســا علــى
المضــاربة ،خاصــة وأن البنــك يــدفعها عــن رضــا ورحابــة
صدر ،وإذا خسر البنك ،فيمكنه أن يلجأ للقضــاء ،ويثبــت
خسارته ،وبالتالي فإنه يصبح غير ملزم بدفع نســبة الربــح
المنصوص عليها .
وأقول :إن مثل هذه الشبهات هي ترقيــع لواقــع اقتصــادي
بعيد عن السلم ،ورحم اللــه المــام إبراهيــم بــن أدهــم ،
وهو القائل:
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ...فل ديننا يبقى ول ما نرقع
وإل فإن هذا الواقع الربوي ،هو الــذي كــان موجــودا قبــل
السلم ،وهو ربا النسيئة ،وكان يمكن لذلك المرابــي أن
يقول :إن الذي أخذ المــال بالربــا ،اشــترى بــه إبل وأرضــا
وتاجر فيـه ،وليـس بمحــرم علــي أن يعطينـي نسـبة ممـا
ربحه ،وكثير من الذين يأخذون الربا قــديما وحــديثا ،إنمــا
يأخــذونه للســتثمار ،وقليــل منهــم الــذي يأخــذ للحاجــة
الماسة أو للضرورة .
ول أدعي أن البنوك السلمية تمثــل شــرع اللــه الحنيــف ،
وبعيدة عن النقص في بعض جوانبها ،ولكن يمكن القول :
إن التعامل الساس المعلن لهذا البنك ،هو موافق لشــرع
الله ،أما أن البنك قد يستعمل هذه الموال استعمال فيــه
شبهة ،فالثم على من كذب وغير ،أما صاحب المال فقد
اتفق على أن يكون التعامل موافقا لشرع الله .
وبالتالي فإن تشويش بعض العلماء على البنوك السـلمية
،إنما يصب في خدمة البنوك الربوية .
ول أريد أن أذكر أسماء في هذا المقام ،ولكن أحيــل إلــى
بعض المراجع لمن أحب الستزادة والستفادة .
- 15السلم والمحاقلة والمزابنة والمخابرة :
هناك بعض المســائل المتعلقــة بالربــا ،وهــي أقــرب إلــى
مسائل الفروع ،والتعرض لها يطيل البحث .
منها حكم السلم ،وبيع الحيوان بــالحيوانين نســيئة ،وبيــع
اللحم بالحيوان انظر المغني ،90 / 6مسألة رقــم ،713
نيل الوطار 313 / 5شرح السنة ، . 86 -81 / 8وكذلك
أحكام المحاقلة والمزابنة والمخابرة وكثير
596
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(240 :
من المعاملت الــتي يمكــن أن تلحــق بالربــا ،وهــي تحــت
باب البيوع ،وللعلماء فيها تفصيلت وخلف ،فــتراجع فــي
كتب الفقه .
م
مــا آت َي ْت ُـ ْ
- 16في قوله تعالى :ســورة الــروم اليــة 39وَ َ
عن ْد َ الل ّهِ .
س فََل ي َْرُبو ِ َ
ل الّنا ِ
وا ِ
م َ
ن رًِبا ل ِي َْرب ُوَ ِفي أ ْ
م ْ
ِ
روي عن ابن عباس رضي الله عنهمــا :أن هــذه اليــة فــي
الرجل يهــدي غيــره هديــة ،يرجــو أن يثــاب أفضــل منهــا .
فذلك الذي ل يربو عند اللـه ،ول يــؤجر صـاحبه ،ولكــن ل
إثم عليه تفسير القرطبي . . 36 / 14
وقال القاضي أبو بكر بن العربي :صريح الية فيمن يهــب
الهبة يطلب الزيادة من أموال الناس في المكافأة .
وقال المهلب تفسير القرطبي : 37 / 14اختلف العلماء
فيمن وهب وهبة يطلب ثوابها ،وقال :إنما أردت الثواب ،
فقــال مالــك :ينظــر فيــه ،فــإن كــان مثلــه ممــن يطلــب
الثواب من الموهــوب لــه ،فلــه ذلــك .مثــل :هبــة الفقيــر
للغني ،وهبة الخادم لصاحبه ،وهبــة الرجــل لميــره ومــن
فوقه ،وهو أحد قولي الشافعي .
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(241 :
وقال أبو حنيفة :ل يكون له ثــواب إذا لــم يشــترط ،وهــو
قول الشافعي الخر .
وأخرج مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب رضي اللــه
عنه أنه قال :أيما رجل وهب هبة يرى أنهــا للثــواب ،فهــو
على هبته حتى يرضى منها تفسير القرطبي . .38 / 14
وروي عن عمر رضي الله عنــه أنــه قــال :مــن وهــب هبــة
لصلة رحم أو على وجه صدقة ،فإنه ل يرجع فيهــا ،ومــن
وهب هبة يرى أنه إنما أراد بهــا الثــواب ،فهــو علــى هبتــه
يرجع فيها إن لم يرض منها .
وترجم البخاري في صحيحه )بــاب المكافــأة فــي الهبــة( ،
وساق حديث عائشة رضي الله عنها ،حيث قالت :صــحيح
البخــاري الهبــة وفضــلها والتحريــض عليهــا ),(2445ســنن
الترمــذي الــبر والصــلة ),(1953ســنن أبــو داود الــبيوع )
597
,(3536مسند أحمد بن حنبــل ) .(6/90كــان رســول اللــه
صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها .
وجــاء فــي ســنن الترمــذي ســنن الترمــذي المنــاقب )
,(3945ســنن أبــو داود الــبيوع ),(3537مســند أحمــد بــن
حنبل ) .(2/292أن أعرابيا أهدى إلــى رســول اللــه صــلى
الله عليه وسلم بكرة البكرة :الفتية من النــوق ، .فعوضــه
منها ست بكرات ،فتسخط ،فبلغ ذلك رسول اللــه صــلى
الله عليه وسلم ،فحمد الله ،وأثنــى عليــه ،ثــم قــال :إن
فلنا أهدى إلي بكرة ،فعوضته منها بست بكرات ،ويظل
ساخطا ،لقد هممت أن ل أقبل هدية إل مــن قرشــي ،أو
أنصاري ،أو ثقفي ،أو دوسي
- 17ورد في سبب نزول قوله تعالى :سورة الــروم اليــة
س أنها في قدوم َ
ل الّنا ِ
وا ِ
م َ
ن رًِبا ل ِي َْرب ُوَ ِفي أ ْ م ْم ِ ما آت َي ْت ُ ْ 39وَ َ
وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وســلم ومعهــم
هدية ،فقــال :أهديــة أم صــدقة ،فــإن كــانت هديــة فإنمــا
يبتغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقضــاء
الحاجة ،وإن كانت صدقة فإنما يبتغــى بهــا وجــه اللــه عــز
وجل ،فقالوا :ل ،بل هدية .فقبلهــا منهــم ،وقعــد معهــم
يسائلهم ويسائلونه أخرجه النسائي 279 / 6في العمرى،
باب عطية المرأة بغير إذن زوجهــا) ،جــامع الصــول / 11
614رقم . .(9229
وقــال ابــن عبــاس :نزلــت فــي قــوم يعطــون قرابــاتهم
وإخــوانهم علــى معنــى نفعهــم والتفضــل عليهــم تفســير
القرطبي . . 37 / 14
وقال السدي :نزلت هذه الية في ربا ثقيف؛ لنهــم كــانوا
يعملون بالربا تفسير القرطبي . . 37 / 14
وعلى قول السدي ،فإن الية في الربا المحرم المعهود .
- 18لقد ظهرت شبهات علــى ألســنة بعــض المتــأخرين ،
هي نفسها الشبهة التي ردهــا المشــركون فــي الجاهليــة ،
وتدور هــذه الشــبهات حــول قــولهم :ســورة البقــرة اليــة
ل الّرَبا ،فيقولون :إن الذي يأخــذ الربــا مث ْ ُما ال ْب َي ْعُ ِ 275إ ِن ّ َ
يربح ويكسب أضعاف النسبة الربوية ،ونحن إن لم نلزمه
بنسبة معينة من الربح ،فإنه قد يكذب ويدعي الخسارة .
598
فالبنــك هــو الــذي يبحــث عــن العملء ،ويغريهــم بوضــع
أموالهم مقابل فائدة معينــة ،يطلقــون عليهــا اســم نســبة
من الربح ،ويقولون :إن البنك ل يخسر في تعــامله ،وإذا
خسر حقيقة فأمامه القضاء ليثبت ذلك ،وعندها قد يخسر
المودع جزءا من رأس ماله .
وهذه الشبهة على قوتها في الظاهر ،فهــي متهالكــة فــي
الحقيقــة لن ذلــك العرابــي فــي الجاهليــة عنــدما يأخــذ
بالربا ،قد يشتري عقارا أو أنعاما ،وقد يكسـب فـي ذلـك
أكثر من النسبة الربوية ،وهذه مسألة ل تخفى على أحد .
فتحريم الربا إنما هو تحريم لنظام مــالي قــائم علــى هــذه
الصول الفاسدة انظر كتاب )التدابير المالية الواقيــة مــن
الربا( للدكتور /فضل إلهي ظهير ، .والبديل عن ذلك هــو
قيــام شــركات الســتثمار الســلمية الــتي نجحــت نجاحــا
متميزا ،حتى تدخلت فيها النظمة وأفشلتها وفــق نصــائح
غربية مفضوحة ،بــدعوى أن الــذي يملــك القتصــاد يملــك
الحكم .
والكفـــار يريـــدون الســـتئثار بالمـــال والقـــوة ،ليبقـــى
المسلمون تحت أيديهم ورهن قراراتهم .
- 19وفي قوله تعــالى :ســورة آل عمــران اليــة 130ي َــا
َ ْ َ
ة َوات ُّقوا الّلــ َ
ه ضاعََف ً
م َ مُنوا َل ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ
ضَعاًفا ُ نآ َ ذي َ أي َّها ال ّ ِ
ن.
حو َ م ت ُْفل ِ ُ ل َعَل ّك ُ ْ
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(244 :
ذهب بعض المتأخرين إلى أن الربــا يكــون حرامــا إذا كــان
أضعافا مضاعفة ،أما إذا كــان بنســبة معقولــة ،فــإن هــذا
ليس ربا ،ول يكون حراما ،وجعلوا قوله تعالى :سورة آل
َ
ة قيدا وعلة في التحريــم ضاعََف ًم َضَعاًفا ُعمران الية 130أ ْ
في ظلل القرآن . 473 / 4وهذا فهم يدل على انحراف
في التفكير وسوء قصد .فقوله تعالى :ســورة آل عمــران
َ
ة إنما هو وصف لواقــع جــاهلي ، ضاعََف ً
م َ ضَعاًفا ُ
الية 130أ ْ
ينفر الســامع مــن التعامــل بــه ،فقــد كــانوا فــي الجاهليــة
يقولون إذا حل الدين :إما أن تقضي وإما أن تربي ،فــإن
قضاه وإل زاده الخر في المال ،وهكــذا كــل عــام ،حــتى
يصبح أصل المال مضاعفا .فأمرهم اللــه بــالتقوى ،وبيــن
599
لهم أن ترك التعامل بالربــا مــن أســباب الفلح ،وحــذرهم
مــن نــار جهنــم الــتي أعــدت للكــافرين ،ومــن هــم علــى
شاكلتهم .
وقد جاء تحريــم الربــا علــى إطلقــه فــي ســورة البقــرة ،
وبينت ذلك السنة الصحيحة .
- 20بيع الحيوان بالحيوان:
يحرم ربا النسيئة في بيع كل جنســين اتفقــا فــي علــة ربــا
الفضل ،وقد ذكرنا الخلف في علة تحريم ربا الفضل عند
العلماء .
وقد اختلف العلماء في حكم بيع الحيوان بالحيوان نسيئة .
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(245 :
فذهب الحنفية ،ورواية عند الحنابلة -إلــى أنــه يجــوز بيــع
الحيوان بالحيوان إذا كان يــدا بيــد ،ول يشــترط التماثــل ،
ويجوز التفاضل ،كبيع حيوان بحيوانين ،ولكــن يحــرم كــل
ذلــك فــي النســيئة المغنــي لبــن قدامــة 65 / 6الربــا
والقروض ص . .52
وقال الشوكاني :إنه ل خلف بين العلمــاء فــي جــواز بيــع
الحيوان بالحيوان متفاضل ،إذا كان يدا بيد ،وإنما الخلف
في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة نيل الوطار . . 314 / 5
واستدل أصحاب هذا القول بما روي عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال :نهى رسول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم
عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة .
وكذلك ما روي عن الحسن بن سمرة رضي الله عنه قال:
ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1237ســنن النســائي الــبيوع )
,(4620ســنن أبــو داود الــبيوع ),(3356ســنن ابــن مــاجه
التجــارات ),(2270مسـند أحمـد بــن حنبــل ),(5/19سـنن
الدارمي البيوع ) .(2564نهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ( .
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(246 :
ووجه الســتدلل فــي هــذين الحــديثين :أن النهــي منصــب
على التفاضل نسيئة ،فإذا كان التفاضل يدا بيــد فل حــرج
في ذلك .
600
وقال المام مالك :المر المجتمع عليه عندنا ،أنه ل بأس
في الجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم يــدا بيــد .وقــال :ل
خير في الجمــل بالجمــل مثلــه وزيــادة دراهــم ،إذا كــانت
الدراهم نقدا والجمل إلى أجل .وكذلك إن أخرت الجمــل
والدراهم فل خير فــي ذلــك أيضــا .ثــم قــال :ول بــأس أن
يبتاع البعير النجيب بالبعيرين .
وتفسير ما كره مــن ذلـك هـو :أن يؤخــذ البعيــر بــالبعيرين
ليس بينهما تفاضل في النجابة ،فإذا كان على هذه الحال
فل يشتري منه اثنان بواحد إلى أجل موطأ مالك 652 / 2
..
وذهب الشافعية المغني لبن قدامة ،64 / 6رقم المسألة
،706الربا والقروض ص .53وهــو روايــة عــن المالكيــة ،
ورواية عن الحنابلــة ،إلــى :جــواز بيــع الحيــوان بــالحيوان
مطلقا ،ولو كان من جنسه ،متفاضل يدا بيد ،أو متفاضل
نسيئة ،كمن يبيع بعيرا ببعيرين حال أو إلى أجل .
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(247 :
واستدلوا بعدة أدلة من الحــاديث والثــار ،نــذكر منهــا مــا
يلي:
- 1ما أخرجه أحمد وأبو داود أخرجــه أحمــد فــي المســند
،216 / 2وأبو داود رقم ،3357وأخرجه عبد الرزاق في
مصنفه 22 / 8رقم .14144عن عبد الله بن عمرو بــن
العاص رضي اللــه عنهمــا ،قــال :ســنن أبــو داود الــبيوع )
,(3357مسند أحمــد بــن حنبــل ) .(2/216أمرنــي رســول
الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث جيشا على إبــل كــانت
عندي ،قــال :فحملــت النــاس عليهــا حــتى نفــدت البــل ،
وبقيت بقية من الناس ،قال :فقلت :يا رسول اللــه البــل
قد نفدت ،وقد بقيت بقية من الناس ل ظهر لهــم .فقــال
لي)) :ابتع علينا إبل بقلئص من إبل الصدقة ،إلــى محلهــا
حــتى ننفــذ هــذا البعــث(( .قــال :وكنــت أبتــاع البعيــر
بالقلوصــين القلــوص :الشــابة مــن النــوق ،وهــي بمنزلــة
الجارية من النساء وجمعها قلص وقلئص )مختار الصحاح،
مادة قلص( ، .وبالثلث قلئص من إبل الصدقة إلى محلها
601
،حتى نفذت ذلك البعث ،فلما جاءت إبــل الصــدقة أداهــا
رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وجاء في بداية هذه الرواية عن عبــد اللــه بــن عمــرو كمــا
أخرجها أحمد :أن رجل سأل عبد الله بن عمــرو فقــال :يــا
أبا محمد إنا بأرض لسنا نجد بهــا الــدينار والــدرهم ،وإنمــا
أموالنــا المواشــي ،فنحــن نتبايعهــا بيننــا ،فنبتــاع البقــرة
بالشــاء نظــرة إلــى أجــل ،والبعيــر بــالبقرات ،والفــرس
بالباعر ،كل ذلــك إلــى أجــل ،فهــل علينــا فــي ذلــك مــن
بأس؟! فقال )الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(248 :
عبد الله بن عمرو :على الخبير سقطت ثم ذكــر الحــديث
تم تخريج الحديث آنفا. .
- 2ما رواه مالك والشافعي عن علي رضي الله عنــه أنــه
باع جمل يدعى )عصيفيرا( بعشرين بعيرا إلى أجــل موطــأ
مالك ،652 / 2وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه ،22 / 8
رقم . .14142
- 3ما ذكره البخاري في صحيحه تعليقــا أن عبــد اللــه بــن
عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة ،يوفيها صــاحبها
بالربذة .
- 4ما ذكره البخــاري فــي صــحيحه تعليقــا ،ووصــله عبــد
الرزاق ،أن رافع بن خديج اشترى بعيرا ببعيرين ،فأعطاه
أحدهما ،وقال :آتيك بالخر غدا علقــه الــبيهقي عــن رافــع
بن خديج ،287 / 5وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه / 8
22رقم . .14141
)الجزء رقم ،66 :الصفحة رقم(249 :
- 5ما رواه البخاري ومالك ،عن سعيد بــن المســيب أنــه
قال:
) ل ربا في الحيـوان( مصـنف عبـد الــرزاق 20 / 8رقـم
،14137موطأ مالك ،654 / 2باب ما ل يجوز مــن بيــع
الحيوان .وقد نظر الشوكاني في هذه الدلة ثم خلص إلى
القول:
ل شك أن أحاديث النهي وإن كان كل واحــد منهــا ل يخلــو
من مقال ،لكنهــا ثبتــت مــن طريــق ثلثــة مــن الصــحابة ،
سمرة ،وجابر بن سـمرة ،وابـن عبـاس ،وبعضـها يقـوي
602
بعضا ،فهي أرجح من حديث واحد غير خال من المقــال ،
وهــو حــديث عبــد اللــه بــن عمــرو ،ول ســيما وقــد صــحح
الترمــذي وابــن الجــارود حــديث ســمرة ،وقــد تقــرر فــي
الصول أن دليل التحريم أرجح من دليل الباحة .
وأما الثــار الــواردة عــن الصــحابة فل حجــة فيهــا ،وعلــى
فرض ذلك فهي مختلفة نيل الوطار ) . . 316 / 5الجزء
رقم ،66 :الصفحة رقم(250 :
====================
#علة الربا في النقدين
مجلة البحوث السلمية ) -ج / 1ص (216
علة الربا في النقدين
نظرا إلى أن الوراق النقدية أصبحت تلقى قبول عاما فــي
دنيا المعاوضات كوسيط للتبادل ،وأنها بــذلك حلــت محــل
الذهب والفضة في الثمنية وحيث إن السنة النبويــة نصــت
على جريان الربا بنوعيه في الذهب والفضة ،ونظــرا إلــى
أن أهل العلم اختلفوا في تعيين علة لجريان الربا فيهما .
نظرا إلــى ذلـك كلـه كـان مـن المناسـب أن يشــتمل هـذا
البحث على بيــان أقــوال أهــل العلــم فــي علــة الربــا فــي
النقدين ونقاش ما استند إليه كل قول مما يقبل النقاش .
لقد اختلف العلماء فــي تعليــل تحريــم الربــا فــي النقــدين
الذهب والفضة ،فمن نفــى التعليــل أو تعــذر عليــه إقامــة
دليل يرضاه لثبات علة التحريم :قصر العلة فيهما مطلقا
سواء كان تــبرا أو مســكوكين أو مصــنوعين وهــذا مــذهب
أهل الظاهر ونفاة القياس ،وابن عقيل من الحنابلة حيــث
إنه يرى العلة فيهما ضعيفة ل يقــاس عليهــا ،فل ربــا عنــد
هؤلء في الفلوس ول في الوراق النقديــة ول فــي غيرهــا
مما يعد نقدا ،وتحريم الربــا فيهمــا عنــدهم تعبــدي ،وأمــا
غيرهم فقد استنبط مناطا تنضبط به قاعدة ما يجري فيــه
الربـا إل أنهـم اختلفـوا فـي تخريـج المنـاط ويمكـن حصـر
آرائهم في ثلثة أقوال .
***
الول :
603
يتلخص القول الول في أن علة الربا فــي النقــدين الــوزن
لقوله صلى الله عليه وســلم ل تــبيعوا الــذهب بالــذهب إل
وزنا بوزن ) . (1ولقوله » :الذهب بالذهب وزنا بوزن مثل
بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثل بمثــل « ) (2وقــوله :
» ما وزن مثل بمثل « وقوله » :بــع الجمــع بالــدراهم ثــم
ابتع بالدراهم جنيبا (3) « ،وقال في الميزان مثــل ذلــك )
(4فجعل ضابط ما يجري فيه الربــا وتجــب فيــه المماثلــة
الوزن في الموزونات ،وطرد أصحاب هذا القول القاعــدة
فــي جريــان الربــا فــي كــل مــا يــوزن كالحديــد والنحــاس
والرصــاص والصــفر والصــوف والقطــن والكتــان ،وهــذا
القول هو المشهور عــن المــام أحمــد وهــو قــول النخعــي
والزهري والثوري وإســحاق وأصــحاب الــرأي ،ويمكــن أن
يورد على هذا القول ما يلي :
أ -الوزن وصف طردي محض ل مناسبة فيه ). (5
ب -العلمــاء متفقــون علــى جــواز إســلم النقــدين فــي
الموزنات وهذا بيع موزون بموزون إلــى أجــل وفــي جــواز
ذلك نقد للعلة ). (6
جـ -أن حكمة تحريم الربا ليست مقصورة على ما يوزن ،
بل هي متعدية إلى غيره مما يعد ثمنا ول يتعامــل بــه وزنــا
كالفلوس والورق النقدي فإن الظلم المراعى إبعــاده فــي
تحريم الربا في النقدين واقع في التعامل بــالورق النقــدي
وبشكل واضح في غالبه تتضاءل معه صورة الظلم الواقــع
في التعامل بالذهب والفضة متفاضل في الجنس أو نسيئة
فــي الجنســين نظــرا لرتفــاع القيمــة الثمنيــة فــي بعضــها
كفئات المائة ريال واللف دولر .
***
الثاني
ويتلخص هذا القول في أن علة الربــا فــي النقــدين غلبــت
الثمنية ،وهــذا القــول هــو المشــهور عــن المــامين مالــك
والشافعي ،فالعلة عندهما قاصرة على الذهب والفضــة ،
والقول بغلبة الثمنية احتراز عــن الفلــوس إذا راجــت رواج
النقدين ،فالثمنية طارئة عليهــا فل ربــا فيهــا ،ويمكــن أن
يورد على هذا الرأي ما يلي - :
604
__________
) (1أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي .
) (2صـــحيح البخـــاري الـــبيوع ),(2067صـــحيح مســـلم
المساقاة ),(1584ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1241ســنن
النسائي البيوع ),(4570موطأ مالك البيوع ).(1324
) (3صـــحيح البخـــاري الـــبيوع ),(2089صـــحيح مســـلم
المساقاة ),(1593ســنن النســائي الــبيوع ),(4553موطــأ
مالك البيوع ).(1314
) (4صحيح البخاري .
) (5انظر الجزء الثاني ص 137من إعلم الموقعين .
) (6انظر الجــزء الرابــع مــن المغنــي ص 4وانظــر الجــزء
التاســع والعشــرين ص 471مــن مجمــوع فتــاوى شــيخ
السلم ،وانظر الجزء الثاني ص 137من إعلم الموقعين
.
أ -أن العلة القاصرة ل يصح التعليل بهــا فــي اختيــار أكــثر
أهل العلم منقوضة طردا بـالفلوس ؛ لنهـا أثمــان وعكســا
بالحلي ). (1
ب -إن حكمة تحريم الربا فــي النقــدين ليســت مقصــورة
عليهما بل تتعــداهما إلــى غيرهمــا مــن الثمــان كــالفلوس
والورق النقدي .
***
الثالث :
ويتلخص في أن علة الربــا فــي النقــدين مطلــق الثمنيــة ،
وهذا القول إحدى الروايات عن المام أحمد ومالــك وأبــي
حنيفة قال أبو بكر من أصحاب أحمد روى ذلك عــن أحمــد
جماعة ،وهو اختيار شيخ السلم ابن تيميــة وتلميــذه ابــن
القيم -رحمهما الله -وغيرهما من محققي أهل العلم ). (2
وقد أورد ابن ملفح على هذا القــول إيــرادا ملخصــه :بــأن
التعليل بالثمنية تعليل بعلة قاصرة ل يصلح التعليل بها في
الكثر منقوضة طردا بالفلوس لنها أثمان وعكسا بــالحلي
). (3
ويمكــن أن يجــاب عــن هــذا اليــراد بــأنه ل يتجــه إل علــى
القائلين بغلبة الثمنية ،أما القــائلون بمطلــق الثمنيــة فلــم
605
يخرجوا الفلوس الرائجة عن حكــم النقــدين بــل اعتبروهــا
نقدا يجري فيه الربا كما يجري فيهما ،كما أنهم لم يقولوا
بجريان الربا في الحلي المصنوع مــن الــذهب أو الفضــة ؛
لن الصناعة قد نقلته من جنس الثمنية إلى أجناس السلع
والثياب ،ولهذا ل تجب فيه الزكاة علــى القــول المشــهور
في مذهب المام أحمد مع أنه من الــذهب والفضــة ). (4
كما يمكــن أن يــورد علــى القــائلين بمطلــق الثمنيــة إيــراد
ملخصه بأن إجماع العلماء منعقد على جريان الربا بنــوعيه
في الذهب والفضة سواء أكانا سبائك أو مسكوكين ،فمــا
سك منهما نقدا فل إشكال في جريان الربا فيه لكونه ثمنا
،وإنما الشكال في جريان الربا فــي ســبائكهما مــع أنهمــا
في حال كونهما سبائك ليسا ثمنا ،ويمكــن أن يجــاب عــن
هذا اليراد بأن الثمنية موغلة في الذهب والفضة وشــاملة
لسبائكهما بدليل أن السبائك الذهبية كانت تســتعمل نقــدا
قبل سكها نقودا ،وقد كان تقدير ثمنيتها بالوزن ومن ذلك
ما رواه الخمسة وصححه الترمذي » عن سويد بــن قيــس
قال جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا من هجر فأتينا بــه مكــة
فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشــي فســاومنا
ســراويل فبعنــاه وثــم رجــل يــزن بــالجرة فقــال لــه زن
وأرجح (5) « ،ومثله حديث
__________
) (1انظــر الجــزء التاســع مــن مجمــوع النــووي ص ،445
وانظر الجزء الثاني من الفروع ص . 545
) (2انظر جـ 29من مجموع فتاوى شيخ السلم ص 473
و ص 474وانظر جـ 2ص 137من إعلم الموقعين .
) (3انظر جـ 2ص 545من الفروع وتصحيحه .
) (4انظر الجــزء الثــاني مــن إعلم المــوقعين ص - 140
142وانظر الجزء التاسع والعشرين مــن مجمــوع فتــاوى
شيخ السلم ابن تيمية ص . 453
) (5سنن الترمذي البيوع ),(1305سنن النسائي الــبيوع )
,(4592ســنن أبــو داود الــبيوع ),(3336ســنن ابــن مــاجه
التجارات ),(2220مسند أحمد بــن حنبــل ),(4/352ســنن
الدارمي البيوع ).(2585
606
جابر في بيعــه جملــه علــى رســول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم حينما قال يا بلل أقضه وزده فأعطاه أربعــة دنــانير
وزاده قيراطا ). (1
هذا ما تيسر إيراده وبالله التوفيق وصلى الله على محمــد
وعلى آله وصحبه وسلم . . . . . .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء
عضو ...عضو ...نائب الرئيس ...رئيس اللجنة
عبد الله بن سليمان بن منيع ...عبد الله بن عبد الرحمــن
بن غديان ...عبد الرزاق عفيفي ...إبراهيم بن محمــد آل
الشيخ
__________
) (1انظر الجزء التاســع عشــر مــن مجمــوع فتــاوى شــيخ
السلم ص 248وانظر في الجابة عن هذا اليراد الجــزء
الثاني من إعلم الموقعين ص . 140
الخلصة
وبعد استعراض الهيئة للبحث المذكور ،وما فيه من أقوال
فقيهــة قيلــت فــي حقيقــة الوراق النقديــة مــن اعتبارهــا
إسنادا أو عروضا أو فلوســا أو بــدل عــن ذهـب أو فضـة أو
نقدا مستقل بذاته وما يترتب على تلك القوال من أحكــام
شرعية . .جرى تداول الرأي فيها ومناقشة مــا علــى كــل
قول منها من إيرادات .
كمـــا اســـتمع أعضـــاء الهيئة إلـــى آراء بعـــض الخـــبراء
المتخصصين في النقد الــورقي والعلــوم القتصــادية حــول
هذا الموضوع ،بعد ذلــك رأى مجلــس الهيئة بالكثريــة مــا
يلي :
بناء على أن النقد هو كل شيء يجري اعتباره فــي العــادة
أو الصطلح بحيث يلقى قبول عاما كوسيط للتبادل ،كمــا
أشار إلى ذلك شيخ السلم ابــن تيميــة حيــث قــال :وأمــا
الدرهم والدينار فما يعرف له حــد طبعــي ول شــرعي بــل
مرجعه إلى العادة والصطلح ،وذلــك لنــه فــي الصــل ل
يتعلــق المقصــود بــه بــل الغــرض أن يكــون معيــارا لمــا
يتعاملون به ،والدراهم والدنانير ل تقصد لنفسها بــل هــي
وسيلة إلى التعامل بها ،ولهذا كانت أثمانـا -إلـى أن قـال-
607
والوسيلة المحضة التي ل يتعلــق بهــا غــرض ل بمادتهــا ول
بصورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت ا هـ \ جـ ) ( 29
ص 251 :من مجموع الفتاوى .
وذكر نحو ذلك المام مالك في المدونة من كتاب الصرف
حيث قال :ولو أن الناس اجازوا بينهم الجلود حــتى يكــون
لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نســيئة .ا
هـ .
وحيث إن الــورق النقــدي يلقــى قبــول عامــا فــي التــداول
ويحمـــل خصـــائص الثمـــان مـــن كـــونه مقياســـا للقيـــم
ومســتودعا للــثروة وبــه البــراء العــام ،وحيــث ظهــر مــن
المناقشــة مــع المتخصصــين فــي إصــدار الــورق النقــدي
والعلوم القتصادية أن صفة السندية فيها غيــر مقصــودة ،
والواقع يشهد بذلك ويؤكده كمــا ظهــر أن الغطــاء ل يلــزم
أن يكــون شــامل لجميــع الوراق النقديــة ،بــل يجــوز فــي
عــرف جهــات الصــدار أن يكــون جــزء مــن عملتهــا بــدون
غطاء وأن الغطاء ل يلزم أن يكون ذهبا بل يجوز أن يكون
مــن أمــور عــدة كالــذهب والعملت الورقيــة القويــة ،وأن
الفضة ليست غطاء كليا أو جزئيــا لي عملــة فــي العــالم ،
كمــا اتضــح أن مقومــات الورقــة النقديــة قــوة وضــعفا
مســتمدة ممــا تكــون عليــه حكومتهــا مــن حــال اقتصــادية
فتقوى الورقة بقوة دولتها وتضعف بضعفها ،وأن الخامات
المحلية كالبترول والقطــن والصــوف لــم تعتــبر حــتى الن
لدى أي من جهات الصدار غطاء للعملت الورقية .
وحيث إن القول باعتبــار مطلــق الثمنيــة علــة فــي جريــان
الربا في النقدين هــو الظهــر دليل والقــرب إلــى مقاصــد
الشريعة وهــو إحــدى الروايــات عــن الئمــة مالــك ،وأبــي
حنيفة ،وأحمد ،قال أبو بكر :روى ذلك عن أحمد جماعة
كمــا هــو اختيــار بعــض المحققيــن مــن أهــل العلــم كشــيخ
السلم ابن تيمية وتلميذه ابــن القيــم وغيرهمــا . .وحيــث
إن الثمنية متحققة بوضوح في الوراق النقدية لــذلك كلــه
فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها :
أن الورق النقدي يعتبر نقدا قائما بذاته كقيام النقدية فــي
الذهب والفضة وغيرها مــن الثمــان ،وأنــه أجنــاس تتعــدد
608
بتعدد جهات الصدار بمعنــى أن الــورق النقــدي الســعودي
جنـس ،وأن الـورق النقـدي المريكـي جنـس وهكـذا كـل
عملة ورقية جنس مستقل بذاته ،وأنه يــترتب علــى ذلــك
الحكام الشرعية التية - :
أول :جريان الربا بنوعيه فيها كما يجري الربا بنــوعيه فــي
النقـــدين الـــذهب والفضـــة وفـــي غيرهـــا مـــن الثمـــان
كالفلوس ،وهذا يقتضي ما يلي :
أ -ل يجوز بيع بعضه ببعض أو بغيره من الجنــاس النقديــة
الخرى من ذهب أو فضــة أو غيرهمــا نســيئة مطلقــا ،فل
يجوز مثل بيع الدولر المريكي بخمســة أريلــة ســعودية أو
أقل أو أكثر نسيئة .
ب -ل يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضه ببعــض متفاضــل
سواء كان ذلك نسيئة أو يدا بيد ،فل يجوز مثل بيع عشــرة
أريلة سعودية ورق بأحد عشر ريال سعوديا ورقا . .
جـ -يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقــا إذا كــان
ذلك يدا بيد فيجوز بيـع الليـرة السـورية أو اللبنانيـة بريـال
سعودي ورقا كان أو فضة أو أقـل مـن ذلـك أو أكـثر وبيـع
الدولر المريكي بثلثة أريلة سعودية أو أقــل أو أكــثر ،إذا
كــان ذلــك يــدا بيــد ،ومثــل ذلــك فــي الجــواز بيــع الريــال
السعودي الفضة بثلثة أريلة سعودية ورق أو أقــل أو أكــثر
يــدا بيــد ؛ لن ذلــك يعتــبر بيــع جنــس بغيــر جنســه ول أثــر
لمجرد الشتراك في السم مع الختلف في الحقيقة .
ثانيا :وجوب زكاتها إذا بلغــت قيمتهــا أدنــى النصــابين مــن
ذهب أو فضة أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الثمان
والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لهل وجوبها .
ثالثا :جواز جعلها رأسمال في السلم والشركات . .
==============
#القول بوحدة الربا والختلف في أصله
مجلة البحوث السلمية ) -ج / 5ص (194
- 3القول بوحدة الربا والختلف في أصله
وقد تصدى علماء المسـلمين لتلـك المزاعـم وبينــوا أوجـه
البهتان فيما ادعته من أخذ عن اليهود فيما جاء بــه محمــد
صلى اللــه عليــه وســلم مــن أبــواب الربــا ،بيــد أن جــدال
609
أصحابها لفت الباحثين عن التفكر في حقيقــة مــا جــاء بــه
السلم متميــزا عمــا فــي صــحف اليهــود ،ومتطــورا عمــا
بلغوه في تفسيرات أحبارهم وأعراف أسواقهم ،ووجــدوا
أكثر مفسري القرآن لم يعرضوا لبيــان الربــا ،الــذي نهــي
نذي َ ن ال ّـ ِ مـ َ عنه بنو إسرائيل في قــوله تعــالى } :فَب ِظ ُل ْـم ٍ ِ
ل سـِبي ِ ن َ م عَـ ْ صد ّهِ ْم وَب ِ َ ت ل َهُ ْ حل ّ ْت أُ ِ م ط َي َّبا ٍ مَنا عَل َي ْهِ ْحّر ْدوا َ ها ُ َ
َ َ
الل ّهِ ك َِثيًرا { ) } (1وَأ ْ
م ه وَأك ْل ِهِـ ْ م الّرب َــا وَقَـد ْ ن ُهُــوا عَن ْـ ُ خـذِهِ ُ
َ ل وَأ َعْت َد َْنا ل ِل ْ َ أَ
ما { ذاًبا أِلي ً م عَ َ من ْهُ ْ
ن ِ ري َ كافِ ِ س ِبال َْباط ِ ِ ِ نا
ّ ال َ
ل واَ م
ْ
) (2وإنما قالوا:
__________
) (1سورة النساء الية 160
) (2سورة النساء الية 161
إن الية تدل على أن الربا كان محرما على اليهود كما هــو
محرم علينا ،وأن النهي يدل على حرمة الربا المنهي عنه
وإل لما توعد سبحانه وتعالى بالعذاب على مخالفته .
ورأى بعض الفقهاء عبارات التــوراة فــي النهــي عــن الربــا
تشبه في معانيها ومؤداهـا عبـارات القـرآن ،وأن الحكمـة
في نهي اليهود عن الربا هي دفع الظلــم والســتغلل عــن
المحتاج ،وهي الحكمة عينها التي صــرح بهــا القــرآن فــي
َ
وال ِك ُ ْ
م مــ َ سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْ ن ت ُب ْت ُ ْ
قوله تعالى لمن أربوا } :وَإ ِ ْ
ن { ) (1يعنــي ل تظلمــون فــي أخــذ مو َ ن َول ت ُظ ْل َ ُ مو َ ل ت َظ ْل ِ ُ
الربا ،فإن ما يقبضه المرابي من الربا هو بمثابــة المــوال
التي تصل إليه بالغصب والسلب ،وتوبــة المرابــي ســبيلها
أن يرد الربا على من أربى عليه ،فــإن أيــس مــن وجــوده
فليتصدق بذلك عنه ) (2وخلصــوا مــن ذلــك إلــى أن الربــا
الــذي حــرم علــى اليهــود ،هــو نفســه الــذي حــرم علــى
المسلمين ،والشــرائع يصــدق بعضــها بعضــا ،إذ كــل فــي
الصل من عند الله تعالى ). (3
وكان للقول بوحدة الربــا فــي الســلم آثــاره فــي دراســة
أصول أحكامه وتحديد نظريته لدى كــل مــن رجــال الفقــه
السلمي والقانون المدني جميعـا ،فقــد جعـل فريـق ربـا
البيوع راجعا إلى ربا الدين ،وجهــدوا فــي إثبــات خصــائص
ربا الدين في ربا الفضل وربا النسيئة معا ،فترخصوا فــي
610
تكييف الفضــل فــي الــبيوع الربويــة ،وهــو زيــادة مقــدار ،
ورأوه يشبه زيادة القيمة في ربا القــروض ،وحــاولوا فــي
جهد غير يسير أن يضعوا تعريفا موحدا يجمـع جميـع أنـواع
الربــا ،وأدى كــل أولئك إلــى الخلــط فــي الحكــام وإلــى
المشقة في ردها إلى أصولها والوقــوف علــى حكمــة كــل
منها .ولم يستقم لفقهــاء القــانون أن يضــعوا أنــواع الربــا
موضعها الصحيح فــي إطــار عرضــها المقــارن بــالقوانين ،
فجاء ربــا الــبيوع فــي كتــابتهم حــدا شــرعيا مانعــا للغبــن ،
وأقاموا على ذلك أصل عاما نسبوه إلى الشريعة ،يــوجب
تعادل التزامات الطرفيــن فــي العقــود ،وإذا وجــدوا عقــد
العرض ليس من البيوع التي يقتصر عليهــا الربــا ،قــالوا :
إن ربــا القــرض ،وهــو أصــل الربــا كمــا تعرفــه الشــرائع
والقوانين ،يدخل في ربا البيوع شرعا من بـاب القيـاس )
. (4
ولكن هذا المجال الذي تتغاير فيه فروع الشرائع ،يقتضي
أن نحذر الفتنة عن بعض مــا جــاء بــه الســلم وأن نحيــط
بأحكامه كما فصلت في القرآن والســنة تفصــيل ،وعنــدها
يســتبين مــا فيهــا مــن الحكــام الــذي يميــز كــل نــوع مــن
) الربوات( من غيره ،ومن التطور الذي لم يقتصــر علــى
ما استحدث من الربا في البيوع مختلفــا عــن الغبــن ،بــل
أضاف إلى ربا الدين من الخصائص مــا عــدل مــن طــبيعته
وحكمته جميعا .ويشرق من كل أولئك نور العجــاز الــذي
يشهد بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بلــغ مــن
تلك الحكام القتصادية التي أوحاها اللطيف الخبير ،ودقة
حكمة بعض منها علـى أفهـام المخـاطبين مـن المسـلمين
حين شرعها وعلى كثير منهم ومن غيرهم حتى اليوم .
وتفرغ في هذا البحث لربا الدين ،الــذي مهــر اليهــود فــي
أخذه وعرفته علـى غرارهـم القـوانين الوضـعية ،ونقـارنه
بما جاء في السـلم فـي شـأنه ،حـتى يتـبين الفـرق بيـن
الربوين في الحكام وأثر هذا الفــرق فــي اختلف الحكمــة
فــي حظرهمــا وأثرهــا فــي التنظيــم القتصــادي والبنيــان
الجتماعي والسياسي .
__________
611
) (1سورة البقرة الية 279
) (2تفسير القرطبي ،ج 3ص 365و ،366ونظرية الربــا
محّرم في الشريعة السلمية للستاذ زكي الــدين بــدوي ال ُ
،1964 \ 1383ص .76-73
) (3تطــوير العمــال المصــرفية بمــا يتفــق والشــريعة
السلمية ،للدكتور سامي حسن حمود
متــوّفى ســنة 774هـ ـ فــي ) (4ويقول الحافظ ابن كــثير ال ُ
تفســير القــرآن العظيــم ج 1ص 327إن بــاب الّربــا مــن
شكل البواب على كثير من أهل العلــم '' وانظــر مصــادر أ ْ
فْقه الغربــي مقاَرنــة بــال ِ
الحق في الفقه السلمي ،دراسة ُ
الحديث ،الستاذ الدكتور عبــد الــرزاق الســنهوري،1956 ،
ج 3ص ،268وهو يقصد ربا الجاهلية على الربح المركــب
وحده.
- 4نصوص تحريم الربا عند اليهود
جاء ذكر الربا في مواضع متعددة من التوراة ،فقصت في
سفر الخروج ،بالصحاح 22فــي العــدد :25إن أقرضــت
فضة لشعبي الفقير الذي عندك ،فل تكن لــه كــالمرابي ،
ل تضعوا عليه ربا "
وفي سفر اللويين ،بالصــحاح 25فــي العــداد 35حــتى
": 37وإذا افتقر أخوك وقصرت يده عندك فاعضده . .ل
تأخذ منه ربا ول مرابحة فضتك ل تعطه بالربــا وطعامــك ل
تعطه بالمرابحة .
ثم جاء في سفر التثنية ،بالصحاح 23في العدد ": 19ل
تقرض أخاك بربا ،ربا فضة أو ربا طعام أو ربــا شــيء مــا
مما يقرض بربا " .
وينص العدد 20الذي يليه في نسخة التوراة التي يتداولها
يهود اليوم ،على أن ":للجنبي تقرض بربا ،ولكن لخيك
ل تقرض بربا ،لكي يباركك الرب إلهك فــي كــل مــا تمتــد
إليه يدك في الرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها "
وجاء علــى لســان نحميــا ،بالصــحاح" فــي العــددين 10و
": 11وأنا أيضا وإخوتي وغلماني أقرضناهم فضــة وقمحــا
فلنترك هذا الربا .ردوا لهم هذا اليوم حقــولهم وكرومهــم
612
وزيتونهم والجزء من مائة الفضة والقمح والخمــر والزيــت
الذي تأخذونه منهم ربا " .
ويعقب في العدد 13بقوله ":ثــم نفضــت حجــري وقلــت
هكذا ينفض الله كــل إنســان ل يقيــم هــذا الكلم مــن بيتــه
ومن عقبه . " . .
وبيــن ســفر حزقيــال بالصــحاح 18ســمات النفــس الــتي
تخطئ ،فهي تمـوت بـإثم الرجاسـات والمعاصـي ،وذكـر
منهــا العــددان 12و 13مــن ظلــم الفقيــر والمســكين
واغتصــب اغتصــابا ولـم يـرد الرهـن وقـد رفـع يمينـه إلـى
الصنام وفعل الرجس .وأعطى بالربا وأخــذ المرابحــة . .
".
وحفلت النصوص برعاية المدينين ،ومنعت مضارتهم فــي
الرهـون المقبوضـة منهـم ،وفرضـت إبـراء المعسـر ممـا
عليه من القرض كل سبع سنين ،وكل ذلك عندهم ما لــم
يكن المدين أجنبيا ). (1
ويذهب بعض المفسرين من أهل الكتاب إلــى أن نصــوص
سفري الخروج واللويين التي سلفت ،إنمــا حرمــت الربــا
الفاحش ،وأن تحريم مطلق الفائدة لم يشرع إل من بعــد
ذلك بما جاء في سفر التثنية ) (2وقيل إن
__________
) (1اليهــودي ،للســتاذ مــراد فــرح ،ص 20ن ،71ســفر
التثنية ،الصحاح . 4-1 :15
) ،dictionary of the bible (2جيمس هاستنجس وآخرين،
ج 1ص 579مادة .usivuy debtوج 4ص 841مادة .
صحف موسى حرمت على اليهود أخــذ الربـا مـن الفقـراء
ولو كانوا من الجانب ،ثــم انحصــر التحريــم فــي إقــراض
اليهود ،وإن كان المقترض موسرا ). (1
وما كان اليهود يعملون بالتجارة حين أنزلت التوراة ،فلــم
تشر نصوصها إلى الديون التجارية ،ولم يبــدأ عهــد اليهــود
بنظام الئتمان التجاري ،إل بالذي وضعوه ) وهــم أســارى
ببابل وطبق الحبار الــذين دونــوا كتــاب المشــنا مــن ســنة
200ق م حتى سنة 200م( تحريم أخذ الربا علــى الــديون
التجارية ،وإن رخصوا فــي الــوقت ذاتــه فيمــا يــؤدي إلــى
613
التهرب من هذا التحريــم ،مــن طريــق الحيلــة القانونيــة ،
بأن يعتبر المقــرض بالربــا بمثابــة شــريك مســتحق لربــاح
المشروع التجاري الذي أمده برأس ماله ). (2
__________
) (1دائرة معــارف البســتاني ،ج 8ص 509مــادة '' ربــا''
أوردها زكي الدين بدوي ،ص 3
)studies in monetary economics by don potenkin (2
1972 p. 122
- 5خصائص الربا عند اليهود
ونستعرض أحكام الربا التي يقرها علماء اليهود في كتبهم
،ونستخلص منها خصائص الربا عندهم كي يســتبين أوجــه
الختلف أو الشبه بينه وبين الذي جاء به السلم .
وخصائص هذا الربا هي:
- 1الربا في القرض والبيع .
- 2الربا مقابل الجل .
- 3الربا ظلم للمدين .
- 4الحظر القضائي للربا مختلف فيه .
- 5قصر التحريم على اليهودي دون الجنبي .
الخاصية الولى
الربا في القرض والبيع
ينطبق الربا على الــبيع الــذي يــدخله التأجيــل ،ول يقتصــر
على القرض ،فإذا كان الربا هو ما يؤديه المقترض زيــادة
على مقدار مــا اقــترض ،وذلــك هــو التحديــد الــذي يجــده
اليهود في نص الكتــاب ،ويســمونه لــذلك ربــا النــاموس ،
فإن الحبار قد ألحقوا به كل ما يمنع التهرب من تحريمه ،
فحرموا أبوابا من الربا العتباري ،وجعلوا منه زيادة ثمــن
بيع الشيء نسيئة على سعره بالسواق حاضــرا ،فــالرض
التي ثمنها الحال 1000دينار ،ل يجوز بيعها بثمــن مؤجــل
إلى سنة مقداره 1200دينــار .ولكننــا نجــد نــص التــوراة
ينهى عن أخذ المرابحة من الفقير بعد النهي عن أخذ الربا
منه ،مما يفرق بين ربح النسيئة في شــأنه والربــا ،ويــذر
حظر المرابحة ناموسيا ومتميزا من الربـا ،وكـذلك منعــوا
أن يبيع الشخص شيئا ليس عنده إلى أجل بــدين مســتحق
614
عليه ،ومن صور ذلك ،أن يشتري يـوعز مـن أخيـه أشـير
كيل قمح بثمن مقداره 25دينارا مساو لسعر الســوق ثــم
غل السعر فصار ثمن القمح 30دينارا ،ولما طلــب يــوعز
قبض قمحه ليبيعه ويشــتري بثمنــه خمــرا ،قــال لــه أخــوه
بعني القمح بـ 30دينارا ،أبيعك بها خمرا إلى أجل بسعره
الحاضر في السوق ولــم يكــن الخمــر عنــده وقــتئذ ،فــإن
شراء أشير القمح بأكثر مما باعه وقبل قبضه ل يعتبر مــن
الربا عند الحبــار ،ويلحــظ أن الرســول صـلى اللـه عليــه
وسلم نهى من اشــترى طعامــا عــن أن يــبيعه قبــل قبضــه
وسمى الصــحابة مثــل هــذا الــبيع ربــا ،ويكــون بيــع يــوعز
القمح لخيه من قبل أن يقبضه منه بعــد شــرائه محظــورا
في السلم على خلف ما عند اليهود .وإنما يجــد الحبــار
الربا في بيع أشير الخمر الذي ليــس عنــده ،حيــث تحمــل
خطر الزيادة في ثمن الخمر حين يشتريه مقابــل حصــوله
على تأجيل الدين الذي اســتحق عليــه .ويحــرم بــذلك بيــع
الشياء المستقبلة من قبل أن يكون ســعرها بالســوق قــد
تحدد .وكذلك اعتبروا من الربا شراء القمح قبل أن تظهر
سنابله والعنب قبل أن تبدو عناقيده ،خوفا مــن أن يكــون
البيع بثمن أقل من قيمته حين نضــجه ،فتكــون ثــم زيــادة
محتملة للمشتري ) (1وطبقوا ذلك حينا على القرض ذاته
،إذ رأوا لجوازه أن يكون غيـر مؤجـل كمـن يقـترض كيـل
قمح حتى يجد مفتاح مخزنه أو يعود ابنــه إلــى الــبيت ،ول
يجوز أن يقترضه ليــرده فــي موســم درســه ،لحتمــال أن
يرتفع سعر القمــح ،فيفيــد المقــرض مــن زيــادة تشـابهت
عليهم مع الربا ،ولكن التلمود ألغى هذا الخطر والتزم حد
الربا الناموسي ،الذي يقصر التحريم في القرض على رد
كمية أكــبر ممــا اقــترض المــدين ،وجعلــت المشــنا أجــرة
العمل كرأس مال المقرض ،إذ حظرت مبادلة العمل في
الحرث والعزق بين الجيران ،إذا كان العمل اللحق أشــق
من العمل السابق .
ولكنهم لم يجعلوا إجــارة العقــار كــبيعه فــي شــأن الربــا ،
فأباحوا لمؤجره إذا أجل قبض الجرة إلى آخــر العــام بــدل
615
من استيفائها مشاهرة ،أن يتقاضى مــن مســتأجر العقــار
زيادة على مجموع ما كان يعجله من أجرة كل شهر .
ول يزال لتلك الخاصية الـتي تجمـع فـي تحريـم الربـا بيـن
القرض والبيع تأثيرها في القوانين الوروبية الغربية ،كمــا
أثرت في الكنائس المصلحة من قبل ،ول ينفــك مشــرعو
تلك البلد يرون بائعي النسيئة في مرابحتهــم كالمقرضــين
فــي ربــاهم ،ويســلكون الطــائفتين جميعــا فــي نصــوص
مكافحة الربا ،ويفرضــون أل تجــاوز الزيــادة فــي الثمــان
المؤجلة الحد القصى لما أجازته قوانينهم من الربا .
ويجـــادل المشـــتغلون بـــبيوع النســـيئة فـــي اعتبـــارهم
كالمرابين ،باستدلل اقتصادي يظاهر الفرق القانوني بين
القرض والبيع ،ويستند إلى مــا يتحملــه بــائع النســيئة مــن
نفقة ومــا يتعــرض لــه مخــاطر هلك ضــمانه مــن الســلعة
المبيعة ،مما ل يتعرض لمثلها المقرض بالربا )(2
__________
) (1الربا عند اليهود ،للستاذ عاشور :ص 45
)a vente a credit Robert sommade paris 1959. p.p.29- (2
32
الخاصية الثانية
الربا مقابل الجل
فاستحقاق الربا سببه تأجيل القرض أو الــدين ،فل يكــون
الربــا إل فــي الــديون المؤجلــة ،ويســتوي أن يتفــق علــى
الزيادة ابتداء عند أخذ القرض أو عقــد الــبيع المؤجــل وأن
تعرض عند المطالبة ،فينظر المدين بارتضاء الزيادة إلــى
محل ميسرته كما يستوي أن تكون الزيادة محــددة جملــة
واحدة ،وأن يجري تقديرها بنسبة مــن رأس المــال بــإزاء
طول الجــل ،وتتضــاعف الزيــادة أضــعافا مضــاعفة كلمــا
امتدت الجال .
وقد عرف أحبار المشنا ما لتأجيــل الــدين مــن أثــر ينقــص
من قيمته نقصا محددا ،فقالوا فيمن شهدا زورا على دين
مقداره 1000زوزيم ،بـأنه مؤجـل لعشـر سـنين ،وثبـت
تواطؤهمــا علــى الكــذب ،وأن الــدين واجــب الــدفع خلل
ثلثين يوما ،فإنه يحكم عليهما بأن يدفعا الزيادة في قيمة
616
الدين الحاضرة على قيمته المؤجلة ) (1ومثل هذه الزيادة
المقابلة للتأجيل التي يجوز أخذها في التلف تعادل الربــا
الذي ل يجوز أخذه في القرض ،وهي التي اســتند الحبــار
إلى احتمال وجودهــا فــي بيــع الثمــر قبــل ظهــوره للقــول
بتحريمه ،وهذا البيع محرم فــي الســلم ،وقــد روي عــن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله ":إن من الربــا بيــع
الثمر وهي معصفة قبل أن تطيب" والربا في هــذا القــول
يقصد به البيع المحرم من باب التوسع فــي إطلق الربــا ،
ول يقصد به الربا الصطلحي فــي الفقــه الســلمي الــذي
يقتصر على ربا الدين وربوي الفضل والنسيئة في البيوع )
(2كما أن سبب تحريم هذا البيع يختلف عما عند اليهــود ،
فالسلم ل يحظر الزيادة فــي قيمــة المــبيع المؤجــل فــي
السلم على الثمن ،وإنما يحرم هذا الــبيع بســبب الغــرر ،
وينظر إلى الخطر الــذي يحيــط بوجــود المــبيع ،ويمنــع أن
يضــيع الثمــن علــى المشــتري إذا لــم يوجــد الثمــر الــذي
ابتاعه .
الربا عند اليهود ل يسري في شيء من البيوع الحاضــرة ،
ول يعرف فقههم ما جاء به السلم في تنظيم هذه الــبيوع
مــن محظــورات يســميها فريــق مـن مفسـري المسـلمين
وفقهائهم ربا النقد يقابلونه بربا الديون الذي يســمونه ربــا
النسيئة لما فيه من التأجيل .
__________
)the jewish encyclopaedia 1905 voi x11 p. 388 \ 20 (1
.8
) (2نظرية الربا المحرم ،المرجع السابق ،ص . 27
الخاصية الثالثة الربا ظلم للمدين
الحكمــة فــي تحريــم أخــذ الربــا هــي منــع اســتنزاف مــال
المدين ظلما .وإذا كانت بعــض أســفار التــوراة تعــبر عــن
الربا بلفظ الزيادة ،ومن مادته ربيت أو تربيت ،ومربيــت
في النصوص العبرية والكلدانية والرامية ،إل أن أكــثر مــا
يطلـق علـى الربـا اللفظيـة العبريـة نشـخ ) بكسـر النـون
والشــين المعجمــة وســكون الخــاء المعجمــة( وتعنــي فــي
أصل مادتها اللغوية العض ،وتومئ بذلك إلى أن المرابــي
617
يأكل لحم أخيـه الـذي يـداينه بالربـا كمـا ينهشـه الثعبـان ،
ويجعل حزقيال في الصحاح 18بأعداده 13-10أخذ الربا
والمرابحة من سمات سفاكي الــدماء .فأخــذ الربــا أشــبه
عند اليهود بالقتل ،ويقــول قــائلهم :إن مــن أراد أن يقتــل
عدوه بالتي ل تثبت عليه لدى القضاء ،فليقرضه بالربا .
ويترتب على هذه الخاصــة تــوجه حظــر الربــا إلــى الــدائن
الذي يأخذه ،حيــث يعــد المقــترض مظلومــا تغتصــب منــه
الزيادة على أصــل مــا اقــترض ،ولــذلك عــرف الربــا عنــد
اليهود بأنه أخذ الزيادة على الدين غصبا وقهرا ) ، (1ونجد
نصوص سفري الخروج واللويين تصــف المســتقرض بــأنه
فقير ،ممــا يــدل علــى اضــطراره .وإنمــا جــاء المقــترض
مطلقا من الفتقار بعد ذلك فــي ســفر التثنيــة .واســتندوا
إلى نصه على فعل الربا في صيغة تشمل الدائن والمــدين
،فقالوا :إن إثم الربا ل يقع على الدائن وحده ،بل يلحق
المدين أيضا ،كما يأثم من قــدم رهنــا لضــمان ديــن الربــا
وشهود عقده ،واختلفوا فــي الكتــاب ،فقــال فريــق يــأثم
بكتابة الربا ،وقيل :ل إثم عليــه .ويــردون تـأثيم الضـامن
وشاهد الربا وكاتبه ،إلى أنهم قد أعــانوا علــى المعصــية ،
وخالفوا الذي في سفر اللوييــن فــي الصــحاح 19بالعــدد
، 14من النهي عن وضع حجر عثرة أمام العمى ). (2
وفي هذا الجتهاد ما يشبه حكم السلم الذي نصت السنة
المطهــرة فيــه صــراحة علــى لعــن مؤكــل الربــا وشــاهده
وكاتبه ،ولكن القول باعتبار المدين آثمــا يبــدو غيـر متفــق
وما جرت به نصوص أسفارهم من استغلل الدائن حــاجته
وظلمه له .
ونلحظ أن عســرة المقترضــين الــتي كــانت ســائدة حيــن
أنزلت التوراة على موسى عليه السلم لزمت اليهود مــن
بعده ،وتدل السفار التالية لصحفه على أنهم يستقرضون
للنفاق في الــزواج وحاجــات الزراعــة وأداء خــراج الملــك
في سني القحط ). (3
وبقي اقتصادهم معتمدا على الزراعة .
وإذا كان النجيل قد أشار إلى مزاولة اليهود
__________
618
)encyclopaedia Britannica 1964 vol xx11 p.908 la (1
doctrine sociale de leglise , p. bigo, 1966 p. 331
) (2دائرة المعارف اليهودية ،م 12ص .390
) (3سفر نحميا ،الصحاح ،العددان 4و .10
تجارة الصرف وإقراض الفضة بالربا عنــد مبعــث المســيح
عيسى عليه السلم إليهم ). (1
إل أن التجارة في الربا لــم تكــن قــد بلغــت التطــور الــذي
أصابته من زيادة الودائع لــدى الصــيارف ،بعــد أن اتخــذوا
شكل المصارف الحديثة ومن توسعهم فــي اســتغلل تلــك
الودائع فيما يقرضون بالربا ،وصار الصــيرفي حيــن يــؤدي
الربا إلى المودعين ليغريهم على إبقاء أمــوالهم بيــن يــديه
يختلف في ســعته تمامــا عــن إملق المســتقرض اليهــودي
فــي الوليــن ،بمــا ل يــذر مــن وجــه للقــول بظلــم يحيــق
بأصحاب المصارف من صغار المودعين ،ولم تعد الحكمة
في تحريم أخذ الربا هي مجرد ظلم المدين كما كانت من
قبل أن تنسخ شرعة التوراة بشريعة القرآن .
__________
) (1إنجيــل لوقــا ،الصــحاح 19بالعــداد 23-11وتشــير
شــر إلــىن من يأخذ الربا غير صالح ،ولم ت ُ ِ النصوص إلى أ ّ
من يؤتيه
الخاصية الرابعة
الحظر القضائي للربا مختلف فيه
الربا محظور ديانــة ،ومختلــف فــي حظــره قضــاء ،ففــي
كتاب " شولحان عروخ " جاء الربا بين المحرمات الدينيــة
والخلقيــة ،ولــم يعــرض فــي بــاب اللتزامــات القضــائية ،
ويذهب بعض فقهائهم إلى أن مــا أخــذ مــن الربــا ل يجــوز
طلب استرداده لدى المحاكم ،ولو كــان مــن ربــا القــرض
الذي يحظره الناموس ذاتــه ،واحتجــوا بــأن الجــزاء الــذي
نص عليه الكتاب هو غضب الله تعــالى المــوجب للمــوت ،
فل يجوز أن يلزم المرابي بالرد مدنيا ،حتى ل يــزاد جــزاء
على الذي اقتصر النص عليه .ولكن أكثرهم يفرقون بيــن
ربا الناموس وربا الحبار ،ول يجيزون المطالبــة باســترداد
ربا الحبار ،ويجيزونهـا إذا كـان مـا أخـذه الـدائن مـن ربـا
619
الناموس ،فيكون للمدين أن يلجأ إلى المحكمة الربانيــة ،
فتحكم على المرابي بالرد ،ولكن ل ينفذ الحكم باســتيفاء
الربا جبرا من أموال الــدائن ،وإنمــا يقتصــر علــى إكراهــه
بدنيا حتى يقوم بنفسه بالرد .ويستثنون من ذلــك اليــتيم ،
فإنه إذا أخذ ربا الناموس وأنفقه ،فإن ل يسترد منه ،كما
ل يطالب برد ربا الحبار ،بل هم أجازوا له أخذه .وكــذلك
إذا مات المقرض بعد أخذه الربا ،فــإن ورثتــه ل يلــتزمون
قضاء ول ديانة برده ) . (1ويبقى من آثار حظــر الربــا فــي
القضاء ،أنه ل يجوز للــدائن أن يطــالب المــدين بــأداء مــا
حظــره النــاموس أو الحبــار مــن الربــا ،ويكــون الربــا
العتباري مختلفــا فــي أحكــامه عــن ربــا النــاموس ،علــى
خلف ما تقتضيه حقيقة القياس مــن مســاواة الفــرع فيــه
بأصله .
__________
) (1دائرة المعارف اليهودية ،م 12ص 389و . 390
الخاصية الخامسة
قصر التحريم على اليهود دون الجنبي
عصمة المدين من الربا ليست حقا لكل إنسان ،بــل هــي
رعاية ل يسبغها اليهود إل على بني إسرائيل ،أما الجــانب
عنهم فل حق لهــم فــي قــرض حســن لــديهم مهمــا كــانت
حاجتهم ،ول يضــع اليهــود عنهــم ربــا ،ول يــبرئون معــدما
منهم كما يبرئون المعسر من اليهــود ،ومــع مــا اســتيقنته
أنفســهم مــن مضــار الربــا فــي الضــرار بالمــدين ،فقــد
تواصى أكــثرهم بــإقراض الجنــبي بالربــا ،ليحلــوا بــه مــن
البوار ما يعدل قتله ،الذي ل يزالون يرونه واجبــا عليهــم ،
ويفسرون ما يقتضيه ذلــك الشــبه بيــن جريمــة أخــذ الربــا
وجناية القتل مـن تـراث تورثهـا الجريمـة فـي صـدور مـن
تجني عليهم ،وتقتضي اليهود أن ينتهوا مــن ظلــم غيرهــم
بالربا ،فيتــاح للمســلم أن تســود بينهــم وبيــن أهــل ســائر
الديان ،وقد صار اليهود منتشرين بينهم في دول ل تفرق
بين اليهود وسائر رعاياهــا فــي شــيء مــن الربــا ،ويكــون
لليهود من الستقرار الجتماعي والسياســي بمــا يقــدمون
620
مــن رعايــة لنظــم العصــر ومــواثيقه الــتي تكفــل حقــوق
النسان القتصادية والجتماعية على اختلف ديانته .
وقد عرض النصارى في تفسيرهم نصوص التــوراة ،الــتي
لــم تنســخ شــريعتها فــي حقهــم ،لمــا عليــه اليهــود مــن
استباحة أخذ الربا من الجنبي ،وذهب أحــد آبــاء الكنيســة
الولين إلى أن أخذ الربا مــا كــان جــائزا إل مــن الشــعوب
السبعة المغضوب عليها التي كان الناموس يأمر بإبادتهــا ،
فكانت إباحة أخذ الربا منها من باب الولى ،وانتهت هــذه
الباحة مذ دالت تلك الشعوب البائدة وصارت حرمة الربــا
مطلقة ،ولكن الرأي الراجــح عنــدهم أن نصــوص التــوراة
والتلمود حين تدرس في مجموعها بدقة ترد تلــك التفرقــة
بين اليهودي والجنبي ،وتفرض على اليهــود المتنــاع عــن
أخذ الربا من الجانب ). (1
وترى الكنيسة في هذه التفرقــة مــا ينفــي عــن الربــا عنــد
اليهود وصف الجريمة في القانون الطــبيعي بجــوهره مــن
العدالة .
وأشار بعض علماء المسلمين إلــى مــا نعــاه القــرآن علــى
ديَنارٍ ل ْ
ه ِبـ ِمن ْ ُ
ن َتـأ َ ن إِ ْ مـ ْ
م َ من ُْهـ ْاليهود في قوله تعـالى } :وَ ِ
َ
سم قَــاُلوا ل َي ْـ َ ك ب ِـأن ّهُ ْمــا ذ َل ِـ َت عَل َي ْهِ َقائ ِ ً م َما د ُ ْ
ك ِإل َ ي ُؤَد ّهِ إ ِل َي ْ َ
ن عَل َــى الل ّـهِ ال ْك َـذِ َ ل وَي َُقول ُــو َ ُ
م ب وَهُـ ْ سِبي ٌ
ن َ مّيي َعَل َي َْنا ِفي اْل ّ
يعل َمون { ) } (2بَلى مـ َ
ن الل ّـ َ
ه ن أوْفَــى ب ِعَهْـدِهِ َوات َّقــى فَـإ ِ ّ َ ْ َ َْ ُ َ
ن { ) (3باعتباره ردا على استحلل اليهود أخذ مت ِّقي َب ال ْ ُ ح ّ يُ ِ
الربا من الجنبي ). (4
ويقــوم الســتدلل بــالنص القرآنــي فــي شــأن الربــا ،وإن
اختصت عبارته بأكــل اليهــود أصــل أمــوال غيرهــم ،علــى
أساس من طبيعة الربا اليهودي ،باعتبــاره اغتصــابا لمــال
المدين وسلبا له .وقيل في سبب وجود عبارة
__________
) (1العتياد على القراض بالربا الفاحش ،الــدكتور حســن
الباسوســــي ،ص 4و ،5والــــرأي المرجــــوح للقــــديس
أمبروزيوس ).(397-340
) (2سورة آل عمران الية 75
) (3سورة آل عمران الية 76
621
) (4الربا في نظر القانون السلمي ،للستاذ الشيخ محمد
عبد الله دراز -مجلة الزهر المحرم 1371ص . 6
" للجنبي تقــرض بربــا" أن التــوراة الصــلية فقــدت ،وأن
نسختها الراهنة كتبت بعــد الســبي ،ويبــدو أن كاتبهــا أخــذ
تلـك العبــارة مــن دللـة المفهــوم المخــالف للنـص الــوارد
بالعبارة السابقة عليها ،وهــذا المفهــوم ل حجــة فيــه عنــد
جمهور الصــوليين إذا كــان مفهــوم لقــب ،كمــا أن بعــض
أنبيــائهم قــد أطلقــوا ذم الربــا ،فــي مثــل النصــوص الــتي
تقدمت ). (1
ويبرر فريق من علماء اليهود أخذ الربا مــن الجنــبي علــى
أساس المعاملة بالمثل ،إذ كان السائد قديما أن الجــانب
ل يقرضون اليهود إل بالربا ،فوجب على اليهودي أن يأخذ
الربــا عنــدما يقــرض للجنــبي ،وأن يعطــي الربــا للجنــبي
الذي يقترض منه ) . (2وإذا صح هذا السبب ،فإنه ل يبــاح
لليهود أن يأخذوا الربا من المسلمين ،وكذلك من كل من
يدين بحرمة الربا من ملل النصارى وغيرهم .
ول يقتصر أثر هذه الخاصــية فــي ربــا اليهــود علــى شــيوع
أخذهم له من غيرهم وجعل إيتــاءه هينــا علــى كــثير ممــن
يدينون بحرمة ذلك من غير اليهود ،حــتى استشــرى الربــا
في مختلف ) المم( ،بل باءت هذه الخصيصة على اليهود
أنفسهم بالفساد ،إذ طفقوا يحتالون بهــا علــى أخــذ الربــا
من إخوانهم ،بأن اتخذوا من الجنبي حــاجزا بيــن طرفــي
القرض منهــم ،فيقــرض المرابــي اليهــودي أجنبيــا يقــرض
بدوره المستقرض اليهودي ويتقاضاه الربا ليأخذه المرابي
مـن يـد أجنـبي بظـاهر مـن المـر يتفـق وتلـك الخاصـية ،
ويستر حقيقة العصيان في أخذ الربا من اليهودي ). (3
وران ذلك على قلوبهم فقست وألفت ذلك العصيان ،ولم
يعودوا يتكلفون ستره .وتسجل التوراة عليهــم فــي ســفر
نحميا ،بإصحاحه الخامس ،أنهم كانوا يأخــذون الربــا كــل
واحد من أخيه فيما أقرضوا من فضة وقمح ،وفــي العــدد
10أنهم تركوا هذا الربا تائبين ،ولكن ل تجد في النصوص
من بعد ذلك ما يدل على رعايتهم ما نهوا عنه ،وقــد جــاء
القرآن الكريم ،في الية 161من سورة النساء ،مصدقا
622
لما سجلته أسفارهم عليه من ذلك العصيان .وبــذلك أدت
هـذه الخصيصـة ،الـتي يقصـد بهـا اليهـود أل يـذروا ظلمـا
للجانب ،إلى إضاعة ما اختصــوا بــه المــدينين منهــم مــن
رعاية تنجيهم من ظلم أكلة الربا ،وخالفوا من بــاب هــذه
التفرقة الظالمة عن التكليف ،في أصله كما يؤمنون به .
وذهــب بعــض فقهــائهم ممــن تفيــأ خلل الســلم علمــا
وسماحة ،إلى القول بأل يتوسع في إقراض الجنبي بالربا
حــتى ل يعتــاده اليهــودي ويــذهب ورعــه عــن أخــذ الربــا
المحظور من أخيه ) . (4فبنى التقييــد علــى مــا يــرى فيــه
نفعا لليهودي وحده ،ولم يقمه علــى مــا ينبغــي مــن كــف
ظلم اليهودي للمسـلمين الــذين يعلــم أنهــم ســلم عليــه ل
يخفرون ذمة له ول يظلمونه شيئا .
__________
) (1عرض ذلك السيد محمد رشــيد رضــا نقل عــن المــام
محمــد عبــده ،مجلــة المنــار ،المجلــد 16ج 2ت \ 2 \ 6
دوي ،المرجــع الســابق دين ب َـ َ 1913أورده الستاذ زكي الـ ّ
ص .2
) (2دائرة المعارف اليهودية ،م 12ص 290
) (3الربا عند اليهود ،للستاذ عاشــور ص 137عــن كتــاب
شولحان عروخ ،ود .حمود ص .218
) (4وهذا رأي موسى بن ميمون فقيه اليهود وفيلســوفهم
المتوفى سنة 1204م .وقد ولـد بالنـدلس وعـاش بمصـر
وكـان طبيبـا فــي بلط صـلح الـدين اليـوبي ،انظــر دائرة
المعارف اليهوديــة ،المجلــد 12ص 390ودائرة المعــارف
السلمية المجلد 1ص .401
أنواع الربا في القرآن
وأول ما ورد ذكر الربا في القــرآن الكريــم بســورة الــروم
ن رِب ًــا
مـ ْ م ِ ما آت َي ْت ُـ ْ
المكية ) الية (40في قوله تعالى } :وَ َ
ل ِيربو في أ َ
ن
مـ ْ م ِمــا آت َي ْت ُـ ْ عن ْـد َ الل ّـهِ وَ َس َفل ي َْرب ُــو ِ ِ نا
ّ ال ل
ِ وا
َ م
ْ َْ ُ َ ِ
ُ
ن { )(1 ضعُِفو َ م ْم ال ْ ُك هُ ُ ه الل ّهِ فَأول َئ ِ َج َ
ن وَ ْ دو َ ري ُ َز َ
كاةٍ ت ُ ِ
وقيل :إن الربا في هذه اليــة ليــس مــا عهــد حظــره مــن
زيادة الــديون المؤجلــة ،وإنمــا هــو ربــا حلل ،يعنــي مــن
يهدي مبتغيــا أن يعوضــه المهــدي إليــه بخيــر مــن هــديته ،
623
وقيل :إن الية تقصد ربا الديون ،وتهيئ لتحريمــه باليمــاء
إلى محقه وبمقابلته بالزكاة التي يتضاعف ثوابها .
وجاء النهي عن الربا في اليتين ، 131ـ 130من ســورة
آل عمران بالمدينة المنورة ،حيــث قــال جـل ثنـاؤهَ } :يـا
َ ْ َ
هة َوات ُّقوا الّلــ َ ضاعََف ً م َ ضَعاًفا ُ مُنوا ل ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ نآ َ ذي َ أي َّها ال ّ ِ
ت عـــد ّ ْ ن { )َ } (2وات ُّقـــوا الّنـــاَر ال ِّتـــي أ ُ ِ حـــو َ م ت ُْفل ِ ُ كـــ ْ ل َعَل ّ ُ
ن { ) (3ويتفــق المفســرون علــى أن هــذه اليــة ري َ ل ِل ْك َــافِ ِ
نزلت في الربا الذي كانت تجري به معاملت الجاهلية في
تأجيل الديون ،وكــان الربــا يتزايــد أضــعافا كلمــا تضــاعف
امتــداد آجــال الــدين ،ومــا كــانوا يعرفــون التفرقــة الــتي
اســتحدثتها القــوانين الوضــعية بيــن الربــا الفــاحش والربــا
َ
ة { )(4 ضــاعََف ً م َ ض ـَعاًفا ُ اليسير ،فلم يرد قوله تعالى } :أ ْ
لتقييد الربا المنهي عنه بمــا زاد ســعره وفحــش مقــداره ،
بل تعبيرا عما كان عليـه أمرهــم فــي المــداينات الربويـة ،
وينصرف النهي في الية إلى الربا قليله وكثيره ،ول بكون
ثـم نهـي جـزئي عـن الربـا الفـاحش ،ثـم جـاء مـن بعـده
التحريــم الكلــي للربــا فــي ســورة البقــرة ،كالــذي ظنــه
المستشرقون من التدرج الــذي قــالوا بمثلـه فــي نصــوص
التوراة وخلفا لما ينادي به بعض المحدثين من المسلمين
في محاولتهم تبرير إنشاء بنــك وطنــي بمصــر مــن القــول
بأن الربا المجمع على حظــره ،إنمــا هـو الربــا المضــاعف
الذي يبلغ رأس المال أو يزيد عليه ) . (5ويقول الله تعالى
ْ
ن ن َيـأك ُُلو َ ذي َ فـي سـورة البقـرة باليـات } : 281-275اّلـ ِ
ن مـ َ ن ِ طا ُ ش ـي ْ َ ه ال ّ خب ّط ُـ ُ ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ما ي َُقو ُ ن ِإل ك َ َ مو َ الّرَبا ل ي َُقو ُ
َ َ
ه ال ْب َي ْ َ
ع ل الل ّ ُ ح ّ ل الّرَبا وَأ َ مث ْ ُ ما ال ْب َي ْعُ ِ م َقاُلوا إ ِن ّ َ ك ب ِأن ّهُ ْ س ذ َل ِ َ م ّ ال ْ َ
مــا ه َ ن َرب ّـهِ فَــان ْت ََهى فَل َـ ُ م ُـ ْ ة ِ عظ َـ ٌ مو ْ ِ جاَءهُ َ ن َ م ْ م الّرَبا فَ َ حّر َ وَ َ
َ عاد َ فَأول َئ ِ َ َ
م ب الن ّــارِ هُ ـ ْ حا ُ صـ َ كأ ْ ن َ م ْ مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ ف وَأ ْ سل َ َ َ
ت ص ـد ََقا ِ ه الّرب َــا وَي ُْرب ِــي ال ّ ّ
حقُ الل ـ ُ م َ ن { ) } (6ي َ ْ دو َ خال ِ ُ ِفيَها َ
َ
مُنــوا نآ َ ذي َ ن اّلــ ِ ل ك َّفــارٍ أِثيــم ٍ { ) } (7إ ِ ّ كــ ّ ب ُ حــ ّ ه ل يُ ِ َوالّلــ ُ
كاةَ ل َه َ َ
م جُرهُـ ْ مأ ْ ُ ْ وا الّز َ صَلةَ َوآت َ ُ موا ال ّ ت وَأَقا ُ حا ِ صال ِ َ مُلوا ال ّ وَعَ ِ
َ
ن { )َ } (8يا أي َّهــا حَزُنو َ م يَ ْ م َول هُ ْ ف عَل َي ْهِ ْ خو ْ ٌ م َول َ عن ْد َ َرب ّهِ ْ ِ
م ن ك ُن ْت ُـ ْ ن الّرب َــا إ ِ ْ مـ َ ي ِ مــا ب َِقـ ْ َ ه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ نآ َ ذي َ ال ّ ِ
ن الل ّـ ِ
ه مـ َ ب ِ حـْر ٍ م ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ب ِ َ ن ل َـ ْ ن { ) } (9فَإ ِ ْ مِني َ مؤ ْ ِ ُ
624
َ
ن َول مــو َ م ل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْمـ َ سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُـ ْن ت ُب ْت ُـ ْ
ســول ِهِ وَإ ِ ْ وََر ُ
ســـَرةٍ فَن َظ ِـــَرةٌ إ ِل َـــى ذو عُ ْ ن ُ ن ك َـــا َن { ) } (10وَإ ِ ْ مـــو َت ُظ ْل َ ُ
َ
ن { )(11 مــو َ م ت َعْل َ ُ ن ك ُن ْت ُـ ْ م إِ ْ خي ْـٌر ل َك ُـ ْ
صـد ُّقوا َ ن تَ َ سَرةٍ وَأ ْ مي ْ َ
َ
مــاس َ م ت ُوَّفى ك ُ ّ ّ َ
ن ِفيهِ إ ِلى اللهِ ث ُ ّ
ل ن َْف ٍ جُعو َ ما ت ُْر َ} َوات ُّقوا ي َوْ ً
ن { )(12 مو َ م ل ي ُظ ْل َ ُ ت وَهُ ْ سب َ ْ كَ َ
وقد جاءت هذه اليات بعد اليات
__________
) (1سورة الروم الية 39
) (2سورة آل عمران الية 130
) (3سورة آل عمران الية 131
) (4سورة آل عمران الية 130
) (5الربــا ،للســتاذ دراز ،المرجــع الســابق ،ص ،9ولكنــه
ذهب في ص 10إلى القــول بتــدرج التحريــم ،وانظــر فــي
نقد رأيه تطوير العمال المصرفية للدكتور حمود ص 153
) (6سورة البقرة الية 275
) (7سورة البقرة الية 276
) (8سورة البقرة الية 277
) (9سورة البقرة الية 278
) (10سورة البقرة الية 279
) (11سورة البقرة الية 280
) (12سورة البقرة الية 281
الكثيرة التي تحث على الصدقات وتكرم الذين ) يؤتونهــا(
الفقــراء وتعــد المنفقيــن ثوابــا مضــاعفا ) اليــات -261
، (274وتلت آيات الربا اليتــان ، 283ـ 282فــي الــدين
المؤجل وتوثيقه بالكتابــة أو بــالرهن } فَ ـإ َ
ض ـك ُ ْ
م ن ب َعْ ُ مـ َ نأ ِ ِ ْ
بعضــا فَل ْي ـؤَد ال ّـذي اؤْتم ـ َ
ه { )(1 ه َرب ّـ ُ ق الل ّـ َ مــان َت َ ُ ْ
ه وَلي َت ّـ ِ نأ َ ُ ِ َ ِ ُ ّ َْ ً
وظاهر أن الربا الذي نصت عليه اليــات هــو ربــا الــديون ،
الذي يأخذه الدائنون مقابل تأجيلها ،وكثيرا ما يطلق عليه
ربــا الجاهليــة ،إذ عرفتــه أســواق المــال العربيــة قبــل
السلم ،كمــا كــان شــائعا فــي ســائر المــم ،وهــو الــذي
قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقــوله فــي حجــة
الوداع » :أل إن كل ربا من ربا الجاهليــة موضــوع ،وأول
ربــا أضــعه ربــا العبــاس « ) . (2وكــان يتفــق عليــه ،إمــا
625
بإيجــاب مــن المــدين يقــول لــدائنه " :أنظرنــي أزدك" أو
بسؤال من الدائن " :أتقضي أم تربــي" فتشــترط الزيــادة
على الدين كلما تأجل وفاؤه .
ويذهب فريق من المفسرين والفقهاء إلــى أن لفــظ الربــا
في آيات القــرآن ورد عامــا أو مجمل ،وقــد تــولت الســنة
تخصيصه أو تفصيله ،فبينت إلى جانب الربا الديون أنواعا
أخرى من الربا في البيوت وغيرها .ول يــترتب علــى هــذا
الخلف أثر في التفرقة بين ربا الدين وسائر الربوات التي
وردت بالسنة .
__________
) (1سورة البقرة الية 283
) (2مسند أحمد بن حنبل ),(5/73سنن الــدارمي الــبيوع )
.(2534
أنواع الربا في السنة
أشارت السنة الشريفة إلى ربــا الــديون فــي حــديثه عليــه
الصلة والسلم » :كل قرض جر نفعا فهو ربا « ولكن لــم
يتقيد في إطلق لفظ الربا بهـذا المعنـى الصـطلحي فـي
سائر الحاديث والثار ،بل أطلــق الربــا علــى محظــورات
شتى من بعض البيوع ومن الفعــال المقترنــة بالتصــرفات
المالية ،ومن أفعال ل تمس المال بشيء .
فقد روى الئمة المحدثون عن أبي ســعيد الخــدري رضــي
الله عنه ،أن رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم قــال» :
الذهب بالذهب ،والفضة بالفضة ،والــبر بــالبر ،والشــعير
بالشعير ،والتمر بالتمر ،والملح بالملح ،مثل بمثــل ،يــدا
بيد ،فمن زاد أو استزاد فقد أربى ،الخذ والمعطي سواء
« ) (1كما روى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله
عنــه ،أن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم قــال » :
الذهب بالذهب تبرها وعينها ،والفضة بالفضة تبرها وعينها
،والبر بالبر مدا بمد . .فمن زاد او استزاد فقد أربــى « )
(2ول بأس ببيع الذهب بالفضة ،والفضة أكثرهما ،يدا بيد
،وأمــا نســيئة فل ،وأخــرج مالــك فــي الموطــأ حــديث
الرسول صلى الله عليه وسلم » :ل تبيعوا الذهب إل مثل
بمثــل ،ول تشـفوا بعضــها علــى بعـض ،ول تــبيعوا الــورق
626
بالذهب ،أحدهما غائب والخر نــاجز ،إنــي أخــاف عليكــم
الرماء ،والرماء هو الربــا « ) . (3وعــن أبــي ســعيد وأبــي
هريرة رضي الله عنهما » أن رسول الله صلى
__________
) (1صـــحيح البخـــاري الـــبيوع ),(2067صـــحيح مســـلم
المساقاة ),(1584ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1241ســنن
النســـائي الـــبيوع ),(4565مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )
,(3/97موطأ مالك البيوع ).(1324
) (2سنن النسائي البيوع ),(4563سنن أبــو داود الــبيوع )
.(3349
) (3صـــحيح البخـــاري الـــبيوع ),(2068صـــحيح مســـلم
المساقاة ),(1584ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1241ســنن
النســـائي الـــبيوع ),(4570مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )
,(3/4موطأ مالك البيوع ).(1324
الله عليه وسلم استعمل رجل على خيــبر ،فجــاءهم بتمــر
جنيب ،فقال ":أكــل تمــر خيــبر هكــذا؟" قــال :إنــا لنأخــذ
الصاع من هذا بالصاعين ،والصاعين بالثلثة" .فقال ":ل
تفعل ،بع الجمع بالدراهم ،ثم ابتع بالدراهم جنيبا « ) . (1
وقيل فيما يقترن بالبيع " الناجش آكل الربا" وهـو الــذي ل
يريد شــراء الســلعة ،ولكنــه يتظــاهر بالرغبــة فيهــا ليرفــع
السعر على من يسوم شراءها .
وكذلك روي أن النبي صلى الله عليـه وسـلم قـال » :مـن
شفع لخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلهــا فقــد أتــى
بابا عظيما مــن أبــواب الربــا « ) (2كمــا قــال » :إن مــن
أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم « )(3
وروي عن الصــحابة رضــوان اللــه عليهــم قــولهم :إن مــن
اشترى طعاما فباعه قبل أن يقبضه مخالفــا نهــي الســنة ،
فبيعه عنــدهم ربــا" ،كمــا قــال أحــدهم ":إن الرهــن فــي
السلم هو الربا المضمون" ،وقال آخر ":السلم بما يقــوم
به السعر ربا ،ولكن السلم في كيل معلوم إلى أجل" )(4
.ويجيء على هذا الطلق قول عمر بــن الخطــاب رضــي
الله عنه ":إن من الربا بيع التمــر وهــي معصــفة قبــل أن
تطيب" فقد بين معنى الربا الذي يقصــده أميــر المــؤمنين
627
من البيوع المحرمة ،ول ينصــرف إلــى ربــا الــديون الــذي
يعلم عمر ماهيته وحرمته بالــدليل القطعــي فــي القــرآن ،
ول يجوز أن يعرض بأمر أو نهي في شأنه يغيــر مــا فــرض
الله .
ويتضــح بتحديــد الربــا المقصــود وجــه قــول عمــر ":ثلث
وددت لو أن رسول الله صلى الله عليه وســلم كــان عهــد
إلينا فيهن عهدا ننتهي إليه :الجد ،والكللــة ،وأبــواب مــن
الربا" وكذلك ما نسب إليه مــن قــوله رضــي اللــه عنــه ":
إني لعلي أنهاكم عن أشياء تصلح لكم ،وآمركم بأشــياء ل
تصلح لكم ،وإن من آخر القرآن نزول آية الربا ،وإنــه قــد
مات رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم ولــم يــبينه لنــا ،
فدعوا ما يريبكم إلى ما ل يريبكم" .
كما روي عن أم المؤمنين عائشة رضــي اللــه عنهــا أنــه »
لما نزلت اليات من آخــر سـورة البقــرة فــي الربـا قرأهـا
رسول الله صلى الله عليه وســلم علــى النــاس ثــم حــرم
التجارة في الخمر « ). (6) (5
فأبواب الربا التي كان عمر يود بيانها هــي كتحريــم تجــارة
الخمر كلهــا مــن محظــورات الــبيوع ونحوهــا ،الــتي بينــت
السنة أحكام كثير منها .وبقيت أحكــام سـائرها يســتنبطها
المجتهدون على هدي الكتــاب والســنة ،ومــا يســتظهرونه
مــن حقيقــة كــل معاملــة منهــا ومــا تحققــه مــن المصــالح
المشروعة ،وفــي ذلــك مــا يحفــظ المرونــة اللزمــة فــي
التشـريعات القتصـادية والتجاريـة السـلمية ،لتـواجه مـا
يستحدث من التصرفات في مختلف العصور والمصار .
وفي الحديث عن رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم أنــه
قال » :الربا تسعة وتســعون بابــا ،أدناهــا كإتيــان الرجــل
بأمه « يعني الزنا بأمه ،وفي حديث رواه أحمـد أنـه عليــه
الصلة والسلم قال » :لدرهم ربا يأكله الرجل وهــو يعلــم
أشد عند الله تعالى من ستة وثلثين زنية في الخطيئة « )
(7وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللــه عنــه
أن النبي صلى اللــه عليــه وســلم قــال » :اجتنبــوا الســبع
الموبقات :الشرك بــالله ،والســحر ،وقتــل النفــس الــتي
628
حــرم اللــه إل بــالحق ،وأكــل الربــا (8) « . . .ومعنــى
الموبقات المهلكات .
__________
) (1صـــحيح البخـــاري الوكالـــة ),(2180صـــحيح مســـلم
المســاقاة ),(1593ســنن النســائي الــبيوع ),(4553ســنن
ابن ماجه التجارات ).(2256
) (2سنن أبو داود البيوع ),(3541مسند أحمد بن حنبــل )
.(5/261
) (3سنن أبو داود الدب ),(4876مسند أحمد بــن حنبــل )
.(1/190
) (4نيل الوطــار للشــوكاني ،ج 5ص 191و 192و ،194
وزكي الدين بدوي ،ص 27هـ 1
) (5صحيح البخاري تفسير القرآن ),(4266صحيح مســلم
المساقاة ),(1580سنن النسائي البيوع ),(4665سنن أبو
داود البيوع ),(3490مسند أحمد بن حنبل ),(6/127ســنن
الدارمي البيوع ).(2569
) (6تفســير ابــن كــثير ،ص ،327ويــرى أن عمــر يعنــي
بأبواب من أبواب الربا بعــض المســائل الــتي فيهــا شــائبة
الربا ،ولم يحدد ابن كثير نوع هذا الربا ،وهو قد أدخل فــي
الية ربا الدين وربا البيع وبغير أن يفرق بينهما
) (7مسند أحمد بن حنبل ).(5/225
) (8صحيح البخاري الوصايا ),(2615صحيح مسلم اليمان
),(89ســنن النســائي الوصــايا ),(3671ســنن أبــو داود
الوصايا ).(2874
وروى الئمة أحمد وأبــو داود والترمــذي عــن ابــن مســعود
رضي الله عنه أن النــبي صــلى اللــه عليــه وسـلم قــال» :
لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه « ). (1
ويحرم هذا الحديث الصحيح على المــدين إيتــاء ربــا الــدين
كما يحرم كتــابته والشــهادة عليــه ،أمــا ربــا الــبيع فيفســد
العقد ذاته ،ونجد في حديث ربا الفضــل أن طرفــي الــبيع
يستويان في اعتبارهما يأكلن الربا بما يصــيب كــل منهمــا
من العقد المحرم .
629
فالربـــا ،باســـتعماله العــام فــي الســـنة ،يعنـــي تعـــدي
محظورات هي من كبائر الثم ،تختلــف أنواعهــا وتتعــدد ،
لتحمي من المصالح الضرورية مثل ما يحميــه حظــر الربــا
المعهود في الــديون المؤجلــة ،ونجــد الربــا بهــذا المعنــى
كالسراف كما أطلقه القرآن الكريم ،ففي مادة اللفظين
معنى الزيادة على المعروف ،فناســب إطلقهــا علــى مــا
جــاوز أمــر الشــريعة مــن عظيــم الخطيئات ،وقــد فســر
الســراف فــي قــوله تعــالى مخاطبــا الوصــياء فــي شــأن
َ ْ
ن ي َك َْبــُروا { ) سَراًفا وَب ِ َ
داًرا أ ْ أموال اليتامىَ } :ول ت َأك ُُلو َ
ها إ ِ ْ
(2بأنه أكل مال اليتيم بغير سبب مبــاح ) . (3وهــو يشــبه
الربا حين يراد بــه أكــل المــال بســبب غيــر مبــاح شــرعا ،
وتقصد كل تلك الحكام ،أن تتم رعاية المــال فــي تــداوله
واستثماره ،وتتكامل مع ما شرعه الســلم لحفــظ المــال
من حدود بيئية تذود عنه الســارقين والمحــاربين ،وتعزيــر
لمن يغصبه أو يماطل في أدائه ،ومن تدابير الوليــة علــى
من تعوزه أهلية التصــرف فيــه ،حــتى يتحقــق للمعــاملت
صحة الرادة والسلمة مــن الغــش والجهالــة وغيرهــا ممــا
تتوقف عليه المصلحة الشــرعية المرجــوة للفــراد والمــة
جميعا من المعاوضات المالية .
وكما توعد القرآن الذين يــأكلون الربــا بالنــار الــتي أعــدت
للكافرين ،نصت آيــاته علــى أن المســرفين هــم أصــحاب
النار .
__________
) (1مسند أحمد بن حنبل ).(1/402
) (2سورة النساء الية 6
) (3تفسير القرطبي ،ج 5ص 40
استقلل ربا الدين عن ربوي الفضل والنسيئة
واختلف ربا الدين عن أكثر أنواع الربا التي جاءت بالســنة
ظاهر ،وإنما يتشابه ربا الدين وربا الفضل ،ويتجوز بعــض
العلماء ،ويرون ربا القرض من ربا الفضــل ،كمــا شـاعت
تسمية ربا الدين بربا النسيئة عند آخريــن مــن المفســرين
والفقهاء ،ويرجع التشابه بين ربا الدين وربا الفضل ،إلــى
630
ما في الديون من الزيادة المحظــورة ،كــم ترجــع تســمية
ربا النسيئة إلى التأجيل الذي يؤخذ عنه الربا ). (1
__________
) (1انظر تعريف ربوي الفضل والنسيئة فــي حاشــية ابــن
عابدين ،ج 4ص .194
ويختلف ربا الفضــل عــن ربــا الــدين فــي الماهيــة ونطــاق
التطبيق والثر الشرعي في العقد جميعا .
فحقيقة ربا الفضل ،كما يدل صــريح الحــاديث ،هــي أنــه
حظر الزيــادة فــي مقــدار أحــد البــدلين فــي بعــض الــبيوع
الخاصة ،ونجد له الخصائص التية :أ -ل يكون إل فــي بيــع
الذهب بالذهب أو التمر بالتمر وغيرهما من الصناف التي
يشتملها النص ،مما يقتصر على صور خاصــة مــن عقــدي
الصرف والمقايضة ،ول يسري على سائر صــورهما الــتي
يختلف جنس البدلين فيهــا ،كصــرف الــذهب بالفضــة ،أو
مقايضة التمر بالشعير ،ول يكون ربا الفضــل مطلقــا فــي
عقد البيع بمعناه الدقيق ،حيث تشتري الســلعة بــالنقود ،
وهو الذي تجري به أكثر المعاوضات التي يطلق عليها فــي
الفقه السلمي اسم البيوع ،وإليه ينسب ربا الفضل .
ب -ل يكون ربا الفضــل إل فــي الــبيوع الحاضــرة ،فهــو ل
ينفك ،في نص الحديث عن ربــا النســيئة ،فحيــث يحظــر
التفاضل بيــن البــدلين يحــرم تأجيــل شــيء منهمــا ،وتجــد
بعض العلماء لذلك يسمون ربا الفضل بربا النقد ،يقابلونه
بربا الدين الذي ل يقع إل في التأجيل والنسيئة .
ج -التفاضل المحظور هو زيادة في مقدار أحد البدلين في
تلــك الــبيوع الخاصــة ،وليــس زيــادة فــي قيمــة أي مــن
البدلين؛ ويبين ذلك من حديث التمر الذي جعل فيـه النــبي
صلى الله عليه وسلم من ربــا الفضــل مقايضــة كيــل مــن
تمر جيد من الجنيب بكيلين من الجمــع وهــو تمــر رديــء ،
وإن كان سعر الجنيب فــي الســواق يســاوي مثلــي ســعر
التمر مما ل يذر زيادة في قيمــة أي مــن البــدلين ،كــالتي
يقوم بها الربا في الدين ،وحيث يوجد فــرق يعتــد بــه بيــن
قيمة البدلين ،فان السبيل لتلفي الغبــن فــي مبادلتهمــا ،
يكــون ،كمــا أشــارت بــه الســنة فــي حــديث التمــر الــذي
631
تقدم ،بالعدول عــن مقايضــتهما مقايضــة مباشــرة تخضــع
لربا الفضل ،إلى بيع كل مــن البــدلين بــالنقود ،ويشــتري
كل من البائعين ما يحتاجه من الصنف الذي يريد .
وإذ فــرض الشــرع إهــدار التفــاوت فــي قيــم البــدلين
المتماثلين جنسا ،إذا تمت مبادلتهما عن طريــق الصــرف
أو المقايضة ،فإن هذا الطريق يوصد فــي الــبيوع الــتي ل
يجوز فيها الغبن رعاية لحقوق العباد ،التي ل يستوي فيهــا
جيد المال ورديئه ،فل يجوز للوصي أن يــبيع قفيــز حنطــة
جيدة من مال اليتيم بقفيز رديــء ،ويتعيــن علــى الوصــي
البيع بالنقد أو بشيء خلف جنــس الحنطــة مراعــاة لحــق
اليتيم وحق الشرع ) . (1وفي قول الله تعــالى فـي حفــظ
ب { ) (2نهــي ث ب ِــالط ّي ّ ِ أموال اليتامى َ } :ول ت َت َب َد ُّلوا ال ْ َ
خِبي َ
للوصياء عن مثل تلك المقايضــة الــتي يحيــق الغبــن فيهــا
باليتيم .
ويكون ربا الفضل بعيدا عن تحقيــق التعــادل بيــن المــالين
المتبادلين بما يمنع الغبن فــي العقـد ،خلفـا لمـا قــال بـه
بعض الفقهاء واعتنقــه المستشــرقون وفريــق مــن رجــال
القانون ). (3
كما لم يشرع هذا الربا ليسد ذريعة إلى ربا )(4
__________
) (1وكذلك مال الوقف ومال المريض مرض المــوت .وإذا
انكسر المصوغ المرهون عند المرتهن فيضمن بقيمته من
غير جنسه لمراعاة حق العبد ،ولكــن علــى وجــه ل يبطــل
حق الشرع .حاشية ابن عابدين ج 4ص 202و 203
) (2سورة النساء الية 2
) (3بدايــة المجتهــد لبــن رشــد ج 2ص ،115وريمــون
شــارل ،المرجــع الســابق ص ،86والوســيط فــي شــرح
القانون المدني للدكتور عبد الرزاق الســنهوري ،1964ج
1ص 376ن 202
) (4إعلم المــوقعين عــن رب العــالمين للمــام ابــن قيــم
الجوزية ج 1ص ،204-200وزكي بدوي ،ص .134-130
القرض الذي ل يقف التماثل فيــه عنــد تســاوي المقــادير ،
بل يشمل جودة المال ومقداره جميعا .
632
د -ول ينتفي ربا الفضل إل بتحقيق المتعاقدين من تســاوي
البدلين وزنا ،إن كانا مــن النقــدين ،أو كيل ،إن كانــا مــن
مواد الطعــام ،فــإن وجــدت زيــادة ،أو احتمــل وجودهــا ،
لعدم وزن أحد البدلين أو كليهما ،كان ربا فضل ،يســتوي
في أمره صاحب البدل الكبر الــذي زاد ومــن قــدم البــدل
الصــغر الــذي ازداد ،فكــل منهمــا كمــا جــاء بــالنص ،قــد
أربى ،ول يجوز لمـن زاد إبـراء صـاحبه مـن الزيـادة ،لن
الحظــر هــو لمحــض حــق اللــه تعــالى ،يكفــل بــه مصــالح
الجماعة ،وليس الحظر متعلقا بشيء من حق المتعاقد .
كما ل يلـتزم مـن أخـذ زيــادة الــوزن أو الكيـل أن يردهــا ،
ويصح الصرف أو المقايضة ،خلفا للقرض إن اشترط فيه
الربا ،إذ يبطل شرط الربا لفساده ويبقى القرض صحيحا
،وليس كذلك الصرف والمقايضــة الربويــان ،فــإن فســاد
العقد في أصل محله ،وليس فيه شــرط خــارج عنــه ،فل
ينتهي الحظر إل بنقض العاقد ذاته .ثم نجد القــرض ،وإن
حظر شرط الزيادة فيه أو جر المنفعة منــه خلل تــأجيله ،
ل يحظر على المقترض ،إذا شاء أن يزيد فيما يــرده إلــى
من أقرضه مــن بــاب حســن القضــاء ،كمــا جــاء الحــديث
القدسي بفضل الدائن السـمح الـذي يتجـوز عـن الموسـر
بقبول ما فيه نقص يسير من الوفاء ،وفــي معجــم الفقــه
الحنبلي أنه يجــوز وفــاء القــرض بخيــر منــه فــي القــدر أو
الصفة ،أو بما هو دونه بتراضي طرفي العقد .
هـ -وفي ربا الفضل ،بمــا يفرضــه مــن تســاوي المقــادير
وإهدار التفاوت بيــن قيمهــا ،مــا يوصــد بعضــا مــن أبــواب
المقايضة ،وهي وسيلة بدائية للتــداول ،ويفتــح بهــا أبوابــا
من البيع بالنقود ،وهي أضبط في تقــويم الشــياء وأخفهــا
حمل وأيسرها ادخارا ،وفي فرض الــبيع بهــا تكــثير التجــار
وازدهار الســواق ،بمــا يــدفع التــداول فــي اقتصــاد المــة
السلمية على طريق التقدم .أمــا ربــا الــدين فيــدور فــي
صعيد الئتمان ،الذي ل يتصل ببيع يعقد أو تجــارة حاضــرة
تدار ،وتختلف لذلك حكمة حظره عن الحكمــة فــي حظــر
التفاضل في تلك البيوع .
الفرق بين ربا الدين والنسيئة
633
وكذلك يختلف ربا النسيئة ،أو ما يسمى ربا النساء أو ربــا
اليــد ،عــن ربــا الـدين .فربــا النســيئة حظــرت بـه الســنة
التأجيل في بعض البيوع الخاصة ،أو التأخير في تنفيــذها ،
فيجب لصحة العقد أن يكون كل من البدلين فيه حاضــرا ،
وتســليمها نــاجزا ،ول يجــوز أن يــدخل الئتمــان فــي تلــك
العقود ،في جانب أحد من المتعاقدين ،أو كليهما .ونجــد
لهذا الربا الخصائص التيــة -1 :يســري ربــا النســيئة حيــث
يطبق ربا الفضل دائما ،ففــي بيــع الــذهب بالــذهب ،كمــا
تحــرم الزيــادة فــي وزن أحــد البــدلين ،يحــرم أن يكــون
أحدهما غائبا عن مجلس العقد ،وكذلك في مقايضة التمر
بالتمر ،ل يصح العقد ،إذا اشترط تأجيل أحد البــدلين ،أو
لم يتم أداؤه في مجلس التعاقد .
ويتسع ربا النسيئة عن ربا الفضــل ،فيطبــق علــى صــرف
الــذهب بالفضــة ،وعلــى مقايضــة القمــح بــالتمر ،ويجــب
تسليم البدلين عند التعاقد ،ما داما مــن مجموعــة واحــدة
مـــن مجموعـــتي الصـــناف الربويـــة ،وهمـــا النقـــدان
والمطعومات ،فل ينطبق ربا النسيئة على بيع قمــح آجــل
بفضة معجلة ،بينما يحظر بيع مصوغات الذهب نسيئة ولو
بثمن من فضة .
ت -ربا النسيئة ،فيما حظر من تأجيل أنواع مــن الصــرف
والمقايضة ،هو استثناء ممــا أبــاحته الشــريعة الغــراء مــن
التجارة المؤجلة والقروض ،وبينت أحكام توثيقها بالكتابــة
والشهادة أطول آية في القرآن ،في سورة البقرة ) ،رقم
َ
من ُــوانآ َ ذي َ ، (282التي استهلت بقوله تعالى َ } :يا أي َّها ال ّـ ِ
َ
ب ب َي ْن َك ُـ ْ
م مى فَــاك ْت ُُبوهُ وَل ْي َك ْت ُـ ْ سـ ّم َ ل ُج ٍ ن إ َِلى أ َ م ب ِد َي ْ ٍ
داي َن ْت ُ ْ إِ َ
ذا ت َ َ
ل { ) (1وفرضــت اليــة 283مــن بعــدها أداء ب ِبال ْعَ ـد ْ ِ َ
كات ِ ٌ
الدين المؤجل ،وإن لم يوثق بكتابــة ول برهــن ،وألزمــت
التقوى في شأنه ،بقوله تعالى } :فَإ َ
ضام ب َعْ ً ضك ُ ْن ب َعْ ُ م َ
نأ ِ ِ ْ
فَل ْيؤَد ال ّذي اؤْتمن أ َ
ه { ) (2وقــد فــرق ه َرب ّـ ُ ق الل ّ َِ ّ تَ يه وَل ْ
ُ َ تَ ن ما
َ ُ ِ َ ُ ّ ِ
السلم بين القــرض ،حيــث يتأجــل الــدين رفقــا بالمــدين
وتصــدقا بمنفعتــه عليــه ،والــبيع المؤجــل ،حيــث يســتثمر
التاجر ماله فــي النســيئة أو الســلم ،ويصــيب مــن يحتــاج
634
الســلعة فــي بيــع النســيئة ،أو رأس المــال فــي الســلم ،
حاجته العاجلة ،بعوض يؤديه مؤجل .
وانمــاز القــرض ونحــوه مــن الرفــاق بتحريــم الربــا ،ولــم
يحظر السلم الزيادة في الثمن المؤجــل للمــبيع نســيئة )
(3كما لم يحرم النقص في الثمن إذ يعجل للمبيع ســلما .
وقد بين القرآن الكريم اعتراض الذين يــأكلون الربــا علــى
ما شرع السلم من إباحة بيع النسيئة وتحريم الربا ،فــي
َ قوله تعالى } :ذ َل َ َ
حــ ّ
ل ل الّرَبا وَأ َ ما ال ْب َي ْعُ ِ
مث ْ ُ م َقاُلوا إ ِن ّ َك ب ِأن ّهُ ْ ِ
م الّرَبا { ) (4وثم وجه لتأويل الية بأن هــذا ه ال ْب َي ْعَ وَ َ
حّر َ الل ّ ُ
القول صادر من المشركين الذين ل يعــترفون بمشــروعية
أصل البيع كما جاء به القرآن ). (5
وكأنهم قــالوا :إن الــبيع والربــا متمــاثلن عقل ،ول توجــد
علة ظاهرة للتفرقة بين ربح التأجيل في كل منهما ،ليحل
البيع ويبقى الربا محرما مما يقتضي عندهم أن يحل الربــا
كما أحل ربح النسيئة .
وهذا القول أشبه بما قد يحتــج بــه اليهــود حيــن يخــاطبون
بحكم القرآن وقد أحل بعض ما حرم عليهم من المرابحــة
ولم يحل الربا فــي الــدين ،وإن كــان جمهــور المفســرين
علــى أن القــائلين بالشــبهة يعتقــدون حــل بيــع النســيئة
ويقيسون عليه ربا الدين ،ويقولون :كما أنه يجوز أن يبيع
الثوب الذي يساوي عشرة دراهم في الحال ،بأحــد عشــر
إلى شهر ،فكذلك إذا أقرض العشــرة دراهــم بأحــد عشــر
إلى شهر ،يجب أن يجوز ). (6
ومــا دامــت الزيــادة فــي الثمــان المؤجلــة الصــل فيهــا
الباحة ،فل يكون القصد من تحريم التأجيل فــي الصــرف
والمقايضة هو سد الذريعة إلــى ربــا الــدين ،الــذي يحظــر
العتياض عن التأجيل ). (7
__________
) (1سورة البقرة الية 282
) (2سورة البقرة الية 283
خرو الحنفيــة المرابحــة ،باعتبارهــا بيعــا ) (3ويســميها متــأ ّ
للعين بربح يقابل الجل ،انظر حاشية ابن عابــدين ج 4ص
،308ودائرة المعارف السلمية ،ج 9ص .218
635
) (4سورة البقرة الية 275
) (5تفسير ابن كثير،ج 1ص 327
) (6مفاتيــح الغيــب ،للفخــر الــرازي ج 2ص 354وســائر
المفسرين في زكي بدوي ص 61هـ 1
) (7قارن إعلم الموقعين ،لبن القيم ،ج 1ص 204-200
وزكي بدوي ،ص 134-130
ج -وفيما حرمته السنة من بيع الكــالئ بالكــالئ ،مــا يــبين
منه أن حظر بيع الدين المؤجــل بمؤجــل مثلــه ،وإن كــان
الدينان متماثلين نوعا ومقدارا وأجل ،كصرف ذهب بذهب
مؤجلين إلــى ســنة ومتســاويين وزنــا وقيمــة ،ممــا ل يــذر
زيادة من فرق بينهما في القيمــة أو الحلــول تصــلح لربــط
هذا الربا بربا الدين .
د -وينبغي لكل أولئك أن يعدل عن محاولة رد أنــواع الربــا
المختلفة إلى أصل واحد يجمعها ،وأن يبحث كل نوع مــن
الربا بأحكامه ومقاصده مســتقل عــن غيــره مــن الربــوات
حتى ل تبغي دراسة بعضها على بعض ،ويعود ربا النســيئة
بحقيقته الشرعية إلى موضعه الصحيح بعد إذ اختفــى مــن
أقسام الربا عنــد بعــض المفســرين والفقهــاء ،ومــن أخــذ
عنهم من المستشرقين في معاجمهم (1) ،إذ أقحموا ربا
الدين على تقسيم الفقه الســلمي لربــوي الــبيوع اللــذين
حظرتهما أحاديث الفضــل والنســيئة ،وجــاوزوا المصــطلح
الشرعي فجعلوا لربا الـدين اسـم ربـا النسـيئة ،فصــرفوا
لفــظ الربــا إلــى معنــى الزيــادة بــدل مــن معنــى الحرمــة
المقصودة فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
،وانتفت المقابلة في التقسيم ،إذ خلطوا ربا الــدين بربــا
الفضل ،وقد بينــا اختلفهمــا كمــا أخطئوا الفــرق بيــن ربــا
النسـيئة الـذي يحـرم التأجيـل فـي عقـود محـدودة ،وربـا
الدين الذي ل يعرض بتحريم لتأجيل الديون ،وإنما يقتصــر
التحريم فيه على أخذ عوض عن الجــل زيــادة علــى رأس
مال الدين .
هـ -والذي يبين من أحكام ربا النسيئة أن السلم إذ أبــاح
ربح التجارة الجلة ،قد حرص على أل تجــاوز مــا تقتضــيه
مصالح الفراد والمــة جميعــا منهــا ،فحظــر جميــع الــبيوع
636
التي يتأجل فيها البــدلن معــا ،إذ ل تظهــر مصــلحة قائمــة
لحد من المبتاعين فيها ،وهــي ليســت مــن صــنيع التجــار
العاملين بالسواق عادة ،ول تحقق الخدمات الــتي تبتغــى
من النشاط التجاري ،بل هــي كــثيرا مــا تضــر بانتظــامه ،
وذلك في حظر بيع الدين بالدين ،وفي ربا النسيئة بمعناه
الدقيق يحظر الصرف أو المقايضــة إذا كــان أحــد البــدلين
غائبا أو مؤجل تسليمه ،فمنع من ليس بيده ذهب ول فضة
أن يصــيب مــن طريــق الصــرف نقــدا حاضــرا ،وإذا كــان
النقدان هما رءوس أموال التجارة ،فإن ربا النسيئة ل يذر
فــي حلبتهــا إل المتمــول مــن التجــار ،أو ذا الثقــة ،الــذي
يتيســر لــه أن يجــد مــن يمــده بالمــال ،مضــاربة تبتغــي
المشــاركة فيمــا يفيــء مــن التجــارة ،وإمــا قرضــا حســنا
يضمن المقترض رده ،كما أن في حظــر بيــع المصــوغات
من الـذهب والفضـة نسـيئة ،مـا يحـد مـن اكتنـاز الفـراد
للمعدنين الثمينين ،وإبعادهما عن مجالت الستثمار الــتي
تتحقق من خللها التنميــة القتصــادية للمــة ) . (2وكــذلك
في مقايضة مــواد الطعــام ونحوهــا بعضــها ببعــض ،حيــث
يحظر ربا النسيئة تأجيل بدل منها ،يقتضي المتبــايعين أن
يجريا التصرف من طريــق بيــع النســيئة أو مــا يشــرع مــن
السلم ،فينأى بتلك المعاملت عن المقايضة ببدائيتها التي
تتعقد مع الجــل ،ويحــد مــن بقــاء تلــك المــواد دولــة بيــن
منتجيهــا ،ليطلقهــا فــي مجــالت التــداول علــى اتســاعها
بالبيوع الجلة بالنقود الــتي يتحقــق بهــا النضــباط ويتحــدد
فيها مقابل التأجيــل ،حــتى إذا طــرأ مــا يقتضــي التعجيــل
تيسر لمــن يحــط مــن المقابــل حســاب مــا يخصــم منــه .
ويكون من حكمة ربــا النســيئة ،دعــم التنميــة القتصــادية
وحفــظ مقومــات التجــارة وتقــويم ســبل الئتمــان فيهــا ،
بإغلق أبواب المعــاملت الجلــة الــتي مــن شــأنها الخلل
بتحقيق
__________
) (1معجم هيوز ،المرجع السابق ص IN ARABIC 544
ENGISH AXICON BY E. W. ANE 1968 PART 3.P.
1023
637
) (2التنمية القتصادية ،للدكتور محمــد زكــي شــافعي ،ص
.51
ما تتطلبه الجماعة من استقرار النشاط التجاري وازدهاره
.ويتمحض تحريم النسيئة حقا لله تعالى ،يلتزم السلطان
إنفاذه ،ول يعتد بشيء من إرادة الفراد فــي شــأنه ،ومــا
ينبغي أن تقر تلك الرادة على ابتغاء ما يتهدد مصالح المة
،أو يحيــف عليهــا .وتختلــف الحكمــة مــن هــذا الربــا عــن
الحكمة في تحريم ربــا الــدين ،الــذي يتميــز بوقــوعه فــي
مجال الئتمــان المشــروع ويتعلــق بتقــويمه فــي القــروض
والتأجيل للعسار ،متكامل مع تنظيم النسيئة المباحة في
البيوع .
خصائص ربا الدين في السلم
ويتبين مما قدمناه أن الربا الذي يعرفه اليهود ل يشبه من
أنواع الربا في السلم إل ربا الــدين ،ولكــن هــذا التشــابه
من بعض الوجوه دون بعضها الخــر ،ول يبلــغ الشــبه بيــن
الربوين حد التماثل ،بل تذر أوجــه الختلف حقيقــة الربــا
اليهودي جد متميزة عن ربا الدين كما اكتملت أحكامه في
شريعة السلم ،الــتي نعــرض علــى هــديها خصــائص هــذا
الربا ،كالذي قدمناه في بحث ربا اليهود ،لتظهر الفــروق
واضحة بين الشريعتين ،وينجلي الوضع الصــحيح لمشــكلة
الربا في البلد الســلمية وأوجــه علجهــا الميســورة الــتي
تأتي على مـا يتعلـل بـه للتعامـل بالربـا فـي إطـار أحكـام
اليهود المخالفة عن أحكام السلم .
وخصائص هذا الربا هي :
- 1الربا في الدين وحده ول ينطبق على البيع .
- 2الربا مقابل الجل .
- 3الربا محظور على الدائن والمدين معا .
- 4للربا حكمته المتميزة عن ظلم المدين .
- 5المساواة بين المسلم وغير المسلم في الربا .
الخاصية الولى
الربا في الدين وحده ول ينطبق على البيع
أحل الله تعالى البيع بزيادة في الثمن إذ يؤجل ،أو ينقــص
فيه إذ يعجل ويؤجل المبيع ،وذلك عوضـا عـن الجـل فـي
638
بيع النسيئة ،والسلم وعقد الستصناع ،وحــرم الربــا فــي
القــرض ،إذ يؤجــل تبرعــا واختيــارا ،وفــي تأجيــل ســائر
الديون الــتي يثبــت إعســار المــدين بهــا حيــن وجــب عليــه
أداؤها ،فينظره القاضي إلى أن يوسر ) ، (1توثيقا لعــرى
التكافل الجتماعي بين الغنياء والفقراء من الناس .
وكما عني السلم بتنظيم التجارة الحاضرة فيما رأينا مــن
أنواع الربا في الــبيوع ،كــانت عنــايته أكــبر بالئتمــان فــي
التجــارة الجلــة وســائر الــديون غيــر التجاريــة .وجمهــور
المفســرين علــى أن الــدين المؤجــل الــذي فصــلت آيــات
البقرة أحكام توثيقه ،يشمل السلم وبيع النسيئة والقرض
جميعا ،وردوا قول من ذهب إلى أن القرض ل يدخل فــي
ذلك الدين ،لن القرض ل يجــوز فيــه الجــل الــذي يؤجــل
إليه الدين ،وكانت حجتهم أن القرض يصح تــأجيله باتفــاق
الفقهاء ،وإنما اختلفهــم فــي لــزوم هــذا التأجيــل ،فقــال
المام مالك بلزوم الجل المتفق عليه في القــرض ،ورأى
ســائر الئمــة أن المقــرض متــبرع ل يجــوز أن يجــبر علــى
المتناع عن المطالبة بالقرض قبل الجل ). (2
وقد كانت مصادر ربا الجاهليـة ،إمـا قرضـا مـؤجل بزيـادة
مشروطة بدل من الجل ،وإمــا بيعــا بالنســيئة حــل ميعــاد
أداء ثمنه وليس عند المشتري ما يفي به ،فيزيــد مقــداره
ليؤخر البائع المطالبة بــه ،أو ســلما ل يجــد المســلم إليــه
الشيء الذي باعه عند حلول أجله ،فيؤخره المســلم إلــى
أجــل جديــد بزيــادة علــى الشــيء المــبيع ،وقــد حظــرت
الزيادة على الدين في كل تلك الصــور مــن الئتمــان غيــر
التجاري ،وفــرق الســلم بيــن هــذا الئتمــان القــائم علــى
الرفــاق والئتمــان التجــاري فــي الــبيوع الــذي أبيحــت
المعاوضــة علــى الجــل فيــه ،التزامــا لحــال المــال الــذي
يخرجه التاجر إلى الئتمــان مــن بيــن مــا يــدير بــه تجــارته
الحاضرة ويقف ما كان يفيــء لــه مــن كســب دوري إبــان
تأجيله .
وكذلك حال الذي ائتمن من التجار فيما دفع إليه وما يفيد
من كسب يقدر أن يؤدي الزيادة في الثمن المؤجل منــه .
وبجانب هذا الئتمان في السلع الــتي تقــوم التجــارة علــى
639
تداولها ،ويتحدد بكل بيع يرد عليها مخاطر عقــده مســتقل
عما سبقه وعما يلحقه من البيوع ،أقــر الســلم الئتمــان
الرأســمالي بعقــد المضــاربة أو القــراض ،فيأخــذ التجــار
المضــاربون رءوس المــوال مــن أصــحابها يــديرون بهــا
التجارة ،وتقسم أرباحها بين التاجر عن عملــه ،والممــول
عن رأس ماله ،فــإن لــم تصــب التجــارة ربحــا ،أو منيــت
بخسر ،ضــاع جهــد التــاجر ،وفــات رأس المــال الربــح أو
نقص ما خسره ،تبعا لحقيقة ما أسفر
__________
ســر تــأخير الوفــاء بمــا عليــه ،وفــي مو ِ ) (1ويحظر على ال ُ
مط ْــل الغَن ِــي ظ ُل ْــم ،يجعــل لــدائنه أنمطهّــرة أن َ سنة ال ُ
ال ّ
حقّ عليــه ،وذلــك مســت ِدي الـد ّْين ال ُيطلب حبسه ،حــتى ي ُــؤ ّ
حمايته عناية السلم بالئتمان و ِ خر ي ُ ْ
ظهر ِ وجه آ َ
) (2زكــي الــدين بــدوي ،ص 37هـــ ،1ومعجــم الفقــه
الحنبلي ،ج 2ص 771رقم .14
عنــه النشــاط المعقــود عليــه ،وكمــا يتضــامن رب المــال
والعامل في تحمل خطر الخسارة ،يفيد رأس المــال مــن
كل زيــادة تتحقــق فــي ربــح المضــاربة خلل الجــل الــذي
تنتهي عنده ،وبذلك جعل للجل في التجارة عوضــه الــذي
يتحدد ابتداء في البيوع ،أو الذي يتحقق ويتحدد انتهاء فــي
المضاربة .
ويتميز القــرض مــن الــبيع ،خلفــا لمــا يــذهب إليــه بعــض
الفقهاء والمستشرقين الذين يجعلــون القــرض فــي أصــله
من المعاوضات ويدخلون رباه في ربا الفضل بالبيوع خطأ
) ، (1ذلك أن القرض في شــريعة الســلم مــن التبرعــات
يتصدق فيه المقرض بمنفعة المــال علــى ســبيل العاريــة ،
وإذا كان المقرض ل يسترد مــاله ذاتــه بــل يســترد مثلــه ،
فلن هذا المال مما يهلك بالنتفـاع بـه ،انفاقـا كـالنقود أو
استهلكا كالطعــام ،وليــس أخــذ هــذا المثــل المؤجــل هــو
مقصود المقرض من العقد ،ليكون كالبائع الذي يقصد أن
يأخذ من المبتاع عوضــا غيــر الــذي يــبيعه منــه ،ولــو كــان
القرض من البيع لوقع في نطاق ربا النسيئة الــذي يحظــر
مقايضة العين بمثلها مؤجل ،ولذلك جعل الفقهــاء رد بــدل
640
العيــن فــي القــرض بمثابــة رد العيــن ذاتهــا خلف ســائر
الديون .
ولكن مع اتفاق الفقهاء على حل المعاوضة عن الجل في
البيوع ،وحرمتها في القروض وسائر الديون ،اختلفوا في
الــديون المؤجلــة حيــن يعجــل أداؤهــا ،فمنــع فريــق مــن
الئمة ،منهم أبو حنيفة ومالك ،أن ينقص شيء من الدين
،إذ رأوا في مقابلة هذا النقص بما بقي من أجل الدين ما
يشبه الربا الذي يجعل الزيادة فوق الــدين مقابلــة لجلــه ،
وأخذ فريق بما » روي عن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم حين أمر بجلء يهود بني النضير ،وسألوه عن ديون
لهم مؤجلــة ،فقــال لهــم النــبي عليــه الصــلة والســلم ":
حطوا وتعجلوا" « فأجازوا أن ينقص من الدين المؤجل إذا
عجــل وفــاؤه ،مــا يقابــل الــذي بقــي مــن أجلــه .وانتهــى
متأخرو الحنفية إلى الفتوى بذلك في المرابحة ). (2
وقد بني الختلف على أساس إحدى خصائص الربا التالية
،وهي كونه مقابل لزمان بقاء الدين في الذمة ،ولكن لــو
نظر المر من وجه مشروعية المعاوضة عن الجل ،فــإن
الديون التي تحل الزيادة فيها لتأجيلها ،كثمن النســيئة ،ل
يكون في الحــط منهــا عنــد تعجيلهــا شــيء مــن الربــا ،إذ
يفترض اشتمال الثمن على عــوض بمقــدار الجــل كــامل ،
فإذا أدى الثمــن ،ولــم ينقــض إل نصــف الجــل ،كــان مــا
يقابل نصفه الخر ول سـبب يسـتحق عنـه .ول يكـون ربـا
فيما نقص من ديون بني النضير ،إن كانت مــن المرابحــة
أو السلم ،وقد كانوا يستحلون الزيادة فيها علــى المييــن
وإن حرموا أخذها من اليهود ،وقد أخرجها السلم من ربا
الديون .أما إن كان الدين المؤجــل مــن قــرض ،فل يبــدو
وجه إنقاصــه إذا عجــل أداؤه ،حــتى عنــد مــن يــرى لــزوم
الجل فيه ،لن المقترض ل يرد شــيئا فــوق مــا أخــذ مــن
المقرض في كل حين ،وكما يحظــر العــوض مــن المــدين
عن منفعة الدين المؤجل ،ل يحق له أن يقتضي المقرض
عوضا عما بقي من الجل الذي ارتضاه هــذا الــدائن تبرعــا
بالقرض للجل كله .ويستوي القرض فــي ذلــك كــل ديــن
تأجل أداؤه بأمر القضاء للعسار ،وتبقى الديون المؤجلــة
641
بحكم الشرع ،كديات القتل الخطأ ،يتنازعها الرأيــان فــي
جواز الحط عند تعجيلها أخذا بعموم الحديث الشــريف ،أو
منع نقصها لما فيه من شبه الربا .
__________
)milliot introduction a letude du droit musulman 1953 (1
p.p.649-651ومعجم هيــوز ،ص 33وراجــع النبــذة 3فيمــا
سبق
) (2بداية المجتهد لبــن رشــد ج 2ص 118وحاشــية ابــن
عابدين ج 5ص .526،525
الخاصية الثانية
الربا مقابل الجل
يؤدى الربا عوضا عن تأجيل المطالبة بــالقرض أو الــدين ،
ويؤخــذ فــي تحديــده بمقــدار الجــل ،فيتضــاعف الربــا
بتضاعف الجال المتوالية .
ويتميــز الربــا مــن الزيــادة فــي الــبيوع الجلــة ،فهــي وإن
حددت على أساس مقدار الجل ،فثم أسس أخرى تدخل
في تقدير المتبايعين ،منها معدل الربح في السلعة ،ومــا
يتوقع من رواجها خلل الجــل ،وهــي اعتبــارات تجاريــة ل
يتمثلهــا المتعــاملون بالربــا ،وتتحــدد هــذه الزيــادة جملــة
واحدة لتندمج في الثمن ،بحيــث ل تتميــز مــن أصــله ،ول
يكون في العقد إل الثمن ل يبدو من عناصر تقديره مقابل
التأجيل ،وفي ذلك تورع من صورة الربا ،ول يحسب هذا
المقابــل فــي الــبيوع إل مــرة واحــدة عنــد إبرامهــا ،ول
تتضاعف الزيادة في النســيئة ول فــي الســلم ،إن أعســر
المدين ،ويؤجل الثمن أو المبيع إلى ميسرته ،في إرفــاق
يشبه القرض .وهذا فرق هام بين زيــادة الــبيوع المؤجلــة
في السلم والربا الذي يتضاعف أضعافا ل حد لهــا ،يقيــم
حاجزا ظاهرا بين البيع والربا .
وقد ل يشترط الربا في عقد القرض ،ولكــن المســتقرض
يعد بالزيادة فوق رأس المال أو يؤديها من جــانبه ،بقصــد
حمل الدائن على تأخير مطــالبته ،ثــم هــو يضــاعفها كلمــا
انتهى المد الذي قدمها عنه ،فتكون تلك الزيادة مــن ربــا
الدين .ولكن ل يعتبر من الربــا مــا يــؤديه المــدين مختــارا
642
عند قضاء الدين من زيادة عليه ،بعد إذ انتفت كــل مظنــة
من جانبه في ابتغاء التأجيل ،وكذلك يخرج مــن الربــا كــل
ما اعتاده المدين من إهداء أو صلة للمقرض من قبل أخذ
القرض ،وإن قدمها خلل تأجيله لنقطاع صلتها به .
وإذا وثق القــرض برهــن ،فل يجــوز أن يشــترط للمرتهــن
النتفاع بالرهن ،ويقول النبي صلى الله عليه وســلم » :ل
يغلق الرهن ،ولصاحبه غنمه وعليه غرمه « ) (1وإن انتفع
الدائن بشيء من الرهن ،صار قرضــا جــر منفعــة وكــان ،
فيما روي من السنة ،من الربا .ويختلف القرض في ذلك
عــن الــبيع ،فيجــوز للبــائع المرتهــن أن يشــترط لنفســه
النتفــاع بــالرهن ،ويعتــبر ثمــن الســلعة الحقيقــي هــو مــا
سمي من الثمن بالعقد مضافا إليه منافع المــال المرهــون
مدة معلومة ). (2
والصل في الشريعة السلمية أن الموال ل تســعر علــى
النــاس فــي مبــادلتهم ،وأن الغبــن ل يــؤثر فــي صــحة
المعاوضــات ،إذا عقــدها كــاملو الهليــة لنفســهم بــإرادة
سلمت من التغرير ،وإنما يعتد الغبن إذا وقع في بيع أو
__________
) (1سنن ابن ماجه الحكام ),(2441موطأ مالك القضــية
).(1437
) (2وقــال بــذلك ابــن خــويز منــداد عنــد المالكيــة .انظــر
القرطبي ج 3ص .413
إيجــار أمــوال مــن فــي وليــة غيرهــم أو بيــت المــال أو
الوقف ،أو إذا تم العقد في حال يكون المتعاقد فــي غيــر
بينة مــن حقيقــة الســعار بالســواق كمــا فــي حــال تلقــي
الركبان ،ويشترط أن يكون الغبن فاحشا ،غير يسير مما
يتغابن المتعــاملون بمثلــه ،ويجعــل هــذا الغبــن حقــا لمــن
أصابه ،في طلب تكملة الثمن إلى الحد الذي يقتنيــه ،ول
يذر مثل ذلك الغبن العقد باطل أو محظورا ،إذا لم تطلب
إزالته ). . (1
فبيع النسيئة يؤثر الغبن فيه ،كما ل يؤثر فــي الســلم ،ول
يكون ثم أصل شرعي عام يقيد تقــدير مقابــل الجــل فــي
البيوع أو يحظر المغالة فيه .ونجد في ذلك الصــل الــذي
643
يذر تقدير المــوال والمنــافع إلــى مــا يرتضــيه ذووهــا ،ول
يحظر التغابن فيها ،ما قد يبين منه أن النهي فــي القــرآن
الكريم عن أكل الربــا أضــعافا مضــاعفة ،ل وجــه لصــرفه
إلى الربا الفاحش ،ليقتصر التحريم في النص علــى الربــا
المركب ،الذي تؤخذ فيه فائدة على ما تجمد من الفــوائد
). (2
وما كان العرب حين جاءهم السلم يعرفون التفرقــة فــي
الحكم بيــن يســير الربــا وفاحشــه ،ول بيــن بســيط الربــح
ومركبــه ،كمــا لــم يعلــق الســلم مشــروعية الــبيع علــى
اعتدال الثمن ،ولم يحظــره لبخــس بــالثمن أو غلــو فيــه .
وإنمــا القــرب أن ينصــرف النهــي إلــى طلــب الكــف عــن
الستمرار في الستثمار الربــوي ،فــإن الربــا ل يتضــاعف
بتضــاعف الجــل ،ول يبلــغ الربــا الضــعاف المضــاعفة إل
بمكــث المــال فــي حمــأة الســتغلل المحظــور ،فكــان
الخطاب في سورة آل عمــران ،لينتهــي كــل مكلــف عــن
الخلد إلــى المــداينات الربويــة ،ثــم بينــت آيــات ســورة
البقرة ،بعــد النــص علــى تحريــم الربــا ،مــا يتبــع لتصــفية
الديون الربوية القائمة عند التنزيل ،بــأداء رءوس أموالهــا
وحدها بغير أية زيادة فوقها ،فكانت حرمــة الربــا مطلقــة
تحظر يسيره كما تحظر فاحشه .
__________
) (1بدايــة المجتهــد ،لبــن رشــد ج 2ص ،146ومعجــم
الفقه الحنبلي ،وزارة الوقاف بالكويت ،ج 1ص 323رقــم
39الخيار للغبن
) (2مصادر الحق ،للدكتور السنهوري ج 3ص 368و .269
الخاصية الثالثة
الربا محظور على الدائن والمدين معا
الربا محظور على الدائن أخذه وعلى المدين إيتاؤه ،كمــا
يحظــر تــوثيقه فيــأثم شــاهدا عقــده وكــاتبه جميعــا بنــص
الحديث الشريف .
وقد بينت السنة أن الربا أفحش إثمــا مــن الزنــى ،ويبــدو
الربا في فقه السلم ،كالزنى ،عمل مشتركا ،يعصي بـه
اللذان يعقدانه عن التكليف فــي إقــراض المــال لمحتــاجه
644
قرضا حسنا أو استثماره بما شرع الله تعالى مــن التجــارة
بالبيع أو المضاربة .
وقد رأينا السنة في ربا الفضل ،تقضي بأن إثــم مخــالفته
يقــع علــى طرفــي الــبيع معــا ،ول يقتصــر علــى مــن أخــذ
الزيادة في المقدار ،بل إن من أعطاهــا قــد أربــى مثلــه .
وكذلك في ربا الدين ،يأثم الدائن ،ولو قــل مقــداره عمــا
يربحه رأس المال بالستغلل المشــروع فــي يــد الــدائن ،
ويأثم المدين ،ولو زاد ما يؤديه من الربا على مــا يكســب
من استثمار القرض .
وإذا كان القــرآن يــأمر الكــاتب أل يــأبى أن يكتــب الــديون
المؤجلة ،كما أمر الشهداء أل يأبوا الشهادة حيــن يــدعون
إليها ،فإن الكاتب والشهود ل يتحلل أحدهم من هذا المر
فحسب ،إذا وجد الدين مقترنا بالربا ،بل يحرم على كــل
واحد منهم بمجرد علمه بالربا ،أن يكتــب العقــد أو يشــهد
عليه .وإذ يقوم الرهن مقــام الكتابــة فــي توثيــق الــدين ،
فإن من يرهن ماله ضمانا لدين ربا استدانه غيره ،وكذلك
من يكفل هذا الدين ،يكون كلهمــا قــد شــارك فــي الثــم
وأعان عليه ،ويناله نصيبه من جزاء الربــا ،آثامــا وعقوبــة
كالكاتب والشهيد .
وجزاء الربا في الحياة الخــرة ،هــو بنــص الكتــاب ،النــار
الــتي أعــدت للكــافرين ،وإذ لــم يــرد نــص شــرعي علــى
عقوبة مقدرة للربا ،خلفا للزنى الذي فــرض فيــه الحــد ،
وللقتل الذي كتب فيه القصاص ،فإن جريمة الربــا تجــزى
بعقوبـة التعزيــر ،حيــث يفـوض القاضـي فــي اختيــار نـوع
العقوبة ومقدارها المناسبين لكل جان ردعا ونكال .
وقد صرح القرآن بحرب من امتنـع مـن المتعـاملين بالربـا
عن أكله ،وآذنهم بالقتال حـتى يـذروه ،ول يجـوز للحـاكم
أن يقر أحدا على أكل الربا ول إيتائه ،ولو كــان ذميــا مــن
اليهود الذين يدينون بجواز أخذ الربا ممــن ســواهم أو مــن
النصــارى المصـلحين الـذين يقـرون الربــا فــي غيـر ديـون
الفقراء ). . (1
وقد نص فيما صــالح عليــه النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم
نصارى نجران من الجزية ،على أل يأكلوا الربا ،كما روي
645
أن » رسول الله عليه الصلة والسلم كتــب إلــى مجــوس
هجر :إما أن تذروا الربا أو تأذنوا بحرب من الله ورســوله
«.
ول يخل بالتزام الحاكم هذا المنع ،ما لــه مــن حــق العفــو
عن بعض من اقترف شيئا من المعــاملت الربويــة ،وفقــا
لما يقدره مــن ظــروف التعزيــر لحــق اللــه تعــالى ،الــذي
عهدت المة إليه النظر في إقامته ،بما يكف شــرور الربــا
وأضــراره بمصــالحها المختلفــة ،القتصــادية والجتماعيــة
والسياسية .
وحرمة الربا تجعل ما يشترط منــه غيــر مســتحق شــرعا ،
فل يجوز للدائن أن يطــالب بالربــا ول أن يأخــذ مــا يقــدمه
المدين منه ،وإن أصاب شيئا وجب عليه رده في كل حال
،ولو كان يتيما أو قاصرا ،بل خلف عند علماء المسلمين
،كما ل يجوز للمدين أن يلتزم الربا ،ويحرم عليــه أداؤه ،
وإن أداه وجب استرداده أو خصــمه مــن رأس المــال ،إن
كان الدين لما يتم وفــاؤه .ول يقتصــر وجــوب الــرد علــى
الفتوى ديانة ،بل يحكم به القضاء وينفذ الحكـم فــي مـال
الدائن ،وإن مات الدائن استوفي ما أخذه مــن الربــا مــن
تركته مع سائر ديونه ،قبل أن يصيب الورثـة شـيئا منهـا )
(2
__________
) (1معجم كارنبرج ،المرجع السابق ص 547
) (2الفتاوي المهدية ،ج 317 5و .318
الخاصية الرابعة
للربا حكمته المتميزة على ظلم المدين
ل تنحصر حكمة تحريم الربا فــي درء الظلــم عــن المــدين
من الفقراء ،ول نجد في نصوص القرآن والسنة ما يشــير
إلــى أن الربــا إنمــا يؤخــذ مــن المقــترض الفقيــر اســتغلل
لحــاجته ،وإذا كــانت آيــات الربــا قــد جــاءت بعــد آيــات
الصدقات ،فقد تلتها مباشرة آيــات الــدين المؤجــل الــذي
يقع في التجارة نسيئة وسلما ،كما يقع في القرض ،وقد
نصت آيات الربا ذاتها في رد رءوس المــوال علــى مــدين
معسر فرضت نظرته إلى ميسرة ،فافترضت مــدينا آخــر
646
موســرا يجــب عليــه أداء رأس المــال نــاجزا ،وفــي قــوله
َ
مل وال ِك ُ ْ
مـ َ سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُـ ْ ن ت ُب ْت ُـ ْ
تعالى لكل الربــا } ":وَإ ِ ْ
ن { ) (1يحتمــل أن يكــون المعنــى ل مــو َ ن َول ت ُظ ْل َ ُ مــو َ ت َظ ْل ِ ُ
تظلمون أنفسكم بمعصية أكل الربا ،ول تظلمــون بنقــص
من رءوس أموالكم .وقد جرى أسلوب الذكر الحكيم في
آيات كثيرة على اعتبار عصيان التكليف ظلمــا لنفــس مــن
سـى مو َ ل ُ عصى ،ومـن ذلـك قـوله جـل ثنـاؤه } :وَإ ِذ ْ َقـا َ
ل َِقومه يا قَوم إنك ُم ظ َل َمت َ
ل فَُتوُبوا ج َم ال ْعِ ْ
خاذِك ُ ُ
م ِبات ّ َسك ُ ْ م أن ُْف َ ْ ُ ْ ْ ِ ِّ ْ ْ ِ ِ َ
َ
م { ) ) (2سورة البقــرة ،اليــة سك ُ ْ م َفاقْت ُُلوا أن ُْف َ إ َِلى َبارِئ ِك ُ ْ
دود َ الل ّـهِ فََق ـد ْ ظ َل َـ َ
م ح ُ ن ي َت َعَد ّ ُم ْ ( 54وقوله عز شأنه } :وَ َ
ه { ) ) (3ســورة الطلق ،اليــة ، ( 1ول يتعيــن مــا سـ ُ ن َْف َ
ذهب إليه المفسرون والفقهاء الذين قــالوا :إن المرابيــن
يظلمــون المــدين بأخــذ الربــا منــه ،وجعلــوا الحكمــة فــي
تحريم الربا هي ما فيه من ظلم المدين ). (4
إذ ل يتفق ذلك وحقيقة الربا فــي الســلم باعتبـار مـداينته
معصــية مشــتركة بيـن طرفيهـا مـن دائن ومــدين ل يرجـع
حظرها إلــى منــع اســتغلل المــدين ،لن لتعــرض منفعتــه
التي يصيبها المدين ،وإنما فرض الشرع التصدق بها عليه
لحاجته .وإذا كان المستقرض محتاجا ل يبتغي اســتثمارا ،
وإنما يأخذ القرض لنفقته ،فإن عليه أن يلجأ إلــى الطــرق
المشروعة لسد خلته ،بالرجوع على من تلزمه نفقته من
القربيــن أو مــن بيــت المــال أو يتحــرى صــالح الغنيــاء ،
ليصيب قرضا حسنا ،فــإن أعــوزه كــل أولئك وســعه بــاب
التجارة الجلة ،يشتري حاجته بالنسيئة أو يــبيع مــا ينتظــر
رزقه سـلما ،وقـد صـح فـي حـديث أم المـؤمنين عائشـة
رضي الله عنها » أن رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم
اشترى شعيرا لطعام أهله بالنســيئة مــن يهــودي .ارتهنــه
درعه ضمانا للثمن « ) . (5وظاهر من محــل الــبيع ،وهــو
أبسط غذاء رئيسي ،عظــم الحاجــة إلــى شــرائه ،وقصــد
النبي صلى الله عليه وسلم في الستدانة حتى لضــرورات
المعيشة .وفي ذلــك مــا يغنــي ذا الحاجــة عــن الســتدانة
بالربا التي حظر الله تعالى ،فإن جــاوز إليهــا كــان ظالمــا
لنفسه ،مثله كمثل من ادان منه ،وليس مظلوما يتقاضاه
647
الدائن الربا بغير نفع يعود عليه من القرض ،فإن الشريعة
ل تجاوز الواقــع مــن المــر ،ول تهــدر منــافع النقــود حيــن
تقترض ول يعتبر المال في يد المقترض عقيما .فــالقرض
في السلم من عقــود الرفــاق ،بمــا يــذر للمقــترض مــن
منفعة القرض تبرعا ،ويظل المال طيلــة قرضــه تســتحق
عليه الزكاة ،واستحقاقها بفرض نمائه .ويتضح المر إن
__________
) (1سورة البقرة الية 279
) (2سورة البقرة الية 54
) (3سورة الطلق الية 1
) (4إعلم الموقعين ،لبن القيم ،ج 2ص 99و .100
) (5صـــحيح البخـــاري الـــبيوع ),(1990صـــحيح مســـلم
المســاقاة ),(1603ســنن النســائي الــبيوع ),(4650ســنن
ابن ماجه الحكام ),(2436مسند أحمد بن حنبل ).(6/42
كان المدين غير فقيــر ،وإنمــا يبتغــي فضــل مــن اســتثمار
القرض ،فيما يحسن من التجــارة أو نحوهــا مــن النشــاط
القتصادي ،إذ ل يبدو في خشية استغلل الــدائن لــه ،مــا
يصلح حكمــة لتحريــم الربــا ،فكمــا تحتمــل الخســارة فــي
الستثمار ،حتى ل يجد المدين ما يؤدي منه الربا ،يحتمل
أن يكسب أضعاف الربا ،حــتى يتحيــف مــا كــان يســتحقه
رب المال لو كان ما بينهما عقد مضاربة بدل من المداينــة
الربويــة ،والســلم ل يجعــل احتمــال الخســارة ،بــل ول
تحقق الغبن أو الستغلل -موجبا لتحريــم المعاوضــات ،إذ
جعل للفراد سلطانا في تحديد الئتمان ينفذ مع الغبــن إن
كان يسيرا ،ول يذر الغبــن الفــاحش إل خيــارا للمغبــون ل
يحظر معه بقاء الغبن .كما ل يتفق وحظر يمين التصــرف
الربوي القول بأن الدائن ،إذ يأكل الربــا إثمــه أعظــم مــن
إثم مؤكله ،باعتبار تحريم أكل الربا لذاته ،أمــا المقــترض
فيرتكــب محرمــا لغيــره ،وإذ ل يبــاح المحــرم لــذاته إل
للضرورة ،ول توجد ضرورة مطلقا تبيــح أكــل الربــا ،أمــا
المحرم لغيره فيباح للحاجة ،فمن كان فــي حاجــة ماســة
للقتراض بالفائدة ،لنه ل يجــد مــن يقرضــه إل بالفــائدة ،
قيل :إن الله تعالى يرفع عنه الثــم ،ويبــوء بــالثمين مــن
648
لم يقرضه إل بفائدة ) . (1وكــأن هــذا القــول يعتــبر أصــل
الحظر في الربا متعلقا بأكله من المقترضين ،وبنحو ذلــك
قريبا مما عند اليهود ،ولكن ربا الدين فــي الســلم يشــبه
الزنى ،فيستوي في حظره عمل كــل مــن طرفيــه ،إذ ل
تبرم عقدته إل بالتقاء هذين العملين ،إيتاء المــدين يقــابله
أخذ الدائن ،ول ترخص لدائن أو مــدين فــي أخــذ الربــا أو
إيتائه إل في حال الضرورة ). (2
فل يباح لمكلف أن يقترض بالربــا لمجـرد الحاجـة الماسـة
التي ل تبلغ حد الضرورة ،وتتصور الضرورة في أكل الربا
إن أطبقت أمة على أكله وأوصــدت علــى المكلــف وجــوه
الستثمار المباحة لرأس ماله .
وتكون ثم حكـم شـتى لحظـر الربـا ،ل تقتصـر علـى مـن
يأكله ،بل تتعلق أيضــا بمــن يعطيــه ،وبمــن يعيــن عليــه ،
وبالمـــة جميعـــا مـــن ورائهـــم ،فـــي مجـــالت النشـــاط
القتصادي والسلم الجتماعي والسياسة المالية للدولة .
فكما يقصد تحريم الربا إلــى كــف أشــحة الغنيــاء عــن أن
يرهقوا الفقراء والمعسرين الــذين تضــطرهم حــالهم إلــى
تأجيل قروضهم أو ديــونهم ،بعــدم التصــدق عليهــم بفيئهــا
ويشعرهم بكــل تفريــط فــي رعايــة أحكــام الزكــاة ،الــتي
تكفل للفقير والمسكين ما يغنيه عن الســتقراض ،وتتيــح
للمعسر الغارم أن يأخذ ما يفي بدينه ول يضطر إلى طلب
تأجيله -كذلك يتوجه التحريم إلى مترفي الغنياء ،ليتجافوا
عن الدعة ،وينأوا عــن الفــراغ ،وإلــى المــدخرين كافــة ،
وإن قل ما يدخرون ،ليقدم كل منهم على تدبير اســتثمار
ماله والنظــر فيمــا يصــلحه وفيمــا ينبغــي اتقــاؤه ،لتجنــب
الخسارة فيه وزيادة الربح منه ،وتنطلق تيــارات النشــاط
وحوافز الكسب التي فطر الناس عليها فــي جنبــات المــة
كلها ،ويستوي للفرد من كــل ذلــك ،رشــد مــالي يظهــره
علــى طــرائق الســتثمار ويكســبه خــبرة تيســر لــه اختيــار
أحسن السبل للتنمية ،وتمنعه من أن يتحيفه مقترض بربا
،يقل كثيرا عما يفيء به المــال مــن واقــع الســتثمار ،أو
يذهب بالمال ليستثمر فــي بلــد أجنــبي ،تقتضــى مصــلحة
رب المال وأمته من ورائه ،أن يستثمر المال في غير هذا
649
البلد ،وفقا لما تجري عليه تجــارة المصــارف الربضــوية ،
التي يقوم أصل كسبها علــى انتجــاع مــواطن الزيــادة فــي
الربا الذي تأخذه على ما تؤتيه مقرضيها من المودعين .
ويستشعر الغني كذلك مقتضيات التكافل مع من يعــوزهم
المــال ويقـدر آثـار معــاونتهم حــق قــدرها ،فـي ترضـيتهم
وتوقي عواقب سخطهم ،وهم الكثرون ،والحفــاظ علــى
تدفق نشاطهم
__________
) (1الســتاذ الشــيخ أبــو زهــرة ،فــي مقدمــة زكــي الــدين
بدوي ،ص ر وانظر رد هذا القول فــي ص 133ج 2وتجــد
في الرد خلطا بين ربا الفضل وربا القرض
) (2انظـــر قـــرارات المـــؤتمر الثـــاني لمجمـــع البحـــوث
السلمية ،طبع الزهر الشريف1965 \ 1385 ،
القتصادي الذي تضار المــة ،مــن وهنــه أو تــوقفه ،أشــد
الضرر حيث ل يغني عنه جهد القلة من الغنيــاء ،أن صــار
النشاط دولة بينهم .وبهذا الرشد ل تقتصــر قـدرة الفـراد
على تدبير أموالهم الخاصة ،بل تقوى على المشاركة في
تدبير الموال العامة ومراقبة إنفاقها فــي حاجــات المــة ،
حتى كفاية مصالحها الجتماعية والقتصادية والسياسية .
والدولة التي تعمد إلى القتراض من أفرادهــا بالربــا ،وإن
أخفته تحت أسماء أخرى ،ل تصيب رعاياها فــي أنفســهم
بانحراف المرابين فحسب ،بــل هــي بمــا تغريهــم بــه مــن
منافع خاصة في زيادة ربا أموالهم ،تلفتهــم عــن الهتمـام
برشد إنفاقهــا العــام ،وبجــدوى مشــروعاتها القتصــادية ،
ويوهن الربا من هيمنة الرقابة الشعبية على مالية المة .
ونجد أمتنا فــي جهادهــا الكــبير للمشــركين ،مــن قبــل أن
تفتح لها الفتوح وترث الممالك ،كــانت فــي ضــائقة ماليــة
شديدة ،وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا كــثيرة ل
يجد ما يحمل عليه بعض المجاهدين في سبيل الله ،فكان
يردهم ول يلجأ إلى القتراض بالربــا ،وكــان ميســورا فــي
سوق المال يومئذ ،وخاصة لــدى اليهــود .ففـرض الجهـاد
على خطره ل يسبق حرمة الربا ،ول يبيح تجهيز الجيــوش
للدولــة أن تأكــل الربــا ،لن فــي منعــه إحيــاء لهلهــا فــي
650
أنفسهم وأموالهم بما ل تقل خطورته عما يحققه الجهــاد ،
وليــس الربــا هــو الســبيل الوحيــد لمــوارد النفــاق علــى
القتال ،وما استطاع اليهود أن يتسللوا برباهم إل من بعــد
أن وهنت الدولة العباسية من بذخها ،على سعة أقطارهــا
وكــبر دخلهــا ،وزيــن الجهابــذة اليهــود لخلفائهــا الســتدانة
منهم وارتهنوا مواردها ). (1
ولم تعصمها قروضهم الربوية من الملق والنهيار .
وفي جــانب المــدين ،يقصــد تحريــم الربــا إلــى أن يســلك
بالمحتاج الذي ل يجد منفقا عليــه ،ســبيل التجــارة الجلــة
التي يــرزق منهــا العــاملون فــي الســواق ،فيكــثر التجــار
وينمو النشاط الجاد ،الذي ل يذر في مجاله إل مــن يقــوم
علــى أعمــال النتــاج وتــداول الســلع ،ويضــمن مخــاطر
عمله .وكذلك من يستدين ،ابتغاء رأس مال يتاجر فيــه ،
أو يحدث صناعة به ،إذ ل يأتي الربا ،ويضارب رب المــال
الــذي رغــب عــن إقراضــه ،يجــد بالمضــاربة مــن مخــاطر
النشاط الذي يقدم عليه وعواقب ما يحتمل مــن خســره ،
فــإن المضــارب ل يحمــل مــن الخســارة فــي رأس المــال
المستغل فوق ما يصيبه من ضياع عملــه كلــه ،ول يكلفــه
هذا التأمين من الخسارة إل مقابل يسيرا ،هو نزولــه عــن
الحرص على الستثمار بمـا يســتحقه صـاحب رأس المــال
فيما يحتمل من زيادة الرباح المحققــة علــى مقــدار الربــا
المتفق عليه ،والمضــارب بهــذا النــزول ل يكســب ود رب
المال فحسب ،بل يستدر عونه ويجتذب حوافزه للهتمام
بالستثمار والسعي إلى أقصى ما ينجحه ،ليزيــد مــا يعــود
على المال من ثمراته وتتجلى حقيقــة هــذه الحكمــة فيمــا
يحــدثه الربــا مــن إملق المــدين ،ول يختــص هــذا الملق
بالفراد ،إذ يحفل التاريخ بما ترك الربا من خــزائن خاويــة
للدول التي ادانت به فــي مختلــف العصــور وأحــدثها حــال
البلد المتخلفة اقتصاديا التي ابتغت التنميــة مــن اقــتراض
رءوس المــوال الــتي أعوزتهــا بالربــا ،فلــم تصــب تقــدما
تواكب به العصر ولم تستطع وفاء ما اقترضــت ول ربــاه ،
وبقيت
__________
651
) (1دائرة المعارف السلمية ،مادة جهبذ ،ج 12ص 443
ترزح تحــت أثقــال الــديون الخارجيــة وتعــاني مــن أعبائهــا
المالية والسياسية تضخما واختلل في ميزان مــدفوعاتها ،
وتدخل في مقدارتها مـن الـدول الدائنـة .ومـا كـانت تلـك
العاقبة الخاسرة لتقع ،لو شارك أصحاب رءوس المــوال
في القيام على جدية استثمارها ورعوا سلمة إنفاقها .
وإملق مدين الربا ل يقتصر أثره عليه ،بــل ينعكــس علــى
الدائن ،فيتعذر عليه استرداد مــاله واســتيفاء مــا اشــترط
من الربا ،ويثور النزاع بين الدائنين المرابيــن والمــدينين ،
كما لهذا الملق صداه فــي المــة؛ إذ يتصــدع بهــذا النــزاع
تماســكها الجتمـاعي ،كمـا تضــار فـي اســتقللها إن كـان
الدائن دولة أجنبية تستطيع أن تبغي عليها بدينها ،وتخســر
في كل حال ما ينقص من رأس المــال القــومي بقــدر مــا
أضاعته المعاملت الربوية بين يدي المدينين المملقين من
الموال التي دفعت إليهم إسرافا ،فعجزوا عن استثمارها
وبددوا من رءوسها ،وما كان الربــا يصــلح شــأنهم ،مهمــا
قل مقداره وانتفــى قصــد اســتغلل الــدائن لهــم وابــتزازه
ثمرات جهدهم ،وأدام حرص الــدائن علــى اكتســاب الربــا
يغريــه بالكثــار مــن القــراض بمــا ل طالــة للمقترضــين
باستثماره ،ول يثني الدائن ،إزاء هذا الغــراء ،مــا يعلمــه
من عجز المقترض .
ويزيد الغراء ،إن كان القرض من دولة لها مــآرب أخــرى
في السيطرة على الدولة المستقرضة من طريق التسلل
المــالي المــوهن لقــدراتها ،وكــثيرا مــا أدى ذلــك إلــى
الستعمار وما يسبقه من حروب مدمرة ،وما يتخللــه مــن
ثورات ونهب للثروات ،وما يعقبه من فقر وتخلف يرينــان
طويل على المم بعد إذ أفلتت من نيره .
وتبقى حكمة حظر إيتاء الربــا ماثلــة فــي مخالفــة المــدين
عما كلف ،بما اقترض بالربا ،وما يبوء بــه مــن الخســارة
يرجع في أصله إلى المــدين نفســه بــأكثر ممــا يرجــع إلــى
استغلل الدائن له ،فإن المدين هو الذي فرط وحده فــي
الستثمار ،بعد إذ فرط في اقتراض ما ل تستوعبه قــدرته
علــى التثميــر ،أو مــا يجــاوز حــاجته الملحــة فبســط يــده
652
مسرفا ،وكان ضياع ماله في الحــالين مــن مخــالفته عــن
حظر إيتاء الربا الذي أغرقه بالدين وإن كان للدائن إثم ما
اكتسب من إغرائه بالستكثار من الدين .
ويكــون فــي تحريــم الربــا مــا يــوجه المــوال الــتي تبتغــي
الستثمار إلى التجارة مباشرة ،ويبقى للرفاق من أموال
الصــالحين مــن الغنيــاء مــا يضــاف إلــى مــا للفقــراء
والمساكين والغــارمين مــن مصــارف الزكــاة ،حــتى يفــي
بقروض المحتاجين ،ويتكامل للمة نشاطها القتصادي مع
تكافلها الجتماعي في تخطيط منضبط دقيق يلزم الحاكم
فيها والمحكوم .
وكما أن في تحريم الزنــى دفعــا إلــى الــزواج الــذي تقــوم
السرة عليه ،وتحفظ بينها النساب وترعى الولد وتتصل
الجيــال ،وكمــا أن فــي القصــاص حيــاة النفــس بكــف
المعتدين أفرادا كانوا أو حاكمين ،فتحمــي حقــوق الحيــاة
والسلمة كما تحفظ الحريات العامة ،ويبرأ المجتمــع مــن
بليا الفساد والرهاب ،كذلك يأتي حظر الربا في الســلم
إحياء لموات الموال بحشدها فــي خيــر أبــواب الســتثمار
لصحابها ولمن تمس حاجتهم إليها وللمة جميعا .
ونجد الرشد الذي يهدي إليــه تحريــم الربــا يقــابله التخبــط
من المس الذي وصفت به الية الكريمة من سورة البقرة
قيام الذين يأكلون الربا ،وذلك بأنهم لم يهتدوا إلى إدراك
نفع البيع وإثم الربا والشعور بحقيقة الفــرق بينهمــا ،ممــا
يذر لحكمة التحريم تعلقــا برعايــة الملكــات العقليــة الــتي
يكتمل بنضوجها ذلك الرشد ،ويصيبها أخــذ الربــا أو إيتــاؤه
بالختلل الذي يأتي على شخص المرابي مع ما أنقص من
الموال .
الخاصية الخامسة المســاواة بيــن المسـلم وغيــر المسـلم
في الربا
حظر ربا الدين عام ليطبق على مداينات المسلمين وغيــر
المســلمين ،فيحــرم علــى المســلم أن يأخــذ الربــا مــن
مستقرض غير مسلم ،كمــا ل يجــوز للمســلم إذا اقــترض
من غير المسلم أن يعطيه شــيئا مــن الربــا ،ويســتوي أن
يكون غير المسلم ذميا أو حربيا بدار الحرب .
653
ويمنع الذمي مــن أكــل الربــا فــي دار الســلم ،ولــو كــان
المدين ذميا مثله ،أو كــان ممــن يــدينون بحــل الربــا فــي
بعض مدايناتهم ،كاليهود فــي الــديون الــتي يعقــدونها مــع
سواهم ،وكفريق النصارى المصلحين .وقد قدمنا ما ثبت
في عهود رسول الله صلى الله عليه وسـلم إلــى الـذميين
من تحريم الربا عليهم .
وما يراه بعض المحدثين من الترخيص في أخذ المسلمين
فوائد أموالهم التي يودعونها المصارف الجنبية بالبلد غير
السلمية ،ل يستند إلى دليل من الكتــاب ول الســنة ،ول
يسوغه أن ل يأخذ المودع الربا لنفسه وأن يدفعه إلى بيت
مال المسلمين خدمة لصالحهم العام ،ذلك أنهــم يغفلــون
عن أثر الربا ،فــي تخبــط آكليــه ومــا يــوهنه مــن رشــدهم
بعزلهــم عـن مجــالت تثميــر مــا يرزقــون ،وفـي فقـد دار
السلم ثمرات الموال الخارجــة منهــا إلــى البلد الجنبيــة
ابتغاء هذا الستغلل المحرم ،الذي ل يبلغ مــا يفيــء منــه
قدر تلك الثمرات ،وإل مــا تهــافتت تلــك المصــارف علــى
اجتذاب المسلمين بشتى وسائل الغراء إلى دفع أمــوالهم
إليها .
ول حجة لهؤلء القائلين فيما ذهب إليــه المــام أبــو حنيفــة
من جواز الربا بين المسلم والحربي فــي دار الحــرب ،ول
فيما عند الشيعة المامية من أن الربا ل يقع بيــن المســلم
والحربي ،سواء فــي دار الحــرب أو فــي دار الســلم ،إذا
أخــذ المســلم الفضــل ،وإنمــا يكــون حرامــا إذا أعطــى
المسلم الفضل؛ فقــد رد الشــافعي بــأن مــا احتــج بــه أبــو
حنيفة من الحديث عن مكحول رضــي اللــه عنــه أن النــبي
صلى الله عليه وسلم قال » :ل ربا بين المسلم والحربــي
فــي دار الحــرب « "أو" » ل ربــا بيــن أهــل الحــرب وأهــل
السلم « ،ليس هذا الحديث بثابت ،ول حجة فيــه ،فــإنه
لو صح لتأولناه على أنه ل يباح الربا في دار الحرب جمعــا
بين الدلة .
وما استند إليه بعض الحنفيــة مــن أن مــال الحربــي ليــس
بمعصوم ول مضمون حقا لصاحبه ،بل هو مبــاح بنفســه ،
فإذا بذله باختياره عن تــراض فقــد صــح أخــذه ،والحربــي
654
ليس مخاطبا بفروع شريعة السلم -رده الشافعية بــأنه ل
يلزم من كون أموال الحربيين تبـاح بالغتنـام أنهـا تسـتباح
بالعقــد الفاســد ،وإذا كـان الحربــي غيــر مخــاطب بفــروع
الشريعة في تصرفه فالمســلم مخــاطب بهــا فيــه ،وقيــل
حديثا :إن رأي الحنفية إنمــا يكــون واردا إذا كــان المســلم
هو الذي يأخذ الفضل ،كما اشترط المامية ،ول يصــح إذا
أعطى المسلم الفضل .
ونجد في كل ذلك خلطا بيــن زيــادة القيمــة الـتي يقــع بهـا
الغبن ويصيب بها المتعاقــد خيــرا ممــا أعطــى ،وبيــن ربــا
الفضل ،وهو كما بينــا زيــادة مقــدار فحســب ،ل تقتضــي
زيادة في قيمة أحــد البــدلين ،ليصــح اشــتراط أن يأخــذها
المسلم ،وقد يضاربها .فقــد يكــون البــدل الكــبر مقــدارا
أقل قيمة لشدة رداءته من البدل الصغر وزنا أو كيل لبالغ
جودته .وإذ يدور هذا الخلف على ربا الفضل في البيوع ،
فالحنفية يتحدثون عن جواز بيع الدرهم بدرهمين ،ول نجد
من قول لديهم في ربا الدين يبيــح للمســلم أن يأكــل هــذا
الربا من دين يقترضه حربي منه بدار الحرب ،وإذ ل يحــل
للمســلمين أن يتصــدقوا علــى أهــل دار الحــرب ،وفــي
إخوانهم بأرجاء دار السلم محاويج ،وإذ كان القرض فــي
النوع هو من قبيل الصدقات؛ فإنه ل يجوز لمسلم أن يــذر
أمواله بمصارف البلد غير الســلمية ول أن يوظــف شــيئا
من هذه المـوال فـي السـندات ونحوهـا ممــا تقـترض بـه
حكومات تلك البلد ديونها العامة .ول تتم توبة مــن يفعــل
ذلــك مــن المســلمين إل باســترداد رءوس أمــوالهم مــن
الخــارج ،لتفيــد أمتهــم مــن تثميرهــا بيــن أهلهــا بــالطرق
الســـلمية المشـــروعة ،وينتهـــي اقـــتراض بعـــض البلد
السلمية من تلك المصارف الجنبيــة الــتي تتقاضــاها مــن
الربا ما يزيد مقداره كثيرا على ما تدفعه هــذ 5المصــارف
من يسير الربــا إلــى أربــاب الــودائع المســلمين ،ويخلــص
ذلك الكسب الطائل للمرابي الجنبي من مجرد الوســاطة
بين أخوين مسلمين خالفا عن حكم الله تعالى في تحريــم
الربا أكل وإيتاء ،فحاقت بكليهما شروره ،ولــم تــذر شــيئا
655
من فضل حقيقي فيما يأكله المودع المسلم مــن ربــا عــن
قرضه للحربي يسوغ الترخيص للمسلم في ذلك .
وحظر أكل ربا الــدين علــى المســلم مــن غيــر المســلمين
بالخــارج ل يرجــع فيمــا نــرى إلــى أن الســلم ينهــى عــن
ن قَوْم ٍ عََلى َأل
شَنآ ُ من ّك ُ ْ
م َ جرِ َ
التعصب ،يقول تعالىَ } :ول ي َ ْ
َ
وى { ) ) (1سورة المائدة 9 ، ت َعْدُِلوا اعْدُِلوا هُوَ أقَْر ُ
ب ِللت ّْق َ
( ول إلى ما فرضه الســلم مــن أداء المانــات إلــى أهلهــا
ولو كانوا غير مسلمين ،ونعيه على اليهــود مــا استحصــلوا
من بخس الميين حقوقهم .ولكنــا نجــد ،ممــا قــدمنا مــن
خصائص الربا وحكمه ،أن ربا الدين ل يتعلق بالعــدل بيــن
طرفي المداينة ول بــأداء الــدين ذاتــه ،بــل يبتغــي الرشــد
المالي والجتماعي والسياسي للفرد دائنا كــان أو مــدينا ،
ويرقى بالمة إلى خير تنظيم في تلك المجالت المتكاملــة
كلها ،ويكون التعامل بربا الدين في ذاته مــن قبيــل إلقــاء
النفس إلى التهلكة والعدوان على رشدها ومالها ،ويتعيــن
على المسلم أل يقرب الربا ،ل إيتــاء ول أخــذا ،ولــو مــن
حربي في خارج بلد السلم ليحفظ على المســلم رشــده
ويحفظ أمته ما تستحقه من تنمية بأمواله .
__________
) (1سورة المائدة الية 8
من نتائج اختلف الربوين السلمي واليهودي
أمــا وقــد تــبين الختلف بيــن أحكــام الربــا الــتي شــرعها
السلم اختلفا كبيرا عــن أحكــام الربــا عنــد اليهــود الــذين
يرون الربا في كــل ديــن مؤجــل مــن قــرض أو بيــع تكــون
زيادة فيه بسبب التأجيل ،بينما جاء السلم بأحكــام للربــا
كثيرة تنظم البيوع الحاضرة ،مما ل عهد لليهود به ،وفــي
ربا الديون الذي يعرفون أهله ،قصر التحريم علــى شــطر
مما عندهم ،هو ربا القرض ،وأحل شطرا مما يحرمــون ،
فأباح عوض التأجيل فــي الــبيوع ،وأحكــم توثيــق الئتمــان
سواء التجاري وغير التجــاري ،وكفــل للفــراد فــي أمــوال
الغنياء من أهليهم وفي خزانة الدولة نفقــاتهم الــتي تســد
حاجات معيشتهم وعزز موارد الئتمــان غيــر التجــاري مــن
الزكاة والصدقات ،بما ييسر نفاذ تحريم الربــا فيــه .فــإن
656
من شأن من يحيط علما بكل أولئك أن يشهد بنتائج شــتى
مــن أهمهــا :أول :أن مـا تضـمنته الشــريعة الســلمية مـن
نسخ بعض ما يعلمه اليهود وتفصيل ما لــم ينســخ وإكمــاله
بــوجه ل يســعه فقههــم -يــدحض كــل تشــكيك فــي وحــي
السلم ،ويفند كل زعم بأخذه شيئا مــن اليهــود ،ويقطــع
بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ويظهر مــا أتــى
به من الحكام على ما اقتضت حكمــة اللــه تعــالى نســخه
من فروع شريعة اليهود .
ثانيــا :وجــوب دراســة الحكــام الســلمية القتصــادية فــي
مصادرها الولى بالقرآن والسنة دراسة مســتقلة متعمقــة
تحصى فيها أحكام الســلم علــى حقيقتهــا المتميــزة ،ثــم
يأتي من بعد الحاطة بها دور البحــث المقــارن بينهــا وبيــن
سائر الشرائع ،فيفقه الدارسون الفروق بين أحكامها وما
في غيرها ،ول يقعون في خلط يجــره التجــوز فــي إطلق
مصــطلحات ل يعرفهــا فقــه الشــريعة ول تصــدق علــى
مسمياتها ،ول يبلــغ بهــا البــاحث الغايــة مــن تفهــم دقــائق
أحكامها .
ثالثا :المبادرة في إلغاء القوانين الوضعية الــتي تنظــم ربــا
الدين في البلد السلمية وتبيح غير الفاحش منه وتعــاقب
الــدائن وحــده علــى أخــذ الربــا الفــاحش وبعقوبــات ) جــد
يسيرة( ،متأثرة في ذلك كله بأحكام اليهود الــتي بينــا مــا
اعتراها من نســخ ومــا يشــوبها إزاء التطــور مــن قصــور .
ويجــب أن تصــدر التشــريعات الــتي تأخــذ بصــحيح أحكــام
السلم ،فيبطل القــانون المــدني كــل شــرط ربــوي فــي
القــروض وتــأجيلت الــديون ،وإن قــل مقــدار الفــائدة أو
العائد أو نحوها مما يتضمنه هذا الشرط ،وأيا كــانت حــال
الدائن أو المدين القانونية ،يستوي الفــرد ولــو كــان يتيمــا
والشخص العتباري ،مصرفا كان أو شركة أو مؤسسة أو
هيئة أو حكومة ،ويفرض التشريع الجنــائي مــن العقوبــات
الرادعة عن الربا ما يجزي بــه الــدائن والمــدين وكــل مــن
شــارك فــي جريمتهــا أو أعــان علــى ارتكابهــا ،وفقــا لمــا
تقتضيه حال البلد مــن تقنيــن لنــواع التعزيــر ومقــدارها ،
يتفق واعتبارات السياسة التشريعية الجزائية .
657
رابعا :بحث متطلبات قيام أسواق المال السلمية وتنظيم
تداول السهم والحصص في شركات المضاربة ،وتفصــيل
أحكام بيــوع النســيئة والســلم ،ول تستضــاع للعــودة إلــى
الخذ بنظــم الئتمــان الســلمية واســتكمال الطــار العــام
لتطبيقهــا فــي مجــالت التجــارة والرفــاق الجتمــاعي ،
ومتابعــة هــذا التطــبيق ومــواءمته مــع معطيــات العلــوم
القتصادية الحديثة وتوفير مقومات السوق الحرة ومــوارد
التمويل الجتماعي حتى ل يكون ثم محتاج إلى القــتراض
بالربــا ،ول يكــون غلــو فــي أســعار الــبيوع الجلــة يثقــل
المحتاجين إليها .
خامســا :وتنبغــي الفــادة مــن التنظيمــات الســابقة الــتي
أخذت بها دولــة الخلفــة العثمانيــة فــي شــأن تلــك الــبيوع
وفرض حد أقصى للزيادة في المرابحة ،ولتلفي الثغرات
التي تكشفت في تطبيق نظام السلم ). . (1
وجود أسواق إسلمية للمال الجل يستثمر فيهــا اســتثمارا
رأسماليا من طريــق المضــاربة أو متــداول بــالبيوع الجلــة
نسيئة وسلما ،بغير أن يتوسط بيــن المــدخر أو المنتــج أو
التاجر وبين المنظم العامـل أو المسـتهلك مـراب ل يقـوم
بشيء من أعمال التجارة ول يتعرض لمخاطرها .وتســلم
سوق المال السلمية من أضرار المنافسة بين الســتغلل
الربــوي فــي الســندات والقــروض ومــا يســمى بالوعيــة
الدخاريــة وبيــن الســتثمار غيــر الربــوي فــي الشــركات
والبيوع .وهي المنافسة الــتي تعــاني منهــا أســواق المــال
في القتصاديات الربوية ،وتعيق تقدم مشروعات التنميــة
من طريق التمويل المباشر .
ول يعرض لمن يحكم بما أنزل فـي السـلم مـا يتـذرع بـه
غيــر المســلمين مــن ضــرورة الربــا لقيــام أســواق المــال
بدعوى أن تحريمه يذر رأس المال الجل ول كسب له في
تلك السواق يغريه بالبقــاء فيهــا ممــا يــؤدي إلــى اختفــائه
وينضب معيــن التمويــل للمشــروعات القتصــادية؛ إذ يجــد
رأس المال في بلد السلم أسواقا متسعة تفيء بالربــاح
المشروعة عليه ،وذلك يوجب على المسلمين أل يخدعوا
بتلك الحجة الداحضة ،وأن يفروا إلـى حكـم اللـه تعـالى ،
658
وقــد ظلــوا قرونــا طويلــة مزهــرة ل يقربــون فيهــا الربــا ،
وينهون عن أكله وعما أخذت به طائفــة منهــم مــن إنشــاء
المصارف الربوية التي تضاهي مصــارف اليهــود ،وعنــدها
يستشعر المسلمون رحمة اللــه الــتي اختصــهم بهــا واللــه
ولي التوفيق .
__________
) (1حاشية ابن عابدين جزء 4ص 114
================
#تعريف الربا
مجلة البحوث السلمية ) -ج / 10ص (92
تعريف الربا :
الربا لغة :الزيادة ،قال في القاموس ) : (1ربا ربوا كعلو
ورباء زاد ونما ،وقال صاحب المصـباح المنيـر ) : (2الربـا
الفضــل والزيــادة -وهــو مقصــور علــى الشــهر . .وربــا
الشيء يربو إذا زاد .وأربى الرجل باللف دخل في الربا .
وأربى على الخمسين زاد عليها .وقال النووي في تهــذيب
السماء واللغات ) : (3الربــا مقصــور وأصــله الزيــادة . . .
ويقال ربا الشيء إذا زاد ,ويقال الربا والرماء -وفي فتــح
الباري ) : (4وأصل الربا :الزيادة إمــا فــي نفــس الشــيء
ت { ) , (5وإمــا فــي مقــابله ت وََرب َـ ْ
كقوله تعالى } :اهْت َّز ْ
كدرهم بدرهمين ,فقيل هو حقيقة فيهما ,وقيــل :حقيقــة
في الول ،مجاز في الثاني .
والربا شرعا :قد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريفــه مــع
تقارب المعنى فقال بعضــهم ) : (6هــو عقــد علــى عــوض
مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد
أو مــع تــأخير فــي البــدلين أو أحــدهما ,وهــذا تعريــف لــه
بنوعيه :الفضل والنسيئة .
وقيل :هو زيادة في شيء مخصــوص ) , (7وهــذا تعريــف
قاصر على أحد نوعيه والمفروض فــي التعريــف أن يكــون
جامعا .وفصل صاحب بدائع الصنائع ) (8فعــرف كــل نــوع
على حدة ،فقال :الربــا فــي عــرف الشــرع نوعــان :ربــا
الفضل وربا النسيئة ،أما ربا الفضل فهو
__________
659
) (1ص 332ج 4ط السعادة بمصر 1332ه .
) (2ص 233ج 1ط مصـــطفى البـــابي الحلـــبي بمصـــر
1369ه .
) (3ص 117ج 3ط إدارة الطباعة المنيرية .
) (4ص 313ج 4ط المطبعة السلفية .
) (5سورة الحج الية 5
) (6مغنـــي المحتـــاج ص 21ج 2ط مطبعـــة مصـــطفى
الحلبي 1377ه .
) (7المبــدع فــي شــرح المقنــع ص 127ج 4ط المكتــب
السلمي .
) (8ص 183ج 5ط الولى 1328ه .
زيــادة عيــن مــال شــرطت فــي عقــد الــبيع علــى المعيــار
الشــرعي ،وأمــا ربــا النســيئة فهــو فضــل الحلــول علــى
الجــل ,وفضــل العيــن علــى الــدين فــي المكيليــن أو
المــوزونين عنــد اختلف الجنــس أو فــي غيــر المكيليــن أو
الموزونين عند اتحاد الجنس عندنا ) أي عند الحناف ( .
وهذه التعاريف كما قلنا وإن كانت مختلفــة اللفــاظ فهــي
متفقــة فــي المعنــى وبعضــها مجمــل وبعضــها مفصــل ,
والمناسبة بين المعنى اللغوي والمعنــى الشــرعي واضــحة
إل أن المعنــى الشــرعي أخــص مــن المعنــى اللغــوي ،إذ
المعنى اللغوي يشمل الزيادة في كل شيء وأمــا المعنــى
الشرعي فهو يعني الزيادة في أشياء معينــة ،وقــد يطلــق
الربا شرعا ويراد به كل بيع محرم )(1
__________
) (1نيل الوطار ،ص 200ج 5ط الحلبي 1371ه ،فتــح
الباري ص 313ج . 4
تحريم الربا :
ل خلف بين المسلمين في تحريم الربــا وإن اختلفــوا فــي
َ
ه ال ْب َي ْ َ
ع ل الل ّ ُ
ح ّ
تفاصيله ) (1وضابطه ,قال الله تعالى } :وَأ َ
م الّرَبا { ) (2والحاديث في تحريمه كثيرة مشهورة . حّر َ
وَ َ
وقد توعد الله آكل الربا بضروب من الوعيد مما يدل على
عظم إثمه وفحش ضــرره ,فقــد تنــوع الوعيــد عليــه فــي
660
النصوص القرآنية والحــاديث النبويــة وقــد أوجزهــا الســيد
محمد رشيد رضا -رحمه الله -فيما يلي ): (3
ْ
ن إ ِل ّ ك َ َ
مــا مــو َ ن الّرَبا ل َ ي َُقو ُ ن ي َأك ُُلو َ ذي َ - 1قوله تعالى } :ال ّ ِ
س { ) (4أي ل مــ ّ ن ال ْ َمــ َ ن ِ طا ُشــي ْ َ ه ال ّ خب ّ ُ
طــ ُ ذي ي َت َ َ م اّلــ ِي َُقــو ُ
يقومون من قبورهم للبعث إل كقيام المجنون .
- 2قوله تعالى :ومن عاد إلــى أكــل الربــا بعــد تحريمــه :
ن { ) , (5وهذا مــن } فَُأول َئ ِ َ َ
دو َ خال ِ ُ م ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ كأ ْ
نصــوص الوعيــد أو هــو محمــول علــى مــن اســتحله لن
استحلله كفر .
__________
) (1نيــل الوطــار ،ص 200ج ، 5وانظــر شــرح النــووي
على صحيح مسلم ص . 9
) (2سورة البقرة الية 275
) (3الربا والمعاملت في السلم ص . 76 ، 75
) (4سورة البقرة الية 275
) (5سورة البقرة الية 275
ه الّرب َــا { ) (1أي يمحــق ح ـقُ الل ّـ ُ م َ - 3قــوله تعــالى } :ي َ ْ
بركته .
َ
ل ك َّفــارٍ أِثيـم ٍ { )(2 ب ك ُـ ّ ح ّ ه ل َ يُ ِ - 4قوله بعد ذلك َ } :والل ّ ُ
فحرمانه من محبة الله يستلزم بغضه ومقته له .
- 5تسميته كفارا أي مبالغا في كفر النعمة بقسوته علــى
العاجز عن القضاء واستغلله لما يعرض له مــن الضــرورة
بــدل مــن إنظــاره وتــأخير دينــه إلــى الميســرة وإســعافه
بالصدقة أو كفار الكفر المخرج من الملة إن استحله .
- 6تسميته أثيما وهي صيغة مبالغة من الثم ,وهو كل ما
فيه ضرر في النفس أو المال أو غيرهما .
- 7إعلمه بحرب من الله ورسوله ؛ لنه عدو لهما إن لــم
يترك ما بقي من الربا .
َ - 8وصفه بالظلم في قوله } :فَل َ ُ
م لَ وال ِك ُ ْمــ َ
سأ ْ م ُرُءو ُ كــ ْ
ن { ). (3 مو َن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ مو َ ت َظ ْل ِ ُ
- 9عــد النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم إيــاه مــن أهــل
الموبقات وهي أكبر الكبائر كما في الصحيحين ). (4
661
- 10ورود عــدة أحــاديث صــحيحة فــي لعــن آكــل الربــا
وموكله وكاتبه وشاهديه .
- 11ورود أحاديث كثيرة في الوعيد الشديد عليه ،منهــا :
أن » درهمــا مــن ربــا أشــد مــن ثلث وثلثيــن زنيــة فــي
الســلم « ) , (5وفــي بعضــها ســت وثلثيــن زنيــة ,وفــي
بعضها بضع وثلثين وفي بعضها » الربا اثنان وسبعون بابــا
أدناها مثل إتيان الرجل أمه « ). (6
__________
) (1سورة البقرة الية 276
) (2سورة البقرة الية 276
) (3سورة البقرة الية 279
) (4صحيح البخاري ، 294 \ 5وصحيح مسلم الحديث 89
.
) (5مسند أحمد بن حنبل ).(5/225
) (6سنن ابن ماجه التجارات ).(2274
مقارنة بين الربا والميسر
تحريم الربا أشد من تحريم الميسر الذي هو القمــار ؛ لن
المرابي قد أخذ فضل محققــا مــن محتــاج ,والمقــامر قــد
يحصل له فضل وقد ل يحصل له ,فالربا ظلم محقــق لن
فيه تسلط الغني على الفقير بخلف القمار فإنه قــد يأخــذ
فيه الفقير من الغني وقد يكون المتقامران متساويين في
الغنــى والفقــر ,فهــو وإن كــان أكل للمــال بالباطــل وهــو
محرم فليس فيه من ظلم المحتاج وضرره ما فــي الربــا ،
ومعلوم أن ظلم المحتاج أعظم من ظلم غير المحتاج )(1
.
__________
) (1مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ص 347- 341
.
متى حرم الربا :
قد كان تحريم الربــا قــديما وقــد ذكــر اللــه تحريمــه علــى
دوا ن هَــا ُذي َن ال ّـ ِ اليهود حيث يقــول ســبحانه } :فَب ِظ ُل ْـم ٍ ِ
مـ َ
ل الل ّـ ِ
ه سـِبي ِن َ م عَـ ْ
صـد ّهِ ْ ت ل َهُ ْ
م وَب ِ َ ت أُ ِ
حل ّ ْ م ط َي َّبا ٍ
مَنا عَل َي ْهِ ْ
حّر ْ
َ
662
خذهم الربا وقَد نهوا عَن ـه وأ َك ْل ِه ـ َ َ
ل وا َ مـ َ مأ ْ ِ ْ ْ ُ َ ك َِثيًرا { ) } (1وَأ ْ ِ ِ ُ ّ َ َ ْ ُ ُ
ل { ). (3) (2 س ِبال َْباط ِ ِ الّنا ِ
إل أن العلمة القرطبي ) (4يرى أن المراد بالربا المــذكور
في حق اليهود عموم الكسب المحرم ولم يرد به خصوص
الربا الذي حكم بتحريمه علينا ,وإنمــا أراد المــال الحــرام
ت{) ح ِ ســ ْ ن ِلل ّ كــاُلو َ ب أَ ّ ن ل ِل ْك َذِ ِ عو َ ما ُس ّكما قال تعالى َ } :
(5يعني به المال الحــرام مــن الرشــا ومــا اســتحلوه مــن
ُ
ل سِبي ٌ ن َ مّيي َ س عَل َي َْنا ِفي اْل ّ أموال الميين حيث قالوا } :ل َي ْ َ
{ ) (6وعلى هذا فيدخل فيه النهي عن كل مال حرام بأي
وجه اكتسب ,وكان الربا معروفا في الجاهلية عند العرب
،وقد ذكره الله تعالى فــي " ســورة الــروم " وهــي مكيــة
نزلت قبل الهجرة ببضع سنين مقرونا بذمة ومــدح الزكــاة
م ما آت َي ْت ُ ْ وذلك قبل فرض الزكاة كما في قوله تع الى } :وَ َ
َ
مما آت َي ُْتــ ْ عن ْد َ الل ّهِ وَ َ س فَل َ ي َْرُبو ِ ل الّنا ُ ِ وا ِ م َ ن رًِبا ل ِي َْرب ُوَ ِفي أ ْ
م ْ ِ
ن { ), (7 ضعُِفو َ م ْم ال ْ ُ ك هُ ُ ه الل ّهِ فَأول َئ ِ َ ج َ ن وَ ْ دو َري ُ ن َز َ
كاةٍ ت ُ ِ م ْ ِ
وقــد جــاء فــي الســور المكيــة بيــان أصــول الواجبــات
والمحرمات بوجه إجمالي كمــا فــي هــذه اليــة ,ثــم قــال
َ
من ُــوا ل َ نآ َ ذي َ تعالى فــي ســورة آل عمــران } :ي َــا أي ّهَــا ال ّـ ِ
َ ْ
ن{) حو َ م ت ُْفل ِ ُه ل َعَل ّك ُ ْ ة َوات ُّقوا الل ّ َ ضاعََف ً م َ ضَعاًفا ُ ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ
(8ثم نزلت آيات " سورة البقرة " المشتملة على الوعيد
الشديد قبل وفاة النبي صلى الله عليــه وســلم بقليــل )(9
ويستمر تحريمه إلى يوم القيامة .
__________
) (1سورة النساء الية 160
) (2سورة النساء الية 161
) (3النساء اليتان 160 :ومن الية . 161
) (4تفسير القرطبي ص 348ج . 3
) (5سورة المائدة الية 42
) (6سورة آل عمران الية 75
) (7سورة الروم الية 39
) (8سورة آل عمران الية 130
) (9الربا والمعاملت في السلم ص 58 - 57بتصرف .
663
هذا تاريخ الربا عبر التاريــخ وكابوســه الثقيــل علــى المــم
وموقف الشرائع السماوية منه ومحــاربته لنقــاذ البشــرية
من ويلته ,ولكـن يـأبى الـذين اسـتحوذ عليهـم الشـيطان
واســتولى عليهــم الشــح إل عتــوا ونفــورا ليســتمروا علــى
التحكم بأموال الناس بغير حق .
-3المقارنة بين الربا والصدقة :
قد جعل اللــه ســبحانه الربــا ضــد الصــدقة فــالمرابي ضــد
ه الّرَبــا وَي ُْرِبــي حــقُ الّلــ ُ م َ المتصــدق ,قــال تعــالى } :ي َ ْ
و
ن رًِبا ل ِي َْرُبــ َ م ْ م ِ ما آت َي ْت ُ ْ ت { ) , (1وقال تعالى } :وَ َ صد ََقا ِ ال ّ
َ
ن َزك َــا ٍ
ة مـ ْ م ِمــا آت َي ْت ُـ ْ عن ْـد َ الل ّـهِ وَ َ س فَل َ ي َْرُبو ِ ل الّنا ِ وا ِ م َ ِفي أ ْ
ُ
ن { ) , (2وقــال ض ـعُِفو َ م ْ م ال ْ ُ ك هُ ـ ُ ه الل ّـهِ فَ ـأول َئ ِ َ ج َ ن وَ ْ دو َ ري ُ تُ ِ
َ ْ َ
ضــَعاًفا مُنــوا ل َ َتــأك ُُلوا الّرَبــا أ ْ نآ َ ذي َ تعــالى َ } :يــا أي َّهــا اّلــ ِ
ن { )َ } (3وات ُّقــوا الن ّــاَر حــو َ م ت ُْفل ِ ُ ه ل َعَل ّك ُ ْ ة َوات ُّقوا الل ّ َ ضاعََف ً م َ ُ
ُ
ن { ) , (5) (4ثــم ذكــر الجنــة الــتي ري َ ت ل ِل ْك َــافِ ِ عـد ّ ْ ال ِّتي أ ِ
أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء ). (6
فالمتصدق ضد المرابي ؛ لن المتصدق يحسن إلى الناس
ن ذي َ والمرابــي يظلــم النــاس ,ولهــذا قــال ســبحانه } :ال ّـ ِ
ة فَل َه ـ َ سّرا وَعََلن ِي َـ ً ينفُقو َ
م جُرهُ ـ ْ مأ ْ ُ ْ ل َوالن َّهارِ ِ م ِبالل ّي ْ ِ وال َهُ ْ م َنأ ْ َ ُْ ِ
ن ذي َ ن { ) } (7ال ّـ ِ حَزن ُــو َ م يَ ْ م وَل َ هُ ْ ف عَل َي ْهِ ْ خو ْ ٌ م وَل َ َ عن ْد َ َرب ّهِ ْ ِ
خب ّ ُ ْ
هطــ ُ ذي ي َت َ َ م اّلــ ِ مــا ي َُقــو ُ ن إ ِل ّ ك َ َ مــو َ ن الّرَبــا ل َ ي َُقو ُ َيــأك ُُلو َ
س { ) (8اليات . م ّ ن ال ْ َم َ ن ِ طا ُ شي ْ َ ال ّ
وهكذا تساق آيات الربا بعد آيات الصدقة في القــرآن لمــا
بين المتصدقين والمرابيــن مــن التضــاد ،ليتفكــر المســلم
فــي صــفات الفريقيــن وجــزاء كــل منهمــا ,وليقــارن بيــن
آثارهمــا علــى المجتمــع ,فالمتصــدق يعطــي المــال بغيــر
عوض يقابله ,والمرابي يأخذ المــال بغيــر عــوض يقــابله ,
المتصدق يوسع على المحتاجين ويفرج كرب المكروبيــن ,
والمرابي يضــيق علــى المحتــاجين وينتهــز فرصــة عــوزهم
ليثقلهم بالديون فيزيدون كربة إلى كربتهم ,المتصدق قــد
وقاه الله شح نفسه فانتصر عليهــا ,والمرابــي قــد تملكــه
الجشع وأهلكه الشح كما أهلك من قبله فاســتحل محــارم
الله بأدنى الحيل .
664
__________
) (1سورة البقرة الية 276
) (2سورة الروم الية 39
) (3سورة آل عمران الية 130
) (4سورة آل عمران الية 131
) (5آل عمران اليتان . 131 - 130
) (6الربا والمعاملت في السلم .
) (7سورة البقرة الية 274
) (8سورة البقرة الية 275
- 4الحكمة في تحريم الربا :
يلخص العلمة ابن حجر الهيتمــي فــي كتــاب الزواجــر )(1
تلك الحكمة في النقاط التالية :
- 1انتهاك حرمة مال المسلم بأخذ الزائد من غير عوض .
- 2الضــرار بــالفقير لن الغــالب غنــى المقــرض وفقــر
المستقرض فلو مكن الغني من أخذ أكثر من المثــل أضــر
بالفقير .
- 3انقطاع المعروف والحسان الذي في القــرض ؛ إذ لــو
حل درهم بدرهمين ما سمح أحد بإعطاء درهم بمثله .
- 4تعطل المكاسب والتجارات والحرف والصناعات التي
ل تنتظــم مصــالح العـالم إل بهــا ؛ إذ مـن يحصـل درهميــن
بدرهم كيف يتجشم مشقة كسب أو تجارة .
إن اللــه ســبحانه وتعــالى يشــرع لعبــاده مــا يربيهــم علــى
التراحم والتعـاطف ,وأن يكــون كــل منهــم عونـا للخـر ل
سيما عند شــدة الحاجــة إليــه ,ولــذلك حــرم عليهــم الربــا
الذي هـو اسـتغلل ضـرورة إخـوانهم وأحـل الـبيع الـذي ل
يختص الربح فيه بأكل الغني الواجد مــال الفقيــر الفاقــد ،
كما أن الله تعالى جعل طريق تعامل الناس في معايشهم
قائما علــى أن يكــون اســتفادة كــل واحــد مــن الخــر فــي
مقابل عمل يقوم به نحوه أو عين يدفعها إليه ,والربا خال
عن ذلك ؛ لنه عبارة عن إعطاء المال مضاعفا من طرف
لخر بدون مقابلة من عين ول عمل .
إن إباحة الربا مفسدة من أكبر المفاســد للخلق وشــئون
الجتماع تزيد أطماع الناس وتجعلهم ماديين ل هم لهــم إل
665
الستكثار من الموال من غير أن يستفيد منها مجتمعهم )
. (2
ففي الغالب ل يخضع للزيادة الربويــة إل معــدم محتــاج إذا
رأى أن الدائن يؤخر مطــالبته ويصــبر عليــه بزيــادة يبــذلها
تكلف بذل هذه الزيادة ليفتدي بها من أسر المطالبة
__________
) (1ص 180ج . 1
) (2تفسير المنار ص 112 - 108ج . 3
والحبــس ويــدافع مــن وقــت إلــى وقــت ,فيشــتد ضــرره
وتعظم مصيبته ويعلوه الدين حتى يستغرق جميع موجوده
فيربو المال على المحتاج من غير نفع يحصــل لــه ,ويزيــد
مال المرابي من غير نفع يحصل منه لخيــه ,فيأكــل مــال
أخيه بالباطــل ,ويحصــل أخــوه علــى غايــة الضــرر ,فمــن
رحمة أرحــم الراحميــن وحكمتــه وإحســانه إلــى خلقــه أن
حرم الربا ولعن آكله وموكله وكاتبه وشــاهديه ,وأذن مــن
لم يدعه بحربه وحرب رسوله ,ولم يجئ مثل هذا الوعيــد
في كبيرة غيره ,ولهذا كان من أكبر الكبائر ). (1
__________
) (1من إعلم الموقعين لبن القيم ص 135ج . 2
- 5أنواع الربا :
الربا نوعان :ربا نسيئة وربا فضل .
فالنوع الول ربا النسيئة -من النساء بالمد وهــو التــأخير -
هو نوعان :
أحدهما :قلب الدين على المعسر ,وهذا هــو أصــل الربــا
في الجاهلية :
أن الرجل يكون له على الرجل المال المؤجل ,فــإذا حــل
الجل قال له :أتقضي أم تربــي ,فــإن وفــاه وإل زاد هــذا
في الجل وزاد هذا في المــال فيتضــاعف المــال والصــل
واحد .وهذا الربا حرام بإجماع المسلمين ) , (1قــال اللــه
سـَرةٍ { )(2 سَرةٍ فَن َظ ِـَرةٌ إ ِل َــى َ
مي ْ َ ن ُ
ذو عُ ْ ن َ
كا َ تعالى } :وَإ ِ ْ
من آية ) (280من سورة البقرة ،فــإذا حــل الــدين وكــان
الغريم معسرا لم يجز بإجماع المسلمين أن يقلــب الــدين
عليه بل يجب إنظاره .
666
وإن كان موسرا كان عليه الوفاء فل حاجــة إلــى القلــب ل
مع يساره ول مع إعساره ) (3لكن الكفار يعارضون حكــم
ل الّرب َــا { ) (4أي مث ْـ ُما ال ْب َي ْـعُ ِ
الله في ذلك ويقولون } :إ ِن ّ َ
سواء زدنا في أول البيع أو عند محل المال ,فكذبهم اللــه
َ
م الّرَبا { ه ال ْب َي ْعَ وَ َ
حّر َ ل الل ّ ُ
ح ّ في قيلهم فقال سبحانه } :وَأ َ
) (5يعني جل ثناؤه وأحل الله الرباح في التجارة والشراء
والبيع ) ,وحرم الربا( يعني الزيادة الــتي يــزاد رب المــال
بسبب زيادته غريمه في الجل وتأخيره دينه عليــه ,يقــول
عز وجل :فليست الزيادتان اللتان إحداهما من وجه الــبيع
إلى أجل ,والخرى من وجه تــأخير المــال إذا حــل أجلــه ,
والزيادة في الجل سواء فليست الزيادة
__________
) (1أضواء البيان ص 230ج . 1
) (2سورة البقرة الية 280
) (3مجموع الفتاوى ص 418ج . 29
) (4سورة البقرة الية 275
) (5سورة البقرة الية 275
من وجه البيع نظير الزيادة من وجه الربا لني أحللت البيع
وحرمت الربا ,والمر أمري والخلق خلقي أقضي فيهم ما
أشاء وأســتعبدهم بمــا أريــد ,ليــس لحــد أن يعــترض فــي
حكمــي ,ول أن يخــالف أمــري ,وإنمــا عليهــم طــاعتي
والتسليم لحكمي ). (1
وأيضا لو كانت الزيادتان ســواء لمــا اختلــف حكمهمــا عنــد
أحكم الحاكمين .
فالزيادة التي تؤخذ في معاوضة صــحيحة خاليــة مــن أكــل
أمــوال النــاس بالباطــل هــي زيــادة حلل ,والزيــادة الــتي
تؤخذ لجل التأخير في الجل إذا حل زيادة محرمة لنهــا ل
معاوضة فيها ول مقابل لها فهي ظلم ) . (2وأيضا المعسر
الذي ل يستطيع الوفاء عند حلول الجل يجب إنظاره إلــى
ميســرة ل مضــاعفة الــدين عليــه وإثقــال كــاهله بالغرامــة
فيزداد حمل على حمله .
__________
667
) (1تفسير ابــن جريــر ص 13 - 12ج 6ببعــض زيــادات
توضيحية .
) (2انظر تفسير المنار ص 96ج . 3
مسألة ) :ضع وتعجل ( :
ويتعلق بهذه المسألة مسألة ) :ضــع وتعجــل ( ,وهــي أن
يصالح عن الدين المؤجل ببعضه حال -وهي عكــس قلــب
الدين -لن معناه :زد وأجل ,وقد أجمع المسلمون علــى
تحريمه كما سبق ,وأما هذه المسألة ) ضع وتعجل ( فقــد
اختلف العلماء فيها على أقوال :
القول الول :
تحريــم ذلــك وهــو قــول أبــي حنيفــة ومالــك والشــافعي
والمشهور عن أحمد ) , (1ووجه ذلك :
أنه شبيه بالزيادة مع النظار المجمع على تحريمهــا ؛ لنــه
جعل للزمان مقدارا من الثمــن بــدل منــه فــي الموضــعين
جميعــا ,فهــو فــي الصــورتين جعــل للزمــان ثمنــا لزيــادته
ونقصه ؛ هذا
__________
مجت َهِــد ص ظر َفتح الَقــدير ص 426ج ، 8وِبداي َــة ال ُ ) (1ان ُ
دع ص مب ـ ِ
محتــاج ص 179ج ، 7وال ُ مِغنــي ال ُ
142ج ، 2و ُ
280- 279ج . 4
معنى ما علل به ابن رشد في بداية المجتهــد ) . (1وعلــل
صــاحب فتــح القــدير ) (2مــن الحنفيــة ذلــك بقــوله :لن
المعجــل خيــر مــن المؤجــل وهــو غيــر مســتحق بالعقــد ,
فيكون بإزاء ما حطه عنه وذلك اعتيــاض عــن الجــل وهــو
حرام .ا ه .
وهــو بمعنــى التعليــل الــذي قبلــه ,وعلــل صــاحب مغنــي
المحتــاج ) (3مــن الشــافعية لــذلك بقــوله ) :لن صــفة
الحلول ل يصح إلحاقها . .فإن لم يحصل الحلــول ل يصــح
الــترك ( يعنــي أن صــحة تــرك البعــض تنبنــي علــى صــحة
التعجيل ,والتعجيل غير صحيح فالترك غير صحيح ,وعلــل
ذلك صاحب المبدع من الحنابلة بقوله ) :لنه يبذل القــدر
الذي يحطه عوضا عن تعجيل مــا فــي ذمتــه وبيــع الحلــول
والتأجيــل ل يجــوز ( ,وهــذا التعليــل بمعنــى مــا علــل بــه
668
صاحب فتح القدير من الحنفيــة حيــث يقــول ) (4) :وذلــك
اعتياض عن الجل وهو حرام ( ,وهما يتفقان مع قول ابن
رشد ) (5) :لنه جعل للزمان مقدارا من الثمن ( فاتفقت
كلمتهم على أن بيع الجــل ل يجــوز وهــو الــذي مــن أجلــه
منعوا مسألة ) :ضع وتعجل ( :
قال ابن القيم في إغاثة اللهفــان . (6) :واحتــج المــانعون
بــالثر والمعنــى ؛ أمــا الثــار ففــي ســنن الــبيهقي » عــن
المقداد بن السود قال ) :أسلفت رجل مائة دينــار فقلــت
له :عجل تسعين دينارا وأحط عشرة دنانير ( .
فقال :نعم ,فذكرت ذلك لرســول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم فقـال :أكلـت ربـا مقـداد وأطعمتـه « وفـي سـنده
ضعف .وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قــد ســئل
عن الرجل يكون له الدين على رجل إلى أجل فيضــع عنــه
صاحبه ويعجل له الخر ,فكره ذلك ابن عمر ونهـى عنـه ,
وصح عن أبي المنهال أنه سأل ابن عمر رضي الله عنهمــا
فقال لرجل :علي دين ,فقال لي :عجل لي لضع عنك ,
قال :فنهاني عنــه .وقــال :نهــى أميــر المــؤمنين -يعنــي
عمــر -أن يــبيع العيــن بالــدين .وقــال أبــو صــالح مــولى
السفاح واسمه عبيد :بعت برا من أهل السوق إلــى أجــل
ثم أردت الخروج إلى الكوفة فعرضوا علي أن أضع عنهــم
وينقدوني
__________
مجت َهِــد ص ظر َفتح الَقــدير ص 426ج ، 8وِبداي َــة ال ُ ) (1ان ُ
دع ص مب ـ ِ محتــاج ص 179ج ، 7وال ُ مِغنــي ال ُ 142ج ، 2و ُ
280- 279ج . 4
مجت َهِــد ص ظر َفتح الَقــدير ص 426ج ، 8وِبداي َــة ال ُ ) (2ان ُ
دع ص مب ـ ِ محتــاج ص 179ج ، 7وال ُ مِغنــي ال ُ 142ج ، 2و ُ
280- 279ج . 4
مجت َهِــد ص ظر َفتح الَقــدير ص 426ج ، 8وِبداي َــة ال ُ ) (3ان ُ
دع ص مب ـ ِ محتــاج ص 179ج ، 7وال ُ مِغنــي ال ُ 142ج ، 2و ُ
280- 279ج . 4
669
مجت َهِــد ص ظر َفتح الَقــدير ص 426ج ، 8وِبداي َــة ال ُ ) (4ان ُ
دع ص مب ـ ِمحتــاج ص 179ج ، 7وال ُ مِغنــي ال ُ 142ج ، 2و ُ
280- 279ج . 4
مجت َهِــد ص ظر َفتح الَقــدير ص 426ج ، 8وِبداي َــة ال ُ ) (5ان ُ
دع ص مب ـ ِمحتــاج ص 179ج ، 7وال ُ مِغنــي ال ُ 142ج ، 2و ُ
280- 279ج . 4
) (6ص 12ج . 2
فسألت عن ذلك زيد بن ثابت فقال ) :ل آمــرك أن تأكــل
هذا ول توكله ( رواه مالك في الموطأ .
وأما المعنى فإنه إذا تعجل البعض وأسقط الباقي فقد باع
الجل بالقدر الذي أسقط وذلك عيــن الربــا ,كمــا لــو بــاع
الجل بالقــدر الــذي يزيــده إذا حــل عليــه الــدين ,فقــال :
زدني في الدين وأزيــدك فــي المــدة ,فــأي فــرق بيــن أن
تقول حط من الجل وأحط من الدين ,أو تقــول :زد فــي
الجــل وأزيــد فــي الــدين . . .قــالوا :فنقــص الجــل فــي
مقابلة نقص العوض كزيادته في مقابلة زيــادته ,فكمــا أن
هذا ربا فكذلك الخر .
القول الثاني :
جواز الوضع والتعجل وهو روايــة عــن أحمــد ) , (1ونســب
ابن رشد ) (2وابن القيم القــول بجــوازه إلــى ابــن عبــاس
وزفر من الحنفية ,والقول بالجواز هو اختيار شيخ السلم
ابن تيمية رحمه اللــه قــال فــي الختيــارات ) ) : (3ويصــح
الصلح عن المؤجــل ببعضــه حــال ,وهــو روايــة عــن أحمــد
وحكي قول للشافعي ( ,واختار هذا القول أيضا ابن القيم
وقال )) : (4لن هذا عكس الربا فإن الربا يتضمن الزيادة
في أحد العوضين في مقابلة الجل ,وهــذا يتضــمن بــراءة
ذمته من بعض العوض في مقابلة ســقوط الجــل فســقط
بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الجل فانتفع به كل
واحد منهما ,ولم يكن هنا ربا ل حقيقة ول لغة ول عرفــا ,
فإن الربا الزيادة ،وهي منتفية هاهنا ,والذين حرموا ذلــك
قاسوه على الربا ول يخفى الفرق الواضح بين قوله ) :إما
أن تربي وإما أن تقضي ( ,وبين قوله ) :عجل لي وأهــب
670
لك مائة ( فأين أحدهما من الخر فل نص في تحريم ذلــك
ول إجماع ول قياس صحيح .ا ه .
قال ابن رشد وقال ) : 55 (5وعمدة من أجــازه مــا روي
عن ابن عباس أن النبي صلى اللــه عليــه وســلم لمــا أمــر
بإخراج بني النضير جاء ناس منهم فقالوا :يا نبي الله إنك
أمرت بإخراجنا ولنا على الناس
__________
) (1المبدع ص 280ج . 4
) (2بداية المجتهد ص 142ج . 2
) (3الختيارات ص . 134
) (4العلم ص 371ج 3ط محيي الدين عبد الحميد .
) (5العلم ص 371ج 3ط محيي الدين عبد الحميد .
ديون لم تحل ,فقال رسول الله صلى الله عليــه وســلم :
ضعوا وتعجلوا ). (1
القول الثالث :
يجوز ذلك في دين الكتابة ول يجــوز فــي غيــره ؛ لن ذلــك
يتضمن تعجيل العتق المحبوب إلى اللــه ,والمكــاتب عبــد
مــا بقــي عليــه درهــم ,ول ربــا بيــن العبــد وبيــن ســيده ,
فالمكاتب وكســبه للســيد فكــأنه أخــذ بعــض كســبه وتــرك
بعضه ). (2
والراجح :
هو القول الثاني وهو جواز ذلك مطلقا ؛ لنه ليس مع مــن
منعه دليل صحيح ,والصل في المعاملت الصحة والجواز
ما لم يدل دليل على التحريم ,وقياســهم منــع ذلــك علــى
منع زيادة الدين وتمديد أجله قياس مـع الفــارق ؛ لن منــع
الزيادة في مقابلة التمديد ملحــظ فيــه منــع إثقــال كاهــل
المدين من غير استفادة تحصل له ,بخلف هذه المســألة
فإن فيها تخفيفا عنه ,فإن قيل :والمدين يحصــل لــه فــي
المسألة الولى فائدة التمديد في الجل .
فالجواب :أن التمديد في الجل في هذه المسألة إن كان
المدين معسرا فهو واجب على الدائن بدون مقابــل ،وإن
كان المدين موســرا وجــب عليــه أداء الحــق عنــد حلــوله ,
ويبدي العلمــة ابــن القيــم رأيــا آخــر فــي مســألة ) :ضــع
671
وتعجل ( فيقول ) ) : (3ولو ذهب ذاهب إلى التفصيل فــي
المسألة وقال :ل يجوز فــي ديــن القــرض إذا قلنــا بلــزوم
تــأجيله ويجــوز فــي ثمــن المــبيع والجــرة وعــوض الخلــع
والصداق لكان له وجه ,فإنه في القرض يجب رد المثل ,
فإذا عجل له وأسقط باقيه خرج عن موجب العقد ,وكــان
قد أقرضه مائة فوفاه تسعين بل منفعة حصلت للمقرض ,
بل اختــص المقــترض بالمنفعــة فهــو كــالمربي ســواء فــي
اختصاصه بالمنفعة دون الخــر .وأمــا فــي الــبيع والجــارة
فإنهما يملكان فسخ العقد وجعل العوض حــال أنقـص ممــا
كان ,وهذا هو حقيقة الوضع والتعجيــل لكــن تحيل عليــه ,
والعبرة في العقود
__________
صــحيح الســناد ،قــال ابــن كم َ : عبد الّله الحا ِ
) (1قال أبو َ
ي س ـَنن ،وقَــد َ
ض ـّعفه الَبيَهق ـ ّ شــرط ال ُ الَقي ّــم :هــو علــى َ
وإسناده ِثقات ِ ،إغاَثة الّلهفان ص 13ج . 2
) (2إعلم الموقعين ص 371ج . 3
) (3إغاثة اللهفان ص 14ج . 2
بمقاصدها ل بصورها ,فإن كان الوضع والتعجيــل مفســدة
فالحتيال عليه ل يزيل مفسدته ,وإن لم يكن مفسدة لــم
يحتج إلى الحتيال عليه .
الثــاني :مــن نــوعي ربــا النســيئة :مــا كــان فــي بيــع كــل
جنسين اتفقا في علــة ربــا الفضــل مــع تــأخير قبضــهما أو
قبــض أحــدهما -ويســميه بعضــهم :ربــا اليــد ) - (1كــبيع
الــذهب بالــذهب والفضــة بالفضــة والــبر بــالبر والشــعير
بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح ،وكذا بيع جنس بآخر
من هذه الجناس مـؤجل ,ومـا شـاركها فـي العلـة يجـري
مجراهــا فــي هــذا الحكــم ,قــال النــبي صــلى اللــه عليــه
وســلم » :الــذهب بالــذهب والفضــة بالفضــة والــبر بــالبر
والشعير بالشعير والتمر بــالتمر والملــح بالملــح مثل بمثــل
يدا بيد « في أحاديث كثيرة جاءت بمعناه ) (2فقوله صلى
الله عليه وسلم ) :يدا بيد ( يعني الحلــول والتقــابض قبــل
التفرق في بيع هذه الشياء بعضها ببعــض ,ويقــاس عليهــا
ما شاركها في العلة -كما يأتي بيانه إن شاء الله .
672
__________
) (1انظر مغني المحتاج ص 21ج ، 2والروض المربع ص
117ج 2بحاشية العنقري .
) (2رواه أحمد والبخاري ،المنتقى مع شرحه نيل الوطار
ص 203ج . 5
النوع الثاني من أنواع الربا :
ربا الفضل وهو الزيادة ,وقد نــص الشــارع علــى تحريمــه
في ستة أعيان هي :الذهب والفضة والبر والشعير والتمر
والملح ،واتفق الناس على تحريم التفاضل فيها مع اتحــاد
الجنس ) , (1فقد حكى غير واحــد الجمــاع علــى تحريمــه
بين الستة المذكورة إذا بيع بعضها ببعض ) , (2فإن قيــل :
كيف تصح حكاية الجماع مع أنه ثبت في الصحيح عن ابــن
عباس عن أسامة بن زيد أن رسول الله صــلى اللــه عليــه
وسلم قال » :ل ربا إل في النسيئة « ) (3فمقتضاه جواز
ربا الفضل ,وقد روي عـن ابـن عمـر وابـن عبـاس رضـي
الله عنهما القول بجوازه ) , (4قيل عن ذلك عدة أجوبة :
__________
) (1انظر إعلم الموقعين ص 136ج . 2
) (2بمعناه من أضواء البيان للشنقيطي ص 230ج . 1
) (3صـــحيح البخـــاري الـــبيوع ),(2069صـــحيح مســـلم
المساقاة ),(1584ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1241ســنن
النســائي الــبيوع ),(4565ســنن ابــن مــاجه التجــارات )
,(2257مسند أحمد بن حنبل ),(3/51موطأ مالك البيوع )
.(1324
) (4انظر نيل الوطار ص 203ج . 5
الجواب الول :
أن حديث أسامة منسوخ بالحاديث التي تدل على تحريــم
ربا الفضل ,ومما يدل على نسخه بها الجماع علــى تــرك
العمــل بــه ) , (1قــال الشــوكاني :لكــن النســخ ل يثبــت
بالحتمال .
الجواب الثاني :
أنه محمول على ما إذا اختلف الجنســان ،فــإنه فــي هــذه
الحالــة يجــوز التفاضــل ويحــرم النســأ بــدليل الروايــات
673
الصحيحة المصرحة بــأن ذلــك هــو محــل جــواز التفاضــل ,
وأنه في الجنس الواحد ممنوع ) (2فيكــون حــديث أســامة
عامــا فــي الجــواز فيمــا إذا اتحــد الجنــس أو اختلــف ,
والحــاديث الخــرى خاصــة بــالمنع مــع اتحــاد الجنــس ,
والخاص مقدم على العام كما هو مقتضى القواعد .
الجواب الثالث :
أنه حديث مجمل والحاديث التي تمنع ربا الفضــل مبينــة ,
فيجب العمل بالمبين وتنزيل المجمل عليه ). (3
الجواب الرابع :
أنه رواية صــحابي واحــد ,وروايــات منــع ربــا الفضــل عــن
جماعة من أصحاب رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم
رووها صريحة عنه صلى الله عليه وسلم ناطقــة بمنــع ربــا
الفضل ,ورواية الجماعة من العــدول أقــوى وأثبـت وأبعـد
عن الخطأ من رواية الواحد ). (4
__________
) (1النووي في شرح صحيح مسلم ص 25ج . 11
) (2أضواء البيان ص 231ج . 1
) (3النووي في شرح مسلم .
) (4أضواء البيان ص 236ج . 1
الجواب الخامس :
أن المعنــى فــي قــوله :ل ربــا إل فــي النســيئة ,أي الربــا
الغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما
تقول العرب :ل عالم في البلد إل زيد مع أن فيهــا علمــاء
غيره ,وإنما القصد نفي الكمل ل نفي الصل ). (1
الجواب السادس :
أن إباحة ربا الفضل في حديث أســامة المــذكور إنمــا هــي
بدللــة المفهــوم ,وتحريمــه بالحــاديث الخــرى بدللــة
المنطوق ,ول شك أن دللة المنطوق مقدمـة علـى دللـة
المفهوم ). (2
هذا ما أجيــب بــه عــن حــديث أســامة ,وكــل جــواب منهــا
يكفي بمفرده لرد الستدلل بــه بحمــد اللــه ,ولكــن كلمــا
تكاثرت الجوبة كان أقوى في الرد وأقطع لحجة الخصم .
674
وأما الجابة عما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهمـا قـال
بجواز ربا الفضل فهي أن يقال :إنما قال ذلك باجتهادهمــا
ثم لما بلغهما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في
منعه رجعا عن رأيهما ) , (3فلم يبق أي شبهة في تحريــم
ربا الفضــل ,وصــحت حكايــة الجمــاع علــى تحريمــه كمــا
سبق .
جودة أحد الجنسين الربويين على الخر
__________
) (1نيل الوطار ص 203ج . 5
) (2بمعناه من نيل الوطار ص 203ج . 5
َ
) (3انظ ُــر نيــل الوطــار ص 206 - 205ج ، 5وأضــواء
ي ص 240 - 238ج ، 1وَفتح الَباِري ص الَبيان لل ّ
شنقيط ّ
382 - 381ج . 4
هل جودة أحد الجنسين الربويين تبرر الزيادة من الجنــس
الرديء ؟
ل تكون جودة أحد الجنسين مبررة للزيادة إذا بيع أحــدهما
بالخر ,والصل في هذا حــديث أبــي ســعيد وأبــي هريــرة
رضي الله عنهما » أن رسول الله صلى الله عليــه وســلم
استعمل رجل على خيبر فجاءه بتمر جنيب ,فقال رســول
الله صلى الله عليه وسلم :أكل تمر خيبر هكذا ؟ ,قــال :
ل والله يا رسول
اللــه إنــا لنأخــذ الصــاع مــن هــذا بالصــاعين ،والصــاعين
بالثلثة ,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :ل تفعل
-بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا « ). (1
والجنيب قيل هو الطيب ,وقيل هو الذي أخرج من حشفه
ورديئه ,وقيل هو الذي لم يختلط بغيــره ) , (2وعلــى كــل
التفاسير فالمراد به الجيد من التمر ,والجمــع تمــر رديــء
أو هو الخليط من أنواع مختلفة ). (3
قال الشوكاني في نيل الوطار ) : (4والحديث يــدل علــى
أنه ل يجوز بيع رديء الجنس بجيــده متفاضــل ,وهــذا أمــر
مجمع عليــه ل خلف بيــن أهــل العلــم فيــه ،انتهــى ,وقــد
أرشد النبي صلى الله عليه وسلم فــي هــذا الحــديث إلــى
الطريقة السليمة البعيدة عن الربا الــتي يســلكها مــن أراد
675
أن يستبدل التمر الجيــد بــالتمر الرديــء ,وذلــك بــأن يــبيع
التمر الرديء بدراهم ويشتري بالدراهم تمرا جيدا ,وهــذه
الطريقة تتبع في كل ربوي يــراد اســتبداله بربــوي أحســن
منه ؛ لن الجودة في أحد الجنسين ل تبرر الزيــادة إذا بيــع
أحدهما بالخر والله أعلم .
إذا باع ربويا بثمن مؤجل فهل يجوز له أن يعتاض عن ذلك
الثمن ربويا آخر ؟
قال شيخ السـلم ابـن تيميـة )) : (5هـذه فيهـا نـزاع بيـن
العلمــاء فمــذهب الفقهــاء الســبعة ومالــك وأحمــد فــي
المنصوص عليه ) (6أن ذلك ل يجوز ,فمن باع مــال ربويــا
كالحنطة والشعير وغيرهما إلـى أجـل لـم يجـز أن يعتـاض
عــن ثمنــه بحنطــة أو شــعير أو غيــر ذلــك ممــا ل يبــاع بــه
نسيئة ؛ لن الثمن لم يقبض فكأنه قد باع حنطة أو شــعيرا
بحنطة أو شعير إلى أجل متفاضل ( .
وهــذا ل يجــوز باتفــاق المســلمين ،وقــال أبــو حنيفــة
والشافعي ) :هذا يجوز وهو اختيار أبــي محمــد المقدســي
من أصحاب أحمد ؛ لن البائع إنما يستحق الثمن في ذمــة
المشتري وبه اشترى فأشبه ما لو قبضه ثــم اشــترى مــن
غيره ( ,وقد علل الشيخ المنع بأن الثمن لم يقبض
__________
) (1صـــحيح البخـــاري الـــبيوع ),(2089صـــحيح مســـلم
المســاقاة ),(1593ســنن النســائي الــبيوع ),(4553ســنن
ابــن مــاجه التجــارات ),(2256مســند أحمــد بــن حنبــل )
,(3/60موطأ مالك البيوع ),(1314سنن الدارمي الــبيوع )
.(2577
) (2فتح الباري . 400 \ 4
) (3شرح النووي على صحيح مسلم . 21 \ 11
) (4نيل الوطار . 207 \ 5
) (5مجموع الفتاوى . 449-448 \ 29
) (6انظر كشاف القناع على متن القناع . 150 \ 3
فكأنه قد باع الربوي بــالربوي إلــى أجــل متفاضــل ,وهــذه
الصورة ل تجوز بالجماع فكذا ما شــابهها وهــي مســألتنا ,
وعلل صاحب الكشاف المنع بأنه ذريعــة إلــى بيــع الربــوي
676
بــالربوي نســيئة ,ويكــون الثمــن المعــوض عنــه بينهمــا
كالمعدوم لنه ل أثــر لـه ) , (1والشــيخ تقــي الــدين حكــى
الخلف ولم يرجح ،ولكن مما ل شك فيه أن الخروج مــن
الخلف والحتياط أمر مطلوب ومرغب فيه ،والله أعلم .
__________
) (1الكشاف . 150 \ 3
ربا القرض :
المشهور أن الربا ينقسم إلــى قســمين :ربــا نســيئة وربــا
فضــل ,وبعضــهم ) (1يزيــد قســما ثالثــا هــو ربــا القــرض
المشروط فيه جر نفع ،قال ابن حجر المكي في الزواجر
عن اقتراف الكبائر ) : ( 180 \ 1لكنه في الحقيقة يرجع
إلى ربا الفضل ؛ لنه الذي فيه شرط يجر نفعا للمقــرض ,
فكأنه أقرضه هذا الشيء بمثله مع زيادة ذلك النفــع الــذي
عاد إليه .انتهى .ولعل وجهة من عده قسما مستقل هــي
أن القرض عقد مستقل وله أحكام خاصة به .
__________
) (1انظر مغني المحتاج ). ( 21 \ 2
وصفة ربا القرض :
أن يقرضـه شــيئا ويشـترط عليـه أن يـرد أفضــل منــه ,أو
شــرط عليــه نفعــا مــا نحــو أن يســكنه داره ,وهــو حــرام
إجماعا ) (1لنه عقد إرفاق وقربة فإذا شرط فيــه الزيــادة
أخرجه عن موضوعه ,والدليل على تحريم ذلك :
- 1عموم نصوص الكتاب والسنة الواردة في النهــي عــن
الربا وهذا منه .
- 2الحديث الوارد بخصوص المنــع منــه وهــو قــوله صــلى
الله عليه وسلم » :إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدى إليه أو
حمله على دابة فل يركبها ول يقبلها إل أن يكون جرى بينه
وبينه قبل ذلك « ,وما ورد بمعناه مــن الثــار الــتي تقــويه
عن جماعة من الصحابة ). (2
__________
جر ص 80ج 1 ح َ
جر لبن َ دع ص 209ج ، 4الّزوا ِ مب ِ
) (1ال ُ
ملت َ
معــا َ
مــن أجــاز ال ُ
ضــة الّندي ّــة فــي ال ـّرد علــى َ
،والّرو َ
677
ضــمن شــيخ ص ِ 16 مد بن إبراهيم آل ال ّ مح ّ
شيخ ُالّربوّية لل ّ
عة .
مجمو َ َ
) (2انظر الروضة الندية للشيخ محمد بن إبراهيم .
ما جاء عن أعيان الصحابة في تحريمه ،وهم :عمر وابنــه
عبد الله وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن سلم وأبي بن
كعب وابن عباس وفضالة بن عبيد رضي الله عنهم ). (1
- 3الجماع وقد حكاه غير واحد ) (2من العلماء .
فــإذا كــان النفــع الــذي يبــذله المقــترض للمقــرض غيــر
مشترط ,فل بأس به بدليل » أن النــبي صــلى اللــه عليــه
وســلم استســلف بكــرا ورد خيــرا منــه ،وقــال :خيركــم
أحسنكم قضــاء « ) (3إل أن المــام مالكــا كــره أن يزيــده
في العدد ,ل إن أعطاه أجود عينا وأرفــع صــفة ,وأمــا أن
يزيده في الكيل أو الوزن أو العدد فل ). (4
وتعقــب ذلــك المــام الشــوكاني ) (5فقــال :ويــرد عليهــم
)يعني المالكية ( » حديث جــابر قــال :أتيــت النــبي صــلى
الله عليه وسلم وكان لي عليه ديــن فقضــاني وزادنــي « )
(6فــإنه صــرح بــأن النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم زاده
والظاهر أن الزيادة كانت في العدد ,وقد ثبت فــي روايــة
البخاري أن الزيادة كانت قيراطا .
وهذا التفصيل فــي حكــم النفــع الــذي يجــره القــرض مــن
زيادة أو غيرها إذا بذل هذا النفع عند القضاء ،أما إذا بــذل
قبــل القضــاء بــأن أهــدى إليــه هديــة فل يحــل لــه قبولهــا
مطلقا ,قال شيخ السلم ابن تيميــة : (7) :فنهــى النــبي
صلى الله عليه وسلم هــو وأصــحابه المقــرض عــن قبــول
هديــة المقــترض قبــل الوفــاء ؛ لن المقصــود بالهديــة أن
يؤخر القتضاء وإن كان لــم يشــترط ذلــك ولــم يتكلــم بــه
فيصير بمنزلة أن يأخذ اللف بهديــة نــاجزة وألــف مــؤخرة
وهذا ربا ,ولهذا جاز أن يزيــد عنــد الوفــاء ويهــدي لــه بعــد
ذلك لزوال معنى الربا ,ومن لم ينظر إلــى المقاصــد فــي
العقود أجاز مثل ذلك وخالف بذلك سنة رسول الله صــلى
الله عليه وسلم ) ، (8وهذا أمر بين .
__________
) (1الروضة الندية ص . 16 - 10
678
) (2الروضة الندية ص . 16 - 10
) (3صـــحيح البخـــاري الوكالـــة ),(2183صـــحيح مســـلم
المساقاة ),(1601ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1316ســنن
النســائي الــبيوع ),(4618ســنن ابــن مــاجه الحكــام )
,(2423مسند أحمد بن حنبل ).(2/456
) (4الكافي لبن عبد البر ص . 728 - 727
) (5نيل الوطار ص 246 - 245ج . 2
) (6صـحيح البخـاري الصـلة ),(432صــحيح مسـلم صــلة
المســـافرين وقصـــرها ),(715ســـنن النســـائي الـــبيوع )
,(4590ســنن أبــو داود الــبيوع ),(3347مســند أحمــد بــن
حنبل ).(3/319
) (7الجزء الثالث من مجموع الفتاوى الكبرى ص . 244
ســاب ًِقا فــي الَفقــرة َ
دنــاه َ
حديث الــذي أوَر ْشير إلى ال َ) (8ي ُ ِ
َ
من أدِّلة َتحريم َفواِئد الَقرض .رقم )ِ ( 2
وقال ابن القيم ) : (1فنهى النبي صلى اللــه عليــه وســلم
وأصحابه المقرض عن قبول هدية المقترض قبل الوفــاء ,
فــإن المقصــود بالهديــة أن يــؤخر القتضــاء وإن كــان لــم
يشترط ذلك سدا لذريعة الربا .
ويفصل العلمة الشوكاني في ذلك فيقول (2) :والحاصل
أن الهدية والعارية ونحوهــا إذا كــانت لجــل التنفيــس فــي
أجل الدين أو لجل رشوة صاحب الدين أو لجل أن يكــون
لصاحب الدين منفعة في مقابل دينه فذلك محرم لنه نوع
من الربا أو رشوة ,وإن كان ذلك لجل عــادة جاريــة بيــن
المقرض والمستقرض قبل التداين فل بأس ,وإن لم يكن
ذلك لغرض أصل فالظاهر المنع لطلق النهي عن ذلك .ا
ه.
وهذا التفصيل يشهد له ما جاء فــي الحــديث الســابق مــن
قوله صلى الله عليه وسلم :إل أن يكون جرى بينــه وبينــه
قبل ذلك .
والحاصل أن النفع المبذول مــن المقــترض للمقــرض فيــه
التفصيل التالي :
- 1إن كان ذلك باشتراط فهو حــرام مطلقــا قبــل الوفــاء
وبعده .
679
- 2إن كان بغير اشتراط جاز بعد الوفاء ولم يجز قبلــه إل
أن يكــون البــاعث عليــه عــادة جاريــة بينهمــا ل مــن أجــل
القرض ,والله أعلم .
ويتعلق بمبحث ربا القرض مسألتان نــص عليهمــا الفقهــاء
رحمهم الله :
- 1المسألة الولى :
إذا أقرضه مبلغا ثم اشترى المقترض مــن المقــرض شــيئا
واشترط الخيــار حيلــة علــى النتفــاع بــالقرض ليأخــذ غلــة
المبيع ونفعــه ثــم يــرد المقــترض القــرض ويــرد المقــرض
المبيع بالخيار ،فهذا البيع والشرط باطل لنه من الحيــل ,
قال في القنــاع وشــرحه )) : (3وإن شــرطه ( أي الخيــار
بائع )حيلة ،ليربح فيما أقرضه حرم نصا ( لنه يتوصــل بــه
إلى قرض يجر نفعا )ولم يصح البيع لئل يتخذ ذريعة للربا (
,وقال شيخ السلم ابن تيمية -رحمه
__________
) (1ص 184ج 3من إعلم الموقعين .
) (2نيل الوطار ص 246ج . 5
) (3ج 3ص , 163وانظر المغني . 593 - 592 \ 3
الله (1) -لما سئل عن ذلك ) :إذا كان المقصود أن يأخذ
أحدهما من الخر دراهم وينتفع المعطي بعقار الخــر مــدة
مقام الدراهم في ذمته ,فإذا أعاد الدراهم إليه أعــاد إليــه
العقار فهذا حرام بل ريب ( ,وهذا دراهم بــدراهم مثلهــا ,
ومنفعة الدار وهو الربا البين .
وقد اتفق العلماء علــى أن المقــرض مــتى اشــترط زيــادة
على قرضه كان ذلك حراما ,وكذلك إذا تواطأ علــى ذلــك
في أصح قولي العلماء ,وقـد صـح عـن النـبي صـلى اللـه
عليه وسلم أنه قال » :ل يحل ســلف وبيــع ،ول شــرطان
في بيع ،ول ربح ما لم يضمن ،ول بيع ما ليس عنــدك « )
, (2حرم النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بيــن الســلف
والبيع لنه إذا أقرضه وباعه حاباه في البيع لجل القرض ،
وكذلك إذا آجره وباعه وما يظهرونه من بيع المانــة الــذي
يتفقون فيه على أنه إذا جاءه بالثمن أعاد إليــه المــبيع هــو
باطل باتفاق الئمة سواء شرطه في العقد أو تواطأ عليــه
680
قبل العقد على أصح قـولي العلمـاء ,والـواجب فـي مثـل
هذا أن يعاد العقار إلى ربه والمال إلى ربه ويعزر كل مــن
الشخصين إن كانــا علمــا بــالتحريم .والقــرض الــذي يجــر
منفعة قد ثبت النهي عنه عن غير واحد من الصحابة الذين
ذكرهم السائل وغيرهم كعبد الله بن سلم وأنس بن مالك
وروي ذلك مرفوعــا إلــى النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم .
انتهى .
فشرط المنفعة في مقابلة القرض أو التواطــؤ عليهــا مــن
غير اشتراط ظاهر حرام ,وكـذلك الحتيـال علــى حصـول
هذه المنفعة كمــا فــي هــذه المســألة وغيرهــا مــن الحيــل
حرام ،والله أعلم .
المسألة الثانية :
مسألة السفتجة :يتعلق بمبحث النفع الذي يجره القــرض
أيضا مسألة السفتجة المشهورة عند الفقهاء .
الســفتجة بالســين المهملــة والتــاء وإســكان الفــاء بينهمــا
وبالجيم :كتاب يكتبه المستقرض للمقرض إلى نائبه ببلــد
آخر ليعطيه ما أقرضه ,وهي لفظة أعجمية ) ، (3قال في
المغني ) : (4وإن شرط أن يعطيــه إيــاه )يعنــي القــرض (
في بلد آخر وكان لحمله مؤنة لم يجــز ؛ لنــه زيــادة ,وإن
لم يكن لحمله مؤنة جــاز ,وحكــاه ابــن المنــذر عــن علــي
وابن عباس والحسن بن علي
__________
) (1مجموع الفتاوى . 334- 333 \ 29
) (2سنن الترمذي البيوع ),(1234سنن النسائي الــبيوع )
,(4611ســنن أبــو داود الــبيوع ),(3504ســنن ابــن مــاجه
التجارات ),(2188سنن الدارمي البيوع ).(2560
) (3تهذيب السماء واللغات . 149 \ 2
) (4ج 4ص . 355- 354
وابن الزبير وابن سيرين وعبد الرحمن بن الســود وأيــوب
الســختياني والثــوري وأحمــد وإســحاق وكرهــه الحســن
البصري وميمون بن أبي شــبيب وعبــدة بــن أبــي لبابــة . .
ومالك والوزاعــي والشــافعي ؛ لنــه قــد يكــون فــي ذلــك
زيادة ,وقد نص أحمد على أن من شرط أن يكتب له بهــا
681
سفتجة لم يجز ,ومعناه اشــتراط القضــاء فــي بلــد آخــر .
وروي عنــه جوازهــا لكونهــا مصــلحة لهمــا جميعــا إلــى أن
قال :والصحيح جوازه لنــه مصــلحة لهمــا مــن غيــر ضــرر
بواحد منها ,والشرع ل يرد بتحريم المصالح التي ل مضرة
فيهــا بــل بمشــروعيتها ,ولن هــذا ليــس بمنصــوص علــى
تحريمه ول في معنى المنصوص .ا ه .
وقال الشيخ تقي الدين ) : (1إذا أقرضه دراهم ليســتوفيها
منه فــي بلــد آخــر مثــل أن يكــون المقــرض غرضــه حمــل
الدراهم إلــى بلــد آخــر ,والمقــترض فــي ذلــك البلــد وهــو
محتاج إلى دراهم في بلد المقرض فيقــترض منــه ويكتــب
له )سفتجة ( أي ورقة إلى بلد المقــترض فهــذا يصــح فــي
أحد قــولي العلمــاء ] ,وقيــل :نهــي عنــه لنـه قــرض جــر
منفعــة ,والقــرض إذا جــر منفعــة كــان ربــا ,والصــحيح
الجواز [ لن المقترض رأى النفع بأمن خطر الطريق فــي
نقل دراهمه إلى ذلــك البلــد ,وقــد انتفــع المقــترض أيضــا
بالوفاء في ذلك البلد وأمن خطر الطريــق فكلهمــا منتفـع
بهذا القتراض ,والشارع ل ينهــى عمــا ينفعهــم ويصــلحهم
وإنما ينهى عما يضرهم .ا ه .
وبناء على ما اختاره هذان المامان من مــذهب مــن يــرى
جــواز هــذه المعاملــة يتضــح أن التحويــل عــن طريــق
المصارف والبنوك من بلد إلى بلد عملية جــائزة إذا خلــت
من أخذ المصرف أو البنك زيادة من العميل ) , (2أمــا إذا
أخذها فالمسألة موضع إشكال وتحتاج إلى دراسة متعمقة
,والله أعلم .
__________
) (1مجموع الفتاوى . 531 - 530 \ 29
) (2وهو ما يسمونه العمولة ،ويقولون :إنــه بــدل أتعــاب
وليس زيادة .
القرض بالفائدة :
علمنا مما سبق تحريم الفائدة المشترطة في القرض من
الكتــاب والســنة والجمــاع ,وأن ذلــك يتنــاول أي فــائدة
يشترطها المقرض على المقترض ،فإن مقصــود القــرض
إرفاق المقترض ونفعه ليس مقصوده المعاوضة والربــح ,
682
ولهذا شبه بالعارية حتى سماه رسول الله صلى الله عليه
وسلم منيحة ورق ,فكــأنه أعــاره الــدراهم ثــم اســترجعها
منه لكن لم يمكن استرجاع العين فاسترجع المثــل ,فهــو
بمنزلة من تبرع لغيره بمنفعة ماله ثم استعاد العين )، (1
فعلى هذا يكون القرض بالفائدة الذي تنتهجه البنــوك فــي
العصر الحاضر هو الربا الصريح الذي حرمه اللــه ورســوله
وترتب عليه الوعيد الشديد في الدنيا والخرة ،حيث تقوم
تلــك البنــوك بعقــد صــفقات القــروض بينهــا وبيــن ذوي
الحاجــات وأربــاب التجــارات وأصــحاب المصــانع والحــرف
المختلفة فتدفع لهؤلء مبالغ من المال نظير فائدة محددة
بنسبة مئويــة وتــزداد هــذه النســبة فــي حالــة التــأخر عــن
السداد في الموعد المحدد فيجتمع بذلك ربا الفضــل وربــا
َ عــ َ
ن
مــرِهِ أ ْ
نأ ْن َ ْخــال ُِفو َ
ن يُ َ
ذي َ حــذ َرِ اّلــ ِالنســيئة ) } , (2فَل ْي َ ْ
م { ). (3 َ م عَ َ تصيبهم فتن ٌ َ
ب أِلي ٌ ذا ٌ صيب َهُ ْ ة أو ْ ي ُ ِ ُ ِ َُ ْ ِ َْ
__________
) (1مجموع الفتاوى الكبرى ص 147- 146ج . 3
) (2بمعناه من المعاملت المصرفية وموقف السلم منها
للشيخ سعود بن دريب ص . 52- 51
) (3سورة النور الية 63
مقارنة بين ربا النسيئة وربا الفضل :
- 1ربا النســيئة ربــا جلــي وربــا الفضــل ربــا خفــي ,وربــا
النسيئة هو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية ,فكان الدائن
يــؤخر الــدين عــن المــدين ويزيــده عليــه ,وكلمــا أخــر زاد
الدين حتى تصير المائة آلفا مؤلفة .
- 2ربا النسيئة حرم قصدا لما فيــه مــن الضــرر العظيــم ,
وهو إثقال كاهل المدين من غير فــائدة تحصــل لــه ,وربــا
الفضل حرم لنه وسيلة لربا النسيئة كما فــي حــديث أبــي
سعيد الخدري رضي الله عنه عن النــبي صــلى اللــه عليــه
وسلم قال » :ل تــبيعوا الــدرهم بالــدرهمين فــإني أخــاف
عليكم الرما « ,والرما هو الربا فمنعهــم مــن ربــا الفضــل
لما يخافه عليهم من ربا النسيئة ,وذلــك إذا بــاعوا درهمــا
بدرهمين ,ول يفعل هذا إل للتفاوت بين النوعين إمــا فــي
683
الجودة أو غيرها ,فإنهم يتدرجون من الربح المعجــل إلــى
الربح المؤخر وهو ربا النسيئة ). (1
__________
) (1إعلم الموقعين ص 136ج . 2
- 3ربا النسيئة مجمع على تحريمه إجماعــا قطعيــا ,وربــا
الفضل وقع فيه خلف ضعيف كما سبق .
- 4ربا النسيئة لم يبح منه شيء ,وربا الفضــل أبيــح منــه
ما دعت الحاجة إليه ,كذا يقول ابن القيــم -رحمــه اللــه -
في إعلم الموقعين ) , (1قال :لن ما حرم سدا للذريعــة
أخف مما حرم تحريم المقاصد ,وذكر من ذلك مسألتين :
المسألة الولى :العرايــا فإنهــا مســتثناة مــن منــع تحريــم
الرطب بالتمر الذي جاء النهي عنـه فـي حـديث سـعد بـن
أبي وقاص رضي الله عنــه قــال » :ســمعت رســول اللــه
صلى الله عليه وسلم يسـأل عـن اشـتراء التمـر بـالرطب
فقال لمن حوله :أينقص الرطب إذا يبس ؟ قالوا :نعــم ,
فنهى عن ذلك « ) ، (2فقد خصص مــن هــذا الحــديث بيــع
العرايا -وهي جمع عريــة -فعيلـة بمعنــى مفعولــة .وهــي
في اللغة :كل شيء أفرد من جملة ,قال أبو عبيــد :مــن
عراه يعروه إذا قصـده ,ويحتمــل أن يكــون فعيلـة بمعنـى
فاعلة من عــري يعــرى إذا خلــع ثيــابه ,كأنهــا عريــت مــن
جملة التحريــم -أي خرجــت -وقــال ابــن عقيــل هــي فــي
الشرع :بيع رطب في رءوس نخله بتمر كيل -وهذا علــى
الصحيح من مذهب الحنابلة :أن العرية مختصــة بــالرطب
والتمر ) - (3والــدليل علــى تخصــيص العرايــا مــن حــديث
النهي عن بيع الرطب بــالتمر هــو حــديث رافــع بــن خديــج
وسهل بن أبي حثمة » :أن النبي صلى اللــه عليــه وســلم
نهى عن المزابنة -بيع الثمــر بــالتمر -إل أصــحاب العرايــا
فإنه قد أذن لهم « ) , (4وعن زيد بن ثــابت » :أن النــبي
صــلى اللــه عليــه وســلم رخــص فــي بيــع العرايــا أن تبــاع
بخرصها كيل « ) , (5رواه أحمد والبخاري .
وفــي لفــظ » :رخــص فــي العريــة يأخــذها أهــل الــبيت
بخرصها تمرا يأكلونها رطبا « ) - (6متفق عليه ) - (7قــال
شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله :وأما العرايا فإن النبي
684
صلى الله عليه وسلم استثناها مما نهى عنه مــن المزابنــة
أن يشتري الرطب في الشــجر بخرصــه مــن التمــر ), (8
ويشترط لباحة
__________
) (1إعلم الموقعين ص 140ج . 2
) (2سنن الترمذي البيوع ),(1225سنن أبــو داود الــبيوع )
,(3359سنن ابن ماجه التجارات ),(2264مسند أحمد بن
حنبل ),(1/179موطأ مالك البيوع ).(1316
) (3المطلع على أبواب المقنع ص . 241
) (4صــحيح البخــاري المســاقاة ),(2254صــحيح مســلم
الــبيوع ),(1540ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1303ســنن
النسائي البيوع ),(4543سنن أبو داود البيوع ).(3363
) (5صحيح البخاري البيوع ),(2076صحيح مسلم الــبيوع )
,(1539ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1300ســنن النســائي
البيوع ),(4539سنن أبــو داود الــبيوع ),(3362ســنن ابــن
مـــاجه التجـــارات ),(2269مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )
,(5/182موطأ مالك البيوع ),(1307سنن الدارمي الــبيوع
).(2558
) (6صحيح البخاري البيوع ),(2079صحيح مسلم الــبيوع )
,(1540ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1303ســنن النســائي
البيوع ),(4543سنن أبو داود البيوع ).(3363
) (7نيل الوطار . 212 \ 5
) (8مجموع الفتاوى . 427 \ 29
بيع العرايا خمسة شروط هي :
- 1أن يبيعها خرصا بمثــل مــا تــؤول إليــه إذا جفــت كيل ل
جزافا ؛ لن الصل اعتبار الكيل من الجانبين فســقط فــي
أحدهما وأقيم الخرص مقامه للحاجة ,فيبقى الخــر علــى
مقتضى الصل .
- 2أن يكون مقدار العرية فيما دون خمسة أوســق لقــول
أبي هريرة » :أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص فــي
العرايا أن تباع بخرصها فيما دون خمسة أو خمسة أوســق
« ). (1
685
شــك داود بــن الحصــين ) (2أحــد رواتــه فل يجــوز فــي
الخمسة لوقوع الشك فيها .
والوسق :ستون صاعا بالصاع النبوي .
- 3أن يكــون المشــتري محتاجــا إلــى الرطــب لمــا ذكــره
الشافعي في اختلف الحديث عن محمود بــن لبيــد قــال :
قلــت لزيــد بــن ثــابت :مــا عرايــاكم هــذه ؟ قــال :فلن
وأصحابه شكوا إلى رسول الله صلى الله عليــه وســلم أن
الرطب يحضر وليس عندهم ذهب ول فضــة يشــترون بهــا
منه ,وعندهم فضل تمر من قوت سنتهم فرخص لهــم أن
يشتروا العرايــا بخرصــها مــن التمــر يأكلونهــا رطبــا ،قــال
الشافعي :وحديث سفيان يدل لهذا فإن قــوله ) :يأكلونهــا
رطبا ( يشعر بأن مشـتري العريـة يشـتريها ليأكلهـا ,وأنـه
ليس له رطب يأكله غيرها ). (3
- 4أن يكون مشتري العرية ل ثمن معه كمــا فــي حــديث
محمود بن لبيد المذكور .
- 5حصـــول التقـــابض ) (4بيـــن البـــائع والمشـــتري ,
فالمشتري يقبض الرطب علــى النخلــة بالتخليــة ,والبــائع
يقبض التمر بكيله وتسلمه من المشتري .
المسألة الثانيــة :مســألة بيــع الحلــي المصــاغ بــذهب زائد
على وزنه ,قال الشيخ تقي الدين في الختيارات الفقهيــة
) ] : (5ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من
غير
__________
) (1صــحيح البخــاري المســاقاة ),(2253صــحيح مســلم
الــبيوع ),(1541ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1301ســنن
النســــائي الــــبيوع ),(4541ســــنن أبــــو داود الــــبيوع )
,(3364مسند أحمد بن حنبل ),(2/237موطأ مالك البيوع
).(1308
) (2فتح الباري . 388 \ 4
) (3فتح الباري . 393 - 392 \ 4
) (4انظر هذه الشروط في حاشــية العنقــري علــى شــرح
الزاد ، 113 \ 2وكشاف القناع . 211 \ 3
) (5ص . 127
686
اشتراط التماثل ,ويجعل الزائد في مقابلة الصــنعة ســواء
كان البيع حال أو مؤجل ما لم يقصد كونها ثمنــا [ ,ومعنــى
قوله ] :ما لم يقصد كونها ثمنا [ أي لم يقصد الثمنية فــي
الحلي وإنما قصد كونه حليا يلبس كالثياب .
وقد أفاض العلمة ابن القيم في هذا الموضوع حيــث قــال
) " : (1وأما إن كانت الصياغة مباحة كخاتم الفضة وحليــة
النساء وما أبيح من حلية الســلح وغيرهــا فالعاقــل ل يــبيع
هذه بوزنهــا مــن جنســها فــإنه ســفه وإضــاعة للصــنعة " ,
والشارع أحكم من أن يلزم المة بذلك فالشــريعة ل تــأتي
به ول تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه لحاجة الناس إليه ،
فلم يبق إل أن يقال :ل يجوز بيعها بجنسها ألبتة بل يبيعها
بجنس آخر وفي هذا من الحرج والعسر والمشقة ما تنفيه
الشريعة ,فإن أكثر الناس ليس عندهم ذهب يشترون بــه
ما يحتــاجون إليــه مــن ذلــك ,والبــائع ل يســمح بــبيعه بــبر
وشعير وثياب ,وتكليف الستصناع لكل من احتاج إليه إما
متعذر أو متعسر ,والحيل باطلة فــي الشــرع ,وقــد جــوز
الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب ,وأين هــذا مــن
الحاجـة إلـى بيـع المصـوغ الـذي تـدعو الحاجـة إلـى بيعـه
وشرائه ,فلم يبق إل جواز بيعه كما تباع الســلع ,فلــو لــم
يجز بيعه بالدراهم فسدت مصالح الناس .
والنصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليــه وســلم
ليس فيها ما هو صريح في المنع ,وغايتها أن تكـون عامـة
أو مطلقة ول ينكر تخصيص العام وتقييد المطلق بالقياس
الجلي ,إلى أن قال " :يوضحه أن الحلية المباحة صــارت
بالصنعة المباحة من جنــس الثيــاب والســلع ل مــن جنــس
الثمان ،ولهذا لم تجب فيها الزكــاة فل يجــري الربــا بينهــا
وبين الثمان ,كما ل يجري بين الثمان وبين ســائر الســلع
وإن كانت من غير جنسها ,فإن هذه بالصناعة قد خرجــت
عن مقصود الثمان وأعدت للتجارة فل محــذور فــي بيعهــا
بجنسها ,ول يدخلها )إما أن تقضي وإما أن تربي ( إل كمــا
يــدخل فــي ســائر الســلع إذا بيعــت بــالثمن المؤجــل " ,
ومضى العلمة ابن القيم يــبرر هــذا الــرأي حــتى اســتغرق
قرابة ست صفحات .
687
هذا حاصل رأي الشيخ تقي الدين وتلميذه ابــن القيــم فــي
بيــع الحلــي مــن الــذهب أو الفضــة بجنســه مــع زيــادة
-والمذهب أن ذلك ل يجــوز -قــال فــي القنــاع وشــرحه )
: (2فل
__________
) (1إعلم الموقعين . 141 - 140 \ 2
) (2كشاف القناع عن متن القناع . 206 \ 3
يجوز بيع مصنوع من الموزونات لم تخرجــه الصــناعة عــن
الوزن بجنسه إل بمثله وزنا ســواء مــاثله فــي الصــناعة أو
ل ؛ لعمــوم الحــديث ,وجــوز الشــيخ بيــع مصــنوع مبــاح
الســتعمال كخــاتم ونحــوه بيــع بجنســه بقيمتــه حــال جعل
للزائد عن وزن الخاتم في مقابلة الصــنعة فهــو كــالجرة ,
وكذا جوزه )أي بيــع خــاتم بجنســه بقيمتــه نســاء ( مــا لــم
يقصد كونها ثمنا فإن قصد ذلك لم يجز النسأ .ا ه .
- 6الشياء التي يجري فيها الربا :
هنــاك أشــياء مجمــع ) (1علــى جريــان الربــا فيهــا وهــي
الصناف الستة :الــذهب والفضــة والــبر والشــعير والتمــر
والملح ,وما عدا هذه الصــناف فقــد اختلــف فــي جريــان
الربا فيه ,ومنشأ هذا الخلف يرجــع إلــى أنــه هــل يقــاس
على هذه الصناف غيرها مما شاركها في العلــة أو ل ؟ أو
بعبارة أخرى :هل تحريم الربــا فــي هــذه الشــياء لمعنــى
فيها فيقاس عليها غيرها مما شـاركها فـي هـذا المعنـى أو
لعيانها ,وإذا كان لمعنى فيها فهل عرف ذلك المعنى .
أول -إليك أقوالهم في ذلك :
القول الول :أن تحريم الربــا محصــور فــي هــذه الشــياء
الستة ل يتجاوزها إلى غيرها ,ويروى هذا القول عن قتادة
وهو قول أهل الظاهر ) (2وقال به أيضا طــاوس وعثمــان
البتي وأبو سليمان ) , (3قال ابن حــزم بعــد ) (4أن ســاق
بعض الدلة على تحريم الربا والوعيد عليه :فإذا أحل الله
البيع وحرم الربــا فــواجب طلـب معرفتــه ليتجنــب ,وقــال
ضـط ُرِْرت ُ ْ
م مــا ا ْ م عَل َي ْك ُ ْ
م إ ِل ّ َ حّر َ
ما َ
م َل ل َك ُ ْ تعالى } :وَقَد ْ فَ ّ
ص َ
إ ِل َي ْهِ { ) (5فصح أن ما فصل لنا بيانه على لســان رســوله
عليه السلم من الربا أو من الحرام فهو ربا وحــرام ,ومــا
688
لم يفصل لنا تحريمه فهو حلل ؛ لنه لو جاز أن يكون فــي
الشريعة شيء حرمه الله تعالى ثم لم يفصله لنــا ول بينــه
رسوله عليه السلم لكان تعالى كاذبــا فـي قـوله } :وَقَـد ْ
م { ) (6وهــذا كفــر صــريح ممــن م عَل َي ْك ُـ ْ
حّر َ
ما َ ل ل َك ُ ْ
م َ فَ ّ
ص َ
قال به ,ولكان رسول الله صلى الله عليــه وســلم عاصــيا
لربه تعالى ؛ إذ أمره بالبيان فلــم يــبين فهــذا كفــر مــتيقن
ممن أجازه .ا ه
__________
) (1المبدع ص 128ج ، 4إعلم الموقعين ص 136ج . 2
) (2المبدع ص 128ج ، 4إعلم الموقعين ص 136ج . 2
) (3المحلى ج 9ص . 504
) (4المحلى ج 9ص . 504
) (5سورة النعام الية 119
) (6سورة النعام الية 119
وهو كلم فيه قسوة وشدة كما هي عادة ابن حــزم رحمــه
الله .
وممن اختار هذا القول المام الصــنعاني حيــث يقــول فــي
سبل السلم شرح بلوغ المرام ) (1ما نصه " :ولكـن لمـا
لــم يجــدوا -أي الجمهــور -علــة منصوصــة اختلفــوا فيهــا
اختلفا كثيرا يقوي للناظر العارف أن الحق ما ذهبت إليــه
الظاهرية من أنه ل يجري الربا إل فــي الســتة المنصــوص
عليها ,وقد أفردنا الكلم علــى ذلـك فــي رسـالة مسـتقلة
سميتها ) :القول المجتــبى ( .ا ه ,واختــاره مــن الحنابلــة
ابن عقيل ) (2في آخر مصنفاته مع قوله بالقياس ,قــال :
لن علل القياسيين في مسألة الربا علل ضعيفة ,وإذا لم
تظهر فيه علة امتنع القياس
القول الثاني :وهو قول جمهــور العلمــاء أن الربــا يتجــاوز
هذه الصناف الستة إلى غيرهــا ممــا شـاركها فــي العلـة ,
قال الشوكاني في الدراري البهية )) : (3ومما يــدل علــى
أن الربا يثبت في غير هذه الجناس حديث ابــن عمــر فــي
الصحيحين قال » :نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن المزابنة أن يبيع الرجل ثمر حائطه إن كــان نخل بثمــر
كيل ,وإن كان كرما أن يبيعه بكيل طعام ،نهى عــن ذلــك
689
كله « ) , (4وفي لفظ لمســلم :عــن كــل ثمــر يخرصــه ,
فــإن هــذا الحــديث يــدل علــى ثبــوت الربــا فــي الكــرم
والزبيب ,ورواية مسلم تدل علــى أعـم مـن ذلـك ,وممـا
يدل على اللحاق ما أخرجه مالك في الموطــأ عــن ســعيد
بن المسيب » :أن النبي صلى الله عليه وسلم نهــى عــن
بيع اللحم بالحيوان « ,وأخرجه أيضا الشافعي ,وأبــو داود
في المراسيل ,ووصله الدارقطني في الغرائب عن مالك
عن الزهري عن سهل بن ســعد ,وحكــم بضــعفه وصــوب
الرواية المرسلة ,وتبعه ابــن عبــد الــبر ,ولــه شــاهد مــن
حديث ابن عمر عند البزار إلى أن قال :وله شــاهد أقــوى
منه في رواية الحسن عـن سـمرة عنــد الحـاكم والـبيهقي
وابن خزيمة ،ومما يؤيد ذلك حديث رافع بن خديج وسـهل
بن أبي حثمة عند الترمذي في رخصة العرايــا وفيــه :عــن
بيع العنب بالزبيب وعن كل ثمر يخرصه .
690
النقود الورقية المستعملة اليوم ول في الفلوس مــن غيــر
ذهب أو فضة لنها غير موزونة .
القول الثاني :أن العلة فيهما الثمنية وهذا قول الشــافعي
ومالك وأحمد في الروايــة الثانيــة ) , (4قــال العلمــة ابــن
القيم الثانية ) . (5وهذا هو الصــحيح بـل الصـواب ,وعلـل
لذلك بأمرين :
المــر الول :أنهــم أجمعــوا علــى جــواز إســلمهما فــي
الموزونات من النحاس والحديد وغيرهما من الموزونات ،
فلو كان النحاس والحديد ربويين لم يجز بيعهما إلــى أجــل
بدراهم نقدا؛ فإن ما يجري فيه الربا إذا اختلف جنسه جاز
التفاضل فيه دون النسأ ,والعلة إذا انتقضت من غير فرق
مؤثر دل على بطلنها .
المر الثاني :أن التعليـل بـالوزن ليـس فيـه مناسـبة فهـو
طــرد محــض بخلف التعليــل بالثمنيــة ,فــإن الــدراهم
والدنانير أثمان المبيعات ,والثمن هو المعيار الذي يعــرف
به تقويم العمال .ا ه .
وقال شيخ السلم ابن تيمية :والظهر أن العلة في ذلــك
هــي الثمنيــة ل الــوزن ) , (6وبنــاء علــى هــذا القــول فــإنه
يجــري الربــا فــي الوراق النقديــة المتعامــل بهــا فــي هــذا
العصر ,وقد جاء فــي قــرار هيئة كبــار العلمــاء حــول هــذا
الموضوع ما نصه (7) :وحيث إن القول باعتبار
__________
) (1إعلم المــوقعين لبــن القيــم ص 137ج ، 2والمبــدع
ص 128ج . 4
) (2بدائع الصنائع ص 183ج . 5
) (3صـــحيح البخـــاري الـــبيوع ),(2066صـــحيح مســـلم
المساقاة ),(1590ســنن النســائي الــبيوع ),(4579مســند
أحمد بن حنبل ).(5/38
) (4انظر مغني المحتاج ص 25ج ، 2وبداية المجتهــد ص
129ج ، 2وإعلم الموقعين ص 137ج . 2
) (5انظر مغني المحتاج ص 25ج ، 2وبداية المجتهــد ص
129ج ، 2وإعلم الموقعين ص 137ج . 2
) (6مجموع الفتاوى ص 471ج . 29
691
) (7مجلــة البحــوث الســلمية ,المجلــد الول ,رجــب ,
شعبان ,رمضان 1395ه .
مطلق الثمنية علة في جريان الربا في النقدين هو الظهر
دليل والقرب إلى مقاصد الشريعة ,وهو إحــدى الروايــات
عن الئمة :مالك وأبي حنيفة وأحمد ,قال أبو بكــر :روى
ذلك عن أحمد جماعة كما هو اختيار بعض المحققيــن مــن
أهل العلم كشيخ الســلم ابــن تيميــة وتلميــذه ابــن القيــم
وغيرهما ,وحيث إن الثمنية متحققــة بوضــوح فــي الوراق
النقدية لذلك كله فإن هيئة كبــار العلمــاء تقــرر بأكثريتهــا :
أن الورق النقدي يعتبر نقدا قائما بذاته كقيام النقدية فــي
الذهب والفضة وغيرها مــن الثمــان ,وأنــه أجنــاس تتعــدد
بتعدد جهات الصدار ,بمعنى أن الورق النقــدي الســعودي
جنــس ,وأن الـورق المريكـي جنـس ,وهكـذا كـل عملـة
ورقية جنس مستقل بذاته وأنه يترتب علــى ذلــك الحكــام
الشرعية التية :
أول :جريان الربا بنوعيه فيها كما يجري الربا بنــوعيه فــي
النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الثمـان كـالفلوس
وهذا يقتضي ما يلي :
أ -ل يجوز بيع بعضه ببعض أو بغيره مــن الجنــاس النقديــة
الخرى من ذهب أو فضــة أو غيرهمــا نســيئة مطلقــا ,فل
يجوز مثل بيع الدولر المريكي بخمســة أريلــة ســعودية أو
أقل أو أكثر نسيئة .
ب -ل يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضــه ببعــض متفاضــل
سواء كان ذلك نسيئة أو يدا بيد ,فل يجوز مثل بيع عشــرة
أريلة سعودية ورق بأحد عشر ريال سعوديا ورقا .
ج -يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنســه مطلقــا إذا كــان
ذلك يدا بيد ,فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانيــة بريــال
سعودي ورقا كان أو فضة أو أقل من ذلك أو أكــثر ,وبيــع
الدولر المريكي بثلثة أريلــة ســعودية أو أقــل أو أكــثر إذا
كــان ذلــك يــدا بيــد ,ومثــل ذلــك فــي الجــواز بيــع الريــال
السعودي الفضة بثلثة أريلة سعودية ورق أو أقــل أو أكــثر
يدا بيد ؛ لن ذلــك يعتــبر بيــع جنــس بغيــر جنســه ,ول أثــر
لمجرد الشتراك في السم مع الختلف في الحقيقة .
692
ثانيا :وجوب زكاتها إذا بلغــت قيمتهــا أدنــى النصــابين مــن
ذهــب أو فضــة ,أو كــانت تكمــل النصــاب مــع غيرهــا مــن
الثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكــة لهــل
وجوبها .
ثالثا :جواز جعلها رأس مال في السلم والشــركات .ا ه ،
هذا ما قررتــه الهيئة وهــو قــرار يتســم بالوضــوح وســلمة
المبنى ,حيث بني على القول الراجــح باعتبــار العلــة فــي
النقدين الثمنية فيتعدى ذلك إلى كل ما جعل أثمانا ,لكــن
لم يتضح لي وجه اعتبار النقود الورقية إذا اختلفت جهــات
إصدارها أجناسا مختلفة يجوز فيها التفاضل ,والقــرار لــم
يوضح وجه ذلك ,ولئن كــان اختلف الجنــس واضــحا بيــن
نقود الذهب والفضة ونقود الورق لختلف مادة كــل منهــا
عن الخرى فليس ذلك واضحا في نقود الــورق الــتي هــي
مــن مــادة واحــدة اختلــف اســمها فقــط واختلفــت جهــة
إصدارها ,ولم نر لختلف الســم والجهــة أثــرا فــي نقــود
الذهب والفضة لما كانت مادتهما واحــدة ,كمــا أن القــرار
اعتبرها متقومة في مسألة الزكاة كالعروض ,فلم يتحــرر
له رأي فيها .
وبعض الباحثين من علماء العصر ) (1يميل إلى جــواز ربــا
الفضل في الوراق النقدية دون ربــا النســيئة ,وبــرر ذلــك
بعدة أمور :
- 1أن تحريم ربا الفضل إنما كان لجل أنه وسيلة إلى ربا
النسيئة .
- 2لن بعض العلمــاء أجــازه )أي ربــا الفضــل ( وإن كــان
محجوجا بالدلة الشرعية .
- 3كون الوراق غير منقودة حقيقية .
- 4أن كثيرا من الصحاب رجح بيع الفلوس بعضها ببعــض
حاضــرا بحاضــر بــدون شــرط التماثــل ,ومنــع بيــع بعضــها
ببعض مؤجل ومن بيعها بأحــد النقــدين مــؤجل ,والفلــوس
إلى النقدين أقرب من النواط إلى النقدين .
- 5أن ربا الفضل أبيح منه ما تدعو الحاجــة إليــه كمســألة
العرايا ,وأجاز كثير من أهل العلم بيع حلي الذهب بــذهب
693
وحلي الفضة بفضــة متفاضــل بيــن الحلــي والســكة ،جعل
للصنعة أثرها من الثمنية والتقويم .
- 6الحاجة بل الضطرار إلى هذه المسألة التي في كــثير
من القطار التي يضطر أهلها على الجــري علــى القواعــد
المؤسسة عندهم في المعــاملت الــتي ل يمكــن للمعامــل
الخروج عنها مع كونه غير ربا النسيئة مع كون النواط غير
جوهر الذهب والفضة
__________
) (1هــو الشــيخ عبــد الرحمــن الســعدي ،انظــر الفتــاوى
السعدية ص . 328- 327 ، 318
مع اختلف أهل العلم في حكمها مما يسوغ هذا القول بل
يرجحه .ا ه .هذا حاصل ما علل به لرأيــه ,والفــرق بينــه
وبين ما في قرار هيئة كبار العلماء الذي سـقناه قبـل ,أن
قــرار الهيئة أبــاح التفاضــل فــي الوراق النقديــة بشــرط
اختلف جهة الصدار ,وهــذا البــاحث أجــازه مطلقــا ,وأن
القرار اعتبر الوراق النقدية نقودا مستقلة ,وهذا البــاحث
اعتبرها بمنزلة الفلوس المعدنية ,فالمسوغ للتفاضل فيها
عنده هو كونها بمنزلة الفلوس ,والمســوغ لــه عنــد الهيئة
هو اختلف جهة الصدار باعتبارها اختلف جنس .
ويمكننا أن نناقش هذا الرأي بأنه ما دام يحرم ربا النسيئة
في الوراق النقدية فيلزمه أن يحــرم ربــا التفاضــل فيهــا ؛
لنه وسيلة إلى ربا النسيئة بناء على قاعدة ســد الــذرائع ,
والمعروف في الشــرع أن الجنــس الواحــد مــن الربويــات
يحــرم فيــه ربــا الفضــل وربــا النســيئة كالــذهب بالــذهب
والفضة بالفضة فهكذا الــورق النقــدي ؛ لنــه جنــس واحــد
والعلــة فيــه واحــدة ,والمــبررات الــتي ذكرهــا -خصوصــا
دعوى الحاجة إلى جريان التفاضل في الوراق -ل تكفي ؛
لن مجرد دفع الحاجة ل يكفي مــبررا لباحــة الشــيء دون
نظر إلى الضرر المــترتب عليــه ,إذ مــن المعلــوم أن درء
المفســدة مقــدم علــى جلــب المصــلحة ,وقــوله :أن ربــا
الفضل أبيح منه مــا تــدعو الحاجــة إليــه كمســألة العرايــا ,
وأجاز كثير من أهل العلم بيع الحلي من الذهب أو الفضــة
بمثله متفاضل .
694
يجاب عنه بأن العرايا قد استثناها النــبي صــلى اللــه عليــه
وســلم ممــا نهــى عنــه مــن المزابنــة ,وهــي أن يشــتري
الرطب في الشجر بخرصه من التمــر ؛ لنــه إذا لــم يعلــم
التماثل فــي ذلــك لــم يجــز الــبيع ,ولهــذا يقــول الفقهــاء :
الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل ،والتماثل يعلـم بـالوزن
والكيل ,وأما الخــرص فيعمــل بــه عنــد الحاجـة ,فالعرايــا
رخصة رخص فيها الشارع تقدر بما ورد بــه النــص فقــط ,
وليس فيها تفاضل محقق بل يجتهد في خرصها وتماثلهــا ,
فإن حصل بعد ذلك فيها تفاضل فهو غير متعمــد ,ثـم هـل
بلغــت الحاجــة إلــى التفاضــل فــي الوراق النقديــة مبلــغ
الحاجة إلى العرايا التي رخص فيها رسول الله صلى اللــه
عليه وسلم ,وأما مسألة إجازة بعـض العلمـاء بيـع الحلـي
المصوغ من الذهب أو الفضة بمثله متفاضل فهــي مســألة
اجتهادية تفتقر إلى دليل ,ول يصح أن تتخذ دليل لما نحــن
فيه ,والله أعلم .
- 2علة الربــا فــي بقيــة الصــناف المنصوصــة وهــي الــبر
والشعير والتمر والملح ,اختلفوا في ذلك على أقوال :
القول الول :أن علة ربا الفضــل فيهــا القتيــات والدخــار
وهــذا قــول المالكيــة ) ، (1أي مجمــوع المريــن فالطعــام
الربــوي مــا يقتــات ويــدخر ,أي مــا تقــوم بــه البينــة عنــد
القتصار عليــه ويــدخر إلــى المــد المبتغــى منــه عــادة ول
يفسد بالتأخير ) , (2وهــل يشــترط مــع ذلــك كــونه متخــذا
لغلبة العيش بــأن يكــون غــالب اســتعماله اقتيــات الدمــي
بالفعل كقمح وذرة أو ل يشترط كاللوبيــا ؟ قــولن عنـدهم
والكثر منهم على عدم اشتراط ذلك ) , (3ووجــه التعليــل
بالقتيات والدخار أنه أخص أوصاف الربعة المذكورة )(4
.
وعلة ربا النسأ عندهم مجرد الطعم ل على وجه التداوي ,
أي كونه مطعوما لدمي فتدخل الفاكهة والخضر كبطيخ أو
بقول كخس ونحو ذلك فيمنع بيع بعضــها ببعــض إلــى أجــل
ولــو تســاويا ,ويجــوز التفاضــل فيهــا فــي الجنــس الواحــد
وغيره ،فعلة ربــا النســأ مجــرد الطعميــة ،وجــد القتيــات
والدخــار أو لــم يوجــدا أو وجــد أحــدهما فقــط ) (5فهــم
695
يفرقون بين علة ربا الفضل وعلة ربا النسأ ,قـال العلمـة
القرطــبي فـي تفســيره (6) :واختلفــت عبـارات أصــحابنا
المالكية في ذلك ,وأحسن ما في ذلك كونه مقتاتا مدخرا
للعيــش غالبــا جنســا كالحنطــة والشــعير والتمــر والملــح
المنصوص عليها ومــا فــي معناهــا كــالرز والــذرة والــدخن
والسمسم ،والقطاني كالفول والعدس واللوبيا والحمــص
وكذلك اللحوم واللبان والخلول والزيوت والثمــار كــالعنب
والزبيب والزيتون ,واختلف في التين ,ويلحق بها العســل
والسكر فهذا كله يدخله الربا مــن جهـة النســأ وجــائز فيــه
التفاضــل لقــوله عليــه الســلم » :فــإذا اختلفــت هــذه
الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد « ) , (7ول ربــا
في رطب الفواكه التي ل تبقى كالتفاح والبطيــخ والرمــان
والكمــثرى والقثــاء والخيــار والباذنجــان وغيــر ذلــك مــن
الخضروات .ا ه .
__________
) (1الشرح الكبير ص 38 - 37ج 3للدردير .
) (2الشرح الصغير ص 37ج . 3
) (3الشرح الكبير ص 42ج 3للمالكية .
) (4أضواء البيان ص 247ج . 1
) (5الشرح الكبير ص 42ج 3للمالكية .أضواء البيان ص
247ج . 1
) (6ص 353ج . 3
) (7صــحيح مســلم المســاقاة ),(1587مســند أحمــد بــن
حنبل ).(5/320
وهو كلم إذا عرضناه على المصادر التي نقلنا منهــا الكلم
الذي قبله وجدناه يختلف بعض الختلف فلعله اختيار له .
وقد رجح العلمة ابن القيــم قــول مالــك حيــث قــال (1) :
] وطائفة خصته [ أي جريان الربا في القوت ومــا يصــلحه
وهو قول مالك وهو أرجح هــذه القــوال كمــا ســتراه ,ثــم
قــال بعــد ذلــك (2) :وأمــا الصــناف الربعــة المطعومــة
فحاجة الناس إليها أعظم من حــاجتهم إلــى غيرهــا ؛ لنهــا
أقوات العالم وما يصلحها ,فمن رعايــة مصــالح العبــاد أن
منعوا من بيع بعضها ببعض إلى أجل سواء اتحد الجنس أو
696
اختلف ,ومنعوا من بيــع بعضــها ببعــض حــال متفاضــل وإن
اختلفت صفاتها .
وجوز لهم التفاضل فيها مع اختلف أجناسها ,وسر ذلــك -
والله أعلم -أنه لو جوز بيع بعضــها ببعــض نســأ لــم يفعــل
ذلــك أحــد إل إذا ربــح وحينئذ تســمح نفســه ببيعهــا حالــة
لطمعه في الربح فيعز الطعام على المحتاج ويشتد ضرره
,وعامة أهل الرض ليس عندهم دراهم ول دنانير ل ســيما
أهل العمود والبوادي ,وإنمــا يتنــاقلون الطعــام بالطعــام ,
فكان من رحمة الشارع بهـم وحكمتـه أن منعهـم مـن ربـا
النسأ فيهم كما منعهم من ربا النســأ فــي الثمــان ؛ إذ لــو
جــوز لهــم النســأ فيهــا لــدخلها ) :إمــا أن تقضــي وإمــا أن
تربي ( فيصير الصاع الواحد قفزانا كــثيرة ,ففطمــوا عــن
النسأ ثم فطموا عــن بيعهــا متفاضــل يــدا بيــد ؛ إذ تجرهــم
حلوة الربح وظفر الكسب إلى تجارة فيها نسأ وهــو عيــن
المفسدة .
القول الثاني :أن العلة في هذه الربعة هي الطعمية -أي
كونها مطعومة -وهذا قول الشافعي في الجديــد ,وروايــة
عن المام أحمد وهو الظهر في مــذهب الشــافعية ), (3
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم » :الطعام بالطعام
مثل بمثل « ) , (4قال معمر راوي الحديث :وكان طعامنا
يومئذ الشعير ) (5فدل على أن العلة الطعم وإن لم يكــل
ولم يوزن ؛ لنه علق ذلك على الطعام وهو اسم مشتق ,
وتعليق الحكم على السم المشتق يدل على التعليــل بمــا
منه الشتقاق .
__________
) (1إعلم الموقعين ص 137ج . 2
) (2ص 138من العلم .
) (3مغني المحتاج ص 22ج ، 2وإعلم الموقعين ص 137
ج.2
) (4صــحيح مســلم المســاقاة ),(1592مســند أحمــد بــن
حنبل ).(6/401
) (5رواه أحمد ومسلم ،المنتقى مع شرحه ص 205ج 5
.
697
والطعام :ما قصد للطعم بضم الطاء مصدر طعــم بكســر
العين ,أي أكل غالبــا ,وذلــك بــأن يكــون أظهــر مقاصــده
الطعم وإن لم يؤكل إل نادرا كالبلوط والطرثوث ,وإن لم
يكل ولم يوزن ,وسواء أكل بقصــد القتيــات أو التفكــه أو
التداوي ,فالبر والشعير المقصــود منهمــا التقــوت فــألحق
بهما ما في معناهما كالرز والذرة ,والتمر المقصــود منــه
التفكه والتأدم ,فألحق به ما في معناه كــالتين والزبيــب ,
والملح المقصود منه الصـلح ,فـألحق بـه مـا فـي معنـاه
كالمصطكي والسقمونيا والطين الرمنــي والزنجبيــل ,ول
فرق بين ما يصــلح الغــذاء أو يصــلح البــدن ,فــإن الغذيــة
لحفظ الصــحة ,والدويــة لــرد الصــحة ،هــذا حاصــل هــذا
القول ) (1لكن نوقش ) (2الستدلل له بالحديث الســابق
بأن راويه قال :وقد كنــت أســمع النــبي صــلى اللــه عليــه
وسلم يقول » :الطعام بالطعــام مثل بمثــل « ) , (3قــال
عقبة ) :وكان طعامنا يومئذ الشعير ( ،وهذا صريح في أن
الطعام في عرفهم يومئذ الشعير ,وقد تقرر في الصــول
أن العرف المقارن للخطاب من مخصصات النص العــام ,
فل يعم لفظ الطعام الوارد في الحديث كل مطعوم ؛ لنه
خصص بالعرف ,ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن التخصيص
بالعرف موضع خلف بين الصوليين ليس محل وفاق .
القول الثالث :أن العلة في الربعة المذكورة كونها مكيلة
,جنس فيتعدى الحكم فيها إلى كــل مكيــل ولــو كــان غيــر
طعــام كــالجص والنــورة والشــنان ،وهــذا مــذهب عمــار
وأحمد في ظــاهر مــذهبه ) (4وأبــي حنيفــة ) (5واســتدلوا
بقوله صلى الله عليه وسلم » :ما وزن مثل بمثل إذا كان
نوعا واحدا ,وما كيل فمثل ذلك ,فإذا اختلف النوعــان فل
بأس به « وغيره من الحاديث الــتي ورد فيهــا لفــظ ) مثل
بمثل ( فإنه يدل على الضبط بالكيل والوزن ,قال العلمة
الشنقيطي ) : (6وهذا القول أظهر دليل .ا ه .
__________
) (1المنتقى مع شرحه ص 205ج .. 5
) (2أضواء البيان ص 250 ، 249ج . 1
698
) (3صــحيح مســلم المســاقاة ),(1592مســند أحمــد بــن
حنبل ).(6/401
) (4إعلم الموقعين ص 136ج . 2
) (5بدائع الصنائع ص 183ج . 5
) (6أضواء البيان 251ج . 2
فعلى هــذا ل يجــري الربــا فــي مطعــوم ل يكــال ول يــوزن
كالمعدودات ,فتباع بيضة وخيارة وبطيخة ورمانة بمثلهــا )
. (1
القــول الرابــع :وهــو قــول الشــافعي فــي القــديم ) (2أن
العلة فيها هي الطعمية مع الكيل أو الــوزن ,فالعلــة فيهــا
كونها مطعومة موزونة أو مكيلة بشــرط المريــن ,فعلــى
هذا ل ربا في البطيخ والســفرجل ونحــوه ممــا ل يكــال ول
يــوزن ) (3ول فيمــا يكــال أو يــوزن لكنــه غيــر مطعــوم
كالزعفران والشنان والحديــد والرصــاص ونحوهــا ,وهــذا
قول سعيد بن المســيب وهــو أيضــا روايــة عــن أحمــد )(4
واختاره شيخ السلم ابن تيمية حيــث قــال ] (5) :والعلــة
في تحريم ربــا الفضــل الكيــل أو الــوزن مــع الطعــم وهــو
رواية عن أحمد رحمه الله [ .ا ه .
هــذا حاصــل آراء المــذاهب الربعــة فــي علــة الربــا فــي
الصناف المنصوصة ,وهناك آراء أخرى في هذه المســألة
ذكرها العلمة الشنقيطي في تفسيره ،والمام ابــن حــزم
في المحلى فليراجعها من شاء .
وكنتيجة لما سبق مــن خلف فــي تحديــد العلــة كــل علــى
مذهبه فيها نختم بالجملة التالية :
يقول المام النووي -رحمه الله -في شرحه على صــحيح
مسلم ) :( 9 \ 11وأجمع العلماء على جواز بيع الربــوي
بربوي ل يشاركه في العلة متفاضل ومــؤجل ,وذلــك كــبيع
الذهب بالحنطة وبيع الفضة بالشعير وغيره مــن المكيــل ,
وأجمعوا علــى أنــه ل يجــوز بيــع الربــوي بجنســه وأحــدهما
مؤجل ,وعلى أنه ل يجــوز التفاضــل إذا بيــع بجنســه حــال
كالذهب بالذهب ,وعلى أنه ل يجوز التفرق قبل التقــابض
إذا بــاعه بجنســه أو بغيــر جنســه ممــا يشــاركه فــي العلــة
كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير .
699
وعلى أنه يجوز التفاضل عند اختلف الجنــس إذا كــان يــدا
بيد كصاع حنطة بصاعي شعير ,ول خلف بين العلماء في
شيء من هذا إل ما سنذكره -إن شــاء اللــه تعــالى -عــن
ابن عباس في تخصيص الربا بالنسيئة .ا ه .
__________
) (1المبدع ص 129ج . 4
) (2مغني المحتاج ص 22ج . 2
) (3شرح النووي على صحيح مسلم ص 9ج . 11
) (4ومجموع فتاوى شــيخ الســلم ابــن تيميــة ص 470ج
، 29وإعلم الموقعين ص 137ج ، 2ج . 9
) (5الختيارات ص , 127وانظر مجموع الفتــاوى الوضــع
السابق .
- 7تحريم الوسائل والحيل الربوية :
الربا حرام بالكتاب والســنة والجمــاع ,وكــل وســيلة إلــى
الحرام فهي حرام ,لكن قد أخبر صلى اللــه عليــه وســلم
أن طائفة من أمته ستستحل الربــا باســم الــبيع فقــال » :
يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع « ،والربا لــم
يحرم لمجرد لفظه بحيث إذا غير هــذا اللفــظ تغيــر حكمــه
وانتقــل مــن التحريــم إلــى الباحــة ,وإنمــا حــرم لحقيقتــه
ومعناه ,وهذه الحقيقة موجودة رغم الحيل والمراوغات ,
وقد قال صلى الله عليه وسلم » :ل ترتكبــوا مــا ارتكبــت
اليهود فتستحلوا محارم الله بــأدنى الحيــل « ,والتحيــل ل
يرفع المفسدة التي حرم الربا من أجلهــا بــل يزيــدها قــوة
وتأكيدا ,قال العلمــة ابــن القيــم ) : (1وذلــك مــن وجــوه
عديدة :
منها :أنه يقدم على مطالبة المحتاج بقوة ل يقــدم بمثلهــا
المرابي الصريح ؛ لنه واثق بصورة العقد واسمه .
ومنها :اعتقاده أن ذلـك تجــارة مــدارة حاضــرة والنفــوس
أرغــب شــيء فــي التجــارة ،ومــن الــذرائع الــتي حرمهــا
الشارع لفضائها إلى الربا :
- 1أنه نهى عن بيع الربوي بــالربوي عــن طريــق الخــرص
والتخمين في تقديرهما أو تقدير أحدهما خشية من وقــوع
ربا الفضــل ,وقــد ترجــم لــذلك العلمــاء بقــولهم :الجهــل
700
بالتساوي كــالعلم بالتفاضــل ,ذكــر المــام ابــن كــثير فــي
نذي َتفسيره ) (2بسنده عــن جــابر قــال :لمــا نزلــت } ال ّـ ِ
خب ّ ُ ْ
ه
طــ ُ م اّلــ ِ
ذي ي َت َ َ ن إ ِل ّ ك َ َ
مــا ي َُقــو ُ ن الّرَبــا ل َ ي َُقو ُ
مــو َ َيــأك ُُلو َ
س { ) (3قــال رســول اللــه صــلى اللــه مـ ّ ن ال ْ َ
م َ
ن ِطا ُشي ْ َال ّ
عليه وسلم » :من لم يذر المخــابرة فليــؤذن بحــرب مــن
اللــه ورســوله « ) , (4ورواه الحــاكم فــي مســتدركه مــن
حديث أبي خيثم وقــال :صــحيح علــى شــرط مســلم ولـم
يخرجاه ،وإنما حرمت المخابرة وهي المزارعة ببعــض مــا
يخرج مــن الرض ,والمزابنــة وهــي اشــتراء الرطــب فــي
رءوس النخل بالتمر علــى وجــه الرض ,والمحاقلــة وهــي
اشتراء الحب فــي ســنبله فــي الحقــل بــالحب علــى وجــه
الرض ,إنما حرمت هذه الشياء وما شاكلها حسما لمــادة
الربا ؛ لنه ل
__________
) (1إغاثة اللهفان . 367 \ 1
) (2ص 327ج . 1
) (3سورة البقرة الية 275
) (4سنن أبو داود البيوع ).(3406
يعلــم التســاوي بيــن الشــيئين قبــل الجفــاف ,ولهــذا قــال
الفقهاء :الجهل بالمماثلة كحقيقــة المفاضــلة ,ومــن هــذا
حرموا أشياء بما فهموا من تضييق المسالك المفضية إلى
الربا والوسائل الموصلة إليه ,وتفاوت نظرهم بحسب مــا
وهب الله لكل منهم من العلــم إلــى أن قــال :والشــريعة
شاهدة بأن كل حرام فالوسيلة إليه مثلــه ؛ لن مــا أفضــى
إلى الحرام حرام ,كما أن مــا ل يتــم الــواجب إل بــه فهــو
واجب .انتهى كلم ابن كثير .
وقد عد المزارعة من وسائل الربــا وهــذا علــى قــول مــن
يحرمها ,والمسألة خلفية كما هو موضح في كتــب الفقــه
وشروح الحديث فليرجع إليها .
- 2نهــى الشــارع عــن بيــع العينــة قــال صــلى اللــه عليــه
وسلم » :إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقــر ورضــيتم
بالزرع ,وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذل ل ينزعه حتى
ترجعوا إلى دينكم « ,وبيع العينة :أن يــبيع الســلعة بثمــن
701
مؤجل ثم يشتريها ممـن باعهـا منـه بثمـن حـال أقـل ممـا
باعها به -سميت عينة لحصول النقد -لن المشتري إنمــا
يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره ليصل بــه
إلى مقصوده ) ، (1فالقصد التفاضــل فــي الــدراهم وإنمــا
جعلت السلعة وسيلة إلى ذلك .
وقد قال صلى الله عليه وسلم » :يأتي على الناس زمان
يستحلون الربا بالبيع « ) (2يعنــي العينــة ؛ فــإن مســتحلها
يسميها بيعا ,وفي هذا الحديث بيان أنها ربــا ل بيــع ,فــإن
المسلم ل يستحل الربا الصريح وإنمــا قــد يســتحله باســم
البيع وصورته .
والتعامل ببيع العينة إنما يقع من رجــل مضــطر إلــى نفقــة
يضن عليه الموسر بالقرض إل أن يربح في المائة ما أحب
,فيــبيعه المــائة بضــعفها بواســطة ســلعة يعانهــا ،وكــان
الرجل في الجاهلية يكون له على الرجل دين فيــأتيه عنــد
حلول الجل فيقول له :إما أن تقضي وإما أن تربي ,فإن
قضاه وإل زاد المدين في المال وزاد الغريم فــي الجــل ,
فيكون قد باع المال بأكثر منه إلى أجل ,فأمرهم اللــه إذا
تابوا أن ل يطالبوا إل برأس المال ,وأهل الحيل يقصــدون
ما يقصده أهل الجاهلية لكنهم يخادعون الله ,ولهم طرق
منها بيع العينة .
__________
) (1نفس المصدر باختصار .
) (2صحيح البخاري البيوع ),(1954سنن النسائي البيوع )
,(4454مســند أحمــد بــن حنبــل ),(2/435ســنن الــدارمي
البيوع ).(2536
قال شــيخ الســلم ابــن تيميــة (1) :ومســألة العينــة غيــر
جائزة عند أكثر العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهــم
,وهو المأثور عن الصحابة كعائشة وابن عباس وأنس بــن
مالك .ا ه .
وأجازها الشافعي وأصحابه ) (2أخذا من قوله صــلى اللــه
عليه وســلم فــي حــديث أبــي ســعيد وأبــي هريــرة » :بــع
الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا « ) , (3والجمع هــو
التمــر الرديــء ،وقيــل :هــو التمــر المجمــوع مــن أنــواع
702
مختلفة ,والجنيب هو التمر الجيــد ) , (4ووجــه الســتدلل
أنه لم يخص بقوله :ثم اشتر بالدراهم جنيبا غير الذي بــاع
له الجمع ,واستدلوا بالتفاق على أن من باع السلعة التي
اشتراها ممن اشــتراها منــه بعــد مــدة فــالبيع صــحيح ,فل
فــرق بيــن التعجيــل فــي ذلــك والتأجيــل ,فيــدل علــى أن
المعتبر في ذلك وجود شرط في أصل العقد وعــدمه فــإن
تشــارطا علــى ذلــك فــي نفــس العقــد فهــو باطــل ), (5
وطرحوا الحـاديث الـواردة فـي تحريـم العينـة ) ، (6قـال
الصنعاني (7) :ولعلهم يقولون حديث العينة فيه مقال فل
ينتهض دليل على التحريم .
والحق ما ذهب إليه الكثر من تحريم بيــع العينــة ,ويجــاب
عن استدلل المخالفين بحــديث أبــي ســعيد وأبــي هريــرة
بأنه عام فيخصص بأحاديث تحريم بيع العينة أو بأنه مطلق
يجــب تقييــده بالدلــة الدالــة علــى وجــوب ســد الــذرائع ,
ويجاب عن الستدلل الثاني بــأنه إن صــح مــا ادعــوه مــن
التفاق على جواز بيع السلعة من بائعهـا الول بعــد مــدة -
أي بعد قبضه ثمنها -فل نسلم قياس ما قبل القبض علــى
ما بعده ؛ لنه قياس في مقابلة نص فل يصح ,ويجاب عن
طرحهم الستدلل بأحاديث تحريم العينـة لضـعفها عنـدهم
بأنهــا أحــاديث يقــوي بعضــها بعضــا ويشــهد بعضــها لبعــض
فيحصــل مــن مجموعهــا الدللــة الواضــحة علــى تحريــم
العينة ,قال شــيخ الســلم ابــن تيميــة ) : (8فهــذه أربعــة
أحاديث تبين أن
__________
) (1مجموع الفتاوى ص 446ج . 29
) (2نيــل الوطــار ص 220ج , 5وشــرح النــووي علــى
صحيح مسلم . 21 \ 11
) (3صـــحيح البخـــاري الـــبيوع ),(2089صـــحيح مســـلم
المساقاة ),(1593ســنن النســائي الــبيوع ),(4553مســند
أحمد بن حنبل ),(3/60موطأ مالك الــبيوع ),(1314ســنن
الدارمي البيوع ).(2577
) (4انظر سبل السلم ص 9ج . 3
) (5فتح الباري ص 401ج . 4
703
) (6نيل الوطار ص 220ج . 5
) (7سبل السلم ص 15 - 14ج . 3
) (8مجموع الفتاوى الكبرى ص 136 - 135ج . 3
رسول الله صلى الله عليــه وســلم حــرم هــذا -يعنــي بيــع
العينة .حـديث ابـن عمـر الـذي فيـه تغليـظ العينـة ,وقـد
فسرت في الحديث المرسل بأنها من الربا ,وفي حــديث
أنس وابن عباس بأنها بيع حريرة ,مثل بمائة إلى أجل ثــم
يبتاعها بدون ذلك نقدا ,وقالوا :هو دراهم بدراهم وبينهما
حريرة ,وحديث أنس وابن عباس أيضا :هذا ما حرم اللــه
ورسوله ,والحديث المرسل الذي له مــا يــوافقه أو الــذي
عمل به السلف حجة باتفــاق الفقهــاء ,وحــديث عائشــة :
أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول اللــه صــلى اللــه
عليــه وســلم إل أن يتــوب يعنــي لمــا تعــاطى بيــع العينــة ،
ومعلوم أن هذا قطع بالتحريم وتغليظ لــه ,ولــول أن عنــد
أم المؤمنين علما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ل
تستريب فيه أن هذا محرم لم تستجز أن تقــول مثــل هــذا
الكلم بالجتهاد ل سيما إن كانت قصدت أن العمل يبطــل
بالردة .
واستحلل مثل هذا كفر ؛ لنــه مــن الربــا واســتحلل الربــا
كفر ,لكن عذر زيد أنــه لــم يعلــم أن هــذا محــرم ,ولهــذا
أمرت بإبلغه ,فمن بلغه التحريم وتبين له ذلــك ثــم أصــر
عليه لزمه هـذا الحكـم ,وإن لـم تكـن قصـدت هـذا فإنهـا
قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمهــا ثــواب الجهــاد
فيصير بمنزلة من عمــل حســنة وســيئة بقــدرها فمــا كــأنه
عمل شيئا .ا ه .
- 3التورق -وهو أن يحتاج إلى نقد فلم يجد مــن يقرضــه
فيشتري سلعة ليبيعها من غير بائعهــا الول ,ويأخــذ ثمنهــا
ليدفع به حاجته فليس به حاجة إلــى نفــس الســلعة وإنمــا
حــاجته إلــى ثمنهــا ,فيأخــذ مثل مــا قيمتــه مــائة بمــائة
وعشرين مؤجل ليبيعها ويرتفق بثمنها ،والفرق بينها وبيــن
العينة أن يبيعها من غير من اشتراها منــه ،وســميت هــذه
المسألة بمسألة التورق ؛ لن المقصود منها الورق .
704
وقــد اختلــف العلمــاء فــي حكمهــا علــى قــولين :قــول
بالجواز ؛ لنها لم تعد إلى البائع بحال بل باعهــا المشــتري
لخر ,فل تدخل في مسألة العينـة ،وهـو قـول إيـاس بـن
معاوية ورواية عن المام أحمد .
والقول الثاني :كراهة مسألة التورق ,وهو الرواية الثانيـة
عن المام أحمد وقول عمر بن عبد العزيز ,واختاره شيخ
الســلم ابــن تيميــة وتلميــذه ابــن القيــم ) ، (1فعلــى هــذا
القول تعتبر من وسائل الربا ,قال شيخ السلم ابن تيمية
:فإن الله حرم أخذ دراهم بدراهم
__________
) (1مجموع الفتاوى ص 434ج ، 29وتهذيب الســنن ص
108ج . 5
أكثر منها إلى أجل لما في ذلك مــن ضــرر المحتــاج وأكــل
ماله بالباطل ,وهذا المعنــى موجــود فــي هــذه الصــورة ,
وإنما العمال بالنيات ,وإنما لكــل امــرئ مــا نــوى ,وإنمــا
الذي أباحه اللــه الــبيع والتجــارة وهــو أن يكــون المشــتري
غرضه أن يتجر فيها ,فأما إذا كان قصــده مجــرد الــدراهم
بدراهم أكثر منها فهذا ل خير فيه .
وقال فــي الختيــارات ) : (1وتحــرم مســألة التــورق وهــو
رواية عن أحمد ,وقال العلمة ابــن القيــم :تهــذيب ســنن
أبي داود ص 108ج . 5وعلل الكراهة بأنه بيــع مضــطر ,
وقد روى أبو داود عن علي » :أن النبي صــلى اللــه عليــه
وسلم نهى عن بيــع المضــطر « ) , (2وفــي المســند عــن
علي قال :سيأتي على الناس زمان يعــض المــؤمن علــى
وا ما في يــده ولــم يــؤمر بــذلك ,قــال تعــالى } :وَل َ ت َن ْ َ
سـ ُ
م { ) , (4) (3ويبــايع المضــطرون وقــد نهــى ل ب َي ْن َك ُ ْ ال َْف ْ
ض َ
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضــطر وذكــر
الحديث ,فأحمد -رحمه الله تعالى -أشار إلــى أن العينــة
إنما تقع من رجــل مضــطر إلــى نقــد ؛ لن الموســر يضــن
عليه بــالقرض ,فيضــطر إلــى أن يشــتري منــه ســلعة ثــم
يبيعها ,فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة ,وإن باعها من
غيره فهي التورق ,ومقصوده في الموضعين الثمن ,فقد
حصل في ذمته ثمن مؤجل مقابل لثمن حال أنقص منــه ,
705
ول معنــى للربــا إل هــذا ,لكنــه ربــا بســلم لــم يحصــل لــه
مقصوده إل بمشقة ,ولو لم يقصده كان ربا بسهولة .ا ه
.
والذي يظهر لي جواز مسألة التورق إذا حصــلت مــن غيــر
تواطؤ مع طرف ثالث وهو المشــتري الخيــر ؛ لنهــا حينئذ
تفترق عن العينة ,وكذلك ل بد أن تكون السلعة موجــودة
في ملك البائع الول حين العقد ,والله أعلم .
- 4النهي عن بيع كل رطب من حب وتمــر بيابســه ,عــن
سعد بن أبي وقاص قال » :سمعت النبي صلى الله عليه
وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب فقــال لمــن حــوله :
أينقص الرطب إذا يبس ؟ قالوا :نعم فنهى عــن ذلــك « )
, (5قــال الشــوكاني (6) :قــوله ) :أينقــص ( الســتفهام
هاهنا ليس المراد به حقيقتــه -أعنــي طلــب الفهــم -لنــه
صلى الله عليه وسلم كان عالما بأنه ينقــص إذا يبــس بــل
المــراد تنــبيه الســامع بــأن هــذا الوصــف الــذي وقــع عنــه
الستفهام هو علة النهي ,ومن المشعرات
__________
) (1ص . 129
) (2سنن أبو داود البيوع ),(3382مسند أحمد بن حنبــل )
.(1/116
) (3سورة البقرة الية 237
) (4البقرة من آية . 237
) (5سنن الترمذي البيوع ),(1225سنن النسائي الــبيوع )
,(4545ســنن أبــو داود الــبيوع ),(3359ســنن ابــن مــاجه
التجارات ),(2264مسند أحمد بـن حنبـل ),(1/179موطــأ
مالك البيوع ).(1316
) (6نفس المصدر .
بذلك الفاء في قوله ) :فنهــى عــن ذلــك ( ,ويســتفاد مــن
هذا عدم جواز بيع الرطب بالرطب ؛ لن نقــص كــل واحــد
منهما ل يحصـل العلـم بـأنه مثـل نقـص الخـر ,ومـا كـان
كذلك فهو مظنة الربا .ا ه .
وقال الخطابي في معالم السنن ) : (1وذلك أن كل شيء
من المطعوم مما له نــداوة ولجفــافه نهايــة فــإنه ل يجــوز
706
رطبــه بيابســه كــالعنب والزبيــب واللحــم النيــئ بالقديــد
ونحوهما ,وكذلك على هذا المعنــى ل يجــوز منــه الرطــب
بالرطب كــالعنب بــالعنب والرطــب بــالرطب ؛ لن اعتبــار
المماثلــة إنمــا يصــح فيهمــا عنــد أوان الجفــاف ,وهمــا إذا
تناهى جفافهما كانا مختلفين ؛ لن أحـدهما قـد يكــون أرق
رقة وأكثر مائيــة مــن الخــر ,فالجفــاف ينــال منــه أكــثر ,
وتتفــاوت مقاديرهمــا فــي الكيــل عنــد المماثلــة ،إلــى أن
قال :وقد ذهب أكثر الفقهاء إلــى أن بيــع الرطــب بــالتمر
غير جائز ,وهو قول مالك والشــافعي وأحمــد بــن حنبــل ,
وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن ,وعن أبي حنيفة )
(2جواز بيع الرطب بالتمر نقدا .ا ه .
وقال ابن رشد في بداية المجتهد ) : (3وأما اختلفهم فــي
بيع الربوي الرطب بجنسه من اليابس مــع وجــود التماثــل
في القدر والتناجز فإن السبب في ذلك ما روى مالك عن
سعد بن أبي وقاص أنه قال :ســمعت رســول اللــه صــلى
الله عليه وسلم يسأل عن شــراء التمــر بــالرطب ,فقــال
رسول الله صلى الله عليه وسلم » :أينقــص الرطــب إذا
جف ؟ فقالوا :نعم ,فنهى عن ذلك « ) (4فأخـذ بـه أكـثر
العلماء ،وقال :ل يجوز بيــع التمــر بــالرطب علــى حــال -
مالك والشافعي وغيرهما -وقال أبــو حنيفــة يجــوز ذلــك ،
وخالفه في ذلك صاحباه . .وسبب الخلف معارضة ظاهر
حديث عبادة وغيره له ,واختلفهــم فــي تصــحيحه ,وذلــك
أن حــديث عبــادة اشــترط فــي الجــواز فقــط المماثلــة
والمساواة ,وهذا يقتضي بظاهره حال العقد ل حال المآل
,فمن غلب ظــواهر أحــاديث الربويــات رد هــذا الحــديث ,
ومن جعل هذا الحــديث أصــل بنفســه قــال :هــو أمــر زائد
ومفسر لحاديث الربويات .ا ه .
707
) (3ص 138ج . 2
) (4سنن الترمذي البيوع ),(1225سنن أبــو داود الــبيوع )
,(3359سنن ابن ماجه التجارات ),(2264مسند أحمد بن
حنبل ),(1/179موطأ مالك البيوع ).(1316
) (5ص 188ج . 5
والسنة المشهورة ،أما الكتاب فعمومــات الــبيع مــن نحــو
ه ال ْب َي ْعَ { ) , (1وقوله عز شــأنه : َ
ل الل ّ ُح ّ
قوله تعالى } :وَأ َ
َ َ ْ َ
ل إ ِل ّ أ ْ
ن م ِبال َْباط ِ ِ وال َك ُ ْ
م ب َي ْن َك ُ ْ مُنوا ل َ ت َأك ُُلوا أ ْ
م َ نآ َذي َ} َيا أي َّها ال ّ ِ
م { ). (2 من ْك ُ ْ ض ِن ت ََرا ٍجاَرةً عَ ْ ن تِ َ كو َتَ ُ
فظاهر النصوص يقتضي جواز كل بيع إل ما خــص بــدليل ,
وقد خص البيع متفاضل على المعيار الشرعي فبقـي الـبيع
متســاويا علــى ظــاهر العمــوم .وأمــا الســنة المشــهورة
فحديث أبي سعيد الخدري وعبادة بن الصامت رضي اللــه
عنهما حيث جوز رسول اللـه صـلى اللـه عليـه وسـلم بيـع
الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والتمر بالتمر مثل بمثل
,عاما مطلقا من غير تخصيص وتقييد ,ول شــك أن اســم
الحنطة والشعير يقــع علــى كــل جنــس الحنطــة والشــعير
على اختلف أنواعهما وأوصافهما ,وكذلك اسم التمر يقــع
على الرطب والبسر ؛ لنه اسم لتمر النخل لغة ,فيــدخل
فيه الرطب واليابس والمذنب والبسر والمنقع .ا ه .
ول شك أن الحق ما ذهب إليه الكــثر والئمــة الثلثــة مــن
عدم جواز بيع الرطب باليــابس ؛ لن غايــة مــا تمســك بــه
المام أبــو حنيفــة رحمــه اللــه عمومــات تخصــص بحــديث
النهي عن بيع الرطــب باليــابس مــع وجــوب ســد الذريعــة
المفضية إلى الربا ،والله أعلم .
- 5النهي عن بيع الربوي بجنســه ومعهمــا أو مــع أحــدهما
من غير جنسهما ,ويترجم له الفقهاء بمسألة -مد عجــوة
-لن مــن صــوره أن يــبيع مــد عجــوة ودرهــم بمــد عجــوة
ودرهم ونحو ذلك ,والصل فيها » حديث فضالة بــن عبيــد
قال :اشــتريت قلدة يــوم خيــبر بــاثني عشــر دينــارا فيهــا
ذهب وخرز ففصلتها فوجــدت فيهــا أكــثر مــن اثنــي عشــر
دينارا ,فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال :ل
يباع حتى يفصــل « ) (3رواه مســلم ) , (4قــال النــووي :
708
في هذا الحديث إنه ل يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى
يفصل فيباع الــذهب بــوزنه ذهبــا ,ويبــاع الخــر بمــا أراد ,
وكذا ل تباع فضة مع غيرها بفضة ,وكذا الحنطة مع غيرها
بحنطة والملح مع غيره بملح ,وكذا سائر الربويات ,بل ل
بد من فصلها ) , (5وقال شيخ السلم
__________
) (1سورة البقرة الية 275
) (2سورة النساء الية 29
) (3صحيح مسلم المساقاة ),(1591سنن النسائي البيوع
),(4573سنن أبــو داود الــبيوع ),(3352مســند أحمــد بــن
حنبل ).(6/21
) (4صحيح مسلم مع شرح النووي ). ( 18 \ 11
) (5شرح النووي على صحيح مسلم الموضع السابق .
ابن تيمية :وأصل مسألة مد عجوة ) (1أن يبيع مال ربويــا
بجنسـه ومعهمـا أو مـع أحـدهما مــن غيــر جنسـهما ,فــإن
للعلماء في ذلك ثلثة أقوال :
أحدها :المنع مطلقا كما هو مذهب الشــافعي ) (2وروايــة
عن أحمد ). (3
والثــاني :الجــواز مطلقــا كقــول أبــي حنيفــة ) , (4ويــذكر
رواية عن أحمد .
والثالث :الفرق بين أن يكون المقصود بيع الربوي بجنسه
متفاضل أو ل يكون وهذا مذهب مالك ) (5وأحمد ) (6فــي
المشهور عنه ،ثم رجــح القــول الثــالث حيــث قــال :فــإن
الصواب في مثل هذا القول بالتحريم كما هو مذهب مالك
والشافعي وأحمد ,وإل فل يعجز أحد فــي ربــا الفضــل أن
يضم إلى القليل شيئا من هذا ) . (7انتهى .
__________
) (1قال في القاموس : 359 \ 4والعجوة بالحجاز التمر
المحشي وتمر المدينة .
) (2مجمــوع الفتــاوى ، 458 -457 \ 29وانظــر مغنــي
المحتاج . 28 \ 2
) (3انظر النصاف . 34 - 33 \ 5
) (4انظر حاشية ابن عابدين . 239 \ 4
709
) (5انظر بداية المجتهد لبن رشد . 195 \ 2
) (6انظر النصاف . 34 - 33 \ 5
) (7مجموع الفتاوى . 461 ، 458 - 457 \ 29
ماذا يفعل من تاب من الربا ؟
التوبة مطلوبة وواجبة على العبد من كل ذنب فــي أســرع
مـا وقت ممكن قبل فوات أوانهـا ,قـال اللـه تعـالى } :إ ِن ّ َ
ن م ي َُتوب ُــو َ جَهال َـةٍ ث ُـ ّ ســوَء ب ِ َ ن ال ّ مُلو َ ن ي َعْ َ ذي َ ة عََلى الل ّهِ ل ِل ّ ِ الت ّوْب َ ُ
ُ
ما كي ً ح ِ ما َ ه عَِلي ً ن الل ّ ُ كا َ م وَ َ ه عَل َي ْهِ ْ ب الل ّ ُ ك ي َُتو ُ ب فَأول َئ ِ َ ري ٍ ن قَ ِ م ْ ِ
ذا حت ّــى إ ِ َ ت َ س ـي َّئا ِن ال ّ مل ُــو َ ن ي َعْ َ ذي َ ة ل ِل ّ ِ ت الت ّوْب َ ُ س ِ { ) } (1وَل َي ْ َ
َ
ن
موُتــو َ ن يَ ُ ذي َن وَل َ اّلــ ِ ت اْل َ ل إ ِّني ت ُب ْ ُ ت َقا َ مو ْ ُ م ال ْ َ حد َهُ ُ ضَر أ َ ح َ َ
َ َ ُ
ما { ) , (2والربا مــن ذاًبا أِلي ً م عَ َ ك أعْت َد َْنا ل َهُ ْ م ك ُّفاٌر أول َئ ِ َ وَهُ ْ
أعظــم الــذنوب بعــد الشــرك بــالله فهــو أحــد الســبع
الموبقــات ,فتجــب المبــادرة بالتوبــة منــه علــى مــن كــان
يتعاطاه ,فإذا من الله علــى المرابــي فــوفقه فتــاب وقــد
تعامل بالربا فماذا يفعل للتخلص من أموال الربــا ؟ إنــه ل
يخلو من إحدى حالتين :
__________
) (1سورة النساء الية 17
) (2سورة النساء الية 18
الحالـة الولــى :أن يكــون الربــا لـه فــي ذمــم النــاس لـم
يقبضه بعد ,ففي هذه الحالة قد أرشــده اللــه تعــالى إلــى
أن يسترجع رأس ماله ,ويترك ما زاد عليــه مــن الربــا فل
من ت ُب ُْتــ ْ يستوفيه ممن هو في ذمته ,قال الله تعالى } :وَإ ِ ْ
َ
ن { ) (1قــال مــو َ ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ مو َ م ل َ ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ م َ سأ ْ م ُرُءو ُ فَل َك ُ ْ
المــام القرطــبي رحمــه اللــه :روى أبــو داود ) (2عــن
سليمان بن عمر عن أبيه قال :سمعت رسول الله صــلى
الله عليه وسلم يقول في حجة الــوداع » :أل أن كــل ربــا
من ربا الجاهلية موضوع ,لكم رءوس أموالكم ل تظلمون
ول تظلمون « ) , (3فردهم تعالى مــع التوبــة إلــى رءوس
أمــوالهم وقــال لهــم :ل تظلمــون فــي أخــذ الربــا ,ول
تظلمون في مطل ؛ لن مطل الغني ظلم ,فالمعنى :أنه
يكون القضاء مع وضع الربا إلــى أن قــال :قــوله تعــالى :
َ
م { ) (4تأكيــد لبطــال مــا وال ِك ُ ْم َ سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْ ن ت ُب ْت ُ ْ } وَإ ِ ْ
710
لم يقبض منــه وأخــذ رأس المــال الــذي ل ربــا فيــه ), (5
س
م ُرُءو ُ م فَل َك ُـــ ْن ت ُب ْت ُـــ ْوقـــال المـــام ابـــن القيـــم } :وَإ ِ ْ
َ
م { ) (6يعني إن تركتم الربــا وتبتــم إلــى اللــه منــه وال ِك ُ ْ
م َ
أ ْ
وقد عاقــدتم عليــه فإنمــا لكــم رءوس أمــوالكم ل تــزادون
عليها فتظلمون الخــذ ,ول تنقصــون منهــا فيظلمكــم مــن
أخذها ,فإن كان هذا القابض معسرا فالواجب إنظاره إلى
ميسرة ,وإن تصــدقتم عليــه وأبرأتمــوه فهــو أفضــل لكــم
وخير لكم ) , (7وقال شيخ السلم ابن تيمية فــي معــرض
كلمه على أن التراضي بين الطرفين على فعــل محــرم ل
يبيحه قال :وهذا مثل الربــا فــإنه وإن رضــي بــه المرابــي
وهو بالغ رشيد لم يبح ذلك لما فيه من ظلمــه ،ولهــذا لــه
أن يطالبه بما قبــض منــه مــن الزيــادة ول يعطيــه إل رأس
ماله وإن كان قد بــذله باختيــاره ) , (8وقــال أيضــا :وهــذا
المرابــي ل يســتحق فــي ذمــم النــاس إل مــا أعطــاهم أو
نظيره ,فأما الزيــادات فل يســتحق شــيئا منهــا ,لكــن مــا
قبضه قبل ذلك بتأويل يعفى عنـه ,وأمـا مـا بقـي لـه فـي
ن الّرَبا
م َ
ي ِما ب َِق َ الذمم فهو ساقط لقوله تعالى } :وَذ َُروا َ
{ ) , (9والله أعلم ). (10
الحالــة الثانيــة :أن يكــون التــائب مــن الربــا قــد قبضــه
وتجمعت عنده أموال منه والفتوى
__________
) (1سورة البقرة الية 279
) (2سنن أبي داود .
) (3سنن الترمذي تفسير القرآن ),(3087ســنن أبــو داود
البيوع ),(3334سنن ابن ماجه المناسك ).(3055
) (4سورة البقرة الية 279
) (5تفسير القرطبي ). (365 \ 3
) (6سورة البقرة الية 279
) (7التفسير القيم لبن القيم ). ( 173 - 172
) (8مجموع الفتاوى . 126 \ 151
) (9سورة البقرة الية 278
) (10مجموع الفتاوى ). ( 437 \ 29
711
في هذا خطيرة جدا ،وأنا أنقل في هذا قاعدة ذكرها شيخ
السلم ابن تيمية -رحمه اللـه -حيـث قـال :قاعـدة فـي
المقبوض بعقــد فاســد ,وذلــك أنــه ل يخلــو إمــا أن يكــون
العاقد يعتقد الفساد ويعلمه ،أو ل يعتقد الفســاد ،فــالول
يكون بمنزلة الغاصب حيث قبض مــا يعلــم أنــه ل يملكــه ،
لكنه بشبهة العقد وكون القبض عن التراضــي هــل يملكــه
بــالقبض أو ل يملكــه أو يفــرق بيــن أن يتصــرف فيــه أو ل
يتصرف ؟ هذا فيه خلف مشهور فــي الملــك هــل يحصــل
بالقبض في العقــد الفاســد ؟ وأمــا إن كــان العاقــد يعتقــد
صحة العقــد مثــل أهــل الذمــة فيمــا يتعاقــدون بينهــم مــن
العقود المحرمة في دين الســلم مثــل بيــع الخمــر والربــا
والخنزيــر ,فــإن هــذه العقــود إذا اتصــل بهــا القبــض قبــل
السلم والتحاكم إلينا أمضيت لهم ويملكون ما قبضوه بها
َ
همُنـوا ات ُّقــوا الّلـ َ نآ َذي َ بل نزاع لقــوله تعـالى } :ي َــا أي َّهـا ال ّـ ِ
ن { ) (1فأمر بــترك مِني َ مؤ ْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ ن الّرَبا إ ِ ْم َ ي ِ ما ب َِق َ وَذ َُروا َ
ما بقي وإن أسلموا أو تحاكموا قبــل القبــض فســخ العقــد
ووجــب رد المــال إن كــان باقيــا أو بــدله إن كــان فائتــا ,
َ
من ُــوا ات ُّقــوا الل ّـ َ
ه نآ َذي َ والصل فيه قوله تعالى َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
ن { ) (2إلى قوله : مِني َ مؤ ْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ ن الّرَبا إ ِ ْم َ ي ِ ما ب َِق َ وَذ َُروا َ
َ
م { ) (3أمــر اللــه تعــالى وال ِك ُ ْ مـ َ سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْن ت ُب ْت ُ ْ} وَإ ِ ْ
برد ما بقي من الربا في الذمم ولم يــأمر بــرد مــا قبضــوه
قبل الســلم ,وجعــل لهــم مــع مــا قبضــوه قبــل الســلم
رءوس المــوال ,فعلــم أن المقبــوض بهــذا العقــد قبــل
السلم يملكه صاحبه ،أما إذا طرأ الســلم وبينهمــا عقــد
ربا فينفسخ ,وإذا انفسخ من حين السلم استحق صاحبه
ما أعطاه من رأس المال ,ولــم يســتحق الزيــادة الربويــة
التي لم تقبض ,ولم يجب عليه من رأس المال مــا قبضــه
قبل السلم ؛ لنه ملكه بــالقبض فــي العقــد الــذي اعتقــد
صحته ,وذلك العقد أوجب ذلك القبض ,فلو أوجبناه عليه
لكنا قد أوجبنا عليه رده وحاسبناه به من رأس المال الذي
استحق المطالبة ,وذلك خلف ما تقدم ,وهكذا كــل عقــد
اعتقــد المســلم صــحته بتأويــل مــن اجتهــاد أو تقليــد مثــل
المعاملت الربوية التي يبيحها مجــوزو الحيــل ,ومثــل بيــع
712
النبيذ المتنازع فيه عند من يعتقد صحته ,ومثل بيوع الغرر
المنهي عنها عند مــن يجــوز بيعهــا ,فــإن هــذه العقــود إذا
حصل فيها التقابض مع اعتقاد الصحة لم تنقض بعد ذلك ل
بحكم ول برجوع عن ذلك الجتهاد .
__________
) (1سورة البقرة الية 278
) (2سورة البقرة الية 278
) (3سورة البقرة الية 279
انتهى ) , (1وحاصل هذه القاعدة أن الشيخ يفرق بين من
قبض مـال بعقـد فاسـد يعتقـد صـحته كالكـافر الـذي كـان
يتعامل بالربا قبل إسلمه أو تحاكمه إلينــا ،وكالمســلم إذا
عقد عقدا مختلفا فيه بين العلماء وهو يرى صــحته ،فهــذا
النوع من المتعاقدين يملك ما قبضه .
أما من تعامل بعقد مختلف في تحريمه وهو ل يرى صحته
أو بعقد مجمــع علــى تحريمــه ,فمــا قبضــه بمــوجب ذلــك
العقد فهو فيه كالغاصب حيث قبض ما يعلم أنه ل يملكه ,
ويقرب مما ذكره الشــيخ مــا قــاله ابــن القيــم فــي كســب
الزانية حيث قال :فإن قيل :ما تقولون في كسب الزانية
إذا قبضته ثم تــابت ,هــل يجــب عليهــا رد مــا قبضــته إلــى
أربابه أم يطيب لها أم تتصدق به ؟ قيل :هذا ينبنــي علــى
قاعدة عظيمة من قواعد السلم ,وهي أن من قبــض مــا
ليس لــه قبضــه شــرعا ثــم أراد التخلــص منــه ,فــإن كــان
المقبوض قد أخذ بغير رضــى صــاحبه ول اســتوفى عوضــه
رده عليه ,فإن تعذر رده عليه قضى به دينا يعلمـه عليـه ،
فإن تعذر ذلك رده إلى ورثته ,فإن تعــذر ذلــك تصــدق بــه
عنه . .إلى أن قــال :وإن كــان المقبــوض برضــى الــدافع
وقد استوفى عوضــه المحــرم كمــن عــاوض عــن خمــر أو
خنزير أو على زنا أو فاحشة فهذا ل يجب رد العوض علــى
الدافع ؛ لنه أخرجه باختيــاره واسـتوفى عوضـه المحــرم ,
فل يجوز أن يجمع لــه بيــن العــوض والمعــوض ,فــإن فــي
ذلــك إعانــة لــه علــى الثــم والعــدوان وتيســير أصــحاب
المعاصي عليه . .إلى أن قــال :ولكــن ل يطيــب للقــابض
أكله بل هو خبيث . . .فطريق التخلص منه وتمــام التوبــة
713
بالصدقة به ،فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته
ويتصدق بالباقي فهذا حكم كل كسب خبيث لخبث عوضــه
عينا كان أو منفعة ,ول يلزم من الحكم بخبثه وجــوب رده
على الدافع ,فإن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بخبث
كسب الحجام ,ول يجب رده على دافعه ) . (2انتهى .
وقال الشيخ عبد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي ) : (3علـى
قول الصحاب المقبــوض بعقــد فاســد إنــه مضــمون علــى
القابض كالمغصوب :أقول واختار الشــيخ تقــي الــدين أن
المقبوض بعقد فاسد غير مضــمون ,وأنــه يصــح التصــرف
فيه ؛ لن الله تعالى لم يأمر برد المقبوض بعقد الربا بعــد
التوبة ,وإنما أمر برد الربا الــذي لــم يقبــض ,وأنــه قبــض
برضى مالكه فل يشبه المغصوب ,ولن فيه من التســهيل
والترغيب في التوبة ما ليس في القول بتوقيف توبته على
__________
) (1مجموع الفتاوى ). ( 412 - 411 \ 29
) (2زاد المعاد ).( 780 \ 779 \ 4
) (3الفتاوى السعدية ص . 303
رد التصرفات الماضية مهما كــثرت وشــقت واللــه أعلــم ,
وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار على قوله
سل َ َ
ف ما َ ن َرب ّهِ َفان ْت ََهى فَل َ ُ
ه َ م ْ عظ َ ٌ
ة ِ مو ْ ِ
جاَءهُ َ
ن َ تعالى } :فَ َ
م ْ
{ ) (1أي فمن بلغه تحريــم اللــه تعــالى للربــا ونهيــه عنــه
فترك الربا فورا بل تراخ ول تردد انتهاء عما نهى الله عنــه
فله ما كان أخذه فيما سلف مــن الربــا ل يكلــف رده إلــى
من أخذه منهم ,بل يكتفي منه بأن ل يضاعف عليهم بعــد
مـُرهُ إ ِل َــى الل ّـهِ { ) (2يحكــم فيــه بعــدله , َ
البلغ شيئا } وَأ ْ
ومن العدل أن ل يؤاخذ بما أكــل مــن الربــا قبــل التحريــم
وبلوغه الموعظة من ربه ) . (3انتهى ,أقول :ولعلنــا مــن
هذه النقول نستفيد أن من تــاب مــن الربــا وعنــده أمــوال
مجتمعة منه ,فإن من مقتضى التوبة المســاك والتوقــف
عن التعامل بالربا إلى البد ،ول يرد الموال الربويــة إلــى
من أخذها منهم ؛ لن هذا يعينهم على المرابــاة مــع غيــره
بحيث يستغلونه في ذلك ،ول يأكل هذه الموال الربويــة ؛
714
لنه من كسب خبيث ,ولكن يتخلص منها بالتصــدق بهــا أو
جعلها في مشاريع خيرية .
وفي الدرر السنية في الجوبة النجدية ) (4جــواب للشــيخ
عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ -رحمه -الله قال فيــه :
)إذا وقع عقد فاسد في معاملة فــي الســلم قــد انقضــت
بالتقابض فيظهر مما قاله شيخ السلم -رحمه اللــه -فــي
مـُرهُ إ ِل َــى آية الربا في قــوله تعــالى } :فَل َـه مــا سـل َ َ َ
ف وَأ ْ َ ُ َ
الل ّهِ { ) (5فاقتضى أن السالف للقــابض ,وأن أمــره إلــى
الله ليس للغريم فيه أمر ,وذلك أنه لما جاءه موعظة من
ربه فانتهى كان مغفرة ذلك الــذنب والعقوبــة عليــه أمــره
إلى الله إن علم من قلبه صحة التوبة غفــر لــه وإل عــاقبه
من ك ُن ْت ُـ ْ
ن الّرب َــا إ ِ ْ مـ َ ي ِ ه وَذ َُروا َ
مــا ب َِقـ َ ثم قال } :ات ُّقــوا الل ّـ َ
ن { ) (6فأمر بترك الباقي ولم يأمر برد المقبوض , مؤ ْ ِ
مِني َ ُ
َ
ن وَل َ مــو َم ل َ ت َظ ْل ِ ُ
وال ِك ُ ْمـ َسأ ْم ُرُءو ُ م فَل َك ُـ ْن ت ُب ْت ُ ْ
وقال } :وَإ ِ ْ
ن { ) (7إل أنه يستثنى منها ما قبــض وهــذا الحكــم مو َت ُظ ْل َ ُ
ثابت في حق الكافر إذا عامــل كــافرا بالربــا وأســلما بعــد
القبض وتحاكما إلينا فإن ما قبضه يحكم له بــه كســائر مــا
قبضه الكافر بالعقود التي يعتقــدون حلهــا ,وأمــا المســلم
فله ثلثة أحوال :تارة يعتقد حل بعــض النــواع باجتهــاد أو
تقليد ،وتارة يعامل بجهــل ول يعلــم أن ذلــك ربــا محــرم ،
وتارة يقبض مع علمه بأن ذلك محرم .
__________
) (1سورة البقرة الية 275
) (2سورة البقرة الية 275
) (3تفسير المنار ). ( 98 \ 97 \ 3
) (4ج 5ص . 72 - 71
) (5سورة البقرة الية 275
) (6سورة البقرة الية 278
) (7سورة البقرة الية 279
أما الول والثاني ففيه قولن إذا تبين له فيما بعد أن ذلــك
محرم قيل :يرد ما قبض كالغاصب ،وقيل :ل يــرده وهــو
أصح إذا كان معتقدا أن ذلك حلل ,والكلم فيمــا إذا كــان
مختلفا فيه مثل الحيل الربوية ،فإذا كــان الكــافر إذا تــاب
715
يغفر الله ما استحله ,ويباح لــه مــا قبضــه ،فالمســلم إذا
تاب أولى أن يغفر له .
إذا فمن أخذ بأحد قولي العلمــاء فــي حــل ذلــك فهــو فــي
تأويله أعذر من الكافر في تأويله ,وأمــا المســلم الجاهــل
فهو أبعد ,لكن ينبغي أن يكون كذلك فليس هو شــرا مــن
الكافر ,وقــد ذكرنــا فيمــا يــتركه مــن الواجبــات الــتي لــم
يعرف وجوبها هل عليه قضــاء ؟ علــى قــولين أظهرهمــا ل
قضاء عليه ,إلى أن قال :فمن فعــل شــيئا لــم يعلــم أنــه
محرم ثم علمه لــم يعــاقب ,وإذا عامــل بمعــاملت ربويــة
يعتقــدها جــائزة وقبــض منهــا ثــم جــاءه موعظــة مــن ربــه
فانتهى فله ما سلف ول يكون شرا مــن الكــافر ,والكــافر
إذا غفــر لــه مــا قبضــه لكــونه قــد تــاب فالمســلم بطريــق
جــاَءهُ
ن َ الولــى ,والقــرآن يــدل علــى هــذا بقــول } :فَ َ
مـ ْ
ف { ) (1وهذا عام في سل َ َ
ما َ
ه َن َرب ّهِ َفان ْت ََهى فَل َ ُم ْ
ة ِعظ َ ٌ
مو ْ ِ
َ
كل من جاءه موعظة من ربه فانتهى ,فقد جعــل اللـه لـه
ما سلف -انتهى -لكن هذا الكلم ينصب علــى الكــافر إذا
أسلم وعنده أموال قـد قبضـها بطريـق التعامـل الربـوي ،
والمسلم الذي تعامل ببعض المعاملت المختلف فيها هــل
هي من الربا أو ل ؟ أو لكونه يجهل الربــا وقبــض بموجبهــا
ما ل تحصل لديه ثم تبين لــه أنهــا مــن الربــا وتــاب منهــا ,
وتبقى قضية المسلم الذي تعامل بالربا متعمدا وهــو يعلــم
أنه ربا ثم تاب منه وقد تحصل لديه منه مال فهــذا موضــع
الشكال ,ولعل الحل لهذا الشكال أن يتصدق به ول يرده
للمرابين كما ذكره ابن القيم في الكلم الذي نقلنــاه عنــه
في مهر البغي ,والله أعلم .
__________
) (1سورة البقرة الية 275
الخاتمة والفهارس
الخاتمة :
تبين لنا مما سبق شدة تحريم الربا وخطــورته ,وأن آكلــه
والمعين على أكله كلهما ملعون على لسان رســول اللــه
صلى الله عليه وســلم وأن الوســائل المفضــية إليــه تأخــذ
حكمه في التحريم والثم ،وأن من اســتباحه فهــو كــافر ,
716
ومن أكله مع القرار بتحريمه فهو فاسق ،وقد عرفنــا مــا
هو الربا وما هي الشياء التي يدخلها .
فيجب على المسلم البتعاد عنه والتحرز منه ؛ لنه قد كثر
الوقوع فيــه فــي هــذا الزمــان لمــا طغــت المــادة وضــعف
المسلمون وفشا الجهل بأحكام الــدين ,وقــد أخــبر النــبي
صلى الله عليه وسلم بــذلك فيمــا رواه أبــو هريــرة رضــي
الله عنه أنــه قــال » :ليــأتين علــى النــاس زمــان ل يبقــى
منهم أحد إل أكل الربا ,فمن لم يأكله أصابه من غبــاره «
) , (1قال المناوي ) (2في شرح هذا الحديث ) :ليــأتين (
اللم جواب لقسم محذوف ) ,على الناس زمــان ل يبقــى
منهم ( أي مــن النــاس ) ,أحــد إل أكــل الربــا ( الخــالص ,
) فإن لم يأكله أصابه من غباره ( أي يحيق به ويصــل إليــه
من أثره بأن يكون موكل أو متوسطا فيه أو كاتبا أو شاهدا
أو معامل المرابي أو من عامل معــه وخلــط مــاله بمــاله ,
ذكره البيضاوي إلى أن قال :وفي رواية ) :مــن بخــاره (
وهو ما ارتفــع مــن المــاء مــن الغليــان كالــدخان والمــاء ل
يغلي إل بنار توقد تحتــه ,ولمــا كــان المــال المــأكول مــن
الربا يصير نارا يوم القيامة يغلي منه دمــاغ آكلــه ,ويخــرج
منــه بخــار ناســب جعــل البخــار مــن أكــل الربــا ،والبخــار
والغبار إذا ارتفع من الرض أصاب كل مــن حضــر وإن لــم
يأكل .ووجه النسبة بينهما أن الغبار إذا ارتفــع مــن الرض
أصاب كل من حضر وإن لم يكــن هــو أثــاره ,كمــا يصــيب
البخار إذا انتشر من حضر وإن لم يتسبب فيه ,وهــذا مــن
معجزاتــه صـلى اللـه عليــه وسـلم ,فــإن مــن تأمــل حــال
الناس اليوم أدرك مصداق هذا الحــديث الشــريف .وذلــك
أنه لما فاضت الموال وتضخمت في أيدي كثير من الناس
وضعوها في البنوك الربوية فأصابهم من الربا ما أصابهم ,
فمنهم من أكله ,ومنهم من لم يأكله لكن أعان على أكلـه
فأصابه من غباره ,والله المستعان ,اللهــم أغننــا بحللــك
عن حرامــك ,واكفنــا بفضــلك عمــن ســواك ,وقنعنــا بمــا
رزقتنا ,وبارك لنا فيما أعطيتنا .
والحمد لله رب العالمين ,وصــلى اللــه وســلم علــى نبينــا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
717
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
__________
) (1سنن النسائي البيوع ),(4455سنن أبــو داود الــبيوع )
,(3331سنن ابن ماجه التجارات ).(2278
) (2فيض القدير ) . ( 346 \ 5
المراجع
- 1القرآن الكريم .
- 2تفسير ابن جرير .
- 3تفسير ابن كثير .
- 4تفسير القرطبي .
- 5التفسير القيم لبن القيم .
- 6أضواء البيان للشنقيطي .
- 7تفسير المنار .
- 8صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري .
- 9صحيح مسلم مع شرح النووي .
- 10نيل الوطار للشوكاني .
- 11الزواجر لبن حجر الهيتمي .
- 12المعاملت المصرفية لبن دريب .
- 13الروضة الندية للشيخ محمد بن إبراهيم .
- 14الربا والمعاملت فــي الســلم للشــيخ محمــد رشــيد
رضا .
- 15مجموعة فتاوى شيخ السلم ابن تيمية .
- 16إعلم الموقعين لبن القيم .
- 17زاد المعاد لبن القيم .
- 18القاموس المحيط في اللغة .
- 19مغني المحتاج في الفقه .
- 20المبدع شرح المقنع .
- 21بداية المجتهد لبن رشد .
- 22الختيارات الفقهية .
- 23إغاثة اللهفان لبن القيم .
- 24الكافي لبن عبد البر .
- 25المحلى لبن حزم .
- 26سبل السلم شرح بلوغ المرام للصنعاني .
718
- 27بدائع الصنائع في الفقه .
- 28مجلة البحوث السلمية .
- 29الفتاوى السعدية .
- 30الشرح الكبير للدردير .
- 31الشرح الصغير .
- 32تهذيب سنن أبي داود لبن القيم .
- 33فتح القدير فقه حنفي .
- 34كشاف القناع عن متن القناع .
- 35تهذيب السماء واللغات للنووي .
================
#الربا في ضوء الكتاب والسنة
مجلة البحوث السلمية ) -ج / 11ص (191
الشيخ عبد الله عبد الغني الخياط
من مواليد مكة المكرمة ،تلقى علومه الولية فــي مدينــة
الخيـــاط بمكـــة مكرمـــة ،ودرس المنهـــج الثـــانوي فـــي
المدرسة الراقية ،تخــرج فــي المعهــد العلمــي الســعودي
بمكة المكرمة ،ودرس على المشايخ في المسجد الحرام
وغيره .
عمل مديرا للمدرسة الفيصــلية بمكــة المكرمــة ،فمــديرا
لمدرسة المــراء أنجــال الملــك عبــد العزيــز ،فمستشــارا
لـوزارة المعـارف بمكـة ،ثـم مشـرفا علـى إدارة التعليـم
ومديرا لكلية الشريعة بمكة المكرمة .
يعمل عضوا في هيئة المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
وخطيبا بالمسجد الحرام ،وعضوا فــي هيئة كبــار العلمــاء
وعضوا في اللجنة الثقافية برابطة العالم السلمي .
من مؤلفاته :اعتقاد السلف -دليل المسلم -ما يجــب أن
يعرف المسلم عن دينه -الخطب فــي المســجد الحــرام -
الرواد الثلثة -صحائف مطوية -حكم وأحكام من السيرة
النبوية -تأملت في دروب الحق والباطل
الربا في ضوء الكتاب والسنة
بقلم الشيخ عبد الله عبد الغني خياط
719
َ
نن الّرب َــا إ ِ ْ مـ َ ي ِ ما ب َِق ْ َ ه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ نآ َذي َ } َيا أي َّها ال ّ ِ
ن مـ َ ب ِ حـْر ٍ م ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ب ِ َ ن ل َـ ْ ن { ) } (1فَإ ِ ْ مِني َ مؤ ْ ِ م ُ ك ُن ْت ُ ْ
سول ِهِ { ). (2 الل ّهِ وََر ُ
تقديم
السلم دين العمل والكد ،وبقدر ما يعمل المسلم يأخــذ ،
وبقدر ما يغرس يحظى بالثمار ،أما التبطل والقعــود عــن
الكســب المشــروع اتكــال علــى مجهــود الغيــر أو اعتــدادا
بغنيمة باردة تصل إليه دون عناء وبذل جهد ،فليــس ذلــك
من دين السلم ،بل هو مناقض لما جاء به السلم وحض
عليه ورغب فيه ،أل ترى كيف توحي الية الكريمة التاليــة
وأمثالها بمزاولة العمل بعــد أداء فريضــة اللــه ابتغــاء رزق
َ
ن ذي َ الله ،ودفعا للتبطل ،يقول الله سبحانه َ } :يا أي ّهَــا ال ّـ ِ
وا إ ِل َــى ذِك ْـ ِ
ر س ـع َ ْ معَـةِ َفا ْ ج ُن ي َوْم ِ ال ْ ُ م ْ صَلةِ ِ ذا ُنودِيَ ِلل ّ مُنوا إ ِ َ آ َ
ن { )(3 مــو َ م ت َعْل َ ُ ن ك ُن ْت ُـ ْ م إِ ْ خي ْـٌر ل َك ُـ ْ م َ الل ّهِ وَذ َُروا ال ْب َي ْـعَ ذ َل ِك ُـ ْ
شـروا فِــي اْل َ
ن مـ ْض َواب ْت َغُــوا ِ ِ ر
ْ صـَلةُ َفان ْت َ ِ ُ ت ال ّ ضـي َ ِ ذا قُ ِ } فَإ ِ َ
ن { ). (4 حو َ م ت ُْفل ِ ُه ك َِثيًرا ل َعَل ّك ُ ْ ل الل ّهِ َواذ ْك ُُروا الل ّ َ ض ِ فَ ْ
__________
) (1سورة البقرة الية 278
) (2سورة البقرة الية 279
) (3سورة الجمعة الية 9
) (4سورة الجمعة الية 10
فالمر بالنتشار في الرض قرنه ســبحانه بالفريضــة الــتي
هي عماد الدين ،وفتح النظار للتجاه إليه والخذ كمقــوم
للحياة ترتكز عليه ،وجــاء فــي الحــديث » :مــا أكــل أحــد
طعاما خيرا له من أن يأكل مــن عمــل يــده وإن نــبي اللــه
داود كان يأكل مــن عمــل يــده « ) ، (1وفــي حــديث آخــر
يقول رسول الله -صــلى اللــه عليــه وســلم -لفقيــر جــاء
يطلب مددا من المال » :لئن يحــتزم أحــدكم حزمــة مــن
حطب فيحملها على ظهره فيبيعها خير لــه مــن أن يســأل
رجل يعطيه أو يمنعه « ). (2
هــذه مقدمــة وضــعناها بيــن يــدي بحــث اليــوم لنركــز فــي
الذهان أن الربــا تبطــل وقعــود عــن الكســب المشــروع ،
واســتمراء لحيــاة رتيبــة ل نصــب فيهــا ول كــد ول عنــاء أو
720
جهــد ،بــل يعيــش صــاحبها علــى حســاب الخريــن يأكــل
كسبهم ويمتص نشاطهم ،ويجعلهم كالجراء يعملون لــه ،
وليتهم يأخذون أجرا على عملهم ،وإنما يأكلون من فتــات
المائدة لو فضل من المــائدة فتــات ،وســوف نســير -إن
شاء اللــه -فــي كتابــة هــذا البحــث علــى المخطــط الــذي
رسمناه له على ضوء الكتاب والسنة ،فنبــدأ أول بتعريــف
الربا لغة وشرعا ( 2 ) ،الربــا فــي آي الكتــاب العزيــز ) ،
( 3الربــا فــي الســنة ( 4 ) ،حكــم الربــا فــي الســلم ،
ويشتمل هذا المبحث على - :
أ -مضار الربا .
ب -تحريم الربا .
ج -أنواع الربا وحكم كل نوع .
د -وسائل القضاء على الربا ويتفرع عنه ما يأتي :
- 1القرض الحسن .
- 2الحض على التعــاون لصــالح الفــرد والمجتمــع ،وهــذا
التعاون يترجم عنه التعــاون الصــناعي والتعــاون الزراعــي
التعاون الجتماعي .
- 3خطر الربا الستهلكي والنتاجي .
- 4خاتمة .
__________
) (1صــحيح البخــاري الــبيوع ),(1966ســنن ابــن مــاجه
التجارات ),(2138مسند أحمد بن حنبل ).(4/132
) (2صحيح البخاري الزكاة ),(1401صحيح مسلم الزكاة )
,(1042سنن الترمذي الزكاة ),(680سنن النسائي الزكاة
),(2589مســند أحمــد بــن حنبــل ),(2/300موطــأ مالــك
الجامع ).(1883
تعريف الربا لغة وشرعا
أما التعريف اللغوي فهو :الزيادة على الشيء ومنه )أربى
فلن على فلن ( إذا زاد عليه )وربا الشــيء( إذا زاد علــى
ما كان عليه فعظم )فهو يربــو ربــوا( ،وإنمــا قيــل للرابيــة
)رابية( لزيادتها في العظم والشراف على ما استوى مــن
الرض مما حولها من قولهم )ربا يربــو( ،ومــن ذلــك قيــل
)فلن في رباوة قومه( يراد أنه فــي رفعــة وشــرف منهــم
721
فأصل الربا الناقة والزيــادة ,ثــم يقــال ) :أربــى فلن( أي
أناف ماله حيــن صــيره زائدا وإنمــا قيــل للمربــي )مــرب(
لتضعيفه المال الذي كان له علــى غريمــه حــال أو لزيــادته
عليه السبب الجــل الــذي يــؤخره إليــه فيزيــده إلــى أجلــه
الذي كان له قبل حل دينه عليه ولذلك قــال تعــالى } :ي َــا
َ ْ َ
ة { )) (1 ضــاعََف ً
م َ مُنوا َل ت َـأك ُُلوا الّرب َــا أ ْ
ضـَعاًفا ُ نآ َ أي َّها ال ّ ِ
ذي َ
. (2
وأما تعريف الربا فــي الشــرع فيقــع علــى معــان لــم يكــن
السم موضوعا لها في اللغة ،ويدل عليه أن النــبي صــلى
الله عليه وسلم سمى النسء ربـا فــي حــديث أســامة بـن
زيد فقال » :إنما الربا في النسيئة « ) ، (3وقال عمر بن
الخطاب إن آية الربــا مــن آخــر مــا نــزل مــن القــرآن وإن
النبي صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يبينه لنــا فــدعوا
الربا والريبة .
فثبت بذلك أن الربا قد صار اسما شرعيا لنه لو كان باقيا
على حكمه في أصل اللغة لما خفي على عمر ؛ لنه كــان
عالما بأسماء اللغة ؛ ولنه من أهلها ويدل عليه أن العــرب
لم تكن تعرف بيع الذهب بالذهب والفضــة بالفضــة نســء
ربا ،وهو ربا في الشرع وإذا كان ذلك على ما وصفنا صار
بمنزلة سائر السماء المجملة المفتقرة إلــى البيــان وهــي
السماء المنقولة من اللغــة إلــى الشــرع لمعــان لــم يكــن
الســلم موضــوعا لهــا فــي اللغــة نحــو الصــلة والصــوم
والزكاة فهو مفتقر إلى البيان ول يصح الستدلل بعمــومه
في تحريــم شــيء مــن العقــود إل فيمــا قــامت دللتــه أنــه
مسمى في الشرع بذلك ). (4
__________
) (1سورة آل عمران الية 130
) (2آل عمران ،من الية ، 130تفسير الطــبري ج 6ص
.7
) (3صـــحيح البخـــاري الـــبيوع ),(2067صـــحيح مســـلم
المســاقاة ),(1596ســنن النســائي الــبيوع ),(4581ســنن
ابــن مــاجه التجــارات ),(2257مســند أحمــد بــن حنبــل )
,(5/200سنن الدارمي البيوع ).(2580
722
) (4أحكام القرآن ج 1ص . 552 - 551
مبحث الربا في الكتاب العزيز
ننتقل بعد هذا البسط في مــدلول الربــا لغــة وشــرعا إلــى
إيراد اليات القرآنية التي جاء فيها ذكر الربا موضــحا قــال
ْ
ن مــو َ ن الّرب َــا َل ي َُقو ُ ن ي َـأك ُُلو َ َ ذيتعالى في سورة البقرة } ال ّ ِ
طان من ال ْمس ذ َل َ َ
م ك ب ِـأن ّهُ ْ َ ّ ِ شي ْ َ ُ ِ َ ه ال ّ خب ّط ُ ُ ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ما ي َُقو ُ إ ِّل ك َ َ
َ
ن مــ ْ م الّرَبا فَ َ حّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ ل الّرَبا وَأ َ مث ْ ُ ما ال ْب َي ْعُ ِ َقاُلوا إ ِن ّ َ
ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ
مُرهُ إ َِلى الل ّ ِ
ه ف وَأ ْ ُ َ َ عظ َ ُ ٌ ِ ْ َ ّ ِ ْ َ َ مو ْ ِ جاَءهُ َ َ
ن { )(1 َ عاد َ فَـأول َئ ِ َ
دو َ خال ِـ ُ م ِفيهَــا َ ب الن ّــارِ هُـ ْ حا ُ صـ َ كأ ْ ن َ م ْ وَ َ
ل ك َّفاٍر ب كُ ّ ح ّ ه َل ي ُ ِ ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ حقُ الل ّ ُ م َ } يَ ْ
َ َ
موا ت وَأقَــا ُ حا ِ صــال ِ َ مل ُــوا ال ّ من ُــوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ ن ال ّ ِ أِثيم ٍ { ) } (2إ ِ ّ
كاةَ ل َه َ
م ف عَل َي ِْهــ ْ خو ْ ٌ م وََل َ عن ْد َ َرب ّهِ ْ م ِ جُرهُ ْ مأ ْ ُ ْ وا الّز َ صَلةَ َوآت َ ُ ال ّ
َ
ه مُنـوا ات ُّقـوا الّلـ َ نآ َ ذي َ ن { )َ } (3يـا أي َّهـا اّلـ ِ حَزُنـو َ م يَ ْ هـ ْ وََل ُ
م ن ل َـ ْ ن { ) } (4فَ ـإ ِ ْ مِني َ مؤ ْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ ن الّرَبا إ ِ ْ م َ ي ِ ما ب َ ِْق َ وَذ َُروا َ
م م فَل َك ُـ ْ ن ت ُب ْت ُـ ْ ســول ِهِ وَإ ِ ْ ن الل ّـهِ وََر ُ مـ َ ب ِ حـْر ٍ ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ب ِ َ
َ
ن كا َ ن َ ن { ) } (5وَإ ِ ْ مو َ ن وََل ت ُظ ْل َ ُ مو َ م َل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ م َ سأ ْ ُرُءو ُ
َ
ن م إِ ْ خي ْـٌر ل َك ُـ ْ ص ـد ُّقوا َ ن تَ َ س ـَرةٍ وَأ ْ مي ْ َ سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ ذو عُ ْ ُ
ن ِفيـهِ إ ِل َــى الّلـ ِ
ه جعُــو َ ما ت ُْر َ ن { )َ } (6وات ُّقوا ي َوْ ً مو َ م ت َعْل َ ُ ك ُن ْت ُ ْ
ن { ). (7 مو َ م َل ي ُظ ْل َ ُ ت وَهُ ْ سب َ ْ ما ك َ َ س َ ل ن َْف ٍ م ت ُوَّفى ك ُ ّ ثُ ّ
تفسير اليات
يقول الحافظ ابن كثير -يرحمه اللــه " : -لمــا ذكــر تعــالى
البرار المؤدين للنفقات المخرجيــن للزكــوات المتفضــلين
بــالبر والصــدقات لــذوي الحاجــات والقرابــات فــي جميــع
الحوال والوقات شرع في ذكر أكلة الربا وأمــوال النــاس
بالباطل وأنواع الشبهات فـأخبر عنهـم يـوم خروجهــم مــن
قبــورهم وقيــامهم منهــا إلــى بعثهــم ونشــورهم فقــال :
ْ
خب ّط ُ ُ
ه ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ما ي َُقو ُ ن إ ِّل ك َ َ مو َ ن الّرَبا َل ي َُقو ُ ن ي َأك ُُلو َ ذي َ } ال ّ ِ
س { ) (8أي ل يقومون من قبورهم يوم م ّ ن ال ْ َ م َ ن ِ طا ُ شي ْ َ ال ّ
القيامــة إل كمــا يقــوم المصــروع حــال صــرعه ،وتخبــط
الشيطان له ،وذلــك أنــه يقــوم قيامــا منكــرا .وقــال ابــن
عباس :آكل الربا يبعث يوم القيامــة مجنونــا يخنــق .رواه
ابن أبي حاتم ،ونقل -أي ابن كــثير -عــن بعــض مفســري
السلف نحو هذا المعنى ,ثم استمر يرحمه الله فــي نقــل
723
الروايات عن مفسري السلف في أن قيامهم على الوضــع
المذكور يكون يوم القيامة ونقل
__________
) (1سورة البقرة الية 275
) (2سورة البقرة الية 276
) (3سورة البقرة الية 277
) (4سورة البقرة الية 278
) (5سورة البقرة الية 279
) (6سورة البقرة الية 280
) (7سورة البقرة الية 281
) (8سورة البقرة الية 275
عن ابن جرير بالسند إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال
:يقال يوم القيامة لكل الربــا خــذ ســلحك للحــرب وقــرأ
ْ
ن الّرَبـا { ) (1اليـة وذلـك حيـن يقـوم مـن ن َيـأك ُُلو َ } ال ّ ِ
ذي َ
قــبره ) , (2وجــاء فــي "فتــح القــدير" عنــد تفســير قــوله
ْ
ن الّرَبا { ) (3قوله :اختصــاص هــذا ن ي َأك ُُلو َذي َتعالى } :ال ّ ِ
الوعيد بمن يأكله بل هو عام لكل من يعامل بالربا فيأخذه
ويعطيــه وإنمــا خــص الكــل لزيــادة التشــنيع علــى فــاعله
ولكونه هو الغرض الهم فإن آخذ الربا إنما أخــذه للكــل ،
ن { ) (4أي يوم القيامة كما يدل عليــه مو َ وقوله َ } :ل ي َُقو ُ
قراءة ابن مسعود وبهذا فسره جمهور المفسرين قــالوا :
إنه يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتا عند أهــل المحشــر ،
وقيل :المراد تشبيه من يحرص في تجــارته فيجمــع مــاله
من الربا بقيام المجنون لن الحرص والطمع والرغبة فــي
الجمع قد استفزته حتى صار شبيها في حركتــه بــالمجنون
كما يقال لمن يسرع في مشية ويضــطرب فــي حركاتهــا :
إنه قد جن ,ومنه قول العشى :
وتصبح من غب السرى وكأنها ...ألم بها من طائف الجــن
أولق
فجعلها -أي ناقته -بسرعة مشيها ونشــاطها كــالمجنون ،
ن { ) (5أي شـي ْ َ
طا ُ خب ّط ُـ ُ
ه ال ّ م ال ّ ِ
ذي ي َت َ َ ما ي َُقو ُوقوله } :إ ِّل ك َ َ
إل قيامــا كقيــام الــذي يتخبطــه ,والخبــط :الضــرب بغيــر
استواء كخبط العشواء وهو المصروع ,والمس :الجنون ,
724
والمــس :المجنــون ,وكــذلك الولــق وهــو متعلــق بقــوله
يقومــون أي ل يقومــون مــن المــس الــذي بهــم } إ ِّل ك َ َ
مــا
ن { ) (6أو متعلــق بيقــوم , ش ـي ْ َ
طا ُ ه ال ّخب ّط ُـ ُذي ي َت َ َ م ال ّـ ِي َُقــو ُ
وفي الية دليل على فساد قــول مــن قــال :إن الصــرع ل
يكون من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبــائع ,وقــال :
إن اليــة خارجــة علــى مــا كــانت العــرب تزعمــه مــن أن
الشيطان يصرع النسان وليــس بصــحيح وأن الشــيطان ل
يسلك في النسان ول يكون منه مس وقــد اســتعاذ النــبي
صلى الله عليه وسلم من أن يتخبطه الشيطان .
كما أخرجه النسائي وغيره قوله ذلك إشارة إلــى مــا ذكــر
من مبالغة بجعلهم الربا أصل والبيع فرعا ,أي :إنما الــبيع
بل زيادة عند حلول الجل كالبيع بزيادة عنــد حلــوله ،فــإن
العرب كانت ل تعرف ربا إل ذلك فرد الله عليهــم بقــوله :
َ
م الّرَبا { ) (7أي أن الله أحل الــبيع حّر َه ال ْب َي ْعَ وَ َ
ل الل ّ ُ ح ّ} وَأ َ
وحرم نوعا من أنواعه وهــو الــبيع المشــتمل علــى الربــا .
والبيع
__________
) (1سورة البقرة الية 275
) (2تفسير ابن كثير ,ج 2ص . 55-54
) (3سورة البقرة الية 275
) (4سورة البقرة الية 275
) (5سورة البقرة الية 275
) (6سورة البقرة الية 275
) (7سورة البقرة الية 275
مصدر باع يبيع أي دفع عوضا وأخذ معوضا ،والجملة بيانية
عظ َـ ٌ
ة مو ْ ِجــاَءهُ َ
ن َ ل محل لها من العــراب ،قــوله } :فَ َ
مـ ْ
ن َرّبــهِ { ) (1أي :مــن بلغتــه موعظــة مــن اللــه مــن مــ ْ
ِ
المواعظ التي تشتمل عليهــا الوامــر والنــواهي ومنهــا مــا
وقع هنا من النهــي عــن الربــا فــانتهى أي :فامتثــل النهــي
الذي جاءه وانزجر عن المنهي عنه ،وهو معطــوف ،أي :
قوله :فانتهى على قوله :جاءه وقوله :مــن ربــه متعلــق
بقوله ) :جاءه( أو بمحذوف وقع صفة لموعظة ،أي كائنــة
من من ربه فله مــا ســلف أي مــا تقــدم منــه مــن الربــا ل
725
يؤاخذ به لنه فعله قبل أن يبلغــه تحريــم الربــا أو قبــل أن
مـُرهُ إ ِل َــى الل ّـهِ { )(2 َ
تنزل آية تحريم الربا ،وقــوله } :وَأ ْ
قيل :الضمير عائد إلى الربــا ،أي :وأمــر الربــا إلــى اللـه
في تحريمه على عباده واستمراره ذلــك التحريــم ,وقيــل
الضمير يرجع إلى المرابي ,أي :أمر من عــاد بالربــا إلــى
الله في تثبيته على النتهاء أو الرجوع إلى المعصــية ومــن
م عاد إلى أكل الربا والمعاملة به } فَُأول َئ ِ َ َ
ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ
كأ ْ
ن { ) (3والشارة إلى من عاد ،وجمع أصحاب دو َ خال ِ ُ
ِفيَها َ
باعتبار معنى من ،وقيل إن معنــى مــن عــاد هــو أن يعــود
ل الّرب َــا { ) (4وأنــه يكفــر بــذلك ما ال ْب َي ْعُ ِ
مث ْ ُ إلى القول } إ ِن ّ َ
فيســتحق الخلــود ,وعلــى التقــدير الول يكــون الخلــود
مستعارا على معنى المبالغــة ،كمــا تقــول العــرب :ملــك
خالــد ]أي :طويــل البقــاء[ ،والمصــير إلــى هــذا التأويــل
واجب للحاديث المتواترة القاضية بخروج الموحــدين مــن
ه الّرَبا { ) (5أي يذهب بركته فــي حقُ الل ّ ُ م َ النار قوله } :ي َ ْ
الدنيا ،وإن كان كثيرا فل يبقى بيد صاحبه .وقيل :يمحــق
َ
مُنوا ات ُّقوانآ َ ذي َ بركته في الخرة ,قوله تعالى َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
ن { )(6 مِني َ مؤ ْ ِ م ُ ن ك ُن ْت ُ ْن الّرَبا إ ِ ْ م َ ي ِ ما ب َِق َ ه وَذ َُروا َالل ّ َ
قوله :اتقوا قوا أنفسكم من عقــابه واتركــوا البقايــا الــتي
بقيت لكم من الربا ,وظاهره أنه أبطل مــن الربــا مــا لــم
ن { ) (7قيل مِني َ مؤ ْ ِ
م ُ ن ك ُن ْت ُ ْ يكن مقبوضا ،قوله تعالى } :إ ِ ْ
:هو شرط مجازي على جهة المبالغة ،وقيل :إن إن فــي
هذه الية بمعنى )إذ( قال ابن عطية :وهو مردود ل يعرف
في اللغة ،والظاهر أن المعنــى :إن كنتــم مــؤمنين علــى
الحقيقة فـإن ذلــك يســتلزم امتثــال أوامــر اللـه ونــواهيه ،
م ت َْفعَُلـوا { ) (8يعنـي مـا أمرتـم بـه مـن ن َلـ ْ قوله َ } :فـإ ِ ْ
ْ
ن الّلـ ِ
ه مـ َب ِ حـْر ٍ التقاء وترك ما بقي مـن الربـا } َفـأذ َُنوا ب ِ َ
سول ِهِ { ) (9أي فاعلموا بها ،من أذن بالشيء إذا علــم وََر ُ
به ,وقيل هو من الذن بالشــيء وهــو الســتماع لنــه مــن
طريق العلم ،وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة فأذنوا على
معنى فأعلموا غيركم أنكم على حربهــم ،وقــد دلــت هــذه
الية على أن أكل الربا والعمــل بــه مــن الكبــائر ول خلف
726
في ذلك ,وتنكير الحرب للتعظيم وزادهــا تعظيمــا نســبتها
إلى اسم الله
__________
) (1سورة البقرة الية 275
) (2سورة البقرة الية 275
) (3سورة البقرة الية 275
) (4سورة البقرة الية 275
) (5سورة البقرة الية 276
) (6سورة البقرة الية 278
) (7سورة البقرة الية 278
) (8سورة البقرة الية 279
) (9سورة البقرة الية 279
العظم وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته ،قــوله فــإن
َ
م { ) (1تأخــذونها وال ِك ُ ْ
م َ
سأ ْم ُرُءو ُ تبتم أي من الربا } فَل َك ُ ْ
ن { ) (2غرمــــاءكم بأخــــذ الزيــــادة } وََل مــــو َ} َل ت َظ ْل ِ ُ
ن { ) (3أنتم من قبلهم بالمطل والنقص ,والجملة مو َ ت ُظ ْل َ ُ
حالية أو استثنائية وفي هذا دليل على أن أموالهم مع عدم
التوبة حلل لمن أخــذها مــن الئمــة ونحــوهم ممــن ينــوب
ســَرةٍ { ) (4لمــا حكــم ذو عُ ْن ُ ن َ
كــا َ عنهــم ،قــوله } :وَإ ِ ْ
سبحانه لهل الربا برءوس أموالهم عنــد الواجــدين للمــال
حكم في ذوي العســرة بــالنظرة إلــى يســار ] ,والعســرة[
ضيق الحال من جهة عدم المال ,ومنــه جيــش العســرة ,
]والنظــرة[ التــأخير ] ,والميســرة[ مصــدر بمعنــى اليســر
وارتفع ذو بكان التامة بمعنى وجــد ،واســتمر فــي شــرحه
لرفع ذو ثم أورد رواية للمعتمر عن حجاج الوراق قال في
مصحف عثمان " :إن كان ذا عسرة" قال النحاس ومكــي
والنقاش وعلي :هذا يختص لفظ الية بأهل الربا ،وعلــى
من قرأ ذو فهي عامة في جميع من عليه دين وإليه ذهــب
الجمهور .
صد ُّقوا { ) (5بحذف إحدى التاءين ،وقرئ َ
ن تَ َ
قوله } :وَأ ْ
بتشــديد الصــاد أي :وأن تصــدقوا علــى معســر غرمــائكم
بالبراء خير لكم ،وفيه الترغيب لهم بأن يتصدقوا برءوس
727
أموالهم على من أعسر وجعل ذلك خيرا من النظار قــاله
السدي .
ونقل ابن جرير الطبري في تفسيره أن المــراد :التصــدق
برءوس أموالكم على الغني والفقير منهم قــال ) :وأولــى
التأويلين بالصــواب تأويــل مــن قــال :معنــاه وأن تصــدقوا
على المعسر بــرءوس أمــوالكم خيــر لكــم لنــه يلــي ذكــر
حكمه فـي المعنييـن وإلحـاقه بالـذي يليـه أحـب إلـي مـن
إلحاقه بالذي بعد منه ( ). (6
ن { ) (7جــوابه محــذوف أي إن مــو َ م ت َعْل َ ُ
ن ك ُن ْت ُـ ْ
قــوله } :إ ِ ْ
ما
كنتم تعلمون أنه خير لكم عملتم به ،قوله َ } :وات ُّقوا ي َوْ ً
{ ) (8هو يوم القيامة ،وتنكيــره للتهويــل ،وهــو منصــوب
ن ِفيـهِ إ َِلـى جُعـو َ
على أنه مفعول به ل ظـرف ،قـوله } ت ُْر َ
الل ّـهِ { ) (9وصــف لــه ,وذهــب قــوم إلــى أن هــذا اليــوم
المـذكور هـو يـوم المـوت وذهـب الجمهـور إلـى أنـه يـوم
القيامة كما تقدم قــوله إلــى اللــه وفيــه مضــاف محــذوف
ت{) ما ك َ َ
ســب َ ْ س َل ن َْف ٍ م ت ُوَّفى ك ُ ّ تقديره إلى حكم الله } ث ُ ّ
(10من النفوس المكلفة ما كسبت أي :جزاء ما عملــت
ن { ) (11حاليــة , مو َ م َل ي ُظ ْل َ ُ
من خير أو شر وجملة } وَهُ ْ
وجمع الضمير لنه أنســب بحــال الجــزاء ,كمــا أن الفــراد
أنسب بحال الكسب ,
__________
) (1سورة البقرة الية 279
) (2سورة البقرة الية 279
) (3سورة البقرة الية 279
) (4سورة البقرة الية 280
) (5سورة البقرة الية 280
) (6تفسير الطبري ,ج 6ص . 35
) (7سورة البقرة الية 280
) (8سورة البقرة الية 281
) (9سورة البقرة الية 281
) (10سورة البقرة الية 281
) (11سورة البقرة الية 281
728
وهذه اليـة فيهــا الموعظـة الحســنة لجميـع النــاس ,وقـد
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبــي حــاتم عــن الســدي
َ
ي
مــا ب َِقـ َه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ نآ َ ذي َ في قوله َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
ن الّرَبا { ) (1قال :نزلت في العباس بن عبد المطلــب م َ
ِ
ورجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية يسلفان
الربــا إلــى نــاس مــن ثقيــف فجــاء الســلم ولهمــا أمــوال
عظيمة في الربا .فأنزل الله هذه الية ,وأخرج ابن جرير
عن ابن جريج قال :كانت ثقيف قد صــالحت النــبي صــلى
الله عليه وسلم على أن ما لهم من ربا علــى النــاس ومــا
كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع ,فلمــا كــان الفتــح
استعمل عتاب بن أسيد على مكة ,وكانت بنــو عمــرو بــن
عوف يأخذون الربا مــن بنــي المغيــرة وكــان بنــو المغيــرة
يربون لهم في الجاهلية ,فجاء السلم ولهــم عليهــم مــال
كثير فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم فأبى بنو المغيــرة أن
يعطوهم في الســلم ورفعــوا ذلــك إلــى عتــاب بــن أســيد
فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت
َ
ن الّرَبــا { م َي ِ ما ب َِق َ ه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ نآ َ ذي َ َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
) (2فكتب بهــا رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم إلــى
عتاب وقـال :إن رضـوا وإل فـآذنهم بحــرب ,وبســند ابـن
ْ
ب{ حـْر ٍ جرير وغيره عن ابن عباس في قوله } :فَـأذ َُنوا ب ِ َ
) (3قال :من كان مقيما على الربا ل ينزع منه فحق على
إمام المسلمين أن يستتيبه ،فإن نــزع وإل ضــرب عنقــه ,
ْ
ب { ) (4قال : حْر ٍ وأخرجوا أيضا عنه في قوله } :فَأذ َُنوا ب ِ َ
استيقنوا بحرب ،وأخرج أهل السنن وغيرهــم عــن عمــرو
الحوص أنه شهد حجة الوداع مع رســول اللــه صــلى اللــه
عليــه وســلم فقــال » :أل وإن كــل ربــا فــي الجاهليــة
موضوع ,لكم رءوس أمــوالكم ل تظلمــون ول تظلمــون ،
وأول ربا موضوع ربا العباس « ) . (5وأخرج ابن منده عن
ابن عباس قال :نزلــت هــذه اليــة فــي ربيعــة بــن عمــرو
َ
م { ) (6وبالسند وال ِك ُ ْم َسأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْ ن ت ُب ْت ُ ْوأصحابه } وَإ ِ ْ
س ـَرةٍ { ذو عُ ْ ن ُ ن ك َــا َ عن ابن عباس في قوله تعالى } :وَإ ِ ْ
) (7قال :نزلت في الربا ،وأخرج عبد الرزاق بالسند عن
ابن جريج عن الضحاك في اليــة قــال :وكــذلك كــل ديــن
729
على مسلم ,وأخرج ابن أبــي حــاتم عــن ســعيد بــن جــبير
نحوه وقد وردت أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهمــا
في الترغيب لمن له دين على معسر أن ينظره ,وبالسند
عن ابن عباس قال :آخر آية نزلت مــن القــرآن } َوات ُّقــوا
ن ِفيهِ إ َِلى الل ّـهِ { ) (8وعــن ابــن عبــاس أيضــا
جُعو َما ت ُْر َ
ي َوْ ً
كان بين نزولها وبين موت النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم
إحدى وثمانون يوما ,وعن سعيد بن جبير أنه عاش النــبي
صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال ) (9ا هـ .
__________
) (1سورة البقرة الية 278
) (2سورة البقرة الية 278
) (3سورة البقرة الية 279
) (4سورة البقرة الية 279
) (5سنن الترمذي تفسير القرآن ),(3087سنن ابن ماجه
المناسك ).(3055
) (6سورة البقرة الية 279
) (7سورة البقرة الية 280
) (8سورة البقرة الية 281
) (9فتح القدير )1ص 297ـ . ( 299 -298
خلصة التفسير
تلخص من مجموع ما أوردناه في تفسير اليات ما يأتي :
-1المــراد بأكــل الربــا جميــع التصــرفات وعــبر عــن ذلــك
بالكل لنه الغرض الرئيسي وغيره من الغراض تبع له .
-2تشبيه المرابــي بالمصــروع لن المصــروع يتخبــط فــي
سيره فينهض ويسقط وكذلك آكل الربا يوم القيامة .
-3تشبيه البيع بالربا مبالغة في جعل الربا أصل في الحــل
والبيع فرعا والعكس هو الصحيح .
-4المحقق يشمل ما يأتي :
أ -المحق بالكلية بحيث يذهب المال من يد المرابــي دون
أن ينتفع به .
ب -محق بركة المال مهما كثر فإن عاقبته إلى قل .
-5إسدال الســتر علــى مــا ســبق مــن تعــاطي الربــا قبــل
تحريمه فل يلحق المرء تبعته .
730
-6الترغيب في بذل الصدقات للوعد الكريــم بتنميــة اللــه
لها .
-7الوعيد الشديد لمن يزاول تعاطي الربا بعد التحريم .
-8للمرابي أن يأخذ رأس ماله ويدع الزيادة عليه .
-9الترغيب في إنظار المعسر أو إبراء ذمته من الدين .
-10توجيه النظار ليوم القيامة والتذكير بالوقفة فيه أمام
رب العزة للحساب والجزاء على العمال .
) مبحث الربا في السنة النبوية (
قوام الدين وعمــاده والمصــدر الــذي يؤخــذ منــه التشــريع
كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقــد
عرضنا فيما تقدم من هذا المبحــث لليــات الـتي ورد فيهـا
ذكر الربا وتحريمه
والوعيد عليه ونردف ذلك بما ورد في الســنة النبويــة فــي
موضوع الربا ولن نستعرض كل الحاديث الواردة في ذلك
وإنما نكتفي منها بما يلي :
- 1حديث أبي هريرة رضي الله عنــه قــال :قــال رســول
الله صلى الله عليه وسلم » اجتنبوا السبع الموبقات قالوا
:يا رسول الله وما هــن؟ قــال :الشــرك بــالله ,والســحر
وقتل النفس التي حرم الله إل بالحق ,وأكل الربا ,وأكــل
مــال اليــتيم ,والتــولي يــوم الزحــف ,وقــذف المحصــنات
الغافلت المؤمنات « ) (1رواه البخاري ومسلم .
الشرح
قوله )اجتنبوا( أي :أبعدوا وهو أبلغ من قوله دعوا واتركوا
ش
ح َ لن النهي عن القربان أبلغ كقوله } :وََل ت َْقَرُبوا ال َْف َ
وا ِ
ن { ) (2قــوله :الموبقــات أي : مــا ب َ َ
طــ َ مــا ظ ََهــَر ِ
من َْهــا وَ َ َ
المهلكات وسميت هــذه موبقــات لنهــا تهلــك فاعلهــا فــي
الدنيا بمــا يــترتب عليهــا مــن العقوبــات وفــي الخــرة مــن
العذاب ,وفي حـديث ابـن عمـر عنـد البخـاري فـي الدب
المفــرد والطــبري فــي التفســير وعبــد الــرزاق مرفوعــا
وموقوفا قال » :الكبائر تسع وذكر السبعة المذكورة وزاد
واللحاد في الحرم وعقــوق الوالــدين « ) (3إلــى آخــر مــا
أفــاض فيــه شــارح الحــديث فــي تعــداد الكبــائر ،قــوله :
)الشرك بالله( هو أن يجعل لله ندا يدعوه ويرجوه ويخافه
731
كما يخاف الله .بدأ به لنه أعظم ذنب عصي الله بــه فــي
الرض كما في الصحيحين عن ابن مسعود » سألت النبي
صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله قــال :أن
تجعــل للــه نــدا وهــو خلقــك « ) (4الحــديث ،وأخرجــه
الترمذي بسنده عن صفوان بــن عســال ثــم أورد الحــديث
بتمامه وقال :صحيح .
قوله ) :السحر( السحر في اللغة عبارة عما خفي ولطــف
سببه ،وقال في الكافي :السحر عزائم ورقــى يــؤثر فــي
القلوب والبدان إلى آخر مــا أفــاض فيــه الشــارح يرحمــه
الله ،قوله ) :وقتل النفس التي حرم الله( أي حـرم اللـه
قتلها وهي نفس المسلم المعصوم ) .إل بالحق( أي :بــأن
تفعل ما يوجب قتلها ,قوله ) :وأكل الربا( تناوله بأي وجه
ن إ ِّل ْ
مــو َ ن الّرب َــا َل ي َُقو ُ ن ي َـأك ُُلو َذي َكان كما قال تعالى } :ال ّ ِ
س { ) (5اليــات م ّ ن ال ْ َ م َن ِ شي ْ َ
طا ُ ه ال ّ خب ّط ُ ُ
ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ
ما ي َُقو ُكَ َ
من سورة البقــرة ،قــال ابــن دقيــق العيــد :وهــو مجــرب
لسوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك وأكل مــال اليــتيم يعنــي
التعدي فيه وعبر بالكل لنه أعـم وجـوه النتفـاع ,قـوله :
) والتولي يوم
__________
) (1صحيح البخاري الوصايا ),(2615صحيح مسلم اليمان
),(89ســنن النســائي الوصــايا ),(3671ســنن أبــو داود
الوصايا ).(2874
) (2سورة النعام الية 151
) (3سنن أبو داود الوصايا ).(2874
) (4صحيح البخاري تفسير القرآن ),(4207صحيح مســلم
اليمان ),(86سنن الترمذي تفسير القرآن ),(3183ســنن
النســائي تحريــم الــدم ),(4014ســنن أبــو داود الطلق )
,(2310مسند أحمد بن حنبل ).(1/434
) (5سورة البقرة الية 275
الزحف( أي الدبار عن الكفار وقت التحام القتــال ،وإنمــا
يكون كبيرة إذا فر إلى غير فئة أو غير متحرف لقتال كمــا
َ
ن
ذي َ قيد به في الية ) (15في سورة النفــال } ي َــا أي ّهَــا ال ّـ ِ
م اْل َد َْباَر { )(1 حًفا فََل ت ُوَّلوهُ ُ ن ك ََفُروا َز ْ ذي َم ال ّ ِذا ل َِقيت ُ ُ
مُنوا إ ِ َآ َ
732
وقــوله ) :وقــذف المحصــنات الغــافلت المؤمنــات ( أي :
المحفوظات من الزنا والمراد الحرائر العفيفات ). (2
- 2حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه » أن النــبي
صلى الله عليه وســلم لعــن آكــل الربــا ومــؤكله وشــاهديه
وكاتبه « ) (3رواه الخمسة وصححه الترمذي غير أن لفظ
النسائي » :آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكــاتبه إذا علمــوا
ذلك ملعونون على لسان محمــد صــلى اللــه عليــه وســلم
يوم القيامة « ). (4
- 3عبد الله بن حنظلة غسيل الملئكة قال :قال رســول
الله صلى الله عليه وسلم » :درهم من ربا يــأكله الرجــل
وهو يعلم أشد من ست وثلثين زنية « ) (5رواه أحمد .
الشرح
حــديث ابــن مســعود أخرجــه أيضــا ابــن حبــان والحــاكم
وصــححاه وأخرجــه مســلم مــن حــديث جــابر بلفــظ » أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكــل الربــا ومــؤكله
وكاتبه وشاهديه « ) (6وقال :هم سواء .وفي الباب عــن
علــي رضــي اللــه عنــه عنــد النســائي وعــن أبــي جحفــة ,
وحديث عبد الله بــن حنظلــة أخرجــه أيضــا الطــبراني فــي
الوسط والكبير قــال فــي مجمــع الــزوائد :ورجــال أحمــد
رجال الصحيح ،ويشهد لــه حــديث الــبراء عنــد ابــن جريــر
بلفظ » :الربا اثنان وستون بابا أدناها مثــل إتيــان الرجــل
أمه « ) (7وهو حديث صــحيح ,وحــديث أبــي هريــرة عنــد
البيهقي بلفظ » :الربا ثلثة وســبعون بابــا أدناهــا مثــل أن
ينكح الرجل أمه « ) ، (8وأخرج ابن جرير نحــوه ،وكــذلك
أخرج عنه نحوه ابن أبي الدنيا وحديث عبد الله بن مسعود
عند الحاكم وصــححه بلفــظ » :الربــا ثلثــة وســبعون بابــا
أيسرها مثل أن ينكح الرجــل أمــه وأن أربــى الربــا عــرض
الرجل المسلم « ) (9وهــو حــديث صــحيح ،وقــوله )آكــل
الربا( ومؤكله بسكون الهمزة بعد الميم ويجوز إبدالها واوا
أي :ولعن مطعمه غيره ،وسمي آخذ المال آكل ،ودافعه
مؤكل ؛ لن المقصود منه
__________
) (1سورة النفال الية 15
733
) (2فتح المجيــد )ص 237إلــى (240فتــح البــاري \ 12
,184-181وصحيح مسلم بشرح النووي . 88-83 \ 2
) (3صحيح مسلم المساقاة ),(1597سنن الترمذي البيوع
),(1206سنن أبــو داود الــبيوع ),(3333ســنن ابــن مــاجه
التجارات ),(2277مسند أحمد بــن حنبــل ),(1/465ســنن
الدارمي البيوع ).(2535
) (4سنن النسائي الزينة ),(5102مسند أحمد بن حنبــل )
.(1/465
) (5مسند أحمد بن حنبل ).(5/225
) (6صحيح مسلم المساقاة ),(1597سنن الترمذي البيوع
),(1206ســنن النســائي الطلق ),(3416ســنن أبــو داود
البيوع ),(3333سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2277مســند
أحمد بن حنبل ),(1/465سنن الدارمي البيوع ).(2535
) (7سنن ابن ماجه التجارات ).(2274
) (8سنن ابن ماجه التجارات ).(2274
) (9سنن ابن ماجه التجارات ).(2275
الكل وهو أعظم منافعه وسببه إتلف أكثر الشياء .
قــوله ) :وشــاهديه( روايــة أبــي داود بــالفراد والــبيهقي
وشاهديه أو شاهده ،قــوله ) :وكــاتبه( دليــل علــى تحريــم
كتابة الربا إذا علــم ذلــك ،وكــذلك الشــاهد ل يحــرم عليــه
الشهادة إل مع العلم ،فأما من كتب أو شهد غير عالم فل
يدخل في الوعيــد ,قــوله ) :أشــد مــن ســت وثلثيــن . . .
إلخ ( يدل على أن معصــية الربــا مــن أشــد المعاصــي لن
المعصــية الــتي تعــدل معصــية الزنــا الــتي هــي فــي غايــة
الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور بل أشــد منهــا ل
شك أنها قد تجاوزت الحد في القبح ،وأقبح منها استطالة
الرجل في عرض أخيه المسلم ولهذا جعله الشــارع أربــى
الربا .فالرجل يتكلم بالكلمة التي ل يجد لها لــذة ول تزيــد
في ماله ول جاهه فيكون إثمه عند الله أشد مــن إثــم مــن
زنى ستا وثلثين زنية هذا ما ل يصنعه بنفسه عاقل ). (1
- 4حديث سمرة بن جندب الطويل نجتزئ منه بما يلــي :
قال » :كان رسول الله صلى الله عليــه وســلم إذا صــلى
الغداة أقبل علينا بوجهه فقال :هل رأى منكم أحــد الليلــة
734
رؤيا فإن كان أحد رأى فيها رؤيا قصها عليه فيقول فيها ما
شاء الله ،فسألنا يوما هل رأى أحد منكم رؤيا فقلنــا :ل ،
قــال :ولكنــي رأيــت الليلــة رجليــن أتيــاني فأخــذا بيــدي
فأخرجــاني إلــى أرض مســتوية أو فضــاء ،فمررنــا برجــل
جالس ورجــل قــائم علــى رأســه وبيــده كلــوب مــن حديــد
يدخله في شدقه فيشقه حتى يبلغ فــاه ثــم يفعــل بشــدقه
الخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيه فيصنع به مثل
ذلك ،قال :قلت ما هذا؟ قال :انطلق ،واستمر الرسول
صــلى اللــه عليــه وســلم فــي ســرد رؤيتــه إلــى أن قــال :
فانطلقنا حتى نأتي على نهر من دم فيه رجل قائم وعلــى
شط النهر رجل قائم بين يديه حجارة فأقبــل ذلــك الرجــل
الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج منه رمى الرجــل بحجــر
في فيه فرده حيث كان ،فجعل كلما جاء ليخرج رمى في
فيه بحجر فرده حيث كان ،فقلت لهمــا :مــا هــذا؟ قــال :
انطلق « ) . (2الحديث أخرجه البخــاري نعــرض بعــد هــذا
لليضاح عن الفقرات الــتي وردت فــي هــذا الحــديث عــن
الملكين :
قال :أما الرجل الذي رأيت يشق شدقه فإنه رجــل كــذاب
يتحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الفاق فهو يصــنع بــه
ما ترى إلى يوم القيامة ،وأما الرجــل الــذي رأيتــه يشــدخ
رأسه فإن ذلك رجل علمه اللــه القــرآن فنــام عنــه بالليــل
ولم يعمل بما فيه بالنهار فهو
__________
) (1نيل الوطار ,ح ) 5ص . (297-296
) (2صحيح البخاري التعبير ),(6640صحيح مسلم الرؤيا )
,(2275ســنن الترمــذي الرؤيــا ),(2294مســند أحمــد بــن
حنبل ).(5/15
يعمل به ما رأيت إلى يوم القيامة ،وأما الــذي رأيــت فــي
نهر الدم فذاك آكل الربا وهذه الفقرة هي المقصودة مــن
إيراد هذا الحديث ). (1
وعلق المام الذهبي في كتابه الكبائر على هذا الحديث أو
على الفقرة التي جاء فيها الوعيد لكل الربا بقــوله " . . .
إن آكــل الربــا يعــذب مــن حيــن يمــوت إلــى يــوم القيامــة
735
بالسـباحة فـي النهـر الحمـر الـذي هـو مثـل الـدم ويلقـم
بالحجارة وهو المال الحرام الــذي كــان جمعــه فــي الــدنيا
يكلف المشقة فيه ويلقم حجارة من نار كما ابتلــع الحــرام
في الدنيا ،هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مــع
لعنة الله له كما في حديث أبي أمامــة بســند ضــعيف جــدا
أن رسول الله صلى الله عليــه وســلم قــال » :أربــع حــق
على الله أن ل يدخلهم الجنــة ول يــذيقهم نعيمهــا :مــدمن
الخمر ،وآكل الربا ،وآكل مال اليتيم بغيــر حــق ،والعــاق
لوالــديه إل أن يتوبــوا « ) (2أخرجــه الحــاكم وأبــو الشــيخ
والمقدســـي فـــي المختـــارة ،وقـــد ورد أن أكلـــة الربـــا
يحشرون في صور الكلب والخنازير من أجل حيلهم علــى
أكل الربا كمــا مســخ أصــحاب الســبت حيــن تحيلــوا علــى
إخراج الحيتان التي نهاهم الله عن اصطيادها يوم الســبت
فحفروا لها حياضا تقع فيها يــوم الســبت ،فيأخــذونها يــوم
الحــد .فلمــا فعلــوا ذلــك مســخهم اللــه قــردة وخنــازير ،
وهكذا الذين يتحيلون على الربا بأنواع الحيــل فــإن اللــه ل
تخفى عليه حيل المحتالين ) . (3ا هـ .
وحسبنا الحاديث التي أوردناها عن الربا وبشاعته وعقوبة
المرابين ،ننتقل بعد ذلك إلى :
__________
) (1شرح السنة ,ص . 53-52-51
) (2سنن النسائي الزكاة ),(2562مسند أحمد بن حنبل )
.(2/69
) (3الكبائر ,ص . 69-68
مبحث حكم الربا في السلم
وقد تقدم من آي الكتاب العزيز ،والسنة النبوية ما يشــعر
ويوجب تحريم الربا مما ل يدع مجــال للــتردد فــي ذلــك أو
التأويــل ولــم يحــرم الســلم شــيئا إل لحكمــة واضــحة أو
منفعــة تعــود علــى العبــاد وتبعــا لتحريمــه حــرم الوســائل
المفضية إليه سدا للذريعة ،فمثل :حرم بيع العينة بكســر
العين وفتح النون وهي :أن تباع سلعة بثمــن معلــوم إلــى
أجل ثم يشتريها البائع مــن المشــتري بأقــل ليبقــى الكــثير
في ذمته ،وسميت عينـة لحصــول العيــن أي النقــد فيهــا ؛
736
ولنه يعود إلى البائع عين ماله ،واستدل لتحريم بيع العينة
بالحــديث الــذي رواه أبــو داود عــن ابــن عمــر رضــي اللــه
عنهما قال :سمعت رسول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم
يقول » :إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ،ورضيتم
بالزرع ،وتركتم الجهــاد ،ســلط اللــه عليكــم ذل ل ينزعــه
حتى تراجعوا دينكم « ). (1
ففي هذا الحديث دليل على تحريم هذا البيع ،وذهب إليــه
مالك وأحمد وبعض الشافعية قالوا :لما فيــه مــن تفــويت
مقصد الشارع مــن المنــع عــن الربــا وســد الــذرائع ،قــال
القرطبي :لن بعض صور هذا البيع تــؤدي إلــى بيــع التمــر
بالتمر متفاضل ويكون الثمــن لغــوا ) . (2ا هــ .نعــود إلــى
الحديث آنف الذكر » إذا تبــايعتم بالعينــة « ) (3الحــديث .
لنكشف عن صحته وهل عليه مأخذ من حيث سنده يهبــط
به عن درجة الصحة .
يقول الشيخ محمد ناصر الــدين اللبــاني حفظــه اللــه فــي
كتابه )سلسلة الحاديث الصـحيحة( " :هـو حـديث صـحيح
لمجموع طرقه وقد وقفت على ثلث منهــا كلهــا عــن ابــن
عمر رضي الله عنه مرفوعا ،الولــى :عــن إســحاق أبــي
عبد الرحمن أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعا حدثه عن
ابن عمــر قــال :فــذكره -أي الحــديث -إلــى أن قــال -أي
الشيخ اللباني : -روي ذلك من وجهين عن عطاء بن أبــي
رباح عن ابن عمر يشير بذلك إلــى تقويــة الحــديث ،وقــد
وقفت علــى أحــد الــوجهين المشــار إليهمــا وهــو الطريــق
الثانية :عن أبي بكر بن عياش عن العمش عن عطاء بن
أبي رباح عن ابن عمر أخرجه أحمــد ،الثالثــة :عــن شــهر
بن حوشب عن ابن عمر رواه أحمد .
ثم وجدنا له شاهدا من روايـة بشــير بــن زيــاد الخراســاني
حدثنا ابن جريج عن عطاء عن جــابر ســمعت رســول اللــه
صلى الله عليه وسلم -فذكره -أي الحديث ،أخرجــه ابــن
عدي في ترجمة بشير هذا من )الكامل( وهو غير معروف
،في حديثه بعض النكارة ،وقال الذهبي ولم يــترك ). (4
وجاء فــي )معــالم الســنن( تــوجيه الخطــابي لوجهــة نظــر
المحرمين للعينة ،قــال المحرمــون للعينــة :الــدليل علــى
737
تحريمها مــن وجــوه ,أحــدها :أن اللــه تعــالى حــرم الربــا
والعينة وسيلة إليه بل هي من أقــرب وســائله ،والوســيلة
إلــى الحــرام حــرام ،فهنــا مقامــان أحــدهما :بيــان كونهــا
وسيلة ،والثاني :بيان الوسيلة إلى الحــرام حــرام ،فأمــا
الول فيشهد له النقل والعرف والنية
__________
) (1سنن أبو داود البيوع ),(3462مسند أحمد بن حنبــل )
.(2/84
) (2سبل السلم ,ج , 3ص . 55
) (3سنن أبو داود البيوع ),(3462مسند أحمد بن حنبــل )
.(2/84
) (4سلسلة الحاديث الصحيحة ,ج , 1ص 15ـ . 16
والقصد وحال المتعاقــدين ثــم أورد جملــة أحــاديث تصــور
البيع بالعينة إلى أن قال :وأما شهادة العرف بذلك فأظهر
من أن تحتــاج إلــى تقريــر بــل قــد علــم اللــه وعبــاده مــن
المتبايعين قصــدهما أنهمــا لــم يعقــدا علــى الســلعة عقــدا
يقصــدان بــه تملكهــا ,ول غــرض لهمــا فيهــا بحــال وإنمــا
الغرض والمقصــود بالقصــد الول ،مــائة بمــائة وعشــرين
وإدخال تلــك الســلعة فــي الوســط تلــبيس وعبــث ،وهــي
بمنزلة الحرف الذي ل معنى لـه فـي نفسـه بـل جيـء بـه
لمعنى فــي غيــره ،حــتى لــو كــانت تلــك الســلعة تســاوي
أضعاف ذلك الثمن أو تســاوي أقــل جــزء مــن أجــزائه لــم
يبالوا بجعلها موردا للعقد لنهم ل غرض لهم فيهــا ،وأهــل
العرف ل يكابرون أنفسهم فـي هـذا .وأمـا النيـة والقصـد
فــالجنبي المشــاهد لهمــا يقطــع بــأنه ل غــرض لهمــا فــي
السلعة وإنما القصد الول مائة بمائة وعشرين فضــل عــن
علم المتعاقدين ونيتهما ،ولهــذا يتواطــأ كــثير منهــم علــى
ذلك قبل العقد ثم يحضران تلك الســلعة محلل لمــا حــرم
الله ورسوله .
وأما المقام الثاني وهــو أن الوســيلة إلــى الحــرام حــرام ،
فبــانت بالكتـاب والسـنة والفطــرة والمعقــول ،فـإن اللـه
سبحانه مسخ اليهود قردة وخنازير لما توسلوا إلى الصــيد
الحــرام بالوســيلة الــتي ظنوهــا مباحــة ،وســمى أصــحاب
738
رسول الله صـلى اللـه عليـه وسـلم والتــابعون مثــل ذلـك
مخادعة كما تقدم ،وقال أيوب السختياني :يخادعون الله
كما يخــادعون الصــبيان ،لــو أتــوا المــر علــى وجهــه كــان
أسهل .والرجوع إلى الصحابة في معاني اللفــاظ متعيــن
سواء كانت لغوية أو شرعية والخداع حــرام ,وأيضــا فــإن
هذا العقد يتضمن إظهار صورة مباحة وإضمار ما هو أكــبر
من الكبائر فل تنقلب الكبيرة مباحة بإخراجهــا فــي صــورة
البيع الذي لم يقصد نقل الملــك فيــه أصــل .وإنمــا قصــده
حقيقة الربا .
وأيضا فإن الطريق متى أفضت إلى الحرام فإن الشــريعة
ل تأتي بأختها أصل ؛ لن إباحتها وتحريــم الغايــة جمــع بيــن
النقيضــين ،فل يتصــور أن يبــاح شــيء ويحــرم مــا يفضــي
إليه ،بل ل بد من تحريمهمــا أو إباحتهمــا .والثــاني باطــل
قطعا فتعين الول ،وأيضا فإن الشارع إنما حرم الربا لن
فيه أعظم الفساد والضرر فل يتصور مع هذا أن يبيــح هــذا
الفساد العظيم بأيسر شيء يكون من الحيل ) (1ا هـ .
__________
) (1مختصر سنن أبي دواد ,ج 5ص )( 102 ,101 ,100
.
ولشيخ السلم ابن تيمية -يرحمه الله -جملة فتـاوى فـي
مسألة بيع العينــة منهــا :أنــه ســئل عــن رجــل طلــب مــن
إنسان ألف درهــم إلــى ســنة بــألف ومــائتي درهــم فبــاعه
فرسا أو قماشا بألف درهــم واشــتراه منــه بــألف ومــائتي
درهم إلى أجل معلوم .
فأجــاب :ل يحــل لــه بــذلك بــل هــو ربــا باتفــاق الصــحابة
والعلماء ،كما دلت على ذلك سنة رسول الله صــلى اللــه
عليه وسلم .سئل ابن عباس رضي الله عنه عن رجل باع
حريرة تم ابتاعها لجل زيادة درهم فقال :دراهــم بــدراهم
دخلت بينهما حريرة ،وسئل عن ذلك أنس بن مالك فقال
:هذا مما حرم الله ورسوله .وقالت عائشة لم ولــد زيــد
بن أرقم في نحو ذلك :بئس ما شريت وبئس ما اشتريت
،أخبري زيدا أنه قد أبطل جهــاده مــع رســوله اللــه صــلى
اللــه عليــه وســلم إل أن يتــوب .فمــتى كــان المقصــود
739
المتعامل دراهم بدراهم إلى أجل ،فإنما العمــال بالنيــات
وإنما لكل امرئ ما نوى .
فســواء بــاع المعطــى الجــل أو بــاع الجــل المعطــى ثــم
استعاد السلعة ,وفي السنن عـن النـبي صـلى اللـه عليـه
وسلم أنه قال » :من باع بيعتين في بيعــة فلــه أوكســهما
أو الربا « ) , (1وفيه أيضا » :إذا تبــايعتم بالعينــة واتبعتــم
أذناب البقـر وتركتــم الجهــاد فــي سـبيل اللـه أرسـل اللـه
عليكم ذل ل يرفعه عنكم حــتى ترجعــوا إلــى دينكــم « )(2
وهذا كله بيع العينة وهو بيعتان في بيعة ،وقال صلى اللــه
عليه وسلم » :ل يحل سلف وبيــع ول ســلف ول شــرطان
في بيع ول ربح ما لم يضمن ول بيع ما ليـس عنـدك « )(3
قــال الترمـذي :حـديث صــحيح ،فحـرم صـلى اللـه عليــه
وسلم أن يبيع الرجل شيئا ويقرضه مــع ذلــك فــإنه يحــابيه
فــي الــبيع لجــل القــرض حــتى ينفعــه فهــو ربــا .وهــذه
الحــاديث وغيرهــا تــبين أن مــا تواطــأ عليــه الــرجلن بمــا
يقصدان به دراهم بدراهم أكثر منها إلــى أجــل فــإنه ربــا ،
سواء كان يبيع ثم يبتاع أو يبيع ويقــرض ومــا أشــبه ذلــك ،
والله أعلم ). (4
__________
) (1سنن الترمذي البيوع ),(1231سنن النسائي الــبيوع )
,(4632ســنن أبــو داود الــبيوع ),(3461مســند أحمــد بــن
حنبل ).(2/432
) (2سنن أبو داود البيوع ),(3462مسند أحمد بن حنبــل )
.(2/84
) (3سنن الترمذي البيوع ),(1234سنن النسائي الــبيوع )
,(4611ســنن أبــو داود الــبيوع ),(3504ســنن ابــن مــاجه
التجارات ),(2188سنن الدارمي البيوع ).(2560
) (4مجموع الفتاوى ,ج 29ـ ص 433 ,432 ,431
الخلصة
اتضح مما أوردناه من آي الكتاب العزيز وتفسيرها والسنة
النبوية وشروحها وأقوال الصحابة والتابعين :اتضح تحريـم
الربا في السلم والوسائل المفضية إليه فتلخص من ذلك
ما يأتي :
740
- 1النهي عن تعاطي الربا بكل اللوان والوسائل .
- 2إنه من الموبقات أي المهلكات .
- 3إنه من كبائر الذنوب .
- 4لعن آكل الربا ومؤكله وكل من تعاون عليــه بكتابــة أو
شهادة .
- 5معصية أكل الربا تجاوزت الحد في القبــح لنهــا تعــدل
معصية الزنا .
- 6آكل الربا كما جاء في حــديث ســمرة وتعليــق صــاحب
شرح السنة :يعذب في البرزخ بالسباحة في النهر الحمر
،ويلقم بحجارة من نار ،وعليــه اللعنــة ثــم الحيلولــة بينــه
وبين دخول الجنة .
- 7حرمة عرض المسلم وتحريم الستطالة فيه .
- 8أكلة الربا يحشرون في صــورة الكلب والخنــازير مــن
أجل تحيلهم على أكله .
- 9من وسائل التحيل لكل الربا بيع العينة .
- 10الوعيد الوارد على التبايع بالعينة .
- 11الوسيلة للحرام محرمة .
- 12تحريم الربا وإباحة الوسيلة الموصــلة إليــه هــو جمــع
بين النقيضين وذلك ل يقره السلم .
- 13ل يحل سلف وبيع ،ول شرطان في بيع ،ول ربح ما
لم يضمن ،ول بيع ما لم يكن تحت تصرف البائع .
- 14مــا تواطــأ عليــه البــائع والمشــتري بمــا يقصــدان بــه
دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل فإنه ربا ،سواء كان يبيع
ثم يبتاع أو يبيع ويقرض وأمثال ذلك .
مضار الربا وحكمة تحريمه
قلــت فــي مقدمــة هــذا البحــث :إن الســلم ديــن العمــل
وبقدر ما يعمل المسلم يأخــذ ،أمــا التبطــل والقعــود عــن
الكســب المشــروع اتكــال علــى مجهــود الغيــر أو اعتــدادا
بغنيمة باردة تصل إليه فليس ذلك من دين السلم بل هــو
مناقض لما جاء به السلم .ومن ثم نجد المــدخل لمضــار
الربا فهو تبطل يعيش المتعاطي له علــى حســاب الغيــر ؛
يأكل كسبهم ويمتص نشاطهم إلــى آخــر مــا ســطرته فــي
المقدمــة ،بالضــافة إلــى أنــه يســبب العــداء بيــن أفــراد
741
المجتمـــع .وديـــن الســـلم ديـــن الـــتراحم والتعـــاطف
والمساواة ل يقر الهامل الذي يعيش كالمتطفل على كدح
غيره ،يستمرئ حياة الدعة ليأكل الربا غنيمــة بــاردة دون
عناء وجهــد فــي الكســب ،ولــذلك أبــاح اللـه الــبيع وحــرم
الربا ؛ للفارق العظيم بين البيع والربا ،فالبيع :كــد وجهــد
مبــذول ولقمــة يأكلهــا البــائع مــن عــرق الجــبين ،بخلف
المرابي فإنه تتضخم ثروتــه وينمــو مــاله بالغنيمــة البــاردة
التي يستبزها من الفقير المحتاج .
وهنالك خســارة قــد تحيــق بــالمرابي دون أن يحســب لهــا
حســابا أل وهــي هبــوط الســعار والــديون الــتي أثقــل بهــا
نفســه وأخــذها بفــائدة ليوســع بهــا تجــارته قــد ينجــم عنــه
الفلس ،فهــو مضــطر إذا حــان أجــل التســديد أن يــبيع
السلعة برأس مالها حتى يأتي على كل السلع الــتي تحــت
يديه والتي كانت قوام تجارته ويغدو صفر اليدين ،بــل قــد
تلجئه الحاجة إلى أن يتكفف الناس أو يركن إلى الستدانة
حقُ الل ّ ُ
ه الّرب َــا { م َ
،وذلك ما تترجم عنه الية الكريمة } :ي َ ْ
) (1والحــديث النبــوي الشــريف » :الربــا وإن كــثر فــإن
عاقبته إلى قل « ) (2أو كما قال رســول اللــه صــلى اللــه
عليه وسلم .
وذكر بعض العلماء المعاصرين عن مضار الربا أنــه وســيلة
للستعمار وشقائه فقد ثبــت أن الغــزو القتصــادي القــائم
علــى المعــاملت الربويــة كــان التمهيــد الفعــال للحتلل
العسكري الذي سقطت أكثر دول الشرق تحــت رحمتــه ،
فقد اقترضت الحكومــات الشــرقية بالربــا وفتحــت أبــواب
البلد للمرابين الجانب فما هي إل ســنوات معــدودة حــتى
تسربت
__________
) (1سورة البقرة الية 276
) (2سنن ابن مــاجه التجــارات ),(2279مســند أحمــد بــن
حنبل ).(1/395
الثروة من أيدي المــواطنين إلــى هــؤلء الجــانب حــتى إذا
أفــاقت الحكومــات وأرادت الــذود عــن نفســها وأموالهــا
استعدى هؤلء الجانب عليها دولهم فدخلت باســم حمايــة
742
رعاياها ،ثم تغلغلت هي كــذلك فوضــعت يــدها مســتثمرة
مرافق البلد ،ولهذا لعن رســول اللــه آكــل الربــا ومــؤكله
وكاتبه وشاهديه ،وقال :هم سواء ). (1
أمــا حكمــة تحريــم الربــا فتشــمل الجــانب القتصــادي
والخلقي والجتماعي ،وتفصــيل ذلــك ملخصــا فيمــا جــاء
في تفسير الفخر الرازي وهي كما يلي :
- 1إن الربا يقتضي أخذ مال النسان من غير عوض ؛ لن
من يبيع الدرهم بالدرهمين يحصل له زيادة درهم من غيــر
عوض .ومال النسان متعلق بحــاجته ولــه حرمــة عظيمــة
كما جاء في الحديث » :حرمة مال المسلم كحرمــة دمــه
« ) (2فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرما .
- 2إن العتمــاد علــى الربــا يمنــع النــاس عــن الشــتغال
بالمكاسب ،وذلك لن صاحب الدرهم إذا تمكــن بواســطة
عقد الربا من تحصيل الــدرهم الــزائد نقــدا كــان أو نســيئة
خف عليه اكتساب وجه المعيشة ،فل يكاد يتحمل مشــقة
الكسب والصناعات الشــاقة والتجــارة وذلــك يفضــي إلــى
انقطاع منافع الخلق .ومن المعلــوم أن مصــالح العــالم ل
تنتظــم إل بالتجــارات والحــرف والصــناعات والعمــارات ،
وهذا هو الجانب القتصادي .
- 3إنــه يفضــي إلــى انقطــاع المعــروف بيــن النــاس مــن
القرض ؛ لن الربا إذا حرم طابت النفوس بقرض الدراهم
واســترجاع مثلــه .ولــو حــل الربــا لكــانت حاجــة المحتــاج
تحملــه علــى أخــذ الــدرهم بــدرهمين فيفضــي ذلــك إلــى
انقطاع المواساة والمعروف والحسان ،وهذا هو الجــانب
الخلقي .
- 4إن الغالب أن المقرض يكون غنيا والمستقرض يكــون
فقيرا ،فالقول بتجــويز عقــد الربــا تمكيــن مــن يأخــذ مــن
الفقير الضعيف مال زائدا وذلك غير جــائز برحمــة الرحيــم
وهذا هــو الجــانب الجتمــاعي .ومعنــى هــذا أن الربــا فيــه
اعتصار الضعيف لمصلحة القوي ونــتيجته أن يــزداد الغنــي
غنــى والفقيــر فقــرا ممــا يفضــي إلــى تضــخم طبقــة مــن
المجتمع على حساب طبقة
__________
743
) (1رواه مسلم ـ روح الدين السلمي ص . 332
) (2مسند أحمد بن حنبل ).(1/446
أو طبقات أخرى مما يخلق الحقاد والضــغائن ويــورث نــار
الصراع بين المجتمع بعضه ببعــض ،ويــؤدي إلــى الثــورات
المتطرفة والمبادئ الهدامــة ،كمــا أثبــت التاريــخ القريــب
خطــر الربــا والمرابيــن علــى السياســة والحكــم والمــن
المحلي والدول جميعا ). (1
__________
) (1الحلل والحرام ص . 263
أنوع الربا وحكم كل نوع
الشح :خلة وضعة وهـوان تـزري بصـاحبها وتجعلـه نشـازا
في مجتمعه ،يجمع المال ويشح بإنفاقه حتى على مصالح
نفسه .وعلى العكس منه البذل بسخاء خاصة فــي وجــوه
البر والخير وإغاثة الملهوف وكل ما فيه مصلحة للمجموع
.وعلى هذا العتبار جاء تحريم الربا والترغيب فــي البــذل
ابتغاء كريم الجر ،ونــزل القــرآن والعــرب تتعامــل بالربــا
لتفكك مجتمعهــم وانفصــام عــرى التــآلف بينهــم ،فعنــدما
تنزل الحاجة بأحدهم أو يوصله الفقر بالرغــام ل يجــد مــن
يسعفه أو يعينــه فــي محنتــه أو ينقــذه مــن ذل الحاجــة إل
بنكبته بالزيادة على ما يقرضه ،والمفاضلة بين ما يقبضــه
ويعيــده مــن مــال ،وذلــك هــو الربــا الــذي جــاء الســلم
بتحريمــه ،وقــد أوردنــا مــن آي الكتــاب العزيــز والســنة
المطهرة ما يكفي عن المزيد ،بقي أن نوضح نوعية الربــا
المحرم والذي كانت العرب تتعامــل بــه ،جــاء فــي كتــاب
"أحكام القرآن " قوله :الربــا الــذي كــانت العــرب تعرفــه
وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلــى أجــل بزيــادة
على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به ولــم يكونــوا
يعرفون البيع بالنقد إذا كان متفاضل من جنس واحد ،هذا
مـاكان المتعارف المشهور بينهم ،ولذلك قال تعالى } :وَ َ
عن ْد َ الّلــهِ { )
س فََل ي َْرُبو ِ َ
ل الّنا ِ
وا ِ
م َ ن رًِبا ل ِي َْرب ُوَ ِفي أ ْ
م ْ
م ِ
آت َي ْت ُ ْ
(1فأخبر أن تلك الزيادة المشــروطة إنمــا كــانت ربــا فــي
المال العين لنــه ل عــوض لهــا مــن جهــة المقــرض وقــال
َ ْ
ة { ) (2إخبارا عن ضاعََف ًم َ تعالى َ } :ل ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ
ضَعاًفا ُ
744
الحال التي خرج عليها الكلم مــن شــرط الزيــادة أضــعافا
مضاعفة ،فأبطل الله الربا الذي كانوا يتعاملون به وأبطل
ضروبا من البياعات وسماها ربــا ،فــانتظم قــوله تعــالى :
م الّرَبا { ) (3تحريم جميعها لشــمول الســم عليهــا حّر َ
} وَ َ
من طريق الشرع ،ولم يكن تعاملهم بالربا إل على الوجه
الذي ذكرناه من قرض دراهم أو دنانير إلى أجل
__________
) (1سورة الروم الية 39
) (2سورة آل عمران الية 130
) (3سورة البقرة الية 275
مع شرط الزيادة ) (1ا هـ .
وذكر صاحب تفسير آيــات الحكــام أن الربــا ينقســم إلــى
قسمين :ربا النسيئة ،وربا الفضــل .فربــا النســيئة :هــو
الذي كان معروفا بين العرب في الجاهلية ل يعرفون غيره
وهو أنهم كانوا يدفعون المــال علــى أن يأخــذوا كــل شــهر
قدرا معينا .فإذا حل الجل طــولب المــدين بــرأس المــال
كامل فإن تعذر الداء زادوا في الحق والجل .
وربا الفضل :أن يباع من الحنطــة بمنــوين منهــا أو درهــم
بدرهمين أو دينار بدينارين أو رطل من العســل برطليــن ،
وقد كان ابن عباس ل يحرم إل القسم الول ،وكان يجــوز
ربا الفضل اعتمادا على ما روي أن النبي صلى اللــه عليــه
وسلم قـال » :إنمــا الربــا فــي النسـيئة « ) (2ولكــن لمـا
تواتر عنده الخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم قــال » :
الحنطة بالحنطة مثل بمثل يــدا بيــد « ) (3وذكــر الصــناف
الستة كما رواه عبادة بن الصامت وغيره رجع عن قوله .
وأما قوله عليه السلم » :وإنما الربا فــي النســيئة « )(4
فمحمول على اختلف الجنس ،فإن النســيئة حينئذ تحــرم
ويباح التفاضل كبيع الحنطــة بالشــعير تحــرم فيــه النســيئة
ويباح التفاضل ولذلك وقع التفاق علــى تحريــم الربــا فــي
القسمين .أما )الول( :فقد ثبت تحريمه بالقرآن ) ،وأمــا
الثاني( :فقد ثبت تحريمه بالخبر الصحيح .كمــا روي عــن
عبادة ابن الصامت رضــي اللــه عنــه أن النــبي صــلى اللــه
عليه وسلم قال » :الــذهب بالــذهب ،والفضــة بالفضــة ،
745
والبر بالبر ،والشــعير بالشــعير ،والتمــر بــالتمر ،والملــح
بالملح ،مثل بمثل سواء بسواء يدا بيد ،فإذا اختلفت هــذه
الصــناف فــبيعوا كيــف شــئتم إذا كــان يــدا بيــد « ). (5
واشتهرت روايته هذه حتى كانت مسلمة عند الجميع .
ثم اختلف العلماء بعد ذلك فقال نفاة القياس :إن الحرمة
مقصورة على هذه الشياء الستة ،وقال أبو حنيفة ومالك
والشــافعي وأحمــد وجمهــور الفقهــاء :إن الحرمــة غيــر
مقصورة على هذه الشياء الستة ،بل تتعداها إلى غيرها .
وأن الحرمة ثبتت في هذه الستة لعلــة ،فتتعــدى الحرمــة
إلى كل ما توجد فيه تلك العلة ،ثم اختلفوا في هذه العلة
.فقال الحنفية :إن العلة هي اتحــاد هــذه الشــياء الســتة
فــي الجنــس والقــدر -أي الكيــل والــوزن -فمــتى اتحــدت
البلــدان فــي الجنــس والقــدر حــرم الربــا كــبيع الحنطــة
بالحنطــة وإذا عــدما معــا حــل التفاضــل والنســيئة كــبيع
الحنطة بالدراهم إلى أجل .وإذا عدم القدر واتحد الجنس
حل الفضل دون النسيئة كبيع عبد بعبدين ،
__________
) (1أحكام القرآن للجصاص ,ص . 552
) (2صحيح مسلم المساقاة ),(1596سنن النسائي البيوع
),(4581سنن ابن ماجه التجارات ),(2257سنن الــدارمي
البيوع ).(2580
) (3صحيح مسلم المساقاة ),(1588سنن النسائي البيوع
),(4559سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2255مســند أحمــد
بن حنبل ).(2/232
) (4صحيح مسلم المساقاة ),(1596سنن النسائي البيوع
),(4581سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2257مســند أحمــد
بن حنبل ).(5/200
) (5صحيح مسلم المساقاة ),(1587سنن الترمذي البيوع
),(1240ســنن النســائي الــبيوع ),(4561ســنن أبــو داود
البيوع ),(3349سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2254مســند
أحمد بن حنبل ),(5/314سنن الدارمي البيوع ).(2579
وإذا عدم الجنس واتحــد القــدر حــل الفضــل دون النســيئة
أيضا كبيع الحنطة بالشعير .
746
وقال المالكية :إن العلة هي اتحاد الجنسين مــع القتيــات
أو ما يصلح به القتيات .وقــال الشــافعية :إن العلــة فــي
الــذهب والفضــة هــي اتحــاد الجنــس مــع النقديــة ،وفــي
الشياء الربعة الباقية اتحاد الجنس مع الطعم ,والتفاضل
في أمر الربا يعلم من كتب الفقه ). (1
__________
) (1تفسير آيات الحكام ,ص 263 , 162
نوعية الربا كما أوضحها ابن القيم
وقفت في جملة ما وقفت عليه من المراجــع علــى كتــاب
بعنــوان ) :الــودائع المصــرفية النقديــة واســتثمارها فــي
السلم( لمؤلفه " حسن عبد الله المين " أورد فيــه نــص
ابن قيم الجوزية رحمه الله عن نوعية الربا وقدم له بقوله
:
تكلمنا فما سبق عن التقسيم الفقهــي القــديم للربــا :ربــا
النسيئة ،وربا الفضل . . .وبقي هنــاك قســم ثــالث للربــا
وضعه عالم جليل هو ابن القيم الجوزية وهو تقسيم يتفــق
في مضمونه مع تقسيم الربا :إلى ربا ديــون ،وربــا بيــوع
ولكنه يســمي الول :الربــا )الجلــي( وأن تحريمــه تحريــم
مقاصد ؛ لنه ثابت بــالقرآن الكريــم وهــو مــا كــانت تفعلــه
الجاهلية .ويسمي النوع الثاني :الربا )الخفي( وأنه حــرم
سدا للذريعة من الربا الجلي فتحريمه تحريم وســيلة وهــو
الذي ثبت بالسنة في الصناف الستة ،ثم ذكر النــص مــن
كتــاب )إعلم المــوقعين( فقــال -أي ابــن القيــم : -الربــا
نوعان :جلي وخفي ؛ )فالجلي( :حرم لما فيه من الضرر
العظيم ) ،والخفي( :حرم لنه ذريعة إلى الجلي .فتحريم
الول قصدا ،وتحريم الثاني وسيلة .
فأما الجلي :فربا النســيئة وهــو الــذي كــانوا يفعلــونه فــي
الجاهلية مثــل أن يــؤخر دينــه ويزيــده فــي المــال .وكلمــا
أخره زاد في المال حتى تصير المائة عنده آلفا ). (1
وأما ربا الفضل :فتحريمه من باب سد الذرائع كما صــرح
به في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النــبي
صلى الله عليه وسلم قال » :ل تبيعوا الدرهم بالــدرهمين
747
فــإني أخــاف عليكــم الرمــاء « ) (2والرمــاء هــو الربــا .
فمنعهم من ربا الفضل لما يخافه عليهم من ربا النسيئة ،
__________
) (1إعلم الموقعين ,ج 2ـ ص . 99
) (2مسند أحمد بن حنبل ).(2/109
وذلك أنهــم إذا بــاعوا درهمــا بـدرهمين ،ول يفعـل هـذا إل
للتفاوت الذي بيـن النـوعيين ،إمـا فـي الجـودة وإمـا فـي
السكة وإما في الثقل والخفة وغير ذلــك ،تــدرجوا بالربــح
المعجل فيها إلى الربــح المــؤخر وهــو عيــن ربــا النســيئة ،
وهذه ذريعة قريبة جدا فمن حكمة الشارع أن ســد عليهــم
هذه الذرائع ومنعهم من بيع درهم بدرهمين نقدا أو نســيئة
). (1
__________
) (1إعلم الموقعين ,ج 2ـ ص . 100-99
التعامل مع البنوك
التعامل مع البنوك على إقــراض المــال بفــائدة مشــروطة
محددة كاثنين في المائة مثل أو أكثر أو أقل ،هل هو مــن
أنواع الربا المحرم أم له احتمال آخر؟
نعود مرة أخرى إلى كتاب الــودائع المصــرفية آنــف الــذكر
فنجد المؤلف يقرر بصراحة أن معنى الزيادة فــي القــرض
عند العقــد هــي إحــدى صــورتي ربــا الجاهليــة الــذي حــرم
تحريما قاطعا بنص القرآن ،ونص كلمه كالتي ) :إذا كان
معنــى الفــائدة يختلــف عــن معنــى الربــح فــي المصــطلح
الفقهي ول يلتقي معه بحال ،فماذا يكون موقــف الفــائدة
من الربا ،هل تلتقي معه في إحدى صوره أم أنها تختلــف
عنه كمـا اختلفــت عـن الربـح ول تلتقـي معـه فــي واحــدة
منها ،ثم أفاض في البسط حتى قال :تبين لنا على ضــوء
ما تقدم أن معنــى )الفــائدة( علــى ضــوء مــا تقــدم يلتقــي
تمامــا فــي مقــاييس الفقــه والشــريعة الســلمية بمعنــى
الزيــادة فــي القــرض عنــد العقــد وهــي أحــد صــورتي ربــا
الجاهلية الذي حرم تحريما قاطعا بنص القــرآن ،بــل هــي
الصورة البارزة في ربـا الجاهليـة حـتى أن الجصـاص بـالغ
في التوكيد عليها لدرجــة أنــه قــال :ولــم يكــن تعــاملهم -
748
أي :عرب الجاهلية -بالربا إل على الوجه الذي ذكرنــا مــن
قرض دراهم أو دنانير إلى أجل مع الزيادة ،فالفــائدة إذن
مــا هــي إل زيــادة مشــروطة فــي قــرض مؤجــل لمصــلحة
المودع في حالة الــودائع المؤجلــة أو ودائع الدخــار بــدليل
عدم وجودها في الودائع الجارية -أي :تحت الطلــب -مــع
أنها هي أيضا معتبرة قرضا في الفقه والتشريع ،كما أنهــا
زيادة فــي قــرض مؤجــل أيضــا لمصــلحة البنــك فــي حالــة
إقراضه لشخص آخر ،فالزيادة في حالة استقراض البنــك
بقبول الودائع المؤجلة أو إقراضه بدفع قروض من أمــواله
الخاصة
أو من ودائع المقترضين الخرين هي ربــا .بــل هــي الربــا
الذي ل يشك فيه ؛ لنها إحدى صورتي ربا الجاهليــة الــذي
كــانوا يتعــاملون بــه والــذي حرمــه القــرآن تحريمــا قاطعــا
َ
م الّرب َــا { ) (1وقــال ه ال ْب َي ْعَ وَ َ
حـّر َ ل الل ّ ُ
ح ّ
بقوله تعالى } :وَأ َ
فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع » :
ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أبدأ به ربا العبــاس بــن عبــد
المطلب « ). (2
__________
) (1سورة البقرة الية 275
) (2سنن الترمذي تفسير القرآن ),(3087ســنن أبــو داود
البيوع ),(3334سنن ابن ماجه المناسك ).(3055
تحريم الربا الستهلكي والنتاجي
يفرق بعض علماء القتصاد من الغربيين بين تحريــم الربــا
الســتهلكي والنتــاجي بــدعوى أن تحريــم الربــا كــان مــن
الضروريات في الماضي وأن إباحته فــي هــذا العصــر مــن
الضروريات أيضا ؛ لن الدين فيمــا مضــى كـان للســتهلك
وأما الن فهو للنتاج .وهو زعم متداع ؛ لن الربا إن كــان
للستهلك فهو لنفقــة المســتدين علــى حاجــاته الضــرورية
فإنه ل يجوز أن يرهق برد زائد على دينه ،فحسبه أن يــرد
أصل الدين عنــد الميســرة .وإن كــان للنتــاج فالصــل أن
الجهد الذي يبذله المستدين هو الــذي ينــال عليــه الربــح ل
المال الذي يستدينه فالمال ل يربح إل بالجهد ). (1
749
وفــي إطــار الحــديث عــن أنــواع الربــا يتحــدث الداعيــة
السلمي أبو العلى المودودي في الفصــل الخــامس مــن
كتابه )الربا( تحــت عنــوان "الربــا وأحكــامه " فيقــول :إن
الربــا هــو الزيــادة الــتي ينالهــا الــدائن مــن مــدينه نظيــر
التأجيل ،وهذا النوع مــن الربــا يصــطلح عليـه شــرعا بربــا
النسيئة أي الزيادة بســبب النســيئة وهــي التأجيــل ،وهــذا
النوع من الربا هو المنصوص علـى تحريمـه فـي القـرآن ،
وأجمع على تحريمه السلف الصــالح والعلمــاء المجتهــدون
من بعدهم وتعاقبت القرون على ذلك الجماع ولم يتطرق
إليه الريب في عصر من العصور واستمر في البسط إلــى
أن قال :لقد كان السلم إنما نهى عن التعامل بالربا فـي
شــئون الــدين والقــرض فــي بــادئ المــر ،واســتمر فــي
البسط فتحدث عن ربا الفضل وقال :وهذا النوع أيضا قد
حرمه النبي صلى الله عليــه وســلم لنــه يفتــح البــاب فــي
وجه الناس إلى الربا الصريح وينشئ فيهم
__________
) (1روح الدين السلمي ,ص . 334 ,333
عقلية من نتائجها اللزمة شــيوع المرابــاة فــي المجتمــع ،
وذلك عين ما أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم بقــوله :
» ل تبيعوا الدرهم بدرهمين فإني أخاف عليكم الرماء « )
(1وهو الربا .وتحدث عن حكم ربـا الفضـل وأورد حـديث
عبادة بن الصامت وجملـة أحــاديث فــي معنـاه ،ثـم علــق
عليها تعليقا ضافيا ثم ذكر خلف الفقهاء فــي علــة تحريــم
ربا الفضل وخلص من ذلك إلى القــول بــأن الختلف بيــن
المذاهب في المور التي يدخلها الربا إنما هــو مــن المــور
المشتبهة الواقعة علــى الحــد بيــن الحلل والحــرام ،فــإن
حاول أحد الن محتجــا بهــذه المســائل المختلــف فيهــا أن
يرمي بالشتباه أحكام الشـريعة فـي المعـاملت الـتي قـد
وردت النصوص على كونها من الربا ويفتــح بــاب الرخــص
والحيل بهذا الطريق للستدلل ويــدعو المــة إلــى ســلوك
طرق الرأسمالية فل شك أنــه يعــد تاركــا للكتــاب والســنة
للظن والخرص وضال مضل ولو كان مخلصــا صــادق النيــة
عند نفسه ) (2ا هـ .
750
__________
) (1مسند أحمد بن حنبل ).(2/109
) (2الربا ص . 98 ,91 ,90
وسائل القضاء على الربا
من مزايا دين السلم أنه لم يحرم شيئا إل وأوجد له بديل
يغنــي عنــه ،ويأخــذ بحجــز المســلمين مــن أن يقعــوا فــي
المحــرم المنكــور ،ول نطيــل ضــرب المثلــة لــذلك وإنمــا
نكتفي بتحريم الخمر .أبــدل اللــه المســلمين عــن شــربها
بشرب جميع العصيرات والمنتبذات مما ل يكون فيه شبهة
حرام وعندما حرم الربــا أبــاح الــبيع والتجــارة فــي المــور
المباحة وأنواع المضاربة ،وهكذا فلم يرهق المســلم مــن
أمره عسرا ،ولم يكلفه شططا ،وإنما أوجــد لــه الحلــول
وشرع وسائل من شأنها القضاء على الربا والتجــافي عنــه
والترفع عن مزالقه والتورط في إثمـه ،ويشــمل ذلـك مـا
يأتي :
)أ( القرض الحسن :فبــدل مــن أن يقــرض المســلم مــاله
بفائدة تقض مضجع المقترض وتزيـد مــن محنتــه وبلبـاله ،
رغب السلم في القرض الحسن بالوعد الكريــم والجــزاء
ضــاه قَْر ً ض الل ّ َ
ذي ي ُْقرِ ُ ذا ال ّ ِ
ن َم ْالضافي كما قال تعالى َ } :
ضَعاًفا ك َِثيَرةً { )، (1 عَفه ل َ َ
هأ ْ ضا ِ ُ ُ سًنا فَي ُ َ ح َ َ
__________
) (1سورة البقرة الية 245
سـًنا ح َ ضــا َ ض الل ّـ َ
ه قَْر ً ذي ي ُْقـرِ ُ ذا ال ّـ ِن َ مـ ْ
وقــال تعــالى َ } :
عَفه ل َه ول َ َ
م { ). (1 جٌر ك َ ِ
ري ٌ هأ ْ ضا ِ ُ ُ َ ُ فَي ُ َ
__________
) (1سورة الحديد الية 11
)ب( إنظار المعسـر ريثمـا يـزول إعسـاره والـترغيب فـي
نإبراء ذمته من الدين دون مطالبته كما قال تعالى } :وَإ ِ ْ
خْيــٌر ل َ ُ َ
م
كــ ْ صد ُّقوا َ
ن تَ َ سَرةٍ وَأ ْ مي ْ َ سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ ذو عُ ْ ن ُ كا َ َ
ن { ). (1 م ت َعْل َ ُ
مو َ ن ك ُن ْت ُ ْ إِ ْ
__________
) (1سورة البقرة الية 280
751
)جـــ( التعــاون فــي مختلــف دروبــه وبكــل وســائله يشــمل
التعاون الجتماعي والصناعي والزراعي ويدخل في إطــار
ذلــك الضــمان الجتمــاعي وتمويــل المزارعيــن وأصــحاب
الصناعات بما يشــد أزرهــم ويضـاعف إنتــاجهم فيمــا يعــود
بالخير للمجموعة الســلمية ،وثمــة فتــح المــدارس وبنــاء
المستشفيات ودور العجــزة ،ومــا إليـه ممـا تشــمله اليـة
وى { ) , (1فيغــدو الكريمــة } وَت َعَــاوَُنوا عَل َــى ال ْب ِـّر َوالت ّْقــ َ
المجتمع في ظلل هذا التعاون الشامل ســعيدا بعيــدا عــن
مآسي الربا والنزلق إلى أوحاله ،ول يغيــب عــن الذهـان
إخراج زكاة الموال ودفعها إلى مستحقيها كما نصت على
ن كي ِ
ســا ِم َت ل ِل ُْفَق ـَراِء َوال ْ َ
ص ـد ََقا ُ مــا ال ّ ذلك الية الكريمة } إ ِن ّ َ
نمي َ ب َوال َْغــارِ ِ م وَِفي الّرَقا ِ مؤَل َّفةِ قُُلوب ُهُ ْ ن عَل َي َْها َوال ْ ُمِلي ََوال َْعا ِ
ل { ) ، (2وجملــة القــول أن سـِبي ِن ال ّ سِبي ِ ّ
ل اللـهِ وَا ِب ْـ ِ وَِفي َ
وسائل القضاء على الربا والخذ بها والتعاون على تنفيذها
وفــي الطليعــة إخــراج الزكــاة دون تهــرب أو تســويف أو
طغيــان النانيــة علــى بعــض النفــوس فتســتأثر بالمــال
وتحتجزه وتشح به فل تستجيب لنفاقه كما أمر الله وكمــا
َ
جعَل َك ُـ ْ
م مــا َ م ّفُقــوا ِســول ِهِ وَأن ْ ِمُنـوا ب ِــالل ّهِ وََر ُ قال تعالى } :آ ِ
ن ِفيهِ { ) ، (3كل أولئك مما يحول دون الرتداع خل َِفي َست َ ْ
م ُْ
في أرجاس الربا والوقوع في أوحاله .
وقبل أن نضع القلم يجدر أن نعرض لموضوع كثر الخذ به
في أعقاب الزمن وهو بيع التورق ،يشتري المرء الســلعة
بثمن إلى أجل ثم يبيعها بأقل من الثمن الذي اشــتراها بــه
وذلك ما يسمى بمسألة التورق لن البائع ليــس لــه حاجــة
في السلعة وإنما حــاجته فــي الــورق ،وإيضــاح ذلــك مــن
قول شيخ السلم ابن تيمية -رحمه الله -في فتاويه حيث
يقول :وقد
__________
) (1سورة المائدة الية 2
) (2سورة التوبة الية 60
) (3سورة الحديد الية 7
سئل عن الرجل يبيع سلعة بثمن مؤجـل ثـم يشـتريها مـن
ذلك الرجل بأقــل مــن ذلــك الثمــن حــال هــل يجــوز أم ل؟
752
فأجــاب :إذا بــاع الســلعة إلــى أجــل ثــم اشــتراها مــن
المشــتري بأقــل مــن ذلــك حــال فهــذه تســمى ) مســألة
العينة ( .وهي غير جائزة عنــد أكــثر العلمــاء كــأبي حنيفــة
ومالك وأحمد وغيرهم ،وهو المأثور عن الصحابة كعائشــة
وابن عباس وأنس بن مالك ،فـإن ابــن عبــاس ســئل عـن
حريرة بيعت إلى أجــل ثــم اشــتريت بأقــل فقــال :دراهــم
بدراهم دخلت بينهما حريرة ،وأبلغ من ذلك أن ابن عباس
قــال :إذا اشــتريت بنقــد ثــم بعــت بنســيئة فتلــك دراهــم
بدراهم .فبين أنه إذا قوم السلعة بــدراهم ثــم باعهــا إلــى
أجل فيكون مقصوده دراهم بــدراهم -والعمــال بالنيــات-
وهــذه تســمى ) التــورق ( .فــإن المشــتري تــارة يشــتري
السلعة لينتفع بها وتارة يشتريها ليتجر بها فهــذان جــائزان
باتفــاق المســلمين ،وتــارة ل يكــون مقصــوده إل أخــذ
الدراهم فينظر كم تساوي نقدا فيشتري بها إلى أجــل ثــم
يبيعها في السوق بنقد فمقصوده الورق .فهذا مكروه في
أظهر قولي العلمــاء ،كمــا نقــل ذلــك عــن عمــر بــن عبــد
العزيز وهو إحدى الروايتين عن أحمد إلى آخــر مــا أفــاض
فيه يرحمه الله مما خرج به للستطراد ). (1
__________
) (1الفتاوى ,ج 29ـ ص . 447 ,446
خاتمة البحث
نــأتي بعــد أن فرغنــا مــن كتابــة البحــث بتوفيــق اللــه إلــى
الخاتمة فقد عرضنا بعد المقدمة لتعريف الربا لغة وشرعا
وأوردنا اليات القرآنية التي جاءت منتظمة عــن الربــا مــع
تفسيرها وقد تحصل من التفسير ما يأتي :
ا -المراد بأكل الربا جميع التصرفات .
- 2تشبيه المرابي بالمصروع .
- 3المحق يشمل ذهاب المال وذهاب بركته .
- 4ل يلحق متعاطي الربا تبعة التعامل به قبل التحريم .
- 5الترغيب في بذل الصدقات .
- 6الوعيد لمن تعاطى الربا بعد التحريم .
- 7للمرء أن يأخذ رأس ماله بعد التوبة من تعاطي الربا .
753
- 8الترغيب في إنظار المعسر وإبراء ذمته ،وأردفنا ذلك
بمبحث الربا في السنة وإيراد نــص مــا ورد مــن الحــاديث
مع شرحها ثم بيــان حكــم الربــا فــي الســلم وأنــه محــرم
بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة وأساطير العلــم بمــا فــي
ذلك تحريم كل وسيلة تفضي إليه كبيع العينــة واستخلصــنا
من مجموع ذلك ما يأتي :
أ -النهي عن تعاطي الربا بكل اللوان والوسائل .
ب -إنه من الموبقات ومن كبائر الذنوب .
جـ -لعن آكل الربا كل متعاون عليه .
د -معصية الربا تجاوزت الحد في القبح .
هـ -تحريم الستطالة في عرض المسلم .
و -آكل الربا يعذب في الــبرزخ وعليــه اللعنــة ويحــال بينــه
وبين دخول الجنة .
ز -أكلة الربا يحشرون في أسوأ صورة .
ح -تحريم التبايع بالعينة والوعيد عليها .
ط -الوسيلة للحرام محرمة .
ك -ل يحل سلف ول بيع ول شرطان في بيع ول ربح ما لم
يضمن ول بيع ما لم يكن تحت تصرف البائع .
ل -ما تواطأ عليه البائع والمشتري بما يقصدان بــه دراهــم
بدراهم أكثر منها إلى أجل فهو ربا محرم ســواء كــان يــبيع
ثم يبتاع أو يبيع ويقرض .
ثــم انتقلنــا بعــد ذلــك إلــى مضــار الربــا وحكمــة تحريمــه ،
وأوردنــا نقــول عــن ذلــك مــن أقــوال العلمــاء القــدامى
والمعاصرين مبسوطة في الصفحات ) ، 18ـ (19وعقبنــا
بمبحث أنواع الربا وحكم كل نوع فذكرنا ربا النســيئة وأنــه
هو الربا الذي كانت تتعامل به الجاهلية الولــى وهــو الــذي
ورد تحريمه بالقرآن ،ثم ربا الفضــل وتحريمــه جــاءت بــه
الســنة النبويــة ســدا للذريعــة ،وعرضــنا لعلــة تحريــم ربــا
الفضــل واختلف العلمــاء فيهــا ،ثــم لنوعيــة الربــا كمــا
أوضحها ابن القيــم -يرحمــه اللــه -ثــم لبحــث التعامــل مــع
البنوك وفيه القرض بالفائدة المشروطة وأنها محرمة ،ثم
تناولنا بحث تحريم الربا الستهلكي والنتــاجي ورد نظريــة
تحريم الربا فــي الماضـي وإبــاحته فــي الحاضـر ،وأردفنـا
754
ذلك بالحديث عــن وســائل القضــاء علــى الربــا وذكرنــا أن
منها القرض الحسن وإنظار المعسر وإبراء ذمته والتعاون
الجتماعي والصناعي والزراعي وتوزيع أموال الزكاة ،ثــم
أنهينا البحث بموضوع التورق وأنــه مكــروه وأوردنــا فتــوى
لشيخ السلم ابن تيمية -يرحمه الله -في هــذه المســألة .
وأسأل الله أن يأجرني بقدر ما بذلت في هذا البحــث مــن
جهد علمي وجسمي ولم أصل فيه إلى الكمال ،وإنما هــو
إســهام وجهــد مقــل ،وأن يشــمل ســبحانه بتــوفيقه ابنــي
أســامة علــى مــا أســهم بـه مــن تهيئة المراجــع المطلوبـة
للبحث والعون بجهد مشكور وينفع به كل من قرأه مغضيا
عما لعله أن يكون فيـه مـن مآخـذ -فالكمـال للـه وحـده-
ويأجر أيضا كل من تعاون على إشاعته بكل وسيلة خاصــة
مجلة البحوث بالرياض ورئاسة تحريرها والمشرفين عليها
.
وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصــحبه
ومن اتبع سبيله وسار على نهجه ،وقد فرغت مــن وضــعه
في شهر جمادى الثانية سنة ألف وأربعمائة وأربعة .
والله يوفقنا إلى ما فيه الخير والرشاد ، ، ،
ثبت المراجع والمصادر
- 1ابن تيمية ،أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني .
)الفتاوى( .
الطبعة :الولى 1382هـ .
الرياض :مطابع الرياض .
- 2ابن حجر ،أحمد بن علي العسقلني .
)فتح الباري بشرح صحيح البخاري( .
الطبعة :الولى .
تصحيح وترقيم :محمـد فـؤاد عبـد البـاقي -محـب الـدين
الخطيب .
القاهرة :المطبعة السلفية ) 13جزء( .
- 3ابن جرير ،أبو جعفر محمد بن جعفر الطبري .
)جامع البيان عن تأويل آي القرآن( .
تحقيق :محمود محمد شاكر -أحمد محمد شاكر .
الطبعة :الولى .
755
القاهرة :دار المعارف ) 15جزء( .
- 4ابن كثير ،أبو الفداء عماد الدين القرشي الدمشقي .
)تفسير القرآن العظيم( .
الطبعة :الولى 1347هـ .
القاهرة :مطبعة المنار ) 9أجزاء ومعه تفسير البغوي( .
- 5ابن حنبل ،أحمد بن محمد الشيباني .
)المسند( .
الطبعة :الولى .
القاهرة :المطبعة الميمنية المصرية ) 6أجزاء( .
- 6المير الصنعاني ،محمد بن إسماعيل .
)سبل السلم شرح بلوغ المرام من أدلة الحكام( .
الطبعة الولى .
القاهرة :إدارة الطباعة المنيرية ) 4أجزاء( .
- 7اللباني ،محمد ناصر الدين اللباني .
)سلسلة الحاديث الصحيحة( .
الطبعة :الثانية 1399هـ .
بيروت :المكتب السلمي 4) .مجلدات( .
- 8المين ،حسن عبد الله .
)الودائع المصرفية واستثمارها في السلم( .
الطبعة :الولى .
جدة :دار الشروق .
- 9البخــاري ،أبــو عبــد اللــه محمــد بــن إســماعيل بــن
بردزيه .
)الجامع الصحيح المسند المختصر مــن أمــور رســول اللــه
صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه( .
القاهرة :إدارة الطباعة المنيرية 9) .أجزاء( .
- 10البغوي ،أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء .
)شرح السنة( .
الطبعة :الولى 1399هـ .
بيروت :المكتب السلمي ) 16جزء( .
- 11الجصاص .
)أحكام القرآن( .
- 12الذهبي ،أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد .
756
)الكبائر ( .
تصحيح وتعليق :محمد عبد الرزاق حمزة .
الطبعة :الولى 1356هـ .
- 13السايس ،محمد علي .
)تفسير آيات الحكام( .
القاهرة :مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح ) 4أجزاء( .
- 14الشوكاني ،محمد بن علي .
)فتــح القــدير الجــامع بيــن فنــي الروايــة والدرايــة فــي
التفسير( .
بيروت :محفوظ العلي ) 6أجزاء(
- 15طباع ،عفيف عبد الفتاح .
)روح الدين السلمي( .
الطبعة :الثانية عشرة .
بيروت :دار العلم للمليين .
- 16القرضاوي ،يوسف .
)الحلل والحرام في السلم( .
- 17مسلم ،ابن الحجاج القشيري النيسابوري .
)الجــامع المسـند المختصــر مــن السـن بنقــل العـدل عـن
العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم( .
تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي .
بيروت :تصوير دار الكتاب العربي ) 5أجزاء( .
- 18المودودي ،أبو العلى ).الربــا( .الطبعــة :بيــروت :
مؤسسة الرسالة .
=================
#أقوال العلماء في حكم من تاب من الكسب
الحرام كالربا وأنواع المكاسب المحرمة الخرى
مجلة البحوث السلمية ) -ج / 16ص (209
أقوال العلماء
في حكم من تاب من الكسب الحرام
كالربا وأنواع المكاسب
المحرمة الخرى
أعده الباحث بالمانة العامة لهيئة كبار العلماء
عبد الله بن حمد بن عبد الله بن العبودي
757
ماذا يفعل من تاب من الكسب الحرام كالربا
وأنوع المكاسب المحرمة الخرى
المقدمة
الحمد لله الذي أحل لعباده ما يتبادلون به المنافع بينهــم ،
وحرم عليهم ما يضر بهم من مكاسب شفقة بهم وحرصــا
على مصلحتهم ،وفتح لهم أبــواب التوبــة وغفــر لتــائبهم ،
وجعــل للكسـب الحلل طرقـا كـثيرة عـن الحـرام تغنيهــم
والصلة والسلم على عبده ورسوله محمد الذي حث أمته
على الكسب الحلل وحذرهم مــن الكســب الحــرام صــلى
الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسـان إلـى يـوم
الدين .
أما بعد فقد قال رسول الله صلوات الله وسلمه عليه » :
إن الحلل بين ,وإن الحرام بين ,وبينهما أمور مشــتبهات
ل يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ
لدينه وعرضه ,ومن وقع في الشــبهات وقــع فــي الحــرام
كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه « .
وإن من أعظم ما يضر بالفرد والجماعات ويفسد أخلقهم
المكاسب المحرمة كالربــا ونحــوه ،فخطورتهــا عظيمــة ،
وضررها جســيم .ولــذا حــرم ســبحانه وتعــالى الربــا أشــد
تحريم وجعله من الكبائر ومــن الســبع الموبقــات .وجعــل
آكلــه والمعيــن عليــه أخــذا وإعطــاءا فــي الثــم والعقوبــة
سواء ،وكذا حرم ســبحانه وتعــالى مــا هــو شــبيه بــه مــن
المكاسب كحلوان الكاهن وأجرة الزانية والمغني والنائحة
ونحو ذلك ،ومن المعلوم أن استباحة المـوال بمثـل هــذه
المكاسب المحرمة من أعظم الذنوب والخطايا .وقد أمر
الله سبحانه وتعالى عباده بالتوبة من الــذنوب والمعاصــي
والقلع عنها والرجوع إليه سبحانه في أسرع وقت ممكن
ة عَل َــى الل ّـ ِ
ه مــا الت ّوْب َـ ُ قبل فوات الوان فقال تعــالى } :إ ِن ّ َ
ُ
ب َفــأول َئ ِ َ
ك ري ٍ ن قَ ِ م ْ ن ِ م ي َُتوُبو َ جَهال َةٍ ث ُ ّ سوَء ب ِ َ ن ال ّ مُلو َ ن ي َعْ َ ذي َ ل ِل ّ ِ
ت ســ ِ ما { ) } (1وَل َي ْ َ كي ً ح ِ ما َ ه عَِلي ً ن الل ّ ُ كا َم وَ َ ه عَل َي ْهِ ْ ب الل ّ ُ ي َُتو ُ
َ
محــد َهُ ُ ضــَر أ َ ح َ ذا َ حّتــى إ ِ َ ت َ ســي َّئا ِ ن ال ّ مُلــو َ ن ي َعْ َذي َ ة ل ِّلــ ِالت ّوَْبــ ُ
م ك ُّفــاٌر ن وَهُ ـ ْ موت ُــو َ ن يَ ُ ذي َ ن وََل ال ّـ ِ ت اْل َ ل إ ِن ّــي ت ُب ْـ ُ ت َقا َ مو ْ ُ ال ْ َ
َ ُأول َئ ِ َ َ
ما { ). (2 ذاًبا أِلي ً م عَ َ ك أعْت َد َْنا ل َهُ ْ
758
وبما أن الربا من أعظم الذنوب وأكبرها بعد الشرك بــالله
ومن السبع الموبقات فتجب المبادرة بالتوبة إلى الله منــه
على من كان يتعاطــاه ويتعامــل بــه ،كمــا تجــب المبــادرة
بالتوبة إلى الله على كل من كان يتعاطى أمثاله من
__________
) (1سورة النساء الية 17
) (2سورة النساء الية 18
المكاســب الــتي حرمهــا اللــه ورســوله كــأجرة الغنــاء
والموســيقى وبيــع المحرمــات .فــإذا مــن اللــه ســبحانه
وتعالى على مــن كــان يتعــاطى أمثــال مــا ذكــر مــن هــذه
المكاسب المحرمة ووفقه للتوبة وأراد أن يتخلص مما في
يده من الموال المحرمة التي تحصل عليها فمــاذا يفعــل؟
هذا ما أريد الكتابة عنه بعون الله تعالى وتوفيقه .
وستكون الكتابة على النحو التالي:
أ -فيما يتعلق بالربا .
ب -أنواع المكاسب المحرمة الخرى ويدخل فيها الربا .
جـ -حكم المال المغلول .
د -مقتطفات من فتاوى اللجنــة الدائمــة للبحــوث العلميــة
والفتاء في كيفية التخلص من الموال المحرمة .
أرجو من الله العلي القدير أن يوفقنــا إلــى مــا فيــه الخيــر
والصلح ،وأن يكفينــا بحللــه عــن حرامــه ويرزقنــا التوبــة
النصوح إنــه جــواد كريــم .وصــلى اللــه وســلم علــى نبينــا
محمد وعلى آله وصحبه .
أ -الربا
أما بالنسبة للربا فقد تكلم المفسرون رحمهم اللـه تعـالى
َ
مُنوا ات ُّقــوانآ َ ذي َ على ذلك عند قول الله تعالى َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
نن { ) } (1فَإ ِ ْ مِني َ مؤ ْ ِم ُ ن ك ُن ْت ُ ْ
ن الّرَبا إ ِ ْ م َ ي ِ ما ب َِق َ الل ّ َ
ه وَذ َُروا َ
ْ
م فَل َك ُـ ْ
م ن ت ُب ْت ُـ ْ
ســول ِهِ وَإ ِ ْ ن الل ّهِ وََر ُ م َ ب ِ حْر ٍ م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ لَ ْ
َ
ن { ). (2 مو َ ن وََل ت ُظ ْل َ ُ مو َ م َل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْ م َ
سأ ُْرُءو ُ
وسأختار ما تيسر من أقوالهم ؛ قال ابن جرير رحمــه اللــه
تعالى في تفسيره
__________
) (1سورة البقرة الية 278
759
) (2سورة البقرة الية 279
َ
م { )(1 وال ِك ُ ْم َسأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْ ن ت ُب ْت ُ ْ لقوله تعالى } :وَإ ِ ْ
يعني جل ثناؤه بذلك إن تبتم فتركتم أكل الربا وأنبتم إلــى
الله عز وجل فلكم رؤوس أموالكم من الديون الــتي لكــم
على الناس دون الزيــادة الــتي أحــدثتموها علــى ذلــك ربــا
منكم كما حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عــن
َ
م { ) (2المال الذي وال ِك ُ ْ م َسأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْ ن ت ُب ْت ُ ْقتادة } وَإ ِ ْ
لهم على ظهور الرجــال جعــل لهــم رؤوس أمــوالهم حيــن
نزلت هذه الية ،فأما الربح والفضل فليس لهم ول ينبغي
لهم أن يأخذوا منه شيئا ،حدثني المثنى قال حــدثنا عمــرو
بن عون قال حدثنا هشيم عــن جويــبر عــن الضــحاك قــال
وضع الله الربا وجعل لهم رؤوس أموالهم .حدثني يعقوب
قال حدثنا ابن علية عن سعيد بـن أبـي عروبـة عـن قتـادة
َ
م { )(3 وال ِك ُ ْ مـ َسأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُـ ْ ن ت ُب ْت ُـ ْ في قوله تعالى } وَإ ِ ْ
قال ما كان لهــم مــن ديــن فجعــل لهــم أن يأخــذوا رؤوس
أموالهم ول يزاد عليه شيئا ،حدثني موسى بن هرون قال
م
ن ت ُب ْت ُـ ْ
حدثنا عمرو قــال حــدثنا أســباط عــن الســدي } وَإ ِ ْ
َ
م { ) (4الذي أسلفتم وســقط الربــا ، وال ِك ُ ْم َسأ ْ م ُرُءو ُ فَل َك ُ ْ
حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة ذكــر
لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يــوم
الفتح » :أل إن ربا الجاهلية موضوع كله وأول ربا أبتدئ به
ربا العبــاس بــن عبــد المطلــب « ) (5حــدثنا المثنــى قــال
حدثنا إسحاق قال حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قــال فــي خطبتــه» :
إن كل ربا موضوع ،وأول ربا يوضع ربا العباس « ). (6
ن{) مـو َ ن وََل ت ُظ ْل َ ُ مو َ القول في تأول قوله تعالى } َل ت َظ ْل ِ ُ
. (7
يعني بقوله ل تظلمون بأخذكم رؤوس أموالكم التي كانت
لكم قبل الرباء علـى غرمـائكم منهـم دون أربـاحهم الـتي
زدتموهــا ربــا علــى مــن أخــذتم ذلــك منــه مــن غرمــائكم
فتأخذوا منهم ما ليس لكم أخذه أو لم يكن لكم
__________
) (1سورة البقرة الية 279
760
) (2سورة البقرة الية 279
) (3سورة البقرة الية 279
) (4سورة البقرة الية 279
) (5صحيح مسلم الحج ),(1218سنن أبو داود المناسك )
,(1905سنن ابن ماجه المناسك ),(3074ســنن الــدارمي
المناسك ).(1850
) (6صحيح مسلم الحج ),(1218سنن أبو داود المناسك )
,(1905سنن ابن ماجه المناسك ),(3074ســنن الــدارمي
المناسك ).(1850
) (7سورة البقرة الية 279
قبل )ول تظلمون( يقــول ول الغريــم الــذي يعطيكــم ذلــك
دون الربا الذي كنتم ألزمتموه من أجل الزيادة في الجــل
يبخســكم حقــا لكــم عليــه فيمنعكمــوه ؛ لن مــا زاد علــى
رؤوس أموالكم لم يكن حقا لكم عليه فيكون بمنعه إيــاكم
ذلك ظالما لكم .وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس
يقول وغيره من أهل التأويل .ذكر من قال ذلــك :حــدثني
المثني قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاويــة عــن علــي
م َل َ م فَل َ ُ
وال ِك ُ ْ
مــ َ
سأ ْ م ُرُءو ُ كــ ْ ن ت ُب ُْتــ ْعــن ابــن عبــاس } وَإ ِ ْ
ن { ) (1فتربون ول تظلمــون فتنقصــون ،وحــدثني مو َ ت َظ ْل ِ ُ
يوسف قال أخبرنا ابن وهب قال :قال ابن زيد فــي قــوله
َ
ن { )(2 مــو َ ن وََل ت ُظ ْل َ ُ مــو َ م َل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْمـ َ سأ ْ } فَل َك ُـ ْ
م ُرُءو ُ
قال ل تنقصون من أموالكم ول تأخذون باطل ل يحل لكــم
). (3
وقــال القرطــبي :رحمـه اللـه تعــالى )الرابعـة والثلثـون(
َ
م { ) (4روى وال ِك ُ ْمــ َ
سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْ ن ت ُب ْت ُ ْ قوله تعالى } وَإ ِ ْ
أبو داود عن ســليمان بــن عمــرو عــن أبيــه قــال :ســمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجــة الــوداع:
» أل إن كــل ربــا مــن ربــا الجاهليــة موضــوع لكــم رؤوس
أموالكم ل تظلمون ول تظلمون « ). (5
وذكر الحديث فردهم تعالى مع التوبة إلى رؤوس أموالهم
وقال لهم ل تظلمون فــي أخــذ الربــا ول تظلمــون فــي أن
يتمســك بشــيء مــن رؤوس أمــوالكم فتــذهب أمــوالكم
ويحتمل أن يكون ل تظلمون في مطل ؛ لن مطل الغنــي
761
ظلم .فالمعنى أن يكون القضاء مــع وضــع الربــا ،وهكــذا
ســنة الصــلح ،وهــذا أشــبه شــيء بالصــلح .أل تــرى » أن
النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار إلى كعب بــن مالــك
في دين أبي حدرد بوضع الشطر فقال :كعب
__________
) (1سورة البقرة الية 279
) (2سورة البقرة الية 279
) (3تفسير الطــبري المســمى )جــامع البيــان فــي تفســير
القرآن( - ،المجلد الثالث ،ص .72
) (4سورة البقرة الية 279
) (5سنن الترمذي تفسير القرآن ),(3087سنن ابن ماجه
المناسك ).(3055
نعم فقال رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم للخــر قــم
فاقضـه « ) ، (1فتلقـى العلمـاء أمــره بالقضـاء ســنة فــي
المصالحات .إلى أن قال رحمه الله تعالى :
س
م ُرُءو ُم فَل َك ُـ ْن ت ُب ْت ُ ْ
)الخامسة والثلثون( قوله تعالى } وَإ ِ ْ
َ
م { ) (2تأكيد لبطال ما لم يقبض منــه وأخــذ رأس وال ِك ُ ْ
م َ
أ ْ
المال الذي ل ربا فيه ،فاستدل بعض العلمــاء بــذلك علــى
أن كل ما طرأ على البيع قبل القبــض ممــا يــوجب تحريــم
العقد أبطل العقد ،كما إذا اشترى مسلم صيدا ثــم أحــرم
المشتري أو البائع قبل القبض بطل البيع ؛ لنه طــرأ عليــه
قبل القبض ما أوجب تحريم العقد ،كما أبطل الله تعــالى
من الربا ما لم يقبض ؛ لنه طرأ عليــه مــا أوجــب تحريمــه
قبل القبض ،ولو كان مقبوضا لم يؤثر ،هــذا مــذهب أبــي
حنيفة وهو قول لصحاب الشافعي .ويستدل بــه علــى أن
هلك المبيع قبل القبض في يد البائع وسقوط القبض فيــه
يــوجب بطلن العقــد خلفــا لبعــض الســلف ،ويــروى هــذا
الخلف عــن أحمــد .وهــذا إنمــا يتمشــى علــى قــول مــن
يقول :إن العقد في الربا كــان فــي الصــل منعقــدا وإنمــا
بطل بالسلم الطارئ قبل القبض .وأما من يمنــع انعقــاد
الربا في الصــل لــم يكــن هــذا الكلم صــحيحا ،وذلــك أن
الربا كان محرما في الديــان والــذي فعلــوه فــي الجاهليــة
كان عــادة المشــركين ،وأن مــا قبضــوه منــه كــان بمثابــة
762
أهوال وصلت إليهم بالهبــة فل يتعــرض لــه ،فعلــى هــذا ل
يصح الستشهاد على ما ذكروه مــن المســائل ،واشــتمال
شرائع النبياء قبلنا على تحريم الربــا مشــهور مـذكور فـي
كتاب الله تعالى كمــا حكــى عــن اليهــود فــي قــوله تعــالى
ه { ) (3وذكــر فــي قصــة م الّرب َــا وَقَ ـد ْ ن ُهُــوا عَن ْـ ُخ ـذِهِ ُ} وَأ َ ْ
مــا َ َ
ن ن َعْب ُـد َ َ
شعيب أن قومه أنكروا عليه وقــالوا } أت َن َْهان َــا أ ْ
عوَنا إ ِل َي ْهِ { )(4ما ت َد ْ ُ
م ّ
ك ِ ش ّ ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا وَإ ِن َّنا ل َِفي َ
فعلى هذا ل يستقيم الســتدلل بــه ،نعــم يفهــم مــن هــذا
العقود الواقعــة فــي دار الحــرب إذا ظهــر عليهــا المــام ل
يعترض عليها بالفسخ إذا كانت معقودة على فساد .
__________
) (1صحيح البخاري الصلة ),(445صحيح مسلم المساقاة
),(1558سنن النســائي آداب القضــاة ),(5408ســنن أبــو
داود القضـــية ),(3595ســـنن ابـــن مـــاجه الحكـــام )
,(2429مســند أحمــد بــن حنبــل ),(3/454ســنن الــدارمي
البيوع ).(2587
) (2سورة البقرة الية 279
) (3سورة النساء الية 161
) (4سورة هود الية 62
ثم بين رحمــه اللــه تعــالى حكــم المــال الحلل إذا خــالطه
حرام فقال:
السادسة والثلثون :ذهب بعــض الغلة مــن أربــاب الــورع
إلى أن المال الحلل إذا خالطه حرام حــتى لــم يتميــز ثــم
أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحل ولــم يطــب ؛
لنه يمكن أن يكون الذي أخرج هو الحلل والذي بقــي هــو
الحرام .قال ابن العربي :وهذا غلو في الدين فإن كل ما
لم يتميز فالمقصود منــه مــاليته ل عينــه ،ولــو تلــف لقــام
المثــل مقــامه والختلط إتلف لتمييــزه ،كمــا أن الهلك
إتلف لعينه ،والمثل قائم مقام الذاهب ،وهذا بيــن حســا
بين معنى والله أعلم .
ثم بين رحمه الله تعالى رأيه فيمن يريد التخلص مما بيده
من الموال الربوية فقال:
763
قلت :قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيــده مــن المــوال
الحرام إن كانت من ربــا فليردهــا علــى مــن أربــى عليــه ،
ويطلبــه إن لــم يكــن حاضــرا ،فــإن التبــس مــن وجــوده
فليتصدق بذلك عنه ،وإن أخذه بظلم فليفعــل كــذلك فــي
أمر من ظلمه ،فإن التبس عليه المر ولم يدركم الحــرام
من الحلل مما بيده فإنه يتحرى قــدر مــا بيــده ممــا يجــب
عليه رده .حتى ل يشك أن ما يبقى قــد خلــص لــه فيــرده
من ذلك الذي أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمــه أو
أربى عليه ،فإن أيس مــن وجــوده تصــدق بــه عنــه .فــإن
أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما ل
يطيق أداءه أبدا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيــده أجمــع إمــا
إلى المســاكين أو إلــى مــا فيــه صــلح المســلمين حــتى ل
يبقى في يده إل أقل ما يجزئه في الصلة من اللباس وهو
ما يستر العورة وهو من سرته إلى ركبته وقوت يوم ؛ لنه
الذي يجب له أن يأخذه من مال غيره إذا اضطر إليــه وإن
كره ذلك من يأخذه منه ،وفارق هاهنا المفلس فــي قــول
أكــثر العلمــاء؛ لن المفلــس لــم يصــر إليــه أمــوال النــاس
باعتداء بل هم الذين صيروها إليـه ،فيـترك لـه مــا يــواريه
ومــا هــو هيئة لباســه ،وأبــو عبيــد وغيــره يــرى أل يــترك
للمفلس من اللباس إل أقل ما يجزئه في الصلة وهــو مــا
يواريه من سرته إلى ركبته ،ثم كل ما وقع بيد هذا شــيء
أخرجه عن يده ،ولم يمسك منه إل مــا ذكرنــا حــتى يعلــم
هو ومن يعلم حاله أنه أدى ما عليه ). (1
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لقــوله تعــالى
َ
ن { ) (2أي م َل ت َظ ْل ِ ُ
مــو َ وال ِك ُ ْ
مـ َ
سأ ْ م فَل َك ُـ ْ
م ُرُءو ُ ن ت ُب ْت ُـ ْ
} وَإ ِ ْ
بأخذ الزيادة ول تظلمون الموال أيضا بــل لكــم مــا بــذلتم
من غير زيادة عليه ول نقـص منـه .وقـال ابـن أبـي حـاتم
حدثنا محمد بن الحسن بـن أشـكاب حـدثنا عبيــد اللـه بـن
موسى عن شيبان عن شبيب عــن غرقــدة المبــارقي عــن
سليمان بن عمرو بــن الحــوص عــن أبيــه قــال » :خطــب
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الــوداع فقــال:
)أل إن كل ربا كان في الجاهلية موضــوع عنكــم كلــه لكــم
رؤوس أمـــوالكم ل تظلمـــون ول تظلمـــون ،وأول ربـــا
764
موضوع ربا العباس بن عبد المطلب كله « ) (3كذا وجــده
ســليمان بــن الحــوص ،وقــد قــال ابــن مردويــه حــدثنا
الشافعي حدثنا معاذ بن المثنى ،أخبرنا مسدد ،أخبرنا أبو
الحوص حدثنا شبيب بن غرقــدة عــن ســليمان بــن عمــرو
عن أبيه قال :سمعت رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم
يقول » :أل إن كــل ربــا مــن ربــا الجاهليــة موضــوع فلكــم
رؤوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون « ) . (4وكذا رواه
من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي حمزة
المرقاشي عن عمرو هو ابن خارجة فذكره ). (5
وقال ابن القيم رحمه اللــه تعــالى فــي كلمــه علــى آيــات
الربا:
َ
م { ) (6يعنــي إن وال ِك ُ ْ
م َ
سأ ْ م فَل َك ُ ْ
م ُرُءو ُ ن ت ُب ْت ُ ْ
ثم قال } :وَإ ِ ْ
تركتم الربا وتبتم إلى الله منه ،وقد عاقدتم عليــه ،فإنمــا
لكم رؤوس أموالكم
__________
) (1تفسير القرطبي المسمى )الجــامع لحكــام القــرآن(،
جزء ) ،(3من ص 365إلى صفحة .376
) (2سورة البقرة الية 279
) (3سنن الترمذي تفسير القرآن ),(3087سنن ابن ماجه
المناسك ).(3055
) (4سنن الترمذي تفسير القرآن ),(3087سنن ابن ماجه
المناسك ).(3055
) (5تفسير القرآن العظيــم لبــن كــثير ،جــزء ) ،(1صــفحة
.331
) (6سورة البقرة الية 279
ل تزيــدون عليهــا فتظلمــون الخــذ ،ول تنقصــون منهــا
فيظلمكــم مــن أخــذها ،فــإن كــان هــذا القــابض معســرا
فـــالواجب إنظـــاره إلـــى ميســـرة ،وإن تصـــدقتم عليـــه
وأبرأتموه فهو أفضل لكم وخير لكم ،فإن أبــت نفوســكم
وشحت بالعدل الواجب أو الفضل المندوب فذكروها يومــا
ترجعــون فيــه إلــى اللــه وتلقــون ربكــم فيــوفيكم جــزاء
أعمالكم أحوج ما أنتم إليه ). (1
765
وقال الشيخ محمد رشيد رضا من تفسير المنار على قوله
تعالى
ف { )(2 سل َ َما َ ه َ ن َرب ّهِ َفان ْت ََهى فَل َ ُ م ْ ة ِ عظ َ ٌمو ْ ِ جاَءهُ َ ن َ م ْ } فَ َ
أي فمن بلغه تحريم الله تعالى للربا ونهيه عنه فترك الربا
فورا بل تراخ ول تردد انتهاءا عما نهى الله عنه فله ما كان
أخذه فيما ســلف مــن الربــا ل يكلــف رده إلــى مــن أخــذه
منهم بل يكتفى منه بأن ل يضاعف عليهم بعــد البلغ شــيئا
مُرهُ إ َِلى الل ّهِ { ) (3يحكم فيه بعدله ،ومن العــدل أل َ
} وَأ ْ
يؤاخذ بما أكل من الربا قبل التحريم وبلوغه الموعظة من
ربه .ولكن العبارة تشعر بأن إباحة أكل ما ســلف رخصــته
للضرورة وتومئ إلى أن رد ما أخــذ مــن قبــل النهــي إلــى
أربابه الذين أخذ منهم من أفضل العزائم ؛ ألم تر أنه عــبر
عن إباحة ما سلف باللم ولم يقل كما قال بعد ذكر كفارة
ف { ) (4وأنـه سـل َ َمــا َ ه عَ ّ صيد المحرم } -95 :5عََفا الّلـ ُ
عقب هذه الباحة بإبهام الجزاء وجعله إلى اللــه والمعهــود
في أسلوبه أن يصل مثل ذلــك بــذكر المغفــرة والرحمــة ،
كما قال في آخر آية محرمات النساء -23 : 4
ن اْل ُ ْ َ
ه ك َــا َ
ن ن الل ّـ َف إِ ّس ـل َ َمــا قَـد ْ َ ن إ ِّل َخت َي ْ ِ مُعوا ب َي ْ َج َ ن تَ ْ} وَأ ْ
ما { ) (5أباح أكل ما سلف قبل التحريم وأبهــم حي ًغَُفوًرا َر ِ
جزاء آكله .لعله يغص بأكل ما فــي يــده منــه فيــرده إلــى
صاحبه ،ولكنه صرح بأشد الوعيد على من أكل شــيئا بعــد
م عاد فَ ـُأول َئ ِ َ َ
ب الن ّــارِ هُ ـ ْ حا ُصـ َكأ ْ ن َ َ م ْ النهي فقال تعالى } وَ َ
ن { ) (6أي ومن عاد إلـى مـن كـان يأكـل مـن دو َ خال ِ ُِفيَها َ
الربا المحرم بعد تحريمه فأولئك
__________
) (1التفسير القيم لبن القيم ,ص 172و . 173
) (2سورة البقرة الية 275
) (3سورة البقرة الية 275
) (4سورة المائدة الية 95
) (5سورة النساء الية 23
) (6سورة البقرة الية 275
البعداء عن التعاظ بموعظة ربهم الذي ل ينهــاهم إل عمــا
يضر بهم في أفرادهم أو جميعهم ). (1
766
وحول تفسير ما سبق من اليات في الربا قال محمــد بــن
أحمد بن رشد )فصل( فإن فات الــبيع فليــس لــه إل رأس
ماله قبض الربا أو لم يقبضــه .فــإن كــان قبضــه رده إلــى
صــاحبه ،وكــذلك مــن أربــى ثــم تــاب فليــس لــه إل رأس
ماله ،وما قبض من الربــا وجــب عليــه أن يــرده إلــى مــن
قبضه منه ،فإن لم يعلمه تصدق بــه عنــه لقــول اللــه عــز
َ
م { ) (2اليـة .وأمـا وال ِك ُ ْ
م َسأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْن ت ُب ْت ُ ْوجل } وَإ ِ ْ
من أسلم وله ربا فإن كان قبضه فهو له ،لقــول اللــه عــز
مــا
ه َ ن َرب ّـهِ فَــان ْت ََهى فَل َـ ُمـ ْ ة ِ عظ َـ ٌمو ْ ِ جــاَءهُ َ ن َ مـ ْ وجــل } :فَ َ
ف { ) (3ولقول رسول الله صلى الله عليـه وسـلم» : سل َ َ
َ
من أسلم على شيء فهو له « .
وأما إن كان الربا لــم يقبضــه فل يحــل لــه أن يأخــذه وهــو
موضوع عن الذي هو عليه ول خلف في هذا أعلمه؛ لقول
َ
ي
ما ب َِق َه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ نآ َ ذي َالله عز وجل } َيا أي َّها ال ّ ِ
ن { )(4 مِني َمؤ ْ ِ م ُن ك ُن ْت ُ ْن الّرَبا إ ِ ْ
م َ ِ
نزلت هذه الية في قوم أسـلموا ولهـم علـى قــوم أمـوال
من ربا كانوا أربوه عليهم ،وكانوا قد اقتضوا بعضــه منهــم
وبقي بعضه فعفا الله لهم عما كانوا اقتضوه وحرم عليهــم
اقتضاء ما بقي منــه .وقيــل نزلــت فــي العبــاس بــن عبــد
المطلب ورجل من بني المغيــرة كانــا يســلفان فــي الربــا
فجاء السلم ولهما أموال عظيمــة فــي الربــا فــأنزل اللــه
الية بتحريم اقتضاء ما كان بقي لهما ،وقال رســول اللــه
صلى الله عليه وسـلم فــي خطبتـه يـوم عرفــة فــي حجـة
الوداع » :أل إن كل ربا كان فـي الجاهليـة فهــو موضــوع ،
وأول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب « ). (5
خلصة ما سبق من كلم المفسرين ما يلي :أن المرابي ل
يخلو من إحدى حالتين:
__________
) (1تفسير المنار ،جزء ) ،(3ص .98 -97
) (2سورة البقرة الية 279
) (3سورة البقرة الية 275
) (4سورة البقرة الية 278
767
) (5سنن الترمذي تفسير القرآن ),(3087سنن ابن ماجه
المناسك ).(3055
الحالة الولى:
أن يكون الربا له في ذمم النــاس لــم يقبضــه بعــد ،ففــي
هذه الحالة قد أرشده اللــه تعــالى إلــى أن يســترجع رأس
ماله ويترك ما زاد عليه من الربا فل يستوفيه ممن هو في
م َل َ م فَل َ ُ
وال ِك ُ ْ
مــ َ
سأ ْ م ُرُءو ُ كــ ْ ن ت ُب ْت ُ ْ
ذمته قال الله تعالى } وَإ ِ ْ
ن { )(1 ن وََل ت ُظ ْل َ ُ
مو َ ت َظ ْل ِ ُ
مو َ
وقال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى في معرض
كلمه على أن التراضي بين الطرفين على فعــل محــرم ل
يبيحه :قال :وهذا مثل الربــا فــإنه وإن رضــي بــه المرابــي
وهو بالغ رشيد لم يبح ذلك لما فيه من ظلمــه .ولهــذا لــه
أن يطالبه بما قبــض منــه مــن الزيــادة ول يعطيــه إل رأس
ماله وإن كــان قــد بــذله باختيــاره ) (2وقــال أيضــا :وهــذا
المرابــي ل يســتحق فــي ذمــم النــاس إل مــا أعطــاهم أو
نظيره ،فأما الزيــادات فل يســتحق شــيئا منهــا ،لكــن مــا
قبضه قبل ذلك بتأويل يعفى عنـه ،وأمـا مـا بقـي لـه فـي
ن
مـ َ ي ِ مــا ب َِق ـ َالذمم فهو ساقط ؛ لقــوله تعــالى } :وَذ َُروا َ
الّرَبا { ) (3والله أعلم ). (4
الحالة الثانية:
أن يكون التائب من الربا قد قبضه وتجمعت عنــده أمــوال
منه ،وفي هذا قاعدة ذكرها شيخ السلم ابن تيمية رحمه
الله تعالى حيث قال :قاعدة في المقبــوض بعقــد فاســد ؛
وذلك أنه ل يخلو إما أن يكون العاقد يعتقد الفساد ويعلمه
أو ل يعتقد الفساد .فالول :يكون بمنزلــة الغاصــب حيــث
قبض ما يعلم أنه ل يملكه لكنه لشبهة العقد وكون القبض
عن التراضي هل يملكه بالقبض أو ل يملكه ،أو يفرق بين
أن يتصرف فيه أو ل يتصرف؟ هذا فيه خلف مشهور فــي
الملك هل يحصل بالقبض في العقد الفاسد؟
__________
) (1سورة البقرة الية 279
) (2مجمــوع فتــاوى شــيخ الســلم ابــن تيميــة ،الجــزء
)الخامس عشر( ،ص .126
768
) (3سورة البقرة الية 278
) (4مجموع فتاوى شــيخ الســلم ابــن تيميــة ،جــزء )،(29
صفحة .437
وأما إن كان العاقد يعتقــد صــحة العقــد :مثــل أهــل الذمــة
فيما يتعــاملون بــه بينهــم مــن العقــود المحرمــة فــي ديــن
السلم مثــل بيــع الخمــر ،والربــا ،والخنزيــر ،فــإن هــذه
العقود إذا اتصل بها القبــض قبــل الســلم والتحــاكم إلينــا
أمضيت لهم ،ويملكون ما قبضوه بل نــزاع ؛ لقــوله تعــالى
َ
ن
ن الّرب َــا إ ِ ْ
مـ َي ِ ما ب َِق َ ه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ نآ َ ذي َ } َيا أي َّها ال ّ ِ
ن { )(1 مِني َ مؤ ْ ِ
م ُ ك ُن ْت ُ ْ
فأمر بترك ما بقــي وإن أســلموا أو تحــاكموا قبــل القبــض
فسد العقد ووجب رد المال إن كان باقيا أو بــدله إن كــان
َ
مُنــوا ات ُّقــوانآ َ ذي َ فائتا ،والصل فيه قوله تعالى } َيا أي َّها ال ّ ِ
ن { ) (2إلــى مِني َ م ـؤ ْ ِ
م ُ ن ك ُن ْت ُـ ْ ن الّرب َــا إ ِ ْم َ ي ِ ما ب َِق َ ه وَذ َُروا َ الل ّ َ
َ
م { ). (4) (3 وال ِك ُ ْ م َسأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْ ن ت ُب ْت ُ ْ قوله } وَإ ِ ْ
وحاصل هذه القاعدة أن شيخ الســلم رحمــه اللــه تعــالى
يفرق بين من قبض مال بعقد فاسد يعتقد صــحته كالكــافر
الــذي كـان يتعامــل بالربــا قبــل إســلمه أو تحــاكمه إلينــا ،
وكالمسلم إذا عقد عقدا مختلفا فيه بين العلماء وهو يــرى
صحته فهذا النوع من المتعاقدين يملك ما قبضه ،أما مــن
تعامل بعقد مختلف في تحريمه وهو ل يرى صحته أو بعقد
مجمع على تحريمه مما قبضه بموجب ذلك العقد فهو فيه
كالغاصب حيث قبض ما يعلم أنه ل يملكه .
ومما أجاب به شيخ السلم رحمه الله تعالى :قول القــائل
لغيره أدينك كل مائة بكسب كذا وكذا حرام ،وكذا إذا حل
الدين عليـه وكـان معسـرا فـإنه يجـب إنظـاره ،ول يجـوز
إلزامه بالقلب عليه باتفاق المسلمين ،وبكــل حــال فهــذه
المعاملــة وأمثالهــا مــن المعــاملت الــتي يقصــد بهــا بيــع
الدراهم بأكثر منها إلى أجل هــي معاملــة فاســدة ربويــة ،
والواجب رد المال المقبوض فيها إن كان باقيا ،وإن كــان
فانيا رد مثله ول يستحق الدافع أكثر
__________
) (1سورة البقرة الية 278
769
) (2سورة البقرة الية 278
) (3سورة البقرة الية 279
) (4تفصــيل الكلم علــى هــذه القاعــدة مســتوفى فــي
مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيميــة ،فــي الجــزء )،(29
صفحة 411و 412فارجع إليه.
من ذلك ،وعلــى ولــي المــر المنــع مــن هــذه المعــاملت
الربوية وعقوبة مــن يفعلهــا ورد النــاس فيهــا إلــى رؤوس
أموالهم دون الزيادات ،فإن هذا من الربا الذي حرمه الله
نمـ َ ي ِ َ مــا ب َِق ـ ه وَذ َُروا َ ورسوله وقد قال تعالى } ات ُّقــوا الل ّـ َ
م ت َْفعَل ُــوا فَ ـأ ْذ َُنوا ن ل َـ ْ ن { ) } (1فَ ـإ ِ ْ مِني َ م ـؤ ْ ِم ُ ن ك ُن ْت ُـ ْ الّرب َــا إ ِ ْ
م َل َ
وال ِك ُ ْمــ َ سأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُ ْ ن ت ُب ْت ُ ْ
سول ِهِ وَإ ِ ْ ن الل ّهِ وََر ُ م َ ب ِ حْر ٍ بِ َ
ظــَرةٌ سَرةٍ فَن َ ِ ذو عُ ْ ن ُ كا َ ن َ ن { ) } (2وَإ ِ ْ مو َ ن وََل ت ُظ ْل َ ُ مو َ ت َظ ْل ِ ُ
َ
ن { )(3 مــو َ م ت َعْل َ ُن ك ُن ْت ُ ْ م إِ ْخي ٌْر ل َك ُ ْ صد ُّقوا َ ن تَ َ سَرةٍ وَأ ْ مي ْ َإ َِلى َ
). (4
أقول
ومن كلمــه رحمــه اللـه تعــالى يتضــح لنــا حرمــة المداينــة
المعمول بها حاليا على نحو ما ذكره وأعظــم منهــا حرمــة
قلب الدين على المدين ؛ لنه بيع دراهم بأكثر منها نســأل
الله العافية .
وحينما سئل شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى عــن
رجل مراب خلف مال وولدا وهو يعلــم بحــاله فهــل يكــون
المال حلل للولد بالميراث أم ل؟ قال:
أما القدر الذي يعلم الولد أنه ربــا فيخرجــه .إمــا أن يــرده
إلى أصــحابه إن أمكــن ،وإل تصــدق بــه والبــاقي ل يحــرم
عليه ،لكن القدر المشتبه يستحب لــه تركــه إذا لــم يجــب
صرفه في قضاء دين أو نفقة عيال ،وإن كان الب قبضــه
بالمعاملت الربوية التي يرخــص فيهــا بعــض الفقهــاء جــاز
للوارث النتفاع به ،وإن اختلط الحلل بالحرام وجهل قدر
كــل منهمــا جعــل ذلــك نصــفين .وحينمــا ســئل أيضــا عــن
الرجل يختلط ماله الحلل بالحرام أجاب بقوله:
يخــرج قــدر الحــرام بــالميزان فيــدفعه إلــى صــاحبه وقــدر
الحلل له .وإن لم يعرفه وتعذرت معرفته تصدق بــه عنــه
). (5
770
__________
) (1سورة البقرة الية 278
) (2سورة البقرة الية 279
) (3سورة البقرة الية 280
) (4مجموع الفتاوى ،جزء ) ،(29ص 437و .438
) (5مجموع الفتاوى ،جزء ) ،(29ص .307
وحول التصدق بالرباح المكتسبة عن طريق البنــوك الــتي
تتعامل بالربا ،ورد هذا السؤال لسماحة الشيخ محمد بــن
إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ مفتي المملكة ورئيــس
القضاة في وقته رحمه الله تعالى:
إذا سلمت بضاعة تبع شركة السمنت واشــتغلت الشــركة
فــي أموالهــا فــوردت مكــائن وأخــذت مقــاولت عمــارات
وكسبت أرباحــا مــن البنــك ،وقــدموا لــك بيــان حســابك ،
ووجدت فيه قسما يختص بأرباح البنــك وهــي أربــاح ربويــة
فهل تقبضــها وتجعلهــا مــع مالــك أو تردهــا علــى البنــك أو
تتصدق بها؟
فأجاب رحمه الله تعالى بقوله:
هذه الزيادة التي أخــذت مقابــل أربــاح البنــك تتصــدق بهــا
والله أعلم والسلم عليكم ). (1
وفيما يلي سأذكر بمشيئة اللــه وعــونه وتــوفيقه بعــض مــا
تيســر مــن كلم العلمــاء رحمهــم اللــه تعــالى فــي كيفيــة
التخلص من أنواع المكاســب المحرمــة الخــرى ،ويــدخل
فيه أيضا الربا ،وإنما أفردت الكلم عنه فيما ســبق ؛ لنــه
من أعظم المكاسب المحرمة إثما وأنكاها عقوبة .نســأل
الله العافية .
__________
) (1فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بــن إبراهيــم بــن
عبد اللطيف آل الشيخ ،جـ ،7صفحة .178
ب -أنواع المكاسب المحرمة
من ربا وغيره
عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما
قال :سمعت رسول الله صلى الله عليــه وســلم يقــول» :
إن الحلل بين وإن الحرام بين وبينهمــا أمــور مشــتبهات ل
771
يعلمهن كثير من الناس ،فمن اتقى الشبهات فقد اســتبرأ
لدينه وعرضه ،ومن وقع في الشبهات وقع فــي الحــرام ،
كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتــع فيــه ،أل وإن
لكل ملك حمى أل وإن حمــى اللــه محــارمه ،أل وإن فــي
الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلــه ،وإذا فســدت
فسد الجســد كلــه أل وهــي القلــب « ) . (1رواه البخــاري
ومسلم .
يقول ابن رجب في شرح هذا الحديث:
ويتفرع على هذا معاملة من في ماله حلل وحرام مختلط
،فإن كان أكثر ماله الحرام فقال أحمد :ينبغي أن يتجنبــه
إل أن يكون شيئا يسيرا شيئا ل يعــرف .واختلــف أصــحابنا
هل هو مكروه أو محرم على وجهين ،وإن كان أكثر مــاله
الحلل جازت معاملته والكل من ماله ،وقد روى الحارث
عــن علــي رضــي اللــه تعــالى عنــه أنــه قــال فــي جــوائز
السلطان :ل بأس بهــا مــا يعطيكــم مــن الحلل أكــثر ممــا
يعطيكم من الحرام ،وكان النبي صــلى اللــه عليــه وســلم
وأصحابه يعاملون المشركين وأهل الكتاب مع علمهم أنهم
ل يجتنبــون الحــرام كلــه ،وإن اشــتبه المــر فهــو شــبهة
والورع تركــه ،قــال ســفيان يعجبنــي ذلــك وتركــه أعجــب
إلي ،وقال الزهري ومكحول :ل بأس أن يؤكل منه ما لم
يعرف أنه حرام بعينه فإن لم يعرف في ماله حــرام بعينــه
ولكن علم أن فيه شــبهة فل بــأس بالكــل منــه نــص عليــه
أحمد في رواية حنبل .وذهب إسحاق بن راهــويه إلــى مــا
روي عن ابن مسعود وسليمان وغيرهما من الرخصة وإلى
ما روي عـن الحسـن وابـن سـيرين فـي إباحـة الخـذ بمـا
يقضى من الربا والقمــار .ونقلــه عنــه ابــن منصــور وقــال
المام أحمد في المال المشــتبه حللــه بحرامــه :إن كــان
المال كثيرا أخرج منه قدر الحرام وتصــرف فــي البــاقي ،
وإن كان المال قليل اجتنبه كله؛ وهذا لن القليل إذا تناول
منــه شــيئا فــإنه يتعــذر معــه الســلمة مــن الحــرام بخلف
الكثير .
__________
772
) (1صحيح البخاري اليمان ),(52صحيح مسلم المســاقاة
),(1599ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1205ســنن النســائي
البيوع ),(4453سنن أبــو داود الــبيوع ),(3329ســنن ابــن
ماجه الفتن ),(3984مسند أحمد بن حنبل ),(4/270سنن
الدارمي البيوع ).(2531
ومن أصحابنا من حمل ذلك على الورع دون التحريم وأباح
التصرف في القليل والكثير بعد إخراج قدر الحــرام منــه ،
وهو قول الحنفية وغيرهم ،وأخذ به قوم مــن أهــل الــورع
منهم بشر الحافي .ورخص قوم مــن الســلف فــي الكــل
ممن يعلم في ماله حرام ما لم يعلم أنه من الحرام بعينــه
فصح كما تقدم عــن مكحــول والزهــري ،وروي مثلــه عــن
الفضل بن عياض وروي في ذلك آثار عن السلف ). (1
وعن أبي هريرة رضــي اللــه عنــه قــال :قــال رســول اللــه
صلى الله عليه وسلم » :إن الله تعــالى طيــب ل يقبــل إل
طيبا وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمــر بــه المرســلين
فقال تعــالى وقــال تعــالى تــم ذكــر الرجــل يطيــل الســفر
أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ،ومطعمــه
حرام ،ومشربه حرام ،وملبســه حــرام ،وغــذي بــالحرام
فأنى يستجاب لذلك « ) (4رواه مســلم - .ممــا جــاء فــي
شرح هذا الحديث يقول ابن رجب :وأمــا الصــدقة بالمــال
الحرام فغير مقبولة كما في صحيح مسلم عــن ابــن عمــر
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وســلم قــال» :
ل يقبل الله صلة بغير طهور ول صــدقة مــن غلــول « )(5
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عــن
النبي صلى الله عليه وسلم قال » :ما تصدق عبد بصــدقة
من كسب طيب ول يقبل الله إل الطيب إل أخذها الرحمن
بيمينــه « ) (6وذكــر الحــديث ،وفــي مســند المــام أحمــد
رحمه الله تعالى عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم » :ل يكتسب عبــد مــال مــن حــرام
فينفق منه فيبارك فيه ول يتصدق به فيقبل منه ول يــتركه
خلــف ظهــره إل كــان زاده إلــى النــار ،إن اللــه ل يمحــو
السيئ
__________
773
) (1جامع العلوم والحكــم ،مــن ص 58إلــى ص ،62ولــه
زيادة تفصيل في الموضوع فارجع إليه.
) (2صحيح مسلم الزكاة ),(1015ســنن الترمــذي تفســير
القــرآن ),(2989مســند أحمــد بــن حنبــل ),(2/328ســنن
الدارمي الرقاق ).(2717
ل ك ُل ُــواسـ ُ َ
) (3سورة المؤمنون الية َ } (2) 51يا أي َّها الّر ُ
حا { مُلوا َ
صال ِ ً ت َواعْ َن الط ّي َّبا ِ م َ ِ
مُنوا ك ُُلوا َ
نآ َ ذي َ) (4سورة البقرة الية َ } (3) 172يا أي َّها ال ّ ِ
ن ك ُن ُْتــ ْ
م إ ِّيــاهُ شــك ُُروا ل ِّلــهِ إ ِ ْ مــا َرَزقَْنــاك ُ ْ
م َوا ْ ت َ ن ط َي َّبــا ِمــ ْ ِ
ن{ دو َت َعْب ُ ُ
) (5صحيح مسلم الطهارة ),(224سنن الترمذي الطهــارة
),(1سنن ابن ماجه الطهارة وســننها ),(272مســند أحمــد
بن حنبل ).(2/73
) (6صحيح البخاري الزكاة ),(1344صحيح مسلم الزكاة )
,(1014سنن الترمذي الزكاة ),(661سنن النسائي الزكاة
),(2525سنن ابن ماجه الزكاة ),(1842مســند أحمــد بــن
حنبـــل ),(2/431موطـــأ مالـــك الجـــامع ),(1874ســـنن
الدارمي الزكاة ).(1675
بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن ،إن الخــبيث ل يمحــو
الخبيث « ) (1ويروى من حديث دراج عن ابن حجيرة عن
أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال » :من كسب مال حراما فتصدق به لــم يكــن لــه فيــه
أجر وكان إصره عليــه « أخرجــه ابــن حبــان فــي صــحيحه
ورواه بعضهم موقوفا علــى أبــي هريــرة ،وفــي مراســيل
القاسم بن مخيمرة قال :قال رسول الله صلى الله عليــه
وسلم » من أصاب مال من مأثم فوصل به رحمه وتصدق
به أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلــك جميعــا ثــم قــذف بــه
في نار جهنم « .وروي عن أبي الدرداء ويزيد بن ميســرة
أنهما جعل مثل من أصاب مال مــن غيــر حلــة فتصــدق بــه
مثل من أخذ مال يتيم وكسا به أرملة ،وسئل ابن عبــاس
رضي الله عنهما عمن كان على عمل فكان يظلــم ويأخــذ
الحرام ثم تاب فهو يحــج ويعتــق ويتصــدق منــه فقــال :إن
الخبيث ل يكفر الخبيث ،وكذا قال ابن مسعود رضي اللــه
774
عنــه :إن الخــبيث ل يكفــر الخــبيث ،ولكــن الطيــب يكفــر
الخبيث ،وقــال الحســن :أيهــا المتصــدق علــى المســكين
ترحمه ارحم من قد ظلمت ). (2
واعلــم أن الصــدقة بالمــال الحــرام تقــع علــى وجهيــن:
أحدهما :أن يتصدق به الخائن أو الغاصــب ونحوهمــا علــى
نفسه ،فهذا هو المراد من هذه الحاديث أنه ل يتقبل منه
يعني أنه ل يؤجر عليه بل يأثم بتصرفه في مال غيره بغيــر
إذنه .ول يحصل للمالك بذلك أجر لعدم قصده ونيته .كذا
قاله جماعة من العلمــاء منهــم ابــن عقيــل مــن أصــحابنا ،
وفي كتاب عبد الرزاق من رواية زيد بن الخنس الخزاعي
أنه سأل سعيد بن المسيب قال :وجــدت لقطــة أفأتصــدق
بها؟ قال ل يؤجر أنت ول صاحبها .ولعل مراده إذا تصــدق
بها قبل تعريفها الواجب .إلى أن قال:
واعلم أن من العلماء مــن جعــل تصــرف الغاصــب ونحــوه
في مال غيره
__________
) (1مسند أحمد بن حنبل ).(1/387
) (2جامع العلوم والحكم ,ص 87ـ . 88
موقوفا على إجازة مالكه ،فــإن أجــاز تصــرفه فيــه جــاز .
وقد حكى بعض أصحابنا روايــة عــن أحمــد أنــه مــن أخــرج
زكاته من مال مغصوب ثم أجــازه المالــك جــاز وســقطت
عنه الزكاة .وكذلك خرج ابن أبي الدنيا روايــة عــن أحمــد
أنه إذا أعتق عبد غيره عن نفسه ملتزما ضمانه فــي مــاله
ثم أجازه المالك جاز ونفذ عتقه .وهو خلف نــص أحمــد .
وحكـي عـن الحنفيـة أنـه لـو غصـب شـاة فـذبحها لمتعتـه
وقرانه ثم أجازه المالك أجزأت عنه ). (1
الوجه الثاني من تصرفات الغاصب في المال المغصوب :
أن يتصدق عن صاحبه إذا عجز عن رده إليــه وإلــى ورثتــه
فهذا جائز عند أكثر العلماء :منهم مالك وأبو حنيفة وأحمــد
وغيرهــم .قــال ابــن عبــد الــبر :ذهــب الزهــري ومالــك
والثوري والوزاعي والليـث إلـى أن الغــال إذا تفــرق أهـل
العســكر ولــم يصــل إليهــم أنــه يــدفع إلــى المــام خمســه
ويتصــدق بالبــاقي ،روي ذلــك عــن عبــادة بــن الصــامت
775
ومعاوية والحسن البصري ،وهو يشبه مذهب ابن مســعود
وابن عباس رضي الله عنهما أنهما كانــا يريــان أن يتصــدق
بالمــال الــذي ل يعــرف صــاحبه ،وقــال قــد أجمعــوا فــي
اللقطــة علــى جــواز الصــدقة بهــا بعــد التعريــف وانقطــاع
صــاحبها ،وجعلــوه إذا جــاء مخيــرا بيــن الجــر والضــمان ،
وكذلك المغصوب .انتهى .
وروي عن مالك بن دينار قال سألت عطــاء بـن أبــي ربــاح
عمن عنده مال حرام ول يعرف أربابه ويريد الخروج منه؟
قال :يتصدق به ول أقول :إن ذلك يجزئ عنه .قال مالــك
كان هذا القول من عطاء أحب إلي من زنة ذهــب .وقــال
سفيان فيمن اشترى من قوم شيئا مغصوبا :يرده إليهــم ،
فإن لم يقدر عليهم يتصدق بــه كلــه ول يأخــذ رأس مــاله ،
وكذا قال فيمن باع شيئا ممن تكره معــاملته لشــبهة مــاله
قال :يتصدق بالثمن وخالفه ابن
__________
) (1لمزيد من التفاصيل واليضاح في هذا الموضوع جامع
العلوم والحكم لبن رجب ,من ص 88حتى صفحة 90
المبارك وقال :يتصدق بالربح خاصة .وقال أحمد يتصــدق
بالربح ،وكذا قال فيمن ورث مال من أبيه وكان أبوه يــبيع
ممن يكره معاملته :إنه يتصدق منــه بمقــدار الربــح ويأخــذ
الباقي وقد روي عن طائفة من الصحابة نحو ذلك :منهــم
عمر بن الخطــاب رضــي اللــه عنــه ،وعبــد اللــه بــن يزيــد
النصاري رضي الله عنه ،والمشهور عن الشافعي رحمــه
الله في الموال الحرام أنهــا تحفــظ ول يتصــدق بهــا حــتى
يظهر مستحقها ،وكان الفضــيل بــن عيــاض يــرى أن مــن
عنده مال حرام ل يعرف أربابه أنه يتلفه ويلقيه في البحــر
ول يتصــدق بــه .وقــال ل يتقــرب إلــى اللــه إل بــالطيب .
والصحيح الصــدقة بــه ؛ لن إتلف المــال وإضــاعته منهــي
عنه ،وإرصاده أبدا تعريــض لــه للتلف واســتيلء الظلمــة
عليه ،والصدقة به ليست عن مكتسبه حــتى يكــون تقربــا
منه بالخبيث وإنما هي صدقة عن مــالكه ليكــون نفعــه لــه
في الخرة حيث يتعذر عليه النتفاع به في الدنيا ). (1
ونستخلص مما سبق في شرح الحديثين ما يلي:
776
أ -معاملــة مــن فــي مــاله حلل وحــرام مختلــط :إن كــان
أكثره الحرام فينبغي تجنبه وهو الولــى؛ لن المــام أحمــد
رحمه الله تعالى قال) :ينبغي أن يتجنبه إل أن يكون شــيئا
يسيرا ل يعرف( .
وإن كان المال شبهة فالورع في تركــه بــل هــو مــا ينبغــي
عمل بقوله عليه الصلة والسلم » :فمــن اتقــى الشــبهات
فقد استبرأ لدينه وعرضه ،ومن وقــع فــي الشــبهات وقــع
في الحرام كالراعي يرعى حــول العمــى يوشــك أن يرتــع
فيه « ) ، (2والمال المشتبه حلله بحرامه إن كــان المــال
كثيرا أخرج منــه قــدر الحــرام وتصــرف فــي البــاقي ،وإن
كان المال قليل اجتنبه كله .
ب -أن الصدقة بالمال الحرام غير مقبولــة لمــا تقــدم مــن
قوله عليه أفضل الصلة والسلم » :إن الله تعــالى طيــب
ل يقبل إل طيبا « ) ، (3ولقوله
__________
) (1جامع العلوم والحكم ,ص . 90 ,89 ,88
) (2صحيح البخاري اليمان ),(52صحيح مسلم المســاقاة
),(1599ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1205ســنن النســائي
البيوع ),(4453سنن أبــو داود الــبيوع ),(3329ســنن ابــن
ماجه الفتن ),(3984مسند أحمد بن حنبل ),(4/270سنن
الدارمي البيوع ).(2531
) (3صحيح مسلم الزكاة ),(1015ســنن الترمــذي تفســير
القــرآن ),(2989مســند أحمــد بــن حنبــل ),(2/328ســنن
الدارمي الرقاق ).(2717
أيضا » :ل يقبل الله صلة بغير طهور ول صدقة من غلــول
« ) . (1وغير ذلك من الحــاديث الــتي مــرت .والمقصــود
بذلك أن السارق أو الغاصـب أو الخــائن مثل ،ل يجـوز لـه
أن يتصدق بما سرقه أو بما اغتصبه أو بما خــانه أو جحــده
عن نفسه فإنه ل يقبل منه ول يؤجر عليه بل يأثم بتصدقه
بمال غيره بغير إذنــه ول يحصــل للمالــك أيضــا بــذلك أجــر
لعدم قصده ونيته
جـ -أن السارق للمال أو الغاصب أو الخائن له إذا أراد أن
يتصرف في هذا المال بعد تــوبته يجــوز لـه أن يتصـدق بـه
777
عن صاحبه إذا عجز عن رده إليه أو إلى ورثته .وهــذا هــو
الولى وذلك لختيار المام أحمد رحمه الله تعــالى وغيــره
من الئمة ،ومنهم المام مالك وأبو حنيفة كمــا قــالوا فــي
الغــال إذا تفــرق العســكر أنــه يــدفع إلــى المــام خمســه
ويتصدق بالباقي ،وكما قالوا في جــواز التصــدق باللقطــة
بعد تعريفها وانقطاع صاحبها وجعلــوه إذا جــاء مخيــرا بيــن
أن يكون أجر التصدق بها له أو الضمان .
وهذا ما أراه نظــرا ؛ لتظــافر الدلــة الســابقة عليــه ؛ ولن
القائل به كثير من أهل العلم رحمهم الله تعالى .
ولن إتلف المــال وإضــاعته منهــي عنــه ،وإرصــاده أبــدا
تعريض له للتلف واســتيلء الظلمــة عليــه ،والصــدقة بــه
ليست عن مكتسبه حتى يكون تقربا بالخبيث ،وإنمــا هــي
صدقة به عن مالكه .والله أعلم
وسئل شيخ السلم رحمه اللــه تعــالى عــن المــوال الــتي
يجهل مستحقها مطلقا أو مبهما فإن هذه عامــة النفــع لن
الناس قد يحصل في أيديهم أمــوال يعلمــون أنهــا محرمــة
لحق الغير إما لكونها قبضت ظلما كالغصــب وأنــواعه مــن
الجنايــات والسـرقة والغلـول .وإمـا لكونهـا قبضـت بعقــد
فاسد من ربا أو ميسر ،ول يعلم عين المستحق لها .وقد
يعلم أن المستحق أحد رجلين ول يعلــم عينــه ،كــالميراث
الــذي يعلــم أنــه لحــدى الزوجيــن الباقيــة دون المطلقــة .
والعين التي يتداعاها اثنان فيقر بها ذو اليد لحدهما
__________
) (1صحيح مسلم الطهارة ),(224سنن الترمذي الطهــارة
),(1سنن ابن ماجه الطهارة وســننها ),(272مســند أحمــد
بن حنبل ).(2/73
فمذهب المام أحمد وأبــي حنيفــة ومالــك وعامــة الســلف
إعطاء هذه الموال لولى الناس بهــا .ومــذهب الشــافعي
أنها تحفظ مطلقا ول تنفق بحال .فيقول فيما جهل مالكه
من الغصوب والعــواري والــودائع إنهــا تحفــظ حــتى يظهــر
أصحابها كسائر الموال الضائعة .ويقول فــي العيــن الــتي
عرفت لحد رجلين :يوقف المــر حــتى يصــطلحا ومــذهب
أحمد وأبي حنيفة فيما جهل مالكه أنه يصرف عن أصحابه
778
في المصالح كالصدقة على الفقراء ،وفيما استبهم مالكه
القرعة عند أحمد والقسمة عند أبي حنيفة .إلى أن قــال:
وتحريم هذه جميعا يعود إلى الظلم فإنها تحرم لسببين:
أحدهما :قبضها بغير طيب نفس صاحبها ول إذن الشــارع ،
وهذا هو الظلــم المحــض كالســرقة ،والخيانــة ،والغصــب
الظاهر ،وهذا أشهر النواع بالتحريم .
والثاني :قبضها بغير إذن الشارع .وإن أذن صــاحبها وهــي
العقود والقبوض المحرمة كالربا ونحو ذلك والواجب علــى
من حصــلت بيــده ردهــا إلــى مســتحقها .فــإذا تعــذر ذلــك
فالمجهول كالمعدوم وقد دل على ذلك قــول النــبي صــلى
اللــه عليــه وســلم فــي اللقطــة » :فــإن وجــدت صــاحبها
فارددها إليــه وإل فهــي مــال اللــه يــؤتيه مــن يشــاء « )(1
وكذلك اتفق المســلمون علــى أن مــن مــات ول وارث لــه
معلوم فماله يصرف في مصالح المسلمين .
إلى أن قال :وله دليلن قياسيان قطعيان كمــا ذكرنــا مــن
الســنة والجمــاع فــإن مــا ل يعلــم بحــال أو ل يقــدر عليــه
بحال ،هو فـي حقنـا بمنزلـة المعـدوم ،فل نكلــف إل بمــا
نعلمه ونقدر عليه .والدليل الثاني :القياس مــع مــا ذكرنــا
مــن الســنة والجمــاع أن هــذه المــوال ل تخلــو إمــا أن
تحبس ،وإما أن تتلف ،وإما أن تنفق .
ساد َ { ) (2وهو ب ال َْف َح ّه َل ي ُ ِ
فأما إتلفها فإفساد لها } َوالل ّ ُ
إضاعة لها ،والنبي صلى اللــه عليــه وســلم قــد نهــى عــن
إضاعة المال ،وإن كان في مذهب أحمد ومالك
__________
) (1ســنن أبــو داود اللقطــة ),(1709ســنن ابــن مــاجه
الحكام ),(2505مسند أحمد بن حنبل ).(4/162
) (2سورة البقرة الية 205
تجويز العقوبات الماليــة تــارة بالخــذ وتــارة بــالتلف كمــا
يقوله أحمد في متاع الغال ،وكما يقوله أحمد ومن يقــوله
من المالكية في أوعية الخمر ومحل الخمار .وغير ذلــك .
فإن العقوبة بإتلف بعض الموال أحيانــا كالعقوبــة بــإتلف
بعض النفوس أحيانا .وهذا يجوز إذا كان فيه مــن التنكيــل
على الجريمة من المصلحة ما شرع له ذلك .
779
وأما حبسها دائما أبدا إلى غير غاية منتظرة بل مــع العلــم
أنه ل يرجى معرفة صاحبها ول القــدرة علـى إيصـالها إليـه
فهذا مثل إتلفهــا .فــإن التلف إنمــا حــرم لتعطيلهــا مــن
انتفاع الدميين بها ،وهذا تعطيل أيضا .بل أهو أشــد منــه
من وجهين .
)أحدهما( :أنه تعذيب للنفوس بإبقاء ما يحتاجون إليــه مــن
غير انتفاع به .
)الثاني( :أن العادة جارية بــأن مثــل هــذه المــور ل بــد أن
يستولي عليها أحد من الظلمة بعد هذا إذا لم ينفقهــا أهــل
العدل والحق فيكون حبسها إعانة للظلمة ،وتســليما فــي
الحقيقــة إلــى الظلمــة فيكــون قــد منعهــا أهــل الحــق ،
وأعطاها أهل الباطل ،ول فــرق بيــن القصــد وعــدمه فــي
هذا فإن من وضع إنسانا بمسبعة فقــد قتلــه ،ومــن ألقــى
اللحم بين السباع فقد أكله ،ومن حبس الموال العظيمــة
لمن يستولي عليهــا مــن الظلمــة فقــد أعطاهموهــا ،فــإذا
كان إتلفها حراما وحبسها أشد من إتلفها تعيــن إنفاقهــا ،
وليس لها مصرف معين فتصــرف فــي جميــع جهــات الــبر
والقرب التي يتقرب بها إلــى اللــه؛ لن اللــه خلــق الخلــق
لعبادته وخلق لهــم المــوال ليســتعينوا بهــا علــى عبــادته .
فتصرف في سبيل الله والله أعلم ). (1
__________
) (1فتاوى شيخ الســلم )باختصــار( ،جــزء ) ،(28مــن ص
592إلى ص ،597والفتــاوى الكــبرى لبــن تيميــة الجــزء
الثاني ،من ص 194حــتى ص ،197ولمزيــد مــن الفــائدة
انظر الفتاوى جــزء ) ،(28مــن صــفحة 598حــتى صــفحة
. 599
وخلصة ما سبق من كلم شيخ السلم رحمه الله تعالى:
أن الموال التي يجهــل أصــحابها ومســتحقوها إمــا لكونهــا
قبضــت ظلمــا إمــا بغصــب ونحــوه مــن أنــواع الجنايــات
كالسرقة والنهب والغلول ،وإما لكونها قبضت بعقد فاسد
من ربا أو ميســر ونحوهمــا .فمــذهب المــام أحمــد وأبــي
حنيفة ومالك وعامة الســلف إعطــاء هــذه المــوال لولــى
الناس بها .والشافعي يــرى أنهــا تحفــظ مطلقــا ول تنفــق
780
بحال حتى يظهر أصحابها كسائر الموال الضائعة ،ويقــول
في العيــن الــتي عرفــت لحــد رجليــن يوقــف المــر حــتى
يصطلحا .ومذهب أحمد وأبي حنيفة فيما جهل مــالكه أنــه
يصرف عن أصحابه في المصالح كالصــدقة علــى الفقــراء
ونحو ذلــك .وفــي مــال الميــت الــذي ل وارث لــه معلــوم
فماله يصرف في مصالح المسلمين .أقول :وما قيل عــن
الصدقة بهذه الموال التي جهــل أصــحابها أو صــرفها فــي
مصالح المسلمين هو الولى في نظري والله أعلم ؛ لنهــا
إما أن تحبس ،وإما أن تتلف وإما أن تنفق .
ساد َ { ) (1وهو ب ال َْف َ ه َل ي ُ ِ
ح ّ فأما إتلفها فإفساد لها } َوالل ّ ُ
أيضا إضاعة لها وقد نهى عليه الصلة والسلم عن إضــاعة
المال -اللهم إل ما كان من العقوبــة بــإتلف المــال أحيانــا
لما فيه من التنكيل على الجريمة من المصلحة ما فرع له
ذلك كما يفعل بأوعية الخمــر ومحــل الخمــار ونحــو ذلــك .
وكما يقوله المام أحمد رحمه الله تعالى فــي متــاع الغــال
والله أعلم .
وقال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى فــي كتــابه-
اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم -تحت
عنــوان ) مــا تصــنع البغــي إذا تــابت بمــا عنــدها مــن أجــر
البغاء ( ما نصه:
نعم البغي والمغني والنائحة ونحــوهم إذا أعطــوا أجــورهم
ثم تابوا هل يتصدقون بهــا .أو يجــب أن يردوهــا إلــى مــن
أعطاهموها فيها قولن
__________
) (1سورة البقرة الية 205
أصــحهما أنــا ل نردهــا علــى الفســاق الــذين بــذلوها فــي
المنفعة المحرمة ،ول يباح الخذ بل يتصدق بها .وتصرف
في مصالح المسلمين ،كمــا نــص عليــه أحمــد فــي أجــرة
حمل الخمر .
ومن ظن أنها ترد على البــاذل المســتأجر :لنهــا مقبوضــة
بعقد فاسد فيجب ردها عليه كالمقبوض بالربا أو نحوه من
العقود الفاســدة ،فيقــال لــه :المقبــوض بالعقــد الفاســد
يجب فيه التراد من الجانبين فيرد كل منهما على الخر ما
781
قبضه منه .كما في تقابض الربا عند من يقول :المقبوض
بالعقــد الفاســد ل يملــك كمــا هــو المعــروف مــن مــذهب
الشافعي وأحمــد .فأمــا إذا تلــف المقبــوض عنــد القــابض
فإنه ل يستحق استرجاع عوضه مطلقا .وحينئذ فيقال :إن
كان ظاهر القياس يوجب ردها ،بناءا علــى أنهــا مقبوضــة
بعقد فاسد ،فالزاني ومستمع الغناء والنوح قد بــذلوا هــذا
المال عــن طيــب نفوســهم ،واســتوفوا العــوض المحــرم:
والتحريم الذي فيه ليس لحقهم ،وإنما هو لحق لله تعالى
،وقد فاتت هذه المنفعة بالقبض ،والصــول تقتضــي :أنــه
إذا رد أحد العوضين يرد الخر ،فإذا تعذر على المســتأجر
رد المنفعة لم يرد عليه المال .
وأيضا فإن هذا الذي استوفيت منفعته عليه ضرر في أحــد
منفعتيه وعوضهما جميعا منه ،بخلف ما لــو كــان العــوض
خمرا أو ميتة فإن ذلك ل ضرر عليه في فواتها .فإنهــا لــو
كانت باقية أتلفناها عليه .
ومنفعة الغناء والنوح لو لــم تفــت لتــوفرت عليــه ،بحيــث
كان يتمكن من صرف تلك المنفعة في أمر آخر أعني مــن
صرف القوة التي عمل بها .فيقال على هــذا :فينبغــي أن
يقضوا بها إذا طالب بقبضها .
قيــل :نحــن ل نــأمر بــدفعها ول بردهــا ،كعقــود الكفــار
المحرمة ،فإنهم إذا أسلموا على القبض لم نحكم بالقبض
.ولو أسلموا بعد القبض لم نحكم بالرد ،ولكــن فــي حــق
المســلم تحــرم هــذه الجــرة عليــه ،لنــه كــان معتقــدا
لتحريمها بخلف الكافر .وذلك لنه إذا طلــب الجــرة قلنــا
له :أنت فرطت ،حيث صرفت قوتــك فــي عمــل محــرم ،
فل يقضى لك بــأجرة .فــإذا قبضــها ثــم قــال الــدافع :هــذا
المال اقضوا لي برده فإنما أقبضته إياه عوضا عن منفعــة
محرمة قلنا له :دفعته بمعاوضـة رضـيت بهـا فـإذا طلبـت
استرجاع ما أخذه فرد إليه ما أخذته .إذا كان له في بقائه
معه منفعة فهذا ومثله يتوجه فيما يقبض مــن ثمــن الميتــة
والخمر .
وأيضا فمشتري الخمر إذا أقبض ثمنها وقبضها وشراها ثــم
طلب أن يعاد إليه الثمن كان الوجه أن يرد إليه الثمــن ول
782
يباح للبائع ول سيما ونحن نعاقب الخمار بيــاع الخمــر بــأن
نحرق الحانوت التي تباع فيها .نص على ذلك أحمد وغيره
من العلماء فإن عمر بن الخطــاب رضــي اللــه عنــه حــرق
حانوتا يباع فيها الخمر ،وعلي بن أبــي طــالب رضــي اللــه
عنه حرق قرية يباع فيها الخمر ،وهي آثار معروفة ،وهذه
المســألة مبســوطة فــي غيــر هــذا الموضــع ؛ وذلــك لن
العقوبات المالية عندنا باقية غير منسوخة ). (1
وســئل أيضــا رحمــه اللــه تعــالى عــن امــرأة كــانت مغنيــة
واكتسبت في جهلها مال كثيرا وقد تابت وحجت إلــى بيــت
الله تعـالى وهـي محافظـة علـى طاعـة اللـه تعـالى فهـل
المال الذي اكتسبته من حلــي وغيــره إذا أكلــت وتصــدقت
منه تؤجر عليه؟
فأجاب :المال المكسوب إن كانت عيــن أو منفعــة مباحــة
في نفسها ،وإنما حرمت بالقصد مثل من يــبيع عنبــا لمــن
يتخذه خمرا أو من يســتأجر لعصــر الخمــر أو حملهــا فهــذا
يفعله بالعوض لكن ل يطيب له أكله ،وأما إن كانت العين
أو المنفعــة محرمــة كمهــر البغــي وثمــن الخمــر .فهنــا ل
يقضى له به قبل القبض .ولو أعطاه إياه لم يحكم برده .
فإن هذا معونــة لهــم علــى المعاصــي :إذا جمــع لهــم بيــن
العوض والمعوض ول يحل هذا المال للبغي
__________
) (1انظــر اقتضــاء الصــراط المســتقيم مخالفــة أصــحاب
الجحيم ,صفحة . 248 ,247
والخمار ونحوهمـا لكـن يصـرف فـي مصـالح المسـلمين .
فإن تابت هذه البغي وهــذا الخمــار وكــانوا فقــراء جــاز أن
يصرف إليهم من هــذا المــال مقــدار حــاجتهم ،فــإن كــان
يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسيج والغزل أعطي ما يكون
له رأس مال ،وإن اقترضوا منه شيئا ليكتســبوا بــه ،ولــم
يردوا عوض القرض كان أحسن .
وأما إذا تصدق به لعتقاده أنــه يحــل عليــه أن يتصــدق بــه
فهــذا يثـاب علــى ذلـك ،وأمــا إذا تصـدق بـه كمـا يتصـدق
المالك بملكه فهذا ل يقبله الله -إن الله ل يقبل إل الطيب
783
فهذا خبيث كما قال النبي صلى الله عليه وســلم » :مهــر
البغي خبيث « ). (2) (1
وقال ابن القيم رحمه الله تعــالى فــي كلمــه عــن حقــوق
العباد وصورها في مسائل إلي أن قال:
فصل :المسألة الثانية إذا عاوض غيره معاوضة محرمــة ،
وقبض العــوض كــالزاني والمغنــي وبــائع الخمــر ،وشــاهد
الزور ونحوهم ،ثم تــاب والعــوض بيــده ،فقــالت طائفــة:
يــرده إلــى مــالكه .إذا هــو عيــن مــاله ولــم يقبضــه بــإذن
الشارع ول حصل لربه في مقابلته نفع مباح .
وقالت :طائفة بل توبته بالتصدق به ،ول يــدفعه إلــى مــن
أخذه منه .
وهو اختيار شيخ السلم ابن تيمية وهــو أصــوب القــولين ،
فإن قابضه إنما قبضه ببذل مالكه له ،ورضاه ببذله ،وقــد
اســتوفى عوضــه المحــرم فكيــف يجمــع لــه بيــن العــوض
والمعــوض ،وكيــف يــرد عليــه مــال قــد اســتعان بــه علــى
معاصي الله ،ورضي بإخراجه فيما يستعين به عليهــا ثانيــا
وثالثا؟ وهل هذا إل محــض إعــانته علــى الثــم والعــدوان؟
وهل يناسب هذا محاسن الشرع أن يقضى للزاني بكل ما
دفعه إلى من زنى بها طوعا أو كرهــا .فيعطــاه وقــد نــال
عوضــه ،وهــب أن هــذا المــال لــم يملكــه الخــذ ،فملــك
صاحبه قد زال
__________
) (1صحيح مسلم المساقاة ),(1568سنن الترمذي البيوع
),(1275سنن النسائي الصيد والذبائح ),(4294ســنن أبــو
داود البيوع ),(3421مسند أحمد بن حنبل ),(3/464ســنن
الدارمي البيوع ).(2621
) (2الفتاوى الجزء ) , (29صفحة . 309 -308
عنه بإعطائه لمن أخذه ،وقد سلم له مــا فــي قبــالته مــن
النفع ،فكيف يقال ملكه باق عليه ويجب رده إليــه؟ وهــذا
بخلف أمره بالصدقة به ،فإنه قد أخــذه مــن وجــه خــبيث
برضى صاحبه وبذله له بذلك ،وصاحبه قد رضي بــإخراجه
عن ملكه بــذلك ،وأل يعــود إليــه فكــان أحــق الوجــوه بــه:
784
صرفه في المصلحة التي ينتفع بها من قبضه ويخفف عنــه
الثم ول يقوى الفاجر به ويعان ،ويجمع له بين المرين .
وهكذا توبة من اختلط ماله الحلل بــالحرام ،وتعــذر عليــه
تمييزه أن يتصدق بقدر الحرام ،ويطيب باقي ماله .والله
أعلم ). (1
وقال أيضا :في كسب الزانية فإن قيــل فمــا تقولــون فــي
كسب الزانية إذا قبضته ثـم تـابت هــل يجــب عليهـا رد مــا
قبضته إلى أربابه أم يطيب لها ،أم تتصدق به؟
قيل :هذا ينبني على قاعــدة عظيمــة مــن قواعــد الســلم
وهــي أن مــن قبــض مــا ليــس لــه قبضــه شــرعا ثــم أراد
التخلص منــه ،فــإن كــان المقبــوض قــد أخــذ بغيــر رضــى
صاحبه ول استوفي عوضه رده عليه .فإن تعذر رده عليــه
قضى به دينا يعلمه عليه ،فإن تعذر ذلك رده إلى ورثتــه ،
فإن تعذر ذلك تصدق به عنــه ،فــإن اختــار صــاحب الحــق
ثوابه يوم القيامة كان له وإن أبى إل أن يأخذ من حســنات
القابض استوفى منــه نظيــر مــاله ،وكــان ثــواب الصــدقة
للمتصدق بها كما ثبت عن الصــحابة ،وإن كــان المقبــوض
برضى الدافع ،وقد استوفى عوضه المحرم كمــن عــاوض
على خمر أو خنزير أو على زنا أو فاحشة فهذا ل يجــب رد
العــوض علــى الــدافع ؛ لنــه أخرجــه باختيــاره واســتوفى
عوضــه المحــرم فل يجــوز أن يجمــع لــه بيــن العــوض
والمعوض فإن فــي ذلــك إعانــة لــه علــى الثــم والعــدوان
وتيســير أصــحاب المعاصــي عليــه ،ومــاذا يريــد الزانــي
وصاحب الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضــه ويســترد مــاله؟
فهذا
__________
) (1مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نســتعين،
جزء ) ،(1صفحة 391وص .392
مما تصان الشريعة عن التيان به ،ول يسوغ القــول بــه ،
وهو يتضمن الجمع بيــن الظلــم والفاحشــة والغــدر ،ومــن
أقبح القبيح أن يستوفي عوضه من المزنــي بهــا ثــم يرجــع
فيما أعطاهــا قهــرا ،وقبــح هــذا مســتقر فــي فطــر جميــع
العقلء فل تأتي به شريعة .ولكن ل يطيب للقابض أكلــه .
785
بل هو خبيث كما حكم عليه رسول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم ولكن لخبث مكسبه ل نظلم من أخذ منه ،فطريقة
التخلص منه وتمام التوبة بالصدقة ،فإن كان محتاجا إليــه
فله أن يأخذ قدر حاجته ويتصدق بالبــاقي فهــذا حكــم كــل
كسب خبيث ؛ لخبث عوضه عينا كان أو منفعــة ،ول يلــزم
من الحكم بخبثه وجوب رده على الدافع فإن النــبي صــلى
الله عليه وسلم حكم بخبث كســب الحجــام ول يجــب رده
على دافعه ) . (1أقول :وخلصة ما سبق فيما يتعلق بمــا
تصــنعه البغــي إذا تــابت ،ومــاذا يفعــل مــن اختلــط مــاله
الحلل بالحرام؟
أ -أن الموال الــتي بــذلت فــي المنفعــة المحرمــة كــأجرة
الزانية أو المغنية ل ترد إلى الفساق الذين بذلوها ول يبــاح
لهــم أخــذها كمــا ل يحــل هــذا المــال للباغيــة أو المغنيــة
ونحوهما بل يتصدق بها وتصرف فــي مصــالح المســلمين؛
لن في ردها إلى الفساق الذين بــذلوها معونــة لهــم علــى
المعاصي إذا جمع لهم بين العوض والمعوض .
ب -ومن اختلط ماله الحلل بــالحرام وتــاب مــن الكســب
الحرام وتعذر عليه تمييز الحلل فإن عليه أن يتصدق بقدر
الحرام ويطيب باقي ماله إذا تاب مما عمل وندم على مــا
فات وعزم على أل يعود والله أعلم .
جـ -النقولت التية الواردة في هذا البحث مثــل مــا ذكــره
النووي عن
__________
) (1زاد المعــاد فــي هــدي خيــر العبــاد ،جــزء ) ،(4صــفحة
251وما بعدها والكلم مستوفى هناك.
الغزالي وكذا مــا أضــفته أيضــا فــي هــذا البحــث مــن كلم
الغزالي وما ذكره أبو يعلى في كتابه طبقات الحنابلة ومــا
قاله ابن رجب في الذيل على طبقـات الحنابلـة ومـا قـاله
الشيخ مل علي القارئ في كلمه عن التوبة وأركانها ونحو
ذلك مما ورد في آخر البحث ل تحتـاج إلـى خلصـة ؛ لنهـا
فــي الغــالب إمــا فــروع أو مســائل مختصــرة أو مترابطــة
يفهمها ويدركها كل من قرأها والله أعلم .
وقال النووي رحمه الله تعالى )فرع(
786
قال الغزالي :لو كان في يده مغصوب مــن النــاس معيــن
فاختلط بماله ولم يتميز وأراد التوبــة فطريقـه أن يترضـى
هو وصاحب المغصوب بالقســمة ،فــإن امتنــع المغصــوب
منه من ذلك رفع التائب المر إلى القاضــي ليقبــض منــه ،
فإن لم يجد قاضيا حكــم رجل متــدينا .لقبــض ذلــك ،فــإن
عجز تولى هو ذلك بنفسه ،ويعزل قدر ذلك فيــه الصــرف
إلى المغصوب منه ســواء أكــان دراهــم أو حبــا أو دهنــا أو
غيره من نحو ذلك ،فإذا فعل ذلــك حــل لــه البــاقي ،فلــو
أراد أن يأكل من ذلك المختلط وينفق من قبل تمييز قــدر
المغصــوب فقــد قــال قــائلون يجــوز ذلــك مــا دام قــدر
المغصوب باقيا ،ول يجوز أخذ الجميــع ،وقــال آخــرون :ل
يجوز له أخذ شيء حتى يميز قدر المغصــوب بنيـة البــذال
والتوبة .
)فرع( من ورث مال ولم يعلم من أين كسبه مورثه؟ أمــن
حلل أم حـــرام؟ ولـــم تكـــن علمـــة فهـــو حلل بإجمـــاع
العلماء ،فإن علم أن فيه حرامــا وشــك فــي قــدره أخــرج
قدر الحرام بالجتهاد .
)فرع( قال الغزالي :إذا كان معه مال حــرام وأراد التوبــة
والبراءة منه فإن كان له مالك معين وجب صــرفه إليــه أو
إلى وكيله ،فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه ،وإن كان
لمالك ل يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصــرفه فــي
مصالح المسلمين العامــة ،كالقنــاطر والربــط والمســاجد
ومصالح طريق مكة ،ونحو ذلك ممــا يشــترك المســلمون
فيــه ،وإل فيتصــدق بــه علــى فقيــر أو فقــراء وينبغــي أن
يتولى ذلك القاضي إن كان عفيفا فإن لم يكــن عفيفــا لــم
يجز التسليم إليه ؛ فإن سلم إليه صار المسلم ضــامنا بــل
ينبغي أن يحكـم رجل مـن أهـل البلـد متـدينا عالمـا ،فـإن
التحكيــم أولــى مــن النفــراد فــإن عجــز عــن ذلــك تــوله
بنفسه ،فإن المقصود هو الصرف إلى هذه الجهة .
وإذا دفعه إلى الفقير ل يكون حراما على الفقير بل يكــون
حلل طيبا ،وله أن يتصدق به على نفسه وعيــاله إذا كــان
فقيرا ؛ لن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجــود فيهــم ،
بل هم أولى من يتصدق عليه .وله هو أن يأخــذ منــه قــدر
787
حاجته ؛ لنه أيضا فقير .وهذا الذي قاله الغزالي فــي هــذا
الفرع ذكره آخرون من الصحاب وهو كمــا قــالوه ،ونقلــه
الغزالــي أيضــا عــن معاويــة بــن أبــي ســفيان وغيــره مــن
السلف عن أحمد بن حنبل والحارث المحاســبي وغيرهمــا
من أهل الورع ؛ لنه ل يجوز إتلف هذا المــال ورميــه فــي
البحر ،فلم يبق إل صرفه في مصــالح المســلمين ،واللــه
سبحانه وتعالى أعلم ). (1
أقول :وقد فصل الغزالي الكلم علـى هـذا الموضـوع فـي
كتابه )الحياء( في الجــزء الثــاني منــه تحــت عنــوان -بــاب
كيفية خــروج التــائب عــن المظــالم الماليــة -فــذكر كيفيــة
التمييــز والخــراج والمصــرف فــارجع إليــه لمزيــد .ومــن
مسائله التي ذكرها ما يلي:
__________
) (1المجمــوع شــرح المهــذب ،جــزء ) ،(9صــفحة 342و
.343
مسألة :
إذا كــان الحــرام أو الشــبهة فــي يــد أبــويه فليمتنــع عــن
مؤاكلتهما ،فإن كانا يسخطان فل يوافقهمــا علــى الحــرام
المحض بل ينهاهما فل طاعــة لمخلــوق فــي معصــية اللــه
تعــالى ،فـإن كـان شــبهة وكــان امتنـاعه للـورع فهــذا قــد
عارضه أن الورع طلب رضاهما ،بل هو واجــب فليتلطــف
في المتناع فــإن لــم يقــدر فليوافــق ؛ وليقلــل الكــل بــأن
يصغر اللقمة ويطيل المضغ ول يتوسع فإن ذلــك عــدوان .
إلى أن قال:
مسألة:
سئل المام أحمد بــن حنبــل رحمــه اللــه تعــالى فقــال لــه
قائل :مات أبي وترك مال وكان يعامل من تكــره معــاملته
فقال تدع من ماله بقدر ما ربح فقال :له دين وعليــه ديــن
فقال :تقضي وتقتضي ،فقال :أفترى ذلك؟ فقال :أفتدعه
محتبسا بدينه؟ وما ذكره صــحيح وهــو يــدل علــى أنــه رأى
التحري بإخراج مقدار الحرام ؛ إذ قال :يخرج قدر الربح ،
وأنــه رأى أن أعيــان أمــواله ملــك لــه بــدل عمــا بــذله فــي
المعاوضات الفاسدة بطريق التقابض والتقابــل مهمــا كــثر
788
التصرف وعسر الرد وعول في قضاء دينه على أنــه يقيــن
فل يترك بسبب الشبهة ). (1
__________
) (1كتاب إحياء علوم الدين للغزالي ،الجزء )الثاني( ،مــن
ص 163إلى صفحة ،172نشر مؤسسة الحلبي وشــركاه
للنشر والتوزيع.
ويقول شمس الدين محمــد بــن مفلــح فــي كتــابه )الداب
الشرعية( ما نصه:
)فصل في الحلل والحــرام والمشــتبه فيــه وحكــم الكــثير
والقليل من الحرام(
هل تجب طاعة الوالدين في تناول المشتبه وهو ما بعضــه
حلل وبعضه حرام؟ ينبني على مسألة تحريم تناوله وفيهــا
أقوال في المذهب .
أحدها :التحريم مطلقا قطع به شرف السلم عبد الوهاب
في كتابه المنتخب ذكره قبيل باب الصيد .وعلل القاضــي
وجوب الهجرة من دار الحرب بتحريم الكسب عليه هنــاك
لختلط الموال لخذه من غير جهته ووضعه في غير حقه
.قال الزجي في نهايته :هو قياس المذهب كما قلنا فــي
اشتباه الواني الطاهرة بالنجسة ،وقدمه أبو الخطاب في
النتصار في مسألة اشتباه الوانــي .وقــد قــال أحمــد :ل
يعجبني أن يأكل منه .وقال المروذي :سألت أبا عبد اللـه
عن الذي يتعامل بالربا يؤكل عنده قال ل؟ قد لعن رسول
الله صلى الله عليه وسلم آكــل الربــا ومــوكله ،وقــد أمــر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوقوف عنــد الشــبهة ،
وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن
النبي صلى الله عليه وسلم قــال » :الحلل بيــن والحــرام
بين وبينهمــا أمــور مشــتبهات ل يعلمهــن كــثير مــن النــاس
فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضــه ومــن وقــع
في الشبهات وقع في الحرام « ) . (1وفــي البخــاري عــن
أنس بن مالك قال) :إذا دخلت على مســلم ل يتهــم فكــل
من طعامه واشرب مـن شـرابه( وعـن الحســن بــن علـي
مرفوعا » :دع ما يريبك إلى ما ل يريبك « ) (2رواه أحمــد
والنسائي والترمذي وصححه .
789
والثاني :إن زاد الحرام علــى الثلــث حــرم الكــل وإل فل .
قدمه في الرعاية لن الثلث ضابط في مواضع .
والثالث :إن كان الكثر الحرام حرم ؛ وإل فل إقامة للكــثر
مقــام الكــل لن القليــل تــابع قطــع بــه ابــن الجــوزي فــي
المنهاج .وذكر الشيخ تقي الدين أنه أحــد الــوجهين ،وقــد
نقل الثرم وغير واحد عــن المــام أحمــد فيمــن ورث مــال
ينبغي إن عرف شيئا بعينه أن يرده ،وإل كان الغالب فــي
ماله الفساد تنزه عنه أو نحو هذا ،ونقــل عنــه حــرب فــي
الرجل يخلف مال إن
__________
) (1صحيح البخاري اليمان ),(52صحيح مسلم المســاقاة
),(1599ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1205ســنن النســائي
البيوع ),(4453سنن أبــو داود الــبيوع ),(3329ســنن ابــن
ماجه الفتن ),(3984مسند أحمد بن حنبل ),(4/270سنن
الدارمي البيوع ).(2531
) (2ســنن الترمــذي صــفة القيامــة والرقــائق والــورع )
,(2518سنن النسائي الشربة ),(5711مســند أحمــد بــن
حنبل ),(1/200سنن الدارمي البيوع ).(2532
كان غالبه نهبــا أو ربــا ينبغــي لــوارثه أن يتنــزه عنــه إل أن
يكون يســيرا ل يعــرف ،ونقــل عنــه أيضــا هــل للرجــل أن
يطلب من ورثة إنسان مال مضاربة ينفعهــم وينتفــع؟ قــال
إن كان غالبه الحرام فل .
والرابع :عدم التحريم مطلقا قل الحرام أو كثر وهو ظاهر
ما قطع به وقدمه غير واحد لكن يكــره ،وتقــوى الكراهــة
وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته .قدمه الزجي وغيــره
وجزم به فــي المغنـي ،وعــن أبــي هريــرة مرفوعـا » :إذا
دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما فليأكل من
طعــامه ول يســأله عنــه .وإن ســقاه شــرابا مــن شــرابه
فليشرب مــن شــرابه ول يســأله عنــه « ) (1رواه أحمــد ،
وروى جماعة من حــديث ســفيان الثــوري عــن ســلمة بــن
كهيل عن ذر بن عبد الله عن ابــن مســعود أن رجل ســأله
فقال :لي جار يأكل الربا ول يـزال يـدعوني؟ فقـال مهنــأة
لك وإثمه عليه ،قال الثــوري إن عرفتــه بعينــه فل تــأكله ،
790
ومراد ابن مسعود وكلمــه ل يخــالف هــذا .وروى جماعــة
من حديث معمـر أيضــا عـن أبــي إسـحاق عــن الزبيــر بــن
الحارث عن سلمان قال إذا كان لك صديق عامل فــدعاك
إلى طعام فاقبله ،فإنه مهنأة لك وإثمه عليه .قال معمــر
وكان عدي بن أرطاة عامل البصرة يبعث إلى الحسن كل
يوم بجفان ثريد فيأكل منها ويعلـم أصــحابه .وبعـث عــدي
إلى الشعبي وابن سرين والحسن فقبل الحسن والشعبي
ورد ابــن ســيرين .قــال :وســئل الحســن عــن طعــام
الصيارفة فقال قد أخبركم الله عن اليهود والنصارى أنهــم
كانوا يأكلون الربا وأحل لكم طعامهم ) (2وحول ما يتلــف
من المنكر ومذاهب العلماء فيه .يقول شيخ الســلم ابــن
تيمية رحمه الله تعالى في كتابه )الحسبة في
__________
) (1مسند أحمد بن حنبل ).(2/399
) (2انظر كتاب الداب الشرعية والمنح المرعية جزء )،(1
من صفحة 496إلى ص 502فالكلم مستوفى هناك.
السلم( ما نصه:
مقدار ما يتلف من المنكر ومذاهب العلماء .
وكذلك الذي قام به المنكر في إتلفه .نهي عن العود إلى
ذلك المنكر وليس إتلف ذلك واجبا على الطلق ،بــل إذا
لم يكن في المحــل مفســد جــاز إبقــاؤه إمــا للــه وإمــا أن
يتصدق به ،كما أفتى طائفة من العلماء على هــذا الصــل
أن الطعام المغشوش من الخبز والطبيخ والشواء كــالخبز
والطعام الذي لم ينضج ،وكالطعام المغشوش وهو الــذي
خلط بالردئ وأظهر المشتري أنه جيد أو نحو ذلك يتصــدق
به على الفقراء فإن ذلك أولى من إتلفه .
وإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أتلــف اللبــن
الذي شيب للبيع فلن يجوز التصدق بذلك بطريــق الولــى
فإنه يحصل به عقوبــة الغــاش وزجــره عــن العــود ويكــون
انتفاع الفقراء بذلك أنفع من إتلفه .
وعمر أتلفه ؛ لنه يغني الناس بالعطاء فكان الفقراء عنده
في المدينة إما قليل وأمــا معــدومين ،ولهــذا جــوز طائفــة
التصدق به وكرهوا إتلفــه .ففــي المدونــة عــن أنــس بــن
791
مالك أن عمر بن الخطاب كــان يطــرح اللبــن المغشــوش
في الرض أو بالصاحبة ،وكره ذلك مالك فــي روايــة ابــن
القاسم ورأى أن يتصدق بــه وهــل يتصــدق باليســير؟ فيــه
قولن للعلماء وقد روى أشهب عــن مالــك منــع العقوبــات
المالية وقال ) :ل يحل ذنب من الــذنوب مــال إنســان وإن
قتــل نفســا( لكــن الول أشــهر عنــه .وقــد استحســن أن
يتصدق باللبن المغشوش ،وفي ذلك عقوبة الغاش بإتلفه
عليه ونفع المساكين بإعطائهم إياه ول يهراق .قيل لمالك
فالزعفران والمسك أتراه مثله؟ قال مــا أشــبهه بــذلك إذا
كان هو غشه فهــو كــاللبن ،قــال ابــن القاســم :هــذا فــي
الشيء الخفيف منه ،فأما إذا كثر منه فل أرى ذلك وعلى
صاحبه العقوبة لنه يذهب في ذلك أموال عظام يريد فــي
الصدقة بكثيره .قال بعض الشــيوخ وســواء علــى مــذهب
مالك كان ذلك يسيرا أو كثيرا ؛ لنه ساوى فــي ذلــك بيــن
الزعفــران واللبــن والمســك قليلــه وكــثيره .وخــالفه ابــن
القاسم فلم ير أن يتصدق مــن ذلــك إل بمــا كــان يســيرا .
وذلك إذا كان هو الذي غشه ،وأما من وجــد عنــده شــيء
من ذلك مغشوش لم يغشه هو إنما اشتراه أو وهــب لــه ،
أو ورثــه فل خلف فــي أنــه ل يتصــدق بشــيء مــن ذلــك .
وممــن أفــتى بجــواز إتلف المغشــوش مــن الثيــاب ابــن
القطان قال في الملحــف الــرديئة النســج تحــرق بالنــار ،
وأفتى ابن عتاب فيها بالتصدق ،وقال تقطع خرقا وتعطى
للمساكين إذا تقدم إلـى مسـتعمليها فلـم ينتهـوا ،وكـذلك
أفتى بإعطاء الخبز المغشوش للمساكين فأنكر عليــه ابــن
القطان وقال ل يحل هذا في مال امرئ مسلم إل بإذنه .
قــال القاضــي أبــو الصــبغ :وهــذا اضــطراب فــي جــوابه
وتناقض في قوله لن جوابه في الملحف بإحراقهــا بالنــار
أشد من إعطاء هذا الخبز للمساكين ،وابن عتــاب أضــبط
في أصله ذلك ،وأتبع لقوله .
وإذا لم ير ولي المر عقوبة الغاش بالصدقة أو التلف فل
بد أن يمنع وصول الضـرر إلـى النـاس بـذلك الغـش .إمـا
بإزالــة الغــش ،وإمــا بــبيع المغشــوش ممــن يعلــم أنــه
مغشوش ول يغشه على غيره .
792
قال عبد الملك بن حبيب ،قلت لمطرف وابن الماجشون
لما نهينا عن التصدق بالمغشوش لرواية أشهب فمــا وجــه
الصواب عندكما فيمن غش أو نقص من الوزن؟
قال :يعاقب بالضرب والحبس والخراج من الســوق ،ومــا
كثر من الخبز واللبن ،أو غش من المسك والزعفران فل
يفـرق ول ينهـب .قـال عبـد الملـك بـن حـبيب :ول يـرده
المام إليه وليــؤمن بــبيعه عليــه مــن يــأمن أن يغــش بــه ،
ويكســر الخــبز إذا كــثر ،ويســلمه لصــاحبه ،ويبــاع عليــه
العسل ،والسمن واللبن الذي يغشه ممن يأكله ويبين لــه
غشه .هكذا العمل فيما غش من التجارات .
قال :وهو إيضاح من استوضحته ذلــك مــن أصــحاب مالــك
وغيرهم ). (1
وقال القاضي أبو الحسين محمد بن أبي يعلى رحمه اللــه
تعالى في كتابه طبقات الحنابلة في ترجمـة عبـد اللـه بـن
محمد بن المهاجر المعروف بفوزان قال عنه:
ومن جملة مسائله قال :ســمعت أحمــد يقــول :إذا اختلــط
المال وكان فيه حلل وحرام .فالزهري ومكحول قــال إذا
اختلط الحلل والحرام فكل هذا عندي من مال الســلطان
كما قال عليه رحمه الله تعالى )بيت المال يدخله الخــبيث
والطيب( فمال السلطان يدخله الحلل والحرام ،فيوصــل
إلــى الرجــل فيأكــل منــه فأمــا إذا كــان حلل وحرامــا مــن
ميراث ،أو أفاد رجــل مــال حرامــا وحلل :فــإنه يــرد علــى
أصحابه فإن لم يعرفهم ولم يقدر عليهم :تصدق به ،فــإن
لم يعلم كم الحلل والحرام يتصدق بقدر مــا يــرى أن فيــه
من الحرام .وأكل الباقي ). (2
ومما قاله ابن رجــب رحمــه اللــه تعــالى فــي الــذيل علــى
الطبقات المذكورة ما نصه:
ومما نقلته من خط الســيف بــن المجــد مــن فتــاوى جــده
الشيخ موفق الدين وقد سئل عــن معاملــة مــن فــي مــاله
حرام فأجاب الورع :اجتناب معاملـة مـن فـي مـاله حـرام
فإن من اختلط الحرام في ماله :صار في ماله
__________
793
) (1انظر كتــاب '' الحســبة فــي الســلم'' لشــيخ الســلم
تقي الدين ابن تيميــة ،تحقيــق محمــد زهــري النجــار ،مــن
منشورات المؤسسة السعيدية بالرياض ،من صــفحة 101
إلى .105
) (2انظر كتــاب طبقــات الحنابلــة للقاضــي أبــي الحســين
محمد بن أبي يعلى ،الجزء )الول( ،صفحة .196
شــبهة بقــدر مــا فيــه مــن الحــرام إن كــثر الحــرام كــثرت
الشــبهة ،وإن قــل قلــت ،وذكــر حــديث » الحلل بيــن
والحــرام بيــن « ) (1وأمــا فــي ظــاهر الحكــم :فــإنه يبــاح
معاملة من لم يتعين التحريم في الثمن الــذي يؤخــذ منــه؛
لن الصل :أن ما في يد النسان ملكـه .وقـد قــال بعـض
السلف بع الحلل ممن شئت يعني إذا كانت بضاعتك حلل
فل حرج عليك في بيعها ممــن شــئت ،ولكــن الــورع تــرك
معاملة من في ماله الشبهات ،فقد قال النبي صلى اللــه
عليه وسلم » :دع ما يريبك إلى ما ل يريبك «
وقال ابن نجيم -القاعدة الرابعة عشــرة -مــا حــرم أخــذه
حرم إعطاؤه كالربا ومهر البغي وحلوان الكاهن والرشــوة
وأجرة النائحة والزامــر إل فــي مســائل الرشــوة ؛ لخــوف
على نفسه أو ماله أو ليسوي أمره عنــد ســلطان أو أميــر
إل للقاضي فإنه يحرم الخذ والعطاء كما بيناه فــي شــرح
الكنز من القضاء وفك السير ،وإعطاء شيء لمن يخــاف
هجوه .ولو خاف الوصي أن يستولي غاصـب علـى المـال
فله أداء شيء ليخلصه كما في الخلصة .انتهى ). (2
وقال الشيخ مل علي القارئ في كلمه عن التوبة وأركانها
:فإن كانت من مظالم الموال فتتوقف صحة التوبة منهــا
مع ما قدمناه فــي حقــوق اللــه تعــالى علــى الخــروج عــن
عهدة الموال وإرضاء الخصم في الحــال والســتقبال بــأن
يتحلل منهم أو يردها إليهم أو إلى من يقــوم مقــامهم مــن
وكيل أو وارث هذا ،وفي القنية رجل عليه ديون لنــاس ل
يعرفهم من غصوب أو مظــالم أو جنايـات يتصــدق بقـدرها
على الفقراء على عزيمــة القضــاء إن وجــدهم مــع التوبــة
إلى الله .
794
ولــو صــرف ذلــك المــال إلــى الوالــدين والمولــودين أي
الفقراء يصير معذورا
__________
) (1صحيح البخاري اليمان ),(52صحيح مسلم المســاقاة
),(1599ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1205ســنن النســائي
البيوع ),(4453سنن أبــو داود الــبيوع ),(3329ســنن ابــن
ماجه الفتن ),(3984مسند أحمد بن حنبل ),(4/270سنن
الدارمي البيوع ).(2531
) (2انظر كتاب الشباه والنظائر على مذهب أبــي حنيفــة،
صفحة .158
فيها أيضا عليه ديون لناس شتى كزيادة في الخذ ونقــص
في الدفع فلو تحرى في ذلــك وتصــدق بثــوب قــوم بــذلك
يخــرج عــن العهــدة ،قــال :فعــرف بهــذا أن فــي هــذا ل
يشترط التصدق بجنس ما عليه .وفي فتــاوى قاضــيخان :
رجل له حق على خصــم فمــات ول وارث لــه تصــدق عــن
صاحب الحق بقــدر مــا لــه عليــه ليكــون وديعــة عنــد اللــه
يوصلها إلى خصمائه يوم القيامة .
وإذا غصب مسلم من ذمي مال أو سرق منه فــإنه يعــاقب
به يوم القيامــة ؛ لن الــذمي ل يرجــى منــه العفــو فكــانت
خصومة الذمي أشد ،ثم هل يكفيــه أن يقــول :لــك علــي
دين فاجعلني فــي حــل أم ل بــد أن يعيــن مقــداره ،ففــي
النوازل رجل له على آخر دين وهـو ل يعلـم بجميـع ذلـك ،
فقال له المديون :أبرئني مما لــك علــي .فقــال الــدائن :
أبرأتك فقال نصــير رحمــه اللــه ل يــبرأ إل عــن مقــدار مــا
يتوهم أي يظن أنه عليه ،وقــال محمــد بــن ســلمة رحمــه
الله عن الكل قال الفقيه أبو الليث حكم القضــاء مــا قــاله
محمد بن سلمة وحكم الخرة ما قاله نصير ،وفــي القنيــة
من عليه حقوق فاستحل صاحبها ولم يفصــلها فجعلـه فـي
حل يعذر إن علم أنه لو فصله يجعله في حل وإل فل قــال
بعضهم :إنه حسن وإن روى أنه يصــير فــي حــل مطلقــا .
وفي الخلصة رجل قال لخر حللني من كــل حــق هــو لـك
ففعل فأبرأه إن كان صاحب الحــق عالمــا بــه بــرئ حكمــا
بالجماع ،وأما ديانة فعند محمد رحمه الله ل يــبرأ ،وعنــد
795
أبي يوسف يبرأ وعليه الفتوى -انتهى ،وفيه أنــه خلف مــا
اختاره أبو الليث ،ولعل قوله مبني على التقوى ). (1
وقد سئل الشيخ عبد الرحمــن بــن ناصــر الســعدي رحمــه
الله تعالى هذا السؤال :إذا دخل عليه محــرم لكســبه فمــا
الحكم؟ فأجاب بما نصه:
ج :مــن دخــل عليــه محــرم لكســبه ،فل يخلــو مــن ثلث
حالت :إحداها :أن يكون عن منفعة محرمة استوفاها مــن
انتقل منه المال
__________
) (1كتاب الفقه الكبر لبي حنيفة وشرحه للشيخ مل علي
القارئ الحنفي ،ص 44ا.145 -
فهنــا ل يــرد المــال لصــاحبه ،لكــن علــى مــن كــان بيــده
التصدق به .
الثانية :أن يصل إليــه ل عــن وجــه المعاوضــة كالمغصــوب
فيلزم رده إلى مالكه أو ورثته .
الثالثة :أن يكون بيــده مــال لغيــر مــن يعلمــه كالمغصــوب
والودائع التي جهل أربابها فله دفعهــا إلــى المــام أو نــائبه
وله التصدق بها عنهم؛ لعــدم إيصــال نفــع مــالهم إليهــم إل
في هذه الصورة .فإذا وجد صاحبه أو ورثته بعد ما تصدق
بهــا خيــره بيــن إمضــاء ذلــك التصــرف ،أو يكــون الجــر
لصاحبها الصيل ،وبين أن يرد هذا التصدق ،ويكون الجر
للذي تصــدق بــه ،ويضــمن المــال لصــاحبه .أمــا المحــرم
لذاته كالميتة ،فل يجوز مطلقا ) (1كما ســئل رحمــه اللــه
تعالى هذا السؤال :إذا كــان عنــدك مــال مغصــوب وتعــذر
معرفة صاحبه فما الحكم؟ وعلى أي قاعدة ينبني؟ فأجاب
بما نصه:
ج :من تعذر عليه معرفة صاحب الشــيء يتصــدق بــه عــن
صاحبه بشرط الضمان ،أو يسلمه إلى الحــاكم ويــبرأ مــن
تبعته ،وذلك مثــل إذا كــان عنــدك وديعــة لنســان أو مــال
مغصوب ،وتعذر عليك معرفــة صــاحبه وأيســت مــن ذلــك
فأنت بالخيار ؛ إما أن تعطيها الحــاكم ؛ لن الحــاكم ينــوب
مناب الشخص المجهــول ويجعلهــا فــي المصــالح العامــة ،
وإما أن تتصدق بها عــن صــاحبها وتنــوي إذا وجــدته خيرتــه
796
بين أن تقدمها له ويكون لك أجر الصدقة بها أو يمضي مــا
تصدقت به .ويكون الجر له )(2
__________
) (1الفتاوى السعدية ،الجزء )الول( ،صفحة .434
) (2الفتاوى السعدية ،الجزء )الول( ،صفحة .430
جـ -حكم المال المغلول
لما كان المال المغلول مــن المكاســب الــتي حرمهــا اللــه
تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم رأيت أن أكتب بعض
ما قاله العلماء فيه .
قال ابن كثير رحمه الله تعــالى )حــديث آخــر( قــال أحمــد
حدثنا أبو سعيد حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثنا صالح بن
محمد بن زائدة عن سالم بن عبد الله أنه كان مع مسلمة
بن عبد الملك في أرض الروم فوجد في متاع رجـل غلـول
قال :فسأل سالم بن عبد الله فقال حدثني أبي عبــد اللــه
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صــلى
اللــه عليــه وســلم قــال » :مــن وجــدتم فــي متــاعه غلــول
فأحرقوه « )(1
قال :وأحسـبه قــال )واضـربوه( قــال :فــأخرج متـاعه فــي
الســوق فوجــد فيــه مصــحفا فســأل ســالما ؟ فقــال بعــه
وتصــدق بثمنــه .وكــذا رواه علــي بــن المــديني وأبــو داود
والترمذي من حديث عبــد العزيـز بــن محمــد الــدراوردي .
زاد أبو داود وأبو إسحاق الفــزاري كلهمــا عــن أبــي واقــد
الليثي الصغير صالح بن محمد بــن زائدة بــه ،وقــال علــي
بن المديني والبخاري وغيرهما :هذا حديث منكر من رواية
أبي واقد هذا ،وقال الدارقطني :الصحيح أنــه مــن فتــوى
سالم فقط ،وقد ذهب إلى القول بمقتضــى هــذا الحــديث
المام أحمد بن حنبل ومن تابعه مــن أصــحابه .وقــد رواه
الموي عن معاوية عن أبي إسـحاق عــن يــونس بـن عبيـد
عن الحسن قال :عقوبــة الغــال أن يخــرج رحلــه فيحــرق
على ما فيه .ثم روى عن معاويــة عــن أبــي إســحاق عــن
عثمان بن عطاء عــن أبيــه عــن علــي قــال) :الغــال يجمــع
رحله فيحرق ويجلــد دون حــد المملــوك ويحــرم نصــيبه( .
وخالفه أبو حنيفة ومالـك والشـافعي والجمهـور فقـالوا :ل
797
يحرق متاع الغال ،بل يعزر تعزير مثله :وقد قال البخــاري
وقد
__________
) (1سنن أبو داود الجهاد ),(2713مسند أحمد بن حنبــل )
,(1/22سنن الدارمي السير ).(2490
امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم مــن الصــلة علــى
الغال ،ولم يحرق متاعه والله أعلــم ) (1انتهــى المقصــود
مما ذكره ابن كثير رحمه الله تعالى .
م مــا غَ ـ ّ ْ ن ي َغْل ُ ْ
ل ي َـوْ َ ت بِ َ
ل ي َأ ِ م ْ
وعند تفسير قوله تعالى } :وَ َ
ال ِْقَيا َ
مةِ { )(2
ذكر القرطبي رحمه الله تعالى حــديث أبــي هريــرة رضــي
الله عنه الــذي رواه مســلم فــي صــحيحه أن رســول اللــه
صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم فذكر الغلــول فعظمــه
وعظم أمره ثم قال » :ل ألفين أحدكم يجيء يوم القيامــة
على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثني فــأقول
ل أملك لك شيئا قد أبلغتك ( . (3) « . .الحديث .
ومن كلم القرطبي على هذا الحديث قال:
الرابعة :وفي هذا الحديث دليــل علــى أن الغــال ل يحــرق
متاعه ؛ لن رسول الله صلى الله عليــه وســلم لــم يحــرق
متاع الوجل الذي أخــذ الشــملة ،ول أحــرق متــاع صــاحب
الخرزات الذي ترك الصلة عليه " ولــو كــان حــرق متــاعه
واجبا لفعله صلى الله عليه وسلم ولو فعل لنقل ذلك فــي
الحديث ،وأما ما روي عن عمر بــن الخطــاب رضــي اللــه
عنه عن النبي صلى اللــه عليــه وسـلم قـال » :إذا وجــدتم
الرجل قد غل فاحرقوا متاعه واضــربوه « ) (4فــرواه أبــو
داود والترمذي من حديث صالح بن محمــد بــن زائدة وهــو
ضعيف ل يحتج به .قــال الترمــذي :ســألت محمــدا يعنــي
البخاري عن هذا الحديث فقال :إنمــا روى هــذا صــالح بــن
محمد وهو أبو واقد الليثي ،وهو منكر الحديث .
وروى أبو داود أيضا عنه قال) :غزونا مع الوليد بــن هشــام
ومعنا سالم بن عبد العزيز بن عمر وعمر بن عبد العزيز ،
فغل رجل متاعا فأمر الوليد بمتاعه فأحرق وطيف به ولم
يعطه سهمه ،قال أبو داود :وهذا أصــح الحــديثين ،وروي
798
من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عــن جــده أن رســول
الله صلى الله عليــه وسـلم وأبـا بكــر وعمـر حرقــوا متـاع
الغال وضربوه .قال أبو داود
__________
) (1تفسير ابن كثير ،جزء ) ،(1صفحة .423
) (2سورة آل عمران الية 161
) (3صحيح البخاري الجهاد والسير ),(2908سنن أبــو داود
الزكاة ).(1658
) (4سنن الترمذي الحدود ),(1461سنن أبو داود الجهاد )
,(2713سنن الدارمي السير ).(2490
وزاد فيه علي بن بحر عن الوليد ولم أسمعه منه -ومنعوه
ســهمه .قــال أبــو عمــر قــال بعــض رواة هــذا الحــديث:
واضربوا عنقه واحرقوا متاعه .وهــذا الحــديث يــدور علــى
صالح بن محمد وليس ممن يحتج به .وقد ثبت عن النــبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال » :ل يحل دم امـرئ مسـلم
إل بإحدى ثلث « ) (1وهو ينفي القتل في الغلول .وروى
ابن جريج عن أبي الزبير عن جــابر عــن النــبي صــلى اللــه
عليه وسلم قال » :ليس على الخائن ول على المنتهب ول
على المختلس قطع « ) . (2وهذا يعارض حديث صالح بن
محمد ،وهو أقوى من جهة السناد .
الغال خائن فــي اللغــة والشــريعة وإذا انتفــى عنــه القطــع
فأحرى القتل .
وقال الطحاوي :لو صح حديث صالح المــذكور احتمــل أن
يكون حين كانت العقوبات في الموال؛ كما قال في مــانع
الزكاة " :إنا آخذوها وشطر ماله عزمة مــن عزمــات اللــه
تعالى" ) (3وكما قال أبو هريرة في ضالة البل المكتومة:
فيها غرامتها ومثلها معها ،وكما روى عبد اللــه بــن عمــرو
بن العاص في التمر المعلق غرامة مثليه وجلــدات نكــال ،
وهذا كله منسوخ ،والله أعلم .
الخامسة :فإذا غل الرجل فــي المغنــم ووجــد أخــذ منــه ،
وأدب وعوقب بالتعزير .
وعند مالك والشــافعي وأبــي حنيفــة وأصــحابهم والليــث ل
يحرق متاعه ،وقال الشافعي والليث وداود إن كان عالمــا
799
بالنهي عوقب ،وقال الوزاعي يحرق متــاع الغــال كلــه إل
سلحه وثيابه التي عليه وسرجه ،ول تنزع منــه دابتــه ،ول
يحرق الشيء الذي غل ،وهذا قول أحمد وإسحاق
__________
) (1صـــحيح البخـــاري الـــديات ),(6484صـــحيح مســـلم
القسامة والمحــاربين والقصــاص والــديات ),(1676ســنن
الترمــذي الــديات ),(1402ســنن النســائي تحريــم الــدم )
,(4016سنن أبــو داود الحــدود ),(4352ســنن ابــن مــاجه
الحــدود ),(2534مســند أحمــد بــن حنبــل ),(6/181ســنن
الدارمي الحدود ).(2298
) (2سنن الترمذي الحــدود ),(1448ســنن النســائي قطــع
السارق ),(4971سنن أبو داود الحدود ),(4391سنن ابــن
مـــاجه الحـــدود ),(2591مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )
,(3/380سنن الدارمي الحدود ).(2310
) (3في نهاية ابن الثير'' :قال الحربــي غلــط الــراوي فــي
لفظ الرواية ،إنما هو وشطر ماله شطرين أي يجعل مــاله
شطرين ،ويتخير عليه المصــدق فيأخــذ الصــدقة مــن خيــر
النصــفين عقوبــة لمنعــه الزكــاة فأمــا مــا ل تلزمــه فل ''.
وعزمة :حق من حقوقه وواجب من واجباته.
وقاله الحسن إل أن يكون حيوانــا أو مصــحفا ،وقــال ابــن
خويز منداد :وروي أن أبــا بكــر وعمــر رضــي اللــه عنهمــا
ضربا الغال وأحرقا متاعه ،قال ابن عبد البر ،وممن قــال
يحرق رحل الغال ومتاعه مكحول وسعيد بن عبد العزيــز ،
وحجة من ذهب إلى هذا حديث صالح المذكور .وهو عندنا
حــديث ل يجــب بــه انتهــاك حرمــة ،ول إنفــاذ حكــم؛ لمــا
يعارضه من الثار الــتي هــي أقــوى منــه .ومــا ذهــب إليــه
مالك ومن تابعه في هذه المســألة أصــح مــن جهــة النظــر
وصحيح الثر .والله أعلم .
السادسة :لم يختلف مذهب مالك في العقوبة على البدن
،فأما في المال فقال في الذمي يبيع الخمر من المسلم:
تراق الخمر على المســلم ،وينــزع الثمــن مــن يــد الــذمي
عقوبة له؛ لئل يبيع الخمر من المسلمين .فعلى هذا يجــوز
800
أن يقال :تجوز العقوبة في المال ،وقد أراق عمر رضــي
الله عنه لبنا شيب بماء .
السابعة :أجمع العلماء على أن للغال أن يرد جميع ما غل
إلــى صــاحب المقاســم قبــل أن يفــترق النــاس إن وجــد
السبيل إلى ذلك ،وأنه إذا فعل ذلك فهي توبة له ،وخــرج
عن ذنبه واختلفوا فيما يفعل بــه إذا افــترق أهــل العســكر
ولم يصل إليه ،فقال جماعــة مــن أهــل العلــم يــدفع إلــى
المــام خمســه ويتصــدق بالبــاقي .هــذا مــذهب الزهــري
ومالك والوزاعي والليث والثوري .وروي عــن عبــادة بــن
الصامت ومعاوية والحسن البصري وهو يشبه مــذهب ابــن
مسعود وابن عباس؛ لنهما كانا يريــان أن يتصــدق بالمــال
الذي ل يعرف صاحبه وهو مذهب أحمد بــن حنبــل ،وقــال
الشافعي ليس له الصدقة بمال غيره ،قال :أبو عمر فهذا
عندي فيما يمكن وجود صاحبه والوصول إليه أو إلى ورثته
،وأما إن لم يمكن شيء من ذلك فـإن الشــافعي ل يكــره
الصــدقة حينئذ إن شــاء اللــه تعــالى .وقــد أجمعــوا فــي
اللقطــة علــى جــواز الصــدقة بهــا بعــد التعريــف وانقطــاع
صــاحبها ،وجعلــوه إذا جــاء مخيــرا بيــن الجــر والضــمان ،
وكذلك المغصوب ،وبالله التوفيق ). (1
وقال الشيخ محمد الميــن الشــنقيطي رحمــه اللــه تعــالى
في الكلم على هذه المسألة ما نصه:
المسألة السابعة :اختلف العلماء في حرق رحل الغال من
الغنيمة والمراد بالغـال مـن يكتــم شـيئا مـن الغنيمــة ،فل
يطلع عليه المام ول يضمه مع الغنيمة .
قال بعض العلماء :يحرق رحله كله إل المصحف ومــا فيــه
روح وهو مذهب المام أحمـد ،وبـه قـال الحسـن وفقهـاء
الشام ،منهــم مكحــول والوزاعــي ،والوليــد بــن هشــام ،
ويزيد بن زيد بن جابر ،وأتى سعيد بــن عبــد الملــك بغــال
فجمع ماله وأحرقه ،وعمر بن عبد العزيز حاضر ذلك فلم
يعبه .
801
وقــال يزيــد بــن جــابر :الســنة فــي الــذي يغــل أن يحــرق
رحلـه ،رواهمــا سـعيد فــي ســننه ،قــال ابـن قدامــة فـي
المغني :
ومن حجج أهل هذا القول :ما رواه أبو داود في سننه عــن
صالح بن محمد بن زائدة قال أبــو داود :وصــالح هــذا أبــو
واقد قال :دخلت مع مسلمة أرض الروم فــأتي برجــل قــد
غل فسأل سالما عنه فقال :سمعت أبي يحدث عــن عمــر
بن الخطاب عن النبي صلى الله عليــه وســلم قــال » :إذا
وجدتم الرجل قد غــل فــاحرقوا متــاعه واضــربوه « ). (2
قال :فوجدنا في متاعه مصحفا فسأل ســالما عنــه -فقــال
بعه وتصدق بثمنه .انتهى بلفظه من أبي داود .
وذكر ابن قدامة أنه رواه أيضا الثرم وسعيد وقال أبو داود
أيضا :حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى النطاكي ،قــال:
أخبرنا أبو إسحاق عن صــالح بــن محمــد ،قــال غزونــا مــع
الوليد بن هشام ،ومعنا سالم بن
__________
) (1تفســير القرطــبي ،جــزء ) ،(4مــن صـفحة 258حــتى
صفحة .261
) (2سنن الترمذي الحدود ),(1461سنن أبو داود الجهاد )
,(2713سنن الدارمي السير ).(2490
عبد الله بن عمر ،وعمر بن عبد العزيز فغل رجل متاعا ،
فأمر الوليد بمتاعه فأحرق وطيف به ولــم يعطــه ســهمه .
قــال أبــو داود :وهــذا أصــح الحــديثين رواه غيــر واحــد أن
الوليد بن هشام أحرق رحل زياد بن سعد ،وكان قــد غــل
وضربه .
حدثنا محمد بن عوف :قال حدثنا موسى بن أيـوب ،قـال
حدثنا الوليد بن مسلم ،قال حــدثنا زهيــر بــن محمــد عــن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده » أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه
(1) « .
قال أبو داود :وزاد فيه علــي بــن بحــر عــن الوليــد -ولــم
أسمعه منه -ومنعوه سهمه قـال أبــو داود :وحـدثنا الوليـد
بن عتبة ،وعبد الوهاب بن نجدة ،قــال حــدثنا الوليــد عــن
802
زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب قوله ولــم يــذكر عبــد
الوهاب بن نجدة الحوطي منه سهمه ،انتهى من أبي داود
بلفظه ،وحديث صالح بن محمد الذي ذكرنا عند أبــي داود
أخرجه أيضا الترمذي ،والحاكم والبيهقي .
قال الترمذي :غريب ل نعرفــه إل مــن هــذا الــوجه ،وقــد
سألت محمدا عن هذا الحديث فقال :إنما روى هذا صــالح
بن محمد بن زائدة الذي يقال لــه أبــو واقــد الليــثي ،وهــو
منكر الحديث .
قال المنذري :وصالح بن محمد بن زائدة :تكلم فيه غيــر
واحد من الئمة ،وقد قيل :إنه تفرد بــه .وقــال البخــاري
عامة أصحابنا يحتجون بهذا في الغلول ،وهو باطــل ليــس
بشيء ،وقال الدارقطني أنكروا هذا الحديث علــى صــالح
بن محمد .قال :وهذا حديث لم يتابع عليه ،ول أصل لهذا
الحــديث عــن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم .
والمحفــوظ أن ســالما أمــر بــذلك وصــحح أبــو داود وقفــه
فرواه موقوفا من وجه آخر ،وقال :هذا أصح كما قــدمنا ،
وحديث عمرو بن شعيب الذي ذكرنا عند أبي داود أخرجــه
أيضا الحاكم والبيهقي ،وزهير بن محمد الــذي ذكرنــا فــي
إسناده الظاهر أنه هو
__________
) (1سنن أبو داود الجهاد ).(2715
الخراساني .وقد قال فيه ابن حجر في )التقريــب( روايــة
أهــل الشـام عنـه غيـر مســتقيمة فضــعف بســببها ،وقـال
البخاري عن أحمد كان زهير الــذي يــروي عنــه الشــاميون
آخر .
وقال أبو حاتم :حدث بالشــام مــن حفظــه فكــثر غلطــه .
انتهى .
وقال البيهقي :ويقال إنه غير الخراساني ،وإنه مجهــول .
انتهى .
وقد علمت فيما قدمنا عن أبي داود أنه رواه من وجه آخر
موقوفا على عمرو بن شعيب ،وقال ابن حجر :إن وقفــه
هو الراجح .
803
وذهب الئمة الثلثة ،مالك ،والشافعي ،وأبو حنيفة :إلى
أنه ل يحرق رحله ،واحتجوا بأنه صلى الله عليه وسلم لــم
يحرق رحل غال ،وبما رواه المام أحمد ،وأبو داود ،عــن
عبد الله بــن عمــرو » ،أن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه
وسلم كان إذا أصــاب غنيمــة أمــر بلل فنــادى فــي النــاس
فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه ،فجاء رجل بعد ذلك
بزمام من شعر فقال :يا رسول الله هذا فيما كنــا أصــبناه
من الغنيمة ،فقال :أســمعت بلل ينــادي ثلثــا قــال نعــم .
قال ما منعك أن تجيـء بـه فاعتـذر إليــه فقـال :كـن أنــت
تجيء به يوم القيامة .فلن أقبله عنــك « ) . (1هــذا لفــظ
أبي داود .وهذا الحــديث ســكت عنــه أبــو داود والمنــذري
وأخرجه الحاكم وصححه .
وقال البخاري :قد روي في غير حديث عــن الغــال ،ولــم
يأمر بحــرق متــاعه .فقــد علمــت أن أدلــة القــائلين بعــدم
حرق رحل الغال أقوى ،وهم أكثر العلماء ). (2
وبعـد مـا سـاق رحمـه اللـه تعـالى آراء العلمـاء فـي هـذه
المسألة وأدلتهم على ما رأوه فيها بين رأيه الــذي يرجحــه
فيها فقال:
قال مقيده -عفا الله عنه -والـذي يظهـر لـي رجحـانه فــي
هذه المسألة :هو ما اختاره ابن القيم في زاد المعــاد بعــد
أن ذكر الخلف المذكور في
__________
) (1سنن أبو داود الجهاد ),(2712مسند أحمد بن حنبــل )
.(2/213
) (2أضواء البيان ،جزء ) ،(2من صفحة 404إلى .407
المسألة :والصواب أن هــذا مــن بــاب التعزيــر والعقوبــات
الماليــة الراجعــة إلــى اجتهــاد الئمــة ،فــإنه حــرق وتــرك
وكذلك خلفاؤه من بعده .ونظير هذا قتــل شــارب الخمــر
في الثالثة أو الرابعة .فليــس بحــد ول منســوخ وإنمــا هــو
تعزير يتعلق باجتهاد المام .انتهى
وإنما قلنا :إن هذا القول أرجح عندنا ؛ لن الجمــع واجــب
إذا أمكن وهو مقدم على الترجيــح بيــن الدلــة ،كمــا علــم
في الصول ،والعلم عند الله تعالى )(1
804
__________
) (1أضواء البيان ،جزء ) ،(2صفحة .407
د -مقتطفات من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث
العلمية والفتاء في كيفية التخلص من المكاسب المحرمة
ورد إلى اللجنة هذا السؤال ) :إن بعض البنــوك الســعودية
تعطــي أرباحــا بالمبــالغ الــتي توضــع لــديها مــن قبــل
المودعين ،ونحن ل ندري حكم هذه الفوائد هــل هــي ربــا
أم هي ربح جائز يجوز للمسلم أخذه؟ ( فأجابت بما يلي:
الرباح الــتي يــدفعها البنــك للمـودعين علــى المبـالغ الــتي
أودعوها فيه تعتبر ربا ،ول يحل له أن ينتفع بهذه الربــاح ،
وعليه أن يتوب إلى الله من اليداع فــي البنــوك الربويــة ،
وأن يســحب المبلــغ الــذي أودعــه وربحــه ويحتفــظ بأصــل
المبلــغ وينفــق مــا زاد عليــه فــي وجــوه الــبر مــن فقــراء
ومساكين ،وإصلح مرافق عامة ونحو ذلك ). (1
كما ورد إليها أيضا هذا السؤال:
هل يجوز للولد أن يرث من مال أبيه مع علمه بــأن المــال
خــبيث ومــن طريــق غيــر مشــروع كالربــا والتجــارة فــي
المحرمات؟ فأجابت بما يلي:
__________
) (1من الفتوى رقم 7133وتاريخ 1404 \ 7 \ 6هـ.
إذا علم أن مال أبيه كله حرام أخذ ما يخصه منــه وتخلــص
منه بإنفاقه في وجوه البر تعففا بما علم أنه حــرام ونصــح
لورثة أبيه أن يتخلصوا مما لهم من هذا المال .
كما سئلت اللجنة أيضا هذا السؤال:
شخص عاش يكسب من حرام مدرسا للموسيقى وعازفــا
للموسيقى في الملهي والمراقص ثم تــاب واعــتزل ذلــك
الحرام ،ولجأ إلى الله فهــل مــن شــرط تــوبته أن يتخلــى
عن ذلك المال الذي جمعه من هذا الطريق ،ثم هو يسأل
كيف يتصرف في تلك الموال مع استعداده لتركها بالكلية
،وهل يختلف المر إذا كان مستعدا أو غير مستعد للتنازل
عن المال ومكتفيا من غيره أم غير مكتــف؟ فأجــابت بمــا
يلي:
805
إذا كان كافرا وقت كسبه ما ذكر من الحرام ثم تاب توبــة
نصوحا من كفره ومن هذا الكسب الحرام تاب اللــه عليــه
ولم يجب عليه التخلص ممــا مضــى مــن الكســب الحــرام
قبل إسلمه .
وإن كان غير كافر وقت أن كسب هذا المال الحرام ولكنه
فاسق بهذا الكســب الحــرام ثــم تــاب فمــن شــرط قبــول
توبته التخلص من هذا المال الحرام بإنفاقه في وجوه البر
؛ لن ذلك دليل صدقه في توبته وإخلصه فيها ). (1
هــذا وأســأل اللــه ســبحانه أن يغنينــا بحللــه عــن حرامــه
وبفضله عمن سواه ،وأن يوفقنا إلى العمل بمــا يرضــيه ؛
إنه ولي ذلك والقــادر عليــه .والحمــد للــه رب العــالمين ،
وصلى الله وسلم على أشرف النبيــاء والمرسـلين محمــد
وعلى آله وصحبه أجمعين .
عبد الله بن حمد بن عبد الله العبودي
__________
) (1من الفتوى رقم 7631وتاريخ 1404 \ 10 \ 24هـ.
مصادر البحث
- 1إتحــاف الســادة المتقيــن بشــرح أســرار إحيــاء علــوم
الدين -تأليف السيد محمــد بــن محمــد الحســيني الزبيــدي
الشهير بمرتضى -طبعة هندية .
- 2إحياء علوم الدين لبي حامد محمد بن محمد الغزالــي
المتوفى ســنة 505هـــ -نشــر مؤسســة الحلــبي وشــركاه
للنشر والتوزيع .
- 3الداب الشرعية والمنح المرعية تأليف شــمس الــدين
أبي عبد الله محمد بــن مفلــح المقدســي الحنبلــي ،نشــر
مكتبة الرياض الحديثة -توزيع الرئاسة .
- 4الشباه والنظائر علــى مــذهب أبــي حنيفــة النعمــان -
تأليف الشيخ زين العابدين بن إبراهيم بن نجيب -نشر دار
الكتب العلمية بيروت -لبنان .
- 5أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن تــأليف محمــد
المين بن محمد المختار الحلبي الشنقيطي المطبوع على
نفقة سمو المير أحمد بن عبد العزيــز والمــوزع مــن قبــل
الرئاسة .
806
- 6اقتضاء الصراط المستقيم مخالفــة أصــحاب الجحيــم-
لشيخ السلم ابــن تيميــة -تحقيــق محمــد حامــد الفقــي -
مكتبة السنة المحمدية .
- 7بحــث اللجنــة الدائمــة للبحــوث العلميــة والفتــاء فــي
الفوائد الربوية .
- 8تفسير الطــبري )المســمى جــامع البيــان فــي تفســير
القرآن( تأليف المام أبي جعفر محمد بــن جريــر الطــبري
المتوفى سنة - 310طباعة دار المعرفة والنشــر -بيــروت
-لبنان .
- 9تفسير القرآن العظيم للحافظ عماد الدين أبي الفــداء
إسماعيل
ابن كثير القرشي الدمشــقي المتــوفى ســنة 774طباعــة
1403هـ ،دار المعرفة -بيروت -لبنان .
- 10تفسير القرطبي المسمى )الجــامع لحكــام القــرآن(
لبي عبد الله محمد بن أحمد النصاري القرطبي المتوفى
سنة -671مطبعة دار الكتب المصرية .
- 11تفســير المنــار للشــيخ محمــد رشــيد رضــاء -مكتبــة
القاهرة -الطبعة الرابعة .
" - 12التفسير القيــم -للمــام ابــن القيــم المتــوفى ســنة
751تحقيق محمد حامد الفقــي -لجنــة الــتراث العربــي-
لبنان .
- 13جامع العلوم والحكم في شــرح خمســين حــديثا مــن
جوامع الكلم -تأليف زين العابدين أبي الفرج عبد الرحمــن
بن شهاب الدين أحمد بن رجب الحنبلي البغدادي -شركة
مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولده بمصر .
- 14الحســبة فــي الســلم لشــيخ الســلم ابــن تيميــة -
تحقيق محمــد زهــري النجـار -مــن منشــورات المؤسسـة
السعيدية بالرياض .
- 15الذيل على طبقات الحنابلة -تأليف أحمــد بــن رجــب
الحنبلي -مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة .
- 16زاد المعاد في هدي خير العباد -لبن القيم -الطبعــة
الثالثة عام 1973م 1392 ،هـ ،الطبعة المصرية .
- 17صحيح البخاري .
807
- 18صحيح مسلم .
- 19طبقات الحنابلة -للقاضــي أبــي الحســين محمــد بــن
أبي يعلى -مطبعة السنة المحمدية -القاهرة .
- 20الفتـاوى السـعدية -تـأليف الشـيخ عبـد الرحمـن بـن
ناصر السعدي -مطبعة دار الحياة -دمشق .
- 21فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء .
- 22فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بــن
عبد اللطيف آل الشيخ مفتي المملكة ورئيس القضاة فــي
وقته -جمع وترتيب وتحقيــق محمــد بــن عبــد الرحمــن بــن
قاسم -الطبعة الولى .
- 23الفتاوى الكــبرى لشــيخ الســلم ابــن تيميــة ،تقــديم
حسين محمد مخلوف -دار الكتب الحديثة لصاحبها توفيق
عفيفي 14 ،شارع الجمهورية .
- 24الفقه الكبر للمام أبي حنفيــة -وشــرحه للشــيخ مل
علي القارئ الحنفي المتوفى سنة 1001طبع مطبعة دار
الكتب العربية الكبرى على نفقة أصحابها مصطفى البــابي
الحلبي وأخويه بكري وعيسى بمصر -25 .مجموع فتــاوى
شيخ السلم ابن تيمية -جمع وترتيب الشيخ عبد الرحمــن
بن محمد بن قاسم -توزيع الرئاسة .
- 26المجموع شــرح المهــذب -للمــام أبــي زكريــا محــي
الــدين بــن شــرف النــووي تحقيــق وتكميــل محمــد نجيــب
المطيعي ،نشر مكتبة الرشاد بجدة .
- 27مجلة البحوث السلمية -العدد العاشر .
- 28مدارج السالكين -للمـام ابـن القيـم المطبـوع علـى
نفقة محمد سرور الصبان والموزع من قبل الرئاسة .
) - 29مقدمات ابن رشد ( تأليف الفقيه الحــافظ )قاضــي
الجماعة بقرطبة( أبــي الوليـد محمـد بــن أحمــد بـن رشــد
المتوفى سنة 420هـ -أول طبعة على نفقة الحــاج محمــد
أفندي ساسي المغربي التونسي التاجر
بجوار محافظة مصر -طبع مطبعة السعادة بجــوار ديــوان
محافظة مصر لصحابها محمد إسماعيل سنة 1325هـ .
- 30نيل الوطار شرح منتقــى الخبــار تــأليف محمــد بــن
علي بن محمد الشوكاني المتـوفى سـنة 1255هــ ،نشـر
808
وتوزيــع الرئاســة .الطبعــة الولــى 1402هـــ1982 -م-
طباعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع -بيروت -لبنان
.
==============
#ذكر السباب التي يرى الدكتور إبراهيم عبد
الناصر تحريم الربا لجلها والرد عليها
مجلة البحوث السلمية ) -ج / 18ص (137
دراسة لمقال الدكتور إبراهيم بن عبد الله الناصر
موقف الشريعة السلمية من المصارف
للدكتور /محمد بن أحمد الصالح ). (1
تقديم :الحمد لله والصلة والســلم علــى عبــده ورســوله
محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه .
أما بعد :فقد قرأت هذا المقال القيم المتضمن الرد علــى
ما كتبه الدكتور إبراهيم بن عبد الله الناصــر فــي موضــوع
الربــا تحــت عنــوان :موقــف الشــريعة الســلمية مــن
المصارف .الصادر من فضيلة الدكتور محمد بن أحمد بــن
صالح ،فألفيته قد أعطــى المقــام حقــه واســتوفى الدلــة
الدالة على بطلن ما حــاوله الــدكتور إبراهيــم مــن تحليــل
أنواع الربا ما عــدا مســألة واحــدة ،وهــي :مــا إذا أعســر
المدين واتفق مع الدائن على التأجيل بفائدة معلومة .ول
ريب أن ما حاوله الدكتور إبراهيم في بحثــه المــذكور مــن
تحليل أنواع الربا ما عدا المسألة المذكورة ،قد حــاد فيــه
عن الصواب بشبه واهية أوضح الدكتور محمــد فــي مقــاله
المذكور بطلنها وكشف زيفها .فجزاه الله خيرا وضــاعف
مثوبته وجعلنا وإياه وسائر إخواننا من أنصار الحق .
ومن تأمل نصوص الكتاب والســنة الصــحيحة علــم تحريــم
ربا الفضل وربا النسيئة في جميع الصور التي تتعامــل بهــا
البنوك وبعض التجار الذين
__________
) (1ورد لكاتب البحث ترجمة في العدد العاشر ،ص 304
ل يتحرجــون مــن المعــاملت الربويــة .وقــد توعــد اللــه
ْ
ن الّرب َــا ن ي َـأك ُُلو َ المرابين بأشد الوعيد فقال سبحانه } ال ّ ِ
ذي َ
س
م ّ ن ال ْ َم َ
ن ِ شي ْ َ
طا ُ ه ال ّ خب ّط ُ ُ م ال ّ ِ
ذي ي َت َ َ ن إ ِّل ك َ َ
ما ي َُقو ُ َل ي َُقو ُ
مو َ
809
َ ذ َل َ َ
مح ـّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َل الل ّ ُ ح ّ ل الّرَبا وَأ َ مث ْ ُما ال ْب َي ْعُ ِ م َقاُلوا إ ِن ّ َ ك ب ِأن ّهُ ْ ِ
ف سـل َ َ مــا َ ه َ ن َرب ّـهِ فَــان ْت ََهى فَل َـ ُ مـ ُ ْ ة ِ عظ َـ ٌ مو ْ ِ جاَءهُ َ ن َ م ْ الّرَبا فَ َ
َ عاد َ فَ ـأول َئ ِ َ َ
م ِفيهَــا ب الن ّــارِ هُ ـ ْ حا ُ صـ َ كأ ْ ن َ م ْ مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ وَأ ْ
ه َل ت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ حقُ الل ّ ُ م َ ن { ) } (1ي َ ْ دو َ خال ِ ُ َ
َ
ل ك َّفــارٍ أِثيـم ٍ { ) ، (2وقــال عــز وجــل } :ي َــا أي ّهَــا َ ب كُ ّ ح ّ يُ ِ
م ن ك ُن ْت ُـ ْ ن الّرب َــا إ ِ ْ مـ َ ي ِ ه وَذ َُروا َ
مــا ب َِقـ ْ َ مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ نآ َ ذي َ ال ّ ِ
ن الل ّـ ِ
ه مـ َ ب ِ حـْر ٍ م ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ب ِ َ ن ل َـ ْ ن { ) } (3فَإ ِ ْ مِني َ مؤ ْ ِ ُ
ن وَلَ ْ َ َ َ
مــو َ م ل ت َظل ِ ُ وال ِك ُ ْمـ َ سأ ْ م ُرُءو ُ م فَلك ُـ ْ ن ت ُب ْت ُـ ْ
ســول ِهِ وَإ ِ ْ وََر ُ
ن { ) ، (4وصح عن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه مو َ ت ُظ ْل َ ُ
وسلم » :أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال
هم سواء (5) « .
والحــاديث فــي تحريــم الربــا بــأنواعه كلهــا كــثيرة جــدا ،
فالواجب على كل مسلم أن يحذر المعاملت الربويــة وأن
يبتعد عنها وأل يغتر ببعض من زلــت قــدمه فــي تحليلهــا أو
التساهل فيها .
ونسأل الله أن يوفــق المســلمين لكــل خيــر وأن يمنحهــم
الفقه في الدين وأن يوفق أخانا الدكتور محمــد بــن أحمــد
للمزيد مــن العلــم النــافع والعمــل الصــالح وأن يشــكر لــه
سعيه ويجزل مثوبته .
__________
) (1سورة البقرة الية 275
) (2سورة البقرة الية 276
) (3سورة البقرة الية 278
) (4سورة البقرة الية 279
) (5صحيح البخاري اللباس ),(5617سنن أبو داود الــبيوع
),(3483مسند أحمد بن حنبل ).(4/308
وأن يهدي الدكتور إبراهيم بن عبد الله الناصــر للحــق وأن
يلهمه رشده ويعيذه من شر نفسه إنه جواد كريم .وصلي
الله وسلم على عبده ورسوله محمــد وعلــى آلــه وصــحبه
وسلم .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام
لدارات البحوث العلمية والفتاء والدعوة والرشاد .
810
بداية الدراسة :يتضــمن هــذا المقــال :محاولــة إثبــات أن
الربا الذي جاء القرآن بتحريمه غيــر متحقــق فــي معاملــة
المصارف بالستدانة منها بفائدة يحددها المصرف ويلــتزم
المستدين بدفعها إلى المصرف مع أصل الدين ،ومن ثــم
تكون هذه المعاملة مشروعة .
وقبل أن نناقش ما جاء في هذا المقال نحب أن نقرر هنــا
أمورا :أ ( إن إخضاع الشريعة لواقع الناس في معاملتهم
وتصرفاتهم غير جائز شرعا ،ومن ثــم يجــب رفضــه ؛ لن
الشريعة حاكمة يخضع الناس لوامرها ونواهيهـا ،وليسـت
محكومة لواقع الناس وأهوائهم وأغراضهم يتبعونها عنــدما
تحلو لهم ،وينأون عنها إذا لم تصادف هوى في نفوسهم ،
ك َل يقول اللـه تعـالى فــي تقريــر هــذا المبــدأ } :فََل وََرب ّـ َ
دوا فِــي جـ ُ م َل ي َ ِ م ث ُـ ّ جَر ب َي ْن َهُ ـ ْ ش َ ما َ ك ِفي َ مو َ حك ّ ُ حّتى ي ُ َ ن َ مُنو َ ي ُؤْ ِ
َ
ما { ) . (1ويقول سِلي ً موا ت َ ْ سل ّ ُ ت وَي ُ َ ضي ْ َما قَ َ م ّ جا ِ حَر ًم َ سه ِ ْ أن ُْف ِ
ضــى الل ّـ ُ
ه ذا قَ َ من َـةٍ إ ِ َ مؤ ْ ِ ن وََل ُ ٍ م ـؤ ْ ِ
م ن لِ ُ ما ك َــا َ جل شأنه } :وَ َ
َ م ال ْ ِ َ ورسول ُ َ
م { )(2ـ ، مرِهِـ ْ نأ ْ مـ ْ خي َـَرةُ ِ ن ل َهُ ـ ُ كو َ ن يَ ُ مًرا أ ْ هأ ْ ََ ُ ُ
عوا إ َِلــى ذا د ُ ُ ن إِ َ مِني َ مؤ ْ ِ ل ال ْ ُ ن قَوْ َ كا َما َ ويقول عز وجل } :إ ِن ّ َ
كمعَْنا وَأ َط َعَْنا وَُأول َئ ِ َ س ِ ن ي َُقوُلوا َ مأ ْ
الل ّه ورسول ِه ل ِيحك ُم بينه َ
ِ ََ ُ ِ َ ْ َ ََُْ ْ
ن { ). (3 حو َ مْفل ِ ُ م ال ْ ُهُ ُ
إذن فمحاولــة إضــفاء الشــرعية علــى العمليــة المصــرفية
المذكورة وما يترتب عليها من فوائد تبريرا لما يتعامل بــه
النــاس مــع المصــارف أمــر غيــر جــائز شــرعا ؛ لنــه هــدم
للشريعة ومحاولة للتخلص من اتباعها .
ب ( إن فقهاء المة في كل عصر ومصر مطــالبون بإيجــاد
البديل عن
__________
) (1سورة النساء الية 65
) (2سورة الحزاب الية 36
) (3سورة النور الية 51
المعاملت التي يحتاج إليها الناس في معايشهم ول تقرهــا
الشــريعة ،إمــا بســبب انحــراف النــاس عــن اتبــاع ســنن
الشريعة فيها ،أو تقليد غير المسلمين في تعــاملهم بهــا ،
وهذا البديل ل بد أن يكون في ظــل الشــريعة ،فــإن كــان
811
حكم المعاملة منصوصا عليه طبق عليها ،وإل ففي ميدان
السياسة الشرعية التي يبنى فيهــا الحكــم علــى المصــلحة
متسع له بشرط أل يخــالف نصــا أو إجماعــا ،فــإن أعوزنــا
النص ولم تسعفنا السياسة الشــرعية -ونــادرا مــا يحصــل
هـــذا -حكمنـــا ببطلن هـــذه المعاملـــة ؛ لظهـــور تحقـــق
المفسدة فيها حينئذ .
ج ( إن أحكام الشريعة يأخذها المرء من كتاب الله وســنة
رسوله صــلى اللــه عليــه وســلم ،إذا كــان أهل للســتنباط
منهما ،فإن لــم يكــن أهل أخــذها مــن أقــوال فقهــاء أهــل
الشـريعة المعـترف بإمـامتهم وحــذقهم فـي فهـم الكتــاب
والسنة واستنباط الحكام منهما .
أما أدعياء الجتهاد والبحث الــذين لــم ينشــأوا فــي رحــاب
الشريعة ،ولم يتمرسوا بها ،ولكنهم أقحموا أنفسهم فــي
ميدانها لغرض من الغراض ،فهؤلء ل تؤخذ عنهم شريعة
اللــه ولــو ظهــرت لهــم كتــب أو مقــالت أو أبحــاث تحمــل
أسمائهم وذلك لعدم الثقة بها والطمئنان إليها .
د ( إن فقهاء الشريعة يقسمون أحكامها إلى قســمين 1 :
-أحكام قطعية :ويريدون بهــا الحكــام الــتي ثبتــت بأدلــة
قطعيــة الثبــوت وقطعيــة الدللــة ،وهــي الحكــام الثابتــة
بنصــوص القــرآن الكريــم أو الســنة المتــواترة ،إذا كــانت
دللتها على المعنى ل تحتمل معنى آخر غير ما تــدل عليــه
بأصل وضعها اللغوي .
- 2أحكــام ظنيـة :وهـي الــتي ثبتــت بأدلـة ظنيـة الثبـوت
والدللة معا ،أو قطعيــة الثبــوت ظنيــة الدللــة ،أو ظنيــة
الثبوت قطعية الدللة ،
وهــي الحكــام الثابتــة بنصــوص القــرآن الكريــم إذا كــانت
دللتها تحتمل أكثر من معنى ،والحكام الثابتة بالسنة غير
المتواترة ،سواء كانت ظنية الدللة أو قطعيتها .
ول يعني هذا التقسيم أن الحكــام الظنيــة ل يجــوز العمــل
بها ؛ لن أدلتها ضعيفة ،أو لمعارضة مصــلحة لهــا فتترجــح
عليها ،بل على العكس يجب العمل بها ؛ لن الجمــاع قــد
قام على وجوب العمل بالحكام الظنية التي بينا حقيقتها ،
ويؤيد ذلك أن أغلــب أحكــام الشــريعة أحكــام ظنيــة ،أمــا
812
التقسيم المذكور فالغرض منه بيان تنوع الحكام الشرعية
وخصائص كل نــوع ،وإذن فالتشــكيك فــي قيمــة الحكــام
الظنية أو توهين العمل بها بقصد أو بدون قصد ،أو جعلهــا
عرضة لهواء بعض المعاصرين يرفضونها بأهوائهم استنادا
إلـــى المصـــالح الـــتي يزعمونهـــا يعتـــبر هـــدما للحكـــام
الشرعية .
هـ ( إن بتر النــص والستشــهاد ببعضــه الــذي يؤيــد دعــوى
المـــدعى وإغفـــال البعـــض الخـــر الـــذي ل يؤيـــده ،أو
الستشهاد بنص مع إغفال النصــوص الخــرى وعــدم ربــط
بعضها ببعض يعتبر ذلك كله خارجا عن المنهج السليم فــي
البحث ،ويشبه أن يكون من بــاب اليمــان ببعــض الكتــاب
والكفــر بــالبعض الخــر وهــذا أمــر مــذموم بنــص القــرآن
الكريم .
وإذن فالدعاء بأن فلنا من الفقهاء المعترف لهم بالمامة
قال كذا ،بدون ذكر صدر القول أو عجزه ،أو بدون ربطه
بما ذكــره هــذا الفقيــه فــي مواضــع أخــرى مــن مــؤلفه أو
مؤلفاته قول ل قيمة له في البحــث العلمــي ،وهــو منهــج
مرفوض ومســلك مــردود فــي مجــال الثبــات والســتدلل
لدى أهل الجدل والبحث والمناظرة من الفقهاء والعلماء .
و ( يعرف الفقهاء الربا بــأنه :فضــل مـال بل عــوض لحــد
المتعاقدين في
معاوضة مال ربوي بجنسه ويقسون الربــا إلــى قســمين :
ربا النسيئة وربا الفضل .
فربا النسيئة عبارة عن الزيادة فــي مقابــل الجــل ،ومنــه
الربــا الــذي كــان معروفــا فــي الجاهليــة ،وهــو أن يكــون
للشخص دين على آخر فيقول الدائن للمــدين عنــد حلــول
الجل إما أن تقضي وإما أن تربي ،فإن لم يقضي المدين
زاده في المال وزاد الدائن في الجل .
أما ربا الفضــل فهــو :الزيــادة الــتي ل يقابلهــا عــوض فــي
معاوضــة مــال بمــال ،ســواء كــانت فــي الشــياء الســتة
الواردة في الصحيحين وغيرهما ،وهــي :الــذهب والفضــة
والــبر والشــعير والتمــر والملــح ،أو فــي غيرهــا بطريــق
813
القيــاس عليهــا ،والربــا بقســميه محــرم بالكتــاب والســنة
والجماع .
َ
ه ال ْب َي ْـ َ
ع ل الل ّـ ُ
حـ ّ
أما الكتاب فقول الله تبارك وتعــالى } :وَأ َ
م الّرَبا { ) ، (1فــإن النــص يفيــد تحريــم الربــا بجميــع حّر َ
وَ َ
أقسامه ،لن -أل -في الربا للجنس ،و -أل -الجنســية
تفيد العموم كما نص على ذلك الصوليون ،فيكون تحريم
جميع أنواع الربا ثابتا بعموم النص القرآني .
أمــا الســنة فالحــاديث الكــثيرة فــي ذم الربــا ،والوعيــد
الشديد لمن يمارسه ،والتقبيح والتشنيع على من يتعامــل
به وكذلك الحاديث الواردة فــي المنــع مــن ربــا الفضــل ،
مثل حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنــه -المتفــق
عليه وهو قوله عليه الصلة والســلم » :ل تــبيعوا الــذهب
بالذهب إل مثل بمثل ول تشفوا بعضها على بعض - ،أي ل
تزيدوا -ول تبيعوا الـورق بـالورق إل مثل بمثـل ول تشـفوا
بعضها على بعض ،ول تبيعوا منها غائبا بناجز « ) ، (2وفي
لفظ » الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر
__________
) (1سورة البقرة الية 275
) (2صـــحيح البخـــاري الـــبيوع ),(2068صـــحيح مســـلم
المساقاة ),(1584ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1241ســنن
النســـائي الـــبيوع ),(4570مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )
,(3/4موطأ مالك البيوع ).(1324
والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح ،مثل بمثــل
يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الخذ والمعطــي فيــه
ســواء « ) (1رواه أحمــد والبخــاري ) . (2وفــي لفــظ » ل
تبيعوا الذهب بالذهب ول الورق بالورق إل وزنــا بــوزن مثل
بمثـــل ســواء بســواء « ) (3رواه أحمـــد ومســلم ففــي
الحاديث الثلثة الصحيحة دللة على تحريــم ربــا الفضــل ؛
لورودهــا بصــيغة النهــي الدالــة علــى التحريــم والفســاد
والبطلن كما هو مقرر عند علماء الصول ( .
أما الجماع :فقد اتفــق المجتهــدون مــن المــة مــن لــدن
صحابة رسول الله -صلى الله عليــه وســلم -حــتى يومنــا
هذا على تحريم الربــا بنــوعيه ربــا النســيئة وربــا الفضــل ،
814
والختلف بين الفقهاء ليس في أصل تحريم ربا الفضــل ،
إنما هو في جريان الربا في غير الصــناف الســتة الــواردة
فــي تلــك الحــاديث ،وذلــك بســبب اختلفهــم فــي منــاط
الحكم وعلته ،بدليل أن الصناف الربوية الستة التي نــص
الرسول -صلى الله عليــه وســلم -علــى حرمتهــا ليســت
محل خلف بين أحد مـن الفقهـاء .أمـا مـا روي عـن ابـن
عباس -رضي الله عنهمـا -مـن جـواز ربـا الفضـل ،فقـد
صح رجوعه عن هذا القول عندما بلغته الحاديث الصحيحة
بالتحريم التي لم يكن قد اطلع عليها ،على أن العلماء لم
يسوغوا هذا الخلف لورود الحاديث الصحيحة بتحريم ربــا
الفضل في الصحيحين وغيرهما ،والخلف الذي ل يسوغه
العلماء ل قيمة فيـه لـرأي المخـالف ،وذكـره فـي الكتـب
لمجرد الحكاية والتاريــخ ،وأيضــا فقــد نقــل التحريــم عــن
الجم الغفير من الصحابة رضوان الله عليهم .
وبعد هذه المقدمة الموجزة والتي تضمنت أمورا في غايـة
الهمية نتناول مقالة الكاتب بالدراسة والتحليل فنقول :
__________
) (1صحيح البخاري البيوع ),(2067,2089صــحيح مســلم
المســــاقاة ),(1584,1584ســــنن الترمــــذي الــــبيوع )
,(1241,1241سنن النسائي البيوع ),(4565,4565سنن
ابــن مــاجه التجــارات ),(2257مســند أحمــد بــن حنبــل )
,(3/50,3/97موطأ مالك البيوع ).(1324,1324
) (2كتاب البيوع . 6 \ 3
) (3صـــحيح البخـــاري الـــبيوع ),(2068صـــحيح مســـلم
المساقاة ),(1584ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1241ســنن
النســـائي الـــبيوع ),(4570مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )
,(3/4موطأ مالك البيوع ).(1324
- 1إن قــول صــاحب المقــال ) إن الربــا المجمــع علــى
تحريمه هو ربا النسيئة فقــط ( .خطــأ فــاحش لمــا قــدمنا
من الجماع على أصل تحريمــه فــي الصــناف الســتة وإن
الختلف بينهم إنما هــو فــي غيــر الصــناف الســتة بســبب
اختلفهــم فــي منــاط الحكــم وعلتــه ،أي أنــه اختلف فــي
التطبيق وليس اختلفا في الصل ). (1
815
- 2إن ما جاء في المقال من ) أن النص عند عقــد الــدين
على الزيادة على أصل الــدين فــي مقابلــة الجــل هــو ربــا
الفضــل ( .خطــأ أيضــا ،وهــو خلــط بيــن القســمين لن
الزيادة في مقابل الجل من خصائص النسيئة غالبا ،وقــد
يجتمع النوعان في ربا النسيئة كما لو باع ذهبا بذهب أكــثر
منه أو أقل إلى أجل أو فضة بفضة أكثر منها أو أقــل منهــا
إلى أجل وهكذا ما يشبه ذلــك مــن أصــناف الربــا ،ثــم أي
فـرق بيـن الزيـادة لجـل الجـل فـي ابتـداء عقـد الـدين ،
والزيادة لجل الجل في المرة الثانيــة عنــد عجــز المــدين
عــن الوفــاء وطلبــه التأجيــل ؟ ولمــاذا كــانت الزيــادة فــي
المــرة الولــى جــائزة مــع وجــود ربــا الفضــل والنســيئة
ومحرمة عند أنظاره في آخر العقد عنــد العجــز ؟ .اللهــم
إن هذا حكم ل يقوم عليه دليل وخلط غير مستقيم .
- 3إن بعض الكتاب المعاصرين من الذين يدعون التحــرر
والجتهاد ويقسمون الربا إلى نــوعين :ربــا اســتهلك وربــا
استثمار .
ويريــدون بربــا الســتهلك الربــا الــذي يــدفعه المــدين مــع
القرض الذي استهلكه في حاجة نفسه وأولده مــن طعــام
وكسوة وسكنى ودواء ودفع حاجة ونحوها .
ويريدون بربا الســتثمار :مــا يــدفعه المــدين مــع القــرض
الذي
__________
) (1انظر نيل الوطار للشوكاني 167 - 161 \ 5
صرفه في توسيع تجارته أو مصانعه أو أرضه بقصد الربــح
والفائدة .ويقولون إن النوع الول هو المحرم ؛ لن الغني
يســتغل حاجــة الفقــر المحتــاج .أمــا النــوع الثــاني فــإنهم
يقولون بجوازه وحله ،ومن هــؤلء صــاحب المقــال الــذي
بين أيدينا ،وسيأتي بيان وجهة نظرهم والرد عليها .
- 4أما بالنسبة لضفاء الشرعية على المعاملة المصــرفية
وهي القتراض من المصرف بفائدة تدفع مع أصــل الــدين
حسب اتفاق المصرف مع المدين ،إن الكاتب استند فــي
ادعاء هذه الشرعية إلى شبه نوردها ثم نبدي رأينا فيها :
816
الشبهة الولى :إن الزيادة الولى في الدين المؤجـل هـي
من ربا الفضل وربا الفضل حرم سدا للذريعــة ،ومــا كــان
كذلك فيجوز التعامل بــه إذا اقتضــت مصــلحة النــاس هــذا
التعامل ،وقد اقتضت المصلحة ذلك لن معاش النــاس ل
يتم إل بهذا التعامل .وقد اســتند فــي هــذه الشــريعة إلــى
فتوى الشيخ رشيد رضــا وأقــوال لبــن تيميــة وابــن القيــم
وابن قدامة وابن حزم -ص 4من المقال .
تفنيد هذه الشبهة :نرد على هذه الشبهة بالنقاط التاليــة :
أ -إن الزيادة الولى ليست من ربا الفضل وحده ،بل هــي
جامعة لربا الفضل والنســيئة كمــا تقــدم لنهــا فــي مقابــل
التأجيل قطعا ،واعتبارهــا مــن ربــا الفضــل وحــده قــول ل
نعلمه لحد من أهل العلم ممــن يعتــد بقــوله مــن الفقهــاء
المتقدمين والمتــأخرين ،فهــو قــول باطــل وفيــه مغالطــة
وتلبيس .
- 2إن القول بـأن ربــا الفضـل حــرام سـدا للذريعــة قـول
باطل ل يقوم على دليل ،إذ إن ربا الفضــل محــرم ابتــداء
وقصدا ،كما تدل عليه
الحاديث الخاصة بتحريمه ،ونسبة هذا القول لبــن القيــم
خطأ إذ لم يقل به أصل ) . (1وإنما تحدث رحمه اللــه عــن
بيع المعدوم وأشار إلى أن الشريعة تراعي المصــالح ولــم
يتحدث عن ربا الفضل أصل ،وقد ساق الكاتب عبارته عن
الخذ بالمصالح مبتورة محرفة .
- 3إن القول بجواز التعامل به إذا اقتضت المصلحة ذلــك
بناء على أن تحريمه مبني على سد الذريعة قــول باطــل ؛
لن تحريــم ربــا الفضــل ثــابت بنصــوص الســنة الصــحيحة
الصريحة القوية في دللتها ومثل هــذه ل يجــوز معارضــتها
بالمصــلحة ؛ لن المصــلحة ل اعتبــار لهــا أمــام النصــوص
الصحيحة ،إذ هي ل تعتبر إل في الوقائع المسكوت عنها ،
أي التي لم يرد بحكمهــا نــص بالعتبــار أو اللغــاء ،أو فــي
الوقائع التي بني الحكــم فيهــا علــى ســد الذريعــة ابتــداء ،
على أن القول بتحكيم المصلحة في النصوص قول باطــل
لم يؤثر إل عن نجم الدين الطوفي من فقهاء الحنابلة فــي
القرن الثامن ،وقد رفضــه العلمــاء قــديما وحــديثا مــبينين
817
بطلنــه وفســاده إذ لــو حكمــت المصــالح فــي النصــوص
تهدمت الشريعة وخضعت لهواء الناس وفــي ذلــك ضــياع
لها والعياذ بالله .
- 4إن القول بأن معايش الناس ل تتم إل بهــذه المعاملــة
قول ل يؤيده شيء من النصوص أو واقــع المعــاملت بيــن
النــاس ،بــل إن النصــوص ومعــاملت النــاس تــدل علــى
اســتقامة الحيــاة وتمــام المعيشــة بــدون هــذه المعاملــة
الربوية ،ولما دخلت هـذه المعاملـة حيـاة النـاس أوجـدت
الكثير من النكد والتنغيص وفساد الحالة القتصادية ،ومما
يؤيد ذلك ما
__________
) (1في الكتاب الذي أشار إليه صاحب المقال وهــو '' زاد
المعاد ''
قرره أســاطين القتصــاد فــي العــالم مــن أن أكــبر ضــربة
قاصمة توجه إلى اقتصاد أي دولة تــأتي مــن ناحيــة الربــا ،
ولقد حرمت روسيا الملحدة التعامل بالربــا ،فهــل ضــعف
اقتصــادها وهــل أصــاب معيشــة أهلهــا شــيء مــن الضــنك
والضيق والمشقة بسبب عدم التعامل بالربا ؟
بل إن ما أصابهم ويصيبهم مــن الضــيق والضــنك إنمــا هــو
لجور النظمة الماركســية .إن اقــتراض التجــار وأصــحاب
رؤوس الموال من الغنياء ل تدعو إليــه حاجــة فضــل عــن
الضرورة ،فالتاجر يقترض من المصــرف لتوســيع تجــارته
وصاحب المصنع يقــترض للتوســع فــي صــناعته وأصــحاب
المزارع يقترضون للتوســع فــي الزراعــة ووفــرة النتــاج ،
وهذه ليست أمورا أساسية ل تتم حياة النــاس ومعايشــهم
إل بها ،وإنما هي أمور توسيعيه ل تشكل حاجة فــي حيــاة
الناس فضل عن الضرورة .
وقد يقــال إن المــة فــي حاجــة إلــى التوســع فــي وســائل
النتــاج لتكــون قويــة وقــادرة علــى مواجهــة الحــداث
القتصادية ومواجهة الدول التي تســتغل الــدول الســلمية
نتيجة ضعفها المادي والقتصادي .والجواب عن هــذا :إن
الحاجة إلى التوسع المذكور تسد من قبــل الدولــة أو مــن
قبل الفراد بتكوين الشركات الضخمة والمصانع العملقــة
818
واستصلح الراضي البور ،وذلك كله وظيفة الدولــة وهــي
وظيفــة واجبــة كلهــا ومســؤولة عنهــا أمــام اللــه ســبحانه
وتعالى .
- 5أما فتوى الشيخ رشيد رضا الـتي اسـتند إليهـا الكـاتب
في كلمه فإنه ليس ممن يحتج بقوله إذا كــان معــه غيــره
فما بالك إذا انفرد وخالف النص ،أما ما نقله الكاتب عــن
ابن قدامة وابن تيمية وابن القيم وابن حزم فهــي نصــوص
بعضها مبتور عن أصله ،وبعضها غير
موافق لما قالوه في غير هذه المواضع وكل المريــن غيــر
صالح للحتجاج ). (1
__________
) (1وعلــى فــرض موافقتهــا لــرأي الكــاتب قــد تقــرر فــي
الصول أن كل رأي يخالف النصوص من الكتاب والسنة ل
ه
م ِفيــ ِ خت َل َْفُتــ ْما ا ْ يجوز التعويل عليه يقول الّله عز وجل :وَ َ
َ
ن
ذي َ ه إ َِلى الل ّهِ ،وقوله سبحانه َ :يا أي َّها اّلــ ِ م ُ حك ْ ُ
يٍء فَ ُ ش ْ ن َ م ْ ِ
َ ُ َ َ
ن م فَإ ِ ْ من ْك ُ ْ مرِ ِ ل وَأوِلي اْل ْ سو َ طيُعوا الّر ُ ه وَأ ِ طيُعوا الل ّ َ مُنوا أ ِ آ َ
من ك ُن ْت ُـ ْ ل إِ ْ سـ ْـو ِ دوهُ إ ِل َــى الل ّـهِ َوالّر ُ يٍء فَ ـُر ّ
شـ ْ م فِــي َ ت ََناَزعْت ُ ْ
ن ت َأِويًل َ خرِ ذ َل ِ َن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ
س ُ ح َخي ٌْر وَأ ْ ك َ مُنو َ ت ُؤْ ِ
الشبهة الثانيــة :أن الحكمــة فــي تحريــم الربــا هــي إزالــة
الظلم الناشئ عن استغلل الغني حاجة المحتاج ،والظلم
غيــر متحقــق فــي اقــتراض كبــار التجــار وأصــحاب رؤوس
الموال من المصارف بالفوائد لتنميــة أمــوالهم وتجــارتهم
ومصانعهم ؛ لنهم ليسوا محتاجين ويستأنس الكاتب بقول
الشــيخ رشــيد رضــا :ول يخفــى أن المعاملــة الــتي ينتفــع
ويرحم فيها الخذ والمعطي الــتي لولهــا فاتتهمــا المنفعــة
ن{ مــو َ ن وََل ت ُظ ْل َ ُ مــو َمعا ل تدخل في هذا التعليل } َل ت َظ ْل ِ ُ
). (1
الرد علــى هــذه الشــبهة :إن الشــبهة ليســت بشــيء فــي
مقــام الســتدلل لمــا يــأتي :أ ( إن حكمــة تحريــم الربــا
ليست منحصرة فــي إزالــة الظلــم الناشــئ عــن اســتغلل
الغني حاجة الفقر ،بل هناك حكم أخــرى للتحريــم ،منهــا
القضاء على البطالــة والكســل بالنســبة للــدائنين ودفعهــم
إلـــى العمـــل واســـتخلص الـــرزق بالســـعي فـــي الرض
819
والمشي في مناكبهـا .ومنهـا أنـه يـؤدي إلـى أكـل أمـوال
الناس بالباطــل لعــدم العــوض المقابــل للزيــادة الربويــة .
ومنهـــا أنـــه يـــؤدي للعـــداوة والبغضـــاء والمشـــاحنات
والخصــومات ؛ لنــه ينــزع عاطفــة الــتراحم مــن القلــوب
وتضــيع بــه المــودة ويــذهب المعــروف بيــن النــاس وتحــل
القسوة محل الرحمة .
__________
) (1سورة البقرة الية 279
ب ( إن هذا الوجه في الستدلل تعليل بالحكمــة والراجــح
لدى الصوليين هو عدم التعليل بالحكمــة لعــدم انضــباطها
وظهورها .
ج ( إنه على فرض جواز التعليل بالحكمة وانحصــارها فــي
إزالة الظلم فإنها ليست منحصرة في الفقير المحتاج ،بل
هي أيضا متحققة أيضا بالنسبة للغني غير المحتاج ،إذ هي
أكل لماله بالباطل لعدم المقابل للزيادة الربوية مــن مــال
أو منفعة أو مصلحة ،ويؤيد ذلك أن النص القرآنــي الــوارد
في تحريم الربا لم يفرق بين الفقير المحتاج والغنــي غيــر
المحتاج ؟ كما يؤيده أيضا قول الرسول -صلى الله عليــه
وسلم -في حجة الوداع » ) وأول ربا أضــعه تحــت قــدمي
هــاتين ربــا عمــي العبــاس ( « ) (1ومعــروف أن العبــاس
يتعامل مع تجار قريش من الغنياء ،ولم يكن مع الفقــراء
المحتاجين ؛ لن مكانته من ذلك معروفة بإطعــام الحجــاج
وسقايتهم ومواساة المحتاجين ل يسيغ هذا الدعاء .
__________
) (1صحيح البخاري الحــج ),(1693صــحيح مســلم الحــج )
,(1218سنن الترمذي الحج ),(856سنن النسائي مناسك
الحج ),(2763سنن أبو داود المناسك ),(1905ســنن ابــن
مـــاجه المناســـك ),(3074مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )
,(3/321موطأ مالك الحج ),(836سنن الدارمي المناسك
).(1850
الشبهة الثالثة :إن عملية القتراض من المصــرف بفــائدة
تعتــبر مــن الــبيع ،والــبيع جــائز حلل ،وفــي ذلــك يقــول
الكــاتب نقل عــن الشــيخ رشــيد رضــا ومقــرا لقــوله :إن
820
المعاملة التي يقصد بها التجار ل القرض للحاجة هي مــن
قسم البيع ل من قسم استغلل حاجة المحتاج .ثم يضيف
إلى ذلك قول للشيخ رشيد وهو :أنه ليس في أخــذ الربــح
من صندوق التوفير والمصارف ظلما لحد ول قسوة على
محتاج حتى في دار السلم .اهـ .
الرد على هذه الشبهة :للرد على هذه الشبهة نقــول :إن
المعاملة المصرفية التي نحن بصدد مناقشتها ل تعتبر بيعــا
بأي معيار أو قياس من المعايير أو المقاييس الشــرعية إذ
ليس فيها بائع ومشتري ومــبيع وثمــن ،وإنمــا هــي قــرض
بفائدة مقابل الجل وهــذا هــو الربــا بعينــه ،نعــم قــد يــبيع
المقترض ويشتري ويتاجر بما اقترضه ولكن ذلك مــع غيــر
المصرف والمصرف ل علقة لــه بهــذه التجــارة ؛ لنــه لــم
يعطه المال مشاركة أو مضاربة
أو على أي وجه من الوجوه التجارية ،وإذن فالدعــاء بــأن
هذه المعاملة من قسم البيع ادعاء باطل وتخرج سخيف ل
يقصد منه في نظرنا إل التمويه على النــاس لــدفعهم إلــى
التعامل بالربا .
أما فتوى الشيخ رشيد رضا بحل أخــذ الربــح مــن صــناديق
الدخار والتوفر والمصارف فهي فتــوى مخالفــة للنصــوص
الشرعية ،إذ ل يجوز أخذ الربح من صندوق التوفر أو مــن
المصارف التي تــدفع أرباحــا عــن المــوال المودعــة بهــا ،
وذلك لن صــناديق التــوفر والمصــارف ل تســتثمر أموالهــا
في تجــارة أو صــناعة أو زراعــة تحصــل منهــا علــى أربــاح
وأموالها تــأتي عــن طريــق إقراضــها بفــوائد فيأخــذ البنــك
حصــة منهــا ويعطــي المــدخر أو المــودع البعــض الخــر ،
فالكثير من البنــوك الن يعطــي المــودع %6فــوائد بينمــا
يأخذ هذا البنك نفسه من المقترض % 14كما أفاد البنــك
المركزي المصري دار الفتاء المصــرية بــذلك ،وإذن فمــا
يأخذه المدخر أو المــودع يعتــبر أكل للمــال بالباطــل وهــذا
ظلم فبطلت هذه الشبهة .
الشبهة الرابعــة :إن خصــائص الربــا القرآنــي -فــي نظــر
الكــاتب -ل تتحقــق فــي المعاملــة المصــرفية الــتي نحــن
بصددها وهي القـتراض بالفـائدة .ويحـدد الكــاتب خمــس
821
خصائص للربا القرآني التي يســميها أســبابا ثــم يــري أنهــا
ليست متحققة في المعاملة المصــرفية ،ومــن ثــم تكــون
هــذه المعاملــة جــائزة فــي نظــر الشــريعة الســلمية
ونستعرض هذه الخصائص وتطبيقها ثم نبين وجــه البطلن
فيهــا أو فــي تطبيقهــا أو فيهمــا معــا :أ ( يــرى الكــاتب أن
الخاصة الولى من الربا القرآني المحرم هي :أن المــدين
ل بد أن يكون محتاجا للصدقة عمل بظروف الدين ولــذلك
فهو مظلوم بأخذ الربا منه .
ويمكن أن نرد شبهة الكاتب ومن سبقه في هــذا الميــدان
بأن النصوص
القرآنية المحرمة للربا وردت عامــة أو مطلقــة لــم تفــرق
بين الفقير المحتاج والغني القادر ،فتخصيصــها أو تقييــدها
بما يكون مع الفقير المحتاج يحتــاج إلــى دليــل ،ومــا ذكــر
على أنه دليل للتخصــيص أو التقييــد ل يعتــبر دليل أو شــبه
دليل لما يلي :أول :أن الحث على التصــدق لــم يــرد فــي
كل آيات الربا وحسبنا أن آية التحريم الصريحة هــي قــوله
َ
م الّرب َــا { ) (1لــم يعقبهــا ه ال ْب َي ْـعَ وَ َ
ح ـّر َ ل الل ّ ُ
ح ّ
تعالى } :وَأ َ
الحث على الصدقة .
ثانيا :أن الحث على التصــدق الــوارد عقــب بعــض اليــات
ليس خاصا بالمدين دينا ربويا ،بل يشمله ويشمل غيــره ،
لورود الحث على الصدقة بصيغ عامة .
ثالثا :أن الغرض من الحث على الصدقة في بعض اليــات
هو بيــان الطريــق الســوي المثــل الــذي يجــب أن يســلكه
المرابي بدل طريق الربا المحرم ،بل هو حث لــه ولغيــره
فل علقة للحث على الصدقة التي تكون للفقيــر المحتــاج
بحقيقة الربا المحرم .
رابعا :أنه على فرض دللة الحث علــى الصــدقة علــى أن
الربا المحرم هو الذي يكــون مــع الفقيــر المحتــاج فــإنه ل
طريــق لــذلك إل القــتران ،ودللــة القــتران دللــة غيــر
معتبرة عند كثير من العلماء ومن يعتبرها فــإنه يقــرر أنهــا
دللة ضعيفة .
خامسا :أن الرسول -صلى الله عليــه وسـلم -أهــدر ربــا
عمه العباس -رضي الله عنه -ومن المعروف أن العباس
822
كــان يرابــي مــع التجــار الغنيــاء ولــم يكــن يرابــى مــع
المحتاجين من الفقراء كما قررناه مــن قبــل ،وهــذا يــدل
علــى أن الربــا المحــرم ليــس قاصــرا علــى المعاملــة مــع
الفقراء المحتاجين ،والرسول عليه الصلة والسلم
__________
) (1سورة البقرة الية 275
مبين لما جــاء فــي القــرآن الكريــم وكــل ذلــك يــدل علــى
بطلن هذه الخاصة .
سادسا :أن العرب كانوا تجارا وكانت تجــارتهم تمتــد إلــى
خــارج بلدهــم فــي الشــام واليمــن فمــا المــانع لهــم مــن
التعامل بالربا في التجــارة ؟ ثــم الــذي يقــول ) إنمــا الــبيع
مثل الربا ( هــم التجـار أو الفقـراء المحتـاجون للصـدقة ؟
أليسوا هم التجار الــذين يتعــاملون بالربــا ويقيســونه علــى
البيع ويجعلونه نوعا من أنواع البيع كما يقـول بعـض كتـاب
هذا العصر ؟ وما دخل الفقراء المحتاجين في جعــل الربــا
مثل البيع وهم ل يزاولون بيعا ول تجــارة ؟ ثــم أليــس فــي
َ
ه ال ْب َي ْـ َ
ع ل الل ّـ ُ
حـ ّ
مقابلة الربا بالبيع فــي قــوله تعــالى } :وَأ َ
م الّرَبا { ) (1ما يشعر بأن العرب كــانت تتعامــل فــي حّر َ
وَ َ
الربا للغراض التجارية ؟ إن ذلك كله يدل على أن تحريــم
الربا نزل في مجتمع كان فريق التجار فيه يتعاملون بالربا
،وهو ربا استغللي وليس ربا اســتهلكيا ،ومعنــى هــذا أن
تحريم الربا يشمل الربا الستهلكي والستغللي ومــن ثــم
تبطــل شــبهتهم ودعــواهم فــي قصــر الربــا علــى الربــا
الستهلكي .ثم هــل قــامت المصــارف أو تقــوم بــإقراض
أهل الحاجة والفقر قروضــا حســنة بــدون فــوائد ؟ أو أنهــا
سـلبتهم البقيـة الباقيـة مــن أمـوالهم بــدون إشـفاق علــى
ضعفهم أو رحمة بصغارهم أو مراعاة لحاجتهم وأحوالهم .
سابعا :أن قصر الربا القرآني المحرم على المعاملــة مــع
الفقير المحتاج دون الغني القادر ،أو بعبارة أخرى قصــره
على الربا الستهلكي دون الربا الستغللي لم يقل به أحد
من المفسرين ول أحد من الفقهاء ،ولم يظهر منه شــيء
في تعريفاتهم للربا على اختلف مذاهبهم ومناهجهم ،ولم
يظهر القول به إل في هذا العصر على لســان مــن يــدعي
823
التحرر والجتهاد ومن هؤلء صاحب المقــال .ولكنــه بكــل
أســف علــى حســاب الشــريعة بإخضــاعها لواقــع النــاس
وأهوائهم ،إننا لسنا ضد التجديد والجتهاد بل
__________
) (1سورة البقرة الية 275
على العكس ندعو إلى فتح أبوابهما على مصاريعها ولكــن
في إطار نصوص الشريعة وقواعدها الكلية ،وفي الحــدود
المرســومة للجتهــاد والســتنباط مــن الكتــاب والســنة ،
ونخلص من ذلك كله إلى أن الحتياج للصدقة ليس خاصية
للربا المحرم ول جزءا من حقيقته ول وصفا لزما له ،وإن
الرأي القائل بأن الربا القرآني المحرم هـو ربـا السـتهلك
أي الربــا الــذي يأخــذه الــدائن مــن الفقيــر الــذي يســتهلك
الدين في حــاجته الضــرورية مــن طعــام وشــراب وكســاء
ومــأوى ودواء دون ربــا الســتغلل أي الربــا الــذي يأخــذه
الدائن من الغني الذي يقصد بدينه الستثمار فــي التجــارة
أو الزراعة أو الصــناعة ،قــول باطــل لعــدم اســتناده إلــى
دليل من كتاب أو سنة أو إجماع أو قيــاس أو لغــة أو نظــر
سليم أو قول لحد مــن الفقهــاء ،بــل الدلــة قائمــة علــى
تحريم كل من ربا الســتهلك وربــا الســتغلل بمــا ذكرنــاه
سابقا وبما سيأتي .
ونختــم هــذه النقطــة بفتــوى مجمــع البحــوث الســلمية
بالقاهرة في مــؤتمره الثــاني المنعقــد فــي شــهر المحــرم
1385هـ ) مايو 1965م ( ونصــها :والفــائدة علــى أنــواع
القروض كلها ربا محرم ل فــرق بيــن مــا يســمى بــالقرض
الستهلكي وما يسمى بالقرض النتــاجي ) الســتغللي ( ،
وكثير الربا في ذلك وقليله حرام ،والقراض بالربا محــرم
ل تــبيحه حاجــة ول ضــرورة والقــتراض بالربــا كــذلك ،ول
يرتفع إثمه إل إذا دعت إليه ضرورة ،وكــل امــرئ مــتروك
لدينه في تقدير الضرورة .وقد جــاء فــي بحــث هيئة كبــار
علمائنا ما نصه ) : (1أما الفــوائد علــى بقــاء الــودائع لــدى
المودع فأمرها جلي واضح في أنها تجمع بين نوعي الربا ،
ربا الفضل وربا النسيئة حيث يأخذ المودع زيــادة علــى مــا
دفع مع التأخير .
824
ب ( يرى الكاتب أن الخاصة الثانية في الربا القرآنـي هـي
أن الدائن ينفرد
__________
) (1مجلة البحوث السلمية ،العدد الثامن ،ص 42 ، 41
وحده بالمنفعة من الربا وهذه الخاصــة غيــر متحققــة فــي
المعاملت المصرفية التي نحن بصددها ؛ لن الدائنين فيها
وهم الملك الصــغار -نقصــد الــذين أودعــوا أمــوالهم فــي
البنوك ابتغاء الفائدة -ويمثلهم المصــرف ل يختــص وحــده
بالمنفعة دون المدين ،بل يشترك مع الكبار فــي المنفعــة
بمــوجب عقــد رضــائي تجــاري ل اســتغلل فيــه .ويوضــح
الكاتب هذا المعنــى فيقــول فــي ص : 6لن المــدين وهــو
المالك الكبير مشترك في المنفعة مع الدائن وهـو المالـك
الصغير وذلــك باســتثماره أمــوال الــدين بمــا فيــه مصــلحة
الجميع .ونرد على هذا التوجيه بــأن المنفعـة الـتي جـاءت
عــن طريــق الكبــار واشــترك فيهــا الصــغار منفعــة غيــر
مشروعة ،إذ ل سند لها سوى ما ادعـاه الكـاتب مـن أنهـا
تمــت بمــوجب عقــد تجــاري رضــائي ،وهــذه دعــوى غيــر
صحيحة إذ ما هو نوع العقد التجاري ؟ إن كــان بيعــا فــأين
هو البائع ؟ إن كان صغار المالكين فهؤلء ل يعرفهم الخــذ
من المصرف ول يعرفونه ،وإن كان المصرف فأين المبيع
الــذي وقــع التعاقــد عليــه ،وإن كــان نــوع العقــد شــركة ،
فتحديــد المصــرف نســبة معينــة يبطــل الشــركة بإجمــاع
الفقهاء ،لماذا تكون هذه النسبة ضئيلة في الغــالب ؟ ثــم
إن كانت شركة فلماذا ل يتحمل المصــرف الخســارة كمــا
هو الشأن في ســائر الشــركات ،وإن كــان نــوع المعاملــة
رهنا فأين العين المرهونــة ؟ ل شــيء مــن ذلــك كلــه ،إذا
فــأين الحقيقــة ؟ إن النظــر الفقهــي الســليم ل يمكــن أن
يكيف هذه المعاملة إل بأنها قرض بفائدة ،وهذا هــو عيــن
الربا .
ثــم إن قــول الكــاتب إن المــدين دائمــا يكــون مــن كبــار
المالكين قول ينقضه الواقع ،إذ إن كثيرا ممن يتعامل مــع
المصارف ليسوا من كبار المــالكين ،بــل فيهــم الموظــف
الذي يقترض بضمان مرتبه وغير الموظــف الــذي يقــترض
825
بضمان أحد القادرين ،فهذا التعميــم الــذي ادعــاه الكــاتب
غير صحيح
من ناحية الواقع العملي ويؤدي إلــى أن تعامــل المصــرف
مع هؤلء غير جــائز شــرعا فــي نظــر الكــاتب ؛ لن هــؤلء
محتــاجون إلــى الصــدقة فيعــود هــذا التعميــم علــى أصــله
بالنقض وهو مال يرضاه الكاتب .
وقول الكاتب إن المالك الكبير يستثمر أمــوال الــدين بمــا
فيــه مصــلحة الجميــع مغالطــة مكشــوفة ،إذ أن المالــك
الكــبير يســتثمر أمــوال الــدين لمصــلحته فقــط ويعطــي
المصرف الفائدة المتفق عليها فقــط دون المشــاركة فــي
الربح ،والقول بغير هذا مكابرة وإنكار لواقع المعاملة .
ج ( ويذهب الكاتب إلى أن الخاصــة الثالثــة للربــا المحــرم
هي مجرد تنمية لمال الدائن في أموال المدين من تجــارة
ينتفع بها الطرفان ،وإن هذه الخاصة ليست متحققــة فــي
المعاملــة المصــرفية ؛ لنهــا تجــارة مــن نــوع جديــد جــرى
التعارف عليهــا ودعــت إليهــا حاجــة النــاس أجمعيــن حــتى
أصبحت مصالحهم في معاشــهم ل تتــم إل بهــا وينتفــع بهــا
الطرفان المعطي والخذ ،ثم قال والمعاملة الــتي يقصــد
بها التجار ل القرض للحاجــة هــي مــن قســم الــبيع ل مــن
قســم اســتغلل حاجــة المحتــاج ،ويؤيــد هــذا المبــدأ فــي
شرعية المنفعــة الــتي ل ضــرر فيهــا علــى أحــد قــول ابــن
قدامة :إن ما فيه مصلحة من غير ضرر بأحد فهــو جــائز ،
وإن الشرع ل يرد بتحريم المصالح التي ل ضرر فيها وإنما
يرد بمشروعيتها ،وقول شيخ السلم ابن تيمية رضي الله
عنه :إن كل ما ل يتم المعاش إل به فتحريمــه حــرج وهــو
منتف شرعا .
ونــرد علــى الكــاتب بــأن المعاملــة المصــرفية الــتي نحــن
بصــددها ليســت مــن التجــارة ول مــن قســم الــبيع لعــدم
سمات التجارة فيها ،ولنه ل يوجد بها مبيع يقع عليه عقــد
البيع وإنها ل تتم في المصرف على أنها بيع ،بل على أنهــا
قرض بفائدة محددة تدفع في كل عام ،والتدليل على أنها
تجارة بتعارف الناس عليها تعليل غيــر ســليم ؛ لن النــاس
جميعا لم يتعارفوا عليها
826
ولو فرض تعــارفهم فهــو عــرف فاســد لمخــالفته نصــوص
الربا العامة والمطلقة ،وكل عرف في مقابل النــص فهــو
عرف فاسد ل يبنى عليه حكم ،وكــذلك التــدليل بــأن هــذا
النوع من المعاملة قــد دعــت إليــه حاجــة النــاس أجمعيــن
تعليــل غيــر ســليم ؛ لن الواقــع الفعلــي أن حاجــة النــاس
جميعا ل تدعو إلى هـذه المعاملـة ،بـل إن هـذه المعاملـة
المصرفية تشكل حرجــا للنــاس فــي معاملتهمــا وتضــعف
اقتصاد المم والشعوب كما قــرر ذلــك أســاطين القتصــاد
في العــالم .وكــثير مــن النــاس -والحمــد للــه -يزاولــون
نشــاطهم التجــاري بــدون أي حاجــة إلــى هــذا النــوع مــن
المعاملة ،وقول ابن قدامة وابن تيمية وارد في المصــالح
التي سكت الشارع عليهــا ،فلــم يــرد باعتبارهــا أو إلغائهــا
نص من الشارع ،كما صرحوا بذلك في كثير من المواضع
وصرح بــه الصــوليون فــي كلمهــم علــى حجيــة المصــالح
المرسلة .
وقول الكاتب إن الـدائنين فـي المعـاملت المصـرفية هـم
مــن صــغار المــالكين لــم يســتغلوا المــدينين الــذين هــم
جميعهم هنا مــن كبــار المــالكين ،بــل قــد تبــادلوا المنــافع
معهم بصورة تجارية وعقد رضائي من غير أن يكون هناك
ظالم أو مظلوم :قول غير صحيح لن جل المنفعة يستأثر
بها المدينون الذين هم من كبار الغنيــاء ،وليــس للــدائنين
وهــم صــغار المــالكين إل نســبة ضــئيلة محــدودة وقعــت
الستدانة من المصرف علــى أساســها ،وقــد أشــرنا إلــى
شيء من ذلك فيما سبق .
د ( ويرى الكاتب أن الخاصة الرابعة للربــا القرآنــي تجعــل
صاحب الدين المرابي عنــد عجــز المــدين عــن أداء الــدين
كالذي يتخبطه الشيطان من المس إلى آخر مــا جــاء فــي
الية الكريمة ؛ لنــه فقــد رأس مــاله فــوق فقــده لربــاحه
الربويــة .وهــذه الخاصــة ليســت متحققــة فــي المعاملــة
المصرفية لن المتعاملين فيهــا مــن معــط وآخــذ جميعهــم
يشعرون بالمان والطمئنان وذلك لقيام
827
إدارة المصــرف نيابــة عنهــم باتخــاذ جميــع الجــراءات
والضمانات اللزمة لسلمة المعاملة على السواء لمصلحة
الدائن والمدين .
والرد على ما ذكره الكاتب في هذه الخاصة :أن التصوير
المقترح لمن يأكل الربا ليس تصويرا له عند عجز المــدين
عن الوفا أو عند تخوفه من عدم الوفاء ،وإنما هو تصــوير
لــه عنــد قيــامه مــن قــبره كمــا تظــافرت بــذلك أقــوال
المفسرين وعلى رأسهم ابن عبــاس ومجاهــد وابــن جــبير
وقتادة والربيع والضحاك والسدي وابــن زيــد ،ويؤيــد ذلــك
التفسير قراءة ابــن مســعود ) ل يقومــون يــوم القيامــة إل
كما يقوم الذي يتخطبه الشــيطان مــن المــس ( .وإذا لــم
يكن هذا تصوير للدائن في الــدنيا فــإنه ل يصــلح أن يكــون
خاصــة لــه ،لن خاصــة الشــيء تكــون لزمــة للشــيء ،
والشيء الذي ل يتحقق إل في الخرة ل يكــون ملزمــا لــه
في الدنيا لنفكاك الجهة على أن هذا التصوير البشع جزاء
المرابــي فــي الخــرة ،أي أنــه مــترف بأكــل الربــا .وأثــر
الشيء ل يكون جزءا من حقيقته ول وصــفا لــه ول ملزمــا
له ملزمة عقلية لحصول الثر عقــب المــؤثر ،فــانتفى أن
يكون هذا الوصف خاصة للربا القرآني .
على أن كلم الكاتب يقصر التصوير على آكل الربــا الــذي
عجز المدين فيه عــن الوفــاء أو تخــوف الــدائن مــن عــدم
الوفاء مع أن التصوير القرآني يشمل أيضــا مــن ســلم لــه
رأس المال والربح ،بل إن التصوير قاصر على مــن ســلم
له رأس المال والربح بدليل التعــبير بيــأكلون ،ول يوصــف
بذلك إل مـن سـلم لـه رأس المـال والربـح ،وإذن فكيـف
يكون هذا التصوير خاصــا بالــدائن الــذي عجــز مــدينه عــن
الوفاء .ثم يــدلل الكــاتب علــى انتفــاء هــذه الخاصــة فــي
المعاملة المصرفية بأنه ل يوجد فيها خوف من العجز عــن
الوفاء لقيام المصــرف باتخــاذ الجــراءات الــتي تمنــع هــذا
الخوف . . .إلخ .
ما قــاله مــن المــن والســلمة فــي المعاملــة المصــرفية .
نقــول ردا علــى هــذا :إن المــن غيــر متحقــق أيضــا فــي
المعاملـــة المصـــرفية رغـــم قيـــام المصـــرف بالمراقبـــة
828
والشراف ،وذلك لحصول الفلس من المــدين فــي كــثير
من الحيان والواقع الفعلي يؤيد هذا كما ظهــر أخيــرا مــن
معاملت المدينين مع مصارف القاهرة ؛ حيث هربــوا عــن
البلد وضاع على المصارف ما دفعته إليهــم ،وكمــا حــدث
في سوق المناخ بالكويت ،وإذن فالمن منعدم في عملية
المصرف كما هو منعدم في عملية المرابي .
هـ ( ويرى الكاتب أن الخاصة الخامسة للربا القرآنــي هــي
أن الربــا زيــادة طــارئة فــي الــدين تفــرض علــى المحتــاج
للصدقة وتشترط عليه بعد حلول أجل الدين وعجز المدين
عن الوفاء ،وهــي زيــادة بعقــد جديــد مســتقل عــن العقــد
الول ول يقابلها في هذا العقد الجديد إل تأجيــل الســتيفاء
من المدين من غير أي نفع مادي للمـدين ؛ لن التأجيـل ل
ينتفع به المدين في طعامه أو تجارته على حين أن الزيادة
في الربا للدائن كانت زيادة مالية وقد اقتصرت عليه فقط
دون مقابل للمدين ،وهذا من أكل أموال الناس بالباطل ،
ثم قال وهذه الخاصة منتفية في المعاملــة المصــرفية لن
الزيادة فيها تشترط في أصل عقد الدين لغــراض تجاريــة
مع مدينين أغنياء من رجال العمــال وليســت طــارئة عنــد
حلول الجل مع المدين المحتاج ،وذلك يجعلها ذات صــفة
تجاريــة فــي المعــاملت المصــرفية أي فــي مقابــل منــافع
متبادلة .ونقول في الرد علــى ذلــك أن ادعــاء الكــاتب أن
الزيادة في المعاملــة المصــرفية تشــترط فــي أصــل عقــد
الدين لغراض تجاريــة قــول ينقضــه الواقــع ؛ لن العمليــة
المصرفية ل تحدد للدائن نوع نشــاطه القتصــادي ول نــوع
التجارة التي يزاولها ،وأقصى مــا يقــوم بـه المصـرف هـو
التوثق من الدين وكل ما يهمه بعد ذلك هو الحصول علــى
الفائدة المتفق عليها ،والمدين بعد ذلك حــر فــي نشــاطه
ول يتبادل مع المصرف منفعة ما سوى الفائدة ،أما ثمــرة
نشاط
المدين بعد الفائدة فكله له هذا إن ربح ،أما إذا خســر فل
يتحمل المصرف شيئا من خسارته ،وهذا أكبر دليل علــى
أن العلقة بين المصرف والمدين ليســت علقــة تجاريــة ،
وإنما هي قرض بفائدة معينة يدفعها المدين في كل عام .
829
على أنــه إذا كــانت العلــة فــي تحريــم الربــا القرآنــي هــي
مقابلة الزيادة بالجل فهذا المعنى متحقــق فــي المعاملــة
المصرفية ؛ لن الزيادة فيها عن الدين فــي مقابــل الجــل
فأي فرق بين المعاملتين ؟
أما ادعاء الكاتب أن الربا القرآني هو الزيادة الطارئة عنــد
عجز المــدين عــن الوفــاء فــي مقابــل الجــل وذلــك بعقــد
مستقل ،فقد سبق إبطال هذا الدعاء وبينا أن الزيادة في
ابتداء الدين في مقابل الجل ربا صريح ،والقول بغير هذا
قول باطل ل أساس له .
وقد اختتم الكاتب مقارنته بين الربا الذي ورد تحريمه فــي
القــرآن وبيــن المعاملــة المصــرفية بقــوله :يتضــح لنــا أن
المعاملت المصرفية تختلـف تمامــا عــن العمـال الربويـة
التي حذر منها القــرآن الكريــم ؛ لنهــا معــاملت جديــدة ل
تخضــع فــي حكمهــا للنصــوص القطعيــة الــتي وردت فــي
القرآن الكريم بشأن حرمة الربا ؛ ولهذا يجب علينا النظــر
إليها من خلل مصالح العباد وحاجــاتهم المشــروعة اقتــداء
برسول اللــه -صــلى اللــه عليــه وســلم -فــي إبــاحته بيــع
السلم رغم ما فيه من بيع غير موجود ،وبيع ما ليس عنــد
البائع مما قد نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم
-في الصل ،وقــد أجمــع العلمــاء علــى أن إباحــة الســلم
كانت لحاجة الناس إليه ،وهكذا فقد اعتمــد العلمــاء علــى
الســلم وعلــى أمثــاله مــن نصــوص الشــريعة فــي إباحــة
الحاجات التي ل تتم مصالح الناس فــي معاشــهم إل بهــا ،
إن المصارف والعمال المصرفية حاجة من حاجات العباد
ول تتم مصالح معاشهم إل بها ،ولذلك فإنه من غير الجائز
التسرع والحكم عليها بأنها من الربا المقطوع فيه ،وذلــك
لن حظرها يوقع العباد في حرج في معاشهم
ل مثيــل لــه ،بــل إن حظرهــا يهــدد كيــان الدولــة والمــة
الســلمية ويقضــي نهائيــا علــى مصــالحهم القتصــادية
ويجعلهــم تحــت رحمــة أعــدائهم وأعــداء دينهــم الــذين
يتحكمون في ثرواتهم ،بل يستخدمونها لزيادة قوتهم ضــد
أمة السلم .
830
وردنا على مــا انتهــى إليــه الكــاتب فــي موضــوع الســباب
الذي ألمحنا إليه يتلخص فيما يلــي :أ ( إنــه قــد ســبق لنــا
عند مناقشة السباب ومقارنتها بيان أن مــا ذكــره الكــاتب
من أسباب للربا المحرم بعضه ليس مــن بــاب الســباب ،
والبعض الخر متحقق في المعاملة المصرفية وأنــه لــذلك
تنطبق عليها حقيقة الربا المحــرم ،إذ هــي قــرض بفــائدة
محددة في مقابل الجل وأن القول بغير هذا إمــا جهــل أو
مكابرة ،ومن ثم فإنه ل يجوز النظر في إباحتها مــن خلل
المصالح المدعاة إذ ل عبرة للمصلحة في مقابل النص .
ب ( إن جواز المعاملة المصرفية قياسا على الســلم لعلــة
الحاجــة قيــاس غيــر ســليم مــن وجهيــن :الول :أن علــة
الحاجة غير متحققة في الفرع وهو المعاملــة المصــرفية ،
إذ حاجة الناس تتم دون هـذه المعاملـة ومـن ثـم ل حاجـة
إليها .
الثــاني :إن الســلم ثــابت شــرعا بالنصــوص الصــحيحة
الصريحة من السنة المطهرة هذا مــع العلــم بــأنه لــو فتــح
باب إبطال النصوص بالمصالح والحاجات المــدعاة ؛ لكــان
في ذلك إبطــال الشــريعة وهــدمها بــأهواء النــاس والعيــاذ
بالله .
ج ( إن حظر المعاملة المصرفية ل يوقع الناس ول الدولــة
في حرج ل مثيل له كما يدعي الكــاتب ،ول يقضــي نهائيــا
علــى المصــالح القتصــادية لن النــاس عاشــوا ويعيشــون
بدون هذه المعاملة المصرفية ،وتتم مصالحهم المعيشــية
بــدونها بــل العكــس هـو الصــحيح ،فــإن شــيوع الربــا عــن
طريق المصارف أو
غيرها أكبر ضربة توجه إلى اقتصاد الـدول والشـعوب كمـا
صرح بذلك أساطين القتصاد كما أشرنا إلى ذلك آنفا .
د ( إن القول بحضر هذه المعاملة ليس مبنيا علــى ارتيــاح
النفــس أو عــدم ارتياحهــا ،وإنمــا هــو مبنــي علــى النــص
والجماع المحرمين لهذه المعاملــة الــتي ل تكييــف لهــا إل
أنها قرض بفائدة محدودة مقابل الجــل ،ومــع ذلــك فإننــا
نقــول بالبــديل عنهــا وهــو نظــام المضــاربة ) القــراض (
المجمع على جوازه شرعا ،وهو ما تعامل بــه المســلمون
831
في سائر العصور إذ ل يتحقــق فــي هــذه المعاملــة الربــا ،
ويتحمل فيها كل من صــاحب المــال والعامــل نصــيبه مــن
الربــح والخســارة ومــن ثــم ينتفــي فيهــا الظلــم عــن كــل
منهما .
والخلصة أن الكاتب لم يوفق في إضــفاء الشــرعية علــى
معاملة المصـارف الـتي تقـرض المسـتغلين مـن أصـحاب
المصانع والمتــاجر والعقــارات ونحــوهم بفــائدة محــدودة ،
وأن كل ما ذكره لثبات هــذه الشــرعية إنمــا هــي شــبهات
واهية ل يثبت بها ما يدعيه .ولم يزد على أن جاء بملخــص
لما سبقه إليه الدكتور معروف الدواليبي في مقــاله الــذي
نشره باللغة الفرنسية عام 1371هـ ـ الموافــق 1951م )
، (1وقد اطلعت عليه فــي العــام الماضــي مكتوبــا باللغــة
العربية .والذي نــراه بــديل لهــذه المعــاملت الربويــة هــي
المضاربة إذا التزم فيها أحكام الشرع التي قررها الفقهــاء
استنباطا من كتاب الله العزيز وسنة رســوله -صـلى اللـه
عليه وسلم -وإجماع فقهاء المة .
والله تعالى ولي التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل .
وصلى الله وســلم وبــارك علــى ســيدنا محمــد وعلــى آلــه
وصحبه .
محمد بن أحمد الصالح
__________
) (1انظـر تاريـخ الفكـر القتصـادي ص 57للـدكتور لـبيب
شقير .
بل الفائدة المصرفية من ربا النسيئة
رد على بحث الدكتور إبراهيم بــن عبــد اللـه الناصـر حـول
"موقف الشريعة السلمية من المصارف .
" للدكتور /شوقي أحمد دنيا
السم شوقي أحمد دنيا .
الميلد من مواليد جمهورية مصر العربية .
المؤهل ( 1بكالوريوس تجارة قسم القتصاد كلية التجارة
جامعة الزهر .
( 2ماجســتير فــي القتصــاد بعنــوان " الســلم والتنميــة
القتصادية " من تجارة الزهر .
832
( 3دكتــواره فــي القتصــاد بعنــوان " تمويــل التنميــة فــي
القتصاد السلمي -دراسة مقارنة من تجارة الزهر .
العمل عضــو هيئة التــدريس بقســم القتصــاد الســلمي -
كلية الشريعة -الرياض .
النتاج العلمي :من مؤلفاته ( 1 ) :دراسات في القتصاد
السلمي " كتاب " .
) ( 2أعلم القتصاد السلمي " كتاب " .
) ( 3نقد لكتاب في الفكر القتصادي الســلمي للــدكتور
فاضل عباس الحسب " بحث منشور " .
) ( 4النقود بين القتصاد السلمي والقتصاد الوضــعي "
بحث منشور " .
) ( 5تقلبــات القــوة الشــرائية للنقــود وأثــر ذلــك علــى
الئتمان القتصادي والجتماعي " بحث منشور " .
بالضافة إلى أبحاث أخرى في مــؤتمرات ونــدوات خاصــة
بالقتصاد السلمي .
الحمد لله والصلة والسلم على سيدنا رسول الله محمــد
بن عبد الله وعلى اله وصحبه ومن عمل بشريعته وتمسك
بسنته إلى يوم الدين .
وبعــد :فهــذه ورقــة حــول الدراســة الــتي قــدمها الــدكتور
إبراهيــم الناصــر المستشــار القــانوني بمؤسســة النقــد
الســـعودي بشـــأن " موقـــف الشـــريعة الســـلمية مـــن
المصارف " .
وبداية نحب أن نؤكد علــى أن مهمــة وحــدود هــذه الورقــة
هي مجرد مناقشة الورقة الــتي قــدمها الــدكتور إبراهيــم ،
وبيان ما فيها وما عليها ،مع العلم بأن الموضوع في ذاتــه
هو أكبر بكثير من هذه الورقة ،وهو برغم كــثرة مــا كتــب
فيه بحاجة إلى بحث معمـق يحتـاج إلـى مزيـد مـن الجهـد
ومن الوقت ،نرجو الله تعالى أن ييسر لنا ولغيرنا ذلك .
ومجمل مناقشتنا يخلص إلى مخالفة الدكتور إبراهيم فيما
قدمه من مقدمات وفيما توصــل إليــه مــن نتــائج .منهجنــا
في هذه الورقة هــو مناقشــة التحليلت والمقــدمات الــتي
طرحها الخ الكاتب ،وكذلك مناقشة مــا توصــل إليــه مــن
نتائج ،مع إعطاء لمحة سريعة عن البديل السلمي .
833
ويمكن إجمال مــا قــدمه الكــاتب فــي ورقتــه فــي صــيغتها
الثانية الكثر شمول وتفصيل بأنه تنــاول مفهــوم الربــا فــي
كل من القــرآن والســنة كمــا فهمــه .ثــم عــرض لموقــف
بعض العلماء من المصــارف مضــيفا إلــى ذلــك .مناقشــة
لطبيعــة العمــال المصــرفية وبــوجه خــاص ومراكــز ،بــل
وأساســي عمليــة " اليــداع " وبعجالــة عمليــة " القــراض
المصرفي " وخلص من بحثه هذا إلى نتائج تتلخص في أن
العمــال المصــرفية الحاليــة ل تــدخل فــي الربــا القرآنــي
المجمع على تحريمه ,وإنما هي معاملــة مســتجدة تخضــع
للقواعد العامة للشريعة ومقاصدها المتمثلــة فــي تحقيــق
مصالح الناس .
ولم يقف عند هــذا الحــد بــل واصــل القــول مصــرحا بأنهــا
حلل استنادا إلى أنها ليست من الربا الذي حرمه القــرآن
الكريــم وعمل بالمصــلحة الــتي نــوه بهــا بعــض العلمــاء
واستئناســا بموقــف العلمــاء المعاصــرين ،كمــا دعــم هــذا
الموقف بما أشار إليــه مــن أن بعــض أنــواع الربــا حرمــت
تحريم وسائل ل تحريم مقاصد فتباح عند الحاجة ،كما أن
فكرة الترخيص معتد بها شرعا وهناك ســوابق فــي إباحــة
بعــض المحظــورات كالســلم ،كــذلك فقــد اســتند إلــى
التقلبات الكبيرة في قيمة النقود والهبوط المســتمر لهــا ،
ومن ثم فمن العدل القول بإباحــة الفــائدة علــى القــروض
خاصة إذا مــا أخــذنا فــي الحســبان الهميــة الكــبيرة الــتي
تحتلها المصارف في حياتنا المعاصرة .
هذه هي الفكــرة الساســية الــتي تــدور حولهــا ورقــة الخ
الكاتب ). (1
وقبــل المناقشــة التفصــيلية لمــا فــي هــذه الورقــة مــن
مقدمات ونتائج نرى من الضروري أول الشارة في عجالة
وإجمال إلــى بعــض النقــاط الساســية الــتي تعتــبر بمثابــة
قواعد أو مسلمات أساسية ل يقوم أي نقاش علمــي جــاد
لهذا الموضوع في غيبتها .
نقاط جوهرية يجب التنويه بها -1 :القرآن الكريم والسنة
الشريفة كلهما مصدران أساســيان للتشــريع الســلمي ،
وما تحرمه السنة فهو محرم قطعيا ،وتحريمــه ليــس فــي
834
الحقيقة قاصــرا علــى الســنة بــل هــو محــرم فــي القــرآن
ل فََق ـد ْ ســو َ ن ي ُط ِـِع الّر ُ مـ ْ وبالقرآن أيضا ،قــال تعــالى َ } :
ه { )، (2 طاعَ الل ّ َ أَ َ
__________
) (1تجدر الشارة إلــى أن بحـث الــدكتور إبراهيــم الناصــر
يكاد يكون صورة طبق الصل من بحث سبق أن تقدم بــه
من قبل الدكتور معروف الدواليبي ،ومــن ثــم فــإن بحثنــا
هذا هو رد على هذا التجاه كله .
) (2سورة النساء الية 80
َ َ
م ن ك ُن ُْتـ ْل إِ ْ ل { )ُ } ، (1قـ ْ سـو َ طيُعـوا الّر ُ ه وَأ ِ طيُعوا الّلـ َ }أ ِ
ن ما ي َن ْط ِقُ عَ ِ ه { ) } ، (2وَ َ م الل ّ ُ حب ِب ْك ُ ُ
ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ ن الل ّ َ حّبو َ تُ ِ
حى { ) . (4إذن كافة ما ي ُيو َ ح ٌ ن هُوَ إ ِّل وَ ْ وى { ) } (3إ ِ ْ ال ْهَ َ
حرم في القــرآن أو فــي الســنة ســواء كــان بنــص صــريح
جــزئي مــن القــرآن أو بنــص صــريح مــن الســنة هــو فــي
الحقيقــة محــرم فيهــا معــا وبهــا معــا ،ول فــرق بيــن هــذا
وذاك ،وليس لهذا درجــة تحريــم وللثــاني درجــة أعلــى أو
أقل .
- 2مهمة الرسول -صلى الله عليه وسلم -هي تبليغ دين
الله وشرعه لمن أرسل إليهم من العباد وتــبيينه لهــم بيانــا
واضحا كوضوح الشمس في كبد السماء بل أكثر وضوحا .
ل إ ِّل ســو ِ مــا عَل َــى الّر ُ دوا وَ َ طيُعوهُ ت َهْت َـ ُ ن تُ ِقال تعالى } :وَإ ِ ْ
مــا س َ ن ِللّنا ِ ك الذ ّك َْر ل ِت ُب َي ّ َ ن { ) } ، (5وَأ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ مِبي ُ ال ْب ََلغُ ال ْ ُ
َ
ن ســا ِ ل إ ِّل ب ِل ِ َ ســو ٍ ن َر ُ مـ ْ سـل َْنا ِ مــا أْر َ م { ) } ، (6وَ َ ل إ ِل َي ْهِـ ْ ن ُّز َ
ل إ ِّل ال ْب ََلغُ ســو ِ مــا عَل َــى الّر ُ م { ) } ، (7وَ َ ن ل َهُـ ْمهِ ل ِي ُب َي ّـ َق َ ـو ْ ِ
َ
ن { ). (9 مِبي ـ ُ ذيُر ال ْ ُ ل إ ِن ّــي أن َــا الن ّـ ِ ن { ) } ، (8وَقُ ـ ْ مِبي ـ ُ ال ْ ُ
ومعنــى هــذا أنــه يجــب الذعــان والعتقــاد الكامــل بــأن
الرسول -صلى الله عليه وسلم -قد بيــن للنــاس كــل مــا
في القرآن من أحكام ومبادئ وكل مــا يريــده اللــه تعــالى
من عباده ،ولم يلتحق بالرفيق العلى وهنــاك شــيء مــن
الســلم غــامض أو غيــر مــبين ،بــل تركنــا علــى المحجــة
البيضاء ليلها كنهارها .ومن الواضح أن أهمية
__________
) (1سورة النساء الية 59
835
) (2سورة آل عمران الية 31
) (3سورة النجم الية 3
) (4سورة النجم الية 4
) (5سورة النور الية 54
) (6سورة النحل الية 44
) (7سورة إبراهيم الية 4
) (8سورة العنكبوت الية 18
) (9سورة الحجر الية 89
هــذه القاعــدة تجعلهــا أكــبر بكــثير مــن أن تعــارض ببعــض
أقوال منسوبة لهذا الصحابي أو لـذاك ،وعلينـا أن نتحـرى
جيدا في توثيق ما قد يكون هناك من أقوال منسوبة ،ثــم
تحديد مضمونها بما ل يتعارض مــع تلــك القاعــدة الــتي لــو
اهتزت قيد أنملة لنهار السلم من أساسه .
- 3من الحقائق الثابتة ثبوتا ل يقبل الشك أن العرب فــي
الجاهلية كانوا يتعاملون بالربا ،بل لقد كان إحــدى حقــائق
عصرهم ومعيشتهم واقتصــادهم ،وأن صــور هــذا التعامــل
الربوي لم تكن واحدة بل كانت متعــددة ســواء مــن حيــث
الشكل والصورة أو مــن حيــث الــدوافع والهــداف ،فمــن
حيث الصورة والشــكل وجــدت الزيــادة علــى الــدين الــتي
تشترط ويتفق عليها عند عقد الدين ،كما وجــدت الزيــادة
التي تحدث عند انتهاء الجل وعدم المقدرة على السداد ،
هذه ثابتــة وهــذه ثابتــة ،ومــن يطلــع علــى كتــب التفســير
والتاريخ وغيرها يعلم ذلك يقينا .وسوف نعرض لذلك فــي
حينه .
ومن حيث الدوافع والهداف كان هناك الدين بربا لغراض
الستهلك ،وكان هناك بكثرة وغالبية الدين بربــا لغــراض
البيع والتجارة والنتاج ) ، (1ويكفي أن نشير إلى أنه كــان
مصدرا أساسا من مصادر تمويل رحلتي الشتاء والصيف "
تمويل التجارة الخارجية " كمـا أنـه لـم يكــن قاصــرا علــى
ضعف المركز المالي للمدين في مواجهة المركــز المــالي
للدائن بل كثيرا ما كان العكس ،تاجر كبير أو قبيلة كــبيرة
تتــاجر فتحصــل علــى التمويــل " الــدين بربــا " مــن أفــراد
عديدة فتذهب لتشتري وتبيع وتسدد الدين برباه .
836
هذا كله ثابت ثبوتا راسخا بمصادر علمية موثقة .
__________
) (1د .محمــد فــاروق النبهــان '' مفهــوم الربــا فــي ظــل
التطورات المعاصرة '' ص . 80
- 4القرآن الكريم حرم الربا دون أن يخصــص ذلــك بنــوع
دون نوع وصورة دون أخرى ،وليس هناك نــص قرانــي أو
حــتى نبــوي أن الربــا الــذي حرمــه القــرآن هــو فقــط ربــا
الجاهلية .
ومعنى ذلك أنه إذا كــانت هنــاك صــورة قائمــة عنــد نــزول
التحريم أو قبله فإنها تحرم ،فإذا أحدثت صور أخرى للربا
فإنها تحرم هي الخرى بنص القرآن الكريم ،ومعنى ذلــك
أن كل صور الربا تحرم بالنص حتى ولو لــم تظهــر إل بعــد
آلف الســنين مــن نــزول القــرآن ؛ لن القــرآن لــم ينــزل
لعصر دون عصر بل نزل لمة ممتــدة عــبر الزمــن موغلــة
في الستقبال ،ويخاطب به آخر فرد زمنا في أمة الدعوة
تماما كما خوطب به أول فــرد فيهــا .وإذن فل وجــه لمــن
يقول ولو كان القائل فقيها إن الربــا المحــرم فــي القــرآن
هو ربا الجاهلية فقط ،وإل فسوف يطــرد ذلــك علــى كــل
المحرمات ،زنا الجاهلية ،كذب الجاهلية ،سرقة الجاهلية
. .إلخ .يضاف إلى ذلك أنه كمــا هــو معــروف فــإن آيــات
الربا في سورة البقرة هي من أواخر آيات النــزول .هــذه
المسلمة لها دللتها الخطيــرة فــي موضــوعنا هــذا ،فمــن
المعروف أن الرسول -صلى الله عليه وســلم -قــد قــال
وفعل وأقر الكــثير والكــثير خلل فــترة الــدعوة الممتــدة ،
ومن ذلك ما يتعلــق بالربــا ،ســواء مــا كــان معروفــا لــدى
الجاهليــة أو مــا كــان يمــارس دون أن يعــرف بــأنه ربــا ،
وعندما باع صحابي تمرا بتمر بزيادة قال الرسول -صــلى
الله عليه وســلم » :أوه عيــن الربــا « ) (1وكررهــا .مــن
الواضح أن تلك صورة جديدة لم تكن تدخل في صور الربا
المعروفة وإل ما عملها الصــحابي أو أن هــذه كــانت بدايــة
التشريع في موضوع الربا .وسواء كــان هــذا أو ذاك فــإن
قول الرسول عليه الصلة والســلم » :عيــن الربــا « )(2
يفهم منه
837
__________
) (1صحيح البخاري الوكالة ),(2188,2188صحيح مســلم
المســــاقاة ),(1594,1594ســــنن النســــائي الــــبيوع )
,(4557مسند أحمد بن حنبل ).(3/62
) (2صـــحيح البخـــاري الوكالـــة ),(2188صـــحيح مســـلم
المساقاة ),(1594ســنن النســائي الــبيوع ),(4557مســند
أحمد بن حنبل ).(3/62
أن جوهر الربا وحقيقته ومعناه واحد والذي يتميز ويختلــف
هــو الصــور والشــكال .وهنــاك احتمــالن ،إمــا أن هــذا
الحديث وغيره مما يدخل في موضوعنا قد قــاله الرســول
عليه السلم قبل نــزول آيــات الربــا أو بعــده .فــإن كــانت
اليــات قــد نزلــت ســلفا ،فتكــون تلــك الحــاديث مبينــة
وشارحة لمضمون الربــا الــذي ورد فــي القــرآن الكريــم ،
بالضافة إلى ما هو معهــود أصــل لــديهم مــن صــوره الــتي
كانت تمارس في الجاهلية .وإن كــانت اليــات قــد نزلــت
لحقا فمعنــى ذلــك أن الربــا فــي القــرآن الــذي ورد ودون
تخصيص أو تغيير يشمل كل صــور الربــا ،ســواء منهــا مــا
كان معروفا فــي الجاهليــة أو مــا بينتــه الســنة الشــريفة ،
وكذلك كل صورة تجــد لــه إلــى قيــام الســاعة حيــث بقــاء
المة والدعوة .
- 5مــن القواعــد الهامــة أن العــبرة بالمعــاني والمقاصــد
يقول المام مالك " :إنما تعبدنا بالمعاني والمقاصــد " أي
أن السم أو الصورة أو الشكل أو السلوب كل ذلك ل أثر
له طالما أن المعنى والمقصود والمضمون واحد .وبالطبع
فذلك واضــح تمامــا مــن القــرآن الكريــم " قصــة أصــحاب
السبت " وكذلك من السنة المطهــرة ،فــإذا كــان الشــائع
هو كون المدين شخصا فأصبح مؤسسة أو شركة أو حــتى
دولة فإن الدين هو الدين ،وسواء سميت رشوة أو عمولة
أو هدية أو إكراميــة أو أتعــاب . .إلــخ .فــإن الحكــم واحــد
طالما أن المضمون والمقصود والمعنــى متحــد ،والمثلــة
في كل باب أكثر من أن تحصى .
838
- 6ل أحد ينكر أن المصلحة مقصود التشــريع الســلمي .
َ
ن { )(1ـ ، ة ل ِل ْعَــال َ ِ
مي َ مـ ً ك إ ِّل َر ْ
ح َ س ـل َْنا َ
ما أْر َ قال تعالى } :وَ َ
ة { )(2 م ٌح َ
شَفاٌء وََر ْما هُوَ ِ ن َ ن ال ُْقْرآ ِ
م َ
ل ِ} وَن ُن َّز ُ
__________
) (1سورة النبياء الية 107
) (2سورة السراء الية 82
لكن من الذي يدرك جــوهر المصــلحة وحقيقتهــا علــى مــر
اليام إنه الخالق عز وجل ،وإذن ففي كل ما في الســلم
مــن أحكــام بالحرمــة أو الباحــة أو الوجــوب إلــخ نجــد
المصلحة ول مصلحة دون ذلك ،بمعنى أن مــا ينــص عليــه
السلم بالقرآن أو بالسنة فهو المصلحة ،وإن بدا للبعــض
غير ذلك .ويترتب على ذلك أنه مع النص الصــريح الثــابت
ل كلم عن مصلحة تغايره على الطلق ،وإنما يرد الكلم
عنها عند عــدم وجــود نــص ،عنــد ذلــك نتلمــس المصــلحة
ملتزمين في ذلك بقول الثقاة من العلماء الــذين يخشــون
الله ول يخشــون أحــدا إل اللــه .فــي ضــوء تلــك الحقيقــة
الكلية ينبغي أن ندرس ونفهم مــا قــاله العلمــاء فــي بــاب
المصلحة .
هذه بعض الساسيات التي كان ل بد لنــا مــن التمهيــد بهــا
قبل الدخول في المناقشة التفصيلية للورقــة الــتي قــدمها
أخونــا الــدكتور إبراهيــم .وآن لنــا هنــا أن نجــري تلــك
المناقشة ،فنقول وبالله التوفيق :في بداية كلمــه يقــول
الكاتب " يمكن القول إنه لــن تكــون هنــاك قــوة إســلمية
بدون قوة اقتصادية ،ولن تكون هناك قوة اقتصادية بدون
بنوك ،ولن تكون هناك بنوك بل فوائد " واضــح تمامــا أنــه
يريد أن يقول إنه لن تكون هناك قوة إســلمية بل فــوائد .
وهــذا خطــأ بالعتبــار الشــرعي والعتبــار التــاريخي ،أمــا
العتبــار الشــرعي فسنفصــل القــول فيــه مــن خلل هــذه
الورقــة ،أمــا العتبــار التــاريخي فمــن الثــابت والمعلــوم
بالضرورة أن القوة الســلمية وجــدت كأحســن مــا تكــون
دون قوة اقتصــادية ،ثــم وجــدت القــوة الســلمية ومعهــا
القــوة القتصــادية دون بنــوك وفــوائد .كمــا أن القــوة
839
السلمية والقوة القتصادية للمسلمين قد ضــعفتا كــأقوى
ما يكون
الضعف بوجود تلــك المصــارف بفوائدهــا ،وهــذه قضــية ل
تحتاج إلى نظر بعيد .كما أنه في بدايــة حــديثه قــد صــرح
بــأن مجــال الدراســة هــو القــرض بفــائدة ،وقــد تســاءل
بتعجب وإنكار :لماذا يعتبر ذلك محرما في نظر الفقهاء ؟
وهذه نقطة لها أهميتها حيث إنه يحاول جاهدا طوال بحثــه
أن يخرج العمال المصرفية " اليداع " من حيز القــروض
ويدخلها في حيز التجارة .في عرضــه لمفهــوم الربــا فــي
القرآن الكريم يشير إلى ما هنالك من ربــط بيــن التحــذير
من الربا والصدقة على المــدين ،مــع أن الربــط بــالمعنى
الذي يحاول الكاتب أن يبرزه ليستخدمه مقدمة يصل منها
إلى ما يريد من نتائج هذا الربط غيــر وارد ،وعلــى ســبيل
و
ن رِب ًــا ل ِي َْرب ُـ َ
مـ ْ م ِ ما آت َي ْت ُ ْالمثال لقد ذكر الية الكريمة } :وَ َ
َ
ن َزك َــا ٍ
ة مـ ْ م ِ مــا آت َي ْت ُـ ْ عن ْـد َ الل ّـهِ وَ َ
س فََل ي َْرُبو ِ ِ ل الّنا ِ وا
َ م
ِفي أ ْ
ن { ) ، (1واليــة ضـعُِفو َ م ْ م ال ْ ُ ه الل ّـهِ فَـُأول َئ ِ َ
ك هُ ـ ُ ج َن وَ ْ دو َ ري ُ
تُ ِ
ت { ) (2ل نــرى صد ََقا ِ ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ حقُ الل ّ ُ م َ الكريمة } ي َ ْ
مثــل هــذا التصــور الــذي يتصــوره الكــاتب ليصــل إلــى أن
المصرف ليس محل للصــدقة ،ومــن ثــم فمعـاملته بعيــدة
تماما عن هذا النطاق الربــوي .كــل مــا هنالــك أن اليــتين
الكريمــتين تــبرزان ســلوكين ،ســلوك الربــا والســتغلل
والظلم والتقاطع ،وسلوك الــتراحم والتعــاون والتكامــل ،
كما تبين عاقبة كل من هذين السلوكين .
__________
) (1سورة الروم الية 39
) (2سورة البقرة الية 276
وبعد ذكر الكاتب لبعض آيات الربا بين فهمــه لهــا ومــا رآه
من أســباب لتحريــم الربــا المــذكور منهــا وقــد ذكــر لــذلك
خمسة أسباب ،نناقشها واحدا تلو الخر .
الســـبب الول :هـــو أن المـــدين محتـــاج للصـــدقة عمل
بظروف الدين ،ولذلك فهو مظلوم بأخــذ الربــا منــه .أمــا
أن المدين محتاج للصدقة فهذا ل يسلم به علــى إطلقــه ،
وليس كل مدين يحتاج للصدقة ،وعند العسار فإنه يحتاج
840
للصدقة باعتبار الغرم كما هو مفصل فــي بنــد الغــارمين ،
لكن ليس هناك علقة على الطلق بين حرمة الربــا وبيــن
كون مصير المدين العسار واحتياجه للصــدقة فيمــا بعــد .
أما أن المدين مظلــوم بأخــذ الربــا منــه فهــذا حــق ،ومــن
الحق الذي ل يقــل عنــه أيضــا أنــه ظــالم بتعــامله الربــوي
وإعطائه الربا لغيره ،فالظلم قـد وقـع مـن الطرفيـن بـل
من كل أطراف العملية كما سنوضح ذلك فيما بعد.
السبب الثاني :هو أن الــدائن ينفــرد وحــده بالمنفعــة مــن
الربا ويستغل أبشع استغلل ظروف ذلك المحتاج للصدقة
،ولذلك فهو ظالم استحق الوعد الكــبير إن لـم يــذر الربـا
مع مدينه .أمــا قــوله بــانفراد الــدائن بالمنفعــة فهــذا غيــر
مسلم به فالمدين يســتفيد مــن الــدين وينتفــع بــه انتفاعــا
مؤكدا حتى ولو كان الدين لغراض الستهلك ناهيــك عــن
أغراض النتاج ،يضاف إلــى ذلــك أن هــذا غيــر مــؤثر فــي
الحكم ،والتمويل الربوي للتجــارة فــي الجاهليــة لــم يكــن
هذا الستغلل ظاهرا فيــه كمــا يتصــور الكــاتب ومــع ذلــك
حرم ،ولو كان أحد الطرفيــن مســتغل ومظلومــا مــا كــان
آثما وما استحق العذاب الشديد شأنه شأن الطرف الثاني
بنــص الحــديث الشــريف » لعــن اللــه آكــل الربــا ومــوكله
وكاتبه وشــاهديه ،وقــال هــم فــي الثــم ســواء « ) (1إذن
العملية كلها ملوثة وذميمة وكل من يشارك فيهــا ولــو لــم
يكن أحد ركني العقد فهو آثم .
السبب الثالث :أن الربا تنمية من جانب واحد ،بمعنى أن
العائد فيها لطرف والغرم أو التكلفة على الطرف المقابل
،فهو غنم من جانب وغرم
__________
) (1سنن النسائي الزينة ),(5102مسند أحمد بن حنبــل )
.(1/402
من جانب آخر .ولنفرض أن هذا صحيح في بعــض الصــور
إل أن ذلك ل يخدم الكاتب فيما استهدفه .
ْ
ن ي َأك ُُلو َ
ن السبب الرابع :قدم تفسيرا لقوله تعالى } :ال ّ ِ
ذي َ
الّرَبا { ) ، (1والكاتب ليس من رجــال التفســير مــن جهــة
حيث للتفسير رجاله المستكملون لشــروطه ،ومــا قــدمه
841
من تفسير هو مجرد رأي محتمل .ومــا رأيـه فيمــن ذهـب
من المفسرين إلــى أن الكــل فــي اليــة معنــاه التعامــل ،
ويكون المعني الذين يتعاملون بالربا وهو فــوق هــذا وذاك
ل يعتبر سببا من أســباب التحريــم ،فهــل يعقــل أن يكــون
سبب تحريم الربا أن آكله يتخبط كما يتخبط المجنون !!!
السبب الخــامس :هــو أن الربــا زيــادة طــارئة فــي الــدين
تفرض على المدين المحتاج للصــدقة وتشــترط عليــه بعــد
حلول أجل الدين وعجــز المــدين عــن الوفــاء ،وتلــك هــي
زيادة بعقد جديد مستقل عن العقد الول ،ول يقابلها فــي
هذا العقد الجديد غيـر تأجيـل السـتيفاء مـن المـدين أي "
النساء " وهو ربا النسيئة القطعي من غير أي نفــع مــادي
للمدين وهو أكل أمــوال النــاس بالباطــل ،ولــذا كــان هــذا
ظلما صريحا . .إلخ .جوهر هذا السبب يدور حــول فكــرة
أن ربا الجاهلية المحرم قطعيا كان عبارة عن زيادة طارئة
مشــترطة علــى المــدين نظيــر تأجيــل اســتيفاء الــدين ،
وبالطبع فإن المعاملــة المصــرفية الحاليــة ليســت هكــذا ،
فهي زيادة في صلب العقد الول ،ومن ثم فإنها ل تــدخل
فــي الحرمــة لهــذا الختلف .هــذه هــي أهــم فكــرة يــدور
حولها بحث الكاتب كله ،وهي عند التحقيق أوهن من بيت
العنكبوت .أما دعواه بأن ربا الجاهلية كان فحسب زيــادة
طارئة ،فهذا خطأ باعتراف
__________
) (1سورة البقرة الية 275
المفســرين والمــؤرخين وغيرهــم مــن علمــاء الســلم ،
والكاتب بنفسه قد ســجل ذلـك ممــا نقلـه عــن ابــن حجــر
وعن الرازي ،فالصورة الثانية وهي الزيادة الصلية كــانت
قائمة وسائدة حتى أن الجصــاص فــي " أحكــام القــرآن "
ذهب إلى أنه لم يكن موجودا سواها .
هذه هي السباب الخمســة الــتي ذهــب الكــاتب إلــى أنهــا
كانت وراء تحريم الربا في القــرآن ،وقــد رأينــا أنهــا كلهــا
تنهار واحدا تلو الخر ،ثم إنه ما كان أحــرى بالكــاتب وهــو
يتصــدى لهــذا الموضــوع أن يرجــع إلــى مراجــع التفســير
842
والفقه وأصول الفقه والحــديث ؛ ليتأكــد علــى القــل مــن
معنى السبب وعلقته بالحكم الشرعي .
خلصة القول هنا أن الكاتب قد انطلق من منطلق خاطئ
هو اعتباره الربا هو فقط الزيادة الطارئة بعد حلــول أجــل
الــدين ،وأن المــدين هــو دائمــا محتــاج للصــدقة مظلــوم
مستغل ،وكل ذلك غير صحيح وبفرض صحة بعضه فل أثر
لــه فــي الحكــم ،وهــب أن المــدين غنــي جــدا هــل يجــوز
إقراضه بفائدة ؟
انتقل الكاتب بعد ذلك إلى بيــان مفهــوم الربـا فـي الســنة
الشريفة ،وجاء كلمه عنها وفيها قاصرا إلى غاية الغايــة .
ول أدري تفسيرا لذلك على وجه التحديد ،وهــل هــو عــدم
الدراية الكافيـة بالسـنة ؟ أم هـو موقـف متعمـد حيـث إن
المزيد من الدراسة والبدل يجلــب علــى الكــاتب مــال يــود
الوصول إليه ؟ يبدأ الكاتب بقــوله لــم يــرد تعييــن المــوال
الربوية في القرآن الكريم ،وإنما ورد تعيينها في الســنة .
ومبدئيا فإذا كان قــد ورد تعيينهــا فــي الحــديث فمــا الــذي
يبقى للكاتب أو لغيره ؟ هل نحذف بعــض هــذه المــوال ؟
وهل ما لدينا من أموال مغاير لتلــك المــوال المعينــة فــي
الحديث ؟
يضاف إلى ذلك أن كلمه غير مسلم به على علتــه ،فــإن
الحديث الشريف الذي حدد أموال معينة قــد حــددها علــى
ورود ربا البيع فيها كمــا صــرحت بعــض روايــات الحــديث ،
ولذا فقد اشتهر علــى ألســنة الفقهــاء أن هنــاك ربــا بيــوع
وهناك ربا ديون ،وإذا كان ربا البيوع بنوعيه إنما يــرد فــي
أموال معينة ،فإن ربا الديون ومنه ربا القــروض يــرد فــي
كــل مــال ســواء كــان مــن تلــك المــوال الــتي وردت فــي
الحــديث أو مــن غيرهــا .وفــي ذلــك يقــول ابــن رشــد " :
واتفق العلماء على أن الربا يوجد في شــيئين ؛ فــي الــبيع
وفيما تقرر في الذمة من بيع أو سلف أو غير ذلك " ) ، (1
وقال ابن حزم " :والربا ل يجــوز -أي ل يقــع -فــي الــبيع
والسلم إل في ستة أشياء فقط . . .وهو في القرض فــي
كل شيء " ) . (2وقـال الجصـاص " :والربـا الـذي كـانت
العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى
843
أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضــون بــه
" ) (3وقال الرازي " :أما ربا النسيئة فهو المر الذي كان
مشهورا متعارفا في الجاهلية ،وذلك أنهــم كــانوا يــدفعون
المال على أن يأخذوا كل شهر قدرا معينــا ،ويكــون رأس
المال باقيا ثم إذا حل الدين طالبوا المديون بــرأس المــال
فإن تعذر عليــه الداء زادوا فــي الحــق وفــي الجــل " )(4
وقــال القرطــبي " :وأجمــع المســلمون نقل عــن نــبيهم -
صـلى اللـه عليـه وسـلم -علـى أن اشـتراط الزيـادة فـي
السلف ربا ولو كان قبضة من علف كما قال ابــن مســعود
أو حبة واحدة " ). (5
__________
) (1بداية المجتهد 140 \ 2دار الفكر .
) (2المحلى 503 \ 9مكتبة الجمهورية .
) (3أحكام القرآن 464 \ 1دار الكتاب العربي .
) (4التفسير الكبير 85 \ 7دار الكتب العلمية .
) (5الجامع لحكام القرآن 241 \ 3دار الكتاب العربي .
أعتقد أنه من الواضح البين أن هناك ربــا ديــون أو قــروض
وهنــاك ربــا بيــوع ،وأن الول ل يختــص بمــال دون مــال ،
ونحب أن نذكر أخانا الكاتب هنــا بتســاؤله الــذي صــدر بــه
بحثه بتعجب وإنكار لم حرمت الفــائدة علــى القــرض فــي
نظر الفقهاء ؟ كمــا أحــب أن أذكــره بنــص عبــارة الــرازي
وعبارة الجصاص حتى يراجــع نفســه فــي ادعــائه بــأن ربــا
الجاهلية كان فقط زيادة طارئة ولم يكن هناك تراض بيــن
الطرفين ،وكل ذلك مغاير للمعاملة المصرفية فهي زيادة
أصلية ونتجت عن تراض بين الطرفين .
هذا هو كل مــا ذكــره عــن الربــا فــي الســنة الشــريفة ثــم
سرعان ما ركز على وجود تيارين متعارضين في أمر الربا
حتى فــي الصــدر الســلمي الول ،مبينــا أنــه كــان هنــاك
المتشددون فيه وهناك المتلطفون معــه ،ثــم ينقــل كلمــة
منسوبة إلى سيدنا عمر -رضي الله عنه -دون أن يجــري
حولها أية دراسة من حيــث التوثيــق والمضــمون ،ومــا إذا
كانت قد وردت فعل عن ســيدنا عمــر وأقــوال الثقــاة مــن
العلماء فيها ،بل إنه لم يشر مجــرد إشــارة إلــى مصــادره
844
في ذلــك ) ، (1وقــد ســبق أن علقنــا علــى تلــك المســألة
وغيرها في صدر الورقة .ثــم يقــول الكــاتب " :إن هنــاك
تيارا يتلطف في الربا ويحصره في ربا الجاهلية الذي نــزل
فيــه القــرآن ،لكــن مــا لبــث هــذا التيــار أن جرفــه التيــار
المعــارض " ونحــب أن نقــول للخ الكــاتب إن المســألة ل
تــدخل فــي بــاب العواطــف والمشــاعر حــتى يكــون فيهــا
تلطف وقسوة وتشدد بل هي
__________
) (1يقال إن سيدنا عمر قال :إن آخر ما نزل من القــرآن
آيات الربا '' في البقرة '' وأن الرسول -صلى اللــه عليــه
وسلم -قبض ولم يفسرها لنا فدعوا الربا والريبة .ولكلم
العلماء في هذه المقولة وتضــعيفهم لهــا انظــر ســنن ابــن
ماجه جـ 2ص . 2276وتهذيب التهذيب لبن حجر مــادة )
سعيد ( ،والمصنف لعبد الرزاق جـ 10ص ، 301والسنن
الكــبرى للــبيهقي جـ ـ 6ص . 225وفــي فهــم عمــر للربــا
بكافة جوانبه خاصة ربا الفضل وتشــدده فيــه انظــر شــرح
السنة للبغوي جـ 8ص ، 61والمنتقى شرح الموطأ جـ ـ 2
ص . 636
أحكام شرعية وأمانة اللتزام الكامل بها ،كما أنها ليســت
معركة ول حربا حتى يجــرف تيــار تيــارا ،إنمــا هــو القنــاع
والقتناع .
ثم انتقل الكاتب بعد ذلك سريعا إلــى القــول بوجــود ثلثــة
اتجاهات متدرجة في التضييق من منطقة الربا هــي - 1 :
أقلها تضييقا لنطاق الربا هو ما ذهب إليه ابــن رشــد وابــن
القيم مــن التفرقــة بيــن الربــا الجلــي ربــا النســيئة والربــا
الخفي ربا الفضل .وقبل أن نناقش الكــاتب فــي مقــولته
هذه نناقشه أول في نسبة هذه المقولــة إلــى ابــن رشــد ،
وحتى يكون النقاش أكثر فعالية نضع نص عبارة ابن رشــد
والتي نقلها الكاتب في ورقته .يقول ابن رشد " :واتفــق
العلماء على أن الربا يوجد في شــيئين :فــي الــبيع وفيمــا
تقرر في الذمة من بيع أو سلف أو غير ذلــك ،فأمــا الــذي
تقرر في الذمة فهو صنفان ،صنف متفــق عليــه وهــو ربــا
الجاهلية ،والثاني ضع وتعجل وهو مختلف فيه " ). (1
845
وسؤالنا للخ الكاتب هو :في أي فقــرة مــن تلــك العبــارة
فرق فيها ابن رشد بين ربا الفضل وربا النسيئة ؟ وأين هو
الجلــي والخفــي فــي كلم ابــن رشــد ؟ ربمــا يكــون الخ
الكــاتب قــد ظــن أن قولــة ابــن رشــد " والثــاني هــو ضــع
وتعجل " يقصد بها ربا الفضل ،وهذا بالطبع ل يحتــاج إلــى
مناقشة هنا وبيان ،بل يحتاج من الكاتب الرجوع إلى كتب
الفقه للتعرف على مضمون تلك الجملــة " ضــع وتعجــل "
وموقف العلماء منها ،ولعل القـارئ يلحـظ أن ابـن رشـد
ينقل اتفاق العلماء على ربا البيوع دون تفصيل ،أما الــذي
فصل فيه فهو ربا الديون .
__________
) (1ابن رشد '' بداية المجتهد '' جـ 2ص . 140
ثم أخذ الكاتب بعــد ذلــك يتحــدث عــن ابــن القيــم ورأيــه ،
ومبدئيا فإن ابن القيم واحد مــن آلف العلمــاء يؤخــذ منــه
ويــرد ،ول يعتــبر رأيــه حجــة إل باســتناده إلــى القواعــد
والمبادئ السلمية ،وكيف يؤخذ كلمه هنا على علته في
ضوء الحديث الشريف الذي قاله لمن اشــترى تمــرا بتمــر
حال متفاضــل » :أوه عيــن الربــا « ) (1ومــن الواضــح أن
الحلول هنا بين جلي وليس فيه شبهة ول ذريعة للتأجيــل ،
ومع ذلك بين المصطفى صلى الله عليه وسلم » أنه عيــن
الربا « ) ، (2هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن ابن القيــم
رحمه الله قد حــاول أن يجــد تفســيرا لحرمـة ربـا الفضــل
بالمقارنة بربا النسيئة ،فقال إنه حرم لنه قد يفضي إلــى
ربا النسيئة ) ، (3وهب أن هذا تفسير مقبول ،هــل يــؤدي
ذلك إلى اختلف في الحرمة ؟ ل ،وهذا ما نص عليـه ابـن
القيم ،يضاف إلى ذلك وربما تكون أهم نقطــة مــن حيــث
موضوعنا وهي :ما علقة هذا بموضوع الورقة التي قدمها
الكاتب ؟ وهب أن في ربا الفضل من حيــث نطــاقه كلمــا
وكلما -مع أن الجميع متفق على أن هناك ربا فضل وأنــه
محرم في الصناف الستة بنص الحــديث ،ول اجتهــاد فــي
ذلك ،لكن ما علقة هذا بالمعاملة المصــرفية الحاليــة !!!
فهل هي مــن بــاب ربــا الفضــل أم مــن بــاب ربــا الــدين ؟
العجيب أن الكاتب في بعض عبارته يشير إلى أنها من ربا
846
الفضــل بينمــا الزيــادة الطــارئة هــو فقــط مــن ربــا الــدين
اســتنادا إلــى كلم عــزاه للشــيخ رشــيد رضــا ،لكــن ذلــك
مرفوض منه ومن المرحوم الشيخ رشيد إن كان قــد قــال
ذلك .فأين البيع هنا حتى يكون ربا فضل ،وما هو الفــرق
بين حقيقة وطبيعة
__________
) (1صحيح البخاري الوكالة ),(2188,2188صحيح مســلم
المســــاقاة ),(1594,1594ســــنن النســــائي الــــبيوع )
,(4557مسند أحمد بن حنبل ).(3/62
) (2صـــحيح البخـــاري الوكالـــة ),(2188صـــحيح مســـلم
المساقاة ).(1594
) (3للرجوع إلى نص كلم ابن القيم انظر إعلم الموقعين
جـ 2ص 154وما بعدها .
الزيادتين ؛ الصلية والطارئة ؟ ل فــرق ول خلف اللهــم إل
في زعم الكاتب فقط ،فقد زعم أن الزيادة الطارئة هــي
فــي نظيــر التأجيــل ليــس إل فهــي نســيئة ،أمــا الزيــادة
الصــلية فليســت كــذلك والســؤال هــو إذا لــم تكــن نظيــر
التأجيل أو على القل لم يكن التأجيــل عنصــرا بــارزا فيهــا
ففي نظير أي شيء تكون ؟ وهل نســي الكــاتب أنــه فــي
الكثير الغالب من عباراته يسـلم بأننــا فــي مجــال القــرض
بفائدة ؟ وبعد ذلك يخلص الكاتب ما ترتبه التفرقة بين ربا
النسيئة وربا الفضل من نتــائج أهمهــا أن الحرمــة فــي ربــا
النسيئة أشد من الحرمة في ربا الفضل ،ومن ثم ل يجوز
ربا النسيئة إل عند الضرورة بينمــا يجــوز ربــا الفضــل عنــد
الحاجة ،وذلك عندما ل يمكن اتخاذه ذريعــة لربــا النســيئة
فينتفي سبب التحريم .سبحان الله ،من الذي له ســلطة
المفاضلة بين المحرمات وعمل سلم لها ؟
ومــن الــذي لــه ســلطة إباحــة المحــرم وتحديــد الضــرورة
وتحديــد الحاجــة ؟ وبفــرض التســليم بــذلك فــإن الكــاتب
يناقض نفسه ويناقض كلم ابن القيم الــذي اعتمــد عليــه ،
فهو يقول عند الحاجة يباح ربا الفضل عند مــا ل يمكــن أن
يتخذ ذريعة لربا النسيئة ،فإذا ما جئنــا لنطبــق ذلــك علــى
المعاملة المصرفية " اليداع " وبفرض أنهــا مــن بــاب ربــا
847
الفضل ،ألم تؤد هذه المعاملة إلى ربا النســيئة ؟ وأليــس
هناك تأجيل صريح واضح ؟ يــا أخــي الكريــم مــا قــاله ابــن
القيم هو أن 5مقابل 6حال حــرم حــتى ل يكــون الحلــول
فيه ظاهريا فقط ،والحقيقة هو التأجيل أي تأجيل الستة ،
وما يحدث في المعاملة المصرفية أن المودع ل يأخذ مثــل
ماله مع إضافة الفائدة حال بل مؤجل ،وهذا أمــر بــدهي :
أليس هذا هو النسيئة بعينه ؟ وهو الذي خشي ابــن القيــم
من الوصول إليه خفية فإذا بنا نصل إليه
مباشرة وعلنية وهذا عن التجاه الول كما عرضه الكاتب
،فهل فيه ما يؤيد وجهة نظره من قريب أو بعيد ؟
- 2التجاه الثاني :هـو الــذي يميــز بيــن ربــا القـرآن وربـا
السنة .وقد وصف ربا القــرآن بالربــا الجلــي وربــا الســنة
بالربا الخفي ،وقد بين أن هذا التجــاه يقســم الربــا ثلثــة
أنـواع هـي :أ -ربـا الجاهليـة :وهـو الربـا الـذي نـزل فيـه
القرآن الكريم ،وحقيقته كما ذكر الكاتب أن يقول الــدائن
للمدين عند حلول الجل إما أن تقضي وإما أن تربي .
ب -ربا النسيئة الوارد في الحديث الشريف .وقد قال فيه
الكاتب إنه أوسع كثيرا فــي مــداه مــن ربــا الجاهليــة ،بــل
ويختلف عنه اختلفا بينا في كثير من الصور .
جـ -ربـا الفضـل الـوارد فـي الحـديث وهـو بيـع المكيـل أو
الموزون بجنسه متفاضل أو بيع الطعــام أو الثمــن بجنســه
متفاضل .
هذا كل ما قاله الخ الكريم عن التجاه الثــاني .والحقيقــة
أن الكاتب هنا قد وضع نفسه في موضــع ل يحســد عليــه .
فهل ما ذكره هنا يعتبر اتجاها ذهب إليه بعض العلماء ؟ أم
أنه تفصيل من العلمــاء كلهــم لصــور وأنــواع الربــا ؟ وهــل
هناك فقيه واحد ل يقول بتلك النــواع للربــا ؟ إنهــا عمليــة
تفصيل وتميــز بيــن النــواع المختلفــة للربــا ،وليــس لهــذا
التفصيل أي مدخل من قريب أو بعيد في الحــل والحرمــة
فكلها محرمة .فكيف يقال عن ذلك إن هذا هو اتجاه مــن
التجاهات التي تضيق من نطاق الربا ،فأين هــو التضــييق
والتوسيع فيما ذكره من هذا التجاه ؟ وبالطبع فإن كلمــه
848
عن النــوع الول هــو غيــر صــحيح ،وســبق أن فنــدناه أمــا
النوع الثاني فتارة
يقول عنه هو أوسع كثيرا من ربــا الجاهليــة ،وتــارة يقــول
إنه يختلف عنه اختلفا بينــا .ول يخفــى مــا فــي ذلــك مــن
التضارب فالتباين غير العموم والشمول .ثم إن قوله عن
الثاني هو أوسع بكثير عن الول غير مسلم به ،فهــذا فــي
بيع وهذا في دين أو قرض ،وهذا أصــل بــذاته وذاك أصــل
بذاته .ومع ذلك فالكل حرم بنصوص إسلمية ل فرق بيــن
هذا وذاك .
ونحب أن نعلق بكلمة أخيرة بمناسبة تركيــز الكـاتب علـى
وصف بعض النواع بالجلي وبعضها بالخفي ،والــذي نحــب
أن يكون واضحا وجليا فــي ذهــن القــارئ أن مقصــود مــن
قال بذلك من العلماء ل يحمــل علــى الطلق تفرقــة فــي
الحرمة أو في درجتها ،فالربــا الخفــي ل يقــل حرمــة عــن
الربا الجلي ،وليس كــل خفــي أقــل ضــررا وخطــورة مــن
الجلي .
- 3التجاه الثالث :يقول عنه الكاتب هو الذي ل يحرم إل
ربا الجاهلية الوارد في القرآن الكريم وحــده ،ويقــول إنــه
على رأس هذا التجاه ابن عباس ويستدل بحديث » ل ربــا
إل في النسيئة « ) (1فأصحاب هذا التجاه ل يحرمون ربــا
الفضل بل فقط ربا النسيئة .ونقاشنا للكاتب يــدور حــول
تلك النقاط .فمــن جهــة ،هــذا -إن صــدق -فهــم لبعــض
العلماء يعارضه فهم الغالبية .مع ملحظة أن الكـاتب فـي
صدر حديثه يقـول عــن هـذا التيـار إن التيـار المتشـدد قــد
جرفه ،بمعنى أنه لم يبق هنــاك إل تيــار واحــد ،ثــم يعــود
فيقول إن ابن عباس ظل على موقفه هــذا حــتى الوفــاة .
وهنا مفارقة ،والعجيب أن الكاتب يرجع في قوله هذا عن
ابــن عبــاس إلــى غيــر مرجــع فهــو يرجــع إلــى مجلــة "
المسلمون " وهل تلك المجلة -مع
__________
) (1صحيح مسلم المساقاة ),(1596سنن النسائي البيوع
),(4580سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2257مســند أحمــد
بن حنبل ),(5/209سنن الدارمي البيوع ).(2580
849
احترامنا لها -تعد مصدرا لمثل تلك المعلومــة الخطيــرة ؟
كنا نتوقع من الكــاتب أن يتحقـق لنــا مـن ذلـك وينقـل لنــا
بأمانة ودقة ما قاله العلماء الثقــاة فــي الحــديث المــذكور
وفي موقف ابن عباس ،لكــن الكــاتب لـم يفعــل ذلــك ول
شيئا منه ،وفي الغالب خشية أن يوصله ذلك إلى غير مــا
يريد الوصول إليه .هذا من جهة ،ومــن جهــة ثانيــة فهــب
جدل أن ما قاله هنا صحيح فمــا وجــه تــدعيم ذلــك لوجهــة
نظر الكاتب ؟ ليس له وجه ولو خافتــا ،فهــذا فــي مجــال
آخر ونحن في مجال آخر هناك التفاضل يدا بيد ،وهــو مــا
عبر عنه السبكي بـ " النقد " وهنا التأخير والتأجيل ،فــأين
هذا من ذاك ؟ ومن جهــة أخــرى فــإن ممــا يــدلنا علــى أن
نسبة هذا الكلم لبن عباس وبقاءه عليه فيهــا الكــثير مــن
النظر ،إنه من غير المتصور أن يـبيع شـخص ذهبــا بــذهب
من نفس النوع والجودة حال متفاضل ،هذا غيــر متصــور ،
والمتصور إحدى اثنتين ،إما أن أحدهما ردئ أو أن أحدهما
مؤجل حتى يكون للتفاضــل وجــه يتصــور مــن خللــه ،أمــا
التأجيل فل خلف بيـن ابـن عبـاس أو غيـره فـي حرمتـه ،
وأما الرداءة والجودة فهـي الصـورة الوحيـدة الـتي يمكـن
تصورها فيما لو ثبت ذلك عن ابــن عبــاس .وعنــدئذ فهــي
خارجة عن مجالنا لنها حالة من جهــة ومغــايرة صــفة مــن
جهة أخرى ). (1
__________
) (1إن كل من تكلم من ثقات العلماء فــي هــذه المســألة
أكد على رجوع ابن عباس عن قوله .انظر في ذلك :نيل
الوطار جـ 5ص ، 216ـ ، 217شرح مسلم للنــووي جـ ـ
11ص ، 25 ، 24شرح السنة للبغوي ،المطالب العالية
لبـــن حجـــر .وقـــد قـــال القرطـــبي وابـــن عبـــد الـــبر ،
والسرخسي :إنه ل قول لحد مع رسول اللــه صــلى اللــه
عليه وسلم .والمر سيان \ ج 1ص . 393في رجوع ابن
عباس أو عدم رجوعه فإذا ثبتت السنة فل قول معها لحد
.انظر الجامع لحكام القــرآن جــ 3ص ، 348المبســوط
جـ 2ص 111وتكملة المجموع للسبكي جـ 10ص . 34
850
ثم خلص الكاتب من ذكر تلــك التجاهــات إلــى مــا أســماه
حقيقــة ل تحتــاج إلــى دليــل وهــي :مــا ملخصــه أن الربــا
المحرم هو الذي نزل فيه القرآن الكريم وهو ربا الجاهليــة
وخاصيته -كما يقول -هو الزيادة عند حلول الجــل نظيــر
تمديد الجل ،وهو الربا الــذي ذكــره رســول اللــه -صــلى
الله عليه وســلم -فــي حجــة الــوداع قــال » :أل وإن ربــا
الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا عمي العباس بن عبــد
المطلب « ) ، (1أما ربا الفضــل فهــو محــرم أيضــا ،لكــن
تحريــم وســائل ومــا حــرم ســدا للذريعــة يبــاح للمصــلحة
الراجحة .ثم أضاف إلى ذلك معلومة أخرى وهي أن الربا
المحرم قطعيا هو الذي يتخذ صورة التضــعيف .ثــم ينقــل
َ
مُنــوا
نآ َ سببا من أسباب نزول الية الكريمة } َيا أي َّها اّلــ ِ
ذي َ
َ ْ
ة { ) (2مشــيرا إلــى أن ضــاعََف ً
م َ َل َتــأك ُُلوا الّرَبــا أ ْ
ضــَعاًفا ُ
الجاهليــة كــانوا يضــاعفون الــدين بمضــاعفة الجــل .هــذا
ملخص للحقيقــة الــتي ل تحتــاج إلــى دليــل .والغريــب أن
الكاتب ينقل بعض الفقرات ويترك بعضها ،وكنــا نــود منــه
طالمــا أنــه تعــرض لهــذه المســألة أن يعــرض لنــا أقــوال
العلماء والمفسـرين فـي معنـى هـذه اليـة ومـا وراء هـذا
القيد أضعافا مضاعفة ومدى تدخله فــي الحــل والحرمــة ،
وهل لو كان الربا غير مضاعف كان حلل .وهل التضــعيف
يرجع للدين أم يرجع للربا كما هو واضح مــن اليــة .وهــل
يخفى علــى القــارئ نوعيــة الفــائدة المصــرفية وهــل هــي
بسيطة أم مركبة ؟ وهل يخفى عليه ما هنالــك مــن ديــون
تضاعفت أضعاف أضعاف بفعل الفائدة المصرفية ؟
إن هذا الوصف ما ذكر لتقييد الحرمة بــه بــل هــو لشــناعة
وبشاعة ما يؤول إليه التعامل الربوي من نتائج ،ل لن مــا
عدا تلك الصورة .
__________
) (1صحيح البخاري الحــج ),(1693صــحيح مســلم الحــج )
,(1218سنن الترمذي الحج ),(856سنن النسائي مناسك
الحج ),(2763سنن أبو داود المناسك ),(1905ســنن ابــن
مـــاجه المناســـك ),(3074مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )
851
,(3/321موطأ مالك الحج ),(836سنن الدارمي المناسك
).(1850
) (2سورة آل عمران الية 130
-بفرض حدوثها -غير محرم أو أقــل حرمــة ،إن القطــرة
من الخمر ل تقل في حرمتها عن الدن منها .والمثلة في
ذلك كثيرة ل تحتاج إلى بيان .
ول أدري ماذا وراء قول الكــاتب فــي حقيقتــه هــذه " وهــو
الربا الذي ذكره الرسول -صـلى اللـه عليـه وسـلم -فـي
حجة الوداع " ،وهل يفهم من ذلك أن هذا هو الحرام ومــا
عداه من صور الربا فهي غير ذلك ؟ وهل يعنــي وضــع ربــا
الجاهلية أن ربا غير الجاهلية غير موضوع !!!
مع أنني لست من المختصين في الحديث ول فــي أصــول
الفقه إل أنه في حدود فهمــي للحــديث الشــريف -وأرجــو
أن يصحح لي هذا الفهم أهل الختصــاص -أن آيــات الربــا
نزلــت متــأخرة وإلــى نزولهــا كــان هنــاك آثــار باقيــة مــن
عمليات ربوية تمت في الجاهلية ،فعندما نزلت آيات الربا
ثم جاءت حجــة الــوداع فــي هــذا الحشــد الهــائل مــن كــل
صوب وحدب بين الرسول الكريـم أن كـل الثـار المترتبـة
والمتبقية مــن ربــا الجاهليــة موضــوعة بمعنــى أنــه ل حــق
لدائن قبل مدين إل برأس المال فقط ،ومن باب القــدوة
والسوة بدأ بالديون التي لعمه العباس علــى الغيــر .مــاذا
في ذلك ؟ وما علقته بحرمة بقية أنواع الربــا الــتي بينتهــا
السنة ،وبالطبع فإنها تلشت في المجتمع الســلمي ولــم
يعد لها بقاء أو أثر حتى يوضع ،بل عولجت معالجة كاملــة
قاطعة في حينها .أما ربا الجاهليــة فربمــا كــان يظــن أنــه
طالما تم ذلــك فــي الجاهليــة ،فيكــون مــن حــق الــدائنين
الحصـول عليهـا كاملـة فـبين الرسـول -صـلى اللـه عليـه
وسلم -أن ربا الجاهلية موضوع .
وفي فقرته الثالثة تناول الكاتب مــا أســماه بموقــف أهــل
العلم وكبار رجــال الفتــوى فــي الســلم مــن المصــارف .
ومن استعراضه غير المـدون فـي ورقتـه لمجمـل كلمهـم
تبين له :
- 1أن الربا محرم تحريما قطعيا ل شك فيه .
852
- 2أن الربا المجمع على تحريمه بل شك هو ربــا النســيئة
الذي كان في الجاهليــة ،أم ربــا الفضــل فقــد حــرم ســدا
للذريعة ،وما كان كذلك فيجوز للمصلحة .
- 3أن الحكمة فـي تحريـم الربـا هـي إزالـة الظلـم بنــص
القرآن الكريم وعدم استغلل الغني حاجــة الفقيــر ،وبعــد
أن يستعرض بعض كلم للشيخ رشيد رضا يضيف قائل " :
إن المصــارف هــي مؤسســات تجاريــة حديثــة لــم تكــن
معروفة في عهد نزول أحكام الربا في الشريعة السلمية
،ولذلك تخضع المصــارف لحكــام الشــريعة علــى طريــق
القياس ،فإذا كان الشبه كــامل مــن غيــر أي فــرق بينهمــا
وبيــن مــا قــد حرمتــه الشــريعة مــن الربــا القطعــي فهــي
محرمة أيضا قطعــا أمــا إذا اختلفــت المصــارف عــن الربــا
القطعي ولو فــي بعــض الوجــوه فليســت محرمــة تحريمــا
قطعيا .وإنما يجب النظر فيها على أساس مصالح النــاس
في معاشهم فإن كان معاشهم ل يتــم إل بهــا فهــي جــائزة
من غير ريب . .إلخ " .
ول ندري ما هو سر تركيز الكاتب وترديــده لعبــارة محــرم
تحريما قطعيا ل شك فيه .وهل هناك محرم غير قطعي ؟
وهل هناك شك في أي تحريم ثبــت كــونه حرامــا ؟ ونحــن
نتفق معه فــي أن مــن جــوانب حكمــة تحريــم الربــا إزالــة
الظلم ،لكن ما هــو هــذا الظلــم ؟ وهــل هــو ظلــم طــرف
أطرف في العملية ؟ ومــا هــو الطــرف الظــالم والطــرف
المظلوم ؟ أم أن كل منهما ظالم ومظلوم ؟ أم أنهما معــا
ظالمــان لغيرهمــا مــن شــتى أفــراد المجتمــع الحاضــرين
والمستقبلين ؟ وماذا عن ترديده وإصراره على قوله أهــل
العلم وكبار رجال الفتوى ؟ وهل من تحدث عنهم هم كبار
رجال الفتوى ؟ أم أنهم نفر مــن رجــال الفتــوى ؟ يعــارض
رأيهم جمهور إن لم يكن سائر من عداهم .
وفي فقرته الرابعة يتناول الكاتب طبيعة أعمال المصارف
.ويقول :إنه بعد دراسة مفهوم الربا في القــرآن والســنة
وموقف أهل العلم مــن المصــارف نــدرس طبيعــة أعمــال
المصارف لنرى هل تقع ضمن العمــال الربويــة الــتي ورد
تحريمها فــي القــرآن تحريمــا قطعيــا ل شــك فيــه أم أنهــا
853
تختلف عنهــا تمــام الختلف ،وبالتــالي ينظــر إليهــا ضــمن
حدود القواعد العامة للشريعة ،وبالتالي عدم الحجر على
العباد فيما ل بد منه ويخلص إلى هذه النتيجــة :إن طبيعــة
أعمال المصارف تختلــف عــن الربــا المحــرم فــي القــرآن
علــى النحــو التــالي :أول :لن الــدائن فــي المعــاملت
المصرفية هو دائما مــن المــالكين لــرأس المــال غيــر أنــه
يملك سيولة صغيرة ل يستطيع استثماره ،أما المدين فهو
دائما من كبار المالكين لرأس المال غير أنــه ل يملــك أيــة
سيولة لتسيير أعماله الكبرى ،أي أن الــذي يحتــاج للخــر
في تلك المعاملة هم دائمــا الغنيــاء الكبــار الــذين يمــدون
أيديهم لوفر المالكين الصغار دون العكس ،ويترتب علــى
ذلك أن هؤلء المدينين ل تحل لهم الصدقة فيما لــو طلبنــا
إلــى هــؤلء أن يتوبــوا ويتصــدقوا بــرؤوس أمــوالهم علــى
صد ُّقوا َ
خْيــٌر َ
ن تَ َ
المدينين الغنياء ،عمل بقوله تعالى } :وَأ ْ
م { ) ، (1وهذا هو أول ما يميز أعمــال المصــارف عــن ل َك ُ ْ
الربا المحرم في القرآن الكريم ؛ حيث إن المــدين يحتــاج
للصدقة عكس المدين في المعاملت المصرفية .هــذا مــا
قاله الخ الكاتب تعمدت نقله نقل شبه حرفي حتى تكــون
مناقشته حضوريا .
وأعتقد أن ما يريد أن يقوله الكاتب في هــذه الفقــرة مــن
الوضوح بحيث ل يحتاج إلى توضيح ،لكن ترد عليه المــور
التالية دائما ما يركز علــى أنــه فــي تلــك المعاملــة الــدائن
دائما أقل غنى من المدين ،لكن
__________
) (1سورة البقرة الية 280
كون ذلك دائما فهذا غير صحيح خاصة إذا ما علمنا حقيقــة
المصارف وأنها في غالبيتها شركات مساهمة قــد ل تكــون
ملكية الفرد فيها ذات شأن ،بالضافة إلــى أن هنــاك مــن
أصــحاب اليــداعات مــن هــم مــن أصــحاب الملييــن بــل
والبلييــن ( 2 ) .حســنا أن صــرح الكــاتب بــأن العلقــة
المصرفية هي علقة دائنية ومديونية أي أننــا فــي مجــال "
الدين " وحيث إن الــدين إمــا مــن بيــع أو إجــارة أو قــرض
إلخ ،وحيث إن المصرف لم يشتر ولم يسـتأجر شــيئا مـن
854
الدائن فيبقى أن يكون مصدر الــدين هــو القــرض ،وعلــى
أية حال فنحن في مجال الدين ،وقد أجمــع العلمــاء علــى
أن الزيــادة المشــترطة فــي عقــد الــدين هــي مــن الربــا
القطعي التحريم " بتعبير الكاتب " لنها صــورة مــن صــور
ربا الجاهلية ( 3 ) .علينا أن نلحظ أن المــدين إذا أعســر
فقد صار مركزه المالي سيئا جدا ،بحيث لم يعد يســتطيع
سداد ما عليه بغض النظر عما كــان عليــه فــي الماضــي ،
وفي تلك الحالة تجوز عليه الصدقة مـن الـدائن أو غيـره ،
وهب أن مصرفا قد أفلس وهب أن أعماله مشروعة فمــا
المانع في تلك الحالـة مـن التصـدق علـى مـالكيه ( 4 ) .
يضاف إلى ذلك أنه كما هو معروف في العقود ،فإن لكل
عقد أركانه وطالما استوفى العقد تلك الركــان دخــل فــي
نطاق العنوان المتعارف عليه ،فهنــاك دائن وهنــاك مــدين
وهناك دين إذن عقد الدين استكمل مقدماته ،ول أثر بعــد
ذلك فيما لو كان الدائن أغنى أو أقــل غنــى مــن المــدين ،
وهكذا نصل إلى أنه ليس كل مدين محتاجا للصدقة ،وكل
مدين معسر يحتاج إلى ذلك ،مصرفا كان أو غيره .
ثانيا :لن الدائن في المعاملة المصــرفية ل يختــص وحــده
بالمنفعة دون المدين عكس ما حذر منه القــرآن الكريــم ،
كما أنه ل يستغل محتاجا للصدقة ،بل يشترك مع الغنيــاء
في المنفعة بموجب عقد رضائي تجاري ل استغلل فيه .
ومبدئيا نقول إن هذا الكلم كله بفرض التسـليم بصــحته ل
أثر له فــي الحكــم علــى الطلق ،بــل المعــول عليــه هــو
وقوع زيادة مشترطة منصوص عليها في دين .وهذا قــائم
وموجود هنا ثم إن عملية التراضي هي الخــرى ل أثــر لهــا
في حل أو حرمة ،فكم من عقد تم بتراضي طرفيه ولكنه
حــرام ومحظــور وفاســد وباطــل مثــل الكــثير مــن الــبيوع
وغيرها .وكون المنفعة مشتركة هي الخــرى ل أثــر لهــا ،
فكم من عقود نجد منفعتهــا مشــتركة لكنهــا محرمــة مثــل
الزنا والكثير من الــبيوع والجــارات إلــخ ،كمــا أن قــوله ل
استغلل فيه غير مسلم به فالستغلل قائم وموجود حــتى
ولو كان من قبل المدين .إن عملية الظلم مرفوضــة مــن
دائن أو مدين ،من غني لفقير أو مــن فقيــر لغنــي .ولقــد
855
اعترف الخبراء باستغللية المصرف لكــل مــن الطرفيــن ،
المودع " الدائن " والمقترض " المدين " .ووصف الكاتب
العقــد بكــونه تجاريــا قاصــدا بــذلك أننــا فــي عمليــات بيــع
وتجارة وليس في عمليات إقراض اقتراض كما هو الحــال
في الربا في القرآن الكريم .لكن يــرد عليــه بــأنه بنفســه
اعترف أكثر من مرة بأننا هنا أمام دين ودائن ومدين ،بل
لقد صرح أكثر مــن مــرة بــالقرض ،يضــاف إلــى ذلــك أن
كون المصــرف أو حــتى الطرفيــن قــد حــول القــرض إلــى
صورة تجارة ،وهذا هو الواقــع فنحــن نعلــم أن المصــرف
يعرف بأنه تاجر ائتمان أي أن يتاجر في عمليات القــراض
والقـتراض ،وبـالطبع فـإن عمليـة التجـارة هـذه ل تخـرج
المر عن طابعه وطبيعته وهو " القرض " وعلينا أن ندرك
أن ربــا الجاهليــة فــي الكــثير مــن صــوره كــان لغــراض
تجارية .
ثالثا :كرر الكاتب هنا ما قاله في " ثانيــا " ومــن ثــم فلــن
نعيد الــرد عليــه اللهــم إل تركيـزه علـى قصــد التجـار هنــا
وليس القرض لحاجة وأن ذلــك مــن قســم الــبيع .ونقــول
للخ الكريم طالما أنه يصر على ترديد ذلك وكأنه
عنصر جديد ومــؤثر فــي العمليــة .مــن تعنــى بمــن يقصــد
التجار من طرفي العقد إن كان المدين فهــذا ل أثــر لــه .
ومن الذي قال إن القرض كان في الجاهلية أو فــي صــدر
السلم أو فــي أي عصــر أو فــي عصــرنا هــذا إنمــا يكــون
بقصد الستهلك فحسب من قبــل المــدين أو المقــترض ؟
وإن كــان الكــامن لــذلك هــو الــدائن " المقــرض " بــأن
يستخدم إقراضه أو دائنيته لغيــره لدرار العــوائد والفــوائد
متخذا من ذلك نشاطا تجاريا ،فيقول السلم لــه إن ذلــك
منك حرام مهما كــانت نوعيــة المقــترض أو المــدين ،وإذا
أردت توظيف مالك توظيفا اقتصاديا فالباب أمامك مفتوح
على مصراعيه للولوج منه ،أما أن تترك الباب المشــروع
لتوظيــف المــوال ؛ شــركة ،مضــاربة ،إلــخ بقوانينهــا
وضوابطها ثم تلج مــن بــاب القــرض ذي الطبيعـة الخاصـة
والقانون المميز مستخدما لــه اســتخدام مجــال التوظيــف
القتصادي فهذا هو الحرام بعينه .وهذا فإن قصــد التجــار
856
ل يحيل الحرام حلل طالما نستخدم نفس الدوات الــتي ل
يجوز أن تستخدم في التجــار ،وإل فمــا أيســر أن تقتصــر
التجــارة فــي أعمــال كــثيرة محظــورة ،فهــل يحيلهــا هــذا
القصد المجرد إلى حلل مباح ؟ ؟ إننا نرى اليوم عشــرات
العمال المحظورة والمحرمــة أصــبحت محل للتجــارة بــل
وللصــناعة -وكلهمــا نشــاط اقتصــادي مشــروع -مثــل
التجارة في الفوائد الدائنة والمدينة " العمــاق المصــرفية
" ،الزنا وأعمال العهر ،المخدرات ،الملهــي والقمــار . .
إلخ وادعاء الكاتب بعدم وجود ضرر في تلك المعاملة غيــر
صحيح ،فماذا عن المجتمــع ،ومــاذا عــن المديونيــة الــتي
تجثم على صــدر العديــد مــن الــدول الســلمية ومعظمهــا
مصدره الفتراض بفائدة ؟ وماذا عن الثار الضارة للفائدة
علــى النتــاج وهيكلــه ومســتواه ،والتوزيــع والعمالــة ،
والستقرار القتصــادي ممــا هــو مــدون فــي أمهــات كتــب
القتصاد الوضعي ؟ ؟ أليست هذه كلها أضرارا !!!
رابعا :في هــذه الفقــرة أضــاف بعــدا جديــدا هــو الشــعور
بالمــان والطمئنــان فــي المعاملــة المصــرفية لكــل مــن
الدائن والمدين ،لكن ذلك مفتقر في الربا الذي حذر منــه
القــرآن الكريــم ؛ حيــث ل ضــمان لمــوال المرابيــن لــدى
العاجزين عن الوفاء .
سبحان الله !! وهل يتباكى الكاتب علــى أحــوال المرابيــن
وسوء أوضاعهم ،وكــأنه يطــالب لهــم بأمــان أكــبر .وهــل
نســي الضــمانات المــأخوذة هنــا وهنــاك ؟ وهــل أمــان
المصرف على أمــواله ميــزة تميــزه عــن المرابــي القــديم
ومن ثم تجعل عمله حلل ؟ ثـم مـا هـذا الخلـط ؟ الكـاتب
تكاد تقوم ورقته كلها على موضوع " اليداع " وحديثه هنــا
ل يتصــور انصــرافه إل إلــى إقــراض البنــك للعملء ،فــأين
المان الذي تتحدث عنه للبنك ؟ أم أنه يتحدث عن ضــمان
وحماية مال صغار المــالكين " الــدائنين للبنــك " بينمــا لــم
يكن ذلك موجودا في الدائن المرابــي فــي الماضــي ؟ مــا
هذا ؟
خامسا :فــي هــذه الفقــرة يكــرر مــا ســبق قــوله فــي أن
الزيادة في العمال المصرفية إنما تشترط في أصل عقــد
857
الدين لغراض تجارية من مدينين أغنياء من رجال العمال
،وليست طــارئة عنــد حلــول الجــل مــع المــدين المحتــاج
للصدقة ،وذلك ما يجعلهــا فــي الصــل ذات صــفة تجاريــة
في المعاملت المصرفية أي فــي مقابــل منــافع متبادلــة ،
وهذه الزيادة تختلف تمامــا عــن الزيــادة الــتي أشــار إليهــا
القرآن الكريم ،والتي اعتبرها محرمة لنهــا ل تشــترط إل
على رجل محتاج للصدقة .ومبدأ حلول أجل الدين وعجــز
المدين عن الوفاء ،هذه عبارة كررت كثيرا ورددنــا عليهــا
في أكــثر مــن مكــان ،ومضــمونها فــي النهايــة خــاطئ ول
يعتبر تمييزا بين الربا المحرم وبين تلك العمال من قريب
أو بعيد .
سادسا :ذكر الكاتب في هذه الفقرة عبارة غريبــة عجيبــة
ننقلها بنصها
لتكون شاهدا حاضرا أمام عين القارئ .يقول الخ الكاتب
" :الفائدة جزء من ربح المضاربة ،فنحن نعرف أن البنك
يقدم قرضين ،قرض استهلكي وقــرض إنتــاجي .وقــرض
النتاج ما هو إل أخذ مبلغ من المال مــن البنــك للســتثمار
والنماء عن طريق النشاط التجاري أو الصناعي أو كليهمــا
معا ،ويلتقي هذا التصــرف مــع نظيــر لــه فــي المعــاملت
السلمية أقره الرسول -صلى الله عليه وسلم -ويعــرف
باسم المضــاربة أو القــرض ،وقــوامه المــال مــن شــخص
والعمل لستثمار هذا المال من شخص آخر بجزء مســمى
على جهة الشيوع من الربــح ،وبنــاء عليــه فالفــائدة الــتي
تؤخذ على القرض النتاجي يمكن احتسابها جزءا من ربــح
المضاربة المشروعة " ثم أخذ في تعريف المضاربة وبيان
حكمها ورأي بعض العلماء المناصرين فيها .
نلحظ أن حــديث الكــاتب ينصــرف أساســا بــل كليــة إلــى
مديونية البنك وليـس إلــى دائنيـه ،لكنــه هنــا يتحـدث عــن
دائنية البنك وهذا خلط واضح ،ويدعى أن الفائدة جزء من
ربح المضاربة .أية مضاربة ؟ وأية فائدة ؟ ل نجــد إجابــة .
ثم يقول الخ الكاتب بجرأة غريبة إن ما يقدمه البنــك مــن
قروض إنتاجية نظير ما هو معــروف بالمضــاربة ،ويخلــص
مــن ذلــك إلــى إمكانيــة احتســاب الفــائدة علــى القــرض
858
النتاجي جــزءا مــن ربــح المضــاربة المشــروعة .إذن مــن
المؤكد أنه الن بصدد الحديث عن الفائدة الدائنة التي هي
للبنك على ما يقدمه من قروض .
يضاف إلى ذلك أن الكاتب يصرح بإباحتها على أساس أنها
نظير شيء جائز ومعروف في السلم .ومن يمعن النظر
في كلم الكاتب يجــده ينــاقض بعضــه بعضــا ،فطــوال مــا
مضى من حديث له كان يبنيــه علــى أســاس أن المعاملــة
المصرفية مغــايرة للربــا ؛ حيــث المــدين فيهــا وهــو البنــك
أغنى بكثير من الدائنين عكس ما هو كائن في الربا .لكن
ما نراه الن يقلب الكلم
رأسا على عقب فها هو المصرف أصبح دائنا والمقترضون
أقل غنى منه بكثير طبقا لكلم الكاتب ،أي أنــه فــي تلــك
الحالــة ينطبــق عليــه تمامــا مــا يتصــوره الكــاتب فــي ربــا
الجاهلية فكيــف جــوز تلــك المعاملــة ؟ ونلحــظ أيضــا أنــه
يعترف صراحة هنا بكونها عملية قرض ،والمتفق عليه أن
أي زيادة مشترطة في القــرض ربــا .ثــم إنــه يمتلــك مــن
الجرأة ما تجعلــه يقــول إن القــرض نظيــر المضــاربة ومــا
دامت جائزة فيجوز نظيرهــا .مــن الــذي قــال إن القــرض
نظير المضاربة ؟ وفي تناوله للمضاربة بحيــث يؤكــد علــى
هـــذا التشـــابه والتنـــاظر ،كمـــا يقـــول ذكـــر آراء بعـــض
المعاصرين الــذين يــرى الكــاتب رأيهــم .ونلحــظ أن مــن
تكلــم فــي المضــاربة مــن المعاصــرين مــن أمثــال الشــيخ
خلف رحمه الله إنما ناقش مســألة اشــتراط كــون الربــح
نسبة وليس مبلغا محددا ،وذهب إلــى أن هــذا الشــرط ل
يجب التقيد به لنه من كلم الفقهاء وليس من القــرآن ول
من السنة .ونحن هنا ل نناقش الشــيخ خلف فيمــا ذهــب
إليه لسبب بسيط هو أن مجال حديثه غير مجالنــا ،فنحــن
نتكلم عن معاملة مصرفية اعترف الكاتب بأنها قرض وهو
يتكلم عن المضاربة وشتان بين هذا وذاك .وهــب أن كلم
الشيخ خلف له وجه -مع عدم التسليم بــه -فــإن ذلــك ل
يخدم وجهة نظر الكاتب ل من قريب ول من بعيد ،وذلــك
لن القرض عقد ينقل الملكية نقل كامل للمقترض بتسلمه
للقرض فيصبح القرض ملكا ومال للمقترض يتصــرف فيــه
859
كيف يشــاء وهــو ملــتزم بــرد مثلــه للمقــرض مهمــا كــانت
الظروف ). (1
بينما المضاربة عقد شركة ل ينقل ملكية المــال بــل يظــل
مملوكا لصاحبه وكل ما للمضارب فيــه هــو العمــل عليــه ؛
ولــذلك لــو تلــف أو فقــد أو خســر بل إهمــال أو تعــد مــن
المضارب ،فإن ذلك كله يحسب على صاحبه عكس
__________
) (1انظر في ذلك :الكاساني '' :بدائع الصنائع '' ج 8ص
3596نشر زكريا يوسف .
القرض ،إذن الطبيعة مختلفة والركان مختلفة والمقاصــد
مختلفة .يضاف إلى ذلك أن من تكلم من المعاصرين في
المضاربة إنما تكلم فحسب في مسألة الربــح وليــس فــي
مسألة الضمان ونقل الملكيــة ،فالكــل متفــق علــى بقــاء
المال على ملك صاحبه .
تبقى لنا كلمـة هنـا ،لقـد نقـل الكـاتب عـن الشـيخ خلف
قوله " :واشتراط الفقهاء لصحة العقد أل يكـون لحـدهما
من الربح نصيب معين اشتراط ل دليل عليه ،وكمــا يصــح
أن يكون بالنسبة يصح أن يكون حظا معينا ول يــدخل فــي
ربا الفضل ول في ربا النســيئة ؛ لنــه نــوع مــن المضــاربة
وهذا الشتراط مخالف لقوال الفقهاء ولكنه غيــر مخــالف
نصا في القرآن الكريم أو السنة " ،والتعليــق هنــا يقتصــر
فقط على الجزء الخير من تلك العبـارة .إن كـل مـن لـه
اطلع على كتب الفقه على اختلف مذاهبها يجــد الجمــاع
علــى هــذا الشــرط " نســبية الربــح " ؛ إذن هنــاك إجمــاع
فقهــي ليــس علــى مســتوى مــذهب أو مــذهبين بــل علــى
مســتوى المــذاهب الربعــة ،بــل علــى مســتوى الفقــه
الســلمي بمــا فيــه مــن المــذهب الظــاهري والزيــدي
والشــيعي . .إلــخ وإذا كــان ذلــك كــذلك فكيــف يقــال إن
تحديد مقدار معين من الربح يخالف أقوال الفقهــاء ولكنــه
ل يخالف نصا من قرآن أو سنة ؟ لو صح هــذا لوقعنــا فــي
مأزق حرج ،فلو كان القائل بهذا الشرط فقيــه أو مــذهب
أو مذهبان مع مخالفة غيرهمــا لمكــن مخــالفته ،لكــن أن
يكون القائل هم كل علماء السلم على اختلف مــذاهبهم
860
فيخالف هذا القول الجمــاعي ،ثــم يقــال إنــه كلم فقهــاء
وليــس كلم اللــه ول كلم الرســول ! وكيــف أجمــع هــؤلء
العلماء على ذلك ؟ وما مستندهم إن لم يكــن كتــاب اللــه
وسنة رسوله ؟ إن مثل هذا القول فيه تشكيك رهيب فــي
الفقه الســلمي بــل وفــي الشــريعة نفســها ! هــذه كلمــة
خطيرة -سامح
الله شيخنا الفاضل فيها -ونحن نجزم بأنها لو صحت عنــه
فإنه لم يكن علــى درايــة كاملــة بمــدلولها ومفهومهــا ومــا
يترتب عليها .
ثم ينقل الكاتب عما أسماه بالســتاذ وفيــق القصــار كلمــا
في فائدة القرض ل يخرج قيــد أنملــة عمــا ســبق ،وردده
رجال الكنيسة في العصور الوســطى تــبريرا للفــائدة ومــا
يستمر في ترديده الن رجال الفكــر الغربيــون .هــذا عــن
الفقــرة الرابعــة الــتي تحــدث فيهــا الكــاتب عــن طبيعــة
العمال المصرفية ومدى مخالفتهــا للعمــال الربويــة كمــا
ذهب الكاتب ،وبعد تلك المناقشة هل هناك خلف حقيقي
بينهما فعل أم أنه خلف متخيل متوهم ؟
الفقرة الخامسة :بعد ذلك يذكر الكــاتب خلصــة لبحثــه ل
يزيد فيها عما ســبق أن كــرره كــثيرا ومــا ســبق أن رددنــا
عليــه .ولكنــا نحــب أن نلفــت نظــر الخ الكــاتب هنــا إلــى
نقطة صغيرة هي أن العمال المصرفية " اليداع " باتفاق
رجال القتصاد والقانون في الغرب هي من بــاب القــرض
وإن تسميت بوديعــة أو بغيرهــا مــن التســميات .حــتى إن
تعريفهم للفائدة ينــص صــراحة علــى أنهــا ثمــن اســتعمال
النقود المقترضة .إذن كيف يتضــح الخلف والختلف ؟!!
والعجيب أنه يقــول مــا نصــه " :لنهــا معــاملت جديــدة ل
تخضــع فــي حكمهــا للنصــوص القطعيــة الــتي وردت فــي
القرآن الكريم بشــأن حرمــة الربــا ( ســبحان اللــه ! وهــل
مجرد كونها جديدة يجعلها تختلف عـن القـديم ،وهــل كــل
جديد يخالف القديم ؟ والكثر فزعا قوله طالما هي جديدة
فل تخضع في حكمها للنصــوص القطعيــة القرآنيـة .وكـأن
القرآن الكريم إنما جاء للمعاملت القديمة التي كانت في
الجاهلية وإبان نزوله فحسب ،ثــم مــا يجــد مــن معــاملت
861
يبحث له عن مصدر آخر للتعرف على حكمه .مع أنه مــن
المعلوم من الدين بالضرورة أن كل ما في القرآن والسنة
هي نصوص خالدة وليست
تاريخية وتطبق على كل ما حدث ومــا يحــدث ومــا ســوف
يحدث إلى قيام الساعة ،ثم يواصل في خلصته قــائل " :
إن علينـا فـي ضـوء ذلـك أن ننظـر لهـا مـن خلل مصـالح
العبـاد وحاجــاتهم اقتـداء برســول اللـه -صـلى اللـه عليـه
وسلم -في إباحته للسلم رغم ما فيه من بيع غير موجــود
وبيع ما ليس عند البائع ،وقد أجمع العلماء على أن إباحــة
السلم كانت لحاجــة النــاس إليــه ( لقــد نســي الكــاتب أن
النصوص السلمية كفتنا مؤنة النظر هنا الذي يطــالب بــه
الخ فنصت على حرمة الربا والذي مــن صــوره الساســية
الدين بزيادة مشترطة .
والعمل المصرفي من صميمه .والعجيب أن يقول اقتــداء
برسول الله في إباحته السلم .وكأن رسول اللــه -صــلى
الله عليه وسلم -لم يجد نصا أو وجد نصا محرمــا للســلم
ولكن مصالح العباد اقتضت أن ينظــر فــي المــر فيــبيحه .
وهل يجهل الكاتب أن الرسول الكريــم مشــرع فــي الول
والخير ؟ وكل ما يقوله هو نصوص شرعية واجبة النفاذ ؟
وهل هناك نص صريح يفيد حرمة السلم ؟ وبفــرض وجــود
ذلك فهل إذا جاء الرسول الكريــم وقــال نصــا مغــايرا هــل
يعتبر الحكم الثــاني مصــدره العمــل بالمصــلحة أم بــالنص
السلمي ؟ ومن قال مــن العلمــاء إن الســلم يــدخل فــي
باب بيع ما يسمى عندك هم فئة مــن العلمــاء وليــس كــل
العلماء ،وهناك منهم من أكد على غير ذلــك ) ابــن تيميــة
وغيره ( حيث ذهبوا إلى أن السلم أصل بــذاته وليــس هــو
رخصة أو مستثنى من محرم للحاجة ،ثم يواصــل الكــاتب
قائل " :والمصارف والعمال المصرفية حاجة من حاجات
العباد ل تتم مصالح معاشهم إل بها " أما أن المصارف من
حيث المبدأ حاجة اقتصــادية عصــرية فنعــم ،لكــن ذلــك ل
يؤدي إلى اعتبار كل عمل تقوم به في حد ذاته حاجــة مــن
حاجات الناس .وإل فيمكن القول أيضا وبنفــس القــوة إن
862
الربا كان حاجة من حاجات المجتمع الجاهلي ،وكان يمثل
مصدرا أساسيا
مــن مصــادر تمويــل التجــارة ذات الهميــة القصــوى فــي
حياتهم واقتصادهم ،بل ولشدة تمسكهم به وحاجتهم إليــه
ل مــا ال ْب َي ْـعُ ِ
مث ْـ ُ شبهوه بالبيع بل شبهوا الــبيع بقــولهم } :إ ِن ّ َ
الّرَبا { ) . (1فهل أبيح للحاجة والمصلحة ؟
بل الصــواب أن يقــال إن المصــارف كمؤسســات تمويليــة
حاجــة هامــة ،وعلينــا نحــن المســلمين أن نتعــرف علــى
العمال التي تؤديها خدمة للمجتمع بما ل يخالف الشــريعة
وقواعدها وأحكامها ،والحمد لله هناك عمـل كـبير قـد تـم
في هذا الشأن على المســتوى النظــري وعلــى المســتوى
التطبيقي ،وبفرض أن في هذا العمل بعض الثغرات فــإن
الجهــد المطلــوب ليــس هــو نقــص مــا تــم ،بــل تطــويره
وتحسينه بحيث يقدم الخدمة المطلوبة على أحسن وجه .
ونحن نخالف الكاتب تمام المخالفة من الناحية القتصادية
فوق مخالفتنا له من الناحية الشرعية ،وذلك فــي ادعــائه
بأن تحريم المعاملت المصرفية " القــراض والقــتراض "
يهــدد كيــان الدولــة والمــة الســلمية . .إلــخ مــا يقــول .
فالحقيقة الدافعــة أن تلــك العمــال بوضــعها الراهــن هــي
إحدى الدوات الفتاكة التي تحقق ما تخوف منــه الكــاتب .
والتبعيــة النقديــة والمصــرفية والســيطرة الغربيــة علــى
أجهزة المصارف والنقد في العالم والمديونية الهائلة التي
تتضــاعف عامــا بعــد عــام علــى المســتوى الــدولي وعلــى
المستوى المحلي كلها أمــور أوضــح مــن أن تنــاقش هنــا ،
وكــذلك الثــار القتصــادية المــدمرة لســعر الفــائدة علــى
النتاج والستثمار والتوزيع والســتقرار القتصــادي ،ومــن
ثم على تقدم المجتمعات وتحقيــق الرخــاء الحقيقــي لكــل
أفرادهــا كــل ذلــك معــروف ومــدون فــي كتــب القتصــاد
الوضعي ،فكيف يجيء كاتب مسلم ويقول إنه بل الفــائدة
لن تكون قوة اقتصادية ،وبل قوة اقتصادية لن تكون قــوة
إسلمية .وهكذا يوصلنا إلى
__________
) (1سورة البقرة الية 275
863
مقولة من أغرب ما قيــل وهــي :إن الســلم والمســلمين
والدولة الســلمية كــل ذلــك رهيــن وجــود الفــائدة .وفــي
نظري أن الكثر جدوى من إبداء مثالب نظام الفــائدة هــو
تقديم لمحة عن البديل السلمي .
وهــل البــديل الســلمي عــاجز عــن إشــباع تلــك الحاجــة
وتحقيق هذه المصلحة على وجه أكمل من هــذا الســلوب
المحرم ؟ للجابة على ذلك نعرض في كلمــة لهــذا البــديل
ثم لنرى إلى أي مدى يحقق المصلحة لكافة الطراف .
إن البديل المتعارف عليه حاليا والمتفق عليــه بيــن علمــاء
المسلمين يتمثل في نظام ينحي الفائدة جانبا بكل صورها
ويحــل محلهــا أداتيــن ،القــرض الحســن " بل فــوائد "
والمضاربة .
فهل هذا البديل يحقق المصــلحة الــتي يتشــدق بهــا أنصــار
النظام الربوي أم ل ؟
إن الحاجــة أو المصــلحة برغــم تــداخلها وترابطهــا إل أنــه
يمكن تحليلها إلى أربع ( 1 ) :حاجة صاحب المال ( 2 ) .
حاجة صاحب المشــروع ( 3 ) .حاجــة الوســيط المــالي "
المصرف " ( 4 ) .حاجة المجتمع .
أول :حاجة صاحب المال .وقبل أن ننــاقش تلــك الحاجــة
يهمنا أن نشير إلي أن أنصــار النظــام الربــوي عــادة ،بــل
غالبا ما يركزون على تلك الحاجة في مناقشــاتهم مــدعين
أن تلك الحاجة إنما تتحقق على الوجه الكمل في النظــام
الوضعي عكس النظام السلمي .وبمنطق علمــي هــادئ
نناقش تلك المقولة .
إن حاجة صاحب المال تتمثل في توظيف ماله بمــا يحقــق
له عائدا مجزيا مع توفير أكبر قدر ممكن من المــن علــى
ماله ،وقد تتمثل في المحافظة
على ماله والسحب منه عندما يحتاج .
أما عن توظيف ماله فإن نظام المضــاربة يحقــق لــه ذلــك
من خلل ما يقدمه له من حصــة فــي الربــاح كــبرت هــذه
الحصة أو قلــت ،كمــا أن الفــائدة ترتفــع وتهبــط .وبرغــم
ذلك فعادة ما تثار الغيوم والشكوك .ومن ذلك أن الفائدة
864
مضمونة ومعروفة سلفا وفي ذلــك إغــراء وتشــجيع وأمــن
كبير .
والجواب عن ذلك متعدد البعاد لكنا نكتفي بأنه ليــس كــل
مغر معترفا به شرعا سواء في المعاملت الماليــة أو فــي
غيرها فالغراء على العمل في حد ذاته ليس هــو المعــول
عليه في التحليل أو التحريم .ولقد حفت النار بالشــهوات
وإغراء الشهوة في كل مجال معروف .كذلك قد يقال إن
المال نفسه مضمون هناك ومعرض للمخاطر هنا .
والجواب عن ذلك يتمثل في ( 1 ) :المال فــي المصــرف
الوضعي غير مضمون ضمانا كــامل مــن الناحيــة الحقيقيــة
القتصادية ،بل هو مجرد ضمان شكلي قانوني ويكفي أن
تعرف نسبة رأسمال المصــرف إلــى ودائعــه إنهــا عــادة ل
تصل إلى 5 : 1فأي ضمان هذا ؟ ) ( 2إن المصرف هو
المصــرف فكيــف يمنــح الثقــة الكاملــة فــي حالــة الفــائدة
وتسلب منه هذه الثقة فــي حالــة المضــاربة ؟ ) ( 3وهــل
هناك ما يمنــع مــن وجــود دراســات وسياســات للســتثمار
وضوابط للمشروعات التي يمارسها المصرف علــى غــرار
" عدم السير في بطن الوادي وعــدم التجــار فــي حيــوان
وعدم ركوب البحر " ؟ ) ( 4وهل إذا وظف الشخص ماله
في مشروع خاص أو شركة هل يضمن رأسها لـه وأربـاحه
مائة في المائة ؟ ) ( 5وهب جدل أن بعض المصارف لــم
يكن على المستوى المطلوب من حيــث الكفايــة والمانــة
تــرى هــل يظــل قائمــا فــي الســوق ؟ أم سينصــرف عنــه
المتعاملون مما يدفعه دفعا
إلى بذل كل جهد حرصا على النجــاح والســتمرار ؟ ) ( 6
وهل هناك ما يمنع من رقابـة وإشــراف الحكومـة وقيامهـا
بوضع الضوابط الكفيلة بمنع أي تلعب أو انحــراف ؟ وقــد
يقال إن عودة المال إلى صــاحبه عنــدما يحتــاجه متيســرة
فــي ظــل نظــام الفــائدة وغيــر متيســرة فــي ظــل نظــام
المضاربة .والجواب :أما أنهــا متيســرة هنــاك بل قيــد ول
شرط فهذا غير صحيح ،فالودائع الستثمارية عادة محددة
الفترات ،وأما أنه غير متيسر هنا فهو الخر إلى حــد كــبير
غير صحيح إذ من الممكن في الكثير مــن الحــالت ســحب
865
المال أو جزء منه .وعلينا أن نعلــم أن التجــارة والصــناعة
وغيرها من جوانب النشاط القتصادي تحتاج إلى الزمــن ،
ويجب أن نحترم هذا العنصر ،وإل ما تم مشــروع واعتقــد
أن ذلــك مصــلوب اقتصــاديا ،وهــب أن الشــخص يعمــل
لحسابه ،فهــل مــن الســهولة بمكــان أن يقــض مشــروعه
ويحصل على أمواله نقــدا عنــدما يريــد ؟ أظــن أن الجابــة
على ذلك من الناحية القتصــادية معروفــة ول تحتــاج إلــى
تعليق .
أما عن حاجة صاحب المال المتمثلة في مجرد المحافظــة
على ماله والسحب منه عنــد مــا يريــد علــى غــرار مــا هــو
معروف بالوديعة الجارية .فهل البديل السلمي يعجز عن
ذلك ؟ إن الفقه السلمي قد خصص من أبوابه بابا أسماه
بالوديعة ،وقــدم لهــا مــن الحكــام والضــوابط مــا يجعلهــا
تنهض نهوضا كامل بتلبية مصــلحة رب المــال .وليــس هنــا
مجــال مناقشــة ذلــك لكنــا نشــير إلــى مجــرد جزئيــة فيهــا
لهميتهـــا .وهـــي أن الصـــل أن يحتفـــظ المســـتودع "
المصــرف " بالوديعــة دون التصــرف فيهــا لكــن طالمــا أن
الوديعة تأخذ الشكل النقدي والنقد غير متعين عنــد الكــثير
من العلمــاء إل فــي حــالت معينــة ،وطالمــا أن مــن حــق
المستودع أن يتصرف في الوديعة بــإذن ،وطالمــا أن مــن
حقهما " الطرفين " أن يحول الوديعة إلى قرض يصبح
مالكا له المستودع " المقترض " ويتصرف فيه كمــا يشــاء
ولــه الغنــم وعليــه الغــرم طالمــا أن ذلــك كلــه متــاح فــي
السلم .فهل بعد ذلك يعجز البــديل الســلمي عــن تلبيــة
مصلحة صاحب المال في حفظ ماله والسحب منه عنــدما
يحتــاج ؟ مــع ملحظــة أن المــودع للوديعــة الجاريــة فــي
النظام الربوي ل يحصل عادة علــى فــوائد ،بــل كــثيرا مــا
يدفع مصاريف وهو هنا أيضــا ل يحصــل علــى عــوائد ،بــل
ربما يدفع أجــرة الحفــظ والصــيانة اللهــم إل إذا صــرح لــه
بالتصرف فيها متحمل الغرم مستفيدا بــالغنم ،فعنــد ذلــك
تتحول الوديعة إلى قرض ل يحصل المودع على شيء منه
ول يــدفع مصــروفا لــه .هــذا عــن حاجــة صــاحب المــال
ومصلحته فهل عجز البديل السلمي عن تحقيقها ؟
866
ثانيــا :حاجــة صــاحب المشــروع .إن صــاحب المشــروع
يحتــاج إلــي تــأمين التمويــل الكــافي لقامــة مشــروعه
ولستمراريته .ومن الحقائق المدونة في دنيا القتصاد أن
حصــول صــاحب المشــروع علــى خــدمات عناصــر النتــاج
المختلفة والتي منها خدمــة رأس المــال ل يتــم مجانــا وبل
مقابل عادة ،بل ل بــد مــن دفــع المقابــل أو الثمــن .هــذا
معــروف فــي القتصــاد الوضــعي ول يعــرف غيــره .فهــل
البديل السلمي يحقق ذلك فقط ؟ أم لمحققــه وزيــادة ؟
أم ل يحققــه ؟ بــالتحري والتــدقيق نجــد البــديل الســلمي
يحقق ذلــك وزيــادة .فأمــام صــاحب المشــروع أن يــذهب
للمصرف ويتفاهم معه حول تمويل مشروعه بعد دراســته
دراســة جيــدة والطمئنــان علــى ســلمته مــن الناحيــة
القتصادية ومن الناحية الشرعية .وأمامهما عند ذلك أكثر
من وسيلة لنجاز هــذا المطلــوب مــن بينهــا دفــع التمويــل
على سبيل المضاربة أي بحصته فيما يتحقــق مــن أربــاح .
وهنا نجد أن حاجة صاحب المشروع قد لــبيت فقــد حصــل
على التمويل اللزم ،وكل ما عليه أن يتنازل عن حصته
مــن الربــح للمصــرف إذا تحقــق ربــح .كمــا أنــه يمكنــه
الحصول على قرض حسن من المصرف " الودائع الجارية
" وعندئذ يلتزم التزاما قانونيا برده وفي نظير ذلك له كــل
مــا يتحقــق مـن ربـح .وإذن فمـن الممكـن إجـراء ترتيـب
بمقتضاه يمكن منح صاحب المشروع حاجته أو بعضها من
التمويل دون دفع ثمن .وهذه الصورة غير موجــودة علــى
الطلق في النظام الربوي .وهنا قد تثـار بعـض الشـكوك
والغيــوم ،والــتي منهــا أن صــاحب المشــروع قــد يتعــرض
للتدخلت الكثيرة والمعوقة من المصرف في أعماله وهذا
ما ل يرغبه عكس نظام الفــائدة .والجــواب عــن ذلــك إن
هــذه العمليــة نظــرا لهميتهــا وموضــوعيتها قــد احترمهــا
الســلم ،ووضــع مــن الحكــام والضــوابط مــا يجعــل هــذا
التدخل في أدنى الحدود بالقدر الذي يعتبر في حقيقته من
مصلحة صاحب المشروع أما ما عــدا ذلــك فل تــدخل مــن
المصرف ،وأحكام المضاربة تنص بوضوح وتفصــيل علــى
ذلك .وفــي ضــوء ذلــك فمــن مصــلحة صــاحب المشــروع
867
التعامــل بنظــام المضــاربة بــدل مــن نظــام الفــائدة .ذات
العبء الثابت والمال المضمون الذي ل بد له من إرجــاعه
بغض النظر عما قد يحدث للمشروع مع عدم الهمال .
أما في نظام المضــاربة فليــس هنــاك عبــء ثــابت وليــس
هناك التزام قانوني برد المال إل عنــد الهمــال أو التعــدي
كما أن هناك دراسة مشتركة لجدوى المشروع مما يخفف
من العبء على صاحب المشروع .
ثالثا :حاجة الوسيط المــالي "المصــرف" .ســوف نســلم
بــأن عمليــة الوســاطة الماليــة أو عمليــة الصــرافة عمليــة
مباحة ومتاحة أمام من يرغب في ذلك مــن الفــراد فكمــا
أن من حق الفراد أن يقيموا شركات تجارية أو زراعية أو
صناعية الخ فمن حقهم أن يقيمــوا مؤسســات أو شــركات
تمارس عمليات الوساطة أو بمعنــى آخــر عمليــات الربــط
بين أصحاب الموال
وأصحاب المشروعات .فهل البديل الســلمي يعجــز عــن
تلبية مصلحة هؤلء؟ إن مصلحتهم تتمثل في وجــود إقبــال
مـــن أصـــحاب المـــوال عليهـــم وبالمثـــل مـــن أصـــحاب
المشــروعات .وفــي الــوقت نفســه الحصــول علــى عــائد
مجزي من جراء تلــك العمليــة أو ممارســة هــذا النشــاط .
من الملحظ أن نظــام المضــاربة يحقــق ذلــك وذلــك مــن
حيث إنه يحقق مصلحة كل من أصحاب الموال وأصــحاب
العمال ،وفي الوقت نفسه فإنه يبيح للمصرف الحصــول
على عائد مجزي إما على سبيل العمولة أو الجرة أو على
أســاس اعتبــاره طرفــا أصــيل فــي العمليــة مــع كــل مــن
أصحاب المــوال مــن جــانب وأصــحاب المشــروعات مــن
جانب آخر .وبالمثل فقــد تثــار هنــا بعــض الشــكوك حــول
تخـــوف المصـــارف مـــن إعطـــاء المـــوال لصـــحاب
المشــروعات دون ضــمان قــانوني برجوعهــا أو الحصــول
على عوائدها .ولكن الرد على ذلك جد يسير فمــن حقهــا
الدراسة الجادة والمتابعة القويمة وأخذ الضمانات الكفيلــة
لسلمة العملية ،ثم بعد ذلك فإن ما قد يحدث من تلعب
هو وارد على كل نظام ،كما أنه سرعان مــا يقضــي علــى
نفسه بنفسه .وقد يقال ما مصلحتها فــي إعطــاء قــروض
868
حسنة؟ والجواب على ذلك يمثل في :وما ضررها في ذلك
طالما أنها هي بنفسها تحصل على قروض حسنة؟ يضــاف
إلي ذلك أن هذه القروض عادة ما تؤدي إلى توثيق الصلة
مع أصحاب المشروعات بل وتوســيع أعمــالهم ونشــاطهم
مما يجعلهم في حاجة إلى المزيد من التمويل عن طريــق
المضاربة .مع ملحظة .أن الكثير مــن عمليــات التمويــل
في النشاط القتصادي عادة ما تتم بأساليب غير قرضية .
رابعا :حاجة المجتمع .ونحب أن نشــير هنــا إلــى أن تلــك
المسألة كثيرا ما تستخدم من قبل أنصــار النظــام الربــوي
فدائما ما نسمع صيحات عالية
عن مصلحة المجتمـع ومصــلحة القتصــاد القــومي وحاجــة
البلد إلى التنمية والتقدم والقوة والرخاء والعمالة . .الخ .
وكأن البديل السلمي يناقض كــل ذلــك!! علمــا بــأنه عنــد
التحري نجد البديل السلمي يحقق تلك المصلحة كأحسن
ما يكون ذلك .دعونا من ترديــد كلمــات وعبــارات جوفــاء
وتعالوا نحدد بدقة مضمون حاجة المجتمــع ومصــلحته فــي
هذا الشأن .ليمكن الحكم العملي على مــدى تحقــق تلــك
المصلحة من عدمه في ظل البديل ا لسلمي .
إن مصــلحة المجتمــع هنــا يمكــن إجمالهــا فــي كلمــة هــي
توظيف وتشغيل كل ما لديه من مــوارد وطاقــات والعمــل
المستمر على توسعة تلـك الطاقـات ووضـعها فـي خدمـة
إنتاج ما يحتاجه المجتمع من سلع وخدمات .في إطار من
قيمه وعقيدته وأخلقياته .في ضوء هذا التحديــد لمصــلحة
المجتمع فإنني أطلــب مــن كــل مــن لــديه اعــتراض علــى
البديل السلمي أن يدلنا دللــة صــحيحة بينــة علــى نقطــة
الضعف أو العجز فــي هــذا البــديل حيــال تلــك المصــلحة .
فمن حيــث المــوال هــل يعجــز هــذا البــديل عــن توظيــف
وتعبئة وجذب كل مــا هــو متــاح مــن أمــوال!! ومــن حيــث
المشروعات فهل هناك مشــروعات تنتــج ســلعا وخــدمات
يحتاجها المجتمع ل يمد لها البــديل الســلمي يــد التمويــل
الذي تحتاجه!! .
هذا هو البديل السلمي لنظــام الفــائدة الربــوي فهــل هــو
عاجز عن سد حاجة المجتمع وتحقيق مصلحته؟ ) (1وإلــى
869
هذه المرحلة من البحــث قــد يقــال إن ذلــك يمكــن قبــوله
على المستوي الداخلي .لكن ما العمل على
__________
) (1لمزيد من التفصيل يمكن الرجوع إلى تمويــل التنميــة
فــي القتصــاد الســلمي دراســة مقارنــة نشــر مؤسســة
الرسالة للــدكتور شــوقي دنيــا وكــذلك النظــام المصــرفي
الربوي للــدكتور محمــد نجــاة اللــه صــديقي .نشــر جامعــة
الملك عبد العزيز.
المستوى الخارجي؟ ونحن نعلم تشابك القتصــاد القــومي
مع القتصاد العالمي وحاجة كل دولة إسلمية إلى التعامل
الخارجي وحاجة الكثير منها إلى التمويل الخارجي وحاجــة
البعــض فيهــا إلــى توظيــف أموالهــا فــي الخــارج .وهــذه
حاجات ل تستقيم أحــوال المــة الســلمية دون العــتراف
بها وأخذها في الحسبان .فكيــف نشــبع تلــك الحاجــة فــي
ظل البديل السلمي؟ أنا ل أدعي أن الجابة هنا -من قبل
البــاحث -جــاهزة بوضــوح وتفصــيل وفــي نفــس الــوقت ل
أدعــي أنهــا غيــر جــاهزة علــى مســتوى البحــث الفكــري
السلمي عامة .فبالتأكيــد هنــاك دراســات وأبحــاث حــول
هــذا الموضــوع وللتأكيــد أيضــا هنــاك إمكانيــات متزايــدة
لتطوير هذه الدراسات وتحســين هــذه الجابــات .وأعتقــد
أن هذا يحتاج بحثا مستقل .ولكن ذلك ل يســتدعي توقــف
كل شيء إلى أن يتم كل شيء .فدعونا نؤمن إيمانا كامل
بصــلحية البــديل الســلمي لتحقيــق المصــلحة الداخليــة
للمجتمع بكافة أفراده .ودعونا نمارس عملية تغيير الواقع
الداخلي نحو هذا البديل شريطة أن نمنحه الــدعم الكــافي
على كل المستويات ونحرص بكل ثقلنا على نجاحه .ولــو
حدث هذا في المجال الــداخلي فإننــا نهيــئ الجــو بطريقــة
فعالــة لســتخدامه فــي المجــال الخــارجي بالضــافة إلــى
الجهــود الــتي تبــذل بجــد وإخل 0ص نحــو تطــوير أســاليب
فعالة لستخدامه في الخارج .
وهنا نقطة أحــب أن أشــير إليهــا وهــي أن غيرنــا مــن الم
والمجتمعات قد حرصوا كل الحرص علــى تطــبيق وإنجــاز
واستخدام مــا اعتنقــوه مــن أنظمــة وأســاليب رغــم شــدة
870
المفارقة وصعوبة العقبات وكثرة التحــذيرات والتخويفــات
ومع ذلك ما تراجعوا .والمثلة جــد صــارخة منهــا أســلوب
التخطيط ونظام الملكية الجماعية ونظــام التعاونيــات بــل
ونظام السوق ونظــام الملكيــة الخاصــة . .الــخ فمــا بالنــا
نحن نضعف أمام كل عقبة وإن
هانت وكل تخوف وإن كان وهما ونجري نتســول النظمــة
والســاليب مــن هنــا وهنــاك رغــم مــا فيهــا علــى عقيــدتنا
وشريعتنا وأخلقنا واقتصادنا .
إن الحقيقة الدامغـة الـتي ل جـدال فيهـا أن درجـة إيماننـا
بالبديل السلمي من حيث الصحة والفعالية لــم تــرق بعــد
كي تصل إلى الحدود الدنيا المقبولة ،وإذا كــان ذلــك فــي
حد ذاته مؤسفا ومحزنا فإن الكثر مدعاة للسف والســى
أن ذلك الموقف السلبي لم يرتكز على أي مستند حقيقي
بل إما النبهار بالنظام القائم والنظر إليه على أنه خير مــا
يمكن أن يكون أو أنه الجهل أو العداء لكل ما هو مســتمد
من السلم وإن كان فيه ما فيه مــن المصــلحة الحقيقــة .
أو هــو اللمــز والغمــز والتشــكيك المســتمر حــول تجربــة
المصارف السلمية المعاصرة .إن الموقف الصحيح الذي
ينبغي أن تحرص عليه المجتمعــات الناهضــة هــو الدراســة
الجادة المســتمرة لكــل مــا يمكــن أن تســتفيد مــن قيمهــا
وعقائدهــا مــن تنظيمــات وأســاليب .ول شــك أن الوضــع
المثل في مســألتنا هــذه هــو قصــر التطــبيق والســتخدام
على البديل الســلمي علــى القــل لكــونه ل يتعــارض مــع
العقيــدة والشــريعة ثــم العمــل المســتمر علــى تطــويره
وتحسينه ،فإذا لم يكن هذا الوضع المثــل فالوضــع القــل
درجة هو أن يعامل البديل السلمي معاملة مفضلة ويمنح
الدعم السياسي الكافي كي يأخــذ فرصــته لثبــات وجــوده
فإذا لم يكن ذلك فإن الوضع القل درجة وهــو أقــل وضــع
يمكــن قبــوله شــرعا بصــفة مرحليــة هــو أن يمنــح البــديل
السلمي فرصة متكافئة بجــوار البــديل الوضــعي ولنــترك
لهما العمل بحرية وبل قيــود وعــرقلت ثــم لنرصــد النتــائج
لكن للسف الشديد -وتلك حقيقة ،وإن كان فيها مــا فيهــا
من المرارة والمكاسفة في الوقت نفســه أن غالبيــة دول
871
العالم السلمي لم ترق في موقفها من البديل الســلمي
بعد إلى الوضع الدنى خاصة على المستوى
الرسمي ،بل نجد إما الحظر الكامل أو الموافقة الشكلية
المحضة كل ذلك تــذرعا بــالخوف علــى القتصــاد القــومي
وعلى انهياره لكن الحقيقة المرة وراء ذلك ببعيد .
ولنفرض أن في التجربة المصرفية السلمية المعاصرة ما
فيها من الملحظات والثغرات فهل بناء على ذلــك ترفــض
التجربــة كليــة ويطــرد البــديل الســلمي أم تعالــج وتقــوم
وتطور؟ وهل قــامت إحــدى الــدول بمثــل تلــك الدراســات
الجادة وعمل التطوير السليم وأعطــت ذلــك مــا يســتحقه
من جهد وعناية؟ وهــل نجــد مــن أجهــزة العلم والتوعيــة
توجها صادقا حقيقيا نحو هذا البديل؟
وهل هناك أعمال جادة من قبل الجامعات ومراكز البحــث
العلمي حيال هذا البــديل وتلــك التجربــة؟ وإذا كــان هنــاك
مثل ذلك فهل وجد الذن الصاغية مــن قبــل المســؤولين؟
وهل من الصواب أن يغلق الباب أمــام الموضــوع إلــى أن
يكتمل وينضج؟ وإذا فعلت ذلك كل دولة إسلمية فأين يتم
ذلك؟ إن الصدق مع النفس مطلــوب فــي كــل شــأن مــن
شؤوننا وعلينــا أن نتحــراه وإن رأينــا فيــه الهلك فــإن فيــه
النجاة .
هذا تعليــق ســريع علــى البــديل الســلمي وإلــى أي مــدى
يمكنه أن يلبي مصلحة المة السلمية .
نعود إلى خلصة الباحث فقد بقي فيه نقطتان:
الولـــى :هـــي القيمـــة الماليـــة للزمـــن فـــي النشـــاط
القتصادي ،وقد ذكرهــا الكــاتب مــدعما بهــا وجهــة نظــره
وبالتأكيد فإن ما قــدمه فــي هــذا الصــدد يحســب عليــه ول
يحسب له ،وإضافة هــذه الفقـرة زادت الكلم وهنــا علــى
وهن .ذلـك أنـه باتفـاق العلمـاء فـإن للزمـن قيمـة ماليـة
معتدا بها شرعا في النشاط القتصادي ،فــالثمن المؤجــل
يمكن شرعا أن يكون أكبر من
الحال والثمن في السلم يمكن أن يكون أقــل مــن الثمــن
في غيره ،السلم لم يعتــد بــأي قيمــة ماليــة للزمــن فــي
مجالت أخرى من أهمها الدين والقرض ففيه خمسة حالة
872
تساوي تماما خمسة مؤجلة ،وكيلوجرام حال يعــادل كيلــو
قمح مؤجل تماما بتمام .ومعنى ذلك أننــا نحتكــم للســلم
في العتداد بالقيمة المالية للزمن من عــدمه .وكــم كــان
حريا بالخ الكاتب أن يدرك أن القرض بزيــادة هــو إعمــال
للقيمــة الماليــة للزمــن ،فهــل الشــرع بــذلك؟ ولــو تأمــل
الكاتب القوال العديدة التي نقلها في الصدد عن الفقهــاء
لتضح له أنهم قالوها في معرض تحريم الربا في معــرض
تجويزه وإباحته .وإل لجاز شرعا بيع خمســة بســتة مــؤجل
التساوي في القيمة المالية بين خمسة حالة وستة مؤجلــة
لكن ذلك بنص الحديث الشريف ،وهناك دراســات حديثــة
توضح تلك المسألة على حقيقتها ). (1
الثانية :وهي النقطة الخيرة في بحث الخ الكاتب وتتعلق
بتقلــب وتــدهور قيمــة النقــود بفعــل التضــخم المســتمر .
ويخلص من ذلك إلى أنه مــن العــدل إباحــة الفــائدة قــائل:
"ولــذلك ل يســتطيع أحــد الن أن القيمــة العدديــة للنقــود
معبرة عن قدرة اقتصادية أو قوة شرائية يتعين المدين أن
يردها كاملة ،ولذلك فــإن المهلــة الممنوحــة للمــدين فــي
القرض لم تفوت على الدائن مكسبه فحسب بل إن هــذه
المهلة بل إن هذه المهلة تسبب لــه خســارة ماليــة بســب
نقص القوة الشرائية لديه ،ومــن ثــم فهنــاك تــوازن ضــار
بالــدائن المــر الــذي نســتخلص منــه ضــرورة الــترخيص
بــالقرض بفــائدة لنــه مــن العــدل والنصــاف أن يشــترك
الدائن والمدين معا في احتمالت التقلبــات النقديــة وذلــك
بأن يتحمل الدائن نقص قيمة النقود ,
__________
) (1من ذلك كتاب تمويل التنمية فــي القتصــاد الســلمي
لكاتب هذه الورقة نشر مؤسسة الرسالة .
والمدين بأن يدفع الفوائد وبــذلك تتحقــق أهــداف الفــائدة
العامة خارج نطاق أي تحريم " .
أما أن قيمة النقود تتعرض للتقلب الدائم فهذا مــا ل شــك
فيه لنه حقيقة قائمة ،لكــن علج ذلــك مــن خلل الفــائدة
غير صحيح شرعا واقتصادا .وهناك أبحاث متخصصــة فــي
ذلــك ) (1يمكــن للكــاتب الرجــوع إليهــا وهــل يجــادل الخ
873
الكاتب بأن الفائدة ذاتها هي أحد العوامــل الساســية وراء
هــذا التقلــب المســتمر فــي قيمــة النقــود؟ وكنــا نــود مــن
الكاتب أن يعمل فكره ليجد لنا علجا ناجعا لهذه المشكلة
صحيحا شرعا بدل من القول باســتخدام أداة مجمــع علــى
حرمتها وضــررها القتصــادي أبلــغ مــن نفعهــا إن كــان لهــا
نفع .ثم إن الترخيص هو تشريع ،ومن الذي يملكه هل أنا
أو هو أو أحد غير رســول اللــه صـلى اللـه عليـه وســلم إل
بالعتماد القوي الواضح علــى نــص شــرعي وإذا كــان مــن
يملكه لم يفعله فهل الشــريعة جــاءت لعصــر دون عصــر؟
ويختم الكاتب كلمه بالتوجه بالدعوة الملحة لهل الخــبرة
والرأي والفتاء للتعاون من أجل الوصول إلى إجمــاع فــي
الرأي حول العمال المصرفية .ونحن نضم صوتنا لصــوته
لكنــا نــذكر الكــاتب بــالقرار الــذي اتخــذه مجمــع البحــوث
السلمية بتحريم الفــائدة علــى الــدين بالجمــاع ،وكــذلك
بالعديــد مــن الفتــاوى الــتي صــدرت عــن الرئاســة العامــة
للفتاء بهذا الشأن .
وبعــد فهــذا تعقيــب أو رد علــى مــا قــدمه الكــاتب ويمكــن
إجمال هــذا كلــه فــي كلمــة؛ لقــد تصــور البــاحث أن الربــا
المحرم قطعيا فقط هو ربا الجاهلية المذكور فــي القــرآن
الكريم وليت المر وقف عند هذا الحد بل
__________
) (1انظر في ذلك للكاتب بحث ''تقلبات القــوة الشــرائية
للنقود وأثر ذلك علــى الئتمــان القتصــادي والجتمــاعي''.
مجلة المسلم المعاصر العدد .41
قد استند إلى مقدمات واهية فــي تحديــده لربــا الجاهليــة؛
لقد حدده بزيادة طارئة لمــدين محتــاج للصــدقة .ومعنــى
ذلك أن الزيادة الصلية ليست محرمة لنها ليست من ربــا
الجاهلية وهو بذلك يخرج قسما كبيرا من ربــا الجاهليــة أو
ربا النسيئة من نطاق الحرمة ،كــذاك فــإنه يقيــده بمــا إذا
كان المدين أقل غنى من الدائن وأنه تجوز عليــه الصــدقة
وأي صورة ل تحقق ذلك ل تدخل في نطــاق ربــا الجاهليــة
وهكذا فهو لم يقصر الربا المحرم على ربا النسيئة حسب
بل قصر الحرمة على بعض صور ربا النســيئة .وقــد ثبــت
874
لنــا كــل ذلــك غيــر صــحيح ،كمــا ثبــت أيضــا أن اليــداع
المصرفي الذي هو باعتراف خبرائه من بــاب القــرض هــو
صــورة طبــق الصــل مــن صــور ربــا الجاهليــة وقــد أجمــع
العلماء بكافتهم على حرمة الزيادة المشترطة على الدين
أو القرض بغض النظر عن كون القرض لغرض إنتــاجي أو
استهلكي وعن كون المدين أكــثر غنــى أو أقــل غنــى مــن
الدائن .
وفي النهاية يهمني أن أؤكد أنني ما قصدت بــذلك تعريضــا
أو سوء ظن بالكاتب أو بغيره بل كل القصد أن أسهم بمــا
لدى من معرفة ضئيلة في هذا الموضوع عســى أن يكــون
فيهــا ولــو بعــض الصــواب فينتفــع بهــا النــاس فــي دنيــاهم
وأخراهم .
وإنني أهيب بالخ الكريم أن يتقــي اللــه تعــالى فينــا وفــي
عمله ووظيفته وبدل من هذا الجهد الذي أقل ما يمكــن أن
يوصف بأنه جهد ضائع .ومضيع لمجهود الغير بدل من ذلك
نهيب به أن يبذل جهــدا فعــال ومــؤثرا فــي إبــراز مســاوئ
الفائدة بأسلوب تحليلي ثــم فــي تطــوير الســلوب البــديل
الذي يحقق أعلى فعالية اقتصادية في إطار مــن الشــريعة
الســلمية .واللــه تعــالى نســأل أن يهــدينا جميعــا ســواء
السبيل .
شوقي أحمد دنيــا مــن أفــذاذنا العلمــاء الشــيخ محمــد بــن
إبراهيم
=================
#رد الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين على
الدكتور إبراهيم الناصر
حول بحثه :موقف الشريعة السلمية من المصارف
مجلة البحوث السلمية ) -ج / 23ص (121
رد الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين
على الدكتور إبراهيم الناصر
حول بحثه :موقف
الشريعة السلمية من المصارف
كان الدكتور إبراهيــم الناصــر قــد دفــع البحــث الــذي كتبــه
بعنوان " موقف الشريعة السلمية مــن المصــارف " إلــى
875
صالح الحصــين ،وطلــب منــه أنــه يكتــب ملحظــاته علــى
البحث بكــل صــراحة وبــدون مجاملــة ،فكتــب لــه رســالة
مطولة نقتطف منها ما يأتي مع ملحظة أنا حافظنــا علــى
عبارات الصل عدا حــالت نــادرة اقتضــى حســن الســياق
تغيير اللفظ مع بقاء المعنى .
الملحظة الولى :
ليست مناقشة بل هــي بــالحرى عتــب ،إذ كــان النطبــاع
لدي عند قراءتي للبحث لول وهلــة أنــه لــم يكتــب بجديــة
تتناسب مع موضوعه ،بل أخشى أن يكون كتــب بطريقــة
أقرب إلى العبث وعدم الحتفال .
ل أقصد ،وقد انتصــبتم للجتهــاد فــي الفتــاء فــي مســألة
ترونهــا جديــدة وخطيــرة ) .ص (11أنــه كــان يجــب أن
تطلعوا على النصوص الشــرعية المتصــلة بالموضــوع وأن
تعملـــوا القواعـــد الفقهيـــة فـــي الســـتنباط منهـــا ،وأن
تســتخدموا المقــاييس والمــوازين الشــرعية للترجيــح بيــن
الدلة ،فأنتم معذورون في التقصير في هــذا ؛ لنــه ليــس
لديكم المكانيات اللزمة لذلك .
أقول ل أقصد هذا وإنما أقصد أنــه كــان يتوقــع منكــم وقــد
تصديتم للكتابة في مثل هذا الموضــوع أن تتقيــدوا بمنهــج
البحث العلمي تفكيرا وتعبيرا ،المر الذي حــرم منــه هــذا
البحث كما يتضح من الملحظة الثانية .
الملحظة الثانية :
أدق وصف للبحث أنه خليط مشوش من اقتباسات أخذت
من كتابة سابقة ،كــانت أكــثر جديــة وقــد حــررت للهــدف
نفسه الذي رمى إليه البحث وهو التماس المخرج الفقهي
لباحة " الفائدة الربوية " .
والشكال جاء من أن الكتابــة المشــار إليهــا كــانت عرضــا
لنظريات متباينة ومتعارضة فكل نظرية منها ذهبت مــذهبا
في التأسيس والتخريج ،وكـان مــن المســتحيل أن يجيــء
باحث فيأخذ بها جميعا في وقت واحد ،إنك ل تستطيع أن
تصل إلى هدف واحد بالسير في إتجاهين متعارضين .
إن الباحث لم ينتبه لهذا التناقض الذي وقــع فيــه البحــث ؛
لنه في حمى الوصول إلى النتيجة التي قررها مســبقا لــم
876
يبال أن يصــل إليهــا بمقــدمات وهميــة ،أو يكــون إيصــالها
للنتيجة وهما ،لقد اكتفى بصورة الحجة ل حقيقتها ،عنــاه
أن يكون يورد الشبهة ولم يهتم بإيراد الدليل .
إن الكتابة المشار إليها التي اقتبس منها هي بحث " محل
العقد" في كتــاب ) مصــادر الحــق ( للســتاذ الســنهوري ،
وبدون أن يشير لهذا المرجع نقــل منــه بــالنص ) . (1وقــد
يكون المر في هذا قاصرا على عدم اللــتزام الخلقــي لــو
أحسن النقــل ولــم ينقــل بعــض الفكــار نقل خــاطئا ،ولــو
اســتطاع الســتفادة مــن المعلومــات الــتي تضــمنها هــذا
المرجع ،أو من طريقة البحث الــتي انتهجهــا ،ولكــن كــل
ذلك لم يحصل .
لقــد اهتــم الســتاذ الســنهوري غفــر اللــه لــه -كمــا اهتــم
البــاحث -بالوصــول إلــى إباحــة الفــائدة ،وعــرض ثلث
نظريات في الموضوع ،وجــاء البــاحث فــاقتبس مــن كــل
هذه النظريات مع اختلفهــا فــي الســاس وتعارضــها فلــم
يكن
__________
) (1الصــفحات رقــم ، 4ــ ، 5ــ 6فنقلهــا بــالحرف مــن
) مصــادر الحــق( الجــزء الثــالث مــن ص ، 197ـ ، 223
. 248 ، 243 ، 242 ، 229 ، 227 ، 226 ، 225 ، 224
غريبا أن يؤدي هذا الخلط المشوش من القتباســات إلــى
وقوع البحث في التناقض ،والبعد عن الطريقة العلمية .
لقد قرأت البحــث عــدة مــرات بغــرض مناقشــته ،ولكنــي
انتهيت إلى أن من المستحيل أن تنــاقش مناقشــة علميــة
بحثا يبعد كل هذا البعد عــن الطريقــة العلميــة ،ول يلــتزم
بقواعــد المنطــق القــانوني ،ورأيــت أن الســبيل الوحيــد
لمناقشــة البحــث ،أن أرده أول إلــى الصــول الــتي أخــذ
منها ،وأن أعرضها بالصورة التي وردت بها في مرجعه ثم
أناقشها .ويتضح هذا بالملحظة الثالثة .
الملحظة الثالثة :
عرض الستاذ السنهوري في مصادر الحــق ثلث نظريــات
لباحة الفائدة .
877
) (1نظريــة الــدكتور معــروف الــدواليبي وهــو موضــوع
محاضرة ألقاها في مؤتمر الفقــه الســلمي المعقــود فــي
باريس عــام 1951م ،ويلخصــها الســتاذ الســنهوري بمــا
يأتي :
الربا المحرم إنما يكون في القروض التي يقصــد بهــا إلــى
الستهلك ل إلــى النتــاج ،ففــي هــذه المنطقــة -منطقــة
الستهلك -يســتغل المرابــون حاجــة المعــوزين والفقــراء
ويرهقونهم بما يفرضون عليهم من ربا فاحش ،أما اليــوم
وقــد تطــورت النظــم القتصــادية وانتشــرت الشــركات
وأصـــبحت القـــروض أكثرهـــا قـــروض إنتـــاج ل قـــروض
استهلك ،فإن من الواجب النظر فيما يقتضيه هذا التطور
في الحضارة من تطور في الحكــام ،ويتضــح ذلــك بــوجه
خاص عندما تقــترض الشــركات الكــبيرة والحكومــات مــن
الجماهير وصغار المــدخرين ،فــإن اليــة تنعكــس والوضــع
ينقلب ويصبح المقــترض وهــو الشــركات والحكومــات هــو
الجــانب القــوي المســتغل ،ويصــبح المقــرض أي صــغار
المدخرين هو الجانب الضــعيف الــذي تجــب لــه الحمايــة ،
فيجب إذن أن يكون لقروض النتاج حكمها في
الفقه السلمي ،ويجب أن يتمشى هذا الحكم مع طبيعــة
هــذه القـروض ،وهــي طبيعــة تغـاير مغــايرة تامـة طبيعــة
قروض الستهلك ،والحل الصحيح أن تباح قروض النتــاج
بقيــود وفــائدة معقولــة ،ويمكــن تخريــج هــذا علــى فكــرة
الضرورة أو فكــرة المصــلحة أي تقــديم المصــلحة العامــة
على المصلحة الخاصة ،كما لو تدرع العدو بمسلم فيقتــل
المسلم للوصول للعدو .
) (2نظرية الشيخ محمد رشيد رضا رحمه اللــه وهــي كمــا
تتلخص من المرجع المشار إليه آنفا كما يأتي :
الربا المحرم هو ربا الجاهلية وحده ،فهو الربا الــوارد فــي
القرآن الكريم ،وهو الربا الذي يؤدي إلى خراب المدين .
أما ربا النسيئة وربا الفضل الواردان في الحديث الشريف
فالنهي عنهما إنما جاء للذريعة إلى الربا المحرم القطعــي
وهو ربا الجاهلية ،وهذه الذريعة مظنونة ل قطعية فالشيخ
رشيد يرى أن بيع الصناف الستة بمثلها مع التفاضل فضل
878
عن تثمير الموال في الشركات التجارية كل هذا ل يــدخل
في الربا المحرم يقول " :وإنما يظهــر مــن ســبب النهــي
عن هذه البيوع أنه ســد لذريعــة الربــا المحــرم القطعــي ،
وهــذه الذريعــة مظنونــة ل قطعيــة ،ومــن المنهيــات فــي
الحــديث مــا هــو محــرم ومــا هــو مكــروه ومــا هــو خلف
الولى " .
) (3نظرية الستاذ السنهوري غفر الله له وملخصها :
الصل في الربا تحريم الربا في جميــع صــوره ســواء كــان
ربا الجاهلية أو ربا النســيئة أو ربــا الفضــل علــى أن هنــاك
صورة من الربا هي أشنع هــذه الصــور صــورة الربــا الــذي
تعودته العــرب فــي الجاهليــة ،فيــأتي الــدائن مــدينه عنــد
حلول أجل الدين ويقول " :إما أن تقضي وإما أن تربي" .
وهذا أشبه بمــا نســميه اليــوم . .الربــح المركــب . .هــذه
الصورة من الربا في العصر الحاضر هــي الــتي تقابــل ربــا
الجاهلية ،وهي محرمة تحريما قاطعا لذاتها تحريم مقاصد
ل تحريم وسائل .
أما الصور الخـرى مـن الربـا ،الفـائدة البسـيطة للقـرض
وربا النسيئة وربا الفضل فهي أيضا محرمة .
ولكن التحريم هنا تحريــم وســائل ل مقاصــد ،بعــض هــذه
الصور ،وهي الخاصــة بالصــناف الســتة وبفــائدة القــرض
وردت بنصـوص صـريحة فـي الحـاديث الشـريفة وبعضـها
وهي الخاصة بالصناف الخرى . .كان من عمل الفقهاء ،
وهي تقوم على صناعة فقهية ل شك في سلمتها ،وكلهــا
وسائل ل مقاصد وقد حرمت سدا للذرائع ،ومن ثم يكون
الصل فيها التحريم وتجوز استثناء إذا قامت الحاجة إليها ،
والحاجة هنا معناها مصلحة راجحة في صــورة معينــة مــن
صور الربا تفوت إذا بقــي التحريــم علــى أصــله عنــد ذلــك
تجوز هذه الصورة استثناء من أصل التحريم وتجــوز بقــدر
الحاجة القائمة فإن ارتفعت الحاجة عاد التحريم .
وفي نظام اقتصادي رأسمالي كالنظام القائم فــي الــوقت
الحاضــر فــي كــثير مــن البلد . .تــدعو الحاجــة العامــة
الشاملة إلى حصول العامل على رأس المال حتى يستغله
بعمله وقد أصبحت شركات المضـاربة وغيرهــا غيــر كافيــة
879
للحصول على رأس المال اللزم . .القروض هي الوسيلة
الولى وكذلك السندات ،والمقترض هنا هو الجانب القوي
والمقرض هــو الجــانب الضــعيف . . .فمــا دامــت الحاجــة
قائمة للحصول على رؤوس الموال من طريق القرض . .
فإن فائدة رأس المال في الحدود المذكورة ونقصد بــذلك
) أول ( :أنه ل يجوز بحـال مهمـا كـانت الحاجـة قائمـة أن
تتقاضى فوائد على متجمد الفوائد ،فهذا هو ربــا الجاهليــة
الممقوت ) .ثانيا ( :وحتى بالنسبة للفائدة البسيطة يجب
أن يرسم لها واضــع القــانون حــدودا ل تتعــداها مــن حيــث
سعرها ،ومن حيث طريقة تقاضــيها ،ومــن وجــوه أخــرى
وذلك حتى نقدر الحاجة بقدرها .
وحتى بعد كل هذا فإن الحاجــة إلــى الفــائدة ل تقــوم كمــا
قدمنا إل في
نظام رأسمالي كالنظــام القــائم فــإذا تغيــر هــذا النظــام ،
ويبدو أنه في سبيله إلى التغيير . . .عند ذلك يعــاد النظــر
في تقدير الحاجة فقــد ل تقــوم الحاجــة فيعــود الربــا إلــى
أصله من التحريم .انتهى .
بعد استعراض هذه النظريات لن أناقشها من ناحية الفقــه
الشرعي ،وإنما أترك لرجل من أعظم رجال القانون فــي
العـــالم العربـــي ،وهـــو الســـتاذ الســـنهوري أن ينقـــض
النظريتين الوليين على أساس المنطق القــانوني ،وقبــل
ذلك ألفت النظر إلى الختلف الكامــل بــل إلــى التعــارض
بين النظريات الثلث في الساس الــذي بنــت عليــه المــر
الذي ل يسمح بالجمع بينها كما فعل الباحث .
عــن النظريــة الولــى نظريــة الــدكتور معــروف الــدواليبي
يقول الستاذ السنهوري في المرجع السابق المشار إليه :
" يؤخذ على هذا الرأي أمران :
) (1يصعب كثيرا من الناحية العملية التمييــز بيــن قــروض
النتاج وقروض الستهلك حتى تباح الفائدة المعقولة فــي
الولى وتحرم إطلقا فــي الثانيــة ،قــد يكــون واضــحا فــي
بعض الحالت أن القروض قــروض إنتــاج كــالقروض الــتي
تعقــدها الحكومــات والشــركات لكــن . . .مــن القــروض
صورا أكثرها وقوعا وهي القروض التي يعقدها الفراد مــع
880
المصــارف ،فهــل هــي قــروض إنتــاج تبــاح فيهــا الفــائدة
المعقولة أو هي قروض استهلك ل تجوز فيها الفائدة أصل
؟ وهل نستطيع هذا التمييز في كل حالة على حــدة فنبيــح
هنا ونحرم هناك ؟ ظاهر أن هذا التمييز متعـذر ول بـد إذن
من أحد المرين إما أن تباح الفــائدة المعقولــة فــي جميــع
القروض أو تحرم في جميعها .
) (2إذا فرضنا جدل أنه يمكــن تمييــز قــروض النتــاج فــإن
تخريج جــواز الفــائدة المعقولــة فــي هــذه القــروض علــى
فكرة الضرورة ل يستقيم ؛ فالضرورة بــالمعنى الشــرعي
ليســت قائمــة ،وإنمــا هــي الحاجــة ل الضــرورة ،وينبغــي
التمييز بين المرين .
وعن نظرية الشيخ محمد رشيد رضا يقول السنهوري فــي
المرجع ذاته :
غني عن البيان أن القول بأن ربا النسيئة وربا الفضل إنمــا
نهي عنهما في
الحديث الشريف نهي كراهة ل نهي تحريم ل يتفق مــع مــا
أجمعت عليه المذاهب الفقهية ،وقد اعترض الستاذ زكي
الدين بدوي بحق على هذا الرأي في مقاله المنشــور فــي
مجلة القانون والقتصاد حيث قال " :إنــه يتعــذر التســليم
بقوله بعدم دخول الصناف الستة في الربا المحــرم ؛ لن
بيع هذه الصــناف وإن كـانت وســائل وذرائع إلــى الربــا إل
أنها وســائل وذرائع منصوصــة ،ودللــة الحــاديث عليهــا ل
تختلف فيهــا الفهــام ،أمــا قــوله أن النهــي عــن بيــع هــذه
الصــناف كــان تورعــا ؛ لفــادة أن بيعهــا خلف الولــى أو
للكراهة فقــط ل للتحريــم ،فــدعوى تتعــارض مــع ظــواهر
النصوص والمأثور عن الصحابة " ،ويبدو أنه يجب الذهاب
إلى مدى أبعد مما ذهب إليه الستاذ زكي الدين ،والقــول
بأن ربا النسـيئة وربـا الفضـل ل يقتصـران علـى الصـناف
الستة المذكورة في الحديث الشريف بل يجاوزانها إلى ما
عداهما إليه المذاهب الفقهية من الصناف الخرى ،وهــذا
هو الذي انعقد عليه الجماع ،وإن كــل ذلــك ربــا محــرم ل
مكروه فحسب ،وننتهي الن إلى مناقشة نظريــة أســتاذنا
السنهوري فنقول :
881
إذا كــان الســتاذ الســنهوري معــذورا مــن جهــة أنــه حــرر
نظريتــه والواقــع المعــاش فــي ذلــك الــوقت أنــه ل يوجــد
تطبيق مصرفي عملي إل محكوما بأحد النظامين ؛ النظام
اللربــوي الشــيوعي والنظــام الربــوي الرأســمالي ؛ فــإن
الوضــع الن قــد تغيــر ووجــدت تطبيقــات عمليــة وتجــارب
معاشة لنظام مصــرفي ليــس ربويــا ول شــيوعيا هــذا مــن
ناحية ،أما من الناحية الخــرى فــإن الحاجــة حينمــا تعتــبر
مثل هذا العتبار في بعض الحكام إنما يقصد بهــا الحاجــة
التي تفرض على النسان من الخارج ول يستطيع دفعهــا ،
أما أن يكون في إمكان النسان دفع الحاجة ،ثم ل ينشط
لذلك فل يجوز اعتبارها في هذه الحــال وواضــح بعــد تغيــر
الظروف ونجاح التطبيقات للنظام المصرفي غيــر الربــوي
أن في إمكان أي دولة إسلمية أن تحول نظامها المحلي -
على القل -إلى نظام ل ربوي لــو أرادت ذلــك .وســيأتي
لهذا زيادة بيان إن شاء الله .
ومن حيث بناء النظرية على التمييز بين صورة مــن صــور
الربــا الجاهليــة بــالقول بأنهــا مقصــودة فــي القــرآن ،
والمحرمة تحريم مقاصد وربا النسيئة -ومنه ربا القرض -
بالقول بأنه ليس من الربا المقصود في القــرآن ،ومحــرم
تحريم وسائل فهو خطأ واضــح كالشــمس ،ووهــم زل بــه
عالم جليل نقصد به الشــيخ رشــيد رضــا ) ونــدعو اللــه أن
يعفو عنه في جانب حسناته الجليلة والله أعلم بها ( ولكن
ل يجوز تقليده في زلته ،ولو لم ترد النصوص موضحة أن
ربا الجاهلية ل يقتصر على تلك الصورة لوجب أن نستيقن
ذلك من طبائع المور وحكم العقل .
كانت مكــة واديــا غيــر ذي زرع فلــم يكــن اقتصــاد قريــش
قائما على الزراعة ،وإنما كان قائما على التجــارة وكــانت
لهم رحلتا الشتاء والصيف ،وكان منهــم أصــحاب المــوال
) الممولــون ( وأصــحاب العمــل ) المحتــاجون للتمويــل (
وكــان مــن الطــبيعي أن يكــون القــرض الداة الرئيســية
للتمويل ،ول يعقل أن الممولين من قريش لم يعرفــوا إل
القرض الحسن الذي ل يكون فيه ربا .
882
وعنــدما أعلــن النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم وضــع ربــا
الجاهلية تحت قـدميه الشـريفتين لـم يفهــم أحــد أبـدا أنـه
وضع فقــط صــورة ) إمــا أن تقضــي أو تربــي ( وتــرك ربــا
القرض قائما غير موضوع .وحين وضع ربــا العبــاس ،لــم
يكن الموضوع فقط ما كان على صورة " إما أن تقضي أو
تربي " والنصوص تشهد لهذا .
فقد روى الطبري عن الســدي فــي تفســير قــوله تعــالى :
َ
ن الّرب َــا { )
م َ
ي ِ
ما ب َِق َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ
ه وَذ َُروا َ نآ َ
ذي َ} َيا أي َّها ال ّ ِ
(1قال :نزلت هذه الية فــي العبــاس بــن عبــد المطلــب
ورجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية يسلفان
في الربا إلى أناس مــن ثقيــف . .الحــديث ج 6ص . 33
ن
كما روى عـن السـدي فـي تفسـيره قـوله تعـالى } :وَإ ِ ْ
َ
م { ) (2قــال :الــذي أســلفتم وال ِك ُ ْ
مـ َ
سأ ْم ُرُءو ُ م فَل َك ُـ ْ ت ُب ْت ُـ ْ
وأســقط الربــا .ج 1ص . 27والســلف فــي اللغــة هــو
القرض .
والعلماء عندما ذكروا صورة " إما أن تقضي وإما أن تربي
" على أنها ربا
__________
) (1سورة البقرة الية 278
) (2سورة البقرة الية 279
الجاهليــة كــانوا يقصــدون حصــر ربــا الجاهليــة فــي هــذه
الصــورة ،يقــول ابــن القيــم فــي إعلم المــوقعين :ربــا
النسيئة هو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية ومثــل بصــورة
" إمــا أن تقضــي أو تربــي " ،وأفســد مــن فهــم أن ربــا
الجاهليـة قاصــر علــى صــورة " إمــا أن تقضــي أو تربــي "
نسبة ذلك إلى ابن عباس رضي الله عنــه ،وأنــه لــم يكــن
يرى ربا فــي غيــر هــذه الصــورة ،فــي حيــن أن هــذا غيــر
صحيح إنه إنما نقل عنه فقط الخلف في ربا الفضل ،وها
أنا أنقل من كتاب الســنهوري نفســه " :قــال ابــن رشــد :
أجمع العلماء على أن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضــة
ل يجوز إل مثل بمثل يــدا بيــد إل مــا روي عــن ابــن عبــاس
ومن تبعه من المكيين أنهم أجازوا بيعــه متفاضــل ومنعــوه
نسيئة فقط ،وإنما صار ابن عبــاس إلــى ذلــك ؛ لمــا رواه
883
عن أسامة بن زيد عن النبي صــلى اللــه عليــه وســلم أنــه
قــال » :ل ربــا إل فــي النســيئة « ) (1فأخــذ ابــن عبــاس
بظاهر الحديث فلم يجعل الربا إل في النسيئة .
بل إن بحث الدكتور إبراهيم الناصر نفسه وردت فيه هــذه
العبارات ) ص : ( 8وقال الشافعي رحمه الله فــي كتــاب
اختلف الحــديث " :كــان ابــن عبــاس ل يــرى فــي دينــار
بدينارين ول في درهم بدرهمين يدا بيد بأســا ،ويــراه فــي
النسيئة وكذلك عامة أصحابه .
__________
) (1صحيح مسلم المساقاة ),(1596سنن النسائي البيوع
),(4580سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2257مســند أحمــد
بن حنبل ),(5/209سنن الدارمي البيوع ).(2580
الملحظة الرابعة :
وردت في البحث هذه التقريرات النفعالية في المقدمــة :
" لن تكون هناك قوة إسلمية بدون اقتصــاد ،ولــن تكــون
هناك قوة اقتصادية بدون بنوك ،ولن تكون بنوك بل فوائد
،إن وظيفة الجهاز المصرفي في اقتصــادها تشــبه القلــب
بالنسبة لجسم النسان ،يقـوم البنـك بتسـيير النقـود فـي
عــروق الحيــاة القتصــادية لي بلــد لتعيــش وتزدهــر ) ص
. ( 1وفـــي الخاتمـــة " :نســـتخلص ضـــرورة الـــترخيص
بالقرض بفائدة ،بذلك تتحقق أهداف الفائدة العامة خارج
نطاق أي تحريم أو حظر قـانوني فـي اسـتخدام مـدخرات
المواطنين في
تعزيــز وتقويــة القتصــاد الــوطني فالعــائد سيصــبح ثابتــا
ومضمونا ومثمرا وذلك بسبب تنوع وتوسع المشــروعات ،
والنتيجة تحقق القــوة القتصــادية الــتي بــدونها لــن تكــون
هناك قوة إسلمية " ص . 20
أحقا أن الدكتور إبراهيم يعيش معنا على هذه الرض ؟
فــي المــدة الخيــرة العنــوان الــذي ل نفتقــده يوميــا فــي
الصحافة والذاعة الحديث عن دول العــالم الثــالث ،ومــن
بينها مع السف عدد من البلدان السلمية ،وتخبطها فــي
مشكلة الديون للدول والبنوك الجنبية حيث تعــاني العجــز
عن تسديد فوائد الديون ل عن أقساطها فحسـب ،لنـترك
884
هذه الصورة ولننتقــل لصــورة ثانيــة ،لقــد وجــدت البنــوك
الربوية في العالم السلمي أو في جــزء منــه علــى القــل
منذ أكثر من مائة سنة ،ولم تنجح البلــدان الســلمية فــي
إقامة نظام يصلح أن يكون ندا أو مثيل لنظام في البلــدان
المتقدمة إل في النظــام البنكــي ،ربمــا كـانت الختلفــات
يسيرة بين بنك في الرياض أو في جدة وبنك في جنيف أو
لندن ،ولكن هــل تحققــت النتيجــة الــتي تنبــأ بهــا الــدكتور
إبراهيم القوة القتصادية ،إن الهزائم الــتي يعــاني العــالم
السلمي منها في المجــال العســكري والسياســي ليســت
أكبر من الهزائم فــي المجــال القتصــادي ،إن المصــارف
الربوية ونظام الفائدة لم يخلق للعالم السلمي إمكانيات
تمكنه من اجتياز حاجز التخلف ،وإذا اعتبر معيار التخلــف
مــدى العجــز عــن النتفــاع بالمكانيــات ) ل أقصــد فقــط
المكانيات المالية ،بل ول المكانيات اليجابية ،بل أقصــد
أيضا المكانيات السلبية ( فإن بلدان العالم الســلمي مــع
السف ) مقل ومستكثرا ( عــاجزة ل عــن العمــل بــل عــن
عدم العمل إذ من المعروف ،والمشاهد أن بلــدان العــالم
السلمي تتخبط في مشاكل كان يمكــن أن تحلهــا باتخــاذ
مواقف سلبية ولكنها مخذولة حتى عن ذلــك ،بالتأكيــد أن
نظام الفائدة لــم يكســبها قــوة اقتصــادية ،والبنــوك ) لــم
تسير الدم في عروق حياتها القتصادية لتعيش وتزدهر ( .
ولكن أل يمكن أن يكون المر على العكس من ذلك ؟ لقد
م{ ص ـْرك ُ ْ صُروا الل ّ َ
ه ي َن ْ ُ ن ت َن ْ ُ
شرط الله لنصرنا أن ننصره } إ ِ ْ
) (1ووضع لنا قانونا أصدق من القوانين الرياضــية } َفــإ ِ ْ
ن
ْ
نمـ َ ب ِ ح ـْر ٍم ت َْفعَُلوا { ) (2أي :لم تذروا الربا } فَ ـأذ َُنوا ب ِ َ لَ ْ
ســول ِهِ { ) (3ولــو آمنــا حــق اليمــان بكلمــات اللــه الل ّهِ وََر ُ
لكان لنا شأن آخر .
غير أن اليقين أضحى مريضا مرضا باطنا كثير الخفاء
__________
) (1سورة محمد الية 7
) (2سورة البقرة الية 279
) (3سورة البقرة الية 279
الملحظة الخامسة :
885
إن النظريات الــتي ســبقت الشــارة إليهــا فــي الملحظــة
الثالثة قد وجدت بضغط من عوامل الواقــع المعــاش عنــد
وجودها وذلك ما يلتمس به العــذر لصــحابها فــي الخطــأ ،
ولكــن الظــروف تغيــرت كــثيرا ،وتلــك العوامــل تجاوزهــا
الزمن فما بال الدكتور إبراهيم يصر على أن يحارب تحــت
راية من أشباح الماضي ،في الوقت الذي وجدت فيه تلك
النظريــات وأشــباهها لــم يكــن يوجــد علــى أرض الواقــع
مصرف واحد يقوم بمختلف الخــدمات المصــرفية دون أن
يحتاج لستخدام أداة الفائدة .
أما الن فربمــا بلــغ عــدد المصــارف اللربويــة خمســين أو
يزيد إذا استثنينا الباكستان وإيران ،وبحسب التقرير الذي
أصدرته حكومة الباكستان في عام 1985م فقــد تحــولت
جميع فروع المصارف البالغة سبعة آلف فرع إلى النظــام
المصرفي اللربوي ،وقد اهتمت بهذه الظــاهرة دراســات
وبحوث كثيرة للخبراء القتصاديين والماليين الغربيين لعله
يكون مفيدا للدكتور إبراهيم أن نقتبــس مــن أحــد النمــاذج
لهــذه البحــوث ففــي عــام 1981م نشــر أنجــو كارســتن
الستاذ في مؤسسة السياسة القتصادية في جامعة كييــل
) ألمانيا الغربية ( وكــان حينــذاك يعمــل خــبيرا فــي البنــك
الدولي نشر بحثا عن السلم والوساطة الماليــة ،نشــرت
ترجمته مجلة أبحاث القتصاد السلمي ) ، ( 1 \ 2وأورد
هنا بعض ما ورد في المقال أو ملخصه .
عدد المقال مبررات وجـود المصـرف اللربـوي فلـم يفتـه
اليضاح عن المبرر القتصادي ،وهــو المقولــة القتصــادية
المســــلمة أن ) معــــدلت الفــــائدة تعــــوق الســــتثمار
والعمالة ( .ثم تكلم عن مدى نجاح المصارف السلمية )
ولم يكن بين يديه في ذلك الوقت إل معلومات عن حوالي
20مصرفا ( فقال " تشير البيانات المحدودة التي أتيحــت
لنا إلى أن المصارف الســلمية عملــت بنجــاح ل بــأس بـه
فــي العــام الماضــي 1980م ،ففــي الباكســتان أعلنــت
المصــارف التجاريــة عــن حصــص الربــاح علــى حســابات
الدخار القائمة على المشــاركة ،وعلــى الــودائع المؤجلــة
للنصف الول من عام 1981م ،وتم دفع معدل ســنوي )
886
( %9للولى ،بينما أغلت الثانية ) ( % 5 . 11في حين
كان عائد الحسابات الربوية المقابلـة ) ( % 5 . 9لسـتة
أشهر -سنة وســجل البنــك الســلمي الردنــي ربحــا كليــا
بنسبة ) ( % 2 . 8لحسابات الستثمار لعام 1980م في
حيــن أن المصــارف التقليديــة -أي الربويــة -فــي الردن
دفعت عام 1980م معدلت ما بين 7 . 5 . 7للحسابات
المؤجلــة لســنة ،كمــا أن المــودعين لــدى بنــك البحريــن
قبضوا عام 1980م معــدلت أربــاح % 5 . 9 - 9علــى
حساب الودائع و % 5 . 5على حسابات الدخــار ،بينمــا
كــانت معــدلت الفــائدة للفــترة نفســها علــى المصــارف
البحرينية الربوية لثلثة أشهر % 8 - 5 . 7وعلى الودائع
لمدة 15 - 6شهرا . % 5 . 9 - 5 . 8
ثم يقــول " :إن المعلومــات عــن مســتوى أداء المصــارف
السلمية قليلة في الواقع إل أنها تشير إلى أن المصــارف
السلمية قادرة على مزاحمة المصارف التقليدية" .
ثم يشير في بحث آثار النظام المصــرفي الســلمي علــى
التنميــة القتصــادية والســتقرار إلــى أنــه " لــدى تحليــل
النعكاسات الناشئة مـن تحويـل أسـاس عمليـات القطـاع
المصرفي إلى المشاركة فــي الربــح والخســارة فــإن مــن
المنافع المحتملة للتوسع في عمليات المشاركة فــي ظــل
بعض الظروف تحصيل معدلت
العائد الحقيقية اللحقة مــن آثــار التغيــرات غيــر المتوقعــة
في معدل التضخم ،وزيادة معــدل المرونــة الــواقعي فــي
الظــروف الــتي تكــون فيهــا العــوائد الســمية ) لزجــة ( ،
وزيـــادة تـــدخل الوســـطاء المـــاليين فـــي الداء المـــالي
للمقترضــين وجاذبيــة الوســائل الماليــة للمــدخرين الــذين
يشعرون بزواجر دينية حيال الصول التقليدية ذات الفائدة
.
لقد تعمدت كثرة القتباس من الستاذ كارســتن وإن كــان
يتحدث عن مرحلة مبكرة من تاريخ المصارف الســلمية ،
وهي مرحلة تجارب وخطوات أولى ؛ لكي يقــارن الــدكتور
إبراهيــم بيــن طريقــة تفكيــره وطريقــة تفكيــر الســتاذ
كارستن ،بين التفكير المستشرف للمستقبل لرجــل غيــر
887
مســلم ،وطريقــة تفكيــر مســلم يعيــش أســير أفكــار
الماضي .
أرجو أن الدكتور إبراهيم يتابع بــالقراءة والطلع الكتابــات
المســتجدة فــي مجــال القــانون والقتصــاد ،ومــع ذلــك
فسوف أتطفل بأن أذكر له أن مجلــة الداري فــي عــددها
الصــادر فــي كــانون الثــاني لعــام 1987م .نشــرت علــى
صفحاتها 51 - 35بيانات إحصائية عن أكبر مائة مصرف
إسلميا في إحدى دول مجلس التعاون حصل على المركز
الول بيــن البنــوك المحليــة فــي تلــك الدولــة فــي مــردود
السهم وواردات الصــول ،وفــي مجــال المصــرف الكــثر
فعالية أما عند مقارنته بكل بنــوك المملكــة فــإنه يتقــدمها
في كل هذه المجــالت بمراحــل ،ولعــل ممــا يــثير دهشـة
الــدكتور إبراهيــم أن يعــرف أن هــذا المصــرف مشــهور
بتشــدده ومحــافظته وحرصــه علــى التقيــد بــالقيود الــتي
يتسامح فيها غيره ،وقد حقق هذا النجاز بــدون اســتخدام
أداة الفائدة .
الملحظة السادسة :
قرأت مرة في إحدى صحفنا أن مائة وستين ألف شــخص
تقدموا للمساهمة عندما طرحت أسهم أحد البنوك الربوية
للكتتاب العام في حين
قدرت عدد المواطنين السعوديين الراغبين في الســتثمار
والقــادرين عليــه والــذين علمــوا عــن طــرح الســهم فــي
الكتتاب ثم نسبت لهم عدد المتقدمين ،فعل أصابني فزع
شديد وخشيت أن يكون لذلك دللة على مدى مــا وصــلت
إليه منزلة الدين في مجتمعنا إلى درجــة أن تســتهل هــذه
النسبة الكبيرة مــن المــواطنين اقتحــام خطــر الربــا ،وأن
ينضموا بسهولة إلى الجانب الذي أذن الله بــالحرب ،غيــر
أني رجعت إلى نفسي وقلت لعل من هؤلء كثيرا ل يهــون
عليهم ارتكاب معصية أقل خطــرا .وإذن مــا تفســير هــذه
الظاهرة ؟
وأجبت لعل تفسيرها أن هــؤلء قــد تقحمــوا الخطــر تحــت
تأثير التجاه العام دون أن يكون لـذلك دللتـه علــى هــوان
أمر السلم في قلوبهم ،ولو صــح هــذا التفســير فل شــك
888
أن كــثيرا مــن هــؤلء -والنــذر والمــواعظ تقرعهــم كلمــا
ســمعوا خطبــة أو قــرأوا القــرآن -يعــانون مــن الصــراع
النفسي ،ولذلك فإني أخشى أن يكون البحث مصدر فتنة
لمثــل هــؤلء ،إن العــوام -وأقصــد بــالعوام هنــا غيــر
المختصــين فــي الفقــه أو القــانون -ل ســيما مــع الرغبــة
الشديدة في التخلص من الصراع النفسي والميل الجارف
لتطمين الضمير لن يكونوا في حالة ذهنية ونفســية قــادرة
على تقييم البحــث ،إنهــم ليســوا فــي وضــع يمكنهــم مــن
التمييز بين الحقائق والوهام بين الحجج الصورية والحجــج
الصحيحة بين الشبه والدلة ،ولذلك فــإن البحــث ســيؤدي
دورا لم يقصده كاتبه فهو الضلل بغير علم ،وإني بصــدق
مُلوا ح ِ أخشى على الكاتب من مقتضى الية الكريمة } :ل ِي َ ْ
ة يوم ال ْقيامة وم َ َ
ر
م ب ِغَي ْ ِ ضّلون َهُ ْ ن يُ ِذي َ ن أوَْزارِ ال ّ ِ مل َ ً َ ْ َ ِ َ َ ِ َ ِ ْ م َ
كا ِ أوَْزاَرهُ ْ
َ
ن { ) ، (1عافانا الله وإياكم ،ول أجد ما ي َزُِرو َساَء َ عل ْم ٍ أَل َ ِ
للخ المكرم -والنصيحة له فــرض -ل أجــد لــه مخرجــا إل
بمحو هذه الثــار ،فرحمــة اللــه وســعت كــل شــيء وهــي
مكتوبة للمتقين .
__________
) (1سورة النحل الية 25
الملحظة السابعة :
أقــدم الخ المكــرم علــى أمــر منكــر حينمــا أقــدم علــى
التعــرض لكلم اللــه بتفســيره بجهــل ،والصــفحة الولــى
والثانية أبلغ شاهد على ذلك ،ول أدري أين
مــا ن إ ِّل ك َ َ مــو َ عزب فهمه عندما أقدم على تفسير } َل ي َُقو ُ
س { ) (1في صفحة م ّ ن ال ْ َم َ ن ِطا ُشي ْ َه ال ّخب ّط ُ ُ
ذي ي َت َ َ م ال ّ ِ ي َُقو ُ
) ( 14فجاء بتفسير كان ينبغي أن يثير الضحك والسخرية
لول أنه يتعرض لكلم الله ،فحقه أن يثير الغضــب ،هــدى
الله الخ الكريم وأنقـذه مـن وعيـد مـن قـال فـي القـرآن
برأيه أو بغير ما ل يعلم فليتبوأ مقعده من النار .
َ
ه
ل ب ِـ ِ م ي ُن َـّز ْمــا ل َـ ْ
كوا ب ِــالل ّهِ َ شـرِ ُ ن تُ ْ وقال الله تعــالى } :وَأ ْ
َ
ن { ) (2فقــرن مــو َ مــا َل ت َعْل َ ُ ن ت َُقوُلوا عََلى الل ّـهِ َ طاًنا وَأ ْ سل ْ َ
ُ
القول على الله بغير علم بالشرك به أعاذنا الله وإياكم .
__________
889
) (1سورة البقرة الية 275
) (2سورة العراف الية 33
الملحظة الثامنة :
إن من العبــث حقــا تتبــع شــبه البحــث وحججــه الوهميــة ،
وتسويد الورق بمناقشــتها واحــدة واحــدة ،ولكــن إذا كــان
الخ المكرم الدكتور إبراهيم ل يزال جاهل أن ربــا النســيئة
من المور الغامضة ول من المور التي ليس للجتهاد فيهــا
مجال ،وأن إجماع المــة علــى تحريمــه تحريــم مقاصــد ل
وســائل مــن المــور غيــر الخفيــة ،فضــل عــن النصــوص
القاطعة الثبوت القاطعة الدللة فلعلــه يفيــده أن يعــرف -
وهو حديث عهد بالعمــل فــي مؤسســة النقــد -أن الجهــاز
الذي يعمل فيه كان حريصا على المصلحة العامة وازدهــار
القتصاد ومدركا لسباب رقيه ،ومع ذلك فبجهد المحــافظ
الســابق للمؤسســة ومســاندة ومتابعــة المحــافظ الحــالي
قــامت المؤسســة بعمــل دؤوب وجهــد متواصــل وبــذل
مشكور حتى أثمر ذلك مشــروعا متكــامل لقيــام مؤسســة
مصــرفية إســلمية ل تســتخدم الفــائدة ،وقــامت وزارة
التجارة ثم مجلــس الــوزراء بــدورهما المشــكور فــي هــذا
السبيل والن يوشك أن يخــرج هــذا المشــروع إلــى النــور
صرِ الل ّهِ { )(2ن { ) } (1ب ِن َ ْ
مُنو َ ح ال ْ ُ
مؤ ْ ِ مئ ِذٍ ي َْفَر ُ
} وَي َوْ َ
لعل من المناسب أن يضاف إلى الملحظة الســابقة هــذه
الملحظة :
أن نظام مؤسسة النقــد العربــي الســعودي ) وهــي البنــك
المركزي
__________
) (1سورة الروم الية 4
) (2سورة الروم الية 5
للمملكة ( ينص في المادة الثانية منه علــى أنــه " ل يجــوز
لمؤسسة النقد العربي السعودي دفــع أو قبــض فــائدة " ،
وينــص فــي المــادة السادســة منــه علــى أنــه " ل يجــوز
لمؤسســة النقــد العربــي الســعودي مباشــرة أي عمــل
يتعارض مع قواعد الشريعة السلمية السمحاء ،فل يجوز
لها دفع أو قبض فائدة على العمال " .
890
ومع صراحة هذه النصوص فإما أن يكون الــدكتور إبراهيــم
الناصر لم يطلع على نظام المؤسسة وهــذا هــو الحــرى ،
وإن كان غريبا أن ل يطلع المستشار القــانوني للمؤسســة
على نظامها ،أو يــرى أن المؤسســة قائمــة علــى قواعــد
تخــالف المنطــق الســليم ،وتخــالف التفســير الصــحيح
للشريعة إذ يقرر نظامهــا أن دفــع وقبــض الفــوائد يعــارض
الشريعة في حين يرى هو أن دفــع وقبــض الفــوائد يوافــق
الشريعة ،وأنه ل اقتصاد سليم بدون بنــوك تبنــي عمليــاته
على القراض والقتراض بالفائدة .
صالح بن عبد الرحمن الحصين
==================
#التحذير من إيداع الموال في البنوك أو غيرها
لغرض الحصول على الربا
مجلة البحوث السلمية ) -ج / 23ص (397
التحذير من إيداع الموال في البنوك أو غيرها
لغرض الحصول على الربا
سماحة الشيخ \ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الحمد لله والصلة والسلم علــى عبــد اللــه ورســوله نبينــا
محمد وعلى آله وصحبه ،أما بعد - :
فقد اطلعت على إعلن باللغة النجليزية كان قد نشر فــي
جريدة الرياض الصادرة في يــوم الربعــاء الموافــق \ 14
1407 \ 10هـ .وقد تضمن الدعاية ليــداع المــوال فــي
البنك الفدرالي للشرق الوسط الكائن في دولـة قـبرص ؛
للحصول على نسبة أعلى من الفــوائد الربويــة مــن البنــك
المذكور .
ول يخفى على كل مســلم بصــير بــدينه أن التعامــل بالربــا
وأكله منكر ومن كبائر الذنوب ،كما قال الله عز وجل :
ْ
خب ّط ُ ُ
ه ذي ي َت َ َ م ال ّ ِما ي َُقو ُ ن إ ِّل ك َ َمو َ ن الّرَبا َل ي َُقو ُ ن ي َأك ُُلو َ َ } ال ّ ِ
ذي
طان من ال ْمس ذ َل َ َ
ل الّرب َــا ما ال ْب َي ْـعُ ِ
مث ْـ ُ م َقاُلوا إ ِن ّ َ ك ب ِأن ّهُ ْ َ ّ ِ شي ْ َ ُ ِ َ ال ّ
عظ َـ ٌ َ
ه
ن َرب ّـ ِ مـ ُْ ة ِ مو ْ ِ جــاَءهُ َ ن َ مـ ْ م الّرَبا فَ َ حّر َ ه ال ْب َي ْعَ وَ َ ل الل ّ ُ ح ّ وَأ َ
ن عَــاد َ َفـأول َئ ِ َ َفانتهى فَل َه ما سـل َ َ َ
ك مـ ْ مـُرهُ إ َِلـى الّلـهِ وَ َ ف وَأ ْ ُ َ َ ََْ
َ
ه الّرب َــا حـقُ الل ّـ ُ م َن { ) } (1ي َ ْ دو َ خال ِـ ُ م ِفيَها َ ب الّنارِ هُ ْ حا ُ ص َ أ ْ
ل ك َّفارٍ أ َِثيم ٍ { ). (2 ب كُ ّ ح ّ ه َل ي ُ ِت َوالل ّ ُ صد ََقا ِ وَي ُْرِبي ال ّ
891
وقد جعل الله سبحانه ذلك محاربة له ولرسوله صلى اللـه
عليه وسلم حيث قال :
__________
) (1سورة البقرة الية 275
) (2سورة البقرة الية 276
َ
نن الّرب َــا إ ِ ْ مـ َ ي ِ ما ب َِق ْ َ ه وَذ َُروا َ مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ نآ َ ذي َ } َيا أي َّها ال ّ ِ
ن مـ َ ب ِ حـْر ٍ م ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ب ِ َ ن ل َـ ْ ن { ) } (1فَإ ِ ْ مِني َ مؤ ْ ِ م ُ ك ُن ْت ُ ْ
َ
ن مــو َ م َل ت َظ ْل ِ ُ وال ِك ُ ْمـ َسأ ْ م ُرُءو ُ م فَل َك ُـ ْ ن ت ُب ْت ُـ ْسول ِهِ وَإ ِ ْ الل ّهِ وََر ُ
ن { ). (2 مو َ وََل ت ُظ ْل َ ُ
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم » أنه لعن آكل الربا
ومــوكله وكــاتبه وشــاهديه ،وقــال :هــم ســواء « ). (3
واليات والحاديث فــي التحــذير مــن الربــا وبيــان عــواقبه
الوخيمة كثيرة جدا ،فالواجب على كل من يتعــاطى ذلــك
التوبة إلى الله سبحانه منه ،وترك المعاملــة بــه مســتقبل
وعدم النصــياع لمثــل هــذه الــدعايات الباطلــة طاعــة للـه
سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليــه وســلم ،وحــذرا
من العقوبات المترتبة على ذلك عاجل وآجل ،وابتعادا عن
الوقــوع فيمــا حــرم اللــه ،عمل بقــوله ســبحانه وتعــالى :
َ
ن{) حــو َ م ت ُْفل ِ ُ ن ل َعَل ّك ُ ْ مُنو َ مؤ ْ ِه ال ْ ُ ميًعا أي ّ َ ج ِ } وَُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ َ
. (4
مُنوا ُتوُبوا إ َِلى الل ّـهِ ت َوْب َـ ً َ
ة نآ َ ذي َ وقوله عز وجل َ } :يا أي َّها ال ّ ِ
نصــوحا عَســى ربك ُـ َ
م خل َك ُ ْم وَي ُـد ْ ِ سـي َّئات ِك ُ ْ م َ ن ي ُك َّفـَر عَن ْك ُـ ْ مأ ْ َ ّ ْ َ َ ُ ً
حت َِها اْلن َْهاُر { ) . (5الية . َ ن تَ ْ م ْ ري ِ ج ِ ت تَ ْ جّنا ٍ َ
وأسأل الله أن يوفقنا وجميــع المســلمين للتوبــة إليــه مــن
جميــع الــذنوب ،وأن يعيــذنا جميعــا مــن شــرور أنفســنا
وسيئات أعمالنا ،وأن يصلح أحوال المســلمين جميعــا إنــه
جواد كريم ،وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلــه
وصحبه .
الرئيس العام
لدارات البحوث العلمية والفتاء والدعوة والرشاد
__________
) (1سورة البقرة الية 278
) (2سورة البقرة الية 279
892
) (3صحيح البخاري اللباس ),(5617سنن أبو داود الــبيوع
),(3483مسند أحمد بن حنبل ).(4/308
) (4سورة النور الية 31
) (5سورة التحريم الية 8
حديث شريف
عن عقبة بن عامر قال » :صلى رســول اللــه صــلى اللــه
عليه وسلم علــى قتلــى أحــد بعــد ثمــاني ســنين كــالمودع
للحياء والموات ،ثم طلع المنبر فقال :إني بيــن أيــديكم
فرط ،وأنــا عليكــم شــهيد ،وإن موعــدكم الحــوض وإنــي
لناظر إليه من مقامي هذا ،وإني لست أخشى عليكــم أن
تشركوا ،ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها .قال :
فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى اللــه عليــه
وسلم « )(1
رواه البخاري
__________
) (1صــحيح البخــاري المغــازي ),(3816صــحيح مســلم
الفضائل ),(2296سنن النسائي الجنائز ),(1954سنن أبو
داود الجنائز ),(3223مسند أحمد بن حنبل ).(4/149
بسم الله الرحمن الرحيم
ن عَل َي ْهَــا ن َوال ْعَــا ِ
مِلي َ كي ِســا ِ
م َ ت ل ِل ُْفَق ـَراِء َوال ْ َص ـد ََقا ُمــا ال ّ } إ ِن ّ َ
ل الّلــ ِ
ه سِبي ِ
ن وَِفي َ مي َب َوال َْغارِ ِ م وَِفي الّرَقا ِ مؤَل َّفةِ قُُلوب ُهُ ْ َوال ْ ُ
م { )(1 كي ٌح ِ م َ ه عَِلي ٌن الل ّهِ َوالل ّ ُم َ ة ِ ض ًري َ ل فَ ِ سِبي ِ
ن ال ّ وَا ِب ْ ِ
) سورة التوبة ،الية ( 60
__________
) (1سورة التوبة الية 60
المشرف العام
سماحة الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام لدارات البحــوث العلميــة والفتــاء والــدعوة
والرشاد
لجنة الشراف
الدكتور
عبد العزيز بن محمد العبد المنعم
893
الشيخ
عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين
الشيخ
أحمد بن عبد الرزاق الدويش
الدكتور
محمد بن سعد الشويعر
===============
#تعليق عن التفريق بين الفائدة البنكية والربا
مجلة البحوث السلمية ) -ج / 31ص (123
الشيخ \ صالح بن عبد الرحمن الحصين
مــن المعــروف أن الربــا مكــروه مــن قــديم الزمــان وفـي
مختلف العصور ،ولكن ربما كان أقــدم نــص مكتــوب فــي
تحريــم الربــا الفــاحش فــي العصــر الفرعــوني هــو قــانون
الفرعــون بوخــوريس مــن الســرة الرابعــة والعشــرين ،
وحرمت التشريعات الموسوية والمســيحية الربــا بمختلــف
أشكاله ومهما كان قدره ،إل أن اليهود بعد موسى أجازوا
الربا مع غير اليهود على أساس أن مال غيــر اليهــود حلل
ُ لليهود } :ذ َل َ َ
ل{ سِبي ٌن َ مّيي َ س عَل َي َْنا ِفي اْل ّ م َقاُلوا ل َي ْ َك ب ِأن ّهُ ْ ِ
) (1وقد عاب الله في القرآن الكريم اليهود بذلك فقــال :
م ت ل َُهــ ْحل ّ ْت أُ ِ م ط َي َّبا ٍمَنا عَل َي ْهِ ْ
حّر ْدوا َها ُن َ ذي َ ن ال ّ ِ م َ} فَب ِظ ُل ْم ٍ ِ
م الّرَبا وََقــد ْ خذِهِ ُ ل الل ّهِ ك َِثيًرا { ) } (2وَأ َ ْ سِبي ِ ن َ م عَ ْصد ّهِ ْ وَب ِ َ
ه { ) (3والربا الـذي كـانت تأخـذه اليهـود كمـا هـو ن ُُهوا عَن ْ ُ
معروف هــو الزيــادة الــتي يأخــذونها علــى القــروض الــتي
يقـدمونها لغيـر اليهـود ،فيأخـذون زيـادة علـى رأس مـال
القرض مقابل الجل ،وقــد ظــل العــالم المســيحي يكــره
اليهــود ويشــنع عليهــم أخــذهم الربــا ،ومــن آثــار ذلــك
المســرحية المشــهورة لشكســبير ) تــاجر البندقيــة ( عــن
المرابي اليهودي ،
__________
) (1سورة آل عمران الية 75
) (2سورة النساء الية 160
) (3سورة النساء الية 161
894
وقد ظل اليهود يتــألمون مــن هــذه المســرحية ويكــافحون
ضد ظهورها ،ولول أن القيمة الدبية لها قد حمتها لكــانت
قد اختفت من الثار الثقافية .
وقد ظلت القوانين في البلد المسيحية تحرم الربا ،فلمــا
جاءت الثورة الفرنسية في عــام 1789م أبــاحت الفــائدة
على القروض في حدود معينة وانتقلت هــذه الباحــة إلــى
تقنين نابليون الصادر عام 1804م والنافذ حــتى الن فــي
فرنسا ،ثم صدر فــي فرنســا عــام 1808م قــانون يحــدد
السعر القانوني للفائدة بـ % 5في المسائل المدنيــة و 6
%في المسائل التجارية ،وفي 5أغســطس عــام 1935
م صدر قانون يجعل من يتقاضــى فــوائد زائدة عــن حــدود
معينة مرتكبا جريمة الربا ،وبالمثــل اعتــبرت المــادة 644
من القانون الجنائي اليطالي الجديــد مــن يتقاضــى فــوائد
زائدة عن حدود معينة مرتكبا جريمة الربا .
وهكذا نرى أن الضمير النساني لم يســتطع حــتى الن أن
يتخلــص مــن كراهيتــه للربــا واعتبــاره جريمــة وعمل غيــر
أخلقــي ،وإن تســامح فــي حــدود معينــة ونســب محــددة
للفائدة يتحكم واضع القانون في تقييمها بين وقت وآخر .
أمــا السـلم فقــد جـاء بنصــوص قاطعـة الدللـة ،قاطعـة
الثبوت على تحريم ربا النسيئة ) أو أخذ زيادة في القــرض
عن رأس المال مقابل الجل ( ووردت بذلك آيــات ســورة
البقرة التي قررت أن الدائن ل يجوز له أن يأخذ زيادة عن
ْ
ن الل ّـ ِ
ه مـ َ ب ِ ح ـْر ٍم ت َْفعَل ُــوا فَ ـأذ َُنوا ب ِ َن ل َـ ْرأس مــاله } :فَ ـإ ِ ْ
ن وََل َ
م َل ت َظ ْل ِ ُ
مــو َ وال ِك ُ ْ
مـ َسأ ْم ُرُءو ُ م فَل َك ُـ ْ ن ت ُب ْت ُـ ْ
ســول ِهِ وَإ ِ ْوََر ُ
ن { ) (1أي ل تظلمــون المــدين يأخــذ زيــادة عــن مــو َ ت ُظ ْل َ ُ
رأس المـــال ،كمـــا وردت بـــذلك الحـــاديث الصـــريحة
المتواترة تواترا معنويا ،ثم أجمعت على ذلك المة ،وقــد
وجد النزاع بين العلماء قديما وحديثا في صور عديــدة مــن
التعامل هل تدخل في الربا ،ولكن طوال القرون الماضية
لم يوجد نزاع ) بل لم ينقل ( حــول ربــا النســيئة ،فالمــة
متفقة على تحريمه بكل صوره سواء كان قليل أم كثيرا .
__________
) (1سورة البقرة الية 279
895
وقــد حــدث أن وقعــت البلد الســلمية ) عــدا المملكــة
العربية السعودية واليمن ( تحت الستعمار الوروبي فنقل
إليها النظام البنكي المعتمــد علــى الفــائدة الربويــة وأنتــج
ذلك نتيجتين :
النتيجة الولى :شل التعامل القتصادي المتحرر من الربــا
،وتقليد البلــدان الســلمية الــدول الغربيــة العلمانيــة فــي
تقنين التفريق بين قليل الربا وكثيره ،فسمحت التقنينــات
المدنيــة العربيــة مثل بتقاضــي فــوائد يحــددها القــانون
وحرمــت الزيــادة عليهــا ،كمــا حرمــت الفــوائد المركبــة
) الفوائد على متجمد الفــوائد ( بعــد أن ســمحت بــالفوائد
البســيطة فنصــت المــادة ) ( 236مــن التقنيــن المــدني
المصــري الجديــد علــى تحديــد ســعر الفــوائد بــ %4فــي
المسائل المدنية و %5في المسائل التجارية ،كما نصــت
المادة ) ( 237منه على أنه ) يجوز للمتعاقــدين أن يتفقــا
على سعر آخر للفوائد على أل يزيد هذا السعر عن ، %7
فإذا اتفقا على فوائد تزيد على هذا السعر وجب تخفيضــها
إلى %7ويمكن رد ما دفــع زائدا علــى هــذا القــدر ،وكــل
عمولة أو منفعة أيا كان نوعهــا اشــترطها الــدائن إذا زادت
هي والفائدة على الحد القصى المتقدم ذكره تعتبر فائدة
مستترة وتكون قابلة للتخفيض ( ونصت المــادة ) ( 233
منه على أنه ) ل يجوز تقاضى فوائد علــى متجمــد الفــوائد
ول يجــوز فــي أيــة حــال أن يكــون مجمــوع الفــوائد الــتي
يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المــال ( ،والحــال الخيــرة
يقصد بها تراكم الفوائد لسنوات كثيرة تبلغ بها رأس المال
.وتتضــمن التقنينــات المدنيــة العربيــة الخــرى الســوري
والليــبي والعراقــي نصوصــا مماثلــة عــدا تحديــد نســبة
الفــائدة .ويقــول الـدكتور عبـد الـرزاق السـنهوري -وهـو
الذي وضع أصول القوانين الربعة المشار إليها في شرحه
لهــذه المــواد ) :ويتكفــل القــانون بتحديــد مقــدار الفــوائد
والسبب في ذلك كراهية تقليدية للربا ل في مصر فحسب
،ول في البلد السلمية وحدها ،بل فــي أكــثر تشــريعات
العالم ،فالربا مكروه في كــل البلد وفــي جميــع العصــور
ومن ثم لجأ المشرع إلى تحديده للتخفف من رزاياه وهذا
896
هو المبرر القوي الذي حمل القانون في هذه الحالة علــى
التدخل -ثم يقول -وسنرى فيما يلي كيف كــره المشــرع
المصري الربا
فحدد لفوائد رءوس الموال سعرا قانونيا وسعرا اتفاقيــا ،
وتشدد في مبدأ سريان هذه الفـوائد ،وأجـاز اســترداد مـا
يدفع زائدا على السعر المقرر ،وأعفى المدين في حالت
معينة من دفع الفوائد حتى في الحــدود الــتي قررهــا منــع
تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ،في هذه وغيرهــا آيــات
على كراهية المشرع ) المصري ( للربا وعلى الرغبــة فــي
التضييق منه حتى ل يستفحل فيرهــق المــدين وقــد يــؤذيه
بالفلس والخراب ،ثم يقول " :وقد زاد التقنيــن الجديــد
على التقنين القديم في كراهية الربا ) ثم يذكر أمثلة ( " )
. (1
__________
) (1الوسيط ،جـ ، 1ص . 883
النتيجة الثانية :لما كانت البنوك الــتي وجــدت فــي العـالم
السلمي تحت ظل المستعمر في الغلبية الساحقة بنوكـا
أجنبيــة ،وكــانت أداة فعالــة لســتغلل أمــوال المــواطنين
تحت نيـر السـتعمار ،وكـانت المشـكلة الكـبرى للمسـلم
كيف يوفق بيـن قلبـه الـذي يمنعـه مـن الربـا ،خوفـا مـن
الله ،وتفكيره الذي يمنعه من تــرك الفــوائد الربويــة عــن
إيداعاته لعدوه المستعمر الكافر ،وكان هذا المــر يشــكل
أعظم أزمة فكرية يواجهها العالم المفتي كما تصــور ذلــك
أبلغ تصوير الفتاوى التي نقلــت عــن الشــيخ محمــد رشــيد
رضا .
ومن ناحية أخــرى فــإن البنــوك الربويــة الســتعمارية وقــد
شلت التعامل القتصادي المتحرر من الربا ،وصارت هــي
المسيطرة على التعامــل القتصــادي فــي البلد الســلمية
كما هي المســيطرة فــي غيــره مــن العــالم ،قــد شــككت
بعــض المثقفيــن المســلمين فــي إمكانيــة الخــروج عــن
ســيطرة التعامــل البنكــي الربــوي ،وأصــبح كــثير مــن
المســلمين يعتقــدون أن ل بــديل للقتصــاد الشــتراكي إل
القتصاد الرأسمالي القائم على الربا .
897
وحينمــا عقــد أســبوع الفقــة الســلمي فــي بــاريس عــام
1953م حضره مجموعة كبيرة من القــانونيين الغربييــن ،
كما حضره مــن المســلمين الــدكتور معــروف الــدواليبي ،
والشــيخ محمــد عبــد اللــه دراز .وتبعــا لطريقــة الــدكتور
معروف الدواليبي في التفكير وشغفه بــالحلول السياســية
حتى بالنسبة للمشاكل الفقهية ،ونظرا لعاطفته السلمية
القوية ورغبته في أن يجمــل وجــه الفقــه الســلمي أمــام
علماء
القانون الغربيين وأن يقنعهم بأن السلم صالح لكل زمان
ومكان ،وأنه ل يعــارض المصــالح الواقعيــة ،فقــد عــرض
نظرية غريبة مفادها أن السلم ل يحرم ربــا النســيئة فــي
كــل صــوره ،وإنمــا يحــرم هــذا الربــا فــي مجــال قــروض
الستهلك ،أما مجال قروض النتاج والســتثمار فل يحــرم
فيها ربا النسيئة ويجوز فيها تقاضي الفوائد عن القروض ،
ولحسن الحظ فقد كان طرح الشيخ محمد عبــد اللــه دراز
في تلك الندوة معاكسا تماما لطرح الدكتور الدواليبي ،إذ
أوضح أن السلم يحرم ربا النســيئة بمختلــف صــوره دون
تفريق بين مجال قروض الستهلك والستثمار ،وأنـه مــن
المستحيل إثبات وجود مثــل هــذا التفريــق ،وكــان حضــور
الشيخ دراز -رحمه الله -وطرحه توفيقا من اللــه ،إذ لــو
اســتقر فــي أذهــان أعضــاء النــدوة أن فكــرة الــدكتور
الدواليبي تمثل حقــا الفقــه الســلمي لنتهــوا إلــى عكــس
الهدف الذي توخاه الدكتور الدواليبي ،إذ ســوف يعتــبرون
الفقه السلمي يمكن أن يكون له مجال في عالم الخلق
والمثل ولكن ل يمكن أن يكون له مجال في عــالم الواقــع
والتشريع ،إذ أن التمييز بين مجــال القــروض الســتهلكية
ومجال القروض الستثمارية إن أمكــن فــي بعــض الصــور
فهو غير ممكن في غالب الصور ،كما أوضح ذلك الــدكتور
الســنهوري فــي تعليقــه علــى هــذه الفكــرة فــي كتــابه
المشــهور مصــادر الحــق ،يوضــح هــذا أن التفريــق بيــن
قــروض الســتثمار وقــروض الســتهلك يعتمــد فــي أغلــب
الصور على محض النية الباطنة للمتعاملين والــتي ل تتخــذ
بالضرورة مظهرا يمكن الحكم عليه ،ومحض النيــة يصــلح
898
معيــارا للنظــام الخلقــي ولكنــه ل يصــلح معيــارا للنظــام
التشريعي إل إذا تشكل فــي مظهــر يمكــن أن يكــون محل
للحكم .
وعلى كل حال ومع أن النسان عندما يخـترع فكــرة فإنهـا
عادة تسيطر عليه ول يستطيع أن يتخلص من أســرها ،إل
أنا مع ذلك ل نظن أن الــدكتور الــدواليبي يصــر حــتى الن
على فكرته -تلك -لســيما بعــد أن وضــح لــه ل مــن قبــل
علماء الشرع بل من قبل علماء القانون أن فكرته تســتند
على أساس من الوهم ل من الحقيقة .
ما سبق يضع أمامنا صورة لعظــم أزمــة فكريــة للمثقــف
المسلم قبل ثلثين عاما ،وكان العالم الســلمي ينتظــر -
للتخلص من هذه الزمة -روادا عظامــا ينظــرون لمكانيــة
الفلت من أسر النظام البنكي الغربي الربــوي ،ويثبتــون
صلحية الدوات الفقهية السلمية كبــديل كفــء .وينتظــر
مؤسسات تطبق هذا التنظيم وتثبته واقعا ملموســا ،وقــد
تم هذا ولله وحده الحمد والشكر .
أما الفضل -بعد الله -فيرجــع لحكومــة المملكــة العربيــة
الســعودية فــي فتــح الفــاق المباركــة ،فبفضــل إيمانهــا
وشجاعتها حرصت عندما أصــدرت نظــام بنكهــا المركــزي
) مؤسسة النقد العربــي الســعودي ( فــي عــام 1377هــ
على أن تضمن المادة الثانية منه النص على أنه ) ل يجــوز
لمؤسسة النقد العربي السعودي دفع أو قبض فائدة وإنما
يجوز لها فقط فـرض رســوم لقــاء الخـدمات الــتي تؤديهـا
للجمهــور أو للحكومــة وذلــك لســد نفقــات المؤسســة (
ونصت المادة السادســة علــى أنــه " :ل يجــوز لمؤسســة
النقد العربي السعودي القيام بأي عمل من العمال التية
:
) ( 1مباشــرة أي عمــل يتعــارض مــع قواعــد الشــريعة
السلمية السمحاء فل يجوز لها دفع أو قبــض فــائدة علــى
العمال .
وهكذا رفعت المملكة الراية للمسيرة المباركــة ،وأعلنــت
بوضوح أن العمل على التحرر من النظام البنكــي الربــوي
ليس ممكنا فحســب ،بــل هــو واجــب .ثــم أتيــح لهــا فــي
899
فرصة أخرى أن تعزز هذه الريادة فعند صياغة نظام البنك
السلمي للتنمية وضعت كل ثقلها في جانب تضمن نظــام
البنك نصوصا تقضي بأنه ل يجوز للبنك أن يتقاضــى فــوائد
عــن قروضــه ،وأن تتــم معــاملته كلهــا وفــق القواعــد
الشرعية .
وقد تــوالت الثمــار ،فمــن ناحيــة التنظيــر وجــدت أعمــال
فكرية تنتهج الموضوعية والسلوب العلمي تشرح الحلــول
الفقهية السلمية وتثبت كفاءتها لن يعتمــد عليهــا اقتصــاد
نام وسليم .
ومن بين العمال الكثيرة نقدم هنا مثالين :
) ( 1لحظ الستاذ \ سامي حسن حمود الذي تدرج فــي
وظائف البنك الهلي الردني حـتى وصـل إلـى رتبـة نـائب
مدير البنك ،أن كثيرا من عملء البنك يمتنعون تورعا مــن
تقاضي فوائد على إيداعاتهم ،وقــد عــرف أن ســبب ذلــك
هو تحريم السلم لتقاضي الفوائد الربوية ،وقد لفت هــذا
نظره إلى البحث فــي الفقـه الســلمي فاكتشــف أن هــذا
الفقه زاخر بإمكانيات البدائل عن النظــام الربــوي ،وعنــد
تقدمه للحصول على درجة الدكتوراة من جامعــة القــاهرة
كان موضوع أطروحته ) تطوير المعاملت المصــرفية بمــا
يوافق الشــريعة الســلمية ( .ويعتــبر هــذا الكتــاب -وقــد
صدر قبل حوالي خمسة عشر عامــا -مــن أفضــل الكتــب
في موضوعه ،ويمتاز بالتزامه بالمنهج التزاما دقيقا ،وقد
هيــئ للــدكتور ســامي حمــود فيمــا بعــد أن يشــرف علــى
تطــبيق أفكــاره فــي هــذه الطروحــة عنــد تأســيس البنــك
الردني السلمي وقيامه بإدارته .
) ( 2تولى الســتاذ الــدكتور عمــر شــابرا منصــب الخــبير
القتصادي لمؤسسة النقد العربي السعودي لمــدة طويلــة
كادت تبلغ ربع قرن ،وقد كان درس القتصاد على المنهج
الغربي ،ولكن عند التحاقه بالعمل في المؤسسة كان من
الطبيعي أن تلفت انتباهه نصوص نظام المؤسسة المشار
إليهــا آنفــا والــتي تحــرم علــى المؤسســة دفــع أو اقتضــاء
الفــوائد وتــوجب أن تكــون معاملتهــا موافقــة للقواعــد
الشــرعية ،وكــان مــن الطــبيعي أن يتــوجه اهتمــامه إلــى
900
البحث في الساليب القتصادية الســلمية ،وأن يكتشــف
نتيجة للبحث الطويل العميــق امتيــاز الســاليب الســلمية
وصلحيتها الكاملة لقامة نظــام اقتصــادي قــوي وســليم ،
وكانت الثمرة المباركة لهذه الجهود صدور كتــابه المعنــون
towards a gust monetary systemوقد صدر في إنجلــترا
قبــل حــوالي ثلث ســنوات ،إن الكتــاب يتضــمن دراســة
علميــة لعــدد مــن الوســائل القتصــادية الشــرعية وأثبــت
بوضوح ودقة امتياز هذه الوسائل وكفايتها
لن يستند عليها نظام اقتصادي سليم ،ول يعنينا فــي هــذا
المجال هذا وإنما سنهتم بنتيجة الموازنة العلميــة الدقيقــة
بين الوسائل الشرعية ،والوســائل الربويــة الــتي تضــمنها
الفصــل الخــامس ،فبالســتناد إلــى الكتشــافات والفكــار
القتصــادية الحديثــة وبــالرجوع إلــى أســاطين القتصــاد
الغربي المعاصرين وإلى الحصاءات وتقارير الخبراء أثبت
عجز الوسائل الربوية ) أو نظام الفائدة ( كأســاس يعتمــد
عليه في البناء القتصادي السليم وذلك علــى النحــو الــذي
نلخصه فيما يلي ) ،وإن كان هذا التلخيص تلخيصا مبتسرا
قد ل يقدم الصورة بالوضوح والقوة الــذي جــاءت بــه فــي
الكتاب ( .
ما مدى كفاءة نظام الفائدة كأساس للقتصــاد ؟ إنــه مــن
حيث إن المعــروف أن القتصــاد القــوي الســليم يجــب أن
يتوافر له من ضمن ما يتوافر شروط أربعة ،هي :
) أ ( القدرة على التخصيص المثل للموارد .
) ب ( المنــاخ الســتثماري اليجــابي الــذي يشــجع علــى
الدخار والتكوين الرأسمالي .
) جـ ( الستقرار .
) د ( قابلية النمو القتصادي ،فقد أوضح الكتاب أن نظــام
الفائدة الربوي عاجز عن توفير هذه الشروط وذلــك علــى
النحو التالي :
أ -فمــن ناحيــة التخصــيص الجــدى للمــوارد ،يلحــظ أن
للفائدة وظيفة رئيسية مفترضة هي أنها وسيلة لتخصــيص
الموال النادرة المقدمة من المــدخرين إلــى المســتثمرين
بطريقة موضوعية على أساس القدرة علــى دفــع الثمــن ،
901
وإذا تغير الطلب علــى المــوال القابلــة للقــراض أو تغيــر
عرضها تم عند معدل فائدة مختلــف التوصــل إلــى تــوازن
جديد ،إن هذه المقولــة مبنيــة علــى افــتراض أن المعــدل
النقدي للفائدة يعتبر أداة ناجحة لتخصيص الموارد بطريقة
مثالية .ولكن هذا الفتراض غير صحيح إذ يوجد في الواقع
دليل مقنع على العكس ،وقد تجمعت لدى إنزلو وكــونراد
وجونســن أدلــة تثبــت أن رأس المــال الحــالي قــد أســيء
تخصيصه -ربما إلى حد خطير -بين قطاعــات القتصــاد .
إن افتراض باريتو في تخصيص
الموارد ل يوجد إل في عــالم الحلم عــالم نمــوج التــوازن
التنافسي الكامل .
إن معدل الفائدة التوازني ل يوجد إل في الكتب المدرسية
فقط ،أما في الواقع فل يوجد معدل مقاصة سوقية فعالة
،بل هناك مزج نظري من معدلت قصيرة الجل وطويلــة
الجل مع فروق واختلفات هائلة في مســتوياتها ول يوجــد
مفهوم واضح لكيفية توحيد هــذه المعــدلت المتعــددة فــي
معيار واحد ،إن معدل الفائدة في الحقيقة والواقــع تعــبير
عن المفاضلة ل لصالح المقترض الجدى إنتاجا بل لصــالح
الكثر غنى ؛ لن المعيار في الواقع هو الجــدارة الئتمانيــة
فكلما كانت الجدارة الئتمانيــة لشــخص أكــبر كــان معــدل
الفــائدة الــذي يــدفعه أقــل ،والعكــس بــالعكس ،وبــذلك
تحصل المنشأة الكبيرة ) بغــض النظــر عــن مــدى حاجتهــا
للتمويل ومدى درجتها في الجدوى النتاجية ( تحصل علــى
أموال أكثر بسعر فــائدة أقــل وذلــك فقــط بســبب ارتفــاع
درجة تصنيفها الئتماني ،بمعنى آخر فإن المنشأة الكبيرة
التي هي أقدر على تحمل عبء الفائدة تحمل عــبئا أقــل ،
وعلى العكس فإن المنشأة المتوســطة أو الصــغيرة الــتي
قد تكون ذات إنتاجية أعظم بمقياس المساهمة في الناتج
الوطني تحصل على مبالغ أقل بكثير نسبيا وبأسعار فــائدة
أعلــى بكــثير ،وهــذا يعنــي أن الكــثير مــن الســتثمارات
الجدى إنتاجية بالقوة ل توجد بالفعل بسبب عــدم قــدرتها
التنافسية في الحصول علــى القــروض الــتي تنســاب إلــى
902
مشاريع أقــل جــدوى إنتاجيــة ،ولكنهــا متقدمــة فــي ســلم
التصنيف الئتماني .
وبهــذا يتضــح أن معيــار الفــائدة ليــس معيــارا موضــوعيا
للجدوى النتاجية للمنشأة ،وإنما معيار متحيز مـن معـايير
التصنيف الئتماني ،وهــذا هــو أحــد الســباب فــي النظــام
الرأسمالي للنمو الســرطاني للمنشــآت الكــبيرة واختنــاق
المنشآت المتوسطة والصغيرة ،ويقــع هــذا بصــفة خاصــة
في حالة ارتفاع معدل الفائدة ،إن زيــادة تــدفق الئتمــان
إلى الغنياء -في النظام الربوي صــار حقيقــة معترفــا بهــا
على نطاق واسع .يقول جالبريت علـى سـبيل المثـال " :
إن المنشأة الكبيرة عندما تقــترض تحظــى بصــفة العميــل
المفضل لدى المصارف وشركات التأمين " ويقول :
" إن أولئك القل حاجــة إلــى القــتراض هــم المفضــلون ،
وأولئك الكثر حاجــة إلــى القــتراض هــم القــل حظــا فــي
نظام المنافسة السوقية " .
ب -وبالنســـبة لثـــر الفـــائدة علـــى الدخـــار والتكـــوين
الرأســـمالي ،فيجـــب أن نلحـــظ أول أنـــه لخلـــق منـــاخ
استثماري إيجابي نشط ل بد من المحافظة الدائمــة علــى
العدالة والتوازن بين المدخرين والمســتثمرين ،ثــم نشــير
إلى أنه بسبب المعدل الجتمــاعي للتفضــيل الزمنــي فقــد
يعتقد بأن للفائدة دائما دورا إيجابيــا مطــردا علــى الدخــار
والتكوين الرأسمالي ،غير أنه بدراسة الواقع فإن الــدلئل
الحصــائية ل تشــير إلــى وجــود ترابــط كــبير بيــن الفــائدة
والدخار في البلد الصناعية ،أما في البلدان الناميــة فــإن
أغلب الدراسات توضح أنــه ل تــأثير لمعــدل الفــائدة علــى
الدخار علــى الطلق ،وحــتى مــن الناحيــة النظريــة فــإن
عددا من القتصاديين يرفض افتراض بوم باورك التفضــيل
الزمني اليجابي حتى أن جراف شكك بأن له وجودا فعليــا
بالمرة ،على أن آراء آخرين تقول بــأن التفضــيل الزمنــي
لدى المستهلك الرشيد قد يكون موجبا أو صــفرا أو ســالبا
وقــد لحــظ ساملســون " أن الدلــة تهــدي إلــى أن بعــض
الناس يقل ادخارهم بدل أن يزيد عند ارتفاع معدل الفائدة
903
،وأن البعض يزيد ادخارهم في تلــك الحالــة وأن الكــثير ل
يتأثر ميلهم للدخار في حالة الرتفاع أو النخفاض " .
مــن الطــبيعي أن يعــاني المــدخرون إذا كــانت الفــائدة
منخفضة وأن يعاني المستثمرون إذا كــانت مرتفعــة ،وأن
الظلم الواقع في توزيع المردود بيــن المــدخر والمســتثمر
بســبب معــدلت الفــائدة المتغيــرة أو الثابتــة يــؤدي إلــى
تشويه جهاز الثمن وإلى سوء تخصــيص المــوارد ومــن ثــم
إلى تباطؤ التكوين الرأسمالي .
لقد كان ارتفاع معدل الفـائدة مانعـا كـبيرا مـن السـتثمار
في النظام الرأسمالي ،ولما كانت تكاليف الفائدة تقتطــع
من الرباح فقد أنتج هذا تآكــل ربحيــة الشــركات ،هــو مــا
اعتبر في تقرير مصرف التســويات الدوليــة ) عــامل كــبير
الهمية في إضعاف الحجــم الكلــي للســتثمار ( وقــد أدت
معــدلت التكــوين الرأســمالي المنخفضــة فــي الوليــات
المتحدة ،إلى إيجاد دور وتسلسل حيث إن هبوط
النتاجيــة أدى إلــى تقليــل القــدرة علــى تعــويض التكلفــة
المرتفعــة للقــرض ،وهــذا أدى إلــى هبــوط فــي الربحيــة
وهبوط أكثر في معدل التكوين الرأسمالي ،فــزاد اعتمــاد
المنشــآت علــى الــديون الــتي إنمــا تحصــل عليهــا بمعــدل
مرتفع للفائدة .
وبالمقابل فإن معدلت الفــائدة المنخفضــة ل تقــل ضــررا
عن المرتفعة ،ففي حين أن المرتفعة تضــر المســتثمرين
فإن المنخفضــة تضــر المــدخرين ،وقــد شــجعت معــدلت
الفــائدة المنخفضــة علــى القــتراض مــن أجــل الســتهلك
فزادت بذلك الضغوط التضخمية كما شجعت الستثمارات
غيــر النتاجيــة ،وزادت مــن حــدة المضــاربة فــي أســواق
الســلع والوراق الماليــة ،وبالجملــة فقــد أنتجــت خفــض
المعدلت الجمالية للدخار ،وتدني نوعيــة الســتثمارات .
وأحدثت قصورا في التكوين الرأسمالي .
جـ -وبالنسبة لثر الفائدة على الستقرار القتصــادي فــإن
من المؤكد أن الفائدة من أهم العوامل المخلة بالستقرار
في القتصاد الرأسمالي ،لذا لم يكن غريبا أن يجيب فــي
عــام 1982ميلتــون فردمــان عــن الســؤال عــن أســباب
904
السلوك الطائش الذي لم يســبق لــه مثيــل فــي القتصــاد
المريكــي بــأن ) الجابــة البديهيــة هــي الســلوك الطــائش
الموازي في معدلت الفائدة ( .
إن التقلبات الطائشة فــي معــدل الفــائدة تحــدث تحــولت
لولبية في الموارد المالية بين المستفيدين منها ،إن زيادة
تقلــب معــدل الفــائدة تحقــن الســوق المــالي بكــثير مــن
الشكوك ،وهذا من شأنه تحويل المقرضين والمقترضــين
على السواء من الجــل الطويــل إلــى الجــل القصـير فــي
سوق المال ،واستمرار التقلــب فــي نصــيب الفــائدة فــي
مجمــوع عــائد رأس المســتثمر يجعــل مــن الصــعب اتخــاذ
قرارات استثمارية طويلة الجل بثقة ،ومــن ناحيــة أخــرى
فإن الثابت أنه في ظل نظــام تعــويم المعــدل فــي ســوق
قصيرة الجل أنه كلما ارتفع معــدل الفــائدة ارتفــع معــدل
الفلس التجـــاري للمنشـــآت ،وذلـــك بســـبب الهبـــوط
المفاجئ في نصيب المنشأة من مجموع العائد على رأس
المال ل بســبب عــدم كفــاءة المنشــأة ،ونحــن نعــرف أن
الفلســـات التجاريـــة ل تقتصـــر فقـــط علـــى الخســـارة
الشخصية لمالكي المنشأة
بــل تســتتبع النخفــاض فــي العمالــة والناتــج والســتثمار
والطاقــة النتاجيــة وهــي خســائر يصــعب وتطــول فــترة
تعويضها وبديهي أن لكل هذه العوامل آثــارا خطيــرة علــى
الستقرار القتصادي .
لسنا في حاجة إلى إيضاح أثر تقلب معدلت الفائدة علــى
القلــق فــي الســواق الماليــة والســلع ،ولمــا كــانت هــذه
الســواق للقتصــاد الرأســمالي بمثابــة مقيــاس الضــغط
الجــوي فــإن التقلبــات الــتي تحــدثها الفــائدة علــى هــذه
السواق تعكس تــأثيرا موجبــا للضــطراب علــى القتصــاد
بجملته .
وأخيرا فبالنســبة لتــأثير الفــائدة علــى إجــراءات السياســة
النقدية فــإن البنــك المركــزي فــي إمكــانه إمــا أن يراقــب
معدلت الفائدة أو يراقــب رصــيد النقـود ،فــإذا مــا حــاول
تثبيت معدل الفائدة فقد الســيطرة علــى عــرض النقــود ،
905
وإذا ما حاول تحقيق نمو معين فــي عــرض النقــود تقلبــت
معدلت الفائدة وبخاصة القروض القصيرة الجل .
وقــد دلــت التجربــة علــى أنــه مــن المســتحيل تنظيــم كل
العنصرين بطريقــة متوازنــة يمكــن معهــا الســيطرة علــى
التضخم دون إضرار بالستثمار ،ونستشــهد بهــذه العبــارة
المتحفظة في تقرير التسويات الدوليــة لعــام " 1982إن
التقلب الشديد في معدلت الفائدة يمكــن أن يســهم فــي
التقلبات الحادة في النشاط القتصادي كما قد يــؤدي إلــى
مشكلت هيكلية سواء في القتصاد أو في النظام المــالي
".
د -بالنسبة لتأثير الفــائدة علــى النمــو القتصــادي ،نشــير
إلى أن الفاعلية القتصادية تعاق كثيرا بوجود حالــة الشــك
الــذي يصــعب معــه التوقــع للمســتقبل ،فل يملــك معــه
المســــتثمرون القــــدرة ول الجــــرأة علــــى التخطيــــط
لستثمارات طويلة الجل ،وإن العتماد في التمويل على
القروض الربوية من شأنه أن يوجد مناخا للشــك إذ يــزداد
الخطر الذي يواجه المستثمر ) المنظم ( لن نصــب عينــه
دائما أن الفائدة الربوية ل بد من دفعها بصرف النظر عــن
ربحية المشروع ،وتزيــد حــدة الشــك إذا تقلبــت معــدلت
الفائدة تقلبا طائشا ول سيما إذا تضمن عقد
التمويل معدل عائما للفائدة كما هو المتبع بصفة عامة في
الــوقت الحاضــر .وبصــعوبة القيــام باســتثمارات طويلــة
الجــل فــإن الســتثمار فــي النهايــة يعــاني مــن هبــوط
النتاجيــة ،وانخفــاض معــدل النمــو ،ومــن المعــروف أنــه
عنـدما ارتفعـت معـدلت الفـائدة فـي السـبعينات هبطـت
نسبة إجمالي الستثمار الثابت المحلي إلى إجمالي الناتــج
الوطني في البلدان الغربية ،كمــا انخفــض النمــو الــدولي
انخفاضا كبيرا في كل مكــان عمــا كــان عليــه فــي العقــود
التي أعقبت الحرب العالمية مباشرة ،ومن المعــترف بــه
أن الداء الستثماري الفضــل هــو مفتــاح النمــو الســرع ،
ومع السف فإن خفض معدل الفــائدة ليــس علجــا ناجحــا
لهذه الحالة لن ذلك ل يزيل حالة الشك فــي المســتقبل ،
906
ل سيما إذا أخذ في العتبار العجــز المرتفــع المتكــرر فــي
موازنات بعض الدول الصناعية الرئيسية .
إن مــا تقــدم يمكــن أن يعتــبر اختصــارا مخل لمــا ورد فــي
الكتــاب ،ولكــن لعلــه يكــون كافيــا لقنــاع القــارئ بهــذه
الفرضية :إننا ننساق مع الوهم إلى حد كــبير حينمــا نظــن
أن تبني القتصاد الرأسمالي نظام ) الفائدة الربويــة ( هــو
سبب ازدهار هذا القتصاد وقوته ،بل الصحيح القــول :إن
لزدهار القتصاد الرأسمالي أسبابا متعــددة ســاهمت فــي
هذا الزدهار بالرغم من ) نظام الفائدة الربوية ( .
والحقيقة الواضحة أنه إذا كان لنظام الفائدة في كثير مــن
الحوال تأثير سلبي على القتصاد -كما شرح -وذلك فــي
البلدان التي تتقبل اتجاهاتهــا الخلقيــة هــذا النظــام ،فمــا
ظنك بأثر هذا النظام علـى القتصـاد فـي بلد اسـتقر فـي
ضمائرها واتجاهها الخلقي كراهيته إلى درجة أن تعتقد أنها
بقبوله تأذن بالحرب علــى اللــه ،وتعتقــد أن نــتيجته علــى
سلوكها القتصادي المحق والدمار .
وهذه الحقيقة توجب الشارة إلى حقيقة أخرى هي :
أنه ل بــد لنجــاح نظــام اقتصــادي فــي بلــد مــا أن يتناســق
ويتناغم مع النظام الخلقي والقيم الثقافية التي تسود فــي
ذلك البلد ،ومن المستحيل أن يزدهــر نظــام اقتصــادي أو
أساليب اقتصادية في بلد مع معارضة ذلك النظام أو تلــك
الساليب
للقيم الخلقية والمعتقدات السائدة ،إن الشرط الساسي
لزدهار القتصاد في بلد مــا أن يحــور لينســجم مــع نظــام
البلد الخلقي ،أو أن يحور النظام الخلقـي لينســجم مــع
القتصاد وبدون ذلك يكون القتصاد كشجرة مغروسة فــي
تربة ومناخ غير ملئمين لها .
إن الفكار النظريــة وحــدها لــم تكــن لتقــوى علــى تحريــر
الفكر ،وزعزعة التصور الذي ساد قبــل ثلثيــن عامــا فــي
أذهان المثقفين المسلمين عن نظام الفائدة الربويــة ،لــو
لــم توجــد إمكانيــة لوضــع تلــك الفكــار النظريــة موضــع
التطبيق ،ولو لم تتح فرصة اختبارها فــي ظــروف الواقــع
واجتيازهــا لهــذا الختيــار بنجــاح .وقــد أمكــن فــي خلل
907
السنوات القليلة الماضية وجود حوالي خمســين مؤسســة
مصرفية تستخدم الساليب الســلمية ،وتحــرر معاملتهــا
من الفائدة الربوية ،وقد حاز بعضها نجاحا كــبيرا بمختلــف
المعايير ،صحيح أن عددا قليل منها لم يوفق تمام التوفيق
بسبب سوء الدارة ،لنقص الخلص أو نقص الكفــاءة ،أو
بسبب ظروف خارجيــة .ولكــن نجــاح مؤسســة مــن هــذه
المؤسسات دليل كاف على كفاءة الساليب الماليــة الــتي
طبقتها ،إذ لو تخلفت كفاءتها لستحال نجــاح المؤسســة ،
وعلى العكس من ذلك فإن فشل بعض هــذه المؤسســات
ل يدل على عدم كفاءة الساليب الســلمية ؛ لن الفشــل
له أسباب كثيرة أخرى كما أشــرنا ،ويجــب أن نتــذكر أنــه
فــي تجربــة المملكــة مــع المؤسســات المصــرفية الــتي
اعتمــدت نظــام الفــائدة الربــوي تكــررت الخفاقــات ،ول
حاجة للتذكير بأبرزهــا -وهــو انهيــار البنــك الــوطني -لنــه
كابوس ل ينسى .
ولم يقتصر المــر علــى قيــام مؤسســات مصــرفية تعتمــد
الساليب المالية السلمية ،بل إن أكــبر دولــة إســلمية -
بعد أندونسيا -وهي الباكستان أعلنت تقريرها عام 1985
تؤكد أنها حررت فروع بنوكها المحلية البالغــة 7000فــرع
مــن نظــام الفــائدة ،وذلــك باســتثناء التفاقيــات الســابقة
والمعاملت مع الخارج .
تلخيص
لعل القارئ قد تنبه إلى أن ما سبق لم يتضــمن آراء تقبــل
الجــدل حولهــا والحكــم عليهــا بالصــحة أو الخطــأ ،وإنمــا
تضمن تسجيل وقائع ،ول سبيل إلى تكذيب هذا التســجيل
لنــه كمــا يلحــظ القــارئ مــدعوم بــالتوثيق وإذا فيمكــن
للكــاتب بكــل اطمئنــان أن يقــول بــأن مــا تقــدم يكشــف
الحقائق التية :
) ( 1إن الربــا ليــس مفهومــا غامضــا وإنمــا هــو معاملــة
معروفة ،استقر في الضمير الخلقي للنسان ) منذ أقــدم
العصور ( كراهيته واعتباره عمل غير أخلقي .
908
) ( 2إن هذا المفهوم ليس شيئا غيــر ربــا النســيئة حيــث
يدفع الممول المال لطالب التمويل لجل بشرط أن يــرده
بزيادة في مقابل الجل .
) ( 3الربــا بهــذا المفهــوم حرمتــه الشــرائع الســماوية
الموسوية والمســيحية والســلم ،وذلــك بمختلــف صــوره
ومهما كان حجمه .
) ( 4الربا بهذا المفهوم هو الذي ارتكبته اليهود مع الناس
من غيرهما ،وذمهم الله به ،وكانوا به موضوعا للكراهيــة
م الّرب َــا وَقَ ـد ْ خذِهِ ُ والتعيير والسخرية من قبل الناس } :وَأ َ ْ
َ نهوا عَنه وأ َك ْل ِه َ
ن ري َل وَأعْت َـد َْنا ل ِل ْك َــافِ ِ س ِبال َْباط ِـ ِ وا َ
ل الّنا ِ م َ
مأ ِْ ْ
َ
ْ ُ َ ُُ
ما { ). (1 م عَ َ
ذاًبا أِلي ً من ْهُ ْ
ِ
) ( 5إنــه حــتى بعــد أن انتصــرت العلمانيــة -ممثلــة فــي
الثورة الفرنسية -على الكنيسة وقوانينها ،وأبــاحت الربــا
فإنها لم تبحه إل في حدود ضيقة ،وقد سمحت لهــا بــذلك
الفكرة العامة الـتي تعتنقهـا العلمانيـة عـن نسـبية القيمـة
الخلقية ،ومع ذلك فإنها لم تســتطع أن تتحــرر تمامــا مــن
كراهية الربــا المغروســة فــي الضــمير النســاني ،فظلــت
قوانينها الجنائية تعتبر التعامل بمــا يزيــد علــى الحــد الــذي
تســمح بــه نصــوص القــوانين مــن الربــا جريمــة تعــاقب
بعقوبات الجرائم .
) ( 6الدكتور السنهوري الذي تولى صياغة النصوص التي
تسمح بالفائدة فــي حــدود معينــة فــي القــوانين المدنيــة :
المصري والسوري والليــبي والعراقــي عنــدما قــام بشــرح
هذه النصوص لم يسمح له احترامه للعقل والمنطق أن
__________
) (1سورة النساء الية 161
يتجنــب تســمية الفــائدة باســمها وأن يخفــي طبيعتهــا ،
فوصفها بأنها ربا سمح به القانون على سبيل الستثناء مع
بقــاء اتجــاهه العــام فــي كراهيــة الربــا ،ومحاولــة تضــييق
دائرتــه ،ول بــد أن يقــارن القــارئ الــواعي هــذا التجــاه
للـدكتور الســنهوري باتجــاه بعـض إخواننــا الطيــبين الـذين
يفزعهم أن تسمى الفائدة باسمها ،ويزعجهم أن يواجهــوا
بأن الفائدة البنكية هي ربا النسيئة ،إن ربا النســيئة ليــس
909
مجال للرأي والجتهاد والخلف وإنما هو محــرم بالنصــوص
القاطعة الثبوت القاطعة الدللة كما هو محــرم بالجمــاع ،
وأنه إذا كان قد نقل عن بعض الصحابة الخلف في بعــض
النكحة الفاسدة كنكاح المتعــة أو نقــل عــن بعــض الئمــة
خلف في تحريم خمــر الشــعير أو التفــاح ،أو نقــل خلف
حول ربـا الفضــل أو بعــض المعــاملت الخــرى ؛ فــإنه لـم
ينقل عن أحد طوال ثلثة عشر قرنا خلف على تحريم ربا
النسيئة ،بل إن المة متفقة على أن تحريــم ربــا النســيئة
معلوم من الدين بالضرورة ،يكفر مستحله ،وإنــه إذا لــم
يتب مستحله من المسلمين بعد استتابته فيقتل مرتدا .
) ( 7في الفترة الماضية وبسبب ظروف سياسية وثقافية
وغيرها ،سيطرت على المثقــف المســلم تصــورات مبنيــة
على الوهام عن نظام الفــائدة الربــوي ،ولكــن التاريــخ ل
يقف والحياة تمضي قدما ،والوهــام أعجــز مــن أن تثبــت
فــي مواجهــة الــوعي ،فهيــأ اللــه روادا عنــوا باكتشــاف
الحقائق وتقديمها وتقدمت كوكبة من صــالحي المســلمين
الــذين درســوا القتصــاد الرأســمالي فــي بلد الغــرب ،
واكتشــفوا أســراره ،وتحــرروا مــن رهبــة المجهــول ،ثــم
انصرفوا لموروثهم الثقافي ،فاكتشفوا إمكانيــات عظيمــة
كفيلة بأن يبني عليها العالم السلمي اقتصادا ناميا ســليما
إذا توفرت لديه القـدرة والجـرأة علـى النتفـاع بإمكانيـاته
المتاحة المادية والمعنوية .ثم قامت المؤسســات الماليــة
التطبيقيـــة -وكـــان مـــن المنتظـــر أن تـــواجه بالعقبـــات
والتجارب الفاشــلة -الــتي تــواجه عــادة مــن يشــق أرضــا
مجهولة جديدة ،ولكن الله الذي وعد من يتقيه بأن يجعــل
له من أمره يسرا ،ووعد من ينصره بالنصر ،هيأ
لها النجاح بقدر ما وفقت له من إخلص النية والقــوة فــي
الخــذ بالســباب الماديــة ،ولعــل مــن الملفــت للنظــر أن
التقارير الحصائية أثبتت بالرقام أن أكثر هذه المؤسسات
تحفظــا ودقــة فــي ممارســة الســاليب الســلمية كــانت
أعظمها توفيقا ونجاحا .
) ( 8أثبتــت التجــارب الواقعيــة والكتابــات والحصــاءات
الحديثة أن نظام الفائدة الربوي ليس حجر الفلسفة الذي
910
يحول الرصاص إلى ذهــب ،وإن هــذا النظــام ليــس فقــط
عاجزا عن توفير الشروط لوجود اقتصاد نام مستقر سليم
بل إن هــذا النظــام فــي كــثير مــن الوقــات دمــر شــروط
ودعائم القتصاد ونموه واستقراره .
) ( 9إن الفكرة التي اخترعها قبل أكثر من 35سنة دولة
الدكتور معروف الــدواليبي بــدافع ظــروف معينــة ،والــتي
تفترض إمكانية التفريق بين الفائدة في قروض الستهلك
والفــائدة عــن قــروض النتــاج أو الســتثمار ،باعتبــار أن
الولـــى تقتضـــي اســـتغلل المقـــرض للمقـــترض بخلف
الثانية ،هذه الفكرة بالرغم من ظهور بطلنهــا لمعارضــتها
للنصوص القاطعة والجماع الذي لم يفرق بين ربــا وربــا ،
فقد كشف رجال القانون منذ ظهور الفكرة أنهــا ل تســتند
إلى حقائق وإنما إلى أوهام ،فمن وجه واضح أن التفريق
بيــن قــروض الســتهلك وقــروض الســتثمار مــن الناحيــة
العملية مبني على معيار النية الباطنة ،وهذا المعيار يصلح
للتفريق في القضايا الخلقية ولكنه ل يصلح للتفريـق فــي
قضــايا المعــاملت ،إل إذا اتخــذت النيــة مظهــرا خارجيــا
يمكن الحكم عليه ،ومن وجه ثان فإن الستغلل ل يكــون
ملزما دائمــا لقــروض الســتهلك وانتفــاؤه ل يكــون لزمــا
دائمــا لقــروض النتــاج ،فمثل يمكــن أن يقــترض أحــد
المترفين تمويل شراء يخت للنزهــة ،ويمكــن أن يقــترض
مهني فقير لنشاء ورشة صغيرة يعتاش منها -فكمـا نــرى
-القرض الول قرض استهلك والقرض الثاني قرض إنتاج
فهل يمكن عقل القــول بــأن المقــرض فــي القــرض الول
مــراب اســتغل حاجــة المقــترض ،وأن المقــرض الثــاني
ممول شريف لم يستغل حاجة المقترض .
الخاتمة
إن هدف الورقة أن تحمل المثقف السعودي على مواجهة
الــذات وإثــارة الســئلة والتمــاس أجوبتهــا المبنيــة علــى
الحقــائق الموضــوعية ونتــائج المحاكمــة المنطقيــة ،وأن
يتحرر من العبودية للفكار الســائدة والتصــورات الشــائعة
المبنية على الوهم والخيار والتي كــل ســندها وســر قوتهــا
إلفها وغلبة انتشارها على الجمهوريـة ،قـد يعـذر المثقـف
911
السعودي في عجــزه عــن استشــراف المســتقبل ،ولكنــه
ليس معذورا عن أن يتعامى عن حقائق الحاضر وأن يصــر
على التشبث بأوهام الماضي .
إن سمة هذا العصر الواضحة هي تسارع التغييــر والتطــور
فل مجال لمواكبــة الحيــاة لمــن يســتنيم لغلل التجاهــات
الدجماتية في أمر ل مجال للدجماتية فيه .
إن التقدم ل يتم بنقل مظاهره من البلد المتقدمة ،وإنمــا
بالسيطرة على منهج التفكير وطريقته في البلد المتقدمة
،وبإدراك هذه البديهة :إن المقيــاس الــدقيق للتقــدم هــو
مدى القدرة على النتفاع بالمكانيات المتاحة سواء كــانت
مادية أم معنوية ،بل سواء كانت إيجابية أو سلبية ،إذ من
مظاهر التخلف الغربية أن بعض مشــكلت التخلــف يمكــن
حلهــا بــأن يتوقــف البلــد المتخلــف عــن خلــق المشــكلة ،
وتثبيتها على التخلف يعجزها ل عن النتفاع بإمكانية العمل
بل عن النتفاع بإمكانية عدم العمل .
إن واجب المثقف السعودي المشغول بالتفكير في التقدم
القتصــادي لبلــده أن يلــح علــى نفســه بالســؤال ،هــل
اكتشفنا إمكانياتنا المتاحة المعنوية قبل المادية ،ومــا هــو
مــدى شـجاعتنا وقــدرتنا علـى النتفــاع بهـذه المكانيــات ،
والله المســتعان ،وصــلى اللــه علــى النــبي الكريــم الــذي
بتربيته تحول رجال الصحراء إلى قادة أخرجوا الناس فــي
بلد الحضارة من ضيق الدنيا إلى سعتها ،وقدموا إنجازات
مذهلة -بكل المعايير -في المجال القتصادي ل يمنع مــن
تقديرها حق قدرها إل الجهل بها .
==============
#من أبواب الربا الشرعي السلم في الحيوان
مجلة البحوث السلمية ) -ج / 42ص (33
ومن أبواب الربا الشرعي السلم في الحيوان :
قال عمر رضي الله عنه إن من الربا أبوابا ل تخفى ،منها
السلم في السن ،ولم تكن العرب تعرف ذلــك ربــا فعلــم
أنه قال ذلك توقيفا فجملة ما اشتمل عليه اسم الربا فــي
الشرع النساء والتفاضل على شــرائط قــد تقــرر معرفتهــا
عند الفقهاء .والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه
912
وسلم » :الحنطة بالحنطة مثل مثل يدا بيــد والفضــل ربــا
والشعير بالشــعير مثل بمثــل يــدا بيــد والفضــل ربــا « )(1
وذكر اسم التمر والملح والذهب والفضــة فســمى الفضــل
في الجنس الواحد من المكيل والموزون ربا .وقال صلى
الله عليه وسلم في حديث أسامة بن زيد الــذي رواه عنــه
عبد الرحمن بن عباس » :إنمــا الربــا فــي النســيئة « )(2
وفي بعض اللفاظ » :ل ربا إل في النســيئة « ) (3فثبــت
أن اسم الربا في الشرع يقــع علــى التفاضــل تــارة وعلــى
النساء أخرى ،وقد كان ابــن عبــاس يقــول :ل ربــا إل فــي
النســيئة ،ويجــوز بيــع الــذهب بالــذهب والفضــة بالفضــة
متفاضل ويذهب فيه إلى حديث أسامة بن زيد ثم لما تواتر
عنــده الخــبر عــن النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم بتحريــم
التفاضل في الصناف الستة رجع عن قوله .قال جابر بن
زيد :رجع ابن عباس عن قوله في الصرف وعن قوله في
المتعة ،وإنما معنى حديث أسامة :النساء في الجنسين ،
كما روي في حديث عبادة بن الصامت وغيــره عــن النــبي
صلى الله عليه وسلم أنــه قــال » :الحنطــة بالحنطــة مثل
بمثل يدا بيد « ) (4وذكر الصناف الستة ثم قال » :بيعوا
الحنطة بالشــعير كيــف شــئتم يــدا بيــد « ) (5وفــي بعــض
الخبار » :وإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم يــدا بيــد
« ) (6فمنع النساء في الجنســين مــن المكيــل والمــوزون
وأباح التفاضل ،فحديث أسامة بن زيد محمول على هذا .
ومن الربا المراد بالية شراء ما يباع بأقـل مـن ثمنـه قبـل
نقد الثمن ،والدليل علــى أن ذلــك ربــا حــديث يــونس بــن
إسحاق عن أبيه عن أبي العالية
__________
) (1صحيح مسلم المساقاة ),(1588سنن النسائي البيوع
),(4559سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2255مســند أحمــد
بن حنبل ).(2/232
) (2صحيح مسلم المساقاة ),(1596سنن النسائي البيوع
),(4581سنن ابن ماجه التجارات ),(2257سنن الــدارمي
البيوع ).(2580
913
) (3صحيح مسلم المساقاة ),(1596سنن النسائي البيوع
),(4580سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2257مســند أحمــد
بن حنبل ),(5/209سنن الدارمي البيوع ).(2580
) (4صحيح مسلم المساقاة ),(1588سنن النسائي البيوع
),(4559سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2255مســند أحمــد
بن حنبل ).(2/232
) (5صحيح مسلم المساقاة ),(1587سنن الترمذي البيوع
),(1240ســنن النســائي الــبيوع ),(4563ســنن أبــو داود
البيوع ),(3349سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2254مســند
أحمد بن حنبل ),(5/314سنن الدارمي البيوع ).(2579
) (6صحيح مسلم المساقاة ),(1587سنن الترمذي البيوع
),(1240ســنن النســائي الــبيوع ),(4563ســنن أبــو داود
البيوع ),(3349سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2254مســند
أحمد بن حنبل ).(5/320
قال :كنت عند عائشة فقالت لها امرأة إني بعــت زيــد بــن
أرقم جارية لي إلى عطــائه بثمانمــائة درهــم وإنــه أراد أن
يبيعهــا فاشــتريتها منــه بســتمائة فقــالت :بئســما شــريت
وبئسما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قــد أبطــل جهــاده
مــع رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم إن لــم يتــب ،
فقالت :يا أم المؤمنين أرأيت إن لــم آخــذ إل رأس مــالي
مــا
ه َن َرب ّـهِ فَــان ْت ََهى فَل َـ ُ
مـ ْ عظ َـ ٌ
ة ِ مو ْ ِجــاَءهُ َ
ن َ فقالت } :فَ َ
مـ ْ
مُرهُ إ َِلى الل ّهِ { ) (1فدلت تلوتهـا ليـة الربـا عنـد سل َ َ َ
ف وَأ ْ َ
قولها " أرأيت إن لــم آخــذ إل رأس مــالي " أن ذلــك كــان
عندها من الربا وهذه التسمية طريقها التوقيف ،وقد روى
ابن المبارك عن حكم بن زريــق عــن ســعيد بــن المســيب
قال :سألته عن رجل باع طعاما من رجل إلى أجــل فــأراد
الذي اشترى الطعام أن يــبيعه بنقــد مــن الــذي بــاعه منــه
فقال هو ربا ،ومعلــوم أنــه أراد شــراءه بأقــل مــن الثمــن
الول إذ ل خلف أن شـــراءه بمثلـــه أو أكـــثر منـــه جـــائز
فسمى سعيد بن المسيب ذلك ربا .
وقد روي النهي عــن ذلــك عــن ابــن عبــاس والقاســم بــن
محمــد ومجاهــد وإبراهيــم والشــعبي وقــال الحســن وابــن
914
سيرين في آخرين :إن باعه بنقد جاز أن يشتريه فإن كان
باعه بنسيئة لم يشتره بأقل منه إل بعد أن يحل الجل .
وروي عن ابن عمر أنه إذا باعه ثم اشتراه بأقل مــن ثمنــه
جاز ،ولم يذكر فيه قبض الثمن وجائز أن يكون مــراده إذا
قبض الثمن ،فدل قــول عائشــة وســعيد بــن المســيب أن
ذلك ربا فعلمنا أنهما لم يسمياه ربا إل توقيفــا إذ ل يعــرف
ذلك اسما له من طريق اللغة فل يسمى به إل من طريــق
الشرع ،وأسماء الشرع توقيف من النبي صلى الله عليــه
وسلم ،والله تعالى أعلم بالصواب .
__________
) (1سورة البقرة الية 275
===============-
#ومن أبواب الربا الدين بالدين :
وقد روى موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابــن
عمر عن النبي صلى اللــه عليــه وســلم » :أنــه نهــى عــن
الكالئ بالكالئ « وفي بعض اللفاظ :عــن الــدين بالــدين
وهما سواء ،وقال في حديث أسامة بن زيد » :إنما الربــا
في النسيئة « ) (1إل أنه في العقد عن الدين بالدين وأنــه
معفو عنه بمقدار المجلس؛ لنه جائز له أن يســلم دراهــم
في كر حنطة وهما دين بدين إل أنهما إذا افترقا قبل قبض
الدراهم بطــل العقــد وكــذلك بيــع الــدراهم بالــدنانير جــائز
وهما دينان وإن افترقا قبل التقابض بطل .
__________
) (1صحيح مسلم المساقاة ),(1596سنن النسائي البيوع
),(4581سنن ابن ماجه التجارات ),(2257سنن الــدارمي
البيوع ).(2580
================
#من أبواب الربا الوضع مقابل التعجيل
ومن أبواب الربا الذي تضمنت اليــة تحريمــه :مــن أبــواب
الربا الوضع مقابل التعجيل
الرجل يكون عليه ألف درهــم ديــن مؤجــل فيصــالحه منــه
علــى خمســمائة حالــة فل يجــوز ،وقــد روى ســفيان عــن
حميد عن ميسرة قال :سألت ابن عمر :يكــون لــي علــى
915
الرجل الــدين إلــى أجــل فــأقول عجــل لــي وأضــع عنــك ؟
فقال :هو ربا ،وروي عن زيـد بـن ثـابت أيضـا النهـي عـن
ذلك ،وهو قول سعيد بن جــبير والشــعبي والحكــم ،وهــو
قول أصحابنا وعامة الفقهاء ،وقال ابــن عبــاس وإبراهيــم
النخعــي :ل بــأس بــذلك .والــذي يــدل علــى بطلن ذلــك
شيئان :أحــدهما تســمية ابــن عمــر إيــاه ربــا وقــد بينــا أن
أسماء الشرع توقيف ،والثاني أنه معلوم أن ربا الجاهليــة
إنما كان قرضا مؤجل بزيادة مشروطة فكانت الزيادة بدل
من ت ُب ْت ُـ ْ
من الجل فأبطله اللــه تعــالى وحرمــه وقــال } :وَإ ِ ْ
َ
ي
ما ب َِق َ م { ) (1وقال تعالى } :وَذ َُروا َ وال ِك ُ ْ
م َ
سأ ْم ُرُءو ُفَل َك ُ ْ
ن الّرَبا { ) (2حظر أن يؤخــذ للجــل عــوض فــإذا كــانت م َ ِ
عليه ألف درهم مؤجلة فوضع عنــه علــى أن يعجلــه فإنمــا
جعل الحط بحذاء الجل فكان هــذا هــو معنــى الربــا الــذي
نص الله تعالى على تحريمه ،ول خلف أنه لــو كــان عليــه
ألف درهم حالة فقال له أجلني وأزيدك فيها مائة درهــم ل
يجوز ؛ لن المائة عوض من الجل ،كذلك الحط
__________
) (1سورة البقرة الية 279
) (2سورة البقرة الية 278
فــي معنــى الزيــادة إذ جعلــه عوضــا مــن الجــل وهــذا هــو
الصل في امتناع جواز أخذ البدال عن الجال ولذلك قــال
أبو حنيفة فيمن دفع إلى خياط ثوبا فقال :إن خطته اليوم
؛ فلــك درهــم ،وإن خطتــه غــدا فلــك نصــف درهــم -أن
الشرط الثاني باطل فإن خــاطه غــدا فلــه أجــر مثلــه لنــه
جعل الحط بحذاء الجل والعمل فــي الوقــتين علــى صــفة
واحدة فلم يجزه ؛ لنه بمنزل بيع الجل على النحــو الــذي
بيناه .
ومن أجــاز مــن الســلف إذا قــال :عجــل لــي وأضــع عنــك
فجائز أن يكون أجازوه إذا لم يجعلــه شــرطا فيــه ،وذلــك
بأن يضع عنه بغير شرط ،ويعجل الخر الباقي بغير شرط
،وقد ذكرنا الدللة على أن التفاضل قد يكون ربــا ،علــى
حسب ما قال النبي صلى الله عليه وســلم فــي الصــناف
الستة ،وأن النساء قد يكون ربا في البيع بقوله صلى الله
916
عليه وسلم » :وإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شــئتم يــدا
بيــد « ) (1وقــوله » :إنمــا الربــا فــي النســيئة « ) (2وأن
السلم في الحيوان قد يكون ربا بقوله » :إنمــا الربــا فــي
النسيئة « ) (3وقوله » :إذا اختلف النوعــان فــبيعوا كيــف
شئتم يدا بيد « ) (4وتسمية عمر إياه ربا ،وشراء مــا بيــع
بأقل من ثمنه قبل نقد الثمن لما بينا .وشرط التعجيل مع
الحــط ،وقــد اتفــق الفقهــاء علــى تحريــم التفاضــل فــي
الصناف الستة التي ورد بهــا الثــر عــن النــبي صــلى اللــه
عليه وسلم من جهات كثيرة ،وهو عندنا فـي حيـز التـواتر
لكثرة رواته واتفاق الفقهاء على استعماله ،واتفقوا أيضــا
في أن مضمون هذا النــص معنــي بــه تعلــق الحكــم يجــب
اعتباره في غيره ،واختلفوا فيه بعد اتفــاقهم علــى اعتبــار
الجنــس علــى الوجــوه الــتي ذكرنــا فيمــا ســلف مــن هــذا
البــاب ،وأن حكــم تحريــم التفاضــل غيــر مقصــور علــى
الصناف الستة .وقد قال قوم هم شذوذ عنــدنا ل يعــدون
خلفا أن حكم تحريم التفاضل مقصور على الصناف التي
ورد فيها التوقيف دون تحريم غيرها .
ولما ذهب إليه أصحابنا في اعتبار الكيل والوزن دلئل من
الثر والنظر وقد ذكرناها في مواضع ،ومما يدل عليه من
فحــوى الخــبر قــوله » :الــذهب بالــذهب مثل بمثــل وزنــا
بوزن ،والحنطة بالحنطة مثل بمثل كيل بكيل « ). (5
__________
) (1صحيح مسلم المساقاة ),(1587سنن الترمذي البيوع
),(1240ســنن النســائي الــبيوع ),(4563ســنن أبــو داود
البيوع ),(3349سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2254مســند
أحمد بن حنبل ).(5/320
) (2صحيح مسلم المساقاة ),(1596سنن النسائي البيوع
),(4581سنن ابن ماجه التجارات ),(2257سنن الــدارمي
البيوع ).(2580
) (3صحيح مسلم المساقاة ),(1596سنن النسائي البيوع
),(4581سنن ابن ماجه التجارات ),(2257سنن الــدارمي
البيوع ).(2580
917
) (4صحيح مسلم المساقاة ),(1587سنن الترمذي البيوع
),(1240ســنن النســائي الــبيوع ),(4563ســنن أبــو داود
البيوع ),(3349سنن ابن مــاجه التجـارات ),(2254مســند
أحمد بن حنبل ).(5/320
) (5صـــحيح البخـــاري الـــبيوع ),(2067صـــحيح مســـلم
المساقاة ),(1584ســنن الترمــذي الــبيوع ),(1241ســنن
النسائي البيوع ),(4565موطأ مالك البيوع ).(1324
فأوجب استيفاء المماثلة بالوزن في الموزون وبالكيل في
المكيل فــدل ذلــك علــى أن العتبــار فــي التحريــم الكيــل
والوزن مضموما إلى الجنس .ومما يحتج به المخالف من
ْ
ن ي َـأك ُُلو َ
ن ذي َالية على اعتبار الكــل قــوله عــز وجــل } :ال ّـ ِ
نمـ َ
ن ِ ش ـي ْ َ
طا ُ ه ال ّخب ّط ُـ ُ م ال ّ ِ
ذي ي َت َ َ ن إ ِّل ك َ َ
ما ي َُقو ُ الّرَبا َل ي َُقو ُ
مو َ
س { ) (1وقوله تعالى } َل ت َأ ْك ُُلوا الّرب َــا { ) (2فــأطلق م ّ ال ْ َ
اسم الربا على المأكول ،قالوا فهذا عموم في إثبات الربا
في المأكول ،وهذا عندنا ل يدل على ما قالوا من وجوه:
أحــدها :مــا قــدمنا مــن إجمــال لفــظ الربــا فــي الشــرع
وافتقــاره إلــى البيــان فل يصــح الحتجــاج بعمــومه ،وإنمــا
يحتاج إلى أن يثبت بدللة أخرى أنه ربا حتى يحرمه باليــة
ول يأكله .
والثاني :أن أكثر ما فيه إثبات الربا في مأكول وليس فيــه
أن جميع المأكولت فيها ربا ونحن قد أثبتنا الربا فــي كــثير
من المأكولت ،وإذا فعلنا ذلـك فقـد قضـينا عهـدة اليـة ،
ولما ثبت بما قدمنا من التوقيف والتفاق على تحريــم بيــع
ألف بألف ومائة كما بطل بيع ألف بألف إلى أجــل فجــرى
الجل المشروط مجرى النقصان في المال وكــان بمنزلــة
بيع ألف بألف ومائة وجب أن ل يصــح الجــل فــي القــرض
كما ل يجوز قرض ألف بألف ومائة إذ كــان نقصــان الجــل
كنقصان الوزن وكان الربـا تـارة مــن جهـة نقصــان الـوزن
وتارة من جهة نقصان الجل وجب أن يكون القرض كذلك
،فإن قال قائل ليس القرض في ذلك كــالبيع ؛ لنــه يجــوز
له مفارقته في القرض قبل قبض البدل ول يجوز مثله في
بيع ألف بألف .قيل له إنما يكــون الجــل نقصــانا إذا كــان
918
مشروطا فأما إذا لم يكــن مشــروطا فــإن تــرك القبــض ل
يوجب نقصا في أحد المالين ،وإنما بطل
__________
) (1سورة البقرة الية 275
) (2سورة آل عمران الية 130
البيع لمعنى آخر غير نقصان أحدهما عــن الخــر ،أل تــرى
أنه ل يختلف الصنفان والصنف الواحد في وجوب التقابض
في المجلس ؛ أعنـي الـذهب بالفضـة مـع جـواز التفاضـل
فيهما ،فعلمنــا أن المــوجب لقبضــهما ليــس مــن جهــة أن
ترك القبض موجب للنقصان في غير المقبــوض ،أل تــرى
أن رجل لو باع من رجل عبدا بألف درهم ولم يقبض ثمنــه
سنين جاز للمشتري بيعــه مرابحــة علــى ألــف ،ولــو كــان
باعه بألف إلى شهر ثم حل الجل لم يكن للمشتري بيعــه
مرابحــة علــى ألــف حالــة حــتى يــبين أنــه اشــتراه بثمــن
مؤجل ،فدل ذلك علــى أن الجــل المشــروط فــي العقــد
يوجب نقصا في الثمن ،ويكون بمنزلة نقصان الوزن فــي
الحكم ،فإذا كان كذلك فالتشبيه بين القــرض والــبيع مــن
الوجه الذي ذكرنا صــحيح ل يعــترض عليــه هــذا الســؤال ،
ويدل على بطلن التأجيل فيه قول النبي صلى اللــه عليــه
وسلم » :إنما الربا في النسيئة « ) (1ولم يفرق بين البيع
والقرض فهو على الجميع ،ويدل عليه أن القرض لما كان
تبرعــا ل يصــلح إل مقبوضــا ،أشــبه الهبــة فل يصــح فيــه
التأجيل كما ل يصح في الهبة ،وقد أبطل النبي صلى اللــه
عليه وسلم التأجيل فيها بقوله » :من أعمر عمــرى فهــي
له ولورثته من بعده « ) (2فأبطل التأجيل المشروط فــي
الملــك ،وأيضــا فــإن قــرض الــدراهم عاريتهــا ،وعاريتهــا
قرضها ؛ لنها تمليك المنافع إذ ل يصــل إليهــا إل باســتهلك
عينها ،ولذلك قال أصــحابنا :إذا أعــاره دراهــم فــإن ذلــك
قرض ،ولذلك لــم يجيــزوا اســتيجار الــدراهم لنهــا قــرض
فكأنه استقرض دراهم على أن يرد عليه أكثر منهــا ،فلمــا
لم يصح الجل في العارية لم يصح في القرض .
ومما يدل على أن قــرض الــدراهم عاريــة حــديث إبراهيــم
الهجري عن أبي الحوص عن عبد الله قــال :قــال رســول
919
الله صلى الله عليه وســلم » :تــدرون أي الصــدقة خيــر ؟
قالوا :الله ورسوله أعلم ،قــال :خيــر الصــدقة المنحــة ؛
أن تمنح أخاك الدراهم أو ظهر الدابة أو لبــن الشــاة ) « ،
(3والمنحة هي العارية فجعل قرض الدراهم عاريتهــا ،أل
ترى إلى قوله في حديث آخر » :والمنحة مــردودة « )(4
فلما لم
__________
) (1صحيح مسلم المساقاة ),(1596سنن النسائي البيوع
),(4581سنن ابن ماجه التجارات ),(2257سنن الــدارمي
البيوع ).(2580
) (2صحيح مسلم الهبات ),(1625سنن الترمذي الحكــام
),(1350سـنن النسـائي العمــرى ),(3747سـنن أبــو داود
البيوع ),(3551سـنن ابــن مــاجه الحكــام ),(2380مســند
أحمد بن حنبل ),(3/386موطأ مالك القضية ).(1479
) (3مسند أحمد بن حنبل ).(1/463
) (4سنن الترمذي الوصايا ),(2120سنن أبو داود البيوع )
,(3565سنن ابن ماجه الحكام ).(2398
يصــح التأجيــل فــي العاريــة لــم يصــح فــي القــرض وأجــاز
الشــافعي التأجيــل فــي القــرض وبــالله التوفيــق ومنــه
العانة .
920
الفهرس العام
..................................................................87المسألة الرابعة عشرة :قرض البنك بفوائد سنوية:
921