You are on page 1of 921

‫المفصل في أحكام الربا )‪(2‬‬

‫الباب الخامس‬
‫فتاوى وبحوث معاصرة حول الربا‬
‫وأحكامه‬
‫)‪(1‬‬

‫جمع وإعداد‬
‫الباحث في القرآن والسنة‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫الباب الخامس‬
‫فتاوى وبحوث معاصرة حول الربا وأحكامه‬

‫وفي فتاوى الزحيلي‬


‫بطاقات الئتمان‬
‫الدورة الخامسة عشرة‬
‫‪6-11/3/2004‬م‬
‫عمان(‬
‫مسقط )سلطنة ُ‬
‫إعداد‬

‫‪1‬‬
‫الستاذ الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي‬
‫رئيس قسم الفقه المقارن كلية الشريعة ‪ -‬جامعة دمشق‬
‫تقديم‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والعاقبة للمتقين‪ ،‬والصلة‬
‫والسلم على إمام النبياء وخاتم المرسلين‪ ،‬وعلى آله‬
‫وأصحابه أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن بطاقة الئتمان أصبحت في الغالب في عصرنا‬
‫الحاضر في بلد الغرب والشرق‪ ،‬وبنسبة محدودة في‬
‫البلد العربية والسلمية هي أداة الوفاء المستعملة‬
‫لللتزامات النقدية في البيوع والشربة والقروض وتقديم‬
‫الخدمات كسداد الفواتير والرسوم والضرائب والحصول‬
‫على الحاجات من البضائع والسلع‪ ،‬وذلك بدل ً من حمل‬
‫النقود المحلية أو صرفها بعملت أجنبية‪ ،‬أو الوفاء‬
‫بالشيكات ونحوها‪ ،‬وتفاديا ً لشكال وأنواع النصب‬
‫والحتيال والسرقات والغصب والنهب ونحوها‪ ،‬وربما في‬
‫المستقبل القريب تحل بطاقات الئتمان محل النقود‪ ،‬وهو‬
‫تطور اقتصادي واجتماعي ملموس‪ ،‬واتجاه سريع نحو هذه‬
‫الغاية بما يتم من العتماد على هذه البطاقات حاليًا‪.‬‬
‫وهذا ما يسمى بالوظيفة الئتمانية للمصارف‪ ،‬التي تتمثل‬
‫في القرض وفتح العتمادات والسحب على المكشوف‬
‫بفائدة ربوية‪ ،‬وهي الوظيفة الثالثة للمصارف بعد الوظيفة‬
‫النقدية )قبول الودائع من المسكوكات والعملت( ثم‬
‫الوظيفة الستثمارية )استثمار أموال المصرف الخاصة‬
‫والودائع الستثمارية في التجارة وغيها وعمليات التسليف‬
‫والقراض(‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه الظاهرة شائعة في بلدان النظام‬
‫الرأسمالي القائم على نظام الفائدة البنكية المحرمة في‬
‫السلم‪ ،‬فكيف يمكن إصدار بطاقات ائتمان إسلمية كما‬
‫تفعل بعض المؤسسات المصرفية السلمية الحالية دون‬
‫تورط بالوقوع في الحرام وتجنب نظام الفائدة الربوية؟‬
‫حتى يطمئن المسلم إلى سلمة تعامله من غير اقتراف‬
‫للحرام‪.‬‬
‫ويمكن ذلك بعد بحث الموضوع من خلل ما يأتي‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫ـ تعريف الئتمان وبطاقة الئتمان وأهميتها العامة‬
‫والخاصة ومحاذيرها‪.‬‬
‫ـ أنواع بطاقات الئتمان وحكم كل نوع‪.‬‬
‫ـ التكييف الشرعي لبطاقة الئتمان في صورتها الصلية‬
‫والعلقات بين أطرافها‪.‬‬
‫ـ البدائل الشرعية لبطاقة الئتمان‪.‬‬
‫درة‬
‫ـ الحكم الشرعي لبعض البطاقات المعاصرة المص ّ‬
‫من بعض البنوك السلمية‪.‬‬
‫تعريف الئتمان وبطاقة الئتمان‬
‫أصل معنى الئتمان في القتصاد‪ :‬القدرة على القراض‪،‬‬
‫واصطلحًا‪ :‬هو لتزام جهة لجهة أخرى بالقاض أو المداينة‪،‬‬
‫ويراد به في القتصاد الحديث‪ :‬أن يقوم الدائن بمنح‬
‫المدين بمنح المدين مهلة من الوقت‪ ،‬يلتزم المدين عند‬
‫انتهائها بدفع قيمة الدين)‪ ،(1‬فهو صيغة تمويلية استثمارية‬
‫تعتمدها المصارف بأنواعها‪.‬‬
‫والدق في تبيان معنى الئتمان أو العتماد ‪:Credit‬‬
‫هو عملية مبادلة شيء ذي قيمة أو كمية من النقود في‬
‫الحاضر‪ ،‬مقابل وعد بالدفع في المستقبل‪.‬‬
‫وينظر إليه من ناحيتين)‪:(2‬‬
‫الولى ‪ -‬من ناحية المهلة التي يمنحها البائع للمشتري‪،‬‬
‫لكي يدفع ثمن السلعة التي تسّلمها‪ ،‬وفيها يزيد السعر‪،‬‬
‫لن الثمن مؤجل‪ .‬وهذا يسمى ))الئتمان التجاري((‪.‬‬
‫الناحية الثانية ‪ -‬هو العملية التي بموجبها يقرض شخص‬
‫غيره مبلغا ً متأمل ً إعادته في المستقبل مضافا ً إليه الفائدة‬
‫المترتبة عليه‪.‬‬
‫وللئتمان أشكال مختلفة‪:‬‬
‫‪ -‬الئتمان قصير الجل )أقل من ثمانية عشر شهرًا(‪.‬‬
‫‪-‬الئتمان متوسط الجل )وهو الذي يصل إلى خمس‬
‫سنوات(‪.‬‬
‫‪ -‬الئتمان طويل الجل )ويكون أكثر من خمس سنوات(‪.‬‬
‫والبطاقات هي في الواقع القائم بطاقات القراض‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫فإن كان السحب المباشر من الرصيد ل يوصف‬
‫بالقراض‪ ،‬فتسمى بطاقات الدفع أو بطاقات المعاملت‬
‫المالية)‪. (3‬‬
‫وبطاقة الئتمان ‪ Credit card‬عند القتصاديين‪ :‬هي بطاقة‬
‫خاصة يصدرها المصرف لعميله‪ ،‬تمكنه من الحصول على‬
‫السلع والخدمات من محلت وأماكن معينة‪ ،‬عند تقديمه‬
‫لهذه البطاقة‪ ،‬ويقوم بائع السلع أو الخدمات بالتالي‬
‫در‬
‫ص ِ‬
‫م ْ‬‫بتقديم الفاتورة الموقعة من العميل إلى المصرف ُ‬
‫دد قيمتها له‪ ،‬ويقدم المصرف للعميل كشفا ً‬ ‫البطاقة‪ ،‬فيس ّ‬
‫شهريا ً بإجمالي القيمة لتسديدها أو لحسمها )لخصمها(‬
‫من حسابه الجاري لطرفه)‪.(1‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬هي مستند من ورق سميك مسطح أو‬
‫بلستيكي‪ ،‬يصدره البنك أو غيره لحامله‪ ،‬وعليه بعض‬
‫البيانات الخاصة بحامله‪ .‬والجهة المصدرة للبطاقة‪ :‬هي‬
‫مصرف أو مؤسسة مالية تقوم بإصدار البطاقة بناء على‬
‫ترخيص معتمد من المنظمة العالمية لهذه البطاقات‪.‬‬
‫وعرفها مجمع الفقه السلمي الدولي بأنها‪ :‬مستند يعطيه‬
‫مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري‪ ،‬بناء على عقد بينهما‪،‬‬ ‫ُ‬
‫يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند‬ ‫ّ‬
‫در بالدفع‪.‬‬
‫ل‪ ،‬لتضمنه التزام المص ِ‬ ‫دون دفع الثمن حا ً‬
‫كن من سحب نقود من‬ ‫ومن أنواع هذا المستند‪ :‬ما يم ّ‬
‫المصارف‪.‬‬
‫ولبطاقات الئتمان صور‪:‬‬
‫‪ -‬منها ما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب‬
‫در‪ ،‬فتكون‬ ‫حاملها في المصرف‪ ،‬وليس من حساب المص ِ‬
‫بذلك مغطاة‪.‬‬
‫در‪ ،‬ثم يعود على‬ ‫‪ -‬ومنها ما يكون الدفع من حساب المص ِ‬
‫حاملها في مواعيد دورية‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير‬
‫المدفوع خلل فترة محددة من تاريخ المطالبة‪ ،‬ومنها ما‬
‫ل يفرض فوائد‪.‬‬
‫‪ -‬وأكثرها يفرض رسما ً سنويا ً على حاملها‪ ،‬منها ما ل‬
‫در رسمًا‪.‬‬‫يفرض فيه المص ِ‬

‫‪4‬‬
‫أهميتها‪:‬‬
‫حققت بطاقة الئتمان نجاحا ً ملموسا ً من نواح متعددة‬
‫سلبية وإيجابية‪ .‬فقد حققت فعل ً المان لحامليها من‬
‫السطو وسرقة النقود أو ضياعها‪ ،‬أو حملها‪ ،‬لكتفائهم‬
‫بحملها وهي صغيرة ل تتجاوز ‪ 5/9‬سم ‪ ،2‬ممغنطة تحمل‬
‫رقما ً رمزيًا‪.‬‬
‫وضمنت لصحاب الحقوق أداء حقوقهم بعد التثبت‬
‫بواسطة جهاز الكتروني )كمبيوتر( من ملءة صاحب‬
‫البطاقة‪ ،‬واستطلع الجهاز المعلوماتي الخاص بالمصدر‬
‫عن مقدار المبلغ المالي المودع في حسابه‪.‬‬
‫وصارت هي الداة المفضلة على النقود ذاتها في التجارة‬
‫والمطاعم والفنادق وغيرها‪.‬‬
‫وكانت سببا ً لزيادة المبيعات في المحلت التجارية‪،‬‬
‫وحققت أرباحا ً ملموسة ومجدية ونشطة لمصدري‬
‫البطاقة‪.‬‬
‫كل ذلك بسبب آليتها السريعة في العمل وضمان وفاء‬
‫ظم التاجر فاتورة يدّون عليها أهم بيانات‬‫الحقوق‪ ،‬حيث ين ّ‬
‫البطاقة‪ ،‬ويختمها بتوقيع العميل‪ ،‬ثم يرسلها إلى الجهة‬
‫درة التي تتولى دفع القيمة المدونة فيها‪ ،‬إما من‬ ‫ص ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫حساب العميل‪ ،‬أو تحسب دينا ً عليه بضمان حسابه لدى‬
‫الجهة المصدرة‪.‬‬
‫ويتولى إصدار البطاقات العالمية جهتان رئيستان وهما‪:‬‬
‫))أمريكان إكسبريس( و))فيزا(( العالميتان‪ ،‬ويطلق على‬
‫در اسم‪ :‬راعي البطاقة)‪. (1‬‬ ‫المص ِ‬
‫محاذيرها‪:‬‬
‫ليس لبطاقات الئتمان غالبا ً في مجال التعامل القتصادي‬
‫أية محاذير‪ ،‬عند من يتعامل بالفوائد البنكية لستعداده‬
‫لسداد هذه الفوائد إذا تأخر عن تغطية رصيده في البنك‬
‫الذي يودع فيه حسابه‪.‬‬
‫وإنما المحذور واضح بالنسبة للمسلم الملتزم بأصول‬
‫دينه‪ ،‬حيث يكتسب الثم الكبير أو المعصية إذا تعامل‬
‫بالربا أو بالفوائد المصرفية‪ ،‬كما كان عليه عرب الجاهلية‪:‬‬
‫))أتقضي أم تربي؟((‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫درها فاسد‪،‬‬ ‫ص ِ‬
‫م ْ‬
‫والتفاق الذي يوقعه حامل البطاقة و ُ‬
‫لوجود الشرط الفاسد‪ ،‬وهو استعداده لدفع الفائدة إذا‬
‫تأخر عن الدفع في الوقت المحدد‪ ،‬ومن عقد عقدا ً‬
‫فاسدًا‪ ،‬كان آثما ً بالعقد ذاته‪ ،‬سواء دفع حامل البطاقة‬
‫الفائدة أو لم يدفعها‪ ،‬لن الشرط الفاسد في المعاوضات‬
‫المالية عند الجمهور يفسدها‪ ،‬وقرر الحنابلة أن الشرط‬
‫الفاسد المنافي لمقتضى العقد ل يفسد العقد‪ ،‬كاشتراط‬
‫أل خسارة عليه‪ ،‬أو أل يبيع المبيع أو ل يهبه لغيره‪ ،‬وإنما‬
‫يبطل الشرط وحده العقد صحيح‪ ،‬لقوله )ص(‪)) :‬من‬
‫اشترط شرطا ً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان‬
‫مئة شرط(()‪ . (1‬ويؤيد هذا التجاه ما أخذت به بعض‬
‫لجان الفتاوى في المصارف السلمية‪ ،‬وهو أن حامل‬
‫البطاقة إذا اتخذ من الحتياطات ما يكفل عدم تطبيق‬
‫الشرط المحرم عليه وهو دفع الفائدة‪ ،‬ل بأس عليه في‬
‫الستفادة من البطاقة وتوقيعه على اتفاقيتها‪ ،‬على الرغم‬
‫من هذا الشرط‪ ،‬لنه في معرض اللغاء شرعًا‪ ،‬بدليل‬
‫قول النبي )ص( في الصحيحين لعائشة رضي الله عنها‬
‫في شأن بريرة رضي الله عنها‪)) :‬خذيها واشارطي لهم‬
‫الولء‪ ،‬فإنما الولء لمن أعتق(( وفي رواية‪)) :‬اشتريها‬
‫وأعتقيها واشترطي لهم الولء(( والمراد أنه ل قيمة لهذا‬
‫الشرط المخالف للحق والشرع‪ ،‬ويظل الولء للمعتق)‬
‫‪. (2‬‬
‫أنواع بطاقات الئتمان وحكم كل نوع‪:‬‬
‫يتمكن أصحاب بطاقات الئتمان من السحب من‬
‫أرصدتهم نقدا ً بنحو سريع )الصراف اللي(‪ ،‬أو من‬
‫الحصول على قرض‪ ،‬أو دفع أثمان المشتريات ومقابل‬
‫الخدمات بمجرد إبراز البطاقة‪ ،‬وتوقيع صاحبها على‬
‫الفاتورة‪ ،‬واستكشاف وفرة حسابه في البنك‪ ،‬وتضمن‬
‫مؤسسة الصدار استيفاء المدفوعات الجلة عن طريق‬
‫القتطاع الشهري أو السنوي حسب التفاق‪ ،‬وتمنح بعض‬
‫المؤسسات لعملئها بعض الميزات التجارية كنسبة حسم‬
‫)خصم( في بعض المحلت التجارية أو ضمان السلعة‬
‫المشتراة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وهي ثلثة أنواع‪ :‬بطاقة الحسم الفوري‪ ،‬وبطاقة الئتمان‬
‫والحسم الجل‪ ،‬وبطاقة الئتمان المتجدد‪.‬‬
‫ويمكن معرفة حكم كل نوع من هذه النواع فيما يأتي)‬
‫‪: (3‬‬
‫النوع الول ‪ -‬بطاقة الحسم الفوري )أو بطاقة السحب‬
‫المباشر الرصيد( ‪Debit Card‬‬
‫هي التي يكون لحاملها رصيد بالبنك‪ ،‬فيسحب مئة‬
‫مباشرة قيمة مشترياته وأجور الخدمات المقدمة له‪ ،‬بناء‬
‫على السندات الموقعة منه‪.‬‬
‫يدل هذا التعريف على أن هذه البطاقة تعطى لمن له‬
‫رصيد دائن في حسابه‪ ،‬يدفع منه أثمان السلع ومقابل‬
‫الخدمات في حدود رصيده الموجود‪ ،‬ويتم الحسم منه‬
‫فورًا‪ ،‬ول يحصل على ائتمان )إقراض(‪.‬‬
‫وتمنح غالبا ً مجانًا‪ ،‬فل يتحمل العميل في الغالب رسوما ً‬
‫لهذه البطاقة إل إذا سحب نقودًا‪ ،‬أو اشترى عملة أخرى‪،‬‬
‫عن طريق مؤسسة أخرى غير المؤسسة المصدرة‬
‫للبطاقة‪ ،‬فتصدر هذه البطاقة برسم أو من غير رسم إل‬
‫في حال سحب العميل نقودا ً أو شرائه عملة أخرى عن‬
‫طريق مؤسسة أخرى غير المؤسسة المصدرة للبطاقة‪.‬‬
‫وتستخدم عالبا ً محليا ً داخل الدولة أو مناطق فروع البنك‬
‫المتصلة بجهاز حاسب آلي‪ ،‬يتبين فيه حساب العميل‬
‫ورصيده‪.‬‬
‫وتتقاضى بعض المؤسسات من قابل البطاقة نسبة من‬
‫أثمان المشتريات أو الخدمات)‪ .(1‬ويشترط لجواز إصدار‬
‫بطاقة الحسم الفوري شرطان‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أن يسحب حاملها من رصيده أو وديعته‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أل يترتب على التعامل بها فائدة ربوية‪.‬‬
‫وفائدة هذه البطاقة‪ :‬هي تمكين صاحبها من الحصول‬
‫على النقود‪ ،‬والسلع‪ ،‬والخدمات وغير ذلك بيسر وسهولة‪،‬‬
‫دون تعرض لمخاطر حمل النقود أو السفر بها‪ ،‬ولكن‬
‫ليس له الستدانة بها لتحقيق مصالحه‪.‬‬
‫وقد تشمل هذا البطاقة على اتفاقية إقراض‪ ،‬وحينئذ تعد‬
‫من أدوات القراض‪ ،‬خلفا ً لقانون تنظيمها‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وحكمها الشرعي‪ :‬الجواز أو الباحة‪ ،‬مادام حاملها يسحب‬
‫من رصيده أو وديعته‪ ،‬ول يترتب عليه أي فائدة ربوية‪ ،‬لنه‬
‫استيفاء من ماله‪ ،‬ويجوز له أيضا ً أن يسحب من المصرف‬
‫أكثر من رصيده إذا سمح له المصرف بذلك‪ ،‬ولم يشترط‬
‫عليه فوائد ربوية‪ ،‬لنه قرض مشروع من المصرف‪،‬‬
‫ويجوز للمصرف أن يتقاضى من قابل البطاقة نسبة معينة‬
‫من أثمان المبيعات‪.‬‬
‫وكل ذلك ل يترتب عليه محظور شرعي‪ ،‬والصل في‬
‫المعاملت الباحة‪.‬‬
‫والفرق بينها وبين بطاقة الئتمان المتجدد )أو القراض(‬
‫ول‬ ‫الربوية‪ :‬أنه ل علقة للبنك بالنسبة للد ّْين‪ ،‬بل يح ّ‬
‫مباشرة من حامل البطاقة ليحسم من رصيده‪ ،‬إلى‬
‫حساب التاجر دون أي إجراء آخر‪ ،‬أما بطاقة القراض‬
‫فيلزم البنك بدفع المبالغ الموضحة بالسندات‪ ،‬المقدمة له‬
‫من التاجر العميل بزيادة متفق عليها‪ ،‬وهي غير مشروعة‪.‬‬
‫وفي الجملة‪ :‬يجوز إصدار بطاق الحسم الشهري‬
‫بالشروط السابقة‪ ،‬لنها ل تتضمن محظورا ً شرعيًا‪ ،‬ول‬
‫يمح عقدها بتسهيلت ائتمانية لحاملها يترتب عليها فوائد‬
‫ربوية‪.‬‬
‫وتكييفها بالنسبة للبنك المصدر وعلقته بالتاجر‪ :‬أنها‬
‫حوالة‪ ،‬والحوالة مشروعة في السلم بالجماع‪ ،‬فهي‬
‫حوالة من حامل البطاقة على البنك المودع فيه حساب‬
‫العميل‪ ،‬فيقوم البنك بتحويل المبلغ إلى التاجر المحال‪،‬‬
‫وقبول الحوالة من البنك المحال عليه واجب في رأي داود‬
‫الظاهري وأحمد بن حنبل)‪. (1‬‬
‫النوع الثاني ‪ -‬بطاقة الئتمان والحسم الجل )أو بطاقة‬
‫القراض المؤقت من غير زيادة ربوية ابتداء)‪.( (2‬‬
‫‪CHARG CARD‬‬
‫در حامل البطاقة قرضا ً‬ ‫وهي التي يمنح فيها البنك المص ِ‬
‫في حدود معينة‪ ،‬بحسب درجة البطاقة‪ :‬فضية أو ذهبية‪،‬‬
‫ولزمن معين‪ ،‬يجب تسديده كامل ً في وقت محدد متفق‬
‫عليه عند الصدار‪ ،‬يترتب على حاملها لدى تأخير السداد‬
‫زيادة مالية ربوية‪ .‬وهي الصورة الصلية لبطاقة الئتمان‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫فهي ل تشتمل على تسهيلت‪ ،‬أي ل يقسط المبلغ‬
‫المستحق‪ ،‬وإنما هي طريقة ميسرة للحصول على قرض‬
‫مفتوح ضمن حد أقصى‪ ،‬يسدد كل شهر‪ ،‬أي إنها أداة‬
‫ائتمان في حدود سقف معين لفترة محددة‪ ،‬وهي أيضا ً أدا‬
‫وفاء‪.‬‬
‫وخصائصها ما يأتي)‪: (3‬‬
‫أ ‪ -‬تستعمل في تسديد أثمان السلع والخدمات والسحب‬
‫النقدي في حدود مبلغ معين‪ ،‬ولفترة محدودة‪ ،‬دون‬
‫تقسيط‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ليس فيها تسهيلت ائتمانية متجددة لحاملها‪ ،‬وإنما‬
‫عليه تسديد أثمان مشترياته ومقابل خدماته من بعض‬
‫التجار المقبولين لدى جهة الصدار‪ ،‬في فترة محددة‬
‫بمجرد تسليمه الكشوف المرسلة إليه‪ ،‬أو خلل ميعاد‬
‫قصير بحسب نوع البطاقة من مؤسسة إصدار البطاقة‪،‬‬
‫فهي أداة إقراض وأداة وفاء معًا‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ل تفرض على حامل هذه البطاقة زيادة ربوية في‬
‫الفترة المسموح بها‪ ،‬وإنما إذا تأخر حاملها عن السداد‬
‫في الفترة المحددة‪ ،‬فتترتب عليه فوائد ربوية‪ .‬وهذا في‬
‫البنوك التجارية التقليدية‪ ،‬أما في المصارف السلمية فل‬
‫تترتب عليه فوائد ربوية‪.‬‬
‫ل‪ :‬أن يتمتع حامل هذه البطاقة بأجل فعلي‬ ‫والحاصل فع ً‬
‫في الوفاء بثمن السلع ومقابل الخدمات‪ ،‬ولذا سميت‪:‬‬
‫بطاقة الوفاء المؤجل‪.‬‬
‫د ‪ -‬ل يدفع حامل البطاقة لمؤسسة الصدار أي زيادة‬
‫على أثمان المشتريات والخدمات‪ ،‬وإنما تحصل المؤسسة‬
‫على عمولة من قابل البطاقة )التاجر( على مبيعاته أو‬
‫خدماته‪ ،‬أي ل يؤخذ شيء من حامل البطاقة‪.‬‬
‫دد المؤسسة في حدود سقف الئتمان لقابل‬ ‫هـ ‪ -‬تس ّ‬
‫أثمان السلع والخدمات‪.‬‬
‫و ‪ -‬لمؤسسة إصدار البطاقة حق شخصي ومباشر على‬
‫حامل البطاقة في حدود استرداد ما دفعته عنه‪ ،‬أي إنها‬
‫بصفة كفيل‪ ،‬والكفيل يرجع على المكفول له بما أدى عنه‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ز ‪ -‬يدفع العميل رسوم اشتراك مرة واحدة‪ ،‬ورسوم‬
‫تجديد سنوية‪ ،‬وقد ل يدفع‪.‬‬
‫الفرق بين بطاقة الئتمان والحسم الجل وبين بطاقة‬
‫الئتمان المتجدد‪:‬‬
‫تختلف الولى عن الثانية في نواح أهمها ثلث‪:‬‬
‫‪ - 1‬تتقاضى البنوك رسوما ً على إصدار هذه البطاقة‬
‫وعلى التجديد‪ ،‬ول تتقاضى عادة رسوما ً سنوية ول رسوما ً‬
‫على التجديد لبطاقة الئتمان المتجدد‪.‬‬
‫‪ - 2‬عملء البطاقة الولى يطالبون بدفع ما عليهم كامل ً‬
‫في نهاية الشهر‪ ،‬أما عملء بطاقة الئتمان المتجدد‪،‬‬
‫فيقدم لهم قرض بنكي‪ ،‬ولحامل البطاقة حق الختيار في‬
‫طريقة الدفع‪.‬‬
‫‪ - 3‬في البطاقة الولى يوجد حد أعلى للمديونية‪ ،‬ويلزم‬
‫حاملها بالدفع في نهاية الشهر‪ ،‬أو في ميعاد قصير‪ ،‬أما‬
‫في بطاقة الئتمان المتجدد فل يوجد حد أعلى للمديونية‪،‬‬
‫ويسمح لحاملها تأجيل السداد خلل فترة محددة‪ ،‬مع‬
‫ترتيب فوائد عليه‪.‬‬
‫الحكم الشرعي لبطاقة الحسم الجل‪:‬‬
‫حكمها على هذا النحو أنها محظورة شرعًا‪ ،‬لوجود التعامل‬
‫الربوي فيها‪.‬‬
‫ولكن يجوز إصدار هذه البطاقة شرعا ً بالشروط التية‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أل يشترط على حاملها فائدة ربوية‪ ،‬إذا تأخر عن‬
‫سداد المبلغ المستحق عليه‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أل يتعامل بها فيما حرمته الشريعة‪ ،‬وإل سحبت منه‬
‫البطاقة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬في حال إيداع حامل البطاقة مبلغا ً نقديا ً بصفة‬
‫ضمان‪ ،‬يجب النص على أن المؤسسة تستثمره لصالحه‬
‫بطريق المضاربة‪ ،‬مع قسمة الربح بينه وبين المؤسسة‬
‫بحسب النسبة المحددة‪.‬‬
‫النوع الثالث ‪ -‬بطاقة الئتمان المتجدد‪:‬‬
‫أو بطاقة القراض الربوي والتسديد على أقساط‬
‫‪ CREDIT CARD‬وهي التي تمنحها البنوك المصدرة لها‬
‫لعملئها‪ ،‬على أن يكون لهم حق الشراء والسحب نقدا ً‬

‫‪10‬‬
‫في حدود مبلغ معين‪ ،‬ولهم تسهيلت في دفع قرض‬
‫مؤجل على أقساط وفي صيغة قرض ممتد متجدد على‬
‫فترات‪ ،‬بفائدة محددة هي الزيادة الربوية‪ .‬وهي أكثر‬
‫البطاقات انتشارا ً في العالم‪ ،‬وأشهرها‪ :‬فيزا‪،‬‬
‫وماستركارد‪.‬‬
‫ولها ثلثة أنواع‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬بطاقة فضية أو عادية‪ :‬وهي التي ل يتجاوز فيها‬
‫القرض الممنوح لحاملها حدا ً أعلى‪ ،‬كعشرة آلف دولر‬
‫مث ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬بطاقة ذهبية أو ممتازة‪ :‬وهي التي يتجاوز فيها القرض‬
‫لحاملها الحد السابق‪ ،‬وقد ل يحدد فيها مبلغ معين‪ ،‬مثل‬
‫بطاقة أمريكان إكسبريس‪ ،‬التي تمنح للثرياء‪ ،‬مع دفع‬
‫رسوم باهظة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬البطاقة البلتينية‪ :‬وهي ذات مواصفات ومزايا إضافية‬
‫بحسب كفاءة العميل المالية ومدى ثقة المصرف به‪.‬‬
‫وبطاقة الئتمان المتجدد تشتمل على إقراض عادي‪،‬‬
‫وإقراض كبير‪ ،‬وتأمين ضد الحوادث‪ ،‬وتعويض مجانب عن‬
‫فقدانها‪ ،‬وتخفيضات في الفنادق‪ ،‬واستئجار السيارات‪،‬‬
‫وتقديم شيكات سياحية من دون عمولة‪.‬‬
‫وأمثلتها‪ :‬الفيزا‪ ،‬والماستركارد‪ ،‬والدانيركارد‪ ،‬والمريكان‬
‫إكسبريس‪ ،‬وهي الكثر رواجا ً في عصرنا‪.‬‬
‫وخصائصها ما يأتي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬هي أداة حقيقية للقراض في حدود سقف معين‬
‫متجدد على فترات‪ ،‬يحددها مصدر البطاقة‪ ،‬وهي أداة‬
‫وفاء‪.‬‬
‫ب ‪ -‬يسدد حاملها أثمان السلع والخدمات‪ ،‬والسحب نقدا ً‬
‫في حدود سقف الئتمان )القراض( الممنوح‪ ،‬وإذا لم يكن‬
‫لها سقف‪ ،‬فهي مفتوحة مطلقًا‪.‬‬
‫ج ‪ -‬يمنح حاملها فترة سماح من دون فوائد لتسديد‬
‫المستحقات عليه‪ ،‬كما يمنح له فترة محددة يؤجل فيها‬
‫السداد‪ ،‬مع فرض فوائد عليه‪ ،‬إل أنه في حالة السحب‬
‫النقدي ل يمنح حاملها فترة سماح‪ ،‬أي إن وفاء أو تسديد‬

‫‪11‬‬
‫القروض ل يكون فورًا‪ ،‬بل في خلل فترة متفق عليها‪،‬‬
‫وعلى دفعات‪.‬‬
‫د ‪ -‬قد تمنح هذه البطاقة لمن ليس له رصيد في البنك‪ ،‬أو‬
‫دون اعتبار لمدخولتهم المالية‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬قد ل تفرض على إصدارها رسوم سنوية‪ ،‬كما في‬
‫بريطانيا‪ ،‬و تؤخذ رسوم اسمية متدنية كما في أمريك‪،‬‬
‫وتعتمد البنوك في إيراداتها على الرسوم المأخوذة من‬
‫التجار‪.‬‬
‫حكمها الشرعي‪:‬‬
‫يحرم التعامل بهذه البطاقة؛ لنها تشتمل على عقد‬
‫إقراض ربوي‪ ،‬يسدده حاملها على أقساط مؤجلة‪ ،‬بفوائد‬
‫ربوية‪.‬‬
‫الحكام العامة للبطاقات‪:‬‬
‫لنواع البطاقات أحكام عامة هي ما يأتي)‪:(1‬‬
‫ً‪ - 1‬النضمام للمنظمات راعبة البطاقات‪:‬‬
‫ل مانع شرعا ً من انضمام البنوك السلمية إلى عضوية‬
‫المنظمات العالمية الراعية للبطاقات)‪ ،(2‬بشرط اجتناب‬
‫المخالفات الشرعية إن وجدت أو شرطتها تلك‬
‫المنظمات‪.‬‬
‫وحينئذ يجوز لهذه المؤسسة دفع رسوم اشتراك وإصدار‬
‫وتجديد خدمات بمنح الترخيص وإجراء عمليات المقاصة‬
‫وغيرها لتلك المنظمات‪ ،‬على أن تجتنب أي فائدة ربوية‪،‬‬
‫مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬كأن تتضمن الجرة مقابل‬
‫الئتمان )القراض(‪ .‬وأن يكون تعامل المصارف السلمية‬
‫مقصورا ً على بطاقة الحسم الفوري‪ ،‬وبطاقة الئتمان‬
‫والحسم الجل الخالية من اشتراط الفائدة‪ ،‬ل بطاق‬
‫الئتمان المتجدد‪.‬‬
‫وتكييف هذه العملية فقهًا‪ :‬أن هذه الرسوم هي مجرد‬
‫أجرة يأخذها المصرف مقابل منفعة الخدمة والتسهيلت‬
‫التي يقدمها‪ ،‬والجارة التي هي تمليك منفعة بعوض‬
‫مشروعة‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬العمولة والرسوم‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫در البطاقة أخذ العمولة من قابل‬ ‫ص ِ‬‫م ْ‬
‫للمصرف السلمي ُ‬
‫البطاقة بنسبة من أثمان السلع والخدمات‪ ،‬لنها من قبيل‬
‫أجر السمسرة والتسويق وأجر خدمة تحصيل الدين‪.‬‬
‫وللمصرف المذكور أيضا ً أخض رسم عضوية ورسم‬
‫تجديد‪ ،‬ورسم استبدال من حامل البطاقة‪ ،‬لن هذه‬
‫الرسوم هي مقابل السماح للعميل بجملها والستفادة من‬
‫خدماتها‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬رسم السحب النقدي بالبطاقة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬لحامل البطاقة أن يسحب بالصراف اللي وغيره مبلغا ً‬
‫نقديا ً من رصيده وفي حدود رصيده أو أكثر منه بموافقة‬
‫المصرف السلمي المصدر للبطاقة من غير فوائد ربوية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وللمصرف السلمي المصدر للبطاقة أن يفرض‬
‫رسما ً مقطوعا ً متناسبا ً مع خدمة السحب النقدي‪ ،‬من غير‬
‫ارتباط بمقدار المبلغ السحوب أو بنسبة منه ثابتة‪.‬‬
‫وهذه الرسوم مشروعة؛ لن الجرة مقطوعة‪ ،‬ل ترتبط‬
‫بنسبة المبلغ المسحوب‪ ،‬التي ينطبق عليها حكم الفائدة‬
‫البنكية المحظورة شرعًا‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬إذا اشترط المصرف إيداع حامل البطاقة رصيدا ً‬
‫للسماح له باستخدامها‪ ،‬فليس للمصرف منع صاحب‬
‫البطاقة من استثمار المبالغ المودعة في حسابه‪ ،‬لنه‬
‫أودعه على أساس ))المضاربة(( الشرعية‪.‬‬
‫ً‪ - 4‬المميزات الممنوحة من الجهة مصدرة البطاقة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬يجوز منح حامل البطاقة مميزات مسموحا ً بها شرعًا‪،‬‬
‫كالولوية في الحصول على الخدمات‪ ،‬أو تخفيض السعار‬
‫لدى الفنادق والمطاعم وشركات الطيران ونحو ذلك‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ول يجوز إعطاء امتيازات لحامل البطاقة تحرمها‬
‫الشريعة السلمية‪ ،‬كالتأمين التجاري على الحياة‪ ،‬أو‬
‫دخول الماكن المحظورة شرعًا‪ ،‬كالخمارات والمراقص‬
‫ودور اللهو الماجنة‪ ،‬وبلجات البحر المختلطة‪ ،‬أو تقديم‬
‫الهدايا المحرمة ونحو ذلك من روافد القمار واليانصيب‪.‬‬
‫ً‪ - 5‬شراء الذهب أو الفضة أو النقود الورقية بالبطاقات‪:‬‬
‫يجوز شرعا ً شراء الذهب أو الفضة أو النقود )تبادل‬
‫العملت المختلفة الجنس والنوع( ببطاقة الحسم الفوري‪،‬‬

‫‪13‬‬
‫لن الشراء بها فيه تقابض حكمي معتبر شرعًا‪ ،‬بالتوقيع‬
‫على قسيمة الدفع لحساب الجهة القابلة للبطاقة‪ ،‬ويجوز‬
‫أيضا ً ببطاقة الئتمان والحسم الجل إذا دفع المصرف‬
‫السلمي المبلغ إلى قابل البطاقة من دون أجل‪ ،‬على أنه‬
‫وكيل للمشتري‪.‬‬
‫التكييف الشرعي لعلقات أطراف التعاقد على البطاقات‪:‬‬
‫تنحصر العلقة بين أطراف التعاقد على البطاقات في‬
‫ثلثة أنواع‪ ،‬لوجود ثلثة أطراف‪ :‬وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬العلقة بين مصدر البطاقة وحامل البطاقة‪.‬‬
‫‪ - 2‬العلقة بين مصدر البطاقة والتاجر‪.‬‬
‫‪ - 3‬العلقة بين حامل البطاقة والتاجر‪.‬‬
‫علما ً بأن العلقة بين كل طرف وآخر علقة ثنائية‬
‫در البطاقة‪ ،‬وحامل‬ ‫ص ِ‬‫م ْ‬
‫مستقلة‪ ،‬وقد تكون العلقة ثلثية‪ُ :‬‬
‫البطاقة‪ ،‬والتاجر )قابل البطاقة أو العميل( والعقود حينئذ‬
‫ثلثة عقود منفصلة لدى استعمال البطاقة‪.‬‬
‫‪ - 1‬العلقة بين مصدر البطاقة وحاملها‪:‬‬
‫هي علقة إقراض‪ ،‬يتمكن بها حامل لبطاقة من سحب‬
‫المبلغ بالقدر المحدد له بالتفاقية بشرط أل يدفع في‬
‫مقابل القرض فائدة ربوية‪ ،‬لن كل قرض شرط فيه‬
‫زيادة‪ ،‬فهو حرام‪ .‬أما رسم الصدار فل مانع منه كما‬
‫تقدم‪ ،‬لنه مقابل التكلفة وخدمات المواطنين‪.‬‬
‫ولمصدر البطاقة الحق في إنهاء أو فسخ العقد في أي‬
‫وقت شاء‪ ،‬فيعود له حق ملكية البطاقة وإعادتها إليه في‬
‫أي وقت يريد‪ ،‬وهذا موافق لحكام الشرعية‪ ،‬حيث يجوز‬
‫للمقرض المطالبة ببدل القرض في الحال أو في‬
‫المستقبل‪ ،‬وهو فسخ القرض‪.‬‬
‫وعلى حامل البطاقة تسديد القدر المتفق عليه من‬
‫القرض مع مصدر البطاقة في الوقت المحدد‪ ،‬وهذا واجب‬
‫عليه شرعا ً في رد بدل القرض‪.‬‬
‫ويحيل حامل البطاقة التاجر على مصدرها‪ ،‬لسداد ثمن‬
‫السلعة أو الخدمة‪ ،‬وتبرأ ذمة المحيل من الدين شرعًا‪،‬‬
‫ويلتزم عليه بالدين كله‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫وهذا يعني أن تكييف بطاقة الئتمان بين حامل البطاقة‬
‫ومصدرها هي في جانب حاملها علقة حوالة مطلقة‪،‬‬
‫وهي‪ :‬أن يحيل شخص غيره بالدين على فلن‪ ،‬ول يقيده‬
‫بالدين الذي عليه‪ ،‬ويقبل المحال عليه أداء الحوالة‪ .‬وهي‬
‫جائزة عندالحنفية)‪ (1‬خلفا ً لغيرهم‪ ،‬ويتفق المامية‬
‫والزيدية على الراجح عندهم مع الحنفية‪.‬‬
‫وهذه الحوالة داخلة في عموم الحديث النبوي‪) :‬من أحيل‬
‫على مليء فليتبع()‪ (2‬وفي رواية أحمد وابن أبي شيبة‪:‬‬
‫)ومن أحيل على مليء فليحتل(‪.‬‬
‫ول فرق في مشروعية هذه الحوالة بين أن تكون على‬
‫شخص واحد أو على مؤسسة أو جهة ترضى بوفاء الدين‪.‬‬
‫والواقع أن هذه العلقة في أصلها عند مصدري البطاقة‬
‫هي علقة كفالة‪ ،‬أي إن مصدر البطاقة كفيل بالمال‬
‫لحاملها تجاه الدائنين من التجار وغيرهم‪ ،‬والعلقة بينهما‬
‫علقة ضمان‪.‬‬
‫وهذا ما جنح إليه بعضهم‪ ،‬وهي عقب الصدار ‪ -‬قبل نشوء‬
‫الدين المضمون ‪ -‬تعد ضمانا ً لما لم يجب‪ ،‬وهو جائز‬
‫شرعا ً عند الجمهور غير الشافعية)‪.(3‬‬
‫وهو اتجاه صحيح في منطق النظام الرأسمالي أو التجاه‬
‫القانوني‪ ،‬لكنه شرعا ً اتجاه وإن بدا في الظاهر مقبو ً‬
‫ل‪ ،‬إل‬
‫أن ما يعقبه في الواقع غير سديد في شريعتنا لن‬
‫الضمان أو الكفالة عقد تبرع محض‪ ،‬وليست المؤسسات‬
‫المصدرة للضمان صندوقا ً خيريًا‪ ،‬وإنما تبغي الربح أو‬
‫الفائدة إما عن طريق الفائدة الربوية إذا لم يسدد حامل‬
‫البطاقة التزاماته وتسديده المبلغ المستحق عليه في أجل‬
‫معين‪ ،‬وإما من التاجر حيث تأخذ منه نسبة معينة من‬
‫المال المستحق له‪ ،‬أي من أثمان السلع أو الخدمات‪،‬‬
‫المعتبر من قبيل أجر السمسرة والتسويق‪ ،‬وأجر خدمة‬
‫تحصيل الدين‪ ،‬كما تستوفي رسوما ً قد تكون باهظة عند‬
‫إصدار البطاقة أو التجديد السنوي‪ ،‬وكل هذا غريب عن‬
‫منطق الكفالة أو الضمان في الشريعة السلمية‪ ،‬وإن‬
‫كان سداد الفواتير من مصدر البطاقة هو أداء لدين ترتب‬
‫عليه‪ ،‬كما يترتب ذلك على الكفيل الذي ضمن المدين‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وكذلك بالنسبة لحامل البطاقة ل يصلح توصيف هذه‬
‫العلقة بأنها وكالة على أجر‪ ،‬لن حامل البطاقة ل يصدر‬
‫منه هذا التوكيل بالمعنى المجرد للوكالة‪ ،‬ول يدفع أجرا ً‬
‫لمصدر البطاقة على وفاء الدين بالتوكيل‪ ،‬لكن معنى‬
‫الوكالة واضح حينما يسدد المصرف عن وكيله المبلغ‬
‫المطلوب إذا كان المبلغ مغطى من العميل ويفي بتسديد‬
‫المبلغ المسحوب‪.‬‬
‫فترجح لدي أن العلقة بين مصدر البطاقة وحاملها في‬
‫الفقه السلمي هي بالنسبة لحاملها علقة حوالة‪،‬‬
‫والحوالة وإن كانت عقد تبرع أيضا ً كالكفالة‪ ،‬لكنها تتضمن‬
‫في حقيقتها علقة دائنية ومديونية إما قديمة وهي الحوالة‬
‫المقيدة‪ ،‬وهي تنطبق على حالة الدين المغطى‪ ،‬أو‬
‫السحب من حساب حامل البطاقة‪ ،‬وإما ناشئة في حال‬
‫الحوالة المطلقة‪ ،‬ول تمنع هذه الحوالة عادة من وجود‬
‫مكاسب أو تحقيق مصالح من ورائها‪ ،‬كأجور تحصيل‬
‫الدين‪ ،‬على عكس الكفالة التي هي تبرع محض وعقد‬
‫إرفاق وتعاون‪ ،‬وتنبني في الصل على دوافع المروءة‬
‫والشهامة‪ ،‬ول يؤخذ على التبرعات مقابل‪.‬‬
‫‪ -2‬العلقة بين مصدر البطاقة والتاجر‬
‫هذه علقة تجارية محضة‪ ،‬قائمة على أساس الوكالة‬
‫بأجر‪ ،‬حيث يعد ّ البنك المصدر للبطاقة وكيل ً للتاجر في‬
‫قبض استحقاقات قيمة المبيعات من حاملي البطاقات‬
‫وضمها إلى حسابه‪ ،‬كما أنه وكيل عنه في السحب من‬
‫رصيده‪ ،‬فيما هو مستحق عليه من بضاعة مرتجعة‪ ،‬وهذا‬
‫هو الواضح من العلقة‪.‬‬
‫وقد أجاز الفقهاء بالتفاق الوكالة بأجر وبغير أجر‪،‬‬
‫والوكالة بأجر لها حكم الجارات‪ ،‬وبغير أجر هي معروف‬
‫من الوكيل)‪.(1‬‬
‫ويستحق مصدر البطاقة عمولة يأخذها من التاجر مقابل‬
‫إرسال العملء للشراء‪ ،‬وترويج السلعة وتسويقها‪ ،‬وتحقيق‬
‫الشهرة للمحل التجاري أو الفندق ونحوها‪ ،‬وتحصيل لقيمة‬
‫البضائع‪ ،‬وكل تلك العمال تتطلب تكاليف إدارية ومكتبية‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫در للبطاقة على‬ ‫ص ِ‬
‫م ْ‬
‫وهذه العمولة التي يشترطها البنك ال ُ‬
‫التاجر‪ :‬هي حسم )خصم( من قيمة المبيعات‪ ،‬وليست‬
‫زيادة‪ ،‬فل ربا فيها‪ ،‬كما أنها ليست من قبيل ))ضع‬
‫وتعجل(( أي إسقاط شيء من الدين بسبب تعجيل‬
‫التسديد‪ ،‬لن تسديد البنك الضامن المصدر للبطاقة‬
‫فوري‪ ،‬لدى تسليم سندات البيع الصحيحة)‪.(1‬‬
‫وإذا كانت العلقة قائمة على أساس الوكالة‪ ،‬وليس على‬
‫أساس اتفاقية القرض أو الدائنية والمديونية‪ ،‬فهي علقة‬
‫مباحة شرعا ً وقانونًا‪.‬‬
‫والقائل بأن العلقة علقة ضمان أو كفالة من مصدر‬
‫البطاقة للتاجر‪ ،‬احتاج أن يسوغ ذلك على أساس الكفالة‬
‫التي ينتقل فيها الدين إلى ذمة الكفيل عند بعض الفقهاء‬
‫كالظاهرية‪ ،‬وليس للدائن مطالبة الصيل‪ ،‬أي إن الكفالة‬
‫بمعنى الحوالة‪ ،‬وهذا تحول للعقد في الواقع)‪ .(2‬وفي‬
‫رأي مقارب لهذا أن البنك الذي يصدر البطاقة نيابة عن‬
‫الشركة العالمية للبطاقات‪ ،‬يكفل عميله في أداء ما عليه‬
‫مع حق الرجوع‪ ،‬وهذه الكفالة من قبيل التبرعات‪ ،‬فل‬
‫يؤخذ عليها مقابل)‪.(3‬‬
‫‪ -3‬العلقة بين حامل البطاقة والتاجر‬
‫هي علقة بيع وشراء للسلع والبضائع وتقديم المواد‬
‫الستهلكية في المطاعم‪ ،‬أو علقة إجارة واستئجار في‬
‫در البطاقة‬ ‫ص ِ‬
‫م ْ‬‫الفنادق‪ ،‬ويحيل حامل البطاقة التاجر على ُ‬
‫لستيفاء الثمن أو الجرة‪ ،‬ول تكون محظورة شرعًا‪.‬‬
‫وإنما الحظر أو المنع في بطاقة الئتمان والحسم الجل‬
‫وبطاقة الئتمان المتجدد‪ ،‬بسبب وجود الربا أو اشتراط‬
‫دفع الفائدة الربوية في القروض‪ ،‬أو بسبب ارتكاب‬
‫المخالفات والمحظورات الشرعية‪.‬‬
‫وأما بطاقة السحب المباشر من الرصيد )أو الحسم‬
‫الفوري‪ ،‬أو القيد المباشر على الحساب المصرفي(‬
‫فليست معدودة في بطاقات القراض‪ ،‬ول تطبق عليها‬
‫أحكام القرض المقررة في الفقه السلمي‪ ،‬ومنها قاعدة‪:‬‬
‫))كل قرض جّر نفعا ً فهو ربا(( إل إذا سحب حامل هذه‬
‫البطاقة من غير بنكه قرضا ً ليستوفى من بنكه‪ ،‬ويسجل‬

‫‪17‬‬
‫عليه عمولة على أنه قرض‪ ،‬فيعد حينئذ من باب القراض‪،‬‬
‫وتسري عليه أحكام القرض حل ً وحرمة‪.‬‬
‫وحيث ل تعد العلقة في هذه البطاقة علقة إقراض‪ ،‬فل‬
‫تمنع الزيادة المضافة إلى قيمة الشراء‪ ،‬أو سحب عملت‬
‫أجنبية من قبيل الزيادة الربوية‪ ،‬لنه ل يوجد إقراض‬
‫ممنوع‪ ،‬فل توجد زيادة ربوية‪ ،‬وإنما يكون ذلك من قبيل‬
‫التبرع أو القرض الحسن المحض‪ ،‬وتكون هذه البطاقة‬
‫مباحة شرعًا‪.‬‬
‫السحب على المكشوف‬
‫السحب على المكشوف أو السحب غير المغطى‪ :‬هو أن‬
‫يسحب حامل البطاقة مبلغا ً من المال من ودائع البنك‬
‫دون أن يكون حساب العميل مغطى من قبله‪ ،‬حيث ل‬
‫يوجد في حسابه ما يفي بتسديد المبلغ المسحوب‪ ،‬مع‬
‫إضافة فائدة مصرفية بنسبة ‪ %18-15‬حسب كفاءة‬
‫العميل المالية‪.‬‬
‫وهذا ممنوع شرعًا‪ ،‬لنه ربا حرام وتمويل بفائدة‪ ،‬يدخل‬
‫تحت ما يسمى بربا النسيئة أو ربا الجاهلية‪ ،‬وهو حرام‬
‫بالجماع‪ ،‬لنه زيادة لجل الجل)‪.(1‬‬
‫لكن يجوز لحامل البطاقة أن يسحب أكثر من رصيده في‬
‫البنك إذا سمح له بذلك‪ ،‬ولم تشترط عليه فوائد ربوية‬
‫على المبالغ المسحوبة‪ ،‬لنه يعد قرضا ً مشروعًا‪ .‬ول‬
‫إشكال في إباحة السحب من الرصيد الذي يغطي المبلغ‬
‫المسحوب وزيادة؛ لنه استيفاء من ماله‪.‬‬
‫وليس للبنك أن يمنع العميل من استثمار المبالغ المودعة‬
‫في حسابه‪ ،‬على أساس المضاربة المشروعة‪ ،‬فإن منعه‬
‫من ذلك لم يجز‪ ،‬لنه يعد من مشتملت قاعدة‪)) :‬كل‬
‫قرض جر نفعا ً فهو ربا((‪.‬‬
‫وقد نص قرار مجمع الفقه السلمي الدولي رقم ‪) 108‬‬
‫‪ (2/12‬أي في الدورة الثانية عشرة بالرياض على ما ذكر‪،‬‬
‫في أربع فقرات موجزها‪:‬‬
‫ل‪ :‬ل يجوز إصدار بطاقة الئتمان غير المغطاة‪ ،‬ول‬ ‫أو ً‬
‫التعامل بها إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن‬
‫شرط زيادة ربوية على أصل الدين‪ .‬ويتفرع على ذلك‬
‫أمران‪:‬‬
‫أ‪ -‬جواز أخذ مصدر البطاقة من العميل رسوما ً مقطوعة‬
‫عند الصدار أو التجديد بصفتها أجرا ً فعليا ً على قدر‬
‫الخدمات المقدمة منه‪.‬‬
‫ب‪ -‬جواز أخذ البنك المصدر من التاجر عمولة على‬
‫مشتريات العميل منه شريطة أن يكون بيع التاجر‬
‫بالبطاقة بمثل السعر النقدي‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراض من‬
‫مصدرها‪ ،‬ول حرج فيه شرعا ً إذا لم يترتب عليه زيادة‬
‫ربوية‪ ،‬ول يعد منها الرسوم المقطوعة التي ل ترتبط‬
‫بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة‪.‬‬
‫وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة‪ ،‬لنها من الربا‬
‫المحرم شرعًا‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬ل يجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملت النقدية‬
‫بالبطاقة غير المغطاة‪.‬‬
‫ول تعارض هذه الفقرة ما تقدم في البحث‪ ،‬لن ما سبق‬
‫تصريح بمفهوم هذه العبارة مع شيء من التوسع‪ ،‬لن‬
‫المهم حدوث الدفع الفوري من غير تأجيل‪ ،‬ولو من البنك‪،‬‬
‫ولن الشرط الشرعي للتعامل بالبطاقة في شراء الذهب‬
‫أو الفضة أو العملت هو التقابض‪ ،‬وقد تحقق سواء‬
‫بالصالة أم بالوكالة‪.‬‬
‫البدائل الشرعية لبطاقة الئتمان ‪CREDIT CARD‬‬
‫من الممكن العتماد على بدائل شرعية لبطاقات الئتمان‬
‫الشائعة والصادرة من البنوك التجارية التقليدية‪ ،‬بحيث‬
‫دل نظام البطاقات ويجرد من المحظورات الشرعية‪،‬‬ ‫يع ّ‬
‫وأهمها تجنب الفوائد البنكية‪.‬‬
‫إل أن تداول هذه البطاقات المعدلة ربما يحتاج لحلول‬
‫عملية وتمكين من التداول العملي‪ ،‬وهو ما يزال محل‬
‫إشكال‪ ،‬ومن هذه الحلول‪ :‬بطاقة الخصم الشهري‪،‬‬
‫وبطاقة المرابحة‪.‬‬
‫‪ -1‬بطاقة الحسم )الخصم( الشهري ‪CHARGE CARD‬‬

‫‪19‬‬
‫وهي البطاقة التي تصدرها المصارف السلمية على أن‬
‫يتم تحديد سقف السحوبات بالبطاقة بمقدار الراتب‬
‫الشهري في بعض المصارف‪ ،‬وبنسة ‪ %80‬من الراتب‬
‫في المصارف الخرى‪ ،‬بضمان الراتب أو أي ضمان آخر‬
‫لدى المصرف‪ ،‬على أل يستوفي المصرف أي فائدة بنكية‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫وتكييف هذه البطاقة أنها تقوم على أساس الوكالة إذا‬
‫كان حساب العميل يفي بجميع المبلغ الذي تم سحبه عن‬
‫طريق بطاقة الئتمان‪ ،‬والوكالة بأجر مشروعة في‬
‫السلم كما تقدم‪.‬‬
‫أما إذا كان حساب العميل ل يفي بالمبلغ‪ ،‬فإن المصرف‬
‫يقوم بتسديده على أساس القرض الحسن الذي يقدمه‬
‫المصرف لعميله‪ ،‬بضمان الراتب الشهري أو أي ضمان‬
‫آخر يراه مناسبا ً وكافيًا‪ ،‬وهذا مشروع ومندوب إليه‪.‬‬
‫وعليه فإن المصارف السلمية تقوم بهذه الخدمة مجردة‬
‫من المنافع‪ ،‬وبعيدة عن شائبة الربا‪ ،‬أو ما يؤدي إليه‪ ،‬وهو‬
‫المطلوب شرعًا‪ ،‬لن الفوائد المفروضة على التمويل نوع‬
‫من أنواع الربا المحرم‪ ،‬باعتباره قرضا ً بفائدة‪ ،‬وكل قرض‬
‫جر نفعا ً فهو ربا)‪ .(1‬وهذه طريقة قابلة للتطبيق بسهولة‪.‬‬
‫‪ -2‬بطاقة المرابحة‬
‫وهي البطاقة القائمة على البيوع‪ ،‬وهي أن حامل البطاقة‬
‫يشتري ما يشاء من السلع‪ ،‬بالنيابة عن المصرف الذي‬
‫يسدد القيمة في الحال‪ ،‬ويتملك الشيء المشتري‪،‬‬
‫ويقبضه عنه وكيله‪ ،‬ثم يبيعه إلى وكيله مرابحة‪ ،‬حتى‬
‫يكون البيع لمملوك مقبوض‪ .‬وهذه صورة المرابحة للمر‬
‫بالشراء‪ ،‬وقد أقر مجمع الفقه السلمي الدولي هذه‬
‫المعاملة بشرط التملك والقبض‪.‬‬
‫لكن اللجوء إلى هذه المرابحة صعب التطبيق ويتعذر‬
‫عمليًا‪ ،‬لن حامل البطاقة يتنقل ببطاقته في البلدان‬
‫المختلفة والدول‪ ،‬ويصعب عليه في كل صفقة التفاق مع‬
‫المصرف في بلد معين‪ ،‬كما أن هذه العملية تتوقف على‬
‫جعل المواعدة على الشراء ملزمة للطرفين قضاء‪ ،‬قياسا ً‬
‫على الوعد الملزم ديانة‪ ،‬وهو محل نظر وتوقف من أكثر‬

‫‪20‬‬
‫العلماء‪ ،‬ولن حامل البطاقة يحتاج لداء خدمات في‬
‫المطاعم والفنادق ل توفرها له هذه البطاقة‪.‬‬
‫حكم بطاقات الئتمان التي تصدرها بعض البنوك‬
‫السلمية‬
‫يوجد الن أنموذجان لبطاقات الئتمان التي تصدرها بعض‬
‫البنوك السلمية وهما)‪:(2‬‬
‫الول ‪ -‬فيزا التمويل التي أصدرها بيت التمويل الكويتي‬
‫بهذا السم‪:‬‬
‫أجرت هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بيت التمويل‬
‫الكويتي تعديلت شرعية على بطاقة الئتمان السائدة‪،‬‬
‫واشترطت شروطا ً فيها‪ ،‬أهمها‪ :‬إلغاء فوائد التأخير‪،‬‬
‫وربطت البطاقات بحساب العملء‪ ،‬وتسدد التزامات‬
‫الشراء من حساب حامل البطاقات إما مسبقا ً أو عند‬
‫وصول الفواتير‪ ،‬وإذا انكشف الحساب أشعر العميل‬
‫بضرورة توفير رصيد لتلك المديونية‪.‬‬
‫وهذه الضوابط تجعل هذه الفيزا شبيهة ببطاقة الحسم‬
‫الفوري‪ ،‬حيث تسدد الديون من حساب حامل البطاقة‬
‫باستثناء ميزة التأمين على الحياة‪ ،‬حيث لم يصلوا إلى حل‬
‫لهذه المسألة‪.‬‬
‫وقد اشتملت عمليات هذه البطاقة على وكالة بأجر‪،‬‬
‫وكفالة مجانًا‪ ،‬وقرض يسير أحيانا ً بغير فائدة‪.‬‬
‫النموذج الثاني ‪ -‬فيزا الراجحي التي أصدرتها شركة‬
‫الراجحي المصرفية للستثمار‪ :‬فقد أقرت الهيئة الشرعية‬
‫هذه البطاقة بعد حذف بند‪ :‬فوائد التأخير‪ ،‬ويكون سداد‬
‫الفواتير من الحساب الجاري للعميل‪ ،‬فإن لم يوجد فيه ما‬
‫يكفي يحسم )يخصم( من التأمين النقدي‪ ،‬على أن يلتزم‬
‫بتوفير مبلغ التأمين المقرر عليه في الحال‪ .‬وليس لحامل‬
‫البطاقة حق التسهيلت على السلف أو السحب على‬
‫المكشوف‪.‬‬
‫وأقرت الهيئة هذه الضوابط بشرط أل يترتب على إصدار‬
‫البطاقة من شركة الراجحي أخذ أو إعطاء أي فائدة‬
‫محرمة بشكل ظاهر أو مستتر‪ ،‬سواء تم ذلك مع عملئها‬
‫أو مع شركة فيزا العالمية أو أي شركة وسيطة بين شركة‬

‫‪21‬‬
‫الراجحي وشركة فيزا العالمية أو غيرها من أطراف‬
‫المعاملة‪.‬‬
‫وجعلت الهيئة سعر تحويل العملت الجنبية بحسب السعر‬
‫المعلن من قبل شركة الراجحي في ذلك اليوم‬
‫للمتعاملين بالبطاقة‪.‬‬
‫ومتعت الهيئة تقاضي عمولة على السحب النقدي‬
‫وأجازت الرسوم المتعلقة بإصدار البطاقة والرسوم‬
‫السنوية وسداد الفواتير‪ ،‬مع حسم جزء من مبالغها على‬
‫أصحاب البضائع والخدمات‪.‬‬
‫هذان النموذجان يعدان بديلين إسلميين صالحين عن‬
‫البطاقات الخرى في البنوك التجارية التقليدية‪ ،‬على أن‬
‫يكون أجل استخدام البطاقة هو الجل المأذون به عادة‪.‬‬
‫ويوجد أنموذج ثالث للمؤسسة العربية المصرفية في‬
‫البحرين مشابهة لما ذكر‪ ،‬وهو محل تجربة الن‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫العقود القائمة بين مصدر البطاقة وحاملها هي عقدان‪:‬‬
‫ول مصدر البطاقة‬ ‫عقد إقراضي‪ ،‬وعقد وكالة‪ ،‬حيث يخ ّ‬
‫بموجب العقد الول حاملها التصرف في حدود مبلغ محدد‬
‫له‪ ،‬وأما بموجب العقد الثاني فيفوض حامل البطاقة البنك‬
‫در لها السحب من رصيده‪ ،‬لقضاء دينه وتسديد‬ ‫مص ِ‬
‫ال ُ‬
‫حقوق التجار وغيرهم نيابة عنه كافة المستحقات‬
‫والعمولت للبنك نفسه ولغيره‪.‬‬
‫والعقود الحادثة بين مصدر البطاقة والتاجر‪ :‬عقدان أيضًا‪:‬‬
‫‪ -1‬عقد ضمان مالي‪ :‬يلتزم به البنك المصدر للبطاقة‬
‫للتاجر دفع قيمة مبيعاته وأجوره‪ ،‬والضمان يصح أو يفسد‬
‫بحسب الصل المترتب عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬وعقد وكالة‪ :‬حين يلتزم البنك بتحصيل مستحقات‬
‫التاجر من حاملي البطاقة‪ ،‬ووضعها في حسابه‪ ،‬بعد‬
‫اقتطاع أو حسم عمولته‪.‬‬
‫والعقود الواقعة بين حامل البطاقة والتاجر‪ :‬إما بيع وإما‬
‫إجارة وإما غير ذلك من العقود المالية التي قد يرتبط بها‬
‫حامل البطاقة مع المحلت التجارية والمالية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬تكون بطاقة الئتمان والحسم المؤجل‪،‬‬
‫وبطاقة الئتمان المتجدد غير السلمية محظورة شرعًا‪،‬‬
‫مادامت مشتملة على فوائد ربوية‪ ،‬وتحكمها علقة‬
‫القراض‪ ،‬لن الولى فيها إقراض بزيادة ربوية‪ ،‬وتسدد‬
‫ل من الربا ابتداء‪،‬‬ ‫على أقساط‪ ،‬والثانية إقراض مؤقت خا ٍ‬
‫وفيه شروط مفسدة للعقد‪ ،‬والضمان فاسد لفساد العقد‬
‫المبني عليه‪ ،‬ومن المفسدات‪ :‬عدم بيان نسبة الزيادات‬
‫والعمولت الدورية قصدًا‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن بطاقات القراض بجميع أنواعها تدّر‬
‫أرباحا ً طائلة على البنوك الربوية التقليدية‪ ،‬فتكون لها‬
‫الفضلية‪ ،‬وفيها إغراءات بسيطة أو جانبية توقع العملء‪،‬‬
‫ومنهم المسلمون‪ ،‬في مصيدة الثم والحرام‪.‬‬
‫ويحسن بيان حكم ضمان البنك المصدر بطاقة الئتمان‬
‫ديون عملئه‪ :‬وهو أن يجوز للبنك المصدر ضمان سقوف‬
‫الئتمان لعملئه إذا تناسبت حصة البنك في شركة‬
‫الئتمان مع سقوف ائتمان عملئه‪ ،‬لن ذلك من قبيل‬
‫ل‪ :‬إذا أصدر‬ ‫ضمان البنك لشريكه أو عملء شريكه‪ ،‬مث ً‬
‫البنك ألف بطاقة‪ ،‬سقف كل منها ألف دينار‪ ،‬أي إن‬
‫مجموع سقوف الئتمان لعملئه تبلغ مليون دينار‪ ،‬ثم‬
‫أسهم البنك في الشركة بمليون دينار‪ ،‬علما ً بأن حصص‬
‫البنوك في شركة الئتمان متغيرة تبعا ً لتغير عدد سقوف‬
‫ائتمان البطاقات التي يصدرها كل بنك لعملئه‪ ،‬فهذا ل‬
‫مانع منه لحصول التناسب بين ملكية كل بنك في شركة‬
‫الئتمان‪ ،‬ومقدار الضمان الذي تحمله عن سقوف عملئه‪.‬‬
‫ملخص البحث‬
‫الئتمان‪ :‬هو عملية مبادلة ذي قيمة أو كمية من النقود‬
‫في الحاضر‪ ،‬مقابل وعد بالدفع في المستقبل‪.‬‬
‫وبطاقة الئتمان‪ :‬هي بطاقة خاصة يصدرها المصرف‬
‫كنه من الحصول على السلع والخدمات من‬ ‫لعميله تم ّ‬
‫محلت وأماكن معينة‪ ،‬عند تقديمه لهذه البطاقة‪ ،‬ويقوم‬
‫بائع السلع أو الخدمات بالتالي بتقديم الفاتورة الموقعة‬
‫دد قيمتها‬ ‫در البطاقة‪ ،‬فيس ّ‬‫ص ِ‬
‫م ْ‬
‫من العميل إلى المصرف ُ‬
‫دم المصرف للعميل كشفا ً شهريا ً بإجمالي القيمة‬ ‫له‪ ،‬ويق ّ‬

‫‪23‬‬
‫لتسديدها أو لحسمها )لخصمها( من حسابه الجاري‬
‫لطرفه‪.‬‬
‫وقد أصبح لبطاقة الئتمان أهمية ملموسة حيث صارت‬
‫لحامليها أداة لحماية النقود من أنواع العتداء عليها‪،‬‬
‫وضمنت لصحاب الحقوق أداء مستحقاتهم‪ ،‬وأصبحت هي‬
‫الداة المفضلة على النقود ذاتها في المعاملت المحلية‬
‫والخارجية‪ ،‬وكانت سببا ً في زيادة المبيعات في المحلت‬
‫التجارية‪.‬‬
‫وليس لها محاذير عملية‪ ،‬إل بالنسبة للمسلم الذي يتورط‬
‫بأداء الفوائد البنكية إذا تأخر عن سداد المبالغ المستحقة‬
‫عليه من حسابه‪ ،‬لكنه إذا احتاج للبطاقة كان قبوله‬
‫بشرط الفائدة في معرض اللغاء شرعًا‪ ،‬والشرط الفاسد‬
‫في المعاوضات المالية عند الحنابلة ل يفسدها‪ ،‬وإنما‬
‫يبطل الشرط فقط‪ ،‬ويبقى العقد صحيحًا‪.‬‬
‫وأنواع بطاقات الئتمان ثلثة‬
‫‪ -1‬بطاقة الحسم الفوري‬
‫وهي التي يكون لحاملها رصيد بالبنك‪ ،‬فيسحب منه‬
‫مباشرة قيمة مشترياته وأجور الخدمات المقدمة له‪ ،‬بناء‬
‫على السندات الموقعة منه‪ .‬وهي جائزة شرعًا‪ ،‬لن‬
‫الصل في العقود الباحة‪ ،‬ول تشتمل على محظور‬
‫شرعي‪ ،‬والعقد من العميل عقد حوالة‪.‬‬
‫‪ -2‬بطاقة الئتمان والحسم الجل‬
‫وهي التي يمنح فيها البنك المصدر حامل البطاقة قرضا ً‬
‫في حدود معينة بحسب درجة البطاقة فضية أو ذهبية‪،‬‬
‫ولزمن معين‪ ،‬يجب تسديده كلمل ً في وقت محدد متفق‬
‫عليه عند الصدار‪ ،‬يترتب على حاملها لدى تأخير السداد‬
‫زيادة مالية ربوية‪ ،‬وهي الصورة الصلية لبطاقة الئتمان‪.‬‬
‫وهي أداة إقراض وأداة وفاء معًا‪ .‬وحكمها على هذا النحو‪:‬‬
‫أنها ممنوعة شرعًا‪ ،‬لوجود التعامل الربوي فيها‪ .‬ولكن‬
‫يجوز قبولها وإصدارها شرعا ً إذا لم يشترط على حاملها‬
‫فائدة ربوية‪ ،‬إذا تأخر عن سداد المبلغ المستحق عليه‪،‬‬
‫وبشرط أل يتعامل بها فيما حرمته الشريعة‪.‬‬
‫‪ -3‬بطاقة الئتمان المتجدد‬

‫‪24‬‬
‫وهي التي تمنحها البنوك المصدرة لها لعملئها‪ .‬على أن‬
‫يكون لهم حق الشراء والسحب نقدا ً في حدود مبلغ‬
‫معين‪ ،‬ولهم تسهيلت في دفع قرض مؤجل على أقساط‪،‬‬
‫وفي صيغة قرض ممتد متجدد على فترات‪ ،‬بفائدة محددة‬
‫هي الزيادة الربوية‪ .‬وهي أكثر البطاقات انتشارا ً في‬
‫العالم‪ ،‬وأشهرها‪ :‬فيزا وماستر كارد‪.‬‬
‫وحكمها‪ :‬تحريم التعامل بها‪ ،‬لشتمالها على عقد إقراض‬
‫ربوي‪ ،‬يسدده حاملها على أقساط مؤجلة بفوائد ربوية‪.‬‬
‫التكييف الشرعي لعلقة أطراف التعاقد على البطاقات‬
‫توجد علقات ثنائية مستقلة بين كل طرفين من أطراف‬
‫التعامل بهذه البطاقات‪ ،‬وقد تصير العلقة ثلثية بين‬
‫در البطاقة‪ ،‬وحاملها‪ ،‬والتاجر )قابل البطاقة(‪.‬‬
‫ص ِ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫أما العلقة بين مصدر البطاقة وحاملها‪ :‬فهي علقة‬
‫إقراض‪ ،‬وفي جانب حاملها علقة حوالة مطلقة‪ ،‬وفي‬
‫جانب المصرف حينما يسدد عن العميل المبلغ المطلوب‬
‫من حسابه )أي حساب العميل( هي وكالة على أجر‪.‬‬
‫وأما العلقة بين مصدر البطاقة والتاجر‪ :‬فهي علقة‬
‫تجارية محضة‪ ،‬قائمة على أساس الوكالة بأجر‪ ،‬ويستحق‬
‫مصدر البطاقة عمولة يأخذها من التاجر مقابل إرسال‬
‫العملء للشراء‪ ،‬وترويج السلعة وتسويقها‪ ،‬وتحقق‬
‫الشهرة للمحل التجاري أو المطعم أوالفندق ونحوهما‪،‬‬
‫وتحصيل لقيمة البضائع‪ ،‬وتحسم )تخصم( هذه العمولة من‬
‫قيمة المبيعات‪ ،‬ل بالزيادة على الثمان‪ ،‬فل تكون ربا‬
‫والعلقة قائمة على أنها عقد ضمان مالي وعقد وكالة‪.‬‬
‫وأما العلقة بين حامل البطاقة والتاجر‪ :‬فهي علقة بيع‬
‫وشراء للسلع والبضائع وتقديم خدمات‪ ،‬ثم يحيل حامل‬
‫البطاقة التاجر على مصدر البطاقة لستيفاء الثمن أو‬
‫الجرة‪ ،‬وليس ذلك محظورا ً شرعًا‪ ،‬فالعلقة علقة بيع أو‬
‫إجارة ونحوها‪.‬‬
‫وإنما الحظر في بطاقة الئتمان والحسم الجل‪ ،‬وبطاقة‬
‫الئتمان المتجدد بسبب وجود الربا أو اشتراط دفع الفائدة‬
‫الربوية في القروض‪ ،‬أو بسبب ارتكاب المخالفات‬
‫والمحظورات الشرعية‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫وأما بطاقة السحب المباشر من الرصيد )الحسم الفوري(‬
‫فل تعد في بطاقات القراض‪ ،‬ول تشتمل على فوائد أو‬
‫منافع ممنوعة‪ ،‬إل إذا سحب حامل هذه البطاقة من غير‬
‫بنكه قرضا ً ليستوفى من بنكه‪ ،‬ويسجل عليه عمولة على‬
‫أنه قرض‪ ،‬وتكون العلقة حينئذ علقة إقراض‪ ،‬والعقد من‬
‫العميل حوالة‪.‬‬
‫وهذا هو السحب على المكشوف أو السحب غير‬
‫المغطى‪ :‬وهو أن يسحب حامل البطاقة مبلغا ً من المال‬
‫من ودائع البنك دون أن يكون حساب العميل مغطى من‬
‫قبله‪ ،‬حيث ل يوجد في حسابه ما يفي بتسديد المبلغ‬
‫المسحوب‪ ،‬مع إضافة فائدة مصرفية بنسبة ‪%18-15‬‬
‫حسب كفاءة العميل المالية‪ .‬وهو لشك حرام لشتماله‬
‫على الربا‪.‬‬
‫ومن البدائل الشرعية لبطاقة الئتمان السائدة‪ :‬بطاقة‬
‫الحسم الشهري بمقدار الراتب الشهري في بعض‬
‫المصارف‪ ،‬وبنسة ‪ %80‬من الراتب في ا لمصارف‬
‫الخرى‪ ،‬وبطاقة المرابحة‪ ،‬وكلتا البطاقتين ل إشكال‬
‫فيهما‪ ،‬لكن الولى عملية‪ ،‬والثانية غير عملية‪.‬‬
‫وهناك نموذجان لبطاقات الئتمان في بعض البنوك‬
‫السلمية وهما‪:‬‬
‫‪ -1‬بطاقة فيزا التمويل التي أصدرها بيت التمويل‪.‬‬
‫‪ -2‬وفيزا الراجحي‪ .‬وكلهما من البطاقات المعدلة شرعًا‪،‬‬
‫لحذف الفائدة الربوية‪ ،‬وسحب ما يسدد عنه من حساب‬
‫العميل‪ ،‬فإن نقصه المبلغ أنذر حتى يسدد النقص في‬
‫الحال‪.‬‬
‫مشروع القرار‬
‫يجوز للبنك السلمي إصدار بطاقة الحسم الفوري ما دام‬
‫حاملها يسحب من رصيده‪ ،‬ول يترتب على التعامل بها‬
‫فائدة ربوية‪ ،‬لن إصدارها بطاقة الحسم الفوري ل يترتب‬
‫عليه محظور شرعي والصل في المعاملت الباحة‪،‬‬
‫والصل عدم جواز بطاقة الئتمان والحسم الجل‪ ،‬وبطاقة‬
‫الئتمان المتجدد لشتمالها على قروض ربوية‪ ،‬والربا‬
‫حرام أخذا ً وعطاء‪ ،‬لكن يجوز للبنوك السلمية إصدارهما‬

‫‪26‬‬
‫إذا أزيلت منهما المحظورات الشرعية ومنها الربا أو‬
‫الفائدة البنكية‪ ،‬واستعمال البطاقة في المحّرمات‬
‫والمنكرات شرعًا‪ ،‬والتسهيلت الئتمانية لحاملها التي‬
‫يترتب عليها فوائد ربوية‪ ،‬والشروط المنافية لمقتضى‬
‫العقد شرعًا‪.‬‬
‫ويمكن اعتماد بعض النماذج للبطاقات التي أصدرتها بعض‬
‫المصارف السلمية مثل‪ :‬فيزا التمويل وفيزا الراجحي‬
‫وفيزا المؤسسة العربية المصرفية في البحرين‪ ،‬لخلوها‬
‫من المحظورات والمخالفات الشرعية‪ ،‬ووجود القرض‬
‫اليسير فيها بغير فائدة ربوية‪.‬‬
‫أ – د‪ :‬وهبة الزحيلي‬
‫عميد كلية الشريعة ورئيس قسم الفقه السلمي ومذاهبه‬
‫سابقا ً‬
‫****************‬
‫ما من حرام إل وقد شرع السلم بديل عنه من‬
‫الحلل‬
‫العلمة الدكتور وهبة الزحيلي في رده على تحليل الفوائد‬
‫المصرفية‪ :‬فتوى الزهر اجتهاد خاطىء ومصادمة لجماع‬
‫المة وتقليد للجاهلية‬
‫العلمة الكبير فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي غني عن‬
‫التعريف فهو واحد من المراجع الفقهية في الكثير من‬
‫بلدان العالم السلمي ودرس الفقه السلمي في الكثير‬
‫من الجامعات العربية والسلمية وهو عضو في مجامع‬
‫الفقه السلمي بمكة وجدة والهند والردن وأمريكا‬
‫وأوروبا‪ .‬كما أنه عضو في المجلس العلى للفتاء في‬
‫سوريا‪.‬‬
‫مؤلفاته تزيد على ‪ 500‬كتاب وبحث منها موسوعات ثلث‬
‫‪ :‬الفقه السلمي وأدلته )‪11‬مجلدا( طبع منه ‪ 25‬طبعة‬
‫والتفسير المنير )‪16‬مجلدا( طبع منه سبع طبعات وأصول‬
‫الفقه السلمي )مجلدان( طبع منه خمس طبعات‪.‬‬
‫ترجمت مؤلفاته إلى معظم اللغات الحية‪ ،‬وقد صدر له‬
‫أخيرا كتاب "المعاملت المالية الحديثة والفتاوى‬
‫المعاصرة"‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫وبمناسبة إصدار الزهر الشريف فتوى تحلل الفوائد‬
‫المصرفية الثابتة كان لنا هذا الحوار مع العلمة الدكتور‬
‫وهبة الزحيلي الذي أنفق جهدا كبيرا من حياته في فقه‬
‫المعاملت المصرفية وكان أحد رواد هذا الفقه وأحد‬
‫الذين ساهموا في تأصيل مبادئ العمل في البنوك‬
‫السلمية غير الربوية‪.‬‬
‫صدرت فتوى من الزهر الشريف تفيد بأن الفوائد‬
‫المصرفية بمعدلت ثابتة غير محرمة‪ .‬ما رأي فضيلتكم‬
‫بهذه الفتوى؟‬
‫أغلب علماء المة السلمية قد أصيبوا بشيء من الذهول‬
‫والستهجان والغرابة لصدور هذا القرار الذي يمثل فتوى‬
‫المام الكبر شيخ الجامع الزهر فكان هذا القرار طبق‬
‫الصل لما ردده في فتاويه المتكررة‪ .‬ولكن هذا القرار‬
‫في واقع المر باطل لعدة أمور‪:‬‬
‫أول‪ :‬لعتماده على اجتهاد خطأ محض في نصوص هذه‬
‫الشريعة السلمية وعمل بما تقرره المجامع الدولية‬
‫الفقهية الخرى وبالذات مجمع البحوث السلمية في‬
‫القاهرة في قرار سابق له‪ ،‬وهو أن جميع الفوائد‬
‫المصرفية أخذا أو عطاء تعد من قبيل الربا الذي حرمه‬
‫السلم‪ .‬فيكون هذا القرار باطل لهذه المور المختلفة‬
‫فهو أول يعارض صريح القرآن الكريم في سورة البقرة‬
‫وغيرها التي تحرم الربا تحريما قاطعا في مثل قول الله‬
‫جل جلله‪} :‬وأحل الله البيع وحرم الربا{ وقوله سبحانه‪:‬‬
‫}فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم‬
‫فلكم رؤوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون{‪ .‬وأيضا‬
‫الحاديث النبوية المتكررة في هذا الشأن في التعامل‬
‫بالنقود‪ ،‬فتنطبق هذه الحاديث على هذه العقود التي هي‬
‫مجرد إيداع أموال واخذ فوائد عنها من البنوك التقليدية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬هناك أيضا مصادمة للقرار وهي أن مجامع الفقه‬
‫السلمية الدولية مثل مجمع الفقه السلمي الدولي في‬
‫جدة التابع لمنظمة المؤتمر السلمي والمجمع الفقهي‬
‫في مكة المكرمة التابع لرابطة العالم السلمي ومجمع‬
‫الفقه في الهند وغيرها من المجامع التي تعبر عن مجموع‬

‫‪28‬‬
‫علماء هذه المة رفضوا جعل الفوائد الربوية من البنوك‬
‫التقليدية مما يسوغه شرعا وأن ذلك حرام بعينه فهو عين‬
‫الربا المحرم في النصوص التشريعية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إن هذا القرار مبني على خطأ واضح وهو أن تجعل‬
‫هذه الودائع مستثمرة من قبيل البنوك التقليدية‪ ،‬علما بأن‬
‫قانون البنوك التقليدية يمنعها من الستثمار والتجار وكل‬
‫ما تقوم به هذه البنوك هو عبارة عن جسر بين المقرض‬
‫والمقترض‪ ،‬فهي واسطة لخذ أموال الناس وإعطاء فوائد‬
‫ثابتة عنها ثم تقرض هذه الموال بدورها إلى أناس آخرين‬
‫فتأخذ منهم فائدة أكثر وهي ‪ 7‬بالمائة مثل وتعطي‬
‫لصاحب الوديعة الصلية مبلغ ‪ 4‬بالمائة والفرق هو الذي‬
‫يستفيده البنك بين المقرض والمقترض‪ ،‬فالبنوك التقليدية‬
‫التجارية هي عبارة عن مجرد وسيط بين المقرض‬
‫والمقترض ول تقوم ل بالستثمار ول بالتشغيل وتعطي‬
‫فوائد ثابتة وذلك محرم شرعًا‪.‬‬
‫أل يمكن اعتبار العقد من قبيل المضاربة؟‬
‫المضاربة تكون في التشغيل بالعمال التجارية ونحوها‬
‫والبنك التقليدي الربوي ل يقوم بهذا العمل أصل بحسب‬
‫النصوص القانونية التي تسمح لهذه البنوك بالنشاط‬
‫المصرفي المحض دون أن تقوم بشيء من التجار أو‬
‫الستثمار أو غير ذلك‪ ،‬وكل فائدة ثابتة سواء سميت فائدة‬
‫أو سميت ربحا إذا كان ذلك ثابتا فهي تتنافى مع أصول‬
‫الشركة التي تقوم عليها مشروعية الشركات في‬
‫السلم‪ .‬هذه الشركات تقوم على أساس المساهمة‬
‫والمشاركة في الربح والخسارة ووجود ربح مقطوع أو‬
‫ثابت يتنافى مع مشروعية هذه الشركة‪.‬‬
‫إذن فالقرار ل يتفق بحال من الحوال ل مع النصوص‬
‫الشرعية ول مع اجتهادات الفقهاء ول مع تفسير معنى‬
‫الربا‪ ،‬فالبنوك الربوية في الواقع تطبق ما كان عليه‬
‫العرب في الجاهلية حينما يقترض النسان مبلغا من‬
‫المال لمدة سنة ثم يعجز عن سداده فيأتي إلى المقرض‬
‫فيقول له زدني في الجل وأزيدك في العوض‪ ،‬فالمقرض‬
‫يقول له إما أن تربي وإما أن تدفع‪ ،‬وهو عاجز فيمد له‬

‫‪29‬‬
‫في الجل ويعطيه زيادة في الفائدة وهو ما تقوم به‬
‫البنوك الربوية في الوقت الحاضر‪ ،‬إذ أنها تضم فائدة‬
‫مركبة كل سنة حينما ل يستطيع المقترض سداد مبلغ‬
‫القرض فتضم عليه فائدة ربوية‪ ،‬فهذا يطابق ما كان عليه‬
‫عرب الجاهلية والذي جاء النص القرآني منددا وموبخا‬
‫وناهيا المسلمين عن تقليدهم في قوله سبحانه‪} :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا ل تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة{ فالفائدة‬
‫المركبة تكون في مبدأ المر ‪ 7‬في المائة ثم في العام‬
‫القادم ‪ 14‬ثم في العام الثالث ‪ 21‬وهكذا دواليك وهذا‬
‫معنى مضاعفة الفوائد الذي جاء في القرآن في إحدى‬
‫مراحل تحريم الربا وهو النهي الواضح عن أكل الربا‬
‫أضعافا مضاعفة‪ ،‬وهذا تعبير عن ذلك الواقع الظالم الذي‬
‫كان عليه العرب في الجاهلية‪ ،‬وأما الية الخيرة والنهائية‬
‫التي جاءت تحرم الربا كما ذكرت في مطلع كلمي‪ ،‬فهي‬
‫تحرم كل أنواع الربا وكل أنواع الفوائد سواء كانت الفائدة‬
‫قليلة أم كثيرة‪.‬‬
‫فإذن مجموع هذه الضوابط يجعل مثل هذا القرار مبنيا‬
‫على أخطاء متعددة وينبغي العمل على إلغائه في أقرب‬
‫فرصة ممكنة‪ ،‬طبعا بعد أن تتغير الظروف التي أحاطت‬
‫بهذا القرار ووافق عليه بعض إخواننا من علماء الزهر‬
‫وهم رتبوا فتواهم أو قرارهم على معلومات تعد خطأ‬
‫محضًا‪ ،‬سواء في مصادمة ما أجمع عليه المسلمون من‬
‫تحريم قليل الربا وكثيره أو في فهم مدلول أربى أو في‬
‫نشاط هذه البنوك حيث ل تقوم باستثمار كما يظن بعض‬
‫هؤلء وبالتالي تكون الودائع مستثمرة في نشاط تجاري‬
‫أو غيره‪ ،‬فكل هذه المعلومات ينبغي أن تصحح وأن يعاد‬
‫القرار إلى وجهه الصحيح الذي يتفق مع ما عمل به‬
‫المسلمون طوال ‪ 14‬قرنا‪ ،‬والظروف الحاضرة‪.‬‬
‫قد يقال إن البنوك ضرورة اقتصادية؟‬
‫لسنا في هذا الجانب نتكلم وإنما نقول إن هذه الفوائد‬
‫الربوية هي عين الربا الذي حرمه الشرع السلمي‪ .‬لذلك‬
‫ندعو الله سبحانه وتعالى أن يعود هؤلء عن خطئهم وأن‬
‫يرجعوا إلى سواء الصراط وخصوصا أن الزهر له مكانته‬

‫‪30‬‬
‫العالمية وله هيبته وله اعتباره‪ ،‬ينبغي أن تكون مثل هذه‬
‫القرارات مؤصلة تأصيل صحيحا حتى يقتنع بها العالم‬
‫السلمي دون أن يورطوا الناس في الوقوع في الحرام‬
‫وفيما يصادم شرع الله ودينه فذلك مما ل يجوز بحال من‬
‫الحوال‪ .‬والذي أؤكده أنه بعد زوال ظروف إصدار هذا‬
‫القرار مع السف الشديد الذي يعد نكسة ونقطة سوداء‬
‫في تاريخ مصر وفي تاريخ الزهر ل بد إل أن تمحى هذه‬
‫النقطة بعون الله تبارك وتعالى في ظروف تختلف عن‬
‫الظروف التي أحاطت بصدور هذا القرار والناس عليهم‬
‫أن ل ينخدعوا بمثل هذه القرارات الخاطئة وأن ل ينجروا‬
‫إلى مثل هذه الفتاوى التي هي خطأ محض و)أجرؤكم‬
‫على الفتيا أجرؤكم على النار( وأن يتثبتوا من واقع المر‬
‫وأن ل يرموا باللئمة على تقليد هذا القرار فذلك بحسب‬
‫اتفاق علماء المة السلمية على المدى الطويل يعد هذا‬
‫التفاق في الواقع أول ضربة موجهة لقبول مثل هذا‬
‫القرار أو القتناع به فذلك مما ل يتفق مع سمعة الزهر‬
‫العالمية ول مع حياده وتجرده وحرصه على أن تكون‬
‫القرارات الصادرة عن مجمع البحوث معبرة عن واقع‬
‫السلم وعما هو حلل والبتعاد عن كل ما هو حرام بل‬
‫عن الشبهات أيضا‪ ،‬فمثل هذه الخطاء في الواقع ينبغي‬
‫أن تتدارك وأن ل ينخدع العالم السلمي بهذا القرار فهو‬
‫كما ذكرت يعد خطأ محضا ول مسوغ له في المعايير‬
‫الشرعية‪ ،‬بل إن كل قرارات المجامع الفقهية الدولية تعبر‬
‫عن علماء المة السلمية قاطبة دون أن يحيط بها مثلما‬
‫أحيط بهذا القرار من ملبسات معينة ومعروفة إذن ينبغي‬
‫أن ندرك إدراكا شامل أن الصواب هو تحريم أخذ هذه‬
‫الفوائد أو إعطائها وأن كل ما يتناقض أو يتعارض مع‬
‫النصوص الشرعية ينبغي إهماله وعدم اللتفات إليه‬
‫وجعل مثل هذا القرار حبرا على ورق ول يصح لحد من‬
‫المسلمين أن يعمل به‪ ،‬فإن عمل به فقد ارتكب الثم‬
‫الواضح على الرغم من صدور هذا القرار‪.‬‬
‫ثمة من يعتقد أن مبدأ "الضرورات تبيح المحظورات"‬
‫يمكن أن يبيح هذا المر حتى أن بعض الفقهاء أجازوا دفع‬

‫‪31‬‬
‫الرشوة للوصول إلى الحق‪ .‬فهل توضحون فضيلتكم لنا‬
‫مدى انطباق ذلك المبدأ على قضيتنا هذه؟‬
‫إذا توافر ظرف الضرورة بمعاييرها الشرعية وتوافر‬
‫ظرف أيضا دفع الرشوة من أجل تعين الوصول إلى الحق‬
‫وأنه ل سبيل آخر سوى هذا السبيل‪ ،‬فالضرورات تبيح‬
‫المحظورات بشرط أن تكون هناك ضرورة بمعنى غلبة‬
‫الظرف أو التيقن بالوقوع في الهلك أو في دائرة الموت‬
‫جوعا أو أنه سيبيت في الشارع‪ ،‬فإذا توافرت ظروف‬
‫الضرورة فنحن نقول بالحل ولكن توافر ظروف الضرورة‬
‫حالة محدودة ونادرة جدا وقلما ينطبق على مقترض من‬
‫البنوك الربوية معنى الضرورة لن لها ضوابط مشددة‬
‫ينبغي أول أن تحقق معنى الضرورة في المعايير الشرعية‬
‫ثم نطبق القاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" أو‬
‫"الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة" فإذا وجدت المعايير‬
‫الشرعية فنحن مع ذلك‪ ،‬هذه حالت وأمثلة نادرة جدا‪،‬‬
‫فينبغي أيضا عدم التذرع بذريعة الضرورة من أجل‬
‫الحصول على مسكن أفضل أو تنشيط تجارة أو توسيع‬
‫مصنع أو تنشيط متجر ويقول النسان إنه في حال‬
‫ضرورة‪ ،‬هذا ليس في حال ضرورة على الطلق‪ ،‬هذا في‬
‫الواقع مترفه وليس مضطرا ‪ ،‬المضطر هو الذي يقترض‬
‫من أجل الحفاظ على حياته من الوقوع في الموت بسبب‬
‫الجوع الشديد أو العطش الشديد أو الرباك الشديد أو‬
‫التحقق من وجود ضرر في النفس أو المال أو الهل فإذا‬
‫توافر ظرف الضرورة بالمعنى الشرعي حينئذ نقول‬
‫بالجواز ولكن توافر الضرورة بالمعنى الشرعي غير‬
‫محقق في أغلب الحالت‪.‬‬
‫بعض القتصاديين يرى أن البنوك السلمية أيضا تتعامل‬
‫بالرباح الثابتة وأن الخلف بين معاملتها ومعاملت البنوك‬
‫الربوية شكلي محض كيف تنظر إلى هذه المسألة؟‬
‫البنوك السلمية ظاهرة صحية وممتازة وتحقق ما تحققه‬
‫البنوك الربوية من طريق الحلل‪ ،‬والبنوك السلمية ل‬
‫تجيز أخذ الربا ول إعطاءه بأي حال من الحوال‪ ،‬وإنما‬
‫الحكم المقرر في السلم والمعروف أنه ما من حرام إل‬

‫‪32‬‬
‫وقد شرع السلم بديل عنه من الحلل فهناك بدائل تحقق‬
‫نفس المطلوب ونفس الغاية التي يقصدها القائمون على‬
‫البنوك الربوية‪ ،‬هذه البدائل نحن نشارك فيها منذ أكثر من‬
‫عشرين سنة وقد وضعنا هذه البدائل ووضعنا لها ضوابط‬
‫بحيث تبعد الناس عن الحرام بأساليب منها المضاربة إذا‬
‫توافرت أصولها‪ ،‬والمرابحة للمر بالشراء‪ ،‬وبيع‬
‫الستصناع‪ ،‬وبيع السلف‪ ،‬والمشاركات سواء كانت‬
‫متزايدة أو متناقصة‪ .‬فعندنا عدة بدائل تحقق نفس‬
‫الهداف فإذا سلكنا هذه القنوات عندئذ ل نورط الناس‬
‫في الحرام‪ .‬ولذا نجحت البنوك السلمية نجاحا منقطع‬
‫النظير وبدأت منذ ربع قرن في عام ‪ 1975‬ببنك واحد‬
‫وهو بنك دبي السلمي للحاج سعيد لوكاه ونجح هذا البنك‬
‫حتى أنه في العالم اليوم أكثر من ‪ 250‬مؤسسة مصرفية‬
‫إسلمية تتعامل بالصول الشرعية‪ .‬بل إن البنوك الربوية‬
‫في الغرب أرادوا أن يتعاملوا بالطريقة نفسها التي‬
‫تتعامل بها البنوك السلمية والن عندنا أصوات ونداءات‬
‫صارخة سواء في أمريكا أو في أوروبا أو في اليابان أن‬
‫طريق إنقاذ القتصاد العالمي الحالي هو المتناع عن‬
‫الفائدة وينبغي أن تكون الفائدة صفرا وهذا ما قرره آدم‬
‫سميث زعيم القتصاديين في العالم وهو الوضع الصحيح‬
‫الذي يتفق مع المنهج السلمي فإذا كانت الفائدة صفرا‬
‫فعندئذ يحدث الرخاء ونتجنب التضخم النقدي ونمتنع عن‬
‫أخذ المال بدون جهد ول عمل ودون مخاطرة فهذا شيء‬
‫مضمون والله تعالى قال‪} :‬يمحق الله الربا ويربي‬
‫الصدقات{ فمهما زادت أرباح المرابين فالله جل جلله‬
‫ورسوله لعنا آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه‬
‫والتفسيرات التي تحاول أن تجعل ربا البنوك غير الربا‬
‫الموجود في القرآن الكريم هذه تفسيرات خطأ محض‬
‫تخالف ما عليه أصول تحريم الربا فليتق الله أكلة الربا‬
‫وموكلوه وليعودوا إلى رشدهم وإلى ما يرضي الله جل‬
‫جلله‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫نحن نعيش الن عولمة في القتصاد‪ ،‬كيف يمكن أن تكون‬
‫هناك منظومة مصرفية إسلمية مستقلة عن المنظومة‬
‫المالية العالمية الربوية؟‬
‫العالم السلمي ولله الحمد عالم غني وممتد في الشرق‬
‫والغرب ويمثل خمس العالم فمن السهولة بمكان أن‬
‫نسير على قواعدنا السلمية بل كما قلت لك إن كثيرا‬
‫من البنوك الربوية التي يقوم عليها نظام العولمة ترغب‬
‫رغبة ملحة وصريحة وأكيدة في أن تنتهج منهج البنوك‬
‫السلمية حيث ل تأخذ الربا ول تعطي الربا وما أجمل هذا‬
‫المبدأ المثالي الذي يدعو إليه عقلء القتصاديين الذين‬
‫يريدون إنقاذ القتصاد العالمي من أزماته المتكررة فلذلك‬
‫ل تصادم بين المنهج السلمي وبين المنهج العالمي لن‬
‫منهجنا منهج يتفق مع الحق والعدل وإنصاف الحقائق‬
‫ومراعاة المحتاجين وإنقاذ من يتعرض لشيء من الزمات‬
‫المالية‪ .‬أما النظام القتصادي العالمي فهو يزيد الطين بلة‬
‫ويزيد الضرر ضررا وإيذاء ويلحق الذى المحقق‬
‫بالمحتاجين لدرجة أن كثيرا من هؤلء في نهاية المر‬
‫يفلسون ويقعون في مختلف الطامات والزمات‬
‫القتصادية‪.‬‬
‫دمشق ‪ -‬تيسير جاسم‬
‫الخميس ‪ 28‬نوفمبر ‪2002‬م تمام الساعة ‪ 01:28‬صباحا ً‬
‫بالتوقيت المحلي لمدينة الدوحة‬
‫**************‬
‫التأمين والسهم والسندات‬
‫الفرقان‪ :‬ما رأيكم بالمور التي تجدّ في عصرنا‬
‫ولم يتطرق إليها الفقه السلمي فهناك‬
‫اجتهادات وخلفات فقهية متعددة وفي مواضيع‬
‫مثل‪ :‬توقيت البدء بالصيام‪ ،‬وقضايا معاصرة مثل‬
‫التأمين والسهم والسندات والمحافظ‬
‫الستثمارية وعلى صعيد المصارف السلمية‬
‫أيضًا‪.‬‬
‫د‪ .‬الزحيلي‪ :‬هذه المور نغطيها بما يسمى بالجتهاد‬
‫الجماعي الن‪ .‬هناك مجمع البحوث السلمية في مصر‪،‬‬

‫‪34‬‬
‫والمجمع الفقهي في مكة المكرمة‪ ،‬ومجمع الفقه‬
‫السلمي في الهند‪ ،‬هذه المجامع ‪ -‬التي أنا عضو فيها‬
‫كلها ‪ -‬تتبنى قضايا ‪ %90‬منها اقتصادية حديثة من مثل ما‬
‫ذكرت‪ ،‬أو علوم طبية أو علوم فلكية أو علوم كيماوية‪ ،‬كل‬
‫ذلك نحن نتجاوب مع العصر فيما هو مسموح لنا أن‬
‫دد فيه‪ ،‬نطبق قواعد الشرع‬ ‫نتجاوب فيه‪ ،‬ونجتهد ونج ّ‬
‫وأصوله ومقاصد هذه الشريعة من الحفاظ على الدين‬
‫والنفس والعقل والنسب والعرض والمال‪ ،‬ولكن هناك‬
‫من ل يعرف ول يطلع على قرارات هذه المجامع ‪ -‬والتي‬
‫صدرت عنها منذ أكثر من عشرين سنة ‪ -‬في تلك القضايا‬
‫المعاصرة بسبب أن الدول السلمية التي تبّلغ بهذه‬
‫القرارات تحبسها في الدراج ول تسهم في نشرها‪ ،‬الناس‬
‫يظنون أننا جامدون على القديم ل نتجاوب مع الحديث‪،‬‬
‫هذه تهمة باطلة‪ ،‬ونحن نوجد البدائل‪ ،‬ففي جانب‬
‫المصارف السلمية أوجدنا عشرات البدائل حتى ل‬
‫تنغمس هذه المصارف في المحرمات والربا وفي عقود‬
‫باطلة أو فاسدة‪ ،‬ونجحت هذه المصارف ولله الحمد‪.‬‬
‫وهي ‪ -‬أي المصارف ‪ -‬تحقق نفس النشطة التي تقوم بها‬
‫البنوك العادية وشركات التأمين ولكن بالطريق المباح‪،‬‬
‫وقد يظن بعض الجهلة أن النتيجة واحدة‪ ،‬ولكن الواقع أن‬
‫هناك فرقا ً بين أن نسلك طريقا ً حلل ً يكون العقد فيه‬
‫صحيحا ً والكسب مباحا ً ويكون ‪ -‬ما يسمونه ‪ -‬بالفوائد‬
‫حرامًا‪ ،‬وبين أن ننغمس في مبدأ العمل بعقد فاسد أو‬
‫باطل إذن نحن نمل الساحة بهذه الجتهادات الجديدة‪،‬‬
‫وإن أردتم الطلع على كتابي في هذا الموضوع‪ ،‬الذي‬
‫ذكرته آنفا ً ‪ -‬تجدون فيه الغنية‪.‬‬
‫هل يمكن أن نستخدم الفوائد )أرباح البنوك( من‬
‫أجل تغطية كلف العمليات المصرفية )استخدام‬
‫الفائدة في دفع نفقات فتح الحسابات‬
‫المصرفية(‪.‬‬
‫الفوائد البنكية حرام على الطلق على صاحب المال‬
‫َ‬
‫م‬
‫حّر َ‬‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬
‫المودع في البنوك‪ ،‬لقوله تعالى‪ } :‬وَأ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫الّربا{ ]البقرة‪ [2/275 :‬وقوله سبحانه‪} :‬يا أّيها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫‪35‬‬
‫ن{‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫ن الّربا إ ِ ْ‬
‫م َ‬
‫ي ِ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ه وَذ َُروا ما ب َِق َ‬ ‫آ َ‬
‫]البقرة ‪ .[2/278‬وبناء عليه‪ ،‬يحرم على صاحب المال‬
‫الستفادة أو النتفاع من فوائد ا لربا‪ ،‬بأي وجه من وجوه‬
‫النتفاع‪ ،‬ل في أداء الضرائب والرسوم للدولة‪ ،‬ول في‬
‫أداء الزكاة‪ ،‬ول في العمليات المصرفية كدفع نفقات فتح‬
‫الحساب المصرفية‪ ،‬أو مقابل خطاب الضمان في حدوده‬
‫المشروعة‪ ،‬ول في غير ذلك مما يجب على صاحب المال‬
‫المودع أو المقرض إيفاؤه‪ ،‬لتغطية لوازمه أو التزاماته‪.‬‬
‫والسبيل الوحيد للتخلص من هذه الفوائد ومن كل مال‬
‫حرام هو التصدق به على الفقراء أو السهام به في‬
‫مصلحة عامة كتعبيد طريق‪ ،‬وخدمات مشفى‪ ،‬أو منفعة‬
‫عامة كطلب المدارس‪ ،‬ولثواب على هذه الصدقة‪.‬‬
‫ويأكلها الفقير أو المنتفع طيبة‪ ،‬لن الحرام ليوجد في‬
‫ذمتين‪ ،‬والله ولي المتقين‪.‬‬
‫ما حكم العمل فى شركات التأمين؟‬
‫يحرم العمل في البنوك الربوية وفي شركات التأمين‬
‫التجارية‪ ،‬لن الربا حرام ومن أعان عليه وقع في الحرام‪،‬‬
‫والتأمين التجاري فيه غرر )احتمالت( والنهي عن الغرر‬
‫أصل من أصول الشريعة‪ ،‬إل لضرورة قصوى مؤقتة حتى‬
‫يجد المرء قوتا ً آخر‪ ،‬أو إذا تعينت المصلحة كحفظ أموال‬
‫المسلمين بأيد إسلمية‪.‬‬
‫هل القروض من المصرف الصناعي لقامة أو‬
‫توسيع مشروع صناعي جائزة كذلك قروض‬
‫المصرف العقاري؟ وهل الفوائد المصرفية‬
‫جائزة؟ مع أنني أعرف أن كل الجمعيات الخيرية‬
‫تضع أموالها في البنك وتأخذ فائدة عليه‪.‬‬
‫يحرم أخذ القرض أو إعطاء الفائدة المصرفية لمثل هذا‬
‫النشاط‪ ،‬لن الله تعالى ورسوله لعن كل منهما‪ ،‬آكل الربا‬
‫وموكله وشاهده وكاتبه‪ ،‬وهذا هو المتفق مع المذاهب‬
‫الربعة‪ ،‬وفعل الجمعيات الخيرية ل يسوغ الحرام‪.‬‬
‫ويرى بعض علماء العصر أخذ الفائدة دون إدخال في‬
‫أصل‪ ،‬ويتصدق بها فورا ً على الفقراء‪ ،‬وهذا مسوغ فعل‬

‫‪36‬‬
‫الجمعيات الخيرية الن‪ ،‬حتى ل يتقوى البنك على الربا‪،‬‬
‫ويختار أهون الشرين وأخف الضررين‪.‬‬
‫ماحكم شراء البيوت بالربا في غير دار السلم؟‬
‫وماحكم شراء البيوت للسكن عن طريق البنوك‬
‫مع خضوع ذلك للتعامل بالربا؟‬
‫ل يحل شراء مسكن أو غيره بقرض مشتمل على فائدة‬
‫ربوية‪ ،‬فهذا حرام قطعا ً إل في حالة واحدة حيث يغلب‬
‫على الظن أن الشخص سينام في الشارع إن لم يقترض‬
‫هذا القرض الربوي‪ ،‬فيكون ذلك ضرورة‪ ،‬وهي نادرة‬
‫الوقوع‪ ،‬والضرورات تبيح المحظورات‪ ،‬والضرورة تقدر‬
‫بقدرها‪.‬‬
‫إنسان عنده كيلو غرام من الحلي أراد تأجيرها‬
‫لبائع حلي بأجر معلوم على أن يستردها متى‬
‫أراد على شكل حلي لكن بشكل آخر لنه عندما‬
‫استعملها هذا البائع استعملها حليا ً وباعها؟‬
‫الشيء المأجور بأجرة معينة يجب رده بعينه‪ ،‬لنه أمانة‬
‫بيد المستأجر‪ ،‬ول يجوز للمستأجر التصرف فيه إل بإجارة‬
‫أو إعارة لغيره ضمن مدة الجارة‪ ،‬ول يجوز له بيع هذا‬
‫الحلي لغيره‪ ،‬وإل كان عقد الجارة جسرا ً أو حيلة للتعامل‬
‫بالربا أو الفائدة لمدة في المستقبل‪ ،‬وهذا حرام‪ ،‬حتى إن‬
‫الربا يجري في بيع المال الربوي بجنسه إلى مدة في‬
‫المستقبل ولو من غير زيادة‪ ،‬لن الشيء في الحال أكثر‬
‫قيمة من المؤجل فع ً‬
‫ل‪ ،‬فتقع الزيادة العملية من هذا البيع‪،‬‬
‫ومن المعلوم أن الذهب أحد وأهم أنواع الموال الربوية‪.‬‬
‫حكم شهادات الستثمار‬
‫أودع والدي باسمي في البنك ما يسمى بشهادة‬
‫استثمار‪ ،‬في بنك ربوي لم يقم حتى الن بفتح‬
‫أي فرع معاملت إسلمية كغيره من البنوك‪،‬‬
‫وبمبلغ ‪ 5000‬جنيه مصري وذلك منذ عشر‬
‫سنوات قبل زواجي الن أوشكت مدة الشهادة‬
‫على النتهاء وأصبح المبلغ ‪ 25000‬جنية مصري‬
‫وأنا أرفض أخذ المبلغ الزائد ووالدي يقول لي‬
‫أنه هو من سيقبض المبلغ من البنك وسيعطيه‬

‫‪37‬‬
‫لي هبة مع العلم أني متزوجة من ‪ 6‬شهور‬
‫والحمد لله لست في حاجة لهذا المبلغ ووالدي‬
‫مقتدر ماديا ً فهل يجوز لي أخذ المبلغ على أنه‬
‫هبة من مال والدي؟ وهل الفضل الورع عن هذا‬
‫المال؟ هل يجوز أخذ هذا المال ثم التبرع به في‬
‫أي وجه شرعي بنية التخلص منه؟‬
‫كل ما يتم تحت غطاء الستثمار بأي نوع من أنواع‬
‫شهادات الستثمار هو مضمون الفائدة‪ ،‬لنه في الواقع ل‬
‫يوجد استثمار فعلي وإنما تودع الموال في بنوك ربوية‬
‫ويدفع عنها فوائد‪ ،‬وبعد أن وهبك والدك هذا المبلغ زالت‬
‫ملكيته عنه‪ ،‬وصار حق التصرف فيه خاصا ً بك‪ ،‬فكونه‬
‫يقبض الزائد ويهبك إياه ل حق له فيه‪ ،‬وإن كان له حق‬
‫على سبيل الفتراض‪ ،‬فهو مال مأخوذ بطريق غير‬
‫شرعي‪ ،‬ومادام الشخص يعلم أنه من هذا الطريق فل‬
‫يحل له أخذه‪.‬‬
‫أما مصير هذا المال الزائد‪ :‬فيحرم عليك النتفاع الخاص‬
‫به بأي وجه من وجوه النتفاع‪ ،‬والحل الن من أجل‬
‫التخلص من هذا المال الحرام هو التصدق به للفقراء أو‬
‫لجهة عامة كمدرسة أو مشفى ونحوهما‪ ،‬ول ثواب لك في‬
‫ذلك‪ ،‬وتأخذينه دون خلطه بمالك الخاص‪ .‬ويجب فورا ً‬
‫سحب هذا المال ووضعه في بنك إسلمي يستثمر المال‬
‫بطرق شرعية‪ ،‬فيحل حينئذ أخذ أرباحه والنتفاع الخاص‬
‫به‪ ،‬فإذا بقي شهادة استثمار حرم عليك وعلى والدك هذا‬
‫التفاق لنه عقد فاسد باطل‪ ،‬ول يلتفت للفتاوى الشاذة‬
‫في هذا‪.‬‬
‫***************‬
‫وفي فتاوى الفوزان ‪:‬‬
‫الربا وحكمه‬
‫غا من المال من البنك‪ ،‬على‬ ‫‪ 311‬ـ اقترضت مبل ً‬
‫أن أسدد هذا المبلغ بعد ثمانية عشر شهًرا‪ ،‬على‬
‫أن أدفع نسبة )‪ (14%‬من المبلغ عليه‪ ،‬ولم أكن‬
‫أعلم أن هذا المبلغ رًبا؛ فما هو حكم الشرع‬
‫بالنسبة لي؟‬

‫‪38‬‬
‫الزيادة المشترطة في القرض رًبا صريح‪ ،‬ل يجوز للمسلم‬
‫أن يتعامل بها‪ ،‬والواجب على المقرض أن يقتصر على‬
‫أخذ رأس ماله‪.‬‬
‫م‬
‫قال تعالى‪}(javascript:openquran(1,279,279 :‬وَِإن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن{ ]سورة‬ ‫مو َ‬‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬‫فَل َك ُ ْ‬
‫البقرة‪ :‬آية ‪ ،[279‬ومن لم يتب من أخذ الزيادة؛ فقد قال‬
‫الله تعالى‪}(javascript:openquran(1,279,279 :‬فَِإن ل ّ ْ‬
‫م‬
‫ْ‬
‫ه{ ]سورة البقرة‪ :‬آية‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬
‫سول ِ ِ‬ ‫م َ‬
‫ب ّ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫ت َْفعَُلوا ْ فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬
‫‪.[279‬‬
‫ول يجوز للمسلمين أن يقترضوا من البنوك بالفائدة؛ )فقد‬
‫لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله‬
‫وشاهديه وكاتبه( ]رواه مسلم في صحيحه )‪[(3/1219‬‬
‫ومن فعل شيًئا من ذلك فيما سبق؛ فعليه أن يتوب إلى‬
‫الله ول يعود‪.‬‬
‫‪ 313‬ـ أحد البنوك الربوية يعلن عن برنامج لستثمار‬
‫الموال عن طريق المتاجرة في بيع وشراء العملت؛ فهل‬
‫ما بأنه ينوب‬ ‫يجوز لي المشاركة في هذا الستثمار‪ ،‬عل ً‬
‫عني في البيع والشراء‪ ،‬ول تتم في هذا البيع المقابضة؟‬
‫أفيدونا أثابكم الله‪.‬‬
‫البنك الربوي ل يؤمن على التعامل‪ ،‬ولو قال‪ :‬إنه يتعامل‬
‫في بعض النواحي على الوجه الشرعي؛ نظًرا لنه في‬
‫الصل مؤسسة ربوية‪ ،‬غالب تعاملته في الربا؛ فل يؤمن‪،‬‬
‫ضا بيع وشراء العملت لبد أن يقوم على التقابض في‬ ‫وأي ً‬
‫المجلس إذا اختلف جنس العملت‪ ،‬وإذا اتحد جنس‬
‫العملت؛ فلبد مع التقابض في المجلس من التساوي في‬
‫المقدار‪ ،‬وهذا أمر دقيق‪ ،‬يبعد تحقيقه في معاملة البنوك؛‬
‫لن مصارفتها في المعاملت ل تقوم على التقابض في‬
‫المجلس؛ فقد اشتهر عنها أنها كذلك‪ ،‬وعليه؛ فإنه يجب‬
‫على المسلم أن يبتعد عنها‪ ،‬ول يثق بإعلناتها‪ .‬والله‬
‫الموفق‪.‬‬
‫‪ 123‬ـ أنا موظف في بنك‪ ،‬فهل يجوز لي أن أحج من‬
‫راتبي؟‬

‫‪39‬‬
‫العمل في البنك الذي يتعامل بالربا ل يجوز‪ .‬لنه من‬
‫التعاون على الثم والعدوان‪ .‬ولن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه )‪(3‬‬
‫والموظف يصدق عليه أنه متعاون مع البنك ‪ -‬وإن كان‬
‫يكتب عقود الربا فهو ملعون بنص هذا الحديث ‪ -‬وبناء‬
‫على ذلك فالراتب الذي يأخذه حرام ل يجوز أن يأكله ول‬
‫أن يحج منه‪ .‬لن الحج يتطلب النفقة الطيبة المكتسبة من‬
‫حلل وإن كان حج منه صح حجه مع الثم‪.‬‬
‫‪ 141‬ـ كنت أعمل في أحد البنوك وعندما خرجت‬
‫منهم عرفت أن المال الذي اكتسبته كله حرام‪ .‬إذا كان‬
‫هذا صحيح ماذا أفعل بهذا المبلغ هل أتصدق به أم ل؟‬
‫ما من ربا أو غيره ثم تاب منه فإنه‬ ‫من اكتسب مال ً حرا ً‬
‫يتصدق به ول يأكله أو يضعه في مشروع خيري من أجل‬
‫التخلص منه‪ ،‬ل من أجل طلب الجر لنه مال حرام والله‬
‫تعالى طيب ل يقبل إل طيًبا ولكن صاحبه يخرجه عن‬
‫ملكه ويضعه في مشروع خيري أو يدفعه إلى محتاج لنه‬
‫كالمال الذي ليس له مالك معروف يوضع في المصالح‪،‬‬
‫وهذا بشرط إنهاء هذا التكسب المحرم بحيث ل يستمر‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ 146‬ـ أخذت من قريب لي مبلغ خمسين ألف ريال على‬
‫أن أرد ذلك المبلغ بعد شهرين أو ثلثة بخمسة وخمسون‬
‫ألف ريال‪ ..‬وبعد أن سألت أحد الزملء قال ل يجوز هذا‬
‫المر وأعطه نفس القيمة‪ ..‬وآخر قال لي المؤمنون على‬
‫شروطهم فما هو الحل في ذلك‪.‬‬
‫القرض عقد إرفاق وقربة واشتراط الزيادة فيه أو ما‬
‫يسمى القرض بالفائدة ربا صريح وحتى أي نفع يشترطه‬
‫المقرض على المقترض فهو ربا لقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪) :‬كل قرض جر نفًعا فهو ربا( ]انظر أسنى‬
‫ماز‬‫المطالب في أحاديث مختلفة المراتب ص ‪ ،240‬والغ ّ‬
‫ماز ص ‪ ،173‬وتمييز الطيب من الخبيث ص‬ ‫على الل ّ‬
‫‪ .[124‬وأجمع العلماء على ذلك ‪ -‬أما الزيادة التي يبذلها‬
‫المقترض عند الوفاء من غير اشتراط عليه فل بأس بها‬
‫لن هذا من حسن القضاء‪ .‬وقد قال النبي صلى الله عليه‬

‫‪40‬‬
‫وسلم‪) :‬خيركم أحسنكم قضاء( لما استسلف بكًرا من‬
‫البل ورد مكانه خياًرا رباعّيا ]رواه المام مسلم في‬
‫صحيحه ج ‪ 3‬ص ‪ .1224‬من حديث أبي رافع رضي الله‬
‫عنه بلفظ "إن خيار الناس أحسنهم قضاًء"[‪ .‬وعليه إن‬
‫كان المقرض اشترط هذه الزيادة فهي حرام عليه وليس‬
‫له إل رأس ماله‪ .‬وهذا الشرط باطل لقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪) :‬كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل‬
‫ولو كان مائة شرط( ]رواه البخاري في صحيحه ج ‪ 3‬ص‬
‫‪ .29‬من حديث عائشة رضي الله عنها‪ .‬بلفظ "ما كان من‬
‫شرط‪ .["..‬وقال صلى الله عليه وسلم‪) :‬المسلمون على‬
‫ل( ]رواه‬‫ما أو حرم حل ً‬ ‫شروطهم إل شر ً‬
‫طا أحل حرا ً‬
‫الترمذي في سننه ج ‪ 5‬ص ‪ 31 ،30‬ورواه الحاكم في‬
‫مستدركه ج ‪ 4‬ص ‪ 101‬بنحوه‪ .‬كلهما من حديث كثير بن‬
‫عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده[‪ .‬وهذا‬
‫ما وهو الربا فهو باطل باطل‪.‬‬ ‫شرط أحل حرا ً‬
‫‪ 147‬ـ كثر الحديث والفتاوي حول جواز أخذ الفوائد‬
‫البنكية‪ .‬ما هو تعليقكم على ذلك؟‬
‫أخذ الفوائد البنكية الربوية حرام بل شك لنها ربا صريح‬
‫والله سبحانه حرم الربا وحرمه رسوله وأجمع المسلمون‬
‫على تحريم الربا ومن استحله فهو كافر‪ .‬ومن الربا‬
‫الفوائد البنكية ومن قال بحلها فل عبرة بقوله لنه مخالف‬
‫للنصوص‪ .‬ثم ما كل مفت يكون على مستوى الفتوى‬
‫فغالب المفتين اليوم جهال بالحكام الشرعية أو‬
‫متساهلون بشأن الفتوى وخطورتها‪.‬‬
‫‪ 148‬ـ أعمل في شركة تأخذ تسهيلت بنكية من‬
‫البنوك الربوية في حدود خمسة بالمائة من أرباح الشركة‪.‬‬
‫فما هو الحكم في مرتبي من هذه الشركة‪ ،‬وهل يجوز لي‬
‫العمل فيها‪ ،‬مع العلم أن معظم الشركات تتعامل بهذه‬
‫الطريقة؟‬
‫التعامل بالربا محرم على الشركات وعلى البنوك وعلى‬
‫الفراد‪ .‬ول يجوز للمسلم أن يتوظف في المحلت التي‬
‫ل‪ ،‬لن الموظف عند‬ ‫تتعامل بالربا‪ .‬ولو كان تعاملها به قلي ً‬
‫هذه المؤسسات والمحلت الربوية يكون متعاوًنا معهم‬

‫‪41‬‬
‫على الثم والعدوان ‪ -‬والمتعاون مع المرابين تشمله‬
‫اللعنة لقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬لعن الله آكل الربا‬
‫وموكله وشاهديه وكاتبه( ]رواه المام مسلم في صحيحه‬
‫ج ‪ 3‬ص ‪ .1219 ،1218‬من حديث جابر رضي الله عنه‪.‬‬
‫بلفظ "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم"[‪ .‬فلعن‬
‫الموكل والشاهد والكاتب من أجل تعاونهم مع المرابي ‪-‬‬
‫دا عن ذلك‬ ‫فالواجب عليك أيها السائل أن تلتمس عمل ً بعي ً‬
‫ثل‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جا‪ ،‬وَي َْرُزقْ ُ‬ ‫خَر ً‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫جَعل ل ّ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫من ي َت ّ ِ‬ ‫}و َ َ‬
‫ب{ ]سورة الطلق‪ :‬آية ‪) .[2‬ومن ترك شيًئا لله‬ ‫س ُ‬‫حت َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫عوضه الله خيًرا منه( ]انظر مسند المام أحمد ج ‪ 5‬ص‬
‫‪ .78‬عن رجل من أهل البادية‪ .‬وقد ورد بلفظ‪) :‬إنك لن‬
‫تدع شيًئا اتقاء الله عز وجل إل أعطاك الله خير منه"[‪.‬‬
‫‪ -317‬اقترضت من أحد الصدقاء مبلغ مائة جنيه على أن‬
‫أوفيه بعد سنة مائة وخمسين‪ ،‬وحينما حان وقت الوفاء‬
‫ة‬
‫حاولت إعطاءه مائة فقط ولكنه أصر على أخذ زياد ٍ‬
‫قدرها خمسون جنيًها مقابل التأجيل‪ ،‬فما الحكم في هذه‬
‫الزيادة؟ وإن كان هذا من قبيل الربا فهل علي أنا إثم‬
‫ما أن تلك النقود التي اقترضتها‬ ‫وكيف أتخلص من ذلك عل ً‬
‫ي أن أفعل؟‬ ‫منه قد اختلطت مع مالي فماذا عل ّ‬
‫الله سبحانه وتعالى حرم الربا وشدد الوعيد فيه‪ ،‬قال‬
‫ْ‬
‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬
‫ما‬ ‫مو َ‬ ‫ن الّرَبا ل َ ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫سبحانه وتعالى‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫س{ ]سورة البقرة‪:‬‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ي َُقو ُ‬
‫َ‬
‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫آية ‪ ،[275‬إلى أن قال‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م ت َْفعَُلوا ْ‬ ‫ن ‪ .‬فَِإن ل ّ ْ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫ن الّرَبا ِإن ُ‬ ‫م َ‬‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫وَذ َُروا ْ َ‬
‫ْ‬
‫ه{ ]سورة البقرة‪ :‬اليتين‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬
‫‪.[279 ،278‬‬
‫والربا له صور وأنواع ومن أنواعه هذا الذي ذكرته في‬
‫السؤال وهو القرض بالفائدة؛ لن القرض الشرعي هو‬
‫القرض الحسن الذي تقرض به أخاك لينتفع بالقرض ثم‬
‫يرد عليك بدله من غير زيادة مشترطة ول نقص هذا هو‬
‫القرض الحسن‪ ،‬أما القرض الذي يجر نفًعا أو القرض‬
‫الذي يقصد من وراءه الزيادة الربوية فهذا حرام بإجماع‬
‫المسلمين حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين وعلى‬

‫‪42‬‬
‫فاعله الوعيد الشديد‪ ،‬فالواجب هو رد مثل المبلغ الذي‬
‫اقترضه أما الزيادة التي اشترطها عليك وأخذها منك فهي‬
‫حرام ورًبا‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا‬
‫وموكله وشاهديه وكاتبه )‪ (4‬فلعن صلى الله عليه وسلم‬
‫من أكل الربا ومن أعانه على أكله من هؤلء‪ ،‬فهذا الذي‬
‫فعلتموه حرام وكبيرة من كبائر الذنوب وعليكم التوبة‬
‫إلى الله سبحانه وتعالى‪ ،‬وعليه هو أن يرد عليك هذه‬
‫الزيادة التي أخذها منك لنها ل تحل له‪ ،‬وأنت فعلت‬
‫ما بإعطائه الزيادة‪ ،‬وكان الواجب عليك أن تمتنع من‬ ‫محر ً‬
‫إعطائه الزيادة‪ ،‬وإذا أصر أن ترفع أمره إلى الحاكم‬
‫المسلم ليردعه عن جريمته‪ ،‬فهذا الذي أقدمتما عليه هو‬
‫صريح الربا‪ ،‬فعليكما جميًعا التوبة إلى الله سبحانه وتعالى‬
‫وعدم الرجوع إلى هذا التعامل‪ ،‬وعلى الخر أن يرد‬
‫الزيادة التي أخذها‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫*****************‬
‫وفي فتاوى الشيخ عبد الرحمن البراك ‪:‬‬
‫السؤال‪:‬‬
‫هل صحيح أن السلم يمنع الستثمار المالي في‬
‫المؤسسات التي تعطي نسبة عائد ثابتة ؟‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫الحمد لله‬
‫دين السلم هو الدين الحق الذي جاء به الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم وقد اشتمل على أكمل الشرائع ‪ ،‬قال‬
‫تعالى ‪ ) :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي (‬
‫فشريعة القرآن شريعة كاملة شاملة خالدة ‪ ،‬ففيها جميع‬
‫الحكام التي بها سعادة العباد في معاشهم ومعادهم ‪،‬‬
‫دد‬‫ومن ذلك الحكام المالية ‪ ،‬وهي الحكام التي تنظم وتع ّ‬
‫طرق كسب المال وصرفه ‪ ،‬فل يجوز اكتساب المال بكل‬
‫طريقة ول يجوز صرف المال في كل ما يشتهي النسان ‪،‬‬
‫فل بد ّ أن يخضع النسان في كل ذلك إلى شرع الله ومن‬
‫ل الله‬‫ذلك أن الله تعالى حّرم الربا ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬وأح ّ‬
‫البيع وحّرم الربا ( ‪ ،‬وقال تعالى ‪ ) :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ( ‪ .‬ومن صور الربا‬

‫‪43‬‬
‫الظاهر أخذ الفوائد على القروض أو إعطائها ‪ ،‬فل يجوز‬
‫القرض بفائدة ‪ ،‬وما يسمى بالفائدة في لغة البنوك هو‬
‫الربا في لغة الشرع ‪ .‬واما القرض الحسن فهو القرض‬
‫الذي يقصد به الرفاق والحسان إلى الغير وذلك بأل‬
‫يكون المقصود أخذ الفائدة والزيادة ‪ ،‬فما يسمى‬
‫بالقروض في لغة البنوك هي في الحقيقة عقود ربا ‪،‬‬
‫والله تعالى حكيم في شرعه لنه تعالى شرع الشرائع بما‬
‫فيها من المصالح العاجلة والجلة وهو الحكيم العليم ‪.‬‬
‫*****************‬
‫زكاة الفواكه‬
‫وفي فتاوى اللجنة الدائمة ‪:‬‬
‫الفتوى رقم )‪(11924‬‬
‫س‪ :‬طلب مني أحد التجار أن أكتب لكم السؤال التالي‪:‬‬
‫وهو أنه يملك مزرعة كبيرة من التفاح‪ ،‬وبعض الثمار‬
‫الخرى‪ ،‬ويسأل عن كيفية إخراج زكاة هذه الثمار جميعًا‪،‬‬
‫علما ً بأن السقاية عن طريق حفر البار الرتوازية مع‬
‫العلم بأنه يستثمر الناتج من هذه الموال لمشاريع أخرى‬
‫مثل حلول الحول في بعض السنوات‪ ،‬ويبقى المال هكذا‬
‫في كل ناتج‪ ،‬ويقوم بتسديد ما عليه من ديون إلى البنوك‬
‫وغيرها من الدائنين‪ ،‬وما هو الحكم للسنوات السابقة‬
‫التي تم إخراج الزكاة عنها وماذا أفعل؟ وما هي نصيحتكم‬
‫له لنه كثير التعامل في البنوك ويأخذ منها الفوائد‬
‫ويعطيها كذلك نرجو الجواب على كل هذه التفصيلت‬
‫السابقة وأجركم على الله‪ .‬وجزاكم الله خيرا ً في خدمة‬
‫السلم وأهله‪.‬‬
‫ل‪ :‬أثمان الفواكه كالتفاح ونحوه كالرمان والبرتقال‬ ‫ج‪ :‬أو ً‬
‫والطماطم ونحوها إن صرفت ثمنها في حاجتك وفي‬
‫قضاء الدين قبل أن يحول عليها الحول فل شيء عليك‪،‬‬
‫فإن حال عليها الحول وعندك من ثمنها ما يبلغ نصابا ً‬
‫فعليك زكاته وهي ربع العشر ‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أما الثمار فقد أجملت السؤال عنها وهي ذات‬
‫تفصيل‪ ،‬فإن كانت من الحبوب كالشعير والبر والرز‬
‫والذرة ونحوها أو من العنب والتمر فهذه الثمار فيها‬

‫‪44‬‬
‫نصف العشر لكونها تسقى بمؤنة حسبما ذكرت إذا بلغت‬
‫نصابا ً وهو خمسة أوسق‪ ،‬وهي ثلثمائة صاع بصاع النبي ‪r‬‬
‫ومقداره أربع حفنات باليدين المملوءتين المعتدلتين‪.‬‬
‫أما الفوائد البنكية فهي من الربا المحرم والواجب ترك‬
‫المعاملة الربوية والتوبة إلى الله من ذلك‪ ،‬مع صرف‬
‫الفوائد الربوية التي حصل عليها في وجوه الخير تخلصا ً‬
‫منها وإكمال ً للتوبة ‪.‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫نائب رئيس اللجنة‪ ،‬الرئيس‬
‫عبدالرزاق عفيفي‪ ،‬عبدالعزيز بن عبدالله بن باز‬
‫***************‬
‫وفي فتاوى الزهر ‪ :‬ربا النسيئة‬
‫الموضوع )‪ (1249‬ربا النسيئة‪.‬‬
‫المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق‪ 30.‬ربيع‬
‫الول ‪ 1400‬هجرية ‪ 17 -‬مارس ‪ 1980‬م‪.‬‬
‫المبادئ‪:‬‬
‫‪ - 1‬فقهاء الشريعة السلمية عرفوا البيع بأنه مبادلة‬
‫المال بالمال تمليكا وتملكا على اختلف بينهم فى التعبير‬
‫عن هذا المعنى‪ - 2.‬اقتران عقد البيع بالشرط الفاسد‬
‫مفسد للعقد‪ - 3.‬اشتراط هيئة الوقاف المصرية فى عقد‬
‫التمليك ومحلقاته دفع المشترى للوحدة السكنية ‪% 5‬‬
‫من جملة الثمن المؤجل كريع نظير باقى الوحدة التى لم‬
‫يدفع ثمنها‪.‬هو عقد آخر على المشترى يدخل فى نطاق‬
‫الشرط الفاسد‪ ،‬وهو من ربا النسيئة‪.‬سئل ‪ :‬نشرت‬
‫جريدة الهرام فى عددها يوم الجمعة الموافق ‪ 21‬ربيع‬
‫الول سنة ‪ 1400‬هجرية ‪ 8‬فبراير سنة ‪ 1980‬المقيد‬
‫برقم ‪ 107‬لسنة ‪ 1980‬فى شأن ما تتقاضاه هيئة‬
‫الوقاف المصرية من المتعاملين معها فى تمليك‬
‫العقارات وأطلقت عليه اسم فائض الريع إذ قالت رسالة‬
‫المواطن ‪ /‬ع ‪ -‬ع ‪ -‬م إن الهيئة تأخذ فائدة سنويا فوق‬
‫الثمن المتعاقد عليه مقدارها ‪ % 5‬فى المائة على باقى‬

‫‪45‬‬
‫ثمن الشقق التى تعرضها للتمليك‪.‬بينما أجاب السيد‬
‫الستاذ رئيس مجلس إدارة الهيئة ‪ -‬كما هو منشور فى‬
‫ذات هذا العدد ‪ -‬بأن هذا فائض ريع وليس تحصيل فوائد‪،‬‬
‫ذلك لن مشترى الشقة بالتقسيط يدفع مقدما ‪ % 25‬فى‬
‫المائة من ثمنها ويسدد الباقى على ‪ 40‬سنة وبذلك يكون‬
‫له منطقيا ‪ % 25‬فى المائة من الملكية وللهيئة الباقى‬
‫‪ % 75‬فى المائة حتى تمام السداد‪ ،‬وخلل فترة التأجيل‬
‫ينتفع المشترى بكامل الشقة رغم أنه لم يملك سوى ‪25‬‬
‫‪ %‬فى المائة فقط‪ ،‬ول تنتفع هيئة الوقاف بشىء ولها ‪75‬‬
‫‪ %‬فى المائة من الملكية‪.‬ومن هنا ومحافظة على‬
‫استثمار أموال الوقاف لجأت الهيئة إلى حساب دخل‬
‫الشقة لو كانت مؤجرة طوال مدة الجل ‪ 40‬عاما مثل ‪،‬‬
‫ثم خصمت من جملة الدخل ‪ % 25‬فى المائة ويكون‬
‫للهيئة الباقى‪ ،‬وكان هذا الحساب على أساس ‪ % 10‬من‬
‫التكلفة‪ ،‬فوصلت حصة الهيئة إلى ‪ 25‬ألفا من الجنيهات‬
‫عن الشقة المكونة من حجرتين وصالة وفقا لقانون‬
‫اليجارات‪ ،‬ولكن الهيئة لم تجر المحاسبة على هذا‬
‫واكتفت بحساب ‪ % 5‬فى المائة فقط كفائض ريع‪.‬كما‬
‫اطلعنا بعدد الهرام يوم الجمعة ‪ 13‬ربيع الخر ‪1400‬‬
‫هجرية الموافق ‪ 29‬فبراير ‪ 1980‬على كلمة السيد‬
‫المستشار فتحى لشين المفتش القضائى الول بوزارة‬
‫العدل تعليقا على ما سبق من أقوال السيد الستاذ رئيس‬
‫مجلس إدارة الهيئة‪ ،‬حيث جاء بها أن عقد البيع ورد على‬
‫كامل الوحدة السكنية موضوع العقد‪ ،‬وأن الرابطة تبعا‬
‫لهذا بين بائع وبين مشتر وأن هذا استمرار فى التعامل‬
‫الربوى مع رفع شعار تطبيق الشريعة السلمية فى‬
‫المجال القتصادى‪.‬هذا وقد ورد إلى دار الفتاء من السيد‬
‫المستشار فتحى لشين نسخة من نص كلمته إلى‬
‫الهرام‪.‬وبناء على طلب دار الفتاء ورد من هيئة الوقاف‬
‫المصرية صورة طبق أصلها من عقد التمليك الذى تبرمه‬
‫الهيئة مع المشترين لوحداتها السكنية‪ ،‬وأحد عشر كشفا‬
‫ببيان القساط والريع المستحق سنويا والتى يقتضى‬
‫سدادها طبقا لنوع الشقة وحجراتها وبذلك مع كتابيها رقم‬

‫‪46‬‬
‫‪ 1620‬فى ‪ 10/3/1980‬ورقم ‪ 1686‬فى‬
‫‪.12/3/1980‬أجاب ‪ :‬إنه لما كان ما نشرته الهرام وما‬
‫جاء بالوراق الواردة من هيئة الوقاف المصرية وبأوراق‬
‫السيد المستشار فتحى لشين يفيد أن المشترى لوحدة‬
‫سكنية من هيئة الوقاف يتملك مبانيها فقط بمجرد‬
‫التوقيع على العقد‪ ،‬وأن هناك جداول ملحقة بالعقد‪،‬‬
‫ومعتبرة جزءا ل يتجزأ منه وتجرى المحاسبة طبقا لها‪.‬وقد‬
‫جاء بهذه الجداول بيان القساط بدون ريع‪ ،‬وبيان الريع‬
‫المستحق بواقع ‪ % 5‬فى المائة وجملتهما ‪ ،‬وبيانات أخرى‬
‫مفصلة تبعا لعدد حجرات الوحدة‪.‬ولما كان البين من‬
‫صورة العقد الواردة من هيئة الوقاف أنه عقد بيع‬
‫بالشروط المبينة فى مواده وبالجداول الملحقة به ‪ ،‬ومن‬
‫هذه الشروط استحقاق الهيئة لنسبة ‪ % 5‬فى المائة من‬
‫جملة المبلغ المؤجل من ثمن الوحدة السكنية موضوع‬
‫التعاقد‪.‬وبما أن البيع قد عرفه فقهاء الشريعة السلمية‬
‫بأنه مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكا على اختلف بينهم‬
‫فى التعبير عن هذا المعنى‪ ،‬وهو مشروع بنصوص القرآن‬
‫الكريم والسنة الشريفة وبإجماع المسلمين‪.‬وقد اتفق‬
‫الفقهاء جميعا على أن اقتران عقد البيع بالشرط الفاسد‬
‫مفسد للعقد‪ ،‬وتكاد عباراتهم تتفق على أن الشرط‬
‫الفاسد هو ما ل يقتضيه العقد ول يلئمه أو يضر بالعقد‪،‬‬
‫وأن من قبيل الشروط الفاسدة أن يشترط أحد‬
‫المتعاقدين على صاحبه عقدا آخر‪ ،‬ومن أمثلتهم للشرط‬
‫الفاسد إذا قال البائع للمشترى بعتك هذه الدار وأجرتكها‬
‫شهرا لم يصح لن المشترى ملك منافع الدار بعقد البيع‪،‬‬
‫فإذا أجره إياها فقط شرط أن يكون له بدل فى مقابلة ما‬
‫ملكه المشترى فلم يصح‪.‬ولما كان اشتراط هيئة الوقاف‬
‫المصرية فى عقد التمليك وملحقاته أن يدفع مشترى‬
‫الوحدة السكنية ‪ % 5‬من جملة الثمن المؤجل‪ ،‬وفسر‬
‫هذا السيد الستاذ رئيس مجلس إداراتها بأن هذا ريع‬
‫مستحق نظير إيجار باقى الوحدة التى لم يدفع ثمنها‪،‬‬
‫فيكون هذا الشرط بهذا المعنى عقدا آخر على المشترى‬
‫يدخل فى نطاق الشرط الفاسد بالمعيار‪ ،‬بل وبالمثال‬

‫‪47‬‬
‫السابق الذى نص الفقهاء على عدم صحته‪.‬وعلى ذلك‬
‫يكون واقع المر على ما تفيده نصوص العقد وملحقاته أن‬
‫نسبة الخمسة فى المائة جاءت فائدة مقررة على المبلغ‬
‫المؤجل من ثمن الوحدة السكنية المباعة‪ ،‬لن البيع قد تم‬
‫بالعقد وتسلم المشترى المبيع برضا البائع‪ ،‬فله النتفاع به‬
‫جميعه شرعا بدون مقابل غير الثمن المسمى بالعقد‪،‬‬
‫وأخذ نسبة ‪ % 5‬على المؤجل من الثمن يكون فى نظير‬
‫التأجيل‪ ،‬وهذا هو ربا النسيئة الذى حرمه الله تعالى فى‬
‫القرآن الكريم وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬من هذا قول الله سبحانه فى سورة البقرة } ذلك‬
‫بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا‬
‫{ البقرة ‪ ، 275‬لما كان ذلك وكانت تلك النسبة ‪ % 5‬إما‬
‫فى مقابلة تأجيل الدين وإما فى مقابلة تأجير باقى العين‬
‫كما جاء بتفسير رئيس مجلس الدارة لهذا الشرط وإن‬
‫كان هذا التفسير ل تدل عليه بنود العقد ول ملحقاته التى‬
‫تقررت بها هذه النسبة فتخلص تلك النسبة إما ربا نسيئة‬
‫ل محالة ل يخرجها أى اسم أو وصف يطلق عليها عن هذه‬
‫الحقيقة‪ ،‬أو عقد إجارة فاسد ل تستحق به الجرة‪ ،‬لنه‬
‫ورد على ما ملكه المشترى بعقد البيع مع تأجيل بعض‬
‫الثمن‪ ،‬وفى كل حال ل تقع هذه النسبة ‪ % 5‬فى المائة‬
‫فى نطاق نص مبيح شرعا لشترطها ‪ ،‬بل وقعت فى‬
‫نطاق المحرمات على الوجه المبين‪.‬هذا ومما ينبغى تبيانه‬
‫للناس أن الصل فى البيع أن يكون بثمن حال‪ ،‬ويجوز أن‬
‫يكون بثمن مؤجل كل أو بعضا إلى أجل معلوم حتى ل‬
‫يؤدى تجهيل الجل إلى النزاع‪ ،‬والزيادة فى الثمن عند‬
‫البيع مؤجل اختلف الفقهاء فى حلها والجمهور على صحة‬
‫البيع مع تأجيل الثمن والزيادة فيه عن الثمن الحالى‪.‬كما‬
‫أن من صور البيع التى أجيزت شرعا بيع‬
‫المرابحة‪.‬وصورته أن يبيع الشىء بربح‪.‬فيقول ثمن هذا‬
‫المبيع مائة جنيه وأبيعه بمائة وعشرين جنيها مثل‪ ،‬وهذا‬
‫جائز ل خلف فى صحته شرعا‪.‬ولما كان ذلك فإن لهيئة‬
‫الوقاف المصرية أن تسير فى هذه العقود على هذا‬
‫الوجه امتثال لقوله سبحانه } وأحل الله البيع وحرم‬

‫‪48‬‬
‫الربا { فتضيف فوق التكاليف الفعلية للمبانى الربح‬
‫المناسب‪ ،‬ثم تبيع الوحدة بثمن محدد ل تتقاضى أكثر منه‬
‫بهذا الوصف فائض الريع أو إجارة باقى الوحدة السكينة‬
‫لمشتريها حيث دخل فى نطاق الربويات المحرمات‬
‫شرعا‪.‬ولقد حذرنا رسول الله بتسميتها بغير اسمها فقال‬
‫ليشربن أناس من أمتى الخمر ويسمونها بغير اسمها وفى‬
‫رواية لتستحلن طائفة من أمتى الخمر باسم يسمونها‬
‫إياه‪.‬وهذا هو الواقع الن مع الخمر ومع الربا وغيرهما من‬
‫المحرمات يسميها المسلمون بغير اسمها‬
‫ويستحلونها‪.‬وبعد فإن الله سبحانه وتعالى قد توعد‬
‫المتعاملين فى الربا بما لم يتوعد به فى غير هذه الكبيرة‬
‫فقال سبحانه فى سورة البقرة } يا أيها الذين آمنوا اتقوا‬
‫الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين‪.‬فإن لم‬
‫تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم‬
‫رؤوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون { البقرة ‪، 278‬‬
‫‪ ، 279‬نقل القرطبى فى تفسير هذه الية أن المام مالكا‬
‫قال إنى تصفحت كتاب الله وسنة نبيه فلم أر شيئا أشر‬
‫من الربا‪ ،‬لن الله أذن فيه بالحرب‪.‬هذا وقد روى‬
‫الشيخان عن النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم الحلل بين والحرام بين وبينهما أمور‬
‫مشتبهات ل يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات‬
‫فقد استبرأ لعرضه ودينه‪.‬والله سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫الموضوع )‪ (1252‬عائد شهادات الستثمار‬
‫‪.‬المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق‪10.‬‬
‫صفر ‪ 1400‬هجرية ‪ 9 -‬ديسمبر ‪ 1979‬م‪.‬المبادئ‪- 1:‬‬
‫السلم حرم الربا بنوعيه ربا الزيادة وربا النسيئة وهذا‬
‫التحريم ثابت بالقرآن الكريم والسنة الشريفة وإجماع‬
‫أئمة المسلمين منذ صدور السلم حتى الن‪ - 2.‬الوصف‬
‫القانونى الصحيح لشهادات الستثمار بأنها قرض‬
‫بفائدة‪.‬يدخلها فى نطاق الفائدة المحددة مقدما التى‬
‫حرمتها نصوص الشريعة وجعلتها من ربا الزيادة‪ ،‬فل يحل‬
‫للمسلم النتفاع بها وكذا فوائد التوفير أو اليداع بفائدة‪3.‬‬
‫‪ -‬القول بأن هذه الفائدة تعتبر مكافأة من ولى المر قول‬

‫‪49‬‬
‫غير صحيح بالنسبة للشهادات ذات العائد المحدد مقدما‪4.‬‬
‫‪ -‬الشهادات ذات الجوائز دون الفوائد تدخل فى نطاق‬
‫الوعد بجائزة الذى أجازه بعض الفقهاء‪.‬سئل ‪ :‬بالطلب‬
‫المتضمن الفادة عما إذا كان عائد شهادات الستثمار‬
‫حلل أو حراما وهل يعتبر هذا العائد من قبيل الربا‬
‫المحرم‪ ،‬أو هو مكافأة من ولى أمر فى مقابل تقديم‬
‫الموال للدولة لستغللها فى إقامة المشروعات التى‬
‫تعود على المة بالنفع‪.‬أجاب ‪ :‬إن السلم حرم الربا‬
‫بنوعيه ‪ -‬ربا الزيادة وربا النسيئة ‪ -‬وهذا التحريم ثابت‬
‫قطعا بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة‬
‫وبإجماع أئمة المسلمين منذ صدر السلم حتى الن‪.‬ولما‬
‫كان الوصف القانونى الصحيح لشهادات الستثمار أنها‬
‫قرض بفائدة ‪ ،‬وكانت نصوص الشرعية فى القرآن‬
‫والسنة تقضى بأن الفائدة المحددة مقدما من باب ربا‬
‫الزيادة المحرم‪ ،‬فإن فوائد تلك الشهادات وكذلك فوائد‬
‫التوفير أو اليداع بفائدة تدخل فى نطاق ربا الزيادة ل‬
‫يحل للمسلم النتفاع به‪ ،‬أما القول بأن هذه الفائدة تعتبر‬
‫مكافأة من ولى المر فإن هذا النظر غير وارد بالنسبة‬
‫للشهادات ذات العائد المحدد مقدما لسيما وقد وصف‬
‫بأنه فائدة بواقع كذا فى المائة‪ ،‬وقد يجرى هذا النظر فى‬
‫الشهادات ذات الجوائز دون الفوائد‪ ،‬وتدخل فى نطاق‬
‫الوعد بجائزة الذى أجازه بعض الفقهاء‪.‬والله سبحانه‬
‫وتعالى أعلم‪.‬‬
‫الموضوع )‪ (1255‬التعامل مع البنوك بفائدة‬
‫محرم شرعا‬
‫‪.‬المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق‪ 4.‬ربيع‬
‫الول ‪ 1400‬هجرية ‪ 22 -‬يناير ‪ 1980‬م‪.‬المبدأ ‪ :‬الفائدة‬
‫المحددة التى تصرفها البنوك نظير إيداع الموال بها هى‬
‫من قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا ول فرق فى حرمة‬
‫التعامل بالربا بين الفراد والجماعات أو بين الفراد‬
‫والدولة‪.‬سئل ‪ :‬بالطلب المتضمن أن المصارف فى مصر‬
‫تعطى فائدة سنوية لكل مائة مبلغا قدره ‪ % 7.5‬أو ‪8.5‬‬
‫أو ‪ 13‬وقد أفتى بعض العلماء بجواز ذلك‪ ،‬حيث أن‬

‫‪50‬‬
‫التعامل ليس مع الفراد ولكن مع المصارف التى تتبع‬
‫الحكومة‪ ،‬وطلب السائل الفادة عن حكم هذه‬
‫الفائدة‪.‬أجاب ‪ :‬قال الله تعالى فى سورة البقرة } الذين‬
‫يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذى يتخبطه‬
‫الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا‬
‫وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه‬
‫فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك‬
‫أصحاب النار هم فيها خالدون‪.‬يمحق الله الربا ويربى‬
‫الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم { البقرة ‪، 275‬‬
‫‪ ، 276‬وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم )الذهب‬
‫بالذهب يدا بيد والفضل ربا( ومن هذه النصوص الشرعية‬
‫وغيرها يكون الربا محرما‪ ،‬سواء أكان ربا نسيئة أو ربا‬
‫زيادة‪ ،‬ولما كان إيداع المال بالبنوك نظير فائدة محددة‬
‫مقدما قد وصفه القانون بأنه قرض بفائدة فإن هذه‬
‫الفائدة تكون من قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا‪ ،‬وبالتالى‬
‫تصبح مال خبيثا ل يحل للمسلم النتفاع به وعليه التخلص‬
‫منه بالصدقة‪.‬أما القول بأن هذا التعامل ليس بين الفراد‬
‫ولكن مع المصارف التى تتبع الحكومة فإن الوصف‬
‫القانونى لهذه المعاملت قرض بفائدة ل يختلف فى جميع‬
‫الحوال ولم يرد فى النصوص الشرعية تفرقة بين الربا‬
‫بين الفراد وبين الربا ينهم وبين الدولة‪ ،‬وعلى المسلم أن‬
‫يكون كسبه حلل يرضى عنه الله والبتعاد عن‬
‫الشبهات‪.‬والله سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫الموضوع )‪ (1256‬شهادات الستثمار‪.‬‬
‫المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق‪21.‬‬
‫رمضان ‪ 1400‬هجرية ‪ 2 -‬أغسطس ‪ 1980‬م‪.‬المبادئ‪1:‬‬
‫‪ -‬الربا بقسميه ربا الزيادة وربا النسيئة‪.‬محرم شرعا‬
‫بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين‪ - 2.‬شهادات الستثمار‬
‫ذات الفائدة المحددة مقدما من قبيل القرض بفائدة‪،‬‬
‫وكل قرض بفائدة محرم شرعا‪ (3).‬شهادات الستثمار‬
‫من الفئة )ج ‪ (-‬ذات الجوائز تدخل دون الفائدة فى نطاق‬
‫الوعد بجائزة‪.‬وقد أباحه بعض الفقهاء‪.‬سئل ‪ :‬بالطلب‬
‫المتضمن أن السائل قام بشراء شهادات استثمار من‬

‫‪51‬‬
‫النوعين ) ا‪ ،‬ج ‪ ( -‬ذات الجوائز‪ ،‬وطلب الفادة عن رأى‬
‫الدين والشرع فى كل نوع منهما‪ ،‬لنه قرأ فى الجرائد أن‬
‫شهادات الستثمار من النوعين ) ا‪،‬ب ( أحلها فريق‬
‫وحرمها آخرون‪ ،‬وأن النوع ) ج ‪ ( -‬ذات الجوائز حلل‪.‬فما‬
‫هو رأى الشرع فى ذلك‪.‬أجاب ‪ :‬يقول الله فى كتابه‬
‫الكريم } الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذى‬
‫يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع‬
‫مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة‬
‫من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد‬
‫فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‪.‬يمحق الله الربا‬
‫ويربى الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم اليتان {‬
‫البقرة ‪ ، 276 ، 275‬ويقول رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فيما روى عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ) الذهب الذهب‪.‬والفضلة بالفضلة‪ ،‬والبر‬
‫بالبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح مثل‬
‫بمثل‪ ،‬يدا بيد‪ ،‬فمن زاد أو استزاد فقد أربى‪ ،‬الخذ‬
‫والمعطى فيه سواء ( رواه أحمد والبخارى‪.‬ويظهر من هذا‬
‫أن الربا بقسميه ‪ -‬ربا النسيئة وربا الزيادة ‪ -‬محرم شرعا‬
‫بهذه النصوص من القرآن والسنة وبإجماع المسلمين‪.‬لما‬
‫كان ذلك وكانت شهادات الستثمار ذات الفائدة المحددة‬
‫مقدما من قبيل القرض بفائدة‪ ،‬وكان كل قرض بفائدة‬
‫محددة ربا محرما‪.‬ومن ثم تدخل الفوائد المحددة مقدما‬
‫لشهادات الستثمار فى ربا الزيادة المحرم شرعا‬
‫بمقتضى تلك النصوص الشرعية‪.‬أما شهادات الستثمار‬
‫من الفئة )ج ‪ (-‬ذات الجوائز دون الفائدة‪ ،‬فتدخل فى‬
‫نطاق الوعد بجائزة الذى أباحه بعض الفقهاء‪ ،‬ومن ثم‬
‫تصبح قيمة الجائزة من المباحات شرعا‪.‬لما كان ذلك كان‬
‫مباحا للسائل أن يحصل على الجائزة من شهادات‬
‫الستثمار فئة )ج ‪ (-‬إن جاءت إليه نتيجة القرعة‬
‫الشرعية ‪ ،‬أما فوائد شهادات الستثمار الخرى فهى من‬
‫قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا دون ضرورة أو‬
‫حاجة‪.‬ويجب على المسلم أن يتحرى الكسب الحلل‬
‫ويبتعد عن كل ما فيه شبهة الحرام‪ ،‬امتثال لقول الرسول‬

‫‪52‬‬
‫صلى الله عليه وسلم دع ما يريب إلى ما ل يريبك والله‬
‫سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫الموضوع )‪ (1257‬الموال المودعة فى البنوك‬
‫وبنك فيصل السلمى‪.‬‬
‫المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق‪ 29.‬ذو‬
‫القعدة ‪ 1400‬هجرية ‪ 8 -‬أكتوبر ‪ 1980‬م‪.‬المبدأ ‪ :‬تحديد‬
‫الفوائد عن الموال المودعة بالبنوك مقدما من قبيل‬
‫القرض بفائدة وهو محرم شرعا‪.‬وعدم تحديدها مقدما هو‬
‫من قبيل المضاربة فى المال وهى جائزة شرعا‪.‬سئل ‪:‬‬
‫بالطلب المتضمن الفادة بيان حل أو حرمة الحصول على‬
‫الفائدة عن المبالغ المودعة بالبنوك التجارية‪ ،‬وكذلك‬
‫فوائد المبالغ المودعة ببنك فيصل السلمى من وجهة‬
‫نظر الشريعة السلمية‪.‬أجاب ‪ :‬جاء فى القرآن الكريم‬
‫قوله تعالى } الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم‬
‫الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما‬
‫البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه‬
‫موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن‬
‫عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‪.‬يمحق الله الربا‬
‫ويربى الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم { البقرة‬
‫‪ ، 276 ، 275‬وروى البخارى وأحمد عن أبى سعيد قال‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )الذهب‬
‫بالذهب‪.‬والفضة بالفضلة‪ ،‬والبر بالبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪،‬‬
‫والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪ ،‬مثل بمثل‪ ،‬يدا بيد‪ ،‬فمن زاد‬
‫أو استزاد فقد أربى‪ ،‬الخذ والمعطى فيه سواء(‪.‬بهذه‬
‫النصوص وأمثالها فى القرآن الكريم والسنة الشريفة‬
‫وبإجماع المسلمين ثبت تحريم الربا سواء كان ربا الزيادة‬
‫أو ربا بالنسيئة‪.‬لما كان ذلك وكان إيداع النقود بالبنوك‬
‫التجارية بفائدة محددة مقدما من قبيل القرض بفائدة‪،‬‬
‫كانت هذه الفائدة من باب ربا الزيادة المحرم بتلك‬
‫النصوص الشرعية ‪ -‬وإذا كانت الفوائد التى يؤديها بنك‬
‫فيصل السلمى محددة مقدما كانت من هذا القبيل‬
‫المحرم شرعا‪ ،‬أما إذا كان طريقها الستثمار دون تحديد‬
‫سابق للفائدة‪ ،‬وإنما يبقى العائد خاضعا لواقع الربح‬

‫‪53‬‬
‫والخسارة كل عام أو فى كل صفقة كان هذا التعامل‬
‫داخل فى نطاق عقد المضاربة الشرعية‪ ،‬والربح واستثمار‬
‫الموال بهذه الطريقة حلل لشدة الحاجة إليها فى‬
‫التعامل‪ ،‬لن من الناس من هو صاحب مال ول يهتدى إلى‬
‫التصرف‪ ،‬ومنهم من هو صاحب خبرة ودراية بالتجارة‬
‫وغيرها من طرق الستثمار ول مال له‪ ،‬فأجيز عقد‬
‫المضاربة الشرعية لتنظيم وتبادل المنافع والمصالح‪.‬هذا‬
‫وإن الله سائل كل مسلم ومسلمة عن ماله من أين‬
‫أكتسبه وفيما أنفقه‪.‬والله سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫الموضوع )‪ (1258‬ايداع الموال فى البنوك‬
‫بدون فائدة مباح‪.‬‬
‫المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق‪ 7.‬ربيع‬
‫الول ‪ 1401‬هجرية ‪ 13 -‬يناير ‪ 1981‬م‪.‬المبادئ‪- 1:‬‬
‫السلم حرم الربا بنوعيه ربا الزيادة وربا النسيئة‪.‬وهذا‬
‫التحريم ثابت قطعا بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫الشريفة وبإجماع أئمة المسلمين‪ - 2.‬إيداع الموال‬
‫السائلة )النقود( فى البنوك عامة بدون فائدة بقصد‬
‫حفظها مباح‪.‬لنها ل تتعين بالتعيين‪ .‬واختلطها بأموال‬
‫ربوية ل يجعل اليداع محرما‪ - 3.‬استثمار الموال فى‬
‫البنوك دون تحديد فائدة محددة مقدما مشروع فى‬
‫السلم‪.‬سئل ‪ :‬بالطلب المتضمن الفادة عن بيان الحكم‬
‫الشرعى فيما يلى ‪ - 1 :‬فوائد البنوك عامة والتى تعطى‬
‫بنسب ثابتة على المبالغ المودعة طرفها‪ - 2.‬هل إيداع‬
‫الموال فى البنوك دون أخذ فوائد عليها حلل أو حرام‪3.‬‬
‫‪ -‬الفادة عن بنك فيصل السلمى وبنك ناصر الجتماعى‪،‬‬
‫وهل إيداع المبالغ بهما بالطرق المختلفة سواء أكانت‬
‫حسابا جاريا أو وديعة أو دفتر توفير‪.‬حلل أم حرام وهل‬
‫الفوائد من البنك الخير )بنك ناصر الجتماعى( حلل أم‬
‫حرام‪.‬مع العلم بأنه يتم خصم نسبة الزكاة المفروضة‬
‫شرعا من فوائد الحسابات المذكورة سابقا‪.‬أى فوائد‬
‫خالصة الزكاة‪.‬أجاب ‪ :‬إن السلم حرم الربا بنوعيه ربا‬
‫الزيادة‪.‬كأن يقترض من إنسان أو من جهة مبلغا معينا‬
‫بفائدة محددة مقدما أو ربا النسيئة‪.‬وهو أن يزيد فى‬

‫‪54‬‬
‫الفائدة‪ ،‬أو يقدرها إن لم تكن مقدرة فى نظير الجل أو‬
‫تأخير السداد‪.‬وهذا التحريم ثابت قطعا بنصوص القرآن‬
‫الكريم والسنة النبوية الشريفة وبإجماع أئمة‬
‫المسلمين‪.‬قال تعالى } الذين يأكلون الربا ل يقومون إل‬
‫كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم‬
‫قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن‬
‫جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله‬
‫ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‪.‬يمحق الله‬
‫الربا ويربى الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم { البقرة‬
‫‪ ، 276 ، 275‬وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫)الذهب بالذهب يدا بيد والفضل ربا(‪.‬ومن هذه النصوص‬
‫الشرعية وغيرها يكون الربا محرما‪ ،‬سواء أكان ربا الزيادة‬
‫أو النسيئة‪.‬فإذا كانت الفوائد المحددة مقدما على المبالغ‬
‫التى تودع فى البنوك عامة أو بدفاتر البريد قد وصفها‬
‫القانون بأنها قرض بفائدة فتكون من أنواع ربا الزيادة‬
‫المحرم فى السلم بالنصوص السالفة وإجماع‬
‫المسلمين‪.‬أما إيداع الموال السائلة )النقود( فى البنوك‬
‫عامة بدون فائدة‪ ،‬وإنما بقصد حفظها فهو مباح‪ ،‬لن‬
‫النقود ل تتعين بالتعيين فاختلطها بأموال ربوية ل تجعل‬
‫اليداع محرما‪.‬هذا والمعروف عن نظام الستثمار‬
‫المعمول به فى بنك فيصل السلمى وبنك ناصر‬
‫الجتماعى‪.‬أنه ل يجرى على نظام الفوائد المحددة مقدما‬
‫وإنما يوزع أرباح عملياته الستثمارية المشروعة بمقادير‬
‫غير ثابتة‪ ،‬بل خاضعة لمدى ما حققه المشروع من‬
‫كسب‪.‬والتعامل على هذا الوجه مشروع فى السلم‪،‬‬
‫باعتباره مقابل لما جرى عليه فقهاء المسلمين فى إجازة‬
‫عقود المضاربة والشركات التى يجرى فيها الكسب‬
‫والخسارة‪.‬وإذ كان ذلك كان على أصحاب الموال من‬
‫المسلمين استثمار أموالهم بالطرق المشروعة التى ل‬
‫تجلب الحرام‪ ،‬لن الله سبحانه سائل كل إنسان عن ماله‬
‫من أين اكتسبه وفيما أنفقه‪ ،‬كما جاء فى الحديث‬
‫الشريف ل سيما إذا كانت هذه البنوك تتعامل وتستثمر‬

‫‪55‬‬
‫الموال وتخرج زكاتها كما يقضى السلم‪.‬والله سبحانه‬
‫وتعالى أعلم‪.‬‬
‫الموضوع )‪ (1259‬شهادات الستثمار والعائد‬
‫منها والزكاة فيه‬
‫‪.‬المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق‪ 27.‬ربيع‬
‫الول ‪ 1401‬هجرية ‪ 2 -‬فبراير ‪ 1981‬م‪.‬المبادئ‪- 1:‬‬
‫شهادات الستثمار ) أ‪ ،‬ب ( ذات الفائدة المحددة‬
‫المشروطة مقدما زمنا ومقدارا‪.‬داخلة فى الربا المحرم‬
‫شرعا‪ - 2 .‬شهادات استثمار )ح‪ (-‬ذات الجوائز‪.‬تدخل فى‬
‫باب الوعد بجائزة‪.‬وقد أباحه بعض الفقهاء‪ - 3 .‬الرباح‬
‫الناتجة عن الشهادات ذات العائد المحدد مقدما ربا محرم‬
‫ويتخلص منه بالتصدق به‪ - 4.‬إذا بلغ المال النصاب‬
‫الشرعى وجبت فيه الزكاة بشروطها‪.‬سئل ‪ :‬بالطلب‬
‫المقدم من السيد ‪ /‬عوض ح‪.‬الذى يطلب فيه بيان الحكم‬
‫الشرعى فى شهادات استثمار البنك الهلى المجموعة‬
‫)ب( ذات العائد الجارى‪ ،‬وهل هى حلل أم حرام كما‬
‫يطلب الفادة عن كيفية الزكاة فيها‪ ،‬وكيفيه التصرف فى‬
‫العائد منها والمستحق له الن‪ ،‬وما سبق أن أخذه من‬
‫البنك من هذا العائد‪.‬أجاب ‪ :‬جرى اصطلح فقهاء الشريعة‬
‫السلمية على أن الربا هو زيادة مال بل مقابل فى‬
‫معاوضة مال بمال‪ ،‬وقد حرم الله سبحانه وتعالى الربا‬
‫باليات الكثيرة فى القرآن الكريم‪ ،‬وكان من آخرها نزول‬
‫على ما صح عن ابن عباس رضى الله عنهما قول الله‬
‫سبحانه وتعالى } الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما‬
‫يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا‬
‫إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه‬
‫موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن‬
‫عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‪.‬يمحق الله الربا‬
‫ويربى الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم { البقرة‬
‫‪ ، 276 ، 275‬ومحرم كذلك بما ورد فى الحديث الشريف‬
‫الذى رواه البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى سعيد‬
‫الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫) الذهب بالذهب والفضة بالفضلة ‪،‬والبر بالبر‪ ،‬والشعير‬

‫‪56‬‬
‫بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪ ،‬مثل بمثل‪ ،‬يدا بيد‪،‬‬
‫فمن زاد أو استزاد فقد أربى‪ ،‬الخذ والمعطى فيه‬
‫سواء (‪.‬ولما كان مقتضى هذه النصوص أن الربا بكل‬
‫صورة محرم شرعا وأنه يدخل فيه كل زيادة فى المال‬
‫المقترض بالشرط والتحديد بل مقابل‪.‬وأجمع المسلمون‬
‫على هذا التحريم‪ .‬ولما كانت شهادات الستثمار ) ا‪ ،‬ب (‬
‫ذات فائدة محددة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا‪ ،‬كانت‬
‫داخلة فى ربا الزيادة المحرم بهذه النصوص الشرعية‬
‫باعتبارها قرضا بفائدة مشروطة‪.‬أما شهادات الستثمار‬
‫)ج ‪ (-‬ذات الجوائز‪ ،‬فإنها تدخل فى باب الوعد بجائزة إذ‬
‫ليست لها فائدة مشروطة ول محددة زمنا ومقدارا‪،‬‬
‫فتدخل فى باب المعاملت المباحة عند بعض فقهاء‬
‫المسلمين الذى أجازوا الوعد بجائزة أما عن الرباح التى‬
‫حصل عليها السائل فائدة للشهادات ذات العائد المحدد‬
‫مقدما فهى ربا محرم‪ ،‬وسبيل التخلص من المال الحرام‬
‫هو التصدق به ‪ -‬أما عن الزكاة فى هذا المال فإذا كان‬
‫رأس المال يبلغ النصاب الشرعى وجبت عليه الزكاة‬
‫فيها‪ ،‬ولكن بشروط وهى أن تكون ذمة مالكها خالية من‬
‫الدين‪ ،‬وأن تكون فائضة عن حاجته المعيشية وحاجة من‬
‫يعوله‪.‬وأن يمضى عليها سنة كاملة‪ .‬والنصاب الشرعى‬
‫الذى يجب فيه الزكاة بعد استيفاء باقى الشروط‪.‬هو ما‬
‫تقابل قيمته بالنقود الحالية ‪ 85‬جراما من الذهب عيار ‪21‬‬
‫‪ -‬ويجب عليه إخراج الزكاة بمقدار ربع العشر أى ‪% 2.5‬‬
‫فى المائة وتصرف هذه الزكاة للصناف التى حددها الله‬
‫تعالى فى قوله } إنما الصدقات للفقراء والمساكين‬
‫والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين‬
‫وفى سبيل الله وابن السبيل { التوبة ‪ ، 60‬والله سبحانه‬
‫وتعالى أعلم‪.‬‬
‫الموضوع )‪ (1260‬نقص قيمة الشهادات مع‬
‫أرباحها عن قيمتها ل يحل الفائدة‬
‫‪.‬المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق‪5.‬‬
‫محرم ‪ 1402‬هجرية ‪ 2 -‬نوفمبر ‪.1981‬المبادئ‪- 1:‬‬
‫شهادات الستثمار من الفئة )ب( ذات الفائدة المحددة‬

‫‪57‬‬
‫مقدما زمنا ومقدارا‪.‬داخلة فى ربا الزيادة المحرم شرعا‪.‬‬
‫‪ - 2‬نقصان قيمة الشهادات الشرائية مع أرباحها عن‬
‫قيمتها وقت شرائها ل يكون مبررا لحل فوائدها‬
‫الربوية‪.‬سئل ‪ :‬بالطلب المتضمن أن السائل أهديت له‬
‫شهادات استثمار من الفئة )ب( ذات العائد الجارى من‬
‫والده بمناسبة زواجه وهى فى حوزته إلى الن‪.‬وقد‬
‫استحق صرفها حاليا ولها أرباح عن فترة حيازته‬
‫لها‪.‬والسؤال هل هى حلل بأرباحها‪.‬علما بأن قيمتها‬
‫الشرائية الن مع أرباحها أقل من قيمتها وقت الهداء‬
‫والشراء‪.‬أجاب ‪ :‬اصطلح فقهاء الشريعة على أن ربا‬
‫الزيادة هو زيادة مال بل مقابل فى معاوضة مال‬
‫بمال‪.‬وقد حرم الله الربا باليات الكثيرة فى القرآن‬
‫الكريم‪.‬وكان آخرها نزول على ما صح عن ابن عباس‬
‫رضى الله عنهما قول الله سبحانه وتعالى } الذين يأكلون‬
‫الربا ل يقومون إل كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من‬
‫المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع‬
‫وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما‬
‫سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم‬
‫فيها خالدون‪.‬يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله ل‬
‫يحب كل كفار أثيم { البقرة ‪ ، 276 ، 275‬وحرمه كذلك‬
‫بما ورد فى الحديث الشريف الذى رواه البخارى ومسلم‬
‫وغيرهما‪.‬عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم )الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة‪،‬‬
‫والبر بالبر ‪ ،‬والشعير بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬والملح‬
‫بالملح‪ ،‬مثل بمثل‪ ،‬يدا بيد‪ ،‬فمن زاد أو استزاد فقد أربى‪،‬‬
‫الخذ والمعطى فيه سواء(‪.‬ولما كان مقتضى هذه‬
‫النصوص أنا الربا يدخل فيه كل زيادة على المال‬
‫المقترض أو المودع بالشرط والتحديد بل مقابل‪ ،‬وقد‬
‫أجمع المسلمون على تحريمه إعمال لنصوص القرآن‬
‫والسنة الشريفة‪.‬ولما كانت شهادات الستثمار من الفئة‬
‫)ب( ذات فائدة محددة مشروطة مقدما زمنا ومقدارا‪،‬‬
‫كانت داخلة فى ربا الزيادة المحرم شرعا بمقتضى تلك‬
‫النصوص‪ ،‬باعتباره قرضا بفائدة مشروطة مقدما زمنا‬

‫‪58‬‬
‫ومقدارا أما ما جاء بالسؤال من أن قيمة هذه الشهادات‬
‫الشرائية الن مع أرباحها أقل من قيمتها وقت إهدائها إلى‬
‫السائل أو وقت الشراء فل يصلح مبررا لستحلل هذه‬
‫الفوائد الربوية‪ ،‬فقد نقل المام السبيجابى فى شرح‬
‫الطحاوى اتفاق الفقهاء على أن الفلوس إذا لم تكسد‬
‫ولكن غلت قيمتها أو نقصت‪ ،‬فعلى المقترض مثل ما‬
‫قبض من العدد مادام نوع الفلوس محددا )رسالة تنبيه‬
‫الرقود على مسائل النقود من رخص وغلء وكساد‬
‫وانقطاع للعلمة ابن عابدين ج ‪ 2 -‬مجموع الرسائل ص‬
‫‪.(67 - 58‬وإذ كان ذلك كانت القيمة السمية لهذه‬
‫الشهادات حلل باعتبار أن أصلها جاء هدية من كسب‬
‫حلل فى الغالب حمل لحال المؤمنين على الصلح‪ ،‬كما‬
‫هو الصل‪.‬أما الفائدة التى استحقت عليها طبقا لنظام‬
‫إصدارها فهى من باب ربا الزيادة المحرم‪ ،‬باعتبارها‬
‫محددة زمنا ومقدارا‪ ،‬ول يحل للمسلم النتفاع بهذه‬
‫الفائدة باعتبارها من الكساب المحرمة‪ ،‬وله قبضها‬
‫وتوجيهها إلى أى طريق من طرق البر ) انظر كتاب احياء‬
‫علوم الدين للمام الغزالى ص ‪ 883 ،882‬مسلسل ج ‪-‬‬
‫‪ 5‬ص ‪ 93 ،92‬تحت عنوان الحلل والحرام ‪ -‬النظر الثانى‬
‫فى المصرف طبعة لجنة الثقافة السلمية ‪1356‬‬
‫هجرية ( كبناء المساجد أو المستشفيات أو إعطائها لفقير‬
‫أو مسكين على ما أشارت إليه سنة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فى التصرف فى الكسب الحرام‪ ،‬إبراء لذمة‬
‫المسلم من المسئولية أمام الله‪.‬فقد ورد فى الحديث‬
‫الشريف عن أبى برزة السلمى قال قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم )ل تزول قدما عبد يوم القيامة حتى‬
‫يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيم فعل وعن‬
‫ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبله ( )‬
‫صحيح الترمذى ج ‪ 9 -‬ص ‪ ( 253‬والله سبحانه وتعالى‬
‫أعلم‪.‬‬
‫الموضوع )‪ (1263‬تحديد فوائد التجارة‪.‬‬
‫المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق‪ 26.‬صفر‬
‫‪ 1400‬هجرية ‪ 14 -‬أبريل ‪ 1981‬م‪.‬المبادئ‪ - 1:‬تحديد‬

‫‪59‬‬
‫مبلغ معين شهريا من قبل الشريك لشريكه مبطل‬
‫للشركة وهو من باب ربا الزيادة ول يحل النتفاع به‪- 2.‬‬
‫الفائدة المحددة سلفا لبعض أنواع شهادات الستثمار أو‬
‫التوفير ربا وحرام شرعا‪.‬سئل ‪ :‬بالطلب المقدم من‬
‫السيد ‪ /‬أ م ل المتضمن الفادة عن التى أول إن له‬
‫صديقا مخلصا يتصف بالمانة وحسن الخلق وصدق‬
‫المعاملة‪ ،‬يعمل لحسابه فى نقل البضائع بواسطة سيارة‬
‫نقل يمتلكها‪.‬وقد عرض على صديقه هذا أن يكون شريكا‬
‫له فى عمله بمبلغ خمسة آلف جنيه على أن يقسم‬
‫صافى الربح أو الخسارة بينهما فى نهاية كل سنة بنسبة‬
‫رأس مال كل منهما‪ ،‬إل أنه رفض هذه المشاركة بحجة‬
‫أنه تعود أن يزاول عمله ويديره بنفسه‪ ،‬كما أن هذه‬
‫المشاركة تضطره إلى إمساك دفاتر حسابية مما يزيد‬
‫عبء العمل عليه وتزداد مسئولياته أمام شريكه وأخيرا‬
‫وبعد إلحاح قبل مبدأ المشاركة على أساس أن يعطيه‬
‫مبلغا من المال محددا شهريا وعلى مدار السنة‪ ،‬وقد قبل‬
‫هذا العرض‪.‬ويقول السائل إن تعاملى مع هذا الصديق‬
‫على هذا النحو الذى يريده وقبلته منه‪.‬هل يجيزه الدين‬
‫السلمى أم أنه يعتبر تعامل بالربا ثانيا شهادات الستثمار‬
‫قسم )ب( التى يصدرها البنك الهلى المصرى ذات العائد‬
‫الجارى والتى يدفع عنها البنك أرباحا سنوية قدرها ‪ 9‬من‬
‫قيمتها‪.‬هل هذه الرباح حلل أم حرام‪.‬أجاب ‪ :‬أول ‪ -‬إن‬
‫التعامل مع هذا الصديق على هذا النحو الذى ذكره وهو‬
‫تحديد مبلغ محدد قدره بمعرفته وقبله منه السائل مبطل‬
‫لهذه الشركة إن كانت فى نطاق أحكام المضاربة‬
‫الشرعية‪ ،‬ويكون المبلغ المحدد من قبل الشريك من باب‬
‫ربا الزيادة المحرم شرعا بنص القرآن الكريم والسنة‬
‫النبوية الشريفة وبإجماع أئمة المسلمين‪ ،‬منذ صدر‬
‫السلم حتى الن‪ ،‬إذ أن هذا التعامل من قبيل القرض‬
‫بفائدة‪ ،‬وكل قرض جر نفعا فهو حرام‪.‬وعلى ذلك فإن‬
‫المبلغ المحدد الذى يدفعه الصديق للسائل يدخل فى هذا‬
‫النطاق ويكون ربا ل يحل للمسلم النتفاع به‪.‬ثانيا ‪ -‬لما‬
‫كان واقع شهادات الستثمار ذات الفائدة المحددة والعائد‬

‫‪60‬‬
‫الجارى وتكييفها قانونا أنها قرض بفائدة‪ ،‬وكان مقتضى‬
‫نصوص الشريعة السلمية أن الفائدة المحددة من قبيل‬
‫ربا الزيادة المحرم‪ ،‬فإن الفوائد المحددة سلفا لبعض‬
‫أنواع شهادات الستثمار أو للتوفير تدخل فى هذا النطاق‬
‫وتكون ربا ل يحل للمسلم النتفاع بها ومن ذلك يتبين أن‬
‫التعاملين على الوجه المشروع غير جائز شرعا ويحرم‬
‫التعامل به‪.‬والله سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫الموضوع )‪ (1301‬القرض بفائدة حرام شرعا‬
‫‪.‬المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق‪ 9.‬ربيع‬
‫الخر ‪ 1400‬هجرية ‪ 25 -‬فبراير ‪ 1980‬م‪.‬المبادئ‪- 1:‬‬
‫الربا بقسميه ربا النسيئة وربا الزيادة محرم شرعا بنص‬
‫القرآن والسنة وبإجماع المسلمين‪ - 2.‬القتراض من‬
‫المؤسسات التى تملكها الدولة والستدانة من البنوك‬
‫مقابل فائدة محددة مقدما ‪ %3‬يعتبر قرضا بفائدة‪.‬وكل‬
‫قرض بفائدة محددة مقدما حرام‪.‬ويدخل فى ربا الزيادة‪.‬‬
‫‪ - 3‬القتراض بالفائدة لتشييد بناء لستغلله بالتأجير أو‬
‫التمليك للغير كسب مشوب بالربا الذى يحرم على‬
‫المسلم التعامل به‪.‬سئل ‪ :‬بالطلب المتضمن ما يلى أن‬
‫الدولة اعتمدت مبلغ مائتين وخمسين مليونا من الجنيهات‬
‫لعمال السكان والبناء بواقع ‪ %3‬براحة ثلث سنوات‬
‫وتحصل المبلغ على ثلثين عاما‪.‬ويقول السائل‪ .‬هل يمكن‬
‫أن أقترض مبلغا من هذا المال لقامة مسكن على قطعة‬
‫أرض أملكها لينتفع بها مسلم ليس له مسكن فى شقة‬
‫من هذه على أن يسدد هذا المال بالشروط والضمانات‬
‫التى تراها الدولة‪.‬أجاب ‪ :‬يقول الله تعالى فى سورة آل‬
‫عمران } يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة‬
‫{ آل عمران ‪ ، 130‬ويقول رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فيما روى عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم )الذهب بالذهب والفضة بالفضة‪ ،‬والبر‬
‫بالبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪.‬مثل‬
‫بمثل يدا بيد‪ .‬فمن زاد أو استزاد فقد أربى‪ .‬الخذ‬
‫والمعطى فيه سواء( رواه أحمد والبحارى وأجمع‬
‫المسلمون على تحريم الربا‪.‬ويظهر من هذا أن الربا‬

‫‪61‬‬
‫بقسميه ربا النسيئة‪ ،‬وربا الزيادة محرم شرعا بنص‬
‫القرآن والسنة وبإجماع المسلمين‪ ،‬ولما كان القتراض‬
‫من مؤسسات التى تملكها الدولة والستدانة من البنوك‬
‫مقابل فائدة محددة مقدما مثل ‪ %3‬يعتبر قرضا بفائدة‬
‫وكل قرض بفائدة محددة مقدما حرام‪.‬ومن ثم تدخل‬
‫الفوائد المحددة مقدما فى ربا الزيادة المحرم شرعا‬
‫بمقتضى النصوص الشرعية‪.‬لما كان ذلك فإن اقتراض‬
‫السائل من الموال المذكورة فى السؤال بالفائدة‬
‫المحددة ‪ %3‬يكون محرما شرعا‪ ،‬لنه تعامل بالربا دون‬
‫ضرورة أو حاجة ذاتية للسائل‪ ،‬لن الظاهر من سؤاله أنه‬
‫يريد القتراض بالفائدة لتشييد بناء لستغلله بالتأجير أو‬
‫التمليك للغير فيكون كسبه على هذا الوجه مشوبا بالربا‬
‫الذى يحرم على المسلم التعامل به ويجب عليه أن‬
‫يتحرى الكسب الحلل ويبتعد عن كل ما فيه شبهة الحرام‬
‫امتثال لقول الرسول صلى الله عليه وسلم )دع ما يريبك‬
‫إلى ما ل يريبك( ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال‪.‬والله‬
‫سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫الموضوع )‪ (1303‬الفوائد وتعليق الصور فى‬
‫المنازل‬
‫‪.‬المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق‪25.‬‬
‫رمضان ‪ 1400‬هجرية ‪ 6 -‬أغسطس ‪ 1980‬م‪.‬المبادئ‪1:‬‬
‫‪ -‬الفوائد هى من قبيل الربا المحرم شرعا ل يباح النتفاع‬
‫بها‪ - 2.‬طريق التخلص من الكسب المحرم هو التصدق به‬
‫على الفقراء أو أى جهة خيرية‪ - 3.‬تعليق الصور فى‬
‫المنازل ل بأس به متى خلت عن مظنة التعظيم والعبادة‬
‫أو التحريض على الفسق والفجور وارتكاب‬
‫المحرمات‪.‬سئل ‪ :‬بالطلب المتضمن أول كان للسائلة‬
‫مبلغ من المال وضعته فى البنك بفائدة وقد صرفت قيمة‬
‫هذه الفائدة وهى معها‪ ،‬وتطلب الفادة عن كيفية‬
‫التصرف يها بعد أن عرفت أنها تعتبر ربا محرم‪.‬ثانيا تطلب‬
‫الفادة عن الصور التى تعلق بحوائط المنازل بقصد‬
‫الزينة‪.‬هل هى حلل أم حرام وهل تمنع دخول الملئكة‬
‫المنازل وبيان الحكم الشرعى فى ذلك‪.‬أجاب ‪ :‬عن‬

‫‪62‬‬
‫السؤال الول يقول الله تعالى فى كتابه الكريم } الذين‬
‫يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذى يتخبطه‬
‫الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا‬
‫وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه‬
‫فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك‬
‫أصحاب النار هم فيها خالدون‪.‬يمحق الله الربا ويربى‬
‫الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم { البقرة ‪، 275‬‬
‫‪ ، 276‬ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى‬
‫عن أبى سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫)الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة‪ ،‬والبر بالبر‪.‬والشعير‬
‫بالشعير‪.‬والتمر بالتمر‪ .‬والملح بالملح‪ ،‬مثل بثمل‪ ،‬يدا بيد‪،‬‬
‫فمن زاد أو استزاد فقد أربى الخذ والمعطى فيه( رواه‬
‫أحمد والبخارى‪.‬ويظهر من هذا أن الربا بقسميه ربا‬
‫النسيئة وربا الزيادة محرم شرعا بهذه النصوص من‬
‫القرآن والسنة وبإجماع المسلمين‪.‬لما كان ذلك فل يباح‬
‫للسائلة النتفاع بهذه الفائدة‪ ،‬لنها من قبيل ربا الزيادة‬
‫المحرم شرعا‪.‬وطريق التخلق من الكسب المحرم هو‬
‫التصدق به على الفقراء أو أى جهة خيرية‪.‬وعلى كل‬
‫مسلم ومسلمة أن يتحرى الكسب الحلل ويبتعد عن كل‬
‫ما فيه شبهة الحرام‪ ،‬امتثال لقول الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم )دع ما يريبك إلى ما ل يريبك(‪.‬عن السؤال الثانى‬
‫اختلف الفقهاء فى حكم الرسم الضوئى بين التحريم‬
‫والكراهة‪ ،‬والذى تدل عليه الحاديث النبوية الشريفة التى‬
‫رواها البخارى وغيره من أصحاب السنن وترددت فى‬
‫كتب الفقه‪ ،‬أن التصوير الضوئى للنسان والحيوان‬
‫المعروف الن والرسم كذلك ل بأس به‪ ،‬إذا خلت الصور‬
‫والرسوم من مظاهر التعظيم ومظنة التكريم والعبادة‬
‫وخلت كلذلك عن دوافع تحريك غريزة الجنس وإشاعة‬
‫الفحشاء والتحريض على ارتكاب المحرمات‪.‬ومن هذا‬
‫يعلم أن تعليق الصور فى المنازل ل بأس به متى خلت‬
‫عن مظنة التعظيم والعبادة‪ ،‬ولم تكن من الصور أو‬
‫الرسوم التى تحرض على الفسق والفجور وارتكاب‬
‫المحرمات‪.‬والله سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫الموضوع ) ‪ ( 615‬الدين بفائدة محرم شرعا‪.‬‬
‫المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم‪ 27.‬شعبان‬
‫‪ 1348‬هجرية ‪ 27 -‬يناير ‪ 1930‬م‪.‬المبادئ‪ - 1:‬شراء‬
‫المورث لبعض ورثته عقارا بثمن مقسط بفائدة معينة‬
‫على أقساط معينة‪ ،‬ثم إيداعه لبعض ورثته المذكورين‬
‫مبلغا بأحد البنوك بفائدة معينة‪ ،‬ثم مات فالعقد الول‬
‫فاسد شرعا‪ ،‬ويجب إزالة المفسد شرعا خروجا من‬
‫معصية الربا بقضاء الدين المقسط من الموال المودعة‬
‫بأحد البنوك‪ - 2.‬يحرم شرعا استثمار المال المودع بفائدة‬
‫معينة بأحد البنوك مادام الستثمار المذكور بطريق الربا‬
‫المحرم شرعا‪.‬سئل ‪ :‬رجل توفى وكان قد اشترى فى‬
‫حياته لبنتى ابنه المتوفى قبله عشرين فدانا وعليها‬
‫سبعمائة جنيه دين‪ ،‬أمن على هذه الطيان بفوائد سبعة‬
‫فى المائة مقسطة إلى أربع عشرة سنة وظهر بعد وفاة‬
‫جدهما أنه أودع لهما فى بنك آخر مبلغ ألفى جنيه بفوائد‬
‫المائة أربعة ونصف وقد تعين عمهما وصيا عليهما‪.‬فهل‬
‫بموت الجد تحل القساط المؤجلة ويدفع الدين كله من‬
‫اللفى جنيه المودعة على ذمتهما فى البنك تفاديا من‬
‫الربا المحرم شرعا‪ ،‬أم يبقى الدين المقسط على حالة‬
‫ليدفع فى مواعيده مع فوائده كما يبقى المبلغ المودع فى‬
‫البنك باسمهما على حاله بفوائده أيضا‪.‬أجاب ‪ :‬اطلعنا‬
‫على هذا السؤال‪.‬ونفيد بأنه متى كان الدين المذكور على‬
‫القاصرتين فإنه يجب شرعا قضاؤه من اللفى جنيه‬
‫خروجا من معصية الربا الذى هو من العقود الفاسدة التى‬
‫يجب فسخها شرعا‪ ،‬ويحرم التمادى والصرار عليها‪ ،‬كما‬
‫يحرم استثمار ما للقاصرتين من المال بطريق الربا‬
‫المحرم‪.‬هذا والّله تعالى أعلم‪.‬‬
‫الموضوع ) ‪ ( 617‬فوائد السندات محرمة‪.‬‬
‫المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم‪ 29.‬ربيع الول‬
‫‪ 1362‬هجرية ‪ 4 -‬ابريل ‪ 1943‬م‪.‬المبدأ ‪ :‬فوائد السندات‬
‫حرام لنها من الربا‪.‬سئل ‪ :‬ورث شخص عن والده بعض‬
‫سندات قرض القطن التى تدفع عنها الحكومة فوائد فهل‬
‫هذه الفوائد تعتبر من أنواع الربا التى حرمها المولى عز‬

‫‪64‬‬
‫وجل فى كتابه الحكيم‪.‬أجاب ‪ :‬اطلعنا على هذا‬
‫السؤال‪.‬ونفيد أن هذه الفوائد من الربا الذى حرمه الّله‬
‫سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز‪.‬وبهذا علم الجواب عن‬
‫السؤال‪.‬والّله تعالى أعلم‪.‬‬
‫الموضوع ) ‪ ( 618‬التصدق بالفوائد المحرمة غير‬
‫جائز‪.‬‬
‫المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم‪ 16.‬جمادى‬
‫الولى ‪ 1362‬هجرية ‪ 20 -‬مايو ‪ 1943‬م‪.‬المبادئ‪ - 1:‬أخذ‬
‫الفوائد على الموال المودعة فى البنوك حرام لنه من‬
‫قبيل أخذ الربا‪ - 2.‬التصدق بفوائد الموال المودعة‬
‫بالبنوك ل يقبلها الّله تعالى ويأثم صاحبها‪.‬سئل ‪ :‬لى مبلغ‬
‫من النقود أودعته فى بنك بدون فائدة لنى أعتقد أن‬
‫الفائدة حرام مهما كانت قليلة وأعلم أن الّله تعالى يمحق‬
‫الربا‪.‬وقد من الّله على بحب التصدق على الفقراء‬
‫والمساكين‪ .‬وقد أشار على بعض الناس بأنى آخذ الفائدة‬
‫من البنك وأتصدق بها كلها على الفقراء ول حرمة فى‬
‫ذلك‪.‬فأرجو التكرم بإفتائى عما إذا كان أخذ الفائدة من‬
‫البنك لمحض التصدق بها فيه إثم وحرمة أم ل‪.‬وهل‬
‫وضعها فى جيبى أو فى ببتى إلى أن يتم توزيعها على‬
‫الفقراء فيه إثم وحرمة أم ل‪.‬أرجو الفادة‪.‬أجاب ‪ :‬اطلعنا‬
‫على هذا السؤال‪.‬ونفيد أن أخذ فوائد على الموال‬
‫المودعة بالبنوك من قبيل أخذ الربا المحرم شرعا‪ ،‬ول‬
‫يبيح أخذه قصد التصدق به لطلق اليات والحاديث على‬
‫تحريم الربا‪.‬ول نعلم خلفا بين علماء المسلمين فى أن‬
‫الربا محرم شرعا على أى وجه كان‪ ،‬هذا ول يقبل الّله‬
‫تعالى هذه الصدقة بل يأثم صاحبها كما تدل على ذلك‬
‫أحاديث كثيرة عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم‪.‬فقد‬
‫جاء فى كتاب جامع العلوم والحكم لبن رجب مانصه‬
‫)وأما الصدقة بالمال الحرام فغير مقبولة‪.‬كما فى صحيح‬
‫مسلم عن ابن عمر رضى الّله عنهما عن النبى صلى الّله‬
‫عليه وسلم‪.‬ل يقبل الّله صلة بغير طهور ول صدقة من‬
‫غلول وفى الصحيحين عن أبى هريرة رضى الّله عنه عن‬
‫النبى صلى الّله عليه وسلم قال ما تصدق عبد بصدقة من‬

‫‪65‬‬
‫مال طيب ‪ -‬ول يقبل الّله إل الطيب ‪ -‬إل أخذها الرحمن‬
‫بيمينه إلى آخر الحديث‪.‬وفى مسند المام احمد رحمه الّله‬
‫عن ابن مسعود رضى الّله عنه عن النبى صلى الّله عليه‬
‫وسلم قال ل يكتسب عبد مال من حرام فينفق منه‬
‫فيبارك فيه ول يتصدق به فيتقبل منه ول يتركه خلف‬
‫ظهره إل كان زاده إلى النار‪.‬إن الّله ل يمحو السيىء‬
‫بالسيىء ولكن يمحو السيىء بالحسن إن الخبيث ل يمحو‬
‫الخبيث ويروى من حديث رواح عن ابن حجيرة عن أبى‬
‫هريرة رضى الّله عنه عن النبى صلى الّله عليه وسلم‬
‫قال ما كسب مال حراما فتصدق به لم يكن له فيه أجر‬
‫وكان إصره )إثمه وعقوبته ( عليه‪.‬أخرجه ابن حيان فى‬
‫صحيحه ورواه بعضهم موقوفا على أبى هريرة وفى‬
‫مراسيل القاسم ابن مخيمرة قال قال رسول الّله صلى‬
‫الّله عليه وسلم )من أصاب مال من مأثم فوصل به رحمه‬
‫وتصدق به )لعلها أو تصدق به( أو أنفقه فى سبيل الّله‬
‫جمع ذلك جميعا ثم قذف به فى نار جهنم ( وروى عن أبى‬
‫الدرداء ويزيد بن ميسرة أنهما جعل مثل من أصاب مال‬
‫من غير حله فتصدق به مثل من أخذ مال يتيم وكسا به‬
‫أرملة وسئل ابن عباس رضى الّله عنهما عمن كان على‬
‫عمل فكان يظلم ويأخذ الحرام ثم تاب فهو يحج ويعتق‪،‬‬
‫ويتصدق منه فقال إن ا لخبيث ل يكفر الخبيث وكذا قال‬
‫ابن مسعود رضى الّله عنه إن الخبيث ل يكفر الخبيث‬
‫ولكن الطيب يكفر الخبيث‪.‬وقال الحسن أيها المتصدق‬
‫على المسكين ترحمه‪.‬ارحم من قد ظلمت‪ .‬وبما ذكرنا‬
‫يعلم الجواب عن السؤال‪.‬والّله سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫الموضوع ) ‪ (620‬العانة فى عمل الريا محرمة‬
‫شرعا‪.‬‬
‫المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم‪ 28.‬رمضان‬
‫‪ 1363‬هجرية ‪ 16 -‬سبتمبر ‪ 1944‬م‪.‬المبدأ ‪ :‬مباشرة‬
‫العمال التى تتعلق بالربا من كتابة وغيرها إعانة على‬
‫ارتكاب المحرم‪.‬وكل ما كان كذلك فهو محرم شرعا‪.‬سئل‬
‫‪ :‬شخص يعمل كاتبا ببنك التسليف الزراعى‪.‬فهل عليه‬
‫حرمة فى هذا‪ ،‬أو الدين يحرم عليه الشتغال‪ ،‬علما بأنه‬

‫‪66‬‬
‫محتاج إليه فى معيشته وأن جميع أعمال البنك تقوم على‬
‫الفوائد والربا وذلك مما حرمه الشرع‪.‬أجاب ‪ :‬اطلعنا على‬
‫هذا السؤال‪.‬ونفيد أن الربا محرم شرعا بنص الكتاب‬
‫والسنة وبإجماع المسلمين‪.‬ومباشرة العمال التى تتعلق‬
‫بالربا من كتابة وغيرها إعانة على ارتكاب المحرم‪ ،‬وكل‬
‫ما كان كذلك فهو محرم شرعا‪.‬وروى مسلم عن جابر‬
‫رضى الّله عنه والبخارى من حديث أبى جحيفة أن رسول‬
‫الّله صلى الّله عليه وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه‬
‫وشاهديه‪.‬واللعن دليل على إثم من ذكر فى الحديث‬
‫الشريف‪.‬وبهذا علم الجواب عن السؤال‪.‬والّله تعالى‬
‫أعلم‪.‬‬
‫الموضوع ) ‪ ( 621‬استثمار المال فى المصارف‬
‫من قبيل الربا المحرم‪.‬‬
‫المفتى ‪ :‬فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم‪ 27.‬ربيع الول‬
‫‪ 1364‬هجرية ‪ 12 -‬مارس ‪ 1945‬م‪.‬المبادئ‪:‬‬
‫‪ - 1‬استثمار المال فى المصارف من الربا المحرم شرعا‪.‬‬
‫‪ - 2‬استثمار مال اليتامى فى المصارف من الربا‬
‫كذلك‪.‬سئل ‪ :‬من عمر ب‪.‬من عمان شرق الردن قال‬
‫تأسست فى مدينة عمان جمعية باسم )جمعية الثقافة‬
‫السلمية( غايتها إنشاء جامعة لتدريس العلوم العربية‬
‫والشرعية ‪ ،‬وقد جمعت مبلغا من المال أودعته فى أحد‬
‫البنوك المحلية ولما لم يتيسر لها البدء فى العمل حتى‬
‫الن وكانت أموالها معطلة بل فائدة وكان من الممكن‬
‫الحصول على فائدة من المصرف الموجودة به الموال‬
‫بحيث ينمو هذا المال إلى أن يتيسر إنفاقه فى سبيله‬
‫لذلك رأت الجمعية أن تسترشد رأى سماحتكم مستعملة‬
‫عما إذا كان يجوز لها تنمية المال المذكور بالصورة‬
‫المذكورة أسوة بأموال اليتام التى تنمو بمعرفة الموظف‬
‫المخصوص لدى المحكمة الشرعية‪.‬أجاب ‪ :‬اطلعنا على‬
‫هذا السؤال‪.‬ونفيد بأن استثمار المال بالصورة المذكورة‬
‫غير جائز لنه من قبيل الربا المحرم شرعا كما ل يجوز‬
‫استثمار أموال اليتامى بالطريق المذكورة‪.‬هذا وأن فيما‬
‫شرعه الّله تعالى من الطرق لستثمار المال لمتسعا‬

‫‪67‬‬
‫لستثمار هذا المال كدفعه لمن يستعمله بطريق المضاربة‬
‫الجائزة شرعا أو شراء ما يستغل من العيان إلى أن‬
‫يحين الوقت لستعماله فيما جمع من أجله فيباع حينئذ‬
‫وبهذا علم الجواب‪ .‬والّله أعلم‪.‬‬
‫************‬
‫حكم التعامل بالربا في بلد الغرب‬
‫مجمع الفقه السلمي اســـــم المـفـــتــى‬
‫‪ 1429‬رقــــــم الـفــتـوى‬
‫‪ 27/05/2004‬تاريخ الفتوى على الموقع‬
‫نص السؤال‬
‫‪-1‬ما حكم التعامل بالربا فى حالة سفر أحد المسلمين‬
‫الى بلد الكفر؟‬
‫نص الفتوى‬
‫أخي الفاضل سلم الله عليك ورحمة الله وبركاته‪ ،‬وبعد‬
‫أنقل إليك قرار المجمع الفقهي في حكم التعامل بالربا‬
‫داخل أو خارجا ونعود إلى حديث بعد نص القرار "الحمد‬
‫لله والصلة والسلم على من ل نبي بعده سيدنا ونبينا‬
‫محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ‪ .‬أما بعد ‪.:‬‬
‫فإن مجلس المجمع الفقهي السلمي في دورته التاسعة‬
‫المنعقدة بمبنى رابطة العالم السلمي في مكة المكرمة‬
‫في الفترة من يوم السبت ‪12‬رجب ‪1406‬هـ إلى يوم‬
‫السبت ‪19‬رجب ‪1406‬هـ قد نظر في موضوع )تفشي‬
‫المصارف الربوية‪ ،‬وتعامل الناس معها‪ ،‬وعدم توافر‬
‫البدائل عنها( وهو الذي أحاله إلى المجلس معالي الدكتور‬
‫المين العام نائب رئيس المجلس‪.‬‬
‫وقد استمع المجلس إلى كلم السادة العضاء حول هذه‬
‫القضية الخطيرة‪ ،‬التي يقترف فيها محرم ب َّين‪ ،‬ثبت‬
‫تحريمه بالكتاب والسنة والجماع‪ ،‬وأصبح من المعلوم من‬
‫الدين بالضرورة‪ ،‬واتفق المسلمون كافة على أنه من‬
‫كبائر الثم والموبقات السبع‪ ،‬وقد آذن القرآن الكريم‬
‫مرتكبيه بحرب من الله ورسوله‪ ،‬قال تعالى‪) :‬يأيها الذين‬
‫آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين‬
‫فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم‬

‫‪68‬‬
‫فلكم رءوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون( )البقرة‬
‫‪.(279‬‬
‫وقد صح عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه )ُلعن آكل‬
‫الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال‪ :‬هم سواء( رواه‬
‫مسلم‪.‬‬
‫كما روى ابن عباس عنه )إذا ظهر الزنا والربا في قرية‬
‫فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله عز وجل( وروى نحوه ابن‬
‫مسعود‪.‬‬
‫وقد اثبتت البحوث القتصادية الحديثة أن الربا خطر على‬
‫اقتصاد العالم وسياسته‪ ،‬وأخلقياته وسلمته‪ ،‬وأنه وراء‬
‫كثير من الزمات التي يعانيها العالم ‪ .‬وأل نجاة من ذلك‬
‫إل باستئصال هذا الداء الخبيث الذي هو الربا من جسم‬
‫العالم‪ ،‬وهو ما سبق به السلم منذ أربعة عشر قرًنا‪.‬‬
‫ومن نعمة الله تعالى أن المسلمين بدأوا يستعيدون ثقتهم‬
‫بأنفسهم ووعيهم لهويتهم‪ ،‬نتيجة وعيهم لدينهم‪ ،‬فتراجعت‬
‫الفكار التي كانت تمثل مرحلة الهزيمة النفسية أمام‬
‫الحضارة الغربية‪ ،‬ونظامها الرأسمالي‪ ،‬والتي وجدت لها‬
‫ما من ضعاف النفس من يريد أن يقسر النصوص‬ ‫يو ً‬
‫الثابتة الصريحة قسًرا لتحليل ما حرم الله ورسوله‪ .‬وقد‬
‫رأينا المؤتمرات والندوات القتصادية التي عقدت في أكثر‬
‫ضا‪ ،‬تقرر‬
‫من بلد إسلمي‪ ،‬وخارج العالم السلمي أي ً‬
‫بالجماع حرمة الفوائد الربوية‪ ،‬وتثبت للناس إمكان قيام‬
‫بدائل شرعية عن البنوك والمؤسسات القائمة على الربا‪.‬‬
‫ثم كانت الخطوة العملية المباركة‪ ،‬وهي إقامة مصارف‬
‫عا‪،‬‬‫إسلمية خالية من الربا والمعاملت المحظورة شر ً‬
‫بدأت صغيرة ثم سرعان ما كبرت‪ ،‬قليلة ثم سرعان ما‬
‫تكاثرت حتى بلغ عددها الن في البلد السلمية وخارجها‬
‫أكثر من تسعين مصرًفا‪.‬‬
‫وبهذا كذبت دعوى العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي الذين‬
‫ما أن تطبيق الشريعة في المجال القتصادي‬ ‫زعموا يو ً‬
‫مستحيل ؛ لنه ل اقتصاد بغير بنوك‪ ،‬ول بنوك بغير فوائد‪.‬‬
‫وقد وفق الله بعض البلد السلمية مثل باكستان لتحويل‬
‫ذا ول‬ ‫بنوكها الوطنية إلى بنوك إسلمية ل تتعامل بالربا أخ ً‬

‫‪69‬‬
‫عطاء‪ ،‬كما طلبت من البنوك الجنبية أن تغير نظامها بما‬
‫يتفق مع اتجاه الدولة‪ ،‬وإل فل مكان لها ‪ .‬وهي سنة حسنة‬
‫لها أجرها وأجر من عمل بها إن شاء الله‪.‬‬
‫ومن هنا يقرر المجلس ما يلي ‪.:‬‬
‫أول ً ‪ :‬يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله‬
‫ذا أو عطاًءا‪ ،‬والمعاونة‬ ‫تعالى عنه من التعامل بالربا‪ ،‬أخ ً‬
‫عليه بأي صورة من الصور‪ ،‬حتى ل يحل بهم عذاب الله‪،‬‬
‫ول يأذنوا بحرب من الله ورسوله‪.‬‬
‫ثانًيا ‪ :‬ينظر المجلس بعين الرتياح والرضا إلى قيام‬
‫المصارف السلمية‪ ،‬التي هي البديل الشرعي للمصارف‬
‫الربوية ويعني بالمصارف السلمية كل مصرف ينص‬
‫نظامه الساسي على وجوب اللتزام بأحكام الشريعة‬
‫السلمية الغراء في جميع معاملته وُيلزم إدارته بوجوب‬
‫ملزمة ‪ .‬ويدعو المجلس المسلمين‬ ‫وجود رقابة شرعية ُ‬
‫في كل مكان إلى مساندة هذه المصارف وشد أزرها‪،‬‬
‫وعدم الستماع إلى الشاعات المغرضة التي تحاول أن‬
‫تشوش عليها‪ ،‬وتشوه صورتها بغير حق‪.‬‬
‫ويرى المجلس ضرورة التوسع في انشاء هذه المصارف‬
‫جد َ للمسلمين تجمًعا‬ ‫في كل أقطار السلم‪ ،‬وحيثما وُ ِ‬
‫خارج أقطاره‪ ،‬حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية‬
‫تهيئ لقتصاد إسلمي متكامل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف‬
‫إسلمي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو‬
‫الخارج‪ ،‬إذ لعذر له في التعامل معها بعد وجود البديل‬
‫السلمي ‪ .‬ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب‪،‬‬
‫ويستغني بالحلل عن الحرام‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬يدعو المجلس المسئولين في البلد السلمية‬
‫والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة‬
‫لتطهيرها من رجس الربا‪ ،‬استجابة لنداء الله تعالى‪:‬‬
‫)وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين( وبذلك يسهمون‬
‫في تحرير مجتمعاتهم من آثار الستعمار القانونية‬
‫والقتصادية‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫سا ‪ :‬كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال‬ ‫خام ً‬
‫عا‪ ،‬ل يجوز أن ينتفع به المسلم ‪ -‬مودع المال ‪-‬‬ ‫حرام شر ً‬
‫لنفسه أو لحد ممن يعوله في أي شأن من شئونه‪ ،‬ويجب‬
‫أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين‪ ،‬من مدارس‬
‫ومستشفيات وغيرها ‪ .‬وليس هذا من باب الصدقة وإنما‬
‫هو من باب التطهر من الحرام‪.‬‬
‫ول يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية‪ ،‬للتقوي‬
‫بها‪ ،‬ويزداد الثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج‪ ،‬فإنها‬
‫في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية‪،‬‬
‫وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين‬
‫ما بأنه ل يجوز أن يستمر‬ ‫وإضلل أبنائهم عن عقيدتهم ‪.‬عل ً‬
‫في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة‪.‬‬
‫كما يطالب المجلس القائمين على المصارف السلمية‬
‫أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة‪ ،‬وأن يوالوها‬
‫بالتوعية والتفقيه بأحكام السلم وآدابه حتى تكون‬
‫معاملتهم وتصرفاتهم موافقة لها‪.‬‬
‫إذا قرأت هذا فإني أقول لك لبد أن تضع في اعتبارك‬
‫البعد عن الربا قدر الطاقة والمكان فإن اضررت إلى‬
‫التعامل بصورة ل تتيح لك الفرار منها مع البنوك فلبد أن‬
‫تتخلص من الموال الزائدة في المشاريع السلمية ول‬
‫تعتبرها من باب الصدقة وإنما من باب التخلص من‬
‫الحرام سواء كان هذا داخل البلد السلمية أو بلد الكفر‪.‬‬
‫والله الموفق‪.‬‬
‫?‪http://www.al-eman.com/Ask/ask3.asp‬‬
‫‪id=1429&hide1=2&Next=&select1=*&select2=*&rad‬‬
‫‪1=&dbegin=&mbegin=&ybegin=&dend=&mend=&y‬‬
‫‪=end=&rad2=MOF&idser=&wordser‬‬
‫================‬
‫حكم التعامل بالربا مع غير المسلمين‬
‫دار الفتاء المصرية‬
‫‪ 19599‬رقــــــم الـفــتـوى‬
‫‪ 14/07/2004‬تاريخ الفتوى على الموقع‬
‫نص السؤال‬

‫‪71‬‬
‫أنا أعيش فى بلد غير إسلمى ‪ ،‬ول يمكننى أن أقضى‬
‫مصالحى إل عن طريق البنوك التى تتعامل بالربا‪ ،‬فقيل‬
‫لى‪ :‬إن الربا معهم ليس بحرام ‪ ،‬فهل هذا صحيح ؟ نص‬
‫الفتوى‬
‫تحدث العلماء عن الكفار هل هم مخاطبون بفروع‬
‫الشريعة ‪-‬أم ل‪ ،‬واختلفوا فى ذلك ‪ ،‬وبناء على هذا‬
‫لسلمية‬‫الختلف ‪،‬قالوا ‪ :‬إن المقيمين فى البلد ا ِ‬
‫يلتزمون بالحكام الشرعية‪ ،‬سواء كان المقيم مسلما أو‬
‫ذميا ‪ ،‬لن تطبيق الحكام الشرعية ممكن فى البلد‬
‫السلمية فإذا سافر المسلم أو الذمى إلى دار الحرب‬
‫وحدثت منه مخالفة لحكام الشريعة ‪ ،‬أو حدثت من‬
‫شخص كان يقيم فى دار الحرب ثم عاد بعد ذلك إلى دار‬
‫السلم ‪ ،‬فل تطبق عليه أحكام الشريعة السلمية ‪ ،‬لن‬
‫القاضى المسلم ل تمتد وليته إلى المحل الذى ارتكبت‬
‫فيه الجريمة ‪ ،‬ومن هنا نقل عن أبى حنيفة أنه أجاز‬
‫للمسلم والذمى من أهل دار السلم إذا دخل دار الحرب‬
‫مستأمنين ‪ -‬أن يتعاقدا بالربا مع الحربى أو المسلم من‬
‫أهل دار الحرب الذى يهاجر إلى دار السلم ‪ ،‬لن أخذ‬
‫الربا فى هذه الحال يكون فى معنى إتلف المال بالرضا ‪،‬‬
‫وإتلف مال الحربى وبرضاه مباح ‪ ،‬لنه ل عصمة لدمه ول‬
‫لماله ‪ ،‬وقد نقل أبو يوسف عن أبى حنيفة قوله‪ :‬إن‬
‫وجوب الشرائع يعتمد على العلم بها ‪ ،‬فمن لم يعلمها ولم‬
‫تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حكمية ‪ .‬وبهذا ‪ ،‬إذا دخل‬
‫المسلم أو الذمى دار حرب بأمان فتعاقد مع حربى على‬
‫لسلم‬ ‫الربا أو على غيره من العقود الفاسدة فى نظر ا ِ‬
‫جاز عند أبى حنيفة ومحمد وقد أفتى بذلك الشيخ محمد‬
‫بخيت المطيعى مفتى الديار المصرية السبق ونشره فى‬
‫رسالته عن أحكام التأمين " السكورتاه " ص ‪ 7‬مطبعة‬
‫النيل بمصر سنة ‪ 1906‬م ونقله الشيخ جاد الحق على‬
‫جاد الحق فى كتابه " فتاوى معاصرة ص ‪ . ، " 86‬هذا ما‬
‫قاله أبو حنيفة‪ ،‬أما صاحبه أبو يوسف فقال ‪ :‬ل يجوز‬
‫للمسلم فى دار الحرب إل ما يجوز له فى دار السلم ‪،‬‬
‫لن حرمة الربا ثابتة فى حق العاقدين ‪ ،‬أما فى حق‬

‫‪72‬‬
‫المسلم فبإسلمه وأما فى حق الحربى فلن الكفار‬
‫مخاطبون بفروع الشريعة قال تعالى } وأخذهم الربا وقد‬
‫نهوا عنه { النساء ‪ ،161 :‬والئمة الثلثة قالوا ‪ :‬تطبق‬
‫لسلم‬ ‫لسلمية على كل من هو فى دار ا ِ‬ ‫أحكام الشريعة ا ِ‬
‫من المسلمين والذميين والمستأمنين ‪ ،‬كما يعاقب‬
‫المسلم والذمى على ما يرتكبانه فى دار الحرب ولو كان‬
‫الفعل مباحا فيها كالربا والقمار‪ ،‬تنفيذا لحكام الشريعة ‪.‬‬
‫وقد استظهر الشيخ جاد الحق على جاد الحق أن الخلف‬
‫بين فقهاء الحنفية إنما هو فى إمكان توقيع العقوبة على‬
‫التعامل المحرم إذا وقع من المسلم فى دار الحرب ‪،‬‬
‫ومال إلى رأى جمهور الفقهاء من حرمة التعامل بالربا‬
‫على المسلم أيا كان موقعه فى دار السلم أو فى دار‬
‫الحرب ‪ ،‬وذلك بمقتضى إسلمه ‪ ،‬اللهم إل إذا كان‬
‫مقترضا لضرورة‪ ،‬أما أن يكون مقرضا فل يحل ‪ ،‬لنه ل‬
‫ضرورة فيه ‪ .‬وبهذا الفهم والتحليل يكون تصرف المسلم‬
‫فى دار ل يحكم فيها بالسلم مساويا لتصرفه فى دار‬
‫يحكم فيها بالسلم ‪ ،‬من جهة الحل والحرمة‪ ،‬أما القضاء‬
‫الدنيوى المعتبر فيه ميدان تطبيقه فل يغير من حكم الّله‬
‫شيئا ‪.‬‬

‫=======================‬
‫وفي كتاب الربا وأضراره ‪-‬فتاوى في مسائل‬
‫من الربا المعاصر‬
‫المسألة الولى‪ :‬العملة الورقية وأحكامها من الناحية‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬مسألة الحيلة الثلثية‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬بيع المداينات بطريقة بيع وشراء‬
‫البضائع وهي مكانها‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬صرف العملة إلى عملة أخرى‪.‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬بيع الذهب المستعمل بذهب جديد‬
‫مع دفع الفرق‪.‬‬
‫المسألة السادسة‪ :‬بيع الذهب أو الفضة دينًا‪.‬‬
‫المسألة السابعة‪ :‬المساهمة في شركات التأمين‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫المسألة الثامنة‪ :‬التعامل مع المصارف الربوية‪.‬‬
‫المسألة التاسعة‪ :‬التعامل مع البنوك الربوية والعمل‬
‫فيها‪.‬‬
‫المسألة العاشرة‪ :‬التأمين في البنوك الربوية‪.‬‬
‫المسألة الحادية عشرة‪ :‬شراء أسهم البنوك‪.‬‬
‫المسألة الثانية عشرة‪ :‬العمل في المؤسسات الربوية‪.‬‬
‫المسألة الثالثة عشرة‪ :‬فوائد البنوك الربوية‪.‬‬
‫المسألة الرابعة عشرة‪ :‬قرض البنك بفوائد سنوية‪.‬‬
‫المسألة الخامسة عشرة‪ :‬القرض بعملة والتسديد‬
‫بأخرى‪.‬‬
‫المسألة السادسة عشرة‪ :‬القرض الذي يجّر منفعة‪.‬‬
‫المسألة السابعة عشرة‪ :‬التأمين التجاري والضمان‬
‫البنكي‪.‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬العملة الورقية وأحكامها من‬
‫الناحية الشرعية‪:‬‬
‫صدر في هذه المسألة قرار المجمع الفقهي الذي نصه‬
‫على النحو التي‪:‬‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نبي بعده‪،‬‬
‫سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرًا‪ .‬أما‬
‫بعد‪:‬‬
‫فإن مجلس المجمع الفقهي السلمي قد اطلع على‬
‫دم إليه في موضوع العملة الورقية‪ ،‬وأحكامها‬ ‫البحث المق ّ‬
‫من الناحية الشرعية‪ ،‬وبعد المناقشة والمداولة بين‬
‫أعضائه‪ ،‬قّرر ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬إنه بناء على أن الصل في النقد هو الذهب‬ ‫أو ً‬
‫والفضة وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق‬
‫الثمنية في أصح القوال عند فقهاء الشريعة‪.‬‬
‫وبما أن الثمنية ل تقتصر عند الفقهاء على الذهب‬
‫والفضة‪ ،‬وإن كان معدنهما هو الصل‪.‬‬
‫وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمنًا‪ ،‬وقامت مقام‬
‫الذهب والفضة في التعامل بها‪ ،‬وبها تقوم الشياء في هذا‬
‫العصر‪ ،‬لختفاء التعامل بالذهب والفضة‪ ،‬وتطمئن النفوس‬
‫بتمولها وادخارها ويحصل الوفاء والبراء العام بها‪ ،‬رغم أن‬

‫‪74‬‬
‫قيمتها ليست في ذاتها‪ ،‬وإنما في أمر خارج عنها‪ ،‬وهو‬
‫حصول الثقة بها‪ ،‬كوسيط في التداول والتبادل‪ ،‬وذلك هو‬
‫سّر مناطها بالثمنية‪.‬‬
‫وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب‬
‫والفضة هو مطلق الثمنية‪ ،‬وهي متحققة في العملة‬
‫الورقية‪ ،‬لذلك كله‪ ،‬فإن مجلس المجمع الفقهي‬
‫السلمي‪ ،‬يقّرر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته‪ ،‬له حكم‬
‫النقدين من الذهب والفضة‪ ،‬فتجب الزكاة فيها‪ ،‬ويجري‬
‫الربا عليها بنوعيه‪ ،‬فضل ً ونسيًا‪ ،‬كما يجري ذلك في‬
‫النقدين من الذهب والفضة تمامًا‪ ،‬باعتبار الثمنية في‬
‫العملة الورقية قياسا ً عليهما‪ ،‬وبذلك تأخذ العملة الورقية‬
‫أحكام النقود في كل اللتزامات التي تفرضها الشريعة‬
‫فيها‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يعتبر الورق النقدي نقدا ً قائما ً بذاته كقيام النقدية‬
‫في الذهب والفضة وغيرهما من الثمان‪ ،‬كما يعتبر الورق‬
‫النقدي أجناسا ً مختلفة‪ ،‬تتعدد بتعدد جهات الصدار في‬
‫البلدان المختلفة‪ ،‬بمعنى أن الورق النقدي السعودي‬
‫جنس‪ ،‬وأن الورق النقدي المريكي جنس‪ ،‬وهكذا كل‬
‫عملة ورقية جنس مستقل بذاته‪ ،‬وبذلك يجري فيها الربا‬
‫بنوعيه فضل ً ونسيا ً كما يجري الربا بنوعيه في النقدين‬
‫الذهب والفضة وفي غيرها من الثمان‪.‬‬
‫وهذا كله يقتضي ما يلي‪:‬‬
‫) أ ( ل يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره‬
‫من الجناس النقدية الخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما‪،‬‬
‫نسيئة مطلقًا‪ ،‬فل يجوز مثل ً بيع ريال سعودي بعملة أخرى‬
‫متفاضل ً نسيئة بدون تقابض‪.‬‬
‫)ب( ل يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية‬
‫ل‪ ،‬سواء كان ذلك نسيئة أو يدا ً بيد‪ ،‬فل‬ ‫بعضه ببعض متفاض ً‬
‫يجوز مثل ً بيع عشرة ريالت سعودية ورقًا‪ ،‬بأحد عشر ريال ً‬
‫سعودية ورقًا‪ ،‬نسيئة أو يدا ً بيد‪.‬‬
‫)جـ( يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقًا‪ ،‬إذا‬
‫كان ذلك يدا ً بيد‪ ،‬فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية‪،‬‬
‫بريال سعودي ورقا ً كان أو فضة‪ ،‬أو أقل من ذلك أو أكثر‪،‬‬

‫‪75‬‬
‫وبيع الدولر المريكي بثلث ريالت سعودية أو أقل من‬
‫ذلك أو أكثر إذا كان ذلك يدا ً بيد‪ ،‬ومثل ذلك في الجواز بيع‬
‫الريال السعودي الفضة‪ ،‬بثلثة ريالت سعودية ورق‪ ،‬أو‬
‫أقل من ذلك أو أكثر‪ ،‬يدا ً بيد‪ ،‬لن ذلك يعتبر بيع جنس‬
‫بغير جنسه‪ ،‬ول أثر لمجرد الشتراك في السم مع‬
‫الختلف في الحقيقة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬وجوب زكاة الوراق النقدية إذا بلغت قيمتها أدنى‬
‫النصابين من ذهب أو فضة‪ ،‬أو كانت تكمل النصاب مع‬
‫غيرها من الثمان والعروض المعدة للتجارة‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬جواز جعل الوراق النقدية رأس مال في بيع‬
‫السلم‪ ،‬والشركات‪.‬‬
‫والله أعلم‪ :‬وبالله التوفيق‪ ،‬وصلى الله على سيدنا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه وسلم)‪.(1‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬مسألة الحيلة الثلثية‪:‬‬
‫س‪ :‬عندي كمية من أكياس الرز وهو بمستودع لنا‬
‫ي أناس يشترونه مني بقيمته في السوق ويدينونه‬ ‫ويأتي إل ّ‬
‫على أناس آخرين فإذا صار على حظ المدين أخذته منه‬
‫بنازل ريال واحد من مشتراه مني ثم يأتي أناس مثلهم‬
‫بعدما يصير على حظي ويشترونه مني وهكذا وهو في‬
‫مكان واحد إل أنهم يستلمونه عدا ً في محله فهل في هذه‬
‫الطريقة إثم أم ل؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا‪.‬‬
‫جـ‪ :‬نعم هذه الطريقة حيلة على الربا‪ .‬الربا المغلظ‬
‫الجامع بين التأخير والفضل‪ ،‬أي بين ربا الفضل وربا‬
‫النسيئة‪ ،‬وذلك لن الدائن يتوصل بها إلى حصول اثني‬
‫عشر مثل ً بعشرة‪ .‬وأحيانا ً يتفق الدائن والمدين على هذا‬
‫قبل أن يأتيا إلى صاحب الدكان على أنه يدينه كذا وكذا‬
‫من الدراهم‪ ،‬العشرة اثني عشر أو أكثر أو أقل‪ ،‬ثم يأتيان‬
‫على هذا ليجريا معه هذه الحيلة وقد سماها شيخ السلم‬
‫ابن تيمية‪ :‬الحيلة الثلثية‪ ،‬وهي بل شك حيلة على الربا‪،‬‬
‫ربا النسيئة وربا الفضل‪ ،‬فهي حرام ومن كبائر الذنوب‪،‬‬
‫وذلك لن المحرم ل ينقلب مباحا ً بالتحايل عليه‪ ،‬بل إن‬
‫‪ ()1‬فتاوى إسلمية لصحاب الفضيلة العلماء‪ ،‬جمع محمد المسند‪ .380-2/379 ،‬وانظر‪:‬‬
‫أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ‪.58-1/30‬‬

‫‪76‬‬
‫التحايل عليه يزيده خبثا ً ويزيده إثمًا‪ ،‬ولهذا ذ ُك َِر عن أيوب‬
‫السختياني رحمه الله أنه قال في هؤلء المتحايلين قال‪:‬‬
‫إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان فلو أنهم أتوا‬
‫المر على وجهه لكان أهون‪ ،‬وصدق رحمه الله‪ ،‬فإن‬
‫المتحيل بمنزلة المنافق يظهر أنه مؤمن وهو كافر وهذا‬
‫متحيل على الربا ويظهر أن بيعه بيع صحيح وحلل)‪.(2‬‬
‫فضيلة العلمة ابن عثيمين‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬بيع المداينات بطريقة بيع‬
‫وشراء البضائع وهي مكانها‬
‫س‪ :‬ما حكم بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضائع‬
‫وهي في مكانها وهذه الطريقة هي المتبعة عند البعض‬
‫في مدايناتهم في الوقت الحاضر؟‬
‫جـ‪ :‬ل يجوز للمسلم أن يبيع سلعة بنقد أو نسيئة إل إذا‬
‫كان مالكا ً لها وقد قبضها لقول النبي صّلى الله عليه‬
‫وسّلم‪ ،‬لحكيم بن حزام‪” :‬ل تبع ما ليس عندك“)‪ ،(3‬وقوله‬
‫صّلى الله عليه وسّلم في حديث عبد الله بن عمرو بن‬
‫العاص رضي الله عنهما‪” :‬ل يحل سلف وبيع ول بيع ما‬
‫ليس عندك“ رواه الخمسة بإسناد صحيح)‪ ،(4‬وهكذا الذي‬
‫يشتريها‪ ،‬ليس له بيعها حتى يقبضها أيضا ً للحديثين‬
‫المذكورين‪.‬‬
‫ما رواه المام أحمد وأبو داود‪ ،‬وصححه ابن حبان‬ ‫ول ِ َ‬
‫والحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال‪ :‬نهى رسول‬
‫الله صّلى الله عليه وسّلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى‬
‫يحوزها التجار إلى رحالهم)‪.(5‬‬
‫وكما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله‬
‫عنهما قال‪” :‬لقد رأيت الناس في عهد رسول الله صّلى‬
‫ضَربون‬‫الله عليه وسّلم يبتاعون جزافا ً – يعني الطعام – ي ُ ْ‬

‫‪ ()2‬فتاوى إسلمية لصحاب الفضيلة العلماء‪.2/382 ،‬‬


‫‪ ()3‬أبو داود ‪ ،3/283‬برقم ‪ ،3503‬والترمذي ‪ 3/525‬برقم ‪ ،1232‬والنسائي ‪،7/289‬‬
‫برقم ‪ ،4613‬وصححه اللباني في صحيح سنن الترمذي ‪.2/9‬‬
‫‪ ()4‬أبو داود برقم ‪ ،3504‬والترمذي برقم ‪ ،1234‬والنسائي برقم ‪ ،4611‬وابن ماجه‬
‫برقم ‪ ،2188‬وأحمد ‪ ،205 ،179 ،2/174‬والحاكم ‪.2/17‬‬
‫‪ ()5‬أبو داود ‪ ،3/282‬برقم ‪ ،3499‬وحسنه اللباني في صحيح سنن أبي داود ‪.2/668‬‬

‫‪77‬‬
‫أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم“)‪،(6‬‬
‫والحاديث في هذا المعنى كثيرة)‪.(7‬سماحة العلمة عبد‬
‫العزيز ابن باز‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬صرف العملة إلى عملة‬
‫أخرى‪:‬‬
‫س‪ :‬أريد أن أشتري عشرة آلف دولر أمريكي من‬
‫شخص معين بسعر ‪ 40‬ألف ريال سعودي‪ ،‬وسيكون‬
‫التسديد على أقساط شهرية‪ ،‬كل قسط ألف ريال‪ ،‬وأريد‬
‫أن أبيع هذه الدولرات في السوق بسعر ‪ 37.500‬ألف‬
‫ريال‪ ،‬فما الحكم في ذلك علما ً بأنني محتاج لهذه النقود؟‬
‫جـ‪ :‬الحكم في هذا هو التحريم‪ ،‬فيحرم على النسان إذا‬
‫صرف عملة أن يتفرق هو والبائع من مجلس العقد إل بعد‬
‫قبض العوضين‪ ،‬وهذا السؤال ليس فيه قبض العوض‬
‫الثاني الذي هو قيمة الدولرات‪ ،‬وعلى هذا فيكون فاسدا ً‬
‫ل‪ ،‬فإذا كان قد نفذ الن فإن الواجب على هذا الذي‬ ‫وباط ً‬
‫أخذ الدولرات أن يسددها دولرات‪ ،‬ول يجوز أن يبني‬
‫على العقد الول‪ ،‬لنه فاسد‪ ،‬وقد ثبت عن النبي صّلى‬
‫الله عليه وسّلم أنه قال‪” :‬كل شرط ليس في كتاب الله‬
‫فهو باطل وإن كان مائة شرط‪ ،‬قضاء الله أحق وشرط‬
‫الله أوثق“)‪.(8‬فضيلة العلمة ابن عثيمين‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬بيع الذهب المستعمل بذهب‬
‫جديد مع دفع الفرق‬
‫س‪ :‬رجل يعمل ببيع وشراء المجوهرات‪ ،‬فيأتي إليه‬
‫شخص معه ذهب مستعمل فيشتريه منه وتعرف قيمته‬
‫بالريالت‪ ،‬وقبل دفع القيمة في المكان والزمان‪ ،‬يشتري‬
‫منه الذي باع له الذهب المستعمل ذهبا ً جديدًا‪ ،‬وتعرف‬
‫قيمته‪ ،‬ويدفع المشتري الباقي عليه‪ ،‬فهل هذا جائز أم أنه‬
‫ل بد من تسليم قيمة الول كاملة إلى البائع ثم يسلم‬

‫‪ ()6‬البخاري ‪ ،3/30‬برقم ‪.2131‬‬


‫‪ ()7‬فتاوى إسلمية ‪.384-2/383‬‬
‫‪ ()8‬فتاوى إسلمية لصحاب الفضيلة العلماء ‪ ،2/386‬والحديث أخرجه البخاري برقم‬
‫‪.456‬‬

‫‪78‬‬
‫البائع قيمة ما اشتراه من ذهب جديد من تلك النقود أو‬
‫من غيرها؟‬
‫جـ‪ :‬في مثل هذه الحالة يجب دفع قيمة الذهب‬
‫المستعمل‪ ،‬ثم البائع بعد قبض القيمة بالخيار إن شاء‬
‫يشتري ممن باع عليه ذهبا ً جديدا ً أو من غيره‪ ،‬وإن‬
‫اشترى منه أعاد عليه نقوده أو غيرها قيمة للجديد حتى ل‬
‫يقع المسلم في الربا المحرم من بيع رديء الجنس‬
‫ل‪ ،‬لما روى البخاري ومسلم رحمهما‬ ‫الربوي بجيده متفاض ً‬
‫الله تعالى أن رسول الله صّلى الله عليه وسّلم استعمل‬
‫ل تمر‬‫رجل ً على خيبر فجاءه بتمر جنيب )جيد( فقال‪ :‬أك ّ‬
‫خيبر هكذا؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين‪،‬‬
‫والصاعين بالثلثة‪ ،‬فقال‪” :‬ل تفعل بع الجمع بالدراهم‪ ،‬ثم‬
‫ابتع بالدراهم جنيبًا“)‪ ،(9‬ولن المقاصة في مثل هذا البيع‬
‫ولو كانت في زمان ومكان البيع‪ ،‬قد تؤدي إلى بيع الذهب‬
‫ل‪ ،‬وذلك محرم‪ ،‬لما روى مسلم رحمه الله‬ ‫بالذهب متفاض ً‬
‫تعالى عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صّلى الله عليه وسّلم‪” :‬الذهب بالذهب‪،‬‬
‫والفضة بالفضة‪ ،‬والبر بالبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪ ،‬والتمر‬
‫بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪ ،‬مثل ً بمثل‪ ،‬سواء بسواء‪ ،‬يدا ً بيد‪،‬‬
‫فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا ً‬
‫بيد“‪ .‬وفي رواية عن ابن سعيد‪” :‬فمن زاد أو استزاد فقد‬
‫أربا‪ ،‬الخذ والمعطي سواء“)‪.(10‬اللجنة الدائمة‬
‫س‪ :‬ذهبت إلى بائع الذهب بمجموعة من الحلي القديمة‬
‫ثم وََزَنها وقال إن ثمنها ‪ 1500‬ريال واشتريت منه حلي‬
‫جديد بمبلغ ‪ 1800‬ريال هل يجوز أن أدفع له ‪ 300‬ريال‬
‫فقط )الفرق( أم آخذ ‪ 1500‬ريال ثم أعطيه ‪ 1800‬ريال‬
‫مجتمعة؟‬
‫جـ‪ :‬ل يجوز بيع الذهب بالذهب إل مثل ً بمثل سواء‬
‫بسواء وزنا ً بوزن يدا ً بيد بنص النبي صّلى الله عليه وسّلم‪،‬‬
‫كما ورد ذلك في الحاديث الصحيحة ولو اختلف نوع‬

‫البخاري برقم ‪ ،2201‬ومسلم برقم ‪.1594‬‬ ‫‪()9‬‬

‫فتاوى إسلمية ‪ ،2/389‬والحديث تقدم تخريجه ص ‪.34‬‬ ‫‪()10‬‬

‫‪79‬‬
‫الذهب بالجدة والقدم أو غير ذلك من أنواع الختلف‬
‫وهكذا الفضة بالفضة‪.‬‬
‫والطريقة الجائزة أن يبيع الراغب في شراء ذهب‬
‫بذهب‪ ،‬ما لديه من الذهب بفضة أو بغيرها من العمل‬
‫الورقية ويقبض الثمن ثم يشتري حاجته من الذهب‬
‫بسعره من الفضة أو العملة الورقية يدا ً بيد؛ لن العملة‬
‫الورقية منّزلة منزلة الذهب والفضة في جريان الربا في‬
‫بيع بعضها ببعض وفي بيع الذهب والفضة بها‪.‬‬
‫أما إن باع الذهب أو الفضة بغير النقود كالسيارات‬
‫والمتعة والسكر ونحو ذلك فل حرج في التفرق قبل‬
‫القبض لعدم جريان الربا بين العملة الذهبية والفضية‬
‫والورقية وبين هذه الشياء المذكورة وأشباهها‪.‬‬
‫ول بد من إيضاح الجل إذا كان البيع إلى أجل لقوله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن إ َِلى أ َ‬
‫ج ٍ‬ ‫م ب ِد َي ْ ٍ‬
‫داي َن ْت ُ ْ‬ ‫مُنوا ْ إ ِ َ‬
‫ذا ت َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫سبحانه‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ه{)‪(12).(11‬سماحة العلمة عبد العزيز ابن باز‬ ‫ى َفاك ْت ُُبو ُ‬
‫م ً‬
‫س ّ‬
‫م َ‬
‫ُ‬
‫المسألة السادسة‪ :‬بيع الذهب أو الفضة دينا‪ً:‬‬
‫س‪ :‬إنسان أخذ مني مصاغ ذهب‪ ،‬وثمن المصاغ ألف‬
‫ريال‪ ،‬وقلت له ل يجوز إل نقدًا‪ ،‬وقال سلفني ألف ريال‪،‬‬
‫وسلفته اللف وأعطاني إياه هل هذا يجوز؟‬
‫جـ‪ :‬ل يجوز لنه احتيال على الربا؛ وجمع بين عقدين‪،‬‬
‫عقد سلف وعقد بيع‪ ،‬وهو ممنوع أيضا ً)‪.(13‬اللجنة الدائمة‬
‫س‪ :‬إذا حضر شخص يريد أن يشتري بعض المجوهرات‬
‫ما وزنت له ما يريد وجد أن المبلغ الذي معه‬ ‫من الذهب ول َ ّ‬
‫ل يكفي قيمة للذهب فمعلوم في هذه الحالة أنه ل يجوز‬
‫لي بيعه الذهب وتسليمه له وهو لم يسلمني إل جزء من‬
‫القيمة لكن إذا كنا في وقت الصباح مثل ً وقال لي أترك‬
‫الذهب عندك حتى وقت العصر كي أحضر لك كامل‬
‫الدراهم وأستلم الذهب الذي اشتريته منك ففي هذه‬
‫الحالة هل يجوز لي أن أترك الذهب على كيسه وحسابه‬

‫سورة البقرة‪ ،‬الية‪.282 :‬‬ ‫‪()11‬‬

‫فتاوى إسلمية لصحاب الفضيلة العلماء ‪.2/352‬‬ ‫‪()12‬‬

‫فتاوى إسلمية ‪.2/390‬‬ ‫‪()13‬‬

‫‪80‬‬
‫حتى يحضر لستلمه أم يلزمني أن ألغني العقد وهو إن‬
‫حضر فهو كسائر المشترين وإل فل شيء بيننا؟‬
‫جـ‪ :‬ل يجوز أن يبقى الذهب الذي اشتراه منك على‬
‫حسابه حتى يأتي بالدراهم‪ ،‬بل لم يتم العقد تخلصا ً من‬
‫ربا النسيئة ويبقى الذهب لديك في ملكك فإذا حضر ببقية‬
‫الدراهم ابتدأتما عقدا ً جديدا ً يتم في مجلسه التقابض‬
‫بينكما)‪.(14‬اللجنة الدائمة‬
‫المسألة السابعة‪ :‬المساهمة في شركات‬
‫التأمين‪:‬‬
‫س‪ :‬أنا من سكان الكويت‪ ،‬وعندنا شركات مساهمة‬
‫خاصة بالعمال التجارية والزراعية والبنوك وشركات‬
‫التأمين والبترول‪ ،‬ويحق للمواطن المساهمة هو وأفراد‬
‫عائلته‪ ،‬فنرجو إفادتنا عن حكم الشرع في مثل هذه‬
‫الشركات‪.‬‬
‫جـ‪ :‬يجوز للنسان أن يساهم في هذه الشركات إذا‬
‫كانت ل تتعامل بالربا‪ ،‬فإن كان تعاملها بالربا فل يجوز‪،‬‬
‫وذلك لثبوت تحريم التعامل بالربا في الكتاب والسنة‬
‫والجماع‪ ،‬وكذلك ل يجوز للنسان أن يساهم في شركات‬
‫التأمين التجاري؛ لن عقود التأمين مشتملة على الغرر‬
‫والجهالة والربا‪ ،‬والعقود المشتملة على الغرر والجهالة‬
‫والربا محرمة في الشريعة السلمية)‪.(15‬اللجنة الدائمة‬
‫المسألة الثامنة‪ :‬التعامل مع المصارف الربوية‪:‬‬
‫صدر في ذلك قرار المجمع الفقهي السلمي التي‬
‫نصه‪:‬‬
‫إن مجلس المجمع الفقهي السلمي في دورته التاسعة‬
‫المنعقدة بمبنى رابطة العالم السلمي بمكة المكرمة في‬
‫الفترة من يوم السبت ‪ 12‬رجب عام ‪1406‬هـ إلى يوم‬
‫السبت ‪ 29‬رجب ‪1406‬هـ قد نظر في موضوع تفشي‬
‫المصارف الربوية وتعامل الناس معها وعدم توافر البدائل‬
‫عنها‪ ،‬وهو الذي أحاله إلى المجلس معالي الدكتور المين‬
‫العام نائب رئيسي المجلس‪.‬‬
‫فتاوى إسلمية ‪.2/353‬‬ ‫‪()14‬‬

‫فتاوى إسلمية لصحاب الفضيلة العلماء ‪.2/392‬‬ ‫‪()15‬‬

‫‪81‬‬
‫وقد استمع المجلس إلى كلم السادة العضاء حول‬
‫هذه القضية الخطيرة التي يقترف فيها محرم بين ثبت‬
‫تحريمه بالكتاب والسنة والجماع‪.‬‬
‫وقد أثبتت البحوث القتصادية الحديثة أن الربا خطر‬
‫على اقتصاد العالم وسياسته وأخلقياته وسلمته‪ ،‬وأنه‬
‫وراء كثير من الزمات التي يعانيها العالم‪ ،‬وأنه ل نجاة من‬
‫ذلك إل باستئصال هذا الداء الخبيث الذي نهى السلم عنه‬
‫منذ أربعة عشر قرنًا‪.‬‬
‫ثم كانت الخطوة العملية المباركة وهي إقامة مصارف‬
‫إسلمية خالية من الربا والمعاملت المحظورة شرعًا‪.‬‬
‫وبهذا كذبت دعوة العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي‬
‫الذين زعموا يوما ً أن تطبيق الشريعة السلمية في‬
‫المجال القتصادي مستحيل؛ لنه ل اقتصاد بغير بنوك‪ ،‬ول‬
‫بنوك بغير فوائد‪ ،‬ومما جاء في القرار كذلك أنه‪:‬‬
‫ل‪ :‬يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله‬ ‫أو ً‬
‫عنه من التعامل بالربا أخذا ً وعطاء‪ ،‬والمعاونة عليه بأي‬
‫صورة من الصور‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ينظر المجلس بعين الرتياح إلى قيام المصارف‬
‫السلمية بديل ً شرعيا ً للمصارف الربوية‪ .‬ويرى المجلس‬
‫ضرورة التوسع في إنشاء هذه المصارف في كل القطار‬
‫السلمية وحيثما وجد للمسلمين تجمع خارج أقطاره‪،‬‬
‫حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية تهيئ لقتصاد‬
‫إسلمي متكامل‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع‬
‫مصرف إسلمي أن يتعامل مع المصارف الربوية في‬
‫الداخل والخارج‪ ،‬إذ ل عذر له في التعامل معها بعد وجود‬
‫البديل السلمي‪ ،‬ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث‬
‫بالطيب‪ ،‬ويستغني بالحلل عن الحرام‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬يدعو المجلس المسؤولين في البلد السلمية‬
‫والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة‬
‫لتطهيرها من رجس الربا‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال‬
‫حرام شرعًا‪ ،‬ل يجوز أن ينتفع به المسلم )مودع المال(‬

‫‪82‬‬
‫لنفسه أو لحد مما يعوله في أي شأن من شؤونه‪ ،‬ويجب‬
‫أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين من مدارس‬
‫ومستشفيات وغيرها‪ ،‬وليس هذا من باب الصدقة وإنما‬
‫من باب التطهر من الحرام‪.‬‬
‫ول يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية لتتقوى‬
‫بها‪ ،‬ويزداد الثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج‪ ،‬فإنها‬
‫في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصيرية واليهودية‪،‬‬
‫وبهذا تغدو أموال المسلمين أسلحة لحرب المسلمين‬
‫وإضلل أبنائهم عن عقيدتهم‪ ،‬علما ً بأنه ل يجوز الستمرار‬
‫في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة‪.‬‬
‫كما يطالب المجلس القائمين على المصارف السلمية‬
‫أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة‪ ،‬وأن يوالوها‬
‫بالتوعية والتفقيه بأحكام السلم وآدابه حتى تكون‬
‫معاملتهم وتصرفاتهم موافقة لها‪.‬‬
‫والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ‪.‬مجلة الدعوة‪،‬‬
‫)‪(16‬‬

‫‪1037‬‬
‫المسألة التاسعة‪ :‬التعامل مع البنوك الربوية والعمل‬
‫فيها‬
‫س‪ :‬ما الحكم الشرعي في كل من‪:‬‬
‫‪1‬ـ الذي يضع ماله في البنك فإذا حال عليه الحول أخذ‬
‫الفائدة‪.‬‬
‫‪2‬ـ المستقرض من البنك بفائدة إلى أجل؟‬
‫‪3‬ـ الذي يودع ماله في تلك البنوك ول يأخذ فائدة؟‬
‫‪4‬ـ الموظف العامل في تلك البنوك سواء كان مديرا ً أو‬
‫غيره؟‬
‫‪5‬ـ صاحب العقار الذي يؤجر محلته إلى تلك البنوك؟‬
‫جـ‪ :‬ل يجوز اليداع في البنوك للفائدة‪ ،‬ول القرض‬
‫بالفائدة؛ لن كل ذلك من الربا الصريح‪.‬‬
‫ول يجوز أيضا ً اليداع في غير البنوك بالفائدة‪ ،‬وهكذا ل‬
‫يجوز القرض من أي أحد بالفائدة بل ذلك محرم عند‬
‫َ‬
‫ه ال ْب َي ْ َ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬
‫جميع أهل العلم‪ ،‬لن الله سبحانه يقول‪} :‬وَأ َ‬

‫فتاوى إسلمية لصحاب الفضيلة العلماء ‪.2/393‬‬ ‫‪()16‬‬

‫‪83‬‬
‫ه الّربا وَي ُْرِبي‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬‫م الّربا{ ‪ .‬ويقول سبحانه‪} :‬ي َ ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫وَ َ‬
‫)‪(17‬‬

‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ‬ ‫َ‬


‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صد ََقات{ ‪ .‬ويقول سبحانه‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫(‬‫‪18‬‬ ‫)‬
‫ال ّ‬
‫م‬‫ن لَ ْ‬ ‫ن‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ن الّربا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ْ‬
‫م‬‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫سول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬‫ت َْفعَُلوا ْ فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬
‫َ‬
‫ن{)‪ .(19‬ثم يقول‬ ‫مو َ‬ ‫ن َول ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬
‫سأ ْ‬ ‫ُرُءو ُ‬
‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫سبحانه بعد هذا كله‪} :‬وَإ ِ ْ‬
‫ة{)‪ .(20‬ينبه عباده بذلك على أنه ل يجوز مطالبة‬ ‫سَر ٍ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫المعسر بما عليه من الدين ول تحميله مزيدا من المال‬
‫من أجل النظار بل يجب إنظاره إلى الميسرة بدون أي‬
‫زيادة لعجزه عن التسديد‪ ،‬وذلك من رحمة الله سبحانه‬
‫لعباده‪ ،‬ولطفه بهم‪ ،‬وحمايته لهم من الظلم والجشع الذي‬
‫يضرهم ول ينفعهم‪.‬‬
‫أما اليداع في البنوك بدون فائدة فل حرج منه إذا‬
‫اضطر المسلم إليه‪ ،‬وأما العمل في البنوك الربوية فل‬
‫يجوز سواء كان مديرا ً أو كاتبا ً أو محاسبا ً أو غير ذلك‬
‫وى‬ ‫لقول الله سبحانه وتعالى‪} :‬وَت ََعاوَُنوا ْ عََلى ال ْب ِّر َوالت ّْق َ‬
‫ديد ُ‬
‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ن َوات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫َول ت ََعاوَُنوا ْ عََلى اْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫ب{)‪.(21‬‬ ‫ال ْعَِقا ِ‬
‫ما ثبت عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه ”لعن آكل‬ ‫ول ِ َ‬
‫الربا وموكله وكاتبه وشاهديه“‪ .‬وقال‪” :‬هم سواء“‪.‬‬
‫أخرجه المام مسلم في صحيحه)‪.(22‬‬
‫واليات والحاديث الدالة على تحريم التعاون على‬
‫المعاصي كثيرة‪ ،‬وهكذا تأجير العقارات لصحاب البنوك‬
‫الربوية ل يجوز للدلة المذكورة‪ ،‬ولما في ذلك من إعانتهم‬
‫على أعمالهم الربوية‪.‬‬
‫ن على الجميع بالهداية وأن يوفق‬ ‫نسأل الله أن يم ّ‬
‫المسلمين جميعا ً حكاما ً ومحكومين لمحاربة الربا والحذر‬

‫سورة البقرة‪ ،‬الية‪.275 :‬‬ ‫‪()17‬‬

‫سورة البقرة‪ ،‬الية‪.276 :‬‬ ‫‪()18‬‬

‫سورة البقرة‪ ،‬الية‪.278 :‬‬ ‫‪()19‬‬

‫سورة البقرة‪ ،‬الية‪.280 :‬‬ ‫‪()20‬‬

‫سورة المائدة‪ ،‬الية‪.2 :‬‬ ‫‪()21‬‬

‫تقدم تخريجه ص ‪.28‬‬ ‫‪()22‬‬

‫‪84‬‬
‫منه والكتفاء بما أباح الله ورسوله من المعاملت‬
‫الشرعية إنه ولي ذلك والقادر عليه)‪.(23‬سماحة العلمة‬
‫عبد العزيز ابن باز‬
‫المسألة العاشرة‪ :‬التأمين في البنوك الربوية‪:‬‬
‫س‪ :‬الذي عنده مبلغ من النقود ووضعها في أحد البنوك‬
‫لقصد حفظها أمانة ويزكيها إذا حال عليها الحول فهل‬
‫يجوز ذلك أم ل؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا‪.‬‬
‫جـ‪ :‬ل يجوز التأمين في البنوك الربوية ولو لم يأخذ‬
‫ما في ذلك من إعانتها على الثم والعدوان‪ ،‬والله‬ ‫فائدة؛ ل ِ َ‬
‫سبحانه قد نهى عن ذلك‪ ،‬لكن إن اضطر إلى ذلك ولم‬
‫يجد ما يحفظ ماله فيه سوى البنوك الربوية‪ ،‬فل حرج إن‬
‫م‬‫ل ل َك ُ ْ‬
‫ص َ‬‫شاء الله للضرورة‪ ،‬والله سبحانه يقول‪} :‬وَقَد ْ فَ ّ‬
‫ه{)‪ ،(24‬ومتى وجد بنكا ً‬ ‫م إ ِل َي ْ ِ‬
‫ضط ُرِْرت ُ ْ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م إ ِل ّ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫حّر َ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫إسلمي ّا ً أو محل ّ أمينا ً ليس فيه تعاون على الثم والعدوان‬
‫يودع ماله فيه لم يجز له اليداع في البنك‬
‫الربوي)‪.(25‬سماحة العلمة عبد العزيز ابن باز‬
‫المسألة الحادية عشرة‪ :‬شراء أسهم البنوك‪:‬‬
‫س‪ :‬ما حكم شراء أسهم البنوك وبيعها بعد مدة بحيث‬
‫ل؟ وهل يعتبر ذلك من الربا؟‬ ‫يصبح اللف بثلثة آلف مث ً‬
‫جـ‪ :‬ل يجوز بيع أسهم البنوك ول شراؤها لكونها بيع نقود‬
‫بنقود بغير اشتراط التساوي والتقابض؛ ولنها مؤسسات‬
‫ربوية ل يجوز التعاون معها ل ببيع ول شراء لقول الله‬
‫وى َول ت ََعاوَُنوا ْ عََلى‬‫سبحانه‪} :‬وَت ََعاوَُنوا ْ عََلى ال ْب ِّر َوالت ّْق َ‬
‫ن{)‪.(26‬‬ ‫ال ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫ما ثبت عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه ”لعن آكل‬ ‫ول ِ َ‬
‫الربا وموكله وكاتبه وشاهديه“‪ ،‬وقال‪” :‬هم سواء“ رواه‬
‫المام مسلم في صحيحه)‪ ،(27‬وليس لك إل رأس مالك‪.‬‬

‫فتاوى إسلمية‪.2/397 ،‬‬ ‫‪()23‬‬

‫سورة النعام‪ ،‬الية‪.119 :‬‬ ‫‪()24‬‬

‫فتاوى إسلمية‪.2/397 ،‬‬ ‫‪()25‬‬

‫سورة المائدة‪ ،‬الية‪.2 :‬‬ ‫‪()26‬‬

‫مسلم ‪ 3/1218‬برقم ‪.1597‬‬ ‫‪()27‬‬

‫‪85‬‬
‫ووصيتي لك ولغيرك من المسلمين هي الحذر من جميع‬
‫المعاملت الربوية‪ ،‬والتحذير منها‪ ،‬والتوبة إلى الله‬
‫سبحانه مما سلف من ذلك‪ ،‬لن المعاملت الربوية‬
‫محاربة لله سبحانه ولرسوله صّلى الله عليه وسّلم‪ ،‬ومن‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫أسباب غضب الله وعقابه كما قال الله عز وجل‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ْ‬
‫خب ّط ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن الّربا ل ي َُقو ُ‬ ‫ي َأك ُُلو َ‬
‫طان من ال ْمس ذ َل َ َ‬
‫ل الّربا‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫م َقاُلوا ْ إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫عظ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن َرب ّ ِ‬ ‫مُ ْ‬‫ة ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م الّربا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَأ َ‬
‫عاد َ فَأول َئ ِ َ‬ ‫َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََْ‬
‫َ‬
‫ه الّربا وَي ُْرِبي‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن‪ ،‬ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م{)‪ .(28‬وقال عز وجل‪:‬‬ ‫ل ك َّفارٍ أِثي ٍ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن الّربا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫}َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫دم من الحديث‬ ‫ما تق ّ‬ ‫ن{ ‪ .‬ول ِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫)‪(29‬‬

‫الشريف)‪.(30‬سماحة العلمة عبد العزيز ابن باز‬


‫المسألة الثانية عشرة‪ :‬العمل في المؤسسات‬
‫الربوية‪:‬‬
‫س‪ :‬هل يجوز العمل في مؤسسة ربوية كسائق أو‬
‫حارس؟‬
‫جـ‪ :‬ل يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولو كان النسان‬
‫سائقا ً أو حارسًا‪ ،‬وذلك لن دخوله في وظيفة عند‬
‫مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها؛ لن من ينكر الشيء‬
‫ل يمكن أن يعمل لمصلحته‪ ،‬فإذا عمل لمصلحته فإنه‬
‫يكون راضيا ً به‪ ،‬والراضي بالشيء المحرم يناله من إثمه‪،‬‬
‫أما من كان يباشر القيد والكتابة والرسال واليداع وما‬
‫أشبه ذلك فهو ل شك أنه مباشر للحرام‪ ،‬وقد ثبت عن‬
‫النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه قال بل ثبت من حديث‬
‫جابر رضي الله عنه أن النبي صّلى الله عليه وسّلم ”لعن‬

‫سورة البقرة‪ ،‬اليتان‪.276 ،275 :‬‬ ‫‪()28‬‬

‫سورة البقرة‪ ،‬اليتان‪.279 ،278 :‬‬ ‫‪()29‬‬

‫فتاوى إسلمية‪.400-2/399 ،‬‬ ‫‪()30‬‬

‫‪86‬‬
‫)‪(31‬‬
‫آكل الربا وموكله وشاهديه“ وكاتبه وقال‪” :‬هم سواء“‬
‫)‪.(32‬فضيلة العلمة ابن عثيمين‬
‫المسألة الثالثة عشرة‪ :‬فوائد البنوك الربوية‪:‬‬
‫س‪ :‬بعض البنوك تعطي أرباحا ً بالمبالغ التي توضع لديها‬
‫من قبل المودعين‪ ،‬ونحن ل ندري حكم هذه الفوائد هل‬
‫هي ربا أم هي ربح جائز يجوز للمسلم أخذه؟ وهل يوجد‬
‫في العالم العربي بنوك تتعامل مع الناس حسب الشريعة‬
‫السلمية؟‬
‫ل‪ :‬الرباح التي يدفعها البنك للمودعين على‬ ‫جـ‪ :‬أو ً‬
‫ل له أن ينتفع‬‫المبالغ التي أودعوها فيه تعتبر ربا‪ .‬ول يح ّ‬
‫بهذه الرباح‪ ،‬وعليه أن يتوب إلى الله من اليداع في‬
‫البنوك الربوية‪ ،‬وأن يسحب المبلغ الذي أودعه وربحه‬
‫فيحتفظ بأصل المبلغ وينفق ما زاد عليه في وجوه البر‬
‫من فقراء ومساكين وإصلح مرافق عامة ونحو ذلك‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يبحث عن محل ل يتعامل بالربا ولو دكانا ً ويوضع‬
‫المبلغ فيه على طريق التجارة‪ ،‬مضاربة‪ ،‬على أن يكون‬
‫ل‪ ،‬أو بوضع‬‫ذلك جزءا ً مشاعا ً معلوما ً من الربح كالثلث مث ً‬
‫المبلغ فيه أمانة بدون فائدة‪ ،‬وصلى الله على نبينا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم)‪.(33‬اللجنة الدائمة‬
‫المسألة الرابعة عشرة‪ :‬قرض البنك بفوائد‬
‫سنوية‪:‬‬
‫س‪ :‬المعاملة مع البنك هل هي ربا أم جائزة؟ لن فيه‬
‫كثيرا ً من المواطنين يقترضون منها؟‬
‫جـ‪ :‬يحرم على المسلم أن يقترض من أحد ذهبا ً أو فضة‬
‫أو ورقا ً نقديا ً على أن يرد أكثر منه‪ ،‬سواء كان المقرض‬
‫بنكا ً أم غيره‪ ،‬لنه ربا وهو من أكبر الكبائر‪ ،‬ومن تعامل‬
‫هذا التعامل من البنوك فهو بنك ربوي‪.‬‬

‫مسلم ‪ 3/1218‬برقم ‪.1597‬‬ ‫‪()31‬‬

‫فتاوى إسلمية ‪.2/401‬‬ ‫‪()32‬‬

‫فتاوى إسلمية ‪.2/404‬‬ ‫‪()33‬‬

‫‪87‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫وسلم)‪.(34‬اللجنة الدائمة‬
‫المسألة الخامسة عشرة‪ :‬القرض بعملة‬
‫والتسديد بأخرى‪:‬‬
‫س‪ :‬أقرضني أخي في الله )حسن‪ .‬م( ألفي دينار‬
‫تونسي‪ ،‬وكتبنا عقدا ً بذلك ذكرنا فيه قيمة المبلغ بالنقد‬
‫اللماني‪ ،‬وبعد مرور مدة القرض – وهي سنة – ارتفع‬
‫ثمن النقد اللماني‪ ،‬فأصبح إذا سلمته ما هو في العقد‬
‫أكون أعطيته ثلثمائة دينار تونسي زيادة على ما‬
‫اقترضته‪.‬‬
‫فهل يجوز لمقرضي أن يأخذ الزيادة‪ ،‬أم أنها تعتبر ربا؟‬
‫ل سيما وأنه يرغب السداد بالنقد اللماني ليتمكن من‬
‫شراء سيارة من ألمانيا؟‬
‫جـ‪ :‬ليس للمقرض )حسن‪ .‬م( سوى المبلغ الذي‬
‫أقرضك وهو ألفا دينار تونسي‪ ،‬إل أن تسمح بالزيادة فل‬
‫بأس‪ ،‬لقول النبي صّلى الله عليه وسّلم‪” :‬إن خيار الناس‬
‫أحسنهم قضاء“‪ .‬رواه مسلم في صحيحه)‪ ،(35‬وأخرجه‬
‫البخاري بلفظ‪” :‬إن من خيار الناس أحسنهم قضاء“)‪.(36‬‬
‫أما العقد المذكور فل عمل عليه ول يلزم به شيء‬
‫لكونه عقدا ً غير شرعي‪ ،‬وقد دّلت النصوص الشرعية‬
‫على أنه ل يجوز بيع القرض إل بسعر المثل وقت‬
‫التقاضي إل أن يسمح من عليه القرض بالزيادة من باب‬
‫الحسان والمكافأة للحديث الصحيح المذكور‬
‫آنفا ً)‪.(37‬سماحة العلمة عبد العزيز ابن باز‬
‫س‪ :‬طلب مني أحد أقاربي المقيمين بالقاهرة قرضا ً‬
‫وقدره ‪ 2500‬جنيه مصري‪ ،‬وقد أرسلت له مبلغ ‪2000‬‬
‫دولر باعهم وحصل على مبلغ ‪ 2490‬جنيها ً مصريًا‪،‬‬
‫ويرغب حاليا ً في سداد الدين‪ ،‬علما ً بأننا لم نتفق على‬
‫موعد وكيفية السداد‪ ،‬والسؤال هل أحصل منه على مبلغ‬

‫فتاوى إسلمية ‪.2/412‬‬ ‫‪()34‬‬

‫مسلم برقم ‪.1600‬‬ ‫‪()35‬‬

‫البخاري برقم ‪.2306‬‬ ‫‪()36‬‬

‫فتاوى إسلمية ‪.2/414‬‬ ‫‪()37‬‬

‫‪88‬‬
‫‪ 2490‬جنيها ً مصريا ً وهو يساوي حاليا ً ‪ 1800‬دولر‬
‫أمريكي )أقل من المبلغ الذي دفعته له بالدولر( أم‬
‫أحصل على مبلغ ‪ 2000‬دولر علما ً بأنه سوف يترتب‬
‫على ذلك أن يقوم هو بشراء )الدولرات( بحوالي ‪2800‬‬
‫جنيه مصري )أي أكثر من المبلغ الذي حصل عليه فعل ً‬
‫بأكثر من ‪ 300‬جنيه مصري(؟‬
‫جـ‪ :‬الواجب أن يرد ّ عليك ما اقترضته دولرات‪ ،‬لن هذا‬
‫هو القرض الذي حصل منك له‪ ،‬ولكن مع ذلك إذا‬
‫اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية فل حرج‪ ،‬قال‬
‫ابن عمر رضي الله عنهما‪ :‬كنا نبيع البل بالبقيع أو بالنقيع‬
‫بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير‪ ،‬ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها‬
‫الدراهم‪ ،‬فقال النبي صّلى الله عليه وسّلم‪” :‬ل بأس أن‬
‫تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء“)‪ ،(38‬فهذا‬
‫بيع نقد من غير جنسه فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب‬
‫بالفضة‪ ،‬فإذا اتفقت أنت وإياه على أن يعطيك عوضا ً عن‬
‫هذه الدولرات من الجنيهات المصرية بشرط أل تأخذ منه‬
‫جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل‪ ،‬فإن هذا ل‬
‫بأس به‪ ،‬فمثل ً إذا كانت ‪ 2000‬دولر تساوي الن ‪2800‬‬
‫جنيه ل يجوز أن تأخذ منه ثلثة آلف جنيه ولكن يجوز أن‬
‫تأخذ ‪ 2800‬جنيه‪ ،‬ويجوز أن تأخذ منه ‪ 2000‬دولر فقط‬
‫يعني إنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل‪ ،‬أي ل تأخذ أكثر لنك‬
‫إذا أخذت أكثر فقد ربحت فيما لم يدخل في ضمانك‪ ،‬وقد‬
‫نهى النبي عليه الصلة والسلم عن ربح ما لم يضمن‪،‬‬
‫وأما إذا أخذت بأقل فإن هذا يكون أخذا ً ببعض حقك‪،‬‬
‫وإبراء عن الباقي‪ ،‬وهذا ل بأس به)‪.(39‬فضيلة العلمة ابن‬
‫عثيمين‬
‫المسألة السادسة عشرة‪ :‬القرض الذي يجّر‬
‫منفعة‪:‬‬
‫س‪ :‬رجل اقترض مال ً من رجل لكن المقرض اشترط‬
‫أن يأخذ قطعة أرض زراعية من المقترض رهن بالمبلغ‪،‬‬
‫يقوم بزراعتها وأخذ غلتها كاملة أو نصفها‪ ،‬والنصف الخر‬
‫أبو داود ‪ ،3/250‬برقم ‪ ،3345‬والنسائي في كتاب البيوع‪ ،‬الباب رقم ‪.52 ،50‬‬ ‫‪()38‬‬

‫فتاوى إسلمية ‪.415-2/414‬‬ ‫‪()39‬‬

‫‪89‬‬
‫لصاحب الرض حتى يرجع المدين المال كامل ً كما أخذه‬
‫فيرجع له الدائن الرض التي كانت تحت يده‪ ،‬ما حكم‬
‫الشرع في نظركم في هذا القرض المشروط؟‬
‫جـ‪ :‬إن القرض من عقود الرفاق التي يقصد بها الرفق‬
‫بالمقترض والحسان إليه‪ ،‬وهو من المور المطلوبة‬
‫المحبوبة إلى الله عز وجل لنه إحسان إلى عباد الله وقد‬
‫َ‬
‫ن{)‪.(40‬‬‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫سُنوا ْ إ ِ ّ‬
‫ح ِ‬
‫قال الله تعالى‪} :‬وَأ ْ‬
‫فهو بالنسبة للمقرض مشروع مستحب‪ ،‬وبالنسبة‬
‫للمقترض جائز مباح‪.‬‬
‫وقد ثبت عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه استسلف‬
‫من رجل َبكرا ً ورد ّ خيرا ً منه‪ ،‬وإذا كان هذا العقد أي‬
‫القرض من عقود الرفاق والحسان فإنه ل يجوز أن‬
‫يحول إلى عقد معاوضة وربح‪ ،‬أعني الربح المادي‬
‫الدنيوي؛ لنه بذلك يخرج من موضوعه إلى موضوع البيع‬
‫والمعاوضات‪ ،‬ولهذا تجد الفرق بين أن يقول رجل لخر‪:‬‬
‫بعتك هذا الدينار بدينار آخر إلى سنة‪ ،‬أو بعتك هذا الدينار‬
‫بدينار آخر ثم يتفرقا قبل القبض‪ ،‬فإنه في الصورتين‬
‫يكون بيعا ً حراما ً وربًا‪ ،‬لكن لو أقرضه دينارا ً قرضا ً وأوفاه‬
‫بعد شهر أو سنة كان ذلك جائزا ً مع أن المقرض لم يأخذ‬
‫العوض إل بعد سنة أو أقل أو أكثر نظرا ً لتغليب جانب‬
‫الرفاق‪.‬‬
‫وبناء على ذلك فإن المقرض إذا اشترط على المقترض‬
‫نفعا ً ماديا ً فقد خرج بالقرض عن موضوع الرفاق فيكون‬
‫حرامًا‪.‬‬
‫والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جّر‬
‫منفعة فهو ربا‪ ،‬وعلى هذا فل يجوز للمقرض أن يشترط‬
‫على المقترض أن يمنحه أرضا ً ليزرعها حتى ولو أعطى‬
‫المقترض سهما ً من الزرع؛ لن ذلك جر منفعة إلى‬
‫المقرض تخرج القرض عن موضوعه وهو الرفاق‬
‫والحسان)‪.(41‬فضيلة العلمة ابن عثيمين‬

‫سورة البقرة‪ ،‬الية‪.195 :‬‬ ‫‪()40‬‬

‫فتاوى إسلمية ‪.416-2/415‬‬ ‫‪()41‬‬

‫‪90‬‬
‫المسألة السابعة عشرة‪ :‬التأمين التجاري‬
‫والضمان البنكي‪:‬‬
‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على رسوله محمد‬
‫وعلى آله وصحبه وبعد‪..‬‬
‫فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء على‬
‫الستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام‪ ،‬والمقيد برقم‬
‫صه‪:‬‬ ‫‪ 1100‬في ‪28/7/1400‬هـ ون ّ‬
‫لقد عرض لنا أمر فل بد فيه من التعامل مع البنك‪ ،‬حيث‬
‫نحتاج إلى كفالة بنكية اسمها كفالة حسن تنفيذ )أي أن‬
‫يكون البنك ضامنا ً حسن تنفيذ التفاقية حسب نصوص‬
‫العقد( وقد فوجئنا بأن البنك يأخذ أجرة مقابل هذه‬
‫الكفالة )خطاب الضمان( الذي يقدمه‪ ،‬ورجعنا لما تيسر‬
‫لدينا من كتب الفقه البسيطة فوجدنا أن الضمان أو‬
‫الكفالة )تبرع(‪ ،‬فوقعنا في حيرة من أمرنا‪ ،‬وأوقفنا‬
‫المشروع حتى نصل للحكم الشرعي الصحيح مقترنا ً‬
‫ما بلغنا عنكم‬ ‫بالدلة الشرعية‪ ،‬فرأينا أن نبعث لفضيلتكم ل ِ َ‬
‫من العلم والتقوى والورع‪ ،‬لذا نرجو من فضيلتكم أن‬
‫تعلمونا رأيكم مقترنا ً بالدلة الشرعية‪ ،‬هل يجوز أخذ أجرة‬
‫على الكفالة أو الضمان؟‬
‫وكذلك عمليات التأمين على البضائع ضد ّ الحوادث‪،‬‬
‫والتأمين على الحياة‪ ،‬وما رأي الشرع في مثل هذه‬
‫العقود؟‬
‫وأجابت بما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬ضمان البنك لكم بربح على المبلغ الذي يضمنكم‬ ‫أو ً‬
‫فيه لمن تلتزمون له بتنفيذ أي عقد ل يجوز؛ لن الربح‬
‫الذي يأخذه زيادة ربوية محرمة‪ ،‬والربا كما هو معروف‬
‫محرم بالكتاب والسنة وإجماع المة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬التأمين التجاري حرام ل ِ َ‬
‫ما يأتي‪:‬‬
‫‪1‬ـ عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية‬
‫الحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش‪ ،‬لن المستأمن‬
‫ل يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما ُيعطي أو يأخذ‪،‬‬
‫فقد يدفع قسطا ً أو قسطين ثم تقع الكارثة‪ ،‬فيستحق ما‬
‫من‪ ،‬وقد ل تقع الكارثة فيدفع جميع القساط‬ ‫التزم به المؤ ّ‬

‫‪91‬‬
‫من ل يستطيع أن يحدد ما يعطي‬ ‫ول يأخذ شيئًا‪ ،‬وذلك المؤ ّ‬
‫ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده‪ ،‬وقد ورد في الحديث‬
‫الصحيح عن النبي صّلى الله عليه وسّلم النهي عن بيع‬
‫الغرر)‪ .(42‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪2‬ـ عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة‪،‬‬
‫ما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية‪ ،‬ومن الغرم بل‬ ‫لِ َ‬
‫جناية أو تسبب فيها‪ ،‬ومن الغنم بل مقابل أو مقابل غير‬
‫مكافئ‪ ،‬فإن المستأمن قد يدفع قسطا ً من التأمين ثم يقع‬
‫من كل مبلغ التأمين‪ ،‬وقد ل يقع‬ ‫الحادث فيغرم المؤ ّ‬
‫من أقساط التأمين بل مقابل‪،‬‬ ‫الخطر ومع ذلك يغنم المؤ ّ‬
‫وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمارًا‪ ،‬ودخل في عموم‬
‫مُنوا ْ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫النهي عن الميسر في قوله تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م ِ‬‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫ب َواْلْزل ُ‬ ‫صا ُ‬ ‫سُر َواْلن ْ َ‬ ‫مُر َوال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫خ ْ‬‫ما ال ْ َ‬
‫إ ِن ّ َ‬
‫ن{ ‪.‬‬ ‫حو َ‬
‫م ت ُْفل ِ ُ‬‫جت َن ُِبوهُ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ن َفا ْ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫)‪(43‬‬

‫‪3‬ـ عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل‬


‫والنساء‪ ،‬فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو‬
‫للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل‪،‬‬
‫من يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة العقد فيكون ربا‬ ‫والمؤ ّ‬
‫نساء‪ ،‬وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها‬
‫ص والجماع‪.‬‬ ‫يكون ربا نساء فقط‪ ،‬وكلهما محّرم بالن ّ ّ‬
‫‪4‬ـ عقد التأمين التجاري من الرهان؛ لن كل ّ منهما فيه‬
‫جهالة وغرر ومقامرة‪ ،‬ولم يبح الشرع من الرهان إل ما‬
‫فيه نصرة للسلم وظهور لعلمه بالحجة والسنان‪ ،‬وقد‬
‫حصر النبي صّلى الله عليه وسّلم رخصة الرهان بعوض‬
‫في ثلث بقوله صّلى الله عليه وسّلم‪” :‬ل سبق إل في‬

‫أخرجه مسلم برقم )‪ (1513‬عن أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬ ‫‪()42‬‬

‫سورة المائدة‪ ،‬الية‪.90 :‬‬ ‫‪()43‬‬

‫‪92‬‬
‫خف أو حافر أو نصل“)‪ .(44‬رواه أحمد وأبو داود والنسائي‬
‫والترمذي وصححه ابن حبان‪.‬‬
‫وليس التأمين من ذلك ول شبيها ً به فكان محرمًا‪.‬‬
‫‪5‬ـ عقد التأمين في أخذ مال الغير بل مقابل هو أخذ بل‬
‫مقابل في عقود المعاوضات التجارية محّرم؛ لدخوله في‬
‫مُنوا ْ ل ت َأ ْك ُُلوا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫عموم النهي في قوله تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫أ َموال َك ُم بينك ُم بال ْباطل إل ّ أ َ‬
‫من ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ض ِ‬ ‫ٍ‬ ‫را‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫جا‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ن تَ ُ‬
‫كو‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ََْ ْ ِ َ ِ ِ ِ‬ ‫ْ َ‬
‫ً )‪(45‬‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫حيما{ ‪.‬‬ ‫م َر ِ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬
‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫َول ت َْقت ُلوا أن ُْف َ‬
‫‪6‬ـ في عقد التأمين التجاري اللزام بما ل يلزم شرعًا‪،‬‬
‫من لم يحدث الخطر منه‪ ،‬ولم يتسبب في‬ ‫فإن المؤ ّ‬
‫حدوثه‪ ،‬وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن‪ ،‬على‬
‫ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه‬
‫من لن يبذل عمل ً للمستأمن فكان‬ ‫المستأمن له‪ ،‬والمؤ ّ‬
‫حرامًا‪.‬‬
‫نرجو أن يكون فيما ذكرناه نفع للسائل وكفاية‪ ،‬مع‬
‫العلم بأنه ليس لدينا كتب في هذا الموضوع حتى نرسل‬
‫لكم نسخة منها‪ ،‬ول نعلم كتابا ً مناسبا ً في الموضوع‬
‫نرشدكم إليه‪.‬‬
‫وبالله التوفيق‪ .‬وصلى الله وسلم على عبده ورسوله‬
‫محمد وعلى آله وصحبه)‪.(46‬‬
‫وقد اتضح أن التأمين التجاري والتأمين على الحياة ل‬
‫يجوز لدلة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ فيه ربا؛ لن الفائدة تعطى في بعض أنواعه – وهو‬
‫التأمين على الحياة – لنها تتضمن التزام المؤمن بأن‬
‫‪ ()44‬أخرجه الترمذي برقم )‪ (1700‬وأبو داود برقم )‪ ،(2574‬وابن ماجه )‪ (44‬و)‬
‫‪ .(2878‬والنسائي )‪ (3587‬و)‪ ،(3588‬وأحمد في المسند )‪ (474 ،358 ،2/256‬عن‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫والحديث حسنه الترمذي‪ ،‬وصححه ابن القطان‪ ،‬وابن دقيق العيد قال أحمد شاكر في‬
‫تحقيق المسند )‪ (7476‬و)‪ (8678‬و)‪ (8981‬و)‪” :(9483‬إسناده صحيح“‪ ،‬وقال‬
‫الرناؤوط في شرح السنة )‪” :(10/393‬إسناده صحيح“‪.‬‬
‫‪ ()45‬سورة النساء‪ ،‬الية‪.29 :‬‬
‫‪ ()46‬اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‪ :‬عبد الله بن قعود )عضو(‪ ،‬عبد الرزاق‬
‫عفيفي )نائب رئيس اللجنة( عبد العزيز بن عبد الله بن باز )الرئيس( فتوى رقم‬
‫‪ ،3249‬وتاريخ ‪9/10/1400‬هـ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫يدفع إلى المستأمن ما قدمه إلى المؤمن مضافا ً إلى ذلك‬
‫فائدته الربوية‪ ،‬فالمستأمن يعطي القليل من النقود ويأخذ‬
‫الكثير‪.‬‬
‫‪2‬ـ التأمين يستلزم أكل أموال الناس بالباطل‪.‬‬
‫‪3‬ـ يقوم التأمين على المقامرة والمراهنة؛ لنه عقد‬
‫معلق على خطر‪ ،‬فتارة يقع‪ ،‬وتارة ل يقع‪ ،‬فهو قمار‬
‫ى‪.‬‬
‫معن ً‬
‫‪4‬ـ التأمين فيه غرر وجهالة‪.‬‬
‫‪5‬ـ التأمين يوقع بين المتعاقدين العداوة والخصام‪ ،‬وذلك‬
‫أنه متى وقع الخطر حاول كل من الطرفين تحميل الخر‬
‫الخسائر التي حصلت‪ ،‬ويترتب على ذلك نزاع ومشاكل‪،‬‬
‫ومرافعات قضائية‪.‬‬
‫‪6‬ـ ل ضرورة تدعو إلى التأمين‪ ،‬فقد شرع الله‬
‫الصدقات في السلم‪ ،‬وأوجب الزكاة للفقراء والمساكين‬
‫والغارمين‪ ،‬والحكومة السلمية مسؤولة عن رعاياها)‪.(47‬‬
‫=====================‬
‫مفاسد الربا وأضراره وأخطاره وآثاره‬
‫ن للّربا أضرار جسيمة‪ ،‬وعواقب وخيمة‪ ،‬والدين‬ ‫كأ ّ‬‫لش ّ‬
‫السلمي لم يأمر البشرية بشيء إل وفيه سعادتها‪ ،‬وعّزها‬
‫في الدنيا والخرة‪ ،‬ولم ينهها عن شيء إل وفيه شقاوتها‪،‬‬
‫وخسارتها في الدنيا والخرة‪ ،‬وللربا أضرار عديدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ الربا له أضرار أخلقية وروحية؛ لننا ل نجد من‬
‫يتعامل بالربا إل إنسانا ً منطبعا ً في نفسه البخل‪ ،‬وضيق‬
‫الصدر‪ ،‬وتحجر القلب‪ ،‬والعبودية للمال‪ ،‬والتكالب على‬
‫المادة وما إلى ذلك من الصفات الرذيلة‪.‬‬
‫‪2‬ـ الربا له أضرار اجتماعية؛ لن المجتمع الذي يتعامل‬
‫بالربا مجتمع منحل‪ ،‬متفكك‪ ،‬ل يتساعد أفراده فيما بينهم‪،‬‬
‫ول يساعد أحد غيره إل إذا كان يرجو من ورائه شيئًا‪،‬‬
‫والطبقات الموسرة تضاد وتعادي الطبقات المعدمة‪.‬‬

‫‪ ()47‬انظر الربا والمعاملت المصرفية في نظر الشريعة السلمية‪ ،‬للشيخ الدكتور عمر‬
‫عبد العزيز المترك‪ ،‬ت ‪1405‬هـ‪ ،‬ص ‪.425‬‬ ‫ابن‬

‫‪94‬‬
‫ول يمكن أن تدوم لهذا المجتمع سعادته‪ ،‬ول استتباب‬
‫أمنه؛ بل ل بد أن تبقى أجزاؤه مائلة إلى التفكك‪،‬‬
‫والتشتت في كل حين من الحيان‪.‬‬
‫‪3‬ـ الربا له أضرار اقتصادية؛ لن الربا إنما يتعلق من‬
‫نواحي الحياة الجتماعية بما يجري فيه التداين بين الناس‪،‬‬
‫على مختلف صوره وأشكاله‪.‬‬
‫والقروض على أنواع‪:‬‬
‫أ ـ قروض يأخذها الفراد المحتاجون؛ لقضاء حاجاتهم‬
‫الذاتية‪ ،‬وهذا أوسع نطاق تحصل به المراباة ولم يسلم‬
‫من هذه الفة قطر من أقطار العالم إل من رحم الله‪،‬‬
‫وذلك لن هذه القطار لم تبذل اهتمامها لتهيئة الظروف‬
‫التي ينال فيها الفقراء‪ ،‬والمتوسطون القرض بسهولة‪،‬‬
‫فكل من وقع من هؤلء في يد المرابي مرة واحدة ل يكاد‬
‫يتخلص منه طول حياته‪ ،‬بل ل يزال أبناؤه‪ ،‬وأحفاده‬
‫يتوارثون ذلك الدين)‪.(48‬‬
‫صّناع‪ ،‬وملك الراضي‬ ‫ب ـ قروض يأخذها التجار‪ ،‬وال ّ‬
‫لستغللها في شؤونهم المثمرة‪.‬‬
‫ج ـ قروض تأخذها الحكومات من أسواق المال في‬
‫البلد الخرى لقضاء حاجاتها‪.‬‬
‫وهذه القروض ضررها يعود على المجتمع بالخسارة‪،‬‬
‫والتعاسة مدة حياته‪ ،‬سواء كانت تلك القروض لتجارة‪ ،‬أو‬
‫لصناعة‪ ،‬أو مما تأخذه الحكومات الفقيرة من الدول‬
‫الغنية؛ فإن ذلك كله يعود على الجميع بالخسارة الكبيرة‬
‫التي ل يكاد يتخلص منها ذلك المجتمع أو تلك الحكومات‪،‬‬
‫وما ذلك إل لعدم اتباع المنهج السلمي‪ ،‬الذي يدعو إلى‬
‫كل خير ويأمر بالعطف على الفقراء والمساكين‪ ،‬وذوي‬
‫وى َول‬ ‫الحاجات‪ ،‬قال الله تعالى‪} :‬وَت ََعاوَُنوا ْ عََلى ال ْب ِّر َوالت ّْق َ‬
‫ديد ُ‬
‫ش ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن َوات ُّقوا ْ الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ت ََعاوَُنوا ْ عََلى اْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫ب{)‪.(49‬‬ ‫ال ْعَِقا ِ‬
‫وأمر الرسول صّلى الله عليه وسّلم بالتراحم‪،‬‬
‫والتعاطف‪ ،‬والتكاتف بين المسلمين فقال عليه الصلة‬
‫انظر الربا لبي يعلى المودودي ص ‪.40‬‬ ‫‪()48‬‬

‫سورة المائدة‪ ،‬الية‪.2 :‬‬ ‫‪()49‬‬

‫‪95‬‬
‫والسلم‪” :‬إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد ّ بعضه بعضًا‪،‬‬
‫وشبك بين أصابعه“)‪.(50‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪” :‬مثل المؤمنين في توادهم‬
‫وتراحمهم وتعاطفهم‪ ،‬كمثل الجسد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو‬
‫تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى“)‪.(51‬‬
‫فل نجاة‪ ،‬ول خلص‪ ،‬ول سعادة‪ ،‬ول فكاك من المصائب‪،‬‬
‫إل باتباع المنهج السلمي القويم واتباع ما جاء به من‬
‫أحكام‪ ،‬وتعاليم‪.‬‬
‫دم‬ ‫‪4‬ـ انعكاس الربا على المجتمعات السلمية‪ ،‬وتق ّ‬
‫توضيحه‪.‬‬
‫‪5‬ـ تعطيل الطاقة البشرية‪ ،‬فإن البطالة تحصل للمرابي‬
‫بسبب الربا‪.‬‬
‫‪6‬ـ التضخم لدى الناس بدون عمل‪.‬‬
‫‪7‬ـ توجيه القتصاد وجهة منحرفة‪ ،‬وبذلك يحصل‬
‫السراف‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ وضع مال المسلمين بين أيدي خصومهم‪ ،‬وهذا من‬
‫أخطر ما أصيب به المسلمون‪ ،‬وذلك لنهم أودعوا الفائض‬
‫من أموالهم في البنوك الربوية في دول الكفر‪ ،‬وهذا‬
‫اليداع يجّرد المسلمين من أدوات النشاط‪ ،‬ويعين هؤلء‬
‫الكفرة أو المرابين على إضعاف المسلمين‪ ،‬والستفادة‬
‫من أموالهم)‪.(52‬‬
‫‪9‬ـ الربا خلق وعمل من أعمال أعداء الله اليهود‪ ،‬قال‬
‫وا َ‬
‫ل‬ ‫خذهم الربا وقَد نهوا ْ عَنه وأ َك ْل ِه َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬‫مأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫الله عز وجل‪} :‬وَأ ْ ِ ِ ُ ّ َ ْ ُ ُ‬
‫ذابا ً أ َِليمًا{)‪.(53‬‬ ‫م عَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ن ِ‬
‫ري َ‬ ‫ل وَأ َعْت َد َْنا ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫س ِبال َْباط ِ ِ‬
‫الّنا ِ‬
‫‪10‬ـ الربا من أخلق أهل الجاهلية فمن تعامل به وقع‬
‫في صفة من صفاتهم)‪.(54‬‬
‫‪11‬ـ آكل الربا يبعث يوم القيامة كالمجنون‪ ،‬قال الله‬
‫ْ‬
‫ذي‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬
‫ما ي َُقو ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن الّربا ل ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬‫تعالى‪} :‬ال ّ ِ‬

‫البخاري ‪ ،1/122‬برقم ‪ ،481‬ومسلم ‪ ،4/1999‬برقم ‪.2585‬‬ ‫‪()50‬‬

‫البخاري ‪ ،7/77‬برقم ‪ ،6011‬ومسلم ‪ 4/1999‬واللفظ له برقم ‪.2586‬‬ ‫‪()51‬‬

‫انظر الربا‪ ،‬وآثاره على المجتمع النساني‪ ،‬للدكتور عمر بن سليمان الشقر‪.‬‬ ‫‪()52‬‬

‫سورة النساء‪ ،‬الية‪ ،161 :‬وانظر ص ‪.15‬‬ ‫‪()53‬‬

‫انظر الفصل الثالث من الباب الول )الربا في الجاهلية(‪.‬‬ ‫‪()54‬‬

‫‪96‬‬
‫طان من ال ْمس ذ َل َ َ‬
‫ما ال ْب َي ْعُ‬ ‫م َقاُلوا ْ إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫عظ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م الّربا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّربا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫عاد َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َرب ّهِ َفان ْت ََهى فَل َ ُ‬ ‫مُْ‬ ‫ِ‬
‫ن{)‪.(55‬‬ ‫َ‬ ‫فَأول َئ ِ َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬
‫‪12‬ـ يمحق الله أموال الربا ويتلفها‪ ،‬قال الله عز وجل‪:‬‬
‫ل ك َّفاٍر‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه الّربا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫}ي َ ْ‬
‫م{ ‪ .‬وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صّلى‬ ‫َ‬
‫أِثي ٍ‬
‫(‬ ‫‪56‬‬ ‫)‬

‫الله عليه وسّلم أنه قال‪” :‬الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير‬
‫إلى قل“)‪.(57‬‬
‫‪13‬ـ التعامل بالربا يوقع في حرب من الله ورسوله‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫صّلى الله عليه وسّلم‪ ،‬قال الله عز وجل‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‪،‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن الّربا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫آ َ‬
‫ْ‬
‫م‬
‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫سول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَُلوا ْ فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن{)‪.(58‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن َول ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫فَل َك ُ ْ‬
‫ل على ضعف الّتقوى أو عدمها‪ ،‬وهذا‬ ‫‪14‬ـ أكل الربا يد ّ‬
‫يسبب عدم الفلح ويوقع في خسارة الدنيا والخرة‪ ،‬قال‬
‫ضَعافا ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ْ ل ت َأك ُُلوا ْ الّربا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الله تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‪َ ،‬وات ُّقوا ْ الّناَر ال ِّتي‬ ‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬ ‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ة َوات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫ضاعََف ً‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن{‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫سو َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أُ ِ‬
‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬ ‫ل لعَلك ْ‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫ن‪ ،‬وَأ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ت ل ِلكافِ ِ‬ ‫عد ّ ْ‬
‫)‪.(59‬‬
‫‪15‬ـ أكل الربا ُيوقع صاحبه في اللعنة‪ ،‬فيبعد من رحمة‬
‫الله تعالى‪ ،‬فإن النبي صّلى الله عليه وسّلم‪” :‬لعن آكل‬
‫الربا‪ ،‬وموكله‪ ،‬وكاتبه‪ ،‬وشاهديه“‪ ،‬وقال‪” :‬هم سواء“)‪.(60‬‬
‫‪16‬ـ آكل الربا يعذب بعد موته بالسباحة في نهرٍ من دم‪،‬‬
‫وتقذف في فيه الحجارة فيرجع في وسط نهر الدم‪ ،‬وفي‬
‫الحديث عن سمرة رضي الله عنه بعد أن ساق الحديث‬

‫‪ ()55‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪.275 :‬‬


‫‪ ()56‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪.276 :‬‬
‫‪ ()57‬أحمد في المسند ‪ ،424 ،1/395‬والحاكم وصححه ووافقه الذهبي‪ ،2/37 ،‬وصحح‬
‫إسناده أحمد شاكر في المسند برقم ‪.3754‬‬
‫‪ ()58‬سورة البقرة‪ ،‬اليتان‪.279 ،278 :‬‬
‫‪ ()59‬سورة آل عمران‪ ،‬اليات‪.132-130 :‬‬
‫‪ ()60‬أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه ‪ 3/1218‬برقم ‪.1597‬‬

‫‪97‬‬
‫بطوله فقيل للنبي صّلى الله عليه وسّلم‪” :‬الذي رأيته في‬
‫النهر آكل الربا“)‪.(61‬‬
‫‪17‬ـ أكل الربا من أعظم المهلكات‪ ،‬فعن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه قال‪:‬‬
‫”اجتنبوا السبع الموبقات“ قالوا يا رسول الله وما هن؟‬
‫قال‪” :‬الشرك‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي حّرم الله إل‬
‫بالحق‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬والتولي يوم الزحف‪،‬‬
‫وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات“)‪.(62‬‬
‫‪18‬ـ أكل الربا يسبب حلول العذاب والدمار‪ ،‬فعن ابن‬
‫عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى النبي صّلى الله عليه‬
‫وسّلم‪” :‬إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم‬
‫عذاب الله“)‪.(63‬‬
‫‪19‬ـ الربا ثلثة وسبعون بابا ً من أبواب الشر‪ ،‬فعن عبد‬
‫الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صّلى الله عليه‬
‫وسّلم قال‪” :‬الربا ثلثة وسبعون بابا ً أيسرها مثل أن ينكح‬
‫الرجل أمه‪ ،‬وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم“)‪.(64‬‬

‫‪ ()61‬أخرجه البخاري ‪ 3/11‬برقم ‪ ،2085‬وانظر‪ :‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‬


‫‪.4/313‬‬
‫‪ ()62‬متفق عليه‪ :‬البخاري برقم ‪ ،2615‬والبخاري مع الفتح ‪ 5/393‬برقم ‪ ،2015‬ومسلم‬
‫برقم ‪.89‬‬
‫‪ ()63‬أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ‪ ،2/37‬وحسنه اللباني في غاية المرام في‬
‫تخريج أحاديث الحلل والحرام‪ ،‬ص ‪ 203‬برقم ‪.344‬‬
‫‪ ()64‬أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ‪ ،2/37‬وصححه‬
‫اللباني في صحيح الجامع الصغير ‪ ،3/186‬وأخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه برقم ‪ 2274‬ولفظه‪” :‬الربا سبعون حوبا ً أيسرها أن ينكح الرجل أمه“ وصححه‬
‫اللباني في صحيح ابن ماجه ‪ ،2/27‬وقال شعيب الرنؤوط في تحقيقه لشرح السنة‬
‫للبغوي ‪” :8/55‬صححه الحافظ العراقي“ وأخرج نصفه الول ابن ماجه عن ابن‬
‫مسعود رضي الله عنه برقم ‪ 2275‬ولفظه‪” :‬الربا ثلثة وسبعون بابًا“ وصححه اللباني‬
‫في صحيح ابن ماجه ‪ ،2/28‬وقال العلمة عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله‪:‬‬
‫”وعند ابن ماجه‪ :‬الربا ثلثة وسبعون بابًا‪ ،‬وهي صحيحة ولم يزد على ذلك‪ ...‬ورواه أبو‬
‫داود بإسناد جيد عن سعيد بن زيد مرفوعًا‪” :‬إن من أربى الربا الستطالة في عرض‬
‫المسلم بغير حق“ ‪ ،4/269‬وزيادة ”أيسرها كأن ينكح الرجل أمه“ فيها نظر‪ ،‬وقد رواه‬
‫الحاكم وصححه ووافقه الذهبي‪ ،‬وهذا مما يوجب الحذر‪ ،‬والتمثيل بالم يدل على عظم‬
‫الذنب‪ ،‬والتمثيل بالعرض يدل على أن الربا ل يختص بالمال‪ ،‬وأنه يدخل في الربا‪:‬‬
‫الغيبة‪ ،‬والنميمة‪ ،‬وتعاطي ما حّرم الله من الفواحش الخرى“ انتهى كلم ابن باز‬

‫‪98‬‬
‫‪20‬ـ الربا معصية لله ورسوله‪ ،‬قال الله عز وجل‪:‬‬
‫ة أوَ‬ ‫َ‬ ‫خال ُِفون عَ َ‬
‫م فِت ْن َ ٌ ْ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬ ‫}فَل ْي َ ْ‬
‫َ‬
‫ص الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن ي َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م{ ‪ .‬وقال تعالى‪} :‬وَ َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫يُ ِ‬
‫)‪(65‬‬

‫ب‬‫ذا ٌ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫خاِلدا ً ِفيَها وَل َ ُ‬ ‫ه َنارا ً َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫دود َهُ ي ُد ْ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ه وَي َت َعَد ّ ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫ة‬
‫من َ ٍ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َول ُ‬ ‫م ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن{ ‪ .‬وقال الله تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫)‪(66‬‬
‫مِهي ٌ‬ ‫ُ‬
‫م ال ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫خي ََرةُ ِ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مرا ً أ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ضى الل ّ ُ‬ ‫ذا قَ َ‬ ‫إِ َ‬
‫ً )‪(67‬‬ ‫َ‬
‫مِبينا{ ‪.‬‬ ‫ضلل ً ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬‫ه فََقد ْ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ن ي َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫مرِهِ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫م‬‫جهَن ّ َ‬ ‫ه َناَر َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ه فَإ ِ ّ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫ن ي َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وقال عز وجل‪} :‬وَ َ‬
‫ن ِفيَها أ ََبدًا{)‪.(68‬‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫‪21‬ـ آكل الربا متوعد بالنار إن لم يتب‪ ،‬قال الله عز‬
‫عظ َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫م الّربا فَ َ‬
‫م‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫وجل‪} :‬وَأ َ‬
‫عاد َ فَُأول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬
‫ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ ّ ِ ََْ‬
‫دون{ ‪.‬‬ ‫َ‬
‫)‪(69‬‬
‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫‪22‬ـ ل يقبل الله الصدقة من الربا‪ ،‬لقول النبي صّلى‬
‫الله عليه وسّلم‪” :‬إن الله طيب ل يقبل إل طيبًا“)‪.(70‬‬
‫‪23‬ـ ل يستجاب دعاء آكل الربا‪ ،‬ففي حديث أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه أن النبي صّلى الله عليه وسّلم ”‪ ...‬ذكر‬
‫الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد ّ يديه إلى السماء‪ :‬يا‬
‫ب ومطعمه حرام‪ ،‬ومشربه حرام‪ ،‬وملبسه‬ ‫ب‪ ،‬يا ر ّ‬ ‫ر ّ‬
‫ذي بالحرام فأّنى ُيستجاب لذلك“ ‪.‬‬
‫)‪(71‬‬
‫حرام‪ ،‬وغُ ّ‬
‫‪24‬ـ أكل الربا يسبب قسوة القلب ودخول الران عليه‪،‬‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ن عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ل َرا َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬ك َل ّ ب َ ْ‬
‫ن{)‪ .(72‬وقال النبي صّلى الله عليه وسّلم‪” :‬أل وإن‬ ‫سُبو َ‬ ‫ي َك ْ ِ‬

‫حفظه الله‪ ،‬من تعليقه على الحديث رقم ‪ 851‬من بلوغ المرام لبن حجر رحمه الله‪.‬‬
‫‪ ()65‬سورة النور‪ ،‬الية‪.63 :‬‬
‫‪ ()66‬سورة النساء‪ ،‬الية‪.14 :‬‬
‫‪ ()67‬سورة الحزاب‪ ،‬الية‪.36 :‬‬
‫‪ ()68‬سورة الجن‪ ،‬الية‪.23 :‬‬
‫‪ ()69‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪.275 :‬‬
‫‪ ()70‬أخرجه مسلم ‪ 2/703‬برقم ‪.1014‬‬
‫‪ ()71‬أخرجه مسلم كما تقدم ‪ 2/703‬برقم ‪.1014‬‬
‫‪ ()72‬سورة المطففين‪ ،‬الية‪.14 :‬‬

‫‪99‬‬
‫في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله‪ ،‬وإذا‬
‫فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب“)‪.(73‬‬
‫‪25‬ـ أكل الربا يكون سببا ً في الحرمان من الطيبات‪،‬‬
‫م‬‫مَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫حّر ْ‬‫دوا ْ َ‬ ‫ها ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫قال الله تعالى‪} :‬فَب ِظ ُل ْم ٍ ِ‬
‫م‬
‫خذِهِ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ك َِثيرًا‪ ،‬وَأ َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫صد ّهِ ْ‬ ‫م وَب ِ َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫ت أُ ِ‬
‫حل ّ ْ‬ ‫ط َي َّبا ٍ‬
‫ل وَأ َعْت َد َْنا‬ ‫س ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫وا َ‬ ‫م َ‬
‫الربا وقَد نهوا ْ عَنه وأ َك ْل ِه َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ّ َ ْ ُُ‬
‫ذابا ً أِليما{ ‪.‬‬
‫ً )‪(74‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫من ْهُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬
‫‪26‬ـ أكل الربا ظلم‪ ،‬والظلم ظلمات يوم القيامة‪ ،‬قال‬
‫ن‬‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬‫ل ال ّ‬ ‫م ُ‬ ‫ما ي َعْ َ‬ ‫غافِل ً عَ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫الله تعالى‪َ} :‬ول ت َ ْ‬
‫مْقن ِِعي‬ ‫َ‬ ‫م ل ِي َوْم ٍ ت َ ْ‬ ‫ما ي ُؤَ ّ‬
‫ن ُ‬ ‫مهْط ِِعي َ‬ ‫صاُر‪ُ ،‬‬ ‫ص ِفيهِ الب ْ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫خُرهُ ْ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫واٌء{ ‪.‬‬ ‫م هَ َ‬ ‫م وَأفْئ ِد َت ُهُ ْ‬ ‫م ط َْرفُهُ ْ‬ ‫م ل ي َْرت َد ّ إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫سه ِ ْ‬‫ُرُءو ِ‬
‫)‪(75‬‬

‫‪27‬ـ آكل الربا يحال بينه وبين أبواب الخير في الغالب‪،‬‬


‫فل يقرض القرض الحسن‪ ،‬ول ينظر المعسر‪ ،‬ول ينفس‬
‫الكربة عن المكروب؛ لنه يصعب عليه إعطاء المال بدون‬
‫فوائد محسوسة‪ ،‬وقد بّين الله فضل من أعان عباده‬
‫المؤمنين ونّفس عنهم الكرب‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه قال‪” :‬من نّفس‬
‫عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نّفس الله عنه كربة من‬
‫سر الله عليه‬ ‫سر على معسر ي ّ‬ ‫كرب يوم القيامة‪ ،‬ومن ي ّ‬
‫في الدنيا والخرة‪ ،‬ومن ستر مسلما ً ستره الله في الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬والله في عون العبد ما كان العبد في عون‬
‫أخيه“)‪.(76‬‬
‫وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله‬
‫صّلى الله عليه وسّلم قال‪” :‬المسلم أخو المسلم ل‬
‫يظلمه ول ُيسلمه‪ ،‬من كان في حاجة أخيه كان الله في‬
‫حاجته‪ ،‬ومن فّرج عن مسلم كربة فّرج الله عنه بها كربة‬

‫‪ ()73‬أخرجه البخاري ‪ 1/19‬برقم ‪ ،52‬وأخرجه مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله‬


‫عنه ‪ 3/1219‬برقم ‪.1599‬‬
‫‪ ()74‬سورة النساء‪ ،‬اليتان‪.161 ،160 :‬‬
‫‪ ()75‬سورة إبراهيم‪ ،‬اليتان‪.43 ،42 :‬‬
‫‪ ()76‬مسلم ‪ 4/2074‬برقم ‪.2699‬‬

‫‪100‬‬
‫من كرب يوم القيامة‪ ،‬ومن ستر مسلما ً ستره الله يوم‬
‫القيامة“)‪.(77‬‬
‫وثبت عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه قال‪” :‬من‬
‫أنظر معسرا ً أو وضع عنه أظله الله في ظله“)‪.(78‬‬
‫‪28‬ـ الربا يقتل مشاعر الشفقة عند النسان؛ لن‬
‫المرابي ل يتردد في تجريد المدين من جميع أمواله عند‬
‫قدرته على ذلك‪ ،‬ولهذا جاء عن النبي صّلى الله عليه‬
‫وسّلم أنه قال‪” :‬ل تنزع الرحمة إل من شقي“)‪ .(79‬وقال‬
‫عليه الصلة والسلم‪” :‬ل يرحم الله من ل يرحم‬
‫الناس“)‪ .(80‬وقال عليه الصلة والسلم‪” :‬الراحمون‬
‫يرحمهم الرحمن‪ ،‬ارحموا من في الرض يرحمكم من في‬
‫السماء“)‪.(81‬‬
‫‪29‬ـ الربا يسبب العداوة والبغضاء بين الفراد‬
‫والجماعات‪ ،‬ويحدث التقاطع والفتنة)‪.(82‬‬
‫‪30‬ـ يجّر الناس إلى الدخول في مغامرات ليس‬
‫مل نتائجها‪ .‬وأضرار الربا ل ُتحصى‪ ،‬ويكفي‬ ‫باستطاعتهم تح ّ‬
‫ل ما فيه ضرر‬ ‫أن نعلم أن الله تعالى ل يحرم إل ك ّ‬
‫ومفسدة خالصة أو ما ضرره ومفسدته أكثر من نفعه‪،‬‬
‫فأسأل الله لي ولجميع المسلمين العفو والعافية في‬
‫الدنيا والخرة)‪.(83‬‬
‫الخاتمـة‬
‫م بحمد الله تعالى هذا البحث بعد الّتحّري‪ ،‬والعناية‪،‬‬ ‫ت ّ‬
‫على قدر المستطاع‪ ،‬والموضوع له أهمية كبيرة‪ ،‬وجدير‬
‫بالعناية من الباحثين والعلماء المخلصين‪ ،‬وما ذلك إل لن‬
‫الربا آفة خطيرة على المة السلمية؛ لن الربا مضاد‬
‫‪ ()77‬متفق عليه‪ :‬البخاري برقم ‪ ،2442‬ومسلم ‪ 4/1996‬برقم ‪.2580‬‬
‫‪ ()78‬مسلم ‪ 4/2302‬برقم ‪.3006‬‬
‫‪ ()79‬أبو داود ‪ 4/286‬برقم ‪ ،4942‬والترمذي ‪ 4/323‬برقم ‪ ،1923‬وصححه اللباني في‬
‫صحيح الترمذي ‪.2/180‬‬
‫‪ ()80‬متفق عليه‪ :‬البخاري ‪ 8/208‬برقم ‪ ،7376‬ومسلم ‪ 4/1809‬برقم ‪.2319‬‬
‫‪ ()81‬أبو داود ‪ 4/285‬برقم ‪ ،1941‬والترمذي ‪ 4/324‬برقم ‪ ،924‬وصححه اللباني في‬
‫صحيح الترمذي ‪.2/180‬‬
‫‪ ()82‬انظر‪ :‬توضيح الحكام من بلوغ المرام للبسام ‪.4/7‬‬
‫‪ ()83‬انظر‪ :‬توضيح الحكام من بلوغ المرام للبسام ‪.4/7‬‬

‫‪101‬‬
‫لمنهج الله تعالى فيجب على جميع المسلمين التمسك‬
‫بكتاب الله‪ ،‬وسنة رسوله صّلى الله عليه وسّلم ففيهما‬
‫سك بهما‬ ‫الخير كله‪ ،‬وفيهما سعادة البشرية – لمن تم ّ‬
‫وعمل بما فيهما من أحكام وتوجيهات – في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫أما بالنسبة لهذا البحث المتواضع فقد بذلت فيه جهدا ً‬
‫طيبا ً إن شاء الله تعالى‪ ،‬ومن نتائج هذا البحث استعراض‬
‫بعض المسائل المهمة التي يجب على كل مسلم أن‬
‫يعرفها؛ ليجتنب الوقوع فيما حّرم الله تعالى عليه ومنها‪:‬‬
‫‪1‬ـ الوقوف على الدلة القطعية في تحريم الربا‪ ،‬وأن‬
‫من خالف هذه النصوص فقد أذن الله بمحاربته سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬ومن يستطع أن يقف لمحاربة الله تعالى؟‬
‫‪2‬ـ ذكر موقف اليهود من الربا عندما حرمه الله عليهم‪،‬‬
‫فاحتالوا بشتى الحيل‪ ،‬حتى أكلوا الربا مجاهرة‪ ،‬وخداعا ً‬
‫لله‪ ،‬ولرسوله صّلى الله عليه وسّلم‪.‬‬
‫‪3‬ـ الوقوف على عادات الجاهلية قبل السلم‪ ،‬وأنهم‬
‫كانوا في حالة يرثى لها‪ ،‬من تكالب على المال‪ ،‬ولو كان‬
‫طريقه محرما ً وضاّرًا‪ .‬كما وقفنا على فساد عقولهم‪،‬‬
‫وانتكاس فطرهم التي فطر الله الناس عليها‪.‬‬
‫‪4‬ـ إن السلم عندما حّرم الربا فإنه لم يترك البشرية‬
‫ل البيع‪ ،‬وجميع أنواع المضاربات‬ ‫بدون تعويض عنه‪ ،‬بل أح ّ‬
‫المشروعة‪ ،‬التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير‪،‬‬
‫والبركة‪ ،‬والسعادة‪.‬‬
‫‪5‬ـ إن آكل الربا ملعون‪ ،‬ومطرود من رحمة ربه تعالى‪،‬‬
‫كما دّلت على ذلك السنة الصحيحة‪.‬‬
‫‪6‬ـ الوقوف على أنواع الربا‪ ،‬وأنه ينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫ربا الفضل‪ ،‬وربا النسيئة‪ ،‬وكلهما محّرم بالكتاب والسنة‬
‫والجماع‪.‬‬
‫‪7‬ـ جواز بيع الحيوان بالحيوان‪ ،‬وجواز التفاضل‪ ،‬والنساء‬
‫في الطعام غير المكيل‪ ،‬والموزون‪ ،‬وغير الذهب والفضة‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ عدم جواز الدين في الصرف‪ ،‬بل ل بد من المقابضة‬
‫الحالة بين المتصارفين‪ ،‬وكذلك بيع الذهب بالفضة دينا ً أو‬

‫‪102‬‬
‫الفضة بالذهب دينا ً إلى أجل‪ ..‬وهذا أمر ل يجوز لوجود‬
‫الدلة الصحيحة من السنة على تحريم ذلك‪.‬‬
‫‪9‬ـ عدم جواز بيع ما يسمى )بمد عجوة( وهذا السم‬
‫معروف عند الفقهاء‪.‬‬
‫‪10‬ـ بيع العينة محرم بنص السنة الصحيحة‪ ،‬وقد وقع‬
‫فيه أكثر أهل هذا العصر‪ ،‬إل من عصم الله‪.‬‬
‫‪11‬ـ استعراض بعض النصوص التي تأمر بالبتعاد عن‬
‫الشبهات فإن من وقع في الشبهات وقع في الحرام‪ ،‬وأن‬
‫الجسد كله تابع للقلب؛ فبصلح القلب تصلح جميع‬
‫العضاء وبفساده تفسد كلها‪.‬‬
‫‪12‬ـ الوقوف على مضار الربا وآثاره‪ ،‬ومفاسده‪ ،‬وأنه ل‬
‫صلح ول سعادة ونجاة ول خلص إل باتباع المنهج‬
‫السلمي في جميع شئون الحياة‪.‬‬
‫‪13‬ـ تحذير المسلمين من المعاملة بالربا‪ ،‬أو إيداع‬
‫الفائض من أموالهم في بنوك دول الكفر‪ ،‬التي تستفيد‬
‫من هذا الفائض‪ ،‬أو تستخدمه ضد ّ المسلمين‪.‬‬
‫‪14‬ـ تبيين بعض محاسن السلم‪ ،‬وأنه دين السعادة‪،‬‬
‫والهداية ودين الرحمة والعطف‪ ،‬والتراحم بين المسلمين‪،‬‬
‫وقد مثلتهم السنة في قول النبي صّلى الله عليه وسّلم‪:‬‬
‫”إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد ّ بعضه بعضًا“)‪ (84‬فهذا‬
‫فضل عظيم امتن الله به على المسلمين المخلصين‬
‫الصادقين في إسلمهم‪.‬‬
‫‪15‬ـ ذكر أسباب تحريم الربا‪ ،‬وأن الله عز وجل له‬
‫الحكمة البالغة‪ ،‬ومعرفة الحكمة من الحكام الشرعية‬
‫لسنا ملزمين بمعرفتها ولله الحمد‪ .‬فإن عرفنا الحكمة في‬
‫البخاري ‪ ،1/122‬برقم ‪ ،481‬ومسلم ‪ ،4/1999‬برقم ‪.2585‬‬ ‫‪()84‬‬

‫‪103‬‬
‫بعض المور فزيادة علم وخير‪ ،‬وإن لم نعرف عملنا بما‬
‫ما نهانا سبحانه ونقول‪ :‬سمعنا‬ ‫أمرنا ربنا‪ ،‬وانتهينا ع ّ‬
‫وأطعنا‪ ،‬وربنا هو الحكيم فيما شرع‪ ،‬الخبير بذلك سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫‪16‬ـ بيان حكم العملة الورقية من الناحية الشرعية‪.‬‬
‫‪17‬ـ عدم جواز بيع السلع وهي في مكانها حتى تنقل‪.‬‬
‫‪18‬ـ بيان حكم بيع الذهب المستعمل بذهب جديد ودفع‬
‫الفرق وأنه ل يجوز‪.‬‬
‫‪19‬ـ عدم جواز التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها؛‬
‫لن ذلك من التعاون على الثم والعدوان‪.‬‬
‫‪20‬ـ عدم جواز بيع أسهم البنوك ول شرائها‪ ،‬لنها بيع‬
‫نقود بنقود‪.‬‬
‫‪21‬ـ عدم جواز عقد القرض الذي يجر منفعة‪.‬‬
‫‪22‬ـ تحريم التأمين التجاري والتأمين على الحياة‪ ،‬لما‬
‫في ذلك من الغرر‪ ،‬والجهالة‪ ،‬وأكل أموال الناس بالباطل‪.‬‬
‫وختاما ً أسأل الله العلي العظيم أن يجعل عملي خالصا ً‬
‫لوجهه الكريم‪ ،‬وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي‪ ،‬وأن‬
‫يزيد من قرأ هذا الكتاب‪ ،‬أو نشره‪ ،‬أو طبعه‪ ،‬علما ً وهدى‪،‬‬
‫وتوفيقا ً إنه ولي ذلك والقادر عليه‪ ،‬وهذا جهد المقل فما‬
‫كان فيه من صواب فمن الله الواحد المّنان‪ ،‬وما كان من‬
‫خطأ فمني ومن الشيطان‪ ،‬والله بريء منه ورسوله صّلى‬
‫الله عليه وسّلم‪ ،‬وأستغفر الله العظيم‪ ،‬وصلى الله وسلم‬
‫على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا محمد بن عبد‬
‫الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم‬
‫الدين‪.‬‬
‫=====================‬
‫ل"؟‬ ‫ج ْ‬
‫ع ّ‬
‫ع وت َ َ‬
‫ض ْ‬
‫ن‪َ ":‬‬ ‫ع ْ‬‫ف َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ما َ‬
‫ذا ت َ ْ‬ ‫‪َ #‬‬
‫الحمد ُ لله وبعد ‪.‬‬
‫إن من عقود البيع القديمة والمعروفــة فــي كتــب الفقهــاء‬
‫ل‪.‬‬‫ج ْ‬‫ضعْ وت َعَ ّ‬‫ل لها ‪َ :‬‬ ‫صورةً يقا ُ‬
‫ن صـورةَ هـذا الـبيع وأقـوال‬ ‫وفي هذا البحث البسيط سنبي ُ‬
‫العلماء فيه مع ذكر الرجح منها ‪.‬‬
‫ه‪:‬‬
‫صورت ُ ُ‬
‫ُ‬

‫‪104‬‬
‫عرفه بعض أهل العلم ‪ :‬تعجيل الدين المؤجل فــي مقابــل‬
‫التنازل عن بعضه ‪.‬‬
‫ويقال أيضا ‪ :‬التنازل عن جــزء مــن الــدين المؤجــل ودفــع‬
‫الجزء الباقي في الحال ‪.‬‬
‫ف العلماِء ‪:‬‬
‫خل ُ‬
‫اختلف العلماء في حكم صورة هذا العقد على ثلثة أقوال‬
‫‪:‬‬
‫ل‪:‬‬‫ل الو ُ‬‫‪ -‬القو ُ‬
‫جواز الوضع والتعجل ‪.‬‬
‫‪ -‬واستدلوا ‪:‬‬
‫عن ابن عبــاس رضــي اللــه تعــالى عنهمــا قــال ‪ :‬لمــا أراد‬
‫رسول الله صلى الله عليـه وسـلم أن يخـرج بنــي النضــير‬
‫قالوا ‪ :‬يــا رســول اللــه ‪ ،‬إنــك أمــرت بإخراجنــا ولنــا علــى‬
‫الناس ديون لم تحل ‪ .‬قال ‪ :‬ضعوا وتعجلوا ‪.‬‬
‫رواه الحاكم )‪ (2325‬وقال ‪ :‬هذا حديث صــحيح الســناد ‪،‬‬
‫ولم يخرجاه ‪.‬‬
‫ورواه الطبراني في الوسط ‪.‬‬
‫وقال الهيثمي في المجمع ‪ :‬رواه الطــبراني فــي الوســط‬
‫وفيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف وقد وثق ‪.‬‬
‫وقال ابن كثير في البداية والنهاية ‪ :‬وفي صحته نظر ‪.‬‬
‫وقد أجازها من الصحابة ابن عباس رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫روى سعيد بن منصور ومن طريقــه الــبيهقي )‪ (6/28‬مــن‬
‫طريق سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنــه كــان‬
‫ل يرى بأسا أن يقول ‪ :‬أعجـل لـك وتضـع عنـي ‪ .‬وإسـناده‬
‫صحيح ‪.‬‬
‫وقال بجوازها النخعي من التابعين وُزفر من أصــحاب أبــي‬
‫حنيفة وأبو ثور مــن أصــحاب الشــافعي ‪ .‬وهــو روايــة عــن‬
‫المام أحمد وهو اختيار شيخ السلم ابــن تيميــة قــال فــي‬
‫الختيارات ) ص ‪ : (134‬ويصح الصلح عن المؤجل ببعضــه‬
‫حكي قول للشافعي ‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬ ‫حال وهو رواية عن أحمد و ُ‬
‫واخيتــار تلميــذه ابــن القيــم قــال فــي إعلم المــوقعين )‬
‫‪ : (3/371‬لن هذا عكس الربا فإن الربــا يتضــمن الزيــادة‬
‫في أحد العوضــين فــي مقابلــة الجــل وهــذا يتضــمن راءة‬

‫‪105‬‬
‫ذمته من بعض العوض في مقابلة ســقوط الجــل فســقط‬
‫بعض بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الجل فــانتفع‬
‫بــه كــل واحــد منهمــا ولــم يكــن ربــا ل حقيقــة ول لغــة ول‬
‫عرفا ‪ .‬فإن الربا الزيادة وهي منتفية هنها ‪ .‬والذين حرمــوا‬
‫ذلك قاسوه على الربا ول يخفى الفرق الواضح بين قوله ‪:‬‬
‫" إما أن تربي وإما أن تقضي " وبيــن قــوله ‪ " :‬عجــل لــي‬
‫وأهب لك مئة " ‪ .‬فأين أحدهما مــن الخــر ؟ فل نــص فــي‬
‫تحريم ذلك ول إجماع ول قياس صحيح ‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫وافــتى بجــواز هــذه الصــورة المجمــع الفقهــي وكــثير مــن‬
‫الهيئات الشرعية وهذه بعض الفتاوى ‪:‬‬
‫منظمــة المــؤتمر الســلمي ‪ -‬مجمــع الفقــه الســلمي‬
‫قرارات وتوصيات مجلس مجمع الفقه السلمي ‪ -‬الــدورة‬
‫الولــى حــتى الــدورة الثامنــة بعــد الطلع علــى البحــوث‬
‫الـــواردة إلـــى المجمـــع بخصـــوص موضـــوع ‪ ) :‬الـــبيع‬
‫بالتقسيط ( وبعــد الســتماع إلــى المناقشــات الــتي دارت‬
‫حوله ‪.‬‬
‫تقرر ‪:‬‬
‫الحطيطة من الدين المؤجــل لجــل تعجيلــه ســواء أكــانت‬
‫بطلب الدائن أم المدين ضع وتعجل جائزة شرعا ل تــدخل‬
‫في الربا المحرم إذا لم تكن بناء علـى اتفـاق مسـبق ومـا‬
‫دامت العلقة بين الدائن والمدين ثنائية فــإذا دخــل بينهمــا‬
‫طرف ثالث لم تجز لنها تأخذ عنــدئذ حكــم حســم الوراق‬
‫التجارية يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر القســاط‬
‫عنــد امتنــاع المــدين عــن وفــاء أي قســط مــن القســاط‬
‫المستحقة عليه ما لم يكــن معســرا إذا اعتــبر الــدين حــال‬
‫لموت المدين أو إفلسه أو مماطلته فيجوز في جميع هذه‬
‫الحالت الحط منه للتعجيل بالتراضي ضابط العسار الذي‬
‫يوجب النتظــار أل يكــون للمــدين مــال زائد عــن حــوائجه‬
‫الصلية يفي بدينه نقدا وعينا ‪.‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫مجموعـــة فتـــاوى الهيئة الشـــرعية ‪ -‬شـــركة الراجحـــي‬
‫المصرفية للستثمار قرار رقم ) ‪( 1‬‬
‫السؤال ‪:‬‬

‫‪106‬‬
‫نرجــو إبــداء الــرأي الشــرعي حــول الســؤال المقــدم مــن‬
‫الشــركة المتضــمن أن الشــركة بــاعت علــى أحــد العملء‬
‫بضاعة على أن يدفع القيمة بعد ستة أشهر ووقــع العميــل‬
‫كمبيالة مؤجلــة الــدفع فــي التاريــخ المــذكور وبعــد مضــي‬
‫شــهرين مــن توقيــع العقــد رغــب العميــل فــي دفــع قيمــة‬
‫البضــاعة قبــل حــول الجــل وطلــب أن يوضــع عنــه بعــض‬
‫المستحق عليه مقابل تعجيل الدفع فهل يجوز إعادة جــزء‬
‫من المستحق عليه مقابل تعجيل الدفع ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫وبعد تداول الهيئة للسؤال وأقوال أهل العلم انتهــت الهيئة‬
‫إلى أن ذلك جائز لما ورد عن رسول الله أنــه لمــا أراد أن‬
‫يجلي بنى النضير من المدينة ذكر له أن بينهم وبين الناس‬
‫ديون فأمرهم أن يضعوا ويتعجلوا ) رواه أبو داود وغيــره (‬
‫) انظر إغاثة اللهفان حيث احتج به ابن قيم رحمه الله (‬
‫وقد روى جواز ذلــك عــن ابــن عبــاس والنخعــي والحســن‬
‫وابن سيرين وهو راوية عن المام أحمد رحمه اللــه ووجــه‬
‫عند الشافعية وهو اختيار شيخ السلم ابن تيميــة وتلميــذه‬
‫ابن قيم والشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمهم اللـه قــال‬
‫ابن قيم رحمه الله ‪ :‬إن هذا عكس الربا فإن الربا يتضــمن‬
‫الزيادة في أحد العوضين في مقابلة الجــل وهــذا يتضــمن‬
‫براءة ذمته من بعــض العــوض فــي مقــابله ســقوط بعــض‬
‫الجــل فســقط بعــض العــوض فــي مقابلــة ســقوط بعــض‬
‫الجل فانتفع به كل واحد منهما ولم يكن هنا ربا ل حقيقــة‬
‫ول لغة ول عرفا والذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا‬
‫ول يخفى الفرق الواضح بين قــوله إمــا أن تربــى وإمــا أن‬
‫تقضى وبين قوله عجل لي وأهب لــك مــائة فــأين أحــدهما‬
‫من الخر فل نــص فــي تحريــم ذلــك ول إجمــاع ول قيــاس‬
‫صحيح انتهى مختصرا من حاشية ابن قاسم على الروض ‪.‬‬
‫وقال الشيخ عبــد الرحمــن ســعدي فــي كتــابه المختــارات‬
‫الجلية من المسائل الفقهية ‪ :‬والصحيح جــواز الصــلح عــن‬
‫المؤجل ببعضه حال لنه ل دليل على المنع ول محذور فــي‬
‫هذا بل في ذلك مصلحة للقاضــي والمقتضــى فقــد يحتــاج‬
‫من عليه الحق إلى الوفاء قبل حلوله وقــد يحتــاج صــاحب‬

‫‪107‬‬
‫الحق إلى حقه لعذر من العذار وفى تجــويز هــذا مصــلحة‬
‫ظاهرة وأما قياس المانعين لهــذه المســألة بمســألة قلــب‬
‫الدين على المعسر فهذا القياس من أبعــد القيســة وبيــن‬
‫المريــن مــن الفــرق كمــا بيــن الظلــم المحــض والعــدل‬
‫الصريح انتهى مختصرا ‪.‬‬
‫ل الثاني ‪:‬‬‫‪ -‬القو ُ‬
‫تحريم هذه الصورة ‪.‬‬
‫وقال به عدد مــن الصــحابة والتــابعين ‪ ،‬وقــال بــه جمهــور‬
‫العلماء من الئمة الربعة ‪.‬‬
‫‪ -‬واستدلوا ‪:‬‬
‫قال المام ابن القيم في إغاثة اللهفان )‪: (2/12‬‬
‫واحتـج المـانعون بـالثر والمعنـى ‪ -‬أمـا الثـار ففـي سـنن‬
‫البيهقي عن المقداد بــن الســود قــال ‪ :‬أســلفت رجل مئة‬
‫دينــار فقلــت لــه ‪ :‬عجــل تســعين وأحــط عشــرة دنــانير ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬نعم ‪ .‬فذكرت ذلك للنــبي صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫فقال ‪ :‬أكلت ربا مقــداد وأطعمتــه ‪ .‬وفــي ســنده ضــعف ‪.‬‬
‫وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عــن الرجــل‬
‫يكون له الدين علــى رجــل إلــى أجــل فيضــع عنــه صــاحبه‬
‫ويعجل له الخر فكره ذلك ابن عمر ونهى عنه ‪ .‬وصح عن‬
‫أبي المنهال أنه سأل ابن عمــر فقــال ‪ :‬لرجــل علــي ديــن‬
‫فقال لي ‪ :‬عجل لي لضع عنك ‪ .‬قــال ‪ :‬فنهــاني عنــه ‪.....‬‬
‫ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫وجاء في الموسوعة الفقهية ‪ .‬مادة أجل ‪ .‬ما نصه ‪:‬‬
‫واستدل جمهور الفقهاء على بطلن ذلك بشيئين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪:‬‬
‫تســمية ابــن عمــر إيــاه ربــا ‪ ,‬ومثــل ذلــك ل يقــال بــالرأي‬
‫وأسماء الشرع توقيف ‪.‬‬
‫والثاني ‪:‬‬
‫أنه معلوم أن ربا الجاهلية إنمــا كــان قرضــا مــؤجل بزيــادة‬
‫مشروطة ‪ ،‬فكانت الزيادة بدل مــن الجــل ‪ ،‬فــأبطله اللــه‬
‫َ‬
‫وال ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مـ َ‬‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬
‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫تعالى ‪ ,‬وحرمه ‪ ،‬وقال ‪ " :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن الّرَبا‬ ‫م َ‬‫ي ِ‬ ‫" ] البقرة ‪ [ 279 :‬وقال تعالى ‪ " :‬وَذ َُروا َ‬
‫ما ب َِق َ‬
‫" ] البقرة ‪ [ 278 :‬حظر أن يؤخذ للجل عوض ‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫فإذا كانت عليه ألف درهم مؤجلــة ‪ ،‬فوضــع عنــه علــى أن‬
‫يعجله ‪ ،‬فإنما جعل الحــط مقابــل الجــل ‪ ،‬فكــان هــذا هــو‬
‫معنى الربا الذي نص الله تعالى على تحريمه ‪.‬‬
‫ول خلف أنه لو كان عليه ألــف درهــم حالــة ‪ ،‬فقــال لــه ‪:‬‬
‫أجلنــي وأزيــدك فيهــا مــائة درهــم ‪ ،‬ل يجــوز ‪ ،‬لن المــائة‬
‫عوض مــن الجــل ‪ ،‬كــذلك الحــط فــي معنــى الزيــادة ‪ ،‬إذ‬
‫جعله عوضا من الجل ‪ ،‬وهذا هو الصل فــي امتنــاع جــواز‬
‫أخذ البدال عن الجال ‪.‬‬
‫فحرمة ربا النساء ليست إل لشـبهة مبادلــة المـال بالجـل‬
‫وإذا كــانت شــبهة الربــا موجبــة للحرمــة فحقيقتــه أولــى‬
‫بذلك ‪.‬‬
‫وأيضا فإنه ل يمكن حمل هذا على إســقاط الــدائن لبعــض‬
‫حقه ‪ ،‬لن المعجل لم يكن مســتحقا بالعقــد ‪ ،‬حــتى يكــون‬
‫استيفاؤه استيفاء لبعض حقه ‪ ،‬والمعجل خير من المؤجــل‬
‫ل محالة ‪ ،‬فيكون ) فيمــا لــو كـانت لـه عليـه ألـف مؤجلـة‬
‫فصالحه على خمسمائة حالة ( خمسمائة في مقابل مثلــه‬
‫مــن الــدين ‪ ،‬وصــفة التعجيــل فــي مقابلــة البــاقي ‪ -‬وهــو‬
‫الخمسمائة ‪ -‬وذلك اعتياض عن الجل ‪ ،‬وهو حرام ‪.‬‬
‫ث‪:‬‬ ‫‪ -‬القو ُ‬
‫ل الثال ُ‬
‫يجوز ذلك في دين الكتابة ول يجوز في غيره ‪.‬‬
‫جاء في الموسوعة الفقهية ‪ .‬مادة أجل ‪ .‬ما نصه ‪:‬‬
‫واستثنى من ذلك الحنفية والحنابلــة ) وهــو قــول الخرقــي‬
‫من علمائهم ( أنـه يجـوز أن يصــالح المـولى مكــاتبه علـى‬
‫تعجيل بدل الكتابة في مقابل الحط منه ‪ ،‬وذلك لن معنى‬
‫الرفاق فيما بينهما أظهر من معنى المعاوضـة ‪ ،‬فل يكــون‬
‫هذا في مقابلــة الجــل ببعــض المــال ‪ ،‬ولكــن إرفــاق مــن‬
‫المولى بحط بعض المــال ‪ ،‬ومسـاهلة مــن المكــاتب فيمــا‬
‫بقي قبل حلول الجل ليتوصل إلــى شــرف الحريــة ‪ ،‬ولن‬
‫المعاملة هنا هي معاملــة المكــاتب مــع ســيده ‪ ،‬وهــو يــبيع‬
‫بعض ماله ببعض ‪ ،‬فدخلت المسامحة فيه ‪ ،‬بخلف غيره ‪.‬‬
‫ح‪:‬‬‫ل الراج ُ‬ ‫القو ُ‬
‫وبعد ذكر هذه القوال في المسألة الذي يترجــح ‪ -‬والعلــم‬
‫عند الله ‪ -‬هو القول الول والذي يجيز هذه الصورة ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫قال الشيخ صالح بن فوزان الفــوزان فــي كتــاب " الفــرق‬
‫بين البيع والربا في الشؤيعة السلمية " ) ص ‪: (21‬‬
‫والراجح ‪ ...‬وهو جواز ذلك مطلقا لنه ليس مع مــن منعــه‬
‫دليل صحيح والصل في المعاملت الصحة والجواز ما لــم‬
‫يدل دليل على التحريم ‪...‬ا‪.‬هـ‬
‫والله أعلم ‪.‬‬
‫عبد الله زقيل‬
‫============‬
‫‪ #‬الربا وتدمير المة‬
‫إن الحمد لله نحمــده ونســتعينه ونســتغفره ‪ ،‬ونعــوذ بــالله‬
‫من شرور أنفسنا ‪ ،‬ومن سيئات أعمالنــا ‪ ،‬مــن يهــده اللــه‬
‫فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له وأشهد أن ل إلــه إل‬
‫الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمــد كمــا صــليت علــى‬
‫إبراهيم ‪ ،‬وعلى آل إبراهيم ‪ ،‬إنك حميد مجيد ‪ ،‬اللهم بارك‬
‫على محمد وعلى آل محمد كما بــاركت علــى آل إبراهيــم‬
‫إنك حميد مجيد ‪.‬‬
‫ـ أما بعد ـ‬
‫إخوتاه‬
‫من أشراط الساعة ظهور الربا وفشوها ‪.‬‬
‫فعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وســلم قــال ‪" :‬‬
‫بين يــدي الســاعة يظهــر الربــا والزنــى والخمــر "‪ ] .‬قــال‬
‫الهيثمــي ‪ :‬رواه الطــبراني فــي الوســط ورجــاله رجــال‬
‫الصحيح [‬
‫والمر ل يتوقف عند هــذا الحــد فحســب ‪ ،‬بــل إن الــذي ل‬
‫يتعامل بها لبد أن يجد شيئا من غبارها ‪.‬‬
‫ففــي مســتدرك الحــاكم وســنن أبــي داود وابــن مــاجه‬
‫والنسائي وغيرهم عن الحسن عن أبي هريــرة أن رســول‬
‫الله صلى اللــه عليــه وســلم قــال ‪ " :‬ليــأتين علــى النــاس‬
‫زمان ل يبقى فيه أحد إل أكل الربــا فــإن لــم يــأكله أصــابه‬
‫من غباره "‬
‫] قال الحاكم ‪ :‬وقد اختلف أئمتنا في ســماع الحســن عــن‬
‫أبي هريرة فإن صح سماعه منه فهذا حديث صحيح [ ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫وقبل أن نخوض في هذه البلية الخطيرة ‪ ،‬نذكر أول بأمور‬
‫‪:‬‬
‫أول ‪ :‬إن الله غيور ‪ ،‬يغار أن تنتهك محــارمه ‪ ،‬فــاتق غيــرة‬
‫الله ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ل يكلف الله نفسا إل وسعها ‪ ،‬فقد جعل الله للناس‬
‫سعة من أمرهم ‪ ،‬فلــم يكلفهــم بمــا ل يطيقــون ‪ ،‬حــتى ل‬
‫يظن من انغمس في هذه المصيبة أن ترك الربــا شــيء ل‬
‫يمكن حدوثه في العصر الحديث ‪ ،‬ثم بعد ذلــك يحــاول أن‬
‫يجعله من الضرورات التي ل يمكن الستغناء عنها ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إن الله قــد هــدانا وأرشــدنا إلــى ســبيل الحــق ‪ ،‬ثــم‬
‫النــاس بعــد ذلــك إمــا شــاكرا وإمــا جاحــدا ‪ " ،‬إنــا هــديناه‬
‫السبيل إما شاكرا وإما كفورا " ‪ " ،‬فالحلل بيــن والحــرام‬
‫بين وبينهما أمور مشتبهات ومن اتق الشبهات فقد استبرأ‬
‫لدينه وعرضه " فيجب على المــؤمن تحــري الحلل وتــرك‬
‫الحــرام ‪ ،‬وحــري بــه أن يتــورع عمــا اختلــف فيــه مــن‬
‫المشتبهات حفظا لدينه وعرضه ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬أساس شريعة الله قائم على تحقيق مصالح العبــاد‬
‫ودرء المفاسد عنهم ‪ ،‬ول يمكن بحال أن يجعــل اللــه العــز‬
‫والمنعة والتقدم والحضارة لقوم بمعصــيته جــل وعل‪ ،‬فمــا‬
‫عند الله ل ينال إل بطاعته ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬أن سبيل النجاة واضح جلي لمن أراد الله والــدار‬
‫الخرة ‪ ،‬ول يظنن ظــان أن فــي اتبــاعه لســبيل اللــه جــل‬
‫وعل العنت والمشقة ‪ ،‬فالله رفع عن الناس الحرج ‪ ،‬وقــد‬
‫أرشــدهم لنجــاتهم بــأن يحصــنوا أنفســهم ويبتعــدوا عــن‬
‫المهالك ومواطن الشبهات ‪ ،‬ويتحصنوا بسترة مــن الحلل‬
‫تكفيهم مغبة الوقوع في الحرام ‪.‬‬
‫• عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول ‪ " :‬اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة مــن‬
‫الحلل " ] صححه الشيخ اللباني [‬
‫سادسا ‪ :‬المعصوم من عصمه الله ‪ ،‬ومن وجد الله كــافيه‬
‫مثل هــذه البليــا فليحمــد اللــه ‪ ،‬ومــن وجــد غيــر ذلــك فل‬
‫يلومن إل نفسه ‪ ،‬أل ترى هــذه الصــيحات الــتي تعلــو بيــن‬
‫حين وآخر طالبة النجاة من وحل هذه البلية ‪ ،‬لكن هيهــات‬

‫‪111‬‬
‫بعد أن تستحكم المور وتبدو المور على صورتها الحقيقية‬
‫‪ ،‬ويتبين للناس أن شرع الله هــو الحــق وأن مــا دونــه هــو‬
‫الباطل ولبد ‪ ،‬ولكن الناس ل يوقنون ‪.‬‬
‫لجــل ذلــك ينبغــي أن نعلــم أن طلــب الحلل أمــر لزم‬
‫وفريضــة مــن أعظــم الفــرائض‪ ،‬وأن ذلــك هــو الحصــن‬
‫الحقيقي من شرور هذه البليا والفتن ‪.‬‬
‫تحري الحلل‬
‫قال الله تعالى " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملــوا‬
‫صالحا إني بما تعملون عليم" ‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪ :‬سوى الله تعــالى بيــن النــبيين والمــؤمنين‬
‫فــي الخطــاب بوجــوب أكــل الحلل وتجنــب الحــرام ‪ ،‬ثــم‬
‫شمل الكل في الوعيد الذي تضمنه قوله تعالى‪" :‬إني بمــا‬
‫تعملون عليم" صلى الله على رسله وأنبيائه‪ .‬وإذا كان هذا‬
‫معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم ‪.‬‬
‫وقد حثنا الشرع الحنيف إلى طلب الحلل وترك الحرام‬
‫• عن أنس بن مالــك عــن النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫قــال ‪ " :‬طلــب الحلل واجــب علــى كــل مســلم " ] قــال‬
‫الهيثمــي فــي المجمــع ‪ :‬رواه الطــبراني فــي الوســط‬
‫وإسناده حسن [‬
‫فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين يزرق من يشــاء بغيــر‬
‫حساب وهو أعلم بالشاكرين‬
‫• أخرج الحاكم فــي المســتدرك وصــححه الشــيخ اللبــاني‬
‫في صحيح الجامع " ل تستبطئوا الرزق‪ ،‬فإنه لم يكن عبــد‬
‫ليموت حتى يبلغه آخر رزق هــو لــه‪ ،‬فــاتقوا اللــه وأجملــوا‬
‫في الطلب‪ :‬أخذ الحلل‪ ،‬وترك الحرام "‬
‫وفي تحري الحلل وترك الحرام فوائد عظام ‪:‬‬
‫‪ .1‬أكل الحلل صلح للقلــوب ‪ ،‬وأكــل الحــرام مــن أخطــر‬
‫مهلكات القلوب ومبددات اليمان ‪.‬‬
‫أما ترى رسول الله حين قال " الحلل بيــن والحــرام بيــن‬
‫وبينهما أمور مشتبهات ……‪ ..‬عقب ذلــك بقــوله " أل وإن‬
‫فــي الجســد مضــغة إذا صــلحت صــلح الجســد كلــه وإذا‬
‫فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب "‬

‫‪112‬‬
‫قال المنــاوي ‪ :‬فهـو ملـك والعضـاء رعيتــه ‪ ،‬وهـي تصـلح‬
‫بصلح الملك ‪ ،‬وتفسد بفســاده وأوقــع هــذا عقــب قــوله "‬
‫الحلل بيــن " إشــعارا ً بــأن أكــل الحلل ينــوره ويصــلحه‬
‫شبه تقسيه ‪.‬‬‫وال ّ‬
‫‪ .2‬أكل الحلل نجاة من الهلك ‪.‬‬
‫ومن وقع في الحرام فهــو داخــل فــي قــوله تعــالى ‪ " :‬ول‬
‫تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " إذ هو في مظنة الهلكــة إل أن‬
‫يتغمده الله برحمته فيتوب عليه ‪.‬‬
‫قال سهل بن عبد اللــه ‪ :‬النجــاة فــي ثلثــة ‪ :‬أكــل الحلل‪،‬‬
‫وأداء الفرائض‪ ،‬والقتداء بالنبي صلى الّله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬ول يصـح أكـل الحلل إل بـالعلم ‪ ،‬ول يكـون المـال‬
‫حلل حتى يصفو من ست خصال ‪ :‬الربا والحرام والسحت‬
‫والغلول والمكروه والشبهة ‪.‬‬
‫‪ .3‬ومن أكل الحرام حرم لذة اليمــان فــإن اللــه طيــب ل‬
‫يقبل إل طيبا‬
‫قيل ‪ :‬من أكل الحلل أربعين يوما نــور اللــه قلبــه وأجــرى‬
‫ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ‪.‬‬
‫قال بعضهم ‪ :‬من غض بصره عن المحــارم ‪ ،‬وكــف نفســه‬
‫عن الشهوات ‪ ،‬وعمر باطنه بالمراقبة وتعــود أكــل الحلل‬
‫لم تخطئ فراسته ‪.‬‬
‫‪ .4‬ما نبت من حرام فالنار أولى به‬
‫عن كعب بن عجرة قال ‪ :‬قال لي رسول اللــه صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم ‪ :‬أعيذك بالله يــا كعــب بــن عجــرة مــن أمــراء‬
‫غشـي أبـوابهم فصـدقهم فـي‬ ‫يكونـون مـن بعـدي ‪ ،‬فمـن َ‬
‫كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولســت منــه ‪ ،‬ول‬
‫يرد علي الحوض ‪ ،‬ومن غشــي أبــوابهم أو لــم يغــش فلــم‬
‫يصدقهم في كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنــا‬
‫منه وسيرد علي الحوض ‪.‬‬
‫يا كعب بن عجرة ‪ :‬الصلة برهان ‪ ،‬والصوم جنــة حصـينة ‪،‬‬
‫والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار‪.‬‬
‫يا كعب بن عجرة ‪ :‬إنــه ل يربــو لحــم نبــت مــن ســحت إل‬
‫كانت النار أولى به ‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫] قــال الترمــذي ‪:‬حــديث حســن غريــب وصــححه الشــيخ‬
‫اللباني في صحيح الترمذي )‪[ (501‬‬
‫فشو الحرام‬
‫إذا علمت هذا فاعلم أن النبي أخبرنا أن الحــرام ســيطغى‬
‫في آخر الزمان ‪ ،‬حتى ل يتبين النــاس ول يســتوثقون مــن‬
‫حل وحرمة أموالهم ‪.‬‬
‫ففي البخاري ومسند المــام أحمــد قــال صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم " ليأتين على الناس زمان ل يبــالي المــرء بمــا أخــذ‬
‫المال ‪ ،‬أمن حلل أم من حرام " ‪.‬‬
‫وفي لفــظ عنــد النســائي " يــأتي النــاس زمــان مــا يبــالي‬
‫الرجل من أين أصاب المال من حلل أو حرام " ‪.‬‬
‫أما ترى أن هذا هو زماننــا ورب العــزة ‪ ،‬أمــا تــرى تكــالب‬
‫الناس من أجل تحصيل مغريــات الـدنيا الـتي تتفتـح عليهـا‬
‫أعينهم ليل نهار ‪ ،‬فل يبالون بشيء سوى جمع المــال مــن‬
‫أي وجه ‪ ،‬حلل أو حــرام ل يهــم ‪ ،‬المهــم هــو جمــع المــال‬
‫للحصــول علــى المحمــول والــدش والســيارات الفارهــة‬
‫وقضــــاء الوقــــات فــــي ديــــار الفجــــور والعربــــدة‬
‫و……‪.‬و……‪.‬و‪ ,,,,,‬الخ‬
‫من أجل ذلك تعقدت المور ‪ ،‬وصار الناس في حيــرة مــن‬
‫أمرهم ‪ ،‬فما يمر يوم إل وتجد من يســألك عــن هــذا الــذي‬
‫يبيع الدخان أو الخمور أو يعمل في شركة سياحة أو يعمل‬
‫في بنك ربوي أو يتعامل بالربــا ‪ ،‬أو الــذي بنــى ثروتــه مــن‬
‫البداية بتجــارة المخــدرات ويريــد أن يتــوب ول يعلــم مــاذا‬
‫يصنع في ماله ‪ ،‬وذاك الذي يعمل كوافيرا أو يــبيع ملبــس‬
‫النساء العارية الــتي يعلــم أن الــتي ستلبســها ســتفتن بهــا‬
‫شباب المسلمين فــي الشــوارع ‪ ،‬وهــذا الــذي يعمــل فــي‬
‫السينمات والمسارح والكباريهات و … و … الخ رب سلم‬
‫سلم‬
‫ومن المؤسف والمخجل أنك تستمع للولد وهم ل يــدرون‬
‫كيــف يــأكلون مــن مــال أبيهــم وهــم يعلمــون أنــه حــرام ‪،‬‬
‫وتجدك في كل مرة تبحث لهــؤلء عــن مخــرج وقــد ضــيق‬
‫النــاس علــى أنفســهم ســبل الخيــر والحلل ‪ ،‬ومــن هنــا‬

‫‪114‬‬
‫شاعت الفتاوى عن المال المختلط وأحكامه وغيرهــا ممــا‬
‫هو على هذه الشاكلة ‪.‬‬
‫أمــا كــان الســبيل رحبــا واســعا فضــيقتموه باتبــاع الهــوى‬
‫واللهث وراء المال من غير وجه حلــه ‪ " ،‬أمــا يظــن أولئك‬
‫أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العــالمين‬
‫"‬
‫أنواع من البيوع الفاسدة‬
‫ولعلنا هنا مضطرون أن نتكلم سريعا عن بعض المعاملت‬
‫المالية الفاسدة التي شاعت بيــن النــاس ‪ ،‬ول ينتبــه إليهــا‬
‫أحد ‪ .‬لكن على وجه الجمال دون التوسع واللمام بطرف‬
‫ليناسب ما نحن بصدده ‪.‬‬
‫فمن ذلك ‪:‬‬
‫‪ (1‬ما يسمى شرعا ببيع النجش ‪.‬‬
‫وهو أن يزيد في السلعة من ل يريد شراءها ليخدع غيره ‪،‬‬
‫ويجره إلى الزيادة في السعر ‪.‬‬
‫قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ " ل تناجشــوا " إذ هــذا نــوع‬
‫من الخداع ول شك ‪ ،‬وقد قــال صــلى اللــه عليــه وســلم "‬
‫المكــر والخديعــة فــي النــار " وأنــت تجــد هــذه الصــورة‬
‫متكررة في المزادات ‪ ،‬ومعارض بيــع الســيارات ‪ ،‬وبعــض‬
‫المحال التجارية وهذا كسب خبيث لو يعلمون ‪.‬‬
‫‪ (2‬ما يسمى ببيع الغرر‬
‫ومثاله أن يبيع المجهول كاللبن في الضرع ‪ ،‬والسمك فــي‬
‫البحر ‪ ،‬والمحصول قبل جنيه ‪ ،‬أو ما يسمى ببيع الث ُن َّيا كأن‬
‫يقول لك ‪ :‬خذ هذا البستان إل بعض الزرع من غير تحديــد‬
‫فهذا المستثنى مجهول ‪ ،‬أما إذا كان معروفا فل حرج ‪.‬‬
‫‪ (3‬بيع المحرم والنجس‬
‫ومثــال ذلــك ‪ :‬بيــع الخمــور والمخــدرات ‪ ،‬وبيــع أشــرطة‬
‫الغاني ‪ ،‬بيع المجلت الفاســدة المروجــة للفكــار الخبيثــة‬
‫والصور الخليعة والعارية‬
‫ويدخل في ذلك ـ مثل ـ من يبيع السلح في وقت الفتنــة ‪،‬‬
‫أو من يبيع العنــب لمــن يســتخدمه فــي صــناعة الخمــور ‪،‬‬
‫وهكذا خذها قاعدة هنا كل ما أدى إلى حرام فهــو حــرام ‪،‬‬
‫وقــد قــال اللــه تعــالى " وتعــاونوا إلــى الــبر والتقــوى ول‬

‫‪115‬‬
‫تعاونوا علــى الثــم والعــدوان " وقــال العلمــاء ‪ :‬الوســائل‬
‫تأخذ حكم المقاصد فتنبــه ‪ ،‬لن المقولــة الشــائعة الن أن‬
‫يقال لك ‪ :‬ما لي أنا ‪ ،‬أنــا أعطيتهــا الفســتان ول أدري هــل‬
‫ستستخدمه في الحلل لزوجها أو تتكشف به في الشوارع‬
‫‪ ،‬والمرأة أمامه متبرجــة وهــو يــدري تمامــا أن مــا هــذا إل‬
‫لمعصية الله " بل النسان على نفســه بصــيرة ولــو ألقــى‬
‫معاذيره " أو هذا الذي في البنــك يقــول ‪ :‬وأنــا مــالي أ أنــا‬
‫الذي تعاملت بالربا ‪ ،‬أنا فقط مضطر لن أعمل في البنــك‬
‫لطلب الرزق ‪.‬‬
‫والكل يتنصل من المعصية ‪ ،‬وكأنه ل دور لــه فــي إيقاعهــا‬
‫فلو تعاون الناس على فعل الخيرات وترك المنكــرات لمــا‬
‫وصل الحال إلى ما نحــن فيــه الن ‪ ،‬فالكــل مشــترك فــي‬
‫المعصية فليتأمل مثل ذلك ‪.‬‬
‫‪ (4‬بيع المسلم على بيع أخيه ‪ ،‬أو سومه على سوم أخيه‬
‫مثاله ‪ :‬أن يذهب الرجل للبائع فيقول لــه ‪ :‬رد هــذه المــال‬
‫على صاحبه وأنا سأشــتري منــك هــذه الســلعة بأزيــد مــن‬
‫ســعرها ‪ ،‬أو العكــس يــذهب للمشــتري ويقــول لــه بكــم‬
‫اشتريتها ؟ فيقول له ‪ :‬بكذا ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬ردهــا عليــه وأنــا‬
‫أعطيك إياها بأقل من ثمنها ‪.‬‬
‫أو يزايــد ويســاوم أخــاه فــي ســلعة لــم توضــع للمزايــدة‬
‫والمساومة بعد ‪.‬‬
‫وأظن أن هذه الصــورة منتشــرة بشــكل واســع وقــد قــال‬
‫صلى الله عليــه وســلم " ل يبــع الرجــل علــى بيــع أخيــه "‬
‫] متفق عليه[ ]‪[1‬‬
‫‪ (5‬بيع العربون‬
‫وهو أن يدفع المشتري من ثمن السلعة التي يريدها جــزءا‬
‫على أل يرد عند الفسخ ‪ .‬بمعنى أنك تذهب للبائع وتعطيــه‬
‫جزءا من المال فإن كان من ثمن السلعة فلك أحقيــة رده‬
‫عند الفسخ وهذه الصــورة ل شــيء فيهــا ‪ ،‬وإنمــا الصــورة‬
‫الممنوعة أن يكون هذا العربون غير قابل للرد ‪.‬‬
‫‪ (5‬بيع العينة‬
‫مثل أن يبيع سلعة بأجل ‪ ،‬ثم يقوم هو بشرائها نقدا أو أحد‬
‫عماله احتيال ليأخذها بأقل من ثمنها ‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫صورتها ‪ :‬أن تبيع ثلجة مثل بــألف جنيــه تــدفع بعــد ســنة ‪،‬‬
‫فتذهب أنت أو أحــد أعوانــك المهــم تعــود لتشــتري نفــس‬
‫الثلجة بأقل من ثمنها نقدا وفي الحال فتشــتريها بـــ ‪800‬‬
‫جنيه مثل ‪ .‬فهذه الصورة حرام ل تجوز ‪.‬‬
‫‪ (6‬البيع عند النداء الخير لصلة الجمعة‬
‫هذا البيع حرام وهو منتشر للسف ل سيما في الســواق ‪،‬‬
‫وقد قال الله تعالى " إذا نــودي للصــلة مــن يــوم الجمعــة‬
‫فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خيــر لكــم إن كنتــم‬
‫تعلمون فإذا قضيت الصـلة فانتشـروا فـي الرض وابتغـوا‬
‫من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون " ‪.‬‬
‫‪ (7‬بيع السلعة قبل قبضها‬
‫مثاله ‪ :‬إذا اشترى إنسان ســلعة مــن مخــزن أو دكــان مثل‬
‫وجاء صاحب المخــزن أو الــدكان وبيــن لـه الســلعة بعينهــا‬
‫واتفقا ‪ ،‬فل يجوز للمشــتري أن يبيعهــا فــي محلهــا بمجــرد‬
‫هذا البيان والتفاق ‪ ،‬ول يعتبر ذلك تسلما ‪ ،‬بل لبـد لجـواز‬
‫بيع المشتري لها من حوزه للسلعة إلى محل آخر‬
‫روى المام أحمد عن حكيم بن حزام أنه قــال ‪ :‬قلــت ‪ :‬يــا‬
‫رسول الله إني أشتري بيوعا ما يحل لي منهــا ومــا يحــرم‬
‫علي ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬إذا اشتريت شيئا فل تبعه حتى تقبضه ‪.‬‬
‫وروى المام أحمد وأبو داود عــن زيــد بــن ثــابت أن النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حــتى‬
‫يحوزها التجار إلى رحالهم ‪.‬‬
‫ولما رواه أحمد ومسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال ‪:‬‬
‫قال النبي صلى اللــه عليــه وســلم " إذا ابتعــت طعامــا فل‬
‫تبعه حتى تستوفيه " ‪.‬‬
‫وفي رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وســلم قــال ‪:‬‬
‫من ابتاع طعاما فل يبيعه حتى يكتاله ‪.‬‬
‫من المعاملت المالية المحرمة المنتشرة أيضا ً ‪:‬‬
‫‪ (8‬التأمين‬
‫وقــد صــدرت الفتــاوى الشــرعية مــن المجــامع الفقهيــة‬
‫المختلفة لتؤكد عدم جواز التأمين التجــاري بكــل صــوره ‪،‬‬

‫‪117‬‬
‫لنهــا عقــوده مشــتملة علــى الضــرر والجهالــة والربــا‬
‫والمقامرة وما كان كذلك فهو حرام بل شك ‪.‬‬
‫ومــن ذلــك شـهادات الســتثمار وصــناديق التــوفير وفــوائد‬
‫القروض الربوية والتي سيأتي الحديث عنهــا فــي موضــوع‬
‫الربا ‪.‬‬
‫وهاكم بيان لحقيقة الربا وخطورتها ‪ ،‬وما توعد الله به من‬
‫يقع في مثل هذه المعاملت ‪.‬‬
‫الربا من أخطر البليا التي تهدد المجتمع المسلم‬
‫ْ‬
‫مــا‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬ ‫مــو َ‬ ‫ن الّرب َــا ل َ ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َـأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫قال الله تعــالى " ال ّـ ِ‬
‫ذي‬
‫م َقـاُلوا ْ‬ ‫طان من ال ْمس ذ َلـ َ َ‬
‫ك ب ِـأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ي َُقو ُ‬
‫َ‬
‫جــاءهُ‬ ‫من َ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬
‫مث ْ ُ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ى فَل َ ُ‬ ‫من َّرب ّهِ َفانت َهَ َ‬ ‫ة ّ‬ ‫عظ َ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ُ‬
‫عاد َ فَأوْل َئ ِ َ‬
‫حــ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن }‪ {275‬ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل ك َّفــارٍ أِثي ـم ٍ }‬ ‫ب ك ُـ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َيُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه ال ّْرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ص ـل َةَ‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫ت وَأقَــا ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صــال ِ َ‬‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪ {276‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫هــ ْ‬ ‫م وَل َ ُ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م وَل َ َ‬ ‫عند َ َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫كاةَ ل َهُ ْ‬ ‫َوآت َوُا ْ الّز َ‬
‫َ‬
‫مــا‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫من ُــوا ْ ات ُّقــوا ْ الل ّـ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن }‪َ {277‬يا أي َّها ال ّـ ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫م ت َْفعَل ُــوا ْ‬ ‫ن }‪ {278‬فَ ـِإن ل ّـ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬ ‫كنت ُــم ّ‬ ‫ن الّرَبا ِإن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ب َِق ْ َ‬
‫س‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ســول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُـ ْ‬ ‫ن الل ّـهِ وََر ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫فَـأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬
‫َ‬
‫ذو‬ ‫ن ُ‬ ‫كــا َ‬ ‫ن }‪ {279‬وَِإن َ‬ ‫مــو َ‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مــو َ‬ ‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫مــ َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫كنُتــ ْ‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬ ‫صد ُّقوا ْ َ‬ ‫سَرةٍ وَأن ت َ َ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ‬ ‫عُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ِفيـهِ إ ِل َــى الل ّـهِ ث ُـ ّ‬ ‫جعُــو َ‬ ‫مــا ت ُْر َ‬ ‫ن }‪َ {280‬وات ُّقــوا ْ ي َوْ ً‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫ن }‪{281‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ل ن َْف ٍ‬ ‫ت ُوَّفى ك ُ ّ‬
‫ما الربا ؟‬
‫الربا في اللغة ‪ :‬الزيادة مطلقا ‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪ :‬ثم إن الشرع قد تصرف في هــذا الطلق‬
‫فقصره على بعض موارده ‪.‬‬
‫فمرة ‪ :‬أطلقه على كسب الحرام ‪.‬كما قال الله تعالى في‬
‫اليهود ‪" :‬وأخذهم الربا وقد نهوا عنه" ]النساء‪ .[161 :‬ولم‬
‫يرد به الربا الشرعي الذي حكم بتحريمه علينــا وإنمــا أراد‬
‫المال الحرام ‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬سماعون للكــذب أكــالون‬
‫للسحت" ]المائدة‪ [42 :‬يعني به المال الحرام من الرشا‪،‬‬
‫وما استحلوه من أموال الميين حيث قالوا ‪ " :‬ليس علينــا‬

‫‪118‬‬
‫في الميين سبيل " ]آل عمران‪ .[75 :‬وعلى هــذا فيــدخل‬
‫فيه النهي عن كل مال حرام بأي وجه اكتسب‪.‬‬
‫والربــا الــذي عليــه عــرف الشــرع ‪ :‬الزيــادة فــي أشــياء‬
‫مخصوصة ) يعنون بذلك الموال الربوية كما سيأتي( ‪.‬‬
‫أنواع الربا‬
‫‪ (1‬ربا الفضل ‪:‬‬
‫وهو البيع مع زيادة أحد العوضــين المتفقــي الجنــس علــى‬
‫الخر ‪.‬‬
‫• فالصل أن الشيئين ) العوضين( إذا كانا من جنس واحد‬
‫واتفقا في العلة ] كانا موزونين أو مكيلين [ لبد لذلك من‬
‫شرطين ‪:‬‬
‫أ ( التساوي وعلم المتعاقدين يقينا بذلك ‪.‬‬
‫ب ( التقابض قبل التفرق ‪.‬‬
‫• وإذا كانا مختلفين في الجنس ومتحدين فـي العلـة كـبيع‬
‫قمح بشعير مثل فل يشترط إل التقابض وتجوز المفاضلة ‪.‬‬
‫• أما إذا اختلفا في الجنس والعلة كأن تــبيع قمحــا بــذهب‬
‫أو فضة فل يشترط فيه شيء من ذلك ‪.‬‬
‫عن عبادة بن الصامت قال‪ :‬قــال رســول اللــه صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم " الذهب بالذهب‪ .‬والفضة بالفضة‪ .‬والبر بالبر‪.‬‬
‫والشــعير بالشــعير‪ .‬والتمــر بــالتمر‪ .‬والملــح بالملــح‪ .‬مثل‬
‫بمثل‪ .‬سواء بسواء‪ .‬يدا بيد‪ .‬فإذا اختلفــت هــذه الصــناف‪،‬‬
‫فبيعوا كيف شئتم‪ ،‬إذا كــان يــدا بيــد "‪ ] .‬أخرجــه مســلم )‬
‫‪ (1587‬ك المساقاة ‪ ،‬باب الصــرف وبيــع الــذهب بــالورق‬
‫نقدا [‬
‫‪ (2‬أما ربا النسيئة ‪ :‬فهو زيــادة الــدين فــي نظيــر الجــل ‪،‬‬
‫وهو ربا الجاهلية الذي كانوا يتعاملون به ‪ ،‬فكان الرجل إذا‬
‫أقرض آخر على أجل محدد ‪ ،‬فإذا جاء الجل ولــم يســتطع‬
‫الداء قــال لـه ‪ :‬تــدفع أو ترابــي فيزيــده فــي نظيــر زيــادة‬
‫الجل‪.‬‬
‫خطورة الربا‬
‫‪ (1‬أكل الربا يعرض صاحبه لحرب اللــه ورســوله ‪ ،‬فيصــير‬
‫عدوا لله وسوله‬

‫‪119‬‬
‫قال الله تعالى " فإن لــم تفعلــوا فــأذنوا بحــرب مــن اللــه‬
‫ورســوله وإن تبتــم فلكــم رؤوس أمــوالكم ل تظلمــون ول‬
‫تظلمون " ‪.‬‬
‫قيل المعنى ‪:‬إن لم تنتهوا فأنتم حـرب للـه ولرسـوله ‪ ،‬أي‬
‫أعداء‪.‬‬
‫فهي الحرب بكل صورها النفسية والجسدية ‪ ،‬ومــا النــاس‬
‫فيه الن من قلق واكتئاب وغــم وحــزن إل مــن نتــاج هــذه‬
‫الحرب المعلنة لكل مــن خــالف أمــر اللــه وأكــل بالربــا أو‬
‫ساعد عليها ‪ ،‬فليعد سلحه إن استطاع ‪ ،‬وليعلم أن عقاب‬
‫الله آت ل محالة إن آجل أو عاجل ‪ ،‬وما عهدك بمــن جعلــه‬
‫الله عدوا له وأعلن الحرب عليه رب سلم سلم ‪.‬‬
‫‪ (2‬آكل الربا وكل من أعان عليه ملعون ‪.‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم " آكل الربا ‪ ،‬وموكله ‪ ،‬وكاتبه ‪،‬‬
‫وشــاهداه ‪ ،‬إذا لمســوا ذلــك ‪ ،‬والواشــمة‪ ،‬والموشــومة‬
‫للحسن ‪ ،‬ولوي الصــدقة ‪ ،‬والمرتــد أعرابيــا بعــد الهجــرة‪،‬‬
‫ملعونون على لسان محمد يوم القيامــة "]‪ [2‬واللعــن هــو‬
‫الطرد من رحمة الله تعالى ‪.‬‬
‫‪ (3‬أكل الربا من الموبقات‬
‫قال الله تعالى ‪ " :‬الذين يــأكلون الربــا ل يقومــون إل كمــا‬
‫يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس "‬
‫قال ابن عباس في قــوله ‪ " :‬الــذين يجتنبــون كبــائر الثــم‬
‫والفواحش " قال ‪ :‬أكبر الكبائر الشراك بالله عــز وجــل ‪،‬‬
‫قال الله عز وجل " ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليــه‬
‫الجنة " ثم قال ‪ :‬وأكــل الربــا لن اللــه عــز وجــل يقــول "‬
‫الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقــوم الــذي يتخبطــه‬
‫الشيطان من المس " ] قال الهيثمي فــي المجمــع ‪ :‬رواه‬
‫الطبرانى وإسناده حسن [ ‪.‬‬
‫وحقيقة الكبيرة أنها كل ذنب ورد فيــه وعيــد شــديد ‪ ،‬وقــد‬
‫جاء مصرحا بهذا في الصحيحين وغيرهما فعد رسول اللــه‬
‫أكل الربــا مــن الســبع الموبقــات ‪ .‬قــال صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم " اجتنبوا السبع الموبقات‪ :‬الشرك بالله ‪ ،‬والســحر‪،‬‬
‫وقتل النفس التي حرم الله إل بالحق ‪ ،‬وأكل الربا ‪ ،‬وأكــل‬

‫‪120‬‬
‫مــال اليــتيم‪ ،‬والتــولي يــوم الزحــف ‪ ،‬وقــذف المحصــنات‬
‫المؤمنات الغافلت " ]‪[3‬‬
‫‪ (4‬عقوبة آكل الربا أنه يسبح في نهر دم ويلقــم فــي فيــه‬
‫بالحجارة‬
‫وعن سمرة بن جندب قال ‪ :‬كــان النــبي صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم إذا صلى صــلة أقبــل علينــا بــوجهه فقــال مــن رأى‬
‫منكم الليلة رؤيا قال فإن رأى أحد قصها فيقــول مــا شــاء‬
‫الله فسألنا يوما فقال هل رأى أحد منكم رؤيا قلنا ل قــال‬
‫لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى‬
‫الرض المقدسة وفي سياق القصة قال ـ صلى الله عليــه‬
‫الصلة والسلم ـ ‪ " :‬فانطلقنا حتى أتينا على نهــر مــن دم‬
‫فيه رجل قائم على وسط النهــر وعلــى شــط النهــر رجــل‬
‫بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فــإذا أراد أن‬
‫يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فــرده حيــث كــان فجعــل‬
‫كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجــع كمــا كــان ثــم‬
‫فسر له هؤلء بأنهم آكلوا الربا " ‪ ] .‬رواه البخاري [ ‪.‬‬
‫‪ (5‬ظهور الربا سبب لهلك القرى ونزول مقت الله‬
‫قال صلى الله عليه وسلم " إذا ظهر الزنا والربا في قرية‬
‫فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله " ] أخرجــه الطــبراني فــي‬
‫الكبير الحاكم فــي المســتدرك عــن ابــن عبــاس ‪ ،‬صــححه‬
‫اللباني في صحيح الجامع ]‪. [ [679‬‬
‫‪ (6‬مآل الربا إلى قلة وخسران ‪.‬‬
‫عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما‬
‫أحد أكثر من الربا إل كان عاقبــة أمــره إلــى قلــة " ] رواه‬
‫ابن ماجه والمام أحمد وصححه الشيخ اللباني [ ‪.‬‬
‫‪ (7‬أكل الربا من أسباب المسخ ‪.‬‬
‫وفي مسند المام أحمد من حديث عبد الرحمــن بــن غنــم‬
‫وأبي أمامة وابن عباس " والذي نفس محمد بيــده ليــبيتن‬
‫ناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو فيصبحوا قردة‬
‫وخنــازير باســتحللهم المحـارم والقينـات وشــربهم الخمـر‬
‫وأكلهم الربا ولبسهم الحرير" ] رواه عبــد اللــه بــن المــام‬
‫أحمد في المسند وكذا ابن أبي الدنيا كما ذكره ابن القيــم‬
‫في إغاثة اللهفان [‬

‫‪121‬‬
‫الربا شقيقة الشرك ‪.‬‬
‫" الربا سبعون بابا‪ ،‬والشرك مثل ذلك " وفــي روايــة لبــن‬
‫ماجه " الربا ثلثة وسبعون بابا " ] أخرجه البزار عــن ابــن‬
‫مســعود وصــححه الشــيخ اللبــاني فــي صــحيح الجــامع )‬
‫‪[ (3540) ، (3538‬‬
‫‪ (8‬الربا أشد من ستة وثلثين زنية‬
‫• قال صلى الله عليه وسلم " درهم ربا يأكله الرجل وهــو‬
‫يعلم ‪ ،‬أشد عند الله من ستة وثلثين زنية " ]أخرجه أحمد‬
‫في مسنده والطبراني في الكبير عن عبد الله بن حنظلــة‬
‫وصححه الشيخ اللباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجــامع )‬
‫‪[ (3375‬‬
‫• وفي لفظ عند البيهقي من حــديث ابــن عبــاس " درهــم‬
‫ربا أشد عند الله من ستة وثلثين زنية ومن نبت لحمه من‬
‫سحت فالنار أولى به " ‪.‬‬
‫• وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أنس قــال‪ " :‬خطبنــا‬
‫رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فــذكر الربــا وعظــم‬
‫شأنه‪ ،‬فقال‪ :‬إن الرجل يصيب درهما من الربا أعظم عنــد‬
‫الله في الخطيئة من ست وثلثين زنية يزنيها الرجــل‪ ،‬وإن‬
‫أربى الربا عرض الرجل المسلم " ‪.‬‬
‫‪ (9‬أدنى الربا ذنبا كمثل من زنا بأمه ‪.‬‬
‫عن ابن مسعود قال ‪ :‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬الربا‬
‫ثلثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكــح الرجــل أمــه‪ ،‬وإن‬
‫أربى الربا عرض الرجل المسلم "‬
‫]أخرجه الحاكم في المســتدرك وصــحح الحــافظ العراقــي‬
‫في تخريــج الحيــاء إســناده وصــححه الشــيخ اللبــاني فــي‬
‫صحيح الجامع )‪[ (3539‬‬
‫وعن البراء بن عازب مرفوعا " الربا اثنان وســبعون بابــا ‪،‬‬
‫أدناها مثل إتيــان الرجــل أمــه ‪ ،‬وإن أربــى الربــا اســتطالة‬
‫الرجل في عرض أخيه "‬
‫] أخرجه الطبراني في الوســط وصــححه الشــيخ اللبــاني‬
‫في صحيح الجامع “‪[ ”3537‬‬

‫‪122‬‬
‫قال الطيبي ‪ :‬المراد إثــم الربــا ‪ ،‬ول بــد مــن هــذا التقــدير‬
‫ليطابق قوله أن ينكح " ثلثة وسبعون بابا ً أيسرها مثــل أن‬
‫ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم " ‪.‬‬
‫قال الطيبي ‪ :‬إنمــا كــان الربــا أشــد مــن الزنــا لن فــاعله‬
‫حاول محاربة الشــارع بفعلــه بعقلــه قــال تعــالى " فــأذنوا‬
‫بحــرب مــن الل ّــه ورســوله " أي بحــرب عظيــم فتحريمــه‬
‫محض تعبد وأما قبيح الزنا فظاهر عقل ً وشرعا ً ولــه روادع‬
‫وزواجــر ســوى الشــرع فآكــل الربــا يهتــك حرمــة الّلــه ‪،‬‬
‫والزاني يخرق جلباب الحياء ‪.‬‬
‫بيان حكم الشرع في بعض المعاملت الشائعة‬
‫أول ‪ :‬الفوائد المصرفية‬
‫صدرت الفتاوى المتتابعة من علماء العصر والصــادرة عــن‬
‫المجامع الفقهية بحرمة أخذ فوائد البنوك ‪.‬‬
‫‪ (1‬فمن ذلك فتـوى الشــيخ بكــري الصـدفي مفــتي الـديار‬
‫المصـــرية )ســـنة ‪1325‬هــــ ‪1907‬م ( عـــن دار الفتـــاء‬
‫المصرية ‪.‬‬
‫‪ (2‬وكــذا الشــيخ عبــد المجيــد ســليم )ســنة ‪1348‬هـــ‬
‫‪1930‬م ( بتحريــم اسـتثمار المـال المــودع بفـائدة البتــة ‪،‬‬
‫والفتوى الصادرة عنه )سنة ‪1362‬هـ ـ ‪1943‬م ( بــأن أخــذ‬
‫الفوائد عن الموال المودعة حرام ول يجوز التصدق بهــا ‪،‬‬
‫) وســنة ‪1364‬هـ ـ ‪1945‬م ( بــأنه يحــرم اســتثمار المــال‬
‫المــودع فــي البنــك بفــائدة ‪ ،‬وأن فــي الطــرق الشــرعية‬
‫لستثمار المال متسع للستثمار ‪.‬‬
‫‪ (3‬وأصــدر الشــيخ الــدكتور ‪ /‬عبــد اللــه دراز بحثــه )ســنة‬
‫‪1951‬م( بأن السلم لم يفرق بين الربــا الفــاحش وغيــره‬
‫فــي التحريــم ‪ ] .‬محاضــرة ألقاهــا فــي مــؤتمر القــانون‬
‫السـلمي ببـاريس وهـي مطبوعـة باسـم الربـا فـي نظـر‬
‫القانون السلمي [‬
‫‪ (4‬كما أفتى الشيخ ‪ /‬محمد أبــو زهــرة )‪1390‬هـ ـ ‪(1970‬‬
‫بأن الربا زيادة الدين في نظير الجــل وأن ربــا المصــارف‬
‫هو ربا القرآن وهو حرام ول شــك فيــه ‪ ،‬وأن تحريــم الربــا‬
‫يشــمل الســتثماري والســتهلكي فــي رد دامــغ للــذين‬

‫‪123‬‬
‫يرددون أن الضرورة تلجئ إلى الربا ] بحــوث فــي الربــا ‪،‬‬
‫ط دار البحوث العلمية ‪1970‬م [‪.‬‬
‫‪ (5‬وأفتى الشيخ ‪ /‬جاد الحق علي جاد الحق مفــتي الــديار‬
‫المصرية )ســنة ‪1399‬هـ ـ ‪1976‬م ( بــأن ســندات التنميــة‬
‫وأذون الخزانــة ذات العــائد الثــابت تعتــبر مــن المعــاملت‬
‫الربويـة المحرمـة ‪ ،‬وأن إيـداع المـال بـالبنوك بفـائدة ربـا‬
‫محرم سواء كانت هذه المصارف تابعة للحكومة أو لغيرها‬
‫‪.‬‬
‫‪ (6‬كمــا صــدر عــن المــؤتمر الثــاني للمصــرف الســلمي‬
‫بالكويت )سنة ‪1403‬هـ ‪ 1983‬م ( بحضور كوكبة من أبرز‬
‫العلمــاء والقتصــاديين بيانــا بــأن مــا يســمى بالفــائدة فــي‬
‫اصطلح القتصاديين هو من الربا المحرم ‪.‬‬
‫‪ (7‬ناهيك عن الفتاوى الصادرة عن المجمع الفقهــي بمكــة‬
‫المكرمــة ‪ ،‬واللجنــة الدائمــة للفتــاء والرشــاد بالمملكــة‬
‫العربية السعودية ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬شهادات الستثمار وصناديق التوفير‬
‫صدرت عن مفــتي الــديار المصــرية فضــيلة الشــيخ ‪ /‬جــاد‬
‫الحق علي جاد الحــق )ســنة ‪1400‬هــ ‪ 1979‬م ( الفتــوى‬
‫بأن فوائد شهادات الستثمار وشهادات التــوفير مــن الربــا‬
‫المحرم ‪ ،‬وأنها ل تعد من قبيل المكافأة أو الوعد بجائزة ‪.‬‬
‫و)سنة ‪1401‬هـ ‪1981‬م( بأن شهادات الستثمار )أ ‪ ،‬ب (‬
‫ذات الفــائدة المحــددة المشــروطة مقــدما زمنــا ومقــدارا‬
‫داخلة في ربا الزيادة المحرم ‪.‬‬
‫و)ســنة ‪ 1980‬م( بــأن الفــائدة المحــددة علــى المبــالغ‬
‫المدخرة بصناديق التــوفير بواقــع كــذا فــي المــائة ‪ ،‬فهــي‬
‫محرمة لنها من باب الربا )الزيادة المحرمة شرعا ( ‪.‬‬
‫ومن أراد أن يتثبت من هذا كله فليراجع فتاوى دار الفتــاء‬
‫المصرية كل في سنته وتاريخه ‪.‬‬
‫‪------------------‬‬
‫]‪ [1‬أخرجه البخــارى )‪ (5142‬ك النكــاح ‪ ،‬بــاب ل يخطــب‬
‫على خطبة أخيه حتى ينكــح أو يــدع ‪ ،‬ومســلم )‪ (1412‬ك‬
‫البيوع ‪ ،‬باب تحريم بيع الرجــل علــى بيــع الرجــل وســومه‬
‫على سوم أخيه – واللفظ له ‪-‬‬

‫‪124‬‬
‫]‪ [2‬أخرجه النسائي عن ابن مسعود ‪ ،‬و صححه السيوطي‬
‫واللباني “صحيح الجامع ]‪ “ ، “ [5‬تخريــج الــترغيب ‪3/49‬‬
‫“{‬
‫]‪ [3‬متفق عليه أبو داود النســائي عــن أبــي هريــرة ‪ ،‬وهــو‬
‫في صحيح الجــامع ]‪ “ ، [144‬الرواء‪ ، 1202 /‬ـ ‪، 1335‬‬
‫‪{ “ 2365‬‬
‫وكتبه‬
‫محمد بن حسين يعقوب‬
‫==============‬
‫‪#‬كيف بدأ الربا‪ ..‬وكيف انتشر؟‪..‬‬
‫قبل أن نطلع على حقيقة الربا وآثاره في الناس‪..‬‬
‫لننظر أول في حكم الربا في الشــرائع الســابقة كاليهوديــة‬
‫والنصرانية‪ ،‬وكيف بدأ وانتشر؟…‪.‬‬
‫لقد حرم الله الربا على اليهود‪ ،‬وهم يعلمون ذلك‪ ،‬وينهون‬
‫عنه فيما بينهم‪ ،‬لكنهم يبيحونه مع غيرهم‪ ،‬جــاء فــي ســفر‬
‫التثنية‪ :‬الصحاح الثالث والعشرين‪:‬‬
‫" للجنبي تقرض بربا‪ ،‬ولكن لخيك ل تقرض بالربا"‪.‬‬
‫ومنشــأ هــذا أنهــم ينظــرون إلــى غيرهــم نظــرة اســتعلء‬
‫واحتقار‪ ،‬والتوراة وإن كانت قــد حرفــت إل أن شــيئا منهــا‬
‫بقي كما هو لم يحرف‪ ،‬منهــا تحريــم الربــا‪ ،‬لكنهــم حرفــوا‬
‫النص حينما أباحوه مع غير اليهودي…‬
‫والدين النصراني كذلك يحرمه‪ ،‬ففي إنجيل لوقا‪:‬‬
‫" إذا أقرضــتم الــذين ترجــون منهــم المكافــأة فــأي فضــل‬
‫يعرف لكم؟…‬
‫ولكن افعلوا الخيرات وأقرضــوا غيــر منتظريــن عائدتهــا…‬
‫وإذا ً يكون ثوابكم جزيل" ‪.‬‬
‫وقد أجمع رجال الكنيسة ورؤساؤها كمــا اتفقــت مجامعهــا‬
‫على تحريم الربا تحريما قاطعا‪ ،‬حتى إن الباء اليســوعيين‬
‫وردت عنهم عبارات صارخة في حق المرابين‪ ،‬يقول الب‬
‫بوني‪:‬‬
‫" إن المرابين يفقدون شرفهم في الحياة‪ ،‬إنهم ليسوا أهل‬
‫للتكفين بعد موتهم" ‪..‬‬

‫‪125‬‬
‫ولم يكن تحريــم الربــا قاصــرا علــى أربــاب الــديانتين‪ ،‬بــل‬
‫كذلك حرمه من اشتهر في التاريخ بالعلم والفهم والحكمة‬
‫كبعــض الفلســفة‪ ،‬منهــم أرســطو‪ ،‬وأفلطــون الفيلســوف‬
‫اليوناني الذي قال في كتابه القانون‪:‬‬
‫" ل يحل لشخص أن يقرض بربا" ‪..‬‬
‫وأما العرب في جاهليتهم على الرغم مــن تعــاملهم بــه إل‬
‫أنهم كــانوا ينظــرون إليــه نظــرة ازدراء‪ ،‬وليــس أدل علــى‬
‫ذلك أنه عندما تهــدم ســور الكعبــة وأرادت قريــش إعــادة‬
‫بنائه حرصــت علــى أن تجمــع المــوال اللزمــة لــذلك مــن‬
‫البيوت التي ل تتعامل بالربا‪ ،‬حتى ل يدخل في بنــاء الــبيت‬
‫مال حرام‪ ،‬فقد قال أبــو وهــب بــن عابــد بــن عمــران بــن‬
‫مخــزوم‪ " :‬يــا معشــر قريــش ل تــدخلوا فــي بنيانهــا مــن‬
‫كسبكم إل طيبا‪ ،‬ل يدخل فيها مهــر بغــي‪ ،‬ول بيــع ربــا‪ ،‬ول‬
‫مظلمة أحد من الناس" ‪..‬‬
‫وإذا كان المر على هـذا النحـو‪ ،‬وأصـحاب الـديانات كلهـم‬
‫يحرمون الربا‪ ،‬كيف إذن بدأ وانتشر في العالم؟‪..‬‬
‫لقد كانت الجاهلية تتعامل بالربــا مــع قبــل الســلم‪ ،‬فجــاء‬
‫السلم وحرمه كما هو معلوم بالنصوص‪ ،‬وسد كــل أبــوابه‬
‫ووسائله وذرائعه ومنافذه‪ ،‬حتى ما كان فيه شبهة من ربــا‬
‫منعه وحرمه‪ ،‬كمنعه عليه الصلة والسلم من بيع صــاعين‬
‫من تمر رديء بصاع من تمر جيد ‪..‬‬
‫فامتثــل النــاس لــذلك‪ ،‬وتلشــى الربــا‪ ،‬وحــل محلــه الــبيع‬
‫والقرض الحسن والصدقة والزكاة‪..‬‬
‫وكما قلنا كانت أوربــا الــتي تــدين بالنصــرانية تحــرم الربــا‬
‫وتنهى عن التعامل به‪ ،‬أما اليهود ـ والــذين كــانوا يمتنعــون‬
‫من التعامل بالربا فيما بينهم ـ كانوا ممنوعين من التعامل‬
‫به مع غيرهم تحت وطأة الكراهية والذل الذي كانوا فيه‪..‬‬
‫لكن ومنذ أواخر القرن السادس عشر ميلدي بدأت أوربــا‬
‫بالتمرد على هذا الحكم اللهي‪..‬‬
‫ففي عام ‪1593‬م وضع اســتثناء لهــذا الحظــر فــي أمــوال‬
‫القاصرين‪ ،‬فصار يباح تثميرها بالربــا‪ ،‬بــإذن مــن القاضــي‪،‬‬
‫فكان هذا خرقا للتحريم‪..‬‬

‫‪126‬‬
‫ثــم تبــع ذلــك اســتغلل الكبــار لنفــوذهم‪ ،‬فقــد كــان بعــض‬
‫الملوك والرؤساء يأخذون بالربا علنا‪ ،‬فهــذا لــويس الرابــع‬
‫عشر اقترض بالربا في ‪1692‬م‪ ،‬والبابا بي التاسع تعامــل‬
‫كذلك بالربا في سنة ‪1860‬م‪.‬‬
‫كانت تلك محاولت وخروقات فردية‪..‬‬
‫لكن الربا لم ينتشر ولـم يقــر كقــانون معــترف بـه إل بعـد‬
‫الثورة الفرنسية‪ ،‬فالثورة كانت ثورة على الــدين والحكــم‬
‫القطاعي والملكي‪..‬‬
‫وكان من جملة الحكام الدينية في أوربا كما علمنا تحريــم‬
‫الربا‪ ،‬فنبذ هذا الحكم ضمن ما نبذ من أحكام أخر‪ ،‬وكان ل‬
‫بد أن يحصل ذلك‪ ،‬إذ إن اليهــود كــانت لهــم اليــد الطــولى‬
‫في تحريــك الثــورة الفرنســية واســتغلل نتائجهــا لتحقيــق‬
‫طموحــاتهم‪ ،‬مــن ذلــك إنشــاء مصــارف ربويــة‪ ،‬لتحقيــق‬
‫أحلمهم بالستحواذ على أمــوال العــالم‪ ،‬وجــاءت الفرصــة‬
‫في تلك الثورة‪ ،‬وأحل الربا وأقر‪:‬‬
‫فقد قررت الجمعية العمومية في فرنسا في المر الصادر‬
‫بتاريــخ ‪ 12‬أكتــوبر ســنة ‪1789‬م أنــه يجــوز لكــل أحــد أن‬
‫يتعامل بالربا في حدود خاصة يعينها القانون‪.‬‬
‫صدرت فرنسا التمرد على الدين وعزلــه عــن الحيــاة إلــى‬
‫كل أوربا‪ ،‬ومن ذلك التمـرد علـى تحريـم الربـا‪ ،‬وقـد كـان‬
‫اليهود في ذلك الحين من أصــحاب المــال‪ ،‬وبــدأت الثــورة‬
‫الصناعية‪ ،‬واحتاج أصحاب الصــناعات إلــى المــال لتمويــل‬
‫مشاريعهم‪ ،‬فــأحجم أصــحاب المــال مــن غيــر اليهــود عــن‬
‫تمويل تلك المشاريع الحديثة خشية الخسارة‪..‬‬
‫أما اليهــود فبــادروا بإقراضــهم بالربــا‪ ،‬ففــي قــروض الربــا‬
‫الربح مضمون‪ ،‬ولو خسر المقترض‪ ،‬وقد كانت أوربــا فــي‬
‫ذلك الحين مســتحوذة علــى بلــدان العــالم بقــوة الســلح‪،‬‬
‫فارضة عليها إرادتها‪ ،‬فلما تملك اليهود أمرها وتحكموا في‬
‫إرادتهــا كــان معنــى ذلــك الســيطرة والتحكــم فــي العــالم‬
‫أجمع‪ ،‬ومن ثم فرضوا التعامل الربا على جميع البلد الــتي‬
‫تقع تحت سـيطرة الغـرب‪ ،‬فانتشــر الربــا وشـاع فـي كـل‬
‫المبادلت التجارية والبنــوك‪ ،‬فــاليهود كــانوا ول زالــوا إلــى‬
‫اليوم يملكون اقتصاد العالم وبنوكه‪..‬‬

‫‪127‬‬
‫إذن‪ ..‬اليهود هم وراء نشر النظام الربوي في العالم‪ ،‬وكل‬
‫المتعاملين بالربـا هـم مــن خدمــة اليهــود والعــاملين علــى‬
‫زيــادة أرصــدة اليهــود ليســخروها فــي ضــرب الســلم‬
‫والمسلمين وكافة الشعوب‪..‬‬
‫انتشــر الربــا وانتشــر معــه كافــة المــراض القتصــادية‬
‫والسياسية والخلقية الجتماعية‪..‬‬
‫نبذة عن نشأة المصارف والبنوك‪:‬‬
‫المصارف جمع مصرف‪ ،‬وهو يطلق على المؤسسات التي‬
‫تخصصــت فــي إقــراض واقــتراض النقــود‪ ،‬وتســمى أيضــا‬
‫بالبنوك‪..‬‬
‫ولفــظ البنــك مشــتقة مــن اللفظــة اليطاليــة "بنكــو" أي‬
‫مائدة‪ ،‬إذ كان لكل صيرفي فــي القــرون الوســطى مــائدة‬
‫يضعها في الطريق عليها نقود يتجر فيها‪ ،‬وقد كان معظــم‬
‫الصيارفة من اليهود‪ ،‬وصــناعة الصــيرفة ترجــع إلــى العهــد‬
‫الــذي نشــأت فيــه العلقــات التجاريــة بيــن الجماعــات‬
‫البشرية‪..‬‬
‫وقد عرف البابليون والغريق والرومــان علميــات البنــوك‪،‬‬
‫وبوجه عام كان الطابع الغــالب علــى وظيفــة البنــوك فــي‬
‫العصــــور القديمــــة حفــــظ الــــودائع الثمينــــة والنقــــود‬
‫والمحصولت الزراعية‪ ،‬بالضافة إلى الحوالت المالية‪..‬‬
‫فقــد صــارت البنــوك علــى مــر اليــام مكانــا آمنــا لحفــظ‬
‫المدخرات من ذهب وفضة وجواهر ثمينة نظير أجر معين‪،‬‬
‫وكان هؤلء الصيارفة يعطون كل من يودع شيئا من المال‬
‫سندات فيها توثيق الودائع‪ ،‬تستخدم في سحب مــا يحتــاج‬
‫إليه من نقود‪..‬‬
‫ثم تطورت العملية فبدأ هؤلء التجار المودعــون يتــداولون‬
‫هذه الســندات بينهــم فــي الــبيوع ووفــاء الــديون وتصــفية‬
‫الحسابات‪ ،‬لن تداولها أخف مــن تــداول الــذهب والفضــة‪،‬‬
‫شعر الصيارفة بوجود المال الكثير في صناديقهم‪..‬‬
‫وقد ألــف المودعــون التعامــل بالســندات قبضــا وتســليما‪،‬‬
‫والمال باق عند الصيارفة لفترات طويلة‪ ،‬قلما يأتي مــودع‬
‫يطلب نقوده‪ ،‬ففكروا في استغللها والنتفاع بها بأنفسهم‪،‬‬

‫‪128‬‬
‫فبدءوا يعطونها النــاس قروضــا بفــائدة‪ ،‬ويتصــرفون فيهــا‪،‬‬
‫وكأنهم أصحابها‪..‬‬
‫وهكــذا أصــبح الصــيارفة يأخــذون علــى الــذهب المــودع‬
‫أجريــن‪ :‬أجــر علــى الحفــظ‪ ،‬وأجــر مقابــل القــرض‪ ،‬فلمــا‬
‫تطــورت هــذه العمليــة وأصــبحت الســندات تقــوم مقــام‬
‫الذهب في المعاملت‪..‬‬
‫بدأ الصيارفة يقرضون النــاس الســندات الورقيــة بــدل أن‬
‫يقرضوهم ذهبا‪..‬‬
‫وبهذه الطريقة تضخمت ثرواتهم التي لم تكن فــي أصــلها‬
‫إل أمــوال المــودعين‪ ،‬وبــدؤوا يــدفعون فــائدة للمــودعين‬
‫لغرائهــم باليــداع‪ ،‬وتحــولت عمليــة اليــداع إلــى علميــة‬
‫إقراض‪..‬‬
‫وبذلك أصــبح دور الصــيارفة هــو التوســط بيــن الشــخاص‬
‫الذين لديهم أمــوال ليمكنهــم اســتثمارها بأنفســهم‪ ،‬وبيــن‬
‫الشــخاص المحتــاجين إلــى أمــوال لتثميرهــا ويســتحلون‬
‫الفرق بين الفائدتين‪..‬‬
‫وبتطــور التجــارة وأشــكالها تعــددت أعمــال المصــارف‬
‫وأنواعها‪ ،‬فمنهـا المصـارف التجاريـة‪ ،‬وهــي الـتي تمــارس‬
‫جميع العمال المتصلة بالتجـارة‪ ،‬وتتميـز عـن سـواها مـن‬
‫حيــث اســتعدادها لقبــول الــودائع النقديــة مــن الفــراد أو‬
‫الشــركات وتخويــل المــودع حــق الســحب عليهــا‪ ..‬وهنــاك‬
‫المصــارف الزراعيــة والصــناعية والعقاريــة‪ ،‬وهــي الــتي‬
‫تقرض نظير فائدة‪ ،‬ول تستقبل الودائع النقدية‪.‬‬
‫هذا باختصار حقيقة المصــارف‪ ..‬وفــي المــرة القادمــة إن‬
‫شاء الله نتطرق إلى صور الربا‪..‬‬
‫أبو سارة‬
‫===============‬
‫‪ #‬مستقبل الربا‬
‫يحيى بن موسى الزهراني‬
‫الحمد لله الواحد المعبود ‪ ،‬عم بحكمته الوجـود ‪ ،‬وشـملت‬
‫رحمته كل موجود ‪ ،‬أحمد سبحانه وأشكره وهو بكل لسان‬
‫محمــود ‪ ،‬وأشــهد أن ل إلــه إل اللــه وحــده ل شــريك لــه‬
‫الغفور الودود ‪ ،‬وعد من أطــاعه بــالعزة والخلــود ‪ ،‬وتوعــد‬

‫‪129‬‬
‫من عصاه بالنار ذات الوقود ‪ ،‬وأشهد أن نبينا محمــدا ً عبــد‬
‫الله ورسوله ‪ ،‬صاحب المقام المحمود ‪ ،‬واللواء المعقود ‪،‬‬
‫والحوض المورود ‪ ،‬صلى الله عليه وعلــى آلــه وأصــحابه ‪،‬‬
‫الركــع الســجود ‪ ،‬والتــابعين ومــن تبعهــم مــن المــؤمنين‬
‫الشهود ‪ ،‬وسلم تسليما ً كثيرا ً إلى اليوم الموعــود ‪ . . .‬أمــا‬
‫بعد ‪ :‬فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ‪ ،‬فاتقوه رحمكــم اللــه‬
‫تقوى من أناب إليه ‪ ،‬واحذروه حذر من يؤمن بيوم العرض‬
‫عليه ‪ ،‬واعبدوه مخلصين له الدين ‪ ،‬وراقبوه مراقبــة أهــل‬
‫اليقين ‪ ،‬وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ‪.‬‬
‫أمة السلم ‪ :‬في مثل هــذه اليــام مــن كــل عــام ‪ ،‬يحــزم‬
‫الناس أمتعتهم ‪ ،‬ويجهــزون حقــائبهم ‪ ،‬اســتعدادا ً للســفر ‪،‬‬
‫ولكل منهم مقصده ‪ ،‬فمن كان قصده الترويح البريء كان‬
‫مأجورا ً ‪ ،‬ومن كان قصده غيــر ذلــك ‪ ،‬فالعمــال بالنيــات ‪،‬‬
‫وكل هجرته إلى ما هاجر إليه ‪ ،‬ثــم تــوفى إليهــم أعمــالهم‬
‫يوم القيامة وهــم ل يبخســون ‪ ،‬قــال تعــالى ‪ " :‬إن اللــه ل‬
‫يظلم الناس شيئا ً ولكن الناس أنفسهم يظلمون "‬
‫أيها المسلمون ‪ :‬الناس في هذه الجــازة الصــيفية ‪ ،‬فــرق‬
‫شتى ‪ ،‬منهم من يســتعد للســفر ‪ ،‬ومنهــم مــن أخــذ أهبتــه‬
‫للزواج ‪ ،‬ومنهم من عزم على شراء سيارته ‪ ،‬ومنهــم مــن‬
‫يريــد تشــييد منزلــه ‪ ،‬وغيرهــم كــثير ‪ ،‬فكــل يحتــاج إلــى‬
‫النفقــات ‪ ،‬وتــأمين الحاجيــات ‪ ،‬ول يتــأتى ذلــك إل بوجــود‬
‫المــال ‪ ،‬وإن ممــا تأســف لــه النفــوس ‪ ،‬ونــذير حــرب‬
‫ضروس ‪ ،‬مـا يقـع فيــه كــثير مـن المسـلمين اليـوم ‪ ،‬مـن‬
‫تهــافت علــى البنــوك الربويــة ‪ ،‬والمصــارف المحرمــة ‪،‬‬
‫لقتراض المال الحرام ‪ ،‬من أجل متعة دنيوية ما تلبــث أن‬
‫تزول وتذهب ‪ ،‬ويكون وبالها على فاعلها ‪ ،‬قــال تعــالى ‪" :‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا الربــا أضــعافا ً مضــاعفة واتقــوا‬
‫الله لعلكم تفلحون * واتقوا النار التي أعدت للكافرين " ‪،‬‬
‫فلربما كان البيت قبرا ً ‪ ،‬والسـيارة تابوتـا ً ‪ ،‬والـزوج وبـال ً ‪،‬‬
‫فــاتقوا اللـه أيهـا المسـلمون ‪ ،‬واحـذروا دخــول الربـا فـي‬
‫تعاملتكم وأموالكم ‪ ،‬فذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ‪.‬‬
‫أمة السلم ‪ :‬الربا مــن أكــبر الكبــائر ‪ ،‬وأعظــم الجــرائم ‪،‬‬
‫وأشد العظائم ‪ ،‬الربـا يهلـك المـوال ‪ ،‬ويمحـق البركـات ‪،‬‬

‫‪130‬‬
‫ويجلــب الحســرات ‪ ،‬ويــورث النكســات ‪ ،‬قــال تعــالى ‪" :‬‬
‫يمحق الله الربا ويربي الصــدقات " ‪ ،‬وعــن عبــد اللــه بــن‬
‫مسعود رضي الله عنه ‪ ،‬عن النبي صلى الله عليــه وســلم‬
‫قال ‪ " :‬الربا وإن كثر فعاقبته تصــير إلــى قــل " ] أخرجــه‬
‫أحمد والحــاكم بســند صــحيح [ ‪ ،‬آكــل الربــا ملعــون علــى‬
‫لسان محمد صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ ،‬خــارج مــن رحمــة‬
‫الله ‪ ،‬داخل في عذاب الله ‪ ،‬ما لــم يتــب ويســتغفر اللــه ‪،‬‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال ‪ " :‬لعــن رســول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم آكل الربــا ‪ ،‬ومــوكله ‪ ،‬وكــاتبه ‪،‬‬
‫وشاهديه ‪ ،‬وقال ‪ :‬هــم ســواء " ] أخرجــه مســلم [ ‪ ،‬فــأي‬
‫ذنب أعظم من ذنب ملعون صاحبه ؟ وأي مصيبة أكبر من‬
‫مصيبة اللعن والطرد من رحمة الله تعــالى ؟ فــاتقوا اللــه‬
‫أيهــا النــاس ‪ ،‬واعلمــوا أنكــم محاســبون ‪ ،‬وعــن أمــوالكم‬
‫مسؤولون ‪ ،‬ولــن تنفعكــم أمــوالكم ول أولدكــم مــن اللــه‬
‫شيئا ً ‪.‬‬
‫أمة السلم ‪ :‬الربا حرام كله ‪ ،‬قليله وكثيره ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫" وأحل الله البيع وحــرم الربــا " ‪ ،‬وقــال صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ‪ " :‬اجتنبــوا الســبع الموبقــات ‪ ،‬وذكــر منهــا ‪ ،‬وأكــل‬
‫الربا " ] متفق عليه [ ‪ ،‬الربــا حــرب للــه ولرســوله ‪ ،‬قــال‬
‫تعالى ‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مــا بقــي مــن‬
‫الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فــأذنوا بحــرب مــن‬
‫الله ورسوله " ‪ ،‬والعجيب والعجائب جمة ‪ ،‬أن من النــاس‬
‫من يأكل الربــا عالمـا ً بحرمتــه ‪ ،‬عارفـا ً بعقــوبته ‪ ،‬متــذرعا ً‬
‫برحمة الله ومغفرته ‪ ،‬ونسي المسكين أن الله جل جللــه‬
‫يقول في كتابه العزيز ‪ " :‬اعلمــوا أن اللــه شــديد العقــاب‬
‫وأن الله غفور رحيم " ‪ ،‬ويقول سبحانه ‪ " :‬وإن ربــك لــذو‬
‫مغفرة للناس على ظلمهــم وإن ربــك لشــديد العقــاب " ‪،‬‬
‫الربا دمار للفراد والشــعوب ‪ ،‬وإشــعال لفتيــل الحــروب ‪،‬‬
‫الربا هلك للمــم والمجتمعــات ‪ ،‬صــغار وذلــة للمتعــاملين‬
‫به ‪ ،‬ول أدل على ذلك من هذه النكبات التي حطت رحالها‬
‫بأمة محمد صلى الله عليه وســلم ‪ ،‬مـن حــروب مـدمرة ‪،‬‬
‫وفيضــانات عارمــة ‪ ،‬وكســوف وخســوف ‪ ،‬وريــاح عاتيــة ‪،‬‬
‫وقتل وسرقات ‪ ،‬وجرائم واغتيــالت ‪ ،‬ونهــب للممتلكــات ‪،‬‬

‫‪131‬‬
‫كــوارث وحــوادث ‪ ،‬ليــس لهــا مــن دون اللــه كاشــفة ‪ ،‬ول‬
‫منجــي منهــا إل بتوبــة صــادقة ‪ ،‬ورجــوع إلــى اللــه الواحــد‬
‫القهار ‪.‬‬
‫أيها المســلمون ‪ :‬فــي خضــم معــترك هــذه الحيــاة ‪ ،‬وفــي‬
‫بحرهــا المتلطــم المــواج ‪ ،‬هنــاك فئة مــن المســلمين ‪،‬‬
‫تجرءوا على الحرمات ‪ ،‬وارتكبــوا المنهيــات ‪ ،‬دون ورع ول‬
‫خوف ‪ ،‬فأكلوا الربا ‪ ،‬ودعوا النــاس إلــى أكلــه ‪ ،‬مجــاهرين‬
‫بالمعصية ‪ ،‬وقــد توعــدهم اللــه بعقــاب مــن عنــده ‪ ،‬علــى‬
‫لسان نبيه ‪ ،‬فقال صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ " :‬كــل أمــتي‬
‫يدخلون الجنة إل من أبى " قيل ‪ :‬ومن يأبى يا رسول الله‬
‫؟ قال ‪ " :‬من أطاعني دخل الجنة ‪ ،‬ومن عصاني فقد أبى‬
‫" ] أخرجه البخاري [ ‪ ،‬ومن تعامل بالربا فقــد خــالف أمــر‬
‫الله وأمر نبيه صلى اللـه عليــه وسـلم ‪ ،‬وعصــى الوامــر ‪،‬‬
‫واقترف الزواجر ‪ ،‬وقد قال الله تعــالى ‪ " :‬فليحــذر الــذين‬
‫يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عــذاب أليــم‬
‫" ‪ ،‬وقـــد بيـــن اللـــه تعـــالى مـــآل العصـــاة والمـــذنبين ‪،‬‬
‫والمتعاملين بالربا ‪ ،‬والكليــن لــه ‪ ،‬فقــال تعــالى ‪ " :‬ومــن‬
‫يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا ً خالدا ً فيها ولــه‬
‫عذاب مهين " ‪ ،‬إن أمرا ً هذه نهايته ‪ ،‬وتلكم عاقبته لواجب‬
‫على كــل عاقــل أن يجتنبــه ويحــذره ‪ ،‬ويحــذر النــاس مــن‬
‫خطره وشره ‪ ،‬قال صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ " :‬إذا ظهــر‬
‫الزنا والربا في قرية ‪ ،‬فقد أحلــوا بأنفســهم عــذاب اللــه "‬
‫] أخرجه الحاكم وحسنه اللباني [ ‪.‬‬
‫أيها المسلمون ‪ :‬آكل الربا ل يستجاب لدعائه إذا دعا ‪ ،‬ول‬
‫تفتح له أبواب السماء ‪ ،‬فقد ذكــر النــبي صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم الرجل يطيل السفر أشــعث أغــبر ‪ ،‬يمــد يــديه إلــى‬
‫السماء ‪ ،‬يارب ‪ ،‬يارب ‪ ،‬ومطعمه حرام ‪ ،‬ومشربه حرام ‪،‬‬
‫وملبسه حرام ‪ ،‬وغذي بــالحرام ‪ ،‬فــأنى يســتجاب لــذلك "‬
‫] أخرجه مسلم في صــحيحه [ ‪ ،‬وعــن أبــي هريــرة رضــي‬
‫الله عنه أن رسول اللـه صــلى اللــه عليــه وســلم قــال ‪" :‬‬
‫ليأتين على الناس زمان ل يبالي المرء بما أخذ المال أمن‬
‫حلل أم حرام ‪ ،‬فــإذ ذاك ل تجــاب لهــم دعــوة " ] أخرجــه‬
‫البخاري [ ‪ ،‬فالربا شؤم على صاحبه ‪ ،‬ظلم للمتعامل بــه ‪،‬‬

‫‪132‬‬
‫فيه ارتكاب لما حرم الله ورسوله ‪ ،‬وربما سلط الله علــى‬
‫صاحبه الفات المهلكة ‪ ،‬والكوارث المدمرة ‪ ،‬من غــرق أو‬
‫حرق أو لصوص أو أنظمة جائرة تذهب بــه جميعــه ‪ ،‬وكــم‬
‫رأى الناس وعاينوا ‪ ،‬وشاهدوا وبــاينوا ‪ ،‬عاقبــة الربــا علــى‬
‫أصحابه ‪ ،‬فكم من الثرياء المرابين ‪ ،‬والغنياء المحاربين ‪،‬‬
‫الــذين محــق اللــه مــا بأيــديهم ‪ ،‬حيــث علقتهــم الــديون ‪،‬‬
‫فأخذهم الله بعــذاب الهــون ‪ ،‬فصــاروا عالــة علــى النــاس‬
‫يتكففــون ‪ ،‬وصــدق اللــه العظيــم القــائل ‪ " :‬فبظلــم مــن‬
‫الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصــدهم عــن‬
‫سبيل الله كــثيرا ً * وأخــذهم الربــا وقــد نهــوا عنــه وأكلهــم‬
‫أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا ً أليما ً "‬
‫‪ ،‬وصدق عبد الله ورسوله صلى الله عليه وســلم ‪ ،‬القــائل‬
‫في الحديث الصــحيح ‪ " :‬مــا أحــد أكــثر مــن الربــا إل كــان‬
‫عاقبــة أمــره إلــى قلــة " ] أخرجــه ابــن ماجــة والحــاكم‬
‫وصححه اللباني ‪. [ 28 / 2‬‬
‫أمة السلم ‪ :‬للربا أثار مخيفة ‪ ،‬وعواقب عنيفة ‪ ،‬منهــا مــا‬
‫تــم بيــانه ‪ ،‬ومنهــا ‪ :‬أن الربــا ســبب لظهــور المــراض‬
‫المستعصــية ‪ ،‬وكــثرة الدواء والوبئة ‪ ،‬وتســلط الحكــام ‪،‬‬
‫وانتشار الفقر والبطالة ‪ ،‬وكثرة الجريمة ‪ ،‬وشيوع الفســاد‬
‫في البلد بين العباد ‪ ،‬وهذا ما تعانيه المة اليوم ‪ ،‬فهل من‬
‫مدكر ومتعظ ؟ في الحديث ‪ ،‬ما ظهر الربا والزنا في قوم‬
‫إل ظهــر فيهــم الفقــر ‪ ،‬والمــراض المستعصــية ‪ ،‬وظلــم‬
‫السلطان ‪ ،‬ومن أعظم آثار الربــا فتك ـا ً ‪ ،‬وأشــدها ضــررا ً ‪،‬‬
‫أنه سبب لعذاب القبور ‪ ،‬ففــي الحــديث الصــحيح الطويــل‬
‫الذي أخرجه البخاري من حديث سمرة بــن جنــدب رضــي‬
‫الله عنه ‪ ،‬أن آكل الربا ‪ُ ،‬يعذب مــن حيــن مــوته إلــى يــوم‬
‫القيامة ‪ ،‬بالسباحة في بحر الدم ‪ ،‬ويلقم حجارة من نــار ‪،‬‬
‫وهذا عذابه في قبره مع لعنة الله له ‪ ،‬أل فاتقوا الله عبــاد‬
‫الله ‪ ،‬وذروا ما بقي مــن الربــا ‪ ،‬واتركــوا كــل تعامــل بــه ‪،‬‬
‫واهجروا كل من تعامل به ‪ ،‬واحرصــوا رحمكــم اللــه علــى‬
‫تحري المال الحلل ‪ ،‬ففيه غنية عن الحرام ‪.‬‬
‫أيها المســلمون ‪ :‬لمــا كــثرت البنــوك الربويــة ‪ ،‬وانتشــرت‬
‫الــدعايات الصــحفية ‪ ،‬تحــت شــعارات مضــلله ‪ ،‬وروايــات‬

‫‪133‬‬
‫باطلــة ‪ ،‬بأســماء منمقــة ‪ ،‬كالخــدمات البنكيــة ‪ ،‬والنظــام‬
‫المصــرفي ‪ ،‬والمــداينات ‪ ،‬والقــرض والفــائدة ‪ ،‬وحســاب‬
‫التوفير ‪ ،‬وودائع الئتمان ‪ ،‬ونحـو ذلـك ‪ ،‬لمــا تغيـر مســمى‬
‫الربا بتلكم المسميات ‪ ،‬انساق الناس وراء ترهات الحلم‬
‫‪ ،‬وسفهاء القلم ‪ ،‬فوقعوا في الربا عيانا ً بيانا ً ‪ ،‬فيا حسرةً‬
‫على العباد ‪ ،‬تاهوا في كل واد ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ " :‬يأتي على الناس زمان ل يبقى أحد إل أكل الربا ‪ ،‬ومن‬
‫لم يأكله أصابه من غبــاره " ] أخرجــه أبــو داود والنســائي‬
‫وابن ماجة [ ‪ ،‬والناظر في واقع المسلمين اليــوم ‪ ،‬يــدرك‬
‫مصداقية هــذا الحــديث ‪ ،‬وأي موظــف ل يمــر راتبــه بأحــد‬
‫البنوك الربوية ‪ ،‬فسبحان الله ما أحلمه علــى خلقــه ‪ ،‬ومــا‬
‫أرأفه بعباده ‪ ،‬وما أصبره على أذاهم ‪ ،‬ينــزل عليهــم نعمــه‬
‫ومننــه وخيراتــه ‪ ،‬ويقــابلون ذلــك بالمعاصــي والجحــود‬
‫والكفران ‪ ،‬قال تعالى ‪ " :‬يعرفون نعمة الله ثــم ينكرونهــا‬
‫وأكثرهم الكافرون " ‪.‬‬
‫أيهــا المســلمون ‪ :‬إن اللـه حــرم الربـا فـي كتــابه العزيــز‪،‬‬
‫وحرمــه رســوله محمــد صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ ،‬وأجمــع‬
‫العلماء على تحريمه ‪ ،‬ولم ُيحل في ملة قط ‪ ،‬فمن اعتقد‬
‫حله وقد جاءته اليات والحاديث ‪ ،‬فـإنه مفـارق للسـلم ‪،‬‬
‫وخارج منه ‪ ،‬لكــونه مكــذبا ً للــه ورســوله ‪ ،‬رادا ً علــى اللــه‬
‫ن ِبــالل ّهِ وَل َ‬ ‫مُنــو َ‬ ‫ن ل َ ي ُؤْ ِ‬‫ذي َ‬ ‫ورسوله ‪ ،‬قال تعالى ‪َ " :‬قات ُِلوا ْ ال ّ ِ‬
‫ن‬ ‫ه وَل َ ي َـ ِ‬
‫ديُنو َ‬ ‫ســول ُ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬‫حرِ ُ‬ ‫بال ْي َوْم ِ ال ِ‬
‫خرِ وَل َ ي ُ َ‬
‫دين ال ْحق من ال ّذي ُ‬
‫ة عَــن‬ ‫جْزي َـ َ‬‫طوا ْ ال ْ ِ‬
‫حّتى ي ُعْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬‫ِ َ‬ ‫َ ّ ِ َ‬ ‫ِ َ‬
‫ن " ‪ ،‬فانظروا عباد الله كيف أذن الله جــل‬ ‫صاِغُرو َ‬ ‫م َ‬‫ي َدٍ وَهُ ْ‬
‫وعل بقتال من لم ُيحرم ما حرمه الله ورسوله ‪ ،‬بــل وأذن‬
‫في حربهم ‪ ،‬وأخرجهــم مــن دائرة اليمــان والعيــاذ بــالله ‪،‬‬
‫فالربا حرام لما يحتويه من ظلم للبشرية ‪ ،‬وأكــل لحقــوق‬
‫النسانية ‪ ،‬في الربــا تجتمــع جميــع الشــرور ‪ ،‬بفعــل الربــا‬
‫تصبح المم طبقتان ‪ ،‬طبقة غنيــة ‪ ،‬وأخــرى فقيــرة ‪ ،‬الربــا‬
‫من أســباب الكســل والخمــول ‪ ،‬الربــا حــرام كلــه ‪ ،‬مهمــا‬
‫كانت أسبابه ودوافعه ‪ ،‬فليس هناك مسوغ يجيز لعبد مــن‬
‫عباد الله أن ينتهك حرمات ربه وخـالقه ‪ ،‬الربـا حـرام فـي‬
‫المور الستهلكية والنتاجية ‪ ،‬الربــا حــرام مــع المســلمين‬

‫‪134‬‬
‫وغير المســلمين ‪ ،‬الربــا حــرام ولــو حصــل التراضــي بيــن‬
‫الطرفين ‪ ،‬لنـه عـدوان للـه ولرسـوله ‪ ،‬ومعصـية ظـاهرة‬
‫الحجة والبيان ‪.‬‬
‫أمة السلم ‪ :‬احذروا سخط الله ومقته وغضــبه ‪ ،‬واجعلــوا‬
‫بينكم وبين عذاب الله وقاية ‪ ،‬بفعــل الطاعــات ‪ ،‬واجتنــاب‬
‫المنهيــات ‪ ،‬أل وإن أعظــم المنهيــات بعــد الشــرك بــالله‬
‫التعامل بالربا ‪ ،‬ول يغرنكم من هلك مع الهــالكين ‪ ،‬فتلكــم‬
‫سبيل الغافلين ‪ ،‬وعاقبة المجرمين ‪ ،‬وتعاملوا فيمــا بينكــم‬
‫بالمعــاملت الطيبــة النافعــة ‪ ،‬وكونــوا عبــاد اللــه إخوان ـا ً ‪،‬‬
‫فــرأس المــال والخــبرات ‪ ،‬تــورث المنــافع والخيــرات ‪،‬‬
‫فاحذروا الربا أيها الناس ‪ ،‬ل يغرنك تسهيلتهم‪ ،‬فهم واللــه‬
‫لم يسهلوها محبة لكم‪ ،‬وإنمــا يريــدون اقتناصــكم‪ ،‬فــاليوم‬
‫تكـــون المـــور ســـهلة‪ ،‬وغـــدا ً تجتمـــع الـــديون‪ ،‬ويكـــثر‬
‫المطالبون ‪ ،‬فل تستطيعون وفاءها‪ ،‬فيعــود الغنــي فقيــرا ً ‪،‬‬
‫والمــترف مفلســا ً ‪ ،‬فــاتقوا اللــه تعــالى فــي أمــوالكم ‪،‬‬
‫واحــذروا دخــول الربــا فيهــا ‪ ،‬وابتعــدوا عنهــا طاعــة للــه ‪،‬‬
‫وخوفا ً من عقوبته ‪ ،‬فمن ترك شيئا ً لله عوضــه اللــه خيــرا ً‬
‫منه ‪.‬‬
‫أيها المسلمون ‪ :‬كل الناس يعلم حرمة الزنا ‪ ،‬ولقــد جعــل‬
‫الله الربا أشد من الزنا ‪ ،‬قال صــلى اللــه عليــه وســلم ‪" :‬‬
‫درهم ربا ً يأكله الرجل وهــو يعلــم أشــد مــن ســت وثلثيــن‬
‫زنية " ] أخرجه أحمد والطبراني فــي الوســط ‪ ،‬وصــححه‬
‫اللبــاني [ ‪ ،‬وقــال صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ " :‬الربــا ثلث‬
‫وسبعون بابا ً ‪ ،‬أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه " ] أخرجه‬
‫الحاكم وصححه اللباني [ ‪ ،‬أعاذنا الله وإياكم من مضــلت‬
‫الفتن ‪ ،‬وسوء المحن ‪ ،‬بـارك اللـه لـي ولكـم فـي القـرآن‬
‫العظيم ‪ ،‬ونفعني وإياكم بما فيه من اليات والذكر الحكيم‬
‫‪ ،‬أقول ما سمعتم ‪ ،‬فما كان من صــواب فمــن اللــه ‪ ،‬ومــا‬
‫كان من خطأ فأســتغفر اللــه منــه ‪ ،‬واســتغفروه إنــه كــان‬
‫للوابين غفورا ً ‪.‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد للــه حمــدا ً حمــدا ً ‪ ،‬والشــكر لــه شــكرا ً شــكرا ً ‪ ،‬لــه‬
‫الحمد كله ‪ ،‬وله الشكر كله ‪ ،‬وله الفضل كله ‪ ،‬وأشــهد أن‬

‫‪135‬‬
‫ل إله إل الله ‪ ،‬وحده ل شريك له ‪ ،‬أهل هو أن يعبد ‪ ،‬وأهل‬
‫هو أن يشكر ‪ ،‬أهل الثناء والمجــد ‪ ،‬أحــق مــا قــال العبــد ‪،‬‬
‫وكلنا له عبد ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبــده ورســوله ‪ ،‬وصــفيه‬
‫وخليله ‪ ،‬صلوات ربي وسلمه عليه ‪ ،‬وعلى آلــه وصــحبه ‪،‬‬
‫ومن تبع سنته ‪ ،‬واهتدى بهداه ‪ . . .‬أما بعد ‪:‬‬
‫فيا أيها المسلمون ‪ :‬لقد كــثرت الــدعايات للعمــل بالربــا ‪،‬‬
‫وتعددت مجــالته ‪ ،‬وتنــوعت أســاليبه ‪ ،‬فعلــى المســلم أن‬
‫يخشــى اللــه ويتقــه ‪ ،‬ويعلــم أنــه موقــوف بيــن يــديه يــوم‬
‫القيامــة ‪ ،‬فمــن معــاملت الربــا المحرمــة اليــوم وأكثرهــا‬
‫شيوعا ً ‪:‬‬
‫*** القرض بفائدة ‪ ،‬وصورة ذلك ‪ ،‬أن يقترض شخص من‬
‫آخر أو مؤسسة أو بنك مال ً علــى أن يــرده وزيــادة ‪ ،‬فهــذا‬
‫هو عين الربا الذي أجمعت المــة علــى تحريمــه ‪ ،‬وجــاءت‬
‫النصــوص الشــرعية بمنعــه والتحــذير منــه قــال تعــالى ‪" :‬‬
‫وأحل الله البيع وحرم الربا فمــن جــاءه موعظــة مــن ربــه‬
‫فانتهى فله ما سـلف وأمــره إلـى اللـه ومــن عــاد فـأولئك‬
‫أصحاب النار هم فيها خالدون " ‪.‬‬
‫*** ومن صور الربا المحرمة ‪ ،‬بيع العينة ‪ ،‬وصورة ذلــك ‪،‬‬
‫أن يبيع سلعة بثمن مؤجل على شخص ‪ ،‬ثم يشــتريها منــه‬
‫بثمن حال أقل من الثمن المؤجــل ‪ ،‬فهــذه معاملــة ربويــة‬
‫جعلــت الســلعة فيهــا حيلــة وســتارة فقــط ‪،‬‬ ‫محرمــة ‪ُ ،‬‬
‫يتحايلون على الله تعــالى كمــا يتحــايلون علــى الطفــال ‪،‬‬
‫تعالى الله عــن ذلــك علــوا ً كــبيرا ً ‪ ،‬قــال صــلى اللــه عليــه‬
‫وســلم ‪ " :‬لئن تركتــم الجهــاد ‪ ،‬وأخــذتم أذنــاب البقــر ‪،‬‬
‫وتبايعتم بالعينة ‪ ،‬ليلزمنكم الله مذلة في رقــابكم ل تنفــك‬
‫عنكم ‪ ،‬حتى تتوبوا إلى الله ‪ ،‬وترجعوا على ما كنتــم عليــه‬
‫" ] أخرجه أبو داود [ ‪.‬‬
‫*** ربا الدين ‪ ،‬وصورته أن يبيع الرجل على آخر بيعا ً إلــى‬
‫أجل مسمى ‪ ،‬فإذا جاء الجل ‪ ،‬ولم يكن عند صاحبه قضاء‬
‫‪ ،‬زاد في الثمن وأخــر عنــه فــي الــدفع إلــى أجــل مســمى‬
‫آخر ‪ ،‬وهذه هو الربا أضعافا ً مضاعفة ‪ ،‬وهــو ربــا الجاهليــة‬
‫الذي نهى الله عنه بقوله سبحانه ‪ " :‬يا أيها الذين آمنــوا ل‬
‫تأكلوا الربا أضعافا ً مضاعفة واتقوا الله " ‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫*** ربا النسيئة ‪ ،‬وله صــورة متعــددة ‪ ،‬منهــا ‪ :‬أن يقــرض‬
‫شخصا ً مبلغا ً من المال على أن يرده وزيادة ‪ ،‬ومنها ‪ :‬بيــع‬
‫النقود بالنقود ‪ ،‬أو النقود بالذهب إلى أجل بزيادة ‪ ،‬أو بيــع‬
‫ذلك من غير تقــابض فــي المجلــس ‪ ،‬ولــو لــم يكــن هنــاك‬
‫زيادة ‪ ،‬فهذا عين الربا الــذي نهــى عنــه النــبي صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري رضي اللــه عنــه‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم ‪ " :‬الــذهب‬
‫بالـــذهب ‪ ،‬والفضـــة بالفضـــة ‪ ،‬والـــبر بـــالبر ‪ ،‬والشـــعير‬
‫بالشعير ‪ ،‬والتمر بالتمر ‪ ،‬والملح بالملح ‪ ،‬مثل ً بمثــل ‪ ،‬يــدا ً‬
‫بيد ‪ ،‬فمن زاد أو استزاد فقد أربى ‪ ،‬الخذ والمعطــي فيــه‬
‫ســواء " ] أخرجــه مســلم [ ‪ ،‬وفــي روايــة ‪ " :‬مثل ً بمثــل ‪،‬‬
‫سواًء بسواء ‪ ،‬يدا ً بيد ‪ ،‬فإذا اختلفت هذه الصــناف فــبيعوا‬
‫كيف شئتم إذا كان يدا ً بيد " ] أخرجــه مســلم مــن حــديث‬
‫عبادة بن الصامت رضي الله عنه [ ‪ ،‬وقال صلى الله عليه‬
‫وســلم ‪ " :‬ل تــبيعوا الــذهب بالــذهب ‪ ،‬إل مثل ً بمثــل ‪ ،‬ول‬
‫تشــفوا بعضــها علــى بعــض " ] متفــق عليــه [ ول تفضــلوا‬
‫بعضــها علــى بعــض ‪ ،‬وقــال صــلى اللــه عليــه وســلم فــي‬
‫الصناف الستة المذكورة ‪ " :‬ول تبيعوا منها غائبا ً بناجز " ]‬
‫متفق عليه [ ‪ ،‬وهذه النواع من الربا واقعــة اليــوم بكــثرة‬
‫جارفة ‪ ،‬وتكثر في المصارف ‪ ،‬وعند باعة الذهب والحلي ‪،‬‬
‫وإذا اختلفت الصناف حال البيع ‪ ،‬فيلزم أن تكون مقبوضة‬
‫في الحال فقط ‪ ،‬لقوله صلى اللــه عليــه وســلم ‪ " :‬بيعــوا‬
‫الذهب بالفضة كيف شئتم ‪ ،‬يــدا ً بيــد ‪ ،‬وبيعــوا الــبر بــالتمر‬
‫كيف شئتم ‪ ،‬يدا ً بيد ‪ ،‬وبيعوا الشعير بــالتمر كيــف شــئتم ‪،‬‬
‫يدا ً بيد " ] أخرجــه مســلم والترمــذي وأبــو داود [ ‪ ،‬ولفــظ‬
‫أبي داود ‪ " :‬ول بأس ببيع الذهب بالفضة ‪ ،‬والفضة أكثرهــا‬
‫‪ ،‬يدا ً بيد ‪ ،‬وأما نســيئة فل ‪ ،‬ول بــأس بــبيع الــبر بالشــعير ‪،‬‬
‫والشعير أكثرها ‪ ،‬يدا ً بيد ‪ ،‬وأما نسيئة فل " ‪.‬‬
‫*** ومن صور الربــا اليــوم ‪ ،‬أن ُيعجــل الموظــف اســتلم‬
‫راتبــه قبــل نهايــة الشــهر مقابــل فــائدة ماليــة ‪ ،‬يســمونها‬
‫عمولة البطاقة ‪ ،‬وفي حقيقتهــا زيـادة ماليــة ربويـة ‪ ،‬يـرى‬
‫النــاس ظاهرهــا ‪ ،‬ويخفــى عليهــم باطنهــا ‪ ،‬وهــي معاملــة‬
‫ملعون صاحبها وآكلها والمتعامل بها ‪ ،‬فاحــذروا عبــاد اللــه‬

‫‪137‬‬
‫من تلـك اللعيــب المكشــوفة ‪ ،‬الــتي يتحــايلون بهــا علــى‬
‫النــاس ‪ ،‬ليــدخل الربــا فــي أمــوالهم ‪ ،‬فتمحــق بركاتهــا ‪،‬‬
‫وتزول خيراتها ‪.‬‬
‫*** ومــن صــور الربــا ‪ ،‬اســتبدال الــذهب القــديم بــذهب‬
‫جديد ‪ ،‬ودفع الفرق بينهما ‪ ،‬وهذا عين الربا ‪ ،‬والصحيح في‬
‫ذلك ‪ ،‬أن يبع القديم ويقبض ثمنه ‪ ،‬ثم يشتري جديدا ً ‪.‬‬
‫*** ومن وصر الربــا ‪ ،‬أن يشــتري ذهبـا ً دينـا ً أو أقســاطا ً ‪،‬‬
‫وهــذا رب ـا ً ل يجــوز التعامــل بــه ‪ ،‬لقــوله صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ‪ " :‬الذهب بالذهب ‪ ،‬والفضة بالفضة ‪ ،‬والبر بــالبر ‪،‬‬
‫والشعير بالشعير ‪ ،‬والتمــر بــالتمر ‪ ،‬والملــح بالملــح ‪ ،‬مثل ً‬
‫بمثل ‪ ،‬يــدا ً بيــد ‪ ،‬فمــن زاد أو اســتزاد فقــد أربــى ‪ ،‬الخــذ‬
‫والمعطي فيه ســواء " ] أخرجــه مســلم [ ‪ ،‬فليحــذر تجــار‬
‫العملت ‪ ،‬وتجار السبائك الذهبية ‪ ،‬أل يبيعوا حاضرا ً بغائب‬
‫‪ ،‬فلبــد مــن التقــابض والســتلم والتســليم فــي مجلــس‬
‫العقد ‪.‬‬
‫*** ومن صور الربــا ‪ ،‬اليــداع بفــائدة ‪ ،‬وصــورته أن يضــع‬
‫ماله في أحد البنوك الربوية ‪ ،‬ويعطيــه البنــك فــائدة جــراء‬
‫النتفــاع بــالمبلغ ‪ ،‬وهــذا حــرام ‪ ،‬وفيــه تعــاون علــى الثــم‬
‫والعدوان ‪ ،‬ومعصية الرحمن ‪.‬‬
‫أيهــا المســلمون ‪ :‬ل ريــب أن المســلمين أخــوة ‪ ،‬يســاعد‬
‫بعضهم بعضا ً ‪ ،‬ويعين أحــدهم أخــاه ‪ ،‬بشــفاعة حســنة ‪ ،‬أو‬
‫واسطة ل ظلــم فيهــا ‪ ،‬أو غيــر ذلــك مــن أوجــه المنفعــة ‪،‬‬
‫فمن شفع لخيه أو قضى له منفعة ‪ ،‬فل يجوز له أن يأخــذ‬
‫مقابل ذلك أجــرا ً ‪ ،‬ومــن فعــل فقــد أتــى بابـا ً عظيمـا ً مــن‬
‫أبواب الربا ‪ ،‬قــال صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ " :‬مــن شــفع‬
‫لرجل شفاعة فأهدى له عليها فقبلها فقد أتى بابا ً عظيمــا ً‬
‫من أبواب الربا " ] أخرجه أبو داود [ ‪ ،‬وقال ابــن مســعود‬
‫رضي الله عنه ‪ " :‬مــن شــفع لرجــل شــفاعة فأهــدى إليــه‬
‫هدية فهي سحت " ‪ ،‬وقال صلى الله عليه وســلم ‪ " :‬كــل‬
‫قرض جر نفعا ً فهر ربا " ‪.‬‬
‫أمة السلم ‪ :‬ربما وقع المســلم فــي الربــا وهــو ل يعلــم ‪،‬‬
‫فمن كان كذلك ‪ ،‬وجب عليه رد الحقوق إلى أهلها ‪ ،‬وترك‬
‫الربا فورا ً ‪ ،‬لنه من أسباب ســخط اللــه ‪ ،‬ومــن وقــع فــي‬

‫‪138‬‬
‫الربا مع بنك أو مصرف أو غيرها فإنه يرفع أمره للمحــاكم‬
‫الشــرعية ‪ ،‬ليتــبين الحــق مــن الباطــل ‪ ،‬أل فــاعلموا أيهــا‬
‫الناس أن من وقع في الربا عارفا ً أو جاهل ً ‪ ،‬فالعقد باطـل‬
‫‪ ،‬لحديث بلل رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى اللــه‬
‫عليه وسلم بتمر جيــد ‪ ،‬فقــال لــه النــبي صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ‪ " :‬من أين هذا ؟ " ‪ ،‬فقال ‪ :‬كان عندنا تمر رديء ‪،‬‬
‫فبعت منه صــاعين بصــاع ‪ ،‬فقــال النــبي صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ‪ " :‬هذا ربا فردوه ‪ ،‬ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنــا مــن‬
‫هذا " ] متفق عليه واللفظ لمســلم [ ‪ ،‬وهــذا دليــل واضــح‬
‫على بطلن العقد ولو تــم التوقيــع عليــه ‪ ،‬والموافقــة مــن‬
‫قبل المتعاقدين ‪ ،‬فكل تلك المور ل تجيز العمل بالربا ‪.‬‬
‫أمة السلم ‪ :‬لقد كان سلفنا الصــالح رحمهــم اللــه تعــالى‬
‫ورضــي عنهــم أجمعيــن ‪ ،‬أبعــد النــاس عــن الحــرام ‪ ،‬بــل‬
‫وتركوا المباح ‪ ،‬خوفا ً من الوقوع في الحرام ‪ ،‬عرفوا قــدر‬
‫الموال ‪ ،‬وأمعنــوا النظــر فــي ســبيلها ‪ ،‬وطــرق الحصــول‬
‫عليهــا ‪ ،‬فكــانوا ل يحصــلونها إل مــن طريــق مبــاح ‪ ،‬ول‬
‫يصرفونها إل فــي وجــه لــه منفعــة ‪ ،‬ســلكوا فــي تحصــيلها‬
‫سبيل الورع ‪ ،‬وفي تصريفها سبيل الكرم والبذل المحمــود‬
‫‪ ،‬كان لبي بكر رضي الله عنه غلما ً ‪ ،‬فجاء يوم ـا ً بشــيء ‪،‬‬
‫فأكل منه أبو بكر رضي الله عنه ‪ ،‬فقال له الغلم ‪ :‬أتدري‬
‫ما هذا ؟ لقد كان ثمنا ً للكهانة ‪ ،‬فأدخل أبــو بكــر يــده فــي‬
‫فمه فقاء كل شيء في بطنه ‪ ،‬وشرب عمر بــن الخطــاب‬
‫رضي الله عنه لبنا ً فأعجبه ‪ ،‬فقال للذي ســقاه ‪ :‬مــن أيــن‬
‫لــك هــذا ؟ ‪ ،‬قــال مــررت بإبــل الصــدقة وهــم علــى مــاء‬
‫فأخذت من ألبانها ‪ ،‬فأدخل عمر يده فاستقاء ‪ ،‬هكــذا أيهــا‬
‫المســلمون كــان ســلفنا الصــالح يخرجــون الحــرام مــن‬
‫بطونهم ‪ ،‬بعد أكلــه وهــم جــاهلون بــه ‪ ،‬ومــا ضــرهم ذلــك‬
‫الفعل ‪ ،‬بل ملكوا زمام الــدنيا ‪ ،‬ومفاتيــح الخــرة ‪ ،‬وكــانت‬
‫حياتهم طيبة ‪ ،‬وعاقبتهم حميدة ‪ ،‬الله أكبر يا عباد الله ‪ ،‬ما‬
‫أعظم الفرق بين قوم أخرجوا الحرام من بطونهم ‪ ،‬وقوم‬
‫عرفوا الحــرام ‪ ،‬وقــرءوا كتــاب اللــه ‪ ،‬وتــدبروا ســنة نــبيه‬
‫صلى الله عليــه وســلم ‪ ،‬ثــم أقــدموا علــى أكــل الحــرام ‪،‬‬
‫شــتان بيــن الفريقيــن ‪ ،‬فريــق ملكــوا الرض وخيراتهــا ‪،‬‬

‫‪139‬‬
‫وفريــق ضــاع ملكهــم اليــوم ‪ ،‬فأصــبحوا عبيــدا ً للهــواء‬
‫والشهوات والشبهات ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ " :‬إن الله ل يغيــر‬
‫ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقــوم ســوء‬
‫فل مرد له وما لهم مــن اللـه مـن وال " ‪ ،‬وإذا كـان أخــف‬
‫النــاس عــذابا ً يــوم القيامــة ‪ ،‬رجــل توضــع تحــت قــدميه‬
‫جمرتان من النار ‪ ،‬يغلي منهما دماغه ‪ ،‬فكيــف بمــن يأكــل‬
‫الربا وقد توعده الله بالخلود فــي النــار ‪ ،‬فــاتقوا اللــه أيهــا‬
‫الناس ‪ ،‬واعلموا أن الله عز وجــل ختــم آيــات النهــي عــن‬
‫الربا ‪ ،‬والمر بــتركه فــي ســورة البقــرة بقــوله تعــالى ‪" :‬‬
‫واتقوا يوما ً ترجعون فيه إلى الله ثم تــوفى كــل نفــس مــا‬
‫كســبت وهــم ل يظلمــون " ‪ ،‬فهــل بعــد هــذا البيــان مــن‬
‫النصوص الشرعية بيان ؟ لهي أعظم دليل وبرهان ‪ ،‬ولكن‬
‫صدق الله العظيم إذ يقول ‪ " :‬إن فــي ذلــك لــذكرى لمــن‬
‫كــان لــه قلــب أو ألقــى الســمع وهــو شــهيد " ‪ ،‬وقــوله‬
‫سبحانه ‪ " :‬أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلــون إن‬
‫هم إل كالنعام بل هم أضل سبيل ً " ‪ ،‬وفي الموضوع أدلــة‬
‫كثيرة ‪ ،‬وأخبار غزيرة ‪ ،‬وفيما ذكرت كفايــة ‪ ،‬لمــن أدركتــه‬
‫العنايــة ‪ ،‬هــذا وصــلوا وســلموا رحمكــم اللــه علــى النــبي‬
‫المختار ‪ ،‬صادق الخبار ‪ ،‬سيد البرار ‪ ،‬حيث أمركــم بــذلك‬
‫العزيز الغفار ‪ ،‬فقال الواحــد القهــار ‪ " :‬إن اللــه وملئكتــه‬
‫يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صــلوا عليــه وســلموا‬
‫تسليما ً "‬
‫=============‬
‫‪#‬وقفة مع خطبة الوداع في تحريم الربا‬
‫الدكتور عصام بن هاشم الجفري‬
‫اللهم لك الحمد أنت ربنا وأنــت إلهنــا وأنــت خالقنــا وأنــت‬
‫رازقنا وأنت ملذنا وأنت نصيرنا وأنت ظهيرنا وأنت مولنــا‬
‫نعم المولى ونعم النصير ‪ ،‬أشــهد أن ل إلــه إل اللــه وحــده‬
‫لشريك له وأشهد أن محمدا ً عبد الله ورسوله صــلى اللــه‬
‫عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرا ً ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ :‬فأوصــيكم عبــاد اللــه ونفســي بمــا يحفــظ العبــد‬
‫المــؤمن فــي ذريتــه مــن بعــده أل وهــو تقــوى اللــه ‪ ،‬وقــد‬
‫ش‬
‫خ َ‬ ‫أوصاكم بذلك ربكم وضمن لكم الثمرة إذ قال ‪ }:‬وَل ْي َ ْ‬

‫‪140‬‬
‫م‬ ‫خــاُفوا عَل َي ْهِـ ْ‬ ‫ضـَعاًفا َ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ذ ُّري ّـ ً‬ ‫خل ِْفهِـ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ن ل َـوْ ت ََرك ُــوا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّـ ِ‬
‫دا)‪{9‬النساء‬ ‫دي ً‬ ‫س ِ‬ ‫ه وَل ْي َُقوُلوا قَوًْل َ‬ ‫فَل ْي َت ُّقوا الل ّ َ‬
‫أحبتي في الله في مثل هـذا الموسـم موسـم الحـج وفـي‬
‫حجة الوداع قام خيــر البريــة صــلوات ربــي وســلمه عليــه‬
‫ومن أوتي جوامع الكلم على صعيد عرفة الطــاهر يخطــب‬
‫في جموع المسلمين معه ويضــع لهــم وللمــة مــن بعــدهم‬
‫دستور حياتهم ؛ وحيــث أنــه أوتــي جوامــع الكلــم فيصــعب‬
‫على عبد ضعيف مثلي أن يعــرض لتلــك الخطبــة الجامعــة‬
‫في مثل هذا الموقف ولكن لعلي أقف في كل عام وقفــة‬
‫مع تلك الكلمات العظيمة ‪ ،‬وأول كلمــات أقــف معهــا هــي‬
‫ل‬ ‫ضوعٌ وَأ َوّ ُ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫جاهِل ِي ّةِ َ‬ ‫قوله صلى الله عليه وسلم ‪)):‬وَرَِبا ال ْ َ‬
‫ربا أ َ‬
‫ضــوعٌ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ب فَـإ ِن ّ ُ‬ ‫مط ّل ِـ ِ‬ ‫ن عَب ْـدِ ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫با‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫ًِ‬
‫ه((‪ ،‬نعم إنــه تحريــم لتلــك الفــة العظيمــة الــتي طالمــا‬ ‫ك ُل ّ ُ‬
‫دمرت دول وأفقرتها وحولتها من حال الغنى لحال الفقر ‪،‬‬
‫تلك الفـة الـتي تمثـل أبشـع أنـواع السـتغلل مـن الغنـي‬
‫للفقير‪ ،‬ذم الله جل جلله في كتابه أمــم مــن قبلنــا أكلــت‬
‫الربا وبين أنه كان من بين أســباب عقــوبتهم حيــث قــال ‪:‬‬
‫م‬ ‫ت ل َُهــ ْ‬ ‫حل ّ ْ‬‫ت أُ ِ‬ ‫م ط َي َّبا ٍ‬ ‫مَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫حّر ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ها ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫} فَب ِظ ُل ْم ٍ ِ‬
‫م الّرَبا وَقَد ْ ن ُهُــوا عَن ْـ ُ‬
‫ه‬ ‫خذِهِ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ك َِثيًرا وَأ َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫صد ّهِ ْ‬ ‫وَب ِ َ‬
‫َ‬
‫ل وَأعْت َد َْنا ل ِل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫وأ َ‬
‫ذاًبا‬ ‫م عَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫س ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬
‫ما)‪{161‬النســاء‪ ،‬أيهــا الحبــة فــي اللــه لقــد نهانــا ربنــا‬ ‫َ‬
‫أِلي ً‬
‫وخالقنا عن أكل الربا في مواطن عدة مــن كتــابه الكريــم‬
‫َ‬
‫ي‬‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فقال سبحانه ‪َ }:‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ن)‪ {278‬وقــال عظــم شــأنه‪:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مــؤْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫كنُتــ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن الّرَبــا إ ِ ْ‬ ‫مــ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة َوات ُّقــوا‬ ‫ضــاعََف ً‬ ‫م َ‬ ‫ضَعاًفا ُ‬ ‫مُنوا َل ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ن)‪ ،{130‬وحــذرنا منــه أيضــا ً حبيبنــا‬ ‫حــو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬ ‫كــ ْ‬ ‫ه ل َعَل ّ ُ‬ ‫الّلــ َ‬
‫ورسولن صلى الله عليـه وسـلم ‪ :‬حيــث عــده مــن السـبع‬
‫الكبائر الموبقات‪ ،‬وقد بدل لنا وهو الناصح الشفوق بــأمته‬
‫الجهد في ضرب المثال لشناعة هــذا الفعــل حيــث قــال ‪:‬‬
‫))الربا ثلثــة وسـبعون بابـا ً أيســرها مثـل أن ينكــح الرجـل‬
‫أمه ‪((..‬أخرجــه الحــاكم وصــححه والــبيهقي والبــن جريــر‪،‬‬
‫سُرهُ أن ينكح أمه وهو ما يعــادل أدنــى‬ ‫َ‬
‫فقولوا لكل الربا أي َ ُ‬
‫أبواب الربا فكيف بمن يأتي بأعظمها ‪ ،‬عباد الملك الجبــار‬

‫‪141‬‬
‫لشك أنكم تعلمون شدة جريمة الزنــا وحرمتهــا ومــا أعــد‬
‫اللــه لفاعلهــا ‪ ،‬لكــن جريمــة الربــا أشــد أخــبر بــذلك مــن‬
‫لينطــق عــن الهــوى إن هــو إل وحــي يــوحى حيــث قــال‪:‬‬
‫م أَ َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫سـت ّةٍ وَث ََلِثيـ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫شـد ّ ِ‬ ‫ل وَهُوَ ي َعْل َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ه الّر ُ‬ ‫م رًِبا ي َأك ُل ُ ُ‬ ‫))دِْرهَ ٌ‬
‫ة ((‪ ،‬ومن خطورة جريمة الربا ياعباد الله أنها لتقتصــر‬ ‫َزن ْي َ ً‬
‫على أكل الربا وموكله لكنها تمتد لتشــمل كــل مــن أعــان‬
‫ل الل ّـ ِ‬
‫ه‬ ‫ســو ُ‬‫ن َر ُ‬ ‫ل ل َعَ َ‬ ‫سُعودٍ َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫عليه أو شارك فيه فعَ ِ‬
‫شــاهِد َي ْهِ وَك َــات َِبه‬ ‫ه وَ َ‬ ‫م ـؤْك ِل َ ُ‬ ‫ل الّرَبا وَ ُ‬ ‫م آك ِ َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ُ(أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح فأين من يعملون في‬
‫كتابة الربا عن هذا الوعيــد أيحــب أحــدهم أن تنــاله اللعنــة‬
‫والعياذ بالله وهل يعلم معن اللعن بأنه الطرد والبعاد عــن‬
‫رحمة الله ‪ ،‬فهل إذا لم يرحمه الله تكفيــه رحمــة صــاحب‬
‫الربا الذي يعمل لديه ؟ هــذا إن كــان فــي قلبــه رحمــة ول‬
‫أخال من تعامل بالربا في قلبــه رحمــة ‪ .‬عبــاد اللــه تعــالوا‬
‫ننظر إلى حال آكل الربا في الدنيا ماذا يحصل لمواله ولو‬
‫جمــع الملييــن مــن الريــالت يخبرنــا بــذلك العليــم الخــبير‬
‫ب‬ ‫حـ ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ت َوالل ّـ ُ‬ ‫ص ـد ََقا ِ‬ ‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬‫بقوله ‪ }:‬ي َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫وا ِ‬‫م َ‬‫وا ِفي أ ْ‬ ‫ن رًِبا ل ِي َْرب ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬‫م{ويقول‪ }:‬وَ َ‬ ‫ل ك َّفارٍ أِثي ٍ‬ ‫كُ ّ‬
‫ه‬ ‫جـ َ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫دو َ‬
‫ريـ ُ‬ ‫ن َزك َــاةٍ ت ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬‫عن ْد َ الل ّهِ وَ َ‬ ‫س فََل ي َْرُبوا ِ‬ ‫الّنا ِ‬
‫ُ‬
‫ن{‪ ،‬فقــد تعهــد الجبــار بمحــق‬ ‫ض ـعُِفو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫ك هُ ـ ْ‬ ‫الل ّهِ فَ ـأوْل َئ ِ َ‬
‫أموال الربا مهما عظمت وهو جل جللــه ليخلــف الميعــاد‬
‫وقد يقول بعض من قصر نظره إنــا نــرى أناس ـا ً مــن أكلــة‬
‫الربا لم تمحق أموالهم فنقول لهم دققوا النظر في حالهم‬
‫واعرفوا أحــوالهم وحيــاتهم الشخصــية وانتظــروا عــاقبتهم‬
‫م بما عند قــارون‬ ‫وسترون المحق واضحا ً جليًا‪،‬ألم يغتر قو ٌ‬
‫من أموال وإمهال الله له ثم لما نزل به العقاب تبصــروا؟‬
‫ثم إن آكل الربا يقطع الحبل الذي بينــه وبيــن خــالقه وهــو‬
‫الدعاء فالعبد ضــعيف بــذاته ليملــك لنفســه ضــرا ً ولنفعـا ً‬
‫س‬ ‫َ‬
‫مفتقر لربه في كل أموره يقول جـل وعل‪َ }:‬ياأي َّهـا الّنـا ُ‬
‫َ‬
‫د{ وجعــل لنــا‬ ‫ميـ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ه هُوَ ال ْغَن ِـ ّ‬ ‫م ال ُْفَقَراُء إ َِلى الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫أن ْت ُ ْ‬
‫جل شأنه الدعاء وسيلة التصال بين فقرنا وغناه‪،‬وقد أخبر‬
‫صــلى اللــه عليــه وســلم عــن الرجــل أشــعث أغــبر يطيــل‬
‫السفر يمد يديه إلى السماء يــارب يــارب ومطعمــه حــرام‬

‫‪142‬‬
‫ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لــذلك فكيــف‬
‫بالله بمن أكل الربا‪،‬آكل الربا يوبق نفسه وأهله قال صلى‬
‫ن‬ ‫ب ْبــ َ‬ ‫ة‪)):‬يــاك َعْ َ‬ ‫جَر َ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫ب بْ َ‬ ‫الله عليه وسلم في وصيته لك َعْ َ‬
‫ت الّناُر أ َوَْلــى‬ ‫كان َ ِ‬ ‫ت إ ِّل َ‬ ‫ح ٍ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬ ‫م ن َب َ َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ه َل ي َْرُبو ل َ ْ‬ ‫جَرةَ إ ِن ّ ُ‬ ‫عُ ْ‬
‫ه((أخرجــه المــام أحمــد والترمــذي وحســنه فهــذا يؤكــل‬ ‫بِ ِ‬
‫زوجته وأولده من سحت الربا فكيف يكــون حــالهم‪،‬ولــذى‬
‫أقول أيها الحبة أنه من زار شخص يتعامل أو يعمل‬
‫بالربا فل يأكل وليشــرب مــن مــاله حــتى ل ينطبــق عليــه‬
‫الحديث‪ ،‬هذه صورة موجزة لحال آكل الربا في الدنيا أمــا‬
‫في حياة البرزخ فإنه في عذاب عظيــم فقــد ورد أن أكلــة‬
‫الربا في حياة البرزخ ملقون علــى سـابلة آل فرعـون ‪-‬أي‬
‫علــى طريقهــم‪ -‬وآل فرعــون كمــا أخبرنــا العليــم الحكيــم‬
‫يعرضــون علــى النــار كــل يــوم مرتيــن فــي الصــباح وفــي‬
‫المساء ‪ ،‬وكلما ذهبوا أو عادوا وطيؤا أكلة الربــا بأقــدامهم‬
‫وأكلة الربا كلما أرادوا الفرار من هذا المكــان ثقلــت بهــم‬
‫بطــونهم لن لهــم بطــون كــالبيوت تميــل بهــم فيعــودون‬
‫لتطأهم أقدام آل فرعــون القــذرة ‪ ،‬أمــا حــال القيــام مــن‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫القبور للبعث فحــالهم أخــبر بهــا العظيــم بقــوله ‪ }:‬ال ّـ ِ‬
‫خب ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه‬‫طــ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م اّلــ ِ‬ ‫مــا ي َُقــو ُ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬ ‫مــو َ‬ ‫ن الّرَبــا َل ي َُقو ُ‬ ‫َيــأك ُُلو َ‬
‫س{‪ ،‬ثم يــوم القيامــة هــو فيــس عــذاب‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫أليم ففي حديث الرؤيا عنــد البخــاري وصــف عــذاب أكلــة‬
‫ي‬ ‫ل الن ِّبــ ّ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫ه عَن ْ ُ‬ ‫ضي الل ّ ُ‬ ‫ب َر ِ‬ ‫جن ْد ُ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫مَرةَ ب ْ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫الربا‪):‬عن َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ة َر ُ َ‬ ‫َ‬
‫جاِني‬ ‫خَر َ‬ ‫ن أت ََياِني فَأ ْ‬ ‫جلي ْ ِ‬ ‫ت الل ّي ْل َ َ‬ ‫م َرأي ْ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إ َِلى أْر‬
‫ه‬
‫ن د َم ٍ ِفي ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫حّتى أت َي َْنا عَلى ن َهَرٍ ِ‬ ‫سةٍ َفان ْطلْقَنا َ‬ ‫مَقد ّ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ٍ‬
‫ل‬ ‫جاَرةٌ فَأ َقَْبــ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ِ‬ ‫ل ب َي ْ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ط الن ّهَرِ َر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م وَعََلى وَ َ‬ ‫ل َقائ ِ ٌ‬ ‫ج ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫ذا أ َراد الرجـ ُ َ‬
‫مــى‬ ‫ج َر َ‬ ‫خـُر َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ذي فِــي الن ّهَـرِ فَـإ ِ َ َ َ ّ ُ‬ ‫ل ال ّـ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫جـاَء‬ ‫مـا َ‬ ‫ل ك ُل ّ َ‬ ‫جعَـ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫كـا َ‬ ‫ث َ‬ ‫حْيـ ُ‬ ‫جرٍ ِفي ِفيـهِ فَـَرد ّهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫ذا‬ ‫مــا هَ ـ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ن فَُقل ْـ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫جع ُ ك َ َ‬ ‫جرٍ فَي َْر ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مى ِفي ِفيهِ ب ِ َ‬ ‫ج َر َ‬ ‫خُر َ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫َ‬
‫ل الّرَبا (‪ ،‬وأشد من ذلــك مــا‬ ‫ه ِفي الن ّهَرِ آك ِ ُ‬ ‫ذي َرأي ْت َ ُ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫فََقا َ‬
‫قد توعد الجبار به من أكل الربا من هذه المة ولم ينتهــي‬
‫ن‬ ‫مـ ْ‬ ‫بعد أن عرف الحكم بالخلود في النار حيــث قــال ‪ }:‬فَ َ‬
‫ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫مُرهُ إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫عظ َ ٌ ِ ْ َ ّ ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫َ‬
‫ن)‪،{275‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عاد َ فَأوْلئ ِ َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِـ ُ‬ ‫م ِفيهَــا َ‬ ‫ب الن ّــارِ هُ ـ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬

‫‪143‬‬
‫وكم تحايل قوم على أكــل الربــا فمنهــم مــن يحتــج بحجــة‬
‫قديمة فيقول إنما الــبيع مثــل الربــا فــرد عليهــم اللــه جــل‬
‫جلله من فوق سبع سموات بقوله‪ }:‬ذ َل َ َ‬
‫ما‬ ‫م َقاُلوا إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫م الّرَبا{‪ ،‬وسموه قــوم‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬
‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬‫ال ْب َي ْعُ ِ‬
‫باسم الفوائد البنكية ‪ ،‬وقال قوم إن الربا المحرم لينطبق‬
‫علــى تعــاملت البنــوك الربويــة المعاصــرة ‪ ،‬وهكــذا شــبه‬
‫وتحوير وتمويه يقــوم بهــا أكلــة الربــا ليظلــوا فــي أوســاط‬
‫المســلمين ‪ ،‬وأوجــز القــول أيهــا الحبــة فــي اللــه لضــيق‬
‫الوقت في الربا بأنه نوعان الول ربا الفضــل وهــو مبادلــة‬
‫مال بمثله متفاضل ً ‪ ،‬كأن تستبدل عشرة ريــالت ســعودية‬
‫بتسعة ريالت سعودية في نفس الــوقت ‪ ،‬وهــذه الصــورة‬
‫تقــع عــادة عنـد مـن يصـرفون الريــالت الورقيـة لمعدنيــة‬
‫لغرض استخدام هاتف العملة ‪ ،‬أو عند تجار الذهب حينمــا‬
‫تــذهب المــرأة بــذهب قــديم لســتبداله بــذهب جديــد ‪،‬‬
‫والحوط في صورة الذهب أن تبيع المرأة الــذهب القــديم‬
‫على الصائغ وتتسلم المبلــغ ثــم هــي بالخيــار إن أرادت أن‬
‫تشتري منه بالنقود أو من غيره ذهبا ً جديدا ً ‪ ،‬أمــا اســتبدال‬
‫الريال بالعملت الجنبية الخرى ولو كان متفاضل ً فل بأس‬
‫به بشرط أن يكون يدا ً بيد ‪ ،‬ومثاله إذا صرف رجــل دولرا ً‬
‫أمريكيا ً بأربعة ريالت فل بأس بشرط أن يقبض في نفس‬
‫المجلس أما إن تأخر ولو لزمن بسيط عن مجلــس العقــد‬
‫فقد دخل في الربــا ‪.‬أعــوذ بــالله مــن الشــيطان الرجيــم ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن الّرب َــا إ ِ ْ‬ ‫مـ ْ‬‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق ـ َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫} َياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫ْ‬
‫ه‬
‫سول ِ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫مِنين فَإ ِ ْ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مــو َ‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مــو َ‬ ‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫مـ َ‬‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫خي ْـٌر‬ ‫صـد ُّقوا َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫سـَرةٍ وَأ ْ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ‬
‫مي ْ َ‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫م‬ ‫ن ِفيهِ إ َِلى الل ّهِ ُثــ ّ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ما ت ُْر َ‬ ‫ن َوات ُّقوا ي َوْ ً‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ن ُ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ن َْف ٍ‬ ‫ت ُوَّفى ك ُ ّ‬
‫الخطبة الثانية‬
‫الحمدلله على إحسانه والشكر لــه علــى تــوفيقه وامتنــانه‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله تعظيما ً لشــأنه وأشــهد أن محمــدا ً‬
‫عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليــه وعلــى‬
‫آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليما ً كثيرا ً ‪.‬أما‬

‫‪144‬‬
‫بعد‪:‬فالنوع الثاني من أنواع الربا هــو ربــا النســاء‪،‬وصــورته‬
‫أن يقرض الرجـل مـال ً إلـى أجـل علـى أن يـرده بزيـادة ‪،‬‬
‫ومثاله أن يقرض بنك شخص ما مبلــغ ثلثمــائة ألــف ريــال‬
‫علــى أن يعيــدها المقــترض ثلثمــائة وســبعون مث ً‬
‫ل‪،‬فهــذا‬
‫المبلغ الزائد عن الثلثمائة وهي أصل القرض هي الربا‪،‬بل‬
‫حتى ولو اشــترط زيــادة ريــال واحــد فهــو ربــا‪،‬لكــن هنــاك‬
‫صورة ليست من الربا وهي أن يقترض الرجــل مــن أخيــه‬
‫مبلغ ألف ريال ثم يرده إليه بل شــرط ممــن أقرضــه ألــف‬
‫ومائة ريال فهذا من حسن القضاء ول بأس به‪،‬أيهــا الحبــة‬
‫في الله وقــد يقــول قــائل أنــا ل أتعامــل بالربــا ولكــن لــي‬
‫أسهم في مؤسسات تتعامل بالربــا فنقــول لــه إن الســهم‬
‫هو حصة شــائعة فــي ملكيــة هــذه المؤسســة فعليــك إثــم‬
‫تعامل تلك المؤسسة بالربا لنك تملكت فيها حصــة وأنــت‬
‫تعلم أنها تتعامل بالربا‪،‬أيها الحبة في الله إن الحديث عــن‬
‫أحكام الربا يطول ول تكفيه مثل هذه العجالة لكني أدعــوا‬
‫كل من يخشى اللــه واليــوم الخــر ويحــرص علــى إطعــام‬
‫أهله وولده من حلل أن يسأل أهــل العلــم قبــل أن يقــدم‬
‫على أي تعامل مالي يشك في حكمــه‪،‬ونحــن بفضــل اللــه‬
‫في هذه البلد قد تيسر لنا سبل العلم الشــرعي والفتــوى‬
‫في أمور ديننا ودنيانا‪،‬أحبتي في الله هناك فئة مــن النــاس‬
‫ضعفت أمام الغراءات التي تقدمه مؤسسات الربــا حيــث‬
‫تقدم قروض ـا ً كــبيرة بشــروط ميســرة ‪ ،‬فيــأتي الشــيطان‬
‫ليقــول لهــذا العبــد الــذي ضــعف يقينــه وإيمــانه بربــه إنــك‬
‫محتاج لخذ القرض لضرورة‪،‬خذه حتى تشتري أرضا ً خــذه‬
‫حتى تشتري سيارة خذه حتى تعمر عمارة‪،‬فينجــرف ذلــك‬
‫العبد ويقترض في الربا فيقع في فخ نصبه له عدوه اللذوذ‬
‫أبليس ليوبق عليه دنياه وآخرتــه ‪ ،‬نقــول لمثــل هــذا تــذكر‬
‫كيف لو أنك أخذت هذا القرض وعمرت عمارتــك ثــم قبــل‬
‫أن تدخلها جاءك ملك المــوت ليقبـض روحــك كيـف يكـون‬
‫حالك؟وبأي وجه تقابل ربــك وقــد تلطخــت يــداك بالربــا ؟‬
‫ستحاسب عن هذا الثم العظيم وحدك وسيتنعم بالعمــارة‬
‫وثتك‪،‬عباد الله إن من رحمة الله بنا أن فتح لنا باب التوبــة‬
‫والياب فمن تلطخ بشيء من ذلك فليتب لربه ولينته فإن‬

‫‪145‬‬
‫الله تواب رحيم ومن أبى فل يلومن إل نفسه ‪ ،‬اللهــم هــل‬
‫بلغت اللهم فاشهد ‪.‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬الربا‬
‫يحيى بن موسى الزهراني‬
‫الخطبة الولى‬
‫الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل‬
‫الله وحده ل شريك له ‪ ،‬كثير الخيرات ‪ ،‬وعظيم البركات ‪،‬‬
‫وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله نــبي الهــدى والرحمــات ‪،‬‬
‫عليه من ربه أفضل الصلوات وأزكــى التســليمات ‪ ،‬وعلــى‬
‫آله وأصحابه أهل التقى والكرامـات ‪ ،‬ومـن تبعـه بإحسـان‬
‫إلى يوم العرصات ‪ . . .‬أما بعد ‪:‬‬
‫لقد بعث الله نبيه محمدا ً صـلى اللــه عليــه وسـلم بالهــدى‬
‫ودين الحق ‪ ،‬فأبطل الله به مسالك الجاهلية ‪ ،‬وقضــى بــه‬
‫علـــى معـــالم الوثنيـــة ‪ ،‬فاستأصـــل شـــأفتها ‪ ،‬واجتـــث‬
‫جرثومتها ‪ ،‬وفي طليعة ذلك الكبيرة العظيمــة ‪ ،‬والجريمــة‬
‫الشــنيعة ‪ ،‬والمعصــية المتوعــد عليهــا بــالحرب مــن اللــه‬
‫ورســوله ‪ ،‬أل وهــي جريمــة ) الربــا ( ‪ ،‬فهيهــات أن ُتعمــر‬
‫الحيــاة وتشــاد الحضــارات وأنــاس يتعــاطون الربــا ‪ ،‬ول‬
‫يرعون للنســان كرامــة ‪ ،‬ول للعقــول حصــانة ‪ ،‬ول للــدين‬
‫صيانة ‪.‬‬
‫فلما جاء السلم بعقيدة التوحيد الخالصة للــه ‪ ،‬وأشــرقت‬
‫أنوارها في جميع أصقاع المعمورة ‪ ،‬حــررت القلــوب مــن‬
‫رق العبودية لغير الله ‪ ،‬ورفعــت النفــوس إلــى قمــم العــز‬
‫والشموخ ‪ ،‬وسمت بالعقول عن بؤر المال وحبــه ‪ ،‬وعلــت‬
‫بالقلوب عن مستنقعات المــال الحــرام ‪ .‬كيــف ل وعقيــدة‬
‫المسلم أعز شيء عنده ‪ ،‬وأغلى شيء لــديه ‪ ،‬بهــا يــواجه‬
‫أعتى التحديات ‪ ،‬وبهـا يصـبر علــى البتلءات ‪ ،‬وبهـا يـترك‬
‫الغــراءات ‪ ،‬ويقــاوم موجــات القلــق والرق ‪ ،‬والكــتئاب‬
‫النفسي والضطرابات ‪ ،‬وبها يقيم سدا ً منيعا ً ‪ ،‬ودرعا ً متينا ً‬
‫أما زحف المال الحرام ‪ ،‬والغزو الفكري والعقدي ‪ ،‬ويحذر‬
‫من بضاعة اليهود الحاقدين ‪ ،‬أكلة الربــا المغرضــين ‪ ،‬مــن‬
‫هنا كانت أنبل معارك العقيــدة ‪ ،‬تحريــر العقــول النســانية‬

‫‪146‬‬
‫من كل ما يصادم الفطر ‪ ،‬ويصادر الفكر ‪ ،‬ويغتال المبادئ‬
‫والقيم ‪.‬‬
‫لقد حــد اللــه ســبحانه وتعــالى لعبــاده حــدودا ً مــن تعــداها‬
‫وتخطاها إلى غيرها وقع فــي الحــرام وأدى بنفســه للهلك‬
‫والدمار ‪ ،‬وعــرض نفســه للعــذاب والعقــاب ‪ ،‬ففــي تعــدي‬
‫حدود الله ظلم للنفس البشرية ‪ ،‬ومعصــية لــرب البريــة ‪،‬‬
‫وهذا من أشــد أنــواع الظلــم ‪ ،‬ظلــم النســان لنفســه ‪ ،‬إذ‬
‫كيــف بإنســان وهبــه اللــه عقل ً وحكمــة وعلم ـا ً وخــط لــه‬
‫خطوطا ً ‪ ،‬وأرسل له رسل ً ‪ ،‬وأنزل له كتبا ً ‪ ،‬فتبين له الحق‬
‫مــن الباطــل ‪ ،‬ثــم يصــر علــى المعصــية وفعــل الــذنب ‪،‬‬
‫واقــتراف الصــغيرة والكــبيرة ‪ ،‬فمــن تعــدى حــدود اللــه ‪،‬‬
‫وانتهك محارمه غير مراع لمر ول نهي ‪ ،‬فقد أعد اللــه لــه‬
‫من العقوبة جزاًء وفاقا ً و } إن الله ل يظلـم النــاس شـيئا ً‬
‫ولكن الناس أنفسهم يظلمون { ‪ ،‬ولقد جاء الكتاب العزيز‬
‫‪ ،‬مرغبا ً في الخير ‪ ،‬ومرهبا ً من الشــر ‪ ،‬آمــرا ً بــالمعروف ‪،‬‬
‫وناهيا ً عن المنكر ‪ ،‬فيه وعد ووعيد ‪ ،‬وتخويف وتهديد ‪ ،‬فيه‬
‫الوامــر والنــواهي ‪ ،‬فنــأى بأتبــاعه عــن أوهــام الجاهليــة ‪،‬‬
‫وطهر نفوسهم من رجز الوثنيــة ‪ ،‬وابتعــد بهــم عــن براثــن‬
‫السفاف ‪ ،‬وبــؤر الســتخفاف فــي كــل صــوره وأنمــاطه ‪،‬‬
‫ويأتي في طليعة ذلك ) جريمة الربا ( لما يمثله من طعنــة‬
‫نافذة في صميم العقيدة ‪ ،‬وشرخ خطير في صرح التوحيد‬
‫‪ ،‬وتمــزق مــزر يضــعف القــوة ‪ ،‬ويــذهب العــزة ‪ ،‬ويجلــب‬
‫النتكاسة ‪ ،‬وسوء الخاتمة ‪ ،‬ويلحق الهزائم ‪ ،‬ويقضي على‬
‫العــزائم ‪ ،‬فتقــع الضــطرابات فــي المجتمــع ‪ ،‬وتحصــل‬
‫الفوضى في المــة ‪ ،‬فتغــرق ســفينتها فــي مهــاوي العــدم‬
‫والردى ‪ ،‬ولذا فقد نهى الشارع الكريم عــن ) الربــا ( فــي‬
‫محكم التنزيل ‪ ،‬وحذر من عاقبته السيئة ونهــايته المؤلمــة‬
‫فقال الله تعالى ‪ } :‬وأحل الله البيع وحرم الربا { ‪ ،‬فالربا‬
‫حــرام كلــه ‪ ،‬كــثيره وقليلــه ‪ ،‬بجميــع أشــكاله وأنــواعه ‪،‬‬
‫وصوره ومسمياته ‪ ،‬ولم يأذن الله في كتابه العزيز بحــرب‬
‫أحد إل أهل الربا ‪ ،‬فالناظر على مســتوى الفــراد والــدول‬
‫يجد مدى الخراب والدمار الذي خلفه التعامــل بالربــا مــن‬
‫الفلس والكساد والركود ‪ ،‬والعجـز عـن تسـديد الـديون ‪،‬‬

‫‪147‬‬
‫وشلل في القتصــاد ‪ ،‬وارتفــاع مســتوى البطالــة ‪ ،‬وانهيــار‬
‫الكــثير مــن الشــركات والمؤسســات ‪ ،‬وجعــل المــوال‬
‫الطائلة تــتركز فــي أيــدي قلــة مــن النــاس ‪ ،‬فأصــبح ناتــج‬
‫الكدح اليومي يصـب فـي خانـة تسـديد الربـا ‪ ،‬ولعـل هـذا‬
‫شيء من صــور الحــرب الــتي توعــد اللــه بهــا المتعــاملين‬
‫بالربا فقال جــل وعل ‪ } :‬يــا أيهــا الــذين آمنــوا اتقــوا اللــه‬
‫وذروا ما بقي من الربا إن كنتــم مــؤمنين فــإن لــم تفعلــوا‬
‫فأذنوا بحــرب مــن اللــه ورســوله { إنهــا بضــاعة مزجــاة ‪،‬‬
‫وتجارة كاسدة ‪ ،‬وحرب خاسرة مع اللــه تعــالى ‪ ،‬حــرب ل‬
‫تجدي فيها السفن ول الطائرات ‪ ،‬ول تنفع فيها القنابل ول‬
‫الدبابات ‪ ،‬فهي مع خالق الرض والسموات ‪ ،‬الــذي يقــول‬
‫للشيء كن فيكون ‪ ،‬فكيف يخوض عبد ضعيف ل حول لــه‬
‫ول قوة حربا ً ضروسا ً مع من له جنود الســموات والرض ‪،‬‬
‫وله جنود ل يعلمها إل هــو ‪ ،‬إنهــا حــرب غيــر متكــافئة مــن‬
‫أقدم عليها من البشر فقد أهلك نفسه وأذاقها ألم العذاب‬
‫ومرارة العقاب ‪ ،‬وضنك العيش في الدنيا والخرة‬
‫فكم نرى ونسمع عن أهل الربا وآكليه والمتعاملين به ومـا‬
‫حل بهــم مــن جنــود اللــه عــز وجــل فالســرطان وأمــراض‬
‫الشرايين والذبحة الصدرية وموت الفجأة من جنود الله }‬
‫وما يعلم جنود ربك إل هو { ‪ ،‬وقــال تعــالى } وللــه جنــود‬
‫السموات والرض وكان الله عليم ـا ً حكيم ـا ً { ‪ ،‬واســتمعوا‬
‫لعظمة جندي من جنــود اللــه تعــالى ‪ ،‬أخــبر عنــه الصــادق‬
‫المصــدوق صــلى اللــه عليــه وســلم فقــال ‪ُ ] :‬أذن لــي أن‬
‫ُأحدث عن ملك من ملئكة الله تعالى من حملة العــرش ‪،‬‬
‫ما بين شـحمة ُأذنـه إلـى عـاتقه مسـيرة سـبعمائة سـنة [‬
‫) رواه أبــو داود وغيــره وأورده اللبــاني فــي السلســلة‬
‫الصحيحة ( ‪ ،‬سبحان الله العظيم ‪ ،‬إذا كان هــذا ملــك مــن‬
‫ملئكة الرحمن عز وجــل ‪ ،‬وخلــق مــن خلقــه ‪ ،‬وعبــد مــن‬
‫عباده ‪ ،‬فكيف بالخالق تعالى وتقدس ‪ ،‬يقول الله تعــالى ‪:‬‬
‫} وما قدروا اللــه حــق قــدره والرض جميعـا ً قبضــته يــوم‬
‫القيامة والسموات مطويات بيمينــه ســبحانه وتعــالى عمــا‬
‫يشركون { ‪ ،‬ويقول تعالى ‪ } :‬فلينظر النسان مم خلق *‬
‫خلق من ماء دافق * يخرج مــن بيــن الصــلب والــترائب {‬

‫‪148‬‬
‫ويوم القيامة يقال لكل الربا خذ سلحك واســتعد للحــرب‬
‫مع الله ‪ ،‬استعد لخوض غمار الحرب مع من بيده ملكــوت‬
‫كل شيء ‪ ،‬مع من له جنود السموات والرض ‪ ،‬وما يفعــل‬
‫ذلك النسان صاحب اللحم والعظم في مثل ذلك الموقف‬
‫الرهيب العصيب ولكن } وما يؤمن أكثرهم بــالله إل وهــم‬
‫مشركون { فل حول ول قوة إل بالله العظيم ‪.‬‬
‫معاشر المســلمين ‪ :‬لقــد شــبه اللــه عــز وجــل آكــل الربــا‬
‫بالمجنون والمصروع عندما يخرج من قــبره إلــى محشــره‬
‫فهو يتخبط فــي الرض ل يــدري مــا الخطــب ول يعلــم مــا‬
‫المر كمـا كـان يتخبـط فــي مــال اللـه بغيــر حـق ) الــذين‬
‫يــأكلون الربــا ل يقومــون إل كمــا يقــوم الــذي يتخبطــه‬
‫الشيطان من المس ( فأكلة الربا يقومون ويسقطون كما‬
‫يقوم المصروع لنهم أكلوا الموال ربا ً وحراما ً في الــدنيا ‪،‬‬
‫فانتفخت به بطونهم حتى أثقلتهم عن الخروج من قبورهم‬
‫يــوم القيامــة فكلمــا أرادوا النهــوض ســقطوا ‪ ،‬يريــدون‬
‫السراع مع الناس فل يستطيعون ‪ .‬قال صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ‪ ] :‬إن رجال ً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهــم‬
‫النار يــوم القيامــة [ ) رواه البخــاري ( ‪ ،‬ولكــن وللســف ‪:‬‬
‫) وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ( ‪ ،‬وقال صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ] :‬كل جسـد نبـت مـن السـحت فالنـار أولـى‬
‫به [ ) رواه البخاري ( فالمال الحرام سبب لدخول النيران‬
‫‪ ،‬والبعد عن الجنان ‪ ،‬فقد جاء في الحديث عند الترمــذي ]‬
‫ل يدخل الجنة جسد غذي بالحرام [ ‪ ،‬فأكل المــال الحــرام‬
‫من ربا ً وغيره من أعظم موانع الدعاء ‪ ،‬أل ترى آكل الربــا‬
‫يدعو ليل ً ونهارا ً فل يستجاب لــه ‪ ،‬تــتراكم عليــه المصــائب‬
‫والمحن ‪ ،‬فل يستجاب له ‪ ،‬إنه مصداقا ً لقول النــبي صــلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ] :‬إن الله تعالى طيب ل يقبــل إل طيب ـا ً ‪،‬‬
‫وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقــال تعــالى‬
‫} يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ً { وقــال‬
‫تعالى } يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقنــاكم {‬
‫ثم ذكر الرجل يطيل الســفر أشــعث أغــبر يمــد يــديه إلــى‬
‫السماء ‪ ،‬يارب يارب ‪ ،‬ومطعمه حــرام ‪ ،‬ومشــربه حــرام ‪،‬‬

‫‪149‬‬
‫وملبســه حــرام ‪ ،‬وغــذي بــالحرام ‪ ،‬فــأنى يســتجاب لــه [‬
‫) رواه مسلم ( ‪.‬‬
‫ولقد جاء التحذير من تعاطي الربــا أو التعامــل بـه ‪ ،‬ولعـن‬
‫صــاحبه وطــرده مــن رحمــة اللــه عــز وجــل وإبعــاده عــن‬
‫مرضاته سبحانه وتعالى ‪ ،‬ففي حــديث بــن مســعود رضــي‬
‫الله عنه قال ‪ ) :‬لعن رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء ( ) رواه‬
‫مســلم ( أي أنهــم ســواء فــي الثــم والمعصــية ‪ ،‬والجــزاء‬
‫والعقاب ‪ ،‬قال صلى اللــه عليــه وســلم ‪ ) :‬اجتنبــوا الســبع‬
‫الموبقات ) آي المهلكات ( قالوا يارسول الله ‪ :‬وما هــن ؟‬
‫قال ‪ :‬الشرك بالله والسحر وقتل النفس الــتي حــرم اللــه‬
‫إل بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحــف‬
‫وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات ( ) رواه الشيخان (‬
‫‪.‬‬
‫أيها المؤمنون عباد الله ‪ :‬عندما تنقلب الموازين ‪ ،‬وتنتكس‬
‫الفطر ‪ ،‬وتتحطم القيم ‪ ،‬ويقع النسان فــي أوحــال الــذنب‬
‫والكبيرة ‪ ،‬ويغوص في أعماق المعصية والرذيلة ‪ ،‬ويتلطــخ‬
‫بأوصاف قذرة قبيحة ‪ ،‬عند ذلك يصبح النسان في مصاف‬
‫البهائم ‪ ،‬وتلحقــه لومــة اللئم ‪ ،‬ولكــن العجيــب والعجــائب‬
‫جمــة قصــة ذلــك الســاذج البســيط ‪ ،‬الــذي فقــد عقلــه ‪،‬‬
‫وأسلمه لعدوه ‪ ،‬الشــيطان وأعــوانه ‪ ،‬فنــأى بنفســه بعيــدا ً‬
‫عن التوحيد ‪ ،‬ورمى بها في مستنقعات الجهل وحب المال‬
‫الحرام ‪ ،‬فلقد جاء شاب من أهــل الغفلــة والضــياع ‪ ،‬إلــى‬
‫المسؤول يطلب منه اســتقطاعا ً مــن راتبــه لعمليــة ربويــة‬
‫محرمة مع أحد البنوك الربوية ‪ ،‬وعندما وجــه إليــه النصــح‬
‫والرشاد ‪ ،‬والتخويف من أجــل الــترك والبتعــاد ‪ ،‬مســنودا ً‬
‫بقول أفضــل العبــاد صــلى اللـه عليــه وســلم الــذي قــال ‪:‬‬
‫) الربا ثلثــة وســبعون بابـا ً أيســرها مثــل أن ينكــح الرجــل‬
‫أمه ( ‪ ،‬فبدل أن يقوم بشكر ذلك الناصح المين ‪ ،‬وحــامل ً‬
‫له هم الخوة فــي الــدين ‪ ،‬بــل رد قــائل ً ‪ :‬اعتــبرني ناكح ـا ً‬
‫للسرة كلها ‪ ،‬إنه والله الخســران المــبين ‪ ،‬والــران الــذي‬
‫غطــى القلــوب ‪ ،‬وأعمــى البصــار ‪ ،‬إن الزنــا مــع الغريبــة‬
‫عظيم ‪ ،‬فكيف بذات الرحم ؟ لقــد انســاق وراء الوهــام ‪،‬‬

‫‪150‬‬
‫واستسلم للباطيل وتفاهة الحلم ‪ ،‬فهو كالفراش يتهافت‬
‫علــى النــار ‪ ،‬إنــه أمــر مــذهل ‪ ،‬وجــواب مخجــل ‪ ،‬إن مــن‬
‫الحيوان الذي ل يفكر ‪ ،‬ول يمكن أن يقــدر ‪ ،‬مــن ل يمكــن‬
‫أن يقــع علــى أمــه ‪ ،‬فــذكر الــدميري فــي حيــاة الحيــوان‬
‫الكبرى وفي طيات كلمــه عــن الجمــل ‪ ،‬فقــال ‪ :‬ل يمكــن‬
‫للجمل أن ينزو على أمه ‪ ،‬فكان رجــل فــي ســالف الــدهر‬
‫ستر ناقة بثوب ثم أرسل ولدها عليها فلما عرف أنها أمــه‬
‫قتــل نفســه ‪ ،‬فســبحان اللــه العظيــم ‪ ،‬جمــل أعقــل مــن‬
‫رجل ‪ ،‬وحيوان أفهم من إنسان ‪ ،‬فهذا إنسان ل يبالي بــأن‬
‫ينكح أسرته من أجل حفنة من مــال حــرام ‪ ،‬وذاك حيــوان‬
‫يقتل نفسه لنه وقع على أمــه ‪ ،‬فشــتان مــا بيــن الثنيــن ‪،‬‬
‫فاحذروا عباد الله من عاقبة الربا وأكله ‪ ،‬فهو الطريق إلى‬
‫النار ‪ ،‬وبئس القرار ‪.‬‬
‫ل وأن‬ ‫معاشر المسلمين ‪ :‬إن الربــا وإن كــثر فهــو إلــى قِ ـ ّ‬
‫بركته ممحوقة يقول الله تعالى ) يمحق الله الربــا ويربــي‬
‫الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم ( ‪ .‬وقال صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم ‪ ] :‬الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل [ )‬
‫رواه الحاكم وهو في صحيح الجــامع ( ‪ ،‬فآكــل الربــا كــافر‬
‫كفر نعمة ‪ ،‬وإن استحله فهو كافر خارج من الدين ومــارق‬
‫منه ‪ ،‬يستتاب فإن تاب وإل قتل مرتدا ً والعياذ بالله ‪ ،‬فخير‬
‫اللــه إليــه نــازل وشــره إلــى اللــه صــاعد قــال تعــالى ‪:‬‬
‫} أفبنعمة الله يجحدون { وقال تعالى ‪ } :‬يعرفون نعمــت‬
‫الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون { فآكل الربا ل يرضى‬
‫بما قسم الله له من الحلل ‪ ،‬ول يكتفي بما شرع لــه مــن‬
‫الكســب المبــاح ‪ ،‬بــل يســعى فــي أكــل المــوال بالباطــل‬
‫بأنواع المكاسب الخبيثة ‪ ،‬وأنواع العقود الخسيســة ‪ ،‬فهــو‬
‫جحود لما عليــه مــن النعمــة ‪ ،‬ظلــوم آثــم بأكــل الحــرام ‪،‬‬
‫ولذلك وصفه الله عز وجل بأنه كفار أثيم ‪ ،‬وكفران النعمة‬
‫سبب لتغير الحال وكثرة المرض والجنون والموت وسـبب‬
‫لزعزعة المن وعــدم الســتقرار قــال تعــالى ‪ } :‬وضــرب‬
‫الله مثل ً قرية كانت آمنة مطمئنـة يأتيهـا رزقهـا رغـدا ً مـن‬
‫كل مكان فكفرت بــأنعم اللــه فأذاقهــا اللــه لبــاس الجــوع‬
‫والخوف بما كانوا يصنعون { ‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫أيهــا المؤمنــون ‪ :‬يــدخل الفقــراء الجنــة قبــل الغنيــاء‬
‫بخمســمائة عــام كمــا ورد ذلــك فــي الحــديث وذلــك لن‬
‫الغنياء يحاسبون على أموالهم مــن أيــن اكتســبوها وفيمــا‬
‫أنفقوهــا وهــذا فــي المــال الحلل فمــا ظنــك بــذي المــال‬
‫الحرام ‪ .‬ولما سئل عيسى عليه السلم عن المال قال ‪] :‬‬
‫ل خير فيه ‪ ،‬قيل ‪ :‬ولم يا نبي الله ‪ ،‬قال ‪ :‬لنــه ُيجمــع مــن‬
‫حل ‪ ،‬قال ‪ :‬ل ي ُــؤدي حقــه ‪،‬‬ ‫جمع من ِ‬ ‫حل ‪ ،‬قيل ‪ :‬فإن ُ‬
‫غير ِ‬
‫قيــل ‪ :‬فــإن أدى حقــه قــال ‪ :‬ل يســلم صــاحبه مــن الكــبر‬
‫خيلء ‪ ،‬قيل ‪ :‬فإن سِلم ‪ ،‬قال ‪ُ :‬يشغله عــن ذكــر اللــه ‪،‬‬ ‫وال ُ‬
‫قيل ‪ :‬فإن لم ُيشــغله ‪ ،‬قــال ‪ُ :‬يطيــل عليــه الحســاب يــوم‬
‫القيامــة [ ‪ ،‬فتــأملوا رحمكــم اللــه هــذه العقبــات الخمــس‬
‫وقليل من يتجاوزها سالما ً ‪.‬‬
‫فوالله إن ذلك هــو المحــق والنقصــان ‪ ،‬والــذل والهــوان ‪،‬‬
‫والمبين من الخسران ‪.‬‬
‫فمن أستحل الربا وأصر على أكله وتعاطيه واســتمر علــى‬
‫ذلك أدى به إلى الكفر وسوء الخاتمه والعياذ بــالله ‪ ،‬ففــي‬
‫التعامل بالربا مخالفة لمر الله تعالى وأمر نبيه صلى اللــه‬
‫عليه وسلم قال تعالى } فليحذر الذين يخالفون عن أمــره‬
‫أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم { ‪.‬‬
‫وفيه معصية لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وســلم‬
‫وتعد لحدود الله تبارك وتعالى وارتكاب لمحارمه وقد قــال‬
‫الله تعالى ‪ } :‬ومن يعص الله ورسوله ويتق حدوده يدخله‬
‫نارا ً خالدا ً فيها وله عذاب مهين { ‪.‬‬
‫فتأمل أيها المسلم ما ذكره الله عز وجل في اليــات مــن‬
‫وعيد لكل الربا وعظيم ما يترتب على فعــل ذلــك المنكــر‬
‫العظيم من العقوبات والدخول في النيران فيا من تتعامل‬
‫بالربا تــب إلــى المــولى جــل وعل قبــل أن يحــل بســاحتك‬
‫هادم اللذات ومفــرق الجماعــات ثــم تقــول } يــاليتني لــم‬
‫أوت كتابيه ) ياليتها كانت القاضية)) مــا أغنــي عنــي مــاليه‬
‫) هلك عني سلطانية { فيقال لك ‪ } :‬خــذوه فغلــوه ) ثــم‬
‫الجحيــم صــلوه ) ثــم فــي سلســلة ذرعهــا ســبعون ذراعـا ً‬
‫فأسلكوه { ‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫فاحذر من عاقبــة التعامــل بالربــا وأقبــل علــى اللــه بتوبــة‬
‫نصوح تجب ما قبلها من الذنوب والعصيان ‪.‬‬
‫أيها المســلمون ‪ :‬ل بــد لكــل عاقــل فطــن ‪ ،‬أن يعــرف أن‬
‫التعامل بالربا دسيســة ومكيــدة مــن دســائس أعــداء اللــه‬
‫اليهود ـ قاتلهم الله ـ ومكيدة مــن مكــائدهم العظيمــة ــ ل‬
‫كثرهم الله ـ ليبعدوا الناس عن دينهم ‪ ،‬فقد باءوا بالغضب‬
‫واللعن من اللــه تعــالى لكلهــم الربــا ‪ ،‬واســتحقوا الخــزي‬
‫والندامة ‪ ،‬ومسخوا خنازير وقردة ‪ ،‬يقول الله تعالى ‪} :‬‬
‫إن العالم بأسره يئن من وطأة اليهودية الحاقدة ‪ ،‬ويــدعوا‬
‫باللعنة والمقت لهلها والقائمين عليها ‪.‬‬
‫عباد اللـه ‪ :‬لقـد كـثرت الـدعايات للمسـاهمة فـي البنـوك‬
‫الربوية في الصحف وغيرها ‪ ،‬وإغراء الناس بإيداع أموالهم‬
‫مقابــل فــوائد ربويــة صــريحة ‪ ،‬ومــن المعلــوم مــن الــدين‬
‫بالضرورة أن تلك الفــوائد حــرام ســحت وهــي عيــن الربــا‬
‫الذي جاء تحريمه في الكتابين ‪.‬‬
‫ومن كبائر الــذنوب ‪ ،‬فالربــا يفســد المــال علــى صــاحبه ‪،‬‬
‫ويمحق بركته ‪ ،‬ويسبب عدم قبول العمل الصالح ‪.‬‬
‫وليعلم كل مسلم إنه مسؤول أمام ربه عن ماله مــن أيــن‬
‫اكتسبه وفيما أنفقه ‪ ،‬ففي الحديث عـن النـبي صـّلى اللـه‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬لن تــزول قــدما عبــد يــوم القيامــة‬
‫حتى يسأل عن أربع ‪ :‬عن شبابه فيمــا أبله ‪ ،‬وعــن عمــره‬
‫فيما أفناه ‪ ،‬وعن ماله من أيــن جمعــه وفيمــا أنفقــه وعــن‬
‫علمــه مــاذا عمــل بــه " ) رواه الــبزار والطــبراني بإســناد‬
‫صحيح (‬
‫والدلة على تحريمه كــثيرة ‪ ،‬قــال تعــالى " يــا أيهــا الــذين‬
‫آمنوا ل تأكلوا الربــا أضــعافا ً مضــاعفة واتقــوا اللــه لعلكــم‬
‫تعلمون " ‪ ،‬وقــال تعــالى " ومــا أتيتــم مــن ربـا ً ليربــو فــي‬
‫أموال الناس فل يربو عند الله " ‪.‬‬
‫ى الله عليه وســلم ‪ " :‬الــذهب بالــذهب والفضــة‬ ‫وقال صل ّ‬
‫بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملــح‬
‫بالملح مثل ً بمثل يــدا ً بيــد فمــن زاد أو اســتزاد فقــد أربــى‬
‫الخذ والمعطي فيه سواء " ) رواه مسلم ( ‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫فهذه الدلة وغيرها تبين تحريم الربا وخطــره علــى الفــرد‬
‫والمة ‪.‬‬
‫وإن ممــا تأســف لـه النفــوس أن ثلــة مــن النــاس ل يهتــم‬
‫بأحكام السلم وإنمــا يهتــم بمــا يــدر عليــه المــال مــن أي‬
‫طريق كان ‪ ،‬وما ذاك إل ّ لضعف اليمان وقلة الخوف مــن‬
‫الله تعالى ‪ ،‬وغلبة حب الــدنيا علــى القلــوب ‪ ،‬نســأل اللــه‬
‫السلمة ‪ .‬هذا هو الواقع المؤلم الذي آلت إليــه مجتمعــات‬
‫السلم ول حول ول قوة إل ّ بالله ‪ .‬فهذه الهزائم والخسائر‬
‫‪ ،‬وهذه البراكين والزلزل ‪ ،‬وهــذا الهــرج والمــرج ‪ ،‬وكــثرة‬
‫الحوادث والمرض ‪ ،‬كل ذلك بما كسبت أيدي النــاس مــن‬
‫ط للربا وغيره ‪ .‬قال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬إذا ظهــر‬ ‫تعا ٍ‬
‫الزنا والربا في قريــة فقــد أحلــوا بأنفســهم عــذاب اللــه "‬
‫) رواه الحــاكم وقــال صــحيح الســناد ( ‪ .‬وقــال تعــالى ‪" :‬‬
‫ظهر الفســاد فــي الــبر والبحــر بمــا كســبت أيــدي النــاس‬
‫ليذيقهم بعض الذي علموا لعّلهم يرجعون " وقال تعــالى ‪:‬‬
‫" وما نرسل باليات إل تخويفا "‬
‫وقال تعالى ‪ " :‬وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورســله‬
‫فحاسبنها حسابا ً شديدا ً وعذبناها عذابا ً نكرا ً فــذاقت وبــال‬
‫أمرها وكـان عاقبــة أمرهــا خســرا * أعـد اللـه لهـم عــذابا ً‬
‫شديدا ً فاتقوا يا أولى اللبــاب " ‪ ،‬وقــال ابــن القيــم رحمــه‬
‫الله " إذا ظهر الزنا والربا في قرية ُأذن بهلكهــا " فبــدأت‬
‫المحن تتوالى والمصائب تتابع من جّراء التعامل بالربا ‪.‬‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهمــا " مــن كــان مقيمـا ً علــى‬
‫حق علــى إمــام المســلمين أن يســتتيبه‬ ‫الربا ل ينزع منه ف ُ‬
‫فإن نزع وإل ّ ضرب عنقه " وصدق رضي الله عنه ‪ ،‬فالربــا‬
‫على شاكلة الزنا ‪ ،‬فمن هو الذي يســتطيع أن يزنــي أمــام‬
‫الناس جهرة وعلنية ‪ ،‬ومن هو الذي يقر على نفسه بالزنا‬
‫م ل يرجم ول يجلد ‪ ،‬فالربا كذلك من أعلن التعامل بـه أو‬ ‫ث ّ‬
‫علم عنه ذلك ‪ ،‬فحقٌ على المسلمين هجره تأديبا ً وزجــرا ً ‪،‬‬
‫ي المر تأديبه وتعزيره عنوة وقهرا ً ‪ ،‬حــتى‬ ‫وواجب على ول ّ‬
‫يعود إلى صوابه ويراجع دينه ويتــوب إلــى ربــه ويعــود عــن‬
‫غّيه وزيغه ‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫أيها المرابي ‪ ..‬يا مــن تتعامــل بالربــا ‪ :‬اتــق اللــه ‪ ،‬واجعــل‬
‫بينك وبين عذاب الله وقايــة ‪ ،‬واحــذر مــن مكــر اللــه ‪ ،‬فل‬
‫يــأمن مكــر اللــه إل ّ القــوم الخاســرون ‪ ،‬اســتعمل عقلــك‬
‫وحكم دينك وشرع نبيك ‪ ،‬الــذي قــال ‪ " :‬إنــه أتــاني الليلــة‬
‫آتيان ‪ ،‬وإنهما قال لي ‪ ،‬انطلق ‪ ،‬وإني انطلقت معهمــا ‪.. ،‬‬
‫فانطلقنا فأتينا علــى نهــر قــال أحمــر مثــل الــدم وإذا فــي‬
‫النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمــع‬
‫عنــده حجــارة ‪ ،‬فيفغــر لــه فــاه ‪ ،‬فيلقمــه حجــرا ً فينطلــق‬
‫مــا رجــع إليــه فغــر لــه فــاه ‪،‬‬‫فيسبح ‪ ،‬ثــم يرجــع إليــه ‪ ،‬كل ّ‬
‫فألقمه حجرا ً ‪ ،‬قلت لهما ‪ :‬مــا هــذان ؟ قــال لــي ‪ :‬انطلــق‬
‫انطلق ‪ ،‬إلى أن قال ‪ :‬فإني رأيت الليلة عجب ـا ً ؟ فمــا هــذا‬
‫الذي رأيت ؟ قال لي ‪ :‬أما إنا سنخبرك ‪ .‬أما ّ الرجــل الــذي‬
‫أتيت عليه يسبح في النهــر ‪ ،‬ويلقــم الحجــارة ‪ ،‬فــإنه آكــل‬
‫الربا " ) رواه البخاري (‪.‬‬
‫وهذا عذاب أهل الربا في القبور إلى يوم البعــث والنشــور‬
‫وذلك تنكيل ً لهم ومد ّا ً للعذاب ‪ ،‬لعتراضهم على اللــه فــي‬
‫ل اللـه الـبيع وحـّرم الربــا " ‪،‬‬ ‫حكمه ‪ ،‬فالله يقــول ‪ " :‬وأحـ ّ‬
‫وهم يقولون ‪ :‬البيع مثل الربا ‪ ،‬فاعترضــوا علــى اللــه فــي‬
‫حكمه ورفضوا شرعه ‪ ،‬مع علمهم بتفريق اللــه بيــن الــبيع‬
‫والربا ‪ ،‬وهو سبحانه العليم الحكيم الذي ل معقب لحكمــه‬
‫ما يفعل وهــم ُيســألون ‪ ،‬وهــو العــالم بحقــائق‬ ‫ول ُيسأل ع ّ‬
‫المور ومصالحها وما ينفع عباده وما يضرهم ‪ .‬ولهــذا قــال‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ " :‬وكــل ربـا ً فــي الجاهليــة موضــوع‬
‫تحت قدمي هاتين ‪ ،‬وأول ربا ً أضع ربا العباس " ‪.‬‬
‫عباد الله ‪ :‬للربا صور عديدة ‪ ، ،‬وأشكال ٍ كثيرة ‪ ،‬حري بكل‬
‫مؤمن أن يسعى جاهدا ً لمعرفتها ‪ ،‬وكشف حقيقتها حتى ل‬
‫يقع في هذا الجرم العظيم ‪ ،‬والخطر الجسيم ‪ ،‬فمن صور‬
‫الربــا المتداولــة بيــن النــاس اليــوم ‪ ،‬وحســبنا اللــه ونعــم‬
‫الوكيل ‪:‬‬
‫فمن صور الربا ‪ :‬أن يشتري الرجل سلعة بثمن مؤجل من‬
‫شخص أو بنك أو معرض ‪ ،‬ثم يبيعها عليه بثمــن حـال أقــل‬
‫من ثمنها المؤجل قبل أن يسدد قيمتها كاملة ‪ ،‬فهذه حيلة‬
‫على الربا ‪ ،‬يتحايلون على الله كما يتحايلون على الصبيان‬

‫‪155‬‬
‫مى بيع العينة (‪ .‬قال عليــه الصــلة والســلم ‪" :‬‬ ‫) وهذا يس ّ‬
‫إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذنــاب البقــر ‪ ،‬ورضــيتم بــالزرع‬
‫وتركتم الجهاد ‪ ،‬سلط الله ذل ً ل ينزعه حــتى ترجعــوا إلــى‬
‫دينكم " ) رواه أبو داود وهو حديث صحيح بمجموع طرقــه‬
‫السلسة الصحيحة ( ‪.‬‬
‫ولما ّ سئل ابــن عبــاس رضــي اللــه عنهمــا عــن مثــل هــذه‬
‫المعاملــة قــال ‪ :‬هــذا حــرام ‪ ،‬حرمــه اللــه ورســوله ‪ .‬بــل‬
‫أخبرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من فعل ذلــك‬
‫من الصحابة جاهل ً بأنه قد أبطــل جهــاده مــع رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وسلم إل أن يتوب ‪.‬‬
‫ومن صور الربــا ‪ :‬أن يســتدين مبلغـا ً مــن المــال علــى أن‬
‫يعيده بزيادة ‪ ،‬سواًء كان المتعامل معه شخصــا ً أو شــركة‬
‫أو بنكا ً أو غيرها ‪ ،‬فتلك المعاملة ربا ً ‪ ،‬والربا حرام ‪.‬‬
‫ومــن صــور الربــا ‪ :‬أن يســتبدل ذهبـا ً قــديما ً بــذهب جديــد‬
‫ويدفع الفرق بينهما وهذا عين الربا ‪ ،‬والمعاملــة الصــحيحة‬
‫في ذلك ‪ :‬أن يبيع ذهبه القديم ويقبض ثمنــه ‪ ،‬ثــم يشــتري‬
‫ذهبا ً جديدا ً بثمن القديم ولو زاد نقودا ً من عنده بعد ذلك ‪.‬‬
‫ومن صور الربا ‪ :‬أن يشتري ذهبا ً حال ً بثمن مؤجـل ‪ ،‬فهـذا‬
‫ربا محرم التعامل به ‪ ،‬ول تجوز المحاباة فيه ل لقريـب ول‬
‫لصديق ‪ ،‬لنه ل طاعة لمخلوق في معصــية الخــالق ‪ ،‬ولــو‬
‫كان أقرب قريب ‪.‬‬
‫ومن صور الربا ‪ :‬قلب الدين على المعسر ‪ ،‬وهذا هــو ربــا‬
‫الجاهلية وذلك أنه إذا حل الــدين ولــم يكــن عنــده ســداد ‪،‬‬
‫زيد عليه الدين بكمّيات ونسب معينة حســب التــأخير وهــو‬
‫حرام بإجماع المسلمين ‪.‬‬
‫ومن صــور الربــا ‪ :‬القــرض بفــائدة ‪ :‬وصــورته أن يقرضــه‬
‫شيئا ً ‪ ،‬بشرط أن يوفيه أكثر منه ‪ ،‬أو يدفع إليه مبلغــا ً مــن‬
‫المال على أن يــوفيه أكــثر منــه بنســب معينــة ‪ ،‬وهــو ربــا‬
‫صريح ‪ ،‬أو يقرضه مال ً علــى أن يعيــده وشــيئا ً معــه ســواء‬
‫من المال أو من غيره من الواني وغيرها ‪.‬‬
‫ومــن صــور الربــا ‪ :‬اليــداع فــي البنــوك بفــائدة ‪ :‬وهــو مــا‬
‫مى بالودائع الثابتة إلى أجل ‪ ،‬فيتصرف البنك في هــذه‬ ‫يس ّ‬

‫‪156‬‬
‫الودائع إلى تمام الجل ‪ ،‬ويدفع لصاحبها فائدة ثابتة بنسبة‬
‫معينة في المئة ‪ ،‬وهذا ربا ل شك فيه ‪ ،‬ول ريب فيه ‪.‬‬
‫عباد الله ‪ :‬يــا مــن ترجــون رحمــة اللــه وتخــافون عــذابه ‪:‬‬
‫احــذروا مــن دخــول الربــا فــي معــاملتكم ‪ ،‬واختلطــه‬
‫بأموالكم ‪ ،‬فإن أكل الربا وتعاطيه من أكبر الكبائر وأخبــث‬
‫الخبائث وفيه الذن من اللــه لمتعــاطيه بــالفقر والمــراض‬
‫المستعصية وظلم السلطان ‪ ،‬فالربا يهلك الموال ويمحق‬
‫ف الموال العظيمة بالحريق‬ ‫البركات فكم تسمعون من تل ِ‬
‫والغرق والفيضان فيصــبح أهلهــا فقــراء بيــن النــاس ‪ ،‬وإن‬
‫بقيت هذه الموال الربوية بأيــدي أصــحابها فهــي ممحوقــة‬
‫البركة ‪ ،‬ل ينتفعون منهــا بشــيء ‪ ،‬إنمــا يقاســون أتعابهــا ‪،‬‬
‫ويتحملون حسابها ويصلون عذابها ‪ ،‬فالمرابي مبغوض عند‬
‫الله وعند خلقه ‪ ،‬لنه يأخذ ول يعطي ‪ ،‬ويجمــع ويمنــع ‪ ،‬ول‬
‫ينفق ول يتصدق ‪ ،‬شحيح جشع ‪ ،‬جموع منــوع ‪ ،‬تنفــر منــه‬
‫القلوب ‪ ،‬وينبذه المجتمع ‪ ،‬وهذه عقوبة عاجلــة ‪ ،‬وعقــوبته‬
‫الجلة أشد وأبقى ومــا ذاك إل ّ لن الربــا مكســب خــبيث ‪،‬‬
‫وسحت ضار ‪ ،‬وكابوس ثقيل على المجتمعــات البشــرية ‪،‬‬
‫فيجب على المسلم البتعــاد عنــه ‪ ،‬والتحــرز منــه ‪ ،‬لكــثرة‬
‫الوقوع فيه في هذا الزمان ‪ ،‬لما ّ طغــت المــادة ‪ ،‬وضــعف‬
‫المسلمون ‪ ،‬وفشا الجهل بأحكام الدين ‪ ،‬فقد أخــبر النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بذلك فقال ‪ " :‬ليــأتين علــى النــاس‬
‫زمان ل يبقى منهم أحد إل أكل الربا فمن لم يــأكله أصــابه‬
‫من غباره " ) رواه أحمد وأبو داود (‬
‫فمن تأمل حال الناس اليــوم أدرك مصــداق هــذا الحــديث‬
‫الشريف وذلك أنه لما ّ فاضت الموال وتضخمت في أيــدي‬
‫فئام من الناس وضعوها في البنوك الربوية فأصــابهم مــن‬
‫الربا ما أصابهم ‪ ،‬فمنهم من أكله ومنهم من لم يأكله لكن‬
‫أعان على أكله فأصابه من غباره واللــه علــى مــا يفعلــون‬
‫شهيد ‪.‬‬
‫أيها الخوة كيف يأتي النصر والناس قد أكلوا الربــا ‪ ،‬ومــن‬
‫لم يأكله أصابه من غباره ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بــالله ‪ ،‬فل‬
‫بد من مراجعة النفس ‪ ،‬ورأب الصدع ‪ ،‬واجتمــاع الكلمــة ‪،‬‬
‫وتوحيد الصف ‪،‬‬

‫‪157‬‬
‫=============‬
‫‪#‬المرابون‪....‬؟؟!!‬
‫يقول الله تعالى ‪ } :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مــا‬
‫بقي من الربا إن كنتــم مــؤمنين * فــإن لــم تفعلــوا فــأذنوا‬
‫بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أمــوالكم ل‬
‫تظلمون ول تظلمون{‪..‬‬
‫حرب من الله ورسوله‪ ..‬غاية فــي التهديــد والوعيــد‪ ،‬يــدل‬
‫على كبر هذه الخطيئة‪..‬‬
‫وقد جاءت السنة لتخبرنا بلعن آكــل الربــا ومــوكله وكــاتبه‬
‫وشاهديه‪ ،‬عن جابر بن عبد الله قـال‪ " :‬لعـن رسـول اللـه‬
‫صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكــاتبه وشــاهديه‪،‬‬
‫وقال‪ :‬هم سواء"‪.‬‬
‫أي المرابي والذي يقـترض بالمرابـاة والـذي يكتـب العقـد‬
‫والذي يشهد‪ ،‬كلهم عليهم مــن اللــه لعنــة‪ ،‬بــل قــد جــاءت‬
‫لتخبرنا بما يعقد اللسن ويذهل العقول‪ ،‬فأدنى الربــا كــأن‬
‫ينكح الرجل أمه‪ ..‬عن أبي هريرة قال‪ :‬رسـول اللـه صـلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ) :‬الربــا ســبعون حوبــا‪ ،‬أيســرها أن ينكــح‬
‫الرجل أمه(‪.‬‬
‫وهل ينكح الرجل أمه ؟!‪..‬‬
‫إنه غاية في البشاعة والشناعة‪ ،‬قال تعــالى‪ } :‬ول تنكحــوا‬
‫ما نكح آباؤكم من النساء إل ما قد سلف إنه كـان فاحشـة‬
‫ومقتا وساء سبيل{‪..‬‬
‫فوصف من نكح زوج أبيــه بكــونه قــد فعــل فاحشــة وأتــى‬
‫مقتا وساء سبيله‪ ،‬فكيف إذن إذا نكح أمه؟‪..‬‬
‫إن المرابي أشد لعنة ممن نكح أمــه‪ ،‬فــإذا كــان ذلــك فــي‬
‫أدنى الربا‪ ،‬فكيف إذن فيمن كان يتقلب فــي أعلــى الربــا‪،‬‬
‫والذين يملكون المؤسسات التي ل تتاجر إل بالربا؟‪..‬‬
‫عن سمرة بن جندب قــال‪ :‬رســول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم‪ ) :‬أريت الليلة رجليــن أتيــاني فأخرجــاني إلــى أرض‬
‫مقدسة‪ ،‬فانطلقنا حتى أتينا علــى نهــر مــن دم‪ ،‬فيــه رجــل‬
‫قائم‪ ،‬وعلى وسط النهــر رجــل بيــن يــديه حجــارة‪ ،‬فأقبــل‬
‫الرجل الذي فـي النهــر‪ ،‬فـإذا أراد الرجـل أن يخــرج رمـى‬
‫ل بحجر في فيه فـرده حيـث كـان‪ ،‬فجعـل كلمـا جـاء‬ ‫الرج َ‬

‫‪158‬‬
‫ليخرج رمى في فيه بحجــر فيرجــع كمــا كــان‪ ،‬فقلــت‪ :‬مــا‬
‫هذا؟‪ ،‬فقال‪ :‬الذي رأيته في النهر‪ :‬آكل الربا( ‪.‬‬
‫ويوم القيامة يقوم آكل الربا من قبره يتخبط كالذي أصابه‬
‫المس‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كما‬
‫يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس{‪..‬‬
‫عن قتادة‪" :‬تلــك علمــة أهــل الربــا يــوم القيامــة‪ ،‬يبعثــون‬
‫وبهم خبل"‪.‬‬
‫والسؤال الذي يفرض نفسه هنا‪:‬‬
‫لــم كــل هــذا الوعيــد والتشــنيع علــى آكــل الربــا خاصــة‪،‬‬
‫والراضـــي لنفســـه أن يعطـــي غيـــره الربـــا‪ ،‬والكـــاتب‪،‬‬
‫والشاهد؟‪..‬‬
‫أليــس الربــا يحــل أزمــة أنــاس ل يجــدون مــن يــداينهم‪،‬‬
‫فيــذهبون إلــى المرابيــن فيقرضــوهم بــالفوائد إلــى أجــل‪،‬‬
‫وكلما تأخروا زيد عليهم في الربا‪ ،‬لكنهم فــي مقابــل ذلــك‬
‫يخرجــون مــن أزمــاتهم‪ ،‬فيملكــون أرضــا‪ ،‬ويبنــون بيتــا‪،‬‬
‫ويجتهدون في قضــاء الــدين قبــل أن تزيــد عليهــم الفــوائد‬
‫الربوية؟‪..‬‬
‫النــاس ل يجــدون اليــوم مــن يقرضــهم إل المرابــون‪ ،‬فمــا‬
‫عساهم أن يفعلوا؟‪..‬‬
‫هل من حل؟‪..‬‬
‫حيرة يجد النسان نفسه فيها‪...‬؟؟؟!!!‪..‬‬
‫بين نصـوص بليغـة شـديدة الوعيـد‪ ،‬ل تفـرق بيـن صـاحب‬
‫الحاجة‪ ،‬والمتساهل الذي يقترض من دون حاجة‪..‬‬
‫فكل النصوص تحــذر وتتوعـد وتلعــن وتعلــن الحــرب علـى‬
‫آكلي الربا‪ ،‬ول نجد فيها عذرا لصاحب حاجة لــم يجــد مــن‬
‫يقرضه‪ ،‬وإنسان بلغت به الحاجة أنه ل يجد من يقرضــه إل‬
‫ب‪ ،‬يأخذ منه أكثر مما يعطيه على مدى الزمن‪..‬‬ ‫مرا ٍ‬
‫فمن الناس من يقــف عنــد المــر ويخــاف مخالفــة الــرب‪،‬‬
‫فيترك الربا والتعامل مع المرابين‪ ،‬ولو لم يجــد مــن يمــده‬
‫بمال يعينه على أزمات الحياة‪..‬‬
‫ومنهــم مــن يحنــق‪ ،‬ويســخط‪ ،‬ويقتحــم‪ ،‬ويعلــن قبــوله‬
‫واستعداده لحرب الله تعالى المنتقم الجبار‪..‬‬
‫هؤلء المقترضون‪ ،‬فما بال المقرضين المرابين؟‪..‬‬

‫‪159‬‬
‫الذين قد تخطوا بـاب الحيـرة‪ ،‬وصـاروا يـأكلون الربـا ليـل‬
‫نهار‪ ،‬سرا وعلنية‪ ،‬بثقة تامة‪ ،‬ولم يــأبهوا لنصــوص تزلــزل‬
‫الجبال وتدك الرض وتنفطر السماء لجلها مخافة وخشية‬
‫مــن غضــب الجبــار وحربــه‪ ،‬علــى مــن أعلــن العصــيان‬
‫والمخالفة‪ ،‬ما بالهم وكيف حالهم؟‪..‬‬
‫نعــود ونقــول‪ :‬لــم جــاءت النصــوص بمثــل هــذا الوعيــد‬
‫الشديد؟‪..‬‬
‫نجيب فنقول‪:‬‬
‫المرابي ظالم شديد الظلم‪...‬‬
‫يزداد شبعا‪ ،‬والناس يزدادون جوعا‪..‬‬
‫وهــو الســبب فــي جــوعهم‪ ،‬إنــه يأكــل أمــوالهم بــالقرض‬
‫والدين‪ ،‬ويضرب لهم أجل مـع زيـادة يسـميها فـائدة‪ ،‬كلمـا‬
‫تــأخروا فــي الســداد زاد عليهــم‪ ،‬حــتى يــتركهم بل مــال‪،‬‬
‫فيستولي على ما بأيديهم إن كان بأيديهم شيء‪..‬‬
‫قــد كــان المرابــي فــي القــديم يصــطاد ذوي الحاجــة‪ ،‬أمــا‬
‫مرابي اليوم فيعمــل علــى اصــطياد جميــع النــاس‪ ،‬يخــترع‬
‫الطرق الخبيثــة للســتيلء علــى أمــوالهم‪ ،‬بإعلنــات براقــة‬
‫داعية إلى وضع الموال عنده‪ ،‬وبإغراء الناس أن يقترضــوا‬
‫منه مقابل تســهيلت فــي مجــالت الــبيع والشــراء والبنــاء‬
‫وغير ذلك‪..‬‬
‫فــإذا وقعـوا اسـتولى علــى أمــوالهم حــتى يــتركهم وليــس‬
‫بأيديهم شيء‪ ،‬ولو قـدر لقتطـع مـن أجسـادهم إذ عجـزوا‬
‫عن السداد‪ ،‬كما فعل تاجر البندقية‪ ..‬؟؟‪..‬‬
‫وتــاجر البندقيــة رجــل يهــودي جشــع‪ ،‬كــان يقــرض النــاس‬
‫بالربا‪ ،‬فأقرض رجل‪ ،‬فعجز عن السداد بسبب الربا‪ ،‬فصار‬
‫يقتطع من لحمــه‪ ،‬إذ لــم يكــن يملــك غيــره‪ ،‬وهكــذا يفعــل‬
‫المرابي اليوم‪...‬؟؟؟؟!!!!‪...‬‬
‫أليس يتسبب في جــوع النــاس وفقرهــم‪ ،‬حينمــا يقرضــهم‬
‫فيأخذ فيسترد ماله أضعافا مضاعفة؟‪..‬‬
‫إن الربــا مصــدر فقــر المجتمــع‪ ،‬وتــرك النــاس بل شــيء‪،‬‬
‫ليتكدس المال في أيدي المرابين‪ ،‬فيـزدادوا غنــى‪ ،‬ويـزداد‬
‫الناس فقرا‪ ،‬وهو يتسبب في انهيارات اقتصادية كبيرة‪..‬‬

‫‪160‬‬
‫الربا يقضي على طموحات الناس‪ ،‬فالمال عصب الحيــاة‪،‬‬
‫والربا يسلبه من الناس‪ ،‬ويتركهم عالة يتكففون المرابين‪،‬‬
‫يطلبون منهــم بالذلــة مــا أخــذوه منهــم بالخــداع والحيلــة‪،‬‬
‫باسم القرض والدين والتسهيلت‪..‬‬
‫إن المرابين أعداء الله ورسوله وأعداء النســانية والخلق‬
‫والقيم‪..‬‬
‫إن المجتمع في ظــل المجتمــع الربــوي تنتشــر فيــه جميــع‬
‫المنكرات‪:‬‬
‫فالموال بأيدي المرابين‪ ،‬وهم أجرؤ النــاس علــى الــذنب‪،‬‬
‫بشهادة النبي صلى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬حيــث جعــل أيســر‬
‫الربا كأن ينكح الرجــل أمــه‪ ،‬فهــل ثمــة جــرأة كهــذه علــى‬
‫الذنب ؟‪..‬‬
‫وهل يكون للمرابي بعد هذا ضمير أو خلق؟‪..‬‬
‫إنه الن يملك المال الكثير‪ ،‬الذي يكفي شعبا كامل‪ ،‬فمــاذا‬
‫يفعل به؟‪..‬‬
‫إنه ل يخاف الله ول يعرف الحلل من الحرام‪..‬‬
‫إنه يسعى في كل مفسد ومدمر‪ ،‬وهــل شــيء أفســد مــن‬
‫الربا؟‪...‬‬
‫فالذي وقع فيه ل يمتنع من أن يقــع فــي غيــره مــن أنــواع‬
‫المحرمات المفسدة‪..‬‬
‫يوظف ماله الذي جناه من الحـرام فـي الحـرام‪ ،‬فمثلـه ل‬
‫يوفق إلى خير‪ ،‬وهل يوفق إلى خيــر مـن أعلـن اسـتعداده‬
‫لحرب الله ورسوله؟‪..‬‬
‫فمثله جدير بأن يغرق المجتمع بأنواع من الفساد الفكــري‬
‫والخلقي‪ ،‬ويسخر ماله في إفســاد أخلق النــاس‪ ،‬فيجلــب‬
‫للناس كل ما يضرهم ول ينفعهم من اللهو واللعب والفتنة‬
‫والفساد‪ ،‬فليس شيء ممنوع عنده‪ ،‬فقد تخطــى الحــواجز‬
‫كلها وانطلق يجري وراء الشيطان‪ ،‬يركع له ويسجد‪..‬‬
‫إن الربا سبب غلء السعار‪ ،‬وما يترتب عليــه مــن شــظف‬
‫العيش وتعذر الحصول على متطلبات الحياة‪ ،‬والحرمان ـــ‬
‫تبعــا لــذلك ـ ـ مــن الضــرورات الساســية كبنــاء المســكن‬
‫والزواج‪ ،‬وذلك يفضي إلى كثرة الفســاد الخلقــي‪ ،‬حيــث ل‬
‫يجــد الشــاب مــال يــتزوج بــه ويقيــم مســكنا يســكن فيــه‪،‬‬

‫‪161‬‬
‫فينصــرف عنــه‪ ،‬فتقــل نســب الــزواج‪ ،‬والنتيجــة كــثرة‬
‫الفواحش والثام‪ ،‬حيث يحــرم الشــاب والفتــاة مــن تلبيــة‬
‫حاجة الغريزة لقلة المال‪ ،‬وهــم يجــدون فــي ذات الــوقت‬
‫أنواعا من الفساد متيسرا بفعل أولئك المرابين‪..‬‬
‫كيف ترتفع السعار بفعل المرابين؟‪.‬‬
‫يأتي صاحب مشروع غذائي مثل‪ ،‬يقــترض مــن أهــل الربــا‬
‫ليقيم المشروع‪ ،‬فيقرضوه مقابــل الفــائدة فــي كــل عــام‪،‬‬
‫وكلما تأخر في السداد زادت الفائدة‪ ،‬فيبدأ في المشــروع‬
‫وقد وضع في حسابه عند بيعه للسلعة أن يكون فيها الربح‬
‫بالضافة إلى الفــائدة‪ ،‬أي أن الفــائدة يتحملهــا المســتهلك‬
‫حين شرائه للسلعة ل المقترض‪ ،‬فتمضي المــدة المحــددة‬
‫فل يســدد فــتزداد الفــائدة عليــه‪ ،‬وهــو ل يهمــه ذلــك‪ ،‬لنــه‬
‫يضــيفها إلــى ثمــن الســلعة‪ ،‬ليتحملهــا المســتهلك‪ ،‬ليرتفــع‬
‫سعرها‪..‬؟!!!!!!!‪.....‬‬
‫وهكــــذا‪ ..‬كلمــــا تــــأخر فــــي الســــداد زادت الفــــوائد‬
‫عليه‪..‬فيضيفها إلى ثمن السلعة‪ ،‬فيزداد سعرها‪..‬‬
‫فمن الذي تحمل تسديد تلك الفوائد الربوية؟‪..‬‬
‫ليس المقترض‪ ،‬بل المستهلك‪..‬‬
‫ومن هنا نفهم لماذا تزداد أسعار المواد كل يوم‪..‬‬
‫إن الزيادة الربويــة تــذهب إلــى خزانــة المرابيــن‪ ،‬والنــاس‬
‫يعيشــون الهــم وهــم يراقبــون ارتفــاع أســعار الســلع‪ ،‬ول‬
‫يملكون ردها أو إيقافها‪ ،‬ول يملكون كــذلك العــراض عــن‬
‫شرائها‪ ،‬فهي حاجات أساســية ل يمكنهــم الســتغناء عنهــا‪،‬‬
‫فتأكــل كــل مــدخولتهم‪ ،‬فل يجنــون إل الحســرة والفقــر‬
‫واللم‪..‬‬
‫وأما أكلة الربا فهم في النعيم والخيرات يتقلبون‪ ،‬وليسـت‬
‫تلك الخيرات من عرقهم ول من كدهم واســتحقاقهم‪ ،‬بــل‬
‫هم يأكلون كد وعرق واستحقاق غيرهم‪..‬‬
‫هم كرجل سمين‪ ،‬ملء أناقة وفخامة‪ ،‬أتى إلى طفل فقير‬
‫يتيم‪ ،‬ل يملك إل ثوبا خلقا‪ ،‬وجسدا ضعيفا‪ ،‬في يده كســرة‬
‫خبر يريد أكلها ليسد جوعته‪ ،‬فاختطفها قبل أن تصــل إلــى‬
‫فمه‪ ،‬ليأكلها‪ ،‬ويترك الضعيف يتلوى من الجوع…‬
‫أفل يستحق اللعنة‪ ،‬والحرب من الله؟‪..‬‬

‫‪162‬‬
‫هذا استحق اللعنة‪ ،‬لن فعل هذا بفــرد واحــد‪ ،‬فكيــف مــن‬
‫يفعل ذلك ليل نهار بـآللف وملييــن البشـر يـتركهم عالـة‬
‫جوعى فقراء ل يملكون أبسط متطلبات الحياة؟…‬
‫إن الحياة المبنية على الخوة والرحمة هي الحياة الطيبــة‪،‬‬
‫وإن الفقير والمحتــاج إذا وجــد مــن يتصــدق عليــه بهبــة أو‬
‫قرض حسن ل ربا فيه‪ ،‬يطمئن إلى إخوانه‪ ،‬وتنتشــر فيهــم‬
‫المودة والرحمة والتعاون على البر والتقوى‪..‬‬
‫أمــا إذا صــارت الحيــاة مليئة باســتغلل الظــروف الحرجــة‬
‫وحاجات الناس وأكل أمــوالهم بالباطــل‪ ،‬وصــار الهــم فــي‬
‫سرقة الموال باسم الفائدة والخداع والحيلة انقلبت كئيبة‬
‫فاسدة ل تصلح للعيش ول للبقاء‪ ،‬ولــذا قــال تعــالى‪ } :‬يــا‬
‫أيها الذين آمنوا ل تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا اللــه‬
‫لعلكــم تفلحــون * واتقــوا النــار الــتي أعــدت للكــافرين‬
‫وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون{‪..‬‬
‫والربــا مهمــا زادت وحصــلت فإنهــا غيــر مباركــة‪ ،‬بــل هــي‬
‫ممحوقة‪ ،‬والمرابي نهايته وخيمة‪ ،‬وعاقبه الخسران‪ ،‬فكــم‬
‫من مراب أكل الربا سلط الله عليه من يأخذ مــاله ويكــف‬
‫يده ويذله بعد العزة ليموت بحسـرته‪ ،‬كمـا أكـل مـن قبـل‬
‫أموال الناس وأماتهم جوعا وحسرة‪ ،‬والجــزاء مــن جنــس‬
‫العمل‪ ،‬ول يظلم ربك أحدا‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬يمحق الله الربا‬
‫ويربي الصدقات{‪..‬‬
‫وقال‪ } :‬وما آتيتم مــن ربــا ليربــوا فــي أمــوال النــاس فل‬
‫يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك‬
‫هم المضعفون{‪.‬‬
‫وأخيرا نقول‪ :‬المفاهيم عند كثير من الناس منقلبة‪:‬‬
‫يــرون الزانــي والســارق وشــارب الخمــر فيرحمــونه أو‬
‫يزجرونــه‪ ،‬لنــه عــاص‪ ،‬ويــرون آكــل الربــا‪ ،‬فيــوقرونه‬
‫ويعظمونه‪ ،‬ويفسحون له المجلس‪..‬‬
‫ولــو قايســنا بيــن ذنــب الزانــي وشــارب الخمــر والســارق‬
‫وذنب المرابي‪ ،‬لكان ذنب المرابي أضعاف ذنوب أولئك‪..‬‬
‫كيف وقد جعل النبي صلى الله عليه وسـلم الربـا سـبعون‬
‫حوبا‪ ،‬أيسرها أن ينكح الرجل أمه‪..‬؟؟!!!‪...‬‬ ‫ُ‬
‫فالمرابي أشد أصحاب الكبائر جرما‪ ،‬فاعرفوا ذلك‪..‬‬

‫‪163‬‬
‫وصاحب الربــا يعامــل كســائر أصــحاب الكبــائر مــن حيــث‬
‫النصــح والــدعوة بالحكمــة والموعظــة الحســنة‪ ،‬والزجــر‬
‫والهجر‪ ،‬إن كان فيه جدوى‪..‬‬
‫أبو سارة‬
‫===============‬
‫‪#‬حكم المساهمة في شركة المراعي‬
‫د‪ .‬يوسف بن عبدالله الحمد‬
‫أستاذ الفقه المساعد بجامعة المام ‪ .‬الرياض‬
‫السؤال ‪:‬‬
‫ما حكم الكتتاب في شركة المراعي ؟ وهــل هــي تتعامــل‬
‫بالربا ؟ ‪.‬‬
‫الجواب ‪ :‬بعد الطلع على القوائم المالية للشركة ‪ ،‬تــبين‬
‫أن الشــركة تقــرض وتقــترض بالربــا ‪ ،‬ومجمــوع القــروض‬
‫الربوية من البنوك الربوية )‪ (535000000‬ريال ً سعوديا ً ‪،‬‬
‫والودائع الربوية في البنوك التجاريــة )‪ (46109000‬ريــال ً‬
‫سعوديا ً ‪.‬‬
‫وعليه فإن الكتتاب أو المساهمة فيها محــرم شــرعا ً ؛ لن‬
‫السهم ملــك مشــاع فــي الشــركة ؛ فــأي نشــاط للشــركة‬
‫فالمساهم شريك فيه ‪.‬‬
‫َ‬
‫مــا‬‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫قال الله تعالى ‪َ " :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫م ت َْفعَل ُــوا فَـأ ْذ َُنوا‬
‫ن ل َـ ْ‬
‫ن * ف َ ـإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬‫م ُ‬‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬ ‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬
‫ي ِ‬ ‫ب َِق َ‬
‫م َل‬ ‫َ‬
‫وال ِك ُ ْ‬
‫مــ َ‬
‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫سول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫ن" )البقرة ‪ . ( 279 ،278‬و عن جابر‬ ‫مو َ‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫بن عبدالله رضي الله عنه قال ‪ " :‬لعن رسول اللــه صــلى‬
‫اللــه عليــه وســلم آكــل الربــا ومــؤكله وكــاتبه وشــاهديه ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬هم سواء " أخرجه مسلم ‪.‬‬
‫ولعل من المهم أن أنبــه فــي الجــواب علــى هــذا الســؤال‬
‫على المور التية ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أدعو جميع الشركات إلى ضرورة التزام شــرع اللــه‬
‫تعالى في معاملتها ‪ ،‬وأن تضـع لجنـة شـرعية ترشـح مـن‬
‫قبل الجهات العلميــة كــدار الفتــاء أو المجمــع الفقهــي أو‬
‫القسام العلمية في الكليات الشرعية ‪ ،‬وليس انتقــاءً مــن‬
‫الشركة ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬توعية الناس بمطالبة الشركات باللجان الشــرعية ‪،‬‬
‫وأن يعرفــوا ســبب امتنــاع الشــركة مــن وضــع اللجنــة‬
‫الشرعية ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أنشأ بعض أهل العلــم المعاصــرين قــول ً جديــدا ً فــي‬
‫التفصيل بين الربا الكثير والربــا اليســير ؛ فــإن كــان الربــا‬
‫قليل ً في الشــركة جــاز المســاهمة فيهــا وإل فل ‪ ،‬وحــددوا‬
‫الربا اليسير وفق الشروط التية ‪:‬‬
‫‪ .1‬أل يتجاوز إجمالي المبلغ المقترض بالربــا عــن الثلــث ‪،‬‬
‫والــرأي الخــر أل يتجــاوز ‪ %25‬مــن إجمــالي موجــودات‬
‫الشركة ‪.‬‬
‫‪ .2‬أل تتجاوز الفوائد الربوية أو أي عنصر محــرم عــن ‪%5‬‬
‫من إيرادات الشركة ‪.‬‬
‫‪ .3‬أل يتجاوز القراض بالربا أو أي استثمار أو تملك محرم‬
‫عن ‪ %15‬من إجمالي موجودات الشركة‪.‬‬
‫ثم اختلفوا في تحديد هذه النسب بين الرفع والخفض إلى‬
‫أكثر من أربعة أقوال ‪.‬‬
‫وقــد عللــوا الجــواز بالحاجــة ‪ ،‬وعمــوم البلــوى ‪ ،‬فجميــع‬
‫الشركات الكبرى المســاهمة ترابــي إل مــا نــدر ‪ ،‬والنــاس‬
‫بحاجة إلــى تنميــة أمــوالهم ول يجــدون إل هــذه الشــركات‬
‫وخصوصا ً أصحاب رؤوس الموال الصغيرة ‪ ،‬وفــي القــول‬
‫بالتحريم تضييق عليهم ‪ ،‬ومــتى مــا انــدفعت هــذه الحاجــة‬
‫عاد الحكم إلى التحريم ‪ ،‬وتندفع الحاجة بوجود الشــركات‬
‫الملتزمة بالضوابط الشرعية ‪ .‬وأن العفو عن اليســير مــن‬
‫الربا كعفو الشرع عن يســير بعــض أنــواع النجاســة ) هــذا‬
‫خلصة ما وقفت عليه من البحوث المنشورة ( ‪.‬‬
‫والصواب أن المساهمة في الشركات التي تقع فــي الربــا‬
‫اليســـير محـــرم شـــرعا ً ‪ ،‬وهـــو قـــول جمـــاهير العلمـــاء‬
‫المعاصرين ‪ ،‬والدلة على التحريم ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن الربــا محــرم شــرعا ً قليلــه وكــثيره ‪ ،‬وقــد أجمــع‬
‫العلماء علــى حرمتــه مطلقـا ً ‪ ،‬ول أعــرف أحــدا ً مــن أهــل‬
‫العلم المتقدمين قال بجــواز ربــا النســيئة عنــد الحاجــة إذا‬
‫كان أقل من الثلث ‪ .‬بل جاءت النصــوص بتعظيــم جريمــة‬
‫الربا حتى لو كان قليل ً ؛ فعن عبد الله بــن حنظلــة غســيل‬

‫‪165‬‬
‫الملئكة رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشــد مــن‬
‫ستة وثلثين زنية " أخرجه أحمد بسند صحيح ‪ .‬وعــن عبــد‬
‫الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى اللــه عليــه‬
‫وسلم قال ‪ " :‬الربــا ثلثــة وســبعون بابـا ً أيســرها مثــل أن‬
‫ينكــح الرجــل أمــه ‪ " ..‬أخرجــه الحــاكم وصــححه ووافقــه‬
‫الذهبي ‪ .‬والحديث صحيح بمجموع شواهده ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬لو سلمنا جدل ً بالجواز عند الحاجة ‪ ،‬فإن المســاهمة‬
‫في هذه الشركات ليست مــن الحاجــة ؛ لن حاجــة تنميــة‬
‫الموال مندفعة بأنواع التجــارة الخــرى ؛ كــالبيع والشــراء‬
‫الفــردي أو بالتوكيــل ‪ ،‬أو بالمضــاربة ‪ ،‬أو بأســهم شــركات‬
‫العقار وغيرها التي ل تتعامل بالربا وهي كثيرة ولله الحمد‬
‫‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أن هذا القول ) وهــو القــول بجــواز المســاهمة فــي‬
‫الشركات التي تتعامل بالربــا القليــل ( ‪ :‬فيــه إســهام فــي‬
‫بقاء هذه الشركات علــى هــذا المســلك الربــوي ‪ ،‬ودعــوة‬
‫لمشـــاركة النـــاس فيهـــا ‪ ،‬وتضـــييق ضـــمني للشـــركات‬
‫ب فــي تــأخير مشــروع الصــلح‬ ‫السلمية الناشــئة ‪ ،‬وســب ٌ‬
‫القتصادي وتنقيته من الربا ومما حرم الله ‪.‬‬
‫ولو كانت الفتوى صريحة في المنع للجأت هذه الشــركات‬
‫إن شاء الله في بلد المسلمين إلى وضع اللجان الشرعية‬
‫والبعـــد عـــن الربـــا ؛ لن معظـــم النـــاس أقـــدموا علـــى‬
‫المســاهمة بنــاًء علــى الفتــوى الشــرعية ‪ ،‬وخصوص ـا ً مــع‬
‫الوعي الشرعي في السنوات الخيرة ‪ ،‬والمشايخ يدركون‬
‫هذه الحقيقة من خلل كثرة أسئلة الناس عنها والتي ربما‬
‫طغت على أسئلتهم في الطهارة والصلة ‪.‬‬
‫وللحديث عن هــذه التنبيهــات مزيــد تفصــيل ســيخرج بعــد‬
‫اكتماله بإذن الله تعالى ‪.‬‬
‫قاله وكتبه ‪ :‬د‪ .‬يوسف بن عبدالله الحمد‬
‫أســتاذ الفقــه المســاعد بجامعــة المــام ‪ /‬كليــة الشــريعة‬
‫بالرياض ‪.‬‬
‫ص ب ‪ 156616‬الرياض ‪11778‬‬
‫هاتف وناسوخ ‪4307275/01‬‬

‫‪166‬‬
‫‪1426 /20/5‬هـ‬
‫================‬
‫‪#‬حكم المساهمة في شركة التصالت السعودية‬
‫د‪ .‬يوسف بن عبدالله الحمد‬
‫الحمــد للــه رب العــالمين ‪ ،‬والصــلة والســلم علــى نبينــا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه ‪ .‬أما بعد ‪.‬‬
‫فقد وصلني أسئلة كثيرة جدا ً عن حكم الكتتاب في أسهم‬
‫شركة التصالت الســعودية ‪ .‬وقــد اطلعــت علــى القــوائم‬
‫المالية للشركة لعامي )‪ 2000‬و ‪ ، ( 2001‬وناقشت عددا ً‬
‫مــن أهــل الختصــاص القتصــادي فــي هــذا ‪ ،‬وبعــد النظــر‬
‫والتأمل ظهر لي أن المساهمة فيها أمــر محــرم ‪ ،‬وســبب‬
‫التحريـــم ‪ :‬ممارســـة الشـــركة لجملـــة مـــن المحـــاذير‬
‫الشرعية ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫‪ .1‬إيداع أموالها في البنوك الربوية في حساب الفوائد ‪.‬‬
‫‪ .2‬القروض طويلة الجل وقصيرة الجل في مقابل عوائد‬
‫ربوية ‪.‬‬
‫وقــد تحصــل للشــركة مــن هــذين العمليــن مئات الملييــن‬
‫الربوية ‪ ،‬كما هو مســجل فــي القــوائم الماليــة للشــركة ‪،‬‬
‫وأنقل هنا فقط نص ما جاء فــي القائمــة الماليــة للشــركة‬
‫في قائمة التدفق النقدي بالريال السعودي ‪ " :‬العائد مــن‬
‫القروض طويلة الجــل لعــام ‪2000‬م )‪( 850,000,000‬‬
‫والعـــائد مـــن القـــروض طويلـــة الجـــل لعـــام ‪2001‬م )‬
‫‪ . " ( 600,000,000‬كما هو منشور في موقعها الرسمي‬
‫فــــــــــــــــــــــــــــــي النــــــــــــــــــــــــــــــترنت ‪:‬‬
‫‪http://www.stc.com.sa/arabic/html/ar_annual_budget.htm‬‬
‫‪ .3‬اقتراض أموال طائلة بالفوائد الربوية ‪ ،‬وأنقل هنا نــص‬
‫ما ذكر فــي القائمــة الماليــة ‪ " :‬وقــد تــم تســديد القــرض‬
‫الول البـــــالغ )‪ (2.250.000,000‬وفـــــوائده بتواريـــــخ‬
‫استحقاقه ‪ ،‬وكان آخر قسط مسدد في الربــع الرابــع مــن‬
‫عام ‪2001‬م "‪ .‬كما هو منشور في الموقــع الرســمي فــي‬
‫النترنت ‪.‬‬
‫‪ .4‬خدمة التصال بالرقم )‪ (700‬والذي يستعمل في كــثير‬
‫مــن الحيــان فــي القمــار فــي المســابقات ‪ ،‬أو الهــدايا‬

‫‪167‬‬
‫المحرمة كالموسيقى والغاني الماجنة ‪ .‬مع إقرار الشركة‬
‫لذلك ‪.‬‬
‫‪ .5‬اســتثمار الشــركة فــي عــدد مــن الشــركات والقمــار‬
‫الصناعية التي ل تتورع في نشر مــا حــرم اللــه ‪ .‬وقــد بلــغ‬
‫استثمار الشركة في القمــر الصــناعي ) عربســات ( لعــام‬
‫‪2001‬م )‪ ( 637,151,000‬بالريال السعودي ‪.‬‬
‫وأعظم هذه المحاذير الشرعية هو ) الربا ( الذي قال الله‬
‫َ‬
‫ي‬ ‫مــا ب َ ِْق ـ َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّـ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫تعالى فيه ‪َ " :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا‬ ‫ن ل َـ ْ‬ ‫ن)‪(278‬فَـإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬ ‫ن الّرب َــا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م َل‬ ‫َ‬
‫وال ِك ُ ْ‬‫مــ َ‬
‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫سول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫ن)‪ (279‬سورة البقرة ‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫ن إ ِّل‬ ‫ْ‬
‫مو َ‬ ‫ن الّرَبا َل ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫وفي اليات التي قبلها ‪ " :‬ال ّ ِ‬
‫طان مـن ال ْمـس ذ َلـ َ َ‬
‫م‬ ‫ك ب ِـأن ّهُ ْ‬ ‫ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫شـي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مــ ْ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫مُرهُ إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫عظ َ ُ ٌ ِ ْ َ ّ ِ ْ َ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫َ‬
‫ن)‪(275‬‬ ‫َ‬ ‫عاد َ فَـأول َئ ِ َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِـ ُ‬ ‫م ِفيهَــا َ‬ ‫ب الن ّــارِ هُـ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫صـ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ل ك َّفــاٍر‬ ‫ب ك ُـ ّ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫يَ ْ‬
‫م)‪ (276‬سورة البقرة ‪.‬‬ ‫َ‬
‫أِثي ٍ‬
‫و عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال ‪ " :‬لعن رسول‬
‫اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم آكــل الربــا ومــؤكله وكــاتبه‬
‫وشاهديه ‪ .‬وقال ‪ :‬هم سواء " أخرجه مسلم ‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليــه‬
‫وسلم قال ‪ " :‬اجتنبوا الســبع الموبقــات ) أي المهلكــات (‬
‫قالوا ‪ :‬يــا رســول اللــه ومــا هــن ؟ قــال ‪ :‬الشــرك بــالله ‪،‬‬
‫والسحر ‪ ،‬وقتل النفس التي حــرم اللــه إل بــالحق ‪ ،‬وأكــل‬
‫الربا ‪ ،‬وأكل مال اليــتيم ‪ ،‬والتــولي يــوم الزحــف ‪ ،‬وقــذف‬
‫المحصنات المؤمنات الغافلت " متفق عليه ‪.‬‬
‫و عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملئكة رضي الله عنهما‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬درهم ربــا‬
‫يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلثين زنية " أخرجه‬
‫أحمد بسند صحيح ‪.‬‬
‫وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النــبي صــلى‬
‫الله عليه وسلم قال ‪ " :‬الربا ثلثــة وســبعون بابـا ً أيســرها‬

‫‪168‬‬
‫مثــل أن ينكــح الرجــل أمــه ‪ " ..‬أخرجــه الحــاكم وصــححه‬
‫ووافقه الذهبي ‪ .‬والحديث صحيح بمجموع شواهده ‪.‬‬
‫أما القول بجواز المساهمة فــي هــذه الشــركة مــع إخــراج‬
‫النسبة المحرمة من الرباح ‪ ،‬فهو محــل نظــر ‪ :‬لن ســهم‬
‫المشترك سيكون ملكا ً مشاعا ً فــي جميــع أجــزاء الشــركة‬
‫وحينئذ سيكون مشاركا ً بجزء من ماله في الربا والعمــال‬
‫المحرمــة الخــرى ‪ ،‬ول يجــوز للمــؤمن أن يقــدم علــى‬
‫الشتراك في ما حرم الله وهو يعلم بذلك مسبقا ً ‪.‬‬
‫ولو قيل إن هذه الشركة تضع عشرات المليين في تجارة‬
‫الخمور والمراقص والبغاء ‪ ،‬لما رضي أحد بالمشاركة فيها‬
‫‪ ،‬فكيف وهي ُتشغل أكثر من مليارين من الريالت بالربا ‪،‬‬
‫الذي هو أعظم جرما ً من تعاطي الخمر والبغاء ‪ ،‬بل الربــا‬
‫أعظم ذنب في السلم بعد الكفر بالله وقتل النفس الـتي‬
‫حرم الله ‪ ،‬وقد توعد الله بمحقه ‪ ،‬وهو إيــذان بحــرب مــن‬
‫الله ‪ ،‬ودرهم ربا أشد من ست وثلثين زنية ‪ ،‬وأهون الربــا‬
‫مثل أن ينكح الرجل أمه ‪.‬‬
‫ثم إن هذا التفصيل إنما يقال لمن كان مساهما ً في شركة‬
‫تتعامل بالربا في شيء من أعمالهــا ‪ ،‬ثــم أراد التوبــة إلــى‬
‫الله منها ‪ ،‬أو أنه ســاهم جــاهل ً ثــم علــم بــالحكم ‪ .‬فيقــال‬
‫حينئذ ‪ :‬الواجب أن ترجع السهم إلــى أصــحابها وتســترجع‬
‫أموالك ‪ ،‬وما أتــاك مــن أربــاح فإنــك تتخلــص مــن النســبة‬
‫س‬
‫م ُرُءو ُ‬ ‫كــ ْ‬ ‫م فَل َ ُ‬
‫ن ت ُب ُْتــ ْ‬
‫المحرمــة ‪ ،‬قــال اللــه تعــالى ‪ " :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن"‪.‬‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫أ ْ‬
‫وقــد صــدر مــن اللجنــة الدائمــة برئاســة ســماحة الشــيخ‬
‫عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ــ فتـوى بتحريـم المسـاهمة‬
‫في الشركات الــتي تتعامــل بالربــا ) برقــم ‪ 6823‬وتاريــخ‬
‫‪ ( 12/4/1404‬وأنقل هنا نص السؤال والجواب ‪:‬‬
‫السؤال ‪ " :‬هل يجوز المساهمة بالشــركات والمؤسســات‬
‫المطروحة أسهمها للكتتاب العام في الــوقت الــذي نحــن‬
‫يســاورنا الشــك مــن أن هــذه الشــركات أو المؤسســات‬
‫تتعامل بالربا في معاملتها ‪ ،‬ولم نتأكد من ذلك ‪ ،‬مع العلم‬
‫أننا ل نستطيع التأكد من ذلك ‪ ،‬ولكن كما نسمع عنهــا مــن‬
‫حديث الناس ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫الجواب ‪ :‬الشــركات والمؤسســات الــتي ل تتعامــل بالربــا‬
‫وشيء من المحرمات يجوز المســاهمة فيهــا ‪ .‬وأمــا الــتي‬
‫تتعامل بالربــا وشــيء مــن المحرمــات فيحــرم المســاهمة‬
‫فيها ‪ .‬وإذا شك في أمر شركة ما فالحوط لــه أل يســاهم‬
‫عمل ً بقول النبي صلى الله عليه وسلم ) دع ما يريبك إلى‬
‫ما ل يريبك ( وقول النبي صــلى اللــه عليــه وســلم ) ومــن‬
‫اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " ‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء ‪.‬‬
‫الرئيس ‪ :‬عبدالعزيز بن عبدالله بن باز ‪.‬‬
‫نائب رئيس اللجنة ‪ :‬عبدالرزاق عفيفي ‪.‬‬
‫عضو ‪ :‬عبدالله بن قعود ‪ .‬عضو ‪ :‬عبدالله بن غديان ‪.‬‬
‫وأرى أنه من المهم التوجه بالنصــح بضــرورة تكــوين لجنــة‬
‫شرعية موثوقــة فــي شــركة التصــالت وضــبط معاملتهــا‬
‫شرعا ً وإبعادها عما حرم الله ‪ ،‬وحينئذ ســتكون محــل ثقــة‬
‫الناس إن شاء الله تعالى ‪ .‬وبالله التوفيق ‪.‬‬
‫=============‬
‫‪#‬حكم الستثمار المالي في المؤسسات التي‬
‫تعطي نسبة عائد ثابتة‬
‫السؤال‪:‬‬
‫هــل صــحيح أن الســلم يمنــع الســتثمار المــالي فــي‬
‫المؤسسات التي تعطي نسبة عائد ثابتة ؟‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫الحمد لله‬
‫دين السلم هو الدين الحق الذي جــاء بــه الرســول صــلى‬
‫الله عليه وسلم وقد اشــتمل علــى أكمــل الشــرائع ‪ ،‬قــال‬
‫تعالى ‪ ) :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي (‬
‫فشريعة القرآن شريعة كاملة شاملة خالدة ‪ ،‬ففيها جميــع‬
‫الحكام التي بها ســعادة العبــاد فــي معاشــهم ومعــادهم ‪،‬‬
‫دد‬‫ومن ذلك الحكام المالية ‪ ،‬وهي الحكام التي تنظم وتع ّ‬
‫طرق كسب المال وصرفه ‪ ،‬فل يجوز اكتساب المال بكــل‬
‫طريقة ول يجوز صرف المال في كل ما يشتهي النسان ‪،‬‬
‫فل بد ّ أن يخضع النسان في كل ذلك إلى شرع الله ومــن‬
‫ذلك أن الله تعالى حّرم الربا ‪ ،‬قال تعــالى ‪ ) :‬وأح ـ ّ‬
‫ل اللــه‬

‫‪170‬‬
‫البيع وحّرم الربا ( ‪ ،‬وقــال تعــالى ‪ ) :‬يــا أيهــا الــذين آمنــوا‬
‫اتقوا اللــه وذروا مــا بقــي مــن الربــا ( ‪ .‬ومــن صــور الربــا‬
‫الظاهر أخذ الفوائد على القــروض أو إعطائهــا ‪ ،‬فل يجــوز‬
‫القرض بفائدة ‪ ،‬وما يسمى بالفـائدة فـي لغـة البنــوك هـو‬
‫الربا في لغة الشرع ‪ .‬واما القــرض الحســن فهــو القــرض‬
‫الذي يقصد بــه الرفــاق والحســان إلــى الغيــر وذلــك بــأل‬
‫يكــون المقصــود أخــذ الفــائدة والزيــادة ‪ ،‬فمــا يســمى‬
‫بالقروض في لغــة البنــوك هــي فــي الحقيقــة عقــود ربــا ‪،‬‬
‫والله تعالى حكيم في شرعه لنه تعالى شرع الشرائع بما‬
‫فيها من المصالح العاجلة والجلة وهو الحكيم العليم ‪.‬‬
‫كتبه‬
‫فضيلة الشيخ‬
‫عبدالرحمن بن ناصر البراك‬
‫============‬
‫‪#‬رسائل عاجلة في شركة ينساب‬
‫د‪ .‬يوسف بن عبدالله الحمد‬
‫أستاذ الفقه المساعد بجامعة المام ‪ .‬الرياض‬
‫الحمد لله ‪ ،‬والصلة والسلم على نبينــا محمــد وعلــى آلــه‬
‫وصحبه أجمعين‪ .‬أما بعد ‪.‬‬
‫فقد واجهت كما واجه غيــري مــن المشــايخ وطلب العلــم‬
‫كما ً هائل ً من أسئلة الناس عن حكم الكتتــاب فــي شــركة‬
‫"ينساب" ‪ ،‬وهي ظاهرة طيبة تتزايد ولله الحمد مــع نشــر‬
‫الوعي في المجتمع ‪ ،‬وهي دللة على حرص النــاس علــى‬
‫البعد عما حرم الله ‪ ،‬وقد وجد النــاس فراغ ـا ً واضــحا ً فــي‬
‫الفتيــا الجماعيــة‪ ،‬حــتى بــادر بعــض المشــايخ وفقهــم اللـه‬
‫بالفتيــا الفرديــة المكتوبــة ‪ ،‬أو الشــفوية فــي القنــوات‬
‫الفضــائية‪ ،‬فرأيــت مــن المناســب أن أبعــث حــول هــذا‬
‫الموضوع بثلث رسائل ‪:‬‬
‫الولى‪ :‬رسالة عامة في بيان حكم الكتتاب فيها ‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬إلى طلب العلم المهتمين بهذه المسائل ‪.‬‬
‫والثالثة‪ :‬إلى رئيس أعضاء مجلس إدارة شركة "ينساب"‪.‬‬
‫أما الولى ‪ :‬فبعد النظر فــي نشــرة الصــدار لشــركة ينبــع‬
‫الوطنيـــة للبتروكيماويـــات " ينســـاب" الصـــادرة فـــي‬

‫‪171‬‬
‫‪5/11/1426‬هـ‪ ،‬تبين أنها قائمة علــى النظــام الرأســمالي‬
‫الربوي‪ ،‬وأنها لم تلــتزم بشــرع اللــه تعــالى فــي معاملتهــا‬
‫المالية‪ ،‬ويظهر ذلك من خلل التي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أعلنت "ينســاب" عزمهــا علــى إيــداعات ربويــة فــي‬
‫بنــوك محليــة‪ ،‬وأن النســبة الربويــة مقــدارها )‪%4.85‬ـ (‪،‬‬
‫ومقــدار اليــداع الربــوي بالريــالت )‪(5.556.657.000‬‬
‫والذي يمثل )‪ (%98.58‬من مجموع رأس مال الشــركة )‬
‫‪ ، (5.625.000.000‬وأن رأس المــــال يشــــمل أســــهم‬
‫المكتتبين المؤسسين وعموم الناس ‪.‬‬
‫وقد صرحت الشركة بأنها بــدأت مزاولــة النشــاط المــالي‬
‫لها بإيداع ما تحصل لها من أموال المؤسســين‪ ،‬وقــد عــاد‬
‫إليهـــا مـــن الفـــوائد الربويـــة حـــتى صـــدور النشـــرة )‬
‫‪4.375.000‬ريا ً‬
‫ل(‪.‬‬
‫ثانيــا ً ‪ :‬الــتزمت "ينســاب" بفــائدة ربويــة لشــركة ســابك‬
‫مقدارها )‪10.000.000‬ريال ( مقابل قرض مالي مقداره‬
‫)‪1.208.510.000‬ريال ( ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬حصلت سابك لصــالح "ينســاب" التزام ـا ً خطي ـا ً مــن‬
‫أحد البنــوك الربويــة العالميــة ‪ ABN AMRO‬علــى قــرض‬
‫ربــوي صــرف قيمتــه )‪ (13.125.000.000‬ثلثــة عشــر‬
‫مليارًا‪ ،‬ومائة وخمس وعشرون مليون ريال سعودي ‪.‬‬
‫ثم ذكرت النشرة بأن البنك ‪ -‬وليس الشــركة ‪ -‬يقــوم الن‬
‫بالتفــاوض مــع المصــارف الدوليــة والقليميــة والمحليــة‬
‫لتقديم قروض تجارية وإسلمية عادية للمشروع ‪.‬‬
‫وهذا يعني أن البنك سيحصل هذه القروض مع مــن ســيتم‬
‫ك للشــركة بفــائدة ربويــة‪،‬‬ ‫التفاق معه‪ ،‬ثم سيقرضــها البنـ ُ‬
‫صــل بعــض التمويــل بالمرابحــة‬ ‫وعليــه فــإن البنــك لــو ح ّ‬
‫السلمية فإنه سيقرضها للشركة " ينساب " بقرض ربوي‬
‫‪.‬‬
‫وبناًء على ما سبق؛ فإن الكتتاب في شركة ينساب محرم‬
‫شرعًا‪.‬‬
‫ووجه التحريم ‪ :‬أن المكتتب شريك معهــم‪ ،‬ومفــوض لهــم‬
‫فــي الدارة الماليــة‪ ،‬وموافــق علــى مــا تضــمنته نشــرة‬

‫‪172‬‬
‫الصدار‪ ،‬الذي وقع العقد معهم بنــاءً عليهــا‪ ،‬ول فــرق فــي‬
‫التحريم بين المكتتب والمساهم بعد التداول والمضارب ‪.‬‬
‫والربا أعظــم ذنــب فــي الســلم بعــد الكفــر بــالله‪ ،‬وقتــل‬
‫النفس التي حرم الله‪ ،‬حــتى لــو كــان يســيرًا‪ ،‬ومــن تأمــل‬
‫النصــوص الــواردة فــي حرمــة الربــا أدرك عظــم هــذه‬
‫الجريمة‪ ،‬ومن هذه النصوص ‪:‬‬
‫َ‬
‫مــا‬‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫قول الله تعالى‪َ)) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م ت َْفعَل ُــوا فَـأ ْذ َُنوا‬‫ن ل َـ ْ‬
‫ن * ف َ ـإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬
‫ي ِ‬ ‫ب َِق َ‬
‫م َل‬ ‫َ‬
‫وال ِك ُ ْ‬
‫مــ َ‬
‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫سول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫ن(( )البقرة ‪. (279 ،278‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫وحديث جابر بن عبد الله‪ -‬رضــي اللــه عنــه‪ -‬قــال‪)) :‬لعــن‬
‫رسول الله‪ -‬صــلى اللــه عليــه وســلم‪ -‬آكــل الربــا ومــؤكله‬
‫وكاتبه وشاهديه‪ .‬وقال‪ :‬هم سواء(( أخرجه مسلم ‪.‬‬
‫وعن عبــد اللــه بــن حنظلــة غســيل الملئكــة‪ -‬رضــي اللــه‬
‫عنهما‪ -‬قال‪ :‬قال رســول اللــه‪ -‬صــلى اللــه عليــه وســلم‪:-‬‬
‫))درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشــد مــن ســتة وثلثيــن‬
‫زنية(( أخرجه أحمد بسند صحيح‪.‬‬
‫وعن عبد الله بـن مسـعود‪ -‬رضـي اللـه عنـه‪ -‬عـن النـبي‪-‬‬
‫صلى الله عليه وســلم‪ -‬قــال‪)) :‬الربــا ثلثــة وســبعون باب ـا ً‬
‫أيســرها مثــل أن ينكــح الرجــل أمــه ‪ ((..‬أخرجــه الحــاكم‬
‫وصــححه ووافقــه الــذهبي‪ .‬والحــديث صــحيح بمجمــوع‬
‫شواهده ‪.‬‬
‫وليس من المناسب بعد هذه النصوص تخفيف كلمة الربــا‬
‫عنــد النــاس كتســمية الفــوائد الربويــة بــالعوائد البنكيــة‪،‬‬
‫وتســمية الشــركات الربويــة بالمختلطــة‪ ،‬وتســمية البنــوك‬
‫الربوية بالتقليدية‪ ،‬والصــواب أن تســمى المــور بأســمائها‬
‫الشرعية؛ فيقال بنك ربوي‪ ،‬وشركة مختلطة بالربــا‪ ،‬ونحــو‬
‫ذلك‪ ،‬حتى ل يغرر الناس في دينهم ‪.‬‬
‫الرسالة الثانيـة ‪ :‬إلــى أهـل العلـم الـذي أفتـوا بـالجواز أو‬
‫المنع أو توقفوا ‪.‬‬
‫إن اليسر للناس‪ ،‬والصلح لهم‪ ،‬والرفق بهم‪ ،‬ما كان فــي‬
‫شرع الله حــتى لــو كــان الحكــم بــالتحريم‪ ،‬والعلمــاء إنمــا‬
‫يبينون الحكم للنــاس وفــق الكتــاب والســنة‪ ،‬ول يقــدمون‬

‫‪173‬‬
‫الرأي على النص‪ ،‬وكل مصلحة تعارض النص فهــي ملغــاة‬
‫كما هو مقرر في علم الصول ‪.‬‬
‫ثم إن الفتيا بالجواز في هذه الشركة وأمثالهــا أوســع مــن‬
‫أن تكون جوابـا ً علـى ســؤال‪ ،‬بـل يـترتب عليهــا عــدد مـن‬
‫المفاسد الكــبرى؛ فــإن الصــلح فــي الميــدان القتصــادي‬
‫وإبعاده عن الربا‪ ،‬وما حرم الله ل يزال متأخرا ً جدا ً مقارنة‬
‫بغيــره‪ ،‬وهــذه الشــركة وأمثالهــا قــد وضــعت مؤسســات‬
‫ضخمة في الستشارة المالية والقانوية‪ ،‬ودراســة الســوق‬
‫والعلقات العامة‪ ،‬بينما لم تضع جهــة أو لجنــة للستشــارة‬
‫الشرعية ؛ فهي تتبنــى العــراض عــن اللجــان الشــرعية ‪،‬‬
‫ويبقى مجلس الدارة على وجل حتى يتقدم واحد أو أكــثر‬
‫من أهل العلم بالفتيا بالجواز‪ ،‬فيقبـل النـاس أفواجـا ً علـى‬
‫الكتتاب‪ ،‬وقد ظن المفتي بالجواز أن في ذلك المصلحة ‪،‬‬
‫والرفق بالناس‪ ،‬والتدرج في الصلح ‪.‬‬
‫وليس المر كذلك ‪ ،‬فإن الفتيــا بــالجواز مــن أهــم أســباب‬
‫تــأخر المشــروع الصــلحي فــي الميــدان القتصــادي؛ لن‬
‫الفتيا بالجواز سبب أســاس فــي بقــاء الشــركات الربويــة؛‬
‫وإضعاف الشركات السلمية الناشــئة‪ ،‬وقــد شــهد الواقــع‬
‫بأن الفتيا بالجواز‪ :‬أكبر وسيلة تسويقية للكتتاب‪ ،‬وارتفــاع‬
‫السهم بعد التداول‪ ،‬وضخ الموال الطائلة في جيوب أكلة‬
‫الربا من المكتتــبين المؤسســين‪ ،‬أو البنــوك الربويــة ؛ لن‬
‫معظم الناس يقدم أو يحجم بناًء على الفتوى ‪.‬‬
‫ولمــا كــان المــر بهــذه المثابــة‪ ،‬فــإني أدعــوا أهــل العلــم‬
‫والفضل إلى الفتيا الجماعيــة فــي هــذه القضــية وأمثالهــا‪،‬‬
‫واشــتراط وضــع اللجــان الشــرعية والرقابيــة المســتقلة‪،‬‬
‫والـــتي ترشـــحها المجـــامع الفقهيـــة‪ ،‬أو دار الفتـــاء ‪ ،‬أو‬
‫القسام الفقهية في الكليات الشرعية ‪.‬‬
‫الرسالة الثالثة ‪ :‬إلى رئيس مجلس إدارة شركتي "سابك"‬
‫و "ينساب" وأعضائهما‪ ،‬فإني أوصيهم بتقــوى اللــه تعــالى‪،‬‬
‫وأدعوهم إلى إعلن التوبة إليه من جريمة الربا وإشــاعته‪،‬‬
‫والمســارعة فــي الــتزام شــرع اللــه ‪ ،‬فــإن الــدنيا فانيــة‪،‬‬
‫والخرة هـي دار القـرار‪ ،‬وأن يتــذكروا بـأنهم داخليـن فـي‬

‫‪174‬‬
‫وعيد حديث جابر مرفوعًا‪)) :‬لعن اللــه آكــل الربــا ومــؤكله‬
‫وكاتبه وشاهديه‪ ،‬وقال‪ :‬هم سواء(( أخرجه مسلم‪.‬‬
‫وأن إصــرارهم علــى هــذا العمــل إيــذان بحــرب مــن اللــه‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫َ‬
‫ه وَذ َُروا َ‬
‫مــا‬ ‫مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ‬ ‫نآ َ‬‫َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ )) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫م ت َْفعَل ُــوا فَـأ ْذ َُنوا‬‫ن ل َـ ْ‬
‫ن * ف َ ـإ ِ ْ‬‫مِني َ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬
‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬
‫ي ِ‬‫ب َِق َ‬
‫ه(()البقرة‪.(278:‬‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬
‫بِ َ‬
‫وبهذا تنتهي الرسائل ‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪,,,‬‬
‫===============‬
‫‪#‬إلى كل من خسر أو تعلق أو تورط في السهم‬
‫محمد بن عبدالله‬
‫الحمد للــه رب العــالمين والصــلة والســلم علــى أشــرف‬
‫النبيـــاء والمرســـلين نبينـــا محمـــد وعلـــى آلـــه وصـــحبه‬
‫أجمعين ‪...‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فسلم الله عليكم جميعا ورحمته وبركاته ‪..‬‬
‫وحياكم الله وبياكم ‪..‬‬
‫وجعل الجنة مثوانا ومثواكم ‪...‬‬
‫آمين ‪..‬‬
‫اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله‬
‫اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرا مما نقول ‪..‬‬
‫اللهم لك الحمد حتى ترضى ولــك الحمــد إذا رضــيت ولــك‬
‫الحمد بعد الرضى‬
‫اللهم أغننا بطاعتــك عــن معصــيتك وبحللــك عــن حرامــك‬
‫وبفضلك عمن سواك‬
‫اللهم أغننا عمن أغنيته عنا ‪..‬‬
‫اللهم زدنا ول تنقصنا ‪..‬‬
‫اللهم إنــا نســألك العلــم النــافع و القلــب الخاشــع والعيــن‬
‫الدامع والرزق الواسع والنفس الشابع ‪..‬‬
‫اللهم اقطع تعلق قلوبنا بأحد من خلقك ‪..‬‬
‫اللهم اقطع تعلق قلوبنا بأحد سواك ‪..‬‬
‫يا حي يا قيوم برحمتك نســتغيث أصــلح لنــا شــأننا كلــه ول‬
‫تكلنا إل أنفسنا طرفة عين ‪..‬‬

‫‪175‬‬
‫اللهم ارزقنا من حيث ل نحتسب ‪..‬‬
‫اللهم فرج همومنا ونفس كروبنا ‪..‬‬
‫اللهم اشرح صورنا ويسر أمورنا ‪..‬‬
‫آمين‬
‫آمين‬
‫آمين ‪..‬‬
‫إلى كل من خسر أو تعلــق أو تــورط فــي الســهم ))مهــم‬
‫جدا ((‬
‫إلى كل من خسر ماله أو جزءا منه ‪..‬‬
‫إلى كل من تورط ‪..‬‬
‫إلى كل من فقد المل ‪..‬‬
‫أقول ‪:‬‬
‫أول‪:‬‬
‫أحسن ظنك بالله ‪ ,‬وتوكل عليه ‪ ,‬واعلم أن كل ذلك مقدر‬
‫ٌ ومكتوب ‪..‬‬
‫فل تبتأس ول تحزن ‪ ..‬ول يضق صدرك ‪...‬‬
‫واعلم أن الله قد تكفل بأرزاق العباد ‪..‬‬
‫ل تحزن‪ ..‬فرزقك مقسوم‪..‬‬
‫وقدرك محسوم‪..‬‬
‫وأحوال الدنيا ل تستحق الهموم‪..‬‬
‫مت َــاعُ ال ْغُـُروِر‬
‫حي َــاةُ الـد ّن َْيا إ ِّل َ‬
‫مــا ال ْ َ‬
‫لنها كلهــا إلــى زوال‪ ..‬وَ َ‬
‫]الحديد ‪.[20‬‬
‫واعلــم أنــك لــن تمــوت إل وقــد أخــذت مــا كتــب لــك أو‬
‫عليك ‪...‬‬
‫والحمد لله على كل حال ‪..‬‬
‫ثانيا ‪:‬‬
‫ل بد أن تعلم أنك لســت الوحيــد الــذي خســر أو تــورط أو‬
‫ضاع ماله ‪...‬‬
‫بل هناك الكثير والكثير غير ‪...‬‬
‫وإذا كنت قد فقدت ربع مالك ‪ ,‬فاعلم أن هنــاك مــن فقــد‬
‫نصف ماله ‪...‬‬
‫وإذا كنت قد فقدت نصف مالك ‪ ,‬فاعلم أن هناك من فقد‬
‫ماله كله ‪..‬‬

‫‪176‬‬
‫فاحمد الله ‪ ..‬واقنع بما آتاك الله ‪...‬‬
‫اخوتي تأملوا الناس من حولكم هل يخلو أحد مــن مصــيبة‬
‫أزعجته‪،‬‬
‫أومن مشكلة أقلقته ‪،‬‬
‫أو من مرض أقعده ‪،‬‬
‫أومن هم احرقه أو‪ .......‬أو ‪ .......‬إلخ ‪,,‬‬
‫هذا هو حال الناس ‪ ... ،‬غنى وفقر ‪ ..‬ربح وخسارة ‪ ..‬حياة‬
‫وموت ‪ ...‬صحة ومرض ‪ ..‬فرح وحزن ‪...‬‬
‫لكن البعض يزيد ألمه بسخطه وجزعــه فبعــد ذلــك يخســر‬
‫دينه ودنياه فاحذر أن تكون مــن المتســخطين ‪ ،‬بــل يجــب‬
‫علينا الرضا بالقضاء‪،‬والصبر على البلء لكي ننال الدرجات‬
‫العل قــال تعــالى"إنمــا يــوفى الصــابرون أجرهــم بغيــر‬
‫حساب"وقال صلى الله !عليه وسلم ))والصبر ضياء((‬
‫عليك أن تتذكر نعم اللـه عليــك فــي نفسـك خاصــة‪ ،‬ومــن‬
‫ذلك أن تستحضر هذه النعم فــي جميــع جوارحــك واجعــل‬
‫نظرك فيمن أصيب ممن حولك‪ ،‬كم يصرفون من الموال‬
‫ويذهبون مــن الوقــات وكــم يســهرون ويتعبــون فــي علج‬
‫أمراض‪ ،‬أنت في عافية منها‪.‬‬
‫ثالثا ‪:‬‬
‫هكذا هي الدنيا ‪..‬‬
‫يوم لك ويوم عليك ‪...‬‬
‫تربح يوما ‪ ..‬وتخسر يوما ‪..‬‬
‫الدنيا ل تستقيم لحد على حال ‪...‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪ ..‬فالبلء جزء ل يتجزء من الحياة‪..‬‬
‫ل يخلو منه‪ ..‬غني ول فقير‪ ..‬ول ملك ول مملوك‪ ..‬ول نــبي‬
‫مرسل‪ ..‬ول عظيم مبجل‪..‬‬
‫فالناس مشتركون فــي وقــوعه‪ ..‬ومختلفــون فــي كيفيــاته‬
‫ن ِفي ك َب َدٍ ]البلد‪.[4:‬‬‫سا َ‬ ‫خل َْقَنا ا ْ ِ‬
‫لن َ‬ ‫ودرجاته‪ ..‬ل ََقد ْ َ‬
‫طبعــت علــى كــدر وأنــت تريــدها ‪ ----‬صــفوا ً مــن القــذاء‬
‫والكدار‬
‫هي المور كما شــاهدتها دول ‪ ---‬مــن ســره زمــن ســاءته‬
‫أزمان‬

‫‪177‬‬
‫وهذه الدار ل تبقي على أحد ‪ ---‬ول يــدوم علــى حــال لهــا‬
‫شان‬
‫رابعا ‪:‬‬
‫حث الشرع على الصبر في مــواطن الشــدائد و حــذر مــن‬
‫سخط في حــال النكســار‪،‬وان تعجــب كيــف‬ ‫الشكوى و الت ّ‬
‫نفذت تعاليم السلم إلى أعماق النفــس فمســت منــاطق‬
‫الشــعور والوجــدان فيهــا‪،‬فإننــا ل نملــك إل أن نتأمــل هــذا‬
‫التماس بخشوع و إجلل‪،‬فيجب علينا أن نصبر و نحمد الله‬
‫في السراء و الضراء لن النسان ))إن أصابته سراء شكر‬
‫فكان خير له‪،‬وان إصابته ضراء صبر فكان خيــر لــه((فكــل‬
‫ما يصاب به العبد من هم وضيق وابتلء‪،‬إذا احتسب لــوجه‬
‫الله كتب له الجر والثواب وكانت تطهيرا له مــن الــذنوب‬
‫وكفرت سيئاته فل نجــزع ول نســخط لن هــذا البتلء مــن‬
‫الله‪،‬قال صلى الله عليه وسلم)ممن هم ول غم‪،‬ول وصــب‬
‫ولنصب‪،‬حتى الشوكة يشاك بها المسلم أل كفــر اللــه بهــا‬
‫من خطاياه((‬
‫و ل يغب عن بالك أن مصائبنا بسبب ذنوبنا وتقصــيرنا فــي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ديك ُ ْ‬
‫ت أي ْـ ِ‬ ‫مــا ك َ َ‬
‫سـب َ ْ‬ ‫صــيب َةٍ فَب ِ َ‬
‫م ِ‬‫ن ُ‬‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬
‫ما أ َ‬ ‫طاعة الله }وَ َ‬
‫ر{ )الشورى‪ ،(30:‬فأصلح ما بينك وبين الله‬ ‫ن ك َِثي ٍ‬‫وَي َعُْفو عَ ْ‬
‫يصلح الله ما بينك وبين الناس‪.‬‬
‫واعلم أن المسلم رابح في كل حال‪ :‬فما يصــيب المســلم‬
‫م حتى وخزة الشــوكة إل‬ ‫من نصب ول وصب ول هم ول غ ّ‬
‫كفر الله عنه به من خطاياه‪.‬‬
‫خامسا ‪:‬‬
‫ل تقلق‬
‫المريض سيشفى‪..‬‬
‫والغائب سيعود‪..‬‬
‫والمحزون سيفرح‪..‬‬
‫والكرب سيرفع‪..‬‬
‫والضائقة ستزول‪..‬‬
‫ر‬
‫سـ ِ‬ ‫مـعَ ال ْعُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫وهذا وعد الله إن الله ل يخلف الميعــاد‪ ..‬فَـإ ِ ّ‬
‫سرا ً ]الشرح‪.[6،5:‬‬ ‫سرِ ي ُ ْ‬‫معَ ال ْعُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سرا ً )‪ (5‬إ ِ ّ‬
‫يُ ْ‬

‫‪178‬‬
‫سر في الية‪ ..‬ليطمئن قلبك‪..‬‬ ‫ل تحزن‪ ..‬فإنما كرر الله الي ُ ْ‬
‫وينشرح صدرك‪..‬‬
‫ســير يعقبــه‬
‫عســر ُيســرين {‪ ..‬الع ِ‬ ‫واعلم أنه ‪ } :‬لن يغلب ُ‬
‫الُيسر‪ ..‬كما الليل يعقبة الفجر‪..‬‬
‫ولرب ضائقة يضيق بها الفتى *** وعند الله منها المخرج‬
‫ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** ُفرجت وكنت أظنها ل‬
‫ُتفرج‬
‫سادسا ‪:‬‬
‫صيحة نذير ‪:‬‬
‫الربا‬
‫الربا‬
‫الربا‬
‫اتقوا الله يا أهل الربا ‪..‬‬
‫اتقــوا اللــه وراقبــوه ‪ ..‬واخشــوا يومــا ترجعــون فيــه إلــى‬
‫الله ‪...‬‬
‫الربا من أكبر الكبائر ‪..‬‬
‫وقد تأذن الله بالحرب على أهله ‪...‬‬
‫الربا يا أيها المسلم ‪ ...‬قليل أو كثير ‪ ...‬حرام ‪ ...‬حــرام ‪...‬‬
‫حرام ‪...‬‬
‫كبيرة من الكبائر ‪ ...‬موبقة من الموبقات ‪ ...‬ومــن أعظــم‬
‫الجرائم ‪ ...‬وأشد العظائم ‪...‬‬
‫الربـــا يهلـــك المـــوال ‪ ...‬ويمحـــق البركـــات ‪ ...‬ويجلـــب‬
‫الحسرات ‪ ...‬ويورث النكسات ‪ ،‬قال تعالى ‪ " :‬يمحق الله‬
‫الربا ويربي الصدقات "‬
‫الربا دمار للفراد والشعوب ‪ ...‬وإشعال لفتيل الحروب ‪...‬‬
‫الربا هلك للمم والمجتمعات ‪...‬بل صغار وذلة للمتعاملين‬
‫به ‪...‬‬
‫ول أدل على ذلك مــن هــذه النكبــات الــتي حطــت رحالهــا‬
‫بأمة محمد صلى الله عليه وســلم ‪ ،‬مـن حــروب مـدمرة ‪،‬‬
‫وفيضــانات عارمــة ‪ ،‬وكســوف وخســوف ‪ ،‬وريــاح عاتيــة ‪،‬‬
‫وقتل وسرقات ‪ ،‬وجرائم واغتيــالت ‪ ،‬ونهــب للممتلكــات ‪،‬‬
‫كــوارث وحــوادث ‪ ،‬ليــس لهــا مــن دون اللــه كاشــفة ‪ ،‬ول‬

‫‪179‬‬
‫منجــي منهــا إل بتوبــة صــادقة ‪ ،‬ورجــوع إلــى اللــه الواحــد‬
‫القهار ‪...‬‬
‫ن الحرب على الله ورسوله ‪...‬‬ ‫من يأكل الربا يعل ُ‬
‫فيا ُترى من يحارب الله ورسوَله أتراه ينتصر ؟!!‬
‫أتراه يكسب في الباقية ؟!!‬
‫ْ‬
‫مــا‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬ ‫مــو َ‬ ‫ن الّرب َــا ل َ ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َـأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫قال الله تعــالى " ال ّـ ِ‬
‫م َقـاُلوا ْ‬ ‫طان من ال ْمس ذ َلـ َ َ‬
‫ك ب ِـأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ي َُقو ُ‬
‫َ‬
‫جــاءهُ‬ ‫من َ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ّ ّ ِ‬ ‫عظ َ ٌ ّ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عاد َ فَأوْل َئ ِ َ‬
‫حــ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن }‪ {275‬ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل ك َّفــارٍ أِثي ـم ٍ }‬ ‫ب ك ُـ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َيُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه ال ّْرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ص ـل َةَ‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫ت وَأقَــا ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صــال ِ َ‬‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪ {276‬إ ِ ّ‬
‫كاةَ ل َه َ‬
‫م‬ ‫هــ ْ‬ ‫م وَل َ ُ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م وَل َ َ‬ ‫عند َ َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َوآت َوُا ْ الّز َ‬
‫َ‬
‫مــا‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫من ُــوا ْ ات ُّقــوا ْ الل ّـ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن }‪َ {277‬يا أي َّها ال ّـ ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫م ت َْفعَل ُــوا ْ‬ ‫ن }‪ {278‬فَ ـِإن ل ّـ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬ ‫كنت ُــم ّ‬ ‫ن الّرَبا ِإن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ب َِق ْ َ‬
‫س‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ســول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُـ ْ‬ ‫ن الل ّـهِ وََر ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫فَـأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬
‫َ‬
‫ذو‬ ‫ن ُ‬ ‫كــا َ‬ ‫ن }‪ {279‬وَِإن َ‬ ‫مــو َ‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مــو َ‬ ‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫مــ َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫كنُتــ ْ‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬ ‫صد ُّقوا ْ َ‬ ‫سَرةٍ وَأن ت َ َ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ‬ ‫عُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ِفيـهِ إ ِل َــى الل ّـهِ ث ُـ ّ‬ ‫جعُــو َ‬ ‫مــا ت ُْر َ‬ ‫ن }‪َ {280‬وات ُّقــوا ْ ي َوْ ً‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫ن }‪{281‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ل ن َْف ٍ‬ ‫ت ُوَّفى ك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫وقال‪ -‬صلى الله عليه وسّلم‪ )) : -‬درهم ربـا يـأكّله الرجـ ُ‬
‫وهو يعلم ؛ أشد ّ مــن ســتةٍ وثلثيــن زنيــة (( ]رواه أحمــد و‬
‫صــححه اللبــاني عــن عبــد اللــه بــن حنظلــة‪ -‬رضــي اللــه‬
‫عنه‪... [-‬‬
‫ث وسبعون بابــا ؛‬ ‫وقال عليه الصلة و السلم ‪ )) :‬الربا ثل ٌ‬
‫ل أمه (( ]صــححه اللبــاني فــي‬ ‫ح الرج ُ‬ ‫ل أن ينك َ‬ ‫أيسُرها مث ُ‬
‫صحيح الترغيب[‪.‬‬
‫فاتق الله في نفسك إن كنــت ممــن يســاهم فــي الســهم‬
‫ل الحرام ‪.‬‬ ‫ك لك ِ‬ ‫سك وأهل َ‬ ‫ض نف َ‬ ‫الربوية ول تعر ْ‬
‫وعن سمرة بن جندب قال‪ :‬رسول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم‪ ) :‬أريت الليلة رجليــن أتيــاني فأخرجــاني إلــى أرض‬
‫مقدسة ‪ ،‬فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم ‪ ،‬فيــه رجــل‬
‫قائم‪ ،‬وعلى وسط النهــر رجــل بيــن يــديه حجــارة‪ ،‬فأقبــل‬

‫‪180‬‬
‫الرجل الذي فـي النهــر‪ ،‬فـإذا أراد الرجـل أن يخــرج رمـى‬
‫ل بحجر في فيه فـرده حيـث كـان‪ ،‬فجعـل كلمـا جـاء‬ ‫الرج َ‬
‫ليخرج رمى في فيه بحجــر فيرجــع كمــا كــان‪ ،‬فقلــت‪ :‬مــا‬
‫هــذا؟‪ ،‬فقــال‪ :‬الــذي رأيتــه فــي النهــر‪ :‬آكــل الربــا( رواه‬
‫البخاري‬
‫م ل تجــرح دينــك بســهم ربــا ‪ ،‬وإل فإنــك‬ ‫ولذلك أيها المسل ُ‬
‫تعلن الحرب على الله ورسوله ‪...‬‬
‫تخلصوا من الربا وتوبوا إلى الله ‪ ...‬يا عباد الله ‪...‬‬
‫ومن ترك شيئا ً لله عوضه الله خيرا منه ‪...‬‬
‫فالله الله في أكل الحلل ‪... .‬‬
‫وعليكــم بكــثرة الســتغفار ‪ ...‬وكــثرة الــدعاء ‪ ...‬وصــدق‬
‫اللجوء إلى الله ‪..‬‬
‫عليكم بالتوبة النصوح من جميع المعاصي والذنوب ‪..‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫إلى الله المشتكي ‪:‬‬
‫أنت المعد لكل ما يتوقع‬
‫يا من يرى ما في الضمير ويسمع‬
‫يا من إليه المشتكي والمفزع‬
‫يا من يرجى للشدائد كلها‬
‫أمنن فان الخير عندك أجمع‬
‫يا من خزائن ملكه في قول كن‬
‫فبالفتقار إليك فقري أدفع‬
‫مالي سوى فقري إليك وسيلة‬
‫ولن طردت فأي باب أقرع‬
‫مالي سوى قرع لبابك حيلة‬
‫إن كان فضلك عن فقير يمنع‬
‫ومن الذي أدعو وأهتف باسمه‬
‫الفضل أجزل والمواهب أوسع‬
‫حاشى لجودك أن تقّنط عاصيا‬
‫والطف بنا يا من إليه المرجع‬
‫فاجعل لنا من كل ضيق مخرجا‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪...‬‬

‫‪181‬‬
‫أخوكم محمد بن عبدالله‬
‫‪ ...‬السياسي ‪...‬‬
‫‪mohd242@hotmail.com‬‬
‫الرياض ‪..‬‬
‫الحد ‪ 1427 / 3 / 18‬هـ‬
‫‪----------------------------------------------‬‬
‫ملحظة ‪:‬‬
‫‪ --‬تمـــت الســـتعانة والســـتفادة مـــن بعـــض المقـــالت‬
‫والكتابات في الشبكة عند إعداد هــذا الموضــوع ‪ ..‬فجــزى‬
‫الله الجميع خيرا‬
‫‪--‬أرجو من الجميع نشر هذا الموضوع كامل فــي منتــديات‬
‫المال والسهم ‪ ...‬وغيرها من المنتديات ‪..‬‬
‫==============‬
‫ب سهم ٍ أصاب مقتل‬ ‫‪ُ#‬ر ّ‬
‫عبدالله القحطاني‬
‫الحمد لله الواحد المعبود ‪ ،‬عم بحكمته الوجـود ‪ ،‬وشـملت‬
‫رحمته كل موجــود ‪ ،‬أحمــده ســبحانه وأشــكره وهــو بكــل‬
‫لسان محمود ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك لــه‬
‫الغفور الودود ‪ ،‬وعد من أطــاعه بــالعزة والخلــود ‪ ،‬وتوعــد‬
‫من عصاه بالنار ذات الوقود ‪ ،‬وأشهد أن نبينا محمــدا ً عبــد‬
‫الله ورسوله ‪ ،‬صاحب المقام المحمود ‪ ،‬واللواء المعقود ‪،‬‬
‫والحوض المورود ‪ ،‬صلى الله عليه وعلــى آلــه وأصــحابه ‪،‬‬
‫الركــع الســجود ‪ ،‬والتــابعين ومــن تبعهــم مــن المــؤمنين‬
‫الشهود ‪ ،‬وسلم تسليما ً كثيرا ً إلى اليوم الموعود ‪. . .‬‬
‫أيها الموحد ‪/‬‬
‫فــي خضــم معــترك هــذه الحيــاة ‪ ،‬وفــي بحرهــا المتلطــم‬
‫المواج ‪ ،‬هناك فئة من المسلمين ‪ ،‬تجرءوا على الحرمات‬
‫‪ ،‬وارتكبوا المنهيات ‪ ،‬دون ورع ول خــوف ‪ ،‬فــأكلوا الربــا ‪،‬‬
‫ودعــوا النــاس إلــى أكلــه ‪ ،‬مجــاهرين بالمعصــية ‪ ،‬وقــد‬
‫توعدهم الله بعقاب من عنــده ‪ ،‬علــى لسـان نــبيه ‪ ،‬فقــال‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬كل أمتي يدخلون الجنــة إل مــن‬
‫أبــى " قيــل ‪ :‬ومــن يــأبى يــا رســول اللــه ؟ قــال ‪ " :‬مــن‬
‫أطاعني دخل الجنة ‪ ،‬ومــن عصــاني فقــد أبــى " ] أخرجــه‬

‫‪182‬‬
‫البخاري [ ‪ ،‬ومن تعامل بالربا فقـد خـالف أمـر اللـه وأمـر‬
‫نبيه صلى اللــه عليــه وســلم ‪ ،‬وعصــى الوامــر ‪ ،‬واقــترف‬
‫الزواجر ‪ ،‬وقد قال الله تعالى ‪ " :‬فليحذر الــذين يخــالفون‬
‫عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم "‬
‫وفي فترةٍ لم يسبق لها مثيل ‪ ،‬تهــافت النــاس علــى الــبيع‬
‫والشراء في السهم المحليــة والخارجيــة ‪ ،‬وأصــبحت فــي‬
‫لمح البصر شــغل مجالســنا ومنتــدياتنا ‪ ،‬حــتى أصــبح أكــثر‬
‫أفراد مجتمعاتنا بين الستثمار والمضاربة فيها ‪ ...‬ففتحــت‬
‫صالت استثمارية من أجل ذلك ‪...‬‬
‫وأصبح هناك مواقع عدة على الشبكة المعلوماتية ‪...‬‬
‫ورواد غرف السهم على بعض برامج الشبكة المعلوماتيــة‬
‫أضعاف أضعاف باقي الغرف الخرى ‪...‬‬
‫دة ‪...‬‬
‫ومنتديات ع ّ‬
‫ودورات وبرامج تعليمية ‪...‬‬
‫وكل ذلك من أجل السباق في مضمارها ‪...‬‬
‫ب سهم ٍ من أسهمنا يا أخي الكريم أصاب مقتل في ديــن‬ ‫ُر ّ‬
‫العبــد ‪ ...‬بســبب طعــم المــال الــذي جنــاهُ المســتثمر أو‬
‫المضارب في شركة ربوية ولو كان فيها نسبة قليلة ‪...‬‬
‫فبعض الناس أخرص لسانه عن سؤال العلماء المختصــين‬
‫فـــي ذلـــك ‪ ،‬فل يعـــرف الشـــركة الحلل مـــن الشـــركة‬
‫الحرام ‪...‬‬
‫وبعضهم تجاهــل الصــوت الغلــب فــي حرمتــه ‪ ...‬فيســمع‬
‫وُيقِنع نفسه مع ذلك بأنه لــم يســمع ‪ ،‬ويأكــل الحــرام فــي‬
‫صباحه ومسائه ‪ ،‬وبعد العشاء ُيعّنف على من يتشــد ّد ُ فــي‬
‫بعض الفتاوى التي ُتبرئ دينه ‪...‬‬
‫ب فيه‬ ‫وماذا ينفع النسان إذا أصاب هذا السهم الذي يضار ُ‬
‫أو يســتثمره فــي أعظ ـم ِ شــيء لــدى بنــي النســان وهــو‬
‫الدين ‪...‬‬
‫في البخاري ومســند المــام أحمــد قــال صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم " ليأتين على الناس زمان ل يبــالي المــرء بمــا أخــذ‬
‫المال ‪ ،‬أمن حلل أم من حرام " ‪ .‬نسأل الله العافية ‪...‬‬
‫الربا يا أيها المسلم ‪ ...‬قليل أو كثير ‪ ...‬حرام ‪ ...‬حــرام ‪...‬‬
‫حرام ‪...‬‬

‫‪183‬‬
‫كبيرة من الكبائر ‪ ...‬موبقة من الموبقات ‪ ...‬ومــن أعظــم‬
‫الجرائم ‪ ...‬وأشد العظائم ‪...‬‬
‫الربـــا يهلـــك المـــوال ‪ ...‬ويمحـــق البركـــات ‪ ...‬ويجلـــب‬
‫الحسرات ‪ ...‬ويورث النكسات ‪ ،‬قال تعالى ‪ " :‬يمحق الله‬
‫الربا ويربي الصدقات "‬
‫الربا دمار للفراد والشعوب ‪ ...‬وإشعال لفتيل الحروب ‪...‬‬
‫الربا هلك للمم والمجتمعات ‪...‬بل صغار وذلة للمتعاملين‬
‫به ‪...‬‬
‫ول أدل على ذلك مــن هــذه النكبــات الــتي حطــت رحالهــا‬
‫بأمة محمد صلى الله عليه وســلم ‪ ،‬مـن حــروب مـدمرة ‪،‬‬
‫وفيضــانات عارمــة ‪ ،‬وكســوف وخســوف ‪ ،‬وريــاح عاتيــة ‪،‬‬
‫وقتل وسرقات ‪ ،‬وجرائم واغتيــالت ‪ ،‬ونهــب للممتلكــات ‪،‬‬
‫كــوارث وحــوادث ‪ ،‬ليــس لهــا مــن دون اللــه كاشــفة ‪ ،‬ول‬
‫منجــي منهــا إل بتوبــة صــادقة ‪ ،‬ورجــوع إلــى اللــه الواحــد‬
‫القهار ‪...‬‬
‫ن الحرب على الله ورسوله ‪...‬‬ ‫من يأكل الربا يعل ُ‬
‫فيا ُترى من يحارب الله ورسوَله أتراه ينتصر ؟!!‬
‫أتراه يكسب في الباقية ؟!!‬
‫ْ‬
‫مــا‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬ ‫مــو َ‬ ‫ن الّرب َــا ل َ ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َـأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫قال الله تعــالى " ال ّـ ِ‬
‫ذي‬
‫م َقـاُلوا ْ‬ ‫طان من ال ْمس ذ َلـ َ َ‬
‫ك ب ِـأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ي َُقو ُ‬
‫َ‬
‫جــاءهُ‬ ‫من َ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬
‫مث ْ ُ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ّ ّ ِ‬ ‫عظ َ ٌ ّ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عاد َ فَأوْل َئ ِ َ‬
‫حــ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن }‪ {275‬ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل ك َّفــارٍ أِثي ـم ٍ }‬ ‫ب ك ُـ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َيُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه ال ّْرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ص ـل َةَ‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫ت وَأقَــا ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫مُلوا ْ ال ّ‬
‫صــال ِ َ‬ ‫مُنوا ْ وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪ {276‬إ ِ ّ‬
‫كاةَ ل َه َ‬
‫م‬ ‫هــ ْ‬ ‫م وَل َ ُ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م وَل َ َ‬ ‫عند َ َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َوآت َوُا ْ الّز َ‬
‫َ‬
‫مــا‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫من ُــوا ْ ات ُّقــوا ْ الل ّـ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن }‪َ {277‬يا أي َّها ال ّـ ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫م ت َْفعَل ُــوا ْ‬ ‫ن }‪ {278‬فَ ـِإن ل ّـ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬ ‫كنت ُــم ّ‬ ‫ن الّرَبا ِإن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ب َِق ْ َ‬
‫س‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ســول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُـ ْ‬ ‫ن الل ّـهِ وََر ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫فَـأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬
‫َ‬
‫ذو‬ ‫ن ُ‬ ‫كــا َ‬ ‫ن }‪ {279‬وَِإن َ‬ ‫مــو َ‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مــو َ‬ ‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫مــ َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫كنُتــ ْ‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬ ‫صد ُّقوا ْ َ‬ ‫سَرةٍ وَأن ت َ َ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ‬ ‫عُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ِفيـهِ إ ِل َــى الل ّـهِ ث ُـ ّ‬ ‫جعُــو َ‬ ‫مــا ت ُْر َ‬ ‫ن }‪َ {280‬وات ُّقــوا ْ ي َوْ ً‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫ن }‪{281‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ل ن َْف ٍ‬ ‫ت ُوَّفى ك ُ ّ‬

‫‪184‬‬
‫ل‬ ‫وقال‪ -‬صلى الله عليه وسّلم‪ )) : -‬درهم ربـا يـأكّله الرجـ ُ‬
‫وهو يعلم ؛ أشد ّ مــن ســتةٍ وثلثيــن زنيــة (( ]رواه أحمــد و‬
‫صــححه اللبــاني عــن عبــد اللــه بــن حنظلــة‪ -‬رضــي اللــه‬
‫عنه‪... [-‬‬
‫ث وسبعون بابــا ؛‬ ‫وقال عليه الصلة و السلم ‪ )) :‬الربا ثل ٌ‬
‫ل أمه (( ]صــححه اللبــاني فــي‬ ‫ح الرج ُ‬ ‫ل أن ينك َ‬ ‫أيسُرها مث ُ‬
‫صحيح الترغيب[‪.‬‬
‫فاتق الله في نفسك إن كنــت ممــن يســاهم فــي الســهم‬
‫ل الحرام ‪.‬‬ ‫ك لك ِ‬ ‫سك وأهل َ‬‫ض نف َ‬ ‫الربوية ول تعر ْ‬
‫وعن سمرة بن جندب قال‪ :‬رسول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم‪ ) :‬أريت الليلة رجليــن أتيــاني فأخرجــاني إلــى أرض‬
‫مقدسة ‪ ،‬فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم ‪ ،‬فيــه رجــل‬
‫قائم‪ ،‬وعلى وسط النهــر رجــل بيــن يــديه حجــارة‪ ،‬فأقبــل‬
‫الرجل الذي فـي النهــر‪ ،‬فـإذا أراد الرجـل أن يخــرج رمـى‬
‫ل بحجر في فيه فـرده حيـث كـان‪ ،‬فجعـل كلمـا جـاء‬ ‫الرج َ‬
‫ليخرج رمى في فيه بحجــر فيرجــع كمــا كــان‪ ،‬فقلــت‪ :‬مــا‬
‫هــذا؟‪ ،‬فقــال‪ :‬الــذي رأيتــه فــي النهــر‪ :‬آكــل الربــا( رواه‬
‫البخاري‬
‫م ل تجــرح دينــك بســهم ربــا ‪ ،‬وإل فإنــك‬ ‫ولذلك أيها المسل ُ‬
‫تعلن الحرب على الله ورسوله ‪...‬‬
‫ن‬‫ت مــن أ ّ‬ ‫ت شراَء أسهم ِ أيّ شركةٍ فعليك أن تتثب َ‬ ‫وإذا أرد َ‬
‫م فــي‬ ‫ن تســاه َ‬ ‫لأ ْ‬‫ح بحــا ٍ‬‫طها مباحــا ً ونقيــا ‪ ،‬فل يصــ ّ‬ ‫نشــا َ‬
‫ت‬ ‫ك الربوية ‪ ،‬أو الشــركا ِ‬ ‫ن التجاري‪ ،‬أو البنو ِ‬ ‫ت التأمي ِ‬ ‫شركا ِ‬
‫ر‬
‫ن أو الخم ِ‬ ‫المصنعةِ للسلِع التي حرمها الله تعالى‪ ،‬كالدخا ِ‬
‫ن تشارك في الشركةِ التي سلمت مــن‬ ‫وما شابه ذلك‪ ،‬أوأ ْ‬
‫الربا إيداعا ً واقتراضا ً ‪...‬‬
‫ل منه النسان يحرمه من دعوة مستجابة ‪...‬‬ ‫ب سهم ٍ يأك ُ‬ ‫ُر ّ‬
‫م ‪ ...‬قــد يأتيــك نكبــة ‪...‬‬ ‫قد يأتيــك مــرض ‪ ...‬قــد يأتيــك هـ ّ‬
‫فترفع يديك إلى الله فتقول يارب ‪ ...‬يارب ‪ ...‬يارب ‪...‬‬
‫فل يستجيب الله لك ‪...‬‬
‫ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجــل يطيــل الســفر‬
‫مد ّ يديه إلــى الســماء يــارب يــارب ومطعمــه‬ ‫أشعث أغبر ي ُ‬

‫‪185‬‬
‫حرام ‪ ،‬ومشربه حرام ‪ ،‬وملبسه حرام ‪ ،‬وغذي بالحرام ‪...‬‬
‫ب له !! رواه مسلم ‪...‬‬ ‫قال الرسول ‪ :‬فأنى يستجا ُ‬
‫ب سهم ربوي كان شؤما على صاحبه ‪ ،‬ربما سلط اللــه‬ ‫وُر ّ‬
‫عليه بسببه الفــات المهلكــة ‪ ،‬والكــوارث المــدمرة ‪ ،‬مــن‬
‫غــرق أو حــرق أو لصــوص أو أنظمــة جــائرة تــذهب بــه‬
‫جميعــه ‪ ،‬وكــم رأى النــاس وعــاينوا ‪ ،‬وشــاهدوا وبــاينوا ‪،‬‬
‫عاقبة الربا على أصحابه ‪ ،‬فكــم مــن الثريــاء المســاهمين‬
‫بالربــا محــق اللــه مــا بأيــديهم ‪ ،‬حيــث أصــابتهم الــديون ‪،‬‬
‫فأخذهم الله بعــذاب الهــون ‪ ،‬فصــاروا عالــة علــى النــاس‬
‫يتكففــون ‪ ،‬وصــدق اللــه العظيــم القــائل ‪ " :‬فبظلــم مــن‬
‫الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصــدهم عــن‬
‫سبيل الله كــثيرا ً * وأخــذهم الربــا وقــد نهــوا عنــه وأكلهــم‬
‫أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا ً أليما ً "‬
‫ب ســهم مــن الســهم أمــرض مســتثمريها ومضــاربيها ‪،‬‬ ‫ُر ّ‬
‫فسبب لبعضهم أمراضا نفسية ‪ ،‬وحالت عصــبية ‪ ،‬وضــيق‬
‫وهم ‪ ،‬وهذا ل ينبغي ‪ ...‬لن من يساهم يــدخل بنيــة الربــح‬
‫والخســارة ‪ ،‬فــإذا خســر فل ينســى الركــن الســادس مــن‬
‫ه‬
‫أركان اليمان الستة وهــو اليمــان بالقضــاء والقــدر خي ـرِ ِ‬
‫وشّره ‪...‬‬
‫ب سهم من السهم يا موحدون ‪...‬‬ ‫ُر ّ‬
‫س عــن‬ ‫أصاب مقتل في إقتصادنا التجــاري ‪ ...‬فعط ّــل النــا ُ‬
‫تطوير هذا البلــد ‪ ،‬وإنشــاء المصــانع وإقامــة المشــاريع ‪...‬‬
‫فتقلصـــت حركـــة البنـــاء ‪ ...‬وأصـــاب الفتـــوُر الحركـــة‬
‫التجارية ‪ ...‬وعلينــا أيهــا النــاس أن ل ننفــرط بالكليــة فــي‬
‫وضع أموالنا فــي هــذه المســاهمات ) أقصــد المســاهمات‬
‫النقيــة ( ‪ ،‬وأن يتفطــن النســان فــي إيجــاد المكاســب‬
‫التجارية التي تعود عليه وعلى أهل البلد بالخير والفــائدة ‪،‬‬
‫طعما ً سهل ً للكبــارِ دون أن يشــعر‪ ،‬مــن‬ ‫ح النسان ُ‬ ‫ول يصب ُ‬
‫أجل أل يصبح بين لحظات في قطار المفلسين ‪...‬‬
‫ب سهم ٍ أيهـا المسـلمون ‪ -:‬ضــيع أمانـة المسـلم بســبب‬ ‫ُر ّ‬
‫س‪،‬‬‫ش نفســه فــي تعــامِله مــع النــا ِ‬‫غشــه وخــداعه ‪ ،‬فيغُـ ّ‬
‫ش الخداع ‪ ،‬وأشدهم من يوهم‬ ‫ويعتمد ُ في تعاملهِ على الغ ّ‬
‫النــاس بــأنه يشــتغل فــي الســهم النقيــة مــن أجــل أن‬

‫‪186‬‬
‫يســاهموا معــه وهــو يشــتغل فــي الســهم الحــرام أو‬
‫ي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يقول ‪)) :‬من‬ ‫المختلطة ‪ ...‬والنب ّ‬
‫غشنا فليس منا(( رواه مسلم ‪...‬‬
‫وكذلك من المهـم أن ل يضـيع النسـان أمـانته فـي عملـه‬
‫ووظيفته ‪ ،‬فما يحصــل الن مــن بعــض المــوظفين وبعــض‬
‫المعلمين في اشتغالهم بشاشــات الســهم وتــرك أمــانتهم‬
‫شيء عجيب ‪ ...‬شيء تتفطُر له الكباد ‪...‬‬
‫وأصبح بعض الموظفين يتسترون في أعمالهم مع بعضــهم‬
‫البعــض بســبب مصــلحتهم الشخصــية ‪ ،‬فضــيعوا المانــة‬
‫شوا ِ الرعية ‪...‬قال الرسول صلى الله عليه وسلم )) ما‬ ‫وغ ّ‬
‫من عبد يسترعيه الله رعية‪ ،‬يموت يوم يموت وهــو غــاش‬
‫لرعيته إل حرم الله عليه الجنة ((‬
‫فليتق الله العبد وليحفظ أمانته ‪...‬‬
‫م من الســهم صـد ّ النســان عــن ذكــر اللــه‬ ‫ول يصيب سه ٌ‬
‫ق‬
‫ب المالية ‪ ،‬لها بري ٌ‬ ‫م والمكاس ُ‬ ‫تعالى والصلة ‪ ،‬نعم السه ُ‬
‫ولمعان ؛ لكنها ل تلهينا عن التجارة مع الواحد الديان ‪...‬‬
‫ه على جمِع حطام ِ الدنيا إذا ُأوقـف‬ ‫ماذا ينفعُ النسان حرص ُ‬
‫ة‬ ‫على سقر؟ وما أدراك ما سقر ؟ ل ُتبقي ول تــذر ‪ ،‬لواح ـ ٌ‬
‫ة عشر ؟!!‬ ‫ر‪ ،‬عليها تسع ُ‬ ‫للبش ِ‬
‫ه علــى ارتفــاع أو انخفــاض مؤشــر‬ ‫ماذا ينفُعه حينئذ حرصـ ُ‬
‫ة‬ ‫ث يمن ـ ً‬ ‫السهم إذا أوقف بين يدي الله تعــالى ‪ ،‬وبــدأ يبح ـ ُ‬
‫ويسرةً عن حسنةٍ واحدةٍ ُتنجيه بإذن الله تعــالى مــن نــاره‬
‫وجحيمه ‪0...‬‬
‫ع‬
‫جاَرةٌ َول ب َي ْ ٌ‬ ‫م تِ َ‬ ‫ل ل ت ُل ِْهيهِ ْ‬ ‫جا ٌ‬‫لنكن ممن قال الله فيهم ‪)) :‬رِ َ‬
‫وم ـا ً‬ ‫ن يَ ْ‬‫خــاُفو َ‬ ‫صــلةِ وَِإيت َــاءِ الّزك َــاةِ ي َ َ‬ ‫ن ذِك ْرِ الل ّـهِ وَإ ِقَــام ِ ال ّ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬
‫صاُر(( )النور‪. (37:‬‬ ‫ب َواْلب ْ َ‬ ‫ب ِفيهِ ال ُْقُلو ُ‬ ‫ت َت ََقل ّ ُ‬
‫جــا *‬ ‫خَر ً‬ ‫م ْ‬
‫ه َ‬‫جعَــل ل ّـ ُ‬ ‫ق الل ّـ َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫مــن ي َت ّـ ِ‬ ‫يقول اللــه تعــالى‪)) :‬وَ َ‬
‫ل عَل َــى الل ّـهِ فَهُ ـ َ‬
‫و‬ ‫مــن ي َت َوَك ّـ ْ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫س ُ‬‫حت َ ِ‬ ‫ث َل ي َ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫وَي َْرُزقْ ُ‬
‫َ‬
‫يٍء قَ ـد ًْرا((‬ ‫شـ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ل ِك ُـ ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جع َ َ‬‫مرِهِ قَد ْ َ‬ ‫ه َبال ِغُ أ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ه إِ ّ‬ ‫سب ُ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫)سورة الطلق ‪. (3.2:‬‬
‫ة‬ ‫ب عبــدا ً حقيق ـ َ‬ ‫ن عيينة‪ -‬رحمه الله‪ : -‬ل ُيصي ُ‬ ‫نب ُ‬ ‫قال سفيا ُ‬
‫ل بيَنه وبين الحــرام ِ حــاجزا ً مــن الحلل ‪،‬‬ ‫ن حتى يجع َ‬ ‫اليما ِ‬

‫‪187‬‬
‫م ومــا تشــابه منــه‪ .‬نســأل اللــه أن يكفينــا‬
‫وحتى يــدعَ الثـ َ‬
‫بحلله عن حرامه وبفضله عمن سواه ‪...‬‬
‫وأحيل كل من كان لديه مبلغــا للمســاهمة ‪ ،‬أن يســتعرض‬
‫بين كل وقت وآخر القوائم النقية التي تتجــدد دائمــا علــى‬
‫موقع شبكة نور الســلم ‪ ...‬ول ينســى المســتثمرون مــن‬
‫إخراج زكاة أموالهم من الرباح الســنوية ‪ ،‬أو مــن الربــاح‬
‫الـتي دارت عليهـا الحـول ومـن أراد السـتزادة مـن زكـاة‬
‫الســهم أو بعــض الحكــام المتعلقــة بالمعــاملت الماليــة‬
‫فليرجع إلى موقع اسمه الربــح الحلل أو يرجــع إلــى أهــل‬
‫العلم الثقات ‪...‬‬
‫وقد يظهر بين وقت وآخر شركات يكــون فيهــا اكتتــاب ‪...‬‬
‫وقد تكــون بعــض الشــركات مــن الشــركات ذات النشــاط‬
‫المباح ولكنها تقترض وتودع بالرب ‪...‬‬
‫وقــد اختلــف الفقهــاء المعاصــرون فــي هــذا النــوع مــن‬
‫الشركات ‪...‬‬
‫منهم من قال بأنهـا جـائزة ومنهـم مـن قـال بـأنه ل يجـوز‬
‫الكتتاب فيها وهذا القول عليه أكثُر أهل العلم ‪ ،‬ومنهم ‪...‬‬
‫مجمع الفقه السلمي التــابع لمنظمــة المــؤتمر الســلمي‬
‫بجــدة ‪ ،‬ونــص قرارهــم فــي الســهم المختلطــة ) الصــل‬
‫حرمة السهام فــي شــركات تتعامــل أحيانـا ً بالمحرمــات ‪،‬‬
‫كالربـــا ونحـــوه ‪ ،‬بـــالرغم مـــن أن أنشـــطتها الساســـية‬
‫مشروعة ‪...‬‬
‫والمجمع الفقهي التابِع لرابطة العالم السلمي فــي مكــة‬
‫المكرمة ‪ ،‬ونص قرارهـم " ل يجـوز لمسـلم شـراء أسـهم‬
‫الشـركات والمصـارف إذا كـان فـي بعـض معاملتهـا ربـا‪،‬‬
‫وكان المشتري عالما ً بذلك"‬
‫وممن قال بالتحريم أيضًا‪ :‬اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة‬
‫والفتاء‬
‫‪ ،‬والهيئة الشـــرعية لـــبيت التمويـــل الكويـــتي ‪ ،‬والهيئة‬
‫الشرعية لبنــك دبــي الســلمي ‪ ،‬وهيئة الرقابــة الشــرعية‬
‫للبنــك الســلمي فــي الســودان ‪ ،‬وعــدد مــن الفقهــاء‬
‫المعاصرين ‪...‬‬

‫‪188‬‬
‫وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة مــن الكتــاب والســنة‬
‫تدل بعمومهـا علـى تحريـم الربـا قليلـه وكــثيره ‪ ،‬ولن يـد‬
‫الشركة على المال هــي نفــس يــد المســاهم‪ ،‬فــأي عمــل‬
‫تقــوم بــه فهــو عملــه ل فــرق بينهمــا‪ ،‬فكمــا يحــرم علــى‬
‫النسان أن يســتثمر جــزءا ً مــن مــاله – ولــو يســيرا ً – فــي‬
‫معاملت محرمة‪ ،‬فكذا يحرم عليه المشاركة في شــركات‬
‫تتعامل بالحرام‪ ،‬لن المال المستثمر هو ماله بعينه ‪...‬‬
‫مر ويستعد للكتتاب في مثــل هــذه‬ ‫وفي مجتمعاتنا من يش ّ‬
‫الشركات ‪ ...‬وما إن يسمع بأن أي من هذه الشركات من‬
‫الشركات الغير نقية ‪...‬‬
‫إل توقف عن العزم بالكتتاب فيها ‪...‬‬
‫وتحرك منسوب اليمان لديه وردعه عن ذلك ‪...‬‬
‫وأفشل خطته الشيطانية التي تراوده بين وقت وآخر بتتبع‬
‫الّرخص وأخذ فتوى من قال لهم بالجواز ‪...‬‬
‫ومن ترك شيئا ً لله عوضه الله خيرا منه ‪...‬‬
‫فالله الله في أكل الحلل ‪... .‬‬
‫قال الله تعالى " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملــوا‬
‫صالحا إني بما تعملون عليم" ‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪ :‬سوى الله تعــالى بيــن النــبيين والمــؤمنين‬
‫فــي الخطــاب بوجــوب أكــل الحلل وتجنــب الحــرام ‪ ،‬ثــم‬
‫شمل الكل في الوعيد الذي تضمنه قوله تعالى‪" :‬إني بمــا‬
‫تعملون عليم"‬
‫ففي أكل الحلل صلح للقلوب ‪ ،‬و نجاة من الهلك ‪ ،‬ولذة‬
‫اليمان فإن الله طيب ل يقبل إل طيب ‪...‬‬
‫فل ننساق خلف البنوك الربوية ‪ ،‬والدعايات الصحفية التي‬
‫تحت شعارات مضلله ‪ ،‬وروايات باطلة ‪ ،‬بأســماء منمقــة ‪،‬‬
‫كالخــدمات البنكيــة ‪ ،‬والنظــام المصــرفي ‪ ،‬والمــداينات ‪،‬‬
‫والقــرض والفــائدة ‪ ،‬وحســاب التــوفير ‪ ،‬وودائع الئتمــان ‪،‬‬
‫ونحــو ذلـك ‪ ،‬لمـا تغيــر مسـمى الربــا بتلكــم المسـميات ‪،‬‬
‫انســاق النــاس وراء ترهــات الحلم ‪ ،‬وســفهاء القلم ‪،‬‬
‫فوقعوا في الربا عيانا ً بيانا ً ‪ ،‬فيا حسرةً على العباد ‪ ،‬تــاهوا‬
‫في كل واد ‪...‬‬
‫=============‬

‫‪189‬‬
‫‪#‬حكم القروض الزراعّية‬
‫السؤال ‪:‬‬
‫تقــوم الحكومــة الجزائريــة بــدعم الفلحيــن فــي بعــض‬
‫المشــاريع الزراعّيــة بتقــديم نســبة مئويــة مــن تكلفــة‬
‫لح أن يــدفع النســبة الباقيــة‬ ‫المشروع للفلح ‪ ،‬و علــى الف ّ‬
‫من تكلفة المشروع بنفسه ‪.‬‬
‫و إن كان غير قادر علــى ذلــك اقترضــها مــن البنــك بــدون‬
‫فوائد ‪.‬‬
‫م إنجــاز المشــروع ) كحفــر البــار مثل ( مــن طــرف‬ ‫و يت ـ ّ‬
‫مقاول يختاره الفلح و إن كان قادرا علــى إنجــازه بنفســه‬
‫مع عمال قام بذلك ) كغرس النخيل مثل ( ‪.‬‬
‫لكن ل تقوم الحكومة بدفع النسبة المذكورة أعله إل عــن‬
‫طريق البنك المذكور حيث يأخذ من تكلفة المشروع نسبة‬
‫‪ 3‬بالمائة معتــبرا ً إياهــا ‪ -‬خــدمات و مرتبــات للموضــفين و‬
‫نحو ذلك ‪.‬‬
‫كما يشترط على الفلح المدعوم تــأمين المشــروع و فتــح‬
‫حساب بنكي بمبلــغ يقــدر بثلثــة آلف دينــار جــزائؤي فــي‬
‫البنك الوسيط ‪.‬‬
‫ملحظات ‪:‬‬
‫‪ -1‬ل يوجــد أي نشــاط فــي البلد ل يخضــع للتــأمين حــتى‬
‫مرتبات الموظفين ‪.‬‬
‫‪ -2‬البنك الوسيط يتعامل بالربا وبغير الربا ‪.‬‬
‫فما حكم الشرع في هذه المعاملة ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫أقول مستعينا ً بالله تعالى ‪:‬‬
‫مــا ذكــره الخ الســائل فــي مطلــع ســؤاله مــن إمكانّيــة‬
‫الحصول على قرض غير ربوي ) بدون فوائد ( ‪ ،‬ل إشــكال‬
‫و‬
‫مــن شــاء إذا تيّقــن خلـ ّ‬‫فيه ‪ ،‬و له أن يقــترض مــا شــاء م ّ‬
‫العقد من الربا المحّرم ‪.‬‬
‫دي‬ ‫و إذا كانت الدولة أو غيرها مــن الجهــات الدافعــة ل تــؤ ّ‬
‫ف يقتطــع مــن المبلــغ‬ ‫إليــك حّقــك إل عــن طريــق مص ـرِ ٍ‬
‫مكــره ل‬ ‫ة مئوي ّــة قل ّــت أو كث ُـَرت ‪ ،‬و أنــت ُ‬
‫المستحق نســب ً‬

‫‪190‬‬
‫خيار لك في ذلك ‪ ،‬فلست آكل ً للربا و ل موكل ً له ‪ ،‬و الثم‬
‫خذه ‪.‬‬ ‫على معطيه و آ ِ‬
‫مثل هذه الحالة إل كمثل ما تقوم به بعض الحكومات‬ ‫و ما َ‬
‫مال‬ ‫ظفين و الع ّ‬ ‫دي رواتب المو ّ‬ ‫و الشركات الكبرى التي تؤ ّ‬
‫عــن طريــق المصــارف الربوي ّــة حصــرا ً ‪ ،‬فتشــترط علــى‬
‫ي‬
‫ب جارٍ باسمه ‪ ،‬و تودع راتَبــه الشــهر ّ‬ ‫ظف فتح حسا ٍ‬ ‫المو ّ‬
‫في حسابه مباشرةً ‪ ،‬و ل ُتعطيه حّقه نقدا ً ) يدا ً بيدٍ ( و إن‬
‫طلب ذلك و أصّر عليه ‪ ،‬فل يَقع الثم عليه في هذه الحال‬
‫كنه‬‫دع في حسابه من مال فوَر تم ّ‬ ‫ض ما يو َ‬ ‫‪ ،‬و عليه أن َيقب َ‬
‫رف ‪.‬‬ ‫كي ل تترتب عليه زيادةٌ ِربوّية عائدةٍ له أو للمص ِ‬
‫و عليه فـإذا كـان للخ السـائل خيـاٌر فـي اسـتلم القـرض‬
‫ُ‬
‫ما إن أكرهَ‬ ‫رض ‪ ،‬فل يجوز له غير ذلك ‪ ،‬أ ّ‬ ‫مباشرةً من المق ِ‬
‫على الَقبض عن طريق المصرف ‪ ،‬فل بأس فــي ذلــك ‪ ،‬و‬
‫الثم على من ألجأه إليه ‪ ،‬و أكرهه عليه ‪.‬‬
‫م ل أدري إن كانت زيادة الثلثــة فــي المــائة ) المــذكورة‬ ‫ث ّ‬
‫في السؤال ( ُتدَفع مّرة واحدة خلل مدة العقــد الــتي قــد‬
‫ل ســنةٍٍ ‪ ،‬فــإن كــانت تــؤدى م ـّرةً‬ ‫تطول ‪ ،‬أو ُتدفع مـّرةً كـ ّ‬
‫ٍ‬
‫ددةٍ معلومــة ‪ ،‬ل يــؤّثر فيهــا تــأخر‬ ‫محـ ّ‬ ‫واحدةً ِلقاء خــدمات ُ‬
‫السداد ‪ ،‬فقد يكون المر لقــاء خــدمات مصــرفّية حّق ـا ً ‪ ،‬و‬
‫مع ذلك فل بد ّ من التأكد قبــل إجــراء العقــد ‪ ،‬فــإذا انتفــى‬
‫دمة من‬ ‫خدمات المق ّ‬ ‫م التفاق على أجرةٍ لل َ‬ ‫الربا يقينا ً ‪ ،‬و ت ّ‬
‫ة ل تحــايل ً فل بــأس فــي العقــد فــي هــذه‬ ‫المصرف حقيق ـ ً‬
‫الحال و الله أعلم ‪.‬‬
‫ما إن كانت هذه الزيادة ‪ُ ،‬تدَفع سنويا ً ‪ ،‬أو تزيد فــي حــال‬ ‫أ ّ‬
‫خر عن السداد ‪ ،‬أو كانت هناك زيادة أخرى ‪ -‬مهما كان‬ ‫التأ ّ‬
‫مقدارها – يدفعها المقترض مقابـل الجـل ؛ فالزيـادة فـي‬
‫هذه الحال رَِبوّية و ل أثر لتسميتها فوائد أو رسوم خدمات‬
‫ن العبرة في العقود بالمقاصد‬ ‫أو غير ذلك في الحكم ‪ ،‬إذ إ ّ‬
‫و المعاني ‪ ،‬ل باللفاظ و المباني كما هو مق ـّرر عنــد أهــل‬
‫العلم ‪.‬‬
‫ض للزراعــة ) الِفلحــة (‬ ‫و على من أراد الحصول على َقر ٍ‬
‫ســع فــي بــاب‬ ‫أو غيرهــا أن يحتــاط مــن الربــا ‪ ،‬و ل يتو ّ‬

‫‪191‬‬
‫در بَقد َِرها ‪ ،‬و من ترك شــيئا ً‬ ‫ن الضرورة ُتق ّ‬ ‫الضرورات ‪ ،‬ل ّ‬
‫وضه الله خيرا ً منه ‪.‬‬ ‫لله ع ّ‬
‫ما قول السائل ‪ ) :‬ل يوجد أي نشاط فــي البلد ل يخضــع‬ ‫أ ّ‬
‫ن التأمين‬ ‫للتأمين حتى مرتبات الموظفين ( فالظاهر فيه أ ّ‬
‫م علــى‬ ‫إجباريّ في بلــد الســائل ‪ ،‬و إذا كــان كــذلك فل إث ـ َ‬
‫الفراد المكرهين عليه ‪ ،‬ما لم ُيقدموا عليه اختيارا ً ‪.‬‬
‫ما التأمين الختياري فالبحث فيــه يطــول ‪ ،‬و الخلف فــي‬ ‫أ ّ‬
‫دم‬‫م بيــاِنه ‪ ،‬لعـ َ‬ ‫آحــاد مســائله مشــهور ‪ ،‬و ليــس هــذا مقــا َ‬
‫السؤال عنه ‪.‬‬
‫ف‬‫ن المصرف الوسيط يتعامل بالربا و بغير الربا ‪ ،‬كا ٍ‬ ‫و كو ُ‬
‫ن بعض المصارف‬ ‫ةوأ ّ‬ ‫ص ً‬‫لوجوب الشبهة في تعاملته ‪ ،‬خا ّ‬
‫تودِعُ أموال المستثمرين في حسابات تزعم أّنها ل تتعامل‬
‫فيها بالربا ‪ ،‬بــل تعيــد إليهــم رؤوس أمــوالهم عنـد َ الط َل َــب‬
‫بــدون زيــادةٍ أو ُنقصــان ‪ ،‬و ل يعنــي هــذا أّنهــا أبَقــت هــذه‬
‫رض بعضــها و‬ ‫ُ‬
‫خَزائِنهــا ‪ ،‬بــل رّبمــا أق ـ ِ‬ ‫مدةً فــي َ‬ ‫الموال مج ّ‬
‫ترّتبت على إقراضه زيادات ربوّية استأثر بها المصرف ‪ ،‬و‬
‫ة‬
‫دها إلى الموِدع ‪ ،‬و هذا ل ُيخرج المعاملــة مــن دائر ِ‬ ‫لم يؤ ّ‬
‫المحّرمات ‪ ،‬لوجود الربا فيها و إن لم يقبضه الموِدع ‪.‬‬
‫شرعا ً‬ ‫م َ‬ ‫ربويّ محّر ٌ‬ ‫رف ال ِ‬ ‫التعامل مع المص ِ‬ ‫ن‬
‫و لذلك أرى أ ّ‬
‫ة على الربا و إن لــم يك ُــن أكل ً مباشــرا ً‬ ‫ٌ‬ ‫ن في ذلك إعان ٌٌ‬ ‫‪،‬ل ّ‬
‫ل الّرب َــا‬ ‫ن آك ِـ َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ل َعَ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫له ‪ ،‬ل ّ‬
‫واٌء ( فيمــا رواه‬ ‫سـ َ‬ ‫م َ‬ ‫شاهِد َي ْهِ وَقَــا َ‬
‫ل ‪ ) :‬هُ ـ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ه وَ َ‬
‫كات ِب َ ُ‬ ‫موك ِل َ ُ‬
‫وَ ُ‬
‫جاِبر بن عبد الله رضي الله‬ ‫ن َ‬ ‫مسلم و الترمذي و أحمد عَ ْ‬
‫عنه ‪.‬‬
‫ض من الدولة إذا‬ ‫و بالجملةِ فل بأس من الحصول على قر ٍ‬
‫خل من الربا يقينا ً ‪ ،‬و إل ّ فل ‪ ،‬و الله تعالى أعلم ‪.‬‬
‫و أســأل اللــه تعــالى أن يوفقنــا و الخ الســائل ‪ ،‬و ســائر‬
‫المسلمين لما فيه صلح الدنيا و الدين ‪.‬‬
‫ب العــالمين ‪ ،‬و صــلى اللــه و سـّلم و بــارك‬ ‫و الحمد لله ر ّّ‬
‫ّ‬
‫مد و آله و صحبه أجمعين ‪.‬‬ ‫على نبّينا مح ّ‬
‫كتبه‬
‫د ‪ .‬أحمد عبد الكريم نجيب‬
‫============‬

‫‪192‬‬
‫‪#‬وضع المال في البنك ‪ ،‬وأخذ الفائدة عليه ‪،‬‬
‫والتصرف بها‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‬
‫وبعد‬
‫س علمي مع بعض أفاضل إخواننــا ‪ ،‬وكــان‬ ‫فقد جمعنا مجل ٌ‬
‫من ضمن السئلة التي تدوولت في اللقــاء ‪ :‬الســؤال عــن‬
‫مدى جواز وضع المال فــي البنــوك الربويــة ؟ وهــل يجــوز‬
‫لمن اضــطر لوضــعها أن يخــذ الفــائدة والزيــادة الربوي ّــة ؟‬
‫وأين يتم تصريفها بعد أخذها ؟‬
‫وكان من رأيي ‪ :‬أنــه ل يجــوز للنســان المسـلم ابتــداءً أن‬
‫يضع ماله في البنوك الربوي ّــة ‪ ،‬وأنــه كمــا أنــه يــأمن علــى‬
‫أهله في البيت ‪ ،‬فإنه من باب ولى أن يــأمن علــى مــاله ‪،‬‬
‫إل إذا كان المال أعز عنده من أهله !‬
‫ولم نسمع عن دعوة لوضع الهل فــي مكــان حيــن خــروج‬
‫الواحد من أصحاب الموال خارج بيته !‬
‫لــذا ل يجــوز وضــع المــال ابتــداًء إل فــي حــال الضــرورة‬
‫القصوى والت يخاف فيها النسان على نفسه وأهله وماله‬
‫‪.‬‬
‫وقد تيسرت في هذا الزمان وسائل كثيرة لحماية المــوال‬
‫لم تكن معروفة في الزمنة الغابرة مع كثرة الموال فيمــا‬
‫مضى ‪.‬‬
‫وأما الجواب عن الثاني ‪ :‬فهو أنه من اضــطر لوضــع مــاله‬
‫في البنــك فــإنه ) يجــب ( ! عليــه أن يأخــذ مــا يكــون فــي‬
‫رصيده من المال الربوي الزائد ‪ ،‬وأنــه ) ل يجــوز ( لــه أن‬
‫يمكن الكفرة أو الفجـرة مـن هـذا المـال ل لشخصـهم ول‬
‫لمؤسستهم ‪.‬‬
‫وأما الجواب عن الثالث ‪ :‬فهو أنــه يجــوز أن يتصــرف فــي‬
‫المال في ) جميــع ( وجــوه الخيــر مــن غيــر إلــزام بجــانب‬
‫معين ‪ ،‬وذلك لعــدم وجــود الفــرق فضــل عــن الــدليل بيــن‬
‫جوانب الخير ‪.‬‬
‫فيجوز دفعها طعاما ً للفقراء ‪ ،‬أو كسوة للعرايــا ‪ ،‬أو قضــاءً‬
‫لدين المدينين ‪ ،‬أو إعانة للمجاهدين ‪ .‬والله أعلم‬

‫‪193‬‬
‫ثم وجــدت بعــد مجلســنا ذاك بعــض فتــاوى لكبــار علمائنــا‬
‫بمثل ما ذكرت فأحببت ذكرها للفائدة ‪.‬‬
‫والحمد لله على توفيقه‬
‫قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ‪:‬‬
‫أما ما أعطاك البنك من الربــح ‪ :‬فل تــرده علــى البنــك ول‬
‫تأكله ‪ ،‬بل اصرفه في وجوه البر كالصدقة على الفقــراء ‪،‬‬
‫وإصلح دورات المياه ‪ ،‬ومساعدة الغرمــاء العــاجزين عــن‬
‫قضاء ديونهم ‪ " … ،‬فتاوى إسلمية " ) ‪. ( 407 / 2‬‬
‫سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله ‪:‬‬
‫هل جائز شرعا ً أن أودع مالي وأخذ فائدة عليــه ‪ ،‬وأعطــي‬
‫الفائدة للمجاهدين مثل ً ؟‬
‫فأجاب ‪:‬‬
‫حيث عرف أن هــذه البنــوك تتعــاطى الربــا ‪ ،‬فــإن اليــداع‬
‫عندها ‪ :‬فيه إعانة لها علـى الثـم والعـدوان ‪ ،‬ننصـح بعـدم‬
‫التعامل معها ‪.‬‬
‫لكن إن اضطر إلى ذلك ولم يجد مصرفا ً أو بنكا ً إســلمي ّا ً ‪:‬‬
‫فل بــأس باليــداع عنــدها ‪ ،‬ويجــوز أخــذ هــذا الجعــل الــذي‬
‫يــدفعونه كربــح أو فــائدة ! لكــن ل يــدخله فــي مــاله ‪ ،‬بــل‬
‫يصــرفه فــي وجــوه الخيــر علــى الفقــراء والمســاكين‬
‫والمجاهدين ونحوهم ‪ ،‬فهو أفضل من تركــه لمــن َيصــرفه‬
‫على الكنائس والدعاة إلى الكفر والصــد عــن الســلم ‪" .‬‬
‫فتاوى إسلمية " ) ‪. ( 409 ، 408 / 2‬‬
‫وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله ‪:‬‬
‫كيف أتخلص من الفوائد الربوّية شرعا ً ؟‬
‫فأجاب ‪:‬‬
‫أرى وأستحسن أخذها من البنوك ‪ ،‬وصرفها في وجوه البر‬
‫وفي العمال الخيرية من مساجد ومدارس خيرية في بلد‬
‫إسلمية محتاجة لذلك بدل ً من أن يأكلها أهــل البنــط وهــم‬
‫السبب ‪ ،‬فيدخل في حديث " لعن الله آكل الربا وموكله "‬
‫‪ " .‬فتاوى إسلمية " ) ‪. ( 409 / 2‬‬
‫صرف الفوائد الربوية‬
‫اتفقــت كلمــة المشــتركين فــي الملتقــى علــى أن فــائدة‬
‫البنوك هي ربا أما السؤال أنــه هــل يســحب مبلــغ الفــائدة‬

‫‪194‬‬
‫من البنوك أو ل يســحب وإذا ســحب فمــا هــي مصــارفه ؟‬
‫فقد اتخذ القرار التالي بهذا الصدد ل يترك في البنــوك مــا‬
‫تعطي من المبالغ باســم الفــائدة بــل يســحب وينفــق فــي‬
‫المصارف التالية ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬ينفق مبلغ الفائدة الحاصلة من البنوك على الفقــراء‬
‫والمســاكين بــدون نيــة الثــواب اتفقــت علــى هــذا كلمــة‬
‫المشاركين جميعا‬
‫ثانيا ‪ :‬ل يجوز صرف هذا المبلغ في المساجد وشؤونها‬
‫ثالثا ‪ :‬ذهب معظم المشاركين في الملتقــى إلــى أن مبلــغ‬
‫الفائدة يجوز صرفه في العمال الخيريــة ماعــدا مصــارف‬
‫الصدقات الواجبة وذهـب الخـرون إلـى أن يصـرف تمامـا‬
‫على الفقراء والمساكين ل غير *‬
‫مجمع الفقه ) الهند ( قرار ) ‪. ( 5‬‬
‫تعليق ‪ :‬رضا أحمد صمدي‬
‫الخ إحســـان العتيـــبي حفظـــه اللـــه ‪ ،‬والخـــوة الكـــرام‬
‫المشاركين ‪ ،‬السلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪.‬‬
‫أرجو أن تسمحوا لي بإضافة بعض المفاهيم لتوضيح مأتى‬
‫الفتوى التي أجمعت عليها المجامع الفقهية بضرورة عــدم‬
‫ترك الفوائد للبنوك الربويــة وبخاصــة الــتي أســهمها ملــك‬
‫للجانب ‪.‬‬
‫فأصل الفائدة أو الربا أنه ملك لدافعه ‪ ،‬والواجب رده إليه‬
‫‪ ،‬والدافع للربا ليس البنك شــرعا وقانونــا ‪ ،‬فالبنــك عبــارة‬
‫عن شركة مســاهمة ‪ ،‬والــدافعون للربــا هــم المســاهمون‬
‫في البنــك وكــذلك المقترضــون ‪ ،‬وقــد اســتقر فــي عــرف‬
‫القتصاد جهالة صاحب الربا المدفوع عينا ‪ ،‬فصار الربــا أو‬
‫الفائدة التي يدفعها البنك لعملئه في حكم اللقطة التي ل‬
‫مالك لها ‪ ،‬ولما رأى أهل العلم أن غــالب البنــوك تتصــرف‬
‫في الربا المتروك من أهل التقوى بغير ما أحل الله ‪ ،‬كمــا‬
‫تفعله البنوك النصرانية من إنفــاق تلــك الفــوائد المتروكــة‬
‫في بناء الكنائس ونحو ذلك أفتى علماء المة فــي العصــر‬
‫الحديث ولم أعلم لهــم مخالفــا بعــدم جــواز تــرك الفــائدة‬
‫للبنك ‪ ،‬بل يجب أخذها من باب المصلحة المرسلة ) وهي‬
‫التي لم يات في الشرع كلم بإثباتها أو نفيها كحالتنا هذه (‬

‫‪195‬‬
‫‪ ،‬ويعلم من ذلك أنه ل تعارض بين أخذ تلــك الفــائدة وبيــن‬
‫قول الله تعالى ‪ :‬فلكم رؤؤس أموالكم ‪..‬‬

‫لن الله تعالى سكت عن ذلك الربا فيمــا لــو لــم يكــن لــه‬
‫صاحب ‪ ،‬إذ لــو كــان لـه صـاحب فهــو أحــق بــه ول ريــب ‪،‬‬
‫ولكن قد علم أن الفائدة المتروكة لن تعود إلى أربابها بــل‬
‫سينفقها البنك فيما يراه صالحا وقــد تنفقــه بعــض البنــوك‬
‫فــي إقامــة حفلت تشــرب فيهــا الخمــور وتفعــل فيهــا‬
‫المنكــرات ‪ ،‬فــوجب درء المفســدة أو تقليلهــا كمــا وجــب‬
‫جلــب المصــلحة أو تكميلهــا وهــذه هــي قاعــدة الشــرع‬
‫المطــردة ‪ ،‬فالشــرع جــاء بــذلك ووجــب رعايــة مقاصــد‬
‫الشريعة وعدم الوقف عند النصوص لنها تــدور مــع العلــة‬
‫وجودا وعدما ‪.‬‬
‫وفي الجملة فترك الفوائد الربوية حرام ل يجوز ‪ ،‬كمــا أن‬
‫اليــداع بــدون ضــرورة حــرام ل يجــوز ‪ ،‬والضــرورة لهــا‬
‫صورة ‪ ،‬وقد تنــزل الحاجــة منزلــة الضــرورة كحالــة بعــض‬
‫الشــركات الــتي ليمكــن أن تمــارس التجــارة كالســتيراد‬
‫والتصــدير والتوريــد إل بخطابــات ضــمان واعتمــاد فهــذه‬
‫يرخص لها التعامل مع البنك ولكن يجب البحث عن البنــك‬
‫السلمي أي الذي يعمــل قــوانين الشــرع فهــو أولــى مــن‬
‫غيره ‪ ،‬وغالب البنوك ألسلمية فيها قصور وتقصير ولكنها‬
‫على أي حال أفضل مــن غيرهــا والمســئولية ســتقع علــى‬
‫اللجنــة المراقبــة ‪ ،‬فــوجب التنــبيه علــى هــذا ‪ ،‬كمــا أن‬
‫الضرورة تقدر بقدرها ‪ ،‬فل يجوز التوسع في التعامــل مــع‬
‫البنك متى كفى التعامل معه بالقدر المحتاج إليه ‪.‬‬
‫وختاما أسال الله تعــالى أن ينقــي أمــوال المســلمين مــن‬
‫الحرام ‪ ،‬وأن يرزقنا الحلل الطهور ‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر‬
‫عليه ‪ ،‬والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته ‪.‬‬
‫رد ‪ :‬إحسان العتيبي‬
‫الخ الفاضل رضا‬
‫قلت ‪ ،)) :‬ولما رأى أهل العلم أن غــالب البنــوك تتصــرف‬
‫في الربا المتروك من أهل التقوى بغير ما أحل الله ‪ ،‬كمــا‬
‫تفعله البنوك النصرانية من إنفــاق تلــك الفــوائد المتروكــة‬

‫‪196‬‬
‫في بناء الكنائس ونحو ذلك أفتى علماء المة فــي العصــر‬
‫الحديث ولم أعلم لهــم مخالفــا بعــدم جــواز تــرك الفــائدة‬
‫للبنك (( ‪.‬‬
‫وأخبرك أن الشــيخ ابــن عــثيمين رحمــه اللــه يخــالف فــي‬
‫هذا !‬
‫قال الشيخ رحمه الله ‪:‬‬
‫‪ ...‬فإن دعت الضرورة إلــى ذلــك بحيــث يخشــى النســان‬
‫على ماله أن يسرق أو ينهب ‪ ،‬بل ربما خشي على نفســه‬
‫أن يقتــل ليؤخــذ مــاله ‪ :‬فل بــأس أن يضــعها فــي البنــك‬
‫للضرورة ‪.‬‬
‫ولكن إذا وضعها للضرورة ‪ :‬فل يأخذ شيئا ً في مقابــل هــذا‬
‫الوضع ‪ ،‬ويحرم عليه أن يأخذ شــيئا ً ؛ لنــه إذا أخــذ شــيئا ً ‪:‬‬
‫فإنه يكون ربا ‪ ،‬وإذا كان ربا ‪ :‬فقد قال اللــه تعــالى ‪ } :‬يــا‬
‫أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتــم‬
‫مؤمنين ‪ .‬فإن لم تفعلوا فأذنوا بحــرب مــن اللــه ورســوله‬
‫وإن تبتم فلكم رؤوس موالكم ل تظلمون ول ُتظلمون { ]‬
‫البقرة ‪. [ 279 ، 278 /‬‬
‫والية صريحة وواضحة بأل نأخذ شيئا ً منها ……الخ‬
‫" فتاوى البيوع " ) ص ‪. ( 47‬‬
‫ولكلم الشيخ رحمه الله تتمة تعاجزت عن كتابتها ‪ ،‬وفيهــا‬
‫) ‪ ( 8‬وجه في المنع !‬
‫الخ الفاضل جعفر‬
‫تسميتهم هذا البيع " بيع المرابحة " ليس هو على ما أراده‬
‫الفقهاء قديما ً ‪ ،‬فهي تسمية محدثة بمعنى محدث ل أصــل‬
‫له – على الصورة المشتهرة ‪. -‬‬
‫فبيع المرابحة هو بيع المانة وهي الــتي يحــدد فيهــا الثمــن‬
‫بمثل رأس المال ‪ ،‬أو أزيد ‪ ،‬أو أنقص‪.‬‬
‫وسميت بيوع المانة بهذا السم لنه يؤتمن فيها البائع في‬
‫إخباره برأس المال ‪ ،‬وهو على ثلثة أنواع ‪:‬‬
‫‪ .1‬بيع المرابحة ‪ :‬وهو البيع الذي يحدد فيــه الثمــن بزيــادة‬
‫على رأس المال ‪.‬‬
‫‪ .2‬بيــع التوليــة ‪ :‬وهــو الــبيع الــذي يحــدد فيــه رأس المــال‬
‫نفسه ثمنا بل ربح ول خسارة ‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫‪ .3‬بيع الوضيعة ‪ - :‬أو ‪ :‬الحطيطــة ‪ ،‬أو ‪ :‬النقيصــة ‪ : -‬وهــو‬
‫بيع يحدد فيه الثمن بنقص عن رأس المال ‪ -‬أي ‪ :‬بخســارة‬
‫‪.-‬‬
‫وإذا دققت النظر علمــت أن الصــورة ل تنطبــق علــى بيــع‬
‫المرابحة بالمعنى الذي قاله الفقهاء ‪.‬‬
‫ت ‪ :‬إن المشتري يأتي للبنك ويتفق معه علــى ربــح‬ ‫فإن قل َ‬
‫معين يضيفه البنك على رأس ماله ‪:‬‬
‫قلت لك ‪ :‬إن البنك أثناء هذا التفاق ليس مالكا ً للسلعة !!‬
‫وإن رأس مال البضاعة ‪ :‬ليس هــو علــى معرفــة بــه ‪ ،‬بــل‬
‫الــذي يحــدد رأس المــال هــو " المشــتري " !! نعــم هــو‬
‫المشــتري وهــو الــذب يــذهب ويمــاكس صــاحب البضــاعة‬
‫ليأتي بأدنى سعر !‬
‫هذه حقيقة العقد ‪ ،‬دعك من ظاهره‬
‫أخي الفاضل‬
‫اجتماع من ذكــرت علــى حــل الــبيع ل يعنــي أنــه إجمــاع !‬
‫وكيف يكون كذلك وقد خالف في جواز هــذا الــبيع إمامــان‬
‫مــن أئمــة الــدنيا وهمــا ‪ :‬الشــيخ اللبــاني والشــيخ ابــن‬
‫عثيمين ؟؟‬
‫وهذا البيع مخالفاته للشرع كثيرة ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫‪ .1‬بيع ما ل يملك‬
‫حيث يشتري البنك من غير مالك البضاعة الشرعي !!‬
‫كيف ؟‬
‫أنا أقول لك – وقد حصل هذا معي ! –‬
‫إذا أراد أحد ٌ شراء سيارة من " الحراج " – وهــي الصــورة‬
‫التي حدثت معي – فإنه يذهب لســوق الحــراج ‪ ،‬فــإذا رأى‬
‫صــل أدنــى‬‫سيارة وأعجــب بهــا ‪ :‬مــاكس صــاحبها حــتى يح ّ‬
‫سعر‬
‫فــإن فعــل ‪ :‬اشــترى ودفــع " عربونــا ً " وأخــذ السمســار‬
‫عمولته !‬
‫ويفترقان على أن يكــون التســجيل للســيارة فــي الغــد أو‬
‫بعده‬
‫والن ‪ :‬مـــن هـــو المالـــك الشـــرعي ! – ل القـــانوني –‬
‫للسيارة ؟‬

‫‪198‬‬
‫إنه " المشتري "‬
‫ويذهب الثنان بعدها إلى " البنك السلمي " لتتميــم الــبيع‬
‫هناك وقبض البائع ! الثمن‬
‫فكيف يتم التفاق في البنك ؟‬
‫ومن الذي يبيع البنك ؟‬
‫وممن يشتري البنك ؟‬
‫وممن يشتري المشتري !! مرة أخرى ؟؟‬
‫الذي يحصل ‪:‬‬
‫أن البنك يشتري السيارة من " البائع " !!!!! وهو ل يملك‬
‫السيارة ‪ ،‬وكف يملكها وهو الذي باعني إياها بالمس ؟؟؟‬
‫ثم إذا اشترى البنك منه ! باعني إياها !!‬
‫وكيف يبيعني إياها وأنا مالكها الشرعي !؟‬
‫فالبنك اشترى ممن ل يملـك ! والبــائع بــاع مــا ل يملــك !!‬
‫والمشتري اشترى ما يملك !!!‬
‫‪ .2‬ربح ما لم يضمن‬
‫وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫والبنك ل تمر عليه لحظة " ضمان " يضمن فيهــا البضــاعة‬
‫المشتراة !‬
‫فأثنــاء وجودنــا فــي " الحــراج " ل علقــة لـه بالســيارة ول‬
‫بخرابها ول بتلفها ‪ ،‬وأثناء مجيئنا إليه ‪ :‬كذلك ‪ ،‬وأثناء إإتمام‬
‫الصفقة في البنك ‪ :‬كذلك !‬
‫فيشتري البنك ويبيع ويربح وهو لم يضمن لحظــة واحــدة ‪،‬‬
‫بل ضمانها إما على البائع وإما على المشتري !‬
‫‪ .3‬البيع قبل الحيازة‬
‫والبنك ل يحوز البضاعة لرحله ‪ ،‬وقد نهى النبي صلى اللــه‬
‫عليه وسلم التجار أن يـبيعوا السـلع حــتى يحوزهـا أحــدهم‬
‫إلى رحله ‪.‬‬
‫وهذا ما ل يفعله البنك‬
‫ففي بعض الحيان يؤتى بالبضاعة عنده عند " باب البنك "‬
‫!‬
‫وفي أحيان قليلة " يقوم " معه الموظــف ليــرى البضــاعة‬
‫في " محلها " !‬
‫وأما قول بعضهم ‪ :‬إن هذا خاص بالطعام ‪:‬‬

‫‪199‬‬
‫فيرد عليه من وجهين ‪:‬‬
‫أ ‪ .‬عموم قوله " السلع " ‪.‬‬
‫ب ‪ .‬قول ابن عباس " ول أحسب غير الطعام إل مثله " ‪.‬‬
‫والمعروف أن ذكر بعــض أفــراد العمــوم بحكــم موافــق ل‬
‫يخصص الحكم ‪ ،‬فذكر " الطعام " في حــديث آخــر بحكــم‬
‫موافق ل يجعل الحكم خاصا فــي الطعــام كمــا هــو واضــح‬
‫بّين ‪.‬‬
‫‪ .4‬فتح باب شر‬
‫والشرور والمفاسد المترتبة على مثل هذه الصور كثيرة ‪،‬‬
‫ومنها ‪:‬‬
‫أن بعض التجار صار يبيع " الفواتير " دون البضاعة ‪ ،‬وهذا‬
‫يعلمه البنك ‪ ،‬لكن هم تجار كذلك – كما صــرح مــدير فــرع‬
‫لهم ‪ -‬ول يهمهم سوى الربح !‬
‫وقــد جــاء بعــض إخواننــا التجــار ليســألني عــن حكــم بيــع‬
‫الفواتير للبنك السلمي !‬
‫فلما استفسرت منه قال ‪ :‬إن كثيرا ً من النــاس ل يريــدون‬
‫الشراء الحقيقــي ‪ ،‬فيــذهبون للتــاجر ويتفقــون معــه علــى‬
‫بضاعة وهميــة يوقعــون التفــاق عليهــا ثــم يرجعونهــا إلــى‬
‫التاجر نفسه !‬
‫فإذا اســتلم التـاجر ثمنهــا مــن البنــك ‪ :‬أعطاهــا للمشـتري‬
‫وأخذ منها نسبة تصل لـ ‪! % 10‬‬
‫والتاجر أخذ هذه النسبة على " البــارد المــبرد " فبضــاعته‬
‫عنده ‪ ،‬ومال المشتري والبنك في جيبه !!‬
‫وإذا كـانت لـك " واسـطة " فـي البنـك ‪ :‬فـإن بضـاعتك ل‬
‫تتحرك من مكانها !!!‬
‫وقد حصلت قصة طريفة عندنا كما في الصورة الســابقة ‪،‬‬
‫وهي أن التاجر انقلب علــى المشــتري فلــم يعطــه المبلــغ‬
‫لطمعه به ‪ ،‬وألزمــه بالبضــاعة فلــم يكــن للمشــتري رغبــة‬
‫بها ‪ ،‬فقال له التاجر ‪ :‬دع البضاعة عندي ‪ ،‬وأتني كــل آخــر‬
‫شهر لعطيك قسط البنك تدفعه لهم !!‬
‫‪ .5‬مشابهة بني إسرائيل في الحيل‬

‫‪200‬‬
‫والمقصــود الحقيقــي مــن هــذا العقــد ‪ :‬هــو دْيــن يريــده‬
‫المشتري من البنك ‪ ،‬لكن البنك لن اسمه ! " السلمي "‬
‫! ل يعطيه قرضا ً حسنا ً ول سيئا ً يأخذ عليه ربا‬
‫فاحتالوا بهذه الطريقة للوصول إلى هذا المقصود‬
‫وللعلم‬
‫فقد أعلن عن صفقة مولها بعض البنوك السلمية لشــراء‬
‫طائرة !!‬
‫فأســألك بــالله هــل ذهــب البنــك ورآهــا فضــل أن يكــون‬
‫حازها ؟؟‬
‫إن الذي يحصل في هــذه الصـورة مـن العقـد هـو الحـرام‬
‫بعينه وهي الحيلة بعينها‬
‫وكثير من التجار يشترون بضــائعهم مــن الخــارج ويتفقــون‬
‫مع المصانع ويدفعون العربون فــإذا بقــي التمويــل والــدفع‬
‫جاء دور البنك !!‬
‫فهل هذا البنك من التجار !!؟؟‬
‫ومما يدل على أنه ليس من التجار ‪:‬‬
‫أن موظف هذا القسم يشتري أي بضاعة ! فهل مر عليــك‬
‫" رجل " يفهم في " كل شيء " ؟؟‬
‫إن هذا الموظف ل يعدو دوره عن شــراء " فــواتير " وبيــع‬
‫لفقير ل يملك المال ‪.‬‬
‫وقد يكون فيه إضافة أو زيادة‬
‫لكني أكتب بأصبع واحدة ! فل أستطيع التكملة‬
‫وقد ل أرد لن المر واضح وأرجو أن يتضح لك ولغيرك‬
‫وأذكــرك أن العــبرة فــي العقــود بمعانيهــا وحقيقتهــا ل‬
‫بألفاظها وظاهرها ‪.‬‬
‫والله أعلم‬
‫كتبه‬
‫إحسان بن محمد بن عايش العتيبي‬
‫أبو طارق‬
‫==============‬
‫‪#‬من أحكام السهم‬
‫د‪ .‬راشد بن أحمد العليوي‬

‫‪201‬‬
‫لقــد جــاء الســلم شــامل ً ومنظم ـا ً لجميــع شــؤون الحيــاة‬
‫ومناحيها فما من جــانب إل وللــدين فيــه توجيهــات وحــدود‬
‫ومعالم وتعليمات ومن هذه الجوانب التي جاءت الشــريعة‬
‫بتنظيمها مــا يتعلــق بجــانب المــوال وتنميتهــا واســتثمارها‬
‫ويكثر في هذه اليام السؤال عن السهم وأحكامهــا ولهــذا‬
‫فالحــديث فــي هــذا اليــوم المبــارك عــن بيــان الحكــام‬
‫الشرعية المتعلقة بها في حدود ما يسمح به الوقت ويلئم‬
‫المقام‪..‬‬
‫شركة المساهمة نوع مــن شــركات المــوال وهــي إحــدى‬
‫أهم الصيغ التي تم ابتكارها في العصر الحاضر وقام عليها‬
‫القتصـــاد المعاصـــر وبواســـطتها يمكـــن الـــدخول فـــي‬
‫المشروعات الضخمة التي تحتاج إلـى أمـوال هائلـة حيـث‬
‫يتم تجميعها من آلف النــاس بحســب أســهمهم فــي هــذه‬
‫الشركة حيث يجتمع من المدخرات الصــغيرة مــن الفــراد‬
‫ما تتمكن به شركة المســاهمة مــن الســتثمارات الكــبيرة‬
‫التي ما كان يمكن للفرد العادي أن يقدر عليها وعلى هــذا‬
‫فالمساهم في شركة معينة معناه أنه يمتلك جــزءا ً وحصــة‬
‫ونصيبا ً مشاعا ً في هذه الشركة بمقدار ما عنده من أسهم‬
‫فمن كان عنده أسهم كثيرة فهــو يمتلــك جــزءا ً كــبيرا ً مــن‬
‫الشركة ومن كان عنده أسهم قليله فهو يمتلك جزءا ً قليل ً‬
‫من الشركة بحسب أسهمه‪..‬‬
‫وهذا هو معنى السهم‪ ,‬أي حصة ونصيب وجزء مشاع مــن‬
‫أموال الشركة النقدية والعينية يكون لمالك السهم‪.‬‬
‫وإذا نظرنــا إلــى شــركات المســاهمة المطروحــة أســهمها‬
‫للتداول في السوق المحلية والتي تبلــغ أكــثر مــن ســبعين‬
‫شركة مساهمة نجدها على أربعة أقسام ويختلــف الحكــم‬
‫الشرعي لكل قسم‪:‬‬
‫فالقسم الول‪ :‬أسهم البنوك الربوية‪.‬‬
‫فشــراء هــذه الســهم مجــرم بإجمــاع أهــل العلــم لن‬
‫المساهم معناه أنه شريك في هذا البنك الربوي وله جــزء‬
‫وحصــة ونصــيب منــه ومعلــوم حرمــة الربــا والنصــوص‬
‫الشــرعية الــواردة فــي الوعيــد الشــديد لخــذه ودافعــه‬
‫والمتعاون فيه‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫وأما أســهم البنــوك الســلمية فهــذه حلل ول شــيء فيهــا‬
‫بحمد الله‪..‬‬
‫ومثل البنوك الربوية في التحريم أسهمك الشــركات الــتي‬
‫تمارس نشاطا ً محرما ً أصل ً وهذه غير موجودة في السوق‬
‫المحلية لكنهــا موجــودة فــي الســوق الدوليــة عــن طريــق‬
‫محافظ البنوك الربوية‪.‬‬
‫وكذلك أيضا ً يمكن للفــرد أن يشــتريها عــن طريــق شــبكة‬
‫النترنت كشركات تصنيع الخمور أو تربية الخنازير أو نحــو‬
‫ذلك من النشطة المحرمــة لــذاتها‪ ,‬فهــذه ل يجــوز شــراء‬
‫أسهمها باتفاق أهل العلم‪.‬‬
‫القســم الثــاني‪ :‬أســهم شــركات نشــاطها مبــاح وجــائز‬
‫كالشركات الزراعية والصناعية والخدمية ول تتعامل بالربا‬
‫ل أخــذا ً ول عطــاًء‪ ..‬فهــذه تجــوز المســاهمة فيهــا وشــراء‬
‫أسهمها ويبلغ عددها فــي الســوق المحليــة بضــع شــركات‬
‫فقط‪ .‬فهذه الشركات هي السالمة من الربا‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬أسهم شركات أصل نشــاطها مبــاح وجــائز‬
‫كالشركات الزراعية والصناعية وشركات الخدمات‪ ,‬ولكنها‬
‫تتعامل بالربا أخــذا ً أو عطــاءا ً أو كليهمــا ويأتيهــا الربــا عــن‬
‫طريــق اقتراضــها بفــوائد ربويــة مــن البنــوك إذا احتــاجت‬
‫لتمويل إنتاجها فتقترض من البنوك بفــوائد ربويــة وبعضــها‬
‫تتوفر أحيانا ً لديه سيوله من النقــود فتضــعها الشــركة فــي‬
‫البنك وتأخذ عليها فوائد ربوية تضمها إلــى أرباحهــا ‪.‬وهــذه‬
‫مع السف أغلب الشــركات الموجــودة هنــا هــي مــن هــذا‬
‫الصنف‪.‬‬
‫وهــذا القســم مــن الشــركات اختلــف العلمــاء فــي حكــم‬
‫المساهمة فيها وشراء أسهمها‪:‬‬
‫فذهبت مجموعة من العلماء إلـى تحريــم المسـاهمة فيهــا‬
‫وشراء أسهمها لن المساهم معنــاه أنــه شــريك فــي هــذا‬
‫الربا المحرم‪ ،‬وهذا القول أقوى وأبرأ للذمة‪.‬‬
‫وذهبت مجموعة مــن العلمـاء إلــى جـواز المســاهمة فيهــا‬
‫وشراِء أسهمها‪ ,‬واشترط لذلك شروطا ً منها‪:‬‬
‫ي علــى أنهــا ســتتعاطى‬ ‫‪ -‬أل ينص نظــام الشــركة الساسـ ّ‬
‫الربا‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫‪ -‬وأن يكون الربا فيها قليل ً وحددوا القليل بأل يزيد مقــدار‬
‫الربا على ثلث أموال الشركة‪..‬واختاروا الثلــث لن الثلــث‬
‫جاءت الشريعة باختياره واعتباره في عدد من المسائل‪.‬‬
‫‪ -‬أن يقوم مالك السهم بالتخلص من مقدار الربا الموجود‬
‫في الربــاح الــتي تحصــل عليهــا وجوبـا ً وأل يســتفيد منهــا‪,‬‬
‫واســتدل القــائلون بهــذا القــول بقواعــد شــرعية كقاعــدة‬
‫عموم البلــوى ورفــع الحــرج فــي الشــريعة الســلمية وأن‬
‫الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة وأنــه يجــوز تبعـا ً مــا ل‬
‫يجوز استقل ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ونحــو ذلــك مــن الســتدللت الــتي ليــس هــذا موضــوع‬
‫تفصيلها‪ ،‬وليس معنى هذا القول إباحــة القليــل مــن الربــا‬
‫كما قد يتبادر إلــى أذهــان البعــض بــل نـص القــائلون بهــذا‬
‫القول على أنه ل شك في أن المســؤولين القــائمين علــى‬
‫الشركة الذين يتخذون قرار القراض أو القتراض بربــا أن‬
‫ذلك محرم عليهم وأنهم آثمون‪.‬‬
‫ويجب أن يتنبه الناس الــذين يمتلكــون أســهمها فــي هــذه‬
‫الشركات تساهل ً منهم بــالحكم أو تقليــدا ً لهــذا الــرأي أنــه‬
‫يجــب عليهــم وجوبــا ً شــرعيا ً عنــد جميــع أهــل العلــم أن‬
‫يتخلصوا من مقدار الربا الــذي يحصــلون عليــه مــن أربــاح‬
‫هذه السهم وأكثر النــاس ل يعلــم هــذا الحكــم وبالتــالي ل‬
‫يعمل به‪.‬‬
‫والرباح تأتي من طريقين‪:‬‬
‫الطريق الول‪ :‬الرباح التي تصرف سنويا ً للسهم‪.‬‬
‫الطريق الثاني‪ :‬الفرق الموجب بيــن قيمــة شــراء الســهم‬
‫وبيعها‪.‬‬
‫فهذان الطريقان يسهم الربا في أرباحهما فيجب التخلــص‬
‫من مقدار الربا الموجود فيهما‪.‬‬
‫وها هنا سؤال وجيه‪ :‬وهو كم مقدار الربا الذي يتخلص منه‬
‫الشخص؟‬
‫والجواب على ذلك‪ :‬أن هذا يختلف من شركة إلــى أخــرى‬
‫بل ومن سنة إلى أخرى في نفس الشركة بحسب المبالغ‬
‫التي أقرضــتها أو اقترضــتها وحســاب ذلــك شــاق وعســير‬
‫وشائك ومعقد ويســتلزم تحليل ً لميزانيــات الشــركات فــي‬

‫‪204‬‬
‫كل عام وتحديد ذلـك يســتدعي معرفــة فقهيـة واقتصـادية‬
‫ومحاسبية واجتماع ذلك في واحد من أهل العلم أندر مــن‬
‫الكبريت الحمر‪.‬‬
‫والناس محتاجون إلــى بيــان ذلــك ليتخلصــوا مــن العنصــر‬
‫الربوي المحرم‪.‬‬
‫وبتتبــع ذلــك اتضــح أن الغــالب علــى العنصــر المحــرم أن‬
‫ة إلى الربح وأنــه مــع الســف بقــدر مــا ينجــس‬ ‫نسبته قليل ٌ‬
‫الحلل ويلحق الحرج بالناس فالواجب على القائمين على‬
‫هــذه الشــركات أن يتقــوا اللــه عــزو جــل وأن يريحــوا‬
‫المساهمين من هذا الحرج‪ ،‬ولكننا في زمن قال عنه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪) :‬يأتي علــى النــاس زمــان مــن لــم‬
‫يأكــل الربــا أصــابه مــن غبــاره( وفــي روايــة )أصــابه مــن‬
‫بخاره(‪.‬‬
‫فما أعظمه وأدقه من تعبير نبــوي معجــز ل يصــدر إل عــن‬
‫نبي أوتي جوامع الكلم ‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وبالنظر إلى هــذه النســبة المحرمــة وجــد أنهــا فــي‬
‫الغالب ل تزيد عن عشــرين فــي المــائة مــن الربــاح فــإذا‬
‫تخلص المساهم من خمــس الربــاح فــأرجو أن يكــون قــد‬
‫ســلم مــن الربــا وأخرجــه ونقــول‪ :‬تخلــص منــه ول نقــول‪:‬‬
‫تصدق به لن الصدقة ل تكون إل بمال طيب واللــه طيــب‬
‫ل يقبل إل طيبا ً وهذا ربا محرم يتخلــص منــه ويــدفعه إلــى‬
‫الجهــات الخيريــة والمحتــاجين والمــدينين ونحــو ذلــك مــن‬
‫ل عليهــا حــرام علـى المسـاهم وهكــذا‬ ‫المصارف وهـو حل ٌ‬
‫المر في كل الموال المكتسبة من طريق محرم والتي ل‬
‫ترد على أصحابها أو ل يستحقون ردهــا عليهــم أو ل يمكــن‬
‫ردهــا عليهــم يتخلــص منهــا بالتوبــة ودفعهــا للمحتــاجين‬
‫وللجهات الخيرية‪.‬‬
‫وفــي مســألة تقــدير نســبة الربــح المحــرم نــص الفقهــاء‬
‫رحمهم اللـه أنـه إذا اختلــط المـال الحلل بالمــال الحــرام‬
‫وجهلت النسبة تماما ً أن المال ينصف نصفين فيأخذ نصــفا ً‬
‫ويتخلص من النصف أي يتخلص من خمسين بالمائة‪ ،‬وهذا‬
‫في حال الجهل المطلق‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫القسم الرابع من أقسام شركة المساهمة‪ :‬شركات يكون‬
‫أصل نشاطها مباحا ً وجــائزا ً ولكنهــا تتعامــل بالربــا ويكــون‬
‫الربا فيها كثيرا ً أي أن يزيد من ثلث أموالها فهــذه محرمــة‬
‫حتى عند الذين يجيـزون القسـم الثـالث أي إذا كـان الربـا‬
‫قلي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ة فــي الســوق المحليــة والــواجب‬ ‫وهي بضعَ عشــرةَ شــرك ً‬
‫طلب القالة من شراء أسهم الشركة ولكـن ل توجـد آليـة‬
‫لذلك فيبقى أنه يجب بيعها والتخلص مــن العنصــر الربــوي‬
‫المحرم من أرباحها والغالب أن نسبته كبيرة فإن استطاع‬
‫أن يعرفها عمل بمقدارها وإل أعمل القاعــدة الــتي ذكرهــا‬
‫الفقهاء في اشتباه واختلط المال المحــرم بالمــال الحلل‬
‫وذلك بإخراج نصف الرباح والتخلص منها‪.‬‬
‫هــذا وقــد كـثر الســؤال فـي الفــترة الماضـية عــن شـركة‬
‫الصــحراء الــتي طرحــت قبــل أشــهر وكــانت الفتــوى أن‬
‫المساهمة فيها جائزة لنها لم تعلن أنها ستقترض بربا ولم‬
‫يحصل منها ذلك فــي حينــه والصــل الســلمة حــتى يثبــت‬
‫العكس كما هو متقرر في قواعد الشريعة‪.‬‬
‫وإذا فرضنا أنها فعلت ذلك مستقبل ً فتنطبق عليها القسام‬
‫التي ذكرت سابقًا‪ ,‬وهكذا المر لو أن شركة كانت تتعامل‬
‫بالربا ثم تابت منه فنقول بجواز المساهمة فيها‪.‬‬
‫وممــا يكــثر الســؤال عنــه فــي هــذه اليــام شــركة اتحــاد‬
‫اتصالت التي طرحت خلل اليام الماضــية‪ ,‬فهــذه أعلنــت‬
‫قبل شهرين أنها ستأخذ تمويل ً بعضه بربــا وبعضــه بطريــق‬
‫شــرعي ولــو فعلــت ذلــك لنطبــق عليهــا مــا ذكرنــاه فــي‬
‫القسام الســابقة ولكــن الشــركة أعلنــت قبــل فــترة أنهــا‬
‫أخذت التمويل كله والبالغ نحوا ً من سبعة مليارات بطريق‬
‫شــرعي بأســلوب التــورق والمرابحــة مــن بنــوك إســلمية‬
‫وحتى من بنوك ربوية لكن أتمــت العمليــة معهــا بأســلوب‬
‫جائز‪ ,‬وهذا العلن منها صحيح وصادق وقد تم التأكد ممن‬
‫شاركوا فيه بأن التمويل قد تم بأسلوب شرعي‪.‬‬
‫وعلى هذا فنقول‪ :‬إنه ل بأس بالمساهمة فيها إن شاء الله‬
‫ومــن أراد الــورع فبــاب الــورع مفتــوح ولكــن الكلم فــي‬
‫مقاطع الحلل والحرام ل في مقام الورع والحتياط‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫وكذلك أيضا ً يكثر سؤال في هذه اليام عن المساهمة في‬
‫البنـــك الجديـــد الـــذي ســـيطرح خلل الفـــترة القادمـــة‬
‫والمسمى ببنك البلد‪ ,‬والمساهمة فيه جائزة إن شاء اللــه‬
‫كون من مجموعة من الصيارفة‪.‬‬ ‫لنه بنك إسلمي ت ّ‬
‫وكــون بعضــهم كــان ل يلــتزم بالضــوابط الشــرعية فــي‬
‫معاملته فهذا ل يؤثر في شرعية البنك الجديد؛ فلو فرضنا‬
‫مثل ً أن مجموعة اشتركوا في مشروع إنتاجي وكان واحــد‬
‫من هذه المجموعة حصل علــى المــال بطريــق محــرم فل‬
‫يؤثر هذا على مشروعية هــذا المشــروع فنقــول بــأن هــذا‬
‫المشروع محرم‪ ،‬بل الحكم مختص بهذا الشخص فقط‪.‬‬
‫ومما يتساءل عنه كثير من الناس أن التعامل بالسهم هل‬
‫يحرم لنه قمار حيث قد يربح النسان فــي جلســة واحــدة‬
‫مبلغا ً كبيرا ً فنقول بأنه ل وجود للقمار في تــداول الســهم‬
‫عن طريــق الشاشــة وأن تحريــم الســهم ل يعلــل بوجــود‬
‫المقامرة فيها فالتجــارة فــي الســهم فيــه مغــامرة ولكــن‬
‫ليس فيه مقامرة والمغــامرة والمخــاطرة ليســت محرمــة‬
‫بذاتها ولكن المشــكلة فــي الســهم هــو وجــود الربــا وهــو‬
‫الغالب عليها؛ ولهذا فالتجــارة فــي الســهم كمــا هــي فــي‬
‫الواقع إما محرمة حرمة واضحة أو محرمة لـدى مجموعـة‬
‫من العلماء أو محل شبهة والقليل منها هو سالم من الربا‬
‫ولهذا فل ننصح بامتهان السـتثمار فيهــا لن السـلمة فيهـا‬
‫قليلة‪...‬‬
‫وأما ما يتصــل بكيفيــة زكــاة الســهم فإننــا نقــول إن كــان‬
‫الشـخص اشـترى السـهم مــن أجـل أرباحهـا السـنوية ول‬
‫يقصد المتــاجرة بهــا فــإن الشــركات نفســها تــدفع الزكــاة‬
‫للدولة لمصلحة الزكاة والدخل وهذا يكفــي إن شــاء اللــه‪,‬‬
‫وإن كان الشخص اشترى السهم من أجل المتــاجرة فيهــا‬
‫والمضــاربة بهــا بمعنــى أنــه يــبيع ويشــتري بهــا ول يقصــد‬
‫الحصول على أرباحها السنوية فإنها تكون في حقه بمثابــة‬
‫عروض التجارة فهذا الشخص إذا جاء وقت إخراجه للزكاة‬
‫فإنه ينظـر كـم تسـاوي أسـهمه فـي السـوق ويزكـي هـذا‬
‫المبلغ وله أن يخصم مقدار الزكــاة الــذي دفعتــه الشــركة‬
‫لمصلحة الزكاة والدخل وتبرأ ذمتــه وإن لــم يخصــمه تــبرأ‬

‫‪207‬‬
‫ذمته ويكون قد دفع أكثر من الــواجب ويمكنــه فــي تقــدير‬
‫قيمة أســهمه مــن العتمــاد علــى مــا ينشــر فــي الصــحف‬
‫ويأخذ المتوسط من السعار المعلنة ‪..‬‬
‫هــذه أيهــا الخــوة المســلمون بعــض الحكــام الشــرعية‬
‫المتعلقة بالسهم ذكرناها بإيجاز شديد في حدود ما تسمح‬
‫به هذه السطور‪.‬‬
‫أسأل الله عزوجل أن يفقهنا في دينه وشرعه وأن يرزقنــا‬
‫الحلل ويجنبنا الربا والريبة إنه ســميع قريــب وصــلى اللــه‬
‫على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫‪12/9/1425‬هـ‬
‫المصدر‪ :‬موقع دعوة السلم‬
‫=============‬
‫‪#‬ما حكم الكتتاب في شركة إعمار المدينة‬
‫القتصادية وحكم تداول أسهمها؟‬
‫المجيب ‪ :‬د‪ .‬يوسف بن عبد الله الشبيلي‬
‫عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬أما بعد‬
‫فإن نشاط هذه الشركة في تطوير مدينة الملــك عبــدالله‬
‫القتصادية المزمع إنشاؤها على ساحل البحر الحمر‪ ،‬وهو‬
‫نشاط مباح‪ ،‬ويبلغ رأسمال الشــركة ‪ 8500‬مليــون ريــال‪،‬‬
‫وليس عليها حاليا ً قروض أو تسهيلت بنكية‪ .‬وقد جاء فــي‬
‫نشــرة الصــدار أن حصــص المؤسســين النقديــة البالغــة‬
‫‪ 4250‬مليــون ريــال أودعــت قبــل التأســيس لــدى البنــك‬
‫الســعودي البريطــاني وحققــت فــوائد ربويــة بمقــدار ‪86‬‬
‫مليــون ريــال‪ ،‬وأمــا أمــوال المكتتــبين فقــد نصــت نشــرة‬
‫الصدار على أنها ستودع في حســاب الشــركة لــدى فــرع‬
‫المانة السلمي بالبنك السعودي البريطــاني‪ .‬وقــد جــرت‬
‫مخاطبـــة المســـئولين فـــي الشـــركة لتحويـــل أمـــوال‬
‫المؤسسين إلى ودائع مجازة شــرعًا‪ ،‬ونرجــو أن يتــم ذلــك‬
‫قريبًا‪.‬‬
‫والــذي يظهـر هـو جـواز الكتتـاب فـي هــذه الشــركة؛ لن‬
‫أموال المكتتبين ســتودع فــي حســابات مجــازة مــن الهيئة‬
‫الشرعية بالبنك المذكور‪ ،‬ثم تصرف فــي النشــاط المبــاح‬

‫‪208‬‬
‫للشركة‪ .‬وأما الفوائد التي تحققت من أموال المؤسســين‬
‫قبل التأســيس فــإني أوجــه النصــيحة لهــم بالمبــادرة إلــى‬
‫التخلص منها بصرفها في أوجه البر المختلفة‪ ،‬وأل تــدخلها‬
‫الشركة ضمن حساباتها النظامية‪ ،‬وأن تبادر بــالعلن عــن‬
‫ذلــك وعــن التزامهــا فــي جميــع اســتثماراتها وعقودهــا‬
‫التمويليــة المســتقبلية بالضــوابط الشــرعية حــتى يطمئن‬
‫الناس للكتتاب فيها‪ ،‬لسيما وأن هذه الشركة تحمل اسم‬
‫خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيــز –‬
‫حفظه اللـه‪ -‬المعــروف بحبـه الخيـر للمـواطنين‪ ،‬وحرصــه‬
‫على أن يتاح الكتتاب لكبر قدرٍ منهم‪.‬‬
‫ومن اكتتب ثم باع أســهمه بربــح خلل الســنة الولــى –أي‬
‫قبل انعقاد الجمعية العمومية في نهاية السنة‪ -‬فليس عليه‬
‫تطهير شــيء مــن الربــح؛ لنــه لــم يصــل إليــه شــيء مــن‬
‫اليرادات المحرمة‪ ،‬وأما مــن احتفــظ بأســهمه إلــى نهايــة‬
‫السنة فقد يلزمه التطهير إذا تبين أن الشركة لــم تتخلــص‬
‫مــن فــوائد مــا قبــل التأســيس‪ .‬وســيبين ذلــك فــي حينــه‬
‫بمشيئة الله تعالى‪.‬‬
‫وختاما ً فأذكر إخواني القائمين على هذه الشــركة وغيرهــا‬
‫من الشركات المساهمة بتقوى الله تعالى فيما استرعاهم‬
‫عليه‪ ،‬وأن يطهروا شركاتهم من الربا‪ ،‬فهو مـاحق للبركـة‪،‬‬
‫جالب للنقمة‪ ،‬وإنها أمانة‪ ،‬وسيسألون عنهــا يــوم القيامــة‪،‬‬
‫وإن من خيانة المانة التعامل بمعاملت محرمــة‪ .‬ول عــذر‬
‫لهم في ذلك فالبدائل الشرعية متاحة ولله الحمــد‪ ،‬ونحــن‬
‫في بلدٍ قائم ٍ على تحكيم شريعة الله‪ .‬وكل ما يخالف هــذه‬
‫الشريعة الغراء فهو مرفوض شرعا ً ونظامًا‪ ،‬ومــا تمارســه‬
‫ض أو إيداٍع بالربا يعد مــن المخالفــات‬ ‫أي شركة من اقترا ٍ‬
‫الشرعية والنظامية التي يجب على المســاهم أن يعــترض‬
‫عليهــا عنــد حضــوره الجمعيــة العموميــة للشــركة‪ .‬واللــه‬
‫الموفق‪.‬‬
‫حكم تداول أسهم شــركة إعمــار المدينــة القتصــادية بعــد‬
‫طرحها للتداول‬
‫يجــوز تــداول أســهم الشــركة بعــد طرحهــا للتــداول فــي‬
‫السوق المالية؛ لن الشركة مــتى مــا اكتســبت الشخصــية‬

‫‪209‬‬
‫العتبارية فيجوز تداول أســهمها ولــو اشــتملت موجوداتهــا‬
‫على النقود والديون؛ لن تلك الموجودات تابعة لشخصيتها‬
‫العتبارية‪ ،‬فضل ً عن أن هذه الشــركة تمتلــك حالي ـا ً أرض ـا ً‬
‫بقيمة ‪ 1700‬مليون ريال ‪-‬وهي حصة أحد المؤسسين في‬
‫رأس المــال‪ -‬بالضــافة إلــى الحقــوق المعنويــة‪ .‬واللــه‬
‫الموفق‪.‬‬
‫مــا حكــم الكتتــاب فــي مدينــة إعمــار القتصــادية )مدينــة‬
‫الملك عبدالله( ؟‬
‫الشيخ‪ :‬محمد بن سعود العصيمي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬أما بعــد أمــا‬
‫نشاط الشركة فيظهر منه السلمة والجواز‪ ،‬ولكن للسف‬
‫الشديد جــاء فـي نشــرة الصـدار المفصـلة أنـه تــم إيــداع‬
‫حصـــص المؤسســـين النقديـــة لـــدى البنـــك الســـعودي‬
‫البريطاني وحققت فوائد ربويـة بمقـدار ‪ 86‬مليـون ريـال‪،‬‬
‫مع النص فــي النشــرة نفســها علــى أن أمــوال المكتتــبين‬
‫ستودع في حساب الشــركة لــدى فــرع المانــة الســلمي‬
‫بالبنك السعودي البريطاني‪ .‬وحيث إن كثيرا من الســائلين‬
‫ينص في سؤاله على أنه ل يريد الشتراك فــي أي شــركة‬
‫تحتوي تعاملتها على نسبة ولو ضئيلة من الربا‪ ،‬فإني أبين‬
‫لهم أن هذه الشركة ل يصح الكتتاب فيهــا مــا دامــت فــي‬
‫وضعها الراهن‪ .‬فإن قررت الشركة التخلص من هذا الربــا‬
‫المتحقق لها جاز الكتتاب فيها حينئذ‪ ،‬وفــي الختــام أســأل‬
‫اللــه للقــائمين عليهــا التوفيــق لمــا يرضــيه ســبحانه‪ ،‬وأن‬
‫يحققوا ما يريده الرب تبارك وتعالى مــن البعــد عــن الربــا‬
‫المتوعد فيه بحرب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫مــا حكــم الكتتــاب فــي شــركة إعمــار المدينــة الصــناعية‬
‫المطروحة الن للكتتاب ؟‪.‬‬
‫د‪ .‬يوسف بن عبدالله الحمد‬
‫أستاذ الفقه المساعد بجامعة المام ‪ .‬الرياض‬
‫الجابة‬
‫شركة " إعمار المدينـة الصـناعية " نشـأت قريبـا بتحـالف‬
‫تقــوده شــركة " إعمــار العقاريــة " الماراتيــة ‪ ،‬مــع بعــض‬
‫التجار السعوديين ‪ .‬وهــدف الشــركة إنشــاء مدينــة الملــك‬

‫‪210‬‬
‫عبدالله الصناعية على ساحل البحر الحمــر شـمال مدينــة‬
‫جدة ‪ .‬وتنقسم هذه المدينة إلى ست منــاطق رئيســية ‪" :‬‬
‫‪ .1‬الميناء البحــري ‪ .2 .‬المنطقـة الصــناعية ‪ .3 .‬المرافــق‬
‫الشــاطئية )فنــادق ومتــاجر ونــوادي ( ‪.4‬الجزيــرة الماليــة‬
‫) للمؤسســات والشــركات الماليــة العالميــة والمحليــة(‬
‫كــون‬ ‫‪.5‬الحيــاء الســكنية ‪.6 .‬المنطقــة التعليميــة "وقــد ُ‬
‫عين له رئيسًا‪.‬‬ ‫للشركة مجلس إدارة و ُ‬
‫ويهدف الكتتاب العام إلى تمويل إنشاء المدينة ‪.‬‬
‫ويبلــغ مجمــوع رأس مــال الشــركة ) ‪(8.500.000.000‬‬
‫ثمان مليارات ونصف المليار من الريالت السعودية ‪ .‬وقد‬
‫نصت الشركة في نشرة الصدار على أنها أودعت الموال‬
‫النقدية للمؤسسين في حساب الفوائد الربوية ومقدارها )‬
‫‪ (4.250.000.000‬أربـــع مليـــارات ومائتـــان وخمســـون‬
‫مليون ريال سعودي ‪ ،‬وهذا المبلغ يســاوي نصــف مجمــوع‬
‫رأس مال الشركة ‪ ،‬وقد تحصل لها فوائد ربوية مقدارها )‬
‫‪ (86.000.000‬ست وثمانون مليون ريال ســعودي ‪ .‬وقــد‬
‫وضــعت الشــركة مــدققا ً مالي ـا ً ‪ ،‬ومستشــارا ً قانوني ـا ً مــن‬
‫شركات عالمية ‪ ،‬لكنها لم تضع مستشارا ً شرعيا ً ‪.‬‬
‫ويظهــر مــن هــذا بجلء أن الشــركة قائمــة علــى النظــام‬
‫الرأسمالي الربوي في معاملتها المالية ‪ ،‬وأنهــا لــم تلــتزم‬
‫بشرع الله تعالى فيها ‪ ،‬وعليه فإنه ل يجوز الكتتاب فيها ‪.‬‬
‫ويظن بعض الناس أن الشكال في الفوائد الربوية فقط ‪،‬‬
‫والصواب أن يقال ‪ :‬إن الشركة أقرضت نصف موجوداتهــا‬
‫بالربا ‪ ،‬والربا أعظــم ذنــب فــي الســلم بعــد الكفــر بــالله‬
‫وقتل النفس التي حـرم اللـه تعـالى ‪ .‬وتزيـد الحرمـة فـي‬
‫المجاهرة والعلن والتسجيل الرسمي في نشرة الصــدار‬
‫التي يخشى أن يكــون فيهــا معنــى الســتحلل ‪ ،‬ولــو قيــل‬
‫للناس إن هذه الشركة تتاجر بنصف أموالها في بيع الخمر‬
‫أو المخدارت أو دور البغــاء أو الفلم الباحيــة أو أشــرطة‬
‫الغناء أو حتى بيع الدخان ‪ ،‬وأنها لم تربح ريال ً واحدا ً ؛ لنفر‬
‫الناس منها ولم يجرؤ أحد على الفتيا بــالجواز ‪ ،‬وهــذا كلــه‬
‫يبين تساهل الناس بجريمة الربا ‪ .‬قال اللــه تعــالى ‪ } :‬ي َــا‬
‫َ‬
‫ن ك ُن ُْتــ ْ‬
‫م‬ ‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬
‫م َ‬
‫ي ِ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬
‫ما ب َِق َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬
‫نآ َ‬ ‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬

‫‪211‬‬
‫ْ‬
‫ســول ِهِ‬‫ن الل ّـهِ وََر ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫ن لَ ْ‬‫ن * فَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ُ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫مـو َ‬‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬‫مـو َ‬ ‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫مـ َ‬
‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬‫وَإ ِ ْ‬
‫)البقرة ‪. ( 279 ،278‬‬
‫وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال ‪ " :‬لعــن رســول‬
‫اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم آكــل الربــا ومــؤكله وكــاتبه‬
‫وشاهديه ‪ .‬وقال ‪ :‬هم سواء " أخرجه مســلم ‪ .‬وعــن عبــد‬
‫الله بن حنظلة غســيل الملئكــة رضــي اللــه عنهمــا قــال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬درهم ربـا يــأكله‬
‫الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلثين زنية " أخرجه أحمد‬
‫بسند صحيح‪ .‬وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قــال ‪ " :‬الربــا ثلثــة وســبعون‬
‫بابا ً أيسرها مثل أن ينكح الرجــل أمــه ‪ " ..‬أخرجــه الحــاكم‬
‫وصــححه ووافقــه الــذهبي ‪ .‬والحــديث صــحيح بمجمــوع‬
‫شواهده ‪.‬‬
‫وكم هو محــزن مــا يحصــل للنــاس مــن اضــطراب الــرأي‬
‫والختلف عند كل اكتتاب ‪ ،‬أو يقال ‪ :‬ناصحناهم فــي تــرك‬
‫الربا وإنهــم وعــدونا ‪ ،‬أو يقــال ‪ :‬إن أمــوال المســاهمين ل‬
‫صلة لها بالقروض الربوية ‪ ،‬وغير ذلك مما يعين على بقــاء‬
‫الربا في الشركات بطريقة غير مقصوده ‪.‬‬
‫والــذي أعتقــده أن أهــم أســباب هــذا الضــطراب ‪ ،‬وأهــم‬
‫أســباب بقــاء الربــا فــي الشــركات القائمــة ووجــوده فــي‬
‫الشركات القادمة هو الفتيــا بــالجواز ‪ ،‬فهــي أكــبر مســوق‬
‫ت بالجواز لما أقدم النــاس عليهــا ‪،‬‬ ‫تجاري لهم ‪ ،‬ولو لم يف َ‬
‫ولخضعت الشركات لمطالب العلماء ‪ ،‬ثم إن الجميع يعلـم‬
‫أن المور المالية فــي الشــركات ـ ـ مــع ســيطرت النظــام‬
‫الرأسمالي الربوي ـ تصعب سلمته بدون اللجنة الشرعية‬
‫‪ .‬وعليه فيكون شرط الفتيا بالجواز وجود اللجنة الشــرعية‬
‫المســـتقلة مـــن حيـــن التأســـيس كالمستشـــار المـــالي‬
‫والقانوني ‪.‬‬
‫ة شــرعية معتــبرة‬ ‫ونظر المفتي للمــآل فــي فتــواه سياسـ ٌ‬
‫حتى لو كان له اجتهاد آخر في أعيان المســائل ‪ .‬ملتمســا ً‬
‫من إخوتي وأحبتي من طلبة العلــم وأهلـه النظـر والتأمــل‬
‫في هـذا المطلـب الملـح فـي إصـلح الوضـع المـالي فــي‬

‫‪212‬‬
‫الشــركات المحليــة ‪ .‬وقــد فصــلت هــذا المــر فــي بحــثين‬
‫سابقين فــي حكــم الكتتــاب فــي شــركة ينســاب ‪ .‬وبــالله‬
‫التوفيق ‪.‬‬
‫قاله وكتبه ‪ :‬د‪ .‬يوسف بن عبدالله الحمد‬
‫أستاذ الفقه المساعد بجامعة المام بالرياض ‪.‬‬
‫ص ب ‪ 156616‬الرياض ‪11778‬‬
‫هاتف وناسوخ ‪4307275/01‬‬
‫‪1427 /27/6‬هـ‬
‫‪http://www.saaid.net/Doat/yusuf/28.htm‬‬
‫===============‬
‫‪ #‬المساهمة في الشركات‬
‫يحيى بن موسى الزهراني‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحــده ل‬
‫شـــريك لـــه ‪ ،‬ولـــي الصـــالحين ‪ ،‬ول عـــدوان إل علـــى‬
‫الظالمين ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبــد اللــه ورســوله الميــن ‪،‬‬
‫صلى الله وســلم وبــارك عليــه وعلــى آلــه وأصــحابه الغــر‬
‫المحجليــن ‪ ،‬وعلــى التــابعين وتــابعيهم بإحســان إلــى يــوم‬
‫الدين ‪ . . .‬أما بعد ‪:‬‬
‫فــالله جــل وعل خلــق العبــاد لعبــادته ســبحانه وحــده ل‬
‫شريك ‪ ،‬وأرسل لهم الرســل ‪ ،‬وأنــزل لهــم الكتــب ‪ ،‬وحــد‬
‫لهم حدودا ً ل يجوز لهم تعديها ‪ ،‬وخط لهـم خطوطـا ً يحــرم‬
‫عليهم تجاوزها ‪ ،‬ونحــن أمــة الســلم أرســل إلينــا محمــدا ً‬
‫عبدا ً ورسول ً ‪ ،‬شفيقا ً عطوفا ً ‪ ،‬رءوفا ً رحيما ً ‪ ،‬وأنــزل إلينــا‬
‫أفضل كتبه ‪ ،‬وأعظم كلماته ‪ ،‬القرآن الكريــم ‪ ،‬فيــه تبيان ـا ً‬
‫لكل شيء ‪ ،‬فالحلل ما أحله اللــه ورســوله ‪ ،‬والحــرام مــا‬
‫حرمه الله ورسوله ‪.‬‬
‫قال ابن القيــم فــي مــدارج الســالكين ‪ " :‬أمــا الزهــد فــي‬
‫الشبهة ‪ :‬فهو ترك ما يشتبه علـى العبـد‪ :‬هـل هـو حلل أو‬
‫حرام ؟ كما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهمــا‬
‫ل‪:‬‬ ‫ل الله صلى الله عليه وســلم يقــو ُ‬ ‫ت رسو َ‬ ‫‪ ،‬يقول‪ :‬سمع ُ‬
‫مهــا‬ ‫ت ل ي َعْل َ ُ‬ ‫شـّبها ٌ‬ ‫م َ‬‫ن‪ ،‬وَب َي َْنهمــا ُ‬
‫م ب َي ّـ ٌ‬‫حــرا ُ‬
‫ن‪َ ،‬وال َ‬ ‫حل ُ‬
‫ل ب َي ّـ ٌ‬ ‫" ال َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫م َ‬
‫دين ِ‬‫س ـت َب َْرأ ل ِـ ِ‬‫تا ْ‬ ‫ش ـّبها ِ‬ ‫ن اّتقــى ال ُ‬ ‫س‪ .‬فم ـ ِ‬ ‫ن النــا ِ‬ ‫كــثيٌر م ـ َ‬
‫حمى‬ ‫ل ال ِ‬ ‫حو ْ َ‬‫عى َ‬ ‫ت‪ :‬كراٍع ي َْر َ‬ ‫ن وَقَعَ في ال ّ‬
‫شُبها ِ‬ ‫م ْ‬‫ضه‪ ،‬و َ‬ ‫عْر ِ‬‫و ِ‬

‫‪213‬‬
‫مــى‬‫ح َ‬‫ن ِ‬ ‫حمــى‪ ،‬أل إ ِ ّ‬ ‫ك ِ‬‫ملـ ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ِلكـ ّ‬
‫ن ي ُــواقَِعه‪ .‬أل وإ ِ ّ‬ ‫كأ ْ‬‫ش ُ‬‫ُيو ِ‬
‫ة‪ :‬إذا‬‫ض ـغ َ ً‬
‫م ْ‬ ‫سـدِ ُ‬
‫ج َ‬
‫ن فــي ال َ‬ ‫مه‪ .‬أل وإ ِ ّ‬ ‫محــارِ ُ‬
‫ض ـه ِ َ‬
‫اللهِ فِــي أر ِ‬
‫س ـد ُ كلــه‪،‬‬ ‫ت فَ َ‬
‫س ـد َ الج َ‬ ‫سد َ ْ‬‫جسد ُ كّله‪ ،‬وإذا فَ َ‬ ‫ح ال َ‬ ‫صل َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ح ْ‬‫صل َ َ‬
‫َ‬
‫ب " ] متفق عليه [ ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي الَقل ُ‬ ‫أل وهِ َ‬
‫فالشبهات برزخ بين الحلل والحرام ‪ ،‬وقد جعــل اللــه عــز‬
‫وجل بين كل متباينين برزخا ً ‪ ،‬كما جعل الموت ومــا بعــده‬
‫برزخا ً بيـن الـدنيا والخـرة ‪ ،‬وجعـل المعاصـي برزخـا ً بيـن‬
‫اليمان والكفر ‪ ،‬وجعل العراف برزخا ً بين الجنــة والنــار ‪،‬‬
‫وكذلك جعل بين كل مشعرين من مشاعر المناسك برزخا ً‬
‫ـ حاجزا ً ـ بينهما ‪ ،‬ليس من هــذا ول هــذا ‪ ،‬فمحســر بــرزخ‬
‫بين منى ومزدلفة ‪ ،‬ليس مــن واحــد منهمــا ‪ ،‬فل يــبيت بــه‬
‫الحاج ليلة جمع ‪ ،‬ول ليالي منى ‪ ،‬وبطن عرنــة بــرزخ بيــن‬
‫عرفة وبين الحرم ‪ ،‬فليــس مــن الحــرم ‪ ،‬ول مــن عرفــة ‪،‬‬
‫وكذلك ما بين طلــوع الفجــر وطلــوع الشــمس بــرزخ بيــن‬
‫الليل والنهار ‪ ،‬ليس من الليل لتصرمه بطلوع الفجــر ‪ ،‬ول‬
‫من النهار لنه من طلـوع الشـمس ‪ ،‬وإن دخـل فـي اسـم‬
‫اليوم شرعًا‪.‬‬
‫وكذلك منازل السير‪ :‬بين كل منزلتين برزخ يعرفه الســائر‬
‫في تلك المنــازل ‪ ،‬وكــثير مــن الحــوال والــواردات تكــون‬
‫برازخ ‪ ،‬فيظنهـا صـاحبها غايـة ‪ ،‬وهـذا لـم يتخلـص منـه إل‬
‫فقهاء الطريق ‪ ،‬والعلماء هم الدلة فيها " انتهى ‪.‬‬
‫واليوم ولكثرة وسائل الدعوة إلى اللــه ‪ ،‬أصــبحت ل تــرى‬
‫إل قليل ً مــن النــاس ممــن يجهــل أهــم الحــوادث ‪ ،‬وبعــض‬
‫أحكام النوازل ‪ ،‬فإذا مــا نزلــت نازلــة ‪ ،‬بحــث النــاس عــن‬
‫حكمها بســؤال أهــل العلـم عنهــا ‪ ،‬أل وإن أعظــم النــوازل‬
‫اليــوم ] مســاهمات البنــوك [ ‪ ،‬بيــع الســهم وشــراؤها‬
‫وتداولها ‪ ،‬والتي كثر الجدل حولها وعنها ‪.‬‬
‫فقد كثر السؤال عنها ‪ ،‬حتى إن كثيرا ً من النــاس ل يســأل‬
‫عنها إل من يرخص في جواز التعامل والكتتاب فيها ‪ ،‬وأما‬
‫عرف عنه من أهل العلم تغليــب جــانب الحــرام علــى‬ ‫من ُ‬
‫جــانب الباحــة ‪ ،‬فهــذا ل يســأله النــاس إل إذا كــانت لهــم‬
‫حقوقـا ً عنــد الخريــن ‪ ،‬أمــا إذا كــانت لهــم المصــلحة عنــد‬
‫الخرين فل يسألون عن الحكم ‪ ،‬وهذا أمر معلوم اليوم ‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫مــآ‬ ‫ُ‬
‫وإني أذكر كل مسلم ومسلمة بقــول اللــه تعــالى ‪ " :‬وَ َ‬
‫ل‬ ‫?ل ُــو?ا أ َهْ ـ َ‬ ‫سـ ـ َ‬ ‫م? ف ْ‬ ‫حي إ ِل َي ْهِ ـ ْ‬ ‫جال ً ن ّــو ِ‬ ‫ك ِإل رِ َ‬ ‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫أْر َ‬
‫َ‬
‫ن"‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫الذ ّك ْرِ ِإن ُ‬
‫فيجب على العبد أن يحتاط لدينه ول يسأل من يعتقــد أنــه‬
‫يرخص للناس بسبب أو بدون سبب كمن يتجرأ على الفتيا‬
‫مثل ً ‪ ،‬فهذا وإن ُأفتي في مسألة وهو يعرف حقيقتها ولكنه‬
‫خالف عالم آخر له شأنه في الفتــوى ولــه صــولته وجــولته‬
‫في العلم ‪ ،‬فل يجوز له أن يأخذ بالرخصة لعلمه حرمة مــا‬
‫صارِيّ رضي اللــه‬ ‫سمَعا َ َ‬ ‫ُ‬
‫ن الن ْ َ‬ ‫ن ِ ْ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن الن ّ ّ‬ ‫قد أفتي به ‪َ ،‬عَ ِ‬
‫ل‪":‬‬ ‫ن ال ْب ِـّر َوال ِث ْـم ِ ؟ فََقــا َ‬ ‫ل اللهِ عَ ِ‬
‫سو َ ّ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫سأل ْ ُ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫عنه َقا َ‬
‫ت‬ ‫ك ‪ ،‬وَك َرِهْـ َ‬ ‫صـد ْرِ َ‬ ‫ك فِــي َ‬ ‫حــا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ق ‪َ ،‬وال ِث ْ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ ْ‬ ‫ال ْب ِّر ُ‬
‫خل ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح ْ‬
‫َ‬
‫س " ] أخرجه مسلم [ ‪ ،‬وقال ابن عمــر‬ ‫ن ي َط ّل ِعَ عَل َي ْهِ الّنا ُ‬ ‫أ ْ‬
‫ة الت ّْقوى حــتى ي َـد َعَ‬ ‫رضي الله عنهما ‪ " :‬ل يبلغ العَب ْد ُ حقيق َ‬
‫در " ] أخرجه البخاري [ ‪.‬‬ ‫ص ْ‬ ‫ك في ال ّ‬ ‫ما حا َ‬
‫فالله عز وجــل يعلـم خائنـة العيــن ومـا تخفـي الصــدور ‪،‬‬
‫مطلــع علــى القلــوب ومــا تخفيــه‬ ‫لــذلك فهــو ســبحانه ُ‬
‫وتضمره ‪ ،‬لن السر عنده علنية ‪ ،‬ولهذا يجب علــى العبــد‬
‫أن يتحرى الفتوى من أهلها ‪ ،‬وإن وقع في الشبه فعليه أن‬
‫يحذرها ‪ ،‬لن الشبهة توقع في الحرام ‪ ،‬وأسهم الشــركات‬
‫شـب َهِ ‪ ،‬فعلــى العبــد أن يتــق اللــه تعــالى‬ ‫كلها تدور حول ال ُ‬
‫ويحــذر مــواطن العــذاب ‪ ،‬ومكــامن العقــاب ‪ ،‬فل أشــد‬
‫وأعظم من أكل المال الحرام ‪ ،‬والنسان مهما عاش فــي‬
‫هذه الحياة الدنيا ‪ ،‬فهو لبد ميت ‪ ،‬ومنتقل إلى دار البرزخ‬
‫التي فيها بداية النعيم والجحيم ‪ ،‬فالقبر أول منازل الخرة‬
‫‪ ،‬فإن نجى منه صــاحبه فمــا بعــده أهــون منــه ‪ ،‬وإن هلــك‬
‫صاحبه فمــا بعــده أشــد منــه والعيــاذ بــالله ‪ ،‬وأكــل المــال‬
‫الحرام من أشد الخطار ‪ ،‬وأعظم الغترار ‪ ،‬وأطم الشنار‬
‫ن أ َب ِــي هَُري ْـَرةَ‬ ‫‪ ،‬كيف ل وقد جــاء فــي صــحيح مســلم ‪ ،‬عَـ ْ‬
‫ل الل ّـهِ صــلى اللــه عليــه‬ ‫ســو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل ‪ :‬قَــا َ‬ ‫رضي الله عنه قَــا َ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ل إ ِل ّ ط َّيب ـا ً ‪ ،‬وَإ ِ ّ‬ ‫ب ل َ ي َْقب َـ ُ‬ ‫ه ط َي ّ ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫وسلم ‪ " :‬أي َّها الّنا ُ‬
‫ل ‪َ } :‬يا أ َي ّهَــا‬ ‫ن ‪ ،‬فََقا َ‬ ‫سِلي َ‬ ‫مْر َ‬ ‫مَر ب ِهِ ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ما أ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫مَر ال ْ ُ‬
‫الل ّ َ‬
‫هأ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ملــو َ‬ ‫ُ‬ ‫مــا ت َعْ َ‬ ‫ً‬
‫صاِلحا إ ِّني ب ِ َ‬ ‫ملوا َ‬ ‫ُ‬ ‫ت َواعْ َ‬ ‫ن الطي َّبا ِ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل كلوا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫س ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫مُنوا ك ُُلوا‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫م { ] المؤمنون ‪ [ 15‬وََقا َ‬ ‫عَِلي ٌ‬

‫‪215‬‬
‫ل‬ ‫ج ُ‬ ‫م ذ َك ََر الّر ُ‬ ‫م { ] البقرة ‪ " [ 271‬ث ُ ّ‬ ‫ما َرَزقَْناك ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن ط َي َّبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ماِء ‪َ ،‬يا َر ّ‬ ‫س َ‬ ‫مد ّ ي َد َي ْهِ إ َِلى ال ّ‬ ‫ث أغْب ََر ‪ ،‬ي َ ُ‬ ‫شع َ َ‬ ‫سَفَر ‪ ،‬أ ْ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫طي ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫م‪،‬‬ ‫حـَرا ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫سـ ُ‬ ‫مل ْب َ ُ‬ ‫م ‪ ،‬وَ َ‬ ‫حـَرا ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫شَرب ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ‪ ،‬وَ َ‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫مط ْعَ ُ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫َيا َر ّ‬
‫َ‬
‫ب ِلذاِلك؟ " ‪.‬‬ ‫جا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫حَرام ِ ‪ ،‬فَأّنى ي ُ ْ‬ ‫وَغُذِيَ ِبال ْ َ‬
‫وهذا غيض من فيض ‪ ،‬وقليل من كثير من العذاب والنكال‬
‫الذي ُيلم بآكل المال الحرام ‪.‬‬
‫فاتقوا الله أيهــا المســلمون ودعــوا مــا يريبكــم إلــى مــا ل‬
‫يريبكم كما صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ه‬ ‫خ ـذ َ الل ّـ ُ‬ ‫وُأذكر أهل الفتوى بقول اللــه عــز وجــل ‪ " :‬وَإ ِذ ْ أ َ َ‬
‫ميَثاقَ ال ّـذي ُ‬
‫ه?‬ ‫مــون َ ُ‬ ‫س َول ت َك ْت ُ ُ‬ ‫ه? ِللن ّــا ِ‬ ‫ب ل َت ُب َي ّن ُن ّـ ُ‬ ‫ن أوت ُــوا ال ْك ِت َــا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬
‫مــا‬ ‫س َ‬ ‫من ًــا قَِليل فَب ِئ ْ َ‬ ‫ه? ث َ َ‬ ‫شـت ََرْوا ب ِـ ِ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫ذوهُ وََرآَء ظ ُهُــورِهِ ْ‬ ‫فَن َب َـ ُ‬
‫ن " ] آل عمران ‪. [187‬‬ ‫شت َُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ول أظن أن عالما ً من علمائنا يشتري الحياة الدنيا بالخرة‬
‫‪ ،‬معاذ الله أن يكون هذا ‪ ،‬ولكن ربما اختلط على بعضــهم‬
‫أمورا ً ‪ ،‬واشتبهوا في أخرى ‪ ،‬فأفتى بغير ما يوافق الشــرع‬
‫خطأ ً وزلل ً ‪ ،‬فهذا مأجور كما جاء في حديث معاذ بن جبــل‬
‫مــا‬ ‫ل الله صلى الله عليه وسلم ل َ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫رضي الله عنه ‪ ،‬أ ّ‬
‫ك‬ ‫ض لَ َ‬ ‫ذا عََر َ‬ ‫ضي إ َ‬ ‫ف ت َْق ِ‬ ‫ل ‪ " :‬ك َي ْ َ‬ ‫ن قا َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ي َب ْعََثه إَلى ال ْي َ َ‬ ‫أَراد َ أ ْ‬
‫ج ـد ْ فِــي‬ ‫م تَ ِ‬ ‫ن ل َـ ْ‬ ‫ل ‪َ :‬فإ ْ‬ ‫ب الله‪ .‬قا َ‬ ‫ضي ب ِك َِتا ِ‬ ‫ل ‪ :‬أقْ ِ‬ ‫ضاٌء ؟ قا َ‬ ‫قَ َ‬
‫ل اللــه صــلى اللــه عليــه‬ ‫ســو ِ‬ ‫س ـن ّةِ َر ُ‬ ‫ل ‪ :‬فَب ِ ُ‬ ‫ب الله ؟ قــا َ‬ ‫ك َِتا ِ‬
‫ل الله صلى اللــه‬ ‫سو ِ‬ ‫سن ّةِ َر ُ‬ ‫جد ْ ِفي ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ل ‪َ :‬فإ ْ‬ ‫وسلم ‪ ،‬قا َ‬
‫جت َهِ ـد ُ َرأ ْي ِــي وَل َ‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬ول َ في كتاب اللــه ؟ قــا َ َ‬
‫ل‪:‬أ ْ‬ ‫َِ ِ‬ ‫َ ِ‬
‫ص ـد َْرهُ ‪،‬‬ ‫ل الله صــلى اللــه عليــه وســلم َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ضَرب َر ُ‬ ‫آلو‪ ،‬فَ َ‬
‫مــا‬ ‫ل اللــه ‪ ،‬ل ِ َ‬ ‫ســو ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ســو َ‬ ‫ذي وَفّـقَ َر ُ‬ ‫مد ُ للــه ال ّـ ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ‪ :‬ال ْ َ‬ ‫فََقا َ‬
‫ل الله " ] أخرجه أبو داود وغيره [ ‪.‬‬ ‫سو َ‬ ‫ضي َر ُ‬ ‫ي ُْر ِ‬
‫ل الل ّـ ِ‬
‫ه‬ ‫ســو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل ‪ :‬قَــا َ‬ ‫ن أ َِبي هَُري َْرةَ رضــي اللــه عنــه قَــا َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫صــا َ‬ ‫جت َهَد َ فَأ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫حاك ِ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حك َ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فَل َ َ‬
‫جٌر " ] أخرجه النســائي‬ ‫هأ ْ‬ ‫خط َأ فَل َ ُ‬ ‫جت َهَد َ فَأ ْ‬ ‫ذا ا ْ‬ ‫ن َوإ َ‬ ‫جَرا ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬
‫وغيره [ ‪.‬‬
‫فأمر الفتيا ليس بالمر الهين أو الســهل كمــا يظنــه بعــض‬
‫المتعالمين اليوم ‪ ،‬بل هو توقيع عن الله عز وجــل فــي أن‬
‫ت أفــتى النــاس‬ ‫هذا المر حلل أم حرام ‪ ،‬فما ظنكم بمف ـ ٍ‬
‫بخلف ما جاء به الشرع المطهر هــوىً لنفســه أو مداهنــة‬

‫‪216‬‬
‫لحاكم أو اتباعا ً للشيطان أو غير ذلك لينال شــهرة واســعة‬
‫في الدنيا ‪ ،‬ويم القيامة ُيرد إلى أشد العذاب ؟‬
‫فأقول يجب على العلماء وأهل الفتوى أن يجتمعوا ليجــاد‬
‫حــل لي نازلـة قبــل نزولهــا أو وقــت نزولهــا ‪ ،‬وحــتى بعــد‬
‫نزولها ‪ ،‬ومن ذلك الجتماع لصدار فتوى في حكــم معيــن‬
‫مختلف فيه ل يسوغ فيه الختلف ‪ ،‬ويكون فيــه أدلــة أحــد‬
‫الفريقين أقــوى مــن أدلــة الخــر ‪ ،‬فحبــذا لــو اجتمــع أهــل‬
‫الفتوى وأصدروا حكما ً واحدا ً لئل يقع الناس فــي علمــائهم‬
‫ويتهمــونهم اتهامــات باطلــة كــانوا فــي منــأى عنهــا ‪ ،‬فلــوا‬
‫درءوا عن أنفسهم الغيبة والسباب والشتائم ‪ ،‬وربما وصل‬
‫المر إلى الطعن في علمهم وفتواهم ‪ ،‬واتهامهم بأنهم تبع‬
‫لفلن أو فلن ‪ ،‬ل ســيما فــي أمــور الســهم والســندات‬
‫والمحـــافظ الســـتثمارية الـــتي وقــع فـــي حبائلهـــا جـــل‬
‫المسلمين اليــوم فــي مشــارق الرض ومغاربهــا ‪ ،‬مــا بيــن‬
‫الجواز والتحريم ‪.‬‬
‫فالله الله أيها العلماء بالمســلمين ‪ ،‬رفقـا ً رفقـا ً بهــم فهــم‬
‫على بوابة مـن الهاويـة والوقـوع فـي الحـرام والمشـتبه ‪،‬‬
‫والمة بأسرها تنزلق في مزالق المم قبلها من ابتعاد عن‬
‫الدين ‪ ،‬ورضا ً بالـدنيا وزينتهـا ‪ ،‬لقـد تـرك النـاس الصـلة ‪،‬‬
‫وهجروا بيوت الله ‪ ،‬لهثا ً وراء السهم ‪ ،‬بل وصل المر إلى‬
‫التماسك باليدي والخصام والســباب والضــرب حــتى نقــل‬
‫بعضهم إلى المستشفيات جراء حرب السهم الســتثمارية‬
‫المشتبهة ‪.‬‬
‫ول يخفى أن الوقوع في المشتبه وقوع في الحــرام ‪ ،‬فلــو‬
‫أفتيت شخصا ً بجــواز التعامــل مــع الشــركة الفلنيــة ‪ ،‬وأن‬
‫جزءا ً ضئيل ً من رأس مالها فيه ربا ً ‪ ،‬أو كانت ممن يتعامــل‬
‫بالربا بجزء بسيط ل يتجاوز ‪ %10‬مــن رأس مالهــا مثل ً أو‬
‫أقل أو أكثر ‪ ،‬أو أنها تــودع شــيئا ً بســيطا ً مــن أموالهــا فــي‬
‫بنوك ربوية ‪ ،‬إلى غير ذلك من تعــاملت الربــا ‪ ،‬إن أفــتيت‬
‫شخصا ً بجواز التعامل مع تلك الشركة أو ذلك البنك ‪ ،‬أيــن‬
‫تذهب من الله تعالى الذي حرم الربا قليله وكــثيره ؟ مــن‬
‫أين لك هذا العلم الذي أجاز لــك الفتيــا بجــواز أكــل قليــل‬
‫الربا ‪ ،‬والله تعالى يقول ‪ " :‬يا أيها الذين آمنــوا اتقــوا اللــه‬

‫‪217‬‬
‫وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لــم تفعلــوا‬
‫فأذنوا بحــرب مــن اللــه ورســوله فــإن تبتــم فلكــم رؤوس‬
‫أموالكم ل تظلمون ول تظلمـون " ‪ ،‬وأيـن أنـت مـن قـول‬
‫الله جل وعل ‪ " :‬وأحل اللــه الــبيع وحــرم الربــا " ‪ ،‬وقــول‬
‫الله تعالى ‪ " :‬يمحق الله الربــا ويربــي الصــدقات واللــه ل‬
‫يحب كل كفار أثيم " فهذه الدلة وغيرهــا مــن كتــاب اللــه‬
‫تعالى تدل دللة قاطعــة علــى تحريــم الربــا قليلــه وكــثيره‬
‫سواء ‪.‬‬
‫فالله عز وجل لم يفرق بين قليل الربــا وكــثيره ‪ ،‬بــل كلــه‬
‫سواء ‪.‬‬
‫عقوبــة الربــا ل تخفــى علــى مســلم ذو عقــل وبصــيرة ‪،‬‬
‫فعقوبته من أشد العقوبات ‪ ،‬إن لم يكن الربا أشــدها بعــد‬
‫الشــرك بــالله ‪ ،‬فآكــل الربــا ملعــون وخــائن ‪ ،‬والربــا مــن‬
‫الموبقات التي تقذف بصاحبها إلى النار والعياذ بالله ‪ ،‬عن‬
‫ي صـلى اللـه عليـه‬ ‫ن النـب ّ‬ ‫ه عنـه ‪ ،‬عـ ِ‬ ‫ي اللـ ُ‬ ‫أبي هريرةَ رض َ‬
‫سبعَ الموبقات ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يــا رســو َ‬
‫ل‬ ‫وسلم قال ‪ " :‬اجتِنبوا ال ّ‬
‫ل‬‫ســحُر‪ ،‬وقت ْـ ُ‬ ‫ه‪ ،‬وال ّ‬ ‫ك بــالل ِ‬ ‫شــر ُ‬ ‫ن ؟ قــال ‪ " :‬ال ّ‬ ‫اللهِ ‪ ،‬وما هُـ ّ‬
‫ل‬ ‫ل مــا ِ‬ ‫ل الّربــا ‪ ،‬وأك ـ ُ‬ ‫ق؛ وأك ُ‬ ‫ه إل ّ بالح ّ‬ ‫م الل ُ‬‫حّر َ‬ ‫س التي َ‬‫الّنف ِ‬
‫ت‬ ‫ت المؤمنــا ِ‬ ‫محصــنا ِ‬ ‫ف ال ُ‬ ‫ف‪ ،‬وقذ ُ‬ ‫الَيتيم‪ ،‬والّتوّلي يوم الّزح ِ‬
‫ت " ] متفق عليه [ ‪.‬‬ ‫الغاِفل ِ‬
‫ل الل ّهِ صلى اللــه‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ل ‪ :‬ل َعَ َ‬ ‫جاب ِرٍ رضي الله عنه َقا َ‬ ‫ن َ‬
‫عَ ْ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ه‪ ،‬وََقــا َ‬
‫شاهِد َي ْ ِ‬‫ه‪ ،‬وَ َ‬ ‫ه‪ ،‬وَ َ‬
‫كات ِب َ ُ‬ ‫موك ِل َ ُ‬ ‫ل الّرَبا ‪ ،‬وَ ُ‬ ‫عليه وسلم آك ِ َ‬
‫واٌء ] أخرجه البخاري ومسلم [ ‪.‬‬ ‫س َ‬
‫م َ‬ ‫هُ ْ‬
‫عن ابن مسعود رضي الله عنه ‪ ،‬أن النبي صلى الله عليــه‬
‫ل"]‬ ‫ربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى ق ّ‬ ‫وسلم قال ‪ " :‬ال ِ‬
‫أخرجه أحمد [ ‪.‬‬
‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ‪ ،‬عن النــبي صــلى‬
‫اللــه عليــه وســلم قــال ‪ " :‬لعــن اللــه آكــل الربــا ومــوكله‬
‫وشاهديه وكاتبه ‪ ،‬قال ‪ :‬وقــال ‪ :‬مــا ظهــر فــي قــوم الربــا‬
‫والزنا إل أحلوا بأنفسهم عقاب اللـه عـز وجـل " ] أخرجـه‬
‫أحمد [ ‪.‬‬
‫ة خطــورة‬ ‫فمن تأمل تلك النصــوص الشــرعية أدرك حقيق ـ ً‬
‫الربا ولــو كــان قليل ً علــى الفــراد والمجتمعــات بــل علــى‬

‫‪218‬‬
‫المم ‪ ،‬لما فيه من تع لحدود الله تعالى ‪ ،‬ولحتــوائه علــى‬
‫ظلـم النـاس وأكـل أمـوالهم بالباطــل ‪ ،‬ولمـا يحتـويه مـن‬
‫مماطلة ‪ ،‬ومحاربة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وربما كان هذا الضعف الذي تعانيه المة اليوم دليل قاطعا ً‬
‫ودامغا ً لكلــي الربــا ‪ ،‬والمتعــاملين بــه ‪ ،‬وكــذا نــرى اليــوم‬
‫إمساك السماء عن قطرها ‪ ،‬ومنع الرض لبركتها ‪.‬‬
‫مما يجعل المؤمن يراجع نفسه مــائة مــرة قبــل أن ُيقــدم‬
‫على أمر مباح فكيف بـأمر المشـتبه أو المحـرم لهـو أبعـد‬
‫عن ذلك ‪.‬‬
‫واليوم أكل الناس كلهم الربا ‪ ،‬ومن لــم يــأكله أصــابه مــن‬
‫غباره ‪ ،‬وهذا أمر واضح ل يختلف فيه اثنيــن ‪ ،‬ول حــول ول‬
‫قوة إل بالله ‪ ،‬فأي نصر نريد ‪ ،‬وأي عزة نروم ‪ ،‬وأي تقــدم‬
‫ننشد ‪ ،‬والناس ينساقون وراء القاصي والداني ســعيا ً وراء‬
‫الربا والعياذ بالله ‪.‬‬
‫ولم يكن لهم أن يفعلــوا ذلــك ‪ ،‬لــول وجــود الفتــاوى الــتي‬
‫أوقعت الناس فــي الحيــرة والضــيق ‪ ،‬والــتي دعتهــم إلــى‬
‫محاربة الله عز وجل عيانا ً بيانا ً ‪.‬‬
‫فكل من العلماء وأهل الفتوى على ثغــر ‪ ،‬فســدوا الثغــور‪،‬‬
‫حجبا ً إلــى نــار جهنــم ‪ ،‬بــل‬
‫سترا ً و ُ‬ ‫ول تفتحوا للناس أبوابا ً و ُ‬
‫اتقــوا اللــه عــز وجــل ‪ ،‬واخشــوه وراقبــوه ‪ ،‬أغلقــوا علــى‬
‫الناس أبواب الحرام والمتشابه حــتى ل يقعــوا فيمــا حــرم‬
‫الله ‪ ،‬فالربا دمار للمم ‪ ،‬خراب للديار ‪ ،‬هلك للناس ‪ ،‬ذلة‬
‫للعباد ‪ ،‬دناءة في الخلق ‪ ،‬استجلب لمقت الله وعقــابه ‪،‬‬
‫سبب لتــداعي العــداء واعتــدائهم ‪ ،‬والواقــع خيــر شــاهد ‪،‬‬
‫وأعظــم برهــان ‪ ،‬نســأل اللــه العفــو والعافيــة ‪ ،‬والتوبــة‬
‫الصادقة ‪.‬‬
‫والقاعدة الفقهية تقول ‪:‬‬
‫دم الحاظر على المبيح احتياط ـا ً‬ ‫إذا اجتمع حاظر ومبيح ‪ ،‬قُ ّ‬
‫وبراءة للذمة ‪.‬‬
‫وهذه قاعدة مهمة جدا ً يجب أن يأخذ بها أهل الفتوى عــن‬
‫السهم ‪ ،‬فقد أوقعوا الناس في حيرة مــن أمــر دينهــم ول‬
‫حول ول قوة إل بالله ‪ ،‬والله جل وعل سائل المفــتي يــوم‬
‫القيامة عن دليــل تحليلــه لقليــل الربــا ‪ ،‬مــع أن النصــوص‬

‫‪219‬‬
‫الشرعية جاءت بتحريم الربا دون تحديد أو بيان للكــثرة أو‬
‫القلة ‪.‬‬
‫والنــاس اليــوم لــم يعــودوا يتورعــون عــن أكــل الربــا‬
‫والمساهمة في البنـوك والمؤسسـات والشـركات صـاحبة‬
‫السهم ‪ ،‬ول يخرجون قيمة الربا الموجـود فـي أسـهمهم ‪،‬‬
‫وربما خفي ذلك عن بعض أهل الفتــوى بجــواز المســاهمة‬
‫في الشركات المختلطــة ‪ ،‬ومعنــى مختلطــة ‪ :‬أي أن فيهــا‬
‫نسبة من الربا ‪ ،‬والربا كما علمنا حرام كله ‪ ،‬ل فــرق فيــه‬
‫بيــن قليــل ول كــثير ‪ ،‬بــل كلمــا زاد الربــا زادت العقوبــة‬
‫والعذاب ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬لــم يعــد هنــاك ورع أو زهــد مــن قبــل النــاس فــي‬
‫السهم الربوية ‪ ،‬بــل يــأتي أحــدهم الشــيطان ويســول لــه‬
‫ويملي له حتى ل يبالي من أين أكــل المــال أمــن حلل أم‬
‫حرام ؟ وحتما ً سينال المفتى قسطا ً من العذاب ‪ ،‬لنه هــو‬
‫الذي أفتى بجواز المساهمة في الشــركات المختلطــة مــع‬
‫إخراج نسبة الربا ‪ ،‬فأكل الناس الربا ورضوا به ‪.‬‬
‫وهذا هو الواقع اليوم ‪ ،‬فأي إنسان يســاهم ل تعنيــه نســبة‬
‫الحرام الموجودة ‪ ،‬بل القصد والغاية عدد السهم ومقــدار‬
‫الربح ‪ ،‬فهل فطن لذلك أهــل الفتــوى ‪ ،‬وراجعــوا أنفســهم‬
‫قبل أن يوقعوا عن ربهم ‪.‬‬
‫مما سبق بيانه ظهر جليـا ً أنـه ل يجـوز المسـاهمة فـي أي‬
‫شركة أو بنك في صــورة محرمــة مهمــا صــغرت أو دقــت‬
‫هذه المعاملة وممن ذهب إلى هــذا القــول‪ :‬مجمــع الفقــه‬
‫السلمي التابع لمنظمة المــؤتمر الســلمي بجــدة‪ ،‬ونــص‬
‫قراره هو‪:‬‬
‫" ج‪ :‬الصل حرمــة الســهام فــي شــركات تتعامــل أحيان ـا ً‬
‫بالمحرمــات‪ ،‬كالربــا ونحــوه‪ ،‬بــالرغم مــن أن أنشــطتها‬
‫الساسية مشروعة " )]‪.([1‬وكذلك لمجمع الفقهــي التــابع‬
‫لرابطة العالم السلمي في مكــة المكرمــة‪ ،‬ونـص قــراره‬
‫هو‪:‬‬
‫" ل يجوز لمسلم شــراء أســهم الشــركات والمصــارف إذا‬
‫كان في بعض معاملتها ربا‪ ،‬وكان المشتري عالمـا ً بــذلك"‬
‫)]‪.([2‬‬

‫‪220‬‬
‫وممن قال بالتحريم أيضًا‪ :‬اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة‬
‫والفتاء )]‪ ،([3‬والهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويــتي )]‬
‫‪ ،([4‬والهيئة الشــرعية لبنــك دبــي الســلمي )]‪ ،([5‬وهيئة‬
‫الرقابة الشرعية للبنك الســلمي الســوداني )]‪،([6‬وعــدد‬
‫من الفقهاء المعاصرين )]‪.([7‬‬
‫وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة مــن الكتــاب والســنة‬
‫تدل بعمومهـا علـى تحريـم الربـا قليلـه وكــثيره ‪ ،‬ولن يـد‬
‫الشركة على المال هــي نفــس يــد المســاهم‪ ،‬فــأي عمــل‬
‫تقــوم بــه فهــو عملــه ل فــرق بينهمــا‪ ،‬فكمــا يحــرم علــى‬
‫النسان أن يســتثمر جــزءا ً مــن مــاله – ولــو يســيرا ً – فــي‬
‫معاملت محرمة‪ ،‬فكذا يحرم عليه المشاركة في شــركات‬
‫تتعامل بالحرام‪ ،‬لن المال المستثمر هو ماله بعينه‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بالجواز بضوابط ‪.‬‬
‫وممــن ذهــب إلــى هــذا القــول‪ :‬الهيئة الشــرعية لشــركة‬
‫الراجحــــي)]‪ ،([8‬والهيئة الشــــرعية للبنــــك الســــلمي‬
‫الردني)]‪ ، ([9‬والمستشار الشرعي لدلة البركة )]‪، ([10‬‬
‫ونــدوة البركــة السادســة )]‪ ، ([11‬وعــدد مــن العلمــاء‬
‫المعاصرين )]‪.([12‬‬
‫وقد اشترط أصحاب هذا القول شــروطًا؛ إذا تــوفرت جــاز‬
‫تداول أسهم بعض الشركات ‪ ،‬وإذا تخلف منهــا شــرط لــم‬
‫يجز‪ ،‬وهذه الشروط سيأتي بيانها‪.‬‬
‫وقد استدل أصحاب هذا القول بعدد من القواعد‪ :‬كقاعــدة‬
‫رفع الحرج‪ ،‬والتبعيــة ‪ ،‬والحاجــة العامــة‪ ،‬وعمــوم البلــوى‪،‬‬
‫ومراعــاة قواعــد الكــثرة والقلــة والغلبــة‪ ،‬وكــذلك جــواز‬
‫التعامل مع من كان غالب أمواله حلل‪.‬‬
‫ضوابط القائلين بالجواز‪:‬‬
‫‪ -1‬الضابط الول‪ :‬تحديد نسبة القتراض الربوي‪.‬‬
‫اختلــف القــائلون بــالجواز فــي تحديــد هــذه النســبة علــى‬
‫أقوال‪:‬‬
‫القــول الول‪ :‬أن ل تزيــد نســبة القــروض عــن ‪ %25‬مــن‬
‫إجمالي الموجودات‪ ،‬وبه أخذت هيئة الراجحي في قرارهــا‬
‫رقم ‪.485‬‬

‫‪221‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن ل تساوي أو تزيد عن ‪ %33‬من إجمــالي‬
‫الموجودات‪ ،‬وبه أخذ " الداو جونز السلمي"‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن ل تزيد القروض عــن ‪ %30‬مــن القيمــة‬
‫الســـوقية لمجمـــوع أســـهم الشـــركة‪ ،‬وبـــه أخـــذت هيئة‬
‫المحاسبة والمراجعة للمؤسســات الماليــة الســلمية فــي‬
‫البحرين‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬أن ل تزيد القروض عــن ‪ %30‬مــن إجمــالي‬
‫القيمة السوقية ما لــم تقــل عــن القيمــة الدفتريــة‪ ،‬وبهــذا‬
‫صــدر تــوجيه الهيئة الشــرعية بشــركة الراجحــي المبلــغ‬
‫بخطاب رئيسها الموجه لرئيــس مجلــس إدارة الشــركة )]‬
‫‪.([13‬‬
‫القــول الخــامس‪ :‬أن ل تزيــد القــروض عــن ‪ % 30‬مــن‬
‫إجمالي موجودات الشركة‪ ،‬وهذا الضابط آخر ما استقرت‬
‫عليه أكثر الهيئات الشرعية في البنوك السعودية ‪.‬‬
‫‪ -2‬الضــابط الثــاني‪ :‬نســبة المصــروفات المحرمــة لجميــع‬
‫مصروفات الشركة‪.‬‬
‫وحددت هذه النسبة بـ ‪ %5‬من إجمالي المصروفات‪ ،‬وهذا‬
‫الضابط توجهت إليه الهيئات أخيرا ً ‪.‬‬
‫‪ -3‬الضــابط الثــالث‪ :‬حجــم العنصــر المحــرم )الســتثمار‬
‫المحرم(‪:‬‬
‫اختلف القائلون بــالجواز فــي تحديــد نســبة حجــم العنصــر‬
‫الحرام على أقوال‪:‬‬
‫القــول الول‪ :‬أن ل يتجــاوز العنصــر الحــرام ‪ %15‬مــن‬
‫إجمالي موجودات الشركة‪ ،‬وبه أخذت هيئة الراجحي فــي‬
‫قرارها رقم ‪.485‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن ل يتجاوز المبلغ المودع بالربا ‪ %30‬مــن‬
‫القيمة السوقية لمجموع أسهم الشـركة‪ ،‬وبـه أخـذت هيئة‬
‫المعايير المحاسبية في البحرين‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬عدم اعتبار هــذا الضــابط‪ ،‬وبــه وجهــت هيئة‬
‫الراجحي من خلل خطابها المبلغ من رئيسها النف الذكر‪،‬‬
‫وكذلك لم يعتبر الداو جونز هذا الضابط‪.‬‬
‫‪ -4‬الضابط الرابع‪ :‬نسبة اليرادات المحرمة‪:‬‬

‫‪222‬‬
‫اختلــف القــائلون بــالجواز فــي تحديــد هــذه النســبة علــى‬
‫أقوال‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬أن ل يتجاوز مقدار اليراد الناتــج مــن عنصــر‬
‫محرم ‪ %5‬مــن إجمــالي إيــرادات الشــركة‪ ،‬وبهــذا أخــذت‬
‫الهيئة الشرعية لشركة الراجحي في قرارها ‪ .485‬وكذلك‬
‫هيئة المعايير المحاسبية في البحرين‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن ل تتجاوز اليــرادات غيــر التشــغيلية ‪%9‬‬
‫مــن اليــرادات التشــغيلية ‪ ،‬وبهــذا أخــذ " الــداو جــونز‬
‫السلمي"‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫إن الهيئات الشــرعية إذا تخلــف عنــدها ضــابط واحــد مــن‬
‫الضــوابط حكمــوا علــى الشــركة بــالتحريم وصــنفوها مــن‬
‫الشركات المحرمة‪ ،‬فكيــف إذا تخلــف أكــثر مــن ضــابط ؟‬
‫] خالد إبراهيم الدعيجي بتصرف [ ‪.‬‬
‫أسأل الله الهداية والتوفيق والسداد ‪ ،‬ومعرفــة الصــواب ‪،‬‬
‫واجتنــاب الخطــأ والزلــل ‪ ،‬إنــه ولــي ذلــك والقــادر عليــه ‪،‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك علــى نبينــا محمــد ‪ ،‬والحمــد للــه‬
‫رب العالمين ‪.‬‬
‫‪---------------‬‬
‫)]‪ ([1‬مجلة المجمع ‪7/1/712‬‬
‫)]‪ ([2‬قــرارات المجمــع الفقهــي ص ‪ .297‬وتاريــخ القــرار‬
‫‪20/8/1415‬هـ‪.‬‬
‫)]‪ ([3‬فتاوى اللجنة ‪. 13/407‬‬
‫)]‪ ([4‬الفتاوى الشرعية فــي المســائل القتصــادية‪ ،‬فتــوى‬
‫رقم )‪.(532‬‬
‫)]‪ ([5‬فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لبنــك دبــي الســلمي‪،‬‬
‫فتوى رقم )‪.(49‬‬
‫)]‪ ([6‬فتـــاوى هيئة الرقابـــة الشـــرعية للبنـــك الســـلمي‬
‫السوداني‪ ،‬فتوى رقم )‪.(16‬‬
‫)]‪ ([7‬منهـــم‪ :‬د‪ .‬صـــالح المرزوقـــي فـــي بحثـــه ))حكـــم‬
‫الشـــتراك فـــي شـــركات تـــودع أو تقـــرض بفـــوائد(( د‪.‬‬
‫السالوس في بحثه ))أحكــام أعمــال البورصــة فــي الفقــه‬
‫الســلمي(( المقــدم لمجمــع الفقــه الســلمي بجــده فــي‬

‫‪223‬‬
‫دورته السادسة‪ ،‬مجلة المجمــع ‪ ،6/2/1343‬والشــيخ عبــد‬
‫اللــه بــن بيــه فــي بحثــه ))المشــاركة فــي شــركات أصــل‬
‫نشــاطها حلل إل أنهــا تتعامــل بــالحرام(( المقــدم لمجمــع‬
‫الفقــه الســلمي فــي دورتــه الســابعة‪ ،‬مجلــة المجمــع‬
‫‪.7/1/415‬‬
‫)]‪ ([8‬قرارات الهيئة الشرعية للشركة ‪1/241‬‬
‫)]‪ ([9‬الفتــاوى الشــرعية للبنــك الســلمي الردنــي فتــوى‬
‫رقم )‪.(1‬‬
‫)]‪ ([10‬الجوبــة الشــرعية فــي التطبيقــات المصــرفية‪،‬‬
‫مجموعة دلة البركة فتوى رقم )‪.(37‬‬
‫)]‪ ([11‬الفتاوى القتصادية ص ‪.19‬‬
‫)]‪ ([12‬منهم فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين )مجلة النــور‬
‫ع ‪ 183‬لعام ‪1421‬هـ( وفضيلة الشيخ عبــد اللــه بــن منيــع‬
‫في بحثه المنشور بمجلة البحوث الفقهيــة المعاصــرة ع ‪7‬‬
‫لعــام ‪1411‬هـ ـ بعنــوان ))حكــم تــداول أســهم الشــركات‬
‫المساهمة((‪ ،‬وكل من د‪ .‬نزيه حماد‪ ،‬ومصــطفى الزرقــاء‪،‬‬
‫ومحمد تقــي العثمــاني‪ ،‬انظــر )مجلــة النــور ع ‪ 183‬لعــام‬
‫‪1421‬هـ( ود‪ .‬علــي محــي الــدين القــره داغــي فــي بحثــه‬
‫المقدم لمجمع الفقه السلمي في دورته التاسعة بعنــوان‬
‫))الستثمار في السهم((‬
‫)]‪ ([13‬بخطـــــاب رقـــــم ‪/14/425‬هــــــ ش وتاريـــــخ‬
‫‪20/3/1425‬هـ‪.‬‬
‫================‬
‫‪#‬حكم المساهمة في شركة التصالت‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬و أشهد أن ل إله إل الله وحده ل‬
‫شريك له ‪ ،‬و أشهد أن محمدا ً عبده و رســوله صــلى اللــه‬
‫عليه و على آله و صحبه و سلم ‪ ..‬و بعد ‪:‬‬
‫فقد كثرت السئلة حول المساهمة في شــركة التصــالت‬
‫فأقول و بالله التوفيق ‪:‬‬
‫إن الله تعال قــد بي ّــن الحلل و الحــرام فــي كتــابه و علــى‬
‫لسان رسوله صلى الله عليه و سلم ‪ ،‬قال الله تعــالى ) و‬
‫نزلنـا عليـك الكتـاب تبيانـا ً لكـل شـيء و هـدى و رحمـة و‬
‫م‬
‫حــّر َ‬
‫ما َ‬
‫م َ‬‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫بشرة للمسلمين ( و قال تعالى ) وَقَد ْ فَ ّ‬
‫ص َ‬

‫‪224‬‬
‫َ‬
‫م‬‫وائ ِهِ ْ‬‫ن ب ِـأهْ َ‬‫ضـّلو َ‬ ‫ن ك َِثيـًرا ل َي ُ ِ‬ ‫م إ ِل َي ْـهِ وَإ ِ ّ‬ ‫ضط ُرِْرت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م إ ِّل َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن ( و قال النــبي صــلى‬ ‫دي َ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬ ‫ك هُوَ أعْل َ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِ ّ‬‫ب ِغَي ْرِ ِ‬
‫اللــه عليــه و ســلم ) إن الحلل بّيــن و إن الحــرام بّيــن و‬
‫بينهما متشابهات ل يعلمهن كثير من النــاس ‪ ،‬فمــن اتقــى‬
‫الشبهات استبرأ لدينه و عرضــه ( الحــديث متفــق عليــه و‬
‫اللفظ لمسلم من حــديث النعمــان بــن بشــير رضــي اللــه‬
‫عنهما ‪.‬‬
‫و بــالنظر إلــى العمــال الماليــة الــتي تمارســها شــركة‬
‫التصالت تبين أنها واقعة في معاملت بّينــة التحريــم تعــد‬
‫من الكبائر ) أولها ( الربا و ذلك من وجهين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬إيداع السيولة الماليــة فــي البنــوك الربويــة و أخــذ‬
‫الفوائد عليها ‪.‬‬
‫الثــاني ‪ :‬الســتثمار فــي القــروض طويلــة الجــل بفــوائد‬
‫ربوية ‪.‬‬
‫و من المعلوم أن الربا من أعظم الذنوب و قد عده‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم من السبع ا لموبقات ‪،‬‬
‫و آذن الله تعالى المصّر عليه بالحرب فقال تعالى ) يا أيها‬
‫اللذين آمنو اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم‬
‫مؤمنينفإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله و إن‬
‫تبتم فلكم رؤوس أموالكم ل تظلمون و ل ُتظلمون ( ‪.‬‬
‫و ) ثاني ( العمال البّينة التحريم التي تمارسها الشــركة ‪:‬‬
‫) القمار ( مــن خلل خدمــة الرقــم ) ‪ ( 700‬و للعلـم فـإن‬
‫نصيب الشركة هو ‪ %35‬من مجموع العوائد ‪ ،‬و القمار هو‬
‫الميسر الذي حرمه الله تعالى في كتابه ‪ ،‬قال تعــالى ) ي َــا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب َواْلْزَل ُ‬
‫م‬ ‫سـُر َواْلن ْ َ‬
‫صــا ُ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫مـُر َوال ْ َ‬ ‫خ ْ‬‫مــا ال ْ َ‬ ‫من ُــوا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫م ( ‪ ،‬و دخـول‬ ‫كـ ْ‬ ‫جت َن ُِبوهُ ل َعَل ّ ُ‬ ‫ن فَــا ْ‬ ‫طا ِ‬‫شـي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مـ ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫رِ ْ‬
‫التصالت في هذه المعاملة هو من بــاب ) المشــاركة ( ل‬
‫مــن بــاب ) الجــارة ( فهــي تقــدم الخدمــة الهاتفيــة ‪ ،‬و‬
‫الطرف الخر يقدم العمل ‪ .‬فهي شريك أســاس فــي هــذا‬
‫الميسر و القمار ‪.‬‬
‫و ) ثالثها ( ‪ :‬الستثمار في أعمــال تجاريــة محرمــة و مــن‬
‫ذلك استثمارها ما يزيد على ‪ 600‬مليون ريال فــي القمــر‬
‫الصناعي عربسات و الذي يؤجر على قنوات تبث الفســاد‬

‫‪225‬‬
‫الفكــري و الخلقــي ‪ ،‬و الســتثمار و التجــارة فــي الحــرام‬
‫حرام ‪.‬‬
‫و قد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهمــا‬
‫قال ‪ :‬بلغ عمر أن فلنا ً باع خمرا ً فقال ‪ ) :‬قاتل الله فلنــا ً‬
‫ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ‪ :‬لعن‬
‫الله اليهود حرمت عليهـم الشـحوم فجملوهـا فباعوهـا ( و‬
‫اللفظ للبخاري ‪.‬‬
‫و مــن المعلــوم أن ســهم المكتتــب ) مشــاع ( فــي جميــع‬
‫أجزاء الشركة ‪ ،‬و كل من اشترى من السهم صار شريكا ً‬
‫بقدر أسهمه و إدارة الشركة في منزلة الوكيل عــن حملـة‬
‫السهم و لذلك فالمساهم يكون بالضــرورة متعــامل ً بهــذه‬
‫الكبــائر و مشــاركا ً فيهــا عــن طريــق وكيلــه و هــو إدارة‬
‫الشركة و قد دخل المساهمة برضــاه التــام وفــق شــروط‬
‫معينــة فل يســتطيع تعــديل تعــاملت الشــركة و ل تغييــر‬
‫نظامها ‪ ..‬مع ما في ذلك من العانة الظاهرة على الثم و‬
‫العدوان و قد قال تعالى ) و تعاونوا على الــبر و التقــوى و‬
‫ل تعاونوا على الثم و العدوان ( ‪.‬‬
‫و بــذلك تــبّين أن شــراء أســهم الشــركة و مــا ماثلهــا أمــر‬
‫واضح التحريم ليس فيه اشتباه و لله الحمد ‪.‬‬
‫و يحسن أن أنبه إلى أمور ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ينبغي أل ُيخلط بيـن هـذه المسـألة – أعنـي شـراء‬
‫أسهم شركة التصالت و مــا ماثلهــا – و بيــن معاملــة مــن‬
‫اختلــط فــي مــاله الحلل و الحــرام فهــذه مســألة أخــرى‬
‫فمعاملة من أختلط في ماله الحلل و الحرام تعني شــراء‬
‫سلعة منه أو استئجارها أو القتراض الحسن منه أو الكــل‬
‫عنده أو الستعارة منه أو قبول هديته و نحو ذلك فهذا كله‬
‫جائز ما لم يعلم أن الشــيء المقــدم فــي المعاملــة حــرام‬
‫بعينه ‪.‬‬
‫لكن ل يجوز الشتراك معــه فــي أعمــال محرمــة و يمكــن‬
‫التمثيــل لمــن اختلــط الحلل و الحــرام بمــاله بشــركة‬
‫التصالت نفسها بالنسبة لمريد خدمــة الهــاتف أو الجــوال‬
‫أو نحوهما من خدمات الشركة التي تقدمها للناس مــا لــم‬

‫‪226‬‬
‫يعلــم أنهــا محرمــة فهــذه الخــدمات يجــوز شــراؤها و‬
‫استئجارها و نحو ذلك ‪.‬‬
‫لكن ل يجوز الدخول مع الشركة في معاملتها المحرمــة و‬
‫كــل مــن ملــك مــن أســهمها فقــد شــارك فــي معاملتهــا‬
‫المحرمة ‪.‬‬
‫الثــاني ‪ :‬قلــة المــداخيل المحرمــة لشــركة التصــالت أو‬
‫كثرتها ل يغير من الحكم شيئا ً فــالحرام حــرام قـ ّ‬
‫ل أو كــثر‬
‫قال صلى اللـه عليـه و سـلم ‪ ) :‬مـا أسـكر كــثيره فقليلـه‬
‫حرام ( رواه المام أحمد و صححه الدارقطني من حــديث‬
‫ابن عمر رضي الله عنهما ‪ ،‬و لكن كلما كــثر الحــرام كــان‬
‫الثم أعظم ‪.‬‬
‫علما ً أن عوائد الشــركة مــن المعــاملت المحرمــة ليســت‬
‫قليلة كمــا يعلــم مــن موقعهــا علــى النــترنت و قــد بلغــت‬
‫عوائد الربا في القروض طويلة الجل للســنتين ‪2000‬م و‬
‫‪2001‬م أكثر من ) ‪ 1400‬ميلون ريال ( !! فإذا كانت هذه‬
‫هــي العــوائد فكــم كــانت القــروض المســتثمرة فــي هــذا‬
‫المجال الخبيث ؟!!‬
‫الثــالث ‪ :‬ينبغــي إذا ُأريــد معرفــة نســبة مــا يقســم علــى‬
‫المساهمين من العوائد المحرمة إلى غيرها أن ينظر إليهــا‬
‫بالنسبة إلى أرباح الشركة ل إلى أصــولها العامــة فالربــاح‬
‫هي التي توزع على المساهمين ل الصول ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬القول بأن المساهم في الشــركة إذا أخــرج نســبة‬
‫معينة تبرأ ذمته و يتخلــص مــن الثــم قــول فيــه نظــر مــن‬
‫وجوه ‪:‬‬
‫) أول ً ( ‪ :‬أن مجرد القدام على إبرام العقد المحرم كالربا‬
‫أو القمار أمر محرم و لو نوى أن يــتركه و قــد لعــن النــبي‬
‫صــلى اللــه عليــه و ســلم " آكــل الربــا " و " مــوكله " و "‬
‫كاتبه " و " شاهديه " و قال ) هم سواء ( رواه مسلم ‪.‬‬
‫فانظر كيف لعن النبي صلى الله عليه و سلم الشاهدين و‬
‫جعلهما مساويين لكل الربا مع أنهما قــد ل يحصــلن علــى‬
‫درهم واحد و ذلك و الله أعلــم بســبب الرضــا بهــذا العقــد‬
‫الخبيث و العانة على وقوعه و إتمامه ‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫) ثانيا ً ( ‪ :‬أن أخــذ الفــوائد الربويــة مــن أصــحابها أخــذ لهــا‬
‫بالباطل ‪ ،‬و لو كان ذلك بموافقتهم ‪ ،‬و القــدام علــى أخــذ‬
‫المال بالباطل أمر محرم و لو نوى التخلص منــه و قــد ذم‬
‫الله تعالى اليهود على أخذهم الربا و أكلهم أمــوال النــاس‬
‫بالباطل قال تعالى ) فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهــم‬
‫طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخــذهم‬
‫الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال النــاس بالباطــل وأعتــدنا‬
‫للكافرين منهم عذابا أليما ( و أخذهم الربا أعم من أكله ‪.‬‬
‫) ثالثا ً ( ‪ :‬ل ينبغي للمسلم أن يقدم على العقود المحرمــة‬
‫ثــم يقــول ســأتخلص منهــا ولــو قيــل بهــذا لنفتــح علــى‬
‫المسلمين بــاب مــن الشــر عظيــم و قاعــدة ســد الــذرائع‬
‫الثابتة في الشريعة توجب سد مثل هذا الباب ‪.‬‬
‫) رابعا ً ( ‪ :‬قال الله تعالى فــي آيــات الصــيام بعــد أن ذكــر‬
‫بعض المنهيات ) تلك حــدود اللــه فل تقربوهــا كــذلك يــبين‬
‫اللــه آيــاته للنــاس لعلهــم يتقــون ( فــأمر تعــالى عبــاده‬
‫المســلمين باجتنــاب الحــرام و عــدم القــتراب منــه لن‬
‫النسان ل يدري إذا وقع فــي الحــرام أيتلخــص و يتــوب أم‬
‫ل ‪ ،‬و ربما ينفتح لــه بــاب التأويــل الــذي قــال عنــه المــام‬
‫أحمد ‪ :‬أكثر خطأ الناس من جهة التأويل و القياس ‪.‬‬
‫و ربما مات ‪ ،‬و ورثها من ل يقيم وزنــا ً للحلل و الحــرام و‬
‫قد قال صلى الله عليه و سلم ) ليأتين على النــاس زمــان‬
‫ل يبالي المرء بما أخذ المــال ؛ أمــن حلل أم مــن حــرام (‬
‫رواه البخاري في الصحيح مــن حــديث أبــي هريــرة رضــي‬
‫الله عنه ‪.‬‬
‫) خامسا ً ( ‪ :‬أن الــذي يوصــف لــه طريــق الخلص بــإخراج‬
‫نسبة معينه هو التــائب النــادم أو مــن دخــل عليــه الحــرام‬
‫دون علمـه و مـن المعلـوم أن مـن شـروط التوبـة القلع‬
‫فورا ً عن الذنب و العزم على أن ل يعود و هذان مفقودان‬
‫فيمن يدخل هذه الشركة و أمثالها عالمـا ً عامــدا ً مختــارا ً و‬
‫لو مع نية التخلص من الحرام ‪.‬‬
‫التنبيه الخامس ‪ :‬قد يسأل بعض مــن اشــترى مــن أســهم‬
‫هذه الشركة و أمثالها ) ماذا يصنع ؟ (‬

‫‪228‬‬
‫و الذي يظهر و الله تعالى أعلــم أن عليــه أن يبيعهــا علــى‬
‫أصحابها من المؤسسين و أعضاء الدارة برأس ماله الذي‬
‫اشترى به فقط ‪ ،‬لقــوله تعــالى ) و إن تبتــم فلكــم رؤوس‬
‫أموالكم ل تظلمون و ل تظلمون ( فإن تعذر الــبيع فيجــب‬
‫عليه التحري الشديد في إخراج قــدر مــا يــدخل عليــه مــن‬
‫الحرام بنيه التخلص ل بنية التقــرب إلــى اللــه تعــالى فــإن‬
‫الله تعالى طيب ل يقبل إل طيبـا ً كمــا أخــبر بــذلك رســول‬
‫الله صلى الله عليه و ســلم فــي حــدي أبــي هريــرة الــذي‬
‫رواه مسلم في صحيحه ‪.‬‬
‫و للجنــة الدائمــة فتــوى فــي كيفيــة التخلــص مــن الســهم‬
‫المحرمة في الجزء ) ‪ ( 13‬صـ ‪ 508‬من فتاوى اللجنة ‪.‬‬
‫و الله تعالى أعلم و هو سبحانه ولي التوفيق ‪.‬‬
‫و صلى الله و سلم على عبده و رسوله محمد صــلى اللــه‬
‫عليه و سلم ‪.‬‬
‫كتبه ‪ /‬بشر بن فهد البشر ‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬ماذا لو قيل لك ‪ :‬هذا الّناكح أمه ؟!‬
‫يستعظم كثير من الناس أمورا ً عظيمة ‪ ،‬ويستشنع آخرون‬
‫أشياء شنيعة ‪.‬‬
‫ح أمه‬‫فلو قيل لبعض الناس ‪ :‬فلن نك َ َ‬
‫لستشنعوا ذلك واستعظموه ‪ ،‬وهو كذلك ‪.‬‬
‫لكن لو قيل لهم ‪ :‬إن فلنا ً يتعامل بالربا‬
‫لمــا تعــاظموا ذلــك ‪ ،‬ولربمــا أصــبح المرابــي جليســهم‬
‫وأنيسهم ‪.‬‬
‫ول مانع عندهم من تزويجه‬
‫والتعامل بالربا أعظم من أن ينكح الرجل أمه ‪.‬‬
‫مه‬
‫والمرابي أشد مما لو وقع الشخص على أ ّ‬
‫قال عليه الصلة والسلم ‪ :‬أهون الربا كالــذي ينكــح أمــه ‪،‬‬
‫وإن أربى الربا استطالة المرء فــي عــرض أخيــه ‪ .‬صــحيح‬
‫الجامع الصغير لللباني‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ :‬الربا اثنان وسبعون بابا أدناها‬
‫مثل إتيان الرجل أمه ‪ .‬صحيح الجامع الصغير لللباني ‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ :‬درهم ربــا يــأكله الرجــل وهــو‬
‫يعلم أشد عند اللــه مــن ســتة وثلثيــن زنيــة ‪ .‬رواه المــام‬
‫أحمد وغيره ‪ ،‬وصححه اللباني ‪.‬‬
‫فإذا كان هذا أهون الربا‬
‫وإذا كان هذا في درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم‬
‫فما بالكم بأعظم الربا ؟‬
‫وما ظنكم بمــن يأكــل اللف بــل يتج ـّرع ملييــن الــدراهم‬
‫والدنانير من ربا صريح ؟‬
‫ل شك أن هذا أعظم وأشنع‬
‫غير أن كثرة المساس ُتذهب الحساس‬
‫فلما تعامل به الناس ‪ ،‬واستمرءوه خف ذلك في موازينهم‬
‫‪.‬‬
‫كمــا أن هــذا أهــون الربــا ‪ ...‬والربــا وأربــى وأعظــم الربــا‬
‫ف وهــو أعظــم‬ ‫استطالة المرء في عرض أخيه ‪ ...‬إما بقــذ ٍ‬
‫الستطالة ‪ ،‬وإما باالغيبة والنميمة ‪ ،‬ولذا قال عليه الصــلة‬
‫والسلم ‪ :‬إن دماءكم وأموالكم وأعراضــكم حــرام عليكــم‬
‫كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ‪ .‬متفق‬
‫عليه ‪.‬‬
‫حرمــة هــذه الشــياء ‪ ،‬وأنهــا كحرمــة يــوم‬ ‫ع َ‬
‫ظم ُ‬ ‫فهذا ُيبّين ِ‬
‫النحر في بلد الله الحرام مكة المكرمة في شهرٍ محــرم ‪،‬‬
‫وهو شهر ذي الحجة ‪.‬‬
‫ولو قيل لبعض الناس ‪ :‬فلن فعل بــأمه الفاحشــة أو وقــع‬
‫على محارمه‬
‫لستعظموا ذلك ‪ ،‬وهو ورب الكعبة عظيم شنيع ‪.‬‬
‫لكن لو قيل لهم ‪:‬‬
‫فلن يذهب للسحرة ‪...‬‬
‫أو فلن يتعّلم السحر ‪...‬‬
‫أو فلنة ذهبت للساحرة لُتحّبب زوجها إليها ‪...‬‬
‫أو فلن يطوف بالقبور ويدعو الموات ‪...‬‬
‫أو فلن يقع في الشرك ‪ ،‬ولديه شركيات ‪...‬‬
‫لما كان ذلك مستعظما !!‬
‫ول شك أن المعصية والكبيرة مهما عظمــت فإنهــا ل تبلــغ‬
‫حد ّ الشرك ما لم يستحّلها فاعلها ‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫وصاحب الكبيرة تحت مشــيئة اللــه إن شــاء غفــر لــه وإن‬
‫شاء عذبه ‪.‬‬
‫غير أن تعّلم السحر أو الذهاب إلــى الســحرة والرضــا بمــا‬
‫هم عليه كفٌر بواح بما أنزل على محمــد صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫قال عليه الصلة والسلم ‪:‬‬
‫من أتى كاهنا أو عرافا فصــدقه بمــا يقــول فقــد كفــر بمــا‬
‫أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ‪ .‬رواه المام أحمد‬
‫وغيره ‪ ،‬وهو حديث صحيح ‪.‬‬
‫ومــن طــاف بــالقبور أو دعــا المــوات فقــد أحيــا شــريعة‬
‫فرعون هذه المة أبي جهل‬
‫وأقام دين عمرو بن لحي الخزاعي ‪ ،‬الذي رآه النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يجر أمعائه في النار ‪.‬‬
‫ومن مات على الشرك فهو خالد مخلد ٌ في النار ‪.‬‬
‫ْ‬
‫مـأَواهُ‬ ‫ة وَ َ‬
‫جن ّـ َ‬‫ه عََليـهِ ال ْ َ‬‫م الل ّـ ُ‬‫حـّر َ‬‫ك ِبالل ّهِ فََقد ْ َ‬‫شرِ ْ‬‫من ي ُ ْ‬ ‫ه َ‬‫) إ ِن ّ ُ‬
‫الّناُر (‬
‫مــن‬ ‫ك لِ َ‬‫ن ذ َل ِـ َ‬‫دو َ‬ ‫مــا ُ‬‫ك ب ِـهِ وَي َغِْفـُر َ‬‫شـَر َ‬ ‫ه ل َ ي َغِْفُر َأن ي ُ ْ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫)إ ِ ّ‬
‫شاء (‬ ‫يَ َ‬
‫فهذا أعظم وأبشع وأشنع ‪.‬‬
‫فالشرك أقبح القبائح وأعظم الذنوب ‪.‬‬
‫مه ؟‬ ‫ُ‬
‫فماذا لو قيل لك ‪ :‬هذا الناكح أ ّ‬
‫هل كنت ُتطيق النظر إليه ؟؟؟‬
‫أدع لك الجواب !‬
‫وثم ميزان مقلوب أو موازين مقلوبة ومختلة ‪ ...‬غيــر أنــي‬
‫أخشى الطالة ‪ ،‬ولعلي أكتب عنها لحقا ‪.‬‬
‫كتبه‬
‫عبد الرحمن بن عبد الله السحيم‬
‫==============‬
‫‪ #‬حكم التعامل مع المصارف الربوّية‬
‫السؤال ‪:‬‬
‫ما حكم التعامــل مــع المصــارف الربوي ّــة بقصــد التــوفير و‬
‫الستثمار ‪ ،‬و حفظ المال من الضياع ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬

‫‪231‬‬
‫التعامل مع المصارف الربوّية ل يجوز ‪ ،‬سواًء أخذ العميــل‬
‫كها للبنك و لم‬ ‫الفائدة لنفسه ‪ ،‬أو أنفقها على غيره ‪ ،‬أو تر َ‬
‫ن التحريم يشمل أكل الربا ‪ ،‬و إعطــاءه‬ ‫يأخذ منها شيئا ً ‪ ،‬ل ّ‬
‫‪ ،‬و التعامل به ‪.‬‬
‫و الحكم بالتحريم ثابت للربا بجميع صوره ‪ ،‬و أبوابه و هي‬
‫كأبواب الشرك ‪ ،‬بضعٌ و سبعون بابا ً ‪ ،‬كما صح بذلك الخبر‬
‫ح في ) الترغيب‬ ‫‪ ،‬الذي رواه الحافظ المنذري بإسنادٍ صحي ٍ‬
‫و الترهيب ( ‪.‬‬
‫وليحذر المتعاملون مع المصارف الربوّية من الوقوع تحت‬
‫طائلة حرب ل هوادة فيها ‪ ،‬أعلنها الله تعالى عليهم ما لــم‬
‫من ُــوا ْ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫يبادروا بالتوبة ‪ ،‬فقد قال سبحانه ‪ ) :‬ي َــا أي ّهَــا ال ّـ ِ‬
‫ن )‪(278‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مــؤْ ِ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫ن الّرَبا ِإن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬
‫فَإن ل ّم تْفعُلوا ْ فَأ ْ‬
‫م‬ ‫ســول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُـ ْ‬ ‫ن الل ّـهِ وََر ُ‬ ‫َ‬ ‫ـ‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ب‬
‫ٍ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫نو‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (279‬وَِإن‬ ‫مــو َ‬ ‫ن وَل ت ُظل ُ‬ ‫َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َظل ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وال ِك ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫فَل َك ْ‬
‫ُ‬
‫خْيــٌر ل ّ ُ‬ ‫صد ُّقوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫كــ ْ‬ ‫سَرةٍ وَأن ت َ َ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ن ( ] البقرة [ ‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ِإن ُ‬
‫روى ابن كثير في تفسير هــاتين اليــتين قــول اب ْــن عَب ّــاس‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ســوله ‪ ،‬و‬ ‫ن الل ّــه وَ َر ُ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫ست َي ِْقُنوا ب ِ َ‬ ‫ب أي ْ ‪ :‬ا ِ ْ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫فَأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫حّقــا‬ ‫ن َ‬ ‫ه ك َــا َ‬ ‫زع عَن ْـ ُ‬ ‫ما عََلى الّرب َــا ل ي َن ْـ ِ‬ ‫مِقي ً‬ ‫ن ُ‬
‫عََلى إمام ال ْمسل ِمي َ‬
‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َقوَله ‪ :‬فَ َ‬
‫ب عُُنقه‬ ‫ضَر َ‬ ‫ن ن ََزعَ وَِإل َ‬ ‫ه فَإ ِ ْ‬ ‫ست َِتيب ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ْ ِ َ‬ ‫ِ َ‬
‫مــا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن أن ّهُ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫سـي‬ ‫ســن َواب ْــن ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫عـ ْ‬ ‫حـاِتم َ‬ ‫‪ ،‬وَ روى ابن أب ِــي َ‬
‫م قَد ْ أ َذِن ُــوا‬ ‫صَيارَِفة لك ََلة الّرَبا وَ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ؤلِء ال ّ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫َقال ‪ :‬وَ َالّله إ ِ ّ‬
‫عــاِدل‬ ‫مام َ‬ ‫ن عََلى الّناس إ ِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫سوله وَ ل َوْ َ‬ ‫ن الّله وَ َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫ل‬ ‫ســلح ‪ .‬وَ َقــا َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ضــعَ ِفيِهــ ْ‬ ‫ن َتــاُبوا وَ ِإل وَ َ‬ ‫م َفــإ ِ ْ‬ ‫ســت ََتاب َهُ ْ‬ ‫ل ْ‬
‫ن الل ّــه قَـد ْ‬ ‫ن الّرَبا فَإ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫طة هَذِهِ ال ْب ُُيوع ِ‬ ‫خال َ َ‬ ‫م َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫دة ‪ :‬إ ِّياك ُ ْ‬ ‫قََتا َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫صي َت ِهِ َفاقَ ٌ‬ ‫مع ْ ِ‬ ‫م إ َِلى َ‬ ‫جئ ْن َك ُ ْ‬ ‫ه َفل ت ُل ْ ِ‬ ‫طاب َ ُ‬ ‫حلل وَ أ َ َ‬ ‫سع َ ا ل ْ َ‬ ‫أو ْ َ‬
‫َ‬
‫ل التعاملت المصــرفّية المعاصــرة‬ ‫ما ل ريب فيه أن ج ّ‬ ‫وم ّ‬
‫ت شائبةٍ ربوي ّةٍ ‪ ،‬ما لم تكن من الربا المحض ‪ ،‬باســتثناء‬ ‫ذا ُ‬
‫تعاملت المصارف السلمّية في الغالب ‪.‬‬
‫و من المعاملت المحّرمة في هذا الباب إيداع الموال في‬
‫المصارف و القتراض منهــا مــن غيــر ضــرورة ‪ ،‬أو تجــاوز‬
‫الضرورات إلى الكمالّيات ‪ ،‬كالتوسع في شــراء المســاكن‬
‫و المراكب و الثاث ‪ ،‬و تسديد قيمته بزيادةٍ ربوّية عليهــا ‪،‬‬

‫‪232‬‬
‫فليحذر الذين توّرطوا في شيء من ذلك ‪ ،‬و ليتقــوا اللــه ‪،‬‬
‫فل ي َط َْعموا حراما ً ‪ ،‬أو ُيطعموه من يعولون مــن الهليــن و‬
‫البنين ‪.‬‬
‫ن تنــازله عــن الزيــادة الربوّيــة لصــالح‬ ‫و ل يظــن أحــد ٌ أ ّ‬
‫جهــا فــي وجــه مــن وجــوه الــبر و الصــلة‬ ‫المصرف أو إخرا َ‬
‫بــدون توب ـةٍ ‪ ،‬يخرجــه مــن المحظــور ‪ ،‬و يبيــح لــه متابعــة‬
‫ن التعامل بالربا أو المساعدة‬ ‫تعامله مع ذلك المصرف ‪ ،‬ل ّ‬
‫عليــه أو المســاهمة فيــه ســواٌء فــي الحرمــة ‪ ،‬فقــد روى‬
‫جاِبر بن عبد الله رضي الله‬ ‫ن َ‬ ‫مسلم و الترمذي و أحمد عَ ْ‬
‫ل الل ّهِ صلى اللــه عليــه وســلم آك ِـ َ‬
‫ل‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫عنه ‪َ ،‬قال ‪ :‬ل َعَ َ‬
‫واٌء ( ‪.‬‬
‫س َ‬
‫م َ‬‫ل ‪ ) :‬هُ ْ‬‫شاهِد َي ْهِ وََقا َ‬‫ه وَ َ‬ ‫ه وَ َ‬
‫كات ِب َ ُ‬ ‫موك ِل َ ُ‬
‫الّرَبا وَ ُ‬
‫وضه الله خيرا ً منه ‪ ،‬و في الحلل ما‬ ‫و من ترك شيئا ً لله ع ّ‬
‫ُيغني عن الحرام ‪ ،‬لمن أحسن التدبير ‪ ،‬و الله الموّفق ‪.‬‬
‫كتبه‬
‫د ‪ .‬أحمد عبد الكريم نجيب‬
‫===============‬
‫‪#‬مناقشة علمية هادئة للقول بجواز الكتتاب‬
‫في ينساب‬
‫د‪ .‬يوسف بن عبدالله الحمد‬
‫أستاذ الفقه المساعد بجامعة المام ‪ .‬الرياض‬
‫الحمد لله ‪ ،‬والصلة والسلم على نبينــا محمــد وعلــى آلــه‬
‫وصحبه أجمعين ‪ .‬أما بعد‬
‫فقد أخرجــت قبــل أســبوع رســالة بعنــوان ) ثلث رســائل‬
‫عاجلة حول الكتتاب في شركة ينساب ( ‪.‬‬
‫ثــم اطلعــت علــى بعــض المناقشــات العلميــة المكتوبــة‬
‫والشــفوية عــبر القنــوات الفضــائية مــن بعــض المشــايخ‬
‫الفضلء الذين أفتوا بالجواز ‪ ،‬وقــد لحظــت تضــمنها بعــض‬
‫الخطاء في النقل وقراءة نشرة الصدار ‪ ،‬فحاولت بعــدها‬
‫التصال ببعضهم مرارا ً فلم يتيسر ‪.‬‬
‫ونظرا ً لستشكال كثير من الناس حولها‪ ،‬رأيت إخراج هذه‬
‫المناقشة العلمية على أل ينفك قارئها عن الرسائل الثلث‬
‫الـــتي ســـبق نشـــرها فـــي موقـــع نـــور الســـلم بتاريـــخ‬
‫‪16/11/1426‬هـ‪ ،‬وفق النقاط التية ‪:‬‬

‫‪233‬‬
‫أول ً ‪ُ :‬نسب القول بجواز الكتتاب في الشركات المختلطة‬
‫بالربا إلى فضــيلة الشــيخ محمــد بــن عــثيمين رحمــه اللــه‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫والقرب أنه رجع عن فتـواه ؛ فقـد أفـتى أول ً بـالجواز مـع‬
‫النصح والتأكيد على تركهــا ‪ ،‬فــي فتــوى بخــط يــده بتاريــخ‬
‫‪21/4/1412‬هـ ‪ ،‬ثم أفتى بتحريمها فــي فتــواه المنشــورة‬
‫في مجلة الدعوة بتاريخ ‪1/5/1412‬هـ والتي بيــن فضــيلته‬
‫حرمــة الكتتــاب فيهــا ‪ ،‬وأن مــن اكتتــب فيهــا جــاهل ً فــإنه‬
‫يسعى في فك الشتراك ‪ ،‬فـإذا لـم يتمكـن أخـرج النسـبة‬
‫المحرمة ‪ ،‬وهذا نص السؤال والجواب ‪:‬‬
‫الســؤال ‪ :‬مــا الحكــم الشــرعي فــي أســهم الشــركات‬
‫المتداولة في السواق‪ ،‬هل تجوز المتاجرة فيها ؟‬
‫الجــواب ‪ :‬ل أســتطيع أن أجيــب علــى هــذا الســؤال ؛ لن‬
‫الشركات الموجودة فــي الســواق تختلــف فــي معاملتهــا‬
‫بالربا‪ ،‬وإذا علمت أن هــذه الشــركة تتعامــل بالربــا وتــوزع‬
‫أرباح الربا على المشتركين ‪ ،‬فإنه ل يجوز أن تشترك فيها‬
‫‪ ،‬وإن كنت قد اشتركت ثم عرفت بعــد ذلــك أنهــا تتعامــل‬
‫بالربا ‪ ،‬فإنك تــذهب إلــى الدارة وتطلــب فــك اشــتراكك ‪،‬‬
‫فإن لم تتمكن ‪ ،‬فإنك تبقى على الشركة ‪ ،‬ثــم إذا ُقــدمت‬
‫الرباح وكان الكشف قد بين فيه موارد تلك الربــاح فإنــك‬
‫تأخــذ الربــاح الحلل ‪ ،‬وتتصــدق بالربــاح الحــرام تخلص ـا ً‬
‫منها ‪ ،‬فإن كنــت ل تعلــم بــذلك فــإن الحتيــاط أن تتصــدق‬
‫بنصف الربح تخلصا ً منه ‪ ،‬والبــاقي لــك ؛ لن هــذا مــا فــي‬
‫اســتطاعتك ‪ ،‬وقــد قــال اللــه تعــالى ‪ ":‬فــاتقوا اللــه مــا‬
‫استطعتم"‪ .‬انتهت الفتوى ‪.‬‬
‫وللشيخ رحمه الله فتوى أخرى بــالمنع مطلقـًا‪ ،‬وهــي غيــر‬
‫مؤرخة ‪ ،‬وهذا نص السؤال والجواب ‪:‬‬
‫السؤال ‪ :‬لقد انتشرت في زماننا هـذا الشـركات التجاريـة‬
‫بأنواعها المختلفة وكثر المساهمون فيها بأموالهم بحثا ً عن‬
‫ن بعض المساهمين يحصل على‬ ‫الربح ولكن الذي يحدث أ ّ‬
‫ربح ليــس مــن عمــل تلــك الشــركة ولكنــه مــن المتــاجرة‬
‫بسندات السهم التي ساهم بها فيبيع الســند الــذي قيمتــه‬
‫مثل ً ‪100‬ريال يبيعه بـ ‪200‬ريال أو أكثر حسب قيمــة تلــك‬

‫‪234‬‬
‫السندات في ذلك الوقت‪ ،‬فهل هذا التعامل بهذه الطريقة‬
‫صحيح أم ل ؟‬
‫الجواب ‪ :‬التعامل صــحيح إذا كــانت الشــركة الــتي ســاهم‬
‫فيها خالية من الربا ‪ ،‬فإن بيع النسان نصيبه مــن الشــركة‬
‫بربح جائز ول حرج فيــه ‪ ،‬لكــن بشــرط أن يكــون معلوم ـا ً‬
‫لدى البائع والمشــتري ‪ ،‬فيعــرف أن لــه مثل ً ‪ 10‬أســهم أو‬
‫‪ 15‬سهما ً من كذا وكذا حتى ل يبقى المر مشكل ً فإذا كان‬
‫معلوما ً فإنه ل بأس به سواء كــان ذلــك فــي الشــركات أو‬
‫في مساهمات عقارية كذلك أهـ ‪ ) .‬فتاوى للتجــار ورجــال‬
‫العمال ص ‪. (48 - 47‬‬
‫ولو وجد فتاوى غير مؤرخة أو احتمــل المــر عــدم معرفــة‬
‫التاريخ ‪ ،‬فإن القرب لفتاوى الشيخ هو التحريم ‪ ،‬لما علــم‬
‫عنــه مــن شــدة تحــرزه مــن أخــذ الربــا ‪ ،‬وتحريمــه تــأجير‬
‫المحلت على صوالين الحلقة التي تحلق اللحــى ‪ ،‬وعلــى‬
‫التموينات التي تبيع الدخان ‪ ،‬إضــافة إلــى تحريمــه للعمــل‬
‫في البنوك الربوية حارسا ً أو ســائقا ً ‪ ،‬أو اليــداع فيهــا فــي‬
‫الحساب الجاري ؛ لنه من التعاون على الثم والعدوان ‪.‬‬
‫وما نحن فيه أولى بالمنع ‪.‬‬
‫ثم لو فرضنا أن المر ل يزال مشتبها ً ‪ ،‬أو ثبــت أن القــول‬
‫الخير للشيخ هو الجواز ‪ ،‬فإن العبرة في معرفة الحق هو‬
‫الدليل ‪ ،‬وليس من الصواب دفع الناس بفتوى الشيخ ابــن‬
‫عثيمين رحمه الله إلى الكتتاب فــي شــركة ينســاب الــتي‬
‫أعلنت الربا الصراح نظاما ً لها في المعاملت المالية‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أكد بعض المشايخ أن الشركة إنمــا وضــعت الــودائع‬
‫الربوية من أموال المكتتبين المؤسسين فقط دون اكتتاب‬
‫المواطنين ‪.‬‬
‫وهذا غير صحيح ‪ ،‬فإن الشركة قد نصت على أنها ستدخل‬
‫مجموع أمــوال المكتتــبين المؤسســين ‪ ،‬وكــذلك الكتتــاب‬
‫العام في حساب الفوائد ‪ ،‬وقد نصت الشركة على ذلــك ‪،‬‬
‫وأورد هنا نص ما جاء في نشرة الصــدار ) ص ‪" : ( 60‬‬
‫حقوق المساهمين ‪:‬‬

‫‪235‬‬
‫رأس المال المدفوع من قبــل المؤسســين – بالريــالت‪) -‬‬
‫‪ (3.656.250.000‬ورأس المــال المتوقــع مــن الكتتــاب‬
‫العام )‪. (1.968.750.000‬‬
‫ثم جــاء فــي )ص ‪ (61‬مــا نصـه ‪ :‬الرصــدة لــدى البنــوك ‪:‬‬
‫وديعـــة لجـــل )‪ .. (5.566.657.000‬الوديعـــة لجـــل ‪،‬‬
‫والحساب الجاري محتفظ بهما لدى بنك محلــي ‪ ،‬وتحقــق‬
‫الوديعة لجــل عمولــة ســنوية – أي فــوائد ربويــة – بنســبة‬
‫‪%4.85‬تقريبا ً اهـ‪.‬‬
‫وبهـذا يتضـح دخـول أمـوال الكتتـاب العـام مـن الجمهـور‬
‫فيها ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬ذكر بعض المشايخ أن الشــركة ســتأخذ تمــويل ً مــن‬
‫بعــض البنــوك ؛ إمــا بقــروض تجاريــة ‪ ،‬وإمــا بمرابحــات‬
‫إسلمية ‪.‬‬
‫وهـذا غيـر صـحيح ‪ ،‬فمـن تأمـل نـص مـا جـاء فـي نشـرة‬
‫الصدار يجد أن البنك الــذي وعــد بالتمويـل ‪ABN AMRO‬‬
‫يقــوم الن بالتفــاوض مــع المصــارف الدوليــة والقليميــة‬
‫والمحليـــة لتقـــديم قـــروض تجاريـــة وإســـلمية عاديـــة‬
‫للمشروع ‪.‬‬
‫أي أن أنهم وعدوا بالقتراض الربوي وغير الربوي ‪ ،‬وليس‬
‫المر على سبيل التردد ‪ ،‬هذا أول ً ‪.‬‬
‫وثاني ـا ً ‪ :‬أن البنــك المتعهــد بالتمويــل ســيقدم مجمــوع مــا‬
‫تحصل له من هذه البنوك لشركة ينســاب ‪ ،‬فهــل ســيكون‬
‫وسيطا ً بأجرة ‪ ،‬أو مقرضا ً بفائدة فيكون القرض حينئذ كله‬
‫بالربا؟! ‪.‬‬
‫وهذا نص ما جاء فــي نشــرة الصــدار ‪) :‬ص ‪ : (29‬تمويــل‬
‫المشروع ‪ :‬حصــلت ســابك لصــالح ينســاب ‪ ،‬علــى الــتزام‬
‫خطــي مبــدئي مــن بنــك إيــه‪.‬بــي‪.‬إن‪.‬أمــرو ‪ABN AMRO‬‬
‫بموجب خطاب التزام مؤرخ في ‪ 30‬نوفمــبر ‪ 2005‬تعهــد‬
‫بموجبه بتغطية تسهيلت تمويلية بدون حــق الرجــوع علــى‬
‫المساهم الرئيس بقيمة ‪ 13.125‬مليــون ريــال ســعودي ‪-‬‬
‫أي ‪ 13‬مليارا ومائة وخمسا وعشرين مليون ريال سعودي‬
‫– "اهـ ‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫وجــاء أيضـا ً فــي نفــس الصــفحة تحــت عنــوان ‪ :‬القــروض‬
‫ورأس المال العامل البتدائي ‪" :‬يقوم بنك إيه‪.‬بي‪.‬إن‪.‬أمرو‬
‫حاليا ً بالتفاوض مع المصارف الدولية والقليميــة والمحليــة‬
‫وبعــض الجهــات الشــبه حكوميــة لتقــديم قــروض تجاريــة‬
‫وإســلمية عاديــة للمشــروع ‪..‬إضــافة لتســهيلت القــروض‬
‫المــذكورة أعله ‪ ،‬ســيطلب قــرض لتمويــل رأس المــال‬
‫العامل البتدائي بقيمة ‪ 833‬مليــون ريــال ســعودي‪ ،‬ويتــم‬
‫ترتيبه كجزء من القروض"اهـ ‪.‬‬
‫ون من خطورة الربا على كــثير مــن النــاس ‪ ،‬بــل‬ ‫رابعا ً ‪ :‬ه ّ‬
‫حتى على كثير من طلبة العلم ما ذكر من أن نسبة الجزء‬
‫المحرم في الشركة ل يتجاوز الواحد في اللف ‪ ،‬وأن هذه‬
‫نسبة قليلة جدا ً ‪.‬‬
‫وهذا الطلق غير صحيح أيض ـا ً ‪ .‬ويــزول اللبــس بالتوضــيح‬
‫التي ‪ :‬أودعت ينساب ما تحصل لها من أمــوال المكتتــبين‬
‫المؤسسين في وقت قصير فحصلت عوائد ربوية مقدارها‬
‫ل( فالحقيقـــة إذا ً أن الشـــركة قـــامت‬‫)‪4.375.000‬ريـــا ً‬
‫بتوظيف أمــوال المكتتــبين المؤسســين فــي الحــرام وهــو‬
‫الربا ‪ ،‬ووعدت بإجراء ذلك في أموال الكتتاب العــام كمــا‬
‫سبق بيانه ‪.‬‬
‫ومما يؤكد تهاون الناس بجريمـة الربـا أن النـاس لـو قيـل‬
‫لهم بأن الشركة ســتقوم بتشــغيل أمــوال المكتتــبين مــدة‬
‫شهر واحد فقط في المتاجرة في المخدرات أو الخمور أو‬
‫دور البغاء ‪ ،‬وأن العائد منها سيكون واحــدا ً فــي المليــون ‪:‬‬
‫لنفر المؤمنون الناس من ذلك بالفطرة ‪ ،‬ولــم تكــن كلمــة‬
‫)واحد في المليون( سببا ً في تساهلهم بالكتتــاب ‪ ،‬فكيــف‬
‫بأخذ الربا الذي هو أعظم منها ؟!‪.‬‬
‫خامس ـا ً ‪ :‬العــبرة فــي معرفــة نظــام الشــركة هــو نشــرة‬
‫الصدار الرسمية ‪ .‬وينبني عليه أمران ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنــه ل عــبرة بــالكلم الشــفوي ‪ ،‬لن الشــركات‬
‫الكبرى ل تعمل إل وفق نظام رسمي ‪ ،‬ومجالس إداريــة ‪،‬‬
‫ورقابة صارمة بمطابقة مافي نشرة الصدار ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن ما وعدت به الشــركة مــن القــروض الربويــة ‪،‬‬
‫قد وقع عليه المكتتــب ‪ .‬فل يقــال فيــه نشــارك ؛ لنــه قــد‬

‫‪237‬‬
‫يتغير ‪ ،‬أو أن المر محتمل ‪ ،‬ونحو ذلــك ممــا تنفيــه نشــرة‬
‫الصدار الرسمية للشركة ‪.‬‬
‫وأدعو الجميع إلى تأمل نص مــا جــاء فــي نشــرة الصــدار‬
‫)صفحة أ ( تحت عنوان ) إشــعار هــام ( ‪ :‬وتتحمــل ســابك‬
‫كامل المسؤولية عـن دقـة المعلومـات الـواردة فـي هـذه‬
‫النشــرة ‪ ،‬وتؤكــد حســب علمهــا واعتقادهــا بعــد إجــراء‬
‫الدراسات الممكنة وإلى الحد المعقول ‪ :‬أنــه ل توجــد أيــة‬
‫وقائع أخرى يمكن أن يؤدي عدم تضمينها في هذه النشرة‬
‫إلــى جعــل أيــة إفــادة واردة هنــا مضــللة ‪ ..‬ويتحمــل كــل‬
‫مستلم لنشرة الصدار قبل اتخاذ قرار الستثمار مسؤولية‬
‫الحصـــول علـــى استشـــارة مهنيـــة مســـتقلة بخصـــوص‬
‫الكتتاب ‪ ..‬اهـ ‪.‬‬
‫وأخيرا ً ‪:‬‬
‫إن ســبب حرصــي وكتــابتي فــي هــذا الموضــوع أن المــر‬
‫أوسع من أن يكون بحثا ً فقهيا اجتهاديا ً ؛ لن الفتيا بــالجواز‬
‫ســبب أســاس فــي بقــاء الربــا فــي الشــركات القائمــة‬
‫والقادمة ؛ لن إقبال الناس على الكتتاب وارتفاع الســهم‬
‫مبني في أكثره على الفتيا بالجواز ‪ ،‬ولو لم يفــت بــالجواز‬
‫لما أقبل النــاس ‪ ،‬ولخضــعت الشــركة وأمثالهــا حينئذ إلــى‬
‫مطالب العلماء ‪ -‬بإذن الله تعالى ‪ -‬وقبلوا باشتراط وجــود‬
‫اللجنة الشرعية التي ترشحها جهة علمية مستقلة ‪.‬‬
‫وعليه فإن هذه المناقشة إنما هي حسبة على منكــر الربــا‬
‫في الشركات ‪ ،‬والهجر من أقــوى وســائل إنكــاره ‪ ،‬وأرهــا‬
‫متعينة في هذه المرحلــة ‪ .‬راجيـا ً أن يطلــع مــن قــرأ هــذه‬
‫المناقشة على الرسائل الثلث السابقة ‪.‬‬
‫وبهذا تنتهي المناقشة والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫================‬
‫‪#‬رسالة إلى التاجر المسلم‬
‫فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ به مــن‬
‫شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪،‬‬
‫ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل اللــه وحــده ل‬
‫شريك له‪ ،‬وأشــهد أن محمــدا ً عبــده ورســوله‪ ،‬صـلى اللـه‬

‫‪238‬‬
‫عليه وعلى آله وسلم تسليما ً كثيرا ً إلى يوم الدين‪ ،‬ثم أمــا‬
‫بعد‪:‬‬
‫فمن نعم الله على عباده أن أحل لهـم الـبيع وأبــاحه لهــم‪،‬‬
‫َ‬
‫م الّرب َــا{‬ ‫ه ال ْب َي ْـعَ وَ َ‬
‫ح ـّر َ‬ ‫ل الل ّـ ُ‬
‫حـ ّ‬
‫وحــرم عليهــم الربــا ‪ } .‬وَأ َ‬
‫]البقرة ‪ . [275‬وفي البيع تحصيل لمنافع عظيمة يحتاجهــا‬
‫الناس في حياتهم‪ ،‬لن النــاس ل بــد وأن تتعلــق نفوســهم‬
‫بما في يد الغير‪ ،‬فكان البيع هو الوسيلة الــتي أباحهــا اللــه‬
‫لعباده لكي يصلوا إلى ما يريدون‪ ،‬وهو بذل الثمــن لتملــك‬
‫المثمن ‪.‬‬
‫وحديثنا هنا نخــص بــه التــاجر المســلم‪ :‬الــذي اختــار الــبيع‬
‫والشــراء وســيلة لكســب المــال‪ ،‬وأنعــم بهــا مــن وســيلة‪،‬‬
‫فالنبي صلى الله عليـه وسـلم اشـتغل بالتجـارة مـدة مـن‬
‫الزمن‪ ،‬وكثيٌر من الصحابة كانوا تجارا ً كــأبي بكـرٍ الصــديق‬
‫وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عــوف وغيرهــم ‪ .‬ولــم‬
‫تكـن تلـك التجـارة مانعـة لهـم مـن إقامـة شـعائر اللـه أو‬
‫التفريط فيها‪ ،‬بل بذلوها رخيصة لــدين اللــه وفــي ســبيله‪،‬‬
‫ط في قلوبهم بل كــانت فــي أيــديهم‪ ،‬ول‬ ‫فلم تكن الدنيا ق ٌ‬
‫أدل على ذلك إل فعل أبي بكر ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬عندما جاء‬
‫بكل ماله لرسول الله صلى الله عليـه وسـلم متصـدقا ً بـه‬
‫يرجو الثواب من الله عز وجل‪ ،‬فقال له رسول الله صــلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬ماذا تركت لهلك؟ قال‪ :‬تركت لهم اللــه‬
‫ورسوله]رواه أبو داود‪ . [1678 :‬وكذا عثمــان‪-‬رضــي اللــه‬
‫عنه‪ -‬له في هذا قصص مشهورة ومن أعظمهــا بــذل كــثير‬
‫من ماله لتجهيز جيش العسرة‪ ،‬حتى قال لــه رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم‬
‫‪ .‬مرتيـن ( ]رواه الترمـذي وقـال‪ :‬حسـن غريـب مـن هـذا‬
‫الوجه[ ‪.‬‬
‫ُ‬
‫أخي التاجر المسلم‪ :‬لما أخاطبك بالتــاجر المســلم‪ ،‬أعنــي‬
‫أنك لست كالتاجر الكافر همه كيف الحصول علــى المــال‬
‫بأي وسيلة كانت‪ ،‬وكيف يخراج المال من جيوب الناس …‬
‫ولما ُأخاطبك بالتاجر المسلم فإنني أخاطب فيك إســلمك‬
‫وإيمانك‪ ،‬لن الشواهد والتجــارب أكــدت علــى أن مــن لــم‬
‫يكن عنــده ديــن‪ ،‬ل يتــوانى عــن ركــوب كــل طريــق حــتى‬

‫‪239‬‬
‫يحصــل علــى المــال‪ ،‬مهمــا كــانت الوســيلة وهــل هــي‬
‫مشــروعة أو غيــر مشــروعة‪ ،‬وهــل هــي مفســدة للقيــم‬
‫والخلق أو غير مفسدة‪ ،‬المهم عنده الحصول على المال‬
‫بأي ثمن ‪.‬‬
‫ولذا فإنه نوجه لخواننا التجار نصــيحة نرجــو أن تنيــر لهــم‬
‫الطريــق‪ ،‬وتقــوم المعــوج‪ ،‬وترشــد الضــال إلــى ســواء‬
‫السبيل ‪ .‬فأقول مستعينا ً بالله ‪:‬‬
‫‪ -‬أيها التاجر المســلم عليــك بالنصــيحة للمســلمين‪ :‬وعــدم‬
‫غشـهم‪ ،‬ومـن صـور النصـيحة الـتي تبـذلها للنـاس‪ :‬الربـح‬
‫المعقول الذي ل يشق على المشتري‪ ،‬وإخباره عن جــودة‬
‫السلعة وعدم المبالغة فيها ‪ ،‬وعــدم كتمــان عيوبهــا ‪ .‬فــإن‬
‫ش ل يرضــي اللــه عــز وجــل‪،‬‬ ‫كتمان العيب في السلعة غ ـ ٌ‬
‫وهو ممحق لبركة البيع‪ ،‬نازع لهــا ‪ :‬قــال صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ‪ ) :‬البيعان بالخيار مــا لــم يتفرقــا فــإن صــدقا وبينــا‬
‫بــورك لهمــا فــي بيعهمــا وإن كــذبا وكتمــا محقــت بركــة‬
‫بيعهما ( ]رواه البخاري‪ ،2110:‬ومسلم‪. [1532:‬‬
‫‪ -‬وقم بالــدعوة إلــى اللــه والمــر بــالمعروف والنهــي عــن‬
‫المنكــر‪ :‬فإنهــا مــن أعظــم القــرب‪ ،‬وليكــن أمــرك ونهيــك‬
‫ودعوتك بالحســنى وبــالقول الحســن‪ ،‬وعليــك بليــن الكلم‬
‫فإنه طريق لفتح قلوب البواب المغلقـة ‪ .‬وطـرق الــدعوة‬
‫كثيرة‪ ،‬كالتـذكير بـالله لمـن يأتيـك فـي متجـرك‪ ،‬أو توزيـع‬
‫الكتب والشرطة … إلخ ‪.‬‬
‫‪ -‬وعليك بصدق الحديث‪ ،‬وحسن المعاملة‪ :‬فإن مــن اتقــى‬
‫الله‪ ،‬وصدق الناس‪ ،‬وأحسن إليهم نـال رضـا اللـه‪ ،‬وجعلـه‬
‫الله محبوبا ً إلى الخلق‪ ،‬ورزقه من حيث ل يحتسب ‪.‬‬
‫ل الناس إن هم اشتروا من عندك سلعة ثــم نــدموا ‪:‬‬ ‫‪ -‬وأق ِ‬
‫فإن كثير من الناس قد يشترون شــيئا ً ثــم ينــدمون عليــه‪،‬‬
‫ويتحسرون ‪ ،‬ويتمنون أنهم لم يشتروه‪ ،‬فإن جاءوك ليردوا‬
‫ما أخذوه وكان سليمًا‪ ،‬فاعــذرهم واردد لهــم أمــوالهم‪ ،‬ول‬
‫تجبرهم على الشراء مما عندك فقد ل يريدونه‪ ،‬ول يغلبنك‬
‫حب الدنيا على نفع الناس؛ والحق أنك تنفع نفسك ‪ .‬قــال‬
‫صلى اللــه عليــه وســلم ‪ ) :‬مــن أقــال مســلما أقــاله اللــه‬
‫عثرته ( ]رواه أبو داود‪. [3460:‬‬

‫‪240‬‬
‫‪ -‬وكن سمحا ً في البيع والشراء‪ ،‬وانظــر المعســر‪ ،‬وتجــاوز‬
‫عنه لعل الله أن يتجاوز عنك في وقت أنت أحوج ما تكون‬
‫إلى تجاوز الله عنك‪ .‬قال صــلى اللــه عليــه وســلم‪) :‬رحــم‬
‫الله رجل سمحا إذا بــاع وإذا اشــترى وإذا اقتضــى ( ]رواه‬
‫البخاري‪ . [2076:‬وقــال صــلى اللــه عليــه وســلم‪ ) :‬كــان‬
‫تاجر يداين الناس فإذا رأى معســرا قــال لفتيــانه تجــاوزوا‬
‫عنــه لعــل اللــه أن يتجــاوز عنــا فتجــاوز اللــه عنــه ( ]رواه‬
‫البخاري‪ ،2078:‬ومسلم‪ . [1562:‬وقال صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم‪ ) :‬من أنظــر معســرا أو وضــع عنــه أظلــه اللــه فــي‬
‫ظله… الحديث ( ] مسلم‪. [3014:‬‬
‫‪ -‬أد زكــاة مالــك ‪ .‬فهــو حــق للــه ل لــك‪ ،‬فإنــك إن فعلــت‬
‫أطعت ربك‪ ،‬بارك لك في مالك‪ ،‬وإن عصيته وحبست حق‬
‫الله عليك‪ُ ،‬نزعت البركة منه‪ ،‬ويكون وبال ً عليك في الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬ونالك ما نال الـذي يكنــز الـذهب والفضـة ‪ :‬قـال‬
‫فُقون َهَــا فِــي‬ ‫ة وََل ي ُن ْ ِ‬ ‫ض َ‬‫ب َوال ِْف ّ‬ ‫ن الذ ّهَ َ‬ ‫ن ي َك ْن ُِزو َ‬
‫ذي َ‬ ‫تعالى‪َ } :‬وال ّ ِ‬
‫مى عَل َي ْهَــا فِــي‬ ‫ذاب أ َ‬ ‫ل الل ّهِ فَب َ ّ‬
‫ح َ‬
‫م يُ ْ‬ ‫م)‪(34‬ي َوْ َ‬ ‫ٍ‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫م ب ِعَ َ ٍ‬ ‫شْرهُ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫مــا‬ ‫م هَ ـ َ‬
‫ذا َ‬ ‫م وَظ ُهُــوُرهُ ْ‬ ‫جن ُــوب ُهُ ْ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫جَباهُهُ ْ‬
‫وى ب َِها ِ‬ ‫م فَت ُك ْ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫َنارِ َ‬
‫ن)‪]{ (35‬التوبــة[ ‪.‬‬ ‫م ت َك ِْنــُزو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ذوُقوا َ‬ ‫م فَ ُ‬‫سك ُ ْ‬ ‫م ِل َن ُْف ِ‬ ‫ك َن َْزت ُ ْ‬
‫ثم إنك بمنعك زكاة مالك‪-‬حق الله عليك‪ -‬تكون قد أســأت‬
‫إلى خلق الله‪ ،‬لنك كنت سببا ً في منع الغيث من السماء‪،‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم‪ …) :‬ولم يمنعوا زكــاة أمــوالهم‬
‫إل منعوا القطر من السماء ولــول البهــائم لــم يمطــروا …‬
‫الحديث( ]رواه ابــن ماجــة‪ ،4019:‬وقــال اللبــاني حســن‪:‬‬
‫برقم‪. [3262:‬‬
‫‪ -‬انفع نفسك بالنفاق في سبيل الله‪ ،‬فإنك إن بذلت مالك‬
‫لوجه الله‪ ،‬وأنفقته في سبيله‪ ،‬تنفــع نفســك ويقربــك عنــد‬
‫مولك‪ ،‬وليس لك من مالك إل ما أنفقته في سبيله ‪ .‬فعن‬
‫عبد الله بن الشخير‪-‬رضي الله عنــه‪ -‬قــال‪ ) :‬أتيــت النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر‪ ،‬قال‪ :‬يقول‬
‫ابن آدم‪ :‬مالي‪ ،‬مالي ‪ .‬قال‪ :‬وهل لك يا ابن آدم من مالك‪،‬‬
‫إل مــا أكلــت فــأفنيت‪ ،‬أو لبســت فــأبليت‪ ،‬أو تصــدقت‬
‫فأمضــيت ( ]رواه مســلم‪ . [2958:‬أمضــيت أي‪ :‬أبقيــت ‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وســلم ‪ ) :‬إذا مــات النســان انقطــع‬

‫‪241‬‬
‫عنه عمله إل من ثلثة‪ :‬إل من صدقة جارية‪ ،‬أو علم ينتفــع‬
‫به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له ( ]رواه مسلم‪. [1631:‬‬
‫‪ -‬وأحذر‪ :‬من إضاعة الصــلة لجــل كســب بضــعة ريــالت‪،‬‬
‫فإن الدنيا ل تسوى عند الله جناح بعوضة‪ ،‬فإذا ُأذن للصلة‬
‫فأترك الدنيا‪-‬الزائلة‪ -‬وراء ظهرك‪ ،‬وأطلب الخرة –الدائمة‬
‫– التي ل تزول ‪ .‬ومن تشاغل عن الصــلة بــالبيع والشــراء‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫فقد أثم ووقــع فــي المحــرم ‪ .‬قــال تعــالى‪َ }:‬ياأي ّهَــا ال ّـ ِ‬
‫ر‬
‫كــ ِ‬ ‫وا إ َِلــى ذِ ْ‬ ‫سع َ ْ‬ ‫معَةِ َفا ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن ي َوْم ِ ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صَلةِ ِ‬ ‫ذا ُنودِيَ ِلل ّ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬ ‫َءا َ‬
‫ن{‬ ‫مــو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ك ُن ُْتــ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫كــ ْ‬ ‫خْيــٌر ل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫كــ ْ‬ ‫الّلــهِ وَذ َُروا ال ْب َْيــعَ ذ َل ِ ُ‬
‫] الجمعة‪ . [9 :‬وهذا الحكم ليس في الجمعة فحسب‪ ،‬بــل‬
‫أي تجارة ألهت عن صلة فهو محرم ‪.‬‬
‫‪ -‬وأحذر‪ :‬مــن الغــش فــإنه مقيــت‪ ،‬والغــاش متوعـد ٌ علــى‬
‫لسان رسولنا‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ) : -‬من غــش فليــس‬
‫مني ( ] رواه مسلم‪ . [102 :‬ول شك أن الغش من كبــائر‬
‫الذنوب‪ .‬وصور الغش كثيرة‪ ،‬والتجار أعلم بها من غيرهــم‪،‬‬
‫طلع على السرائر‪ ،‬فليحــذر التــاجر مــن يــوم تبلــى‬ ‫والله م ّ‬
‫فيه السرائر‪ ،‬فما كان مخفيا ً في الــدنيا يظهــره اللــه يــوم‬
‫الخرة ‪.‬‬
‫‪ -‬وأحـــذر الربـــا فـــإنه بئس المكســـب وبئس المنقلـــب‪:‬‬
‫ل ك َّفاٍر‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ّ‬ ‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬‫} يَ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن الّرَبــا‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أِثيم ٍ { ]البقرة‪ . [276:‬وقال تعالى‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫س‬‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬‫مو َ‬ ‫َل ي َُقو ُ‬
‫َ‬ ‫ذ َل َ َ‬
‫م‬ ‫ح ـّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫م َقاُلوا إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫سـل َ َ‬ ‫مــا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َرب ّـهِ فَــان ْت ََهى فَل َـ ُ‬ ‫مـ ُ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫عظ َـ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫الّرَبا فَ َ‬
‫َ‬ ‫عاد َ فَ ـأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م ِفيهَــا‬ ‫ب الن ّــارِ هُ ـ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫صـ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ن{] البقـرة‪ . [275 :‬وعـن جـابر‪-‬رضـي اللـه عنـه‪-‬‬ ‫دو َ‬ ‫خاِلـ ُ‬ ‫َ‬
‫قال‪ ) :‬لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬آكــل الربــا‪،‬‬
‫ومؤكله‪ ،‬وكاتبه‪ ،‬وشاهديه وقال‪ :‬هم سواء( ]رواه مســلم‪:‬‬
‫‪ .[1598‬وصور الربا كثيرة‪ ،‬ول تقل من عنــد نفســك هــذه‬
‫الوسيلة الفلنيــة جــائزة ول شــيء فيهــا أو نحــو ذلــك‪ ،‬بــل‬
‫س ـأ َُلوا‬ ‫ارجع إلى أهل العلم الراسخين فيه‪ ،‬واسألهم ‪َ } :‬فا ْ‬
‫ن { ] النبياء‪ . [7 :‬ول تتشبث‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ل الذ ّك ْرِ إ ِ ْ‬ ‫أ َهْ َ‬

‫‪242‬‬
‫بفتوى أنصاف العلماء وأحذرهم‪ ،‬وأنجــو بنفســك إن أردت‬
‫لها الفلح ‪.‬‬
‫‪ -‬وأحذر‪ :‬من بيع العينة فإنها محرمــة علــى لســان رســول‬
‫الله صــلى اللــه فعــن ابــن عمــر‪-‬رضــي اللــه عنهمــا‪ -‬قــال‬
‫سمعت رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم يقــول‪) :‬إذا‬
‫تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتــم‬
‫الجهاد سلط اللــه عليكــم ذل ً ل ينزعــه حــتى ترجعــوا إلــى‬
‫دينكم( ]رواه أبو داود‪ 3462:‬وصححه اللباني[ ‪.‬‬
‫وصورة العينة‪ :‬أن يــبيع شــخص ســلعة علــى شــخص آخــر‬
‫بثمن مؤجل‪ ،‬ثم يشتريها منه بثمن حال أقل من المؤجل ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬أن يبيع شخص على آخر سيارة بعشرين ألفــا ً‬
‫إلى أجل‪ ،‬ثم يشتريها منه بخمسة عشر ألفا ً حالة يســلمها‬
‫له‪ ،‬وتبقى العشرون اللـف فـي ذمتـه إلـى حلـول الجـل؛‬
‫فيحرم ذلك؛ لنه حيلة يتوصــل بهــا إلــى الربــا‪ ،‬فكــأنه بــاع‬
‫دراهم مؤجلة بدراهم حالــة مــع التفاضــل‪ ،‬وجعــل الســلعة‬
‫حيلــة فقــط ‪ ] .‬الملخــص الفقهــي)‪ : (2/13‬للشــيخ صــالح‬
‫الفوزان[ ‪.‬‬
‫‪ -‬وأحذر‪ :‬من بيع محــرم النفــع‪ ،‬أو ممــا يســتعان بــه علــى‬
‫م ‪ ،‬وهو من التعــاون علــى‬ ‫معصية الله؛ فإن هذا البيع محر ٌ‬
‫ن{‬ ‫الثــم والعــدوان‪ } :‬وََل ت ََعــاوَُنوا عََلــى اْل ِْثــم ِ َوال ُْعــد َْوا ِ‬
‫]المائدة‪ . [2 :‬وهذا الــبيع؛ كــبيع الخمــر‪ ،‬وبيــع آلت اللهــو‪،‬‬
‫والدخان‪ ،‬ومن كان مثلها في التحريم ‪.‬‬
‫‪ -‬ول تبع على بيع أخيك‪ ،‬أو تشتري على شراءه‪ ،‬فــإن هــذا‬
‫يجلــب العــداوة والبغضــاء بيــن المســلمين‪ ،‬ويفــرق فيمــا‬
‫بينهم‪ ،‬وفوق ذلك أنه محرم‪ ،‬فعن عبد الله بن عمر‪-‬رضــي‬
‫الله عنهما‪ -‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ ) :‬ل‬
‫يبيع بعضكم على بيع أخيه (]رواه البخاري‪. [2139:‬‬
‫ومثال البيع على البيع ‪ :‬أن يشتري زيد مــن عمــرو ســيارة‬
‫بعشرة آلف‪ ،‬فيذهب رجل إلى زيد ويقول له أنــا أعطيــك‬
‫أحسن منها بتسعة‪ ،‬أو مثلها بثمانية‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬
‫ومثال الشراء على الشراء‪ :‬أن يبيع زيد على عمرو ســلعة‬
‫بتسعة‪ ،‬فيأتي رجل آخر ويقول لزيد –البــائع‪ :-‬أنــا أعطيــك‬

‫‪243‬‬
‫فيها عشرة‪ ،‬أو نحو ذلك ‪ .‬وكل هذا محرم‪ ،‬والشراء داخل‬
‫في البيع ‪.‬‬
‫‪ -‬وأحذر‪ :‬من النجش ‪ :‬فهو ظلم وعدوان‪ ،‬قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬إياكم والظن فــإن الظــن أكــذب‬
‫الحــديث‪ ،‬ول تحسســوا‪ ،‬ول تجسســوا‪ ،‬ول تناجشــوا‪ ،‬ول‬
‫تحاســدوا‪ ،‬ول تباغضــوا‪ ،‬ول تــدابروا‪ ،‬وكونــوا عبــاد اللــه‬
‫إخوانا ( ]البخاري‪. [6066:‬‬
‫والنجش ‪ :‬هو الزيادة في قيمــة الســلعة مــع عــدم الرغبــة‬
‫في الشراء‪ ،‬حتى ترتفع قيمــة الســلعة ‪ .‬وهــذا فيــه تغريــر‬
‫بالمشتري وخــديعته وإضــرار بــه ‪ .‬وهــذا يقــع كــثيرا ً اليــوم‬
‫وخصوصا ً في ) حراج السيارات( ‪.‬‬
‫ومــن صــور النجــش المحــرم أن يقــول صــاحب الســلعة‪:‬‬
‫ُأعطيت بها كذا وكذا‪ ،‬وهو كاذب ‪ ،‬أو يقول‪ :‬اشتريتها بكــذا‬
‫وهو كاذب ‪.‬‬
‫ومن صور النجش المحــرم أن يقــول صــاحب الســلعة ‪ :‬ل‬
‫أبيعها إل بكذا أو كذا؛ لجــل أن يأخــذها المشــتري بقريــب‬
‫ممــا قــال‪ ،‬كــأن يقــول‪ :‬فــي ســلعة ثمنهــا خمســة‪ :‬أبيعهــا‬
‫بعشرة؛ ليأخذها المشــتري بقريــب مــن العشــرة ‪] .‬انظــر‬
‫الملخص الفقهي‪ (2/19) :‬للشيخ ‪ :‬صالح الفــوزان[ قلــت‪:‬‬
‫وهذا منتشر الن بين البائعين إل من رحم الله ‪.‬‬
‫‪ -‬ول تحلف بــالله كــذبا ً وزورًا‪ ،‬مــن أجــل متــاع مــن الــدنيا‬
‫م لهــم‪ ،‬وجنــب‬ ‫قليل‪،‬فإنه أكل لموال الناس بالباطل‪ ،‬وظل ٌ‬
‫نفسك سخط ربــك عليــك‪ ،‬قــال صــلى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫) من حلف على يمين يقتطــع بهــا مــال امــرئ مســلم هــو‬
‫عليها فاجر لقي الله وهو عليــه غضــبان…الحــديث ( ]رواه‬
‫البخـاري‪ ،2357:‬ومسـلم‪ ، [138:‬وقـال صـلى اللـه عليـه‬
‫وسلم‪ ) :‬إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق‬
‫( ]رواه مسـلم‪ . [1067 :‬وقـال صـلى اللـه عليـه وسـلم‪:‬‬
‫) ثلثــة ل يكلمهــم اللــه يــوم القيامــة ول ينظــر إليهــم ول‬
‫يزكيهم ولهم عذاب أليم‪ ،‬قال‪ :‬فقرأها رســول اللــه صــلى‬
‫الله عليه وسلم ثلث مرارا ‪ .‬قال أبو ذر‪-‬رضي الله عنــه‪:-‬‬
‫خابوا وخسروا من هم يــا رســول اللــه؟ ‪ .‬قــال‪ :‬المســبل‪،‬‬

‫‪244‬‬
‫والمنان‪ ،‬والمنفق سلعته بالحلف الكــاذب ( ]رواه مســلم‪:‬‬
‫‪. [106‬‬
‫‪ -‬وأحــذر مــن التعــرض لعــراض المســلمين؛ فــإنه بئس‬
‫البضاعة عند العرض علــى اللــه ‪ .‬فــإن مــن الباعــة مــن ل‬
‫يخاف الله في نساء المسلمين‪ ،‬فيحــاول التغريــر بهــم‪ ،‬أو‬
‫استدراجهم‪ ،‬حتى ينال منهن ما يريد‪ ،‬وليحذر سخط الجبار‬
‫فإنه يعلم خائنة العين وما تخفي الصــدور ‪.‬أل فليتــق اللــه‬
‫ذلك البائع‪ ،‬وليعلم أن أعراض المسلمين حرام عليه‪ ،‬قــال‬
‫صـــلى اللـــه عليـــه وســـلم ‪ ) :‬فـــإن دمـــاءكم وأمـــوالكم‬
‫وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هـذا فـي شـهر كـم‬
‫هــذا فــي بلــدكم هــذا …الحــديث ( ]رواه البخــاري‪،67:‬‬
‫ومســـلم‪ . [1679:‬وأن أذيتهـــم محرمـــة قـــال تعـــالى‪:‬‬
‫سـُبوا‬ ‫مــا اك ْت َ َ‬‫ت ب ِغَي ْـرِ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫من َــا ِ‬ ‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫ذو َ‬ ‫ن ي ُـؤْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َوال ّ ِ‬
‫مِبيًنا { ]الحزاب‪.[58:‬‬ ‫ما ُ‬ ‫مُلوا ب ُهَْتاًنا وَإ ِث ْ ً‬ ‫فََقدِ ا ْ‬
‫حت َ َ‬
‫‪ -‬ول تجلب الفساد والشر إلى بلد المسلمين‪ .‬فــإن إثمهــا‬
‫ووزرها عليك؛ وهو مــن غــش المســلمين وعــدم النصــيحة‬
‫لهم ‪ .‬كاستيراد الملبس التي تكشف العورات والســوآت‪،‬‬
‫أو جلــب المشــروبات أو المطعومــات المحرمــة‪ ،‬أو جلــب‬
‫الفلم الخليعة والصور الماجنة… إلخ ‪.‬‬
‫‪ -‬وأحذر من بيع المباح إذا علمت أنه ُيستعمل في معصــية‬
‫الله‪ :‬كبيع العصير لمن يتخــذه خمــرًا‪ ،‬أو بيــع الســلح لمــن‬
‫يقتل نفسا ً معصومة‪ ،‬أو بيع )الشرطة( لمن )ينسخ( عليها‬
‫ل في قوله تعــالى‪:‬‬ ‫الغاني أو الكلم الخليع ‪ .‬وهذا كله داخ ٌ‬
‫ن { ]المائدة‪. [2 :‬‬ ‫} وََل ت ََعاوَُنوا عََلى اْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫‪ -‬وإياك و التطفيف في الميــزان‪ ،‬فــإن فيــه نزلــت ســورة‬
‫ن )‪(1‬‬ ‫مط َّفِفي ـ َ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬
‫قــال اللــه تعــالى فــي أول آياتهــا‪ } :‬وَي ْـ ٌ‬
‫م أ َْو‬
‫كاُلوهُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن )‪ (2‬وَإ ِ َ‬ ‫ست َوُْفو َ‬ ‫س يَ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ذا اك َْتاُلوا عََلى الّنا‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ظـن ُأول َئ ِ َ َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(4‬‬ ‫مب ُْعوث ُــو َ‬ ‫م َ‬ ‫ك أن ُّهـ ْ‬ ‫ن )‪ (3‬أَل ي َ ُ ّ‬ ‫سـُرو َ‬ ‫خ ِ‬‫م يُ ْ‬ ‫وََزُنوهُ ْ‬
‫ن )‪{ (6‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعـال َ ِ‬ ‫س ِلـَر ّ‬ ‫م الن ّــا ُ‬ ‫م ي َُقــو ُ‬ ‫م)‪َ(5‬يـوْ َ‬ ‫ظيـ ٍ‬ ‫ل ِي َـوْم ٍ عَ ِ‬
‫]المطففيــن‪ . [6-1 :‬والتطفيــف هنــا‪ :‬هــو بخــس النــاس‬
‫حقوقهم في المكيال والميزان ظلم ـا ً وعــدوانًا‪ ،‬فتوعــدهم‬
‫الله هذا الوعيد الشديد ‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫‪ -‬وأحذر من التغرير بالناس‪ ،‬بأي نــوع مــن أنــواع التغريــر‪،‬‬
‫وكثير من المسابقات التي تعمــل الن مــن قبــل المحلت‬
‫التجاريــة‪ ،‬هــو خــداع للنــاس‪ ،‬وأكــل لمــوالهم بــالزور‪ ،‬لن‬
‫المشــتري مــا انــدفع لشــراء الســلعة إل طمع ـا ً فــي نيــل‬
‫الجوائز المعروضة‪ ،‬فيجتهد هذا المسكين مخرج ـا ً مــا فــي‬
‫جيبه لشراء شيئا ً قد ل يحتاجه‪ ،‬أمل ً فــي حلــم قــد يتحقــق‬
‫وقد ل يتحقق ! ‪ .‬فاتقوا الله يا أيها التجار في خلق الله ‪.‬‬
‫وقد سُئل فضيلة الشــيخ محمــد الصــالح العــثيمين‪-‬حفظــه‬
‫ل هذا نصه‪ :-‬هل يجوز أن أعلن للجميــع أن مــن‬ ‫الله‪ -‬سؤا ٌ‬
‫يشــتري مــن عنــدي ســيارة يحصــل علــى رقــم‪ ،‬ولمــدة‬
‫جعل سحب علــى هــذه الرقــام‪ ،‬فالــذي‬ ‫محدودة‪ ،‬وبعدها ي ُ‬
‫ُ‬
‫ُيسحب رقمه يحصل على جائزة قيمة‪ ،‬وبذلك أرغــب فــي‬
‫بضاعتي ويكثر زبائني‪ .‬أفتونــا عــن هــذه الطريقــة جزاكــم‬
‫الله خيرا ً ؟‬
‫فأجاب‪ :‬هذا ل يجوز لنه إما قمار أو شبيه به‪ ،‬والله تعــالى‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫صا ُ‬‫سُر َواْلن ْ َ‬ ‫مُر َوال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬
‫خ ْ‬ ‫مُنوا إ ِن ّ َ‬‫ن َءا َ‬‫ذي َ‬ ‫يقول‪َ } :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫جت َن ُِبوهُ ل َعَل ّ ُ‬ ‫شــي ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫كــ ْ‬ ‫ن َفــا ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مــ ِ‬‫ن عَ َ‬ ‫مــ ْ‬‫س ِ‬ ‫جــ ٌ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫َواْلْزَل ُ‬
‫ن { ]المــائدة‪ . [90 :‬والميســر‪ :‬هــو القمــار الــذي‬ ‫حــو َ‬ ‫ت ُْفل ِ ُ‬
‫يكون الداخل فيه بين غانم وغارم ‪] .‬فقه وفتــاوى الــبيوع‪:‬‬
‫ص ‪. [414‬‬
‫وختامًا‪ :‬أسأل مولنا الجليل‪ ،‬أن يغفــر لــي ولكــم‪ ،‬ولســائر‬
‫المسلمين من كل ذنب وخطيئة‪ ،‬إنه ولي ذلــك وهــو علــى‬
‫كل شيء قدير ‪.‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ل إله إل أنت‪ ،‬اســتغفرك‬
‫وأتوب إليك‪ ،‬وصلى اللــه وسـلم وبــارك علــى نبينــا محمــد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد للــه رب‬
‫العالمين ‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬حكم تملك الوراق المالية وأرباحها بالقبض‬
‫عبد المجيد بن صالح المنصور‬
‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده أما‬
‫بعد‪:‬‬

‫‪246‬‬
‫فإن طلب الربــح الحلل والســعي فيــه بجــد‪ ،‬والقلع عــن‬
‫الربح الحـرام والبتعــاد عنــه أصـبح مطلبـا ً ملحـا ً فــي هــذا‬
‫الوقت أكثر من أي وقت مضى؛ وذلك لما نرى مــن كــثرة‬
‫النكسات القتصادية على شتى الصــعد‪ ،‬ولمــا يســببه مــن‬
‫ُبعد في إجابة الدعوات ففي صحيح مسلم من حديث أبــي‬
‫هريرة قال قال رسول اللـه صـلى اللـه عليـه وسـلم ) إن‬
‫الله طيب ل يقبل إل طيبا وإن الله أمر المؤمنين بمــا أمــر‬
‫به المرســلين فقــال "يــا أيهــا الرســل كلــوا مــن الطيبــات‬
‫واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم" )‪ (1‬وقــال "يــا أيهــا‬
‫الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم")‪(2‬ثم ذكر الرجل‬
‫يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى الســماء يــا رب يــا‬
‫رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبســه حــرام وغــذي‬
‫بالحرام فأنى يســتجاب لــذلك(‪ ،‬وإن طلــب الحلل واجــب‬
‫على كل مسلم‪ ،‬وإنبات اللحم من سحت)‪ (3‬محــرم النــار‬
‫أولى به)‪ ،(4‬ويجب لمن وقع بشــيء مــن ذلــك المســارعة‬
‫إلى التوبــة والتخلــص مــن المــال المحــرم أيـا ً كــان نــوعه‬
‫وشكله؛ وذلك برده إلى مستحقه الصــلي أو البــدلي عنــد‬
‫تعذره‪.‬‬
‫وفي هذا الزمن ابتلي كثير من المسلمين بالتعامــل بالربــا‬
‫مع الفراد أو الشركات أو البنوك أو غير ذلك‪ ،‬وعندها يقــع‬
‫الناس في الحرج‪ ،‬وترد بعض الشكالت والتساؤلت الــتي‬
‫تعرض على طلب العلم والمفتين على نحو‪:‬‬
‫هل المقبوض بعقد ربوي يملك أو ليملك؟ ومــا الحكــم إذا‬
‫نتج عن هذا المقبوض بعقد ربوي ربح هل يملكه المشتري‬
‫أو ل يملكه ويكون لمالك الصــل)البــائع( بنــاء علــى فســاد‬
‫العقد ولــم يثبــت الملــك فــي الصــل بقبضــه؟ ومــا كيفيــة‬
‫التخلص من الربح الربوي؟ وهــل يجــوز التصــدق بــه علــى‬
‫الفقراء والمساكين ونحوهم؟ وهــل يجــوز رد الربــاح إلــى‬
‫البنك؟ وغير ذلك من السئلة التي حاولت جعل جوابها في‬
‫نسق واحد في أثناء البحث‪ ،‬لبناء بعضها على بعض‪.‬‬
‫رب مث ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫ضـ ِ‬
‫ولجــل تبســيط صــورة هــذا الموضــوع أكــثر أ ْ‬
‫فأقول‪ :‬لــو أن مســلما ً عقــد عقــدا ً ربويـا ً وقبــض المعقــود‬
‫عليــه‪ ،‬وليكــن أســهما ً قبضــها بعقــد ربــوي ووضــعت فــي‬

‫‪247‬‬
‫محفظتــه)‪ ،(5‬ولــم يضــارب بهــا‪ ،‬ورغــب فــي أرباحهــا ثــم‬
‫مــن‬ ‫استحقت الرباح‪ ،‬فهل يملك تلك السهم بــالقبض؟ ول ِ‬
‫تكون هذه الرباح المقبوضة بعقد ربوي ؟‬
‫هــل تكــون لمشــتري تلــك الوراق الماليــة بعقــد فاســد أو‬
‫للمالك الصل )البائع( وهي )الشركة مصدرة تلك الوراق(‬
‫بناء على أن المقبوض بعقد فاسد ل يملك؟‬
‫ولجــل معرفــة لمــن الربــاح؟ لبــد مــن معرفــة لمــن‬
‫الصل)السهم المقبوض بعقــد ربــوي( أي هــل تملــك تلــك‬
‫الوراق المالية بالقبض أو ل ؟‬
‫هذه المسألة مــن النــوازل الفقهيــة الــتي لــم يتطــرق لهــا‬
‫ل‪ ،‬ولكن أصولها موجودة فــي‬ ‫الفقهاء السابقون بحثا ً وتدلي ً‬
‫كتبهــم‪ ،‬فــإن هــذه المســألة تعــود إلــى مســألة) ملكيــة‬
‫المقبوض بعقد فاسد ( فيكون التخريج عليها‪.‬‬
‫فيقــال‪ :‬إن العلمــاء اختلفــوا فــي تملــك الوراق الماليــة‬
‫الربوية بالقبض على قولين‪:‬‬
‫القول الول‪:‬‬
‫ذهــب جمهــور الفقهــاء مــن المالكيــة)‪ ،(6‬والشــافعية)‪،(7‬‬
‫والحنابلة)‪ ،(8‬وبعض الحنفية)‪ (9‬إلى أن العقــود الربويــة ل‬
‫تملك ولو اتصل بها القبض‪ ،‬بل هي مفسوخة أبــدًا‪ ،‬وعلــى‬
‫قــولهم هــذا فل تملــك الوراق الماليــة الربويــة بــالقبض‪،‬‬
‫ويجب فسخ العقد وردها ‪.‬‬
‫جاء في "المدونة" عن ابــن وهــب قــال‪ ):‬وســمعت مالكـا ً‬
‫يقول الحرام البين من الربا وغيره يرد إلى أهله أبدا ً فــات‬
‫أو لم يفت)‪.(11)((10‬‬
‫وقال ابن عبد البر‪ ) :‬قال مالك‪ :‬ومن الــبيوع مــا يجــوز إذا‬
‫تفاوت أمره وتفاحش رده‪ ،‬فأما الربا فإنه ل يكون فيــه إل‬
‫الرد أبدًا‪ ،‬ول يجوز منه قليل ول كثير ول يجوز فيه ما يجوز‬
‫م‬‫م فَل َك ُ ْ‬
‫في غيره؛ لن الله تعالى يقول في كتابه‪} :‬وَِإن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن{)‪.(12‬‬ ‫مو َ‬‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬
‫مو َ‬‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬
‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سأ ْ‬ ‫ُر ُ‬
‫ؤو ُ‬
‫ثم قال‪) :‬هذا قول صحيح في النظر وصحيح من جهة الثر‬
‫فمن قاده ولم يضطرب فيه فهو الخّير الفقيه‪.(13)(...‬‬
‫وقال‪ ) :‬وقد اتفــق الفقهــاء علــى أن الــبيع إذا وقــع بالربــا‬
‫مفسوخ أبدا ()‪.(14‬‬

‫‪248‬‬
‫وقال السرخسي من الحنفية‪ ):‬إن الربا‪ ...‬ل يكون موجبــا ً‬
‫للملك بكل حال()‪.(15‬‬
‫القول الثاني‪:‬‬
‫ذهب جمهور الحنفية)‪ (16‬إلى أن العقــود الفاســدة ومنهــا‬
‫الربا تملك إذا اتصل بها القبض‪ ،‬ولكنــه ملــك خــبيث يجــب‬
‫فسخه‪ ،‬فإن تصرف به بــبيع أو هبــة أو نحــوه صــح‪ ،‬وعليــه‬
‫فإن الوراق المالية الربوية تملك عند جمهــور الحنفيــة إذا‬
‫اتصل بها القبض‪ ،‬لكنهــا ملــك خــبيث يجــب عليــه رد الربــا‬
‫على من أربى عليه‪.‬‬
‫والراجح في هذه المسألة ‪-‬والله أعلم‪ -‬أن الوراق المالية‬
‫الربوية ل تملك ولــو اتصــل بهــا القبــض‪ ،‬ويجــب فســخ مــا‬
‫قبض منها‪ ،‬فيرد الوراق المالية إلى بائعها‪ ،‬ويســترد ثمنهــا‬
‫إن أمكن‪ ،‬وإل يتخلص منها بالبيع)‪.(17‬‬
‫و الدلــة علــى هــذا كــثيرة ومــن أقواهــا مــا رواه البخــاري‬
‫ومسلم فــي صــحيحيهما مــن حــديث أبــي ســعيد الخــدري‬
‫رضــي اللـه عنــه قــال‪)) :‬جــاء بلل بتمــر برنــي‪ ،‬فقــال لــه‬
‫رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم ‪)) :‬مــن أيــن هــذا؟((‬
‫فقــال بلل ‪ :‬تمــر كـان عنـدنا رديـء‪ ،‬فبعــت منــه صـاعين‬
‫بصاع؛ لمطعم النبي صلى الله عليه وســلم فقــال رســول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عند ذلـك ‪)) :‬أوه عيـن الربـا‪ ،‬ل‬
‫تفعل‪ ،‬ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخــر ثــم‬
‫اشتر به(()‪ ،(18‬وفي روايــة لمســلم ‪)) :‬فــردوه ثــم بيعــوا‬
‫تمرنا واشتروا لنا من هذا(()‪.(19‬‬
‫ووجه الدللة من الحديث‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وســلم‬
‫أمــر بــالرد ولـم يقــره علــى هــذا العقــد الربــوي‪ ،‬بــل أمــر‬
‫بفسخه مع اتصال القبض به‪.‬‬
‫قال النووي عند هذا الحــديث‪ ) :‬وقــوله ‪:‬صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ]هذا الربا فردوه[ هذا دليل على أن المقبوض بــبيع‬
‫فاسد يجب رده على بــائعه وإذا رده اســترد الثمــن()‪،(20‬‬
‫وقال ابن حجر‪) :‬وفيه أن البيوع الفاسدة ترد()‪.(21‬‬
‫حكم أرباح الوراق المالية بعد القبض‪:‬‬
‫لما عرفنا حكم تملك الوراق المالية بــالقبض‪ ،‬بقــي حكــم‬
‫ما ينتــج عــن تلــك الوراق مــن أربــاح‪ ،‬وإن أقــرب تكييــف‬

‫‪249‬‬
‫فقهي لتلك الرباح هو نماء المقبــوض بعقــد فاســد‪ ،‬وهــذا‬
‫النماء من قبيل النمــاء المنفصــل غيــر متولــد مــن الصــل‬
‫كالكســب والغلــة‪ ،‬والعلمــاء مختلفــون فــي حكــم نمــاء‬
‫المقبوض بعقد فاسد من حيث ملكيته تبعا ً لختلفهــم فــي‬
‫ملكية أصله على القولين السابقين‪.‬‬
‫أما من حيث وجوب رد النمــاء إلــى مالــك الصــل )البــائع(‬
‫فلم تختلف أقوال المذاهب الربعة في ذلك؛ فإنهم قضــوا‬
‫بوجوب رد النماء –ومنه الرباح‪ -‬مع أصــله إلــى البــائع وأن‬
‫ذلك النماء والربح ل يمنع الفسخ‪ – ،‬وإليك بيان ذلك‪:‬‬
‫أما الشافعية‪ ،‬والحنابلة‪ ،‬والظاهريــة‪ :‬فهــم علــى قاعــدتهم‬
‫السابقة ليثبتون الملــك بــالقبض‪ ،‬ويوجبــون رد المقبــوض‬
‫بعقد فاسد ونماءه سواء أكان ربويا ً أم غير ربوي‪.‬‬
‫أما المالكية‪ :‬فـإنهم ل يثبتــون الملـك فـي العقــود الربويــة‬
‫مطلقًا‪ ،‬وهو مفسوخ عندهم أبدا ً سواء فــات أم لــم يفــت‪،‬‬
‫ول يكون فيه إل الرد أبدًا‪ ،‬ول يجوز منه قليــل ول كــثير ول‬
‫يجوز‬
‫فيــه مــا يجــوز فــي غيــره)‪ (22‬ول ينتقــل الضــمان فيــه‬
‫للمشتري‪.‬‬
‫فظاهٌر أن الغلة والرباح ل تأثير لها على الحكم في العقد‬
‫صــير العقــد‬‫الربوي‪-‬عند المالكية‪ ،-‬وأن هــذه الزيــادات ل ت ّ‬
‫فائتًا‪ ،‬وبالتالي يجب عنــدهم رده وأربــاحه علــى مــن أربــى‬
‫عليه )‪.(23‬‬
‫جاء في مواهب الجليل‪ ) :‬وهنا ‪ -‬أي فــي العقــد الربــوي ‪-‬‬
‫لم ينتقل الضمان لبقاء المبيع تحت يد بائعه‪ ،‬فل يحكم لــه‬
‫‪-‬أي المشــتري‪-‬بالغلــة بــل لــو قبــض المشــتري المــبيع‪،‬‬
‫وتسلمه بعد أن أخله البائع ثم آجره المشــتري للبــائع لــم‬
‫يجز؛ لن ما خرج من اليد وعاد إليها لغو‪.(24)(...‬‬
‫أما الحنفية)‪ :(25‬فإنهم وإن أثبتوا الملك بــالقبض إل أنهــم‬
‫قالوا‪ :‬إن الزيادة‪ -‬المنفصلة‪ -‬على المقبوض بعقد فاسد ل‬
‫تمنع الفسخ‪ ،‬ويجــب ردهــا مــع أصــلها إلــى البــائع‪ ،‬ولــزوم‬
‫ضمانها عند التلف‪ ،‬ســواء أكــانت هــذه الزيــادة المنفصــلة‬
‫متولدة من الصل كالولد واللبن والثمرة؛ لن هذه الزيادة‬
‫تابعة للصل لكونهــا متولــدة منــه‪ ،‬والصــل مضــمون الــرد‬

‫‪250‬‬
‫فكذلك الزيادة‪ ،‬كمــا فــي الغصــب‪ ،‬أم كــانت الزيــادة غيــر‬
‫متولــدة مــن الصــل كالهبــة والصــدقة والكســب والغلــة‬
‫والرباح؛ لن الصل مضــمون الــرد‪ ،‬وبــالرد ينفســخ العقــد‬
‫من الصل فتبين أن الزيادة حصلت على مالكه)‪.(26‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫يلحظ فــي المســألة أنــه وإن اختلــف العلمــاء فــي تملــك‬
‫الوراق الماليــة الربويــة بــالقبض إل أن المــذاهب الربعــة‬
‫اتحد قولهم في الرباح‪ ،‬فإنهم اتفقوا على أن هذه الربــاح‬
‫الربوية والتي تعتبر نمــاًء منفص ـل ً مــن ملــك البــائع لتمنــع‬
‫الفسخ ويجب ردها مع الصل إلى البــائع؛ حــتى علــى رأي‬
‫الحنفية الذين يثبتون الملكية فــي المقبــوض بعقــد فاســد؛‬
‫لنها حصلت في ملكــه‪ ،‬وحــتى علــى رأي المالكيــة الــذين‬
‫يعتــبرون النمــاء فوتــا ً فــي المــبيع يثبــت بــه الملــك فــي‬
‫المقبوض بعقد فاسد إل الربا لن الربا عندهم ليثبــت فيــه‬
‫الملك أبدا ‪.‬‬
‫ومــع أن هــذا هــو الصــل والراجــح فــي المســتحق للربــح‬
‫الربوي إل أن المستحق شيء وطريقة التخلص منه شيء‬
‫آخر؛ وذلك أنــه قــد يســتحقه صــاحبه ابتــداء ولكــن لســبب‬
‫شرعي أو عذر أومانع نصرف الربــح الربــوي لجهــة أخــرى‬
‫دون مستحقه ابتداء ‪.‬‬
‫لذا يقال إن مستحق الربح الربوي ل يخلو من ثلث حالت‬
‫‪.‬‬
‫الحال الولى‪ :‬إذا كان مستحق هذه الرباح الربوية شخصا ً‬
‫معينا ً معلومًا‪ ،‬ويمكن ردها ‪-‬أي الرباح والصل‪ -‬إليــه‪ ،‬ولــم‬
‫يكن معروفا ً بالتعامل بالربــا والحــرام فــالواجب فــي هــذه‬
‫الحالة رد تلــك الربــاح وأصــلها إليــه؛ لنهــا مقبوضــة بعقــد‬
‫فاســد‪ ،‬والربــاح لهــا حكــم أصــلها؛ لنهــا تبــع‪ ،‬والتبــع يتبــع‬
‫الصل)‪ ،(27‬والتبع يملك بملك الصل)‪ ،(28‬والتابع ل يفرد‬
‫بالحكم)‪.(29‬‬
‫الحال الثانية‪ :‬إذا كان مستحق الرباح مجهول ً أو تعذر الرد‬
‫إليه ولم يكن معروفا ً بالتعامل بالربــا والحــرام فــإنه يجــب‬
‫على المشتري التخلص من المقبوض بعقد ربوي وأربــاحه‬
‫بالتصدق به ‪-‬على الفقراء والمساكين‪ -...‬عن صاحبه بنيــة‬

‫‪251‬‬
‫التخلص منه ل بنية التقرب إلى الله تعــالى بهــذه الصــدقة‬
‫كما هو قول جمهور الفقهاء مــن الحنفيــة)‪ (30‬والمالكيــة)‬
‫‪ (31‬والحنابلة)‪ (32‬وبعــض الشــافعية)‪ ،(33‬واختيــار شــيخ‬
‫السلم ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪ -‬فــي أكــثر مــن موضــع مــن‬
‫فتاويه‪ ،‬والقاعدة عند شــيخ الســلم ابــن تيميــة فــي هــذا)‬
‫‪ ):(34‬أن الموال التي تعذر ردها إلــى أهلهــا لعــدم العلــم‬
‫ل‪ ،‬وأن مــن كــان عنــده مــال ل يعــرف صــاحبه‬ ‫بهــم مث ً‬
‫كالغاصب التائب والمرابي التائب ونحوهم ممن صار بيــده‬
‫مــال ل يملكــه ول يعــرف صــاحبه فــإنه يصــرف إلــى ذوي‬
‫الحاجات ومصالح المسلمين()‪ ،(35‬وقال‪) :‬هذا عنــد أكــثر‬
‫العلماء()‪.(36‬‬
‫ثم قال‪ ) :‬إذا تبين هــذان الصــلن فنقــول‪ :‬مــن كــان مــن‬
‫ذوي الحاجــات كــالفقراء والمســاكين والغــارمين وابــن‬
‫السبيل‪ ،‬فهؤلء يجوز‪ ،‬بل يجــب أن يعطــوا مــن الزكــوات‪،‬‬
‫ومن الموال المجهولة باتفاق المسلمين ()‪.(37‬‬
‫وقال‪ ) :‬وما تصدق به فإنه يصرف في مصالح المسلمين‪،‬‬
‫فيعطــى منــه مــن يســتحق الزكــاة‪ ،‬ويقــرى منــه الضــيف‪،‬‬
‫ويعان فيه الحاج‪ ،‬وينفق في الجهاد وفي أبواب الــبر الــتي‬
‫يحبها الله ورسوله كمــا يفعــل بســائر المــوال المجهولــة‪،‬‬
‫وهكذا يفعل من تاب من الحــرام وبيــده الحــرام ل يعــرف‬
‫مالكه ()‪.(38‬‬
‫وقال‪ ) :‬المال الــذي ل نعــرف مــالكه يســقط عنــا وجــوب‬
‫رده‪ ،‬فيصرف في مصالح المسلمين‪ ،‬والصدقة من أعظــم‬
‫مصالح المسلمين‪ ،‬وهذا أصــل عــام فــي كــل مــال يجهــل‬
‫مالكه بحيث يتعذر رده إليه كالمغصوب والعواري والودائع‬
‫يتصدق بها عن صاحبها أو يصرفها في مصــالح المســلمين‬
‫علــى مــذهب مالــك وأحمــد وأبــي حنيفــة وغيرهــم‪ ،‬وإذا‬
‫صرفت على هذا الوجه جــاز للفقيــر أخــذها؛ لن المعطــي‬
‫هنا إنما يعطيها نيابة عن صاحبها()‪.(39‬‬
‫قال القرطبي‪) :‬قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من‬
‫الموال الحرام إن كانت رًبا فليردها على من أربى عليــه‪،‬‬
‫ويطلبه إن لم يكن حاضًرا فإن أيس من وجوده فليتصــدق‬
‫بذلك()‪.(40‬‬

‫‪252‬‬
‫وقــال الغزالــي‪ ) :‬إذا كــان معــه مــال حــرام وأراد التوبــة‬
‫والبراءة منه ‪-‬فإن كان له مالك معين‪ -‬وجــب صــرفه إليــه‬
‫أو إلى وكيله‪ ،‬فإن كان ميتـا ً وجـب دفعـه إلـى وارثـه‪ ،‬وإن‬
‫كان لمالك ل يعرفه ويئس من معرفته‪ ،‬فينبغي أن يصرفه‬
‫في مصالح المسلمين العامة كالقناطر والربط والمســاجد‬
‫ومصالح طريق مكة‪ ،‬ونحو ذلــك ممــا يشــترك المســلمون‬
‫فيه‪ ،‬وإل فيتصدق به على فقير أو فقراء‪.(41)(...‬‬
‫الحـال الثالثـة‪ :‬إذا كـان مسـتحق الربـاح الربويـة معلومـا ً‬
‫وأمكـن الـرد إليـه‪ ،‬بْيـد َ أنـه يعـرف عنـه التعامـل بـالحرام‬
‫كالمقبوض من البنــوك أو الشــركات الــتي تتعامــل بالربــا‪،‬‬
‫والمقبوض على الزنا ‪ -‬مهور البغاء ‪ -‬والغناء ولعب القمــار‬
‫وثمن الخمر‪ ،‬والمقبوض على النياحة وغير ذلك فالصــحيح‬
‫من أقوال أهل العلم في هذه الحال أنه ل يجوز رد المــال‬
‫والربح على ذلك الزاني ول تلك الشركة وذلك البنك‪ ،‬حتى‬
‫ل يجمــع لــه بيــن العــوض والمعــوض‪ ،‬وعليــه إذا قبــض‬
‫المشتري تلك الربــاح أن يتصــدق بهــا بنيــة التخلــص منهــا‬
‫وهــذا قــول عنــد المالكيــة)‪ ،(42‬وعنــد الحنابلــة‪ ،‬وهــو‬
‫المنصــوص عــن أحمــد فــي ثمــن الخمــار أنــه ل يــرد إلــى‬
‫صاحبه‪ ،‬ويجب عليه التخلص منه والتصدق به فــي مصــالح‬
‫المسلمين)‪ ،(43‬وانتصر لهذا شيخ السلم ابن تيمية)‪،(44‬‬
‫وابن القيم)‪.(45‬‬
‫والقاعــدة عنــد هــذين الشــيخين‪-‬رحمهمــا اللــه‪ -‬فــي هــذه‬
‫المسألة‪ ) :‬كل كســب خــبيث لخبــث عوضــه عين ـا ً كــان أو‬
‫منفعة يكون التخلص منه بالصدقة به ()‪.(46‬‬
‫وسئل شيخ الســلم ابــن تيميــة ‪-‬رحمــه اللــه‪ -‬عــن امــرأة‬
‫كانت مغنية‪ ،‬واكتســبت فــي جهلهــا مــال ً كــثيرا ً وقــد تــابت‬
‫وحجت إلى بيت الله تعــالى‪ ،‬وهــي محافظــة علــى طاعــة‬
‫الله‪ ،‬فهل المال الذي اكتسبته مــن حــل وغيــره إذا أكلــت‬
‫وتصدقت منه تؤجر عليه ؟‬
‫فأجاب‪ :‬المــال المكســوب إن كــانت عيــن أو منفعــة)‪(47‬‬
‫مباحة في نفسها‪ ،‬وإنما حرمت بالقصد مثل من يبيع عنبــا ً‬
‫لمن يتخذه خمرا ً أو من يســتأجر لعصــر الخمــر أو حملهــا‪،‬‬
‫فهذا يفعله بالعوض لكن ل يطيب له أكلــه‪ ،‬وأمــا إن كــانت‬

‫‪253‬‬
‫العين أو المنفعة محرمة كمهر البغي وثمن الخمر‪ ،‬فهنــا ل‬
‫ُيقضى له به قبل القبض‪ ،‬ولو أعطاه إياه لــم يحكــم بــرده‬
‫مـع لهــم بيـن‬ ‫ج ِ‬
‫فــإن هــذا معونــة لهـم علــى المعاصــي إذا ُ‬
‫العــوض والمعــوض‪ ،‬ول يحــل هــذا المــال للبغــي والخمــار‬
‫ونحوهما‪ ،‬لكن يصرف فــي مصــالح المســلمين)‪ ،(48‬فــإن‬
‫مار‪ ،‬وكانوا فقراء جاز أن يصرف‬ ‫ي وهذا الخ ّ‬‫تابت هذه البغ ّ‬
‫إليهم من هذا المال مقدار حاجتهم‪ ،‬فإن كان يقدر يتجر أو‬
‫طي ما يكون له رأس مال‪،‬‬ ‫ُ‬
‫يعمل صنعة كالنسج والغزل أعْ ِ‬
‫وإن اقترضــوا منــه شــيئا ليكتســبوا بــه ولــم يــردوا عــوض‬
‫القرض كان أحسن‪ ،‬وأما إذا تصدق به لعتقــاده أنــه يحــل‬
‫عليه أن يتصدق به فهذا يثاب على ذلك‪ ،‬وأما إن تصدق به‬
‫كما يتصدق المالــك بملكــه فهــذا ل يقبلــه اللــه؛ إن اللــه ل‬
‫يقبل إل الطيب‪ ،‬فهذا خــبيث‪ ،‬كمــا قــال النــبي صــلى اللــه‬
‫عليــه وســلم‪)) :‬مهــر البغــي خــبيث(()‪ ،(50)((49‬وقــال‪:‬‬
‫) نعم البغي والمغني والنائحة ونحوهم إذا أعطوا أجورهم‪،‬‬
‫ثم تابوا‪ ،‬هل يتصدقون بهــا أو يجــب أن يردوهــا علــى مــن‬
‫أعطاهموهــا؟ فيهــا قــولن‪ :‬أصــحهما أنــا ل نردهــا علــى‬
‫الفســاق الــذين بــذلوها فــي المنفعــة المحرمــة‪ ،‬ول يبــاح‬
‫الخذ‪ ،‬بل يتصدق بها وتصرف في مصالح المسلمين‪ ،‬كمــا‬
‫نص عليه أحمد في أجرة حمل الخمر()‪.(51‬‬
‫سّلم إليهم‬ ‫وقال ابن القيم‪ ) :‬فإن قيل‪ :‬فما تقولون فيمن ُ‬
‫المنفعة المحرمــة الــتي اســتأجروه عليهــا كالغنــاء والنــوح‬
‫والزنى واللواط؟ قيل إن كان لم يقبض منهم العــوض لــم‬
‫يقض له به باتفاق المة‪ ،‬وإن كان قد قبــض لــم يطــب لــه‬
‫أكله‪ ،‬ولم يملكه بذلك‪،‬والجمهور يقولون يرده عليهــم؛لنــه‬
‫قبضه قبضـا ً فاســدًا‪ ،‬وهــذا فيــه روايتــان منصوصــتان عــن‬
‫المام أحمد؛ إحداهما‪ :‬أنه يــرده عليهــم‪ ،‬والثانيــة‪ :‬ل يــأكله‬
‫ول يرده بل يتصدق به‪ ،‬قال شيخنا‪ :‬وأصح الروايتين أنــه ل‬
‫يرده عليهم ول يباح للخذ‪ ،‬ويصرف في مصالح المسلمين‬
‫كما نص عليه أحمد في أجــرة حمــال الخمــر()‪ ،(52‬وقــال‬
‫في موضع آخر‪ ) :‬فصل المســألة الثانيـة إذا عــاوض غيـره‬
‫معاوضة محرمة‪ ،‬وقبض العــوض كالزانيــة والمغنــي وبــائع‬
‫الخمــر وشــاهد الــزور ونحــوهم‪ ،‬ثــم تــاب والعــوض بيــده‪،‬‬

‫‪254‬‬
‫فقالت طائفة‪ :‬يــرده إلــى مــالكه؛ إذ هــو عيــن مــاله‪ ،‬ولــم‬
‫يقبضه بإذن الشارع‪ ،‬ول حصل لربه في مقابلته نفع مباح‪،‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬بل توبته بالتصــدق بــه ول يــدفعه إلــى مــن‬
‫أخذه منه‪ ،‬وهو اختيار شيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬وهو أصــوب‬
‫القولين()‪.(53‬‬
‫وقال )إن الذي عاوض على خمر أو خنزير أو علــى زنــا أو‬
‫فاحشــة أو غيــر ذلــك أخرجــه باختيــاره واســتوفى عوضــه‬
‫المحرم‪ ،‬فل يرد العوض إليه ؛ لنه ل يسوغ عقل ً أن يجمــع‬
‫له بين العوض والمعوض عنه‪ ،‬فإن في ذلك إعانة له علـى‬
‫الثم والعدوان‪ ،‬وتيسيرا ً لصــحاب المعاصــي‪ ،‬ومــاذا يريــد‬
‫الزاني وصاحب الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضــه ويســترد‬
‫ماله‪ ،‬فهذا مما تصان الشريعة عــن التيــان بــه‪ ،‬ول يســوغ‬
‫القــول بــه‪ ،‬وهــو يتضــمن الجمــع بيــن الظلــم والفاحشــة‬
‫والغدر‪ ،‬ومن أقبح القبح أن يســتوفي عوضــه مــن المزنــي‬
‫بها ثم يرجع فيما أعطاها قهرًا‪ ،‬فقبح هذا مستقر في فطر‬
‫جميع العقلء فل تأت به الشريعة()‪. (54‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫‪----------------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬المؤمنون آية ‪15‬‬
‫)‪ (2‬البقرة آية ‪271‬‬
‫)‪ (3‬قال المنذري )الســحت بضــم الســين وإســكان الحــاء‬
‫وبضمهما أيضا هو الحرام وقيل هو الخبيث من المكاسب(‬
‫الترغيب والترهيب )‪.(2/349‬‬
‫)‪) (4‬انظــر الكلم حــول هــذا الحــديث‪ :‬تخريــج الحــاديث‬
‫والثار للزيلعي)‪ (398‬وتلخيص الحبير )‪(4/149‬‬
‫)‪ (5‬قَْبــض الســهم‪ :‬وضــعها فــي المحفظــة؛ لن القبــض‬
‫مرجعه إلى العرف‪-‬كمــا مقــرر‪ -‬و ل يعتــبر قابضـا ً للســهم‬
‫عرفا ً إل بوضعها في المحفظة‪،‬والله أعلم‪.‬‬
‫)‪ (6‬المدونة الكبرى )‪ ،(4/145‬والتمهيــد لبــن عبــد الــبر )‬
‫‪ ،(5/29‬وبدايـــة المجتهـــد ونهايـــة المقتصـــد )‪،(2/230‬‬
‫والستذكار )‪.(21/139‬‬
‫)‪ (7‬الم )‪ (2/53‬و)‪ (3/247‬و)‪ ،(6/184‬والمهــــــــــــذب‬
‫للشيرازي)‪ ،(1/275‬والحاوي الكبير)‪ ،(5/316‬والمجموع)‬

‫‪255‬‬
‫‪ ،(9/377‬وروضـــة الطـــالبين )‪ ،(3/72‬والنـــوار لعمـــال‬
‫البرار )‪.(1/333‬‬
‫)‪ (8‬المغني )‪ ،(6/327‬والنصاف)‪ ،(4/473‬وشرح منتهــى‬
‫الرادات )‪ ،(3/237‬وكشاف القنــاع )‪ ،(3/245‬والفــروع )‬
‫‪ (6/287‬ومعــه تصــحيح الفــروع وحاشــية ابــن قنــدوس‪،‬‬
‫والمستوعب للسامري )‪ ،(2/61‬وفتح الملك العزيز بشرح‬
‫الوجيز للبغدادي الحنبلي )‪ ،(3/561‬والمحــرر فــي الفقــه)‬
‫‪ .(1/323‬وتقرير القواعد لبن رجب )‪.(2/189‬‬
‫)‪ (9‬ومنهــم زفــر والسرخســي‪ ،‬انظــر‪ :‬الجــامع الصــغير )‬
‫‪ ،(1/332‬وأصول السرخسي ص )‪.( 83‬‬
‫)‪ (10‬الفــوات عنــد المالكيــة يعنــي أحــد خمســة أشــياء ‪:‬‬
‫الول‪ :‬تغيــر الــذات وتلفهــا كــالموت والعتــق وهــدم الــدار‬
‫وغــرس الرض وأكــل الطعــام ونمــاء المــبيع ونقصــانه ‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬حوالة السواق‪ .‬والثــالث‪ :‬الــبيع‪ .‬والرابــع‪ :‬حــدوث‬
‫عيب‪ .‬والخامس‪ :‬تعلق حـق الغيـر كرهـن السـلعة ‪ .‬انظـر‬
‫القوانين الفقهية لبن جزيــء ص)‪ (265‬والشــرح الصــغير‬
‫للدردير‬
‫)‪ (11‬المدونـــة الكـــبرى )‪ ،(4/148‬ومـــواهب الجليـــل )‬
‫‪.(4/381‬‬
‫)‪ (12‬سورة البقرة‪ ،‬آية)‪.(279‬‬
‫)‪ (13‬الستذكار )‪.(21/139‬‬
‫)‪ (14‬التمهيـــد )‪ ،(5/129‬والســـتذكار ) ‪ (19/146‬وهـــذا‬
‫النقل لتفاق الفقهــاء فــي هــذه المســألة فيــه نظــر‪ ،‬فــإن‬
‫جمهور الحنفية يرون أن المقبوض بعقد ربــوي يملــك وإن‬
‫كان واجب الفسخ‪ ،‬وخالفهم شمس الدين السرخسي في‬
‫هذه المسألة‪ ،‬فوافق الجمهور كما في المتن‪.‬‬
‫)‪ (15‬أصول السرخسي ص )‪ .( 83‬وانظر‪ :‬البحر الرائق )‬
‫‪ ،(6/136‬وحاشية ابن عابدين )‪.(5/169‬‬
‫)‪ (16‬انظــر‪ :‬فــي بيــان مــذهب الحنفيــة الكتــب التاليــة ‪:‬‬
‫الجامع الصــغير )‪ ،(332-1/331‬بــدائع الصــنائع )‪،(5/299‬‬
‫وما بعدها و)‪ ،(5/263‬والمبسوط )‪ ،(29/142‬وشرح فتــح‬
‫القدير ومعه شرح العناية )‪ (6/400‬ومابعدها‪ ،‬والبناية فــي‬
‫شرح الهداية )‪ ،(6/377‬والبحر الرائق شرح كنــز الــدقائق‬

‫‪256‬‬
‫)‪(6/99‬وما بعدها و) ‪ ،(6/136‬والختيار لتعليــل المختــار )‬
‫‪ ،(2/22‬وحاشــية ابــن عابــدين )‪ (7/233‬ومــا بعــدها و)‬
‫‪ ،(5/169‬ومجمع النهر في شرح ملتقــى البحــر )‪،(2/65‬‬
‫والشباه والنظائر ص )‪ ،(209‬ورؤوس المســائل الخلفيــة‬
‫ص) ‪ ،(288‬وكشف السرار للبخاري )‪(1/269‬‬
‫)‪ (17‬سوف أفرد هــذه المســألة فــي بحــث مســتقل فــي‬
‫المستقبل‪-‬إن شاء الله‪ -‬وهي )حكم التخلــص مــن الوراق‬
‫المالية بالبيع(‬
‫)‪ (18‬رواه البخاري في صــحيحه )كتــاب الوكالــة‪ -‬بــاب إذا‬
‫باع الوكيــل شــيئا ً فاســدا ً فــبيعه مــردود( ‪،(2/613)2188‬‬
‫ومسلم في صحيحه )كتاب المساقاة ‪-‬باب بيع الطعام مثل ً‬
‫بمثل( ‪.(3/1215)1594‬‬
‫)‪ (19‬رواه مسلم في صحيحه )كتاب المســاقاة ‪-‬بــاب بيــع‬
‫الطعام مثل ً بمثل( )‪.(3/1215‬‬
‫)‪ (20‬شرح النووي على صحيح مسلم )‪.(11/22‬‬
‫)‪ (21‬فتح الباري )‪.(4/401‬‬
‫)‪ (22‬الســــتذكار )‪ (21/139‬و) ‪ ،(19/146‬والتمهيــــد )‬
‫‪ ،(5/129‬وانظـــر المدونـــة الكـــبرى )‪ (4/148‬ومـــواهب‬
‫الجليــل )‪ (4/381‬وشــرح ميــارة )‪ .(2/8‬هــذا حكمــه عنــد‬
‫المالكية إذا كان ربويا ً أما إذاكان العقد الفاسد غيــر ريــوي‬
‫فالمر عندهم معلق على الفوات إن فات ثبت فيه الملــك‬
‫وإل فل‪.‬‬
‫)‪ (23‬انظر‪ :‬الجامع لحكام القرآن للقرطبي )‪.(3/366‬‬
‫)‪ (24‬مـــواهب الجليـــل )‪ (374-4/373‬بتصـــرف يســـير‪،‬‬
‫وانظر شرح ميارة )‪. (2/8‬‬
‫)‪ (25‬بدائع الصنائع )‪ ،(5/302‬والفتاوى الهندية )‪،(3/148‬‬
‫ومجمــع الضــمانات ص) ‪ ،)216‬وحاشــية ابــن عابــدين)‬
‫‪.(303-7/302‬‬
‫)‪ (26‬بدائع الصنائع )‪.(5/302‬‬
‫)‪ (27‬موسوعة القواعد الفقهية للبورنو )‪.(3/187‬‬
‫)‪ (28‬المرجع السابق‪.‬‬
‫)‪ (29‬المنثور)‪ ،(1/234‬والشباه والنظائر لبــن نجيــم ص)‬
‫‪ ،(120‬وموسوعة القواعد الفقهية للبورنو )‪.(3/158‬‬

‫‪257‬‬
‫)‪ (30‬الختيار لتعليل المختار لبن مورد )‪ ،(3/61‬وحاشــية‬
‫ابن عابدين )‪.(3/223‬‬
‫)‪ (31‬الجامع لحكام القرآن للقرطــبي )‪ ،(3/366‬وفتــاوى‬
‫ابــن رشــد )‪ ،(1/632‬والمعيــار المعــرب للونشريســي )‬
‫‪.(9/551‬‬
‫)‪ (32‬مجمـــــــوع الفتـــــــاوى)‪ (28/592‬و )‪(29/264‬و)‬
‫‪ ،(29/321‬والفتــاوى الكــبرى )‪(5/421‬و) ‪،(213-4/210‬‬
‫والفــروع لبــن مفلــح )‪ (4/513‬و) ‪ ،(2/667‬والنصــاف )‬
‫‪ ،(213-6/212‬وقواعـــد ابـــن رجـــب ص)‪ ،(225‬وجـــامع‬
‫العلوم والحكم )‪.(1/104‬‬
‫)‪ (33‬المجموع شرح المهــذب النــووي )‪ ،(9/428‬وانظــر‪:‬‬
‫المنثــور فــي القواعــد للزركشــي )‪ ،(2/231‬وفتــاوى ابــن‬
‫حجر )‪.(4/357‬‬
‫)‪ (34‬مجمـــــــوع الفتـــــــاوى )‪ (28/284‬و)‪ (28/568‬و)‬
‫‪.(29/241‬‬
‫)‪ (35‬مجمـــوع الفتـــاوى )‪ (569-28/568‬و)‪ (30/413‬و)‬
‫‪.(29/263‬‬
‫)‪ (36‬المراجع السابقة‪.‬‬
‫ل بعــض البــاحثين حينمــا‬ ‫)‪ (37‬المرجع الســابق‪ ،‬ولقــد وَهَـ َ‬
‫ظن من قول شيخ السلم ابن تيمية فــي بعــض المواضــع‬
‫"يصــرف فــي مصــالح المســلمين" أنــه خــاص بــالمرافق‬
‫العامة فقط‪ ،‬وأن شــيخ الســلم ابــن تيميــة ل يــرى جــواز‬
‫صرفها للفقراء والمســاكين‪ ،‬والكلم المنقــول فــي المتــن‬
‫يرد هذا الظن‪ ،‬وكلم شيخ الســلم ابــن تيميــة هنــا ظــاهر‬
‫في جواز صرف المال الحــرام إلــى الفقــراء والمســاكين‪،‬‬
‫وكلمه أيضا ً يفسر بعضه بعضًا‪ ،‬ثم إن الفقراء يدخلون في‬
‫مصالح المسلمين‪.‬‬
‫وذكر شيخ السلم ابن تيمية أيضا ً في موضع آخــر أن مــن‬
‫أراد التخلص من الحرام والتوبة‪ ،‬وتعــذر رده إلــى أصــحابه‬
‫فلينفقــه فــي ســبيل اللــه ‪-‬أي فــي الجهــاد‪ -‬عــن أصــحابه‪،‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪ (28/421‬والذي يظهر ‪-‬واللــه أعلــم‪ -‬أن‬
‫قوله هذا لم يقصد به حصره على هــذه الجهــة‪ ،‬وإنمــا أراد‬
‫ذكر إحدى أهم مصالح المسلمين الــتي ينفــق فيهــا المــال‬

‫‪258‬‬
‫الحرام‪-‬وهي الجهاد في سبيل الله‪ -‬فيكون داخل ً في رأيــه‬
‫الول‪ ،‬وليس رأيا ً آخر له كمــا ظــن بعــض البــاحثين بــدليل‬
‫كلمه التي‪.‬‬
‫)‪ (38‬مجموع الفتاوى )‪.(30/328‬‬
‫)‪ (39‬مجموع الفتاوى )‪ (29/263‬و)‪.(29/321‬‬
‫)‪ (40‬الجامع لحكام القرآن )‪.(3/366‬‬
‫)‪ (41‬المجموع شرح المهذب )‪.(9/428‬‬
‫)‪ (42‬مقدمات ابن رشد )‪.(2/618‬‬
‫)‪ (43‬مسائل المام أحمد وابن راهــويه للكوســج )‪،(2/66‬‬
‫والكـــافي لبـــن قدامـــة )‪ ،(2/756‬ومجمـــوع الفتـــاوى )‬
‫‪ ،(30/209‬واقتضــاء الصــراط المســتقيم )‪ ،(1/247‬وزاد‬
‫المعاد )‪ ،(5/782‬والنصاف )‪ ،(11/212‬وكشاف القنــاع )‬
‫‪.(6/317‬‬
‫)‪ (44‬مجمـــوع الفتـــاوى )‪(28/666‬و )‪ (292-29/291‬و)‬
‫‪ (309-29/308‬و)‪ ،(30/209‬واقتضاء الصراط المســتقيم‬
‫ص)‪.(265‬‬
‫)‪ (45‬زاد المعاد في هــدي خيــر العبــاد )‪ ،(5/778‬وأحكــام‬
‫أهل الذمة )‪ ،(1/574‬ومدارج السالكين )‪.(1/390‬‬
‫)‪ (46‬زاد المعاد في هدي خير العباد )‪.(5/779‬‬
‫)‪ (47‬هكذا في مجموع الفتاوى‪ ،‬ولعل الصــواب‪) :‬إن كــان‬
‫ة مباحة(‪.‬‬‫عينا ً أو منفع ً‬
‫ت‬‫)‪ (48‬يلحــظ هنــا أن شــيخ الســلم ابــن تيميــة لــم ي ُْف ـ ِ‬
‫بملكيــة هــذا المــال الخــبيث مــع كونهــا جاهلــة وقــد تــابت‬
‫وحافظت على حدود الله‪ ،‬وذكر في موضع آخر)‪ (22/8‬أن‬
‫من تاب على أموال محرمة قبضها فــي حــال الفســق أنــه‬
‫يملكها؛ لن التوبة تهدم ما كان قبلها وأنه ليس بأولى مــن‬
‫الكــافر‪ ،‬والفــرق بيــن القــولين ‪ -‬واللـه أعلــم ‪ -‬أن وجــوب‬
‫التخلص إنما هو في العين والمنفعة المحرمــة فــي أصــلها‬
‫كمهر البغي ‪ ...‬أوكان المال موجودا ً وأمكن التخلص منــه‪،‬‬
‫وقوله الخر محمول على ماكان محرم ـا ً فــي وصــفه دون‬
‫أصله أو حرم لكسبه أو كان المال المحرم قبض في حــال‬
‫الفسق منذ زمن بعيد ولم يمكن تمييزه‪ ،‬أو يكون هذا رأي‬
‫آخر له في المسألةوالله أعلم‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫)‪ (49‬رواه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ )كتاب المساقاة‬
‫‪-‬باب تحريم ثمن الكلب وحلــوان الكــاهن ومهــر البغــي( )‬
‫‪.(3/1199‬‬
‫)‪ (50‬مجموع الفتاوى )‪.(29/308‬‬
‫)‪ (51‬اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيــم‬
‫)‪.(1/247‬‬
‫)‪ (52‬أحكام أهل الذمة)‪.(1/575‬‬
‫)‪ (53‬مدارج السالكين )‪.(1/390‬‬
‫)‪ (54‬زاد المعاد )‪ (5/779‬بتصــرف يســير‪ ،‬وانظــر مــدارج‬
‫السالكين )‪.(1/390‬‬
‫المصدر ‪ :‬موقع المسلم‬
‫==============‬
‫‪#‬تحذير الجالية من المنكرات السارية )‪(1‬‬
‫الخطبة الولى‬
‫إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ‪ ،‬و نعــوذ بــالله‬
‫من شرور أنفسنا ‪ ،‬و من سيئات أعمالنا ‪ ،‬مــن يهــده اللــه‬
‫فل مضل له ‪ ،‬و من يضلل فل هادي له ‪ ،‬و أشهد أن ل إلــه‬
‫إل الله وحــده ل شــريك لــه ‪ ،‬و أشــهد أن محمــدا ً عبــده و‬
‫رسوله ‪.‬‬
‫ن إل و‬ ‫} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حـق تقـاته و ل تمـوت ّ‬
‫أنتم مسلمون { ] آل عمران ‪. [ 102 :‬‬
‫} يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفــس واحــدة‬
‫ث منهمــا رجــال ً كــثيرا ً و نســاء ‪ ،‬و‬ ‫و خلق منها زوجهــا و ب ـ ّ‬
‫اتقوا الله الذي تساءلون به و الرحام إن الله كـان عليكــم‬
‫رقيبا ً { ] النساء ‪. [ 1 :‬‬
‫} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قــول ً ســديدا ً يصــلح‬
‫لكــم أعمــالكم ويغفــر لكــم ذنــوبكم ) و مــن يطــع اللــه و‬
‫رسوله فقد فاز فوزا ً عظيما ً ){ ] الحزاب ‪. [ 70،71:‬‬
‫مة السلم ‪:‬‬ ‫ما بعد فيا أ ّ‬
‫أ ّ‬
‫كرهٌ لنا‬ ‫ي المشركين و هو ُ‬ ‫كتب علينا أن نعيش بين ظهران ْ‬ ‫ُ‬
‫‪ ،‬لما جاء من التحذير منه ‪ ،‬و النكيرِ على من أ َِلفــه ‪ ،‬فقــد‬
‫ن عَب ْـدِ‬ ‫ريـرِ ب ْـ ِ‬
‫ج ِ‬
‫روى أبو داود و الترمذي بإسناد صحيح عن َ‬
‫ن رسول الله صلى الله عليــه‬ ‫الل ّهِ الَبجلي رضي الله عنه أ ّ‬

‫‪260‬‬
‫ل مس ـل ِم يقي ـم بي ـ َ‬ ‫َ‬
‫ن أظ ْهُ ـ ِ‬
‫ر‬ ‫ٍ ُ ِ ُ َْ َ‬ ‫ن كُ ّ ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ‪ » :‬أَنا بريء ِ‬ ‫و سّلم َقا َ‬
‫ل ‪ » :‬لَ‬ ‫م ؟ قَــا َ‬ ‫ل الل ّـهِ ل ِـ َ‬ ‫ســو َ‬ ‫ن « ‪ .‬قَــاُلوا ‪ :‬ي َــا َر ُ‬ ‫كي َ‬ ‫ش ـرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ما « ‪.‬‬ ‫ت ََراَءى َناَراهُ َ‬
‫مة رسول اللــه ‪ ،‬كيــف يكــون‬ ‫و ما ظّنكم بمن برئت منه ذ ّ‬
‫في الحياة حاُله ‪ ،‬و إلم َيصير في الخرة مآله ‪.‬‬
‫م الَعبـد َ‬ ‫صـ ُ‬ ‫مـدٍ *** مــا َيع ِ‬ ‫ي مح ّ‬ ‫ي هــد ِ‬ ‫ما لم يكن فــي الهــد ِ‬
‫ف من الردى‬ ‫الضعي َ‬
‫غيَر‬ ‫حر *** بين الردى و الران َ‬ ‫أَ‬
‫س و لم ي َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫النفو‬ ‫أهواء‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫دت‬ ‫َ‬ ‫ر‬‫ْ‬
‫ددا‬ ‫تر ّ‬
‫ك إن‬ ‫ن هل ٍ‬ ‫ت مـ ْ‬ ‫م أُيفل ِـ ُ‬ ‫ما ظّنكم بالَعبدِ منه تبّرأت *** ِذم ـ ٌ‬
‫عدا‬ ‫َ‬
‫فكم من اخوةٍ لنا ضاعوا في غربتهم ‪ ،‬و أضاعوا ما ائتمنوا‬
‫عليه من الهلين و البنين ‪ ،‬فعاشوا غرباَء قد ماتت الغيــرة‬
‫في نفوسهم ‪ ،‬و تبّلدت تجاه المنكرات أحاسيسهم ‪ ،‬فترى‬
‫الواحد منهم كالكافر في ظاهره ‪ ،‬و قــد خبــا نــور اليمــان‬
‫غرسا ً ‪.‬‬ ‫في باطنه ‪ ،‬فلم يرفع به رأسا ً ‪ ،‬و لم َيغرس له َ‬
‫دة في مسيرنا‬ ‫ل أقدامنا ‪ ،‬و ننحرف عن الجا ّ‬ ‫فلنحذر أن تز ّ‬
‫‪ ،‬فَن ََقع فــي حبــائل الشــيطان و مــا أكَثرهــا ‪ ،‬و نصــيَر إلــى‬
‫ملها ‪.‬‬ ‫سنها في أعيننا و ج ّ‬ ‫ف استشرفها ‪ ،‬فح ّ‬ ‫سفاس َ‬
‫ن الشــيطان يعطــي العبــد تســعا ً و‬ ‫قال بعض السلف ‪ ) :‬إ ّ‬
‫تسعين ليوقعه في واحدةٍ ( ‪ ،‬فإذا وقع فيها نال عقــابه ‪ ،‬و‬
‫لقي هلكه ‪.‬‬
‫ذا‬ ‫ل للنسان ال ْك ُْفــر َفــإ ِ َ‬ ‫سو ّ ُ‬ ‫طان إ ِذ ْ ي ُ َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫مثله ك َ َ‬ ‫و كان َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خــاف‬ ‫ل ‪ ) :‬إ ِن ّــي أ َ‬ ‫ل وَ َقا َ‬ ‫ص َ‬ ‫ه وَ ت َن َ ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ه ت َب َّرأ ِ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫سوّل َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫خ َ‬ ‫دَ َ‬
‫ض الــرواة مــن قصــص‬ ‫ن ( ‪ .‬وَ قَد ْ ذ َك ََر ب َعْ ـ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫الّله َر ّ‬
‫بني إسرائيل ما يصلح مثال ً لمــا نحــن بصــدده فــروى ا ِب ْــن‬
‫مْعت‬ ‫سـ ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫رير في تفسيره عن عَْبد الل ّــه ب ْــن ن َِهيــك قَــا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ســَنة وَ إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫سّتي َ‬ ‫ن َراهًِبا ت َعَب ّد َ ِ‬ ‫ه ي َُقول ‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫ي الّله عَن ْ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫عَل ِّيا َر ِ‬
‫جن َّها وَ ل ََها أخــوة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مَرأة فَأ َ‬ ‫مد َ إ َِلى ا ِ ْ‬ ‫طان أَراد َهُ فَأعَْياهُ فَعَ َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫جــاُءوا‬ ‫ل ‪ :‬فَ َ‬ ‫داِويَها قَــا َ‬ ‫س فَي ُـ َ‬ ‫ذا ال َْق ّ‬ ‫م ب ِهَ َ‬ ‫ل لخوَت َِها ‪ :‬عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫فََقا َ‬
‫ها إ ِذ ْ‬ ‫عن ْــد َ‬ ‫مــا ِ‬ ‫مــا هُ ـوَ ي َوْ ً‬ ‫عْنده فَب َي ْن َ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ها ‪ ،‬وَ َ‬ ‫داَوا َ‬ ‫ب َِها إ ِل َي ْهِ فَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جــاَء إخوتهــا ‪،‬‬ ‫مـد َ إ ِل َي ْهَــا فََقت َل َهَــا فَ َ‬ ‫ت فَعَ َ‬ ‫مل َـ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ها فَ َ‬ ‫ه فَأَتا َ‬ ‫جب َت ْ ُ‬ ‫أعْ َ‬
‫حبك ‪ ،‬و إ ِّنك أ َعْي َْيتِني ‪ ،‬أ ََنــا‬ ‫صا ِ‬‫ب ‪ :‬أَنا َ‬
‫َ‬
‫طان ِللّراهِ ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫فََقا َ‬

‫‪261‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫جد ْ ِلــي‬ ‫ســ ُ‬ ‫ت ِبك َفا ْ‬ ‫صن َعْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬‫جك ِ‬ ‫ذا ِبك فَأط ِعِْني أن ْ ِ‬ ‫صن َْعت هَ َ‬ ‫َ‬
‫من ْــك‬ ‫ريــء ِ‬ ‫ل ‪ ) :‬إ ِن ّــي ب َ ِ‬ ‫ه ‪ ،‬قَــا َ‬ ‫جد َ لـ ُ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫جد َ ‪ ،‬فَل ّ‬ ‫س َ‬ ‫دة فَ َ‬ ‫ج َ‬ ‫س ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ن ( فَذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫مث َـ ِ‬ ‫وله تعالى ‪ ) :‬ك َ‬ ‫ك قَ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫خاف الله َر ّ‬ ‫إ ِّني أ َ‬
‫ريــء‬ ‫ل إ ِن ّــي ب َ ِ‬ ‫ما ك ََفـَر قَــا َ‬ ‫ل للنسان ا ُك ُْفْر فَل َ ّ‬ ‫طان إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬‫ريــرٍ أ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن ( ‪ .‬وَ روى ا ِْبن َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫خاف الّله َر ّ‬ ‫مْنك إ ِّني أ َ َ‬ ‫ِ‬
‫سُعود رضي الله عنه قــال فِــي هَ ـذِهِ اليــة ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫عَْبد الّله ْبن َ‬
‫ت ت َأ ِْوي‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ن ل ََها أ َْرب ََعة إخوة وَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫عى ال ْغََنم وَ َ‬ ‫مَرَأة ت َْر َ‬ ‫ت اِ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫َ‬
‫جـَر ب ِهَــا‬ ‫ل الّراهِــب فََف َ‬ ‫ل فَن َـَز َ‬ ‫مَعة َراهِــب قَــا َ‬ ‫صوْ َ‬ ‫ل إ َِلى َ َ‬ ‫ِبالل ّي ْ ِ‬
‫م ا ِد ْفِن ْهَــا فَإ ِن ّــك‬ ‫ه ا ُقْت ُل ْهَــا ث ُـ ّ‬ ‫ل ل َـ ُ‬ ‫طان فََقــا َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ت فَأَتاهُ ال ّ‬ ‫مل َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫فَ َ‬
‫ل فَـأ ََتى‬ ‫م د َفَن َهَــا قَــا َ‬ ‫ولــك فََقت َل َهَــا ث ُـ ّ‬ ‫مع قَ ْ‬ ‫سـ َ‬ ‫دق ي ُ ْ‬ ‫صـ ّ‬ ‫م َ‬ ‫جــل ُ‬ ‫َر ُ‬
‫حب‬ ‫صــا ِ‬ ‫ن الّراهِــب َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫مَنام فََقا َ‬ ‫طان إخوتها ِفي ال ْ َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫كان‬ ‫م َ‬ ‫م د َفَن ََها ِفي َ‬ ‫حب َل ََها قَت َل ََها ث ُ ّ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫م فَل َ ّ‬ ‫خت ِك ُ ْ‬ ‫جَر ب ِأ ْ‬ ‫مَعة فَ َ‬ ‫صو ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫م وََالل ّــه ل ََق ـد ْ َرأ َي ْــت‬ ‫من ْهُ ـ ْ‬ ‫جــل ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫حوا قَــا َ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ما أ ْ‬
‫َ‬
‫ذا فَل َ ّ‬ ‫ذا وَك َ َ‬ ‫كَ َ‬
‫ل‬ ‫م أ َت ُْرك ؟ قَــاُلوا ل ب َـ ْ‬ ‫مأ ْ‬
‫ال ْبارحة رؤْيا ما أ َدري أ َقُصها عَل َيك ُ َ‬
‫ْ ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ ِ َ ُ َ َ ْ ِ‬
‫َ‬
‫ل الخر وَأن َــا وََالل ّــه ل ََق ـد ْ َرأي ْــت‬ ‫َ‬ ‫صَها فََقا َ‬ ‫صَها عَل َي َْنا َقا َ‬
‫ل فََق ّ‬ ‫قُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مــا‬ ‫ك َقاُلوا فَوَ َالل ّهِ َ‬ ‫ل الخر وَأَنا وََالّله ل ََقد ْ َرأْيت ذ َل ِ َ‬ ‫ك فََقا َ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫م عَل َــى ذ َل ِـ َ‬ ‫مِلكهـ ْ‬ ‫سـت َعْد َْوا َ‬ ‫ل َفان ْط َل َُقوا َفا ْ‬ ‫يٍء َقا َ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ذا ِإل ل ِ َ‬ ‫هَ َ‬
‫ش ـي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طان‬ ‫ه ال ّ‬ ‫م ا ِن ْط َل َُقــوا ب ِـهِ فَل َِقي َـ ُ‬ ‫هب فَ ـأت َوْهُ فَ ـأن َْزُلوهُ ث ُـ ّ‬ ‫الّرا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ري‬ ‫ه غَي ْـ ِ‬ ‫من ْـ ُ‬‫جيك ِ‬ ‫ن ي ُن ْ ِ‬ ‫ذا وَل َ ْ‬ ‫ذي أوْقَعُْتك ِفي هَ َ‬ ‫ل إ ِّني أَنا ال ّ ِ‬ ‫فََقا َ‬
‫مــا أوْقَعْت ُــك ِفي ـهِ قَــا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫م ّ‬ ‫جيــك ِ‬ ‫دة وَأن ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫دة َوا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫س ْ‬ ‫جد ْ ِلي َ‬ ‫س ُ‬ ‫َفا ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫خذ َ فَُقت ِ َ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ت َب َّرأ ِ‬ ‫مِلكه ْ‬ ‫وا ب ِهِ َ‬ ‫ما أت َ ْ‬ ‫ه فَل َ ّ‬ ‫جد َ ل َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫فَ َ‬
‫إّنهــا حبــائل إبليــس ‪ ،‬و تلبيســات الخســيس ‪ ،‬فالحــذاِر‬
‫الحذار ‪ ،‬و إل فالّنار و العار و الشنار و الدمار ‪.‬‬
‫و من تلــبيس إبليــس علــى العبــاد تزييــن الباطــل لهــم ‪ ،‬و‬
‫ســعوا فــي الرخــص ‪،‬‬ ‫تقريــب الــذرائع ليــوقعهم ‪ ،‬حــتى يتو ّ‬
‫حَيل ‪ ،‬و يقعدوا عن النوافل ‪ ،‬فيصيروا إلـى‬ ‫فيصيروا إلى ال ِ‬
‫مل ‪.‬‬ ‫ترك ما وجب من الع َ‬
‫و إذا اجتمعت على المرء غربة الدين و غربة الــدار ‪ ،‬صــار‬
‫ل ليس لها من دون الله كاشفة ‪ ،‬ما لـم ُيقّيـض لـه‬ ‫إلى حا ٍ‬
‫جــزه ‪ ،‬فيقــف‬ ‫ح َ‬‫مــن ُيمســك بيــده ‪ ،‬أو يأخــذ عــن النــار ب ُ‬
‫بالنصــيحة إلــى جــانبه ‪ ،‬يــأمره بــالمعروف و ينهــاه عــن‬
‫صَبر ‪.‬‬ ‫دكر ‪ ،‬و يواسيه إن َ‬ ‫المنكر ‪ ،‬يعينه إن ا ّ‬

‫‪262‬‬
‫ة ‪ ،‬حب ّـا ً فــي الخيــر‬ ‫و من هذا الباب تأتي موعظتنــا الســاع َ‬
‫س رضي الله عنــه ‪،‬‬ ‫للغير ‪ ،‬فقد روى الستة و أحمد عَ َ‬
‫ن أن َ ٍ‬ ‫ْ‬
‫ل ‪ )) :‬ل يــؤمن أحــدكم‬ ‫ى صلى الله عليه وسلم قَــا َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫حتى يحب لخيه ما يحــب لنفســه (( ‪ ،‬و دعــوةً إلــى المــر‬
‫بــالمعروف و النهــي عــن المنكــر ‪ ،‬رجــاء أن نكــون مــن‬
‫منــا اللــه بعــذاب مــن عنــده ‪ ،‬قــال‬ ‫المصــلحين ‪ ،‬كــي ل يع ّ‬
‫َ‬
‫حون‬ ‫صــل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ال ُْقَرى ب ِظ ُل ْم ٍ وَأهْل َُها ُ‬ ‫ك ل ِي ُهْل ِ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫تعالى‪ :‬وَ َ‬
‫]هود‪. [117:‬‬
‫ن‬‫عــ ْ‬ ‫و روى أحمــد و أبــو داود و الترمــذي ‪ ،‬و اللفــظ لــه َ‬
‫ى صــلى اللــه عليــه وســلم أن ّــه‬ ‫ّ‬ ‫ن الن ّب ِـ‬ ‫ِ‬ ‫ن عَـ‬ ‫ِ‬ ‫ما‬‫ن ال ْي َ َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫حذ َي َْف َ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَل َت َن ْهَوُ ّ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُر ّ‬ ‫سى ب ِي َدِهِ ل َت َأ ُ‬ ‫ذى ن َْف ِ‬ ‫ل ‪َ » :‬وال ّ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ث ُـ ّ‬ ‫عَقاب ـا ً ِ‬
‫من ْـ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ث عَل َي ْك ُـ ْ‬ ‫ن ي َب ْعَ ـ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن الل ّـ ُ‬ ‫ش ـك َ ّ‬ ‫من ْك َرِ أوْ ل َُيو ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ث‬ ‫دي ٌ‬ ‫حـ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫ســى هَ ـ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ل أ َب ُــو ِ‬ ‫م « ‪َ .‬قا َ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫جا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ه فَل َ ي ُ ْ‬ ‫عون َ ُ‬ ‫ت َد ْ ُ‬
‫ن‪.‬‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫فمن أمر بالمعروف و نهى عن المنكر فقــد أدى مــا أمــره‬
‫الله به فــي هــذا البــاب ‪ ،‬و وجــب عليــه بـّر مــن اســتجاب‬
‫ن إليه و من أصّر على مــا وقــع فيــه مــن‬ ‫لدعوته و الحسا ُ‬
‫ما أقيم عليه من الحجج البّينات ‪ ،‬و‬ ‫المنكرات ‪ ،‬و أعرض ع ّ‬
‫ن‬ ‫ره ‪ ،‬لما رواه أبــو داود بإســناد صــحيح عَـ ْ‬ ‫جب زجُره بهج ِ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل ‪َ :‬قا َ‬ ‫سُعودٍ َقا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫عَب ْدِ الل ّهِ ب ْ‬
‫ن‬ ‫كــا َ‬ ‫ل َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫ص عََلى ب َِنى إ ِ ْ‬ ‫ل الن ّْق ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ما د َ َ‬
‫ل َ‬ ‫ن أ َوّ َ‬ ‫وسلم ‪ » :‬إ ِ ّ‬
‫ع‬
‫صـن َ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ذا ات ّقّ الل ّهِ وَ د َعْ َ‬ ‫ل ‪َ :‬يا هَ َ‬ ‫ل فَي َُقو ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ل ي َل َْقى الّر ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫الّر ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫كــو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ه ذ َل ِ َ‬
‫من َعُ ُ‬ ‫ن ال ْغَدِ فَل َ ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ي َل َْقاهُ ِ‬ ‫ك ثُ ّ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يَ ِ‬ ‫فَإ ِن ّ ُ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ه قُل ُــو َ‬ ‫ب الل ّـ ُ‬ ‫ض ـَر َ‬ ‫ك َ‬ ‫ما فَعَُلوا ذ َل ِـ َ‬ ‫ه وَقَِعيد َهُ فَل َ ّ‬ ‫ريب َ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫كيل َ ُ‬ ‫أ ِ‬
‫ض«‪.‬‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضه ِ ْ‬ ‫ب َعْ ِ‬
‫ب‬ ‫مقامنــا هــذا طلـ ُ‬ ‫ما شاع بين المسلمين في زماننا و ُ‬ ‫وم ّ‬
‫المال من غير حّله ‪ ،‬و من ذلك الحصول عليه بوسائل غير‬
‫مشروعة ‪ ،‬قائمةٍ على التحايــل و التطــاول تــارةً ‪ ،‬و علــى‬
‫التذّلل و النكسار للكّفار ‪ ،‬و امتهان النفــس أمــامهم تــارة‬
‫أخرى ‪ ،‬فضل ً عن مباشرة العمل المحّرم ‪ ،‬و منه العمــال‬
‫التابعة للكنائس ‪ ،‬و إن بدا أّنها أعمال بّر و إنسانّية ‪ ،‬و كذا‬
‫دم‬ ‫العمل فـي المطـاعم و المقـاهي و النـوادي ‪ ،‬الـتي تقـ ّ‬
‫وقها ‪ ،‬فهل ضاقت الرزاق علــى المســلم‬ ‫المحّرمات و تس ّ‬

‫‪263‬‬
‫حتى يمتهن نفسه ‪ ،‬و يعمل نادل ً يقدم الخمرة للسكارى ‪،‬‬
‫دم للنزلء لحــوم المي ْت َـةِ و الكلب و‬ ‫أو ُيعّلب أو يطهو أو يق ّ‬
‫ل اكتسابها‬ ‫دريهمات ل بركة فيها ‪ ،‬و ل يح ّ‬ ‫الخنازير ‪ ،‬طلبا ً ل ُ‬
‫ن الله إذا حّرم شيئا ً حّرمه ثمنه و العانــة عليــه ‪،‬‬ ‫أصل ً ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ي ‪ ،‬و حلــوان‬ ‫و من ذلك تحريم ثمــن الكلــب ‪ ،‬و مهــر البغـ ّ‬
‫الكاهن ‪ ،‬الثابت فــي ســنن أبــي داود و النســائي و مســند‬
‫أحمد بإسنادٍ صحيح ‪.‬‬
‫ن عشــرةٍ بســبب الخمــرة ‪ ،‬فقــد روى‬ ‫و مثــل ذلــك لعــ ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ك َقا َ‬ ‫الترمذي و ابن ماجة و أحمد عن عَ َ‬
‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬‫ن أن َ ِ‬ ‫ْ‬
‫ر‬
‫مـ ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ل الل ّـهِ صــلى اللــه عليــه وســلم فِــي ال َ‬
‫ْ‬ ‫ســو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫» ل َعَـ َ‬
‫ة‬‫مول َـ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مل َهَــا َوال ْ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫شارِب ََها وَ َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫صَر َ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫صَر َ‬ ‫عا ِ‬ ‫شَرةً ‪َ :‬‬ ‫عَ َ‬
‫شت ََراةَ‬ ‫م ْ‬ ‫شت َرِىَ ل ََها َوال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫من َِها َوال ْ ُ‬ ‫ل ثَ َ‬ ‫ساقِي ََها وََبائ ِعََها َوآك ِ َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ وَ َ‬
‫ه«‪.‬‬ ‫لَ ُ‬
‫ما ابتليت به القلّية السلمّية في ديار الغرب ‪ ،‬الوقوع‬ ‫وم ّ‬
‫في الربا بصورة أو أخرى ‪ ،‬و أبواب الربا كأبواب الشرك ‪،‬‬
‫بضعٌ و ســبعون بابـا ً ‪ ،‬كمــا صــح بــذلك الخــبر ‪ ،‬الــذي رواه‬
‫الحافظ المنذري في ) الترغيب و الترهيب ( ‪.‬‬
‫فليحذر المتعاملون مع المصارف الربوّية من الوقوع تحت‬
‫طائلة حرب ل هوادة فيها ‪ ،‬أعلنها الله تعالى عليهم ما لــم‬
‫من ُــوا ْ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫يبادروا بالتوبة ‪ ،‬فقد قال سبحانه ‪ ) :‬ي َــا أي ّهَــا ال ّـ ِ‬
‫ن )‪(278‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مــؤْ ِ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫ن الّرَبا ِإن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬
‫ْ‬
‫م‬ ‫ســول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُـ ْ‬ ‫ن الل ّـهِ وََر ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ّ‬ ‫ح ـْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَُلوا ْ فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫فَِإن ل ّ ْ‬
‫َ‬
‫ن )‪ (279‬وَِإن‬ ‫مــو َ‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫فَل َك ُ ْ‬
‫خْيــٌر ل ّ ُ‬ ‫صد ُّقوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫كــ ْ‬ ‫سَرةٍ وَأن ت َ َ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ن ( ] البقرة [ ‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ِإن ُ‬
‫روى ابن كثير في تفسير هــاتين اليــتين قــول اب ْــن عَب ّــاس‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ســوله ‪ ،‬و‬ ‫ن الل ّــه وََر ُ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ح ـْر ٍ‬ ‫س ـت َي ِْقُنوا ب ِ َ‬ ‫ب أي ْ ا ِ ْ‬ ‫ح ـْر ٍ‬ ‫فَأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫حّقــا‬ ‫ن َ‬ ‫ه ك َــا َ‬ ‫زع عَن ْـ ُ‬ ‫ما عََلى الّرب َــا ل ي َن ْـ ِ‬ ‫مِقي ً‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬
‫عََلى إمام ال ْمسل ِمي َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َقوَله ‪ :‬فَ َ‬
‫ب عُُنقه‬ ‫ضَر َ‬ ‫ن ن ََزعَ وَِإل َ‬ ‫ه فَإ ِ ْ‬ ‫ست َِتيب ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ُ ْ ِ َ‬ ‫ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مــا‬ ‫ن أن ّهُ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫سـي‬ ‫ســن َواب ْــن ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫عـ ْ‬ ‫حـاِتم َ‬ ‫‪ ،‬وَ روى ابن أب ِــي َ‬
‫َ‬
‫م قَد ْ أذِن ُــوا‬ ‫صَيارَِفة لك ََلة الّرَبا وَ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ؤلِء ال ّ‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫َقال ‪ :‬وَ َالّله إ ِ ّ‬
‫عــاِدل‬ ‫مام َ‬ ‫ن عََلى الّناس إ ِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫سوله وَ ل َوْ َ‬ ‫ن الّله وَ َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫ل‬ ‫ســلح ‪ .‬وَ َقــا َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ضــعَ ِفيِهــ ْ‬ ‫ن َتــاُبوا وَ ِإل وَ َ‬ ‫م َفــإ ِ ْ‬ ‫ســت ََتاب َهُ ْ‬ ‫ل ْ‬

‫‪264‬‬
‫ن الل ّــه قَـد ْ‬‫ن الّرَبا فَإ ِ ّ‬ ‫طة هَذِهِ ال ْب ُُيوع ِ‬
‫م ْ‬ ‫خال َ َ‬ ‫م َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫دة ‪ :‬إ ِّياك ُ ْ‬ ‫قََتا َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫صي َت ِهِ َفاقَ ٌ‬
‫مع ْ ِ‬ ‫م إ َِلى َ‬ ‫ه َفل ت ُل ْ ِ‬
‫جئ ْن َك ُ ْ‬ ‫طاب َ ُ‬ ‫حلل وَ أ َ َ‬ ‫سع َ ا ل ْ َ‬ ‫أو ْ َ‬
‫َ‬
‫ل التعاملت المصــرفّية المعاصــرة‬ ‫ما ل ريب فيه أن ج ّ‬ ‫وم ّ‬
‫ت شائبةٍ ربوي ّةٍ ‪ ،‬ما لم تكن من الربا المحض ‪ ،‬باســتثناء‬ ‫ذا ُ‬
‫تعاملت المصارف السلمّية الــتي ل وجــود لهــا فــي هــذه‬
‫الديار ‪.‬‬
‫و من المعاملت المحّرمة في هذا الباب إيداع الموال في‬
‫المصارف و القتراض منهــا مــن غيــر ضــرورة ‪ ،‬أو تجــاوز‬
‫الضرورات إلى الكمالّيات ‪ ،‬كالتوسع في شــراء المســاكن‬
‫و المراكب و الثاث ‪ ،‬و تسديد قيمتها بزيادةٍ ربوّية عليها ‪،‬‬
‫فليحذر الذين توّرطوا في شيء من ذلك ‪ ،‬و ليتقــوا اللــه ‪،‬‬
‫فل ي َط َْعموا حراما ً ‪ ،‬أو ُيطعموه من يعولون مــن الهليــن و‬
‫البنين ‪.‬‬
‫ن تنازله عن الزيــادة الربوي ّــة لصــالح‬ ‫و ل يظن أحد ٌ منهم أ ّ‬
‫جهــا فــي وجــه مــن وجــوه الــبر و الصــلة‬ ‫المصرف أو إخرا َ‬
‫بــدون توب ـةٍ ‪ ،‬يخرجــه مــن المحظــور ‪ ،‬و يبيــح لــه متابعــة‬
‫ن التعامل بالربا أو المساعدة‬ ‫تعامله مع ذلك المصرف ‪ ،‬ل ّ‬
‫عليــه أو المســاهمة فيــه ســواٌء فــي الحرمــة ‪ ،‬فقــد روى‬
‫جاِبر بن عبد الله رضي الله‬ ‫ن َ‬ ‫مسلم و الترمذي و أحمد عَ ْ‬
‫ل‬ ‫ل الل ّهِ صلى اللــه عليــه وســلم آك ِـ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫عنه ‪َ ،‬قال ‪ :‬ل َعَ َ‬
‫واٌء ( ‪ ،‬فتوبوا‬ ‫س َ‬
‫م َ‬ ‫ل ‪ ) :‬هُ ْ‬ ‫شاهِد َي ْهِ وََقا َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ه وَ َ‬
‫كات ِب َ ُ‬ ‫موك ِل َ ُ‬ ‫الّرَبا وَ ُ‬
‫إلى الله جميعا ً أّيها المؤمنون لعّلكم ُتفلحون ‪.‬‬
‫ه وََلدا‬ ‫م إذا أطَعمت َ ُ‬ ‫ن الحرا َ‬ ‫إ ّ‬
‫غدا‬ ‫ب الصغيُر على استمرائ ِهِ و َ‬ ‫ش ّ‬
‫ش مجتِهدا‬ ‫َيسَعى ل ُِيحرَِزه ما عا َ‬
‫ما سواهُ غدا‬ ‫رضا ً ع ّ‬ ‫معت َ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫و ُيشي ُ‬
‫مــا‬‫فاتقوا الله ياعباد الله ‪ ،‬و طّهروا أنفسكم و أمــوالكم م ّ‬
‫ن الحــرام للبركــة‬ ‫يوقــع فــي ســخط اللــه ‪ ،‬و اعلمــوا أ ّ‬
‫مســحقة ‪ ،‬و‬ ‫حقــة ‪ ،‬و أن المعاصــي لســباب الســعادة ُ‬ ‫مم ِ‬ ‫ُ‬
‫الندامة بمقترفها لحقة ‪.‬‬
‫مل ‪ ،‬و عصمنا مــن‬ ‫وّفقني الله و إّياكم لخيَريْ القول و الع َ‬
‫الضللة و الزلل‬

‫‪265‬‬
‫ّ‬
‫مد و آله و صــحبه‬ ‫و صّلى الله و سّلم و بارك على نبّّيه مح ّ‬
‫أجمعين‬
‫الخطبة الثانية‬
‫ة السلم !‬ ‫م َ‬‫أ ّ‬
‫مــا يوقــع فــي‬ ‫اتقوا الله ‪ ،‬و طهّــروا أنفســكم و أمــوالكم م ّ‬
‫حقــة ‪ ،‬و أن‬ ‫مم ِ‬ ‫ن الحــرام للبركــة ُ‬ ‫سخط اللـه ‪ ،‬و اعلمــوا أ ّ‬
‫ن الندامـــة‬ ‫مســـحقة ‪ ،‬و أ ّ‬ ‫المعاصـــي لســـباب الســـعادة ُ‬
‫بمقترفها لحقة ‪.‬‬
‫مــبين ‪ ،‬أن ُيصــاب المــرء فــي عَِقب ِــه ‪،‬‬ ‫خســران ال ُ‬ ‫و مــن ال ُ‬
‫دعائهم بعد وفــاته ‪ ،‬و مــا‬ ‫فيفسد أبناؤه ‪ ،‬و ُيحرم النتفاع ب ُ‬
‫القامة بين ظهراَني الكافرين إل مظّنة لــذلك ‪ ،‬فكــم مــن‬
‫خُلقي ّا ً بعد أن فّرط في‬ ‫صر أبناؤه ‪ ،‬أو انحرفوا ُ‬ ‫ب مسلم تن ّ‬ ‫أ ٍ‬
‫فق إل بعد وقوع الفأس في الــرأس ‪ ،‬حيــن‬ ‫شبابه ‪ ،‬و لم ي ُ ِ‬
‫لم ي َُعد يقوى على التدارك بعد التهالك ‪.‬‬
‫حكــم الجهــاض ‪ ،‬بعــد‬ ‫ل في ُ‬ ‫ماذا أقول و قد استفتاني رج ٌ‬
‫ت الربعةِ عشَر خريف ـا ً جنيــن‬ ‫أن تحّرك بين أحشاء ابنته ذا ِ‬
‫من أب كاثوليكي ‪.‬‬
‫ن السبب ‪ ،‬و هو تفريط الب‬ ‫ل بيا َ‬ ‫أأفتيه فيما سأل ‪ ،‬و أغف ُ‬
‫م ‪ ،‬و ل تربيـة‬ ‫في زمن الشباب ‪ ،‬حيث لم ُيحسن اختيار ال ّ‬
‫س ـُهم فــي‬ ‫م َ‬ ‫ج بهم في مدارس النصــارى ‪ ،‬و غَ َ‬ ‫البناء ‪ ،‬و ز ّ‬
‫مستنقع آسن بالمنكرات ‪ ،‬ينهلــون مــن منــابع النحلل ‪ ،‬و‬
‫يجارون الكفرة في الزي و الخلق ‪.‬‬
‫و ماذا أقول لمن فّرت ابنته القاصر مع عشــيقها إلــى بل َـدٍ‬
‫ط عليه القــتراب مــن منزلهــا ‪ ،‬و‬ ‫شَر ُ‬ ‫ظرت ال ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مجاور ‪ ،‬و َ‬
‫ج به خلف قضبان الحديد ‪.‬‬ ‫إل غُّلت يداه بالقيود ‪ ،‬و ُز ّ‬
‫مــاذا أقــول ‪ ،‬و مــا ذا أقــول ‪ ،‬و قلــبي يتفط ّــر ألمـا ً حينمــا‬
‫شت في‬ ‫دت ‪ ،‬و تف ّ‬ ‫ي أحوال المسلمين ‪ ،‬و قد تر ّ‬ ‫ُتعرض عل ّ‬
‫كثيرٍ منها مظاهر الخذلن و الذوبان فــي مجتمـٍع ل يعــرف‬
‫حَرما ً ‪.‬‬‫قَِيما ً ‪ ،‬و ل يرعى ُ‬
‫لو‬ ‫م *** و الــدمعٌ منهم ـ ٌ‬ ‫ي الل ـ ُ‬ ‫مــاذا أقــول و قــد أودى ب ـ َ‬
‫م‬
‫ب َيحت َدِ ُ‬‫خط ُ‬ ‫ال َ‬
‫خل ُـقٌ يــراهُ‬ ‫ه *** فبات ل ُ‬ ‫أبكي على الجيل قد تاهت مواكب ُ ُ‬
‫م‬
‫أو قِي َ ُ‬

‫‪266‬‬
‫مت ِّبع ـا ً *** لــم ي َــرعََ ُ‬
‫معَتقــدا ً‬ ‫مس ـا ً للغــرب ُ‬ ‫منغَ ِ‬ ‫ش ُ‬‫في الطي ِ‬
‫م‬‫حَر ُ‬‫ت به ال ُ‬ ‫صين َ ْ‬
‫و مــن المــراض الســارية فــي جســد الجاليــات المســلمة‬
‫ف التأّثر بمــا يجــري‬ ‫خارج ديار السلم – يا عباد الله ‪ -‬ضع ُ‬
‫دم‬ ‫للمسلمين في أنحاء العالم من مصائب و نكبات ‪ ،‬و عــ َ‬
‫التفاعل مع قضاياهم ‪ ،‬أو مشاركتهم آلمهم و آمالهم ‪ ،‬مع‬
‫ن الهتمام بأمر المسلمين من واجباتهم على التعيين ‪.‬‬ ‫أ ّ‬
‫و من المؤســف المــؤلم أن ي ُــدافع العــالم عــن حفنــة مــن‬
‫ي عن بقرة تنحــر فــي كشــمير ‪،‬‬ ‫اليهود ‪ ،‬و يدافع مليار وثن ّ‬
‫بينمــا يغفــو العــالم ‪ ،‬و نغفــوا معــه عنــدما تمتهــن كرامــة‬
‫دساتهم ‪.‬‬‫حُرماتهم و مق ّ‬ ‫المسلمين ‪ ،‬و ُتدّنس ُ‬
‫مي‬‫ذني أ ّ‬ ‫مست في أ ُ ُ‬ ‫قد هَ َ‬
‫ب المستعرة‬ ‫من الحر ِ‬ ‫في َز َ‬
‫ن بساحتنا ب ََقرة‬ ‫لو أ ّ‬
‫خَزتها يوما ً إبرة‬ ‫قد وَ َ‬
‫دمها َقطرة‬ ‫أو ن ََزفت من َ‬
‫ل شعرة‬ ‫ذي ٍ‬ ‫أو فقدت من َ‬
‫ت الهندوس جميعا ً‬ ‫لرأي َ‬
‫يأتون إليها بالُنصرة‬
‫ن بساحتنا ِنف ٌ‬
‫ط‬ ‫لو أ ّ‬
‫جم فحم ٍ أو د ُّرة‬ ‫من َ‬ ‫أو ِ‬
‫ي و الداني‬ ‫ت القاص َ‬ ‫لرأي َ‬
‫ُيطفون النار المستعرة‬
‫ن هنا نجمة داوود‬ ‫لو أ ّ‬
‫ة حّقادٍ و يهود‬ ‫أو حفن ُ‬
‫ت العاَلم يا َولدي‬ ‫لرأي َ‬
‫يتفانى في نصر الِتلمود‬
‫سفا ً‬ ‫َ‬
‫ما السلم فوا أ َ‬ ‫أ ّ‬
‫ي على حين الغُّرة‬ ‫قد ُرم َ‬
‫صُره‬ ‫إذ ليس له من ين ُ‬
‫أو َيرفعُ في الدنيا أمره‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫أل و صّلوا و سّلموا على نبيكم المين ‪ ،‬فقد أمرتــم بــذلك‬
‫ن اللــه و‬ ‫ب العــالمين ‪ ) :‬إ ّ‬ ‫فــي الــذكر الحكيــم ‪ ،‬فقــال ر ّ‬

‫‪267‬‬
‫ملئكته يصّلون على النبي يا أّيها الذين آمنوا صّلوا عليــه و‬
‫سّلموا تسليما ( و على آله و صحبه أجمعين ‪.‬‬
‫==========‬
‫)‪ )(1‬خطبة الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب في مسجد‬
‫دبل ِــن بإيرلنــدا فــي الســابع مــن صــفر الخيــر عــام ‪1423‬‬
‫َ‬
‫شر من نيسان ‪ 20 02‬للميلد‬ ‫للهجرة ‪ ،‬الموافق للتاسع عَ َ‬
‫(‬
‫كتبه‬
‫د ‪ .‬أحمد عبد الكريم نجيب‬
‫============‬
‫‪#‬المساهمة في شركات أصل نشاطها مباح‬
‫خالد بن إبراهيم الدعيجي‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬والصــلة والســلم علــى أشــرف‬
‫خلــق اللــه أجمعيــن محمــد بــن عبــد اللــه وآلــه وصــحبه‬
‫أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫هذه المسألة من المسائل النازلة التي تحتــاج إلــى بســط‬
‫في إجابتها‪ ،‬فأقول وبالله التوفيق‪:‬‬
‫هذا النوع من الشركات اختلــف فيــه العلمــاء المعاصــرون‬
‫اختلًفا كبيًرا‪ ،‬وقبل أن نبدأ في ذكر القوال في هذا النــوع‬
‫من الشركات يحسن بنا أن نحــرر محــل النــزاع فــي هــذه‬
‫المسألة‪ :‬أن المساهمة في الشــركات الــتي يغلــب عليهــا‬
‫المتاجرة بالنشطة المحرمة‪ ،‬محرمــة ول تجــوز لمــا فيهــا‬
‫من العانة على الثم والعدوان‪.‬‬
‫وأن من يباشر إجراء العقود المحرمــة بالشــركة‪ -‬كأعضـاء‬
‫مجلس الدارة الراضــين بــذلك‪ -‬أن عملهــم محــرم‪ ،‬قل ّــت‬
‫نسبة الحرام في الشركة أم كثرت‪.‬‬
‫وأن الشتراك في تأسيس شركات يكون من خطة عملهــا‬
‫أن تتعامل في جملة معاملتها بــالعقود المحرمــة‪ ،‬أو كــان‬
‫صا في نظامها على جواز ذلك‪ ،‬فــإن هــذا الشــتراك‬ ‫منصو ً‬
‫محرم‪.‬‬
‫وأن المساهم ل يجوز له بأي حال مــن الحــوال أن يــدخل‬
‫في ماله كسب الجزء المحرم من السهم ‪ ،‬بل يجب عليــه‬
‫إخراجه والتخلص منه‪ ،‬حتى على القول بجواز مساهمته‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫واختلفوا في حكم المســاهمة فــي الشــركات المشــروعة‬
‫مــن حيــث الصــل لكنهــا تتعامــل فــي بعــض معاملتهــا‬
‫بالنشــطة المحرمــة أو تقــترض أو تــودع بــالفوائد علــى‬
‫قولين‪:‬‬
‫القول الول ‪ :‬الجواز‬
‫وممــن ذهــب إلــى هــذا القــول ‪ :‬الهيئة الشــرعية لشــركة‬
‫الراجحــي‪ ،‬والهيئة الشــرعية للبنــك الســلمي الردنــي ‪،‬‬
‫والمستشـــار الشـــرعي لدلـــة البركـــة ‪ ،‬ونـــدوة البركـــة‬
‫السادسة‪ ،‬وعدد من العلماء المعاصرين منهم الشــيخ عبــد‬
‫الله بن منيع حفظه الله‪.‬‬
‫طا ؛ إذا تــوفرت جــاز‬ ‫وقد اشترط أصحاب هذا القول شرو ً‬
‫تداول أسهم هــذا النــوع مــن الشــركات‪ ،‬وإذا تخلــف منهــا‬
‫شرط لم يجز‪ ،‬و منها‪:‬‬
‫مــا جــاء فــي قــرار الهيئة الشــرعية لشــركة الراجحــي‬
‫المصرفية رقم )‪(485‬‬
‫يجب أن يراعى في الستثمار والمتــاجرة فــي أســهم هــذا‬
‫النوع من الشركات المساهمة الضوابط التالية‪:‬‬
‫إن جواز التعامل بأسهم تلك الشركات مقيد بالحاجة‪ ،‬فإذا‬
‫وجــدت شــركات مســاهمة تلــتزم اجتنــاب التعامــل بالربــا‬
‫وتسد الحاجة فيجب الكتفاء بها عن غيرهــا ممـن ل يلـتزم‬
‫بذلك‪.‬‬
‫أل يتجــاوز إجمــالي المبلــغ المقــترض بالربــا‪ -‬ســواء أكــان‬
‫ضــا قصــير الجــل‪ (%25) -‬مــن‬ ‫ضا طويل الجــل أم قر ً‬‫قر ً‬
‫ما أن القتراض بالربا حرام‬ ‫إجمالي موجودات الشركة‪ ،‬عل ً‬
‫مهما كان مبلغه‪.‬‬
‫أل يتجاوز مقدار اليراد الناتج من عنصر محرم )‪ (%5‬مــن‬
‫جــا عــن‬‫إجمالي إيراد الشركة‪ ،‬سواء أكــان هــذا اليــراد نات ً‬
‫الستثمار بفائدة ربوية أم عـن ممارسـة نشـاط محـرم أم‬
‫عن تملك المحرم أم عن غير ذلك ‪.‬‬
‫وإذا لــم يتــم الفصــاح عــن بعــض اليــرادات فيجتهــد فــي‬
‫معرفتها‪ ،‬ويراعي في ذلك جانب الحتياط‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫أل يتجاوز إجمالي حجم العنصر المحرم‪ -‬استثماًرا كــان أو‬
‫كــا لمحــرم‪ -‬نســبة )‪ (%15‬مــن إجمــالي موجــودات‬ ‫تمل ً‬
‫الشركة‪.‬‬
‫والهيئة توضح أن ما ورد من تحديد للنسب في هذا القرار‬
‫مبنــي علــى الجتهــاد‪ ،‬وهــو قابــل لعــادة النظــر حســب‬
‫القتضاء‬
‫وذهبــت الهيئة الشــرعية لدلــة البركــة إلــى التفريــق بيــن‬
‫النشطة المحرمة التي تزاولها الشركة‪:‬‬
‫حــا‪ ،‬ولكنهــا تتعامــل بجــزء مــن‬
‫فإن كان أصل نشــاطها مبا ً‬
‫رأس مالها مثًل بتجــارة الخمــور‪ ،‬أو إدارة صــالت القمــار‪،‬‬
‫ونحوها من النشطة المحرمة‪ ،‬فل يجوز تملك أســهمها ول‬
‫تداولها ببيع أو شراء‪.‬‬
‫أما إن كانت تودع أموالها في البنوك الربوية‪ ،‬وتأخــذ علــى‬
‫ذلك فوائد‪ ،‬أو أنها تقترض من البنوك الربويــة‪ ،‬مهمــا كــان‬
‫الدافع للقتراض‪ ،‬فإنه في هذه الحالة يجوز تملك أســهمها‬
‫بشرط احتساب النسبة الربوية وصرفها في أوجه الخير‪.‬‬
‫واستدل أصحاب هذا القول بقواعد فقهية عامة ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ 1-‬قاعدة‪ :‬الحاجة العامة تنزل منزلة الضــرورة الخاصــة"‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن حاجة الناس تدعو للمساهمة بهذه الشركات‪.‬‬
‫‪ 2-‬قاعدة‪ :‬يجوز تبًعا ما ل يجوز استقلًل"‪ .‬وقالوا‪ :‬إن الربا‬
‫في هذه الشركات تابعٌ غير مقصود فيعفى عنه‪.‬‬
‫‪ 3-‬قاعدة‪ :‬اختلط الجزء المحــرم بــالكثير المبــاح ل يصــير‬
‫ما"‪.‬‬
‫المجموع حرا ً‬
‫دا فيكـون‬ ‫فقالوا ‪ :‬إن الربـا فـي هــذه الشــركات يسـير جـ ّ‬
‫مغموًرا في المال المباح الكثير‪.‬‬
‫القول الثاني‪:‬‬
‫يــرى جمهــور العلمــاء المعاصــرين‪ ،‬وعــدد مــن الهيئات‬
‫الشرعية تحريم المساهمة في الشركات التي يكون أصل‬
‫حـــا‪ ،‬إذا كـــانت تتعامـــل ببعـــض المعـــاملت‬ ‫نشـــاطها مبا ً‬
‫المحرمة كــالقراض والقــتراض بفــائدة‪ ،‬فيحــرم الكتتــاب‬
‫بها‪ ،‬وبيعها وشراؤها وامتلكها‪.‬‬
‫وممــن ذهــب إلــى هــذا القــول‪ :‬اللجنــة الدائمــة للبحــوث‬
‫العلمية والفتاء بالمملكة‪ ،‬وعلى رأسها سماحة الشيخ عبد‬

‫‪270‬‬
‫العزيز بن باز‪ ،‬رحمه الله‪ ،‬والهيئة الشرعية لــبيت التمويــل‬
‫الكويــتي‪ ،‬والهيئة الشــرعية لبنــك دبــي الســلمي‪ ،‬وهيئة‬
‫الرقابة الشرعية للبنــك الســلمي الســوداني‪ ،‬وعــدد مــن‬
‫الفقهاء المعاصرين‪.‬‬
‫وأصدر مجمعان فقهيان مشهوران قرارين يقضيان بتحريم‬
‫هذا النوع من الشركات‪ ،‬وهذان المجمعان يحويان ثلة من‬
‫علماء العصر المعتبرين‪ ،‬فأما المجمع الول فهو‪:‬‬
‫المجمع الفقهي التابع لمنظمـة المــؤتمر الســلمي بجــدة‪،‬‬
‫ونص قــراره هــو‪ ) :‬الصــل حرمــة الســهام فــي شــركات‬
‫تتعامل أحياًنا بالمحرمات‪ ،‬كالربــا ونحــوه‪ ،‬بــالرغم مــن أن‬
‫أنشطتها الساسية مشروعة ( ‪.‬‬
‫وأما المجمع الثاني فهو ‪ :‬المجمــع الفقهــي التــابع لرابطــة‬
‫العالم السلمي في مكة المكرمة‪ ،‬ونص قــراره هــو ‪ ) :‬ل‬
‫يجوز لمسلم شراء أسهم الشــركات والمصــارف إذا كــان‬
‫ما بذلك‬ ‫في بعض معاملتها ربا‪،‬وكان المشتري عال ً‬
‫واستدل أصحاب هذا القول‪:‬‬
‫‪ -1‬أدلة تحريم الربا في الكتاب والسنة ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن هــذه‬
‫الدلة لم تفرق بين قليل أو كثير‪ ،‬وبين تابع أو مقصود ‪.‬‬
‫وى وََل‬ ‫‪2-‬قــول اللــه تعــالى‪ )) :‬وَت َعَــاوَُنوا عَل َــى ال ْب ِـّر َوالت ّْق ـ َ‬
‫ديد ُ‬‫شـ ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّـ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ن َوات ُّقــوا الل ّـ َ‬ ‫ت ََعاوَُنوا عَل َــى اْل ِث ْـم ِ َوال ْعُـد َْوا ِ‬
‫ب(( )المائدة‪. (2 :‬‬ ‫ال ْعَِقا ِ‬
‫وعن جابر‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ه(( ‪ .‬رواه‬ ‫شــاهِد َي ْ ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫كــات ِب َ ُ‬ ‫مــؤْك ِل َ ُ‬
‫ه وَ َ‬ ‫ل الّرَبــا وَ ُ‬ ‫كــ َ‬
‫نآ ِ‬ ‫‪ )) :‬ل ََعــ َ‬
‫مسلم )‪. (1598‬‬
‫ووجه الدللــة مــن هــذين النصــين ‪ :‬أن الــذي يســاهم فــي‬
‫الشركات التي تتعامل بالمحرمات معيــن لهــا علــى الثــم‪،‬‬
‫فيشمله النهي‪.‬‬
‫ْ‬
‫ل‪،‬‬‫جــ ُ‬‫ه الّر ُ‬ ‫م رًِبا ي َأك ُل ُ ُ‬ ‫‪ -3‬قوله عليه الصلة والسلم ‪ )) :‬دِْرهَ ُ‬
‫ة((‪ .‬أخرجــه أحمــد )‬ ‫ت وَثلِثيــن َزْني ـ ً‬ ‫س ّ‬ ‫من ِ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫م‪ ،‬أ َ َ‬‫وَهُوَ ي َعْل َ ُ‬
‫‪ ، (21957‬والدارقطني ‪ ،3/16‬والطبراني فــي الوســط )‬
‫‪.(2628‬‬
‫ووجه الدللة منه ‪ :‬أن النبي‪ ،‬صلى الله عليه وســلم ‪ ،‬عــد‬
‫أكل درهم واحد مــن الموبقــات‪ ،‬ورتــب عليــه هــذا الوعيــد‬

‫‪271‬‬
‫الشديد‪ ،‬فكيف بمن يضع المئيــن واللف مــن أمــواله فــي‬
‫المصارف الربوية؟ وإخراج قدر الحرام تخمين‪ ،‬فمــن غيــر‬
‫المستبعد أن يدخل ماله شيء من الحرام‪.‬‬
‫بقي أن يقال‪:‬‬
‫إن أصــحاب القــول الول اشــترطوا فــي جــواز المشــاركة‬
‫بمثل هذه الشــركات‪ :‬أن يتخلــص المســاهم مــن الكســب‬
‫المحرم‪.‬‬
‫ومما يؤكد أن هذا الشتراط افتراضي وليــس واقعي ّــا‪ ،‬أنــه‬
‫يستحيل تحديد مقدار الكسب المحرم من عوائد السهم‪.‬‬
‫ونحن هنا في مقام ل يحتمل الظن والتخمين‪ ،‬بل ل بد من‬
‫القطع واليقين‪.‬‬
‫وإيجاب البعض‪ -‬عنـد الجهــل بـالحرام‪ -‬إخــراج نصـف ربـح‬
‫السهم أو ثلثه فهم قالوا به من بــاب الحتيــاط‪ ،‬وهــو نــافع‬
‫في حالة وجود أرباح حقيقية للشركة من النشاط المبــاح‪،‬‬
‫ضا غير شاق من الناحية العملية‪ ،‬إل أنه غيــر عملــي‬ ‫وهو أي ً‬
‫ول يفي بالغرض في صورتين‪:‬‬
‫حا تــذكر مــن مبيعاتهــا‬‫الولى ‪ :‬عندما ل تحقق الشركة أربا ً‬
‫في بعض السنوات‪ ،‬فتبقى معتمـدة فــي توزيعـات الربــاح‬
‫على فــوائد الــودائع‪ ،‬والســندات البنكيــة والوراق قصــيرة‬
‫الجل ذات الدخل الثابت‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬كما أن بعض الشركات تقــوم بتوزيــع الربــاح قبــل‬
‫البدء بتشغيل منشــآتها وهــذه الربــاح تحصــلت عليهــا مــن‬
‫إيداع رأس المال في البنوك‪.‬‬
‫وعليه‪ :‬إذا كان المــر محتمًل فل يكفــي التقــدير فــي هــذه‬
‫الحالة‪.‬‬
‫أما تحديد مقدار الكسب الحرام‪ ،‬كما تفعله بعــض الهيئات‬
‫الشرعية‪ ،‬من أجل دقة التخلص من الحــرام فهــو متعــذر؛‬
‫لمور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬أن جميع المجيزيــن يفترضــون أن الشــركة تــودع وتأخــذ‬
‫فوائد‪ ،‬فيوجبون علــى المســاهم إخــراج مــا يقابــل نصــيب‬
‫الودائع من الرباح‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫فإذا كانت الشركة تقترض من البنوك لتمويــل أعمالهــا‪ ،‬أو‬
‫لجراء توسعات رأسمالية ونحو ذلك‪ ،‬فما الســبيل لتحديــد‬
‫ما يقابل هذه القروض من الرباح؟‬
‫‪ -‬أن أغلب المستثمرين يشترون الســهم بقصــد الحصــول‬
‫علــى الربــاح الرأســمالية‪ ،‬أي فــرق الســعر بيــن الشــراء‬
‫والبيع‪ ،‬ومن المتعذر في هذه الحالة تحديد مقدار الكســب‬
‫الحرام‪ ،‬لســيما وأن مــن العوامــل المــؤثرة علــى القيمــة‬
‫السوقية للسهم مــدى قــدرة الدارة علــى الحصــول علــى‬
‫التسهيلت والقروض البنكية‪.‬‬
‫‪ -‬إذا خسرت الشركة‪ ،‬فما هو نصيب الكسب الحــرام مــن‬
‫هذه الخسـارة؟ إذا علمنـا أن إيــرادات الـودائع والسـندات‬
‫ثابتة‪ ،‬فهذا يعني أن الخسارة على من يريــد التخلــص مــن‬
‫الربا ستكون مضاعفة‪.‬‬
‫‪ -‬ومن المعتاد أن الشركة تستثمر جــزًءا مــن أموالهــا فــي‬
‫شركات تابعة أو شركات زميلة أو في صناديق اســتثمارية‬
‫بالسهم أو الســندات‪ ،‬وقــد تكــون تلــك الســهم لشــركات‬
‫ذات أنشــطة محرمــة أو ذات أنشــطة مباحــة وتتعامــل‬
‫بالفوائد‪ ،‬وهكذا تمتــد السلســلة إلــى مــا ل نهايــة‪ ،‬ويصــبح‬
‫تحديــد الحــرام فــي هــذه السلســلة مــن الشــركات أشــبه‬
‫بالمستحيل‪.‬‬
‫ضا لو فرضنا أنه يمكن التخلــص مــن الربــاح المحرمــة‬ ‫وأي ً‬
‫الربوية‪ ،‬فهو تخلص من الكل للربا‪ ،‬لكن هذا المساهم قد‬
‫شارك في دفع الربا للممولين للشركة‪ ،‬فهو وإن لم يــأكله‬
‫فقد آكله‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم حرم المرين فهــو‬
‫لعن آكل الربا ومؤكله‪ .‬أخرجه مسلم )‪. (1597‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫من خلل استعراض بعض أدلة القولين يتبين ما يلي‪:‬‬
‫أن القول الول يتوجه القول به بالشروط التالية‪:‬‬
‫عا‬
‫‪ -‬إذا لــم توجــد شــركة مســاهمة ل تتعامــل بالربــا إيــدا ً‬
‫ضا‪ ،‬حيث كانت جميع شركات الســوق ممــا يتعامــل‬ ‫واقترا ً‬
‫بالربا‪.‬‬
‫‪ -‬وهذا الشرط منتف في هذا العصر حيــث أثبتــت دراســة‬
‫أجريتهــا نشــرها الموقــع‪ ،‬أنــه توجــد شــركات مســاهمة‬

‫‪273‬‬
‫معاملتها حلل بالكامل‪ ،‬ومما يؤيد هــذا الشــرط أن الهيئة‬
‫الشرعية للراجحي ذكرت في قرارهــا رقــم )‪ ) : (485‬إن‬
‫جواز التعامل بأسهم تلــك الشــركات مقيــد بالحاجــة‪ ،‬فــإذا‬
‫وجــدت شــركات مســاهمة تلــتزم اجتنــاب التعامــل بالربــا‬
‫وتسد الحاجة فيجب الكتفاء بها عن غيرهــا ممـن ل يلـتزم‬
‫بذلك ‪.‬‬
‫‪ -‬إذا كان نظام الدولة يجبر الشركات أن تــودع جــزًءا مــن‬
‫ضــا بــأن تــدخل‬‫أموالهــا فــي البنــوك الربويــة ويجــبرهم أي ً‬
‫الفوائد ضمن أرباح المساهمين‪.‬‬
‫وهذا الشرط حسب علمي غيـر موجـود فـي هـذا العصـر‪،‬‬
‫لنتشــار البنــوك الســلمية‪ ،‬ومــن ثــم انتشــار المعــاملت‬
‫السلمية المصرفية‪.‬‬
‫دا مــن إتمــام عملياتهــا إل عــن طريــق‬ ‫‪ -‬أّل تجد الشركة بـ ّ‬
‫القتراض بالربا‪.‬‬
‫وهــذا الشــرط منتــف فــي هــذا العصــر؛ إذ وجــدت بنــوك‬
‫إســلمية تمــول الشــركات بــالطرق المباحــة‪ :‬كالمرابحــة‪،‬‬
‫وعقود الستصناع‪ ،‬والسلم‪ ،‬والمشاركة المنتهية بالتمليــك‪،‬‬
‫والجارة المنتهية بالتمليك‪ ،‬وغير ذلك مما جــاءت شــريعتنا‬
‫بإباحته‪.‬‬
‫‪ -‬ثم إن المتأمل في القول الول يجد‪ :‬أن القــول بــه كــان‬
‫في فترة فشا فيها الربا‪ ،‬والبنوك السلمية لــم تقــم علــى‬
‫ساقيها‪ ،‬أما في هذه المرحلة فالمر عكــس ذلــك‪ ،‬فنحمــد‬
‫الله عز وجل أن انتشرت هذه البنوك السلمية في أنحــاء‬
‫الرض‪ ،‬فأيهما أسهل بالله عليكم تحويــل بنــك ربــوي إلــى‬
‫بنك إسلمي أم تحويل شــركة تتعامــل بالربــا إلــى شــركة‬
‫خالية من ذلك؟ لشك أنه الثاني‪.‬‬
‫فالــذي يظهــر لــي رجحــان القــول الثــاني ‪ ،‬وهــو حرمــة‬
‫حــا‪،‬‬
‫المساهمة في الشركات التي يكون أصل نشــاطها مبا ً‬
‫وتتعامــل بــالفوائد أو بغيرهــا مــن المعــاملت المحرمــة‪،‬‬
‫لعموم الدلة الشرعية في تحريم الربا قليله وكثيرة ‪ ،‬فلم‬
‫تستثن تلك الدلة ما كان تابًعا أو مغموًرا أو يسيًرا‪.‬‬
‫وبالتالي يحرم المتاجرة والستثمار بهذه السهم مــن هــذا‬
‫النوع من الشركات‪.‬‬

‫‪274‬‬
‫وأما السهم التي عندك من التأســيس فمــا اســتلمته مــن‬
‫أرباح سابقة‪ ،‬وهي أرباح ربوية وأنت ل تعلم عنها فل بــأس‬
‫عليك فيها‪ ،‬ويجب عليك التخلص من هذه الســهم وبيعهــا‪.‬‬
‫والله تعــالى أعلــم‪ .‬وصــلى اللـه وســلم علــى نبينــا محمــد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫المصدر‪ :‬شبكة نور السلم‬
‫================‬
‫‪#‬التأخر في النجاب حتى قضاء الديون‬
‫السؤال ‪:‬‬
‫هل علي أن أتريث ول أحاول أن يكون لي أطفال‪ ,‬بســبب‬
‫مخاوفي أل أوفر للطفال الذين قد يرزقني الله بهم مناخا‬
‫إسلميا في العائلة؟ علي ديون من الماضي وأنــا أســددها‬
‫بالضافة إلى الفوائد التي عليها‪ .‬وأنا أظن أنه يجدر بي أن‬
‫أنتظر على إنجاب الطفال حتى أتمكن من سداد الــديون‪.‬‬
‫فما هو رأيك في ذلك ؟‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫الحمد لله‬
‫قال تعالى ‪ ) :‬وما من دابة إل علــى اللــه رزقهــا ( ‪ ،‬وقــال‬
‫تعالى ‪ ) :‬وكأين من دابة لتحمل رزقها الله يرزقها وإياكم‬
‫وهو السميع العليم ( ‪ ،‬وقال تعالى ‪ ) :‬إن الله هــو الــرزاق‬
‫ذو القوة المتين (‬
‫وقال تعالى ‪ ) :‬فابتغوا عند الله الرزق واعبــدوه واشــكروا‬
‫له ( ‪.‬‬
‫وقد ذم الله أهل الجاهليــة الــذين يقتلــون أولدهــم خشــية‬
‫الفقر ونهى عن صنيعهم ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬ول تقتلوا أولدكم‬
‫خشــية إملق نحــن نرزقهــم وإيــاكم ( ‪ .‬وأمــر اللــه عبــاده‬
‫بالتوكل عليه في جميع المور وهو الكافي لمن توكل عليه‬
‫‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬وعلـى اللـه فتوكلـوا إن كنتـم مـؤمنين ( ‪،‬‬
‫وقال تعالى ‪ ) :‬ومن يتوكل على الله فهو حسبه ( ‪.‬‬
‫فعليك أيها الخ السائل أن تتوكل على مولك في حصــول‬
‫رزقك ورزق أولدك ‪ ،‬ول يمنعــك الخــوف مــن الفقــر مــن‬
‫طلب الولد والتســبب فــي النجــاب فــإن اللــه قــد تكفــل‬
‫برزق الجميع ‪ ،‬وفي ترك النجاب خوفا من الفقر مشــابهة‬

‫‪275‬‬
‫لهل الجاهليــة ‪ .‬ثــم اعلــم أيهــا الخ الكريــم أن القــتراض‬
‫بالفائدة هو من الربا الذي توعد الله أهلـه بـأليم العقـاب ‪،‬‬
‫وهو أحد السبع الموبقات أي المهلكات ‪ ،‬قال عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ " :‬اجتنبوا السبع الموبقات ‪ .....‬إلى قــوله وأكــل‬
‫الربا " ‪ .‬وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬لعن الله آكل الربا‬
‫وموكله ‪ " ...‬الحديث ‪ .‬وإن أكل الربــا مــن أعظــم أســباب‬
‫الفقر ‪ ،‬ومحق البركة كما قال تعالى ‪ ) :‬يمحق اللــه الربــا‬
‫ويربــي الصــدقات ( ‪ .‬وأظنــك ل تعــرف حكــم القــتراض‬
‫بالفائدة فاستغفر الله مما مضى ‪ ،‬ول تعد ‪ ،‬واصبر وانتظر‬
‫من ربك الفرج واطلب الرزق من عنده ‪ ،‬وتوكل عليــه إن‬
‫الله يحب المتوكلين ‪.‬‬
‫كتبه‬
‫فضيلة الشيخ‬
‫عبدالرحمن بن ناصر البراك‬
‫=============‬
‫‪#‬استثمار المال فى المصارف من قبيل الربا‬
‫المحرم‬
‫فتاوى الزهر ‪) -‬ج ‪ / 7‬ص ‪(238‬‬
‫استثمار المال فى المصارف من قبيل الربا المحرم‬
‫المفتي‬
‫عبد المجيد سليم ‪.‬‬
‫ربيع الول ‪ 1364‬هجرية ‪ 12 -‬مارس ‪ 1945‬م‬
‫المبادئ‬
‫‪ - 1‬اســتثمار المــال فــى المصــارف مــن الربــا المحــرم‬
‫شرعا ‪.‬‬
‫‪ - 2‬استثمار مال اليتامى فى المصارف من الربا كذلك‬
‫السؤال‬
‫من عمر ب ‪.‬‬
‫من عمان شــرق الردن قــال تأسســت فــى مدينــة عمــان‬
‫جمعيــة باســم )جمعيــة الثقافــة الســلمية( غايتهــا إنشــاء‬
‫جامعة لتدريس العلــوم العربيــة والشــرعية ‪ ،‬وقــد جمعــت‬
‫مبلغا من المال أودعته فى أحد البنــوك المحليــة ولمــا لــم‬
‫يتيســر لهــا البــدء فــى العمــل حــتى الن وكــانت أموالهــا‬

‫‪276‬‬
‫معطلة بل فائدة وكان من الممكــن الحصــول علــى فــائدة‬
‫من المصرف الموجودة به الموال بحيث ينمو هــذا المــال‬
‫إلى أن يتيسر إنفــاقه فــى ســبيله لــذلك رأت الجمعيــة أن‬
‫تسترشد رأى سماحتكم مستعملة عما إذا كــان يجــوز لهــا‬
‫تنمية المــال المــذكور بالصــورة المــذكورة أســوة بــأموال‬
‫اليتــام الــتى تنمــو بمعرفــة الموظــف المخصــوص لــدى‬
‫المحكمة الشرعية‬
‫الجواب‬
‫اطلعنا على هذا السؤال ‪.‬‬
‫ونفيد بأن استثمار المال بالصورة المذكورة غير جائز لنــه‬
‫من قبيل الربا المحرم شرعا كما ل يجوز اســتثمار أمــوال‬
‫اليتامى بالطريق المذكورة ‪.‬‬
‫هــذا وأن فيمــا شــرعه الل ّــه تعــالى مــن الطــرق لســتثمار‬
‫المال لمتسعا لستثمار هذا المــال كــدفعه لمــن يســتعمله‬
‫بطريق المضاربة الجائزة شرعا أو شــراء مــا يســتغل مــن‬
‫العيان إلى أن يحين الوقت لستعماله فيما جمع من أجله‬
‫فيباع حينئذ وبهذا علم الجواب ‪.‬‬
‫والّله أعلم‬
‫=============‬
‫‪ #‬هل العائد من البنوك السلمية من باب الربا؟‬
‫فتاوى معاصرة ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(186‬‬
‫الموضوع‪ :‬هل العائد من البنوك السلمية من باب الربا؟‬
‫السؤال‪:‬‬
‫اطلعنا علــى الطلــب الــوارد إلينــا عــن طريــق النــترنت ‪-‬‬
‫المقيد برقم ‪ 17‬لسنة ‪ 2004‬المتضمن ‪ -:‬أضع نقودي في‬
‫بنك مصر فرع المعاملت السلمية في دفتر توفير بنظــام‬
‫الوكالة وبسعر عائد متغير يتم تحديده كل ســنة ويشــترط‬
‫البنك على نفسه أن يوظــف المــال فيمــا أحلـه اللــه فهــل‬
‫عائد هذه الموال ربا أم ل ؟‬
‫المفتي ‪ :‬فضيلة الستاذ الدكتور‪ /‬علي جمعة‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫ل مانع شرعا ً للسائل أن يودع أمواله في البنوك السلمية‬
‫وأن يأخذ ربح هذا المال حتى وإن كان ل يعرف كيــف يتــم‬

‫‪277‬‬
‫استثماره مادام القائمون على العمل في هذه البنــوك قــد‬
‫تعهدوا أن كل معــاملتهم ل تتعــارض مــع أحكــام الشــريعة‬
‫السلمية ‪.‬‬
‫ومما ذكر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال ‪.‬‬
‫والله سبحانه وتعالى أعلم‬
‫==============‬
‫‪#‬الفرق بين الربا والرشوة‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ‪) -‬ج ‪/ 15‬‬
‫ص ‪(375‬‬
‫الربا‬
‫السؤال الول من الفتوى رقم )‪(9374‬‬
‫س ‪ :1‬ما الفرق بين الربــا والرشــوة‪ ،‬وهــل أنكــر الســلم‬
‫الرشوة‪ ،‬وما حكمها في السلم؟‬
‫ج ‪ :1‬أوًل‪ :‬الربــا معنــاه فــي اللغــة‪ :‬الزيــادة‪ ،‬وهــو شــر ً‬
‫عا‬
‫قسمان‪ :‬ربا فضل‪ ،‬وربا نسأ‪ ،‬فربا الفضل هــو‪ :‬بيــع مكيــل‬
‫مطعوم بمكيل مطعــوم مــن جنســه‪ ،‬مــع زيــادة فــي أحــد‬
‫العوضين‪ ،‬وبيع موزون بموزون من جنسه‪ ،‬مع زيــادة أحــد‬
‫العوضين‪ ،‬كذهب بــذهب‪ ،‬أو فضــة بفضــة‪ ،‬مــع زيــادة أحــد‬
‫العوضين‪ ،‬وربا النسأ‪ :‬بيع مكيل مطعــوم بمكيــل مطعــوم‪،‬‬
‫مع عدم التقابض فــي مجلــس العقــد‪ ،‬ســواء اتحــد جنــس‬
‫العوضين أو اختلــف‪ ،‬وبيــع مــوزون بمــوزون مــن ذهــب أو‬
‫فضة أو ما يقـوم مقامهمــا مـن الـورق النقـدي‪ ،‬مــع عــدم‬
‫القبض في مجلس العقد‪ ،‬سواء اتفق الجنس أو اختلف‪.‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬سبب تحريم الربا‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ‪) -‬ج ‪/ 15‬‬
‫ص ‪(379‬‬
‫السؤال السادس من الفتوى رقم )‪(9450‬‬
‫س ‪ :6‬ما سبب تحريم الربا؟‬
‫ج ‪ :6‬يجــب علــى المســلم التســليم والرضــا بأحكــام اللــه‬
‫سبحانه ولو لم يعرف علة الوجوب أو التحريم‪ ،‬لكن بعــض‬
‫الحكام تكون علة التحريم ظاهرة‪ ،‬كما في تحريــم الربــا‪،‬‬
‫حيث فيه استغلل حاجــة الفقيـر‪ ،‬ومضـاعفة الــدين عليـه‪،‬‬

‫‪278‬‬
‫وما ينشأ عن ذلــك مــن العــداوة والبغضــاء‪ ،‬وفــي تعــاطي‬
‫الربا ترك العمـل والعتمـاد علـى الفـوائد الربويـة‪ ،‬وعـدم‬
‫الســعي فــي الرض‪ ،‬وغيــر ذلــك مــن المضــار والمفاســد‬
‫العظيمة‪.‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫عضو ‪ //‬نائب رئيس اللجنة ‪ //‬الرئيس ‪//‬‬
‫عبد الله بن غديان ‪ //‬عبد الرزاق عفيفي ‪ //‬عبد العزيز بن‬
‫عبد الله بن باز ‪//‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬الربا ثلث وسبعون بابا‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ‪) -‬ج ‪/ 15‬‬
‫ص ‪(380‬‬
‫السؤال الثاني من الفتوى رقم )‪(9636‬‬
‫س ‪ :2‬قيل في أحد الحـاديث عـن الرسـول فــي موضــوع‬
‫الربا‪ :‬أن الربا ثلثــة وســبعون باب ًــا‪ .‬مــا هــي هــذه البــواب‬
‫بالتفصيل لكي يتجنبها النــاس‪ ،‬والعمــل علــى البتعــاد عــن‬
‫الوقوع فيها؟‬
‫ج ‪ :2‬حديث‪ » :‬الربا ثلث وسبعون بابــا « رواه ابــن مــاجه‬
‫عن ابن مسعود ورواه الحاكم بزيــادة‪ » :‬أيســرها مثــل أن‬
‫ينكح الرجل أمه‪ ،‬وإن أربى الربا عرض الرجــل المســلم «‬
‫)‪ ، (1‬ذكرهمــا الســيوطي فــي )الجــامع الصــغير( ‪ ،‬ورمــز‬
‫للول بالضعف‪ ،‬ولروايــة الحــاكم بالصــحة‪ ،‬ونقــل المنــاوي‬
‫في )الفيض( عن الحافظ العراقي ‪ :‬أن إســنادهما صــحيح‪،‬‬
‫والمـراد بالربـا‪ :‬إثـم الربـا‪ ،‬قـال الطيـبي ‪ :‬ل بـد مـن هـذا‬
‫التقدير؛ ليطابق قوله‪ » :‬أن ينكح « ‪ ،‬ويدل لذلك رواية‪» :‬‬
‫الربا سبعون حوًبا « عن ابن ماجه‪ ،‬والحوب‪ :‬الثم‪.‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫عضو ‪ //‬نائب رئيس اللجنة ‪ //‬الرئيس ‪//‬‬

‫‪279‬‬
‫عبد الله بن غديان ‪ //‬عبد الرزاق عفيفي ‪ //‬عبد العزيز بن‬
‫عبد الله بن باز ‪//‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬ابن ماجه ‪ 764 / 2‬برقم )‪،2274‬ـ ‪ ،(2275‬والحاكم‬
‫‪ ،37 / 2‬والصبهاني فــي )تاريــخ أصــبهان( ‪ 61 / 2‬مــن‬
‫حــديث عبــد اللــه رضــي اللــه عنــه‪ .‬وروى الطــبراني فــي‬
‫)الكبير( بعضه موقوًفا على عبد الله رضي اللــه عنــه ‪/ 9‬‬
‫‪ 321‬برقم )‪ ،(9608‬ورواه الطبراني في )الوسـط(‪ ،‬مـن‬
‫حديث البراء رضي الله عنه ‪ 158 / 7‬برقم )‪) (7151‬ط‪:‬‬
‫دار الحرميــن(‪ ،‬ورواه ابــن الجــارود فــي )المنتقــى( مــن‬
‫حديث أبي هريرة رضي الله عنه ‪ 220-219 / 2‬برقــم )‬
‫‪.(647‬‬
‫‪==============-‬‬
‫‪ #‬ما هي الشياء التي يحرم فيها الربا؟‬
‫السؤال الثالث من الفتوى رقم )‪(16875‬‬
‫س ‪ :3‬ما هي الشياء التي يحرم فيها الربا؟‬
‫ج ‪ :3‬الشياء التي يحرم فيهــا الربــا هــي‪ :‬الــذهب والفضــة‬
‫والبر والشعير والتمر والملــح‪ ،‬ومــا شــارك هــذه الصــناف‬
‫الستة في علة الربا‪ ،‬وهي في النقدين الثمنية‪ ،‬وفــي بقيــة‬
‫الصــناف الكيــل مــع الطعميــة علــى الصــحيح مــن أقــوال‬
‫العلماء‪.‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫عضو ‪ //‬عضو ‪ //‬عضو ‪ //‬الرئيس ‪//‬‬
‫بكر أبو زيد ‪ //‬عبد العزيــز آل الشــيخ ‪ //‬صــالح الفــوزان ‪//‬‬
‫عبد العزيز بن عبد الله بن باز ‪//‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬الربا على المرابي والمقترض‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ‪) -‬ج ‪/ 15‬‬
‫ص ‪(382‬‬
‫السؤال الول والثاني من الفتوى رقم )‪(3630‬‬

‫‪280‬‬
‫س ‪،1‬ـ ‪ :2‬هل يحرم الربا حيــث وجــد‪ ،‬وبــأي صــورة علــى‬
‫الطرفيــن )الطــرف المرابــي والطــرف المقــترض( علــى‬
‫الطلق؟ أم يحــرم فقــط علــى الطــرف المرابــي دون‬
‫الطرف المقترض‪ ،‬وإن لم يكن هنــاك جنــاح ول وزر علــى‬
‫الطرف المقترض فهل هذا مشروط بالحاجة لهــذا المــال‪،‬‬
‫طا فيــه؟‬ ‫وعدم الستطاعة والفقر‪ ،‬أم ليست الحاجــة شــر ً‬
‫فإذا كان يجوز لمن كانت به حاجة فهل يجوز لمن لم تكن‬
‫به حاجة شديدة القتراض من بنــك يتعامــل بالربــا بفــائدة‬
‫ســنوية مشــروطة ‪ %15‬فــي الســنة مثًل‪ ،‬حيــث يســتطيع‬
‫العمــل فــي هــذا المــال‪ ،‬وتحقيــق ربــح أكــبر مــن الفــائدة‬
‫حــا مــن‬ ‫المشروطة ‪ %50‬في السنة مثًل‪ ،‬وبذلك يحقق رب ً‬
‫خلل الفــرق بيــن الفــائدة المشــروطة وبيــن الربــح الــذي‬
‫حصل عليه من خلل عمله في المال المقترض ‪ %35‬تبًعا‬
‫للمثال المضروب‪ ،‬أم ل يجوز؟‬
‫ج ‪ ،1‬ـ ‪ :2‬أوًل‪ :‬يحرم الربا حيــث وجــد‪ ،‬وبــأي صــورة كــان‪،‬‬
‫على صاحب رأس المال‪ ،‬ومن اقترض منه بفــائدة‪ ،‬ســواء‬
‫كان المقترض فقيًرا أم غنًيا‪ ،‬وعلى كل منهما وزر‪ ،‬بل كل‬
‫منهما ملعون‪ ،‬ومن أعانهما على ذلك‪ ،‬مــن كــاتب وشــاهد‬
‫ضا؛ لعموم اليات والحاديث الثابتــة الدالــة علــى‬ ‫ملعون أي ً‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫مــو َ‬ ‫ن الّرب َــا َل ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫تحريمه‪ ،‬قال الله تعالى‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫طان من ال ْمس ذ َل َ َ‬
‫م‬ ‫ك ب ِـأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫ما ي َُقو ُ‬ ‫إ ِّل ك َ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مــ ْ‬‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬
‫مث ْ ُ‬ ‫َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫مُرهُ إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ظَ ٌ ِ ْ َ ّ ِ ْ َ َ‬ ‫ع‬
‫مو ْ ِ‬‫جاَءهُ َ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عاد َ فَأول َئ ِ َ‬
‫حـ ُ‬ ‫م َ‬‫ن {} ي َ ْ‬ ‫دو َ‬‫خال ِ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬
‫ل ك َّفارٍ أِثيـم ٍ { )‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫‪ (1‬اليات‪ ،‬وروى عبادة بن الصامت رضي اللــه عنــه‪ ،‬عــن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أنــه قــال‪ » :‬الــذهب بالــذهب‪،‬‬
‫والفضة بالفضــة‪ ،‬والــبر بــالبر‪ ،‬والشــعير بالشــعير‪ ،‬والتمــر‬
‫دا بيــد‪،‬‬ ‫بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪ ،‬مثًل بمثل‪ ،‬ســواء بســواء‪ ،‬ي ـ ً‬
‫فمن زاد أو استزاد فقد أربى «‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة اليتان ‪. 276 ، 275‬‬

‫‪281‬‬
‫رواه مسلم في صحيحه وروى أبــو ســعيد الخــدري رضــي‬
‫الله عنه‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قـال‪ » :‬ل تــبيعوا‬
‫الذهب بالذهب إل مثًل بمثل‪ ،‬ول تشفوا بعضها على بعض‪،‬‬
‫ول تبيعوا الــورق بــالورق إل مثًل بمثــل‪ ،‬ول تشــفوا بعضــها‬
‫على بعض‪ ،‬ول تبيعوا منها غائًبا بناجز « )‪ (1‬رواه البخــاري‬
‫ومسلم وروى المام أحمد والبخاري أن النــبي صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم قال‪ » :‬الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة‪ ،‬والبر‬
‫بالبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪ ،‬مثًل‬
‫دا بيــد‪ ،‬فمــن زاد أو اســتزاد فقــد أربــى‪ ،‬الخــذ‬‫بمثــل‪ ،‬يــ ً‬
‫والمعطي فيه سواء « ‪ ،‬وثبت عن جابر بن عبد الله رضي‬
‫الله عنهما‪ ،‬أنه قال‪ » :‬لعن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم آكــل الربــا ومــوكله وكــاتبه وشــاهديه‪ ،‬وقــال‪" :‬هــم‬
‫سواء « رواه مسلم ‪.‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬مالك ‪ ،633-632 / 2‬والشافعي في )المســند( ‪/ 2‬‬
‫‪ ،157 ،157-156‬وفي )الرسالة( ص ‪ ،277-276‬برقم )‬
‫‪) (758‬ت‪ :‬شاكر(‪ ،‬وأحمد ‪ ،61 ،53 ،51 ،4 / 3‬والبخاري‬
‫‪ ،31-30 / 3‬ومسلم ‪،1208 / 3‬ـ ‪ 1209‬برقم )‪،(1584‬‬
‫والترمذي ‪ 543 / 3‬برقم )‪ ،(1241‬والنسائي ‪-278 / 7‬‬
‫‪ 279 ،279‬برقم )‪ ،(4571 ،4570‬وعبد الرزاق ‪122 / 8‬‬
‫برقــم )‪ ،14563‬ـ ‪ ،(14564‬وابــن أبــي شــيبة ‪101 / 7‬‬
‫)بنحوه مختصًرا(‪ ،‬وابـن حبــان ‪،391 / 11‬ـ ‪ 392‬برقــم )‬
‫‪،5016‬ـ ‪ ،(5017‬وابـن الجــارود ‪ 226 / 2‬برقـم )‪،(649‬‬
‫والطيالســي ص ‪ 290‬برقــم )‪ (2181‬مختص ـًرا‪ ،‬والــبيهقي‬
‫‪ ،276 / 5‬ـ ‪ ،157 / 10‬والبغــوي ‪ 65-64 / 8‬برقــم )‬
‫‪.(2061‬‬

‫وورق البنكنــوت فــي الــوقت الحاضــر حــل محــل الــذهب‬


‫والفضــة فــي الثمنيــة‪ ،‬فكــان الحكــم فيــه كــالحكم فيهمــا‪،‬‬
‫فالواجب على كل مسـلم الكتفـاء بمـا أحـل والحـذر ممـا‬
‫حرم الله عز وجل‪ ،‬وقد وسع الله على المســلمين أبــواب‬
‫العمل في الحياة لكسب الرزق‪ ،‬فللفقير أن يعمــل أجيــًرا‬
‫أو متاجًرا في مال غيره مضاربة بنسبة من الربح كالنصف‬

‫‪282‬‬
‫ونحــوه‪ ،‬ل بنســبة مــن رأس المــال‪ ،‬ول بــدراهم معلومــة‬
‫الربح‪ ،‬ومن عجز عن العمل مع فقره؛ حلــت لــه المســألة‬
‫والزكاة والضمان الجتماعي‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬ليس لمسلم سواء كان غنًيا أو فقيًرا أن يقترض مــن‬
‫البنك أو غيــره بفــائدة‪ %5 ،‬أو ‪ %15‬أو أكــثر أو أقــل؛ لن‬
‫ذلك من الربا‪ ،‬وهو من كبائر الذنوب‪ ،‬وقد أغناه اللــه عــن‬
‫ذلك بما شرعه من طرق الكسب الحلل كمــا تقــدم‪ ،‬مــن‬
‫العمل عنــد أربــاب العمــال أجيـًرا أو النتظــام فــي عمــل‬
‫حكومي مبــاح‪ ،‬أو التجــار فــي مــال غيــره مضــاربة بجــزء‬
‫مشاع معلوم من الربح كما تقدم‪.‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫عضو ‪ //‬عضو ‪ //‬نائب رئيس اللجنة ‪ //‬الرئيس ‪//‬‬
‫عبد الله بن قعود ‪ //‬عبــد اللــه بــن غــديان ‪ //‬عبــد الــرزاق‬
‫عفيفي ‪ //‬عبد العزيز بن عبد الله بن باز ‪//‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬أكل الربا للضرورة‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ‪) -‬ج ‪/ 15‬‬
‫ص ‪(416‬‬
‫السؤال الثالث من الفتوى رقم )‪(9275‬‬
‫س ‪ :3‬هناك بعض الناس يتعاملون بالربــا‪ ،‬ويــدخلون الربــا‬
‫ضا في قاعدة‪ :‬الضرورة تبيح المحظورات‪ .‬فمــا الحكــم‪:‬‬ ‫أي ً‬
‫شخص عليه دين‪ :‬إما أن يدفعه‪ ،‬أو يقدم للمحاكمة؛ فأخــذ‬
‫بالربا؟‬
‫ج ‪ :3‬ل يجوز التعامل بالربا مطلًقا‪.‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫عضو ‪ //‬نائب رئيس اللجنة ‪ //‬الرئيس ‪//‬‬
‫عبد الله بن غديان ‪ //‬عبد الرزاق عفيفي ‪ //‬عبد العزيز بن‬
‫عبد الله بن باز ‪//‬‬
‫=============‬

‫‪283‬‬
‫‪ #‬الشهادة على عقد الربا‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ‪) -‬ج ‪/ 15‬‬
‫ص ‪(422‬‬
‫الشهادة على عقد الربا‬
‫السؤال الول من الفتوى رقم )‪(10426‬‬
‫س ‪ :1‬لقد طلب عمي أن أشهد معه في بنك مــن البنــوك‬
‫ما بأن والدي‬ ‫على قرض‪ ،‬وهذا القرض فيه فائدة )ربا(‪ ،‬عل ً‬
‫وعمي في هذا المال مشتركان‪ ،‬ولكن منعت نفســي مــن‬
‫الشــهادة فتكــونت مشــاكل‪ ،‬فــأديت الشــهادة وأنــا لســت‬
‫راضًيا عن نفسي ول عــن الشــهادة‪ ،‬ونــدمت وحزنــت لمــا‬
‫بدر مني‪ ،‬وأنــا فــي حيــرة مــن أمــري وفــي دوامــة‪ ،‬أرجــو‬
‫الفادة‪.‬‬
‫ج ‪ :1‬تحرم الشهادة على عقد الربــا‪ ،‬ويجــب عليــك التوبــة‬
‫والســتغفار ممــا وقــع منــك مــن الشــهادة علــى القــرض‬
‫الربوي‪.‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫عضو ‪ //‬نائب رئيس اللجنة ‪ //‬الرئيس ‪//‬‬
‫عبد الله بن غديان ‪ //‬عبد الرزاق عفيفي ‪ //‬عبد العزيز بن‬
‫عبد الله بن باز ‪//‬‬
‫=============‬
‫‪#‬دفع فوائد الربا المحصول عليها مقابل فوائد‬
‫الربا المطالب بها من البنك‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ‪) -‬ج ‪/ 15‬‬
‫ص ‪(500‬‬
‫الفتوى رقم )‪(7209‬‬
‫س‪ :‬وضعت مبلًغا من الفلوس في البنــك‪ ،‬وحصــلت عليــه‬
‫فوائد الربــا مبلــغ عشــرة آلف شــلن كيني ًــا ‪ ،10000‬ولــم‬
‫ضــا‬‫أســتعمل هــذه الفــوائد الربــا‪ ،‬وتركتهــا كمــا هــي وأي ً‬
‫ضا من البنك بفوائد الربا‪ ،‬ويطالبون الن بدفع‬ ‫استلمت قر ً‬
‫فوائد الربا مبلغ عشرة آلف شلن كينًيا‪ ،‬هل يجــوز لــي أن‬

‫‪284‬‬
‫أدفع فوائد الربا التي حصلت عليها بفوائد الربا المســتحقة‬
‫علي للبنك؟‬
‫ج‪ :‬إيداعك مبالغ فــي البنــك الربــوي وأخــذك فــوائد عليهــا‬
‫ضا من البنك بفوائد حرام‪ ،‬ول يجــوز لــك‬ ‫حرام‪ ،‬وأخذك قر ً‬
‫أن تدفع ما أخذته من الفوائد الربوية مقابل مبلغــك الــذي‬
‫دا للفــوائد الــتي لزمتــك مــن أجــل‬‫أودعته في البنك؛ تسدي ً‬
‫اقتراضك مبلًغا من البنك‪ ،‬بل يجب عليــك أن تتخلــص مــن‬
‫الفوائد التي تسلمتها عن مبلغك بإنفاقهــا فــي وجــوه الــبر‬
‫من فقراء ومســاكين‪ ،‬وإصــلح مرافــق عامــة ونحــو ذلــك‪،‬‬
‫وعليك التوبة والستغفار واجتناب التعامل بالربا‪ ،‬فإنه مــن‬
‫كبائر الذنوب‪ ،‬واتق الله؛ فإنه من يتقه يجعل له من أمــره‬
‫يسًرا‪.‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫عضو ‪ //‬عضو ‪ //‬نائب رئيس اللجنة ‪ //‬الرئيس ‪//‬‬
‫===============‬
‫‪ #‬أخذ الربا لتسديد الضرائب الملزم بها‬
‫الفتوى رقم )‪(13639‬‬
‫س‪ :‬أفيد فضيلتكم أنني أحد الطلبة السعوديين الدارســين‬
‫في بريطانيا ‪ ،‬وحيث إنــه تفــرض علينــا ضــرائب مــن قبــل‬
‫الحكومة البريطانية‪ ،‬مثل ضــريبة الطــرق وضــريبة أخــرى‬
‫مقدارها ‪ %15‬على المواد التي نقوم بشرائها غير المــواد‬
‫الغذائية‪ ،‬وملبس الطفال‪ ،‬وحالًيا تم تطبيق ضريبة جديدة‬
‫على الخدمات البلدية‪ ،‬الــتي تقــدمها بلديــة المدينــة‪ ،‬مثــل‬
‫التعليــم‪ ،‬النظافــة‪ ،‬المســابح‪ ،‬المتنزهــات‪ ،‬أمــاكن الــترفيه‬
‫والخدمات الجتماعية‪ ،‬وحيــث إننــا ل نســتفيد مــن معظــم‬
‫هذه الخدمات‪ ،‬حيث إنها تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيــف‪،‬‬
‫ونستفيد فقـط مـن التعليـم والنظافـة وملعـب الطفـال‪،‬‬
‫ومن المفروض علينا دفع هذه الضــريبة والــتي تــتراوح مــا‬
‫بيــن ‪ 3000‬إلــى ‪ 4000‬ريــال ســعودي فــي الســنة‪ ،‬أي‬
‫حوالي ‪ 300‬ريال سعودي شهرًيا‪ ،‬والسؤال هنا يــا فضــيلة‬
‫الشيخ‪ :‬هل يجوز لي أن أضع مبلًغا من المال فــي حســاب‬

‫‪285‬‬
‫حــا‬‫اليداع وهو حساب ربوي )يتعامــل بالربــا( ويعطــي أربا ً‬
‫تصل إلــى ‪ %12‬فــي الســنة‪ ،‬وأقــوم بتســديد بعــض هــذه‬
‫الضرائب من الرباح أو الفوائد التي أتحصل عليها من هذا‬
‫الحســاب؟ ونظ ـًرا لعــدم اســتطاعتي التصــرف فــي هــذا‬
‫مـا‬‫ه َ‬ ‫الموضوع إل عن بينة عمًل بقوله تعالى‪َ } :‬فـات ُّقوا الّلـ َ‬
‫م { فإني آمل مــن فضــيلتكم التكــرم بــالرد علــى‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬
‫ا ْ‬
‫هذه الرسالة في أقــرب فرصــة؛ حــتى يمكننــي التصــرف‪،‬‬
‫حيث إن تسديد هذه الضرائب سوف يضــيف إلــى أعبــائي‬
‫الماديــة‪ .‬ســائًل المــولى الكريــم أن يطيــل فــي عمركــم‪،‬‬
‫ويمــدكم بالصــحة والعافيــة‪ ،‬وفــي الختــام تقبلــوا أطيــب‬
‫تحياتي‪.‬‬
‫ج‪ :‬ل يجوز لك أن تودع بفائدة لتسديد ما يترتب عليك من‬
‫الضرائب من هذه الفائدة؛ لعموم أدلة تحريم الربا‪.‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫عضو ‪ //‬نائب رئيس اللجنة ‪ //‬الرئيس ‪//‬‬
‫عبد الله بن غديان ‪ //‬عبد الرزاق عفيفي ‪ //‬عبد العزيز بن‬
‫عبد الله بن باز ‪//‬‬
‫============‬
‫‪#‬من لم يجد ما يسد حاجته إل عن طريق الربا‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ‪) -‬ج ‪/ 16‬‬
‫ص ‪(44‬‬
‫السؤال الثالث من الفتوى رقم )‪(9422‬‬
‫س ‪ :3‬إذا كان المسلم فقيًرا ويعيش في بلــد غيــر مســلم‬
‫ضــا‪ ،‬وإنــه مجبــور علــى‬ ‫وليــس لــه مــن يســاعده مالي ًــا قر ً‬
‫استقراض مبلغ من البنــك‪ ،‬مــع دفــع مبلــغ زائد رب ًــا‪ ،‬فهــل‬
‫يجــوز لــه دفــع مبلــغ زائد رب ًــا للبنــك نظـًرا إلــى أن حــالته‬
‫الفقيرة تضطره على ذلك؟‬
‫ج ‪ :3‬ليس له عذر في سد حاجته عن طريق الربا‪ ،‬ويجــب‬
‫عليــه التمــاس ســبب آخــر مبــاح‪ ،‬أو النتقــال إلــى بلد‬
‫المســلمين إن تيســر ذلــك؛ ليتعــاون معهــم علــى الــبر‬
‫والتقوى‪ ،‬ويحفظ دينه عن الفتن‪ ،‬وينال ما فيه سد حــاجته‬

‫‪286‬‬
‫ق الّلـ َ‬
‫ه‬ ‫ن ي َّتـ ِ‬‫مـ ْ‬ ‫من مال وعلـم‪ ،‬وقـد قـال اللـه تعـالى‪ } :‬وَ َ‬
‫ب { )‪(1‬ـ ‪،‬‬ ‫سـ ُ‬ ‫ث َل ي َ ْ‬
‫حت َ ِ‬ ‫حي ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫جا {} وَي َْرُزقْ ُ‬ ‫خَر ً‬
‫م ْ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫جع َ ْ‬
‫يَ ْ‬
‫َ‬
‫سًرا {‬ ‫مرِهِ ي ُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ل لَ ُ‬‫جع َ ْ‬‫ه يَ ْ‬‫ق الل ّ َ‬‫ن ي َت ّ ِ‬
‫م ْ‬
‫وقال سبحانه‪ } :‬وَ َ‬
‫‪(2) .‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫عضو ‪ //‬نائب رئيس اللجنة ‪ //‬الرئيس ‪//‬‬
‫عبد الله بن غديان ‪ //‬عبد الرزاق عفيفي ‪ //‬عبد العزيز بن‬
‫عبد الله بن باز ‪//‬‬
‫_________‬
‫)‪ (1‬سورة الطلق اليتان ‪. 3 ، 2‬‬
‫)‪ (2‬سورة الطلق‪ ،‬الية ‪. 4‬‬
‫===============‬
‫‪ #‬التصرف في الفوائد بعد التوبة من أخذ الربا‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ‪) -‬ج ‪/ 16‬‬
‫ص ‪(60‬‬
‫الفتوى رقم )‪(4843‬‬
‫س‪ :‬رجل ل يعرف شيًئا عن حرمــة الربــا‪ ،‬أو يعــرف وغيــر‬
‫ملتزم بتعاليم السلم‪ ،‬ثم علم والتزم‪ ،‬ولكن كان في يديه‬
‫حصيلة من الفوائد التي أخذها من البنــك‪ .‬مــا هــي أفضــل‬
‫طريقة لكي يتخلص من هذه الفوائد التي فــي يــديه علــى‬
‫أن ل يضع في البنك أي مبلغ بعد الن؟ أفيدونا جزاكم الله‬
‫خيًرا عنا وعن المسلمين‪.‬‬
‫ج‪ :‬يجب عليه أن يتصدق على الفقراء والمساكين بالمــال‬
‫الذي حصل عليه من البنك كفوائد وهو ل يعلم‪.‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫عضو ‪ //‬عضو ‪ //‬نائب رئيس اللجنة ‪ //‬الرئيس ‪//‬‬
‫عبد الله بن قعود ‪ //‬عبــد اللــه بــن غــديان ‪ //‬عبــد الــرزاق‬
‫عفيفي ‪ //‬عبد العزيز بن عبد الله بن باز ‪//‬‬
‫=============‬

‫‪287‬‬
‫‪ #‬جريان الربا في الورق النقدي‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ‪) -‬ج ‪/ 16‬‬
‫ص ‪(118‬‬
‫الفتوى رقم )‪(3291‬‬
‫س‪ :‬هــل يقــع الربــا فــي الفلــوس وفــي الليــرة التركيــة‬
‫المنقوشــة بصــور مخصوصــة‪ ،‬المــأخوذة مــن القرطــاس‬
‫والنحـــاس‪ ،‬وكـــذا ريـــال العربيـــة الســـعودية الســـلمية‪،‬‬
‫المأخوذة من القرطاس والنحاس أم ل؟‬
‫كما بين في جميع الكتب الشرعية‪ ،‬ول شيء في الفلــوس‬
‫من الربــا‪ ،‬وكمــا قــال المــام الشــافعي فــي كتــابه )الم(‪:‬‬
‫)وأن الفلوس ليست بثمن للشــياء المتلفــة؛ لنــه ل زكــاة‬
‫فيها‪ ،‬ومما ل ربا فيه(‪.‬‬
‫ج‪ :‬وأجــابت بمــا يلــي‪ :‬ســبق أن درس مجلــس هيئة كبــار‬
‫العلماء موضوع الورق النقدي‪ ،‬وأصدر فيه قراًرا بالكثريــة‬
‫جاء فيه‪ :‬أوًل‪ :‬جريان الربا بنــوعيه فيهــا‪ ،‬كمــا يجــري الربــا‬
‫بنــوعيه فــي النقــدين الــذهب والفضــة‪ ،‬وفــي غيــره مــن‬
‫الثمان‪ ،‬كالفلوس‪ ،‬وهذا يقتضــي مــا يلــي‪ :‬أ‪ -‬ل يجــوز بيــع‬
‫بعضه ببعض‪ ،‬أو بغيره من الجنــاس النقديــة الخــرى مــن‬
‫ذهب أو فضة أو غيرهما نسيئة مطلًقا فل يجــوز‪ ،‬مثًل‪ :‬بيــع‬
‫الدولر المريكي بخمســة أريلــة ســعودية أو أقــل أو أكــثر‬
‫نسيئة‪ .‬ب‪ -‬ل يجوز بيع الجنــس الواحــد منــه بعضــه ببعــض‬
‫دا بيــد‪ ،‬فل يجــوز مثًل‬‫متفاضًل‪ ،‬سواء كان ذلك نســيئة أو يـ ً‬
‫بيع عشرة أريلة ســعودية ورقًــا بأحــد عشــر ريــاًل ســعودًيا‬
‫ورًقا‪ .‬جـ‪ -‬يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلًقا‪ ،‬إذا‬
‫دا بيـد‪ ،‬فيجـوز بيـع الليـرة السـورية أو اللبنانيـة‬ ‫كان ذلك ي ً‬
‫بريال سعودي ورًقا كان أو فضة أو أقل من ذلــك أو أكــثر‪،‬‬
‫وبيع الدولر المريكي بثلثة أريلة سعودية أو أقل أو أكــثر؛‬
‫دا بيــد‪ ،‬ومثــل ذلــك فــي الجــواز بيــع الريــال‬
‫إذا كان ذلك ي ً‬
‫السعودي الفضة بثلثة أريلة سعودية ورق أو أقــل أو أكــثر‬
‫دا بيــد؛ لن ذلــك يعتــبر بيــع جنــس بغيــر جنســه‪ ،‬ول أثــر‬ ‫يـ ً‬
‫لمجرد الشــتراك فــي الســم مــع الختلف فــي الحقيقــة‪.‬‬
‫ثانًيا‪:‬‬

‫‪288‬‬
‫وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين مــن ذهــب أو‬
‫فضــة‪ ،‬أو كــانت تكمــل النصــاب مــع غيرهــا مــن الثمــان‬
‫والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لهــل وجوبهــا‪.‬‬
‫ثالّثا‪ :‬جواز جعلها رأسمال في السلم والشركات‪.‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫عضو ‪ //‬عضو ‪ //‬نائب رئيس اللجنة ‪ //‬الرئيس ‪//‬‬
‫عبد الله بن قعود ‪ //‬عبــد اللــه بــن غــديان ‪ //‬عبــد الــرزاق‬
‫عفيفي ‪ //‬عبد العزيز بن عبد الله بن باز ‪//‬‬
‫==============‬
‫‪#‬قاعدة الربا‬
‫فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميــة والفتــاء ‪) -‬ج ‪/ 16‬‬
‫ص ‪(204‬‬
‫السؤال الول من الفتوى رقم )‪( 17321‬‬
‫س ‪ :1‬ما الحكم إذا كان يشــتري الــذهب الصــافي بالجــل‬
‫ويشتري بالنقد كذلك؟‬
‫ج ‪ :1‬قاعدة الربا‪ -1 :‬أن الربوي إذا اتحــدت علتــه وجنســه‬
‫حــرم فيــه التفاضــل والنســأ‪ ،‬كالــذهب بالــذهب والفضــة‬
‫بالفضة‪ ،‬ولــو كــان أحــدهما جيــدا والخــر رديئا‪ -2 .‬وأنــه ل‬
‫يجوز بيع المصوغ من الــذهب والفضــة بجنســه بــأكثر مــن‬
‫وزنــه مقابــل الصــنعة‪ -3 .‬وأن الربــوي إذا اتحــدت علتــه‬
‫واختلف جنسه جاز فيه التفاضــل‪ ،‬وحــرم النســأ‪ ،‬كالــذهب‬
‫بالفضــة‪ ،‬فــإنه يجــوز بيــع أحــدهما بــالخر متفاضــل‪ ،‬ولكــن‬
‫يشترط التقابض في مجلس العقــد قبــل التفــرق‪ -4 .‬وإذا‬
‫اختلفت علته وجنسه جاز فيــه التفاضــل والنســأ‪ ،‬كالــذهب‬
‫بالحنطة والفضــة بالشــعير‪ -5 .‬وأنــه ل يجــوز بيــع الربــوي‬
‫بجنسه ومعهما أو مع أحدهما شيء من غير جنسهما‪ ،‬كمد‬
‫عجوة ودرهم بمثلهما أو بمدين ودرهمين‪ ،‬أو دينار ودرهــم‬
‫بدينار‪ -6 .‬وأن فــروع الجنــاس أجنــاس بــاختلف أصــولها‪،‬‬
‫فــدقيق الشـعير جنـس‪ ،‬وخـبزه جنـس وهكــذا‪ -7 .‬وأنـه ل‬
‫يجوز بيع الربوي إل بمعياره الشــرعي‪ ،‬فاعتبــار المســاواة‬
‫فــي الموزونــات بــالوزن‪ ،‬وفــي المكيلت بالكيــل‪ -8 .‬وأن‬

‫‪289‬‬
‫المماثلة ل بد من تحققها فيما اشترطت فيه‪ ،‬والشك فيها‬
‫كتحقق المفاضلة‪ -9 .‬وأن الربــا المحــرم يجــري فــي غيــر‬
‫العيان الستة المنصوص عليها‪ ،‬وأنه متعــد منهــا إلــى كــل‬
‫ملحق بشيء منها‪.‬‬
‫والدلة على هذا كــثيرة منهــا‪ :‬حــديث عبــادة بــن الصــامت‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫» الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة‪ ،‬والــبر بــالبر‪ ،‬والشــعير‬
‫بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملــح‪ ،‬مثل بمثــل‪ ،‬ســواء‬
‫بسواء‪ ،‬يدا بيد‪ ،‬فإذا اختلفــت هــذه الصــناف فــبيعوا كيــف‬
‫شئتم؛ إذا كان يدا بيد « رواه مسلم وأحمد ‪.‬‬
‫وما صح عنه صلى اللــه عليــه وســلم أنــه قــال‪ » :‬الــذهب‬
‫بالذهب وزنا بوزن‪ ،‬والفضة بالفضة وزنا بوزن‪ ،‬والبر بــالبر‬
‫كيل بكيــل‪ ،‬والشــعير بالشــعير كيل بكيــل « رواه الثــرم‬
‫والطحاوي وما رواه مسلم وغيره مــن حــديث فضــالة بــن‬
‫عبيد قال‪ » :‬اشتريت قلدة يوم خيــبر بــاثني عشــر دينــارا‬
‫فيها ذهب وخـرز‪ ،‬ففصـلتها فوجـدت فيهـا أكـثر مـن اثنــي‬
‫عشر دينارا‪ ،‬فذكرت ذلك للنــبي صــلى اللــه عليــه وســلم؛‬
‫فقال‪" :‬ل تباع حتى تفصل « ‪ .‬وما رواه مسلم وغيره عــن‬
‫جابر رضي الله عنه قال‪ » :‬نهــى رســول اللــه صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر ل يعلم كيلها بالكيــل‬
‫المسمى من التمر « ‪.‬‬
‫وبناء على ما ذكر فل يجوز فعــل مــا ذكرتـه فــي الســؤال؛‬
‫لن الذهب إذا بيع بجنسـه ‪-‬ذهـب بــذهب‪ -‬متفاضــل مــؤجل‬
‫دخله ربا الفضل والنسيئة‪ ،‬وإذا بيع متماثل مؤجل دخله ربــا‬
‫النسيئة‪.‬‬
‫وبالله التوفيق وصلى الله على نبينــا محمــد وآلــه وصــحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫عضو ‪ //‬عضو ‪ //‬عضو ‪ //‬عضو ‪ //‬الرئيس ‪//‬‬
‫بكر أبو زيد ‪ //‬عبد العزيــز آل الشــيخ ‪ //‬صــالح الفــوزان ‪//‬‬
‫عبد الله بن غديان ‪ //‬عبد العزيز بن عبد الله بن باز ‪//‬‬
‫==============‬
‫‪ :#‬مسألة ‪ :‬تحريم الربا‬

‫‪290‬‬
‫مجموع فتاوى ابن تيمية ‪) -‬ج ‪ / 7‬ص ‪(79‬‬
‫ري ـم ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ه ع َـ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ه ُرو َ‬ ‫س الل ّ ُ‬ ‫سَلم ِ قَد ّ َ‬ ‫خ اْل ِ ْ‬ ‫شي ْ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫ب الّرَبا ُ‬ ‫َبا ُ‬
‫ص ـُلوا‬ ‫م ؛ ل ِي َت َوَ ّ‬ ‫س ال ْي َوْ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ت ب َي ْ َ‬ ‫مَل ِ‬ ‫مَعا َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما ي ُْفعَ ُ‬ ‫الّرَبا وَ َ‬
‫ب‬ ‫سًرا فَي َْقل ِـ ُ‬ ‫مع ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مد ُْيو ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫كو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ل الد ّي ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫ب َِها إَلى الّرَبا وَإ ِ َ‬
‫مــوِر‬ ‫ُ‬
‫م وَُلةُ اْل ُ‬ ‫ما ي َل ْـَز ُ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫خَرى ب ِزَِياد َةِ َ‬ ‫مل َةٍ أ ُ ْ‬ ‫مَعا َ‬ ‫ن ِفي ُ‬ ‫الد ّي ْ َ‬
‫ْ‬
‫مــا‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫مــال ِهِ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل َرأ ُ‬ ‫مــا ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صــا ِ‬ ‫ل ي َُرد ّ عََلى َ‬ ‫ذا وَهَ ْ‬ ‫ِفي هَ َ‬
‫مل َةِ الّرَبا ؟‬ ‫مَعا َ‬ ‫َزاد َ ِفي ُ‬
‫ب‬ ‫وا ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫مــاِع ‪ .‬وَقَ ـد ْ‬ ‫ج َ‬ ‫س ـن ّةِ َواْل ِ ْ‬ ‫ب َوال ّ‬ ‫م ِبال ْك ِت َــا ِ‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫مَراَباةُ َ‬ ‫ب ‪ :‬ال ْ ُ‬ ‫جا َ‬ ‫فَأ َ‬
‫ه‬ ‫موك ِل َ ُ‬ ‫ل الّرَبا وَ ُ‬ ‫م آك ِ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫} ل َعَ َ‬
‫ل‬ ‫ه { َقــا َ‬ ‫ل َلــ ُ‬ ‫حّلــ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل َوال ْ ُ‬ ‫حّلــ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫شــاهِد َي ْهِ ‪ .‬وَل ََعــ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫كــات ِب َ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫كا َ‬
‫ل‬ ‫صــ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن َ َ‬ ‫ن ‪ .‬وَإ ِ ْ‬ ‫مل ُْعوَنا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ح ‪َ .‬فاِلث َْنا ِ‬ ‫حي ٌ‬ ‫ص ِ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫مذِيّ َ‬ ‫الت ّْر ِ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫مــا ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ه عََلى الّر ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ل يَ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫جاهِل ِي ّةِ ‪ :‬أ ّ‬ ‫الّرَبا ِفي ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ت ُْرب ِــي ؟ ‪.‬‬ ‫ضــي ؟ أ ْ‬ ‫ه ‪ :‬أت َْق ِ‬ ‫ل ل َـ ُ‬ ‫ل قَــا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ل اْل َ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫ل فَإ ِ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫مؤ َ ّ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ل‬ ‫مــا ِ‬ ‫ذا فِــي ال ْ َ‬ ‫ل وََزاد َ هَ ـ َ‬ ‫جـ ِ‬ ‫ذا فِــي اْل َ َ‬ ‫ن وَفّــاهُ وَإ ِّل َزاد َ هَ ـ َ‬ ‫ف َ ـإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫مــاِع‬ ‫ج َ‬ ‫م ب ِإ ِ ْ‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫ذا الّرَبا َ‬ ‫حد ٌ ‪ .‬وَهَ َ‬ ‫ل َوا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ل ‪َ .‬واْل ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫ضاعَ ُ‬ ‫فَي َت َ َ‬
‫س ـُلوا‬ ‫َ‬
‫ن ت َوَ ّ‬ ‫صــود َ وَل َك ِـ ْ‬ ‫م َْق ُ‬ ‫ذا هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ما إ َ‬ ‫ن ‪ .‬وَأ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن‬ ‫مي َ‬ ‫ســل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خُرو َ‬ ‫مت َأ ّ‬ ‫ذا ت ََناَزعَ ِفيهِ ال ْ ُ‬ ‫خَرى ؛ فَهَ َ‬ ‫مل َةٍ أ ُ ْ‬ ‫مَعا َ‬ ‫بِ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مــا‬ ‫م فَإ ِن ّ َ‬ ‫ح ـَر ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن هَ ـ َ‬ ‫م ن ِـَزاعٌ أ ّ‬ ‫ن ب َي ْن َهُ ـ ْ‬ ‫م ي َك ُـ ْ‬ ‫ة فَل َ ْ‬ ‫حاب َ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫وَأ ّ‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫شُهوَرةٌ ‪ .‬وََالّلــ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ك َِثيَرةٌ َ‬ ‫م ب ِذ َل ِ َ‬ ‫ت َواْلَثاُر عَن ْهُ ْ‬ ‫ل ِبالن ّّيا ِ‬ ‫ما ُ‬ ‫اْلعْ َ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫مــا ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ن وَأك ْ ِ‬ ‫جي َ‬ ‫حَتا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ضَررِ ال ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِفيهِ ِ‬ ‫م الّرَبا ل ِ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ت ََعاَلى َ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫حـ ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫مــا إ َ‬ ‫ت الّرب َوِي ّةِ ‪ .‬وَأ ّ‬ ‫مَل ِ‬ ‫مَعا َ‬ ‫جود ٌ ِفي ال ْ ُ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ل وَهُوَ َ‬ ‫ِبال َْباط ِ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫نأ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ماِع ال ْ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫جْز ب ِإ ِ ْ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سًرا ‪ :‬ل َ ْ‬ ‫مع ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن ال ْغَ ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫الد ّي ْ ُ‬
‫ن‬ ‫ب إن ْظ َــاُرهُ وَإ ِ ْ‬ ‫جـ ُ‬ ‫ل يَ ِ‬ ‫ها ؛ ب َ ْ‬ ‫مل َةٍ وََل غَي ْرِ َ‬ ‫مَعا َ‬ ‫ب َل ب ِ ُ‬ ‫ب ِبال َْقل ْ ِ‬ ‫ي َْقل ِ َ‬
‫ع‬
‫مـ َ‬ ‫ب َل َ‬ ‫ة إل َــى ال َْقل ْـ ِ‬ ‫جـ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ال ْوََفاُء فََل َ‬ ‫كا َ‬ ‫سًرا َ‬ ‫مو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫مــورِ ب َعْ ـد َ‬ ‫ب عَل َــى وَُلةِ اْل ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬ ‫ســارِهِ ‪َ .‬وال ْـ‬ ‫معَ إعْ َ‬ ‫سارِهِ وََل َ‬ ‫يَ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫دي َ‬ ‫مـ ِ‬ ‫مُروا ال ْ َ‬ ‫ن ي َـأ ُ‬ ‫مل َةِ الّرب َوِي ّـةِ ‪ :‬ب ِـأ ْ‬ ‫مَعا َ‬ ‫ن ِبال ْ ُ‬ ‫مِلي َ‬ ‫مت ََعا ِ‬ ‫زيرِ ال ْ ُ‬ ‫ت ََعْ ِ‬
‫سِق ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫كــا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ة فَإ ِ ْ‬ ‫طوا الّزَياد َةَ الّرب َوِي ّ َ‬ ‫ل ‪ .‬وَي ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫ن ي ُؤَد ّيَ َرأ َ‬ ‫أ ْ‬
‫ب‬ ‫سـ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫من ْهَــا ب ِ َ‬ ‫من ْهَــا وَفِــي ِدين ِـهِ ِ‬ ‫ت ي ُـوَّفى ِ‬ ‫مغَّل ٌ‬ ‫ه ُ‬ ‫سـًرا وَل َـ ُ‬ ‫مع ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ه أعْل َ ُ‬ ‫ن وََالل ّ ُ‬ ‫كا ِ‬ ‫م َ‬ ‫اْل ِ ْ‬
‫===============‬
‫‪ #‬باب الربا‬
‫الفتاوى الكبرى ‪) -‬ج ‪ / 8‬ص ‪(142‬‬

‫‪291‬‬
‫ة في تحريم ربا ال َْفضل ال ْك َي ُ َ‬
‫م ـعَ‬ ‫ن َ‬ ‫ل أوْ ال ْوَْز ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ْ ِ ِ َِ‬ ‫ب الّرّبا َوال ْعِل ّ ُ ِ‬ ‫َبا ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مـ ْ‬ ‫صـوِغ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫جـوُز ب َْيـعُ ال ْ َ‬ ‫مـد َ ‪ ،‬وَي َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫عـ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫الط ّعْم ِ ‪ ،‬وَهُوَ رَِواي َ ٌ‬
‫ل‬ ‫جع َ ـ ُ‬ ‫ل ‪ ،‬وَي ُ ْ‬ ‫ماث ُـ ِ‬ ‫ط الت ّ َ‬ ‫شت َِرا ِ‬ ‫ن غَي ْرِ ا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫سه ِ ِ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫ضة ِ ب ِ ِ‬ ‫ب َوال ِْف ّ‬ ‫الذ ّهَ ِ‬
‫س ـه ِ ‪،‬‬ ‫س ب ِن َْف ِ‬ ‫جن ْـ ٍ‬ ‫س ب ِرِب ًــا وََل ب ِ ِ‬ ‫صــيغَةِ ل َي ْـ َ‬ ‫مَقاب َل َةِ ال ّ‬ ‫الّزائ ِد ُ ِفي ُ‬
‫ج‪.‬‬ ‫شي َْر ٍ‬ ‫م بِ َ‬ ‫س ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ‪ ،‬وَ ِ‬ ‫ت ب َِزي ُْتو ٍ‬ ‫سةٍ وََزي ْ ٌ‬ ‫ري َ‬ ‫خب ٌْز ب ِهَ ِ‬ ‫فَي َُباعُ ُ‬
‫ه‬
‫ري الّرَبـا ِفيـ ِ‬ ‫جـ ِ‬ ‫ذا قُل َْنـا ي َ ْ‬ ‫ديـدِ إ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫س َوال ْ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫مو ُ‬ ‫مع ْ ُ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ب‬ ‫صــن ْعَةِ ك َث َِيــا ِ‬ ‫ه ب َعْد َ ال ّ‬ ‫صد ُ وَْزن ُ ُ‬ ‫ن ي ُْق َ‬ ‫كا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫مول ِهِ إ َ‬ ‫مع ْ ُ‬ ‫ري ِفي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ها وَإ ِّل فََل ‪ ،‬وَهُوَ َثال ِ ُ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫هــ ِ‬ ‫لأ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ث أْقــ َ‬ ‫حو ِ َ‬ ‫ل وَن َ ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫ريرِ َواْل ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫دا‬ ‫صــو ً‬ ‫مْق ُ‬ ‫س ـه ِ َ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫وا ٍ‬ ‫حي َـ َ‬ ‫ح ـم ِ ب ِ َ‬ ‫م ب َي ْـعُ الل ّ ْ‬ ‫ح ـُر ُ‬ ‫ال ْعِل ْـم ِ ‪ ،‬وَي َ ْ‬
‫حم ِ ‪.‬‬ ‫ل ِل ّ ْ‬
‫مــا‬ ‫ك ‪ ،‬وَ َ‬ ‫مال ِ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫حّري ‪ ،‬وََقال َ ُ‬ ‫ت الّرب َوِي ّةِ ِبالت ّ َ‬ ‫موُْزوَنا ِ‬ ‫جوُز ب َي ْعُ ال ْ َ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫ه‬
‫ضـ ِ‬ ‫جــوُز ب َي ْـعُ ب َعْ ِ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ها ِ‬ ‫ل اْل َد ْ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ل َوال ْوَْز ُ‬ ‫ف ِفيهِ ال ْك َي ْ ُ‬ ‫خت َل ِ ُ‬ ‫َل ي َ ْ‬
‫جوُز ال ْعََراي َــا‬ ‫ببعض ك َيًل ووزنا ‪ ،‬وعَ َ‬
‫ل عَل َي ْهِ ‪ ،‬وَي َ ُ‬ ‫ما ي َد ُ ّ‬ ‫مد َ َ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َِْ ٍ ْ َ َْ ً‬
‫َ‬
‫و‬
‫جوَةٍ ‪ ،‬وَهُ َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫سأل َ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫جوُز َ‬ ‫ميِع ال ْعََراَيا َوالّزُروِع ‪ ،‬وَي َ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ِفي َ‬
‫َ‬ ‫ة ‪ ،‬وَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مــد َ‬ ‫ح َ‬ ‫بأ ْ‬ ‫مذ ْهَ ِ‬ ‫ظاهُِر َ‬ ‫حِنيَف َ‬ ‫ب أِبي َ‬ ‫مذ ْهَ ُ‬ ‫مد َ وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫رَِواي َ ٌ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫سـ ْ‬ ‫ة ل َي ْ َ‬ ‫حل ْي َـ َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫حل ْي َت ِـهِ ِل ّ‬ ‫س ِ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫حّلى ب ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ف ال ْ ُ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫واُز ب َي ِْع ال ّ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫صود َةٍ ‪.‬‬ ‫مْق ُ‬ ‫بِ َ‬
‫ل ‪ ،‬وََل‬ ‫ٍ‬ ‫مث ْـ‬ ‫مث ًْل ب ِ ِ‬ ‫ص ـة ٍ ِ‬ ‫َ‬ ‫خال ِ‬ ‫شـَها ب ِ َ‬ ‫صـد ُ ِغ ّ‬ ‫ضـةٍ َل ي َْق ِ‬ ‫جوُز ب َي ْـعُ فِ ّ‬ ‫وَي َ ُ‬
‫َ‬ ‫صْر ِ ْ ُ‬ ‫حُلو ُ‬
‫حدِ‬ ‫س الّنافَِقةِ ب ِأ َ‬ ‫ف َ الُفلو ِ‬ ‫ض ِفي َ‬ ‫ل َوالت َّقاب ُ ُ‬ ‫ط ال ْ ُ‬ ‫شت ََر ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫َ‬
‫خَتاَرهَــا‬ ‫صــورٍ َوا ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫مد َ ن ََقل ََها أب ُــو َ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫ن ‪ ،‬وَهُوَ رَِواي َ ٌ‬ ‫الن ّْقد َي ْ ِ‬
‫جــوُز‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫حي َـ َ‬ ‫ب َوال ْ َ‬ ‫كالث َّيا ِ‬ ‫ل ِفيهِ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫جاَز الت َّفا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل ‪ ،‬وَ َ‬ ‫ن عَِقي ٍ‬ ‫اب ْ ُ‬
‫ن‬ ‫ة عَ ـ ْ‬ ‫ســاوًِيا وَإ ِّل فََل ‪ ،‬وَهُ ـوَ رَِواي َـ ٌ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن ك َــا َ‬ ‫ســاُء ِفي ـهِ إ ْ‬ ‫الن ّ َ‬
‫َ‬
‫جاَز ‪.‬‬ ‫ما َ‬ ‫مت ِهِ َ‬ ‫صط ََرَفا د َي ًْنا ِفي ذِ ّ‬ ‫نا ْ‬ ‫مد َ ‪ ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫كاه ابن عَبد ال ْبر عَ َ‬
‫ص‬ ‫مــا ن َـ ّ‬ ‫خَلفًــا ل ِ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫حِنيَف َ‬ ‫ن أِبي َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ح َ ُ ْ ُ ْ ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ـد َ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ة ع َـ ْ‬ ‫ق وَهُ ـوَ رَِواي َـ ٌ‬ ‫ة َالت ّوَّر ِ‬ ‫سأل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫حُر ُ‬ ‫مد ُ ‪ ،‬وَي َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫عَل َي ْهِ أ ْ‬
‫ة‬ ‫ســيئ َ ً‬ ‫ما َل ي َُباعُ ن َ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ثَ َ‬ ‫خذ ُهُ عَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫حُر َ‬ ‫ة َ‬ ‫سيئ َ ً‬ ‫ن َباعَ رِب َوِّيا ن َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ج ٌ‬ ‫حا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ت َك ُ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫َ‬
‫خ أب ِــي‬ ‫َ‬ ‫م ـهِ َوال ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫ش ـي ْ ِ‬ ‫ري ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ـد َ فِــي ت َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫مــام ِ أ ْ‬ ‫ن ال ِ َ‬ ‫سط ب َي ْـ َ‬ ‫وَهُوَ ت َوَ ّ‬
‫ذا‬ ‫حِقيـقُ فِــي عُُقـودِ الّرب َــا إ َ‬ ‫حل ّهِ ‪َ ،‬والت ّ ْ‬ ‫ي ِفي ِ‬ ‫س ّ‬ ‫مْقدِ ِ‬ ‫مدٍ ال ْ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ض ال ُْفَقَهــاءِ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َل عَْقد َ ‪ ،‬وَإ ِ ْ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ل ِفيَها ال َْقب ْ ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫م‪،‬‬ ‫مــا ت َـ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ب ُط َْل ُ‬ ‫م ي َت ِـ ّ‬ ‫مــا َلـ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ال ْعَْقـد ُ فَهُـوَ ب ُط َْل ٌ‬ ‫ل ب َط َ َ‬ ‫ي َُقو ُ‬
‫َ‬ ‫مَياُء َباط ِل َ ٌ‬
‫ريـم ِ الّرب َــا ‪،‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫مـ ْ‬ ‫شد ّ ِ‬ ‫مَها أ َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ة وَت َ ْ‬ ‫م ٌ‬ ‫حّر َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ُ‬ ‫كي ْ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫ص ـَناعَت َِها‬ ‫معْرِفَ ـةِ ِ‬ ‫ل عَل َــى َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ـت َ ِ‬ ‫ب ال ّت ِــي ت َ ْ‬ ‫جوُز ب َي ْعُ ال ْك ُت ُـ ِ‬ ‫وََل ي َ ُ‬

‫‪292‬‬
‫ه َل‬ ‫حي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ح أن ّـ ُ‬ ‫صـ ِ ُ‬ ‫ل َوال ّ‬ ‫صـ ٌ‬ ‫مــورِ ب ِإ ِت َْلفِهَــا ‪ .‬فَ ْ‬ ‫ض وَُلةِ اْل ُ‬ ‫وَأفَْتى ب َعْ ُ‬
‫حَها أ َوْ َل ‪،‬‬ ‫ص ـَل ُ‬ ‫َ‬ ‫دا‬ ‫واٌء ب َـ َ‬ ‫َ‬ ‫سـ‬ ‫ة ب ِعُُروقَِها َ‬ ‫مل َ ً‬ ‫ج ْ‬ ‫مَقاِثي ُ‬ ‫جوُز ب َي ْعُ ال ْ َ‬ ‫يَ ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫صــو ِ‬ ‫ن ال ْعُـُروقَ ك َأ ُ‬ ‫ما ‪ :‬أ ّ‬ ‫ح ـد ُهُ َ‬ ‫ن‪:‬أ َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫خـ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ل َـ ُ‬ ‫ذا ال َْقـوْ ُ‬ ‫وَهَ َ‬
‫ر‬
‫ج ِ‬ ‫شـ َ‬ ‫حَها ك َب َي ْـِع ال ّ‬ ‫ص ـَل ِ‬ ‫ل ب ُـد ُوّ َ‬ ‫ضَراَوات قَب ْ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫جرِ ‪ ،‬فَب َي ْعُ ال ْ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ال ّ‬
‫جوُز ت َب ًَعا ‪.‬‬ ‫حه ِ ي َ ُ‬ ‫صَل ِ‬ ‫ل ب ُد ُوّ َ‬ ‫مرِهِ قَب ْ َ‬ ‫ب ِث َ َ‬
‫حي َ‬ ‫وال ْ ْ‬
‫ي‬ ‫ل فِــي ن َهْ ـ ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫م ت َـد ْ ُ‬ ‫ن هَـذِهِ ل َـ ْ‬ ‫حأ ّ‬ ‫ص ِ ُ‬ ‫خذ ُ الّثاِني وَهُوَ ال ّ‬ ‫مأ َ‬ ‫َ َ‬
‫ة‬ ‫َ‬
‫ح العَْقـد ُ عَلـى اللَقطـ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫صـ ّ‬ ‫ل يَ ِ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫مْقث َـأةُ ؛ ِل َ ّ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫ن ت َي ْب َـ َ‬ ‫مةِ إَلى أ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫مع ْ ُ‬ ‫جود َةِ َوالل َّقط َةِ ال ْ َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ك‪.‬‬ ‫ة إَلى ذ َل ِ َ‬ ‫عي َ ٌ‬ ‫دا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ج َ‬ ‫حا َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ويجوز بيع ال ْمَقاِثي دو ُ‬
‫ذا‬ ‫حاب َِنا ‪ ،‬وَإ ِ َ‬ ‫صـ َ‬ ‫ضأ ْ‬ ‫ه ب َعْ ُ‬ ‫صول َِها وََقال َ ُ‬ ‫نأ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََ ُ ُ َْ ُ َ‬
‫و‬
‫س وَهُ ـ َ‬ ‫جن ْـ ِ‬ ‫ك ال ْ ِ‬ ‫جاَز ب َي ْعُهَــا وَب َي ْـعُ ذ َل ِـ َ‬ ‫جَرةٍ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ض َ‬ ‫ح ب َ َعْ ِ‬ ‫صَل ُ‬ ‫دا َ‬ ‫بَ َ‬
‫سعْدٍ ‪.‬‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫ث بْ‬ ‫ل الل ّي ْ ِ‬ ‫مد َ ‪ ،‬وَقَوْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ة عَ ْ‬ ‫رَِواي َ ٌ‬
‫ك أ َوْ الـّزْرِع‬ ‫ب ذ َل ِ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬
‫ة اْل َجناس ال ِّتي ساَء حمل ُه فَإ َ‬
‫َ ْ ُ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫وَب َِقي ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مــ ْ‬ ‫ه فَ ِ‬ ‫مين ُ ُ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫مك ِ ُ‬ ‫ش َل ي ُ ْ‬ ‫جي ْ ٍ‬ ‫جَرادٍ أوْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫حةٍ وَل َوْ ِ‬ ‫جائ ِ َ‬ ‫ذي ب ِ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ة فِــي‬ ‫حـ ُ‬ ‫جائ ِ َ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ري ‪ ،‬وَث َب َت َـ ْ‬ ‫شت َ َِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ال ْ ُ‬ ‫م ي َُفّر ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ن َبائ ِعِهِ إ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫سـاِوي‬ ‫ت تُ َ‬ ‫مث ًَل وَك َــان َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ض ب ِـأل ْ ٍ‬ ‫ذا اك ْت ََرى اْلْر َ‬ ‫ما إ َ‬ ‫مَزارِِع ‪ ،‬ك َ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مــا‬ ‫خَل ُ‬ ‫ن هَ ـ َ‬ ‫بال ْجائ ِحة سبعمائ َة ‪ ،‬وبعض الناس يظ ُـ َ‬
‫ف َ‬ ‫ذا ِ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ َ َ ِ َ َْ ِ ٍ ََْ ُ ّ ِ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫ج ِ‬ ‫ســت َأ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫ف يَ ُ‬ ‫ذا ت َل ِ َ‬ ‫هإ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن ن َْف َ‬ ‫معَْنى أ ّ‬ ‫ِفي ال ْ َ‬
‫ه‬
‫ما ِفي ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫شت ََراةِ ‪ ،‬فَهَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَرةِ ال ْ ُ‬ ‫كالث ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كو ُ‬ ‫ب الّزْرِع َل ي َ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫مت َِها‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫خَل ُ‬ ‫ما ال ْ ِ‬ ‫خَل ٌ‬
‫ص ِقي َ‬ ‫ض وَن َْق ِ‬ ‫جَرةِ الْر ِ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ف ِفي ن َْف ِ‬ ‫ف ‪ ،‬وَإ ِن ّ َ‬ ‫ِ‬
‫ة فِــي‬ ‫حـ ُ‬ ‫جائ ِ َ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫حا وَن َب َت َـ ْ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫ماُء عَ ْ‬ ‫ما ل َوْ ان َْقط َعَ ال ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫كو ُ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫مَزارِِع ‪.‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫==============‬
‫ة‬‫ض ً‬ ‫ف ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ة ب ِأ َْرب َ ِ‬ ‫ض ً‬ ‫ف ّ‬ ‫فا ِ‬ ‫ص ً‬ ‫ع نِ ْ‬ ‫ن َبا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ع ّ‬ ‫‪#‬باب الربا‪َ -‬‬
‫ها‬ ‫وْزن ُ َ‬ ‫َ‬
‫فتاوى الرملي ‪) -‬ج ‪ / 2‬ص ‪(473‬‬
‫ة‬ ‫َ‬ ‫سئ ِ َ‬
‫ضــ ً‬ ‫ن فِ ّ‬ ‫ة ِبــأْرب َِعي َ‬ ‫ض ً‬ ‫صًفا فِ ّ‬ ‫ن َباعَ ن ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ( عَ ّ‬ ‫ب الّرَبا ( ) ُ‬ ‫) َبا ُ‬
‫َ‬
‫ذا‬ ‫ن ه َـ َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ذا الّرب ْـعُ ب ِـوَْزن ِهِ ِ‬ ‫ل ب ِعُْتك هَـ َ‬ ‫ضةِ أوْ َقا َ‬ ‫ن ال ِْف ّ‬ ‫وَْزن َُها وَْز ُ‬
‫ح‬ ‫صـ ّ‬ ‫ل يَ ِ‬ ‫م قَـد ُْرهُ فَهَـ ْ‬ ‫م ي ُعْل َـ ْ‬ ‫س ل َـ ْ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ما ن ُ َ‬ ‫من ْهُ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ف وَِفي ك ُ ّ‬ ‫ص ِ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫حــدٍ فََل‬ ‫يٍء َوا ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫صاَر ك َ َ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ضة ِ ب ِ َ‬ ‫س ِبال ِْف ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫ط الن ّ َ‬ ‫خت َِل ِ‬ ‫ال ْب َي ْعُ ِل ْ‬
‫جوَةٍ وَدِْرهَم ٍ ؟‬ ‫مد ّ عَ ْ‬ ‫جوَةٍ وَدِْرهَم ٍ ب ِ ُ‬ ‫مد ّ عَ ْ‬ ‫ن ك َب َي ِْع ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫حِقيَق ـ ِ‬ ‫ماث َل َـةِ ك َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِبال ْ ُ‬ ‫جه ْ ـ ُ‬ ‫ل إذ ْ ال ْ َ‬ ‫ن ال ْب َي ْـعَ َباط ِـ ٌ‬ ‫ب ( ب ِأ ّ‬ ‫جا َ‬ ‫) فَأ َ‬
‫خت َِل ُ‬ ‫َ‬
‫ة ِفــي‬ ‫ح َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ضي ال ّ‬ ‫ما ي َْقت َ ِ‬ ‫شْرط ِهِ فَإ ِن ّ َ‬ ‫ط بِ َ‬ ‫ما اِل ْ‬ ‫ضل َةِ وَأ ّ‬ ‫مَفا َ‬ ‫ال ْ ُ‬

‫‪293‬‬
‫ضــا‬ ‫َ‬ ‫ال ْمكيل َل في ال ْموزون ول َـو سـل ّ َ‬
‫ضــيَها ِفيـهِ أي ْ ً‬ ‫ه ي َْقت َ ِ‬ ‫م أن ّـ ُ‬ ‫َ ُْ ِ َ ْ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫ة الّرب َوِيّ ‪.‬‬ ‫ماث َل َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ذا عُرِفَ ْ‬ ‫هإ َ‬ ‫حل ّ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫فَ َ‬
‫==============‬
‫مث ًَل‬ ‫دا َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫دا ب ِث ََلِثي َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫رو َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ع ْ‬ ‫‪ #‬باب الربا‪ -‬ال ْ ِ‬
‫الفتاوى الفقهية الكبرى ‪) -‬ج ‪ / 4‬ص ‪(403‬‬
‫ب‬ ‫حــ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫مَعــ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ه عَ ّ‬ ‫ه ت ََعاَلى عَن ْ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ل ( َر ِ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫ب الّرَبا ) وَ ُ‬ ‫َبا ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫سـ َ‬ ‫ب فَأ ّ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫شـَراَء ذ َل ِـ َ‬ ‫ل ب َل َـدِهِ ي َب ْغِــي ِ‬ ‫ض أه ْ ـ ِ‬ ‫جاَءهُ ب َعْ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫م ي َعْن ِــي‬ ‫عن ْـدِهِ ْ‬ ‫عـد َةٍ ِ‬ ‫شـت ََرى عَل َــى َقا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ب ذ َل ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫مث ًَل ث ُـ ّ‬ ‫دا َ‬ ‫مـ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫دا ب ِث ََلِثيـ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ش‬ ‫ن ال ْعِ ْ‬ ‫حوا عََلى أ ّ‬ ‫صط َل َ ُ‬ ‫ما ْ‬ ‫أن ّهُ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫م ل ِــي هَ ـذِ ِ‬ ‫س ـل ِ ْ‬ ‫خ ـَر ‪ :‬أ ْ‬ ‫لآ َ‬ ‫ٍ‬ ‫جـ‬ ‫ل ل َِر ُ‬ ‫ب َقا َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬‫ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫م ذ َل ِـ َ‬ ‫س ـل َ َ‬ ‫ب فَأ ْ‬ ‫حـ ّ‬ ‫مـد ّ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل ب ِث ََلِثيـ َ‬ ‫جـ ِ‬ ‫ذا الّر ُ‬ ‫م عَل َــى هَـ َ‬ ‫الد َّراهِ َ‬
‫ك‬ ‫ش ـَرى ب ِهَــا ذ َل ِـ َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ش ـَراَء ال ْ َ‬ ‫ذي ي َب ْغِــي ِ‬ ‫ص إَلى ال ّـ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ب‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫ة تُ َ‬ ‫حيل َ ُ‬ ‫ل هَذِهِ ال ْ ِ‬ ‫م ذِك ُْرهُ فَهَ ْ‬ ‫مت ََقد ّ َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫بعد أ َن أ َسس قَب َ َ‬
‫ن؟‬ ‫ن ب ِث ََلِثي َ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ن ال ْعِ ْ‬ ‫لأ ّ‬ ‫َْ َ ْ ّ َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عن ْـد َ‬ ‫جــائ َِزةٌ ِ‬ ‫ن الّرب َــا َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫صـ َ‬ ‫خل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫حيل َـ َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫ب ( ب ِـأ ّ‬ ‫جــا َ‬ ‫) فَأ َ‬
‫ة‬ ‫عاي َـ ً‬ ‫ة رِ َ‬ ‫مك ُْروهَ ـ ٌ‬ ‫ك وَت َعَــاَلى ل َك ِن ّهَــا َ‬ ‫ه ت ََباَر َ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ي َر ِ‬ ‫شافِعِ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫خَلف جماعَة م َ‬
‫ها وَقَــاُلوا إن ّهَــا َل ت ُِفي ـد ُ‬ ‫مو َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫ل ال ْعِل ْم ِ َ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ِ َ َ ٍ ِ ْ‬ ‫لِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذا َ‬ ‫مهِ فَإ ِ َ‬
‫ن‬ ‫شافِعِّيا وَأَراد َ أ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ٌ‬ ‫خ‬‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن الّرَبا وَإ ِث ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫خِلي َ‬ ‫الت ّ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ك ك َـأ ْ‬ ‫ه ذ َل ِـ َ‬ ‫جــاَز ل َـ ُ‬ ‫ن الّرب َــا َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ص ب ِـهِ ِ‬ ‫خل ّ َ‬ ‫من َْها ل ِي َت َ َ‬ ‫شي ًْئا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ي َْفعَ َ‬
‫َ‬
‫ت إل َي ْــك هَـذِ ِ‬
‫ه‬ ‫م ُ‬ ‫س ـل َ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫من ْـ ُ‬ ‫ري ِ‬ ‫شت َ ِ‬ ‫جاَء ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫مع َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ي َُقو َ‬
‫ص ـَفات َِها‬ ‫مي ـعَ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ذا وَي َـذ ْك ُُر َ‬ ‫صَفت َُها ك َ َ‬ ‫عا ِ‬ ‫صا ً‬ ‫ن َ‬ ‫م ِفي ث ََلِثي َ‬ ‫الد َّراهِ َ‬
‫طيــهِ ِفــي‬ ‫ظــاهًِرا وَي ُعْ ِ‬ ‫خت َِلًفــا َ‬ ‫ضا ْ‬ ‫ف ب َِهــا ال َْغــَر ُ‬ ‫خت َِلــ ُ‬ ‫ال ِّتــي ي َ ْ‬
‫ه وَي َْنــذ ُُر‬ ‫مع َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ه ذ َل ِ َ‬ ‫م ي َهَب ُ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ك الد َّراهِ َ‬ ‫س ت ِل ْ َ‬ ‫جل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه‬
‫مِتــ ِ‬ ‫عا ِفــي ذِ ّ‬ ‫صــا ً‬ ‫ن َ‬ ‫ب ب ِث ََلِثيــ َ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫صــا ِ‬ ‫ش ـَراِء ل ِ َ‬ ‫ريــد ُ ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫ح ُ‬ ‫صــا ِ‬ ‫مِتــهِ وَ َ‬ ‫عا ِفي ذِ ّ‬ ‫صا ً‬ ‫ن َ‬ ‫ما ِفي ث َلِثي َ‬ ‫َ‬ ‫ب دِْرهَ ً‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫صا ِ‬ ‫وَ َ‬
‫ن‬ ‫مـ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫معَـ ُ‬ ‫مــا َ‬ ‫ري َ‬ ‫شـت َ ِ‬ ‫ه ِبـهِ أ َوْ ي َ ْ‬ ‫ه أوْ ي َن ْذ ُُر ل َـ ُ‬
‫ال ْحب يهبه ما مع َ‬
‫َ ّ ََُ ُ َ َ َ ُ‬
‫عا‬ ‫صــا ً‬ ‫ن َ‬ ‫ما ِفي ث ََلِثي َ‬ ‫ب دِْرهَ ً‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫ب ب ِدِْرهَم ٍ وَي ُ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن ال ْوُقُــوِع ِفـي‬ ‫مـ ْ‬ ‫مان َِعـةِ ِ‬ ‫حةِ ال ْ َ‬ ‫حي َ‬ ‫صـ ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫حي َـ ِ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫حوَ ذ َل ِ َ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫َ‬
‫ب‪.‬‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫ه وَت ََعاَلى أعْل َ ُ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫وَْرط َةِ الّرَبا وََالل ّ ُ‬
‫==============‬
‫‪ #‬الفصل السادس في تفسير الربا وأحكامه‬
‫الفتاوى الهندية ‪) -‬ج ‪ / 21‬ص ‪(216‬‬

‫‪294‬‬
‫َ‬
‫مهِ ( وَهُـوَ فِــي‬ ‫حك َــا ِ‬ ‫ســيرِ الّرب َــا وَأ ْ‬ ‫س ِفي ت َْف ِ‬ ‫سادِ ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ص ُ‬ ‫) ال َْف ْ‬
‫ض ـةِ‬ ‫مَعاوَ َ‬ ‫ض فِــي ُ‬ ‫عو َ ٌ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل َل ي َُقاب ِل ُ ُ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫عَباَرةٌ عَ ْ‬ ‫شْرِع ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ه‬
‫س ِ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫مع َ ِ‬ ‫ن ِبيعَ َ‬ ‫موُْزو ٍ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫كي ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ل َ‬ ‫م ِفي ك ُ ّ‬ ‫حّر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ل وَهُوَ ُ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫مــا ي ُك َــا ُ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫ْ‬
‫س وَن َعْن ِــي ِبالَق ـد ْرِ الك َي ْـ َ‬ ‫ْ‬ ‫جن ْـ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه الَق ـد ُْر َوال ِ‬ ‫ْ‬ ‫علت ُـ ُ‬ ‫ّ‬ ‫وَ ِ‬
‫ر‬
‫مـ ِ‬ ‫شـِعيرِ َوالت ّ ْ‬ ‫ل ك َــال ْب ُّر َوال ّ‬ ‫كي ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ذا ِبيعَ ال ْ َ‬ ‫ن فَإ ِ َ‬ ‫ما ُيوَز ُ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫َوال ْوَْز َ‬
‫َ‬ ‫وال ْمل ْ َ‬
‫ي‬ ‫مــا ي ُب َــاعُ ب ِــاْلَواقِ ِ‬ ‫ض ـة ِ و َ َ‬ ‫ب َوال ِْف ّ‬
‫َ‬
‫كال ـذ ّهَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ـوُْزو ُ‬ ‫ح أو ْ ا ل ْ َ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫جّيــد ُهُ‬ ‫ح وَ َ‬ ‫صــ ّ‬ ‫ما َل ي َ ِ‬ ‫حد ُهُ َ‬ ‫لأ َ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ت ََفا َ‬ ‫ح وَإ ِ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ٍ‬ ‫مث ًْل ب ِ ِ‬ ‫سه ِ ِ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫بِ ِ‬
‫ما ِفيهِ الّرب َــا‬ ‫م ّ‬ ‫جي ّدِ ِبالّرِديِء ِ‬ ‫ح ب َي ْعُ ال ْ َ‬ ‫ص ّ‬‫حّتى َل ي َ ِ‬ ‫واٌء َ‬ ‫س َ‬ ‫ه َ‬ ‫وََرِديئ ُ ُ‬
‫ة‬
‫حــ ِ‬ ‫ن َوالت ّّفا َ‬ ‫حْفن َت َي ْ ِ‬ ‫حْفَنــةِ ِبــال ْ َ‬ ‫جــوُز ب َْيــعُ ال ْ َ‬ ‫ل وَي َ ُ‬ ‫مْثــ ٍ‬ ‫مث ًْل ب ِ ِ‬ ‫إّل ِ‬
‫حْفن َةِ وَل َوْ ت ََباي َعَــا‬ ‫حك ْم ِ ال ْ َ‬ ‫صاٍع ِفي ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن نِ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ح َت َي ْ ِ‬ ‫ِبالت ّّفا َ‬
‫ص‬ ‫ج ّ‬ ‫كــال ْ َ‬ ‫ضــًل َ‬ ‫مت ََفا ِ‬ ‫ســهِ ُ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫مط ُْعــوم ٍ ب ِ ِ‬ ‫موُْزوًنــا غَْيــَر َ‬ ‫كيًل أوْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ح ـّر َ‬ ‫س ُ‬ ‫جن ْـ ُ‬ ‫ْ‬
‫ج ـد َ الَق ـد ُْر َوال ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن وُ ِ‬ ‫عن ْـد ََنا وَإ ِ ْ‬ ‫ج ـْز ِ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫َ‬
‫دي ـدِ ل ـ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫َوال َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ضــ ُ‬ ‫ل ال َْف ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫خُر َ‬ ‫م اْل َ‬ ‫ما وَعُدِ َ‬ ‫حد ُهُ َ‬ ‫جد َ أ َ‬ ‫ن وُ ِ‬ ‫ساُء وَإ ِ ْ‬ ‫ل َوالن ّ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ال َْف ْ‬
‫ذا فِــي‬ ‫ســاُء ك َـ َ‬ ‫ل َوالن ّ َ‬ ‫ضـ ُ‬ ‫ل ال َْف ْ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ن عُـدِ َ‬ ‫ســاُء وَإ ِ ْ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫حـّر َ‬ ‫وَ ُ‬
‫م‬ ‫ســل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ص َر ُ‬ ‫يٍء ن َ ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كاِفي وَك ُ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ك‬ ‫ن ت َـَر َ‬ ‫عََلى تحريم التَفاضـل فيـه ك َيًل فَهـو مكيـ ٌ َ‬
‫دا وَإ ِ ْ‬ ‫ل أب َـ ً‬ ‫ُ َ َ ِ‬ ‫ُ ِ ِ ِ ْ‬ ‫َ ْ ِ ِ ّ‬
‫ح‬ ‫م ـرِ َوال ْ ِ ْ‬ ‫حن ْط َـةِ َوال ّ‬ ‫ل ال ْ ِ‬ ‫مث ْـ ُ‬ ‫س ال ْك َي ْ َ‬
‫مل ـ ِ‬ ‫ش ـِعيرِ َوالت ّ ْ‬
‫شيٍء نص عََلى تحريمـه وزنــا فَهـو مـوزو َ‬
‫ل ِفي ـهِ ِ‬ ‫الّنا ُ‬
‫ن‬ ‫دا وَإ ِ ْ‬ ‫ن أب َـ ً‬ ‫ُ َ َ ُْ ٌ‬ ‫َ ْ ِ ِ ِ َْ ً‬ ‫ل َ ْ ُ ّ‬ ‫وَك ُ ّ‬
‫ذا فِــي‬ ‫ض ـةِ ك َـ َ‬ ‫ب َوال ِْف ّ‬ ‫ل ال ـذ ّهَ ِ‬ ‫مث ْـ ُ‬ ‫ن ِفي ـهِ ِ‬ ‫س ال ْـوَْز َ‬ ‫ك الن ّــا ُ‬ ‫ت َـَر َ‬
‫ه ك َي ًْل عََلــى‬ ‫ف ك َوْن ُ ُ‬ ‫ن عُرِ َ‬ ‫ص ِفيهِ وَل َك ِ ْ‬ ‫ما َل ن َ ّ‬ ‫ج وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ها‬ ‫ج ال ْوَ ّ‬ ‫سَرا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫دا وَإ ِ ْ‬ ‫ل أب َ ً‬ ‫كي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م فَهُوَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫عَهْدِ َر ُ‬
‫موُْزون ًــا‬ ‫ه َ‬ ‫ف ك َـوْن ُ ُ‬ ‫مــا عُـرِ َ‬ ‫مان َِنا وَ َ‬ ‫ه وَْزًنا ِفي َز َ‬ ‫س ب َي ْعَ ُ‬ ‫اعَْتاد َ الّنا ُ‬
‫َ‬
‫ف‬ ‫م ي ُعَْر ْ‬ ‫ص ِفيهِ وَل َ ْ‬ ‫ما َل ن َ ّ‬ ‫دا وَ َ‬ ‫ن أب َ ً‬ ‫موُْزو ٌ‬ ‫ت فَهُوَ َ‬ ‫ك ال ْوَقْ ِ‬ ‫ِفي ذ َل ِ َ‬
‫ه‬
‫م ي ُعْت َب َُر ِفي ـ ِ‬ ‫سَل ُ‬ ‫صَلةُ َوال ّ‬ ‫ل الل ّهِ عَل َي ْهِ ال ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫ه عََلى عَهْدِ َر ُ‬ ‫حال ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ن ت ََعاَرُفوا وَْزن َ ُ‬ ‫ي وَإ ِ ْ‬ ‫ه فَهُوَ ك َي ْل ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ن ت ََعاَرُفوا ك َي ْل ُ‬ ‫س فَإ ِ ْ‬ ‫ف الّنا ِ‬ ‫عُْر ُ‬
‫ذا‬ ‫ي وَهَ ـ َ‬ ‫ي وَوَْزن ِـ ّ‬ ‫ه فَهُوَ ك َي ْل ِ ّ‬ ‫ه وَوَْزن َ ُ‬ ‫ن ت ََعاَرُفوا ك َي ْل َ ُ‬ ‫ي وَإ ِ ْ‬ ‫فَهُوَ وَْزن ِ ّ‬
‫ه ت ََعاَلى ‪ -‬ك َ َ‬ ‫ك ُل ّه قَو ُ َ‬
‫ذا ِفي‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫مه ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫مدٍ ‪َ -‬ر ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة وَ ُ‬ ‫حِنيَف َ‬ ‫ل أِبي َ‬ ‫ُ ْ‬
‫ط‪.‬‬ ‫حي ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫==============‬
‫‪ #‬صورة من صور الربا‬
‫الفتاوى الثلثية ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(42‬‬
‫صورة من صور الربا‬

‫‪295‬‬
‫] الســؤال [ رجــل بــاع علــى آخــر بضــاعة يســددها علــى‬
‫أقساط شهرية وثمن المبيع تسعة آلف ريال‪ ،‬واتفق على‬
‫أنه إذا تخلف المشتري عن التسديد فإنه يدفع زيادة علــى‬
‫هذا المبلغ قدرها ألــف ريــال‪ ،‬وهــذه الزيــادة تعطــى لمــن‬
‫يستخلص منه المال‪ ،‬فما حكم البيع؟‬
‫الجواب‪ :‬هذا الشرط فاسد وباطل لنه ربا‪ ،‬إذ أن النسـان‬
‫إذا باع السلعة بثمن فإنه ل يمكن أن يزيد فيهــا‪ ،‬فالشــرط‬
‫باطل وليس له إل ما باع به أول ً‬
‫‪.......‬‬
‫من هو المسيح الدجال؟‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫] السؤال [ هل ابن صياد هو المسيح الدجال الــذي يخــرج‬
‫في آخر الزمان؟ أم هو الرجل الذي في الدير وهو أعظــم‬
‫إنسان خلقًا؟ أم الجساسة؟ وهل هــو موجــود الن أعاذانــا‬
‫الله من فتنته وشره؟‬
‫الجواب‪ :‬هؤلء كلهم ليســوا المســيح الــدجال الــذي يكــون‬
‫في آخر الزمان‪ ،‬أما ابن صياد فهو دجال مــن الدجاجلــة ل‬
‫شك‪ ،‬وكذاب وكاهن‪ ،‬وأما حديث الجساســة ففــي نفســي‬
‫من صــحته شــيء؛ لن فيــه أشــياء منكــرة‪ ،‬ولن الرســول‬
‫عليه الصلة والسلم قـال فــي آخـر حيــاته فــي مـا معنـى‬
‫الحديث‪) :‬ل يمر مــائة ســنة وفــي الرض ممــن هــو عليهــا‬
‫اليوم أحد( لكنه بشر يخلقه الله عز وجل في حينه‬
‫‪.......‬‬
‫وسائل الدعوة ليست توقيفية‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫] السؤال [ كثر الكلم في وسائل الدعوة من حيث كونهــا‬
‫توقيفية أم ل‪ ،‬فما القول الفصل في هذه المسألة؟‬
‫الجواب‪ :‬القول الفصل أن وسائل الــدعوة مــا يتوصــل بــه‬
‫إلــى الــدعوة وليســت توقيفيــة‪ ،‬لكنــه ل يمكــن أن تكــون‬
‫الدعوة بشيء محرم كمــا لــو قــال قــائل‪ :‬هــؤلء القــوم ل‬
‫يقبلون إل إذا طلبتم الموســيقى أو المزاميــر أو مــا أشــبه‬
‫ذلك‪ ..‬هذه محرمة‪ ،‬وأما غير ذلك فكل وســيلة تــؤدي إلــى‬
‫المقصود فإنها مطلوبة‬

‫‪296‬‬
‫============‬
‫‪ #‬وجوب التخلص من الربا الحاصل على رأس‬
‫المال‪:‬‬
‫لقاءات الباب المفتوح ‪) -‬ج ‪ / 24‬ص ‪(30‬‬
‫وجوب التخلص من الربا الحاصل على رأس المال‪:‬‬
‫السؤال‪ :‬فضيلة الشيخ! أحد الخوة كان يضــع أمــواله فــي‬
‫ل تاب من ذلك‪،‬‬ ‫البنك‪ ،‬والحمد لله وبفضل من الله عّز وج ّ‬
‫وكانت السهم ‪-‬كما يقول‪ -‬سعر السهم منها )‪ (100‬ريال‪،‬‬
‫ل‪،‬‬‫وحصل أن خسر هذا البنك‪ ،‬فصار سعر السهم )‪ (80‬ريا ً‬
‫أي‪ :‬أنهم أعادوا له أقل من رأس المــال‪ ،‬وهــو يعــرف أنــه‬
‫إذا تــاب لــه رأس مــاله؛ ولكــن قبــل ذلــك وّزعــوا أرباح ـا ً‬
‫بخمسة ريالت‪ ،‬وأخذ الرباح‪ ،‬فهــل يتخلــص مــن الخمســة‬
‫ريالت هذه‪ ،‬أم يجعلها ضمن رأس المال؟‬
‫الجــواب‪ :‬الــواجب عليــه أن يتخلــص مــن هــذه الخمســة‬
‫ريالت؛ لنها في وقتها تعد ّ زيادةً وربًا‪ ،‬فهي ليست أرباحــا ً‬
‫بل خسارة‪ .‬فعليه أن يتصدق بمــا جــاءه مــن الزيــادة قبــل‬
‫التوبة تخّلصا ً منها‪ ،‬ل تقربا ً إلى الله بها‪ .‬السائل‪ :‬وإن كــان‬
‫في حين توبته أراد أن يصفي فــأعطوه الخمســة ريــالت؟‬
‫الشيخ‪ :‬نفس الشيء‪ ،‬ما دام أنه الن خســر فمعنــى ذلــك‬
‫أن هذه الزيادة كانت قبل أن يحصل النقص برأس المال‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬تغليظ الشارع في تحريم الربا‪:‬‬
‫لقاءات الباب المفتوح ‪) -‬ج ‪ / 27‬ص ‪(10‬‬
‫تغليظ الشارع في تحريم الربا‪:‬‬
‫الســؤال‪ :‬فضــيلة الشــيخ‪ :‬شــخص اضــطر لخــذ الفــوائد‬
‫الربوية يقول‪ :‬أليس الفضل أن آخــذها وأجعلهــا فــي بنــاء‬
‫المســاجد أو للفقــراء بــدل ً مــن أن يســتفيد منهــا أعــداء‬
‫السلم؟‬
‫الجواب‪ :‬الواقع أن هذا السؤال سؤال مهم لشدة الحاجــة‬
‫إلى معرفة الجواب المبني علــى الكتــاب والســنة ل علــى‬
‫استحسان العقل‪ ،‬ونحن إذا بنينا جواب هذا الســؤال علــى‬
‫الكتاب والسنة تبين لنا أنه ل يحل لهذا أن يأخذ هذا الربــا؛‬
‫َ‬
‫ه‬‫من ُــوا ات ُّقــوا الل ّـ َ‬
‫نآ َ‬ ‫لقول الله تبارك وتعــالى‪ :‬ي َــا أي ّهَــا ال ّـ ِ‬
‫ذي َ‬

‫‪297‬‬
‫م ت َْفعَُلــوا‬‫ن َلــ ْ‬ ‫ن * فَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن الّربا إ ِ ْ‬‫م َ‬‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫وَذ َُروا َ‬
‫ْ‬
‫س‬
‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬
‫ســول ِهِ وَإ ِ ْ‬‫ن الل ّـهِ وََر ُ‬ ‫مـ َ‬
‫ب ِ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫فَـأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫َ‬
‫ن ]البقرة‪ [279-278:‬فهنــا‬ ‫مو َ‬ ‫ن َول ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬‫أ ْ‬
‫بين الله عز وجل أن النسان إذا تــاب فليــس لــه إل رأس‬
‫ماله فقط‪ ،‬ل يظلم ول ُيظلم‪ .‬وثبت في صحيح مســلم أن‬
‫النبي صلى الله عليه وســلم خطــب النــاس يــوم الجمعــة‪،‬‬
‫فقال‪) :‬أل وإن ربا الجاهلية موضوع‪ ،‬وإن أول ربا ً أضع من‬
‫ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله(‪ ،‬فأنت‬
‫ترى في هذا الحديث أن الرســول وضــع الربــا الــذي كــان‬
‫معقودا ً في الجاهلية قبل تقرر الحكام فــي الســلم‪ ،‬فمــا‬
‫بالك بربا حصل بعد تقرر الحكام في السلم؟! وعلى هذا‬
‫نقول‪ :‬ل يجوز للشــخص أن يأخــذ الربـا مـن البنـوك مهمــا‬
‫كانت هذه البنوك‪ ،‬ثم نقول‪ :‬لو فرضنا صدق مــا قيــل مــن‬
‫أن هــذه الفــوائد ترســل إلــى الكنــائس وإلــى محاربــة‬
‫المســلمين فــإنه ل إثــم عليــه فــي ذلــك‪ ،‬لمــاذا؟ لن هــذه‬
‫الفوائد ليس فوائد مــاله‪ ،‬إذ مــن الممكــن أن يكــون مــاله‬
‫الذي أعطاه هذا البنك تصرف فيه البنك تصرفا ً خسر فيــه‬
‫أو تصرفا ً لم يربح فيه‪ ،‬أو تصرفا ً ربح فيه دونما وضــع مــن‬
‫الربــا‪ ،‬فــالقول‪ :‬إن هــذه فــوائد مــاله ليــس بصــحيح‪ ،‬هــذه‬
‫ليست فوائد ماله‪ ،‬هذه ربا يعطيها البنـك مـن أعطـاه هـذا‬
‫المال ينتفع به‪ ،‬وإذا لم تكن ثمرات ماله فليس عليــه مــن‬
‫صرفت إلى بناء الكنائس أو إلى سلح‬ ‫إثمه نصيب فيما لو ُ‬
‫يصوب إلى صدور المسلمين‪ .‬ثم نقول‪ :‬إننا إذا منعنــا هــذا‬
‫الربا وقد يكون أموال ً طائلة ‪-‬قد يكون ملييــن‪ -‬إذا منعنــاه‬
‫وقلنا للمسلمين‪ :‬أيها المسلمون‪ ،‬إنكم بإيمانكم وإسلمكم‬
‫ل يحل لكم أن تأخذوا الربا فسوف يضطر المسلمون إلى‬
‫أن يبحثوا عن مصارف إسلمية وبنوك إســلمية يســتغنون‬
‫بهــا عــن هــذه البنــوك الربويــة؛ لن الزمــات والحاجــات‬
‫والضرورات ل بد أن تبرز شيئا ً ما‪ ،‬فإذا قيــل للنــاس‪ :‬هــذا‬
‫دعون أنه فوائد ل يحل لكم‪ ،‬وأنتم إذا أخذتموه‬ ‫الربا الذي ت ّ‬
‫فقد أكلتم الربا حين أكلتموه‪ ،‬وإن تصدقتم بــه تقرب ـا ً إلــى‬
‫اللــه لــم يقبــل منكــم وإن تصــدقتم بــه تخلص ـا ً منــه‪ ،‬فمــا‬
‫الفائدة مــن أن يلــوث النســان يــده بالنجاســة ثــم يــذهب‬

‫‪298‬‬
‫منــع هــذا‪ ،‬فــإنه ل شــك أنــه ســيكون‬ ‫ليغسلها‪ .‬فنقول‪ :‬إن ُ‬
‫ونــون‬ ‫سببا ً لكون الناس يبحثون عن مصــادر إســلمية‪ ،‬وي ُك َ ّ‬
‫بنوكا ً إسلمية يستغنون بها عن هذه البنوك الربوية‪ .‬ثم إننا‬
‫نقول‪ :‬ل شك أن علماء اليهود والنصارى يعلمون أن الربــا‬
‫م‬ ‫خ ـذِهِ ُ‬‫محرم عليهم‪ ،‬فإن الله تعالى قــال فــي القــرآن‪ :‬وَأ َ ْ‬
‫ه ]النســاء‪ [161:‬فهــم يعلمــون هــذا فــي‬ ‫الّربا وَقَد ْ ن ُُهوا عَن ْ ُ‬
‫كتبهم‪ ،‬ويعلمون كذلك أن المسلمين قد نهوا عنــه‪ ،‬فيفــرح‬
‫أعــداء المســلمين إذا رأوا أن المســلمين اســتحلوا الربــا‬
‫وأخــذوه‪ ،‬ويعلمــون أن المعاصــي مــن أســباب الخــذلن‪،‬‬
‫فيــرون أن أخــذ المســلمين لهــذه المــوال الربويــة ســهام‬
‫صــوبها المســلمون نحــو صــدورهم؛ لن المعاصــي ســبب‬
‫للخذلن‪ ،‬ول يخفى علينا جميعا ً ما وقع لرسول اللــه صــلى‬
‫الله عليه وسلم وأصحابه‪ ،‬وهم والله أعظم جند على وجه‬
‫خلق آدم وقد كانوا تحت قيادة أعظم قائد مــن‬ ‫الرض منذ ُ‬
‫بني آدم‪ ،‬ومع ذلك حصلت عليهم الهزيمة لمعصية واحــدة‪:‬‬
‫َ‬
‫مـا‬ ‫ن ب َعْـدِ َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صـي ْت ُ ْ‬
‫مـرِ وَعَ َ‬ ‫م ِفي اْل ْ‬ ‫م وَت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫شل ْت ُ ْ‬
‫ذا فَ ِ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ريـد ُ‬‫ن يُ ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫م َ‬‫من ْك ُـ ْ‬‫ريـد ُ الـد ّن َْيا وَ ِ‬
‫ن يُ ِ‬
‫مـ ْ‬‫م َ‬ ‫من ْك ُـ ْ‬‫ن ِ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ما ت ُ ِ‬
‫م َ‬ ‫أَراك ُ ْ‬
‫خ ـَرةَ ]آل عمــران‪ [152:‬حصــلت الهزيمــة‪ .‬فــإذا كــانت‬ ‫اْل ِ‬
‫معصية واحدة وهــي دون الربــا حصــل فيهــا الخــذلن فمــا‬
‫ت علــى أي‬ ‫بالك بالربا الذي جاء فيه من الوعيد مــا لــم يــأ ِ‬
‫معصية كانت إل الشرك‪ ،‬كما قال ذلك شــيخ الســلم ابــن‬
‫تيمية رحمه الله‪ ،‬فكيف نستحل الربا؟! فهــؤلء إذا علمــوا‬
‫أننا استحللنا الربا ل شــك أنهــم يفرحــون بهــذا‪ ،‬ويقولــون‪:‬‬
‫الن فعل المسلمون ما به خذلنهم‪ ،‬والواقــع شــاهد بهــذا؛‬
‫فالمسلمون يمثلون اليوم جزءا ً كــبيرا ً مــن البشــرية‪ ،‬ومــع‬
‫طعا ً وهم يشاهدون‪ ،‬لم يستطيعوا أن‬ ‫طع أوصالهم قَ ْ‬ ‫هذا ت َُق ّ‬
‫يرفعــوا رأسـا ً بــذلك‪ ،‬فهــذه البوســنة والهرســك جمهوريــة‬
‫إسلمية مستقلة معترف بهــا دولي ـا ً تمــزق؛ يقت ّــل أبناؤهــا‪،‬‬
‫وتنتهك أعـراض نسـائها‪ ،‬وي َُيتـم أطفالهـا‪ ،‬والمسـلمون لـم‬
‫يحركوا لذلك ساكنًا! ول يخفى علينا الوثيقة الســرية الــتي‬
‫عثر عليهــا الخــوة فــي البوســنة والهرســك الصــادرة مــن‬
‫رئيس وزراء بريطانيا إلى وزير خــارجيته‪ ،‬حيــث يقــول‪ :‬إن‬
‫المسلمين ل يمكن أن يتحركوا تحركا ً تستفيد منه البوسنة‬

‫‪299‬‬
‫والهرسك؛ لنهم تحت إمرتنا‪ .‬أو كلمة نحوها‪ .‬ويقــول‪ :‬إننــا‬
‫ســنمانع بشــدة أن تقــوم جمهوريــة إســلمية فــي أوروبــا‪،‬‬
‫ونمانع بشدة أن نعطي المسلمين سلحا ً يدافعون به عــن‬
‫أنفسهم‪ ،‬وهــذا تحـد ّ للشــعور الســلمي‪ ،‬لكــن لمــاذا؟ لن‬
‫المســلمين مــع الســف عنــدهم مــن العصــيان مــا يــوجب‬
‫الخذلن والنكسار‪ ،‬نســأل اللــه العافيــة‪ .‬فلهــذا نقــول‪ :‬إن‬
‫هذه الموال الربوية‬
‫التي يقال عنها‪ :‬إنها فــوائد‪ ،‬هــي واللــه خســائر‪ ،‬ول يجــوز‬
‫ل مــن الحــوال‪ ،‬فــأنتم أيهــا المســلمون! إذا‬ ‫أخذها بأي حا ٍ‬
‫شئتم التخلص من هــذا الثــم اتركــوا الربــا‪ ،‬أنشــئوا بنوك ـا ً‬
‫إسلمية تسير على نهج الله؛ على كتاب الله وسنة رسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وبذلك تسلموا‪ ،‬لكــن لــو فــرض أن‬
‫البنك أصر على أخذ هذه المــوال الربويـة كمــا يوجـد فــي‬
‫بعض البنوك؛ فبعض البنوك تقول‪ :‬ل يمكن أن أقبــل منــك‬
‫رد هذا الشيء؛ لن هذا يخل بحساباتي فهنا تأخــذها؛ لنــك‬
‫مرغم عليها‪ ،‬ثم تتصدق بها تخلصا ً منهـا ل تقربـا ً إلـى اللـه‬
‫بها‪.‬‬
‫=============‬
‫‪#‬صور من البيوع التي يدخل فيها الربا‪:‬‬
‫لقاءات الباب المفتوح ‪) -‬ج ‪ / 93‬ص ‪(17‬‬
‫صور من البيوع التي يدخل فيها الربا‪:‬‬
‫السؤال‪ :‬رجل يبيع سيارات فأتاه شخص يريــد أن يشــتري‬
‫منه سيارة‪ ،‬فقال‪ :‬عندي سيارتان الســيارة الثانيــة أفضــل‬
‫من السيارة الولى‪ ،‬وسوف أشتريها لــك وأبيعهــا لــك كمــا‬
‫تشــاء إمــا نقــدا ً أو تقســيطًا‪ ،‬والنقــد حــوالي أربعيــن ألــف‬
‫والتقسيط اثنين وستين ألف‪ ،‬فما حكم هذا البيع هــل فيــه‬
‫ربا؟‬
‫الجواب‪ :‬إذا كان هذا الــذي يريــد أن يــبيع الســيارة ليســت‬
‫السيارة في ملكه ولكن يريد أن يشــتريها لهــذا الشــخص‪،‬‬
‫فهذا حرام عليه أن يأخذ أكثر من القيمة الــتي دفــع‪ ،‬فــإذا‬
‫اشتراها بخمسين ل يجوز أن يبيعها بواحد وخمســين؛ لنــه‬
‫إن فعل ذلك وقع في الربا‪ ،‬ولكن يبيعها بخمســين ويكــون‬
‫قد أقرض المشتري ثمن السيارة‪ ،‬وهذا خير‪ .‬أما إذا كانت‬

‫‪300‬‬
‫السيارات موجودة عند الرجل وصار الناس يأتون يشترون‬
‫منــه فيقــول لهــم‪ :‬إن اشــتريتم بتقســيط فهــو بكــذا‪ ،‬وإن‬
‫اشــتريتم نقــدا ً فهــو بكــذا‪ ،‬يعنــي‪ :‬أنــزل‪ ،‬مثل ً يقــول‪ :‬هــي‬
‫بالتقسيط بستين ألف‪ ،‬وهي بالنقد بخمسين ألف‪ ،‬فهــذا ل‬
‫بــأس بــه‪ ،‬إذا أخــذها المشــتري بأحــد الثمنيــن؛ لن هــذا ل‬
‫محظور فيه‪ ،‬وليس فيه ربا‪ ،‬وليس فيـه جهالـة وغـرر‪ ،‬بـل‬
‫هو بيع واضح‪ ،‬لن ينصرف المشتري إل وقد علم حاله هــل‬
‫اشتراها بمؤجل أو اشتراها بنقد‪ .‬وأما ما ذهب إليــه بعــض‬
‫أهل العلم وقالوا‪ :‬إن هــذا مــن البيعــتين فــي بيعــة والنــبي‬
‫صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيعتين في بيعــة‪،‬‬
‫فهذا ليس بصواب‪ ،‬لنك إذا قلت‪ :‬هذه بعشــرين نســيئة أو‬
‫بعشرة نقدا ً فأخذها بأحد الثمنين فليس هناك بيعتان‪ ،‬هــي‬
‫خي َّر النسان فيها بين ثمنين‪ ،‬أحدهما أكثر‬ ‫بيعة واحدة لكن ُ‬
‫ولكنه مؤجل والثاني أقل ولكنه نقــد‪ .‬والبيعــتين فــي بيعــة‬
‫إنما تنطبق على مسألة العينة وهي‪ :‬أن يبيع النسان شيئا ً‬
‫بمائة إلى أجل ثم يشتريه بثمانين نقدًا‪ ،‬فإن هذا هو العينة‬
‫التي حذرنا النبي صلى اللــه عليــه وعلــى آلــه وســلم فــي‬
‫قوله‪) :‬إذا تبايعتم بالعينة‪ ،‬وأخذتم بأذنــاب البقــر‪ ،‬ورضــيتم‬
‫بالزرع‪ ،‬وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذل ً ل ينزعــه مــن‬
‫قلوبكم حتى ترجعوا إلى دينكم(‪.‬‬
‫=============‬
‫‪#‬حرمة أخذ الربا وكيفية التخلص منه‪:‬‬
‫لقاءات الباب المفتوح ‪) -‬ج ‪ / 109‬ص ‪(9‬‬
‫حرمة أخذ الربا وكيفية التخلص منه‪:‬‬
‫السؤال‪ :‬ما رأيكم فيمن حصل على مال ربوي سواء كــان‬
‫من البنوك الربوية أو حصل عليه من نظــام الدخــار الــذي‬
‫يعمل به في بعض الشركات‪ ,‬ويريد أن يتخلــص منــه‪ ,‬هــل‬
‫له أن ينفقه في أعمال الخيــر كبنــاء المســاجد وغيرهــا‪ ,‬أو‬
‫يقضي الديون عن المسلمين‪ ،‬أو يعطي أقاربه المحتاجين‪,‬‬
‫أو يترك هذا المال الربوي ول يأخذ منه شيئا ً وجزاكم اللــه‬
‫خيرًا؟‬
‫الجواب‪ :‬أما إذا كان لم يأخذ هذا المال فإنه ل يحل لــه أن‬
‫َ‬
‫من ُــوا‬
‫نآ َ‬ ‫يأخذه بل يدعه؛ لن الله تعالى يقول‪َ :‬يا أي ّهَــا ال ّـ ِ‬
‫ذي َ‬

‫‪301‬‬
‫ن الّربــا ]البقــرة‪ [278:‬أي‪:‬‬ ‫مـ َ‬‫ي ِ‬‫مــا ب َِق ـ َ‬ ‫ات ُّقــوا الل ّـ َ‬
‫ه وَذ َُروا َ‬
‫اتركوه‪ ,‬وقال النبي صـلى اللـه عليـه وسـلم وهـو يخطـب‬
‫بالناس يوم عرفة قال‪) :‬ربا الجاهلية موضوع ‪-‬أي‪ :‬مهــدر‪-‬‬
‫وأول ربا ً أضع من ربانا ربا العباس بن عبــد المطلــب فــإنه‬
‫موضوع كله( فألغى النبي صلى الله عليه وسلم كل الربــا‬
‫مع أنه عقد في الجاهلية قبل السلم‪ ،‬فمن كان قد عامل‬
‫معاملــة ربويــة ولــم يأخــذ الربــا فــالواجب عليــه أن يــدعه‬
‫لصاحبه‪ ,‬وأن يتوب إلى الله عز وجل‪ .‬أما إذا كان قد أخذه‬
‫فإن كان جهل ً منه ول يدري أنه حرام فإن تــوبته تجــب مــا‬
‫ه‬
‫ن َرب ّـ ِ‬
‫مـ ْ‬ ‫عظ َـ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫مو ْ ِ‬
‫جــاَءهُ َ‬
‫ن َ‬ ‫قبلها وهو له‪ ,‬لقوله تعالى‪ :‬فَ َ‬
‫مـ ْ‬
‫ف ]البقــرة‪ .[275:‬وأمــا إذا أخــذه وهــو‬ ‫س ـل َ َ‬
‫ما َ‬ ‫ه َ‬‫َفان ْت ََهى فَل َ ُ‬
‫يعلم أنه حرام لكنه كان ضعيفا ً في الدين‪ ,‬قليل البصــيرة‪,‬‬
‫فهنا يتصدق به‪ ,‬إن شاء في بناء المســاجد‪ ،‬وإن شــاء فــي‬
‫قضاء الديون عمن عجز عن قضائها‪ ,‬وإن شاء في أقــاربه‬
‫المحتاجين؛ لن كل هذا خير‪.‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬بعض أنواع بيوع الربا‪:‬‬
‫لقاءات الباب المفتوح ‪) -‬ج ‪ / 114‬ص ‪(28‬‬
‫بعض أنواع بيوع الربا‪:‬‬
‫السؤال‪ :‬وجدت في بلد ما إعلن ـا ً بخصــوص تــوفير قــرض‬
‫وتسديده بالقساط وصورته كالتالي‪ :‬شــخص يريــد شــراء‬
‫سيارة‪ ،‬فذهب إلى بيت التمويل‪ ،‬فيقوم هذا البيت بشــراء‬
‫السيارة التي يريدها الشــخص‪ ،‬ومــن ثــم تحويلهــا باســمه‪،‬‬
‫على أن يكون ثمن بيعهــا لــه أكــثر مــن ثمــن شــرائها هــو‪،‬‬
‫ويقوم الشخص بدفع القساط إلى بيت التمويل‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬يعني‪ :‬مثل ً يذهب إلى بيت التمويل يقول‪ :‬أنا أريد‬
‫السيارة فيشتريها باسمه وينقد الثمن ثم يبيعها علــى هــذا‬
‫الطالب بأكثر من الثمن مقسـطًا! هـذه حيلـة علـى الربـا‪,‬‬
‫يعني‪ :‬بدل مــن أن يقــول‪ :‬خــذ خمســين ألــف ريــال قيمــة‬
‫السيارة‪ ,‬وهي عليك بستين ألف إلى أجل‪ ,‬أتى بهــذا الــبيع‬
‫الصوري‪ ,‬بيت التمويل الن لول أن هذا الرجل جاء يطلــب‬
‫السيارة هل يشتري السيارة؟ ل‪ ,‬ولــو أن طــالب الســيارة‬
‫قــال‪ :‬اشــتريها بقيمتهــا‪ ,‬بمعنــى‪ :‬تشــتريها بخمســين ألــف‬

‫‪302‬‬
‫وآخــذها منــك بالتقســيط بخمســين ألــف هــل يقبــل بيــت‬
‫التمويــل؟ أقطــع أنــه ل يقبــل‪ ,‬إذًا‪ :‬مــا الــذي قصــد بيــت‬
‫التمويــل مــن هــذه المعاملــة؟ قصــد الزيــادة‪ ,‬فهــذا ‪-‬فــي‬
‫الحقيقة‪ -‬قرض بزيادة لكنه بحيلة )لفــة( ومعلــوم أن اللــه‬
‫خائ ِن َـ َ ْ َ‬
‫مــا‬
‫ن وَ َ‬
‫ة العْي ُـ ِ‬ ‫عز وجل ل تنفع عنده الحيل‪ ,‬فهو ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬
‫دور ]غــافر‪ [19:‬فلــو قيــل لــبيت التمويــل‪ :‬مــا‬ ‫صـ ُ‬‫خِفــي ال ّ‬
‫تُ ْ‬
‫قصدك بشراء هذه السيارة وبيعها على هذا الرجل؟ لقــال‬
‫بكــل تأكيــد‪ :‬إن قصــده الزيــادة‪ ,‬ول يمكــن أن يــدعي أن‬
‫قصده الحسان إلى هذا الرجل أبدًا‪ ,‬يقــول بعــض النــاس‪:‬‬
‫ل‪ -‬لو أن الرجل المشتري قال‪ :‬ل أريد الســيارة‪ ،‬قبلهــا‬ ‫‪-‬مث ً‬
‫بيت التمويل‪ ,‬فنقول‪ :‬أول ً هذه حجة ل تنفع عنــد اللــه؛ لن‬
‫هــذا الــذي طلــب الســيارة هــل ســيتركها؟ ل يتركهــا وهــو‬
‫يريدها‪ ,‬ولهذا لو أحصيت ألف معاملــة مــن هــذا النــوع مــا‬
‫ون‪ ,‬فل تغتر بعمــل النــاس‪ .‬والفــائدة‬ ‫وجدت واحدا ً منهم هَ ّ‬
‫التي يأخذها هــذا الرجــل تعتـبر ربـا‪ ,‬والربــا الصــريح الــذي‬
‫تفعله البنوك أهون من هذا؛ لن الربــا الصــريح ربــا يــدخل‬
‫النسان فيه على أنه عاص لله ويحاول أن يتوب‪ ,‬أمــا هــذا‬
‫فيدخل فيه على أنــه مبــاح‪ ,‬وهــذا ل يجــوز‪ ,‬اليهــود تحيلــوا‬
‫على محارم الله بأدنى من هذا‪ ,‬حرم الله عليهم الشــحوم‬
‫قال‪ :‬ل تأكلوا الشحوم‪ ,‬فماذا كانوا يصنعون؟ قالوا‪ :‬نذوب‬
‫الشحم ثم نــبيع الشــحم ونأخــذ الثمــن‪ ,‬الصــورة الن هــل‬
‫أكلوا الشـحم؟ مـا أكلـوه ول بـاعوا الشـحم علـى طـبيعته‬
‫وأيضا ً ذوبــوه‪ ,‬حـتى ل يقــال‪ :‬إنكــم بعتــم مــا حــرم عليكــم‬
‫وأكلتم ثمنه‪ ,‬فذّوبوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه‪ ,‬والرسول عليه‬
‫الصلة والسلم قــال‪) :‬قاتــل اللــه اليهــود! حرمــت عليهــم‬
‫الشحوم ثم جملوها فباعوها وأكلوا ثمنها(‪ .‬وكذلك أصحاب‬
‫السبت حرمت عليهم الحيتان يــوم الســبت فــابتلهم اللــه‬
‫شّرعا ً على وجه الماء من‬ ‫وجعل الحيتان تأتي يوم السبت ُ‬
‫كثرتها‪ ,‬وغير يوم السبت ل يرونها‪ ,‬فقالوا‪ :‬مــاذا نعمــل؟ ل‬
‫يمكن أن تــذهب هــذه الحيتــان بــدون أكــل‪ ,‬عملــوا شــبكة‬
‫يضعونها يوم الجمعة‪ ,‬فتــأتي الحيتــان تــدخل فــي الشــبكة‬
‫يوم السبت فإذا كان يــوم الحــد جــاءوا وأخــذوها‪ ,‬وقــالوا‪:‬‬
‫نحــن مــا صــدناها يــوم الســبت‪ ،‬صــدنا يــوم الحــد‪ ,‬فمــاذا‬

‫‪303‬‬
‫عوقبوا؟ عوقبوا في الدنيا يدا ً بيد‪ ,‬قال اللــه تعــالى‪ :‬فَُقل ْن َــا‬
‫ن ]البقرة‪ [65:‬فكانوا قردة تتعــاوى‬ ‫سِئي َ‬
‫خا ِ‬ ‫م ُ‬
‫كوُنوا قَِرد َةً َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫والعياذ بالله‪ .‬ل يجوز ‪-‬أبدًا‪ -‬أن نستحل محارم الله بالحيــل‬
‫إطلقًا‪ ,‬وإن أفتاك الناس وأفتوك‪ ,‬فكر أنــت بنفســك‪ ,‬هــل‬
‫هذا إل حيلة؟ أما لو كان هذا بيت التمويــل عنــده ســيارات‬
‫يأتي زيد ويبيع عليه نقدا ً بخمسين‪ ,‬ويأتي عمرو ويقول‪ :‬أنا‬
‫أريدها مقسطة فيقول‪ :‬بستين فهذه ل بأس‪ ,‬لكن كــونه ل‬
‫يشتري إل لجل يأخذ الربــا هــذا ل يشــك النســان أن هــذا‬
‫حيلـة‪ .‬إذا كـان يجـب عليـه النســان أن يتـوب ول يتعامــل‬
‫بهذا‪ ,‬فإن كان لم يعلـم بـأنه حـرام فمـا أخــذه فهــو حلل‪,‬‬
‫وإن كان قد علم وعاند فهذا محل نظر‪ ,‬قد نقول‪ :‬إذا تاب‬
‫عظ َـ ٌ‬
‫ة‬ ‫مو ْ ِ‬
‫جــاَءهُ َ‬
‫ن َ‬ ‫فله ما سلف كما قال الله عز وجل‪ :‬فَ َ‬
‫مـ ْ‬
‫مـُرهُ إ ِل َــى الل ّـهِ ]البقــرة‪:‬‬ ‫من ربه َفانتهى فَل َـه مــا سـل َ َ َ‬
‫ف وَأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ ْ َ ّ ِ ََْ‬
‫‪ [275‬وقــد يقــال‪ :‬ل هــذا الرجــل معانــد فيجــب عليــه أن‬
‫يتصدق بكل ما أخذ من هذا‪ .‬بارك الله فيكم وزادنا وإياكم‬
‫علما ً نافعا ً وإلى اللقاء إن شاء الله فــي الخميــس القــادم‪,‬‬
‫نسأل الله لنا ولكم التوفيق‪.‬‬
‫=============‬
‫‪#‬حكم الستعانة بمن يتعامل الربا‪:‬‬
‫لقاءات الباب المفتوح ‪) -‬ج ‪ / 124‬ص ‪(14‬‬
‫حكم الستعانة بمن يتعامل الربا‪:‬‬
‫السؤال‪ :‬فضيلة الشــيخ! هنــاك الســندات الــتي تــوزع مــن‬
‫ثمن محاصيل القمح‪ ،‬يوجد أحد الخوة له سـند منهـا ثمنــه‬
‫ل‪ ،‬ولـه أيضـا ً أنـاس يطلبـونه دينـًا‪ ،‬فأحـدهم قـال‪:‬‬ ‫مبلغ عا ٍ‬
‫أعطنــي الســند ووكلنــي عليــه وأنــا أســتوفي هــذا الــدين‬
‫بطريقتي الخاصة وأرد لك الباقي‪ ،‬فهــل فــي هــذا شــيء؟‬
‫الشــيخ‪ :‬ويعطيــه‪ .‬الســائل‪ :‬نعــم‪ .‬الشــيخ‪ :‬مــا فيــه بــأس‪.‬‬
‫السائل‪ :‬طبعا ً إذا أعطاه السند وأعطــاه وكالــة‪ ،‬يقضــيه أو‬
‫ما يقضيه إل بطريقة وهي البنك‪ .‬الشــيخ‪ :‬ســيأخذ مــا فــي‬
‫ل‪ .‬السـائل‪ :‬بطريقــة البنــك ل؛ لنهـم سـيأخذون‬ ‫السند كام ً‬
‫عليه‪.‬‬
‫الشــيخ‪ :‬إي نعــم‪ ،‬لكــن أنــا ظننــت أن لــه مــدى بالجهــات‬
‫المسئولة‪ ،‬ويمكن يؤثر‪ ،‬المهم أنه إذا كــان ل يــترتب عليــه‬

‫‪304‬‬
‫الربا فل بأس‪ ،‬يعنــي هــو اسـتئجار‪ .‬السـائل‪ :‬يعنــي نقـول‪:‬‬
‫الربا هو منه ليس مني‪ .‬الشيخ‪ :‬ل‪ ،‬إذا علمت أنه ل يتوصل‬
‫إلى هذا إل بالربا فقد عاونته على الثــم‪ ،‬واللــه عــز وجــل‬
‫ن ]المــائدة‪[2:‬؛ لكــن‬ ‫يقول‪َ :‬ول ت ََعاوَُنوا عََلى اْل ِث ْـم ِ َوال ْعُـد َْوا ِ‬
‫ت أنهــم فســحوا بعــض الشــيء وقــالوا‪ :‬مــن أراد أن‬ ‫سمع ُ‬
‫ل‪ :‬هو بمائة ألــف ولــه‬ ‫ول فعليه أن يجزئ هذا المبلغ‪ ،‬مث ً‬ ‫يح ّ‬
‫ن عشــرين‪،‬‬ ‫أناس يطلبونه أحدهم يطلبه عشرة آلف‪ ،‬وثــا ٍ‬
‫ول هذا المبلغ‪ ،‬يحول على الــذين‬ ‫وثالث ثلثين وأراد أن يح ّ‬
‫يطلبونه‪ ،‬ل بأس فيه تفسحه‪ .‬السائل‪:‬المصلحة تأخذ مــائة‬
‫ريال على كل شــيك؟ الشــيخ‪ :‬أنــا لــم أســمع بهــذا‪ ،‬وإنمــا‬
‫سمعت بالتجزئة توسـعة للنـاس‪ ،‬وهـذا طيـب يحـل بعـض‬
‫الشيء‪.‬‬
‫===============‬
‫‪#‬حكم أخذ الورثة من التركة التي تكون من‬
‫الربا‪:‬‬
‫لقاءات الباب المفتوح ‪) -‬ج ‪ / 135‬ص ‪(12‬‬
‫حكم أخذ الورثة من التركة التي تكون من الربا‪:‬‬
‫السؤال‪ :‬فضيلة الشيخ! إذا علــم الــوارث أن مــورثه يأكــل‬
‫الربا هل يجوز له أخذ نصيبه من الميراث؟‬
‫الجواب‪ :‬يعني‪ :‬إذا علمنا أن الميت كان يتعامل بالربا فهل‬
‫يجوز لورثته أن يأخذوا نصــيبهم مــن التركــة؟ نقــول‪ :‬نعــم‬
‫يجوز‪ ،‬والثم على نفس الميت؛ إل إذا كان الربا لم يقبــض‬
‫حتى الن فهنا نقول للورثة‪ :‬اقبضوا الربا ممــن هــو عليــه‪،‬‬
‫ولكن ل تأكلوه‪ ،‬وتصدقوا به‪ ،‬أو اجعلوه فــي المســاجد‪ ،‬أو‬
‫في الطرق‪ ،‬أو في أعمال خير‪ ،‬أما ما قُِبص فالقــابض هــو‬
‫الميــت والثــم عليــه‪ ،‬ومــا لــم ي ُْقب َــض ل يحــل للورثــة أن‬
‫يقبضوه لنفسهم بل يقبضوه لجل أن يصرفوه في أعمال‬
‫ل‪ -‬وهــو ربــا؟‬ ‫الخيــر‪ ،‬قــد يقــول قــائل‪ :‬لمــاذا يقبضــونه ‪-‬مث ً‬
‫نقول‪ :‬لن هـذا المرابـي الـذي دفـع الربـا قـد أقـدم عليـه‬
‫ورضي به وعامل به فل نجمع له بين أن ينتفع بالمال هــذه‬
‫المدة وينتفع أيضـا ً بالربــا‪ ،‬نقــول‪ :‬هــاته‪ ،‬فنأخــذه ونعطيــه‪،‬‬
‫ونجعله فــي المصــالح العامــة‪ .‬وإن رأوا أن مــن المصــلحة‬

‫‪305‬‬
‫ت‬ ‫ل‪ .‬أفهمـ َ‬ ‫ترك الربا كمــا لــو كـان فقيــرا ً فل يأخــذونه أصـ ً‬
‫الن؟‬
‫=============‬
‫‪ #‬صورة من صور الربا‪:‬‬
‫لقاءات الباب المفتوح ‪) -‬ج ‪ / 148‬ص ‪(13‬‬
‫صورة من صور الربا‪:‬‬
‫السؤال‪ :‬أنا صاحب تجارة فأبيع بضاعتي علــى مؤسســات‬
‫أو شركات أو جمعيات ثم أحصل هــذه الفلــوس بعــد عــدة‬
‫أشهر‪ ،‬خمســة أشــهر أو ســتة أشــهر وأحيانـا ً تطــول هــذه‬
‫المدة حتى تتجمد فلوسي عند هذه الشركات‪ ،‬يقوم البنك‬
‫‪-‬أحيانا ً بنوك إسلمية عندنا‪ -‬بدفع هذه الفلوس حال ً نــاقص‬
‫قيمــة الفــائدة مثل ً المــائة دينــار يعطينــي البنــك خمســة‬
‫وتسعين دينارا ً يدفعها حال ً والبنك يحصلها من التــاجر هــذا‬
‫في المستقبل‪ ،‬فأنا استفدت منها أني أخذت فلوسي حال ً‬
‫بدل أن تبقى عندهم ستة أشهر بهذه الطريقة؟‬
‫الشيخ‪ :‬والبنك استفاد الزيادة؟ السائل‪ :‬نعم‪ .‬الشيخ‪ :‬هــذه‬
‫فيها محذوران‪ :‬المحذور الول‪ :‬هو الربا؛ لن البنك أعطاك‬
‫خمسة وتسعين بمائة وهــذا رب ـا ً صــريح‪ ،‬وهنــاك أيض ـا ً ربــا‬
‫الفضل وربا النسيئة يعنــي‪ :‬ربــا الزيــادة وربــا التــأخير؛ لن‬
‫البنك سيتأخر قبضه لهذا العوض‪ .‬المحذور الثاني‪ :‬أنه بيــع‬
‫ما ليس عندك وما ليس في قبضــتك؛ لنــك بعــت مــا فــي‬
‫الذمة على هذا البنــك‪ ،‬بعتهــا الن علــى هــذه الشــركة مــا‬
‫ل‪ ،‬بعــت الــدنانير للبنــك قبــل أن‬ ‫الذي في ذمتها؟ دنانير مث ً‬
‫تقبضه وقبل أن تكون بملكك ففيهــا محــذوران‪ ،‬فــإن كــان‬
‫المر قد مضــى فــالواجب التوبــة إلــى اللــه عــز وجــل وأل‬
‫ترجع لمثل تلك المعاملة‪ ،‬وإن كان لم يكن فالواجب عليك‬
‫أل تدخل في مثل هذا‪.‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬كيفية نصح العاملين في البنوك وتحذيرهم‬
‫من الربا‪:‬‬
‫لقاءات الباب المفتوح ‪) -‬ج ‪ / 149‬ص ‪(18‬‬
‫كيفية نصح العاملين في البنوك وتحذيرهم من الربا‪:‬‬

‫‪306‬‬
‫ؤنا كثيرا ً ما نشاهده من بيوت الربا‪ ،‬فهل‬ ‫السؤال‪ :‬إنه يسوْ ُ‬
‫لو قام النسان وقــام شــخص بتوزيــع أشــرطة تحــذر مــن‬
‫الربا أو كروت دعوية على العاملين في نفس البنــك‪ ،‬هــل‬
‫هذه لئقة؟‬
‫الجواب‪ :‬ل شك أن بيان حكم الربا وأنه من أعظم الذنوب‬
‫أمر مطلوب‪ ،‬ولكــن يبقــى النظــر‪ :‬هــل ل يكــون فــي هــذا‬
‫عرضة لهذا الفاعل من أن يعرض نفسه لمر يكون ضــررا ً‬
‫عليه وعلى غيره‪ ،‬فأنت إذا تمكنت مــن أن تنصــح العمــال‬
‫في البنوك نصيحة خاصة قد يكون أثرها أحسن‪.‬‬
‫============‬
‫‪ #‬فوائد البنوك ) الربا (‬
‫فتاوى يسألونك ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(98‬‬
‫فوائد البنوك ) الربا (‬
‫يقول السائل ‪ :‬إذا كان لفرد أو مؤسسة أموال في البنوك‬
‫سالفة الذكر متأتية عن طريق تحـويلت ماليـة أو شـيكات‬
‫سياحية حيــث تمكــث المــوال لفــترة فــي البنــك باختيــاره‬
‫ويترتب عليها فوائد ربوية فهل يجوز أخذ هذه الفوائد ؟‬
‫الجواب ‪ :‬ل يجوز للمسلم اصل ً أن يضــع أمــواله فــي بنــك‬
‫ربوي ابتداًء إل لضـرورة ‪ .‬فـإذا حصـل ووضـع أمـواله فيـه‬
‫أعطاه البنك ربا وهو ما يسميه النــاس اليــوم زورا ً وبهتانـا ً‬
‫فائدة فحينئذٍ يتصرف فيها كما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬ل يجــوز تــرك المــوال الــتي تســمى فــائدة للبنــوك‬
‫الربوية كما يدعي بعض الناس حيث يقولــون إن هــذا مــن‬
‫باب التقوى والورع فهذه تقوى زائفــة وفــي غيــر محلهــا ‪.‬‬
‫ومــن المعــروف أن البنــوك الربويــة إذا تركــت لهــا تلــك‬
‫الموال تنفقها في مصالحها الشخصية ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬ل يجوز النتفاع بتلك الموال انتفاع ـا ً شخصــيا كــأن‬
‫ينفقها الشخص على نفسه أو على أهله فهــذه المــوال ل‬
‫تحــل للشــخص أبــدا ً ول يحــل لــه إنفاقهــا فــي مصــالحه‬
‫الشخصية ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬على المودع المذكور في السؤال أخذ تلــك المــوال‬
‫وإنفاقها علــى الفقــراء وبعــض مصــالح المســلمين العامــة‬
‫كبناء مدرسة أو مستشفى أو تجهيز شارع ونحو ذلك ‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫وقد أفتى بــذلك طائفــة مــن علمــاء العصــر منهــم فضــيلة‬
‫الشيخ العلمــة مصــطفى الزرقــا حيــث قــال ) إن التــدبير‬
‫الصحيح الشرعي في هذه الفوائد أن يأخذها المــودع مــن‬
‫المصرف دون أن ينتفع بها في أي وجه من وجوه النتفــاع‬
‫فعليه أن يأخــذ تلــك الفــوائد الــتي يحتســبها لــه المصــرف‬
‫الربوي عن ودائعه ويوزعها على الفقراء حصــرا ً أو قصــرا ً‬
‫لنهم مصرفها الوحيد ( ‪.‬‬
‫وهذا رأي سديد إن شاء الله ولكــن ل أوافقــه علــى قصــر‬
‫تلك الموال على الفقراء فقط بل يجوز صرفها في بعــض‬
‫مصالح المسلمين العامة كما ذكرت قبل قليل وينبغــي أن‬
‫يعلم أّنه يجوز أن تدفع الزكاة من تلــك المــوال وكــذلك ل‬
‫يجوز دفعها في بناء المساجد ‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬حساب التوفير ربا‬
‫فتاوى يسألونك ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(99‬‬
‫حساب التوفير ربا‬
‫يقول السائل ‪ :‬ما الحكم في حساب التــوفير وهــل يــدخل‬
‫ذلك في حكم الربا ؟‬
‫الجواب ‪ :‬ل شك أن للبنوك الربوية أساليب كــثيرة مغريــة‬
‫لجلب الزبائن للتعامل معها وليــداع أمــوالهم حــتى توســع‬
‫أعمالها وتزيد من دخلها وتزين للناس طرق كســب كــثيرة‬
‫ولكنها ل تخرج في حقيقة المــر عــن دائرة الربــا المحــرم‬
‫ومن ذلك دعوة الناس إلى فتح حسابات التوفير لدى هذه‬
‫البنوك بطرق دعائية براقة تستهوي كثيرا ً من الناس ومــن‬
‫ذلك ما جاء في دعاية أحد البنوك من أن حسابات التوفير‬
‫هــي ضــمان وأمــان للمســتقبل ونحــو ذلــك مــن الكلم‬
‫الزائف ‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن البنوك تدفع ما تسميه فوائد مجزية على‬
‫حسابات التوفير وهي في الحقيقة من الربا المحرم ‪.‬‬
‫ومما يؤسف لــه أن كــثيرا ً مــن النــاس يقبلــون علــى فتــح‬
‫حسابات التــوفير هــذه ويزعمــون أنهــم يؤمنــون مســتقبل‬
‫أولدهم ويدخرون لهم وهذه المدخرات تنمو بالربا الحرام‬
‫والمال الحرام ل يبارك الله فيه بل يسحقه ويمحقه ‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫ه‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬‫يقول الله تعالى ‪ ):‬ي َ ْ‬
‫ل ك َّفارٍ أ َِثيم ٍ ( ‪.‬‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫َل ي ُ ِ‬
‫وعلى المسلم أن يوقن بــأن الرزاق بيــد اللــه وأن تــأمين‬
‫المستقبل كما يقولون ل يكون عــن طريــق الحــرام وإنمــا‬
‫يكون بالدخار من المــال الحلل فهــذا الــذي يــدخر لولده‬
‫من المال الحــرام وبطــرق حــرام إنمــا يربــي أولده علــى‬
‫الحرام وينفق عليهــم مــن الحــرام ويــدخر لهــم نــار جهنــم‬
‫والعياذ بالله ‪.‬‬
‫يقول الرسول صلى الله عليــه وســلم ‪ ):‬إن اللــه طيــب ل‬
‫يقبل إل طيبا ً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرســلين‬
‫َ‬
‫حا‬ ‫صــال ِ ً‬ ‫مل ُــوا َ‬ ‫ت َواعْ َ‬ ‫ن الط ّي ّب َــا ِ‬ ‫مـ َ‬ ‫ل ك ُل ُــوا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫فقال ‪َ ):‬ياأي َّها الّر ُ‬
‫من ُــوا ك ُل ُــوا‬ ‫َ‬
‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ( ‪ .‬وقال ‪َ ):‬ياأي َّها ال ّ ِ‬ ‫ن عَِلي ٌ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫إ ِّني ب ِ َ‬
‫م ( ثــم ذكــر الرجــل يطيــل الســفر‬ ‫مــا َرَزقْن َــاك ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن ط َي َّبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫أشعث أغبر يمد يده إلــى الســماء يــا رب يــارب ومطعمــه‬
‫حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغــذيه بــالحرام فــأنى‬
‫يستجاب له ( رواه مسلم ‪.‬‬
‫وعلــى كــل مســلم أن يســعى لتــأمين مســتقبل أولده‬
‫بالكسب المشروع الحلل ول يكون ذلك أبــدأ ً عــن طريــق‬
‫َ‬
‫ه ال ْب َي ْـ َ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّـ ُ‬ ‫حـ ّ‬ ‫الربا المحرم بنص كتــاب اللــه تعــالى ‪ ):‬وَأ َ‬
‫مــا‬ ‫ه َ‬ ‫ن َرب ّـهِ فَــان ْت ََهى فَل َـ ُ‬ ‫م ُـ ْ‬
‫ة ِ‬ ‫عظ َـ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫عاد َ فَأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ب الن ّــارِ هُ ـ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫صـ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫َ‬
‫ع َ‬ ‫َ‬
‫ة‬‫ظــ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫دون َوَأ َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ِفيَها َ‬
‫َ‬
‫ن عَــاد َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫مـُرهُ إ ِل َــى الل ّـهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫س ـل َ َ‬‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َرب ّهِ َفان ْت ََهى فَل َ ُ‬ ‫مُْ‬ ‫ِ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فَأول َئ ِ َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬
‫===============‬
‫‪#‬العمل في البنوك الربوية حرام‬
‫فتاوى يسألونك ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(101‬‬
‫العمل في البنوك الربوية حرام‬
‫تقول الســائلة ‪ :‬إن زوجهــا يعمــل فــي البنــك وتســأل هــل‬
‫المعاش ‪ -‬الراتب ‪ -‬حلل أم حــرام ؟ وهــل وضــع المــوال‬
‫في البنوك بدون أخذ الفائدة يجوز أم ل ؟‬
‫َ‬
‫م الّرَبـا‬ ‫حـّر َ‬ ‫ه ال ْب َْيـعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫الجواب ‪ :‬يقول الله تعالى ‪ ):‬وَأ َ‬
‫ة من ربه َفانتهى فَل َـه مــا س ـل َ َ َ‬
‫م ـُرهُ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫عظ َ ٌ ِ ْ َ ّ ِ ْ َ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫فَ َ‬

‫‪309‬‬
‫عاد فَُأول َئ ِ َ َ‬
‫ن‬ ‫دو َ‬‫خال ِـ ُ‬ ‫م ِفيهَــا َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ـ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬
‫ل ك َّفــاٍر‬ ‫ب ك ُـ ّ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫يَ ْ‬
‫صـَلةَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موا ال ّ‬ ‫ت وَأقَــا ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صــال ِ َ‬‫مل ُــوا ال ّ‬ ‫من ُــوا وَعَ ِ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫أِثيم ٍ إ ِ ّ‬
‫م وََل‬ ‫كاةَ ل َه َ‬
‫ف عَل َي ْهِ ـ ْ‬ ‫خ ـو ْ ٌ‬ ‫م وََل َ‬ ‫عن ْـد َ َرب ّهِ ـ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫وََءات َ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬
‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ن َياأي َّها ال ّ ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫هُ ْ‬
‫ْ‬
‫ن الل ّهِ‬ ‫م َ‬‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ن فَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫الّرَبا إ ِ ْ‬
‫ن وََل‬ ‫َ‬
‫مــو َ‬ ‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬‫ســول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫وََر ُ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت ُظ ْل َ ُ‬
‫مما ل شك فيه أن الربا محرم شرعا ً باتفاق أهــل العلــم ‪،‬‬
‫وأن النظــام القتصــادي الســلمي يحــارب الربــا وكــل‬
‫المؤسسات الربوية ‪ ،‬وقد شــدد الســلم فــي أمــر الربــا ‪،‬‬
‫فبالضافة لليات الســابقة يقــول رســول اللــه صــلى اللــه‬
‫عليــه وســلم ‪ ) :‬اجتنبــوا الســبع الموبقــات ‪ -‬المهلكــات ‪-‬‬
‫قلنا ‪ :‬وما هي يا رسول الله ؟ قال ‪ :‬الشرك بالله والسحر‬
‫وقتل النفس التي حرم اللــه إل بــالحق وأكــل الربــا وأكــل‬
‫مــال اليــتيم والتــولي يــوم الزحــف وقــذف المحصــنات‬
‫الغافلت المؤمنات ( رواه مسلم ‪.‬‬
‫وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ ):‬لعن اللــه‬
‫آكل الربا ومؤكله وكــاتبه وشــاهديه وقــال ‪ :‬هــم ســواء ( ‪،‬‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬
‫وعن ابن مســعود أن النــبي صـلى اللـه عليــه وسـلم قـال‬
‫) الربا ثلثة وسبعون شعبة أيسرها مثــل أن ينكــح الرجــل‬
‫أمه ( رواه الحاكم وصصحه‪ ،‬وغير ذلك من الحاديث ‪.‬‬
‫وبناًء على ما سبق فقد قرر كــثيٌر مــن أهــل العلــم حرمــة‬
‫العمل في البنوك الربوية ‪ ،‬حتى ولــو كــان العمــل حارسـا ً‬
‫ليليا ً للبنك ‪ ،‬لن ذلك من باب التعاون على الثم والعدوان‬
‫‪ ،‬وهو محرم بنص القرآن الكريم وكــذلك فقــد أفــتى كــثير‬
‫من العلماء المعاصرين بحرمة تأجير المحلت أو العمارات‬
‫للبنوك الربوية لذات السبب السابق ‪.‬‬
‫وأما إيداع الموال في البنوك الربوية ‪ ،‬فالصــل فــي ذلــك‬
‫التحريــم ول يجــوز إل فــي حالــة الضــرورة ‪ ،‬كــأن يخشــى‬
‫النسان على ماله من الضياع ول يجد مكانا ً آمنــا لوضــعه‬
‫ب جارٍ ول يأخذ ربا عليه ‪.‬‬ ‫إل في البنك كحسا ٍ‬

‫‪310‬‬
‫أقول هذا وأنا أعلم أن التعامل مــع البنــوك الربويــة أصــبح‬
‫بلء عاما ً ل ينجو منه إل القليل ‪ ،‬وأعلم أن امتنــاع شــخص‬
‫أو أشخاص من العمل مع البنوك الربوية أو اليداع فيهــا ل‬
‫يحل المشكلة المستعصية ‪ ،‬لن المشكلة جزء من سيئات‬
‫النظام العام الذي نعيشه وونحياه ‪ ،‬ولكن ســددوا وقــاربوا‬
‫واتقوا الله ما استطعتم ‪.‬‬
‫===============‬
‫‪ #‬فوائد صندوق التوفير هي الربا المحرم‬
‫فتاوى يسألونك ‪) -‬ج ‪ / 8‬ص ‪(121‬‬
‫فوائد صندوق التوفير هي الربا المحرم‬
‫يقول السائل‪ :‬إنه يعمل فــي شــركة ويوجــد فيهــا صــندوق‬
‫توفير للموظفين حيث إن الشركة تقتطع نسبة مـن راتـب‬
‫الموظف وتدفع ضعفها ويوضع المال في صــندوق التــوفير‬
‫وقد قامت الشركة بوضع المــال فــي بنــك ربــوي وأخــذت‬
‫عليه فوائد كما وقامت الشــركة بــإقراض المــوظفين مــن‬
‫صندوق التوفير بالفائدة فمــا حكــم الربــاح الــتي تحققــت‬
‫حيث إن الشركة ستوزعها على الموظفين أفيدونا؟‬
‫الجواب‪:‬إن ما سماه السائل أرباحا ً إنمـا هـو فـي الحقيقـة‬
‫الربا المحرم بالنصوص القطعية من كتاب اللــه عــز وجــل‬
‫وسنة نبيه ‪ -‬صلى الله عليــه وســلم ‪ -‬ول شــك أن الفــوائد‬
‫البنكية هــي الربــا المحــرم والــواجب علــى الموظــف فــي‬
‫الشركة المذكورة أن يتخلص من هذا المال الحــرام فكــل‬
‫مال حرام ل يجوز للمسلم أن ينتفع به انتفاعا َ شخصــيا ً فل‬
‫يجــوز أن يصــرفه علــى نفســه ول علــى زوجتــه ول علــى‬
‫أولده ول على من يعولهم ول يجوز أن يــدفع منــه ضــريبة‬
‫ول نحوها لنه مال حرام بل هو من السحت ومصرف هذا‬
‫المال الحرام وأمثاله هو إنفاقه على الفقراء والمحتــاجين‬
‫ومصــارف الخيــر كــدور اليتــام والمؤسســات الجتماعيــة‬
‫ونحوها‪ .‬ول يجوز ترك هذه الموال للبنوك بل تؤخذ وتنفق‬
‫في جهات الخير والبر‪.‬‬
‫ويجب علــى الموظــف فــي الشـركة المـذكورة أن يعــرف‬
‫مقدار المبلغ الذي حسم مــن راتبــه ومقــدار المبلــغ الــذي‬

‫‪311‬‬
‫أضافته الشركة وهذا يكون حلل ً له وأما الربا فيصرفه كما‬
‫ذكرت آنفًا‪.‬‬
‫ل إن الموظف ليس مسئول ً عمــا قــامت بــه‬ ‫ول يقولن قائ ٌ‬
‫الشركة من تشــغيل أمــوال صــندوق التــوفير بالربــا أو أن‬
‫الثم يقع على المسؤول عــن الصــندوق أو نحــو ذلــك مــن‬
‫العتــذارات الــتي تردهــا قواعــد الشــريعة الســلمية فــإنه‬
‫ينبغي أن يعلم أنه ل يجوز للمسلم أن يكون طرفا ً فــي أي‬
‫عملية ربوية بطريق مباشر أو غير مباشر لن الربا محــرم‬
‫بنصوص صريحة في كتاب الله وسنة رسوله ‪ -‬صــلى اللــه‬
‫ْ‬
‫ن الّرَبــا‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬فمن ذلك قوله تعالى‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫س‬‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ي َُقو ُ‬
‫َ‬ ‫ذ َل َ َ‬
‫م‬ ‫ح ـّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫م َقاُلوا إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫سـل َ َ‬ ‫مــا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َرب ّـهِ فَــانت ََهى فَل َـ ُ‬ ‫مـ ُ ْ‬‫ة ِ‬ ‫عظ َـ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫الّرَبا فَ َ‬
‫عاد فَ ـأول َئ ِ َ َ‬ ‫َ‬
‫م ِفيهَــا‬ ‫ب الن ّــارِ هُ ـ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫صـ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ب‬ ‫حـ ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ت َوالل ّـ ُ‬ ‫صـد ََقا ِ‬ ‫ه الّرب َــا وَي ُْرب ِــي ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موا‬ ‫ت وَأقَــا ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صــال ِ َ‬ ‫مل ُــوا ال ّ‬ ‫من ُــوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ل ك َّفارٍ أِثيم ٍ إ ِ ّ‬ ‫كُ ّ‬
‫كاةَ ل َه َ‬
‫م‬ ‫ف عَل َي ِْهــ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م َول َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫صلةَ َوآت َ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫مــا ب َِق ـ َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ن َياأي َّها ال ّ ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫َول هُ ْ‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ن فَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مــو َ‬ ‫م ل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬ ‫سول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫الل ّهِ وََر ُ‬
‫ن { سورة البقرة اليات ‪.279-275‬‬ ‫مو َ‬ ‫َول ت ُظ ْل َ ُ‬
‫ويقول الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ):-‬اجتنبوا الســبع‬
‫الموبقات ‪ -‬المهلكات ‪ -‬قلنــا ‪ :‬ومــا هــي يــا رســول اللــه ؟‬
‫قال‪:‬الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم اللــه إل‬
‫بالحق وأكل الربا وأكل مــال اليــتيم والتــولي يــوم الزحــف‬
‫وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات ( رواه مسلم‪.‬‬
‫وجاء في الحديث عن جابر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قــال‪ ):‬لعــن‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليــه وســلم ‪ -‬آكــل الربــا ومــؤكله‬
‫وكاتبه وشاهديه وقال‪ :‬هم سواء ( رواه مسلم قال المــام‬
‫النووي‪ ]:‬قوله‪ :‬لعن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وســلم ‪-‬‬
‫آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال‪ :‬هـم سـواء ( هـذا‬
‫تصــريح بتحريــم كتابــة المبايعــة بيــن المــترابين والشــهادة‬

‫‪312‬‬
‫عليهما‪ .‬وفيه‪ :‬تحريم العانــة علــى الباطــل‪ .‬واللـه أعلــم [‬
‫شرح النووي على صحيح مسلم ‪.4/207‬‬
‫وعن ابن مسعود أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال‪):‬‬
‫الربا ثلثة وسبعون شعبة أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه‬
‫( رواه الحاكم وصححه‪.‬‬
‫وفي رواية النسائي عن ابــن مســعود ‪ -‬رضــي اللــه عنــه ‪-‬‬
‫قال‪ ):‬آكل الربا ومؤكله وشــاهداه وكــاتبه إذا علمــوا ذلــك‬
‫ملعونون على لسان محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يــوم‬
‫القيامة ( وهو حديث صحيح وغير ذلك من النصوص‪.‬‬
‫وإننــي لســتغرب ممــا يفــتي بــه بعــض المنتســبين للعلــم‬
‫الشرعي من إباحة الربا تحــت أســماء مختلفــة مثــل بــدل‬
‫خدمات أو أن هدف المقرض ليــس الربــا أو أن المشــتري‬
‫فيما يسمى بالتقسيط الميسر اشترى السلعة مــن التــاجر‬
‫ودفع الثمن المتفق عليه بدون زيادة وإن كان هنالك عقــد‬
‫ربوي بين التــاجر والبنــك الربــوي وأن ل علقــة للمشــتري‬
‫بذلك العقد وإن دفع عن طريق البنك الربــوي ونحــو ذلــك‬
‫من الترهات فكل ما سبق هو من الربا الحرام وهنا يجــب‬
‫التذكير بالقواعد التية‪:‬‬
‫‪ .1‬يحرم التعــاون علــى الثــم والعــدوان بنــص كتــاب اللــه‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تعالى‪ } :‬وَت ََعاوَُنوا عََلى ال ْب ِّر َوالت ّْق َ‬
‫وى وَل ت ََعاوَُنوا عَلى ال ِث ْم ِ‬
‫ب { ســورة‬ ‫ديد ُ ال ْعَِقــا ِ‬ ‫ه َ‬
‫شـ ِ‬ ‫ن الل ّـ َ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫ن َوات ُّقــوا الل ّـ َ‬
‫َوال ْعُ ـد َْوا ِ‬
‫المائدة الية ‪.2‬‬
‫‪.2‬إذا استقر الدين في الذمــة فل تجــوز الزيــادة عليــه لن‬
‫ذلك عين الربا‪.‬‬
‫‪.3‬كل زيادة مشروطة على القرض ربــا بغــض النظــر عــن‬
‫اسمها فتغيير السماء ل يغير من حقائق المسميات شــيئا ً‬
‫فقد صار شائعا ً عند كــثير مــن المتعــاملين بالربــا التلعــب‬
‫ة منهـــم لتغييـــر الحقـــائق‬ ‫باللفـــاظ والعبـــارات محاولـــ ً‬
‫والمســميات بتغييــر أســمائها فقــط فالربــا يســمى فــائدة‬
‫ويسمى رسم خدمات وقد أخبر النــبي ‪ -‬صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ‪ -‬عن مثل هــذا التلعــب مــن تغييــر النــاس لســماء‬
‫المحرمات كما جاء في الحديث أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال‪ ):‬ليستحلن طائفة من أمتي الخمــر يســمونها‬

‫‪313‬‬
‫بغير اسمها ( رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو حــديث‬
‫صحيح كما قال الشيخ اللبــاني فــي غايــة المــرام ص ‪،24‬‬
‫وفي السلسلة الصحيحة ‪.1/136‬‬
‫وجاء في رواية أخرى‪ ):‬إن ناسا ً من أمتي يشربون الخمــر‬
‫يسمونها بغير اسمها ( رواه الحاكم والبيهقي ولــه شــواهد‬
‫تقويه‪ ،‬وقد صدق الصادق المصدوق فــإن الخمــور تســمى‬
‫في زماننا بالمشروبات الروحية‪.‬‬
‫وروي في الحديث أنه عليه الصــلة والســلم قــال‪ ):‬يــأتي‬
‫على الناس زمان يستحلون الربا باسم الــبيع ( ذكــره ابــن‬
‫القيم في إغاثة اللهفــان ‪ .1/352‬وضــعفه الشــيخ اللبــاني‬
‫في غاية المرام ص ‪ .25‬ثم قال‪ ...]:‬معنى الحــديث واقــع‬
‫كما هو مشاهد اليوم [‪.‬‬
‫ويجب أن يعلم أن العبرة في العقود بالمقاصــد والمعــاني‬
‫ل باللفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا‪.‬‬
‫وخلصــة المـر أن فـوائد صـندوق التـوفير هـي مــن الربــا‬
‫المحرم ويجــب علــى الموظــف أن يتخلــص منهــا بإنفاقهــا‬
‫على الفقراء أو في المصالح العامة ول يجوز صــرفها فــي‬
‫المساجد ول يجوز للموظف أو من يعولهم النتفاع بها‪.‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬هل الربا أعظم من الزنى؟‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 4‬ص ‪(509‬‬
‫هل الربا أعظم من الزنى؟‬
‫المجيب د‪ .‬سامي بن إبراهيم السويلم‬
‫باحث في القتصاد السلمي‬
‫أصول الفقه ‪/‬السياسة الشرعية‬
‫التاريخ ‪14/7/1423‬هـ‬
‫السؤال‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫لقد ذكر الرسول ‪-‬صلى اللــه عليــه وســلم‪ -‬أن الربــا أشــد‬
‫عند الله ‪-‬عز وجل‪ -‬من ســت وثلثيــن زنيــة‪ ،‬وفــي حــديث‬
‫آخر أشد من زنية واحدة‪ ،‬وفي القرآن الكريم أن من أكل‬
‫الربــا ومــات دون توبــة فهــو مــن الخالــدين فــي جهنــم‪،‬‬
‫السؤال‪ :‬لماذا جعل الله ‪-‬عــز وجــل‪ -‬جريمــة الربــا أعظــم‬

‫‪314‬‬
‫من جريمة الزنا؟ وجزاكم اللــه عنــا وعــن المســلمين كــل‬
‫خير‪.‬‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نــبي بعــده‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫لم يرد في القرآن أن المرابي مخلد فـي النـار‪ ،‬وإنمــا ورد‬
‫أن المرابيــن "ل يقومــون إل كمــا يقــوم الــذي يتخبطــه‬
‫الشيطان مــن المــس" ]البقــرة‪ [275:‬وأن الــذين يــأكلون‬
‫الربا معلنـون للحـرب علـى اللـه ورسـوله ‪ -‬عليـه الصـلة‬
‫والسلم ‪":-‬فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله"‬
‫]البقرة‪ ،[279 :‬وفي الصحيحين البخاري )‪ (2766‬ومسلم‬
‫)‪(89‬أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪":‬اجتنبوا السبع‬
‫الموبقات" وذكر منها "الربا" ولم يذكر الزنــا‪ ،‬وروى أحمــد‬
‫)‪ (21957‬والطــــبراني )‪ : (11/94‬إل أنــــه قــــال ‪":‬ثلث‬
‫وثلثــون" بــدل "ســت وثلثــون" ‪ -‬أنــه ‪-‬صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪":‬درهم ربا يأكله الرجــل وهــو يعلــم أشــد مــن‬
‫ست وثلثين زنية"‪ ،‬قال الهيثمي‪ :‬ســنده صــحيح )الزواجــر‬
‫عن اقتراف الكبائر‪ ،‬ص ‪.(379‬‬
‫وأما وجه تغليــظ العقوبــة الخرويــة علــى الربــا أكــثر مــن‬
‫الزنا‪ ،‬فهو لحكمة يعلمها الله ‪-‬تعالى‪ ،-‬وقد يكون ذلــك لن‬
‫الشهوة في أصلها رغبة فطرية جبل عليهــا النســان‪ ،‬فــإن‬
‫ضعها في حلل أجــر‪ ،‬وإن وضــعها فــي حــرام أثــم‪ ،‬لكــن‬ ‫وَ َ‬
‫أصــل الشــهوة أمــر جبلــي فطــري‪ ،‬أمــا الربــا فليــس مــن‬
‫الفطرة‪ ،‬بل هو مناف للفطرة؛ لنه ظلم والنسان مفطور‬
‫علــى بغــض الظلــم‪ ،‬وهــو اســتغلل للخريــن‪ ،‬والنســان‬
‫مفطور علــى حــب مســاعدة الخريــن وليــس اســتغللهم‪،‬‬
‫فالربا مناقض للفطــرة‪ ،‬ومنــاقض لســنن الكــون والحيــاة‪،‬‬
‫ومنــاقض لســس العــدل الــذي قــامت عليــه الســماوات‬
‫والرض‪ ،‬فل غرابة أن تكون عقوبته أعظم وأشد عند اللــه‬
‫‪-‬تعالى‪ -‬من الزنا‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫===========‬
‫‪#‬هل هو شريك في إثم الربا ؟‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 8‬ص ‪(502‬‬

‫‪315‬‬
‫هل هو شريك في إثم الربا ؟‬
‫المجيب د‪ .‬عبد العظيم بن إبراهيم المطعني‬
‫رئيس قسم التفســير والحــديث بكليــة أصــول الــدين فــي‬
‫جامعة الزهر‬
‫المعاملت‪ /‬البيوع‪/‬مسائل متفرقة‬
‫التاريخ ‪03/01/1426‬هـ‬
‫السؤال‬
‫لدينا مصنع حكومي لتوزيع السمنت‪ ،‬وهذا المصنع ل يقوم‬
‫بإعطاء مادة السمنت إل لمن لديه رخصة بنــاء ومتحصــل‬
‫على قرض من المصــرف )القــرض طبعـا ً بفــوائد(‪ ،‬ولــدي‬
‫مــن لــديهم قــروض‬ ‫صديق يقوم بشراء الحصص الزائدة ع ّ‬
‫لكي يقوم ببيعهــا‪ ،‬والربــح فيهــا‪ ،‬وســؤالي‪ :‬هــل يعتــبر هــو‬
‫كذلك مشترك بالستفادة من القرض؟ حيث إنــه ل يمكــن‬
‫الحصول على السمنت إل إذا كان لديك قرض عقاري‪.‬‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نبي بعده‬
‫فصديقك الذي يقوم بشــراء الكميــات الــزائدة عــن حاجــة‬
‫أصحابها ثم يتاجر فيها فعمله هذا مباح ومنفصل تماما عن‬
‫الوســائل الــتي اشــترى بهــا البــائعون كميــات الســمنت‬
‫المشار إليه ودخله منه حلل وهو غير مســؤول أمــام اللــه‬
‫عن القروض المدفوع عنهــا فــوائد ربويـة واللـه عـز وجــل‬
‫يقــول‪" :‬ول تــزر وازرة وزر أخــرى"]فــاطر‪ ،[18:‬ويقــول‪:‬‬
‫"كل نفس بما كسبت رهينة"]المــدثر‪ .[38:‬واللـه ‪-‬تعــالى‪-‬‬
‫أعلم‪.‬‬
‫===============‬
‫‪ #‬هل هذه المعاملة من الربا؟‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 9‬ص ‪(20‬‬
‫هل هذه المعاملة من الربا؟‬
‫المجيب أ‪.‬د‪ .‬سليمان بن فهد العيسى‬
‫أستاذ الدراسات العليــا بجامعــة المــام محمــد بــن ســعود‬
‫السلمية‬
‫المعاملت‪ /‬البيوع‪/‬مسائل متفرقة‬
‫التاريخ ‪13/09/1425‬هـ‬

‫‪316‬‬
‫السؤال‬
‫السلم عليكم‪.‬‬
‫هل هذه الصورة من الربا وهي ‪ :‬أن يأتي ســائق المطعــم‬
‫بالطلب‪ ،‬ويطلب منــك الثمــن‪ ،‬مثل ً )عشــرة ريــالت!(‪ ،‬فل‬
‫يجــد أحياًنــا صــرف خمســين أو مئات‪ ،‬فيقــول لــك هــذا‬
‫السائق‪ :‬هات الخمسـين‪ ،‬وآتيـك بالبــاقي بعــد حيـن‪ ،‬فهـل‬
‫هذه المعاملة حرام؟‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نــبي بعــده‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫فــالجواب‪ ،‬واللــه أعلــم‪ ،‬جــواز الصــورة الــتي جــاءت فــي‬
‫الســؤال‪ ،‬فل تــدخل فــي الربــا فــي نظــري؛ لنهــا ليســت‬
‫صرًفا‪ ،‬ول هي بمعناه‪ ،‬وليست أي ً‬
‫ضا حيلة إليــه‪ ،‬وإنمــا هــي‬
‫شراء شيء أو طلبــه بثمــن معلــوم بقــي لحــد المتبــايعين‬
‫مبلغ غيــر مقبــوض‪ ،‬فالصــرف الممنــوع صــورته أن يقــول‬
‫شخص لخر‪ :‬اصرف لي هــذه العملــة مــن فئة الخمســين‬
‫ل‪ .‬فيقول المطلوب منه الصــرف‪ :‬مــا عنــدي إل عشــرة‬ ‫مث ً‬
‫فخــذها وآتيــك بالبــاقي‪ .‬ويفترقــا مــن غيــر قبــض البــاقي‪،‬‬
‫ضا ما كان حيلة إلــى الربــا‪ ،‬هــذا وليــس‬
‫ويدخل في ذلك أي ً‬
‫في الصورة المذكورة في السؤال شيء من ذلك‪ ،‬بل هي‬
‫شراء لشيء غير ربوي كما تقدم إيضاحه‪ ،‬ولهذا يظهر لــي‬
‫جوازها‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬ما يدخله الربا من صرف النقود‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 9‬ص ‪(70‬‬
‫ما يدخله الربا من صرف النقود‬
‫المجيب أ‪.‬د‪ .‬سليمان بن فهد العيسى‬
‫أستاذ الدراسات العليــا بجامعــة المــام محمــد بــن ســعود‬
‫السلمية‬
‫المعاملت‪ /‬الصرف وبيع العملت‪/‬مسائل متفرقة‬
‫التاريخ ‪22/6/1424‬هـ‬
‫السؤال‬

‫‪317‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫نود من فضيلتكم إيضاح هذه المسألة‪ :‬سمعت مــن بعــض‬
‫الناس أن هناك بعض المعاملت في صرف النقــود تــدخل‬
‫في الربا‪ ،‬أو إنها ربا صريح‪ ،‬فسأعطيكم هذا المثال لوضح‬
‫المقصود‪ ،‬مثل رجل معه ‪ 500‬ريال فذهب لشراء شــماغ‪،‬‬
‫فعندما اختار أحـد النـواع‪ ،‬قـال لـه البـائع إنـه ليـس لـديه‬
‫صــرف‪ ،‬فــذهب هــذا الرجــل إلــى البقالــة المجــاورة لهــذا‬
‫المحل‪ ،‬فصرف ال ‪ 500‬ريال‪ ،‬فعند الصرف قــال صــاحب‬
‫البقالة إني الن معي ‪ 400‬ريال‪ ،‬خذها واشــتري الشــماغ‪،‬‬
‫وتعال إلي بعد نصف ساعة‪ ،‬حتى أعطيك المئة المتبقية‪.‬‬
‫مثال آخر وهو يحصل دائما عند من يــبيعون الــذهب‪ ،‬وهــو‬
‫أن تأتي المرأة لشراء ذهب‪ ،‬فل يكــون مــع البــائع صــرف‪،‬‬
‫ى بعــد‬‫فيقول لها اذهــبي تجــولي فــي الســوق‪ ،‬وتعــالي إلـ ّ‬
‫نصف ساعة لكي تأخذي الباقي‪ ،‬هل يعتبر هذا فيه ربا لن‬
‫التقابض لم يكن في نفس الوقت؟‬
‫الله يجزيكم خيرًا‪ ،‬نريد التفصيل في مسألة صرف النقود‪.‬‬
‫والسلم عليكم‪.‬‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نــبي بعــده‪،‬‬
‫وعلى آلــه وصــحبه أجمعيــن‪ .‬وبعــد فقــد روى مســلم فــي‬
‫صــحيحه )‪ ،(1587‬وغيــره أن النــبي ‪ -‬صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪" :‬الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة‪..‬مثل ً بمثــل‬
‫سواًء بسواء يدا ً بيد"‪ .‬الحــديث‪ ،‬فــبين النــبي ‪ -‬صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم‪ -‬أن بيع الشيء بجنسـه لبـد فيـه مـن أمريـن‪:‬‬
‫الول القبـض مــن الطرفيــن فـي مجلــس العقــد‪ ،‬والثـاني‬
‫التساوي‪ ،‬وفي نهاية الحديث قال النبي ‪-‬صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم‪" -‬فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيــف شــئتم إذا‬
‫كان يدا ً بيــد"‪ ،‬هــذا ومعلــوم أن أكــثر المعــاملت فــي هــذا‬
‫الزمــان بــالعملت الورقيــة‪ ،‬وهــي بــدل الــذهب والفضــة‪،‬‬
‫والبــدل لــه حكــم المبــدل‪ ،‬فيكــون حكمهــا حكــم الــذهب‬
‫والفضــة‪ ،‬وبنــاء علــى هــذا فــإنه مثل ً عنــد صــرف فئة‬
‫خمسمائة من هذه الورق ل بد من التقابض بين الطرفيــن‬
‫في مجلس العقد‪ ،‬فل يجوز أن يأخذ البعض ويؤخر البعــض‬

‫‪318‬‬
‫الباقي للحــديث الســابق‪ ،‬وأيضـا ً فــي المثــال الخــر الــذي‬
‫ذكــره الســائل ل يجــوز‪ ،‬كمــا فــي المثــال الول للصــلة‬
‫السابقة في المثال الول‪ ،‬وهي عدم القبــض فــي مجلــس‬
‫العقد‪ ،‬وعلى المشترية في هــذا المثــال أن تــؤخر الشــراء‬
‫والتفـاق مـع صـاحب الـذهب حـتى يكـون لـديه الصـرف‪،‬‬
‫ليتحقق شرط القبض في مجلس العقد‪ ،‬والله أعلم ‪.‬‬
‫===============‬
‫‪ #‬شبهات لكل الربا‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 9‬ص ‪(80‬‬
‫شبهات لكل الربا‬
‫المجيب د‪ .‬عبد الله بن إبراهيم الناصر‬
‫عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود‬
‫المعاملت‪ /‬الربا والقرض‪/‬ربا الفضل وربا النسيئة‬
‫التاريخ ‪14/04/1425‬هـ‬
‫السؤال‬
‫ما رأي الدين فيمن ل يجــد حرج ـا ً فــي أكــل مــال الفــائدة‬
‫العائد من البنوك الربوية‪ ،‬مبررا ً ذلك بكــون الســلم حـّرم‬
‫الربا حتى يحمي الفقير من جشع وطمع الغني‪ ،‬وحتى يتم‬
‫التكافل بينهما؟‬
‫الجواب‬
‫دلت النصوص الصريحة من القــرآن والســنة علــى حرمــة‬
‫الربا أخذا ً وإعطاًء وتعاونًا‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪-‬تعالى‪" :-‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا ل تأكلوا الربا أضــعافا ً مضــاعفة" ]آل عمــران‪:‬‬
‫‪ [130‬وقوله ‪-‬تعالى‪" :-‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللــه وذروا‬
‫ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين" ]البقرة‪.[279:‬‬
‫والربا الذي ورد في السؤال هو ربا القرض وهو‪ :‬اشــتراط‬
‫الزيادة في رد بدل القرض‪.‬‬
‫حيث يتفق المقرض ‪-‬وهو هنا العميل‪ -‬مع المقترض ‪-‬وهــو‬
‫البنك‪ -‬على أن يقرضه مبلغا ً من المال ‪-‬وهو الــذي يــودعه‬
‫ل‪ ،‬وســواًء فــي‬ ‫عنده‪ -‬مقابل نسبة مئوية محددة كـ ‪ %6‬مث ًَ‬
‫ذلك كان التفاق صريحا ً أو ضمنيا ً أو كــانت الزيــادة بمبلــغ‬
‫مقطوع أونسبة مئويــة محــددة‪ ،‬أو كــان المقــرض غني ـا ً أو‬
‫فقيرًا‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫أمــا ادعــاء التفريــق بيــن القــرض النتــاجي والســتهلكي‬
‫فيجوز الربا في الول دون الثاني؛ لن الول يقترض لينتــج‬
‫م يجـوز أخـذ‬ ‫ويستثمر ‪-‬كما هو الشأن فـي البنـك‪ -‬ومـن ثـ ّ‬
‫الربا عليه فإن هذا غير صحيح لما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬عموم النصــوص القرآنيــة والحــاديث النبويــة المحرمــة‬
‫للربا من دون تفريق بين نوع وآخر‪.‬‬
‫‪-2‬أن العباس بن عبدالمطلب عم النبي ‪-‬صــلى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪ -‬ورضــي عنــه‪ -‬كــان يقــترض فــي الجاهليــة لجــل‬
‫استثمار الموال‪ ،‬فيعطي المقرض نسبة محــددة والبــاقي‬
‫له‪ ،‬ومــع ذلــك حرمــه الرســول ‪-‬صــلى اللــه عليــه وســلم‪-‬‬
‫ووضعه كما ورد في حــديث حجــة عــام الــوداع‪.‬فيمــا رواه‬
‫مسلم)‪ (1218‬من حديث جابر بن عبــد اللــه ‪-‬رضــي اللــه‬
‫عنهما‪-‬‬
‫أما حكم الذي يأكل الربا فإنه فاسق؛ لنه خالف النصــوص‬
‫الشرعية‪ ،‬ولما ورد في الربا من وعيــد لكلــه وللمتعــاونين‬
‫فيه‪ ،‬منها حــديث‪" :‬اجتنبــوا الســبع الموبقــات وذكــر منهــا‪:‬‬
‫"وأكــل الربــا"رواه البخــاري)‪ ،(2767‬ومســلم)‪ (89‬مــن‬
‫حديث أبي هريرة ‪-‬رضي اللــه عنــه‪ -‬وكــذلك حــديث جــابر‬
‫‪-‬رضي الله عنه‪ -‬أن رسول الله ‪-‬صلى اللــه عليــه وســلم‪-‬‬
‫"لعن آكل الربا ومؤكله وشــاهديه وكــاتبه" رواه الترمــذي)‬
‫‪ ،(1206‬وأبـــو داود)‪ ،(3333‬وغيرهـــم مـــن حـــديث ابـــن‬
‫مسعود ‪-‬رضي الله عنه‪.-‬‬
‫ولذا فإنني أنصح هذا الخ بأن يتوب إلى اللــه وينتهــي عــن‬
‫أكل الربا‪ ،‬ول يستدل بهذه الشبهات الــتي دلــت النصــوص‬
‫الصريحة على بطلنها‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫===============‬
‫‪#‬شبهات لكل الربا‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 9‬ص ‪(80‬‬
‫شبهات لكل الربا‬
‫المجيب د‪ .‬عبد الله بن إبراهيم الناصر‬
‫عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود‬
‫المعاملت‪ /‬الربا والقرض‪/‬ربا الفضل وربا النسيئة‬
‫التاريخ ‪14/04/1425‬هـ‬

‫‪320‬‬
‫السؤال‬
‫ما رأي الدين فيمن ل يجــد حرج ـا ً فــي أكــل مــال الفــائدة‬
‫العائد من البنوك الربوية‪ ،‬مبررا ً ذلك بكــون الســلم حـّرم‬
‫الربا حتى يحمي الفقير من جشع وطمع الغني‪ ،‬وحتى يتم‬
‫التكافل بينهما؟‬
‫الجواب‬
‫دلت النصوص الصريحة من القــرآن والســنة علــى حرمــة‬
‫الربا أخذا ً وإعطاًء وتعاونًا‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪-‬تعالى‪" :-‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا ل تأكلوا الربا أضــعافا ً مضــاعفة" ]آل عمــران‪:‬‬
‫‪ [130‬وقوله ‪-‬تعالى‪" :-‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللــه وذروا‬
‫ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين" ]البقرة‪.[279:‬‬
‫والربا الذي ورد في السؤال هو ربا القرض وهو‪ :‬اشــتراط‬
‫الزيادة في رد بدل القرض‪.‬‬
‫حيث يتفق المقرض ‪-‬وهو هنا العميل‪ -‬مع المقترض ‪-‬وهــو‬
‫البنك‪ -‬على أن يقرضه مبلغا ً من المال ‪-‬وهو الــذي يــودعه‬
‫ل‪ ،‬وســواًء فــي‬ ‫عنده‪ -‬مقابل نسبة مئوية محددة كـ ‪ %6‬مث ًَ‬
‫ذلك كان التفاق صريحا ً أو ضمنيا ً أو كــانت الزيــادة بمبلــغ‬
‫مقطوع أونسبة مئويــة محــددة‪ ،‬أو كــان المقــرض غني ـا ً أو‬
‫فقيرًا‪.‬‬
‫أمــا ادعــاء التفريــق بيــن القــرض النتــاجي والســتهلكي‬
‫فيجوز الربا في الول دون الثاني؛ لن الول يقترض لينتــج‬
‫م يجـوز أخـذ‬ ‫ويستثمر ‪-‬كما هو الشأن فـي البنـك‪ -‬ومـن ثـ ّ‬
‫الربا عليه فإن هذا غير صحيح لما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬عموم النصــوص القرآنيــة والحــاديث النبويــة المحرمــة‬
‫للربا من دون تفريق بين نوع وآخر‪.‬‬
‫‪-2‬أن العباس بن عبدالمطلب عم النبي ‪-‬صــلى اللــه عليــه‬
‫وســلم‪ -‬ورضــي عنــه‪ -‬كــان يقــترض فــي الجاهليــة لجــل‬
‫استثمار الموال‪ ،‬فيعطي المقرض نسبة محــددة والبــاقي‬
‫له‪ ،‬ومــع ذلــك حرمــه الرســول ‪-‬صــلى اللــه عليــه وســلم‪-‬‬
‫ووضعه كما ورد في حــديث حجــة عــام الــوداع‪.‬فيمــا رواه‬
‫مسلم)‪ (1218‬من حديث جابر بن عبــد اللــه ‪-‬رضــي اللــه‬
‫عنهما‪-‬‬

‫‪321‬‬
‫أما حكم الذي يأكل الربا فإنه فاسق؛ لنه خالف النصــوص‬
‫الشرعية‪ ،‬ولما ورد في الربا من وعيــد لكلــه وللمتعــاونين‬
‫فيه‪ ،‬منها حــديث‪" :‬اجتنبــوا الســبع الموبقــات وذكــر منهــا‪:‬‬
‫"وأكــل الربــا"رواه البخــاري)‪ ،(2767‬ومســلم)‪ (89‬مــن‬
‫حديث أبي هريرة ‪-‬رضي اللــه عنــه‪ -‬وكــذلك حــديث جــابر‬
‫‪-‬رضي الله عنه‪ -‬أن رسول الله ‪-‬صلى اللــه عليــه وســلم‪-‬‬
‫"لعن آكل الربا ومؤكله وشــاهديه وكــاتبه" رواه الترمــذي)‬
‫‪ ،(1206‬وأبـــو داود)‪ ،(3333‬وغيرهـــم مـــن حـــديث ابـــن‬
‫مسعود ‪-‬رضي الله عنه‪.-‬‬
‫ولذا فإنني أنصح هذا الخ بأن يتوب إلى اللــه وينتهــي عــن‬
‫أكل الربا‪ ،‬ول يستدل بهذه الشبهات الــتي دلــت النصــوص‬
‫الصريحة على بطلنها‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫=============‬
‫‪#‬شبهة جريان الربا في العملت الورقية!‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 9‬ص ‪(87‬‬
‫شبهة جريان الربا في العملت الورقية!‬
‫المجيب د‪ .‬خالد بن علي المشيقح‬
‫عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم‬
‫المعاملت‪ /‬الربا والقرض‪/‬ربا الفضل وربا النسيئة‬
‫التاريخ ‪21/07/1425‬هـ‬
‫السؤال‬
‫حا؛‬‫طرح أحد الخوة هذا الموضوع‪ ،‬وأتمنــى أن أجــد توضــي ً‬
‫جزاكم الله خيًرا‪ ،‬هل هناك ربا في العصر الحالي؟ أنا أرى‬
‫أنه لم يعد هناك ربا بالمعنى الديني‪ ،‬وبالتــالي أرى أن مــن‬
‫حــق أي إنســان أن يســتفيد مــن إيــداعاته بالبنــك‪ ،‬وأن‬
‫يتقاضــى أرباحهــا حلًل ُزلًل‪ ،‬وأرجــو مــن علمــاء الــدين‬
‫مناقشة هذا الرأي‪ ،‬وإليكم التوضيح‪:‬حرم الربا عندما كانت‬
‫العملة ذات سعر ثابت‪ ،‬حيث كان الدينار يشــتري لــك مثًل‬
‫مــا‪ ،‬وذلــك لن الــدينار‬‫عشرة من البل‪ ،‬الن أو بعد ‪ 50‬عا ً‬
‫كا من الذهب أو الفضة‪ ،‬وقيمته ثابتــة ل تتغيــر‪،‬‬ ‫كان مسكو ً‬
‫كما أن الدينار كان عملة ل سلعة تتداول في السواق‪ ،‬أما‬
‫اليــوم فقــد أصــبحت جميــع العملت تشــترى وتبــاع فــي‬
‫السواق مثل الخضار والفواكه والملبــس‪ ،‬وبالتــالي وكمــا‬

‫‪322‬‬
‫يحق لتاجر الخضار أن يضع الربح المناسب لبضاعته‪ ،‬يحق‬
‫لرجل أودع نقوده في بنك يمارس بيــع العملــة أن يحصــل‬
‫على أرباح بضاعته‪.‬‬
‫الجواب‬
‫الحمد للــه وحــده‪ ،‬والصــلة والســلم علــى رســول اللــه‪..‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫الرأي أن حديث أبــي ســعيد وحــديث عبــادة ‪ -‬رضــي اللــه‬
‫عنهما‪ -‬أخرجهما مسلم )‪ (1587 ،158‬أن النبي صلى الله‬
‫ة‪ ،‬والُبــّر‬ ‫ة بالفض ِ‬ ‫ض ُ‬‫ب‪ ،‬والِف ّ‬ ‫ذه ِ‬ ‫ب بال ّ‬ ‫عليه وسلم قال‪" :‬الذ ّهَ ُ‬
‫مث ْل ً‬‫ح ِ‬ ‫ح بال ِ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫شِعيُر بال ّ‬‫بالب ُّر‪ ،‬وال ّ‬
‫مل ِ‬ ‫َ‬
‫ر‪ ،‬وال ِ‬ ‫م ِ‬
‫مُر بالت ّ ْ‬
‫َ‬
‫شِعيُر‪ ،‬والت ّ ْ‬
‫ست ََزاد َ فََقد ْ أْرَبى"‪.‬‬ ‫ن َزاد َ أوْ ا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫واٍء‪ ،‬فَ َ‬
‫س َ‬
‫واًء ب َ‬
‫س َ‬
‫ل‪َ ،‬‬ ‫مث ْ ٍ‬
‫بِ ِ‬
‫وقولك في السؤال‪ :‬بأن الدينار قيمته ثابتة ل تتغيــر‪ ،‬فهــذا‬
‫غير صواب‪ ،‬بــل الــدينار يتغيــر مــن قــديم الزمــن‪ ،‬وكــذلك‬
‫درهم الفضة‪ ،‬ولو فرضنا أنــه ل يتغيــر فــإن الشــارع أثبــت‬
‫ة‪ "...‬إلى أن قال‬ ‫ة بالفض ِ‬ ‫ب والفض ُ‬ ‫ب بالذه ِ‬ ‫الربا فيه‪" :‬الذه ُ‬
‫ل‪ ،‬سواًء بسواٍء"‪.‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬مثل ً بمث ٍ‬
‫وأمــا قولــك‪ :‬إن العملت أصــبحت الن تبــاع وتشــترى‪،‬‬
‫ضا‪ -‬في الزمن السابق كانت الدنانير والــدراهم‬ ‫فكذلك ‪ -‬أي ً‬
‫تباع وتشترى‪ ،‬ولهذا ورد في حديث ابن عمــر ‪-‬رضــي اللــه‬
‫خــذ ُ‬
‫دنانيرِ وآ ُ‬ ‫ل بــالب َِقيِع فــأبيعُ بالــ ّ‬ ‫لبــ َ‬‫ت أبيــعُ ا ِ‬‫عنهمــا‪ :-‬كنــ ُ‬
‫خـذ ُ الــدنانيَر‪ .‬أخرجــه أحمــد )‬ ‫م‪ ،‬وأبيـعُ بالــدراهم ِ وآ ُ‬ ‫الــدراه َ‬
‫‪ ، (6427‬وأبـــو داود )‪ .(3354‬يعنـــي‪ :‬يـــبيعون بالـــدراهم‬
‫ويبــدلون بالــدراهم دنــانير‪" ،‬ونــبيع بالــدنانير ونأخــذ عليهــا‬
‫الدراهم"‪ .‬والنبي صــلى اللــه عليــه وســلم قــال‪" :‬الــذهب‬
‫بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة‪ "..‬إلى أن قال‪" :‬مثل بمثل سواء‬
‫بسواء"‪ .‬وهذا المضروب وغير المضروب‪ ،‬فثبوت الربا في‬
‫الذهب والفضة )الــدراهم والــدنانير(‪ ،‬ومــا ذكــره الســائل‪-‬‬
‫من شبهتين‪ ،‬هذا غير مسّلم كما ذكرنا‪ ،‬وإذا ثبت هــذا فــي‬
‫الذهب والفضة‪ ،‬فــإن الشــريعة ل تفــرق بيــن المتمــاثلت‪،‬‬
‫فالعلة ‪ -‬كمــا ذكــر شــيخ الســلم ابــن تيميــة رحمــه اللــه‪،‬‬
‫وغيره‪ -‬في الذهب هي كونه ثمن الشــياء‪ ،‬وهــذا يــرد الن‬
‫على العملت الورقية‪ ،‬أنها ثمن للشياء فيسري فيها الربا‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫=================‬
‫‪#‬هل هذا من الربا؟‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 9‬ص ‪(95‬‬
‫هل هذا من الربا؟‬
‫المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع‬
‫عضو هيئة كبار العلماء‬
‫المعاملت‪ /‬الربا والقرض‪/‬أحكام البنوك والتعامل معها‬
‫التاريخ ‪13/7/1425‬هـ‬
‫السؤال‬
‫شــيخي الفاضــل‪ :‬الســلم عليكــم ورحمــة اللــه و بركــاته‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫أرجو إفتائي في بعض المسائل المتعلقــة بــالقروض وهــي‬
‫كالتالي‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا أردت شراء سيارة بنظــام القســط )وطبع ـا ً ســوف‬
‫يخبرني البائع عن سعر الفائدة‬
‫الــذي ســوف يحســب علــى أساســه القســط‪ ،‬وهــذا تبع ـا ً‬
‫للضمانات التي سوف أقدمها له(‪ ،‬هل هذا يعتبر ربا ً أم ل؟‬
‫إذا كنت قد أخذت بالفعل قرضا ً من بنــك مــا‪ ،‬لحــاجتي لــه‬
‫في عملي ومعاشي‪ ،‬وقد كنت‬
‫أخذت جزءا ً منـه لشـراء سـيارة‪ ،‬هـل هـذا ربـا؟ وإذا كـان‬
‫كذلك‪ ،‬ماذا أفعل للتخلص منــه ومــن ذنبــه؟ ‪-‬ولكــم جزيــل‬
‫الشكر و جعلكم الله نفعا ً للمسلمين‪.-‬‬
‫الجواب‬
‫وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫طالما أن السائل قد اشــترى‪ ،‬أو قــد اتفــق مــع مريــد بيــع‬
‫السيارة على الشراء‪ ،‬وعلى ثمــن الشــراء‪ ،‬وعلــى تحديــد‬
‫الجل‪ ،‬وعلى تحديد الثمن‪ ،‬ثم جرى العقد بينهما على هــذا‬
‫التفاق‪ ،‬بعد أن تم التأكد بأن البائع مالك للــذي بــاعه وهــو‬
‫ل‪ ،‬فل يظهر في ذلك بأس‪ ،‬ول يعتــبر ذلــك مــن‬ ‫السيارة مث ً‬
‫المور المنهي عنها‪ ،‬أو من المور الربوية‪ ،‬وإنمـا هـذا بيـع‪،‬‬
‫والله ‪ -‬سبحانه وتعــالى‪ -‬يقــول‪" :‬وأحــل اللــه الــبيع وحـّرم‬
‫الربا"]البقرة‪ ،[275 :‬وقــال ‪ -‬ســبحانه وتعــالى‪ -‬فــي ذكــر‬
‫أحكام البيوع المؤجلة‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين‬

‫‪324‬‬
‫إلى أجــل مســمى فــاكتبوه‪]"...‬البقــرة‪ ،[282 :‬فهــذا يــدل‬
‫على أن الــبيع إذا كــان مــؤجل ً فهــو بيــع صــحيح‪ ،‬ولــو كــان‬
‫الثمن زائدا ً عن قيمته أو ثمنه في الحال‪ ،‬فإن هذه الزيادة‬
‫في مقابل تأجيل الثمن إلى ما يتفقان عليه‪.‬‬
‫أما ما ذكر السائل من أنــه أخــذ مــن البنــك قرضـا ً بفــائدة‬
‫ربوية وليس شراء سلعة ونحوها‪ ،‬فهو حــرام‪ ،‬وقــد قــال ‪-‬‬
‫سبحانه وتعالى‪ -‬في كتابه الكريم‪" :‬وأحل الله البيع وحــرم‬
‫الربــا"]البقــرة‪ ،[275 :‬وقــال ‪-‬ســبحانه وتعــالى‪" :-‬يــا أيهــا‬
‫الذين آمنوا اتقــوا اللــه وذروا مــا بقــي مــن الربــا إن كنتــم‬
‫مـــؤمنين فـــإن لـــم تفعلـــوا فـــأذنوا بحـــرب مـــن اللـــه‬
‫ورســوله"]البقــرة‪ ،[279-278 :‬وقــال ‪ -‬صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم‪" :-‬لعن الله آكل الربا‪ ،‬ومــوكله‪ ،‬وشــاهديه‪ ،‬وكــاتبه"‬
‫رواه مسلم)‪ ،(1597‬وعليه أن يتقــي اللــه ‪ -‬ســبحانه‪ -‬وأن‬
‫يتوب‪ ،‬وأن يستشعر ذنبه في ذلك‪ ،‬وأل يعود إلى مثل هذا‪،‬‬
‫ونظــرا ً إلــى أن القضــية قــد انتهــى أمرهــا‪ ،‬وليســت الن‬
‫بمقدوره حتى يحتاط‪ ،‬وحتى يقلع‪ ،‬ويبتعد‪ ،‬بل حســبما جــاء‬
‫فــي ســؤاله أن اقتراضــه قــد تــم‪ ،‬وأنــه قــد أخــذ المبلــغ‪،‬‬
‫واشــترى ببعضــه ســيارة وبــاقيه قضــى بــه حــوائجه‪ ،‬وقــد‬
‫استقرت ذمته بذلك المبلغ‪ ،‬وبمـا عليــه مـن فـوائد ربويـة‪،‬‬
‫وهذا ل شك أنه إجرام‪ ،‬ول شك أنه معصية منه‪ ،‬فعليــه أن‬
‫يستغفر الله‪ ،‬وأن يتوب إليه‪ ،‬ونسأل الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪-‬‬
‫أن يتجاوز عنه‪ ،‬ويغفر له‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬العمل في البنوك‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 9‬ص ‪(97‬‬
‫العمل في البنوك‬
‫المجيب د‪ .‬خالد بن علي المشيقح‬
‫عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم‬
‫المعاملت‪ /‬الربا والقرض‪/‬أحكام البنوك والتعامل معها‬
‫التاريخ ‪23/3/1424‬هـ‬
‫السؤال‬
‫ما حكم العمل في البنوك؟ فأنا كنت أعمل في بنك ببلدي‬
‫فيها يطلق عليها البنوك السلمية‪ ،‬لكنها في حقيقة المــر‬

‫‪325‬‬
‫ليست كذلك‪ ،‬فكيف أكفر عن هذا العمل الذي كنت أعمل‬
‫به؟ فأرجو من فضيلتكم الفادة‪ ،‬وجزاكم الله خيرًا‪.‬‬
‫الجواب‬
‫المــال إذا كــان محرمــا ً لكســبه‪ ،‬فل يخلــو الكاســب مــن‬
‫أمريــن‪ ،‬المــر الول‪ :‬أن يعلــم وجــه التحريــم‪ ،‬وأن هــذا‬
‫الكسب محرم فإن عليه أن يتخلص منه بوجــوه القربــات‪،‬‬
‫حيث يتصدق بــه علــى الفقــراء والمســاكين‪ ،‬ويجعلــه فــي‬
‫الجمعيات الخيريـة وبنـاء المسـاجد‪ ،‬والمـدارس الشـرعية‬
‫وغير ذلك‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬أن يجهل أن هــذا المــر محــرم‪ ،‬أو يظــن أنـه‬
‫حلل‪ ..‬إلخ‪ ،‬ثم يتوب فهذا ليس عليه شيء‪.‬‬
‫=============‬
‫‪#‬التقسيط بين البنك والمعرض‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 9‬ص ‪(98‬‬
‫التقسيط بين البنك والمعرض‬
‫المجيب د‪ .‬راشد بن أحمد العليوي‬
‫عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم‬
‫المعاملت‪ /‬الربا والقرض‪/‬أحكام البنوك والتعامل معها‬
‫التاريخ ‪6/3/1424‬هـ‬
‫السؤال‬
‫عندي معرض سيارات‪ ،‬وأمتلك فيه سيارات‪ ،‬وأبيعهــا لمــن‬
‫جاء بالكاش‪ ،‬ومــن أراد أن يشــتري بالتقســيط أقــول لــه‪:‬‬
‫اذهــب لي بنــك راتبــك محــول عليــه‪ ،‬مــا عــدا الراجحــي‪،‬‬
‫وأطلب منه أن يحضر مشهدا ً براتبـه‪ ،‬ثـم أعطيـه تسـعيرة‬
‫للبنك المحول راتبه عليه‪ ،‬ليشتري البنك الســيارة‪ ،‬والبنــك‬
‫يرسل خطابا ً بالموافقة على أن يشــتري الســيارة ويبيعهــا‬
‫بالقساط على الزبون‪ ،‬وقد يحدث بيننا وبين البنك تفاوض‬
‫على الســعر‪ ،‬وإذا تــم التفــاق نبعــث بيانــات الســيارة ثــم‬
‫يبيعهــا للزبــون‪ ،‬وتصــبح فــي ملكيــة الزبــون‪ ،‬ثــم يعرضــها‬
‫الزبون للبيع وهي عندنا في المعرض‪ ،‬فنتفاوض معه علــى‬
‫شــراء الســيارة منــه‪ ،‬وقــد نتفــق وقــد ل نتفــق‪ ،‬ويســحب‬
‫سيارته ويبيعها على غيرنا‪.‬‬
‫الجواب‬

‫‪326‬‬
‫هذا العمل لم يستوف الجــراءات الشــرعية‪ ،‬وبالتــالي فل‬
‫يسوغ شرعًا‪ ،‬والجراءات الشرعية كما يلي‪ :‬إذا جــاء مــن‬
‫يرغب الشراء بالتقسيط فل بأس أن يعطــي إفــادة بالبنــك‬
‫طى تســعيرة للســيارة‪ ،‬ثــم يتعيــن‬‫المحول راتبه عليه‪ ،‬وي ُعْ َ‬
‫على البنك أن يشتري السيارة من المعرض ويخرجها منه‪،‬‬
‫ويحوزها بأوراقها النظامية‪ ،‬ثم بعد ذلك يعقد مع المشتري‬
‫عقد البيع بالتقسيط‪ ،‬ثم بعد أن يقبضها المشتري ويحوزها‬
‫بأوراقها النظامية‪ ،‬ويستلمها من البنك‪ ،‬ويخرجها عن موقع‬
‫البيع‪ ،‬له أن يبيعهــا فــي أي مكــان وعلــى أي شــخص عــدا‬
‫البنك‪ ،‬ولو كان المعرض الول‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬أموال الربا بعد التوبة‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 9‬ص ‪(204‬‬
‫أموال الربا بعد التوبة‬
‫المجيب محمد بن صالح الدحيم‬
‫القاضي في محكمة الليث‬
‫التصــنيف الفهرســة‪ /‬المعــاملت‪ /‬الربــا والقــرض‪/‬الفــوائد‬
‫الربوية وكيفية التخلص منها‬
‫التاريخ ‪8/3/1423‬‬
‫السؤال‬
‫يقول الله ‪-‬ســبحانه وتعــالى‪ -‬فــي ســورة البقــرة فــي آيــة‬
‫الربا‪" :‬فمن جاءه موعظة من ربه فــانتهى فلــه مــا ســلف‬
‫وأمره إلى اللــه" ]البقــرة‪ [275:‬اليــة‪ ،‬هــل هــذا يعنــي أن‬
‫المرابي إذا تاب عن الربا ولديه أموال مختلطة تكون حلل ً‬
‫لــه‪ ،‬ويعفــى عنــه؟ أم يجــب عليــه إخــراج أمــوال الربــا‬
‫والتخلص منها؟‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬وبعد‪ :‬فهذه مسألة مــن المســائل الكبــار‬
‫وتحتاج إلى فتــوى محــررة‪ ،‬ولــذا فــإنني ســأنقل هنــا كلم‬
‫شيخ السلم‪ /‬ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪ -‬حيث حرر وشفى‪.‬‬
‫قال ‪-‬رحمه الله‪..." :-‬وأما ما كان قبضه‪ ،‬فقــد قــال‪" :‬فلــه‬
‫ما سلف وأمــره إلــى اللــه" ]البقــرة‪ ، [275:‬فاقتضــى أن‬
‫السالف له للقابض‪ ،‬وأن أمره إلى الله وحده ل شريك له‪،‬‬

‫‪327‬‬
‫ليس للغريم فيه أمر‪ ،‬وذلك أنه لما جاءه موعظة من ربــه‬
‫فانتهى كان مغفرة ذلك الذنب والعقوبــة عليــه إلــى اللــه‪،‬‬
‫وهذا قد انتهى في الظاهر "فله ما سلف وأمره إلى الله"‬
‫]البقرة‪ [275:‬إن علم من قلبه صحة التوبــة غفــر لــه وإل‬
‫عاقبه‪.‬‬
‫ثــم قــال‪" :‬اتقــوا اللــه وذروا مــا بقــي مــن الربــا إن كنتــم‬
‫مؤمنين" ]البقرة‪ ،[278:‬فأمر بترك الباقي ولــم يـأمر بــرد‬
‫المقبوض‪.‬‬
‫وقال‪" :‬وإن تبتم فلكم رؤوس أمــوالكم" ]البقــرة‪ [279:‬ل‬
‫يشترط منها ما قبض‪ ،...‬والقــرآن يــدل علــى هــذا بقــوله‪:‬‬
‫"فمــن جــاءه موعظــة مــن ربــه فــانتهى فلــه مــا ســلف"‬
‫]البقرة‪ ،[275:‬وهذا عام في كل مــن جــاءه موعظــة مــن‬
‫ربه‪ ،‬فقد جعل الله له ما سلف‪ ،...‬وهــذا وإن كــان ملعونـا ً‬
‫على ما أكله وأوكله فإذا تاب غفــر لــه‪ ،‬ثــم المقبــوض قــد‬
‫يكون اتجــر فيــه وتقلــب‪ ،‬وقــد يكــون أكلــه ولــم يبــق منــه‬
‫شيء‪ ،‬وقد يكون باقيًا‪ ،‬فإذا كان قد ذهب وجعله دينا ً عليــه‬
‫كان في ذلك ضرر عظيم‪ ،‬وكان هذا منفرا ً عــن التوبــة‪،...‬‬
‫وكثير من العلماء يقولون‪ :‬إن السارق ل يغــرم لئل يجتمــع‬
‫عليــه عقوبتــان‪...‬وهــذا أولــى لئل يجتمــع علــى المرابــي‬
‫عقوبتان إسقاط ما بقي والمطالبة بما أكل وإن كان عيــن‬
‫المال باقيا ً فهو لم يقبضه بغير اختيار صاحبه‪ ،...‬بل قبضــه‬
‫باختياره ورضاه بعقد من العقود‪ ،‬وهــو لــو كــان كــافرا ً ثــم‬
‫أسلم لم يرده‪ ،‬وقد قال ‪-‬تعالى‪" :-‬فمن جاءه موعظة من‬
‫ربه فانتهى فلــه مــا ســلف وأمــره إلــى اللــه‪] "...‬البقــرة‪:‬‬
‫‪ ،[275‬ومن تدبر أصول الشرع علــم أنــه يتلطــف بالنــاس‬
‫في التوبة بكل طريق‪.‬‬
‫من كتاب )تفسير آيات أشكلت ‪(595-2/574‬‬
‫================‬
‫‪ #‬الوفاء بدين الربا‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 9‬ص ‪(212‬‬
‫الوفاء بدين الربا‬
‫المجيب د‪.‬حمد بن حماد الحماد‬
‫عضو هيئة التدريس بالجامعة السلمية‬

‫‪328‬‬
‫التصنيف الفهرســة‪ /‬المعــاملت‪ /‬الربــا والقــرض‪/‬بطاقــات‬
‫الئتمان‬
‫التاريخ ‪17/10/1423‬‬
‫السؤال‬
‫قبل سنوات كان لدي عدد من بطاقات الئتمــان ( )‪Credit‬‬
‫‪ ،((Cards‬وبعد مدة طويلة مــن الســتخدام والتســديد جــاء‬
‫وقــت لــم أســتطع فيــه الوفــاء بالســتحقاقات الشــهرية‪،‬‬
‫فبدأت ل أدفع‪ ،‬وكنت أظن أنه ل ذنب علــي؛ لن شــركات‬
‫بطاقات الئتمان لم تكن شركات إســلمية‪ .‬وبعــد محادثــة‬
‫مع صديق لي أحسست بالندم على ما فعلت‪ .‬فماذا يجــب‬
‫علــي الن أن أفعــل؟ إذ مــن الصــعب التصــال بجميــع‬
‫الشركات‪ ،‬كما أنها ستطالب بتســديد المبــالغ إضــافة إلــى‬
‫غرامــات التــأخير فــي الســداد‪ ،‬وكــذلك الفــوائد الربويــة )‬
‫‪ ،(interest‬فمــاذا أفعــل لكــي تــبرأ ذمــتي‪ ،‬وتقبــل توبــتي؟‬
‫جزاكم الله خيرًا‪.‬‬
‫الجواب‬
‫فيما يتعلق بالستحقاقات المترتبة عليــك بســبب بطاقــات‬
‫ل‪ :‬يجــب عليــك التوبــة‬‫الئتمان ‪-‬كما ورد فــي الســؤال‪ ،-‬أو ً‬
‫والندم وعدم العودة؛ لنك ارتكبت أمرا ً عظيما ً باشــتراكك‬
‫في عقود تعلم أن فيها ربا‪.‬‬
‫وثانيًا‪ :‬يجب عليك أن ترد الحقــوق لهلهــا ‪-‬وإن كــانوا غيــر‬
‫مسلمين‪ ،-‬لكن إن اســتطعت أن تعطيهــم حقــوقهم فقــط‬
‫بدون زيادة بسبب ربا‪ ،‬أو عقد باطل فلك ذلك‪ ،‬أقــول‪ :‬إن‬
‫استطعت ولم يلحقك مسؤولية‪ ،‬أو ضرر فلك ذلك‪ ،‬والله ‪-‬‬
‫سبحانه وتعالى ‪ -‬أعلم‪.‬‬
‫=============‬
‫‪#‬هل هذا من الربا‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 9‬ص ‪(254‬‬
‫هل هذا من الربا‬
‫المجيب د‪ .‬عبد الله بن محمد السعيدي‬
‫عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود‬
‫التصــنيف الفهرســة‪ /‬المعــاملت‪ /‬الربــا والقــرض‪/‬مســائل‬
‫متفرقة‬

‫‪329‬‬
‫التاريخ ‪14/04/1425‬هـ‬
‫السؤال‬
‫لي زميل في العمل تّقدم بطلب للحصول على شــقة مــن‬
‫أحد المشاريع لسكان الشباب‪ ،‬حيــث تبلــغ قيمــة الوحــدة‬
‫نحــو‪ 27000 :‬جنيــه‪ ،‬يــدفع منهــا قبــل اســتلم الوحــدة‬
‫‪12500‬جنيه‪ ،‬والباقي بأقساط شهرية علــى ‪33‬ســنة‪ ،‬مــع‬
‫العلم بوجود زيادة على أصل المبلغ‪ ،‬مقابل التقسيط فــي‬
‫الــدفع "يــدفع المبلــغ المتبقــي بإجمــالي أقســاط نحــو‬
‫‪25000‬جنيــه"‪ ،‬وكــذا وجــود غرامــات للتــأخير فــي دفــع‬
‫القســـاط الشـــهرية‪ ،‬مـــع العلـــم أن هيئة المجتمعـــات‬
‫العمرانيــة قــد اتفقــت مــع بنــك الســكان والتعميــر علــى‬
‫دد‬ ‫الحصول على قرض ‪15000‬جنيه للوحدة الواحدة‪ ،‬تســ ّ‬
‫بمعرفة المنتفع على ‪33‬سنة ‪25000‬جنيه‪.‬‬
‫‪-1‬هل هذا من باب الربا المحرم؟‬
‫‪-2‬ماذا أفعل لو كانت من الربا؟‬
‫أ‪-‬إذا دفعت جميع المبلــغ المتبقــي دفعــة واحــدة )‪15000‬‬
‫جنيه( لن يتبقى معــي مــن المــال مــا أســتطيع الــزواج بــه‬
‫وتجهيز بيت الزوجية‪ ،‬وبالتالي ســيتأخر زواجــي نحــو أربــع‬
‫سنوات تقريبًا‪.‬‬
‫ب‪-‬هل أقوم بتقســيط المبلــغ علــى أربــع ســنوات اختيــارا ً‬
‫لخف الضررين بالنسبة لي؟‬
‫ج‪-‬هل أفسخ العقــد‪ ،‬مــع العلــم بــأني سأخســر مبلغـا ً مــن‬
‫المال؟‬
‫الجواب‬
‫يا أخي ‪-‬حفظك الله‪ -‬قد تضمن سؤالك عدة مسائل‪:‬‬
‫أولهــا‪ :‬أن قيمــة الشــقة نقــدًا= ‪ 27‬ألفـًا‪ ،‬ول إشــكال فــي‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ثانيهــا‪ :‬أن قيمــة الشــقة بالتقســيط=‪ 37500‬جنيــه ول‬
‫إشكال في ذلك‪ ،‬إذا خل من موانع أخرى‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬ما يفرض من غرامة علــى تــأخير ســداد القســاط‪،‬‬
‫وهو ربا ل يجوز الوفاء به‪ ،‬ويمكن تلفيه من خلل اللــتزام‬
‫بالوفاء في الوقت المحدد‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫رابعها‪ :‬اتفاق هيئة المجتمعات العمرانية مع بنــك الســكان‬
‫والتعمير على تقديم قرض بقدر ‪15000‬يسدد علــى مــدار‬
‫‪33‬سنة بقدر ‪ ،25000‬والقرض بهذه الصورة ربا ل يجــوز‪،‬‬
‫فإن كــان المقــترض هــو هيئة المجتمعــات العمرانيــة فــإن‬
‫ذلك يحتمل احتمالين‪:‬‬
‫الحتمال الول‪ :‬أن مشــتري الشــقة يســدد للبنــك الربــوي‬
‫بالنيابة عن المدين الصــلي للبنــك وهــي هيئة المجتمعــات‬
‫العمرانية‪ ،‬وعلى هذا الحتمال الولى أن يجتنب المشــتري‬
‫التسديد للبنك‪ ،‬ويسدد للبائع مباشرة‪ ،‬فإن لم يمكنه ذلــك‪،‬‬
‫وكان محتاجا ً للسكن‪ ،‬ول تسعفه إمكانات في الشراء مــن‬
‫جهة غير هذه الجهة‪ ،‬فأرجو أل حرج عليه‪ ،‬فإنه ليس طرفا ً‬
‫في الربا‪ ،‬إذ إن طرفيه الهيئة‪ ،‬والبنك‪.‬‬
‫الحتمال الثاني‪ :‬أن مشتري الشــقة يســدد للبنــك الربــوي‬
‫على وجه الحوالة‪ ،‬بمعنــى أن الهيئة ‪-‬وهــي مــدين للبنــك ‪-‬‬
‫قد أحالت دائنها )البنك(‪ ،‬علــى مــدينها )مشــتري الشــقة(‪،‬‬
‫ويكون ذلك بعقد بين الطراف يتــم بعــد إبــرام عقــد الــبيع‬
‫بيــن الهيئة والمشــتري‪ ،‬وعلــى هــذا الحتمــال يكــون عقــد‬
‫ل‪ ،‬فل يــؤدي المشــتري الثمــن للبنــك‪ ،‬لكــن‬ ‫الحوالــة بــاط ً‬
‫للهيئة‪ ،‬فإن ألزمته الهيئة بالدفع للبنك كان ذلك على وجــه‬
‫الوكالة؛ نظرا ً لبطلن الحوالة‪ ،‬وإذا كان على وجه الوكالــة‬
‫فقد تقدم الكلم عليه في الحتمال الول‪.‬‬
‫فإذا لم يكن المشتري طرفا في الربا‪ ،‬ولم يكن قصده‪ ،‬أو‬
‫رضــي بــه وأرغــم علــى الوفــاء للبنــك كمــا تقــدم‪ ،‬وكــان‬
‫محتاجًا‪ ،‬ول يجد طريقا ً غير ذلك‪ ،‬فأرجو أل حرج عليه‪.‬‬
‫وإن كان المقــترض هــو مشــتري الشــقة‪ ،‬بمعنــى أن هيئة‬
‫المجتمعات العمرانية قد اتفقت مع بنك السكان والتعمير‬
‫دم البنك للمشتري قرضا ً قــدره ‪15000‬ليــرده‬ ‫على أن يق ّ‬
‫المشتري إلى البنك بعد ‪33‬ســنه بقــدر ‪25000‬فهــذا ربــا‪،‬‬
‫فإذا أقدم عليه المشتري وقع في الربا‪ ،‬فعليه التوبــة إلــى‬
‫الله ‪-‬تعالى‪ ،-‬وعليه الخروج من هذا الربــا بمــا يمكنــه مــن‬
‫طرق مشروعة منها‪:‬‬
‫‪-1‬أن يتفق مع البنك على إسقاط الفائدة‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫‪-2‬أو يتفق معه على أن يعجل له القرض لتسقط الفــائدة‪،‬‬
‫ويمكنه حينئذ أن يتجه إلى بنك إسلمي في بلده؛ ليشتري‬
‫منهم بنظام المرابحة "التورق" ما يحصل منه على سيولة‬
‫عاجلة يسدد بها ما عليه من قرض دفعة واحدة‪ ،‬ثم يســدد‬
‫للبنك السلمي ثمن ما اشتراه منه علــى أقســاط حســب‬
‫اتفاقهما‪.‬‬
‫‪-3‬أو أن يفسخ العقـد‪ ،‬إذا لـم يجـد مخرجـا ً يخـرج بـه مـن‬
‫الربا‪.‬‬
‫"ومــن يتــق اللــه يجعــل لــه مخرجــا ويرزقــه مــن حيــث ل‬
‫يحتسب"]الطلق‪.[3-2 :‬‬
‫أما قولك‪) :‬هل أقوم بتقسيط المبلغ على أربع سنوات‪(...‬‬
‫لم تظهر لي فيه وجه تلفي الربا‪.‬‬
‫وأخيرا ً فإني أوصي بتقوى الله ‪-‬عز وجل‪ -‬فإن الدنيا فانيــة‬
‫والخرة باقية‪ ،‬ومن تقواه‪:‬‬
‫أ‪-‬اجتناب الشبهات "فمن اتقى الشبهات اســتبرأ لــدينه‪(...‬‬
‫الحديث رواه البخــاري)‪ ،(52‬ومســلم)‪ (1599‬مــن حــديث‬
‫النعمان بن بشير ‪-‬رضي الله عنهما‪.-‬‬
‫ب‪-‬السؤال عن الشيء قبل الوقوع فيه‪.‬‬
‫ج‪ -‬الرجوع إلى الحق بعد تــبينه‪ ،‬فــإن الرجــوع إلــى الحــق‬
‫خير من التمادي في الباطل‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬كفالة مقترض الربا‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 9‬ص ‪(327‬‬
‫كفالة مقترض الربا‬
‫المجيب أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميــد كليــة الشــريعة بجامعــة المــام محمــد بــن ســعود‬
‫السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬الضمان والكفالة‬
‫التاريخ ‪24/11/1423‬هـ‬
‫السؤال‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫هناك مؤسسة تعنى بشؤون الســكان تقــدم قروضــا لمــن‬
‫يرغب في استكمال إعمار بيتــه بفــائدة قليلــة ‪ %3‬ولمــده‬
‫تزيد على خمس سنوات مــن بــاب مصــاريف المــوظفين‪،‬‬
‫وقد أفتى بعض العلماء هنا بجواز ذلك فهــل يجــوز لــي أن‬
‫أكفل شخصا ً يريد أخذ قرض من هذه المؤسسة؟‬
‫الجواب‬
‫ل يجوز القــتراض بفــائدة ربويــة مهمــا قلــت النســبة ولــو‬
‫وزعت على عشرات السنين لن قليل الربا وكثيره حرام‪،‬‬
‫وتبرير هــذه النســبة الربويــة علــى أنهــا أتعــاب ومصــاريف‬
‫للموظفين غيــر صــحيح وإنمــا ذلــك تزييــن مــن الشــيطان‬
‫والنفس أمارة بالسوء ول أعرف فتوى معتبرة لهل العلم‬
‫كما ذكرت في سؤالك‪ ،‬إذ ربما السؤال أو تعليــل الجــواب‬
‫على غير هذه الصورة المسؤول عنهــا هنــا‪ .‬وعلــى فــرض‬
‫وقوع هذه الفتوى على هذه الصورة فإنه من الخير لك أن‬
‫تجتنــب الشــبهات فتأخــذ بــالحوط فيمــا يخصــك لحــديث‬
‫النعمان بن بشير "الحلل بين والحرام بيــن وبينهمــا أمــور‬
‫مشتبهات ل يعلمهن كثير من الناس فمن اتقــى الشــبهات‬
‫فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع فــي‬
‫الحــرام" البخــاري )‪ ،(52‬ومسـلم )‪ (1599‬وفــي الحــديث‬
‫الصحيح " البر حسن الخلـق والثـم مـا حـاك فـي النفـس‬
‫وكرهــت أن يطلــع عليــه النــاس" مســلم )‪ (2553‬وفــي‬
‫الحديث الخر‪" :‬استفت قلبك البر ما اطمــأن إليــه القلــب‬
‫والثم ما حاك في النفــس وتــردد فــي الصــدر وإن أفتــاك‬
‫الناس وأفتوك" أحمد )‪ .(18006‬وعلى هذا فل يجــوز لــك‬
‫أن تكفل شخصا ً يتعامل بهذه المعاملة‪ .‬وصــلى اللــه علــى‬
‫نبينا محمد‪.‬‬
‫===============‬
‫‪#‬هل هذا الصرف من الربا؟‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 9‬ص ‪(351‬‬
‫هل هذا الصرف من الربا؟‬
‫المجيب د‪ .‬محمد بن سعود العصيمي‬
‫أستاذ القتصاد السلمي المشارك بجامعــة المــام محمــد‬
‫بن سعود السلمية‬

‫‪333‬‬
‫التصنيف الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬الحوالة‬
‫التاريخ ‪25/08/1425‬هـ‬
‫السؤال‬
‫أنا تاجر‪ ،‬وأشتري ‪-‬من عنــد أحــد الصــرافين أحيانـًا‪ -‬مبــالغ‬
‫من الدولر أو اليورو محولــة إلــى الصــين والهنــد‪ ،‬وتكــون‬
‫طريقة البيع كالتالي‪ :‬نتفق على الســعر للــدولر أو اليــورو‬
‫الواحد مقابل العملة الوطنيــة)‪ 330‬أوقيــة مقابــل الــدولر‬
‫الواحد مثل( أعطيه نصف المبلغ أو أقــل منــه‪ ،‬ويقــوم هــو‬
‫بتحويل المبلغ إلى الدولة المطلوبــة‪ ،‬وبعــد وصــول المبلــغ‬
‫أدفع له الباقي‪.‬هل يوجد في هذه العملية ربا؟‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله والصلة علــى رســول اللــه وعلــى آلــه وصــحبه‬
‫ومن واله‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫ل بد أول ً من التصارف الصحيح‪ ،‬وذلك بأن يسلم من يريــد‬
‫الحوالة كامل المبلغ إلى محل الصرف أو البنــك التجــاري‪،‬‬
‫ويستلم القيمة بالعملة المطلوبة‪ ،‬وهي الــدولر المريكــي‬
‫أو اليورو كما في السؤال‪ .‬ثم تجري الحوالة بعد ذلك‪ .‬وقد‬
‫جعل مجمع الفقه الســلمي القيــد البنكــي قبضــا‪ .‬وعليــه‪،‬‬
‫فلو ســلم طــالب الحوالــة المبلــغ‪ ،‬وقيــد البنــك مــا يقــابله‬
‫بالعملة المطلوبة )وهــي الــدولر أو اليــورو(‪ ،‬فتعــد قبضــا‪،‬‬
‫ويصح عقد الصرف‪ .‬ثم تجري الحوالة بعد ذلك‪.‬‬
‫والله أعلم وأحكم‪.‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬العمل في شركة أصل مالها من الربا‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 10‬ص ‪(32‬‬
‫العمل في شركة أصل مالها من الربا‬
‫المجيب نزار بن صالح الشعيبي‬
‫القاضي بمحكمة الشقيق‬
‫التصنيف الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬الجارة والجعالة‬
‫التاريخ ‪28/2/1425‬هـ‬
‫السؤال‬
‫أعمل في شركة كبيرة‪ ،‬وأنا موظفـة بهـا منـذ سـنة‪ ،‬رأس‬
‫مال الشركة عبارة عن قرض ومجموعة مساهمين دفعــوا‬

‫‪334‬‬
‫مبالغ لنشاء هذه الشركة‪ ،‬ولكــن بعــد ســنوات تــم شــراء‬
‫الشركة من قبل الدولة‪ ،‬وتــم ســداد القــرض‪ ،‬وتــم إرجــاع‬
‫المبالغ الخاصة بالمساهمين‪ ،‬أي أن الشركة أصبحت تابعة‬
‫للدولة‪ ،‬وأصبحت إيراداتها تابعة لخزينة الدولــة‪ ،‬وأصــبحت‬
‫مرتبات موظفيها مــن خزينــة الدولــة‪ ،‬ولكــن ســؤالي هــل‬
‫مرتباتنا حرام باعتبار أن الشركة عندما بدأت كانت عبــارة‬
‫عن قرض ربوي أي ما بني على باطــل فهــو باطــل‪ ،‬وهــل‬
‫يجوز لي العمل في مكان أختلط به مع الرجال قليل ً علمــا‬
‫بأن المسؤول عندنا رجل‪ ،‬وأنا أتعامل مــع الرجــال أحيان ـًا‪.‬‬
‫‪.‬أفيدوني مما أفادكم الله‪.‬‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫ما دام الحال ما ذكر وحيث إن الدولة قــامت بشــراء هــذه‬
‫الشركة وسداد هذا القــرض‪ ،‬وتــم إرجــاع المبــالغ الخاصــة‬
‫بالمساهمين‪ ،‬فكأن الــدائرة قــد بــدأت مــن جديــد والعقــد‬
‫السابق بين الشركة وموظفيها قد ألغــي ‪ ،‬وقــامت الدولــة‬
‫بالتعاقد من جديــد معكــم فل يــرد الشــكال المــذكور‪ ،‬أمــا‬
‫سؤالك عن حكم العمل في مكان يحصل به اختلط قليــل‬
‫فالجواب إن من القواعد المقررة في الشريعة منع كل ما‬
‫يؤدي إلى الرذيلة‪ ،‬ومتى علم وجود سبب يفضي غالبا ً إلى‬
‫المحرم فهو محرم‪ ،‬فالختلط مــتى أدى إلــى الفتنــة فهــو‬
‫محرم‪ ،‬أما إذا كان يسيرا ً كما تذكرين ولــم يصــاحبه خلــوة‬
‫أو تبرج وسفور‪ ،‬أو خضوع بــالقول فل حــرج فــي ذلــك إن‬
‫شاء الله ‪-‬تعالى‪.-‬‬
‫===============‬
‫‪#‬القانون ُيلزمه بتسديد فائدة الربا فماذا يفعل؟‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 12‬ص ‪(196‬‬
‫القانون ُيلزمه بتسديد فائدة الربا فماذا يفعل؟‬
‫المجيب عبد الله بن سليمان بن منيع‬
‫عضو هيئة كبار العلماء‬
‫التصــــنيف الفهرســــة‪ /‬فقــــه الســــرة‪ /‬استشــــارات‬
‫اجتماعية‪/‬أخرى‬
‫التاريخ ‪28/10/1424‬هـ‬

‫‪335‬‬
‫السؤال‬
‫تحملــت عــن امــرأة دينـا ً عليهــا‪ ،‬أخــذته عــن طريــق الربــا‬
‫وصورته‪) :‬أنها أخذت من امرأة ذهبا ً بقيمة ‪ 350‬ألف ريال‬
‫يمني إلى أجل‪ ،‬على أن ترده مع الزيادة‪ ،‬وأنــا الن أســدد‬
‫عنهــا الــدين مــع الزيــادة‪ ،‬لكونهــا فقيــرة ول تقــدر علــى‬
‫التسديد‪ ،‬وقد تتعرض لمشاكل عظيمــة‪ ،‬فمــا حكــم ذلــك؟‬
‫أفتونا مأجورين‪.‬‬
‫الجواب‬
‫إذا كــان الســائل والمــرأة المدينــة يســتطيعون أن يكتفــوا‬
‫بسداد رأس المال فقط فنقـول ينبغـي لهـم ذلـك‪ ،‬أمــا إذا‬
‫كان هناك إجبـار‪ ،‬وهنـاك قــوة تمثيليــة تأخــذ منهـم الحـق‪،‬‬
‫سواء أكان ذلك بحق مشروع أو غيــر مشــروع فينبغــي أن‬
‫يسدد عنها‪ ،‬وأن تبعـد عـن أسـباب إهانتهـا وإجبارهـا علـى‬
‫أمور ل تستطيع ردها‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬هل الربا ضرورة اقتصادية؟‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 12‬ص ‪(392‬‬
‫هل الربا ضرورة اقتصادية؟‬
‫المجيب د‪ .‬يوسف بن عبد الله الشبيلي‬
‫عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء‬
‫التصــنيف الفهرســة‪ /‬الــدعوة الســلمية‪/‬شــمول رســالة‬
‫السلم وعمومها‬
‫التاريخ ‪29/3/1425‬هـ‬
‫السؤال‬
‫أنا طالب مقيم فــي دولــة غربيــة‪ ،‬وخلل إقــامتي ناقشــت‬
‫بعض المسلمين الذين يجعلون العقل هو الحكم في قبول‬
‫أدلة الشرع‪ ،‬فأخذوا يناقشوني في حرمة الربا وأن الحــال‬
‫الن في العالم مــن العولمـة والبورصـة العالميـة تسـتلزم‬
‫التعامل بالفوائد‪ ،‬ولقد حــاولت تــبيين عظــم حرمــة الربــا‪،‬‬
‫ولكن للسف من غير فائدة‪ ،‬أرجو من سماحتكم تــوجيهي‬
‫في طريقـة مناقشـتهم والكتـب الـتي تنصـح فــي قراءتهـا‬
‫لمناقشة مثل هذا الصنف من الناس‪ .‬وجزاكم الله خيرًا‪.‬‬
‫الجواب‬

‫‪336‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫فمن الممكن مناقشة هؤلء من خلل عدة محاور‪:‬‬
‫الول‪ :‬بيان ما يجب على المسلم تجاه النصوص الشرعية‬
‫من التســليم والنقيــاد لحكــم اللــه‪ ،‬وأن المــؤمن ل يكــون‬
‫مؤمنا ً حقا ً حتى يحكــم النصــوص الشــرعية ســواء وافقــت‬
‫عقلــه القاصــر وهــواه أو لــم تــوافقه ‪ ،‬وأن مــن مقتضــى‬
‫اليمان بالله أن يستســلم العبــد لحكمــه ‪ ،‬يقــول ســبحانه‪:‬‬
‫كموك فيما شجر بينهم ثــم ل‬ ‫"فل وربك ل يؤمنون حتى يح ّ‬
‫يجدوا في أنفسهم حرجا ً ممــا قضــيت ويســلموا تســليما "‬
‫]النساء‪.[65:‬‬
‫الثاني‪ :‬على العبد أن يوقن دومـا ً أن حكــم اللــه فيــه غايــة‬
‫المصلحة والخير الدنيوي والخــروي للعبــاد‪ ،‬وأن العبــد إذا‬
‫ظهر له خلف ذلك فإنما هــو لقصــوره البشــري؛ لن اللــه‬
‫تعالى هو واضع هذه الحكام‪ ،‬وهو أدرى بمصالح العباد من‬
‫أنفسهم ‪ ،‬يقول تعالى‪" :‬ومن أحسن من الله حكم ـا ً لقــوم‬
‫يوقنون " ]المائدة‪.[50:‬‬
‫الثالث‪ :‬وأما كون النظام السائد في السواق العالمية هــو‬
‫نظــام الفــائدة فهــذا ل يعنــي أنــه أفضــل مــن النظــام‬
‫القتصادي الســلمي‪ ،‬لن انتشــار نظــام الفــائدة كــان لــه‬
‫أسبابه ومبرراته‪ ،‬ومنها الدعم الكبير الذي حظــي بــه هــذا‬
‫النظام من قبل المؤسسات الرأســمالية وأصــحاب النفــوذ‬
‫والسلطة ‪ ،‬وهم المستفيد الول منه‪ ،‬وصاحب ذلك ضعف‬
‫سياسي عند المسلمين نتج عنه غياب أو انحســار البــدائل‬
‫الشرعية المناسبة‪ ،‬وكــون الــدول الرأســمالية قــد حققــت‬
‫قدرا ً أكبر من الرفاهية مقارنة بالدول الخرى ل يرجع ذلك‬
‫بالضرورة إلى نجاح نظامها القتصادي ‪ ،‬فثمة عدة عوامل‬
‫ساعدت على ذلك من أهمها‪ :‬الستقرار السياســي‪ ،‬وبنــاء‬
‫مؤسسات المجتمع المدني من سلطة تشــريعية وقضــائية‬
‫وتنفيذيــة علــى نحــو تفــوقت فيــه علــى كــثير مــن الــدول‪،‬‬
‫والهم من ذلــك هــو ابتزازهــا لخيــرات الشــعوب الخــرى‪،‬‬
‫وتســـخيرها لكافـــة إمكانياتهـــا العســـكرية والسياســـية‬
‫والستخباراتية ‪ ،‬لدعم نظامها القتصادي ‪ ،‬تحت مســميات‬

‫‪337‬‬
‫متعـــددة‪ ،‬فتـــارة باســـم الســـتعمار ‪ ،‬وتـــارة بالضـــغوط‬
‫الخارجية‪ ،‬وأحيانا ً بالحصار القتصادي‪ ،‬ومكافحــة الرهــاب‪،‬‬
‫وأحيانــا ً بــدعوى الصــلح الداري‪ ،..‬وقــل مــا شــئت مــن‬
‫المسميات التي ل تنطلي على عاقــل‪ ،‬ويــدرك اللــبيب أن‬
‫المقصود منها هــو التضــييق علــى بقيــة الــدول وامتصــاص‬
‫خيراتها وإجهاض أي محاولة لمنافسة الدول الستعمارية‪.‬‬
‫الرابــع‪ :‬ول يخفــى علــى النــاظر بتمعــن مــا ســببه النظــام‬
‫الرأسمالي من ويلت ونكبات على الشعوب والمجتمعات‪،‬‬
‫حيث نجد دول ً برمتها تنهار اقتصــادياتها فــي أيــام معــدودة‬
‫بسبب الجو الملئم لمثل ذلك الذي أوجــده هــذا النظــام ‪،‬‬
‫كما يكفي أن نعــرف أن أكــثر مــن نصــف ســكان الرض ‪-‬‬
‫في ظل النظام الرأسمالي ‪ -‬يعيشون تحــت خــط الفقــر ‪،‬‬
‫وأن ‪ %5‬فقط من العالم تعادل ثروتهم ثروة بقية العــالم‪،‬‬
‫بل نجد المؤشــرات القتصــادية داخــل الــدول الرأســمالية‬
‫نفسها تشير إلى أن كفة الغنياء في تصاعد مستمر علــى‬
‫حساب الفقراء‪ ،‬ومرد ذلــك إلــى الليـة الــتي يســير عليهــا‬
‫ى‬
‫النظام الرأسمالي والتي من شــأنها أن تزيــد الغنــي غن ـ ً‬
‫والفقيــر فقــرا ‪ ،‬فكيــف يؤمــل بعــد ذلــك أن يعــم الرخــاء‬
‫بسيادة هذا النظام في العالم‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬وقد ظهرت بعض البدائل المتفقة مع االشريعة‬
‫الســلمية فــي العقــدين الماضــيين فــي البلــدان الغربيــة‬
‫نفســها ‪ ،‬فظهــر مــا يعــرف ب )صــناديق الســتثمار( )‬
‫‪ (Investment funds‬وهي فــي الحقيقــة مبنيــة علــى نظــام‬
‫المشاركة في الربح والخسارة الــذي عرفــه الســلم قبــل‬
‫أكثر مــن أربعــة عشــر قرنـًا‪ ،‬وقــد حققــت تلــك الصــناديق‬
‫نجاحا ً منقطع النظير على حساب نظام الفائدة ‪ ،‬مما حــدا‬
‫بكثير مــن الــدول الوروبيــة وعلــى رأســها ألمانيــا إلــى أن‬
‫تجعلها من ضمن العمال الساسية التي تمارســها البنــوك‬
‫التجارية‪ ،‬بعد أن كان مترسخا ً في الذهان لقرون متعــددة‬
‫أن دور المصارف يقتصر على القراض بــالفوائد ‪ ،‬ويكفــي‬
‫أن نعــرف أن القيمــة الســوقية لصــناديق الســتثمار فــي‬
‫أمريكــا وحــدها تزيــد عــن ثلثــة ترليونــات دولر ‪ ،‬وفــي‬
‫اعتقادي أن صناديق الستثمار خطوة في التجاه الصــحيح‬

‫‪338‬‬
‫للتخلص من نظام الفائدة والعتماد على الستثمار بنظــام‬
‫الربح المبني على عقد المشاركة‪.‬‬
‫السادس‪ :‬وإتماما ً للفائدة أشـير إلـى مقارنـة سـريعة بيـن‬
‫نظام الربح المبني على المشاركة ‪ ،‬ونظام الفائدة المبني‬
‫على عقد القرض ‪ ،‬فقد جاء تحريم الفائدة الربوية وإباحــة‬
‫الربح في الشريعة الســلمية ‪ ،‬لتحقيــق مقاصــد عظيمــة‪،‬‬
‫ومصالح كبيرة تعــود بــالخير علــى البشــرية جمعــاء‪ ،‬دفع ـا ً‬
‫للظلم عنهم ‪ ،‬وتحقيقا ً للعدل بينهم ‪ ،‬إل أن النســان ذلــك‬
‫الظلوم الجهول بما يعتري فطرته من النتكاس والغفلــة ‪،‬‬
‫ل يتوانى عن الخضوع ذليل ً لكل ما يشرعه أهل الرض بما‬
‫تحمله تلك التشريعات من ظلم وجور وطغيان‪.‬‬
‫فالسلم حين حرم الفائدة فإنما حرمها لما تنطــوي عليــه‬
‫من الظلم والفساد بين العباد‪ ،‬وحين أباح الربح فلمــا فيــه‬
‫من العدل والصلح بين الناس ‪ ،‬ولنتأمل فــي بعـض الثــار‬
‫القتصادية لكل منهما‪:‬‬
‫‪ -1‬فالربح يحقق الهداف التنمويــة للبلد علــى عكــس مــا‬
‫تؤديه الفائدة ‪ ،‬ذلك أنه من المعروف أنه فيمــا عــدا بعــض‬
‫القــروض التنمويــة الممنوحــة مــن هيئات متخصصــة فــإن‬
‫ســوق القــروض يعــد ســوقا ً قصــير الجــل بمعنــى أن‬
‫المقرضين في الغــالب يتحاشــون القــراض طويــل الجــل‬
‫خوفا ً من تقلــب أســعار الفــائدة أو تــدني القــوة الشــرائية‬
‫للنقود أو التغير في معدلت الصرف ‪.‬‬
‫لذلك يبدو التعارض قائما ً بين أهداف المقرضين وسلوكهم‬
‫وبين الحاجة للستثمار طويل الجل في معظــم المجــالت‬
‫القتصــادية الحيويــة ‪ ،‬والــتي ل تتحقــق إل باعتبــار الربــح‬
‫معيارا ً للنتاج‪.‬‬
‫‪ -2‬ونظام الربح يضــمن تحــول رأس المــال فــي المجتمــع‬
‫إلى رأس مال منتــج يســاهم فــي المشــروعات الصــناعية‬
‫والزراعية وغير ذلك ‪ ،‬بينما في نظام الفائدة يودع النــاس‬
‫فائض أموالهم النقدية في البنوك مقابــل فــائدة منخفضــة‬
‫الســعر يقررهــا البنــك لــودائعهم‪ ،‬ثــم يقــوم بتحويــل هــذه‬
‫الموال إلى خــارج البلد واقتضــاء فــوائد مضــمونة عليهــا‪،‬‬
‫دون أن تشارك هذه الموال في التنمية القتصادية‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫‪ -3‬الربح عامل توزيــع للمــوارد القتصــادية بخلف الفــائدة‬
‫التي تعتبر أداة رديئة ومضللة في تخصيص الموارد‪ ،‬وذلــك‬
‫لن آلية الربح تشجع على توجيه الموال إلى الستثمارات‬
‫العلى جدوى والكــثر إدرارا ً للعــائد ‪ ،‬بينمـا تتحيــز الفـائدة‬
‫بصفة رئيســية للمشــروعات الكــبيرة الــتي تحصــل بحجــة‬
‫ملءتها على قروض أكبر بسعر فائدة أقل‪ ،‬بصــرف النظــر‬
‫عن إنتاجيتها‪ ،‬مما يساعد على تركيــز الــثروات فــي أيــدي‬
‫قلة قليلة من المرابين ‪.‬‬
‫‪ -4‬ولن الربح ناتج عن ارتبــاط المــال بالعمــل فالتــدفقات‬
‫النقدية التي تتحقق وفقـا ً لهــذا النظــام مرتبطــة بتــدفقات‬
‫مقابلة من السلع والخــدمات الضــرورية للمجتمــع ‪ ،‬وذلــك‬
‫بخلف نظام الفائدة حيث تنطــوي عمليــات منــح الئتمــان‬
‫في المصارف التقليدية على زيادة كمية النقود المعروضة‬
‫بما يسمح بمزيد من الضغوط التضخميه‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن البنوك في اســتغللها للــودائع بنظــام الفــائدة إنمــا‬
‫تخلق نقودا ً مصطنعة هي ما يســمونه بالئتمــان التجــاري‪،‬‬
‫وهي بهــذا تغتصــب وظيفــة الدولــة المشــروعة فــي خلــق‬
‫النقود بما يحف هذه الوظيفة مــن مســئوليات ‪ ،‬ول ينفــرد‬
‫بهذا الرأي علماء المسلمين بل قد أجمع كــثير مــن علمــاء‬
‫القتصاد في الغرب على أن الئتمان الذي تقــدمه البنــوك‬
‫سواء كان في قروض الســتهلك أو النتــاج مــن شــأنه أن‬
‫يزعـــزع النظـــام القتصـــادي لن التعامـــل فـــي البلد‬
‫الرأسمالية لم يعد بالذهب أو بالفضــة أو بــأوراق النقــد إل‬
‫في القليل النــادر‪ ،‬أمــا أكــثر التعامــل فيجــرى بالشــيكات‪،‬‬
‫والثابت بحكم الواقع أن البنوك تميــل فــي أوقــات الرخــاء‬
‫إلى التوسع في القراض بفتح العتمادات التي تربو علــى‬
‫رصيدها أضعافا ً مضاعفه‪ ،‬وميلها فــي أوقــات الركــود إلــى‬
‫الحجــام عنــه وإرغــام المقترضــين علــى الســداد ‪ ،‬فهــذا‬
‫البســط والقبــض الــذي تتحكــم فيــه إرادة القــائمين علــى‬
‫المصارف الربوية هو من أهـم العوامـل الـتي تهـز الكيـان‬
‫القتصادي ويفضي إلى تتابع الزمات‪.‬‬
‫‪ -6‬ول ينقضـي عجـب النسـان حيـن نعلـم أن مـن علمـاء‬
‫المسلمين المتقدمين من تحدث عــن الضــرار القتصــادية‬

‫‪340‬‬
‫للربا وكأنما هو يصــف حالـة التخبــط الـتي يعيشــها العـالم‬
‫القتصادي اليوم‪:‬‬
‫فيقول المام الغزالي رحمــه اللــه‪) :‬إنمــا حــرم الربــا مــن‬
‫حيث إنه يمنع الناس من الشــتغال بالمكاســب وذلــك لن‬
‫صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة الربا من تحصيل درهــم‬
‫زائد نقــدا ً أو آجل ً خــف عليــه اكتســاب المعيشــة فل يكــاد‬
‫يتحمل مشقة الكســب والتجــارة والصــناعة وذلــك يفضــي‬
‫إلى انقطاع منافع الخلق ‪ ،‬ومن المعلوم أن مصالح العالم‬
‫ل تنتظم إل بالتجارات والحرف والصناعة والعمار(‪.‬‬
‫ويتحدث ابن القيم ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬عن الضرر الناشــئ عنــد‬
‫الســترباح بــالنقود وحكمــة تحريــم ربــا الفضــل فيقــول‪:‬‬
‫)والثمن هو المعيار الذي يعرف به تقويم المــوال‪ ،‬فيجــب‬
‫أن يكون محدودا ً مضبوطا ً ل يرتفع ول ينخفض إذ لــو كــان‬
‫الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكــن لنــا ثمــن نعتــبر بــه‬
‫المبيعات بل الجميع سلع‪ ،‬وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون‬
‫به المبيعات حاجة ضرورية عامة‪ ،‬وذلك ل يمكن إل بســعر‬
‫تعرف به القيمة وذلك ل يكون إل بثمــن تقــوم بــه الشــياء‬
‫ويستمر على حالــة واحــدة‪ ،‬ول يقــوم هــو بغيــره إذ يصــير‬
‫ســلعة يرتفــع‪ ،‬وينخفــض فتفســد معــاملت النــاس‪ ،‬ويقــع‬
‫الحلــف ويشــتد الضــرر كمــا رأيــت حــد فســاد معــاملتهم‪،‬‬
‫والضرر اللحق بهم حين اتخذت الفلوس سلعة تعد للربــح‬
‫فعم الضرر وحصل الظلم ‪ ،‬فالثمان ل تقصد لعيانهــا بــل‬
‫يقصد منها التوصل إلــى الســلع‪ ،‬فــإذا صــارت فــي نفســها‬
‫سلعة تقصد لعيانها فسد أمر الناس(‪.‬‬
‫وفي تفسير المنار‪) :‬وثم وجه آخر لتحريــم الربــا مــن دون‬
‫البيع‪ ،‬وهو أن النقدين إنما وضعا ليكونا ميزانا ً لتقــدير قيــم‬
‫الشياء التي ينتفع بها الناس في معايشهم فإذا تحول هــذا‬
‫وصار النقد مقصودا ً بالستغلل فإن هذا يؤدي إلــى انــتزاع‬
‫الثروة من أيدي أكــثر النــاس‪ ،‬وحصــرها فــي أيــدي الــذين‬
‫يجعلون أعمالهم قاصرة على استغلل المال بالمال(‪.‬‬
‫وختاما ً فهذه بعض أسماء الكتب المفيدة في الموضوع‪:‬‬
‫‪ -1‬نحو نظام نقدي عادل‪ ،‬للدكتور‪ :‬محمــد عمــر شــبابرا ‪،‬‬
‫وهو من مطبوعات المعهد العالمي للفكر السلمي‪ ،‬وهذا‬

‫‪341‬‬
‫المعهد موجود عندكم في أمريكا ‪ ،‬وعنــوانه علــى الشــبكة‬
‫العالمية هو‪http://www.iiit.org :‬‬
‫‪ -2‬موســوعة القتصــاد الســلمي للــدكتور ‪ /‬محمــد عبــد‬
‫المنعم جمال‬
‫‪ -3‬بالضافة إلى عدد من المطبوعات لــدى معهــد العلــوم‬
‫الســلمية والعربيــة فــي أمريكــا‪ ،‬وهــو موجــود فــي وليــة‬
‫فرجينيا‪ ،‬وعنــوانه علــى الشــبكة العالميــة‪www.iiasa.org :‬‬
‫وبإمكانــك التصــال بهــم علــى الرقــم ‪7032073901 :‬‬
‫وسيقومون بإذن الله بتزويدك بما تحتاج إليه من كتب ‪.‬‬
‫=============‬
‫ري بمال الربا‬ ‫‪#‬الصلة في مركز إسلمي اشت ُ ِ‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 15‬ص ‪(405‬‬
‫ري بمال الربا‬ ‫الصلة في مركز إسلمي اشت ُ ِ‬
‫المجيب د‪ .‬محمد بن سليمان المنيعي‬
‫عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى‬
‫التصنيف الفهرسة‪/‬الجديد‬
‫التاريخ ‪14/10/1424‬هـ‬
‫السؤال‬
‫نصلي الصلوات المكتوبة بأحد المراكز السلمية‪ ،‬وقد قام‬
‫القائمون عليه بتسديد ثمنه بقــرض ربــوي أفتـاهم بجـوازه‬
‫أحد المشايخ في أوربا‪ ،‬فهــل الفضــل لنــا الســتمرار فــي‬
‫أداء المكتوبات بالمسجد؟ أم نصلي فــي بيوتنــا؟ علم ـا ً أن‬
‫أقرب مسجد يبعد حوالي ‪ 6‬كيلو متر‪ .‬وجزاكم الله خيرًا‪.‬‬
‫الجواب‬
‫فتــوى مــن ذكــرت ل تصــح‪ ،‬ول يجــوز بنــاء المســاجد مــن‬
‫أموال ربوية أو مسروقة‪ ،‬ولو نظرت إلى مشركي قريــش‬
‫حينما أرادوا بناء الكعبة حينما تهدمت فإنهم جنبوا المــوال‬
‫المحرمة فــي بنائهــا‪ ،‬حــتى قصــر بنــاؤهم عــن بنــاء جميــع‬
‫الكعبة‪ ،‬فحجروا الجـزء الـذي لـم يبـن‪ ،‬وأمـا إذا تـم البنـاء‬
‫وانتهى فالثم على من أفتاكم‪ ،‬وأما صلتكم فيه فصحيحة‪.‬‬
‫================‬
‫‪#‬هل يدخل هذا في الربا؟‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 16‬ص ‪(275‬‬

‫‪342‬‬
‫هل يدخل هذا في الربا؟‬
‫المجيب أ‪.‬د‪ .‬عبد الله بن محمد الطيار‬
‫أستاذ جامعي في جامعة القصيم‬
‫التصنيف الفهرسة‪/‬الجديد‬
‫التاريخ ‪02/01/1427‬هـ‬
‫السؤال‬
‫تقدمت للحصول على سكن من إحــدى الشــركات التابعــة‬
‫للدولة‪ ،‬بحيث دفعــت ربــع القيمــة والبــاقي علــى أقســاط‬
‫شهرية تخصم مــن الراتــب بعــد الســتلم‪ ،‬مــع العلــم بــأن‬
‫الثمن مبين مسبقًا‪ ،‬ولكن دخل طرف ثالث من غير علمنا‬
‫وهو المصرف العقاري‪ ،‬بحيث غطــى بــاقي المبلــغ }ثلثــة‬
‫ي{‪ ،‬ووضــع عمولــة وعــائد خدمــة‪،‬‬ ‫أرباع الثمن المتبقي عل ّ‬
‫ل‪ ،‬فهــل تعتــبر‬‫بحيث زاد الثمن عن الثمن المتفق عليــه أو ً‬
‫هذه الزيادة من الربا؟‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فهذا من الربا الواضح‪ ،‬فهذه الزيادة سواء سميت عمولــة‬
‫أو عائد أو غير ذلك فهي ربا صريح‪ ،‬لنهم دفعوا عنك مبلغا ً‬
‫وتعيده بعد مدة أكثر ممــا دفعــوا عنــك‪ ،‬ونصــيحتي لــك أن‬
‫تتخلص وتســدد إن كنــت تقــدر‪ ،‬وإل فــألزم الشــركة الــتي‬
‫كتبت معها عقدا ً أن تلتزم بالعقد‪ ،‬وأل تطلب منــك زيــادة‪،‬‬
‫و"المؤمنون على شروطهم إل شرطا ً أحل حراما ً أو حــرم‬
‫حل ً‬
‫ل"‪ ،‬والله أمرنا بالوفاء بالعقود‪.‬‬
‫وإن كان هذا المـر بغيـر اختيـارك ولـم تسـتطع أن تسـدد‬
‫حاضــرا ً أو تتخلــص مــن المعاملــة فــأنت معــذور‪ ،‬واللــه ل‬
‫يكلــف نفســا ً فــوق طاقتهــا‪ ،‬والمشــقة تجلــب التيســير‪،‬‬
‫ويتحمل الوزر من ألزمــك وأوقعــك فــي المحــذور‪ ،‬وفقــك‬
‫الله لطيب المطعم‪ ،‬ورزقنا وإيــاك الحلل وجنبنــا الحــرام‪،‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬هل هذا من بيع الجل أم الربا؟‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 16‬ص ‪(356‬‬
‫هل هذا من بيع الجل أم الربا؟‬

‫‪343‬‬
‫المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي‬
‫كلية الشريعة‪ /‬جامعة المام محمد بن سعود السلمية‬
‫التصنيف الفهرسة‪/‬الجديد‬
‫التاريخ ‪14/03/1427‬هـ‬
‫السؤال‬
‫أنا أعمل لدى متعهد )مؤسسة خاصة( للــدوائر الحكوميــة‪،‬‬
‫طبيعة عملها شـراء وتـأمين مـا تحتـاجه بعـض القطاعــات‬
‫الحكومية من السوق داخليــا أو خارجيـًا‪ ،‬وبعــد ذلــك تقــوم‬
‫بإضافة نسبة العمولة )‪ (%20‬إلى سعر السوق‪ ،‬بحيث إن‬
‫القطــاع الحكــومي يــدفع للمؤسســة بالجــل‪ ،‬وفــي بعــض‬
‫الحيان يحتاج القطاع الحكــومي إلــى الســيولة لشــراء مــا‬
‫دا‪ ،‬وعنــد‬‫يحتــاجه‪ ،‬فتقــوم المؤسســة بإعطــائك المــال نق ـ ً‬
‫السداد تقوم بإضافة نسبة العمولة‪.‬‬
‫فهل يعد هذا ربا؟ وفي حالة وجــود ربــا فهــل راتــبي الــذي‬
‫ي تــرك العمــل والبحــث‬ ‫ما؟ وهل يجب عل ّ‬ ‫أخذته يعتبر حرا ً‬
‫عن عمل آخــر‪ ،‬وإخبــار صــاحب المؤسســة بســبب تركــي‬
‫العمل؟ أفيدوني‪ ،‬وجزاكم الله خيرًا‪.‬‬
‫الجواب‬
‫الحمد الله‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن ما تقوم به المؤسسة المذكورة من تــوفير احتياجــات‬
‫بعــض القطاعــات الحكوميــة‪ ،‬حيــث تقــوم بالشــراء مــن‬
‫السوق‪ ،‬وتضيف هامش ربح‪ ،‬على أن تسدد الجهة العامــة‬
‫نقدا أو بالجل ل حرج فيه ول إشكال‪ ،‬فهو من البيع الــذي‬
‫أحله الله في كتابه‪ ،‬وإن كانت الجهة العامة هي التي تعين‬
‫السلعة‪ ،‬وتطلب من المؤسسة الخاصة شراءها لهــا علــى‬
‫أن تسدد بعد مدة بسعر أعلــى متفــق عليــه فهــذا أيضــا ل‬
‫إشكال فيه‪ ،‬وهو ما اصطلح على تسميته اليوم بالمرابحــة‬
‫للمر بالشراء‪ ،‬وهو جـائز ‪-‬إن شـاء اللـه‪ -‬بشـرطه‪ ،‬بحيـث‬
‫يدخل في ملك المؤسسة‪ ،‬ثم تبيعه على الجهة العامة‪.‬‬
‫وأما أن تقرض المؤسسة الخاصــة الجهــة الحكوميــة مــال ً‬
‫‪-‬على أن تسدده هذه الخيرة بعد مــدة مضــاًفا إليــه نســبة‬
‫من القرض قّلت أو كثرت‪ -‬فهو عين الربا الذي حرمه الله‬
‫في كتابه‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫وأما عن مشروعية العمل في مثل هذه المؤسسات‪ ،‬فهذا‬
‫يعود إلى طبيعة عمل المؤسسة أساسا‪ ،‬فــإن كــان عملهــا‬
‫الصلي هو الحلل وهو الغـالب عليهـا‪ ،‬وإنمـا يـدخل عليهـا‬
‫بعض المال الحرام‪ ،‬فالعمل فيهــا جــائز‪ ،‬وعلــى المــرء أن‬
‫يتجنب عقد الصفقات المشــبوهة أو المحرمــة ول يقربهــا‪،‬‬
‫وراتبه الذي يأخذه على عملــه الحلل حلل إن شــاء اللــه‪،‬‬
‫ومن وجد عمل مكافئا لعمله في مكان آخــر ل شــبهة فيــه‬
‫فالحوط لدينه أن ينتقل‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫==============‬
‫ن لهم على الربا؟‬ ‫معي ٌ‬ ‫‪#‬هل أنا ُ‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 16‬ص ‪(444‬‬
‫ن لهم على الربا؟‬ ‫معي ٌ‬ ‫هل أنا ُ‬
‫المجيب أ‪.‬د‪ .‬عبد الله بن محمد الطيار‬
‫أستاذ جامعي في جامعة القصيم‬
‫التصنيف الفهرسة‪/‬الجديد‬
‫التاريخ ‪18/05/1427‬هـ‬
‫السؤال‬
‫أعمل في شركة يتطلب العمل بها سيارة‪ ،‬فتقوم الشركة‬
‫بسحب قرض من البنك باسمي وبضمان الشركة لتشتري‬
‫السيارة‪ ،‬علــى أن تســدد الشــركة القــرض بفــوائده علــى‬
‫مدار خمس سنوات‪ ،‬علما ً أني ل أدفع شيئًا‪ ،‬والشركة هي‬
‫ي‬‫التي تتحمل كل شيء‪ .‬فهل هذا العمل حرام؟ وماذا علــ ّ‬
‫أن أفعل لسـرتي‪ .‬لنـي لـو تركــت العمــل سيصـبح بــاقي‬
‫المبلغ في ذمتي؟‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فهذا العمل ل يجوز‪ ،‬حيث قامت الشــركة بــالقتراض مــن‬
‫البنك قرضا ً باسمك؛ لنه من الربا‪ ،‬والله تعــالى نهانــا عــن‬
‫َ‬
‫من ُــوا ات ُّقــوا الل ّـ َ‬
‫ه‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫التعامل بالربا‪ ،‬قال تعالى‪َ" :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن" ]البقـرة‪،[278:‬‬ ‫مـؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن الّرَبا ِإن ك ُن ْت ُــم ُ‬
‫م َ‬
‫ي ِ‬ ‫وَذ َُروا َ‬
‫ما ب َِق َ‬
‫وموافقتك على ســحب قــرض مــن البنــك باســمك لصــالح‬
‫الشركة من التعاون على الثم والعدوان‪ ،‬الــذي نهــى اللــه‬

‫‪345‬‬
‫وى وََل ت َعَــاوَُنوا عَل َــى‬ ‫عنه بقوله‪" :‬وَت ََعاوَُنوا عََلى ال ْب ِـّر َوالت ّْقـ َ‬
‫ن" ]المائدة‪.[2:‬‬ ‫اْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫وقيـام الشـركة بالسـداد عنـك للبنـك ل يخلـي ذمتـك مـن‬
‫المشاركة في هذا العمل‪ ،‬فعليك بالتوبة والستغفار وكثرة‬
‫العمل الصالح‪ ،‬وإن اســتطعت أن تــرد بــاقي المبلــغ الــذي‬
‫اقترضته للبنك فهو أولى وأفضل‪ ،‬وإن لم تســتطع فعليــك‬
‫بالصبر حتى تقــوم الشــركة بالســداد عنــك لقــوله تعــالى‪:‬‬
‫م" ]التغابن‪.[16:‬‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬‫"َفات ُّقوا الل ّ َ‬
‫وأوصيك ‪-‬أخي الكريم‪ -‬بعدم العودة إلى هذا العمــل الــذي‬
‫وقعت فيه؛ لن الربا من أشد المعاصي التي يبغضــها اللــه‬
‫تعالى‪ ،‬وتوعد عليها بالحرب لمن تعامل به‪ ،‬فاحرص علــى‬
‫طيب مطعمك‪ ،‬وطلب الرزق الحلل‪ ،‬وتذكر قــوله تعــالى‪:‬‬
‫ث َل‬‫حي ْـ ُ‬
‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬‫ه ِ‬ ‫جــا وَي َْرُزقْـ ُ‬ ‫خَر ً‬ ‫جعَــل ل ّــه َ‬
‫م ْ‬ ‫ه يَ ْ‬‫ق الل ّـ َ‬ ‫مــن ي َت ّـ ِ‬ ‫"و َ َ‬
‫ب" ]الطلق‪.[3-2:‬‬ ‫س ُ‬‫حت َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫وفقك الله للعلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬وصلى الله وسلم‬
‫على نبينا محمد‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬التخلص من الربا بإعطائه للم!‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 17‬ص ‪(16‬‬
‫التخلص من الربا بإعطائه للم!‬
‫المجيب د‪ .‬عبد الله بن عبد الله بن عبيد الزايد‬
‫مدير الجامعة السلمية بالمدينة سابقا ً‬
‫التصنيف الفهرسة‪/‬الجديد‬
‫التاريخ ‪14/02/1427‬هـ‬
‫السؤال‬
‫ادخرت بالبنك قيمة مالية‪ ،‬وبما أنــه بنــك ربــوي فــإن هــذه‬
‫القيمة ارتفعت‪ ،‬وأريــد التخلــص منهــا‪ ,‬فهــل يجــوز لــي أن‬
‫أعطيها لمي؟ علما بأنها أرملة ول دخل لها إل ما نجود بــه‬
‫عليها‪.‬‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫‪346‬‬
‫فإذ كنتم تجودون على أمكــم مــن قــدرتكم الماليــة بمــا ل‬
‫يؤثُر على ما تحتاجونه لمور حياتكم المشروعة فاستمروا‬
‫على ذلك‪ ،‬دون أن تعطوها من الفوائد الربوية‪.‬‬
‫أما إذا كان ما تدفعونه للوالــدة لس ـد ّ حاجاتهــا وضــروراتها‬
‫يــؤثر عليكــم‪ ،‬بحيــث ل تســطيعون ســد حاجــاتكم؛ لنكــم‬
‫ب مــا يكــون إلــى عــدم قــدرتكم‬ ‫تمنحون الوالدة جزًءا أقر ُ‬
‫على ســد الحاجــات والضــرورات فل بــأس أن تــدفعوا لهــا‬
‫الناتج الربوي‪ ،‬على أن يقتصر ما تـدفعونه مــن ذلـك علــى‬
‫الضــروريات أو الحاجــات المّلحــة للوالــدة‪ ،‬والبــاقي مــن‬
‫الفوائد الربوية الزائدة على حاجة الوالدة يدفع للمحتاجين‬
‫من الفقراء الخريــن‪ ،‬والولــى دفــع البــاقي للمحتــاج مــن‬
‫الفقراء‪ ،‬وأحقهم الفقراء القارب غير الورثة‪ .‬والله أعلــم‪،‬‬
‫وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬الربا والصرف‬
‫فتاوى واستشارات السلم اليوم ‪) -‬ج ‪ / 17‬ص ‪(277‬‬
‫أبحاث هيئة كبار العلماء المجلد الول ص ‪93-88‬‬
‫قرار هيئة كبار العلماء‬
‫رقم)‪(10‬وتاريخ ‪17/4/1393‬هـ‬
‫الورق النقدي‬
‫هيئة كبار العلماء ‪22/8/1426‬‬
‫‪26/09/2005‬‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على مــن ل نــبي بعــده‬
‫محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه‪،‬وبعد‪:‬‬
‫فبناء على توصية رئيس إدارات البحــوث العلميــة والفتــاء‬
‫والــدعوة والرشــاد‪ ،‬والميــن العــام لهيئة كبــار العلمــاء‬
‫‪-‬بدراسة موضوع الورق النقدي من قبل هيئة كبار العلماء؛‬
‫استنادا ً إلى المــادة الســابعة مــن لئحــة ســير العمــل فــي‬
‫الهيئة التي تنص على أن ما يجري بحثه في مجلس الهيئة‬
‫يتم بطلب مــن ولــي المــر‪ ،‬أو بتوصــية مــن الهيئة‪،‬أو مــن‬
‫أمينهــا‪ ،‬أو مــن رئيــس إدارات البحــوث العلميــة والفتــاء‬
‫والدعوة والرشــاد‪،‬أو مــن اللجنــة الدائمــة المتفرعــة عــن‬
‫الهيئة‪ -‬فقد جرى إدراج الموضوع في جدول أعمــال الهيئة‬

‫‪347‬‬
‫لـــدورتها الثالثـــة المنعقـــدة فيمـــا بيـــن ‪1/4/1393‬هــــ و‬
‫‪17/4/1393‬هـ‪ ،‬وفي تلك الدورة جرى دراســة الموضــوع‬
‫بعد الطلع على البحث المقدم عنــه مــن اللجنــة الدائمــة‬
‫للبحوث العلمية والفتاء‪.‬‬
‫وبعد استعراض القــوال الفقهيــة الــتي قيلــت فــي حقيقــة‬
‫الوراق النقدية من اعتبارها أسنادًا‪ ،‬أو عروض ـًا‪ ،‬أو فلوســا‬
‫ً‪،‬أو بدل ً عن ذهب أو فضة‪ ،‬أو نقدا ً مستقل ً بذاته‪،‬وما يترتب‬
‫على تلك القوال من أحكام شرعية ‪ -‬جرى تــداول الــرأي‬
‫فيها‪ ،‬ومناقشة ما على كل قول منها مــن إيــرادات‪ .‬فتنتــج‬
‫عن ذلك العديــد مــن التســاؤلت الــتي تتعلــق بــالجراءات‬
‫المتخــذة مــن قبــل الجهــات المصــدرة لهــا‪:‬وحيــث أن‬
‫الموضوع من المسائل التي تقضــي المــادة العاشــرة مــن‬
‫لئحــة ســير عمــل الهيئة بالســتعانة بالشــؤون القتصــادية‬
‫والجتماعية والنظمة العامة بما في ذلك القضــايا البنكيــة‬
‫والتجارية والعمالية‪ ،‬فإن عليها أن تشرك في البحث معهــا‬
‫واحدا ً أو أكثر من المتخصصين في تلك العلوم‪ -‬فقد جــرى‬
‫استدعاء سعادة محافظ مؤسسة النقد العربــي الســعودي‬
‫الدكتور أنور علي‪،‬وحضر معه الــدكتور عمــر شــابريه أحــد‬
‫المختصين في العلــوم القتصــادية‪ ،‬ووجهــت إلــى ســعادته‬
‫السئلة التالية‪:‬‬
‫س ‪:1‬هل تعتبر مؤسسة النقد ورق النقــد الســعودي نقــدا ً‬
‫قائما ً بذاته أم تعتبره ســندات تتعهــد الدولــة بــدفع قيمتهــا‬
‫لحاملها‪،‬كما هو مدون على كل فئة من فئات أوراق النقــد‬
‫الســعودي‪،‬وإذا لــم يــرد معنــى هــذه العبــارة‪ ،‬فمــا معنــى‬
‫اللتزام بتسجيلها على كل ورقة‪،‬وهل يعني ذلك التعهد أن‬
‫ورق النقد السعودي مغطى بريالت فضية أم ل؟‬
‫س ‪ :2‬هل لكــل عملــة ورقيــة غطــاء مــادي محفــوظ فــي‬
‫خزائن مصدريها‪ ،‬إذا كان كذلك فهــل هــو غطــاء كامــل أم‬
‫غطاء للبعض فقط‪ ،‬وإذا كان غطاء للبعــض فمــا هــو الحــد‬
‫العلى للتغطية‪ ،‬وما هو الحد الدنى لها؟‬
‫س ‪:3‬ما نوع غطاء العملت الورقية‪ ،‬وهل توجد عملة لي‬
‫دولة ما مغطاة بالفضة‪،‬وله هناك جهات إصدار تخلت عــن‬
‫فكرة التغطية المادية مطلقًا؟‬

‫‪348‬‬
‫س ‪:4‬المعــروف أن الورقــة ل قيمــة لهــا فــي ذاتهــا‪،‬وإنمــا‬
‫قيمتها في الخارج عنها‪ ،‬فما هي مقومات هذه القيمة؟‬
‫س ‪:5‬نرغب في شرح نظرية غطاء النقد بصفة عامة‪ ،‬وما‬
‫هي مقومات اعتبار العملة الورقية على الصعيدين الدولي‬
‫والمحلي؟‬
‫س ‪:6‬هل الغطــاء ل يكــون إل بالــذهب‪ ،‬وإذا كــان بالــذهب‬
‫وغيره فهل غير الذهب فرع عن الذهب باعتبــار أنــه قيمــة‬
‫له‪ ،‬وهل يكفي للغطاء ملءة ومتانة اقتصادها وقوتهــا ولــو‬
‫لم يكن لنقدها رصيد؟‬
‫===============‬
‫‪)#‬الربا والقرض والعمل في البنوك(‬
‫فتاوى إسلمية ‪) -‬ج ‪ / 2‬ص ‪(828‬‬
‫من قرارات المجمع الفقهي حول العملة الورقية‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نــبي بعــده‪،‬‬
‫سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا‪ .‬أما بعد‬
‫فــإن مجلــس المجمــع الفقهــي السـلمي قــد اطلــع علـى‬
‫البحث المقدم إليه في موضوع العملة الورقية‪ ،‬وأحكامهــا‬
‫مــن الناحيــة الشــرعية‪ ،‬وبعــد المناقشــة والمداولــة بيــن‬
‫أعضائه‪ ،‬قرر ما يلي‬
‫أول ً أنه بناء على أن الصل في النقد هــو الــذهب والفضــة‬
‫وبناء على أن علة جريان الربا فيهمــا هــي مطلــق الثمنيــة‬
‫في أصح القوال عند فقهاء الشريعة‪.‬‬
‫وبمــا أن الثمنيــة ل تقتصــر عنــد الفقهــاء علــى الــذهب‬
‫والفضة‪ ،‬وإن كان معدنهما هو الصل‪.‬‬
‫وبما أن العملة الورقيــة قــد أصــبحت ثمنـًا‪ ،‬وقــامت مقــام‬
‫الذهب والفضة في التعامل بها‪ ،‬وبها تقوم الشياء في هذا‬
‫العصر‪ ،‬لختفاء التعامل بالذهب والفضة‪ ،‬وتطمئن النفوس‬
‫بتمولها وادخارها ويحصل الوفاء والبراء العام بها‪ ،‬رغم أن‬
‫قيمتها ليست في ذاتها‪ ،‬وإنما فــي أمــر خــارج عنهــا‪ ،‬وهــو‬
‫حصول الثقة بها‪ ،‬كوسيط في التداول والتبادل‪ ،‬وذلــك هــو‬
‫سر مناطها بالثمنية‪.‬‬
‫وحيــث أن التحقيــق فــي علــة جريــان الربــا فــي الــذهب‬
‫والفضــة هــو مطلــق الثمنيــة‪ ،‬وهــي متحققــة فــي العملــة‬

‫‪349‬‬
‫الورقيـــة‪ ،‬لـــذلك كلـــه‪ ،‬فـــإن مجلـــس المجمـــع الفقهـــي‬
‫السلمي‪ ،‬يقرر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته‪ ،‬له حكم‬
‫النقدين من الذهب والفضة‪ ،‬فتجــب الزكــاة فيهــا‪ ،‬ويجــري‬
‫الربــا عليهــا بنوعيــة‪ ،‬فضـل ً ونســيًا‪ ،‬كمــا يجــري ذلــك فــي‬
‫النقدين مــن الــذهب والفضــة تمامـًا‪ ،‬باعتبــار الثمنيــة فــي‬
‫العملة الورقية قياسا عليهما‪ ،‬وبذلك تأخذ العملــة الورقيــة‬
‫أحكام النقود في كــل اللتزامــات الــتي تفرضــها الشــريعة‬
‫فيها‪.‬‬
‫ثانيا ً يعتبر الورق النقدي نقدا ً قائما ً بذاته كقيام النقدية في‬
‫الذهب والفضة وغيرهمــا مــن الثمــان‪ ،‬كمــا يعتــبر الــورق‬
‫النقدي أجناسا ً مختلفة‪ ،‬تتعــدد بتعــدد جهــات الصــدار فــي‬
‫البلــدان المختلفــة‪ ،‬بمعنــي أن الــورق النقــدي الســعودي‬
‫جنـس‪ ،‬وأن الـورق النقـدي المريكـي جنـس‪ ،‬وهكـذا كـل‬
‫عملة ورقية جنس مستقل بذاته‪ ،‬وبذلك يجري فيهــا الربــا‬
‫بنوعيه فضل ً ونسيا ً كما يجــري الربــا بنــوعيه فــي النقــدين‬
‫الذهب والفضة وفي غيرها من الثمان‪.‬‬
‫وهذا كله يقتضي ما يلي‬
‫) أ ( ل يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعـض أو بغيـره مـن‬
‫الجناس النقدية الخرى‬
‫من ذهب أو فضة أو غيرهما‪ ،‬نسيئة مطلقًا‪ ،‬فل يجــوز مثل ً‬
‫بيع ريال سعودي‬
‫بعملة أخرى متفاضل ً نسيئة بدون تقابض‪.‬‬
‫) ب( ل يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضــه‬
‫ل‪ ،‬سواء‬‫ببعض متفاض ً‬
‫كان ذلك نسيئة أو يدا ً بيد‪ ،‬فل يجوز مثل ً بيع عشرة ريالت‬
‫سعودية ورقًا‪ ،‬بأحد‬
‫عشر ريال ً سعودية ورقًا‪ ،‬نسيئة أو يدا ً بيد‪.‬‬
‫) ج ( يجوز بيع بعضــة ببعــض مــن غيــر جنســه مطلقـًا‪ ،‬إذا‬
‫كان ذلك يدا ً بيد‪ ،‬فيجوز بيع‬
‫الليرة السورية أو اللبنانيــة‪ ،‬بريــال ســعودي ورق ـا ً كــان أو‬
‫فضة‪ ،‬أو أقل من ذلك أو‬
‫أكثر‪ ،‬وبيع الدولر المريكي بثلث ريالت ســعودية أو أقــل‬
‫من ذلك أو أكثر إذا‬

‫‪350‬‬
‫كــان ذلــك يــدا ً بيــد‪ ،‬ومثــل ذلــك فــي الجــواز بيــع الريــال‬
‫السعودي الفضة‪ ،‬بثلثة‬
‫ريالت سعودية ورق‪ ،‬أو أقل من ذلك أو أكثر‪ ،‬يدا ً بيــد لن‬
‫ذلك يعتبر بيع جنس‬
‫بغيــر جنســه‪ ،‬ول أثــر لمجــرد الشــتراك فــي الســم مــع‬
‫الختلف في الحقيقة‪.‬‬
‫ثالثا ً وجوب زكــاة الوراق النقديــة إذا بلغــت قيمتهــا أدنــى‬
‫النصابين من ذهب أو فضة‪،‬‬
‫أو كانت تكمل النصاب مع غيرهــا مــن الثمــان والعــروض‬
‫المعدة للتجارة‪.‬‬
‫رابعا ً جواز جعل الوراق النقدية رأس مال في بيع السلم‪،‬‬
‫والشركات‪.‬‬
‫والله أعلم‪ ،‬وبالله التوفيق‪ ،‬وصلى الله على سيدنا محمــد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬التحايل على الربا‬
‫فتاوى إسلمية ‪) -‬ج ‪ / 2‬ص ‪(831‬‬
‫التحايل على الربا‬
‫س احتجت إلى مبلغ من المــال لكمــال بنــاء منزلــي فــي‬
‫إحدى مدن المملكة وذهبت إلــى شــخص وطلبــت منــه أن‬
‫يسلفني ما يستطيع من مال فقال أريد أن أعطيك ســيارة‬
‫ــ اسم أنني بعــت عليــك ســيارة ــ ـ فأعطــاني )‪(12'000‬‬
‫ريال وسجلها عنده بواحد وعشرين ألف ريال وحيث أننــي‬
‫لم أشاهد السيارة ول أدري ما لونها‪ ،‬فقط سجلها بالورقة‬
‫وقال تسدد كل شهر ألف ريال وحيــث أننــي رضــيت بهــذا‬
‫العمل في نفس الوقت حين كنت مضطرا ً إلى المال وأنــا‬
‫الن ســددت )‪ (8500‬ريــال فقــط وبقــي )‪ (12500‬فهــل‬
‫يلزمني تسديد المبلغ الزائد عن رأس مــاله أرجــو إفــادتي‬
‫جزاكم الله خيرًا‪..‬؟‬
‫ج إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل فهذه المعاملة باطلة‬
‫وقد اجتمع فيها ربا الفضل وربا النسيئة‪ ،‬وليس للذي دفــع‬
‫لك الدراهم إل رأس ماله وهو اثنا عشر ألــف ريــال فقــط‬
‫لنه لم يعطك السيارة ول باعهــا عليــك حســب مــا ذكــرت‬

‫‪351‬‬
‫وإنما أعطاك دراهم بدراهم وهذا منكر ظاهر وربــا صــريح‬
‫فعليكما جميعا ً التوبة إلى الله من ذلــك وعــدم العــود إلــى‬
‫مثله‪ .‬نسأل الله أن يتوب عليكما‪.‬‬
‫الشيخ ابن باز‬
‫============‬
‫‪#‬التحايل على الربا أيضا ً‬
‫فتاوى إسلمية ‪) -‬ج ‪ / 2‬ص ‪(832‬‬
‫التحايل على الربا أيضا ً‬
‫س عندي كمية من أكياس الرز وهو بمســتودع لنــا ويــأتي‬
‫إلي أناس يشترونه مني بقيمته في السوق ويدينونه علــى‬
‫أناس آخرون فإذا صار على حظ المدين أخذته مــن بنــازل‬
‫ريال واحد من مشتراه مني ثم يــأتي أنــاس مثلهــم بعــدما‬
‫يصير على حظي ويشترونه منــي وهكــذا وهــو فــي مكــان‬
‫واحد إل أنهم يستلمونه عدا ً في محله فهل هــذه الطريقــة‬
‫إثم أم ل أفيدونا جزاكم الله خيرًا‪.‬؟‬
‫ج نعم هذه الطريقة حيلة على الربا‪ .‬الربا المغلظ الجــامع‬
‫بين التأجير والفضــل‪ ،‬أي بيــن ربــا الفضــل وربــا النســيئة‪،‬‬
‫وذلك لن الدائن يتوصل بها إلى حصــول اثنــي عشــر مثل ً‬
‫بعشرة‪ .‬وأحيانا ً يتفق الــدائن والمــدين علــى هــذا قبــل أن‬
‫يأتيا إلــى صــاحب الــدكان علــى أنــه يــدينه كــذا وكــذا مــن‬
‫الدراهم‪ ،‬العشرة اثني عشر أو أكثر أو أقل‪ ،‬ثم يأتيان إلى‬
‫هذا ليجريا معه هذه الحيلة وقد سماها شــيخ الســلم ابــن‬
‫تيمية الحيلة الثلثيــة‪ ،‬وهــي بلشــك حيلــة علــى الربــا‪ ،‬ربــا‬
‫النسيئة وربا الفضل‪ ،‬فهي حرام ومن كبائر الذنوب‪ ،‬وذلك‬
‫لن المحرم ل ينقلب مباحا ً بالتحايل عليه‪ ،‬بــل إن التحايــل‬
‫عليــه يزيــده خبثــا ً ويزيــده إثمــًا‪ ،‬ولهــذا ذكــر عــن أيــوب‬
‫السختياني رحمه الله أنه قال في هــؤلء المتحــايلين قــال‬
‫إنهم يخادعون الله كما يخــادعون الصــبيان فلــو أنهــم أتــوا‬
‫المر على وجهــه لكــان أهــون‪ ،‬وصــدق رحمــه اللــه‪ ،‬فــإن‬
‫المتحيل بمنزلة المنافق يظهر أنه مؤمن وهــو كــافر وهــذا‬
‫متحيل على الربا ويظهر أن بيعه بيع صحيح وحلل‪.‬‬
‫الشيخ ابن عثيمين‬
‫=============‬

‫‪352‬‬
‫‪#‬ليس هذا المال من الربا‬
‫فتاوى إسلمية ‪) -‬ج ‪ / 2‬ص ‪(839‬‬
‫ليس هذا المال من الربا‬
‫س نحن مجموعة حضرنا من السودان وتعاقدنا مع شركة‬
‫في الخارج كعمال وعند وصــولنا مقــر الشــركة وجــدنا أن‬
‫الشركة تعاقــدت مــع البنــوك‪ ،‬والبنــوك تتعامــل بالربــا مــع‬
‫الزبائن‪ ،‬واشتغلنا في الحراسة أي حراس لصالح الشــركة‬
‫التي هي أبرمت عقودات مــع البنــوك وهــي تعطينــا جــزءا ً‬
‫يســيرا ً مــن المبلــغ الــذي تعاقــدت معــه مــع البنــوك‪ ،‬أحــد‬
‫زملئنا قال إن هذا ربا لن المــال يصــلنا بواســطة وســيط‬
‫هي الشركة‪ .‬الرجاء أن تعرفونا هل هذا ربا؟‪.‬‬
‫ج ل أري بذلك بأسا ً حيث إن عملكم إنما هــو مــع الشــركة‬
‫ول صــلة لكــم بــالبنوك‪ ،‬فــأنتم تشــتغلون كحــراس لصــالح‬
‫الشركة‪ ،‬وهي التي تصرف لكم الرواتــب‪ ،‬أمــا عملهــا مــع‬
‫البنوك فالغالب أن الشركات كلها تتعامل مــع البنــوك فــي‬
‫اليداع والضمان واليراد والقتراض ونحو ذلك والثم على‬
‫أهل الشركة‪.‬‬
‫الشيخ ابن جبرين‬
‫=============‬
‫‪#‬هذه المعونة عين الربا‬
‫فتاوى إسلمية ‪) -‬ج ‪ / 2‬ص ‪(863‬‬
‫هذه المعونة عين الربا‬
‫س أحــد البنــوك عــرض علــى المســؤولين عــن صــندوق‬
‫الطلبــة حفــظ أمــوال الصــندوق مقابــل مــا يســميه البنــك‬
‫معونة وهي عبارة عن مبلغ مــن المــال يتــم إعطــاؤه دون‬
‫مقابل سوى حفظ المبلــغ‪ ،‬ويقــوم البنــك بــدوره بتشــغيله‬
‫واستثماره‪ .‬فهل يجوز إيداع المبلغ في ذلك البنك؟‬
‫ج هذا العمل ل يجوز‪ ،‬لنه عيــن الربــا‪ ،‬وحقيقتــه أن البنــك‬
‫يتصــرف فــي أمــوال الصــندوق بفــائدة معلومــة يســلمها‬
‫للصــندوق‪ ،‬وإنمــا ســماها البنــك معونــة تلبيســا ً وخــداعا ً‬
‫وتغطية للربا‪.‬‬
‫والربا ربا وإن سماه الناس ما سموه‪ . .‬والله المستعان‪.‬‬
‫الشيخ ابن باز‬

‫‪353‬‬
‫==============‬
‫‪#‬العمل في بنوك الربا إعانة لها على الثم‬
‫فتاوى إسلمية ‪) -‬ج ‪ / 2‬ص ‪(870‬‬
‫العمل في بنوك الربا إعانة لها على الثم‬
‫س لي ابن عم شغال في أحد البنوك كاتب ـًا‪ ،‬وأفتــاه بعــض‬
‫العلماء أل يبقــى فيـه وأن يبحـث عـن وظيفـة أخـرى غيـر‬
‫البنك أفيدونا عن ذلك جزاكم الله خيرا ً هل يجوز أم ل؟‬
‫ج قد أحسن الذي أفتاه بالفتوى المذكورة‪ ،‬لن العمل في‬
‫البنوك الربوية ل يجوز‪ ،‬لكون ذلك من إعانتهــا علــى الثــم‬
‫والعدوان‪ ،‬والله سبحانه يقول )وتعاونوا على البر والتقوى‬
‫ول تعاونوا على الثم والعدوان واتقوا اللــه إن اللــه شــديد‬
‫العقاب(‪.‬‬
‫وقد صح عن رسول الله صلى الله عليــه وســلم أنــه لعــن‬
‫آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال ))هم سواء((‪.‬‬
‫أخرجه مسلم في صحيحة‪.‬‬
‫الشيخ ابن باز‬
‫===============‬
‫‪#‬العمل في بنوك الربا ل يجوز‬
‫فتاوى إسلمية ‪) -‬ج ‪ / 2‬ص ‪(874‬‬
‫العمل في بنوك الربا ل يجوز‬
‫س كنت في مصر أعمل في أحد البنوك التابعة للحكومة‪،‬‬
‫ومهمة هذا البنك إقراض الزراع وغيرهم بشــروط ميســرة‬
‫لمدة تتراوح ما بين عدة شهور إلى سنوات‪ ،‬وتصرف هذه‬
‫السلف والقروض النقدية والعينية نظيــر فــوائد وغرامــات‬
‫تأخير يحددها البنــك عنــد صــرف الســلف والقــروض مثــل‬
‫‪%3‬أو ‪%7‬أو أكــثر مــن ذلــك زيــادة علــى أصــل القــرض‪،‬‬
‫وعنــدما يحــل موعــد ســداد القــرض يســترد البنــك أصــل‬
‫القرض زائدا ً الفوائد والغرامــات نقــدًا‪ ،‬وإذا تــأخر العميــل‬
‫عن السداد في الموعد المحدد يقوم البنك بتحصيل فــوائد‬
‫تأخير عن القرض مقابل كل يوم تأخير‪ ،‬زيادة عن الســداد‬
‫في الميعاد‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫وعليــه فــإن إيــرادات هــذا البنــك هــي جملــة فــوائد علــى‬
‫القــروض‪ ،‬وغرامــات تــأخير لمــن لــم يلــتزم بالســداد فــي‬
‫المواعيد المحددة‪.‬‬
‫ومن هذه اليرادات تصرف مرتبات الموظفين في البنك‪.‬‬
‫ومنذ أكثر من عشرين عامـًا‪ ،‬وأنـا أعمـل فـي هـذا البنـك‪،‬‬
‫تزوجــت مــن راتــب البنــك وأتعيــش منــه وأربــي أولدي‬
‫وأتصدق وليس لي عمل آخر‪ ،‬فما حكم الشرع في ذلك؟‬
‫ج عمل هذا البنك يأخذ الفــوائد الساســية والفــوائد الخــر‬
‫من أجل التأخير كلها ربا‪ ،‬ول يجــوز العمــل فــي مثــل هــذا‬
‫البنك لن العمل فيه من التعاون على الثم والعدوان وقــد‬
‫قال الله سبحانه وتعالى )وتعاونوا علــى الــبر والتقــوى ول‬
‫تعـاونوا علـى الثـم والعـدوان واتقـوا اللـه إن اللـه شـديد‬
‫العقاب(‪.‬‬
‫وفي الصحيح عن جابر بن عبــدالله عــن النــبي صـلى اللــه‬
‫عليه وسلم أنه لعــن آكــل الربــا ومــوكله وكــاتبه وشــاهديه‬
‫وقــال ))هــم ســواء((‪ .‬رواه مســلم‪ . .‬أمــا الرواتــب الــتي‬
‫قبضتها فهي حل لك إن كنت جاهل ً بالحكم الشرعي لقول‬
‫اللــه ســبحانه )وأحــل اللــه الــبيع وحــرم الربــا فمــن حــاءه‬
‫موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن‬
‫عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا‬
‫ويربي الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم(‪ ،‬أما إن كنت‬
‫عالما ً بأن هذا العمل ل يجوز لك فعليك أن تصرف مقابــل‬
‫ما قبضت من الرواتــب فــي المشــاريع الخيريــة ومواســاة‬
‫الفقراء‪ ،‬مع التوبة إلى الله سبحانه‪ ،‬ومــن تــاب إلــى اللــه‬
‫توبة نصوحا ً قبل اللــه تــوبته وغفــر ســيئاته كمــا قــال اللــه‬
‫سبحانه )ياأيها الــذين آمنــوا توبــوا إلــى اللــه توبــة نصــوحا ً‬
‫عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري‬
‫من تحتها النهار( الية‪.‬‬
‫وقال تعالى )وتوبوا إلى الله جميعا ً أيهــا المؤمنــون لعلكــم‬
‫تفلحون(‪.‬‬
‫الشيخ ابن باز‬
‫==============‬
‫‪ #‬الربا والتحايل عليه‬

‫‪355‬‬
‫موسوعة خطب المنبر ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(120‬‬
‫الربا والتحايل عليه‬
‫محمد بن صالح العثيمين‬
‫عنيزة‬
‫الجامع الكبير‬
‫الخطبة الولى‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫أيهــا النــاس‪ :‬اتقــوا اللــه تعــالى واحــذروا أســباب ســخطه‬
‫وعقابه واحــذروا الربــا فــإنه مــن أســباب لعنــة اللــه ومــن‬
‫الكبائر التي حذر الله عنها ورسوله قال الله تعالى‪ :‬يا أيهـا‬
‫الذين آمنوا اتقــوا اللــه وذروا مــا بقــي مــن الربــا إن كنتــم‬
‫مؤمنينفــإن لــم تفعلــوا فــأذنوا بحــرب مــن اللــه ورســوله‬
‫]البقرة‪ .[279-278:‬وقال النــبي ‪)) :‬الربــا ثلث وســبعون‬
‫بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمــه(( ]رواه الحــاكم ولــه‬
‫شواهد[‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن جابر قال‪)) :‬لعن رسول اللــه آكــل‬
‫الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقــال هــم ســواء يعنــي فــي‬
‫الثم((‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬إن الربا فساد في الدين والدنيا والخــرة‪،‬‬
‫إنــه فســاد فــي المجتمــع واســتغلل مبنــي علــى الشــح‬
‫والطمع‪ ،‬ولكن المرابي قد زين له سوء عمله فرآه حسنا‪،‬‬
‫فهو من الخسرين أعمال الذين ضــل ســعيهم فــي الحيــاة‬
‫الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬لقـد بيـن النـبي الربـا وأيـن يكـون وكيـف‬
‫يكون فقال ‪)) :‬الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بــالبر‬
‫والشعير بالشعير والتمر بــالتمر والملــح بالملــح مثل بمثــل‬
‫يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى‪ ،‬الخذ والمعطي فيــه‬
‫سواء(( ]رواه أحمد والبخاري[‪.‬‬
‫فهذه هي الصناف التي نص عليها رسول الله وألحــق بهــا‬
‫العلماء ما كان في معناه‪ ،‬بين النبي أن هــذه الصــناف إذا‬
‫بيــع الشــيء منهــا بجنســه فل بــد فيــه مــن أمريــن‪ :‬الول‬
‫القبض من الطرفين في مجلس العقد‪ ،‬والثــاني التســاوي‬

‫‪356‬‬
‫بأن ل يزاد أحدهما على الخر‪ ،‬فإن اختل أحد المرين وقع‬
‫المتعاقدان في الربا‪.‬‬
‫أيها الناس‪ :‬إن من المعلوم أن أكثر الــدول الن ل تتعامــل‬
‫بالذهب والفضة وإنما تتعامل بــالنواط بــدل عــن الــدراهم‬
‫والبدل له حكــم المبــدل‪ ،‬فيكــون لهــذه النــواط حكــم مــا‬
‫جعلت بدل عنه من الذهب والفضة وإذا كان معلوما أنــه ل‬
‫يجوز أن يعطى الرجل مئة من هذه الوراق بمائة وعشرة‬
‫مثل إلى أجل لن هذا ربا صريح فإنه ل يجوز التحيــل علــى‬
‫ذلك بأي نوع كان من الحيــل‪ ،‬ولكــن الشــيطان وهــو عــدو‬
‫بني آدم فتح على كثير من الناس باب التحيل على محارم‬
‫حــرم‬‫الله كما فتحها على اليهود وغيرهم‪ ،‬والحيلة على الم ّ‬
‫أن يتوصــل النســان إلــى المحــرم بشــيء صــورته صــورة‬
‫المباح‪.‬‬
‫وقد حذر النبي أمته مــن التحيــل علــى المحرمــات فقــال‪:‬‬
‫))ل ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بــأدنى‬
‫الحيل(( وقال بعض السلف في المتحايلين أنهم يخــادعون‬
‫الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا المر علــى وجهــه لكــان‬
‫أهون‪ ،‬والحيلة على المحرم ل ترفع التحريم عنه وإنما هي‬
‫فعل للمحرم مع زيادة المكــر والخــداع للــه رب العــالمين‬
‫الذي يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور والمتحايل على‬
‫المحــرم ل يقصـد إل المحــرم فلـه مـا نـوى‪ .‬قـال النـبي ‪:‬‬
‫))إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى((‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬إن للتحايل على الربا صورا كثيرة أكثرهــا‬
‫شيوعا بيننا طريقة المداينة التي يستعمله كثير من الناس‬
‫وهي أن يتفق الدائن والمــدين أول علــى المعاشــرة يتفــق‬
‫معه على الدراهم يقول أريــد عشــرة آلف ريــال العشــرة‬
‫بعشرة ونصف مثل ثم يذهب الدائن المــدين إلــى صــاحب‬
‫دكان عنده أمــوال مكدســة إمــا ســكر أو ربطــات خــام أو‬
‫غيرها فيشتريها الدائن شراء صــوريا ليــس لــه بهــا غــرض‬
‫سوى الوصول إلى بيع العشــرة بعشــرة ونصــف‪ ،‬والــدليل‬
‫أنه شراء صوري أنه ل يكاسر بالثمن ول يقلب السلعة ول‬
‫يفتشــها كمــا يفعــل المشــتري حقيقــة وربمــا كــانت هــذه‬
‫المــوال أفســدها طــول الزمــن أو أكلتهــا الرض لنهـا لـم‬

‫‪357‬‬
‫تنقل ولم تقلب ولم تفتش وبعد هذا الشراء الصوري يــبيع‬
‫الدائن هذه السلع على المدين بما اتفقــا عليــه مــن الربــح‬
‫ثم يعود المدين فيبيعها على صاحب الدكان ويخرج بدراهم‬
‫وهذا العمل بعينه هو ما حكاه شيخ السلم ابن تيميه فــي‬
‫كتاب أبطال التحليــل مــن جملــة صــور الحيــل حيــث قــال‬
‫رحمه الله‪ :‬وكذلك بلغني أن من الباعــة مــن قــد أعــد بــزا‬
‫لتحليل الربا‪ ،‬فإذا جاء إلى من يريد أن يأخذ منه ألفا بألف‬
‫ومائتين ذهبا إلى ذلك المحلل فاشترى منه المعطى ذلــك‬
‫البز ثم يعيده للخذ ثم يعيده الخذ إلى صاحبه وقــد عــرف‬
‫الرجل بذلك بحيث أن هذا البز الذي يحلل به الربا ل يكــاد‬
‫يبيعه البيع البات انتهى‪.‬‬
‫وقد قال قبل ذلك فيا سبحان الله العظيــم أن يعــود الربــا‬
‫الذي عظم الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مســتحله‬
‫ولعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه وجاء فيــه مــن الوعيــد‬
‫ما لم يجيء في غيره إلى أن يستحل بأدنى سعي من غير‬
‫كلفة أصل إل بصورة عقد هي عبث ولعب‪.‬‬
‫وقال في الفتــاوي أيضــا وكــذلك إذا اتفقــا علــى المعاملــة‬
‫الربوية ثم أتيا إلى صاحب حانوت يطلبان منه متاعا بقــدر‬
‫المال فاشتراه المعطى ثم باعه على الخذ إلــى أجــل ثــم‬
‫أعاده إلى صاحب الحانوت بأقل من ذلـك فيكـون صـاحب‬
‫ل فهذا من الربا الــذي ل ريــب‬ ‫جع ْ ٍ‬
‫الحانوت واسطة بينهما ب ُ‬
‫فيه انتهى‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬إن المداينة بهذا البيع الصوري‪ -‬الذي يعلم‬
‫الله جل وعل ويعلم المتعاقدان أنفســهما أنهمــا لــم يريــدا‬
‫حقيقة البيع‪ ،‬وإنما أرادا دراهم بدراهم فالــدائن أراد الربــح‬
‫والمدين أراد الدراهم وأدخل هذا العقد الصوري بينهما‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن هذه المداينة تشتمل على عدة محاذير‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنها تحيل على المحرم وخداع لله ورســوله‪ ،‬ونحــن‬
‫نقول لهذا المتحايــل أن حيلتــك لــن تغنــي عنــك مــن اللــه‬
‫شيئا‪ .‬ألم تعلم بأن الله يرى؟ ألم تعلم بأن الله يعلم خائنة‬
‫العين وما تخفي الصــدور؟ ألــم تعلــم بــأن الحســاب يــوم‬
‫القيامــة علــى مــا فــي قلبــك؟ أفل يعلــم إذا بعــثر مــا فــي‬

‫‪358‬‬
‫القبوروحصل ما في الصدور يوم تبلى السرائر فما له من‬
‫قوة ول ناصر ]الطارق[‪.‬‬
‫المحذور الثاني‪ :‬أن هــذه المعاملــة تــوجب قســوة القلــب‬
‫والتمادي في الباطل‪ ،‬فإن صاحبها يظن أنه على حق‪ ،‬فلو‬
‫أتيته بكل دليل ما سمع منك لن قلبه مغمور بمحبــة هــذه‬
‫المعاملة السيئة لسهولتها‪ ،‬والنفس إذا اعتادت على الربح‬
‫المحرم بهذه الطريقة الســهلة صــعب عليهــا تركهــا إل أن‬
‫يعينها الله بمدد منه‪ ،‬وتعرف حقيقة واقعهــا وشــؤم عاقبــة‬
‫معاصيها‪ ،‬وأن هذه الرباح التي تحصل لها بطريق التحايــل‬
‫على محارم الله ليس منها إل الغرم والثم‪.‬‬
‫المحذور الثالث‪ :‬إن في هذه المعاملة السيئة معصــية للــه‬
‫ولرسوله فقد نهى النبي عن بيع الســلع حــتى تنقــل‪ .‬قــال‬
‫ابن عمر رضي الله عنهمــا كــان النــاس يتبــايعون الطعــام‬
‫جزافا بأعلى السوق فنهاهم النبي أن يبيعوه حــتى ينقلــوه‬
‫روه البخاري‪.‬‬
‫وعن زيد بن ثابت أن النبي نهى أن تباع السلع حيث تبتــاع‬
‫حــتى يحوزهــا التجــار إلــى رحــالهم رواه أبــو داود فكيــف‬
‫ترضى لنفسك أيها المسلم أن تتعامل بمعاملة يكون فيهــا‬
‫معصية الله ورسوله والوقوع فيما حذر الله ورســوله منــه‬
‫من أجل كسب ل يعود عليــك بــالخير والبركــة‪ ،‬فتــب إلــى‬
‫ربك واتق الله في نفسك واعرف حقيقة الدنيا وأنها زائلــة‬
‫ول تقدمها على الخــرة‪ ،‬قولــوا ســمعنا وأطعنــا ول تقولــوا‬
‫سمعنا وعصينا‪.‬‬
‫فكروا في هذه المعاملة تفكيــرا ســليما مــن الهــوى يتــبين‬
‫لكم حقيقة أمرها‪ ،‬واســلكوا طريقــتين ســليمتين إحــداهما‬
‫طريقة الحسان وهي القرض بدون ربــح فــإن أبيتــم ذلــك‬
‫فاسلكوا الطريقة الثانية طريقة السلم وهي الــتي تســمى‬
‫المكتب تعطون دراهم بسلع معينة إلـى أجـل معلـوم كمـا‬
‫كان الناس يفعلون ذلك على عهــد النــبي مثــل أن تعطيــه‬
‫ألف ريال بعشرين كيس سكر مثل يعطيك إياها بعد ســنة‪،‬‬
‫فهذا جائز‪.‬‬
‫وكذلك إذا احتاج إلى سلعة معينة كسيارة تســاوي عشــرة‬
‫آلف فبعتها عليه بأحد عشر ألفا أو أكثر إلــى أجــل معيــن‪،‬‬

‫‪359‬‬
‫فل بأس به سواء كان الجل مــدته واحــدة أو كــان موزعــا‬
‫على الشهر والسنوات‪.‬‬
‫وفقني الله وإياكم لسلوك طريق الزهد والورع وجنبنــا مــا‬
‫فيه هلكنا من الشح والطمع وجعلنا ممن رأى الحــق حقــا‬
‫واتبعه ورأى الباطل باطل واجتنبه إنه جواد كريم‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬بعض حيل الربا‬
‫موسوعة خطب المنبر ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(183‬‬
‫بعض حيل الربا‬
‫محمد بن صالح العثيمين‬
‫عنيزة‬
‫الجامع الكبير‬
‫الخطبة الولى‬
‫أيهــا النــاس اتقــوا اللــه تعــالى واحــذروا أســباب ســخطه‬
‫وعقــابه احــذروا مــا حــذركم اللــه منــه إن كنتــم مــؤمنين‬
‫واحذروا الربا فإنه من أسباب لعنة اللــه تعــالى ومقتــه إن‬
‫الربا من أكبر الكبائر التي حذر الله تعالى عنها فــي كتــابه‬
‫وحذر رسول الله عنها في سنته وأجمــع المســلمون علــى‬
‫تحريمها ‪ ،‬اسمعوا قــول اللــه تعــالى‪ :‬يــا أيهــا الــذين آمنــوا‬
‫اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لــم‬
‫تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ]البقرة‪.[279-278:‬‬
‫اسمعوا قول الله تعالى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تــأكلوا الربــا‬
‫أضعفا مضاعفة واتقــوا اللــه لعلكــم تفلحــون واتقــوا النــار‬
‫الــتي أعــدت للكــافرين وأطيعــوا اللــه والرســول لعلكــم‬
‫ترحمــون ]آل عمــران‪ .[132-130:‬واســمعوا قــول اللــه‬
‫تعالى‪ :‬الذين يأكلون الربـا ل يقومـون إل كمـا يقـوم الـذي‬
‫يتخبطه الشيطان من المس ذلــك بــأنهم قــالوا إنمــا الــبيع‬
‫مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جــاءه موعظــة‬
‫من ربه فانتهى فله ما ســلف وأمــره إلــى اللــه ومــن عــاد‬
‫فأولئك أصحاب النار هــم فيهــا خالــدون يمحــق اللــه الربــا‬
‫ويربي الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم ]البقرة‪-275:‬‬
‫‪ .[276‬اسمعوا هذه اليات وافهموها وعوها ونفــذوها فــإن‬
‫لــم تفهموهــا فاســألوا أهــل اذكــر إن كنتــم ل تعلمــون أو‬

‫‪360‬‬
‫طالعوا ما قاله المفسرون فيها إن كنتم تقدرون لقد قــال‬
‫شيخنا عبد الرحمــن بـن سـعدي رحمــه اللـه تفســير اليــة‬
‫الثالثة ‪ :‬ذكر الظالمين أهل الربا والمعاملت الخبيثة وأخبر‬
‫أنهم يجازون بحسب أعمالهم فكمــا كــانوا فــي الــدنيا فــي‬
‫طلب المكاســب الخبيثــة كالمجــانين عوقبــوا فــي الــبرزخ‬
‫والقيامــة بــأنهم ل يقومــون مــن قبــورهم أو يــوم بعثهــم‬
‫ونشورهم إل كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المــس‬
‫أي من الجنون والصــرع ‪ ،‬ولقــد صــدق رحمــه اللــه تعــالى‬
‫فإن المرابين كالمجانين ل يعون موعظــة ول يرعــون عــن‬
‫معصية نسأل الله لنا ولهم الهداية ‪.‬‬
‫أيها الناس اسمعوا ما صح عن رسول الله من حديث جابر‬
‫أن النبي ‪)) :‬لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقــال‬
‫هم سواء((‪ ،‬رواه مسلم ‪ ،‬اسمعوا ما صح عنه من حــديث‬
‫سمرة بن جندب أن النبي ‪)) :‬رأى في منامه نهرا مــن دم‬
‫فيه رجل قائم وعلى شــط النهــر رجــل بيــن يــديه حجــارة‬
‫فأقبل الرجــل الــذي فــي النهــر فــإذا أراد أن يخــرج رمــاه‬
‫الرجل الذي على شط النهر بحجر فــي فمــه فــرده حيــث‬
‫كان فجعل الرجل فــي نهــر الــدم كلمــا جــاء ليخــرج رمــاه‬
‫الرجل الذي على شط النهر بحجـر فــي فمـه فيرجــع كمـا‬
‫كان فسأل النبي عن هذا الرجل الــذي رآه فــي نهــر الــدم‬
‫فقيل هــذا آكــل الربــا(( رواه البخــاري ‪ ،‬اســمعوا مــا رواه‬
‫أحمد من حديث أبي هريرة أن النبي ‪)) :‬أتــى ليلــة أســري‬
‫به على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خــارج‬
‫بطونهم فقلت من هؤلء يا جبريل قال هؤلء أكلة الربــا((‪،‬‬
‫واسمعوا ما جاء في الحديث‪)) :‬الربــا ثلثــة وســبعون بابــا‬
‫أيســرها مثــل أن ينكــح الرجــل أمــه(( رواه الحــاكم ولــه‬
‫شواهد‪.‬‬
‫أيها المسلمون ‪ :‬لقد بين رسول الله لمته الربا أين يكون‬
‫وكيف يكون بيانا شافيا واضحا إل لمن بـه مـرض أو عمـى‬
‫لقد قال رسول الله ‪)) :‬الــذهب بالــذهب والفضــة بالفضــة‬
‫والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بـالتمر والملــح بالملـح‬
‫مثل بمثــل يــدا بيــد فمــن زاد أو اســتزاد فقــد أربــى الخــذ‬
‫والمعطي فيه ســواء(( رواه مســلم ‪ .‬وفــي لفــظ لــه فــإذا‬

‫‪361‬‬
‫اختلفت هذه الصناف الستة إذا بيــع الشــيء منــه بجنســه‬
‫مثل أن يباع الذهب بالذهب فل بد فيه من شــرطين اثنيــن‬
‫أحدهما أن يتساويا في الوزن والثاني أن يتقابض الطرفان‬
‫في مجلس العقد فل يتفرقا وفي ذمة أحدهما شيء للخر‬
‫فلو بــاع شــخص ذهبــا بــذهب يزيــد عليــه وزنــا ولــو زيــادة‬
‫يسيرة فهو ربا حرام والبيع باطل‪ .‬ولو باع ذهبا بذهب مثله‬
‫في الوزن ولكن تفرقا قبل القبض فهــو ربــا حــرام والــبيع‬
‫باطل‪ .‬وبين رسول اللــه أن هــذه الصــناف الســتة إذا بيــع‬
‫أحدها بجنــس آخــر فل بــأس أن يكــون أحــدهما أكــثر مــن‬
‫الخر ولكن ل بد من التقابض مــن الطرفيــن فــي مجلــس‬
‫العقد بحيث ل يتفرقان وفي ذمة أحدهما للخر شيء‪ .‬فلو‬
‫باع ذهبا بفضة وتفرقا قبل القبــض فهــو ربــا حــرام والــبيع‬
‫باطل‪.‬‬
‫أيها الناس لقد كان التعامل سابقا بالذهب والفضة وأصــبح‬
‫التعامل الن بالوراق النقدية بــدل عنهــا والبــدل لــه حكــم‬
‫المبــدل فل يجــوز التفــرق قبــل القبــض إذا أبــدلت أوراقــا‬
‫نقدية بجنسها أو بغير جنسها فلو قلــت لشــخص خــذ هــذه‬
‫الورقة ذات المائة اصــرفها لــي بورقــتين ذواتــى خمســين‬
‫فإنه يجب أن تسلم وتستلم قبل التفرق فإن تأخر القبــض‬
‫من الطرفين أو أحدهما فقد وقعا في الربا‪ ،‬ولقد صار من‬
‫المعلوم عند الناس أنك لو أخذت مــن شــخص مــائة ريــال‬
‫من النقد الورقي بمائة وعشرة مؤجلة إلى سنة أو أقل أو‬
‫أكثر لكان ذلك ربا وهذا حق فإن هذه المعاملــة مــن الربــا‬
‫الجامع بين ربا الفضــل وربــا النسـيئة بيـن الربـا المقصــود‬
‫والذريعــة ولكــن مــن المؤســف أن كــثيرا مــن المســلمين‬
‫صاروا يتحيلون على هذا الربا بأنواع مــن الحيــل‪ ،‬والحيلــة‬
‫أن يتوصل الشخص إلى الشــيء المحــرم بشــيء ظــاهره‬
‫الحل فيستحل محارم الله بأدنى الحيل‪.‬‬
‫وإن الحيلة على محارم الله تعالى خداع ومكر إنهــا خــداع‬
‫ومكر يخادع بها العبد ربه يخادع بها من يعلم خائنة العيــن‬
‫وما تخفي الصدور أفيظن هذا المخــادع الــذي لذ بخــديعته‬
‫أن أمره ســيخفى علــى اللــه أفل يقــرأ قــول اللــه تعــالى‪:‬‬
‫واعلموا أن الله يعلم ما فــي أنفســكم فاحــذروه ]البقــرة‪:‬‬

‫‪362‬‬
‫‪ .[235‬أليس في نيته وقرارة نفسه أنه يريد ما حرم اللــه‬
‫ولكن يكسوه بثوب من الخداع والمكــر ل ينطلــي إل علـى‬
‫مثله ممن جعل الله على بصره غشاوة‪.‬‬
‫إن الحيل على الربا كثيرة ولكن أكثرهــا شــيوعا أن يجيــء‬
‫الرجل لشخص فيقول له إني أريد كذا وكــذا مــن الــدراهم‬
‫فهل لك أن تدينني العشر أحد عشر أو إثنى عشر أو أقــل‬
‫أو أكثر حسب ما يتفقــان عليــه ثــم يــذهب الطرفــان إلــى‬
‫صاحب دكان عنده بضاعة مرصوصة معدة لتحليل الربا قد‬
‫يكون لها عدة سنوات إمــا خــام أو ســكر أو رز أو هيــل أو‬
‫غيرها مما يتفق عند صاحب الدكان أظن أن لو وجدا عنده‬
‫أكياس سماد يقضيان بها غرضــهما لفعل فيشــتريها الــدائن‬
‫من صاحب الــدكان شــراء صــوريا ل حقيقيــا أقــول شــراء‬
‫صوريا ل حقيقيا لنه لم يقصد السلعة مــن الصــل بــل لــو‬
‫وجد أي سلعة يقضي بها غرضه لشتراها ثــم هــو ل يقلــب‬
‫الســلعة ول يمحصــها ول يكاســر فــي الثمــن وربمــا كــانت‬
‫ة وهو ل‬ ‫السلعة معيبة أفسدها طول الزمن أو أكلتها ال ََر َ‬
‫ض ُ‬
‫يعلم ثم بعد هذا الشراء الصوري يتصدى لقبضها الصــوري‬
‫أيضا فيعدها وهو بعيد عنها وربمــا أدرج يــده عليهــا تحقيقــا‬
‫للقبض كما يقولون ثــم يبيعهــا علــى المــدين بالربــح الــذي‬
‫اتفقــا عليــه ول أدري هــل يتصــدى المــدين لقبضــها ذلــك‬
‫القبــض الصــوري قبــل بيعهــا علــى صــاحب الــدكان فــإذا‬
‫اشتراها صاحب الدكان سلم للمــدين الــدراهم وخــرج بهــا‬
‫قال شيخ الســلم ابـن تيميـه مـن ‪109‬مـن كتـاب إبطـال‬
‫حَيل لقد بلغني أن من الباعة من أعــد بــزا لتحليــل الربــا‬ ‫ال ِ‬
‫فإذا جاء الرجــل إلــى مــن يريــد أن يأخــذ منــه ألــف بــألف‬
‫ومائتين ذهب إلى ذلك المحلل فاشترى منه المعطي ذلك‬
‫البز ثم يعيده للخذ ثم يعيده الخذ إلى صــاحبه وقــال فيــه‬
‫أيضا فيا سبحان الله العظيم أيعــود الربــا الــذي قــد عظــم‬
‫الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مستحله ولعــن آكلــه‬
‫وموكله وكاتبه وشاهديه وجاء فيه من الوعيد ما لــم يجــئ‬
‫في غيرها إلى أن يستحل بأدنى سعي من غير كلفة أصــل‬
‫إل بصورة عقد هي عبث ولعب وقد ذكر شيخ السلم هذه‬
‫مع ابن قاسم ص ‪441‬ج ‪(29‬‬ ‫المسألة أيضا في الفتاوي )ج ْ‬

‫‪363‬‬
‫وقال هي من الربا الذي ل ريــب فيــه مــع أن هــذه الحيلــة‬
‫الربوية التي شاعت بين الناس تتضمن محاذير‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنها خداع ومكر وتحيل على محارم اللــه والحيلــة ل‬
‫تحلل الحرام ول تسقط الواجب ولقد قــال بعــض الســلف‬
‫في أهل الحيل يخادعون اللــه كمــا يخــادعون الصــبيان لــو‬
‫أتوا المر على وجهه لكان أهون‪.‬‬
‫المحذور الثاني‪ :‬أنها توجب التمادي في الباطــل فــإن هــذا‬
‫المتحيل يرى أن عمله صحيح فيتمــادى فيــه أمــا مــن أتــى‬
‫المــر الصــريح فــإنه يشــعر أنــه وقــع فــي هلكــة فيخجــل‬
‫ويستحي من ربه ويحاول أن ينـزع مـن ذهبـه ويتـوب إلـى‬
‫ربه‪.‬‬
‫المحذور الثالث ‪ :‬أن السلعة تباع في محلهــا بــدون قبــض‬
‫ول نقل وهذا معصية لرسول اللـه فعـن زيـد بـن ثـابت أن‬
‫النــبي ‪)) :‬نهــى أن تبــاع الســلع حيــث تبتــاع(( يعنــي فــي‬
‫المكان الذي اشتريت فيه حتى يحوزها التجار إلى رحالهم‬
‫رواه أبــو داود والــدارقطني ويشــهد لــه حــديث ابــن عمــر‬
‫رضــي اللــه عنهمــا قــال‪)) :‬كــان النــاس يتبــايعون الطعــام‬
‫جزافا بأعلى السوق فنهاهم النبي أن يبيعوه حتى ينقلوه((‬
‫رواه البخاري‪.‬‬
‫وقد يتعلل بعض الناس فيقول إن عد هذه الكيــاس قبــض‬
‫لهــا فنقــول إذا قــدرنا أنــه قبــض فهــل هــو نقــل وحيــازة‬
‫والنبي ‪)) :‬نهى عن بيع السلع حتى تحاز إلى الرحال(( ثــم‬
‫هل جاء في السنة أن مجرد العد قبض إن القبــض هــو أن‬
‫يكــون الشــيء فــي قبضــتك وذلــك بحيــازته إلــى محلــك‬
‫بالضافة إلى عده أو كيله أو وزنه إن كان يحتاج إلى ذلك‪.‬‬
‫فيــا عبــاد اللــه اتقــوا اللــه تعــالى واحــذروا التحيــل علــى‬
‫محارمه واعدلوا عــن المعــاملت الحــرام إلــى المعــاملت‬
‫الحلل إما بطريق الحسان إلى المحتاجين بإقراضهم وإما‬
‫بالسلم الذي تسمونه الكتــب تعطــونه دراهــم بســلعة فــي‬
‫ذمته يسلمها لكــم وقــت حلولهــا وإمــا بــبيع الســلعة الــتي‬
‫يحتاجها بعينها إذا كــان يحتــاج لســلعة معينــة كفلح يحتــاج‬
‫لمكينة وهي عنــدك فتبيعهــا عليــه بثمــن مؤجــل أكــثر مــن‬

‫‪364‬‬
‫ثمنها حاضرا وكشخص محتاج لسيارة فتبيعهــا عليــه بثمــن‬
‫مؤجل أكثر من ثمنها حاضرا‪.‬‬
‫والمعاملت البديلة عن تلك المعاملة المحرمة كثيرة ومن‬
‫أراد استيضـاحها فليسـأل عنهـا أهـل العلـم ‪ ،‬وفقنـي اللـه‬
‫وإياكم للهدى والتقى والعفاف والغنى وحمانا ممــا يغضــبه‬
‫إنه جواد كريم ‪.‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المســلمين‬
‫من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬الربا في الذهب‬
‫موسوعة خطب المنبر ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(184‬‬
‫الربا في الذهب‬
‫محمد بن صالح العثيمين‬
‫عنيزة‬
‫الجامع الكبير‬
‫الخطبة الولى‬
‫أما بعــد‪ :‬فقــد قــال اللــه عــز وجــل‪ :‬واللـه يريــد أن يتــوب‬
‫عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميل عظيما‬
‫يريد الله أن يخفف عنكم وخلق النسان ضــعيفا ]النســاء‪:‬‬
‫‪ .[28-27‬هكــذا يقــرر اللــه تعــالى هــذه الكليــة العاملــة‬
‫الشاملة لكل إنســان‪ ،‬إن كــل إنســان خلــق ضــعيفا‪ ،‬خلــق‬
‫ضعيفا في نشأته‪ :‬مــن أي شــيء خلقــه مــن نطفــة خلقــه‬
‫نطفة صبابة من الماء المهين‪.‬‬
‫وخلق ضــعيفا فــي علمــه‪ :‬ومــا أوتيتــم مــن العلــم إل قليل‬
‫]السراء‪ .[85:‬فعلمه قليــل ومحفــوف بــآفتين جهــل قبــل‬
‫العلــم ونســيان بعــده فهــو ل يعلــم المســتقبل حــتى فــي‬
‫تصــرفات الخاصــة‪ :‬ومــا تــدري نفــس مــاذا تكســب غــدا‬
‫]لقمان‪ .[34:‬خلق ضعيفا في تصرفه وإدراكــه قــد يتصــور‬
‫البعيد قريبا والقريب بعيدا والنافع ضــارا والضــار نافعــا ول‬
‫يدرك النتائج التي تتمخض عن تصرفاته‪.‬‬
‫ومن أجــل هــذا الضــعف وهــذا القصــور رحــم اللــه الخلــق‬
‫بإرســال الرســل وأنــزل معهــم الكتــاب والميــزان ليقــوم‬
‫النــاس بالقســط فيســيروا علــى صــراط اللــه المســتقيم‬

‫‪365‬‬
‫ويستنيروا بهدى الله العليم الحكيم ولئل يبتدعوا تشريعات‬
‫من عند أنفسهم يسلكون بها المتاهات في الظلم والجــور‬
‫والنــزاع والخلف أو يســنوا أنظمــة متناقضــة فوضــوية إن‬
‫أصــلحت جانبــا مــن الحيــاة أفســدت جــوانب‪ ،‬أو يتبعــوا‬
‫أهواءهم ويطلقوا حرياتهم في تصرفاتهم وفــي معــاملتهم‬
‫ول يمكن لشخص أن يطلق حريته بدون قيود إل كان ذلــك‬
‫على حساب حرية الخرين‪.‬‬
‫ولقد عمي قوم أو تعاموا عن الحق حيث ظنوا أو عموا أن‬
‫شرائع الله تعــالى إنمــا جــاءت لصــلح العبــادات والخلق‬
‫دون المعاملت فاتبعوا أهواءهم فــي معــاملتهم فشــرعوا‬
‫القوانين وتصرفوا كما يشاءون فشــاركوا اللــه تعــالى فــي‬
‫شرعه وعتوا عن أمره في شــريعته‪ :‬أل يظــن أولئك أنهــم‬
‫مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ‪ .‬أفل‬
‫يرجع هؤلء إلى رشدهم ويتبعــون ســبيل ربهــم ويلــتزمون‬
‫بشريعته ويقفون عند حدوده ويقولــون ســمعنا وأطعنــا ول‬
‫يكونون كالذين قالوا‪ :‬سمعنا وهــم ل يســمعون أو كالــذين‬
‫قالوا‪ :‬سمعنا وعصينا‪.‬‬
‫أيها الناس إن شريعة الله نظمت للناس طرق معــاملتهم‬
‫فيها بينهم كما نظمت طرق أخلقهم ومعاملتهم مع ربهــم‬
‫فالواجب على كل مؤمن بالله واليوم الخــر أن يــدين للــه‬
‫بالطاعة في عباداته وأخلقه ومعــاملته ول يكــون كالــذين‬
‫يؤمنــون ببعــض الكتــاب ويكفــرون ببعــض‪ ،‬يــدين للــه فــي‬
‫عباداته وأخلقه ويتبع هواه في معاملته فإنه مسؤول عــن‬
‫ذلك كله‪ ،‬وكم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله من وعد‬
‫لمن استقام في معاملته على أمر الله ووعيــد علــى مــن‬
‫تعدى فيها حدود الله‪.‬‬
‫أيها الناس لقد جرم الله تعالى الربا في كتــابه وفــي ســنة‬
‫رسوله وأجمع على ذلك علماء المسلمين فــي كــل عصــر‬
‫وفي كل مصر لم يختلف منهم في تحريمه اثنان قال اللــه‬
‫تعالى‪ :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا‬
‫إن كنتم مؤمنين فــإن لــم تفعلــوا فــأذنوا بحــرب مــن اللــه‬
‫ورسوله ]البقرة‪ .[279-278:‬وأي جرم في المعاملة أبلــغ‬
‫من معاملة يكون فيها النسان معلنا بحرب اللــه رســوله ‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫وعن جـابر بـن عبـد اللـه رضـي اللـه عنهمـا قـال‪)) :‬لعـن‬
‫رسول الله آكل الربا وموكله وكــاتبه وشــاهديه وقــال هــم‬
‫سواء(( رواه مسلم‪ .‬ولقد بين رسول اللــه مــا يكــون فيــه‬
‫الربــا وكيــف يكــون ففــي صــحيح مســلم عــن عبــادة بــن‬
‫الصامت أن النبي قال‪)) :‬الذهب بالذهب والفضــة بالفضــة‬
‫والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بـالتمر والملــح بالملـح‬
‫مْثل بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هــذه الصــناف‬ ‫ِ‬
‫فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد((‪ .‬ولــه مــن حــديث أبــي‬
‫سعيد أن النبي قال‪)) :‬فمن زاد أو استزاد فقد أربى الخذ‬
‫والمعطي فيه سواء((‪.‬‬
‫فبين رسول الله في هذا الحديث أنه ل يجــوز بيــع الــذهب‬
‫بالذهب إل بشرطين‪ ،‬الول‪ :‬أن يكونا سـواء فـي الـوزن ل‬
‫يزيد أحدهما على الخر‪ ،‬والثــاني‪ :‬أن يكــون ذلــك يــدا بيــد‬
‫بمعنى أن يسلم كل واحد من الطرفين لصــاحبه مــا بــادله‬
‫به قبل أن يتفرقــا فــإن زاد أحــدهما علــى الخــر فهــو ربــا‬
‫والعقد باطل‪ ،‬وإن تفرقا قبل القبض من الطرفين فالعقــد‬
‫باطل‪ ،‬وهو من الربا أيضا‪ ،‬وهكذا إذا بيعت الفضة بالفضــة‬
‫أو البر بالبر أو الشعير بالشــعير أو التمــر بــالتمر أو الملــح‬
‫بالملح فل بد من هذين الشرطين‪ :‬التساوي والقبــض مــن‬
‫الطرفين فلو باع صاعا من بر بصاع منــه وزيــادة فهــو ربــا‬
‫ولو كانت القيمة واحدة‪ ،‬وعلى هذا فإذا كان عنــد امرأتيــن‬
‫حلــي وأحبــت إحــداهما أن تبــادل الخــرى فل يجــوز إل أن‬
‫يوزن حلي كل واحدة منهما فيكونا سواء وأن تتقابضا قبل‬
‫التفرق‪ ،‬وأجاز بعض العلماء التبادل مع زيادة أحدهما على‬
‫الخر إذا كان مع الناقص شيء يقابــل الزيــادة أمــا إذا بيــع‬
‫الــذهب بالفضـة فــإنه ل يشــترط التسـاوي وإنمــا تشــترط‬
‫التقــابض قبــل التفــرق بحيــث يقبــض البــائع الثمــن كــامل‬
‫ويقبــض المشــتري مــا اشــتراه كــامل‪ ،‬فلــو بــاع شــخص‬
‫سوارين من ذهب بمائتي ريــال وكــل واحــد يســاوي مــائة‬
‫فأعطاه المشتري مائة ريال وأخذ السوارين وقال آتي لك‬
‫بعد قليل ببقية الثمن فهذا حرام عليهما ول يصــح الــبيع إل‬
‫في سوار واحد فقط أما السوار الثاني فبيعه باطل لن ما‬
‫يقابله من الثمن لم يقبض‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫ولقــد بلغنــي أن الصــواغ وتجــار الحلــي يــبيعون الحلــي‬
‫بالــدراهم ول يقبضــون الثمــن مــن المشــتري وهــذا حــرام‬
‫عليهم وحرام على المشتري وهو من الربا الملعون فاعله‬
‫على لسان محمــد وفــي ظنــي أن بعضــهم ل يــدري علــى‬
‫حكــم هــذا المســألة وإل فل أظــن أن مؤمنــا بــالله واليــوم‬
‫الخر يعلــم أن هــذا ربــا ثــم يتعامــل بــه ل ســيما وأن فــي‬
‫التقابض سلمة من الربا ومصلحة للطرفين فالبــائع ينتفــع‬
‫بنقد الثمــن ويســلم مــن مماطلــة المشــتري أو نســيانه أو‬
‫إعساره المشتري يفك ذمته بتسليم الثمن وخلو ذمته من‬
‫الطلب‪ .‬وقد يفتي بعض المتعاملين بهذا نفسه فيقول‪ :‬أنــا‬
‫لم أبع ذهبا بفضة وإنما بعت ذهبــا بقرطــاس فنقــول هــذه‬
‫الفتوى غلــط فــإن هــذه الوراق جعلــت نقــدا وعملــة بيــن‬
‫الناس بمقتضى قرار الحكومة فلهــا حكــم مــا جعلــت بــدل‬
‫عنه فإذا جعلت بدل عن الريــالت الفضــية كــان لهــا حكــم‬
‫الفضة وكل أحد يعلم بأن هــذه الوراق النقديــة ليــس لهــا‬
‫قيمة باعتبار كونها ورقا فالسواق مملوءة مــن قصاصــات‬
‫الورق التي بقدر ورقة النقد وليس لها قيمة أصل بــل هــي‬
‫ملقاة في الزبل للتلف والحراق ‪ .‬فاتقوا اللــه عبــاد اللــه‬
‫وسيروا في عباداتكم ومعاملتكم وجميع تصــرفاتكم علــى‬
‫شريعة الله ول تتبعوا أهواءكم فإن الله يقول‪ :‬ومــن أضــل‬
‫ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن اللــه ل يهــدي القــوم‬
‫الظالمين ]القصص‪.[50:‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المســلمين‬
‫من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫===============‬
‫‪ #‬دروس من سورة يوسف عليه السلم‬
‫) التمكين ( ‪ -‬الربا‬
‫موسوعة خطب المنبر ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(343‬‬
‫دروس من سورة يوسف عليه السلم ) التمكين ( ‪ -‬الربا‬
‫عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري‬
‫المدينة المنورة‬
‫قباء‬
‫الخطبة الولى‬

‫‪368‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقــال اللــه تبــارك وتعــالى‪ :‬وقــال ائتــوني بــه استخلصــه‬
‫لنفسي فلما كلمه قال إنك اليــوم لــدينا مكيــن أميــن قــال‬
‫اجعلني على خزائن الرض إني حفيظ عليم ]يوسف‪.[54:‬‬
‫هذه بداية مرحلة جديدة في قصــة يوســف عليــه الســلم‪،‬‬
‫وطويت مرحلة‪ ،‬فلم يعد للقصة بعد ذلــك أي ذكــر للعزيــز‬
‫وامرأته فهنا مرحلة مطويــة‪ ،‬هــي مرحلــة المحنــة والبتلء‬
‫وفيها تجلى صبر يوســف وإصــراره علــى عــدم المعصــية‪،‬‬
‫وتجلــى فيهــا عقلــه وحكمتــه وحســن تصــرفه وتــدبيره ‪-‬‬
‫وانتهت تلك المرحلة وطــويت وجــاءت المرحلــة الجديــدة‪،‬‬
‫مرحلــة التمكيــن‪ ،‬تتمثــل فيهــا العاقبــة الحميــدة للمتقيــن‬
‫وعنايــة اللــه تعــالى وحمــايته للصــابرين‪ ،‬ونصــرته لعبــاده‬
‫الصــالحين ‪ -‬وهــا هــو يوســف يخــرج مــن جــوف المحنــة‬
‫وظلمــات الســجن معــززا مكرمــا عظيــم المكانــة فــي‬
‫القلوب‪ ،‬فها هو الملك نفسه يستخلفه لنفسه لما رأى من‬
‫أمانته وعفته وموهبته وإخلصه‪ ،‬فإن الغــالب علــى أحــوال‬
‫الناس أن من كان منهم صــاحب موهبــة وخــبرة يكــون بل‬
‫أمانة وإخلص وإن من كان منهم ذا تقــوى وورع يكــون بل‬
‫موهبة وخبرة‪ ،‬وأما إذا تواجدت الصفتان في شخص واحــد‬
‫فيكون نادرا‪ .‬ولذلك استخلص الملك يوسف عليــه الســلم‬
‫لنفسه وعزم على الستفادة منه والستعانة به‪ ،‬من خبرته‬
‫وأمانته ولقد كان في أمس الحاجة إليـه‪ ،‬فغـالب الحاشـية‬
‫والموظفين منافقون ومرتشون سراقون‪.‬‬
‫ويبدو أنه كان ملكا حكيما وإن كان وثنيا كافرا‪ ،‬ومن عقلـه‬
‫عرف قيمة هذا الشخص فلما كلمه قــال إنــك اليــوم لــدينا‬
‫مكين أمين أي لما كلمه وسمع منه‪ ،‬وقد كان يســمع عنــه‬
‫واشتد شوقه إليه وليس من رأى كمن سمع‪ ،‬فلما شاهده‬
‫زادت هــذه الشخصــية كــبرا وعظمــة فــي نفســه‪ .‬فاختــار‬
‫يوسف المالية‪ ،‬خزائن الرض‪ ،‬ولكنه ما اختار ذلك إل بعــد‬
‫أن رأى عــزم الملــك علــى تــوليته‪ ،‬فل يقــال كيــف طلــب‬
‫الوزارة لنفسه ونحن نعلم أن طلب المارة منهي عنه في‬
‫شريعتنا‪ ،‬ومن طلب المارة أو المناصب ل يولى إياها فــي‬
‫شريعتنا‪ ،‬ولكن يوسف ما طلب هذه المســؤولية الشــائكة‬

‫‪369‬‬
‫إل بعد أن عرض عليه الملــك ذلــك‪ .‬إنــه اختيــار مــدروس‪،‬‬
‫فإن يوسف كان على علــم بمــا ينتظــر هــذا المجتمــع مــن‬
‫كوارث نتيجة للفساد في هذا المجتمــع مــن نهــب ورشــوة‬
‫وفرض إثاوة وغير ذلك من أسباب ممــا يــؤدي إلــى انهيــار‬
‫الدول‪.‬‬
‫واختياره ذلك يدل على أنــه عليــه الســلم لــم ينظــر لهــذا‬
‫المنصب نظرة رجل مهتم بالمنصب والمغنم ولكن نظــرة‬
‫رجل صاحب رسالة يريــد الصــلح‪ ،‬لــذلك نظــر إلــى ذلــك‬
‫التمكين الذي عرض عليه ‪ -‬فاختار أصعب منصــب وأشــق‬
‫مهمــة فــي هــذا المجتمــع وهــو التصــدي للفســاد وخاصــة‬
‫الفساد القتصادي الذي نخر في المجتمع‪.‬‬
‫وهكذا يجب أن يكون لنا في ذلك القدوة وخاصــة أصــحاب‬
‫المراتب القيادية فــإن المنصــب والوظيفــة ليســت فرصــة‬
‫للنهب والسرقة والختلس‪ ،‬بل إنهــا مهمــة وأمانــة كلفــت‬
‫بها‪ ،‬فيجب أن تنظر إليها نظرة إصلح‪.‬‬
‫‪-------------------------‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن الربا يجر على المجتمع المصائب التية‪:‬‬
‫اللعنة اللهية أو الطرد من رحمة الله عز وجل‪ ،‬أعلن ذلك‬
‫الصادق الميــن حينمــا قــال فــي الحــديث الــذي نوهنــا بــه‬
‫سابقا ))لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه(()‪](1‬‬
‫‪ [1‬فجميع من عمل به مطرودون من رحمــة اللــه والعيــاذ‬
‫بالله‪.‬‬
‫آكل الربا ومن يتعامل به حجــز لنفســه مكانــا فــي جهنــم‪،‬‬
‫فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم‪)) :‬كل جسد نبــت‬
‫عن السحت فالنار أولى به(()‪.[2](2‬‬
‫كل من أكل الربا أو تعامــل بــه فقــد أتــى بابــا مــن أعظــم‬
‫أنــواع الكبــائر‪ ،‬فقــد روي عــن الرســول صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم‪)) :‬درهم من ربا يأكله الرجل أشد من ست وثلثيــن‬
‫زنية(()‪.[3](3‬‬
‫من أكل الربا أو تعامل به فقــد حكــم علــى مــاله بــالمحق‬
‫والهلك والدمار ونزع البركة ول يغرنه الستدراج والمهال‬

‫‪370‬‬
‫إذا كثرت أمواله الربوية‪ :‬يمحق الله الربا ويربي الصدقات‬
‫]البقرة‪.[276:‬‬
‫فإنه يعاتب بــأل يســتجاب دعــاؤه وأل تســتجاب اســتغاثته‪،‬‬
‫فإن النسان ضعيف تعرض له كوارث ونكبات فيحتاج إلى‬
‫ربه‪ ،‬ول يجد في كثير من الحيان بل كــل الحيــان‪ ،‬ل يجــد‬
‫إل الــدعاء‪ ،‬فــإذا حــرم مــن الســتجابة فهــذا مــن أشــد‬
‫العقوبات‪ .‬قال سيدنا رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫))رب رجل أشعث أغبر يرفع يــديه إلــى الســماء يقــول يــا‬
‫رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حــرام وملبســه حــرام‬
‫وغذي بالحرام فأنى يستجاب له(()‪ ،[4](4‬أي ل يســتجاب‬
‫له أبدا‪ .‬فاحذر أكل الحرام وأعظم الحرام هــو الربــا‪ .‬وقــد‬
‫قال سعد بن أبي وقاص رضــي اللــه عنــه لســيدنا رســول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬يا رســول اللــه‪ ،‬ادع اللــه أن‬
‫يجعلني مستجاب الدعوة‪ ،‬فقــال لــه الرســول صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم‪ :‬يا سعد أطب مكسبك تجب دعوتك(()‪.[5](5‬‬
‫ومن أعظم المصائب التي تحل على المجتمع بشؤم أهــل‬
‫الربــا والمتعــاملين بهــا أن يحــل بهــم العــذاب فيؤخــذون‬
‫بالســـنين ‪ -‬أي بحبـــس المطـــر والغيـــث ‪ -‬فلـــول دعـــاء‬
‫المساكين ورجاء الفقراء والمساكين وبكاء الطفال الذين‬
‫ل يعقلوا ورغاء البهائم ما نــزل المطــر‪ ،‬ولكــن اللــه رحيــم‬
‫وببركة هؤلء ينزل المطر‪.‬‬
‫فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال ســمعت رســول‬
‫الله صلى الله عليــه وســلم يقــول‪)) :‬مــا مــن قــوم يظهــر‬
‫فيهم الربا إل أخذوا بالســنين‪ ،‬ومــا مــن قــوم يظهــر فيهــم‬
‫الرشا إل أخذوا بالرعب(()‪.[6](6‬‬
‫أما بعد‪ :‬فــإن أفضــل الكلم كلم اللــه وخيــر الهــدي هــدي‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مسلم كتاب المسافاة )‪.(1598‬‬
‫)‪ (2‬حلية الولياء )‪.(1/31‬‬
‫)‪ (3‬أحمد )‪ ،(5/225‬صححه اللباني اسناده في المشــكاة‬
‫)‪.(2/859‬‬
‫)‪ (4‬مسلم كتاب الزكاة )‪.(1015‬‬

‫‪371‬‬
‫)‪ (5‬عزاه الهيثمي فــي المجمــع للطــبراني فــي الصــغير ‪،‬‬
‫وقال ‪) :‬وفيه من لم أعرفهم( )‪.(10/294‬‬
‫)‪ (6‬أحمد )‪.(4/205‬‬
‫================‬
‫‪ #‬دروس من سورة يوسف ) الربا (‬
‫موسوعة خطب المنبر ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(348‬‬
‫دروس من سورة يوسف ) الربا (‬
‫عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري‬
‫المدينة المنورة‬
‫قباء‬
‫الخطبة الولى‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقال الله تبارك وتعالى‪ :‬وكذلك مكنا ليوســف فــي الرض‬
‫يتبوأ منها حيث يشاء‪ ،‬نصيب برحمتنا مــن نشــاء ول نضــيع‬
‫أجر المحسنين ]يوسف‪.[56:‬‬
‫التمكين من المكنة والمكانــة‪ ،‬ومعنــاه القــدرة والسـلطان‬
‫والرفعـــة‪ .‬وقـــوله مكنـــا ليوســـف أي أعطينـــاه القـــدرة‬
‫والسلطان والمكانــة الرفيعــة بيــن النــاس‪ .‬وهــذا التمكيــن‬
‫مطلق بخلف التمكين الذي ذكر في الية قبل ذلك‪ :‬وقال‬
‫الذي اشتراه من مصــر لمرأتــه أكرمــي مثــواه عســى أن‬
‫ينفعنــا أو نتخــذه ولــدا‪ .‬وكــذلك مكنــا ليوســف فــي الرض‬
‫]يوسف‪ .[21:‬فالمقصود بالرض في هذه الية بيت العزيز‬
‫وأملكه‪ ،‬فذاك تمكيــن محــدود‪ ،‬انتهــى لــم يســتمر‪ ،‬انتهــى‬
‫بسجن يوسف‪ ،‬ولكنه كــان منــزل فــي الطريــق إلــى هــذا‬
‫التمكين النهائي‪.‬‬
‫فإن يوسف عليه السلم كان من المحسنين‪ ،‬أحســن فــي‬
‫نفسه‪ ،‬وأحسن مع ربه‪ ،‬وأحسن في اتباع المنهج المنــزل‪.‬‬
‫ومن سنن الله الكونية الــتي ل تبــدل أن مــن أحســن فــي‬
‫اتبــاع الوســائل والســباب أنــه يحصــل النتيجــة‪ ،‬فــإن اللــه‬
‫سبحانه وتعالى ل يضيع أجره‪ ،‬فإن من أخذ بأسباب القــوة‬
‫والظفر حصل على ذلــك مؤمنــا كــان أو كــافرا‪ ،‬هــذه مــن‬
‫مقتضى عدل اللــه ســبحانه وتعــالى‪ :‬نصــيب برحمتنــا مــن‬

‫‪372‬‬
‫نشاء ول نضيع أجر المحسنين ‪ ،‬هذا الحسان معنى شامل‬
‫يشمل الحسان في اتخاذ السباب والوسائل‪.‬‬
‫فما بالك بالمؤمن إذا أحسن وكان إحســانه متكــامل‪ ،‬فهــو‬
‫مع معرفته بالله عز وجل وتوحيده له‪ ،‬عمل واجتهد وصــبر‬
‫وتجلد وأحسن في اتباع المنهــج فــإن هــذا يحصــل النتيجــة‬
‫وتدركه الرحمة الخاصة بالمؤمنين دون غيرهم‪.‬‬
‫أمــا المــؤمن إذا اســتعجل دون أن يعمــل وأخطــأ المنهــج‬
‫المنزل فلم يشفع له صلحه ول صدق نيته فإن النتائج لــم‬
‫تعلق علــى اليمــان فقــط ولكــن علــى اليمــان والعمــل ‪-‬‬
‫التمكين لم يربط بمجرد اليمان ولكن بإحسان العمل مــع‬
‫اليمان هل جزاء الحسان إل الحسان ]الرحمن‪ .[60:‬مــع‬
‫أن القرآن قد يطلق اليمان في بعض الحيان ويقصد بهذا‬
‫أي اليمان مع الحسان في العمل‪.‬‬
‫ولما كان إحسان العمل شرطا فــي التمكيــن فــإن الــدوام‬
‫على ذلك أيضا شرط فــي التمكيــن‪ ،‬اللــتزام بشــرع اللــه‬
‫شرط الذين إن مكنــاهم فــي الرض أقــاموا الصــلة وآتــوا‬
‫الزكاة وأمروا بــالمعروف ونهــوا عــن المنكــر وللــه عاقبــة‬
‫المور ]الحج‪ .[41:‬تأمل هذه الخاتمة العجيبة‪ ،‬خاتمة الية‪،‬‬
‫إنها تطمئن المؤمنين العاملين بشرع الله أل يخــافوا أحــدا‬
‫من الخلق فإن الله هو مولهم وناصرهم وسيجعل العاقبة‬
‫له‪ ،‬فالملك كله له‪ ،‬فإن الذي يصــرف الملــك هــو مــولهم‬
‫يحميهم وينصرهم‪.‬‬
‫وفي هذه الخاتمة أيضا تهديد للمسلمين إذا ما تخاذلوا عن‬
‫شرع الله وانحرفوا عن إقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكــاة والمــر‬
‫بالمعروف والنهــي عــن المنكــر‪ ،‬أي انحرفــوا عــن المنهــج‬
‫المنزل‪ ،‬فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن ينزع الملك‬
‫ويسلط على المتخاذل عدوه ويجعل العاقبــة لغيــره وقــال‬
‫ذلــك ســبحانه وتعــالى صــراحة وإن تتولــوا يســتبدل قومــا‬
‫غيركم ]محمد‪ .[38:‬إل تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل‬
‫قوما غيركم ول تضروه شيئا ]التوبة‪.[39:‬‬
‫‪-------------------------‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫أما بعد‪:‬‬

‫‪373‬‬
‫حقيقتان هامتان يجب أن نعرفهما حتى نفقه ونفهــم لمــاذا‬
‫حرم الله الربا وأحل البيع بدل منه‪:‬‬
‫أن المــال فــي الحقيقــة هــو ملــك اللــه تعــالى والنســان‬
‫مستخلف فيه‪ ،‬ليس هذا المال ملكك أيها النســان‪ ،‬فعليــه‬
‫أن ينفذ فيه أوامر المالك الحقيقي سبحانه وتعــالى‪ :‬آمنــوا‬
‫بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ]الحديد‪:‬‬
‫‪.[7‬‬
‫أن المالك الحقيقــي والشــارع الحكيــم أراد أن يكــون هــذا‬
‫المال ســببا فــي عمــارة الرض‪ ،‬لقضــاء مصــالح المجتمــع‬
‫وسد حاجات الناس ولذلك أمر بأن يحرك في السوق‪ ،‬بأن‬
‫يوجه في السوق‪ ،‬ويحرك بــأنواع الســتثمارات الــتي فيهــا‬
‫رخاء المجتمع ونماؤه‪ .‬فصاحب المال إذا أنشأ بماله بقالــة‬
‫أو محطة بنزين أو مستشفى أو صــيدلية أو مخــبزا أو غيــر‬
‫ذلك مــن المشـاريع النافعـة‪ ،‬فـإنه يكـون قــد حقـق بـذلك‬
‫لنفسه الربح بالبيع الحلل‪ ،‬هذا هو هــدف الشــارع الحكيــم‬
‫وهو تحريك المال حتى يرجع النفع على الطرفين صــاحب‬
‫المال والمجتمع‪.‬‬
‫أما الفوائد الربوية فهي تحقــق أكــبر عــائق أمــام اســتثمار‬
‫هذه الموال‪ ،‬فهي تجمد الموال وتدور هــذه المــوال فــي‬
‫دائرة مغلقة تصب في مصلحة صاحب المال فقط‪ ،‬فهــذه‬
‫المؤسســات الربويــة هــي رمــز لســتبداد صــاحب المــال‬
‫وأنانيته‪.‬‬
‫أرأيتــم لــو أن كــل مــن عنــده مــال اســتمرأ هــذه الفــائدة‬
‫الربويــة الســهلة المضــمونة وأودع أمــواله فــي البنــوك‬
‫وتجمدت فماذا استفاد المجتمع منها‪.‬‬
‫هــذا وأصــحاب تلــك المؤسســات الربويــة ولــو تعــددت‬
‫أســماؤها وأشــكالها‪ ،‬فــإنهم فــي الحقيقــة ينهبــون أمــوال‬
‫الناس ويستغلون حاجتهم ويتلعبون بمصالحهم ثم يكذبون‬
‫على الناس فيدعون أن الربــا ينفــع المجتمــع بينمــا يعــرف‬
‫النــاس كلهــم أن الفــائدة الربويــة هــي أكــبر عــائق أمــام‬
‫التنمية‪ ،‬الغربيون يعرفون ذلك وكتبوه فــي دراســاتهم‪ ،‬فل‬
‫تكذبوا على الناس أيها الكاذبون‪ ،‬كم مرفقا يخدم المجتمع‬
‫أنشأتموه؟ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الخــر‪ ،‬كّفــوا عــن‬

‫‪374‬‬
‫الربا وحولوا أموالكم الهائلة إلى مــا فيــه الخيــر للمجتمــع‪،‬‬
‫إلى مــا أحلــه اللــه تعــالى‪ ،‬إلــى الــبيع‪ ،‬إلــى التجــارة‪ ،‬إلــى‬
‫الرض بالجهد والعمل‪ ،‬فالله تعالى حكيم‪ ،‬ما حرم للنــاس‬
‫شيئا إل وحلل آخر بدل منه‪ ،‬فهنا قد حرم الربا لما فيه من‬
‫تعطيل لحركة النمو وأحل البيع‪.‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللــه وذروا مــا بقــي مــن الربــا إن‬
‫كنتم مؤمنين ]البقرة‪.[278:‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬الربا والقرض‬
‫موسوعة خطب المنبر ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(367‬‬
‫الربا والقرض‬
‫عثمان بن جمعة ضميرية‬
‫الطائف‬
‫الخطبة الولى‬
‫وبعد ‪:‬‬
‫فإن الله تعالى بعث لنبيه خاتما لنبيائه ‪ ،‬وأنزل عليه كتابــا‬
‫خاتما لكتبه ‪ ،‬وأمرنا فيها وأن ل نرفع أصواتنا فــوق صــوته‬
‫وأل نتقدم بين يدي أمره ‪ ،‬وقد توله ربه فيما ينطــق‪ :‬ومــا‬
‫ينطق عن الهوى ‪ ،‬ثم أمرنا بالخذ بما أتانا ونهانا عنه‪ :‬ومــا‬
‫أتاكم الرسول فخذون وما نهاكم عنه فانتهوا ‪ ،‬وحذرنا من‬
‫مخالفة أمره‪ :‬فليحذر الذين يخالفون أمره أن تصيبه فتنــة‬
‫أو يصبهم عذاب أليم ‪.‬‬
‫أيها المؤمنون‪ :‬رأينا الضرار الكــبيرة والمفاســد العظيمــة‬
‫للربا ‪ ،‬ولــذلك وقــف النــبي فــي حجــة الــوداع ليبطلــه‪ ،‬إن‬
‫السلم يقيم مجتمعــه علــى دعــائم مــن اليمــان الصــادق‬
‫بالله والثقة بما عنده ‪ ،‬ويربط بيــن أفــراده بربــاط الخــوة‬
‫والتعــاون والتــآزر ‪ ،‬ويجعــل الفــرد فــي كفالــة إخــوانه‬
‫ورعايتهم ‪ ،‬فل يجوز أن يــتركوه للحاجــة ‪ ،‬ول أن يســتغلوا‬
‫حاجته فيفرضوا عليه الربا الحرام ‪ ،‬وعندما يغلــق الســلم‬
‫أمامنا بابا من أبواب الحــرام فــإنه يفتــح أبوابــا كــثيرة مــن‬
‫الحلل ‪ ،‬فعندما حرم الربــا‪ ،‬أبــاح لنــا خروجــا مــن الثــام ‪،‬‬
‫القرض والمضاربة في المعاملت ‪.‬‬

‫‪375‬‬
‫أما القــرض فهــو قربــة مــن القربــات ‪ ،‬فيــه إيصــال النفــع‬
‫للمقترض وقضاء حاجة وتفريج كربته وإعانته علــى كســب‬
‫قربــة أخــرى ويصــبح هــذا القــرض واجب ـا ً علينــا‪..‬إذا كــان‬
‫المقترض مضطرا لذلك محتاجا إليه وقد حــث اللــه تعــالى‬
‫على القرض وجعلــه معاملــة معــه ســبحانه‪ :‬مــن ذا الــذي‬
‫يقرض الله قرضا ً حسنا ً فيضاعفه له أضــعافا ً كــثيرة واللــه‬
‫يقبض ويبسط وإليه ترجعون والحياة بيد الله والــرزق بيــد‬
‫اللــه والقــرض يضــاعف‪ ،‬مــال وبركــة وذكــرا حســنا وكنــى‬
‫سبحانه في الحديث عن الفقير المحتاج بنفسه ليحث هذه‬
‫المعاملة فقال فيما يرون عــن ربــه‪ )) :‬يقــول اللــه تعــالى‬
‫يوم القيامة يا بــن آدم مرضــت فلــم تعــدني‪ ..‬أســتطعمتك‬
‫فلم تطعمني‪. ((....‬‬
‫وقرن الله تعالى القرض بالصلة والزكاة‪ :‬وأقيموا الصــلة‬
‫وأتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا ً حسنا ً ‪.‬‬
‫وقرنه مع اليمان بالرسل ومع شعائر العبادة ووعــد عليــه‬
‫بتكفير الذنب ودخــول الجنــات‪ :‬لئن أقمتــم الصــلة وأتيتــم‬
‫الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتمــوهم وأقرضــتم اللــه قرض ـا ً‬
‫حسنا ً لكفرن عنكم سيئاتكم ولدخلنكم جنات تجــري مــن‬
‫تحتها النهار فمن كفــر بعــد ذلــك منكــم فقــد ضــل ســواء‬
‫السبيل ‪.‬‬
‫وتواردت أحاديث النبي ‪ )) :‬من منح منيحة لبــن أو وَِرق أو‬
‫هدى زقاقا كان له مثل عتق رقبة (( وروى أن رجل دخــل‬
‫الجنة فرأى مكتوبا على بابهــا‪)) :‬الصــدقة بعشــر أمثالهــا ‪،‬‬
‫والقرض بثمانية عشر((‪.‬‬
‫)) ما من مسلم يقرض مرتين إل كان كصدقة مرة(( ‪.‬‬
‫وفي القرض تيسير على وقضاء لحاجة وتعاون علــى الــبر‬
‫والتقوى‪ :‬وتعاونوا على ‪ )) ..‬من يســر علــى معســر يســر‬
‫الله عليه في الدنيا والخرة (( والقرض شــكر بنعمــة اللــه‬
‫تعالى تستوجب اليات لئن شكرتم لزيدنكم ‪.‬‬
‫وبعــد القــرض يرغــب الســلم فــي التيســير المقــترض‬
‫المعسر وإمهاله فــي الــدفع بــل يرغــب فــي التنــازل عنــه‬
‫والوضع ‪ ،‬فعن أبي قتادة أنه طلب غريما له فتوارى عنه ‪،‬‬
‫ثــم وجــده فقــال إنــي معســر ‪ ،‬فقــال ‪ :‬آللــه قــال ‪ :‬فــإني‬

‫‪376‬‬
‫سمعت رسول الله يقول ‪ )) :‬من سره أن ينجيه الله مــن‬
‫كرب يوم القيامة ‪ ،‬فلينفس عــن معســر أو يضــع عنــه(( ‪،‬‬
‫وعن حذيفة‪ )) :‬تلقت الملئكة روح رجل ممن كان قبلكــم‬
‫فقالوا ‪ :‬حملت من الخير شيئا ؟ قال ل ‪ ،‬قالوا‪ :‬تذكر‪ ،‬قال‬
‫كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوز‬
‫عن الموسر ‪ ،‬فقال الله تعالى‪ :‬تجاوزوا عنه ((‬
‫وعن بريدة‪)) :‬سمعت رسول الله ‪ ،‬من أنظر معسرا فلــه‬
‫كل مثله صدقة ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم سمعته يقول ‪ :‬من أنظر ‪ ،‬فلــه‬
‫كل يوم مثليه‪ ،‬قــال‪ :‬لــه كــل يــوم مثلــه صــدقة ‪ ،‬قبــل أن‬
‫يحمــل الــدين ‪ ،‬فــإذا حــل فــأنظره فلــه بكــل يــوم مثليــه‬
‫صدقة (( ‪.‬‬
‫وهذه الحاديث وغيرها فــي فضــل القــرض ومريــد العــون‬
‫وسد خلة المحتاج ‪ ،‬إنما تواردت كلها ترغب فــي القــرض‪،‬‬
‫فقــد يبخــل النســان بــالقرض أو يحســب حســابا لعــدم‬
‫الوفاء ‪ ،‬أو يعطل المال فيمسك ول يقرض ‪.‬‬
‫وهو أيضا ‪ :‬مال مضمون حــتى لــو هلــك بيــد المقــترض أو‬
‫خسر المقترض ‪ ،‬فإن المال ثابت في ذمته ‪ ،‬أمــا لــو كــان‬
‫في شركة فإنه يهلك على حصة الثنين ‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬هذه وسيلة من الحلل تنقــى بهــا الحــرام‬
‫ويبتعد عن الربا ‪.‬‬
‫أما الوسيلة الثانية فهي بيع الســلم ‪ ،‬أمــا الوســيلة الثالثــة‬
‫فهي شركات المضاربة ‪.‬‬
‫ولئن حث السلم على القرض فإنه يحث المقترض علــى‬
‫الوفاء والسعي من أجل ذلك ويصــدق‪)) :‬مــن أخــذ أمــوال‬
‫الناس يريد أداءهــا أدى اللــه عنــه ومــن أخــذ يريــد إتلفهــا‬
‫أتلفه الله(( وكان صلى الله عليه وسلم يقضي الدين عــن‬
‫المدين فيقول‪ )) :‬من مات وترك مال فلهله ‪ ،‬ومــن تــرك‬
‫كل أو ضياعا فإلي وعلي ((‪.‬‬
‫وقال ))الــدين دينــان فمــن مــات وهــو ينــوي قضــاءه فأنــا‬
‫وليه ‪ ،‬ومن مات وهو ل ينوي قضاءه فذاك الذي يؤخذ من‬
‫حسناته ‪ ،‬ليس يومئذ دينار ول درهم ((‪.‬‬
‫وفي قصة الرجل من بني إسرائيل دليل على ذلك وشاهد‬
‫‪.‬‬

‫‪377‬‬
‫تحريم مطل الغني ظلم‪.‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬الربا وآثاره‬
‫موسوعة خطب المنبر ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(368‬‬
‫الربا وآثاره‬
‫عثمان بن جمعة ضميرية‬
‫الطائف‬
‫الخطبة الولى‬
‫وبعد‪ :‬أيها المسلمون‪:‬‬
‫فإن من البديهيات المسلمة والتي يؤمن بها كل واحد منــا‬
‫أن الله سبحانه وتعالى هو مالك كل موجود لنه هو خالقه‬
‫وقد جعل الله تعالى هذا النسان خليفــة فــي هــذه الرض‬
‫وفق منهــج اللــه وحســب شــريعته‪ ،‬فكــل مــا خــالف هــذه‬
‫الشريعة والمنهج كان باطل وكان ظلما وكان عدوانا‪ ،‬فــإن‬
‫لله سبحانه وتعالى على خلقه شروطا وعهودا وحقوقا‪.‬‬
‫وقد أوجب الله سبحانه وتعالى على المــؤمنين أن يكونــوا‬
‫متعــاونين متكــافلين‪ ،‬فيكــون بعضــهم أوليــاء بعــض‪ ،‬وأن‬
‫ينتفعوا برزق الله الذي أعطاهم على أساس هذا التكافل‪،‬‬
‫فأوجب الزكاة‪ ،‬وشرع القرض الحسن‪ ،‬ثــم أوجــب عليهــم‬
‫أن يلتزموا في معاملتهم جانب القصد والعتدال ويتجنبــوا‬
‫السرف والتبــذير والشــطط فيمــا ينفقــون‪ ،‬وكتــب عليهــم‬
‫الطهارة في النية والعمل‪ ،‬والنظافة في الوســيلة والغايــة‬
‫هذه جملة من المبادئ العقائديــة‪ ،‬والخلقيــة والجتماعيــة‬
‫التي أقام السلم نظامه الجتماعي عليها‪ ،‬ومــن ثــم كــان‬
‫التعامل بالربا عملية تصطدم مع قواعد اليمــان‪ ،‬ل رعايــة‬
‫فيها لعقيدة‪ ،‬ول خلق ول مبادئ ول غايات سامية ‪.‬‬
‫إن الربا يقوم ابتداء علـى أســاس أنـه ل علقـة بيــن إرادة‬
‫الله وحياة البشر‪ ،‬فكأن من يعامله بـه يجعــل نفسـه ســيد‬
‫هذه الرض ابتداء‪ ،‬وهو غير مقيد بعهد من الله أو أنه غيــر‬
‫ملزم باتباع أوامره في الكسب والعمل وتنمية المال‪ ،‬كما‬
‫يجعل غاية الغايات في الوجود النساني هو تحصيل المــال‬
‫بأي وسيلة ومن ثم يتكالب عليه وعلى المتاع به‪ ،‬ويــدوس‬
‫في الطريق كل مبدأ وكل صالح للخرين‪ ،‬ثــم ينشــئ فــي‬

‫‪378‬‬
‫النهاية نظاما يسحق البشرية سحقا‪ ،‬ويشــقيها فــي حياتهــا‬
‫أفــرادا وجماعــات ودول وشــعوبا لمصــلحة جماعــة مــن‬
‫المرابين‪ ،‬ويحطمها أخلقيا ونفســيا وعصــبيا عنــدما يجعــل‬
‫المال في النهاية بيد حفنة المرابين‪ ،‬هؤلء الذين يمتصــون‬
‫جهود وعرق ودماء الخرين المحتاجين للمال‪ ،‬ثم إن جميع‬
‫المستهلكين يؤدون ضريبة غير مباشــرة لهــؤلء المرابيــن‪،‬‬
‫فإن أصحاب الصــناعات والتجــار ل يــدفعون فــائدة المــال‬
‫الذي يقترضــونه بالربــا إل مــن جيــوب المســتهلكين‪ ،‬فهــم‬
‫يزيدون في أثمان السلعة الستهلكية‪ ،‬فيتوزع عبؤها علــى‬
‫أهل الرض لتدخل في جيوب المرابين‪.‬‬
‫ولذلك أيها المسلمون‪ :‬يجب أن تــذكروا أنــه ل إســلم مــع‬
‫قيام نظام ربوي لنه يتنافى مع أصــل اليمــان‪ ،‬حــتى ولــو‬
‫خادع بعض الناس أنفسهم في تبرير شيء من ذلك الربا‪.‬‬
‫وإن النظام الربوي بلء علــى النســانية فــي إيمانهــا وفــي‬
‫أخلقها وفي حياتهــا القتصــادية‪ ،‬فهــو أبشــع نظــام يمحــق‬
‫ســعادة البشــر محقــًا‪ ،‬علــى الرغــم مــن أنــه يبــدو كــأنه‬
‫مساعده من هذا النظام للنمو وسد الحاجات‪ ،‬واذكروا أن‬
‫التعامل الربوي لبد أن يفسد ضمير الفرد وخلقه وشعوره‬
‫تجاه أخيه في الجماعة‪ ،‬ثم يفسد حياة الجماعة وتضــامنها‬
‫بمـــا ينشـــره فيهـــا مـــن روح الطمـــع والجشـــع والثـــرة‬
‫والمغامرة‪.‬‬
‫لهــذا كلــه أيهــا المســلمون‪ :‬ولغيــره مــن الســباب وقــف‬
‫السلم من الربا موقــف الحــرب الســاخنة الــتي ل هــوادة‬
‫فيها‪ ،‬وشنع على أصحاب هذه المعاملة أبلغ تشنيع‪ ،‬وحمــل‬
‫عليهم حملة مفزعة مرعبة وهددهم تهديدا معنويــا وحســيا‬
‫فقال سبحانه وتعــالى‪ :‬الــذين يــأكلون الربــا ل يقومــون إل‬
‫كما يقوم الذي يتخبطه الشــيطان مــن المــس ذلــك بــأنهم‬
‫قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمــن‬
‫جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله‬
‫ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله‬
‫الربا ويربي الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم ‪.‬‬
‫فأكلة الربا ل يقومون في الحياة ل يتحركون فيها إل حركة‬
‫الممسوس المضطرب القلق المتخبط الذي ل يســتقر لــه‬

‫‪379‬‬
‫قرار ول طمأنينة ول راحة‪ ،‬يعيش حياة القلق والضطراب‬
‫والخــوف والمــراض النفســية والعصــيبة والخــوف علــى‬
‫المال‪ ،‬والخوف مــن الخســارة والخــوف مــن المحــق‪ ،‬ثــم‬
‫الخوف من الكفر والله ل يحب كــل كفــار أثيــم ثــم ينــادي‬
‫الله تعالى الذين يريدون تحقيــق إيمــانهم فيقــول‪ :‬يــا أيهــا‬
‫الذين آمنوا اتقــوا اللــه وذروا مــا بقــي مــن الربــا إن كنتــم‬
‫مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن‬
‫تبتــم فلكــم رؤوس أمــوالكم ل تظلمــون ول تظلمــون وإن‬
‫كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خيــر لكــم‬
‫إن كنتم تعلمون ‪.‬‬
‫ثــم يربــط اللــه تعــالى هــذه الحكــام جميعــا بتقــوى اللــه‬
‫والخوف من عقابه يوم الحساب واتقوا يوما ً ترجعون فيــه‬
‫إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمون ‪.‬‬
‫ثم تواردت أحاديث النــبي تحــذر مــن الربــا وتــبين عــواقبه‬
‫ففــي الصــحيحين عــن أبــي هريــرة‪)) :‬اجتنبــوا الســبع‬
‫الموبقات‪ ،‬الشرك بالله الســحر وعقــوق الوالــدين‪ ،‬وقتــل‬
‫النفس التي حرم اللـه إل بـالحق‪ ،‬وأكـل الربـا وأكـل مـال‬
‫اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلت((‪.‬‬
‫الربا سبب للعن والطرد من رحمة الله‪ ،‬يشترك في ذلــك‬
‫كل من له علقة بالربا شهادة أو كتابة أو أخــذا أو إعطــاء‪،‬‬
‫وفي الصحيحين عن ابن مسعود ‪)) :‬لعن رسول الله آكــل‬
‫الربا وموكله((‪ .‬وعن جابر‪)) :‬لعن رســول اللــه آكــل الربــا‬
‫وموكله وكاتبه وشاهديه وقال‪ :‬هم سواء((‪.‬‬
‫وإذا كان الجزاء مـن جنـس العمــل فاســمعوا إلـى عقوبـة‬
‫أخروية تبدأ بعد الموت إلــى قيــام الســاعة مــع مــا ينتظــر‬
‫صــاحبها مــن عقوبــة بعــد البعــث‪ ،‬فقــال ‪)) :‬رأيــت الليلــة‬
‫رجلين )أي ملكين(‪ ،‬فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا‬
‫حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى شط النهر‬
‫رجل بين يديه حجارة‪ ،‬فأقبل الرجل الذي في النهــر‪ ،‬فــإذا‬
‫أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجــر فــي فمــه‪ ،‬فــرده‬
‫حيث كان‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذا الــذي رأيــت فــي النهــر؟ فقــال‪:‬‬
‫آكل الربا((‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫وفي الحديث الصحيح كذلك تشنيع لهذه المعاملــة وجعلهــا‬
‫في مستوى الزنا بل هي أشــد مــن الزنــا‪ ،‬فكيــف إذا كــان‬
‫الزنا بــالم‪ ،‬فعــن النــبي قــال‪)) :‬الربــا ثلث وســبعون بابــا‬
‫أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه((‪ ،‬وقال‪)) :‬الدرهم يصيبه‬
‫الرجل من الربا أعظــم عنــد اللــه مــن ثلثــة وثلثيــن زنيــة‬
‫يزنيها في السلم((‪.‬‬
‫وهو سبب لعذاب الله وسبب للعقوبات العاجلة في الدنيا‪،‬‬
‫ففي الحديث‪)) :‬ما ظهــر فــي قــوم الزنــا والربــا إل أحلــوا‬
‫بأنفسهم عذاب الله((‪ ،‬وفي حديث عمرو بن العاص‪)) :‬ما‬
‫من قوم يظهر فيهم الربا إل أخذوا بالسنة‪ ،‬ومــا مــن قــوم‬
‫يظهر فيهم الرشا إل أخذوا بالرعب((‪.‬‬
‫وقد رأى عليه الصـلة والسـلم عقوبـة رهيبـة لكلـة الربـا‬
‫وهــو فــي رحلــة الســراء والمعــراج فقــال‪ )) :‬رأيــت ليلــة‬
‫أسرى بي لما انتهينا إلى السماء السابعة‪ ،‬فنظرت فــوقي‬
‫فإذا أنا برعد وبروق وصواعق‪ ،‬فأتيت على قــوم‪ :‬بطــونهم‬
‫كالبيوت فيها الحيات )الفــاعي( تــرى مــن خــارج بطــونهم‬
‫قلت ‪ :‬من هؤلء يا جبريل‪ ،‬قال‪ :‬هؤلء آكلة الربا((‪.‬‬
‫فاحذروا ذلك كله على أنفسكم أيها المؤمنون فما من أحد‬
‫أكثر من الربا إل كان عاقبة أمره إلــى قلــة‪ ،‬وليــأتين علــى‬
‫الناس زمان ل يبقى منهم أحد إل أكل الربا‪ ،‬فمن لم يأكله‬
‫أصابه من غباره‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬فقد يقول بعض إني مضطر للقــرض بربــا‬
‫كــي أكمــل عمــارتي أو أوســع تجــارتي‪ ،‬أو مــا شــابه ذلــك‬
‫والضرورات تبيح المحظورات‪ ،‬فاعلموا أن ذلك ليــس مــن‬
‫الضرورة التي تبيح المحرمات‪.‬‬
‫وقد يقول بعضهم كيف أعطي أموال للخرين ينتفعون بهــا‬
‫وأعطلها عن العمل ول استفيد منها‪.‬‬
‫ونسي هؤلء أن القرض يجــب أن يكــون منزهــا عــن هــذه‬
‫المنفعــة الماديــة ول يــراد بــه إل وجــه اللــه‪ ،‬وفيــه ضــمان‬
‫للمال فسيرده صاحبه كامل دون خسارة‪ ،‬ولو كــان عنــدك‬
‫لم يكن مضمونا‪.‬‬
‫أمــا إذا ردت النفــع المــادي مــع ذلــك فــإن الســلم شــرع‬
‫شركة المضاربة‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬الربا ‪ ..‬حكمه وخطره‬
‫موسوعة خطب المنبر ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(557‬‬
‫الربا ‪ ..‬حكمه وخطره‬
‫عبد الله بن صالح القصير‬
‫الرياض‬
‫جامع المير متعب‬
‫الخطبة الولى‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فيا أيها النــاس‪ :‬توبــوا إلــى اللــه قبــل أن تموتــوا‪ ،‬وبــادروا‬
‫بالعمال الصالحة قبل أن تشغلوا‪ ،‬وصلوا الذي بينكم وبين‬
‫ربكم بطاعتكم له وكثرة ذكره تســعدوا‪ ،‬وأكــثروا الصــدقة‬
‫في الســر والعلنيــة ترزقــوا‪ ،‬وأمــروا بــالمعروف تخصــبوا‪،‬‬
‫وانهــوا عــن المنكــر تنصــروا‪ ،‬ول يتطــاولن عليكــم المــد‬
‫فتقسوا قلوبكم‪ ،‬ول يلهينكم المل فكل ما هو آت قريــب‪،‬‬
‫وإنما البعيد ما ليس بآت‪ ،‬فل تكونوا ممن خدعته العاجلــة‪،‬‬
‫وغرته المنية‪ ،‬واستهوته الخدعة‪ ،‬فركــن إلــى دار ســريعة‬
‫الزوال وشيكة النتقــال‪ ،‬بــل خــذوا الهبــة للنقلـة‪ ،‬وأعـدوا‬
‫الزاد لقرب الرحلة‪ ،‬فإن كــل امــرئ علــى مــا قــدم قــادم‪،‬‬
‫وعلى ما خّلف نادم‪.‬‬
‫أيها الناس‪ :‬كان نبيكم محمد كثيرا ً ما يذكر الربا في خطبه‬
‫ومواعظه‪ ،‬محــذرا منــه‪ ،‬مبينـا ً خطــره‪ ،‬منبهـا ً علــى عظــم‬
‫شأنه وسوء عاقبة أهله في العاجلة والجلة؛ إقامة للحجة‪،‬‬
‫َ‬
‫وقطعا ً للمعذرة‪ ،‬ونصحا ً للعباد‪ ،‬وتذكيرا ً بســوء حــال أكلت ِـ ِ‬
‫ه‬
‫يوم المعاد؛ فقد صح عنــه أنــه عـد ّ أكــل الربــا مــن الســبع‬
‫الموبقات ‪ -‬التي توبق أهلها فــي الثــم‪ ،‬ثــم تغمســهم فــي‬
‫النار ‪ -‬وقرنه بالشرك بالله والسحر‪ .‬وصــح عنــه أنــه لعــن‬
‫آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال‪)) :‬هــم فــي الثــم‬
‫سواء((‪ .‬واللعن من الرسول هــو الــدعاء بــالطرد والبعــاد‬
‫عن مظان الرحمة‪ .‬فأي عاقل ناصح لنفسه يرضى لنفسه‬
‫أن تحقق فيه دعوة النــبي عليــه بــاللعن؟! وصــح عنــه أنــه‬
‫رأى آكل الربا يسبح في نهر من دم كلما أراد الخروج منه‬
‫ي في فيه بحجر فأبعد‪.‬‬ ‫م َ‬
‫ُر ِ‬

‫‪382‬‬
‫وروي عنه أنه وقف يوما على الصــيارفة فقــال‪)) :‬أبشــروا‬
‫بالنــار((‪ .‬وروي أنــه قــال‪)) :‬أربعــة حــق علــى اللــه أن ل‬
‫يــدخلهم الجنــة ول يــذيقهم نعيمه ـًا‪ :‬مــدمن الخمــر‪ ،‬وآكــل‬
‫الربا‪ ،‬وآكل مال اليتيم‪ ،‬والعــاق لوالــديه((‪ ،‬وروي عنــه أنــه‬
‫قال‪)) :‬إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عنــد اللــه‬
‫من الخطيئة من ست وثلثين زنية يزنيهــا الرجــل((‪ .‬وروي‬
‫أنه قال‪)) :‬الربا ثلثة وسبعون باب ـا ً أيســرها مثــل ان ينكــح‬
‫الرجل أمه((‪ .‬وكفى بذلكم ‪ -‬يا عباد الله ‪ -‬زجرا ً عن الربا‪،‬‬
‫وتنبيها ً على فظاعة التعامل به‪ ،‬وتحذيرا ً من ســوء منقلــب‬
‫آكله‪ ،‬فما أشنعه من معاملة! وما أشأمه من كسـب! ولـذا‬
‫روي عنه أنه قال‪)) :‬شر المكاسب كسب الربا((‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬ولقد جاءت نصوص القرآن المجيد بوعيــد‬
‫أكلة الربا بضــروب العقوبــات وألــوان الوعيــد‪ ،‬وفــي ذلــك‬
‫ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهــو شــهيد‪ .‬قــال‬
‫تعالى‪ :‬الذين يأكلون الربـا ل يقومـون إل كمـا يقـوم الـذي‬
‫يتخبطه الشيطان من المس ذلــك بــأنهم قــالوا إنمــا الــبيع‬
‫مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جــاءه موعظــة‬
‫من ربه فانتهى فله ما ســلف وأمــره إلــى اللــه ومــن عــاد‬
‫فأولئك أصحاب النار هــم فيهــا خالــدون يمحــق اللــه الربــا‬
‫ويربــي الصــدقات واللــه ل يحــب كــل كفــار أثيــم ]ســورة‬
‫البقرة‪.[276-275:‬‬
‫وقال تعالى‪ :‬يا أيها الذين ءامنوا اتقوا اللــه وذروا مــا بقــي‬
‫من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من‬
‫الله ورسوله وإن تبتــم فلكــم رءوس أمــوالكم ل تظلمــون‬
‫ول تظلمون ]سورة البقرة‪.[279-278:‬‬
‫وقال تعــالى‪ :‬يــا أيهــا الــذين آمنــوا ل تــأكلوا الربــا أضــعافا ً‬
‫مضــاعفة واتقــوا اللــه لعلكــم تفلحــون واتقــوا النــار الــتي‬
‫أعدت للكافرين ]سورة آل عمران‪.[131-130:‬‬
‫فــأخبر ســبحانه أن أكلــة الربــا يقومــون يــوم القيامــة مــن‬
‫قبـــورهم مجـــانين ‪ -‬أو فـــي هيئة المجـــانين ‪ -‬يصـــرعون‬
‫ويخنقون‪ ،‬وكفى بذلك تنبيها على سوء حالهم يوم المعــاد‪،‬‬
‫وفضيحة لهم بين العبـاد علـى رؤوس الشـهاد‪ .‬ولمـا كـان‬
‫أكلة الربا يحاربون الله ورســوله بهــذه المعاملــة الظالمــة‬

‫‪383‬‬
‫الثمة آذنهم الله بحرب منه ومن رسوله‪ ،‬ومن حاربه اللــه‬
‫دكر؟؟ ســيهزم‬ ‫ورســوله فهــو مهــزوم مغلــوب‪ ،‬فــأين الم ـ ّ‬
‫الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعــدهم والســاعة أدهــى‬
‫وأمر ]القمر‪.[46-45:‬‬
‫ولذا توعدهم الله يــوم القيامــة ‪ -‬إن لــم يتوبــوا عــن الربــا‬
‫وينتهوا ‪ -‬بالنار التي أعدت للكافرين؛ هــم أصــحابها‪ ،‬وهــي‬
‫صاحبتهم‪ ،‬يلزمونها وتلزمهم ملزمــة الغريــم لغريمــه‪ ،‬فل‬
‫فكــاك لحــدهما مــن الخــر فــي ذلــك اليــوم الخــر‪ ،‬فهــذا‬
‫جزاؤهم إن جازاهم الله يوم تبلى السرائر‪.‬‬
‫وأي لحم نبت من سحت فالنار أولى به‪ .‬فيا ويل آكل الربا‬
‫يوم حسابه مما بين النــبي ذلـك فــي فصــيح خطـابه‪)) :‬إن‬
‫رجال ً يتخوضون في مال اللــه بغيــر حــق فلهــم النــار يــوم‬
‫القيامة(( فما أعظم الحسرة والندامة!!‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬لقد تواطأت السنة مع القــران فــي وعيــد‬
‫أكلة الربا لما ارتكبوه مــن شــنيع الثــم وعظيــم العــدوان‪،‬‬
‫فاحذروا أن تكونوا ممن يشمله هــذا الوعيــد‪ ،‬فــإن عــذاب‬
‫الله شديد‪ .‬فقد صح في الحديث عن النبي أنه قــال‪)) :‬إن‬
‫أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل توضــع فــي أخــص‬
‫قدميه جمرة من النار يغلي منها دماغه((‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬اعلموا أنكم اليوم فــي زمــان ومكــان قــد‬
‫فشا فيهما الربا‪ ،‬وأكله كثير من الناس إيثارا ً للحيــاة الــدنيا‬
‫على الخرة‪ ،‬فتعامــل بــه‪ ،‬وأكلــه كــثير ممــن ينتســب إلــى‬
‫الســلم‪ ،‬وهــم يعلمــون أنــه كســب حــرام‪ ،‬فتحقــق قــول‬
‫النبي ‪)) :‬ليأتين على الناس زمان ل يبالي المــرء بمــا أخــذ‬
‫من المال‪ ،‬أمن الحلل أم الحرام((‪.‬‬
‫فيا ويحهم ‪ -‬إن لم يتوبوا ‪ -‬يــوم يعرضــون ل تخفــى منهــم‬
‫خافية‪ ،‬فيسألون عما ارتكبوه في هذه الدنيا الفانية‪ ،‬فلــزم‬
‫الجــواب‪ ،‬وزال الرتيــاب فوربــك لنســئلنهم أجمعيــن عمــا‬
‫كانوا يعملون ]سورة الحجر‪.[93-92:‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬إن كثيرين من الناس اليوم استحلوا الربــا‬
‫بالبيع باسمه وصورته وتحــت ســتاره‪ ،‬يخــادعون اللــه كمــا‬
‫يخادعون الصــبيان‪ ،‬ومــا منهــم أحــد إل ســيكلمه ربــه يــوم‬
‫القيامة ليس بينه وبينه ترجمــان‪ ،‬فليعــدوا للســؤال جوابـًا‪،‬‬

‫‪384‬‬
‫وليكن الجواب صوابًا‪ ،‬وإل فليحــذروا النــار فإنهــا موعــودة‬
‫بكل آثم كفار‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬إن مما تجري بــه معــاملت النــاس اليــوم‬
‫أخذ الزيادة الــتي يســمونها زورا ً وبهتان ـًا‪ :‬الفــائدة؛ يأخــذها‬
‫الدائن من المدين نظير تأجيـل الــدين مـن قـرض أو ثمـن‬
‫مبيع أو نتيجة تفضيل أحد المبيعين على الخر ممــا يجــري‬
‫فيه ربا الفضــل‪ :‬كالــذهب بالــذهب‪ ،‬وغيــره ممــا فيــه علــة‬
‫الربا‪ ،‬وقد تكون هذه الزيادة مشروطة‪ ،‬وقد تكون متعارفا ً‬
‫عليها كما هو واقع كثير من المعاملت البنكية وغيرها مــن‬
‫المعاملت الربوية الشائعة في هذا الزمــان والــتي اكتــوى‬
‫بنارها كثير من بني النسان‪ .‬من ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬القراض النقدي من شــخص أو مؤسســة ماليــة لطــرف‬
‫آخر إلى أجل‪ ،‬حيث يفرضون على هذا القرض زيادة تقدر‬
‫بنسبة مئوية‪.‬‬
‫‪ -‬الفــوائد الــتي تؤخــذ مقابــل تأجيــل الــديون الحالــة علــى‬
‫الشــخاص أو المؤسســات إلــى فــترة أخــرى يرجــى أن‬
‫تتمكن من تسليم ما عليها من التزامــات‪ ،‬وتتضــاعف هــذه‬
‫الفائدة كلما تأخر التسديد‪.‬‬
‫فهاتان الصورتان من ربا النســيئة الــذي كــانت تتعامــل بــه‬
‫الجاهلية حين نزل القــران‪ ،‬وجــاء بشــأنها الوعيــد الشــديد‬
‫والتهديــد الكيــد‪ ،‬حيــث كــان أهــل الجاهليــة يقرضــون أو‬
‫يقترضون الدراهم والدنانير إلــى أجــل بزيــادة تــزداد كلمــا‬
‫تأخر الوفــاء‪ ،‬وكــانوا يأخــذونها أيضــا مقابــل تأجيــل الــدين‬
‫ل إلى أجل آخـر‪ ،‬حيـث يقـول الـدائن لمـدينه‪ :‬إمـا أن‬ ‫الحا ّ‬
‫تقضي أو تربي‪.‬‬
‫ومن صور الربا المعاصر ما يقــوم بــه بعــض الشــخاص أو‬
‫المؤسســـات الماليـــة مـــن تمويـــل بعـــض المشـــروعات‬
‫العمرانيــة أو الزراعيــة أو الصــناعية ونحوهــا بمــا يلــزم‬
‫لنشائها من المواد ونحوها بسعر السوق ‪ -‬وقت العقــد أو‬
‫الطلــب ‪ -‬علــى أن يــرد صــاحب المشــروع للممــول هــذا‬
‫المبلغ مع زيادة تقدر بنسبة مئوية قد تكون قابلــة للزيــادة‬
‫مقابل ذلك‪.‬‬

‫‪385‬‬
‫ومن صور الربا ‪ -‬أيضا ‪ -‬بيع عملت الدول المختلفة عملــة‬
‫بأخرى دون تسليم وقبض المبيعين أو أحدهما في مجلــس‬
‫البيع‪ .‬وكذلك بيع الذهب بالوراق النقدية دون قبض‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬فهذه صور من الربا وغيرهــا كــثير ممــا ل‬
‫يمكــن حصــره فــي هــذه الــذكرى ممــا يتعامــل بهــا بعــض‬
‫الناس‪ ،‬وهي ربــا صــريح‪ ،‬ومنكــر قبيــح‪ ،‬وكــثيرين يجهلــون‬
‫ذلــك‪ ،‬وآخــرون يعرفــون ولكــن قتلهــم الشــح والتهالــك‪،‬‬
‫اشــتروا الحيــاة الــدنيا بــالخرة‪ ،‬فــبئس مــا يشــترون‪ ،‬قــد‬
‫عرضوا أنفسهم لليم العذاب وشديد العقاب‪ :‬ألــم يعلمــوا‬
‫أنه من يحادد الله ورسوله فأن لــه نــار جهنــم خالــدا ً فيهــا‬
‫ذلك الخزي العظيم ]سورة التوبة‪.[63:‬‬
‫أيها المسلمون‪ :‬اجتنبوا الربا وكل كسب حرام؛ فــإنه يمنــع‬
‫إجابة الدعاء‪ ،‬ويورث الشقاء‪ ،‬ويجلب أنواع البلء‪ ،‬ويقســي‬
‫القلوب‪ ،‬ويغريها بــالثم والفحشــاء‪ ،‬ل تســمع مــن صــاحبه‬
‫الــدعوات‪ ،‬ول تقبــل منــه الصــدقات‪ ،‬ول يبــارك اللــه فــي‬
‫التجــارات‪ ،‬ول يثــاب علــى النفقــات‪ ،‬عليــه غرمــه ولغيــره‬
‫ُ‬
‫غنمه‪.‬‬
‫فاتقوا الله يا أهل السلم‪ ،‬واجتنبوا الحرام‪ ،‬واحذروا الثام‬
‫ومن ترك شيئا ً لله عوضه اللــه خيــرا ً منــه‪ ،‬ومــن اســتغنى‬
‫عن شيء أغناه الله عنه‪ ،‬ومن يستعفف يعفه الله ن ومن‬
‫يتق اللــه يرزقــه اللــه‪ :‬ومــن يتــق اللــه يجعــل لــه مخرجـا ً‬
‫ويرزقه من حيث ل يحتسب ومــن يتوكــل علــى اللــه فهــو‬
‫حسبه إن الله بالغ أمره قــد جعــل اللــه لكــل شــيء قــدرا ً‬
‫]سورة الطلق‪ .[3-2:‬ومن يتق اللـه يجعــل لـه مــن أمــره‬
‫يسرا ً ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتــق اللــه يكفــر عنــه‬
‫سيئاته ويعظم له أجرا ً ]سورة الطلق‪.[5-4:‬‬
‫بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم‪ ،‬ونفعنا بما فيه من‬
‫اليات والذكر الحكيم‪.‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين‬
‫والمــؤمنين مــن كــل ذنــب‪ ،‬فاســتغفروه إنــه هــو الغفــور‬
‫الرحيم‪.‬‬
‫================‬

‫‪386‬‬
‫‪#‬حول الربا والبنوك والمؤسسات الربوية‬
‫والمساهمة فيها‬
‫موسوعة خطب المنبر ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(1809‬‬
‫حول الربا والبنوك والمؤسسات الربوية والمساهمة فيها‬
‫سعد بن عبد الله العجمة الغامدي‬
‫الطائف‬
‫سعيد الجندول‬
‫الخطبة الولى‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فيكــثر القيــل والقــال فــي كــثير مــن مســائل الــدين حيــن‬
‫تعرض بصورة قد تماثل الدعايــة للشــر أو أقــل ممــا يــبرز‬
‫الخير وينّبه الناس ويحذرهم من التعامل بما يخالف شــرع‬
‫الله سبحانه وتعالى‪ ،‬ولكــن النفــوس المريضــة والــتي لــم‬
‫يباشرها اليمان ويستقر في ســويداء قلوبهــا تصــطاد فــي‬
‫الماء العكر وتحسن السباحة فيــه‪ ،‬وهــذا شــأن المنــافقين‬
‫في كل زمان ومكان من عهد رسول الله صلى الله عليــه‬
‫وسلم إلى أن تقــوم الســاعة لنهــم داء عضــال ينخــر فــي‬
‫جســم المــة المســلمة بإثــارة الشــبهات وتزييــف القــول‬
‫وإعطاء المور هالـة إعلميـة وإثـارة القلقـل والفتـن فـي‬
‫المجتمع والتربص بالمؤمنين لليقاع بهم‪ ،‬ذلك دينهم وهــذا‬
‫شأنهم في الحياة‪ ،‬وهذا معلوم لدى العلماء وطلبــة العلــم‬
‫ولكن عامة الناس الــذين يثــار فــي أوســاطهم مــا يخــالف‬
‫تعــاليم الســلم تنطلــي عليهــم ألعيــب القــوم ومعســول‬
‫قولهم‪.‬‬
‫مع علم الجميع بحديث رسول الله صلى الله عليــه وســلم‬
‫والمجمل لحكام الحلل والحرام ووجــود المشــتبهات بيــن‬
‫ذلــك والــتي ل يعلمهــا كــثير مــن النــاس وأن الــذي يتقــي‬
‫الشبهات فإنما يستبرئ لدينه وعرضه بابتعاده عن الوقــوع‬
‫فــي المــور المشــتبهة فضــل ً عــن الوقــوع فــي المــور‬
‫المحرمة‪ .‬قال رسول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم‪)) :‬إن‬
‫الحلل بيــن وإن الحــرام بيــن‪ ،‬وبينهمــا أمــور مشــتبهات ل‬
‫يعلمهن كثير من الناس‪ ،‬فمن اتقى الشبهات فقــد اســتبرأ‬
‫لدينه وعرضه‪ ،‬ومن وقع فــي الشــبهات وقــع فــي الحــرام‬

‫‪387‬‬
‫كالراعي يرعى حول الحمى يوشــك أن يرتــع فيــه‪ ،‬أل وإن‬
‫لكل ملك حمى‪ ،‬أل وإن حمــى اللــه محــارمه‪ ،‬أل وإن فــي‬
‫الجسد مضغة إذا صلحت صـلح الجسـد كلـه‪ ،‬وإذا فســدت‬
‫فسد الجسد كله‪ ،‬أل وهي القلب((‪.‬‬
‫إن ممـا يؤسـف لـه فـي مجتمعـات المسـلمين اليـوم هــو‬
‫تحكيم عقولهم واتباع رغباتهم وشهوات أنفسهم في كــثير‬
‫من أمور دينهم دون مستند من كتاب أو سنة أو إجمــاع أو‬
‫قيــاس بــل هــو الهــوى وتحكيــم العقــل بعلــم وبغيــر علــم‪،‬‬
‫فعندما تثار قضية أو يعرض أي أمر من أمور الشرع سواء‬
‫كــان الشــخص خالي ـا ً بنفســه أو فــي مجتمــع‪ ،‬صــغر ذلــك‬
‫المجتمع أو كبر نجد تناول ذلك الموضــوع بعيــدا ً عــن أدلــة‬
‫الكتاب والسنة والوقوف عندها‪ ،‬نجد تحكيم العقل والواقع‬
‫ب مــن‬ ‫والمنطق والهوى‪ ،‬ويــاله مــن بعـدٍ عــن الحــق وقــر ٍ‬
‫الباطل‪ .‬ومن تلك المور التي تثار بين الناس أمور واضحة‬
‫التحريم بنص الكتاب والسنة‪ ،‬وإذا وجد النص مــن الكتــاب‬
‫أو السنة فل اجتهــاد مــع النــص‪ ،‬ومنهــا مــا هــو داخــل فــي‬
‫المور المشتبهة علــى بعــض النــاس أو علــى كــثير منهــم‪،‬‬
‫وتثار تلك المور إما بقصدٍ حسن لمعرفة الحكم الشــرعي‬
‫أو بسوء قصدٍ لمور متعددة عند أصحاب المقاصد السيئة‪،‬‬
‫هم أول الناس علما ً بمقاصدهم السيئة‪.‬‬
‫ومن تلك المور السؤال عن الربا‪ ،‬والربــا معلــوم تحريمــه‬
‫في دين السلم بنــص القــرآن الكريــم والســنة المطهــرة‬
‫سواء كان المتعامل به فردا ً أو جماعة أو مؤسسة أو هيئة‬
‫أو اتخذ أي شكل من الشكال وصيغة مــن الصــيغ‪ ،‬فالربــا‬
‫حرام في السلم التعامل به‪ ،‬وهو من كبائر الذنوب الــتي‬
‫تسبب محق البركة وغضــب اللــه عــز وجــل وعــدم قبــول‬
‫العمل والدعاء‪ ،‬وليس التحريـم مـن عـالم مـن العلمـاء أو‬
‫شخص من المســلمين وليــس لهــم ذلــك ول غيــره‪ ،‬وإنمــا‬
‫حرمه الله عز وجل ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫قال الله عز وجل‪ :‬الذين يــأكلون الربــا ل يقومــون إل كمــا‬
‫يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلــك بــأنهم قــالوا‬
‫إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جــاءه‬
‫موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن‬

‫‪388‬‬
‫عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا‬
‫ويربي الصدقات والله ل يحب كل كفار أثيم ]البقرة‪-275:‬‬
‫‪ .[276‬ثم أعقبها سبحانه بآيات واضحة لمن كان له أدنــى‬
‫بصيرة أو خوف منه عز وجل أو يريد اليمــان إن لــم يكــن‬
‫مؤمنا ً ومصدقا ً بوعــد اللــه ووعيــده‪ .‬فبعــد أن ذكــر تحريــم‬
‫الربا في الية الســابقة وورد نــص قطعــي الدللــة ل غبــار‬
‫عليه ويعرفه العالم والجاهل وهو قــوله عــز وجــل‪ :‬وح ـّرم‬
‫الّربــا‪ .‬أعقــب ذلــك فــي آيــة أخــرى بمنــاداة المــؤمنين‬
‫ومخــاطبتهم بــأحب الســماء إليهــم ليســترعي انتبــاههم‬
‫وليترفعوا عن المحرمات ويتقوا الله ويحــذروا أليــم عقــابه‬
‫بأن يبتعدوا عن الربا إذا كان لديهم إيمان‪ ،‬وإذا لــم يفعلــوا‬
‫فهــم محــاربون للــه ورســوله محــادون مبغضــون لتعــاليم‬
‫الكتــاب والســنة‪ ،‬ومــا أعظــم جريمــة مــن يحــارب اللــه‬
‫ورسوله‪ ،‬فالخزي والعذاب والنكال هــو جــزاؤه فــي الــدنيا‬
‫َ‬
‫مــا‬‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬‫ن ءا َ‬ ‫َ‬ ‫والخرة‪ .‬قال تعالى‪ :‬يأي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫م ت َْفعَل ُــوا ْ َفـأ ْذ َُنوا ْ‬ ‫ن فَـِإن ّلـ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫كنت ُـ ْ‬‫ن الّرَبواا ْ ِإن ُ‬ ‫م َ‬
‫ى ِ‬ ‫ب َِق‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م لَ‬ ‫موال ِك ُ ْ‬‫سأ ْ‬ ‫م ُرءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫سول ِهِ وَِإن ُتبت ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫ن ]البقــرة‪ .[279-278:‬هــذه بعــض‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬
‫مــو َ‬ ‫مــو َ‬ ‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫الدلة من القرآن الكريــم‪ ،‬أمــا مــن الســنة الصــحيحة عــن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقوله صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم‪)) :‬اجتنبوا السبع الموبقات‪ ،‬قالوا‪ :‬وما هن يا رسول‬
‫الله؟ قال‪ :‬الشرك بالله‪ ،‬وقتل النفس الــتي حــرم اللــه إل‬
‫بالحق‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬والتولي يوم الزحف‪،‬‬
‫وقذف المحصنات الغافلت المؤمنــات‪ ،‬وشــهادة الــزور((‪.‬‬
‫وعن جابر رضي الله عنه قال‪)) :‬لعــن رســول اللــه صــلى‬
‫اللــه عليــه وســلم آكــل الربــا ومــوكله وكــاتبه وشــاهديه‬
‫وقال‪:‬هم سواء((‪ .‬فهذه بعض الدلة التي تبين تحريم الربا‬
‫علــى الفـرد والمجتمـع وأن مـن تعامــل بـه وتعاطـاه فهــو‬
‫مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب ومحارب لله ورسوله‪.‬‬
‫ومهما كثر المروجون للربا والمتعاملون به فل يخرجه عن‬
‫دائرة التحريم قيد شعرة‪ ،‬ول يغتر المسلم بكثرة الهالكين‬
‫والواقعين فيه والداعين إليه وإلى غيــره مــن المحرمــات‪،‬‬
‫ك عَــن‬ ‫ضـّلو َ‬ ‫ض يُ ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫ـ‬‫َ‬ ‫ث‬‫قال تعــالى‪ :‬وَِإن ت ُط ِـعْ أ َك ْ‬
‫ِ‬

‫‪389‬‬
‫َ‬
‫س‬‫مــا أك ْث َـُر الن ّــا ِ‬ ‫ل الل ّهِ ]النعام‪ .[116:‬وقال تعــالى‪ :‬وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ن ]يوسف‪.[103:‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ت بِ ُ‬
‫ص َ‬ ‫حَر ْ‬‫وَل َوْ َ‬
‫ولقد أصبح هم كثير من الناس جمع المال مــن أي طريــق‬
‫سواء كان حلل ً أو حرامًا‪ ،‬وهــذا تصــديق لحــديث الرســول‬
‫صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه‪)) :‬يــأتي علــى النــاس‬
‫زمان ل يبالي الرجل من أين اكتسب مــاله مــن الحلل أم‬
‫من الحرام((‪ .‬وكما قال عليه الصلة والسلم‪)) :‬يأتي على‬
‫الناس زمان ل يبقى بيت إل ويدخله الربــا‪ ،‬وإن لــم يــدخله‬
‫نالهم مــن غبــاره((‪ .‬وهــذا الواقــع المــؤلم فــي مجتمعــات‬
‫المسلمين مؤذن بحلول غضـب اللـه ونقمتـه الـتي سـوف‬
‫تعم الصالح والطالــح حيــث قــال ســبحانه وتعــالى محــذرا ً‬
‫ن‬ ‫ة ل ّ تُ ِ‬
‫صــيب َ ّ‬ ‫ومنذرا ً من شؤم المعاصي والذنوب‪َ :‬وات ُّقوا ْ فِت ْن َ ً‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ديد ُ ال ْعَِقــا ِ‬
‫شـ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّـ َ‬‫موا ْ أ ّ‬
‫ة َواعْل َ ُ‬
‫ص ً‬
‫خا ّ‬
‫م َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫موا ْ ِ‬‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫م كثير من الناس اليــوم هــو جمــع المــال‬ ‫]النفال‪ .[25:‬فه ّ‬
‫واستغلل حاجة بعضهم بعضا ً لنهب ما في أيديهم وإثقالهم‬
‫وتحميلهم الديون بالحيل الموقعة فــي المعــاملت الربويــة‬
‫والحتيال على شرع الله ومشابهة اليهــود الــذين يرتكبــون‬
‫المحرمات بأدنى الحيــل‪ ،‬وقــد أصــبح هــذا الشــبه والخلــق‬
‫اليهودي فــي مجتمعــات المســلمين بمــا يروجــه شــياطين‬
‫النــس والجــن مــن تزييــن المكاســب المحرمــة وتلبيســها‬
‫لباس الحلل باسم البيع‪ ،‬حيث دخلــت المعــاملت الربويــة‬
‫تأخذ أشــكال الحلل فــي الظــاهر ولكــن القصــد منهــا هــو‬
‫الوقوع في الربا والتعامل به ولكن بطرق ملتوية ظاهرهــا‬
‫ل وباطنها الحرمــة ظــانين بــأن ذلــك يخفــى علــى رب‬ ‫ح ّ‬
‫ال ِ‬
‫العّزة والجلل إذا هو خفي علــى البشــر‪ .‬فمــا أقــل الــورع‬
‫فــي هــذه اليــام ومــا أكــثر الوقــوع فــي المحرمــات وفــي‬
‫الشبهات التي أخبر الرسول صـلى اللـه عليـه وسـلم بــأن‬
‫من وقع فيها فسوف يقع في الحرام ل محالة بقوله عليــه‬
‫الصــلة والســلم قبــل نهايــة الحــديث‪)) :‬ومــن وقــع فــي‬
‫الشبهات وقع في الحرام((‪.‬‬
‫فاتقوا الله عباد الله واحذروا الوقوع في الربا والتعامل به‬
‫والمســاهمة والمســاعدة والمعاونــة عليــه باليــداع لغيــر‬
‫ضرورة أو غيرها في المصارف الربوية المســماة بــالبنوك‬

‫‪390‬‬
‫أو لدى المرابين أفرادا ً أو جماعات أو مؤسسات وشركات‬
‫لنه تعــاون علــى الثــم والعــدوان ومحاربــة للــه ورســوله‪،‬‬
‫وتوبوا إلى الله عز وجل كما أمر الله تبارك وتعــالى حيــث‬
‫قال عز وجل في التوبــة مـن الربـا بعـد التحـذير منـه وَِإن‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مـــو َ‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مـــو َ‬‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫مـــوال ِك ُ ْ‬
‫سأ ْ‬ ‫م ُرءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـــ ْ‬ ‫ُتبت ُـــ ْ‬
‫مــن‬ ‫]البقرة‪ .[279:‬وكما قال ذلك بعد ذكر تحريم الربــا‪ :‬فَ َ‬
‫ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫مُرهُ إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫عظ َ ٌ ّ ْ ّ ّ ِ‬ ‫مو ْ ِ‬‫جاءهُ َ‬ ‫َ‬
‫ن ]البقــرة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عاد َ فَأوْلئ ِ َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِـ ُ‬
‫م ِفيهَــا َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫وَ َ‬
‫‪ .[275‬وقال تعالى آمــرا ً عبــاده المــؤمنين بالتعــاون علــى‬
‫البر والتقوى وناهيا ً ومحذرا ً لهم من التعاون علــى أي إثــم‬
‫ْ َ‬ ‫وعدوان‪ :‬وَت ََعاوَُنوا ْ عََلى اْلبرِ َوالت ّْق َ‬
‫وى وَل َ ت ََعاوَُنوا عَلى ال ِث ْم ِ‬
‫ن ]المائدة‪.[2:‬‬ ‫َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫‪-------------------------‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد للــه حمــدا ً كــثيرا ً طيبـا ً مباركـا ً فيــه كمــا يحــب ربنــا‬
‫ويرضى‪ ،‬أحمده عز وجل وأشكره وأثني عليــه الخيــر كلــه‬
‫وأشــهد أن ل إلــه إل اللــه وحــده ل شــريك لــه وأشــهد أن‬
‫ل‬ ‫سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا ً عبد الله ورســوله‪ ،‬اللهــم ص ـ ّ‬
‫وســلم وبــارك علــى عبــدك ورســولك محمــد وعلــى آلــه‬
‫وصحبه‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فلقد اســتمرأ بعــض المســلمين الكســب الحــرام وانتشــر‬
‫انتشارا ً يؤذن بالعقوبــة إن لــم يؤخــذ علــى أيــدي مرتكــبيه‬
‫بالمر بالمعروف والنهي عن المنكــر وأطــر أصــحابه علــى‬
‫الحق أطرًا‪ ،‬لن سفينة نجاة المجتمــع المــاخرة فــي هــذه‬
‫الحياة الدنيا ل تنجو إل بالقيام بهذا الركن العظيم الذي هو‬
‫المر بــالمعروف والنهــي عــن المنكــر والــدعوة إلــى اللــه‬
‫عمومًا‪.‬‬
‫وحينما يأخذ المنكر والمر المحرم صبغة الحلل في نظــر‬
‫النــاس واعتقــادهم حينئذٍ يجــب البيــان والتوضــيح إجمــال ً‬
‫وتفصــيل ً علــى حســب الحالــة دون إخلل بقواعــد الشــرع‬
‫المطهر‪ ،‬وعليه يجب التنبيه إلــى أمــر انتشــر وليــس علــى‬
‫مستوى المؤسسات الربويــة لكــن علــى مســتوى الفــراد‬

‫‪391‬‬
‫حيــث يتــم التعامــل بالربــا الــذي هــو المقصــود مــن تلــك‬
‫المعاملة ولكن باسم البيع في الظاهر‪ ،‬حيــث المؤسســات‬
‫أو الفراد يبيعون ما ل يملكون‪ ،‬وإنما هي الوراق التي يتم‬
‫التوقيع عليها من الطرفين‪ ،‬وكذلك الطرف الثالث المالــك‬
‫والبائع الحقيقي‪ ،‬حيث يأتي صاحب الحاجة إلى المؤسسة‬
‫أو الفرد المرابــي حقيقــة‪ ،‬وفــي الظــاهر تعــامله إســلمي‬
‫شرعي ل غبار عليــه‪ ،‬يــأتي يريــد منــه أرضـًا‪ ،‬أو عقــارًا‪ ،‬أو‬
‫سيارة‪ ،‬أو أثاثًا‪ ،‬أو أدوات أيا ً كانت وهو ل يملكهــا ويــذهبان‬
‫إلى الذي يملكها أو بمكالمة هاتفية ليــدفع الطــرف الثــاني‬
‫الثمن للطرف الثــالث الــذي يملــك دون أن يمتلــك الثــاني‬
‫تلك السلعة أو يحوزها لملكيتــه‪ ،‬ولــو حازهــا وملكهــا علــى‬
‫الوراق فل يخرجهـا ذلـك عـن الوقـوع فـي الربـا المحـرم‬
‫شرعا ً والذي يستغل به حاجة أخيه المسلم لينهب مــا فــي‬
‫يديه ويثقل كاهله بالديون ويأكل مــاله حرامـا ً وســحتًا‪ ،‬مــع‬
‫أن أطول آية في القرآن وهي آية الدين معطل العمل بهــا‬
‫بين المسلمين اليوم والتي جاءت بعد ذكر اليات المحرمة‬
‫للربــا والناهيــة والزاجــرة والمتوعــدة لمــن يتعامــل بالربــا‬
‫بالعذاب الليم والتي أمر عز وجل في نهايتهــا باتقــاء يــوم‬
‫يرجع فيه العبــاد إلــى اللــه ويقفــون بيــن يــديه ثــم أعقبهــا‬
‫بــأطول آيــة تبــث الرحمــة واللفــة والتعامــل الكريــم بيــن‬
‫المسلمين الطالبين للجــر مــتى عملــوا بهــذه اليــة كتابــة‬
‫وشهادة وأداًء وطلبا ً للجر الموعود به على لســان رســول‬
‫الله صــلى اللــه عليــه وســلم لمــن يقــرض أخــاه المســلم‬
‫ويمهله بضعفين من الجر إلى ثمانية عشر ضــعفًا‪ ،‬وجعــل‬
‫القرض من حق المسلم على المسلم حين قال عندما عد‬
‫الحقوق‪)) :‬وإذا استقرضك أقرضته((‪.‬‬
‫إنه لما غاب عن واقع المسلمين تطبيق اليات والحــاديث‬
‫م أكثرهم نهب ما في أيــدي‬ ‫في كثير من معاملتهم صار ه ّ‬
‫إخوانهم المسلمين بالحرام الصريح وبالمشــتبه وبالتحايــل‬
‫سواء بالربا أو بأكل المــال حرام ـا ً عنــوة واقتطــاعه منهــم‬
‫ظلمـا ً أو الرشــوة أو الغــش المنتشــر فــي الــبيع والشــراء‬
‫الذي ل تكاد تخلو منه سلعة أو التحايــل علــى الربــا باســم‬
‫الــبيع وغيرهــا مــن المعــاملت البعيــدة عــن روح الســلم‬

‫‪392‬‬
‫وسماحته وأخلق أهله العاملين به نصا ً وروحا ً والمطبقيــن‬
‫له في كل صغيرة وكبيرة‪.‬‬
‫وعلينا أن نبتعد عن طريق اليهود في العمل بالحيــل الــتي‬
‫ل تحل الحــرام أبــدا ً والــتي انتشــرت بيــن المســلمين فــي‬
‫معاملتهم واتخذت أشــكال ً وصــورا ً متعــددة وهــي محرمــة‬
‫شرعا ً مهما تحايل أصـحابها المتعـاملون بهـا‪ ،‬قـال رسـول‬
‫الله صلى الله عليــه وســلم فيمــا رواه البخــاري ومســلم‪:‬‬
‫))قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوهــا وأكلــوا‬
‫ثمنها((‪ .‬وفي رواية للجماعة ‪ -‬قال رسول الله صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم‪)) :‬قاتل الله اليهــود إن اللــه لمــا حــرم عليهــم‬
‫شحومها جملوه ثم باعوه وأكلــوا ثمنــه((‪ .‬أي لمــا حرمــت‬
‫عليهم شحوم البقر والغنــم الــتي حــول المعــدة والكليــتين‬
‫مل َِها على النار فــي القــدور وبيعهــا‬
‫ج ْ‬
‫احتالوا على التحريم ب ِ َ‬
‫وأكل ثمنها‪ ،‬كذلك الحال في احتيالهم علــى صــيد الســمك‬
‫يوم السبت عندما اختبرهم الله وامتحنهــم بــذلك فاحتــالوا‬
‫على انتهاك محارم الله بما تعاطوه من السباب الظــاهرة‬
‫التي هي فــي البــاطن تعــاطي الحــرام‪ .‬قــال رســول اللــه‬
‫صــلى اللــه عليــه وســلم‪)) :‬ل ترتكبــوا مــا ارتكبــت اليهــود‬
‫فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل((‪.‬‬
‫وهــذه الحيــل تنطبــق علــى أعــداد ليســت بالقليلــة مــن‬
‫المســلمين فــي التحايــل علــى المعــاملت الربويــة الــتي‬
‫ظاهرها البيع ولكن حقيقتها هو استحلل الربا بتلك الطرق‬
‫الملتوية والتي أخذت أشكال ً وصورا ً مختلفة‪ ،‬هــدفها صــيد‬
‫الفريسة وإيقــاعه فــي شــباك الحيــل‪ ،‬أي صــاحب الحاجــة‬
‫الذي أتى للشركات أو المعــارض أو المصــارف أو الفــراد‬
‫والذي يريد الحصول على نقود يحتاجها في زواج أو خلفه‬
‫ثم يصطاده أولئك المتربصون به وبأمثاله من الملييــن ول‬
‫أقول العشرات أو المئات أو اللوف وعشراتها ومئاتها لن‬
‫غالب الناس اليــوم واقعــون فــي تلــك الــديون المتراكمــة‬
‫عليهم منذ عشرات السنين بسبب حاجتهم الولــى لبعــض‬
‫النقــود الــتي أدت نتيجتهــا وســلبياتها الحتميــة إلــى هــذه‬
‫المآزق التي قد ل يتخلص منها كثير من الناس في حياتهم‬
‫وقبل موتهم بل تبقى ذممهم مرهونة لتلك الديون التي لم‬

‫‪393‬‬
‫تنفــك عنهــم طــوال حيــاتهم وذاقــوا مــرارة الحيــاة مــن‬
‫استغلل أصــحاب المــوال مــن الغنيــاء لحاجــات الفقــراء‬
‫والضعفاء وعامــة النــاس ومــن خلل اســتدراج المصــارف‬
‫المسماة بالبنوك الربوية وغيرها التي تستدرج النــاس بمــا‬
‫تنشره من دعايات لتوفير حاجاتهم وإصدار البطاقات التي‬
‫يغتّر بها كثير منهم ومن ثم يقعون في الربا خطوة خطوة‪،‬‬
‫وقــد أصــاب الفلس بعــض أصــحاب مئات الملييــن بعــد‬
‫تعاملهم بالربا مع تلك المصارف‪ ،‬فاســتمراء النــاس للربــا‬
‫وانتشاره وتسمية الموال التي تأتي عــن طريــق التعامــل‬
‫ول تلــك‬ ‫به الفوائد والرباح ل يغّير من الواقع شــيئا ً ول تح ـ ّ‬
‫السماء المسميات من الحرام إلى الحلل أبــدا ً فهــي ربــا‬
‫صريح محرم فـي ديـن السـلم‪ ،‬والسـماء الجديـدة للربـا‬
‫حيث يسمى بالفوائد والرباح المركبة والبسيطة‪ ،‬وللخمور‬
‫بــالقهوة والمشــروبات الروحيــة وللغــاني والموســيقى‬
‫والطبول بالفنون والتسلية والترفيه ل يخرجهــا قيــد أنملــة‬
‫من الحرام إلى الحلل‪ ،‬فاختراع أسماء للمحرمات غير ما‬
‫سميت ل يخرجها عن مسمياتها بل إن ذلــك مــن علمــات‬
‫الساعة التي ورد عنها الخبر من سيد البشر محمــد صــلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬
‫فليحــذر كــل مســلم مــن التعامــل بالربــا وأخــص أصــحاب‬
‫معارض الســيارات الــذين اســتغلوا حاجــات النــاس باســم‬
‫التقسيط وقد تجلس السيارة في المعرض إلــى أن تتلــف‬
‫عجلتها وإطاراتها ويتغير لونها‪ ،‬وتباع مــن صــاحب الحاجــة‬
‫مون بالشــريطية‬ ‫لحــد الوســطاء والسماســرة الــذين يس ـ ّ‬
‫المحللون للبيع ثم تعاد لصاحب المعرض وهكذا وهي فــي‬
‫مكانها‪ ،‬أو تخرج للحيلة فقط لن القصد اصــطياد أصــحاب‬
‫الحاجات وتســجيل الـديون المضــاعفة عليهـم والســيارات‬
‫التي هي حيل وخداع باسم البيع والشراء‪ ،‬ومثل ذلك فــي‬
‫التجار الــذين تتلــف لــديهم أكيــاس الحــب والســكر والبــن‬
‫والهيل والرز‪ ،‬وطرق المعاملت الربوية كــثيرة ليــس هــذا‬
‫مجالها ولكن التنبيه والشارة كافيــة‪ ،‬هــذا مــا تــم إيضــاحه‬
‫علــى ســبيل الجمــال مــن أجــل الــذكرى الــتي ينتفــع بهــا‬
‫المؤمنون ولمن كان له قلب واع خائف وجل من الله عــز‬

‫‪394‬‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬‫مــؤْ ِ‬ ‫ن الــذ ّك َْرى َتنَفــعُ ال ْ ُ‬ ‫كــْر َفــإ ِ ّ‬‫ل قــال تعــالى‪ :‬وَذ َ ّ‬ ‫وجــ ّ‬
‫ت الـذ ّك َْرى‬ ‫]الذاريات‪ .[55:‬وقال عز وجــل‪ :‬فَـذ َك ّْر ِإن ن َّفعَـ ِ‬
‫صـَلى الن ّــاَر‬ ‫ذى ي َ ْ‬ ‫شـَقى ال ّـ ِ‬ ‫جن ّب ُهَــا ال ْ ْ‬
‫شــى وَي َت َ َ‬ ‫خ َ‬ ‫مــن ي َ ْ‬ ‫سي َذ ّك ُّر َ‬‫َ‬
‫ك لــذِك َْرى‬ ‫َ‬ ‫ن ِفى ذال ِ َ‬ ‫ال ْك ُب َْرى ]العلى‪ .[12-9:‬وقال تعالى‪ :‬إ ِ ّ‬
‫َ َ‬
‫شِهيد ٌ ]ق‪.[37:‬‬ ‫معَ وَهُوَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ب أوْ أل َْقى ال ّ‬ ‫ه قَل ْ ٌ‬‫ن لَ ُ‬ ‫كا َ‬‫من َ‬ ‫لِ َ‬
‫فعلينا أن نتقـي اللـه تعـالى ونخشـى عـذابه وبطشـه فـي‬
‫الدنيا‪ ،‬ويوم يقوم النــاس لــرب العــالمين يــوم يتخلــى عنــا‬
‫أقرب قريب لنا ول يبقى إل الحسنات والسيئات وتأتي كل‬
‫نفس تجادل عن نفسها وتوفى ما عملت في هــذه الحيــاة‬
‫الدنيا‪ ،‬وتذكروا دائما ً الية القرآنية الــتي جــاءت بعــد آيــات‬
‫تحريم الربا والتحذير من عواقبه وقد جاءت آيتان كريمتان‬
‫بعــدها مباشــرة‪ ،‬فيهمــا الحلـول الشـافية الكافيــة الكفيلـة‬
‫بإذن الله بما يبعد الناس عن الربــا والوقــوع فيــه فلنتأمــل‬
‫هذه والتي بــدأت بــالحث علــى النفــاق ولنربــط بيــن كــل‬
‫اليــات ابتــداًء مــن اليـة الــتي قبــل آيــة الكرســي ونتأمــل‬
‫ونتدبر كلم ربنا ونعمل به ونطبقه في حياتنا فذلك خير لنا‬
‫ه‬
‫ن ِفي ـ ِ‬ ‫جعُــو َ‬ ‫مــا ت ُْر َ‬‫في الدنيا والخرة‪ .‬قال تعالى‪َ :‬وات ُّقــوا ْ ي َوْ ً‬
‫ن‬ ‫مــو َ‬ ‫م ل َ ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ـ ْ‬ ‫س ـب َ ْ‬ ‫مــا ك َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ل ن َْف ـ ٍ‬ ‫م ت ُوَّفى ك ُ ّ‬ ‫إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ‬
‫]البقرة‪.[281:‬‬
‫============‬
‫‪#‬عن الربا‬
‫موسوعة خطب المنبر ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(1823‬‬
‫عن الربا‬
‫سعد بن عبد الله العجمة الغامدي‬
‫الطائف‬
‫سعيد الجندول‬
‫الخطبة الولى‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فعلينا أن نتقي الله ونحذر من دخــول الربــا فــي معاملتنــا‬
‫واختلطه بأموالنا فإن أكل الربا وتعاطيه من أكــبر الكبــائر‬
‫عند الله‪ ،‬وقد توعد الله المرابي بالنــار وآذنــه بحــرب مــن‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫من ُــوا ْ ات ُّقــوا ْ الل ّـ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الله ورسوله‪ ،‬قال عز وجل‪ :‬يأي َّها ال ّ ِ‬
‫م ت َْفعَل ُــوا ْ‬ ‫ن فَِإن ل ّـ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن الّرَبواا ْ ِإن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ى ِ‬ ‫وَذ َُروا ْ َ‬
‫ما ب َِق َ‬

‫‪395‬‬
‫ْ‬
‫س‬‫م ُرءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ن الل ّـهِ وََر ُ‬
‫ســول ِهِ وَِإن ُتبت ُـ ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫فَـأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬
‫َ‬
‫ن ]البقرة‪.[279-278:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫موال ِك ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫فهذا النص القرآني واضح الدللة على تعليق إيمان الــذين‬
‫آمنوا على ترك ما بقي من الربا‪ ،‬فهم ليســوا بمــؤمنين إل‬
‫أن يتقوا الله ويذروا ما بقي من الربا‪ ،‬ليسوا بمؤمنين ولــو‬
‫أعلنوا أنهــم مؤمنــون‪ ،‬فــإنه ل إيمــان بغيــر طاعــة وانقيــاد‬
‫واتباع لما أمر الله بــه‪ ،‬ول يــدع إنســانا ً يتســتر وراء كلمــة‬
‫اليمان بينما هو ل يطيع ول يرتضي ما شرع الله عز وجل‪،‬‬
‫ول ينفذ هذا الشرع فــي حيــاته ول يحكمــه فــي معــاملته‪،‬‬
‫فالذين يفرقون في الدين بين العتقاد والمعاملت ليســوا‬
‫بمؤمنين مهما ادعوا اليمــان وأعلنــوا بلســانهم أو بشــعائر‬
‫م ت َْفعَل ُــوا ْ فَـأ ْذ َُنوا ْ‬‫العبــادة الخــرى أنهــم مؤمنــون!! فَـِإن ل ّـ ْ‬
‫سول ِهِ ]البقــرة‪ .[279:‬مــاذا يســتطيع أن‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫يــواجه هــذا النســان الضــعيف الفــاني فــي حــرب رهيبــة‬
‫معروفــة المصــير‪ ،‬إنــه يفتــح علــى نفســه بــاب الخســران‬
‫والهلك‪.‬‬
‫لقد أمر رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم عــامله علــى‬
‫مكة بعد نزول هذه اليات التي نزلــت متــأخرة أن يحــارب‬
‫آل المغيرة هناك إذا لم يكفوا عــن التعامــل الربــوي‪ ،‬وقــد‬
‫أمر صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم فتح مكة بوضــع‬
‫كل ربا في الجاهلية _ وأوله ربا عمه العباس _ عن كاهــل‬
‫المدينين الذين ظلوا يحملونه إلى مــا بعــد الســلم بفــترة‬
‫طويلة ولم يأمرهم برد الزيادات التي سبق لهم أخذها في‬
‫حــال الجاهليــة فقــال فــي معــرض خطبتــه عليــه الصــلة‬
‫والسلم‪)) :‬وكل ربــا فــي الجاهليــة موضــوع تحــت قــدمي‬
‫هاتين‪ ،‬وأول ربا أضع ربا العباس‪.((. .‬‬
‫وقد لعن رسـول اللـه صـلى اللـه عليـه وسـلم آكـل الربـا‬
‫وموكله وكاتبه وشاهديه‪ ،‬وما ظهر الربا والزنا في قــوم إل‬
‫ظهر فيهم الفقر والمراض المستعصية التي لم تكــن فــي‬
‫أسلفهم وظلم السلطان‪ .‬إن الربا يهلــك المــوال ويمحــق‬
‫البركات وإن تراءت لصحابها بأنها كثيرة في نظرهم‪ .‬قال‬
‫ت ]البقــرة‪.[276:‬‬ ‫صد ََقا ِ‬‫ه ال ّْرَبواا ْ وَي ُْرِبى ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫تعالى‪ :‬ي َ ْ‬
‫لقد شــدد اللــه الوعيــد علــى آكــل الربــا وجعــل أكلــه مــن‬

‫‪396‬‬
‫أفحش الخبائث وأكبر الكبــائر وبيــن عقوبــة المرابــي فــي‬
‫الدنيا والخرة وأخبر بأنه محــارب للــه ولرســوله‪ ،‬فعقوبــة‬
‫الربا في الــدنيا أنــه يمحــق بركــة المــال‪ ،‬ويعرضــه للتلــف‬
‫والزوال حتى يصبح صاحبه من أفقر بني آدم‪ ،‬وكم نســمع‬
‫من تلف الموال العظيمــة بــالحريق والغــرق والفيضــانات‬
‫فيصبح أهلها فقراء بيــن النــاس‪ ،‬وإن بقيــت هــذه المــوال‬
‫الربوية بأيدي أصــحابها فهــي ممحوقــة البركــة ل ينتفعــون‬
‫منهــا بشــيء‪ ،‬بــل هــي شــر عليهــم يعــانون منــه ويلقــون‬
‫ن عذابها يوم‬ ‫صل َوْ َ‬
‫العذاب من أتعابها‪ .‬ويتحملون حسابها وي َ ْ‬
‫القيامة ويرثها غيرهم في الدنيا‪.‬‬
‫والمرابــي مبغــض عنــد اللــه وعنــد النــاس لنــه يأخــذ ول‬
‫يعطــي‪ ،‬يجمــع ويمنــع‪ ،‬ل ينفــق ول يتصــدق‪ ،‬شــحيح جشــع‬
‫جمـوع منـوع‪ ،‬تنفـر منـه القلـوب وينبـذه المجتمـع‪ ،‬وهـذه‬
‫عقوبات عاجلة‪ ،‬وأما عقوبته الجلة فهي أشد وأبقى‪ ،‬وقــد‬
‫ورد فــي القــرآن الكريــم والســنة المطهــرة مــا يلقيــه‬
‫المرابي‪ ،‬فورد في القرآن الكريم عن حــال المرابــي عنــد‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫قيامه من قبره للحشر والنشور قول الله عز وجل‪ :‬ال ّ ِ‬
‫خب ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫طــ ُ‬ ‫م اّلــ ِ‬
‫ذى ي َت َ َ‬ ‫مــا ي َُقــو ُ‬‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬
‫مــو َ‬‫ن الّرَبــواا ْ ل َ ي َُقو ُ‬
‫َيــأك ُُلو َ‬
‫س ]البقــرة‪ .[275:‬وذلــك أن النــاس إذا‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫بعثوا من قبورهم خرجوا مسرعين إلى المحشر كمــا قــال‬
‫سَراعا ً ]المعارج‪:‬‬ ‫ث ِ‬ ‫دا ِ‬‫ج َ‬‫ن ال ْ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬
‫خُر ُ‬‫م يَ ْ‬ ‫الله عز وجل‪ :‬ي َوْ َ‬
‫‪ .[43‬إل آكل الربــا فــإنه يقــوم ويســقط كحالــة المصــروع‬
‫الذي يقــوم ويســقط بســبب الصــرع‪ ،‬لن أكلــة الربــا فــي‬
‫الدنيا تكبر بطونهم بسبب تضخم الربــا فيهــا فكلمــا قــاموا‬
‫مــوا بالســراع مــع النــاس‬ ‫سقطوا لثقل بطونهم‪ ،‬وكلمــا ه ّ‬
‫تعثروا وتأخروا عقوبة وفضــيحة لهــم ثــم يــأتيهم بعــد ذلــك‬
‫العذاب الليم‪.‬‬
‫وفي حديث السراء أن النبي صلى اللــه عليــه وســلم رأى‬
‫رجل ً يسبح في نهر من الــدم وكلمــا جــاء ليخــرج مــن هــذا‬
‫النهر استقبله رجل على شاطئ النهــر وبيــن يــديه حجــارة‬
‫يرجمه بحجر منها في فمه حتى يرجع حيــث كــان‪ ،‬فســأل‬
‫عنه النبي صلى الله عليه وسلم فُأخبر أنه آكل الربا‪ .‬وجاء‬
‫في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النــبي‬

‫‪397‬‬
‫صــلى اللــه عليــه وســلم أتــى ليلــة أســري بــه علــى قــوم‬
‫بطونهم كالبيوت فيهــا الحيــات تــرى مــن خــارج بطــونهم‪،‬‬
‫فقلت‪)) :‬من هؤلء يا جبريل؟ قال‪ :‬هؤلء أكلة الربا((‪.‬‬
‫وورد عنه صلى اللــه عليــه وســلم أنــه قــال‪)) :‬الربــا ثلثــة‬
‫وسبعون بابا ً أيســرها مثــل أن ينكــح الرجــل أمــه((‪ .‬وعــن‬
‫جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وســلم قــال‪:‬‬
‫))لعن الله آكل الربا وموكله وكــاتبه وشــاهديه وقــال‪ :‬هــم‬
‫سواء((‪.‬‬
‫أيهــا المســلمون‪ :‬إن الربــا حــرام فــي جميــع الشــرائع‬
‫ن‬ ‫مـ َ‬ ‫السماوية قــال اللـه تعــالى فــي حــق اليهــود‪ :‬فَب ِظ ُل ْـم ٍ ّ‬
‫م عَــن‬ ‫ص ـد ّهِ ْ‬ ‫م وَب ِ َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫حل ّ ْ‬ ‫ت أُ ِ‬ ‫م ط َي َّبا ٍ‬ ‫مَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫حّر ْ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ها ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫خذهم الربا وقَد نهوا ْ عَنه وأ َك ْل ِه َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫مــوا َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ل الل ّهِ ك َِثيرا ً وَأ ْ ِ ِ ُ ّ َ َ ْ ُ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ذابا ً أِليما ً ]النساء‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ل وَأعْت َد َْنا ل ِل ْ َ‬ ‫َ‬
‫م عَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫س ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫الّنا ِ‬
‫‪.[161-160‬‬
‫وفي السلم مر تحريم الربا بأدوار أربعة تــدرج فيهــا فــي‬
‫تقرير التحريم حيث نزلت الية السالفة الذكر وفي المــرة‬
‫الثانية حيث التلويح فيها بالتحريم ل التصريح‪ ،‬وقد ســبقتها‬
‫مـن ِربـا ً ل ّي َْرب ُـوَا ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ما ءات َي ْت ُـ ْ‬ ‫الية الكريمة حيث قال تعالى‪ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫مــن زكــا ٍ‬ ‫م ّ‬ ‫مــا ءات َي ْت ُـ ْ‬ ‫عند َ الل ّهِ وَ َ‬ ‫س فَل َ ي َْرُبوا ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل الّنا‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِفى أ ْ‬
‫ن ]الــروم‪ .[39:‬ثــم‬ ‫ضعُِفو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه الل ّهِ فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ج َ‬
‫ن وَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫تُ ِ‬
‫ضــَعافا ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ْ ل َ ت َأك ُُلوا ْ الّرَبا أ ْ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫نزل قوله تعالى‪َ :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ة ]آل عمــران‪ .[130:‬ثــم نــزل التحريــم الكلــي‬ ‫ضــاعََف ً‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫القاطع الذي ل شك فيه لدى كل مؤمن ول تفريق فيه بين‬
‫َ‬
‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قليل أو كثير حيث قال تعالى‪ :‬يأي َّها ال ّ ِ‬
‫م ت َْفعَل ُــوا ْ‬ ‫ن فَِإن ل ّـ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ن الّرَبواا ْ ِإن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ى ِ‬ ‫وَذ َُروا ْ َ‬
‫ما ب َِق َ‬ ‫ف َ ـأ ْ‬
‫س‬‫ُ‬ ‫رءو‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ـ‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ـ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫تب‬
‫ُ‬ ‫إن‬ ‫َِ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫ََ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ـ‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫م‬‫ّ‬ ‫ب‬‫ْ ٍ‬ ‫ر‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ]البقــرة‪.[279-278:‬‬ ‫مــو َ‬ ‫ن وَل ت ُظل ُ‬ ‫َ‬ ‫مــو َ‬ ‫م ل َ ت َظل ِ ُ‬ ‫مــوال ِك ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫وذلك بعد الحكم الصريح بالتحريم في اليــة الــتي ســبقت‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ح ـّر َ‬‫ه ال ْب َي ْـعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّـ ُ‬ ‫حـ ّ‬ ‫هذه اليات حيث قال عــز وجــل‪ :‬وَأ َ‬
‫ف‬ ‫س ـل َ َ‬
‫مــا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ّرب ّهِ فَــانت ََهى فَل َـ ُ‬ ‫مُ ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫عظ َ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاءهُ َ‬ ‫من َ‬ ‫الّرَبواا ْ فَ َ‬
‫عاد فَ ـأول َئ ِ َ َ‬ ‫َ‬
‫م ِفيهَــا‬ ‫ب الن ّــارِ هُ ـ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫صـ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ن ]البقرة‪ .[275:‬ومع هذا الوعيد الشديد لمــن أكــل‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫الربا فإن كثيرا ً من المســلمين ل يبــالون فــي جمــع المــال‬

‫‪398‬‬
‫مــن أي طريــق‪ ،‬ل يهمهــم إل تضــخيم الــثروة وتكــديس‬
‫الموال _ التي سوف يجــدون عاقبــة الخســران فيهــا فــي‬
‫الــدنيا والخــرة‪ ،‬فــالحرام عنــدهم مــا تعــذر عليهــم أخــذه‪،‬‬
‫والحلل في عرفهم ما تمكنوا من تنــاوله مــن أي طريــق‪،‬‬
‫وهذا يدل على عدم خشية الله في قلوبهم وإعراضهم عن‬
‫دينهــم وعــدم مبــالتهم بأحكــام الشــريعة وتطبيقهــا فــي‬
‫حيــاتهم‪ ،‬وإذا وصــل حــال المجتمــع إلــى هــذا المســتوى‬
‫فعقوبة ذلك قريبة‪ ،‬ول خير في حيــاة تبنــى علــى الربــا ول‬
‫فــي كســب مــورده حــرام‪ ،‬إن مــال ً يجمــع مــن حــرام‬
‫كالمستنقع المتجمع من المــاء النجــس القــذر‪ ،‬يتــأذى مــن‬
‫نتن ريحه كل من قرب منه أو مّر عليه‪.‬‬
‫‪-------------------------‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد للــه حمــدا ً كــثيرا ً طيبـا ً مباركـا ً فيــه كمــا يحــب ربنــا‬
‫ويرضى أحمده تبارك وتعالى وأشكره وأشهد أن ل إلــه إل‬
‫الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمــدا ً عبــده ورســوله‪،‬‬
‫اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى‬
‫آله وصحبه‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فلقـد اعتـبر السـلم الربـا مـن أكـبر الجـرائم الجتماعيـة‬
‫والدينية‪ ،‬وشن عليه حربا ً ل هوادة فيهــا‪ ،‬وتوعــد اللــه جــل‬
‫جلله المتعاملين بالربــا بالعــذاب الليــم‪ ،‬ويكفــي أن نعلــم‬
‫عظم هذه الجريمة النكراء من خلل تصوير حالة المرابين‬
‫ذلك التصوير الشنيع الفظيع الذي صورهم به فــي القــرآن‬
‫س مــن الجــن‪ ،‬فهــو‬ ‫الكريم‪ ،‬صورة الشــخص الــذي بــه مـ ّ‬
‫يتخبط ويهذي كالمجنون الذي أصيب فــي عقلــه وجســمه‪،‬‬
‫ولم يبلغ من تفظيع أمر من أمور الجاهليــة _ أراد الســلم‬
‫إبطاله _ ما بلغ من تفظيع أمر الربــا‪ ،‬ول بلــغ مــن التهديــد‬
‫في منكر من المنكرات كما بلغ في شأن الربا والمرابيــن‪،‬‬
‫فالربا في السلم جريمة وكبيرة من الكبــائر ومــن الســبع‬
‫الموبقات التي حذر منها الرسول صلى الله عليــه وســلم‪،‬‬
‫والربا أساس المفاسد وأصل الشرور والثام‪ ،‬وهــو الــوجه‬
‫الكالح الطالح الذي يقابل الصدقة والبر والحسان والزكاة‬

‫‪399‬‬
‫والــدين المــأمور بهــا فــي الســلم‪ ،‬ولــو تــدبر المســلمون‬
‫ووعوا قرآنهم وقرأوا اليات الــتي قبــل هــذه اليــات الــتي‬
‫تحرم الربا وفي ثناياها وبعدها لو فعلوا ذلــك لدركــوا ســر‬
‫التحريم وكذلك ما يصلح المجتمــع المســلم ويجعــل حيــاته‬
‫آمنة مطمئنة قائمة على المحبة والخاء واليثار‪ ،‬بعيدة عن‬
‫حب الذات والنانية والثرة‪.‬‬
‫إن الصدقة والدين عطاء وسماحة‪ ،‬وطهارة وزكــاة للمــال‬
‫والنفــس‪ ،‬وتعــاون وتكافــل‪ .‬والربــا شــح وقــذارة ودنــس‬
‫وجشع وأثرة وأنانية‪ ،‬الصدقة والزكاة إعطاء المــال للغيــر‬
‫بدون عوض ول رد من البشر‪ ،‬ولكن الجر مدخر عند اللــه‬
‫جل جلله متى صلحت النية وكان صوابا ً وتقبله رب العــزة‬
‫والجلل‪ ،‬أما الربا فهو استرداد للــدين ومعــه زيــادة حــرام‬
‫متقطعة من جهد المدين أو من لحمه مــن جهــده إن كــان‬
‫ده وعملــه‪،‬‬ ‫قد عمل بالمال الذي استدانه فربــح نتيجــة لك ـ ّ‬
‫ومن لحمه إن لم يربــح أو خســر‪ ،‬أو كــان قــد أخــذ المــال‬
‫للنفقة على نفسه وأهله‪.‬‬
‫فل عجب إذا ً أن يعده السلم أعظم المنكــرات والجــرائم‬
‫الجتماعية والدينية‪ ،‬وأن يعلن الحرب على المرابين‪َ :‬فــِإن‬
‫ْ‬
‫ســول ِهِ ]البقــرة‪.[279:‬‬‫ن الل ّـهِ وََر ُ‬
‫م َ‬
‫ب ّ‬ ‫م ت َْفعَُلوا ْ فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬
‫حْر ٍ‬ ‫لّ ْ‬
‫وذلك للضرار الفادحة والمساوئ الــتي تــترتب عليــه مــن‬
‫النواحي النفسية والجتماعية والقتصادية‪ ،‬حيث يولــد فــي‬
‫النسان حب الثرة والنانية فل يعرف إل نفسه ول يعــرف‬
‫إل مصلحته ونفعه وبذلك تنعدم فيه روح التضــحية واليثــار‬
‫ومعاني حب الخير‪ ،‬ويغدو المرابي وحشا ً مفترسا ً ل يهمــه‬
‫مــن الحيــاة إل جمــع المــال‪ ،‬وامتصــاص دمــاء النــاس‪،‬‬
‫واستلب ما في أيديهم‪.‬‬
‫ويوّلد الربا العداوة والبغضاء بين أفــراد المجتمــع ويقضــي‬
‫على كــل مظــاهر الشــفقة والــبر والحســان‪ ،‬ويــزرع فــي‬
‫القلب الحســد والبغضــاء‪ ،‬ويــدمر قواعــد المحبــة والخــاء‪،‬‬
‫ويقسم الناس إلــى طبقــتين‪ ،‬طبقــة مترفــة‪ :‬تعيــش علــى‬
‫النعيــم والرفاهيــة والتمتــع بعــرق جــبين الخريــن‪ .‬وطبقــة‬
‫معدمة‪ :‬تعيش علــى الفاقــة والحاجــة والبــؤس والحرمــان‬
‫وبذلك ينشأ الصراع بين الطبقتين‪.‬‬

‫‪400‬‬
‫إن المعاملت الربوية لها صور متعددة‪ ,‬وهي تتفــاوت فــي‬
‫الثم فأدناها مساعدة المرابي بوضع المال عنده ليحفظه‪،‬‬
‫وأعلها ما يسمى بالفوائد وهو عين الربا‪ ،‬ومــا نــذكره هنــا‬
‫هو صورة من صور متعددة‪.‬‬
‫إن بعض المسلمين إذا لم يذكر له الحكم صريحا ً في الربا‬
‫ل يفهمه تلويحا ً وتعريضًا‪ ،‬فتكثر السئلة عن حكم أخــذ مــا‬
‫يسمى بالفوائد من المصارف أو ما يسمى بالبنوك؟ وعــن‬
‫وضع المال عندهم أمانة؟ وعن عمل الموظف لديهم؟‬
‫لــذا فــإن تســمية الربــا بــالفوائد هــو مــن بــاب التــدليس‬
‫والتلــبيس علــى النــاس‪ ،‬فــذلك هــو عيــن الربــا الصــريح‬
‫المحرم في القرآن والســنة‪ ،‬ومــن تعامــل بهــذه المعاملـة‬
‫ســواء كــان آخــذا ً أو معطي ـا ً أو كاتب ـا ً أو شــاهدا ً فهــو مــن‬
‫المرابين الملعونين على لسان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وســلم ومــن المحــاربين للــه ورســوله‪ ،‬ول يخــرج منــه‬
‫الموظــف الــذي يعمــل فــي المصــارف لنــه كــاتب للربــا‬
‫وشاهد عليه ومعين ومساعد على انتشاره فــي المجتمــع‪،‬‬
‫وأبواب الرزق الحلل مفتوحة‪ ،‬ومن ترك شيئا ً للــه عوضــه‬
‫الله خيرا ً منه‪ ،‬قال رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫))لعن الله آكــل الربــا ومــوكله وكــاتبه وشــاهديه((‪ .‬فــذلك‬
‫عام ســواء كــان علــى مســتوى الفــرد أو الشــركات الــتي‬
‫تتعامل بالربا المكونة من مئات الفراد‪ ،‬هذا بالنسبة للخذ‬
‫والعطاء في حــال القــرض أو القــراض زيــادة علــى رأس‬
‫المال‪.‬‬
‫أما الذين يودعون أمـوالهم عنــد المرابيــن فهـو يعـاونونهم‬
‫دونهم بالمــال‬ ‫على أكل الربــا وعلــى الثــم والعــدوان ويم ـ ّ‬
‫لكي ينتشر الحرام في المجتمــع‪ ،‬فل عــذر لحــد فــي هــذا‬
‫البلد أن يضــع مــاله لــدى المصــارف الربويــة‪ ،‬والمصــارف‬
‫البعيدة عن التعامل بالربا موجودة أيضًا‪ ،‬فعلى كل مســلم‬
‫أن يتقي الله ويخاف من العذاب الليم في الدنيا والخــرة‬
‫ول يتعامل بالربا ول يساعد عليه‪ ،‬وعليه أن ينصح من كان‬
‫واقعا ً فيه وعليه أن يسحب أمواله ول عذر له في ذلك في‬
‫هذا البلــد ول يغــتر بكــثرة الهــالكين والــواقعين فــي ذلــك‪،‬‬
‫فإنهم ليسوا قدوة صالحة في فعلهم ذلك كما قال تعــالى‪:‬‬

‫‪401‬‬
‫وى وَل َ ت ََعاوَُنوا ْ عََلى ال ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫ن‬ ‫وَت ََعاوَُنوا ْ عََلى اْلبرِ َوالت ّْق َ‬
‫]المائدة‪ .[3:‬أما إن كان في بلد غير آمن فإن وضع المــال‬
‫لدى المرابين يكون من باب الضرورة فقط والخوف على‬
‫ضياعه‪ ،‬ومتى وجد طريقا ً غيــر ذلــك فــإنه ل عــذر لــه فــي‬
‫اليداع لديهم لنه بذلك يدعمهم بالمال ويعينهم على الربــا‬
‫وأكل أموال الناس بالباطل‪ .‬فاتقوا الله عباد الله وذروا ما‬
‫بقي من الربا إن كنتم مؤمنين‪.‬‬
‫================‬
‫‪#‬التحذير من الربا‬
‫موسوعة خطب المنبر ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(2217‬‬
‫التحذير من الربا‬

‫عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ‬


‫الرياض‬
‫‪4/11/1422‬‬
‫جامع المام تركي بن عبد الله‬
‫الخطبة الولى‬
‫أما بعد‪ :‬فيا أيها الناس‪ ،‬اتقوا الله تعالى حق التقوى‪.‬‬
‫عباد الله‪ ،‬إن الله جل وعل حكيم عليم فيما أمر به‪ ،‬وفيمـا‬
‫نهى عنه‪ ،‬وعلى المؤمن حقـا ً أن يعتقــد تحريــم مــا حرمــه‬
‫الله‪ ،‬ويــؤمن بــذلك‪ ،‬فكــل أمــر حرمــه اللــه فــي كتــابه‪ ،‬أو‬
‫ل ما‬ ‫حرمه رسوله في سنته‪ ،‬فالمؤمن حقا ً يؤمن بهذا‪ ،‬يح ّ‬
‫أحل الله‪ ،‬ويحّرم ما حرم الله‪ ،‬ويعتقد أن الدين ما شــرعه‬
‫الله ورسوله‪.‬‬
‫ت‬ ‫ل‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬أرأيــت إن حّرمـ ُ‬ ‫سأل رجل النبي قائ ً‬
‫الحرام‪ ،‬وحللت الحلل‪ ،‬أدخــل الجنــة؟ قــال‪)) :‬نعــم(()‪](1‬‬
‫‪.[1‬‬
‫وقد ذم الله من لم يلتزم بتحريم ما حرم الله‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ن‬‫مــو َ‬‫حرِ ُ‬ ‫خـرِ وَل َ ي ُ َ‬‫ن ِبالل ّهِ وَل َ ب ِــال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ل َ ي ُؤْ ِ‬‫ذي َ‬ ‫َقات ُِلوا ْ ال ّ ِ‬
‫ن ُأوُتوا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫م َ‬‫حق ّ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن ِدي َ‬ ‫ه وَل َ ي َ ِ‬
‫ديُنو َ‬ ‫سول ُ ُ‬‫ه وََر ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬‫ما َ‬ ‫َ‬
‫ن ]التوبــة‪:‬‬ ‫صـاِغُرو َ‬ ‫م َ‬ ‫هـ ْ‬ ‫عن ي َدٍ وَ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫جْزي َ َ‬‫طوا ْ ال ْ ِ‬ ‫حّتى ي ُعْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫م الّلــ ُ‬
‫ه‬ ‫حــّر َ‬ ‫مــا َ‬
‫ن َ‬ ‫مــو َ‬ ‫حرِ ُ‬ ‫‪ ،[29‬فاســمع قــوله تعــالى‪ :‬وَل َ ي ُ َ‬

‫‪402‬‬
‫ق‪ ،‬فــالمؤمن يحــرم مــا حــرم‬ ‫حـ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫ن ِدي َ‬‫ديُنو َ‬‫ه وَل َ ي َ ِ‬‫سول ُ ُ‬‫وََر ُ‬
‫الله ورسوله‪ ،‬ويعتقد ذلك إيمانًا‪.‬‬
‫أيهــا المســلم‪ ،‬إن مــا حــرم اللــه مــن المحرمــات فليــس‬
‫ق إلــى أن‬ ‫تحريمه خاصا ً بزمن معين‪ ،‬وإنما هذا التحريم بــا ٍ‬
‫يرث الله الرض ومن عليها‪ ،‬وهو خير الوارثين‪.‬‬
‫ول المحرمــات إلــى طاعــات وعبــادات‪،‬‬ ‫فل يمكــن أن تتحـ ّ‬
‫حّرمت بالمس فهي حــرام إلــى‬ ‫المحرمات محرمات‪ ،‬كما ُ‬
‫قيام الساعة‪.‬‬
‫حــرم اللــه نكــاح المهــات والبنــات والخــوات وبنــات الخ‬
‫وبنات الخت والعمات والخالت وأمهات النســاء وزوجــات‬
‫الباء والبناء‪ ،‬أُيمكن للمسلم أن يقول‪ :‬قد يأتي زمان يباح‬
‫للمســلم أن ينكــح أمــه أو بنتــه أو أختــه؟! حاشــا للــه‪،‬‬
‫ت إلى البــد‪ ،‬ول يمكــن أن يــأتي زمــن‬ ‫فالمحرمات محرما ٌ‬
‫ل‪ ،‬ذاك مخــالف لشــرع اللــه‪ ،‬فلــن‬ ‫يتحول الحــرام فيــه حل ً‬
‫يصلح آخر المة إل ما أصلح أولها‪.‬‬
‫أيها المسلم‪ ،‬فاعتقد تحريم ما حــرم اللــه اعتقــادا ً جازم ـًا؛‬
‫لتكون من المؤمنين بالله وبكتابه وبرسوله‪.‬‬
‫أيهــا المســلمون‪ ،‬إن مــن تلكــم المحرمــات المعــاملت‬
‫الربوية‪ ،‬فالمعاملت الربوية حرمها الله في كتابه‪ ،‬وحرمها‬
‫رسوله ‪ ،‬وتحريمهــا معلــوم مــن ديــن الســلم بالضــرورة‪،‬‬
‫فالمؤمن يعتقد أن الربا حــرام‪ ،‬أن التعامــل بالربــا حــرام‪،‬‬
‫يعتقده إيمانا ً جازمًا‪ ،‬ويبتعد عنه طاعة للــه ورســوله‪ ،‬فــإن‬
‫َ‬
‫ه‬‫من ُــوا ْ ات ُّقــوا ْ الل ّـ َ‬‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫البعد عنه عنوان اليمــان‪ ،‬ياأي ّهَــا ال ّـ ِ‬
‫ن ]البقـرة‪،[278:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مـؤْ ِ‬‫م ّ‬ ‫ن الّرَبواا ْ ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫م َ‬‫ى ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫وَذ َُروا ْ َ‬
‫فاليمـــان الصـــحيح يحـــول بيـــن المـــرء المســـلم وبيـــن‬
‫المعــاملت الربويــة‪ ،‬اليمــان الصــحيح يحــول بيــن المــرء‬
‫المسلم وبين التعامل بالربــا؛ لن الربــا محــرم فــي شــرع‬
‫حرمته في الشــرائع الســابقة‪ ،‬فلــم تــأت شــريعة‬ ‫الله‪ ،‬بل ُ‬
‫َ‬
‫م الّرب َــا وَقَـد ْ‬ ‫خـذِهِ ُ‬ ‫بحل الربا‪ ،‬ولذا ذم الله اليهود بقــوله‪ :‬وَأ ْ‬
‫ه ]النساء‪.[161:‬‬ ‫ن ُُهوا ْ عَن ْ ُ‬
‫أيها المسلم‪ ،‬إن الله حرم الربا في كتابه العزيــز‪ ،‬وحرمــه‬
‫رســوله محمــد ‪ ،‬فمــن اعتقــد حلــه وقــد ســمع اليــات‬
‫والحاديث‪ ،‬من اعتقد حلــه فــإنه مفــارق للســلم‪ ،‬وخــارج‬

‫‪403‬‬
‫من ملة السلم؛ لكونه مكذبا ً لله ورسوله‪ ،‬رادا ً على اللــه‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫أيهــا المســلمون‪ ،‬إن اللــه حــرم الربــا لمــا فيــه مــن البلء‬
‫َ‬
‫م لَ‬ ‫مــوال ِك ُ ْ‬‫سأ ْ‬ ‫م ُرءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫والفساد‪ ،‬قال تعــالى‪ :‬وَِإن ُتبت ُـ ْ‬
‫ن ]البقــرة‪ ،[279:‬فســمى اللــه الربــا‬ ‫مــو َ‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مــو َ‬ ‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫ظلمًا‪ ،‬نعم‪ ،‬إنه ظلم بكل ما تحمله الكلمة من معنــى‪ ،‬إنــه‬
‫ظلم لمن تعامله فتأخذ منــه أكــثر ممــا تعطيــه‪ ،‬إنــه ظلــم‬
‫للنسانية‪ ،‬ظلم للبشر‪ .‬وأي ظلم أعظم من ظلــم الربــا؟!‬
‫إنه يقسي القلب‪ ،‬إنه يقطع أسباب الخير وفعل الخير‪ ،‬إنه‬
‫ه ال ّْرب َــواا ْ‬‫حـقُ الّلـ ُ‬ ‫م َ‬‫يسبب محق البركــة‪ ،‬وذهــاب الــرزق‪ ،‬ي َ ْ‬
‫]البقرة‪ ،[276:‬إنه ينشر الجريمة‪ ،‬ويكّثر البطالــة‪ ،‬ويجعــل‬
‫النانيــة فــي قلــوب العبــاد‪ ،‬إنــه ليــس ]بيعـًا[ ولكنــه ظلــم‬
‫وعدوان‪ ،‬تتكون طبقة غنية إلى آخر الحدود‪ ،‬وطبقة فقيرة‬
‫مدقعه‪ ،‬إن هذا الربا والتعامل به ســبب لحلــول العقوبــات‬
‫والمثلت‪ ،‬سبب لسخط الرب جــل وعل‪ ،‬وســبب لحصــول‬
‫الكساد والفلس والعياذ بالله‪ .‬إن الله جل وعل حرمه لما‬
‫يعلم جل وعل فيــه مــن الفســاد العظيــم‪ ،‬ومــا توعــد اللــه‬
‫كبيرة ً بعد الشرك ما توعد به آكل الربا‪ ،‬فإنه قـال فيـه مـا‬
‫ْ‬
‫ه‬
‫ســول ِ ِ‬ ‫ن الل ّـهِ وََر ُ‬ ‫َ‬ ‫مـ‬ ‫ب ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ح ـْر‬‫م ت َْفعَل ُــوا ْ فَ ـأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫قــال‪ :‬فَ ـِإن ل ّـ ْ‬
‫مُنـوا ْ ل َ ت َـأ ْك ُُلوا ْ الّرَبـا‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫]البقرة‪ ،[279:‬وقــال‪َ :‬ياأي ّهَــا اّلـ ِ‬
‫ن َوات ُّقــوا ْ الن ّــاَر‬ ‫َ‬
‫حــو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬‫ه ل َعَل ّك ُـ ْ‬‫ة َوات ُّقوا ْ الل ّـ َ‬ ‫ضاعََف ً‬ ‫م َ‬ ‫ضَعافا ً ّ‬ ‫أ ْ‬
‫ل ل َعَل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ِّتــى أ ُ ِ‬
‫م‬ ‫كــ ْ‬ ‫ســو َ‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫طيُعــوا ْ الّلــ َ‬ ‫ن وَأ ِ‬ ‫ري َ‬‫كــافِ ِ‬ ‫ت ل ِل ْ َ‬ ‫عــد ّ ْ‬
‫ن ]آل عمران‪.[132-130:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫أيها المسلمون‪ ،‬ليس الربا عملية اقتصادية؛ ولكنها عمليــة‬
‫ظلم وامتصاص للموال‪ ،‬وأكل لها بالباطــل‪ ،‬وقضــاء علــى‬
‫معنويات الناس‪ ،‬وتحطيم لقيمهم ومعنوياتهم‪ ،‬وجعل المة‬
‫ل‪ُ ،‬تبعــدهم عــن المكاســب النافعــة‪،‬‬ ‫تعيــش كســل ً وخمــو ً‬
‫والمشاركات الناجحة‪ ،‬والمضاربات المفيدة‪ ،‬إلى أن تجعل‬
‫تلك المعاملت إنما هي ربح على الناس بغير حق‪.‬‬
‫أيها المسلم‪ ،‬مالك ماُلك‪ ،‬وقد خولك الله مال ومّلكك إياه‪،‬‬
‫خر هذا المال في سبيل ظلم‬ ‫ولكنه جل وعل ينهاك أن تس ّ‬
‫البشرية‪ ،‬وإنما يرشدك إلى أن يكون هذا المال مال ً نافعًا‪،‬‬
‫ينفعك وينفع غيرك‪.‬‬

‫‪404‬‬
‫من ُــوا ْ ات ُّقــوا ْ‬ ‫َ‬
‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أيها المسلمون‪ ،‬إن الله يقول‪ :‬ياأي ّهَــا ال ّـ ِ‬
‫م‬ ‫ن فَـِإن ل ّـ ْ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ّ‬‫كنت ُـ ْ‬ ‫ن الّرب َــواا ْ ِإن ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫ى ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ْ‬
‫م‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬‫ســول ِهِ وَِإن ُتبت ُـ ْ‬ ‫ن الل ّـهِ وََر ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫ت َْفعَل ُــوا ْ فَـأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬
‫َ‬
‫ن ]البقــرة‪،278:‬‬ ‫مــو َ‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مــو َ‬ ‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫مــوال ِك ُ ْ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ُرءو ُ‬
‫َ‬
‫ى‬
‫مـا ب َِقـ َ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الّلـ َ‬ ‫ن ءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ ،[279‬وقال‪ :‬ياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‪ ،‬وأخــبر أن الربــا ممحــوق‬ ‫مِني َ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ن الّرب َــواا ْ ِإن ُ‬
‫كنت ُـ ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫حـ ّ‬‫ه ل َ يُ ِ‬‫ت َوالل ّـ ُ‬ ‫صـد ََقا ِ‬ ‫ه ال ّْرَبواا ْ وَي ُْرِبى ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫البركة‪ :‬ي َ ْ‬
‫ل ك َّفارٍ أِثيم ٍ ]البقرة‪ ،[276:‬ورسول الله يلعن آكل الربا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ويلعن موكل الربا‪ ،‬ويلعــن كــاتب الربــا‪ ،‬ويلعــن الشــاهدين‬
‫على عقود الربا‪ ،‬كل أولئك ملعونون على لســان محمــد )‬
‫‪.[2](2‬‬
‫أيها المسلم‪ ،‬إن دعاة الربا والمتعامل بالربا يــبررون قبيــح‬
‫أعمالهم وظلمهم وجورهم بأن الربا إنما يحرم في المــور‬
‫الستهلكية‪ ،‬وأما المور النتاجيــة فل مــانع مــن ذلــك‪ ،‬كــل‬
‫هذا من الخطأ‪ ،‬فالربا محرم قليله وكثيره‪ ،‬مع المســلم أو‬
‫مع غير المسلم‪ ،‬لنه ظلم واقتطاع مال بغيــر حـق‪ ،‬سـواء‬
‫كان في المور الســتهلكية أو فــي المــور النتاجيــة‪ ،‬كــل‬
‫ذلك حرام في شريعة الله‪.‬‬
‫يبّرر المرابون أعمالهم بأن التراضي بين المتعاملين يسوغ‬
‫تلك المعاملة الخبيثــة‪ ،‬فنقــول‪ :‬أيهــا المســلم‪ ،‬وإن حصــل‬
‫التراضي فذاك معصية لله‪ ،‬ومحـادة لمـر اللـه‪ ،‬فـإن اللـه‬
‫جل وعل حرم الربا بين المسلمين ولو تراضى المتعاملن‪،‬‬
‫ل ما حرم الله‪.‬‬ ‫فإن الربا حرام وليس رضاهما بمح ّ‬
‫أيها المسلم‪ ،‬إن الربا ليــس بيع ـًا‪ ،‬وقــد رد ّ اللــه علــى مــن‬
‫جعله مـن الـبيع فقـال‪ :‬ذ َلـ َ َ‬
‫ل‬ ‫مْثـ ُ‬‫مـا ال ْب َْيـعُ ِ‬ ‫م َقـاُلوا ْ إ ِن ّ َ‬ ‫ك ِبـأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫م الّرَبواا ْ ]البقرة‪.[275:‬‬ ‫َ‬
‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫الّرَبواا ْ وَأ َ‬
‫أيها المسلم‪ ،‬ل يغرنك ما تقوله المصــارف والبنــوك بــأنهم‬
‫يقدمون لك ســيولة لتقضــي حاجتــك‪ ،‬إنهــم يقــدمونها لــك‬
‫ولكنهــا بــالفوائد‪ ،‬ول تــزال فــائدة تلــو فــائدة حــتى تكــون‬
‫ن تحت وطأتها بعــد حيــن‪ ،‬ترضــى‬ ‫الفوائد فوائد مركزة‪ ،‬تئ ّ‬
‫بها يوما ً ويومًا‪ ،‬ثم تتابع عليك الفوائد حتى تقضي على كل‬
‫ثرواتك وكل ممتلكاتك‪.‬‬

‫‪405‬‬
‫ص ســانحة‪ ،‬ل‬ ‫أيهــا المســلم‪ ،‬ل يخــدعنك قــولهم‪ :‬إنهــا فــر ٌ‬
‫ورّبي‪ ،‬إنها شقاء وعناء‪ ،‬إنها ظلم لذلك النسان الذي يأتي‬
‫وينخدع بهذه التسهيلت‪ ،‬ويظنهــا أمـرا ً يســيرًا‪ ،‬ولكــن فـي‬
‫العواقب يستبين له الضرر‪ ،‬ويستبين له الخطر‪ ،‬ويعلم أنــه‬
‫قد ألحق الذى بنفسه‪.‬‬
‫ب علــى المســلم‬ ‫أيها المسلم‪ ،‬إن الربــا بكــل صــوره واج ـ ٌ‬
‫تقوى الله والبعد عنه‪ ،‬نبينا حرم الربا في سنته فقــال فــي‬
‫حجة الوداع‪)) :‬أل كل ربا من ربا الجاهلية فموضــوع تحــت‬
‫قــدمي‪ ،‬وأول ربــا أضــع مــن ربانــا ربــا عبــاس بــن عبــد‬
‫المطلب(()‪ [3](3‬وكان العباس رضــي اللــه عنــه قبــل أن‬
‫يســلم كســائر ]أهــل[ الجاهليــة عنــدهم ربــا القــرض‪ ،‬إذا‬
‫أقرضوا الفقير قرضا ً طالبوه بأن يكــون هنــاك زيــادة عنــد‬
‫الوفاء‪ ،‬وكــذلك إذا حل ّــت آجــال الــديون قــالوا لــه‪ :‬إمــا أن‬
‫تقضي وإما أن ت ُْرب ِــي‪ ،‬إمــا تعطــي الحــق فــي وقتــه‪ ،‬وإمــا‬
‫يضيف عليه فوائد مقابل التأخير‪ .‬هذا الربا الذي كــان فــي‬
‫الجاهلية‪ ،‬فجاءت آيات القرآن تحرمه‪ ،‬وتمنع منــه‪ ،‬وتحــذر‬
‫المة من شره‪ ،‬وأنه بلء وظلم للعباد‪.‬‬
‫وجاءت السنة تحرم ربا الفضل بيــن النــوعين‪ ،‬بيــن نــوعي‬
‫الذهب‪ ،‬أنه ل يباع الذهب بالذهب‪ ،‬إل مثل ً بمثــل‪ ،‬يــدا ً بيــد‪،‬‬
‫سواء بسواء‪ ،‬ول تباع الفضة إل مثل ً بمثل‪ ،‬يدا ً بيــد‪ ،‬ســواء‬
‫بسواء‪ ،‬ول يباع البر والشعير والتمر والملح إل مثل ً بمثــل‪،‬‬
‫سواء بسواء‪ ،‬يدا ً بيد‪ ،‬ولو كــان أحــدهما أجــود َ مــن الخــر‪،‬‬
‫سدا ً لباب ربا النسيئة‪.‬‬
‫إن السلم حرم الربا‪ ،‬وحرم على المسلمين التعامــل بــه‪،‬‬
‫فليتق المسلم ربه‪.‬‬
‫م ضــرره‪ ،‬وكــثر‬ ‫م شــره‪ ،‬وعـ ّ‬ ‫أيها المسلم‪ ،‬ل تقل‪ :‬الربا عـ ّ‬
‫خطره‪ ،‬فأنا أسير مع الناس في مسارهم‪ ،‬ل يا أخي‪ ،‬أنقــذ‬
‫نفسك من عذاب الله‪ ،‬ول يغرنك من هلــك مــع الهــالكين‪،‬‬
‫أنقذ نفسك من عذاب الله‪ ،‬واحــذر التعامــل بالربــا‪ ،‬واللــه‬
‫جل وعل إذ حرم الربا فــإنه ليــس ضــروريا ً للعبــاد‪ ،‬فهنــاك‬
‫المكاسب الطيبــة الحميــدة الــتي فيهــا الخيــر الكــثير‪ ،‬بمــا‬
‫يغنــي عــن الربــا لــو عقــل المســلمون ذلــك‪ ،‬لــو فكــر‬
‫المسلمون في التعاون فيما بينهم‪ ،‬تعاون رأس المـال مــع‬

‫‪406‬‬
‫الخــبرات‪ ،‬لدى ذلــك إلــى منــافع وخيــرات كــثيرة‪ ،‬ولكــن‬
‫النانية سيطرت على كثير مــن النفــوس‪ ،‬فــأراد مــال فــي‬
‫البنك‪ُ ،‬يعطى عنه كل سنة نســبة معينــة‪ ،‬ويعـد ّ نفســه أنــه‬
‫من المرتاحين‪ ،‬وأنه من الغانمين‪ ،‬ول يعلم أنه ممن حّقت‬
‫عليه لعنة الله‪.‬‬
‫أيها المسلم‪ ،‬فاتق الله في نفسك‪ ،‬وخلص معاملتــك مــن‬
‫الربا‪ ،‬وابتعد عنه بكل صورة‪ ،‬فإن ابتعدت عنــه طاعــة للــه‬
‫أغناك الله بما هو خير لك منه‪ ،‬وفتح الله عليك ما هو خير‬
‫لك منه‪ ،‬فاتق الله أيها المسلم‪ ،‬وابتعد عن التعامل بالربــا‪،‬‬
‫واحذر كل الحذر الربا‪ ،‬وما يقرب إليه‪ ،‬ذلك علمة اليمان‪.‬‬
‫ومن وقع في الربا فليعلم أنه حــارب اللــه ورســوله‪ ،‬قــال‬
‫جّرب علــى أكلـة الربــا أنهــم ل ُيختــم لهــم‬ ‫بعض السلف‪ُ " :‬‬
‫بخير والعيــاذ بــالله"‪ ،‬أنــه ل يختــم لهــم بخيــر‪ ،‬وأنهــم عنــد‬
‫موتهم يظهر من ندمهم وسوء حالهم ما الله به عليم‪.‬‬
‫فلنتق الله في مكاسبنا‪ ،‬ولنطهّــر أموالنــا مــن الربــا‪ ،‬فــإن‬
‫المسلم يجب أن يحاسب نفســه‪ ،‬وأن ينقــذها مــن عــذاب‬
‫الله‪.‬‬
‫اسأل الله أن يطهر مكاسبنا من كــل خــبيث‪ ،‬وأن يحفظنــا‬
‫بالسلم‪ ،‬ويعيذنا من تلك المعاملت الخبيثة‪ ،‬إنه على كــل‬
‫شيء قدير‪.‬‬
‫بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم‪ ،‬ونفعني وإياكم بما‬
‫فيه من اليات والذكر الحكيم‪ ،‬أقول قــولي هــذا وأســتغفر‬
‫الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المســلمين مــن كــل‬
‫ذنب‪ ،‬فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫‪-------------------------‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد لله حمــدا ً كــثيرا ً طيبـا ً مباركـا ً فيـه‪ ،‬كمـا يحــب ربنــا‬
‫ويرضــى‪ ،‬وأشــهد أن ل إلــه إل اللــه وحــده ل شــريك لــه‪،‬‬
‫وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله‬
‫وصحبه‪ ،‬وسلم تسليما ً كثيرا ً إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬أيها الناس‪ ،‬اتقوا الله تعالى حق التقوى‪.‬‬
‫عباد الله‪ ،‬إن نبينا جعل الربا أحد السبع الموبقــات‪ ،‬فقــال‪:‬‬
‫))اجتنبوا السبع الموبقات(( قالوا‪ :‬ما هن يا رســول اللــه؟‬

‫‪407‬‬
‫قال‪)) :‬الشراك بالله‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل النفــس الــتي حــرم‬
‫الله إل بالحق‪ ،‬وأكل الربا(()‪ [1](4‬فجعــل أكــل الربــا أحــد‬
‫السبع الموبقات المهلكات‪.‬‬
‫صــر فــي تجارتــك‪،‬‬ ‫صــر فــي مالــك‪ ،‬تب ّ‬ ‫فيا أخي المســلم‪ ،‬تب ّ‬
‫صر في مصالحك‪ ،‬فإياك أن تقدم علــى الربــا‪ ،‬وإيــاك أن‬ ‫تب ّ‬
‫تغتر بالمرابين‪ ،‬وإياك أن يخــدعك المرابــون‪ .‬إن الربــا بلء‬
‫عظيم‪ ،‬وإن زعم أهله أنهم يحسنون‪ ،‬فهم يسيئون للناس‪.‬‬
‫أيها المسلم‪ ،‬احذر الربا‪ ،‬وابتعد عنه‪ ،‬سواء في العتمادات‬
‫أو غيرها‪ ،‬ل تفتح اعتمادا ً إل على قدر ما تســتطيع وتملــك‪،‬‬
‫وإياك أن يخدعك المصرف فيعطيك ما تريد بأسباب الربا‪،‬‬
‫اتق الله وابتعد عن الربا‪ ،‬وارض بما قسم الله لك‪ُ ،‬قــل ل ّ‬
‫ك ك َْثــَرةُ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ث‬‫خِبيــ ِ‬ ‫ب وََلــوْ أعْ َ‬
‫جَبــ َ‬ ‫ث َوالط ّّيــ ُ‬ ‫وى ال ْ َ‬
‫خِبيــ ُ‬ ‫ســت َ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫]المائدة‪ ،[100:‬ل يغرنك تسهيلتهم‪ ،‬فهم والله لم يسهلوا‬
‫لك محبة لك‪ ،‬وإنما يريدون اقتناصك‪ ،‬فاليوم تكون المــور‬
‫سهلة‪ ،‬وغدا ً تجتمع عليك الــديون‪ ،‬وتــتراكم عليــك الــديون‬
‫الكثيرة‪ ،‬فل تستطيع وفاءهــا‪ ،‬فتعــود مفلسـا ً فقيــرا ً بعــدما‬
‫كنــت غنيـًا‪ ،‬فــاتق اللــه فإنهــا معاملــة حّرمهــا اللــه عليــك‪،‬‬
‫وحرمها عليك رسولك ‪ ،‬فابتعد عنها طاعة لله‪ ،‬ابتعد عنهــا‬
‫طاعة لله وخوفا ً من عقوبة الله‪ ،‬هكذا يكون المؤمن‪.‬‬
‫أسأل الله أن يثبت الجميع على دينه‪.‬‬
‫واعلموا ـ رحمكم اللــه ــ أن أحســن الحــديث كتــاب اللــه‪،‬‬
‫وخير الهدي هدي محمد ‪...‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬أخرجه مسلم في اليمان )‪ (15‬من حديث جابر رضي‬
‫الله عنهما‪.‬‬
‫)‪ (2‬حديث لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه آخرجــه‬
‫مسلم في المساقاة )‪ (1598‬من حديث جابر رضــي اللــه‬
‫عنهما‪.‬‬
‫)‪ (3‬جزء من حديث جابر الطويل في حجة النبي ‪ ،‬أخرجــه‬
‫مسلم في الحج )‪.(1218‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه البخــاري فــي الوصــايا )‪ ،(2767‬ومســلم فــي‬
‫اليمان )‪ (89‬من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‪.‬‬
‫==============‬

‫‪408‬‬
‫‪ #‬أكل الربا‬
‫موسوعة خطب المنبر ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(3858‬‬
‫أكل الربا‬
‫عبد العزيز بن الطاهر بن غيث‬
‫طرابلس‬
‫‪7/5/1425‬‬
‫بلل بن رباح‬
‫الخطبة الولى‬
‫أما بعد‪ :‬نتكلم اليوم ـ بــإذن اللــه ــ عــن كــبيرة مــن كبــائر‬
‫الذنوب والمعاصي‪ ،‬حرمها ديننا الحنيف تحريما قاطعا لمــا‬
‫فيها من مخالفة لشرع الله وضــرر وظلــم للنــاس‪ ،‬وتوعــد‬
‫الله ورسوله مرتكب هذه الكبيرة بوعيد عظيم‪.‬‬
‫نتكلم عن معصية أكل الربــا والتعامــل بــه‪ ،‬فــالله ســبحانه‬
‫أحل للمسلم أن يسعى فــي طلــب المــال مــن حلــه‪ ،‬وأن‬
‫يتاجر بالحلل ليكسب المــوال‪ ،‬ولــم يحــل لــه أن يســتغل‬
‫حاجــة المحتــاجين ليضــاعف أمــواله أو أن يقــترض بالربــا‪،‬‬
‫َ‬
‫م الّرَبا ]البقرة‪.[275:‬‬ ‫حّر َ‬‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬‫ل الل ّ ُ‬‫ح ّ‬ ‫يقول سبحانه‪ :‬وَأ َ‬
‫شيء إذا زاد‪،‬‬ ‫والصل في معنى الربا‪ :‬الّزيادة‪ ،‬يقال‪ :‬ربا ال ّ‬
‫ه ال ّْرَبا وَي ُْرِبــي‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬‫ومن ذلك قول الّله تبارك وتعالى‪ :‬ي َ ْ‬
‫ت ]البقرة‪ ،[276:‬أي‪ :‬ينميها ويزيدها‪.‬‬ ‫صد ََقا ِ‬
‫ال ّ‬
‫وهذا الربا ـ إخوة اليمان ـ قبيح ومذموم ومحرم فــي كــل‬
‫ة‬
‫ل في شــريع ٍ‬ ‫ن الّربا لم يح ّ‬ ‫الشرائع‪ ،‬قال بعض العلماء‪" :‬إ ّ‬
‫ه ]النســاء‪:‬‬ ‫م الّرب َــا وَقَـد ْ ن ُهُــوا ْ عَن ْـ ُ‬ ‫خـذِهِ ُ‬ ‫ط لقوله تعالى‪ :‬وَأ َ ْ‬ ‫ق ّ‬
‫ســابقة"‪ .‬ولكــن أهــل الكتــاب‬ ‫‪ ،[161‬يعني‪ :‬فــي الكتــب ال ّ‬
‫حرفوا كتبهم وغيـروا فيهــا‪ ،‬فصــار اليهـود يحلـون التعامــل‬
‫بالربــا مــع غيــر اليهــود ليمتصــوا ثرواتهــم ويســتولوا علــى‬
‫أملكهم‪ ،‬ثم توسعوا فيه حتى صاروا ل يتعاملون إل به‪ ،‬ثم‬
‫أفلحوا في أن يعمموه على كل العالم‪ ،‬فصــار العــالم كلــه‬
‫يتعامل بالربا لتصب فوائده فــي النهايـة فــي جيــب اليهــود‬
‫في أكثر الحيان‪.‬‬
‫وقد عرف عرب الجاهلية الربا وكانوا يتعاملون بــه‪ ،‬وكــان‬
‫إذا استدان بعضهم من بعــض وحــان وقــت الســداد يقــول‬
‫الدائن للمدين‪" :‬تقضي أم ُتربي"‪ ،‬أي‪ :‬إن كان لــديك مــال‬

‫‪409‬‬
‫تقضي دينك وإل أزيــدك فــي المــدة وتزيــدني فــي المــال‪،‬‬
‫ولكن العرب مع تعاملهم بهذا الربا إل أنهم كــانوا يعرفــون‬
‫خبثه وأنه كسب حرام‪ ،‬فكانوا ل يضعون أمــوال الربــا فــي‬
‫المور المقدسة لديهم‪ ،‬يروى عن ابن وهب بن عمــرو بــن‬
‫عــائذ وهــو خــال عبــد اللــه والــد النــبي وكــان شــريفا مــن‬
‫رجالت العرب في الجاهلية‪ ،‬يروى عنه أنــه قــال مخاطبــا‬
‫قريش عند إعادة بناء الكعبة‪" :‬يا معشر قريش‪ ،‬ل تــدخلوا‬
‫في بنيانها من كسبكم إل طيبا‪ ،‬ل يدخل فيها مهر بغي‪ ،‬ول‬
‫بيع ربا‪ ،‬ول مظلمة أحد من الناس"‪ ،‬وهذا أكبر دليــل علــى‬
‫خبث الربا وخسته واتفاق الناس حتى فــي الجاهليــة علــى‬
‫ذمه‪.‬‬
‫ثــم جــاء شــرعنا المطهــر وشــريعتنا الســلمية الســمحة‬
‫فحذرت من هذا الذنب العظيم وهــذه المعاملــة الممقوتــة‬
‫التي ُتستغل فيها حاجة المحتاج لُيسلب منه ماله أو متاعه‬
‫ويؤول إلى جيب المرابي‪ ،‬جاء الســلم والنــاس يتعــاملون‬
‫من ُــوا ْ ل َ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫بالربا فحرمه عليهم‪ ،‬يقول سبحانه‪َ :‬يا أي َّها ال ّـ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ]آل‬ ‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬‫ة َوات ُّقوا ْ الل ّ َ‬
‫ضاعََف ً‬
‫م َ‬ ‫ت َأك ُُلوا ْ الّرَبا أ ْ‬
‫ضَعاًفا ّ‬
‫عمــران‪ ،[130:‬هــذا تحــذير مــن أن يمل المســلم بطنــه‬
‫بكسب الربا‪ ،‬تحذير من أن ينبت لحم المسلم من ســحت‬
‫الربا وفوائده؛ لنه بذلك ل ُينعم جسمه بل يضره ويعرضــه‬
‫إلى عذاب الله وعقابه‪ ،‬نعم يعرضــه إلــى عــذاب اللــه لن‬
‫رسول الله يقول‪)) :‬ل يربو لحم نبت من ســحت إل كــانت‬
‫النار أولى به(( أخرجه الترمذي عن كعب بن عجرة‪.‬‬
‫إذا نبت لحم النسان من سحت الحرام ومن سحت الربــا‬
‫ومن سحت السرقة وغيرها فإنه يهيئ هذا الجسم لعــذاب‬
‫النار‪ ،‬يهيئه ليصلى نارا حامية‪ ،‬فما أخبث هذا الدرهم الذي‬
‫يتمتع به النسان في هذه الــدنيا الفانيــة ثــم يعقبــه عــذاب‬
‫متواصل ل يطاق‪.‬‬
‫إننا ـ عباد الله ـ إذا أردنا أن نتخذ وقاية من النار وإذا أردنا‬
‫أن نجعل سترا بيننا وبين النار فعلينا أن نبتعد عــن الحــرام‬
‫وأن نتخذ من الحلل رزقا وكسبا‪ ،‬يقول في الحديث الــذي‬
‫أخرجه ابن حبان عن النعمــان بــن بشــير‪)) :‬اجعلــوا بينكــم‬

‫‪410‬‬
‫وبين الحرام ســترا مــن الحلل((‪ ،‬أي‪ :‬اســتعينوا بمــا أحــل‬
‫الله من رزق وكسب كي ل تقعوا فيما حرم الله‪.‬‬
‫والربا من أهم المحرمات في الكســب‪ ،‬بــل إن اللــه أنــذر‬
‫القــائمين علــى الربــا والمتعــاملين بــه بحــرب مــن اللــه‬
‫ورسوله‪ ،‬وهو ما لم ينذر به أي عاص بمعصية أخــرى غيــر‬
‫الربا‪ ،‬وهذا ينبيك بفداحة هــذه المعصــية‪ ،‬يقــول تعــالى‪ :‬ي َــا‬
‫َ‬
‫كنُتــم‬ ‫ن الّرَبا ِإن ُ‬ ‫م َ‬‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬
‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫ْ‬
‫ه‬
‫سـول ِ ِ‬ ‫ن الّلـهِ وََر ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ّ‬ ‫م ت َْفعَُلـوا ْ َفـأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬
‫حـْر ٍ‬ ‫ن فَِإن ّلـ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ّ‬
‫]البقرة‪ ،[279 ،278:‬قال قتادة كما في تفسير ابن كثير‪:‬‬
‫جــا ـ ـ أي‪:‬‬ ‫"أوعدهم الّله بالقتل كما يسمعون‪ ،‬وجعلهــم بهر ً‬
‫دماؤهم مهدورة ـ أين ما أتوا‪ ،‬فإياكم ومخالطة هذه البيوع‬
‫من الربا‪ ،‬فإن الله قد أوســع الحلل وأطــابه‪ ،‬فل يلجئنكــم‬
‫إلى معصيته فاقة" رواه ابن أبــي حــاتم‪ .‬وقيــل‪ :‬إن معنــى‬
‫الية‪ :‬إن لم تنتهوا فأنتم حرب لله ولرسوله أي أعداء للــه‬
‫ورسوله‪ ،‬وروى ابــن عبــاس أنــه يقــال يــوم القيامــة لكــل‬
‫الربا‪ :‬خذ سلحك للحرب‪.‬‬
‫هذا هو التحذير العظيم لكل الربا‪ ،‬فما الذي يدعو المسلم‬
‫لرتكاب هذا الذنب؟! وكيف تهــون عليــه نفســه فيعرضــها‬
‫إلى حــرب مــن اللــه ورســوله‪ ،‬حــرب مــن رب الســموات‬
‫والرض‪ ،‬مــن خضــعت لــه المخلوقــات جميعــا‪ ،‬مــن ســبح‬
‫الرعد بحمده والملئكــة مــن خيفتــه‪ ،‬وحــرب مــن رســوله‬
‫الذي أرسله رحمة للعالمين؟! هل عاقل من يعرض نفسه‬
‫إلى هــذا الخطــر؟! وهــل حكيــم مــن يــدخل هــذه الحــرب‬
‫المعلومة النتيجة؟!‬
‫ولعــل مــن أهــم الــدوافع إلــى الربــا قلــة إيمــان النســان‬
‫بموعود اللــه فــي الــرزق‪ ،‬فلــو كــان النســان مؤمنــا حقــا‬
‫وموقنا بأنه لن ُيحرم رزقا كتبه الله له فلن يلجأ أبــدا إلــى‬
‫دخــول بــاب حــرم اللــه دخــوله‪ ،‬ولكــن الثقــة فــي الــرزق‬
‫مهزوزة‪ ،‬والعتماد على الرزاق ضعيف‪ ،‬لهذا يلجأ النســان‬
‫إلى كل البواب ول يلجــأ إلــى بــاب العزيــز الوهــاب الــذي‬
‫ماء‬ ‫سـ َ‬ ‫كتب الرزاق لعباده وحددها‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬وَفِــي ال ّ‬
‫ه لَ َ‬ ‫ب السماء واْل َ‬
‫مث ْـ َ‬
‫ل‬ ‫ح ـق ّ ّ‬ ‫ض إ ِن ّ ُ‬‫ِ‬ ‫ر‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ن فَوََر ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُتوعَ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫رِْزقُك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن ]الذاريات‪،22:‬ـ ‪ ،[23‬كما أن النســان إذا‬ ‫م َتنط ُِقو َ‬ ‫ما أن ّك ُ ْ‬ ‫َ‬

‫‪411‬‬
‫ابتعد عن دين الله وركن إلى الدنيا وشغف بمتاعها وزينتها‬
‫فــإنه ل يبــالي مــن أي مكــان جلــب المــال وكســبه‪ ،‬وهــذا‬
‫يجعله يقــع فــي المحظــور‪ ،‬يقــول ‪)) :‬ليــأتين علــى النــاس‬
‫زمان ل يبــالي المــرء ممــا أخــذ المــال أمــن حلل أم مــن‬
‫حرام(( أخرجه البخاري عــن أبــي هريــرة‪ .‬ولكــن المســلم‬
‫الحق والمسلم الصادق ل يمكــن أن يستســهل أمــرا لعــن‬
‫الله فاعله وأنذره وبالغ في ذمه لن اللعنة تعنــي الغضــب‬
‫وتعني العــذاب‪ ،‬فالمتعامــل بالربــا كمــا يخــبر رســول اللـه‬
‫معــرض للعنــة اللــه رب العــالمين ســواء كــان مقرضــا أو‬
‫مقترضا وهذا ليس بالمر الهين‪ ،‬أخــرج المــام أحمــد عــن‬
‫ابن مسعود أن رســول اللــه قــال‪)) :‬لعــن اللــه آكــل الربــا‬
‫وموكله وشاهده وكاتبه((‪ .‬فاللعنـة ليسـت علـى المقــرض‬
‫بالربا وحده‪ ،‬بل هي على الطرفين‪ ،‬بل إنهــا تشــمل حــتى‬
‫من يكتبه ومن يشهد عليه‪ ،‬كل هــؤلء تلحقهــم لعنــة الربــا‬
‫والعياذ بالله‪.‬‬
‫وآكل الربا ـ إخوة اليمان ـ يعذب على هذه المعصية عذابا‬
‫شديدا‪ ،‬وصف رسول الله شيئا من هذا العذاب في حديث‬
‫الرؤيا التي رآها‪ ،‬والذي أخرجه البخاري عن سمرة‪ ،‬يقــول‬
‫في هذا الحديث‪)) :‬رأيت الليلــة رجليــن أتيــاني فأخرجــاني‬
‫إلى أرض مقدسة‪ ،‬فانطلقنا حــتى أتينــا علــى نهــر مــن دم‬
‫فيه رجل قائم وعلى شط النهــر رجــل بيــن يــديه حجــارة‪،‬‬
‫فأقبل الرجــل الــذي فــي النهــر فــإذا أراد أن يخــرج رمــى‬
‫الرجل بحجر في فيه فـرده حيـث كـان‪ ،‬فجعـل كلمـا جـاء‬
‫ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هــذا‬
‫الذي رأيته فـي النهـر؟ قـال‪ :‬آكـل الربـا((‪ ،‬كمـا بيـن اللـه‬
‫ســبحانه أن آكــل الربــا يقــوم يــوم القيامــة مــن قــبره‬
‫كالمجنون جزاء ما أكل من أموال محرمة‪ ،‬يقول ســبحانه‪:‬‬
‫ْ‬
‫خب ّط ُـ ُ‬
‫ه‬ ‫م ال ّـ ِ‬
‫ذي ي َت َ َ‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬
‫ما ي َُقــو ُ‬ ‫ن الّرَبا ل َ ي َُقو ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬
‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫س ]البقرة‪ ،[275:‬قال ابن كثير‪" :‬أي‪ :‬ل‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬
‫ال ّ‬
‫يقومون من قبورهم يوم القيامــة إل كمــا يقــوم المصــروع‬
‫حال صرعه وتخبط الشــيطان لــه؛ وذلــك أنــه يقــوم قيامــا‬
‫منكرا"‪ ،‬وقال ابن عباس‪) :‬آكل الربا يبعث مجنونا يخنــق(‪،‬‬

‫‪412‬‬
‫هذه هي فداحة‪ ،‬هذه المعصــية العظيمــة‪ ،‬وهــذا مــا تجنيــه‬
‫على صاحبها من عقوبات مادية ومعنوية‪.‬‬
‫ســا مــن‬ ‫ي‪ :‬ذكر الل ّــه تعــالى لكــل الّربــا خم ً‬ ‫سرخس ّ‬ ‫قال ال ّ‬
‫العقوبات‪:‬‬
‫ْ‬
‫ن الّرب َــا ل َ‬ ‫ن ي َـأك ُُلو َ‬ ‫إحداها‪ :‬الّتخّبط‪ ،‬قـال الّلـه تعـالى‪ :‬ال ّـ ِ‬
‫ذي َ‬
‫س‬ ‫مـ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫مـ َ‬ ‫ن ِ‬‫طا ُ‬ ‫ش ـي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ما ي َُقو ُ‬‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َُقو ُ‬
‫]البقرة‪.[275:‬‬
‫ه ال ّْرب َــا ]البقــرة‪:‬‬ ‫حـقُ الل ّـ ُ‬ ‫م َ‬ ‫الّثانيــة‪ :‬المحــق‪ ،‬قــال تعــالى‪ :‬ي َ ْ‬
‫‪ ،[276‬والمراد‪ :‬الهلك والستئصال‪ ،‬وقيل‪ :‬ذهــاب البركــة‬
‫والستمتاع حّتى ل ينتفع به ول ولده بعده‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن الل ّـ ِ‬
‫ه‬ ‫مـ َ‬‫ب ّ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫الّثالثة‪ :‬الحرب‪ ،‬قال الل ّــه تعــالى‪ :‬فَـأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬
‫سوِله ]البقرة‪.[279:‬‬ ‫وََر ُ‬
‫ن الّرَبا ِإن‬ ‫م َ‬
‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫الّرابعة‪ :‬الكفر‪ ،‬قال الّله تعالى‪ :‬وَذ َُروا ْ َ‬
‫ن ]البقرة‪ ،[278:‬وقال سبحانه بعد ذكــر الّربــا‪:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫كنُتم ّ‬ ‫ُ‬
‫ل ك َّفــارٍ أ َِثي ـم ٍ ]البقــرة‪ ،[276:‬أي‪ :‬كّفــاٍر‬ ‫ب ك ُـ ّ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫َوالل ّـ ُ‬
‫باستحلل الّربا‪ ،‬أثيم ٍ فاجرٍ بأكل الّربا‪.‬‬
‫ك‬ ‫ُ‬
‫ن عَــاد َ فَـأوْل َئ ِ َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫الخامسة‪ :‬الخلود في الّنار‪ ،‬قال تعالى‪ :‬وَ َ‬
‫ن ]البقرة‪.[275:‬‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫أ ْ‬
‫فل ينبغــي ـــ إخــوة اليمــان ـــ لمســلم يــؤمن بــالله ربــا‬
‫وبالســلم دينــا وبمحمــد نبيــا ورســول أن يلجــأ إلــى هــذه‬
‫المعاملة الممقوتة‪ ،‬فيبني بها بيتا أو يطعم منها أهل وولدا‪،‬‬
‫بــل علــى المســلم أن يصــبر‪ ،‬وأن يســعى للكســب مــن‬
‫الحلل‪ ،‬وأن يدعو الله سبحانه أن يفتح عليه أبواب رزقــه‪،‬‬
‫فإن الله سبحانه ل يعجزه شيء‪.‬‬
‫أسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه رضاه وهداه‪ ،‬أقول قــولي‬
‫هذا‪ ،‬وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫‪-------------------------‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والعاقبة للمتقيــن‪ ،‬ول عــدوان إل‬
‫علــى الظــالمين‪ ،‬وصــلى اللــه وســلم وبــارك علــى عبــده‬
‫ورسوله محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫معشر المسلمين‪ ،‬لقد نظر السلم إلى الربا نظرة ملؤهــا‬
‫المقت والكره‪ ،‬لهذا حذر أتباعه منه وذمــه لهــم‪ ،‬وقــد بلــغ‬

‫‪413‬‬
‫من هذا التحذير أن رسول الله يقول كما في مسند أحمــد‬
‫من حديث عبد الله بـن حنظلـة وهـو فـي صـحيح الجـامع‪:‬‬
‫))درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله مــن ســتة‬
‫وثلثين زنية((‪ ،‬كما أنه ركز على أمر الربا فيما ركــز عليــه‬
‫من أمور مهمة في خطبة حجة الوداع‪ ،‬تلك الخطبــة الــتي‬
‫أوصــى فيهــا المســلمين بــأهم الوصــايا‪ ،‬يقــول فــي تلــك‬
‫الخطبة العظيمة كما عند ابن ماجه من حــديث عمــرو بــن‬
‫الحوص‪)) :‬فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام‪،‬‬
‫كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في شهركم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا((‪ ،‬ثــم‬
‫يقــول ‪)) :‬وإن كــل ربــا مــن ربــا الجاهليــة موضــوع‪ ،‬لكــم‬
‫رؤوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون‪ ،‬أل يــا أمتــاه‪ :‬هــل‬
‫بلغت؟(( ثلث مرات‪ ،‬قــالوا‪ :‬نعـم‪ ،‬قــال‪)) :‬اللهــم اشـهد((‬
‫ثلث مرات‪.‬‬
‫هذه وصــية الــوداع مــن رســول اللــه قبــل أن يغــادر هــذه‬
‫الدنيا‪ ،‬يوصي بها أمته ناصــحا مشــفقا‪ ،‬وُيشــهد اللــه علــى‬
‫ذلك‪ ،‬فهل تكون أمة تابعة لنبيها مطيعة له أمة تعصيه فــي‬
‫آخر وأهم وصاياه؟! وماذا تنتظر المة إذا عصت هذا المر‬
‫اللهي وهذه الوصية النبويــة؟! هــل تنتظــر رفعــة وعــزا؟!‬
‫ماذا تنتظر أمة تعاملت بالربا المحرم؟! هــل تنتظــر رخــاءً‬
‫ونماًء؟! ل يمكن أن يكــون رخــاء ونمــاء فيمــا حرمــه اللــه‬
‫سبحانه‪ ،‬لهذا قد ينتعــش اقتصــاد يقــوم علــى الربــا ولكنــه‬
‫انتعــاش يحمــل فــي طيــاته الهلك والخســران وإن طــال‬
‫الزمن‪ ،‬يقول فيما أخرجه الحاكم من حــديث ابــن عبــاس‪:‬‬
‫))إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب‬
‫الله((؛ لهذا ينبغي علينا أن نبتعد عن هذه المعصية‪ ،‬وأن ل‬
‫نقترب منها إن كنــا نريــد الفلح وإن كنــا نريــد النجــاة‪ ،‬فل‬
‫سبيل إلى النجــاة إل فــي البتعــاد عمــا حــرم اللــه‪ ،‬يقــول‬
‫سهل بن عبد الله كما في تفسير القرطــبي‪" :‬النجــاة فــي‬
‫ثلثــة‪ :‬أكــل الحلل‪ ،‬وأداء الفــرائض‪ ،‬والقتــداء بــالنبي "‪،‬‬
‫فالنجاة إًذا في طلب الحلل‪ ،‬أما العتماد في هــذه الحيــاة‬
‫ومطالبها على الحرام واللجوء إلى الربا وغيره ممــا حــرم‬
‫الله فإنه ل ينفع ول يدوم ول يفضي إل إلــى القلــة والفقــر‬
‫مهما استكثر النسان منه‪ ،‬عن ابن مسعود أن رسول الله‬

‫‪414‬‬
‫قال‪)) :‬ما أحد أكثر من الربا إل كان عاقبة أمره إلى قلة((‬
‫أخرجه ابن ماجه‪.‬‬
‫فلنتق الله عباد الله‪ ،‬ول يدفعنا طلب الــرزق أو قلتــه إلــى‬
‫أن نطرق أبواب الحرام‪.‬‬
‫أسأل الله أن يهدينا إلــى صـالح القــوال والعمــال‪ ،‬اللهــم‬
‫أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه‪ ،‬وأرنا الباطــل بــاطل وارزقنــا‬
‫اجتنابه‪...‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬خطر الربا‬
‫موسوعة خطب المنبر ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(5076‬‬
‫خطر الربا‬
‫محمد بن مبروك البركاتي‬
‫الليث‬
‫جامع بايزيد‬
‫الخطبة الولى‬
‫حا قوي ًــا ومــؤثًرا مــن‬ ‫لقد أقر القــرآن الكريــم القصــة ســل ً‬
‫أسلحة الدعوة إلى السلم وانتشاره؛ للتنفير مــن الرذيلــة‬
‫والقبائح والترغيب في القيم الخلقيــة والفضــائل‪ ،‬وأخــذت‬
‫حيزا كبيًرا مــن القــرآن الكريــم‪ ،‬فــي قصــص الرســل مــع‬
‫أقوامهم في عصور كثيرة‪ ،‬وقصص الصالحين مــن عبــاده‪،‬‬
‫مـا‬ ‫ن ال ْ‬ ‫ك أَ‬ ‫ص عَل َْيـ َ‬
‫ص بِ َ‬‫ِ‬ ‫صـ‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سـ‬
‫َ‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ن ن َُقـ ّ‬ ‫حـ ُ‬ ‫قال اللـه تعـالى‪ :‬ن َ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ال ْغَــافِِلي َ‬
‫مـ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِـهِ ل َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫كن َ‬‫ن ُ‬‫ن وَإ ِ ْ‬ ‫ذا ال ُْقْرآ َ‬‫ك هَ َ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫أو ْ َ‬
‫عب ْـَرةٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ص ـه ِ ْ‬
‫ص ِ‬ ‫ن فِــي قَ َ‬ ‫كا َ‬‫]يوسف‪ ،[3 :‬وقال سبحانه‪ :‬ل ََقد ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ص‬‫صـ ْ‬ ‫ب ]يوســف‪ ،[111 :‬وقــوله تعــالى‪َ :‬فاقْ ُ‬ ‫لوْل ِــي الل ْب َــا ِ‬
‫ن ]العراف‪ ،[176 :‬وقــوله تعــالى‪:‬‬ ‫م ي َت ََفك ُّرو َ‬ ‫ص ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫ال َْق‬
‫نحن نُقص عل َي َ َ‬
‫حقّ ]الكهف‪.[13 :‬‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ك ن َب َأهُ ْ‬ ‫ّ َ ْ‬ ‫َ ْ ُ َ‬
‫وإليكم هذه القصة لخذ العبرة منها‪:‬‬
‫تزوج شاب في عنفــوان شــبابه بشــابة ذات ديــن وحســب‬
‫ونسب وجمال‪ ،‬وقد كانت الحياة بينهم من أجمل ما يكون‬
‫بين امرأة وزوجها‪ ،‬يحب بعضهم بعضا‪ ،‬وقد رزقه الله منها‬
‫ابًنا إل أن هذه الحياة لم يرد الله لها الستمرار‪ ،‬فقد حدث‬
‫لهذا الشاب حـادث مـروريّ راح ضـحيَته‪ ،‬ومـا إن انقضـت‬
‫ل‬ ‫طــاب يتقــاطرون عليهــا‪ ،‬كــ ّ‬ ‫عــدة هــذه الشــابة إل والخ ّ‬

‫‪415‬‬
‫يريدها‪ ،‬ولكنها آلت على نفسها أن ل تتزوج لتتفّرغ لتربيــة‬
‫وض عـن‬ ‫ابنها الذي كانت تحّبه أشد ّ الحـب وتـرى فيـه الِعـ َ‬
‫زوجها الذي أحّبته‪ ،‬وقد اجتهدت بالفعل في تربيته‪ ،‬وتبــذل‬
‫له كل غال ونفيس‪ ،‬وما يرغب أمرا إل ويجده ملبى‪.‬‬
‫مه‪ ،‬ويدخل المرحلة البتدائية‬ ‫وتمر اليام على هذا البن وأ ّ‬
‫وهي أكبر معين له بعد الله‪ ،‬تساعده في مــذاكرته وتــذّلل‬
‫وقين في دراسته‪ ،‬ول تــزال‬ ‫له العوائق حتى كان من المتف ّ‬
‫وق‪ ،‬ثــم يــدخل المرحلــة‬ ‫الفرحة تمل قلبها بهذا البن المتف ّ‬
‫ون هــذا‬ ‫المتوسطة ول يزال في تفــوقه‪ ،‬ويشــاء اللــه ويك ـ ّ‬
‫الشــاب علقــة مــع بعــض زملئه مــع اختبــارات الفصــل‬
‫الدراسي الثاني من الصف الثاني المتوسط‪ ،‬حيــث يــذهب‬
‫مــه‬‫ليــذاكر معهــم‪ ،‬وبــدأ يســهر معهــم للمــذاكرة‪ ،‬ولكــن أ ّ‬
‫الحنون ل يطاوعها قلبها أن يسهَر ابنها خارج المنزل‪ ،‬فمــا‬
‫زالت بــه تناصــحه وتحــاول أن ل يخــرج بعيــدا عنهــا‪ ،‬فهــي‬
‫تحتــاجه وتخــاف عليــه‪ ،‬حــتى رضــي أن تكــون مــذاكرتهم‬
‫مــه‪ ،‬ففرحــت المســكينة‬ ‫وسهرهم في منزلــه قريب ًــا مــن أ ّ‬
‫وأخذت تجّهز له ولزملئه ما يحتاجونه من وسائل الراحــة‪،‬‬
‫ونذرت نفسها لخدمته وزملئه‪.‬‬
‫وتمر اليام وإذا بها ذات يوم تشتكي آلما تجــدها‪ ،‬وتــذهب‬
‫لبنهــا ليوصــلها لقــرب مستشــفى ليكشــف عليهــا‪ ،‬إل أن‬
‫البن أخذ يتبّرم ويعتذر بعــدم وجــود الســيارة‪ ،‬فعنــدما لــم‬
‫دا من توصيلها أخذ سيارة أحد أصحابه ثـم ذهـب بهــا‬ ‫يجد ب ّ‬
‫إلى باب المستشفى ثم تركها وذهب إلــى أصــحابه‪ ،‬وفــي‬
‫المستشفى تأبى إل أن تكشف عليها طبيبة‪ ،‬ولكن لما لــم‬
‫تجد طلبت من الطبيب أن ل يرى منها إل ما دعت الحاجة‬
‫إليه‪ ،‬وطلب منها الطبيب بعــض التحاليــل‪ .‬ثــم بعــد خــروج‬
‫النتيجة قال لها الطبيب‪ :‬مبارك أنــت حامــل‪ ،‬فلــم تكــترث‬
‫بقوله ظّنا منها أنه يمــزح معهــا‪ ،‬فكــرر عليهــا الطــبيب أن‬
‫نتيجة الفحوصات تقول‪ :‬إنك حامل‪ ،‬فلما رأت أن الطــبيب‬
‫جــاد ّ فــي كلمــه قــالت‪ :‬يــا دكتــور‪ ،‬كيــف حامــل وأنــا غيــر‬
‫متزوجة ولم يطأني بشر؟! قال‪ :‬وكيف حملت؟! فلما رأى‬
‫استغرابها بدأ يبحث معها في المر حتى ع ـَرف حالهــا مــع‬

‫‪416‬‬
‫ت‪ ،‬فاذهبي إلــى بيتــك‬ ‫ُ‬
‫صب ِ‬ ‫ولدها وأصحابه‪ ،‬فقال‪ :‬منهم قد أ ِ‬
‫وكوني على عادتك حتى تكتشفي المر‪.‬‬
‫وبالفعل ذهبت إلى بيتهــا وجاءهــا ابنهــا علــى عــادته دائمــا‬
‫ليسِقَيها كأس حليب قبــل النــوم‪ ،‬فأخــذته منــه وتظــاهرت‬
‫أنها شربته‪ ،‬وبقيت متحسسة الخــبر‪ ،‬وإذا بــه يأتيهــا ليأخــذ‬
‫حاجة الرجل مــن امرأتــه منهــا وهــي نائمــة كمــا كــان قــد‬
‫عملها معها قبل ذلك‪ ،‬فانتبهت فإذا به ابنهــا يريــد منهــا مــا‬
‫يريد الرجل من امرأته‪ ،‬وإذا به ليس بعقلــه فقــد اســتخدم‬
‫در حــتى أفقــده عقلــه وجــاء إلــى أمــه ليزنــي بهــا‪،‬‬ ‫المخ ـ ّ‬
‫فأصيبت بخيبة أمل في ابنها وبمصيبة في نفســها‪ ،‬وصــدق‬
‫رســول اللــه حيــن وصــف الخمــر بقــوله‪)) :‬الخمــر أم‬
‫الخبائث(( رواه الطبراني وصححه اللباني‪ ،‬فهي تجمع كل‬
‫الخبائث الدينية والدنيوية‪ ،‬فصاحبها مفســد لعقلــه‪ ،‬مفســد‬
‫حته‪ ،‬مؤذ لهلـه وجيرانـه وملئكتـه‪،‬‬ ‫لبدنه وقوته ومنهك لص ّ‬
‫وصاحب الخمر مغضب لربــه ســبحانه وتعــالى الــذي نهــى‬
‫عد صاحبها بالعذاب في الدنيا والخرة‪ ،‬قال‬ ‫عن شربها وتو ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫صــا ُ‬ ‫س ـُر َوالن َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫م ـُر َوال ْ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ما ال ْ َ‬
‫مُنوا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م‬ ‫جت َن ُِبوهُ ل َعَل ّ ُ‬‫ن َفــا ْ‬ ‫شــي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫َ‬
‫كــ ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫مــ ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫مــ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫جــ ٌ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫َوالْزل ُ‬
‫طا َ‬
‫داوَةَ‬ ‫م ال َْعــ َ‬‫كــ ْ‬ ‫ن ُيوِقــعَ ب َي ْن َ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫شــي ْ َ ُ‬ ‫ريــد ُ ال ّ‬ ‫مــا ي ُ ِ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬
‫حــو َ‬ ‫ت ُْفل ِ ُ‬
‫ن‬‫عــ ْ‬ ‫ن ذِك ْرِ الل ّهِ وَ َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫صد ّك ُ ْ‬ ‫سرِ وَي َ ُ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫مرِ َوال ْ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ضاَء ِفي ال ْ َ‬ ‫َوال ْب َغْ َ‬
‫ن ]المائدة‪،90 :‬ـ ‪ .[91‬والمخـدرات‬ ‫الصلة فَه ْ َ‬
‫منت َُهو َ‬‫م ُ‬ ‫ل أن ْت ُ ْ‬ ‫ّ ِ َ‬
‫أخبث من الخمر لنها تؤّدي إلى ذهــاب العقــل‪ ،‬فعــن عبــد‬
‫الله بن عمر قال‪ :‬قال رسول اللــه ‪)) :‬كــل مســكر خمــر‪،‬‬
‫وكل خمر حرام(( رواه مسلم‪.‬‬
‫عباد الله‪ ،‬لعلكم استبشعتم هــذا الفعــل مــن هــذا الشــاب‬
‫عندما زنى بأمه أعاذني الله وإياكم‪ ،‬ول شك أنه أمر بشــع‬
‫غاية البشاعة‪ ،‬ولعلكم تظنون أنني سقت هذه القصة لكم‬
‫لنحذر خطر المخدرات‪ ،‬صحيح أنه أحد المــور الــتي أردت‬
‫دم عليه كــثير‬ ‫ذر منها‪ ،‬ولكن ـ يا عباد الله ـ إن ما يق ِ‬ ‫أن أح ّ‬
‫من الناس اليوم مــن التعامــل بالربــا أشــد مــن هــذا بنــص‬
‫حديث رسول الله ‪ ،‬فقــد أخــرج الحــاكم والــبيهقي بإســناد‬
‫صحيح من طريق ابن مسعود مرفوعا قــوله‪)) :‬الربــا ثلث‬
‫وسبعون بابا‪ ،‬أيسرها مثل أن ينكح الرجــل أمــه((‪ ،‬وأخــرج‬

‫‪417‬‬
‫ضا بإسناد ل بأس بــه مــن طريــق أبــي هريــرة مرفوعــا‪:‬‬ ‫أي ً‬
‫))الربا سبعون بابا‪ ،‬أدناهــا كالــذي يقــع علــى أمــه((‪ .‬فهــل‬
‫استشعرتم معي خطر الربا؟! إنه حرب لله ورسوله‪ ،‬قــال‬
‫َ‬
‫ي‬
‫مـا ب َِقـ َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الّلـ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫الله عز وجل‪َ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫كنتم مؤْمنين فَإن ل َم تْفعُلوا فَأ ْ‬
‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬
‫ْ ٍ ْ ْ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫نوا‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ن ُ ُ ْ ُ ِ ِ َ ِ ْ ْ َ َ‬ ‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م ت َْفعَُلوا فَ ـأذ َُنوا‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫سول ِهِ ]البقرة‪ ،278 :‬ـ ‪ ،[279‬فَإ ِ ْ‬ ‫الل ّهِ وََر ُ‬
‫ه‪ ،‬ومن يطيق محاربة الله؟!‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫ولقـــد تحـــدثنا فـــي الســـبوع الماضـــي عـــن الســـهم‬
‫والمســاهمات والمضــاربة فيهــا والســتثمار‪ ،‬وذكرنــا كيــف‬
‫إقبال الناس على ذلك مــن غيــر تــوّرع ول خشــية أن يقــع‬
‫أحدهم في الربا‪ ،‬بل لقد تساهل البعض فــي ذلــك تســاهل‬
‫كــبيًرا‪ ،‬وعنــدما تــذكر لــه شــركة بأنهــا مقترضــة بالربــا أو‬
‫رث‪ ،‬ونســي المســكين أو تناســى هــذه‬ ‫مودعة بالربا ل يكت َ ِ‬
‫الحاديث واليات‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫مــو َ‬ ‫ن الّرب َــا ل ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َـأك ُُلو َ‬
‫َ‬ ‫ذي‬ ‫عباد الله‪ ،‬قال الّله تعالى‪ :‬ال ّ ِ‬
‫طان من ال ْمس ذ َل َ َ‬
‫م‬‫ك ب ِـأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ ْ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫إ ِل ّ ك َ َ‬
‫َ‬
‫م الّرب َــا‬ ‫حـّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْـعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّـ ُ‬
‫حـ ّ‬‫ل الّرب َــا وَأ َ‬ ‫مث ْـ ُ‬ ‫ما ال ْب َي ْـعُ ِ‬ ‫َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫]البقرة‪ .[275 :‬وتــواترت الســنة الشــريفة فــي المســألة‪،‬‬
‫دعي‬ ‫وبلغت حدا ل يســع أيّ مســلم ولــو كــان قروي ّــا أن ي ـ ّ‬
‫الجهل به‪ ،‬جاء من غير طريــق أن رســول اللــه لعــن آكــل‬
‫الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه‪ ،‬صح عنه ‪)) :‬اجتنبــوا الســبع‬
‫الموبقات((‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول الّله‪ ،‬وما هن؟ قال‪)) :‬الشــرك‬
‫بالّله‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتـل النفـس الــتي حــرم الّلـه إل بـالحق‪،‬‬
‫وأكل مال اليتيم‪ ،‬وأكل الربا(( الحديث‪ ،‬وأخرج الــبزار مــن‬
‫طريق أبي هريرة مرفوعا‪)) :‬الكبائر سبع‪ ،‬أولهــن الشــرك‬
‫بــالله‪ ،‬وقتــل النفــس بغيــر حقهــا‪ ،‬وأكــل الربــا((‪ ،‬وأخــرج‬
‫البخــاري وأبــو داود عــن أبــي جحيفــة‪ :‬لعــن رســول اللــه‬
‫الواشمة والمستوشمة وآكل الربا ومؤكله‪ ،‬وأخرج الحــاكم‬
‫بإسناد صحيح عن أبي هريرة مرفوعا‪)) :‬أربعــة حــق علــى‬
‫الّله أن ل يدخلهم الجنة ول يذيقهم نعيمها‪ :‬مــدمن الخمــر‪،‬‬
‫وآكل الربا‪ ،‬وآكل مال اليتيم بغير حــق‪ ،‬والعــاق لوالــديه((‪،‬‬
‫وأخرج البزار بإسناد صحيح مرفوعا‪)) :‬الربا بضع وســبعون‬
‫بابا‪ ،‬والشرك مثل ذلك((‪ ،‬وأخرج الطبراني في الكبير عن‬

‫‪418‬‬
‫عبد الله بن سلم مرفوعــا‪)) :‬الــدرهم يصــيبه الرجــل مــن‬
‫الربا أعظـم عنـد اللـه مـن ثلث وثلثيـن زنيـة يزنيهـا فـي‬
‫السلم((‪ ،‬وعن عبد اللــه موقوفــا‪) :‬الربــا اثنــان وســبعون‬
‫حوبا‪ ،‬أصغرها حوبا كمن أتى أمه في السلم‪ ،‬ودرهم مــن‬
‫الربا أشد من بضع وثلثين زنية(‪ ،‬قال‪) :‬ويأذن الّله بالقيــام‬
‫للبّر والفاجر يوم القيامة إل آكل الربا فإنه ل يقوم إل كمــا‬
‫يقوم الذي يتخبطه الشــيطان مــن المــس(‪ ،‬وأخـرج أحمــد‬
‫والطبراني في الكــبير ورجــال أحمــد رجــال الصــحيح مــن‬
‫طريــق عبــد اللــه بــن حنظلــة غســيل الملئكــة مرفوعــا‪:‬‬
‫))درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد مــن ســت وثلثيــن‬
‫زنية((‪.‬‬
‫أبعد هــذه النصــوص يــأتي متــأّول أو متســاهل ويقــول‪ :‬إن‬
‫الربا في الشركة الفلنية يسير ل يضر؟! وما أسكر كــثيره‬
‫فقليله حرام‪.‬‬
‫فالحذر الحذر ـ عباد الله ـ ـ مــن الربــا قليل كــان أو كــثيًرا‪،‬‬
‫واستفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك‪.‬‬
‫===============‬
‫‪ #‬الربا‪ :‬صوره‪ ،‬أقسام الناس فيه‬
‫مجلة البيان ‪) -‬ج ‪ / 2‬ص ‪(28‬‬
‫الربا ‪ ..‬صوره ‪ -‬أقسام الناس فيه‬
‫بقلم فضيلة الشيخ ‪ /‬محمد بن صالح العثيمين‬
‫إن الحمــد للــه نحمــده ونســتعينه ونســتغفره ونتــوب إليــه‬
‫ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومــن ســيئات أعمالنــا‪ ..‬مــن‬
‫يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمــدا ً عبــده‬
‫ورسوله ‪ ،‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وعلى آله وأصحابه ومن‬
‫تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪ ،‬وسلم تسليما ً ‪ ،‬وبعد‪..‬‬
‫فــإن اللــه تعــالى إنمــا خلــق الجــن والنــس وأودع فيهــم‬
‫العقــول والدراك وبعــث فيهــم الرســل وبــث فيهــم النــذر‬
‫ليقوموا بعبادته والتذلل له بالطاعــة مقــدمين أمــره وأمــر‬
‫رسله على ما تهواه أنفسهم ‪ ،‬فإن ذلك هو حقيقة العبــادة‬
‫مــا ك َــا َ‬
‫ن‬ ‫ومقتضــى اليمــان ‪ ،‬كمــا قــال اللــه تعــالى ‪ )) :‬و َ‬
‫َ‬ ‫ذا قَضــى الّلـه ورســول ُ َ‬
‫ن‬‫مــرا ً أن ي َك ُــو َ‬
‫هأ ْ‬‫ُ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫من َةٍ إ َ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫ن ول ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ٍ‬ ‫لِ ُ‬

‫‪419‬‬
‫خيرةُ م َ‬
‫ل‬‫ضــ ّ‬ ‫ه فََقــد ْ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وَر ُ‬ ‫ص الل ّ َ‬ ‫من ي َعْ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫مرِهِ ْ‬‫نأ ْ‬ ‫م ال ِ َ َ ِ ْ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫مِبينًا(( ]الحزاب‪.[36 :‬‬ ‫ضلل ً ّ‬ ‫َ‬
‫فل خيار للمؤمن ‪-‬إن كان مؤمنا ً حقا ً ‪ -‬في أمر قضـاه اللـه‬
‫ورسوله ‪ ،‬وليس أمامه إل الرضا به ‪ ،‬والتسليم التام سواء‬
‫وافق هواه أم خالفه ‪ ،‬وإل فليس بمؤمن ‪ ،‬كما قــالي اللــه‬
‫جَر‬‫شـ َ‬ ‫مــا َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مــو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫حت ّــى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ك ل ي ُؤْ ِ‬ ‫تعالى ‪َ)) :‬فل وَرب ّ َ‬
‫َ‬
‫موا‬ ‫ســل ّ ُ‬ ‫ت وي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫حَرجا ً ّ‬ ‫م َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫دوا ِفي أنُف ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ل يَ ِ‬‫م ثُ ّ‬‫ب َي ْن َهُ ْ‬
‫سِليمًا(( ]النساء‪.[65:‬‬ ‫تَ ْ‬
‫وقد أخبر اللــه تعــالى أن العــدول عــن حكمــه وعــن اتبــاع‬
‫جيُبوا‬ ‫ســت َ ِ‬‫م يَ ْ‬ ‫رسوله أنه أضل الضلل فقال تعالى ‪َ)) :‬فإن ل ّ ْ‬
‫ض ّ‬ ‫ك َفاعْل َم أ َنما يتبعون أ َهْواَءهُم وم َ‬ ‫لَ َ‬
‫واهُ‬ ‫هــ َ‬ ‫ن ات ّب َعَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ّ‬‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ّ َ َُِّ َ‬
‫ن((‬ ‫مي َ‬ ‫م الظ ّــال ِ ِ‬ ‫دي الَق ـوْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ـ ِ‬ ‫ن الل ّـ َ‬ ‫ن الل ّـهِ إ ّ‬ ‫مـ َ‬ ‫دى ّ‬ ‫ب ِغَي ْرِ هُ ـ ً‬
‫]القصص‪.[50:‬‬
‫إذا تــبين هــذا فــاعلم أن أوامــر اللــه تعــالى تنقســم إلــى‬
‫قسمين ‪ :‬قسم فيما يختص بمعاملته ســبحانه ؛ كالطهــارة‬
‫والصلة والصيام والحج ‪ ،‬وهذه ل يستريب أحد في التعبــد‬
‫لله تعالى بها ‪ .‬وقسم فيمــا يختــص بمعاملــة الخلــق وهــي‬
‫المعاملت الجارية بينهــم مــن بيــع وشــراء وإجــارة ورهــن‬
‫وهبة ووصية ووقــف وغيرهــا ‪ ،‬وكمــا أن تنفيــذ أوامــر اللــه‬
‫تعالى والتزام شريعته في القسم الثــاني أمــر واجــب ‪ ،‬إذ‬
‫الكل من حكــم اللــه تعــالى علــى عبــاده ‪ ،‬فعلــى المــؤمن‬
‫تنفيذ حكم الله والتزام شريعته في هذا وذاك ‪.‬‬
‫ولقد شرع الله تعالى لعباده فــي معــاملتهم نظم ـا ً كاملــة‬
‫مبنية علــى العــدل ل تســاويها أي نظــم أخــرى ‪ ،‬بــل كلمــا‬
‫ابتعدت النظم أو ابتعد الناس عن العمــل بنظــم الشــريعة‬
‫كــان ذلــك أكــثر الظلــم ‪ ،‬وأوغــل فــي الشــر والفســاد‬
‫والفوضى ‪.‬‬
‫وإن من الظلم في المعاملت واجتناب العدل والســتقامة‬
‫فيها أن تكون مشتملة على الربا الذي حذر الله تعالى منه‬
‫في كتابه وعلى لسان رسوله ‪ -‬صــلى اللــه عليــه وســلم ‪-‬‬
‫وأجمع المسلمون على تحريمه ‪.‬‬
‫َ‬
‫مــا‬‫ه وذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫قال الله تعالى ‪َ)) :‬يا أي َّها ال َ ِ‬
‫م ت َْفعَل ُــوا فَـأ ْذ َُنوا‬ ‫ن * فَــإن ل ّـ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬ ‫كنت ُــم ّ‬ ‫ن الّرَبا إن ُ‬ ‫م َ‬‫ي ِ‬ ‫ب َِق َ‬

‫‪420‬‬
‫َ‬
‫مل‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫مــ َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫سول ِهِ وإن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وَر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫سـَرةٍ فَن َظ ِـَرةٌ إل َــى‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن * وإن ك َــا َ‬ ‫مــو َ‬ ‫ن ول ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫ن * وات ُّقــوا‬ ‫مــو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫كنت ُـ ْ‬ ‫م إن ُ‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُـ ْ‬ ‫سَرةٍ وَأن تصدُقوا َ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫س ـب َ ْ‬ ‫مــا ك َ َ‬ ‫س ّ‬ ‫م ت ُوَّفى ك ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫ن ِفيهِ إلى اللهِ ث ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ل ن َْف ـ ٍ‬ ‫جُعو َ‬ ‫وما ت ُْر َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن(( ]البقرة‪.[281-278:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫وه ُ ْ‬
‫ض ـَعافا ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫من ُــوا ل ت َـأك ُُلوا الّرب َــا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال تعالى ‪َ)) :‬يا أي َّها ال َ ِ‬
‫ن * وات ُّقــوا الن ّــاَر ال َت ِــي‬ ‫حــو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬ ‫ه ل َعَل ّك ُـ ْ‬ ‫ة وات ُّقوا الل ّـ َ‬ ‫ضاعََف ً‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أُ ِ‬
‫م‬ ‫ل لعَلك ُـــ ْ‬ ‫ســـو َ‬ ‫ه والّر ُ‬ ‫طيعُـــوا اللـــ َ‬ ‫ن * وأ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ت ل ِلك َـــافِ ِ‬ ‫عـــد ّ ْ‬
‫ن(( ]آل عمران‪.[132-130 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫ْ‬
‫م‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫ن إل ّ ك َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن الّرَبا ل ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫وقال تعالى ‪)) :‬ال َ ِ‬
‫طان من المـس ذ َلـ َ َ‬
‫مـا‬ ‫م َقـاُلوا إن ّ َ‬ ‫ك ِبـأن ّهُ ْ‬ ‫ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫ال َ ِ‬
‫َ‬
‫جــاَءهُ‬ ‫مــن َ‬ ‫م الّرب َــا فَ َ‬ ‫حـّر َ‬ ‫ه الب َي ْـعَ و َ‬ ‫ل الل ّـ ُ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ل الّرَبا وأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫الب َي ْعُ ِ‬
‫ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إَلى الل ّهِ و َ‬ ‫ف وأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ّ ّ ِ‬ ‫عظ َ ٌ ّ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ح ـقُ الل ّـ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن * يَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِـ ُ‬ ‫م ِفيهَــا َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫عاد َ فَأوْل َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م((]البقرة‬ ‫ل ك ُّفارٍ أِثي ٍ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ت والل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫الّرَبا وي ُْرِبي ال ّ‬
‫‪ ، [276-275 :‬يعنى ل يقومون من قبــورهم يــوم القيامــة‬
‫خب ّــل المجنــون الــذي يصــرعه الشــيطان ‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫إل كما يقوم ال ُ‬
‫هكــذا قــال ابــن عبــاس رضــى اللـه عنهمــا وغيــره ‪ .‬وفــى‬
‫صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضــي اللــه عنهمــا أن‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليــه وســلم ‪ -‬لعــن آكــل الربــا ومــوكله‬
‫وكــاتبه وشــاهديه ‪ ،‬وقــال ‪ :‬هــم ســواء ‪ .‬واللعــن ‪ :‬الطــرد‬
‫والبعاد عن رحمة الله تعالى ‪.‬‬
‫وفى صحيح البخاري من حديث ســمرة بــن جنــدب رضــي‬
‫الله عنه أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬رأى في منامه‬
‫نهرا ً من دم ‪ ،‬فيه رجل قائم ‪ ،‬وعلي شط النهر رجــل بيــن‬
‫يديه حجارة ‪ ،‬فأقبل الرجل الــذي فــي النهــر فــإذا أراد أن‬
‫يخرج ‪ ،‬رماه الرجل الذي على شط النهر بحجر فــي فمــه‬
‫فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخــرج رمــاه الــذي علــى‬
‫شط النهر بحجر فيرجع كمــا كــان ‪ ،‬فســأل النــبي ‪ -‬صــلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬عن هذا الرجل الذي في نهر الدم فقيل‬
‫آكل الربا ‪.‬‬
‫ولقد بين رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لمتــه أيــن‬
‫يكون الربا ‪ ،‬وكيــف يكــون ‪ ،‬بيانـا ً شــافيا ً واضــحا ً ‪ ،‬فقــال ‪-‬‬

‫‪421‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ : -‬الذهب بالذهب ‪ ،‬والفضة بالفضة‬
‫‪ ،‬والبر بالبر ‪ ،‬والشعير بالشعير ‪ ،‬والتمــر ‪ -‬بــالتمر ‪ ،‬الملــح‬
‫بالملح ‪ .‬مثل ً بمثل ‪ ،‬يدا ً بيد ‪ ،‬فمن زاد أو استزاد فقد أربى‬
‫‪ ،‬الخذ والمعطى فيه ســواء ‪ .‬رواه مســلم ‪ .‬وفــي لفــظ ‪:‬‬
‫فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كــان يــدا ً‬
‫بيد ‪.‬‬
‫فهذه الصناف الستة هي محل الربــا بــالنص)‪ : (1‬الــذهب‬
‫والفضة والبر والشــعير والتمــر والملــح وقــد بيــن النــبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كيفية الربا فيها فأوضح أن التبــايع‬
‫فيها يكون على وجهين ‪:‬‬
‫الوجه الول ‪:‬‬
‫أن يباع منها بجنسه مثل أن يباع ذهــب بــذهب ‪ ،‬فيشــترط‬
‫فيه شرطان اثنان ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن يتساويا في الوزن ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن يكون يدا ً بيد بحيث يتقابض الطرفان قبــل أن‬
‫يتفرقا ‪ .‬فلو باع ذهبا ً بذهب يزيد عليه في الوزن ولو زيادة‬
‫يسيرة فهو ربا حرام ‪ ،‬والبيع باطــل ولــو بــاع ذهب ـا ً بــذهب‬
‫يساويه في الــوزن وتفرقــا قبــل القبــض فهــر ربــا حــرام ‪،‬‬
‫والبيع باطــل ‪ ،‬ســواء تــأخر القبــض مــن الطرفيــن أو مــن‬
‫طرف واحد ‪.‬‬
‫الوجه الثاني ‪:‬‬
‫أن يباع واحد من هذه الصناف بغير جنسه ‪ ،‬مثـل أن يبـاع‬
‫ذهب بفضة فيشترط فيه شرط واحد ‪ ،‬وهو أن يكــون يــدا ً‬
‫بيد بحيث يتقايض الطرفان قبل أن يتفرقا ‪ ،‬فلو بــاع ذهب ـا ً‬
‫بفضة وتفرقا قبل القبض فهو ربــا حــرام ‪ ،‬والــبيع باطــل ‪،‬‬
‫سواء تأخر القبض من الطرفين أو من طرف واحد ‪.‬‬
‫ولقد كان الذهب والفضة منذ أزمنة بعيــدة محــل التعامــل‬
‫بيــن النــاس قيمــا ً للعيــان والمنــافع ‪ ،‬فأصــبح التعامــل‬
‫بالوراق النقدية بدل ً عنها والبدل لــه حكــم المبــدل ‪ ،‬فــإذا‬
‫بيعت ورقة من النقود بورقة أخرى فلبد من التقايض قبل‬
‫التفـرق ‪ ،‬سـواء كـانت مـن جنسـها أم مـن غيـر جنسـها ‪،‬‬
‫وسواء كانت هذه الوراق بدل ً عن ذهب أم بدل عــن فضــة‬
‫فلو صرفت ورقة نقدية سعودية من ذوات المائة بورقـتين‬

‫‪422‬‬
‫من ذوات الخمسين فلبد من التقابض من الطرفيــن قبــل‬
‫التفرق ‪ .‬ولو صرف دولرا ً بأوراق نقد ســعودية فلبــد فــي‬
‫التقابض من الطرفين قبل التفرق أيضًا‪ .‬ولو اشترى حلــي‬
‫ذهــب أو فضــة بــأوراق نقديــة فلبــد مــن التقــابض مــن‬
‫الطرفين قبل التفرق لنه كبيع الذهب بالفضــة الــذي قــال‬
‫فيه النبي ‪ -‬صلى الله عليــه وســلم ‪ : -‬فــإذا اختلفــت هــذه‬
‫الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا ً بيد ‪.‬‬
‫ولقــد انقســم النــاس فــي المعــاملت الربويــة إلــى ثلثــة‬
‫أقسام‪:‬‬
‫قسم ‪ :‬هــداهم اللــه تعــالى ونــور بصــائرهم ووقــاهم شــح‬
‫أنفسهم وعرفوا حقيقة المال ‪ ،‬بل حقيقة الدنيا أنها عارية‬
‫مسلوبة ‪ ،‬وفيء زائل ‪ ،‬وأن كمال العقل والدين أن يجعــل‬
‫الرجل المال وسيلة ل غاية ‪ ،‬وأن يجعله خادما ً ل مخــدوما ً‬
‫فتمشوا في اكتساب أموالهم وصرفها على ما شرعه لهم‬
‫خالقهم الذي هو أعلم‬
‫بما يصلحهم وأرحم بهم مــن أنفســهم ‪ ،‬فأخــذوا بمــا أحــل‬
‫اللـــه واجتنبـــوا مـــا حـــرم اللـــه ‪ ،‬وهـــؤلء هـــم النـــاجون‬
‫ه‬
‫سـ ِ‬ ‫ح ن َْف ِ‬ ‫مــن ي ُــوقَ ُ‬
‫شـ ّ‬ ‫المفلحــون ‪ .‬قــال اللــه تعــالى ‪)) :‬و َ‬
‫ن(( ]الحشر‪. [9:‬‬ ‫حو َ‬‫مْفل ِ ُ‬
‫م ال ُ‬ ‫فَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُ ُ‬
‫القسم الثاني ‪ :‬من تعاملوا بالربا علــى وجــه صــريح ‪ ،‬إمــا‬
‫جهل ً منهم أو تجاهل ً أو عنادا ً ومكابرة ‪ ،‬وهؤلء مســتحقون‬
‫لما تقتضيه حالهم من الوعيد على أكل الربا ‪ ،‬على ما جاء‬
‫في نصوص الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬من تعاملوا بالربا من وجه الحيلــة والمكــر‬
‫والخداع ‪ ،‬وهؤلء شر من القسم الثاني ‪ ،‬لنهم وقعوا فــي‬
‫مفسـدتين ‪ :‬الربـا ‪ ،‬ومفسـدة الخـداع ‪ ،‬ولهـذا قـال بعـض‬
‫السلف فــي أهــل الحيــل ‪ :‬يخــادعون اللــه كمــا يخــادعون‬
‫الصبيان ‪ ،‬لو أنهم أتوا المر على وجهه لكان أهون ‪.‬‬
‫ونحن نذكر من فعل هذين القســمين مــا كــان شــائعا بيــن‬
‫الناس ‪ .‬فالشائع من فعــل القســم الول ربــا البنــوك وهــو‬
‫على وجهين ‪:‬‬

‫‪423‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن يأخــذ البنــك دراهــم مــن شــخص بربــح نســبة‬
‫مئوية يدفعها البنك كل شـهر أو كــل سـنة ‪ ،‬أو عنـد انتهـاء‬
‫مدة الجل إن كان مؤجل ً ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يعطي البنك دراهم لشخص بربح نســبة مئويــة‬
‫يأخذها البنك كل شهر أو كل سنة أو عند انتهاء مدة الجل‬
‫‪ ،‬إن كان مؤجل ً ‪.‬‬
‫فأما إذا أخذ البنــك الــدراهم مــن شــخص بــدون ربــح فلــه‬
‫وجهان ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن يأخــذ هــذه الــدراهم علــى وجــه الوديعـة بــأن‬
‫يحفظ الدراهم بأعيانها لصاحبها ‪ ،‬ول يــدخلها فــي صــندوق‬
‫البنك ‪ ،‬ول يتصرف فيها ‪ ،‬بل يبقيها في مكان إيداعها حتى‬
‫يأتي صاحبها فيأخذها ‪ ،‬فهذا جائز ‪ ،‬وهذا الوجه ليس للبنك‬
‫فيــه فــائدة اللهــم إل أن يكــون بيــن القــائمين عليــه وبيــن‬
‫صاحب صــحبة ‪ .‬فيحســنوا إليــه بحفـظ دراهمـه فــي حــرز‬
‫البنك ‪ .‬ولذلك لو طلب البنك أجرة على حفظها لكل شهر‬
‫أجرة معلومة لكان ذلك جائزا ً ‪.‬‬
‫الــوجه الثــاني ‪ :‬أن يأخــذ البنــك هــذه الــدراهم علــى وجــه‬
‫القرض ‪ ،‬بحيث يدخلها في صندوق البنك ‪ ،‬ويتصــرف فيهــا‬
‫كما يتصرف في مــاله ‪ ،‬فهــذه قــرض وليســت بإيــداع وإن‬
‫سماها الناس إيداعا ً ‪ ،‬فالعبرة بالحقــائق ل باللفــاظ ‪ ،‬وإذا‬
‫كانت قرضا ً للبنك فهي إرفاق به ومساعدة وتنمية لربحه ‪،‬‬
‫فإذا كــان البنــك ل يتعامــل إل بالربــا فل ريــب أن إعطــاءه‬
‫ن ظاهر على الربا ‪،‬‬ ‫الدراهم على هذا الوجه حرام لنه عو ٌ‬
‫وإذا كان النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لعــن كــاتب الربــا‬
‫وشاهديه فكيف بمن يضم ماله إلى مــال المرابــي فيــزداد‬
‫ربحه ومراباته ‪.‬‬
‫أما إذا كان البنك له موارد أخرى غير ربوية مثل أن يكــون‬
‫له مساهمات في شركات طيبة المكسب ‪ ،‬ولــه مبايعــات‬
‫وتصــرفات أخــرى حلل فــإن إعطــاءه الــدراهم علــى هــذا‬
‫الــوجه ليــس بحــرام ‪ ،‬لنــه ل يتحقــق صــرفها فــي الــوجه‬
‫الربوي من تصرفات البنك ‪ ،‬لكن البعد عن ذلك أولى لنــه‬
‫موضع شبهة ‪ ،‬إل أن يحتاج النسان إلى ذلك ‪ ،‬فإن الحاجة‬

‫‪424‬‬
‫تبيــح المشــتبه لقــوة المقتضــى وضــعف المــانع ‪ .‬هــذا هــو‬
‫الشائع من فعل القسم الول من المتعاملين بالربا ‪.‬‬
‫أما الشائع من فعل القسم الثــاني مــن المتعــاملين بالربــا‬
‫فهــو أن يــأتي الرجــل لشــخص فيقــول ‪ :‬إنــي أريــد مــن‬
‫الدراهم كذا وكذا فهل لك أن تدينني العشر أحــد عشــر أو‬
‫ثلثة عشر أو أقــل أو أكــثر حســب مــا يتفقــان عليــه ‪ ،‬ثــم‬
‫يذهب الطرفان إلى صاحب دكان عنـده بضـائع مرصوصـة‬
‫قد يكون لها عدة سنوات إما خام أو سكر أو رز أو هيل أو‬
‫غيره مما يتفق عند صـاحب الـدكان ‪ ،‬أظـن أن لـو وجـدوا‬
‫أكياس سماد يقضيان بهــا غرضــهما لحصــل التفــاق عليهــا‬
‫فيشتريها الــدائن مــن صــاحب الــدكان شــراًء صــوريا ً غيــر‬
‫حقيقي ‪ ،‬نقول إنه صوري ل حقيقي لنه لم يقصد الســلعة‬
‫بعينها بل لو وجد أي سلعة يقض بها غرضه لشتراها ولنه‬
‫ل يقلــب الســلعة ول يمحصــها ول يمــاكس )يكاســر( فــي‬
‫الثمــن وربمــا كــانت الســلعة معيبــة مــن طــول الزمــن أو‬
‫تسلط الحشــرات عليهــا ‪ ،‬ثــم بعــد هــذا الشــراء الصــوري‬
‫يتصدى لقبضها ذلك القبض الصــوري أيض ـا ً ‪ ،‬فيعــدها وهــو‬
‫بعيــد عنهــا ‪ ،‬وربمــا أدرج يــده عليهــا تحقيق ـا ً للقبــض كمــا‬
‫يزعمون ‪ ،‬والقبض في مدلوله اللغــوي أن يكــون الشــتيء‬
‫فــي قبضــتك ‪ ،‬وبعــد هــذا القبــض الصــوري يبيعهــا علــى‬
‫المستدين بالربح الذي اتفقا عليه من قبل ‪ ،‬ول ندري هــل‬
‫يتصدى هو أيضا ً لقبضها القبض الصوري كما قبضها الدائن‬
‫أو يبيعها على صاحب الــدكان بــدون ذلــك ‪ ،‬فــإذا اشــتراها‬
‫صاحب الدكان سلم للمدين الدراهم وخرج بها ‪ .‬قال شيخ‬
‫السلم ابــن تيميــة رحمــه اللــه تعــالى فــي كتــابه )إبطــال‬
‫التحليــل ص ‪ : (109‬بلغنــي أن مــن الباعــة مــن أعــد بــزا ً‬
‫لتحليل الربا فإذا جاء الرجل إلــى مــن يريــد أن يأخــذ منــه‬
‫ألفا بألف ومائتين ذهبا ً إلى ذلك المحلل فاشترى المعطى‬
‫منه ذلك الــبز ثــم يعيــده الخــذ إلــى صــاحبه ‪ ،‬وقــد عــرف‬
‫الرجل بذلك بحيــث إن الــبز الــذي يحلــل بــه الربــا ل يكــاد‬
‫يبيعه البيع البتات ا هـ ‪.‬‬
‫وقال في الفتاوى ‪ ، 430 /29‬جمع ابن قاسم ‪ :‬إذا اشترى‬
‫له بضاعة وباعها له فاشتراها منه أو باعها للثالث صــاحبها‬

‫‪425‬‬
‫الذي اشتراها المقرض منــه فهــذا ربــا ‪ .‬وفــي ص ‪- 436‬‬
‫‪ 437‬مــن المجلــد المــذكور ‪ :‬فهــذان المتعــاملن إن كــان‬
‫قصدهما أخذ دراهم بدراهم إلى أجل فبأي طريــق توصــل‬
‫إلى ذلك كان حراما ً وفــى ص ‪ 438‬منــه ‪ :‬فهــذه المعاملــة‬
‫وأمثالها من المعاملت التي يقصد بهــا بيــع الــدراهم بــأكثر‬
‫منها إلى أجل هي معاملة فاسدة ربوية ‪ ،‬قال ‪ :‬وعلى ولى‬
‫المــر المنــع مــن هــذه المعــاملت الربويــة وعقوبــة مــن‬
‫يفعلهــا ‪ ،‬وفــي ص ‪ 441‬منــه ‪ :‬وكــذلك إذا اتفقــا علــى‬
‫المعاملة الربوية ‪ ،‬ثم أتيا إلى صاحب حانوت يطلبــان منــه‬
‫متاعا ً بقدر المال فاشتراه المعطــى ثــم بــاعه علــى الخــذ‬
‫إلى أجل ‪ ،‬ثم أعاده إلى صاحب الحــانوت بأقــل مــن ذلــك‬
‫جعل؟ فهــذا أيض ـا ً‬ ‫فيكون صاحب الحانوت واسطة بينهما ب ُ‬
‫من الربا الذي لريب فيه ‪ .‬وفي ص ‪ 447‬منه ‪ :‬وأصل هذا‬
‫ئ مــا نــوى ‪ ،‬فــإن‬ ‫الباب أن العمال بالنيات وإنما لكل امر ٍ‬
‫كان قد نوى ما أحله الله فل بأس ‪ ،‬وإن نوى ما حرم اللــه‬
‫وتوصل إليـه بحيلـة فـإن لـه مــا نــوى ‪ .‬وقـال فــي أبطـال‬
‫التحليل ص ‪ : 108‬فيا سبحان اللــه العظيــم ‪ ،‬أيعــود الربــا‬
‫الذي قد عظم اللــه شــأنه فــي القــرآن ‪ ،‬وأوجــب محاربــة‬
‫مستحله ‪ ،‬ولعن أهل الكتاب بأخــذه ‪ ،‬ولعــن آكلــه ومــوكله‬
‫وكاتبه وشاهديه ‪ ،‬وجاء فيه مــن الوعيــد مــا لـم يجــئ فــي‬
‫غيره إلى أن يستحل جميعه بــأدنى ســعي مــن غيــر كلفــة‬
‫أصل ً إل بصورة عقد هي عبث ولعب يضحك منها ويســتهزأ‬
‫بها أم يستحسن مؤمن أن ينسب نبيا ً من النبياء فضل ً عن‬
‫سيد المرسلين بل أن ينسب رب العالمين إلــى أن يحــرم‬
‫هذه المحارم العظيمة ثم يبيحها بضرب من العبث والهزل‬
‫الذي لم يقصد ولــم يكــن لــه حقيقــة وليــس فيــه مقصــود‬
‫المتعاقدين قط ؟!‪.‬‬
‫وقال ابن القيم وهو أحد تلميذ شيخ السلم ابن تيمية في‬
‫كتابه الذي لم نر مثله في بابه ‪) :‬إعلم الموقعين ‪(3/148‬‬
‫تحقيق عبد الرحمن الوكيل ‪ :‬وهكذا الحيــل الربويــة ‪ ،‬فــإن‬
‫الربا لم يكن حرامـا ً لصــورته ولفظــه ‪ ،‬وإنمــا كــان حرامـا ً‬
‫لحقيقته التي امتاز بها عــن حقيقــة الــبيع ‪ ،‬فتلــك الحقيقــة‬
‫حيث وجدت وجــد التحريــم فــي أي صــورة ركبــت ‪ ،‬وبــأي‬

‫‪426‬‬
‫لفظ عبر عنها ‪ ،‬فليس الشأن في السماء وصور العقود ‪،‬‬
‫وإنما الشأن في حقائقها ومقاصدها وما عقدت له‪.‬ا هـ ‪.‬‬
‫وهذه المعاملة الشائعة بين الناس في التحايل علــى الربــا‬
‫تتضمن محاذير منها‪ :‬أنها خداع ومكر وتحيل علــى محــارم‬
‫الله تعالى ‪ .‬والحيلة ل تحلل الحرام ‪ ،‬ول تسقط الواجب ‪،‬‬
‫بل تزيد القبيح قبحا ً إلى قبحه ‪ ،‬حيث تحصل بهــا مفســدته‬
‫مع مفسدة الخداع والمكر ‪ ،‬ولهذا قال بعض الســلف فــي‬
‫المتحايلين ‪ :‬يخادعون الله كما يخادعون الصبيان ‪ ،‬لو أتــوا‬
‫المر على وجهه لكان أهون ‪ .‬ومنها ‪ :‬أنها تــوجب التمــادي‬
‫في الباطل ‪ ،‬فإن المتحّيل يرى أن عمله صــحيح فيتمــادى‬
‫فيه ‪ ،‬ول يشعر نفسه بأنه مــذنب ‪ ،‬فل يؤنبهــا علــى ذلــك ‪،‬‬
‫ول يحاول القلع عنــه ‪ ،‬أمــا مــن أتــى الباطــل علــى وجــه‬
‫صريح فإنه يشعر أنه وقع في هلكة فيخجل ويســتحي مــن‬
‫ربه ويحاول أن ينزع من ذنبه ويتوب إلى الله تعالى‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن السلعة تباع في محلها بــدون قبــض صــحيح ول‬
‫نقل ‪ ،‬وهذا معصية لرسول الله ‪ -‬صـلى اللـه عليـه وسـلم‬
‫‪ ، -‬فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي ‪ -‬صلى اللــه‬
‫عليه وســلم ‪ -‬نهــى أن تبــاع الســلع حيــث تبتــاع ‪ -‬أي فــي‬
‫المكــان الــذي اشــتريت فيــه ‪ -‬حــتى يحوزهــا التجــار إلــى‬
‫رحالهم ‪ .‬رواه أبو داود ‪ ،‬ويشــهد لـه حــديث عبــد اللـه بــن‬
‫عمر بــن الخطــاب رضــى اللــه عنهمــا قــال ‪ :‬كــان النــاس‬
‫يتبايعون الطعام جزاف ـا ً بــأعلى الســوق ‪ ،‬فنهــاهم النــبي ‪-‬‬
‫صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ -‬أن يــبيعوه حــتى ينقلــوه ‪ .‬رواه‬
‫البخاري‪ ..‬وقد يتعلــل بعــض النــاس فيقــول ‪ :‬إن عــد هــذه‬
‫الكياس قبض لها فنقول ‪ :‬القبض مـدلول لفظـي وهـو أن‬
‫يكون الشيء في قبضتك وهذا ل يتحقق بمجرد العـد ّ ‪ ،‬ثــم‬
‫لو قــدرنا أن العــد قبــض ‪ ،‬فهــل حصــل النقــل والحيــازة ؛‬
‫والنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬نهى أن تباع السلع حيــث‬
‫تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ‪.‬‬
‫وقد يتعلل بعض الناس بــأن هــذه المعاملــة مــن التــورق ‪،‬‬
‫فنقول ‪ :‬ليست هذه من التورق الذي اختلــف فــي جــوازه‬
‫فإن التورق أن يشــتري المحــاج ســلعة بثمــن مؤجــل زائد‬
‫عن ثمنها الحاضر من أجل أن يبيعها وينتفــع بثمنهــا ‪ ،‬فهــو‬

‫‪427‬‬
‫يشتري سلعة بعينها مقصودة مملوكة للبائع ‪ ،‬أما المعاملة‬
‫الشائعة هذه فليست كذلك فان البائع والمشــتري يتفقــان‬
‫على الربح ‪ ،‬وهى ليست في ملكه ‪ ،‬ثم إن السلعة ليست‬
‫معلومــة لهمــا ول معلومــة الثمــن ول مقصــودة ‪ ،‬ولــذلك‬
‫يأخذان أي سلعة تتفق عند صاحب الدكان بأي ثمن كــان ‪،‬‬
‫حتى إن بعضــهم إذا لــم يجــد ســلعة عنــد صــاحب الــدكان‬
‫تكفي قيمتها للدراهم الــتي يحتاجهــا المتــدين رفــع قيمتهــا‬
‫حتى تبلغ الدراهم المطلوبة ‪ ،‬وربما اشتراها الدائن فباعها‬
‫على المتدين ثم باعها المتدين على صاحب الدكان ثم عاد‬
‫صاحب الدكان فباعهــا علــى الــدائن مــرة ثانيــة ثــم باعهــا‬
‫الدائن على المتدين ‪ ،‬وهكذا يكــررون العقــد مــرات حــتى‬
‫تبلغ الدراهم المطلوبــة فــأين هــذه المعاملــة مــن التــورق‬
‫الذي هو موضع خلف بين العلمــاء)‪ ، (2‬وقــد نــص المــام‬
‫أحمد رحمه الله تعالى في رواية أبــي داود علــى أنهــا ‪-‬أي‬
‫مسألة التورق‪ -‬مــن العينــة ذكــره ابــن القيــم فــي تهــذيب‬
‫السنن ‪ ، 5/108‬وذكر في النصاف عن المام أحمــد فيهــا‬
‫ثلث روايات ‪ :‬الباحة والكراهــة والتحريــم ‪ ،‬واختــار شــيخ‬
‫السلم ابن تيمية تحريم التورق وكــان يراجــع فيهــا كــثيرا ً‬
‫فيأبى إل تحريمها‪ .‬وقد شاع في هذه المعاملة المتحيل بها‬
‫على الربا ‪ .‬أن الناس يقولون فيها ‪) :‬العشر أحد عشــر( ‪،‬‬
‫وهذا مكروه في البيع الذي ليس حيلــة علــى الربــا ‪ .‬وعــن‬
‫المام أحمــد ‪-‬رحمــه اللــه‪ -‬أنــه الربــا ‪ ،‬وقــال أيضـا ً ‪ :‬كــأنه‬
‫دراهم بدراهم ل يصح ‪.‬‬
‫وقد تدرج كثير من الناس بهذه المعاملة إلـى الوقــوع فـي‬
‫الربـــا الصـــريح ‪ ،‬ربـــا الجاهليـــة الـــذي يـــأكلونه أضــعافا ً‬
‫مضاعفة ‪ ،‬فإذا حل الجل ولم يوف المدين إمــا لعجــزه أو‬
‫مماطلته قال له الدائن ‪ .‬خله يبقى بمعاشرته فيربى عليه‬
‫كل سنة ذلك الربح الــذي اتفقــا عليــه وســمياه معاشــرة ‪،‬‬
‫نسأل الله تعالى السلمة ‪.‬‬
‫المخرج المشروع ‪:‬‬
‫والموفق يستطيع التخلص من هذا الفخ الــذي أوقعــه فيــه‬
‫الشيطان والشح ‪ ،‬فيصرف تعامله إلى البيع والشراء على‬
‫الوجه السليم ‪ ،‬ويقضي حاجة المحتاج إما بإقراضه ‪ ،‬وإمــا‬

‫‪428‬‬
‫بالسلم بأن يعطيه دراهم بعــوض يســلمه لــه بعــد ســنة أو‬
‫أكثر حسبما يتفقان عليــه ‪ ،‬مثــل أن يقــول ‪ :‬هــذه عشــرة‬
‫آلف ريال اشتريت بها منك ‪ ،‬مائة كيــس ســكر تحــل بعــد‬
‫سنة ‪ ،‬وقيمة الكيــس بــدون أجــل مــائة وعشــرة ريــالت ‪،‬‬
‫فهنا حصل للبــائع الــذي هــو المســتدين انتفــاع بالــدراهم ‪،‬‬
‫وحصــل للمشــتري الــذي هــو الــدائن انتفــاع بربــح عشــرة‬
‫ريالت في كــل كيــس ‪ ،‬وربمــا يرتفــع ســعره عنــد الوفــاء‬
‫فيربح أكثر ‪ ،‬وربما ينزل فل يحصل لــه إل دراهمــه أو أقــل‬
‫وبهذا يخرج عن الربا ويكون كالبيع المعتاد الذي يربح فيــه‬
‫أحد المتعاقـدين أو يخسـر حسـب اختلف السـعر ‪ .‬وهـذه‬
‫المعاملة كانت شائعة بين الناس إلى عهد قريـب وتسـمى‬
‫في لغة العامة )المكتــب أو الكتــب( ينطقــون الكــاف بيــن‬
‫السين والكاف ? فهاتان طريقتان لقضاء حاجة المحتاجين‬
‫‪ :‬القرض والمكتب ‪ .‬فــإن لــم يشــأ المتعاقــدان ذلــك فثــم‬
‫طريقة ثالثة إذا كانت حاجة المدين بشيء معيــن مثــل أن‬
‫يكون محتاجا لسيارة أو ماكينة وقيمتها كذا وكذا ‪ ،‬فيبيعهــا‬
‫الدائن عليه بأكثر إلى أجل يتفقان عليه ‪ ،‬لن قصد المدين‬
‫هنا نفس تلك العين ل دراهم بدراهم ‪.‬‬
‫ثل‬ ‫حي ْـ ُ‬‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫خَرج ـا ً * وي َْرُزقْ ـ ُ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫جَعل ل ّـ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫من ي َت ّ ِ‬ ‫))و َ‬
‫ن‬‫مـ ْ‬ ‫ه ِ‬‫جَعل ل ّـ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫من ي َت ّ ِ‬ ‫ب((]الطلق ‪)) ، [3-2 :‬و َ‬ ‫س ُ‬‫حت َ ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫سرًا(( ]الطلق‪ ، [4:‬هكذا قــال اللــه تعــالى ‪ .‬وقــال‬ ‫َ‬
‫مرِهِ ي ُ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫جعَــل ل ّك ُـ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫من ُــوا إن ت َت ُّقــوا الل ّـ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى ‪)) :‬ي َــا أي ّهَــا ال َـ ِ‬
‫ل‬ ‫ضـ ِ‬ ‫ذو الَف ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫م والل ّـ ُ‬ ‫م وي َغِْفْر ل َك ُـ ْ‬ ‫سي َّئات ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫عنك ُ ْ‬ ‫فُْرَقانا ً وي ُك َّفْر َ‬
‫م((]النفال‪.[29:‬‬ ‫ظي ِ‬ ‫العَ ِ‬
‫َ‬
‫جــاَءهُ‬ ‫مــن َ‬ ‫م الّرب َــا فَ َ‬ ‫حـّر َ‬ ‫ه الب َي ْـعَ و َ‬ ‫ل الل ّـ ُ‬ ‫ح ّ‬‫وقال تعالى ‪)) :‬وأ َ‬
‫ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬‫مُرهُ إَلى الل ّهِ و َ‬ ‫ف وأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ّ ّ ِ‬ ‫عظ َ ٌ ّ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن((]البقــرة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عَــاد َ فَ ـأوْل َئ ِ َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِـ ُ‬ ‫م ِفيهَــا َ‬ ‫ب الن ّــارِ هُ ـ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫صـ َ‬ ‫كأ ْ‬
‫‪. [275‬‬
‫فالتوبة إلى الله تعالى إذا كانت نصــوحا ً تمحــو مــا قبلهــا ‪،‬‬
‫وإذا كانت هذه المعاملت المحرمة فعلها العبد تقليدا ً لمن‬
‫يحسن الظن به أو تأويل ً اشتبه عليه به وجــه الصــواب ثــم‬
‫رجع إليه بعد علمه به فإنه ل يؤاخــذ بــه ‪ ،‬فإنمــا المؤاخــذة‬

‫‪429‬‬
‫فيمن علم الخطأ وتمادى فيه ‪ ،‬والله يهدي من يشــاء إلــى‬
‫صراط مستقيم ‪.‬‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫‪ -1‬وألحــق جمهــور العلمــاء بهــا مــا يســاويها فــي العلــة‬
‫والحكمة على خلف بينهم في تحقيق العلــة ‪ ،‬وليــس هــذا‬
‫محل بسطها‪.‬‬
‫‪ -2‬ولذا يحكى ابن تيمية الخلف في التورق ‪ ،‬ولكن يقــول‬
‫في هذه المعاملة ‪ :‬هو من الربا الذي ل ريب فيه‪.‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬فتاوى حول الربا والمفطرات‬
‫مجلة البيان ‪) -‬ج ‪ / 18‬ص ‪(49‬‬
‫الفتاوى‬
‫وصلت المجلة هذه السئلة من الخوة القــراء وقــد تــوجه‬
‫بها مندوبنا إلى فضيلة الشيخ عبد الله بــن جــبرين فأجــاب‬
‫عليها مشكورا ً ‪ ،‬وجزاه الله خيرا ً ونفع به‪.‬‬
‫ما حكم اليداع في البنوك الربوية ؟‬
‫يجوز للضرورة إذا لـم يوجـد غيـره مـن البنـوك السـلمية‬
‫وخيف عليها من اللصوص ‪...‬‬
‫ما حكم المساهمة في شركات تتعامــل فــي الربــا وأصــل‬
‫نشاطها ليس ربوّيا ؟‬
‫ل يجــوز المســاهمة فــي مثــل هــذه الشــركات إذا كــانوا‬
‫يودعون عند البنوك ويأخذون فــوائد ربويــة يضــيفونها إلــى‬
‫رأس المال‪.‬‬
‫ما حكم المضاربة في المصارف السلمية ؟‬
‫يجوز إذا تحقق أنها إسلمية ليس فيها شبهة ول تدخل مــع‬
‫البنوك الربوية‪.‬‬
‫ما حكم التجارة بشراء العملت سواء عــن طريــق البنــوك‬
‫أو عن طريق شركات خاصة ؟‬
‫يجــوز الصــرف الــذي هــو بيــع نقــد بنقــد بشــرط الحلــول‬
‫والتقابض قبل التفرقة ويقوم قبض الشيك الذي له رصــيد‬
‫مقام قبض النقد‪.‬‬
‫ما الذي يفطرمن الشياء التالية‪:‬‬
‫‪ -‬القطرة‪ :‬العينية ‪ ،‬النفية ‪ ،‬الذنية ؟‬

‫‪430‬‬
‫‪ -‬الحقنة‪ :‬العضلية ‪ ،‬الوريدية‪،‬الجلدية ؟‬
‫‪ -‬حقن المخدر في اللثة لقلع السنان؟‬
‫‪ -‬استعمال فرشاة ومعجون السنان أثناء الصيام ؟‬
‫‪ -‬المبخرات عن طريق الفم كاستنشاق الدواء عن طريــق‬
‫الفم في مرض الربو ؟‬
‫‪ -‬التحاميل الشرجية‪ ،‬الحقن الشرجية ؟‬
‫‪ -‬تفطر النفية إذا وصلت إلــى الحلــق ‪ ،‬ول تفطــر العينيــة‬
‫والذنية وإن كانت مكرو هة ‪..‬‬
‫‪ -‬يفطر من البر ما يصل إلى الجــوف كحقــن الوريــد ومــا‬
‫كان مغذّيا أو مقوّيا من غيرها‪.‬‬
‫ل تفطر حقن المخــدر حيــث إن أثرهــا موضــعي ل يتجــاوز‬
‫موضع السنان‪.‬‬
‫‪ -‬استعمال الفرشاة والمعجون مكــروه مخافــة أن يختلــط‬
‫بالريق ويدخل الجوف ‪ ،‬وإذا تحفظ فإنه ل يفطر‪.‬‬
‫‪ -‬المبخرات يكره إل لضرورة وحينئذ فل يفطر‪.‬‬
‫‪ -‬التحاميل تفطر حيث إنها تدخل إلى الجوف‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬تنويه ورد )حول كلم الشيخ ابن باز فى الربا(‬
‫مجلة البيان ‪) -‬ج ‪ / 36‬ص ‪(94‬‬
‫تنويه ورد ّ‬
‫أرســل لنــا الــدكتور علــي الســالوس ‪ -‬حفظــه اللــه ‪ -‬عــن‬
‫طريق هيئة الرقابة الشرعية في مصرف قطــر الســلمي‬
‫هذا الرد من سماحة الشيخ عبــد العزيــز بــن بــاز علــى مــا‬
‫كتبته جريدة "الهرام" ‪:‬‬
‫الحمــد للــه والصــلة والســلم علــى رســول اللــه وآلــه‬
‫وصحبه ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ :‬فقد اطلعت على ما نشرته صــحيفة "الهــرام" ‪-‬‬
‫الصادرة في ‪ 18/2/1411‬هـ الموافــق ‪ 7/7/1990‬م نقل ً‬
‫عن معــالي وزيــر الوقــاف المصــري بــأنني أفــتيت بجــواز‬
‫التعامــل مــع البنــوك بــالفوائد مــن أجــل الضــرورة ‪ ..‬اهـ ـ‬
‫المقصود ‪.‬‬

‫‪431‬‬
‫ومن أجل إيضاح الحق للقراء وغيرهم أعلن أن هذا النقــل‬
‫ل صحة له ‪ ،‬وقد صدرت عنــي فتــاوى كــثيرة ُنشــرت فــي‬
‫الصحف المحلية وغيرها بتحريم الفوائد البنكية المعروفة ؛‬
‫لن الدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على ذلك‪.‬‬
‫وحســبنا اللــه ونعــم الوكيــل ‪ ،‬ونســأل اللــه أن يوفــق‬
‫المسلمين جميعا ً لكل ما يوافق شــرعه المطهــر ويعيــذهم‬
‫من أســباب غضــبه ‪ .‬وصــلى اللــه علــى نبينــا محمــد وآلــه‬
‫وصحبه‪.‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬الربا والدوات النقدية المعاصرة )‪(1‬‬
‫مجلة البيان ‪) -‬ج ‪ / 100‬ص ‪(36‬‬
‫دراسات اقتصادية‬
‫الربا والدوات النقدية المعاصرة‬
‫)‪(1‬‬
‫د‪ .‬محمد بن عبد الله الشباني‬
‫يمثل تعدد أنواع وأشكال الدوات النقدية المستخدمة فــي‬
‫ســداد اللتزامــات الماليــة أهــم المتغيــرات فــي المجتمــع‬
‫المعاصــر فيمــا يتعلــق بموضــوع التبــادل النقــدي‪ ،‬بجــانب‬
‫اتساع نطاق التجار بــالعملت الورقيــة‪ ،‬الــتي تمثــل الداة‬
‫النقدية ذات اللزام النظامي في سداد اللتزامات الناشئة‬
‫عن التبادل السلعي والخدمي في المجتمع‪.‬‬
‫إن دراسة ظاهرة استخدام الدوات النقدية المتعـددة فـي‬
‫سداد اللتزامات الناشئة عن ممارسة النشطة القتصادية‬
‫المختلفة )مثل‪ :‬الشــيكات‪ ،‬وبطاقــات الئتمــان المختلفــة(‬
‫كأدوات تحل محل النقود المعدنية أو الورقيــة‪ ،‬يرجــع إلــى‬
‫ما يكتنف هذه الساليب من تســاؤلت عــن مــدى شــرعية‬
‫هذه الدوات من ناحية‪ ،‬ومواطن الربا التي يمكن أن توجد‬
‫نتيجــة لســتخدام هــذه المســتجدات مــن وســائل ســداد‬
‫اللتزامات مــن خلل الوحــدات المصــرفية المختلفــة مــن‬
‫ناحية أخرى‪.‬‬
‫يرتبط فهم طبيعة هــذه الدوات ودورهــا فــي تحقيــق أهــم‬
‫وظائف النقـود بفهــم النظريـة النقديــة‪ ،‬الــتي تهتــم بربــط‬
‫النقود بالمتغيرات القتصادية‪.‬‬

‫‪432‬‬
‫إن فهم النظريــة النقديــة يســتدعي تحديــد ماهيــة النقــود‪،‬‬
‫وتكوينها‪ ،‬وأشــكالها‪ ،‬وطبيعــة العلقــات المرتبطــة بتأديتهــا‬
‫لوظائفها‪ ،‬وإبــراز وجهــة النظــر الشــرعية مــن خلل فهــم‬
‫ودراسة النصوص من القرآن والسنة‪ ،‬مــع تحديــد النظــرة‬
‫الشرعية لمفهوم النقد )بوصفه معيــارا ً لتفســير التغيــرات‬
‫فـــي أثمـــان الســـلع والخـــدمات( والدوات المعاصـــرة‬
‫المســتخدمة فــي تحقيــق وظيفــة النقــد الخاصــة بتيســير‬
‫التبادل السلعي والخدمي‪ ،‬ومواطن الحرمة عند اســتخدام‬
‫هذه المستجدات من الدوات‪.‬‬
‫وفي هذه المقالة سوف أحاول دراسة الجوانب الشــرعية‬
‫لهــذه الدوات ومــواطن الربــا جميع ـًا‪ ،‬مــع محاولــة إلقــاء‬
‫الضوء بشكل مختصر على ماهية النقود من وجهــة النظــر‬
‫السلمية‪.‬‬
‫ماهية النقود‪:‬‬
‫تحاول الدراسات التاريخيــة للنظــام النقــدي الجابــة علــى‬
‫السؤال التالي‪:‬‬
‫ماذا ُيعنى بالنقود؟ وتأتي الجابة على أنها‪ :‬ســلعة متميــزة‬
‫تمتاز من بين باقي الســلع للقضــاء علــى المقايضــة‪ ،‬ولهــا‬
‫وظائف تقليدية وأشكال معينــة‪ ،‬وترتبــط بهيئات اقتصــادية‬
‫محددة‪(1) .‬‬
‫لقد ترتب على النظرة المتعلقة بأن النقد ما هو إل ســلعة‬
‫مختارة من بين السلع‪ :‬حصر نطــاق التحليــل النقــدي فــي‬
‫الجانب العيني؛ فالظواهر الساسية في الحياة القتصــادية‬
‫يمكن دراستها من خلل الجانب العيني )ســلع وخــدمات(‪،‬‬
‫أما النقود فهي مجرد غطاء خارجي للشياء‪ ،‬يجب معرفــة‬
‫ما وراءه‪ ،‬فقيمة المنتجــات ل تجــد مقياســها فــي الســعار‬
‫النقدية‪ ،‬وإنما في علقات المبادلة بين السلع في الســعار‬
‫النسبية بينها‪ ،‬وإن ما يتخذ مظهرا ً نقدي ّا ً ما هو في الحقيقة‬
‫إل عملية توفيق بين عناصر النتاج من‪ :‬رأس مال‪ ،‬وعمل‪،‬‬
‫ومعرفة فنية‪ ،‬وموارد طبيعية‪ ،‬وأجر نقدي‪.‬‬

‫أما الدخار‪ :‬فهو يمثل الجزء الحقيقي من السلع الــتي لــم‬


‫تستهلك خلل فترة معينة‪ ،‬أما أهميــة الســتثمار‪ :‬فل تعــود‬

‫‪433‬‬
‫إلى رأس المال النقدي‪ ،‬وإنما في تحــوله إلــى رأس مــال‬
‫ن‪ ،‬فالقاعــدة العامــة‬ ‫طبيعي‪ ،‬أي‪ :‬إلــى أجهــزة وآلت ومبــا ٍ‬
‫إذن هي‪ :‬أن حقيقة الظواهر القتصادية ما هي إل ظــواهر‬
‫عينية‪ ،‬وما النقود إل أداة فنية ليس لها من وظيفــة ســوى‬
‫تسهيل عمليات المبادلة والتراكم الرأسمالي فــي اقتصــاد‬
‫مبادلة النتاج‪.‬‬
‫إن هــذا التجــاه التحليلــي لماهيــة النقــود‪ ،‬لــم يكــن حــدثا ً‬
‫عارضا ً بقدر ما كان نتاج مجموعة من الظــروف التاريخيــة‬
‫والفكرية المصاحبة للتغيرات التي حدثت في القتصاديات‬
‫الوروبية خلل فترة تراجع المة الســلمية‪ ،‬ودخولهــا فــي‬
‫فــترة الضــمحلل والجمــود والنفصــام مــا بيــن معطيــات‬
‫ومبادئ الشريعة السلمية والركود الــذي أصــاب مختلــف‬
‫أوجه الحياة في المة السلمية‪ ،‬أما بالنسبة للقتصــاديات‬
‫الوروبيـــة‪ ،‬فقـــد تميـــزت بتعـــدد الضـــطرابات النقديـــة‬
‫والتجارب في تطوير العمــل المصــرفي‪ ،‬مــع تغيــر وتبــدل‬
‫الظــروف التاريخيــة‪ ،‬الــتي أدت إلــى تفســير الكــثير مــن‬
‫العلقـــات النقديـــة غيـــر المتوازنـــة والمرتبطـــة بالنتـــاج‬
‫والسعار‪ ،‬وفي مواجهة هذا التجــاه )التجــاه العينــي( بــرز‬
‫اتجاه فكري مضاد لــه قــائم علــى رفــض تجريــد القتصــاد‬
‫العيني من كل خصيصة نقدية؛ حيث يــرى أن للنقــود دورا ً‬
‫وأهمية في تفسير الظواهر العينيــة‪ ،‬ممــا أعطــى للتحليــل‬
‫النقدي دورا ً على حساب التحليل العيني‪.‬‬
‫يرتبـــط دور النقـــود فـــي أداء مهامهـــا بوصـــفها ظـــاهرة‬
‫اجتماعية ذات أبعاد متعددة مــن حيــث إنهــا تمثــل وســائل‬
‫الدفع التي يحتاج إليها القتصاد بتطور العلقات القتصادية‬
‫)إنتاجا ً وتوزيع ـًا( مــن مرحلــة النتــاج الــذاتي القــائم علــى‬
‫إشــباع الحاجــات الذاتيــة إلــى مرحلــة النتــاج المتخصــص‬
‫المقترن بالحاجة إلى المبادلة‪ ،‬التي بدأت بالمقايضــة ومــا‬
‫صاحبها من معوقات بسبب تعدد الطراف وتعــدد الســلع‪،‬‬
‫مما أدى إلى اختيار سلعة معينــة كقاعــدة للمقارنــة‪ ،‬وبهــا‬
‫تقاس قيم السلع الخرى‪ ،‬وما استتبع ذلك من قبــول هــذه‬
‫السلعة‪ ،‬باعتبار أن لها قيمة ذاتيــة تقبــل مــن الجميــع فــي‬

‫‪434‬‬
‫عمليات التبادل‪ ،‬مع إمكانيــة تخزينهــا وانتقالهــا مــن حيــث‬
‫الزمان والمكان‪.‬‬
‫لقد واجه النسان مشكلة اختيار السلعة القابلة لن تكــون‬
‫وسـيطا ً للمبادلـة‪ ،‬ومقبولـة مـن الجميـع‪ ،‬وتكـون مقياسـا ً‬
‫للسلع الخرى‪.‬‬
‫خصائص النقود‪:‬‬
‫لقــد توصــل النســان مــن خلل تجــاربه إلــى ضــرورة أن‬
‫تتصف النقود بخصائص معينة‪ ،‬حتى تقوم بوظائفها‪ ،‬وهــذه‬
‫الخصائص يمكن إجمالها في المور التالية )‪:(2‬‬
‫‪ -1‬أن تكــون الوحــدات الــتي تتكــون منهــا الســلعة كنقــد‬
‫مقبولة من الجميع‪ ،‬وهذا القبــول يعطيهــا خاصــية اللــزام‪،‬‬
‫وبعد تولي الدولة فرض القبول لوحدات النقد ساعد ذلــك‬
‫المر على أن تصبح النقــود الورقيــة الــتي يصــدرها البنــك‬
‫المركزي ملزمة للجميع ومبرئة للذمــة‪ ،‬وبالتــالي‪ :‬ظهــرت‬
‫النظرية التي تقول‪ :‬إن النقود ليست لها قيمة فــي ذاتهــا‪،‬‬
‫وإنما تستمد هذه القيمة من سلطة الجبــار‪ ،‬فالدولــة هــي‬
‫جد النقود‪ ،‬وهي التي تزيل عنها هذه القدرة‪.‬‬ ‫التي تو ِ‬
‫‪ -2‬أن تكون لها صفة الدوام والثبات‪ ،‬ففقدان النقــد لهــذه‬
‫الصفة يضعفها من القيام وظائفها المتمثلة في أنها مخزن‬
‫للقيمة‪ ،‬ووسيلة لتسديد الديون‪ ،‬فعــدم الثبــات يــؤدي إلــى‬
‫الضطراب في المعاملت‪.‬‬
‫‪ -3‬تــوفر عنصــر النــدرة‪ ،‬فالنــدرة عنصــر أســاس لفــرض‬
‫الحترام والتناسب مع حجم المعــاملت والمحافظــة علــى‬
‫القيمــة‪ ،‬لقــد كــان اختيــار الــذهب والفضــة فــي الماضــي‬
‫سا ً على ما يتمتعان به من نــدرة نســبية فــي الوجــود‬ ‫مؤس ً‬
‫الطبيعي‪ ،‬وبعد قيام الدولة باللزام بقبول النقود الورقيــة‪،‬‬
‫فقد اســتخدم لتحقيــق هـذه الخاصـية فـرض القيــود علــى‬
‫الصدار النقدي الورقي‪.‬‬
‫‪ -4‬إمكانيــة النقســام‪ ،‬أي‪ :‬إمكانيــة تجزئتهــا إلــى وحــدات‬
‫صغيرة نهائية أو ل نهائية‪ ،‬وهــذه القابليــة تســتلزم القــدرة‬
‫علــى تجــزئة قيمتهــا‪ ،‬وبالتــالي‪ :‬تجــزئة الوحــدات النقديــة‬
‫الموازية على أن يتبع هذا النقســام التكــافؤ أو المســاواة‬
‫بين قيمة مجموع الجزاء المقسمة ووحــدة النقــد الكليــة‪،‬‬

‫‪435‬‬
‫ولمواجهــة الحاجــة إلــى انقســام الوحــدات النقديــة تعمــد‬
‫الدولة في العصر الحديث إلى إصــدار مــا يســمى بالعملــة‬
‫المساعدة؛ سواء أكان على أساس معدني أو أوراق نقدية‬
‫مســاعدة تقــوم بــدور وحــدات التجــزئة لوحــدات النقــد‬
‫الورقيــة‪ ،‬والغــرض منهــا‪ :‬تســهيل المعــاملت ومواجهــة‬
‫اختلف أحجام السلع‪.‬‬
‫وظائف النقود‪:‬‬
‫على ضوء ما سبق من مناقشة لماهية النقود والخصــائص‬
‫التي يجب أن تتــوفر فـي أي سـلعة تتخــذ نقــدًا‪ :‬يتضــح أن‬
‫النقود ليســت غايــة فــي ذاتهــا‪ ،‬بقــدر مــا هــي أداة لتأديــة‬
‫وظائف معينة يمكن إجمالها في المور التالية )‪:(3‬‬
‫‪ -1‬قيــاس قيــم الســلع والخــدمات‪ :‬فــالنقود هــي مقيــاس‬
‫للقيمة ووحدة للمحاسبة‪ ،‬فعدد الوحــدات النقديــة اللزمــة‬
‫للحصول على السلعة‪ ،‬الــتي تســتبدل بهــا الســلعة‪ ،‬تعتــبر‬
‫ثمنا ً أو قيمة لهــذه الســلعة‪ ،‬وحيــث إن النقــود هــي وحــدة‬
‫القيــاس المشــتركة لقيــم جميــع الســلع‪ ،‬وبالتــالي‪ :‬يمكــن‬
‫المقارنة بين القيــم النســبية لمختلــف الســلع عــن طريــق‬
‫تقدير عدد الوحــدات النقديــة اللزمــة للحصــول علــى كــل‬
‫سلعة‪.‬‬
‫‪ -2‬أداة للدفع ووســيط للمبادلــة‪ :‬فــالنقود تســتخدم كـأداة‬
‫للمدفوعات؛ للحصــول علــى الســلع والخــدمات مــن خلل‬
‫الشراء‪ ،‬والبيع‪ ،‬وتقــديم الخدمــة‪ ،‬أوالحصــول عليهــا‪ ،‬فعــن‬
‫طريق تقديم كمية من النقــود أو فتــح حســاب فــي البنــك‬
‫التجــاري‪ :‬يتــم دفــع المعــاملت الماليــة وإشــغال الذمــة‬
‫وإبراؤها‪ ،‬فالنقود أداة لتسديد كافة اللتزامات‪.‬‬
‫‪ -3‬النقود مخزن للقيمة‪ :‬وهذه الوظيفــة مرتبطـة بخاصـية‬
‫الثبات والدوام‪ ،‬فالنقود بما تمثله من قــوة شــرائية يمكــن‬
‫أن تكتنــز فــي لحظــة معينــة‪ ،‬أي‪ :‬يحتفــظ بهــا لتنفــق فــي‬
‫لحظة تالية‪ ،‬وهي بذلك تربط قيمة السلع بالزمن‪ ،‬والنقود‬
‫بفكرة المضاربة‪ ،‬والقيام بتحقيــق الدخــار وتراكــم رؤوس‬
‫الموال‪.‬‬
‫وفــي الماضــي‪ ،‬حينمــا كــانت المعــادن النفيســة )الــذهب‬
‫والفضة( يتم تداولها نقودًا‪ ،‬فيتمثل التخزين فـي الحتفــاظ‬

‫‪436‬‬
‫بهــا‪ ،‬أمــا بعــد أن حلــت النقــود الورقيــة محلهــا‪ ،‬فيتمثــل‬
‫التخزين في اليداع في البنـوك‪ ،‬وينتـج عــن الحتفـاظ بهـا‬
‫في البنوك‪ :‬الحصول علــى ثمــن لهــذا اليــداع يتمثــل فــي‬
‫الفائدة التي تمنح للمودعين‪.‬‬
‫طبيعة النظام النقدي‪:‬‬
‫من خلل الستعراض السابق اتضحت لنا ماهية النقود من‬
‫حيث خصائصــها ووظائفهــا‪ ،‬المــر الــذي سيســاعدنا علــى‬
‫معرفة طبيعة النظــام النقــدي‪ ،‬وبالتــالي‪ :‬تحديــد التكييــف‬
‫الفقهي كمــا نــراه للنظــام النقــدي المعاصــر‪ ،‬مــع توضــيح‬
‫ومناقشة البعاد الشــرعية للدوات المســتجدة للــدفع فــي‬
‫النظام النقدي المعاصر‪ ،‬مع محاولة تحديــد مــواطن الربــا‬
‫التي يمكن أن تنشأ من خلل استخدام هذه الدوات‪.‬‬
‫النظــام النقــدي لي مجتمــع مــن المجتمعــات مــا هــو إل‬
‫مجموعــة مــن العلقــات والتنظيمــات الــتي تحكــم الوضــع‬
‫النقدي ضــمن فــترة زمنيــة معينــة ونطــاق مكــاني محــدد‪،‬‬
‫وبالتالي‪ :‬فل بد من تــوفر ثلث خصـائص للنظــام النقــدي)‬
‫‪ ،(4‬وهي‪:‬‬
‫‪ (1‬قيام النظام على عدد من العناصر‪ ،‬من أهمهــا‪ :‬عنصــر‬
‫القاعدة النقديــة‪ ،‬الــتي يقصــد بهــا المقيــاس الــذي يتخــذه‬
‫المجتمع أساسا ً لحساب القيمة القتصادية‪ ،‬والغايــة منهــا‪:‬‬
‫المحافظــة علــى القيمــة القتصــادية للنقــود )أي‪ :‬قوتهــا‬
‫الشرائية( في النطاقين الداخلي والخارجي‪.‬‬
‫تقوم القاعدة النقدية على ظاهرة الندرة للمــوارد النقديــة‬
‫عنــدما كــان النقــد يأخــذ شــكل ً مادي ّــا متمثل ً فــي المعــادن‬
‫النفيسة‪ ،‬التي تتمتــع بنــدرة طبيعيــة‪ ،‬ولكــن المــر اختلــف‬
‫عنــدما اســتندت القاعــدة النقديــة علــى القيمــة الورقيــة‬
‫)قاعدة النقد الورقية(‪ ،‬وبالتالي‪ :‬حــل الجــانب التنظيمــي‪،‬‬
‫الذي يتمثل في مجموعة الشروط والقواعــد الــتي تضــعها‬
‫السلطات النقدية في الدولة‪ ،‬للتعبير عن تصــورها للقيمــة‬
‫النقدية وارتباطها بالقيم القتصادية‪ ،‬وهــي شــروط تهــدف‬
‫غالبا ً إلى تحقيق الســتقرار النقــدي‪ ،‬أي‪ :‬تحقيــق التوافــق‬
‫بين حجم وسائل الدفع وقدرات الجهاز النتاجي‪ ،‬وبالتالي‪:‬‬
‫فكفاءة القاعدة النقدية تقاس بقــدرتها علــى التحكــم فــي‬

‫‪437‬‬
‫عــرض النقــود القانونيــة‪ ،‬عــن طريــق غطــاء الصــدار‬
‫والئتمان‪ ،‬عن طريق التحكم في الودائع وفي رقابة البنك‬
‫المركــزي علــى البنــوك التجاريــة‪ ،‬بجــانب هــذا العنصــر‬
‫الساس هنــاك عناصــر ثانويــة فــي النظــام النقــدي‪ ،‬ومــن‬
‫أهمها‪ :‬وحدة النقد الرســمية المســتخدمة فــي الحســابات‬
‫النقدية‪ ،‬فلكل اقتصاد قومي وحـدة نقـد رسـمية تسـتخدم‬
‫في الحسابات النقدية‪ ،‬مثل‪ :‬الريــال‪ ،‬والجنيــه‪ ،‬والــدولر‪...‬‬
‫ترتكــز عليهــا المــدفوعات الداخليــة الناتجــة عــن دفــع‬
‫اللتزامــــات الماليــــة )الــــبيع‪ ،‬والشــــراء‪ ،‬والجــــور‪،‬‬
‫والربــاح‪...‬إلــخ(‪ ،‬ويلــزم لهــذه الوحــدة الحســابية صــفتان‬
‫أساسيتان‪ :‬الولى‪ :‬الصفة القانونية‪ ،‬أي‪ :‬التمتع بقوة إبــراء‬
‫جب َــر الــدائن علــى قبولهــا‬
‫مطلقة في الوفاء باللتزامــات ي ُ ْ‬
‫وفاًء لدينه‪ ،‬ويعفى المـدين مـن دينـه بمجـرد السـداد بهـا‪،‬‬
‫ويقبلها الجميع فــي المعــاملت‪ .‬الثانيــة‪ :‬الصــفة اللزاميــة‬
‫لسعرها‪ ،‬بحيث ل يســمح بتحويلهــا إلــى أي نــوع آخــر مــن‬
‫النقود‪ ،‬ولكــن وظــائف وعلقــات النقــود الساســية طغــت‬
‫على دور وأهمية القاعدة النقدية‪ ،‬وهذا ما نشاهده في أن‬
‫العلقة بين وحدات النقد الساسية )الريال‪ /‬الــدولر‪ ،‬مث ً‬
‫ل(‬
‫وأدوات الدفع الخرى )نقود ائتمانيــة‪ ،‬أذون خزانــة‪ ،‬أوراق‬
‫ماليــة( مرتبطــة بموضــوع الســيولة؛ فــالنقود الساســية‬
‫بصــفتها نقــودا ً قانونيــة ونهائيـة تمثـل قيمــة الســيولة‪ ،‬أمـا‬
‫أدوات الدفع الخــرى‪ :‬فهــي تتمتــع بــدرجات متفاوتــة مــن‬
‫السيولة قد تتحول عاجل ً أو آجل ً إلى نقود أساسية بحسب‬
‫دورها في النشاط القتصادي‪.‬‬
‫‪ (2‬النظــام النقــدي نظــام اجتمــاعي ل يمكــن فصــله عــن‬
‫البيئة الجتماعية والقتصادية التي يعمل فيها‪ ،‬فهي تعكس‬
‫بالضرورة القتصاد الذي وجــد لخــدمتها‪ ،‬فالنظــام النقــدي‬
‫في القتصاد الرأسمالي الربوي يختلف عن النظام النقدي‬
‫ل‪ :‬النظام النقدي‬ ‫في اقتصاد تقوم قيمه على السلم‪ ،‬فمث ً‬
‫الرأسمالي يقوم على الربا‪ ،‬فجميع أشكال المعاملت في‬
‫هذا النظام تدور حــول تلــك الفــائدة الربويــة‪ ،‬أمــا النظــام‬
‫النقدي السلمي في حالة قيامه في مجتمع يلتزم بالنظام‬
‫القتصــادي الســلمي‪ :‬فلــن يكــون للفــائدة الــدور المــؤثر‬

‫‪438‬‬
‫والفاعل‪ ،‬بل سيحل مفهوم الربح والخسارة محل مفهــوم‬
‫الفائدة الربوية‪.‬‬
‫‪ (3‬النظــام النقــدي نظــام متغيــر حســب مــا يحــدث فــي‬
‫النظام القتصادي والجتماعي الذي ينتمـي إليـه‪ ،‬فالنظـام‬
‫النقدي يمثل الشكل الخــاص لتــداول النقــود فــي اقتصــاد‬
‫ل‪ :‬التغيـــرات الـــتي حـــدثت فـــي النظـــام‬ ‫المبادلـــة‪ ،‬فمث ً‬
‫القتصادي الرأسمالي أثــرت فــي تطــور النظــام النقــدي؛‬
‫حيث مر هذا النظام من مرحلة قاعدة الذهب إلى مرحلــة‬
‫قاعدة النقد الورقية‪ ،‬ومرحلة الليبرالية النقدية إلى مرحلة‬
‫التدخل النقدي‪ ،‬وهذا التغير كان نتيجة لطبيعة التوافق بين‬
‫البيئة القتصادية والظواهر النقدية؛ بقصد المحافظة علــى‬
‫الهداف الرئيسة للنظام الرأسمالي‪.‬‬
‫النظام النقدي والنقود الورقية‪:‬‬
‫يقتضــي فهــم النظــام النقــدي المعاصــر معرفــة العلقــة‬
‫ودراستها بين خاصــية النظــام النقــدي )القاعــدة النقديــة(‬
‫والنقود الورقية والئتمانية‪ ،‬وهذا يقتضي إلقاء الضوء على‬
‫ل مــن النظــامين النجليــزي‬ ‫تطــور هــذه العلقــة فــي كــ ّ‬
‫والفرنســي؛ باعتبــار أن هــذين النظــامين يمثلن القــوتين‬
‫الرئيستين في النظام الرأسمالي؛ حيث كان لهمـا الريــادة‬
‫في ابتكــار النظــم النقديــة وتطويرهــا فــي القــرن التاســع‬
‫عشر‪ ،‬ومنهما انتقلــت هــذه النظــم إلــى بقيــة اقتصــاديات‬
‫العالم‪.‬‬
‫لقد اعتبر النظامان وحــدات النقــد الذهبيــة نقــودا ً قانونيــة‬
‫ونهائية‪ ،‬أي‪ :‬إنها تمثل نقود القاعدة النقدية‪ ،‬فوحدة النقــد‬
‫أصبحت تساوي وزنـا ً معينـا ً مــن الــذهب‪ ،‬وهــذا يعنــي‪ :‬أن‬
‫كمية معينة من هذا المعدن النفيس تعتــبر مقياس ـا ً للقيــم‬
‫القتصادية في المجتمع‪ ،‬ووحدة الحساب لهذه القيم‪ ،‬وقد‬
‫أدى التطور القتصادي واتساع نطــاق التبــادل إلــى ظهــور‬
‫أدوات دفع أخرى‪ ،‬بعضها يتمتـع بخاصـية قـوة البـراء دون‬
‫الخاصية النهائية‪ ،‬أي‪ :‬القدرة على التحول إلى نقود أخرى‬
‫)النقود الورقية(‪ ،‬و بعضها الخر ل يتمتع بالقبول الجبــاري‬
‫ول بالخاصية النهائية )النقود الئتمانية(‪ ،‬وإنما تستخدم في‬
‫المعاملت على أساس القبول الختياري وثقة الفراد فــي‬

‫‪439‬‬
‫المؤسســات الــتي تصــدرها‪ ،‬ومــن المعــروف أن النقــود‬
‫الورقية نمــت وتطــورت مــن خلل تطــور النظــام النقــدي‬
‫الفرنسـي‪ ،‬كمـا أن النقـود الئتمانيـة نمـت وتطـورت مـن‬
‫خلل تطور النظام النقدي النجليزي‪.‬‬
‫ومن خلل التجربة التاريخية للفترة من سنة ‪1797‬م حتى‬
‫ســنة ‪1818‬م توصــل النظامــان إلــى جعــل وحــدة النقــد‬
‫تســاوي وزن ـا ً معين ـا ً مــن الــذهب أو الفضــة‪ ،‬وقصــر حــق‬
‫الصدار للنقود الورقية )المصرفية( على بنك فرنسا وبنك‬
‫إنجلترا‪ ،‬وأصبح لهاتين المؤسستين الخيار بالنســبة لغطــاء‬
‫الصدار‪ ،‬إما بضمان احتىاطي معــدني )ذهــب أو فضــة( أو‬
‫تغطيــة الصــدار بالئتمــان الــذي تمنحــه‪ ،‬وبالتــالي‪ :‬تصــبح‬
‫النقــود الورقيــة أداة ائتمــان ووســيلة للقــراض والتمويــل‬
‫لقطاعــات التجــارة والمعــاملت‪ ،‬فعنــدما يكــون غطــاء‬
‫الصــدار متمثل ً فــي الئتمــان‪ :‬يتــم اتبــاع أســلوب الخصــم‬
‫وإعادة الخصم باستخدام الوراق التجارية‪ ،‬وبصــفة خاصــة‬
‫)السند الذني( و)الكمبيالت(‪ ،‬وبالتالي‪ :‬فإن إصدار النقود‬
‫الورقيــة مــن خلل الضـــمان يتـــم تغطيتــه بالكمبيــالت‬
‫المخصومة‪ ،‬بحيث يكون غطاًء لها بدون حاجــة إلــى زيــادة‬
‫الرصــيد المعــدني‪ ،‬والنتيجــة‪ :‬أنــه يمكــن أن يتجــاوز حجــم‬
‫النقــود المصــدرة حجــم غطــاء الصــدار المعــدني‪ ،‬وتحــت‬
‫نظام الصدار الورقي بضمان الئتمان‪ :‬فإن جملــة النقــود‬
‫الورقية المعروضة في التداول كانت مغطاة جزئي ّا ً بالنقود‬
‫المعدنية‪ ،‬أما الجزء الخر فيكون مغط ّــى فعلي ّـا ً بالئتمــان‪،‬‬
‫كما أن النظام النجليزي اتبع طريقة فتح العتمــاد وأداتهــا‬
‫النقود الئتمانية )الشيكات(‪.‬‬
‫على ضوء ما سبق من إيضاح لفكرة تطور النظام النقدي‬
‫وتحديــد طــبيعته ومــاهيته‪ ،‬يتضــح لنــا‪ :‬أن النظــام النقــدي‬
‫المعاصر مؤسس على النقود الورقية‪ ،‬التي تتمتع بصــفتي‬
‫القانونية والنهائية؛ لتساعدها وتكملها في تحقيق وظائفهــا‬
‫وحجمهــا‪ :‬النقــود الئتمانيــة‪ ،‬وهمــا معــا ً يكونــان الرصــيد‬
‫النقدي‪ ،‬أي‪ :‬مجموع أوراق الدفع المتاحــة لقتصــاد معيــن‬
‫في فترة زمنية معينة‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫وبهذا برزت قاعدة النقد الورقيــة‪ ،‬حيــث انفصــلت القيمــة‬
‫القتصادية للنقود عن أي قيمة اقتصادية لي ســلعة ماديــة‬
‫معينــة وبصــفة خاصــة‪ :‬الــذهب فقيمــة النقــود فــي قوتهــا‬
‫الشرائية‪ ،‬أي‪ :‬في قدرتها على التحول إلى سلع وخدمات‪،‬‬
‫وبذلك تصبح النقود أداة الدفع في اللحظة الحالية وتمثيــل‬
‫للثروة في اللحظة المستقبلية‪.‬‬
‫إن قاعدة النقد الورقية ل تتجسد في مظهر مـادي معيـن‪،‬‬
‫وإنما هي تتمثل في مجموعة الشروط والقيــود التنظيميــة‬
‫التي تضعها الدولة لصدار النقود الورقية القانونيــة‪ ،‬وهــذه‬
‫القاعــدة أدت إلــى ظهــور أدوات دفــع متعــددة ومتنوعــة‪،‬‬
‫وخاصة بعد ثــورة التصــالت‪ ،‬الــتي ســاعدت علــى ظهــور‬
‫وســائل جديــدة‪ ،‬يتــم بموجبهــا ســداد اللتزامــات بــدون‬
‫اســتخدام النقــود الورقيــة‪ ،‬مثــل‪) :‬بطاقــات الصــرف(‪،‬‬
‫و)بطاقات الئتمان(‪ ،‬و)الشيكات(؛ ممــا يســتدعي دراســة‬
‫هذه الدوات مــن الناحيــة الشــرعية‪ ،‬وتحديــد منــاط الربــا‬
‫فيها‪.‬‬
‫وللحديث صلة‬
‫__________‬
‫‪ (1‬القتصاد والنقد المصرفي‪ ،‬د‪ .‬مصطفي رشدي شــيحة‪،‬‬
‫ص ‪.34‬‬
‫‪ (2‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪ (3‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.73،82‬د‪.‬‬
‫‪ (4‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.83،88‬د‪.‬‬
‫================‬
‫‪#‬الربا والدوات النقدية المعاصرة )‪(2‬‬
‫مجلة البيان ‪) -‬ج ‪ / 101‬ص ‪(34‬‬
‫دراسات اقتصادية‬
‫الربا والدوات النقدية المعاصرة‬
‫)‪(2‬‬
‫د‪ .‬محمد بن عبدالله الشباني‬
‫في الحلقة الولى من هذه الدراسة تمــت مناقشــة ماهيــة‬
‫النقود ووظائفها‪ ،‬وطبيعة النظام النقدي والنقـود الورقيـة‪.‬‬
‫وفي هذه الحلقة‪ :‬سوف تتــم مناقشــة ماهيــة النقــود فــي‬

‫‪441‬‬
‫الســلم‪ ،‬والتخريــج الفقهــي الخــاص بــالعملت الورقيــة‬
‫والمواطن الربوية فيها‪.‬‬
‫ماهية النقود في السلم ‪:‬‬
‫يرتكز الصل الشرعي فيمــا يتعلــق بطبيعــة النقــود‪ :‬علــى‬
‫أساس أن النقد هو الداة الــتي تقي ّــم بهــا الشــياء‪ ،‬وليــس‬
‫على أساس أن النقد سلعة بحد ذاتها‪ ،‬ولكنه أداة للتبــادل‪،‬‬
‫ويشير القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في قوله )تعالى(‪:‬‬
‫ة(( ]يوسف‪ [20 :‬ففي‬ ‫دود َ ٍ‬
‫مع ْ ُ‬
‫م َ‬
‫س د ََراهِ َ‬
‫خ ٍ‬
‫ن بَ ْ‬ ‫شَروْهُ ب ِث َ َ‬
‫م ٍ‬ ‫))وَ َ‬
‫هذه اليــة تفريــق بيــن الثمــن وبيــن أداة الثمــن‪ ،‬وألحقــت‬
‫بالثمن صفة ملزمة له وهي التفســير؛ حيــث وصــف ثمــن‬
‫بيــع يوســف )عليــه الســلم( بــالبخس‪ ،‬أي‪ :‬بالقلــة‪ ،‬قــاله‬
‫مجاهد والشعبي)‪ .(1‬لقد أشارت الية إلــى أمريــن‪ :‬الول‪:‬‬
‫أن قيمة وثمن يوسف )عليه السلم( كان قليل ً ل يتفق مع‬
‫حقيقة قيمتــه‪ ،‬وقــد أشــار إلــى هــذه الحقيقــة المــام ابــن‬
‫العربي في كتابه أحكام القــرآن عنــد تفســيره لهــذه اليــة‬
‫بقوله‪) :‬وقيل في )بخس( أنه بمعنــى حــرام‪ ،‬ول وجــه لــه‪،‬‬
‫وإنما الشارة فيه إلى أنه لــم يســتوف ثمنــه بالقيمــة؛ لن‬
‫إخوته إن كانوا باعوه‪ ،‬فلم يكن قصدهم ما يستفيدون من‬
‫ثمنه‪ ،‬وإنما كان قصدهم ما يستفيدون من خلو وجه أبيهــم‬
‫عنه()‪.(2‬‬
‫المر الثاني‪ :‬أن الشارة إلى الدراهم بعد إيراد لفظ الثمن‬
‫ما هو إل إشعار بأنها أداة لتحديد القيمــة‪ ،‬وبالتــالي‪ :‬يمكــن‬
‫أن تكــون الداة المســتحدثة فــي الثمــن تتفــاوت وتتعقــد‬
‫أشـــكالها وأنواعهـــا حســـب ظـــروف النـــاس وطبيعـــة‬
‫المجتمعات‪.‬‬
‫لقد فهم فقهاء المسلمين وعلماؤهم طبيعة النقد وعلقتــه‬
‫بالعمليات التبادلية‪ ،‬فقد أشار ابن قدامة فــي كتــابه القيــم‬
‫)المغني( إلــى حقيقــة النقــد وطــبيعته عنــدما تحــدث عــن‬
‫الزكاة‪ ،‬فقام بالتفرقة بيــن زكــاة الــزروع والثمــار‪ ،‬وزكــاة‬
‫المعدن المستخرج من الرض‪ ،‬وأشار إلــى الفــرق بينهمــا‬
‫مع أن مصدرهما واحد‪ ،‬وهــو الرض‪ ،‬يقــول )رحمــه اللـه(‪:‬‬
‫)أما الزروع والثمار فهــي نمــاء فــي نفســها‪ ،‬تتكامــل عنــد‬
‫إخراج الزكاة منها‪ ،‬فتؤخذ الزكاة منها حينئذ‪ ،‬ثم تعــود فــي‬

‫‪442‬‬
‫النقــص ل فــي النمــاء‪ ،‬فل تجــب فيهــا زكــاة ثانيــة؛ لعــدم‬
‫إرصادها للنماء‪ ،‬والخارج من المعــدن مســتفاد خــارج مــن‬
‫الرض بمنزلــة الــزرع والثمــر‪ ،‬إل أنــه إن كــان مــن جنــس‬
‫الثمان ففيه الزكاة عند كل حول؛ لنـه مظنــة للنمــاء مــن‬
‫حيث إن الثمان قيم الموال ورأس مال التجــارات‪ ،‬وبهــذا‬
‫تحصل المضاربة والشركة؛ وهــي مخلوقــة لــذلك‪ :‬فكــانت‬
‫بأصلها وخلقتها كمال التجارة المعد لها()‪.(3‬‬
‫فقد ربط ابن قدامة بين قيم الموال والثمــان‪ ،‬حيــث يتــم‬
‫تحديد قيم الموال من خلل تحديد الثمان؛ ولهــذا‪ :‬عنــدما‬
‫تحدث في )باب الربا والصرف( عـّرف الصــرف بــأنه‪ :‬بيــع‬
‫الثمان بعضها ببعض)‪ ،(4‬وقد أوضح هذا المفهوم المتمثل‬
‫في أن طبيعة النقد تتمثل فــي أنهــا الوســيلة لتحديــد قيــم‬
‫مختلف الشياء‪ ،‬حيث أكد ذلك عند مناقشــة زكــاة الــذهب‬
‫والفضة الصحيحة والمكسرة‪ ،‬حيث رأى جواز الخراج عن‬
‫الذهب والفضة الصحيحتين أكثر من المكسرة؛ معلل ً ذلــك‬
‫بأن )الفرق بينهما )أي‪ :‬الصحيحة والمكســرة(‪ :‬أن القصــد‬
‫من الثمان القيمة ل غير‪ ،‬فإذا تســاوى الــواجب والمخــرج‬
‫في القيمــة والقــدر جــاز‪ ،‬وســائر المــوال يقصــد النتفــاع‬
‫بعينها‪ ،‬فل يلزم من التساوي في المريــن الجــزاء؛ لجــواز‬
‫أن يفوت بعض المقصود()‪.(5‬‬
‫ن قدامــة فــي هــذا المفهــوم‪ ،‬حيــث‬ ‫ن عابدين ابـ َ‬ ‫ويوافق اب ُ‬
‫يقــول‪) :‬رأينــا الــدراهم والــدنانير ثمن ـا ً للشــياء‪ ،‬ول تكــون‬
‫الشياء ثمن ـا ً لهــا‪ ...‬فليســت النقــود مقصــودة لــذاتها‪ ،‬بــل‬
‫وسيلة إلى المقصود()‪.(6‬‬
‫ويتولى ابن القيم )رحمه الله( في كتابه )إعلم الموقعين(‬
‫إيضــاح طبيعــة النقــود ودورهــا بشــكل جلــي‪ ،‬وبمنطــق‬
‫اقتصــادي ســليم‪ ،‬عنــد تحديــد علــة الربــا بالنســبة للــذهب‬
‫والفضة باعتبار أنهما الوسيلتان المستخدمتان في التبادل‪،‬‬
‫يقول‪...) :‬العلة فيهما )الدراهم والدنانير(‪ :‬الثمنيــة‪ ،‬وهــذا‪:‬‬
‫قول الشافعي‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأحمد في الروايــة الخــرى‪ ،‬وهــذا‬
‫هو الصــحيح‪ ،‬بــل الصــواب‪ ...‬فالتعليــل بــالوزن ليــس فيــه‬
‫مناسبة‪ ،‬فهو طــرد محــض‪ ،‬بخلف التعليــل بالثمنيــة‪ ،‬فــإن‬
‫الدراهم والدنانير أثمان المبيعات‪ ،‬والثمن هو المعيــار‪ ،‬بــه‬

‫‪443‬‬
‫ُيعرف تقويم الموال‪ ،‬فيجب أن يكون محدودا ً مضــبوطا ً ل‬
‫يرتفــع ول ينخفــض‪ ،‬إذ لــو كــان الثمــن يرتفــع وينخفــض‬
‫كالسلع‪ ،‬لم يكن لنا ثمن نعتــبر بــه المبيعــات‪ ،‬بــل الجميــع‬
‫سلع‪ ،‬وحاجة الناس إلى ثمن يعتبرون بــه المبيعــات حاجــة‬
‫ضرورية عامة‪ ،‬وذلك ل يمكن إل بسعر تعرف بــه القيمــة؛‬
‫وم به الشياء ويستمر على حالة‬ ‫وذلك ل يكون إل بثمن تق ّ‬
‫وم هو بغيره؛ إذ يصير سلعة يرتفع وينخفض‪،‬‬ ‫واحدة‪ ،‬ول يق ّ‬
‫خلف ويشتد الضرر‪ ...‬فلــو‬ ‫فتفسد معاملت الناس‪ ،‬ويقع ال ُ‬
‫أبيح ربا الفضــل فــي الــدراهم والــدنانير‪ ،‬مثــل‪ :‬أن يعطــى‬
‫صحاحا ً ويأخذ مكســرة‪ ،‬أو خفافـا ً ويأخــذ ثقــال ً أكــثر منهــا‪:‬‬
‫لصارت متجرًا‪ ،‬أو جر ذلك إلــى ربــا النســيئة فيهــا ول بــد‪،‬‬
‫فالثمــان ل تقصــد لعيانهــا‪ ،‬بــل يقصــد التوصــل بهــا إلــى‬
‫السلع‪ ،‬فإذا صارت في أنفسها ســلعا ً لعيانهــا‪ :‬فســد أمــر‬
‫الناس‪ ،‬وهذا معنى معقــول يختــص بــالنقود ل يتعــدى إلــى‬
‫سائر الموزونات()‪.(7‬‬
‫من خلل هذه المناقشــة الــتي أوردهــا ابــن القيــم )رحمــه‬
‫اللـه( يتضــح دور النقـود؛ حيــث يجــب أن يقتصـر علــى أن‬
‫تكــون أداة لتحديــد قيــم الشــياء؛ وبالتــالي‪ :‬فل يجــوز أن‬
‫تستخدم النقود سلعا ً يتجــر بهــا‪ ،‬وبهــذا‪ :‬فــإن مــا يتــم مــن‬
‫مضــاربات فــي ســوق العملت يجعــل النقــود ســلعا ً ُتعــد‬
‫للربح‪ ،‬حيث نتج عن ذلك أضرار كبيرة كما هو مشاهد في‬
‫الواقــع المعاصــر‪ ،‬فيمــا يتعلــق بتذبــذب أســعار العملت‪،‬‬
‫واتجاه كثير من فوائض الموال إلى التجار فيهــا بــدل ًً مــن‬
‫الستثمار في المشروعات النتاجية‪.‬‬
‫على ضوء ما سبق يمكن القــول‪ :‬إن الشــرع الســلمي ل‬
‫يشترط شــكل ً معينـًا‪ ،‬أو مــادة معينــة للداة النقديــة؛ فقــد‬
‫تكون مسكوكات ذهبية‪ ،‬أو فضــية‪ ،‬أو نحاســية‪ ،‬أو أي نــوع‬
‫مــن المعــادن‪ ،‬أو ورقيــة‪ ،‬وتعتــبر نقــودا ً إذا تــوفرت فيهــا‬
‫العناصر التي أشار إليها ابن القيم‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬اعتبـــار النقـــد أداة للـــدفع ووســـيلة للتبـــادل للســـلع‬
‫والمنافع‪.‬‬
‫‪ -2‬اعتباره أداة لتقييم الشياء ومعرفة أثمان المبيعات‪.‬‬

‫‪444‬‬
‫‪ -3‬ثبات قيمة الوسيلة التي تستخدم لتقييم الشياء وثبات‬
‫معيارها‪ ،‬بحيث ل ترتفع ول تنخفض‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم التجار بها‪ ،‬أي‪ :‬عدم اعتبارها سلعة يتجر بها‪.‬‬
‫ووفقا ً لهذه الضــوابط‪ :‬فــإن النظريــة النقديــة كمــا توصــل‬
‫إليها ابن القيم تتفق في بعض جوانبها مع مــا تــم التوصــل‬
‫إليــه فــي هــذا العصــر فــي ظــل مــا عــرف بقاعــدة النقــد‬
‫الورقية‪ ،‬حيث انفصلت القيمة القتصــادية للنقــود عــن أي‬
‫قيمة اقتصادية لي سلعة مادية معينة‪ ،‬وبالتالي‪ :‬فإن هــذه‬
‫القاعدة تتمثل في مجموعــة الشــروط والقيــود التنظيميــة‬
‫التي تضعها الدول لصدار النقود الورقيــة ومــا تطــور مــن‬
‫وســائل فــي التــداول النقــدي‪ ،‬وهــو مــا عــرف بــالنقود‬
‫الئتمانية‪ ،‬ومن هذا يتضح‪ :‬أن وجهه نظر ابن القيم تختلف‬
‫عما هو متعارف عليه في العصر الحاضر؛ فابن القيم يرى‬
‫عــدم جــواز التجــار فــي النقــود؛ بخلف النظــام النقــدي‬
‫المعاصر الذي يقوم على اعتبار النقــود ســلعة مثــل بــاقي‬
‫السلع لها قيمة ذاتية تتمثل في قيمة الزمــن‪ ،‬الــذي يقــوم‬
‫على فكرة الربا؛ حيث إن العلة فــي التذبــذب فــي أســعار‬
‫العملت في السوق المالية العالمية يعود فيما أظنــه إلــى‬
‫نقص الضوابط الخاصة بالنقود حسب مــا أشــار إليهــا ابــن‬
‫القيم‪ ،‬ومنها منع التجار بالنقود‪.‬‬
‫على ضوء ما سبق من تحديد لمفهوم النقد عند ابن القيم‬
‫وغيره من فقهاء المسلمين‪ :‬فما هو الموقف تجاه النقــود‬
‫الورقية من حيث شرعيتها ومدى جريان الحكــم الشــرعي‬
‫للــذهب والفضــة عليهــا‪ ،‬بعــد أن أصــبح التعامــل بالــذهب‬
‫ل؛ لتســاع وكــبر حجــم التبــادل الســلعي‬ ‫والفضــة مســتحي ً‬
‫والخدمي بين أفراد المجتمع؟‪.‬‬
‫إن الجابــة علــى هــذا التســاؤل ترتبــط وفــق مــا ســبق‬
‫ة‬
‫مناقشــته بــأن اســتخدام معــدني الــذهب والفضــة وســيل ً‬
‫للتبادل وإبراء الذمة‪ ،‬وارتباط علــة الربــا بالنســبة للــذهب‬
‫والفضة بالثمنية‪ ،‬وأن قيــام الوراق النقديــة مقــام الــذهب‬
‫والفضة يؤدي إلى سريان العلــة عليهــا‪ ،‬وبالتــالي‪ :‬ســريان‬
‫الحكام المترتبة علــى الــذهب والفضــة عليهــا‪ ،‬باعتبــار أن‬
‫العملت هــي أجنــاس؛ حيــث إن الــذهب جنــس والفضــة‬

‫‪445‬‬
‫جنس‪ ،‬وأن العلة الجامعة بين الذهب والفضة فــي أحكــام‬
‫الصرف هــي الثمنيـة‪ ،‬وبالتـالي‪ :‬ســريان هــذه العلـة علــى‬
‫النقود الورقية لعتبارين‪:‬‬
‫‪ -1‬اجتمــاع طبيعــة الجــانب المــادي مــن حيــث إن المــادة‬
‫للعملت الورقية هي الورق‪ ،‬بينما الجامع للــذهب والفضــة‬
‫مادة المعدن‪.‬‬
‫‪ -2‬اجتماع علة الثمنية بعين الذهب والفضة‪ ،‬وهــذا يســري‬
‫على العملت الورقية المختلفة لمختلف الدول‪.‬‬
‫على ضوء هذا‪ :‬تصبح العملت الورقية أجناس بتعدد جهات‬
‫إصدارها‪ ،‬فالنقــد المريكــي مثل ً جنــس‪ ،‬والنقــد الســعودي‬
‫جنس‪ ...‬وهكذا‪ ،‬وقد أفتت هيئة كبار العلماء في السعودية‬
‫بأن العملت الورقية أجناس)‪.(8‬‬
‫حيث نص على جريان الربا بنوعيه )الفضل والنســاء( فــي‬
‫العملت الورقيــة‪ ،‬كمــا يجــري الربــا بنــوعيه فــي النقــود‬
‫المســبوكة مــن الــذهب والفضــة وغيرهــا مــن المعــادن‬
‫كالفلوس‪ ،‬وقد أيد المجمع الفقهي السلمي هذه الفتوى)‬
‫‪.(9‬‬
‫على ضوء هذا‪ :‬فإن عمليات الصرف الحاضر بين العملت‬
‫المختلفة جائزة عند توفر شرطي الحلــول والتقــابض‪ ،‬أي‪:‬‬
‫جواز شراء الدولر المريكي بسعر ثلثة ريالت ونصــف أو‬
‫أكثر أو أقل‪ ،‬بشـرط التقـابض بسـعر اليـوم‪ ،‬اسـتنادا ً إلـى‬
‫حديث ابن عمر الذي جاء فيــه‪) :‬كنــت أبيــع البــل بــالبقيع؛‬
‫فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم‪ ،‬وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير‪،‬‬
‫آخذ هذه من هذه‪ ،‬وأعطي هذه مــن هــذه‪ ،‬فــأتيت رســول‬
‫اللــه فــي بيــت حفصــة‪ ،‬فقلــت يــا رســول اللــه‪ :‬رويــدك‪،‬‬
‫أســألك‪ :‬إنــى أبيــع البــل بــالبقيع‪ ،‬فــأبيع بالــدنانير وآخــذ‬
‫الدراهم‪ ،‬وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير‪ ،‬آخذ هذه مــن هــذه‪،‬‬
‫وأعطي هذه من هذه‪ ،‬فقال رسول الله ‪ :‬ل بأس أن تأخــذ‬
‫بسعر يومها؛ ما لم تفترقــا وبينكمــا شــيء()‪ (10‬فالواضــح‬
‫من هذا الحديث‪ :‬أن التصارف الجاري فيه تقابض بمظهره‬
‫الشكلي على أساس الحق القائم بهيئة دنــانير فــي الذمــة‬
‫بتسديده بما يساويه من دراهم بسعر ذلك اليوم‪.‬‬

‫‪446‬‬
‫وعليه‪ :‬فما هــو حكــم التعامــل العملــي الــذي يحــدث فــي‬
‫البنوك من حيث أســلوب التصــارف؟‪ ،‬فمــن المعــروف أن‬
‫عملية الصرف‪ :‬إما أن تكون من خلل الصندوق‪ ،‬أو بالقيد‬
‫على حساب العميل‪ ،‬ومــا يرتبــط بــذلك أيض ـا ً مــن عمليــة‬
‫الـــبيع والشـــراء بـــالعملت مـــن خلل أســـواق العملت‬
‫العالمية‪ .‬فما هي مواطن الربا على ضوء هذا الواقع؟‪.‬‬
‫أما بالنسبة للدفع والخذ من البنك مباشــرة بتبــادل عملــة‬
‫ورقية مقابل شراء عملة أخرى‪ :‬فل إشكال فيه من ناحيــة‬
‫توافر شرط التقــابض؛ حيــث يســلم الراغــب فــي الشــراء‬
‫النقود المحلية‪ ،‬ويتسلم العملة الخرى‪ ،‬فهذا تقــابض حــال‬
‫ومنجز‪ ،‬أما إذا كان دفع العملة من حســاب الشــخص فــي‬
‫البنك نفسه بخصــم قيمــة العملــة المشــتراة مــن حســاب‬
‫المشتري لدى البنك‪ ،‬وحيث إن البنك يتعامل مع الحســاب‬
‫المفتوح لديه من قبل المشتري على أساس أنه وكيل لــه‬
‫الحــق بالــدفع والضــافة عنــد ورود تعميــد مــن صــاحب‬
‫الحســاب‪ ،‬فــإذا كــان المــر كــذلك‪ ،‬فــإنه يتــوفر فــي هــذا‬
‫السلوب أساس التقابض؛ حيث إن البنك يتسلم ما يقابــل‬
‫قيمة العملــة المشــتراة مــن حســابه المــودع لــدى البنــك‪،‬‬
‫وهذا المال هو وديعة محفوظة لديه وهو مفوض بالتصرف‬
‫فيها مع ضمانها للمودع‪.‬‬
‫المواطن الربوية في عمليات تبادل العملت الورقية ‪:‬‬
‫أصبح التعامل بالعملت شـراًء وبيعـا ً أسـلوبا ً مـن أسـاليب‬
‫الحصول على الرباح‪ ،‬وبالتالي‪ :‬ظهرت صناديق خاصة في‬
‫البنوك تتولى التعامل بهــا فــي ســوق العملت فــي أوروبــا‬
‫وأمريكا‪ ،‬وتحولت النقود إلى سلع يتم التجار بهــا‪ ،‬واعتــبر‬
‫التجار فيها من المور التي تزاولها بعض البنوك السلمية‬
‫كوسيلة لتحقيق الرباح لعملئها المودعين لــديها بــدل ً مــن‬
‫أخذ الفائدة الربوية‪.‬‬
‫يأخــذ أســلوب التجــار بــالعملت صــورا ً متعــددة‪ ،‬وقبــل‬
‫مناقشة مواطن الربا في هذه الصور والتعامــل ل بــد مــن‬
‫مناقشة المبدأ الساس‪ ،‬وهو‪ :‬هل يجوز التجــار بــالعملت‬
‫شراًء وبيعًا؟‪ ...‬تختلف الراء حول ذلك‪ :‬فمن مجيز للتجار‬
‫فيها إذا تحقق التقابض في مجلس العقد‪ ،‬وذلــك بالخصــم‬

‫‪447‬‬
‫مــن حســابات المتــاجرة بــالعملت لــدى السمســار الــذي‬
‫جر )قــد‬ ‫متــا ِ‬
‫يتولى إجراء عمليات البيع والشراء نيابة عن ال ُ‬
‫يكون السمسار بنكا ً أو مؤسسة أو فردا ً يقوم بهذا العمل(‬
‫وفق شروط وقواعــد تحــدد مــن يقــوم باتخــاذ قــرار الــبيع‬
‫والشراء سواء أكان السمسار باعتبــاره وكيل ً مفوض ـا ً مــن‬
‫قبــل المتــاجر فــي العملت‪ ،‬أو تلقــي التعليمــات الخاصــة‬
‫بإنفــاذ الــبيع والشــراء مــن قبــل المتــاجر وفــق إجــراءات‬
‫معينة‪.‬‬
‫يقوم السمســار بعمليــات التصــال بمنــدوبيه فــي أســواق‬
‫العملت العالمية بإنفاذ التعليمات الخاصة بالشراء أو البيع‬
‫لصالح عملئه‪ ،‬وقيــدها بالضــافة أو الخصــم علــى حســابه‬
‫لدى مندوبيه في تلك الســواق‪ ،‬ويتحقــق شــرط التقــابض‬
‫من خلل القيد على الحســابات المختلفــة باعتبــار أن قيــد‬
‫الضافة والخصم يماثل عمليات التقابض المادي للعملت؛‬
‫لهذا‪ :‬فإن بعض البنوك السلمية تزاول نشاط التجار فــي‬
‫بيع وشراء العملت وفق هذا السلوب‪ ،‬باعتبار أنه أسلوب‬
‫من الساليب الجــائزة لتحقــق شــرط التقــابض‪ ،‬وبالتــالي‪:‬‬
‫انتفاء الربا من هــذا الســلوب واعتبــاره قنــاة مــن قنــوات‬
‫استغلل المدخرات واستثمارها‪.‬‬
‫إن الحرمة لهذا التعامل كمــا أراهــا ل تقــوم علــى أســاس‬
‫تغير وسيلة التقابض في مجلس العقد‪ ،‬حيث تبدل أسلوب‬
‫التقابض وطبيعة مجلس العقد؛ فقد أصــبح مجلــس العقــد‬
‫يتــم مــن خلل وســائل التصــال الحديثــة الــتي ســهلت‬
‫ووسعت نطاق مجلس العقد من خلل التخاطب بالتهــاتف‬
‫والفاكس والحاسب اللي‪ ،‬أي‪ :‬أصبحت الســواق متقاربــة‬
‫وكأنها في مكان واحد‪ ،‬وأصبح حلول القيد على الحسابات‬
‫المختلفــة‪ ،‬بــديل ً عــن التقــابض المــادي والحصــول علــى‬
‫التفويض واللتزام بذلك باستخدام هذه الوسائل الحديثة‪.‬‬
‫إن الحرمــة تأخــذ جانب ـا ً آخــر‪ ،‬وهــو‪ :‬تغيــر طبيعــة وظيفــة‬
‫النقود‪ ،‬فالنقود ليست سلعة يتجر فيها مثــل بقيــة الســلع‪،‬‬
‫وخاصة النقود الورقية الــتي ل يمكــن تحويلهــا إلــى ســلعة‬
‫اقتصــادية مثــل الــذهب والفضــة اللــذين يمكــن شــراؤهما‬
‫كســلع لســتخدامهما مــواد ّا ً أوليــة لصــناعات مختلفــة‪،‬‬

‫‪448‬‬
‫وبالتالي‪ :‬الخروج بــالنقود عــن طبيعتهــا الــتي جعلــت لهــا‪،‬‬
‫والتي من أجلها تم قبولها‪ ،‬وهي‪ :‬أنهــا أداة للــدفع ووســيلة‬
‫للتبادل‪ ،‬وقد سبق أن أوضحنا وجهة نظر المام ابن القيــم‬
‫واستشهادنا بقوله‪.‬‬
‫إن التحليل والمنطقية التي وصل إليها ابــن القيــم )رحمــه‬
‫الله( فيما يتعلق بــالنقود‪ ،‬والــتي حــددت مشـكلة النظريـة‬
‫النقدية المعاصرة فــي أن التجــار فــي العملت هــو العلــة‬
‫فــي اضــطراب أســواق النقــد العالميــة؛ حيــث إن التجــار‬
‫بالعملت قد أفسد عملية التبادل التجاري‪ ،‬وألحــق الضــرر‬
‫بالتبــادل مــن خلل اضــطراب أســعار الســلع العالميــة‪،‬‬
‫فأصبحت العملت تخضع لتقلبات قانون العرض والطلــب؛‬
‫مما أثر على أسعار السلع؛ فالتاجر الذي يرغب في شــراء‬
‫أي عملة بقصد الستيراد لسلعة معينة من أي بلـد ســيتأثر‬
‫بالتذبذب في أسعار العملت التي يود الستيراد بواسطتها‬
‫من خلل عمليات المضاربة في العملت‪ ،‬حيث إن العرض‬
‫والطلب على العملت غير حقيقــي‪ ،‬حيــث تتــم المضــاربة‬
‫فيها والتجار فيها بيعا ً وشراًء‪ ،‬ليس بقصــد شــرائها لــذاتها‬
‫لتحقيــق الوظيفــة الساســية للنقــود‪ ...‬وهــذا يــؤدي إلــى‬
‫مفسدة وإضرار بالناس‪ ،‬كما قال ابــن القيــم‪ ،‬حيــث قــال‪:‬‬
‫منعــوا مــن التجــارة فــي الثمــان‬‫)وســر المســألة‪ :‬أنهــم ُ‬
‫بجنسها؛ لن ذلك يفسد عليهم مقصود الثمان‪ ،‬ومنعوا من‬
‫التجــارة فــي القــوات بجنســها‪ ،‬لن ذلــك يفســد عليهــم‬
‫مقصود القوات‪ ،‬وهذا المعنى بعينه موجود فــي بيــع التــبر‬
‫والعين؛ لن التبر ليس فيه صنعة يقصد لجلها؛ فهو بمنزلة‬
‫الدراهم التي قصد الشــارع أل يفاضــل بينهــا‪ ،‬ولهــذا قــال‪:‬‬
‫)تبرها وعينها سواء( فظهرت حكمة تحريم ربا الّنساء فــي‬
‫الجنس والجنسين‪ ،‬وربا الفضل في الجنــس الواحــد()‪(11‬‬
‫وفي موضع آخر أورد )رحمه الله( مناقشـة لطيفـة خاصـة‬
‫عــن اســتعمال المــادة المضــروبة منهــا العملــة المعدنيــة‬
‫لغراض أخرى غيــر غــرض النقــد‪ ،‬تــدل علــى مــدى عمــق‬
‫فهمــه لمفهــوم النقــد ودوره فــي الحيــاة القتصــادية‪ ،‬مــع‬
‫معــالجته لزدواجيــة اســتخدام معــدن الــذهب لغــراض‬
‫صــناعية وكــأداة للنقــد‪ ،‬يقــول )رحمــه اللــه(‪) :‬إن الحليــة‬

‫‪449‬‬
‫المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع‪،‬‬
‫ل من جنس الثمان‪ ،‬ولهذا لم تجب فيها الزكاة‪ ،‬فل يجري‬
‫الربا بينها وبين الثمان‪ ،‬كما ل يجــري بيــن الثمــان وســائر‬
‫السلع وإن كانت من غير جنسها؛ فإن هــذه بالصــناعة قــد‬
‫خرجت عن مقصود الثمان‪ ،‬وأعــدت للتجــارة‪ ،‬فل محــذور‬
‫في بيعها بجنسها ول يدخلها )إما أن تقضي‪ ،‬وإما أن تربي(‬
‫إل كما يدخل في سائر السلع إذا بيعت بــالثمن المؤجــل()‬
‫‪ ،(12‬ومــن هــذا النــص نــدرك‪ :‬أنــه يجــوز شــراء الحلــي‬
‫المصنوعة من مــادة العملـة المعدنيــة‪ ،‬ولــو تفاضـلت مـن‬
‫حيــث اختلف الــوزن مــا بيــن وزن الحلــي ووزن العملــة‬
‫المعدنية‪ ،‬إذا تم التقابض يدا ً بيد في مجلس العقد مثل بيع‬
‫الذهب بالفضة‪.‬‬
‫وعلى ضوء ما سبق‪ :‬فإن التجار في العملت بيعا ً وشــراءً‬
‫بقصد الربــح‪ ،‬وليــس بقصــد اســتخدامها مــن أجــل تمويــل‬
‫الستيراد والتجــارة فــي الســلع‪ :‬مكــروه‪ ،‬وقــد يصــل إلــى‬
‫الحرمة؛ للمور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬التوسع في البيع والشراء في أسواق العملت العالمية‬
‫أدى إلى هــروب أمــوال المســلمين إلــى الــدول الكــافرة‪،‬‬
‫وهذا التجار ل يهدف إلــى الحصــول علــى ســلع وخــدمات‬
‫يحتاجها المسلمون‪ ،‬ولكنه بقصد المضاربة لتحقيق الربــح؛‬
‫مما أدى إلى ضياع فرصة الستفادة مــن هــذه المــدخرات‬
‫الــتي يتــم اســتخدامها فــي التجــار فــي العملت الجنبيــة‪،‬‬
‫والقاعــدة الشــرعية تقــول‪ :‬عنــد اجتمــاع المصــالح مــع‬
‫المفاسد‪ ،‬فإذا كانت المفسدة أعظم من المصــلحة‪ :‬درأنــا‬
‫المفســدة‪ ،‬ولــو تــأتى ذلــك بفــوات المصــلحة‪ ،‬والمصــلحة‬
‫الفائتة هي ما يمكن أن يحققه المتــاجر فــي العملت فــي‬
‫أسواق العملت الجنبية من أربــاح‪ ،‬لكــن مفســدة تســرب‬
‫أموال المسلمين من بلد المسلمين وعدم استغللها فيمــا‬
‫فيه منفعــة ومصــلحة للقتصــاد يحقــق مفســدة أكــبر مــن‬
‫المصــلحة الــتي قــد يحققهــا المتــاجر فــي العملت‪ ،‬يقــول‬
‫مــا إث ْـ ٌ‬
‫م‬ ‫س ـرِ قُ ـ ْ‬
‫ل ِفيهِ َ‬ ‫م ـرِ َوال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫خ ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫ِ‬ ‫ك عَ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬
‫)تعالى(‪)) :‬ي َ ْ‬
‫َ‬
‫مــا(( ]البقــرة‪:‬‬ ‫مــن ن ّْفعِهِ َ‬ ‫مــا أك ْب َـُر ِ‬‫مه ُ َ‬ ‫س َوإث ْ ُ‬ ‫مَنافِعُ ِللّنا ِ‬ ‫ك َِبيٌر وَ َ‬
‫‪ [219‬فحرمهما لن مفسدتهما أكبر من منفعتهما‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫‪ -2‬أن خــروج المــوال مــن بلد المســلمين بقصــد التجــار‬
‫بالعملت الجنبية للــدول الكــافرة يحــدث أضــرارا ً بميــزان‬
‫المدفوعات للبلد السلمية؛ حيث إن هذا الخروج ل يقابله‬
‫سلع ول خدمات تفيد اقتصاد الدول السلمية‪ ،‬بل إن ذلــك‬
‫يمثل تهريبا ً لفائض النتاج المحلــي وضــخه لصــالح القــوى‬
‫الجنبية‪ ،‬وفي هذا تعاون علــى الثــم بإضــعاف اقتصــاديات‬
‫الدول السلمية وحرمانها من الموال التي يمكــن لــو تــم‬
‫اســتثمارها فــي مجــالت إنتاجيــة أن تزيــد الناتــج القــومي‬
‫وتسهم في تشغيل القوى العاملة العاطلة‪.‬‬
‫‪ -3‬يرتبــط التجــار فــي العملت بشــبهات أخــرى تؤكــد‬
‫الحرمة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬ما يعرف ببيع وشراء الخيــارات‪ ،‬حيــث‬
‫ل يتم الشراء والبيع في محل العقد‪ ،‬وإنما يتم إعطاء خيار‬
‫لمشتري العملة بإتمام الصفقة أو عدمها خلل فترة زمنية‬
‫معينة‪ ،‬ويتم دفع مبلغ معين من قيمة الصــفقة خلل فــترة‬
‫الخيار‪ ،‬يحق للمشتري أو البائع فيها إمضاء البيع والشــراء‪،‬‬
‫ويتم التجــار فــي هــذه الخيــارات أيضـًا‪ ،‬وإذا انتهــت فــترة‬
‫الخيار ولـم يقـم المشـتري بالتصـرف بهـذا الخيـار بإتمـام‬
‫الصفقة أو بيع الخيار بسعر أعلى مما اشــتراه بــه‪ :‬يخســر‬
‫ما دفعه‪ ،‬وهذا السلوب يقوم على التوقعــات والمضــاربة‪،‬‬
‫فهــو شــراء وبيــع غيــر نــاجز‪ ،‬وبالتــالي‪ :‬حصــل المحــذور‬
‫الشرعي بعدم التقابض الحسابي‪.‬‬
‫تتــم ممارســة التجــار بــالعملت مــن قبــل بعــض البنــوك‬
‫الســلمية‪ ،‬وقــد أوجــدت لهــا صــناديق اســتثمارية‪ ،‬وأجيــز‬
‫شراء وبيع العملت بهدف تحقيق الربح نتيجة للتذبذب في‬
‫أسعار العملت‪ ،‬ولذا‪ :‬فإن الواجب المتناع عــن ذلــك‪ ،‬أمــا‬
‫شــراء العملت مــن المصــارف بقصــد تمويــل عمليــات‬
‫الستيراد‪ ،‬وليــس بقصــد تحقيــق الربــح مــن خلل التجــار‬
‫فيهــا‪ :‬فهــذا أمــر جــائز؛ لن ذلــك بقصــد تحقيــق التبــادل‬
‫السلعي والخدمي‪ ،‬وهي الوظيفة الساسية التي من أجلها‬
‫جعلت النقود‪ ،‬ويدل على ذلك حديث ابن عمر )رضي اللــه‬
‫عنهمــا( الــذي رواه أبــو داود والنســائي‪ ،‬جــاء فيــه‪) :‬أتيــت‬
‫رسول الله وهو في بيــت حفصــة‪ ،‬قلــت‪ :‬يــا رســول اللــه‪:‬‬
‫رويــدك‪ ،‬أســألك‪ ،‬إنــي أبيــع بــالبقيع؛ فــأبيع بالــدنانير وآخــذ‬

‫‪451‬‬
‫الدراهم‪ ،‬وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير‪ ،‬آخذ هذه مــن هــذه‪،‬‬
‫و أعطي هذه من هذه‪ ،‬فقال رسول الله ‪ :‬لبأس أن تأخــذ‬
‫بســعر يومهــا‪ ،‬مــا لــم تفترقــا وبينكمــا شــيء()‪ ،(13‬فهــذا‬
‫الحديث يوضح دور التصارف وتبادل النقــود بعضــها ببعــض‬
‫من أجل تيسير التجارة؛ حيث إن القصد مــن ذلــك‪ :‬إتمــام‬
‫عمليــات التبــادل الســلعي‪ ،‬وبالتــالي‪ :‬فــإن شــراء العملــة‬
‫الجنبيــة بســعر يومهــا عنــد فتــح العتمــاد أو ســداد قيمــة‬
‫السلعة الواردة عند وصول البضــاعة بســعر فتــح العتمــاد‬
‫وبسعر سداد قيمة العتماد‪ :‬هو ما يمكــن أن يقــاس علــى‬
‫حديث ابن عمر )رضي الله عنهما(‪.‬‬
‫أما الصورالخرى للتعامل بالعملت‪ ،‬التي يمكن أن يشوبها‬
‫الربا‪ ،‬فهي الصور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬بيع وشراء العملت على أساس السعر الجل ولو كــان‬
‫القصد من ذلك تثبيت قيمة السلع المستوردة‪ ،‬وقصد هــذا‬
‫التعامل هو‪ :‬التعاقد على شراء العملة حاليًا‪ ،‬ولكن تنفيذها‬
‫أو قيدها لصالح المشتري وخصمها من رصيد البــائع ل يتــم‬
‫إل بعد مدة مؤجلة متفق عليهــا‪ :‬شــهر‪ ،‬أو ثلثــة أشــهر‪،...‬‬
‫والسعر إمــا أن يكــون مســاويا ً للســعر الحاضــر‪ ،‬أو أعلــى‬
‫منه‪ ،‬أو أقل منــه‪ ،‬والختلف فــي الســعر يعــود إلــى توقــع‬
‫ارتفــاع الفــائدة أو انخفاضــها بيــن مراكــز بيــع العملت‬
‫العالمية‪.‬‬
‫وربوية هــذا التعامــل تتمثــل فــي عــدم تنفيــذ التعاقــد فــي‬
‫مجلس العقــد‪ ،‬وهــو مخــالف للمنــع الــوارد فــي الحــاديث‬
‫النبوية المحرمة لربا الّنساء والتفاضل‪.‬‬
‫‪ -2‬الشراء والبيع الجل للعملت‪ ،‬وهو ما يعرف في سـوق‬
‫العملت باســم ســواحب‪ ،‬حيــث يتــم شــراء عملــة مؤجلــة‬
‫التسلم‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪ :‬يتم بيعها بعملة أخرى مؤجلة؛‬
‫ل‪ :‬يتم شراء دولرات مقابل جنيهات إسترلينية حاضرا ً‬ ‫فمث ً‬
‫ل‪ ،‬ثم بيع ما اشتراه نفسه بريالت مؤجلة‪ ،‬أي‪ :‬يتم‬ ‫أو مؤج ً‬
‫التسليم على ما تعاقد عليه عند حلول الجل‪.‬‬
‫إن التصارف على هذا الساس باعتبار أن العملت أجناس‬
‫أثمان يتوفر فيها علة الثمنية عند من اعتــبر أن العلــة هــي‬
‫الثمنيــة‪ ..‬هــذا التعامــل مــن الصــرف يعتــبر تعــامل ً ربوي ّــا‬

‫‪452‬‬
‫لحديث عبادة بن الصامت عن عبدالله )‪ ...‬سمعت رسول‬
‫الله ينهى عن بيع الــذهب بالــذهب والفضــة بالفضــة والــبر‬
‫بالبر والشــعير بالشــعير والتمــر بــالتمر والملــح بالملــح إل‬
‫سواء بسواء عينا ً بعين‪ .‬فمن زاد أو ازداد فقــد أربــى‪).(...‬‬
‫‪(14‬‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫‪ (1‬النكت والعيون ‪ :‬تفسير المام أبي الحســن المــاوردي‬
‫جـ ‪ 3‬ص‬
‫‪ (2‬أحكام القرآن لبي بكر بن العربي جـ ‪ 3‬ص ‪.1067‬‬
‫‪ (3‬المغني جـ ‪ 2‬ص ‪.625‬‬
‫‪ (4‬المغني جـ ‪ 4‬ص ‪..59‬‬
‫‪ (5‬المرجع السابق‪ ،‬جـ ‪ 3‬ص ‪.10‬‬
‫‪ (6‬مجموعة رسائل ابن عابدين‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪ (7‬إعلم الموقعين‪ ،‬لبن القيم‪ ،‬جـ ‪ 2‬ص ‪.137‬‬
‫‪ (8‬القرار رقم ‪ 2‬الصادر في الدورة الثالثة المنعقده فيمــا‬
‫بين ‪1/4/1393‬هـ إلى ‪17/4/1393‬هـ‪.‬‬
‫‪ (9‬القرار رقم ‪ 6‬الدورة الخامسة المنعقدة برابطة العالم‬
‫السلمي فيما بين ‪16/4/1402 8‬هـ‪.‬‬
‫‪ (10‬أخرجه النسائي‪ :‬كتاب البيوع‪ ،‬جـ ‪ 7‬ص ‪283‬‬
‫‪ (11‬إعلم الموقعين‪ ،،‬جـ ‪ 2‬ص ‪.140‬‬
‫‪ (12‬السابق‪ ،‬جـ ‪ 2‬ص ‪.141‬‬
‫‪ (13‬سبق تخريجه‬
‫‪ (14‬مسلم‪ ،‬باب المساقاة‪ ،‬ح‪.1587/‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬الربا والدوات النقدية المعاصرة )‪(3‬‬
‫مجلة البيان ‪) -‬ج ‪ / 103‬ص ‪(28‬‬
‫دراسات اقتصادية‬
‫الربا والدوات النقدية المعاصرة‬
‫)‪(3‬‬
‫د‪.‬محمد بن عبدالله الشباني‬
‫في الحلقة السابقة من هذه الدراسة تمت مناقشة ماهيــة‬
‫النقــود فــي الســلم‪ ،‬والمــواطن الربويــة فــي عمليــات‬
‫العملت الورقية‪ ،‬وفي هذه الحلقـة ســيتم مناقشــة أدوات‬

‫‪453‬‬
‫الدفع من غيــر النقــود الورقيــة‪ ،‬ومــواطن الربــا فــي هــذه‬
‫الدوات‪.‬‬
‫لقد تعددت أدوات الدفع المستخدمة فــي النظــام النقــدي‬
‫المعاصر‪ ،‬كما تعــددت أشــكال الوســائل المســتخدمة فــي‬
‫دفع اللتزامات‪ ،‬وبخاصة بعد ثورة التصــالت اللكترونيــة‪،‬‬
‫بحيــث أصــبح العــالم مرتبــط بعضــه ببعــض حيــث تتــم‬
‫المبادلت التجارية‪ ،‬وســداد اللتزامــات فــي وقــت حــدوث‬
‫عمليات التبــادل‪ ،‬مهمــا تباعــدت القــاليم وتعــددت أمكنــة‬
‫السداد‪ ،‬فأصبح مــن الممكــن اســتخدام بطاقــات الصــرف‬
‫اللكتروني لسداد اللتزامات في أي مكان في العالم‪.‬‬
‫أساليب سداد اللتزامات الجديدة‪:‬‬
‫ل بد من إلقاء الضوء على تلك الوسائل المســتخدمة فــي‬
‫سداد اللتزامات بــدون اســتخدام النقــود الورقيــة وتحديــد‬
‫مــواطن الربــا فيهــا‪ ،‬وتتمثــل هــذه الدوات فــي الشــكال‬
‫التالية‪:‬‬
‫الشيكات‪:‬‬
‫تنقسم الشيكات التي يتم تبادلهــا لســداد اللتزامــات إلــى‬
‫نوعين‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬شــيكات يصــدرها الفــراد علــى البنــوك الــتي‬
‫يوجــد لــديها حســابات خاصــة بهــم ويتــم اليــداع فيهــا‪ ،‬و‬
‫)الشيك( بهذه الصفة هو أمر مكتوب وفق أوضــاع شــكلية‬
‫استقر عليها الصرف‪ ،‬تتضمن أمرا ً صادرا ً من شخص )هــو‬
‫الساحب( إلى شخص آخر )هو المسحوب عليه ـ ـ البنــك(‪:‬‬
‫بأن يدفع لشــخص ثــالث أو لمــره أو لحــامله )المســتفيد(‬
‫مبلغــا ً معينــا ً بمجــرد الطلع)‪ ،(1‬والشــيك إذا كــان لمــر‬
‫جة )‬‫سْفت َ َ‬
‫ساحبه فهو ورقة ثلثية الطراف‪ ،‬ويشبه عندئذ ال ّ‬
‫‪ (2‬مع اختلف بين السفتجة والشيك‪ ،‬من حيث‪ :‬إن سحب‬
‫الشيك بدون وجود رصيد للساحب لــدى المســحوب عليــه‬
‫يفي بـه‪ُ ،‬يعتـبر جريمـة يسـتحق عليهـا السـاحب العقوبـة‪،‬‬
‫وهي عقوبة مقصورة على ساحب الشــيك‪ ،‬والشــيك بهــذا‬
‫العتبار‪ :‬هو ورقة تجارية‪ ،‬والتكييف الفقهي للشيك يرتبــط‬
‫بأن اليداع في البنك المسحوب عليه من الســاحب ليــس‬
‫إيداعا ً حقيقة‪ ،‬وإنما هو صورة مــن صــور القــراض يــترتب‬

‫‪454‬‬
‫عليها انتقال ملكية النقود إلى البنــك المــودع لــديه‪ ،‬وبهــذا‬
‫يكون السحب على الحساب الجاري في البنــك مــن قبيــل‬
‫تقاضي ديــن أو جــزء منــه‪ ،‬وهــذا حــق للمقــرض‪ :‬يباشــره‬
‫بنفسه إن شاء‪ ،‬أو بمن ينوب عنه؛ حيث يتم تظهير الشيك‬
‫تظهيرا ً ناقل ً للملكية‪ ،‬أو تظهير توكيل‪ ،‬والــذي يقصــد منــه‬
‫تمكين المظهّــر إليــه مــن تحصــيل قيمــة الشــيك لحســاب‬
‫المظِهر‪.‬‬
‫على ضوء ذلك‪ :‬فإن الشيك يمثل نوعا ً جديدا ً من أســاليب‬
‫سداد اللتزامات واعتباره صورة مــن صــور وســائل إيجــاد‬
‫النقــود الئتمانيــة مــن خلل توســيع نطــاق نقــل المــوال‬
‫حسابي ّا ً بين مختلف الحسابات سواء فــي البنــك الواحــد أو‬
‫فروعه أو بين مختلف البنوك الخرى وفروعها‪.‬‬
‫الشيك ـ وفق أسلوب التعامــل بــه الجــاري عرف ـا ً بوصــفه‬
‫أداة للتحويل على مدينه )البنك( بسداد ما عليه من التزام‬
‫من وديعته التي لدى البنــك ـ ـ جــائز شــرعًا؛ علــى أســاس‬
‫القاعدة الشرعية‪ :‬الصــل فــي المــور الباحــة إل مــا جــاء‬
‫دليل بحرمتها‪ ،‬ول يدخل الربــا فــي الشــيك نفســه بوصــفه‬
‫وسيلة من وسـائل دفــع اللتزامــات المســتحدثة‪ ،‬أي‪ :‬إنهــا‬
‫تقوم بدور النقود من حيث سداد اللتزام عند شراء سلعة‬
‫من الســلع‪ ...‬و إذا كــانت الســلعة ذهب ـا ً أو فضــة مصــنعة‪،‬‬
‫فهل يجوز دفع قيمة هذه الســلع المصــنعة مــن الــذهب أو‬
‫الفضة بالشيك‪ ،‬بحكم أن أســاس النقــود الورقيــة مرتبــط‬
‫بالذهب من حيث ما يعــرف بالتغطيــة عنــد إصــدار النقــود‬
‫الورقيــة أو عملــة ورقيــة أخــرى مغطــاة جزئّيــا ً أو كلّيــا ً‬
‫بالذهب‪ ،‬أو مربوطة سوقي ّا ً مــن حيــث التــأثير فــي قيمتهــا‬
‫بالذهب مثل الدولر؟‪.‬‬
‫إن الشبه تثار على أساس أن الشيك حوالة على البنــك‪ ،‬و‬
‫بالتالي‪ :‬فقدان شرط التقابض فــي المجلــس‪ ،‬وعليــه‪ :‬فل‬
‫يجوز شراء الذهب أو الفضة؛ باعتبــار أن هــذين المعــدنين‬
‫هما أصل النقدين‪ ،‬وأن النقــود الورقيــة أجنــاس‪ ،‬والــذهب‬
‫جنس‪ ،‬والفضة جنس‪ ،‬والعلة الجامعة بينهما هــي الثمنيــة‪،‬‬
‫وبالتالي‪ :‬فل بد من التقابض في مجلس العقد‪ ،‬وعليه‪ :‬فل‬
‫يجوز استخدام الشــيك بــدل ً عــن النقــد عــن شــراء هــذين‬

‫‪455‬‬
‫المعدنين‪ ،‬أمــا الــرأي الخــر‪ :‬فيــرى جــواز ذلــك؛ حيــث إن‬
‫الــذهب والفضــة المصــنعة أو التــبر ل يعتــبرون نقــودًا‪،‬‬
‫وبالتالي‪ :‬فقدوا شرط الثمنية‪ ،‬وإنمــا يعتــبرون ســلعة مــن‬
‫السلع‪ ،‬يجوز شراؤها وســداد قيمتهــا بالشــيك الــذي يمثــل‬
‫وسيلة من وسائل الدفع باعتبــاره حوالــة‪ ،‬حيــث يجــوز أن‬
‫حيــل‬‫يحيل المدين على دائنه ــ وهــو البنــك الــذي قــام الم ُ‬
‫بوضع نقود لديه ـ وديعة مسموحا ً للبنك بالتصرف فيها‪ ،‬مع‬
‫شرط إعادتها أو جزء منها حسب طلب المودع أو بموجب‬
‫أمر منه‪ ،‬وهذا الرأي يقوم على ما يراه ابن القيــم )رحمــه‬
‫الله(‪ :‬بأن النقود هي وسيلة لتقويم السلع‪ ،‬وأن الــذهب أو‬
‫الفضة ـ سواء أكانا حلية أو سبائك ـ هما سلع خرجت عــن‬
‫طبيعة النقود‪ ،‬وهو رأي سبقت الشارة إليه فــي الحلقــات‬
‫الماضية‪ ،‬ونحن نميل إلى الخذ بــه‪ ،‬وعليــه‪ :‬فل بــأس مــن‬
‫سداد قيمــة المصــوغات والتــبر والســبائك مــن الــذهب أو‬
‫الفضة بالشيكات التي يصدرها المشتري على البنك الــذي‬
‫أودع لديه ماله‪.‬‬
‫النوع الثاني‪) :‬الشيك السياحي( وهو أسلوب من أســاليب‬
‫السداد الخاصة بالمسافرين تمكنهم من ســداد التزامــاتهم‬
‫المالية التي نشأت خلل قيــامهم بالســفر خــارج بلــدانهم‪،‬‬
‫وُيعّرف )الشيك الســياحي( بعــدة تعــاريف‪ ،‬منهــا)‪) :(3‬أنــه‬
‫شيك مسحوب على مراســل البنــك المصــدر لــه(‪ ،‬ومنهــا‪:‬‬
‫)أنه الشكل المعــدل لخطــاب العتمــاد الســياحي‪ ،‬ويتميــز‬
‫بقــابليته للوفــاء لــدى البنــوك علــى المســتوى العــالمي(‪،‬‬
‫ومنها‪) :‬أنه أحد أنــواع الشــيكات الــتي اســتحدثت لتمكيــن‬
‫السياح من الحصول على ما يلزمهم من نقــود دون حاجــة‬
‫إلى حملها معهم والتعرض لمخاطر السرقة والضياع(‪.‬‬
‫بوجه عام‪ ،‬فإن الشيك السياحي هو‪ :‬عبارة عن شكل مــن‬
‫تلــك الصــكوك الــتي يســتخدمها المســافرون أداةً للوفــاء‪،‬‬
‫وتتميز بالسهولة من ناحية‪ ،‬حيث تكون مقبولة في الوفاء‪،‬‬
‫ليس فقط لدى فروع البنك المصدر لها أو لدى مراســليه‪،‬‬
‫وإنما لدى الفراد أيضًا‪ ،‬ويقبل هؤلء تسوية حقــوقهم عــن‬
‫طريقها‪.‬‬

‫‪456‬‬
‫فالشيك السياحي هو‪ :‬صك يحمل اســم شــيك لكنــه ســند‬
‫محرر في شكل تعهد بالوفاء‪.‬‬
‫يأخــذ الشــيك الســياحي المواصــفات والشــروط نفســها‬
‫للشيك العادي الذي يصدره الفراد‪ ،‬إل أنه يختلف عنه في‬
‫أن من يقــوم بإصــدار الشــيك الســياحي يجمــع بيــن صــفة‬
‫الساحب والمسحوب عليه في الوقت نفســه‪ ،‬وبهــذا يأخــذ‬
‫شــكل الوراق النقديــة؛ حيــث لــه خصــائص أوراق النقــد‬
‫نفسها التي تتميز عن غيرها من الصكوك في‪ :‬أنهــا تصــدر‬
‫في مجموعات‪ ،‬كما تنقسم إلى قطع ذات قيــم متســاوية‪،‬‬
‫كما أنها تصدر بــدون تحديـد مـدة معينـة لتقادمهـا‪ ،‬ولكنهـا‬
‫تختلــف عــن الوراق النقديــة مــن حيــث إنهــا تعتــبر تعهــدا ً‬
‫بالدفع من جــانب البنــك المصــدر لهــا مقابــل إيــداع بعــض‬
‫أوراق النقد‪ ،‬كما إنها من ناحية التداول تتــم علــى أســاس‬
‫التظهير‪ ،‬أما النقود فهي صكوك للحامل تنتقل من يد إلــى‬
‫أخــرى عــن طريــق التســليم المــادي)‪ ،(4‬وبالتــالي‪ :‬فــإن‬
‫الشيك السياحي هو نوع من أنواع النقود الئتمانيــة يمكــن‬
‫عن طريقه تسوية اللتزامات دون حاجة إلى اللتجاء إلــى‬
‫الوراق النقدية‪.‬‬
‫تتمثــل العلقــة فــي الشــيك الســياحي فــي أن لهــا ثلثــة‬
‫درة‬ ‫صــ ِ‬
‫م ْ‬
‫أطــراف‪ :‬فــالطرف الول‪ :‬البنــك أو الشــركة ال ُ‬
‫للشــيك الســياحي‪ ،‬والطــرف الثــاني‪ :‬المراســل أو البــائع‬
‫الذي يتولى بيع هذه الشيكات للجمهور‪ ،‬حيــث يعتــبر وكيل ً‬
‫در للشــيك‪ ،‬فالمراســل هــو وكيــل عــن الشــركة‬ ‫ص ِ‬
‫م ْ‬
‫عن ال ُ‬
‫المصدرة لهذا الشيك‪ ،‬فالشــيك لــديه بمثابــة وديعــة‪ ،‬وهــو‬
‫غيــر ملــزم بــرد الثمــن إل بعــد صــرفها علــى المشــتري‪،‬‬
‫ويتقاضــى البنــك المراســل عمولــة لقــاء مصــارفته لهــذه‬
‫الشيكات‪ ،‬أما الطرف الثالث‪ :‬فهو المشتري لهذا الشــيك‪،‬‬
‫حيث يقوم بدفع مبلغ معين من النقود‪ ،‬إما بالعملة نفســها‬
‫المصدر بها الشيك أو بعملة أخرى؛ فالعلقة بيــن الشــركة‬
‫المصــدرة للشــيك الســياحي والمشــتري علقــة تصــارف‪،‬‬
‫تمت من خلل المراسل الوكيل للبنك المصدر وفــق عقــد‬
‫الصدار الذي يوقع عليه المشــتري لهــذه الشــيكات‪ ،‬فيمــا‬
‫يعرف بطلب الشــراء‪ ،‬حيــث حــددت التزامــات المشــتري‬

‫‪457‬‬
‫التي مــن ضــمنها التوقيــع علــى الشــيكات المشــتراة فــي‬
‫المكان المخصص لحظة الشراء‪ ،‬واللــتزام بــالتوقيع مــرة‬
‫ثانية عند قبض قيمة الشيك أو عند تظهيــره لشــخص آخــر‬
‫لقاء حصوله على ســلع أو خــدمات‪ ،‬وتنتهــي دورة الشــيك‬
‫السياحي بقيــام المصــدر الول بســداد قيمتهــا لمــن يقــوم‬
‫بالمطالبة بالسداد سواء المشتري الصلي أو من ظ ُّهر لــه‬
‫الشيك)‪.(4‬‬
‫من خلل الستعراض الســابق لطبيعــة الشــيك الســياحي‪،‬‬
‫فإن مجال الخوف من تحقق الربا هــو عنــد الشــراء وعنــد‬
‫البيع لهذا الشيك‪ ،‬فمن ناحية‪ :‬شــراء الشــيكات الســياحية‬
‫ل؛ ففــي هــذه الحالــة‬ ‫بقيمة دولرية تــدفع عنهــا ريــالت مث ً‬
‫يعتبر المر مصــارفة ول يتــم التقــابض النقــدي‪ ،‬حيــث يتــم‬
‫شراء صــك ذمــة بقيمــة عــدد مــن الــدولرات مقابــل دفــع‬
‫ريــالت وبمــوجب هــذا فــي أي مكــان مــن المكنــة لــدى‬
‫مراســليه )وكلئه( مــع قــابليته للتظهيــر‪ ،‬فهــو ســند ديــن‪،‬‬
‫وبهذا‪ :‬فهو ل يعتبر نقدًا‪ ،‬ولكنه بديل عن النقد‪ ،‬وعلى هــذا‬
‫الساس‪ :‬يمكن اعتبار تسليم الشيك مقابــل العملــة الــتي‬
‫تم شراؤه بها‪ :‬تقابضا ً مادي ًّا‪ ،‬وعليه‪ :‬فإذا تم إصدار الشــيك‬
‫بالعملة نفسها‪ ،‬وتم شراؤه بالعملة المصدر بهــا‪ ،‬فل يجــوز‬
‫الزيادة في قيمـة الشـيك‪ ،‬ومـا يتـم دفعـه يمكـن تخريجـه‬
‫جة‪ .‬والسفتجة تعرف‪ :‬بأنها إعطاء مــال‬ ‫سْفت َ َ‬
‫على أساس ال ّ‬
‫لخـر مــع اشــتراط القضـاء فــي بلـد آخــر‪ ،‬والقصــد منهـا‪:‬‬
‫ضمان السلمة من خطر الطريق‪ ،‬فهو يدفع قيمة الشــيك‬
‫السياحي على ســبيل القــرض ل علــى ســبيل المانــة)‪،(6‬‬
‫لكن في حالة قيام المشتري بشراء الشيك السياحي بنقد‬
‫مخــالف للنقــد الــذي صــدر بــه الشــيك؛ فلــو كــان الشــيك‬
‫مصدرا ً بالدولرات‪ ،‬وتم دفع قيمــة هــذا الشــيك بالريــالت‬
‫فيمكن تخريج الشيك على أنه مصارفة‪ ،‬يتــم التبــادل فيهــا‬
‫بين الشيك السياحي والعملة المشــتراة بـه بسـعر صـرف‬
‫العملة الواردة في الشيك السياحي مع العملــة المشــترى‬
‫بها‪ ،‬أي‪ :‬إنه يجب توافر شرط التقابض في مجلس العقــد‪،‬‬
‫أي قبض قيمة الشيك بالعملة المشتراة بهــا؛ ســواء أكــان‬
‫القبض نقدا ً أو بتسجيل على الحساب مــع تســليم الشــيك‬

‫‪458‬‬
‫السياحي للمشتري‪ ،‬باعتبــار أن الشــيك الســياحي يتصــف‬
‫ببعض صفات النقود الورقية‪.‬‬
‫إن موطن الربا فــي الشــيك الســياحي هــو‪ :‬إذا تــم شــراء‬
‫الشــيك الســياحي بالعملــة نفســها المصــدر بهــا الشــيك‬
‫السياحي‪ ،‬وتفاوتت القيمة بين الشيك ومــا تــم دفعــة‪ ،‬أمــا‬
‫إذا اختلف نــوع العملــة المشــترى بهــا الشــيك مــع العملــة‬
‫المصدر بها‪ ،‬فتنطبــق أحكــام الصــرف مــن حيــث ضــرورة‬
‫توافر شرط التقابض‪ ،‬وكذلك ينطبق المــر فــي حالــة بيــع‬
‫الشيك السياحي أو تظهيره‪.‬‬
‫بطاقات الئتمان‪:‬‬
‫بدأ استعمال بطاقة الئتمان بعد الحــرب العالميــة الثانيــة‪،‬‬
‫وتقــوم فكــرة بطاقــة الئتمــان علــى فكــرة الشــراء علــى‬
‫الحساب؛ حيـث كـان يسـتعملها أصـحاب المتـاجر مـع فئة‬
‫معروفة من عملئهم؛ حيث يســمح لهــم بالشــراء حاضــرًا‪،‬‬
‫ثم الدفع في نهاية الشهر أو بداية الشــهر الــذي يليــه‪ ،‬ثــم‬
‫تطورت الفكرة لدى بعــض المتــاجر الكــبيرة ذات الفــروع‬
‫المتعددة‪ ،‬فأصدرت بطاقات بلستيكية تحمل اسم الزبون‬
‫ورقــم حســابه مــع المتجــر‪ ،‬ويســمح لــه أن يشــتري علــى‬
‫الحساب على أن يتم الــدفع بعــد إرســال الفــاتورة لــه‪ ،‬أو‬
‫يقوم بدفع المستحق عليه على أقساط شهرية‪ ،‬بالضــافة‬
‫إلــى رســوم تحــدد علــى البطاقــة‪ ،‬حيــث يتــم التفــاق مــع‬
‫البنوك بإعطائهم ائتمانا ً على المبالغ المستحقة لهــم لــدى‬
‫الزبائن الممنوح لهم هذه البطاقات‪ ،‬حتى أصبح كل متجــر‬
‫يصدر مثل هذه البطاقات‪ ،‬فأصبح يتعين على الزبون حمل‬
‫عدة بطاقات‪ ،‬لكل متجر من المتــاجر الــتي يتعامــل معهــا‬
‫بطاقة‪ ،‬لنه ل يستطيع استعمال بطاقــة متجــر فــي متجــر‬
‫آخر‪ ،‬وهذا أدى إلى ظهــور بطاقــة واحــدة علــى المســتوى‬
‫القــومي تغطــي كافــة حــدود الدولــة‪ ،‬وتقبــل فــي جميــع‬
‫المتاجر في داخل الدولة الواحدة‪ ،‬وبــالعمله المحليــة‪ ،‬ثــم‬
‫تطور المر بضمان حصولهم على قيمة مبيعــاتهم وحســب‬
‫السعر السائد لعملة كل دولة‪ ،‬بحيث ل يتحمــل التــاجر أي‬
‫مخــاطر مــن تغييــر ســعر صــرف العملــة‪ ،‬ويحصــل علــى‬
‫مستحقاته بســرعة وبعملتــه المحليــة بــدون الــدخول فــي‬

‫‪459‬‬
‫متاهــات أســعار الصــرف بيــن مختلــف العملت فــي دول‬
‫العالم‪(7).‬‬
‫كيفية عمل بطاقات الئتمان‪:‬‬
‫إن أسلوب عملية التعامــل ببطاقــات الئتمــان يتمثــل فــي‬
‫تقديم بطاقة الئتمان التي يتم الحصول عليها‪ ،‬إما مباشرة‬
‫در لها‪ ،‬أو عـن طريـق البنـك الـذي يتعامـل معـه‬ ‫من المص ِ‬
‫حامل البطاقة‪ ،‬فعند شرائه لســلعة مــن الســلع أو صــرف‬
‫مبلغ من المبالغ من خلل أجهزة الصــرف اللــي ل يحتــاج‬
‫المر إل إلى إدخال البطاقة في الجهاز الذي يتــولى جميــع‬
‫الجــراءات الخاصــة بالســحب وإعطــائه إشــعارا ً بمــا تــم‬
‫خصــمه ودفعــه إليــه‪ ،‬أو قيــام البــائع الــذي يتــولى اســتلم‬
‫بطاقة الئتمان الخاصة بالمشتري التي تحمل اسمه ورقم‬
‫حسابه وتوقيعه‪ ،‬حيث يتم إدخال البطاقة في جهــاز خــاص‬
‫وكتابة المبلغ المحدد فــي نمــوذج ورقــي يقــوم المشــتري‬
‫حامل البطاقة بالتوقيع عليه‪ ،‬بما يماثل التوقيع الذي يوجد‬
‫على البطاقة‪ ،‬وفي بعــض الحيــان‪ :‬يقــوم البــائع بالتصــال‬
‫ف فــي حســاب‬ ‫برقم معيــن‪ ،‬ليتأكــد مــن وجــود رصــيد كــا ٍ‬
‫حامل البطاقة‪ ،‬وبعد إتمام العملية يسلم البائع المشتريات‬
‫التي وقــع عليهــا المشــتري‪ ،‬ويحتفــظ بنســخة منهــا لــديه‪،‬‬
‫ونسخة ثانية ترسل إلى الجهــة المصــدرة للبطاقــة للقيــام‬
‫بسداد المستحق للبائع‪ ،‬وفي نهاية الشــهر ُترســل فــاتورة‬
‫بهــا كشــف الحســاب بجميــع المشــتريات والمســحوبات‬
‫النقدية على عنوان حامل البطاقة حيث يقوم بــدفع كامــل‬
‫المبلغ أو دفعه على أقساط شهرية‪ ،‬ويتم الدفع‪ :‬إما نقــدًا‪،‬‬
‫أو بشيك‪ ،‬أو خصما ً من الحساب لدى البنك الوســيط فــي‬
‫منح صاحب الحساب لديه هذه البطاقة‪.‬‬
‫أنواع البطاقات‪:‬‬
‫تتعدد أنواع البطاقات‪ ،‬ويمكن تقسيمها إلى نوعين‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬بطاقات المتجر التي يمكــن اســتعمالها فقــط‬
‫في تلك المتاجر أو فروعها المنتشرة في أنحاء البلد‪.‬‬
‫أما النـوع الثـاني‪ :‬ــ وهـو أكـثر شـيوعا ً ــ‪ :‬فهـو البطاقـات‬
‫الشاملة التي لها طبيعــة دوليــة‪ ،‬مثــل بطاقــات )أمريكــان‬
‫اكسبرس( و )ميروا( )وماستر كارد(‪...‬إلخ‪.‬‬

‫‪460‬‬
‫كما تنقسم تلك البطاقات ـ من حيث الدفع ـ إلى نوعين‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬يعــرف ببطاقــة الســحب‪ ،‬وهــي الــتي تســمح‬
‫لحاملهــا بإمكانيــة الســحب النقــدي مــن حســاب حامــل‬
‫البطاقة‪ ،‬شريطة توفر مــا يغطــي المبلــغ المســحوب مــن‬
‫الحساب وتسديد قيمة المشتريات من البضائع والخــدمات‬
‫لدى نقاط البيع المتوفر لديها أجهزة التصال‪ ،‬وهــذا النــوع‬
‫ينقســم إلــى قســمين‪ :‬قســم خــاص بالســحب وتســديد‬
‫المشتريات داخل الدولة الواحدة‪ ،‬وقسم يتم السحب فيــه‬
‫خارج الدولة من خلل شبكة التصال العالمية‪ ،‬ويتم القيــد‬
‫على حســاب العميــل مباشــرة‪ ،‬وبعــض بطاقــات الســحب‬
‫الدولية التي تصــدرها بعــض البنــوك ل تشــترط فــي حالــة‬
‫السحب من أجهزتها تسجيل أي عمولــة‪ ،‬ولكــن فــي حالــة‬
‫السحب من أجهزة بنوك أخرى يتم تسجيل عمولة ســحب‬
‫درة‬‫على حساب حامل البطاقة‪ ،‬ول تستفيد الجهات المصــ ِ‬
‫لهــذا النــوع مــن البطاقــات الــتي ل تحتســب فــائدة علــى‬
‫السحب عند شـراء البطاقـة مـن مراكـز الـبيع فـي خـارج‬
‫الدولة أو داخلها من حساب حامل البطاقــة‪ ،‬ولكنهــا تأخــذ‬
‫عمولة على مقدار المباع بما يعادل أحيانا ً ما بين ‪ %2‬إلى‬
‫‪ %7‬من قيمة ما قام حامل البطاقة بشرائه‪.‬‬
‫النــوع الثــاني‪ :‬مــا يعــرف ببطاقــة الئتمــان‪ ،‬حيــث يمكــن‬
‫لحامل البطاقة السحب أو الشراء وسداد ما قــام بســحبه‬
‫أو ما قــام بشــرائه مــن نقــاط الــبيع علــى دفعــات حســب‬
‫رغبتــه وضــمن أقســاط شــهرية بحــد أدنــى تحــدده الجهــة‬
‫المصدرة للبطاقة‪ ،‬وفي هذه الحالة‪ :‬فإن الجهة المصــدرة‬
‫للبطاقة تتقاضى فائدة على الرصيد المتبقــي علــى حامــل‬
‫البطاقة تتراوح بين ‪ %18‬إلى ‪ %24‬سنوي ًّا‪.‬‬
‫التكييف الفقهي لبطاقات الئتمان‪ ،‬ومواطن الربا فيها‪:‬‬
‫على ضوء ما سبق مــن تحديــد لماهيــة بطاقــات الئتمــان‪:‬‬
‫فإن هذه البطاقات تمثل نوعـا ً جديـدا ً مـن أسـاليب سـداد‬
‫اللتزامات وصورة من صور وسائل إيجاد النقود الئتمانيــة‬
‫من خلل توسيع نطاق نقل المــوال حســابي ّا ً بيــن مختلــف‬
‫الحسابات للبنك الواحد أو البنوك المختلفة‪.‬‬

‫‪461‬‬
‫والسداد والسحب ـ من حســاب الشــخص ــ الــذي يجــري‬
‫التعامــل بــه باســتخدام بطاقــات الســحب الئتمانيــة جــائز‬
‫شرعا ً على أساس القاعدة الشرعية‪ :‬الصــل فــي المــور‬
‫الباحة إل ما جاء دليل بحرمته‪ ،‬وهو يمثــل ســحبا ً وســدادا ً‬
‫من وديعته التي لدى البنك‪ ،‬ول يدخل الربا إل فيما يعــرف‬
‫ببطاقات الئتمان؛ حيث يتم تسديد ما تم ســحبه‪ ،‬ومــا تــم‬
‫سداده من قبل البنك المصدر للبطاقة‪ ،‬واحتساب الفــوائد‬
‫على الرصيد غير المسدد‪ ،‬فهذا يعتبر إقراضـا ً لمــن يحمــل‬
‫هذا النوع من البطاقات الئتمانية‪ ،‬وكذلك مــا يتــم تحميلــه‬
‫على حساب حامل البطاقة الذي يقــوم بالســحب النقــدي‬
‫بمــوجب بطاقــات الئتمــان‪ ،‬كمــا أن هنــاك صــورة أخــرى‬
‫للتعامل الربوي بالنسبة لمن يحمل بطاقة الئتمــان‪ ،‬حيــث‬
‫يقوم باســتخدامها لســداد مشــترياته‪ ،‬ويتــم القيــد الفــوري‬
‫در البطاقــة الــذي يقــوم بالســداد‬ ‫مص ـ ِ‬
‫على حسابه‪ ،‬ولكن ُ‬
‫للبائع نيابة عنه يأخذ نسبة مــن قيمــة مــا تــم شــراؤه مــن‬
‫البائع ما بين ‪ %2‬إلى ‪ %7‬من قيمة فاتورة البيع‪ ،‬فــإن مــا‬
‫يأخذه البنك يعتبر ربًا؛ لن مــا يتــم يشــبه الخصــم؛ فالبــائع‬
‫يقدم للبنك المصدر للبطاقة فاتورة الشراء لخصمها لديه‪،‬‬
‫وهو يقبل ذلك من أجل تنمية مبيعاته‪.‬‬
‫كلمة لمستخدم هذه البطاقات‪:‬‬
‫ولهذا‪ :‬فإن مستخدم بطاقات الئتمان‪ ،‬ولو كان ل يدفع هو‬
‫فائدة على ما يقــوم بشــرائه لكفايــة رصــيده‪ ،‬فــإنه يكــون‬
‫متعاونا ً على الثم‪ ،‬من خلل تشجيعه للبنوك باشتراكه في‬
‫هــذه البطاقــات‪ ،‬بجــانب مــا تســببه هــذه البطاقــات مــن‬
‫محاذير‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬السراف في الستهلك؛ فوجود هـذه البطاقـات يـؤدي‬
‫إلى سهولة الشــراء الفــوري والــدفع المؤجــل‪ ،‬ممــا يــدفع‬
‫بعض الفراد إلــى النفــاق بــدون حســاب؛ حيــث ل يشــعر‬
‫المرء بتلك المدفوعات إل عندما يتســلم كشــف الحســاب‬
‫الشهري ويستحق عليه الدفع‪ ،‬وهذا قــد يقــع تحــت النهــي‬
‫الذي جاء في الحديث الــذي رواه أحمــد عــن عبــدالله بــن‬
‫مســعود‪) :‬أن رســول اللــه نهــى عــن التعقــر فــي المــال‬

‫‪462‬‬
‫والهل(‪ ،‬كما قد يضطره إلى دفع فوائد ربوية لعدم كفايــة‬
‫الرصيد عند المطالبة بالسداد‪.‬‬
‫‪ -2‬رســوم الشــتراك لبعــض بطاقــات الئتمــان تــتراوح ـ ـ‬
‫حسب نوعية البطاقة‪ :‬عادية‪ ،‬فضـية‪ ،‬ذهبيـة ــ مـن ثلثمئة‬
‫ريال سعودي إلــى ألــف ريــال ســعودي‪ ،‬بجــانب أن هنــاك‬
‫رسوم تجديد سنوية تــتراوح مــا بيــن ثلثمئة إلــى ســبعمئة‬
‫ريال‪ ،‬وهــذه الرســوم الــتي تؤخــذ نــوع مــن أكــل المــوال‬
‫دري هذه البطاقات‪.‬‬ ‫ص ِ‬
‫م ْ‬
‫بالباطل من قبل ُ‬
‫‪ -3‬هناك بعض البنوك التي تحاول أن تمارس العمل علــى‬
‫ضــوء الشــريعة‪ ،‬ولكنهــا فيمــا يتعلــق ببطاقــات الئتمــان‬
‫تتساهل في الممارســة؛ بحكــم أنهــا تقــوم بعمــل الوكالــة‬
‫للشركات المصدرة لهذه البطاقات‪ ،‬فتقوم بإشعار عملئها‬
‫بــأن مــن يســتخدم أجهــزة ســحبها ل تأخــذ عليــه عمولــة‬
‫للسحب النقدي‪ ،‬وإذا تم السحب من أجهزة خاصة ببنــوك‬
‫ص ـا ً بالســحب النقــدي‪ ،‬أمــا‬
‫أخــرى‪ ،‬فإنهــا تأخــذ رســما ً خا ّ‬
‫بالنسبة للشراء من نقاط البيع‪ :‬فهذه البنــوك ل تأخــذ مــن‬
‫العميل شيئًا‪ ،‬حتى لو تجــاوز مــا تــم دفعــه رصــيد حســابه‪،‬‬
‫لكنها تأخذ من البائع نسبة معينة لقاء سدادها للمشــتريات‬
‫التي تم استخدام البطاقة المصدرة من قبلها‪ ،‬ول شك أن‬
‫ما تأخذه من البائع هو نوع من الخصم الربوي‪ ،‬ل يجوز أن‬
‫تمارسه تلــك البنــوك‪ ،‬وخاصــة أنهــا تحــاول أبــراز الصــورة‬
‫السلمية للتعامل‪.‬‬
‫‪ -4‬العمولت )الربا( على الرصيد الذي ل يستطيع العميــل‬
‫أن يسدده عند استلمه لكشــف الحســاب الــوارد لــه مــن‬
‫البنك مما يؤدي إلى تراكم الفوائد على الرصيد حيث تصل‬
‫نسبة الربا إلى ما بين ‪ %18‬إلى ‪ %24‬سنوي ًّا‪.‬‬
‫هل لستخدام هذه البطاقات فوائد؟‪:‬‬
‫حقق التعامل ببطاقات الئتمان بعض الفوائد‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬المان‪ :‬فالشخص ل يحتاج إلى حمل مبالغ نقدية كبيرة‬
‫معه في كل الوقات‪ ،‬سواء أكان في داخل حــدود بلــده أو‬
‫كــان مســافرا ً فــي البلد الخــرى؛ وبــذلك يقــل تعرضــه‬
‫للسرقة‪ ،‬أو فقدان ما يحمله من نقود‪.‬‬

‫‪463‬‬
‫‪ -2‬سهولة إجراء التعاملت التجارية ودفع فــواتير الفنــادق‬
‫وإيجار السيارات وغيرها‪.‬‬
‫وتحقيــق هــذه الفــوائد وتجنــب المحــاذير الشــرعية مــن‬
‫اســتخدام بطاقــات الئتمــان يمكــن أن يتحقــق إذا اقتصــر‬
‫الفــرد علــى بطاقــات الســحب فقــط‪ ،‬حيــث إن هــذه‬
‫البطاقات تماثل الشيكات من حيث اعتبارها وسيلة لسداد‬
‫اللتزامات أو للسحب من مال حامل البطاقة لدى البنك‪.‬‬
‫سؤال مهم‪:‬‬
‫والتساؤل الذي يمكن أن يثار فيمــا لــو أخــذ البنــك عمولــة‬
‫لقاء اســتخدام بطاقــات الســحب ســواء علــى كــل عمليــة‬
‫سحب أو استفسار‪ ،‬أو عمولة مقطوعة ســنوية لقــاء منــح‬
‫حامل البطاقة خدمة استخدام أجهزة الصرف اللي‪.‬‬
‫ول شك أن هناك مصاريف يتحملها البنك لقاء تــوفير هــذه‬
‫الخدمة سواء ما يتعلق بقيمة الجهاز أو تكــاليف الخطــوط‬
‫الهاتفية المستخدمة من قَِبل هذه الجهزة‪ ،‬فهل يجوز أخذ‬
‫هذه العمولة؟‪.‬‬
‫إن الجابة على ذلك يحددها واقع السوق من ناحية‪ ،‬وواقع‬
‫أعمال البنوك‪ ،‬فإذا كانت البنوك تلتزم في أعمالها أحكــام‬
‫الشــريعة‪ ،‬وكــان تــوفير هــذه الخدمــة ســوف يــؤدي إلــى‬
‫خسائر يتحملها البنك المصدر لهذه البطاقة‪ ،‬فل بأس بأخذ‬
‫عمولة مقطوعة كأجرة لتوفير هذه الخدمة لمستخدم هذه‬
‫البطاقة‪ ،‬بشرط عدم ربط هذه العمولة بالزمن أو بــالمبلغ‬
‫المسحوب‪ ،‬وإنما هي أجرة تدفع للبنك لقاء تــوفيره لهــذه‬
‫الخدمة‪ ،‬على أســاس أن هــذه الخدمــة تــؤدي إلــى تحمــل‬
‫البنك نفقات إضافية‪ ،‬أما بالنسبة لخذ عمولة علــى نقــاط‬
‫البيع التي تستخدم أجهــزة الصــرف‪ ،‬فهــذا ل يجــوز أخــذه‪،‬‬
‫لسببين‪:‬‬

‫الول‪ :‬أن البنك لم يتحمل أي خسارة‪ ،‬فالمبلغ تــم خصــمه‬


‫من حساب حامل البطاقة؛ وبالتالي‪ :‬فأخذ أي عمولة يعتبر‬
‫أخذا ً لموال الناس بالباطل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن أخذ عمولة لقاء سداد قيمــة مــا اشــتراه حامــل‬
‫البطاقة من البائع؛ سواء أكانت البطاقة بطاقــة ائتمــان أو‬

‫‪464‬‬
‫بطاقة سحب دولية‪ ،‬فإن فــاتورة الــبيع الــتي يتــم الخصــم‬
‫عليها تشبه )الكمبيالة(‪ ،‬ومن المور المتفق عليهــا‪ :‬أن مــا‬
‫يؤخــذ مــن خصــم لقــاء ســداد قيمــة الكمبيالــة مــن تاريــخ‬
‫استحقاقها يعتبر ربا‪ ،‬ويسري هذا الحكم على ما يؤخذ من‬
‫در البطاقة بسداد قيمة ما اشتراه‬ ‫ص ِ‬‫م ْ‬
‫البائعين؛ حيث يقوم ُ‬
‫حاملو البطاقات مقابل الخصم الذي يحصل عليه هــو‪ ،‬أي‪:‬‬
‫در البطاقة وليس حامل البطاقة‪ ،‬وأن ما يعطيه البــائع‬ ‫ص ِ‬
‫م ْ‬‫ُ‬
‫در هو بمثابة خصم‪ ...‬فلو لم يقم البائع بهذا الخصــم‪،‬‬ ‫ص ِ‬
‫م ْ‬ ‫لل ُ‬
‫لما قام مصدر البطاقة بسداد قيمة ما قام حامل البطاقــة‬
‫بشرائه‪ ،‬فالبائع إنما خضع لذلك رغبـة فـي زيـادة مبيعـاته‪،‬‬
‫حيــث إن معظــم حــاملي البطاقــات قــد ل يكــون لــديهم‬
‫الرصيد الكافي لتغطية مشترياتهم‪ ،‬وبالتــالي‪ :‬فــإن عمليــة‬
‫البيع التي تتم بين حامل البطاقة والبائع هــي بيــع بالجــل‪،‬‬
‫وضــمان مصــدر البطاقــة الئتمانيــة وقيــامه بالســداد بعــد‬
‫خصم النسبة المقــررة مســبقا ً لقبــول الســداد للبــائع‪ ،‬ثــم‬
‫مطالبــة الحامــل بالســداد‪ ،‬ســواء بالكامــل أو بالتقســيط‬
‫لمصدر البطاقة‪ :‬هو نوع من أنواع بيع الدين بالدين‪.‬‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫‪ (1‬بنوك تجارية بدون ربا‪ ،‬ص ‪ ،76‬لكاتب الدراسة‪.‬‬
‫‪ (2‬حوالة صادرة مــن دائن‪ ،‬ي ُك َل ّـ ُ‬
‫ف فيهــا مــدينه دفــع مبلــغ‬
‫معين لذن شــخص ثــالث أو لذن نفســه‪ ،‬أو لذن الحامــل‬
‫للحوالة‪ ،‬المعجم الوجيز‪ ،‬ص ‪.312‬‬
‫‪ -‬البيان ‪-‬‬
‫‪ (3‬الشــيكات الســياحية‪ :‬طبيعتهــا ونظامهــا القــانوني‪ ،‬د‪.‬‬
‫أميرة صدقي‪ ،‬ص ‪21‬ـ ‪.22‬‬
‫‪ (4‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 73‬ـ ‪.79‬‬
‫‪ (5‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.128 112‬‬
‫‪ (6‬الربـــا والمعـــاملت المصـــرفية فـــي نظـــر الشـــريعة‬
‫السلمية‪ ،‬د‪ .‬عمر بن عبدالعزيز المترك‪ ،‬ص ‪.279‬‬
‫‪ (7‬بطاقة الئتمان‪ :‬عيوبها ومحاسنها‪ ،‬د‪ .‬وديع أحمد فاضل‬
‫ل(‪ 18 ،‬مارس ‪94‬م ‪.‬‬ ‫كابلي‪ ،‬مجلة )أهل ً وسه ً‬
‫================‬
‫‪ #‬من مسائل الربا‬

‫‪465‬‬
‫مجلــة الجامعــة الســلمية بالمدينــة المنــورة ‪) -‬ج ‪ / 4‬ص‬
‫‪(112‬‬
‫من مسائل الربا‬
‫لسماحة رئيس الجامعة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بــن‬
‫باز‬
‫الحمد لله والصلة والسلم علــى رســول اللــه وعلــى آلــه‬
‫وصحبه‪.‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فقد سألني غير واحد عن معاملــة يتعاطاهــا كــثير‬
‫من الناس وهي أن بعضهم يدفع إلى البنــك أو غيــره مــال ً‬
‫معلوما على سبيل المانــة أو ليتجــر بــه القــابض علــى أن‬
‫يدفع القابض إلى الدافع ربحا معلوما كل شهر أو كل سنة‬
‫مثال ذلك أن يدفع شخص إلى البنك أو غيره عشــرة آلف‬
‫ريال أو أقل أو أكثر على أن يدفع إليه القابض مــائة ريــال‬
‫أو أكثر أو أقل كــل شــهر أو كــل ســنة‪ ،‬وهــذه المعاملــة ل‬
‫شك أنها من مسائل الربا المحــرم بــالنص والجمــاع وقــد‬
‫دلت اليات القرآنية والحاديث النبوية علــى أن أكــل الربــا‬
‫مــن كبــائر الــذنوب ومــن الجــرائم المتوعــد عليهــا بالنــار‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫مــو َ‬ ‫ن الّربا ل ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫واللعنة‪ .‬قال الله سبحانه‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫طان من ال ْمس ذ َل َ َ‬
‫م‬ ‫ك ب ِـأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫إ ِل ّ ك َ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مــ ْ‬ ‫م الّربا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّربا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫مُرهُ إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ظَ ٌ ِ ْ َ ّ ِ ْ َ َ‬ ‫ع‬
‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫حقُ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫م َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫عاد َ فَأول َئ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫م{ وقــال‬ ‫ل ك َّفارٍ أِثيــ ٍ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫الّربا وَي ُْرِبي ال ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مـ َ‬
‫ي ِ‬ ‫مــا ب َِقـ َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫ن ل َـ ْ‬ ‫ن‪ .‬فَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫الّربا إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مــو َ‬ ‫م ل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬ ‫سول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫الل ّهِ وََر ُ‬
‫ن{ ‪ .‬ففــي هــذه اليــات الكريمــات الدللــة‬ ‫مــو َ‬ ‫َول ت ُظ ْل َ ُ‬
‫الصريحة على غلظ تحريم الربا وأنه من الكبــائر الموجبــة‬
‫للنــار كمــا أن فيهــا الدللــة علــى أن اللــه ســبحانه يمحــق‬
‫كسب المرابي ويربي الصدقات أي يربيهــا لهلهــا وينميهــا‬
‫حتى يكون القليل كثيرا إذا كــان مــن كســب طيــب‪ .‬وفــي‬
‫الية الخيرة التصريح بأن المرابــي محــارب للــه ورســوله‬
‫وأن الواجب عليه التوبة إلى الله سبحانه وأخذ رأس مــاله‬

‫‪466‬‬
‫من غير زيادة‪ .‬وقد صح عن رسول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم‬
‫سواء‪ ،‬فالواجب علــى كــل مســلم أن يتقــي اللــه ســبحانه‬
‫ويراقبه في جميع المور وأن يحذر ما حرم الله عليــه مــن‬
‫القــوال والعمــال والمكاســب الخبيثــة ومــن أعظمهــا‬
‫وأخطرها مكاسب الربــا الــذي أنــزل اللــه فيــه مــا يــوجب‬
‫الحذر منه والتواصي بتركه‪ ،‬وقد نقل أبو محمــد عبــد اللــه‬
‫بن أحمــد بــن قدامــة رحمــه اللــه فــي كتــابه المغنــي عــن‬
‫الحافظ ابن المنذر إجماع العلماء علــى تحريــم مثــل هــذه‬
‫المعاملة وفي ذلك كفاية ومقنع لطالب الحق‪ ،‬وصلى الله‬
‫وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‪.‬‬
‫رئيس الجامعة السلمية بالمدينة المنورة‬
‫عبد العزيز بن عبد الله بن باز‬
‫===============‬
‫‪#‬التحذير من الربا وخطره‬
‫عبدالعظيم بدوي الخلفي ‪... ... ...‬‬
‫الخطبة الولى ‪... ... ...‬‬
‫عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملئكة قال‪ :‬قــال رســول‬
‫الله ‪)) :‬درهم ربا يأكله الرجــل وهــو يعلــم أشــد عنــد اللــه‬
‫تعالى من ستة وثلثين زنية((‪.‬‬
‫إن الصدقة هي الـوجه المشـرق الصـالحة للمعاملـة الـتي‬
‫يتعامل بها الناس‪ ،‬ويقابلها الوجه الكالح الطالح وهو الربا‪،‬‬
‫وشّتان بين الوجهين‪:‬‬
‫فالصدقة عطاء وسماحة‪ ،‬وطهارة وزكاة‪ ،‬وتعاون وتكافل‪.‬‬
‫والربا شح وقذارة ودنس‪ ،‬وأثرة وفردية‪.‬‬
‫والصدقة نزول عن المال بل عوض ول رد‪.‬‬
‫والربا استرداد للدين ومعه زيادة حرام مقتطعة مــن جهــد‬
‫المدين أو من لحمه‪ ،‬من جهده إن كــان قــد عمــل بالمــال‬
‫الذي استدانه فربح نتيجة لعمله هو وكده‪ ،‬ومــن لحمــه إن‬
‫كان لم يربح أو خسر‪ ،‬أو كان قد أخــذ المــال للنفقــة منــه‬
‫على نفسه وأهله ولم يستربحه شيئا‪.‬‬
‫ولهذا تحدث القرآن عن الصدقة ثــم أتبعهــا بالحــديث عــن‬
‫الربا‪ ،‬الوجه الخر الكالح الطالح‪ ،‬وكشف عما فــي عمليــة‬

‫‪467‬‬
‫الربا من قبح وشناعة‪ ،‬ومن جفاف فــي القلــب وشــر فــي‬
‫المجتمع‪ ،‬وفساد في الرض وهلك للعباد‪.‬‬
‫ولم يبلغ مــن تفظيــع أمــر أراد الســلم إبطــاله مــن أمــور‬
‫الجاهلية ما بلغ من تفظيع الربا‪ ،‬ول بلــغ مــن التهديــد فــي‬
‫اللفظ والمعنى ما بلغ من التهديد في أمر الربا‪.‬‬
‫ولما كان الربا قد شاع في عصرنا هذا شيوعا كــثيرا جعــل‬
‫السلمة منه من الصعوبة بمكـان‪ ،‬كـان لبـد مـن الحـديث‬
‫عن الربا وبيان خطره وخطر عقوبته لعل المرابين يتقــون‬
‫أو يحدث لهم ذكرا‪ ،‬فنقول وبالله التوفيق‪:‬‬
‫الربا في اللغة‪ :‬الزيادة‬
‫قال تعالى‪ :‬وتــرى الرض هامــدة فــإذا أنزلنــا عليهــا المــاء‬
‫اهتزت وربت ]الحج‪.[5:‬‬
‫وهو في الشرع‪ :‬الزيادة في الدين على رأس المال قّلــت‬
‫أو كثرت‪ ،‬وهو حرام بالكتاب والسنة وإجماع المة‪.‬‬
‫قــال تعــالى‪ :‬يــا أيهــا الــذين آمنــوا ل تــأكلوا الربــا أضــعافا‬
‫مضاعفة ]آل عمران‪.[130:‬‬
‫وليس القيد هنا لفادة الشــرطية‪ ،‬ولكنــه لبيــان الواقــع فل‬
‫يعتد به‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪ :‬وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم‬
‫]البقرة‪.[279:‬‬
‫وقــال النــبي ‪)) :‬اجتنبــوا الســبع الموبقــات‪ ((...‬وعـد ّ منهــا‬
‫الربا‪.‬‬
‫وقال ‪)) :‬الربا بضع وسبعون بابا‪ ،‬أهونها مثل إتيان الرجــل‬
‫أمه((‪.‬‬
‫وقال ‪)) :‬ما أحد أكثر من الربــا إل كــان عاقبــة أمــره إلــى‬
‫قلة((‪.‬‬
‫وفي حديث الرؤيا الطويل عند البخــاري‪)) :‬أن النــبي أتــى‬
‫على نهر أحمر مثل الدم‪ ،‬وإذا في النهر رجــل ســابح‪ ،‬وإذا‬
‫على شط النهر رجل قــد جمــع عنــده حجــارة كــثيرة‪ ،‬وإذا‬
‫ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يــأتي ذلــك الــذي قــد جمــع‬
‫عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا‪ ،‬فينطلـق يســبح‬
‫ثم يرجع إليه‪ ،‬كلما رجع فغر له فاه فألقمه حجرا‪ ،‬فقــال ‪:‬‬
‫ما هذا؟ فقيل له‪ :‬إنه آكل الربا((‪.‬‬

‫‪468‬‬
‫ولقــد شــن القــرآن الكريــم حملــة شــديدة عنيفــة علــى‬
‫المرابين نسوقها بلفظها ثم نأتي عليها بالبيان‪.‬‬
‫قال تعالى‪ :‬الــذين يــأكلون الربــا ل يقومــون إل كمــا يقــوم‬
‫الذي يتخبطه الشيطان من المـس ذلـك بـأنهم قـالوا إنمـا‬
‫البيع مثل الربا وأحــل اللــه الــبيع وحــرم الربــا فمــن جــاءه‬
‫موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن‬
‫عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا‬
‫ويربي الصدقات واللــه ل يحــب كــل كفــار أثيــم إن الــذين‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلة وآتــوا الزكــاة لهــم‬
‫أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هـم يحزنــون يــا أيهــا‬
‫الذين آمنوا اتقــوا اللــه وذروا مــا بقــي مــن الربــا إن كنتــم‬
‫مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن‬
‫تبتــم فلكــم رؤوس أمــوالكم ل َتظلمــون ول ُتظلمــون وإن‬
‫كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خيــر لكــم‬
‫إن كنتم تعلمون واتقــوا يومــا ترجعــون فيــه إلــى اللــه ثــم‬
‫توفى كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمــون ]البقــرة‪-275:‬‬
‫‪.[281‬‬
‫إنها الحملــة المفزعــة‪ ،‬والتصــوير المرعــب الــذين يــأكلون‬
‫الربا ل يقومون إل كما يقوم الذي يتخبطــه الشــيطان مــن‬
‫المس وما كان أي تهديــد معنــوي ليبلـغ إلــى الحـس مبلــغ‬
‫هـــذه الصـــورة المجســـمة الحيـــة المتحركـــة‪ ،‬صـــورة‬
‫الممسوس المصروع وهي صورة معروفة معهودة للناس‪.‬‬
‫والنص يستحضرها لتؤدي دورها اليحائي في إفزاع الحس‬
‫لستجاشة مشاعر المرابين‪ ،‬وهّزها ه ـّزة عنيفــة تخرجهــم‬
‫من مألوف عادتهم ومن حرصهم على ما يحققه لهــم مــن‬
‫الفائدة‪.‬‬
‫والــذين يــأكلون الربــا ليســوا هــم الــذين يأخــذون الفــائدة‬
‫الربوبيــة وحــدهم‪ ،‬إنمــا هــم كــل المتعــاونين علــى إجــراء‬
‫العملية الربوية‪:‬‬
‫عن جابر بن عبد الله قال‪)) :‬لعن رسول اللــه آكــل الربــا‪،‬‬
‫وموكله‪ ،‬وشاهديه وكاتبه‪ ،‬وقال‪ :‬هم سواء((‪.‬‬
‫والقــرآن يصــفهم بــأنهم ل يقومــون إل كمــا يقــوم الــذي‬
‫يتخبطه الشيطان من المس‬

‫‪469‬‬
‫إنهـــم ل يقومـــون فـــي الحيـــاة ول يتحركـــون إل حركـــة‬
‫الممســوس المضــطرب القلــق المتخبــط الــذي ل ينــال‬
‫استقرارا ول طمأنينة ول راحة‪ ،‬وهــذا أمــر أصــبح مشــاهدا‬
‫في هـذا العصـر‪ ،‬فالنـاس مـع الحضـارة والرقـي والتقـدم‬
‫والرخــاء قلقــون خــائفون مضــطربون‪ ،‬قــد فشــت فيهــم‬
‫المراض العصبية والنفسية‪ ،‬والسبب هو خواء الرواح من‬
‫زاد اليمان‪ ،‬الذي هو سبب الطمأنينــة والســكينة والهــدوء‬
‫والراحة الذين آمنــوا وتطمئن قلــوبهم بــذكر اللــه أل بــذكر‬
‫الله تطمئن القلوب ]الرعد‪.[28:‬‬
‫دي لبــد أن يعلــم أن‬ ‫وحين يشقى العالم وهو في رخاء مــا ّ‬
‫السبب هو فقد الغذاء الروحي‪ ،‬الذي سببه العــراض عــن‬
‫ذكر الله‪ ،‬كما قال تعالى‪ :‬ومن أعرض عن ذكري فــإن لــه‬
‫معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ]طه‪.[124:‬‬
‫ولكن القــوم ل يستحضــرون هــذا الســر‪ ،‬ول يهتــدون إليــه‬
‫سبيل‪ ،‬لن لهم قلوب ل يفقهون بها ]العراف‪.[179:‬‬
‫ولقد اعترض المرابون في عهد رسول اللــه علــى تحريــم‬
‫الربا وتحليل البيع ذلك بــأنهم قــالوا إنمــا الــبيع مثــل الربــا‬
‫وكانت الشبهة التي ركنوا إليها هي أن الــبيع يحقــق فــائدة‬
‫وربحا‪ ،‬كما أن الربا يحقق فائدة وربحا‪ ،‬وهي شــبهة أوهــى‬
‫من بيت العنكبوت‪.‬‬
‫فالعمليات التجارية قابلة للربح والخســارة‪ ،‬أمــا العمليــات‬
‫الربوية فهي محدودة الربح في كل حالــة‪ ،‬هــذا هــو منــاط‬
‫التحريم والتحليل‪ :‬إن كل عملية يضــمن فيهــا الربــح علــى‬
‫أية وضع هي عملية ربويــة محرمــة‪ ،‬بســبب ضــمان الربــح‬
‫وتحديده‪ ،‬ول مجال للمماحلة فــي هــذا ول للمـداراة‪ ،‬ولــذا‬
‫أحل الله البيع وحرم الربا ‪.‬‬
‫ولما كان الله تعالى ل يؤاخــذ إل بعــد إقامــة الحجــة قــال‪:‬‬
‫فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فلــه مــا ســلف ‪ ،‬فمــن‬
‫سمع موعظة من ربه فل يكل ّــف بــرد ّ مــا أخــذ مــن النــاس‬
‫قبل ذلك‪ ،‬وحسبه أن ل يزيــد عليهــم بعــد الموعظـة‪ ،‬لكـن‬
‫انظر إلى خطر المر وهــو قــوله تعـالى‪ :‬وأمــره إلــى اللـه‬
‫جسا من المر خائفا منه يقول‪ :‬كفاني ما مضى‪،‬‬ ‫ليظ ّ‬
‫ل متو ّ‬

‫‪470‬‬
‫ولعل الله أن يغفر لي إذا تبــت وأنبــت ولــم أقــع فيــه بعــد‬
‫ذلك‪.‬‬
‫)ومن عــاد( بعــد بيــان اللــه وتــذكيره وتوعّــده لكلــة الربــا‬
‫فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ‪ .‬وفي هذا التصــريح‬
‫بأن أكلة الربا في النار خالــدون إل مــن مــات منهــم علــى‬
‫التوحيد‪ ،‬فإن خلوده ليــس كخلــود الكــافرين‪ ،‬وإنمــا ينفعــه‬
‫علم من النصوص الخرى‪.‬‬ ‫التوحيد يوما ما‪ ،‬كما ُ‬
‫ولمــا علــم اللــه أن مــن عبــاده مــن ل يقيــم وزنــا ليــوم‬
‫الحساب‪ ،‬ويسقطه من حسابه‪ ،‬فقد أنذرهم بــالمحق فــي‬
‫الدنيا يمحق الله الربا ‪.‬‬
‫والمحق‪ :‬هو محو الشــيء والــذهاب بــه‪ ،‬وقــد اشــتهر هــذا‬
‫حتى عرفه العامة‪ ،‬فكم من آكــل ربــا حــل بــه البلء فــأتى‬
‫الله بنيانهم من القواعد فخّر عليهــم الســقف مــن فــوقهم‬
‫وأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون ]النحل‪.[26:‬‬
‫ذلك لهم خزي في الدنيا ]المائدة‪.[33:‬‬
‫ثم يوم القيامة يخزيهم ]النحل‪.[27:‬‬
‫فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ]النمل‪.[52:‬‬
‫أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلـوب يعقلـون بهـا أو‬
‫آذان يســمعون بهــا فإنهــا ل تعمــى البصــار ولكــن تعمــى‬
‫القلوب التي في الصدور ]الحج‪.[46:‬‬
‫والله سبحانه يعّقب على هذا الوعيد فيقول‪ :‬والله ل يحب‬
‫كل كفار أثيم والكفار هو الذي كفر نعمة اللــه وجحــد من ّــة‬
‫ربه‪ .‬والثيم من أثــم بإصــراره علــى المعصــية‪ ،‬وفــي هــذا‬
‫النص إشارة إلى أن الله يحب الشاكرين ويحب التوابين‪.‬‬
‫ثم أدخل هـذه اليـة وهـي قـوله‪ :‬إن الـذين آمنـوا وعملـوا‬
‫الصالحات وأقاموا الصلة وآتــوا الزكــاة لهــم أجرهــم عنــد‬
‫ربهم ول خوف عليهــم ول هــم يحزنــون أدخلهــا بيــن آيــات‬
‫الربا ليبين أن أكبر الســباب الــتي تعيــن علــى تــرك الربــا‬
‫اليمــان‪ ،‬وأن آكــل الربــا ل يأكــل الربــا وهــو مــؤمن‪ ،‬قــال‬
‫دقوا إذعان بما جاء مــن عنــد‬ ‫تعالى‪ :‬إن الذين آمنوا أي‪ :‬ص ّ‬
‫الله فــي هــذه المســألة وغيرهــا وعملــوا الصــالحات الــتي‬
‫تصلح بها نفوسهم وشأن من يعيش معهم‪ ،‬ومنها مواســاة‬
‫المحتاجين‪ ،‬والرحمة بالبائسين وإنظار المعسرين وأقــاموا‬

‫‪471‬‬
‫كر المــؤمن بــالله فتزيــد فــي إيمــانه وحب ّــه‬ ‫الصلة التي تذ ّ‬
‫لربه‪ ،‬حتى تسهل عليه طاعته في كل شيء وآتــوا الزكــاة‬
‫التي تزكي النفس من رذيلة البخل والحرص وتمّرنها على‬
‫أعمال الــبر حــتى تســهل عليهــا ويكــون تــرك أكــل أمــوال‬
‫الناس بالربا أسهل‪.‬‬
‫وإنما ذكر الصلة والزكــاة لنهمــا أعظــم العبــادة النفســية‬
‫والمالية‪ ،‬فمن أتــى بهمــا كــاملتين ســهل عليــه كــل عمــل‬
‫صالح‪.‬‬
‫والله يعدهم بأن لهــم أجرهــم عنــد ربهــم يحفظــه لهــم ول‬
‫خوف عليهم ول هم يحزنون فهو وعد بالمن فل يخــافون‪،‬‬
‫وبالسعادة فل يحزنون‪ ،‬في القوت الــذي يتوعــد فيــه أكلــة‬
‫الربــا بــالمحق والســحق‪ ،‬وبــالتخبط والضــلل‪ ،‬وبــالقلق‬
‫والخوف‪.‬‬
‫وفي ظل هذا للرخــاء المــن الــذي يعــد اللــه بــه الجماعــة‬
‫المسلمة التي تنبذ الربــا مــن حياتهــا فتنبــذ الكفــر والثــم‪،‬‬
‫وتقيم هذه الحياة علــى اليمــان والعمــل الصــالح والصــلة‬
‫والزكاة‪ ،‬في ظل هــذا الرخــاء المــن يهتــف بالــذين آمنــوا‬
‫بالهتاف الخير ليحولوا حياتهم عن النظام الربــوي الــدنس‬
‫المقيت‪ ،‬وإل فهــي الحــرب المعلنــة مــن اللــه ورســوله بل‬
‫هوادة ول إمهال ول تأخير‪ :‬يا أيهــا الــذين آمنــوا اتقــوا اللــه‬
‫وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فوصفهم باليمان‪،‬‬
‫كرهم بالتقوى‪ ،‬ثم انتقل إلى المــر بــترك مــا بقــي مــن‬ ‫وذ ّ‬
‫الربا لمن كانوا يرابون‪.‬‬
‫ثم وصل ذلك بقوله‪ :‬إن كنتم مؤمنين أي إن كان إيمــانكم‬
‫تاما شامل لجميع ما جاء به محمد من الحكام فذروا بقايــا‬
‫الربا‪.‬‬
‫ويؤخذ من هذا أن من لم يترك ما بقي من الربا بعــد نهــي‬
‫الله تعالى عنه وتوعده عليه فل يعد ّ من أهل هــذا اليمــان‬
‫التام الشامل‪.‬‬
‫ى بــالترهيب الــذي‬ ‫وهكــذا يأخــذهم بــالترغيب أول‪ ،‬ثــم ثن ـ ّ‬
‫يقصم الظهور‪ ،‬ويزلــزل القلــوب‪ :‬فــإن لــم تفعلــوا فــأذنوا‬
‫بحرب من الله ورسوله ‪.‬‬

‫‪472‬‬
‫أي‪ :‬إن لم تتركوا ما بقي لكم من الربا كما أمرتم فاعلموا‬
‫واستيقنوا بأنكم على حرب من الله ورسوله‪.‬‬
‫ويا للهول‪ :‬حرب من الله ورسوله!! إن الخصم ليعرف أن‬
‫عدّوه يعد ّ العدة ليشن الغارة عليــه فل يهــدأ ول ينــام‪ ،‬مــع‬
‫احتمال أن يدفع عن نفسه‪ ،‬وأن يكون هو المنتصر‪ .‬فكيف‬
‫إذا أعلم بالحرب من اللــه ورســوله؟! وهــي حــرب رهيبــة‬
‫معروفــة المصــير‪ ،‬مقــررة العاقبــة‪ ،‬ل هــوادة فيهــا‪ ،‬وأيــن‬
‫النسان الضعيف الفاني من تلك القدرة الجّبارة الســاحقة‬
‫الماحقة؟!‪.‬‬
‫م مــن القتــال بالســيف والمــدفع‪.‬‬ ‫وهذه الحرب المعلنة أع ّ‬
‫إنها حرب على العصــاب والقلــوب‪ ،‬وحــرب علــى البركــة‬
‫والرخاء‪ ،‬وحرب على السعادة والطمأنينــة‪ ،‬حــرب يســلط‬
‫اللــه فيهــا بعــض العصــاة علــى بعــض‪ ،‬حــرب المطــاردة‬
‫والمشاكسة‪ ،‬حرب الغبن والظلم‪ ،‬حرب القلــق والخــوف‪،‬‬
‫وأخيرا حرب السلح بيــن المــم والجيــوش‪ ،‬والــدول‪ ،‬إنهــا‬
‫الحرب المشبوبة دائما‪ ،‬وقــد أعلنهــا اللــه علــى المرابيــن‪،‬‬
‫وهي مسعرة الن تأكل الخضر واليابس‪ ،‬والبشرية غافلــة‬
‫عما يفعل بها‪.‬‬
‫ثم عـّرض بالتوبــة فقـال‪ :‬وإن تبتــم يعنـي مـن المعـاملت‬
‫الربوية فلكم رؤوس أموالكم ل تظلمون الناس بأخذ الربا‬
‫ول تظلمون ببخسكم رؤوس أموالكم‪ .‬فكل من تــاب مــن‬
‫الربا‪ :‬فإن كانت معاملت ســالفة فلــه مــا ســلف ل يكل ّــف‬
‫رّده ول إضاعته‪ ،‬وأمره إلى الله ينظر فيه‪.‬‬
‫وإن كانت معاملت موجودة وجــب عليــه أن يقتصــر علــى‬
‫رأس ماله‪ ،‬فإن أخذ زيادة فقد تجرأ على الربا‪.‬‬
‫ثم يرشد صاحب المال إلى ما يجب عليه نحو الــذي عليــه‬
‫الدين فيقول‪ :‬وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميســرة وأن‬
‫تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ‪.‬‬
‫إنها السماحة الندي ّــة الــتي يحملهــا الســلم للبشــرية‪ .‬إنــه‬
‫الظل الظليل الذي نادى إليه البشـرية المتعبــة فــي هجيـر‬
‫الثــرة والشــح والطمــع والتكــالب‪ ،‬إنهــا الرحمــة للــدائن‬
‫والمدين‪ ،‬وللمجتمع الذي يظل الجميع‪.‬‬

‫‪473‬‬
‫إن المعسر في السلم ل يطارد من صاحب الدين أو مــن‬
‫القانون والمحاكم‪ ،‬إنما ينظر حتى يوسر‪ ،‬ثــم إن المجتمــع‬
‫المســلم ل يــترك هــذا المعســر وعليــه ديــن‪ ،‬فــالله يــدعو‬
‫صاحب الدين أن يتصدق بدينه إن تطوع بهــذا الخيــر‪ ،‬وهــو‬
‫خير لنفسه كما هو خير للمدين‪ ،‬وهــو خيــر للجماعــة كلهــا‬
‫ولحياتها المتكالفة ولو كان يعلم ما يعلمه الله من ســريرة‬
‫هذا المر‪.‬‬
‫وقــد كــثرت الحــاديث فــي الــترغيب فــي إنظــار المعســر‬
‫والتجاوز عنه‪ ،‬ومنها‪ :‬قوله ‪)) :‬مــن أنظــر معســرا أو وضــع‬
‫عنه أظله الله في ظّله((‪.‬‬
‫وعن حذيفة قال‪ :‬قال رسول الله ‪)) :‬أتــى اللــه بعبــد مــن‬
‫عبيده يوم القيامة قال‪ :‬ماذا عملت لي في الدنيا؟ فقــال‪:‬‬
‫ما عملت لك يــا رب مثقــال ذرة فــي الــدنيا أرجــوك بهــا ‪-‬‬
‫قالها ثلث مرات ‪ -‬ثم قال عنــد آخرهــا‪ :‬يــا رب إنــك كنــت‬
‫أعطيتني فضل مال‪ ،‬وكنت رجل أبــايع النــاس‪ ،‬وكــان مــن‬
‫خلقي الجواز‪ ،‬فكنت أيسر على الموسر وأنظــر المعســر‪.‬‬
‫فقال الله عز وجل‪ :‬أنا أحق من ييسر‪ ،‬أدخل الجنة((‪.‬‬
‫ثم يجئ التعقيب العميق اليحاء الذي ترجــف منــه النفــس‬
‫المؤمنة وتتمنى لو تنزل عن الدين كلــه ثــم تمضــى ناجيــة‬
‫من الله يوم الحساب‪ :‬واتقوا يوما ترجعون فيــه إلــى اللــه‬
‫فأنجع شيء لمــرض القلــوب تــذكر يــوم الــدين وهــو يــوم‬
‫عســير‪ ،‬لــه فــي قلــب المــؤمن وقــع شــديد‪ ،‬واتقــوا يومــا‬
‫ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم ل‬
‫يظلمون ‪.‬‬
‫كان هذا التحذير من ربا النسيئة‪ :‬وهو الزيــادة فــي الثمــن‬
‫من أجل الزيادة في الجل‪.‬‬
‫ومن باب سد الذرائع حّرم السلم نوعا آخر من الربا وهو‬
‫ربا الفضل‪.‬‬
‫وربا الفضل معناه‪ :‬بيع جنس بجنسه متفاض ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وهــو محصــور فــي أصــناف ســتة‪ ،‬بّينهــا قــوله ‪)) :‬الــذهب‬
‫بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة‪ ،‬والبر بــالبر‪ ،‬والشــعير بالشــعير‪،‬‬
‫والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪ ،‬مثل بمثل‪ ،‬سواء بسواء‪ ،‬يــدا‬

‫‪474‬‬
‫بيد‪ ،‬فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كــان‬
‫يدا بيدا((‪.‬‬
‫فهذه الصــناف الســتة ل يجــوز بيــع الجنــس منهــا بجنســه‬
‫متفاضــل‪ :‬فل يجــوز بيــع مــائة جــرام ذهبــا قــديما بتســعين‬
‫جراما ذهبا جديدا‪ ،‬وكذلك الفضة‪.‬‬
‫ول يجوز بيع كيلتين من قمح رديء بكيلــة مــن قمــح جيــد‪،‬‬
‫وهكذا بقية الصناف‪.‬‬
‫ول يجوز التأخير في القبض وإن كان هناك تماثل‪ ،‬بل لبــد‬
‫من التقابض في المجلس‪.‬‬
‫فإن اختلفت الجناس والعلة جاز الــبيع والشــراء متفاضــل‬
‫وجاز التأخير‪ ،‬كأن تشتري قمحا بنقد‪ ،‬أو ملحا بنقد‪.‬‬
‫وإن اختلفت الجنــاس واتحــدت العلــة جــاز التفاضــل دون‬
‫التأخير‪ :‬فيجوز أن تشتري عشرين جراما ذهبا بمائة فضــة‬
‫مثل‪ .‬أو تشتري كيلتين قمحا بأربع شعيرا‪ ،‬أو تشتري مــائة‬
‫ريال سعوديا بتسعين جنيهــا مصــريا‪ ،‬فهــذا التفاضــل جــائز‬
‫شريطة التقابض في المجلس‪ .‬فل يجوز أن تشــتري مــائة‬
‫ريال بتسعين جنيها وتبقى لك أو عليك بقية‪.‬‬
‫وكذلك ل يجوز أن تشتري ذهبا بنسيئة‪ ،‬ول أن تدفع بعــض‬
‫القيمة ويبقى عليك بعضها‪ ،‬بل لبد مــن دفــع القيمــة كلهــا‬
‫نقدا قبل مغادرة المجلس‪ .‬ومن الخطأ الذي يقع فيه كثير‬
‫من الناس عند استبدال الذهب القديم بجديد أنهم يــبيعون‬
‫القديم ول يقبضـون ثمنـه‪ ،‬ثـم يشـترون الجديـد ويـدفعون‬
‫الفرق‪ ،‬وهذا داخل في ربا الفضــل‪ ،‬والصــحيح أن تــبيع مــا‬
‫معك وتقبض ثمنه‪ ،‬ثم تشتري الجديد وتدفع ثمنه‪.‬‬
‫فــاعتبروا يــا أولــي البصــار وخــذوا حــذركم‪ ،‬وتفقهــوا فــي‬
‫دينكـــم‪ ،‬فـــإنه ))مـــن يـــرد اللـــه بـــه خيـــرا يفّقهـــه فـــي‬
‫الدين((‪... ... ... .‬‬
‫================‬
‫‪ #‬أشر ما دخل جوف ابن آدم الربا‬
‫موسوعة الدين النصيحة ‪) - 5-1‬ج ‪ / 1‬ص ‪(222‬‬
‫فأقول بعد حمد الله والثناء عليــه والصــلة والســلم علــى‬
‫رسوله إن من ترك صلة مكتوبة واحدة حتى يخرج وقتهــا‬
‫مخرجا ً عن الملة السلمية‬ ‫وهو قادر على أدائها كفر كفرا ً ُ‬

‫‪475‬‬
‫في أرجح قولي العلماء‪ ،‬وأجمعت المة على قتله إل ّ قليل ً‬
‫منهم إذا جيــء بــه إلــى الحــاكم أو مــن ينــوب عنــه وذ ُك ّـَر‬
‫بخطورة ترك الصلة فأبى عن أداء صلة واحدة حتى خرج‬
‫وقتها‪.‬‬
‫ممن روي عنه كفر تارك الصلة كسل ً من الصحابة‪ :‬علــي‬
‫بن أبي طالب‪ ،‬وسعد بن أبي وقاص‪ ،‬وابن مســعود‪ ،‬وابــن‬
‫عباس‪ ،‬وجابر‪ ،‬وأبي الدرداء رضي الله عنهم‪ ،‬وقال عمــر‪:‬‬
‫ظ في السلم لمن ضيع الصلة"‪ ،‬وقال عبد الله بــن‬ ‫"ل ح ّ‬
‫شقيق وهو من كبارالتابعين‪" :‬لم يجمع الصــحابة علــى أن‬
‫ترك شيء من العمال كفر سوى الصلة"‪.‬‬
‫لمن التــابعين ومــن‬ ‫وممــن قــال يكفــر تــارك الصــلة كسـ ً‬
‫بعــدهم إبراهيــم النخعــي‪ ،‬والحكــم بــن عتيبــة‪ ،‬وأيــوب‬
‫السختياني‪ ،‬وابن المبارك‪ ،‬وأحمد بن حنبــل‪ ،‬وإســحاق بــن‬
‫راهويه‪ ،‬واستدل هؤلء من القرآن بالتي‪ ":‬أضاعوا الصلة‬
‫واتبعوا الشهوات فسوف يلقون ِغي ًّا"‪" ،‬وأقيموا الصــلة ول‬
‫تكونوا من المشركين"‪" ،‬إنمــا تنــذر الــذين يخشــون ربهــم‬
‫بالغيب وأقاموا الصلة"‪.‬‬
‫قيل لبن مسعود رضي الله عنه إن الله يكثر ذكــر الصــلة‬
‫في القرآن" الذين هم علــى صــلتهم دائمــون"‪ " ،‬والــذين‬
‫ل للمصلين الــذين هــم‬ ‫هم على صلتهم يحافظون"‪ " ،‬فوي ٌ‬
‫عن صلتهم ساهون"‪ ،‬فقال عبد الله‪ :‬على مواقيتها‪ .‬فقال‬
‫له قائل‪ :‬ما كنا نرى إل ّ أن نــترك‪ .‬فقــال عبــد اللــه‪ :‬تركهــا‬
‫كفر‪.‬‬
‫ومن الحاديث الصحيحة الصريحة بالتي‪:‬‬
‫‪" .1‬بين العبد وبين الكفر ترك الصلة" وفي روايــة" وبيــن‬
‫الشرك ترك الصلة"‪.‬‬
‫‪" .2‬العهد الذي بيننا وبينهم الصلة فمن تركها فقد كفر"‪.‬‬
‫‪" .3‬نهيت عن قتل المصلين"‪.‬‬
‫‪" .4‬من ترك صلة العصر متعمدا ً فقد حبط عمله"‪.‬‬
‫‪" .5‬ما منعك أن تصلي مع الناس الست برجل مسلم"‪.‬‬
‫قال ابن عبد البر معلقا ً وشارحا ً للحــديث الســابق‪) :‬وفــي‬
‫هذا والله اعلــم أن مــن ل يصــلي ليــس بمســلم وإن كــان‬
‫موحدًا(‪.‬‬

‫‪476‬‬
‫ولهذا فإن حكم تارك الصلة في الدنيا‪:‬‬
‫‪ .1‬ل يزوج بمسلمة وإن كان متزوجا ً بمسلمة فّرق بينهما‪.‬‬
‫‪ .2‬ليسلم عليه‪ ،‬وليزار‪ ،‬وليعاد‪ ،‬وليؤاكل‪ ،‬وليسكن معه‪،‬‬
‫ولتجاب دعوته زجرا ً له ولمثاله‪.‬‬
‫‪ .3‬ليس له ولية على بناته وحريمه‪.‬‬
‫‪ .4‬إن كان يصلي ثم تركها حبطــت أعمــاله الســابقة كلهــا‬
‫مــن صــلة‪ ،‬وزكــاة‪ ،‬وحــج‪ ،‬فــإذا عــاود الصــلة عليــه حجــة‬
‫السلم‪ ،‬وإخراج الزكاة‪.‬‬
‫‪ .5‬مهدر الدم‪ ،‬والمال‪ ،‬والعرض‪.‬‬
‫‪ .6‬ل يغســل إذا مــات‪ ،‬ول يكفــن‪ ،‬ول يــدفن فــي مقــابر‬
‫المسلمين‪ ،‬ول يرثه أهله في أرجح قولي أهل العلم‪.‬‬
‫أما في الخرة‪ :‬فمصيره إلى سواء الجحيم‪" :‬قالوا لم َنــ ُ‬
‫ك‬
‫من المصلين"‪ ،‬هل يعلم تارك الصلة أن أسوته من الخلق‬
‫إبليس وخلفائه من كل خبيث‪" :‬وإذ قلنا للملئكــة اســجدوا‬
‫لدم فسجدوا إل ّ إبليس"‪.‬‬
‫قال إســحاق بــن راهــويه‪) :‬فمــن لـم يجعـل تـارك الصـلة‬
‫كافرًا‪ ،‬فقد ناقض‪ ،‬وخالف أصل قــوله وقــول غيــره‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫مَر بسجودها‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ولقد كفر إبليس إذ لم يسجد السجدة التي أ ِ‬
‫قال‪ :‬وكذلك تارك الصلة عمدا ً حتى يخرج وقتها كــافر إذا‬
‫أبى قضاءها(‪.‬‬
‫وهل يعلم أن الله غني عن صلته وصلة غيره‪" :‬يا عبادي‪،‬‬
‫لو أن أولكم وآخركم‪ ،‬وإنسكم وجنكــم‪ ،‬كــانوا علــى أفجــر‬
‫قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكــي شــيئًا‪ ،‬إنمــا هــي‬
‫أعمالكم أحصيها عليكم‪ ،‬فمن وجد خيرا ً فليحمد الله‪ ،‬ومن‬
‫ن إل ّ نفسه"‪.‬‬ ‫وجد غير ذلك فل يلوم ّ‬
‫وهــل يعلــم تــارك الصــلة أن نــزلءه ورفقــاءه فــي ســقر‬
‫ي بــن خلــف‪ ،‬وغيرهــم مــن‬ ‫هامان‪ ،‬وقارون‪ ،‬وفرعون‪ ،‬وأب َـ ّ‬
‫أئمة الكفر والضلل؟‬
‫قال أحمد بن حنبـل‪ :‬ل يكفـر أحـد بـذنب إل ّ تـارك الصـلة‬
‫عمدًا‪.‬‬
‫وقال إسحاق بن راهويه‪ :‬وكذلك كان رأي أهل العلــم مــن‬
‫لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننــا هــذا أن تــارك‬
‫الصلة عمدا ً من غير عذر حتى يذهب وقتها كــافر إذا أبــى‬

‫‪477‬‬
‫من قضائها‪ ،‬وقال‪ :‬ل أصليها‪ .‬قال إسحاق‪ :‬وذهاب الــوقت‬
‫أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس‪ ،‬والمغرب إلى طلـوع‬
‫الفجر‪.‬‬
‫أل يعلم تارك الصلة أن الموت آت وكــل آت قريــب وأنــه‬
‫ســب نفســه‬ ‫قد يموت الن؟ أمــا آن لتــارك الصــلة أن ُيحا ِ‬
‫سب‪ ،‬وأن يتوب إلــى اللــه قبــل أن يحــال بينــه‬ ‫قبل أن ُيحا َ‬
‫وبين ذلك؟‬
‫أل يعلم تارك الصلة أن السلم يجب ما قبله‪ ،‬وأن التوبــة‬
‫تجب ما قبلها؟‬
‫ماذا ينتظر تارك الصــلة إل ّ فقــرا ً منســيًا‪ ،‬أوغنــى مطغي ـًا‪،‬‬
‫أومرضا ً مفسدًا‪ ،‬أوهرما ً مفندا ً ‪ -‬مضــعفا ً ‪ -‬أوموت ـا ً مجهــزًا‪،‬‬
‫أوالدجال فشر غائب ينتظــر‪ ،‬أوالســاعة "فالســاعة أدهــى‬
‫وأمر"؟‬
‫أل يحذر تارك الصلة من اجتماع سكرة المــوت‪ ،‬وحســرة‬
‫الفوت؟‬
‫اللهم هل بلغت اللهم فأشهد‪.‬‬
‫اللهم اهد شــبابنا‪ ،‬وأصــلح نســاءنا‪ ،‬ورد ضــاّلنا‪ ،‬واختــم لنــا‬
‫ل اللهــم‬ ‫بخير‪ ،‬واجعل عاقبــة أمورنــا كلهــا إلــى خيــر‪ ،‬وصـ ّ‬
‫وســـلم علـــى محمـــد القـــائل‪ ":‬كـــل أمـــتي معـــافى إل ّ‬
‫المجــاهرين"‪ ،‬وعلــى آلــه وصــحابته الطــاهرين الطيــبين‪،‬‬
‫وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫===============‬
‫‪ #‬كفالة مقترض الربا‬
‫كفالة مقترض الربا‬
‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميــد كليــة الشــريعة بجامعــة المــام محمــد بــن ســعود‬
‫السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬الضمان والكفالة‬
‫التاريخ ‪24/11/1423 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬

‫‪478‬‬
‫هناك مؤسسة تعنى بشؤون الســكان تقــدم قروضــا لمــن‬
‫يرغب في استكمال إعمار بيتــه بفــائدة قليلــة ‪ %3‬ولمــده‬
‫تزيد على خمس سنوات مــن بــاب مصــاريف المــوظفين‪،‬‬
‫وقد أفتى بعض العلماء هنا بجواز ذلك فهــل يجــوز لــي أن‬
‫أكفل شخصا ً يريد أخذ قرض من هذه المؤسسة؟‬
‫الجواب‬
‫ل يجوز القــتراض بفــائدة ربويــة مهمــا قلــت النســبة ولــو‬
‫وزعت على عشرات السنين لن قليل الربا وكثيره حرام‪،‬‬
‫وتبرير هــذه النســبة الربويــة علــى أنهــا أتعــاب ومصــاريف‬
‫للموظفين غيــر صــحيح وإنمــا ذلــك تزييــن مــن الشــيطان‬
‫والنفس أمارة بالسوء ول أعرف فتوى معتبرة لهل العلم‬
‫كما ذكرت في سؤالك‪ ،‬إذ ربما السؤال أو تعليــل الجــواب‬
‫على غير هذه الصورة المسؤول عنهــا هنــا‪ .‬وعلــى فــرض‬
‫وقوع هذه الفتوى على هذه الصورة فإنه من الخير لك أن‬
‫تجتنــب الشــبهات فتأخــذ بــالحوط فيمــا يخصــك لحــديث‬
‫النعمان بن بشير "الحلل بين والحرام بيــن وبينهمــا أمــور‬
‫مشتبهات ل يعلمهن كثير من الناس فمن اتقــى الشــبهات‬
‫فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع فــي‬
‫الحــرام" البخــاري )‪ ،(52‬ومسـلم )‪ (1599‬وفــي الحــديث‬
‫الصحيح " البر حسن الخلـق والثـم مـا حـاك فـي النفـس‬
‫وكرهــت أن يطلــع عليــه النــاس" مســلم )‪ (2553‬وفــي‬
‫الحديث الخر‪" :‬استفت قلبك البر ما اطمــأن إليــه القلــب‬
‫والثم ما حاك في النفــس وتــردد فــي الصــدر وإن أفتــاك‬
‫الناس وأفتوك" أحمد )‪ .(18006‬وعلى هذا فل يجــوز لــك‬
‫أن تكفل شخصا ً يتعامل بهذه المعاملة‪ .‬وصــلى اللــه علــى‬
‫نبينا محمد‪.‬‬
‫===============‬
‫‪#‬كيف يستثمر المسلم ماله بعيدا ً عن شبهات‬
‫الربا‬
‫إن اللــه تعــالى جعــل المــال عصــب هــذه الحيــاة‪ ،‬وأداة‬
‫التفاعــل بيــن النــاس‪ ،‬وجعــل الولد ثمــرة القلــب وقــرة‬
‫العيــن‪ .‬وجعلهمــا مع ـا ً زينــة الحيــاة الــدنيا فقــال ســبحانه‬

‫‪479‬‬
‫ت‬‫حي َــاةِ ال ـد ّن َْيا َوال َْباقِي َــا ُ‬‫ة ال ْ َ‬
‫ن ِزين َـ ُ‬ ‫ل َوال ْب َن ُــو َ‬ ‫مــا ُ‬ ‫وتعــالى‪} :‬ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫عند َ َرب ّ َ‬
‫مل{ ]الكهف‪.[46 :‬‬ ‫خي ٌْر أ َ‬ ‫واًبا وَ َ‬‫ك ثَ َ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫حا ُ‬ ‫صال ِ َ‬
‫ال ّ‬
‫وأثبــت الواقــع أن النــاس حيــن يضــعف إيمــانهم يفتنــون‬
‫بأموالهم وأولدهم عن طاعة الله تعالى‪ ،‬لــذلك حــذر اللــه‬
‫تعالى المؤمن من ذلك واعتبر ذلــك خيانــة للــه ولرســوله‪،‬‬
‫َ‬
‫ســو َ‬
‫ل‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫خوُنوا ْ الّلــ َ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت َ ُ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫فقال تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]النفال‪.[27 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫خوُنوا ْ أ َ‬
‫ماَنات ِك ُ ْ‬ ‫وَت َ ُ‬
‫لذلك كــان لزامـا ً علــى كــل مســلم أن يتقــي فتنــة المــال‬
‫ويبتعد عن الحــرام بكـل صــوره‪ ،‬فــدورة المـال فـي حيـاة‬
‫المسلم أشبه بالنهر في منبعــه ومجــراه ومصــبه‪ ،‬فالمــال‬
‫منبعه الكتساب ومصبه النفاق ومجراه ما بين ذلك وهــي‬
‫فترة تملك النسان له‪ ،‬والعبد يحاســب علــى كــل مرحلــة‬
‫من هذه المراحل‪ ،‬ومن أعظــم فتــن المــال اكتســابه مــن‬
‫حــرام‪ ،‬وطــرق الحــرام كــثيرة ومتعــددة ومنهــا "الختلس‬
‫والسرقة والغلول والرشوة وأكل الحرام وأكل مال اليــتيم‬
‫والغش"‪ ،‬ومن أبرزها استثماره أو اقتراضه الربا‪.‬‬
‫وبهذا صار المال من أعظــم الفتــن‪ ،‬لنــه إذا بــدأت الفتنــة‬
‫من منبعه فإنه ل ُيرجى منه خيــر بعــد ذلــك‪ ،‬ومــن أراد أن‬
‫يتقي فتنة المــال مــن منبعــه يجــب أن يكســبه مــن حلل‪،‬‬
‫وطرق الحلل كــثيرة ومتعــددة‪ ،‬كمــا يجــب علــى المســلم‬
‫التقــي أن يكــون حريص ـا ً علــى اللــتزام بشــرع اللــه فــي‬
‫معاملته المالية لن كل شيء سيحاسب عليه مرة واحدة‬
‫إل المال سُيحاسب عليه مرتين‪ ،‬مرة عند اكتســابه ومــرة‬
‫عند إنفاقه‪ ،‬كما قال رسول الله ص ـّلى اللــه عليــه وس ـّلم‪:‬‬
‫"ل تزول قدما عبد يوم القيامة حتى ُيسأل عــن أربــع‪ :‬عــن‬
‫عمره فيما أفناه‪ ،‬وعن شــبابه فيمــا أبله‪ ،‬وعــن مــاله مــن‬
‫أين اكتسبه وفيم أنفقه‪ ،‬وعن علمه ماذا فعل به" )أخرجــه‬
‫المام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمر(‪.‬‬
‫أين نستثمر أموالنا؟‬
‫لقد أثارت فتنة إيداع الموال في البنــوك التقليديــة الكــثير‬
‫من الجدل بين الفقهاء‪ ،‬وترتب على ذلك أن بعــض الــذين‬
‫كانوا يستثمرون أموالهم في هـذه البنــوك بـدءوا فعل ً فــي‬
‫سحبها منها تجنبا ً للشبهات ملــتزمين بحــديث رســول اللــه‬

‫‪480‬‬
‫صّلى الله عليه وس ـّلم‪" :‬إن الحلل بيــن وإن الحــرم بيــن‪،‬‬
‫وبينهما أمور مشتبهات ل يعلمهن كــثير مــن النــاس‪ ،‬فمــن‬
‫اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"‪ ،‬ووصــيته ص ـّلى‬
‫الله عليه وسّلم التي يوصينا فيها‪" :‬دع مــا يريبــك إل مــا ل‬
‫يريبك"‪.‬‬
‫ويتســاءل المســلمون‪ :‬أيــن نســتثمر أموالنــا؟ ويوجــد منــا‬
‫الموظف والرملة والمحال إلى المعاش‪ ،‬وغيــر ذلــك مــن‬
‫الذين ل يستطيعون ضــربا ً فــي الرض وهــم الن يودعــون‬
‫أموالهم في البنوك التقليدية بفــائدة للحصــول علــى إيــراد‬
‫يعينهــم علــى الحاجــات الصــلية للحيــاة مثــل المأكــل‬
‫والمشرب والعلج والتعليم والمسكن‪ ...‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫كما ظهر سؤال آخر‪ :‬هــل معــاملت المصــارف الســلمية‬
‫حلل؟ وخصوص ـا ً فــي ظــل مــا ُيثــار حولهــا مــن شــبهات‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬أنها تتعامل مع البنوك التقليدية‪ ،‬وأنهــا تــودع بعض ـا ً‬
‫من أموالها لدى البنك المركزي‪ ،‬وأنهــا تــوزع عــائدا ً قريب ـا ً‬
‫مــن الفــائدة الــتي توزعهــا البنــوك التقليديــة‪ ،‬وأن بعــض‬
‫الموظفين فيها يدعون بأنه ل توجــد فــروق جوهريــة بينهــا‬
‫وبين البنوك التقليدية‪ ،‬وأنه ل فرق بين التمويل بالمرابحــة‬
‫لشراء سلعة وبين القتراض بفائدة من البنوك التقليدية‪.‬‬
‫كل هذه التسـاؤلت وغيرهـا تحتـاج إلـى إجابـة لمـن يريـد‬
‫الستثمار والتمويل وهذا هو القصد من هذه الدراسة‪.‬‬
‫حيرة ولبس‬
‫لقد انقسم المسلمون إزاء التساؤلت السابقة إلــى فــرق‬
‫على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ - 1‬فئة ل تعطي أي اعتبار للحلل والحرام ويهمهــا العــائد‬
‫الكبير على رأس المال‪ ،‬وتفصل بين الدين والحيــاة‪ ،‬وبيــن‬
‫العبادات والمعاملت‪ ،‬وتقول‪" :‬دع ما لقيصــر لقيصــر ومــا‬
‫لله لله"‪ ،‬وتتعامل مع أي بنك سواء كــان وطني ـا ً أو أجنبي ـًا‪،‬‬
‫يهوديا ً أو إســلميًا‪ ،‬المهــم عنــدها أن تحصــل علــى أقصــى‬
‫ربحية أو عائد بأي وسيلة حتى ولو بطرق غيــر مشــروعة‪،‬‬
‫وهؤلء ل يهمهم النواحي الشرعية لستثمار المال‪.‬‬
‫‪ - 2‬فئة تتبع الفتوى التي تتفق مــع هــوى النفــس وتقــول‪:‬‬
‫"ضعها في رقبة عالم واخرج سالم"‪ ،‬ول تريد أن تبذل أي‬

‫‪481‬‬
‫جهــد للبحــث عــن الدلــة والحقيقــة‪ ،‬أن تجنــب الشــبهات‪،‬‬
‫وتميل إلى الخذ بالرخص‪.‬‬
‫‪ - 3‬فئة ورعة تتجنب الشــبهات وتضــع حــاجزا ً مــن الحلل‬
‫بين الحرام والمشتبه فيه‪ ،‬وهي الفئة الــتي دخــل الخــوف‬
‫من الله إلى قلبها وتريد أن تتحرى الحلل وتستشعر قــول‬
‫َ‬
‫ي‬‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫الله عز وجل‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫ْ‬
‫ب‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَل ُــوا ْ فَـأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫ن‪ ،‬فَـِإن ل ّـ ْ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫ن الّرَبا ِإن ُ‬ ‫م َ‬‫ِ‬
‫َ‬ ‫م فَل َ ُ‬
‫م لَ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫مــ َ‬‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬‫كــ ْ‬ ‫ســول ِهِ وَِإن ت ُب ُْتــ ْ‬ ‫ن الّلــهِ وََر ُ‬ ‫مــ َ‬ ‫ّ‬
‫ن{ ]البقرة‪ ،[279 - 278 :‬وقوله عز‬ ‫مو َ‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫ل‬ ‫م ت ُـوَّفى ك ُـ ّ‬ ‫ن ِفيهِ إ ِل َــى الل ّـهِ ث ُـ ّ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ما ت ُْر َ‬ ‫وجل‪َ} :‬وات ُّقوا ْ ي َوْ ً‬
‫ن{ ]البقــرة‪ ،[281 :‬وقــول‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب َ ْ‬ ‫س ّ‬
‫ن َْف ٍ‬
‫الرســول صـّلى اللــه عليــه وسـّلم‪" :‬لعــن اللــه آكــل الربــا‬
‫وموكله وشاهديه وكاتبه" )رواه مســلم(‪ ،‬وهــذه الفئة هــي‬
‫التي يهمها تماما ً أن تعرف الحــق فتتبعــه وتعــرف الباطــل‬
‫فتتجنبه‪ ،‬وتدعو الله سبحانه وتعالى دائما ً بالدعاء المــأثور‪:‬‬
‫"اللهم اكفنــا بحللــك عــن حرامــك‪ ،‬واغننــا بفضــلك عمــن‬
‫سواك"‪.‬‬
‫لقد أصاب هــذه الفئة الخــوف والوجــل والحيــرة والشــك‪،‬‬
‫وتسأل كيف تستثمر المال بعيدا ً عن الشك والريبــة؟ كمــا‬
‫ترفض الفتوى التي ل سند لها من القرآن أو السنة أو من‬
‫أقوال الفقهاء من الخلف أو السلف‪ ،‬وهذه الفئة هي التي‬
‫تعنينا فــي هــذه الدراســة ونحــاول أن نوضــح لهــا الحكــام‬
‫والمبــادئ والضــوابط الشــرعية لســتثمار المــال وتمويــل‬
‫المشروعات على النحو التالي‪.‬‬
‫الضوابط الشرعية لستثمار المال‬
‫في ظل انتشــار وســائل توصــيل العلــم للنــاس مــن خلل‬
‫وســائل التكنولوجيــا الحديثــة ومنهــا شــرائط الكاســيت‬
‫والفيديو والحاسوب والنترنت والقنــوات الفضــائية‪ ،‬يجــب‬
‫على المؤمن التقي الذي يخشى الله أن يبحث عن الدلــة‬
‫القوية لكل رأي‪ ،‬ويختار الرأي الذي يرتاح إليه قلبه‪ ،‬وفق ـا ً‬
‫لوصية رسول الله صّلى الله عليه وسّلم‪" :‬الثــم مــا حــاك‬
‫في صدرك وتخاف أن يطلع عليه النـاس"‪ ،‬ووصـيته صـّلى‬
‫اللــه عليــه وسـّلم الــتي يوصــي فيهــا "اســتفت قلبــك" ول‬

‫‪482‬‬
‫ينبغي ول يجوز شرعا ً أن نقول‪" :‬ضــعفها فــي رقبــة عــالم‬
‫واخرج سالم"‪.‬‬
‫ولقد اتفق الفقهاء من السلف والخلف على مجموعة مــن‬
‫الضــوابط المســتنبطة مــن مصــادر الشــريعة الســلمية‬
‫لستثمار الموال بعيدا ً عن الربا‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬استثمار المال في مجالت الحلل الطيــب‪ :‬المشــروعية‬
‫والطيبات‪.‬‬
‫‪ -‬فقه الولويات‪ :‬الضرورات فالحاجيات‪.‬‬
‫‪ -‬المشاركة في الربح والخسارة وهو ما يسمى في الفقــه‬
‫"الغنم بالغرم"‪.‬‬
‫‪ -‬المحافظة على المال لنه قوام الحياة ول يجب تعريضــه‬
‫للهلك‪.‬‬
‫‪ -‬تنمية المال حتى ل تــأكله الزكــاة "الصــدقة" بالســتثمار‬
‫وحبسه عن التداول‪.‬‬
‫‪ -‬ل كسب بل جهد ول جهــد بل كســب‪ ،‬وذلــك عنــد تفاعــل‬
‫ومشاركة المال مع العمل‪.‬‬
‫‪ -‬ربــط العــوائد بالمخــاطر وكلمــا زادت المخــاطر زادت‬
‫العوائد ول ربح حلل بدون مخاطر‪.‬‬
‫‪ -‬ضوابط أخرى كثيرة يضيق المقــام لبيانهــا ولكــن نكتفــي‬
‫بما نحتاجه الن في هذه الدراسة‪.‬‬
‫لذلك يجب علــى مــن يخشــى اللــه ويتقــه أن يلــتزم بهــذه‬
‫الضوابط قبل أن يقدم علــى اســتثمار أمــواله‪ ،‬كمــا يجــب‬
‫عليه تجنب هوى النفس الــتي أحيان ـا ً يزيــن لهــا الشــيطان‬
‫الحرام الكثير فتقدم عليه ول تبالي بأن الحلل القليل فيــه‬
‫البركة من الله‪.‬‬
‫البواعث والدوافع الذاتية لستثمار المال بالحلل‬
‫مــن البــواعث والــدوافع والحــوافز الــتي ترشــد وتــوجه‬
‫المسلم المؤمن التقي إلــى الســتثمار الحلل الطيــب مــا‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -‬اليمان العميق القوي بأن المال مال الله وأنه مستخلف‬
‫فيه‪ ،‬ولذلك يجب أن يكون استثمار المال وفقا ً لشرع الله‬
‫المالك الحقيقي لهذا المال‪.‬‬

‫‪483‬‬
‫‪ -‬اليمــان الصــادق الراســخ بــأن اللــه يبــارك فــي الحلل‬
‫الطيب القليل ويمحق الخبيث ولو كثر‪.‬‬
‫‪ -‬اليمان بالمحاسبة الخروية مع اللــه يــوم القيامــة‪ ،‬وأننــا‬
‫سنســأل لمــاذا اســتثمرنا أموالنــا بالربــا وفــي الخبــائث؟‬
‫مصداقا ً لقوله تعالى فــي آخــر آيــات الربــا‪َ} :‬وات ُّقــوا ْ ي َوْ ً‬
‫مــا‬
‫م لَ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬‫ما ك َ َ‬ ‫س ّ‬
‫ل ن َْف ٍ‬ ‫ن ِفيهِ إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ‬
‫م ت ُوَّفى ك ُ ّ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫ن{ ]البقرة‪ ،[281 :‬وقول الرسول صّلى الله عليــه‬ ‫مو َ‬‫ي ُظ ْل َ ُ‬
‫وسّلم‪" :‬ل تزول قدما عبد يــوم القيامــة حــتى ُيســأل عــن‬
‫عمره فيما أفناه‪ ،‬وعن علمه فيما فعل‪ ،‬وعن ماله من أين‬
‫اكتسبه وفيم أنفقه‪ ،‬وعن جسمه فيما أبله" )الترمذي(‪.‬‬
‫‪ -‬اليمان بأن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫كيف تستثمر مالك بالحلل‬
‫لقد فتح الله أبوابا ً شتى من الحلل الطيــب ليســتثمر مــن‬
‫خلل المال‪ ،‬فل يســتوي ول يتماثــل الربــح الحلل الطيــب‬
‫مــا ال ْب َي ْـ ُ‬
‫ع‬ ‫مع الربا الحرام‪ ..‬لقد قالوا ومــازالوا يقولــون }إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫ه ال ْب َي ْـ َ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّـ ُ‬ ‫حـ ّ‬‫ل الّرب َــا{‪ ،‬فــرد اللــه عليهــم يقــوله‪} :‬وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫م الّرَبا{‪ ،‬ومدلول ذلك‪ :‬لقد أحل الله الربح الناتج مــن‬ ‫حّر َ‬ ‫وَ َ‬
‫البيع والشراء‪ ،‬وحرم الربــا الناتــج مــن مبادلــة مــال بمــال‬
‫وزيادة بدون أن توجد سلعة أو خدمة ليتــم التعامــل عليهــا‬
‫بما كان يتعامل العباس عم النبي صّلى اللــه عليــه وس ـّلم‬
‫قبل السلم حيث كان يمول التجار بالربا‪ ،‬ونهــاه الرســول‬
‫صـّلى اللـه عليـه وسـّلم عـن ذلـك‪ .‬ومـن أمثلـة الوسـائل‬
‫الحلل لستثمار المال على سبيل المثال ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬الستثمار الذاتي‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫أي أن يقوم صاحب المال بتشغيل ماله بنفسه‪ ،‬أو يشتري‬
‫بــه محلت تجاريــة ويؤجرهــا‪ ...‬أو يشــتري ســلعا ً معمــرة‬
‫للمستقبل‪ ،‬ويجب أن يضع الفرد نصب عينيــه دائم ـا ً تنميــة‬
‫ل‪ ،‬كما يجب أن يوقن تماما ً أن مجالت‬ ‫ماله ول يتركه عاط ً‬
‫الستثمار الحلل مفتوحة ميسرة والمحرمة هي الذي ورد‬
‫نص يحرمهـا‪ ،‬كمـا يجـب أن يتأكـد مـن الحلل فـي مجـال‬
‫الستثمار من تطبيق القاعدة الشرعية وفي الوسيلة إليــه‬
‫مع مشروعية الغاية ومشــروعية الوســيلة‪ ،‬وهــذه الصــيغة‬
‫مــن صــيغ اســتثمار المــال تصــلح لمــن عنــده خــبرة فــي‬

‫‪484‬‬
‫مجالت العمال ول تصلح لمــن ل يســتطيعون ضــربا ً فــي‬
‫الرض مثل الموظفين والرامل والشيوخ ونحوهم‪.‬‬
‫ثانيا ً الستثمار عن طريق نظام المضاربة‬
‫السلمية "فكرة توظيف الموال المشروعة"‪:‬‬
‫وهو نــوع مــن أنــواع المشــاركة بيــن صــاحب رأس المــال‬
‫وصــاحب العمــل‪ ،‬حيــث يتــوفر لــدى الول رأس المــال‬
‫وتنقصه الخبرة العملية أو يصــعب عليــه القيــام بممارســة‬
‫الخبرة العملية أو يصعب عليه القيام بممارسة المعاملت‪،‬‬
‫ويتوفر لدى الثاني الخبرة والمقدرة على ممارسـة نشــاط‬
‫المعاملت سواء أكــانت تجاريــة أم زراعيــة أم صــناعية أم‬
‫خدميــة ويتفقــان ســويا ً علــى توزيــع عــائد ربــح عمليــات‬
‫المعاملت الفعلية كل فــترة زمنيــة بينهمــا بنســبة يتفقــان‬
‫عليها "أي تطبيق قاعدة الغنم بالغرم"‪.‬‬
‫وهناك شروط مختلفة لعقد المضاربة السلمية‪ ،‬ولكن قد‬
‫تتخذ أشكال ً مختلفة وكل أشــكالها مشــروعة مــا لــم تكــن‬
‫في أي منها مخالفة لنص شــرعي‪ ،‬ويرجــع فــي ذلــك إلــى‬
‫فقه المضاربة في كتب الفقه‪.‬‬
‫ومن الضوابط الشرعية للمضاربة السلمية ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أن تكون في مجال الحلل الطيب‪.‬‬
‫‪ -‬أن ل يضمن صاحب العمل رأسمال المضارب‪.‬‬
‫‪ -‬أن ل يضمن صاحب العمل ربحا ً محددا ً مســبقا ً لصــاحب‬
‫المال‪.‬‬
‫‪ -‬يضمن صاحب العمل لصاحب المال التعدي والهمال‪.‬‬
‫‪ -‬ل يشترك صاحب المال في الدارة بل له حق الشــراف‬
‫والمراقبة‪.‬‬
‫ولكــي يمكــن تطــبيق هــذه الوســيلة أو الصــيغة يجــب أن‬
‫يتوافر في صاحب العمل المانة والصدق والكفاءة الفنية‪،‬‬
‫وهذا يتطلب من صاحب المال أن يختار من يخــافون اللــه‬
‫ولديهم الخبرة والحنكة والبصيرة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬استثمار المال بطريــق المشــاركة )نظـم الشــركات‪:‬‬
‫تضامن ‪ -‬توصية ‪ -‬محاصة(‪:‬‬
‫ُيقصد بالمشاركة هنا أن يشترك اثنان أو أكــثر فــي تجــارة‬
‫أو صناعة أو زراعــة أو تقــديم الخــدمات للغيــر كــل منهــم‬

‫‪485‬‬
‫ل‪ ،‬على أن يقتسما ما يسوقه الله إليهم من‬ ‫يقدم مال ً وعم ً‬
‫ربح حسب ما يتفقا عليه‪ ،‬وإذا خسرا توزع بينهم الخســارة‬
‫بنسبة حصة كل منهم في رأس المال‪.‬‬
‫وتتعــدد صــور ونظــم المشــاركة حســب طبيعــة الشــركاء‬
‫والعمليات التي سوف يقومــون بهــا‪ ،‬وفــي ضــوء القاعــدة‬
‫الشرعية‪ :‬أن الصل في المعاملت الحل والباحــة مــا لــم‬
‫يصطدم بنص شرعي يــوجب التحريــم‪ ،‬فكــل المشــاركات‬
‫حلل‪ ،‬فمنها المشــاركة الثابتــة ومنهــا المشــاركة المنتهيــة‬
‫بالتمليك‪ ،‬ويعتبر استثمار الموال طبق ـا ً لنظــام المشــاركة‬
‫مـــن أهـــم الطـــرق المشـــروعة لملءمتهـــا مـــع طبيعـــة‬
‫المشروعات القتصادية المعاصرة‪ ،‬وهنــاك صــور مختلفــة‬
‫للمشاركة أجازها فقهــاء الســلم مثــل شــركات التضــامن‬
‫والتوصية البسيطة والمحاصة وشركات الصنائع‪ ،‬وشركات‬
‫الوجــوه‪ ،‬وأي صــورة أخــرى مســتحدثة تتفــق مــع أحكــام‬
‫ومبادئ الشريعة السلمية‪.‬‬
‫ومن متطلبات هذه الصيغ وجود الشــريك الميــن الصــادق‬
‫الكفــء ومجــال الســتثمار الحلل الطيــب‪ ،‬كمــا يجــب أن‬
‫تكتب العقود وتوثق‪ ،‬ويوضــح فيهــا شــروط الدارة وتوزيــع‬
‫الرباح والخسائر والتصفية‪ ،‬والتخارج أو نحــو ذلــك‪ ،‬وهــذه‬
‫الشركات هي قوام النشاط القتصادي والتنميــة الشــاملة‬
‫للمجتمــع وتعالــج مشــكلة التضــخم‪ ،‬لن المــوال تكــون‬
‫مستثمرة في أصول عينية‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬استثمار المال عن طريـق المسـاهمات فـي رؤوس‬
‫أموال الشركات المساهمة‪:‬‬
‫تعتــبر شــركات المســاهمة ومــا فــي حكمهــا مــن صــيغ‬
‫الستثمار التي أجازها الفقهاء المعاصرون لنها تقوم على‬
‫أســاس قاعــدة المشــاركة فــي الربــح والخســارة "الغنــم‬
‫بالغرم" بشرط أن تعمل في مجال الحلل الطيــب ووفق ـا ً‬
‫للولويات السلمية‪.‬‬
‫ورأسمال الشركة المساهمة مقســم إلــى حصــص يطلــق‬
‫على كل حصــة ســهم‪ ،‬ويعتــبر حامــل الســهم شــريكا ً فــي‬
‫صافي الموجودات "أصول" الشركة‪ ،‬وفي نهاية كل فــترة‬
‫مالية تحسب النتائج‪ ،‬فــإذا كــانت ربح ـا ً يــوزع علــى حملــة‬

‫‪486‬‬
‫الســهم بضــوابط قانونيــة ونظاميــة وإذا تحققــت خســارة‬
‫يتحملها حملة السهم بحسب ما يمتلك كل منهــم‪ ،‬ويعتــبر‬
‫التعامــل فــي الســهم العاديــة حلل ً مــتى كــانت الشــركة‬
‫المصدرة له تتعامل في الحلل‪.‬‬
‫وتعتبر الشركات بصفة عامة والشركات المساهمة بصــفة‬
‫خاصة من دعائم النشــطة القتصــادية بصــفة خاصــة مــن‬
‫دعــائم النشـطة القتصــادية فــي أي دولـة وبــدونها يكــون‬
‫الكســاد والتخلــف‪ ،‬وتحــاول الــدول وضــع النظــم وســن‬
‫القوانين لتشجيع هذا المجال من الستثمار‪.‬‬
‫كمــا تعتــبر الســهم مــن أهــم الوراق الماليــة الــتي يتــم‬
‫التعامل عليها في سوق الوراق المالية حيــث تســهل مــن‬
‫انســياب المــوال لتمويــل المشــروعات وهــذا مــا تســعى‬
‫الدول لتحقيقه‪.‬‬
‫وهنا يجب على دعــاة المصــالح المرســلة مــن الفقهــاء أن‬
‫يشجعوا هذا النوع من الستثمار ول يصدوا عنه لنه أفضل‬
‫مــن إيــداع المــوال فــي البنــوك بفــائدة‪ ،‬ولن المصــلحة‬
‫الحقيقية للوطن هي تشجيع إنشاء الشركات وحث الناس‬
‫على شراء الســهم الحلل بــدل ً مــن تخزينهــا فــي البنــوك‬
‫بفائدة وفقا ً لنظــام المتــاجرة فــي الــديون‪ ،‬وهنــاك فــروق‬
‫جوهرية بين الربــح الحلل الناتـج مـن السـهم وبيــن الربــا‬
‫الناتج من إيداع المال لدى البنوك التقليدية‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬استثمار المــوال بنظــام المضــاربة الســلمية مــع‬
‫البنوك السلمية‪:‬‬
‫لقد أسست المصارف السلمية على أساس تجميع المال‬
‫بصيغة المضاربة السلمية‪ ،‬فالعقــد الــذي بيــن المســتثمر‬
‫وبيــن المصــرف السـلمي هــو عقـد مضـاربة يقــوم علــى‬
‫أساس قاعــدة "الغنــم بــالغرم" أي المشــاركة فــي الربــح‬
‫والخســارة‪ ،‬ويقــوم المصــرف الســلمي بتشــغيل تلــك‬
‫الموال واستثمارها مع الغير بصــيغ المشــاركة والمرابحــة‬
‫والجارة والستصناع والسلم ونحو ذلك‪ ،‬وما يأتي من ربح‬
‫يوزع بينه وبين أصحاب الموال وتقوم هيئات الرقابــة فــي‬
‫المصارف السلمية بالطمئنــان إلــى أن هــذه المعــاملت‬

‫‪487‬‬
‫تتم وفقا ً لحكام ومبادئ الشريعة السلمية وتغطي بــذلك‬
‫شهادة تنشر مع القوائم المالية‪.‬‬
‫مــن هنــا نجــد أن العقــود الــتي بيــن أصــحاب المــوال‬
‫"المستثمرين ‪ -‬المودعين" وبين المصرف الســلمي هــي‬
‫عقــود مضــاربة ل يضــمن فيهــا المصــرف ربح ـا ً معين ـا ً ول‬
‫يحدده مقدما ً بــل يعــرف بعــد اســتثمار هــذه المــوال فــي‬
‫تمويل المشروعات ومعرفة الربــاح الفعليــة الــتي ُتقســم‬
‫بينهم وبين المصرف وذلك في نهاية كل فترة مالية‪.‬‬
‫وبــالرغم مــن الشــبهات والخطــاء الــتي تقــع فيهــا بعــض‬
‫المصارف السلمية في بعض الــدول العربيــة والســلمية‬
‫والجنبية إل أنها في مجملها أفضل من إيداع المــوال فــي‬
‫البنوك التقليدية الــتي هــي موضــع شــك وريبــة ول يطمئن‬
‫إليها كثير من الناس‪.‬‬
‫وفــي هــذا المقــام نناشــد المســؤولين عــن المصــارف‬
‫السلمية بأن يتقوا الله فــي معــاملتهم‪ ،‬كمــا نطلــب مــن‬
‫هيئات الرقابة الشرعية بذل المزيد من الجهد في الرقابــة‬
‫الفعالــة لتأكيــد الثقــة وتجنــب الشــك وســد الــذرائع أمــام‬
‫الناس‪.‬‬
‫استثمار الموال من خلل المؤسسات التعاونية‬
‫تقوم المؤسسات التعاونية المختلفة على نظام المساهمة‬
‫والمشاركة وفقا ً لسس معينة ول تختلف هذه المؤسسات‬
‫عــن نظــام الســتثمار فــي الشــركات إل مــن حيــث نظــم‬
‫العمل والدارة حيث تقوم على أساس قاعــدة المشــاركة‬
‫في الربح والخســارة "الغنــم بــالغرم" وعــدم ضــمان ربــح‬
‫معين‪ ،‬ومن أمثلة ذلك تعاونيات السكان وتعاونيات النقــل‬
‫وتعاونيات التعليم وتعاونيات التأمين‪.‬‬
‫وهناك صيغ استثمار أخرى للمال يضيق المقام لبيانها مثل‬
‫المزارعـــة والمســـاقاة والســـلم والستصـــناع والجـــارة‬
‫المنتهيــة بالتمليــك‪ ،‬ومــا ذكــر كــان علــى ســبيل المثــال ل‬
‫الحصر‪.‬‬
‫حقائق وثوابت حـول الســتثمار وفقـا ً للشــريعة الســلمية‬
‫يجب على المسلم المؤمن التقي الوجل الذي يبحــث عــن‬
‫كيفية استثمار ماله أن يوقن الثوابت التية‪:‬‬

‫‪488‬‬
‫‪ -‬لقد أحل الله الربح الناتج من النشطة المختلفــة الحلل‬
‫الطيبة وحرم الربا الناتج من مبادلة مال بمال وزيادة‪.‬‬
‫‪ -‬يمحــق اللــه ســبحانه وتعــالى بركــة المعــاملت الربويــة‬
‫ه ال ّْرَبا{‪.‬‬
‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫مصداقا ً لقوله عز وجل‪} :‬ي َ ْ‬
‫م َ‬
‫‪ -‬تجنــب المعــاملت الــتي فيهــا شــبهات‪" ،‬فــالحلل بيــن‬
‫والحرام بين وبينهما أمور مشــتبهات ل يعلمهــن كــثير مــن‬
‫الناس فمن اتقى الشبهات فقــد اســتبرأ لــدينه وعرضــه"‪،‬‬
‫فاتق الله أيها المستثمر‪ ،‬والتزم بوصية رسول اللــه ص ـّلى‬
‫الله عليه وسّلم‪" :‬دع ما يريبك إلى ما ل يريبك"‪.‬‬
‫‪ -‬عندما يحرم الله بابا ً من المعاملت الماليــة يفتــح أبواب ـا ً‬
‫شتى من الحلل فهو سبحانه وتعالى الذي يعلم مــن خلــق‬
‫وهو اللطيف الخبير‪.‬‬
‫‪ -‬يجب التحري والطمئنان إلى الدلة الشرعية التي يرتاح‬
‫إليها قلب النسان‪.‬‬
‫ختمت آيات الربا بالتذكير باليمان والتقوى }َوات ُّقــوا ْ‬ ‫‪ -‬لقد ُ‬
‫ه{‪.‬‬ ‫ن ِفيهِ إ َِلى الل ّ ِ‬
‫جُعو َ‬
‫ما ت ُْر َ‬‫ي َوْ ً‬
‫القتصاد السلمي ‪ /‬ربيع الخر ‪1426‬هـ العدد ‪289‬‬
‫الدكتور ‪ /‬حسين شحاتة ‪ -‬خبير استشاري فــي المعــاملت‬
‫المالية الشرعية‬
‫==============‬
‫‪ #‬الّربا بين النهج الرباني والنهج العلماني‬
‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫من أكثر القضــايا الــتي تعــددت فيهــا الفتــاوى فــي واقعنــا‬
‫صا ً‬ ‫المعاصر هي قضّية الربا‪ .‬والّربا أشد ّ ما حّرمه السلم ن ّ‬
‫في القرآن الكريم وفي الحــاديث الشــريفة‪ .‬فل يح ـقّ أن‬
‫يقف المسلم من هذه القضّية ومن الفتاوى الــتي صــدرت‬
‫لهــا موقــف الحــائر التــائه‪ ،‬إل إذا غلبــه الجهــل بالكتــاب‬
‫والسّنة‪ ،‬وضعف اليمان وغلب الهوى !‬
‫ور لهــذه القضــية اضــطراب‬ ‫ولقــد رافــق اضــطراب التص ـ ّ‬
‫ور لقضايا أخرى كــثيرة فــي واقــع المســلمين اليــوم‪.‬‬ ‫التص ّ‬
‫دد الســس‬ ‫دد الفتاوى والراء‪ ،‬وتعــ ّ‬ ‫ولقد كشف عن هذا تع ّ‬
‫التي َيعتمد عليها هذا الــرأي أو ذاك‪ ،‬واشــتراك مســتويات‬
‫ددة في إصدار الرأي‪.‬‬ ‫متع ّ‬

‫‪489‬‬
‫ن الواقــع لــم‬
‫ومما ساعد على ذلــك الضــطراب والتعـد ّدِ أ ّ‬
‫جـة‬
‫يعـد َيفـرض علـى كـل صـاحب رأي أن ي ُت ِْبـع رأيـه بالح ّ‬
‫والبّينــة مــن الكتــاب والسـّنة دون أي تأويــل فاســد‪ ،‬ومــن‬
‫الواقع الذي ي ُْفَهم من خلل الكتــاب والســنة‪ .‬لــذلك أصــبح‬
‫من السهل إطلق الراء متفّلتة من هنا أو هناك‪ ،‬ما دامــت‬
‫الحجة والبّينة غير مطلوبة‪ ،‬وما دام الــرأي يقــاس بــالهوى‬
‫ور البشــري للمصــلحة‪ ،‬وبضــغط‬ ‫والرغبــة أحيانــًا‪ ،‬وبالتصــ ّ‬
‫الواقع‪.‬‬
‫لقد أصبح تـارك الصـلة حـّرًا‪ ،‬وتـارك الصـوم حـّرًا‪ ،‬وتـرى‬
‫بعض النساء في كثير من القطار في العالم يخرجــن كمــا‬
‫ن الهــوى دون حشــمة فــي اللبــاس‪ ،‬مــع تــبّرج‬ ‫يشــاء لهــ ّ‬
‫وكشف للزينــة‪ ،‬وإثــارة للشــهوات‪ .‬وأصــبح بعــض الرجــال‬
‫المنتسبين إلى السلم يشربون الخمر جهارا ً دونمــا حــرج‬
‫في حماية القانون‪.‬‬
‫خلصة ذلك أن حدود السلم أصبحت ت ُْنتهك بصورة علنية‪،‬‬
‫ســواءً‬
‫جهَــر بــه مــن الرجــل والمــرأة َ‬ ‫ن الفســق أصــبح ي ُ ْ‬ ‫وأ ّ‬
‫بسواٍء‪.‬‬
‫عــرا‬‫ن ُ‬‫نظرة عاجلة في العالم السلمي تكشف لنا كيف أ ّ‬
‫السلم قــد ُنقضــت عــروةً فعــروة‪ ،‬كمــا جــاء فــي حــديث‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫فعن أبي أمامة رضي اللــه عنــه عــن الرســول صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫ة‪ ،‬فكّلما انتقضت ُ‬
‫عــْروةً‬ ‫عرا السلم عُْروةً عُْرو ً‬ ‫ن ُ‬ ‫ض ّ‬
‫) لُتنَق َ‬
‫ن‬‫ن نقضـا ً الحكــم وآخرهـ ّ‬ ‫تشّبث الّناس بالتي تليهــا‪ ،‬فــأوله ّ‬
‫الصلة ( ] رواه أحمد وابن حبان والحاكم [)‪(1‬‬
‫في هــذه الجــواء‪ ،‬حيــث امتــدت الديمقراطيــة والعلمانيــة‬
‫بنظامهــا الرأســمالي‪ ،‬وحيــث ســيطر النظــام الرأســمالي‬
‫الربوي على معظم أنحاء العالم‪ ،‬أو جميعه‪ُ ،‬تدعمه القــوى‬
‫العسكرية والعلمية والفكرية العلمانية‪ ،‬وتــدعمه حركــات‬
‫التنصير التي كانت في كثير مــن الحيــان ممهــدة للزحــف‬
‫العســكري المعتــدي‪ ،‬وتــدعمه الشــركات التجاريــة الــتي‬
‫تجعــل نشــاطها كــذلك ممهــدا ً للغــزو الجرامــي الظــالم‪،‬‬
‫وتــدعمه القــوى اليهوديــة ومؤسســاتها‪ ،‬فــي هــذه الجــواء‬

‫‪490‬‬
‫صدرت الفتاوى المتعددة المتضاربة حول البنوك وعملهــا‪،‬‬
‫ل ما يتعّلــق بــذلك‬ ‫وحول الفائدة الربوية وحكمها‪ ،‬وحول ك ّ‬
‫من قضايا‪.‬‬
‫ن " اليهود " كانوا من بين أهم القــوى‬ ‫ك لحظة في أ ّ‬ ‫ل نش ّ‬
‫الــتي ســاهمت فــي بنــاء النظــام القتصــادي الرأســمالي‬
‫الربوي‪ ،‬كما كـانوا هـم بنـاة النظـام الربـوي فـي التعامـل‬
‫القتصادي في الجزيرة العربية قبل أن يلغي الســلم هــذا‬
‫النظام كّله وُيحّرمه تحريما ً شديدًا‪.‬‬
‫كي بقــوله‬ ‫ولقد بدأ النهي عن الربا والتحريم في العهد الم ّ‬
‫سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫) وما أتيتم من ربا ليربو فــي أمــوال النــاس فل يربــو عنــد‬
‫الله ومــا أتيتــم مـن زكــاة تريــدون وجـه اللـه فــأولئك هـم‬
‫المضعفون (‬
‫] الروم ‪[39 :‬‬
‫ل‬‫م أخذ بعد ذلك يسيطر على النشاط القتصادي الذي ح ّ‬ ‫ث ّ‬
‫وماته في التعامل القتصادي بين المسلمين محــ ّ‬
‫ل‬ ‫ل مق ّ‬‫بك ّ‬
‫النظام الربوي اليهودي حــتى إذا اســتقّر الحكــم للســلم‪،‬‬
‫كــد‬‫وأصبحت كلمة الله هي العليا‪ ،‬وشرع الله هو العلى‪ ،‬أ ّ‬
‫جة الــوداع حرمــة‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسّلم في ح ّ‬
‫الربا في خطبته في عرفــة بعــد أن زالــت الشــمس وأتــى‬
‫بطــن الــوادي‪ ،‬وقــد اجتمــع حــوله أكــثر مــن مئة وأربعــة‬
‫وعشرون ألفا ً من الناس‪ ،‬فقــام فيهــم خطيبـًا‪ ،‬فقــال فــي‬
‫جملة ما قال ‪:‬‬
‫ن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يـومكم هـذا‬ ‫) …إ ّ‬
‫ل شــيء مــن أمــر‬ ‫في شهركم هذا فــي بلــدكم هــذا‪ .‬أل كـ ّ‬
‫الجاهلّية تحت قدمي موضوع‪ ،‬ودمــاء الجاهليــة موضــوعة‪،‬‬
‫وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابــن ربيعــة بــن الحــارث ـ ـ‬
‫وكان مسترضعا ً في بني سعد فقتلته هذيل ـ وربا الجاهلية‬
‫موضــوع‪ ،‬وأول ربــا أضــع مــن ربانــا ربــا عبــاس بــن عبــد‬
‫المطلب‪ ،‬فإّنه موضوع كله …‪(2)(..‬‬
‫ج وخطة يــدفَُعها الســلم ويبنيهــا اليمــان‬ ‫إذًا‪ ،‬كان هناك نه ٌ‬
‫في رعاية الوحي المتنّزل من السماء على النبوة الخاتمة‪.‬‬

‫‪491‬‬
‫لقد كان هناك نهج رباني ُأنزل ليمتد ّ مع الزمن‪ ،‬وليمتد ّ في‬
‫الرض‪ ،‬ل ليتوقف أو يتراجع‪.‬‬
‫أنزل الله هذه الرسالة رســالة كاملــة‪ ،‬اكتملــت مــع حجــة‬
‫الوداع‪ ،‬لتحملها أمة السلم أمانــة فــي عنقهــا حــتى قيــام‬
‫ل الحلل وُتح ـّرم‬ ‫حـ ّ‬ ‫الساعة‪ ،‬لتطّبقها كّلها ل جــزًء منهــا‪ .‬لت ُ ِ‬
‫الحرام وتقيم شرع الله في جميع شؤون الحياة‪.‬‬
‫وجاء تحريم الربا في الكتاب والسنة تحريما ً قاطع ـًا‪ ،‬أش ـد ّ‬
‫سر‬ ‫ما في السلم من تحريم‪ ،‬جاء تحريما ً بّينا ً جلي ّا ً حتى يي ّ‬
‫الله لعباده اجتناب الحرام‪.‬‬
‫وجاءت أحكام السلم ونصوصها تحيط بأفعال العبــاد فــي‬
‫ل مكان إلى أن تقوم الســاعة‪ ،‬وتــوّفر البيــان‬ ‫ل عصر وك ّ‬ ‫ك ّ‬
‫ل‬ ‫للمؤمن التقي لكل عمل يقوم بـه ليظــل عارفـا ً بمــا أحـ ّ‬
‫الله له وما حّرم عليه‪.‬‬
‫حْيرة من أمرهـم‪ ،‬ل يـدرون‬ ‫وما كان الله ليترك عباده في َ‬
‫ما هو الحلل وما هو الحرام‪ ،‬ومصير النسان مــع الحــرام‬
‫إلى النار‪ ،‬إلى جهنم ! فالله أرحــم بعبــاده مــن أن ل يــبين‬
‫لهم‪.‬واستمع إلى قوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫) …‪ .‬ونّزلنا عليك الكتاب تبيانا ً لكل شــيء وهــدىً ورحم ـ ً‬
‫ة‬
‫وبشرى للمسلمين (‬
‫] النحل ‪[89 :‬‬
‫وكذلك في أحاديث رسـول اللـه صـلى اللـه عليـه وسـلم‪،‬‬
‫فعن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنــه قــال ‪:‬‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫ن الحرام بّين وبينهما أموٌر مشتبهات ل‬ ‫ن الحلل بّين وإ ّ‬
‫)إ ّ‬
‫ن كثيٌر من الناس‪ ،‬فمن اتقى الشبهات فقــد اســتبرأ‬ ‫يعلمه ّ‬
‫لدينه وعرضه‪ ،‬ومن وقع في الشــبهات وقــع فــي الحــرام‪،‬‬
‫ن‬‫حمى يوشــك أن يرتــع فيــه‪ .‬أل وإ ّ‬ ‫كالّراعي يرعى حول ال ِ‬
‫ن فــي‬ ‫حمــى اللــه محــارمه‪ ،‬أل وإ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫حمــى أل وإ ّ‬ ‫ل ملك ِ‬‫لك ّ‬
‫الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كّلــه‪ ،‬وإذا فســدت‬
‫فسد الجسد كّله‪ .‬أل وهي القلب (‬
‫] رواه الشيخان [‬
‫ل مســلم جــاء بيانهــا‬ ‫ن التكاليف الرّبانية التي هي شأن ك ّ‬ ‫إ ّ‬
‫وافيا ً لكل من صــدق إيمــانه وأتقــن اللغــة العربيــة‪ ،‬وذلــك‬

‫‪492‬‬
‫ل مســلم‪ ،‬ول عــذر لمســلم إذا تخل ّــف عــن‬ ‫واجب على ك ـ ّ‬
‫الوفاء بطلب العلم من الكتــاب والس ـّنة كمــا جــاءا باللغــة‬
‫العربية‪ ،‬ورضي بالبقاء على جهله‪.‬‬
‫فعن أنس وغيره عن رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫أنه قال ‪:‬‬
‫ل مسلم (‬ ‫) طلب العلم فريضة على ك ّ‬
‫] أخرجه الطبراني وغيره ])‪(3‬‬
‫ســر اللــه برحمتــه القــرآن الكريــم للــذكر‪ ،‬للتلوة‬ ‫ولقــد ي ّ‬
‫سرنا القرآن للذكر فهــل مــن‬ ‫والتدّبر والعمل به ‪ ) :‬ولقد ي ّ‬
‫دكر (‬
‫م ّ‬
‫] القمر ‪[17 :‬‬
‫"فالربا " كما جاء تحريمــه فــي القــرآن والس ـّنة‪ ،‬ل ب ـد ّ أن‬
‫ل مســلم حــتى ل يقــع أحــد فــي أمــر‬ ‫يكون واضحا ً جلي ّا ً لك ّ‬
‫ل مســلم‬ ‫حرام ول في شــبهة‪ .‬فــأمر " الربــا " متعل ّــق بك ـ ّ‬
‫وليس يطبقه خاصة من المسلمين‪.‬‬
‫والحلل والحرام ل ُيبّين إل من عند اللــه ورســوله‪ ،‬وليــس‬
‫ص مــن الكتــاب والسـّنة‪ ،‬أو‬ ‫لحد أن يحّرم أو ُيحّلل دون نـ ّ‬
‫ص واضــح‪ .‬وأمــر ذلـك عظيــم‪ ،‬فالنـاس‬ ‫اجتهاد قائم على ن ّ‬
‫م إلى جّنة أو نار‪ ،‬فل ُيعقل‬ ‫ستقف للحساب يوم القيامة‪ ،‬ث ّ‬
‫أبدا ً أن يترك الله سبحانه وتعالى أي أمر يقود إلى النار إل‬
‫بّينه‪ ،‬فإذا التبس المــر علــى أحــد فهــو نتيجــة خلــل عنــده‬
‫وليس في منهاج الله‪ ،‬وعليه أن ينهض ليعالج الخلل عنده‪،‬‬
‫كجهلــه باللغــة العربيــة وعــدم طلبــه العلــم مــن الكتــاب‬
‫والسنة‪ ،‬أو غلبه الهوى والشــهوات فــي نفســه‪ ،‬وخضــوعه‬
‫لضغط الواقع‪ ،‬فيؤّول وُيفسد في التأويل ‪:‬‬
‫كر بالقرآن من يخاف وعيد (‬ ‫) …‪.‬فذ ّ‬
‫] ق ‪[45 :‬‬
‫ل ربــا كــان معروفـا ً لــدى‬ ‫والّربا المحّرم في السلم هو كـ ّ‬
‫عّلة الربا متحّققة‬ ‫المسلمين‪ ،‬أو لم يكن معروفًا‪ ،‬ما دامت ِ‬
‫ن نصـوص الحكــام تحيـط‬ ‫فيه‪ ،‬إلــى يــوم القيامــة‪ .‬ذلــك ل ّ‬
‫بجميع أفعال العباد إلى يوم القيامـة فـي أي مكـان رحمـة‬
‫منه سبحانه وتعالى بعباده‪.‬‬

‫‪493‬‬
‫فإذا كــان النــاس فــي جاهليــة ابتــدعوا نوعـا ً مــن التعامــل‬
‫ن الناس يمكن لهــم فــي‬ ‫المحّرم‪ ،‬أو تعّلموه من اليهود‪ ،‬فإ ّ‬
‫ل زمن أن يستحدثوا من وسائل التعامل بالمال والبيع ما‬ ‫ك ّ‬
‫ســتحدث هــذه‬ ‫فيه حرام وظلــم‪ ،‬وبصــورة خاصــة عنــدما ت ُ ْ‬
‫الوسائل والبواب في مجتمعات ل تلــتزم بأحكــام اليمــان‬
‫وتشريع السلم‪ ،‬فيغلب عليها الظلم والعــدوان واســتغلل‬
‫القوي للضعيف‪ ،‬والخداع والغش وغير ذلــك‪ ،‬حيــث يســود‬
‫قــانون بشــريٌ ل يمكــن لـه أن يرعــى مصــالح العبــاد كمــا‬
‫يرعاها التشريع الرباني‪ ،‬مهما حمل من وســائل الزخــرف‬
‫والغراء‪.‬‬
‫عّلة تحريم الربــا هــي الظلــم واســتغلل حاجــة الضــعيف‬ ‫و ِ‬
‫للقوي‪ ،‬والفقير للغني‪ ،‬وبصورة عامــة‪" ،‬هــي أكــل أمــوال‬
‫الناس بالباطل "‪.‬‬
‫ليست القضية قضّية عقلية فقط‪ ،‬فالعقل البشــري وحــده‬
‫ل يســتطيع أن يكشــف جميــع أنــواع الباطــل وأســاليبه‬
‫الشيطانية‪ ،‬إل أن يكون شرع الله هـو الـذي يهـدي العقـل‬
‫وينير له الطريق‪ ،‬ول يستطيع العقل وحده أن يدرك جميع‬
‫حقائق الحكمة الربانيــة البالغــة فــي تشــريعه‪ ،‬وقــد يــدرك‬
‫بعضها‪.‬‬
‫فالنظــام الرأســمالي والفكــر العلمــاني ل يمكــن أن ينشــأ‬
‫ل أنواعهــا‪،‬‬‫منهما عدل حقّ ينبثق مــن أجــواء الفاحشـة بكـ ّ‬
‫وأجواء العــدوان والغــزو وســرقة ثــروات الشــعوب‪ .‬حــتى‬
‫ل عن الصراط المستقيم حين تدفعه‬ ‫العقل البشري سيض ّ‬
‫وتـــوجهه العلمانيـــة ومـــذاهبها والرأســـمالية وطغيانهـــا‬
‫ديــة الدنيويــة‪،‬‬‫والشهوات والنــزوات وصــراع المصــالح الما ّ‬
‫وضغوط ذلك كّله‪.‬‬
‫ن بعض المسلمين الذين أخــذوا ُيؤّولــون بعــض مــا ح ـّرم‬ ‫إ ّ‬
‫الله في ُنصوص ثابتة‪ ،‬إنما تأّثروا بهذا الج ـوّ الصــاخب مــن‬
‫الديمقراطية والعلمانية‪ ،‬حتى أصبح كثير منهــم يتحــاكمون‬
‫إلى عقولهم وحدها‪ ،‬بعيدا ً عن نور اليمان والتوحيد‪ ،‬وعــن‬
‫نصــوص التشــريع الرب ّــاني‪ ،‬تــؤّثر فيهــم زخــارف العلمانيــة‬
‫وضغطها الكبير‪ ،‬وقد يلوون اليات والحاديث عــن معناهــا‬
‫ق‪ ،‬أو يؤولونها تأويل هوى‪.‬‬ ‫الح ّ‬

‫‪494‬‬
‫و"الضرورة " لها ضوابط وأحكام‪ ،‬فل يجوز أن نغّير أحكام‬
‫م‬‫السلم كلما وجدنا صعوبة في الواقـع أو ضـغطا ً منـه‪ ،‬ثـ ّ‬
‫ُنسمي ذلك " فقه الواقع "‪ .‬فل يوجد شـيء اسـمه " فقـه‬
‫الواقع "‪ ،‬لن الفقــه كل ّــه للواقــع‪ ،‬والواقــع كل ّــه ركــن مــن‬
‫أركان القفه‪ .‬يمكن أن نقول " فقـه القتصـاد "‪ ،‬أو " فقـه‬
‫السياســة "‪ .‬فــالفقه لــه ثلثــة أركــان‪ :‬صــفاء اليمــان‬
‫والتوحيد‪ ،‬وصـدق العلـم بمنهـاج اللـه‪ ،‬ووعـي الواقـع مـن‬
‫خلله ل من خلل هوى‪.‬‬
‫ور المجرمــون فــي الرض جميــع أســباب الفتنــة‬ ‫لقــد طــ ّ‬
‫خروا العلــم لــذلك كّلــه‪ ،‬فقــد‬ ‫والفســاد فــي الرض‪ ،‬وســ ّ‬
‫ورت‬ ‫تعددت ألوان الفاحشة وألوان الغــراء لهــا‪ ،‬وقــد تط ـ ّ‬
‫خر العلم لذلك‪ ،‬فل عجــب إذا‬ ‫س ّ‬‫وسائل الظلم والعدوان‪ ،‬و ُ‬
‫ور المجرمون في الرض وســائل أكــل المــال بالباطــل‪،‬‬ ‫ط ّ‬
‫وأشكال الربا‪ ،‬واستحدثوا منها ما لم يكن متــوافرا ً ســابقًا‪،‬‬
‫ن منهاج الله بنصوصه المطلقة الثابتة هو ح ـقّ مطلــق‬ ‫ولك ّ‬
‫يحيط بأحوال العباد وأفعالهم في كــل زمــان ومكــان‪ .‬وإن‬
‫بدا قصور فهو في جهد النسان وضعفه وليس في منهــاج‬
‫اللــه‪ .‬لــذلك جــاء منهــاج اللــه حّق ـا ً مطلق ـا ً للعصــور كّلهــا‬
‫وللبشرية كلها‪ ،‬وهذا وجه مــن وجــوه إعجــازه ل يبُلغــه أ ّ‬
‫ي‬
‫منهج بشري‪ .‬عندما ندرس الواقع اليــوم‪ ،‬ومــا قــد يفرضــه‬
‫من ضرورة أو حاجة‪ ،‬فل ندرس جــزًء مــن الواقــع ونغفــل‬
‫أجزاًء وأجزاًء ! فالمســلم الــذي يرمــي نفســه فــي أجــواء‬
‫الضرورة تحت هذا العــذر أو ذاك‪ ،‬ولــم يكــن قــد اســتفتى‬
‫السلم حين رمى بنفسه فــي أجــواء الضــرورة أو الفتنــة‪،‬‬
‫م لــه إل بارتكــاب الحــرام‪،‬‬ ‫حتى إذا عرضت له حاجــة ل تتـ ّ‬
‫تذكر عندئذ السلم وأخــذ يــبرز حكــم الضــرورة والحاجــة‪.‬‬
‫دعيه بعضهم من حاجــة وضــرورة شــرعية‬ ‫وربما يكون ما ي ّ‬
‫هــو رغبــة أكــثر منهــا حاجــة وضــرورة‪ ،‬أو حاجــة لتحســين‬
‫مستواه يسميها ضرورة شرعية‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ولـــو كـــان تحـــت‬ ‫ن ممارســـة الحـــرام ل تجعلـــه حل ً‬ ‫إ ّ‬
‫الضرورة‪ .‬فالضرورة يجب أن تكــون حالــة غيــر مســتديمة‬
‫في أغلب الحالت‪ ،‬والتحريم مستديم‪.‬‬

‫‪495‬‬
‫ن تكــون للمســلمين‬ ‫مــا أ ْ‬
‫والضرورة تكون لفرد أو أفــراد‪ ،‬أ ّ‬
‫جميعا ً أو لقطـاع واســع منهـم‪ ،‬فتلــك ضـرورة تحتـاج إلــى‬
‫وقفة طويلة‪ ،‬ودراسة واسعة أمينة لمعرفة ســبب نشــوئها‬
‫وحقيقة حكمها‪.‬‬
‫ة عــن هــوان المســلمين‬ ‫فإذا كانت الحاجة والضرورة ناتج ً‬
‫وعدم وفائهم بعهدهم مع الله‪ ،‬ول بالمانة التي يحملونهــا‪،‬‬
‫دى إلــى‬ ‫أو ناتجــة عــن تقصــير أّدى إلــى تقصــير‪ ،‬وتنــازل أ ّ‬
‫تنــازل‪ ،‬حــتى غلــب الهــوان علــى المســلمين‪ ،‬وخضــعوا‬
‫مستســلمين لغيــر شــرع اللــه‪ ،‬وابتلهــم اللــه بمــا كســبت‬
‫أيــديهم‪ ،‬فتفّرقــوا ورضــوا بالفرقــة الــتي حّرمهــا الســلم‪،‬‬
‫وتمّزقوا ورضوا كذلك بالتمزيق‪ ،‬وتصارعوا وقد نهاهم الله‬
‫حت القلوب والديار لعداء الله الذين فرضوا‬ ‫عن ذلك‪ ،‬فَُفت ِ َ‬
‫شرعا ً غيـر شـرع اللـه‪ ،‬أنـأتي بعــد ذلـك كّلـه ل ُِنفــتي لمـن‬
‫اضطّرته هذه التنــازلت إلــى ارتكــاب مــا يخــالف الســلم‬
‫بجواز المخالفة‪ ،‬وندع المخالفــة الكــبر والنحــراف الش ـد ّ‬
‫دون فتوى ؟! كيف يعقل هذا ؟!‬
‫ل لنا أن نلقي بهواننا وعجزنا وتقصيرنا وتفريطنا فــي‬ ‫ل يح ّ‬
‫ل لنــا مــع هــذا‬‫م التكاليف الرّبانية على دين الله‪ ،‬ول يح ّ‬ ‫أه ّ‬
‫كّله أن نفتي لمن قنع واستسلم ورضـي بحكـم غيـر حكـم‬
‫الله في ألف قضّية هامة وخطيرة‪ ،‬بجواز مخالفــة هــذه أو‬
‫تلك تحت ادعاء ضرورة هو صنعها‪ ،‬أو صنعتها أمته وأهله‪.‬‬
‫ن مفهوم الضرورة في السلم كان يحمل معنــاه والمــة‬ ‫إ ّ‬
‫المســلمة عزيــزة قويــة‪ ،‬ناهضــة بمســؤولياتها‪ .‬أمــا اليــوم‬
‫فللقضّية كّلها صورة أوسع‪ .‬وأول ما نــدعو إليــه أن ينهــض‬
‫ل إلى مسؤولياته يطلب الخرة يؤثرهــا علــى‬ ‫المسلمون ك ّ‬
‫الــدنيا‪ .‬وأول هــذه المســؤوليات الشــرعية أن ينهــض كــل‬
‫مسلم إلى الوفاء بحديث الرسول صلى الله عليه وســلم‪،‬‬
‫وباليات الكــثيرة فــي كتــاب اللــه‪ ،‬ممــا يفــرض علــى كــل‬
‫مســلم أن يعــرف دينــه‪ ،‬وأن يعــرف المســؤوليات الــتي‬
‫سيحاســبه اللــه عليهــا والــتي تقــوم علــى الشــهادتين‬
‫والشــعائر‪ ،‬التكــاليف الربانيــة الــتي تنهــض علــى الركــان‬
‫الخمسة والتي تبني عليها‪ .‬ومن أين يعــرف المســلم هــذه‬

‫‪496‬‬
‫كر بحــديث‬ ‫التكاليف الربانية إل من منهاج الله‪ .‬ونعيــد ونــذ ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سبق ذكره ‪:‬‬
‫ل مسلم (‬ ‫) طلب العلم فريضة على ك ّ‬
‫ما بال بعض المســلمين اليــوم يســألون عــن الفتــوى فــي‬
‫حاجة عرضت لهم‪ ،‬ول يسألون الفتوى فيما هــم فيــه مــن‬
‫تقصير وعجــز ومخالفـة وهــوان‪ .‬ومـن الــذي عليـه واجــب‬
‫إيقــاظ المنتســبين إلــى الســلم بمســؤولياتهم الفردّيــة‬
‫والتكاليف الربانية ؟!‬
‫فــإذا رضــي هــذا وذاك قرن ـا ً أو قرنيــن أو قرون ـا ً بمخالفــة‬
‫السلم والتنازل عن شــرعه وأحكــامه‪ ،‬أفيــأتون ليســتفتوا‬
‫في حاجــة عرضــت‪ ،‬جــاهلين حاجــات أخــرى ومســؤوليات‬
‫أخرى‪.‬‬
‫أما من وجد أنه أوفى بعهده مع الله‪ ،‬وبالتكاليف الرّبانيــة‪،‬‬
‫واستوعب ذلك جهده وعلمه وطــاقته وأمــانته‪ ،‬فنقــول إن‬
‫حسابه وحسابنا كّلنا عند الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫لذلك ل بد ّ من تناول قضايا واقع المسلمين اليوم ـ نتناولها‬
‫درس‬ ‫واحــدة واحــدة حســب أهميتهــا فــي ميــزان اللــه‪ ،‬لت ُـ ْ‬
‫ضع لها العلج النابع من الكتــاب والســنة‪ ،‬علــى صــورة‬ ‫ويو َ‬
‫منهجّية تجتمع عليها المة صّفا ً واحدا ً كالبنيان المرصوص‪.‬‬
‫ول أجد في واقع المسلمين اليوم إثما ً ول معصّية أشد ّ من‬
‫تفّرق المسلمين بما كسبت أيديهم‪.‬‬
‫مــل المســلم نفســه‬ ‫مــن خلل ذلــك كّلــه‪ ،‬ل بــد ّ أن يتح ّ‬
‫مسؤولية الضرورة الــتي تــدفعه إلــى إثـم أو معصــية‪ ،‬وأن‬
‫يتخــذ هــو قــراره بنفســه دون أن تصــدر فتــوى عامــة‬
‫مــل واحـد ٌ آثــام‬ ‫للمسلمين تبيح ارتكاب ما حـّرم اللــه فيتح ّ‬
‫الجميع‪ .‬ومن وجد أنه ل يستطيع أن ُيفتي لنفسه فليســأل‬
‫من هو أعلم منــه‪ ،‬علــى أن ينهــض فــورا ً إلــى مســؤولياته‬
‫الفردي ّــة والتكــاليف الربانيــة المنوطــة بــه‪ ،‬وإن مثــل هــذا‬
‫النهوض هو أول الخطوات لمعالجة هذه المراض‪ ،‬وعسى‬
‫أن يغفر الله به لعباده المؤمنين الذين التقـوا صـفا ً واحــدا ً‬
‫يجاهدون في سبيل الله على نهج وخطة‪.‬‬
‫)‪ (1‬صحيح الجامع الصغير وزيادته ‪ :‬رقم )‪.(5057‬‬

‫‪497‬‬
‫)‪ (2‬الرحيق المختوم ‪ :‬صفي الرحمن المباركفوري ـــ ص‪:‬‬
‫‪ .421‬وسائر كتب السيرة‪.‬‬
‫)‪ (3‬صحيح الجامع الصغير وزيادته ‪ :‬رقم ‪.(3913 ) :‬‬
‫==============‬
‫‪#‬كفالة مقترض الربا‬
‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميــد كليــة الشــريعة بجامعــة المــام محمــد بــن ســعود‬
‫السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬الضمان والكفالة‬
‫التاريخ ‪24/11/1423 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫هناك مؤسسة تعنى بشؤون الســكان تقــدم قروضــا لمــن‬
‫يرغب في استكمال إعمار بيتــه بفــائدة قليلــة ‪ %3‬ولمــده‬
‫تزيد على خمس سنوات مــن بــاب مصــاريف المــوظفين‪،‬‬
‫وقد أفتى بعض العلماء هنا بجواز ذلك فهــل يجــوز لــي أن‬
‫أكفل شخصا ً يريد أخذ قرض من هذه المؤسسة؟‬
‫الجواب‬
‫ل يجوز القــتراض بفــائدة ربويــة مهمــا قلــت النســبة ولــو‬
‫وزعت على عشرات السنين لن قليل الربا وكثيره حرام‪،‬‬
‫وتبرير هــذه النســبة الربويــة علــى أنهــا أتعــاب ومصــاريف‬
‫للموظفين غيــر صــحيح وإنمــا ذلــك تزييــن مــن الشــيطان‬
‫والنفس أمارة بالسوء ول أعرف فتوى معتبرة لهل العلم‬
‫كما ذكرت في سؤالك‪ ،‬إذ ربما السؤال أو تعليــل الجــواب‬
‫على غير هذه الصورة المسؤول عنهــا هنــا‪ .‬وعلــى فــرض‬
‫وقوع هذه الفتوى على هذه الصورة فإنه من الخير لك أن‬
‫تجتنــب الشــبهات فتأخــذ بــالحوط فيمــا يخصــك لحــديث‬
‫النعمان بن بشير "الحلل بين والحرام بيــن وبينهمــا أمــور‬
‫مشتبهات ل يعلمهن كثير من الناس فمن اتقــى الشــبهات‬
‫فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع فــي‬
‫الحــرام" البخــاري )‪ ،(52‬ومسـلم )‪ (1599‬وفــي الحــديث‬
‫الصحيح " البر حسن الخلـق والثـم مـا حـاك فـي النفـس‬

‫‪498‬‬
‫وكرهــت أن يطلــع عليــه النــاس" مســلم )‪ (2553‬وفــي‬
‫الحديث الخر‪" :‬استفت قلبك البر ما اطمــأن إليــه القلــب‬
‫والثم ما حاك في النفــس وتــردد فــي الصــدر وإن أفتــاك‬
‫الناس وأفتوك" أحمد )‪ .(18006‬وعلى هذا فل يجــوز لــك‬
‫أن تكفل شخصا ً يتعامل بهذه المعاملة‪ .‬وصــلى اللــه علــى‬
‫نبينا محمد‪.‬‬
‫===============‬
‫‪ #‬الربا في ضوء الكتاب والسنة‬
‫مجلة البحوث السلمية ‪) -‬ج ‪ / 11‬ص ‪(143‬‬
‫الربا في ضوء الكتاب والسنة‬
‫بقلم الشيخ عبد الله عبد الغني خياط‬
‫َ‬
‫ه وَذ َُروا‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سورة البقرة الية ‪َ 278‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن سورة البقرة اليــة ‪279‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫سول ِهِ ‪.‬‬‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫تقديم‬
‫السلم دين العمل والكد ‪ ،‬وبقدر ما يعمل المسلم يأخــذ ‪،‬‬
‫وبقدر ما يغرس يحظى بالثمار ‪ ،‬أما التبطل والقعــود عــن‬
‫الكســب المشــروع اتكــال علــى مجهــود الغيــر أو اعتــدادا‬
‫بغنيمة باردة تصل إليه دون عناء وبذل جهد ‪ ،‬فليــس ذلــك‬
‫من دين السلم ‪ ،‬بل هو مناقض لما جاء به السلم وحض‬
‫عليه ورغب فيه ‪ ،‬أل ترى كيف توحي الية الكريمة التاليــة‬
‫وأمثالها بمزاولة العمل بعــد أداء فريضــة اللــه ابتغــاء رزق‬
‫الله ‪ ،‬ودفعا للتبطل ‪ ،‬يقول الله سبحانه ‪ :‬ســورة الجمعــة‬
‫َ‬
‫ة‬
‫مع َ ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ن ي َوْم ِ ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫صَلةِ ِ‬ ‫ذا ُنودِيَ ِلل ّ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الية ‪َ 9‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م‬‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ْـٌر ل َك ُـ ْ‬‫م َ‬ ‫وا إ َِلى ذِك ْرِ الل ّهِ وَذ َُروا ال ْب َي ْعَ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫سع َ ْ‬‫َفا ْ‬
‫صــَلةُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ضــي َ ِ‬‫ذا قُ ِ‬ ‫ن ســورة الجمعــة اليــة ‪َ 10‬فــإ ِ َ‬ ‫مــو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫َْ‬
‫ل الّلـهِ َواذ ْك ُـُروا الّلـ َ‬
‫ه‬ ‫ضـ ِ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ض َواب ْت َُغوا ِ‬ ‫شُروا ِفي الْر ِ‬ ‫َفان ْت َ ِ‬
‫ن‪.‬‬‫حو َ‬ ‫ك َِثيًرا ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت ُْفل ِ ُ‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(194 :‬‬
‫فالمر بالنتشار في الرض قرنه ســبحانه بالفريضــة الــتي‬
‫هي عماد الدين ‪ ،‬وفتح النظار للتجاه إليه والخذ كمقــوم‬
‫للحياة ترتكز عليه ‪ ،‬وجاء فــي الحــديث ‪ :‬صــحيح البخــاري‬
‫البيوع )‪,(1966‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2138‬مســند‬

‫‪499‬‬
‫أحمد بن حنبل )‪ .(4/132‬ما أكل أحد طعاما خيرا لــه مــن‬
‫أن يأكل من عمل يده وإن نــبي اللــه داود كــان يأكــل مــن‬
‫عمل يده ‪ ،‬وفي حديث آخر يقول رسول الله ‪ -‬صلى اللــه‬
‫عليه وسلم ‪ -‬لفقير جاء يطلب مــددا مــن المــال ‪ :‬صــحيح‬
‫البخــــاري الزكــــاة )‪,(1401‬صــــحيح مســــلم الزكــــاة )‬
‫‪,(1042‬سنن الترمذي الزكاة )‪,(680‬سنن النسائي الزكاة‬
‫)‪,(2589‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‪,(2/300‬موطــأ مالــك‬
‫الجــامع )‪ .(1883‬لئن يحــتزم أحــدكم حزمــة مــن حطــب‬
‫فيحملها على ظهــره فيبيعهــا خيــر لــه مــن أن يســأل رجل‬
‫يعطيه أو يمنعه ‪.‬‬
‫هــذه مقدمــة وضــعناها بيــن يــدي بحــث اليــوم لنركــز فــي‬
‫الذهان أن الربــا تبطــل وقعــود عــن الكســب المشــروع ‪،‬‬
‫واســتمراء لحيــاة رتيبــة ل نصــب فيهــا ول كــد ول عنــاء أو‬
‫جهــد ‪ ،‬بــل يعيــش صــاحبها علــى حســاب الخريــن يأكــل‬
‫كسبهم ويمتص نشاطهم ‪ ،‬ويجعلهم كالجراء يعملون لــه ‪،‬‬
‫وليتهم يأخذون أجرا على عملهم ‪ ،‬وإنما يأكلون من فتــات‬
‫المائدة لو فضل من المــائدة فتــات ‪ ،‬وســوف نســير ‪ -‬إن‬
‫شاء اللــه ‪ -‬فــي كتابــة هــذا البحــث علــى المخطــط الــذي‬
‫رسمناه له على ضوء الكتاب والسنة ‪ ،‬فنبــدأ أول بتعريــف‬
‫الربا لغة وشرعا ‪ ( 2 ) ،‬الربــا فــي آي الكتــاب العزيــز ‪) ،‬‬
‫‪ ( 3‬الربــا فــي الســنة ‪ ( 4 ) ،‬حكــم الربــا فــي الســلم ‪،‬‬
‫ويشتمل هذا المبحث على ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مضار الربا ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تحريم الربا ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أنواع الربا وحكم كل نوع ‪.‬‬
‫د ‪ -‬وسائل القضاء على الربا ويتفرع عنه ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬القرض الحسن ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الحض على التعــاون لصــالح الفــرد والمجتمــع ‪ ،‬وهــذا‬
‫التعاون يترجم عنه التعــاون الصــناعي والتعــاون الزراعــي‬
‫التعاون الجتماعي ‪.‬‬
‫‪ - 3‬خطر الربا الستهلكي والنتاجي ‪.‬‬
‫‪ - 4‬خاتمة ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(195 :‬‬

‫‪500‬‬
‫تعريف الربا لغة وشرعا‬
‫أما التعريف اللغوي فهو ‪ :‬الزيادة على الشيء ومنه )أربى‬
‫فلن على فلن ( إذا زاد عليه )وربا الشــيء( إذا زاد علــى‬
‫ما كان عليه فعظم )فهو يربــو ربــوا( ‪ ،‬وإنمــا قيــل للرابيــة‬
‫)رابية( لزيادتها في العظم والشراف على ما استوى مــن‬
‫الرض مما حولها من قولهم )ربا يربــو( ‪ ،‬ومــن ذلــك قيــل‬
‫)فلن في رباوة قومه( يراد أنه فــي رفعــة وشــرف منهــم‬
‫فأصل الربا الناقة والزيــادة ‪ ,‬ثــم يقــال ‪) :‬أربــى فلن( أي‬
‫أناف ماله حيــن صــيره زائدا وإنمــا قيــل للمربــي )مــرب(‬
‫لتضعيفه المال الذي كان له علــى غريمــه حــال أو لزيــادته‬
‫عليه السبب الجــل الــذي يــؤخره إليــه فيزيــده إلــى أجلــه‬
‫الذي كان له قبل حل دينه عليه ولذلك قال تعالى ‪ :‬سورة‬
‫من ُــوا َل ت َـأ ْك ُُلوا الّرب َــا‬
‫نآ َ‬
‫َ‬
‫آل عمران اليــة ‪ 130‬ي َــا أي ّهَــا ال ّـ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫ة آل عمــران ‪ ،‬مــن اليــة ‪ ، 130‬تفســير‬ ‫ضــاعََف ً‬ ‫ض ـَعاًفا ُ‬
‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫الطبري ج ‪ 6‬ص ‪. . 7‬‬
‫وأما تعريف الربا فــي الشــرع فيقــع علــى معــان لــم يكــن‬
‫السم موضوعا لها في اللغة ‪ ،‬ويدل عليه أن النــبي صــلى‬
‫الله عليه وسلم سمى النسء ربـا فــي حــديث أســامة بـن‬
‫زيد فقال ‪ :‬صحيح البخاري البيوع )‪,(2067‬صــحيح مســلم‬
‫المســاقاة )‪,(1596‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4581‬ســنن‬
‫ابــن مــاجه التجــارات )‪,(2257‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‬
‫‪,(5/200‬ســنن الــدارمي الــبيوع )‪ .(2580‬إنمــا الربــا فــي‬
‫النسيئة ‪ ،‬وقال عمر بن الخطاب إن آية الربا من آخــر مــا‬
‫نزل من القرآن وإن النبي صــلى اللــه عليــه وســلم قبــض‬
‫قبل أن يبينه لنا فدعوا الربا والريبة ‪.‬‬
‫فثبت بذلك أن الربا قد صار اسما شرعيا لنه لو كان باقيا‬
‫على حكمه في أصل اللغة لما خفي على عمر ؛ لنه كــان‬
‫عالما بأسماء اللغة ؛ ولنه من أهلها ويدل عليه أن العــرب‬
‫لم تكن تعرف بيع الذهب بالذهب والفضــة بالفضــة نســء‬
‫ربا ‪ ،‬وهو ربا في الشرع وإذا كان ذلك على ما وصفنا صار‬
‫بمنزلة سائر السماء المجملة المفتقرة إلــى البيــان وهــي‬
‫السماء المنقولة من اللغــة إلــى الشــرع لمعــان لــم يكــن‬
‫الســلم موضــوعا لهــا فــي اللغــة نحــو الصــلة والصــوم‬

‫‪501‬‬
‫والزكاة فهو مفتقر إلى البيان ول يصح الستدلل بعمــومه‬
‫في تحريــم شــيء مــن العقــود إل فيمــا قــامت دللتــه أنــه‬
‫مسمى في الشــرع بــذلك أحكــام القــرآن ج ‪ 1‬ص ‪- 551‬‬
‫‪. . 552‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(196 :‬‬
‫مبحث الربا في الكتاب العزيز‬
‫ننتقل بعد هذا البسط في مــدلول الربــا لغــة وشــرعا إلــى‬
‫إيراد اليات القرآنية التي جاء فيها ذكر الربا موضــحا قــال‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى في سورة البقــرة ســورة البقــرة اليــة ‪ 275‬ال ّـ ِ‬
‫خب ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه‬ ‫طــ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م اّلــ ِ‬ ‫مــا ي َُقــو ُ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬ ‫مــو َ‬ ‫ن الّرَبــا َل ي َُقو ُ‬ ‫َيــأك ُُلو َ‬
‫طان من ال ْمس ذ َل َ َ‬
‫ل الّرب َــا‬ ‫مث ْـ ُ‬ ‫ما ال ْب َي ْـعُ ِ‬ ‫م َقاُلوا إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫عظ َـ ٌ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن َرب ّـ ِ‬ ‫مـ ُْ‬ ‫ة ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جــاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَأ َ‬
‫ن عَــاد َ َفـأول َئ ِ َ‬ ‫َفانتهى فَل َه ما سـل َ َ َ‬
‫ك‬ ‫مـ ْ‬ ‫مـُرهُ إ َِلـى الّلـهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََْ‬
‫ن ســورة البقــرة اليــة ‪276‬‬ ‫َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِـ ُ‬‫م ِفيهَــا َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫ل ك َّفــاٍر‬ ‫ب ك ُـ ّ‬ ‫حـ ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫يَ ْ‬
‫مل ُــوا‬ ‫َ‬
‫مُنــوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ـ ِ‬ ‫أِثي ـم ٍ ســورة البقــرة اليــة ‪ 277‬إ ِ ّ‬
‫الصال ِحات وأ ََقاموا الصَلةَ وآتـوا الزك َــاةَ ل َه ـ َ‬
‫عن ْـد َ‬ ‫م ِ‬ ‫جُرهُـ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ َ ِ َ‬
‫ن ســورة البقــرة اليــة‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وََل هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م وََل َ‬ ‫َرب ّهِ ْ‬
‫َ‬
‫ن الّرب َــا‬ ‫مـ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ 278‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م ت َْفعَل ُــوا‬ ‫ن ل َـ ْ‬ ‫ن سورة البقرة اليــة ‪ 279‬فَـإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫ْ‬
‫س‬‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬ ‫ســول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫ن الل ّـهِ وََر ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫فَـأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫َ‬
‫ن سورة البقــرة اليــة ‪280‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫خي ْـٌر‬ ‫صـد ُّقوا َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫سـَرةٍ وَأ ْ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫مــا‬ ‫ن سورة البقرة الية ‪َ 281‬وات ُّقــوا ي َوْ ً‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫م َل‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ن َْف ٍ‬ ‫م ت ُوَّفى ك ُ ّ‬ ‫ن ِفيهِ إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ت ُْر َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي ُظ ْل َ ُ‬
‫تفسير اليات‬
‫يقول الحافظ ابن كثير ‪ -‬يرحمه اللــه‪ " : -‬لمــا ذكــر تعــالى‬
‫البرار المؤدين للنفقات المخرجيــن للزكــوات المتفضــلين‬
‫بــالبر والصــدقات لــذوي الحاجــات والقرابــات فــي جميــع‬
‫الحوال والوقات شرع في ذكر أكلة الربا وأمــوال النــاس‬
‫بالباطل وأنواع الشبهات فـأخبر عنهـم يـوم خروجهــم مــن‬
‫قبورهم وقيامهم منها إلى بعثهم ونشورهم فقال ‪ :‬ســورة‬

‫‪502‬‬
‫ْ‬
‫ن إ ِّل ك َ َ‬
‫مــا‬ ‫مــو َ‬ ‫ن الّرب َــا َل ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َـأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬‫البقرة اليــة ‪ 275‬ال ّـ ِ‬
‫س أي ل يقومون من‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي ي َت َ َ‬ ‫ي َُقو ُ‬
‫قبورهم يوم القيامة إل كما يقوم المصروع حــال صــرعه ‪،‬‬
‫وتخبط الشيطان له ‪ ،‬وذلك أنه يقوم قيامـا منكــرا ‪ .‬وقـال‬
‫ابن عباس ‪ :‬آكل الربا يبعث يــوم القيامــة مجنونــا يخنــق ‪.‬‬
‫رواه ابــن أبــي حــاتم ‪ ،‬ونقــل‪ -‬أي ابــن كــثير ‪ -‬عــن بعــض‬
‫مفسري السلف نحو هذا المعنى ‪ ,‬ثم استمر يرحمــه اللــه‬
‫في نقل الروايات عــن مفســري الســلف فــي أن قيــامهم‬
‫على الوضع المذكور يكون يوم القيامة ونقل‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(197 :‬‬
‫عن ابن جرير بالسند إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال‬
‫‪ :‬يقال يوم القيامة لكل الربــا خــذ ســلحك للحــرب وقــرأ‬
‫ْ‬
‫ن الّرب َــا اليــة وذلــك‬ ‫ن ي َـأك ُُلو َ‬‫ذي َ‬‫سورة البقرة اليــة ‪ 275‬ال ّـ ِ‬
‫حين يقوم من قبره تفسير ابن كثير ‪ ,‬ج ‪ 2‬ص ‪, . 55-54‬‬
‫وجاء في "فتح القدير" عنــد تفســير قــوله تعــالى ‪ :‬ســورة‬
‫ْ‬
‫ن الّرَبا قوله ‪ :‬اختصـاص هـذا‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬
‫ذي َ‬‫البقرة الية ‪ 275‬ال ّ ِ‬
‫الوعيد بمن يأكله بل هو عام لكل من يعامل بالربا فيأخذه‬
‫ويعطيــه وإنمــا خــص الكــل لزيــادة التشــنيع علــى فــاعله‬
‫ولكونه هو الغرض الهم فإن آخذ الربا إنما أخــذه للكــل ‪،‬‬
‫ن أي يــوم‬ ‫مــو َ‬ ‫وقــوله ‪ :‬ســورة البقــرة اليــة ‪َ 275‬ل ي َُقو ُ‬
‫القيامة كما يــدل عليــه قــراءة ابــن مســعود وبهــذا فســره‬
‫جمهور المفسرين قالوا ‪ :‬إنه يبعــث كــالمجنون عقوبــة لــه‬
‫وتمقيتــا عنــد أهــل المحشــر ‪ ،‬وقيــل ‪ :‬المــراد تشــبيه مــن‬
‫يحرص في تجارته فيجمع ماله مــن الربــا بقيــام المجنــون‬
‫لن الحرص والطمع والرغبة في الجمع قد استفزته حــتى‬
‫صار شبيها في حركته بالمجنون كما يقال لمن يسرع فــي‬
‫مشية ويضطرب في حركاتها ‪ :‬إنــه قــد جــن ‪ ,‬ومنــه قــول‬
‫العشى ‪:‬‬
‫وتصبح من غب السرى وكأنها ‪ ...‬ألم بها من طائف الجــن‬
‫أولق‬
‫فجعلها ‪ -‬أي ناقته ‪ -‬بسرعة مشيها ونشــاطها كــالمجنون ‪،‬‬
‫ذي‬ ‫م اّلــ ِ‬ ‫وقــوله ‪ :‬ســورة البقــرة اليــة ‪ 275‬إ ِّل ك َ َ‬
‫مــا ي َُقــو ُ‬
‫ن أي إل قيامــا كقيــام الــذي يتخبطــه ‪,‬‬ ‫طا ُ‬ ‫شــي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّ ُ‬
‫طــ ُ‬ ‫ي َت َ َ‬

‫‪503‬‬
‫والخبــط ‪ :‬الضــرب بغيــر اســتواء كخبــط العشــواء وهــو‬
‫المصــروع ‪ ,‬والمــس ‪ :‬الجنــون ‪ ,‬والمــس ‪ :‬المجنــون ‪,‬‬
‫وكذلك الولق وهو متعلــق بقــوله يقومــون أي ل يقومــون‬
‫م‬ ‫من المس الذي بهم سورة البقرة الية ‪ 275‬إ ِّل ك َ َ‬
‫ما ي َُقــو ُ‬
‫ن أو متعلق بيقوم ‪ ,‬وفي اليــة دليــل‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬‫ذي ي َت َ َ‬‫ال ّ ِ‬
‫على فساد قول من قــال ‪ :‬إن الصــرع ل يكــون مــن جهــة‬
‫الجن وزعم أنه من فعل الطبائع ‪ ,‬وقال ‪ :‬إن الية خارجــة‬
‫علــى مــا كــانت العــرب تزعمــه مــن أن الشــيطان يصــرع‬
‫النســان وليــس بصــحيح وأن الشــيطان ل يســلك فــي‬
‫النسان ول يكون منه مس وقد اســتعاذ النــبي صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم من أن يتخبطه الشيطان ‪.‬‬
‫كما أخرجه النسائي وغيره قوله ذلك إشارة إلــى مــا ذكــر‬
‫من مبالغة بجعلهم الربا أصل والبيع فرعا ‪ ,‬أي ‪ :‬إنما الــبيع‬
‫بل زيادة عند حلول الجل كالبيع بزيادة عنــد حلــوله ‪ ،‬فــإن‬
‫العرب كانت ل تعرف ربا إل ذلك فرد الله عليهــم بقــوله ‪:‬‬
‫َ‬
‫م الّرَبا أي أن‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬
‫حّر َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬
‫سورة البقرة الية ‪ 275‬وَأ َ‬
‫الله أحل البيع وحرم نوعا من أنواعه وهو الــبيع المشــتمل‬
‫على الربا ‪ .‬والبيع‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(198 :‬‬
‫مصدر باع يبيع أي دفع عوضا وأخذ معوضا ‪ ،‬والجملة بيانية‬
‫ل محل لها من العراب ‪ ،‬قوله ‪ :‬سورة البقـرة اليـة ‪275‬‬
‫ن َرب ّـهِ أي ‪ :‬مــن بلغتــه موعظــة مــن‬ ‫م ْ‬
‫ة ِ‬‫عظ َ ٌ‬‫مو ْ ِ‬‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫فَ َ‬
‫الله من المــواعظ الــتي تشــتمل عليهــا الوامــر والنــواهي‬
‫ومنها ما وقع هنا من النهي عن الربا فــانتهى أي ‪ :‬فامتثــل‬
‫النهي الذي جاءه وانزجر عن المنهي عنه ‪ ،‬وهو معطوف ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬قوله ‪ :‬فانتهى علــى قــوله ‪ :‬جــاءه وقــوله ‪ :‬مــن ربــه‬
‫متعلق بقوله ‪) :‬جاءه( أو بمحـذوف وقـع صـفة لموعظـة ‪،‬‬
‫أي كائنة من من ربه فله ما ســلف أي مــا تقــدم منــه مــن‬
‫الربا ل يؤاخذ به لنه فعلــه قبــل أن يبلغــه تحريــم الربــا أو‬
‫قبل أن تنزل آية تحريم الربا ‪ ،‬وقوله ‪ :‬سورة البقرة اليــة‬
‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ قيل ‪ :‬الضمير عائد إلــى الربــا ‪ ،‬أي ‪:‬‬ ‫َ‬
‫‪ 275‬وَأ ْ‬
‫وأمر الربا إلى الله فــي تحريمــه علــى عبــاده واســتمراره‬
‫ذلك التحريم ‪ ,‬وقيل الضمير يرجع إلى المرابي ‪ ,‬أي ‪ :‬أمر‬

‫‪504‬‬
‫من عاد بالربا إلى الله في تثبيته علــى النتهــاء أو الرجــوع‬
‫إلى المعصية ومن عاد إلى أكل الربا والمعاملة بــه ســورة‬
‫ن‬ ‫البقرة الية ‪ 275‬فَُأول َئ ِ َ َ‬
‫دو َ‬‫خال ِـ ُ‬
‫م ِفيهَــا َ‬ ‫ب الن ّــارِ هُ ـ ْ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬
‫والشارة إلى من عاد ‪ ،‬وجمع أصحاب باعتبار معنى مــن ‪،‬‬
‫وقيل إن معنى مــن عــاد هــو أن يعــود إلــى القــول ســورة‬
‫ل الّرب َــا وأنــه يكفــر بــذلك‬ ‫مــا ال ْب َي ْـعُ ِ‬
‫مث ْـ ُ‬ ‫البقرة الية ‪ 275‬إ ِن ّ َ‬
‫فيســتحق الخلــود ‪ ,‬وعلــى التقــدير الول يكــون الخلــود‬
‫مستعارا على معنى المبالغــة ‪ ،‬كمــا تقــول العــرب ‪ :‬ملــك‬
‫خالــد ]أي ‪ :‬طويــل البقــاء[ ‪ ،‬والمصــير إلــى هــذا التأويــل‬
‫واجب للحاديث المتواترة القاضية بخروج الموحــدين مــن‬
‫ه الّرب َــا أي‬ ‫ح ـقُ الل ّـ ُ‬ ‫م َ‬ ‫النار قوله ‪ :‬سورة البقرة الية ‪ 276‬ي َ ْ‬
‫يــذهب بركتــه فــي الــدنيا ‪ ،‬وإن كــان كــثيرا فل يبقــى بيــد‬
‫صاحبه ‪ .‬وقيل ‪ :‬يمحق بركته فــي الخــرة ‪ ,‬قــوله تعــالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ه وَذ َُروا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سورة البقرة الية ‪َ 278‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن قــوله ‪ :‬اتقــوا قــوا‬ ‫مِني َ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬
‫ن الّرب َــا إ ِ ْ‬ ‫مـ َ‬‫ي ِ‬
‫مــا ب َِق ـ َ‬
‫َ‬
‫أنفسكم من عقابه واتركوا البقايا التي بقيت لكم من الربا‬
‫‪ ,‬وظاهره أنه أبطل من الربا ما لــم يكــن مقبوضــا ‪ ،‬قــوله‬
‫ن قيل ‪ :‬هو‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫تعالى ‪ :‬سورة البقرة الية ‪ 278‬إ ِ ْ‬
‫شرط مجازي على جهة المبالغة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن إن في هــذه‬
‫الية بمعنى )إذ( قال ابن عطية ‪ :‬وهو مردود ل يعرف فـي‬
‫اللغــة ‪ ،‬والظــاهر أن المعنــى ‪ :‬إن كنتــم مــؤمنين علــى‬
‫الحقيقة فـإن ذلــك يســتلزم امتثــال أوامــر اللـه ونــواهيه ‪،‬‬
‫م ت َْفعَل ُــوا يعنــي مــا‬ ‫ن ل َـ ْ‬ ‫قوله ‪ :‬سورة البقرة الية ‪ 279‬فَ ـإ ِ ْ‬
‫أمرتم به من التقاء وترك ما بقي من الربا ســورة البقــرة‬
‫ْ‬
‫سول ِهِ أي فاعلموا بها ‪،‬‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫الية ‪ 279‬فَأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫من أذن بالشيء إذا علم به ‪ ,‬وقيل هو من الذن بالشــيء‬
‫وهو الستماع لنه من طريـق العلـم ‪ ،‬وقـرأ أبـو بكـر عـن‬
‫عاصم وحمزة فأذنوا على معنى فأعلموا غيركم أنكم على‬
‫حربهم ‪ ،‬وقد دلت هذه الية على أن أكل الربا والعمل بــه‬
‫من الكبائر ول خلف في ذلــك ‪ ,‬وتنكيــر الحــرب للتعظيــم‬
‫وزادها تعظيما نسبتها إلى اسم الله‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(199 :‬‬

‫‪505‬‬
‫العظم وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته ‪ ،‬قــوله فــإن‬
‫س‬‫م ُرُءو ُ‬ ‫تبتم أي من الربــا ســورة البقــرة اليــة ‪ 279‬فَل َك ُـ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م تأخــذونها ســورة البقــرة اليــة ‪َ 279‬ل ت َظ ْل ِ ُ‬
‫مــو َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫مـ َ‬ ‫أ ْ‬
‫غرمــاءكم بأخــذ الزيــادة ســورة البقــرة اليــة ‪ 279‬وََل‬
‫ن أنتم من قبلهم بالمطل والنقص ‪ ,‬والجملة حاليــة‬ ‫مو َ‬ ‫ت ُظ ْل َ ُ‬
‫أو اســتثنائية وفــي هــذا دليــل علــى أن أمــوالهم مــع عــدم‬
‫التوبة حلل لمن أخــذها مــن الئمــة ونحــوهم ممــن ينــوب‬
‫ة‬
‫سَر ٍ‬‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫عنهم ‪ ،‬قوله ‪ :‬سورة البقرة الية ‪ 280‬وَإ ِ ْ‬
‫لمــا حكــم ســبحانه لهــل الربــا بــرءوس أمــوالهم عنــد‬
‫الواجــدين للمــال حكــم فــي ذوي العســرة بــالنظرة إلــى‬
‫يسار ‪] ,‬والعسرة[ ضيق الحال من جهة عدم المال ‪ ,‬ومنه‬
‫جيش العسرة ‪] ,‬والنظرة[ التــأخير ‪] ,‬والميســرة[ مصــدر‬
‫بمعنى اليسر وارتفع ذو بكان التامة بمعنى وجد ‪ ،‬واســتمر‬
‫في شــرحه لرفــع ذو ثــم أورد روايــة للمعتمــر عــن حجــاج‬
‫الوراق قال في مصحف عثمان ‪" :‬إن كان ذا عسرة" قال‬
‫النحاس ومكي والنقــاش وعلــي ‪ :‬هــذا يختــص لفــظ اليــة‬
‫بأهل الربا ‪ ،‬وعلى من قرأ ذو فهــي عامــة فــي جميــع مــن‬
‫عليه دين وإليه ذهب الجمهور ‪.‬‬
‫صد ُّقوا بحذف إحــدى‬ ‫َ‬
‫ن تَ َ‬ ‫قوله ‪ :‬سورة البقرة الية ‪ 280‬وَأ ْ‬
‫التــاءين ‪ ،‬وقــرئ بتشــديد الصــاد أي ‪ :‬وأن تصــدقوا علــى‬
‫معسر غرمائكم بالبراء خير لكم ‪ ،‬وفيه الترغيب لهم بــأن‬
‫يتصدقوا برءوس أموالهم على من أعسر وجعل ذلك خيرا‬
‫من النظار قاله السدي ‪.‬‬
‫ونقل ابن جرير الطبري في تفسيره أن المــراد ‪ :‬التصــدق‬
‫برءوس أموالكم على الغني والفقير منهم قــال ‪ ) :‬وأولــى‬
‫التأويلين بالصــواب تأويــل مــن قــال ‪ :‬معنــاه وأن تصــدقوا‬
‫على المعسر بــرءوس أمــوالكم خيــر لكــم لنــه يلــي ذكــر‬
‫حكمه فـي المعنييـن وإلحـاقه بالـذي يليـه أحـب إلـي مـن‬
‫إلحاقه بالذي بعد منه ( تفسير الطبري ‪,‬ج ‪ 6‬ص ‪. . 35‬‬
‫ن جــوابه‬ ‫مــو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬‫قوله ‪ :‬سورة البقــرة اليــة ‪ 280‬إ ِ ْ‬
‫محذوف أي إن كنتم تعلمون أنه خير لكم عملتم به ‪ ،‬قوله‬
‫مــا هــو يــوم القيامــة ‪،‬‬ ‫‪ :‬سورة البقرة الية ‪َ 281‬وات ُّقــوا ي َوْ ً‬
‫وتنكيره للتهويــل ‪ ،‬وهــو منصــوب علــى أنــه مفعــول بــه ل‬

‫‪506‬‬
‫ن ِفي ـهِ إ ِل َــى‬ ‫جعُــو َ‬ ‫ظرف ‪ ،‬قوله سورة البقرة اليــة ‪ 281‬ت ُْر َ‬
‫الل ّهِ وصف له ‪ ,‬وذهب قوم إلى أن هذا اليوم المذكور هــو‬
‫يوم الموت وذهب الجمهور إلى أنه يوم القيامة كما تقــدم‬
‫قوله إلى الله وفيه مضاف محذوف تقديره إلى حكم اللــه‬
‫ت مــن‬ ‫سب َ ْ‬‫ما ك َ َ‬ ‫س َ‬‫ل ن َْف ٍ‬ ‫م ت ُوَّفى ك ُ ّ‬‫سورة البقرة الية ‪ 281‬ث ُ ّ‬
‫النفوس المكلفة ما كسبت أي ‪ :‬جزاء ما عملت مــن خيــر‬
‫ن‬
‫مــو َ‬ ‫م َل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫أو شر وجملة ســورة البقــرة اليــة ‪ 281‬وَهُـ ْ‬
‫حالية ‪ ,‬وجمع الضمير لنه أنســب بحــال الجــزاء ‪ ,‬كمــا أن‬
‫الفراد أنسب بحال الكسب ‪,‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(200 :‬‬
‫وهذه اليـة فيهــا الموعظـة الحســنة لجميـع النــاس ‪ ,‬وقـد‬
‫أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبــي حــاتم عــن الســدي‬
‫َ‬
‫من ُــوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫في قوله ‪ :‬سورة البقــرة اليــة ‪ 278‬ي َــا أي ّهَــا ال ّـ ِ‬
‫ن الّرَبا قال ‪ :‬نزلت في العبــاس‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬‫ما ب َِق َ‬‫ه وَذ َُروا َ‬‫ات ُّقوا الل ّ َ‬
‫بن عبد المطلب ورجل من بني المغيرة كانا شريكين فــي‬
‫الجاهلية يسلفان الربا إلى ناس من ثقيــف فجــاء الســلم‬
‫ولهما أموال عظيمة فــي الربــا ‪ .‬فــأنزل اللــه هــذه اليــة ‪,‬‬
‫وأخرج ابن جرير عــن ابــن جريــج قــال ‪ :‬كــانت ثقيــف قــد‬
‫صالحت النبي صلى الله عليه وسلم على أن مـا لهـم مــن‬
‫ربا على الناس وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع‬
‫‪ ,‬فلما كان الفتــح اســتعمل عتــاب بــن أســيد علــى مكــة ‪,‬‬
‫وكانت بنو عمرو بن عوف يأخذون الربا من بنــي المغيــرة‬
‫وكان بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية ‪ ,‬فجــاء الســلم‬
‫ولهم عليهم مال كــثير فأتــاهم بنــو عمــرو يطلبــون ربــاهم‬
‫فأبى بنو المغيرة أن يعطــوهم فــي الســلم ورفعــوا ذلــك‬
‫إلى عتاب بن أسيد فكتـب عتـاب إلـى رسـول اللـه صـلى‬
‫الله عليه وسلم فنزلت ‪ :‬سورة البقرة اليــة ‪ 278‬ي َــا أ َي ّهَــا‬
‫ن الّرب َــا فكتــب بهــا‬ ‫مـ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬
‫ما ب َِقـ َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وســلم إلــى عتــاب وقــال ‪ :‬إن‬
‫رضوا وإل فآذنهم بحرب ‪ ,‬وبسند ابن جرير وغيره عن ابن‬
‫ْ‬
‫ب‬‫حـْر ٍ‬ ‫عباس في قوله ‪ :‬سورة البقـرة اليـة ‪َ 279‬فـأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫قال ‪ :‬من كان مقيما علــى الربــا ل ينــزع منــه فحــق علــى‬
‫إمام المسلمين أن يستتيبه ‪ ،‬فإن نــزع وإل ضــرب عنقــه ‪,‬‬

‫‪507‬‬
‫وأخرجوا أيضا عنــه فــي قــوله ‪ :‬ســورة البقــرة اليــة ‪279‬‬
‫ْ‬
‫ب قال ‪ :‬استيقنوا بحرب ‪ ،‬وأخــرج أهــل الســنن‬ ‫حْر ٍ‬‫فَأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫وغيرهم عــن عمــرو الحــوص أنــه شــهد حجــة الــوداع مــع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم فقــال ‪ :‬ســنن الترمــذي‬
‫تفسير القرآن )‪,(3087‬سنن ابن ماجه المناسك )‪.(3055‬‬
‫أل وإن كل ربا في الجاهلية موضوع ‪ ,‬لكم رءوس أموالكم‬
‫ل تظلمون ول تظلمون ‪ ،‬وأول ربا موضــوع ربــا العبــاس ‪.‬‬
‫وأخرج ابن منده عن ابن عباس قال ‪ :‬نزلت هذه الية في‬
‫م‬
‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫ربيعة بن عمرو وأصحابه سورة البقرة الية ‪ 279‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م وبالسند عن ابــن عبــاس فــي قــوله‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫فَل َك ُ ْ‬
‫سَرةٍ قال ‪:‬‬ ‫ن ُ‬
‫ذو عُ ْ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫تعالى ‪ :‬سورة البقرة الية ‪ 280‬وَإ ِ ْ‬
‫نزلت في الربا ‪ ،‬وأخرج عبد الرزاق بالسند عن ابن جريــج‬
‫عن الضحاك في الية قال ‪ :‬وكذلك كل دين على مســلم ‪,‬‬
‫وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحــوه وقــد وردت‬
‫أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما في الترغيب لمن‬
‫له دين على معسر أن ينظره ‪ ,‬وبالســند عــن ابــن عبــاس‬
‫قال ‪ :‬آخر آية نزلت من القرآن ســورة البقــرة اليــة ‪281‬‬
‫ن ِفيهِ إ َِلى الل ّـهِ وعــن ابــن عبــاس أيضــا‬ ‫جُعو َ‬ ‫ما ت ُْر َ‬
‫َوات ُّقوا ي َوْ ً‬
‫كان بين نزولها وبين موت النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫إحدى وثمانون يوما ‪ ,‬وعن سعيد بن جبير أنه عاش النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليــال فتــح القــدير )‬
‫‪1‬ص ‪ 297‬ـ ‪ . ( 299 -298‬ا هـ ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(201 :‬‬
‫خلصة التفسير‬
‫تلخص من مجموع ما أوردناه في تفسير اليات ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬المــراد بأكــل الربــا جميــع التصــرفات وعــبر عــن ذلــك‬
‫بالكل لنه الغرض الرئيسي وغيره من الغراض تبع له ‪.‬‬
‫‪ -2‬تشبيه المرابــي بالمصــروع لن المصــروع يتخبــط فــي‬
‫سيره فينهض ويسقط وكذلك آكل الربا يوم القيامة ‪.‬‬
‫‪ -3‬تشبيه البيع بالربا مبالغة في جعل الربا أصل في الحــل‬
‫والبيع فرعا والعكس هو الصحيح ‪.‬‬
‫‪ -4‬المحقق يشمل ما يأتي ‪:‬‬

‫‪508‬‬
‫أ ‪ -‬المحق بالكلية بحيث يذهب المال من يد المرابــي دون‬
‫أن ينتفع به ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬محق بركة المال مهما كثر فإن عاقبته إلى قل ‪.‬‬
‫‪ -5‬إسدال الســتر علــى مــا ســبق مــن تعــاطي الربــا قبــل‬
‫تحريمه فل يلحق المرء تبعته ‪.‬‬
‫‪ -6‬الترغيب في بذل الصدقات للوعد الكريــم بتنميــة اللــه‬
‫لها ‪.‬‬
‫‪ -7‬الوعيد الشديد لمن يزاول تعاطي الربا بعد التحريم ‪.‬‬
‫‪ -8‬للمرابي أن يأخذ رأس ماله ويدع الزيادة عليه ‪.‬‬
‫‪ -9‬الترغيب في إنظار المعسر أو إبراء ذمته من الدين ‪.‬‬
‫‪ -10‬توجيه النظار ليوم القيامة والتذكير بالوقفة فيه أمام‬
‫رب العزة للحساب والجزاء على العمال ‪.‬‬
‫) مبحث الربا في السنة النبوية (‬
‫قوام الدين وعمــاده والمصــدر الــذي يؤخــذ منــه التشــريع‬
‫كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقــد‬
‫عرضنا فيما تقدم من هذا المبحــث لليــات الـتي ورد فيهـا‬
‫ذكر الربا وتحريمه‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(202 :‬‬
‫والوعيد عليه ونردف ذلك بما ورد في الســنة النبويــة فــي‬
‫موضوع الربا ولن نستعرض كل الحاديث الواردة في ذلك‬
‫وإنما نكتفي منها بما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬حديث أبي هريرة رضي الله عنــه قــال ‪ :‬قــال رســول‬
‫اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم صــحيح البخــاري الوصــايا )‬
‫‪,(2615‬صحيح مسلم اليمان )‪,(89‬سنن النسائي الوصــايا‬
‫)‪,(3671‬ســنن أبــو داود الوصــايا )‪ .(2874‬اجتنبــوا الســبع‬
‫الموبقات قالوا ‪ :‬يا رسول اللــه ومــا هــن؟ قــال ‪ :‬الشــرك‬
‫بالله ‪ ,‬والسحر وقتل النفـس الــتي حــرم اللـه إل بـالحق ‪,‬‬
‫وأكل الربــا ‪ ,‬وأكــل مــال اليــتيم ‪ ,‬والتــولي يــوم الزحــف ‪,‬‬
‫وقــذف المحصــنات الغــافلت المؤمنــات رواه البخــاري‬
‫ومسلم ‪.‬‬
‫الشرح‬
‫قوله )اجتنبوا( أي ‪ :‬أبعدوا وهو أبلغ من قوله دعوا واتركوا‬
‫لن النهي عن القربان أبلــغ كقــوله ‪ :‬ســورة النعــام اليــة‬

‫‪509‬‬
‫ن قــوله ‪:‬‬ ‫مــا ب َط َـ َ‬ ‫ما ظ َهََر ِ‬
‫من َْها وَ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬‫وا ِ‬‫‪ 151‬وََل ت َْقَرُبوا ال َْف َ‬
‫الموبقات أي ‪ :‬المهلكات وسميت هذه موبقات لنها تهلــك‬
‫فاعلها فــي الــدنيا بمــا يــترتب عليهــا مــن العقوبــات وفــي‬
‫الخرة من العذاب ‪ ,‬وفي حـديث ابـن عمـر عنـد البخـاري‬
‫فــي الدب المفــرد والطــبري فـي التفســير وعبـد الــرزاق‬
‫مرفوعا وموقوفا قــال ‪ :‬ســنن أبــو داود الوصــايا )‪.(2874‬‬
‫الكبــائر تســع وذكــر الســبعة المــذكورة وزاد واللحــاد فــي‬
‫الحرم وعقــوق الوالــدين إلــى آخــر مــا أفــاض فيــه شــارح‬
‫الحديث في تعداد الكبائر ‪ ،‬قوله ‪) :‬الشــرك بــالله( هــو أن‬
‫يجعل لله ندا يدعوه ويرجوه ويخافه كما يخاف اللــه ‪ .‬بــدأ‬
‫به لنه أعظــم ذنــب عصــي اللــه بــه فــي الرض كمــا فــي‬
‫الصحيحين عن ابن مسعود صحيح البخاري تفسير القــرآن‬
‫)‪,(4207‬صحيح مسلم اليمان )‪,(86‬سنن الترمذي تفسير‬
‫القرآن )‪,(3183‬سنن النسائي تحريم الدم )‪,(4014‬ســنن‬
‫أبو داود الطلق )‪,(2310‬مسند أحمد بن حنبــل )‪.(1/434‬‬
‫سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الــذنب أعظــم عنــد‬
‫الله قال ‪ :‬أن تجعل لله ندا وهو خلقك الحــديث ‪ ،‬وأخرجــه‬
‫الترمذي بسنده عن صفوان بــن عســال ثــم أورد الحــديث‬
‫بتمامه وقال ‪ :‬صحيح ‪.‬‬
‫قوله ‪) :‬السحر( السحر في اللغة عبارة عما خفي ولطــف‬
‫سببه ‪ ،‬وقال في الكافي ‪ :‬السحر عزائم ورقــى يــؤثر فــي‬
‫القلوب والبدان إلى آخر مــا أفــاض فيــه الشــارح يرحمــه‬
‫الله ‪ ،‬قوله ‪ ) :‬وقتل النفس التي حرم الله( أي حـرم اللـه‬
‫قتلها وهي نفس المسلم المعصوم ‪) .‬إل بالحق( أي ‪ :‬بــأن‬
‫تفعل ما يوجب قتلها ‪ ,‬قوله ‪) :‬وأكل الربا( تناوله بأي وجه‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫كــان كمــا قــال تعــالى ‪ :‬ســورة البقــرة اليــة ‪ 275‬ال ّـ ِ‬
‫خب ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫طــ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م اّلــ ِ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬
‫مــا ي َُقــو ُ‬ ‫مــو َ‬‫ن الّرَبــا َل ي َُقو ُ‬ ‫َيــأك ُُلو َ‬
‫س اليات من ســورة البقـرة ‪ ،‬قـال ابــن‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬‫ال ّ‬
‫دقيق العيد ‪ :‬وهو مجــرب لســوء الخاتمــة نعــوذ بــالله مــن‬
‫ذلك وأكل مال اليتيم يعني التعدي فيــه وعــبر بالكــل لنــه‬
‫أعم وجوه النتفاع ‪ ,‬قوله ‪ ) :‬والتولي يوم‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(203 :‬‬

‫‪510‬‬
‫الزحف( أي الدبار عن الكفار وقت التحام القتــال ‪ ،‬وإنمــا‬
‫يكون كبيرة إذا فر إلى غير فئة أو غير متحرف لقتال كمــا‬
‫قيد به في الية )‪ (15‬فــي ســورة النفــال ســورة النفــال‬
‫حًفا فََل‬ ‫َ‬
‫ن ك ََفُروا َز ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ذا ل َِقيت ُ ُ‬
‫مُنوا إ ِ َ‬
‫نآ َ‬ ‫الية ‪َ 15‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫م اْل َد َْبــاَر وقــوله ‪) :‬وقــذف المحصــنات الغــافلت‬ ‫ت ُوَّلــوهُ ُ‬
‫المؤمنات ( أي ‪ :‬المحفوظات مــن الزنــا والمــراد الحــرائر‬
‫العفيفات فتح المجيد )ص ‪ 237‬إلى ‪ (240‬فتح الباري ‪12‬‬
‫‪ ,184-181 /‬وصحيح مسلم بشرح النووي ‪. . 88-83 / 2‬‬
‫‪ - 2‬حديث عبد اللــه بــن مســعود رضــي اللــه عنــه صــحيح‬
‫مســـلم المســـاقاة )‪,(1597‬ســـنن الترمـــذي الـــبيوع )‬
‫‪,(1206‬ســنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3333‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫التجارات )‪,(2277‬مسند أحمد بــن حنبــل )‪,(1/465‬ســنن‬
‫الدارمي البيوع )‪ .(2535‬أن النبي صلى الله عليــه وســلم‬
‫لعــن آكــل الربــا ومــؤكله وشــاهديه وكــاتبه رواه الخمســة‬
‫وصححه الترمذي غير أن لفــظ النســائي ‪ :‬ســنن النســائي‬
‫الزينة )‪,(5102‬مسند أحمد بن حنبل )‪ .(1/465‬آكل الربــا‬
‫ومؤكله وشــاهديه وكــاتبه إذا علمــوا ذلــك ملعونــون علــى‬
‫لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ‪.‬‬
‫‪ - 3‬عبد الله بن حنظلة غسيل الملئكة قال ‪ :‬قال رســول‬
‫اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ :‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‬
‫‪ .(5/225‬درهم من ربا يأكله الرجـل وهـو يعلـم أشـد مـن‬
‫ست وثلثين زنية رواه أحمد ‪.‬‬
‫الشرح‬
‫حــديث ابــن مســعود أخرجــه أيضــا ابــن حبــان والحــاكم‬
‫وصححاه وأخرجه مســلم مــن حــديث جــابر بلفــظ صــحيح‬
‫مســـلم المســـاقاة )‪,(1597‬ســـنن الترمـــذي الـــبيوع )‬
‫‪,(1206‬ســنن النســائي الطلق )‪,(3416‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3333‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2277‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪,(1/465‬ســنن الــدارمي الــبيوع )‪.(2535‬‬
‫أن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم لعــن آكــل الربــا‬
‫ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقــال ‪ :‬هــم ســواء ‪ .‬وفــي البــاب‬
‫عن علي رضي الله عنه عند النســائي وعــن أبــي جحفــة ‪,‬‬
‫وحديث عبد الله بــن حنظلــة أخرجــه أيضــا الطــبراني فــي‬

‫‪511‬‬
‫الوسط والكبير قــال فــي مجمــع الــزوائد ‪ :‬ورجــال أحمــد‬
‫رجال الصحيح ‪ ،‬ويشهد لــه حــديث الــبراء عنــد ابــن جريــر‬
‫بلفــظ ‪ :‬ســنن ابــن مــاجه التجــارات )‪ .(2274‬الربــا اثنــان‬
‫وستون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وهو حديث صــحيح‬
‫‪ ,‬وحديث أبي هريرة عند البيهقي بلفظ ‪ :‬سنن ابــن مــاجه‬
‫التجارات )‪ .(2274‬الربا ثلثة وسبعون بابا أدناهــا مثــل أن‬
‫ينكح الرجل أمه ‪ ،‬وأخرج ابن جرير نحــوه ‪ ،‬وكــذلك أخــرج‬
‫عنه نحوه ابن أبي الدنيا وحديث عبد الله بن مســعود عنــد‬
‫الحــاكم وصــححه بلفــظ ‪ :‬ســنن ابــن مــاجه التجــارات )‬
‫‪ .(2275‬الربــا ثلثــة وســبعون بابــا أيســرها مثــل أن ينكــح‬
‫الرجل أمــه وأن أربــى الربــا عــرض الرجــل المســلم وهــو‬
‫حديث صحيح ‪ ،‬وقوله )آكل الربا( ومؤكله بسكون الهمــزة‬
‫بعد الميم ويجــوز إبــدالها واوا أي ‪ :‬ولعــن مطعمــه غيــره ‪،‬‬
‫وسمي آخذ المال آكل ‪ ،‬ودافعه مؤكل ؛ لن المقصود منه‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(204 :‬‬
‫الكل وهو أعظم منافعه وسببه إتلف أكثر الشياء ‪.‬‬
‫قــوله ‪) :‬وشــاهديه( روايــة أبــي داود بــالفراد والــبيهقي‬
‫وشاهديه أو شاهده ‪ ،‬قــوله ‪) :‬وكــاتبه( دليــل علــى تحريــم‬
‫كتابة الربا إذا علــم ذلــك ‪ ،‬وكــذلك الشــاهد ل يحــرم عليــه‬
‫الشهادة إل مع العلم ‪ ،‬فأما من كتب أو شهد غير عالم فل‬
‫يدخل في الوعيــد ‪ ,‬قــوله ‪) :‬أشــد مــن ســت وثلثيــن ‪. . .‬‬
‫إلخ ( يدل على أن معصــية الربــا مــن أشــد المعاصــي لن‬
‫المعصــية الــتي تعــدل معصــية الزنــا الــتي هــي فــي غايــة‬
‫الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور بل أشــد منهــا ل‬
‫شك أنها قد تجاوزت الحد في القبح ‪ ،‬وأقبح منها استطالة‬
‫الرجل في عرض أخيه المسلم ولهذا جعله الشــارع أربــى‬
‫الربا ‪ .‬فالرجل يتكلم بالكلمة التي ل يجد لها لــذة ول تزيــد‬
‫في ماله ول جاهه فيكون إثمه عند الله أشد مــن إثــم مــن‬
‫زنى ستا وثلثين زنية هذا ما ل يصــنعه بنفســه عاقــل نيــل‬
‫الوطار ‪ ,‬ح ‪ ) 5‬ص ‪. . (297-296‬‬
‫‪ - 4‬حديث سمرة بن جندب الطويل نجتزئ منه بما يلــي ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬صحيح البخاري التعبير )‪,(6640‬صحيح مسلم الرؤيا‬
‫)‪,(2275‬سنن الترمــذي الرؤيــا )‪,(2294‬مســند أحمــد بــن‬

‫‪512‬‬
‫حنبل )‪ .(5/15‬كان رسول الله صلى الله عليــه وســلم إذا‬
‫صلى الغداة أقبل علينا بوجهه فقال ‪ :‬هل رأى منكــم أحــد‬
‫الليلة رؤيا فإن كان أحد رأى فيها رؤيا قصها عليــه فيقــول‬
‫فيها ما شاء الله ‪ ،‬فسألنا يومــا هــل رأى أحــد منكــم رؤيــا‬
‫فقلنا ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬ولكني رأيت الليلة رجليــن أتيــاني فأخــذا‬
‫بيــدي فأخرجــاني إلــى أرض مســتوية أو فضــاء ‪ ،‬فمررنــا‬
‫برجل جالس ورجــل قــائم علــى رأســه وبيــده كلــوب مــن‬
‫حديد يدخله في شــدقه فيشــقه حــتى يبلــغ فــاه ثــم يفعــل‬
‫بشدقه الخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيه فيصنع‬
‫به مثل ذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ما هذا؟ قال ‪ :‬انطلــق ‪ ،‬واســتمر‬
‫الرسول صلى الله عليـه وســلم فـي ســرد رؤيتــه إلـى أن‬
‫قال ‪ :‬فانطلقنا حتى نأتي على نهر من دم فيه رجــل قــائم‬
‫وعلى شط النهر رجل قائم بين يــديه حجــارة فأقبــل ذلــك‬
‫الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج منه رمى الرجــل‬
‫بحجر في فيه فرده حيث كـان ‪ ،‬فجعــل كلمــا جــاء ليخــرج‬
‫رمى في فيه بحجــر فــرده حيــث كــان ‪ ،‬فقلــت لهمــا ‪ :‬مــا‬
‫هذا؟ قال ‪ :‬انطلق ‪ .‬الحديث أخرجــه البخــاري نعــرض بعــد‬
‫هذا لليضاح عن الفقرات التي وردت في هذا الحديث عن‬
‫الملكين ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬أما الرجل الذي رأيت يشق شدقه فإنه رجــل كــذاب‬
‫يتحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الفاق فهو يصــنع بــه‬
‫ما ترى إلى يوم القيامة ‪ ،‬وأما الرجــل الــذي رأيتــه يشــدخ‬
‫رأسه فإن ذلك رجل علمه اللــه القــرآن فنــام عنــه بالليــل‬
‫ولم يعمل بما فيه بالنهار فهو‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(205 :‬‬
‫يعمل به ما رأيت إلى يوم القيامة ‪ ،‬وأما الــذي رأيــت فــي‬
‫نهر الدم فذاك آكل الربا وهذه الفقرة هي المقصودة مــن‬
‫إيراد هذا الحديث شرح السنة ‪ ,‬ص ‪. . 53-52-51‬‬
‫وعلق المام الذهبي في كتابه الكبائر على هذا الحديث أو‬
‫على الفقرة التي جاء فيها الوعيد لكل الربا بقــوله ‪" . . .‬‬
‫إن آكــل الربــا يعــذب مــن حيــن يمــوت إلــى يــوم القيامــة‬
‫بالسـباحة فـي النهـر الحمـر الـذي هـو مثـل الـدم ويلقـم‬
‫بالحجارة وهو المال الحرام الــذي كــان جمعــه فــي الــدنيا‬

‫‪513‬‬
‫يكلف المشقة فيه ويلقم حجارة من نار كما ابتلــع الحــرام‬
‫في الدنيا ‪ ،‬هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مــع‬
‫لعنة الله له كما في حديث أبي أمامــة بســند ضــعيف جــدا‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬سنن النســائي‬
‫الزكاة )‪,(2562‬مسند أحمد بن حنبــل )‪ .(2/69‬أربــع حــق‬
‫على الله أن ل يدخلهم الجنــة ول يــذيقهم نعيمهــا ‪ :‬مــدمن‬
‫الخمر ‪ ،‬وآكل الربا ‪ ،‬وآكل مال اليتيم بغيــر حــق ‪ ،‬والعــاق‬
‫لوالديه إل أن يتوبوا أخرجه الحاكم وأبو الشيخ والمقدسي‬
‫في المختارة ‪ ،‬وقد ورد أن أكلة الربا يحشرون فــي صــور‬
‫الكلب والخنازير من أجل حيلهم على أكل الربا كما مسخ‬
‫أصحاب الســبت حيــن تحيلــوا علــى إخــراج الحيتــان الــتي‬
‫نهاهم الله عن اصطيادها يوم السبت فحفــروا لهــا حياضــا‬
‫تقع فيها يوم السبت ‪ ،‬فيأخذونها يــوم الحــد ‪ .‬فلمــا فعلــوا‬
‫ذلك مسخهم الله قردة وخنــازير ‪ ،‬وهكــذا الــذين يتحيلــون‬
‫علــى الربــا بــأنواع الحيــل فــإن اللــه ل تخفــى عليــه حيــل‬
‫المحتالين الكبائر ‪ ,‬ص ‪ . . 69-68‬ا هـ ‪.‬‬
‫وحسبنا الحاديث التي أوردناها عن الربا وبشاعته وعقوبة‬
‫المرابين ‪ ،‬ننتقل بعد ذلك إلى ‪:‬‬
‫مبحث حكم الربا في السلم‬
‫وقد تقدم من آي الكتاب العزيز ‪ ،‬والسنة النبوية ما يشــعر‬
‫ويوجب تحريم الربا مما ل يدع مجــال للــتردد فــي ذلــك أو‬
‫التأويــل ولــم يحــرم الســلم شــيئا إل لحكمــة واضــحة أو‬
‫منفعــة تعــود علــى العبــاد وتبعــا لتحريمــه حــرم الوســائل‬
‫المفضية إليه سدا للذريعة ‪ ،‬فمثل ‪ :‬حرم بيع العينة بكســر‬
‫العين وفتح النون وهي ‪ :‬أن تباع سلعة بثمــن معلــوم إلــى‬
‫أجل ثم يشتريها البائع مــن المشــتري بأقــل ليبقــى الكــثير‬
‫في ذمته ‪ ،‬وسميت عينـة لحصــول العيــن أي النقــد فيهــا ؛‬
‫ولنه يعود إلى‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(206 :‬‬
‫البائع عين ماله ‪ ،‬واستدل لتحريم بيع العينة بالحديث الذي‬
‫رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وســلم يقــول ‪ :‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3462‬مسند أحمد بن حنبــل )‪ .(2/84‬إذا تبــايعتم‬

‫‪514‬‬
‫بالعينة وأخذتم بأذنــاب البقــر ‪ ،‬ورضــيتم بــالزرع ‪ ،‬وتركتــم‬
‫الجهاد ‪ ،‬سلط الله عليكم ذل ل ينزعه حتى تراجعوا دينكم‬
‫‪.‬‬
‫ففي هذا الحديث دليل على تحريم هذا البيع ‪ ،‬وذهب إليــه‬
‫مالك وأحمد وبعض الشافعية قالوا ‪ :‬لما فيــه مــن تفــويت‬
‫مقصد الشارع مــن المنــع عــن الربــا وســد الــذرائع ‪ ،‬قــال‬
‫القرطبي ‪ :‬لن بعض صور هذا البيع تــؤدي إلــى بيــع التمــر‬
‫بالتمر متفاضل ويكون الثمن لغوا سبل السلم ‪ ,‬ج ‪ , 3‬ص‬
‫‪ . . 55‬ا هـ ‪ .‬نعود إلى الحديث آنف الــذكر ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3462‬مسند أحمد بن حنبــل )‪ .(2/84‬إذا تبــايعتم‬
‫بالعينة الحديث ‪ .‬لنكشف عن صحته وهل عليه مأخــذ مــن‬
‫حيث سنده يهبط به عن درجة الصحة ‪.‬‬
‫يقول الشيخ محمد ناصر الــدين اللبــاني حفظــه اللــه فــي‬
‫كتابه )سلسلة الحاديث الصـحيحة( ‪ " :‬هـو حـديث صـحيح‬
‫لمجموع طرقه وقد وقفت على ثلث منهــا كلهــا عــن ابــن‬
‫عمر رضي الله عنه مرفوعا ‪ ،‬الولــى ‪ :‬عــن إســحاق أبــي‬
‫عبد الرحمن أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعا حدثه عن‬
‫ابن عمــر قــال ‪ :‬فــذكره‪ -‬أي الحــديث ‪ -‬إلــى أن قــال‪ -‬أي‬
‫الشيخ اللباني ‪ : -‬روي ذلك من وجهين عن عطاء بن أبــي‬
‫رباح عن ابن عمر يشير بذلك إلــى تقويــة الحــديث ‪ ،‬وقــد‬
‫وقفت علــى أحــد الــوجهين المشــار إليهمــا وهــو الطريــق‬
‫الثانية ‪ :‬عن أبي بكر بن عياش عن العمش عن عطاء بن‬
‫أبي رباح عن ابن عمر أخرجه أحمــد ‪ ،‬الثالثــة ‪ :‬عــن شــهر‬
‫بن حوشب عن ابن عمر رواه أحمد ‪.‬‬
‫ثم وجدنا له شاهدا من روايـة بشــير بــن زيــاد الخراســاني‬
‫حدثنا ابن جريج عن عطاء عن جــابر ســمعت رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فذكره‪ -‬أي الحديث ‪ ،‬أخرجــه ابــن‬
‫عدي في ترجمة بشير هذا من )الكامل( وهو غير معروف‬
‫‪ ،‬فــي حــديثه بعــض النكــارة ‪ ،‬وقــال الــذهبي ولــم يــترك‬
‫سلسلة الحاديث الصــحيحة ‪ ,‬ج ‪ , 1‬ص ‪15‬ـ ـ ‪ . . 16‬وجــاء‬
‫في )معالم السنن( توجيه الخطابي لوجهة نظر المحرمين‬
‫للعينة ‪ ،‬قال المحرمون للعينة ‪ :‬الدليل على تحريمهــا مــن‬
‫وجوه ‪ ,‬أحدها ‪ :‬أن الله تعـالى حــرم الربـا والعينــة وسـيلة‬

‫‪515‬‬
‫إليه بل هـي مـن أقـرب وسـائله ‪ ،‬والوسـيلة إلـى الحـرام‬
‫حــرام ‪ ،‬فهنــا مقامــان أحــدهما ‪ :‬بيــان كونهــا وســيلة ‪،‬‬
‫والثــاني ‪ :‬بيــان الوســيلة إلــى الحــرام حــرام ‪ ،‬فأمــا الول‬
‫فيشهد له النقل والعرف والنية‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(207 :‬‬
‫والقصد وحال المتعاقــدين ثــم أورد جملــة أحــاديث تصــور‬
‫البيع بالعينة إلى أن قال ‪ :‬وأما شهادة العرف بذلك فأظهر‬
‫من أن تحتــاج إلــى تقريــر بــل قــد علــم اللــه وعبــاده مــن‬
‫المتبايعين قصــدهما أنهمــا لــم يعقــدا علــى الســلعة عقــدا‬
‫يقصــدان بــه تملكهــا ‪ ,‬ول غــرض لهمــا فيهــا بحــال وإنمــا‬
‫الغرض والمقصــود بالقصــد الول ‪ ،‬مــائة بمــائة وعشــرين‬
‫وإدخال تلــك الســلعة فــي الوســط تلــبيس وعبــث ‪ ،‬وهــي‬
‫بمنزلة الحرف الذي ل معنى لـه فـي نفسـه بـل جيـء بـه‬
‫لمعنى فــي غيــره ‪ ،‬حــتى لــو كــانت تلــك الســلعة تســاوي‬
‫أضعاف ذلك الثمن أو تســاوي أقــل جــزء مــن أجــزائه لــم‬
‫يبالوا بجعلها موردا للعقد لنهم ل غرض لهم فيهــا ‪ ،‬وأهــل‬
‫العرف ل يكابرون أنفسهم فـي هـذا ‪ .‬وأمـا النيـة والقصـد‬
‫فــالجنبي المشــاهد لهمــا يقطــع بــأنه ل غــرض لهمــا فــي‬
‫السلعة وإنما القصد الول مائة بمائة وعشرين فضــل عــن‬
‫علم المتعاقدين ونيتهما ‪ ،‬ولهــذا يتواطــأ كــثير منهــم علــى‬
‫ذلك قبل العقد ثم يحضران تلك الســلعة محلل لمــا حــرم‬
‫الله ورسوله ‪.‬‬
‫وأما المقام الثاني وهــو أن الوســيلة إلــى الحــرام حــرام ‪،‬‬
‫فبــانت بالكتـاب والسـنة والفطــرة والمعقــول ‪ ،‬فـإن اللـه‬
‫سبحانه مسخ اليهود قردة وخنازير لما توسلوا إلى الصــيد‬
‫الحــرام بالوســيلة الــتي ظنوهــا مباحــة ‪ ،‬وســمى أصــحاب‬
‫رسول الله صـلى اللـه عليـه وسـلم والتــابعون مثــل ذلـك‬
‫مخادعة كما تقدم ‪ ،‬وقال أيوب السختياني ‪ :‬يخادعون الله‬
‫كما يخــادعون الصــبيان ‪ ،‬لــو أتــوا المــر علــى وجهــه كــان‬
‫أسهل ‪ .‬والرجوع إلى الصحابة في معاني اللفــاظ متعيــن‬
‫سواء كانت لغوية أو شرعية والخداع حــرام ‪ ,‬وأيضــا فــإن‬
‫هذا العقد يتضمن إظهار صورة مباحة وإضمار ما هو أكــبر‬
‫من الكبائر فل تنقلب الكبيرة مباحة بإخراجهــا فــي صــورة‬

‫‪516‬‬
‫البيع الذي لم يقصد نقل الملــك فيــه أصــل ‪ .‬وإنمــا قصــده‬
‫حقيقة الربا ‪.‬‬
‫وأيضا فإن الطريق متى أفضت إلى الحرام فإن الشــريعة‬
‫ل تأتي بأختها أصل ؛ لن إباحتها وتحريــم الغايــة جمــع بيــن‬
‫النقيضــين ‪ ،‬فل يتصــور أن يبــاح شــيء ويحــرم مــا يفضــي‬
‫إليه ‪ ،‬بل ل بد من تحريمهمــا أو إباحتهمــا ‪ .‬والثــاني باطــل‬
‫قطعا فتعين الول ‪ ،‬وأيضا فإن الشارع إنما حرم الربا لن‬
‫فيه أعظم الفساد والضرر فل يتصور مع هذا أن يبيــح هــذا‬
‫الفساد العظيم بأيسر شيء يكون من الحيل مختصر سنن‬
‫أبي دواد ‪ ,‬ج ‪ 5‬ص )‪ . ( 102 ,101 ,100‬ا هـ ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(208 :‬‬
‫ولشيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬يرحمه الله ‪ -‬جملة فتـاوى فـي‬
‫مسألة بيع العينــة منهــا ‪ :‬أنــه ســئل عــن رجــل طلــب مــن‬
‫إنسان ألف درهــم إلــى ســنة بــألف ومــائتي درهــم فبــاعه‬
‫فرسا أو قماشا بألف درهــم واشــتراه منــه بــألف ومــائتي‬
‫درهم إلى أجل معلوم ‪.‬‬
‫فأجــاب ‪ :‬ل يحــل لــه بــذلك بــل هــو ربــا باتفــاق الصــحابة‬
‫والعلماء ‪ ،‬كما دلت على ذلك سنة رسول الله صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم ‪ .‬سئل ابن عباس رضي الله عنه عن رجل باع‬
‫حريرة تم ابتاعها لجل زيادة درهم فقال ‪ :‬دراهــم بــدراهم‬
‫دخلت بينهما حريرة ‪ ،‬وسئل عن ذلك أنس بن مالك فقال‬
‫‪ :‬هذا مما حرم الله ورسوله ‪ .‬وقالت عائشة لم ولــد زيــد‬
‫بن أرقم في نحو ذلك ‪ :‬بئس ما شريت وبئس ما اشتريت‬
‫‪ ،‬أخبري زيدا أنه قد أبطل جهــاده مــع رســوله اللــه صــلى‬
‫اللــه عليــه وســلم إل أن يتــوب ‪ .‬فمــتى كــان المقصــود‬
‫المتعامل دراهم بدراهم إلى أجل ‪ ،‬فإنما العمــال بالنيــات‬
‫وإنما لكل امرئ ما نوى ‪.‬‬
‫فســواء بــاع المعطــى الجــل أو بــاع الجــل المعطــى ثــم‬
‫استعاد السلعة ‪ ,‬وفي السنن عـن النـبي صـلى اللـه عليـه‬
‫وســلم أنــه قــال ‪ :‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1231‬ســنن‬
‫النســــائي الــــبيوع )‪,(4632‬ســــنن أبــــو داود الــــبيوع )‬
‫‪,(3461‬مسند أحمد بن حنبــل )‪ .(2/432‬مــن بــاع بيعــتين‬
‫في بيعة فله أوكسهما أو الربا ‪ ,‬وفيه أيضا ‪ :‬سنن أبو داود‬

‫‪517‬‬
‫البيوع )‪,(3462‬مسند أحمد بن حنبــل )‪ .(2/84‬إذا تبــايعتم‬
‫بالعينة واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد فـي سـبيل اللـه‬
‫أرسل الله عليكــم ذل ل يرفعــه عنكــم حــتى ترجعــوا إلــى‬
‫دينكم وهذا كله بيع العينــة وهــو بيعتــان فــي بيعــة ‪ ،‬وقــال‬
‫صـــلى اللـــه عليـــه وســـلم ‪ :‬ســـنن الترمـــذي الـــبيوع )‬
‫‪,(1234‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4611‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3504‬سنن ابــن مــاجه التجــارات )‪,(2188‬ســنن‬
‫الدارمي البيوع )‪ .(2560‬ل يحل سلف وبيــع ول ســلف ول‬
‫شرطان في بيع ول ربــح مــا لــم يضــمن ول بيــع مــا ليــس‬
‫عندك قال الترمــذي ‪ :‬حــديث صــحيح ‪ ،‬فحــرم صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم أن يبيع الرجــل شــيئا ويقرضــه مــع ذلــك فــإنه‬
‫يحابيه في البيع لجل القرض حتى ينفعه فهــو ربــا ‪ .‬وهــذه‬
‫الحــاديث وغيرهــا تــبين أن مــا تواطــأ عليــه الــرجلن بمــا‬
‫يقصدان به دراهم بدراهم أكثر منها إلــى أجــل فــإنه ربــا ‪،‬‬
‫سواء كان يبيع ثم يبتاع أو يبيع ويقــرض ومــا أشــبه ذلــك ‪،‬‬
‫والله أعلم مجموع الفتاوى ‪ ,‬ج ‪ 29‬ـ ص ‪433 ,432 ,431‬‬
‫‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(209 :‬‬
‫الخلصة‬
‫اتضح مما أوردناه من آي الكتاب العزيز وتفسيرها والسنة‬
‫النبوية وشروحها وأقوال الصحابة والتابعين ‪ :‬اتضح تحريـم‬
‫الربا في السلم والوسائل المفضية إليه فتلخص من ذلك‬
‫ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬النهي عن تعاطي الربا بكل اللوان والوسائل ‪.‬‬
‫‪ - 2‬إنه من الموبقات أي المهلكات ‪.‬‬
‫‪ - 3‬إنه من كبائر الذنوب ‪.‬‬
‫‪ - 4‬لعن آكل الربا ومؤكله وكل من تعاون عليــه بكتابــة أو‬
‫شهادة ‪.‬‬
‫‪ - 5‬معصية أكل الربا تجاوزت الحد في القبــح لنهــا تعــدل‬
‫معصية الزنا ‪.‬‬
‫‪ - 6‬آكل الربا كما جاء في حــديث ســمرة وتعليــق صــاحب‬
‫شرح السنة ‪ :‬يعذب في البرزخ بالسباحة في النهر الحمر‬

‫‪518‬‬
‫‪ ،‬ويلقم بحجارة من نار ‪ ،‬وعليــه اللعنــة ثــم الحيلولــة بينــه‬
‫وبين دخول الجنة ‪.‬‬
‫‪ - 7‬حرمة عرض المسلم وتحريم الستطالة فيه ‪.‬‬
‫‪ - 8‬أكلة الربا يحشرون في صــورة الكلب والخنــازير مــن‬
‫أجل تحيلهم على أكله ‪.‬‬
‫‪ - 9‬من وسائل التحيل لكل الربا بيع العينة ‪.‬‬
‫‪ - 10‬الوعيد الوارد على التبايع بالعينة ‪.‬‬
‫‪ - 11‬الوسيلة للحرام محرمة ‪.‬‬
‫‪ - 12‬تحريم الربا وإباحة الوسيلة الموصــلة إليــه هــو جمــع‬
‫بين النقيضين وذلك ل يقره السلم ‪.‬‬
‫‪ - 13‬ل يحل سلف وبيع ‪ ،‬ول شرطان في بيع ‪ ،‬ول ربح ما‬
‫لم يضمن ‪ ،‬ول بيع ما لم يكن تحت تصرف البائع ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(210 :‬‬
‫‪ - 14‬مــا تواطــأ عليــه البــائع والمشــتري بمــا يقصــدان بــه‬
‫دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل فإنه ربا ‪ ،‬سواء كان يبيع‬
‫ثم يبتاع أو يبيع ويقرض وأمثال ذلك ‪.‬‬
‫مضار الربا وحكمة تحريمه‬
‫قلــت فــي مقدمــة هــذا البحــث ‪ :‬إن الســلم ديــن العمــل‬
‫وبقدر ما يعمل المسلم يأخــذ ‪ ،‬أمــا التبطــل والقعــود عــن‬
‫الكســب المشــروع اتكــال علــى مجهــود الغيــر أو اعتــدادا‬
‫بغنيمة باردة تصل إليه فليس ذلك من دين السلم بل هــو‬
‫مناقض لما جاء به السلم ‪ .‬ومن ثم نجد المــدخل لمضــار‬
‫الربا فهو تبطل يعيش المتعاطي له علــى حســاب الغيــر ؛‬
‫يأكل كسبهم ويمتص نشاطهم إلــى آخــر مــا ســطرته فــي‬
‫المقدمــة ‪ ،‬بالضــافة إلــى أنــه يســبب العــداء بيــن أفــراد‬
‫المجتمـــع ‪ .‬وديـــن الســـلم ديـــن الـــتراحم والتعـــاطف‬
‫والمساواة ل يقر الهامل الذي يعيش كالمتطفل على كدح‬
‫غيره ‪ ،‬يستمرئ حياة الدعة ليأكل الربا غنيمــة بــاردة دون‬
‫عناء وجهــد فــي الكســب ‪ ،‬ولــذلك أبــاح اللـه الــبيع وحــرم‬
‫الربا ؛ للفارق العظيم بين البيع والربا ‪ ،‬فالبيع ‪ :‬كــد وجهــد‬
‫مبــذول ولقمــة يأكلهــا البــائع مــن عــرق الجــبين ‪ ،‬بخلف‬
‫المرابي فإنه تتضخم ثروتــه وينمــو مــاله بالغنيمــة البــاردة‬
‫التي يستبزها من الفقير المحتاج ‪.‬‬

‫‪519‬‬
‫وهنالك خســارة قــد تحيــق بــالمرابي دون أن يحســب لهــا‬
‫حســابا أل وهــي هبــوط الســعار والــديون الــتي أثقــل بهــا‬
‫نفســه وأخــذها بفــائدة ليوســع بهــا تجــارته قــد ينجــم عنــه‬
‫الفلس ‪ ،‬فهــو مضــطر إذا حــان أجــل التســديد أن يــبيع‬
‫السلعة برأس مالها حتى يأتي على كل السلع الــتي تحــت‬
‫يديه والتي كانت قوام تجارته ويغدو صفر اليدين ‪ ،‬بــل قــد‬
‫تلجئه الحاجة إلى أن يتكفف الناس أو يركن إلى الستدانة‬
‫‪ ،‬وذلك ما تترجم عنه الية الكريمــة ‪ :‬ســورة البقــرة اليــة‬
‫ه الّرب َــا والحــديث النبــوي الشــريف ‪ :‬ســنن‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬
‫م َ‬
‫‪ 276‬ي َ ْ‬
‫ابــن مــاجه التجــارات )‪,(2279‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‬
‫‪ .(1/395‬الربا وإن كثر فإن عاقبته إلــى قــل أو كمــا قــال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وذكر بعض العلماء المعاصرين عن مضار الربا أنــه وســيلة‬
‫للستعمار وشقائه فقد ثبــت أن الغــزو القتصــادي القــائم‬
‫علــى المعــاملت الربويــة كــان التمهيــد الفعــال للحتلل‬
‫العسكري الذي سقطت أكثر دول الشرق تحــت رحمتــه ‪،‬‬
‫فقد اقترضت الحكومــات الشــرقية بالربــا وفتحــت أبــواب‬
‫البلد للمرابين الجانب فما هي إل ســنوات معــدودة حــتى‬
‫تسربت‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(211 :‬‬
‫الثروة من أيدي المــواطنين إلــى هــؤلء الجــانب حــتى إذا‬
‫أفــاقت الحكومــات وأرادت الــذود عــن نفســها وأموالهــا‬
‫استعدى هؤلء الجانب عليها دولهم فدخلت باســم حمايــة‬
‫رعاياها ‪ ،‬ثم تغلغلت هي كــذلك فوضــعت يــدها مســتثمرة‬
‫مرافق البلد ‪ ،‬ولهذا لعن رســول اللــه آكــل الربــا ومــؤكله‬
‫وكاتبه وشــاهديه ‪ ،‬وقــال ‪ :‬هــم ســواء رواه مســلم ــ روح‬
‫الدين السلمي ص ‪. . 332‬‬
‫أمــا حكمــة تحريــم الربــا فتشــمل الجــانب القتصــادي‬
‫والخلقي والجتماعي ‪ ،‬وتفصــيل ذلــك ملخصــا فيمــا جــاء‬
‫في تفسير الفخر الرازي وهي كما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن الربا يقتضي أخذ مال النسان من غير عوض ؛ لن‬
‫من يبيع الدرهم بالدرهمين يحصل له زيادة درهم من غيــر‬
‫عوض ‪ .‬ومال النسان متعلق بحــاجته ولــه حرمــة عظيمــة‬

‫‪520‬‬
‫كما جاء في الحــديث ‪ :‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‪.(1/446‬‬
‫حرمة مال المسلم كحرمة دمه فوجب أن يكون أخذ مــاله‬
‫من غير عوض محرما ‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن العتمــاد علــى الربــا يمنــع النــاس عــن الشــتغال‬
‫بالمكاسب ‪ ،‬وذلك لن صاحب الدرهم إذا تمكــن بواســطة‬
‫عقد الربا من تحصيل الــدرهم الــزائد نقــدا كــان أو نســيئة‬
‫خف عليه اكتساب وجه المعيشة ‪ ،‬فل يكاد يتحمل مشــقة‬
‫الكسب والصناعات الشــاقة والتجــارة وذلــك يفضــي إلــى‬
‫انقطاع منافع الخلق ‪ .‬ومن المعلــوم أن مصــالح العــالم ل‬
‫تنتظــم إل بالتجــارات والحــرف والصــناعات والعمــارات ‪،‬‬
‫وهذا هو الجانب القتصادي ‪.‬‬
‫‪ - 3‬إنــه يفضــي إلــى انقطــاع المعــروف بيــن النــاس مــن‬
‫القرض ؛ لن الربا إذا حرم طابت النفوس بقرض الدراهم‬
‫واســترجاع مثلــه ‪ .‬ولــو حــل الربــا لكــانت حاجــة المحتــاج‬
‫تحملــه علــى أخــذ الــدرهم بــدرهمين فيفضــي ذلــك إلــى‬
‫انقطاع المواساة والمعروف والحسان ‪ ،‬وهذا هو الجــانب‬
‫الخلقي ‪.‬‬
‫‪ - 4‬إن الغالب أن المقرض يكون غنيا والمستقرض يكــون‬
‫فقيرا ‪ ،‬فالقول بتجــويز عقــد الربــا تمكيــن مــن يأخــذ مــن‬
‫الفقير الضعيف مال زائدا وذلك غير جــائز برحمــة الرحيــم‬
‫وهذا هــو الجــانب الجتمــاعي ‪ .‬ومعنــى هــذا أن الربــا فيــه‬
‫اعتصار الضعيف لمصلحة القوي ونــتيجته أن يــزداد الغنــي‬
‫غنــى والفقيــر فقــرا ممــا يفضــي إلــى تضــخم طبقــة مــن‬
‫المجتمع على حساب طبقة‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(212 :‬‬
‫أو طبقات أخرى مما يخلق الحقاد والضــغائن ويــورث نــار‬
‫الصراع بين المجتمع بعضه ببعــض ‪ ،‬ويــؤدي إلــى الثــورات‬
‫المتطرفة والمبادئ الهدامــة ‪ ،‬كمــا أثبــت التاريــخ القريــب‬
‫خطــر الربــا والمرابيــن علــى السياســة والحكــم والمــن‬
‫المحلي والدول جميعا الحلل والحرام ص ‪. . 263‬‬
‫أنوع الربا وحكم كل نوع‬
‫الشح ‪ :‬خلة وضعة وهـوان تـزري بصـاحبها وتجعلـه نشـازا‬
‫في مجتمعه ‪ ،‬يجمع المال ويشح بإنفاقه حتى على مصالح‬

‫‪521‬‬
‫نفسه ‪ .‬وعلى العكس منه البذل بسخاء خاصة فــي وجــوه‬
‫البر والخير وإغاثة الملهوف وكل ما فيه مصلحة للمجموع‬
‫‪ .‬وعلى هذا العتبار جاء تحريم الربا والترغيب فــي البــذل‬
‫ابتغاء كريم الجر ‪ ،‬ونــزل القــرآن والعــرب تتعامــل بالربــا‬
‫لتفكك مجتمعهــم وانفصــام عــرى التــآلف بينهــم ‪ ،‬فعنــدما‬
‫تنزل الحاجة بأحدهم أو يوصله الفقر بالرغــام ل يجــد مــن‬
‫يسعفه أو يعينــه فــي محنتــه أو ينقــذه مــن ذل الحاجــة إل‬
‫بنكبته بالزيادة على ما يقرضه ‪ ،‬والمفاضلة بين ما يقبضــه‬
‫ويعيــده مــن مــال ‪ ،‬وذلــك هــو الربــا الــذي جــاء الســلم‬
‫بتحريمــه ‪ ،‬وقــد أوردنــا مــن آي الكتــاب العزيــز والســنة‬
‫المطهرة ما يكفي عن المزيد ‪ ،‬بقي أن نوضح نوعية الربــا‬
‫المحرم والذي كانت العرب تتعامــل بــه ‪ ،‬جــاء فــي كتــاب‬
‫"أحكام القرآن " قوله ‪ :‬الربــا الــذي كــانت العــرب تعرفــه‬
‫وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلــى أجــل بزيــادة‬
‫على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به ولــم يكونــوا‬
‫يعرفون البيع بالنقد إذا كان متفاضل من جنس واحد ‪ ،‬هذا‬
‫كان المتعارف المشهور بينهم ‪ ،‬ولذلك قال تعالى ‪ :‬سورة‬
‫س‬ ‫َ‬
‫ل الن ّــا ِ‬
‫وا ِ‬
‫مـ َ‬
‫ن رًِبا ل ِي َْرب ُـوَ فِــي أ ْ‬
‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬
‫الروم الية ‪ 39‬وَ َ‬
‫عن ْد َ الل ّهِ فأخبر أن تلــك الزيــادة المشــروطة إنمــا‬ ‫فََل ي َْرُبو ِ‬
‫كانت ربــا فــي المــال العيــن لنــه ل عــوض لهــا مــن جهــة‬
‫المقــرض وقــال تعــالى ‪ :‬ســورة آل عمــران اليــة ‪َ 130‬ل‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة إخبارا عن الحــال الــتي خــرج‬ ‫ضاعََف ً‬ ‫م َ‬ ‫ضَعاًفا ُ‬‫ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ‬
‫عليها الكلم من شرط الزيادة أضعافا مضــاعفة ‪ ،‬فأبطــل‬
‫اللــه الربــا الــذي كــانوا يتعــاملون بــه وأبطــل ضــروبا مــن‬
‫البياعات وسماها ربا ‪ ،‬فانتظم قوله تعالى ‪ :‬سورة البقــرة‬
‫م الّرَبا تحريم جميعها لشمول السم عليهــا‬ ‫حّر َ‬
‫الية ‪ 275‬وَ َ‬
‫من طريق الشرع ‪ ،‬ولم يكن تعاملهم بالربا إل على الوجه‬
‫الذي ذكرناه من قرض دراهم أو دنانير إلــى أجــل )الجــزء‬
‫رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(213 :‬‬
‫مع شرط الزيادة أحكــام القــرآن للجصــاص ‪ ,‬ص ‪ . 552‬ا‬
‫هـ ‪.‬‬
‫وذكر صاحب تفسير آيــات الحكــام أن الربــا ينقســم إلــى‬
‫قسمين ‪ :‬ربا النسيئة ‪ ،‬وربا الفضــل ‪ .‬فربــا النســيئة ‪ :‬هــو‬

‫‪522‬‬
‫الذي كان معروفا بين العرب في الجاهلية ل يعرفون غيره‬
‫وهو أنهم كانوا يدفعون المــال علــى أن يأخــذوا كــل شــهر‬
‫قدرا معينا ‪ .‬فإذا حل الجل طــولب المــدين بــرأس المــال‬
‫كامل فإن تعذر الداء زادوا في الحق والجل ‪.‬‬
‫وربا الفضل ‪ :‬أن يباع من الحنطــة بمنــوين منهــا أو درهــم‬
‫بدرهمين أو دينار بدينارين أو رطل من العســل برطليــن ‪،‬‬
‫وقد كان ابن عباس ل يحرم إل القسم الول ‪ ،‬وكان يجــوز‬
‫ربا الفضل اعتمادا على ما روي أن النبي صلى اللــه عليــه‬
‫وســلم قــال ‪ :‬صــحيح مســلم المســاقاة )‪,(1596‬ســنن‬
‫النســائي الــبيوع )‪,(4581‬ســنن ابــن مــاجه التجــارات )‬
‫‪,(2257‬ســنن الــدارمي الــبيوع )‪ .(2580‬إنمــا الربــا فــي‬
‫النسيئة ولكن لما تواتر عنده الخبر بــأن النــبي صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم قال ‪ :‬صحيح مسلم المســاقاة )‪,(1588‬ســنن‬
‫النســائي الــبيوع )‪,(4559‬ســنن ابــن مــاجه التجــارات )‬
‫‪,(2255‬مسند أحمد بن حنبل )‪ .(2/232‬الحنطة بالحنطــة‬
‫مثل بمثل يدا بيد وذكر الصناف الستة كما رواه عبادة بــن‬
‫الصامت وغيره رجع عن قوله ‪.‬‬
‫وأمــا قــوله عليــه الســلم ‪ :‬صــحيح مســلم المســاقاة )‬
‫‪,(1596‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4581‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫التجارات )‪,(2257‬مسند أحمد بن حنبــل )‪ .(5/200‬وإنمــا‬
‫الربا فــي النســيئة فمحمــول علــى اختلف الجنــس ‪ ،‬فــإن‬
‫النسيئة حينئذ تحرم ويباح التفاضل كبيع الحنطــة بالشــعير‬
‫تحرم فيه النسيئة ويباح التفاضل ولذلك وقع التفاق علــى‬
‫تحريم الربا في القسمين ‪ .‬أما )الول( ‪ :‬فقد ثبت تحريمه‬
‫بــالقرآن ‪) ،‬وأمــا الثــاني( ‪ :‬فقــد ثبــت تحريمــه بــالخبر‬
‫الصحيح ‪ .‬كما روي عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه‬
‫أن النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم قــال ‪ :‬صــحيح مســلم‬
‫المساقاة )‪,(1587‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1240‬ســنن‬
‫النســــائي الــــبيوع )‪,(4561‬ســــنن أبــــو داود الــــبيوع )‬
‫‪,(3349‬سنن ابن ماجه التجارات )‪,(2254‬مسند أحمد بن‬
‫حنبــل )‪,(5/314‬ســنن الــدارمي الــبيوع )‪ .(2579‬الــذهب‬
‫بالـــذهب ‪ ،‬والفضـــة بالفضـــة ‪ ،‬والـــبر بـــالبر ‪ ،‬والشـــعير‬
‫بالشعير ‪ ،‬والتمر بالتمر ‪ ،‬والملح بالملح ‪ ،‬مثل بمثل ســواء‬

‫‪523‬‬
‫بسواء يدا بيد ‪ ،‬فإذا اختلفــت هــذه الصــناف فــبيعوا كيــف‬
‫شئتم إذا كان يدا بيد ‪ .‬واشتهرت روايتـه هـذه حـتى كـانت‬
‫مسلمة عند الجميع ‪.‬‬
‫ثم اختلف العلماء بعد ذلك فقال نفاة القياس ‪ :‬إن الحرمة‬
‫مقصورة على هذه الشياء الستة ‪ ،‬وقال أبو حنيفة ومالك‬
‫والشــافعي وأحمــد وجمهــور الفقهــاء ‪ :‬إن الحرمــة غيــر‬
‫مقصورة على هذه الشياء الستة ‪ ،‬بل تتعداها إلى غيرها ‪.‬‬
‫وأن الحرمة ثبتت في هذه الستة لعلــة ‪ ،‬فتتعــدى الحرمــة‬
‫إلى كل ما توجد فيه تلك العلة ‪ ،‬ثم اختلفوا في هذه العلة‬
‫‪ .‬فقال الحنفية ‪ :‬إن العلة هي اتحــاد هــذه الشــياء الســتة‬
‫فــي الجنــس والقــدر‪ -‬أي الكيــل والــوزن‪ -‬فمــتى اتحــدت‬
‫البلــدان فــي الجنــس والقــدر حــرم الربــا كــبيع الحنطــة‬
‫بالحنطــة وإذا عــدما معــا حــل التفاضــل والنســيئة كــبيع‬
‫الحنطة بالدراهم إلى أجل ‪ .‬وإذا عدم القدر واتحد الجنس‬
‫حل الفضل دون النسيئة كبيع عبد بعبدين ‪،‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(214 :‬‬
‫وإذا عدم الجنس واتحــد القــدر حــل الفضــل دون النســيئة‬
‫أيضا كبيع الحنطة بالشعير ‪.‬‬
‫وقال المالكية ‪ :‬إن العلة هي اتحاد الجنسين مــع القتيــات‬
‫أو ما يصلح به القتيات ‪ .‬وقــال الشــافعية ‪ :‬إن العلــة فــي‬
‫الــذهب والفضــة هــي اتحــاد الجنــس مــع النقديــة ‪ ،‬وفــي‬
‫الشياء الربعة الباقية اتحاد الجنس مع الطعم ‪ ,‬والتفاضل‬
‫في أمر الربا يعلم من كتب الفقه تفســير آيــات الحكــام ‪,‬‬
‫ص ‪. 263 , 162‬‬
‫نوعية الربا كما أوضحها ابن القيم‬
‫وقفت في جملة ما وقفت عليه من المراجــع علــى كتــاب‬
‫بعنــوان ‪) :‬الــودائع المصــرفية النقديــة واســتثمارها فــي‬
‫السلم( لمؤلفه " حسن عبد الله المين " أورد فيــه نــص‬
‫ابن قيم الجوزية رحمه الله عن نوعية الربا وقدم له بقوله‬
‫‪:‬‬
‫تكلمنا فما سبق عن التقسيم الفقهــي القــديم للربــا ‪ :‬ربــا‬
‫النسيئة ‪ ،‬وربا الفضل ‪ . . .‬وبقي هنــاك قســم ثــالث للربــا‬
‫وضعه عالم جليل هو ابن القيم الجوزية وهو تقسيم يتفــق‬

‫‪524‬‬
‫في مضمونه مع تقسيم الربا ‪ :‬إلى ربا ديــون ‪ ،‬وربــا بيــوع‬
‫ولكنه يســمي الول ‪ :‬الربــا )الجلــي( وأن تحريمــه تحريــم‬
‫مقاصد ؛ لنه ثابت بــالقرآن الكريــم وهــو مــا كــانت تفعلــه‬
‫الجاهلية ‪ .‬ويسمي النوع الثاني ‪ :‬الربا )الخفي( وأنه حــرم‬
‫سدا للذريعة من الربا الجلي فتحريمه تحريم وســيلة وهــو‬
‫الذي ثبت بالسنة في الصناف الستة ‪ ،‬ثم ذكر النــص مــن‬
‫كتــاب )إعلم المــوقعين( فقــال ‪ -‬أي ابــن القيــم ‪ : -‬الربــا‬
‫نوعان ‪ :‬جلي وخفي ؛ )فالجلي( ‪ :‬حرم لما فيه من الضرر‬
‫العظيم ‪) ،‬والخفي( ‪ :‬حرم لنه ذريعة إلى الجلي ‪ .‬فتحريم‬
‫الول قصدا ‪ ،‬وتحريم الثاني وسيلة ‪.‬‬
‫فأما الجلي ‪ :‬فربا النســيئة وهــو الــذي كــانوا يفعلــونه فــي‬
‫الجاهلية مثــل أن يــؤخر دينــه ويزيــده فــي المــال ‪ .‬وكلمــا‬
‫أخره زاد في المــال حــتى تصــير المــائة عنــده آلفــا إعلم‬
‫الموقعين ‪ ,‬ج ‪ 2‬ـ ص ‪. . 99‬‬
‫وأما ربا الفضل ‪ :‬فتحريمه من باب سد الذرائع كما صــرح‬
‫به في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النــبي‬
‫صــلى اللــه عليــه وســلم قــال ‪ :‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‬
‫‪ .(2/109‬ل تبيعوا الدرهم بالدرهمين فــإني أخــاف عليكــم‬
‫الرماء والرمــاء هــو الربــا ‪ .‬فمنعهــم مــن ربــا الفضــل لمــا‬
‫يخافه عليهم من ربا النسيئة ‪،‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(215 :‬‬
‫وذلك أنهــم إذا بــاعوا درهمــا بـدرهمين ‪ ،‬ول يفعـل هـذا إل‬
‫للتفاوت الذي بيـن النـوعيين ‪ ،‬إمـا فـي الجـودة وإمـا فـي‬
‫السكة وإما في الثقل والخفة وغير ذلــك ‪ ،‬تــدرجوا بالربــح‬
‫المعجل فيها إلى الربــح المــؤخر وهــو عيــن ربــا النســيئة ‪،‬‬
‫وهذه ذريعة قريبة جدا فمن حكمة الشارع أن ســد عليهــم‬
‫هذه الذرائع ومنعهم من بيع درهم بدرهمين نقدا أو نســيئة‬
‫إعلم الموقعين ‪ ,‬ج ‪ 2‬ـ ص ‪. . 100-99‬‬
‫التعامل مع البنوك‬
‫التعامل مع البنوك على إقــراض المــال بفــائدة مشــروطة‬
‫محددة كاثنين في المائة مثل أو أكثر أو أقل ‪ ،‬هل هو مــن‬
‫أنواع الربا المحرم أم له احتمال آخر؟‬

‫‪525‬‬
‫نعود مرة أخرى إلى كتاب الــودائع المصــرفية آنــف الــذكر‬
‫فنجد المؤلف يقرر بصراحة أن معنى الزيادة فــي القــرض‬
‫عند العقــد هــي إحــدى صــورتي ربــا الجاهليــة الــذي حــرم‬
‫تحريما قاطعا بنص القرآن ‪ ،‬ونص كلمه كالتي ‪) :‬إذا كان‬
‫معنــى الفــائدة يختلــف عــن معنــى الربــح فــي المصــطلح‬
‫الفقهي ول يلتقي معه بحال ‪ ،‬فماذا يكون موقــف الفــائدة‬
‫من الربا ‪ ،‬هل تلتقي معه في إحدى صوره أم أنها تختلــف‬
‫عنه كمـا اختلفــت عـن الربـح ول تلتقـي معـه فــي واحــدة‬
‫منها ‪ ،‬ثم أفاض في البسط حتى قال ‪ :‬تبين لنا على ضــوء‬
‫ما تقدم أن معنــى )الفــائدة( علــى ضــوء مــا تقــدم يلتقــي‬
‫تمامــا فــي مقــاييس الفقــه والشــريعة الســلمية بمعنــى‬
‫الزيــادة فــي القــرض عنــد العقــد وهــي أحــد صــورتي ربــا‬
‫الجاهلية الذي حرم تحريما قاطعا بنص القــرآن ‪ ،‬بــل هــي‬
‫الصورة البارزة في ربـا الجاهليـة حـتى أن الجصـاص بـالغ‬
‫في التوكيد عليها لدرجــة أنــه قــال ‪ :‬ولــم يكــن تعــاملهم ‪-‬‬
‫أي ‪ :‬عرب الجاهلية‪ -‬بالربا إل على الوجه الذي ذكرنــا مــن‬
‫قرض دراهم أو دنانير إلى أجل مع الزيادة ‪ ،‬فالفــائدة إذن‬
‫مــا هــي إل زيــادة مشــروطة فــي قــرض مؤجــل لمصــلحة‬
‫المودع في حالة الــودائع المؤجلــة أو ودائع الدخــار بــدليل‬
‫عدم وجودها في الودائع الجارية ‪ -‬أي ‪ :‬تحت الطلــب‪ -‬مــع‬
‫أنها هي أيضا معتبرة قرضا في الفقه والتشريع ‪ ،‬كما أنهــا‬
‫زيادة فــي قــرض مؤجــل أيضــا لمصــلحة البنــك فــي حالــة‬
‫إقراضه لشخص آخر ‪ ،‬فالزيادة في حالة استقراض البنــك‬
‫بقبول الودائع المؤجلة أو إقراضه بدفع قروض من أمــواله‬
‫الخاصة‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(216 :‬‬
‫أو من ودائع المقترضين الخرين هي ربــا ‪ .‬بــل هــي الربــا‬
‫الذي ل يشك فيه ؛ لنها إحدى صورتي ربا الجاهليــة الــذي‬
‫كــانوا يتعــاملون بــه والــذي حرمــه القــرآن تحريمــا قاطعــا‬
‫َ‬
‫ه ال ْب َي ْـ َ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّـ ُ‬
‫حـ ّ‬
‫بقوله تعالى ‪ :‬ســورة البقــرة اليــة ‪ 275‬وَأ َ‬
‫م الّرَبا وقال فيه رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم‬ ‫حّر َ‬
‫وَ َ‬
‫فــي حجــة الــوداع ‪ :‬ســنن الترمــذي تفســير القــرآن )‬
‫‪,(3087‬ســنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3334‬ســنن ابــن مــاجه‬

‫‪526‬‬
‫المناسك )‪ .(3055‬ربا الجاهلية موضوع وأول ربــا أبــدأ بــه‬
‫ربا العباس بن عبد المطلب ‪.‬‬
‫تحريم الربا الستهلكي والنتاجي‬
‫يفرق بعض علماء القتصاد من الغربيين بين تحريــم الربــا‬
‫الســتهلكي والنتــاجي بــدعوى أن تحريــم الربــا كــان مــن‬
‫الضروريات في الماضي وأن إباحته فــي هــذا العصــر مــن‬
‫الضروريات أيضا ؛ لن الدين فيمــا مضــى كـان للســتهلك‬
‫وأما الن فهو للنتاج ‪ .‬وهو زعم متداع ؛ لن الربا إن كــان‬
‫للستهلك فهو لنفقــة المســتدين علــى حاجــاته الضــرورية‬
‫فإنه ل يجوز أن يرهق برد زائد على دينه ‪ ،‬فحسبه أن يــرد‬
‫أصل الدين عنــد الميســرة ‪ .‬وإن كــان للنتــاج فالصــل أن‬
‫الجهد الذي يبذله المستدين هو الــذي ينــال عليــه الربــح ل‬
‫المال الذي يستدينه فالمال ل يربح إل بالجهــد روح الــدين‬
‫السلمي ‪ ,‬ص ‪. . 334 ,333‬‬
‫وفــي إطــار الحــديث عــن أنــواع الربــا يتحــدث الداعيــة‬
‫السلمي أبو العلى المودودي في الفصــل الخــامس مــن‬
‫كتابه )الربا( تحــت عنــوان "الربــا وأحكــامه " فيقــول ‪ :‬إن‬
‫الربــا هــو الزيــادة الــتي ينالهــا الــدائن مــن مــدينه نظيــر‬
‫التأجيل ‪ ،‬وهذا النوع مــن الربــا يصــطلح عليـه شــرعا بربــا‬
‫النسيئة أي الزيادة بســبب النســيئة وهــي التأجيــل ‪ ،‬وهــذا‬
‫النوع من الربا هو المنصوص علـى تحريمـه فـي القـرآن ‪،‬‬
‫وأجمع على تحريمه السلف الصــالح والعلمــاء المجتهــدون‬
‫من بعدهم وتعاقبت القرون على ذلك الجماع ولم يتطرق‬
‫إليه الريب في عصر من العصور واستمر في البسط إلــى‬
‫أن قال ‪ :‬لقد كان السلم إنما نهى عن التعامل بالربا فـي‬
‫شــئون الــدين والقــرض فــي بــادئ المــر ‪ ،‬واســتمر فــي‬
‫البسط فتحدث عن ربا الفضل وقال ‪ :‬وهذا النوع أيضا قد‬
‫حرمه النبي صلى الله عليــه وســلم لنــه يفتــح البــاب فــي‬
‫وجه الناس إلى الربا الصريح وينشئ فيهم‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(217 :‬‬
‫عقلية من نتائجها اللزمة شــيوع المرابــاة فــي المجتمــع ‪،‬‬
‫وذلك عين ما أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم بقــوله ‪:‬‬
‫مسند أحمد بن حنبل )‪ .(2/109‬ل تبيعوا الدرهم بــدرهمين‬

‫‪527‬‬
‫فإني أخاف عليكم الرماء وهو الربا ‪ .‬وتحدث عن حكم ربا‬
‫الفضل وأورد حديث عبــادة بــن الصــامت وجملــة أحــاديث‬
‫في معناه ‪ ،‬ثــم علــق عليهــا تعليقــا ضــافيا ثــم ذكــر خلف‬
‫الفقهاء في علة تحريم ربا الفضل وخلــص مــن ذلــك إلــى‬
‫القول بأن الختلف بين المذاهب في المور الــتي يــدخلها‬
‫الربا إنما هو من المور المشتبهة الواقعة علــى الحــد بيــن‬
‫الحلل والحـــرام ‪ ،‬فـــإن حـــاول أحـــد الن محتجـــا بهـــذه‬
‫المسائل المختلف فيها أن يرمي بالشتباه أحكام الشريعة‬
‫في المعاملت التي قــد وردت النصــوص علــى كونهــا مــن‬
‫الربا ويفتح باب الرخص والحيل بهــذا الطريــق للســتدلل‬
‫ويدعو المة إلى سلوك طرق الرأسمالية فل شك أنه يعــد‬
‫تاركا للكتاب والسنة للظن والخرص وضال مضل ولو كــان‬
‫مخلصا صادق النية عند نفسه الربا ص ‪ . 98 ,91 ,90‬ا هـ‬
‫‪.‬‬
‫وسائل القضاء على الربا‬
‫من مزايا دين السلم أنه لم يحرم شيئا إل وأوجد له بديل‬
‫يغنــي عنــه ‪ ،‬ويأخــذ بحجــز المســلمين مــن أن يقعــوا فــي‬
‫المحــرم المنكــور ‪ ،‬ول نطيــل ضــرب المثلــة لــذلك وإنمــا‬
‫نكتفي بتحريم الخمر ‪ .‬أبــدل اللــه المســلمين عــن شــربها‬
‫بشرب جميع العصيرات والمنتبذات مما ل يكون فيه شبهة‬
‫حرام وعندما حرم الربــا أبــاح الــبيع والتجــارة فــي المــور‬
‫المباحة وأنواع المضاربة ‪ ،‬وهكذا فلم يرهق المســلم مــن‬
‫أمره عسرا ‪ ،‬ولم يكلفه شططا ‪ ،‬وإنما أوجــد لــه الحلــول‬
‫وشرع وسائل من شأنها القضاء على الربا والتجــافي عنــه‬
‫والترفع عن مزالقه والتورط في إثمـه ‪ ،‬ويشــمل ذلـك مـا‬
‫يأتي ‪:‬‬
‫)أ( القرض الحسن ‪ :‬فبــدل مــن أن يقــرض المســلم مــاله‬
‫بفائدة تقض مضجع المقترض وتزيـد مــن محنتــه وبلبـاله ‪،‬‬
‫رغب السلم في القرض الحسن بالوعد الكريــم والجــزاء‬
‫ن َ‬
‫ذا‬ ‫مـ ْ‬
‫الضافي كما قال تعالى ‪ :‬سورة البقــرة اليــة ‪َ 245‬‬
‫عَفه ل َ َ‬
‫ضَعاًفا ك َِثيَرةً ‪،‬‬
‫هأ ْ‬‫ضا ِ ُ ُ‬ ‫سًنا فَي ُ َ‬
‫ح َ‬
‫ضا َ‬ ‫ض الل ّ َ‬
‫ه قَْر ً‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي ي ُْقرِ ُ‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(218 :‬‬

‫‪528‬‬
‫ض‬‫ذي ي ُْق ـرِ ُ‬ ‫ذا ال ّـ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫وقال تعالى ‪ :‬سورة الحديد الية ‪َ 11‬‬
‫عَفه ل َه ول َ َ‬
‫م‪.‬‬ ‫ري ٌ‬‫جٌر ك َ ِ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ضا ِ ُ ُ َ ُ‬ ‫سًنا فَي ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ضا َ‬ ‫ه قَْر ً‬ ‫الل ّ َ‬
‫)ب( إنظار المعسـر ريثمـا يـزول إعسـاره والـترغيب فـي‬
‫إبراء ذمته من الدين دون مطالبته كما قال تعالى ‪ :‬سورة‬
‫ة‬
‫س ـَر ٍ‬ ‫مي ْ َ‬‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ ِل َــى َ‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫البقرة الية ‪ 280‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬‫صد ُّقوا َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫)جـــ( التعــاون فــي مختلــف دروبــه وبكــل وســائله يشــمل‬
‫التعاون الجتماعي والصناعي والزراعي ويدخل في إطــار‬
‫ذلــك الضــمان الجتمــاعي وتمويــل المزارعيــن وأصــحاب‬
‫الصناعات بما يشــد أزرهــم ويضـاعف إنتــاجهم فيمــا يعــود‬
‫بالخير للمجموعة الســلمية ‪ ،‬وثمــة فتــح المــدارس وبنــاء‬
‫المستشفيات ودور العجــزة ‪ ،‬ومــا إليـه ممـا تشــمله اليـة‬
‫الكريمــة ســورة المــائدة اليــة ‪ 2‬وَت ََعــاوَُنوا عََلــى ال ِْبــّر‬
‫وى ‪ ,‬فيغدو المجتمع في ظلل هذا التعــاون الشــامل‬ ‫َوالت ّْق َ‬
‫سعيدا بعيدا عن مآســي الربــا والنــزلق إلــى أوحــاله ‪ ،‬ول‬
‫يغيــب عــن الذهــان إخــراج زكــاة المــوال ودفعهــا إلــى‬
‫مستحقيها كما نصت على ذلك الية الكريمة سورة التوبــة‬
‫ن‬ ‫مِلي َ‬ ‫ن َوال ْعَــا ِ‬ ‫كي ِ‬‫ســا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ل ِل ُْفَق ـَراِء َوال ْ َ‬ ‫ص ـد ََقا ُ‬ ‫مــا ال ّ‬ ‫اليــة ‪ 60‬إ ِن ّ َ‬
‫ل‬ ‫سِبي ِ‬‫ن وَِفي َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب َوال َْغارِ ِ‬ ‫م وَِفي الّرَقا ِ‬ ‫مؤَل َّفةِ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫عَل َي َْها َوال ْ ُ‬
‫ل ‪ ،‬وجملة القول أن وسائل القضــاء علــى‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ّ‬
‫اللهِ وَا ِب ْ ِ‬
‫الربا والخذ بها والتعاون على تنفيذها وفي الطليعة إخراج‬
‫الزكاة دون تهرب أو تسويف أو طغيان النانية على بعــض‬
‫النفوس فتستأثر بالمال وتحتجزه وتشــح بــه فل تســتجيب‬
‫لنفاقه كما أمر الله وكما قال تعالى ‪ :‬سورة الحديد اليــة‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫خل َِفي َ‬ ‫سـت َ ْ‬
‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫جعَل َك ُـ ْ‬ ‫مــا َ‬ ‫م ّ‬ ‫فُقــوا ِ‬ ‫ســول ِهِ وَأن ْ ِ‬ ‫من ُــوا ب ِــالل ّهِ وََر ُ‬ ‫‪7‬آ ِ‬
‫ِفيهِ ‪ ،‬كل أولئك مما يحول دون الرتداع في أرجــاس الربــا‬
‫والوقوع في أوحاله ‪.‬‬
‫وقبل أن نضع القلم يجدر أن نعرض لموضوع كثر الخذ به‬
‫في أعقاب الزمن وهو بيع التورق ‪ ،‬يشتري المرء الســلعة‬
‫بثمن إلى أجل ثم يبيعها بأقل من الثمن الذي اشــتراها بــه‬
‫وذلك ما يسمى بمسألة التورق لن البائع ليــس لــه حاجــة‬
‫في السلعة وإنما حــاجته فــي الــورق ‪ ،‬وإيضــاح ذلــك مــن‬

‫‪529‬‬
‫قول شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله‪ -‬في فتاويه حيث‬
‫يقول ‪ :‬وقد‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(219 :‬‬
‫سئل عن الرجل يبيع سلعة بثمن مؤجـل ثـم يشـتريها مـن‬
‫ذلك الرجل بأقــل مــن ذلــك الثمــن حــال هــل يجــوز أم ل؟‬
‫فأجــاب ‪ :‬إذا بــاع الســلعة إلــى أجــل ثــم اشــتراها مــن‬
‫المشــتري بأقــل مــن ذلــك حــال فهــذه تســمى ) مســألة‬
‫العينة ( ‪ .‬وهي غير جائزة عنــد أكــثر العلمــاء كــأبي حنيفــة‬
‫ومالك وأحمد وغيرهم ‪ ،‬وهو المأثور عن الصحابة كعائشــة‬
‫وابن عباس وأنس بن مالك ‪ ،‬فـإن ابــن عبــاس ســئل عـن‬
‫حريرة بيعت إلى أجــل ثــم اشــتريت بأقــل فقــال ‪ :‬دراهــم‬
‫بدراهم دخلت بينهما حريرة ‪ ،‬وأبلغ من ذلك أن ابن عباس‬
‫قــال ‪ :‬إذا اشــتريت بنقــد ثــم بعــت بنســيئة فتلــك دراهــم‬
‫بدراهم ‪ .‬فبين أنه إذا قوم السلعة بــدراهم ثــم باعهــا إلــى‬
‫أجل فيكون مقصوده دراهم بــدراهم ‪ -‬والعمــال بالنيــات‪-‬‬
‫وهــذه تســمى ) التــورق ( ‪ .‬فــإن المشــتري تــارة يشــتري‬
‫السلعة لينتفع بها وتارة يشتريها ليتجر بها فهــذان جــائزان‬
‫باتفــاق المســلمين ‪ ،‬وتــارة ل يكــون مقصــوده إل أخــذ‬
‫الدراهم فينظر كم تساوي نقدا فيشتري بها إلى أجــل ثــم‬
‫يبيعها في السوق بنقد فمقصوده الورق ‪ .‬فهذا مكروه في‬
‫أظهر قولي العلمــاء ‪ ،‬كمــا نقــل ذلــك عــن عمــر بــن عبــد‬
‫العزيز وهو إحدى الروايتين عن أحمد إلى آخــر مــا أفــاض‬
‫فيه يرحمه الله مما خرج به للستطراد الفتــاوى ‪ ,‬ج ‪ 29‬ـ ـ‬
‫ص ‪. . 447 ,446‬‬
‫خاتمة البحث‬
‫نــأتي بعــد أن فرغنــا مــن كتابــة البحــث بتوفيــق اللــه إلــى‬
‫الخاتمة فقد عرضنا بعد المقدمة لتعريف الربا لغة وشرعا‬
‫وأوردنا اليات القرآنية التي جاءت منتظمة عــن الربــا مــع‬
‫تفسيرها وقد تحصل من التفسير ما يأتي ‪:‬‬
‫ا‪ -‬المراد بأكل الربا جميع التصرفات ‪.‬‬
‫‪ - 2‬تشبيه المرابي بالمصروع ‪.‬‬
‫‪ - 3‬المحق يشمل ذهاب المال وذهاب بركته ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ل يلحق متعاطي الربا تبعة التعامل به قبل التحريم ‪.‬‬

‫‪530‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(220 :‬‬
‫‪ - 5‬الترغيب في بذل الصدقات ‪.‬‬
‫‪ - 6‬الوعيد لمن تعاطى الربا بعد التحريم ‪.‬‬
‫‪ - 7‬للمرء أن يأخذ رأس ماله بعد التوبة من تعاطي الربا ‪.‬‬
‫‪ - 8‬الترغيب في إنظار المعسر وإبراء ذمته ‪ ،‬وأردفنا ذلك‬
‫بمبحث الربا في السنة وإيراد نــص مــا ورد مــن الحــاديث‬
‫مع شرحها ثم بيــان حكــم الربــا فــي الســلم وأنــه محــرم‬
‫بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة وأساطير العلــم بمــا فــي‬
‫ذلك تحريم كل وسيلة تفضي إليه كبيع العينــة واستخلصــنا‬
‫من مجموع ذلك ما يأتي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬النهي عن تعاطي الربا بكل اللوان والوسائل ‪.‬‬
‫ب‪ -‬إنه من الموبقات ومن كبائر الذنوب ‪.‬‬
‫جـ‪ -‬لعن آكل الربا كل متعاون عليه ‪.‬‬
‫د‪ -‬معصية الربا تجاوزت الحد في القبح ‪.‬‬
‫هـ‪ -‬تحريم الستطالة في عرض المسلم ‪.‬‬
‫و‪ -‬آكل الربا يعذب في الــبرزخ وعليــه اللعنــة ويحــال بينــه‬
‫وبين دخول الجنة ‪.‬‬
‫ز‪ -‬أكلة الربا يحشرون في أسوأ صورة ‪.‬‬
‫ح‪ -‬تحريم التبايع بالعينة والوعيد عليها ‪.‬‬
‫ط‪ -‬الوسيلة للحرام محرمة ‪.‬‬
‫ك‪ -‬ل يحل سلف ول بيع ول شرطان في بيع ول ربح ما لم‬
‫يضمن ول بيع ما لم يكن تحت تصرف البائع ‪.‬‬
‫ل‪ -‬ما تواطأ عليه البائع والمشتري بما يقصدان بــه دراهــم‬
‫بدراهم أكثر منها إلى أجل فهو ربا محرم ســواء كــان يــبيع‬
‫ثم يبتاع أو يبيع ويقرض ‪.‬‬
‫ثــم انتقلنــا بعــد ذلــك إلــى مضــار الربــا وحكمــة تحريمــه ‪،‬‬
‫وأوردنــا نقــول عــن ذلــك مــن أقــوال العلمــاء القــدامى‬
‫والمعاصرين مبسوطة في الصفحات )‪ ، 18‬ـ ‪ (19‬وعقبنــا‬
‫بمبحث أنواع الربا وحكم كل نوع فذكرنا ربا النســيئة وأنــه‬
‫هو الربا الذي كانت تتعامل به الجاهلية الولــى وهــو الــذي‬
‫ورد تحريمه بالقرآن ‪ ،‬ثم ربا الفضــل وتحريمــه جــاءت بــه‬
‫السنة النبوية سدا‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(221 :‬‬

‫‪531‬‬
‫للذريعة ‪ ،‬وعرضنا لعلة تحريم ربا الفضل واختلف العلماء‬
‫فيها ‪ ،‬ثم لنوعية الربا كما أوضحها ابن القيم ‪-‬يرحمه اللــه‪-‬‬
‫ثــم لبحــث التعامــل مــع البنــوك وفيــه القــرض بالفــائدة‬
‫المشروطة وأنها محرمــة ‪ ،‬ثــم تناولنــا بحــث تحريــم الربــا‬
‫الستهلكي والنتاجي ورد نظرية تحريم الربا في الماضــي‬
‫وإباحته في الحاضر ‪ ،‬وأردفنا ذلــك بالحــديث عــن وســائل‬
‫القضاء على الربا وذكرنا أن منها القرض الحســن وإنظــار‬
‫المعســر وإبــراء ذمتــه والتعــاون الجتمــاعي والصــناعي‬
‫والزراعي وتوزيع أموال الزكاة ‪ ،‬ثم أنهينا البحث بموضــوع‬
‫التورق وأنه مكروه وأوردنا فتوى لشيخ السلم ابن تيميــة‬
‫‪-‬يرحمه الله‪ -‬في هذه المسألة ‪ .‬وأســأل اللــه أن يــأجرني‬
‫بقدر ما بذلت في هذا البحــث مــن جهــد علمــي وجســمي‬
‫ولم أصل فيه إلى الكمال ‪ ،‬وإنما هو إسهام وجهــد مقــل ‪،‬‬
‫وأن يشمل سبحانه بتوفيقه ابني أسامة على ما أسهم بــه‬
‫من تهيئة المراجع المطلوبة للبحث والعون بجهــد مشــكور‬
‫وينفع به كل من قرأه مغضيا عما لعله أن يكــون فيــه مــن‬
‫مآخذ ‪ -‬فالكمال لله وحده‪ -‬ويأجر أيضا كل من تعاون على‬
‫إشاعته بكل وسيلة خاصة مجلة البحوث بالرياض ورئاســة‬
‫تحريرها والمشرفين عليها ‪.‬‬
‫وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصــحبه‬
‫ومن اتبع سبيله وسار على نهجه ‪ ،‬وقد فرغت مــن وضــعه‬
‫في شهر جمادى الثانية سنة ألف وأربعمائة وأربعة ‪.‬‬
‫والله يوفقنا إلى ما فيه الخير والرشاد ‪، ، ،‬‬
‫ثبت المراجع والمصادر‬
‫‪ - 1‬ابن تيمية ‪ ،‬أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني ‪.‬‬
‫)الفتاوى( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪ 1382‬هـ ‪.‬‬
‫الرياض ‪ :‬مطابع الرياض ‪.‬‬
‫‪ - 2‬ابن حجر ‪ ،‬أحمد بن علي العسقلني ‪.‬‬
‫)فتح الباري بشرح صحيح البخاري( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪.‬‬
‫تصحيح وترقيم ‪ :‬محمـد فـؤاد عبـد البـاقي ‪ -‬محـب الـدين‬
‫الخطيب ‪.‬‬

‫‪532‬‬
‫القاهرة ‪ :‬المطبعة السلفية )‪ 13‬جزء( ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(222 :‬‬
‫‪ - 3‬ابن جرير ‪ ،‬أبو جعفر محمد بن جعفر الطبري ‪.‬‬
‫)جامع البيان عن تأويل آي القرآن( ‪.‬‬
‫تحقيق ‪ :‬محمود محمد شاكر ‪ -‬أحمد محمد شاكر ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪.‬‬
‫القاهرة ‪ :‬دار المعارف )‪ 15‬جزء( ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ابن كثير ‪ ،‬أبو الفداء عماد الدين القرشي الدمشقي ‪.‬‬
‫)تفسير القرآن العظيم( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪ 1347‬هـ ‪.‬‬
‫القاهرة ‪ :‬مطبعة المنار )‪ 9‬أجزاء ومعه تفسير البغوي( ‪.‬‬
‫‪ - 5‬ابن حنبل ‪ ،‬أحمد بن محمد الشيباني ‪.‬‬
‫)المسند( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪.‬‬
‫القاهرة ‪ :‬المطبعة الميمنية المصرية )‪ 6‬أجزاء( ‪.‬‬
‫‪ - 6‬المير الصنعاني ‪ ،‬محمد بن إسماعيل ‪.‬‬
‫)سبل السلم شرح بلوغ المرام من أدلة الحكام( ‪.‬‬
‫الطبعة الولى ‪.‬‬
‫القاهرة ‪ :‬إدارة الطباعة المنيرية )‪ 4‬أجزاء( ‪.‬‬
‫‪ - 7‬اللباني ‪ ،‬محمد ناصر الدين اللباني ‪.‬‬
‫)سلسلة الحاديث الصحيحة( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الثانية ‪ 1399‬هـ ‪.‬‬
‫بيروت ‪ :‬المكتب السلمي ‪ 4) .‬مجلدات( ‪.‬‬
‫‪ - 8‬المين ‪ ،‬حسن عبد الله ‪.‬‬
‫)الودائع المصرفية واستثمارها في السلم( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪.‬‬
‫جدة ‪ :‬دار الشروق ‪.‬‬
‫‪ - 9‬البخــاري ‪ ،‬أبــو عبــد اللــه محمــد بــن إســماعيل بــن‬
‫بردزيه ‪.‬‬
‫)الجامع الصحيح المسند المختصر مــن أمــور رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه( ‪.‬‬
‫القاهرة ‪ :‬إدارة الطباعة المنيرية ‪ 9) .‬أجزاء( ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،11 :‬الصفحة رقم‪(223 :‬‬

‫‪533‬‬
‫‪ - 10‬البغوي ‪ ،‬أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء ‪.‬‬
‫)شرح السنة( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪ 1399‬هـ ‪.‬‬
‫بيروت ‪ :‬المكتب السلمي )‪ 16‬جزء( ‪.‬‬
‫‪ - 11‬الجصاص ‪).‬أحكام القرآن( ‪.‬‬
‫‪ - 12‬الذهبي ‪ ،‬أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد ‪.‬‬
‫)الكبائر ( ‪.‬‬
‫تصحيح وتعليق ‪ :‬محمد عبد الرزاق حمزة ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪ 1356‬هـ ‪.‬‬
‫‪ - 13‬السايس ‪ ،‬محمد علي ‪.‬‬
‫)تفسير آيات الحكام( ‪.‬‬
‫القاهرة ‪ :‬مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح )‪ 4‬أجزاء( ‪.‬‬
‫‪ - 14‬الشوكاني ‪ ،‬محمد بن علي ‪.‬‬
‫)فتــح القــدير الجــامع بيــن فنــي الروايــة والدرايــة فــي‬
‫التفسير( ‪.‬‬
‫بيروت ‪ :‬محفوظ العلي )‪ 6‬أجزاء(‬
‫‪ - 15‬طباع ‪ ،‬عفيف عبد الفتاح ‪.‬‬
‫)روح الدين السلمي( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الثانية عشرة ‪.‬‬
‫بيروت ‪ :‬دار العلم للمليين ‪.‬‬
‫‪ - 16‬القرضاوي ‪ ،‬يوسف ‪.‬‬
‫)الحلل والحرام في السلم( ‪.‬‬
‫‪ - 17‬مسلم ‪ ،‬ابن الحجاج القشيري النيسابوري ‪.‬‬
‫)الجــامع المسـند المختصــر مــن السـن بنقــل العـدل عـن‬
‫العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم( ‪.‬‬
‫تحقيق ‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي ‪.‬‬
‫بيروت ‪ :‬تصوير دار الكتاب العربي )‪ 5‬أجزاء( ‪.‬‬
‫‪ - 18‬المودودي ‪ ،‬أبو العلى ‪).‬الربــا( ‪ .‬الطبعــة ‪ :‬بيــروت ‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪.‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬أحاديث ربا الفضل وأثرها في العلة والحكمة‬
‫في تحريم الربا‬
‫مجلة البحوث السلمية ‪) -‬ج ‪ / 42‬ص ‪(455‬‬

‫‪534‬‬
‫أحاديث ربا الفضل وأثرها في العلة والحكمــة فــي تحريــم‬
‫الربا‬
‫للشيخ ‪ :‬محمد بن علي بن حسين الحريري‬
‫خلصة البحث ‪:‬‬
‫يهدف البحث إلى حصــر أحــاديث ربــا الفضــل‪-‬ربــا الــبيوع‪-‬‬
‫التي استشهد بها الفقهاء وتخريــج هــذه الحــاديث بعزوهــا‬
‫إلــى مصــادرها ‪ ،‬وأهــم الراء الفقهيــة الــتي تنــاولت هــذه‬
‫الحاديث ليضاح العلة الربوية وحكمة التحريــم ‪ ،‬وتصــنيف‬
‫هذه الحـاديث بالنسـبة إلـى روايـة كـل صـحابي ‪ ،‬وتقييـم‬
‫مرويات الصحابي إلى الموضوعات التي تناولها الحــديث ‪،‬‬
‫ثم أفردت أحاديث المزابنة وبيع الحيوان بمبحــث مســتقل‬
‫لمعظم رواة الحــاديث فــي هــذين الموضــوعين وتلخيــص‬
‫المذاهب الفقهية فيها ‪ ،‬ثم سردت أهم النتائج المســتفادة‬
‫من مجموع الحاديث ‪.‬‬
‫ويحتــاج البــاحثون والفقهــاء عنــد معــالجتهم مســائل الربــا‬
‫والصرف إلى الستدلل بأحاديث نبوية متعددة ‪ ،‬وبروايات‬
‫تضم زيادة كلمة أو جملة تؤثر فــي الحكــم الفقهــي ‪ ،‬وقــد‬
‫لمست من خلل معاناتي لهذه الجوانب شدة الحاجة إلــى‬
‫حصر الحاديث النبويــة فــي هــذا البــاب أو معظمهــا علــى‬
‫القل ؛ ليكون لدى المسلم‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(228 :‬‬
‫فكرة شاملة حول الربــا فــي الســنة النبويــة وعلقــة ذلــك‬
‫الربا بما ذكرته اليات القرآنية ‪.‬‬
‫ودراسة الحاديث النبويــة المبينــة لحكــام الربــا والصــرف‬
‫تحتاج إلى دراسة متأنية تستهدف الجوانب التالية ‪:‬‬
‫‪ - 1‬محاولة ترتيب الحــاديث النبويــة ترتيبــا تاريخيــا يمكــن‬
‫معــه فهــم السياســة النبويــة فــي تطــبيق حكــم الربــا ‪،‬‬
‫ومحاربته ‪ ،‬واستئصاله من حياة المسلمين القتصادية ‪.‬‬
‫‪ - 2‬دراسة هذه الحاديث بحســب أهميتهــا فــي الســتدلل‬
‫الفقهي عند أئمة المذاهب الربعة وسائر المجتهــدين فــي‬
‫بقية العصور ‪.‬‬

‫‪535‬‬
‫‪ - 3‬بيــان وجــه التكامــل والتلقــي والمواءمــة بيــن الربــا‬
‫المحــرم فــي القــرآن الكريــم والربــا المحــرم فــي الســنة‬
‫النبوية ‪.‬‬
‫وقد أفلح المحدثون رحمهم الله في استقراء أحاديث الربا‬
‫‪ ،‬ونجد ذلك واضحا عند البغوي فــي )شــرح الســنة( حيــث‬
‫حكم لعشرة أحــاديث بالصــحة ‪ ،‬وســائر الحــاديث يــتراوح‬
‫بيــن الحســن وهــو أكثرهــا ‪ ،‬وربمــا حصــل الضــعف والــرد‬
‫لبعض تلك الحاديث ‪.‬‬
‫واستقصــى ابــن الثيــر فــي جــامع الصــول أحــاديث الربــا‬
‫ومصادر تخريجها بإيجاز يتيح للباحث التوسع والستقصاء ‪.‬‬
‫كما استقصى الحافظ بدر الدين العيني في عمدة القــارئ‬
‫تخريج أحاديث الربــا فــي أبــواب البخــاري المتعــددة ‪ ،‬مــع‬
‫الشارة إلى من ذكره من المحدثين ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(229 :‬‬
‫وقد ذكر السبكي في تكملة المجموع أحاديث ربــا الفضــل‬
‫عن عشرين من الصــحابة ‪ ،‬وعــزا مرويــاتهم إلــى أصــولها‬
‫الحديثية مع الشارة إلى ضعف اثنين منها فقط المجمــوع‬
‫شرح المهذب )‪ (60 / 10‬ط ‪ .‬المنيرية ‪. .‬‬
‫كما ذكر المولوي السنبهلي روايــة حــديث العيــان الســتة‬
‫عن ستة عشر صحابيا ‪ ،‬مع ذكر من أخرجها من المحدثين‬
‫شــرح معــاني الثــار للطحــاوي‪ -‬ج ‪ -4‬حاشــية ص ‪ -65‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ط ‪ 2 .‬عام ‪ 1407‬هـ ‪. .‬‬
‫وقد جعل الشافعي حديث عبادة بن الصــامت رضــي اللــه‬
‫عنه عمدة باب في الربا ‪ ،‬وقدمه على حــديث أبــي ســعيد‬
‫الخدري ؛ لن عبادة أكبر سنا وأقدم صحبة ‪.‬‬
‫أما الحنفية فقد جعلوا حــديث أبــي ســعيد الخــدري عمــدة‬
‫الباب عندهم فهو أتم الحــاديث بعــد حــديث عبــادة شــرح‬
‫مسلم للنووي )‪ ، (13 / 11‬والمجمــوع )‪(394 / 9‬ـ ‪.‬ـ ‪،‬‬
‫والحديثان متفق على صحتهما بإجماع المة ‪.‬‬
‫ويمكننا تصنيف أحاديث الربا في أربعة أصناف الجامع في‬
‫أصــول الربــا ‪ -‬د ‪ .‬رفيــق المصــري‪ -‬ص ‪ ، 61‬دار القلــم‬
‫‪ 1412‬هـ ‪: .‬‬

‫‪536‬‬
‫الول ‪ :‬الحاديث التي تنفر من الربــا وتنــذر عليــه بالوعيــد‬
‫الشديد ؛ لنه من الكبائر ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أحاديث تتعلق بالمعنى العام والموسع للربا ؛‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(230 :‬‬
‫كــالنهي عــن بيــع الثمــار قبــل بــدو صــلحها ‪ ،‬و"غبــن‬
‫المسترسل ربا " ‪ ،‬و " الناجش آكل ربا " ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬النهي عن ربا الجاهلية ‪ -‬الديون ‪ -‬وهي الحــاديث‬
‫المؤكدة للنصوص القرآنية ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أحاديث النهي عن ربا البيوع ‪ -‬ربا الفضل ‪. -‬‬
‫وسأحاول تناول القسم الخير من الحاديث تسهيل للعــزو‬
‫إليها من المبــاحث القادمــة ‪ ،‬وحــاولت جمــع أحــاديث كــل‬
‫صحابي على حدة ؛ كي ل يتشتت الموضوع وتتفرع السبل‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (1‬أحاديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ‪:‬‬
‫هو أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخــدري ‪ ،‬استصــغر‬
‫يوم أحد ‪ ،‬واستشهد أبوه مالك بن سنان في تلك الغزوة ‪،‬‬
‫وقد شهد أبو سعيد غزوات مـا بعـد أحـد ‪ ،‬كـان مــن أفقــه‬
‫أحداث الصحابة رضي الله عنهم ‪ ،‬وانتقل إلى رحمــة اللــه‬
‫تعالى عام ‪ 63‬هـ أو ‪ 65‬هـ ‪ ،‬فهو مــن ســن عبــد اللــه بــن‬
‫عمر ‪ ،‬والبراء بن عازب ‪ ،‬وسمرة بن جنــدب ‪ ،‬ورافــع بــن‬
‫خديج رضي الله عنهم ‪ ،‬والفارق بينهم سنة واحــدة تقريبــا‬
‫الصابة في تمييز الصحابة )‪. . (32 / 2‬‬
‫ويمكن تقسيم مرويات أبي سعيد في الربا والصــرف إلــى‬
‫ثلثة أقسام ‪:‬‬
‫‪ - 1‬حديث العيان الستة ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(231 :‬‬
‫‪ - 2‬أحاديث الصــرف والـرد علــى ابـن عبـاس رضـي اللـه‬
‫عنهما في إباحة الفضل في الصرف ‪.‬‬
‫‪ - 3‬أحاديث مبادلة التمر بالتمر ‪ -‬الرديء بالجيد ‪.‬‬
‫أول ‪ :‬حديث العيان الستة ‪:‬‬
‫أخرج مسلم في صحيحه عــن أبــي ســعيد الخــدري قــال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬الــذهب بالــذهب ‪،‬‬
‫والفضة بالفضة ‪ ،‬والبر بالبر ‪ ،‬والشــعير بالشــعير ‪ ،‬والتمــر‬

‫‪537‬‬
‫بالتمر ‪ ،‬والملح بالملح ‪ ،‬مثل بمثل ‪ ،‬يــدا بيــد ‪ ،‬فمــن زاد أو‬
‫استزاد فقد أربى ‪ ،‬الخذ والمعطي سواء ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أحاديث الصرف ‪:‬‬
‫أخرج البخاري عن عبد الله بن يوسف ‪ ،‬عــن مالــك ‪ ،‬عــن‬
‫نافع ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنــه ‪ :‬أن رســول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬ل تبيعوا الــذهب بالــذهب‬
‫إل مثل بمثــل ‪ ،‬ول تشــفوا بعضــها علــى بعــض ‪ ،‬ول تــبيعوا‬
‫الورق بالورق إل مثل بمثل ‪ ،‬ول تشفوا بعضها على بعض ‪،‬‬
‫ول تبيعوا منها غائبا بناجز‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(232 :‬‬
‫كما أخرج البخاري بسنده ‪ ،‬عن سالم بن عبد الله عن عبد‬
‫الله بن عمر رضي الله عنهما ‪ ،‬أن أبا سعيد الخدري حدثه‬
‫مثل ذلك حديثا عن رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم ‪،‬‬
‫فلقيه عبد الله بن عمر فقال ‪ :‬يا أبا سعيد ‪ ،‬ما هــذا الــذي‬
‫تحدث عن رسول الله صلى الله عليــه وســلم؟ فقــال أبــو‬
‫سعيد في الصرف ‪ :‬سمعت رسول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم يقول ‪ :‬الذهب بالذهب ‪ ،‬مثل بمثل ‪ ،‬والورق بالورق‬
‫مثل بمثل ‪.‬‬
‫وأخرج البخاري ‪ ،‬عــن أبــي صــالح الزيــات ‪ ،‬أنــه ســمع أبــا‬
‫سعيد الخدري رضي الله عنــه يقــول ‪ " :‬الــدينار بالــدينار ‪،‬‬
‫والدرهم بالدرهم " فقلت له ‪ :‬فإن ابــن عبــاس ل يقــوله ‪.‬‬
‫قال أبو سعيد ‪ :‬سألته ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ســمعته مــن النــبي صــلى‬
‫الله عليه وسلم أو وجدته في كتاب الله؟ وقال ‪ :‬كل ذلــك‬
‫ل أقوله وأنتم أعلم برسول الله مني ولكن أخبرني أسامة‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬ل ربا إل في النسيئة‬
‫‪.‬‬
‫وفي رواية الترمذي ‪ ،‬قال نافع ‪) :‬انطلقت أنــا وابــن عمــر‬
‫إلى‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(233 :‬‬
‫أبي سعيد ‪ ،‬فحدثنا ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪ ،‬سمعته أذناي هاتان يقول ‪ :‬ل تبيعوا الذهب بالــذهب‬
‫إل مثل بمثــل ‪ ،‬والفضــة بالفضــة إل مثل بمثــل ‪ ،‬ل تشــفوا‬
‫بعضه على بعض ‪ ،‬ول تبيعوا منه غائبا بناجز ‪.‬‬

‫‪538‬‬
‫ولمسلم ‪ ،‬عن أبي نضرة قال ‪ " :‬سألت ابن عمــر ‪ ،‬وابــن‬
‫عباس عن الصرف فلم يريا به بأسا ‪ ،‬فإني لقاعد عند أبي‬
‫سعيد الخدري ‪ ،‬فسألته عن الصــرف فقــال ‪ :‬مــا زاد فهــو‬
‫ربــا ‪ ،‬فــأنكرت ذلــك لقولهمــا ‪ ،‬فقــال ‪ :‬ل أحــدثك إل مــا‬
‫سمعت من رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ ،‬صــحيح‬
‫البخـــاري الـــبيوع )‪,(2089‬صـــحيح مســـلم المســـاقاة )‬
‫‪,(1594‬سنن النسائي البيوع )‪,(4553‬موطأ مالك البيوع )‬
‫‪,(1315‬سنن الدارمي البيوع )‪ .(2577‬جاءه صاحب نخلــة‬
‫بصاع من تمر طيــب ‪ ،‬وكــان تمــر النــبي صـلى اللـه عليــه‬
‫وسلم هذا اللون ‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليــه وســلم ‪:‬‬
‫" أنى لك هذا؟ " قال ‪ :‬انطلقــت بصــاعين ‪ ،‬فاشــتريت بــه‬
‫هذا الصاع ‪ ،‬فإن سعر هذا فـي الســوق كـذا ‪ ،‬وسـعر هـذا‬
‫كذا ‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليــه وســلم ‪ " :‬ويلــك ‪،‬‬
‫أربيــت ‪ ،‬إذا أردت ذلــك ‪ ،‬فبــع تمــرك بســلعة ‪ ،‬ثــم اشــتر‬
‫بسلعتك أي تمر شــئت ‪ ،‬قــال أبــو ســعيد ‪ :‬فــالتمر بــالتمر‬
‫أحق أن يكون ربـا أم الفضـة بالفضـة؟ قـال ‪ :‬فـأتيت ابـن‬
‫عمر بعد ‪ ،‬فنهاني ‪ ،‬ولم آت ابــن عبــاس ‪ ،‬قــال ‪ :‬فحــدثني‬
‫أبو الصهباء ‪ :‬أنه سأل ابن عباس عنه‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(234 :‬‬
‫بمكة فكرهه " مسلم بشرح النووي )‪. . (24 / 11‬‬
‫ولمسلم من رواية أخرى ‪ ،‬عن أبي نضرة قــال ‪ " :‬ســألت‬
‫ابن عباس عن الصرف فقال ‪ :‬يدا بيد؟ فقلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬ل بأس ‪ ،‬فأخبرت أبــا ســعيد ‪ ،‬فقلــت ‪ :‬إنــي ســألت ابــن‬
‫عباس عن الصرف فقال ‪ :‬يدا بيد؟ قلـت ‪ :‬نعـم قـال ‪ :‬فل‬
‫بــأس بــه ‪ ،‬قــال ‪ :‬أوقــال ذلــك؟ إنــا ســنكتب إليــه فل‬
‫يفتيكموه ‪ ،‬قال ‪ :‬صــحيح البخــاري الــبيوع )‪,(2089‬صــحيح‬
‫مسلم المســاقاة )‪ .(1594‬فــوالله لقــد جــاء بعــض فتيــان‬
‫رسول الله صلى الله عليــه وســلم بتمــر فــأنكره ‪ ،‬قــال ‪:‬‬
‫كأن هذا ليس من تمر أرضنا ‪ ،‬قال ‪ :‬كان في تمر أرضــنا ‪،‬‬
‫أو في تمرنــا ‪ ،‬العــام بعــض الشــيء ‪ ،‬فأخــذت هــذا وزدت‬
‫بعض الزيادة ‪ ،‬قال ‪ " :‬أضعفت ‪ ،‬أربيــت ‪ ،‬ل تقربــن هــذا ‪،‬‬
‫إذا رابك من تمرك شيء فبعه ‪ ،‬ثم اشتر الــذي تريــد مــن‬
‫التمر ‪. .‬‬

‫‪539‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أحاديث بيع التمر الرديء بالجيد ‪:‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬وأبي هريرة رضي اللــه عنهمــا ‪،‬‬
‫صحيح البخاري البيوع )‪,(2089‬صحيح مســلم المســاقاة )‬
‫‪,(1593‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4553‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫التجارات )‪,(2256‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‪,(3/60‬موطــأ‬
‫مالك البيوع )‪,(1315‬ســنن الــدارمي الــبيوع )‪ .(2577‬أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجل على خيبر‬
‫‪ ،‬فجاءه بتمر جنيب ‪ ،‬فقال ‪ " :‬أكل تمر خيبر هكذا؟ " قال‬
‫‪ :‬ل واللــه يــا رســول اللــه ‪ ،‬إنــا لنأخــذ الصــاع مــن هــذا‬
‫بالصاعين ‪ ،‬والصاعين بالثلث ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ل تفعل بع الجمع‬
‫بالدراهم ‪ ،‬ثم ابتع بالدراهم جنيبا ‪ ،‬وقال في الميزان مثــل‬
‫ذلك متفق عليه ‪ ،‬أخرجه‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(235 :‬‬
‫البخاري من رواية عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن ‪،‬‬
‫عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي سعيد وأبي هريرة ‪ ،‬قــال‬
‫ابن عبد البر ‪ :‬لم يذكر أبو هريرة إل في رواية عبد المجيد‬
‫‪ ،‬وقد رواه قتادة ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي سعيد‬
‫الخدري وحده ‪ ،‬وقــد أخــرج النســائي ‪ ،‬وابــن حبــان روايــة‬
‫قتادة من طريق سعيد بن أبي عروبــة عنــه ‪ ،‬لكــن ســياقه‬
‫مغاير لقصة عبد المجيد ‪.‬‬
‫وقد جاء فـي إحـدى الروايـات بـدل ] اسـتعمل رجل علـى‬
‫خيبر [ ]بعث أخا بني عدي مــن النصــار إلــى خيــبر [ وقــد‬
‫صرح باسمه أبو عوانة والدارقطني من طريق عبد العزيز‬
‫الدراوردي عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمــن بــن‬
‫عوف ‪ ،‬بأن الرجل الذي استعمل على خيبر هو ســواد بــن‬
‫غزية ‪ -‬بوزن عطية‪ -‬ولعله الذي قبل جلد النبي صلى اللــه‬
‫عليه وسلم فــي غــزوة بــدر عنــدما كــان ســواد بــارزا فــي‬
‫الصف ‪ .‬والمراد بالجنيب ‪ :‬الطيــب ‪ ،‬الصــلب الــذي أخــرج‬
‫منــه حشــفه ورديئه ‪ ،‬بعكــس الجمــع ‪ ،‬أي ‪ :‬المختلــط ‪،‬‬
‫والحكــم الواضــح فــي الحــديث ‪ :‬أن التمــر ل يبــاع إل مثل‬
‫بمثل في الكيل ‪ ،‬وهذا معنى‪ -‬وكــذلك الميــزان‪ -‬فمــا يبــاع‬
‫موزونا يراعى فيه التماثل عند‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(236 :‬‬

‫‪540‬‬
‫اتحاد الجنس ‪ ،‬ول عبرة للجودة والرداءة ‪ ،‬فالتمر باختلف‬
‫أنواعه جنس واحد ‪ .‬وقد أمر صلى الله عليه وسلم بفسخ‬
‫العقد ‪ ،‬كما سيأتي في رواية مسلم ‪ :‬هذا الربا فردوه من‬
‫طريق أبي نضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪.‬‬
‫عن أبي سعيد قال ‪ :‬جاء بلل إلى النبي صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم بتمر برني ‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه وســلم ‪:‬‬
‫" من أين هذا؟ " قال ‪ :‬كان عندنا تمر رديء ‪ ،‬فبعــت منــه‬
‫صاعين بصاع ‪ ،‬فقال ‪ " :‬أوه ‪ ،‬عين الربــا ‪ ،‬عيــن الربــا ‪ ،‬ل‬
‫تفعل ‪ ،‬ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ‪ ،‬ثــم‬
‫اشتر به " متفق عليه ‪.‬‬
‫وروى البخاري ‪ ،‬عن أبــي سـعيد رضــي اللـه ‪ .‬عنــه قــال ‪:‬‬
‫صحيح البخاري البيوع )‪,(1974‬صحيح مســلم المســاقاة )‬
‫‪,(1595‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4555‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫التجارات )‪,(2256‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‪,(3/10‬موطــأ‬
‫مالك البيوع )‪,(1315‬سنن الــدارمي الــبيوع )‪ .(2577‬كنــا‬
‫نرزق تمــر الجمــع ‪ ،‬وهــو ‪ :‬الخلــط مــن التمــر ‪ ،‬وكنــا نــبيع‬
‫صاعين بصاع ‪ ،‬فقال النبي صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ " :‬ل‬
‫صاعين بصاع ‪ ،‬ول درهمين بدرهم ‪.‬‬
‫وفـــي روايـــة النســـائي ‪ :‬صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )‬
‫‪,(1974‬صحيح مســلم المســاقاة )‪,(1595‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4555‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2256‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪,(3/51‬سنن الــدارمي الــبيوع )‪ .(2577‬ل‬
‫صاعي تمر بصاع ‪ ،‬ول درهمين‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(237 :‬‬
‫بدرهم ‪.‬‬
‫وقــد أخــرج الموطــأ الحــديث الول‪ -‬موصــول أبــي ســعيد‬
‫الخدري ‪ -‬مرسل ‪ ،‬عن عطــاء بــن يســار الموطــأ‪ -‬الــبيوع‪-‬‬
‫باب ما يكره مــن بيــع التمــر )‪ (623 / 2‬رقــم الحــديث )‬
‫‪ ، . (200‬كمــا أخــرج النســائي مثلــه ‪ ،‬عــن أبــي صــالح‬
‫الزيــات ‪ :‬ســنن النســائي الــبيوع )‪ .(4552‬أن رجل مــن‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫إنا ل نجد الصيحاني ول العذق بجمع التمر حــتى نزيــدهم ‪،‬‬

‫‪541‬‬
‫فقال رسول الله صلى الله عليه وســلم ‪ " :‬بعــه بــالورق ‪،‬‬
‫ثم اشتر بذلك ‪.‬‬
‫وقد أخرج الدارمي حديث بلل المتقدم ‪ ،‬قــال بلل رضــي‬
‫الله عنه ‪ :‬سنن الدارمي البيوع )‪ .(2576‬كــان عنــدي مــد‬
‫تمر للنبي صلى الله عليه وسلم فوجدت أطيب منه صــاعا‬
‫بصاعين ‪ ،‬فاشتريت منه ‪ ،‬فأتيت به النبي صلى اللــه عليــه‬
‫وســلم ‪ ،‬فقــال ‪ " :‬مــن أيــن هــذا لــك يــا بلل ؟ " قلــت ‪:‬‬
‫اشتريته صاعا بصاعين ‪ ،‬قال ‪ " :‬رده ‪ ،‬ورد علينا تمرنا ‪.‬‬
‫وأخرج الطحاوي حديث بريدة بسند فيه الفضل بن حــبيب‬
‫السراج ‪ :‬أن رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم اشــتهى‬
‫تمــرا ‪ ،‬فأرســل بعــض أزواجــه ‪ -‬ول أراهــا إل أم ســلمة ‪-‬‬
‫بصاعين من تمر ‪ ،‬فأتوا بصاع من عجوة ‪ ،‬فلمــا رآه صــلى‬
‫الله عليــه وســلم أنكــره فقــال ‪ " :‬مــن أيــن لكــم هــذا؟ "‬
‫قـالوا ‪ :‬بعثنـا بصـاعين ‪ ،‬فأتينـا بصـاع ‪ ،‬فقـال ‪ " :‬ردوه فل‬
‫حاجة لي‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(238 :‬‬
‫فيه )‪ (2‬أحاديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ‪:‬‬
‫هو صحابي كبير ‪ ،‬توفي بالرملة عام ‪ 35‬هــ الصــابة )‪/ 2‬‬
‫‪ -(261‬ط‪ -‬دار الكتــاب العربــي ‪ ، .‬وحــديثه فــي العيــان‬
‫الستة هو العمدة عند الشافعية ‪ ،‬وجميع مرويات الحــديث‬
‫تدور حول موضوع العيان الســتة إل مــا روي مــن ســرده‬
‫الحــديث خلل قصــة بيــع معاويــة آنيــة الفضــة بــأكثر مــن‬
‫وزنها ‪.‬‬
‫عن عبادة بن الصامت رضي الله عنــه ‪ ،‬عــن النــبي صــلى‬
‫اللــه عليــه وســلم أنــه قــال ‪ :‬صــحيح مســلم المســاقاة )‬
‫‪,(1587‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1240‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4561‬سنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3349‬ســنن ابــن‬
‫مـــاجه التجـــارات )‪,(2254‬مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )‬
‫‪,(5/314‬سنن الــدارمي الــبيوع )‪ .(2579‬الــذهب بالــذهب‬
‫مثل بمثل ‪ ،‬والفضة بالفضة مثل بمثل ‪ ،‬والتمر بــالتمر مثل‬
‫بمثل ‪ ،‬والبر بالبر مثل بمثــل ‪ ،‬والملــح بالملــح مثل بمثــل ‪،‬‬
‫والشعير بالشعير مثل بمثل ‪ ،‬فمن زاد أو ازداد فقد أربى ‪،‬‬
‫بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد ‪ ،‬وبيعوا البر بالتمر‬

‫‪542‬‬
‫كيف شئتم يدا بيد ‪ ،‬وبيعوا الشعير بالتمر كيــف شــئتم يــدا‬
‫بيد‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(239 :‬‬
‫وفي رواية أبي قلبة ] عبد الله بن زيد بــن عمــر الجرمــي‬
‫البصري أحد العلم [ قال ‪ :‬كنت بالشام فــي حلقــة فيهــا‬
‫مســلم بــن يســار فجــاء أبــو الشــعث ] شــراحيل بــن آدة‬
‫الصــنعاني يــروي عــن شــداد بــن أوس وثوبــان وأوس بــن‬
‫أوس الثقفي وعبادة بن الصامت وغيرهم وثقه ابن حبان [‬
‫فقالوا ‪ :‬أبو الشعث أبــو الشــعث ‪ ،‬فجلــس ‪ ،‬فقلــت لــه ‪:‬‬
‫حدث أخانا حديث عبادة بن الصامت ‪ ،‬فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬غزونا‬
‫غزاة وعلى الناس معاويــة ‪ ،‬فغنمنــا غنــائم كــثيرة ‪ ،‬فكــان‬
‫فيما غنمنا آنية من فضة ‪ ،‬فأمر معاوية رجل أن يبيعها فــي‬
‫أعطيات الناس ‪ ،‬فتسارع الناس في ذلك ‪ ،‬فبلغ عبادة بــن‬
‫الصامت فقام ‪ ،‬فقال ‪ " :‬إني ســمعت رســول اللــه صــلى‬
‫الله عليه وســلم صــحيح مســلم المســاقاة )‪,(1587‬ســنن‬
‫الترمــــذي الــــبيوع )‪,(1240‬ســــنن النســــائي الــــبيوع )‬
‫‪,(4561‬ســنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3349‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫التجارات )‪,(2254‬مسند أحمد بــن حنبــل )‪,(5/314‬ســنن‬
‫الدارمي البيوع )‪ .(2579‬ينهى عن بيــع الــذهب بالــذهب ‪،‬‬
‫والفضة بالفضة ‪ ،‬والبر بالبر ‪ ،‬والشــعير بالشــعير ‪ ،‬والتمــر‬
‫بالتمر ‪ ،‬والملح بالملح ‪ ،‬إل سواء بسواء ‪ ،‬عينا بعين ‪ ،‬فمن‬
‫زاد أو ازداد فقد أربى فــرد النــاس مــا أخــذوا ‪ ،‬فبلــغ ذلــك‬
‫معاوية ‪ ،‬فقام خطيبا فقال ‪ :‬أل ما بال رجال يتحدثون عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قــد كنــا نشــهده‬
‫ونصحبه فلــم نســمعها منــه ‪ ،‬فقــام عبــادة بــن الصــامت ‪-‬‬
‫فأعاد القصة‪ -‬وقال ‪ :‬لنحدثن بما سمعنا مــن رســول اللــه‬
‫صلى اللــه عليــه وســلم وإن كــره معاويــة ‪ ،‬أو قــال ‪ :‬وإن‬
‫رغم ما أبـالي أل أصـحبه فـي جنـده ليلـة سـوداء المرجـع‬
‫السابق ‪. .‬‬
‫وقد أخرج مسلم الحديث برواية ‪ :‬صحيح مسلم المساقاة‬
‫)‪,(1587‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1240‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4563‬سنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3349‬ســنن ابــن‬
‫مـــاجه التجـــارات )‪,(2254‬مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )‬

‫‪543‬‬
‫‪,(5/314‬سنن الــدارمي الــبيوع )‪ .(2579‬الــذهب بالــذهب‬
‫والفضة بالفضة ‪ . . .‬مثل بمثل ‪ ،‬سواء بســواء ‪ ،‬يــدا بيــد ‪،‬‬
‫فإذا‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(240 :‬‬
‫اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ‪.‬‬
‫وروى أبو داود ‪ ،‬عن عبادة بن الصــامت ‪ :‬أن رســول اللــه‬
‫صلى الله عليــه وســلم قــال ‪ :‬صــحيح مســلم المســاقاة )‬
‫‪,(1587‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1240‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4563‬سنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3349‬ســنن ابــن‬
‫مـــاجه التجـــارات )‪,(2254‬مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )‬
‫‪,(5/314‬سنن الدارمي البيوع )‪ " .(2579‬الذهب بالــذهب‬
‫تبرها وعينها ‪ ،‬والفضة بالفضة تبرهــا وعينهــا ‪ ،‬والــبر بــالبر‬
‫مدي بمدي ‪ ،‬والشعير بالشعير مدي بمدي ‪ ،‬والتمر بــالتمر‬
‫مدي بمدي ‪ ،‬والملح بالملح مدي بمدي ‪ ،‬فمن زاد أو ازداد‬
‫فقد أربى ‪ ،‬ول بأس ببيع الذهب بالفضة والفضــة أكثرهمــا‬
‫يــدا بيــد ‪ ،‬وأمــا نســيئة فل ‪ ،‬ول بــأس بــبيع الــبر بالشــعير‬
‫والشعير أكثرهما يدا بيد ‪ ،‬وأما نسيئة فل ‪.‬‬
‫وأخرج النسائي أنه جمع المنزل بيــن عبــادة بــن الصــامت‬
‫ومعاوية ‪ ،‬فحدثهم عبادة قال ‪ :‬صحيح مســلم المســاقاة )‬
‫‪,(1587‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1240‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4560‬سنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3349‬ســنن ابــن‬
‫مـــاجه التجـــارات )‪,(2254‬مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )‬
‫‪,(5/314‬سنن الدارمي البيوع )‪ .(2579‬نهانا رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وسلم عـن بيـع الـذهب بالــذهب ‪ ،‬والــورق‬
‫بالورق ‪ ،‬والبر بالبر ‪ ،‬والشعير بالشــعير ‪ ،‬والتمــر بــالتمر ‪،‬‬
‫والملح بالملــح ‪ ،‬إل مثل بمثــل ‪ ،‬يــدا بيــد ‪ ،‬وأمرنــا أن نــبيع‬
‫الــذهب بــالورق ‪ ،‬والــورق بالــذهب ‪ ،‬والــبر بالشــعير ‪،‬‬
‫والشعير بالبر ‪ ،‬يدا بيد كيف شئنا وروي بصيغة نهى ‪.‬‬
‫)‪ (3‬حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه ‪:‬‬
‫عن أسامة بن زيد رضي الله عنهمــا أن النــبي صــلى اللــه‬
‫عليه‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(241 :‬‬

‫‪544‬‬
‫وســلم قــال ‪ :‬صــحيح مســلم المســاقاة )‪,(1596‬ســنن‬
‫النســائي الــبيوع )‪,(4581‬ســنن ابــن مــاجه التجــارات )‬
‫‪,(2257‬ســنن الــدارمي الــبيوع )‪ .(2580‬إنمــا الربــا فــي‬
‫النسيئة ‪ ،‬وفي رواية أخرى قال ‪ :‬صحيح البخاري الــبيوع )‬
‫‪,(2067‬صحيح مســلم المســاقاة )‪,(1596‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4581‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2257‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪,(5/200‬سنن الدارمي البيوع )‪ .(2580‬ل‬
‫ربا فيمــا كــان يــدا بيــد ‪ .‬وهــو حــديث صــحيح متفــق عليــه‬
‫والمقصــود بــه ‪ " :‬ل ربــا ‪ . .‬أي الغلــظ الشــديد التحريــم‬
‫المتوعد عليه بالعقاب الشديد ‪ ،‬كما تقول العرب ‪ :‬ل عالم‬
‫في البلد إل زيد مع أن فيها علماء غيره وإنما القصد نفــي‬
‫الكمل ل نفي الصل ‪ ،‬وأيضا فنفي تحريم ربا الفضل مــن‬
‫حديث أسامة إنما هو بالمفهوم ‪ ،‬فيقدم عليــه حــديث أبــي‬
‫سعيد ؛ لن دللته بالمنطوق ويحمــل حــديث أســامة علــى‬
‫الربا الكبر ‪.‬‬
‫وقــال الطــبري ‪ :‬معنــى حــديث أســامة صــحيح مســلم‬
‫المســاقاة )‪,(1596‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4580‬ســنن‬
‫ابــن مــاجه التجــارات )‪,(2257‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‬
‫‪,(5/209‬ســنن الــدارمي الــبيوع )‪ .(2580‬ل ربــا إل فــي‬
‫النسيئة إذا اختلفــت النــواع حيــث يجــوز التفاضــل ويبقــى‬
‫الربا في التأجيل فقـط ‪ ،‬وقـد وقـع فـي نسـخة الصـنعاني‬
‫قال البخاري سمعت سليمان بن حرب يقول ‪ " :‬ل ربــا إل‬
‫فــي النســيئة " هــذا عنــدنا فــي الــذهب بــالورق والحنطــة‬
‫بالشعير متفاضل ول بأس به يدا بيــد ول خيــر فيــه نســيئة"‬
‫وأخرج البيهقي بسنده ‪ ،‬أنه سمع أبا الجوزاء يقول ‪ :‬كنت‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(242 :‬‬
‫أخدم ابن عباس تسع ســنين ‪ ،‬إذ جــاءه رجــل فسـأله عــن‬
‫درهم بدرهمين؟ فصاح ابن عباس وقال ‪ :‬إن هــذا يــأمرني‬
‫أن أطعمه الربا ‪ ،‬فقــال نــاس حــوله ‪ :‬إن كنــا لنعمــل هــذا‬
‫بفتياك ‪ ،‬فقــال ابــن عبــاس ‪ :‬قــد كنــت أفــتي بــذلك حــتى‬
‫حدثني أبو سعيد وابــن عمــر ‪ :‬أن النــبي صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم نهى عنه ‪ ،‬وأنا أنهاكم عنه ‪.‬‬

‫‪545‬‬
‫وأخرج البيهقي قال ‪ :‬سئل لحق بن حميد أبــو مجلــز وأنــا‬
‫شاهد عن الصرف ‪ ،‬فقال ‪ :‬كان ابن عباس ل يرى به بأسا‬
‫زمانا من عمره ‪ ،‬حتى لقيه أبو سعيد الخدري ‪ ،‬فقال لــه ‪:‬‬
‫يا ابــن عبــاس ‪ ،‬أل تتقــي اللــه ‪ ،‬حــتى مــتى تؤكــل النــاس‬
‫الربا ‪ ،‬أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قــال‬
‫ذات يوم‪ -‬وهو عند زوجته أم سلمة ‪ " : -‬إني أشـتهي تمـر‬
‫عجوة " وإنها بعثت بصاعين من تمر عتيق إلى منزل رجل‬
‫من النصار ‪ ،‬فأتيت بدلهما بصاع من عجوة ‪ ،‬فقدمته إلــى‬
‫رسول الله ‪ ،‬فأعجبه فتناول تمــرة ثــم أمســك ‪ ،‬فقــال ‪" :‬‬
‫من أين لكم هذا؟ " قالت ‪ :‬بعثت بصاعين من تمــر عــتيق‬
‫إلــى منــزل فلن ‪ ،‬فأتينــا بــدلها مــن هــذا الصــاع الواحــد ‪،‬‬
‫فألقى التمرة من يده ‪ ،‬وقال ‪ " :‬ردوه ردوه ‪ ،‬ل حاجة لي‬
‫فيـــه ‪ ،‬التمـــر بـــالتمر ‪ ،‬والحنطـــة بالحنطـــة ‪ ،‬والشـــعير‬
‫بالشعير ‪ ،‬والذهب بالــذهب ‪ ،‬والفضــة بالفضـة ‪ ،‬يــدا بيــد ‪،‬‬
‫مثل بمثل ‪ ،‬ليس فيه زيادة ول نقصان ‪ ،‬فمن زاد أو نقــص‬
‫فقد أربــى ‪ ،‬وكــل مــا يكــال أو يــوزن فقــال ابــن عبــاس ‪:‬‬
‫ذكرتني يا أبــا ســعيد أمــرا أنســيته ‪ ،‬أســتغفر اللــه وأتــوب‬
‫إليه ‪ ،‬وكــان ينهــى بعــد ذلــك أشــد النهــي الــبيهقي‪ -‬كتــاب‬
‫البيوع‪ -‬ما يستدل على رجوع ابن عباس رضي الله عنــه )‬
‫‪. (286 -282 / 5‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(243 :‬‬
‫)‪ (4‬أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه ‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضــي اللــه عنــه قــال ‪ :‬قــال رســول اللــه‬
‫صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ :‬صــحيح مســلم المســاقاة )‬
‫‪,(1588‬ســـنن ابـــن مـــاجه التجـــارات )‪ .(2255‬الـــذهب‬
‫بالذهب وزنا بوزن ‪ ،‬مثل بمثل ‪ ،‬والفضة بالفضة وزنا بوزن‬
‫‪ ،‬مثل بمثل ‪ ،‬فمن زاد أو استزاد فهو ربا ‪ ،‬وفي رواية قال‬
‫‪ :‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1588‬سنن النسائي الــبيوع )‬
‫‪,(4567‬سنن ابن ماجه التجارات )‪,(2255‬مسند أحمد بن‬
‫حنبــل )‪,(2/485‬موطــأ مالــك الــبيوع )‪ " .(1323‬الــدينار‬
‫بالدينار ل فضل بينهما ‪ ،‬والدرهم بالدرهم ل فضل بينهمــا ‪،‬‬
‫وفـــي روايـــة الموطـــأ ‪ :‬صـــحيح مســـلم المســـاقاة )‬
‫‪,(1588‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4567‬مســند أحمــد بــن‬

‫‪546‬‬
‫حنبـــل )‪,(2/379‬موطـــأ مالــك الـــبيوع )‪ .(1323‬الـــدينار‬
‫بالدينار ‪ ،‬والدرهم بالــدرهم ل فضــل بينهمــا ‪ ،‬وفــي روايــة‬
‫أخرى قال ‪ :‬التمر بــالتمر ‪ ،‬والحنطــة بالحنطــة ‪ ،‬والشــعير‬
‫بالشعير ‪ ،‬والملح بالملح ‪ ،‬مثل بمثل ‪ ،‬يدا بيد ‪ ،‬فمن زاد أو‬
‫استزاد فقد أربى إل ما اختلفت ألوانه ‪.‬‬
‫وواضح مــن مجمــوع روايــات حــديث أبــي هريــرة تقســيم‬
‫العيــان الربويــة إلــى مجموعــتين ‪ :‬الطعمــة الربعــة ‪،‬‬
‫والثمان ‪ ،‬وهو إجماع الفقهاء ‪ ،‬فل عــبرة لمــن يقــول ‪ :‬إن‬
‫العلة في العيان الستة يجب أن تكون علة واحدة ‪.‬‬
‫)‪ (5‬حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفــي رضــي اللــه‬
‫عنه‪ -‬ت ‪ 51‬هـ ‪:‬‬
‫أبو بكرة ‪ -‬رضي الله عنــه‪ -‬حــديثه فــي البخــاري بســنده ‪،‬‬
‫عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ‪ ،‬عــن أبيــه قــال ‪ :‬قــال أبــو‬
‫بكرة رضي الله‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(244 :‬‬
‫عنه ‪ :‬قال رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ :‬صــحيح‬
‫البخـــاري الـــبيوع )‪,(2066‬صـــحيح مســـلم المســـاقاة )‬
‫‪,(1590‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4579‬مســند أحمــد بــن‬
‫حنبل )‪ .(5/38‬ل تبيعوا الذهب بالــذهب إل ســواء بســواء ‪،‬‬
‫والفضة بالفضة إل سواء بسواء ‪ ،‬وبيعوا الــذهب بالفضــة ‪،‬‬
‫والفضة بالذهب كيف شئتم ‪ .‬وأخرجه البخاري من طريــق‬
‫آخر عن يحيى بن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عبد الرحمن بــن أبــي‬
‫بكرة ‪ ،‬عــن أبيــه رضــي اللــه عنــه قــال ‪ :‬صــحيح البخــاري‬
‫الــبيوع )‪,(2071‬صــحيح مســلم المســاقاة )‪,(1590‬ســنن‬
‫النسائي البيوع )‪,(4578‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‪.(5/38‬‬
‫نهى النبي صــلى اللــه عليــه وســلم عــن الفضــة بالفضــة ‪،‬‬
‫والــذهب بالــذهب ‪ ،‬إل ســواء بســواء ‪ ،‬وأمرنــا أن نبتــاع‬
‫الذهب بالفضة كيـف شـئنا ‪ ،‬والفضـة بالـذهب كيـف شـئنا‬
‫والحديث أيضا أخرجه مسلم ‪ ،‬وفي آخره ‪ :‬صــحيح مســلم‬
‫المساقاة )‪,(1590‬مسند أحمد بن حنبــل )‪ .(5/49‬فســأله‬
‫رجل ‪ ،‬فقال ‪ :‬يدا بيد؟ قــال ‪ :‬هكــذا ســمعت ‪ ،‬وذكــره أبــو‬
‫عوانة في مستخرجه ‪ ،‬وفي آخره ‪ :‬صحيح البخاري الــبيوع‬
‫)‪,(2066‬صحيح مسلم المسـاقاة )‪,(1590‬سـنن النسـائي‬

‫‪547‬‬
‫البيوع )‪,(4579‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‪ .(5/38‬والفضــة‬
‫بالذهب كيف شئتم ‪ ،‬يدا بيد ‪.‬‬
‫وأصرح من ذلــك حـديث عبــادة بــن الصـامت عنـد مسـلم‬
‫صحيح مسلم المساقاة )‪,(1587‬مسند أحمــد بــن حنبــل )‬
‫‪ .(5/320‬فإذا اختلفت الصناف فبيعوا كيف شئتم ‪.‬‬
‫)‪ (6‬أحاديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‪:‬‬
‫روى البخــاري ‪ ،‬والموطــأ ‪ " :‬قــال مالــك بــن أوس بــن‬
‫الحدثان النضري ‪ :‬أنه التمس صــرفا بمــائة دينــار ‪ ،‬قــال ‪:‬‬
‫فدعاني طلحة بن‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(245 :‬‬
‫عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني فأخذ الذهب يقلبها‬
‫بيده ثم قال ‪ :‬حتى يأتي خازني من الغابـة ‪ ،‬وعمــر يســمع‬
‫ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬والله ل تفارقه حتى تأخذ منه ‪ ،‬قــال رســول‬
‫الله صلى الله عليــه وســلم ‪ :‬الــذهب بالــذهب ربــا إل هــاء‬
‫وهاء ‪ ،‬والبر بالبر ربا إل هاء وهاء ‪ ،‬والشــعير بالشــعير ربــا‬
‫إل هاء وهاء ‪ ،‬والتمر بالتمر ربا إل هاء وهاء ‪.‬‬
‫وأخرج مالك في الموطأ ‪ ،‬عن عبــد اللــه بــن عمــر رضــي‬
‫الله عنهما ‪ :‬أن عمر بن الخطاب رضي الله عنــه قــال ‪" :‬‬
‫ل تبيعوا الذهب بالـذهب إل مثل بمثـل ‪ ،‬ول تشـفوا بعضـها‬
‫على بعــض ‪ ،‬ول تــبيعوا الــورق بــالورق إل مثل بمثــل ‪ ،‬ول‬
‫تشــفوا بعضــها علــى بعــض ‪ ،‬ول تــبيعوا الــورق بالــذهب‬
‫أحدهما غائب والخــر نــاجز ‪ ،‬وإن اســتنظرك إلــى أن يلــج‬
‫بيته فل تنظره إنـي أخـاف عليكـم الرمـاء ‪ ،‬والرمـاء ‪ :‬هـو‬
‫الربا " الموطأ‪ -‬كتاب البيوع‪ -‬باب بيع الذهب بالفضــة تــبرا‬
‫وعينا‪ -‬رقم )‪. . (635 ، 634 / 2) (36 -35 -34‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(246 :‬‬
‫هكذا أخرجه مالك موقوفــا ‪ ،‬عــن نــافع ‪ ،‬عــن ابــن عمــر ‪،‬‬
‫وعن عبد الله بن دينار ‪ ،‬عن ابــن عمــر ‪ ،‬عــن أبيــه ‪ ،‬وهــو‬
‫نفس حديث أبي سعيد الخدري في الصحيحين ‪ ،‬وجــاء بــه‬
‫هنــا بزيــادة ‪ :‬موطــأ مالــك كتــاب الــبيوع )‪ .(1328‬وإن‬
‫استنظرك إلى أن يلج ‪ " . .‬إلخ الحديث ‪.‬‬
‫وأخرج البيهقي بسنده ‪ ،‬عن أبي جمرة ميمـون القصـاب ‪،‬‬
‫عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن عمــر رضــي اللــه عنــه ‪ ،‬عــن‬

‫‪548‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬صحيح مسلم المساقاة‬
‫)‪,(1587‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1240‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4561‬سنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3349‬ســنن ابــن‬
‫مـــاجه التجـــارات )‪,(2254‬مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )‬
‫‪,(5/314‬سنن الدارمي البيوع )‪ .(2579‬الــذهب بالــذهب ‪،‬‬
‫والفضة بالفضة ‪ ،‬والحنطة بالحنطة ‪ ،‬والشــعير بالشــعير ‪،‬‬
‫مثل بمثل ‪ ،‬من زاد أو ازداد فقد أربى وأبو جمرة ضعيف ‪،‬‬
‫وقد اضطرب السند بسببه ‪" .‬‬
‫)‪ (7‬حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ‪:‬‬
‫أصل حديثه عند ابن ماجه بسنده ‪ ،‬عن عمر بن محمد بــن‬
‫علي بن أبي طالب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى اللــه عليــه وســلم ‪ :‬الــدينار بالــدينار ‪ ،‬والــدرهم‬
‫بالــدرهم ‪ ،‬ل فضــل بينهمــا ‪ ،‬فمــن كــانت لــه حاجــة بــورق‬
‫فليصـــطرفها بـــذهب ‪ ،‬ومـــن كـــانت لـــه حاجـــة بـــذهب‬
‫فليصطرفها بورق ‪ ،‬والصرف هاء هاء ‪.‬‬
‫)‪ (8‬حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه ‪:‬‬
‫أخرج مالك في الموطأ ‪ ،‬أنه بلغه عن جده مالك بن أبي‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(247 :‬‬
‫عامر ‪ :‬أن عثمان بن عفــان قــال ‪ :‬قــال لــي رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬صحيح مسلم المســاقاة )‪.(1585‬‬
‫ل تبيعوا الدينار بالدينارين ‪ ،‬ول الــدرهم بالــدرهمين ‪ ،‬وقــد‬
‫وصله مسلم من طريق ابن وهب ‪ ،‬عن مخرمة بن بكيــر ‪،‬‬
‫عن سليمان بن يسار ‪.‬‬
‫)‪ (9‬حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه ‪:‬‬
‫عن معمر بن عبد الله بن نافع رضي الله عنــه أنــه أرســل‬
‫غلمه بصاع قمح ‪ ،‬فقال ‪ :‬بعه ثم اشتر به شعيرا ‪ ،‬فــذهب‬
‫الغلم فأخذ صاعا وزيــادة بعــض صــاع ‪ ،‬فلمــا جــاء معمــرا‬
‫أخبره بذلك ‪ ،‬فقــال لـه معمــر ‪ :‬لــم فعلــت ذلـك؟ انطلــق‬
‫فرده ‪ ،‬ول تأخذن إل مثل بمثل ‪ ،‬فإني كنت أســمع رســول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول ‪ :‬صحيح مسلم المســاقاة‬
‫)‪,(1592‬مسند أحمد بن حنبل )‪ .(6/401‬الطعام بالطعــام‬
‫مثل بمثل" قال ‪ :‬وكان طعامنا يــومئذ الشـعير ‪ ،‬قيــل لـه ‪:‬‬
‫فإنه ليس بمثله ‪ ،‬قال ‪ " :‬إني أخاف أن يضارع ‪.‬‬

‫‪549‬‬
‫وأخرج مالك في الموطأ ‪ ،‬عن ســعيد بــن المســيب ‪ ،‬عــن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ :‬ل ربــا إل فيمــا‬
‫كيل أو وزن مما يؤكل‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(248 :‬‬
‫أو يشرب ‪ ،‬والصحيح ‪ :‬أنه مــن قــول ســعيد ‪ ،‬ومــن رفعــه‬
‫فقد توهم ‪.‬‬
‫)‪ (10‬عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ‪:‬‬
‫لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما عدة أحاديث في أبواب‬
‫الربا ‪ ،‬ولعل أشهر أحاديثه هي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬حديث اقتضاء الــذهب مــن الــورق ‪ ،‬وبــالعكس عنــدما‬
‫كان يبيع البل بالبقيع ‪.‬‬
‫‪ - 2‬حديث الحسان في أداء القرض ‪.‬‬
‫‪ - 3‬منع ربا الفضــل فــي الصــرف ول عــبرة للصــياغة فــي‬
‫النقدين ‪.‬‬
‫‪ - 1‬اقتضاء الذهب من الورق ‪:‬‬
‫عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ‪ :‬سنن الترمذي الــبيوع‬
‫)‪,(1242‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4582‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3354‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2262‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪,(2/139‬ســنن الــدارمي الــبيوع )‪.(2581‬‬
‫كنــت أبيــع البــل بــالبقيع ‪ ،‬فــأبيع بالــدنانير فآخــذ مكانهــا‬
‫الورق ‪ ،‬وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير ‪ ،‬فــأتيت رســول‬
‫اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ ،‬فوجــدته خارجــا مــن بيــت‬
‫حفصة ‪ ،‬فسألته عن ذلك ؛ فقال ‪ " :‬ل بأس به بالقيمة ‪.‬‬
‫وهذه رواية الترمذي ‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬وقــد روي موقوفــا‬
‫علــى ابــن عمـر الترمــذي ‪ -‬الجـامع الصــحيح‪ -‬ترقيـم عبــد‬
‫الباقي )‪ (544 / 3‬رقم الحديث )‪. (1242‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(249 :‬‬
‫وفــي روايــة أبــي داود قــال ‪ :‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‬
‫‪,(1242‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4582‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3354‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2262‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪,(2/139‬ســنن الــدارمي الــبيوع )‪.(2581‬‬
‫كنت أبيع البــل بــالبقيع ‪ ،‬فــأبيع بالــدنانير وآخــذ الــدراهم ‪،‬‬
‫وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ‪ ،‬آخذ هذه من هذه ‪ ،‬وأعطــي‬

‫‪550‬‬
‫هذه من هذه ‪ ،‬فأتيت رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫وهو في بيــت حفصــة ‪ ،‬فقلــت ‪ :‬يــا رســول اللــه ‪ ،‬رويــدك‬
‫أسـألك ‪ ،‬إنـي أبيـع البـل بالـدنانير وآخـذ الـدراهم ‪ ،‬وأبيـع‬
‫بالدراهم وآخذ الدنانير ‪ ،‬آخذ هذه من هذه ‪ ،‬وأعطــي هــذه‬
‫من هذه ‪ ،‬فقال رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم ‪ " :‬ل‬
‫بأس أن تأخذها بسعر يومها ‪ ،‬ما لم تفترقا وبينكما شيء ‪.‬‬
‫وفي أخرى لــه بمعنــاه ‪ ،‬والول أتــم ‪ ،‬ولــم يــذكر " بســعر‬
‫يومها" ‪.‬‬
‫وأخرج النسائي نحوا من هذه الروايات ‪.‬‬
‫وله في أخرى ‪ " :‬أنه كان ل يرى بأسا في قبــض الــدراهم‬
‫من الدنانير ‪ ،‬والدنانير من الــدراهم " النســائي‪ -‬بــاب بيــع‬
‫الفضة بالذهب وبيع الذهب بالفضة )‪. . (281 / 7‬‬
‫واقتضاء الذهب من الفضة أو العكس عــن أثمــان الســلعة‬
‫هو في الحقيقة بيع ما لــم يقبــض ‪ ،‬فــدل جــوازه علــى أن‬
‫المقصود بيع ما لم يقبض ما يــراد بــبيعه الربــح ؛ لمــا روي‬
‫من النهي عن ربح ما لم‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(250 :‬‬
‫يضمن ‪ ،‬واقتضاء الذهب من الفضة خارج عن هذا المعنــى‬
‫؛ لن المــراد بــه ‪ :‬التقــابض حيــث ل يشــق ول يتعــذر ل‬
‫التصارف والترابح ‪ .‬واشتراط كونها بسعر يومها فل تطلب‬
‫ربح ما لم تضمن واشــتراط أن ل يتفرقــا وبينهمــا شــيء ؛‬
‫لنه في الحقيقــة صــرف ‪ ،‬ول يصــح إل بالتقــابض ‪ .‬وأكــثر‬
‫أهــل العلــم علــى جــواز اقتضــاء الــدراهم مــن الــدنانير‬
‫وبالعكس ‪ ،‬ومنعه ابن شبرمة وأبو سلمة بن عبد الرحمــن‬
‫معالم الســنن للخطــابي ‪ ،‬وتهــذيب ابــن القيــم )‪(25 / 5‬‬
‫تحقيق محمد حامد الفقي‪ -‬مطبعة السنة المحمدية ‪. .‬‬
‫وقد تفرد برفع الحديث سماك بن حرب ‪ .‬قال شعبة ‪ :‬وأنا‬
‫أفرقه ‪ ،‬وسبب ضعفه أنه كان يقبل التلقيــن ‪ ،‬ولكنــه إلــى‬
‫التوثيــق أقــرب إن شــاء اللــه ‪ ،‬فحــديثه حســن كمــا هــو‬
‫مقتضى كلم ابن عدي المجموع )‪، 110 / 10‬ـ ‪، (111‬‬
‫والبيهقي )‪. . (284 / 5‬‬
‫‪ - 2‬الحسان في أداء القرض ‪:‬‬

‫‪551‬‬
‫أخرج مالك رضي الله عنه قال ‪ " :‬بلغني أن رجل أتى ابن‬
‫عمر رضي الله عنهما ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنــي أســلفت رجل ســلفا ‪،‬‬
‫واشترطت عليه أفضل مما أسلفته ‪ ،‬فقــال عبــد اللــه بــن‬
‫عمر ‪ :‬فذلك الربا ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن ؟ قال عبد الله بن عمر ‪:‬‬
‫السلف على ثلثة وجوه ‪ :‬سلف تسلفه تريد به وجه الله ‪،‬‬
‫فلك وجه الله ‪ ،‬وسلف تسلفه تريد به وجه صاحبك ‪ ،‬فلــك‬
‫وجه صاحبك ‪ ،‬وسلف‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(251 :‬‬
‫تسـلفه لتأخـذ خبيثـا بطيـب ‪ ،‬فـذلك الربـا ‪ ،‬قـال ‪ :‬فكيـف‬
‫تـــأمرني يـــا أبـــا عبـــد الرحمـــن ؟ قـــال ‪ :‬أرى أن تشـــق‬
‫الصـحيفة ‪ ،‬فـإن أعطـاك مثـل الـذي أسـلفته قبلتـه ‪ ،‬وإن‬
‫أعطاك دون الــذي أســلفته فأخــذته أجــرت ‪ ،‬وإن أعطــاك‬
‫أفضل مما أسلفته طيبة به نفسه ‪ ،‬فذلك شكر شكره لــك‬
‫ولك أجر ما أنظرتــه " الموطــأ‪ -‬كتــاب الــبيوع‪ -‬بــاب مــا ل‬
‫يجوز من السلف )‪ (681 / 2‬رقم الحديث في الكتــاب )‬
‫‪. . (92‬‬
‫وعن مجاهد بن جبر رحمه الله أنه قال ‪ " :‬استسلف عبــد‬
‫الله بن عمــر مــن رجــل دراهــم ‪ ،‬ثــم قضــاه دراهــم خيــرا‬
‫منها ‪ ،‬فقال الرجل ‪ :‬يا أبــا عبــد الرحمــن ‪ ،‬هــذه خيــر مــن‬
‫دراهمي الــتي أســلفتك ‪ ،‬فقــال عبــد اللــه بــن عمــر ‪ :‬قــد‬
‫علمت ‪ ،‬ولكن نفسي بذلك طيبة " الموطأ‪ -‬كتــاب الــبيوع‪-‬‬
‫باب ما يجوز من الســلف )‪ (681 / 2‬رقــم الحــديث فــي‬
‫الكتاب )‪. . (90‬‬
‫‪ - 3‬منع ربا الفضل في الصرف ‪ ،‬ول عبرة لصياغة الحلــي‬
‫من النقدين ‪:‬‬
‫أخرج مالك في الموطأ ‪ ،‬عن حميد بن قيس المكي ‪ ،‬عــن‬
‫مجاهد بن جبر أنــه قــال ‪ :‬كنــت مــع عبــد اللــه بــن عمــر ‪،‬‬
‫فجاءه صائغ ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا أبا عبــد الرحمــن ‪ ،‬إنــي أصــوغ‬
‫الــذهب ‪ ،‬ثــم أبيــع الشــيء مــن ذلــك بــأكثر مــن وزنــه ‪،‬‬
‫فأستفضل قدر عمــل يــدي ‪ ،‬فنهــاه عبــد اللــه عــن ذلــك ‪،‬‬
‫فجعل الصائغ يردد عليه المسألة وعبــد اللــه ينهــاه ‪ ،‬حــتى‬
‫انتهى إلى باب المسجد ‪ ،‬أو إلى دابة يريد أن يركبهــا ‪ ،‬ثــم‬

‫‪552‬‬
‫قــال عبــد اللــه بــن عمــر ‪ :‬الــدينار بالــدينار ‪ ،‬والــدرهم‬
‫بالدرهم ‪ ،‬ل فضل‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(252 :‬‬
‫بينهما ‪ ،‬هذا عهد نبينا إلينا ‪ ،‬وعهدنا إليكم ‪.‬‬
‫وأخــرج النســائي النســائي )‪ (278 / 7‬بــاب الــدرهم‬
‫بالدرهم ‪ .‬المسند منه فقط ‪ ،‬وجعله من مسند عمر رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬تبعا لمالك رحمه الله ‪ ،‬وتبعهمـا ابـن الثيـر فـي‬
‫)جامع الصــول( ‪ ،‬إل أنــه أســنده لعمــر رضــي اللــه عنــه ‪،‬‬
‫ولعله سقطت كلمة‪ -‬ابن‪ -‬من النســخة الــتي وقعــت لبــن‬
‫الثير جامع الصول )‪. . (468 / 1‬‬
‫وروى الشافعي هذا الثــر ‪ ،‬عــن ســفيان بــن عيينــة ‪ ،‬عــن‬
‫وردان الرومي ‪ -‬الصائغ ‪ -‬عن ابن عمر ‪ ،‬فقال في آخره ‪:‬‬
‫" هذا عهد صاحبنا إلينا ‪ ،‬وعهدنا إليكــم " تكملــة المجمــوع‬
‫شرح المهذب‪ -‬تقي الدين الســبكي )‪، 64 / 10‬ـ ‪(65‬ـ ‪،‬‬
‫والــبيهقي )‪ ، . (292 -279 / 5‬قــال الشــافعي ‪ :‬يعنــي‬
‫بصــاحبنا ‪ :‬عمــر بــن الخطــاب رضــي اللــه عنــه ‪ ،‬ورجــح‬
‫البيهقي ذلك ؛ لن الخبار ترجح أن ابن عمر لم يسمع في‬
‫ذلك من النبي شيئا ‪ .‬ثم قال الشــافعي ‪ :‬ولعلــه أراد عهــد‬
‫النبي إلى أصحابه بعدما ثبت له ذلك من حديث أبي سعيد‬
‫وغيره ‪ .‬وتكلم ابن عبد البر في ذلك ‪ ،‬ورجح رواية مالك ‪،‬‬
‫ونسب الخطأ للشافعي ‪ ،‬ورأى أن روايــة ســفيان الثــوري‬
‫مجملة ورواية مالك مبينة ]صاحبنا‪ -‬نبينــا[ ولكــن الصــواب‬
‫مع الشافعي ؛ لما روى مسلم ‪ ،‬عن نافع قال ‪ " :‬كان ابن‬
‫عمر يحدث عن عمر في الصــرف ولــم يســمع مــن النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فيه‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(253 :‬‬
‫شيئا ‪ ،‬ولكن لرواية ابن عمر أصل في تحريم ربا الفضل ؛‬
‫لنه روى حادثة بلل عنــدما جــاء بتمــر جنيــب ولعلــه‪ -‬ابــن‬
‫عمر ‪ -‬أرسل ذلـك ؛ لمـا ثبــت لـه مــن حــديث أبـي سـعيد‬
‫وغيــره " التمهيــد‪ -‬ابــن عبــد الــبر‪ -‬ط ‪ .‬المغــرب )‪/ 2‬‬
‫‪. . (248‬‬
‫عن ابن عمر رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول اللــه صــلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬ل تبيعوا الدينار بالــدينارين ‪ ،‬ول الــدرهم‬

‫‪553‬‬
‫بالــدرهمين ‪ ،‬ول الصــاع بالصــاعين ‪ ،‬فــإني أخــاف عليكــم‬
‫الرماء " ‪ -‬وهو ‪ :‬الربا‪ -‬فقام إليه رجل ‪ ،‬فقال ‪ :‬يــا رســوله‬
‫الله ‪ ،‬أرأيت الرجل يبيع الفرس بالفراس ‪ ،‬والنجيبة بالبل‬
‫فقال ‪ " :‬ل بأس ‪ ،‬إذا كان يدا بيد ‪.‬‬
‫)‪ (11‬حديث البراء بن عازب وزيد بن أرقم ‪:‬‬
‫أخرج البخــاري بســنده قــال ‪ :‬ســمعت أبــا المنهــال ] عبــد‬
‫الرحمن بن مطعم البناني المكــي يــروي عــن ابــن عبــاس‬
‫والبراء بن عازب وزيد بن أرقــم ت عــام ‪ 106‬هـــ[ قــال ‪:‬‬
‫سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهم عن‬
‫الصرف ‪ ،‬فكل واحد منهم يقول ‪ :‬هذا خير مني ‪ ،‬فكلهمــا‬
‫يقــوله ‪ :‬صــحيح البخــاري الــبيوع )‪,(2070‬صــحيح مســلم‬
‫المساقاة )‪,(1589‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4575‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪ .(4/289‬نهى رسول الله صلى الله عليــه‬
‫وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا ‪.‬‬
‫وقد أخرج البخاري هذا الحديث برواية أخر‬
‫ى عن أبي المنهال قال ‪ :‬كنت أتجر في الصرف ‪ ،‬فسألت‬
‫زيد بن أرقم رضي لله عنه ] تحويل السند [ سألت الــبراء‬
‫بن عازب وزيد بن أرقم عن‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(254 :‬‬
‫الصــرف فقــال ‪ :‬صــحيح البخــاري الــبيوع )‪,(1955‬صــحيح‬
‫مســـلم المســـاقاة )‪,(1589‬ســـنن النســـائي الـــبيوع )‬
‫‪,(4575‬مسند أحمد بن حنبل )‪ .(4/372‬كنا تــاجرين علــى‬
‫عهد رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم ‪ ،‬فســألنا رســول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف فقــال ‪ " :‬إن كــان‬
‫يدا بيد فل بأس ‪ ،‬وإن كان نسيئا فل يصلح ‪.‬‬
‫وأخرجه البخــاري ثالثــة قــال ‪ :‬صــحيح البخــاري الشــركة )‬
‫‪,(2365‬صحيح مســلم المســاقاة )‪,(1589‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4575‬مسند أحمد بن حنبل )‪ .(4/374‬سألت أبــا‬
‫المنهال عن الصرف يدا بيد ‪ ،‬فقال ‪ :‬اشتريت أنـا وشــريك‬
‫لي شيئا يدا بيد نسيئة فجاءنا البراء بن عازب ‪ ،‬فســألناه ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬فعلت أنا وشريكي زيــد بــن أرقــم ‪ ،‬وســألنا النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عن ذلك ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ما كان يــدا بيــد‬
‫فخذوه ‪ ،‬وما كان نسيئة فردوه ‪.‬‬

‫‪554‬‬
‫ولكن أوضح روايــات البخــاري لهــذا الحــديث تلــك الروايــة‬
‫التي جاء بها في أول كتاب مناقب النصار ‪.‬‬
‫عن سفيان عن عمر وسمع أبا المنهال ‪ -‬عبد الرحمــن بــن‬
‫مطعم ‪ -‬قال ‪ :‬صــحيح البخــاري المنــاقب )‪,(3724‬صــحيح‬
‫مســـلم المســـاقاة )‪,(1589‬ســـنن النســـائي الـــبيوع )‬
‫‪,(4575‬مسند أحمد بــن حنبــل )‪ .(4/374‬بــاع شــريك لــي‬
‫دراهم بدراهم في السوق نسيئة ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ســبحان اللــه ‪،‬‬
‫أيصلح هذا؟ فقــال ‪ :‬ســبحان اللــه ‪ ،‬واللــه لقــد بعتهــا فــي‬
‫السوق فما عابه أحد ‪ ،‬فسألت البراء بن عــازب ‪ ،‬فقــال ‪:‬‬
‫قدم النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتبــايع هــذا الــبيع ‪،‬‬
‫فقال ‪ " :‬ما كان يدا بيد فليس به بأس وما كان نســيئة فل‬
‫يصلح " والق زيد بن أرقم‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(255 :‬‬
‫فاسأله ‪ ،‬فإنه كان أعظمنا تجارة ‪ ،‬فسألت زيد بن أرقــم ‪،‬‬
‫فقال مثله ‪.‬‬
‫والبراء بن عازب استصغر يوم بدر مع عبد الله بن عمــر ‪،‬‬
‫ثم شهد أحدا وبقية المشاهد ‪ ،‬وقد فتح الري عام ‪ 24‬هـ ‪،‬‬
‫وشهد فتح ] تستر [ مع أبي موسى الشعري ‪ ،‬تــوفي فــي‬
‫إمارة مصعب بــن الزبيــر عــام ‪ 72‬هــ الصــابة فــي تمييــز‬
‫الصحابة )‪ (146 / 1‬ترجمة )‪. . (68‬‬
‫أما زيد بن أرقم رضي الله عنه فقـد استصـغر يــوم أحــد ‪،‬‬
‫وكانت أول مشاهده غزوة الخندق ‪ ،‬توفي رضي الله عنــه‬
‫عام ‪ 66‬هـ ‪ ،‬وقيـل ‪ 68‬هــ ‪ ،‬وقــد صـرح الــبراء وزيــد فـي‬
‫حــديثهما أنهمــا كانــا شــركاء فــي التجــارة ‪ ،‬وواضــح مــن‬
‫الحديث أنه يحكي ما كان أول الهجرة حيث اعتــاد النســاء‬
‫وعدم التقابض ‪ ،‬وهو ما كان شائعا فــي الجاهليــة ؛ ولهــذا‬
‫صرح الحميدي فــي مســنده بــأن الحــديث منســوخ مســند‬
‫الحميدي )‪. . (318 ، 317 / 2‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(256 :‬‬
‫ولزيد بن أرقم ذكر في حديث أبي إســحاق الســبيعي عــن‬
‫امرأته العالية بنت أنفع بن شرحبيل أنها قــالت ‪ " :‬دخلــت‬
‫أنا وأم ولد زيد بن أرقم وامرأته علـى عائشـة رضـي اللـه‬
‫عنها ‪ ،‬فقالت أم ولد زيد بن أرقــم ‪ :‬إنــي بعــت غلمــا مــن‬

‫‪555‬‬
‫زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلــى العطــاء ‪ ،‬ثــم اششــريته‬
‫منه بستمائة درهم ‪ ،‬فقالت لها ‪ :‬بئس مـا شـريت ‪ ،‬وبئس‬
‫ما اشتريت ‪ ،‬أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطــل جهــاده مــع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم إل أن يتوب ‪ ،‬قالت ‪ :‬يــا‬
‫أم المؤمنين ‪ ،‬أرأيت إن لــم آخــذ إل رأس مــالي؟ فقــرأت‬
‫ن‬
‫مــ ْ‬‫ة ِ‬ ‫ع َ‬
‫ظــ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬
‫جاَءهُ َ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫عائشة ‪ :‬سورة البقرة الية ‪ 275‬فَ َ‬
‫م ـُرهُ إ ِل َــى الل ّـهِ والحــديث‬ ‫رب ـه فَــانتهى فَل َـه مــا س ـل َ َ َ‬
‫ف وَأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََْ‬ ‫َ ّ ِ‬
‫ضعيف ؛ لن فيه داود بن الزبرقان الــذي قــال فيــه يحيــى‬
‫بن معين ‪ :‬ليس بشيء ‪ ،‬وضعفه جدا علــي بــن المــديني ‪،‬‬
‫واتهمــه آخــرون بعــدم الحفــظ ؛ ولهــذا قــال عنــه أحمــد ‪:‬‬
‫صدوق فيما وافق الثقات ول يحتج به إذا انفرد ‪.‬‬
‫قال الشافعي ‪ :‬لو ثبت هذا الحديث فإن عائشة رضي الله‬
‫عنها عابت على زيد بن أرقم بيعا إلى العطــاء ؛ لنــه أجــل‬
‫غير معلوم ‪ ،‬وهذا ما ل يجيزه الشافعي ‪ ،‬وإن أجاز العينــة‬
‫في شكلها الظاهري ‪ ،‬ومن أصوله رحمه الله ‪ :‬إن اختلــف‬
‫الصحابة في مسألة‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(257 :‬‬
‫أن يأخذ بقول مــن وافقــه القيــاس ‪ ،‬ثــم يقــول ‪ :‬ونحــن ل‬
‫نثبت الحديث عن عائشة ‪ ،‬كما أن زيدا ل يبيع إل مــا يــراه‬
‫حلل ‪ ،‬ول يبتاع إل مثله المجموع )‪. . (160 -151 / 10‬‬
‫)‪ (12‬فضالة بن عبيد رضي الله عنه ‪:‬‬
‫عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه ‪ ،‬عن النبي صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم قال ‪ :‬ل تبيعوا الذهب بالذهب إل وزنا بوزن ‪.‬‬
‫عــن فضــالة بــن عبيــد قــال ‪ :‬صــحيح مســلم المســاقاة )‬
‫‪,(1591‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4573‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3351‬مسند أحمد بن حنبل )‪ .(6/19‬أتي رســول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم وهــو بخيــبر بقلدة ‪ ،‬فيهــا خــرز‬
‫وذهب ‪ ،‬وهي من المغانم تباع ‪ ،‬فــأمر رســول اللــه صــلى‬
‫الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلدة ‪ ،‬فنــزع وحــده ‪،‬‬
‫ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وســلم ‪ " :‬الــذهب‬
‫بالــذهب وزنــا بــوزن ‪ ،‬وفــي روايــة قــال ‪ :‬صــحيح مســلم‬
‫المساقاة )‪,(1591‬سنن النسائي البيوع )‪,(4573‬سنن أبو‬
‫داود الــبيوع )‪,(3352‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‪.(6/21‬‬

‫‪556‬‬
‫اشتريت يوم خيـبر قلدة بـاثني عشـر دينــارا ‪ ،‬فيهــا ذهــب‬
‫وخرز ففصلتها ‪ ،‬فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينــارا ‪،‬‬
‫فذكرت ذلك للنبي صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ ،‬فقــال ‪ " :‬ل‬
‫تباع حتى تفصل ‪.‬‬
‫وفي أخرى قــال حنــش الصــنعاني ‪) :‬كنــا مــع فضــالة فــي‬
‫غزوة ‪ ،‬فطــارت لــي ولصــحابي قلدة ‪ ،‬فيهــا ذهــب وورق‬
‫وجوهر ‪،‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(258 :‬‬
‫فأردت آن أشــتريها ‪ ،‬فســألت فضــالة بــن عبيــد ‪ ،‬فقــال ‪:‬‬
‫انزع ذهبها فاجعله في كفة ‪ ،‬واجعل ذهبك في كفة ‪ ،‬ثم ل‬
‫تأخذن إل مثل بمثل ‪ ،‬فإني سمعت رسول الله صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم يقول ‪ :‬صحيح مسلم المســاقاة )‪ .(1591‬مــن‬
‫كان يؤمن بالله واليوم الخر فل يأخذن إل مثل بمثل ‪.‬‬
‫وأخرج الترمذي الرواية الثانية ‪ ،‬وأبو داود الثانية والثالثــة ‪،‬‬
‫ولبـــي داود أيضـــا قـــال ‪ :‬صـــحيح مســـلم المســـاقاة )‬
‫‪,(1591‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4573‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3351‬مسند أحمد بن حنبل )‪ .(6/19‬أتي رســول‬
‫الله صلى اللـه عليـه وسـلم عـام خيـبر بقلدة فيهـا ذهـب‬
‫وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنــانير أو بســبعة دنــانير ‪ ،‬فقــال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ل ‪ ،‬حتى تميز بينه وبينــه "‬
‫فقال ‪ :‬إنما أردت الحجارة ‪ ،‬وفــي روايــة التجــارة ‪ :‬فقــال‬
‫النبي صلى الله عليه وسـلم ‪ " :‬ل ‪ ،‬حــتى تميــز بينهمــا " ‪،‬‬
‫قال فرده ‪ :‬حتى ميز بينهما ‪.‬‬
‫وفي أخرى قال ‪ :‬صحيح مسـلم المســاقاة )‪,(1591‬ســنن‬
‫الترمــــذي الــــبيوع )‪,(1255‬ســــنن النســــائي الــــبيوع )‬
‫‪,(4574‬ســنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3351‬مســند أحمــد بــن‬
‫حنبل )‪ .(6/19‬أصــبت يــوم خيــبر قلدة فيهــا ذهــب وخــرز‬
‫فــأردت أن أبيعهــا ‪ ،‬فــذكر ذلــك للنــبي صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقال ‪ " :‬افصل بعضها من بعض ثم بعها ‪.‬‬
‫وفي أخرى قــال ‪ :‬كنــا مــع رســول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم يــوم خيــبر نبــايع اليهــود الوقيــة الــذهب بالــدينارين‬
‫والثلثة ‪ ،‬فقال رسول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ " :‬ل‬
‫تبيعوا الذهب بالذهب إل وزنا بوزن‬

‫‪557‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(259 :‬‬
‫وحديث فضالة ‪ ،‬قــال فــي التلخيــص ‪ :‬لــه عنــد الطــبراني‬
‫طرق كثيرة جدا فيها قلدة من خرز وذهب‪ -‬ذهب وجوهر‪-‬‬
‫خرز معلقــة بــذهب ‪ ،‬وروي بيعهــا بســبعة دنــانير ‪ ،‬وبــاثني‬
‫عشر دينارا ‪ ،‬وبتسعة دنانير ‪ ،‬وقد أجاب البيهقي عــن هــذا‬
‫الختلف بأنهــا بيــوع متعــددة شــهدها فضــالة ‪ ،‬قــال ابــن‬
‫حجر ‪ :‬وهذا الختلف ل يوجب ضــعفا ‪ ،‬بــل المقصــود مــن‬
‫الستدلل محفوظ ل اختلف فيه ‪ ،‬وهو النهي عــن بيـع مـا‬
‫لم يفصل ‪ ،‬وأما جنسها وقدر ثمنها فل يتعلق به ما يــوجب‬
‫الحكــم بالضــطراب ‪ ،‬ســيما وأن معظــم الــرواة ثقــات ‪،‬‬
‫فيحكــم بصــحة روايــة أحفظهــم وأضــبطهم وتكــون روايــة‬
‫الباقين بالنسبة إليه شاذة ‪.‬‬
‫وخلصة الحديث ‪ :‬أن الذهب المختلط بغيره ل يجوز بيعــه‬
‫بذهب حــتى يفصــل ويميــز ؛ ليعــرف مقــدار الــذهب بدقــة‬
‫ويتحقق التماثل بيقين ‪ ،‬ومثل ذلك الفضة وســائر العيــان‬
‫الربوية نيل الوطار )‪. . (305 / 5‬‬
‫والموضوع الذي تطرحه أحاديث فضالة بن عبيــد قــد رأينــا‬
‫مثله في أحاديث عبادة بن الصامت ‪ ،‬وروي مثلها عن أبي‬
‫الدرداء مع معاوية رضي الله عنه ‪ ،‬وهــي مــا أخــرج مالــك‬
‫في الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بــن يســار ‪ ،‬ســنن‬
‫النســـائي الـــبيوع )‪,(4572‬مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )‬
‫‪,(6/448‬موطأ مالك البيوع )‪ .(1327‬أن معاويــة بــن أبــي‬
‫سفيان بــاع ســقاية مــن ذهــب أو ورق بــأكثر مــن وزنهــا ‪،‬‬
‫فقال أبو الدرداء ‪ :‬ســمعت رســول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ينهى عن مثل هذا إل مثل بمثل ‪ ،‬فقال له معاويــة ‪:‬‬
‫ما أرى بمثل هذا بأسا فقال أبو الدرداء ‪ :‬من يعذرني مــن‬
‫معاوية ؟ أنا‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(260 :‬‬
‫أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن‬
‫رأيه ‪ ،‬ل أساكنك بأرض أنت بها ثم قدم أبــو الــدرداء علــى‬
‫عمر بن الخطاب فذكر ذلك له ‪ ،‬فكتب عمر بــن الخطــاب‬
‫إلى معاوية أن ل تبيع ذلك إل مثل بمثل وزنا بوزن " ‪.‬‬

‫‪558‬‬
‫وأخرج في الموطأ عن يحيى بن سعيد قال ‪ :‬موطــأ مالــك‬
‫البيوع )‪ .(1322‬أمر رسول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫السعدين يوم خيبر أن يبيعا آنية مـن المغنـم مـن ذهـب أو‬
‫فضة ‪ ،‬فباعا كل ثلثة بأربعة عينا أو كل أربعة بثلثة عينــا ‪،‬‬
‫فقال لهما ‪ " :‬أربيتما فردا ‪.‬‬
‫وروى سعيد بن منصــور أن عمــر رضــي اللــه عنــه أرســل‬
‫رجل ليبيع آنية مموهة بالذهب ‪ ،‬فباعهــا مــن يهــودي بــأكثر‬
‫من وزنها ‪ ،‬فــأمره عمــر بالفســخ ‪ ،‬وأمــره أن يبيعهــا وزنــا‬
‫بوزن سنن سعيد بن منصور ‪. .‬‬
‫)‪ (13‬سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ‪:‬‬
‫عن أبي عياش رضي الله عنه‪ -‬واسمه زيد ‪ -‬أنه سأل‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(261 :‬‬
‫سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت ‪ ،‬فقال له سعد ‪:‬‬
‫أيتهما أفضل؟ قال ‪ :‬البيضاء ‪ ،‬فنهاه عن ذلك ‪ ،‬وقال سعد‬
‫‪ :‬ســمعت رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم صــحيح‬
‫البخاري كتاب الجمعة )‪,(1005‬كتاب العلــم )‪,(122‬كتــاب‬
‫الجنــائز )‪,(1320‬كتــاب الزكــاة )‪,(1393‬كتــاب الحــج )‬
‫‪,(1507,1577‬كتــاب الصــوم )‪,(1796‬كتــاب الوضــوء )‬
‫‪,(182‬كتاب الصوم )‪,(1878‬كتــاب الــبيوع )‪,(1943‬كتــاب‬
‫الوضــوء )‪,(199‬كتــاب الــبيوع )‪,(2072‬كتــاب الجــارة )‬
‫‪,(2156‬كتــــاب الحــــوالت )‪,(2176‬كتــــاب الوكالــــة )‬
‫‪,(2185,2188‬كتــاب المســاقاة )‪,(2253‬كتــاب المظــالم‬
‫والغصب )‪,(2336‬كتاب الهبة وفضلها والتحريــض عليهــا )‬
‫‪,(2431‬كتــاب الشــهادات )‪,(2516,2518‬كتــاب الصــلح )‬
‫‪,(2562‬كتاب الشــروط )‪,(2576‬كتــاب الجهــاد والســير )‬
‫‪,(2782‬كتــاب فــرض الخمــس )‪,(2927‬كتــاب الحيــض )‬
‫‪,(299‬كتاب الجزية )‪,(2998,3013‬كتاب أحــاديث النبيــاء‬
‫)‪,(3164,3184,3219,3220,3237‬كتـــــاب الـــــتيمم )‬
‫‪,(340‬كتاب المناقب )‪,(3411‬كتاب الصــلة )‪,(342‬كتــاب‬
‫المنـــــاقب )‪,(3497,3648,3694‬كتـــــاب المغـــــازي )‬
‫‪(3767,3809,3844,3875,3990,4093,4094,4156‬‬
‫‪,‬كتـــــــــــــــــاب تفســـــــــــــــــير القـــــــــــــــــرآن )‬
‫‪,(4210,4424,4448,4449,4473,4613‬كتاب فضــائل‬

‫‪559‬‬
‫القـــــــــــــرآن )‪,(4765‬كتـــــــــــــاب النكـــــــــــــاح )‬
‫‪,(4813,4818,4826,4893,4895‬كتـــــــــاب الطلق )‬
‫‪,(4999‬كتـــاب النفقـــات )‪,(5043,5057‬كتـــاب الـــذبائح‬
‫والصــيد )‪,(5173‬كتــاب الشــربة )‪,(5273‬كتــاب الطــب )‬
‫‪,(5417,5441‬كتاب اللباس )‪,(5470,5487‬كتــاب الدب‬
‫)‪,(5689,5725‬كتــــاب الرقــــاق )‪,(6078,6173‬كتــــاب‬
‫كفــــــارات اليمــــــان )‪,(6342‬كتــــــاب الفــــــرائض )‬
‫‪,(6347,6403,6455‬كتاب الذان )‪,(652‬كتاب التعــبير )‬
‫‪,(6581,6625‬كتـــاب الفتـــن )‪,(6673‬كتـــاب العتصـــام‬
‫بالكتاب والسنة )‪,(6857,6864,6875,6884‬كتــاب بــدء‬
‫الـــــــــــــــوحي )‪,(7‬كتـــــــــــــــاب التوحيـــــــــــــــد )‬
‫‪,(7000,7040,7043,7079‬كتـــاب العلـــم )‪,(74‬كتـــاب‬
‫الذان )‪,(773‬كتـــاب العلـــم )‪,(78,86‬كتـــاب الجمعـــة )‬
‫‪,(936‬صحيح مسلم كتاب الطلق )‪,(1471‬كتاب‬
‫الــبيوع )‪,(1536‬كتــاب المســاقاة )‪,(1594‬كتــاب فضــائل‬
‫الصــحابة )‪,(2144,2501‬ســنن الترمــذي كتــاب الــبيوع )‬
‫‪,(1225‬سنن النسائي كتاب البيوع )‪,(4545‬سنن أبو داود‬
‫كتاب البيوع )‪,(3359‬ســنن ابــن مــاجه كتــاب التجــارات )‬
‫‪,(2264‬مسند أحمد بن حنبل )‪,(1/164‬موطأ مالك كتــاب‬
‫البيوع )‪,(1316‬سنن الدارمي كتاب المقدمة )‪ .(45‬يسأل‬
‫عن اشتراء التمر بالرطب ‪ ،‬فقال رسول اللــه صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬أينقص الرطــب إذا يبــس؟ " قــال ‪ :‬نعــم ‪،‬‬
‫فنهاه عن ذلك ‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى لبي داود عن أبي عياش أنه سمع ســعد‬
‫بــن أبــي وقــاص يقــول ‪ :‬صــحيح البخــاري كتــاب الــبيوع )‬
‫‪,(2063,2079,2087‬كتــاب المســاقاة )‪,(2254‬صــحيح‬
‫مسلم كتاب البيوع )‪,(1536‬سنن الترمذي كتاب الــبيوع )‬
‫‪,(1224,1237,1302,1303‬سنن النسائي كتاب البيوع )‬
‫‪,(4532,4534,4543,4620‬سنن أبو داود كتاب الــبيوع )‬
‫‪,(3360‬سنن ابــن مــاجه كتــاب التجــارات )‪,(2270‬مســند‬
‫أحمد بن حنبـل )‪,(2/108,2/150,2/8‬كتـاب بـاقي مسـند‬
‫المكثرين )‪,(3/310‬كتاب أول مسند المدنيين رضــي اللــه‬
‫عنهم أجمعين )‪,(4/2,4/21‬كتــاب أول مســند البصــريين )‬

‫‪560‬‬
‫‪,(5/12‬كتـــاب مســـند النصـــار رضـــي اللـــه عنهـــم )‬
‫‪,(5/182‬كتــــــــــاب أول مســــــــــند البصــــــــــريين )‬
‫‪,(5/19,5/21,5/22‬كتــــاب بــــاقي مســــند النصــــار )‬
‫‪,(5/365‬كتاب أول مسند البصــريين )‪,(5/99‬موطــأ مالــك‬
‫كتــاب الــبيوع )‪,(1317‬ســنن الــدارمي كتــاب الــبيوع )‬
‫‪ .(2564,2579‬نهى رسول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫عن بيع الرطب بالتمر نسيئة ‪.‬‬
‫)‪ (14‬جابر بن عبد الله رضي الله عنه ‪:‬‬
‫روى أبــو محمــد عبــد اللــه بــن وهــب فــي مســنده قــال ‪:‬‬
‫أخبرني ابن لهيعة ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عــن جــابر قــال ‪ :‬كنــا‬
‫في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعطي الصــاع‬
‫من حنطة في ستة آصع من تمــر ‪ ،‬فأمــا ســوى ذلــك مــن‬
‫الطعام فيكره ذلك إل مثل بمثل ‪ ،‬فالتماثل في بيع النقد ‪-‬‬
‫الحال‪ -‬شرط ل بد منه المجموع )‪. (66 / 10‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(262 :‬‬
‫)‪ (15‬رويفع بن ثابت رضي الله عنه ‪:‬‬
‫أخرجه الطحاوي بسنده عن حنش الصــنعاني يحــدث عــن‬
‫رويفع بن ثــابت يقــول ‪ :‬إن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم قال في غزوة خيبر ‪ " :‬بلغني أنكم تبتاعون المثقال‬
‫بالنصــف والثلــثين ‪ ،‬وأنــه ل يصــلح إل المثقــال بالمثقــال‬
‫والوزن بالوزن ‪ ،‬ورويفع بن ثابت صــحابي أنصــاري ‪ ،‬قــال‬
‫البخاري عنه في التاريخ الكبير ‪ :‬يعد في المصــريين ‪ ،‬ولــه‬
‫حــديث ســمعه مــن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫المجموع )‪. . (67 / 10‬‬
‫)‪ (16‬أنس بن مالك رضي الله عنه ‪:‬‬
‫عن أنس ‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قــال ‪ :‬مــا وزن‬
‫مثل بمثل إذا كان نوعا واحدا ‪ ،‬وما كيل مثل بمثل إذا كــان‬
‫نوعا واحدا ‪.‬‬
‫)‪ (17‬أبو بكر الصديق رضي الله عنه ‪:‬‬
‫أخرج ابــن أبــي شــيبة وعبيــد بــن حميــد ‪ ،‬عــن محمــد بــن‬
‫السائب الكلبي ‪ ،‬عن سلمة بن السائب ‪ ،‬عن أبــي رافــع ‪،‬‬
‫عن أبي بكر رضي الله عنــه قــال ‪) :‬ســمعت النــبي صــلى‬
‫الله عليه وســلم يقــول ‪ :‬صــحيح البخــاري كتــاب الــبيوع )‬

‫‪561‬‬
‫‪,(2066,2071‬صـــــحيح مســـــلم كتـــــاب المســـــاقاة )‬
‫‪,(1588‬سنن الترمذي كتاب الــبيوع )‪,(1240,1241‬ســنن‬
‫النســائي كتــاب الــبيوع )‪,(4563,4564,4569‬ســنن أبــو‬
‫داود كتاب البيوع )‪,(3349,3353‬ســنن ابــن مــاجه كتــاب‬
‫الزكــاة )‪,(1787‬كتــاب المقدمــة )‪,(18‬كتــاب الزكــاة )‬
‫‪,(1820‬كتـــاب التجـــارات )‪,(2253,2255,2262‬كتـــاب‬
‫الجهــاد )‪,(2807‬كتــاب الشــربة )‪,(3414‬كتــاب الفتــن )‬
‫‪,(3952‬كتــاب الزهــد )‪,(4305‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‬
‫‪,(3/93‬كتاب باقي مسند النصار )‪,(5/271‬سنن الــدارمي‬
‫كتاب البيوع )‪ .(2578,2579‬الذهب بالذهب وزنـا بــوزن ‪،‬‬
‫والفضة بالفضة وزنا بوزن ‪ ،‬والزائد والمســتزيد فــي النــار‬
‫والكلبي ضعيف ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،52 :‬الصفحة رقم‪(263 :‬‬
‫وحكم الســبكي فــي )تكملــة المجمــوع( ‪ :‬أن الحــديث لــم‬
‫يصح المجموع )‪. . (59 / 10‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬تفسير آيات الربا‬
‫مجلة البحوث السلمية ‪) -‬ج ‪ / 52‬ص ‪(376‬‬
‫تفسير آيات الربا‬
‫للدكتور ‪ :‬فريد بن مصطفى السلمان‬
‫كليــة أصــول الــدين ‪ -‬جامعــة المــام محمــد بــن ســعود‬
‫السلمية‬
‫الحمــد للــه رب العــالمين ‪ ،‬والصــلة والســلم علــى ســيد‬
‫النبيــاء والمرســلين ‪ ،‬محمــد الهــادي الميــن ‪ ،‬وعلــى آلــه‬
‫وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ‪ ،‬وبعد ‪:‬‬
‫فقد كثر الكلم فــي العصــر الحاضــر عــن الربــا ‪ ،‬ويحــاول‬
‫البعــض أن يســميه بغيــر اســمه ‪ ،‬ويحــور معــاني اليــات‬
‫الكريمـة ‪ ،‬الـتي أجمـع عليهـا سـلف هـذه المـة وخلفهـا ‪،‬‬
‫فاجتهدت في جمع أقوال أهل العلم في تفسير آيات الربا‬
‫‪ ،‬لعلي أسهم قدر الوسع والطاقة ‪ ،‬في بيان مسألة علمية‬
‫في غاية الهمية تصدى لها العلماء قديما وحديثا ‪.‬‬
‫وقد حاولت في هذا البحــث ‪ ،‬بعــد بيــان أســباب النــزول ‪،‬‬
‫ومعاني ألفاظ اليات القرآنية ‪ ،‬تركيز البحث فــي مســائل‬

‫‪562‬‬
‫محددة ‪ ،‬بحيث يسهل على القارئ المراجعة والســتفادة ‪،‬‬
‫سائل الله تعالى أن يوفقني فيما قصدت ‪ ،‬وأن يتجاوز عما‬
‫سلف مني من خطأ أو تقصير ‪ ،‬إنه ولي‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(184 :‬‬
‫ذلك والقادر عليه ‪ ،‬وأصلي وأسلم على خير خلقــه محمــد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم ‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمــد للــه رب‬
‫العالمين ‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫ن ي َـأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى ‪ :‬ســورة البقــرة اليــة ‪ 275‬ال ّـ ِ‬
‫ن‬ ‫مـ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ش ـي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُـ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫ما ي َُقو ُ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫الّرَبا َل ي َُقو ُ‬
‫َ‬ ‫ال ْمس ذ َل َ َ‬
‫ه ال ْب َي ْ َ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫م َقاُلوا إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬
‫مــا‬ ‫ه َ‬ ‫ن َرب ّـهِ فَــان ْت ََهى فَل َـ ُ‬ ‫م ُـ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫عظ َـ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫عاد َ فَأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ب الن ّــارِ هُ ـ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫صـ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫َ‬
‫ه الّرب َــا‬ ‫حـقُ الّلـ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن سـورة البقــرة اليـة ‪ 276‬ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِـ ُ‬ ‫ِفيَها َ‬
‫َ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬
‫ل ك َّفارٍ أِثيم ٍ سورة البقــرة‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫وَي ُْرِبي ال ّ‬
‫َ‬
‫موا‬ ‫ت وَأَقــا ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صــال ِ َ‬ ‫مُلــوا ال ّ‬ ‫مُنــوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن اّلــ ِ‬ ‫اليــة ‪ 277‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ف عَل َي ِْهــ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م وََل َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫كاةَ ل َهُ ْ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫صَلةَ َوآت َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن سورة البقرة الية ‪َ 278‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫وََل هُ ْ‬
‫ن ســورة‬ ‫مِني َ‬ ‫مــؤْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ي ِ‬ ‫َ‬ ‫ما ب َِق‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫ات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ْ‬
‫ن الل ّـ ِ‬
‫ه‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫ن ل َـ ْ‬ ‫البقرة الية ‪ 279‬فَإ ِ ْ‬
‫ن وََل‬ ‫َ‬
‫مــو َ‬ ‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬ ‫ســول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫وََر ُ‬
‫ة‬
‫س ـَر ٍ‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن ك َــا َ‬ ‫ن ســورة البقــرة اليــة ‪ 280‬وَإ ِ ْ‬ ‫مــو َ‬ ‫ت ُظ ْل َ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫صد ُّقوا َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫سَرةٍ وَأ ْ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ‬
‫ن ِفيهِ إ َِلى الّلــ ِ‬
‫ه‬ ‫جُعو َ‬ ‫ما ت ُْر َ‬ ‫سورة البقرة الية ‪َ 281‬وات ُّقوا ي َوْ ً‬
‫ن ‪- 275 .‬‬ ‫مــو َ‬ ‫م َل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ـ ْ‬ ‫س ـب َ ْ‬ ‫مــا ك َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ن َْف ٍ‬ ‫م ت ُوَّفى ك ُ ّ‬ ‫ثُ ّ‬
‫‪ 281‬سبب النزول ‪ :‬أخرج أبو يعلى في مسنده وابن منده‬
‫من‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(185 :‬‬
‫طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبــاس ‪ -‬رضــي اللـه‬
‫عنهما ‪ -‬في سبب نزول قوله تعالى ‪ :‬ســورة البقــرة اليــة‬
‫َ‬
‫ن الّرَبا‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ 278‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫قال ‪ :‬بلغنا أن هذه الية نزلت فــي بنــي عمــرو بــن عــوف‬
‫من ثقيف ‪ ،‬وفي بني المغيرة من بني مخزوم ‪ ،‬وكانت بنو‬
‫المغيرة يربــون أي يأخــذ المغيــرة مــن بنــي عمــرو المــال‬

‫‪563‬‬
‫بطريق الربا لثقيف ؛ فلما أظهر الله رســوله علــى مكــة ‪،‬‬
‫وضع يومئذ الربا كله ‪ ،‬فأتى بنو عمــرو وبنــو المغيــرة إلــى‬
‫عتاب بن أسيد وهو على مكــة ‪ ،‬فقــال بنــو المغيــرة ‪ :‬أمــا‬
‫جعلنا أشقى الناس بالربا ؟ ووضع عن الناس غيرنا ‪ .‬فقال‬
‫بنو عمرو ‪ :‬صولحنا على أن لنا ربانا فكتب عتاب في ذلــك‬
‫إلى رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فنزلت هذه الية‬
‫م ت َْفعَُلوا فَـأ ْذ َُنوا‬‫ن لَ ْ‬
‫والتي بعدها سورة البقرة الية ‪ 279‬فَإ ِ ْ‬
‫سول ِهِ فعرف بنو عمـرو أن ل يـدان لهـم‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬
‫م َ‬‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫بحرب من الله ورسوله ‪ ،‬يقول الله تعالى ‪:‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(186 :‬‬
‫م َل‬ ‫َ‬
‫وال ِك ُ ْ‬ ‫مـ َ‬
‫سأ ْ‬‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬
‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬‫سورة البقرة الية ‪ 279‬وَإ ِ ْ‬
‫ن فتأخذون أكثر ول تظلمون فتبخسون منه ‪.‬‬ ‫مو َ‬‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫وقال السدي ‪ :‬نزلت في العباس وخالد بن الوليــد ‪ ،‬وكانــا‬
‫شريكن في الجاهلية يسلفان في الربــا ‪ .‬فجــاء الســلم ‪،‬‬
‫ولهما أموال عظيمة في الربا ‪ ،‬فأنزل الله تعالى هذه الية‬
‫‪ ،‬فقال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ : -‬أل إن كل ربا من‬
‫ربا الجاهلية موضوع ‪ ،‬وأول ربا أضعه ربا العباس بــن عبــد‬
‫المطلب ‪.‬‬
‫وقال عطاء ‪ :‬إنها نزلت فــي العبــاس بــن عبــد المطلــب ‪،‬‬
‫وعثمان بن عفان ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬وكانا قد أسلفا فــي‬
‫التمر ‪ ،‬فلما حضر الجذاذ قال لهما صاحب التمر ‪ :‬ل يبقى‬
‫لي ما يكفي عيالي ‪ ،‬إذا أنتما أخــذتما حظكمــا كلـه ‪ ،‬فهــل‬
‫لكما أن تأخذا النصــف وتــؤخرا النصــف ‪ ،‬وأضــعف لكمــا ‪،‬‬
‫ففعل ‪ ،‬فلما حل الجل طلبا الزيادة ‪ ،‬فبلغ ذك رسول الله‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فنهاهما ‪ ،‬وأنزل الله هذه اليــة ‪،‬‬
‫فســمعا وأطاعــا وأخــذا رؤوس أموالهمــا أســباب النــزول‬
‫للواحدي ص ‪ 96‬رقم ‪. . 184‬‬
‫وجاء عن الكلــبي فــي ســبب نــزول قــوله تعــالى ‪ :‬ســورة‬
‫ة‬
‫س ـَر ٍ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ ِل َــى َ‬
‫مي ْ َ‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫البقرة الية ‪ 280‬وَإ ِ ْ‬
‫قال أسباب النزول للواحدي ص ‪ 96‬رقم ‪ . 186‬قالت بنــو‬
‫عمرو بن عمير لبني‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(187 :‬‬

‫‪564‬‬
‫المغيــرة ‪ :‬هــاتوا رؤوس أموالنــا ولكــم الربــا نــدعه لكــم ‪.‬‬
‫فقال بنو المغيرة ‪ :‬نحن اليوم أهل عسرة فأخرونا إلى أن‬
‫ندرك الثمرة ‪ ،‬فــأبوا أن يــؤخروهم ‪ ،‬فــأنزل اللــه تعــالى ‪:‬‬
‫سَرةٍ الية ‪.‬‬‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫سورة البقرة الية ‪ 280‬وَإ ِ ْ‬
‫مناسبة اليات لما قبلها ‪:‬‬
‫لما ذكر الله تعالى عباده البرار الــذين يــؤدون الزكــوات ‪،‬‬
‫المتفصلين بالبر والصدقات ‪ ،‬لذوي الحاجــات والقرابــات ‪،‬‬
‫في جميع الحوال والوقــات ‪ ،‬شــرع فــي ذكــر أكلــة الربــا‬
‫وأموال الناس بالباطل ‪ ،‬وأنواع الشبهات تفسير ابن كــثير‬
‫‪ ، 326 / 1‬تفســير البحــر المحيــط ‪ ، 703 / 2‬تفســير‬
‫الرازي ‪ ، 87 / 7‬تفسير القاسمي ‪. . 700 / 3‬‬
‫وذلك من باب المقابلــة ‪ ،‬وكمــا يقولــون " وبضــدها تتميــز‬
‫الشياء " ‪ ،‬وقد أكــثر اللــه تعــالى مــن هــذا الســلوب فــي‬
‫كتابه العزيــز ‪ ،‬فنجــد ذكــر صــفة أصــحاب النــار يــأتي فــي‬
‫مقابلة صفات أهل الجنة وهكذا ‪.‬‬
‫بيان معاني اللفاظ ‪:‬‬
‫ْ‬
‫ن الّرب َــا الربــا لغــة‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬‫ذي َ‬‫‪ - 1‬سورة البقرة الية ‪ 275‬ال ّ ِ‬
‫ذا أ َن َْزل َْنا‬
‫الزيادة ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ :‬سورة الحج الية ‪ 5‬فَإ ِ َ‬
‫ت ســورة الحــج ‪ ،‬اليــة ‪، 5‬وســورة‬ ‫ت وََرب َ ْ‬ ‫عَل َي َْها ال ْ َ‬
‫ماَء اهْت َّز ْ‬
‫فصلت ‪ ،‬الية ‪ . 39‬أي زادت بنمو النبات ‪ ،‬فــزاد علــى مــا‬
‫حوله ‪.‬‬
‫ومنه ما جاء في الحديث الصحيح ‪ :‬فل والله ما أخذنا من‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(188 :‬‬
‫لقمة إل ربا من تحتها ‪.‬‬
‫أي زاد الطعام ببركة دعاء النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وعبر عن الخذ ومطلق التصرف بالكل ‪ ،‬وذلك لن غــالب‬
‫ما ينتفع به ‪ ،‬إنما يكون للكل ‪.‬‬
‫وقيــل للتشــنيع علــى أكلــة الربــا ‪ ،‬فكــأنهم يــأكلون هــذه‬
‫الموال المختلفة في بطونهم ‪.‬‬
‫وتعريــف الربــا للعهــد ‪ ،‬أي ل تــأكلوا الربــا المعهــود فــي‬
‫الجاهلية تفسير المنار ‪. . 94 / 3‬‬
‫أما الربا في الصطلح ‪ ،‬فقــد اختلفــت فــي ذلــك عبــارات‬
‫العلماء ‪ ،‬منهـا مــا ذكـره ابــن قدامــة فــي المغنـي ‪ ،‬حيــث‬

‫‪565‬‬
‫قال ‪ :‬المغني ‪ " 5 / 4‬وهو في الشرع الزيادة في أشــياء‬
‫مخصوصة " ‪ .‬وقال اللوسي ‪ " :‬هو فضل مــال خــال عــن‬
‫العوض في معاوضة مــال بمــال روح المعــاني ‪، 48 / 3‬‬
‫وهذا التعريــف نقلـه القاســمي فــي محاســن التأويــل ‪/ 3‬‬
‫‪. . 700‬‬
‫ذي‬ ‫م اّلــ ِ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬
‫مو َ‬ ‫‪ - 2‬سورة البقرة الية ‪َ 275‬ل ي َُقو ُ‬
‫س أي ل يقومــون مــن قبــورهم‬ ‫مـ ّ‬‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬
‫ه ال ّ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫يوم القيامة إل كالمجــانين ‪ ،‬عقوبــة لهــم عنــد جميــع أهــل‬
‫المحشــر ‪ ،‬ويقــوي هــذا القــول الــذي ذهــب إليــه عامــة‬
‫المفسرين قراءة عبد الله بن مسعود ‪ ) :‬ل يقومــون يــوم‬
‫القيامة إل كما يقوم تفسير ابن كــثير ‪ ، 326 / 1‬تفســير‬
‫البحر المحيط ‪. . 705 / 1‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(189 :‬‬
‫وقيل ‪ :‬إن المراد بالية تشبيه حال أكلة الربا في حرصــهم‬
‫وجشعهم في الحياة الدنيا ‪ ،‬بحال المصروعين المجــانين ‪،‬‬
‫الذين يخبطون على غير هدى ‪.‬‬
‫والخبــط ‪ :‬الضــرب بغيــر اســتواء ‪ ،‬خبــط العشــواء مختــار‬
‫الصحاح مادة ) خبط ( تفسير أبي السعود ‪. . 266 / 1‬‬
‫ومنه قيل ‪ :‬خبط عشواء ‪ ،‬وهــي الناقــة الــتي فــي بصــرها‬
‫ضــعف ‪ ،‬تحبــط إذا مشــت ‪ ،‬ل تتــوقى شــيئا ‪ ،‬وتخبطــه‬
‫الشــيطان ‪ ،‬أي أفســده مختــار الصــحاح مــادة ) خبــط (‬
‫تفسير أبي السعود ‪. . 266 / 1‬‬
‫والمــس ‪ :‬الجنــون القــاموس المحيــط مــادة ) مــس ( ‪،‬‬
‫الكشاف ‪ ، 399 / 1‬والمفردات ص ‪ ، 467‬البحر المحيط‬
‫‪ ، 706 / 1‬وأصله من المس باليد ‪ ،‬فكأن الشيطان يمس‬
‫النسان فيجنه ‪.‬‬
‫قال الراغب ‪ :‬وكنى بالمس عن الجنون ‪ ،‬والمــس ‪ ،‬يقــال‬
‫في كل ما ينال النسان من أذى المفردات ص ‪. . 467‬‬
‫‪ - 3‬سورة البقرة اليــة ‪ 275‬ذ َلـ َ َ‬
‫مــا ال ْب َي ْـ ُ‬
‫ع‬ ‫م قَــاُلوا إ ِن ّ َ‬‫ك ب ِـأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ل الّرَبا أي حــل بهــم ذلـك العقــاب ؛ لنهــم جعلـوا الــبيع‬ ‫مث ْ ُ‬‫ِ‬
‫كالربا ‪ .‬وكان الصل أن يقولوا إن الربا مثل الــبيع ‪ ،‬ولكــن‬
‫لشدة تمسكهم بالربا جعلوا الربا أصل في‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(190 :‬‬

‫‪566‬‬
‫الحل ‪ ،‬وقاسوا عليه البيع ‪.‬‬
‫َ‬
‫م الّرب َــا‬ ‫حـّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْـعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّـ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫‪ - 4‬سورة البقرة الية ‪ 275‬وَأ َ‬
‫إبطــال لقياســهم ‪ ،‬وبيــان لفســاد قياســهم ‪ ،‬وبيــان أنــه ل‬
‫قياس مع النص ‪.‬‬
‫ه‬
‫ن َرب ّـ ِ‬ ‫مـ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫عظ َ ـ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ - 5‬سورة البقرة الية ‪ 275‬فَ َ‬
‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ فمن بلغه النهــي عــن‬ ‫َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََْ‬
‫الربا فانتهى ‪ ،‬فله ما أخذه قبل نزول التحريم ‪ ،‬ول يسـترد‬
‫منه ‪ ،‬والله يجازيه على انتهائه إن كان صادق النية ‪ ،‬وقيل‬
‫‪ :‬يحكم فــي شــأنه ‪ ،‬ول اعــتراض لكــم عليــه تفســير أبــي‬
‫السعود ‪. . 266 / 1‬‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن عَــاد َ فَ ـأول َئ ِ َ‬
‫حا ُ‬ ‫صـ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫مـ ْ‬ ‫‪ - 6‬سورة البقــرة اليــة ‪ 275‬وَ َ‬
‫ن ومن عــاد إلــى القــول بتحليــل الربــا‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫م ِفيَها َ‬ ‫الّنارِ هُ ْ‬
‫فأولئك أصحاب النار خالدون فيها ‪ .‬وقيل ‪ :‬العود هنا يــراد‬
‫به التعامل بالربا ‪ ،‬والخلود في النار إنما جــاء علــى ســبيل‬
‫التهديــد والوعيــد ‪ ،‬وبيــان لطــول المكــث ‪ ،‬وليــس الخلــود‬
‫البدي ‪ ،‬لن ذلك إنما هو للكفار ‪.‬‬
‫ه الّرَبــا وَي ُْرِبــي‬ ‫حــقُ الّلــ ُ‬ ‫م َ‬ ‫‪ - 7‬ســورة البقــرة اليــة ‪ 276‬ي َ ْ‬
‫ت يمحق الله الربا بأن يذهب بركته ‪ ،‬ويهلك المــال‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫الذي يدخل فيه ‪ ،‬ويضاعف ثواب الصــدقات ‪ ،‬ويبــارك فــي‬
‫المــال الــذي أخرجــت منــه الصــدقة ‪ ،‬والمحــق ‪ :‬النقــص‬
‫والذهاب ‪ ،‬ومنه المحــاق فــي الهلل ‪ ،‬يقــال ‪ :‬محقــه ‪ ،‬إذا‬
‫أنقصه وأذهب بركته ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(191 :‬‬
‫َ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬
‫ل ك َّفــارٍ أِثي ـم ٍ‬ ‫ب ك ُـ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫‪ - 8‬سورة البقرة الية ‪َ 276‬والل ّ ُ‬
‫واللــه ل يحــب كــل كفــور القلــب ‪ ،‬مصــر علــى تحليــل‬
‫المحرمات ‪ ،‬أثيم منهمك في ارتكاب المعاصي ‪.‬‬
‫مُلــوا‬ ‫مُنــوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن اّلــ ِ‬ ‫‪ - 9‬ســورة البقــرة اليــة ‪ 277‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عن ْـد َ‬
‫م ِ‬ ‫جُرهُـ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫وا الّزك َــاةَ ل َهُ ـ ْ‬ ‫صَلةَ َوآت َـ ُ‬‫موا ال ّ‬ ‫ت وَأَقا ُ‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن فــي توســيط هــذه‬ ‫حَزن ُــو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وََل هُ ـ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م وََل َ‬
‫خو ْ ٌ‬ ‫َرب ّهِ ْ‬
‫الية بين آيات الربا ما يشير إلــى المقابلــة ‪ ،‬فكــأن الــذين‬
‫يأكلون الربا ليسوا من هذا الصنف ‪ ،‬الذي وعده اللــه هــذا‬
‫الوعد الحسن ‪.‬‬

‫‪567‬‬
‫َ‬
‫ه‬‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫‪ - 10‬سورة البقرة الية ‪َ 278‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن اجعلوا بينكم وبين‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫وَذ َُروا َ‬
‫عــذاب اللــه وقايــة ‪ ،‬بــترككم مــا بقــي لكــم مــن الربــا ‪،‬‬
‫وصفحكم عنه ‪ ،‬إن كنتم آمنتــم بــالله ‪ -‬عــز وجــل ‪ -‬وعلــى‬
‫هذا يكون الخطاب لثقيف في أول دخولهم فــي الســلم ‪،‬‬
‫وإذا كانت الية في المؤمنين ‪ ،‬فمجيء الشرط هنا للحــث‬
‫والمبالغة في اللتزام ‪.‬‬
‫ْ‬
‫ب‬ ‫حْر ٍ‬‫م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫‪ - 11‬سورة البقرة الية ‪ 279‬فَإ ِ ْ‬
‫سول ِهِ فإن لم تتركوا الربــا ‪ ،‬فاســتيقنوا بحــرب‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫من الله ورسوله ‪ ،‬وقد روي عن ابن عبــاس ‪ -‬رضــي اللــه‬
‫عنهما ‪ -‬أنه قال ‪ :‬من كان مقيما على الربا ‪ ،‬ل ينزع عنه ‪،‬‬
‫فحــق علــى إمــام المســلمين أن يســتتيبه ‪ ،‬فــإن نــزع وإل‬
‫ضرب عنقه ‪ ،‬وفي رواية أخرى عنه ‪ ،‬أنه يقال يوم القيامة‬
‫لكل الربا خذ سلحك للحرب تفسير الطبري ‪ . 71 / 3‬أي‬
‫لمحاربة الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وفي ذلــك بيــان لشــدة العقوبــة‬
‫التي تنتظره ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(192 :‬‬
‫س‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫كــ ْ‬‫م فَل َ ُ‬
‫ن ت ُب ُْتــ ْ‬ ‫‪ - 12‬ســورة البقــرة اليــة ‪ 279‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن إن تبتــم فــتركتم أكــل‬ ‫مــو َ‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مــو َ‬‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫مــ َ‬ ‫أ ْ‬
‫الربا ‪ ،‬فلكم رؤوس أموالكم من الــديون الــتي لكــم علــى‬
‫الناس ‪ ،‬دون زيادة أو نقصان ‪.‬‬
‫س ـَرةٍ فَن َظ ِـَرةٌ‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫‪ - 13‬سورة البقرة الية ‪ 280‬وَإ ِ ْ‬
‫سَرةٍ وإن كان المدين عجز عن سداد أصل المــال ‪،‬‬ ‫مي ْ َ‬ ‫إ َِلى َ‬
‫فيمهل إلى وقت استطاعته ‪ ،‬وهذا عام في الديون كلهــا ‪،‬‬
‫وفي أصل المال الذي أعطي بقصد الربا ‪ ،‬وهــو الراجــح ‪،‬‬
‫وقيل ‪ :‬إن الية خاصة بــرأس المــال الــذي أعطــي بقصــد‬
‫الربا تفسير الطبري ‪. . 74 / 3‬‬
‫و ) كان ( في الية تامــة ‪ ،‬بمعنــى وجــد ‪ ،‬أي وإن وجــد ذو‬
‫عسرة تفسير الكشاف ‪. . 247 / 1‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫خي ْـٌر ل َك ُـ ْ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ص ـد ُّقوا َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫‪ - 14‬سورة البقرة اليــة ‪ 280‬وَأ ْ‬
‫ن وأن تتصـــدقوا علـــى المعســـر بـــرؤوس‬ ‫مـــو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ك ُن ْت ُـــ ْ‬
‫أمــوالكم ‪ ،‬مــن أن تمهلــوه إلــى وقــت يســاره ‪ ،‬إن كنتــم‬
‫تعلمون ما يترتب على ذلك من الفضل والثواب عند الله ‪.‬‬

‫‪568‬‬
‫ن ِفي ـهِ‬ ‫جعُــو َ‬ ‫مــا ت ُْر َ‬
‫‪ - 15‬سورة البقرة اليــة ‪َ 281‬وات ُّقــوا ي َوْ ً‬
‫ن‬‫مــو َ‬ ‫م َل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ـ ْ‬ ‫مــا ك َ َ‬
‫س ـب َ ْ‬ ‫س َ‬‫ل ن َْف ـ ٍ‬ ‫إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ‬
‫م ت ُوَّفى ك ُ ّ‬
‫المــراد بــاليوم يــوم القيامــة ‪ ،‬وجــاء التنكيــر للتفخيــم‬
‫والتهويل ‪ ،‬وتعلق التقاء بهذا اليوم ‪ ،‬للمبالغة في التحــذير‬
‫ممــا فيــه ‪ ،‬مــن الهــوال والشــدائد ‪ ،‬وفــي قــوله تعــالى ‪:‬‬
‫س يفيــد العمــوم‬ ‫ل ن َْف ـ ٍ‬ ‫م ت ُوَّفى ك ُ ّ‬‫سورة البقرة الية ‪ 281‬ث ُ ّ‬
‫والمبالغــة فــي تهويــل مــا يــترتب علــى ذلــك اليــوم مــن‬
‫الحساب ‪ ،‬فتجزى كل نفس بما عملت ‪ ،‬من خير أو شــر ‪،‬‬
‫) ) وهم ل يظلمون ( ( ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(193 :‬‬
‫فل ينتقــص مــن حســناتهم ‪ ،‬بــل تكــون الحســنة بعشــر‬
‫أمثالها ‪ ،‬وتجزى السيئة بمثلها ‪.‬‬
‫وروي عن ابن عباس ‪ -‬رضي اللــه عنهمــا ‪ -‬أن هــذه اليــة‬
‫آخر آية نزل بها جبريل ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وقال ‪ :‬ضــعها فــي‬
‫رأس المائتين والثمانين من البقرة ‪ ،‬وعاش رسول اللــه ‪-‬‬
‫صلي الله عليه وسلم ‪ -‬بعدها واحدا وعشرين يوما ‪ ،‬وقيل‬
‫واحدا وثمــانين ‪ ،‬وقيــل ســبعة أيــام ‪ ،‬وقيــل ثلث ســاعات‬
‫تفسير الطبري ‪ ، 76 / 3‬الدر المنثور ‪ ، 116 / 2‬تفسير‬
‫أبي السعود ‪ ، 268 / 1‬فتح الباري ‪. . 314 / 4‬‬
‫وروي أنه ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬قال ‪ :‬اجعلوها بيــن آيــة‬
‫الربا وآية الدين ‪.‬‬
‫ما يستفاد من اليات ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أنواع الربا ‪:‬‬
‫عامة المعاملت الربوية تنحصر في قسمين ‪:‬‬
‫ربا النسيئة ‪ ،‬وربا الفضل ‪ .‬وغالب البيوع المحرمة إمــا أن‬
‫يكون هذا المنع لزيادة في عين المــال ‪ ،‬وإمــا فــي منفعــة‬
‫لحــدهما دون الخــر ‪ ،‬ومــن الــبيوع مــا ليــس فيــه معنــى‬
‫الزيادة ‪ ،‬كــبيع الثمــرة قبــل بـدو صـلحها ‪ ،‬وكـالبيع سـاعة‬
‫النداء يوم المجمعة ‪ ،‬فإن قيل لفاعلهــا احمــل ربــا فتجــوز‬
‫وتشبيه التفسير الكــبير ‪ ، 92 / 7‬تفســير القرطــبي ‪/ 3‬‬
‫‪ ، 348‬المغني لبن قدامة ‪. . 51 / 6‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(194 :‬‬

‫‪569‬‬
‫وقال ابن حجر الهيتمي ‪ :‬هو ثلثة أنواع ‪ :‬ربا الفضل ‪ ،‬وربا‬
‫اليد ‪ ،‬وربا النسيئة ‪ ،‬وزاد ) ) المتولي ( ( نوعــا رابعــا وهــو‬
‫ربا القرض الزواجر عن اقتراف الكبائر ‪. . 205 / 2‬‬
‫ويمكن القول أن هذه النواع الربعة عائدة إلى القســمين‬
‫الولين ‪ ،‬وهما ربا النسيئة وربا الفضل ‪.‬‬
‫ونبدأ أول بتعريف ربا النسيئة وبيانه ‪:‬‬
‫أ‪ -‬ربا النسيئة ‪:‬‬
‫النســيء لغــة المفــردات للراغــب الصــفهاني ص ‪، 492‬‬
‫المعجــم الوســيط مــادة ) نســأ ( ‪ .‬تــأخير فــي الــوقت ‪،‬‬
‫ويقال ‪ :‬نسأ الله في أجلــك ‪ -‬أي أخــر اللــه أجلــك ‪ -‬ومنــه‬
‫قوله ‪ -‬صلى الله عليه وســلم ‪ : -‬صــحيح البخــاري الدب )‬
‫‪,(5639‬سنن الترمذي البر والصــلة )‪,(1979‬مســند أحمــد‬
‫بن حنبل )‪ .(2/374‬من أحب أن يبسط له في رزقه ‪ ،‬وأن‬
‫ينسأ له في أثره فليصل رحمه ‪.‬‬
‫والنسيئة بيع الشيء بالتأخير ‪ ،‬ومنها النسيء الــذي كــانت‬
‫العرب تفعله ‪ ،‬وهو تأخير بعض الشــهر الحــرم إلــى شــهر‬
‫آخر ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(195 :‬‬
‫ســيُء زِي َــاد َةٌ فِــي ال ْك ُْف ـ ِ‬
‫ر‬ ‫مــا الن ّ ِ‬ ‫ســورة التوبــة اليــة ‪ 37‬إ ِن ّ َ‬
‫والمنسأ عصــا ينســأ بهــا الشــيء أي يــؤخر المفــردات ص‬
‫‪. . 492‬‬
‫م عَل َــى‬ ‫ما د َل ّهُـ ْ‬
‫ومن ذلك قوله تعالى ‪ :‬سورة سبأ الية ‪َ 14‬‬
‫َ‬ ‫ض ت َأ ْك ُـ ُ‬ ‫داب ّـ ُ ْ َ‬
‫ه أمــا ربــا الفضــل فــي‬ ‫سـأت َ ُ‬ ‫من ْ َ‬
‫ل ِ‬ ‫ة الْر ِ‬ ‫مـوْت ِهِ إ ِّل َ‬
‫َ‬
‫اصطلح العلماء ‪ ،‬فقد اختلفت فيه عبارات الفقهــاء ‪ ،‬تبعــا‬
‫لختلفهــم فــي علــة ربــا الفضــل ويمكــن القــول أن ربــا‬
‫النسيئة كــان معلومــا معروفــا فــي الجاهليــة ‪ ،‬قبــل نــزول‬
‫اليات القرآنية بتحريمــه ‪ ،‬ولــذلك قــال ســبحانه وتعــالى ‪:‬‬
‫ْ‬
‫ن الّرب َــا فهــو ربــا‬ ‫ن ي َـأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬‫ســورة البقــرة اليــة ‪ 275‬ال ّـ ِ‬
‫معروف معلوم ‪ ،‬وهو الزيادة في الجل مقابل الزيادة في‬
‫البدل ‪ ،‬وهو المال ‪.‬‬
‫وهذا هو الربــا الــذي أجمــع المســلمون علــى منعــه ‪ ،‬ولــم‬
‫يخالف فيه أحد ‪ ،‬فكانوا في الجاهلية يعطــي الرجــل رأس‬
‫ماله لرجــل آخــر ‪ ،‬علــى أن يــرده إليــه بعــد مــدة معينــة ‪،‬‬

‫‪570‬‬
‫بزيادة معينة ‪ .‬فتكون الزيادة نظير التأجيل ‪ ،‬وهذا هــو ربــا‬
‫النسيئة ‪.‬‬
‫فقد جاء في تفسير الرازي ‪ ) ) :‬إن ربا النسيئة هــو الــذي‬
‫كان‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(196 :‬‬
‫مشهورا في الجاهلية ‪ ،‬لن الواحد منهــم كــان يــدفع مــاله‬
‫لغيره إلى أجل أن يأخذ منه كل شهر قدرا معينا ‪.‬‬
‫ورأس المال باق على حاله ‪ ،‬فإذا حل طالبه برأس ماله ‪،‬‬
‫فإن تعذر عليه الداء زاده في الحــق والجــل ( ( التفســير‬
‫الكبير ‪. . 92 / 7‬‬
‫ويؤكد ذلك حديث زيد بن أسلم وقال ) ) كــان الربــا الــذي‬
‫أذن الله فيه بالحرب لمن يتركه ‪ ،‬كان عند أهــل الجاهليــة‬
‫على وجهين ‪ ،‬كأن يكون للرجل على الرجل حق إلى أجل‬
‫‪ ،‬فإذا حل الحق ‪ ،‬قــال صــاحب الحــق ‪ :‬أتقضــي أم تربــي‬
‫‪ ( ( 000‬الحديث ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ربا الفضل ‪:‬‬
‫ذهب جمهور العلماء إلى تحريم ربا الفضل ‪ ،‬في الصناف‬
‫الستة‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(197 :‬‬
‫التالية ‪ :‬الذهب ‪ ،‬الفضة ‪ ،‬البر ‪ ،‬الشعير ‪ ،‬التمــر ‪ ،‬الملــح ‪.‬‬
‫فل يجوز بيع جنس منها بجنسه متفاضل ‪ ،‬حــال أو مــؤجل ‪،‬‬
‫فيحرم بيع درهم بدرهمين نقدا أو مؤجل ‪ ،‬وكــذا بيــع صــاع‬
‫بر بصاعي بر نقدا ‪ ،‬أو مؤجل الربا والمعــاملت المصــرفية‬
‫ص ‪. . 56‬‬
‫والدلــة علــى تحريــم هــذا النــوع صــريحة وصــحيحة مــن‬
‫السنة ‪ .‬منها ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬حــديث عبــادة بــن الصــامت ‪ -‬رضــي اللــه عنــه ‪ -‬أن‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬صحيح مســلم‬
‫المساقاة )‪,(1587‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1240‬ســنن‬
‫النســــائي الــــبيوع )‪,(4561‬ســــنن أبــــو داود الــــبيوع )‬
‫‪,(3349‬سنن ابن ماجه التجارات )‪,(2254‬مسند أحمد بن‬
‫حنبــل )‪,(5/314‬ســنن الــدارمي الــبيوع )‪ .(2579‬الــذهب‬
‫بالذهب ‪ ،‬والفضة بالفضة ‪ ،‬والبر بالبر ‪ ،‬والشعر بالشــعر ‪،‬‬

‫‪571‬‬
‫والتمر بالتمر ‪ ،‬والملح بالملح ‪ ،‬مثل بمثل ‪ ،‬سواء بســواء ‪،‬‬
‫يدا بيد ‪ ،‬فإذا اختلفت هذه الصناف ‪ ،‬فبيعوا كيــف شــئتم ‪،‬‬
‫إذا كان يدا بيد ( ‪.‬‬
‫فيفهم من الحديث أنـه عنــد عــدم اختلف الصـناف ليــس‬
‫لهم الخيار في البيع كيف شاءوا ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬حــديث أبــي ســعيد الخــدري أنــه ‪ -‬صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ‪ -‬قال بعد أن ذكر الصناف الستة ‪ :‬مثل بمثل ‪ ،‬يــدا‬
‫بيد ‪ ،‬فمن زاد أو استزاد فقد أربــا ‪ ،‬الخــذ والمعطــي فيــه‬
‫سواء صحيح البخاري ‪ 65 / 3‬صحيح مسلم ‪. . 42 / 5‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(198 :‬‬
‫وفي رواية أنـه ‪ -‬صـلى اللـه عليـه وسـلم ‪ -‬قـال ‪ :‬صـحيح‬
‫البخـــاري الـــبيوع )‪,(2068‬صـــحيح مســـلم المســـاقاة )‬
‫‪,(1584‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1241‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4570‬مسند أحمد بن حنبــل )‪,(3/4‬موطــأ مالــك‬
‫البيوع )‪ .(1324‬ل تبيعوا الذهب بالذهب إل مثل بمثل ‪ ،‬ول‬
‫تشــفوا ل تشــفوا ‪ :‬ل تزيــدوا ‪ ،‬ول تفضــلوا أحــدهما علــى‬
‫الخر ‪ ،‬جامع الصول ‪ . 550 / 1‬بعضها علــى بعــض ‪ ،‬ول‬
‫تــبيعوا الــورق الــورق ‪ :‬الفضــة ‪ ،‬مضــروبة كــانت أو غيــر‬
‫مضروبة ) المعجم الوســيط مــادة ورق ( ‪ .‬بــالورق إل مثل‬
‫بمثل ‪ ،‬ول تشــفوا ول تفضــلوا ) فتــح البــاري ‪. 380 / 4‬‬
‫بعضها علــى بعــض ‪ ،‬ول تــبيعوا منهــا غائبــا بنــاجز النــاجز ‪،‬‬
‫المعجل الحاضر ) جامع الصول ‪. ، . ( 55 / 1‬‬
‫وقال الشنقيطي ‪ ) ) :‬والحـق الـذي ل شـك فيـه منـع ربـا‬
‫الفضل في الصناف الستة المذكورة ( ( أضواء البيان ‪/ 1‬‬
‫‪ ، 292‬وقال أيضا ‪ :‬حكى غير واحد الجماع على تحريمه ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫وقال القرطبي ‪ ) ) :‬اعلم ‪ -‬رحمك اللـه ‪ -‬أن مســائل هــذا‬
‫الباب كثيرة وفروعه منتشرة ‪ ،‬والذي يربط لك ذلك ‪ ،‬هــو‬
‫ما اعتبره العلماء في علة الربا ( ( تفســير القرطــبي ‪/ 3‬‬
‫‪. . 352‬‬
‫‪ - 2‬علة تحريم ربا الفضل ‪:‬‬
‫إن حكمة تحريم ربا النسيئة وما يترتب عليه مــن أضــرار ‪،‬‬
‫أمر‬

‫‪572‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(199 :‬‬
‫مسلم ظاهر ‪ ،‬ل يماري فيــه أحــد ‪ ،‬حــتى غيــر المســلمين‬
‫يعترفون هذه الضرار والمفاسد ‪.‬‬
‫أمــا ربــا الفضــل فقــد تخفــى علــة التحريــم فيــه ‪ ،‬ولــذلك‬
‫اختلفت أقوال العلماء في هذه المسألة ‪.‬‬
‫وقد نص الشارع على تحريم ربا الفضل في ستة أعيــان ‪،‬‬
‫وهــي ‪ :‬الــذهب ‪ ،‬والفضــة ‪ ،‬والــبر ‪ ،‬والشــعير ‪ ،‬والتمــر ‪،‬‬
‫والملــح لقــوله ‪-‬صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ :‬صــحيح مســلم‬
‫المساقاة )‪,(1587‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1240‬ســنن‬
‫النســــائي الــــبيوع )‪,(4561‬ســــنن أبــــو داود الــــبيوع )‬
‫‪,(3349‬سنن ابن ماجه التجارات )‪,(2254‬مسند أحمد بن‬
‫حنبــل )‪,(5/314‬ســنن الــدارمي الــبيوع )‪ .(2579‬الــذهب‬
‫بالذهب ‪ ،‬والفضة بالفضة ‪ ،‬والبر بالبر ‪ ،‬والشعير بالشعر ‪،‬‬
‫والتمر بالتمر ‪ ،‬والملح بالملح ‪ ،‬مثل بمثل ‪ ،‬سواء بســواء ‪،‬‬
‫يدا بيد الحــديث ســبق تخريجــه ص ‪ . 297‬فــاتفق العلمــاء‬
‫على تحريم التفاضل فيها مع اتحاد الجنس ‪ ،‬وتنازعوا فيما‬
‫عــداها ‪ .‬فطائفــة قصــرت التحريــم علــى هــذه الصــناف‬
‫فقط ‪ ،‬وهو مذهب أهل الظاهر نيل الوطار ‪. . 302 / 5‬‬
‫وذهــب الحنفيــة وأحمــد فــي ظــاهر مــذهبه إلــى أن علــة‬
‫التحريم مكيل وموزون بجنســه فكــل مــا يــدخل الكيــل أو‬
‫الوزن من جنس واحد ‪ ،‬إن بيــع بعضــه ببعــض متفاضــل أو‬
‫نسيئة ل يجوز ‪ ،‬ولو باع ثوبا‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(200 :‬‬
‫بثوب نسأ ‪ ،‬لم يجز لتحاد الجنس ‪.‬‬
‫ومنعوا كذلك بيع التراب بعضه ببعض متفاضل ‪ ،‬لنه يدخله‬
‫الكيل ‪ ،‬ولــو بــاع حديــدا بنحــاس لــم يجــز لوجــود الــوزن ‪،‬‬
‫وأجازوا الخبز رغيفا برغيفين ؛ لنه معدود ‪ ،‬غير مكيــل ول‬
‫موزون فــي عرفهــم ‪ ،‬وإن كــان الخــبز يــوزن فــي العصــر‬
‫الحاضر ‪.‬‬
‫وقال الشافعي ‪ :‬العلة كونه مطعوما جنسا ‪ ،‬وإن لم يكــن‬
‫مكيل ول موزونا ‪ ،‬وهو رواية عن أحمــد ‪ .‬وهــذا قــوله فــي‬
‫الجديد ‪ .‬فل يجوز عنده بيع الخبز بالخبز متفاضل ول نسيئة‬

‫‪573‬‬
‫‪ ،‬ول يجوز بيع بيضة ببيضتين ‪ ،‬ول بطيخة ببطيخــتين ل يــدا‬
‫بيد ول نسيئة ؛ لن ذلك كله طعام مأكول ‪.‬‬
‫وقال في القديم ‪ :‬كونه مكيل أو موزونــا ‪ ،‬كمــا هــو الحــال‬
‫عند الحنفية ‪.‬‬
‫وذهــب المالكيــة إلــى كــونه مقتاتــا مــدخرا للعيــش غالبــا‬
‫جنسا ‪ ،‬كالصناف الواردة في الحــديث ‪ ،‬مــن التمــر والــبر‬
‫والشعير وما في معناهــا ‪ ،‬مــن الرز والسمســم والــذرة ‪،‬‬
‫والقطاني من الفول والعدس والحمــص ‪ ،‬وكــذلك اللحــوم‬
‫واللبان والزيــوت ‪ ،‬والثمــار كــالعنب والزبيــب والزيتــون ‪،‬‬
‫ويلحق بها العسل والسكر ‪ ،‬فهذا كله يدخله الربا من جهة‬
‫النسأ ‪.‬‬
‫وجائز فيه التفاضل ‪ ،‬لقوله ‪ -‬عليه الصــلة والســلم ‪ : -‬إذا‬
‫اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يــدا بيــد ‪.‬‬
‫ول ربا في‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(201 :‬‬
‫رطــب الفــواكه الــتي ل تبقــى ‪ ،‬كالتفــاح والرمــان والقثــاء‬
‫والخضروات ‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ :‬ل يجوز بيع البيض بالبيض متفاضل ؛ لنه ممــا‬
‫يدخر ‪ ،‬ويجوز عنده مثل بمثل ‪.‬‬
‫وفــي روايــة عــن الشــافعي ‪ ،‬وروايــة عــن أحمــد أن علــة‬
‫التحريــم الطعــام إذا كــان مكيل موزونــا جنســا تفســير‬
‫القرطبي ‪ ، 352 / 3‬شــرح فتــح القــدير ‪ . 4 / 7‬وهــذه‬
‫الرواية تجمع بين رأي الحنفية والشــافعية والحنابلــة الربــا‬
‫والمعاملت في السلم ص ‪ 161‬محمد رشيد رضا ‪. .‬‬
‫ومن هذا يظهر أن الجنس معتبر عند الجميع ‪ ،‬فيما يتعلــق‬
‫به من تحريم ربا الفضل عند انضمام غيره إليه ‪.‬‬
‫وأما الــدراهم والــدنانير ‪ ،‬فعنــد أبــي حنيفــة ‪ ،‬وروايــة عــن‬
‫أحمد ‪ ،‬العلة فيهما كونهما موزونين ‪.‬‬
‫وذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن العلة في ذلــك هــي‬
‫الثمنية ‪ ،‬وقد أجمعوا على جواز ذلك فــي الموزونــات مــن‬
‫النحـــاس والحديـــد ‪ .‬فالـــدراهم والـــدنانير هـــي أثمـــان‬
‫المبيعــات ‪ ،‬والثمــن هــو المعيــار الــذي بــه يعــرف تقــويم‬

‫‪574‬‬
‫الموال ‪ ،‬فيجب أن يكون مضبوطا الربــا والمعــاملت فــي‬
‫السلم ص ‪ 156‬محمد رشيد رضا ‪. .‬‬
‫‪ - 3‬الخلف في تحريم ربا الفضل ‪:‬‬
‫ذهب عامة أهل العلم إلى تحريم ربا الفضل ‪ ،‬وأنه كحرمة‬
‫ربا النسيئة ‪،‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(202 :‬‬
‫ووردت روايات عن بعــض الصــحابة تفيــد عــدم وجــود ربــا‬
‫الفضل ‪ ،‬وجعلوا الربا محصورا في ربا النسيئة المغني ‪/ 4‬‬
‫‪ . 1‬وكانوا يقولون ‪ :‬إنما الربا في النسيئة ‪ ،‬لقــوله ‪ -‬عليــه‬
‫الصلة والسلم ‪ : -‬ل ربا إل في النسيئة ‪.‬‬
‫وقد روي أن عبد الله بــن عبــاس رجــع عــن رأيــه ‪ ،‬عنــدما‬
‫راجعه في ذلك أبو سعيد الخدري ‪ -‬رضي الله عنه ‪. -‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(203 :‬‬
‫وقال الشعبي ‪ :‬حدثني بضعة عشر نفرا من أصــحاب ابــن‬
‫عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬الخــبر ‪ ،‬فـالخبر أنـه رجـع عــن‬
‫فتواه فقال ‪ :‬الفضل حرام ‪.‬‬
‫وقال جابر بن زيد ‪ -‬رضي الله عنه ‪ : -‬ما خرج ابن عبــاس‬
‫‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬من الــدنيا حــتى رجــع عــن قــوله فــي‬
‫الصرف والمتعة المبسوط للسرخســي ‪، 6 / 14‬ـ ‪/ 12‬‬
‫‪. . 106‬‬
‫وقال ابن قدامة في المغنــي ‪ :‬فــإن لــم يثبــت رجــوع ابــن‬
‫عبــاس ‪ ،‬فإجمــاع التــابعين بعــده يرفــع قــوله المغنــي مــع‬
‫الشرح الكبير ‪. . 123 / 4‬‬
‫وقد أنكر ابن حزم الظاهري رجوع ابن عباس عــن قــوله ‪،‬‬
‫كما أنكر الجماع على تحريم ربا الفضل ‪ ،‬وذكر أن فقهــاء‬
‫مكة مــن تلميــذ ابــن عبــاس ‪ -‬رضــي اللــه عنهمــا ‪ -‬كــانوا‬
‫يقولون بقوله المحلى لبن حزم ‪. . 566 / 8‬‬
‫ولكــن عامــة أهــل العلــم علـى تحريـم ربـا الفضــل ‪ ،‬وربـا‬
‫القــرض ‪ ،‬وربــا النســيئة ‪ ،‬ولهــم أدلــة مــن ظــاهر الكتــاب‬
‫والسنة والثار ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(204 :‬‬
‫ولقد وفق الشنقيطي بين ما ذهب إليــه جمهــور العلمــاء ‪،‬‬
‫وبين ما روي عن ابن عباس ‪ ،‬وأسامة بن زيــد وغيرهمــا ‪،‬‬

‫‪575‬‬
‫بأن مراد النبي ‪ -‬صلى الله عليــه وســلم ‪ -‬بقــوله ‪ :‬صــحيح‬
‫مســـلم المســـاقاة )‪,(1596‬ســـنن النســـائي الـــبيوع )‬
‫‪,(4580‬سنن ابن ماجه التجارات )‪,(2257‬مسند أحمد بن‬
‫حنبل )‪,(5/209‬ســنن الــدارمي الــبيوع )‪ .(2580‬ل ربــا إل‬
‫في النسيئة ‪ ،‬إنما هو جواز الفضل في جنسين مختلفيــن ‪،‬‬
‫واختار هذا الوجه البيهقي في السنن الكبرى ‪.‬‬
‫وقال ابن حجر في فتــح البــاري ‪ :‬وقــال الطــبري ‪ :‬معنــى‬
‫حديث أسامة ‪ -‬ل ربا إل فــي النســيئة ‪ -‬إذا اختلفــت أنــواع‬
‫البيع والفضل فيه يدا بيد ربا ‪ ،‬جمعا بينه وبين حــديث أبــي‬
‫سعيد الخدري فتح الباري ‪. . 382 / 4‬‬
‫‪ - 4‬صرع الجن للنسان ‪ :‬ذهب عامــة المعتزلــة وأبــو بكــر‬
‫الــرازي الجصــاص مــن الحنفيــة ‪ ،‬وفخــر الــدين الــرازي ‪،‬‬
‫والقفال من الشافعية ‪ ،‬والقاضي أبو يعلى مــن الحنابلــة ‪،‬‬
‫إلى إنكار صرع الجن للنسان ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن الجــن مخلــوق‬
‫ليس له سلطان على النس ‪ ،‬بل هو عالم مســتقل بــذاته‬
‫وافقهم في ذلك محمد رشيد رضا تفسير المنار ‪ ،‬ومحمود‬
‫شــلتوت وبعــض المعاصــرين ‪ ، .‬وفســروا قــوله تعــالى ‪:‬‬
‫ذي‬ ‫م ال ّـ ِ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬
‫مــا ي َُقــو ُ‬ ‫ســورة البقــرة اليــة ‪َ 275‬ل ي َُقو ُ‬
‫مــو َ‬
‫س‪.‬‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬
‫ه ال ّ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(205 :‬‬
‫بأن هذا ورد وفق ما كان يتداوله العرب في الجاهلية ‪.‬‬
‫ومما قاله الزمخشري في تفسير الية ‪ :‬وتخبط الشــيطان‬
‫من زعمات العرب ‪ ،‬يزعمون أن الشيطان يخبط النســان‬
‫فيصرع ‪ ،‬والخبط الضرب على غير استواء ‪ ،‬فورد على ما‬
‫كانوا يعتقدون ‪ ،‬والمس الجنون ‪ ،‬ورجل ممسوس ‪ ،‬وهــذا‬
‫أيضا مــن زعمــاتهم ‪ ،‬وأن الجنــي يمســه فيختلــط عقلــه ‪،‬‬
‫وكذلك جن الرجل معناه ضربته الجن ‪ ،‬وفي رؤيتهم للجن‬
‫قصص وأخبار وعجائب تفسير الكشاف ‪. . 399 / 1‬‬
‫وقالوا إن ما جاء في اليــة ‪ ،‬إنمــا كــان وفقــا لمــا يتــداوله‬
‫العرب ‪ ،‬وليس بتقرير وتأكيد لهذه الدعوى ‪ ،‬ويشبه هذا ما‬
‫َ‬
‫جاء في قوله تعالى ‪ :‬سورة الصافات الية ‪ 65‬ط َل ْعَُها ك َأن ّ ُ‬
‫ه‬
‫ن‪.‬‬
‫طي ِ‬‫شَيا ِ‬ ‫س ال ّ‬‫ُرُءو ُ‬

‫‪576‬‬
‫فـــرؤوس الشـــياطين لـــم يشـــاهدها النـــاس ‪ ،‬ولكنهـــم‬
‫يتصورونها بصورة بشعة منفرة ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬إن الروايات الواردة في صرع الجن للنســان لــم‬
‫يصح منها شيء ‪ ،‬وهذه المسألة من مسائل العقيــدة ‪ ،‬ول‬
‫يصح الجزم فيها بناء على الدلة الظنية ‪.‬‬
‫وقالوا أيضا ‪ :‬إن هذه الية شبيهة بقوله تعالى ‪ :‬سورة ص‬
‫كــر عَبــدنا أ َيــوب إذ ْ نــادى ربــ َ‬
‫ي‬
‫ســن ِ َ‬
‫م ّ‬
‫ه أّنــي َ‬
‫َ ِ َ َ َ ّ ُ‬ ‫اليــة ‪َ 41‬واذ ْ ُ ْ ْ َ َ ّ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ذا ٍ‬‫ب وَعَ َ‬
‫ص ٍ‬
‫ن ب ِن ُ ْ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ال ّ‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(206 :‬‬
‫فالراجح عند أهل العلم أن مس الشــيطان ليــوب ‪ -‬عليــه‬
‫الســلم ‪ -‬إنمــا كــان بطريــق الوسوســة ‪ .‬ولــم يكــن ذلــك‬
‫المس من باب صرع الجن تفسير اللوسي ‪. . 206 / 23‬‬
‫ومما قــاله القاضــي أبــو الســعود فــي تفســيره ‪ " :‬وقيــام‬
‫المصــروع وارد علــى مــا يزعمــون أن الشــيطان يخبــط‬
‫النســان ‪ ،‬فيصــرع ويخبــط ‪ ،‬والخبــط ‪ :‬الضــرب بغيــر‬
‫اســتواء ‪ ،‬كخبــط العشــواء ‪ ،‬وفــي قــوله ‪ ) :‬مــن المــس (‬
‫قال ‪ :‬أي الجنون ‪ ،‬وهــذا أيضــا مــن زعمــاتهم ‪ ،‬أن الجنــي‬
‫يمسه فيختلط عقله ‪ ،‬فلذلك يقال ‪ :‬جــن الرجــل " وفعــل‬
‫الرازي الجصاص فــي تفســيره مثــل ذلــك أحكــام القــرآن‬
‫للجصاص ‪. . 48 ، 47 / 1‬‬
‫وهناك كــتيب صــغير عنــوانه ‪ ) :‬بينــي وبيــن الشــيخ حامــد‬
‫الفقي ( حمل فيه مؤلفه أحمــد شــاكر بشــدة علــى حامــد‬
‫الفقي ؛ لنه نقل أقوال أهل العلم فــي عــدم صــحة صــرع‬
‫الجن للنسان ‪ ،‬ونقل قول الشافعي ‪:‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(207 :‬‬
‫" مــن ادعــى أنــه يــرى الجــن ‪ ،‬ويســتعين بهــم ‪ ،‬فإنــا نــرد‬
‫شــهادته ‪ ،‬ونتهمــه بالكــذب " بينــي وبيــن الشــيخ حامــد‬
‫الفقي ‪ /‬أحمد شاكر ‪. .‬‬
‫وذكــر العلمــاء أن مــن ادعــت الحمــل مــن الجــن ‪ ،‬وظهــر‬
‫حملها ‪ ،‬فل يصدق قولها ‪ ،‬ويقام الحد عليها ‪.‬‬
‫وقد مال صاحب المنار إلى هذا المذهب ‪ ،‬ونقل عــن ابــن‬
‫عطية قوله في تفسير الية ‪ :‬إن المــراد مــن اليــة تشــبيه‬
‫المرابي في الدنيا بــالمتخبط المصــروع ‪ ،‬كمــا يقــال لمــن‬

‫‪577‬‬
‫يصرع بحركــات مختلفــة ‪ :‬قــد جــن ‪ .‬ثــم قــال ‪ :‬وهــذا هــو‬
‫المتبادر ‪ ،‬ولكن ذهب الجمهور إلى خلفه ‪ ،‬وقــالوا إن مــن‬
‫علمة المرابين يوم القيامــة أنهــم يبعثــون كالمصــروعين ‪،‬‬
‫ورووا ذلك عن ابن عباس وابن مسعود ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬والمتبادر إلى جميع الفهام ما قاله ابــن عطيــة ؛‬
‫لنــه إذا ذكــر القيــام انصــرف إلــى النهــوض المعهــود فــي‬
‫العمال ‪ ،‬ول قرينة تدل على أن المراد به البعــث ‪ ،‬وهــذه‬
‫الروايات ل يسلم منها شيء من قول في سنده ‪ ،‬وهي لم‬
‫تنــزل مــع القــرآن ‪ ،‬ول جــاء المرفــوع منهــا مفســرا لليــة‬
‫تفسير المنار ‪. . 80 / 3‬‬
‫ثم ختم كلمه بأنه قــد يكــون المــراد مــن الجــن الجســام‬
‫الحيــة الخفيــة ‪ ،‬الــتي عرفــت فــي هــذا العصــر بواســطة‬
‫النظارات المكبرة ‪ ،‬وتسمى الميكروبات تفسير المنار ‪/ 3‬‬
‫‪. . 81‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(208 :‬‬
‫وأقول إن ما نقله محمد رشيد رضا عن ابن عطية ‪ ،‬حــتى‬
‫وإن ســلمنا بــأنه هــو الراجــح ‪ ،‬فــإنه ل يتعــارض مــع رأي‬
‫جمهور العلماء الذين ذكروا بأن هذا القيام يكون القيامـة ؛‬
‫لنه ل يمنع أن يكون حال هؤلء المرابين في تخبطهم في‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬فهـم فـي الـدنيا علـى هـذا الحـال ‪ ،‬وعنـد‬
‫قيامهم يوم القيامة كذلك ‪ ،‬يكونون على نفس تلك الحــال‬
‫والصفة ‪.‬‬
‫وكــذلك مــا نقلــه عــن ابــن عطيــة ‪ ،‬فــإنه ل يتعــارض مــع‬
‫القائلين بصرع الجن للنسان ‪.‬‬
‫أما قوله ‪ :‬بأن المراد بالجن الميكروب ‪ ،‬فهذا قول واضــح‬
‫التهــافت ‪ ،‬ومــن المآخــذ المعــدودة علــى صــاحب تفســير‬
‫المنار ‪ ،‬والتي تأثر فيها بصاحبه محمد عبده ‪.‬‬
‫أما جمهور العلماء ‪ ،‬فقد ذهبــوا إلــى إمكانيــة صــرع الجــن‬
‫للنسان ‪ ،‬والتلبس به ‪ ،‬والتكلم على لسانه ‪.‬‬
‫وممــا قــاله شــيخ الســلم ابــن تيميــة فــي هــذه المســألة‬
‫مجموع الفتاوى ‪: . 280 / 24‬‬
‫" فمــن كــذب ‪ .‬بمــا هــو موجــود مــن الجــن والشــياطين‬
‫والســحر ‪ ،‬ومــا يــأتون بــه علــى اختلف أنــواعه ‪ ،‬كــدعاء‬

‫‪578‬‬
‫الكــواكب ‪ ،‬وتخريــج القــوى الفعالــة الســماوية بــالقوى‬
‫المنفعلة الرضية ‪ ،‬وما ينزل من الشياطين‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(209 :‬‬
‫علــى كــل أفــاك أثيــم ‪ ،‬فالشــياطين الــتي تنــزل عليهــم ‪،‬‬
‫ويسمونها روحانيــة الكــواكب ‪ ،‬وأنكــروا دخــول الجــن فــي‬
‫أبدان النس ‪ ،‬وحضورها بما يستحضرون بــه مــن العــزائم‬
‫والقسام ‪ ،‬وأمثال ذلك كما هو موجود ‪ ،‬فقد كذب بما لــم‬
‫يحط به علما " ‪.‬‬
‫وقال في موضع آخر ‪ " :‬إن من الناس من رآهـم ‪ ،‬وفيهـم‬
‫من رأى من رآهم ‪ ،‬وثبت ذلك عنده بالخبر واليقين ‪ ،‬ومن‬
‫النــاس مــن كلمهــم وكلمــوه ‪ ،‬ومــن النــاس مــن يــأمرهم‬
‫وينهــاهم ويتصــرف فيهــم ‪ ،‬وهــذا يكــون للصــالحين وغيــر‬
‫الصالحين ‪ ،‬ولو ذكرت ما جرى لي ولصحابي معهم لطال‬
‫الخطاب ‪ ،‬وكــذلك مــا جــرى لغيرنــا ‪ ،‬لكــن العتمــاد علــى‬
‫الجوبة العلمية يكون على ما يشترك النــاس فــي علمــه ‪،‬‬
‫ول يكون بما يختص بعلمه المجيب ‪ ،‬إل أن يكــون الجــواب‬
‫لمن يصدقه فيما يخبر به " مجموع الفتاوى ‪. . 232 / 4‬‬
‫وقال عبد الله بن أحمد بن حنبــل ‪ :‬قلــت لبــي ‪ :‬إن قومــا‬
‫يزعمون أن الجني ل يدخل في بــدن النســي ‪ ،‬فقــال ‪ :‬يــا‬
‫بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه مجموع الفتاوى ‪/ 24‬‬
‫‪ 276‬لقط المرجان للسيوطي ص ‪. . 134‬‬
‫وقال ابن القيم في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد ‪:‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(210 :‬‬
‫الصــرع صــرعان ‪ :‬صــرع مــن الرواح الخبيثــة الرضــية ‪،‬‬
‫وصرع من الخلط الرديئة ‪.‬‬
‫والثاني هو الذي يتكلم فيه الطباء فــي ســببه وعلجــه زاد‬
‫المعاد ‪. . 66 / 4‬‬
‫وقد كتب الشيخ عبد العزيز بن باز رسالتين الولــى ‪ :‬فــي‬
‫مسألة دخول الجني فــي بــدن النســان ‪ ،‬وجــواز مخاطبــة‬
‫الجــن للنــس ‪ ،‬والثانيــة ‪ :‬فــي العلج عــن طريــق الســحر‬
‫والكهانــة رســالتان ‪ ،‬عبــد العزيــز بــن بــاز ‪ ،‬دار الســلم‪-‬‬
‫الرياض ط ‪ 1‬سنة ‪ 1411‬هـ ‪. .‬‬

‫‪579‬‬
‫وقد فرق الشيخ أبــو بكــر الجــزائري بيــن الشــيطان الــذي‬
‫ليس له سلطان على النسان إل بالوسوسة ‪ ،‬وبين الجني‬
‫الذي يصرع النسان ‪ ،‬ويتلبس به فيصرعه ‪ ،‬وينطق الجني‬
‫على لسانه الدفاع عن الغزالي ‪ ) 33- 23‬راسم للدعاية (‬
‫ط ‪ 1‬سنة ‪1410‬هـ ‪. .‬‬
‫وقد اســتدل الجمهــور بأدلــة عديــدة مــن الكتــاب والســنة‬
‫والثار ‪.‬‬
‫وقــد تعقــب القاســمي مــا ذكــره صــاحب الكشــاف فــي‬
‫تفسيره ‪ ،‬ونقل ما كتبه المام ناصر الدين أحمد بن المنير‬
‫السكندري ‪ ،‬فقال كتاب النصــاف فيمــا تضــمنه الكشــاف‬
‫مـــن العـــتزال ‪ ) 399 / 1‬مطبـــوع علـــى هـــامش‬
‫الكشاف ( ‪ : .‬معنى قول الكشاف ‪ :‬من زعمات العــرب ‪،‬‬
‫أي كذباتهم وزخــارفهم الــتي ل حقيقــة لهــا ‪ ،‬وهــذا القــول‬
‫علــى الحقيقــة مــن تخبــط الشــيطان بالقدريــة ‪ ،‬ومــن‬
‫زعماتهم المردودة بقواطع الشرع ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬واعتقاد الســلف ‪ ،‬وأهــل الســنة ‪ ،‬أن هــذه أمــور‬
‫على حقائقها واقعة ‪ ،‬كما أخبر الشرع عنها ‪ ،‬وإنما القدرية‬
‫خصماء العلنية ‪ ،‬فل جرم أنهم ينكرون كثيرا مما يزعمونه‬
‫مخالفا لقواعدهم ‪ .‬ومن ذلك ‪ :‬السحر ‪ ،‬وخبطة الشيطان‬
‫‪ ،‬ومعظم أحوال الجن تفسير القاسمي ‪ 701 / 3‬ما بعدها‬
‫‪..‬‬
‫وصرح القرطبي بأن هذه الية دليل على فسـاد مــن أنكــر‬
‫الصرع من جهة الجن تفسير القرطبي ‪. . 355 / 3‬‬
‫وأقــول ‪ :‬إن القضــية مــا زالــت محــل خلف ‪ ،‬ليــس بيــن‬
‫المســلمين فقــط ولكنــه حــتى عنــد النصــارى واليهــود ‪،‬‬
‫وغيرهم من المم ‪.‬‬
‫وقد قامت بعض الدراســات الميدانيــة فــي جامعــة الملــك‬
‫سعود ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(212 :‬‬
‫كما سجلت رسالة جامعية فــي جامعــة المــام محمــد بــن‬
‫سعود السلمية في قســم القــرآن وعلــومه ‪ ،‬زار البــاحث‬
‫بعض المنازل التي يعالــج فيهــا الصــرع ‪ ،‬ولــم يتمكــن مــن‬
‫تسجيل دليل علمي حقيقي ظاهر على ذلك ‪.‬‬

‫‪580‬‬
‫فعند ادعاء أن المصروع قد تلبــس بــه جنــي هنــدي ‪ ،‬وأنــه‬
‫يتكلم الهندية ‪ ،‬جاء مترجم هندي ليسمع ما يهذي بــه ذلــك‬
‫المصروع ‪ ،‬وأنكر أن يكون مثل هذا الكلم لــه أدنــى صــلة‬
‫باللغــة الهنديــة ‪ ،‬بــل هــو مجــرد هــذيان ‪ ،‬وتغيــر صــوت‬
‫ورعشات وهكذا ‪.‬‬
‫ونحن عندما نأخذ برأي الجمهور ل يعني أننا نشجع النــاس‬
‫على الذهاب للسحرة والمشعوذين ‪ ،‬بل ندعوهم للتمسك‬
‫بكتــاب اللــه والتحصــن بــه ‪ ،‬والبعــد عــن مــواطن الريــب‬
‫والزلل ‪ ،‬فإن الله هو خير حافظا وهو أرحم الراحمين ‪.‬‬
‫‪ - 5‬الحكمة مــن تحريــم الربــا انظــر ‪ :‬تفســير المنــار ‪/ 3‬‬
‫‪ ، 91‬روائع البيان للصابوني ‪: . 394 / 1‬‬
‫لقد حرم الله الربا ‪ ،‬لما يترتب عليه من أضرار ومفاســد ‪،‬‬
‫تعم الفرد والمجتمــع ‪ ،‬وتتســع دائرة هــذا الفســاد لتشــمل‬
‫النواحي القتصادية والجتماعية والنفسية ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(213 :‬‬
‫فقد جعل الله تعالى طريق تعامل الناس ‪ ،‬واســتفادة كــل‬
‫منهم من الخــر ‪ ،‬عــن طريــق العمــل ‪ ،‬والربــا زيــادة فــي‬
‫المال دون عمل ‪.‬‬
‫ويختلــف الــبيع عــن الربــا ؛ لن الــبيع يلحــظ فيــه انتفــاع‬
‫المشتري بالسلعة انتفاعــا حقيقــا ‪ ،‬أمــا الربــا فهــو إعطــاء‬
‫الدراهم وأخذها مضــاعفة فــي وقــت آخــر ‪ ،‬وهــي غالبــا ل‬
‫تعطى بالرضا ‪ ،‬بل بالكره والضطرار ‪.‬‬
‫وكذلك فإن الربا يؤدي إلــى تكــدس المــال فــي أيــدي فئة‬
‫قليلة من النــاس ‪ ،‬تجعــل عملهــا مقصــورا علــى اســتغلل‬
‫المال بالمال ‪ ،‬وما نشاهده في العصر الحاضر أكــبر دليــل‬
‫على ذلك ‪.‬‬
‫فالمال مكدس عند أصــحاب البنــوك ‪ ،‬وشــركات التــأمن ‪،‬‬
‫وما شابهها ‪ ،‬ويتحكــم هــؤلء فــي كــل شــيء ‪ ،‬ويكفــي أن‬
‫نشــير إلــى مــا فعلــه اليهــود ويفعلــونه الن ‪ ،‬مــن تحكــم‬
‫واستغلل لشــعوب الرض قــديما وحــديثا ‪ ،‬وذلــك باعتمــاد‬
‫الربا والوسائل المحرمة لجمع المال ‪.‬‬
‫والربا كذلك يؤدي إلى وقوع الضغينة والبغضاء بيــن أفــراد‬
‫المجتمع الواحد ‪ ،‬الذي يجب أن تسوده الرحمة والخاء ‪.‬‬

‫‪581‬‬
‫كما أنه يفضي إلى امتناع الناس عن تحمل المشاق ‪ ،‬فــي‬
‫الكسب والتجارة والصناعة ؛ فيؤدي إلــى انقطــاع مصــالح‬
‫الخلق ‪ ،‬ويفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس ‪.‬‬
‫ول يقال ‪ :‬إن رأس المال لو بقي في يــد صــاحبه لســتفاد‬
‫منه وربح بالمتاجرة فيه ‪ ،‬فلما دفعــه للمحتــاج جــاز لــه أن‬
‫يأخذ زيادة عــن رأس مــاله ‪ ،‬مقابــل تعطــل النتفــاع بهــذا‬
‫المال تفسير آيات الحكام للسايس ‪. . 168 / 1‬‬
‫وذلك لن الربح المزعوم لهذا المال لو بقي في يد صاحبه‬
‫أمــر موهــوم مظنــون ‪ ،‬فقــد يحصــل وقــد ل يحصــل ‪ ،‬أمــا‬
‫الزيــادة علــى رأس المــال فهــي ملــك للفقيــر علــى وجــه‬
‫اليقين ‪ ،‬وقد يخسر ذلك المحتاج في تعامله بــرأس المــال‬
‫الــذي اســتدانه ‪ ،‬فيجمــع عليــه خســارته فــي التجــارة ‪،‬‬
‫والزيادة التي يطلبها المرابي على رأس المال ‪.‬‬
‫‪ - 6‬بيع العينة انظــر الــذرائع الربويــة ‪ ،‬ســليمان الملحــم ‪،‬‬
‫رسالة ماجستير في كلية الشريعة ‪: .‬‬
‫العينة بكسر العين المهملة ‪ ،‬ثم ياء تحتية ساكنة ‪ ،‬ثم نون‬
‫‪.‬‬
‫قال ابن فارس ‪ :‬العين هو المال العتيــد الحاضــر ‪ ،‬يقــال ‪:‬‬
‫هو عين غير دين ‪ ،‬أي هو مال حاضر تــراه العيــون معجــم‬
‫مقاييس اللغة ‪ ،‬مادة ) عين ( ‪. . 203 / 4 ،‬‬
‫ومن المجاز ‪ :‬إطلق العين على الميل في الميزان ‪ .‬قــال‬
‫الراغب ‪ :‬وتستعار العين للميل في الميزان المفردات في‬
‫غريب القرآن ص ‪. . 355‬‬
‫وقد اشتقت العينة من هذا الصل ‪ ،‬قال الخليل بــن أحمــد‬
‫الفراهيدي ‪ :‬اشتقت من عين الميزان وهي زيادته ‪.‬‬
‫ووافقه ابن فارس فقال ‪ :‬هذا الذي ذكره الخليل صــحيح ؛‬
‫لن العينة ل بد أن تجر زيادة معجم مقاييس اللغة ‪ ،‬مــادة‬
‫) عين ( ‪ ، .‬وقال الزهري ‪ :‬العينة اشتقاقها من‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(215 :‬‬
‫العين ‪ ،‬وهـو النقـد الحاضـر تهـذيب اللغـة للزهـري ‪/ 3 ،‬‬
‫‪. . 207‬‬
‫وقـــال الجـــوهري ‪ :‬العينـــة بالكســـر وســـكون المثنـــاة ‪:‬‬
‫السلف ‪ ،‬ويقال ‪ :‬اعتان الرجل ‪ ،‬إذا اشترى الشيء نسيئة‬

‫‪582‬‬
‫الصحاح للجوهري ‪ ) ،‬مادة عين ( ‪ . .‬وقــال ابــن منظــور ‪:‬‬
‫والعينة ‪ :‬الربا لسان العرب ‪ ) ،‬مادة عين ( ‪. .‬‬
‫وقال في القــاموس المحيــط ‪ :‬وعيــن ‪ ،‬أخــذ بالعينــة ‪ ،‬أي‬
‫السلف أو أعطى بها ‪ ،‬والتاجر باع سلعته بثمن إلى أجل ‪،‬‬
‫ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن القاموس المحيط ‪) ،‬‬
‫مادة عين ( ‪. .‬‬
‫وللعينة صور متعددة ‪ ،‬ولكنها فــي عامتهــا تــدخل فــي بيــع‬
‫المضطر ‪ ،‬كأن يحتاج رجل إلى نفقة ‪ ،‬فل يعطيه الموســر‬
‫بــالقرض ‪ ،‬ولكــن يــبيعه الســلعة بضــعف ثمنهــا ‪ ،‬فيضــطر‬
‫المحتــاج لبيعهــا بخســارة مــن أجــل حصــوله علــى المــال‬
‫انظر ‪ :‬الفتاوى الكبرى لبن تيمية ‪. . 137 / 3 ،‬‬
‫وقال ابن قدامــة ‪ :‬إن مــن بــاع ســلعة بثمــن مؤجــل ‪ ،‬ثــم‬
‫اشتراها من المشتري بأقل منه نقدا ‪ ،‬فهــو عينــة المغنــي‬
‫لبن قدامة ‪. . 260 / 6 ،‬‬
‫وقال البنا الساعاتي في تعليقه علــى مســند أحمــد الفتــح‬
‫الرباني لترتيب مسند المام أحمد ‪ ، 44 / 15‬نيل الوطار‬
‫‪ : . 319 / 5‬فسر الفقهاء‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(216 :‬‬
‫العينة ‪ ،‬أن يبيع الرجل ســلعة لرجــل آخــر إلــى أجــل ‪ ،‬ثــم‬
‫يشتريها منــه بثمــن حــال نقــدا فــي المجلــس ‪ ،‬بأقــل مــن‬
‫الثمن الذي باعها به ‪ ،‬ليبقى الكثير في ذمته ويســلما مــن‬
‫الربا ‪ ،‬وقيل لهــذا الــبيع عينــة ‪ ،‬لن مشــتري الســلعة إلــى‬
‫أجل يأخذ بدلها عينــا ‪ ،‬أي نقــدا حاضــرا معجل ‪ ،‬ليصــل بــه‬
‫إلى مقصوده ‪ ،‬مــع بقــاء الثمــن الكــثير فــي ذمتــه ‪ ،‬وذلـك‬
‫حرام باتفاق العلماء ‪ ،‬إن اشترط المشتري على البائع أن‬
‫يشتريها منه بثمن معلوم ؛ لنه حيلــة علــى تحليــل الربــا ‪،‬‬
‫فإن لــم يكــن بينهمــا شــرط ‪ ،‬أجازهــا الشــافعية ‪ ،‬ومنعهــا‬
‫جمهور العلماء ‪.‬‬
‫ولو باعها المشتري من غيــر بائعهــا فــي المجلــس ‪ ،‬فهــي‬
‫عينة أيضا لكنها جائزة بالتفاق إذا خلت من التواطؤ علــى‬
‫الحيلة ‪.‬‬
‫وقــال الشــوكاني ‪ :‬ســميت عينــة ‪ ،‬لن العينــة هــو المــال‬
‫الحاضر ‪ ،‬والمشتري إنما يشتريها ليبيعهــا بعيــن حاضــرة ‪،‬‬

‫‪583‬‬
‫ليصــل إلــى مقصــوده نيــل الوطــار ‪ ، 319 / 5‬تفســير‬
‫القرطبي ‪. . 361 / 5‬‬
‫وذهب ابن القيم إلى عدم جواز بيــع العينــة ‪ ،‬مســتدل بمــا‬
‫روي عن الوزاعي عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه‬
‫قال ‪ :‬يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع وقــال ‪:‬‬
‫هذا الحـديث وإن كـان مرسـل ‪ ،‬فـإنه صـالح للعتضـاد بـه‬
‫بالتفاق ‪ ،‬وله من المسندات ما يشهد له نيل الوطار ‪/ 5‬‬
‫‪. . 319‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(217 :‬‬
‫وبيع العينة حيلة ومكــر وخديعــة ‪ ،‬وهــو ل يرفــع المفســدة‬
‫التي حرم الربا مــن أجلهــا ‪ ،‬بــل يزيــدها قـوة وتأكيـدا مــن‬
‫وجوه عديدة نيل الوطار ‪. . 319 / 5‬‬
‫وقال القرطبي ‪ :‬إن من أباح بيع العينة ‪ ،‬فليبح حفر البئر ‪،‬‬
‫ونصب الحبالت لهلك المســلمين والمســلمات ‪ ،‬وذلــك ل‬
‫يقوله أحد يقصد حفر البئر ليقع فيه النــاس ‪ .‬وقــال ‪ :‬لقــد‬
‫اتفقنا على منع مــن بــاع العينــة ‪ ،‬إذا عــرف بــذلك وكــانت‬
‫عادته تفسير القرطبي ‪. . 360 / 3‬‬
‫وقد وردت من السنة عدة روايات فــي تحريــم هــذا النــوع‬
‫من البيوع الذي هو صورة من صور الربــا ‪ ،‬نــذكر منهــا مــا‬
‫يلي ‪:‬‬
‫ما أخرجه أحمــد وأبــو داود ‪ ،‬عــن ابــن عمــر ‪ -‬رضــي اللــه‬
‫عنهما ‪ -‬أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬إذا‬
‫تبايعتم بالعينة ‪ ،‬وأخـذتم أذنـاب البقـر ‪ ،‬ورضـيتم بـالزرع ‪،‬‬
‫وتركتم الجهاد ‪ ،‬سلط الله عليكم ذل ل ينزعه حتى ترجعوا‬
‫إلى دينكم ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أخرج الدارقطني ‪ ،‬عن أبي إسحاق السبيعي ‪ ،‬عن‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(218 :‬‬
‫امرأته أنها دخلت على عائشة ‪ -‬رضي الله عنها ‪ -‬فــدخلت‬
‫معها أم ولد زيد بن أرقم ‪ ،‬فقــالت ‪ :‬يــا أم المــؤمنين إنــي‬
‫بعت غلما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نســيئة ‪ ،‬وإنــي‬
‫ابتعته منه بستمائة نقدا ‪ .‬فقــالت لهــا عائشـة ‪ " :‬بئس مــا‬
‫اشتريت ‪ ،‬وبئس مــا شــريت ‪ ،‬أخــبريه أن اللــه تعــالى قــد‬
‫أبطل جهاده مع رسول الله ‪ -‬صلى اللـه عليـه وسـلم ‪ -‬إل‬

‫‪584‬‬
‫أن يتوب ‪ ،‬فقالت لها ‪ :‬أرأيت إن لم آخــذ إل رأس مــالي ‪،‬‬
‫قالت ‪ :‬فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فلــه مــا ســلف‬
‫"‪.‬‬
‫ويدل الحديث أنه ل يجوز لمن باع شيئا بثمن مؤجل ‪ ،‬أن‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(219 :‬‬
‫يشتريه من المشتري بأقــل مــن ذلــك الثمــن نقــدا ‪ ،‬قبــل‬
‫قبض الثمن الول ‪ .‬وتصريح عائشة بــأن مثــل هــذا الفعــل‬
‫موجب لبطلن الجهاد مع رســول اللــه ‪ -‬صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ‪ -‬يدل على أنها قد علمت التحريم بنص من الشارع‬
‫‪ ،‬إما على جهة العموم ‪ ،‬أو جهة الخصوص ‪ ،‬كما جــاء فــي‬
‫حديث بيع العينة المتقدم نيل الوطار ‪. . 317 / 5‬‬
‫وقد ذكر العلماء للعينة صورا متعددة ‪ ،‬ومن هذه الصور ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يعطي الرجــل الخــر مبلغــا مــن المــال دون زيــادة ‪،‬‬
‫ولكنه يطلب منه سداد هذا المبلغ عن طريق عمــل يــؤديه‬
‫إليه ‪.‬‬
‫ولكنه ل يدفع له أجر أمثاله ‪ ،‬بل غالبا ما يكون ذلك الجــر‬
‫أدل من نصف الجرة المعتادة ‪.‬‬
‫وقد كان هناك شيخ في قريتنا يفعل ذلك ‪ ،‬حتى مع أقاربه‬
‫المحتاجين ‪ ،‬إذ كان يشــتري الرض غيــر المزروعــة بثمــن‬
‫زهيد ‪ ،‬ثم يكلف الخرين الذين يداينهم بالعمل فــي أرضــه‬
‫بنصــف الجــر تقريبــا ‪ ،‬ويــدعي أنــه يريــد أن يعينهــم لكــي‬
‫يقوموا بسداد ما في ذمتهم ‪ ،‬فيعملــون طيلــة الســنة فــي‬
‫أرضه يزرعونهــا ‪ ،‬ويســمدونها ‪ ،‬ويقومــون علــى رعايتهــا ‪،‬‬
‫بأجر زهيد ‪ .‬فيصبح الربا الذي يأخذه منهم مضاعفا ‪ ،‬أكــبر‬
‫مـن ربـا البنـوك ومـا شـابهها ‪ .‬والقاعـدة المشـهورة عنـد‬
‫العلماء ‪ " :‬أن كل قرض جر نفعا فهو ربا " ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(220 :‬‬
‫وما ذكره ابن تيمية ‪ ،‬من أن عامة صور بيــع العينــة يــدخل‬
‫في بيــع المضــطر ‪ ،‬وبالتــالي فــالحكم يجمــع هــذه الصــور‬
‫عامة ‪ ،‬لنه استغلل لحاجة المضطر ‪ ،‬فهو كلم متفق مــع‬
‫روح الشريعة ‪.‬‬
‫‪ - 2‬ومن صور العينة ما يســمى بــالتورق وهــو أن يشــتري‬
‫الرجل السلعة ل حاجة لـه بهــا ‪ ،‬بثمــن مؤجــل ‪ ،‬أكــثر مــن‬

‫‪585‬‬
‫سعرها الحقيقي في السوق ‪ ،‬ثم يبيعها بثمن معجل ‪ ،‬أقل‬
‫ممــا اشــتراها بــه ‪ ،‬وغالبــا مــا يبيعهــا بأقــل مــن ســعرها‬
‫الحقيقي في السوق ‪ ،‬فتكون خســارته فــي الســلعة أكــبر‬
‫من الفائدة الربوية ‪ ،‬وهو أمر مشتهر في شراء السيارات‬
‫‪ ،‬فيشتري الرجل سيارة نسيئة من الشــركة بعشــرة آلف‬
‫دينار ‪ ،‬على أن يدفع الثمن على أقساط مؤجلة ‪ ،‬ثم يأخــذ‬
‫الرجل السيارة ويبيعها في الســوق بتســعة آلف أو أقــل ‪،‬‬
‫لنه أصل ل يريد السيارة ‪ ،‬ولكن يريد الحصول على المال‬
‫‪.‬‬
‫وقد ذهب عمر بن عبد العزيز إلى تحريــم التــورق ‪ ،‬وقــال‬
‫عنه ‪ :‬إنه أخية الربا ‪ ،‬وذهــب إلــى ذلــك المــام أحمــد فــي‬
‫إحدى الروايتين عنه ‪،‬ورجح ذلك ابن تيمية مجمــوع فتــاوى‬
‫ابن تيمية ‪. . 431 / 29‬‬
‫وقد ذهب الشيخ عبد العزيز بن باز إلى جواز التورق انظر‬
‫‪ :‬مجلة البحوث السلمية ‪ ،‬العــدد ) ‪ ( 7‬ص ‪ ، . 53‬ووضــع‬
‫رسالة في ذلك بعنوان ) التورق ( ‪ ،‬كمــا ذهــب إلــى جــواز‬
‫ذلك الكمال بن الهمام من الحنفية ‪ ،‬والقاضي أبو يوســف‬
‫حاشية ابن عابدين ‪ ، . 326 / 5‬وعامة الشافعية كما هــو‬
‫مشهور عنهم الم ‪ 38 / 3‬تكملة المجموع ‪، . 149 / 10‬‬
‫وابن حزم الظاهري المحلى ‪. . 47 / 9‬‬
‫‪ - 3‬ومن صـور العينـة أن يعطـي الرجـل لخـر مبلـغ ألـف‬
‫دينار قرضا ‪ ،‬على أن يبيعه ســلعة ل تســاوي دينــارا بمــائة‬
‫دينار ‪.‬‬
‫وهذه المسألة تسمى مسألة السبحة ؛ لنه بعد أن يعطيــه‬
‫المــال ‪ ،‬يــبيعه ســبحة عنــده بمبلــغ كــبير ‪ ،‬يفــوق النســبة‬
‫الربوية التي يصرح بها الخرون ‪ .‬والدليل في هــذا المقــام‬
‫ن‬ ‫ه َوال ّـ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن الل ّـ َ‬
‫عو َ‬‫خــادِ ُ‬‫قوله تعالى ‪ :‬سورة البقرة الية ‪ 9‬ي ُ َ‬
‫َ‬
‫ن‪.‬‬‫شعُُرو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬‫م وَ َ‬ ‫ن إ ِّل أن ُْف َ‬
‫سه ُ ْ‬ ‫عو َ‬
‫خد َ ُ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫مُنوا وَ َ‬
‫آ َ‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(222 :‬‬
‫وقد سئل ابن عباس ‪ -‬رضي اللـه عنهمـا ‪ -‬عـن رجـل بـاع‬
‫حريــرة ثــم ابتاعهــا لجــل زيــادة درهــم ‪ ،‬فقــال ‪ :‬دراهــم‬
‫بدراهم دخلت بينهمــا حريــرة ‪ .‬ســئل عــن ذلــك أنــس بــن‬

‫‪586‬‬
‫مالك فقال ‪ :‬هذا مما حــرم اللـه ورسـوله مجمـوع فتــاوى‬
‫ابن تيمية ‪. . 432 / 29‬‬
‫فمــتى كــان مقصــود التعامــل دراهــم بــدراهم إلــى أجــل ‪:‬‬
‫صحيح البخـاري بـدء الـوحي )‪,(1‬صـحيح مسـلم المــارة )‬
‫‪,(1907‬ســنن الترمــذي فضــائل الجهــاد )‪,(1647‬ســنن‬
‫النســــائي الطهــــارة )‪,(75‬ســــنن أبــــو داود الطلق )‬
‫‪,(2201‬سنن ابن مــاجه الزهــد )‪,(4227‬مســند أحمــد بــن‬
‫حنبل )‪ .(1/43‬وإنما العمال بالنيات وإنما لكــل امــرئ مــا‬
‫نوى ‪.‬‬
‫وقد جاء في الحديث عن رســول اللــه ‪ -‬صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ‪ -‬أنه قال ‪ :‬من باع بيعتين في بيعة ‪ ،‬فلــه أوكســهما‬
‫أو الربــا وقــال ‪ -‬صـلى اللـه عليـه وســلم ‪ :‬ل يحــل سـلف‬
‫وبيع ‪ ،‬ول شرطان في بيع ‪ ،‬ول ربح ما لم يضمن ‪ ،‬ول بيــع‬
‫ما ليس عندك فحرم النبي ‪ -‬صلى اللــه عليــه وســلم ‪ -‬أن‬
‫يبيع الرجل شيئا ‪ ،‬ويقرضه مع ذلك ‪ ،‬فإنه يحابيه في الــبيع‬
‫لجل القرض ‪ ،‬حــتى ينفعــه فهــو ربــا مجمــوع فتــاوى ابــن‬
‫تيمية ‪ . . 433 / 29‬وقد نقل عن محمد بن الحسن قوله‬
‫في بيع العينة حاشية ابن عابدين ‪: . 326 / 4‬‬
‫هذا الــبيع فــي قلــبي كأمثــال الجبــال ذميــم اخــترعه أكلــة‬
‫الربا ‪ ،‬وقد ذمهم رسول اللــه ‪ -‬صــلى اللــه عليــه وســلم ‪-‬‬
‫فقال ‪ :‬سنن أبو داود البيوع )‪,(3462‬مسند أحمد بن حنبل‬
‫)‪ .(2/84‬إذا تبــايعتم بالعينــة ‪ . . .‬الحــديث ‪ .‬وقــد عنــون‬
‫الشيخ أبو زهرة لمسألة العينة بحوث في الربا ‪ 27‬محمــد‬
‫أبو زهــرة ‪ . .‬فقــال ‪ " :‬التحايــل علــى الربــا بــبيع العينــة "‬
‫وحمل على الذين قالوا ‪ :‬بجوز ذلك مــن المحــدثين حملــة‬
‫شديدة ‪.‬‬
‫وقال المام أحمد فيمن يتعامــل بالعينــة ‪ " :‬ل يعجبنــي أن‬
‫يكتــب عنــه الحــديث " الفــروع ‪ 170 / 4‬ابــن مفلــح‬
‫الراميني ‪. .‬‬
‫‪ - 7‬الربا من أكبر الكبائر ‪:‬‬
‫الربا من أكبر الكبائر بنص القرآن الكريم ‪ ،‬وبمــا جــاء فــي‬
‫السنة الشريفة ‪ ،‬الــتي بينــت عظــم هــذه المعصــية ‪ ،‬ومــا‬
‫يترتب عليها من حرب الله ورســوله ‪ ،‬وعقوبــة فــي الــدنيا‬

‫‪587‬‬
‫بمحق البركــة ‪ ،‬والتخبــط علــى غيــر هــدى ‪ ،‬وعقوبــة فــي‬
‫الخرة تظهر في تخبطهم ‪ ،‬كالذي يتخبطه الشــيطان مــن‬
‫المس ‪،‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(224 :‬‬
‫وعذاب أليم في عذاب جهنـم وبئس المهـاد ‪ ،‬إل أن يتـوب‬
‫الله عليه ‪.‬‬
‫وهناك روايات عديدة وردت فــي عقوبــة أكــل الربــا ‪ ،‬وذم‬
‫من يقدم على ارتكــاب هــذه المعصــية ‪ ،‬ونــذكر مــن هــذه‬
‫النصوص ما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬ما جاء في الصحيح عن جابر بن عبد الله ‪ -‬رضي اللــه‬
‫عنه ‪ -‬قال ‪ :‬لعن رســول اللـه ‪ -‬صـلى اللـه عليـه وسـلم ‪-‬‬
‫أكــل الربــا ‪ ،‬ومــوكله ‪ ،‬وكــاتبه ‪ ،‬وشــاهديه ‪ ،‬وقــال ‪ :‬هــم‬
‫سواء ‪.‬‬
‫‪ - 2‬ما أخرجه الحافظ الهيثمي عــن عبــد اللــه بــن حنظلــة‬
‫غسيل الملئكة أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وســلم ‪ -‬قــال ‪:‬‬
‫درهم ربما يأكله‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(225 :‬‬
‫مسند أحمد بن حنبل )‪ .(5/225‬الرجل وهو يعلم أشد عند‬
‫الله من ست وثلثين زنية ‪.‬‬
‫‪ - 3‬ما روي عنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه قــال صــحيح‬
‫الجامع الصغير ‪ ، 663 / 1‬برقم ‪ ، 3539‬وقال اللبــاني ‪:‬‬
‫صحيح ) الترغيب والترهيب ‪ : ( 50 / 3‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫التجارات )‪ .(2274‬الربا ثلثة وسبعون بابا ‪ ،‬أيســرها مثــل‬
‫أن ينكــح الرجــل أمــه ‪ ،‬وإن أربــا الربــا عــرض الرجــل‬
‫المسلم ‪.‬‬
‫‪ - 4‬مــا أخرجــه البخــاري عــن أبــي جحيفــة قــال ‪ :‬صــحيح‬
‫البخـــاري اللبـــاس )‪,(5617‬ســـنن أبـــو داود الـــبيوع )‬
‫‪,(3483‬مسند أحمد بن حنبل )‪ .(4/308‬نهى رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن ثمن الــدم ‪ -‬أجــرة الحجامــة ‪-‬‬
‫وثمن الكلب ‪ ،‬وكسب البغي ‪ ،‬ولعن أكل الربا ‪ ،‬ومــوكله ‪،‬‬
‫والواشمة ‪ ،‬والمستوشمة والمصور ‪.‬‬
‫‪ - 5‬جاء ذكر الربا فــي الصــحيح ‪ ،‬فــي قــوله ‪ -‬صــلى اللــه‬
‫عليه وســلم ‪ : -‬صــحيح البخــاري الوصــايا )‪,(2615‬صــحيح‬

‫‪588‬‬
‫مسلم اليمان )‪,(89‬سنن النسائي الوصايا )‪,(3671‬ســنن‬
‫أبــو داود الوصــايا )‪ .(2874‬اجتنبــوا الســبع الموبقــات ‪. .‬‬
‫وذكر منهن آكل الربا‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(226 :‬‬
‫وقال القرطبي ‪ :‬جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال ‪ :‬يا أبا‬
‫عبد الله ‪ ،‬إني رأيت رجل ســكران يتعــاقر ‪ ،‬يريــد أن يأخــذ‬
‫القمر ‪ ،‬فقلت ‪ :‬امرأتي طالق ‪ ،‬إن كان يـدخل جـوف ابـن‬
‫آدم شيء أشر من الخمر ‪ .‬فقال مالك ‪ :‬ارجع حتى أنظــر‬
‫في مسألتك ‪ .‬فلما رجع الرجــل ‪ ،‬قــال لــه المــام مالــك ‪:‬‬
‫امرأتك طالق ‪ .‬فقد تصفحت كتاب الله وســنة نــبيه ‪ ،‬فلــم‬
‫أر شيئا أشر من الربا ‪ ،‬وقد آذن اللــه فيــه لكلــه بــالحرب‬
‫من الله ورسوله تفسير القرطبي ‪. . 364 / 3‬‬
‫‪ - 6‬جاء في الصحيح عن ســمرة بــن جنــدب ‪ -‬رضــي اللــه‬
‫عنه ‪ -‬قال صحيح البخاري بشرح فتح البــاري ‪، 313 / 4‬‬
‫برقم ‪: . 2085‬‬
‫قال النــبي ‪ -‬صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ : -‬صــحيح البخــاري‬
‫البيوع )‪,(1979‬مسند أحمد بن حنبل )‪ .(5/9‬رأيــت الليلــة‬
‫رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة ‪ ،‬فانطلقنا حتى‬
‫أتينا على نهر من دم ‪ ،‬فيه رجل قائم ‪ ،‬وعلى وسط النهــر‬
‫رجل بين يديه حجارة ‪ .‬فأقبل الرجل الذي في النهر ‪ ،‬فإذا‬
‫أراد الرجل أن يخرج ‪ ،‬رمى الرجل بحجر في فيــه ‪ ،‬فــرده‬
‫حيث كان ‪ ،‬فجعل كلما جاء ليخرج رمى فــي فيــه بحجــر ‪،‬‬
‫فيرجع كما كان ‪ .‬فقلت ‪ :‬ما هذا ‍؛ فقال ‪ :‬الذي رأيتــه فــي‬
‫النهر ‪ :‬آكل الربا‬
‫‪ - 8‬التدرج في تحريم الربا ‪:‬‬
‫لقد سلك القرآن الكريم أسلوب الرفق والتدرج ‪ ،‬في نقل‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(227 :‬‬
‫المخــاطبين مــن حيــاة الجاهليــة البغيضــة ‪ ،‬إلــى ســماحة‬
‫الســلم ويســره ‪ ،‬وتجلــى ذلــك فــي شــرائع الســلم ‪،‬‬
‫وأحكامه العملية ‪ ،‬علــى خلف الحــال فــي تغييــر العقيــدة‬
‫الفاسدة ‪ ،‬وترسيخ عقيدة السلم ‪.‬‬
‫وسبب هذا التدرج في تحريم بعض الحكام الفرعيــة ‪ ،‬هــو‬
‫رسوخ وتعلق المخاطبين بهذه العادات والفعال ‪ ،‬حتى أنه‬

‫‪589‬‬
‫كان من الصعب عليهم المتثال للقلع عنها دفعة واحدة ‪،‬‬
‫في مرة واحدة ‪.‬‬
‫ورضي الله عن عائشة أم المؤمنين وهي القائلــة ‪ " :‬إنمــا‬
‫نزل أول ما نزل من القــرآن ســورة مــن المفصــل ‪ ،‬فيهــا‬
‫ذكر الجنة والنار ‪ ،‬حتى إذا ثاب الناس إلى الســلم ‪ ،‬نــزل‬
‫الحلل والحرام ‪ ،‬ولو نــزل أول شــيء ل تشــربوا الخمــر ‪،‬‬
‫لقالوا ‪ :‬ل ندع الخمر أبدا ‪ .‬ولــو نــزل ل تزنــوا ‪ ،‬لقــالوا ‪ :‬ل‬
‫ندع الزنا أبدا ( أخرجه البخاري في فضائل القــرآن ‪ ،‬بــاب‬
‫تأليف القرآن ‪ ،‬صحيح البخاري بشرح فتح الباري ‪38 / 9‬‬
‫برقم ‪. . 4993‬‬
‫ونجد هذا التدرج في تحريم الربا فــي أربــع آيــات قرآنيــة ‪،‬‬
‫تتعلق بتحريم الربا ‪ ،‬واحدة منها نزلت بمكــة ‪ ،‬وثلث فــي‬
‫المدينة ‪.‬‬
‫م‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬ ‫الية الولى ‪ :‬قوله تعالى ‪ :‬سورة الروم الية ‪ 39‬وَ َ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ما آت َي ُْتــ ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَ َ‬ ‫س فََل ي َْرُبو ِ‬ ‫ل الّنا ُ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن رًِبا ل ِي َْرب ُوَ ِفي أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ضعُِفو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬‫ه الل ّهِ فَأول َئ ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫كاةٍ ت ُ ِ‬ ‫ن َز َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(228 :‬‬
‫ُْ‬
‫النساء الية ‪ 160‬فَب ِظلم ٍ‬ ‫ُ‬
‫الية الثانية ‪ :‬قوله تعالى ‪ :‬سورة‬
‫م‬ ‫ص ـد ّهِ ْ‬ ‫م وَب ِ َ‬ ‫ت ل َهُ ـ ْ‬‫حل ّ ْ‬ ‫تأ ِ‬ ‫م ط َي َّبا ٍ‬ ‫مَنا عَل َي ْهِ ْ‬ ‫حّر ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫ها ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ل الل ّـهِ ك َِثي ـًرا ســورة النســاء اليــة ‪ 161‬وَأ ْ‬
‫خ ـذِهِ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫س ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫وا َ‬ ‫م َ‬‫مأ ْ‬ ‫ه وَأك ْل ِهِ ْ‬ ‫الّرَبا وَقَد ْ ن ُُهوا عَن ْ ُ‬
‫وجاءت هذه الية لتوجه النظار ‪ ،‬تهيــء النفــوس ‪ ،‬لتقبــل‬
‫فكرة التحريم ‪.‬‬
‫الية الثالثة ‪ :‬قوله تعالى ‪ :‬سورة آل عمران اليــة ‪ 130‬ي َــا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة َوات ُّقوا الّلــ َ‬
‫ه‬ ‫ضاعََف ً‬ ‫م َ‬ ‫ضَعاًفا ُ‬ ‫مُنوا َل ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‪.‬‬‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬ ‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫وجــاءت هــذه اليــة لتفيــد تحريــم الربــا فــي الضــعاف‬
‫المضاعفة ‪ ،‬وهي إحدى حالت الربا ‪.‬‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫الية الرابعة ‪ :‬قوله تعالى ‪ :‬سورة البقرة الية ‪ 275‬ال ّ ِ‬
‫خب ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه‬‫طــ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م اّلــ ِ‬ ‫مــا ي َُقــو ُ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬ ‫مــو َ‬ ‫ن الّرَبــا َل ي َُقو ُ‬ ‫َيــأك ُُلو َ‬
‫س اليات ‪.‬‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫فهذه الية صريحة في تحريم جميــع أنــواع الربــا ‪ ،‬ل فــرق‬
‫بين القليل والكثير في ذلك ‪.‬‬

‫‪590‬‬
‫ذو‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬ ‫‪ - 9‬في قوله تعالى ‪ :‬سورة البقرة الية ‪ 280‬وَإ ِ ْ‬
‫ة‬
‫سَر ٍ‬‫مي ْ َ‬‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ‬‫عُ ْ‬
‫نسخ لما كان عليه العمل في الجاهلية ‪ ،‬وصــدر الســلم ‪،‬‬
‫من أن الحر يباع بالدين ‪ ،‬إن عجز عن سداده ‪ ،‬ويبين ذلك‬
‫ما أخرجه الدارقطني عن زيد بن أسلم قال ‪ :‬رأيت شــيخا‬
‫بالسكندرية ‪ ،‬يقال‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(229 :‬‬
‫له ‪ ) :‬سرق ( ‪ ،‬فقلت ‪ :‬مــا هــذا السـم ؛ فقــال ‪ :‬ســمانيه‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولــن أدعــه ‪ ،‬قلــت ‪:‬‬
‫لم سماك ؟ ‪ ،‬قال قدمت المدينة فأخبرتهم أن مالي يقدم‬
‫‪ ،‬فبايعوني فاستهلكت أموالهم ‪ ،‬فأتوا بي إلى رسول اللــه‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فقال لي ‪ :‬أنت ســرق ‪ ،‬وبــاعني‬
‫بأربعة أبعرة ‪ ،‬فقال الغرماء للذي اشتراني ‪ :‬ما تصنع به ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬أعتقه ‪ ،‬فلســنا بأزهــد منــك فــي الجــر ‪ ،‬فــأعتقوني‬
‫بينهم ‪ ،‬وبقي اسمي ‪.‬‬
‫وأخرج البزار مثل ذلك ‪ ،‬ولكن هذه الروايات ل يحتج بها ‪.‬‬
‫وروي عن ابن عباس أن المهال إنما هو في الربا خاصة ‪.‬‬
‫أما في سائر الــديون فــإنه يــدفع أو يحبــس حــتى يــوفي ‪،‬‬
‫وهذا في حالة عدم وجود الفقر المــدقع ‪ ،‬أمــا إذا كــان لــه‬
‫مال ‪ ،‬فإنه يحجر على ماله أو عقاره في الدين ‪.‬‬
‫وقيــل ‪ :‬إن المهــال عــام فــي الربــا ‪ ،‬وفــي الــديون علــى‬
‫عمومها ‪.‬‬
‫وقد ذكر عن شريح القاضي أنه أمر بحبس المدعى عليه ‪،‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(230 :‬‬
‫لنه لم يدفع ما في ذمته ‪ ،‬فقيل لــه ‪ :‬إنــه معســر ‪ ،‬فقــال‬
‫شريح ‪ :‬إنما ذلك في الربا تفســير الــرازي ‪. 111 / 7‬ـ ‪،‬‬
‫ه‬‫ن الل ّ َ‬‫والله تعالى قال في كتابه ‪ :‬سورة النساء الية ‪ 58‬إ ِ ّ‬
‫ت إ َِلى أ َهْل َِها ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يأ ْمرك ُ َ‬
‫ماَنا ِ‬‫دوا اْل َ‬ ‫ن ت ُؤَ ّ‬
‫مأ ْ‬ ‫َ ُ ُ ْ‬
‫ولكن الصــحيح أن المهــال عــام فــي كــل ديــن ‪ ،‬اســتدلل‬
‫ة‬
‫سـَر ٍ‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫بقوله تعالى ‪ :‬سورة البقرة الية ‪ 280‬وَإ ِ ْ‬
‫س ـَرةٍ وهــذا قــول عامــة الفقهــاء ‪ ،‬كــأبي‬ ‫فَن َظ ِـَرةٌ إ ِل َــى َ‬
‫مي ْ َ‬
‫حنيفة ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬والشافعي تفسير الرازي ‪. . 111 / 7‬‬

‫‪591‬‬
‫وذكر الفخر الرازي ‪ :‬أن وجوب النظار ‪ ،‬لما ثبت في هذه‬
‫الية بحكم النص ‪ ،‬ثبت وجوبه في سائر الصــور ‪ .‬وهــو أن‬
‫العاجز عن أداء المال ل يجوز تكليفه به تفسير الرازي ‪/ 7‬‬
‫‪. . 111‬‬
‫‪ - 10‬من كثرت عليه الــديون ‪ ،‬ولــم يســتطع الوفــاء بهــا ‪،‬‬
‫فللحاكم أن يخلعه عن ماله كلــه ‪ ،‬ول يــترك لــه خادمــا ول‬
‫مسكنا ‪ ،‬ول يبقى له إل ملبسه تفسير القرطبي ‪372 / 3‬‬
‫‪..‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(231 :‬‬
‫ومما يدل علــى ذلــك ‪ ،‬مــا أخرجــه مســلم فــي صــحيحه ‪،‬‬
‫وأصحاب السنن ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي الله عنه‬
‫‪ -‬قــال صــحيح مســلم المســاقاة )‪,(1556‬ســنن الترمــذي‬
‫الزكاة )‪,(655‬سنن النسائي البيوع )‪,(4530‬سنن أبو داود‬
‫البيوع )‪,(3469‬سـنن ابــن مــاجه الحكــام )‪,(2356‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪ .(3/58‬أصيب رجل في عهد رســول اللــه‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وســلم ‪ -‬فــي ثمــار ابتاعهــا فكــثر دينــه ‪،‬‬
‫فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لغرمائه ‪ :‬خذوا‬
‫ما وجدتم وليس لكم إل ذلك ‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة ‪ :‬يحبس ويلزم ‪ ،‬لمكان أن يظهر له مــال‬
‫في المستقبل ‪.‬‬
‫ويحبس على الصحيح من قــول الجمهــور حــتى يتــبين أنــه‬
‫معسر ‪ ،‬أو إذا اتهم بأنه غيب ماله ‪ ،‬أمــا إذا صــح عســره ‪،‬‬
‫فل يحبس على الصحيح تفسير القرطبي ‪. . 372 / 3‬‬
‫ويستحب لصاحب الدين أن ينظــر المــدين المعســر ‪ ،‬ولــه‬
‫بــذلك فضــل وأجــر ‪ ،‬ولــه بكــل يــوم أنظــر فيــه المعســر‬
‫صدقة ‪ ،‬وجاء في الصحيح‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(232 :‬‬
‫أن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم قــال ‪ :‬صــحيح‬
‫البخاري في الستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس )‬
‫‪,(2261‬صحيح مسـلم المســاقاة )‪,(1561‬ســنن الترمـذي‬
‫البيوع )‪,(1307‬سـنن ابــن مــاجه الحكــام )‪,(2420‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪ .(4/120‬حوسب رجل ممن كان قبلكــم ‪،‬‬
‫فلم يوجد له من الخير شيء ‪ ،‬إل أنه كان يخالط النــاس ‪،‬‬

‫‪592‬‬
‫وكان موسرا ‪ ،‬فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر‬
‫‪ ،‬قال‪ :‬قال الله عز وجل‪ :‬نحن أحق بــذلك منــه ‪ ،‬تجــاوزوا‬
‫عنه ‪.‬‬
‫‪ - 11‬روي عن ابن عباس رضي الله عنهمــا‪ :‬أنــه لــو أصــر‬
‫أهل بلدة على أكل الربا ‪ ،‬فإن للمام أن يســتتيبهم ‪ ،‬فــإن‬
‫لــم يرجعــوا فــإنهم يقــاتلون ‪ ،‬ويصــح للمــام أن يحــاربهم‬
‫تفسير القرطبي ‪. .364 , 363 / 3‬‬
‫وقال ابن خويز منداد ‪ :‬لو أن أهل بلد اصطلحوا على الربا‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(233 :‬‬
‫استحلل كانوا مرتدين ‪ ،‬والحكــم فيهــم كــالحكم فــي أهــل‬
‫الــردة ‪ ،‬وإن لــم يكــن ذلــك منهــم اســتحلل ‪ ،‬جــاز للمــام‬
‫محاربتهم ‪ ،‬أل ترى أن الله تعالى قد أذن في ذلــك فقــال‪:‬‬
‫سورة البقرة الية ‪َ 279‬فـأ ْ‬
‫ه‬
‫ســول ِ ِ‬‫ن الّلـهِ وََر ُ‬ ‫َ‬ ‫مـ‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫ٍ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫حـ‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫نوا‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ذ‬
‫الدر المنثور ‪. . 108 / 2‬‬
‫‪ - 12‬مــن شــروط التوبــة الصــادقة لكــل الربــا ‪ ،‬أن يــرد‬
‫المرابي المال الذي أخذه زيادة ‪ ،‬والكتفاء برأس المــال ‪،‬‬
‫ن‬‫ويدل على ذلك قوله تعالى‪ :‬سورة البقرة اليــة ‪ 279‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬‫مو َ‬ ‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سأ ْ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬
‫م ُرُءو ُ‬ ‫ت ُب ْت ُ ْ‬
‫ويجب على من أخذ المـال ‪ ،‬أن يعيـد رأس المـال كـامل ‪،‬‬
‫ول يؤخر الدفع إن كان موسرا ‪ ،‬فقد صح عن رسول اللــه‬
‫صلى الله عليـه وسـلم قـوله‪ :‬مطـل الغنـي ظلـم ‪ .‬وقـال‬
‫عليه الصلة والسلم‪ :‬لي الواجد يحل عرضه وعقوبته وإذا‬
‫طالت المدة ‪ ،‬ولم يعــرف الرجــل الــذي أخــذ منــه الربــا ‪،‬‬
‫فعلــى آكــل الربــا التــائب أن يتحــرى ‪ ،‬فــإن عجــز عــن‬
‫معرفته ‪ ،‬فله أن يتصدق بهذا المال عنه ‪.‬‬
‫‪ - 13‬الربا في دار الحرب ‪:‬‬
‫ذهب الحنفية خلفا لبي يوسف ‪ ،‬إلى جواز أخذ الربــا مــن‬
‫الكفار في دار الحرب؛ لن مال الحربي مباح بغير عقد ‪.‬‬
‫واحتجوا لرأيهم بما روي عن مكحول عن النبي صلى اللــه‬
‫عليــه وســلم قــال‪ :‬ل ربــا بيــن المســلمين وبيــن أهــل دار‬
‫الحرب ‪.‬‬

‫‪593‬‬
‫وهذا الحديث وإن كان مرسل ‪ ،‬إل أن مكحول فقيــه ثقــة ‪،‬‬
‫والمرسل منــه مقبــول المبســوط للسرخســي ‪56 / 14‬‬
‫حاشية ابن عابدين ‪. .186 / 5‬‬
‫كما استدلوا بما جاء في تفسير قوله تعالى‪ :‬سورة الــروم‬
‫م سورة الــروم‬ ‫ت الّرو ُ‬ ‫الية ‪ 1‬الم سورة الروم الية ‪ 2‬غُل ِب َ ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ن‪،‬‬ ‫سـي َغْل ُِبو َ‬ ‫ن ب َعْـدِ غَل َب ِهِـ ْ‬
‫م َ‬ ‫مـ ْ‬‫م ِ‬‫ض وَهُـ ْ‬
‫الية ‪ِ 3‬في أد َْنى الْر ِ‬
‫فقد ورد أن أبا بكر رضي الله عنه خاطر المشركين علــى‬
‫غلب الروم لفارس ‪ ،‬كمــا أخــبرت اليــة الكريمــة ‪ ،‬فأجــاز‬
‫عليــه الصــلة والســلم لبــي بكــر أن يأخــذ خطــره ‪ ،‬وهــو‬
‫القمار بعينه ‪ ،‬بين أبي بكر ومشركي مكة ‪،‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(235 :‬‬
‫وكانت مكة دار شرك ‪.‬‬
‫ويرد جمهور العلماء على هذا الدليل ‪ ،‬بأن ذلك كــان قبــل‬
‫تحريم المخاطرة والمقامرة ‪ ،‬وبعد أن تحقق نصر الروم ‪،‬‬
‫وأخذ أبو بكر رضي الله عنه ما خاطر عليه ‪ ،‬تصدق به ‪.‬‬
‫وذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة‬
‫شرح فتح القــدير ‪ ، 38 / 7‬الربــا والقــروض ص ‪. 95‬ـ ‪،‬‬
‫ومعهم أبو يوسف من الحنفية ‪ ،‬إلى تحريم الربــا مطلقــا ‪،‬‬
‫بل تفريق بين دار السلم ودار الحرب ‪ ،‬فما هو محرم في‬
‫دار الســـلم ‪ ،‬فهـــو محــرم فــي دار الحــرب ‪ ،‬كــالخمر‬
‫والخنزير وسائر المحرمات ‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن حديث مكحول مرسل وضعيف ‪ ،‬فل حجة فيه ‪،‬‬
‫وهو محتمل للنهي ‪ ،‬فهو نفي في معنى النهــي ‪ ،‬كمــا فــي‬
‫ق‬
‫ســو َ‬ ‫ث وََل فُ ُ‬ ‫قوله تعالى‪ :‬سورة البقرة الية ‪ 197‬فََل َرفَ ـ َ‬
‫ج‪.‬‬ ‫ل ِفي ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫دا َ‬ ‫وََل ِ‬
‫ج َ‬
‫وأما القول بأن أموال الحربي مباحــة بل عقــد ‪ ،‬فل نســلم‬
‫هذه الدعوى ‪ ،‬إن دخلها مسلم بأمان ‪ ،‬وإن كان بغير أمان‬
‫‪ ،‬فالعلة منتقضة ‪.‬‬
‫ول يلزم من كون أموالهم تباح بالغتنام اســتباحتها بالعقــد‬
‫الفاسد المجموع للنووي‪. 392 / 9 ،‬‬
‫كما أن وضع الموال عند الكفـار بـدعوى جــواز أخــذ الربـا‬
‫منهم ‪ ،‬إنما يكون لهم عونا على قتال المســلمين ‪ ،‬ووضــع‬
‫اقتصاد المسلمين بأيدي أعدائهم ‪ .‬وقد وصل الحال ببعض‬

‫‪594‬‬
‫هؤلء الجامدين أن يفتوا بوضع الموال في بنــوك الكفــار؛‬
‫لن الربا في هذا الحال جــائز ‪ ،‬وقــال بعضــهم‪ :‬بــل توضــع‬
‫في بنوك الكفار من غير ربا ‪.‬‬
‫أما مجرد وضع الموال في بنوك المسلمين ‪ ،‬فإن هذا ربــا‬
‫محرم ‪ ،‬وإن كان بغير فائدة ‪ ،‬فهو محــرم عنــدهم كــذلك ‪،‬‬
‫لما فيه من العانة لهذه البنوك ‪.‬‬
‫ولله المر مــن قبــل ومــن بعــد ‪ ،‬فقــد اختلطــت العقــول ‪،‬‬
‫ولعبت بالرءوس الهــواء ‪ ،‬ومــات العلــم بمــوت العلمــاء ‪،‬‬
‫واتخذ الناس من بعد ذلك رءوسا جهال ‪ ،‬يفتون بغير علم ‪،‬‬
‫فيضلون ويضلون ‪.‬‬
‫‪ - 14‬شبهات حول الربا‪:‬‬
‫يخوض بعض المتأخرين في شبهات حــول الربــا ‪ ،‬منهــا أن‬
‫القتصاد العالمي قائم على البنوك والتعامل بالربا ‪ .‬ومنهــا‬
‫أن عمــل البنــوك اليــوم يشــبه المضــاربة ‪ ،‬فالبنــك يجنــي‬
‫أرباحا من هذه الودائع ‪ ،‬وهو يدفع نسبة مـن هـذه الفـوائد‬
‫عن طواعية ورضا ‪ .‬وإذا وضعنا هذه‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(237 :‬‬
‫الموال في البنوك دون أخذ فائدة ‪ -‬أي الربا ‪ -‬فإننــا نعيــن‬
‫البنــك بــذلك ‪ ،‬وإذا أخــذناها ‪ ،‬فيمكــن أن نســاعد منهــا‬
‫المحتاجين ‪ ،‬ومعظم هذه الشبهات الــدائرة يجمعهــا قــول‬
‫الكفار منذ ألــف وأربعمــائة عــام ‪ ،‬فيمــا حكــاه عنهــم اللــه‬
‫ل الّرب َــا فــوجه‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬
‫مث ْ ُ‬ ‫تعالى‪ :‬سورة البقرة الية ‪ 275‬إ ِن ّ َ‬
‫المشابهة لمن أراد أن يتلعب بشرع الله يمكن أن يوجد ‪،‬‬
‫ولكن الله أحل البيع وحرم الربا ‪.‬‬
‫ونقــول‪ :‬إن شــيوع الباطــل ل يجعلــه حقــا ‪ ،‬وقــد بــدأت‬
‫محاولت محدودة للتعامل البنكي ‪ ،‬قائمة على منهج الــبيع‬
‫وتحريم الربا ‪ ،‬وهي داخلــة تحــت مــا أطلــق عليــه البنــوك‬
‫الســلمية ‪ .‬وهــذه البنــوك تحــارب مــن بعــض علمــاء‬
‫المســلمين ‪ ،‬كمــا تحــارب مــن البنــوك الخــرى الربويــة‬
‫بدعاوى مختلفة ‪.‬‬
‫ومن ضمن هذه المغالطــات ‪ ،‬أن البنــوك الســلمية تــدفع‬
‫ربحا غير محدد ‪ ،‬بينما تدفع البنوك الخــرى ربحــا محــددا ‪،‬‬
‫وهذه أضمن لمصلحة الفقيــر ‪ ،‬كمــا أنــه يمكــن اعتبــار مــا‬

‫‪595‬‬
‫يــدفعه البنــك مــن ربــا ‪ ،‬بمثابــة نســبة ربــح قياســا علــى‬
‫المضــاربة ‪ ،‬خاصــة وأن البنــك يــدفعها عــن رضــا ورحابــة‬
‫صدر ‪ ،‬وإذا خسر البنك ‪ ،‬فيمكنه أن يلجأ للقضــاء ‪ ،‬ويثبــت‬
‫خسارته ‪ ،‬وبالتالي فإنه يصبح غير ملزم بدفع نســبة الربــح‬
‫المنصوص عليها ‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬إن مثل هذه الشبهات هي ترقيــع لواقــع اقتصــادي‬
‫بعيد عن السلم ‪ ،‬ورحم اللــه المــام إبراهيــم بــن أدهــم ‪،‬‬
‫وهو القائل‪:‬‬
‫نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ‪ ...‬فل ديننا يبقى ول ما نرقع‬
‫وإل فإن هذا الواقع الربوي ‪ ،‬هو الــذي كــان موجــودا قبــل‬
‫السلم ‪ ،‬وهو ربا النسيئة ‪ ،‬وكان يمكن لذلك المرابــي أن‬
‫يقول‪ :‬إن الذي أخذ المــال بالربــا ‪ ،‬اشــترى بــه إبل وأرضــا‬
‫وتاجر فيـه ‪ ،‬وليـس بمحــرم علــي أن يعطينـي نسـبة ممـا‬
‫ربحه ‪ ،‬وكثير من الذين يأخذون الربا قــديما وحــديثا ‪ ،‬إنمــا‬
‫يأخــذونه للســتثمار ‪ ،‬وقليــل منهــم الــذي يأخــذ للحاجــة‬
‫الماسة أو للضرورة ‪.‬‬
‫ول أدعي أن البنوك السلمية تمثــل شــرع اللــه الحنيــف ‪،‬‬
‫وبعيدة عن النقص في بعض جوانبها ‪ ،‬ولكن يمكن القول ‪:‬‬
‫إن التعامل الساس المعلن لهذا البنك ‪ ،‬هو موافق لشــرع‬
‫الله ‪ ،‬أما أن البنك قد يستعمل هذه الموال استعمال فيــه‬
‫شبهة ‪ ،‬فالثم على من كذب وغير ‪ ،‬أما صاحب المال فقد‬
‫اتفق على أن يكون التعامل موافقا لشرع الله ‪.‬‬
‫وبالتالي فإن تشويش بعض العلماء على البنوك السـلمية‬
‫‪ ،‬إنما يصب في خدمة البنوك الربوية ‪.‬‬
‫ول أريد أن أذكر أسماء في هذا المقام ‪ ،‬ولكن أحيــل إلــى‬
‫بعض المراجع لمن أحب الستزادة والستفادة ‪.‬‬
‫‪ - 15‬السلم والمحاقلة والمزابنة والمخابرة ‪:‬‬
‫هناك بعض المســائل المتعلقــة بالربــا ‪ ،‬وهــي أقــرب إلــى‬
‫مسائل الفروع ‪ ،‬والتعرض لها يطيل البحث ‪.‬‬
‫منها حكم السلم ‪ ،‬وبيع الحيوان بــالحيوانين نســيئة ‪ ،‬وبيــع‬
‫اللحم بالحيوان انظر المغني ‪ ،90 / 6‬مسألة رقــم ‪،713‬‬
‫نيل الوطار ‪ 313 / 5‬شرح السنة ‪ ، . 86 -81 / 8‬وكذلك‬
‫أحكام المحاقلة والمزابنة والمخابرة وكثير‬

‫‪596‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(240 :‬‬
‫من المعاملت الــتي يمكــن أن تلحــق بالربــا ‪ ،‬وهــي تحــت‬
‫باب البيوع ‪ ،‬وللعلماء فيها تفصيلت وخلف ‪ ،‬فــتراجع فــي‬
‫كتب الفقه ‪.‬‬
‫م‬
‫مــا آت َي ْت ُـ ْ‬
‫‪ - 16‬في قوله تعالى ‪ :‬ســورة الــروم اليــة ‪ 39‬وَ َ‬
‫عن ْد َ الل ّهِ ‪.‬‬
‫س فََل ي َْرُبو ِ‬ ‫َ‬
‫ل الّنا ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫ن رًِبا ل ِي َْرب ُوَ ِفي أ ْ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫روي عن ابن عباس رضي الله عنهمــا‪ :‬أن هــذه اليــة فــي‬
‫الرجل يهــدي غيــره هديــة ‪ ،‬يرجــو أن يثــاب أفضــل منهــا ‪.‬‬
‫فذلك الذي ل يربو عند اللـه ‪ ،‬ول يــؤجر صـاحبه ‪ ،‬ولكــن ل‬
‫إثم عليه تفسير القرطبي ‪. . 36 / 14‬‬
‫وقال القاضي أبو بكر بن العربي ‪ :‬صريح الية فيمن يهــب‬
‫الهبة يطلب الزيادة من أموال الناس في المكافأة ‪.‬‬
‫وقال المهلب تفسير القرطبي ‪ : 37 / 14‬اختلف العلماء‬
‫فيمن وهب وهبة يطلب ثوابها ‪ ،‬وقال‪ :‬إنما أردت الثواب ‪،‬‬
‫فقــال مالــك ‪ :‬ينظــر فيــه ‪ ،‬فــإن كــان مثلــه ممــن يطلــب‬
‫الثواب من الموهــوب لــه ‪ ،‬فلــه ذلــك ‪ .‬مثــل‪ :‬هبــة الفقيــر‬
‫للغني ‪ ،‬وهبة الخادم لصاحبه ‪ ،‬وهبــة الرجــل لميــره ومــن‬
‫فوقه ‪ ،‬وهو أحد قولي الشافعي ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(241 :‬‬
‫وقال أبو حنيفة ‪ :‬ل يكون له ثــواب إذا لــم يشــترط ‪ ،‬وهــو‬
‫قول الشافعي الخر ‪.‬‬
‫وأخرج مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب رضي اللــه‬
‫عنه أنه قال‪ :‬أيما رجل وهب هبة يرى أنهــا للثــواب ‪ ،‬فهــو‬
‫على هبته حتى يرضى منها تفسير القرطبي ‪. .38 / 14‬‬
‫وروي عن عمر رضي الله عنــه أنــه قــال‪ :‬مــن وهــب هبــة‬
‫لصلة رحم أو على وجه صدقة ‪ ،‬فإنه ل يرجع فيهــا ‪ ،‬ومــن‬
‫وهب هبة يرى أنه إنما أراد بهــا الثــواب ‪ ،‬فهــو علــى هبتــه‬
‫يرجع فيها إن لم يرض منها ‪.‬‬
‫وترجم البخاري في صحيحه )بــاب المكافــأة فــي الهبــة( ‪،‬‬
‫وساق حديث عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬حيث قالت‪ :‬صــحيح‬
‫البخــاري الهبــة وفضــلها والتحريــض عليهــا )‪,(2445‬ســنن‬
‫الترمــذي الــبر والصــلة )‪,(1953‬ســنن أبــو داود الــبيوع )‬

‫‪597‬‬
‫‪,(3536‬مسند أحمد بن حنبــل )‪ .(6/90‬كــان رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها ‪.‬‬
‫وجــاء فــي ســنن الترمــذي ســنن الترمــذي المنــاقب )‬
‫‪,(3945‬ســنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3537‬مســند أحمــد بــن‬
‫حنبل )‪ .(2/292‬أن أعرابيا أهدى إلــى رســول اللــه صــلى‬
‫الله عليه وسلم بكرة البكرة‪ :‬الفتية من النــوق‪ ، .‬فعوضــه‬
‫منها ست بكرات ‪ ،‬فتسخط ‪ ،‬فبلغ ذلك رسول اللــه صــلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فحمد الله ‪ ،‬وأثنــى عليــه ‪ ،‬ثــم قــال‪ :‬إن‬
‫فلنا أهدى إلي بكرة ‪ ،‬فعوضته منها بست بكرات ‪ ،‬ويظل‬
‫ساخطا ‪ ،‬لقد هممت أن ل أقبل هدية إل مــن قرشــي ‪ ،‬أو‬
‫أنصاري ‪ ،‬أو ثقفي ‪ ،‬أو دوسي‬
‫‪ - 17‬ورد في سبب نزول قوله تعالى‪ :‬سورة الــروم اليــة‬
‫س أنها في قدوم‬ ‫َ‬
‫ل الّنا ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬
‫ن رًِبا ل ِي َْرب ُوَ ِفي أ ْ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬ ‫‪ 39‬وَ َ‬
‫وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وســلم ومعهــم‬
‫هدية ‪ ،‬فقــال‪ :‬أهديــة أم صــدقة ‪ ،‬فــإن كــانت هديــة فإنمــا‬
‫يبتغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقضــاء‬
‫الحاجة ‪ ،‬وإن كانت صدقة فإنما يبتغــى بهــا وجــه اللــه عــز‬
‫وجل ‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل ‪ ،‬بل هدية ‪ .‬فقبلهــا منهــم ‪ ،‬وقعــد معهــم‬
‫يسائلهم ويسائلونه أخرجه النسائي ‪ 279 / 6‬في العمرى‪،‬‬
‫باب عطية المرأة بغير إذن زوجهــا‪) ،‬جــامع الصــول ‪/ 11‬‬
‫‪ 614‬رقم ‪. .(9229‬‬
‫وقــال ابــن عبــاس ‪ :‬نزلــت فــي قــوم يعطــون قرابــاتهم‬
‫وإخــوانهم علــى معنــى نفعهــم والتفضــل عليهــم تفســير‬
‫القرطبي ‪. . 37 / 14‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬نزلت هذه الية في ربا ثقيف؛ لنهــم كــانوا‬
‫يعملون بالربا تفسير القرطبي ‪. . 37 / 14‬‬
‫وعلى قول السدي ‪ ،‬فإن الية في الربا المحرم المعهود ‪.‬‬
‫‪ - 18‬لقد ظهرت شبهات علــى ألســنة بعــض المتــأخرين ‪،‬‬
‫هي نفسها الشبهة التي ردهــا المشــركون فــي الجاهليــة ‪،‬‬
‫وتدور هــذه الشــبهات حــول قــولهم ‪ :‬ســورة البقــرة اليــة‬
‫ل الّرَبا ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬إن الذي يأخــذ الربــا‬ ‫مث ْ ُ‬‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫‪ 275‬إ ِن ّ َ‬
‫يربح ويكسب أضعاف النسبة الربوية ‪ ،‬ونحن إن لم نلزمه‬
‫بنسبة معينة من الربح ‪ ،‬فإنه قد يكذب ويدعي الخسارة ‪.‬‬

‫‪598‬‬
‫فالبنــك هــو الــذي يبحــث عــن العملء ‪ ،‬ويغريهــم بوضــع‬
‫أموالهم مقابل فائدة معينــة ‪ ،‬يطلقــون عليهــا اســم نســبة‬
‫من الربح ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬إن البنك ل يخسر في تعــامله ‪ ،‬وإذا‬
‫خسر حقيقة فأمامه القضاء ليثبت ذلك ‪ ،‬وعندها قد يخسر‬
‫المودع جزءا من رأس ماله ‪.‬‬
‫وهذه الشبهة على قوتها في الظاهر ‪ ،‬فهــي متهالكــة فــي‬
‫الحقيقــة لن ذلــك العرابــي فــي الجاهليــة عنــدما يأخــذ‬
‫بالربا ‪ ،‬قد يشتري عقارا أو أنعاما ‪ ،‬وقد يكسـب فـي ذلـك‬
‫أكثر من النسبة الربوية ‪ ،‬وهذه مسألة ل تخفى على أحد ‪.‬‬
‫فتحريم الربا إنما هو تحريم لنظام مــالي قــائم علــى هــذه‬
‫الصول الفاسدة انظر كتاب )التدابير المالية الواقيــة مــن‬
‫الربا( للدكتور ‪ /‬فضل إلهي ظهير ‪ ، .‬والبديل عن ذلك هــو‬
‫قيــام شــركات الســتثمار الســلمية الــتي نجحــت نجاحــا‬
‫متميزا ‪ ،‬حتى تدخلت فيها النظمة وأفشلتها وفــق نصــائح‬
‫غربية مفضوحة ‪ ،‬بــدعوى أن الــذي يملــك القتصــاد يملــك‬
‫الحكم ‪.‬‬
‫والكفـــار يريـــدون الســـتئثار بالمـــال والقـــوة ‪ ،‬ليبقـــى‬
‫المسلمون تحت أيديهم ورهن قراراتهم ‪.‬‬
‫‪ - 19‬وفي قوله تعــالى ‪ :‬ســورة آل عمــران اليــة ‪ 130‬ي َــا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة َوات ُّقوا الّلــ َ‬
‫ه‬ ‫ضاعََف ً‬
‫م َ‬ ‫مُنوا َل ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ‬
‫ضَعاًفا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‪.‬‬
‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬ ‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(244 :‬‬
‫ذهب بعض المتأخرين إلى أن الربــا يكــون حرامــا إذا كــان‬
‫أضعافا مضاعفة ‪ ،‬أما إذا كــان بنســبة معقولــة ‪ ،‬فــإن هــذا‬
‫ليس ربا ‪ ،‬ول يكون حراما ‪ ،‬وجعلوا قوله تعالى‪ :‬سورة آل‬
‫َ‬
‫ة قيدا وعلة في التحريــم‬ ‫ضاعََف ً‬‫م َ‬‫ضَعاًفا ُ‬‫عمران الية ‪ 130‬أ ْ‬
‫في ظلل القرآن ‪ . 473 / 4‬وهذا فهم يدل على انحراف‬
‫في التفكير وسوء قصد ‪ .‬فقوله تعالى‪ :‬ســورة آل عمــران‬
‫َ‬
‫ة إنما هو وصف لواقــع جــاهلي ‪،‬‬ ‫ضاعََف ً‬
‫م َ‬ ‫ضَعاًفا ُ‬
‫الية ‪ 130‬أ ْ‬
‫ينفر الســامع مــن التعامــل بــه ‪ ،‬فقــد كــانوا فــي الجاهليــة‬
‫يقولون إذا حل الدين ‪ :‬إما أن تقضي وإما أن تربي ‪ ،‬فــإن‬
‫قضاه وإل زاده الخر في المال ‪ ،‬وهكــذا كــل عــام ‪ ،‬حــتى‬
‫يصبح أصل المال مضاعفا ‪ .‬فأمرهم اللــه بــالتقوى ‪ ،‬وبيــن‬

‫‪599‬‬
‫لهم أن ترك التعامل بالربــا مــن أســباب الفلح ‪ ،‬وحــذرهم‬
‫مــن نــار جهنــم الــتي أعــدت للكــافرين ‪ ،‬ومــن هــم علــى‬
‫شاكلتهم ‪.‬‬
‫وقد جاء تحريــم الربــا علــى إطلقــه فــي ســورة البقــرة ‪،‬‬
‫وبينت ذلك السنة الصحيحة ‪.‬‬
‫‪ - 20‬بيع الحيوان بالحيوان‪:‬‬
‫يحرم ربا النسيئة في بيع كل جنســين اتفقــا فــي علــة ربــا‬
‫الفضل ‪ ،‬وقد ذكرنا الخلف في علة تحريم ربا الفضل عند‬
‫العلماء ‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء في حكم بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(245 :‬‬
‫فذهب الحنفية ‪ ،‬ورواية عند الحنابلة ‪ -‬إلــى أنــه يجــوز بيــع‬
‫الحيوان بالحيوان إذا كان يــدا بيــد ‪ ،‬ول يشــترط التماثــل ‪،‬‬
‫ويجوز التفاضل ‪ ،‬كبيع حيوان بحيوانين ‪ ،‬ولكــن يحــرم كــل‬
‫ذلــك فــي النســيئة المغنــي لبــن قدامــة ‪ 65 / 6‬الربــا‬
‫والقروض ص ‪. .52‬‬
‫وقال الشوكاني ‪ :‬إنه ل خلف بين العلمــاء فــي جــواز بيــع‬
‫الحيوان بالحيوان متفاضل ‪ ،‬إذا كان يدا بيد ‪ ،‬وإنما الخلف‬
‫في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة نيل الوطار ‪. . 314 / 5‬‬
‫واستدل أصحاب هذا القول بما روي عن ابن عباس رضي‬
‫الله عنهما قال‪ :‬نهى رسول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ‪.‬‬
‫وكذلك ما روي عن الحسن بن سمرة رضي الله عنه قال‪:‬‬
‫ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1237‬ســنن النســائي الــبيوع )‬
‫‪,(4620‬ســنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3356‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫التجــارات )‪,(2270‬مسـند أحمـد بــن حنبــل )‪,(5/19‬سـنن‬
‫الدارمي البيوع )‪ .(2564‬نهى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ( ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(246 :‬‬
‫ووجه الســتدلل فــي هــذين الحــديثين‪ :‬أن النهــي منصــب‬
‫على التفاضل نسيئة ‪ ،‬فإذا كان التفاضل يدا بيــد فل حــرج‬
‫في ذلك ‪.‬‬

‫‪600‬‬
‫وقال المام مالك ‪ :‬المر المجتمع عليه عندنا ‪ ،‬أنه ل بأس‬
‫في الجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم يــدا بيــد ‪ .‬وقــال‪ :‬ل‬
‫خير في الجمــل بالجمــل مثلــه وزيــادة دراهــم ‪ ،‬إذا كــانت‬
‫الدراهم نقدا والجمل إلى أجل ‪ .‬وكذلك إن أخرت الجمــل‬
‫والدراهم فل خير فــي ذلــك أيضــا ‪ .‬ثــم قــال‪ :‬ول بــأس أن‬
‫يبتاع البعير النجيب بالبعيرين ‪.‬‬
‫وتفسير ما كره مــن ذلـك هـو‪ :‬أن يؤخــذ البعيــر بــالبعيرين‬
‫ليس بينهما تفاضل في النجابة ‪ ،‬فإذا كان على هذه الحال‬
‫فل يشتري منه اثنان بواحد إلى أجل موطأ مالك ‪652 / 2‬‬
‫‪..‬‬
‫وذهب الشافعية المغني لبن قدامة ‪ ،64 / 6‬رقم المسألة‬
‫‪ ،706‬الربا والقروض ص ‪ .53‬وهــو روايــة عــن المالكيــة ‪،‬‬
‫ورواية عن الحنابلــة ‪ ،‬إلــى ‪ :‬جــواز بيــع الحيــوان بــالحيوان‬
‫مطلقا ‪ ،‬ولو كان من جنسه ‪ ،‬متفاضل يدا بيد ‪ ،‬أو متفاضل‬
‫نسيئة ‪ ،‬كمن يبيع بعيرا ببعيرين حال أو إلى أجل ‪.‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(247 :‬‬
‫واستدلوا بعدة أدلة من الحــاديث والثــار ‪ ،‬نــذكر منهــا مــا‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬ما أخرجه أحمد وأبو داود أخرجــه أحمــد فــي المســند‬
‫‪ ،216 / 2‬وأبو داود رقم ‪ ،3357‬وأخرجه عبد الرزاق في‬
‫مصنفه ‪ 22 / 8‬رقم ‪ .14144‬عن عبد الله بن عمرو بــن‬
‫العاص رضي اللــه عنهمــا ‪ ،‬قــال‪ :‬ســنن أبــو داود الــبيوع )‬
‫‪,(3357‬مسند أحمــد بــن حنبــل )‪ .(2/216‬أمرنــي رســول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث جيشا على إبــل كــانت‬
‫عندي ‪ ،‬قــال‪ :‬فحملــت النــاس عليهــا حــتى نفــدت البــل ‪،‬‬
‫وبقيت بقية من الناس ‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول اللــه البــل‬
‫قد نفدت ‪ ،‬وقد بقيت بقية من الناس ل ظهر لهــم ‪ .‬فقــال‬
‫لي‪)) :‬ابتع علينا إبل بقلئص من إبل الصدقة ‪ ،‬إلــى محلهــا‬
‫حــتى ننفــذ هــذا البعــث(( ‪ .‬قــال‪ :‬وكنــت أبتــاع البعيــر‬
‫بالقلوصــين القلــوص‪ :‬الشــابة مــن النــوق‪ ،‬وهــي بمنزلــة‬
‫الجارية من النساء وجمعها قلص وقلئص )مختار الصحاح‪،‬‬
‫مادة قلص(‪ ، .‬وبالثلث قلئص من إبل الصدقة إلى محلها‬

‫‪601‬‬
‫‪ ،‬حتى نفذت ذلك البعث ‪ ،‬فلما جاءت إبــل الصــدقة أداهــا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وجاء في بداية هذه الرواية عن عبــد اللــه بــن عمــرو كمــا‬
‫أخرجها أحمد‪ :‬أن رجل سأل عبد الله بن عمــرو فقــال‪ :‬يــا‬
‫أبا محمد إنا بأرض لسنا نجد بهــا الــدينار والــدرهم ‪ ،‬وإنمــا‬
‫أموالنــا المواشــي ‪ ،‬فنحــن نتبايعهــا بيننــا ‪ ،‬فنبتــاع البقــرة‬
‫بالشــاء نظــرة إلــى أجــل ‪ ،‬والبعيــر بــالبقرات ‪ ،‬والفــرس‬
‫بالباعر ‪ ،‬كل ذلــك إلــى أجــل ‪ ،‬فهــل علينــا فــي ذلــك مــن‬
‫بأس؟! فقال )الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(248 :‬‬
‫عبد الله بن عمرو ‪ :‬على الخبير سقطت ثم ذكــر الحــديث‬
‫تم تخريج الحديث آنفا‪. .‬‬
‫‪ - 2‬ما رواه مالك والشافعي عن علي رضي الله عنــه أنــه‬
‫باع جمل يدعى )عصيفيرا( بعشرين بعيرا إلى أجــل موطــأ‬
‫مالك ‪ ،652 / 2‬وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه ‪،22 / 8‬‬
‫رقم ‪. .14142‬‬
‫‪ - 3‬ما ذكره البخاري في صحيحه تعليقــا أن عبــد اللــه بــن‬
‫عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة ‪ ،‬يوفيها صــاحبها‬
‫بالربذة ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ما ذكره البخــاري فــي صــحيحه تعليقــا ‪ ،‬ووصــله عبــد‬
‫الرزاق ‪ ،‬أن رافع بن خديج اشترى بعيرا ببعيرين ‪ ،‬فأعطاه‬
‫أحدهما ‪ ،‬وقال‪ :‬آتيك بالخر غدا علقــه الــبيهقي عــن رافــع‬
‫بن خديج ‪ ،287 / 5‬وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه ‪/ 8‬‬
‫‪ 22‬رقم ‪. .14141‬‬
‫)الجزء رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(249 :‬‬
‫‪ - 5‬ما رواه البخاري ومالك ‪ ،‬عن سعيد بــن المســيب أنــه‬
‫قال‪:‬‬
‫) ل ربا في الحيـوان( مصـنف عبـد الــرزاق ‪ 20 / 8‬رقـم‬
‫‪ ،14137‬موطأ مالك ‪ ،654 / 2‬باب ما ل يجوز مــن بيــع‬
‫الحيوان‪ .‬وقد نظر الشوكاني في هذه الدلة ثم خلص إلى‬
‫القول‪:‬‬
‫ل شك أن أحاديث النهي وإن كان كل واحــد منهــا ل يخلــو‬
‫من مقال ‪ ،‬لكنهــا ثبتــت مــن طريــق ثلثــة مــن الصــحابة ‪،‬‬
‫سمرة ‪ ،‬وجابر بن سـمرة ‪ ،‬وابـن عبـاس ‪ ،‬وبعضـها يقـوي‬

‫‪602‬‬
‫بعضا ‪ ،‬فهي أرجح من حديث واحد غير خال من المقــال ‪،‬‬
‫وهــو حــديث عبــد اللــه بــن عمــرو ‪ ،‬ول ســيما وقــد صــحح‬
‫الترمــذي وابــن الجــارود حــديث ســمرة ‪ ،‬وقــد تقــرر فــي‬
‫الصول أن دليل التحريم أرجح من دليل الباحة ‪.‬‬
‫وأما الثــار الــواردة عــن الصــحابة فل حجــة فيهــا ‪ ،‬وعلــى‬
‫فرض ذلك فهي مختلفة نيل الوطار ‪) . . 316 / 5‬الجزء‬
‫رقم ‪ ،66 :‬الصفحة رقم‪(250 :‬‬
‫====================‬
‫‪ #‬علة الربا في النقدين‬
‫مجلة البحوث السلمية ‪) -‬ج ‪ / 1‬ص ‪(216‬‬
‫علة الربا في النقدين‬
‫نظرا إلى أن الوراق النقدية أصبحت تلقى قبول عاما فــي‬
‫دنيا المعاوضات كوسيط للتبادل ‪ ،‬وأنها بــذلك حلــت محــل‬
‫الذهب والفضة في الثمنية وحيث إن السنة النبويــة نصــت‬
‫على جريان الربا بنوعيه في الذهب والفضة ‪ ،‬ونظــرا إلــى‬
‫أن أهل العلم اختلفوا في تعيين علة لجريان الربا فيهما ‪.‬‬
‫نظرا إلــى ذلـك كلـه كـان مـن المناسـب أن يشــتمل هـذا‬
‫البحث على بيــان أقــوال أهــل العلــم فــي علــة الربــا فــي‬
‫النقدين ونقاش ما استند إليه كل قول مما يقبل النقاش ‪.‬‬
‫لقد اختلف العلماء فــي تعليــل تحريــم الربــا فــي النقــدين‬
‫الذهب والفضة ‪ ،‬فمن نفــى التعليــل أو تعــذر عليــه إقامــة‬
‫دليل يرضاه لثبات علة التحريم ‪ :‬قصر العلة فيهما مطلقا‬
‫سواء كان تــبرا أو مســكوكين أو مصــنوعين وهــذا مــذهب‬
‫أهل الظاهر ونفاة القياس ‪ ،‬وابن عقيل من الحنابلة حيــث‬
‫إنه يرى العلة فيهما ضعيفة ل يقــاس عليهــا ‪ ،‬فل ربــا عنــد‬
‫هؤلء في الفلوس ول في الوراق النقديــة ول فــي غيرهــا‬
‫مما يعد نقدا ‪ ،‬وتحريم الربــا فيهمــا عنــدهم تعبــدي ‪ ،‬وأمــا‬
‫غيرهم فقد استنبط مناطا تنضبط به قاعدة ما يجري فيــه‬
‫الربـا إل أنهـم اختلفـوا فـي تخريـج المنـاط ويمكـن حصـر‬
‫آرائهم في ثلثة أقوال ‪.‬‬
‫***‬
‫الول ‪:‬‬

‫‪603‬‬
‫يتلخص القول الول في أن علة الربا فــي النقــدين الــوزن‬
‫لقوله صلى الله عليه وســلم ل تــبيعوا الــذهب بالــذهب إل‬
‫وزنا بوزن )‪ . (1‬ولقوله ‪ » :‬الذهب بالذهب وزنا بوزن مثل‬
‫بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثل بمثــل « )‪ (2‬وقــوله ‪:‬‬
‫» ما وزن مثل بمثل « وقوله ‪ » :‬بــع الجمــع بالــدراهم ثــم‬
‫ابتع بالدراهم جنيبا ‪ (3) « ،‬وقال في الميزان مثــل ذلــك )‬
‫‪ (4‬فجعل ضابط ما يجري فيه الربــا وتجــب فيــه المماثلــة‬
‫الوزن في الموزونات ‪ ،‬وطرد أصحاب هذا القول القاعــدة‬
‫فــي جريــان الربــا فــي كــل مــا يــوزن كالحديــد والنحــاس‬
‫والرصــاص والصــفر والصــوف والقطــن والكتــان ‪ ،‬وهــذا‬
‫القول هو المشهور عــن المــام أحمــد وهــو قــول النخعــي‬
‫والزهري والثوري وإســحاق وأصــحاب الــرأي ‪ ،‬ويمكــن أن‬
‫يورد على هذا القول ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الوزن وصف طردي محض ل مناسبة فيه )‪. (5‬‬
‫ب ‪ -‬العلمــاء متفقــون علــى جــواز إســلم النقــدين فــي‬
‫الموزنات وهذا بيع موزون بموزون إلــى أجــل وفــي جــواز‬
‫ذلك نقد للعلة )‪. (6‬‬
‫جـ ‪ -‬أن حكمة تحريم الربا ليست مقصورة على ما يوزن ‪،‬‬
‫بل هي متعدية إلى غيره مما يعد ثمنا ول يتعامــل بــه وزنــا‬
‫كالفلوس والورق النقدي فإن الظلم المراعى إبعــاده فــي‬
‫تحريم الربا في النقدين واقع في التعامل بــالورق النقــدي‬
‫وبشكل واضح في غالبه تتضاءل معه صورة الظلم الواقــع‬
‫في التعامل بالذهب والفضة متفاضل في الجنس أو نسيئة‬
‫فــي الجنســين نظــرا لرتفــاع القيمــة الثمنيــة فــي بعضــها‬
‫كفئات المائة ريال واللف دولر ‪.‬‬
‫***‬
‫الثاني‬
‫ويتلخص هذا القول في أن علة الربــا فــي النقــدين غلبــت‬
‫الثمنية ‪ ،‬وهــذا القــول هــو المشــهور عــن المــامين مالــك‬
‫والشافعي ‪ ،‬فالعلة عندهما قاصرة على الذهب والفضــة ‪،‬‬
‫والقول بغلبة الثمنية احتراز عــن الفلــوس إذا راجــت رواج‬
‫النقدين ‪ ،‬فالثمنية طارئة عليهــا فل ربــا فيهــا ‪ ،‬ويمكــن أن‬
‫يورد على هذا الرأي ما يلي ‪- :‬‬

‫‪604‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )‪,(2067‬صـــحيح مســـلم‬
‫المساقاة )‪,(1584‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1241‬ســنن‬
‫النسائي البيوع )‪,(4570‬موطأ مالك البيوع )‪.(1324‬‬
‫)‪ (3‬صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )‪,(2089‬صـــحيح مســـلم‬
‫المساقاة )‪,(1593‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4553‬موطــأ‬
‫مالك البيوع )‪.(1314‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري ‪.‬‬
‫)‪ (5‬انظر الجزء الثاني ص ‪ 137‬من إعلم الموقعين ‪.‬‬
‫)‪ (6‬انظر الجــزء الرابــع مــن المغنــي ص ‪ 4‬وانظــر الجــزء‬
‫التاســع والعشــرين ص ‪ 471‬مــن مجمــوع فتــاوى شــيخ‬
‫السلم‪ ،‬وانظر الجزء الثاني ص ‪ 137‬من إعلم الموقعين‬
‫‪.‬‬
‫أ ‪ -‬أن العلة القاصرة ل يصح التعليل بهــا فــي اختيــار أكــثر‬
‫أهل العلم منقوضة طردا بـالفلوس ؛ لنهـا أثمــان وعكســا‬
‫بالحلي )‪. (1‬‬
‫ب ‪ -‬إن حكمة تحريم الربا فــي النقــدين ليســت مقصــورة‬
‫عليهما بل تتعــداهما إلــى غيرهمــا مــن الثمــان كــالفلوس‬
‫والورق النقدي ‪.‬‬
‫***‬
‫الثالث ‪:‬‬
‫ويتلخص في أن علة الربــا فــي النقــدين مطلــق الثمنيــة ‪،‬‬
‫وهذا القول إحدى الروايات عن المام أحمد ومالــك وأبــي‬
‫حنيفة قال أبو بكر من أصحاب أحمد روى ذلك عــن أحمــد‬
‫جماعة ‪ ،‬وهو اختيار شيخ السلم ابن تيميــة وتلميــذه ابــن‬
‫القيم ‪-‬رحمهما الله‪ -‬وغيرهما من محققي أهل العلم )‪. (2‬‬
‫وقد أورد ابن ملفح على هذا القــول إيــرادا ملخصــه ‪ :‬بــأن‬
‫التعليل بالثمنية تعليل بعلة قاصرة ل يصلح التعليل بها في‬
‫الكثر منقوضة طردا بالفلوس لنها أثمان وعكسا بــالحلي‬
‫)‪. (3‬‬
‫ويمكــن أن يجــاب عــن هــذا اليــراد بــأنه ل يتجــه إل علــى‬
‫القائلين بغلبة الثمنية ‪ ،‬أما القــائلون بمطلــق الثمنيــة فلــم‬

‫‪605‬‬
‫يخرجوا الفلوس الرائجة عن حكــم النقــدين بــل اعتبروهــا‬
‫نقدا يجري فيه الربا كما يجري فيهما ‪ ،‬كما أنهم لم يقولوا‬
‫بجريان الربا في الحلي المصنوع مــن الــذهب أو الفضــة ؛‬
‫لن الصناعة قد نقلته من جنس الثمنية إلى أجناس السلع‬
‫والثياب ‪ ،‬ولهذا ل تجب فيه الزكاة علــى القــول المشــهور‬
‫في مذهب المام أحمد مع أنه من الــذهب والفضــة )‪. (4‬‬
‫كما يمكــن أن يــورد علــى القــائلين بمطلــق الثمنيــة إيــراد‬
‫ملخصه بأن إجماع العلماء منعقد على جريان الربا بنــوعيه‬
‫في الذهب والفضة سواء أكانا سبائك أو مسكوكين ‪ ،‬فمــا‬
‫سك منهما نقدا فل إشكال في جريان الربا فيه لكونه ثمنا‬
‫‪ ،‬وإنما الشكال في جريان الربا فــي ســبائكهما مــع أنهمــا‬
‫في حال كونهما سبائك ليسا ثمنا ‪ ،‬ويمكــن أن يجــاب عــن‬
‫هذا اليراد بأن الثمنية موغلة في الذهب والفضة وشــاملة‬
‫لسبائكهما بدليل أن السبائك الذهبية كانت تســتعمل نقــدا‬
‫قبل سكها نقودا ‪ ،‬وقد كان تقدير ثمنيتها بالوزن ومن ذلك‬
‫ما رواه الخمسة وصححه الترمذي » عن سويد بــن قيــس‬
‫قال جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا من هجر فأتينا بــه مكــة‬
‫فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشــي فســاومنا‬
‫ســراويل فبعنــاه وثــم رجــل يــزن بــالجرة فقــال لــه زن‬
‫وأرجح ‪ (5) « ،‬ومثله حديث‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظــر الجــزء التاســع مــن مجمــوع النــووي ص ‪،445‬‬
‫وانظر الجزء الثاني من الفروع ص ‪. 545‬‬
‫)‪ (2‬انظر جـ ‪ 29‬من مجموع فتاوى شيخ السلم ص ‪473‬‬
‫و ص ‪ 474‬وانظر جـ ‪ 2‬ص ‪ 137‬من إعلم الموقعين ‪.‬‬
‫)‪ (3‬انظر جـ ‪ 2‬ص ‪ 545‬من الفروع وتصحيحه ‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر الجــزء الثــاني مــن إعلم المــوقعين ص ‪- 140‬‬
‫‪ 142‬وانظر الجزء التاسع والعشرين مــن مجمــوع فتــاوى‬
‫شيخ السلم ابن تيمية ص ‪. 453‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي البيوع )‪,(1305‬سنن النسائي الــبيوع )‬
‫‪,(4592‬ســنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3336‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫التجارات )‪,(2220‬مسند أحمد بــن حنبــل )‪,(4/352‬ســنن‬
‫الدارمي البيوع )‪.(2585‬‬

‫‪606‬‬
‫جابر في بيعــه جملــه علــى رســول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم حينما قال يا بلل أقضه وزده فأعطاه أربعــة دنــانير‬
‫وزاده قيراطا )‪. (1‬‬
‫هذا ما تيسر إيراده وبالله التوفيق وصلى الله على محمــد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم ‪. . . . . .‬‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء‬
‫عضو ‪ ...‬عضو ‪ ...‬نائب الرئيس ‪ ...‬رئيس اللجنة‬
‫عبد الله بن سليمان بن منيع ‪ ...‬عبد الله بن عبد الرحمــن‬
‫بن غديان ‪ ...‬عبد الرزاق عفيفي ‪ ...‬إبراهيم بن محمــد آل‬
‫الشيخ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر الجزء التاســع عشــر مــن مجمــوع فتــاوى شــيخ‬
‫السلم ص ‪ 248‬وانظر في الجابة عن هذا اليراد الجــزء‬
‫الثاني من إعلم الموقعين ص ‪. 140‬‬
‫الخلصة‬
‫وبعد استعراض الهيئة للبحث المذكور ‪ ،‬وما فيه من أقوال‬
‫فقيهــة قيلــت فــي حقيقــة الوراق النقديــة مــن اعتبارهــا‬
‫إسنادا أو عروضا أو فلوســا أو بــدل عــن ذهـب أو فضـة أو‬
‫نقدا مستقل بذاته وما يترتب على تلك القوال من أحكــام‬
‫شرعية ‪ . .‬جرى تداول الرأي فيها ومناقشة مــا علــى كــل‬
‫قول منها من إيرادات ‪.‬‬
‫كمـــا اســـتمع أعضـــاء الهيئة إلـــى آراء بعـــض الخـــبراء‬
‫المتخصصين في النقد الــورقي والعلــوم القتصــادية حــول‬
‫هذا الموضوع ‪ ،‬بعد ذلــك رأى مجلــس الهيئة بالكثريــة مــا‬
‫يلي ‪:‬‬
‫بناء على أن النقد هو كل شيء يجري اعتباره فــي العــادة‬
‫أو الصطلح بحيث يلقى قبول عاما كوسيط للتبادل ‪ ،‬كمــا‬
‫أشار إلى ذلك شيخ السلم ابــن تيميــة حيــث قــال ‪ :‬وأمــا‬
‫الدرهم والدينار فما يعرف له حــد طبعــي ول شــرعي بــل‬
‫مرجعه إلى العادة والصطلح ‪ ،‬وذلــك لنــه فــي الصــل ل‬
‫يتعلــق المقصــود بــه بــل الغــرض أن يكــون معيــارا لمــا‬
‫يتعاملون به ‪ ،‬والدراهم والدنانير ل تقصد لنفسها بــل هــي‬
‫وسيلة إلى التعامل بها ‪ ،‬ولهذا كانت أثمانـا ‪-‬إلـى أن قـال‪-‬‬

‫‪607‬‬
‫والوسيلة المحضة التي ل يتعلــق بهــا غــرض ل بمادتهــا ول‬
‫بصورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت ا هـ \ جـ ) ‪( 29‬‬
‫ص ‪ 251 :‬من مجموع الفتاوى ‪.‬‬
‫وذكر نحو ذلك المام مالك في المدونة من كتاب الصرف‬
‫حيث قال ‪ :‬ولو أن الناس اجازوا بينهم الجلود حــتى يكــون‬
‫لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نســيئة ‪ .‬ا‬
‫هـ ‪.‬‬
‫وحيث إن الــورق النقــدي يلقــى قبــول عامــا فــي التــداول‬
‫ويحمـــل خصـــائص الثمـــان مـــن كـــونه مقياســـا للقيـــم‬
‫ومســتودعا للــثروة وبــه البــراء العــام ‪ ،‬وحيــث ظهــر مــن‬
‫المناقشــة مــع المتخصصــين فــي إصــدار الــورق النقــدي‬
‫والعلوم القتصادية أن صفة السندية فيها غيــر مقصــودة ‪،‬‬
‫والواقع يشهد بذلك ويؤكده كمــا ظهــر أن الغطــاء ل يلــزم‬
‫أن يكــون شــامل لجميــع الوراق النقديــة ‪ ،‬بــل يجــوز فــي‬
‫عــرف جهــات الصــدار أن يكــون جــزء مــن عملتهــا بــدون‬
‫غطاء وأن الغطاء ل يلزم أن يكون ذهبا بل يجوز أن يكون‬
‫مــن أمــور عــدة كالــذهب والعملت الورقيــة القويــة ‪ ،‬وأن‬
‫الفضة ليست غطاء كليا أو جزئيــا لي عملــة فــي العــالم ‪،‬‬
‫كمــا اتضــح أن مقومــات الورقــة النقديــة قــوة وضــعفا‬
‫مســتمدة ممــا تكــون عليــه حكومتهــا مــن حــال اقتصــادية‬
‫فتقوى الورقة بقوة دولتها وتضعف بضعفها ‪ ،‬وأن الخامات‬
‫المحلية كالبترول والقطــن والصــوف لــم تعتــبر حــتى الن‬
‫لدى أي من جهات الصدار غطاء للعملت الورقية ‪.‬‬
‫وحيث إن القول باعتبــار مطلــق الثمنيــة علــة فــي جريــان‬
‫الربا في النقدين هــو الظهــر دليل والقــرب إلــى مقاصــد‬
‫الشريعة وهــو إحــدى الروايــات عــن الئمــة مالــك ‪ ،‬وأبــي‬
‫حنيفة ‪ ،‬وأحمد ‪ ،‬قال أبو بكر ‪ :‬روى ذلك عن أحمد جماعة‬
‫كمــا هــو اختيــار بعــض المحققيــن مــن أهــل العلــم كشــيخ‬
‫السلم ابن تيمية وتلميذه ابــن القيــم وغيرهمــا ‪ . .‬وحيــث‬
‫إن الثمنية متحققة بوضوح في الوراق النقدية لــذلك كلــه‬
‫فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها ‪:‬‬
‫أن الورق النقدي يعتبر نقدا قائما بذاته كقيام النقدية فــي‬
‫الذهب والفضة وغيرها مــن الثمــان ‪ ،‬وأنــه أجنــاس تتعــدد‬

‫‪608‬‬
‫بتعدد جهات الصدار بمعنــى أن الــورق النقــدي الســعودي‬
‫جنـس ‪ ،‬وأن الـورق النقـدي المريكـي جنـس وهكـذا كـل‬
‫عملة ورقية جنس مستقل بذاته ‪ ،‬وأنه يــترتب علــى ذلــك‬
‫الحكام الشرعية التية ‪- :‬‬
‫أول ‪ :‬جريان الربا بنوعيه فيها كما يجري الربا بنــوعيه فــي‬
‫النقـــدين الـــذهب والفضـــة وفـــي غيرهـــا مـــن الثمـــان‬
‫كالفلوس ‪ ،‬وهذا يقتضي ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ل يجوز بيع بعضه ببعض أو بغيره من الجنــاس النقديــة‬
‫الخرى من ذهب أو فضــة أو غيرهمــا نســيئة مطلقــا ‪ ،‬فل‬
‫يجوز مثل بيع الدولر المريكي بخمســة أريلــة ســعودية أو‬
‫أقل أو أكثر نسيئة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ل يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضه ببعــض متفاضــل‬
‫سواء كان ذلك نسيئة أو يدا بيد ‪ ،‬فل يجوز مثل بيع عشــرة‬
‫أريلة سعودية ورق بأحد عشر ريال سعوديا ورقا ‪. .‬‬
‫جـ ‪ -‬يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقــا إذا كــان‬
‫ذلك يدا بيد فيجوز بيـع الليـرة السـورية أو اللبنانيـة بريـال‬
‫سعودي ورقا كان أو فضة أو أقـل مـن ذلـك أو أكـثر وبيـع‬
‫الدولر المريكي بثلثة أريلة سعودية أو أقــل أو أكــثر ‪ ،‬إذا‬
‫كــان ذلــك يــدا بيــد ‪ ،‬ومثــل ذلــك فــي الجــواز بيــع الريــال‬
‫السعودي الفضة بثلثة أريلة سعودية ورق أو أقــل أو أكــثر‬
‫يــدا بيــد ؛ لن ذلــك يعتــبر بيــع جنــس بغيــر جنســه ول أثــر‬
‫لمجرد الشتراك في السم مع الختلف في الحقيقة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬وجوب زكاتها إذا بلغــت قيمتهــا أدنــى النصــابين مــن‬
‫ذهب أو فضة أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الثمان‬
‫والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لهل وجوبها ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬جواز جعلها رأسمال في السلم والشركات ‪. .‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬القول بوحدة الربا والختلف في أصله‬
‫مجلة البحوث السلمية ‪) -‬ج ‪ / 5‬ص ‪(194‬‬
‫‪ - 3‬القول بوحدة الربا والختلف في أصله‬
‫وقد تصدى علماء المسـلمين لتلـك المزاعـم وبينــوا أوجـه‬
‫البهتان فيما ادعته من أخذ عن اليهود فيما جاء بــه محمــد‬
‫صلى اللــه عليــه وســلم مــن أبــواب الربــا ‪ ،‬بيــد أن جــدال‬

‫‪609‬‬
‫أصحابها لفت الباحثين عن التفكر في حقيقــة مــا جــاء بــه‬
‫السلم متميــزا عمــا فــي صــحف اليهــود ‪ ،‬ومتطــورا عمــا‬
‫بلغوه في تفسيرات أحبارهم وأعراف أسواقهم ‪ ،‬ووجــدوا‬
‫أكثر مفسري القرآن لم يعرضوا لبيــان الربــا ‪ ،‬الــذي نهــي‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّـ ِ‬ ‫مـ َ‬ ‫عنه بنو إسرائيل في قــوله تعــالى ‪ } :‬فَب ِظ ُل ْـم ٍ ِ‬
‫ل‬ ‫سـِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَـ ْ‬ ‫صد ّهِ ْ‬‫م وَب ِ َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬ ‫حل ّ ْ‬‫ت أُ ِ‬ ‫م ط َي َّبا ٍ‬ ‫مَنا عَل َي ْهِ ْ‬‫حّر ْ‬‫دوا َ‬ ‫ها ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الل ّهِ ك َِثيًرا { )‪ } (1‬وَأ ْ‬
‫م‬ ‫ه وَأك ْل ِهِـ ْ‬ ‫م الّرب َــا وَقَـد ْ ن ُهُــوا عَن ْـ ُ‬ ‫خـذِهِ ُ‬
‫َ‬ ‫ل وَأ َعْت َد َْنا ل ِل ْ َ‬ ‫أَ‬
‫ما {‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫م عَ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫س ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫وا‬‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬
‫)‪ (2‬وإنما قالوا‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة النساء الية ‪160‬‬
‫)‪ (2‬سورة النساء الية ‪161‬‬
‫إن الية تدل على أن الربا كان محرما على اليهود كما هــو‬
‫محرم علينا ‪ ،‬وأن النهي يدل على حرمة الربا المنهي عنه‬
‫وإل لما توعد سبحانه وتعالى بالعذاب على مخالفته ‪.‬‬
‫ورأى بعض الفقهاء عبارات التــوراة فــي النهــي عــن الربــا‬
‫تشبه في معانيها ومؤداهـا عبـارات القـرآن ‪ ،‬وأن الحكمـة‬
‫في نهي اليهود عن الربا هي دفع الظلــم والســتغلل عــن‬
‫المحتاج ‪ ،‬وهي الحكمة عينها التي صــرح بهــا القــرآن فــي‬
‫َ‬
‫وال ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مــ َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫قوله تعالى لمن أربوا ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن { )‪ (1‬يعنــي ل تظلمــون فــي أخــذ‬ ‫مو َ‬ ‫ن َول ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ت َظ ْل ِ ُ‬
‫الربا ‪ ،‬فإن ما يقبضه المرابي من الربا هو بمثابــة المــوال‬
‫التي تصل إليه بالغصب والسلب ‪ ،‬وتوبــة المرابــي ســبيلها‬
‫أن يرد الربا على من أربى عليه ‪ ،‬فــإن أيــس مــن وجــوده‬
‫فليتصدق بذلك عنه )‪ (2‬وخلصــوا مــن ذلــك إلــى أن الربــا‬
‫الــذي حــرم علــى اليهــود ‪ ،‬هــو نفســه الــذي حــرم علــى‬
‫المسلمين ‪ ،‬والشــرائع يصــدق بعضــها بعضــا ‪ ،‬إذ كــل فــي‬
‫الصل من عند الله تعالى )‪. (3‬‬
‫وكان للقول بوحدة الربــا فــي الســلم آثــاره فــي دراســة‬
‫أصول أحكامه وتحديد نظريته لدى كــل مــن رجــال الفقــه‬
‫السلمي والقانون المدني جميعـا ‪ ،‬فقــد جعـل فريـق ربـا‬
‫البيوع راجعا إلى ربا الدين ‪ ،‬وجهــدوا فــي إثبــات خصــائص‬
‫ربا الدين في ربا الفضل وربا النسيئة معا ‪ ،‬فترخصوا فــي‬

‫‪610‬‬
‫تكييف الفضــل فــي الــبيوع الربويــة ‪ ،‬وهــو زيــادة مقــدار ‪،‬‬
‫ورأوه يشبه زيادة القيمة في ربا القــروض ‪ ،‬وحــاولوا فــي‬
‫جهد غير يسير أن يضعوا تعريفا موحدا يجمـع جميـع أنـواع‬
‫الربــا ‪ ،‬وأدى كــل أولئك إلــى الخلــط فــي الحكــام وإلــى‬
‫المشقة في ردها إلى أصولها والوقــوف علــى حكمــة كــل‬
‫منها ‪ .‬ولم يستقم لفقهــاء القــانون أن يضــعوا أنــواع الربــا‬
‫موضعها الصحيح فــي إطــار عرضــها المقــارن بــالقوانين ‪،‬‬
‫فجاء ربــا الــبيوع فــي كتــابتهم حــدا شــرعيا مانعــا للغبــن ‪،‬‬
‫وأقاموا على ذلك أصل عاما نسبوه إلى الشريعة ‪ ،‬يــوجب‬
‫تعادل التزامات الطرفيــن فــي العقــود ‪ ،‬وإذا وجــدوا عقــد‬
‫العرض ليس من البيوع التي يقتصر عليهــا الربــا ‪ ،‬قــالوا ‪:‬‬
‫إن ربــا القــرض ‪ ،‬وهــو أصــل الربــا كمــا تعرفــه الشــرائع‬
‫والقوانين ‪ ،‬يدخل في ربا البيوع شرعا من بـاب القيـاس )‬
‫‪. (4‬‬
‫ولكن هذا المجال الذي تتغاير فيه فروع الشرائع ‪ ،‬يقتضي‬
‫أن نحذر الفتنة عن بعض مــا جــاء بــه الســلم وأن نحيــط‬
‫بأحكامه كما فصلت في القرآن والســنة تفصــيل ‪ ،‬وعنــدها‬
‫يســتبين مــا فيهــا مــن الحكــام الــذي يميــز كــل نــوع مــن‬
‫) الربوات( من غيره ‪ ،‬ومن التطور الذي لم يقتصــر علــى‬
‫ما استحدث من الربا في البيوع مختلفــا عــن الغبــن ‪ ،‬بــل‬
‫أضاف إلى ربا الدين من الخصائص مــا عــدل مــن طــبيعته‬
‫وحكمته جميعا ‪ .‬ويشرق من كل أولئك نور العجــاز الــذي‬
‫يشهد بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بلــغ مــن‬
‫تلك الحكام القتصادية التي أوحاها اللطيف الخبير ‪ ،‬ودقة‬
‫حكمة بعض منها علـى أفهـام المخـاطبين مـن المسـلمين‬
‫حين شرعها وعلى كثير منهم ومن غيرهم حتى اليوم ‪.‬‬
‫وتفرغ في هذا البحث لربا الدين ‪ ،‬الــذي مهــر اليهــود فــي‬
‫أخذه وعرفته علـى غرارهـم القـوانين الوضـعية ‪ ،‬ونقـارنه‬
‫بما جاء في السـلم فـي شـأنه ‪ ،‬حـتى يتـبين الفـرق بيـن‬
‫الربوين في الحكام وأثر هذا الفــرق فــي اختلف الحكمــة‬
‫فــي حظرهمــا وأثرهــا فــي التنظيــم القتصــادي والبنيــان‬
‫الجتماعي والسياسي ‪.‬‬
‫__________‬

‫‪611‬‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (2‬تفسير القرطبي ‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪365‬و ‪ ،366‬ونظرية الربــا‬
‫محّرم في الشريعة السلمية للستاذ زكي الــدين بــدوي‬ ‫ال ُ‬
‫‪ ،1964 \ 1383‬ص ‪.76-73‬‬
‫)‪ (3‬تطــوير العمــال المصــرفية بمــا يتفــق والشــريعة‬
‫السلمية‪ ،‬للدكتور سامي حسن حمود‬
‫متــوّفى ســنة ‪774‬هـ ـ فــي‬ ‫)‪ (4‬ويقول الحافظ ابن كــثير ال ُ‬
‫تفســير القــرآن العظيــم ج ‪ 1‬ص ‪ 327‬إن بــاب الّربــا مــن‬
‫شكل البواب على كثير من أهل العلــم '' وانظــر مصــادر‬ ‫أ ْ‬
‫فْقه الغربــي‬ ‫مقاَرنــة بــال ِ‬
‫الحق في الفقه السلمي‪ ،‬دراسة ُ‬
‫الحديث‪ ،‬الستاذ الدكتور عبــد الــرزاق الســنهوري‪،1956 ،‬‬
‫ج ‪ 3‬ص ‪ ،268‬وهو يقصد ربا الجاهلية على الربح المركــب‬
‫وحده‪.‬‬
‫‪ - 4‬نصوص تحريم الربا عند اليهود‬
‫جاء ذكر الربا في مواضع متعددة من التوراة ‪ ،‬فقصت في‬
‫سفر الخروج ‪ ،‬بالصحاح ‪ 22‬فــي العــدد ‪ :25‬إن أقرضــت‬
‫فضة لشعبي الفقير الذي عندك ‪ ،‬فل تكن لــه كــالمرابي ‪،‬‬
‫ل تضعوا عليه ربا "‬
‫وفي سفر اللويين ‪ ،‬بالصــحاح ‪ 25‬فــي العــداد ‪ 35‬حــتى‬
‫‪ ": 37‬وإذا افتقر أخوك وقصرت يده عندك فاعضده ‪ . .‬ل‬
‫تأخذ منه ربا ول مرابحة فضتك ل تعطه بالربــا وطعامــك ل‬
‫تعطه بالمرابحة ‪.‬‬
‫ثم جاء في سفر التثنية ‪ ،‬بالصحاح ‪ 23‬في العدد ‪ ": 19‬ل‬
‫تقرض أخاك بربا ‪ ،‬ربا فضة أو ربا طعام أو ربــا شــيء مــا‬
‫مما يقرض بربا " ‪.‬‬
‫وينص العدد ‪ 20‬الذي يليه في نسخة التوراة التي يتداولها‬
‫يهود اليوم ‪ ،‬على أن ‪ ":‬للجنبي تقرض بربا ‪ ،‬ولكن لخيك‬
‫ل تقرض بربا ‪ ،‬لكي يباركك الرب إلهك فــي كــل مــا تمتــد‬
‫إليه يدك في الرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها "‬
‫وجاء علــى لســان نحميــا ‪ ،‬بالصــحاح" فــي العــددين ‪10‬و‬
‫‪ ": 11‬وأنا أيضا وإخوتي وغلماني أقرضناهم فضــة وقمحــا‬
‫فلنترك هذا الربا ‪ .‬ردوا لهم هذا اليوم حقــولهم وكرومهــم‬

‫‪612‬‬
‫وزيتونهم والجزء من مائة الفضة والقمح والخمــر والزيــت‬
‫الذي تأخذونه منهم ربا " ‪.‬‬
‫ويعقب في العدد ‪ 13‬بقوله ‪ ":‬ثــم نفضــت حجــري وقلــت‬
‫هكذا ينفض الله كــل إنســان ل يقيــم هــذا الكلم مــن بيتــه‬
‫ومن عقبه ‪. " . .‬‬
‫وبيــن ســفر حزقيــال بالصــحاح ‪ 18‬ســمات النفــس الــتي‬
‫تخطئ ‪ ،‬فهي تمـوت بـإثم الرجاسـات والمعاصـي ‪ ،‬وذكـر‬
‫منهــا العــددان ‪ 12‬و ‪ 13‬مــن ظلــم الفقيــر والمســكين‬
‫واغتصــب اغتصــابا ولـم يـرد الرهـن وقـد رفـع يمينـه إلـى‬
‫الصنام وفعل الرجس ‪ .‬وأعطى بالربا وأخــذ المرابحــة ‪. .‬‬
‫"‪.‬‬
‫وحفلت النصوص برعاية المدينين ‪ ،‬ومنعت مضارتهم فــي‬
‫الرهـون المقبوضـة منهـم ‪ ،‬وفرضـت إبـراء المعسـر ممـا‬
‫عليه من القرض كل سبع سنين ‪ ،‬وكل ذلك عندهم ما لــم‬
‫يكن المدين أجنبيا )‪. (1‬‬
‫ويذهب بعض المفسرين من أهل الكتاب إلــى أن نصــوص‬
‫سفري الخروج واللويين التي سلفت ‪ ،‬إنمــا حرمــت الربــا‬
‫الفاحش ‪ ،‬وأن تحريم مطلق الفائدة لم يشرع إل من بعــد‬
‫ذلك بما جاء في سفر التثنية )‪ (2‬وقيل إن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬اليهــودي‪ ،‬للســتاذ مــراد فــرح‪ ،‬ص ‪ 20‬ن ‪ ،71‬ســفر‬
‫التثنية‪ ،‬الصحاح ‪. 4-1 :15‬‬
‫)‪ ،dictionary of the bible (2‬جيمس هاستنجس وآخرين‪،‬‬
‫ج ‪1‬ص ‪ 579‬مادة ‪ .usivuy debt‬وج ‪ 4‬ص ‪ 841‬مادة ‪.‬‬
‫صحف موسى حرمت على اليهود أخــذ الربـا مـن الفقـراء‬
‫ولو كانوا من الجانب ‪ ،‬ثــم انحصــر التحريــم فــي إقــراض‬
‫اليهود ‪ ،‬وإن كان المقترض موسرا )‪. (1‬‬
‫وما كان اليهود يعملون بالتجارة حين أنزلت التوراة ‪ ،‬فلــم‬
‫تشر نصوصها إلى الديون التجارية ‪ ،‬ولم يبــدأ عهــد اليهــود‬
‫بنظام الئتمان التجاري ‪ ،‬إل بالذي وضعوه ) وهــم أســارى‬
‫ببابل وطبق الحبار الــذين دونــوا كتــاب المشــنا مــن ســنة‬
‫‪200‬ق م حتى سنة ‪200‬م( تحريم أخذ الربا علــى الــديون‬
‫التجارية ‪ ،‬وإن رخصوا فــي الــوقت ذاتــه فيمــا يــؤدي إلــى‬

‫‪613‬‬
‫التهرب من هذا التحريــم ‪ ،‬مــن طريــق الحيلــة القانونيــة ‪،‬‬
‫بأن يعتبر المقــرض بالربــا بمثابــة شــريك مســتحق لربــاح‬
‫المشروع التجاري الذي أمده برأس ماله )‪. (2‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬دائرة معــارف البســتاني‪ ،‬ج ‪ 8‬ص ‪ 509‬مــادة '' ربــا''‬
‫أوردها زكي الدين بدوي‪ ،‬ص ‪3‬‬
‫)‪studies in monetary economics by don potenkin (2‬‬
‫‪1972 p. 122‬‬
‫‪ - 5‬خصائص الربا عند اليهود‬
‫ونستعرض أحكام الربا التي يقرها علماء اليهود في كتبهم‬
‫‪ ،‬ونستخلص منها خصائص الربا عندهم كي يســتبين أوجــه‬
‫الختلف أو الشبه بينه وبين الذي جاء به السلم ‪.‬‬
‫وخصائص هذا الربا هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬الربا في القرض والبيع ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الربا مقابل الجل ‪.‬‬
‫‪ - 3‬الربا ظلم للمدين ‪.‬‬
‫‪ - 4‬الحظر القضائي للربا مختلف فيه ‪.‬‬
‫‪ - 5‬قصر التحريم على اليهودي دون الجنبي ‪.‬‬
‫الخاصية الولى‬
‫الربا في القرض والبيع‬
‫ينطبق الربا على الــبيع الــذي يــدخله التأجيــل ‪ ،‬ول يقتصــر‬
‫على القرض ‪ ،‬فإذا كان الربا هو ما يؤديه المقترض زيــادة‬
‫على مقدار مــا اقــترض ‪ ،‬وذلــك هــو التحديــد الــذي يجــده‬
‫اليهود في نص الكتــاب ‪ ،‬ويســمونه لــذلك ربــا النــاموس ‪،‬‬
‫فإن الحبار قد ألحقوا به كل ما يمنع التهرب من تحريمه ‪،‬‬
‫فحرموا أبوابا من الربا العتباري ‪ ،‬وجعلوا منه زيادة ثمــن‬
‫بيع الشيء نسيئة على سعره بالسواق حاضــرا ‪ ،‬فــالرض‬
‫التي ثمنها الحال ‪ 1000‬دينار ‪ ،‬ل يجوز بيعها بثمــن مؤجــل‬
‫إلى سنة مقداره ‪ 1200‬دينــار ‪ .‬ولكننــا نجــد نــص التــوراة‬
‫ينهى عن أخذ المرابحة من الفقير بعد النهي عن أخذ الربا‬
‫منه ‪ ،‬مما يفرق بين ربح النسيئة في شــأنه والربــا ‪ ،‬ويــذر‬
‫حظر المرابحة ناموسيا ومتميزا من الربـا ‪ ،‬وكـذلك منعــوا‬
‫أن يبيع الشخص شيئا ليس عنده إلى أجل بــدين مســتحق‬

‫‪614‬‬
‫عليه ‪ ،‬ومن صور ذلك ‪ ،‬أن يشتري يـوعز مـن أخيـه أشـير‬
‫كيل قمح بثمن مقداره ‪ 25‬دينارا مساو لسعر الســوق ثــم‬
‫غل السعر فصار ثمن القمح ‪ 30‬دينارا ‪ ،‬ولما طلــب يــوعز‬
‫قبض قمحه ليبيعه ويشــتري بثمنــه خمــرا ‪ ،‬قــال لــه أخــوه‬
‫بعني القمح بـ ‪ 30‬دينارا ‪ ،‬أبيعك بها خمرا إلى أجل بسعره‬
‫الحاضر في السوق ولــم يكــن الخمــر عنــده وقــتئذ ‪ ،‬فــإن‬
‫شراء أشير القمح بأكثر مما باعه وقبل قبضه ل يعتبر مــن‬
‫الربا عند الحبــار ‪ ،‬ويلحــظ أن الرســول صـلى اللـه عليــه‬
‫وسلم نهى من اشــترى طعامــا عــن أن يــبيعه قبــل قبضــه‬
‫وسمى الصــحابة مثــل هــذا الــبيع ربــا ‪ ،‬ويكــون بيــع يــوعز‬
‫القمح لخيه من قبل أن يقبضه منه بعــد شــرائه محظــورا‬
‫في السلم على خلف ما عند اليهود ‪ .‬وإنما يجــد الحبــار‬
‫الربا في بيع أشير الخمر الذي ليــس عنــده ‪ ،‬حيــث تحمــل‬
‫خطر الزيادة في ثمن الخمر حين يشتريه مقابــل حصــوله‬
‫على تأجيل الدين الذي اســتحق عليــه ‪ .‬ويحــرم بــذلك بيــع‬
‫الشياء المستقبلة من قبل أن يكون ســعرها بالســوق قــد‬
‫تحدد ‪ .‬وكذلك اعتبروا من الربا شراء القمح قبل أن تظهر‬
‫سنابله والعنب قبل أن تبدو عناقيده ‪ ،‬خوفا مــن أن يكــون‬
‫البيع بثمن أقل من قيمته حين نضــجه ‪ ،‬فتكــون ثــم زيــادة‬
‫محتملة للمشتري )‪ (1‬وطبقوا ذلك حينا على القرض ذاته‬
‫‪ ،‬إذ رأوا لجوازه أن يكون غيـر مؤجـل كمـن يقـترض كيـل‬
‫قمح حتى يجد مفتاح مخزنه أو يعود ابنــه إلــى الــبيت ‪ ،‬ول‬
‫يجوز أن يقترضه ليــرده فــي موســم درســه ‪ ،‬لحتمــال أن‬
‫يرتفع سعر القمــح ‪ ،‬فيفيــد المقــرض مــن زيــادة تشـابهت‬
‫عليهم مع الربا ‪ ،‬ولكن التلمود ألغى هذا الخطر والتزم حد‬
‫الربا الناموسي ‪ ،‬الذي يقصر التحريم في القرض على رد‬
‫كمية أكــبر ممــا اقــترض المــدين ‪ ،‬وجعلــت المشــنا أجــرة‬
‫العمل كرأس مال المقرض ‪ ،‬إذ حظرت مبادلة العمل في‬
‫الحرث والعزق بين الجيران ‪ ،‬إذا كان العمل اللحق أشــق‬
‫من العمل السابق ‪.‬‬
‫ولكنهم لم يجعلوا إجــارة العقــار كــبيعه فــي شــأن الربــا ‪،‬‬
‫فأباحوا لمؤجره إذا أجل قبض الجرة إلى آخــر العــام بــدل‬

‫‪615‬‬
‫من استيفائها مشاهرة ‪ ،‬أن يتقاضى مــن مســتأجر العقــار‬
‫زيادة على مجموع ما كان يعجله من أجرة كل شهر ‪.‬‬
‫ول يزال لتلك الخاصية الـتي تجمـع فـي تحريـم الربـا بيـن‬
‫القرض والبيع تأثيرها في القوانين الوروبية الغربية ‪ ،‬كمــا‬
‫أثرت في الكنائس المصلحة من قبل ‪ ،‬ول ينفــك مشــرعو‬
‫تلك البلد يرون بائعي النسيئة في مرابحتهــم كالمقرضــين‬
‫فــي ربــاهم ‪ ،‬ويســلكون الطــائفتين جميعــا فــي نصــوص‬
‫مكافحة الربا ‪ ،‬ويفرضــون أل تجــاوز الزيــادة فــي الثمــان‬
‫المؤجلة الحد القصى لما أجازته قوانينهم من الربا ‪.‬‬
‫ويجـــادل المشـــتغلون بـــبيوع النســـيئة فـــي اعتبـــارهم‬
‫كالمرابين ‪ ،‬باستدلل اقتصادي يظاهر الفرق القانوني بين‬
‫القرض والبيع ‪ ،‬ويستند إلى مــا يتحملــه بــائع النســيئة مــن‬
‫نفقة ومــا يتعــرض لــه مخــاطر هلك ضــمانه مــن الســلعة‬
‫المبيعة ‪ ،‬مما ل يتعرض لمثلها المقرض بالربا )‪(2‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الربا عند اليهود‪ ،‬للستاذ عاشور‪ :‬ص ‪45‬‬
‫)‪a vente a credit Robert sommade paris 1959. p.p.29- (2‬‬
‫‪32‬‬
‫الخاصية الثانية‬
‫الربا مقابل الجل‬
‫فاستحقاق الربا سببه تأجيل القرض أو الــدين ‪ ،‬فل يكــون‬
‫الربــا إل فــي الــديون المؤجلــة ‪ ،‬ويســتوي أن يتفــق علــى‬
‫الزيادة ابتداء عند أخذ القرض أو عقــد الــبيع المؤجــل وأن‬
‫تعرض عند المطالبة ‪ ،‬فينظر المدين بارتضاء الزيادة إلــى‬
‫محل ميسرته كما يستوي أن تكون الزيادة محــددة جملــة‬
‫واحدة ‪ ،‬وأن يجري تقديرها بنسبة مــن رأس المــال بــإزاء‬
‫طول الجــل ‪ ،‬وتتضــاعف الزيــادة أضــعافا مضــاعفة كلمــا‬
‫امتدت الجال ‪.‬‬
‫وقد عرف أحبار المشنا ما لتأجيــل الــدين مــن أثــر ينقــص‬
‫من قيمته نقصا محددا ‪ ،‬فقالوا فيمن شهدا زورا على دين‬
‫مقداره ‪ 1000‬زوزيم ‪ ،‬بـأنه مؤجـل لعشـر سـنين ‪ ،‬وثبـت‬
‫تواطؤهمــا علــى الكــذب ‪ ،‬وأن الــدين واجــب الــدفع خلل‬
‫ثلثين يوما ‪ ،‬فإنه يحكم عليهما بأن يدفعا الزيادة في قيمة‬

‫‪616‬‬
‫الدين الحاضرة على قيمته المؤجلة )‪ (1‬ومثل هذه الزيادة‬
‫المقابلة للتأجيل التي يجوز أخذها في التلف تعادل الربــا‬
‫الذي ل يجوز أخذه في القرض ‪ ،‬وهي التي اســتند الحبــار‬
‫إلى احتمال وجودهــا فــي بيــع الثمــر قبــل ظهــوره للقــول‬
‫بتحريمه ‪ ،‬وهذا البيع محرم فــي الســلم ‪ ،‬وقــد روي عــن‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله ‪ ":‬إن من الربــا بيــع‬
‫الثمر وهي معصفة قبل أن تطيب" والربا في هــذا القــول‬
‫يقصد به البيع المحرم من باب التوسع فــي إطلق الربــا ‪،‬‬
‫ول يقصد به الربا الصطلحي فــي الفقــه الســلمي الــذي‬
‫يقتصر على ربا الدين وربوي الفضل والنسيئة في البيوع )‬
‫‪ (2‬كما أن سبب تحريم هذا البيع يختلف عما عند اليهــود ‪،‬‬
‫فالسلم ل يحظر الزيادة فــي قيمــة المــبيع المؤجــل فــي‬
‫السلم على الثمن ‪ ،‬وإنما يحرم هذا الــبيع بســبب الغــرر ‪،‬‬
‫وينظر إلى الخطر الــذي يحيــط بوجــود المــبيع ‪ ،‬ويمنــع أن‬
‫يضــيع الثمــن علــى المشــتري إذا لــم يوجــد الثمــر الــذي‬
‫ابتاعه ‪.‬‬
‫الربا عند اليهود ل يسري في شيء من البيوع الحاضــرة ‪،‬‬
‫ول يعرف فقههم ما جاء به السلم في تنظيم هذه الــبيوع‬
‫مــن محظــورات يســميها فريــق مـن مفسـري المسـلمين‬
‫وفقهائهم ربا النقد يقابلونه بربا الديون الذي يســمونه ربــا‬
‫النسيئة لما فيه من التأجيل ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪the jewish encyclopaedia 1905 voi x11 p. 388 \ 20 (1‬‬
‫‪.8‬‬
‫)‪ (2‬نظرية الربا المحرم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 27‬‬
‫الخاصية الثالثة الربا ظلم للمدين‬
‫الحكمــة فــي تحريــم أخــذ الربــا هــي منــع اســتنزاف مــال‬
‫المدين ظلما ‪ .‬وإذا كانت بعــض أســفار التــوراة تعــبر عــن‬
‫الربا بلفظ الزيادة ‪ ،‬ومن مادته ربيت أو تربيت ‪ ،‬ومربيــت‬
‫في النصوص العبرية والكلدانية والرامية ‪ ،‬إل أن أكــثر مــا‬
‫يطلـق علـى الربـا اللفظيـة العبريـة نشـخ ) بكسـر النـون‬
‫والشــين المعجمــة وســكون الخــاء المعجمــة( وتعنــي فــي‬
‫أصل مادتها اللغوية العض ‪ ،‬وتومئ بذلك إلى أن المرابــي‬

‫‪617‬‬
‫يأكل لحم أخيـه الـذي يـداينه بالربـا كمـا ينهشـه الثعبـان ‪،‬‬
‫ويجعل حزقيال في الصحاح ‪ 18‬بأعداده ‪ 13-10‬أخذ الربا‬
‫والمرابحة من سمات سفاكي الــدماء ‪ .‬فأخــذ الربــا أشــبه‬
‫عند اليهود بالقتل ‪ ،‬ويقــول قــائلهم‪ :‬إن مــن أراد أن يقتــل‬
‫عدوه بالتي ل تثبت عليه لدى القضاء ‪ ،‬فليقرضه بالربا ‪.‬‬
‫ويترتب على هذه الخاصــة تــوجه حظــر الربــا إلــى الــدائن‬
‫الذي يأخذه ‪ ،‬حيــث يعــد المقــترض مظلومــا تغتصــب منــه‬
‫الزيادة على أصــل مــا اقــترض ‪ ،‬ولــذلك عــرف الربــا عنــد‬
‫اليهود بأنه أخذ الزيادة على الدين غصبا وقهرا )‪ ، (1‬ونجد‬
‫نصوص سفري الخروج واللويين تصــف المســتقرض بــأنه‬
‫فقير ‪ ،‬ممــا يــدل علــى اضــطراره ‪ .‬وإنمــا جــاء المقــترض‬
‫مطلقا من الفتقار بعد ذلك فــي ســفر التثنيــة ‪ .‬واســتندوا‬
‫إلى نصه على فعل الربا في صيغة تشمل الدائن والمــدين‬
‫‪ ،‬فقالوا ‪ :‬إن إثم الربا ل يقع على الدائن وحده ‪ ،‬بل يلحق‬
‫المدين أيضا ‪ ،‬كما يأثم من قــدم رهنــا لضــمان ديــن الربــا‬
‫وشهود عقده ‪ ،‬واختلفوا فــي الكتــاب ‪ ،‬فقــال فريــق يــأثم‬
‫بكتابة الربا ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ل إثم عليــه ‪ .‬ويــردون تـأثيم الضـامن‬
‫وشاهد الربا وكاتبه ‪ ،‬إلى أنهم قد أعــانوا علــى المعصــية ‪،‬‬
‫وخالفوا الذي في سفر اللوييــن فــي الصــحاح ‪ 19‬بالعــدد‬
‫‪ ، 14‬من النهي عن وضع حجر عثرة أمام العمى )‪. (2‬‬
‫وفي هذا الجتهاد ما يشبه حكم السلم الذي نصت السنة‬
‫المطهــرة فيــه صــراحة علــى لعــن مؤكــل الربــا وشــاهده‬
‫وكاتبه ‪ ،‬ولكن القول باعتبار المدين آثمــا يبــدو غيـر متفــق‬
‫وما جرت به نصوص أسفارهم من استغلل الدائن حــاجته‬
‫وظلمه له ‪.‬‬
‫ونلحظ أن عســرة المقترضــين الــتي كــانت ســائدة حيــن‬
‫أنزلت التوراة على موسى عليه السلم لزمت اليهود مــن‬
‫بعده ‪ ،‬وتدل السفار التالية لصحفه على أنهم يستقرضون‬
‫للنفاق في الــزواج وحاجــات الزراعــة وأداء خــراج الملــك‬
‫في سني القحط )‪. (3‬‬
‫وبقي اقتصادهم معتمدا على الزراعة ‪.‬‬
‫وإذا كان النجيل قد أشار إلى مزاولة اليهود‬
‫__________‬

‫‪618‬‬
‫)‪encyclopaedia Britannica 1964 vol xx11 p.908 la (1‬‬
‫‪doctrine sociale de leglise , p. bigo, 1966 p. 331‬‬
‫)‪ (2‬دائرة المعارف اليهودية‪ ،‬م ‪ 12‬ص ‪.390‬‬
‫)‪ (3‬سفر نحميا‪ ،‬الصحاح‪ ،‬العددان ‪4‬و ‪.10‬‬
‫تجارة الصرف وإقراض الفضة بالربا عنــد مبعــث المســيح‬
‫عيسى عليه السلم إليهم )‪. (1‬‬
‫إل أن التجارة في الربا لــم تكــن قــد بلغــت التطــور الــذي‬
‫أصابته من زيادة الودائع لــدى الصــيارف ‪ ،‬بعــد أن اتخــذوا‬
‫شكل المصارف الحديثة ومن توسعهم فــي اســتغلل تلــك‬
‫الودائع فيما يقرضون بالربا ‪ ،‬وصار الصــيرفي حيــن يــؤدي‬
‫الربا إلى المودعين ليغريهم على إبقاء أمــوالهم بيــن يــديه‬
‫يختلف في ســعته تمامــا عــن إملق المســتقرض اليهــودي‬
‫فــي الوليــن ‪ ،‬بمــا ل يــذر مــن وجــه للقــول بظلــم يحيــق‬
‫بأصحاب المصارف من صغار المودعين ‪ ،‬ولم تعد الحكمة‬
‫في تحريم أخذ الربا هي مجرد ظلم المدين كما كانت من‬
‫قبل أن تنسخ شرعة التوراة بشريعة القرآن ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬إنجيــل لوقــا‪ ،‬الصــحاح ‪ 19‬بالعــداد ‪ 23-11‬وتشــير‬
‫شــر إلــى‬‫ن من يأخذ الربا غير صالح‪ ،‬ولم ت ُ ِ‬ ‫النصوص إلى أ ّ‬
‫من يؤتيه‬
‫الخاصية الرابعة‬
‫الحظر القضائي للربا مختلف فيه‬
‫الربا محظور ديانــة ‪ ،‬ومختلــف فــي حظــره قضــاء ‪ ،‬ففــي‬
‫كتاب " شولحان عروخ " جاء الربا بين المحرمات الدينيــة‬
‫والخلقيــة ‪ ،‬ولــم يعــرض فــي بــاب اللتزامــات القضــائية ‪،‬‬
‫ويذهب بعض فقهائهم إلى أن مــا أخــذ مــن الربــا ل يجــوز‬
‫طلب استرداده لدى المحاكم ‪ ،‬ولو كــان مــن ربــا القــرض‬
‫الذي يحظره الناموس ذاتــه ‪ ،‬واحتجــوا بــأن الجــزاء الــذي‬
‫نص عليه الكتاب هو غضب الله تعــالى المــوجب للمــوت ‪،‬‬
‫فل يجوز أن يلزم المرابي بالرد مدنيا ‪ ،‬حتى ل يــزاد جــزاء‬
‫على الذي اقتصر النص عليه ‪ .‬ولكن أكثرهم يفرقون بيــن‬
‫ربا الناموس وربا الحبار ‪ ،‬ول يجيزون المطالبــة باســترداد‬
‫ربا الحبار ‪ ،‬ويجيزونهـا إذا كـان مـا أخـذه الـدائن مـن ربـا‬

‫‪619‬‬
‫الناموس ‪ ،‬فيكون للمدين أن يلجأ إلى المحكمة الربانيــة ‪،‬‬
‫فتحكم على المرابي بالرد ‪ ،‬ولكن ل ينفذ الحكم باســتيفاء‬
‫الربا جبرا من أموال الــدائن ‪ ،‬وإنمــا يقتصــر علــى إكراهــه‬
‫بدنيا حتى يقوم بنفسه بالرد ‪ .‬ويستثنون من ذلــك اليــتيم ‪،‬‬
‫فإنه إذا أخذ ربا الناموس وأنفقه ‪ ،‬فإن ل يسترد منه ‪ ،‬كما‬
‫ل يطالب برد ربا الحبار ‪ ،‬بل هم أجازوا له أخذه ‪ .‬وكــذلك‬
‫إذا مات المقرض بعد أخذه الربا ‪ ،‬فــإن ورثتــه ل يلــتزمون‬
‫قضاء ول ديانة برده )‪ . (1‬ويبقى من آثار حظــر الربــا فــي‬
‫القضاء ‪ ،‬أنه ل يجوز للــدائن أن يطــالب المــدين بــأداء مــا‬
‫حظــره النــاموس أو الحبــار مــن الربــا ‪ ،‬ويكــون الربــا‬
‫العتباري مختلفــا فــي أحكــامه عــن ربــا النــاموس ‪ ،‬علــى‬
‫خلف ما تقتضيه حقيقة القياس مــن مســاواة الفــرع فيــه‬
‫بأصله ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬دائرة المعارف اليهودية‪ ،‬م ‪ 12‬ص ‪389‬و ‪. 390‬‬
‫الخاصية الخامسة‬
‫قصر التحريم على اليهود دون الجنبي‬
‫عصمة المدين من الربا ليست حقا لكل إنسان ‪ ،‬بــل هــي‬
‫رعاية ل يسبغها اليهود إل على بني إسرائيل ‪ ،‬أما الجــانب‬
‫عنهم فل حق لهــم فــي قــرض حســن لــديهم مهمــا كــانت‬
‫حاجتهم ‪ ،‬ول يضــع اليهــود عنهــم ربــا ‪ ،‬ول يــبرئون معــدما‬
‫منهم كما يبرئون المعسر من اليهــود ‪ ،‬ومــع مــا اســتيقنته‬
‫أنفســهم مــن مضــار الربــا فــي الضــرار بالمــدين ‪ ،‬فقــد‬
‫تواصى أكــثرهم بــإقراض الجنــبي بالربــا ‪ ،‬ليحلــوا بــه مــن‬
‫البوار ما يعدل قتله ‪ ،‬الذي ل يزالون يرونه واجبــا عليهــم ‪،‬‬
‫ويفسرون ما يقتضيه ذلــك الشــبه بيــن جريمــة أخــذ الربــا‬
‫وجناية القتل مـن تـراث تورثهـا الجريمـة فـي صـدور مـن‬
‫تجني عليهم ‪ ،‬وتقتضي اليهود أن ينتهوا مــن ظلــم غيرهــم‬
‫بالربا ‪ ،‬فيتــاح للمســلم أن تســود بينهــم وبيــن أهــل ســائر‬
‫الديان ‪ ،‬وقد صار اليهود منتشرين بينهم في دول ل تفرق‬
‫بين اليهود وسائر رعاياهــا فــي شــيء مــن الربــا ‪ ،‬ويكــون‬
‫لليهود من الستقرار الجتماعي والسياســي بمــا يقــدمون‬

‫‪620‬‬
‫مــن رعايــة لنظــم العصــر ومــواثيقه الــتي تكفــل حقــوق‬
‫النسان القتصادية والجتماعية على اختلف ديانته ‪.‬‬
‫وقد عرض النصارى في تفسيرهم نصوص التــوراة ‪ ،‬الــتي‬
‫لــم تنســخ شــريعتها فــي حقهــم ‪ ،‬لمــا عليــه اليهــود مــن‬
‫استباحة أخذ الربا من الجنبي ‪ ،‬وذهب أحــد آبــاء الكنيســة‬
‫الولين إلى أن أخذ الربا مــا كــان جــائزا إل مــن الشــعوب‬
‫السبعة المغضوب عليها التي كان الناموس يأمر بإبادتهــا ‪،‬‬
‫فكانت إباحة أخذ الربا منها من باب الولى ‪ ،‬وانتهت هــذه‬
‫الباحة مذ دالت تلك الشعوب البائدة وصارت حرمة الربــا‬
‫مطلقة ‪ ،‬ولكن الرأي الراجــح عنــدهم أن نصــوص التــوراة‬
‫والتلمود حين تدرس في مجموعها بدقة ترد تلــك التفرقــة‬
‫بين اليهودي والجنبي ‪ ،‬وتفرض على اليهــود المتنــاع عــن‬
‫أخذ الربا من الجانب )‪. (1‬‬
‫وترى الكنيسة في هذه التفرقــة مــا ينفــي عــن الربــا عنــد‬
‫اليهود وصف الجريمة في القانون الطــبيعي بجــوهره مــن‬
‫العدالة ‪.‬‬
‫وأشار بعض علماء المسلمين إلــى مــا نعــاه القــرآن علــى‬
‫ديَنارٍ ل‬ ‫ْ‬
‫ه ِبـ ِ‬‫من ْ ُ‬
‫ن َتـأ َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫مـ ْ‬
‫م َ‬ ‫من ُْهـ ْ‬‫اليهود في قوله تعـالى ‪ } :‬وَ ِ‬
‫َ‬
‫س‬‫م قَــاُلوا ل َي ْـ َ‬ ‫ك ب ِـأن ّهُ ْ‬‫مــا ذ َل ِـ َ‬‫ت عَل َي ْهِ َقائ ِ ً‬ ‫م َ‬‫ما د ُ ْ‬
‫ك ِإل َ‬ ‫ي ُؤَد ّهِ إ ِل َي ْ َ‬
‫ن عَل َــى الل ّـهِ ال ْك َـذِ َ‬ ‫ل وَي َُقول ُــو َ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ب وَهُـ ْ‬ ‫سِبي ٌ‬
‫ن َ‬ ‫مّيي َ‬‫عَل َي َْنا ِفي اْل ّ‬
‫يعل َمون { )‪ } (2‬بَلى مـ َ‬
‫ن الل ّـ َ‬
‫ه‬ ‫ن أوْفَــى ب ِعَهْـدِهِ َوات َّقــى فَـإ ِ ّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫ن { )‪ (3‬باعتباره ردا على استحلل اليهود أخذ‬ ‫مت ِّقي َ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫الربا من الجنبي )‪. (4‬‬
‫ويقــوم الســتدلل بــالنص القرآنــي فــي شــأن الربــا ‪ ،‬وإن‬
‫اختصت عبارته بأكــل اليهــود أصــل أمــوال غيرهــم ‪ ،‬علــى‬
‫أساس من طبيعة الربا اليهودي ‪ ،‬باعتبــاره اغتصــابا لمــال‬
‫المدين وسلبا له ‪ .‬وقيل في سبب وجود عبارة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬العتياد على القراض بالربا الفاحش‪ ،‬الــدكتور حســن‬
‫الباسوســــي‪ ،‬ص ‪ 4‬و ‪ ،5‬والــــرأي المرجــــوح للقــــديس‬
‫أمبروزيوس )‪.(397-340‬‬
‫)‪ (2‬سورة آل عمران الية ‪75‬‬
‫)‪ (3‬سورة آل عمران الية ‪76‬‬

‫‪621‬‬
‫)‪ (4‬الربا في نظر القانون السلمي‪ ،‬للستاذ الشيخ محمد‬
‫عبد الله دراز‪ -‬مجلة الزهر المحرم ‪ 1371‬ص ‪. 6‬‬
‫" للجنبي تقــرض بربــا" أن التــوراة الصــلية فقــدت ‪ ،‬وأن‬
‫نسختها الراهنة كتبت بعــد الســبي ‪ ،‬ويبــدو أن كاتبهــا أخــذ‬
‫تلـك العبــارة مــن دللـة المفهــوم المخــالف للنـص الــوارد‬
‫بالعبارة السابقة عليها ‪ ،‬وهــذا المفهــوم ل حجــة فيــه عنــد‬
‫جمهور الصــوليين إذا كــان مفهــوم لقــب ‪ ،‬كمــا أن بعــض‬
‫أنبيــائهم قــد أطلقــوا ذم الربــا ‪ ،‬فــي مثــل النصــوص الــتي‬
‫تقدمت )‪. (1‬‬
‫ويبرر فريق من علماء اليهود أخذ الربا مــن الجنــبي علــى‬
‫أساس المعاملة بالمثل ‪ ،‬إذ كان السائد قديما أن الجــانب‬
‫ل يقرضون اليهود إل بالربا ‪ ،‬فوجب على اليهودي أن يأخذ‬
‫الربــا عنــدما يقــرض للجنــبي ‪ ،‬وأن يعطــي الربــا للجنــبي‬
‫الذي يقترض منه )‪ . (2‬وإذا صح هذا السبب ‪ ،‬فإنه ل يبــاح‬
‫لليهود أن يأخذوا الربا من المسلمين ‪ ،‬وكذلك من كل من‬
‫يدين بحرمة الربا من ملل النصارى وغيرهم ‪.‬‬
‫ول يقتصر أثر هذه الخاصــية فــي ربــا اليهــود علــى شــيوع‬
‫أخذهم له من غيرهم وجعل إيتــاءه هينــا علــى كــثير ممــن‬
‫يدينون بحرمة ذلك من غير اليهود ‪ ،‬حــتى استشــرى الربــا‬
‫في مختلف ) المم( ‪ ،‬بل باءت هذه الخصيصة على اليهود‬
‫أنفسهم بالفساد ‪ ،‬إذ طفقوا يحتالون بهــا علــى أخــذ الربــا‬
‫من إخوانهم ‪ ،‬بأن اتخذوا من الجنبي حــاجزا بيــن طرفــي‬
‫القرض منهــم ‪ ،‬فيقــرض المرابــي اليهــودي أجنبيــا يقــرض‬
‫بدوره المستقرض اليهودي ويتقاضاه الربا ليأخذه المرابي‬
‫مـن يـد أجنـبي بظـاهر مـن المـر يتفـق وتلـك الخاصـية ‪،‬‬
‫ويستر حقيقة العصيان في أخذ الربا من اليهودي )‪. (3‬‬
‫وران ذلك على قلوبهم فقست وألفت ذلك العصيان ‪ ،‬ولم‬
‫يعودوا يتكلفون ستره ‪ .‬وتسجل التوراة عليهــم فــي ســفر‬
‫نحميا ‪ ،‬بإصحاحه الخامس ‪ ،‬أنهم كانوا يأخــذون الربــا كــل‬
‫واحد من أخيه فيما أقرضوا من فضة وقمح ‪ ،‬وفــي العــدد‬
‫‪ 10‬أنهم تركوا هذا الربا تائبين ‪ ،‬ولكن ل تجد في النصوص‬
‫من بعد ذلك ما يدل على رعايتهم ما نهوا عنه ‪ ،‬وقــد جــاء‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬في الية ‪ 161‬من سورة النساء ‪ ،‬مصدقا‬

‫‪622‬‬
‫لما سجلته أسفارهم عليه من ذلك العصيان ‪ .‬وبــذلك أدت‬
‫هـذه الخصيصـة ‪ ،‬الـتي يقصـد بهـا اليهـود أل يـذروا ظلمـا‬
‫للجانب ‪ ،‬إلى إضاعة ما اختصــوا بــه المــدينين منهــم مــن‬
‫رعاية تنجيهم من ظلم أكلة الربا ‪ ،‬وخالفوا من بــاب هــذه‬
‫التفرقة الظالمة عن التكليف ‪ ،‬في أصله كما يؤمنون به ‪.‬‬
‫وذهــب بعــض فقهــائهم ممــن تفيــأ خلل الســلم علمــا‬
‫وسماحة ‪ ،‬إلى القول بأل يتوسع في إقراض الجنبي بالربا‬
‫حــتى ل يعتــاده اليهــودي ويــذهب ورعــه عــن أخــذ الربــا‬
‫المحظور من أخيه )‪ . (4‬فبنى التقييــد علــى مــا يــرى فيــه‬
‫نفعا لليهودي وحده ‪ ،‬ولم يقمه علــى مــا ينبغــي مــن كــف‬
‫ظلم اليهودي للمسـلمين الــذين يعلــم أنهــم ســلم عليــه ل‬
‫يخفرون ذمة له ول يظلمونه شيئا ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬عرض ذلك السيد محمد رشــيد رضــا نقل عــن المــام‬
‫محمــد عبــده‪ ،‬مجلــة المنــار‪ ،‬المجلــد ‪16‬ج ‪2‬ت ‪\ 2 \ 6‬‬
‫دوي‪ ،‬المرجــع الســابق‬ ‫دين ب َـ َ‬ ‫‪ 1913‬أورده الستاذ زكي الـ ّ‬
‫ص ‪.2‬‬
‫)‪ (2‬دائرة المعارف اليهودية‪ ،‬م ‪ 12‬ص ‪290‬‬
‫)‪ (3‬الربا عند اليهود‪ ،‬للستاذ عاشــور ص ‪ 137‬عــن كتــاب‬
‫شولحان عروخ‪ ،‬ود‪ .‬حمود ص ‪.218‬‬
‫)‪ (4‬وهذا رأي موسى بن ميمون فقيه اليهود وفيلســوفهم‬
‫المتوفى سنة ‪1204‬م‪ .‬وقد ولـد بالنـدلس وعـاش بمصـر‬
‫وكـان طبيبـا فــي بلط صـلح الـدين اليـوبي‪ ،‬انظــر دائرة‬
‫المعارف اليهوديــة‪ ،‬المجلــد ‪ 12‬ص ‪ 390‬ودائرة المعــارف‬
‫السلمية المجلد ‪ 1‬ص ‪.401‬‬
‫أنواع الربا في القرآن‬
‫وأول ما ورد ذكر الربا في القــرآن الكريــم بســورة الــروم‬
‫ن رِب ًــا‬
‫مـ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُـ ْ‬
‫المكية ) الية ‪ (40‬في قوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ل ِيربو في أ َ‬
‫ن‬
‫مـ ْ‬ ‫م ِ‬‫مــا آت َي ْت ُـ ْ‬ ‫عن ْـد َ الل ّـهِ وَ َ‬‫س َفل ي َْرب ُــو ِ‬ ‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫َْ ُ َ ِ‬
‫ُ‬
‫ن { )‪(1‬‬ ‫ضعُِفو َ‬ ‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬‫ك هُ ُ‬ ‫ه الل ّهِ فَأول َئ ِ َ‬‫ج َ‬
‫ن وَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫َز َ‬
‫كاةٍ ت ُ ِ‬
‫وقيل ‪ :‬إن الربا في هذه اليــة ليــس مــا عهــد حظــره مــن‬
‫زيادة الــديون المؤجلــة ‪ ،‬وإنمــا هــو ربــا حلل ‪ ،‬يعنــي مــن‬
‫يهدي مبتغيــا أن يعوضــه المهــدي إليــه بخيــر مــن هــديته ‪،‬‬

‫‪623‬‬
‫وقيل‪ :‬إن الية تقصد ربا الديون ‪ ،‬وتهيئ لتحريمــه باليمــاء‬
‫إلى محقه وبمقابلته بالزكاة التي يتضاعف ثوابها ‪.‬‬
‫وجاء النهي عن الربا في اليتين ‪ ، 131‬ـ ‪ 130‬من ســورة‬
‫آل عمران بالمدينة المنورة ‪ ،‬حيــث قــال جـل ثنـاؤه‪َ } :‬يـا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ة َوات ُّقوا الّلــ َ‬ ‫ضاعََف ً‬ ‫م َ‬ ‫ضَعاًفا ُ‬ ‫مُنوا ل ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫ت‬ ‫عـــد ّ ْ‬ ‫ن { )‪َ } (2‬وات ُّقـــوا الّنـــاَر ال ِّتـــي أ ُ ِ‬ ‫حـــو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬ ‫كـــ ْ‬ ‫ل َعَل ّ ُ‬
‫ن { )‪ (3‬ويتفــق المفســرون علــى أن هــذه اليــة‬ ‫ري َ‬ ‫ل ِل ْك َــافِ ِ‬
‫نزلت في الربا الذي كانت تجري به معاملت الجاهلية في‬
‫تأجيل الديون ‪ ،‬وكــان الربــا يتزايــد أضــعافا كلمــا تضــاعف‬
‫امتــداد آجــال الــدين ‪ ،‬ومــا كــانوا يعرفــون التفرقــة الــتي‬
‫اســتحدثتها القــوانين الوضــعية بيــن الربــا الفــاحش والربــا‬
‫َ‬
‫ة { )‪(4‬‬ ‫ضــاعََف ً‬ ‫م َ‬ ‫ض ـَعاًفا ُ‬ ‫اليسير ‪ ،‬فلم يرد قوله تعالى ‪ } :‬أ ْ‬
‫لتقييد الربا المنهي عنه بمــا زاد ســعره وفحــش مقــداره ‪،‬‬
‫بل تعبيرا عما كان عليـه أمرهــم فــي المــداينات الربويـة ‪،‬‬
‫وينصرف النهي في الية إلى الربا قليله وكثيره ‪ ،‬ول بكون‬
‫ثـم نهـي جـزئي عـن الربـا الفـاحش ‪ ،‬ثـم جـاء مـن بعـده‬
‫التحريــم الكلــي للربــا فــي ســورة البقــرة ‪ ،‬كالــذي ظنــه‬
‫المستشرقون من التدرج الــذي قــالوا بمثلـه فــي نصــوص‬
‫التوراة وخلفا لما ينادي به بعض المحدثين من المسلمين‬
‫في محاولتهم تبرير إنشاء بنــك وطنــي بمصــر مــن القــول‬
‫بأن الربا المجمع على حظــره ‪ ،‬إنمــا هـو الربــا المضــاعف‬
‫الذي يبلغ رأس المال أو يزيد عليه )‪ . (5‬ويقول الله تعالى‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫ن َيـأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فـي سـورة البقـرة باليـات ‪ } : 281-275‬اّلـ ِ‬
‫ن‬ ‫مـ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ش ـي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُـ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫ن ِإل ك َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫الّرَبا ل ي َُقو ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ال ْب َي ْ َ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫م َقاُلوا إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫س ذ َل ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مــا‬ ‫ه َ‬ ‫ن َرب ّـهِ فَــان ْت ََهى فَل َـ ُ‬ ‫م ُـ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫عظ َـ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫عاد َ فَأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ب الن ّــارِ هُ ـ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫صـ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ص ـد ََقا ِ‬ ‫ه الّرب َــا وَي ُْرب ِــي ال ّ‬ ‫ّ‬
‫حقُ الل ـ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن { )‪ } (6‬ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ِفيَها َ‬
‫َ‬
‫مُنــوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن اّلــ ِ‬ ‫ل ك َّفــارٍ أِثيــم ٍ { )‪ } (7‬إ ِ ّ‬ ‫كــ ّ‬ ‫ب ُ‬ ‫حــ ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫َوالّلــ ُ‬
‫كاةَ ل َه َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫جُرهُـ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫صَلةَ َوآت َ ُ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ت وَأَقا ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫َ‬
‫ن { )‪َ } (8‬يا أي َّهــا‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م َول َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬ ‫ن الّرب َــا إ ِ ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫مــا ب َِقـ ْ َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن الل ّـ ِ‬
‫ه‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫ن ل َـ ْ‬ ‫ن { )‪ } (9‬فَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬

‫‪624‬‬
‫َ‬
‫ن َول‬ ‫مــو َ‬ ‫م ل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫مـ َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬
‫ســول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫وََر ُ‬
‫ســـَرةٍ فَن َظ ِـــَرةٌ إ ِل َـــى‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن ك َـــا َ‬‫ن { )‪ } (10‬وَإ ِ ْ‬ ‫مـــو َ‬‫ت ُظ ْل َ ُ‬
‫َ‬
‫ن { )‪(11‬‬ ‫مــو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ْـٌر ل َك ُـ ْ‬
‫صـد ُّقوا َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫سَرةٍ وَأ ْ‬ ‫مي ْ َ‬
‫َ‬
‫مــا‬‫س َ‬ ‫م ت ُوَّفى ك ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن ِفيهِ إ ِلى اللهِ ث ُ ّ‬
‫ل ن َْف ٍ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ما ت ُْر َ‬‫} َوات ُّقوا ي َوْ ً‬
‫ن { )‪(12‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫وقد جاءت هذه اليات بعد اليات‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة الروم الية ‪39‬‬
‫)‪ (2‬سورة آل عمران الية ‪130‬‬
‫)‪ (3‬سورة آل عمران الية ‪131‬‬
‫)‪ (4‬سورة آل عمران الية ‪130‬‬
‫)‪ (5‬الربــا‪ ،‬للســتاذ دراز‪ ،‬المرجــع الســابق‪ ،‬ص ‪ ،9‬ولكنــه‬
‫ذهب في ص ‪ 10‬إلى القــول بتــدرج التحريــم‪ ،‬وانظــر فــي‬
‫نقد رأيه تطوير العمال المصرفية للدكتور حمود ص ‪153‬‬
‫)‪ (6‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (7‬سورة البقرة الية ‪276‬‬
‫)‪ (8‬سورة البقرة الية ‪277‬‬
‫)‪ (9‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (10‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (11‬سورة البقرة الية ‪280‬‬
‫)‪ (12‬سورة البقرة الية ‪281‬‬
‫الكثيرة التي تحث على الصدقات وتكرم الذين ) يؤتونهــا(‬
‫الفقــراء وتعــد المنفقيــن ثوابــا مضــاعفا ) اليــات ‪-261‬‬
‫‪ ، (274‬وتلت آيات الربا اليتــان ‪، 283‬ـ ‪ 282‬فــي الــدين‬
‫المؤجل وتوثيقه بالكتابــة أو بــالرهن } فَ ـإ َ‬
‫ض ـك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫ِ ْ‬
‫بعضــا فَل ْي ـؤَد ال ّـذي اؤْتم ـ َ‬
‫ه { )‪(1‬‬ ‫ه َرب ّـ ُ‬ ‫ق الل ّـ َ‬ ‫مــان َت َ ُ ْ‬
‫ه وَلي َت ّـ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ّ‬ ‫َْ ً‬
‫وظاهر أن الربا الذي نصت عليه اليــات هــو ربــا الــديون ‪،‬‬
‫الذي يأخذه الدائنون مقابل تأجيلها ‪ ،‬وكثيرا ما يطلق عليه‬
‫ربــا الجاهليــة ‪ ،‬إذ عرفتــه أســواق المــال العربيــة قبــل‬
‫السلم ‪ ،‬كمــا كــان شــائعا فــي ســائر المــم ‪ ،‬وهــو الــذي‬
‫قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقــوله فــي حجــة‬
‫الوداع ‪ » :‬أل إن كل ربا من ربا الجاهليــة موضــوع ‪ ،‬وأول‬
‫ربــا أضــعه ربــا العبــاس « )‪ . (2‬وكــان يتفــق عليــه ‪ ،‬إمــا‬

‫‪625‬‬
‫بإيجــاب مــن المــدين يقــول لــدائنه‪ " :‬أنظرنــي أزدك" أو‬
‫بسؤال من الدائن‪ " :‬أتقضي أم تربــي" فتشــترط الزيــادة‬
‫على الدين كلما تأجل وفاؤه ‪.‬‬
‫ويذهب فريق من المفسرين والفقهاء إلــى أن لفــظ الربــا‬
‫في آيات القــرآن ورد عامــا أو مجمل ‪ ،‬وقــد تــولت الســنة‬
‫تخصيصه أو تفصيله ‪ ،‬فبينت إلى جانب الربا الديون أنواعا‬
‫أخرى من الربا في البيوت وغيرها ‪ .‬ول يــترتب علــى هــذا‬
‫الخلف أثر في التفرقة بين ربا الدين وسائر الربوات التي‬
‫وردت بالسنة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪283‬‬
‫)‪ (2‬مسند أحمد بن حنبل )‪,(5/73‬سنن الــدارمي الــبيوع )‬
‫‪.(2534‬‬
‫أنواع الربا في السنة‬
‫أشارت السنة الشريفة إلى ربــا الــديون فــي حــديثه عليــه‬
‫الصلة والسلم‪ » :‬كل قرض جر نفعا فهو ربا « ولكن لــم‬
‫يتقيد في إطلق لفظ الربا بهـذا المعنـى الصـطلحي فـي‬
‫سائر الحاديث والثار ‪ ،‬بل أطلــق الربــا علــى محظــورات‬
‫شتى من بعض البيوع ومن الفعــال المقترنــة بالتصــرفات‬
‫المالية ‪ ،‬ومن أفعال ل تمس المال بشيء ‪.‬‬
‫فقد روى الئمة المحدثون عن أبي ســعيد الخــدري رضــي‬
‫الله عنه ‪ ،‬أن رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم قــال‪» :‬‬
‫الذهب بالذهب ‪ ،‬والفضة بالفضة ‪ ،‬والــبر بــالبر ‪ ،‬والشــعير‬
‫بالشعير ‪ ،‬والتمر بالتمر ‪ ،‬والملح بالملح ‪ ،‬مثل بمثــل ‪ ،‬يــدا‬
‫بيد ‪ ،‬فمن زاد أو استزاد فقد أربى ‪ ،‬الخذ والمعطي سواء‬
‫« )‪ (1‬كما روى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله‬
‫عنــه ‪ ،‬أن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم قــال ‪» :‬‬
‫الذهب بالذهب تبرها وعينها ‪ ،‬والفضة بالفضة تبرها وعينها‬
‫‪ ،‬والبر بالبر مدا بمد ‪ . .‬فمن زاد او استزاد فقد أربــى « )‬
‫‪ (2‬ول بأس ببيع الذهب بالفضة ‪ ،‬والفضة أكثرهما ‪ ،‬يدا بيد‬
‫‪ ،‬وأمــا نســيئة فل ‪ ،‬وأخــرج مالــك فــي الموطــأ حــديث‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬ل تبيعوا الذهب إل مثل‬
‫بمثــل ‪ ،‬ول تشـفوا بعضــها علــى بعـض ‪ ،‬ول تــبيعوا الــورق‬

‫‪626‬‬
‫بالذهب ‪ ،‬أحدهما غائب والخر نــاجز ‪ ،‬إنــي أخــاف عليكــم‬
‫الرماء ‪ ،‬والرماء هو الربــا « )‪ . (3‬وعــن أبــي ســعيد وأبــي‬
‫هريرة رضي الله عنهما » أن رسول الله صلى‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )‪,(2067‬صـــحيح مســـلم‬
‫المساقاة )‪,(1584‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1241‬ســنن‬
‫النســـائي الـــبيوع )‪,(4565‬مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )‬
‫‪,(3/97‬موطأ مالك البيوع )‪.(1324‬‬
‫)‪ (2‬سنن النسائي البيوع )‪,(4563‬سنن أبــو داود الــبيوع )‬
‫‪.(3349‬‬
‫)‪ (3‬صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )‪,(2068‬صـــحيح مســـلم‬
‫المساقاة )‪,(1584‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1241‬ســنن‬
‫النســـائي الـــبيوع )‪,(4570‬مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )‬
‫‪,(3/4‬موطأ مالك البيوع )‪.(1324‬‬
‫الله عليه وسلم استعمل رجل على خيــبر ‪ ،‬فجــاءهم بتمــر‬
‫جنيب ‪ ،‬فقال ‪ ":‬أكــل تمــر خيــبر هكــذا؟" قــال‪ :‬إنــا لنأخــذ‬
‫الصاع من هذا بالصاعين ‪ ،‬والصاعين بالثلثة" ‪ .‬فقال ‪ ":‬ل‬
‫تفعل ‪ ،‬بع الجمع بالدراهم ‪ ،‬ثم ابتع بالدراهم جنيبا « ) ‪. (1‬‬
‫وقيل فيما يقترن بالبيع " الناجش آكل الربا" وهـو الــذي ل‬
‫يريد شــراء الســلعة ‪ ،‬ولكنــه يتظــاهر بالرغبــة فيهــا ليرفــع‬
‫السعر على من يسوم شراءها ‪.‬‬
‫وكذلك روي أن النبي صلى الله عليـه وسـلم قـال‪ » :‬مـن‬
‫شفع لخيه شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلهــا فقــد أتــى‬
‫بابا عظيما مــن أبــواب الربــا « )‪ (2‬كمــا قــال ‪ » :‬إن مــن‬
‫أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم « )‪(3‬‬
‫وروي عن الصــحابة رضــوان اللــه عليهــم قــولهم‪ :‬إن مــن‬
‫اشترى طعاما فباعه قبل أن يقبضه مخالفــا نهــي الســنة ‪،‬‬
‫فبيعه عنــدهم ربــا" ‪ ،‬كمــا قــال أحــدهم ‪ ":‬إن الرهــن فــي‬
‫السلم هو الربا المضمون" ‪ ،‬وقال آخر‪ ":‬السلم بما يقــوم‬
‫به السعر ربا ‪ ،‬ولكن السلم في كيل معلوم إلى أجل" )‪(4‬‬
‫‪ .‬ويجيء على هذا الطلق قول عمر بــن الخطــاب رضــي‬
‫الله عنه ‪ ":‬إن من الربا بيع التمــر وهــي معصــفة قبــل أن‬
‫تطيب" فقد بين معنى الربا الذي يقصــده أميــر المــؤمنين‬

‫‪627‬‬
‫من البيوع المحرمة ‪ ،‬ول ينصــرف إلــى ربــا الــديون الــذي‬
‫يعلم عمر ماهيته وحرمته بالــدليل القطعــي فــي القــرآن ‪،‬‬
‫ول يجوز أن يعرض بأمر أو نهي في شأنه يغيــر مــا فــرض‬
‫الله ‪.‬‬
‫ويتضــح بتحديــد الربــا المقصــود وجــه قــول عمــر ‪ ":‬ثلث‬
‫وددت لو أن رسول الله صلى الله عليه وســلم كــان عهــد‬
‫إلينا فيهن عهدا ننتهي إليه‪ :‬الجد ‪ ،‬والكللــة ‪ ،‬وأبــواب مــن‬
‫الربا" وكذلك ما نسب إليه مــن قــوله رضــي اللــه عنــه ‪":‬‬
‫إني لعلي أنهاكم عن أشياء تصلح لكم ‪ ،‬وآمركم بأشــياء ل‬
‫تصلح لكم ‪ ،‬وإن من آخر القرآن نزول آية الربا ‪ ،‬وإنــه قــد‬
‫مات رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم ولــم يــبينه لنــا ‪،‬‬
‫فدعوا ما يريبكم إلى ما ل يريبكم" ‪.‬‬
‫كما روي عن أم المؤمنين عائشة رضــي اللــه عنهــا أنــه »‬
‫لما نزلت اليات من آخــر سـورة البقــرة فــي الربـا قرأهـا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وســلم علــى النــاس ثــم حــرم‬
‫التجارة في الخمر « )‪. (6) (5‬‬
‫فأبواب الربا التي كان عمر يود بيانها هــي كتحريــم تجــارة‬
‫الخمر كلهــا مــن محظــورات الــبيوع ونحوهــا ‪ ،‬الــتي بينــت‬
‫السنة أحكام كثير منها ‪ .‬وبقيت أحكــام سـائرها يســتنبطها‬
‫المجتهدون على هدي الكتــاب والســنة ‪ ،‬ومــا يســتظهرونه‬
‫مــن حقيقــة كــل معاملــة منهــا ومــا تحققــه مــن المصــالح‬
‫المشروعة ‪ ،‬وفــي ذلــك مــا يحفــظ المرونــة اللزمــة فــي‬
‫التشـريعات القتصـادية والتجاريـة السـلمية ‪ ،‬لتـواجه مـا‬
‫يستحدث من التصرفات في مختلف العصور والمصار ‪.‬‬
‫وفي الحديث عن رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم أنــه‬
‫قال ‪ » :‬الربا تسعة وتســعون بابــا ‪ ،‬أدناهــا كإتيــان الرجــل‬
‫بأمه « يعني الزنا بأمه ‪ ،‬وفي حديث رواه أحمـد أنـه عليــه‬
‫الصلة والسلم قال‪ » :‬لدرهم ربا يأكله الرجل وهــو يعلــم‬
‫أشد عند الله تعالى من ستة وثلثين زنية في الخطيئة « )‬
‫‪ (7‬وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللــه عنــه‬
‫أن النبي صلى اللــه عليــه وســلم قــال ‪ » :‬اجتنبــوا الســبع‬
‫الموبقات‪ :‬الشرك بــالله ‪ ،‬والســحر ‪ ،‬وقتــل النفــس الــتي‬

‫‪628‬‬
‫حــرم اللــه إل بــالحق ‪ ،‬وأكــل الربــا ‪ (8) « . . .‬ومعنــى‬
‫الموبقات المهلكات ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صـــحيح البخـــاري الوكالـــة )‪,(2180‬صـــحيح مســـلم‬
‫المســاقاة )‪,(1593‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4553‬ســنن‬
‫ابن ماجه التجارات )‪.(2256‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبو داود البيوع )‪,(3541‬مسند أحمد بن حنبــل )‬
‫‪.(5/261‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبو داود الدب )‪,(4876‬مسند أحمد بــن حنبــل )‬
‫‪.(1/190‬‬
‫)‪ (4‬نيل الوطــار للشــوكاني‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪ 191‬و ‪ 192‬و ‪،194‬‬
‫وزكي الدين بدوي‪ ،‬ص ‪ 27‬هـ ‪1‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري تفسير القرآن )‪,(4266‬صحيح مســلم‬
‫المساقاة )‪,(1580‬سنن النسائي البيوع )‪,(4665‬سنن أبو‬
‫داود البيوع )‪,(3490‬مسند أحمد بن حنبل )‪,(6/127‬ســنن‬
‫الدارمي البيوع )‪.(2569‬‬
‫)‪ (6‬تفســير ابــن كــثير ‪ ،‬ص ‪ ،327‬ويــرى أن عمــر يعنــي‬
‫بأبواب من أبواب الربا بعــض المســائل الــتي فيهــا شــائبة‬
‫الربا‪ ،‬ولم يحدد ابن كثير نوع هذا الربا‪ ،‬وهو قد أدخل فــي‬
‫الية ربا الدين وربا البيع وبغير أن يفرق بينهما‬
‫)‪ (7‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(5/225‬‬
‫)‪ (8‬صحيح البخاري الوصايا )‪,(2615‬صحيح مسلم اليمان‬
‫)‪,(89‬ســنن النســائي الوصــايا )‪,(3671‬ســنن أبــو داود‬
‫الوصايا )‪.(2874‬‬
‫وروى الئمة أحمد وأبــو داود والترمــذي عــن ابــن مســعود‬
‫رضي الله عنه أن النــبي صــلى اللــه عليــه وسـلم قــال‪» :‬‬
‫لعن الله آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه « )‪. (1‬‬
‫ويحرم هذا الحديث الصحيح على المــدين إيتــاء ربــا الــدين‬
‫كما يحرم كتــابته والشــهادة عليــه ‪ ،‬أمــا ربــا الــبيع فيفســد‬
‫العقد ذاته ‪ ،‬ونجد في حديث ربا الفضــل أن طرفــي الــبيع‬
‫يستويان في اعتبارهما يأكلن الربا بما يصــيب كــل منهمــا‬
‫من العقد المحرم ‪.‬‬

‫‪629‬‬
‫فالربـــا ‪ ،‬باســـتعماله العــام فــي الســـنة ‪ ،‬يعنـــي تعـــدي‬
‫محظورات هي من كبائر الثم ‪ ،‬تختلــف أنواعهــا وتتعــدد ‪،‬‬
‫لتحمي من المصالح الضرورية مثل ما يحميــه حظــر الربــا‬
‫المعهود في الــديون المؤجلــة ‪ ،‬ونجــد الربــا بهــذا المعنــى‬
‫كالسراف كما أطلقه القرآن الكريم ‪ ،‬ففي مادة اللفظين‬
‫معنى الزيادة على المعروف ‪ ،‬فناســب إطلقهــا علــى مــا‬
‫جــاوز أمــر الشــريعة مــن عظيــم الخطيئات ‪ ،‬وقــد فســر‬
‫الســراف فــي قــوله تعــالى مخاطبــا الوصــياء فــي شــأن‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َك َْبــُروا { )‬ ‫سَراًفا وَب ِ َ‬
‫داًرا أ ْ‬ ‫أموال اليتامى‪َ } :‬ول ت َأك ُُلو َ‬
‫ها إ ِ ْ‬
‫‪ (2‬بأنه أكل مال اليتيم بغير سبب مبــاح )‪ . (3‬وهــو يشــبه‬
‫الربا حين يراد بــه أكــل المــال بســبب غيــر مبــاح شــرعا ‪،‬‬
‫وتقصد كل تلك الحكام ‪ ،‬أن تتم رعاية المــال فــي تــداوله‬
‫واستثماره ‪ ،‬وتتكامل مع ما شرعه الســلم لحفــظ المــال‬
‫من حدود بيئية تذود عنه الســارقين والمحــاربين ‪ ،‬وتعزيــر‬
‫لمن يغصبه أو يماطل في أدائه ‪ ،‬ومن تدابير الوليــة علــى‬
‫من تعوزه أهلية التصــرف فيــه ‪ ،‬حــتى يتحقــق للمعــاملت‬
‫صحة الرادة والسلمة مــن الغــش والجهالــة وغيرهــا ممــا‬
‫تتوقف عليه المصلحة الشــرعية المرجــوة للفــراد والمــة‬
‫جميعا من المعاوضات المالية ‪.‬‬
‫وكما توعد القرآن الذين يــأكلون الربــا بالنــار الــتي أعــدت‬
‫للكافرين ‪ ،‬نصت آيــاته علــى أن المســرفين هــم أصــحاب‬
‫النار ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(1/402‬‬
‫)‪ (2‬سورة النساء الية ‪6‬‬
‫)‪ (3‬تفسير القرطبي ‪،‬ج ‪ 5‬ص ‪40‬‬
‫استقلل ربا الدين عن ربوي الفضل والنسيئة‬
‫واختلف ربا الدين عن أكثر أنواع الربا التي جاءت بالســنة‬
‫ظاهر ‪ ،‬وإنما يتشابه ربا الدين وربا الفضل ‪ ،‬ويتجوز بعــض‬
‫العلماء ‪ ،‬ويرون ربا القرض من ربا الفضــل ‪ ،‬كمــا شـاعت‬
‫تسمية ربا الدين بربا النسيئة عند آخريــن مــن المفســرين‬
‫والفقهاء ‪ ،‬ويرجع التشابه بين ربا الدين وربا الفضل ‪ ،‬إلــى‬

‫‪630‬‬
‫ما في الديون من الزيادة المحظــورة ‪ ،‬كــم ترجــع تســمية‬
‫ربا النسيئة إلى التأجيل الذي يؤخذ عنه الربا )‪. (1‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر تعريف ربوي الفضل والنسيئة فــي حاشــية ابــن‬
‫عابدين‪ ،‬ج ‪ 4‬ص ‪.194‬‬
‫ويختلف ربا الفضــل عــن ربــا الــدين فــي الماهيــة ونطــاق‬
‫التطبيق والثر الشرعي في العقد جميعا ‪.‬‬
‫فحقيقة ربا الفضل ‪ ،‬كما يدل صــريح الحــاديث ‪ ،‬هــي أنــه‬
‫حظر الزيــادة فــي مقــدار أحــد البــدلين فــي بعــض الــبيوع‬
‫الخاصة ‪ ،‬ونجد له الخصائص التية‪ :‬أ‪ -‬ل يكون إل فــي بيــع‬
‫الذهب بالذهب أو التمر بالتمر وغيرهما من الصناف التي‬
‫يشتملها النص ‪ ،‬مما يقتصر على صور خاصــة مــن عقــدي‬
‫الصرف والمقايضة ‪ ،‬ول يسري على سائر صــورهما الــتي‬
‫يختلف جنس البدلين فيهــا ‪ ،‬كصــرف الــذهب بالفضــة ‪ ،‬أو‬
‫مقايضة التمر بالشعير ‪ ،‬ول يكون ربا الفضــل مطلقــا فــي‬
‫عقد البيع بمعناه الدقيق ‪ ،‬حيث تشتري الســلعة بــالنقود ‪،‬‬
‫وهو الذي تجري به أكثر المعاوضات التي يطلق عليها فــي‬
‫الفقه السلمي اسم البيوع ‪ ،‬وإليه ينسب ربا الفضل ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ل يكون ربا الفضــل إل فــي الــبيوع الحاضــرة ‪ ،‬فهــو ل‬
‫ينفك ‪ ،‬في نص الحديث عن ربــا النســيئة ‪ ،‬فحيــث يحظــر‬
‫التفاضل بيــن البــدلين يحــرم تأجيــل شــيء منهمــا ‪ ،‬وتجــد‬
‫بعض العلماء لذلك يسمون ربا الفضل بربا النقد ‪ ،‬يقابلونه‬
‫بربا الدين الذي ل يقع إل في التأجيل والنسيئة ‪.‬‬
‫ج‪ -‬التفاضل المحظور هو زيادة في مقدار أحد البدلين في‬
‫تلــك الــبيوع الخاصــة ‪ ،‬وليــس زيــادة فــي قيمــة أي مــن‬
‫البدلين؛ ويبين ذلك من حديث التمر الذي جعل فيـه النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من ربــا الفضــل مقايضــة كيــل مــن‬
‫تمر جيد من الجنيب بكيلين من الجمــع وهــو تمــر رديــء ‪،‬‬
‫وإن كان سعر الجنيب فــي الســواق يســاوي مثلــي ســعر‬
‫التمر مما ل يذر زيادة في قيمــة أي مــن البــدلين ‪ ،‬كــالتي‬
‫يقوم بها الربا في الدين ‪ ،‬وحيث يوجد فــرق يعتــد بــه بيــن‬
‫قيمة البدلين ‪ ،‬فان السبيل لتلفي الغبــن فــي مبادلتهمــا ‪،‬‬
‫يكــون ‪ ،‬كمــا أشــارت بــه الســنة فــي حــديث التمــر الــذي‬

‫‪631‬‬
‫تقدم ‪ ،‬بالعدول عــن مقايضــتهما مقايضــة مباشــرة تخضــع‬
‫لربا الفضل ‪ ،‬إلى بيع كل مــن البــدلين بــالنقود ‪ ،‬ويشــتري‬
‫كل من البائعين ما يحتاجه من الصنف الذي يريد ‪.‬‬
‫وإذ فــرض الشــرع إهــدار التفــاوت فــي قيــم البــدلين‬
‫المتماثلين جنسا ‪ ،‬إذا تمت مبادلتهما عن طريــق الصــرف‬
‫أو المقايضة ‪ ،‬فإن هذا الطريق يوصد فــي الــبيوع الــتي ل‬
‫يجوز فيها الغبن رعاية لحقوق العباد ‪ ،‬التي ل يستوي فيهــا‬
‫جيد المال ورديئه ‪ ،‬فل يجوز للوصي أن يــبيع قفيــز حنطــة‬
‫جيدة من مال اليتيم بقفيز رديــء ‪ ،‬ويتعيــن علــى الوصــي‬
‫البيع بالنقد أو بشيء خلف جنــس الحنطــة مراعــاة لحــق‬
‫اليتيم وحق الشرع )‪ . (1‬وفي قول الله تعــالى فـي حفــظ‬
‫ب { )‪ (2‬نهــي‬ ‫ث ب ِــالط ّي ّ ِ‬ ‫أموال اليتامى ‪َ } :‬ول ت َت َب َد ُّلوا ال ْ َ‬
‫خِبي َ‬
‫للوصياء عن مثل تلك المقايضــة الــتي يحيــق الغبــن فيهــا‬
‫باليتيم ‪.‬‬
‫ويكون ربا الفضل بعيدا عن تحقيــق التعــادل بيــن المــالين‬
‫المتبادلين بما يمنع الغبن فــي العقـد ‪ ،‬خلفـا لمـا قــال بـه‬
‫بعض الفقهاء واعتنقــه المستشــرقون وفريــق مــن رجــال‬
‫القانون )‪. (3‬‬
‫كما لم يشرع هذا الربا ليسد ذريعة إلى ربا )‪(4‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬وكذلك مال الوقف ومال المريض مرض المــوت‪ .‬وإذا‬
‫انكسر المصوغ المرهون عند المرتهن فيضمن بقيمته من‬
‫غير جنسه لمراعاة حق العبد‪ ،‬ولكــن علــى وجــه ل يبطــل‬
‫حق الشرع‪ .‬حاشية ابن عابدين ج ‪ 4‬ص ‪ 202‬و ‪203‬‬
‫)‪ (2‬سورة النساء الية ‪2‬‬
‫)‪ (3‬بدايــة المجتهــد لبــن رشــد ج ‪ 2‬ص ‪ ،115‬وريمــون‬
‫شــارل‪ ،‬المرجــع الســابق ص ‪ ،86‬والوســيط فــي شــرح‬
‫القانون المدني للدكتور عبد الرزاق الســنهوري ‪ ،1964‬ج‬
‫‪ 1‬ص ‪376‬ن ‪202‬‬
‫)‪ (4‬إعلم المــوقعين عــن رب العــالمين للمــام ابــن قيــم‬
‫الجوزية ج ‪ 1‬ص ‪ ،204-200‬وزكي بدوي‪ ،‬ص ‪.134-130‬‬
‫القرض الذي ل يقف التماثل فيــه عنــد تســاوي المقــادير ‪،‬‬
‫بل يشمل جودة المال ومقداره جميعا ‪.‬‬

‫‪632‬‬
‫د‪ -‬ول ينتفي ربا الفضل إل بتحقيق المتعاقدين من تســاوي‬
‫البدلين وزنا ‪ ،‬إن كانا مــن النقــدين ‪ ،‬أو كيل ‪ ،‬إن كانــا مــن‬
‫مواد الطعــام ‪ ،‬فــإن وجــدت زيــادة ‪ ،‬أو احتمــل وجودهــا ‪،‬‬
‫لعدم وزن أحد البدلين أو كليهما ‪ ،‬كان ربا فضل ‪ ،‬يســتوي‬
‫في أمره صاحب البدل الكبر الــذي زاد ومــن قــدم البــدل‬
‫الصــغر الــذي ازداد ‪ ،‬فكــل منهمــا كمــا جــاء بــالنص ‪ ،‬قــد‬
‫أربى ‪ ،‬ول يجوز لمـن زاد إبـراء صـاحبه مـن الزيـادة ‪ ،‬لن‬
‫الحظــر هــو لمحــض حــق اللــه تعــالى ‪ ،‬يكفــل بــه مصــالح‬
‫الجماعة ‪ ،‬وليس الحظر متعلقا بشيء من حق المتعاقد ‪.‬‬
‫كما ل يلـتزم مـن أخـذ زيــادة الــوزن أو الكيـل أن يردهــا ‪،‬‬
‫ويصح الصرف أو المقايضة ‪ ،‬خلفا للقرض إن اشترط فيه‬
‫الربا ‪ ،‬إذ يبطل شرط الربا لفساده ويبقى القرض صحيحا‬
‫‪ ،‬وليس كذلك الصرف والمقايضــة الربويــان ‪ ،‬فــإن فســاد‬
‫العقد في أصل محله ‪ ،‬وليس فيه شــرط خــارج عنــه ‪ ،‬فل‬
‫ينتهي الحظر إل بنقض العاقد ذاته ‪ .‬ثم نجد القــرض ‪ ،‬وإن‬
‫حظر شرط الزيادة فيه أو جر المنفعة منــه خلل تــأجيله ‪،‬‬
‫ل يحظر على المقترض ‪ ،‬إذا شاء أن يزيد فيما يــرده إلــى‬
‫من أقرضه مــن بــاب حســن القضــاء ‪ ،‬كمــا جــاء الحــديث‬
‫القدسي بفضل الدائن السـمح الـذي يتجـوز عـن الموسـر‬
‫بقبول ما فيه نقص يسير من الوفاء ‪ ،‬وفــي معجــم الفقــه‬
‫الحنبلي أنه يجــوز وفــاء القــرض بخيــر منــه فــي القــدر أو‬
‫الصفة ‪ ،‬أو بما هو دونه بتراضي طرفي العقد ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬وفي ربا الفضل ‪ ،‬بمــا يفرضــه مــن تســاوي المقــادير‬
‫وإهدار التفاوت بيــن قيمهــا ‪ ،‬مــا يوصــد بعضــا مــن أبــواب‬
‫المقايضة ‪ ،‬وهي وسيلة بدائية للتــداول ‪ ،‬ويفتــح بهــا أبوابــا‬
‫من البيع بالنقود ‪ ،‬وهي أضبط في تقــويم الشــياء وأخفهــا‬
‫حمل وأيسرها ادخارا ‪ ،‬وفي فرض الــبيع بهــا تكــثير التجــار‬
‫وازدهار الســواق ‪ ،‬بمــا يــدفع التــداول فــي اقتصــاد المــة‬
‫السلمية على طريق التقدم ‪ .‬أمــا ربــا الــدين فيــدور فــي‬
‫صعيد الئتمان ‪ ،‬الذي ل يتصل ببيع يعقد أو تجــارة حاضــرة‬
‫تدار ‪ ،‬وتختلف لذلك حكمة حظره عن الحكمــة فــي حظــر‬
‫التفاضل في تلك البيوع ‪.‬‬
‫الفرق بين ربا الدين والنسيئة‬

‫‪633‬‬
‫وكذلك يختلف ربا النسيئة ‪ ،‬أو ما يسمى ربا النساء أو ربــا‬
‫اليــد ‪ ،‬عــن ربــا الـدين ‪ .‬فربــا النســيئة حظــرت بـه الســنة‬
‫التأجيل في بعض البيوع الخاصة ‪ ،‬أو التأخير في تنفيــذها ‪،‬‬
‫فيجب لصحة العقد أن يكون كل من البدلين فيه حاضــرا ‪،‬‬
‫وتســليمها نــاجزا ‪ ،‬ول يجــوز أن يــدخل الئتمــان فــي تلــك‬
‫العقود ‪ ،‬في جانب أحد من المتعاقدين ‪ ،‬أو كليهما ‪ .‬ونجــد‬
‫لهذا الربا الخصائص التيــة‪ -1 :‬يســري ربــا النســيئة حيــث‬
‫يطبق ربا الفضل دائما ‪ ،‬ففــي بيــع الــذهب بالــذهب ‪ ،‬كمــا‬
‫تحــرم الزيــادة فــي وزن أحــد البــدلين ‪ ،‬يحــرم أن يكــون‬
‫أحدهما غائبا عن مجلس العقد ‪ ،‬وكذلك في مقايضة التمر‬
‫بالتمر ‪ ،‬ل يصح العقد ‪ ،‬إذا اشترط تأجيل أحد البــدلين ‪ ،‬أو‬
‫لم يتم أداؤه في مجلس التعاقد ‪.‬‬
‫ويتسع ربا النسيئة عن ربا الفضــل ‪ ،‬فيطبــق علــى صــرف‬
‫الــذهب بالفضــة ‪ ،‬وعلــى مقايضــة القمــح بــالتمر ‪ ،‬ويجــب‬
‫تسليم البدلين عند التعاقد ‪ ،‬ما داما مــن مجموعــة واحــدة‬
‫مـــن مجموعـــتي الصـــناف الربويـــة ‪ ،‬وهمـــا النقـــدان‬
‫والمطعومات ‪ ،‬فل ينطبق ربا النسيئة على بيع قمــح آجــل‬
‫بفضة معجلة ‪ ،‬بينما يحظر بيع مصوغات الذهب نسيئة ولو‬
‫بثمن من فضة ‪.‬‬
‫ت‪ -‬ربا النسيئة ‪ ،‬فيما حظر من تأجيل أنواع مــن الصــرف‬
‫والمقايضة ‪ ،‬هو استثناء ممــا أبــاحته الشــريعة الغــراء مــن‬
‫التجارة المؤجلة والقروض ‪ ،‬وبينت أحكام توثيقها بالكتابــة‬
‫والشهادة أطول آية في القرآن ‪ ،‬في سورة البقرة ‪) ،‬رقم‬
‫َ‬
‫من ُــوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ ، (282‬التي استهلت بقوله تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّـ ِ‬
‫َ‬
‫ب ب َي ْن َك ُـ ْ‬
‫م‬ ‫مى فَــاك ْت ُُبوهُ وَل ْي َك ْت ُـ ْ‬ ‫سـ ّ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬‫ج ٍ‬ ‫ن إ َِلى أ َ‬ ‫م ب ِد َي ْ ٍ‬
‫داي َن ْت ُ ْ‬ ‫إِ َ‬
‫ذا ت َ َ‬
‫ل { )‪ (1‬وفرضــت اليــة ‪ 283‬مــن بعــدها أداء‬ ‫ب ِبال ْعَ ـد ْ ِ‬ ‫َ‬
‫كات ِ ٌ‬
‫الدين المؤجل ‪ ،‬وإن لم يوثق بكتابــة ول برهــن ‪ ،‬وألزمــت‬
‫التقوى في شأنه ‪ ،‬بقوله تعالى ‪ } :‬فَإ َ‬
‫ضا‬‫م ب َعْ ً‬ ‫ضك ُ ْ‬‫ن ب َعْ ُ‬ ‫م َ‬
‫نأ ِ‬ ‫ِ ْ‬
‫فَل ْيؤَد ال ّذي اؤْتمن أ َ‬
‫ه { )‪ (2‬وقــد فــرق‬ ‫ه َرب ّـ ُ‬ ‫ق الل ّ َ‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ي‬‫ه وَل ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫ُ ِ َ‬ ‫ُ ّ ِ‬
‫السلم بين القــرض ‪ ،‬حيــث يتأجــل الــدين رفقــا بالمــدين‬
‫وتصــدقا بمنفعتــه عليــه ‪ ،‬والــبيع المؤجــل ‪ ،‬حيــث يســتثمر‬
‫التاجر ماله فــي النســيئة أو الســلم ‪ ،‬ويصــيب مــن يحتــاج‬

‫‪634‬‬
‫الســلعة فــي بيــع النســيئة ‪ ،‬أو رأس المــال فــي الســلم ‪،‬‬
‫حاجته العاجلة ‪ ،‬بعوض يؤديه مؤجل ‪.‬‬
‫وانمــاز القــرض ونحــوه مــن الرفــاق بتحريــم الربــا ‪ ،‬ولــم‬
‫يحظر السلم الزيادة في الثمن المؤجــل للمــبيع نســيئة )‬
‫‪ (3‬كما لم يحرم النقص في الثمن إذ يعجل للمبيع ســلما ‪.‬‬
‫وقد بين القرآن الكريم اعتراض الذين يــأكلون الربــا علــى‬
‫ما شرع السلم من إباحة بيع النسيئة وتحريم الربا ‪ ،‬فــي‬
‫َ‬ ‫قوله تعالى ‪ } :‬ذ َل َ َ‬
‫حــ ّ‬
‫ل‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬
‫مث ْ ُ‬ ‫م َقاُلوا إ ِن ّ َ‬‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫م الّرَبا { )‪ (4‬وثم وجه لتأويل الية بأن هــذا‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬
‫حّر َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫القول صادر من المشركين الذين ل يعــترفون بمشــروعية‬
‫أصل البيع كما جاء به القرآن )‪. (5‬‬
‫وكأنهم قــالوا ‪ :‬إن الــبيع والربــا متمــاثلن عقل ‪ ،‬ول توجــد‬
‫علة ظاهرة للتفرقة بين ربح التأجيل في كل منهما ‪ ،‬ليحل‬
‫البيع ويبقى الربا محرما مما يقتضي عندهم أن يحل الربــا‬
‫كما أحل ربح النسيئة ‪.‬‬
‫وهذا القول أشبه بما قد يحتــج بــه اليهــود حيــن يخــاطبون‬
‫بحكم القرآن وقد أحل بعض ما حرم عليهم من المرابحــة‬
‫ولم يحل الربا فــي الــدين ‪ ،‬وإن كــان جمهــور المفســرين‬
‫علــى أن القــائلين بالشــبهة يعتقــدون حــل بيــع النســيئة‬
‫ويقيسون عليه ربا الدين ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬كما أنه يجوز أن يبيع‬
‫الثوب الذي يساوي عشرة دراهم في الحال ‪ ،‬بأحــد عشــر‬
‫إلى شهر ‪ ،‬فكذلك إذا أقرض العشــرة دراهــم بأحــد عشــر‬
‫إلى شهر ‪ ،‬يجب أن يجوز )‪. (6‬‬
‫ومــا دامــت الزيــادة فــي الثمــان المؤجلــة الصــل فيهــا‬
‫الباحة ‪ ،‬فل يكون القصد من تحريم التأجيل فــي الصــرف‬
‫والمقايضة هو سد الذريعة إلــى ربــا الــدين ‪ ،‬الــذي يحظــر‬
‫العتياض عن التأجيل )‪. (7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪282‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪283‬‬
‫خرو الحنفيــة المرابحــة‪ ،‬باعتبارهــا بيعــا‬ ‫)‪ (3‬ويســميها متــأ ّ‬
‫للعين بربح يقابل الجل‪ ،‬انظر حاشية ابن عابــدين ج ‪ 4‬ص‬
‫‪ ،308‬ودائرة المعارف السلمية‪ ،‬ج ‪ 9‬ص ‪.218‬‬

‫‪635‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (5‬تفسير ابن كثير‪،‬ج ‪ 1‬ص ‪327‬‬
‫)‪ (6‬مفاتيــح الغيــب‪ ،‬للفخــر الــرازي ج ‪ 2‬ص ‪ 354‬وســائر‬
‫المفسرين في زكي بدوي ص ‪ 61‬هـ ‪1‬‬
‫)‪ (7‬قارن إعلم الموقعين‪ ،‬لبن القيم‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪204-200‬‬
‫وزكي بدوي‪ ،‬ص ‪134-130‬‬
‫ج‪ -‬وفيما حرمته السنة من بيع الكــالئ بالكــالئ ‪ ،‬مــا يــبين‬
‫منه أن حظر بيع الدين المؤجــل بمؤجــل مثلــه ‪ ،‬وإن كــان‬
‫الدينان متماثلين نوعا ومقدارا وأجل ‪ ،‬كصرف ذهب بذهب‬
‫مؤجلين إلــى ســنة ومتســاويين وزنــا وقيمــة ‪ ،‬ممــا ل يــذر‬
‫زيادة من فرق بينهما في القيمــة أو الحلــول تصــلح لربــط‬
‫هذا الربا بربا الدين ‪.‬‬
‫د‪ -‬وينبغي لكل أولئك أن يعدل عن محاولة رد أنــواع الربــا‬
‫المختلفة إلى أصل واحد يجمعها ‪ ،‬وأن يبحث كل نوع مــن‬
‫الربا بأحكامه ومقاصده مســتقل عــن غيــره مــن الربــوات‬
‫حتى ل تبغي دراسة بعضها على بعض ‪ ،‬ويعود ربا النســيئة‬
‫بحقيقته الشرعية إلى موضعه الصحيح بعد إذ اختفــى مــن‬
‫أقسام الربا عنــد بعــض المفســرين والفقهــاء ‪ ،‬ومــن أخــذ‬
‫عنهم من المستشرقين في معاجمهم ‪ (1) ،‬إذ أقحموا ربا‬
‫الدين على تقسيم الفقه الســلمي لربــوي الــبيوع اللــذين‬
‫حظرتهما أحاديث الفضــل والنســيئة ‪ ،‬وجــاوزوا المصــطلح‬
‫الشرعي فجعلوا لربا الـدين اسـم ربـا النسـيئة ‪ ،‬فصــرفوا‬
‫لفــظ الربــا إلــى معنــى الزيــادة بــدل مــن معنــى الحرمــة‬
‫المقصودة فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ،‬وانتفت المقابلة في التقسيم ‪ ،‬إذ خلطوا ربا الــدين بربــا‬
‫الفضل ‪ ،‬وقد بينــا اختلفهمــا كمــا أخطئوا الفــرق بيــن ربــا‬
‫النسـيئة الـذي يحـرم التأجيـل فـي عقـود محـدودة ‪ ،‬وربـا‬
‫الدين الذي ل يعرض بتحريم لتأجيل الديون ‪ ،‬وإنما يقتصــر‬
‫التحريم فيه على أخذ عوض عن الجــل زيــادة علــى رأس‬
‫مال الدين ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬والذي يبين من أحكام ربا النسيئة أن السلم إذ أبــاح‬
‫ربح التجارة الجلة ‪ ،‬قد حرص على أل تجــاوز مــا تقتضــيه‬
‫مصالح الفراد والمــة جميعــا منهــا ‪ ،‬فحظــر جميــع الــبيوع‬

‫‪636‬‬
‫التي يتأجل فيها البــدلن معــا ‪ ،‬إذ ل تظهــر مصــلحة قائمــة‬
‫لحد من المبتاعين فيها ‪ ،‬وهــي ليســت مــن صــنيع التجــار‬
‫العاملين بالسواق عادة ‪ ،‬ول تحقق الخدمات الــتي تبتغــى‬
‫من النشاط التجاري ‪ ،‬بل هــي كــثيرا مــا تضــر بانتظــامه ‪،‬‬
‫وذلك في حظر بيع الدين بالدين ‪ ،‬وفي ربا النسيئة بمعناه‬
‫الدقيق يحظر الصرف أو المقايضــة إذا كــان أحــد البــدلين‬
‫غائبا أو مؤجل تسليمه ‪ ،‬فمنع من ليس بيده ذهب ول فضة‬
‫أن يصــيب مــن طريــق الصــرف نقــدا حاضــرا ‪ ،‬وإذا كــان‬
‫النقدان هما رءوس أموال التجارة ‪ ،‬فإن ربا النسيئة ل يذر‬
‫فــي حلبتهــا إل المتمــول مــن التجــار ‪ ،‬أو ذا الثقــة ‪ ،‬الــذي‬
‫يتيســر لــه أن يجــد مــن يمــده بالمــال ‪ ،‬مضــاربة تبتغــي‬
‫المشــاركة فيمــا يفيــء مــن التجــارة ‪ ،‬وإمــا قرضــا حســنا‬
‫يضمن المقترض رده ‪ ،‬كما أن في حظــر بيــع المصــوغات‬
‫من الـذهب والفضـة نسـيئة ‪ ،‬مـا يحـد مـن اكتنـاز الفـراد‬
‫للمعدنين الثمينين ‪ ،‬وإبعادهما عن مجالت الستثمار الــتي‬
‫تتحقق من خللها التنميــة القتصــادية للمــة )‪ . (2‬وكــذلك‬
‫في مقايضة مــواد الطعــام ونحوهــا بعضــها ببعــض ‪ ،‬حيــث‬
‫يحظر ربا النسيئة تأجيل بدل منها ‪ ،‬يقتضي المتبــايعين أن‬
‫يجريا التصرف من طريــق بيــع النســيئة أو مــا يشــرع مــن‬
‫السلم ‪ ،‬فينأى بتلك المعاملت عن المقايضة ببدائيتها التي‬
‫تتعقد مع الجــل ‪ ،‬ويحــد مــن بقــاء تلــك المــواد دولــة بيــن‬
‫منتجيهــا ‪ ،‬ليطلقهــا فــي مجــالت التــداول علــى اتســاعها‬
‫بالبيوع الجلة بالنقود الــتي يتحقــق بهــا النضــباط ويتحــدد‬
‫فيها مقابل التأجيــل ‪ ،‬حــتى إذا طــرأ مــا يقتضــي التعجيــل‬
‫تيسر لمــن يحــط مــن المقابــل حســاب مــا يخصــم منــه ‪.‬‬
‫ويكون من حكمة ربــا النســيئة ‪ ،‬دعــم التنميــة القتصــادية‬
‫وحفــظ مقومــات التجــارة وتقــويم ســبل الئتمــان فيهــا ‪،‬‬
‫بإغلق أبواب المعــاملت الجلــة الــتي مــن شــأنها الخلل‬
‫بتحقيق‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬معجم هيوز ‪ ،‬المرجع السابق ص ‪IN ARABIC 544‬‬
‫‪ENGISH AXICON BY E. W. ANE 1968 PART 3.P.‬‬
‫‪1023‬‬

‫‪637‬‬
‫)‪ (2‬التنمية القتصادية‪ ،‬للدكتور محمــد زكــي شــافعي‪ ،‬ص‬
‫‪.51‬‬
‫ما تتطلبه الجماعة من استقرار النشاط التجاري وازدهاره‬
‫‪ .‬ويتمحض تحريم النسيئة حقا لله تعالى ‪ ،‬يلتزم السلطان‬
‫إنفاذه ‪ ،‬ول يعتد بشيء من إرادة الفراد فــي شــأنه ‪ ،‬ومــا‬
‫ينبغي أن تقر تلك الرادة على ابتغاء ما يتهدد مصالح المة‬
‫‪ ،‬أو يحيــف عليهــا ‪ .‬وتختلــف الحكمــة مــن هــذا الربــا عــن‬
‫الحكمة في تحريم ربــا الــدين ‪ ،‬الــذي يتميــز بوقــوعه فــي‬
‫مجال الئتمــان المشــروع ويتعلــق بتقــويمه فــي القــروض‬
‫والتأجيل للعسار ‪ ،‬متكامل مع تنظيم النسيئة المباحة في‬
‫البيوع ‪.‬‬
‫خصائص ربا الدين في السلم‬
‫ويتبين مما قدمناه أن الربا الذي يعرفه اليهود ل يشبه من‬
‫أنواع الربا في السلم إل ربا الــدين ‪ ،‬ولكــن هــذا التشــابه‬
‫من بعض الوجوه دون بعضها الخــر ‪ ،‬ول يبلــغ الشــبه بيــن‬
‫الربوين حد التماثل ‪ ،‬بل تذر أوجــه الختلف حقيقــة الربــا‬
‫اليهودي جد متميزة عن ربا الدين كما اكتملت أحكامه في‬
‫شريعة السلم ‪ ،‬الــتي نعــرض علــى هــديها خصــائص هــذا‬
‫الربا ‪ ،‬كالذي قدمناه في بحث ربا اليهود ‪ ،‬لتظهر الفــروق‬
‫واضحة بين الشريعتين ‪ ،‬وينجلي الوضع الصــحيح لمشــكلة‬
‫الربا في البلد الســلمية وأوجــه علجهــا الميســورة الــتي‬
‫تأتي على مـا يتعلـل بـه للتعامـل بالربـا فـي إطـار أحكـام‬
‫اليهود المخالفة عن أحكام السلم ‪.‬‬
‫وخصائص هذا الربا هي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الربا في الدين وحده ول ينطبق على البيع ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الربا مقابل الجل ‪.‬‬
‫‪ - 3‬الربا محظور على الدائن والمدين معا ‪.‬‬
‫‪ - 4‬للربا حكمته المتميزة عن ظلم المدين ‪.‬‬
‫‪ - 5‬المساواة بين المسلم وغير المسلم في الربا ‪.‬‬
‫الخاصية الولى‬
‫الربا في الدين وحده ول ينطبق على البيع‬
‫أحل الله تعالى البيع بزيادة في الثمن إذ يؤجل ‪ ،‬أو ينقــص‬
‫فيه إذ يعجل ويؤجل المبيع ‪ ،‬وذلك عوضـا عـن الجـل فـي‬

‫‪638‬‬
‫بيع النسيئة ‪ ،‬والسلم وعقد الستصناع ‪ ،‬وحــرم الربــا فــي‬
‫القــرض ‪ ،‬إذ يؤجــل تبرعــا واختيــارا ‪ ،‬وفــي تأجيــل ســائر‬
‫الديون الــتي يثبــت إعســار المــدين بهــا حيــن وجــب عليــه‬
‫أداؤها ‪ ،‬فينظره القاضي إلى أن يوسر )‪ ، (1‬توثيقا لعــرى‬
‫التكافل الجتماعي بين الغنياء والفقراء من الناس ‪.‬‬
‫وكما عني السلم بتنظيم التجارة الحاضرة فيما رأينا مــن‬
‫أنواع الربا في الــبيوع ‪ ،‬كــانت عنــايته أكــبر بالئتمــان فــي‬
‫التجــارة الجلــة وســائر الــديون غيــر التجاريــة ‪ .‬وجمهــور‬
‫المفســرين علــى أن الــدين المؤجــل الــذي فصــلت آيــات‬
‫البقرة أحكام توثيقه ‪ ،‬يشمل السلم وبيع النسيئة والقرض‬
‫جميعا ‪ ،‬وردوا قول من ذهب إلى أن القرض ل يدخل فــي‬
‫ذلك الدين ‪ ،‬لن القرض ل يجــوز فيــه الجــل الــذي يؤجــل‬
‫إليه الدين ‪ ،‬وكانت حجتهم أن القرض يصح تــأجيله باتفــاق‬
‫الفقهاء ‪ ،‬وإنما اختلفهــم فــي لــزوم هــذا التأجيــل ‪ ،‬فقــال‬
‫المام مالك بلزوم الجل المتفق عليه في القــرض ‪ ،‬ورأى‬
‫ســائر الئمــة أن المقــرض متــبرع ل يجــوز أن يجــبر علــى‬
‫المتناع عن المطالبة بالقرض قبل الجل )‪. (2‬‬
‫وقد كانت مصادر ربا الجاهليـة ‪ ،‬إمـا قرضـا مـؤجل بزيـادة‬
‫مشروطة بدل من الجل ‪ ،‬وإمــا بيعــا بالنســيئة حــل ميعــاد‬
‫أداء ثمنه وليس عند المشتري ما يفي به ‪ ،‬فيزيــد مقــداره‬
‫ليؤخر البائع المطالبة بــه ‪ ،‬أو ســلما ل يجــد المســلم إليــه‬
‫الشيء الذي باعه عند حلول أجله ‪ ،‬فيؤخره المســلم إلــى‬
‫أجــل جديــد بزيــادة علــى الشــيء المــبيع ‪ ،‬وقــد حظــرت‬
‫الزيادة على الدين في كل تلك الصــور مــن الئتمــان غيــر‬
‫التجاري ‪ ،‬وفــرق الســلم بيــن هــذا الئتمــان القــائم علــى‬
‫الرفــاق والئتمــان التجــاري فــي الــبيوع الــذي أبيحــت‬
‫المعاوضــة علــى الجــل فيــه ‪ ،‬التزامــا لحــال المــال الــذي‬
‫يخرجه التاجر إلى الئتمــان مــن بيــن مــا يــدير بــه تجــارته‬
‫الحاضرة ويقف ما كان يفيــء لــه مــن كســب دوري إبــان‬
‫تأجيله ‪.‬‬
‫وكذلك حال الذي ائتمن من التجار فيما دفع إليه وما يفيد‬
‫من كسب يقدر أن يؤدي الزيادة في الثمن المؤجل منــه ‪.‬‬
‫وبجانب هذا الئتمان في السلع الــتي تقــوم التجــارة علــى‬

‫‪639‬‬
‫تداولها ‪ ،‬ويتحدد بكل بيع يرد عليها مخاطر عقــده مســتقل‬
‫عما سبقه وعما يلحقه من البيوع ‪ ،‬أقــر الســلم الئتمــان‬
‫الرأســمالي بعقــد المضــاربة أو القــراض ‪ ،‬فيأخــذ التجــار‬
‫المضــاربون رءوس المــوال مــن أصــحابها يــديرون بهــا‬
‫التجارة ‪ ،‬وتقسم أرباحها بين التاجر عن عملــه ‪ ،‬والممــول‬
‫عن رأس ماله ‪ ،‬فــإن لــم تصــب التجــارة ربحــا ‪ ،‬أو منيــت‬
‫بخسر ‪ ،‬ضــاع جهــد التــاجر ‪ ،‬وفــات رأس المــال الربــح أو‬
‫نقص ما خسره ‪ ،‬تبعا لحقيقة ما أسفر‬
‫__________‬
‫ســر تــأخير الوفــاء بمــا عليــه‪ ،‬وفــي‬ ‫مو ِ‬ ‫)‪ (1‬ويحظر على ال ُ‬
‫مط ْــل الغَن ِــي ظ ُل ْــم‪ ،‬يجعــل لــدائنه أن‬‫مطهّــرة أن َ‬ ‫سنة ال ُ‬
‫ال ّ‬
‫حقّ عليــه‪ ،‬وذلــك‬ ‫مســت ِ‬‫دي الـد ّْين ال ُ‬‫يطلب حبسه‪ ،‬حــتى ي ُــؤ ّ‬
‫حمايته‬ ‫عناية السلم بالئتمان و ِ‬ ‫خر ي ُ ْ‬
‫ظهر ِ‬ ‫وجه آ َ‬
‫)‪ (2‬زكــي الــدين بــدوي‪ ،‬ص ‪ 37‬هـــ ‪ ،1‬ومعجــم الفقــه‬
‫الحنبلي‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ 771‬رقم ‪.14‬‬
‫عنــه النشــاط المعقــود عليــه ‪ ،‬وكمــا يتضــامن رب المــال‬
‫والعامل في تحمل خطر الخسارة ‪ ،‬يفيد رأس المــال مــن‬
‫كل زيــادة تتحقــق فــي ربــح المضــاربة خلل الجــل الــذي‬
‫تنتهي عنده ‪ ،‬وبذلك جعل للجل في التجارة عوضــه الــذي‬
‫يتحدد ابتداء في البيوع ‪ ،‬أو الذي يتحقق ويتحدد انتهاء فــي‬
‫المضاربة ‪.‬‬
‫ويتميز القــرض مــن الــبيع ‪ ،‬خلفــا لمــا يــذهب إليــه بعــض‬
‫الفقهاء والمستشرقين الذين يجعلــون القــرض فــي أصــله‬
‫من المعاوضات ويدخلون رباه في ربا الفضل بالبيوع خطأ‬
‫)‪ ، (1‬ذلك أن القرض في شــريعة الســلم مــن التبرعــات‬
‫يتصدق فيه المقرض بمنفعة المــال علــى ســبيل العاريــة ‪،‬‬
‫وإذا كان المقرض ل يسترد مــاله ذاتــه بــل يســترد مثلــه ‪،‬‬
‫فلن هذا المال مما يهلك بالنتفـاع بـه ‪ ،‬انفاقـا كـالنقود أو‬
‫استهلكا كالطعــام ‪ ،‬وليــس أخــذ هــذا المثــل المؤجــل هــو‬
‫مقصود المقرض من العقد ‪ ،‬ليكون كالبائع الذي يقصد أن‬
‫يأخذ من المبتاع عوضــا غيــر الــذي يــبيعه منــه ‪ ،‬ولــو كــان‬
‫القرض من البيع لوقع في نطاق ربا النسيئة الــذي يحظــر‬
‫مقايضة العين بمثلها مؤجل ‪ ،‬ولذلك جعل الفقهــاء رد بــدل‬

‫‪640‬‬
‫العيــن فــي القــرض بمثابــة رد العيــن ذاتهــا خلف ســائر‬
‫الديون ‪.‬‬
‫ولكن مع اتفاق الفقهاء على حل المعاوضة عن الجل في‬
‫البيوع ‪ ،‬وحرمتها في القروض وسائر الديون ‪ ،‬اختلفوا في‬
‫الــديون المؤجلــة حيــن يعجــل أداؤهــا ‪ ،‬فمنــع فريــق مــن‬
‫الئمة ‪ ،‬منهم أبو حنيفة ومالك ‪ ،‬أن ينقص شيء من الدين‬
‫‪ ،‬إذ رأوا في مقابلة هذا النقص بما بقي من أجل الدين ما‬
‫يشبه الربا الذي يجعل الزيادة فوق الــدين مقابلــة لجلــه ‪،‬‬
‫وأخذ فريق بما » روي عن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم حين أمر بجلء يهود بني النضير ‪ ،‬وسألوه عن ديون‬
‫لهم مؤجلــة ‪ ،‬فقــال لهــم النــبي عليــه الصــلة والســلم ‪":‬‬
‫حطوا وتعجلوا" « فأجازوا أن ينقص من الدين المؤجل إذا‬
‫عجــل وفــاؤه ‪ ،‬مــا يقابــل الــذي بقــي مــن أجلــه ‪ .‬وانتهــى‬
‫متأخرو الحنفية إلى الفتوى بذلك في المرابحة )‪. (2‬‬
‫وقد بني الختلف على أساس إحدى خصائص الربا التالية‬
‫‪ ،‬وهي كونه مقابل لزمان بقاء الدين في الذمة ‪ ،‬ولكن لــو‬
‫نظر المر من وجه مشروعية المعاوضة عن الجل ‪ ،‬فــإن‬
‫الديون التي تحل الزيادة فيها لتأجيلها ‪ ،‬كثمن النســيئة ‪ ،‬ل‬
‫يكون في الحــط منهــا عنــد تعجيلهــا شــيء مــن الربــا ‪ ،‬إذ‬
‫يفترض اشتمال الثمن على عــوض بمقــدار الجــل كــامل ‪،‬‬
‫فإذا أدى الثمــن ‪ ،‬ولــم ينقــض إل نصــف الجــل ‪ ،‬كــان مــا‬
‫يقابل نصفه الخر ول سـبب يسـتحق عنـه ‪ .‬ول يكـون ربـا‬
‫فيما نقص من ديون بني النضير ‪ ،‬إن كانت مــن المرابحــة‬
‫أو السلم ‪ ،‬وقد كانوا يستحلون الزيادة فيها علــى المييــن‬
‫وإن حرموا أخذها من اليهود ‪ ،‬وقد أخرجها السلم من ربا‬
‫الديون ‪ .‬أما إن كان الدين المؤجــل مــن قــرض ‪ ،‬فل يبــدو‬
‫وجه إنقاصــه إذا عجــل أداؤه ‪ ،‬حــتى عنــد مــن يــرى لــزوم‬
‫الجل فيه ‪ ،‬لن المقترض ل يرد شــيئا فــوق مــا أخــذ مــن‬
‫المقرض في كل حين ‪ ،‬وكما يحظــر العــوض مــن المــدين‬
‫عن منفعة الدين المؤجل ‪ ،‬ل يحق له أن يقتضي المقرض‬
‫عوضا عما بقي من الجل الذي ارتضاه هــذا الــدائن تبرعــا‬
‫بالقرض للجل كله ‪ .‬ويستوي القرض فــي ذلــك كــل ديــن‬
‫تأجل أداؤه بأمر القضاء للعسار ‪ ،‬وتبقى الديون المؤجلــة‬

‫‪641‬‬
‫بحكم الشرع ‪ ،‬كديات القتل الخطأ ‪ ،‬يتنازعها الرأيــان فــي‬
‫جواز الحط عند تعجيلها أخذا بعموم الحديث الشــريف ‪ ،‬أو‬
‫منع نقصها لما فيه من شبه الربا ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪milliot introduction a letude du droit musulman 1953 (1‬‬
‫‪ p.p.649-651‬ومعجم هيــوز‪ ،‬ص ‪ 33‬وراجــع النبــذة ‪ 3‬فيمــا‬
‫سبق‬
‫)‪ (2‬بداية المجتهد لبــن رشــد ج ‪ 2‬ص ‪ 118‬وحاشــية ابــن‬
‫عابدين ج ‪ 5‬ص ‪.526،525‬‬
‫الخاصية الثانية‬
‫الربا مقابل الجل‬
‫يؤدى الربا عوضا عن تأجيل المطالبة بــالقرض أو الــدين ‪،‬‬
‫ويؤخــذ فــي تحديــده بمقــدار الجــل ‪ ،‬فيتضــاعف الربــا‬
‫بتضاعف الجال المتوالية ‪.‬‬
‫ويتميــز الربــا مــن الزيــادة فــي الــبيوع الجلــة ‪ ،‬فهــي وإن‬
‫حددت على أساس مقدار الجل ‪ ،‬فثم أسس أخرى تدخل‬
‫في تقدير المتبايعين ‪ ،‬منها معدل الربح في السلعة ‪ ،‬ومــا‬
‫يتوقع من رواجها خلل الجــل ‪ ،‬وهــي اعتبــارات تجاريــة ل‬
‫يتمثلهــا المتعــاملون بالربــا ‪ ،‬وتتحــدد هــذه الزيــادة جملــة‬
‫واحدة لتندمج في الثمن ‪ ،‬بحيــث ل تتميــز مــن أصــله ‪ ،‬ول‬
‫يكون في العقد إل الثمن ل يبدو من عناصر تقديره مقابل‬
‫التأجيل ‪ ،‬وفي ذلك تورع من صورة الربا ‪ ،‬ول يحسب هذا‬
‫المقابــل فــي الــبيوع إل مــرة واحــدة عنــد إبرامهــا ‪ ،‬ول‬
‫تتضاعف الزيادة في النســيئة ول فــي الســلم ‪ ،‬إن أعســر‬
‫المدين ‪ ،‬ويؤجل الثمن أو المبيع إلى ميسرته ‪ ،‬في إرفــاق‬
‫يشبه القرض ‪ .‬وهذا فرق هام بين زيــادة الــبيوع المؤجلــة‬
‫في السلم والربا الذي يتضاعف أضعافا ل حد لهــا ‪ ،‬يقيــم‬
‫حاجزا ظاهرا بين البيع والربا ‪.‬‬
‫وقد ل يشترط الربا في عقد القرض ‪ ،‬ولكــن المســتقرض‬
‫يعد بالزيادة فوق رأس المال أو يؤديها من جــانبه ‪ ،‬بقصــد‬
‫حمل الدائن على تأخير مطــالبته ‪ ،‬ثــم هــو يضــاعفها كلمــا‬
‫انتهى المد الذي قدمها عنه ‪ ،‬فتكون تلك الزيادة مــن ربــا‬
‫الدين ‪ .‬ولكن ل يعتبر من الربــا مــا يــؤديه المــدين مختــارا‬

‫‪642‬‬
‫عند قضاء الدين من زيادة عليه ‪ ،‬بعد إذ انتفت كــل مظنــة‬
‫من جانبه في ابتغاء التأجيل ‪ ،‬وكذلك يخرج مــن الربــا كــل‬
‫ما اعتاده المدين من إهداء أو صلة للمقرض من قبل أخذ‬
‫القرض ‪ ،‬وإن قدمها خلل تأجيله لنقطاع صلتها به ‪.‬‬
‫وإذا وثق القــرض برهــن ‪ ،‬فل يجــوز أن يشــترط للمرتهــن‬
‫النتفاع بالرهن ‪ ،‬ويقول النبي صلى الله عليه وســلم‪ » :‬ل‬
‫يغلق الرهن ‪ ،‬ولصاحبه غنمه وعليه غرمه « )‪ (1‬وإن انتفع‬
‫الدائن بشيء من الرهن ‪ ،‬صار قرضــا جــر منفعــة وكــان ‪،‬‬
‫فيما روي من السنة ‪ ،‬من الربا ‪ .‬ويختلف القرض في ذلك‬
‫عــن الــبيع ‪ ،‬فيجــوز للبــائع المرتهــن أن يشــترط لنفســه‬
‫النتفــاع بــالرهن ‪ ،‬ويعتــبر ثمــن الســلعة الحقيقــي هــو مــا‬
‫سمي من الثمن بالعقد مضافا إليه منافع المــال المرهــون‬
‫مدة معلومة )‪. (2‬‬
‫والصل في الشريعة السلمية أن الموال ل تســعر علــى‬
‫النــاس فــي مبــادلتهم ‪ ،‬وأن الغبــن ل يــؤثر فــي صــحة‬
‫المعاوضــات ‪ ،‬إذا عقــدها كــاملو الهليــة لنفســهم بــإرادة‬
‫سلمت من التغرير ‪ ،‬وإنما يعتد الغبن إذا وقع في بيع أو‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن ابن ماجه الحكام )‪,(2441‬موطأ مالك القضــية‬
‫)‪.(1437‬‬
‫)‪ (2‬وقــال بــذلك ابــن خــويز منــداد عنــد المالكيــة‪ .‬انظــر‬
‫القرطبي ج ‪ 3‬ص ‪.413‬‬
‫إيجــار أمــوال مــن فــي وليــة غيرهــم أو بيــت المــال أو‬
‫الوقف ‪ ،‬أو إذا تم العقد في حال يكون المتعاقد فــي غيــر‬
‫بينة مــن حقيقــة الســعار بالســواق كمــا فــي حــال تلقــي‬
‫الركبان ‪ ،‬ويشترط أن يكون الغبن فاحشا ‪ ،‬غير يسير مما‬
‫يتغابن المتعــاملون بمثلــه ‪ ،‬ويجعــل هــذا الغبــن حقــا لمــن‬
‫أصابه ‪ ،‬في طلب تكملة الثمن إلى الحد الذي يقتنيــه ‪ ،‬ول‬
‫يذر مثل ذلك الغبن العقد باطل أو محظورا ‪ ،‬إذا لم تطلب‬
‫إزالته )‪. . (1‬‬
‫فبيع النسيئة يؤثر الغبن فيه ‪ ،‬كما ل يؤثر فــي الســلم ‪ ،‬ول‬
‫يكون ثم أصل شرعي عام يقيد تقــدير مقابــل الجــل فــي‬
‫البيوع أو يحظر المغالة فيه ‪ .‬ونجد في ذلك الصــل الــذي‬

‫‪643‬‬
‫يذر تقدير المــوال والمنــافع إلــى مــا يرتضــيه ذووهــا ‪ ،‬ول‬
‫يحظر التغابن فيها ‪ ،‬ما قد يبين منه أن النهي فــي القــرآن‬
‫الكريم عن أكل الربــا أضــعافا مضــاعفة ‪ ،‬ل وجــه لصــرفه‬
‫إلى الربا الفاحش ‪ ،‬ليقتصر التحريم في النص علــى الربــا‬
‫المركب ‪ ،‬الذي تؤخذ فيه فائدة على ما تجمد من الفــوائد‬
‫)‪. (2‬‬
‫وما كان العرب حين جاءهم السلم يعرفون التفرقــة فــي‬
‫الحكم بيــن يســير الربــا وفاحشــه ‪ ،‬ول بيــن بســيط الربــح‬
‫ومركبــه ‪ ،‬كمــا لــم يعلــق الســلم مشــروعية الــبيع علــى‬
‫اعتدال الثمن ‪ ،‬ولم يحظــره لبخــس بــالثمن أو غلــو فيــه ‪.‬‬
‫وإنمــا القــرب أن ينصــرف النهــي إلــى طلــب الكــف عــن‬
‫الستمرار في الستثمار الربــوي ‪ ،‬فــإن الربــا ل يتضــاعف‬
‫بتضــاعف الجــل ‪ ،‬ول يبلــغ الربــا الضــعاف المضــاعفة إل‬
‫بمكــث المــال فــي حمــأة الســتغلل المحظــور ‪ ،‬فكــان‬
‫الخطاب في سورة آل عمــران ‪ ،‬لينتهــي كــل مكلــف عــن‬
‫الخلد إلــى المــداينات الربويــة ‪ ،‬ثــم بينــت آيــات ســورة‬
‫البقرة ‪ ،‬بعــد النــص علــى تحريــم الربــا ‪ ،‬مــا يتبــع لتصــفية‬
‫الديون الربوية القائمة عند التنزيل ‪ ،‬بــأداء رءوس أموالهــا‬
‫وحدها بغير أية زيادة فوقها ‪ ،‬فكانت حرمــة الربــا مطلقــة‬
‫تحظر يسيره كما تحظر فاحشه ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬بدايــة المجتهــد ‪ ،‬لبــن رشــد ج ‪ 2‬ص ‪ ،146‬ومعجــم‬
‫الفقه الحنبلي‪ ،‬وزارة الوقاف بالكويت‪ ،‬ج ‪1‬ص ‪ 323‬رقــم‬
‫‪ 39‬الخيار للغبن‬
‫)‪ (2‬مصادر الحق‪ ،‬للدكتور السنهوري ج ‪ 3‬ص ‪368‬و ‪.269‬‬
‫الخاصية الثالثة‬
‫الربا محظور على الدائن والمدين معا‬
‫الربا محظور على الدائن أخذه وعلى المدين إيتاؤه ‪ ،‬كمــا‬
‫يحظــر تــوثيقه فيــأثم شــاهدا عقــده وكــاتبه جميعــا بنــص‬
‫الحديث الشريف ‪.‬‬
‫وقد بينت السنة أن الربا أفحش إثمــا مــن الزنــى ‪ ،‬ويبــدو‬
‫الربا في فقه السلم ‪ ،‬كالزنى ‪ ،‬عمل مشتركا ‪ ،‬يعصي بـه‬
‫اللذان يعقدانه عن التكليف فــي إقــراض المــال لمحتــاجه‬

‫‪644‬‬
‫قرضا حسنا أو استثماره بما شرع الله تعالى مــن التجــارة‬
‫بالبيع أو المضاربة ‪.‬‬
‫وقد رأينا السنة في ربا الفضل ‪ ،‬تقضي بأن إثــم مخــالفته‬
‫يقــع علــى طرفــي الــبيع معــا ‪ ،‬ول يقتصــر علــى مــن أخــذ‬
‫الزيادة في المقدار ‪ ،‬بل إن من أعطاهــا قــد أربــى مثلــه ‪.‬‬
‫وكذلك في ربا الدين ‪ ،‬يأثم الدائن ‪ ،‬ولو قــل مقــداره عمــا‬
‫يربحه رأس المال بالستغلل المشــروع فــي يــد الــدائن ‪،‬‬
‫ويأثم المدين ‪ ،‬ولو زاد ما يؤديه من الربا على مــا يكســب‬
‫من استثمار القرض ‪.‬‬
‫وإذا كان القــرآن يــأمر الكــاتب أل يــأبى أن يكتــب الــديون‬
‫المؤجلة ‪ ،‬كما أمر الشهداء أل يأبوا الشهادة حيــن يــدعون‬
‫إليها ‪ ،‬فإن الكاتب والشهود ل يتحلل أحدهم من هذا المر‬
‫فحسب ‪ ،‬إذا وجد الدين مقترنا بالربا ‪ ،‬بل يحرم على كــل‬
‫واحد منهم بمجرد علمه بالربا ‪ ،‬أن يكتــب العقــد أو يشــهد‬
‫عليه ‪ .‬وإذ يقوم الرهن مقــام الكتابــة فــي توثيــق الــدين ‪،‬‬
‫فإن من يرهن ماله ضمانا لدين ربا استدانه غيره ‪ ،‬وكذلك‬
‫من يكفل هذا الدين ‪ ،‬يكون كلهمــا قــد شــارك فــي الثــم‬
‫وأعان عليه ‪ ،‬ويناله نصيبه من جزاء الربــا ‪ ،‬آثامــا وعقوبــة‬
‫كالكاتب والشهيد ‪.‬‬
‫وجزاء الربا في الحياة الخــرة ‪ ،‬هــو بنــص الكتــاب ‪ ،‬النــار‬
‫الــتي أعــدت للكــافرين ‪ ،‬وإذ لــم يــرد نــص شــرعي علــى‬
‫عقوبة مقدرة للربا ‪ ،‬خلفا للزنى الذي فــرض فيــه الحــد ‪،‬‬
‫وللقتل الذي كتب فيه القصاص ‪ ،‬فإن جريمة الربــا تجــزى‬
‫بعقوبـة التعزيــر ‪ ،‬حيــث يفـوض القاضـي فــي اختيــار نـوع‬
‫العقوبة ومقدارها المناسبين لكل جان ردعا ونكال ‪.‬‬
‫وقد صرح القرآن بحرب من امتنـع مـن المتعـاملين بالربـا‬
‫عن أكله ‪ ،‬وآذنهم بالقتال حـتى يـذروه ‪ ،‬ول يجـوز للحـاكم‬
‫أن يقر أحدا على أكل الربا ول إيتائه ‪ ،‬ولو كــان ذميــا مــن‬
‫اليهود الذين يدينون بجواز أخذ الربا ممــن ســواهم أو مــن‬
‫النصــارى المصـلحين الـذين يقـرون الربــا فــي غيـر ديـون‬
‫الفقراء )‪. . (1‬‬
‫وقد نص فيما صــالح عليــه النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫نصارى نجران من الجزية ‪ ،‬على أل يأكلوا الربا ‪ ،‬كما روي‬

‫‪645‬‬
‫أن » رسول الله عليه الصلة والسلم كتــب إلــى مجــوس‬
‫هجر ‪ :‬إما أن تذروا الربا أو تأذنوا بحرب من الله ورســوله‬
‫«‪.‬‬
‫ول يخل بالتزام الحاكم هذا المنع ‪ ،‬ما لــه مــن حــق العفــو‬
‫عن بعض من اقترف شيئا من المعــاملت الربويــة ‪ ،‬وفقــا‬
‫لما يقدره مــن ظــروف التعزيــر لحــق اللــه تعــالى ‪ ،‬الــذي‬
‫عهدت المة إليه النظر في إقامته ‪ ،‬بما يكف شــرور الربــا‬
‫وأضــراره بمصــالحها المختلفــة ‪ ،‬القتصــادية والجتماعيــة‬
‫والسياسية ‪.‬‬
‫وحرمة الربا تجعل ما يشترط منــه غيــر مســتحق شــرعا ‪،‬‬
‫فل يجوز للدائن أن يطــالب بالربــا ول أن يأخــذ مــا يقــدمه‬
‫المدين منه ‪ ،‬وإن أصاب شيئا وجب عليه رده في كل حال‬
‫‪ ،‬ولو كان يتيما أو قاصرا ‪ ،‬بل خلف عند علماء المسلمين‬
‫‪ ،‬كما ل يجوز للمدين أن يلتزم الربا ‪ ،‬ويحرم عليــه أداؤه ‪،‬‬
‫وإن أداه وجب استرداده أو خصــمه مــن رأس المــال ‪ ،‬إن‬
‫كان الدين لما يتم وفــاؤه ‪ .‬ول يقتصــر وجــوب الــرد علــى‬
‫الفتوى ديانة ‪ ،‬بل يحكم به القضاء وينفذ الحكـم فــي مـال‬
‫الدائن ‪ ،‬وإن مات الدائن استوفي ما أخذه مــن الربــا مــن‬
‫تركته مع سائر ديونه ‪ ،‬قبل أن يصيب الورثـة شـيئا منهـا )‬
‫‪(2‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬معجم كارنبرج‪ ،‬المرجع السابق ص ‪547‬‬
‫)‪ (2‬الفتاوي المهدية ‪،‬ج ‪ 317 5‬و ‪.318‬‬
‫الخاصية الرابعة‬
‫للربا حكمته المتميزة على ظلم المدين‬
‫ل تنحصر حكمة تحريم الربا فــي درء الظلــم عــن المــدين‬
‫من الفقراء ‪ ،‬ول نجد في نصوص القرآن والسنة ما يشــير‬
‫إلــى أن الربــا إنمــا يؤخــذ مــن المقــترض الفقيــر اســتغلل‬
‫لحــاجته ‪ ،‬وإذا كــانت آيــات الربــا قــد جــاءت بعــد آيــات‬
‫الصدقات ‪ ،‬فقد تلتها مباشرة آيــات الــدين المؤجــل الــذي‬
‫يقع في التجارة نسيئة وسلما ‪ ،‬كما يقع في القرض ‪ ،‬وقد‬
‫نصت آيات الربا ذاتها في رد رءوس المــوال علــى مــدين‬
‫معسر فرضت نظرته إلى ميسرة ‪ ،‬فافترضت مــدينا آخــر‬

‫‪646‬‬
‫موســرا يجــب عليــه أداء رأس المــال نــاجزا ‪ ،‬وفــي قــوله‬
‫َ‬
‫مل‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫مـ َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬
‫تعالى لكل الربــا ‪ } ":‬وَإ ِ ْ‬
‫ن { )‪ (1‬يحتمــل أن يكــون المعنــى ل‬ ‫مــو َ‬ ‫ن َول ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مــو َ‬ ‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫تظلمون أنفسكم بمعصية أكل الربا ‪ ،‬ول تظلمــون بنقــص‬
‫من رءوس أموالكم ‪ .‬وقد جرى أسلوب الذكر الحكيم في‬
‫آيات كثيرة على اعتبار عصيان التكليف ظلمــا لنفــس مــن‬
‫سـى‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫عصى ‪ ،‬ومـن ذلـك قـوله جـل ثنـاؤه ‪ } :‬وَإ ِذ ْ َقـا َ‬
‫ل َِقومه يا قَوم إنك ُم ظ َل َمت َ‬
‫ل فَُتوُبوا‬ ‫ج َ‬‫م ال ْعِ ْ‬
‫خاذِك ُ ُ‬
‫م ِبات ّ َ‬‫سك ُ ْ‬ ‫م أن ُْف َ‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫ْ ِ ِّ ْ‬ ‫ْ ِ ِ َ‬
‫َ‬
‫م { )‪ ) (2‬سورة البقــرة ‪ ،‬اليــة‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م َفاقْت ُُلوا أن ُْف َ‬ ‫إ َِلى َبارِئ ِك ُ ْ‬
‫دود َ الل ّـهِ فََق ـد ْ ظ َل َـ َ‬
‫م‬ ‫ح ُ‬ ‫ن ي َت َعَد ّ ُ‬‫م ْ‬ ‫‪ ( 54‬وقوله عز شأنه ‪ } :‬وَ َ‬
‫ه { )‪ ) (3‬ســورة الطلق ‪ ،‬اليــة ‪ ، ( 1‬ول يتعيــن مــا‬ ‫سـ ُ‬ ‫ن َْف َ‬
‫ذهب إليه المفسرون والفقهاء الذين قــالوا ‪ :‬إن المرابيــن‬
‫يظلمــون المــدين بأخــذ الربــا منــه ‪ ،‬وجعلــوا الحكمــة فــي‬
‫تحريم الربا هي ما فيه من ظلم المدين )‪. (4‬‬
‫إذ ل يتفق ذلك وحقيقة الربا فــي الســلم باعتبـار مـداينته‬
‫معصــية مشــتركة بيـن طرفيهـا مـن دائن ومــدين ل يرجـع‬
‫حظرها إلــى منــع اســتغلل المــدين ‪ ،‬لن لتعــرض منفعتــه‬
‫التي يصيبها المدين ‪ ،‬وإنما فرض الشرع التصدق بها عليه‬
‫لحاجته ‪ .‬وإذا كان المستقرض محتاجا ل يبتغي اســتثمارا ‪،‬‬
‫وإنما يأخذ القرض لنفقته ‪ ،‬فإن عليه أن يلجأ إلــى الطــرق‬
‫المشروعة لسد خلته ‪ ،‬بالرجوع على من تلزمه نفقته من‬
‫القربيــن أو مــن بيــت المــال أو يتحــرى صــالح الغنيــاء ‪،‬‬
‫ليصيب قرضا حسنا ‪ ،‬فــإن أعــوزه كــل أولئك وســعه بــاب‬
‫التجارة الجلة ‪ ،‬يشتري حاجته بالنسيئة أو يــبيع مــا ينتظــر‬
‫رزقه سـلما ‪ ،‬وقـد صـح فـي حـديث أم المـؤمنين عائشـة‬
‫رضي الله عنها » أن رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫اشترى شعيرا لطعام أهله بالنســيئة مــن يهــودي ‪ .‬ارتهنــه‬
‫درعه ضمانا للثمن « )‪ . (5‬وظاهر من محــل الــبيع ‪ ،‬وهــو‬
‫أبسط غذاء رئيسي ‪ ،‬عظــم الحاجــة إلــى شــرائه ‪ ،‬وقصــد‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في الستدانة حتى لضــرورات‬
‫المعيشة ‪ .‬وفي ذلــك مــا يغنــي ذا الحاجــة عــن الســتدانة‬
‫بالربا التي حظر الله تعالى ‪ ،‬فإن جــاوز إليهــا كــان ظالمــا‬
‫لنفسه ‪ ،‬مثله كمثل من ادان منه ‪ ،‬وليس مظلوما يتقاضاه‬

‫‪647‬‬
‫الدائن الربا بغير نفع يعود عليه من القرض ‪ ،‬فإن الشريعة‬
‫ل تجاوز الواقــع مــن المــر ‪ ،‬ول تهــدر منــافع النقــود حيــن‬
‫تقترض ول يعتبر المال في يد المقترض عقيما ‪ .‬فــالقرض‬
‫في السلم من عقــود الرفــاق ‪ ،‬بمــا يــذر للمقــترض مــن‬
‫منفعة القرض تبرعا ‪ ،‬ويظل المال طيلــة قرضــه تســتحق‬
‫عليه الزكاة ‪ ،‬واستحقاقها بفرض نمائه ‪ .‬ويتضح المر إن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪54‬‬
‫)‪ (3‬سورة الطلق الية ‪1‬‬
‫)‪ (4‬إعلم الموقعين‪ ،‬لبن القيم ‪،‬ج ‪ 2‬ص ‪99‬و ‪.100‬‬
‫)‪ (5‬صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )‪,(1990‬صـــحيح مســـلم‬
‫المســاقاة )‪,(1603‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4650‬ســنن‬
‫ابن ماجه الحكام )‪,(2436‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(6/42‬‬
‫كان المدين غير فقيــر ‪ ،‬وإنمــا يبتغــي فضــل مــن اســتثمار‬
‫القرض ‪ ،‬فيما يحسن من التجــارة أو نحوهــا مــن النشــاط‬
‫القتصادي ‪ ،‬إذ ل يبدو في خشية استغلل الــدائن لــه ‪ ،‬مــا‬
‫يصلح حكمــة لتحريــم الربــا ‪ ،‬فكمــا تحتمــل الخســارة فــي‬
‫الستثمار ‪ ،‬حتى ل يجد المدين ما يؤدي منه الربا ‪ ،‬يحتمل‬
‫أن يكسب أضعاف الربا ‪ ،‬حــتى يتحيــف مــا كــان يســتحقه‬
‫رب المال لو كان ما بينهما عقد مضاربة بدل من المداينــة‬
‫الربويــة ‪ ،‬والســلم ل يجعــل احتمــال الخســارة ‪ ،‬بــل ول‬
‫تحقق الغبن أو الستغلل‪ -‬موجبا لتحريــم المعاوضــات ‪ ،‬إذ‬
‫جعل للفراد سلطانا في تحديد الئتمان ينفذ مع الغبــن إن‬
‫كان يسيرا ‪ ،‬ول يذر الغبــن الفــاحش إل خيــارا للمغبــون ل‬
‫يحظر معه بقاء الغبن ‪ .‬كما ل يتفق وحظر يمين التصــرف‬
‫الربوي القول بأن الدائن ‪ ،‬إذ يأكل الربــا إثمــه أعظــم مــن‬
‫إثم مؤكله ‪ ،‬باعتبار تحريم أكل الربا لذاته ‪ ،‬أمــا المقــترض‬
‫فيرتكــب محرمــا لغيــره ‪ ،‬وإذ ل يبــاح المحــرم لــذاته إل‬
‫للضرورة ‪ ،‬ول توجد ضرورة مطلقا تبيــح أكــل الربــا ‪ ،‬أمــا‬
‫المحرم لغيره فيباح للحاجة ‪ ،‬فمن كان فــي حاجــة ماســة‬
‫للقتراض بالفائدة ‪ ،‬لنه ل يجــد مــن يقرضــه إل بالفــائدة ‪،‬‬
‫قيل ‪ :‬إن الله تعالى يرفع عنه الثــم ‪ ،‬ويبــوء بــالثمين مــن‬

‫‪648‬‬
‫لم يقرضه إل بفائدة )‪ . (1‬وكــأن هــذا القــول يعتــبر أصــل‬
‫الحظر في الربا متعلقا بأكله من المقترضين ‪ ،‬وبنحو ذلــك‬
‫قريبا مما عند اليهود ‪ ،‬ولكن ربا الدين فــي الســلم يشــبه‬
‫الزنى ‪ ،‬فيستوي في حظره عمل كــل مــن طرفيــه ‪ ،‬إذ ل‬
‫تبرم عقدته إل بالتقاء هذين العملين ‪ ،‬إيتاء المــدين يقــابله‬
‫أخذ الدائن ‪ ،‬ول ترخص لدائن أو مــدين فــي أخــذ الربــا أو‬
‫إيتائه إل في حال الضرورة )‪. (2‬‬
‫فل يباح لمكلف أن يقترض بالربــا لمجـرد الحاجـة الماسـة‬
‫التي ل تبلغ حد الضرورة ‪ ،‬وتتصور الضرورة في أكل الربا‬
‫إن أطبقت أمة على أكله وأوصــدت علــى المكلــف وجــوه‬
‫الستثمار المباحة لرأس ماله ‪.‬‬
‫وتكون ثم حكـم شـتى لحظـر الربـا ‪ ،‬ل تقتصـر علـى مـن‬
‫يأكله ‪ ،‬بل تتعلق أيضــا بمــن يعطيــه ‪ ،‬وبمــن يعيــن عليــه ‪،‬‬
‫وبالمـــة جميعـــا مـــن ورائهـــم ‪ ،‬فـــي مجـــالت النشـــاط‬
‫القتصادي والسلم الجتماعي والسياسة المالية للدولة ‪.‬‬
‫فكما يقصد تحريم الربا إلــى كــف أشــحة الغنيــاء عــن أن‬
‫يرهقوا الفقراء والمعسرين الــذين تضــطرهم حــالهم إلــى‬
‫تأجيل قروضهم أو ديــونهم ‪ ،‬بعــدم التصــدق عليهــم بفيئهــا‬
‫ويشعرهم بكــل تفريــط فــي رعايــة أحكــام الزكــاة ‪ ،‬الــتي‬
‫تكفل للفقير والمسكين ما يغنيه عن الســتقراض ‪ ،‬وتتيــح‬
‫للمعسر الغارم أن يأخذ ما يفي بدينه ول يضطر إلى طلب‬
‫تأجيله‪ -‬كذلك يتوجه التحريم إلى مترفي الغنياء ‪ ،‬ليتجافوا‬
‫عن الدعة ‪ ،‬وينأوا عــن الفــراغ ‪ ،‬وإلــى المــدخرين كافــة ‪،‬‬
‫وإن قل ما يدخرون ‪ ،‬ليقدم كل منهم على تدبير اســتثمار‬
‫ماله والنظــر فيمــا يصــلحه وفيمــا ينبغــي اتقــاؤه ‪ ،‬لتجنــب‬
‫الخسارة فيه وزيادة الربح منه ‪ ،‬وتنطلق تيــارات النشــاط‬
‫وحوافز الكسب التي فطر الناس عليها فــي جنبــات المــة‬
‫كلها ‪ ،‬ويستوي للفرد من كــل ذلــك ‪ ،‬رشــد مــالي يظهــره‬
‫علــى طــرائق الســتثمار ويكســبه خــبرة تيســر لــه اختيــار‬
‫أحسن السبل للتنمية ‪ ،‬وتمنعه من أن يتحيفه مقترض بربا‬
‫‪ ،‬يقل كثيرا عما يفيء به المــال مــن واقــع الســتثمار ‪ ،‬أو‬
‫يذهب بالمال ليستثمر فــي بلــد أجنــبي ‪ ،‬تقتضــى مصــلحة‬
‫رب المال وأمته من ورائه ‪ ،‬أن يستثمر المال في غير هذا‬

‫‪649‬‬
‫البلد ‪ ،‬وفقا لما تجري عليه تجــارة المصــارف الربضــوية ‪،‬‬
‫التي يقوم أصل كسبها علــى انتجــاع مــواطن الزيــادة فــي‬
‫الربا الذي تأخذه على ما تؤتيه مقرضيها من المودعين ‪.‬‬
‫ويستشعر الغني كذلك مقتضيات التكافل مع من يعــوزهم‬
‫المــال ويقـدر آثـار معــاونتهم حــق قــدرها ‪ ،‬فـي ترضـيتهم‬
‫وتوقي عواقب سخطهم ‪ ،‬وهم الكثرون ‪ ،‬والحفــاظ علــى‬
‫تدفق نشاطهم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الســتاذ الشــيخ أبــو زهــرة‪ ،‬فــي مقدمــة زكــي الــدين‬
‫بدوي‪ ،‬ص ر وانظر رد هذا القول فــي ص ‪ 133‬ج ‪ 2‬وتجــد‬
‫في الرد خلطا بين ربا الفضل وربا القرض‬
‫)‪ (2‬انظـــر قـــرارات المـــؤتمر الثـــاني لمجمـــع البحـــوث‬
‫السلمية‪ ،‬طبع الزهر الشريف‪1965 \ 1385 ،‬‬
‫القتصادي الذي تضار المــة ‪ ،‬مــن وهنــه أو تــوقفه ‪ ،‬أشــد‬
‫الضرر حيث ل يغني عنه جهد القلة من الغنيــاء ‪ ،‬أن صــار‬
‫النشاط دولة بينهم ‪ .‬وبهذا الرشد ل تقتصــر قـدرة الفـراد‬
‫على تدبير أموالهم الخاصة ‪ ،‬بل تقوى على المشاركة في‬
‫تدبير الموال العامة ومراقبة إنفاقها فــي حاجــات المــة ‪،‬‬
‫حتى كفاية مصالحها الجتماعية والقتصادية والسياسية ‪.‬‬
‫والدولة التي تعمد إلى القتراض من أفرادهــا بالربــا ‪ ،‬وإن‬
‫أخفته تحت أسماء أخرى ‪ ،‬ل تصيب رعاياها فــي أنفســهم‬
‫بانحراف المرابين فحسب ‪ ،‬بــل هــي بمــا تغريهــم بــه مــن‬
‫منافع خاصة في زيادة ربا أموالهم ‪ ،‬تلفتهــم عــن الهتمـام‬
‫برشد إنفاقهــا العــام ‪ ،‬وبجــدوى مشــروعاتها القتصــادية ‪،‬‬
‫ويوهن الربا من هيمنة الرقابة الشعبية على مالية المة ‪.‬‬
‫ونجد أمتنا فــي جهادهــا الكــبير للمشــركين ‪ ،‬مــن قبــل أن‬
‫تفتح لها الفتوح وترث الممالك ‪ ،‬كــانت فــي ضــائقة ماليــة‬
‫شديدة ‪ ،‬وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا كــثيرة ل‬
‫يجد ما يحمل عليه بعض المجاهدين في سبيل الله ‪ ،‬فكان‬
‫يردهم ول يلجأ إلى القتراض بالربــا ‪ ،‬وكــان ميســورا فــي‬
‫سوق المال يومئذ ‪ ،‬وخاصة لــدى اليهــود ‪ .‬ففـرض الجهـاد‬
‫على خطره ل يسبق حرمة الربا ‪ ،‬ول يبيح تجهيز الجيــوش‬
‫للدولــة أن تأكــل الربــا ‪ ،‬لن فــي منعــه إحيــاء لهلهــا فــي‬

‫‪650‬‬
‫أنفسهم وأموالهم بما ل تقل خطورته عما يحققه الجهــاد ‪،‬‬
‫وليــس الربــا هــو الســبيل الوحيــد لمــوارد النفــاق علــى‬
‫القتال ‪ ،‬وما استطاع اليهود أن يتسللوا برباهم إل من بعــد‬
‫أن وهنت الدولة العباسية من بذخها ‪ ،‬على سعة أقطارهــا‬
‫وكــبر دخلهــا ‪ ،‬وزيــن الجهابــذة اليهــود لخلفائهــا الســتدانة‬
‫منهم وارتهنوا مواردها )‪. (1‬‬
‫ولم تعصمها قروضهم الربوية من الملق والنهيار ‪.‬‬
‫وفي جــانب المــدين ‪ ،‬يقصــد تحريــم الربــا إلــى أن يســلك‬
‫بالمحتاج الذي ل يجد منفقا عليــه ‪ ،‬ســبيل التجــارة الجلــة‬
‫التي يــرزق منهــا العــاملون فــي الســواق ‪ ،‬فيكــثر التجــار‬
‫وينمو النشاط الجاد ‪ ،‬الذي ل يذر في مجاله إل مــن يقــوم‬
‫علــى أعمــال النتــاج وتــداول الســلع ‪ ،‬ويضــمن مخــاطر‬
‫عمله ‪ .‬وكذلك من يستدين ‪ ،‬ابتغاء رأس مال يتاجر فيــه ‪،‬‬
‫أو يحدث صناعة به ‪ ،‬إذ ل يأتي الربا ‪ ،‬ويضارب رب المــال‬
‫الــذي رغــب عــن إقراضــه ‪ ،‬يجــد بالمضــاربة مــن مخــاطر‬
‫النشاط الذي يقدم عليه وعواقب ما يحتمل مــن خســره ‪،‬‬
‫فــإن المضــارب ل يحمــل مــن الخســارة فــي رأس المــال‬
‫المستغل فوق ما يصيبه من ضياع عملــه كلــه ‪ ،‬ول يكلفــه‬
‫هذا التأمين من الخسارة إل مقابل يسيرا ‪ ،‬هو نزولــه عــن‬
‫الحرص على الستثمار بمـا يســتحقه صـاحب رأس المــال‬
‫فيما يحتمل من زيادة الرباح المحققــة علــى مقــدار الربــا‬
‫المتفق عليه ‪ ،‬والمضــارب بهــذا النــزول ل يكســب ود رب‬
‫المال فحسب ‪ ،‬بل يستدر عونه ويجتذب حوافزه للهتمام‬
‫بالستثمار والسعي إلى أقصى ما ينجحه ‪ ،‬ليزيــد مــا يعــود‬
‫على المال من ثمراته وتتجلى حقيقــة هــذه الحكمــة فيمــا‬
‫يحــدثه الربــا مــن إملق المــدين ‪ ،‬ول يختــص هــذا الملق‬
‫بالفراد ‪ ،‬إذ يحفل التاريخ بما ترك الربا من خــزائن خاويــة‬
‫للدول التي ادانت به فــي مختلــف العصــور وأحــدثها حــال‬
‫البلد المتخلفة اقتصاديا التي ابتغت التنميــة مــن اقــتراض‬
‫رءوس المــوال الــتي أعوزتهــا بالربــا ‪ ،‬فلــم تصــب تقــدما‬
‫تواكب به العصر ولم تستطع وفاء ما اقترضــت ول ربــاه ‪،‬‬
‫وبقيت‬
‫__________‬

‫‪651‬‬
‫)‪ (1‬دائرة المعارف السلمية ‪ ،‬مادة جهبذ‪ ،‬ج ‪ 12‬ص ‪443‬‬
‫ترزح تحــت أثقــال الــديون الخارجيــة وتعــاني مــن أعبائهــا‬
‫المالية والسياسية تضخما واختلل في ميزان مــدفوعاتها ‪،‬‬
‫وتدخل في مقدارتها مـن الـدول الدائنـة ‪ .‬ومـا كـانت تلـك‬
‫العاقبة الخاسرة لتقع ‪ ،‬لو شارك أصحاب رءوس المــوال‬
‫في القيام على جدية استثمارها ورعوا سلمة إنفاقها ‪.‬‬
‫وإملق مدين الربا ل يقتصر أثره عليه ‪ ،‬بــل ينعكــس علــى‬
‫الدائن ‪ ،‬فيتعذر عليه استرداد مــاله واســتيفاء مــا اشــترط‬
‫من الربا ‪ ،‬ويثور النزاع بين الدائنين المرابيــن والمــدينين ‪،‬‬
‫كما لهذا الملق صداه فــي المــة؛ إذ يتصــدع بهــذا النــزاع‬
‫تماســكها الجتمـاعي ‪ ،‬كمـا تضــار فـي اســتقللها إن كـان‬
‫الدائن دولة أجنبية تستطيع أن تبغي عليها بدينها ‪ ،‬وتخســر‬
‫في كل حال ما ينقص من رأس المــال القــومي بقــدر مــا‬
‫أضاعته المعاملت الربوية بين يدي المدينين المملقين من‬
‫الموال التي دفعت إليهم إسرافا ‪ ،‬فعجزوا عن استثمارها‬
‫وبددوا من رءوسها ‪ ،‬وما كان الربــا يصــلح شــأنهم ‪ ،‬مهمــا‬
‫قل مقداره وانتفــى قصــد اســتغلل الــدائن لهــم وابــتزازه‬
‫ثمرات جهدهم ‪ ،‬وأدام حرص الــدائن علــى اكتســاب الربــا‬
‫يغريــه بالكثــار مــن القــراض بمــا ل طالــة للمقترضــين‬
‫باستثماره ‪ ،‬ول يثني الدائن ‪ ،‬إزاء هذا الغــراء ‪ ،‬مــا يعلمــه‬
‫من عجز المقترض ‪.‬‬
‫ويزيد الغراء ‪ ،‬إن كان القرض من دولة لها مــآرب أخــرى‬
‫في السيطرة على الدولة المستقرضة من طريق التسلل‬
‫المــالي المــوهن لقــدراتها ‪ ،‬وكــثيرا مــا أدى ذلــك إلــى‬
‫الستعمار وما يسبقه من حروب مدمرة ‪ ،‬وما يتخللــه مــن‬
‫ثورات ونهب للثروات ‪ ،‬وما يعقبه من فقر وتخلف يرينــان‬
‫طويل على المم بعد إذ أفلتت من نيره ‪.‬‬
‫وتبقى حكمة حظر إيتاء الربــا ماثلــة فــي مخالفــة المــدين‬
‫عما كلف ‪ ،‬بما اقترض بالربا ‪ ،‬وما يبوء بــه مــن الخســارة‬
‫يرجع في أصله إلى المــدين نفســه بــأكثر ممــا يرجــع إلــى‬
‫استغلل الدائن له ‪ ،‬فإن المدين هو الذي فرط وحده فــي‬
‫الستثمار ‪ ،‬بعد إذ فرط في اقتراض ما ل تستوعبه قــدرته‬
‫علــى التثميــر ‪ ،‬أو مــا يجــاوز حــاجته الملحــة فبســط يــده‬

‫‪652‬‬
‫مسرفا ‪ ،‬وكان ضياع ماله في الحــالين مــن مخــالفته عــن‬
‫حظر إيتاء الربا الذي أغرقه بالدين وإن كان للدائن إثم ما‬
‫اكتسب من إغرائه بالستكثار من الدين ‪.‬‬
‫ويكــون فــي تحريــم الربــا مــا يــوجه المــوال الــتي تبتغــي‬
‫الستثمار إلى التجارة مباشرة ‪ ،‬ويبقى للرفاق من أموال‬
‫الصــالحين مــن الغنيــاء مــا يضــاف إلــى مــا للفقــراء‬
‫والمساكين والغــارمين مــن مصــارف الزكــاة ‪ ،‬حــتى يفــي‬
‫بقروض المحتاجين ‪ ،‬ويتكامل للمة نشاطها القتصادي مع‬
‫تكافلها الجتماعي في تخطيط منضبط دقيق يلزم الحاكم‬
‫فيها والمحكوم ‪.‬‬
‫وكما أن في تحريم الزنــى دفعــا إلــى الــزواج الــذي تقــوم‬
‫السرة عليه ‪ ،‬وتحفظ بينها النساب وترعى الولد وتتصل‬
‫الجيــال ‪ ،‬وكمــا أن فــي القصــاص حيــاة النفــس بكــف‬
‫المعتدين أفرادا كانوا أو حاكمين ‪ ،‬فتحمــي حقــوق الحيــاة‬
‫والسلمة كما تحفظ الحريات العامة ‪ ،‬ويبرأ المجتمــع مــن‬
‫بليا الفساد والرهاب ‪ ،‬كذلك يأتي حظر الربا في الســلم‬
‫إحياء لموات الموال بحشدها فــي خيــر أبــواب الســتثمار‬
‫لصحابها ولمن تمس حاجتهم إليها وللمة جميعا ‪.‬‬
‫ونجد الرشد الذي يهدي إليــه تحريــم الربــا يقــابله التخبــط‬
‫من المس الذي وصفت به الية الكريمة من سورة البقرة‬
‫قيام الذين يأكلون الربا ‪ ،‬وذلك بأنهم لم يهتدوا إلى إدراك‬
‫نفع البيع وإثم الربا والشعور بحقيقة الفــرق بينهمــا ‪ ،‬ممــا‬
‫يذر لحكمة التحريم تعلقــا برعايــة الملكــات العقليــة الــتي‬
‫يكتمل بنضوجها ذلك الرشد ‪ ،‬ويصيبها أخــذ الربــا أو إيتــاؤه‬
‫بالختلل الذي يأتي على شخص المرابي مع ما أنقص من‬
‫الموال ‪.‬‬
‫الخاصية الخامسة المســاواة بيــن المسـلم وغيــر المسـلم‬
‫في الربا‬
‫حظر ربا الدين عام ليطبق على مداينات المسلمين وغيــر‬
‫المســلمين ‪ ،‬فيحــرم علــى المســلم أن يأخــذ الربــا مــن‬
‫مستقرض غير مسلم ‪ ،‬كمــا ل يجــوز للمســلم إذا اقــترض‬
‫من غير المسلم أن يعطيه شــيئا مــن الربــا ‪ ،‬ويســتوي أن‬
‫يكون غير المسلم ذميا أو حربيا بدار الحرب ‪.‬‬

‫‪653‬‬
‫ويمنع الذمي مــن أكــل الربــا فــي دار الســلم ‪ ،‬ولــو كــان‬
‫المدين ذميا مثله ‪ ،‬أو كــان ممــن يــدينون بحــل الربــا فــي‬
‫بعض مدايناتهم ‪ ،‬كاليهود فــي الــديون الــتي يعقــدونها مــع‬
‫سواهم ‪ ،‬وكفريق النصارى المصلحين ‪ .‬وقد قدمنا ما ثبت‬
‫في عهود رسول الله صلى الله عليه وسـلم إلــى الـذميين‬
‫من تحريم الربا عليهم ‪.‬‬
‫وما يراه بعض المحدثين من الترخيص في أخذ المسلمين‬
‫فوائد أموالهم التي يودعونها المصارف الجنبية بالبلد غير‬
‫السلمية ‪ ،‬ل يستند إلى دليل من الكتــاب ول الســنة ‪ ،‬ول‬
‫يسوغه أن ل يأخذ المودع الربا لنفسه وأن يدفعه إلى بيت‬
‫مال المسلمين خدمة لصالحهم العام ‪ ،‬ذلك أنهــم يغفلــون‬
‫عن أثر الربا ‪ ،‬فــي تخبــط آكليــه ومــا يــوهنه مــن رشــدهم‬
‫بعزلهــم عـن مجــالت تثميــر مــا يرزقــون ‪ ،‬وفـي فقـد دار‬
‫السلم ثمرات الموال الخارجــة منهــا إلــى البلد الجنبيــة‬
‫ابتغاء هذا الستغلل المحرم ‪ ،‬الذي ل يبلغ مــا يفيــء منــه‬
‫قدر تلك الثمرات ‪ ،‬وإل مــا تهــافتت تلــك المصــارف علــى‬
‫اجتذاب المسلمين بشتى وسائل الغراء إلى دفع أمــوالهم‬
‫إليها ‪.‬‬
‫ول حجة لهؤلء القائلين فيما ذهب إليــه المــام أبــو حنيفــة‬
‫من جواز الربا بين المسلم والحربي فــي دار الحــرب ‪ ،‬ول‬
‫فيما عند الشيعة المامية من أن الربا ل يقع بيــن المســلم‬
‫والحربي ‪ ،‬سواء فــي دار الحــرب أو فــي دار الســلم ‪ ،‬إذا‬
‫أخــذ المســلم الفضــل ‪ ،‬وإنمــا يكــون حرامــا إذا أعطــى‬
‫المسلم الفضل؛ فقــد رد الشــافعي بــأن مــا احتــج بــه أبــو‬
‫حنيفة من الحديث عن مكحول رضــي اللــه عنــه أن النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪ » :‬ل ربا بين المسلم والحربــي‬
‫فــي دار الحــرب « "أو" » ل ربــا بيــن أهــل الحــرب وأهــل‬
‫السلم « ‪ ،‬ليس هذا الحديث بثابت ‪ ،‬ول حجة فيــه ‪ ،‬فــإنه‬
‫لو صح لتأولناه على أنه ل يباح الربا في دار الحرب جمعــا‬
‫بين الدلة ‪.‬‬
‫وما استند إليه بعض الحنفيــة مــن أن مــال الحربــي ليــس‬
‫بمعصوم ول مضمون حقا لصاحبه ‪ ،‬بل هو مبــاح بنفســه ‪،‬‬
‫فإذا بذله باختياره عن تــراض فقــد صــح أخــذه ‪ ،‬والحربــي‬

‫‪654‬‬
‫ليس مخاطبا بفروع شريعة السلم‪ -‬رده الشافعية بــأنه ل‬
‫يلزم من كون أموال الحربيين تبـاح بالغتنـام أنهـا تسـتباح‬
‫بالعقــد الفاســد ‪ ،‬وإذا كـان الحربــي غيــر مخــاطب بفــروع‬
‫الشريعة في تصرفه فالمســلم مخــاطب بهــا فيــه ‪ ،‬وقيــل‬
‫حديثا‪ :‬إن رأي الحنفية إنمــا يكــون واردا إذا كــان المســلم‬
‫هو الذي يأخذ الفضل ‪ ،‬كما اشترط المامية ‪ ،‬ول يصــح إذا‬
‫أعطى المسلم الفضل ‪.‬‬
‫ونجد في كل ذلك خلطا بيــن زيــادة القيمــة الـتي يقــع بهـا‬
‫الغبن ويصيب بها المتعاقــد خيــرا ممــا أعطــى ‪ ،‬وبيــن ربــا‬
‫الفضل ‪ ،‬وهو كما بينــا زيــادة مقــدار فحســب ‪ ،‬ل تقتضــي‬
‫زيادة في قيمة أحــد البــدلين ‪ ،‬ليصــح اشــتراط أن يأخــذها‬
‫المسلم ‪ ،‬وقد يضاربها ‪ .‬فقــد يكــون البــدل الكــبر مقــدارا‬
‫أقل قيمة لشدة رداءته من البدل الصغر وزنا أو كيل لبالغ‬
‫جودته ‪ .‬وإذ يدور هذا الخلف على ربا الفضل في البيوع ‪،‬‬
‫فالحنفية يتحدثون عن جواز بيع الدرهم بدرهمين ‪ ،‬ول نجد‬
‫من قول لديهم في ربا الدين يبيــح للمســلم أن يأكــل هــذا‬
‫الربا من دين يقترضه حربي منه بدار الحرب ‪ ،‬وإذ ل يحــل‬
‫للمســلمين أن يتصــدقوا علــى أهــل دار الحــرب ‪ ،‬وفــي‬
‫إخوانهم بأرجاء دار السلم محاويج ‪ ،‬وإذ كان القرض فــي‬
‫النوع هو من قبيل الصدقات؛ فإنه ل يجوز لمسلم أن يــذر‬
‫أمواله بمصارف البلد غير الســلمية ول أن يوظــف شــيئا‬
‫من هذه المـوال فـي السـندات ونحوهـا ممــا تقـترض بـه‬
‫حكومات تلك البلد ديونها العامة ‪ .‬ول تتم توبة مــن يفعــل‬
‫ذلــك مــن المســلمين إل باســترداد رءوس أمــوالهم مــن‬
‫الخــارج ‪ ،‬لتفيــد أمتهــم مــن تثميرهــا بيــن أهلهــا بــالطرق‬
‫الســـلمية المشـــروعة ‪ ،‬وينتهـــي اقـــتراض بعـــض البلد‬
‫السلمية من تلك المصارف الجنبيــة الــتي تتقاضــاها مــن‬
‫الربا ما يزيد مقداره كثيرا على ما تدفعه هــذ ‪ 5‬المصــارف‬
‫من يسير الربــا إلــى أربــاب الــودائع المســلمين ‪ ،‬ويخلــص‬
‫ذلك الكسب الطائل للمرابي الجنبي من مجرد الوســاطة‬
‫بين أخوين مسلمين خالفا عن حكم الله تعالى في تحريــم‬
‫الربا أكل وإيتاء ‪ ،‬فحاقت بكليهما شروره ‪ ،‬ولــم تــذر شــيئا‬

‫‪655‬‬
‫من فضل حقيقي فيما يأكله المودع المسلم مــن ربــا عــن‬
‫قرضه للحربي يسوغ الترخيص للمسلم في ذلك ‪.‬‬
‫وحظر أكل ربا الــدين علــى المســلم مــن غيــر المســلمين‬
‫بالخــارج ل يرجــع فيمــا نــرى إلــى أن الســلم ينهــى عــن‬
‫ن قَوْم ٍ عََلى َأل‬
‫شَنآ ُ‬ ‫من ّك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫جرِ َ‬
‫التعصب ‪ ،‬يقول تعالى‪َ } :‬ول ي َ ْ‬
‫َ‬
‫وى { )‪ ) (1‬سورة المائدة ‪9 ،‬‬ ‫ت َعْدُِلوا اعْدُِلوا هُوَ أقَْر ُ‬
‫ب ِللت ّْق َ‬
‫( ول إلى ما فرضه الســلم مــن أداء المانــات إلــى أهلهــا‬
‫ولو كانوا غير مسلمين ‪ ،‬ونعيه على اليهــود مــا استحصــلوا‬
‫من بخس الميين حقوقهم ‪ .‬ولكنــا نجــد ‪ ،‬ممــا قــدمنا مــن‬
‫خصائص الربا وحكمه ‪ ،‬أن ربا الدين ل يتعلق بالعــدل بيــن‬
‫طرفي المداينة ول بــأداء الــدين ذاتــه ‪ ،‬بــل يبتغــي الرشــد‬
‫المالي والجتماعي والسياسي للفرد دائنا كــان أو مــدينا ‪،‬‬
‫ويرقى بالمة إلى خير تنظيم في تلك المجالت المتكاملــة‬
‫كلها ‪ ،‬ويكون التعامل بربا الدين في ذاته مــن قبيــل إلقــاء‬
‫النفس إلى التهلكة والعدوان على رشدها ومالها ‪ ،‬ويتعيــن‬
‫على المسلم أل يقرب الربا ‪ ،‬ل إيتــاء ول أخــذا ‪ ،‬ولــو مــن‬
‫حربي في خارج بلد السلم ليحفظ على المســلم رشــده‬
‫ويحفظ أمته ما تستحقه من تنمية بأمواله ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة المائدة الية ‪8‬‬
‫من نتائج اختلف الربوين السلمي واليهودي‬
‫أمــا وقــد تــبين الختلف بيــن أحكــام الربــا الــتي شــرعها‬
‫السلم اختلفا كبيرا عــن أحكــام الربــا عنــد اليهــود الــذين‬
‫يرون الربا في كــل ديــن مؤجــل مــن قــرض أو بيــع تكــون‬
‫زيادة فيه بسبب التأجيل ‪ ،‬بينما جاء السلم بأحكــام للربــا‬
‫كثيرة تنظم البيوع الحاضرة ‪ ،‬مما ل عهد لليهود به ‪ ،‬وفــي‬
‫ربا الديون الذي يعرفون أهله ‪ ،‬قصر التحريم علــى شــطر‬
‫مما عندهم ‪ ،‬هو ربا القرض ‪ ،‬وأحل شطرا مما يحرمــون ‪،‬‬
‫فأباح عوض التأجيل فــي الــبيوع ‪ ،‬وأحكــم توثيــق الئتمــان‬
‫سواء التجاري وغير التجــاري ‪ ،‬وكفــل للفــراد فــي أمــوال‬
‫الغنياء من أهليهم وفي خزانة الدولة نفقــاتهم الــتي تســد‬
‫حاجات معيشتهم وعزز موارد الئتمــان غيــر التجــاري مــن‬
‫الزكاة والصدقات ‪ ،‬بما ييسر نفاذ تحريم الربــا فيــه ‪ .‬فــإن‬

‫‪656‬‬
‫من شأن من يحيط علما بكل أولئك أن يشهد بنتائج شــتى‬
‫مــن أهمهــا‪ :‬أول‪ :‬أن مـا تضـمنته الشــريعة الســلمية مـن‬
‫نسخ بعض ما يعلمه اليهود وتفصيل ما لــم ينســخ وإكمــاله‬
‫بــوجه ل يســعه فقههــم‪ -‬يــدحض كــل تشــكيك فــي وحــي‬
‫السلم ‪ ،‬ويفند كل زعم بأخذه شيئا مــن اليهــود ‪ ،‬ويقطــع‬
‫بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ويظهر مــا أتــى‬
‫به من الحكام على ما اقتضت حكمــة اللــه تعــالى نســخه‬
‫من فروع شريعة اليهود ‪.‬‬
‫ثانيــا‪ :‬وجــوب دراســة الحكــام الســلمية القتصــادية فــي‬
‫مصادرها الولى بالقرآن والسنة دراسة مســتقلة متعمقــة‬
‫تحصى فيها أحكام الســلم علــى حقيقتهــا المتميــزة ‪ ،‬ثــم‬
‫يأتي من بعد الحاطة بها دور البحــث المقــارن بينهــا وبيــن‬
‫سائر الشرائع ‪ ،‬فيفقه الدارسون الفروق بين أحكامها وما‬
‫في غيرها ‪ ،‬ول يقعون في خلط يجــره التجــوز فــي إطلق‬
‫مصــطلحات ل يعرفهــا فقــه الشــريعة ول تصــدق علــى‬
‫مسمياتها ‪ ،‬ول يبلــغ بهــا البــاحث الغايــة مــن تفهــم دقــائق‬
‫أحكامها ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬المبادرة في إلغاء القوانين الوضعية الــتي تنظــم ربــا‬
‫الدين في البلد السلمية وتبيح غير الفاحش منه وتعــاقب‬
‫الــدائن وحــده علــى أخــذ الربــا الفــاحش وبعقوبــات ) جــد‬
‫يسيرة( ‪ ،‬متأثرة في ذلك كله بأحكام اليهود الــتي بينــا مــا‬
‫اعتراها من نســخ ومــا يشــوبها إزاء التطــور مــن قصــور ‪.‬‬
‫ويجــب أن تصــدر التشــريعات الــتي تأخــذ بصــحيح أحكــام‬
‫السلم ‪ ،‬فيبطل القــانون المــدني كــل شــرط ربــوي فــي‬
‫القــروض وتــأجيلت الــديون ‪ ،‬وإن قــل مقــدار الفــائدة أو‬
‫العائد أو نحوها مما يتضمنه هذا الشرط ‪ ،‬وأيا كــانت حــال‬
‫الدائن أو المدين القانونية ‪ ،‬يستوي الفــرد ولــو كــان يتيمــا‬
‫والشخص العتباري ‪ ،‬مصرفا كان أو شركة أو مؤسسة أو‬
‫هيئة أو حكومة ‪ ،‬ويفرض التشريع الجنــائي مــن العقوبــات‬
‫الرادعة عن الربا ما يجزي بــه الــدائن والمــدين وكــل مــن‬
‫شــارك فــي جريمتهــا أو أعــان علــى ارتكابهــا ‪ ،‬وفقــا لمــا‬
‫تقتضيه حال البلد مــن تقنيــن لنــواع التعزيــر ومقــدارها ‪،‬‬
‫يتفق واعتبارات السياسة التشريعية الجزائية ‪.‬‬

‫‪657‬‬
‫رابعا‪ :‬بحث متطلبات قيام أسواق المال السلمية وتنظيم‬
‫تداول السهم والحصص في شركات المضاربة ‪ ،‬وتفصــيل‬
‫أحكام بيــوع النســيئة والســلم ‪ ،‬ول تستضــاع للعــودة إلــى‬
‫الخذ بنظــم الئتمــان الســلمية واســتكمال الطــار العــام‬
‫لتطبيقهــا فــي مجــالت التجــارة والرفــاق الجتمــاعي ‪،‬‬
‫ومتابعــة هــذا التطــبيق ومــواءمته مــع معطيــات العلــوم‬
‫القتصادية الحديثة وتوفير مقومات السوق الحرة ومــوارد‬
‫التمويل الجتماعي حتى ل يكون ثم محتاج إلى القــتراض‬
‫بالربــا ‪ ،‬ول يكــون غلــو فــي أســعار الــبيوع الجلــة يثقــل‬
‫المحتاجين إليها ‪.‬‬
‫خامســا‪ :‬وتنبغــي الفــادة مــن التنظيمــات الســابقة الــتي‬
‫أخذت بها دولــة الخلفــة العثمانيــة فــي شــأن تلــك الــبيوع‬
‫وفرض حد أقصى للزيادة في المرابحة ‪ ،‬ولتلفي الثغرات‬
‫التي تكشفت في تطبيق نظام السلم )‪. . (1‬‬
‫وجود أسواق إسلمية للمال الجل يستثمر فيهــا اســتثمارا‬
‫رأسماليا من طريــق المضــاربة أو متــداول بــالبيوع الجلــة‬
‫نسيئة وسلما ‪ ،‬بغير أن يتوسط بيــن المــدخر أو المنتــج أو‬
‫التاجر وبين المنظم العامـل أو المسـتهلك مـراب ل يقـوم‬
‫بشيء من أعمال التجارة ول يتعرض لمخاطرها ‪ .‬وتســلم‬
‫سوق المال السلمية من أضرار المنافسة بين الســتغلل‬
‫الربــوي فــي الســندات والقــروض ومــا يســمى بالوعيــة‬
‫الدخاريــة وبيــن الســتثمار غيــر الربــوي فــي الشــركات‬
‫والبيوع ‪ .‬وهي المنافسة الــتي تعــاني منهــا أســواق المــال‬
‫في القتصاديات الربوية ‪ ،‬وتعيق تقدم مشروعات التنميــة‬
‫من طريق التمويل المباشر ‪.‬‬
‫ول يعرض لمن يحكم بما أنزل فـي السـلم مـا يتـذرع بـه‬
‫غيــر المســلمين مــن ضــرورة الربــا لقيــام أســواق المــال‬
‫بدعوى أن تحريمه يذر رأس المال الجل ول كسب له في‬
‫تلك السواق يغريه بالبقــاء فيهــا ممــا يــؤدي إلــى اختفــائه‬
‫وينضب معيــن التمويــل للمشــروعات القتصــادية؛ إذ يجــد‬
‫رأس المال في بلد السلم أسواقا متسعة تفيء بالربــاح‬
‫المشروعة عليه ‪ ،‬وذلك يوجب على المسلمين أل يخدعوا‬
‫بتلك الحجة الداحضة ‪ ،‬وأن يفروا إلـى حكـم اللـه تعـالى ‪،‬‬

‫‪658‬‬
‫وقــد ظلــوا قرونــا طويلــة مزهــرة ل يقربــون فيهــا الربــا ‪،‬‬
‫وينهون عن أكله وعما أخذت به طائفــة منهــم مــن إنشــاء‬
‫المصارف الربوية التي تضاهي مصــارف اليهــود ‪ ،‬وعنــدها‬
‫يستشعر المسلمون رحمة اللــه الــتي اختصــهم بهــا واللــه‬
‫ولي التوفيق ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬حاشية ابن عابدين جزء ‪ 4‬ص ‪114‬‬
‫================‬
‫‪#‬تعريف الربا‬
‫مجلة البحوث السلمية ‪) -‬ج ‪ / 10‬ص ‪(92‬‬
‫تعريف الربا ‪:‬‬
‫الربا لغة ‪ :‬الزيادة ‪ ،‬قال في القاموس )‪ : (1‬ربا ربوا كعلو‬
‫ورباء زاد ونما ‪ ،‬وقال صاحب المصـباح المنيـر )‪ : (2‬الربـا‬
‫الفضــل والزيــادة ‪ -‬وهــو مقصــور علــى الشــهر ‪ . .‬وربــا‬
‫الشيء يربو إذا زاد ‪ .‬وأربى الرجل باللف دخل في الربا ‪.‬‬
‫وأربى على الخمسين زاد عليها ‪ .‬وقال النووي في تهــذيب‬
‫السماء واللغات )‪ : (3‬الربــا مقصــور وأصــله الزيــادة ‪. . .‬‬
‫ويقال ربا الشيء إذا زاد ‪ ,‬ويقال الربا والرماء ‪ -‬وفي فتــح‬
‫الباري )‪ : (4‬وأصل الربا ‪ :‬الزيادة إمــا فــي نفــس الشــيء‬
‫ت { )‪ , (5‬وإمــا فــي مقــابله‬ ‫ت وََرب َـ ْ‬
‫كقوله تعالى ‪ } :‬اهْت َّز ْ‬
‫كدرهم بدرهمين ‪ ,‬فقيل هو حقيقة فيهما ‪ ,‬وقيــل ‪ :‬حقيقــة‬
‫في الول ‪ ،‬مجاز في الثاني ‪.‬‬
‫والربا شرعا ‪ :‬قد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريفــه مــع‬
‫تقارب المعنى فقال بعضــهم )‪ : (6‬هــو عقــد علــى عــوض‬
‫مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد‬
‫أو مــع تــأخير فــي البــدلين أو أحــدهما ‪ ,‬وهــذا تعريــف لــه‬
‫بنوعيه ‪ :‬الفضل والنسيئة ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو زيادة في شيء مخصــوص )‪ , (7‬وهــذا تعريــف‬
‫قاصر على أحد نوعيه والمفروض فــي التعريــف أن يكــون‬
‫جامعا ‪ .‬وفصل صاحب بدائع الصنائع )‪ (8‬فعــرف كــل نــوع‬
‫على حدة ‪ ،‬فقال ‪ :‬الربــا فــي عــرف الشــرع نوعــان ‪ :‬ربــا‬
‫الفضل وربا النسيئة ‪ ،‬أما ربا الفضل فهو‬
‫__________‬

‫‪659‬‬
‫)‪ (1‬ص ‪ 332‬ج ‪ 4‬ط السعادة بمصر ‪1332‬ه ‪.‬‬
‫)‪ (2‬ص ‪ 233‬ج ‪ 1‬ط مصـــطفى البـــابي الحلـــبي بمصـــر‬
‫‪1369‬ه ‪.‬‬
‫)‪ (3‬ص ‪ 117‬ج ‪ 3‬ط إدارة الطباعة المنيرية ‪.‬‬
‫)‪ (4‬ص ‪ 313‬ج ‪ 4‬ط المطبعة السلفية ‪.‬‬
‫)‪ (5‬سورة الحج الية ‪5‬‬
‫)‪ (6‬مغنـــي المحتـــاج ص ‪ 21‬ج ‪ 2‬ط مطبعـــة مصـــطفى‬
‫الحلبي ‪1377‬ه ‪.‬‬
‫)‪ (7‬المبــدع فــي شــرح المقنــع ص ‪ 127‬ج ‪ 4‬ط المكتــب‬
‫السلمي ‪.‬‬
‫)‪ (8‬ص ‪ 183‬ج ‪ 5‬ط الولى ‪1328‬ه ‪.‬‬
‫زيــادة عيــن مــال شــرطت فــي عقــد الــبيع علــى المعيــار‬
‫الشــرعي ‪ ،‬وأمــا ربــا النســيئة فهــو فضــل الحلــول علــى‬
‫الجــل ‪ ,‬وفضــل العيــن علــى الــدين فــي المكيليــن أو‬
‫المــوزونين عنــد اختلف الجنــس أو فــي غيــر المكيليــن أو‬
‫الموزونين عند اتحاد الجنس عندنا ) أي عند الحناف ( ‪.‬‬
‫وهذه التعاريف كما قلنا وإن كانت مختلفــة اللفــاظ فهــي‬
‫متفقــة فــي المعنــى وبعضــها مجمــل وبعضــها مفصــل ‪,‬‬
‫والمناسبة بين المعنى اللغوي والمعنــى الشــرعي واضــحة‬
‫إل أن المعنــى الشــرعي أخــص مــن المعنــى اللغــوي ‪ ،‬إذ‬
‫المعنى اللغوي يشمل الزيادة في كل شيء وأمــا المعنــى‬
‫الشرعي فهو يعني الزيادة في أشياء معينــة ‪ ،‬وقــد يطلــق‬
‫الربا شرعا ويراد به كل بيع محرم )‪(1‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬نيل الوطار ‪ ،‬ص ‪ 200‬ج ‪ 5‬ط الحلبي ‪1371‬ه ‪ ،‬فتــح‬
‫الباري ص ‪ 313‬ج ‪. 4‬‬
‫تحريم الربا ‪:‬‬
‫ل خلف بين المسلمين في تحريم الربــا وإن اختلفــوا فــي‬
‫َ‬
‫ه ال ْب َي ْ َ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬
‫تفاصيله )‪ (1‬وضابطه ‪ ,‬قال الله تعالى ‪ } :‬وَأ َ‬
‫م الّرَبا { )‪ (2‬والحاديث في تحريمه كثيرة مشهورة ‪.‬‬ ‫حّر َ‬
‫وَ َ‬
‫وقد توعد الله آكل الربا بضروب من الوعيد مما يدل على‬
‫عظم إثمه وفحش ضــرره ‪ ,‬فقــد تنــوع الوعيــد عليــه فــي‬

‫‪660‬‬
‫النصوص القرآنية والحــاديث النبويــة وقــد أوجزهــا الســيد‬
‫محمد رشيد رضا ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬فيما يلي )‪: (3‬‬
‫ْ‬
‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬
‫مــا‬ ‫مــو َ‬ ‫ن الّرَبا ل َ ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ - 1‬قوله تعالى ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫س { )‪ (4‬أي ل‬ ‫مــ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫مــ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬‫شــي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّ ُ‬
‫طــ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م اّلــ ِ‬‫ي َُقــو ُ‬
‫يقومون من قبورهم للبعث إل كقيام المجنون ‪.‬‬
‫‪ - 2‬قوله تعالى ‪ :‬ومن عاد إلــى أكــل الربــا بعــد تحريمــه ‪:‬‬
‫ن { )‪ , (5‬وهذا مــن‬ ‫} فَُأول َئ ِ َ َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬
‫نصــوص الوعيــد أو هــو محمــول علــى مــن اســتحله لن‬
‫استحلله كفر ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬نيــل الوطــار ‪ ،‬ص ‪ 200‬ج ‪ ، 5‬وانظــر شــرح النــووي‬
‫على صحيح مسلم ص ‪. 9‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (3‬الربا والمعاملت في السلم ص ‪. 76 ، 75‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (5‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫ه الّرب َــا { )‪ (1‬أي يمحــق‬ ‫ح ـقُ الل ّـ ُ‬ ‫م َ‬‫‪ - 3‬قــوله تعــالى ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫بركته ‪.‬‬
‫َ‬
‫ل ك َّفــارٍ أِثيـم ٍ { )‪(2‬‬ ‫ب ك ُـ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫‪ - 4‬قوله بعد ذلك ‪َ } :‬والل ّ ُ‬
‫فحرمانه من محبة الله يستلزم بغضه ومقته له ‪.‬‬
‫‪ - 5‬تسميته كفارا أي مبالغا في كفر النعمة بقسوته علــى‬
‫العاجز عن القضاء واستغلله لما يعرض له مــن الضــرورة‬
‫بــدل مــن إنظــاره وتــأخير دينــه إلــى الميســرة وإســعافه‬
‫بالصدقة أو كفار الكفر المخرج من الملة إن استحله ‪.‬‬
‫‪ - 6‬تسميته أثيما وهي صيغة مبالغة من الثم ‪ ,‬وهو كل ما‬
‫فيه ضرر في النفس أو المال أو غيرهما ‪.‬‬
‫‪ - 7‬إعلمه بحرب من الله ورسوله ؛ لنه عدو لهما إن لــم‬
‫يترك ما بقي من الربا ‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪ - 8‬وصفه بالظلم في قوله ‪ } :‬فَل َ ُ‬
‫م لَ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫مــ َ‬
‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫كــ ْ‬
‫ن { )‪. (3‬‬ ‫مو َ‬‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫‪ - 9‬عــد النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم إيــاه مــن أهــل‬
‫الموبقات وهي أكبر الكبائر كما في الصحيحين )‪. (4‬‬

‫‪661‬‬
‫‪ - 10‬ورود عــدة أحــاديث صــحيحة فــي لعــن آكــل الربــا‬
‫وموكله وكاتبه وشاهديه ‪.‬‬
‫‪ - 11‬ورود أحاديث كثيرة في الوعيد الشديد عليه ‪ ،‬منهــا ‪:‬‬
‫أن » درهمــا مــن ربــا أشــد مــن ثلث وثلثيــن زنيــة فــي‬
‫الســلم « )‪ , (5‬وفــي بعضــها ســت وثلثيــن زنيــة ‪ ,‬وفــي‬
‫بعضها بضع وثلثين وفي بعضها » الربا اثنان وسبعون بابــا‬
‫أدناها مثل إتيان الرجل أمه « )‪. (6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪276‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪276‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري ‪ ، 294 \ 5‬وصحيح مسلم الحديث ‪89‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (5‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(5/225‬‬
‫)‪ (6‬سنن ابن ماجه التجارات )‪.(2274‬‬
‫مقارنة بين الربا والميسر‬
‫تحريم الربا أشد من تحريم الميسر الذي هو القمــار ؛ لن‬
‫المرابي قد أخذ فضل محققــا مــن محتــاج ‪ ,‬والمقــامر قــد‬
‫يحصل له فضل وقد ل يحصل له ‪ ,‬فالربا ظلم محقــق لن‬
‫فيه تسلط الغني على الفقير بخلف القمار فإنه قــد يأخــذ‬
‫فيه الفقير من الغني وقد يكون المتقامران متساويين في‬
‫الغنــى والفقــر ‪ ,‬فهــو وإن كــان أكل للمــال بالباطــل وهــو‬
‫محرم فليس فيه من ظلم المحتاج وضرره ما فــي الربــا ‪،‬‬
‫ومعلوم أن ظلم المحتاج أعظم من ظلم غير المحتاج )‪(1‬‬
‫‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ص ‪347- 341‬‬
‫‪.‬‬
‫متى حرم الربا ‪:‬‬
‫قد كان تحريم الربــا قــديما وقــد ذكــر اللــه تحريمــه علــى‬
‫دوا‬ ‫ن هَــا ُ‬‫ذي َ‬‫ن ال ّـ ِ‬ ‫اليهود حيث يقــول ســبحانه ‪ } :‬فَب ِظ ُل ْـم ٍ ِ‬
‫مـ َ‬
‫ل الل ّـ ِ‬
‫ه‬ ‫سـِبي ِ‬‫ن َ‬ ‫م عَـ ْ‬
‫صـد ّهِ ْ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬
‫م وَب ِ َ‬ ‫ت أُ ِ‬
‫حل ّ ْ‬ ‫م ط َي َّبا ٍ‬
‫مَنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫حّر ْ‬
‫َ‬

‫‪662‬‬
‫خذهم الربا وقَد نهوا عَن ـه وأ َك ْل ِه ـ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫وا َ‬ ‫مـ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ك َِثيًرا { )‪ } (1‬وَأ ْ ِ ِ ُ ّ َ َ ْ ُ ُ‬
‫ل { )‪. (3) (2‬‬ ‫س ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫الّنا ِ‬
‫إل أن العلمة القرطبي )‪ (4‬يرى أن المراد بالربا المــذكور‬
‫في حق اليهود عموم الكسب المحرم ولم يرد به خصوص‬
‫الربا الذي حكم بتحريمه علينا ‪ ,‬وإنمــا أراد المــال الحــرام‬
‫ت{)‬ ‫ح ِ‬ ‫ســ ْ‬ ‫ن ِلل ّ‬ ‫كــاُلو َ‬ ‫ب أَ ّ‬ ‫ن ل ِل ْك َذِ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬‫س ّ‬‫كما قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫‪ (5‬يعني به المال الحــرام مــن الرشــا ومــا اســتحلوه مــن‬
‫ُ‬
‫ل‬ ‫سِبي ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫مّيي َ‬ ‫س عَل َي َْنا ِفي اْل ّ‬ ‫أموال الميين حيث قالوا ‪ } :‬ل َي ْ َ‬
‫{ )‪ (6‬وعلى هذا فيدخل فيه النهي عن كل مال حرام بأي‬
‫وجه اكتسب ‪ ,‬وكان الربا معروفا في الجاهلية عند العرب‬
‫‪ ،‬وقد ذكره الله تعالى فــي " ســورة الــروم " وهــي مكيــة‬
‫نزلت قبل الهجرة ببضع سنين مقرونا بذمة ومــدح الزكــاة‬
‫م‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬ ‫وذلك قبل فرض الزكاة كما في قوله تع الى ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ما آت َي ُْتــ ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَ َ‬ ‫س فَل َ ي َْرُبو ِ‬ ‫ل الّنا ُ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن رًِبا ل ِي َْرب ُوَ ِفي أ ْ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ن { )‪, (7‬‬ ‫ضعُِفو َ‬ ‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه الل ّهِ فَأول َئ ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫دو َ‬‫ري ُ‬ ‫ن َز َ‬
‫كاةٍ ت ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫وقــد جــاء فــي الســور المكيــة بيــان أصــول الواجبــات‬
‫والمحرمات بوجه إجمالي كمــا فــي هــذه اليــة ‪ ,‬ثــم قــال‬
‫َ‬
‫من ُــوا ل َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعالى فــي ســورة آل عمــران ‪ } :‬ي َــا أي ّهَــا ال ّـ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن{)‬ ‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ة َوات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫ضاعََف ً‬ ‫م َ‬ ‫ضَعاًفا ُ‬ ‫ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ‬
‫‪ (8‬ثم نزلت آيات " سورة البقرة " المشتملة على الوعيد‬
‫الشديد قبل وفاة النبي صلى الله عليــه وســلم بقليــل )‪(9‬‬
‫ويستمر تحريمه إلى يوم القيامة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة النساء الية ‪160‬‬
‫)‪ (2‬سورة النساء الية ‪161‬‬
‫)‪ (3‬النساء اليتان ‪ 160 :‬ومن الية ‪. 161‬‬
‫)‪ (4‬تفسير القرطبي ص ‪ 348‬ج ‪. 3‬‬
‫)‪ (5‬سورة المائدة الية ‪42‬‬
‫)‪ (6‬سورة آل عمران الية ‪75‬‬
‫)‪ (7‬سورة الروم الية ‪39‬‬
‫)‪ (8‬سورة آل عمران الية ‪130‬‬
‫)‪ (9‬الربا والمعاملت في السلم ص ‪ 58 - 57‬بتصرف ‪.‬‬

‫‪663‬‬
‫هذا تاريخ الربا عبر التاريــخ وكابوســه الثقيــل علــى المــم‬
‫وموقف الشرائع السماوية منه ومحــاربته لنقــاذ البشــرية‬
‫من ويلته ‪ ,‬ولكـن يـأبى الـذين اسـتحوذ عليهـم الشـيطان‬
‫واســتولى عليهــم الشــح إل عتــوا ونفــورا ليســتمروا علــى‬
‫التحكم بأموال الناس بغير حق ‪.‬‬
‫‪ -3‬المقارنة بين الربا والصدقة ‪:‬‬
‫قد جعل اللــه ســبحانه الربــا ضــد الصــدقة فــالمرابي ضــد‬
‫ه الّرَبــا وَي ُْرِبــي‬ ‫حــقُ الّلــ ُ‬ ‫م َ‬ ‫المتصــدق ‪ ,‬قــال تعــالى ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫و‬
‫ن رًِبا ل ِي َْرُبــ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬ ‫ت { )‪ , (1‬وقال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ن َزك َــا ٍ‬
‫ة‬ ‫مـ ْ‬ ‫م ِ‬‫مــا آت َي ْت ُـ ْ‬ ‫عن ْـد َ الل ّـهِ وَ َ‬ ‫س فَل َ ي َْرُبو ِ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِفي أ ْ‬
‫ُ‬
‫ن { )‪ , (2‬وقــال‬ ‫ض ـعُِفو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ـ ُ‬ ‫ه الل ّـهِ فَ ـأول َئ ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫تُ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضــَعاًفا‬ ‫مُنــوا ل َ َتــأك ُُلوا الّرَبــا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫تعــالى ‪َ } :‬يــا أي َّهــا اّلــ ِ‬
‫ن { )‪َ } (3‬وات ُّقــوا الن ّــاَر‬ ‫حــو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬ ‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ة َوات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫ضاعََف ً‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ن { )‪ , (5) (4‬ثــم ذكــر الجنــة الــتي‬ ‫ري َ‬ ‫ت ل ِل ْك َــافِ ِ‬ ‫عـد ّ ْ‬ ‫ال ِّتي أ ِ‬
‫أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء )‪. (6‬‬
‫فالمتصدق ضد المرابي ؛ لن المتصدق يحسن إلى الناس‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫والمرابــي يظلــم النــاس ‪ ,‬ولهــذا قــال ســبحانه ‪ } :‬ال ّـ ِ‬
‫ة فَل َه ـ َ‬ ‫سّرا وَعََلن ِي َـ ً‬ ‫ينفُقو َ‬
‫م‬ ‫جُرهُ ـ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ل َوالن َّهارِ ِ‬ ‫م ِبالل ّي ْ ِ‬ ‫وال َهُ ْ‬ ‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ ِ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ن { )‪ } (7‬ال ّـ ِ‬ ‫حَزن ُــو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَل َ هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م وَل َ َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ِ‬
‫خب ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه‬‫طــ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م اّلــ ِ‬ ‫مــا ي َُقــو ُ‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬ ‫مــو َ‬ ‫ن الّرَبــا ل َ ي َُقو ُ‬ ‫َيــأك ُُلو َ‬
‫س { )‪ (8‬اليات ‪.‬‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫وهكذا تساق آيات الربا بعد آيات الصدقة في القــرآن لمــا‬
‫بين المتصدقين والمرابيــن مــن التضــاد ‪ ،‬ليتفكــر المســلم‬
‫فــي صــفات الفريقيــن وجــزاء كــل منهمــا ‪ ,‬وليقــارن بيــن‬
‫آثارهمــا علــى المجتمــع ‪ ,‬فالمتصــدق يعطــي المــال بغيــر‬
‫عوض يقابله ‪ ,‬والمرابي يأخذ المــال بغيــر عــوض يقــابله ‪,‬‬
‫المتصدق يوسع على المحتاجين ويفرج كرب المكروبيــن ‪,‬‬
‫والمرابي يضــيق علــى المحتــاجين وينتهــز فرصــة عــوزهم‬
‫ليثقلهم بالديون فيزيدون كربة إلى كربتهم ‪ ,‬المتصدق قــد‬
‫وقاه الله شح نفسه فانتصر عليهــا ‪ ,‬والمرابــي قــد تملكــه‬
‫الجشع وأهلكه الشح كما أهلك من قبله فاســتحل محــارم‬
‫الله بأدنى الحيل ‪.‬‬

‫‪664‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪276‬‬
‫)‪ (2‬سورة الروم الية ‪39‬‬
‫)‪ (3‬سورة آل عمران الية ‪130‬‬
‫)‪ (4‬سورة آل عمران الية ‪131‬‬
‫)‪ (5‬آل عمران اليتان ‪. 131 - 130‬‬
‫)‪ (6‬الربا والمعاملت في السلم ‪.‬‬
‫)‪ (7‬سورة البقرة الية ‪274‬‬
‫)‪ (8‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫‪ - 4‬الحكمة في تحريم الربا ‪:‬‬
‫يلخص العلمة ابن حجر الهيتمــي فــي كتــاب الزواجــر )‪(1‬‬
‫تلك الحكمة في النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪ - 1‬انتهاك حرمة مال المسلم بأخذ الزائد من غير عوض ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الضــرار بــالفقير لن الغــالب غنــى المقــرض وفقــر‬
‫المستقرض فلو مكن الغني من أخذ أكثر من المثــل أضــر‬
‫بالفقير ‪.‬‬
‫‪ - 3‬انقطاع المعروف والحسان الذي في القــرض ؛ إذ لــو‬
‫حل درهم بدرهمين ما سمح أحد بإعطاء درهم بمثله ‪.‬‬
‫‪ - 4‬تعطل المكاسب والتجارات والحرف والصناعات التي‬
‫ل تنتظــم مصــالح العـالم إل بهــا ؛ إذ مـن يحصـل درهميــن‬
‫بدرهم كيف يتجشم مشقة كسب أو تجارة ‪.‬‬
‫إن اللــه ســبحانه وتعــالى يشــرع لعبــاده مــا يربيهــم علــى‬
‫التراحم والتعـاطف ‪ ,‬وأن يكــون كــل منهــم عونـا للخـر ل‬
‫سيما عند شــدة الحاجــة إليــه ‪ ,‬ولــذلك حــرم عليهــم الربــا‬
‫الذي هـو اسـتغلل ضـرورة إخـوانهم وأحـل الـبيع الـذي ل‬
‫يختص الربح فيه بأكل الغني الواجد مــال الفقيــر الفاقــد ‪،‬‬
‫كما أن الله تعالى جعل طريق تعامل الناس في معايشهم‬
‫قائما علــى أن يكــون اســتفادة كــل واحــد مــن الخــر فــي‬
‫مقابل عمل يقوم به نحوه أو عين يدفعها إليه ‪ ,‬والربا خال‬
‫عن ذلك ؛ لنه عبارة عن إعطاء المال مضاعفا من طرف‬
‫لخر بدون مقابلة من عين ول عمل ‪.‬‬
‫إن إباحة الربا مفسدة من أكبر المفاســد للخلق وشــئون‬
‫الجتماع تزيد أطماع الناس وتجعلهم ماديين ل هم لهــم إل‬

‫‪665‬‬
‫الستكثار من الموال من غير أن يستفيد منها مجتمعهم )‬
‫‪. (2‬‬
‫ففي الغالب ل يخضع للزيادة الربويــة إل معــدم محتــاج إذا‬
‫رأى أن الدائن يؤخر مطــالبته ويصــبر عليــه بزيــادة يبــذلها‬
‫تكلف بذل هذه الزيادة ليفتدي بها من أسر المطالبة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ص ‪ 180‬ج ‪. 1‬‬
‫)‪ (2‬تفسير المنار ص ‪ 112 - 108‬ج ‪. 3‬‬
‫والحبــس ويــدافع مــن وقــت إلــى وقــت ‪ ,‬فيشــتد ضــرره‬
‫وتعظم مصيبته ويعلوه الدين حتى يستغرق جميع موجوده‬
‫فيربو المال على المحتاج من غير نفع يحصــل لــه ‪ ,‬ويزيــد‬
‫مال المرابي من غير نفع يحصل منه لخيــه ‪ ,‬فيأكــل مــال‬
‫أخيه بالباطــل ‪ ,‬ويحصــل أخــوه علــى غايــة الضــرر ‪ ,‬فمــن‬
‫رحمة أرحــم الراحميــن وحكمتــه وإحســانه إلــى خلقــه أن‬
‫حرم الربا ولعن آكله وموكله وكاتبه وشــاهديه ‪ ,‬وأذن مــن‬
‫لم يدعه بحربه وحرب رسوله ‪ ,‬ولم يجئ مثل هذا الوعيــد‬
‫في كبيرة غيره ‪ ,‬ولهذا كان من أكبر الكبائر )‪. (1‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬من إعلم الموقعين لبن القيم ص ‪ 135‬ج ‪. 2‬‬
‫‪ - 5‬أنواع الربا ‪:‬‬
‫الربا نوعان ‪ :‬ربا نسيئة وربا فضل ‪.‬‬
‫فالنوع الول ربا النسيئة ‪ -‬من النساء بالمد وهــو التــأخير ‪-‬‬
‫هو نوعان ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬قلب الدين على المعسر ‪ ,‬وهذا هــو أصــل الربــا‬
‫في الجاهلية ‪:‬‬
‫أن الرجل يكون له على الرجل المال المؤجل ‪ ,‬فــإذا حــل‬
‫الجل قال له ‪ :‬أتقضي أم تربــي ‪ ,‬فــإن وفــاه وإل زاد هــذا‬
‫في الجل وزاد هذا في المــال فيتضــاعف المــال والصــل‬
‫واحد ‪ .‬وهذا الربا حرام بإجماع المسلمين )‪ , (1‬قــال اللــه‬
‫سـَرةٍ { )‪(2‬‬ ‫سَرةٍ فَن َظ ِـَرةٌ إ ِل َــى َ‬
‫مي ْ َ‬ ‫ن ُ‬
‫ذو عُ ْ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫من آية )‪ (280‬من سورة البقرة ‪ ،‬فــإذا حــل الــدين وكــان‬
‫الغريم معسرا لم يجز بإجماع المسلمين أن يقلــب الــدين‬
‫عليه بل يجب إنظاره ‪.‬‬

‫‪666‬‬
‫وإن كان موسرا كان عليه الوفاء فل حاجــة إلــى القلــب ل‬
‫مع يساره ول مع إعساره )‪ (3‬لكن الكفار يعارضون حكــم‬
‫ل الّرب َــا { )‪ (4‬أي‬ ‫مث ْـ ُ‬‫ما ال ْب َي ْـعُ ِ‬
‫الله في ذلك ويقولون ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫سواء زدنا في أول البيع أو عند محل المال ‪ ,‬فكذبهم اللــه‬
‫َ‬
‫م الّرَبا {‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬
‫حّر َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫في قيلهم فقال سبحانه ‪ } :‬وَأ َ‬
‫)‪ (5‬يعني جل ثناؤه وأحل الله الرباح في التجارة والشراء‬
‫والبيع ‪ ) ,‬وحرم الربا( يعني الزيادة الــتي يــزاد رب المــال‬
‫بسبب زيادته غريمه في الجل وتأخيره دينه عليــه ‪ ,‬يقــول‬
‫عز وجل ‪ :‬فليست الزيادتان اللتان إحداهما من وجه الــبيع‬
‫إلى أجل ‪ ,‬والخرى من وجه تــأخير المــال إذا حــل أجلــه ‪,‬‬
‫والزيادة في الجل سواء فليست الزيادة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬أضواء البيان ص ‪ 230‬ج ‪. 1‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪280‬‬
‫)‪ (3‬مجموع الفتاوى ص ‪ 418‬ج ‪. 29‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (5‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫من وجه البيع نظير الزيادة من وجه الربا لني أحللت البيع‬
‫وحرمت الربا ‪ ,‬والمر أمري والخلق خلقي أقضي فيهم ما‬
‫أشاء وأســتعبدهم بمــا أريــد ‪ ,‬ليــس لحــد أن يعــترض فــي‬
‫حكمــي ‪ ,‬ول أن يخــالف أمــري ‪ ,‬وإنمــا عليهــم طــاعتي‬
‫والتسليم لحكمي )‪. (1‬‬
‫وأيضا لو كانت الزيادتان ســواء لمــا اختلــف حكمهمــا عنــد‬
‫أحكم الحاكمين ‪.‬‬
‫فالزيادة التي تؤخذ في معاوضة صــحيحة خاليــة مــن أكــل‬
‫أمــوال النــاس بالباطــل هــي زيــادة حلل ‪ ,‬والزيــادة الــتي‬
‫تؤخذ لجل التأخير في الجل إذا حل زيادة محرمة لنهــا ل‬
‫معاوضة فيها ول مقابل لها فهي ظلم )‪ . (2‬وأيضا المعسر‬
‫الذي ل يستطيع الوفاء عند حلول الجل يجب إنظاره إلــى‬
‫ميســرة ل مضــاعفة الــدين عليــه وإثقــال كــاهله بالغرامــة‬
‫فيزداد حمل على حمله ‪.‬‬
‫__________‬

‫‪667‬‬
‫)‪ (1‬تفسير ابــن جريــر ص ‪ 13 - 12‬ج ‪ 6‬ببعــض زيــادات‬
‫توضيحية ‪.‬‬
‫)‪ (2‬انظر تفسير المنار ص ‪ 96‬ج ‪. 3‬‬
‫مسألة ‪ ) :‬ضع وتعجل ( ‪:‬‬
‫ويتعلق بهذه المسألة مسألة ‪ ) :‬ضــع وتعجــل ( ‪ ,‬وهــي أن‬
‫يصالح عن الدين المؤجل ببعضه حال ‪ -‬وهي عكــس قلــب‬
‫الدين ‪ -‬لن معناه ‪ :‬زد وأجل ‪ ,‬وقد أجمع المسلمون علــى‬
‫تحريمه كما سبق ‪ ,‬وأما هذه المسألة ) ضع وتعجل ( فقــد‬
‫اختلف العلماء فيها على أقوال ‪:‬‬
‫القول الول ‪:‬‬
‫تحريــم ذلــك وهــو قــول أبــي حنيفــة ومالــك والشــافعي‬
‫والمشهور عن أحمد )‪ , (1‬ووجه ذلك ‪:‬‬
‫أنه شبيه بالزيادة مع النظار المجمع على تحريمهــا ؛ لنــه‬
‫جعل للزمان مقدارا من الثمــن بــدل منــه فــي الموضــعين‬
‫جميعــا ‪ ,‬فهــو فــي الصــورتين جعــل للزمــان ثمنــا لزيــادته‬
‫ونقصه ؛ هذا‬
‫__________‬
‫مجت َهِــد ص‬ ‫ظر َفتح الَقــدير ص ‪ 426‬ج ‪ ، 8‬وِبداي َــة ال ُ‬ ‫)‪ (1‬ان ُ‬
‫دع ص‬ ‫مب ـ ِ‬
‫محتــاج ص ‪ 179‬ج ‪ ، 7‬وال ُ‬ ‫مِغنــي ال ُ‬
‫‪ 142‬ج ‪ ، 2‬و ُ‬
‫‪ 280- 279‬ج ‪. 4‬‬
‫معنى ما علل به ابن رشد في بداية المجتهــد )‪ . (1‬وعلــل‬
‫صــاحب فتــح القــدير )‪ (2‬مــن الحنفيــة ذلــك بقــوله ‪ :‬لن‬
‫المعجــل خيــر مــن المؤجــل وهــو غيــر مســتحق بالعقــد ‪,‬‬
‫فيكون بإزاء ما حطه عنه وذلك اعتيــاض عــن الجــل وهــو‬
‫حرام ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫وهــو بمعنــى التعليــل الــذي قبلــه ‪ ,‬وعلــل صــاحب مغنــي‬
‫المحتــاج )‪ (3‬مــن الشــافعية لــذلك بقــوله ‪ ) :‬لن صــفة‬
‫الحلول ل يصح إلحاقها ‪ . .‬فإن لم يحصل الحلــول ل يصــح‬
‫الــترك ( يعنــي أن صــحة تــرك البعــض تنبنــي علــى صــحة‬
‫التعجيل ‪ ,‬والتعجيل غير صحيح فالترك غير صحيح ‪ ,‬وعلــل‬
‫ذلك صاحب المبدع من الحنابلة بقوله ‪ ) :‬لنه يبذل القــدر‬
‫الذي يحطه عوضا عن تعجيل مــا فــي ذمتــه وبيــع الحلــول‬
‫والتأجيــل ل يجــوز ( ‪ ,‬وهــذا التعليــل بمعنــى مــا علــل بــه‬

‫‪668‬‬
‫صاحب فتح القدير من الحنفيــة حيــث يقــول‪ ) (4) :‬وذلــك‬
‫اعتياض عن الجل وهو حرام ( ‪‍ ,‬وهما يتفقان مع قول ابن‬
‫رشد ‪ ) (5) :‬لنه جعل للزمان مقدارا من الثمن ( فاتفقت‬
‫كلمتهم على أن بيع الجــل ل يجــوز وهــو الــذي مــن أجلــه‬
‫منعوا مسألة ‪ ) :‬ضع وتعجل ( ‪:‬‬
‫قال ابن القيم في إغاثة اللهفــان ‪ . (6) :‬واحتــج المــانعون‬
‫بــالثر والمعنــى ؛ أمــا الثــار ففــي ســنن الــبيهقي » عــن‬
‫المقداد بن السود قال ‪ ) :‬أسلفت رجل مائة دينــار فقلــت‬
‫له ‪ :‬عجل تسعين دينارا وأحط عشرة دنانير ( ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬نعم ‪ ,‬فذكرت ذلك لرســول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم فقـال ‪ :‬أكلـت ربـا مقـداد وأطعمتـه « وفـي سـنده‬
‫ضعف ‪ .‬وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قــد ســئل‬
‫عن الرجل يكون له الدين على رجل إلى أجل فيضــع عنــه‬
‫صاحبه ويعجل له الخر ‪ ,‬فكره ذلك ابن عمر ونهـى عنـه ‪,‬‬
‫وصح عن أبي المنهال أنه سأل ابن عمر رضي الله عنهمــا‬
‫فقال لرجل ‪ :‬علي دين ‪ ,‬فقال لي ‪ :‬عجل لي لضع عنك ‪,‬‬
‫قال ‪ :‬فنهاني عنــه ‪ .‬وقــال ‪ :‬نهــى أميــر المــؤمنين ‪ -‬يعنــي‬
‫عمــر ‪ -‬أن يــبيع العيــن بالــدين ‪ .‬وقــال أبــو صــالح مــولى‬
‫السفاح واسمه عبيد ‪ :‬بعت برا من أهل السوق إلــى أجــل‬
‫ثم أردت الخروج إلى الكوفة فعرضوا علي أن أضع عنهــم‬
‫وينقدوني‬
‫__________‬
‫مجت َهِــد ص‬ ‫ظر َفتح الَقــدير ص ‪ 426‬ج ‪ ، 8‬وِبداي َــة ال ُ‬ ‫)‪ (1‬ان ُ‬
‫دع ص‬ ‫مب ـ ِ‬ ‫محتــاج ص ‪ 179‬ج ‪ ، 7‬وال ُ‬ ‫مِغنــي ال ُ‬ ‫‪ 142‬ج ‪ ، 2‬و ُ‬
‫‪ 280- 279‬ج ‪. 4‬‬
‫مجت َهِــد ص‬ ‫ظر َفتح الَقــدير ص ‪ 426‬ج ‪ ، 8‬وِبداي َــة ال ُ‬ ‫)‪ (2‬ان ُ‬
‫دع ص‬ ‫مب ـ ِ‬ ‫محتــاج ص ‪ 179‬ج ‪ ، 7‬وال ُ‬ ‫مِغنــي ال ُ‬ ‫‪ 142‬ج ‪ ، 2‬و ُ‬
‫‪ 280- 279‬ج ‪. 4‬‬
‫مجت َهِــد ص‬ ‫ظر َفتح الَقــدير ص ‪ 426‬ج ‪ ، 8‬وِبداي َــة ال ُ‬ ‫)‪ (3‬ان ُ‬
‫دع ص‬ ‫مب ـ ِ‬ ‫محتــاج ص ‪ 179‬ج ‪ ، 7‬وال ُ‬ ‫مِغنــي ال ُ‬ ‫‪ 142‬ج ‪ ، 2‬و ُ‬
‫‪ 280- 279‬ج ‪. 4‬‬

‫‪669‬‬
‫مجت َهِــد ص‬ ‫ظر َفتح الَقــدير ص ‪ 426‬ج ‪ ، 8‬وِبداي َــة ال ُ‬ ‫)‪ (4‬ان ُ‬
‫دع ص‬ ‫مب ـ ِ‬‫محتــاج ص ‪ 179‬ج ‪ ، 7‬وال ُ‬ ‫مِغنــي ال ُ‬‫‪ 142‬ج ‪ ، 2‬و ُ‬
‫‪ 280- 279‬ج ‪. 4‬‬
‫مجت َهِــد ص‬ ‫ظر َفتح الَقــدير ص ‪ 426‬ج ‪ ، 8‬وِبداي َــة ال ُ‬ ‫)‪ (5‬ان ُ‬
‫دع ص‬ ‫مب ـ ِ‬‫محتــاج ص ‪ 179‬ج ‪ ، 7‬وال ُ‬ ‫مِغنــي ال ُ‬‫‪ 142‬ج ‪ ، 2‬و ُ‬
‫‪ 280- 279‬ج ‪. 4‬‬
‫)‪ (6‬ص ‪ 12‬ج ‪. 2‬‬
‫فسألت عن ذلك زيد بن ثابت فقال ‪ ) :‬ل آمــرك أن تأكــل‬
‫هذا ول توكله ( رواه مالك في الموطأ ‪.‬‬
‫وأما المعنى فإنه إذا تعجل البعض وأسقط الباقي فقد باع‬
‫الجل بالقدر الذي أسقط وذلك عيــن الربــا ‪ ,‬كمــا لــو بــاع‬
‫الجل بالقــدر الــذي يزيــده إذا حــل عليــه الــدين ‪ ,‬فقــال ‪:‬‬
‫زدني في الدين وأزيــدك فــي المــدة ‪ ,‬فــأي فــرق بيــن أن‬
‫تقول حط من الجل وأحط من الدين ‪ ,‬أو تقــول ‪ :‬زد فــي‬
‫الجــل وأزيــد فــي الــدين ‪ . . .‬قــالوا ‪ :‬فنقــص الجــل فــي‬
‫مقابلة نقص العوض كزيادته في مقابلة زيــادته ‪ ,‬فكمــا أن‬
‫هذا ربا فكذلك الخر ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫جواز الوضع والتعجل وهو روايــة عــن أحمــد )‪ , (1‬ونســب‬
‫ابن رشد )‪ (2‬وابن القيم القــول بجــوازه إلــى ابــن عبــاس‬
‫وزفر من الحنفية ‪ ,‬والقول بالجواز هو اختيار شيخ السلم‬
‫ابن تيمية رحمه اللــه قــال فــي الختيــارات )‪ ) : (3‬ويصــح‬
‫الصلح عن المؤجــل ببعضــه حــال ‪ ,‬وهــو روايــة عــن أحمــد‬
‫وحكي قول للشافعي ( ‪ ,‬واختار هذا القول أيضا ابن القيم‬
‫وقال )‪) : (4‬لن هذا عكس الربا فإن الربا يتضمن الزيادة‬
‫في أحد العوضين في مقابلة الجل ‪ ,‬وهــذا يتضــمن بــراءة‬
‫ذمته من بعض العوض في مقابلة ســقوط الجــل فســقط‬
‫بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الجل فانتفع به كل‬
‫واحد منهما ‪ ,‬ولم يكن هنا ربا ل حقيقة ول لغة ول عرفــا ‪,‬‬
‫فإن الربا الزيادة ‪ ،‬وهي منتفية هاهنا ‪ ,‬والذين حرموا ذلــك‬
‫قاسوه على الربا ول يخفى الفرق الواضح بين قوله ‪) :‬إما‬
‫أن تربي وإما أن تقضي ( ‪ ,‬وبين قوله ‪ ) :‬عجل لي وأهــب‬

‫‪670‬‬
‫لك مائة ( فأين أحدهما من الخر فل نص في تحريم ذلــك‬
‫ول إجماع ول قياس صحيح ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫قال ابن رشد وقال )‪ : 55 (5‬وعمدة من أجــازه مــا روي‬
‫عن ابن عباس أن النبي صلى اللــه عليــه وســلم لمــا أمــر‬
‫بإخراج بني النضير جاء ناس منهم فقالوا ‪ :‬يا نبي الله إنك‬
‫أمرت بإخراجنا ولنا على الناس‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المبدع ص ‪ 280‬ج ‪. 4‬‬
‫)‪ (2‬بداية المجتهد ص ‪ 142‬ج ‪. 2‬‬
‫)‪ (3‬الختيارات ص ‪. 134‬‬
‫)‪ (4‬العلم ص ‪ 371‬ج ‪ 3‬ط محيي الدين عبد الحميد ‪.‬‬
‫)‪ (5‬العلم ص ‪ 371‬ج ‪ 3‬ط محيي الدين عبد الحميد ‪.‬‬
‫ديون لم تحل ‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليــه وســلم ‪:‬‬
‫ضعوا وتعجلوا )‪. (1‬‬
‫القول الثالث ‪:‬‬
‫يجوز ذلك في دين الكتابة ول يجــوز فــي غيــره ؛ لن ذلــك‬
‫يتضمن تعجيل العتق المحبوب إلى اللــه ‪ ,‬والمكــاتب عبــد‬
‫مــا بقــي عليــه درهــم ‪ ,‬ول ربــا بيــن العبــد وبيــن ســيده ‪,‬‬
‫فالمكاتب وكســبه للســيد فكــأنه أخــذ بعــض كســبه وتــرك‬
‫بعضه )‪. (2‬‬
‫والراجح ‪:‬‬
‫هو القول الثاني وهو جواز ذلك مطلقا ؛ لنه ليس مع مــن‬
‫منعه دليل صحيح ‪ ,‬والصل في المعاملت الصحة والجواز‬
‫ما لم يدل دليل على التحريم ‪ ,‬وقياســهم منــع ذلــك علــى‬
‫منع زيادة الدين وتمديد أجله قياس مـع الفــارق ؛ لن منــع‬
‫الزيادة في مقابلة التمديد ملحــظ فيــه منــع إثقــال كاهــل‬
‫المدين من غير استفادة تحصل له ‪ ,‬بخلف هذه المســألة‬
‫فإن فيها تخفيفا عنه ‪ ,‬فإن قيل ‪ :‬والمدين يحصــل لــه فــي‬
‫المسألة الولى فائدة التمديد في الجل ‪.‬‬
‫فالجواب ‪ :‬أن التمديد في الجل في هذه المسألة إن كان‬
‫المدين معسرا فهو واجب على الدائن بدون مقابــل ‪ ،‬وإن‬
‫كان المدين موســرا وجــب عليــه أداء الحــق عنــد حلــوله ‪,‬‬
‫ويبدي العلمــة ابــن القيــم رأيــا آخــر فــي مســألة ‪ ) :‬ضــع‬

‫‪671‬‬
‫وتعجل ( فيقول )‪ ) : (3‬ولو ذهب ذاهب إلى التفصيل فــي‬
‫المسألة وقال ‪ :‬ل يجوز فــي ديــن القــرض إذا قلنــا بلــزوم‬
‫تــأجيله ويجــوز فــي ثمــن المــبيع والجــرة وعــوض الخلــع‬
‫والصداق لكان له وجه ‪ ,‬فإنه في القرض يجب رد المثل ‪,‬‬
‫فإذا عجل له وأسقط باقيه خرج عن موجب العقد ‪ ,‬وكــان‬
‫قد أقرضه مائة فوفاه تسعين بل منفعة حصلت للمقرض ‪,‬‬
‫بل اختــص المقــترض بالمنفعــة فهــو كــالمربي ســواء فــي‬
‫اختصاصه بالمنفعة دون الخــر ‪ .‬وأمــا فــي الــبيع والجــارة‬
‫فإنهما يملكان فسخ العقد وجعل العوض حــال أنقـص ممــا‬
‫كان ‪ ,‬وهذا هو حقيقة الوضع والتعجيــل لكــن تحيل عليــه ‪,‬‬
‫والعبرة في العقود‬
‫__________‬
‫صــحيح الســناد ‪ ،‬قــال ابــن‬ ‫كم ‪َ :‬‬ ‫عبد الّله الحا ِ‬
‫)‪ (1‬قال أبو َ‬
‫ي‬ ‫س ـَنن ‪ ،‬وقَــد َ‬
‫ض ـّعفه الَبيَهق ـ ّ‬ ‫شــرط ال ُ‬ ‫الَقي ّــم ‪ :‬هــو علــى َ‬
‫وإسناده ِثقات ‪ِ ،‬إغاَثة الّلهفان ص ‪ 13‬ج ‪. 2‬‬
‫)‪ (2‬إعلم الموقعين ص ‪ 371‬ج ‪. 3‬‬
‫)‪ (3‬إغاثة اللهفان ص ‪ 14‬ج ‪. 2‬‬
‫بمقاصدها ل بصورها ‪ ,‬فإن كان الوضع والتعجيــل مفســدة‬
‫فالحتيال عليه ل يزيل مفسدته ‪ ,‬وإن لم يكن مفسدة لــم‬
‫يحتج إلى الحتيال عليه ‪.‬‬
‫الثــاني ‪ :‬مــن نــوعي ربــا النســيئة ‪ :‬مــا كــان فــي بيــع كــل‬
‫جنسين اتفقا في علــة ربــا الفضــل مــع تــأخير قبضــهما أو‬
‫قبــض أحــدهما ‪ -‬ويســميه بعضــهم ‪ :‬ربــا اليــد )‪ - (1‬كــبيع‬
‫الــذهب بالــذهب والفضــة بالفضــة والــبر بــالبر والشــعير‬
‫بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح ‪ ،‬وكذا بيع جنس بآخر‬
‫من هذه الجناس مـؤجل ‪ ,‬ومـا شـاركها فـي العلـة يجـري‬
‫مجراهــا فــي هــذا الحكــم ‪ ,‬قــال النــبي صــلى اللــه عليــه‬
‫وســلم ‪ » :‬الــذهب بالــذهب والفضــة بالفضــة والــبر بــالبر‬
‫والشعير بالشعير والتمر بــالتمر والملــح بالملــح مثل بمثــل‬
‫يدا بيد « في أحاديث كثيرة جاءت بمعناه )‪ (2‬فقوله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪) :‬يدا بيد ( يعني الحلــول والتقــابض قبــل‬
‫التفرق في بيع هذه الشياء بعضها ببعــض ‪ ,‬ويقــاس عليهــا‬
‫ما شاركها في العلة ‪ -‬كما يأتي بيانه إن شاء الله ‪.‬‬

‫‪672‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر مغني المحتاج ص ‪ 21‬ج ‪ ، 2‬والروض المربع ص‬
‫‪ 117‬ج ‪ 2‬بحاشية العنقري ‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه أحمد والبخاري ‪ ،‬المنتقى مع شرحه نيل الوطار‬
‫ص ‪ 203‬ج ‪. 5‬‬
‫النوع الثاني من أنواع الربا ‪:‬‬
‫ربا الفضل وهو الزيادة ‪ ,‬وقد نــص الشــارع علــى تحريمــه‬
‫في ستة أعيان هي ‪ :‬الذهب والفضة والبر والشعير والتمر‬
‫والملح ‪ ،‬واتفق الناس على تحريم التفاضل فيها مع اتحــاد‬
‫الجنس )‪ , (1‬فقد حكى غير واحــد الجمــاع علــى تحريمــه‬
‫بين الستة المذكورة إذا بيع بعضها ببعض )‪ , (2‬فإن قيــل ‪:‬‬
‫كيف تصح حكاية الجماع مع أنه ثبت في الصحيح عن ابــن‬
‫عباس عن أسامة بن زيد أن رسول الله صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم قال ‪ » :‬ل ربا إل في النسيئة « )‪ (3‬فمقتضاه جواز‬
‫ربا الفضل ‪ ,‬وقد روي عـن ابـن عمـر وابـن عبـاس رضـي‬
‫الله عنهما القول بجوازه )‪ , (4‬قيل عن ذلك عدة أجوبة ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر إعلم الموقعين ص ‪ 136‬ج ‪. 2‬‬
‫)‪ (2‬بمعناه من أضواء البيان للشنقيطي ص ‪ 230‬ج ‪. 1‬‬
‫)‪ (3‬صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )‪,(2069‬صـــحيح مســـلم‬
‫المساقاة )‪,(1584‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1241‬ســنن‬
‫النســائي الــبيوع )‪,(4565‬ســنن ابــن مــاجه التجــارات )‬
‫‪,(2257‬مسند أحمد بن حنبل )‪,(3/51‬موطأ مالك البيوع )‬
‫‪.(1324‬‬
‫)‪ (4‬انظر نيل الوطار ص ‪ 203‬ج ‪. 5‬‬
‫الجواب الول ‪:‬‬
‫أن حديث أسامة منسوخ بالحاديث التي تدل على تحريــم‬
‫ربا الفضل ‪ ,‬ومما يدل على نسخه بها الجماع علــى تــرك‬
‫العمــل بــه )‪ , (1‬قــال الشــوكاني ‪ :‬لكــن النســخ ل يثبــت‬
‫بالحتمال ‪.‬‬
‫الجواب الثاني ‪:‬‬
‫أنه محمول على ما إذا اختلف الجنســان ‪ ،‬فــإنه فــي هــذه‬
‫الحالــة يجــوز التفاضــل ويحــرم النســأ بــدليل الروايــات‬

‫‪673‬‬
‫الصحيحة المصرحة بــأن ذلــك هــو محــل جــواز التفاضــل ‪,‬‬
‫وأنه في الجنس الواحد ممنوع )‪ (2‬فيكــون حــديث أســامة‬
‫عامــا فــي الجــواز فيمــا إذا اتحــد الجنــس أو اختلــف ‪,‬‬
‫والحــاديث الخــرى خاصــة بــالمنع مــع اتحــاد الجنــس ‪,‬‬
‫والخاص مقدم على العام كما هو مقتضى القواعد ‪.‬‬
‫الجواب الثالث ‪:‬‬
‫أنه حديث مجمل والحاديث التي تمنع ربا الفضــل مبينــة ‪,‬‬
‫فيجب العمل بالمبين وتنزيل المجمل عليه )‪. (3‬‬
‫الجواب الرابع ‪:‬‬
‫أنه رواية صــحابي واحــد ‪ ,‬وروايــات منــع ربــا الفضــل عــن‬
‫جماعة من أصحاب رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫رووها صريحة عنه صلى الله عليه وسلم ناطقــة بمنــع ربــا‬
‫الفضل ‪ ,‬ورواية الجماعة من العــدول أقــوى وأثبـت وأبعـد‬
‫عن الخطأ من رواية الواحد )‪. (4‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬النووي في شرح صحيح مسلم ص ‪ 25‬ج ‪. 11‬‬
‫)‪ (2‬أضواء البيان ص ‪ 231‬ج ‪. 1‬‬
‫)‪ (3‬النووي في شرح مسلم ‪.‬‬
‫)‪ (4‬أضواء البيان ص ‪ 236‬ج ‪. 1‬‬
‫الجواب الخامس ‪:‬‬
‫أن المعنــى فــي قــوله ‪ :‬ل ربــا إل فــي النســيئة ‪ ,‬أي الربــا‬
‫الغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما‬
‫تقول العرب ‪ :‬ل عالم في البلد إل زيد مع أن فيهــا علمــاء‬
‫غيره ‪ ,‬وإنما القصد نفي الكمل ل نفي الصل )‪. (1‬‬
‫الجواب السادس ‪:‬‬
‫أن إباحة ربا الفضل في حديث أســامة المــذكور إنمــا هــي‬
‫بدللــة المفهــوم ‪ ,‬وتحريمــه بالحــاديث الخــرى بدللــة‬
‫المنطوق ‪ ,‬ول شك أن دللة المنطوق مقدمـة علـى دللـة‬
‫المفهوم )‪. (2‬‬
‫هذا ما أجيــب بــه عــن حــديث أســامة ‪ ,‬وكــل جــواب منهــا‬
‫يكفي بمفرده لرد الستدلل بــه بحمــد اللــه ‪ ,‬ولكــن كلمــا‬
‫تكاثرت الجوبة كان أقوى في الرد وأقطع لحجة الخصم ‪.‬‬

‫‪674‬‬
‫وأما الجابة عما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهمـا قـال‬
‫بجواز ربا الفضل فهي أن يقال ‪ :‬إنما قال ذلك باجتهادهمــا‬
‫ثم لما بلغهما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫منعه رجعا عن رأيهما )‪ , (3‬فلم يبق أي شبهة في تحريــم‬
‫ربا الفضــل ‪ ,‬وصــحت حكايــة الجمــاع علــى تحريمــه كمــا‬
‫سبق ‪.‬‬
‫جودة أحد الجنسين الربويين على الخر‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬نيل الوطار ص ‪ 203‬ج ‪. 5‬‬
‫)‪ (2‬بمعناه من نيل الوطار ص ‪ 203‬ج ‪. 5‬‬
‫َ‬
‫)‪ (3‬انظ ُــر نيــل الوطــار ص ‪ 206 - 205‬ج ‪ ، 5‬وأضــواء‬
‫ي ص ‪ 240 - 238‬ج ‪ ، 1‬وَفتح الَباِري ص‬ ‫الَبيان لل ّ‬
‫شنقيط ّ‬
‫‪ 382 - 381‬ج ‪. 4‬‬
‫هل جودة أحد الجنسين الربويين تبرر الزيادة من الجنــس‬
‫الرديء ؟‬
‫ل تكون جودة أحد الجنسين مبررة للزيادة إذا بيع أحــدهما‬
‫بالخر ‪ ,‬والصل في هذا حــديث أبــي ســعيد وأبــي هريــرة‬
‫رضي الله عنهما » أن رسول الله صلى الله عليــه وســلم‬
‫استعمل رجل على خيبر فجاءه بتمر جنيب ‪ ,‬فقال رســول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أكل تمر خيبر هكذا ؟ ‪ ,‬قــال ‪:‬‬
‫ل والله يا رسول‬
‫اللــه إنــا لنأخــذ الصــاع مــن هــذا بالصــاعين ‪ ،‬والصــاعين‬
‫بالثلثة ‪ ,‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ل تفعل‬
‫‪ -‬بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا « )‪. (1‬‬
‫والجنيب قيل هو الطيب ‪ ,‬وقيل هو الذي أخرج من حشفه‬
‫ورديئه ‪ ,‬وقيل هو الذي لم يختلط بغيــره )‪ , (2‬وعلــى كــل‬
‫التفاسير فالمراد به الجيد من التمر ‪ ,‬والجمــع تمــر رديــء‬
‫أو هو الخليط من أنواع مختلفة )‪. (3‬‬
‫قال الشوكاني في نيل الوطار )‪ : (4‬والحديث يــدل علــى‬
‫أنه ل يجوز بيع رديء الجنس بجيــده متفاضــل ‪ ,‬وهــذا أمــر‬
‫مجمع عليــه ل خلف بيــن أهــل العلــم فيــه ‪ ،‬انتهــى ‪ ,‬وقــد‬
‫أرشد النبي صلى الله عليه وسلم فــي هــذا الحــديث إلــى‬
‫الطريقة السليمة البعيدة عن الربا الــتي يســلكها مــن أراد‬

‫‪675‬‬
‫أن يستبدل التمر الجيــد بــالتمر الرديــء ‪ ,‬وذلــك بــأن يــبيع‬
‫التمر الرديء بدراهم ويشتري بالدراهم تمرا جيدا ‪ ,‬وهــذه‬
‫الطريقة تتبع في كل ربوي يــراد اســتبداله بربــوي أحســن‬
‫منه ؛ لن الجودة في أحد الجنسين ل تبرر الزيــادة إذا بيــع‬
‫أحدهما بالخر والله أعلم ‪.‬‬
‫إذا باع ربويا بثمن مؤجل فهل يجوز له أن يعتاض عن ذلك‬
‫الثمن ربويا آخر ؟‬
‫قال شيخ السـلم ابـن تيميـة )‪) : (5‬هـذه فيهـا نـزاع بيـن‬
‫العلمــاء فمــذهب الفقهــاء الســبعة ومالــك وأحمــد فــي‬
‫المنصوص عليه )‪ (6‬أن ذلك ل يجوز ‪ ,‬فمن باع مــال ربويــا‬
‫كالحنطة والشعير وغيرهما إلـى أجـل لـم يجـز أن يعتـاض‬
‫عــن ثمنــه بحنطــة أو شــعير أو غيــر ذلــك ممــا ل يبــاع بــه‬
‫نسيئة ؛ لن الثمن لم يقبض فكأنه قد باع حنطة أو شــعيرا‬
‫بحنطة أو شعير إلى أجل متفاضل ( ‪.‬‬
‫وهــذا ل يجــوز باتفــاق المســلمين ‪ ،‬وقــال أبــو حنيفــة‬
‫والشافعي ‪) :‬هذا يجوز وهو اختيار أبــي محمــد المقدســي‬
‫من أصحاب أحمد ؛ لن البائع إنما يستحق الثمن في ذمــة‬
‫المشتري وبه اشترى فأشبه ما لو قبضه ثــم اشــترى مــن‬
‫غيره ( ‪ ,‬وقد علل الشيخ المنع بأن الثمن لم يقبض‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )‪,(2089‬صـــحيح مســـلم‬
‫المســاقاة )‪,(1593‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4553‬ســنن‬
‫ابــن مــاجه التجــارات )‪,(2256‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‬
‫‪,(3/60‬موطأ مالك البيوع )‪,(1314‬سنن الدارمي الــبيوع )‬
‫‪.(2577‬‬
‫)‪ (2‬فتح الباري ‪. 400 \ 4‬‬
‫)‪ (3‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪. 21 \ 11‬‬
‫)‪ (4‬نيل الوطار ‪. 207 \ 5‬‬
‫)‪ (5‬مجموع الفتاوى ‪. 449-448 \ 29‬‬
‫)‪ (6‬انظر كشاف القناع على متن القناع ‪. 150 \ 3‬‬
‫فكأنه قد باع الربوي بــالربوي إلــى أجــل متفاضــل ‪ ,‬وهــذه‬
‫الصورة ل تجوز بالجماع فكذا ما شــابهها وهــي مســألتنا ‪,‬‬
‫وعلل صاحب الكشاف المنع بأنه ذريعــة إلــى بيــع الربــوي‬

‫‪676‬‬
‫بــالربوي نســيئة ‪ ,‬ويكــون الثمــن المعــوض عنــه بينهمــا‬
‫كالمعدوم لنه ل أثــر لـه )‪ , (1‬والشــيخ تقــي الــدين حكــى‬
‫الخلف ولم يرجح ‪ ،‬ولكن مما ل شك فيه أن الخروج مــن‬
‫الخلف والحتياط أمر مطلوب ومرغب فيه ‪ ،‬والله أعلم ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الكشاف ‪. 150 \ 3‬‬
‫ربا القرض ‪:‬‬
‫المشهور أن الربا ينقسم إلــى قســمين ‪ :‬ربــا نســيئة وربــا‬
‫فضــل ‪ ,‬وبعضــهم )‪ (1‬يزيــد قســما ثالثــا هــو ربــا القــرض‬
‫المشروط فيه جر نفع ‪ ،‬قال ابن حجر المكي في الزواجر‬
‫عن اقتراف الكبائر )‪ : ( 180 \ 1‬لكنه في الحقيقة يرجع‬
‫إلى ربا الفضل ؛ لنه الذي فيه شرط يجر نفعا للمقــرض ‪,‬‬
‫فكأنه أقرضه هذا الشيء بمثله مع زيادة ذلك النفــع الــذي‬
‫عاد إليه ‪ .‬انتهى ‪ .‬ولعل وجهة من عده قسما مستقل هــي‬
‫أن القرض عقد مستقل وله أحكام خاصة به ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر مغني المحتاج )‪. ( 21 \ 2‬‬
‫وصفة ربا القرض ‪:‬‬
‫أن يقرضـه شــيئا ويشـترط عليـه أن يـرد أفضــل منــه ‪ ,‬أو‬
‫شــرط عليــه نفعــا مــا نحــو أن يســكنه داره ‪ ,‬وهــو حــرام‬
‫إجماعا )‪ (1‬لنه عقد إرفاق وقربة فإذا شرط فيــه الزيــادة‬
‫أخرجه عن موضوعه ‪ ,‬والدليل على تحريم ذلك ‪:‬‬
‫‪ - 1‬عموم نصوص الكتاب والسنة الواردة في النهــي عــن‬
‫الربا وهذا منه ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الحديث الوارد بخصوص المنــع منــه وهــو قــوله صــلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ » :‬إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدى إليه أو‬
‫حمله على دابة فل يركبها ول يقبلها إل أن يكون جرى بينه‬
‫وبينه قبل ذلك « ‪ ,‬وما ورد بمعناه مــن الثــار الــتي تقــويه‬
‫عن جماعة من الصحابة )‪. (2‬‬
‫__________‬
‫جر ص ‪ 80‬ج ‪1‬‬ ‫ح َ‬
‫جر لبن َ‬ ‫دع ص ‪ 209‬ج ‪ ، 4‬الّزوا ِ‬ ‫مب ِ‬
‫)‪ (1‬ال ُ‬
‫ملت‬ ‫َ‬
‫معــا َ‬
‫مــن أجــاز ال ُ‬
‫ضــة الّندي ّــة فــي ال ـّرد علــى َ‬
‫‪ ،‬والّرو َ‬

‫‪677‬‬
‫ضــمن‬ ‫شــيخ ص ‪ِ 16‬‬ ‫مد بن إبراهيم آل ال ّ‬ ‫مح ّ‬
‫شيخ ُ‬‫الّربوّية لل ّ‬
‫عة ‪.‬‬
‫مجمو َ‬ ‫َ‬
‫)‪ (2‬انظر الروضة الندية للشيخ محمد بن إبراهيم ‪.‬‬
‫ما جاء عن أعيان الصحابة في تحريمه ‪ ،‬وهم ‪ :‬عمر وابنــه‬
‫عبد الله وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن سلم وأبي بن‬
‫كعب وابن عباس وفضالة بن عبيد رضي الله عنهم )‪. (1‬‬
‫‪ - 3‬الجماع وقد حكاه غير واحد )‪ (2‬من العلماء ‪.‬‬
‫فــإذا كــان النفــع الــذي يبــذله المقــترض للمقــرض غيــر‬
‫مشترط ‪ ,‬فل بأس به بدليل » أن النــبي صــلى اللــه عليــه‬
‫وســلم استســلف بكــرا ورد خيــرا منــه ‪ ،‬وقــال ‪ :‬خيركــم‬
‫أحسنكم قضــاء « )‪ (3‬إل أن المــام مالكــا كــره أن يزيــده‬
‫في العدد ‪ ,‬ل إن أعطاه أجود عينا وأرفــع صــفة ‪ ,‬وأمــا أن‬
‫يزيده في الكيل أو الوزن أو العدد فل )‪. (4‬‬
‫وتعقــب ذلــك المــام الشــوكاني )‪ (5‬فقــال ‪ :‬ويــرد عليهــم‬
‫)يعني المالكية ( » حديث جــابر قــال ‪ :‬أتيــت النــبي صــلى‬
‫الله عليه وسلم وكان لي عليه ديــن فقضــاني وزادنــي « )‬
‫‪ (6‬فــإنه صــرح بــأن النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم زاده‬
‫والظاهر أن الزيادة كانت في العدد ‪ ,‬وقد ثبت فــي روايــة‬
‫البخاري أن الزيادة كانت قيراطا ‪.‬‬
‫وهذا التفصيل فــي حكــم النفــع الــذي يجــره القــرض مــن‬
‫زيادة أو غيرها إذا بذل هذا النفع عند القضاء ‪ ،‬أما إذا بــذل‬
‫قبــل القضــاء بــأن أهــدى إليــه هديــة فل يحــل لــه قبولهــا‬
‫مطلقا ‪ ,‬قال شيخ السلم ابن تيميــة ‪ : (7) :‬فنهــى النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم هــو وأصــحابه المقــرض عــن قبــول‬
‫هديــة المقــترض قبــل الوفــاء ؛ لن المقصــود بالهديــة أن‬
‫يؤخر القتضاء وإن كان لــم يشــترط ذلــك ولــم يتكلــم بــه‬
‫فيصير بمنزلة أن يأخذ اللف بهديــة نــاجزة وألــف مــؤخرة‬
‫وهذا ربا ‪ ,‬ولهذا جاز أن يزيــد عنــد الوفــاء ويهــدي لــه بعــد‬
‫ذلك لزوال معنى الربا ‪ ,‬ومن لم ينظر إلــى المقاصــد فــي‬
‫العقود أجاز مثل ذلك وخالف بذلك سنة رسول الله صــلى‬
‫الله عليه وسلم )‪ ، (8‬وهذا أمر بين ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الروضة الندية ص ‪. 16 - 10‬‬

‫‪678‬‬
‫)‪ (2‬الروضة الندية ص ‪. 16 - 10‬‬
‫)‪ (3‬صـــحيح البخـــاري الوكالـــة )‪,(2183‬صـــحيح مســـلم‬
‫المساقاة )‪,(1601‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1316‬ســنن‬
‫النســائي الــبيوع )‪,(4618‬ســنن ابــن مــاجه الحكــام )‬
‫‪,(2423‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(2/456‬‬
‫)‪ (4‬الكافي لبن عبد البر ص ‪. 728 - 727‬‬
‫)‪ (5‬نيل الوطار ص ‪ 246 - 245‬ج ‪. 2‬‬
‫)‪ (6‬صـحيح البخـاري الصـلة )‪,(432‬صــحيح مسـلم صــلة‬
‫المســـافرين وقصـــرها )‪,(715‬ســـنن النســـائي الـــبيوع )‬
‫‪,(4590‬ســنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3347‬مســند أحمــد بــن‬
‫حنبل )‪.(3/319‬‬
‫)‪ (7‬الجزء الثالث من مجموع الفتاوى الكبرى ص ‪. 244‬‬
‫ســاب ًِقا فــي الَفقــرة‬ ‫َ‬
‫دنــاه َ‬
‫حديث الــذي أوَر ْ‬‫شير إلى ال َ‬‫)‪ (8‬ي ُ ِ‬
‫َ‬
‫من أدِّلة َتحريم َفواِئد الَقرض ‪.‬‬‫رقم )‪ِ ( 2‬‬
‫وقال ابن القيم )‪ : (1‬فنهى النبي صلى اللــه عليــه وســلم‬
‫وأصحابه المقرض عن قبول هدية المقترض قبل الوفــاء ‪,‬‬
‫فــإن المقصــود بالهديــة أن يــؤخر القتضــاء وإن كــان لــم‬
‫يشترط ذلك سدا لذريعة الربا ‪.‬‬
‫ويفصل العلمة الشوكاني في ذلك فيقول ‪ (2) :‬والحاصل‬
‫أن الهدية والعارية ونحوهــا إذا كــانت لجــل التنفيــس فــي‬
‫أجل الدين أو لجل رشوة صاحب الدين أو لجل أن يكــون‬
‫لصاحب الدين منفعة في مقابل دينه فذلك محرم لنه نوع‬
‫من الربا أو رشوة ‪ ,‬وإن كان ذلك لجل عــادة جاريــة بيــن‬
‫المقرض والمستقرض قبل التداين فل بأس ‪ ,‬وإن لم يكن‬
‫ذلك لغرض أصل فالظاهر المنع لطلق النهي عن ذلك ‪ .‬ا‬
‫ه‪.‬‬
‫وهذا التفصيل يشهد له ما جاء فــي الحــديث الســابق مــن‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إل أن يكون جرى بينــه وبينــه‬
‫قبل ذلك ‪.‬‬
‫والحاصل أن النفع المبذول مــن المقــترض للمقــرض فيــه‬
‫التفصيل التالي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن كان ذلك باشتراط فهو حــرام مطلقــا قبــل الوفــاء‬
‫وبعده ‪.‬‬

‫‪679‬‬
‫‪ - 2‬إن كان بغير اشتراط جاز بعد الوفاء ولم يجز قبلــه إل‬
‫أن يكــون البــاعث عليــه عــادة جاريــة بينهمــا ل مــن أجــل‬
‫القرض ‪ ,‬والله أعلم ‪.‬‬
‫ويتعلق بمبحث ربا القرض مسألتان نــص عليهمــا الفقهــاء‬
‫رحمهم الله ‪:‬‬
‫‪ - 1‬المسألة الولى ‪:‬‬
‫إذا أقرضه مبلغا ثم اشترى المقترض مــن المقــرض شــيئا‬
‫واشترط الخيــار حيلــة علــى النتفــاع بــالقرض ليأخــذ غلــة‬
‫المبيع ونفعــه ثــم يــرد المقــترض القــرض ويــرد المقــرض‬
‫المبيع بالخيار ‪ ،‬فهذا البيع والشرط باطل لنه من الحيــل ‪,‬‬
‫قال في القنــاع وشــرحه )‪) : (3‬وإن شــرطه ( أي الخيــار‬
‫بائع )حيلة ‪ ،‬ليربح فيما أقرضه حرم نصا ( لنه يتوصــل بــه‬
‫إلى قرض يجر نفعا )ولم يصح البيع لئل يتخذ ذريعة للربا (‬
‫‪ ,‬وقال شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ص ‪ 184‬ج ‪ 3‬من إعلم الموقعين ‪.‬‬
‫)‪ (2‬نيل الوطار ص ‪ 246‬ج ‪. 5‬‬
‫)‪ (3‬ج ‪ 3‬ص ‪ , 163‬وانظر المغني ‪. 593 - 592 \ 3‬‬
‫الله ‪ (1) -‬لما سئل عن ذلك ‪ ) :‬إذا كان المقصود أن يأخذ‬
‫أحدهما من الخر دراهم وينتفع المعطي بعقار الخــر مــدة‬
‫مقام الدراهم في ذمته ‪ ,‬فإذا أعاد الدراهم إليه أعــاد إليــه‬
‫العقار فهذا حرام بل ريب ( ‪ ,‬وهذا دراهم بــدراهم مثلهــا ‪,‬‬
‫ومنفعة الدار وهو الربا البين ‪.‬‬
‫وقد اتفق العلماء علــى أن المقــرض مــتى اشــترط زيــادة‬
‫على قرضه كان ذلك حراما ‪ ,‬وكذلك إذا تواطأ علــى ذلــك‬
‫في أصح قولي العلماء ‪ ,‬وقـد صـح عـن النـبي صـلى اللـه‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪ » :‬ل يحل ســلف وبيــع ‪ ،‬ول شــرطان‬
‫في بيع ‪ ،‬ول ربح ما لم يضمن ‪ ،‬ول بيع ما ليس عنــدك « )‬
‫‪ , (2‬حرم النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بيــن الســلف‬
‫والبيع لنه إذا أقرضه وباعه حاباه في البيع لجل القرض ‪،‬‬
‫وكذلك إذا آجره وباعه وما يظهرونه من بيع المانــة الــذي‬
‫يتفقون فيه على أنه إذا جاءه بالثمن أعاد إليــه المــبيع هــو‬
‫باطل باتفاق الئمة سواء شرطه في العقد أو تواطأ عليــه‬

‫‪680‬‬
‫قبل العقد على أصح قـولي العلمـاء ‪ ,‬والـواجب فـي مثـل‬
‫هذا أن يعاد العقار إلى ربه والمال إلى ربه ويعزر كل مــن‬
‫الشخصين إن كانــا علمــا بــالتحريم ‪ .‬والقــرض الــذي يجــر‬
‫منفعة قد ثبت النهي عنه عن غير واحد من الصحابة الذين‬
‫ذكرهم السائل وغيرهم كعبد الله بن سلم وأنس بن مالك‬
‫وروي ذلك مرفوعــا إلــى النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم ‪.‬‬
‫انتهى ‪.‬‬
‫فشرط المنفعة في مقابلة القرض أو التواطــؤ عليهــا مــن‬
‫غير اشتراط ظاهر حرام ‪ ,‬وكـذلك الحتيـال علــى حصـول‬
‫هذه المنفعة كمــا فــي هــذه المســألة وغيرهــا مــن الحيــل‬
‫حرام ‪ ،‬والله أعلم ‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪:‬‬
‫مسألة السفتجة ‪ :‬يتعلق بمبحث النفع الذي يجره القــرض‬
‫أيضا مسألة السفتجة المشهورة عند الفقهاء ‪.‬‬
‫الســفتجة بالســين المهملــة والتــاء وإســكان الفــاء بينهمــا‬
‫وبالجيم ‪ :‬كتاب يكتبه المستقرض للمقرض إلى نائبه ببلــد‬
‫آخر ليعطيه ما أقرضه ‪ ,‬وهي لفظة أعجمية )‪ ، (3‬قال في‬
‫المغني )‪ : (4‬وإن شرط أن يعطيــه إيــاه )يعنــي القــرض (‬
‫في بلد آخر وكان لحمله مؤنة لم يجــز ؛ لنــه زيــادة ‪ ,‬وإن‬
‫لم يكن لحمله مؤنة جــاز ‪ ,‬وحكــاه ابــن المنــذر عــن علــي‬
‫وابن عباس والحسن بن علي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مجموع الفتاوى ‪. 334- 333 \ 29‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي البيوع )‪,(1234‬سنن النسائي الــبيوع )‬
‫‪,(4611‬ســنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3504‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫التجارات )‪,(2188‬سنن الدارمي البيوع )‪.(2560‬‬
‫)‪ (3‬تهذيب السماء واللغات ‪. 149 \ 2‬‬
‫)‪ (4‬ج ‪ 4‬ص ‪. 355- 354‬‬
‫وابن الزبير وابن سيرين وعبد الرحمن بن الســود وأيــوب‬
‫الســختياني والثــوري وأحمــد وإســحاق وكرهــه الحســن‬
‫البصري وميمون بن أبي شــبيب وعبــدة بــن أبــي لبابــة ‪. .‬‬
‫ومالك والوزاعــي والشــافعي ؛ لنــه قــد يكــون فــي ذلــك‬
‫زيادة ‪ ,‬وقد نص أحمد على أن من شرط أن يكتب له بهــا‬

‫‪681‬‬
‫سفتجة لم يجز ‪ ,‬ومعناه اشــتراط القضــاء فــي بلــد آخــر ‪.‬‬
‫وروي عنــه جوازهــا لكونهــا مصــلحة لهمــا جميعــا إلــى أن‬
‫قال ‪ :‬والصحيح جوازه لنــه مصــلحة لهمــا مــن غيــر ضــرر‬
‫بواحد منها ‪ ,‬والشرع ل يرد بتحريم المصالح التي ل مضرة‬
‫فيهــا بــل بمشــروعيتها ‪ ,‬ولن هــذا ليــس بمنصــوص علــى‬
‫تحريمه ول في معنى المنصوص ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫وقال الشيخ تقي الدين )‪ : (1‬إذا أقرضه دراهم ليســتوفيها‬
‫منه فــي بلــد آخــر مثــل أن يكــون المقــرض غرضــه حمــل‬
‫الدراهم إلــى بلــد آخــر ‪ ,‬والمقــترض فــي ذلــك البلــد وهــو‬
‫محتاج إلى دراهم في بلد المقرض فيقــترض منــه ويكتــب‬
‫له )سفتجة ( أي ورقة إلى بلد المقــترض فهــذا يصــح فــي‬
‫أحد قــولي العلمــاء ‪ ] ,‬وقيــل ‪ :‬نهــي عنــه لنـه قــرض جــر‬
‫منفعــة ‪ ,‬والقــرض إذا جــر منفعــة كــان ربــا ‪ ,‬والصــحيح‬
‫الجواز [ لن المقترض رأى النفع بأمن خطر الطريق فــي‬
‫نقل دراهمه إلى ذلــك البلــد ‪ ,‬وقــد انتفــع المقــترض أيضــا‬
‫بالوفاء في ذلك البلد وأمن خطر الطريــق فكلهمــا منتفـع‬
‫بهذا القتراض ‪ ,‬والشارع ل ينهــى عمــا ينفعهــم ويصــلحهم‬
‫وإنما ينهى عما يضرهم ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫وبناء على ما اختاره هذان المامان من مــذهب مــن يــرى‬
‫جــواز هــذه المعاملــة يتضــح أن التحويــل عــن طريــق‬
‫المصارف والبنوك من بلد إلى بلد عملية جــائزة إذا خلــت‬
‫من أخذ المصرف أو البنك زيادة من العميل )‪ , (2‬أمــا إذا‬
‫أخذها فالمسألة موضع إشكال وتحتاج إلى دراسة متعمقة‬
‫‪ ,‬والله أعلم ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مجموع الفتاوى ‪. 531 - 530 \ 29‬‬
‫)‪ (2‬وهو ما يسمونه العمولة ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬إنــه بــدل أتعــاب‬
‫وليس زيادة ‪.‬‬
‫القرض بالفائدة ‪:‬‬
‫علمنا مما سبق تحريم الفائدة المشترطة في القرض من‬
‫الكتــاب والســنة والجمــاع ‪ ,‬وأن ذلــك يتنــاول أي فــائدة‬
‫يشترطها المقرض على المقترض ‪ ،‬فإن مقصــود القــرض‬
‫إرفاق المقترض ونفعه ليس مقصوده المعاوضة والربــح ‪,‬‬

‫‪682‬‬
‫ولهذا شبه بالعارية حتى سماه رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم منيحة ورق ‪ ,‬فكــأنه أعــاره الــدراهم ثــم اســترجعها‬
‫منه لكن لم يمكن استرجاع العين فاسترجع المثــل ‪ ,‬فهــو‬
‫بمنزلة من تبرع لغيره بمنفعة ماله ثم استعاد العين )‪، (1‬‬
‫فعلى هذا يكون القرض بالفائدة الذي تنتهجه البنــوك فــي‬
‫العصر الحاضر هو الربا الصريح الذي حرمه اللــه ورســوله‬
‫وترتب عليه الوعيد الشديد في الدنيا والخرة ‪ ،‬حيث تقوم‬
‫تلــك البنــوك بعقــد صــفقات القــروض بينهــا وبيــن ذوي‬
‫الحاجــات وأربــاب التجــارات وأصــحاب المصــانع والحــرف‬
‫المختلفة فتدفع لهؤلء مبالغ من المال نظير فائدة محددة‬
‫بنسبة مئويــة وتــزداد هــذه النســبة فــي حالــة التــأخر عــن‬
‫السداد في الموعد المحدد فيجتمع بذلك ربا الفضــل وربــا‬
‫َ‬ ‫عــ َ‬
‫ن‬
‫مــرِهِ أ ْ‬
‫نأ ْ‬‫ن َ ْ‬‫خــال ُِفو َ‬
‫ن يُ َ‬
‫ذي َ‬ ‫حــذ َرِ اّلــ ِ‬‫النســيئة )‪ } , (2‬فَل ْي َ ْ‬
‫م { )‪. (3‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫تصيبهم فتن ٌ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ة أو ْ ي ُ ِ‬ ‫ُ ِ َُ ْ ِ َْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مجموع الفتاوى الكبرى ص ‪ 147- 146‬ج ‪. 3‬‬
‫)‪ (2‬بمعناه من المعاملت المصرفية وموقف السلم منها‬
‫للشيخ سعود بن دريب ص ‪. 52- 51‬‬
‫)‪ (3‬سورة النور الية ‪63‬‬
‫مقارنة بين ربا النسيئة وربا الفضل ‪:‬‬
‫‪ - 1‬ربا النســيئة ربــا جلــي وربــا الفضــل ربــا خفــي ‪ ,‬وربــا‬
‫النسيئة هو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية ‪ ,‬فكان الدائن‬
‫يــؤخر الــدين عــن المــدين ويزيــده عليــه ‪ ,‬وكلمــا أخــر زاد‬
‫الدين حتى تصير المائة آلفا مؤلفة ‪.‬‬
‫‪ - 2‬ربا النسيئة حرم قصدا لما فيــه مــن الضــرر العظيــم ‪,‬‬
‫وهو إثقال كاهل المدين من غير فــائدة تحصــل لــه ‪ ,‬وربــا‬
‫الفضل حرم لنه وسيلة لربا النسيئة كما فــي حــديث أبــي‬
‫سعيد الخدري رضي الله عنه عن النــبي صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم قال ‪ » :‬ل تــبيعوا الــدرهم بالــدرهمين فــإني أخــاف‬
‫عليكم الرما « ‪ ,‬والرما هو الربا فمنعهــم مــن ربــا الفضــل‬
‫لما يخافه عليهم من ربا النسيئة ‪ ,‬وذلــك إذا بــاعوا درهمــا‬
‫بدرهمين ‪ ,‬ول يفعل هذا إل للتفاوت بين النوعين إمــا فــي‬

‫‪683‬‬
‫الجودة أو غيرها ‪ ,‬فإنهم يتدرجون من الربح المعجــل إلــى‬
‫الربح المؤخر وهو ربا النسيئة )‪. (1‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬إعلم الموقعين ص ‪136‬ج ‪. 2‬‬
‫‪ - 3‬ربا النسيئة مجمع على تحريمه إجماعــا قطعيــا ‪ ,‬وربــا‬
‫الفضل وقع فيه خلف ضعيف كما سبق ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ربا النسيئة لم يبح منه شيء ‪ ,‬وربا الفضــل أبيــح منــه‬
‫ما دعت الحاجة إليه ‪ ,‬كذا يقول ابن القيــم ‪ -‬رحمــه اللــه ‪-‬‬
‫في إعلم الموقعين )‪ , (1‬قال ‪ :‬لن ما حرم سدا للذريعــة‬
‫أخف مما حرم تحريم المقاصد ‪ ,‬وذكر من ذلك مسألتين ‪:‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬العرايــا فإنهــا مســتثناة مــن منــع تحريــم‬
‫الرطب بالتمر الذي جاء النهي عنـه فـي حـديث سـعد بـن‬
‫أبي وقاص رضي الله عنــه قــال ‪ » :‬ســمعت رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وسلم يسـأل عـن اشـتراء التمـر بـالرطب‬
‫فقال لمن حوله ‪ :‬أينقص الرطب إذا يبس ؟ قالوا ‪ :‬نعــم ‪,‬‬
‫فنهى عن ذلك « )‪ ، (2‬فقد خصص مــن هــذا الحــديث بيــع‬
‫العرايا ‪ -‬وهي جمع عريــة ‪ -‬فعيلـة بمعنــى مفعولــة ‪ .‬وهــي‬
‫في اللغة ‪ :‬كل شيء أفرد من جملة ‪ ,‬قال أبو عبيــد ‪ :‬مــن‬
‫عراه يعروه إذا قصـده ‪ ,‬ويحتمــل أن يكــون فعيلـة بمعنـى‬
‫فاعلة من عــري يعــرى إذا خلــع ثيــابه ‪ ,‬كأنهــا عريــت مــن‬
‫جملة التحريــم ‪ -‬أي خرجــت ‪ -‬وقــال ابــن عقيــل هــي فــي‬
‫الشرع ‪ :‬بيع رطب في رءوس نخله بتمر كيل ‪ -‬وهذا علــى‬
‫الصحيح من مذهب الحنابلة ‪ :‬أن العرية مختصــة بــالرطب‬
‫والتمر )‪ - (3‬والــدليل علــى تخصــيص العرايــا مــن حــديث‬
‫النهي عن بيع الرطب بــالتمر هــو حــديث رافــع بــن خديــج‬
‫وسهل بن أبي حثمة ‪ » :‬أن النبي صلى اللــه عليــه وســلم‬
‫نهى عن المزابنة ‪ -‬بيع الثمــر بــالتمر ‪ -‬إل أصــحاب العرايــا‬
‫فإنه قد أذن لهم « )‪ , (4‬وعن زيد بن ثــابت ‪ » :‬أن النــبي‬
‫صــلى اللــه عليــه وســلم رخــص فــي بيــع العرايــا أن تبــاع‬
‫بخرصها كيل « )‪ , (5‬رواه أحمد والبخاري ‪.‬‬
‫وفــي لفــظ ‪ » :‬رخــص فــي العريــة يأخــذها أهــل الــبيت‬
‫بخرصها تمرا يأكلونها رطبا « )‪ - (6‬متفق عليه )‪ - (7‬قــال‬
‫شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ‪ :‬وأما العرايا فإن النبي‬

‫‪684‬‬
‫صلى الله عليه وسلم استثناها مما نهى عنه مــن المزابنــة‬
‫أن يشتري الرطب في الشــجر بخرصــه مــن التمــر )‪, (8‬‬
‫ويشترط لباحة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬إعلم الموقعين ص ‪ 140‬ج ‪. 2‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي البيوع )‪,(1225‬سنن أبــو داود الــبيوع )‬
‫‪,(3359‬سنن ابن ماجه التجارات )‪,(2264‬مسند أحمد بن‬
‫حنبل )‪,(1/179‬موطأ مالك البيوع )‪.(1316‬‬
‫)‪ (3‬المطلع على أبواب المقنع ص ‪. 241‬‬
‫)‪ (4‬صــحيح البخــاري المســاقاة )‪,(2254‬صــحيح مســلم‬
‫الــبيوع )‪,(1540‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1303‬ســنن‬
‫النسائي البيوع )‪,(4543‬سنن أبو داود البيوع )‪.(3363‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري البيوع )‪,(2076‬صحيح مسلم الــبيوع )‬
‫‪,(1539‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1300‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4539‬سنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3362‬ســنن ابــن‬
‫مـــاجه التجـــارات )‪,(2269‬مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )‬
‫‪,(5/182‬موطأ مالك البيوع )‪,(1307‬سنن الدارمي الــبيوع‬
‫)‪.(2558‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري البيوع )‪,(2079‬صحيح مسلم الــبيوع )‬
‫‪,(1540‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1303‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4543‬سنن أبو داود البيوع )‪.(3363‬‬
‫)‪ (7‬نيل الوطار ‪. 212 \ 5‬‬
‫)‪ (8‬مجموع الفتاوى ‪. 427 \ 29‬‬
‫بيع العرايا خمسة شروط هي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يبيعها خرصا بمثــل مــا تــؤول إليــه إذا جفــت كيل ل‬
‫جزافا ؛ لن الصل اعتبار الكيل من الجانبين فســقط فــي‬
‫أحدهما وأقيم الخرص مقامه للحاجة ‪ ,‬فيبقى الخــر علــى‬
‫مقتضى الصل ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يكون مقدار العرية فيما دون خمسة أوســق لقــول‬
‫أبي هريرة ‪ » :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص فــي‬
‫العرايا أن تباع بخرصها فيما دون خمسة أو خمسة أوســق‬
‫« )‪. (1‬‬

‫‪685‬‬
‫شــك داود بــن الحصــين )‪ (2‬أحــد رواتــه فل يجــوز فــي‬
‫الخمسة لوقوع الشك فيها ‪.‬‬
‫والوسق ‪ :‬ستون صاعا بالصاع النبوي ‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكــون المشــتري محتاجــا إلــى الرطــب لمــا ذكــره‬
‫الشافعي في اختلف الحديث عن محمود بــن لبيــد قــال ‪:‬‬
‫قلــت لزيــد بــن ثــابت ‪ :‬مــا عرايــاكم هــذه ؟ قــال ‪ :‬فلن‬
‫وأصحابه شكوا إلى رسول الله صلى الله عليــه وســلم أن‬
‫الرطب يحضر وليس عندهم ذهب ول فضــة يشــترون بهــا‬
‫منه ‪ ,‬وعندهم فضل تمر من قوت سنتهم فرخص لهــم أن‬
‫يشتروا العرايــا بخرصــها مــن التمــر يأكلونهــا رطبــا ‪ ،‬قــال‬
‫الشافعي ‪ :‬وحديث سفيان يدل لهذا فإن قــوله ‪) :‬يأكلونهــا‬
‫رطبا ( يشعر بأن مشـتري العريـة يشـتريها ليأكلهـا ‪ ,‬وأنـه‬
‫ليس له رطب يأكله غيرها )‪. (3‬‬
‫‪ - 4‬أن يكون مشتري العرية ل ثمن معه كمــا فــي حــديث‬
‫محمود بن لبيد المذكور ‪.‬‬
‫‪ - 5‬حصـــول التقـــابض )‪ (4‬بيـــن البـــائع والمشـــتري ‪,‬‬
‫فالمشتري يقبض الرطب علــى النخلــة بالتخليــة ‪ ,‬والبــائع‬
‫يقبض التمر بكيله وتسلمه من المشتري ‪.‬‬
‫المسألة الثانيــة ‪ :‬مســألة بيــع الحلــي المصــاغ بــذهب زائد‬
‫على وزنه ‪ ,‬قال الشيخ تقي الدين في الختيارات الفقهيــة‬
‫)‪ ] : (5‬ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من‬
‫غير‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صــحيح البخــاري المســاقاة )‪,(2253‬صــحيح مســلم‬
‫الــبيوع )‪,(1541‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1301‬ســنن‬
‫النســــائي الــــبيوع )‪,(4541‬ســــنن أبــــو داود الــــبيوع )‬
‫‪,(3364‬مسند أحمد بن حنبل )‪,(2/237‬موطأ مالك البيوع‬
‫)‪.(1308‬‬
‫)‪ (2‬فتح الباري ‪. 388 \ 4‬‬
‫)‪ (3‬فتح الباري ‪. 393 - 392 \ 4‬‬
‫)‪ (4‬انظر هذه الشروط في حاشــية العنقــري علــى شــرح‬
‫الزاد ‪ ، 113 \ 2‬وكشاف القناع ‪. 211 \ 3‬‬
‫)‪ (5‬ص ‪. 127‬‬

‫‪686‬‬
‫اشتراط التماثل ‪ ,‬ويجعل الزائد في مقابلة الصــنعة ســواء‬
‫كان البيع حال أو مؤجل ما لم يقصد كونها ثمنــا [ ‪ ,‬ومعنــى‬
‫قوله ‪ ] :‬ما لم يقصد كونها ثمنا [ أي لم يقصد الثمنية فــي‬
‫الحلي وإنما قصد كونه حليا يلبس كالثياب ‪.‬‬
‫وقد أفاض العلمة ابن القيم في هذا الموضوع حيــث قــال‬
‫)‪ " : (1‬وأما إن كانت الصياغة مباحة كخاتم الفضة وحليــة‬
‫النساء وما أبيح من حلية الســلح وغيرهــا فالعاقــل ل يــبيع‬
‫هذه بوزنهــا مــن جنســها فــإنه ســفه وإضــاعة للصــنعة " ‪,‬‬
‫والشارع أحكم من أن يلزم المة بذلك فالشــريعة ل تــأتي‬
‫به ول تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه لحاجة الناس إليه ‪،‬‬
‫فلم يبق إل أن يقال ‪ :‬ل يجوز بيعها بجنسها ألبتة بل يبيعها‬
‫بجنس آخر وفي هذا من الحرج والعسر والمشقة ما تنفيه‬
‫الشريعة ‪ ,‬فإن أكثر الناس ليس عندهم ذهب يشترون بــه‬
‫ما يحتــاجون إليــه مــن ذلــك ‪ ,‬والبــائع ل يســمح بــبيعه بــبر‬
‫وشعير وثياب ‪ ,‬وتكليف الستصناع لكل من احتاج إليه إما‬
‫متعذر أو متعسر ‪ ,‬والحيل باطلة فــي الشــرع ‪ ,‬وقــد جــوز‬
‫الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب ‪ ,‬وأين هــذا مــن‬
‫الحاجـة إلـى بيـع المصـوغ الـذي تـدعو الحاجـة إلـى بيعـه‬
‫وشرائه ‪ ,‬فلم يبق إل جواز بيعه كما تباع الســلع ‪ ,‬فلــو لــم‬
‫يجز بيعه بالدراهم فسدت مصالح الناس ‪.‬‬
‫والنصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليــه وســلم‬
‫ليس فيها ما هو صريح في المنع ‪ ,‬وغايتها أن تكـون عامـة‬
‫أو مطلقة ول ينكر تخصيص العام وتقييد المطلق بالقياس‬
‫الجلي ‪ ,‬إلى أن قال ‪ " :‬يوضحه أن الحلية المباحة صــارت‬
‫بالصنعة المباحة من جنــس الثيــاب والســلع ل مــن جنــس‬
‫الثمان ‪ ،‬ولهذا لم تجب فيها الزكــاة فل يجــري الربــا بينهــا‬
‫وبين الثمان ‪ ,‬كما ل يجري بين الثمان وبين ســائر الســلع‬
‫وإن كانت من غير جنسها ‪ ,‬فإن هذه بالصناعة قد خرجــت‬
‫عن مقصود الثمان وأعدت للتجارة فل محــذور فــي بيعهــا‬
‫بجنسها ‪ ,‬ول يدخلها )إما أن تقضي وإما أن تربي ( إل كمــا‬
‫يــدخل فــي ســائر الســلع إذا بيعــت بــالثمن المؤجــل " ‪,‬‬
‫ومضى العلمة ابن القيم يــبرر هــذا الــرأي حــتى اســتغرق‬
‫قرابة ست صفحات ‪.‬‬

‫‪687‬‬
‫هذا حاصل رأي الشيخ تقي الدين وتلميذه ابــن القيــم فــي‬
‫بيــع الحلــي مــن الــذهب أو الفضــة بجنســه مــع زيــادة‬
‫‪-‬والمذهب أن ذلك ل يجــوز ‪ -‬قــال فــي القنــاع وشــرحه )‬
‫‪ : (2‬فل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬إعلم الموقعين ‪. 141 - 140 \ 2‬‬
‫)‪ (2‬كشاف القناع عن متن القناع ‪. 206 \ 3‬‬
‫يجوز بيع مصنوع من الموزونات لم تخرجــه الصــناعة عــن‬
‫الوزن بجنسه إل بمثله وزنا ســواء مــاثله فــي الصــناعة أو‬
‫ل ؛ لعمــوم الحــديث ‪ ,‬وجــوز الشــيخ بيــع مصــنوع مبــاح‬
‫الســتعمال كخــاتم ونحــوه بيــع بجنســه بقيمتــه حــال جعل‬
‫للزائد عن وزن الخاتم في مقابلة الصــنعة فهــو كــالجرة ‪,‬‬
‫وكذا جوزه )أي بيــع خــاتم بجنســه بقيمتــه نســاء ( مــا لــم‬
‫يقصد كونها ثمنا فإن قصد ذلك لم يجز النسأ ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫‪ - 6‬الشياء التي يجري فيها الربا ‪:‬‬
‫هنــاك أشــياء مجمــع )‪ (1‬علــى جريــان الربــا فيهــا وهــي‬
‫الصناف الستة ‪ :‬الــذهب والفضــة والــبر والشــعير والتمــر‬
‫والملح ‪ ,‬وما عدا هذه الصــناف فقــد اختلــف فــي جريــان‬
‫الربا فيه ‪ ,‬ومنشأ هذا الخلف يرجــع إلــى أنــه هــل يقــاس‬
‫على هذه الصناف غيرها مما شاركها في العلــة أو ل ؟ أو‬
‫بعبارة أخرى ‪ :‬هل تحريم الربــا فــي هــذه الشــياء لمعنــى‬
‫فيها فيقاس عليها غيرها مما شـاركها فـي هـذا المعنـى أو‬
‫لعيانها ‪ ,‬وإذا كان لمعنى فيها فهل عرف ذلك المعنى ‪.‬‬
‫أول ‪ -‬إليك أقوالهم في ذلك ‪:‬‬
‫القول الول ‪ :‬أن تحريم الربــا محصــور فــي هــذه الشــياء‬
‫الستة ل يتجاوزها إلى غيرها ‪ ,‬ويروى هذا القول عن قتادة‬
‫وهو قول أهل الظاهر )‪ (2‬وقال به أيضا طــاوس وعثمــان‬
‫البتي وأبو سليمان )‪ , (3‬قال ابن حــزم بعــد )‪ (4‬أن ســاق‬
‫بعض الدلة على تحريم الربا والوعيد عليه ‪ :‬فإذا أحل الله‬
‫البيع وحرم الربــا فــواجب طلـب معرفتــه ليتجنــب ‪ ,‬وقــال‬
‫ضـط ُرِْرت ُ ْ‬
‫م‬ ‫مــا ا ْ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م إ ِل ّ َ‬ ‫حّر َ‬
‫ما َ‬
‫م َ‬‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫تعالى ‪ } :‬وَقَد ْ فَ ّ‬
‫ص َ‬
‫إ ِل َي ْهِ { )‪ (5‬فصح أن ما فصل لنا بيانه على لســان رســوله‬
‫عليه السلم من الربا أو من الحرام فهو ربا وحــرام ‪ ,‬ومــا‬

‫‪688‬‬
‫لم يفصل لنا تحريمه فهو حلل ؛ لنه لو جاز أن يكون فــي‬
‫الشريعة شيء حرمه الله تعالى ثم لم يفصله لنــا ول بينــه‬
‫رسوله عليه السلم لكان تعالى كاذبــا فـي قـوله ‪ } :‬وَقَـد ْ‬
‫م { )‪ (6‬وهــذا كفــر صــريح ممــن‬ ‫م عَل َي ْك ُـ ْ‬
‫حّر َ‬
‫ما َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫فَ ّ‬
‫ص َ‬
‫قال به ‪ ,‬ولكان رسول الله صلى الله عليــه وســلم عاصــيا‬
‫لربه تعالى ؛ إذ أمره بالبيان فلــم يــبين فهــذا كفــر مــتيقن‬
‫ممن أجازه ‪ .‬ا ه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المبدع ص ‪ 128‬ج ‪ ، 4‬إعلم الموقعين ص ‪136‬ج ‪. 2‬‬
‫)‪ (2‬المبدع ص ‪ 128‬ج ‪ ، 4‬إعلم الموقعين ص ‪136‬ج ‪. 2‬‬
‫)‪ (3‬المحلى ج ‪ 9‬ص ‪. 504‬‬
‫)‪ (4‬المحلى ج ‪ 9‬ص ‪. 504‬‬
‫)‪ (5‬سورة النعام الية ‪119‬‬
‫)‪ (6‬سورة النعام الية ‪119‬‬
‫وهو كلم فيه قسوة وشدة كما هي عادة ابن حــزم رحمــه‬
‫الله ‪.‬‬
‫وممن اختار هذا القول المام الصــنعاني حيــث يقــول فــي‬
‫سبل السلم شرح بلوغ المرام )‪ (1‬ما نصه ‪ " :‬ولكـن لمـا‬
‫لــم يجــدوا ‪ -‬أي الجمهــور ‪ -‬علــة منصوصــة اختلفــوا فيهــا‬
‫اختلفا كثيرا يقوي للناظر العارف أن الحق ما ذهبت إليــه‬
‫الظاهرية من أنه ل يجري الربا إل فــي الســتة المنصــوص‬
‫عليها ‪ ,‬وقد أفردنا الكلم علــى ذلـك فــي رسـالة مسـتقلة‬
‫سميتها ‪) :‬القول المجتــبى ( ‪ .‬ا ه ‪ ,‬واختــاره مــن الحنابلــة‬
‫ابن عقيل )‪ (2‬في آخر مصنفاته مع قوله بالقياس ‪ ,‬قــال ‪:‬‬
‫لن علل القياسيين في مسألة الربا علل ضعيفة ‪ ,‬وإذا لم‬
‫تظهر فيه علة امتنع القياس‬
‫القول الثاني ‪ :‬وهو قول جمهــور العلمــاء أن الربــا يتجــاوز‬
‫هذه الصناف الستة إلى غيرهــا ممــا شـاركها فــي العلـة ‪,‬‬
‫قال الشوكاني في الدراري البهية )‪) : (3‬ومما يــدل علــى‬
‫أن الربا يثبت في غير هذه الجناس حديث ابــن عمــر فــي‬
‫الصحيحين قال ‪ » :‬نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫عن المزابنة أن يبيع الرجل ثمر حائطه إن كــان نخل بثمــر‬
‫كيل ‪ ,‬وإن كان كرما أن يبيعه بكيل طعام ‪ ،‬نهى عــن ذلــك‬

‫‪689‬‬
‫كله « )‪ , (4‬وفي لفظ لمســلم ‪ :‬عــن كــل ثمــر يخرصــه ‪,‬‬
‫فــإن هــذا الحــديث يــدل علــى ثبــوت الربــا فــي الكــرم‬
‫والزبيب ‪ ,‬ورواية مسلم تدل علــى أعـم مـن ذلـك ‪ ,‬وممـا‬
‫يدل على اللحاق ما أخرجه مالك في الموطــأ عــن ســعيد‬
‫بن المسيب ‪ » :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم نهــى عــن‬
‫بيع اللحم بالحيوان « ‪ ,‬وأخرجه أيضا الشافعي ‪ ,‬وأبــو داود‬
‫في المراسيل ‪ ,‬ووصله الدارقطني في الغرائب عن مالك‬
‫عن الزهري عن سهل بن ســعد ‪ ,‬وحكــم بضــعفه وصــوب‬
‫الرواية المرسلة ‪ ,‬وتبعه ابــن عبــد الــبر ‪ ,‬ولــه شــاهد مــن‬
‫حديث ابن عمر عند البزار إلى أن قال ‪ :‬وله شــاهد أقــوى‬
‫منه في رواية الحسن عـن سـمرة عنــد الحـاكم والـبيهقي‬
‫وابن خزيمة ‪ ،‬ومما يؤيد ذلك حديث رافع بن خديج وسـهل‬
‫بن أبي حثمة عند الترمذي في رخصة العرايــا وفيــه ‪ :‬عــن‬
‫بيع العنب بالزبيب وعن كل ثمر يخرصه ‪.‬‬

‫ولمــا اتفقــوا علــى أنــه يلحــق بالصــناف المنصوصــة مــا‬


‫شاركها في العلة ولم تكــن تلــك العلــة منصوصــة اختلفــوا‬
‫فيها على القوال التالية ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صفحة ‪ 8‬ج ‪ 3‬ط الستقامة عام ‪1369‬ه ‪.‬‬
‫)‪ (2‬المبدع ص ‪ 128‬ج ‪ ، 4‬وإعلم الموقعين ص ‪ 136‬ج ‪2‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (3‬ص ‪. 105‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري البيوع )‪,(2091‬صحيح مسلم الــبيوع )‬
‫‪,(1542‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4549‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫التجارات )‪.(2265‬‬
‫‪ - 1‬علة الربا في النقدين ‪:‬‬
‫اختلفوا في ذلك على قولين ‪:‬‬
‫القول الول ‪ :‬أن العلة فيهما الوزن ‪ ،‬وهــذا مــذهب أحمــد‬
‫في إحدى الروايتين عنه )‪ (1‬ومذهب أبي حنيفة )‪ (2‬فعلى‬
‫هذا القول يجري الربــا فــي كــل مــوزون مطعومــا كـان أو‬
‫غيره لقوله صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ » :‬ل تــبيعوا الــذهب‬
‫بالذهب إل وزنا بوزن « )‪ , (3‬وعلى هذا ل يجري الربا في‬

‫‪690‬‬
‫النقود الورقية المستعملة اليوم ول في الفلوس مــن غيــر‬
‫ذهب أو فضة لنها غير موزونة ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن العلة فيهما الثمنية وهذا قول الشــافعي‬
‫ومالك وأحمد في الروايــة الثانيــة )‪ , (4‬قــال العلمــة ابــن‬
‫القيم الثانية )‪ . (5‬وهذا هو الصــحيح بـل الصـواب ‪ ,‬وعلـل‬
‫لذلك بأمرين ‪:‬‬
‫المــر الول ‪ :‬أنهــم أجمعــوا علــى جــواز إســلمهما فــي‬
‫الموزونات من النحاس والحديد وغيرهما من الموزونات ‪،‬‬
‫فلو كان النحاس والحديد ربويين لم يجز بيعهما إلــى أجــل‬
‫بدراهم نقدا؛ فإن ما يجري فيه الربا إذا اختلف جنسه جاز‬
‫التفاضل فيه دون النسأ ‪ ,‬والعلة إذا انتقضت من غير فرق‬
‫مؤثر دل على بطلنها ‪.‬‬
‫المر الثاني ‪ :‬أن التعليـل بـالوزن ليـس فيـه مناسـبة فهـو‬
‫طــرد محــض بخلف التعليــل بالثمنيــة ‪ ,‬فــإن الــدراهم‬
‫والدنانير أثمان المبيعات ‪ ,‬والثمن هو المعيار الذي يعــرف‬
‫به تقويم العمال ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية ‪ :‬والظهر أن العلة في ذلــك‬
‫هــي الثمنيــة ل الــوزن )‪ , (6‬وبنــاء علــى هــذا القــول فــإنه‬
‫يجــري الربــا فــي الوراق النقديــة المتعامــل بهــا فــي هــذا‬
‫العصر ‪ ,‬وقد جاء فــي قــرار هيئة كبــار العلمــاء حــول هــذا‬
‫الموضوع ما نصه ‪ (7) :‬وحيث إن القول باعتبار‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬إعلم المــوقعين لبــن القيــم ص ‪ 137‬ج ‪ ، 2‬والمبــدع‬
‫ص ‪ 128‬ج ‪. 4‬‬
‫)‪ (2‬بدائع الصنائع ص ‪ 183‬ج ‪. 5‬‬
‫)‪ (3‬صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )‪,(2066‬صـــحيح مســـلم‬
‫المساقاة )‪,(1590‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4579‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪.(5/38‬‬
‫)‪ (4‬انظر مغني المحتاج ص ‪ 25‬ج ‪ ، 2‬وبداية المجتهــد ص‬
‫‪ 129‬ج ‪ ، 2‬وإعلم الموقعين ص ‪ 137‬ج ‪. 2‬‬
‫)‪ (5‬انظر مغني المحتاج ص ‪ 25‬ج ‪ ، 2‬وبداية المجتهــد ص‬
‫‪ 129‬ج ‪ ، 2‬وإعلم الموقعين ص ‪ 137‬ج ‪. 2‬‬
‫)‪ (6‬مجموع الفتاوى ص ‪ 471‬ج ‪. 29‬‬

‫‪691‬‬
‫)‪ (7‬مجلــة البحــوث الســلمية ‪ ,‬المجلــد الول ‪ ,‬رجــب ‪,‬‬
‫شعبان ‪ ,‬رمضان ‪1395‬ه ‪.‬‬
‫مطلق الثمنية علة في جريان الربا في النقدين هو الظهر‬
‫دليل والقرب إلى مقاصد الشريعة ‪ ,‬وهو إحــدى الروايــات‬
‫عن الئمة ‪ :‬مالك وأبي حنيفة وأحمد ‪ ,‬قال أبو بكــر ‪ :‬روى‬
‫ذلك عن أحمد جماعة كما هو اختيار بعض المحققيــن مــن‬
‫أهل العلم كشيخ الســلم ابــن تيميــة وتلميــذه ابــن القيــم‬
‫وغيرهما ‪ ,‬وحيث إن الثمنية متحققــة بوضــوح فــي الوراق‬
‫النقدية لذلك كله فإن هيئة كبــار العلمــاء تقــرر بأكثريتهــا ‪:‬‬
‫أن الورق النقدي يعتبر نقدا قائما بذاته كقيام النقدية فــي‬
‫الذهب والفضة وغيرها مــن الثمــان ‪ ,‬وأنــه أجنــاس تتعــدد‬
‫بتعدد جهات الصدار ‪ ,‬بمعنى أن الورق النقــدي الســعودي‬
‫جنــس ‪ ,‬وأن الـورق المريكـي جنـس ‪ ,‬وهكـذا كـل عملـة‬
‫ورقية جنس مستقل بذاته وأنه يترتب علــى ذلــك الحكــام‬
‫الشرعية التية ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬جريان الربا بنوعيه فيها كما يجري الربا بنــوعيه فــي‬
‫النقدين الذهب والفضة وفي غيرها من الثمـان كـالفلوس‬
‫وهذا يقتضي ما يلي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬ل يجوز بيع بعضه ببعض أو بغيره مــن الجنــاس النقديــة‬
‫الخرى من ذهب أو فضــة أو غيرهمــا نســيئة مطلقــا ‪ ,‬فل‬
‫يجوز مثل بيع الدولر المريكي بخمســة أريلــة ســعودية أو‬
‫أقل أو أكثر نسيئة ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ل يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضــه ببعــض متفاضــل‬
‫سواء كان ذلك نسيئة أو يدا بيد ‪ ,‬فل يجوز مثل بيع عشــرة‬
‫أريلة سعودية ورق بأحد عشر ريال سعوديا ورقا ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنســه مطلقــا إذا كــان‬
‫ذلك يدا بيد ‪ ,‬فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانيــة بريــال‬
‫سعودي ورقا كان أو فضة أو أقل من ذلك أو أكــثر ‪ ,‬وبيــع‬
‫الدولر المريكي بثلثة أريلــة ســعودية أو أقــل أو أكــثر إذا‬
‫كــان ذلــك يــدا بيــد ‪ ,‬ومثــل ذلــك فــي الجــواز بيــع الريــال‬
‫السعودي الفضة بثلثة أريلة سعودية ورق أو أقــل أو أكــثر‬
‫يدا بيد ؛ لن ذلــك يعتــبر بيــع جنــس بغيــر جنســه ‪ ,‬ول أثــر‬
‫لمجرد الشتراك في السم مع الختلف في الحقيقة ‪.‬‬

‫‪692‬‬
‫ثانيا ‪ :‬وجوب زكاتها إذا بلغــت قيمتهــا أدنــى النصــابين مــن‬
‫ذهــب أو فضــة ‪ ,‬أو كــانت تكمــل النصــاب مــع غيرهــا مــن‬
‫الثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكــة لهــل‬
‫وجوبها ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬جواز جعلها رأس مال في السلم والشــركات ‪ .‬ا ه ‪،‬‬
‫هذا ما قررتــه الهيئة وهــو قــرار يتســم بالوضــوح وســلمة‬
‫المبنى ‪ ,‬حيث بني على القول الراجــح باعتبــار العلــة فــي‬
‫النقدين الثمنية فيتعدى ذلك إلى كل ما جعل أثمانا ‪ ,‬لكــن‬
‫لم يتضح لي وجه اعتبار النقود الورقية إذا اختلفت جهــات‬
‫إصدارها أجناسا مختلفة يجوز فيها التفاضل ‪ ,‬والقــرار لــم‬
‫يوضح وجه ذلك ‪ ,‬ولئن كــان اختلف الجنــس واضــحا بيــن‬
‫نقود الذهب والفضة ونقود الورق لختلف مادة كــل منهــا‬
‫عن الخرى فليس ذلك واضحا في نقود الــورق الــتي هــي‬
‫مــن مــادة واحــدة اختلــف اســمها فقــط واختلفــت جهــة‬
‫إصدارها ‪ ,‬ولم نر لختلف الســم والجهــة أثــرا فــي نقــود‬
‫الذهب والفضة لما كانت مادتهما واحــدة ‪ ,‬كمــا أن القــرار‬
‫اعتبرها متقومة في مسألة الزكاة كالعروض ‪ ,‬فلم يتحــرر‬
‫له رأي فيها ‪.‬‬
‫وبعض الباحثين من علماء العصر )‪ (1‬يميل إلى جــواز ربــا‬
‫الفضل في الوراق النقدية دون ربــا النســيئة ‪ ,‬وبــرر ذلــك‬
‫بعدة أمور ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن تحريم ربا الفضل إنما كان لجل أنه وسيلة إلى ربا‬
‫النسيئة ‪.‬‬
‫‪ - 2‬لن بعض العلمــاء أجــازه )أي ربــا الفضــل ( وإن كــان‬
‫محجوجا بالدلة الشرعية ‪.‬‬
‫‪ - 3‬كون الوراق غير منقودة حقيقية ‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن كثيرا من الصحاب رجح بيع الفلوس بعضها ببعــض‬
‫حاضــرا بحاضــر بــدون شــرط التماثــل ‪ ,‬ومنــع بيــع بعضــها‬
‫ببعض مؤجل ومن بيعها بأحــد النقــدين مــؤجل ‪ ,‬والفلــوس‬
‫إلى النقدين أقرب من النواط إلى النقدين ‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن ربا الفضل أبيح منه ما تدعو الحاجــة إليــه كمســألة‬
‫العرايا ‪ ,‬وأجاز كثير من أهل العلم بيع حلي الذهب بــذهب‬

‫‪693‬‬
‫وحلي الفضة بفضــة متفاضــل بيــن الحلــي والســكة ‪ ،‬جعل‬
‫للصنعة أثرها من الثمنية والتقويم ‪.‬‬
‫‪ - 6‬الحاجة بل الضطرار إلى هذه المسألة التي في كــثير‬
‫من القطار التي يضطر أهلها على الجــري علــى القواعــد‬
‫المؤسسة عندهم في المعــاملت الــتي ل يمكــن للمعامــل‬
‫الخروج عنها مع كونه غير ربا النسيئة مع كون النواط غير‬
‫جوهر الذهب والفضة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬هــو الشــيخ عبــد الرحمــن الســعدي ‪ ،‬انظــر الفتــاوى‬
‫السعدية ص ‪. 328- 327 ، 318‬‬
‫مع اختلف أهل العلم في حكمها مما يسوغ هذا القول بل‬
‫يرجحه ‪ .‬ا ه ‪ .‬هذا حاصل ما علل به لرأيــه ‪ ,‬والفــرق بينــه‬
‫وبين ما في قرار هيئة كبار العلماء الذي سـقناه قبـل ‪ ,‬أن‬
‫قــرار الهيئة أبــاح التفاضــل فــي الوراق النقديــة بشــرط‬
‫اختلف جهة الصدار ‪ ,‬وهــذا البــاحث أجــازه مطلقــا ‪ ,‬وأن‬
‫القرار اعتبر الوراق النقدية نقودا مستقلة ‪ ,‬وهذا البــاحث‬
‫اعتبرها بمنزلة الفلوس المعدنية ‪ ,‬فالمسوغ للتفاضل فيها‬
‫عنده هو كونها بمنزلة الفلوس ‪ ,‬والمســوغ لــه عنــد الهيئة‬
‫هو اختلف جهة الصدار باعتبارها اختلف جنس ‪.‬‬
‫ويمكننا أن نناقش هذا الرأي بأنه ما دام يحرم ربا النسيئة‬
‫في الوراق النقدية فيلزمه أن يحــرم ربــا التفاضــل فيهــا ؛‬
‫لنه وسيلة إلى ربا النسيئة بناء على قاعدة ســد الــذرائع ‪,‬‬
‫والمعروف في الشــرع أن الجنــس الواحــد مــن الربويــات‬
‫يحــرم فيــه ربــا الفضــل وربــا النســيئة كالــذهب بالــذهب‬
‫والفضة بالفضة فهكذا الــورق النقــدي ؛ لنــه جنــس واحــد‬
‫والعلــة فيــه واحــدة ‪ ,‬والمــبررات الــتي ذكرهــا ‪ -‬خصوصــا‬
‫دعوى الحاجة إلى جريان التفاضل في الوراق ‪ -‬ل تكفي ؛‬
‫لن مجرد دفع الحاجة ل يكفي مــبررا لباحــة الشــيء دون‬
‫نظر إلى الضرر المــترتب عليــه ‪ ,‬إذ مــن المعلــوم أن درء‬
‫المفســدة مقــدم علــى جلــب المصــلحة ‪ ,‬وقــوله ‪ :‬أن ربــا‬
‫الفضل أبيح منه مــا تــدعو الحاجــة إليــه كمســألة العرايــا ‪,‬‬
‫وأجاز كثير من أهل العلم بيع الحلي من الذهب أو الفضــة‬
‫بمثله متفاضل ‪.‬‬

‫‪694‬‬
‫يجاب عنه بأن العرايا قد استثناها النــبي صــلى اللــه عليــه‬
‫وســلم ممــا نهــى عنــه مــن المزابنــة ‪ ,‬وهــي أن يشــتري‬
‫الرطب في الشجر بخرصه من التمــر ؛ لنــه إذا لــم يعلــم‬
‫التماثل فــي ذلــك لــم يجــز الــبيع ‪ ,‬ولهــذا يقــول الفقهــاء ‪:‬‬
‫الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل ‪ ،‬والتماثل يعلـم بـالوزن‬
‫والكيل ‪ ,‬وأما الخــرص فيعمــل بــه عنــد الحاجـة ‪ ,‬فالعرايــا‬
‫رخصة رخص فيها الشارع تقدر بما ورد بــه النــص فقــط ‪,‬‬
‫وليس فيها تفاضل محقق بل يجتهد في خرصها وتماثلهــا ‪,‬‬
‫فإن حصل بعد ذلك فيها تفاضل فهو غير متعمــد ‪ ,‬ثـم هـل‬
‫بلغــت الحاجــة إلــى التفاضــل فــي الوراق النقديــة مبلــغ‬
‫الحاجة إلى العرايا التي رخص فيها رسول الله صلى اللــه‬
‫عليه وسلم ‪ ,‬وأما مسألة إجازة بعـض العلمـاء بيـع الحلـي‬
‫المصوغ من الذهب أو الفضة بمثله متفاضل فهــي مســألة‬
‫اجتهادية تفتقر إلى دليل ‪ ,‬ول يصح أن تتخذ دليل لما نحــن‬
‫فيه ‪ ,‬والله أعلم ‪.‬‬
‫‪ - 2‬علة الربــا فــي بقيــة الصــناف المنصوصــة وهــي الــبر‬
‫والشعير والتمر والملح ‪ ,‬اختلفوا في ذلك على أقوال ‪:‬‬
‫القول الول ‪ :‬أن علة ربا الفضــل فيهــا القتيــات والدخــار‬
‫وهــذا قــول المالكيــة )‪ ، (1‬أي مجمــوع المريــن فالطعــام‬
‫الربــوي مــا يقتــات ويــدخر ‪ ,‬أي مــا تقــوم بــه البينــة عنــد‬
‫القتصار عليــه ويــدخر إلــى المــد المبتغــى منــه عــادة ول‬
‫يفسد بالتأخير )‪ , (2‬وهــل يشــترط مــع ذلــك كــونه متخــذا‬
‫لغلبة العيش بــأن يكــون غــالب اســتعماله اقتيــات الدمــي‬
‫بالفعل كقمح وذرة أو ل يشترط كاللوبيــا ؟ قــولن عنـدهم‬
‫والكثر منهم على عدم اشتراط ذلك )‪ , (3‬ووجــه التعليــل‬
‫بالقتيات والدخار أنه أخص أوصاف الربعة المذكورة )‪(4‬‬
‫‪.‬‬
‫وعلة ربا النسأ عندهم مجرد الطعم ل على وجه التداوي ‪,‬‬
‫أي كونه مطعوما لدمي فتدخل الفاكهة والخضر كبطيخ أو‬
‫بقول كخس ونحو ذلك فيمنع بيع بعضــها ببعــض إلــى أجــل‬
‫ولــو تســاويا ‪ ,‬ويجــوز التفاضــل فيهــا فــي الجنــس الواحــد‬
‫وغيره ‪ ،‬فعلة ربــا النســأ مجــرد الطعميــة ‪ ،‬وجــد القتيــات‬
‫والدخــار أو لــم يوجــدا أو وجــد أحــدهما فقــط )‪ (5‬فهــم‬

‫‪695‬‬
‫يفرقون بين علة ربا الفضل وعلة ربا النسأ ‪ ,‬قـال العلمـة‬
‫القرطــبي فـي تفســيره ‪ (6) :‬واختلفــت عبـارات أصــحابنا‬
‫المالكية في ذلك ‪ ,‬وأحسن ما في ذلك كونه مقتاتا مدخرا‬
‫للعيــش غالبــا جنســا كالحنطــة والشــعير والتمــر والملــح‬
‫المنصوص عليها ومــا فــي معناهــا كــالرز والــذرة والــدخن‬
‫والسمسم ‪ ،‬والقطاني كالفول والعدس واللوبيا والحمــص‬
‫وكذلك اللحوم واللبان والخلول والزيوت والثمــار كــالعنب‬
‫والزبيب والزيتون ‪ ,‬واختلف في التين ‪ ,‬ويلحق بها العســل‬
‫والسكر فهذا كله يدخله الربا مــن جهـة النســأ وجــائز فيــه‬
‫التفاضــل لقــوله عليــه الســلم ‪ » :‬فــإذا اختلفــت هــذه‬
‫الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد « )‪ , (7‬ول ربــا‬
‫في رطب الفواكه التي ل تبقى كالتفاح والبطيــخ والرمــان‬
‫والكمــثرى والقثــاء والخيــار والباذنجــان وغيــر ذلــك مــن‬
‫الخضروات ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الشرح الكبير ص ‪ 38 - 37‬ج ‪ 3‬للدردير ‪.‬‬
‫)‪ (2‬الشرح الصغير ص ‪ 37‬ج ‪. 3‬‬
‫)‪ (3‬الشرح الكبير ص ‪ 42‬ج ‪ 3‬للمالكية ‪.‬‬
‫)‪ (4‬أضواء البيان ص ‪ 247‬ج ‪. 1‬‬
‫)‪ (5‬الشرح الكبير ص ‪ 42‬ج ‪ 3‬للمالكية ‪ .‬أضواء البيان ص‬
‫‪ 247‬ج ‪. 1‬‬
‫)‪ (6‬ص ‪ 353‬ج ‪. 3‬‬
‫)‪ (7‬صــحيح مســلم المســاقاة )‪,(1587‬مســند أحمــد بــن‬
‫حنبل )‪.(5/320‬‬
‫وهو كلم إذا عرضناه على المصادر التي نقلنا منهــا الكلم‬
‫الذي قبله وجدناه يختلف بعض الختلف فلعله اختيار له ‪.‬‬
‫وقد رجح العلمة ابن القيــم قــول مالــك حيــث قــال ‪(1) :‬‬
‫] وطائفة خصته [ أي جريان الربا في القوت ومــا يصــلحه‬
‫وهو قول مالك وهو أرجح هــذه القــوال كمــا ســتراه ‪ ,‬ثــم‬
‫قــال بعــد ذلــك ‪ (2) :‬وأمــا الصــناف الربعــة المطعومــة‬
‫فحاجة الناس إليها أعظم من حــاجتهم إلــى غيرهــا ؛ لنهــا‬
‫أقوات العالم وما يصلحها ‪ ,‬فمن رعايــة مصــالح العبــاد أن‬
‫منعوا من بيع بعضها ببعض إلى أجل سواء اتحد الجنس أو‬

‫‪696‬‬
‫اختلف ‪ ,‬ومنعوا من بيــع بعضــها ببعــض حــال متفاضــل وإن‬
‫اختلفت صفاتها ‪.‬‬
‫وجوز لهم التفاضل فيها مع اختلف أجناسها ‪ ,‬وسر ذلــك ‪-‬‬
‫والله أعلم ‪ -‬أنه لو جوز بيع بعضــها ببعــض نســأ لــم يفعــل‬
‫ذلــك أحــد إل إذا ربــح وحينئذ تســمح نفســه ببيعهــا حالــة‬
‫لطمعه في الربح فيعز الطعام على المحتاج ويشتد ضرره‬
‫‪ ,‬وعامة أهل الرض ليس عندهم دراهم ول دنانير ل ســيما‬
‫أهل العمود والبوادي ‪ ,‬وإنمــا يتنــاقلون الطعــام بالطعــام ‪,‬‬
‫فكان من رحمة الشارع بهـم وحكمتـه أن منعهـم مـن ربـا‬
‫النسأ فيهم كما منعهم من ربا النســأ فــي الثمــان ؛ إذ لــو‬
‫جــوز لهــم النســأ فيهــا لــدخلها ‪) :‬إمــا أن تقضــي وإمــا أن‬
‫تربي ( فيصير الصاع الواحد قفزانا كــثيرة ‪ ,‬ففطمــوا عــن‬
‫النسأ ثم فطموا عــن بيعهــا متفاضــل يــدا بيــد ؛ إذ تجرهــم‬
‫حلوة الربح وظفر الكسب إلى تجارة فيها نسأ وهــو عيــن‬
‫المفسدة ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن العلة في هذه الربعة هي الطعمية ‪ -‬أي‬
‫كونها مطعومة ‪-‬وهذا قول الشافعي في الجديــد ‪ ,‬وروايــة‬
‫عن المام أحمد وهو الظهر في مــذهب الشــافعية )‪, (3‬‬
‫واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬الطعام بالطعام‬
‫مثل بمثل « )‪ , (4‬قال معمر راوي الحديث ‪ :‬وكان طعامنا‬
‫يومئذ الشعير )‪ (5‬فدل على أن العلة الطعم وإن لم يكــل‬
‫ولم يوزن ؛ لنه علق ذلك على الطعام وهو اسم مشتق ‪,‬‬
‫وتعليق الحكم على السم المشتق يدل على التعليــل بمــا‬
‫منه الشتقاق ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬إعلم الموقعين ص ‪ 137‬ج ‪. 2‬‬
‫)‪ (2‬ص ‪ 138‬من العلم ‪.‬‬
‫)‪ (3‬مغني المحتاج ص ‪22‬ج ‪ ، 2‬وإعلم الموقعين ص ‪137‬‬
‫ج‪.2‬‬
‫)‪ (4‬صــحيح مســلم المســاقاة )‪,(1592‬مســند أحمــد بــن‬
‫حنبل )‪.(6/401‬‬
‫)‪ (5‬رواه أحمد ومسلم ‪ ،‬المنتقى مع شرحه ص ‪ 205‬ج ‪5‬‬
‫‪.‬‬

‫‪697‬‬
‫والطعام ‪ :‬ما قصد للطعم بضم الطاء مصدر طعــم بكســر‬
‫العين ‪ ,‬أي أكل غالبــا ‪ ,‬وذلــك بــأن يكــون أظهــر مقاصــده‬
‫الطعم وإن لم يؤكل إل نادرا كالبلوط والطرثوث ‪ ,‬وإن لم‬
‫يكل ولم يوزن ‪ ,‬وسواء أكل بقصــد القتيــات أو التفكــه أو‬
‫التداوي ‪ ,‬فالبر والشعير المقصــود منهمــا التقــوت فــألحق‬
‫بهما ما في معناهما كالرز والذرة ‪ ,‬والتمر المقصــود منــه‬
‫التفكه والتأدم ‪ ,‬فألحق به ما في معناه كــالتين والزبيــب ‪,‬‬
‫والملح المقصود منه الصـلح ‪ ,‬فـألحق بـه مـا فـي معنـاه‬
‫كالمصطكي والسقمونيا والطين الرمنــي والزنجبيــل ‪ ,‬ول‬
‫فرق بين ما يصــلح الغــذاء أو يصــلح البــدن ‪ ,‬فــإن الغذيــة‬
‫لحفظ الصــحة ‪ ,‬والدويــة لــرد الصــحة ‪ ،‬هــذا حاصــل هــذا‬
‫القول )‪ (1‬لكن نوقش )‪ (2‬الستدلل له بالحديث الســابق‬
‫بأن راويه قال ‪ :‬وقد كنــت أســمع النــبي صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم يقول ‪ » :‬الطعام بالطعــام مثل بمثــل « )‪ , (3‬قــال‬
‫عقبة ‪) :‬وكان طعامنا يومئذ الشعير ( ‪ ،‬وهذا صريح في أن‬
‫الطعام في عرفهم يومئذ الشعير ‪ ,‬وقد تقرر في الصــول‬
‫أن العرف المقارن للخطاب من مخصصات النص العــام ‪,‬‬
‫فل يعم لفظ الطعام الوارد في الحديث كل مطعوم ؛ لنه‬
‫خصص بالعرف ‪ ,‬ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن التخصيص‬
‫بالعرف موضع خلف بين الصوليين ليس محل وفاق ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪ :‬أن العلة في الربعة المذكورة كونها مكيلة‬
‫‪ ,‬جنس فيتعدى الحكم فيها إلى كــل مكيــل ولــو كــان غيــر‬
‫طعــام كــالجص والنــورة والشــنان ‪ ،‬وهــذا مــذهب عمــار‬
‫وأحمد في ظــاهر مــذهبه )‪ (4‬وأبــي حنيفــة )‪ (5‬واســتدلوا‬
‫بقوله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬ما وزن مثل بمثل إذا كان‬
‫نوعا واحدا ‪ ,‬وما كيل فمثل ذلك ‪ ,‬فإذا اختلف النوعــان فل‬
‫بأس به « وغيره من الحاديث الــتي ورد فيهــا لفــظ ) مثل‬
‫بمثل ( فإنه يدل على الضبط بالكيل والوزن ‪ ,‬قال العلمة‬
‫الشنقيطي )‪ : (6‬وهذا القول أظهر دليل ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المنتقى مع شرحه ص ‪ 205‬ج ‪.. 5‬‬
‫)‪ (2‬أضواء البيان ص ‪ 250 ، 249‬ج ‪. 1‬‬

‫‪698‬‬
‫)‪ (3‬صــحيح مســلم المســاقاة )‪,(1592‬مســند أحمــد بــن‬
‫حنبل )‪.(6/401‬‬
‫)‪ (4‬إعلم الموقعين ص ‪ 136‬ج ‪. 2‬‬
‫)‪ (5‬بدائع الصنائع ص ‪ 183‬ج ‪. 5‬‬
‫)‪ (6‬أضواء البيان ‪ 251‬ج ‪. 2‬‬
‫فعلى هــذا ل يجــري الربــا فــي مطعــوم ل يكــال ول يــوزن‬
‫كالمعدودات ‪ ,‬فتباع بيضة وخيارة وبطيخة ورمانة بمثلهــا )‬
‫‪. (1‬‬
‫القــول الرابــع ‪ :‬وهــو قــول الشــافعي فــي القــديم )‪ (2‬أن‬
‫العلة فيها هي الطعمية مع الكيل أو الــوزن ‪ ,‬فالعلــة فيهــا‬
‫كونها مطعومة موزونة أو مكيلة بشــرط المريــن ‪ ,‬فعلــى‬
‫هذا ل ربا في البطيخ والســفرجل ونحــوه ممــا ل يكــال ول‬
‫يــوزن )‪ (3‬ول فيمــا يكــال أو يــوزن لكنــه غيــر مطعــوم‬
‫كالزعفران والشنان والحديــد والرصــاص ونحوهــا ‪ ,‬وهــذا‬
‫قول سعيد بن المســيب وهــو أيضــا روايــة عــن أحمــد )‪(4‬‬
‫واختاره شيخ السلم ابن تيمية حيــث قــال ‪ ] (5) :‬والعلــة‬
‫في تحريم ربــا الفضــل الكيــل أو الــوزن مــع الطعــم وهــو‬
‫رواية عن أحمد رحمه الله [ ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫هــذا حاصــل آراء المــذاهب الربعــة فــي علــة الربــا فــي‬
‫الصناف المنصوصة ‪ ,‬وهناك آراء أخرى في هذه المســألة‬
‫ذكرها العلمة الشنقيطي في تفسيره ‪ ،‬والمام ابــن حــزم‬
‫في المحلى فليراجعها من شاء ‪.‬‬
‫وكنتيجة لما سبق مــن خلف فــي تحديــد العلــة كــل علــى‬
‫مذهبه فيها نختم بالجملة التالية ‪:‬‬
‫يقول المام النووي ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في شرحه على صــحيح‬
‫مسلم ) ‪ :( 9 \ 11‬وأجمع العلماء على جواز بيع الربــوي‬
‫بربوي ل يشاركه في العلة متفاضل ومــؤجل ‪ ,‬وذلــك كــبيع‬
‫الذهب بالحنطة وبيع الفضة بالشعير وغيره مــن المكيــل ‪,‬‬
‫وأجمعوا علــى أنــه ل يجــوز بيــع الربــوي بجنســه وأحــدهما‬
‫مؤجل ‪ ,‬وعلى أنه ل يجــوز التفاضــل إذا بيــع بجنســه حــال‬
‫كالذهب بالذهب ‪ ,‬وعلى أنه ل يجوز التفرق قبل التقــابض‬
‫إذا بــاعه بجنســه أو بغيــر جنســه ممــا يشــاركه فــي العلــة‬
‫كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير ‪.‬‬

‫‪699‬‬
‫وعلى أنه يجوز التفاضل عند اختلف الجنــس إذا كــان يــدا‬
‫بيد كصاع حنطة بصاعي شعير ‪ ,‬ول خلف بين العلماء في‬
‫شيء من هذا إل ما سنذكره ‪ -‬إن شــاء اللــه تعــالى ‪ -‬عــن‬
‫ابن عباس في تخصيص الربا بالنسيئة ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المبدع ص ‪ 129‬ج ‪. 4‬‬
‫)‪ (2‬مغني المحتاج ص ‪22‬ج ‪. 2‬‬
‫)‪ (3‬شرح النووي على صحيح مسلم ص ‪9‬ج ‪. 11‬‬
‫)‪ (4‬ومجموع فتاوى شــيخ الســلم ابــن تيميــة ص ‪ 470‬ج‬
‫‪ ، 29‬وإعلم الموقعين ص ‪ 137‬ج ‪ ، 2‬ج ‪. 9‬‬
‫)‪ (5‬الختيارات ص ‪ , 127‬وانظر مجموع الفتــاوى الوضــع‬
‫السابق ‪.‬‬
‫‪ - 7‬تحريم الوسائل والحيل الربوية ‪:‬‬
‫الربا حرام بالكتاب والســنة والجمــاع ‪ ,‬وكــل وســيلة إلــى‬
‫الحرام فهي حرام ‪ ,‬لكن قد أخبر صلى اللــه عليــه وســلم‬
‫أن طائفة من أمته ستستحل الربــا باســم الــبيع فقــال ‪» :‬‬
‫يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع « ‪ ،‬والربا لــم‬
‫يحرم لمجرد لفظه بحيث إذا غير هــذا اللفــظ تغيــر حكمــه‬
‫وانتقــل مــن التحريــم إلــى الباحــة ‪ ,‬وإنمــا حــرم لحقيقتــه‬
‫ومعناه ‪ ,‬وهذه الحقيقة موجودة رغم الحيل والمراوغات ‪,‬‬
‫وقد قال صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬ل ترتكبــوا مــا ارتكبــت‬
‫اليهود فتستحلوا محارم الله بــأدنى الحيــل « ‪ ,‬والتحيــل ل‬
‫يرفع المفسدة التي حرم الربا من أجلهــا بــل يزيــدها قــوة‬
‫وتأكيدا ‪ ,‬قال العلمــة ابــن القيــم )‪ : (1‬وذلــك مــن وجــوه‬
‫عديدة ‪:‬‬
‫منها ‪ :‬أنه يقدم على مطالبة المحتاج بقوة ل يقــدم بمثلهــا‬
‫المرابي الصريح ؛ لنه واثق بصورة العقد واسمه ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬اعتقاده أن ذلـك تجــارة مــدارة حاضــرة والنفــوس‬
‫أرغــب شــيء فــي التجــارة ‪ ،‬ومــن الــذرائع الــتي حرمهــا‬
‫الشارع لفضائها إلى الربا ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أنه نهى عن بيع الربوي بــالربوي عــن طريــق الخــرص‬
‫والتخمين في تقديرهما أو تقدير أحدهما خشية من وقــوع‬
‫ربا الفضــل ‪ ,‬وقــد ترجــم لــذلك العلمــاء بقــولهم ‪ :‬الجهــل‬

‫‪700‬‬
‫بالتساوي كــالعلم بالتفاضــل ‪ ,‬ذكــر المــام ابــن كــثير فــي‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫تفسيره )‪ (2‬بسنده عــن جــابر قــال ‪ :‬لمــا نزلــت } ال ّـ ِ‬
‫خب ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫طــ ُ‬ ‫م اّلــ ِ‬
‫ذي ي َت َ َ‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬
‫مــا ي َُقــو ُ‬ ‫ن الّرَبــا ل َ ي َُقو ُ‬
‫مــو َ‬ ‫َيــأك ُُلو َ‬
‫س { )‪ (3‬قــال رســول اللــه صــلى اللــه‬ ‫مـ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬‫ال ّ‬
‫عليه وسلم ‪ » :‬من لم يذر المخــابرة فليــؤذن بحــرب مــن‬
‫اللــه ورســوله « )‪ , (4‬ورواه الحــاكم فــي مســتدركه مــن‬
‫حديث أبي خيثم وقــال ‪ :‬صــحيح علــى شــرط مســلم ولـم‬
‫يخرجاه ‪ ،‬وإنما حرمت المخابرة وهي المزارعة ببعــض مــا‬
‫يخرج مــن الرض ‪ ,‬والمزابنــة وهــي اشــتراء الرطــب فــي‬
‫رءوس النخل بالتمر علــى وجــه الرض ‪ ,‬والمحاقلــة وهــي‬
‫اشتراء الحب فــي ســنبله فــي الحقــل بــالحب علــى وجــه‬
‫الرض ‪ ,‬إنما حرمت هذه الشياء وما شاكلها حسما لمــادة‬
‫الربا ؛ لنه ل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬إغاثة اللهفان ‪. 367 \ 1‬‬
‫)‪ (2‬ص ‪ 327‬ج ‪. 1‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (4‬سنن أبو داود البيوع )‪.(3406‬‬
‫يعلــم التســاوي بيــن الشــيئين قبــل الجفــاف ‪ ,‬ولهــذا قــال‬
‫الفقهاء ‪ :‬الجهل بالمماثلة كحقيقــة المفاضــلة ‪ ,‬ومــن هــذا‬
‫حرموا أشياء بما فهموا من تضييق المسالك المفضية إلى‬
‫الربا والوسائل الموصلة إليه ‪ ,‬وتفاوت نظرهم بحسب مــا‬
‫وهب الله لكل منهم من العلــم إلــى أن قــال ‪ :‬والشــريعة‬
‫شاهدة بأن كل حرام فالوسيلة إليه مثلــه ؛ لن مــا أفضــى‬
‫إلى الحرام حرام ‪ ,‬كما أن مــا ل يتــم الــواجب إل بــه فهــو‬
‫واجب ‪ .‬انتهى كلم ابن كثير ‪.‬‬
‫وقد عد المزارعة من وسائل الربــا وهــذا علــى قــول مــن‬
‫يحرمها ‪ ,‬والمسألة خلفية كما هو موضح في كتــب الفقــه‬
‫وشروح الحديث فليرجع إليها ‪.‬‬
‫‪ - 2‬نهــى الشــارع عــن بيــع العينــة قــال صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ‪ » :‬إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقــر ورضــيتم‬
‫بالزرع ‪ ,‬وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذل ل ينزعه حتى‬
‫ترجعوا إلى دينكم « ‪ ,‬وبيع العينة ‪ :‬أن يــبيع الســلعة بثمــن‬

‫‪701‬‬
‫مؤجل ثم يشتريها ممـن باعهـا منـه بثمـن حـال أقـل ممـا‬
‫باعها به ‪ -‬سميت عينة لحصول النقد ‪ -‬لن المشتري إنمــا‬
‫يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره ليصل بــه‬
‫إلى مقصوده )‪ ، (1‬فالقصد التفاضــل فــي الــدراهم وإنمــا‬
‫جعلت السلعة وسيلة إلى ذلك ‪.‬‬
‫وقد قال صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬يأتي على الناس زمان‬
‫يستحلون الربا بالبيع « )‪ (2‬يعنــي العينــة ؛ فــإن مســتحلها‬
‫يسميها بيعا ‪ ,‬وفي هذا الحديث بيان أنها ربــا ل بيــع ‪ ,‬فــإن‬
‫المسلم ل يستحل الربا الصريح وإنمــا قــد يســتحله باســم‬
‫البيع وصورته ‪.‬‬
‫والتعامل ببيع العينة إنما يقع من رجــل مضــطر إلــى نفقــة‬
‫يضن عليه الموسر بالقرض إل أن يربح في المائة ما أحب‬
‫‪ ,‬فيــبيعه المــائة بضــعفها بواســطة ســلعة يعانهــا ‪ ،‬وكــان‬
‫الرجل في الجاهلية يكون له على الرجل دين فيــأتيه عنــد‬
‫حلول الجل فيقول له ‪ :‬إما أن تقضي وإما أن تربي ‪ ,‬فإن‬
‫قضاه وإل زاد المدين في المال وزاد الغريم فــي الجــل ‪,‬‬
‫فيكون قد باع المال بأكثر منه إلى أجل ‪ ,‬فأمرهم اللــه إذا‬
‫تابوا أن ل يطالبوا إل برأس المال ‪ ,‬وأهل الحيل يقصــدون‬
‫ما يقصده أهل الجاهلية لكنهم يخادعون الله ‪ ,‬ولهم طرق‬
‫منها بيع العينة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬نفس المصدر باختصار ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري البيوع )‪,(1954‬سنن النسائي البيوع )‬
‫‪,(4454‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‪,(2/435‬ســنن الــدارمي‬
‫البيوع )‪.(2536‬‬
‫قال شــيخ الســلم ابــن تيميــة ‪ (1) :‬ومســألة العينــة غيــر‬
‫جائزة عند أكثر العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهــم‬
‫‪ ,‬وهو المأثور عن الصحابة كعائشة وابن عباس وأنس بــن‬
‫مالك ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫وأجازها الشافعي وأصحابه )‪ (2‬أخذا من قوله صــلى اللــه‬
‫عليه وســلم فــي حــديث أبــي ســعيد وأبــي هريــرة ‪ » :‬بــع‬
‫الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا « )‪ , (3‬والجمع هــو‬
‫التمــر الرديــء ‪ ،‬وقيــل ‪ :‬هــو التمــر المجمــوع مــن أنــواع‬

‫‪702‬‬
‫مختلفة ‪ ,‬والجنيب هو التمر الجيــد )‪ , (4‬ووجــه الســتدلل‬
‫أنه لم يخص بقوله ‪ :‬ثم اشتر بالدراهم جنيبا غير الذي بــاع‬
‫له الجمع ‪ ,‬واستدلوا بالتفاق على أن من باع السلعة التي‬
‫اشتراها ممن اشــتراها منــه بعــد مــدة فــالبيع صــحيح ‪ ,‬فل‬
‫فــرق بيــن التعجيــل فــي ذلــك والتأجيــل ‪ ,‬فيــدل علــى أن‬
‫المعتبر في ذلك وجود شرط في أصل العقد وعــدمه فــإن‬
‫تشــارطا علــى ذلــك فــي نفــس العقــد فهــو باطــل )‪, (5‬‬
‫وطرحوا الحـاديث الـواردة فـي تحريـم العينـة )‪ ، (6‬قـال‬
‫الصنعاني ‪ (7) :‬ولعلهم يقولون حديث العينة فيه مقال فل‬
‫ينتهض دليل على التحريم ‪.‬‬
‫والحق ما ذهب إليه الكثر من تحريم بيــع العينــة ‪ ,‬ويجــاب‬
‫عن استدلل المخالفين بحــديث أبــي ســعيد وأبــي هريــرة‬
‫بأنه عام فيخصص بأحاديث تحريم بيع العينة أو بأنه مطلق‬
‫يجــب تقييــده بالدلــة الدالــة علــى وجــوب ســد الــذرائع ‪,‬‬
‫ويجاب عن الستدلل الثاني بــأنه إن صــح مــا ادعــوه مــن‬
‫التفاق على جواز بيع السلعة من بائعهـا الول بعــد مــدة ‪-‬‬
‫أي بعد قبضه ثمنها ‪ -‬فل نسلم قياس ما قبل القبض علــى‬
‫ما بعده ؛ لنه قياس في مقابلة نص فل يصح ‪ ,‬ويجاب عن‬
‫طرحهم الستدلل بأحاديث تحريم العينـة لضـعفها عنـدهم‬
‫بأنهــا أحــاديث يقــوي بعضــها بعضــا ويشــهد بعضــها لبعــض‬
‫فيحصــل مــن مجموعهــا الدللــة الواضــحة علــى تحريــم‬
‫العينة ‪ ,‬قال شــيخ الســلم ابــن تيميــة )‪ : (8‬فهــذه أربعــة‬
‫أحاديث تبين أن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مجموع الفتاوى ص ‪446‬ج ‪. 29‬‬
‫)‪ (2‬نيــل الوطــار ص ‪ 220‬ج ‪ , 5‬وشــرح النــووي علــى‬
‫صحيح مسلم ‪. 21 \ 11‬‬
‫)‪ (3‬صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )‪,(2089‬صـــحيح مســـلم‬
‫المساقاة )‪,(1593‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4553‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪,(3/60‬موطأ مالك الــبيوع )‪,(1314‬ســنن‬
‫الدارمي البيوع )‪.(2577‬‬
‫)‪ (4‬انظر سبل السلم ص ‪ 9‬ج ‪. 3‬‬
‫)‪ (5‬فتح الباري ص ‪ 401‬ج ‪. 4‬‬

‫‪703‬‬
‫)‪ (6‬نيل الوطار ص ‪ 220‬ج ‪. 5‬‬
‫)‪ (7‬سبل السلم ص ‪ 15 - 14‬ج ‪. 3‬‬
‫)‪ (8‬مجموع الفتاوى الكبرى ص ‪ 136 - 135‬ج ‪. 3‬‬
‫رسول الله صلى الله عليــه وســلم حــرم هــذا ‪ -‬يعنــي بيــع‬
‫العينة ‪ .‬حـديث ابـن عمـر الـذي فيـه تغليـظ العينـة ‪ ,‬وقـد‬
‫فسرت في الحديث المرسل بأنها من الربا ‪ ,‬وفي حــديث‬
‫أنس وابن عباس بأنها بيع حريرة ‪ ,‬مثل بمائة إلى أجل ثــم‬
‫يبتاعها بدون ذلك نقدا ‪ ,‬وقالوا ‪ :‬هو دراهم بدراهم وبينهما‬
‫حريرة ‪ ,‬وحديث أنس وابن عباس أيضا ‪ :‬هذا ما حرم اللــه‬
‫ورسوله ‪ ,‬والحديث المرسل الذي له مــا يــوافقه أو الــذي‬
‫عمل به السلف حجة باتفــاق الفقهــاء ‪ ,‬وحــديث عائشــة ‪:‬‬
‫أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول اللــه صــلى اللــه‬
‫عليــه وســلم إل أن يتــوب يعنــي لمــا تعــاطى بيــع العينــة ‪،‬‬
‫ومعلوم أن هذا قطع بالتحريم وتغليظ لــه ‪ ,‬ولــول أن عنــد‬
‫أم المؤمنين علما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ل‬
‫تستريب فيه أن هذا محرم لم تستجز أن تقــول مثــل هــذا‬
‫الكلم بالجتهاد ل سيما إن كانت قصدت أن العمل يبطــل‬
‫بالردة ‪.‬‬
‫واستحلل مثل هذا كفر ؛ لنــه مــن الربــا واســتحلل الربــا‬
‫كفر ‪ ,‬لكن عذر زيد أنــه لــم يعلــم أن هــذا محــرم ‪ ,‬ولهــذا‬
‫أمرت بإبلغه ‪ ,‬فمن بلغه التحريم وتبين له ذلــك ثــم أصــر‬
‫عليه لزمه هـذا الحكـم ‪ ,‬وإن لـم تكـن قصـدت هـذا فإنهـا‬
‫قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمهــا ثــواب الجهــاد‬
‫فيصير بمنزلة من عمــل حســنة وســيئة بقــدرها فمــا كــأنه‬
‫عمل شيئا ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫‪ - 3‬التورق ‪ -‬وهو أن يحتاج إلى نقد فلم يجد مــن يقرضــه‬
‫فيشتري سلعة ليبيعها من غير بائعهــا الول ‪ ,‬ويأخــذ ثمنهــا‬
‫ليدفع به حاجته فليس به حاجة إلــى نفــس الســلعة وإنمــا‬
‫حــاجته إلــى ثمنهــا ‪ ,‬فيأخــذ مثل مــا قيمتــه مــائة بمــائة‬
‫وعشرين مؤجل ليبيعها ويرتفق بثمنها ‪ ،‬والفرق بينها وبيــن‬
‫العينة أن يبيعها من غير من اشتراها منــه ‪ ،‬وســميت هــذه‬
‫المسألة بمسألة التورق ؛ لن المقصود منها الورق ‪.‬‬

‫‪704‬‬
‫وقــد اختلــف العلمــاء فــي حكمهــا علــى قــولين ‪ :‬قــول‬
‫بالجواز ؛ لنها لم تعد إلى البائع بحال بل باعهــا المشــتري‬
‫لخر ‪ ,‬فل تدخل في مسألة العينـة ‪ ،‬وهـو قـول إيـاس بـن‬
‫معاوية ورواية عن المام أحمد ‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬كراهة مسألة التورق ‪ ,‬وهو الرواية الثانيـة‬
‫عن المام أحمد وقول عمر بن عبد العزيز ‪ ,‬واختاره شيخ‬
‫الســلم ابــن تيميــة وتلميــذه ابــن القيــم )‪ ، (1‬فعلــى هــذا‬
‫القول تعتبر من وسائل الربا ‪ ,‬قال شيخ السلم ابن تيمية‬
‫‪ :‬فإن الله حرم أخذ دراهم بدراهم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مجموع الفتاوى ص ‪ 434‬ج ‪ ، 29‬وتهذيب الســنن ص‬
‫‪ 108‬ج ‪. 5‬‬
‫أكثر منها إلى أجل لما في ذلك مــن ضــرر المحتــاج وأكــل‬
‫ماله بالباطل ‪ ,‬وهذا المعنــى موجــود فــي هــذه الصــورة ‪,‬‬
‫وإنما العمال بالنيات ‪ ,‬وإنما لكــل امــرئ مــا نــوى ‪ ,‬وإنمــا‬
‫الذي أباحه اللــه الــبيع والتجــارة وهــو أن يكــون المشــتري‬
‫غرضه أن يتجر فيها ‪ ,‬فأما إذا كان قصــده مجــرد الــدراهم‬
‫بدراهم أكثر منها فهذا ل خير فيه ‪.‬‬
‫وقال فــي الختيــارات )‪ : (1‬وتحــرم مســألة التــورق وهــو‬
‫رواية عن أحمد ‪ ,‬وقال العلمة ابــن القيــم ‪ :‬تهــذيب ســنن‬
‫أبي داود ص ‪ 108‬ج ‪ . 5‬وعلل الكراهة بأنه بيــع مضــطر ‪,‬‬
‫وقد روى أبو داود عن علي ‪ » :‬أن النبي صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم نهى عن بيــع المضــطر « )‪ , (2‬وفــي المســند عــن‬
‫علي قال ‪ :‬سيأتي على الناس زمان يعــض المــؤمن علــى‬
‫وا‬ ‫ما في يــده ولــم يــؤمر بــذلك ‪ ,‬قــال تعــالى ‪ } :‬وَل َ ت َن ْ َ‬
‫سـ ُ‬
‫م { )‪ , (4) (3‬ويبــايع المضــطرون وقــد نهــى‬ ‫ل ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫ال َْف ْ‬
‫ض َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضــطر وذكــر‬
‫الحديث ‪ ,‬فأحمد ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬أشار إلــى أن العينــة‬
‫إنما تقع من رجــل مضــطر إلــى نقــد ؛ لن الموســر يضــن‬
‫عليه بــالقرض ‪ ,‬فيضــطر إلــى أن يشــتري منــه ســلعة ثــم‬
‫يبيعها ‪ ,‬فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة ‪ ,‬وإن باعها من‬
‫غيره فهي التورق ‪ ,‬ومقصوده في الموضعين الثمن ‪ ,‬فقد‬
‫حصل في ذمته ثمن مؤجل مقابل لثمن حال أنقص منــه ‪,‬‬

‫‪705‬‬
‫ول معنــى للربــا إل هــذا ‪ ,‬لكنــه ربــا بســلم لــم يحصــل لــه‬
‫مقصوده إل بمشقة ‪ ,‬ولو لم يقصده كان ربا بسهولة ‪ .‬ا ه‬
‫‪.‬‬
‫والذي يظهر لي جواز مسألة التورق إذا حصــلت مــن غيــر‬
‫تواطؤ مع طرف ثالث وهو المشــتري الخيــر ؛ لنهــا حينئذ‬
‫تفترق عن العينة ‪ ,‬وكذلك ل بد أن تكون السلعة موجــودة‬
‫في ملك البائع الول حين العقد ‪ ,‬والله أعلم ‪.‬‬
‫‪ - 4‬النهي عن بيع كل رطب من حب وتمــر بيابســه ‪ ,‬عــن‬
‫سعد بن أبي وقاص قال ‪ » :‬سمعت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب فقــال لمــن حــوله ‪:‬‬
‫أينقص الرطب إذا يبس ؟ قالوا ‪ :‬نعم فنهى عــن ذلــك « )‬
‫‪ , (5‬قــال الشــوكاني ‪ (6) :‬قــوله ‪) :‬أينقــص ( الســتفهام‬
‫هاهنا ليس المراد به حقيقتــه ‪ -‬أعنــي طلــب الفهــم ‪ -‬لنــه‬
‫صلى الله عليه وسلم كان عالما بأنه ينقــص إذا يبــس بــل‬
‫المــراد تنــبيه الســامع بــأن هــذا الوصــف الــذي وقــع عنــه‬
‫الستفهام هو علة النهي ‪ ,‬ومن المشعرات‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ص ‪. 129‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبو داود البيوع )‪,(3382‬مسند أحمد بن حنبــل )‬
‫‪.(1/116‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪237‬‬
‫)‪ (4‬البقرة من آية ‪. 237‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي البيوع )‪,(1225‬سنن النسائي الــبيوع )‬
‫‪,(4545‬ســنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3359‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫التجارات )‪,(2264‬مسند أحمد بـن حنبـل )‪,(1/179‬موطــأ‬
‫مالك البيوع )‪.(1316‬‬
‫)‪ (6‬نفس المصدر ‪.‬‬
‫بذلك الفاء في قوله ‪) :‬فنهــى عــن ذلــك ( ‪ ,‬ويســتفاد مــن‬
‫هذا عدم جواز بيع الرطب بالرطب ؛ لن نقــص كــل واحــد‬
‫منهما ل يحصـل العلـم بـأنه مثـل نقـص الخـر ‪ ,‬ومـا كـان‬
‫كذلك فهو مظنة الربا ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫وقال الخطابي في معالم السنن )‪ : (1‬وذلك أن كل شيء‬
‫من المطعوم مما له نــداوة ولجفــافه نهايــة فــإنه ل يجــوز‬

‫‪706‬‬
‫رطبــه بيابســه كــالعنب والزبيــب واللحــم النيــئ بالقديــد‬
‫ونحوهما ‪ ,‬وكذلك على هذا المعنــى ل يجــوز منــه الرطــب‬
‫بالرطب كــالعنب بــالعنب والرطــب بــالرطب ؛ لن اعتبــار‬
‫المماثلــة إنمــا يصــح فيهمــا عنــد أوان الجفــاف ‪ ,‬وهمــا إذا‬
‫تناهى جفافهما كانا مختلفين ؛ لن أحـدهما قـد يكــون أرق‬
‫رقة وأكثر مائيــة مــن الخــر ‪ ,‬فالجفــاف ينــال منــه أكــثر ‪,‬‬
‫وتتفــاوت مقاديرهمــا فــي الكيــل عنــد المماثلــة ‪ ،‬إلــى أن‬
‫قال ‪ :‬وقد ذهب أكثر الفقهاء إلــى أن بيــع الرطــب بــالتمر‬
‫غير جائز ‪ ,‬وهو قول مالك والشــافعي وأحمــد بــن حنبــل ‪,‬‬
‫وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن ‪ ,‬وعن أبي حنيفة )‬
‫‪ (2‬جواز بيع الرطب بالتمر نقدا ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫وقال ابن رشد في بداية المجتهد )‪ : (3‬وأما اختلفهم فــي‬
‫بيع الربوي الرطب بجنسه من اليابس مــع وجــود التماثــل‬
‫في القدر والتناجز فإن السبب في ذلك ما روى مالك عن‬
‫سعد بن أبي وقاص أنه قال ‪ :‬ســمعت رســول اللــه صــلى‬
‫الله عليه وسلم يسأل عن شــراء التمــر بــالرطب ‪ ,‬فقــال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬أينقــص الرطــب إذا‬
‫جف ؟ فقالوا ‪ :‬نعم ‪ ,‬فنهى عن ذلك « )‪ (4‬فأخـذ بـه أكـثر‬
‫العلماء ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل يجوز بيــع التمــر بــالرطب علــى حــال ‪-‬‬
‫مالك والشافعي وغيرهما ‪ -‬وقال أبــو حنيفــة يجــوز ذلــك ‪،‬‬
‫وخالفه في ذلك صاحباه ‪ . .‬وسبب الخلف معارضة ظاهر‬
‫حديث عبادة وغيره له ‪ ,‬واختلفهــم فــي تصــحيحه ‪ ,‬وذلــك‬
‫أن حــديث عبــادة اشــترط فــي الجــواز فقــط المماثلــة‬
‫والمساواة ‪ ,‬وهذا يقتضي بظاهره حال العقد ل حال المآل‬
‫‪ ,‬فمن غلب ظــواهر أحــاديث الربويــات رد هــذا الحــديث ‪,‬‬
‫ومن جعل هذا الحــديث أصــل بنفســه قــال ‪ :‬هــو أمــر زائد‬
‫ومفسر لحاديث الربويات ‪ .‬ا ه ‪.‬‬

‫قال صاحب بدائع الصنائع من الحنفية )‪ ، (5‬ولبي حنيفة ‪-‬‬


‫رحمه الله ‪ -‬الكتاب الكريم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ص ‪33‬ج ‪ 5‬من التهذيب ‪.‬‬
‫)‪ (2‬بدائع الصنائع ص ‪ 188‬ج ‪. 5‬‬

‫‪707‬‬
‫)‪ (3‬ص ‪ 138‬ج ‪. 2‬‬
‫)‪ (4‬سنن الترمذي البيوع )‪,(1225‬سنن أبــو داود الــبيوع )‬
‫‪,(3359‬سنن ابن ماجه التجارات )‪,(2264‬مسند أحمد بن‬
‫حنبل )‪,(1/179‬موطأ مالك البيوع )‪.(1316‬‬
‫)‪ (5‬ص ‪ 188‬ج ‪. 5‬‬
‫والسنة المشهورة ‪ ،‬أما الكتاب فعمومــات الــبيع مــن نحــو‬
‫ه ال ْب َي ْعَ { )‪ , (1‬وقوله عز شــأنه ‪:‬‬ ‫َ‬
‫ل الل ّ ُ‬‫ح ّ‬
‫قوله تعالى ‪ } :‬وَأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ل إ ِل ّ أ ْ‬
‫ن‬ ‫م ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫وال َك ُ ْ‬
‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫مُنوا ل َ ت َأك ُُلوا أ ْ‬
‫م َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م { )‪. (2‬‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ض ِ‬‫ن ت ََرا ٍ‬‫جاَرةً عَ ْ‬ ‫ن تِ َ‬ ‫كو َ‬‫تَ ُ‬
‫فظاهر النصوص يقتضي جواز كل بيع إل ما خــص بــدليل ‪,‬‬
‫وقد خص البيع متفاضل على المعيار الشرعي فبقـي الـبيع‬
‫متســاويا علــى ظــاهر العمــوم ‪ .‬وأمــا الســنة المشــهورة‬
‫فحديث أبي سعيد الخدري وعبادة بن الصامت رضي اللــه‬
‫عنهما حيث جوز رسول اللـه صـلى اللـه عليـه وسـلم بيـع‬
‫الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والتمر بالتمر مثل بمثل‬
‫‪ ,‬عاما مطلقا من غير تخصيص وتقييد ‪ ,‬ول شــك أن اســم‬
‫الحنطة والشعير يقــع علــى كــل جنــس الحنطــة والشــعير‬
‫على اختلف أنواعهما وأوصافهما ‪ ,‬وكذلك اسم التمر يقــع‬
‫على الرطب والبسر ؛ لنه اسم لتمر النخل لغة ‪ ,‬فيــدخل‬
‫فيه الرطب واليابس والمذنب والبسر والمنقع ‪ .‬ا ه ‪.‬‬
‫ول شك أن الحق ما ذهب إليه الكــثر والئمــة الثلثــة مــن‬
‫عدم جواز بيع الرطب باليــابس ؛ لن غايــة مــا تمســك بــه‬
‫المام أبــو حنيفــة رحمــه اللــه عمومــات تخصــص بحــديث‬
‫النهي عن بيع الرطــب باليــابس مــع وجــوب ســد الذريعــة‬
‫المفضية إلى الربا ‪ ،‬والله أعلم ‪.‬‬
‫‪ - 5‬النهي عن بيع الربوي بجنســه ومعهمــا أو مــع أحــدهما‬
‫من غير جنسهما ‪ ,‬ويترجم له الفقهاء بمسألة ‪ -‬مد عجــوة‬
‫‪ -‬لن مــن صــوره أن يــبيع مــد عجــوة ودرهــم بمــد عجــوة‬
‫ودرهم ونحو ذلك ‪ ,‬والصل فيها » حديث فضالة بــن عبيــد‬
‫قال ‪ :‬اشــتريت قلدة يــوم خيــبر بــاثني عشــر دينــارا فيهــا‬
‫ذهب وخرز ففصلتها فوجــدت فيهــا أكــثر مــن اثنــي عشــر‬
‫دينارا ‪ ,‬فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬ل‬
‫يباع حتى يفصــل « )‪ (3‬رواه مســلم )‪ , (4‬قــال النــووي ‪:‬‬

‫‪708‬‬
‫في هذا الحديث إنه ل يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى‬
‫يفصل فيباع الــذهب بــوزنه ذهبــا ‪ ,‬ويبــاع الخــر بمــا أراد ‪,‬‬
‫وكذا ل تباع فضة مع غيرها بفضة ‪ ,‬وكذا الحنطة مع غيرها‬
‫بحنطة والملح مع غيره بملح ‪ ,‬وكذا سائر الربويات ‪ ,‬بل ل‬
‫بد من فصلها )‪ , (5‬وقال شيخ السلم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (2‬سورة النساء الية ‪29‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1591‬سنن النسائي البيوع‬
‫)‪,(4573‬سنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3352‬مســند أحمــد بــن‬
‫حنبل )‪.(6/21‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم مع شرح النووي )‪. ( 18 \ 11‬‬
‫)‪ (5‬شرح النووي على صحيح مسلم الموضع السابق ‪.‬‬
‫ابن تيمية ‪ :‬وأصل مسألة مد عجوة )‪ (1‬أن يبيع مال ربويــا‬
‫بجنسـه ومعهمـا أو مـع أحـدهما مــن غيــر جنسـهما ‪ ,‬فــإن‬
‫للعلماء في ذلك ثلثة أقوال ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬المنع مطلقا كما هو مذهب الشــافعي )‪ (2‬وروايــة‬
‫عن أحمد )‪. (3‬‬
‫والثــاني ‪ :‬الجــواز مطلقــا كقــول أبــي حنيفــة )‪ , (4‬ويــذكر‬
‫رواية عن أحمد ‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬الفرق بين أن يكون المقصود بيع الربوي بجنسه‬
‫متفاضل أو ل يكون وهذا مذهب مالك )‪ (5‬وأحمد )‪ (6‬فــي‬
‫المشهور عنه ‪ ،‬ثم رجــح القــول الثــالث حيــث قــال ‪ :‬فــإن‬
‫الصواب في مثل هذا القول بالتحريم كما هو مذهب مالك‬
‫والشافعي وأحمد ‪ ,‬وإل فل يعجز أحد فــي ربــا الفضــل أن‬
‫يضم إلى القليل شيئا من هذا )‪ . (7‬انتهى ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬قال في القاموس ‪ : 359 \ 4‬والعجوة بالحجاز التمر‬
‫المحشي وتمر المدينة ‪.‬‬
‫)‪ (2‬مجمــوع الفتــاوى ‪ ، 458 -457 \ 29‬وانظــر مغنــي‬
‫المحتاج ‪. 28 \ 2‬‬
‫)‪ (3‬انظر النصاف ‪. 34 - 33 \ 5‬‬
‫)‪ (4‬انظر حاشية ابن عابدين ‪. 239 \ 4‬‬

‫‪709‬‬
‫)‪ (5‬انظر بداية المجتهد لبن رشد ‪. 195 \ 2‬‬
‫)‪ (6‬انظر النصاف ‪. 34 - 33 \ 5‬‬
‫)‪ (7‬مجموع الفتاوى ‪. 461 ، 458 - 457 \ 29‬‬
‫ماذا يفعل من تاب من الربا ؟‬
‫التوبة مطلوبة وواجبة على العبد من كل ذنب فــي أســرع‬
‫مـا‬ ‫وقت ممكن قبل فوات أوانهـا ‪ ,‬قـال اللـه تعـالى ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن‬ ‫م ي َُتوب ُــو َ‬ ‫جَهال َـةٍ ث ُـ ّ‬ ‫ســوَء ب ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة عََلى الل ّهِ ل ِل ّ ِ‬ ‫الت ّوْب َ ُ‬
‫ُ‬
‫ما‬ ‫كي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ه عَِلي ً‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ك ي َُتو ُ‬ ‫ب فَأول َئ ِ َ‬ ‫ري ٍ‬ ‫ن قَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ذا‬ ‫حت ّــى إ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫س ـي َّئا ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫مل ُــو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ل ِل ّ ِ‬ ‫ت الت ّوْب َ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫{ )‪ } (1‬وَل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫موُتــو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ن وَل َ اّلــ ِ‬ ‫ت اْل َ‬ ‫ل إ ِّني ت ُب ْ ُ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حد َهُ ُ‬ ‫ضَر أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما { )‪ , (2‬والربا مــن‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫م عَ َ‬ ‫ك أعْت َد َْنا ل َهُ ْ‬ ‫م ك ُّفاٌر أول َئ ِ َ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫أعظــم الــذنوب بعــد الشــرك بــالله فهــو أحــد الســبع‬
‫الموبقــات ‪ ,‬فتجــب المبــادرة بالتوبــة منــه علــى مــن كــان‬
‫يتعاطاه ‪ ,‬فإذا من الله علــى المرابــي فــوفقه فتــاب وقــد‬
‫تعامل بالربا فماذا يفعل للتخلص من أموال الربــا ؟ إنــه ل‬
‫يخلو من إحدى حالتين ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة النساء الية ‪17‬‬
‫)‪ (2‬سورة النساء الية ‪18‬‬
‫الحالـة الولــى ‪ :‬أن يكــون الربــا لـه فــي ذمــم النــاس لـم‬
‫يقبضه بعد ‪ ,‬ففي هذه الحالة قد أرشــده اللــه تعــالى إلــى‬
‫أن يسترجع رأس ماله ‪ ,‬ويترك ما زاد عليــه مــن الربــا فل‬
‫م‬‫ن ت ُب ُْتــ ْ‬ ‫يستوفيه ممن هو في ذمته ‪ ,‬قال الله تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن { )‪ (1‬قــال‬ ‫مــو َ‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫فَل َك ُ ْ‬
‫المــام القرطــبي رحمــه اللــه ‪ :‬روى أبــو داود )‪ (2‬عــن‬
‫سليمان بن عمر عن أبيه قال ‪ :‬سمعت رسول الله صــلى‬
‫الله عليه وسلم يقول في حجة الــوداع ‪ » :‬أل أن كــل ربــا‬
‫من ربا الجاهلية موضوع ‪ ,‬لكم رءوس أموالكم ل تظلمون‬
‫ول تظلمون « )‪ , (3‬فردهم تعالى مــع التوبــة إلــى رءوس‬
‫أمــوالهم وقــال لهــم ‪ :‬ل تظلمــون فــي أخــذ الربــا ‪ ,‬ول‬
‫تظلمون في مطل ؛ لن مطل الغني ظلم ‪ ,‬فالمعنى ‪ :‬أنه‬
‫يكون القضاء مع وضع الربا إلــى أن قــال ‪ :‬قــوله تعــالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫م { )‪ (4‬تأكيــد لبطــال مــا‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫} وَإ ِ ْ‬

‫‪710‬‬
‫لم يقبض منــه وأخــذ رأس المــال الــذي ل ربــا فيــه )‪, (5‬‬
‫س‬
‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـــ ْ‬‫ن ت ُب ْت ُـــ ْ‬‫وقـــال المـــام ابـــن القيـــم ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م { )‪ (6‬يعني إن تركتم الربــا وتبتــم إلــى اللــه منــه‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫أ ْ‬
‫وقد عاقــدتم عليــه فإنمــا لكــم رءوس أمــوالكم ل تــزادون‬
‫عليها فتظلمون الخــذ ‪ ,‬ول تنقصــون منهــا فيظلمكــم مــن‬
‫أخذها ‪ ,‬فإن كان هذا القابض معسرا فالواجب إنظاره إلى‬
‫ميسرة ‪ ,‬وإن تصــدقتم عليــه وأبرأتمــوه فهــو أفضــل لكــم‬
‫وخير لكم )‪ , (7‬وقال شيخ السلم ابن تيمية فــي معــرض‬
‫كلمه على أن التراضي بين الطرفين على فعــل محــرم ل‬
‫يبيحه قال ‪ :‬وهذا مثل الربــا فــإنه وإن رضــي بــه المرابــي‬
‫وهو بالغ رشيد لم يبح ذلك لما فيه من ظلمــه ‪ ،‬ولهــذا لــه‬
‫أن يطالبه بما قبــض منــه مــن الزيــادة ول يعطيــه إل رأس‬
‫ماله وإن كان قد بــذله باختيــاره )‪ , (8‬وقــال أيضــا ‪ :‬وهــذا‬
‫المرابــي ل يســتحق فــي ذمــم النــاس إل مــا أعطــاهم أو‬
‫نظيره ‪ ,‬فأما الزيــادات فل يســتحق شــيئا منهــا ‪ ,‬لكــن مــا‬
‫قبضه قبل ذلك بتأويل يعفى عنـه ‪ ,‬وأمـا مـا بقـي لـه فـي‬
‫ن الّرَبا‬
‫م َ‬
‫ي ِ‬‫ما ب َِق َ‬ ‫الذمم فهو ساقط لقوله تعالى ‪ } :‬وَذ َُروا َ‬
‫{ )‪ , (9‬والله أعلم )‪. (10‬‬
‫الحالــة الثانيــة ‪ :‬أن يكــون التــائب مــن الربــا قــد قبضــه‬
‫وتجمعت عنده أموال منه والفتوى‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود ‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي تفسير القرآن )‪,(3087‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3334‬سنن ابن ماجه المناسك )‪.(3055‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (5‬تفسير القرطبي )‪. (365 \ 3‬‬
‫)‪ (6‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (7‬التفسير القيم لبن القيم )‪. ( 173 - 172‬‬
‫)‪ (8‬مجموع الفتاوى ‪. 126 \ 151‬‬
‫)‪ (9‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (10‬مجموع الفتاوى )‪. ( 437 \ 29‬‬

‫‪711‬‬
‫في هذا خطيرة جدا ‪ ،‬وأنا أنقل في هذا قاعدة ذكرها شيخ‬
‫السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه اللـه ‪ -‬حيـث قـال ‪ :‬قاعـدة فـي‬
‫المقبوض بعقــد فاســد ‪ ,‬وذلــك أنــه ل يخلــو إمــا أن يكــون‬
‫العاقد يعتقد الفساد ويعلمه ‪ ،‬أو ل يعتقد الفســاد ‪ ،‬فــالول‬
‫يكون بمنزلة الغاصب حيث قبض مــا يعلــم أنــه ل يملكــه ‪،‬‬
‫لكنه بشبهة العقد وكون القبض عن التراضــي هــل يملكــه‬
‫بــالقبض أو ل يملكــه أو يفــرق بيــن أن يتصــرف فيــه أو ل‬
‫يتصرف ؟ هذا فيه خلف مشهور فــي الملــك هــل يحصــل‬
‫بالقبض في العقــد الفاســد ؟ وأمــا إن كــان العاقــد يعتقــد‬
‫صحة العقــد مثــل أهــل الذمــة فيمــا يتعاقــدون بينهــم مــن‬
‫العقود المحرمة في دين الســلم مثــل بيــع الخمــر والربــا‬
‫والخنزيــر ‪ ,‬فــإن هــذه العقــود إذا اتصــل بهــا القبــض قبــل‬
‫السلم والتحاكم إلينا أمضيت لهم ويملكون ما قبضوه بها‬
‫َ‬
‫ه‬‫مُنـوا ات ُّقــوا الّلـ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫بل نزاع لقــوله تعـالى ‪ } :‬ي َــا أي َّهـا ال ّـ ِ‬
‫ن { )‪ (1‬فأمر بــترك‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫وَذ َُروا َ‬
‫ما بقي وإن أسلموا أو تحاكموا قبــل القبــض فســخ العقــد‬
‫ووجــب رد المــال إن كــان باقيــا أو بــدله إن كــان فائتــا ‪,‬‬
‫َ‬
‫من ُــوا ات ُّقــوا الل ّـ َ‬
‫ه‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫والصل فيه قوله تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن { )‪ (2‬إلى قوله ‪:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫وَذ َُروا َ‬
‫َ‬
‫م { )‪ (3‬أمــر اللــه تعــالى‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬‫} وَإ ِ ْ‬
‫برد ما بقي من الربا في الذمم ولم يــأمر بــرد مــا قبضــوه‬
‫قبل الســلم ‪ ,‬وجعــل لهــم مــع مــا قبضــوه قبــل الســلم‬
‫رءوس المــوال ‪ ,‬فعلــم أن المقبــوض بهــذا العقــد قبــل‬
‫السلم يملكه صاحبه ‪ ،‬أما إذا طرأ الســلم وبينهمــا عقــد‬
‫ربا فينفسخ ‪ ,‬وإذا انفسخ من حين السلم استحق صاحبه‬
‫ما أعطاه من رأس المال ‪ ,‬ولــم يســتحق الزيــادة الربويــة‬
‫التي لم تقبض ‪ ,‬ولم يجب عليه من رأس المال مــا قبضــه‬
‫قبل السلم ؛ لنه ملكه بــالقبض فــي العقــد الــذي اعتقــد‬
‫صحته ‪ ,‬وذلك العقد أوجب ذلك القبض ‪ ,‬فلو أوجبناه عليه‬
‫لكنا قد أوجبنا عليه رده وحاسبناه به من رأس المال الذي‬
‫استحق المطالبة ‪ ,‬وذلك خلف ما تقدم ‪ ,‬وهكذا كــل عقــد‬
‫اعتقــد المســلم صــحته بتأويــل مــن اجتهــاد أو تقليــد مثــل‬
‫المعاملت الربوية التي يبيحها مجــوزو الحيــل ‪ ,‬ومثــل بيــع‬

‫‪712‬‬
‫النبيذ المتنازع فيه عند من يعتقد صحته ‪ ,‬ومثل بيوع الغرر‬
‫المنهي عنها عند مــن يجــوز بيعهــا ‪ ,‬فــإن هــذه العقــود إذا‬
‫حصل فيها التقابض مع اعتقاد الصحة لم تنقض بعد ذلك ل‬
‫بحكم ول برجوع عن ذلك الجتهاد ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫انتهى )‪ , (1‬وحاصل هذه القاعدة أن الشيخ يفرق بين من‬
‫قبض مـال بعقـد فاسـد يعتقـد صـحته كالكـافر الـذي كـان‬
‫يتعامل بالربا قبل إسلمه أو تحاكمه إلينــا ‪ ،‬وكالمســلم إذا‬
‫عقد عقدا مختلفا فيه بين العلماء وهو يرى صــحته ‪ ،‬فهــذا‬
‫النوع من المتعاقدين يملك ما قبضه ‪.‬‬
‫أما من تعامل بعقد مختلف في تحريمه وهو ل يرى صحته‬
‫أو بعقد مجمــع علــى تحريمــه ‪ ,‬فمــا قبضــه بمــوجب ذلــك‬
‫العقد فهو فيه كالغاصب حيث قبض ما يعلم أنه ل يملكه ‪,‬‬
‫ويقرب مما ذكره الشــيخ مــا قــاله ابــن القيــم فــي كســب‬
‫الزانية حيث قال ‪ :‬فإن قيل ‪ :‬ما تقولون في كسب الزانية‬
‫إذا قبضته ثم تــابت ‪ ,‬هــل يجــب عليهــا رد مــا قبضــته إلــى‬
‫أربابه أم يطيب لها أم تتصدق به ؟ قيل ‪ :‬هذا ينبنــي علــى‬
‫قاعدة عظيمة من قواعد السلم ‪ ,‬وهي أن من قبــض مــا‬
‫ليس لــه قبضــه شــرعا ثــم أراد التخلــص منــه ‪ ,‬فــإن كــان‬
‫المقبوض قد أخذ بغير رضــى صــاحبه ول اســتوفى عوضــه‬
‫رده عليه ‪ ,‬فإن تعذر رده عليه قضى به دينا يعلمـه عليـه ‪،‬‬
‫فإن تعذر ذلك رده إلى ورثته ‪ ,‬فإن تعــذر ذلــك تصــدق بــه‬
‫عنه ‪ . .‬إلى أن قــال ‪ :‬وإن كــان المقبــوض برضــى الــدافع‬
‫وقد استوفى عوضــه المحــرم كمــن عــاوض عــن خمــر أو‬
‫خنزير أو على زنا أو فاحشة فهذا ل يجب رد العوض علــى‬
‫الدافع ؛ لنه أخرجه باختيــاره واسـتوفى عوضـه المحــرم ‪,‬‬
‫فل يجوز أن يجمع لــه بيــن العــوض والمعــوض ‪ ,‬فــإن فــي‬
‫ذلــك إعانــة لــه علــى الثــم والعــدوان وتيســير أصــحاب‬
‫المعاصي عليه ‪ . .‬إلى أن قــال ‪ :‬ولكــن ل يطيــب للقــابض‬
‫أكله بل هو خبيث ‪ . . .‬فطريق التخلص منه وتمــام التوبــة‬

‫‪713‬‬
‫بالصدقة به ‪ ،‬فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته‬
‫ويتصدق بالباقي فهذا حكم كل كسب خبيث لخبث عوضــه‬
‫عينا كان أو منفعة ‪ ,‬ول يلزم من الحكم بخبثه وجــوب رده‬
‫على الدافع ‪ ,‬فإن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بخبث‬
‫كسب الحجام ‪ ,‬ول يجب رده على دافعه )‪ . (2‬انتهى ‪.‬‬
‫وقال الشيخ عبد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي )‪ : (3‬علـى‬
‫قول الصحاب المقبــوض بعقــد فاســد إنــه مضــمون علــى‬
‫القابض كالمغصوب ‪ :‬أقول واختار الشــيخ تقــي الــدين أن‬
‫المقبوض بعقد فاسد غير مضــمون ‪ ,‬وأنــه يصــح التصــرف‬
‫فيه ؛ لن الله تعالى لم يأمر برد المقبوض بعقد الربا بعــد‬
‫التوبة ‪ ,‬وإنما أمر برد الربا الــذي لــم يقبــض ‪ ,‬وأنــه قبــض‬
‫برضى مالكه فل يشبه المغصوب ‪ ,‬ولن فيه من التســهيل‬
‫والترغيب في التوبة ما ليس في القول بتوقيف توبته على‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مجموع الفتاوى )‪. ( 412 - 411 \ 29‬‬
‫)‪ (2‬زاد المعاد )‪.( 780 \ 779 \ 4‬‬
‫)‪ (3‬الفتاوى السعدية ص ‪. 303‬‬
‫رد التصرفات الماضية مهما كــثرت وشــقت واللــه أعلــم ‪,‬‬
‫وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار على قوله‬
‫سل َ َ‬
‫ف‬ ‫ما َ‬ ‫ن َرب ّهِ َفان ْت ََهى فَل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫م ْ‬ ‫عظ َ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫مو ْ ِ‬
‫جاَءهُ َ‬
‫ن َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬فَ َ‬
‫م ْ‬
‫{ )‪ (1‬أي فمن بلغه تحريــم اللــه تعــالى للربــا ونهيــه عنــه‬
‫فترك الربا فورا بل تراخ ول تردد انتهاء عما نهى الله عنــه‬
‫فله ما كان أخذه فيما سلف مــن الربــا ل يكلــف رده إلــى‬
‫من أخذه منهم ‪ ,‬بل يكتفي منه بأن ل يضاعف عليهم بعــد‬
‫مـُرهُ إ ِل َــى الل ّـهِ { )‪ (2‬يحكــم فيــه بعــدله ‪,‬‬ ‫َ‬
‫البلغ شيئا } وَأ ْ‬
‫ومن العدل أن ل يؤاخذ بما أكــل مــن الربــا قبــل التحريــم‬
‫وبلوغه الموعظة من ربه )‪ . (3‬انتهى ‪ ,‬أقول ‪ :‬ولعلنــا مــن‬
‫هذه النقول نستفيد أن من تــاب مــن الربــا وعنــده أمــوال‬
‫مجتمعة منه ‪ ,‬فإن من مقتضى التوبة المســاك والتوقــف‬
‫عن التعامل بالربا إلى البد ‪ ،‬ول يرد الموال الربويــة إلــى‬
‫من أخذها منهم ؛ لن هذا يعينهم على المرابــاة مــع غيــره‬
‫بحيث يستغلونه في ذلك ‪ ،‬ول يأكل هذه الموال الربويــة ؛‬

‫‪714‬‬
‫لنه من كسب خبيث ‪ ,‬ولكن يتخلص منها بالتصــدق بهــا أو‬
‫جعلها في مشاريع خيرية ‪.‬‬
‫وفي الدرر السنية في الجوبة النجدية )‪ (4‬جــواب للشــيخ‬
‫عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ‪ -‬رحمه ‪ -‬الله قال فيــه ‪:‬‬
‫)إذا وقع عقد فاسد في معاملة فــي الســلم قــد انقضــت‬
‫بالتقابض فيظهر مما قاله شيخ السلم ‪-‬رحمه اللــه ‪ -‬فــي‬
‫مـُرهُ إ ِل َــى‬ ‫آية الربا في قــوله تعــالى ‪ } :‬فَل َـه مــا سـل َ َ َ‬
‫ف وَأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫الل ّهِ { )‪ (5‬فاقتضى أن السالف للقــابض ‪ ,‬وأن أمــره إلــى‬
‫الله ليس للغريم فيه أمر ‪ ,‬وذلك أنه لما جاءه موعظة من‬
‫ربه فانتهى كان مغفرة ذلك الــذنب والعقوبــة عليــه أمــره‬
‫إلى الله إن علم من قلبه صحة التوبة غفــر لــه وإل عــاقبه‬
‫م‬‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬
‫ن الّرب َــا إ ِ ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬
‫مــا ب َِقـ َ‬ ‫ثم قال ‪ } :‬ات ُّقــوا الل ّـ َ‬
‫ن { )‪ (6‬فأمر بترك الباقي ولم يأمر برد المقبوض ‪,‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ن وَل َ‬ ‫مــو َ‬‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬
‫وال ِك ُ ْ‬‫مـ َ‬‫سأ ْ‬‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫وقال ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن { )‪ (7‬إل أنه يستثنى منها ما قبــض وهــذا الحكــم‬ ‫مو َ‬‫ت ُظ ْل َ ُ‬
‫ثابت في حق الكافر إذا عامــل كــافرا بالربــا وأســلما بعــد‬
‫القبض وتحاكما إلينا فإن ما قبضه يحكم له بــه كســائر مــا‬
‫قبضه الكافر بالعقود التي يعتقــدون حلهــا ‪ ,‬وأمــا المســلم‬
‫فله ثلثة أحوال ‪ :‬تارة يعتقد حل بعــض النــواع باجتهــاد أو‬
‫تقليد ‪ ،‬وتارة يعامل بجهــل ول يعلــم أن ذلــك ربــا محــرم ‪،‬‬
‫وتارة يقبض مع علمه بأن ذلك محرم ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (3‬تفسير المنار )‪. ( 98 \ 97 \ 3‬‬
‫)‪ (4‬ج ‪ 5‬ص ‪. 72 - 71‬‬
‫)‪ (5‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (6‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (7‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫أما الول والثاني ففيه قولن إذا تبين له فيما بعد أن ذلــك‬
‫محرم قيل ‪ :‬يرد ما قبض كالغاصب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ل يــرده وهــو‬
‫أصح إذا كان معتقدا أن ذلك حلل ‪ ,‬والكلم فيمــا إذا كــان‬
‫مختلفا فيه مثل الحيل الربوية ‪ ،‬فإذا كــان الكــافر إذا تــاب‬

‫‪715‬‬
‫يغفر الله ما استحله ‪ ,‬ويباح لــه مــا قبضــه ‪ ،‬فالمســلم إذا‬
‫تاب أولى أن يغفر له ‪.‬‬
‫إذا فمن أخذ بأحد قولي العلمــاء فــي حــل ذلــك فهــو فــي‬
‫تأويله أعذر من الكافر في تأويله ‪ ,‬وأمــا المســلم الجاهــل‬
‫فهو أبعد ‪ ,‬لكن ينبغي أن يكون كذلك فليس هو شــرا مــن‬
‫الكافر ‪ ,‬وقــد ذكرنــا فيمــا يــتركه مــن الواجبــات الــتي لــم‬
‫يعرف وجوبها هل عليه قضــاء ؟ علــى قــولين أظهرهمــا ل‬
‫قضاء عليه ‪ ,‬إلى أن قال ‪ :‬فمن فعــل شــيئا لــم يعلــم أنــه‬
‫محرم ثم علمه لــم يعــاقب ‪ ,‬وإذا عامــل بمعــاملت ربويــة‬
‫يعتقــدها جــائزة وقبــض منهــا ثــم جــاءه موعظــة مــن ربــه‬
‫فانتهى فله ما سلف ول يكون شرا مــن الكــافر ‪ ,‬والكــافر‬
‫إذا غفــر لــه مــا قبضــه لكــونه قــد تــاب فالمســلم بطريــق‬
‫جــاَءهُ‬
‫ن َ‬ ‫الولــى ‪ ,‬والقــرآن يــدل علــى هــذا بقــول ‪ } :‬فَ َ‬
‫مـ ْ‬
‫ف { )‪ (1‬وهذا عام في‬ ‫سل َ َ‬
‫ما َ‬
‫ه َ‬‫ن َرب ّهِ َفان ْت ََهى فَل َ ُ‬‫م ْ‬
‫ة ِ‬‫عظ َ ٌ‬
‫مو ْ ِ‬
‫َ‬
‫كل من جاءه موعظة من ربه فانتهى ‪ ,‬فقد جعــل اللـه لـه‬
‫ما سلف ‪ -‬انتهى ‪ -‬لكن هذا الكلم ينصب علــى الكــافر إذا‬
‫أسلم وعنده أموال قـد قبضـها بطريـق التعامـل الربـوي ‪،‬‬
‫والمسلم الذي تعامل ببعض المعاملت المختلف فيها هــل‬
‫هي من الربا أو ل ؟ أو لكونه يجهل الربــا وقبــض بموجبهــا‬
‫ما ل تحصل لديه ثم تبين لــه أنهــا مــن الربــا وتــاب منهــا ‪,‬‬
‫وتبقى قضية المسلم الذي تعامل بالربا متعمدا وهــو يعلــم‬
‫أنه ربا ثم تاب منه وقد تحصل لديه منه مال فهــذا موضــع‬
‫الشكال ‪ ,‬ولعل الحل لهذا الشكال أن يتصدق به ول يرده‬
‫للمرابين كما ذكره ابن القيم في الكلم الذي نقلنــاه عنــه‬
‫في مهر البغي ‪ ,‬والله أعلم ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫الخاتمة والفهارس‬
‫الخاتمة ‪:‬‬
‫تبين لنا مما سبق شدة تحريم الربا وخطــورته ‪ ,‬وأن آكلــه‬
‫والمعين على أكله كلهما ملعون على لسان رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وســلم وأن الوســائل المفضــية إليــه تأخــذ‬
‫حكمه في التحريم والثم ‪ ،‬وأن من اســتباحه فهــو كــافر ‪,‬‬

‫‪716‬‬
‫ومن أكله مع القرار بتحريمه فهو فاسق ‪ ،‬وقد عرفنــا مــا‬
‫هو الربا وما هي الشياء التي يدخلها ‪.‬‬
‫فيجب على المسلم البتعاد عنه والتحرز منه ؛ لنه قد كثر‬
‫الوقوع فيــه فــي هــذا الزمــان لمــا طغــت المــادة وضــعف‬
‫المسلمون وفشا الجهل بأحكام الــدين ‪ ,‬وقــد أخــبر النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بــذلك فيمــا رواه أبــو هريــرة رضــي‬
‫الله عنه أنــه قــال ‪ » :‬ليــأتين علــى النــاس زمــان ل يبقــى‬
‫منهم أحد إل أكل الربا ‪ ,‬فمن لم يأكله أصابه من غبــاره «‬
‫)‪ , (1‬قال المناوي )‪ (2‬في شرح هذا الحديث ‪ ) :‬ليــأتين (‬
‫اللم جواب لقسم محذوف ‪ ) ,‬على الناس زمــان ل يبقــى‬
‫منهم ( أي مــن النــاس ‪ ) ,‬أحــد إل أكــل الربــا ( الخــالص ‪,‬‬
‫) فإن لم يأكله أصابه من غباره ( أي يحيق به ويصــل إليــه‬
‫من أثره بأن يكون موكل أو متوسطا فيه أو كاتبا أو شاهدا‬
‫أو معامل المرابي أو من عامل معــه وخلــط مــاله بمــاله ‪,‬‬
‫ذكره البيضاوي إلى أن قال ‪ :‬وفي رواية ‪ ) :‬مــن بخــاره (‬
‫وهو ما ارتفــع مــن المــاء مــن الغليــان كالــدخان والمــاء ل‬
‫يغلي إل بنار توقد تحتــه ‪ ,‬ولمــا كــان المــال المــأكول مــن‬
‫الربا يصير نارا يوم القيامة يغلي منه دمــاغ آكلــه ‪ ,‬ويخــرج‬
‫منــه بخــار ناســب جعــل البخــار مــن أكــل الربــا ‪ ،‬والبخــار‬
‫والغبار إذا ارتفع من الرض أصاب كل مــن حضــر وإن لــم‬
‫يأكل ‪ .‬ووجه النسبة بينهما أن الغبار إذا ارتفــع مــن الرض‬
‫أصاب كل من حضر وإن لم يكــن هــو أثــاره ‪ ,‬كمــا يصــيب‬
‫البخار إذا انتشر من حضر وإن لم يتسبب فيه ‪ ,‬وهــذا مــن‬
‫معجزاتــه صـلى اللـه عليــه وسـلم ‪ ,‬فــإن مــن تأمــل حــال‬
‫الناس اليوم أدرك مصداق هذا الحــديث الشــريف ‪ .‬وذلــك‬
‫أنه لما فاضت الموال وتضخمت في أيدي كثير من الناس‬
‫وضعوها في البنوك الربوية فأصابهم من الربا ما أصابهم ‪,‬‬
‫فمنهم من أكله ‪ ,‬ومنهم من لم يأكله لكن أعان على أكلـه‬
‫فأصابه من غباره ‪ ,‬والله المستعان ‪ ,‬اللهــم أغننــا بحللــك‬
‫عن حرامــك ‪ ,‬واكفنــا بفضــلك عمــن ســواك ‪ ,‬وقنعنــا بمــا‬
‫رزقتنا ‪ ,‬وبارك لنا فيما أعطيتنا ‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين ‪ ,‬وصــلى اللــه وســلم علــى نبينــا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬

‫‪717‬‬
‫صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن النسائي البيوع )‪,(4455‬سنن أبــو داود الــبيوع )‬
‫‪,(3331‬سنن ابن ماجه التجارات )‪.(2278‬‬
‫)‪ (2‬فيض القدير ) ‪. ( 346 \ 5‬‬
‫المراجع‬
‫‪ - 1‬القرآن الكريم ‪.‬‬
‫‪ - 2‬تفسير ابن جرير ‪.‬‬
‫‪ - 3‬تفسير ابن كثير ‪.‬‬
‫‪ - 4‬تفسير القرطبي ‪.‬‬
‫‪ - 5‬التفسير القيم لبن القيم ‪.‬‬
‫‪ - 6‬أضواء البيان للشنقيطي ‪.‬‬
‫‪ - 7‬تفسير المنار ‪.‬‬
‫‪ - 8‬صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ‪.‬‬
‫‪ - 9‬صحيح مسلم مع شرح النووي ‪.‬‬
‫‪ - 10‬نيل الوطار للشوكاني ‪.‬‬
‫‪ - 11‬الزواجر لبن حجر الهيتمي ‪.‬‬
‫‪ - 12‬المعاملت المصرفية لبن دريب ‪.‬‬
‫‪ - 13‬الروضة الندية للشيخ محمد بن إبراهيم ‪.‬‬
‫‪ - 14‬الربا والمعاملت فــي الســلم للشــيخ محمــد رشــيد‬
‫رضا ‪.‬‬
‫‪ - 15‬مجموعة فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ‪.‬‬
‫‪ - 16‬إعلم الموقعين لبن القيم ‪.‬‬
‫‪ - 17‬زاد المعاد لبن القيم ‪.‬‬
‫‪ - 18‬القاموس المحيط في اللغة ‪.‬‬
‫‪ - 19‬مغني المحتاج في الفقه ‪.‬‬
‫‪ - 20‬المبدع شرح المقنع ‪.‬‬
‫‪ - 21‬بداية المجتهد لبن رشد ‪.‬‬
‫‪ - 22‬الختيارات الفقهية ‪.‬‬
‫‪ - 23‬إغاثة اللهفان لبن القيم ‪.‬‬
‫‪ - 24‬الكافي لبن عبد البر ‪.‬‬
‫‪ - 25‬المحلى لبن حزم ‪.‬‬
‫‪ - 26‬سبل السلم شرح بلوغ المرام للصنعاني ‪.‬‬

‫‪718‬‬
‫‪ - 27‬بدائع الصنائع في الفقه ‪.‬‬
‫‪ - 28‬مجلة البحوث السلمية ‪.‬‬
‫‪ - 29‬الفتاوى السعدية ‪.‬‬
‫‪ - 30‬الشرح الكبير للدردير ‪.‬‬
‫‪ - 31‬الشرح الصغير ‪.‬‬
‫‪ - 32‬تهذيب سنن أبي داود لبن القيم ‪.‬‬
‫‪ - 33‬فتح القدير فقه حنفي ‪.‬‬
‫‪ - 34‬كشاف القناع عن متن القناع ‪.‬‬
‫‪ - 35‬تهذيب السماء واللغات للنووي ‪.‬‬
‫================‬
‫‪ #‬الربا في ضوء الكتاب والسنة‬
‫مجلة البحوث السلمية ‪) -‬ج ‪ / 11‬ص ‪(191‬‬
‫الشيخ عبد الله عبد الغني الخياط‬
‫من مواليد مكة المكرمة ‪ ،‬تلقى علومه الولية فــي مدينــة‬
‫الخيـــاط بمكـــة مكرمـــة ‪ ،‬ودرس المنهـــج الثـــانوي فـــي‬
‫المدرسة الراقية ‪ ،‬تخــرج فــي المعهــد العلمــي الســعودي‬
‫بمكة المكرمة ‪ ،‬ودرس على المشايخ في المسجد الحرام‬
‫وغيره ‪.‬‬
‫عمل مديرا للمدرسة الفيصــلية بمكــة المكرمــة ‪ ،‬فمــديرا‬
‫لمدرسة المــراء أنجــال الملــك عبــد العزيــز ‪ ،‬فمستشــارا‬
‫لـوزارة المعـارف بمكـة ‪ ،‬ثـم مشـرفا علـى إدارة التعليـم‬
‫ومديرا لكلية الشريعة بمكة المكرمة ‪.‬‬
‫يعمل عضوا في هيئة المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪،‬‬
‫وخطيبا بالمسجد الحرام ‪ ،‬وعضوا فــي هيئة كبــار العلمــاء‬
‫وعضوا في اللجنة الثقافية برابطة العالم السلمي ‪.‬‬
‫من مؤلفاته ‪ :‬اعتقاد السلف ‪ -‬دليل المسلم ‪ -‬ما يجــب أن‬
‫يعرف المسلم عن دينه ‪ -‬الخطب فــي المســجد الحــرام ‪-‬‬
‫الرواد الثلثة ‪ -‬صحائف مطوية ‪ -‬حكم وأحكام من السيرة‬
‫النبوية ‪ -‬تأملت في دروب الحق والباطل‬
‫الربا في ضوء الكتاب والسنة‬
‫بقلم الشيخ عبد الله عبد الغني خياط‬

‫‪719‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫ن الّرب َــا إ ِ ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق ْ َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫ن ل َـ ْ‬ ‫ن { )‪ } (1‬فَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫سول ِهِ { )‪. (2‬‬ ‫الل ّهِ وََر ُ‬
‫تقديم‬
‫السلم دين العمل والكد ‪ ،‬وبقدر ما يعمل المسلم يأخــذ ‪،‬‬
‫وبقدر ما يغرس يحظى بالثمار ‪ ،‬أما التبطل والقعــود عــن‬
‫الكســب المشــروع اتكــال علــى مجهــود الغيــر أو اعتــدادا‬
‫بغنيمة باردة تصل إليه دون عناء وبذل جهد ‪ ،‬فليــس ذلــك‬
‫من دين السلم ‪ ،‬بل هو مناقض لما جاء به السلم وحض‬
‫عليه ورغب فيه ‪ ،‬أل ترى كيف توحي الية الكريمة التاليــة‬
‫وأمثالها بمزاولة العمل بعــد أداء فريضــة اللــه ابتغــاء رزق‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫الله ‪ ،‬ودفعا للتبطل ‪ ،‬يقول الله سبحانه ‪َ } :‬يا أي ّهَــا ال ّـ ِ‬
‫وا إ ِل َــى ذِك ْـ ِ‬
‫ر‬ ‫س ـع َ ْ‬ ‫معَـةِ َفا ْ‬ ‫ج ُ‬‫ن ي َوْم ِ ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫صَلةِ ِ‬ ‫ذا ُنودِيَ ِلل ّ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬ ‫آ َ‬
‫ن { )‪(3‬‬ ‫مــو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ْـٌر ل َك ُـ ْ‬ ‫م َ‬ ‫الل ّهِ وَذ َُروا ال ْب َي ْـعَ ذ َل ِك ُـ ْ‬
‫شـروا فِــي اْل َ‬
‫ن‬ ‫مـ ْ‬‫ض َواب ْت َغُــوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫صـَلةُ َفان ْت َ ِ ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ضـي َ ِ‬ ‫ذا قُ ِ‬ ‫} فَإ ِ َ‬
‫ن { )‪. (4‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬‫ه ك َِثيًرا ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ َواذ ْك ُُروا الل ّ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫فَ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (3‬سورة الجمعة الية ‪9‬‬
‫)‪ (4‬سورة الجمعة الية ‪10‬‬
‫فالمر بالنتشار في الرض قرنه ســبحانه بالفريضــة الــتي‬
‫هي عماد الدين ‪ ،‬وفتح النظار للتجاه إليه والخذ كمقــوم‬
‫للحياة ترتكز عليه ‪ ،‬وجــاء فــي الحــديث ‪ » :‬مــا أكــل أحــد‬
‫طعاما خيرا له من أن يأكل مــن عمــل يــده وإن نــبي اللــه‬
‫داود كان يأكل مــن عمــل يــده « )‪ ، (1‬وفــي حــديث آخــر‬
‫يقول رسول الله ‪ -‬صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ -‬لفقيــر جــاء‬
‫يطلب مددا من المال ‪ » :‬لئن يحــتزم أحــدكم حزمــة مــن‬
‫حطب فيحملها على ظهره فيبيعها خير لــه مــن أن يســأل‬
‫رجل يعطيه أو يمنعه « )‪. (2‬‬
‫هــذه مقدمــة وضــعناها بيــن يــدي بحــث اليــوم لنركــز فــي‬
‫الذهان أن الربــا تبطــل وقعــود عــن الكســب المشــروع ‪،‬‬
‫واســتمراء لحيــاة رتيبــة ل نصــب فيهــا ول كــد ول عنــاء أو‬

‫‪720‬‬
‫جهــد ‪ ،‬بــل يعيــش صــاحبها علــى حســاب الخريــن يأكــل‬
‫كسبهم ويمتص نشاطهم ‪ ،‬ويجعلهم كالجراء يعملون لــه ‪،‬‬
‫وليتهم يأخذون أجرا على عملهم ‪ ،‬وإنما يأكلون من فتــات‬
‫المائدة لو فضل من المــائدة فتــات ‪ ،‬وســوف نســير ‪ -‬إن‬
‫شاء اللــه ‪ -‬فــي كتابــة هــذا البحــث علــى المخطــط الــذي‬
‫رسمناه له على ضوء الكتاب والسنة ‪ ،‬فنبــدأ أول بتعريــف‬
‫الربا لغة وشرعا ‪ ( 2 ) ،‬الربــا فــي آي الكتــاب العزيــز ‪) ،‬‬
‫‪ ( 3‬الربــا فــي الســنة ‪ ( 4 ) ،‬حكــم الربــا فــي الســلم ‪،‬‬
‫ويشتمل هذا المبحث على ‪- :‬‬
‫أ ‪ -‬مضار الربا ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تحريم الربا ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أنواع الربا وحكم كل نوع ‪.‬‬
‫د ‪ -‬وسائل القضاء على الربا ويتفرع عنه ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬القرض الحسن ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الحض على التعــاون لصــالح الفــرد والمجتمــع ‪ ،‬وهــذا‬
‫التعاون يترجم عنه التعــاون الصــناعي والتعــاون الزراعــي‬
‫التعاون الجتماعي ‪.‬‬
‫‪ - 3‬خطر الربا الستهلكي والنتاجي ‪.‬‬
‫‪ - 4‬خاتمة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صــحيح البخــاري الــبيوع )‪,(1966‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫التجارات )‪,(2138‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(4/132‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري الزكاة )‪,(1401‬صحيح مسلم الزكاة )‬
‫‪,(1042‬سنن الترمذي الزكاة )‪,(680‬سنن النسائي الزكاة‬
‫)‪,(2589‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‪,(2/300‬موطــأ مالــك‬
‫الجامع )‪.(1883‬‬
‫تعريف الربا لغة وشرعا‬
‫أما التعريف اللغوي فهو ‪ :‬الزيادة على الشيء ومنه )أربى‬
‫فلن على فلن ( إذا زاد عليه )وربا الشــيء( إذا زاد علــى‬
‫ما كان عليه فعظم )فهو يربــو ربــوا( ‪ ،‬وإنمــا قيــل للرابيــة‬
‫)رابية( لزيادتها في العظم والشراف على ما استوى مــن‬
‫الرض مما حولها من قولهم )ربا يربــو( ‪ ،‬ومــن ذلــك قيــل‬
‫)فلن في رباوة قومه( يراد أنه فــي رفعــة وشــرف منهــم‬

‫‪721‬‬
‫فأصل الربا الناقة والزيــادة ‪ ,‬ثــم يقــال ‪) :‬أربــى فلن( أي‬
‫أناف ماله حيــن صــيره زائدا وإنمــا قيــل للمربــي )مــرب(‬
‫لتضعيفه المال الذي كان له علــى غريمــه حــال أو لزيــادته‬
‫عليه السبب الجــل الــذي يــؤخره إليــه فيزيــده إلــى أجلــه‬
‫الذي كان له قبل حل دينه عليه ولذلك قــال تعــالى ‪ } :‬ي َــا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ة { )‪) (1‬‬ ‫ضــاعََف ً‬
‫م َ‬ ‫مُنوا َل ت َـأك ُُلوا الّرب َــا أ ْ‬
‫ضـَعاًفا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪. (2‬‬
‫وأما تعريف الربا فــي الشــرع فيقــع علــى معــان لــم يكــن‬
‫السم موضوعا لها في اللغة ‪ ،‬ويدل عليه أن النــبي صــلى‬
‫الله عليه وسلم سمى النسء ربـا فــي حــديث أســامة بـن‬
‫زيد فقال ‪ » :‬إنما الربا في النسيئة « )‪ ، (3‬وقال عمر بن‬
‫الخطاب إن آية الربــا مــن آخــر مــا نــزل مــن القــرآن وإن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يبينه لنــا فــدعوا‬
‫الربا والريبة ‪.‬‬
‫فثبت بذلك أن الربا قد صار اسما شرعيا لنه لو كان باقيا‬
‫على حكمه في أصل اللغة لما خفي على عمر ؛ لنه كــان‬
‫عالما بأسماء اللغة ؛ ولنه من أهلها ويدل عليه أن العــرب‬
‫لم تكن تعرف بيع الذهب بالذهب والفضــة بالفضــة نســء‬
‫ربا ‪ ،‬وهو ربا في الشرع وإذا كان ذلك على ما وصفنا صار‬
‫بمنزلة سائر السماء المجملة المفتقرة إلــى البيــان وهــي‬
‫السماء المنقولة من اللغــة إلــى الشــرع لمعــان لــم يكــن‬
‫الســلم موضــوعا لهــا فــي اللغــة نحــو الصــلة والصــوم‬
‫والزكاة فهو مفتقر إلى البيان ول يصح الستدلل بعمــومه‬
‫في تحريــم شــيء مــن العقــود إل فيمــا قــامت دللتــه أنــه‬
‫مسمى في الشرع بذلك )‪. (4‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة آل عمران الية ‪130‬‬
‫)‪ (2‬آل عمران ‪ ،‬من الية ‪ ، 130‬تفسير الطــبري ج ‪ 6‬ص‬
‫‪.7‬‬
‫)‪ (3‬صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )‪,(2067‬صـــحيح مســـلم‬
‫المســاقاة )‪,(1596‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4581‬ســنن‬
‫ابــن مــاجه التجــارات )‪,(2257‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‬
‫‪,(5/200‬سنن الدارمي البيوع )‪.(2580‬‬

‫‪722‬‬
‫)‪ (4‬أحكام القرآن ج ‪ 1‬ص ‪. 552 - 551‬‬
‫مبحث الربا في الكتاب العزيز‬
‫ننتقل بعد هذا البسط في مــدلول الربــا لغــة وشــرعا إلــى‬
‫إيراد اليات القرآنية التي جاء فيها ذكر الربا موضــحا قــال‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫مــو َ‬ ‫ن الّرب َــا َل ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َـأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫تعالى في سورة البقرة } ال ّ ِ‬
‫طان من ال ْمس ذ َل َ َ‬
‫م‬ ‫ك ب ِـأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫إ ِّل ك َ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مــ ْ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫َقاُلوا إ ِن ّ َ‬
‫ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫مُرهُ إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫عظ َ ُ ٌ ِ ْ َ ّ ِ ْ َ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫َ‬
‫ن { )‪(1‬‬ ‫َ‬ ‫عاد َ فَـأول َئ ِ َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِـ ُ‬ ‫م ِفيهَــا َ‬ ‫ب الن ّــارِ هُـ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫صـ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ل ك َّفاٍر‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫} يَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫موا‬ ‫ت وَأقَــا ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صــال ِ َ‬ ‫مل ُــوا ال ّ‬ ‫من ُــوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫أِثيم ٍ { )‪ } (2‬إ ِ ّ‬
‫كاةَ ل َه َ‬
‫م‬ ‫ف عَل َي ِْهــ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م وََل َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫صَلةَ َوآت َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫مُنـوا ات ُّقـوا الّلـ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن { )‪َ } (3‬يـا أي َّهـا اّلـ ِ‬ ‫حَزُنـو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫هـ ْ‬ ‫وََل ُ‬
‫م‬ ‫ن ل َـ ْ‬ ‫ن { )‪ } (4‬فَ ـإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َ ِْق َ‬ ‫وَذ َُروا َ‬
‫م‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬ ‫ســول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫ن الل ّـهِ وََر ُ‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن { )‪ } (5‬وَإ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ُرُءو ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م إِ ْ‬ ‫خي ْـٌر ل َك ُـ ْ‬ ‫ص ـد ُّقوا َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫س ـَرةٍ وَأ ْ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن ِفيـهِ إ ِل َــى الّلـ ِ‬
‫ه‬ ‫جعُــو َ‬ ‫ما ت ُْر َ‬ ‫ن { )‪َ } (6‬وات ُّقوا ي َوْ ً‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ن { )‪. (7‬‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ن َْف ٍ‬ ‫م ت ُوَّفى ك ُ ّ‬ ‫ثُ ّ‬
‫تفسير اليات‬
‫يقول الحافظ ابن كثير ‪ -‬يرحمه اللــه‪ " : -‬لمــا ذكــر تعــالى‬
‫البرار المؤدين للنفقات المخرجيــن للزكــوات المتفضــلين‬
‫بــالبر والصــدقات لــذوي الحاجــات والقرابــات فــي جميــع‬
‫الحوال والوقات شرع في ذكر أكلة الربا وأمــوال النــاس‬
‫بالباطل وأنواع الشبهات فـأخبر عنهـم يـوم خروجهــم مــن‬
‫قبــورهم وقيــامهم منهــا إلــى بعثهــم ونشــورهم فقــال ‪:‬‬
‫ْ‬
‫خب ّط ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن الّرَبا َل ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫س { )‪ (8‬أي ل يقومون من قبورهم يوم‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫القيامــة إل كمــا يقــوم المصــروع حــال صــرعه ‪ ،‬وتخبــط‬
‫الشيطان له ‪ ،‬وذلــك أنــه يقــوم قيامــا منكــرا ‪ .‬وقــال ابــن‬
‫عباس ‪ :‬آكل الربا يبعث يوم القيامــة مجنونــا يخنــق ‪ .‬رواه‬
‫ابن أبي حاتم ‪ ،‬ونقل‪ -‬أي ابن كــثير ‪ -‬عــن بعــض مفســري‬
‫السلف نحو هذا المعنى ‪ ,‬ثم استمر يرحمه الله فــي نقــل‬

‫‪723‬‬
‫الروايات عن مفسري السلف في أن قيامهم على الوضــع‬
‫المذكور يكون يوم القيامة ونقل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪276‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪277‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (5‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (6‬سورة البقرة الية ‪280‬‬
‫)‪ (7‬سورة البقرة الية ‪281‬‬
‫)‪ (8‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫عن ابن جرير بالسند إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال‬
‫‪ :‬يقال يوم القيامة لكل الربــا خــذ ســلحك للحــرب وقــرأ‬
‫ْ‬
‫ن الّرَبـا { )‪ (1‬اليـة وذلـك حيـن يقـوم مـن‬ ‫ن َيـأك ُُلو َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫قــبره )‪ , (2‬وجــاء فــي "فتــح القــدير" عنــد تفســير قــوله‬
‫ْ‬
‫ن الّرَبا { )‪ (3‬قوله ‪ :‬اختصــاص هــذا‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬‫ذي َ‬‫تعالى ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫الوعيد بمن يأكله بل هو عام لكل من يعامل بالربا فيأخذه‬
‫ويعطيــه وإنمــا خــص الكــل لزيــادة التشــنيع علــى فــاعله‬
‫ولكونه هو الغرض الهم فإن آخذ الربا إنما أخــذه للكــل ‪،‬‬
‫ن { )‪ (4‬أي يوم القيامة كما يدل عليــه‬ ‫مو َ‬ ‫وقوله ‪َ } :‬ل ي َُقو ُ‬
‫قراءة ابن مسعود وبهذا فسره جمهور المفسرين قــالوا ‪:‬‬
‫إنه يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتا عند أهــل المحشــر ‪،‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد تشبيه من يحرص في تجــارته فيجمــع مــاله‬
‫من الربا بقيام المجنون لن الحرص والطمع والرغبة فــي‬
‫الجمع قد استفزته حتى صار شبيها في حركتــه بــالمجنون‬
‫كما يقال لمن يسرع في مشية ويضــطرب فــي حركاتهــا ‪:‬‬
‫إنه قد جن ‪ ,‬ومنه قول العشى ‪:‬‬
‫وتصبح من غب السرى وكأنها ‪ ...‬ألم بها من طائف الجــن‬
‫أولق‬
‫فجعلها ‪ -‬أي ناقته ‪ -‬بسرعة مشيها ونشــاطها كــالمجنون ‪،‬‬
‫ن { )‪ (5‬أي‬ ‫شـي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫خب ّط ُـ ُ‬
‫ه ال ّ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي ي َت َ َ‬ ‫ما ي َُقو ُ‬‫وقوله ‪ } :‬إ ِّل ك َ َ‬
‫إل قيامــا كقيــام الــذي يتخبطــه ‪ ,‬والخبــط ‪ :‬الضــرب بغيــر‬
‫استواء كخبط العشواء وهو المصروع ‪ ,‬والمس ‪ :‬الجنون ‪,‬‬

‫‪724‬‬
‫والمــس ‪ :‬المجنــون ‪ ,‬وكــذلك الولــق وهــو متعلــق بقــوله‬
‫يقومــون أي ل يقومــون مــن المــس الــذي بهــم } إ ِّل ك َ َ‬
‫مــا‬
‫ن { )‪ (6‬أو متعلــق بيقــوم ‪,‬‬ ‫ش ـي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ه ال ّ‬‫خب ّط ُـ ُ‬‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّـ ِ‬‫ي َُقــو ُ‬
‫وفي الية دليل على فساد قــول مــن قــال ‪ :‬إن الصــرع ل‬
‫يكون من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبــائع ‪ ,‬وقــال ‪:‬‬
‫إن اليــة خارجــة علــى مــا كــانت العــرب تزعمــه مــن أن‬
‫الشيطان يصرع النسان وليــس بصــحيح وأن الشــيطان ل‬
‫يسلك في النسان ول يكون منه مس وقــد اســتعاذ النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم من أن يتخبطه الشيطان ‪.‬‬
‫كما أخرجه النسائي وغيره قوله ذلك إشارة إلــى مــا ذكــر‬
‫من مبالغة بجعلهم الربا أصل والبيع فرعا ‪ ,‬أي ‪ :‬إنما الــبيع‬
‫بل زيادة عند حلول الجل كالبيع بزيادة عنــد حلــوله ‪ ،‬فــإن‬
‫العرب كانت ل تعرف ربا إل ذلك فرد الله عليهــم بقــوله ‪:‬‬
‫َ‬
‫م الّرَبا { )‪ (7‬أي أن الله أحل الــبيع‬ ‫حّر َ‬‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬‫} وَأ َ‬
‫وحرم نوعا من أنواعه وهــو الــبيع المشــتمل علــى الربــا ‪.‬‬
‫والبيع‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (2‬تفسير ابن كثير ‪ ,‬ج ‪ 2‬ص ‪. 55-54‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (5‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (6‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (7‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫مصدر باع يبيع أي دفع عوضا وأخذ معوضا ‪ ،‬والجملة بيانية‬
‫عظ َـ ٌ‬
‫ة‬ ‫مو ْ ِ‬‫جــاَءهُ َ‬
‫ن َ‬ ‫ل محل لها من العــراب ‪ ،‬قــوله ‪ } :‬فَ َ‬
‫مـ ْ‬
‫ن َرّبــهِ { )‪ (1‬أي ‪ :‬مــن بلغتــه موعظــة مــن اللــه مــن‬ ‫مــ ْ‬
‫ِ‬
‫المواعظ التي تشتمل عليهــا الوامــر والنــواهي ومنهــا مــا‬
‫وقع هنا من النهــي عــن الربــا فــانتهى أي ‪ :‬فامتثــل النهــي‬
‫الذي جاءه وانزجر عن المنهي عنه ‪ ،‬وهو معطــوف ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫قوله ‪ :‬فانتهى على قوله ‪ :‬جاءه وقوله ‪ :‬مــن ربــه متعلــق‬
‫بقوله ‪) :‬جاءه( أو بمحذوف وقع صفة لموعظة ‪ ،‬أي كائنــة‬
‫من من ربه فله مــا ســلف أي مــا تقــدم منــه مــن الربــا ل‬

‫‪725‬‬
‫يؤاخذ به لنه فعله قبل أن يبلغــه تحريــم الربــا أو قبــل أن‬
‫مـُرهُ إ ِل َــى الل ّـهِ { )‪(2‬‬ ‫َ‬
‫تنزل آية تحريم الربا ‪ ،‬وقــوله ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫قيل ‪ :‬الضمير عائد إلى الربــا ‪ ،‬أي ‪ :‬وأمــر الربــا إلــى اللـه‬
‫في تحريمه على عباده واستمراره ذلــك التحريــم ‪ ,‬وقيــل‬
‫الضمير يرجع إلى المرابي ‪ ,‬أي ‪ :‬أمر من عــاد بالربــا إلــى‬
‫الله في تثبيته على النتهاء أو الرجوع إلى المعصــية ومــن‬
‫م‬ ‫عاد إلى أكل الربا والمعاملة به } فَُأول َئ ِ َ َ‬
‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬
‫كأ ْ‬
‫ن { )‪ (3‬والشارة إلى من عاد ‪ ،‬وجمع أصحاب‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬
‫ِفيَها َ‬
‫باعتبار معنى من ‪ ،‬وقيل إن معنــى مــن عــاد هــو أن يعــود‬
‫ل الّرب َــا { )‪ (4‬وأنــه يكفــر بــذلك‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬
‫مث ْ ُ‬ ‫إلى القول } إ ِن ّ َ‬
‫فيســتحق الخلــود ‪ ,‬وعلــى التقــدير الول يكــون الخلــود‬
‫مستعارا على معنى المبالغــة ‪ ،‬كمــا تقــول العــرب ‪ :‬ملــك‬
‫خالــد ]أي ‪ :‬طويــل البقــاء[ ‪ ،‬والمصــير إلــى هــذا التأويــل‬
‫واجب للحاديث المتواترة القاضية بخروج الموحــدين مــن‬
‫ه الّرَبا { )‪ (5‬أي يذهب بركته فــي‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫النار قوله ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫الدنيا ‪ ،‬وإن كان كثيرا فل يبقى بيد صاحبه ‪ .‬وقيل ‪ :‬يمحــق‬
‫َ‬
‫مُنوا ات ُّقوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫بركته في الخرة ‪ ,‬قوله تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن { )‪(6‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬‫الل ّ َ‬
‫قوله ‪ :‬اتقوا قوا أنفسكم من عقــابه واتركــوا البقايــا الــتي‬
‫بقيت لكم من الربا ‪ ,‬وظاهره أنه أبطل مــن الربــا مــا لــم‬
‫ن { )‪ (7‬قيل‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫يكن مقبوضا ‪ ،‬قوله تعالى ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫‪ :‬هو شرط مجازي على جهة المبالغة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن إن فــي‬
‫هذه الية بمعنى )إذ( قال ابن عطية ‪ :‬وهو مردود ل يعرف‬
‫في اللغة ‪ ،‬والظاهر أن المعنــى ‪ :‬إن كنتــم مــؤمنين علــى‬
‫الحقيقة فـإن ذلــك يســتلزم امتثــال أوامــر اللـه ونــواهيه ‪،‬‬
‫م ت َْفعَُلـوا { )‪ (8‬يعنـي مـا أمرتـم بـه مـن‬ ‫ن َلـ ْ‬ ‫قوله ‪َ } :‬فـإ ِ ْ‬
‫ْ‬
‫ن الّلـ ِ‬
‫ه‬ ‫مـ َ‬‫ب ِ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫التقاء وترك ما بقي مـن الربـا } َفـأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫سول ِهِ { )‪ (9‬أي فاعلموا بها ‪ ،‬من أذن بالشيء إذا علــم‬ ‫وََر ُ‬
‫به ‪ ,‬وقيل هو من الذن بالشــيء وهــو الســتماع لنــه مــن‬
‫طريق العلم ‪ ،‬وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة فأذنوا على‬
‫معنى فأعلموا غيركم أنكم على حربهــم ‪ ،‬وقــد دلــت هــذه‬
‫الية على أن أكل الربا والعمــل بــه مــن الكبــائر ول خلف‬

‫‪726‬‬
‫في ذلك ‪ ,‬وتنكير الحرب للتعظيم وزادهــا تعظيمــا نســبتها‬
‫إلى اسم الله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (5‬سورة البقرة الية ‪276‬‬
‫)‪ (6‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (7‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (8‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (9‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫العظم وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته ‪ ،‬قــوله فــإن‬
‫َ‬
‫م { )‪ (1‬تأخــذونها‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سأ ْ‬‫م ُرُءو ُ‬ ‫تبتم أي من الربا } فَل َك ُ ْ‬
‫ن { )‪ (2‬غرمــــاءكم بأخــــذ الزيــــادة } وََل‬ ‫مــــو َ‬‫} َل ت َظ ْل ِ ُ‬
‫ن { )‪ (3‬أنتم من قبلهم بالمطل والنقص ‪ ,‬والجملة‬ ‫مو َ‬ ‫ت ُظ ْل َ ُ‬
‫حالية أو استثنائية وفي هذا دليل على أن أموالهم مع عدم‬
‫التوبة حلل لمن أخــذها مــن الئمــة ونحــوهم ممــن ينــوب‬
‫ســَرةٍ { )‪ (4‬لمــا حكــم‬ ‫ذو عُ ْ‬‫ن ُ‬ ‫ن َ‬
‫كــا َ‬ ‫عنهــم ‪ ،‬قــوله ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫سبحانه لهل الربا برءوس أموالهم عنــد الواجــدين للمــال‬
‫حكم في ذوي العســرة بــالنظرة إلــى يســار ‪] ,‬والعســرة[‬
‫ضيق الحال من جهة عدم المال ‪ ,‬ومنــه جيــش العســرة ‪,‬‬
‫]والنظــرة[ التــأخير ‪] ,‬والميســرة[ مصــدر بمعنــى اليســر‬
‫وارتفع ذو بكان التامة بمعنى وجــد ‪ ،‬واســتمر فــي شــرحه‬
‫لرفع ذو ثم أورد رواية للمعتمر عن حجاج الوراق قال في‬
‫مصحف عثمان ‪" :‬إن كان ذا عسرة" قال النحاس ومكــي‬
‫والنقاش وعلي ‪ :‬هذا يختص لفظ الية بأهل الربا ‪ ،‬وعلــى‬
‫من قرأ ذو فهي عامة في جميع من عليه دين وإليه ذهــب‬
‫الجمهور ‪.‬‬
‫صد ُّقوا { )‪ (5‬بحذف إحدى التاءين ‪ ،‬وقرئ‬ ‫َ‬
‫ن تَ َ‬
‫قوله ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫بتشــديد الصــاد أي ‪ :‬وأن تصــدقوا علــى معســر غرمــائكم‬
‫بالبراء خير لكم ‪ ،‬وفيه الترغيب لهم بأن يتصدقوا برءوس‬

‫‪727‬‬
‫أموالهم على من أعسر وجعل ذلك خيرا من النظار قــاله‬
‫السدي ‪.‬‬
‫ونقل ابن جرير الطبري في تفسيره أن المــراد ‪ :‬التصــدق‬
‫برءوس أموالكم على الغني والفقير منهم قــال ‪ ) :‬وأولــى‬
‫التأويلين بالصــواب تأويــل مــن قــال ‪ :‬معنــاه وأن تصــدقوا‬
‫على المعسر بــرءوس أمــوالكم خيــر لكــم لنــه يلــي ذكــر‬
‫حكمه فـي المعنييـن وإلحـاقه بالـذي يليـه أحـب إلـي مـن‬
‫إلحاقه بالذي بعد منه ( )‪. (6‬‬
‫ن { )‪ (7‬جــوابه محــذوف أي إن‬ ‫مــو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬
‫قــوله ‪ } :‬إ ِ ْ‬
‫ما‬
‫كنتم تعلمون أنه خير لكم عملتم به ‪ ،‬قوله ‪َ } :‬وات ُّقوا ي َوْ ً‬
‫{ )‪ (8‬هو يوم القيامة ‪ ،‬وتنكيــره للتهويــل ‪ ،‬وهــو منصــوب‬
‫ن ِفيـهِ إ َِلـى‬ ‫جُعـو َ‬
‫على أنه مفعول به ل ظـرف ‪ ،‬قـوله } ت ُْر َ‬
‫الل ّـهِ { )‪ (9‬وصــف لــه ‪ ,‬وذهــب قــوم إلــى أن هــذا اليــوم‬
‫المـذكور هـو يـوم المـوت وذهـب الجمهـور إلـى أنـه يـوم‬
‫القيامة كما تقدم قــوله إلــى اللــه وفيــه مضــاف محــذوف‬
‫ت{)‬ ‫ما ك َ َ‬
‫ســب َ ْ‬ ‫س َ‬‫ل ن َْف ٍ‬ ‫م ت ُوَّفى ك ُ ّ‬ ‫تقديره إلى حكم الله } ث ُ ّ‬
‫‪ (10‬من النفوس المكلفة ما كسبت أي ‪ :‬جزاء ما عملــت‬
‫ن { )‪ (11‬حاليــة ‪,‬‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ي ُظ ْل َ ُ‬
‫من خير أو شر وجملة } وَهُ ْ‬
‫وجمع الضمير لنه أنســب بحــال الجــزاء ‪ ,‬كمــا أن الفــراد‬
‫أنسب بحال الكسب ‪,‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪280‬‬
‫)‪ (5‬سورة البقرة الية ‪280‬‬
‫)‪ (6‬تفسير الطبري ‪,‬ج ‪ 6‬ص ‪. 35‬‬
‫)‪ (7‬سورة البقرة الية ‪280‬‬
‫)‪ (8‬سورة البقرة الية ‪281‬‬
‫)‪ (9‬سورة البقرة الية ‪281‬‬
‫)‪ (10‬سورة البقرة الية ‪281‬‬
‫)‪ (11‬سورة البقرة الية ‪281‬‬

‫‪728‬‬
‫وهذه اليـة فيهــا الموعظـة الحســنة لجميـع النــاس ‪ ,‬وقـد‬
‫أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبــي حــاتم عــن الســدي‬
‫َ‬
‫ي‬
‫مــا ب َِقـ َ‬‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫في قوله ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن الّرَبا { )‪ (1‬قال ‪ :‬نزلت في العباس بن عبد المطلــب‬ ‫م َ‬
‫ِ‬
‫ورجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية يسلفان‬
‫الربــا إلــى نــاس مــن ثقيــف فجــاء الســلم ولهمــا أمــوال‬
‫عظيمة في الربا ‪ .‬فأنزل الله هذه الية ‪ ,‬وأخرج ابن جرير‬
‫عن ابن جريج قال ‪ :‬كانت ثقيف قد صــالحت النــبي صــلى‬
‫الله عليه وسلم على أن ما لهم من ربا علــى النــاس ومــا‬
‫كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع ‪ ,‬فلمــا كــان الفتــح‬
‫استعمل عتاب بن أسيد على مكة ‪ ,‬وكانت بنــو عمــرو بــن‬
‫عوف يأخذون الربا مــن بنــي المغيــرة وكــان بنــو المغيــرة‬
‫يربون لهم في الجاهلية ‪ ,‬فجاء السلم ولهــم عليهــم مــال‬
‫كثير فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم فأبى بنو المغيــرة أن‬
‫يعطوهم في الســلم ورفعــوا ذلــك إلــى عتــاب بــن أســيد‬
‫فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت‬
‫َ‬
‫ن الّرَبــا {‬ ‫م َ‬‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫)‪ (2‬فكتب بهــا رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم إلــى‬
‫عتاب وقـال ‪ :‬إن رضـوا وإل فـآذنهم بحــرب ‪ ,‬وبســند ابـن‬
‫ْ‬
‫ب{‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫جرير وغيره عن ابن عباس في قوله ‪ } :‬فَـأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫)‪ (3‬قال ‪ :‬من كان مقيما على الربا ل ينزع منه فحق على‬
‫إمام المسلمين أن يستتيبه ‪ ،‬فإن نــزع وإل ضــرب عنقــه ‪,‬‬
‫ْ‬
‫ب { )‪ (4‬قال ‪:‬‬ ‫حْر ٍ‬ ‫وأخرجوا أيضا عنه في قوله ‪ } :‬فَأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫استيقنوا بحرب ‪ ،‬وأخرج أهل السنن وغيرهــم عــن عمــرو‬
‫الحوص أنه شهد حجة الوداع مع رســول اللــه صــلى اللــه‬
‫عليــه وســلم فقــال ‪ » :‬أل وإن كــل ربــا فــي الجاهليــة‬
‫موضوع ‪ ,‬لكم رءوس أمــوالكم ل تظلمــون ول تظلمــون ‪،‬‬
‫وأول ربا موضوع ربا العباس « )‪ . (5‬وأخرج ابن منده عن‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬نزلــت هــذه اليــة فــي ربيعــة بــن عمــرو‬
‫َ‬
‫م { )‪ (6‬وبالسند‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫م َ‬‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬‫وأصحابه } وَإ ِ ْ‬
‫س ـَرةٍ {‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن ك َــا َ‬ ‫عن ابن عباس في قوله تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫)‪ (7‬قال ‪ :‬نزلت في الربا ‪ ،‬وأخرج عبد الرزاق بالسند عن‬
‫ابن جريج عن الضحاك في اليــة قــال ‪ :‬وكــذلك كــل ديــن‬

‫‪729‬‬
‫على مسلم ‪ ,‬وأخرج ابن أبــي حــاتم عــن ســعيد بــن جــبير‬
‫نحوه وقد وردت أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهمــا‬
‫في الترغيب لمن له دين على معسر أن ينظره ‪ ,‬وبالسند‬
‫عن ابن عباس قال ‪ :‬آخر آية نزلت مــن القــرآن } َوات ُّقــوا‬
‫ن ِفيهِ إ َِلى الل ّـهِ { )‪ (8‬وعــن ابــن عبــاس أيضــا‬
‫جُعو َ‬‫ما ت ُْر َ‬
‫ي َوْ ً‬
‫كان بين نزولها وبين موت النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫إحدى وثمانون يوما ‪ ,‬وعن سعيد بن جبير أنه عاش النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال )‪ (9‬ا هـ ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي تفسير القرآن )‪,(3087‬سنن ابن ماجه‬
‫المناسك )‪.(3055‬‬
‫)‪ (6‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (7‬سورة البقرة الية ‪280‬‬
‫)‪ (8‬سورة البقرة الية ‪281‬‬
‫)‪ (9‬فتح القدير )‪1‬ص ‪ 297‬ـ ‪. ( 299 -298‬‬
‫خلصة التفسير‬
‫تلخص من مجموع ما أوردناه في تفسير اليات ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬المــراد بأكــل الربــا جميــع التصــرفات وعــبر عــن ذلــك‬
‫بالكل لنه الغرض الرئيسي وغيره من الغراض تبع له ‪.‬‬
‫‪ -2‬تشبيه المرابــي بالمصــروع لن المصــروع يتخبــط فــي‬
‫سيره فينهض ويسقط وكذلك آكل الربا يوم القيامة ‪.‬‬
‫‪ -3‬تشبيه البيع بالربا مبالغة في جعل الربا أصل في الحــل‬
‫والبيع فرعا والعكس هو الصحيح ‪.‬‬
‫‪ -4‬المحقق يشمل ما يأتي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المحق بالكلية بحيث يذهب المال من يد المرابــي دون‬
‫أن ينتفع به ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬محق بركة المال مهما كثر فإن عاقبته إلى قل ‪.‬‬
‫‪ -5‬إسدال الســتر علــى مــا ســبق مــن تعــاطي الربــا قبــل‬
‫تحريمه فل يلحق المرء تبعته ‪.‬‬

‫‪730‬‬
‫‪ -6‬الترغيب في بذل الصدقات للوعد الكريــم بتنميــة اللــه‬
‫لها ‪.‬‬
‫‪ -7‬الوعيد الشديد لمن يزاول تعاطي الربا بعد التحريم ‪.‬‬
‫‪ -8‬للمرابي أن يأخذ رأس ماله ويدع الزيادة عليه ‪.‬‬
‫‪ -9‬الترغيب في إنظار المعسر أو إبراء ذمته من الدين ‪.‬‬
‫‪ -10‬توجيه النظار ليوم القيامة والتذكير بالوقفة فيه أمام‬
‫رب العزة للحساب والجزاء على العمال ‪.‬‬
‫) مبحث الربا في السنة النبوية (‬
‫قوام الدين وعمــاده والمصــدر الــذي يؤخــذ منــه التشــريع‬
‫كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقــد‬
‫عرضنا فيما تقدم من هذا المبحــث لليــات الـتي ورد فيهـا‬
‫ذكر الربا وتحريمه‬
‫والوعيد عليه ونردف ذلك بما ورد في الســنة النبويــة فــي‬
‫موضوع الربا ولن نستعرض كل الحاديث الواردة في ذلك‬
‫وإنما نكتفي منها بما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬حديث أبي هريرة رضي الله عنــه قــال ‪ :‬قــال رســول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم » اجتنبوا السبع الموبقات قالوا‬
‫‪ :‬يا رسول الله وما هــن؟ قــال ‪ :‬الشــرك بــالله ‪ ,‬والســحر‬
‫وقتل النفس التي حرم الله إل بالحق ‪ ,‬وأكل الربا ‪ ,‬وأكــل‬
‫مــال اليــتيم ‪ ,‬والتــولي يــوم الزحــف ‪ ,‬وقــذف المحصــنات‬
‫الغافلت المؤمنات « )‪ (1‬رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫الشرح‬
‫قوله )اجتنبوا( أي ‪ :‬أبعدوا وهو أبلغ من قوله دعوا واتركوا‬
‫ش‬
‫ح َ‬ ‫لن النهي عن القربان أبلغ كقوله ‪ } :‬وََل ت َْقَرُبوا ال َْف َ‬
‫وا ِ‬
‫ن { )‪ (2‬قــوله ‪ :‬الموبقــات أي ‪:‬‬ ‫مــا ب َ َ‬
‫طــ َ‬ ‫مــا ظ ََهــَر ِ‬
‫من َْهــا وَ َ‬ ‫َ‬
‫المهلكات وسميت هــذه موبقــات لنهــا تهلــك فاعلهــا فــي‬
‫الدنيا بمــا يــترتب عليهــا مــن العقوبــات وفــي الخــرة مــن‬
‫العذاب ‪ ,‬وفي حـديث ابـن عمـر عنـد البخـاري فـي الدب‬
‫المفــرد والطــبري فــي التفســير وعبــد الــرزاق مرفوعــا‬
‫وموقوفا قال ‪ » :‬الكبائر تسع وذكر السبعة المذكورة وزاد‬
‫واللحاد في الحرم وعقــوق الوالــدين « )‪ (3‬إلــى آخــر مــا‬
‫أفــاض فيــه شــارح الحــديث فــي تعــداد الكبــائر ‪ ،‬قــوله ‪:‬‬
‫)الشرك بالله( هو أن يجعل لله ندا يدعوه ويرجوه ويخافه‬

‫‪731‬‬
‫كما يخاف الله ‪ .‬بدأ به لنه أعظم ذنب عصي الله بــه فــي‬
‫الرض كما في الصحيحين عن ابن مسعود » سألت النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله قــال ‪ :‬أن‬
‫تجعــل للــه نــدا وهــو خلقــك « )‪ (4‬الحــديث ‪ ،‬وأخرجــه‬
‫الترمذي بسنده عن صفوان بــن عســال ثــم أورد الحــديث‬
‫بتمامه وقال ‪ :‬صحيح ‪.‬‬
‫قوله ‪) :‬السحر( السحر في اللغة عبارة عما خفي ولطــف‬
‫سببه ‪ ،‬وقال في الكافي ‪ :‬السحر عزائم ورقــى يــؤثر فــي‬
‫القلوب والبدان إلى آخر مــا أفــاض فيــه الشــارح يرحمــه‬
‫الله ‪ ،‬قوله ‪ ) :‬وقتل النفس التي حرم الله( أي حـرم اللـه‬
‫قتلها وهي نفس المسلم المعصوم ‪) .‬إل بالحق( أي ‪ :‬بــأن‬
‫تفعل ما يوجب قتلها ‪ ,‬قوله ‪) :‬وأكل الربا( تناوله بأي وجه‬
‫ن إ ِّل‬ ‫ْ‬
‫مــو َ‬ ‫ن الّرب َــا َل ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َـأك ُُلو َ‬‫ذي َ‬‫كان كما قال تعالى ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫س { )‪ (5‬اليــات‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬
‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ما ي َُقو ُ‬‫كَ َ‬
‫من سورة البقــرة ‪ ،‬قــال ابــن دقيــق العيــد ‪ :‬وهــو مجــرب‬
‫لسوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك وأكل مــال اليــتيم يعنــي‬
‫التعدي فيه وعبر بالكل لنه أعـم وجـوه النتفـاع ‪ ,‬قـوله ‪:‬‬
‫) والتولي يوم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري الوصايا )‪,(2615‬صحيح مسلم اليمان‬
‫)‪,(89‬ســنن النســائي الوصــايا )‪,(3671‬ســنن أبــو داود‬
‫الوصايا )‪.(2874‬‬
‫)‪ (2‬سورة النعام الية ‪151‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبو داود الوصايا )‪.(2874‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري تفسير القرآن )‪,(4207‬صحيح مســلم‬
‫اليمان )‪,(86‬سنن الترمذي تفسير القرآن )‪,(3183‬ســنن‬
‫النســائي تحريــم الــدم )‪,(4014‬ســنن أبــو داود الطلق )‬
‫‪,(2310‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(1/434‬‬
‫)‪ (5‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫الزحف( أي الدبار عن الكفار وقت التحام القتــال ‪ ،‬وإنمــا‬
‫يكون كبيرة إذا فر إلى غير فئة أو غير متحرف لقتال كمــا‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫قيد به في الية )‪ (15‬في سورة النفــال } ي َــا أي ّهَــا ال ّـ ِ‬
‫م اْل َد َْباَر { )‪(1‬‬ ‫حًفا فََل ت ُوَّلوهُ ُ‬ ‫ن ك ََفُروا َز ْ‬ ‫ذي َ‬‫م ال ّ ِ‬‫ذا ل َِقيت ُ ُ‬
‫مُنوا إ ِ َ‬‫آ َ‬

‫‪732‬‬
‫وقــوله ‪) :‬وقــذف المحصــنات الغــافلت المؤمنــات ( أي ‪:‬‬
‫المحفوظات من الزنا والمراد الحرائر العفيفات )‪. (2‬‬
‫‪ - 2‬حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه » أن النــبي‬
‫صلى الله عليه وســلم لعــن آكــل الربــا ومــؤكله وشــاهديه‬
‫وكاتبه « )‪ (3‬رواه الخمسة وصححه الترمذي غير أن لفظ‬
‫النسائي ‪ » :‬آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكــاتبه إذا علمــوا‬
‫ذلك ملعونون على لسان محمــد صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫يوم القيامة « )‪. (4‬‬
‫‪ - 3‬عبد الله بن حنظلة غسيل الملئكة قال ‪ :‬قال رســول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬درهم من ربا يــأكله الرجــل‬
‫وهو يعلم أشد من ست وثلثين زنية « )‪ (5‬رواه أحمد ‪.‬‬
‫الشرح‬
‫حــديث ابــن مســعود أخرجــه أيضــا ابــن حبــان والحــاكم‬
‫وصــححاه وأخرجــه مســلم مــن حــديث جــابر بلفــظ » أن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكــل الربــا ومــؤكله‬
‫وكاتبه وشاهديه « )‪ (6‬وقال ‪ :‬هم سواء ‪ .‬وفي الباب عــن‬
‫علــي رضــي اللــه عنــه عنــد النســائي وعــن أبــي جحفــة ‪,‬‬
‫وحديث عبد الله بــن حنظلــة أخرجــه أيضــا الطــبراني فــي‬
‫الوسط والكبير قــال فــي مجمــع الــزوائد ‪ :‬ورجــال أحمــد‬
‫رجال الصحيح ‪ ،‬ويشهد لــه حــديث الــبراء عنــد ابــن جريــر‬
‫بلفظ ‪ » :‬الربا اثنان وستون بابا أدناها مثــل إتيــان الرجــل‬
‫أمه « )‪ (7‬وهو حديث صــحيح ‪ ,‬وحــديث أبــي هريــرة عنــد‬
‫البيهقي بلفظ ‪ » :‬الربا ثلثة وســبعون بابــا أدناهــا مثــل أن‬
‫ينكح الرجل أمه « )‪ ، (8‬وأخرج ابن جرير نحــوه ‪ ،‬وكــذلك‬
‫أخرج عنه نحوه ابن أبي الدنيا وحديث عبد الله بن مسعود‬
‫عند الحاكم وصــححه بلفــظ ‪ » :‬الربــا ثلثــة وســبعون بابــا‬
‫أيسرها مثل أن ينكح الرجــل أمــه وأن أربــى الربــا عــرض‬
‫الرجل المسلم « )‪ (9‬وهــو حــديث صــحيح ‪ ،‬وقــوله )آكــل‬
‫الربا( ومؤكله بسكون الهمزة بعد الميم ويجوز إبدالها واوا‬
‫أي ‪ :‬ولعن مطعمه غيره ‪ ،‬وسمي آخذ المال آكل ‪ ،‬ودافعه‬
‫مؤكل ؛ لن المقصود منه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة النفال الية ‪15‬‬

‫‪733‬‬
‫)‪ (2‬فتح المجيــد )ص ‪ 237‬إلــى ‪ (240‬فتــح البــاري ‪\ 12‬‬
‫‪ ,184-181‬وصحيح مسلم بشرح النووي ‪. 88-83 \ 2‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1597‬سنن الترمذي البيوع‬
‫)‪,(1206‬سنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3333‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫التجارات )‪,(2277‬مسند أحمد بــن حنبــل )‪,(1/465‬ســنن‬
‫الدارمي البيوع )‪.(2535‬‬
‫)‪ (4‬سنن النسائي الزينة )‪,(5102‬مسند أحمد بن حنبــل )‬
‫‪.(1/465‬‬
‫)‪ (5‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(5/225‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1597‬سنن الترمذي البيوع‬
‫)‪,(1206‬ســنن النســائي الطلق )‪,(3416‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3333‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2277‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪,(1/465‬سنن الدارمي البيوع )‪.(2535‬‬
‫)‪ (7‬سنن ابن ماجه التجارات )‪.(2274‬‬
‫)‪ (8‬سنن ابن ماجه التجارات )‪.(2274‬‬
‫)‪ (9‬سنن ابن ماجه التجارات )‪.(2275‬‬
‫الكل وهو أعظم منافعه وسببه إتلف أكثر الشياء ‪.‬‬
‫قــوله ‪) :‬وشــاهديه( روايــة أبــي داود بــالفراد والــبيهقي‬
‫وشاهديه أو شاهده ‪ ،‬قــوله ‪) :‬وكــاتبه( دليــل علــى تحريــم‬
‫كتابة الربا إذا علــم ذلــك ‪ ،‬وكــذلك الشــاهد ل يحــرم عليــه‬
‫الشهادة إل مع العلم ‪ ،‬فأما من كتب أو شهد غير عالم فل‬
‫يدخل في الوعيــد ‪ ,‬قــوله ‪) :‬أشــد مــن ســت وثلثيــن ‪. . .‬‬
‫إلخ ( يدل على أن معصــية الربــا مــن أشــد المعاصــي لن‬
‫المعصــية الــتي تعــدل معصــية الزنــا الــتي هــي فــي غايــة‬
‫الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور بل أشــد منهــا ل‬
‫شك أنها قد تجاوزت الحد في القبح ‪ ،‬وأقبح منها استطالة‬
‫الرجل في عرض أخيه المسلم ولهذا جعله الشــارع أربــى‬
‫الربا ‪ .‬فالرجل يتكلم بالكلمة التي ل يجد لها لــذة ول تزيــد‬
‫في ماله ول جاهه فيكون إثمه عند الله أشد مــن إثــم مــن‬
‫زنى ستا وثلثين زنية هذا ما ل يصنعه بنفسه عاقل )‪. (1‬‬
‫‪ - 4‬حديث سمرة بن جندب الطويل نجتزئ منه بما يلــي ‪:‬‬
‫قال ‪ » :‬كان رسول الله صلى الله عليــه وســلم إذا صــلى‬
‫الغداة أقبل علينا بوجهه فقال ‪ :‬هل رأى منكم أحــد الليلــة‬

‫‪734‬‬
‫رؤيا فإن كان أحد رأى فيها رؤيا قصها عليه فيقول فيها ما‬
‫شاء الله ‪ ،‬فسألنا يوما هل رأى أحد منكم رؤيا فقلنــا ‪ :‬ل ‪،‬‬
‫قــال ‪ :‬ولكنــي رأيــت الليلــة رجليــن أتيــاني فأخــذا بيــدي‬
‫فأخرجــاني إلــى أرض مســتوية أو فضــاء ‪ ،‬فمررنــا برجــل‬
‫جالس ورجــل قــائم علــى رأســه وبيــده كلــوب مــن حديــد‬
‫يدخله في شدقه فيشقه حتى يبلغ فــاه ثــم يفعــل بشــدقه‬
‫الخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيه فيصنع به مثل‬
‫ذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ما هذا؟ قال ‪ :‬انطلق ‪ ،‬واستمر الرسول‬
‫صــلى اللــه عليــه وســلم فــي ســرد رؤيتــه إلــى أن قــال ‪:‬‬
‫فانطلقنا حتى نأتي على نهر من دم فيه رجل قائم وعلــى‬
‫شط النهر رجل قائم بين يديه حجارة فأقبــل ذلــك الرجــل‬
‫الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج منه رمى الرجــل بحجــر‬
‫في فيه فرده حيث كان ‪ ،‬فجعل كلما جاء ليخرج رمى في‬
‫فيه بحجر فرده حيث كان ‪ ،‬فقلت لهمــا ‪ :‬مــا هــذا؟ قــال ‪:‬‬
‫انطلق « )‪ . (2‬الحديث أخرجه البخــاري نعــرض بعــد هــذا‬
‫لليضاح عن الفقرات الــتي وردت فــي هــذا الحــديث عــن‬
‫الملكين ‪:‬‬
‫قال ‪ :‬أما الرجل الذي رأيت يشق شدقه فإنه رجــل كــذاب‬
‫يتحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الفاق فهو يصــنع بــه‬
‫ما ترى إلى يوم القيامة ‪ ،‬وأما الرجــل الــذي رأيتــه يشــدخ‬
‫رأسه فإن ذلك رجل علمه اللــه القــرآن فنــام عنــه بالليــل‬
‫ولم يعمل بما فيه بالنهار فهو‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬نيل الوطار ‪ ,‬ح ‪ ) 5‬ص ‪. (297-296‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري التعبير )‪,(6640‬صحيح مسلم الرؤيا )‬
‫‪,(2275‬ســنن الترمــذي الرؤيــا )‪,(2294‬مســند أحمــد بــن‬
‫حنبل )‪.(5/15‬‬
‫يعمل به ما رأيت إلى يوم القيامة ‪ ،‬وأما الــذي رأيــت فــي‬
‫نهر الدم فذاك آكل الربا وهذه الفقرة هي المقصودة مــن‬
‫إيراد هذا الحديث )‪. (1‬‬
‫وعلق المام الذهبي في كتابه الكبائر على هذا الحديث أو‬
‫على الفقرة التي جاء فيها الوعيد لكل الربا بقــوله ‪" . . .‬‬
‫إن آكــل الربــا يعــذب مــن حيــن يمــوت إلــى يــوم القيامــة‬

‫‪735‬‬
‫بالسـباحة فـي النهـر الحمـر الـذي هـو مثـل الـدم ويلقـم‬
‫بالحجارة وهو المال الحرام الــذي كــان جمعــه فــي الــدنيا‬
‫يكلف المشقة فيه ويلقم حجارة من نار كما ابتلــع الحــرام‬
‫في الدنيا ‪ ،‬هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مــع‬
‫لعنة الله له كما في حديث أبي أمامــة بســند ضــعيف جــدا‬
‫أن رسول الله صلى الله عليــه وســلم قــال ‪ » :‬أربــع حــق‬
‫على الله أن ل يدخلهم الجنــة ول يــذيقهم نعيمهــا ‪ :‬مــدمن‬
‫الخمر ‪ ،‬وآكل الربا ‪ ،‬وآكل مال اليتيم بغيــر حــق ‪ ،‬والعــاق‬
‫لوالــديه إل أن يتوبــوا « )‪ (2‬أخرجــه الحــاكم وأبــو الشــيخ‬
‫والمقدســـي فـــي المختـــارة ‪ ،‬وقـــد ورد أن أكلـــة الربـــا‬
‫يحشرون في صور الكلب والخنازير من أجل حيلهم علــى‬
‫أكل الربا كمــا مســخ أصــحاب الســبت حيــن تحيلــوا علــى‬
‫إخراج الحيتان التي نهاهم الله عن اصطيادها يوم الســبت‬
‫فحفروا لها حياضا تقع فيها يــوم الســبت ‪ ،‬فيأخــذونها يــوم‬
‫الحــد ‪ .‬فلمــا فعلــوا ذلــك مســخهم اللــه قــردة وخنــازير ‪،‬‬
‫وهكذا الذين يتحيلون على الربا بأنواع الحيــل فــإن اللــه ل‬
‫تخفى عليه حيل المحتالين )‪ . (3‬ا هـ ‪.‬‬
‫وحسبنا الحاديث التي أوردناها عن الربا وبشاعته وعقوبة‬
‫المرابين ‪ ،‬ننتقل بعد ذلك إلى ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬شرح السنة ‪ ,‬ص ‪. 53-52-51‬‬
‫)‪ (2‬سنن النسائي الزكاة )‪,(2562‬مسند أحمد بن حنبل )‬
‫‪.(2/69‬‬
‫)‪ (3‬الكبائر ‪ ,‬ص ‪. 69-68‬‬
‫مبحث حكم الربا في السلم‬
‫وقد تقدم من آي الكتاب العزيز ‪ ،‬والسنة النبوية ما يشــعر‬
‫ويوجب تحريم الربا مما ل يدع مجــال للــتردد فــي ذلــك أو‬
‫التأويــل ولــم يحــرم الســلم شــيئا إل لحكمــة واضــحة أو‬
‫منفعــة تعــود علــى العبــاد وتبعــا لتحريمــه حــرم الوســائل‬
‫المفضية إليه سدا للذريعة ‪ ،‬فمثل ‪ :‬حرم بيع العينة بكســر‬
‫العين وفتح النون وهي ‪ :‬أن تباع سلعة بثمــن معلــوم إلــى‬
‫أجل ثم يشتريها البائع مــن المشــتري بأقــل ليبقــى الكــثير‬
‫في ذمته ‪ ،‬وسميت عينـة لحصــول العيــن أي النقــد فيهــا ؛‬

‫‪736‬‬
‫ولنه يعود إلى البائع عين ماله ‪ ،‬واستدل لتحريم بيع العينة‬
‫بالحــديث الــذي رواه أبــو داود عــن ابــن عمــر رضــي اللــه‬
‫عنهما قال ‪ :‬سمعت رسول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫يقول ‪ » :‬إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ‪ ،‬ورضيتم‬
‫بالزرع ‪ ،‬وتركتم الجهــاد ‪ ،‬ســلط اللــه عليكــم ذل ل ينزعــه‬
‫حتى تراجعوا دينكم « )‪. (1‬‬
‫ففي هذا الحديث دليل على تحريم هذا البيع ‪ ،‬وذهب إليــه‬
‫مالك وأحمد وبعض الشافعية قالوا ‪ :‬لما فيــه مــن تفــويت‬
‫مقصد الشارع مــن المنــع عــن الربــا وســد الــذرائع ‪ ،‬قــال‬
‫القرطبي ‪ :‬لن بعض صور هذا البيع تــؤدي إلــى بيــع التمــر‬
‫بالتمر متفاضل ويكون الثمــن لغــوا )‪ . (2‬ا هــ ‪ .‬نعــود إلــى‬
‫الحديث آنف الذكر » إذا تبــايعتم بالعينــة « )‪ (3‬الحــديث ‪.‬‬
‫لنكشف عن صحته وهل عليه مأخذ من حيث سنده يهبــط‬
‫به عن درجة الصحة ‪.‬‬
‫يقول الشيخ محمد ناصر الــدين اللبــاني حفظــه اللــه فــي‬
‫كتابه )سلسلة الحاديث الصـحيحة( ‪ " :‬هـو حـديث صـحيح‬
‫لمجموع طرقه وقد وقفت على ثلث منهــا كلهــا عــن ابــن‬
‫عمر رضي الله عنه مرفوعا ‪ ،‬الولــى ‪ :‬عــن إســحاق أبــي‬
‫عبد الرحمن أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعا حدثه عن‬
‫ابن عمــر قــال ‪ :‬فــذكره‪ -‬أي الحــديث ‪ -‬إلــى أن قــال‪ -‬أي‬
‫الشيخ اللباني ‪ : -‬روي ذلك من وجهين عن عطاء بن أبــي‬
‫رباح عن ابن عمر يشير بذلك إلــى تقويــة الحــديث ‪ ،‬وقــد‬
‫وقفت علــى أحــد الــوجهين المشــار إليهمــا وهــو الطريــق‬
‫الثانية ‪ :‬عن أبي بكر بن عياش عن العمش عن عطاء بن‬
‫أبي رباح عن ابن عمر أخرجه أحمــد ‪ ،‬الثالثــة ‪ :‬عــن شــهر‬
‫بن حوشب عن ابن عمر رواه أحمد ‪.‬‬
‫ثم وجدنا له شاهدا من روايـة بشــير بــن زيــاد الخراســاني‬
‫حدثنا ابن جريج عن عطاء عن جــابر ســمعت رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فذكره‪ -‬أي الحديث ‪ ،‬أخرجــه ابــن‬
‫عدي في ترجمة بشير هذا من )الكامل( وهو غير معروف‬
‫‪ ،‬في حديثه بعض النكارة ‪ ،‬وقال الذهبي ولم يــترك )‪. (4‬‬
‫وجاء فــي )معــالم الســنن( تــوجيه الخطــابي لوجهــة نظــر‬
‫المحرمين للعينة ‪ ،‬قــال المحرمــون للعينــة ‪ :‬الــدليل علــى‬

‫‪737‬‬
‫تحريمها مــن وجــوه ‪ ,‬أحــدها ‪ :‬أن اللــه تعــالى حــرم الربــا‬
‫والعينة وسيلة إليه بل هي من أقــرب وســائله ‪ ،‬والوســيلة‬
‫إلــى الحــرام حــرام ‪ ،‬فهنــا مقامــان أحــدهما ‪ :‬بيــان كونهــا‬
‫وسيلة ‪ ،‬والثاني ‪ :‬بيان الوسيلة إلى الحــرام حــرام ‪ ،‬فأمــا‬
‫الول فيشهد له النقل والعرف والنية‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبو داود البيوع )‪,(3462‬مسند أحمد بن حنبــل )‬
‫‪.(2/84‬‬
‫)‪ (2‬سبل السلم ‪ ,‬ج ‪ , 3‬ص ‪. 55‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبو داود البيوع )‪,(3462‬مسند أحمد بن حنبــل )‬
‫‪.(2/84‬‬
‫)‪ (4‬سلسلة الحاديث الصحيحة ‪ ,‬ج ‪ , 1‬ص ‪15‬ـ ‪. 16‬‬
‫والقصد وحال المتعاقــدين ثــم أورد جملــة أحــاديث تصــور‬
‫البيع بالعينة إلى أن قال ‪ :‬وأما شهادة العرف بذلك فأظهر‬
‫من أن تحتــاج إلــى تقريــر بــل قــد علــم اللــه وعبــاده مــن‬
‫المتبايعين قصــدهما أنهمــا لــم يعقــدا علــى الســلعة عقــدا‬
‫يقصــدان بــه تملكهــا ‪ ,‬ول غــرض لهمــا فيهــا بحــال وإنمــا‬
‫الغرض والمقصــود بالقصــد الول ‪ ،‬مــائة بمــائة وعشــرين‬
‫وإدخال تلــك الســلعة فــي الوســط تلــبيس وعبــث ‪ ،‬وهــي‬
‫بمنزلة الحرف الذي ل معنى لـه فـي نفسـه بـل جيـء بـه‬
‫لمعنى فــي غيــره ‪ ،‬حــتى لــو كــانت تلــك الســلعة تســاوي‬
‫أضعاف ذلك الثمن أو تســاوي أقــل جــزء مــن أجــزائه لــم‬
‫يبالوا بجعلها موردا للعقد لنهم ل غرض لهم فيهــا ‪ ،‬وأهــل‬
‫العرف ل يكابرون أنفسهم فـي هـذا ‪ .‬وأمـا النيـة والقصـد‬
‫فــالجنبي المشــاهد لهمــا يقطــع بــأنه ل غــرض لهمــا فــي‬
‫السلعة وإنما القصد الول مائة بمائة وعشرين فضــل عــن‬
‫علم المتعاقدين ونيتهما ‪ ،‬ولهــذا يتواطــأ كــثير منهــم علــى‬
‫ذلك قبل العقد ثم يحضران تلك الســلعة محلل لمــا حــرم‬
‫الله ورسوله ‪.‬‬
‫وأما المقام الثاني وهــو أن الوســيلة إلــى الحــرام حــرام ‪،‬‬
‫فبــانت بالكتـاب والسـنة والفطــرة والمعقــول ‪ ،‬فـإن اللـه‬
‫سبحانه مسخ اليهود قردة وخنازير لما توسلوا إلى الصــيد‬
‫الحــرام بالوســيلة الــتي ظنوهــا مباحــة ‪ ،‬وســمى أصــحاب‬

‫‪738‬‬
‫رسول الله صـلى اللـه عليـه وسـلم والتــابعون مثــل ذلـك‬
‫مخادعة كما تقدم ‪ ،‬وقال أيوب السختياني ‪ :‬يخادعون الله‬
‫كما يخــادعون الصــبيان ‪ ،‬لــو أتــوا المــر علــى وجهــه كــان‬
‫أسهل ‪ .‬والرجوع إلى الصحابة في معاني اللفــاظ متعيــن‬
‫سواء كانت لغوية أو شرعية والخداع حــرام ‪ ,‬وأيضــا فــإن‬
‫هذا العقد يتضمن إظهار صورة مباحة وإضمار ما هو أكــبر‬
‫من الكبائر فل تنقلب الكبيرة مباحة بإخراجهــا فــي صــورة‬
‫البيع الذي لم يقصد نقل الملــك فيــه أصــل ‪ .‬وإنمــا قصــده‬
‫حقيقة الربا ‪.‬‬
‫وأيضا فإن الطريق متى أفضت إلى الحرام فإن الشــريعة‬
‫ل تأتي بأختها أصل ؛ لن إباحتها وتحريــم الغايــة جمــع بيــن‬
‫النقيضــين ‪ ،‬فل يتصــور أن يبــاح شــيء ويحــرم مــا يفضــي‬
‫إليه ‪ ،‬بل ل بد من تحريمهمــا أو إباحتهمــا ‪ .‬والثــاني باطــل‬
‫قطعا فتعين الول ‪ ،‬وأيضا فإن الشارع إنما حرم الربا لن‬
‫فيه أعظم الفساد والضرر فل يتصور مع هذا أن يبيــح هــذا‬
‫الفساد العظيم بأيسر شيء يكون من الحيل )‪ (1‬ا هـ ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مختصر سنن أبي دواد ‪ ,‬ج ‪ 5‬ص )‪( 102 ,101 ,100‬‬
‫‪.‬‬
‫ولشيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬يرحمه الله ‪ -‬جملة فتـاوى فـي‬
‫مسألة بيع العينــة منهــا ‪ :‬أنــه ســئل عــن رجــل طلــب مــن‬
‫إنسان ألف درهــم إلــى ســنة بــألف ومــائتي درهــم فبــاعه‬
‫فرسا أو قماشا بألف درهــم واشــتراه منــه بــألف ومــائتي‬
‫درهم إلى أجل معلوم ‪.‬‬
‫فأجــاب ‪ :‬ل يحــل لــه بــذلك بــل هــو ربــا باتفــاق الصــحابة‬
‫والعلماء ‪ ،‬كما دلت على ذلك سنة رسول الله صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم ‪ .‬سئل ابن عباس رضي الله عنه عن رجل باع‬
‫حريرة تم ابتاعها لجل زيادة درهم فقال ‪ :‬دراهــم بــدراهم‬
‫دخلت بينهما حريرة ‪ ،‬وسئل عن ذلك أنس بن مالك فقال‬
‫‪ :‬هذا مما حرم الله ورسوله ‪ .‬وقالت عائشة لم ولــد زيــد‬
‫بن أرقم في نحو ذلك ‪ :‬بئس ما شريت وبئس ما اشتريت‬
‫‪ ،‬أخبري زيدا أنه قد أبطل جهــاده مــع رســوله اللــه صــلى‬
‫اللــه عليــه وســلم إل أن يتــوب ‪ .‬فمــتى كــان المقصــود‬

‫‪739‬‬
‫المتعامل دراهم بدراهم إلى أجل ‪ ،‬فإنما العمــال بالنيــات‬
‫وإنما لكل امرئ ما نوى ‪.‬‬
‫فســواء بــاع المعطــى الجــل أو بــاع الجــل المعطــى ثــم‬
‫استعاد السلعة ‪ ,‬وفي السنن عـن النـبي صـلى اللـه عليـه‬
‫وسلم أنه قال ‪ » :‬من باع بيعتين في بيعــة فلــه أوكســهما‬
‫أو الربا « )‪ , (1‬وفيه أيضا ‪ » :‬إذا تبــايعتم بالعينــة واتبعتــم‬
‫أذناب البقـر وتركتــم الجهــاد فــي سـبيل اللـه أرسـل اللـه‬
‫عليكم ذل ل يرفعه عنكم حــتى ترجعــوا إلــى دينكــم « )‪(2‬‬
‫وهذا كله بيع العينة وهو بيعتان في بيعة ‪ ،‬وقال صلى اللــه‬
‫عليه وسلم ‪ » :‬ل يحل سلف وبيــع ول ســلف ول شــرطان‬
‫في بيع ول ربح ما لم يضمن ول بيع ما ليـس عنـدك « )‪(3‬‬
‫قــال الترمـذي ‪ :‬حـديث صــحيح ‪ ،‬فحـرم صـلى اللـه عليــه‬
‫وسلم أن يبيع الرجل شيئا ويقرضه مــع ذلــك فــإنه يحــابيه‬
‫فــي الــبيع لجــل القــرض حــتى ينفعــه فهــو ربــا ‪ .‬وهــذه‬
‫الحــاديث وغيرهــا تــبين أن مــا تواطــأ عليــه الــرجلن بمــا‬
‫يقصدان به دراهم بدراهم أكثر منها إلــى أجــل فــإنه ربــا ‪،‬‬
‫سواء كان يبيع ثم يبتاع أو يبيع ويقــرض ومــا أشــبه ذلــك ‪،‬‬
‫والله أعلم )‪. (4‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن الترمذي البيوع )‪,(1231‬سنن النسائي الــبيوع )‬
‫‪,(4632‬ســنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3461‬مســند أحمــد بــن‬
‫حنبل )‪.(2/432‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبو داود البيوع )‪,(3462‬مسند أحمد بن حنبــل )‬
‫‪.(2/84‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي البيوع )‪,(1234‬سنن النسائي الــبيوع )‬
‫‪,(4611‬ســنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3504‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫التجارات )‪,(2188‬سنن الدارمي البيوع )‪.(2560‬‬
‫)‪ (4‬مجموع الفتاوى ‪ ,‬ج ‪ 29‬ـ ص ‪433 ,432 ,431‬‬
‫الخلصة‬
‫اتضح مما أوردناه من آي الكتاب العزيز وتفسيرها والسنة‬
‫النبوية وشروحها وأقوال الصحابة والتابعين ‪ :‬اتضح تحريـم‬
‫الربا في السلم والوسائل المفضية إليه فتلخص من ذلك‬
‫ما يأتي ‪:‬‬

‫‪740‬‬
‫‪ - 1‬النهي عن تعاطي الربا بكل اللوان والوسائل ‪.‬‬
‫‪ - 2‬إنه من الموبقات أي المهلكات ‪.‬‬
‫‪ - 3‬إنه من كبائر الذنوب ‪.‬‬
‫‪ - 4‬لعن آكل الربا ومؤكله وكل من تعاون عليــه بكتابــة أو‬
‫شهادة ‪.‬‬
‫‪ - 5‬معصية أكل الربا تجاوزت الحد في القبــح لنهــا تعــدل‬
‫معصية الزنا ‪.‬‬
‫‪ - 6‬آكل الربا كما جاء في حــديث ســمرة وتعليــق صــاحب‬
‫شرح السنة ‪ :‬يعذب في البرزخ بالسباحة في النهر الحمر‬
‫‪ ،‬ويلقم بحجارة من نار ‪ ،‬وعليــه اللعنــة ثــم الحيلولــة بينــه‬
‫وبين دخول الجنة ‪.‬‬
‫‪ - 7‬حرمة عرض المسلم وتحريم الستطالة فيه ‪.‬‬
‫‪ - 8‬أكلة الربا يحشرون في صــورة الكلب والخنــازير مــن‬
‫أجل تحيلهم على أكله ‪.‬‬
‫‪ - 9‬من وسائل التحيل لكل الربا بيع العينة ‪.‬‬
‫‪ - 10‬الوعيد الوارد على التبايع بالعينة ‪.‬‬
‫‪ - 11‬الوسيلة للحرام محرمة ‪.‬‬
‫‪ - 12‬تحريم الربا وإباحة الوسيلة الموصــلة إليــه هــو جمــع‬
‫بين النقيضين وذلك ل يقره السلم ‪.‬‬
‫‪ - 13‬ل يحل سلف وبيع ‪ ،‬ول شرطان في بيع ‪ ،‬ول ربح ما‬
‫لم يضمن ‪ ،‬ول بيع ما لم يكن تحت تصرف البائع ‪.‬‬
‫‪ - 14‬مــا تواطــأ عليــه البــائع والمشــتري بمــا يقصــدان بــه‬
‫دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل فإنه ربا ‪ ،‬سواء كان يبيع‬
‫ثم يبتاع أو يبيع ويقرض وأمثال ذلك ‪.‬‬
‫مضار الربا وحكمة تحريمه‬
‫قلــت فــي مقدمــة هــذا البحــث ‪ :‬إن الســلم ديــن العمــل‬
‫وبقدر ما يعمل المسلم يأخــذ ‪ ،‬أمــا التبطــل والقعــود عــن‬
‫الكســب المشــروع اتكــال علــى مجهــود الغيــر أو اعتــدادا‬
‫بغنيمة باردة تصل إليه فليس ذلك من دين السلم بل هــو‬
‫مناقض لما جاء به السلم ‪ .‬ومن ثم نجد المــدخل لمضــار‬
‫الربا فهو تبطل يعيش المتعاطي له علــى حســاب الغيــر ؛‬
‫يأكل كسبهم ويمتص نشاطهم إلــى آخــر مــا ســطرته فــي‬
‫المقدمــة ‪ ،‬بالضــافة إلــى أنــه يســبب العــداء بيــن أفــراد‬

‫‪741‬‬
‫المجتمـــع ‪ .‬وديـــن الســـلم ديـــن الـــتراحم والتعـــاطف‬
‫والمساواة ل يقر الهامل الذي يعيش كالمتطفل على كدح‬
‫غيره ‪ ،‬يستمرئ حياة الدعة ليأكل الربا غنيمــة بــاردة دون‬
‫عناء وجهــد فــي الكســب ‪ ،‬ولــذلك أبــاح اللـه الــبيع وحــرم‬
‫الربا ؛ للفارق العظيم بين البيع والربا ‪ ،‬فالبيع ‪ :‬كــد وجهــد‬
‫مبــذول ولقمــة يأكلهــا البــائع مــن عــرق الجــبين ‪ ،‬بخلف‬
‫المرابي فإنه تتضخم ثروتــه وينمــو مــاله بالغنيمــة البــاردة‬
‫التي يستبزها من الفقير المحتاج ‪.‬‬
‫وهنالك خســارة قــد تحيــق بــالمرابي دون أن يحســب لهــا‬
‫حســابا أل وهــي هبــوط الســعار والــديون الــتي أثقــل بهــا‬
‫نفســه وأخــذها بفــائدة ليوســع بهــا تجــارته قــد ينجــم عنــه‬
‫الفلس ‪ ،‬فهــو مضــطر إذا حــان أجــل التســديد أن يــبيع‬
‫السلعة برأس مالها حتى يأتي على كل السلع الــتي تحــت‬
‫يديه والتي كانت قوام تجارته ويغدو صفر اليدين ‪ ،‬بــل قــد‬
‫تلجئه الحاجة إلى أن يتكفف الناس أو يركن إلى الستدانة‬
‫حقُ الل ّ ُ‬
‫ه الّرب َــا {‬ ‫م َ‬
‫‪ ،‬وذلك ما تترجم عنه الية الكريمة ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫)‪ (1‬والحــديث النبــوي الشــريف ‪ » :‬الربــا وإن كــثر فــإن‬
‫عاقبته إلى قل « )‪ (2‬أو كما قال رســول اللــه صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫وذكر بعض العلماء المعاصرين عن مضار الربا أنــه وســيلة‬
‫للستعمار وشقائه فقد ثبــت أن الغــزو القتصــادي القــائم‬
‫علــى المعــاملت الربويــة كــان التمهيــد الفعــال للحتلل‬
‫العسكري الذي سقطت أكثر دول الشرق تحــت رحمتــه ‪،‬‬
‫فقد اقترضت الحكومــات الشــرقية بالربــا وفتحــت أبــواب‬
‫البلد للمرابين الجانب فما هي إل ســنوات معــدودة حــتى‬
‫تسربت‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪276‬‬
‫)‪ (2‬سنن ابن مــاجه التجــارات )‪,(2279‬مســند أحمــد بــن‬
‫حنبل )‪.(1/395‬‬
‫الثروة من أيدي المــواطنين إلــى هــؤلء الجــانب حــتى إذا‬
‫أفــاقت الحكومــات وأرادت الــذود عــن نفســها وأموالهــا‬
‫استعدى هؤلء الجانب عليها دولهم فدخلت باســم حمايــة‬

‫‪742‬‬
‫رعاياها ‪ ،‬ثم تغلغلت هي كــذلك فوضــعت يــدها مســتثمرة‬
‫مرافق البلد ‪ ،‬ولهذا لعن رســول اللــه آكــل الربــا ومــؤكله‬
‫وكاتبه وشاهديه ‪ ،‬وقال ‪ :‬هم سواء )‪. (1‬‬
‫أمــا حكمــة تحريــم الربــا فتشــمل الجــانب القتصــادي‬
‫والخلقي والجتماعي ‪ ،‬وتفصــيل ذلــك ملخصــا فيمــا جــاء‬
‫في تفسير الفخر الرازي وهي كما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن الربا يقتضي أخذ مال النسان من غير عوض ؛ لن‬
‫من يبيع الدرهم بالدرهمين يحصل له زيادة درهم من غيــر‬
‫عوض ‪ .‬ومال النسان متعلق بحــاجته ولــه حرمــة عظيمــة‬
‫كما جاء في الحديث ‪ » :‬حرمة مال المسلم كحرمــة دمــه‬
‫« )‪ (2‬فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرما ‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن العتمــاد علــى الربــا يمنــع النــاس عــن الشــتغال‬
‫بالمكاسب ‪ ،‬وذلك لن صاحب الدرهم إذا تمكــن بواســطة‬
‫عقد الربا من تحصيل الــدرهم الــزائد نقــدا كــان أو نســيئة‬
‫خف عليه اكتساب وجه المعيشة ‪ ،‬فل يكاد يتحمل مشــقة‬
‫الكسب والصناعات الشــاقة والتجــارة وذلــك يفضــي إلــى‬
‫انقطاع منافع الخلق ‪ .‬ومن المعلــوم أن مصــالح العــالم ل‬
‫تنتظــم إل بالتجــارات والحــرف والصــناعات والعمــارات ‪،‬‬
‫وهذا هو الجانب القتصادي ‪.‬‬
‫‪ - 3‬إنــه يفضــي إلــى انقطــاع المعــروف بيــن النــاس مــن‬
‫القرض ؛ لن الربا إذا حرم طابت النفوس بقرض الدراهم‬
‫واســترجاع مثلــه ‪ .‬ولــو حــل الربــا لكــانت حاجــة المحتــاج‬
‫تحملــه علــى أخــذ الــدرهم بــدرهمين فيفضــي ذلــك إلــى‬
‫انقطاع المواساة والمعروف والحسان ‪ ،‬وهذا هو الجــانب‬
‫الخلقي ‪.‬‬
‫‪ - 4‬إن الغالب أن المقرض يكون غنيا والمستقرض يكــون‬
‫فقيرا ‪ ،‬فالقول بتجــويز عقــد الربــا تمكيــن مــن يأخــذ مــن‬
‫الفقير الضعيف مال زائدا وذلك غير جــائز برحمــة الرحيــم‬
‫وهذا هــو الجــانب الجتمــاعي ‪ .‬ومعنــى هــذا أن الربــا فيــه‬
‫اعتصار الضعيف لمصلحة القوي ونــتيجته أن يــزداد الغنــي‬
‫غنــى والفقيــر فقــرا ممــا يفضــي إلــى تضــخم طبقــة مــن‬
‫المجتمع على حساب طبقة‬
‫__________‬

‫‪743‬‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم ـ روح الدين السلمي ص ‪. 332‬‬
‫)‪ (2‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(1/446‬‬
‫أو طبقات أخرى مما يخلق الحقاد والضــغائن ويــورث نــار‬
‫الصراع بين المجتمع بعضه ببعــض ‪ ،‬ويــؤدي إلــى الثــورات‬
‫المتطرفة والمبادئ الهدامــة ‪ ،‬كمــا أثبــت التاريــخ القريــب‬
‫خطــر الربــا والمرابيــن علــى السياســة والحكــم والمــن‬
‫المحلي والدول جميعا )‪. (1‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الحلل والحرام ص ‪. 263‬‬
‫أنوع الربا وحكم كل نوع‬
‫الشح ‪ :‬خلة وضعة وهـوان تـزري بصـاحبها وتجعلـه نشـازا‬
‫في مجتمعه ‪ ،‬يجمع المال ويشح بإنفاقه حتى على مصالح‬
‫نفسه ‪ .‬وعلى العكس منه البذل بسخاء خاصة فــي وجــوه‬
‫البر والخير وإغاثة الملهوف وكل ما فيه مصلحة للمجموع‬
‫‪ .‬وعلى هذا العتبار جاء تحريم الربا والترغيب فــي البــذل‬
‫ابتغاء كريم الجر ‪ ،‬ونــزل القــرآن والعــرب تتعامــل بالربــا‬
‫لتفكك مجتمعهــم وانفصــام عــرى التــآلف بينهــم ‪ ،‬فعنــدما‬
‫تنزل الحاجة بأحدهم أو يوصله الفقر بالرغــام ل يجــد مــن‬
‫يسعفه أو يعينــه فــي محنتــه أو ينقــذه مــن ذل الحاجــة إل‬
‫بنكبته بالزيادة على ما يقرضه ‪ ،‬والمفاضلة بين ما يقبضــه‬
‫ويعيــده مــن مــال ‪ ،‬وذلــك هــو الربــا الــذي جــاء الســلم‬
‫بتحريمــه ‪ ،‬وقــد أوردنــا مــن آي الكتــاب العزيــز والســنة‬
‫المطهرة ما يكفي عن المزيد ‪ ،‬بقي أن نوضح نوعية الربــا‬
‫المحرم والذي كانت العرب تتعامــل بــه ‪ ،‬جــاء فــي كتــاب‬
‫"أحكام القرآن " قوله ‪ :‬الربــا الــذي كــانت العــرب تعرفــه‬
‫وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلــى أجــل بزيــادة‬
‫على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به ولــم يكونــوا‬
‫يعرفون البيع بالنقد إذا كان متفاضل من جنس واحد ‪ ،‬هذا‬
‫مـا‬‫كان المتعارف المشهور بينهم ‪ ،‬ولذلك قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫عن ْد َ الّلــهِ { )‬
‫س فََل ي َْرُبو ِ‬ ‫َ‬
‫ل الّنا ِ‬
‫وا ِ‬
‫م َ‬ ‫ن رًِبا ل ِي َْرب ُوَ ِفي أ ْ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫آت َي ْت ُ ْ‬
‫‪ (1‬فأخبر أن تلك الزيادة المشــروطة إنمــا كــانت ربــا فــي‬
‫المال العين لنــه ل عــوض لهــا مــن جهــة المقــرض وقــال‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة { )‪ (2‬إخبارا عن‬ ‫ضاعََف ً‬‫م َ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬ل ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ‬
‫ضَعاًفا ُ‬

‫‪744‬‬
‫الحال التي خرج عليها الكلم مــن شــرط الزيــادة أضــعافا‬
‫مضاعفة ‪ ،‬فأبطل الله الربا الذي كانوا يتعاملون به وأبطل‬
‫ضروبا من البياعات وسماها ربــا ‪ ،‬فــانتظم قــوله تعــالى ‪:‬‬
‫م الّرَبا { )‪ (3‬تحريم جميعها لشــمول الســم عليهــا‬ ‫حّر َ‬
‫} وَ َ‬
‫من طريق الشرع ‪ ،‬ولم يكن تعاملهم بالربا إل على الوجه‬
‫الذي ذكرناه من قرض دراهم أو دنانير إلى أجل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة الروم الية ‪39‬‬
‫)‪ (2‬سورة آل عمران الية ‪130‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫مع شرط الزيادة )‪ (1‬ا هـ ‪.‬‬
‫وذكر صاحب تفسير آيــات الحكــام أن الربــا ينقســم إلــى‬
‫قسمين ‪ :‬ربا النسيئة ‪ ،‬وربا الفضــل ‪ .‬فربــا النســيئة ‪ :‬هــو‬
‫الذي كان معروفا بين العرب في الجاهلية ل يعرفون غيره‬
‫وهو أنهم كانوا يدفعون المــال علــى أن يأخــذوا كــل شــهر‬
‫قدرا معينا ‪ .‬فإذا حل الجل طــولب المــدين بــرأس المــال‬
‫كامل فإن تعذر الداء زادوا في الحق والجل ‪.‬‬
‫وربا الفضل ‪ :‬أن يباع من الحنطــة بمنــوين منهــا أو درهــم‬
‫بدرهمين أو دينار بدينارين أو رطل من العســل برطليــن ‪،‬‬
‫وقد كان ابن عباس ل يحرم إل القسم الول ‪ ،‬وكان يجــوز‬
‫ربا الفضل اعتمادا على ما روي أن النبي صلى اللــه عليــه‬
‫وسلم قـال ‪ » :‬إنمــا الربــا فــي النسـيئة « )‪ (2‬ولكــن لمـا‬
‫تواتر عنده الخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم قــال ‪» :‬‬
‫الحنطة بالحنطة مثل بمثل يــدا بيــد « )‪ (3‬وذكــر الصــناف‬
‫الستة كما رواه عبادة بن الصامت وغيره رجع عن قوله ‪.‬‬
‫وأما قوله عليه السلم ‪ » :‬وإنما الربا فــي النســيئة « )‪(4‬‬
‫فمحمول على اختلف الجنس ‪ ،‬فإن النســيئة حينئذ تحــرم‬
‫ويباح التفاضل كبيع الحنطــة بالشــعير تحــرم فيــه النســيئة‬
‫ويباح التفاضل ولذلك وقع التفاق علــى تحريــم الربــا فــي‬
‫القسمين ‪ .‬أما )الول( ‪ :‬فقد ثبت تحريمه بالقرآن ‪) ،‬وأمــا‬
‫الثاني( ‪ :‬فقد ثبت تحريمه بالخبر الصحيح ‪ .‬كمــا روي عــن‬
‫عبادة ابن الصامت رضــي اللــه عنــه أن النــبي صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم قال ‪ » :‬الــذهب بالــذهب ‪ ،‬والفضــة بالفضــة ‪،‬‬

‫‪745‬‬
‫والبر بالبر ‪ ،‬والشــعير بالشــعير ‪ ،‬والتمــر بــالتمر ‪ ،‬والملــح‬
‫بالملح ‪ ،‬مثل بمثل سواء بسواء يدا بيد ‪ ،‬فإذا اختلفت هــذه‬
‫الصــناف فــبيعوا كيــف شــئتم إذا كــان يــدا بيــد « )‪. (5‬‬
‫واشتهرت روايته هذه حتى كانت مسلمة عند الجميع ‪.‬‬
‫ثم اختلف العلماء بعد ذلك فقال نفاة القياس ‪ :‬إن الحرمة‬
‫مقصورة على هذه الشياء الستة ‪ ،‬وقال أبو حنيفة ومالك‬
‫والشــافعي وأحمــد وجمهــور الفقهــاء ‪ :‬إن الحرمــة غيــر‬
‫مقصورة على هذه الشياء الستة ‪ ،‬بل تتعداها إلى غيرها ‪.‬‬
‫وأن الحرمة ثبتت في هذه الستة لعلــة ‪ ،‬فتتعــدى الحرمــة‬
‫إلى كل ما توجد فيه تلك العلة ‪ ،‬ثم اختلفوا في هذه العلة‬
‫‪ .‬فقال الحنفية ‪ :‬إن العلة هي اتحــاد هــذه الشــياء الســتة‬
‫فــي الجنــس والقــدر‪ -‬أي الكيــل والــوزن‪ -‬فمــتى اتحــدت‬
‫البلــدان فــي الجنــس والقــدر حــرم الربــا كــبيع الحنطــة‬
‫بالحنطــة وإذا عــدما معــا حــل التفاضــل والنســيئة كــبيع‬
‫الحنطة بالدراهم إلى أجل ‪ .‬وإذا عدم القدر واتحد الجنس‬
‫حل الفضل دون النسيئة كبيع عبد بعبدين ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬أحكام القرآن للجصاص ‪ ,‬ص ‪. 552‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1596‬سنن النسائي البيوع‬
‫)‪,(4581‬سنن ابن ماجه التجارات )‪,(2257‬سنن الــدارمي‬
‫البيوع )‪.(2580‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1588‬سنن النسائي البيوع‬
‫)‪,(4559‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2255‬مســند أحمــد‬
‫بن حنبل )‪.(2/232‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1596‬سنن النسائي البيوع‬
‫)‪,(4581‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2257‬مســند أحمــد‬
‫بن حنبل )‪.(5/200‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1587‬سنن الترمذي البيوع‬
‫)‪,(1240‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4561‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3349‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2254‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪,(5/314‬سنن الدارمي البيوع )‪.(2579‬‬
‫وإذا عدم الجنس واتحــد القــدر حــل الفضــل دون النســيئة‬
‫أيضا كبيع الحنطة بالشعير ‪.‬‬

‫‪746‬‬
‫وقال المالكية ‪ :‬إن العلة هي اتحاد الجنسين مــع القتيــات‬
‫أو ما يصلح به القتيات ‪ .‬وقــال الشــافعية ‪ :‬إن العلــة فــي‬
‫الــذهب والفضــة هــي اتحــاد الجنــس مــع النقديــة ‪ ،‬وفــي‬
‫الشياء الربعة الباقية اتحاد الجنس مع الطعم ‪ ,‬والتفاضل‬
‫في أمر الربا يعلم من كتب الفقه )‪. (1‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير آيات الحكام ‪ ,‬ص ‪263 , 162‬‬
‫نوعية الربا كما أوضحها ابن القيم‬
‫وقفت في جملة ما وقفت عليه من المراجــع علــى كتــاب‬
‫بعنــوان ‪) :‬الــودائع المصــرفية النقديــة واســتثمارها فــي‬
‫السلم( لمؤلفه " حسن عبد الله المين " أورد فيــه نــص‬
‫ابن قيم الجوزية رحمه الله عن نوعية الربا وقدم له بقوله‬
‫‪:‬‬
‫تكلمنا فما سبق عن التقسيم الفقهــي القــديم للربــا ‪ :‬ربــا‬
‫النسيئة ‪ ،‬وربا الفضل ‪ . . .‬وبقي هنــاك قســم ثــالث للربــا‬
‫وضعه عالم جليل هو ابن القيم الجوزية وهو تقسيم يتفــق‬
‫في مضمونه مع تقسيم الربا ‪ :‬إلى ربا ديــون ‪ ،‬وربــا بيــوع‬
‫ولكنه يســمي الول ‪ :‬الربــا )الجلــي( وأن تحريمــه تحريــم‬
‫مقاصد ؛ لنه ثابت بــالقرآن الكريــم وهــو مــا كــانت تفعلــه‬
‫الجاهلية ‪ .‬ويسمي النوع الثاني ‪ :‬الربا )الخفي( وأنه حــرم‬
‫سدا للذريعة من الربا الجلي فتحريمه تحريم وســيلة وهــو‬
‫الذي ثبت بالسنة في الصناف الستة ‪ ،‬ثم ذكر النــص مــن‬
‫كتــاب )إعلم المــوقعين( فقــال ‪ -‬أي ابــن القيــم ‪ : -‬الربــا‬
‫نوعان ‪ :‬جلي وخفي ؛ )فالجلي( ‪ :‬حرم لما فيه من الضرر‬
‫العظيم ‪) ،‬والخفي( ‪ :‬حرم لنه ذريعة إلى الجلي ‪ .‬فتحريم‬
‫الول قصدا ‪ ،‬وتحريم الثاني وسيلة ‪.‬‬
‫فأما الجلي ‪ :‬فربا النســيئة وهــو الــذي كــانوا يفعلــونه فــي‬
‫الجاهلية مثــل أن يــؤخر دينــه ويزيــده فــي المــال ‪ .‬وكلمــا‬
‫أخره زاد في المال حتى تصير المائة عنده آلفا )‪. (1‬‬
‫وأما ربا الفضل ‪ :‬فتحريمه من باب سد الذرائع كما صــرح‬
‫به في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ » :‬ل تبيعوا الدرهم بالــدرهمين‬

‫‪747‬‬
‫فــإني أخــاف عليكــم الرمــاء « )‪ (2‬والرمــاء هــو الربــا ‪.‬‬
‫فمنعهم من ربا الفضل لما يخافه عليهم من ربا النسيئة ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬إعلم الموقعين ‪ ,‬ج ‪ 2‬ـ ص ‪. 99‬‬
‫)‪ (2‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(2/109‬‬
‫وذلك أنهــم إذا بــاعوا درهمــا بـدرهمين ‪ ،‬ول يفعـل هـذا إل‬
‫للتفاوت الذي بيـن النـوعيين ‪ ،‬إمـا فـي الجـودة وإمـا فـي‬
‫السكة وإما في الثقل والخفة وغير ذلــك ‪ ،‬تــدرجوا بالربــح‬
‫المعجل فيها إلى الربــح المــؤخر وهــو عيــن ربــا النســيئة ‪،‬‬
‫وهذه ذريعة قريبة جدا فمن حكمة الشارع أن ســد عليهــم‬
‫هذه الذرائع ومنعهم من بيع درهم بدرهمين نقدا أو نســيئة‬
‫)‪. (1‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬إعلم الموقعين ‪ ,‬ج ‪ 2‬ـ ص ‪. 100-99‬‬
‫التعامل مع البنوك‬
‫التعامل مع البنوك على إقــراض المــال بفــائدة مشــروطة‬
‫محددة كاثنين في المائة مثل أو أكثر أو أقل ‪ ،‬هل هو مــن‬
‫أنواع الربا المحرم أم له احتمال آخر؟‬
‫نعود مرة أخرى إلى كتاب الــودائع المصــرفية آنــف الــذكر‬
‫فنجد المؤلف يقرر بصراحة أن معنى الزيادة فــي القــرض‬
‫عند العقــد هــي إحــدى صــورتي ربــا الجاهليــة الــذي حــرم‬
‫تحريما قاطعا بنص القرآن ‪ ،‬ونص كلمه كالتي ‪) :‬إذا كان‬
‫معنــى الفــائدة يختلــف عــن معنــى الربــح فــي المصــطلح‬
‫الفقهي ول يلتقي معه بحال ‪ ،‬فماذا يكون موقــف الفــائدة‬
‫من الربا ‪ ،‬هل تلتقي معه في إحدى صوره أم أنها تختلــف‬
‫عنه كمـا اختلفــت عـن الربـح ول تلتقـي معـه فــي واحــدة‬
‫منها ‪ ،‬ثم أفاض في البسط حتى قال ‪ :‬تبين لنا على ضــوء‬
‫ما تقدم أن معنــى )الفــائدة( علــى ضــوء مــا تقــدم يلتقــي‬
‫تمامــا فــي مقــاييس الفقــه والشــريعة الســلمية بمعنــى‬
‫الزيــادة فــي القــرض عنــد العقــد وهــي أحــد صــورتي ربــا‬
‫الجاهلية الذي حرم تحريما قاطعا بنص القــرآن ‪ ،‬بــل هــي‬
‫الصورة البارزة في ربـا الجاهليـة حـتى أن الجصـاص بـالغ‬
‫في التوكيد عليها لدرجــة أنــه قــال ‪ :‬ولــم يكــن تعــاملهم ‪-‬‬

‫‪748‬‬
‫أي ‪ :‬عرب الجاهلية‪ -‬بالربا إل على الوجه الذي ذكرنــا مــن‬
‫قرض دراهم أو دنانير إلى أجل مع الزيادة ‪ ،‬فالفــائدة إذن‬
‫مــا هــي إل زيــادة مشــروطة فــي قــرض مؤجــل لمصــلحة‬
‫المودع في حالة الــودائع المؤجلــة أو ودائع الدخــار بــدليل‬
‫عدم وجودها في الودائع الجارية ‪ -‬أي ‪ :‬تحت الطلــب‪ -‬مــع‬
‫أنها هي أيضا معتبرة قرضا في الفقه والتشريع ‪ ،‬كما أنهــا‬
‫زيادة فــي قــرض مؤجــل أيضــا لمصــلحة البنــك فــي حالــة‬
‫إقراضه لشخص آخر ‪ ،‬فالزيادة في حالة استقراض البنــك‬
‫بقبول الودائع المؤجلة أو إقراضه بدفع قروض من أمــواله‬
‫الخاصة‬
‫أو من ودائع المقترضين الخرين هي ربــا ‪ .‬بــل هــي الربــا‬
‫الذي ل يشك فيه ؛ لنها إحدى صورتي ربا الجاهليــة الــذي‬
‫كــانوا يتعــاملون بــه والــذي حرمــه القــرآن تحريمــا قاطعــا‬
‫َ‬
‫م الّرب َــا { )‪ (1‬وقــال‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬
‫حـّر َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬
‫بقوله تعالى ‪ } :‬وَأ َ‬
‫فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ‪» :‬‬
‫ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أبدأ به ربا العبــاس بــن عبــد‬
‫المطلب « )‪. (2‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي تفسير القرآن )‪,(3087‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3334‬سنن ابن ماجه المناسك )‪.(3055‬‬
‫تحريم الربا الستهلكي والنتاجي‬
‫يفرق بعض علماء القتصاد من الغربيين بين تحريــم الربــا‬
‫الســتهلكي والنتــاجي بــدعوى أن تحريــم الربــا كــان مــن‬
‫الضروريات في الماضي وأن إباحته فــي هــذا العصــر مــن‬
‫الضروريات أيضا ؛ لن الدين فيمــا مضــى كـان للســتهلك‬
‫وأما الن فهو للنتاج ‪ .‬وهو زعم متداع ؛ لن الربا إن كــان‬
‫للستهلك فهو لنفقــة المســتدين علــى حاجــاته الضــرورية‬
‫فإنه ل يجوز أن يرهق برد زائد على دينه ‪ ،‬فحسبه أن يــرد‬
‫أصل الدين عنــد الميســرة ‪ .‬وإن كــان للنتــاج فالصــل أن‬
‫الجهد الذي يبذله المستدين هو الــذي ينــال عليــه الربــح ل‬
‫المال الذي يستدينه فالمال ل يربح إل بالجهد )‪. (1‬‬

‫‪749‬‬
‫وفــي إطــار الحــديث عــن أنــواع الربــا يتحــدث الداعيــة‬
‫السلمي أبو العلى المودودي في الفصــل الخــامس مــن‬
‫كتابه )الربا( تحــت عنــوان "الربــا وأحكــامه " فيقــول ‪ :‬إن‬
‫الربــا هــو الزيــادة الــتي ينالهــا الــدائن مــن مــدينه نظيــر‬
‫التأجيل ‪ ،‬وهذا النوع مــن الربــا يصــطلح عليـه شــرعا بربــا‬
‫النسيئة أي الزيادة بســبب النســيئة وهــي التأجيــل ‪ ،‬وهــذا‬
‫النوع من الربا هو المنصوص علـى تحريمـه فـي القـرآن ‪،‬‬
‫وأجمع على تحريمه السلف الصــالح والعلمــاء المجتهــدون‬
‫من بعدهم وتعاقبت القرون على ذلك الجماع ولم يتطرق‬
‫إليه الريب في عصر من العصور واستمر في البسط إلــى‬
‫أن قال ‪ :‬لقد كان السلم إنما نهى عن التعامل بالربا فـي‬
‫شــئون الــدين والقــرض فــي بــادئ المــر ‪ ،‬واســتمر فــي‬
‫البسط فتحدث عن ربا الفضل وقال ‪ :‬وهذا النوع أيضا قد‬
‫حرمه النبي صلى الله عليــه وســلم لنــه يفتــح البــاب فــي‬
‫وجه الناس إلى الربا الصريح وينشئ فيهم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬روح الدين السلمي ‪ ,‬ص ‪. 334 ,333‬‬
‫عقلية من نتائجها اللزمة شــيوع المرابــاة فــي المجتمــع ‪،‬‬
‫وذلك عين ما أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم بقــوله ‪:‬‬
‫» ل تبيعوا الدرهم بدرهمين فإني أخاف عليكم الرماء « )‬
‫‪ (1‬وهو الربا ‪ .‬وتحدث عن حكم ربـا الفضـل وأورد حـديث‬
‫عبادة بن الصامت وجملـة أحــاديث فــي معنـاه ‪ ،‬ثـم علــق‬
‫عليها تعليقا ضافيا ثم ذكر خلف الفقهاء فــي علــة تحريــم‬
‫ربا الفضل وخلص من ذلك إلى القــول بــأن الختلف بيــن‬
‫المذاهب في المور التي يدخلها الربا إنما هــو مــن المــور‬
‫المشتبهة الواقعة علــى الحــد بيــن الحلل والحــرام ‪ ،‬فــإن‬
‫حاول أحد الن محتجــا بهــذه المســائل المختلــف فيهــا أن‬
‫يرمي بالشتباه أحكام الشـريعة فـي المعـاملت الـتي قـد‬
‫وردت النصوص على كونها من الربا ويفتــح بــاب الرخــص‬
‫والحيل بهذا الطريق للستدلل ويــدعو المــة إلــى ســلوك‬
‫طرق الرأسمالية فل شك أنــه يعــد تاركــا للكتــاب والســنة‬
‫للظن والخرص وضال مضل ولو كان مخلصــا صــادق النيــة‬
‫عند نفسه )‪ (2‬ا هـ ‪.‬‬

‫‪750‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(2/109‬‬
‫)‪ (2‬الربا ص ‪. 98 ,91 ,90‬‬
‫وسائل القضاء على الربا‬
‫من مزايا دين السلم أنه لم يحرم شيئا إل وأوجد له بديل‬
‫يغنــي عنــه ‪ ،‬ويأخــذ بحجــز المســلمين مــن أن يقعــوا فــي‬
‫المحــرم المنكــور ‪ ،‬ول نطيــل ضــرب المثلــة لــذلك وإنمــا‬
‫نكتفي بتحريم الخمر ‪ .‬أبــدل اللــه المســلمين عــن شــربها‬
‫بشرب جميع العصيرات والمنتبذات مما ل يكون فيه شبهة‬
‫حرام وعندما حرم الربــا أبــاح الــبيع والتجــارة فــي المــور‬
‫المباحة وأنواع المضاربة ‪ ،‬وهكذا فلم يرهق المســلم مــن‬
‫أمره عسرا ‪ ،‬ولم يكلفه شططا ‪ ،‬وإنما أوجــد لــه الحلــول‬
‫وشرع وسائل من شأنها القضاء على الربا والتجــافي عنــه‬
‫والترفع عن مزالقه والتورط في إثمـه ‪ ،‬ويشــمل ذلـك مـا‬
‫يأتي ‪:‬‬
‫)أ( القرض الحسن ‪ :‬فبــدل مــن أن يقــرض المســلم مــاله‬
‫بفائدة تقض مضجع المقترض وتزيـد مــن محنتــه وبلبـاله ‪،‬‬
‫رغب السلم في القرض الحسن بالوعد الكريــم والجــزاء‬
‫ضــا‬‫ه قَْر ً‬ ‫ض الل ّ َ‬
‫ذي ي ُْقرِ ُ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫الضافي كما قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫ضَعاًفا ك َِثيَرةً { )‪، (1‬‬ ‫عَفه ل َ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ضا ِ ُ ُ‬ ‫سًنا فَي ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪245‬‬
‫سـًنا‬ ‫ح َ‬ ‫ضــا َ‬ ‫ض الل ّـ َ‬
‫ه قَْر ً‬ ‫ذي ي ُْقـرِ ُ‬ ‫ذا ال ّـ ِ‬‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬
‫وقــال تعــالى ‪َ } :‬‬
‫عَفه ل َه ول َ َ‬
‫م { )‪. (1‬‬ ‫جٌر ك َ ِ‬
‫ري ٌ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ضا ِ ُ ُ َ ُ‬ ‫فَي ُ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة الحديد الية ‪11‬‬
‫)ب( إنظار المعسـر ريثمـا يـزول إعسـاره والـترغيب فـي‬
‫ن‬‫إبراء ذمته من الدين دون مطالبته كما قال تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫خْيــٌر ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫كــ ْ‬ ‫صد ُّقوا َ‬
‫ن تَ َ‬ ‫سَرةٍ وَأ ْ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫ن { )‪. (1‬‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫إِ ْ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪280‬‬

‫‪751‬‬
‫)جـــ( التعــاون فــي مختلــف دروبــه وبكــل وســائله يشــمل‬
‫التعاون الجتماعي والصناعي والزراعي ويدخل في إطــار‬
‫ذلــك الضــمان الجتمــاعي وتمويــل المزارعيــن وأصــحاب‬
‫الصناعات بما يشــد أزرهــم ويضـاعف إنتــاجهم فيمــا يعــود‬
‫بالخير للمجموعة الســلمية ‪ ،‬وثمــة فتــح المــدارس وبنــاء‬
‫المستشفيات ودور العجــزة ‪ ،‬ومــا إليـه ممـا تشــمله اليـة‬
‫وى { )‪ , (1‬فيغــدو‬ ‫الكريمــة } وَت َعَــاوَُنوا عَل َــى ال ْب ِـّر َوالت ّْقــ َ‬
‫المجتمع في ظلل هذا التعاون الشامل ســعيدا بعيــدا عــن‬
‫مآسي الربا والنزلق إلى أوحاله ‪ ،‬ول يغيــب عــن الذهـان‬
‫إخراج زكاة الموال ودفعها إلى مستحقيها كما نصت على‬
‫ن‬ ‫كي ِ‬
‫ســا ِ‬‫م َ‬‫ت ل ِل ُْفَق ـَراِء َوال ْ َ‬
‫ص ـد ََقا ُ‬ ‫مــا ال ّ‬ ‫ذلك الية الكريمة } إ ِن ّ َ‬
‫ن‬‫مي َ‬ ‫ب َوال َْغــارِ ِ‬ ‫م وَِفي الّرَقا ِ‬ ‫مؤَل َّفةِ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ن عَل َي َْها َوال ْ ُ‬‫مِلي َ‬‫َوال َْعا ِ‬
‫ل { )‪ ، (2‬وجملــة القــول أن‬ ‫سـِبي ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫سِبي ِ ّ‬
‫ل اللـهِ وَا ِب ْـ ِ‬ ‫وَِفي َ‬
‫وسائل القضاء على الربا والخذ بها والتعاون على تنفيذها‬
‫وفــي الطليعــة إخــراج الزكــاة دون تهــرب أو تســويف أو‬
‫طغيــان النانيــة علــى بعــض النفــوس فتســتأثر بالمــال‬
‫وتحتجزه وتشح به فل تستجيب لنفاقه كما أمر الله وكمــا‬
‫َ‬
‫جعَل َك ُـ ْ‬
‫م‬ ‫مــا َ‬ ‫م ّ‬‫فُقــوا ِ‬‫ســول ِهِ وَأن ْ ِ‬‫مُنـوا ب ِــالل ّهِ وََر ُ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬آ ِ‬
‫ن ِفيهِ { )‪ ، (3‬كل أولئك مما يحول دون الرتداع‬ ‫خل َِفي َ‬‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬‫ُ‬
‫في أرجاس الربا والوقوع في أوحاله ‪.‬‬
‫وقبل أن نضع القلم يجدر أن نعرض لموضوع كثر الخذ به‬
‫في أعقاب الزمن وهو بيع التورق ‪ ،‬يشتري المرء الســلعة‬
‫بثمن إلى أجل ثم يبيعها بأقل من الثمن الذي اشــتراها بــه‬
‫وذلك ما يسمى بمسألة التورق لن البائع ليــس لــه حاجــة‬
‫في السلعة وإنما حــاجته فــي الــورق ‪ ،‬وإيضــاح ذلــك مــن‬
‫قول شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله‪ -‬في فتاويه حيث‬
‫يقول ‪ :‬وقد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة المائدة الية ‪2‬‬
‫)‪ (2‬سورة التوبة الية ‪60‬‬
‫)‪ (3‬سورة الحديد الية ‪7‬‬
‫سئل عن الرجل يبيع سلعة بثمن مؤجـل ثـم يشـتريها مـن‬
‫ذلك الرجل بأقــل مــن ذلــك الثمــن حــال هــل يجــوز أم ل؟‬

‫‪752‬‬
‫فأجــاب ‪ :‬إذا بــاع الســلعة إلــى أجــل ثــم اشــتراها مــن‬
‫المشــتري بأقــل مــن ذلــك حــال فهــذه تســمى ) مســألة‬
‫العينة ( ‪ .‬وهي غير جائزة عنــد أكــثر العلمــاء كــأبي حنيفــة‬
‫ومالك وأحمد وغيرهم ‪ ،‬وهو المأثور عن الصحابة كعائشــة‬
‫وابن عباس وأنس بن مالك ‪ ،‬فـإن ابــن عبــاس ســئل عـن‬
‫حريرة بيعت إلى أجــل ثــم اشــتريت بأقــل فقــال ‪ :‬دراهــم‬
‫بدراهم دخلت بينهما حريرة ‪ ،‬وأبلغ من ذلك أن ابن عباس‬
‫قــال ‪ :‬إذا اشــتريت بنقــد ثــم بعــت بنســيئة فتلــك دراهــم‬
‫بدراهم ‪ .‬فبين أنه إذا قوم السلعة بــدراهم ثــم باعهــا إلــى‬
‫أجل فيكون مقصوده دراهم بــدراهم ‪ -‬والعمــال بالنيــات‪-‬‬
‫وهــذه تســمى ) التــورق ( ‪ .‬فــإن المشــتري تــارة يشــتري‬
‫السلعة لينتفع بها وتارة يشتريها ليتجر بها فهــذان جــائزان‬
‫باتفــاق المســلمين ‪ ،‬وتــارة ل يكــون مقصــوده إل أخــذ‬
‫الدراهم فينظر كم تساوي نقدا فيشتري بها إلى أجــل ثــم‬
‫يبيعها في السوق بنقد فمقصوده الورق ‪ .‬فهذا مكروه في‬
‫أظهر قولي العلمــاء ‪ ،‬كمــا نقــل ذلــك عــن عمــر بــن عبــد‬
‫العزيز وهو إحدى الروايتين عن أحمد إلى آخــر مــا أفــاض‬
‫فيه يرحمه الله مما خرج به للستطراد )‪. (1‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الفتاوى ‪ ,‬ج ‪ 29‬ـ ص ‪. 447 ,446‬‬
‫خاتمة البحث‬
‫نــأتي بعــد أن فرغنــا مــن كتابــة البحــث بتوفيــق اللــه إلــى‬
‫الخاتمة فقد عرضنا بعد المقدمة لتعريف الربا لغة وشرعا‬
‫وأوردنا اليات القرآنية التي جاءت منتظمة عــن الربــا مــع‬
‫تفسيرها وقد تحصل من التفسير ما يأتي ‪:‬‬
‫ا‪ -‬المراد بأكل الربا جميع التصرفات ‪.‬‬
‫‪ - 2‬تشبيه المرابي بالمصروع ‪.‬‬
‫‪ - 3‬المحق يشمل ذهاب المال وذهاب بركته ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ل يلحق متعاطي الربا تبعة التعامل به قبل التحريم ‪.‬‬
‫‪ - 5‬الترغيب في بذل الصدقات ‪.‬‬
‫‪ - 6‬الوعيد لمن تعاطى الربا بعد التحريم ‪.‬‬
‫‪ - 7‬للمرء أن يأخذ رأس ماله بعد التوبة من تعاطي الربا ‪.‬‬

‫‪753‬‬
‫‪ - 8‬الترغيب في إنظار المعسر وإبراء ذمته ‪ ،‬وأردفنا ذلك‬
‫بمبحث الربا في السنة وإيراد نــص مــا ورد مــن الحــاديث‬
‫مع شرحها ثم بيــان حكــم الربــا فــي الســلم وأنــه محــرم‬
‫بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة وأساطير العلــم بمــا فــي‬
‫ذلك تحريم كل وسيلة تفضي إليه كبيع العينــة واستخلصــنا‬
‫من مجموع ذلك ما يأتي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬النهي عن تعاطي الربا بكل اللوان والوسائل ‪.‬‬
‫ب‪ -‬إنه من الموبقات ومن كبائر الذنوب ‪.‬‬
‫جـ‪ -‬لعن آكل الربا كل متعاون عليه ‪.‬‬
‫د‪ -‬معصية الربا تجاوزت الحد في القبح ‪.‬‬
‫هـ‪ -‬تحريم الستطالة في عرض المسلم ‪.‬‬
‫و‪ -‬آكل الربا يعذب في الــبرزخ وعليــه اللعنــة ويحــال بينــه‬
‫وبين دخول الجنة ‪.‬‬
‫ز‪ -‬أكلة الربا يحشرون في أسوأ صورة ‪.‬‬
‫ح‪ -‬تحريم التبايع بالعينة والوعيد عليها ‪.‬‬
‫ط‪ -‬الوسيلة للحرام محرمة ‪.‬‬
‫ك‪ -‬ل يحل سلف ول بيع ول شرطان في بيع ول ربح ما لم‬
‫يضمن ول بيع ما لم يكن تحت تصرف البائع ‪.‬‬
‫ل‪ -‬ما تواطأ عليه البائع والمشتري بما يقصدان بــه دراهــم‬
‫بدراهم أكثر منها إلى أجل فهو ربا محرم ســواء كــان يــبيع‬
‫ثم يبتاع أو يبيع ويقرض ‪.‬‬
‫ثــم انتقلنــا بعــد ذلــك إلــى مضــار الربــا وحكمــة تحريمــه ‪،‬‬
‫وأوردنــا نقــول عــن ذلــك مــن أقــوال العلمــاء القــدامى‬
‫والمعاصرين مبسوطة في الصفحات )‪ ، 18‬ـ ‪ (19‬وعقبنــا‬
‫بمبحث أنواع الربا وحكم كل نوع فذكرنا ربا النســيئة وأنــه‬
‫هو الربا الذي كانت تتعامل به الجاهلية الولــى وهــو الــذي‬
‫ورد تحريمه بالقرآن ‪ ،‬ثم ربا الفضــل وتحريمــه جــاءت بــه‬
‫الســنة النبويــة ســدا للذريعــة ‪ ،‬وعرضــنا لعلــة تحريــم ربــا‬
‫الفضــل واختلف العلمــاء فيهــا ‪ ،‬ثــم لنوعيــة الربــا كمــا‬
‫أوضحها ابن القيــم ‪-‬يرحمــه اللــه‪ -‬ثــم لبحــث التعامــل مــع‬
‫البنوك وفيه القرض بالفائدة المشروطة وأنها محرمة ‪ ،‬ثم‬
‫تناولنا بحث تحريم الربا الستهلكي والنتــاجي ورد نظريــة‬
‫تحريم الربا فــي الماضـي وإبــاحته فــي الحاضـر ‪ ،‬وأردفنـا‬

‫‪754‬‬
‫ذلك بالحديث عــن وســائل القضــاء علــى الربــا وذكرنــا أن‬
‫منها القرض الحسن وإنظار المعسر وإبراء ذمته والتعاون‬
‫الجتماعي والصناعي والزراعي وتوزيع أموال الزكاة ‪ ،‬ثــم‬
‫أنهينا البحث بموضوع التورق وأنــه مكــروه وأوردنــا فتــوى‬
‫لشيخ السلم ابن تيمية ‪-‬يرحمه الله‪ -‬في هــذه المســألة ‪.‬‬
‫وأسأل الله أن يأجرني بقدر ما بذلت في هذا البحــث مــن‬
‫جهد علمي وجسمي ولم أصل فيه إلى الكمال ‪ ،‬وإنما هــو‬
‫إســهام وجهــد مقــل ‪ ،‬وأن يشــمل ســبحانه بتــوفيقه ابنــي‬
‫أســامة علــى مــا أســهم بـه مــن تهيئة المراجــع المطلوبـة‬
‫للبحث والعون بجهد مشكور وينفع به كل من قرأه مغضيا‬
‫عما لعله أن يكون فيـه مـن مآخـذ ‪ -‬فالكمـال للـه وحـده‪-‬‬
‫ويأجر أيضا كل من تعاون على إشاعته بكل وسيلة خاصــة‬
‫مجلة البحوث بالرياض ورئاسة تحريرها والمشرفين عليها‬
‫‪.‬‬
‫وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصــحبه‬
‫ومن اتبع سبيله وسار على نهجه ‪ ،‬وقد فرغت مــن وضــعه‬
‫في شهر جمادى الثانية سنة ألف وأربعمائة وأربعة ‪.‬‬
‫والله يوفقنا إلى ما فيه الخير والرشاد ‪، ، ،‬‬
‫ثبت المراجع والمصادر‬
‫‪ - 1‬ابن تيمية ‪ ،‬أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني ‪.‬‬
‫)الفتاوى( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪ 1382‬هـ ‪.‬‬
‫الرياض ‪ :‬مطابع الرياض ‪.‬‬
‫‪ - 2‬ابن حجر ‪ ،‬أحمد بن علي العسقلني ‪.‬‬
‫)فتح الباري بشرح صحيح البخاري( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪.‬‬
‫تصحيح وترقيم ‪ :‬محمـد فـؤاد عبـد البـاقي ‪ -‬محـب الـدين‬
‫الخطيب ‪.‬‬
‫القاهرة ‪ :‬المطبعة السلفية )‪ 13‬جزء( ‪.‬‬
‫‪ - 3‬ابن جرير ‪ ،‬أبو جعفر محمد بن جعفر الطبري ‪.‬‬
‫)جامع البيان عن تأويل آي القرآن( ‪.‬‬
‫تحقيق ‪ :‬محمود محمد شاكر ‪ -‬أحمد محمد شاكر ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪.‬‬

‫‪755‬‬
‫القاهرة ‪ :‬دار المعارف )‪ 15‬جزء( ‪.‬‬
‫‪ - 4‬ابن كثير ‪ ،‬أبو الفداء عماد الدين القرشي الدمشقي ‪.‬‬
‫)تفسير القرآن العظيم( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪ 1347‬هـ ‪.‬‬
‫القاهرة ‪ :‬مطبعة المنار )‪ 9‬أجزاء ومعه تفسير البغوي( ‪.‬‬
‫‪ - 5‬ابن حنبل ‪ ،‬أحمد بن محمد الشيباني ‪.‬‬
‫)المسند( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪.‬‬
‫القاهرة ‪ :‬المطبعة الميمنية المصرية )‪ 6‬أجزاء( ‪.‬‬
‫‪ - 6‬المير الصنعاني ‪ ،‬محمد بن إسماعيل ‪.‬‬
‫)سبل السلم شرح بلوغ المرام من أدلة الحكام( ‪.‬‬
‫الطبعة الولى ‪.‬‬
‫القاهرة ‪ :‬إدارة الطباعة المنيرية )‪ 4‬أجزاء( ‪.‬‬
‫‪ - 7‬اللباني ‪ ،‬محمد ناصر الدين اللباني ‪.‬‬
‫)سلسلة الحاديث الصحيحة( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الثانية ‪ 1399‬هـ ‪.‬‬
‫بيروت ‪ :‬المكتب السلمي ‪ 4) .‬مجلدات( ‪.‬‬
‫‪ - 8‬المين ‪ ،‬حسن عبد الله ‪.‬‬
‫)الودائع المصرفية واستثمارها في السلم( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪.‬‬
‫جدة ‪ :‬دار الشروق ‪.‬‬
‫‪ - 9‬البخــاري ‪ ،‬أبــو عبــد اللــه محمــد بــن إســماعيل بــن‬
‫بردزيه ‪.‬‬
‫)الجامع الصحيح المسند المختصر مــن أمــور رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه( ‪.‬‬
‫القاهرة ‪ :‬إدارة الطباعة المنيرية ‪ 9) .‬أجزاء( ‪.‬‬
‫‪ - 10‬البغوي ‪ ،‬أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء ‪.‬‬
‫)شرح السنة( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪ 1399‬هـ ‪.‬‬
‫بيروت ‪ :‬المكتب السلمي )‪ 16‬جزء( ‪.‬‬
‫‪ - 11‬الجصاص ‪.‬‬
‫)أحكام القرآن( ‪.‬‬
‫‪ - 12‬الذهبي ‪ ،‬أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد ‪.‬‬

‫‪756‬‬
‫)الكبائر ( ‪.‬‬
‫تصحيح وتعليق ‪ :‬محمد عبد الرزاق حمزة ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ‪ 1356‬هـ ‪.‬‬
‫‪ - 13‬السايس ‪ ،‬محمد علي ‪.‬‬
‫)تفسير آيات الحكام( ‪.‬‬
‫القاهرة ‪ :‬مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح )‪ 4‬أجزاء( ‪.‬‬
‫‪ - 14‬الشوكاني ‪ ،‬محمد بن علي ‪.‬‬
‫)فتــح القــدير الجــامع بيــن فنــي الروايــة والدرايــة فــي‬
‫التفسير( ‪.‬‬
‫بيروت ‪ :‬محفوظ العلي )‪ 6‬أجزاء(‬
‫‪ - 15‬طباع ‪ ،‬عفيف عبد الفتاح ‪.‬‬
‫)روح الدين السلمي( ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الثانية عشرة ‪.‬‬
‫بيروت ‪ :‬دار العلم للمليين ‪.‬‬
‫‪ - 16‬القرضاوي ‪ ،‬يوسف ‪.‬‬
‫)الحلل والحرام في السلم( ‪.‬‬
‫‪ - 17‬مسلم ‪ ،‬ابن الحجاج القشيري النيسابوري ‪.‬‬
‫)الجــامع المسـند المختصــر مــن السـن بنقــل العـدل عـن‬
‫العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم( ‪.‬‬
‫تحقيق ‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي ‪.‬‬
‫بيروت ‪ :‬تصوير دار الكتاب العربي )‪ 5‬أجزاء( ‪.‬‬
‫‪ - 18‬المودودي ‪ ،‬أبو العلى ‪).‬الربــا( ‪ .‬الطبعــة ‪ :‬بيــروت ‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪.‬‬
‫=================‬
‫‪#‬أقوال العلماء في حكم من تاب من الكسب‬
‫الحرام كالربا وأنواع المكاسب المحرمة الخرى‬
‫مجلة البحوث السلمية ‪) -‬ج ‪ / 16‬ص ‪(209‬‬
‫أقوال العلماء‬
‫في حكم من تاب من الكسب الحرام‬
‫كالربا وأنواع المكاسب‬
‫المحرمة الخرى‬
‫أعده الباحث بالمانة العامة لهيئة كبار العلماء‬
‫عبد الله بن حمد بن عبد الله بن العبودي‬

‫‪757‬‬
‫ماذا يفعل من تاب من الكسب الحرام كالربا‬
‫وأنوع المكاسب المحرمة الخرى‬
‫المقدمة‬
‫الحمد لله الذي أحل لعباده ما يتبادلون به المنافع بينهــم ‪،‬‬
‫وحرم عليهم ما يضر بهم من مكاسب شفقة بهم وحرصــا‬
‫على مصلحتهم ‪ ،‬وفتح لهم أبــواب التوبــة وغفــر لتــائبهم ‪،‬‬
‫وجعــل للكسـب الحلل طرقـا كـثيرة عـن الحـرام تغنيهــم‬
‫والصلة والسلم على عبده ورسوله محمد الذي حث أمته‬
‫على الكسب الحلل وحذرهم مــن الكســب الحــرام صــلى‬
‫الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسـان إلـى يـوم‬
‫الدين ‪.‬‬
‫أما بعد فقد قال رسول الله صلوات الله وسلمه عليه ‪» :‬‬
‫إن الحلل بين ‪ ,‬وإن الحرام بين ‪ ,‬وبينهما أمور مشــتبهات‬
‫ل يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ‬
‫لدينه وعرضه ‪ ,‬ومن وقع في الشــبهات وقــع فــي الحــرام‬
‫كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه « ‪.‬‬
‫وإن من أعظم ما يضر بالفرد والجماعات ويفسد أخلقهم‬
‫المكاسب المحرمة كالربــا ونحــوه ‪ ،‬فخطورتهــا عظيمــة ‪،‬‬
‫وضررها جســيم ‪ .‬ولــذا حــرم ســبحانه وتعــالى الربــا أشــد‬
‫تحريم وجعله من الكبائر ومــن الســبع الموبقــات ‪ .‬وجعــل‬
‫آكلــه والمعيــن عليــه أخــذا وإعطــاءا فــي الثــم والعقوبــة‬
‫سواء ‪ ،‬وكذا حرم ســبحانه وتعــالى مــا هــو شــبيه بــه مــن‬
‫المكاسب كحلوان الكاهن وأجرة الزانية والمغني والنائحة‬
‫ونحو ذلك ‪ ،‬ومن المعلوم أن استباحة المـوال بمثـل هــذه‬
‫المكاسب المحرمة من أعظم الذنوب والخطايا ‪ .‬وقد أمر‬
‫الله سبحانه وتعالى عباده بالتوبة من الــذنوب والمعاصــي‬
‫والقلع عنها والرجوع إليه سبحانه في أسرع وقت ممكن‬
‫ة عَل َــى الل ّـ ِ‬
‫ه‬ ‫مــا الت ّوْب َـ ُ‬ ‫قبل فوات الوان فقال تعــالى ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ُ‬
‫ب َفــأول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫ري ٍ‬ ‫ن قَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ي َُتوُبو َ‬ ‫جَهال َةٍ ث ُ ّ‬ ‫سوَء ب ِ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ت‬ ‫ســ ِ‬ ‫ما { )‪ } (1‬وَل َي ْ َ‬ ‫كي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ه عَِلي ً‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫م وَ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ي َُتو ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫حــد َهُ ُ‬ ‫ضــَر أ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتــى إ ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ســي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مُلــو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬‫ذي َ‬ ‫ة ل ِّلــ ِ‬‫الت ّوَْبــ ُ‬
‫م ك ُّفــاٌر‬ ‫ن وَهُ ـ ْ‬ ‫موت ُــو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن وََل ال ّـ ِ‬ ‫ت اْل َ‬ ‫ل إ ِن ّــي ت ُب ْـ ُ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫مو ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُأول َئ ِ َ َ‬
‫ما { )‪. (2‬‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫م عَ َ‬ ‫ك أعْت َد َْنا ل َهُ ْ‬

‫‪758‬‬
‫وبما أن الربا من أعظم الذنوب وأكبرها بعد الشرك بــالله‬
‫ومن السبع الموبقات فتجب المبادرة بالتوبة إلى الله منــه‬
‫على من كان يتعاطــاه ويتعامــل بــه ‪ ،‬كمــا تجــب المبــادرة‬
‫بالتوبة إلى الله على كل من كان يتعاطى أمثاله من‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة النساء الية ‪17‬‬
‫)‪ (2‬سورة النساء الية ‪18‬‬
‫المكاســب الــتي حرمهــا اللــه ورســوله كــأجرة الغنــاء‬
‫والموســيقى وبيــع المحرمــات ‪ .‬فــإذا مــن اللــه ســبحانه‬
‫وتعالى على مــن كــان يتعــاطى أمثــال مــا ذكــر مــن هــذه‬
‫المكاسب المحرمة ووفقه للتوبة وأراد أن يتخلص مما في‬
‫يده من الموال المحرمة التي تحصل عليها فمــاذا يفعــل؟‬
‫هذا ما أريد الكتابة عنه بعون الله تعالى وتوفيقه ‪.‬‬
‫وستكون الكتابة على النحو التالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬فيما يتعلق بالربا ‪.‬‬
‫ب‪ -‬أنواع المكاسب المحرمة الخرى ويدخل فيها الربا ‪.‬‬
‫جـ‪ -‬حكم المال المغلول ‪.‬‬
‫د‪ -‬مقتطفات من فتاوى اللجنــة الدائمــة للبحــوث العلميــة‬
‫والفتاء في كيفية التخلص من الموال المحرمة ‪.‬‬
‫أرجو من الله العلي القدير أن يوفقنــا إلــى مــا فيــه الخيــر‬
‫والصلح ‪ ،‬وأن يكفينــا بحللــه عــن حرامــه ويرزقنــا التوبــة‬
‫النصوح إنــه جــواد كريــم ‪ .‬وصــلى اللــه وســلم علــى نبينــا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه ‪.‬‬
‫أ‪ -‬الربا‬
‫أما بالنسبة للربا فقد تكلم المفسرون رحمهم اللـه تعـالى‬
‫َ‬
‫مُنوا ات ُّقــوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫على ذلك عند قول الله تعالى ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‬‫ن { )‪ } (1‬فَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه وَذ َُروا َ‬
‫ْ‬
‫م فَل َك ُـ ْ‬
‫م‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬
‫ســول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫لَ ْ‬
‫َ‬
‫ن { )‪. (2‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬
‫سأ ْ‬‫ُرُءو ُ‬
‫وسأختار ما تيسر من أقوالهم ؛ قال ابن جرير رحمــه اللــه‬
‫تعالى في تفسيره‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪278‬‬

‫‪759‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫َ‬
‫م { )‪(1‬‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫م َ‬‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫لقوله تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫يعني جل ثناؤه بذلك إن تبتم فتركتم أكل الربا وأنبتم إلــى‬
‫الله عز وجل فلكم رؤوس أموالكم من الديون الــتي لكــم‬
‫على الناس دون الزيــادة الــتي أحــدثتموها علــى ذلــك ربــا‬
‫منكم كما حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عــن‬
‫َ‬
‫م { )‪ (2‬المال الذي‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬‫قتادة } وَإ ِ ْ‬
‫لهم على ظهور الرجــال جعــل لهــم رؤوس أمــوالهم حيــن‬
‫نزلت هذه الية ‪ ،‬فأما الربح والفضل فليس لهم ول ينبغي‬
‫لهم أن يأخذوا منه شيئا ‪ ،‬حدثني المثنى قال حــدثنا عمــرو‬
‫بن عون قال حدثنا هشيم عــن جويــبر عــن الضــحاك قــال‬
‫وضع الله الربا وجعل لهم رؤوس أموالهم ‪ .‬حدثني يعقوب‬
‫قال حدثنا ابن علية عن سعيد بـن أبـي عروبـة عـن قتـادة‬
‫َ‬
‫م { )‪(3‬‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫مـ َ‬‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬ ‫في قوله تعالى } وَإ ِ ْ‬
‫قال ما كان لهــم مــن ديــن فجعــل لهــم أن يأخــذوا رؤوس‬
‫أموالهم ول يزاد عليه شيئا ‪ ،‬حدثني موسى بن هرون قال‬
‫م‬
‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬
‫حدثنا عمرو قــال حــدثنا أســباط عــن الســدي } وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م { )‪ (4‬الذي أسلفتم وســقط الربــا ‪،‬‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫م َ‬‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫فَل َك ُ ْ‬
‫حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة ذكــر‬
‫لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يــوم‬
‫الفتح‪ » :‬أل إن ربا الجاهلية موضوع كله وأول ربا أبتدئ به‬
‫ربا العبــاس بــن عبــد المطلــب « )‪ (5‬حــدثنا المثنــى قــال‬
‫حدثنا إسحاق قال حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قــال فــي خطبتــه‪» :‬‬
‫إن كل ربا موضوع ‪ ،‬وأول ربا يوضع ربا العباس « )‪. (6‬‬
‫ن{)‬ ‫مـو َ‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫القول في تأول قوله تعالى } َل ت َظ ْل ِ ُ‬
‫‪. (7‬‬
‫يعني بقوله ل تظلمون بأخذكم رؤوس أموالكم التي كانت‬
‫لكم قبل الرباء علـى غرمـائكم منهـم دون أربـاحهم الـتي‬
‫زدتموهــا ربــا علــى مــن أخــذتم ذلــك منــه مــن غرمــائكم‬
‫فتأخذوا منهم ما ليس لكم أخذه أو لم يكن لكم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪279‬‬

‫‪760‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم الحج )‪,(1218‬سنن أبو داود المناسك )‬
‫‪,(1905‬سنن ابن ماجه المناسك )‪,(3074‬ســنن الــدارمي‬
‫المناسك )‪.(1850‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم الحج )‪,(1218‬سنن أبو داود المناسك )‬
‫‪,(1905‬سنن ابن ماجه المناسك )‪,(3074‬ســنن الــدارمي‬
‫المناسك )‪.(1850‬‬
‫)‪ (7‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫قبل )ول تظلمون( يقــول ول الغريــم الــذي يعطيكــم ذلــك‬
‫دون الربا الذي كنتم ألزمتموه من أجل الزيادة في الجــل‬
‫يبخســكم حقــا لكــم عليــه فيمنعكمــوه ؛ لن مــا زاد علــى‬
‫رؤوس أموالكم لم يكن حقا لكم عليه فيكون بمنعه إيــاكم‬
‫ذلك ظالما لكم ‪ .‬وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس‬
‫يقول وغيره من أهل التأويل ‪ .‬ذكر من قال ذلــك‪ :‬حــدثني‬
‫المثني قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاويــة عــن علــي‬
‫م َل‬ ‫َ‬ ‫م فَل َ ُ‬
‫وال ِك ُ ْ‬
‫مــ َ‬
‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫كــ ْ‬ ‫ن ت ُب ُْتــ ْ‬‫عــن ابــن عبــاس } وَإ ِ ْ‬
‫ن { )‪ (1‬فتربون ول تظلمــون فتنقصــون ‪ ،‬وحــدثني‬ ‫مو َ‬ ‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫يوسف قال أخبرنا ابن وهب قال ‪ :‬قال ابن زيد فــي قــوله‬
‫َ‬
‫ن { )‪(2‬‬ ‫مــو َ‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مــو َ‬ ‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫مـ َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫} فَل َك ُـ ْ‬
‫م ُرُءو ُ‬
‫قال ل تنقصون من أموالكم ول تأخذون باطل ل يحل لكــم‬
‫)‪. (3‬‬
‫وقــال القرطــبي ‪ :‬رحمـه اللـه تعــالى )الرابعـة والثلثـون(‬
‫َ‬
‫م { )‪ (4‬روى‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫مــ َ‬
‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫قوله تعالى } وَإ ِ ْ‬
‫أبو داود عن ســليمان بــن عمــرو عــن أبيــه قــال‪ :‬ســمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجــة الــوداع‪:‬‬
‫» أل إن كــل ربــا مــن ربــا الجاهليــة موضــوع لكــم رؤوس‬
‫أموالكم ل تظلمون ول تظلمون « )‪. (5‬‬
‫وذكر الحديث فردهم تعالى مع التوبة إلى رؤوس أموالهم‬
‫وقال لهم ل تظلمون فــي أخــذ الربــا ول تظلمــون فــي أن‬
‫يتمســك بشــيء مــن رؤوس أمــوالكم فتــذهب أمــوالكم‬
‫ويحتمل أن يكون ل تظلمون في مطل ؛ لن مطل الغنــي‬

‫‪761‬‬
‫ظلم ‪ .‬فالمعنى أن يكون القضاء مــع وضــع الربــا ‪ ،‬وهكــذا‬
‫ســنة الصــلح ‪ ،‬وهــذا أشــبه شــيء بالصــلح ‪ .‬أل تــرى » أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار إلى كعب بــن مالــك‬
‫في دين أبي حدرد بوضع الشطر فقال‪ :‬كعب‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (3‬تفسير الطــبري المســمى )جــامع البيــان فــي تفســير‬
‫القرآن(‪ - ،‬المجلد الثالث‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي تفسير القرآن )‪,(3087‬سنن ابن ماجه‬
‫المناسك )‪.(3055‬‬
‫نعم فقال رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم للخــر قــم‬
‫فاقضـه « )‪ ، (1‬فتلقـى العلمـاء أمــره بالقضـاء ســنة فــي‬
‫المصالحات ‪ .‬إلى أن قال رحمه الله تعالى ‪:‬‬
‫س‬
‫م ُرُءو ُ‬‫م فَل َك ُـ ْ‬‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫)الخامسة والثلثون( قوله تعالى } وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م { )‪ (2‬تأكيد لبطال ما لم يقبض منــه وأخــذ رأس‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫أ ْ‬
‫المال الذي ل ربا فيه ‪ ،‬فاستدل بعض العلمــاء بــذلك علــى‬
‫أن كل ما طرأ على البيع قبل القبــض ممــا يــوجب تحريــم‬
‫العقد أبطل العقد ‪ ،‬كما إذا اشترى مسلم صيدا ثــم أحــرم‬
‫المشتري أو البائع قبل القبض بطل البيع ؛ لنه طــرأ عليــه‬
‫قبل القبض ما أوجب تحريم العقد ‪ ،‬كما أبطل الله تعــالى‬
‫من الربا ما لم يقبض ؛ لنه طرأ عليــه مــا أوجــب تحريمــه‬
‫قبل القبض ‪ ،‬ولو كان مقبوضا لم يؤثر ‪ ،‬هــذا مــذهب أبــي‬
‫حنيفة وهو قول لصحاب الشافعي ‪ .‬ويستدل بــه علــى أن‬
‫هلك المبيع قبل القبض في يد البائع وسقوط القبض فيــه‬
‫يــوجب بطلن العقــد خلفــا لبعــض الســلف ‪ ،‬ويــروى هــذا‬
‫الخلف عــن أحمــد ‪ .‬وهــذا إنمــا يتمشــى علــى قــول مــن‬
‫يقول ‪ :‬إن العقد في الربا كــان فــي الصــل منعقــدا وإنمــا‬
‫بطل بالسلم الطارئ قبل القبض ‪ .‬وأما من يمنــع انعقــاد‬
‫الربا في الصــل لــم يكــن هــذا الكلم صــحيحا ‪ ،‬وذلــك أن‬
‫الربا كان محرما في الديــان والــذي فعلــوه فــي الجاهليــة‬
‫كان عــادة المشــركين ‪ ،‬وأن مــا قبضــوه منــه كــان بمثابــة‬

‫‪762‬‬
‫أهوال وصلت إليهم بالهبــة فل يتعــرض لــه ‪ ،‬فعلــى هــذا ل‬
‫يصح الستشهاد على ما ذكروه مــن المســائل ‪ ،‬واشــتمال‬
‫شرائع النبياء قبلنا على تحريم الربــا مشــهور مـذكور فـي‬
‫كتاب الله تعالى كمــا حكــى عــن اليهــود فــي قــوله تعــالى‬
‫ه { )‪ (3‬وذكــر فــي قصــة‬ ‫م الّرب َــا وَقَ ـد ْ ن ُهُــوا عَن ْـ ُ‬‫خ ـذِهِ ُ‬‫} وَأ َ ْ‬
‫مــا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ن َعْب ُـد َ َ‬
‫شعيب أن قومه أنكروا عليه وقــالوا } أت َن َْهان َــا أ ْ‬
‫عوَنا إ ِل َي ْهِ { )‪(4‬‬‫ما ت َد ْ ُ‬
‫م ّ‬
‫ك ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ي َعْب ُد ُ آَباؤَُنا وَإ ِن َّنا ل َِفي َ‬
‫فعلى هذا ل يستقيم الســتدلل بــه ‪ ،‬نعــم يفهــم مــن هــذا‬
‫العقود الواقعــة فــي دار الحــرب إذا ظهــر عليهــا المــام ل‬
‫يعترض عليها بالفسخ إذا كانت معقودة على فساد ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري الصلة )‪,(445‬صحيح مسلم المساقاة‬
‫)‪,(1558‬سنن النســائي آداب القضــاة )‪,(5408‬ســنن أبــو‬
‫داود القضـــية )‪,(3595‬ســـنن ابـــن مـــاجه الحكـــام )‬
‫‪,(2429‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‪,(3/454‬ســنن الــدارمي‬
‫البيوع )‪.(2587‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (3‬سورة النساء الية ‪161‬‬
‫)‪ (4‬سورة هود الية ‪62‬‬
‫ثم بين رحمــه اللــه تعــالى حكــم المــال الحلل إذا خــالطه‬
‫حرام فقال‪:‬‬
‫السادسة والثلثون ‪ :‬ذهب بعــض الغلة مــن أربــاب الــورع‬
‫إلى أن المال الحلل إذا خالطه حرام حــتى لــم يتميــز ثــم‬
‫أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحل ولــم يطــب ؛‬
‫لنه يمكن أن يكون الذي أخرج هو الحلل والذي بقــي هــو‬
‫الحرام ‪ .‬قال ابن العربي ‪ :‬وهذا غلو في الدين فإن كل ما‬
‫لم يتميز فالمقصود منــه مــاليته ل عينــه ‪ ،‬ولــو تلــف لقــام‬
‫المثــل مقــامه والختلط إتلف لتمييــزه ‪ ،‬كمــا أن الهلك‬
‫إتلف لعينه ‪ ،‬والمثل قائم مقام الذاهب ‪ ،‬وهذا بيــن حســا‬
‫بين معنى والله أعلم ‪.‬‬
‫ثم بين رحمه الله تعالى رأيه فيمن يريد التخلص مما بيده‬
‫من الموال الربوية فقال‪:‬‬

‫‪763‬‬
‫قلت‪ :‬قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيــده مــن المــوال‬
‫الحرام إن كانت من ربــا فليردهــا علــى مــن أربــى عليــه ‪،‬‬
‫ويطلبــه إن لــم يكــن حاضــرا ‪ ،‬فــإن التبــس مــن وجــوده‬
‫فليتصدق بذلك عنه ‪ ،‬وإن أخذه بظلم فليفعــل كــذلك فــي‬
‫أمر من ظلمه ‪ ،‬فإن التبس عليه المر ولم يدركم الحــرام‬
‫من الحلل مما بيده فإنه يتحرى قــدر مــا بيــده ممــا يجــب‬
‫عليه رده ‪ .‬حتى ل يشك أن ما يبقى قــد خلــص لــه فيــرده‬
‫من ذلك الذي أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمــه أو‬
‫أربى عليه ‪ ،‬فإن أيس مــن وجــوده تصــدق بــه عنــه ‪ .‬فــإن‬
‫أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما ل‬
‫يطيق أداءه أبدا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيــده أجمــع إمــا‬
‫إلى المســاكين أو إلــى مــا فيــه صــلح المســلمين حــتى ل‬
‫يبقى في يده إل أقل ما يجزئه في الصلة من اللباس وهو‬
‫ما يستر العورة وهو من سرته إلى ركبته وقوت يوم ؛ لنه‬
‫الذي يجب له أن يأخذه من مال غيره إذا اضطر إليــه وإن‬
‫كره ذلك من يأخذه منه ‪ ،‬وفارق هاهنا المفلس فــي قــول‬
‫أكــثر العلمــاء؛ لن المفلــس لــم يصــر إليــه أمــوال النــاس‬
‫باعتداء بل هم الذين صيروها إليـه ‪ ،‬فيـترك لـه مــا يــواريه‬
‫ومــا هــو هيئة لباســه ‪ ،‬وأبــو عبيــد وغيــره يــرى أل يــترك‬
‫للمفلس من اللباس إل أقل ما يجزئه في الصلة وهــو مــا‬
‫يواريه من سرته إلى ركبته ‪ ،‬ثم كل ما وقع بيد هذا شــيء‬
‫أخرجه عن يده ‪ ،‬ولم يمسك منه إل مــا ذكرنــا حــتى يعلــم‬
‫هو ومن يعلم حاله أنه أدى ما عليه )‪. (1‬‬
‫وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لقــوله تعــالى‬
‫َ‬
‫ن { )‪ (2‬أي‬ ‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬
‫مــو َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫مـ َ‬
‫سأ ْ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬
‫م ُرُءو ُ‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬
‫} وَإ ِ ْ‬
‫بأخذ الزيادة ول تظلمون الموال أيضا بــل لكــم مــا بــذلتم‬
‫من غير زيادة عليه ول نقـص منـه ‪ .‬وقـال ابـن أبـي حـاتم‬
‫حدثنا محمد بن الحسن بـن أشـكاب حـدثنا عبيــد اللـه بـن‬
‫موسى عن شيبان عن شبيب عــن غرقــدة المبــارقي عــن‬
‫سليمان بن عمرو بــن الحــوص عــن أبيــه قــال‪ » :‬خطــب‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الــوداع فقــال‪:‬‬
‫)أل إن كل ربا كان في الجاهلية موضــوع عنكــم كلــه لكــم‬
‫رؤوس أمـــوالكم ل تظلمـــون ول تظلمـــون ‪ ،‬وأول ربـــا‬

‫‪764‬‬
‫موضوع ربا العباس بن عبد المطلب كله « )‪ (3‬كذا وجــده‬
‫ســليمان بــن الحــوص ‪ ،‬وقــد قــال ابــن مردويــه حــدثنا‬
‫الشافعي حدثنا معاذ بن المثنى ‪ ،‬أخبرنا مسدد ‪ ،‬أخبرنا أبو‬
‫الحوص حدثنا شبيب بن غرقــدة عــن ســليمان بــن عمــرو‬
‫عن أبيه قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى اللــه عليــه وســلم‬
‫يقول‪ » :‬أل إن كــل ربــا مــن ربــا الجاهليــة موضــوع فلكــم‬
‫رؤوس أموالكم ل تظلمون ول تظلمون « )‪ . (4‬وكذا رواه‬
‫من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي حمزة‬
‫المرقاشي عن عمرو هو ابن خارجة فذكره )‪. (5‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه اللــه تعــالى فــي كلمــه علــى آيــات‬
‫الربا‪:‬‬
‫َ‬
‫م { )‪ (6‬يعنــي إن‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سأ ْ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬
‫م ُرُءو ُ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫ثم قال‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫تركتم الربا وتبتم إلى الله منه ‪ ،‬وقد عاقدتم عليــه ‪ ،‬فإنمــا‬
‫لكم رؤوس أموالكم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير القرطبي المسمى )الجــامع لحكــام القــرآن(‪،‬‬
‫جزء )‪ ،(3‬من ص ‪ 365‬إلى صفحة ‪.376‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي تفسير القرآن )‪,(3087‬سنن ابن ماجه‬
‫المناسك )‪.(3055‬‬
‫)‪ (4‬سنن الترمذي تفسير القرآن )‪,(3087‬سنن ابن ماجه‬
‫المناسك )‪.(3055‬‬
‫)‪ (5‬تفسير القرآن العظيــم لبــن كــثير‪ ،‬جــزء )‪ ،(1‬صــفحة‬
‫‪.331‬‬
‫)‪ (6‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫ل تزيــدون عليهــا فتظلمــون الخــذ ‪ ،‬ول تنقصــون منهــا‬
‫فيظلمكــم مــن أخــذها ‪ ،‬فــإن كــان هــذا القــابض معســرا‬
‫فـــالواجب إنظـــاره إلـــى ميســـرة ‪ ،‬وإن تصـــدقتم عليـــه‬
‫وأبرأتموه فهو أفضل لكم وخير لكم ‪ ،‬فإن أبــت نفوســكم‬
‫وشحت بالعدل الواجب أو الفضل المندوب فذكروها يومــا‬
‫ترجعــون فيــه إلــى اللــه وتلقــون ربكــم فيــوفيكم جــزاء‬
‫أعمالكم أحوج ما أنتم إليه )‪. (1‬‬

‫‪765‬‬
‫وقال الشيخ محمد رشيد رضا من تفسير المنار على قوله‬
‫تعالى‬
‫ف { )‪(2‬‬ ‫سل َ َ‬‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َرب ّهِ َفان ْت ََهى فَل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫عظ َ ٌ‬‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫} فَ َ‬
‫أي فمن بلغه تحريم الله تعالى للربا ونهيه عنه فترك الربا‬
‫فورا بل تراخ ول تردد انتهاءا عما نهى الله عنه فله ما كان‬
‫أخذه فيما ســلف مــن الربــا ل يكلــف رده إلــى مــن أخــذه‬
‫منهم بل يكتفى منه بأن ل يضاعف عليهم بعــد البلغ شــيئا‬
‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ { )‪ (3‬يحكم فيه بعدله ‪ ،‬ومن العــدل أل‬ ‫َ‬
‫} وَأ ْ‬
‫يؤاخذ بما أكل من الربا قبل التحريم وبلوغه الموعظة من‬
‫ربه ‪ .‬ولكن العبارة تشعر بأن إباحة أكل ما ســلف رخصــته‬
‫للضرورة وتومئ إلى أن رد ما أخــذ مــن قبــل النهــي إلــى‬
‫أربابه الذين أخذ منهم من أفضل العزائم ؛ ألم تر أنه عــبر‬
‫عن إباحة ما سلف باللم ولم يقل كما قال بعد ذكر كفارة‬
‫ف { )‪ (4‬وأنـه‬ ‫سـل َ َ‬‫مــا َ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫صيد المحرم ‪ } -95 :5‬عََفا الّلـ ُ‬
‫عقب هذه الباحة بإبهام الجزاء وجعله إلى اللــه والمعهــود‬
‫في أسلوبه أن يصل مثل ذلــك بــذكر المغفــرة والرحمــة ‪،‬‬
‫كما قال في آخر آية محرمات النساء ‪-23 : 4‬‬
‫ن اْل ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه ك َــا َ‬
‫ن‬ ‫ن الل ّـ َ‬‫ف إِ ّ‬‫س ـل َ َ‬‫مــا قَـد ْ َ‬ ‫ن إ ِّل َ‬‫خت َي ْ ِ‬ ‫مُعوا ب َي ْ َ‬‫ج َ‬ ‫ن تَ ْ‬‫} وَأ ْ‬
‫ما { )‪ (5‬أباح أكل ما سلف قبل التحريم وأبهــم‬ ‫حي ً‬‫غَُفوًرا َر ِ‬
‫جزاء آكله ‪ .‬لعله يغص بأكل ما فــي يــده منــه فيــرده إلــى‬
‫صاحبه ‪ ،‬ولكنه صرح بأشد الوعيد على من أكل شــيئا بعــد‬
‫م‬ ‫عاد فَ ـُأول َئ ِ َ َ‬
‫ب الن ّــارِ هُ ـ ْ‬ ‫حا ُ‬‫صـ َ‬‫كأ ْ‬ ‫ن َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫النهي فقال تعالى } وَ َ‬
‫ن { )‪ (6‬أي ومن عاد إلـى مـن كـان يأكـل مـن‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫ِفيَها َ‬
‫الربا المحرم بعد تحريمه فأولئك‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬التفسير القيم لبن القيم‪ ,‬ص ‪ 172‬و ‪. 173‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (4‬سورة المائدة الية ‪95‬‬
‫)‪ (5‬سورة النساء الية ‪23‬‬
‫)‪ (6‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫البعداء عن التعاظ بموعظة ربهم الذي ل ينهــاهم إل عمــا‬
‫يضر بهم في أفرادهم أو جميعهم )‪. (1‬‬

‫‪766‬‬
‫وحول تفسير ما سبق من اليات في الربا قال محمــد بــن‬
‫أحمد بن رشد )فصل( فإن فات الــبيع فليــس لــه إل رأس‬
‫ماله قبض الربا أو لم يقبضــه ‪ .‬فــإن كــان قبضــه رده إلــى‬
‫صــاحبه ‪ ،‬وكــذلك مــن أربــى ثــم تــاب فليــس لــه إل رأس‬
‫ماله ‪ ،‬وما قبض من الربــا وجــب عليــه أن يــرده إلــى مــن‬
‫قبضه منه ‪ ،‬فإن لم يعلمه تصدق بــه عنــه لقــول اللــه عــز‬
‫َ‬
‫م { )‪ (2‬اليـة ‪ .‬وأمـا‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬‫وجل } وَإ ِ ْ‬
‫من أسلم وله ربا فإن كان قبضه فهو له ‪ ،‬لقــول اللــه عــز‬
‫مــا‬
‫ه َ‬ ‫ن َرب ّـهِ فَــان ْت ََهى فَل َـ ُ‬‫مـ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫عظ َـ ٌ‬‫مو ْ ِ‬ ‫جــاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫وجــل‪ } :‬فَ َ‬
‫ف { )‪ (3‬ولقول رسول الله صلى الله عليـه وسـلم‪» :‬‬ ‫سل َ َ‬
‫َ‬
‫من أسلم على شيء فهو له « ‪.‬‬
‫وأما إن كان الربا لــم يقبضــه فل يحــل لــه أن يأخــذه وهــو‬
‫موضوع عن الذي هو عليه ول خلف في هذا أعلمه؛ لقول‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ما ب َِق َ‬‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫الله عز وجل } َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن { )‪(4‬‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬
‫م َ‬ ‫ِ‬
‫نزلت هذه الية في قوم أسـلموا ولهـم علـى قــوم أمـوال‬
‫من ربا كانوا أربوه عليهم ‪ ،‬وكانوا قد اقتضوا بعضــه منهــم‬
‫وبقي بعضه فعفا الله لهم عما كانوا اقتضوه وحرم عليهــم‬
‫اقتضاء ما بقي منــه ‪ .‬وقيــل نزلــت فــي العبــاس بــن عبــد‬
‫المطلب ورجل من بني المغيــرة كانــا يســلفان فــي الربــا‬
‫فجاء السلم ولهما أموال عظيمــة فــي الربــا فــأنزل اللــه‬
‫الية بتحريم اقتضاء ما كان بقي لهما ‪ ،‬وقال رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وسـلم فــي خطبتـه يـوم عرفــة فــي حجـة‬
‫الوداع‪ » :‬أل إن كل ربا كان فـي الجاهليـة فهــو موضــوع ‪،‬‬
‫وأول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب « )‪. (5‬‬
‫خلصة ما سبق من كلم المفسرين ما يلي‪ :‬أن المرابي ل‬
‫يخلو من إحدى حالتين‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير المنار‪ ،‬جزء )‪ ،(3‬ص ‪.98 -97‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪278‬‬

‫‪767‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي تفسير القرآن )‪,(3087‬سنن ابن ماجه‬
‫المناسك )‪.(3055‬‬
‫الحالة الولى‪:‬‬
‫أن يكون الربا له في ذمم النــاس لــم يقبضــه بعــد ‪ ،‬ففــي‬
‫هذه الحالة قد أرشده اللــه تعــالى إلــى أن يســترجع رأس‬
‫ماله ويترك ما زاد عليه من الربا فل يستوفيه ممن هو في‬
‫م َل‬ ‫َ‬ ‫م فَل َ ُ‬
‫وال ِك ُ ْ‬
‫مــ َ‬
‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫كــ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫ذمته قال الله تعالى } وَإ ِ ْ‬
‫ن { )‪(1‬‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫مو َ‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى في معرض‬
‫كلمه على أن التراضي بين الطرفين على فعــل محــرم ل‬
‫يبيحه‪ :‬قال‪ :‬وهذا مثل الربــا فــإنه وإن رضــي بــه المرابــي‬
‫وهو بالغ رشيد لم يبح ذلك لما فيه من ظلمــه ‪ .‬ولهــذا لــه‬
‫أن يطالبه بما قبــض منــه مــن الزيــادة ول يعطيــه إل رأس‬
‫ماله وإن كــان قــد بــذله باختيــاره )‪ (2‬وقــال أيضــا ‪ :‬وهــذا‬
‫المرابــي ل يســتحق فــي ذمــم النــاس إل مــا أعطــاهم أو‬
‫نظيره ‪ ،‬فأما الزيــادات فل يســتحق شــيئا منهــا ‪ ،‬لكــن مــا‬
‫قبضه قبل ذلك بتأويل يعفى عنـه ‪ ،‬وأمـا مـا بقـي لـه فـي‬
‫ن‬
‫مـ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫مــا ب َِق ـ َ‬‫الذمم فهو ساقط ؛ لقــوله تعــالى ‪ } :‬وَذ َُروا َ‬
‫الّرَبا { )‪ (3‬والله أعلم )‪. (4‬‬
‫الحالة الثانية‪:‬‬
‫أن يكون التائب من الربا قد قبضه وتجمعت عنــده أمــوال‬
‫منه ‪ ،‬وفي هذا قاعدة ذكرها شيخ السلم ابن تيمية رحمه‬
‫الله تعالى حيث قال‪ :‬قاعدة في المقبــوض بعقــد فاســد ؛‬
‫وذلك أنه ل يخلو إما أن يكون العاقد يعتقد الفساد ويعلمه‬
‫أو ل يعتقد الفساد ‪ .‬فالول‪ :‬يكون بمنزلــة الغاصــب حيــث‬
‫قبض ما يعلم أنه ل يملكه لكنه لشبهة العقد وكون القبض‬
‫عن التراضي هل يملكه بالقبض أو ل يملكه ‪ ،‬أو يفرق بين‬
‫أن يتصرف فيه أو ل يتصرف؟ هذا فيه خلف مشهور فــي‬
‫الملك هل يحصل بالقبض في العقد الفاسد؟‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (2‬مجمــوع فتــاوى شــيخ الســلم ابــن تيميــة‪ ،‬الجــزء‬
‫)الخامس عشر(‪ ،‬ص ‪.126‬‬

‫‪768‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (4‬مجموع فتاوى شــيخ الســلم ابــن تيميــة‪ ،‬جــزء )‪،(29‬‬
‫صفحة ‪.437‬‬
‫وأما إن كان العاقد يعتقــد صــحة العقــد‪ :‬مثــل أهــل الذمــة‬
‫فيما يتعــاملون بــه بينهــم مــن العقــود المحرمــة فــي ديــن‬
‫السلم مثــل بيــع الخمــر ‪ ،‬والربــا ‪ ،‬والخنزيــر ‪ ،‬فــإن هــذه‬
‫العقود إذا اتصل بها القبــض قبــل الســلم والتحــاكم إلينــا‬
‫أمضيت لهم ‪ ،‬ويملكون ما قبضوه بل نــزاع ؛ لقــوله تعــالى‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن الّرب َــا إ ِ ْ‬
‫مـ َ‬‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن { )‪(1‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫فأمر بترك ما بقــي وإن أســلموا أو تحــاكموا قبــل القبــض‬
‫فسد العقد ووجب رد المال إن كان باقيا أو بــدله إن كــان‬
‫َ‬
‫مُنــوا ات ُّقــوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فائتا ‪ ،‬والصل فيه قوله تعالى } َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن { )‪ (2‬إلــى‬ ‫مِني َ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬ ‫ن الّرب َــا إ ِ ْ‬‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫َ‬
‫م { )‪. (4) (3‬‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫قوله } وَإ ِ ْ‬
‫وحاصل هذه القاعدة أن شيخ الســلم رحمــه اللــه تعــالى‬
‫يفرق بين من قبض مال بعقد فاسد يعتقد صــحته كالكــافر‬
‫الــذي كـان يتعامــل بالربــا قبــل إســلمه أو تحــاكمه إلينــا ‪،‬‬
‫وكالمسلم إذا عقد عقدا مختلفا فيه بين العلماء وهو يــرى‬
‫صحته فهذا النوع من المتعاقدين يملك ما قبضه ‪ ،‬أما مــن‬
‫تعامل بعقد مختلف في تحريمه وهو ل يرى صحته أو بعقد‬
‫مجمع على تحريمه مما قبضه بموجب ذلك العقد فهو فيه‬
‫كالغاصب حيث قبض ما يعلم أنه ل يملكه ‪.‬‬
‫ومما أجاب به شيخ السلم رحمه الله تعالى‪ :‬قول القــائل‬
‫لغيره أدينك كل مائة بكسب كذا وكذا حرام ‪ ،‬وكذا إذا حل‬
‫الدين عليـه وكـان معسـرا فـإنه يجـب إنظـاره ‪ ،‬ول يجـوز‬
‫إلزامه بالقلب عليه باتفاق المسلمين ‪ ،‬وبكــل حــال فهــذه‬
‫المعاملــة وأمثالهــا مــن المعــاملت الــتي يقصــد بهــا بيــع‬
‫الدراهم بأكثر منها إلى أجل هــي معاملــة فاســدة ربويــة ‪،‬‬
‫والواجب رد المال المقبوض فيها إن كان باقيا ‪ ،‬وإن كــان‬
‫فانيا رد مثله ول يستحق الدافع أكثر‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪278‬‬

‫‪769‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (4‬تفصــيل الكلم علــى هــذه القاعــدة مســتوفى فــي‬
‫مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيميــة‪ ،‬فــي الجــزء )‪،(29‬‬
‫صفحة ‪ 411‬و ‪ 412‬فارجع إليه‪.‬‬
‫من ذلك ‪ ،‬وعلــى ولــي المــر المنــع مــن هــذه المعــاملت‬
‫الربوية وعقوبة مــن يفعلهــا ورد النــاس فيهــا إلــى رؤوس‬
‫أموالهم دون الزيادات ‪ ،‬فإن هذا من الربا الذي حرمه الله‬
‫ن‬‫مـ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫َ‬ ‫مــا ب َِق ـ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫ورسوله وقد قال تعالى } ات ُّقــوا الل ّـ َ‬
‫م ت َْفعَل ُــوا فَ ـأ ْذ َُنوا‬ ‫ن ل َـ ْ‬ ‫ن { )‪ } (1‬فَ ـإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬ ‫الّرب َــا إ ِ ْ‬
‫م َل‬ ‫َ‬
‫وال ِك ُ ْ‬‫مــ َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫سول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫ظــَرةٌ‬ ‫سَرةٍ فَن َ ِ‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن { )‪ } (2‬وَإ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫َ‬
‫ن { )‪(3‬‬ ‫مــو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫صد ُّقوا َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫سَرةٍ وَأ ْ‬ ‫مي ْ َ‬‫إ َِلى َ‬
‫)‪. (4‬‬
‫أقول‬
‫ومن كلمــه رحمــه اللـه تعــالى يتضــح لنــا حرمــة المداينــة‬
‫المعمول بها حاليا على نحو ما ذكره وأعظــم منهــا حرمــة‬
‫قلب الدين على المدين ؛ لنه بيع دراهم بأكثر منها نســأل‬
‫الله العافية ‪.‬‬
‫وحينما سئل شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى عــن‬
‫رجل مراب خلف مال وولدا وهو يعلــم بحــاله فهــل يكــون‬
‫المال حلل للولد بالميراث أم ل؟ قال‪:‬‬
‫أما القدر الذي يعلم الولد أنه ربــا فيخرجــه ‪ .‬إمــا أن يــرده‬
‫إلى أصــحابه إن أمكــن ‪ ،‬وإل تصــدق بــه والبــاقي ل يحــرم‬
‫عليه ‪ ،‬لكن القدر المشتبه يستحب لــه تركــه إذا لــم يجــب‬
‫صرفه في قضاء دين أو نفقة عيال ‪ ،‬وإن كان الب قبضــه‬
‫بالمعاملت الربوية التي يرخــص فيهــا بعــض الفقهــاء جــاز‬
‫للوارث النتفاع به ‪ ،‬وإن اختلط الحلل بالحرام وجهل قدر‬
‫كــل منهمــا جعــل ذلــك نصــفين ‪ .‬وحينمــا ســئل أيضــا عــن‬
‫الرجل يختلط ماله الحلل بالحرام أجاب بقوله‪:‬‬
‫يخــرج قــدر الحــرام بــالميزان فيــدفعه إلــى صــاحبه وقــدر‬
‫الحلل له ‪ .‬وإن لم يعرفه وتعذرت معرفته تصدق بــه عنــه‬
‫)‪. (5‬‬

‫‪770‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪280‬‬
‫)‪ (4‬مجموع الفتاوى‪ ،‬جزء )‪ ،(29‬ص ‪ 437‬و ‪.438‬‬
‫)‪ (5‬مجموع الفتاوى‪ ،‬جزء )‪ ،(29‬ص ‪.307‬‬
‫وحول التصدق بالرباح المكتسبة عن طريق البنــوك الــتي‬
‫تتعامل بالربا ‪ ،‬ورد هذا السؤال لسماحة الشيخ محمد بــن‬
‫إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ مفتي المملكة ورئيــس‬
‫القضاة في وقته رحمه الله تعالى‪:‬‬
‫إذا سلمت بضاعة تبع شركة السمنت واشــتغلت الشــركة‬
‫فــي أموالهــا فــوردت مكــائن وأخــذت مقــاولت عمــارات‬
‫وكسبت أرباحــا مــن البنــك ‪ ،‬وقــدموا لــك بيــان حســابك ‪،‬‬
‫ووجدت فيه قسما يختص بأرباح البنــك وهــي أربــاح ربويــة‬
‫فهل تقبضــها وتجعلهــا مــع مالــك أو تردهــا علــى البنــك أو‬
‫تتصدق بها؟‬
‫فأجاب رحمه الله تعالى بقوله‪:‬‬
‫هذه الزيادة التي أخــذت مقابــل أربــاح البنــك تتصــدق بهــا‬
‫والله أعلم والسلم عليكم )‪. (1‬‬
‫وفيما يلي سأذكر بمشيئة اللــه وعــونه وتــوفيقه بعــض مــا‬
‫تيســر مــن كلم العلمــاء رحمهــم اللــه تعــالى فــي كيفيــة‬
‫التخلص من أنواع المكاســب المحرمــة الخــرى ‪ ،‬ويــدخل‬
‫فيه أيضا الربا ‪ ،‬وإنما أفردت الكلم عنه فيما ســبق ؛ لنــه‬
‫من أعظم المكاسب المحرمة إثما وأنكاها عقوبة ‪ .‬نســأل‬
‫الله العافية ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بــن إبراهيــم بــن‬
‫عبد اللطيف آل الشيخ‪ ،‬جـ ‪ ،7‬صفحة ‪.178‬‬
‫ب‪ -‬أنواع المكاسب المحرمة‬
‫من ربا وغيره‬
‫عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما‬
‫قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليــه وســلم يقــول‪» :‬‬
‫إن الحلل بين وإن الحرام بين وبينهمــا أمــور مشــتبهات ل‬

‫‪771‬‬
‫يعلمهن كثير من الناس ‪ ،‬فمن اتقى الشبهات فقد اســتبرأ‬
‫لدينه وعرضه ‪ ،‬ومن وقع في الشبهات وقع فــي الحــرام ‪،‬‬
‫كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتــع فيــه ‪ ،‬أل وإن‬
‫لكل ملك حمى أل وإن حمــى اللــه محــارمه ‪ ،‬أل وإن فــي‬
‫الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلــه ‪ ،‬وإذا فســدت‬
‫فسد الجســد كلــه أل وهــي القلــب « )‪ . (1‬رواه البخــاري‬
‫ومسلم ‪.‬‬
‫يقول ابن رجب في شرح هذا الحديث‪:‬‬
‫ويتفرع على هذا معاملة من في ماله حلل وحرام مختلط‬
‫‪ ،‬فإن كان أكثر ماله الحرام فقال أحمد ‪ :‬ينبغي أن يتجنبــه‬
‫إل أن يكون شيئا يسيرا شيئا ل يعــرف ‪ .‬واختلــف أصــحابنا‬
‫هل هو مكروه أو محرم على وجهين ‪ ،‬وإن كان أكثر مــاله‬
‫الحلل جازت معاملته والكل من ماله ‪ ،‬وقد روى الحارث‬
‫عــن علــي رضــي اللــه تعــالى عنــه أنــه قــال فــي جــوائز‬
‫السلطان‪ :‬ل بأس بهــا مــا يعطيكــم مــن الحلل أكــثر ممــا‬
‫يعطيكم من الحرام ‪ ،‬وكان النبي صــلى اللــه عليــه وســلم‬
‫وأصحابه يعاملون المشركين وأهل الكتاب مع علمهم أنهم‬
‫ل يجتنبــون الحــرام كلــه ‪ ،‬وإن اشــتبه المــر فهــو شــبهة‬
‫والورع تركــه ‪ ،‬قــال ســفيان يعجبنــي ذلــك وتركــه أعجــب‬
‫إلي ‪ ،‬وقال الزهري ومكحول ‪ :‬ل بأس أن يؤكل منه ما لم‬
‫يعرف أنه حرام بعينه فإن لم يعرف في ماله حــرام بعينــه‬
‫ولكن علم أن فيه شــبهة فل بــأس بالكــل منــه نــص عليــه‬
‫أحمد في رواية حنبل ‪ .‬وذهب إسحاق بن راهــويه إلــى مــا‬
‫روي عن ابن مسعود وسليمان وغيرهما من الرخصة وإلى‬
‫ما روي عـن الحسـن وابـن سـيرين فـي إباحـة الخـذ بمـا‬
‫يقضى من الربا والقمــار ‪ .‬ونقلــه عنــه ابــن منصــور وقــال‬
‫المام أحمد في المال المشــتبه حللــه بحرامــه ‪ :‬إن كــان‬
‫المال كثيرا أخرج منه قدر الحرام وتصــرف فــي البــاقي ‪،‬‬
‫وإن كان المال قليل اجتنبه كله؛ وهذا لن القليل إذا تناول‬
‫منــه شــيئا فــإنه يتعــذر معــه الســلمة مــن الحــرام بخلف‬
‫الكثير ‪.‬‬
‫__________‬

‫‪772‬‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري اليمان )‪,(52‬صحيح مسلم المســاقاة‬
‫)‪,(1599‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1205‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4453‬سنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3329‬ســنن ابــن‬
‫ماجه الفتن )‪,(3984‬مسند أحمد بن حنبل )‪,(4/270‬سنن‬
‫الدارمي البيوع )‪.(2531‬‬
‫ومن أصحابنا من حمل ذلك على الورع دون التحريم وأباح‬
‫التصرف في القليل والكثير بعد إخراج قدر الحــرام منــه ‪،‬‬
‫وهو قول الحنفية وغيرهم ‪ ،‬وأخذ به قوم مــن أهــل الــورع‬
‫منهم بشر الحافي ‪ .‬ورخص قوم مــن الســلف فــي الكــل‬
‫ممن يعلم في ماله حرام ما لم يعلم أنه من الحرام بعينــه‬
‫فصح كما تقدم عــن مكحــول والزهــري ‪ ،‬وروي مثلــه عــن‬
‫الفضل بن عياض وروي في ذلك آثار عن السلف )‪. (1‬‬
‫وعن أبي هريرة رضــي اللــه عنــه قــال‪ :‬قــال رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ » :‬إن الله تعــالى طيــب ل يقبــل إل‬
‫طيبا وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمــر بــه المرســلين‬
‫فقال تعــالى وقــال تعــالى تــم ذكــر الرجــل يطيــل الســفر‬
‫أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ‪ ،‬ومطعمــه‬
‫حرام ‪ ،‬ومشربه حرام ‪ ،‬وملبســه حــرام ‪ ،‬وغــذي بــالحرام‬
‫فأنى يستجاب لذلك « )‪ (4‬رواه مســلم ‪ - .‬ممــا جــاء فــي‬
‫شرح هذا الحديث يقول ابن رجب ‪ :‬وأمــا الصــدقة بالمــال‬
‫الحرام فغير مقبولة كما في صحيح مسلم عــن ابــن عمــر‬
‫رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وســلم قــال‪» :‬‬
‫ل يقبل الله صلة بغير طهور ول صــدقة مــن غلــول « )‪(5‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عــن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ » :‬ما تصدق عبد بصــدقة‬
‫من كسب طيب ول يقبل الله إل الطيب إل أخذها الرحمن‬
‫بيمينــه « )‪ (6‬وذكــر الحــديث ‪ ،‬وفــي مســند المــام أحمــد‬
‫رحمه الله تعالى عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬ل يكتسب عبــد مــال مــن حــرام‬
‫فينفق منه فيبارك فيه ول يتصدق به فيقبل منه ول يــتركه‬
‫خلــف ظهــره إل كــان زاده إلــى النــار ‪ ،‬إن اللــه ل يمحــو‬
‫السيئ‬
‫__________‬

‫‪773‬‬
‫)‪ (1‬جامع العلوم والحكــم‪ ،‬مــن ص ‪ 58‬إلــى ص ‪ ،62‬ولــه‬
‫زيادة تفصيل في الموضوع فارجع إليه‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم الزكاة )‪,(1015‬ســنن الترمــذي تفســير‬
‫القــرآن )‪,(2989‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‪,(2/328‬ســنن‬
‫الدارمي الرقاق )‪.(2717‬‬
‫ل ك ُل ُــوا‬‫سـ ُ‬ ‫َ‬
‫)‪ (3‬سورة المؤمنون الية ‪َ } (2) 51‬يا أي َّها الّر ُ‬
‫حا {‬ ‫مُلوا َ‬
‫صال ِ ً‬ ‫ت َواعْ َ‬‫ن الط ّي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫مُنوا ك ُُلوا‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪َ } (3) 172‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن ك ُن ُْتــ ْ‬
‫م إ ِّيــاهُ‬ ‫شــك ُُروا ل ِّلــهِ إ ِ ْ‬ ‫مــا َرَزقَْنــاك ُ ْ‬
‫م َوا ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن ط َي َّبــا ِ‬‫مــ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن{‬ ‫دو َ‬‫ت َعْب ُ ُ‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم الطهارة )‪,(224‬سنن الترمذي الطهــارة‬
‫)‪,(1‬سنن ابن ماجه الطهارة وســننها )‪,(272‬مســند أحمــد‬
‫بن حنبل )‪.(2/73‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري الزكاة )‪,(1344‬صحيح مسلم الزكاة )‬
‫‪,(1014‬سنن الترمذي الزكاة )‪,(661‬سنن النسائي الزكاة‬
‫)‪,(2525‬سنن ابن ماجه الزكاة )‪,(1842‬مســند أحمــد بــن‬
‫حنبـــل )‪,(2/431‬موطـــأ مالـــك الجـــامع )‪,(1874‬ســـنن‬
‫الدارمي الزكاة )‪.(1675‬‬
‫بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن ‪ ،‬إن الخــبيث ل يمحــو‬
‫الخبيث « )‪ (1‬ويروى من حديث دراج عن ابن حجيرة عن‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪ » :‬من كسب مال حراما فتصدق به لــم يكــن لــه فيــه‬
‫أجر وكان إصره عليــه « أخرجــه ابــن حبــان فــي صــحيحه‬
‫ورواه بعضهم موقوفا علــى أبــي هريــرة ‪ ،‬وفــي مراســيل‬
‫القاسم بن مخيمرة قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليــه‬
‫وسلم » من أصاب مال من مأثم فوصل به رحمه وتصدق‬
‫به أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلــك جميعــا ثــم قــذف بــه‬
‫في نار جهنم « ‪ .‬وروي عن أبي الدرداء ويزيد بن ميســرة‬
‫أنهما جعل مثل من أصاب مال مــن غيــر حلــة فتصــدق بــه‬
‫مثل من أخذ مال يتيم وكسا به أرملة ‪ ،‬وسئل ابن عبــاس‬
‫رضي الله عنهما عمن كان على عمل فكان يظلــم ويأخــذ‬
‫الحرام ثم تاب فهو يحــج ويعتــق ويتصــدق منــه فقــال‪ :‬إن‬
‫الخبيث ل يكفر الخبيث ‪ ،‬وكذا قال ابن مسعود رضي اللــه‬

‫‪774‬‬
‫عنــه‪ :‬إن الخــبيث ل يكفــر الخــبيث ‪ ،‬ولكــن الطيــب يكفــر‬
‫الخبيث ‪ ،‬وقــال الحســن ‪ :‬أيهــا المتصــدق علــى المســكين‬
‫ترحمه ارحم من قد ظلمت )‪. (2‬‬
‫واعلــم أن الصــدقة بالمــال الحــرام تقــع علــى وجهيــن‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يتصدق به الخائن أو الغاصــب ونحوهمــا علــى‬
‫نفسه ‪ ،‬فهذا هو المراد من هذه الحاديث أنه ل يتقبل منه‬
‫يعني أنه ل يؤجر عليه بل يأثم بتصرفه في مال غيره بغيــر‬
‫إذنه ‪ .‬ول يحصل للمالك بذلك أجر لعدم قصده ونيته ‪ .‬كذا‬
‫قاله جماعة من العلمــاء منهــم ابــن عقيــل مــن أصــحابنا ‪،‬‬
‫وفي كتاب عبد الرزاق من رواية زيد بن الخنس الخزاعي‬
‫أنه سأل سعيد بن المسيب قال‪ :‬وجــدت لقطــة أفأتصــدق‬
‫بها؟ قال ل يؤجر أنت ول صاحبها ‪ .‬ولعل مراده إذا تصــدق‬
‫بها قبل تعريفها الواجب ‪ .‬إلى أن قال‪:‬‬
‫واعلم أن من العلماء مــن جعــل تصــرف الغاصــب ونحــوه‬
‫في مال غيره‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(1/387‬‬
‫)‪ (2‬جامع العلوم والحكم ‪ ,‬ص ‪ 87‬ـ ‪. 88‬‬
‫موقوفا على إجازة مالكه ‪ ،‬فــإن أجــاز تصــرفه فيــه جــاز ‪.‬‬
‫وقد حكى بعض أصحابنا روايــة عــن أحمــد أنــه مــن أخــرج‬
‫زكاته من مال مغصوب ثم أجــازه المالــك جــاز وســقطت‬
‫عنه الزكاة ‪ .‬وكذلك خرج ابن أبي الدنيا روايــة عــن أحمــد‬
‫أنه إذا أعتق عبد غيره عن نفسه ملتزما ضمانه فــي مــاله‬
‫ثم أجازه المالك جاز ونفذ عتقه ‪ .‬وهو خلف نــص أحمــد ‪.‬‬
‫وحكـي عـن الحنفيـة أنـه لـو غصـب شـاة فـذبحها لمتعتـه‬
‫وقرانه ثم أجازه المالك أجزأت عنه )‪. (1‬‬
‫الوجه الثاني من تصرفات الغاصب في المال المغصوب ‪:‬‬
‫أن يتصدق عن صاحبه إذا عجز عن رده إليــه وإلــى ورثتــه‬
‫فهذا جائز عند أكثر العلماء‪ :‬منهم مالك وأبو حنيفة وأحمــد‬
‫وغيرهــم ‪ .‬قــال ابــن عبــد الــبر ‪ :‬ذهــب الزهــري ومالــك‬
‫والثوري والوزاعي والليـث إلـى أن الغــال إذا تفــرق أهـل‬
‫العســكر ولــم يصــل إليهــم أنــه يــدفع إلــى المــام خمســه‬
‫ويتصــدق بالبــاقي ‪ ،‬روي ذلــك عــن عبــادة بــن الصــامت‬

‫‪775‬‬
‫ومعاوية والحسن البصري ‪ ،‬وهو يشبه مذهب ابن مســعود‬
‫وابن عباس رضي الله عنهما أنهما كانــا يريــان أن يتصــدق‬
‫بالمــال الــذي ل يعــرف صــاحبه ‪ ،‬وقــال قــد أجمعــوا فــي‬
‫اللقطــة علــى جــواز الصــدقة بهــا بعــد التعريــف وانقطــاع‬
‫صــاحبها ‪ ،‬وجعلــوه إذا جــاء مخيــرا بيــن الجــر والضــمان ‪،‬‬
‫وكذلك المغصوب ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وروي عن مالك بن دينار قال سألت عطــاء بـن أبــي ربــاح‬
‫عمن عنده مال حرام ول يعرف أربابه ويريد الخروج منه؟‬
‫قال‪ :‬يتصدق به ول أقول ‪ :‬إن ذلك يجزئ عنه ‪ .‬قال مالــك‬
‫كان هذا القول من عطاء أحب إلي من زنة ذهــب ‪ .‬وقــال‬
‫سفيان فيمن اشترى من قوم شيئا مغصوبا‪ :‬يرده إليهــم ‪،‬‬
‫فإن لم يقدر عليهم يتصدق بــه كلــه ول يأخــذ رأس مــاله ‪،‬‬
‫وكذا قال فيمن باع شيئا ممن تكره معــاملته لشــبهة مــاله‬
‫قال‪ :‬يتصدق بالثمن وخالفه ابن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬لمزيد من التفاصيل واليضاح في هذا الموضوع جامع‬
‫العلوم والحكم لبن رجب ‪ ,‬من ص ‪ 88‬حتى صفحة ‪90‬‬
‫المبارك وقال ‪ :‬يتصدق بالربح خاصة ‪ .‬وقال أحمد يتصــدق‬
‫بالربح ‪ ،‬وكذا قال فيمن ورث مال من أبيه وكان أبوه يــبيع‬
‫ممن يكره معاملته‪ :‬إنه يتصدق منــه بمقــدار الربــح ويأخــذ‬
‫الباقي وقد روي عن طائفة من الصحابة نحو ذلك ‪ :‬منهــم‬
‫عمر بن الخطــاب رضــي اللــه عنــه ‪ ،‬وعبــد اللــه بــن يزيــد‬
‫النصاري رضي الله عنه ‪ ،‬والمشهور عن الشافعي رحمــه‬
‫الله في الموال الحرام أنهــا تحفــظ ول يتصــدق بهــا حــتى‬
‫يظهر مستحقها ‪ ،‬وكان الفضــيل بــن عيــاض يــرى أن مــن‬
‫عنده مال حرام ل يعرف أربابه أنه يتلفه ويلقيه في البحــر‬
‫ول يتصــدق بــه ‪ .‬وقــال ل يتقــرب إلــى اللــه إل بــالطيب ‪.‬‬
‫والصحيح الصــدقة بــه ؛ لن إتلف المــال وإضــاعته منهــي‬
‫عنه ‪ ،‬وإرصاده أبدا تعريــض لــه للتلف واســتيلء الظلمــة‬
‫عليه ‪ ،‬والصدقة به ليست عن مكتسبه حــتى يكــون تقربــا‬
‫منه بالخبيث وإنما هي صدقة عن مــالكه ليكــون نفعــه لــه‬
‫في الخرة حيث يتعذر عليه النتفاع به في الدنيا )‪. (1‬‬
‫ونستخلص مما سبق في شرح الحديثين ما يلي‪:‬‬

‫‪776‬‬
‫أ‪ -‬معاملــة مــن فــي مــاله حلل وحــرام مختلــط‪ :‬إن كــان‬
‫أكثره الحرام فينبغي تجنبه وهو الولــى؛ لن المــام أحمــد‬
‫رحمه الله تعالى قال‪) :‬ينبغي أن يتجنبه إل أن يكون شــيئا‬
‫يسيرا ل يعرف( ‪.‬‬
‫وإن كان المال شبهة فالورع في تركــه بــل هــو مــا ينبغــي‬
‫عمل بقوله عليه الصلة والسلم‪ » :‬فمــن اتقــى الشــبهات‬
‫فقد استبرأ لدينه وعرضه ‪ ،‬ومن وقــع فــي الشــبهات وقــع‬
‫في الحرام كالراعي يرعى حــول العمــى يوشــك أن يرتــع‬
‫فيه « )‪ ، (2‬والمال المشتبه حلله بحرامه إن كــان المــال‬
‫كثيرا أخرج منــه قــدر الحــرام وتصــرف فــي البــاقي ‪ ،‬وإن‬
‫كان المال قليل اجتنبه كله ‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن الصدقة بالمال الحرام غير مقبولــة لمــا تقــدم مــن‬
‫قوله عليه أفضل الصلة والسلم‪ » :‬إن الله تعــالى طيــب‬
‫ل يقبل إل طيبا « )‪ ، (3‬ولقوله‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬جامع العلوم والحكم ‪ ,‬ص ‪. 90 ,89 ,88‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري اليمان )‪,(52‬صحيح مسلم المســاقاة‬
‫)‪,(1599‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1205‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4453‬سنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3329‬ســنن ابــن‬
‫ماجه الفتن )‪,(3984‬مسند أحمد بن حنبل )‪,(4/270‬سنن‬
‫الدارمي البيوع )‪.(2531‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم الزكاة )‪,(1015‬ســنن الترمــذي تفســير‬
‫القــرآن )‪,(2989‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‪,(2/328‬ســنن‬
‫الدارمي الرقاق )‪.(2717‬‬
‫أيضا‪ » :‬ل يقبل الله صلة بغير طهور ول صدقة من غلــول‬
‫« )‪ . (1‬وغير ذلك من الحــاديث الــتي مــرت ‪ .‬والمقصــود‬
‫بذلك أن السارق أو الغاصـب أو الخــائن مثل ‪ ،‬ل يجـوز لـه‬
‫أن يتصدق بما سرقه أو بما اغتصبه أو بما خــانه أو جحــده‬
‫عن نفسه فإنه ل يقبل منه ول يؤجر عليه بل يأثم بتصدقه‬
‫بمال غيره بغير إذنــه ول يحصــل للمالــك أيضــا بــذلك أجــر‬
‫لعدم قصده ونيته‬
‫جـ ‪ -‬أن السارق للمال أو الغاصب أو الخائن له إذا أراد أن‬
‫يتصرف في هذا المال بعد تــوبته يجــوز لـه أن يتصـدق بـه‬

‫‪777‬‬
‫عن صاحبه إذا عجز عن رده إليه أو إلى ورثته ‪ .‬وهــذا هــو‬
‫الولى وذلك لختيار المام أحمد رحمه الله تعــالى وغيــره‬
‫من الئمة ‪ ،‬ومنهم المام مالك وأبو حنيفة كمــا قــالوا فــي‬
‫الغــال إذا تفــرق العســكر أنــه يــدفع إلــى المــام خمســه‬
‫ويتصدق بالباقي ‪ ،‬وكما قالوا في جــواز التصــدق باللقطــة‬
‫بعد تعريفها وانقطاع صاحبها وجعلــوه إذا جــاء مخيــرا بيــن‬
‫أن يكون أجر التصدق بها له أو الضمان ‪.‬‬
‫وهذا ما أراه نظــرا ؛ لتظــافر الدلــة الســابقة عليــه ؛ ولن‬
‫القائل به كثير من أهل العلم رحمهم الله تعالى ‪.‬‬
‫ولن إتلف المــال وإضــاعته منهــي عنــه ‪ ،‬وإرصــاده أبــدا‬
‫تعريض له للتلف واســتيلء الظلمــة عليــه ‪ ،‬والصــدقة بــه‬
‫ليست عن مكتسبه حتى يكون تقربا بالخبيث ‪ ،‬وإنمــا هــي‬
‫صدقة به عن مالكه ‪ .‬والله أعلم‬
‫وسئل شيخ السلم رحمه اللــه تعــالى عــن المــوال الــتي‬
‫يجهل مستحقها مطلقا أو مبهما فإن هذه عامــة النفــع لن‬
‫الناس قد يحصل في أيديهم أمــوال يعلمــون أنهــا محرمــة‬
‫لحق الغير إما لكونها قبضت ظلما كالغصــب وأنــواعه مــن‬
‫الجنايــات والسـرقة والغلـول ‪ .‬وإمـا لكونهـا قبضـت بعقــد‬
‫فاسد من ربا أو ميسر ‪ ،‬ول يعلم عين المستحق لها ‪ .‬وقد‬
‫يعلم أن المستحق أحد رجلين ول يعلــم عينــه ‪ ،‬كــالميراث‬
‫الــذي يعلــم أنــه لحــدى الزوجيــن الباقيــة دون المطلقــة ‪.‬‬
‫والعين التي يتداعاها اثنان فيقر بها ذو اليد لحدهما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم الطهارة )‪,(224‬سنن الترمذي الطهــارة‬
‫)‪,(1‬سنن ابن ماجه الطهارة وســننها )‪,(272‬مســند أحمــد‬
‫بن حنبل )‪.(2/73‬‬
‫فمذهب المام أحمد وأبــي حنيفــة ومالــك وعامــة الســلف‬
‫إعطاء هذه الموال لولى الناس بهــا ‪ .‬ومــذهب الشــافعي‬
‫أنها تحفظ مطلقا ول تنفق بحال ‪ .‬فيقول فيما جهل مالكه‬
‫من الغصوب والعــواري والــودائع إنهــا تحفــظ حــتى يظهــر‬
‫أصحابها كسائر الموال الضائعة ‪ .‬ويقول فــي العيــن الــتي‬
‫عرفت لحد رجلين‪ :‬يوقف المــر حــتى يصــطلحا ومــذهب‬
‫أحمد وأبي حنيفة فيما جهل مالكه أنه يصرف عن أصحابه‬

‫‪778‬‬
‫في المصالح كالصدقة على الفقراء ‪ ،‬وفيما استبهم مالكه‬
‫القرعة عند أحمد والقسمة عند أبي حنيفة ‪ .‬إلى أن قــال‪:‬‬
‫وتحريم هذه جميعا يعود إلى الظلم فإنها تحرم لسببين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬قبضها بغير طيب نفس صاحبها ول إذن الشــارع ‪،‬‬
‫وهذا هو الظلــم المحــض كالســرقة ‪ ،‬والخيانــة ‪ ،‬والغصــب‬
‫الظاهر ‪ ،‬وهذا أشهر النواع بالتحريم ‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬قبضها بغير إذن الشارع ‪ .‬وإن أذن صــاحبها وهــي‬
‫العقود والقبوض المحرمة كالربا ونحو ذلك والواجب علــى‬
‫من حصــلت بيــده ردهــا إلــى مســتحقها ‪ .‬فــإذا تعــذر ذلــك‬
‫فالمجهول كالمعدوم وقد دل على ذلك قــول النــبي صــلى‬
‫اللــه عليــه وســلم فــي اللقطــة‪ » :‬فــإن وجــدت صــاحبها‬
‫فارددها إليــه وإل فهــي مــال اللــه يــؤتيه مــن يشــاء « )‪(1‬‬
‫وكذلك اتفق المســلمون علــى أن مــن مــات ول وارث لــه‬
‫معلوم فماله يصرف في مصالح المسلمين ‪.‬‬
‫إلى أن قال‪ :‬وله دليلن قياسيان قطعيان كمــا ذكرنــا مــن‬
‫الســنة والجمــاع فــإن مــا ل يعلــم بحــال أو ل يقــدر عليــه‬
‫بحال ‪ ،‬هو فـي حقنـا بمنزلـة المعـدوم ‪ ،‬فل نكلــف إل بمــا‬
‫نعلمه ونقدر عليه ‪ .‬والدليل الثاني‪ :‬القياس مــع مــا ذكرنــا‬
‫مــن الســنة والجمــاع أن هــذه المــوال ل تخلــو إمــا أن‬
‫تحبس ‪ ،‬وإما أن تتلف ‪ ،‬وإما أن تنفق ‪.‬‬
‫ساد َ { )‪ (2‬وهو‬ ‫ب ال َْف َ‬‫ح ّ‬‫ه َل ي ُ ِ‬
‫فأما إتلفها فإفساد لها } َوالل ّ ُ‬
‫إضاعة لها ‪ ،‬والنبي صلى اللــه عليــه وســلم قــد نهــى عــن‬
‫إضاعة المال ‪ ،‬وإن كان في مذهب أحمد ومالك‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ســنن أبــو داود اللقطــة )‪,(1709‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫الحكام )‪,(2505‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(4/162‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪205‬‬
‫تجويز العقوبات الماليــة تــارة بالخــذ وتــارة بــالتلف كمــا‬
‫يقوله أحمد في متاع الغال ‪ ،‬وكما يقوله أحمد ومن يقــوله‬
‫من المالكية في أوعية الخمر ومحل الخمار ‪ .‬وغير ذلــك ‪.‬‬
‫فإن العقوبة بإتلف بعض الموال أحيانــا كالعقوبــة بــإتلف‬
‫بعض النفوس أحيانا ‪ .‬وهذا يجوز إذا كان فيه مــن التنكيــل‬
‫على الجريمة من المصلحة ما شرع له ذلك ‪.‬‬

‫‪779‬‬
‫وأما حبسها دائما أبدا إلى غير غاية منتظرة بل مــع العلــم‬
‫أنه ل يرجى معرفة صاحبها ول القــدرة علـى إيصـالها إليـه‬
‫فهذا مثل إتلفهــا ‪ .‬فــإن التلف إنمــا حــرم لتعطيلهــا مــن‬
‫انتفاع الدميين بها ‪ ،‬وهذا تعطيل أيضا ‪ .‬بل أهو أشــد منــه‬
‫من وجهين ‪.‬‬
‫)أحدهما(‪ :‬أنه تعذيب للنفوس بإبقاء ما يحتاجون إليــه مــن‬
‫غير انتفاع به ‪.‬‬
‫)الثاني(‪ :‬أن العادة جارية بــأن مثــل هــذه المــور ل بــد أن‬
‫يستولي عليها أحد من الظلمة بعد هذا إذا لم ينفقهــا أهــل‬
‫العدل والحق فيكون حبسها إعانة للظلمة ‪ ،‬وتســليما فــي‬
‫الحقيقــة إلــى الظلمــة فيكــون قــد منعهــا أهــل الحــق ‪،‬‬
‫وأعطاها أهل الباطل ‪ ،‬ول فــرق بيــن القصــد وعــدمه فــي‬
‫هذا فإن من وضع إنسانا بمسبعة فقــد قتلــه ‪ ،‬ومــن ألقــى‬
‫اللحم بين السباع فقد أكله ‪ ،‬ومن حبس الموال العظيمــة‬
‫لمن يستولي عليهــا مــن الظلمــة فقــد أعطاهموهــا ‪ ،‬فــإذا‬
‫كان إتلفها حراما وحبسها أشد من إتلفها تعيــن إنفاقهــا ‪،‬‬
‫وليس لها مصرف معين فتصــرف فــي جميــع جهــات الــبر‬
‫والقرب التي يتقرب بها إلــى اللــه؛ لن اللــه خلــق الخلــق‬
‫لعبادته وخلق لهــم المــوال ليســتعينوا بهــا علــى عبــادته ‪.‬‬
‫فتصرف في سبيل الله والله أعلم )‪. (1‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬فتاوى شيخ الســلم )باختصــار(‪ ،‬جــزء )‪ ،(28‬مــن ص‬
‫‪ 592‬إلى ص ‪ ،597‬والفتــاوى الكــبرى لبــن تيميــة الجــزء‬
‫الثاني‪ ،‬من ص ‪ 194‬حــتى ص ‪ ،197‬ولمزيــد مــن الفــائدة‬
‫انظر الفتاوى جــزء )‪ ،(28‬مــن صــفحة ‪ 598‬حــتى صــفحة‬
‫‪. 599‬‬
‫وخلصة ما سبق من كلم شيخ السلم رحمه الله تعالى‪:‬‬
‫أن الموال التي يجهــل أصــحابها ومســتحقوها إمــا لكونهــا‬
‫قبضــت ظلمــا إمــا بغصــب ونحــوه مــن أنــواع الجنايــات‬
‫كالسرقة والنهب والغلول ‪ ،‬وإما لكونها قبضت بعقد فاسد‬
‫من ربا أو ميســر ونحوهمــا ‪ .‬فمــذهب المــام أحمــد وأبــي‬
‫حنيفة ومالك وعامة الســلف إعطــاء هــذه المــوال لولــى‬
‫الناس بها ‪ .‬والشافعي يــرى أنهــا تحفــظ مطلقــا ول تنفــق‬

‫‪780‬‬
‫بحال حتى يظهر أصحابها كسائر الموال الضائعة ‪ ،‬ويقــول‬
‫في العيــن الــتي عرفــت لحــد رجليــن يوقــف المــر حــتى‬
‫يصطلحا ‪ .‬ومذهب أحمد وأبي حنيفة فيما جهل مــالكه أنــه‬
‫يصرف عن أصحابه في المصالح كالصــدقة علــى الفقــراء‬
‫ونحو ذلــك ‪ .‬وفــي مــال الميــت الــذي ل وارث لــه معلــوم‬
‫فماله يصرف في مصالح المسلمين ‪ .‬أقول‪ :‬وما قيل عــن‬
‫الصدقة بهذه الموال التي جهــل أصــحابها أو صــرفها فــي‬
‫مصالح المسلمين هو الولى في نظري والله أعلم ؛ لنهــا‬
‫إما أن تحبس ‪ ،‬وإما أن تتلف وإما أن تنفق ‪.‬‬
‫ساد َ { )‪ (1‬وهو‬ ‫ب ال َْف َ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫فأما إتلفها فإفساد لها } َوالل ّ ُ‬
‫أيضا إضاعة لها وقد نهى عليه الصلة والسلم عن إضــاعة‬
‫المال‪ -‬اللهم إل ما كان من العقوبــة بــإتلف المــال أحيانــا‬
‫لما فيه من التنكيل على الجريمة من المصلحة ما فرع له‬
‫ذلك كما يفعل بأوعية الخمــر ومحــل الخمــار ونحــو ذلــك ‪.‬‬
‫وكما يقوله المام أحمد رحمه الله تعالى فــي متــاع الغــال‬
‫والله أعلم ‪.‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله تعالى فــي كتــابه‪-‬‬
‫اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ‪ -‬تحت‬
‫عنــوان ) مــا تصــنع البغــي إذا تــابت بمــا عنــدها مــن أجــر‬
‫البغاء ( ما نصه‪:‬‬
‫نعم البغي والمغني والنائحة ونحــوهم إذا أعطــوا أجــورهم‬
‫ثم تابوا هل يتصدقون بهــا ‪ .‬أو يجــب أن يردوهــا إلــى مــن‬
‫أعطاهموها فيها قولن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪205‬‬
‫أصــحهما أنــا ل نردهــا علــى الفســاق الــذين بــذلوها فــي‬
‫المنفعة المحرمة ‪ ،‬ول يباح الخذ بل يتصدق بها ‪ .‬وتصرف‬
‫في مصالح المسلمين ‪ ،‬كمــا نــص عليــه أحمــد فــي أجــرة‬
‫حمل الخمر ‪.‬‬
‫ومن ظن أنها ترد على البــاذل المســتأجر‪ :‬لنهــا مقبوضــة‬
‫بعقد فاسد فيجب ردها عليه كالمقبوض بالربا أو نحوه من‬
‫العقود الفاســدة ‪ ،‬فيقــال لــه ‪ :‬المقبــوض بالعقــد الفاســد‬
‫يجب فيه التراد من الجانبين فيرد كل منهما على الخر ما‬

‫‪781‬‬
‫قبضه منه ‪ .‬كما في تقابض الربا عند من يقول‪ :‬المقبوض‬
‫بالعقــد الفاســد ل يملــك كمــا هــو المعــروف مــن مــذهب‬
‫الشافعي وأحمــد ‪ .‬فأمــا إذا تلــف المقبــوض عنــد القــابض‬
‫فإنه ل يستحق استرجاع عوضه مطلقا ‪ .‬وحينئذ فيقال‪ :‬إن‬
‫كان ظاهر القياس يوجب ردها ‪ ،‬بناءا علــى أنهــا مقبوضــة‬
‫بعقد فاسد ‪ ،‬فالزاني ومستمع الغناء والنوح قد بــذلوا هــذا‬
‫المال عــن طيــب نفوســهم ‪ ،‬واســتوفوا العــوض المحــرم‪:‬‬
‫والتحريم الذي فيه ليس لحقهم ‪ ،‬وإنما هو لحق لله تعالى‬
‫‪ ،‬وقد فاتت هذه المنفعة بالقبض ‪ ،‬والصــول تقتضــي‪ :‬أنــه‬
‫إذا رد أحد العوضين يرد الخر ‪ ،‬فإذا تعذر على المســتأجر‬
‫رد المنفعة لم يرد عليه المال ‪.‬‬
‫وأيضا فإن هذا الذي استوفيت منفعته عليه ضرر في أحــد‬
‫منفعتيه وعوضهما جميعا منه ‪ ،‬بخلف ما لــو كــان العــوض‬
‫خمرا أو ميتة فإن ذلك ل ضرر عليه في فواتها ‪ .‬فإنهــا لــو‬
‫كانت باقية أتلفناها عليه ‪.‬‬
‫ومنفعة الغناء والنوح لو لــم تفــت لتــوفرت عليــه ‪ ،‬بحيــث‬
‫كان يتمكن من صرف تلك المنفعة في أمر آخر أعني مــن‬
‫صرف القوة التي عمل بها ‪ .‬فيقال على هــذا‪ :‬فينبغــي أن‬
‫يقضوا بها إذا طالب بقبضها ‪.‬‬
‫قيــل‪ :‬نحــن ل نــأمر بــدفعها ول بردهــا ‪ ،‬كعقــود الكفــار‬
‫المحرمة ‪ ،‬فإنهم إذا أسلموا على القبض لم نحكم بالقبض‬
‫‪ .‬ولو أسلموا بعد القبض لم نحكم بالرد ‪ ،‬ولكــن فــي حــق‬
‫المســلم تحــرم هــذه الجــرة عليــه ‪ ،‬لنــه كــان معتقــدا‬
‫لتحريمها بخلف الكافر ‪ .‬وذلك لنه إذا طلــب الجــرة قلنــا‬
‫له‪ :‬أنت فرطت ‪ ،‬حيث صرفت قوتــك فــي عمــل محــرم ‪،‬‬
‫فل يقضى لك بــأجرة ‪ .‬فــإذا قبضــها ثــم قــال الــدافع‪ :‬هــذا‬
‫المال اقضوا لي برده فإنما أقبضته إياه عوضا عن منفعــة‬
‫محرمة قلنا له ‪ :‬دفعته بمعاوضـة رضـيت بهـا فـإذا طلبـت‬
‫استرجاع ما أخذه فرد إليه ما أخذته ‪ .‬إذا كان له في بقائه‬
‫معه منفعة فهذا ومثله يتوجه فيما يقبض مــن ثمــن الميتــة‬
‫والخمر ‪.‬‬
‫وأيضا فمشتري الخمر إذا أقبض ثمنها وقبضها وشراها ثــم‬
‫طلب أن يعاد إليه الثمن كان الوجه أن يرد إليه الثمــن ول‬

‫‪782‬‬
‫يباح للبائع ول سيما ونحن نعاقب الخمار بيــاع الخمــر بــأن‬
‫نحرق الحانوت التي تباع فيها ‪ .‬نص على ذلك أحمد وغيره‬
‫من العلماء فإن عمر بن الخطــاب رضــي اللــه عنــه حــرق‬
‫حانوتا يباع فيها الخمر ‪ ،‬وعلي بن أبــي طــالب رضــي اللــه‬
‫عنه حرق قرية يباع فيها الخمر ‪ ،‬وهي آثار معروفة ‪ ،‬وهذه‬
‫المســألة مبســوطة فــي غيــر هــذا الموضــع ؛ وذلــك لن‬
‫العقوبات المالية عندنا باقية غير منسوخة )‪. (1‬‬
‫وســئل أيضــا رحمــه اللــه تعــالى عــن امــرأة كــانت مغنيــة‬
‫واكتسبت في جهلها مال كثيرا وقد تابت وحجت إلــى بيــت‬
‫الله تعـالى وهـي محافظـة علـى طاعـة اللـه تعـالى فهـل‬
‫المال الذي اكتسبته من حلــي وغيــره إذا أكلــت وتصــدقت‬
‫منه تؤجر عليه؟‬
‫فأجاب‪ :‬المال المكسوب إن كانت عيــن أو منفعــة مباحــة‬
‫في نفسها ‪ ،‬وإنما حرمت بالقصد مثل من يــبيع عنبــا لمــن‬
‫يتخذه خمرا أو من يســتأجر لعصــر الخمــر أو حملهــا فهــذا‬
‫يفعله بالعوض لكن ل يطيب له أكله ‪ ،‬وأما إن كانت العين‬
‫أو المنفعــة محرمــة كمهــر البغــي وثمــن الخمــر ‪ .‬فهنــا ل‬
‫يقضى له به قبل القبض ‪ .‬ولو أعطاه إياه لم يحكم برده ‪.‬‬
‫فإن هذا معونــة لهــم علــى المعاصــي‪ :‬إذا جمــع لهــم بيــن‬
‫العوض والمعوض ول يحل هذا المال للبغي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظــر اقتضــاء الصــراط المســتقيم مخالفــة أصــحاب‬
‫الجحيم‪ ,‬صفحة ‪. 248 ,247‬‬
‫والخمار ونحوهمـا لكـن يصـرف فـي مصـالح المسـلمين ‪.‬‬
‫فإن تابت هذه البغي وهــذا الخمــار وكــانوا فقــراء جــاز أن‬
‫يصرف إليهم من هــذا المــال مقــدار حــاجتهم ‪ ،‬فــإن كــان‬
‫يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسيج والغزل أعطي ما يكون‬
‫له رأس مال ‪ ،‬وإن اقترضوا منه شيئا ليكتســبوا بــه ‪ ،‬ولــم‬
‫يردوا عوض القرض كان أحسن ‪.‬‬
‫وأما إذا تصدق به لعتقاده أنــه يحــل عليــه أن يتصــدق بــه‬
‫فهــذا يثـاب علــى ذلـك ‪ ،‬وأمــا إذا تصـدق بـه كمـا يتصـدق‬
‫المالك بملكه فهذا ل يقبله الله‪ -‬إن الله ل يقبل إل الطيب‬

‫‪783‬‬
‫فهذا خبيث كما قال النبي صلى الله عليه وســلم ‪ » :‬مهــر‬
‫البغي خبيث « )‪. (2) (1‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه الله تعــالى فــي كلمــه عــن حقــوق‬
‫العباد وصورها في مسائل إلي أن قال‪:‬‬
‫فصل ‪ :‬المسألة الثانية إذا عاوض غيره معاوضة محرمــة ‪،‬‬
‫وقبض العــوض كــالزاني والمغنــي وبــائع الخمــر ‪ ،‬وشــاهد‬
‫الزور ونحوهم ‪ ،‬ثم تــاب والعــوض بيــده ‪ ،‬فقــالت طائفــة‪:‬‬
‫يــرده إلــى مــالكه ‪ .‬إذا هــو عيــن مــاله ولــم يقبضــه بــإذن‬
‫الشارع ول حصل لربه في مقابلته نفع مباح ‪.‬‬
‫وقالت‪ :‬طائفة بل توبته بالتصدق به ‪ ،‬ول يــدفعه إلــى مــن‬
‫أخذه منه ‪.‬‬
‫وهو اختيار شيخ السلم ابن تيمية وهــو أصــوب القــولين ‪،‬‬
‫فإن قابضه إنما قبضه ببذل مالكه له ‪ ،‬ورضاه ببذله ‪ ،‬وقــد‬
‫اســتوفى عوضــه المحــرم فكيــف يجمــع لــه بيــن العــوض‬
‫والمعــوض ‪ ،‬وكيــف يــرد عليــه مــال قــد اســتعان بــه علــى‬
‫معاصي الله ‪ ،‬ورضي بإخراجه فيما يستعين به عليهــا ثانيــا‬
‫وثالثا؟ وهل هذا إل محــض إعــانته علــى الثــم والعــدوان؟‬
‫وهل يناسب هذا محاسن الشرع أن يقضى للزاني بكل ما‬
‫دفعه إلى من زنى بها طوعا أو كرهــا ‪ .‬فيعطــاه وقــد نــال‬
‫عوضــه ‪ ،‬وهــب أن هــذا المــال لــم يملكــه الخــذ ‪ ،‬فملــك‬
‫صاحبه قد زال‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1568‬سنن الترمذي البيوع‬
‫)‪,(1275‬سنن النسائي الصيد والذبائح )‪,(4294‬ســنن أبــو‬
‫داود البيوع )‪,(3421‬مسند أحمد بن حنبل )‪,(3/464‬ســنن‬
‫الدارمي البيوع )‪.(2621‬‬
‫)‪ (2‬الفتاوى الجزء )‪ , (29‬صفحة ‪. 309 -308‬‬
‫عنه بإعطائه لمن أخذه ‪ ،‬وقد سلم له مــا فــي قبــالته مــن‬
‫النفع ‪ ،‬فكيف يقال ملكه باق عليه ويجب رده إليــه؟ وهــذا‬
‫بخلف أمره بالصدقة به ‪ ،‬فإنه قد أخــذه مــن وجــه خــبيث‬
‫برضى صاحبه وبذله له بذلك ‪ ،‬وصاحبه قد رضي بــإخراجه‬
‫عن ملكه بــذلك ‪ ،‬وأل يعــود إليــه فكــان أحــق الوجــوه بــه‪:‬‬

‫‪784‬‬
‫صرفه في المصلحة التي ينتفع بها من قبضه ويخفف عنــه‬
‫الثم ول يقوى الفاجر به ويعان ‪ ،‬ويجمع له بين المرين ‪.‬‬
‫وهكذا توبة من اختلط ماله الحلل بــالحرام ‪ ،‬وتعــذر عليــه‬
‫تمييزه أن يتصدق بقدر الحرام ‪ ،‬ويطيب باقي ماله ‪ .‬والله‬
‫أعلم )‪. (1‬‬
‫وقال أيضا‪ :‬في كسب الزانية فإن قيــل فمــا تقولــون فــي‬
‫كسب الزانية إذا قبضته ثـم تـابت هــل يجــب عليهـا رد مــا‬
‫قبضته إلى أربابه أم يطيب لها ‪ ،‬أم تتصدق به؟‬
‫قيل‪ :‬هذا ينبني على قاعــدة عظيمــة مــن قواعــد الســلم‬
‫وهــي أن مــن قبــض مــا ليــس لــه قبضــه شــرعا ثــم أراد‬
‫التخلص منــه ‪ ،‬فــإن كــان المقبــوض قــد أخــذ بغيــر رضــى‬
‫صاحبه ول استوفي عوضه رده عليه ‪ .‬فإن تعذر رده عليــه‬
‫قضى به دينا يعلمه عليه ‪ ،‬فإن تعذر ذلك رده إلى ورثتــه ‪،‬‬
‫فإن تعذر ذلك تصدق به عنــه ‪ ،‬فــإن اختــار صــاحب الحــق‬
‫ثوابه يوم القيامة كان له وإن أبى إل أن يأخذ من حســنات‬
‫القابض استوفى منــه نظيــر مــاله ‪ ،‬وكــان ثــواب الصــدقة‬
‫للمتصدق بها كما ثبت عن الصــحابة ‪ ،‬وإن كــان المقبــوض‬
‫برضى الدافع ‪ ،‬وقد استوفى عوضه المحرم كمــن عــاوض‬
‫على خمر أو خنزير أو على زنا أو فاحشة فهذا ل يجــب رد‬
‫العــوض علــى الــدافع ؛ لنــه أخرجــه باختيــاره واســتوفى‬
‫عوضــه المحــرم فل يجــوز أن يجمــع لــه بيــن العــوض‬
‫والمعوض فإن فــي ذلــك إعانــة لــه علــى الثــم والعــدوان‬
‫وتيســير أصــحاب المعاصــي عليــه ‪ ،‬ومــاذا يريــد الزانــي‬
‫وصاحب الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضــه ويســترد مــاله؟‬
‫فهذا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نســتعين‪،‬‬
‫جزء )‪ ،(1‬صفحة ‪ 391‬وص ‪.392‬‬
‫مما تصان الشريعة عن التيان به ‪ ،‬ول يسوغ القــول بــه ‪،‬‬
‫وهو يتضمن الجمع بيــن الظلــم والفاحشــة والغــدر ‪ ،‬ومــن‬
‫أقبح القبيح أن يستوفي عوضه من المزنــي بهــا ثــم يرجــع‬
‫فيما أعطاهــا قهــرا ‪ ،‬وقبــح هــذا مســتقر فــي فطــر جميــع‬
‫العقلء فل تأتي به شريعة ‪ .‬ولكن ل يطيب للقابض أكلــه ‪.‬‬

‫‪785‬‬
‫بل هو خبيث كما حكم عليه رسول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ولكن لخبث مكسبه ل نظلم من أخذ منه ‪ ،‬فطريقة‬
‫التخلص منه وتمام التوبة بالصدقة ‪ ،‬فإن كان محتاجا إليــه‬
‫فله أن يأخذ قدر حاجته ويتصدق بالبــاقي فهــذا حكــم كــل‬
‫كسب خبيث ؛ لخبث عوضه عينا كان أو منفعــة ‪ ،‬ول يلــزم‬
‫من الحكم بخبثه وجوب رده على الدافع فإن النــبي صــلى‬
‫الله عليه وسلم حكم بخبث كســب الحجــام ول يجــب رده‬
‫على دافعه )‪ . (1‬أقول ‪ :‬وخلصة ما سبق فيما يتعلق بمــا‬
‫تصــنعه البغــي إذا تــابت ‪ ،‬ومــاذا يفعــل مــن اختلــط مــاله‬
‫الحلل بالحرام؟‬
‫أ‪ -‬أن الموال الــتي بــذلت فــي المنفعــة المحرمــة كــأجرة‬
‫الزانية أو المغنية ل ترد إلى الفساق الذين بذلوها ول يبــاح‬
‫لهــم أخــذها كمــا ل يحــل هــذا المــال للباغيــة أو المغنيــة‬
‫ونحوهما بل يتصدق بها وتصرف فــي مصــالح المســلمين؛‬
‫لن في ردها إلى الفساق الذين بــذلوها معونــة لهــم علــى‬
‫المعاصي إذا جمع لهم بين العوض والمعوض ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ومن اختلط ماله الحلل بــالحرام وتــاب مــن الكســب‬
‫الحرام وتعذر عليه تمييز الحلل فإن عليه أن يتصدق بقدر‬
‫الحرام ويطيب باقي ماله إذا تاب مما عمل وندم على مــا‬
‫فات وعزم على أل يعود والله أعلم ‪.‬‬
‫جـ‪ -‬النقولت التية الواردة في هذا البحث مثــل مــا ذكــره‬
‫النووي عن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زاد المعــاد فــي هــدي خيــر العبــاد‪ ،‬جــزء )‪ ،(4‬صــفحة‬
‫‪ 251‬وما بعدها والكلم مستوفى هناك‪.‬‬
‫الغزالي وكذا مــا أضــفته أيضــا فــي هــذا البحــث مــن كلم‬
‫الغزالي وما ذكره أبو يعلى في كتابه طبقات الحنابلة ومــا‬
‫قاله ابن رجب في الذيل على طبقـات الحنابلـة ومـا قـاله‬
‫الشيخ مل علي القارئ في كلمه عن التوبة وأركانها ونحو‬
‫ذلك مما ورد في آخر البحث ل تحتـاج إلـى خلصـة ؛ لنهـا‬
‫فــي الغــالب إمــا فــروع أو مســائل مختصــرة أو مترابطــة‬
‫يفهمها ويدركها كل من قرأها والله أعلم ‪.‬‬
‫وقال النووي رحمه الله تعالى )فرع(‬

‫‪786‬‬
‫قال الغزالي ‪ :‬لو كان في يده مغصوب مــن النــاس معيــن‬
‫فاختلط بماله ولم يتميز وأراد التوبــة فطريقـه أن يترضـى‬
‫هو وصاحب المغصوب بالقســمة ‪ ،‬فــإن امتنــع المغصــوب‬
‫منه من ذلك رفع التائب المر إلى القاضــي ليقبــض منــه ‪،‬‬
‫فإن لم يجد قاضيا حكــم رجل متــدينا ‪ .‬لقبــض ذلــك ‪ ،‬فــإن‬
‫عجز تولى هو ذلك بنفسه ‪ ،‬ويعزل قدر ذلك فيــه الصــرف‬
‫إلى المغصوب منه ســواء أكــان دراهــم أو حبــا أو دهنــا أو‬
‫غيره من نحو ذلك ‪ ،‬فإذا فعل ذلــك حــل لــه البــاقي ‪ ،‬فلــو‬
‫أراد أن يأكل من ذلك المختلط وينفق من قبل تمييز قــدر‬
‫المغصــوب فقــد قــال قــائلون يجــوز ذلــك مــا دام قــدر‬
‫المغصوب باقيا ‪ ،‬ول يجوز أخذ الجميــع ‪ ،‬وقــال آخــرون‪ :‬ل‬
‫يجوز له أخذ شيء حتى يميز قدر المغصــوب بنيـة البــذال‬
‫والتوبة ‪.‬‬
‫)فرع( من ورث مال ولم يعلم من أين كسبه مورثه؟ أمــن‬
‫حلل أم حـــرام؟ ولـــم تكـــن علمـــة فهـــو حلل بإجمـــاع‬
‫العلماء ‪ ،‬فإن علم أن فيه حرامــا وشــك فــي قــدره أخــرج‬
‫قدر الحرام بالجتهاد ‪.‬‬
‫)فرع( قال الغزالي ‪ :‬إذا كان معه مال حــرام وأراد التوبــة‬
‫والبراءة منه فإن كان له مالك معين وجب صــرفه إليــه أو‬
‫إلى وكيله ‪ ،‬فإن كان ميتا وجب دفعه إلى وارثه ‪ ،‬وإن كان‬
‫لمالك ل يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصــرفه فــي‬
‫مصالح المسلمين العامــة ‪ ،‬كالقنــاطر والربــط والمســاجد‬
‫ومصالح طريق مكة ‪ ،‬ونحو ذلك ممــا يشــترك المســلمون‬
‫فيــه ‪ ،‬وإل فيتصــدق بــه علــى فقيــر أو فقــراء وينبغــي أن‬
‫يتولى ذلك القاضي إن كان عفيفا فإن لم يكــن عفيفــا لــم‬
‫يجز التسليم إليه ؛ فإن سلم إليه صار المسلم ضــامنا بــل‬
‫ينبغي أن يحكـم رجل مـن أهـل البلـد متـدينا عالمـا ‪ ،‬فـإن‬
‫التحكيــم أولــى مــن النفــراد فــإن عجــز عــن ذلــك تــوله‬
‫بنفسه ‪ ،‬فإن المقصود هو الصرف إلى هذه الجهة ‪.‬‬
‫وإذا دفعه إلى الفقير ل يكون حراما على الفقير بل يكــون‬
‫حلل طيبا ‪ ،‬وله أن يتصدق به على نفسه وعيــاله إذا كــان‬
‫فقيرا ؛ لن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجــود فيهــم ‪،‬‬
‫بل هم أولى من يتصدق عليه ‪ .‬وله هو أن يأخــذ منــه قــدر‬

‫‪787‬‬
‫حاجته ؛ لنه أيضا فقير ‪ .‬وهذا الذي قاله الغزالي فــي هــذا‬
‫الفرع ذكره آخرون من الصحاب وهو كمــا قــالوه ‪ ،‬ونقلــه‬
‫الغزالــي أيضــا عــن معاويــة بــن أبــي ســفيان وغيــره مــن‬
‫السلف عن أحمد بن حنبل والحارث المحاســبي وغيرهمــا‬
‫من أهل الورع ؛ لنه ل يجوز إتلف هذا المــال ورميــه فــي‬
‫البحر ‪ ،‬فلم يبق إل صرفه في مصــالح المســلمين ‪ ،‬واللــه‬
‫سبحانه وتعالى أعلم )‪. (1‬‬
‫أقول‪ :‬وقد فصل الغزالي الكلم علـى هـذا الموضـوع فـي‬
‫كتابه )الحياء( في الجــزء الثــاني منــه تحــت عنــوان‪ -‬بــاب‬
‫كيفية خــروج التــائب عــن المظــالم الماليــة‪ -‬فــذكر كيفيــة‬
‫التمييــز والخــراج والمصــرف فــارجع إليــه لمزيــد ‪ .‬ومــن‬
‫مسائله التي ذكرها ما يلي‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المجمــوع شــرح المهــذب‪ ،‬جــزء )‪ ،(9‬صــفحة ‪ 342‬و‬
‫‪.343‬‬
‫مسألة ‪:‬‬
‫إذا كــان الحــرام أو الشــبهة فــي يــد أبــويه فليمتنــع عــن‬
‫مؤاكلتهما ‪ ،‬فإن كانا يسخطان فل يوافقهمــا علــى الحــرام‬
‫المحض بل ينهاهما فل طاعــة لمخلــوق فــي معصــية اللــه‬
‫تعــالى ‪ ،‬فـإن كـان شــبهة وكــان امتنـاعه للـورع فهــذا قــد‬
‫عارضه أن الورع طلب رضاهما ‪ ،‬بل هو واجــب فليتلطــف‬
‫في المتناع فــإن لــم يقــدر فليوافــق ؛ وليقلــل الكــل بــأن‬
‫يصغر اللقمة ويطيل المضغ ول يتوسع فإن ذلــك عــدوان ‪.‬‬
‫إلى أن قال‪:‬‬
‫مسألة‪:‬‬
‫سئل المام أحمد بــن حنبــل رحمــه اللــه تعــالى فقــال لــه‬
‫قائل‪ :‬مات أبي وترك مال وكان يعامل من تكــره معــاملته‬
‫فقال تدع من ماله بقدر ما ربح فقال‪ :‬له دين وعليــه ديــن‬
‫فقال‪ :‬تقضي وتقتضي ‪ ،‬فقال‪ :‬أفترى ذلك؟ فقال‪ :‬أفتدعه‬
‫محتبسا بدينه؟ وما ذكره صــحيح وهــو يــدل علــى أنــه رأى‬
‫التحري بإخراج مقدار الحرام ؛ إذ قال ‪ :‬يخرج قدر الربح ‪،‬‬
‫وأنــه رأى أن أعيــان أمــواله ملــك لــه بــدل عمــا بــذله فــي‬
‫المعاوضات الفاسدة بطريق التقابض والتقابــل مهمــا كــثر‬

‫‪788‬‬
‫التصرف وعسر الرد وعول في قضاء دينه على أنــه يقيــن‬
‫فل يترك بسبب الشبهة )‪. (1‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬كتاب إحياء علوم الدين للغزالي‪ ،‬الجزء )الثاني(‪ ،‬مــن‬
‫ص ‪ 163‬إلى صفحة ‪ ،172‬نشر مؤسسة الحلبي وشــركاه‬
‫للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫ويقول شمس الدين محمــد بــن مفلــح فــي كتــابه )الداب‬
‫الشرعية( ما نصه‪:‬‬
‫)فصل في الحلل والحــرام والمشــتبه فيــه وحكــم الكــثير‬
‫والقليل من الحرام(‬
‫هل تجب طاعة الوالدين في تناول المشتبه وهو ما بعضــه‬
‫حلل وبعضه حرام؟ ينبني على مسألة تحريم تناوله وفيهــا‬
‫أقوال في المذهب ‪.‬‬
‫أحدها‪ :‬التحريم مطلقا قطع به شرف السلم عبد الوهاب‬
‫في كتابه المنتخب ذكره قبيل باب الصيد ‪ .‬وعلل القاضــي‬
‫وجوب الهجرة من دار الحرب بتحريم الكسب عليه هنــاك‬
‫لختلط الموال لخذه من غير جهته ووضعه في غير حقه‬
‫‪ .‬قال الزجي في نهايته ‪ :‬هو قياس المذهب كما قلنا فــي‬
‫اشتباه الواني الطاهرة بالنجسة ‪ ،‬وقدمه أبو الخطاب في‬
‫النتصار في مسألة اشتباه الوانــي ‪ .‬وقــد قــال أحمــد ‪ :‬ل‬
‫يعجبني أن يأكل منه ‪ .‬وقال المروذي ‪ :‬سألت أبا عبد اللـه‬
‫عن الذي يتعامل بالربا يؤكل عنده قال ل؟ قد لعن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم آكــل الربــا ومــوكله ‪ ،‬وقــد أمــر‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوقوف عنــد الشــبهة ‪،‬‬
‫وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قــال‪ » :‬الحلل بيــن والحــرام‬
‫بين وبينهمــا أمــور مشــتبهات ل يعلمهــن كــثير مــن النــاس‬
‫فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضــه ومــن وقــع‬
‫في الشبهات وقع في الحرام « )‪ . (1‬وفــي البخــاري عــن‬
‫أنس بن مالك قال‪) :‬إذا دخلت على مســلم ل يتهــم فكــل‬
‫من طعامه واشرب مـن شـرابه( وعـن الحســن بــن علـي‬
‫مرفوعا‪ » :‬دع ما يريبك إلى ما ل يريبك « )‪ (2‬رواه أحمــد‬
‫والنسائي والترمذي وصححه ‪.‬‬

‫‪789‬‬
‫والثاني‪ :‬إن زاد الحرام علــى الثلــث حــرم الكــل وإل فل ‪.‬‬
‫قدمه في الرعاية لن الثلث ضابط في مواضع ‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬إن كان الكثر الحرام حرم ؛ وإل فل إقامة للكــثر‬
‫مقــام الكــل لن القليــل تــابع قطــع بــه ابــن الجــوزي فــي‬
‫المنهاج ‪ .‬وذكر الشيخ تقي الدين أنه أحــد الــوجهين ‪ ،‬وقــد‬
‫نقل الثرم وغير واحد عــن المــام أحمــد فيمــن ورث مــال‬
‫ينبغي إن عرف شيئا بعينه أن يرده ‪ ،‬وإل كان الغالب فــي‬
‫ماله الفساد تنزه عنه أو نحو هذا ‪ ،‬ونقــل عنــه حــرب فــي‬
‫الرجل يخلف مال إن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري اليمان )‪,(52‬صحيح مسلم المســاقاة‬
‫)‪,(1599‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1205‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4453‬سنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3329‬ســنن ابــن‬
‫ماجه الفتن )‪,(3984‬مسند أحمد بن حنبل )‪,(4/270‬سنن‬
‫الدارمي البيوع )‪.(2531‬‬
‫)‪ (2‬ســنن الترمــذي صــفة القيامــة والرقــائق والــورع )‬
‫‪,(2518‬سنن النسائي الشربة )‪,(5711‬مســند أحمــد بــن‬
‫حنبل )‪,(1/200‬سنن الدارمي البيوع )‪.(2532‬‬
‫كان غالبه نهبــا أو ربــا ينبغــي لــوارثه أن يتنــزه عنــه إل أن‬
‫يكون يســيرا ل يعــرف ‪ ،‬ونقــل عنــه أيضــا هــل للرجــل أن‬
‫يطلب من ورثة إنسان مال مضاربة ينفعهــم وينتفــع؟ قــال‬
‫إن كان غالبه الحرام فل ‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬عدم التحريم مطلقا قل الحرام أو كثر وهو ظاهر‬
‫ما قطع به وقدمه غير واحد لكن يكــره ‪ ،‬وتقــوى الكراهــة‬
‫وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته ‪ .‬قدمه الزجي وغيــره‬
‫وجزم به فــي المغنـي ‪ ،‬وعــن أبــي هريــرة مرفوعـا‪ » :‬إذا‬
‫دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما فليأكل من‬
‫طعــامه ول يســأله عنــه ‪ .‬وإن ســقاه شــرابا مــن شــرابه‬
‫فليشرب مــن شــرابه ول يســأله عنــه « )‪ (1‬رواه أحمــد ‪،‬‬
‫وروى جماعة من حــديث ســفيان الثــوري عــن ســلمة بــن‬
‫كهيل عن ذر بن عبد الله عن ابــن مســعود أن رجل ســأله‬
‫فقال‪ :‬لي جار يأكل الربا ول يـزال يـدعوني؟ فقـال مهنــأة‬
‫لك وإثمه عليه ‪ ،‬قال الثــوري إن عرفتــه بعينــه فل تــأكله ‪،‬‬

‫‪790‬‬
‫ومراد ابن مسعود وكلمــه ل يخــالف هــذا ‪ .‬وروى جماعــة‬
‫من حديث معمـر أيضــا عـن أبــي إسـحاق عــن الزبيــر بــن‬
‫الحارث عن سلمان قال إذا كان لك صديق عامل فــدعاك‬
‫إلى طعام فاقبله ‪ ،‬فإنه مهنأة لك وإثمه عليه ‪ .‬قال معمــر‬
‫وكان عدي بن أرطاة عامل البصرة يبعث إلى الحسن كل‬
‫يوم بجفان ثريد فيأكل منها ويعلـم أصــحابه ‪ .‬وبعـث عــدي‬
‫إلى الشعبي وابن سرين والحسن فقبل الحسن والشعبي‬
‫ورد ابــن ســيرين ‪ .‬قــال ‪ :‬وســئل الحســن عــن طعــام‬
‫الصيارفة فقال قد أخبركم الله عن اليهود والنصارى أنهــم‬
‫كانوا يأكلون الربا وأحل لكم طعامهم )‪ (2‬وحول ما يتلــف‬
‫من المنكر ومذاهب العلماء فيه ‪ .‬يقول شيخ الســلم ابــن‬
‫تيمية رحمه الله تعالى في كتابه )الحسبة في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(2/399‬‬
‫)‪ (2‬انظر كتاب الداب الشرعية والمنح المرعية جزء )‪،(1‬‬
‫من صفحة ‪ 496‬إلى ص ‪ 502‬فالكلم مستوفى هناك‪.‬‬
‫السلم( ما نصه‪:‬‬
‫مقدار ما يتلف من المنكر ومذاهب العلماء ‪.‬‬
‫وكذلك الذي قام به المنكر في إتلفه ‪ .‬نهي عن العود إلى‬
‫ذلك المنكر وليس إتلف ذلك واجبا على الطلق ‪ ،‬بــل إذا‬
‫لم يكن في المحــل مفســد جــاز إبقــاؤه إمــا للــه وإمــا أن‬
‫يتصدق به ‪ ،‬كما أفتى طائفة من العلماء على هــذا الصــل‬
‫أن الطعام المغشوش من الخبز والطبيخ والشواء كــالخبز‬
‫والطعام الذي لم ينضج ‪ ،‬وكالطعام المغشوش وهو الــذي‬
‫خلط بالردئ وأظهر المشتري أنه جيد أو نحو ذلك يتصــدق‬
‫به على الفقراء فإن ذلك أولى من إتلفه ‪.‬‬
‫وإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أتلــف اللبــن‬
‫الذي شيب للبيع فلن يجوز التصدق بذلك بطريــق الولــى‬
‫فإنه يحصل به عقوبــة الغــاش وزجــره عــن العــود ويكــون‬
‫انتفاع الفقراء بذلك أنفع من إتلفه ‪.‬‬
‫وعمر أتلفه ؛ لنه يغني الناس بالعطاء فكان الفقراء عنده‬
‫في المدينة إما قليل وأمــا معــدومين ‪ ،‬ولهــذا جــوز طائفــة‬
‫التصدق به وكرهوا إتلفــه ‪ .‬ففــي المدونــة عــن أنــس بــن‬

‫‪791‬‬
‫مالك أن عمر بن الخطاب كــان يطــرح اللبــن المغشــوش‬
‫في الرض أو بالصاحبة ‪ ،‬وكره ذلك مالك فــي روايــة ابــن‬
‫القاسم ورأى أن يتصدق بــه وهــل يتصــدق باليســير؟ فيــه‬
‫قولن للعلماء وقد روى أشهب عــن مالــك منــع العقوبــات‬
‫المالية وقال‪ ) :‬ل يحل ذنب من الــذنوب مــال إنســان وإن‬
‫قتــل نفســا( لكــن الول أشــهر عنــه ‪ .‬وقــد استحســن أن‬
‫يتصدق باللبن المغشوش ‪ ،‬وفي ذلك عقوبة الغاش بإتلفه‬
‫عليه ونفع المساكين بإعطائهم إياه ول يهراق ‪ .‬قيل لمالك‬
‫فالزعفران والمسك أتراه مثله؟ قال مــا أشــبهه بــذلك إذا‬
‫كان هو غشه فهــو كــاللبن ‪ ،‬قــال ابــن القاســم ‪ :‬هــذا فــي‬
‫الشيء الخفيف منه ‪ ،‬فأما إذا كثر منه فل أرى ذلك وعلى‬
‫صاحبه العقوبة لنه يذهب في ذلك أموال عظام يريد فــي‬
‫الصدقة بكثيره ‪ .‬قال بعض الشــيوخ وســواء علــى مــذهب‬
‫مالك كان ذلك يسيرا أو كثيرا ؛ لنه ساوى فــي ذلــك بيــن‬
‫الزعفــران واللبــن والمســك قليلــه وكــثيره ‪ .‬وخــالفه ابــن‬
‫القاسم فلم ير أن يتصدق مــن ذلــك إل بمــا كــان يســيرا ‪.‬‬
‫وذلك إذا كان هو الذي غشه ‪ ،‬وأما من وجــد عنــده شــيء‬
‫من ذلك مغشوش لم يغشه هو إنما اشتراه أو وهــب لــه ‪،‬‬
‫أو ورثــه فل خلف فــي أنــه ل يتصــدق بشــيء مــن ذلــك ‪.‬‬
‫وممــن أفــتى بجــواز إتلف المغشــوش مــن الثيــاب ابــن‬
‫القطان قال في الملحــف الــرديئة النســج تحــرق بالنــار ‪،‬‬
‫وأفتى ابن عتاب فيها بالتصدق ‪ ،‬وقال تقطع خرقا وتعطى‬
‫للمساكين إذا تقدم إلـى مسـتعمليها فلـم ينتهـوا ‪ ،‬وكـذلك‬
‫أفتى بإعطاء الخبز المغشوش للمساكين فأنكر عليــه ابــن‬
‫القطان وقال ل يحل هذا في مال امرئ مسلم إل بإذنه ‪.‬‬
‫قــال القاضــي أبــو الصــبغ ‪ :‬وهــذا اضــطراب فــي جــوابه‬
‫وتناقض في قوله لن جوابه في الملحف بإحراقهــا بالنــار‬
‫أشد من إعطاء هذا الخبز للمساكين ‪ ،‬وابن عتــاب أضــبط‬
‫في أصله ذلك ‪ ،‬وأتبع لقوله ‪.‬‬
‫وإذا لم ير ولي المر عقوبة الغاش بالصدقة أو التلف فل‬
‫بد أن يمنع وصول الضـرر إلـى النـاس بـذلك الغـش ‪ .‬إمـا‬
‫بإزالــة الغــش ‪ ،‬وإمــا بــبيع المغشــوش ممــن يعلــم أنــه‬
‫مغشوش ول يغشه على غيره ‪.‬‬

‫‪792‬‬
‫قال عبد الملك بن حبيب ‪ ،‬قلت لمطرف وابن الماجشون‬
‫لما نهينا عن التصدق بالمغشوش لرواية أشهب فمــا وجــه‬
‫الصواب عندكما فيمن غش أو نقص من الوزن؟‬
‫قال‪ :‬يعاقب بالضرب والحبس والخراج من الســوق ‪ ،‬ومــا‬
‫كثر من الخبز واللبن ‪ ،‬أو غش من المسك والزعفران فل‬
‫يفـرق ول ينهـب ‪ .‬قـال عبـد الملـك بـن حـبيب ‪ :‬ول يـرده‬
‫المام إليه وليــؤمن بــبيعه عليــه مــن يــأمن أن يغــش بــه ‪،‬‬
‫ويكســر الخــبز إذا كــثر ‪ ،‬ويســلمه لصــاحبه ‪ ،‬ويبــاع عليــه‬
‫العسل ‪ ،‬والسمن واللبن الذي يغشه ممن يأكله ويبين لــه‬
‫غشه ‪ .‬هكذا العمل فيما غش من التجارات ‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهو إيضاح من استوضحته ذلــك مــن أصــحاب مالــك‬
‫وغيرهم )‪. (1‬‬
‫وقال القاضي أبو الحسين محمد بن أبي يعلى رحمه اللــه‬
‫تعالى في كتابه طبقات الحنابلة في ترجمـة عبـد اللـه بـن‬
‫محمد بن المهاجر المعروف بفوزان قال عنه‪:‬‬
‫ومن جملة مسائله قال‪ :‬ســمعت أحمــد يقــول‪ :‬إذا اختلــط‬
‫المال وكان فيه حلل وحرام ‪ .‬فالزهري ومكحول قــال إذا‬
‫اختلط الحلل والحرام فكل هذا عندي من مال الســلطان‬
‫كما قال عليه رحمه الله تعالى )بيت المال يدخله الخــبيث‬
‫والطيب( فمال السلطان يدخله الحلل والحرام ‪ ،‬فيوصــل‬
‫إلــى الرجــل فيأكــل منــه فأمــا إذا كــان حلل وحرامــا مــن‬
‫ميراث ‪ ،‬أو أفاد رجــل مــال حرامــا وحلل‪ :‬فــإنه يــرد علــى‬
‫أصحابه فإن لم يعرفهم ولم يقدر عليهم‪ :‬تصدق به ‪ ،‬فــإن‬
‫لم يعلم كم الحلل والحرام يتصدق بقدر مــا يــرى أن فيــه‬
‫من الحرام ‪ .‬وأكل الباقي )‪. (2‬‬
‫ومما قاله ابن رجــب رحمــه اللــه تعــالى فــي الــذيل علــى‬
‫الطبقات المذكورة ما نصه‪:‬‬
‫ومما نقلته من خط الســيف بــن المجــد مــن فتــاوى جــده‬
‫الشيخ موفق الدين وقد سئل عــن معاملــة مــن فــي مــاله‬
‫حرام فأجاب الورع‪ :‬اجتناب معاملـة مـن فـي مـاله حـرام‬
‫فإن من اختلط الحرام في ماله‪ :‬صار في ماله‬
‫__________‬

‫‪793‬‬
‫)‪ (1‬انظر كتــاب '' الحســبة فــي الســلم'' لشــيخ الســلم‬
‫تقي الدين ابن تيميــة‪ ،‬تحقيــق محمــد زهــري النجــار‪ ،‬مــن‬
‫منشورات المؤسسة السعيدية بالرياض‪ ،‬من صــفحة ‪101‬‬
‫إلى ‪.105‬‬
‫)‪ (2‬انظر كتــاب طبقــات الحنابلــة للقاضــي أبــي الحســين‬
‫محمد بن أبي يعلى‪ ،‬الجزء )الول(‪ ،‬صفحة ‪.196‬‬
‫شــبهة بقــدر مــا فيــه مــن الحــرام إن كــثر الحــرام كــثرت‬
‫الشــبهة ‪ ،‬وإن قــل قلــت ‪ ،‬وذكــر حــديث » الحلل بيــن‬
‫والحــرام بيــن « )‪ (1‬وأمــا فــي ظــاهر الحكــم‪ :‬فــإنه يبــاح‬
‫معاملة من لم يتعين التحريم في الثمن الــذي يؤخــذ منــه؛‬
‫لن الصل‪ :‬أن ما في يد النسان ملكـه ‪ .‬وقـد قــال بعـض‬
‫السلف بع الحلل ممن شئت يعني إذا كانت بضاعتك حلل‬
‫فل حرج عليك في بيعها ممــن شــئت ‪ ،‬ولكــن الــورع تــرك‬
‫معاملة من في ماله الشبهات ‪ ،‬فقد قال النبي صلى اللــه‬
‫عليه وسلم‪ » :‬دع ما يريبك إلى ما ل يريبك «‬
‫وقال ابن نجيم ‪ -‬القاعدة الرابعة عشــرة‪ -‬مــا حــرم أخــذه‬
‫حرم إعطاؤه كالربا ومهر البغي وحلوان الكاهن والرشــوة‬
‫وأجرة النائحة والزامــر إل فــي مســائل الرشــوة ؛ لخــوف‬
‫على نفسه أو ماله أو ليسوي أمره عنــد ســلطان أو أميــر‬
‫إل للقاضي فإنه يحرم الخذ والعطاء كما بيناه فــي شــرح‬
‫الكنز من القضاء وفك السير ‪ ،‬وإعطاء شيء لمن يخــاف‬
‫هجوه ‪ .‬ولو خاف الوصي أن يستولي غاصـب علـى المـال‬
‫فله أداء شيء ليخلصه كما في الخلصة ‪ .‬انتهى )‪. (2‬‬
‫وقال الشيخ مل علي القارئ في كلمه عن التوبة وأركانها‬
‫‪ :‬فإن كانت من مظالم الموال فتتوقف صحة التوبة منهــا‬
‫مع ما قدمناه فــي حقــوق اللــه تعــالى علــى الخــروج عــن‬
‫عهدة الموال وإرضاء الخصم في الحــال والســتقبال بــأن‬
‫يتحلل منهم أو يردها إليهم أو إلى من يقــوم مقــامهم مــن‬
‫وكيل أو وارث هذا ‪ ،‬وفي القنية رجل عليه ديون لنــاس ل‬
‫يعرفهم من غصوب أو مظــالم أو جنايـات يتصــدق بقـدرها‬
‫على الفقراء على عزيمــة القضــاء إن وجــدهم مــع التوبــة‬
‫إلى الله ‪.‬‬

‫‪794‬‬
‫ولــو صــرف ذلــك المــال إلــى الوالــدين والمولــودين أي‬
‫الفقراء يصير معذورا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري اليمان )‪,(52‬صحيح مسلم المســاقاة‬
‫)‪,(1599‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1205‬ســنن النســائي‬
‫البيوع )‪,(4453‬سنن أبــو داود الــبيوع )‪,(3329‬ســنن ابــن‬
‫ماجه الفتن )‪,(3984‬مسند أحمد بن حنبل )‪,(4/270‬سنن‬
‫الدارمي البيوع )‪.(2531‬‬
‫)‪ (2‬انظر كتاب الشباه والنظائر على مذهب أبــي حنيفــة‪،‬‬
‫صفحة ‪.158‬‬
‫فيها أيضا عليه ديون لناس شتى كزيادة في الخذ ونقــص‬
‫في الدفع فلو تحرى في ذلــك وتصــدق بثــوب قــوم بــذلك‬
‫يخــرج عــن العهــدة ‪ ،‬قــال ‪ :‬فعــرف بهــذا أن فــي هــذا ل‬
‫يشترط التصدق بجنس ما عليه ‪ .‬وفي فتــاوى قاضــيخان ‪:‬‬
‫رجل له حق على خصــم فمــات ول وارث لــه تصــدق عــن‬
‫صاحب الحق بقــدر مــا لــه عليــه ليكــون وديعــة عنــد اللــه‬
‫يوصلها إلى خصمائه يوم القيامة ‪.‬‬
‫وإذا غصب مسلم من ذمي مال أو سرق منه فــإنه يعــاقب‬
‫به يوم القيامــة ؛ لن الــذمي ل يرجــى منــه العفــو فكــانت‬
‫خصومة الذمي أشد ‪ ،‬ثم هل يكفيــه أن يقــول ‪ :‬لــك علــي‬
‫دين فاجعلني فــي حــل أم ل بــد أن يعيــن مقــداره ‪ ،‬ففــي‬
‫النوازل رجل له على آخر دين وهـو ل يعلـم بجميـع ذلـك ‪،‬‬
‫فقال له المديون ‪ :‬أبرئني مما لــك علــي ‪ .‬فقــال الــدائن ‪:‬‬
‫أبرأتك فقال نصــير رحمــه اللــه ل يــبرأ إل عــن مقــدار مــا‬
‫يتوهم أي يظن أنه عليه ‪ ،‬وقــال محمــد بــن ســلمة رحمــه‬
‫الله عن الكل قال الفقيه أبو الليث حكم القضــاء مــا قــاله‬
‫محمد بن سلمة وحكم الخرة ما قاله نصير ‪ ،‬وفــي القنيــة‬
‫من عليه حقوق فاستحل صاحبها ولم يفصــلها فجعلـه فـي‬
‫حل يعذر إن علم أنه لو فصله يجعله في حل وإل فل قــال‬
‫بعضهم ‪ :‬إنه حسن وإن روى أنه يصــير فــي حــل مطلقــا ‪.‬‬
‫وفي الخلصة رجل قال لخر حللني من كــل حــق هــو لـك‬
‫ففعل فأبرأه إن كان صاحب الحــق عالمــا بــه بــرئ حكمــا‬
‫بالجماع ‪ ،‬وأما ديانة فعند محمد رحمه الله ل يــبرأ ‪ ،‬وعنــد‬

‫‪795‬‬
‫أبي يوسف يبرأ وعليه الفتوى‪ -‬انتهى ‪ ،‬وفيه أنــه خلف مــا‬
‫اختاره أبو الليث ‪ ،‬ولعل قوله مبني على التقوى )‪. (1‬‬
‫وقد سئل الشيخ عبد الرحمــن بــن ناصــر الســعدي رحمــه‬
‫الله تعالى هذا السؤال‪ :‬إذا دخل عليه محــرم لكســبه فمــا‬
‫الحكم؟ فأجاب بما نصه‪:‬‬
‫ج‪ :‬مــن دخــل عليــه محــرم لكســبه ‪ ،‬فل يخلــو مــن ثلث‬
‫حالت‪ :‬إحداها‪ :‬أن يكون عن منفعة محرمة استوفاها مــن‬
‫انتقل منه المال‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬كتاب الفقه الكبر لبي حنيفة وشرحه للشيخ مل علي‬
‫القارئ الحنفي‪ ،‬ص ‪44‬ا‪.145 -‬‬
‫فهنــا ل يــرد المــال لصــاحبه ‪ ،‬لكــن علــى مــن كــان بيــده‬
‫التصدق به ‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يصل إليــه ل عــن وجــه المعاوضــة كالمغصــوب‬
‫فيلزم رده إلى مالكه أو ورثته ‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يكون بيــده مــال لغيــر مــن يعلمــه كالمغصــوب‬
‫والودائع التي جهل أربابها فله دفعهــا إلــى المــام أو نــائبه‬
‫وله التصدق بها عنهم؛ لعــدم إيصــال نفــع مــالهم إليهــم إل‬
‫في هذه الصورة ‪ .‬فإذا وجد صاحبه أو ورثته بعد ما تصدق‬
‫بهــا خيــره بيــن إمضــاء ذلــك التصــرف ‪ ،‬أو يكــون الجــر‬
‫لصاحبها الصيل ‪ ،‬وبين أن يرد هذا التصدق ‪ ،‬ويكون الجر‬
‫للذي تصــدق بــه ‪ ،‬ويضــمن المــال لصــاحبه ‪ .‬أمــا المحــرم‬
‫لذاته كالميتة ‪ ،‬فل يجوز مطلقا )‪ (1‬كما ســئل رحمــه اللــه‬
‫تعالى هذا السؤال‪ :‬إذا كــان عنــدك مــال مغصــوب وتعــذر‬
‫معرفة صاحبه فما الحكم؟ وعلى أي قاعدة ينبني؟ فأجاب‬
‫بما نصه‪:‬‬
‫ج‪ :‬من تعذر عليه معرفة صاحب الشــيء يتصــدق بــه عــن‬
‫صاحبه بشرط الضمان ‪ ،‬أو يسلمه إلى الحــاكم ويــبرأ مــن‬
‫تبعته ‪ ،‬وذلك مثــل إذا كــان عنــدك وديعــة لنســان أو مــال‬
‫مغصوب ‪ ،‬وتعذر عليك معرفــة صــاحبه وأيســت مــن ذلــك‬
‫فأنت بالخيار ؛ إما أن تعطيها الحــاكم ؛ لن الحــاكم ينــوب‬
‫مناب الشخص المجهــول ويجعلهــا فــي المصــالح العامــة ‪،‬‬
‫وإما أن تتصدق بها عــن صــاحبها وتنــوي إذا وجــدته خيرتــه‬

‫‪796‬‬
‫بين أن تقدمها له ويكون لك أجر الصدقة بها أو يمضي مــا‬
‫تصدقت به ‪ .‬ويكون الجر له )‪(2‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الفتاوى السعدية‪ ،‬الجزء )الول(‪ ،‬صفحة ‪.434‬‬
‫)‪ (2‬الفتاوى السعدية‪ ،‬الجزء )الول(‪ ،‬صفحة ‪.430‬‬
‫جـ‪ -‬حكم المال المغلول‬
‫لما كان المال المغلول مــن المكاســب الــتي حرمهــا اللــه‬
‫تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم رأيت أن أكتب بعض‬
‫ما قاله العلماء فيه ‪.‬‬
‫قال ابن كثير رحمه الله تعــالى )حــديث آخــر( قــال أحمــد‬
‫حدثنا أبو سعيد حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثنا صالح بن‬
‫محمد بن زائدة عن سالم بن عبد الله أنه كان مع مسلمة‬
‫بن عبد الملك في أرض الروم فوجد في متاع رجـل غلـول‬
‫قال‪ :‬فسأل سالم بن عبد الله فقال حدثني أبي عبــد اللــه‬
‫عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صــلى‬
‫اللــه عليــه وســلم قــال‪ » :‬مــن وجــدتم فــي متــاعه غلــول‬
‫فأحرقوه « )‪(1‬‬
‫قال‪ :‬وأحسـبه قــال )واضـربوه( قــال‪ :‬فــأخرج متـاعه فــي‬
‫الســوق فوجــد فيــه مصــحفا فســأل ســالما ؟ فقــال بعــه‬
‫وتصــدق بثمنــه ‪ .‬وكــذا رواه علــي بــن المــديني وأبــو داود‬
‫والترمذي من حديث عبــد العزيـز بــن محمــد الــدراوردي ‪.‬‬
‫زاد أبو داود وأبو إسحاق الفــزاري كلهمــا عــن أبــي واقــد‬
‫الليثي الصغير صالح بن محمد بــن زائدة بــه ‪ ،‬وقــال علــي‬
‫بن المديني والبخاري وغيرهما‪ :‬هذا حديث منكر من رواية‬
‫أبي واقد هذا ‪ ،‬وقال الدارقطني ‪ :‬الصحيح أنــه مــن فتــوى‬
‫سالم فقط ‪ ،‬وقد ذهب إلى القول بمقتضــى هــذا الحــديث‬
‫المام أحمد بن حنبل ومن تابعه مــن أصــحابه ‪ .‬وقــد رواه‬
‫الموي عن معاوية عن أبي إسـحاق عــن يــونس بـن عبيـد‬
‫عن الحسن قال ‪ :‬عقوبــة الغــال أن يخــرج رحلــه فيحــرق‬
‫على ما فيه ‪ .‬ثم روى عن معاويــة عــن أبــي إســحاق عــن‬
‫عثمان بن عطاء عــن أبيــه عــن علــي قــال‪) :‬الغــال يجمــع‬
‫رحله فيحرق ويجلــد دون حــد المملــوك ويحــرم نصــيبه( ‪.‬‬
‫وخالفه أبو حنيفة ومالـك والشـافعي والجمهـور فقـالوا‪ :‬ل‬

‫‪797‬‬
‫يحرق متاع الغال ‪ ،‬بل يعزر تعزير مثله‪ :‬وقد قال البخــاري‬
‫وقد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبو داود الجهاد )‪,(2713‬مسند أحمد بن حنبــل )‬
‫‪,(1/22‬سنن الدارمي السير )‪.(2490‬‬
‫امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم مــن الصــلة علــى‬
‫الغال ‪ ،‬ولم يحرق متاعه والله أعلــم )‪ (1‬انتهــى المقصــود‬
‫مما ذكره ابن كثير رحمه الله تعالى ‪.‬‬
‫م‬ ‫مــا غَ ـ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن ي َغْل ُ ْ‬
‫ل ي َـوْ َ‬ ‫ت بِ َ‬
‫ل ي َأ ِ‬ ‫م ْ‬
‫وعند تفسير قوله تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ال ِْقَيا َ‬
‫مةِ { )‪(2‬‬
‫ذكر القرطبي رحمه الله تعالى حــديث أبــي هريــرة رضــي‬
‫الله عنه الــذي رواه مســلم فــي صــحيحه أن رســول اللــه‬
‫صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم فذكر الغلــول فعظمــه‬
‫وعظم أمره ثم قال‪ » :‬ل ألفين أحدكم يجيء يوم القيامــة‬
‫على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثني فــأقول‬
‫ل أملك لك شيئا قد أبلغتك ‪ ( . (3) « . .‬الحديث ‪.‬‬
‫ومن كلم القرطبي على هذا الحديث قال‪:‬‬
‫الرابعة ‪ :‬وفي هذا الحديث دليــل علــى أن الغــال ل يحــرق‬
‫متاعه ؛ لن رسول الله صلى الله عليــه وســلم لــم يحــرق‬
‫متاع الوجل الذي أخــذ الشــملة ‪ ،‬ول أحــرق متــاع صــاحب‬
‫الخرزات الذي ترك الصلة عليه " ولــو كــان حــرق متــاعه‬
‫واجبا لفعله صلى الله عليه وسلم ولو فعل لنقل ذلك فــي‬
‫الحديث ‪ ،‬وأما ما روي عن عمر بــن الخطــاب رضــي اللــه‬
‫عنه عن النبي صلى اللــه عليــه وسـلم قـال‪ » :‬إذا وجــدتم‬
‫الرجل قد غل فاحرقوا متاعه واضــربوه « )‪ (4‬فــرواه أبــو‬
‫داود والترمذي من حديث صالح بن محمــد بــن زائدة وهــو‬
‫ضعيف ل يحتج به ‪ .‬قــال الترمــذي ‪ :‬ســألت محمــدا يعنــي‬
‫البخاري عن هذا الحديث فقال‪ :‬إنمــا روى هــذا صــالح بــن‬
‫محمد وهو أبو واقد الليثي ‪ ،‬وهو منكر الحديث ‪.‬‬
‫وروى أبو داود أيضا عنه قال‪) :‬غزونا مع الوليد بــن هشــام‬
‫ومعنا سالم بن عبد العزيز بن عمر وعمر بن عبد العزيز ‪،‬‬
‫فغل رجل متاعا فأمر الوليد بمتاعه فأحرق وطيف به ولم‬
‫يعطه سهمه ‪ ،‬قال أبو داود ‪ :‬وهذا أصــح الحــديثين ‪ ،‬وروي‬

‫‪798‬‬
‫من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عــن جــده أن رســول‬
‫الله صلى الله عليــه وسـلم وأبـا بكــر وعمـر حرقــوا متـاع‬
‫الغال وضربوه ‪ .‬قال أبو داود‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفسير ابن كثير‪ ،‬جزء )‪ ،(1‬صفحة ‪.423‬‬
‫)‪ (2‬سورة آل عمران الية ‪161‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري الجهاد والسير )‪,(2908‬سنن أبــو داود‬
‫الزكاة )‪.(1658‬‬
‫)‪ (4‬سنن الترمذي الحدود )‪,(1461‬سنن أبو داود الجهاد )‬
‫‪,(2713‬سنن الدارمي السير )‪.(2490‬‬
‫وزاد فيه علي بن بحر عن الوليد ولم أسمعه منه‪ -‬ومنعوه‬
‫ســهمه ‪ .‬قــال أبــو عمــر قــال بعــض رواة هــذا الحــديث‪:‬‬
‫واضربوا عنقه واحرقوا متاعه ‪ .‬وهــذا الحــديث يــدور علــى‬
‫صالح بن محمد وليس ممن يحتج به ‪ .‬وقد ثبت عن النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ » :‬ل يحل دم امـرئ مسـلم‬
‫إل بإحدى ثلث « )‪ (1‬وهو ينفي القتل في الغلول ‪ .‬وروى‬
‫ابن جريج عن أبي الزبير عن جــابر عــن النــبي صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم قال‪ » :‬ليس على الخائن ول على المنتهب ول‬
‫على المختلس قطع « )‪ . (2‬وهذا يعارض حديث صالح بن‬
‫محمد ‪ ،‬وهو أقوى من جهة السناد ‪.‬‬
‫الغال خائن فــي اللغــة والشــريعة وإذا انتفــى عنــه القطــع‬
‫فأحرى القتل ‪.‬‬
‫وقال الطحاوي ‪ :‬لو صح حديث صالح المــذكور احتمــل أن‬
‫يكون حين كانت العقوبات في الموال؛ كما قال في مــانع‬
‫الزكاة ‪" :‬إنا آخذوها وشطر ماله عزمة مــن عزمــات اللــه‬
‫تعالى" )‪ (3‬وكما قال أبو هريرة في ضالة البل المكتومة‪:‬‬
‫فيها غرامتها ومثلها معها ‪ ،‬وكما روى عبد اللــه بــن عمــرو‬
‫بن العاص في التمر المعلق غرامة مثليه وجلــدات نكــال ‪،‬‬
‫وهذا كله منسوخ ‪ ،‬والله أعلم ‪.‬‬
‫الخامسة ‪ :‬فإذا غل الرجل فــي المغنــم ووجــد أخــذ منــه ‪،‬‬
‫وأدب وعوقب بالتعزير ‪.‬‬
‫وعند مالك والشــافعي وأبــي حنيفــة وأصــحابهم والليــث ل‬
‫يحرق متاعه ‪ ،‬وقال الشافعي والليث وداود إن كان عالمــا‬

‫‪799‬‬
‫بالنهي عوقب ‪ ،‬وقال الوزاعي يحرق متــاع الغــال كلــه إل‬
‫سلحه وثيابه التي عليه وسرجه ‪ ،‬ول تنزع منــه دابتــه ‪ ،‬ول‬
‫يحرق الشيء الذي غل ‪ ،‬وهذا قول أحمد وإسحاق‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صـــحيح البخـــاري الـــديات )‪,(6484‬صـــحيح مســـلم‬
‫القسامة والمحــاربين والقصــاص والــديات )‪,(1676‬ســنن‬
‫الترمــذي الــديات )‪,(1402‬ســنن النســائي تحريــم الــدم )‬
‫‪,(4016‬سنن أبــو داود الحــدود )‪,(4352‬ســنن ابــن مــاجه‬
‫الحــدود )‪,(2534‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‪,(6/181‬ســنن‬
‫الدارمي الحدود )‪.(2298‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي الحــدود )‪,(1448‬ســنن النســائي قطــع‬
‫السارق )‪,(4971‬سنن أبو داود الحدود )‪,(4391‬سنن ابــن‬
‫مـــاجه الحـــدود )‪,(2591‬مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )‬
‫‪,(3/380‬سنن الدارمي الحدود )‪.(2310‬‬
‫)‪ (3‬في نهاية ابن الثير‪'' :‬قال الحربــي غلــط الــراوي فــي‬
‫لفظ الرواية‪ ،‬إنما هو وشطر ماله شطرين أي يجعل مــاله‬
‫شطرين‪ ،‬ويتخير عليه المصــدق فيأخــذ الصــدقة مــن خيــر‬
‫النصــفين عقوبــة لمنعــه الزكــاة فأمــا مــا ل تلزمــه فل ''‪.‬‬
‫وعزمة‪ :‬حق من حقوقه وواجب من واجباته‪.‬‬
‫وقاله الحسن إل أن يكون حيوانــا أو مصــحفا ‪ ،‬وقــال ابــن‬
‫خويز منداد ‪ :‬وروي أن أبــا بكــر وعمــر رضــي اللــه عنهمــا‬
‫ضربا الغال وأحرقا متاعه ‪ ،‬قال ابن عبد البر ‪ ،‬وممن قــال‬
‫يحرق رحل الغال ومتاعه مكحول وسعيد بن عبد العزيــز ‪،‬‬
‫وحجة من ذهب إلى هذا حديث صالح المذكور ‪ .‬وهو عندنا‬
‫حــديث ل يجــب بــه انتهــاك حرمــة ‪ ،‬ول إنفــاذ حكــم؛ لمــا‬
‫يعارضه من الثار الــتي هــي أقــوى منــه ‪ .‬ومــا ذهــب إليــه‬
‫مالك ومن تابعه في هذه المســألة أصــح مــن جهــة النظــر‬
‫وصحيح الثر ‪ .‬والله أعلم ‪.‬‬
‫السادسة ‪ :‬لم يختلف مذهب مالك في العقوبة على البدن‬
‫‪ ،‬فأما في المال فقال في الذمي يبيع الخمر من المسلم‪:‬‬
‫تراق الخمر على المســلم ‪ ،‬وينــزع الثمــن مــن يــد الــذمي‬
‫عقوبة له؛ لئل يبيع الخمر من المسلمين ‪ .‬فعلى هذا يجــوز‬

‫‪800‬‬
‫أن يقال ‪ :‬تجوز العقوبة في المال ‪ ،‬وقد أراق عمر رضــي‬
‫الله عنه لبنا شيب بماء ‪.‬‬
‫السابعة ‪ :‬أجمع العلماء على أن للغال أن يرد جميع ما غل‬
‫إلــى صــاحب المقاســم قبــل أن يفــترق النــاس إن وجــد‬
‫السبيل إلى ذلك ‪ ،‬وأنه إذا فعل ذلك فهي توبة له ‪ ،‬وخــرج‬
‫عن ذنبه واختلفوا فيما يفعل بــه إذا افــترق أهــل العســكر‬
‫ولم يصل إليه ‪ ،‬فقال جماعــة مــن أهــل العلــم يــدفع إلــى‬
‫المــام خمســه ويتصــدق بالبــاقي ‪ .‬هــذا مــذهب الزهــري‬
‫ومالك والوزاعي والليث والثوري ‪ .‬وروي عــن عبــادة بــن‬
‫الصامت ومعاوية والحسن البصري وهو يشبه مــذهب ابــن‬
‫مسعود وابن عباس؛ لنهما كانا يريــان أن يتصــدق بالمــال‬
‫الذي ل يعرف صاحبه وهو مذهب أحمد بــن حنبــل ‪ ،‬وقــال‬
‫الشافعي ليس له الصدقة بمال غيره ‪ ،‬قال‪ :‬أبو عمر فهذا‬
‫عندي فيما يمكن وجود صاحبه والوصول إليه أو إلى ورثته‬
‫‪ ،‬وأما إن لم يمكن شيء من ذلك فـإن الشــافعي ل يكــره‬
‫الصــدقة حينئذ إن شــاء اللــه تعــالى ‪ .‬وقــد أجمعــوا فــي‬
‫اللقطــة علــى جــواز الصــدقة بهــا بعــد التعريــف وانقطــاع‬
‫صــاحبها ‪ ،‬وجعلــوه إذا جــاء مخيــرا بيــن الجــر والضــمان ‪،‬‬
‫وكذلك المغصوب ‪ ،‬وبالله التوفيق )‪. (1‬‬
‫وقال الشيخ محمد الميــن الشــنقيطي رحمــه اللــه تعــالى‬
‫في الكلم على هذه المسألة ما نصه‪:‬‬
‫المسألة السابعة‪ :‬اختلف العلماء في حرق رحل الغال من‬
‫الغنيمة والمراد بالغـال مـن يكتــم شـيئا مـن الغنيمــة ‪ ،‬فل‬
‫يطلع عليه المام ول يضمه مع الغنيمة ‪.‬‬
‫قال بعض العلماء‪ :‬يحرق رحله كله إل المصحف ومــا فيــه‬
‫روح وهو مذهب المام أحمـد ‪ ،‬وبـه قـال الحسـن وفقهـاء‬
‫الشام ‪ ،‬منهــم مكحــول والوزاعــي ‪ ،‬والوليــد بــن هشــام ‪،‬‬
‫ويزيد بن زيد بن جابر ‪ ،‬وأتى سعيد بــن عبــد الملــك بغــال‬
‫فجمع ماله وأحرقه ‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز حاضر ذلك فلم‬
‫يعبه ‪.‬‬

‫‪801‬‬
‫وقــال يزيــد بــن جــابر ‪ :‬الســنة فــي الــذي يغــل أن يحــرق‬
‫رحلـه ‪ ،‬رواهمــا سـعيد فــي ســننه ‪ ،‬قــال ابـن قدامــة فـي‬
‫المغني ‪:‬‬
‫ومن حجج أهل هذا القول‪ :‬ما رواه أبو داود في سننه عــن‬
‫صالح بن محمد بن زائدة قال أبــو داود ‪ :‬وصــالح هــذا أبــو‬
‫واقد قال‪ :‬دخلت مع مسلمة أرض الروم فــأتي برجــل قــد‬
‫غل فسأل سالما عنه فقال‪ :‬سمعت أبي يحدث عــن عمــر‬
‫بن الخطاب عن النبي صلى الله عليــه وســلم قــال‪ » :‬إذا‬
‫وجدتم الرجل قد غــل فــاحرقوا متــاعه واضــربوه « )‪. (2‬‬
‫قال‪ :‬فوجدنا في متاعه مصحفا فسأل ســالما عنــه‪ -‬فقــال‬
‫بعه وتصدق بثمنه ‪ .‬انتهى بلفظه من أبي داود ‪.‬‬
‫وذكر ابن قدامة أنه رواه أيضا الثرم وسعيد وقال أبو داود‬
‫أيضا‪ :‬حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى النطاكي ‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫أخبرنا أبو إسحاق عن صــالح بــن محمــد ‪ ،‬قــال غزونــا مــع‬
‫الوليد بن هشام ‪ ،‬ومعنا سالم بن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تفســير القرطــبي‪ ،‬جــزء )‪ ،(4‬مــن صـفحة ‪ 258‬حــتى‬
‫صفحة ‪.261‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي الحدود )‪,(1461‬سنن أبو داود الجهاد )‬
‫‪,(2713‬سنن الدارمي السير )‪.(2490‬‬
‫عبد الله بن عمر ‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز فغل رجل متاعا ‪،‬‬
‫فأمر الوليد بمتاعه فأحرق وطيف به ولــم يعطــه ســهمه ‪.‬‬
‫قــال أبــو داود ‪ :‬وهــذا أصــح الحــديثين رواه غيــر واحــد أن‬
‫الوليد بن هشام أحرق رحل زياد بن سعد ‪ ،‬وكان قــد غــل‬
‫وضربه ‪.‬‬
‫حدثنا محمد بن عوف ‪ :‬قال حدثنا موسى بن أيـوب ‪ ،‬قـال‬
‫حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬قال حــدثنا زهيــر بــن محمــد عــن‬
‫عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده » أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه‬
‫‪(1) « .‬‬
‫قال أبو داود ‪ :‬وزاد فيه علــي بــن بحــر عــن الوليــد ‪ -‬ولــم‬
‫أسمعه منه‪ -‬ومنعوه سهمه قـال أبــو داود ‪ :‬وحـدثنا الوليـد‬
‫بن عتبة ‪ ،‬وعبد الوهاب بن نجدة ‪ ،‬قــال حــدثنا الوليــد عــن‬

‫‪802‬‬
‫زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب قوله ولــم يــذكر عبــد‬
‫الوهاب بن نجدة الحوطي منه سهمه ‪ ،‬انتهى من أبي داود‬
‫بلفظه ‪ ،‬وحديث صالح بن محمد الذي ذكرنا عند أبــي داود‬
‫أخرجه أيضا الترمذي ‪ ،‬والحاكم والبيهقي ‪.‬‬
‫قال الترمذي ‪ :‬غريب ل نعرفــه إل مــن هــذا الــوجه ‪ ،‬وقــد‬
‫سألت محمدا عن هذا الحديث فقال‪ :‬إنما روى هذا صــالح‬
‫بن محمد بن زائدة الذي يقال لــه أبــو واقــد الليــثي ‪ ،‬وهــو‬
‫منكر الحديث ‪.‬‬
‫قال المنذري ‪ :‬وصالح بن محمد بن زائدة ‪ :‬تكلم فيه غيــر‬
‫واحد من الئمة ‪ ،‬وقد قيل ‪ :‬إنه تفرد بــه ‪ .‬وقــال البخــاري‬
‫عامة أصحابنا يحتجون بهذا في الغلول ‪ ،‬وهو باطــل ليــس‬
‫بشيء ‪ ،‬وقال الدارقطني أنكروا هذا الحديث علــى صــالح‬
‫بن محمد ‪ .‬قال‪ :‬وهذا حديث لم يتابع عليه ‪ ،‬ول أصل لهذا‬
‫الحــديث عــن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم ‪.‬‬
‫والمحفــوظ أن ســالما أمــر بــذلك وصــحح أبــو داود وقفــه‬
‫فرواه موقوفا من وجه آخر ‪ ،‬وقال‪ :‬هذا أصح كما قــدمنا ‪،‬‬
‫وحديث عمرو بن شعيب الذي ذكرنا عند أبي داود أخرجــه‬
‫أيضا الحاكم والبيهقي ‪ ،‬وزهير بن محمد الــذي ذكرنــا فــي‬
‫إسناده الظاهر أنه هو‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبو داود الجهاد )‪.(2715‬‬
‫الخراساني ‪ .‬وقد قال فيه ابن حجر في )التقريــب( روايــة‬
‫أهــل الشـام عنـه غيـر مســتقيمة فضــعف بســببها ‪ ،‬وقـال‬
‫البخاري عن أحمد كان زهير الــذي يــروي عنــه الشــاميون‬
‫آخر ‪.‬‬
‫وقال أبو حاتم ‪ :‬حدث بالشــام مــن حفظــه فكــثر غلطــه ‪.‬‬
‫انتهى ‪.‬‬
‫وقال البيهقي ‪ :‬ويقال إنه غير الخراساني ‪ ،‬وإنه مجهــول ‪.‬‬
‫انتهى ‪.‬‬
‫وقد علمت فيما قدمنا عن أبي داود أنه رواه من وجه آخر‬
‫موقوفا على عمرو بن شعيب ‪ ،‬وقال ابن حجر ‪ :‬إن وقفــه‬
‫هو الراجح ‪.‬‬

‫‪803‬‬
‫وذهب الئمة الثلثة ‪ ،‬مالك ‪ ،‬والشافعي ‪ ،‬وأبو حنيفة ‪ :‬إلى‬
‫أنه ل يحرق رحله ‪ ،‬واحتجوا بأنه صلى الله عليه وسلم لــم‬
‫يحرق رحل غال ‪ ،‬وبما رواه المام أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬عــن‬
‫عبد الله بــن عمــرو ‪ » ،‬أن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم كان إذا أصــاب غنيمــة أمــر بلل فنــادى فــي النــاس‬
‫فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه ‪ ،‬فجاء رجل بعد ذلك‬
‫بزمام من شعر فقال‪ :‬يا رسول الله هذا فيما كنــا أصــبناه‬
‫من الغنيمة ‪ ،‬فقال‪ :‬أســمعت بلل ينــادي ثلثــا قــال نعــم ‪.‬‬
‫قال ما منعك أن تجيـء بـه فاعتـذر إليــه فقـال‪ :‬كـن أنــت‬
‫تجيء به يوم القيامة ‪ .‬فلن أقبله عنــك « )‪ . (1‬هــذا لفــظ‬
‫أبي داود ‪ .‬وهذا الحــديث ســكت عنــه أبــو داود والمنــذري‬
‫وأخرجه الحاكم وصححه ‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬قد روي في غير حديث عــن الغــال ‪ ،‬ولــم‬
‫يأمر بحــرق متــاعه ‪ .‬فقــد علمــت أن أدلــة القــائلين بعــدم‬
‫حرق رحل الغال أقوى ‪ ،‬وهم أكثر العلماء )‪. (2‬‬
‫وبعـد مـا سـاق رحمـه اللـه تعـالى آراء العلمـاء فـي هـذه‬
‫المسألة وأدلتهم على ما رأوه فيها بين رأيه الــذي يرجحــه‬
‫فيها فقال‪:‬‬
‫قال مقيده ‪-‬عفا الله عنه‪ -‬والـذي يظهـر لـي رجحـانه فــي‬
‫هذه المسألة‪ :‬هو ما اختاره ابن القيم في زاد المعــاد بعــد‬
‫أن ذكر الخلف المذكور في‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبو داود الجهاد )‪,(2712‬مسند أحمد بن حنبــل )‬
‫‪.(2/213‬‬
‫)‪ (2‬أضواء البيان‪ ،‬جزء )‪ ،(2‬من صفحة ‪ 404‬إلى ‪.407‬‬
‫المسألة‪ :‬والصواب أن هــذا مــن بــاب التعزيــر والعقوبــات‬
‫الماليــة الراجعــة إلــى اجتهــاد الئمــة ‪ ،‬فــإنه حــرق وتــرك‬
‫وكذلك خلفاؤه من بعده ‪ .‬ونظير هذا قتــل شــارب الخمــر‬
‫في الثالثة أو الرابعة ‪ .‬فليــس بحــد ول منســوخ وإنمــا هــو‬
‫تعزير يتعلق باجتهاد المام ‪ .‬انتهى‬
‫وإنما قلنا ‪ :‬إن هذا القول أرجح عندنا ؛ لن الجمــع واجــب‬
‫إذا أمكن وهو مقدم على الترجيــح بيــن الدلــة ‪ ،‬كمــا علــم‬
‫في الصول ‪ ،‬والعلم عند الله تعالى )‪(1‬‬

‫‪804‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬أضواء البيان‪ ،‬جزء )‪ ،(2‬صفحة ‪.407‬‬
‫د‪ -‬مقتطفات من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث‬
‫العلمية والفتاء في كيفية التخلص من المكاسب المحرمة‬
‫ورد إلى اللجنة هذا السؤال‪ ) :‬إن بعض البنــوك الســعودية‬
‫تعطــي أرباحــا بالمبــالغ الــتي توضــع لــديها مــن قبــل‬
‫المودعين ‪ ،‬ونحن ل ندري حكم هذه الفوائد هــل هــي ربــا‬
‫أم هي ربح جائز يجوز للمسلم أخذه؟ ( فأجابت بما يلي‪:‬‬
‫الرباح الــتي يــدفعها البنــك للمـودعين علــى المبـالغ الــتي‬
‫أودعوها فيه تعتبر ربا ‪ ،‬ول يحل له أن ينتفع بهذه الربــاح ‪،‬‬
‫وعليه أن يتوب إلى الله من اليداع فــي البنــوك الربويــة ‪،‬‬
‫وأن يســحب المبلــغ الــذي أودعــه وربحــه ويحتفــظ بأصــل‬
‫المبلــغ وينفــق مــا زاد عليــه فــي وجــوه الــبر مــن فقــراء‬
‫ومساكين ‪ ،‬وإصلح مرافق عامة ونحو ذلك )‪. (1‬‬
‫كما ورد إليها أيضا هذا السؤال‪:‬‬
‫هل يجوز للولد أن يرث من مال أبيه مع علمه بــأن المــال‬
‫خــبيث ومــن طريــق غيــر مشــروع كالربــا والتجــارة فــي‬
‫المحرمات؟ فأجابت بما يلي‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬من الفتوى رقم ‪ 7133‬وتاريخ ‪1404 \ 7 \ 6‬هـ‪.‬‬
‫إذا علم أن مال أبيه كله حرام أخذ ما يخصه منــه وتخلــص‬
‫منه بإنفاقه في وجوه البر تعففا بما علم أنه حــرام ونصــح‬
‫لورثة أبيه أن يتخلصوا مما لهم من هذا المال ‪.‬‬
‫كما سئلت اللجنة أيضا هذا السؤال‪:‬‬
‫شخص عاش يكسب من حرام مدرسا للموسيقى وعازفــا‬
‫للموسيقى في الملهي والمراقص ثم تــاب واعــتزل ذلــك‬
‫الحرام ‪ ،‬ولجأ إلى الله فهــل مــن شــرط تــوبته أن يتخلــى‬
‫عن ذلك المال الذي جمعه من هذا الطريق ‪ ،‬ثم هو يسأل‬
‫كيف يتصرف في تلك الموال مع استعداده لتركها بالكلية‬
‫‪ ،‬وهل يختلف المر إذا كان مستعدا أو غير مستعد للتنازل‬
‫عن المال ومكتفيا من غيره أم غير مكتــف؟ فأجــابت بمــا‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪805‬‬
‫إذا كان كافرا وقت كسبه ما ذكر من الحرام ثم تاب توبــة‬
‫نصوحا من كفره ومن هذا الكسب الحرام تاب اللــه عليــه‬
‫ولم يجب عليه التخلص ممــا مضــى مــن الكســب الحــرام‬
‫قبل إسلمه ‪.‬‬
‫وإن كان غير كافر وقت أن كسب هذا المال الحرام ولكنه‬
‫فاسق بهذا الكســب الحــرام ثــم تــاب فمــن شــرط قبــول‬
‫توبته التخلص من هذا المال الحرام بإنفاقه في وجوه البر‬
‫؛ لن ذلك دليل صدقه في توبته وإخلصه فيها )‪. (1‬‬
‫هــذا وأســأل اللــه ســبحانه أن يغنينــا بحللــه عــن حرامــه‬
‫وبفضله عمن سواه ‪ ،‬وأن يوفقنا إلى العمل بمــا يرضــيه ؛‬
‫إنه ولي ذلك والقــادر عليــه ‪ .‬والحمــد للــه رب العــالمين ‪،‬‬
‫وصلى الله وسلم على أشرف النبيــاء والمرسـلين محمــد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫عبد الله بن حمد بن عبد الله العبودي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬من الفتوى رقم ‪ 7631‬وتاريخ ‪1404 \ 10 \ 24‬هـ‪.‬‬
‫مصادر البحث‬
‫‪ - 1‬إتحــاف الســادة المتقيــن بشــرح أســرار إحيــاء علــوم‬
‫الدين‪ -‬تأليف السيد محمــد بــن محمــد الحســيني الزبيــدي‬
‫الشهير بمرتضى ‪ -‬طبعة هندية ‪.‬‬
‫‪ - 2‬إحياء علوم الدين لبي حامد محمد بن محمد الغزالــي‬
‫المتوفى ســنة ‪ 505‬هـــ‪ -‬نشــر مؤسســة الحلــبي وشــركاه‬
‫للنشر والتوزيع ‪.‬‬
‫‪ - 3‬الداب الشرعية والمنح المرعية تأليف شــمس الــدين‬
‫أبي عبد الله محمد بــن مفلــح المقدســي الحنبلــي ‪ ،‬نشــر‬
‫مكتبة الرياض الحديثة‪ -‬توزيع الرئاسة ‪.‬‬
‫‪ - 4‬الشباه والنظائر علــى مــذهب أبــي حنيفــة النعمــان ‪-‬‬
‫تأليف الشيخ زين العابدين بن إبراهيم بن نجيب ‪ -‬نشر دار‬
‫الكتب العلمية بيروت‪ -‬لبنان ‪.‬‬
‫‪ - 5‬أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن تــأليف محمــد‬
‫المين بن محمد المختار الحلبي الشنقيطي المطبوع على‬
‫نفقة سمو المير أحمد بن عبد العزيــز والمــوزع مــن قبــل‬
‫الرئاسة ‪.‬‬

‫‪806‬‬
‫‪ - 6‬اقتضاء الصراط المستقيم مخالفــة أصــحاب الجحيــم‪-‬‬
‫لشيخ السلم ابــن تيميــة ‪ -‬تحقيــق محمــد حامــد الفقــي ‪-‬‬
‫مكتبة السنة المحمدية ‪.‬‬
‫‪ - 7‬بحــث اللجنــة الدائمــة للبحــوث العلميــة والفتــاء فــي‬
‫الفوائد الربوية ‪.‬‬
‫‪ - 8‬تفسير الطــبري )المســمى جــامع البيــان فــي تفســير‬
‫القرآن( تأليف المام أبي جعفر محمد بــن جريــر الطــبري‬
‫المتوفى سنة ‪ - 310‬طباعة دار المعرفة والنشــر‪ -‬بيــروت‬
‫‪ -‬لبنان ‪.‬‬
‫‪ - 9‬تفسير القرآن العظيم للحافظ عماد الدين أبي الفــداء‬
‫إسماعيل‬
‫ابن كثير القرشي الدمشــقي المتــوفى ســنة ‪ 774‬طباعــة‬
‫‪1403‬هـ ‪ ،‬دار المعرفة ‪ -‬بيروت ‪ -‬لبنان ‪.‬‬
‫‪ - 10‬تفسير القرطبي المسمى )الجــامع لحكــام القــرآن(‬
‫لبي عبد الله محمد بن أحمد النصاري القرطبي المتوفى‬
‫سنة ‪ -671‬مطبعة دار الكتب المصرية ‪.‬‬
‫‪ - 11‬تفســير المنــار للشــيخ محمــد رشــيد رضــاء ‪ -‬مكتبــة‬
‫القاهرة‪ -‬الطبعة الرابعة ‪.‬‬
‫‪ " - 12‬التفسير القيــم‪ -‬للمــام ابــن القيــم المتــوفى ســنة‬
‫‪ 751‬تحقيق محمد حامد الفقــي ‪ -‬لجنــة الــتراث العربــي‪-‬‬
‫لبنان ‪.‬‬
‫‪ - 13‬جامع العلوم والحكم في شــرح خمســين حــديثا مــن‬
‫جوامع الكلم‪ -‬تأليف زين العابدين أبي الفرج عبد الرحمــن‬
‫بن شهاب الدين أحمد بن رجب الحنبلي البغدادي ‪ -‬شركة‬
‫مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولده بمصر ‪.‬‬
‫‪ - 14‬الحســبة فــي الســلم لشــيخ الســلم ابــن تيميــة ‪-‬‬
‫تحقيق محمــد زهــري النجـار ‪ -‬مــن منشــورات المؤسسـة‬
‫السعيدية بالرياض ‪.‬‬
‫‪ - 15‬الذيل على طبقات الحنابلة‪ -‬تأليف أحمــد بــن رجــب‬
‫الحنبلي ‪ -‬مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة ‪.‬‬
‫‪ - 16‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪ -‬لبن القيم ‪ -‬الطبعــة‬
‫الثالثة عام ‪1973‬م ‪1392 ،‬هـ ‪ ،‬الطبعة المصرية ‪.‬‬
‫‪ - 17‬صحيح البخاري ‪.‬‬

‫‪807‬‬
‫‪ - 18‬صحيح مسلم ‪.‬‬
‫‪ - 19‬طبقات الحنابلة‪ -‬للقاضــي أبــي الحســين محمــد بــن‬
‫أبي يعلى ‪ -‬مطبعة السنة المحمدية‪ -‬القاهرة ‪.‬‬
‫‪ - 20‬الفتـاوى السـعدية‪ -‬تـأليف الشـيخ عبـد الرحمـن بـن‬
‫ناصر السعدي ‪ -‬مطبعة دار الحياة‪ -‬دمشق ‪.‬‬
‫‪ - 21‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء ‪.‬‬
‫‪ - 22‬فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بــن‬
‫عبد اللطيف آل الشيخ مفتي المملكة ورئيس القضاة فــي‬
‫وقته‪ -‬جمع وترتيب وتحقيــق محمــد بــن عبــد الرحمــن بــن‬
‫قاسم ‪ -‬الطبعة الولى ‪.‬‬
‫‪ - 23‬الفتاوى الكــبرى لشــيخ الســلم ابــن تيميــة ‪ ،‬تقــديم‬
‫حسين محمد مخلوف ‪ -‬دار الكتب الحديثة لصاحبها توفيق‬
‫عفيفي ‪ 14 ،‬شارع الجمهورية ‪.‬‬
‫‪ - 24‬الفقه الكبر للمام أبي حنفيــة ‪ -‬وشــرحه للشــيخ مل‬
‫علي القارئ الحنفي المتوفى سنة ‪ 1001‬طبع مطبعة دار‬
‫الكتب العربية الكبرى على نفقة أصحابها مصطفى البــابي‬
‫الحلبي وأخويه بكري وعيسى بمصر ‪ -25 .‬مجموع فتــاوى‬
‫شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬جمع وترتيب الشيخ عبد الرحمــن‬
‫بن محمد بن قاسم ‪ -‬توزيع الرئاسة ‪.‬‬
‫‪ - 26‬المجموع شــرح المهــذب‪ -‬للمــام أبــي زكريــا محــي‬
‫الــدين بــن شــرف النــووي تحقيــق وتكميــل محمــد نجيــب‬
‫المطيعي ‪ ،‬نشر مكتبة الرشاد بجدة ‪.‬‬
‫‪ - 27‬مجلة البحوث السلمية ‪ -‬العدد العاشر ‪.‬‬
‫‪ - 28‬مدارج السالكين‪ -‬للمـام ابـن القيـم المطبـوع علـى‬
‫نفقة محمد سرور الصبان والموزع من قبل الرئاسة ‪.‬‬
‫‪) - 29‬مقدمات ابن رشد ( تأليف الفقيه الحــافظ )قاضــي‬
‫الجماعة بقرطبة( أبــي الوليـد محمـد بــن أحمــد بـن رشــد‬
‫المتوفى سنة ‪420‬هـ‪ -‬أول طبعة على نفقة الحــاج محمــد‬
‫أفندي ساسي المغربي التونسي التاجر‬
‫بجوار محافظة مصر ‪ -‬طبع مطبعة السعادة بجــوار ديــوان‬
‫محافظة مصر لصحابها محمد إسماعيل سنة ‪1325‬هـ ‪.‬‬
‫‪ - 30‬نيل الوطار شرح منتقــى الخبــار تــأليف محمــد بــن‬
‫علي بن محمد الشوكاني المتـوفى سـنة ‪1255‬هــ ‪ ،‬نشـر‬

‫‪808‬‬
‫وتوزيــع الرئاســة ‪ .‬الطبعــة الولــى ‪1402‬هـــ‪1982 -‬م‪-‬‬
‫طباعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع‪ -‬بيروت ‪ -‬لبنان‬
‫‪.‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬ذكر السباب التي يرى الدكتور إبراهيم عبد‬
‫الناصر تحريم الربا لجلها والرد عليها‬
‫مجلة البحوث السلمية ‪) -‬ج ‪ / 18‬ص ‪(137‬‬
‫دراسة لمقال الدكتور إبراهيم بن عبد الله الناصر‬
‫موقف الشريعة السلمية من المصارف‬
‫للدكتور ‪ /‬محمد بن أحمد الصالح )‪. (1‬‬
‫تقديم ‪ :‬الحمد لله والصلة والســلم علــى عبــده ورســوله‬
‫محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ :‬فقد قرأت هذا المقال القيم المتضمن الرد علــى‬
‫ما كتبه الدكتور إبراهيم بن عبد الله الناصــر فــي موضــوع‬
‫الربــا تحــت عنــوان ‪ :‬موقــف الشــريعة الســلمية مــن‬
‫المصارف ‪ .‬الصادر من فضيلة الدكتور محمد بن أحمد بــن‬
‫صالح ‪ ،‬فألفيته قد أعطــى المقــام حقــه واســتوفى الدلــة‬
‫الدالة على بطلن ما حــاوله الــدكتور إبراهيــم مــن تحليــل‬
‫أنواع الربا ما عــدا مســألة واحــدة ‪ ،‬وهــي ‪ :‬مــا إذا أعســر‬
‫المدين واتفق مع الدائن على التأجيل بفائدة معلومة ‪ .‬ول‬
‫ريب أن ما حاوله الدكتور إبراهيم في بحثــه المــذكور مــن‬
‫تحليل أنواع الربا ما عدا المسألة المذكورة ‪ ،‬قد حــاد فيــه‬
‫عن الصواب بشبه واهية أوضح الدكتور محمــد فــي مقــاله‬
‫المذكور بطلنها وكشف زيفها ‪ .‬فجزاه الله خيرا وضــاعف‬
‫مثوبته وجعلنا وإياه وسائر إخواننا من أنصار الحق ‪.‬‬
‫ومن تأمل نصوص الكتاب والســنة الصــحيحة علــم تحريــم‬
‫ربا الفضل وربا النسيئة في جميع الصور التي تتعامــل بهــا‬
‫البنوك وبعض التجار الذين‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ورد لكاتب البحث ترجمة في العدد العاشر ‪ ،‬ص ‪304‬‬
‫ل يتحرجــون مــن المعــاملت الربويــة ‪ .‬وقــد توعــد اللــه‬
‫ْ‬
‫ن الّرب َــا‬ ‫ن ي َـأك ُُلو َ‬ ‫المرابين بأشد الوعيد فقال سبحانه } ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫س‬
‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي ي َت َ َ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬
‫ما ي َُقو ُ‬ ‫َل ي َُقو ُ‬
‫مو َ‬

‫‪809‬‬
‫َ‬ ‫ذ َل َ َ‬
‫م‬‫ح ـّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫م َقاُلوا إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫سـل َ َ‬ ‫مــا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َرب ّـهِ فَــان ْت ََهى فَل َـ ُ‬ ‫مـ ُ ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫عظ َـ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫الّرَبا فَ َ‬
‫َ‬ ‫عاد َ فَ ـأول َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م ِفيهَــا‬ ‫ب الن ّــارِ هُ ـ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫صـ َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ه َل‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن { )‪ } (1‬ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل ك َّفــارٍ أِثيـم ٍ { )‪ ، (2‬وقــال عــز وجــل ‪ } :‬ي َــا أي ّهَــا‬ ‫َ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫م‬ ‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬ ‫ن الّرب َــا إ ِ ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬
‫مــا ب َِقـ ْ َ‬ ‫مُنوا ات ُّقــوا الل ّـ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن الل ّـ ِ‬
‫ه‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫ن ل َـ ْ‬ ‫ن { )‪ } (3‬فَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن وَلَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مــو َ‬ ‫م ل ت َظل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫مـ َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَلك ُـ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬
‫ســول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫وََر ُ‬
‫ن { )‪ ، (4‬وصح عن رســول اللــه صــلى اللــه عليــه‬ ‫مو َ‬ ‫ت ُظ ْل َ ُ‬
‫وسلم ‪ » :‬أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال‬
‫هم سواء ‪(5) « .‬‬
‫والحــاديث فــي تحريــم الربــا بــأنواعه كلهــا كــثيرة جــدا ‪،‬‬
‫فالواجب على كل مسلم أن يحذر المعاملت الربويــة وأن‬
‫يبتعد عنها وأل يغتر ببعض من زلــت قــدمه فــي تحليلهــا أو‬
‫التساهل فيها ‪.‬‬
‫ونسأل الله أن يوفــق المســلمين لكــل خيــر وأن يمنحهــم‬
‫الفقه في الدين وأن يوفق أخانا الدكتور محمــد بــن أحمــد‬
‫للمزيد مــن العلــم النــافع والعمــل الصــالح وأن يشــكر لــه‬
‫سعيه ويجزل مثوبته ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪276‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (4‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري اللباس )‪,(5617‬سنن أبو داود الــبيوع‬
‫)‪,(3483‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(4/308‬‬
‫وأن يهدي الدكتور إبراهيم بن عبد الله الناصــر للحــق وأن‬
‫يلهمه رشده ويعيذه من شر نفسه إنه جواد كريم ‪ .‬وصلي‬
‫الله وسلم على عبده ورسوله محمــد وعلــى آلــه وصــحبه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫عبد العزيز بن عبد الله بن باز‬
‫الرئيس العام‬
‫لدارات البحوث العلمية والفتاء والدعوة والرشاد ‪.‬‬

‫‪810‬‬
‫بداية الدراسة ‪ :‬يتضــمن هــذا المقــال ‪ :‬محاولــة إثبــات أن‬
‫الربا الذي جاء القرآن بتحريمه غيــر متحقــق فــي معاملــة‬
‫المصارف بالستدانة منها بفائدة يحددها المصرف ويلــتزم‬
‫المستدين بدفعها إلى المصرف مع أصل الدين ‪ ،‬ومن ثــم‬
‫تكون هذه المعاملة مشروعة ‪.‬‬
‫وقبل أن نناقش ما جاء في هذا المقال نحب أن نقرر هنــا‬
‫أمورا ‪ :‬أ ( إن إخضاع الشريعة لواقع الناس في معاملتهم‬
‫وتصرفاتهم غير جائز شرعا ‪ ،‬ومن ثــم يجــب رفضــه ؛ لن‬
‫الشريعة حاكمة يخضع الناس لوامرها ونواهيهـا ‪ ،‬وليسـت‬
‫محكومة لواقع الناس وأهوائهم وأغراضهم يتبعونها عنــدما‬
‫تحلو لهم ‪ ،‬وينأون عنها إذا لم تصادف هوى في نفوسهم ‪،‬‬
‫ك َل‬ ‫يقول اللـه تعـالى فــي تقريــر هــذا المبــدأ ‪ } :‬فََل وََرب ّـ َ‬
‫دوا فِــي‬ ‫جـ ُ‬ ‫م َل ي َ ِ‬ ‫م ث ُـ ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ـ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫َ‬
‫ما { )‪ . (1‬ويقول‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫حَر ً‬‫م َ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫أن ُْف ِ‬
‫ضــى الل ّـ ُ‬
‫ه‬ ‫ذا قَ َ‬ ‫من َـةٍ إ ِ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن وََل ُ‬ ‫ٍ‬ ‫م ـؤ ْ ِ‬
‫م‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫ما ك َــا َ‬ ‫جل شأنه ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ورسول ُ َ‬
‫م { )‪(2‬ـ ‪،‬‬ ‫مرِهِـ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مـ ْ‬ ‫خي َـَرةُ ِ‬ ‫ن ل َهُ ـ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مًرا أ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ََ ُ ُ‬
‫عوا إ َِلــى‬ ‫ذا د ُ ُ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫ن قَوْ َ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫ويقول عز وجل ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫ك‬‫معَْنا وَأ َط َعَْنا وَُأول َئ ِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ن ي َُقوُلوا َ‬ ‫مأ ْ‬
‫الل ّه ورسول ِه ل ِيحك ُم بينه َ‬
‫ِ ََ ُ ِ َ ْ َ ََُْ ْ‬
‫ن { )‪. (3‬‬ ‫حو َ‬ ‫مْفل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫هُ ُ‬
‫إذن فمحاولــة إضــفاء الشــرعية علــى العمليــة المصــرفية‬
‫المذكورة وما يترتب عليها من فوائد تبريرا لما يتعامل بــه‬
‫النــاس مــع المصــارف أمــر غيــر جــائز شــرعا ؛ لنــه هــدم‬
‫للشريعة ومحاولة للتخلص من اتباعها ‪.‬‬
‫ب ( إن فقهاء المة في كل عصر ومصر مطــالبون بإيجــاد‬
‫البديل عن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة النساء الية ‪65‬‬
‫)‪ (2‬سورة الحزاب الية ‪36‬‬
‫)‪ (3‬سورة النور الية ‪51‬‬
‫المعاملت التي يحتاج إليها الناس في معايشهم ول تقرهــا‬
‫الشــريعة ‪ ،‬إمــا بســبب انحــراف النــاس عــن اتبــاع ســنن‬
‫الشريعة فيها ‪ ،‬أو تقليد غير المسلمين في تعــاملهم بهــا ‪،‬‬
‫وهذا البديل ل بد أن يكون في ظــل الشــريعة ‪ ،‬فــإن كــان‬

‫‪811‬‬
‫حكم المعاملة منصوصا عليه طبق عليها ‪ ،‬وإل ففي ميدان‬
‫السياسة الشرعية التي يبنى فيهــا الحكــم علــى المصــلحة‬
‫متسع له بشرط أل يخــالف نصــا أو إجماعــا ‪ ،‬فــإن أعوزنــا‬
‫النص ولم تسعفنا السياسة الشــرعية ‪ -‬ونــادرا مــا يحصــل‬
‫هـــذا ‪ -‬حكمنـــا ببطلن هـــذه المعاملـــة ؛ لظهـــور تحقـــق‬
‫المفسدة فيها حينئذ ‪.‬‬
‫ج ( إن أحكام الشريعة يأخذها المرء من كتاب الله وســنة‬
‫رسوله صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ ،‬إذا كــان أهل للســتنباط‬
‫منهما ‪ ،‬فإن لــم يكــن أهل أخــذها مــن أقــوال فقهــاء أهــل‬
‫الشـريعة المعـترف بإمـامتهم وحــذقهم فـي فهـم الكتــاب‬
‫والسنة واستنباط الحكام منهما ‪.‬‬
‫أما أدعياء الجتهاد والبحث الــذين لــم ينشــأوا فــي رحــاب‬
‫الشريعة ‪ ،‬ولم يتمرسوا بها ‪ ،‬ولكنهم أقحموا أنفسهم فــي‬
‫ميدانها لغرض من الغراض ‪ ،‬فهؤلء ل تؤخذ عنهم شريعة‬
‫اللــه ولــو ظهــرت لهــم كتــب أو مقــالت أو أبحــاث تحمــل‬
‫أسمائهم وذلك لعدم الثقة بها والطمئنان إليها ‪.‬‬
‫د ( إن فقهاء الشريعة يقسمون أحكامها إلى قســمين ‪1 :‬‬
‫‪ -‬أحكام قطعية ‪ :‬ويريدون بهــا الحكــام الــتي ثبتــت بأدلــة‬
‫قطعيــة الثبــوت وقطعيــة الدللــة ‪ ،‬وهــي الحكــام الثابتــة‬
‫بنصــوص القــرآن الكريــم أو الســنة المتــواترة ‪ ،‬إذا كــانت‬
‫دللتها على المعنى ل تحتمل معنى آخر غير ما تــدل عليــه‬
‫بأصل وضعها اللغوي ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أحكــام ظنيـة ‪ :‬وهـي الــتي ثبتــت بأدلـة ظنيـة الثبـوت‬
‫والدللة معا ‪ ،‬أو قطعيــة الثبــوت ظنيــة الدللــة ‪ ،‬أو ظنيــة‬
‫الثبوت قطعية الدللة ‪،‬‬
‫وهــي الحكــام الثابتــة بنصــوص القــرآن الكريــم إذا كــانت‬
‫دللتها تحتمل أكثر من معنى ‪ ،‬والحكام الثابتة بالسنة غير‬
‫المتواترة ‪ ،‬سواء كانت ظنية الدللة أو قطعيتها ‪.‬‬
‫ول يعني هذا التقسيم أن الحكــام الظنيــة ل يجــوز العمــل‬
‫بها ؛ لن أدلتها ضعيفة ‪ ،‬أو لمعارضة مصــلحة لهــا فتترجــح‬
‫عليها ‪ ،‬بل على العكس يجب العمل بها ؛ لن الجمــاع قــد‬
‫قام على وجوب العمل بالحكام الظنية التي بينا حقيقتها ‪،‬‬
‫ويؤيد ذلك أن أغلــب أحكــام الشــريعة أحكــام ظنيــة ‪ ،‬أمــا‬

‫‪812‬‬
‫التقسيم المذكور فالغرض منه بيان تنوع الحكام الشرعية‬
‫وخصائص كل نــوع ‪ ،‬وإذن فالتشــكيك فــي قيمــة الحكــام‬
‫الظنية أو توهين العمل بها بقصد أو بدون قصد ‪ ،‬أو جعلهــا‬
‫عرضة لهواء بعض المعاصرين يرفضونها بأهوائهم استنادا‬
‫إلـــى المصـــالح الـــتي يزعمونهـــا يعتـــبر هـــدما للحكـــام‬
‫الشرعية ‪.‬‬
‫هـ ( إن بتر النــص والستشــهاد ببعضــه الــذي يؤيــد دعــوى‬
‫المـــدعى وإغفـــال البعـــض الخـــر الـــذي ل يؤيـــده ‪ ،‬أو‬
‫الستشهاد بنص مع إغفال النصــوص الخــرى وعــدم ربــط‬
‫بعضها ببعض يعتبر ذلك كله خارجا عن المنهج السليم فــي‬
‫البحث ‪ ،‬ويشبه أن يكون من بــاب اليمــان ببعــض الكتــاب‬
‫والكفــر بــالبعض الخــر وهــذا أمــر مــذموم بنــص القــرآن‬
‫الكريم ‪.‬‬
‫وإذن فالدعاء بأن فلنا من الفقهاء المعترف لهم بالمامة‬
‫قال كذا ‪ ،‬بدون ذكر صدر القول أو عجزه ‪ ،‬أو بدون ربطه‬
‫بما ذكــره هــذا الفقيــه فــي مواضــع أخــرى مــن مــؤلفه أو‬
‫مؤلفاته قول ل قيمة له في البحــث العلمــي ‪ ،‬وهــو منهــج‬
‫مرفوض ومســلك مــردود فــي مجــال الثبــات والســتدلل‬
‫لدى أهل الجدل والبحث والمناظرة من الفقهاء والعلماء ‪.‬‬
‫و ( يعرف الفقهاء الربا بــأنه ‪ :‬فضــل مـال بل عــوض لحــد‬
‫المتعاقدين في‬
‫معاوضة مال ربوي بجنسه ويقسون الربــا إلــى قســمين ‪:‬‬
‫ربا النسيئة وربا الفضل ‪.‬‬
‫فربا النسيئة عبارة عن الزيادة فــي مقابــل الجــل ‪ ،‬ومنــه‬
‫الربــا الــذي كــان معروفــا فــي الجاهليــة ‪ ،‬وهــو أن يكــون‬
‫للشخص دين على آخر فيقول الدائن للمــدين عنــد حلــول‬
‫الجل إما أن تقضي وإما أن تربي ‪ ،‬فإن لم يقضي المدين‬
‫زاده في المال وزاد الدائن في الجل ‪.‬‬
‫أما ربا الفضــل فهــو ‪ :‬الزيــادة الــتي ل يقابلهــا عــوض فــي‬
‫معاوضــة مــال بمــال ‪ ،‬ســواء كــانت فــي الشــياء الســتة‬
‫الواردة في الصحيحين وغيرهما ‪ ،‬وهــي ‪ :‬الــذهب والفضــة‬
‫والــبر والشــعير والتمــر والملــح ‪ ،‬أو فــي غيرهــا بطريــق‬

‫‪813‬‬
‫القيــاس عليهــا ‪ ،‬والربــا بقســميه محــرم بالكتــاب والســنة‬
‫والجماع ‪.‬‬
‫َ‬
‫ه ال ْب َي ْـ َ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّـ ُ‬
‫حـ ّ‬
‫أما الكتاب فقول الله تبارك وتعــالى ‪ } :‬وَأ َ‬
‫م الّرَبا { )‪ ، (1‬فــإن النــص يفيــد تحريــم الربــا بجميــع‬ ‫حّر َ‬
‫وَ َ‬
‫أقسامه ‪ ،‬لن ‪ -‬أل ‪ -‬في الربا للجنس ‪ ،‬و ‪ -‬أل ‪ -‬الجنســية‬
‫تفيد العموم كما نص على ذلك الصوليون ‪ ،‬فيكون تحريم‬
‫جميع أنواع الربا ثابتا بعموم النص القرآني ‪.‬‬
‫أمــا الســنة فالحــاديث الكــثيرة فــي ذم الربــا ‪ ،‬والوعيــد‬
‫الشديد لمن يمارسه ‪ ،‬والتقبيح والتشنيع على من يتعامــل‬
‫به وكذلك الحاديث الواردة فــي المنــع مــن ربــا الفضــل ‪،‬‬
‫مثل حديث أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي الله عنــه ‪ -‬المتفــق‬
‫عليه وهو قوله عليه الصلة والســلم ‪ » :‬ل تــبيعوا الــذهب‬
‫بالذهب إل مثل بمثل ول تشفوا بعضها على بعض ‪ - ،‬أي ل‬
‫تزيدوا ‪ -‬ول تبيعوا الـورق بـالورق إل مثل بمثـل ول تشـفوا‬
‫بعضها على بعض ‪ ،‬ول تبيعوا منها غائبا بناجز « ) ‪ ، (2‬وفي‬
‫لفظ » الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (2‬صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )‪,(2068‬صـــحيح مســـلم‬
‫المساقاة )‪,(1584‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1241‬ســنن‬
‫النســـائي الـــبيوع )‪,(4570‬مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )‬
‫‪,(3/4‬موطأ مالك البيوع )‪.(1324‬‬
‫والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح ‪ ،‬مثل بمثــل‬
‫يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الخذ والمعطــي فيــه‬
‫ســواء « )‪ (1‬رواه أحمــد والبخــاري )‪ . (2‬وفــي لفــظ » ل‬
‫تبيعوا الذهب بالذهب ول الورق بالورق إل وزنــا بــوزن مثل‬
‫بمثـــل ســواء بســواء « )‪ (3‬رواه أحمـــد ومســلم ففــي‬
‫الحاديث الثلثة الصحيحة دللة على تحريــم ربــا الفضــل ؛‬
‫لورودهــا بصــيغة النهــي الدالــة علــى التحريــم والفســاد‬
‫والبطلن كما هو مقرر عند علماء الصول ( ‪.‬‬
‫أما الجماع ‪ :‬فقد اتفــق المجتهــدون مــن المــة مــن لــدن‬
‫صحابة رسول الله ‪ -‬صلى الله عليــه وســلم ‪ -‬حــتى يومنــا‬
‫هذا على تحريم الربــا بنــوعيه ربــا النســيئة وربــا الفضــل ‪،‬‬

‫‪814‬‬
‫والختلف بين الفقهاء ليس في أصل تحريم ربا الفضــل ‪،‬‬
‫إنما هو في جريان الربا في غير الصــناف الســتة الــواردة‬
‫فــي تلــك الحــاديث ‪ ،‬وذلــك بســبب اختلفهــم فــي منــاط‬
‫الحكم وعلته ‪ ،‬بدليل أن الصناف الربوية الستة التي نــص‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليــه وســلم ‪ -‬علــى حرمتهــا ليســت‬
‫محل خلف بين أحد مـن الفقهـاء ‪ .‬أمـا مـا روي عـن ابـن‬
‫عباس ‪ -‬رضي الله عنهمـا ‪ -‬مـن جـواز ربـا الفضـل ‪ ،‬فقـد‬
‫صح رجوعه عن هذا القول عندما بلغته الحاديث الصحيحة‬
‫بالتحريم التي لم يكن قد اطلع عليها ‪ ،‬على أن العلماء لم‬
‫يسوغوا هذا الخلف لورود الحاديث الصحيحة بتحريم ربــا‬
‫الفضل في الصحيحين وغيرهما ‪ ،‬والخلف الذي ل يسوغه‬
‫العلماء ل قيمة فيـه لـرأي المخـالف ‪ ،‬وذكـره فـي الكتـب‬
‫لمجرد الحكاية والتاريــخ ‪ ،‬وأيضــا فقــد نقــل التحريــم عــن‬
‫الجم الغفير من الصحابة رضوان الله عليهم ‪.‬‬
‫وبعد هذه المقدمة الموجزة والتي تضمنت أمورا في غايـة‬
‫الهمية نتناول مقالة الكاتب بالدراسة والتحليل فنقول ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري البيوع )‪,(2067,2089‬صــحيح مســلم‬
‫المســــاقاة )‪,(1584,1584‬ســــنن الترمــــذي الــــبيوع )‬
‫‪,(1241,1241‬سنن النسائي البيوع )‪,(4565,4565‬سنن‬
‫ابــن مــاجه التجــارات )‪,(2257‬مســند أحمــد بــن حنبــل )‬
‫‪,(3/50,3/97‬موطأ مالك البيوع )‪.(1324,1324‬‬
‫)‪ (2‬كتاب البيوع ‪. 6 \ 3‬‬
‫)‪ (3‬صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )‪,(2068‬صـــحيح مســـلم‬
‫المساقاة )‪,(1584‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1241‬ســنن‬
‫النســـائي الـــبيوع )‪,(4570‬مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )‬
‫‪,(3/4‬موطأ مالك البيوع )‪.(1324‬‬
‫‪ - 1‬إن قــول صــاحب المقــال ) إن الربــا المجمــع علــى‬
‫تحريمه هو ربا النسيئة فقــط ( ‪ .‬خطــأ فــاحش لمــا قــدمنا‬
‫من الجماع على أصل تحريمــه فــي الصــناف الســتة وإن‬
‫الختلف بينهم إنما هــو فــي غيــر الصــناف الســتة بســبب‬
‫اختلفهــم فــي منــاط الحكــم وعلتــه ‪ ،‬أي أنــه اختلف فــي‬
‫التطبيق وليس اختلفا في الصل )‪. (1‬‬

‫‪815‬‬
‫‪ - 2‬إن ما جاء في المقال من ) أن النص عند عقــد الــدين‬
‫على الزيادة على أصل الــدين فــي مقابلــة الجــل هــو ربــا‬
‫الفضــل ( ‪ .‬خطــأ أيضــا ‪ ،‬وهــو خلــط بيــن القســمين لن‬
‫الزيادة في مقابل الجل من خصائص النسيئة غالبا ‪ ،‬وقــد‬
‫يجتمع النوعان في ربا النسيئة كما لو باع ذهبا بذهب أكــثر‬
‫منه أو أقل إلى أجل أو فضة بفضة أكثر منها أو أقــل منهــا‬
‫إلى أجل وهكذا ما يشبه ذلــك مــن أصــناف الربــا ‪ ،‬ثــم أي‬
‫فـرق بيـن الزيـادة لجـل الجـل فـي ابتـداء عقـد الـدين ‪،‬‬
‫والزيادة لجل الجل في المرة الثانيــة عنــد عجــز المــدين‬
‫عــن الوفــاء وطلبــه التأجيــل ؟ ولمــاذا كــانت الزيــادة فــي‬
‫المــرة الولــى جــائزة مــع وجــود ربــا الفضــل والنســيئة‬
‫ومحرمة عند أنظاره في آخر العقد عنــد العجــز ؟ ‪ .‬اللهــم‬
‫إن هذا حكم ل يقوم عليه دليل وخلط غير مستقيم ‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن بعض الكتاب المعاصرين من الذين يدعون التحــرر‬
‫والجتهاد ويقسمون الربا إلى نــوعين ‪ :‬ربــا اســتهلك وربــا‬
‫استثمار ‪.‬‬
‫ويريــدون بربــا الســتهلك الربــا الــذي يــدفعه المــدين مــع‬
‫القرض الذي استهلكه في حاجة نفسه وأولده مــن طعــام‬
‫وكسوة وسكنى ودواء ودفع حاجة ونحوها ‪.‬‬
‫ويريدون بربا الســتثمار ‪ :‬مــا يــدفعه المــدين مــع القــرض‬
‫الذي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر نيل الوطار للشوكاني ‪167 - 161 \ 5‬‬
‫صرفه في توسيع تجارته أو مصانعه أو أرضه بقصد الربــح‬
‫والفائدة ‪ .‬ويقولون إن النوع الول هو المحرم ؛ لن الغني‬
‫يســتغل حاجــة الفقــر المحتــاج ‪ .‬أمــا النــوع الثــاني فــإنهم‬
‫يقولون بجوازه وحله ‪ ،‬ومن هــؤلء صــاحب المقــال الــذي‬
‫بين أيدينا ‪ ،‬وسيأتي بيان وجهة نظرهم والرد عليها ‪.‬‬
‫‪ - 4‬أما بالنسبة لضفاء الشرعية على المعاملة المصــرفية‬
‫وهي القتراض من المصرف بفائدة تدفع مع أصــل الــدين‬
‫حسب اتفاق المصرف مع المدين ‪ ،‬إن الكاتب استند فــي‬
‫ادعاء هذه الشرعية إلى شبه نوردها ثم نبدي رأينا فيها ‪:‬‬

‫‪816‬‬
‫الشبهة الولى ‪ :‬إن الزيادة الولى في الدين المؤجـل هـي‬
‫من ربا الفضل وربا الفضل حرم سدا للذريعــة ‪ ،‬ومــا كــان‬
‫كذلك فيجوز التعامل بــه إذا اقتضــت مصــلحة النــاس هــذا‬
‫التعامل ‪ ،‬وقد اقتضت المصلحة ذلك لن معاش النــاس ل‬
‫يتم إل بهذا التعامل ‪ .‬وقد اســتند فــي هــذه الشــريعة إلــى‬
‫فتوى الشيخ رشيد رضــا وأقــوال لبــن تيميــة وابــن القيــم‬
‫وابن قدامة وابن حزم ‪ -‬ص ‪ 4‬من المقال ‪.‬‬
‫تفنيد هذه الشبهة ‪ :‬نرد على هذه الشبهة بالنقاط التاليــة ‪:‬‬
‫أ‪ -‬إن الزيادة الولى ليست من ربا الفضل وحده ‪ ،‬بل هــي‬
‫جامعة لربا الفضل والنســيئة كمــا تقــدم لنهــا فــي مقابــل‬
‫التأجيل قطعا ‪ ،‬واعتبارهــا مــن ربــا الفضــل وحــده قــول ل‬
‫نعلمه لحد من أهل العلم ممــن يعتــد بقــوله مــن الفقهــاء‬
‫المتقدمين والمتــأخرين ‪ ،‬فهــو قــول باطــل وفيــه مغالطــة‬
‫وتلبيس ‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن القول بـأن ربــا الفضـل حــرام سـدا للذريعــة قـول‬
‫باطل ل يقوم على دليل ‪ ،‬إذ إن ربا الفضــل محــرم ابتــداء‬
‫وقصدا ‪ ،‬كما تدل عليه‬
‫الحاديث الخاصة بتحريمه ‪ ،‬ونسبة هذا القول لبــن القيــم‬
‫خطأ إذ لم يقل به أصل )‪ . (1‬وإنما تحدث رحمه اللــه عــن‬
‫بيع المعدوم وأشار إلى أن الشريعة تراعي المصــالح ولــم‬
‫يتحدث عن ربا الفضل أصل ‪ ،‬وقد ساق الكاتب عبارته عن‬
‫الخذ بالمصالح مبتورة محرفة ‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن القول بجواز التعامل به إذا اقتضت المصلحة ذلــك‬
‫بناء على أن تحريمه مبني على سد الذريعة قــول باطــل ؛‬
‫لن تحريــم ربــا الفضــل ثــابت بنصــوص الســنة الصــحيحة‬
‫الصريحة القوية في دللتها ومثل هــذه ل يجــوز معارضــتها‬
‫بالمصــلحة ؛ لن المصــلحة ل اعتبــار لهــا أمــام النصــوص‬
‫الصحيحة ‪ ،‬إذ هي ل تعتبر إل في الوقائع المسكوت عنها ‪،‬‬
‫أي التي لم يرد بحكمهــا نــص بالعتبــار أو اللغــاء ‪ ،‬أو فــي‬
‫الوقائع التي بني الحكــم فيهــا علــى ســد الذريعــة ابتــداء ‪،‬‬
‫على أن القول بتحكيم المصلحة في النصوص قول باطــل‬
‫لم يؤثر إل عن نجم الدين الطوفي من فقهاء الحنابلة فــي‬
‫القرن الثامن ‪ ،‬وقد رفضــه العلمــاء قــديما وحــديثا مــبينين‬

‫‪817‬‬
‫بطلنــه وفســاده إذ لــو حكمــت المصــالح فــي النصــوص‬
‫تهدمت الشريعة وخضعت لهواء الناس وفــي ذلــك ضــياع‬
‫لها والعياذ بالله ‪.‬‬
‫‪ - 4‬إن القول بأن معايش الناس ل تتم إل بهــذه المعاملــة‬
‫قول ل يؤيده شيء من النصوص أو واقــع المعــاملت بيــن‬
‫النــاس ‪ ،‬بــل إن النصــوص ومعــاملت النــاس تــدل علــى‬
‫اســتقامة الحيــاة وتمــام المعيشــة بــدون هــذه المعاملــة‬
‫الربوية ‪ ،‬ولما دخلت هـذه المعاملـة حيـاة النـاس أوجـدت‬
‫الكثير من النكد والتنغيص وفساد الحالة القتصادية ‪ ،‬ومما‬
‫يؤيد ذلك ما‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬في الكتاب الذي أشار إليه صاحب المقال وهــو '' زاد‬
‫المعاد ''‬
‫قرره أســاطين القتصــاد فــي العــالم مــن أن أكــبر ضــربة‬
‫قاصمة توجه إلى اقتصاد أي دولة تــأتي مــن ناحيــة الربــا ‪،‬‬
‫ولقد حرمت روسيا الملحدة التعامل بالربــا ‪ ،‬فهــل ضــعف‬
‫اقتصــادها وهــل أصــاب معيشــة أهلهــا شــيء مــن الضــنك‬
‫والضيق والمشقة بسبب عدم التعامل بالربا ؟‬
‫بل إن ما أصابهم ويصيبهم مــن الضــيق والضــنك إنمــا هــو‬
‫لجور النظمة الماركســية ‪ .‬إن اقــتراض التجــار وأصــحاب‬
‫رؤوس الموال من الغنياء ل تدعو إليــه حاجــة فضــل عــن‬
‫الضرورة ‪ ،‬فالتاجر يقترض من المصــرف لتوســيع تجــارته‬
‫وصاحب المصنع يقــترض للتوســع فــي صــناعته وأصــحاب‬
‫المزارع يقترضون للتوســع فــي الزراعــة ووفــرة النتــاج ‪،‬‬
‫وهذه ليست أمورا أساسية ل تتم حياة النــاس ومعايشــهم‬
‫إل بها ‪ ،‬وإنما هي أمور توسيعيه ل تشكل حاجة فــي حيــاة‬
‫الناس فضل عن الضرورة ‪.‬‬
‫وقد يقــال إن المــة فــي حاجــة إلــى التوســع فــي وســائل‬
‫النتــاج لتكــون قويــة وقــادرة علــى مواجهــة الحــداث‬
‫القتصادية ومواجهة الدول التي تســتغل الــدول الســلمية‬
‫نتيجة ضعفها المادي والقتصادي ‪ .‬والجواب عن هــذا ‪ :‬إن‬
‫الحاجة إلى التوسع المذكور تسد من قبــل الدولــة أو مــن‬
‫قبل الفراد بتكوين الشركات الضخمة والمصانع العملقــة‬

‫‪818‬‬
‫واستصلح الراضي البور ‪ ،‬وذلك كله وظيفة الدولــة وهــي‬
‫وظيفــة واجبــة كلهــا ومســؤولة عنهــا أمــام اللــه ســبحانه‬
‫وتعالى ‪.‬‬
‫‪ - 5‬أما فتوى الشيخ رشيد رضا الـتي اسـتند إليهـا الكـاتب‬
‫في كلمه فإنه ليس ممن يحتج بقوله إذا كــان معــه غيــره‬
‫فما بالك إذا انفرد وخالف النص ‪ ،‬أما ما نقله الكاتب عــن‬
‫ابن قدامة وابن تيمية وابن القيم وابن حزم فهــي نصــوص‬
‫بعضها مبتور عن أصله ‪ ،‬وبعضها غير‬
‫موافق لما قالوه في غير هذه المواضع وكل المريــن غيــر‬
‫صالح للحتجاج )‪. (1‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬وعلــى فــرض موافقتهــا لــرأي الكــاتب قــد تقــرر فــي‬
‫الصول أن كل رأي يخالف النصوص من الكتاب والسنة ل‬
‫ه‬
‫م ِفيــ ِ‬ ‫خت َل َْفُتــ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫يجوز التعويل عليه يقول الّله عز وجل ‪ :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ه إ َِلى الل ّهِ ‪ ،‬وقوله سبحانه ‪َ :‬يا أي َّها اّلــ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫حك ْ ُ‬
‫يٍء فَ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫ل وَأوِلي اْل ْ‬ ‫سو َ‬ ‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا أ ِ‬ ‫آ َ‬
‫م‬‫ن ك ُن ْت ُـ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سـ ْـو ِ‬ ‫دوهُ إ ِل َــى الل ّـهِ َوالّر ُ‬ ‫يٍء فَ ـُر ّ‬
‫شـ ْ‬ ‫م فِــي َ‬ ‫ت ََناَزعْت ُ ْ‬
‫ن ت َأِويًل‬ ‫َ‬ ‫خرِ ذ َل ِ َ‬‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬‫خي ٌْر وَأ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ت ُؤْ ِ‬
‫الشبهة الثانيــة ‪ :‬أن الحكمــة فــي تحريــم الربــا هــي إزالــة‬
‫الظلم الناشئ عن استغلل الغني حاجة المحتاج ‪ ،‬والظلم‬
‫غيــر متحقــق فــي اقــتراض كبــار التجــار وأصــحاب رؤوس‬
‫الموال من المصارف بالفوائد لتنميــة أمــوالهم وتجــارتهم‬
‫ومصانعهم ؛ لنهم ليسوا محتاجين ويستأنس الكاتب بقول‬
‫الشــيخ رشــيد رضــا ‪ :‬ول يخفــى أن المعاملــة الــتي ينتفــع‬
‫ويرحم فيها الخذ والمعطي الــتي لولهــا فاتتهمــا المنفعــة‬
‫ن{‬ ‫مــو َ‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مــو َ‬‫معا ل تدخل في هذا التعليل } َل ت َظ ْل ِ ُ‬
‫)‪. (1‬‬
‫الرد علــى هــذه الشــبهة ‪ :‬إن الشــبهة ليســت بشــيء فــي‬
‫مقــام الســتدلل لمــا يــأتي ‪ :‬أ ( إن حكمــة تحريــم الربــا‬
‫ليست منحصرة فــي إزالــة الظلــم الناشــئ عــن اســتغلل‬
‫الغني حاجة الفقر ‪ ،‬بل هناك حكم أخــرى للتحريــم ‪ ،‬منهــا‬
‫القضاء على البطالــة والكســل بالنســبة للــدائنين ودفعهــم‬
‫إلـــى العمـــل واســـتخلص الـــرزق بالســـعي فـــي الرض‬

‫‪819‬‬
‫والمشي في مناكبهـا ‪ .‬ومنهـا أنـه يـؤدي إلـى أكـل أمـوال‬
‫الناس بالباطــل لعــدم العــوض المقابــل للزيــادة الربويــة ‪.‬‬
‫ومنهـــا أنـــه يـــؤدي للعـــداوة والبغضـــاء والمشـــاحنات‬
‫والخصــومات ؛ لنــه ينــزع عاطفــة الــتراحم مــن القلــوب‬
‫وتضــيع بــه المــودة ويــذهب المعــروف بيــن النــاس وتحــل‬
‫القسوة محل الرحمة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫ب ( إن هذا الوجه في الستدلل تعليل بالحكمــة والراجــح‬
‫لدى الصوليين هو عدم التعليل بالحكمــة لعــدم انضــباطها‬
‫وظهورها ‪.‬‬
‫ج ( إنه على فرض جواز التعليل بالحكمة وانحصــارها فــي‬
‫إزالة الظلم فإنها ليست منحصرة في الفقير المحتاج ‪ ،‬بل‬
‫هي أيضا متحققة أيضا بالنسبة للغني غير المحتاج ‪ ،‬إذ هي‬
‫أكل لماله بالباطل لعدم المقابل للزيادة الربوية مــن مــال‬
‫أو منفعة أو مصلحة ‪ ،‬ويؤيد ذلك أن النص القرآنــي الــوارد‬
‫في تحريم الربا لم يفرق بين الفقير المحتاج والغنــي غيــر‬
‫المحتاج ؟ كما يؤيده أيضا قول الرسول ‪ -‬صلى الله عليــه‬
‫وسلم ‪ -‬في حجة الوداع » ) وأول ربا أضــعه تحــت قــدمي‬
‫هــاتين ربــا عمــي العبــاس ( « )‪ (1‬ومعــروف أن العبــاس‬
‫يتعامل مع تجار قريش من الغنياء ‪ ،‬ولم يكن مع الفقــراء‬
‫المحتاجين ؛ لن مكانته من ذلك معروفة بإطعــام الحجــاج‬
‫وسقايتهم ومواساة المحتاجين ل يسيغ هذا الدعاء ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري الحــج )‪,(1693‬صــحيح مســلم الحــج )‬
‫‪,(1218‬سنن الترمذي الحج )‪,(856‬سنن النسائي مناسك‬
‫الحج )‪,(2763‬سنن أبو داود المناسك )‪,(1905‬ســنن ابــن‬
‫مـــاجه المناســـك )‪,(3074‬مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )‬
‫‪,(3/321‬موطأ مالك الحج )‪,(836‬سنن الدارمي المناسك‬
‫)‪.(1850‬‬
‫الشبهة الثالثة ‪ :‬إن عملية القتراض من المصــرف بفــائدة‬
‫تعتــبر مــن الــبيع ‪ ،‬والــبيع جــائز حلل ‪ ،‬وفــي ذلــك يقــول‬
‫الكــاتب نقل عــن الشــيخ رشــيد رضــا ومقــرا لقــوله ‪ :‬إن‬

‫‪820‬‬
‫المعاملة التي يقصد بها التجار ل القرض للحاجة هي مــن‬
‫قسم البيع ل من قسم استغلل حاجة المحتاج ‪ .‬ثم يضيف‬
‫إلى ذلك قول للشيخ رشيد وهو ‪ :‬أنه ليس في أخــذ الربــح‬
‫من صندوق التوفير والمصارف ظلما لحد ول قسوة على‬
‫محتاج حتى في دار السلم ‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫الرد على هذه الشبهة ‪ :‬للرد على هذه الشبهة نقــول ‪ :‬إن‬
‫المعاملة المصرفية التي نحن بصدد مناقشتها ل تعتبر بيعــا‬
‫بأي معيار أو قياس من المعايير أو المقاييس الشــرعية إذ‬
‫ليس فيها بائع ومشتري ومــبيع وثمــن ‪ ،‬وإنمــا هــي قــرض‬
‫بفائدة مقابل الجل وهــذا هــو الربــا بعينــه ‪ ،‬نعــم قــد يــبيع‬
‫المقترض ويشتري ويتاجر بما اقترضه ولكن ذلك مــع غيــر‬
‫المصرف والمصرف ل علقة لــه بهــذه التجــارة ؛ لنــه لــم‬
‫يعطه المال مشاركة أو مضاربة‬
‫أو على أي وجه من الوجوه التجارية ‪ ،‬وإذن فالدعــاء بــأن‬
‫هذه المعاملة من قسم البيع ادعاء باطل وتخرج سخيف ل‬
‫يقصد منه في نظرنا إل التمويه على النــاس لــدفعهم إلــى‬
‫التعامل بالربا ‪.‬‬
‫أما فتوى الشيخ رشيد رضا بحل أخــذ الربــح مــن صــناديق‬
‫الدخار والتوفر والمصارف فهي فتــوى مخالفــة للنصــوص‬
‫الشرعية ‪ ،‬إذ ل يجوز أخذ الربح من صندوق التوفر أو مــن‬
‫المصارف التي تــدفع أرباحــا عــن المــوال المودعــة بهــا ‪،‬‬
‫وذلك لن صــناديق التــوفر والمصــارف ل تســتثمر أموالهــا‬
‫في تجــارة أو صــناعة أو زراعــة تحصــل منهــا علــى أربــاح‬
‫وأموالها تــأتي عــن طريــق إقراضــها بفــوائد فيأخــذ البنــك‬
‫حصــة منهــا ويعطــي المــدخر أو المــودع البعــض الخــر ‪،‬‬
‫فالكثير من البنــوك الن يعطــي المــودع ‪ %6‬فــوائد بينمــا‬
‫يأخذ هذا البنك نفسه من المقترض ‪ % 14‬كما أفاد البنــك‬
‫المركزي المصري دار الفتاء المصــرية بــذلك ‪ ،‬وإذن فمــا‬
‫يأخذه المدخر أو المــودع يعتــبر أكل للمــال بالباطــل وهــذا‬
‫ظلم فبطلت هذه الشبهة ‪.‬‬
‫الشبهة الرابعــة ‪ :‬إن خصــائص الربــا القرآنــي ‪ -‬فــي نظــر‬
‫الكــاتب ‪ -‬ل تتحقــق فــي المعاملــة المصــرفية الــتي نحــن‬
‫بصددها وهي القـتراض بالفـائدة ‪ .‬ويحـدد الكــاتب خمــس‬

‫‪821‬‬
‫خصائص للربا القرآني التي يســميها أســبابا ثــم يــري أنهــا‬
‫ليست متحققة في المعاملة المصــرفية ‪ ،‬ومــن ثــم تكــون‬
‫هــذه المعاملــة جــائزة فــي نظــر الشــريعة الســلمية‬
‫ونستعرض هذه الخصائص وتطبيقها ثم نبين وجــه البطلن‬
‫فيهــا أو فــي تطبيقهــا أو فيهمــا معــا ‪ :‬أ ( يــرى الكــاتب أن‬
‫الخاصة الولى من الربا القرآني المحرم هي ‪ :‬أن المــدين‬
‫ل بد أن يكون محتاجا للصدقة عمل بظروف الدين ولــذلك‬
‫فهو مظلوم بأخذ الربا منه ‪.‬‬
‫ويمكن أن نرد شبهة الكاتب ومن سبقه في هــذا الميــدان‬
‫بأن النصوص‬
‫القرآنية المحرمة للربا وردت عامــة أو مطلقــة لــم تفــرق‬
‫بين الفقير المحتاج والغني القادر ‪ ،‬فتخصيصــها أو تقييــدها‬
‫بما يكون مع الفقير المحتاج يحتــاج إلــى دليــل ‪ ،‬ومــا ذكــر‬
‫على أنه دليل للتخصــيص أو التقييــد ل يعتــبر دليل أو شــبه‬
‫دليل لما يلي ‪ :‬أول ‪ :‬أن الحث على التصــدق لــم يــرد فــي‬
‫كل آيات الربا وحسبنا أن آية التحريم الصريحة هــي قــوله‬
‫َ‬
‫م الّرب َــا { )‪ (1‬لــم يعقبهــا‬ ‫ه ال ْب َي ْـعَ وَ َ‬
‫ح ـّر َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬
‫تعالى ‪ } :‬وَأ َ‬
‫الحث على الصدقة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أن الحث على التصــدق الــوارد عقــب بعــض اليــات‬
‫ليس خاصا بالمدين دينا ربويا ‪ ،‬بل يشمله ويشمل غيــره ‪،‬‬
‫لورود الحث على الصدقة بصيغ عامة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أن الغرض من الحث على الصدقة في بعض اليــات‬
‫هو بيــان الطريــق الســوي المثــل الــذي يجــب أن يســلكه‬
‫المرابي بدل طريق الربا المحرم ‪ ،‬بل هو حث لــه ولغيــره‬
‫فل علقة للحث على الصدقة التي تكون للفقيــر المحتــاج‬
‫بحقيقة الربا المحرم ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬أنه على فرض دللة الحث علــى الصــدقة علــى أن‬
‫الربا المحرم هو الذي يكــون مــع الفقيــر المحتــاج فــإنه ل‬
‫طريــق لــذلك إل القــتران ‪ ،‬ودللــة القــتران دللــة غيــر‬
‫معتبرة عند كثير من العلماء ومن يعتبرها فــإنه يقــرر أنهــا‬
‫دللة ضعيفة ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليــه وسـلم ‪ -‬أهــدر ربــا‬
‫عمه العباس ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬ومن المعروف أن العباس‬

‫‪822‬‬
‫كــان يرابــي مــع التجــار الغنيــاء ولــم يكــن يرابــى مــع‬
‫المحتاجين من الفقراء كما قررناه مــن قبــل ‪ ،‬وهــذا يــدل‬
‫علــى أن الربــا المحــرم ليــس قاصــرا علــى المعاملــة مــع‬
‫الفقراء المحتاجين ‪ ،‬والرسول عليه الصلة والسلم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫مبين لما جــاء فــي القــرآن الكريــم وكــل ذلــك يــدل علــى‬
‫بطلن هذه الخاصة ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬أن العرب كانوا تجارا وكانت تجــارتهم تمتــد إلــى‬
‫خــارج بلدهــم فــي الشــام واليمــن فمــا المــانع لهــم مــن‬
‫التعامل بالربا في التجــارة ؟ ثــم الــذي يقــول ) إنمــا الــبيع‬
‫مثل الربا ( هــم التجـار أو الفقـراء المحتـاجون للصـدقة ؟‬
‫أليسوا هم التجار الــذين يتعــاملون بالربــا ويقيســونه علــى‬
‫البيع ويجعلونه نوعا من أنواع البيع كما يقـول بعـض كتـاب‬
‫هذا العصر ؟ وما دخل الفقراء المحتاجين في جعــل الربــا‬
‫مثل البيع وهم ل يزاولون بيعا ول تجــارة ؟ ثــم أليــس فــي‬
‫َ‬
‫ه ال ْب َي ْـ َ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّـ ُ‬
‫حـ ّ‬
‫مقابلة الربا بالبيع فــي قــوله تعــالى ‪ } :‬وَأ َ‬
‫م الّرَبا { )‪ (1‬ما يشعر بأن العرب كــانت تتعامــل فــي‬ ‫حّر َ‬
‫وَ َ‬
‫الربا للغراض التجارية ؟ إن ذلك كله يدل على أن تحريــم‬
‫الربا نزل في مجتمع كان فريق التجار فيه يتعاملون بالربا‬
‫‪ ،‬وهو ربا استغللي وليس ربا اســتهلكيا ‪ ،‬ومعنــى هــذا أن‬
‫تحريم الربا يشمل الربا الستهلكي والستغللي ومــن ثــم‬
‫تبطــل شــبهتهم ودعــواهم فــي قصــر الربــا علــى الربــا‬
‫الستهلكي ‪ .‬ثم هــل قــامت المصــارف أو تقــوم بــإقراض‬
‫أهل الحاجة والفقر قروضــا حســنة بــدون فــوائد ؟ أو أنهــا‬
‫سـلبتهم البقيـة الباقيـة مــن أمـوالهم بــدون إشـفاق علــى‬
‫ضعفهم أو رحمة بصغارهم أو مراعاة لحاجتهم وأحوالهم ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬أن قصر الربا القرآني المحرم على المعاملــة مــع‬
‫الفقير المحتاج دون الغني القادر ‪ ،‬أو بعبارة أخرى قصــره‬
‫على الربا الستهلكي دون الربا الستغللي لم يقل به أحد‬
‫من المفسرين ول أحد من الفقهاء ‪ ،‬ولم يظهر منه شــيء‬
‫في تعريفاتهم للربا على اختلف مذاهبهم ومناهجهم ‪ ،‬ولم‬
‫يظهر القول به إل في هذا العصر على لســان مــن يــدعي‬

‫‪823‬‬
‫التحرر والجتهاد ومن هؤلء صاحب المقــال ‪ .‬ولكنــه بكــل‬
‫أســف علــى حســاب الشــريعة بإخضــاعها لواقــع النــاس‬
‫وأهوائهم ‪ ،‬إننا لسنا ضد التجديد والجتهاد بل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫على العكس ندعو إلى فتح أبوابهما على مصاريعها ولكــن‬
‫في إطار نصوص الشريعة وقواعدها الكلية ‪ ،‬وفي الحــدود‬
‫المرســومة للجتهــاد والســتنباط مــن الكتــاب والســنة ‪،‬‬
‫ونخلص من ذلك كله إلى أن الحتياج للصدقة ليس خاصية‬
‫للربا المحرم ول جزءا من حقيقته ول وصفا لزما له ‪ ،‬وإن‬
‫الرأي القائل بأن الربا القرآني المحرم هـو ربـا السـتهلك‬
‫أي الربــا الــذي يأخــذه الــدائن مــن الفقيــر الــذي يســتهلك‬
‫الدين في حــاجته الضــرورية مــن طعــام وشــراب وكســاء‬
‫ومــأوى ودواء دون ربــا الســتغلل أي الربــا الــذي يأخــذه‬
‫الدائن من الغني الذي يقصد بدينه الستثمار فــي التجــارة‬
‫أو الزراعة أو الصــناعة ‪ ،‬قــول باطــل لعــدم اســتناده إلــى‬
‫دليل من كتاب أو سنة أو إجماع أو قيــاس أو لغــة أو نظــر‬
‫سليم أو قول لحد مــن الفقهــاء ‪ ،‬بــل الدلــة قائمــة علــى‬
‫تحريم كل من ربا الســتهلك وربــا الســتغلل بمــا ذكرنــاه‬
‫سابقا وبما سيأتي ‪.‬‬
‫ونختــم هــذه النقطــة بفتــوى مجمــع البحــوث الســلمية‬
‫بالقاهرة في مــؤتمره الثــاني المنعقــد فــي شــهر المحــرم‬
‫‪ 1385‬هـ ) مايو ‪1965‬م ( ونصــها ‪ :‬والفــائدة علــى أنــواع‬
‫القروض كلها ربا محرم ل فــرق بيــن مــا يســمى بــالقرض‬
‫الستهلكي وما يسمى بالقرض النتــاجي ) الســتغللي ( ‪،‬‬
‫وكثير الربا في ذلك وقليله حرام ‪ ،‬والقراض بالربا محــرم‬
‫ل تــبيحه حاجــة ول ضــرورة والقــتراض بالربــا كــذلك ‪ ،‬ول‬
‫يرتفع إثمه إل إذا دعت إليه ضرورة ‪ ،‬وكــل امــرئ مــتروك‬
‫لدينه في تقدير الضرورة ‪ .‬وقد جــاء فــي بحــث هيئة كبــار‬
‫علمائنا ما نصه )‪ : (1‬أما الفــوائد علــى بقــاء الــودائع لــدى‬
‫المودع فأمرها جلي واضح في أنها تجمع بين نوعي الربا ‪،‬‬
‫ربا الفضل وربا النسيئة حيث يأخذ المودع زيــادة علــى مــا‬
‫دفع مع التأخير ‪.‬‬

‫‪824‬‬
‫ب ( يرى الكاتب أن الخاصة الثانية في الربا القرآنـي هـي‬
‫أن الدائن ينفرد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مجلة البحوث السلمية ‪ ،‬العدد الثامن ‪ ،‬ص ‪42 ، 41‬‬
‫وحده بالمنفعة من الربا وهذه الخاصــة غيــر متحققــة فــي‬
‫المعاملت المصرفية التي نحن بصددها ؛ لن الدائنين فيها‬
‫وهم الملك الصــغار ‪ -‬نقصــد الــذين أودعــوا أمــوالهم فــي‬
‫البنوك ابتغاء الفائدة ‪ -‬ويمثلهم المصــرف ل يختــص وحــده‬
‫بالمنفعة دون المدين ‪ ،‬بل يشترك مع الكبار فــي المنفعــة‬
‫بمــوجب عقــد رضــائي تجــاري ل اســتغلل فيــه ‪ .‬ويوضــح‬
‫الكاتب هذا المعنــى فيقــول فــي ص ‪ : 6‬لن المــدين وهــو‬
‫المالك الكبير مشترك في المنفعة مع الدائن وهـو المالـك‬
‫الصغير وذلــك باســتثماره أمــوال الــدين بمــا فيــه مصــلحة‬
‫الجميع ‪ .‬ونرد على هذا التوجيه بــأن المنفعـة الـتي جـاءت‬
‫عــن طريــق الكبــار واشــترك فيهــا الصــغار منفعــة غيــر‬
‫مشروعة ‪ ،‬إذ ل سند لها سوى ما ادعـاه الكـاتب مـن أنهـا‬
‫تمــت بمــوجب عقــد تجــاري رضــائي ‪ ،‬وهــذه دعــوى غيــر‬
‫صحيحة إذ ما هو نوع العقد التجاري ؟ إن كــان بيعــا فــأين‬
‫هو البائع ؟ إن كان صغار المالكين فهؤلء ل يعرفهم الخــذ‬
‫من المصرف ول يعرفونه ‪ ،‬وإن كان المصرف فأين المبيع‬
‫الــذي وقــع التعاقــد عليــه ‪ ،‬وإن كــان نــوع العقــد شــركة ‪،‬‬
‫فتحديــد المصــرف نســبة معينــة يبطــل الشــركة بإجمــاع‬
‫الفقهاء ‪ ،‬لماذا تكون هذه النسبة ضئيلة في الغــالب ؟ ثــم‬
‫إن كانت شركة فلماذا ل يتحمل المصــرف الخســارة كمــا‬
‫هو الشأن في ســائر الشــركات ‪ ،‬وإن كــان نــوع المعاملــة‬
‫رهنا فأين العين المرهونــة ؟ ل شــيء مــن ذلــك كلــه ‪ ،‬إذا‬
‫فــأين الحقيقــة ؟ إن النظــر الفقهــي الســليم ل يمكــن أن‬
‫يكيف هذه المعاملة إل بأنها قرض بفائدة ‪ ،‬وهذا هــو عيــن‬
‫الربا ‪.‬‬
‫ثــم إن قــول الكــاتب إن المــدين دائمــا يكــون مــن كبــار‬
‫المالكين قول ينقضه الواقع ‪ ،‬إذ إن كثيرا ممن يتعامل مــع‬
‫المصارف ليسوا من كبار المــالكين ‪ ،‬بــل فيهــم الموظــف‬
‫الذي يقترض بضمان مرتبه وغير الموظــف الــذي يقــترض‬

‫‪825‬‬
‫بضمان أحد القادرين ‪ ،‬فهذا التعميــم الــذي ادعــاه الكــاتب‬
‫غير صحيح‬
‫من ناحية الواقع العملي ويؤدي إلــى أن تعامــل المصــرف‬
‫مع هؤلء غير جــائز شــرعا فــي نظــر الكــاتب ؛ لن هــؤلء‬
‫محتــاجون إلــى الصــدقة فيعــود هــذا التعميــم علــى أصــله‬
‫بالنقض وهو مال يرضاه الكاتب ‪.‬‬
‫وقول الكاتب إن المالك الكبير يستثمر أمــوال الــدين بمــا‬
‫فيــه مصــلحة الجميــع مغالطــة مكشــوفة ‪ ،‬إذ أن المالــك‬
‫الكــبير يســتثمر أمــوال الــدين لمصــلحته فقــط ويعطــي‬
‫المصرف الفائدة المتفق عليها فقــط دون المشــاركة فــي‬
‫الربح ‪ ،‬والقول بغير هذا مكابرة وإنكار لواقع المعاملة ‪.‬‬
‫ج ( ويذهب الكاتب إلى أن الخاصــة الثالثــة للربــا المحــرم‬
‫هي مجرد تنمية لمال الدائن في أموال المدين من تجــارة‬
‫ينتفع بها الطرفان ‪ ،‬وإن هذه الخاصة ليست متحققــة فــي‬
‫المعاملــة المصــرفية ؛ لنهــا تجــارة مــن نــوع جديــد جــرى‬
‫التعارف عليهــا ودعــت إليهــا حاجــة النــاس أجمعيــن حــتى‬
‫أصبحت مصالحهم في معاشــهم ل تتــم إل بهــا وينتفــع بهــا‬
‫الطرفان المعطي والخذ ‪ ،‬ثم قال والمعاملة الــتي يقصــد‬
‫بها التجار ل القرض للحاجــة هــي مــن قســم الــبيع ل مــن‬
‫قســم اســتغلل حاجــة المحتــاج ‪ ،‬ويؤيــد هــذا المبــدأ فــي‬
‫شرعية المنفعــة الــتي ل ضــرر فيهــا علــى أحــد قــول ابــن‬
‫قدامة ‪ :‬إن ما فيه مصلحة من غير ضرر بأحد فهــو جــائز ‪،‬‬
‫وإن الشرع ل يرد بتحريم المصالح التي ل ضرر فيها وإنما‬
‫يرد بمشروعيتها ‪ ،‬وقول شيخ السلم ابن تيمية رضي الله‬
‫عنه ‪ :‬إن كل ما ل يتم المعاش إل به فتحريمــه حــرج وهــو‬
‫منتف شرعا ‪.‬‬
‫ونــرد علــى الكــاتب بــأن المعاملــة المصــرفية الــتي نحــن‬
‫بصــددها ليســت مــن التجــارة ول مــن قســم الــبيع لعــدم‬
‫سمات التجارة فيها ‪ ،‬ولنه ل يوجد بها مبيع يقع عليه عقــد‬
‫البيع وإنها ل تتم في المصرف على أنها بيع ‪ ،‬بل على أنهــا‬
‫قرض بفائدة محددة تدفع في كل عام ‪ ،‬والتدليل على أنها‬
‫تجارة بتعارف الناس عليها تعليل غيــر ســليم ؛ لن النــاس‬
‫جميعا لم يتعارفوا عليها‬

‫‪826‬‬
‫ولو فرض تعــارفهم فهــو عــرف فاســد لمخــالفته نصــوص‬
‫الربا العامة والمطلقة ‪ ،‬وكل عرف في مقابل النــص فهــو‬
‫عرف فاسد ل يبنى عليه حكم ‪ ،‬وكــذلك التــدليل بــأن هــذا‬
‫النوع من المعاملة قــد دعــت إليــه حاجــة النــاس أجمعيــن‬
‫تعليــل غيــر ســليم ؛ لن الواقــع الفعلــي أن حاجــة النــاس‬
‫جميعا ل تدعو إلى هـذه المعاملـة ‪ ،‬بـل إن هـذه المعاملـة‬
‫المصرفية تشكل حرجــا للنــاس فــي معاملتهمــا وتضــعف‬
‫اقتصاد المم والشعوب كما قــرر ذلــك أســاطين القتصــاد‬
‫في العــالم ‪ .‬وكــثير مــن النــاس ‪ -‬والحمــد للــه ‪ -‬يزاولــون‬
‫نشــاطهم التجــاري بــدون أي حاجــة إلــى هــذا النــوع مــن‬
‫المعاملة ‪ ،‬وقول ابن قدامة وابن تيمية وارد في المصــالح‬
‫التي سكت الشارع عليهــا ‪ ،‬فلــم يــرد باعتبارهــا أو إلغائهــا‬
‫نص من الشارع ‪ ،‬كما صرحوا بذلك في كثير من المواضع‬
‫وصرح بــه الصــوليون فــي كلمهــم علــى حجيــة المصــالح‬
‫المرسلة ‪.‬‬
‫وقول الكاتب إن الـدائنين فـي المعـاملت المصـرفية هـم‬
‫مــن صــغار المــالكين لــم يســتغلوا المــدينين الــذين هــم‬
‫جميعهم هنا مــن كبــار المــالكين ‪ ،‬بــل قــد تبــادلوا المنــافع‬
‫معهم بصورة تجارية وعقد رضائي من غير أن يكون هناك‬
‫ظالم أو مظلوم ‪ :‬قول غير صحيح لن جل المنفعة يستأثر‬
‫بها المدينون الذين هم من كبار الغنيــاء ‪ ،‬وليــس للــدائنين‬
‫وهــم صــغار المــالكين إل نســبة ضــئيلة محــدودة وقعــت‬
‫الستدانة من المصرف علــى أساســها ‪ ،‬وقــد أشــرنا إلــى‬
‫شيء من ذلك فيما سبق ‪.‬‬
‫د ( ويرى الكاتب أن الخاصة الرابعة للربــا القرآنــي تجعــل‬
‫صاحب الدين المرابي عنــد عجــز المــدين عــن أداء الــدين‬
‫كالذي يتخبطه الشيطان من المس إلى آخر مــا جــاء فــي‬
‫الية الكريمة ؛ لنــه فقــد رأس مــاله فــوق فقــده لربــاحه‬
‫الربويــة ‪ .‬وهــذه الخاصــة ليســت متحققــة فــي المعاملــة‬
‫المصرفية لن المتعاملين فيهــا مــن معــط وآخــذ جميعهــم‬
‫يشعرون بالمان والطمئنان وذلك لقيام‬

‫‪827‬‬
‫إدارة المصــرف نيابــة عنهــم باتخــاذ جميــع الجــراءات‬
‫والضمانات اللزمة لسلمة المعاملة على السواء لمصلحة‬
‫الدائن والمدين ‪.‬‬
‫والرد على ما ذكره الكاتب في هذه الخاصة ‪ :‬أن التصوير‬
‫المقترح لمن يأكل الربا ليس تصويرا له عند عجز المــدين‬
‫عن الوفا أو عند تخوفه من عدم الوفاء ‪ ،‬وإنما هو تصــوير‬
‫لــه عنــد قيــامه مــن قــبره كمــا تظــافرت بــذلك أقــوال‬
‫المفسرين وعلى رأسهم ابن عبــاس ومجاهــد وابــن جــبير‬
‫وقتادة والربيع والضحاك والسدي وابــن زيــد ‪ ،‬ويؤيــد ذلــك‬
‫التفسير قراءة ابــن مســعود ) ل يقومــون يــوم القيامــة إل‬
‫كما يقوم الذي يتخطبه الشــيطان مــن المــس ( ‪ .‬وإذا لــم‬
‫يكن هذا تصوير للدائن في الــدنيا فــإنه ل يصــلح أن يكــون‬
‫خاصــة لــه ‪ ،‬لن خاصــة الشــيء تكــون لزمــة للشــيء ‪،‬‬
‫والشيء الذي ل يتحقق إل في الخرة ل يكــون ملزمــا لــه‬
‫في الدنيا لنفكاك الجهة على أن هذا التصوير البشع جزاء‬
‫المرابــي فــي الخــرة ‪ ،‬أي أنــه مــترف بأكــل الربــا ‪ .‬وأثــر‬
‫الشيء ل يكون جزءا من حقيقته ول وصــفا لــه ول ملزمــا‬
‫له ملزمة عقلية لحصول الثر عقــب المــؤثر ‪ ،‬فــانتفى أن‬
‫يكون هذا الوصف خاصة للربا القرآني ‪.‬‬
‫على أن كلم الكاتب يقصر التصوير على آكل الربــا الــذي‬
‫عجز المدين فيه عــن الوفــاء أو تخــوف الــدائن مــن عــدم‬
‫الوفاء مع أن التصوير القرآني يشمل أيضــا مــن ســلم لــه‬
‫رأس المال والربح ‪ ،‬بل إن التصوير قاصر على مــن ســلم‬
‫له رأس المال والربح بدليل التعــبير بيــأكلون ‪ ،‬ول يوصــف‬
‫بذلك إل مـن سـلم لـه رأس المـال والربـح ‪ ،‬وإذن فكيـف‬
‫يكون هذا التصوير خاصــا بالــدائن الــذي عجــز مــدينه عــن‬
‫الوفاء ‪ .‬ثم يــدلل الكــاتب علــى انتفــاء هــذه الخاصــة فــي‬
‫المعاملة المصرفية بأنه ل يوجد فيها خوف من العجز عــن‬
‫الوفاء لقيام المصــرف باتخــاذ الجــراءات الــتي تمنــع هــذا‬
‫الخوف ‪ . . .‬إلخ ‪.‬‬
‫ما قــاله مــن المــن والســلمة فــي المعاملــة المصــرفية ‪.‬‬
‫نقــول ردا علــى هــذا ‪ :‬إن المــن غيــر متحقــق أيضــا فــي‬
‫المعاملـــة المصـــرفية رغـــم قيـــام المصـــرف بالمراقبـــة‬

‫‪828‬‬
‫والشراف ‪ ،‬وذلك لحصول الفلس من المــدين فــي كــثير‬
‫من الحيان والواقع الفعلي يؤيد هذا كما ظهــر أخيــرا مــن‬
‫معاملت المدينين مع مصارف القاهرة ؛ حيث هربــوا عــن‬
‫البلد وضاع على المصارف ما دفعته إليهــم ‪ ،‬وكمــا حــدث‬
‫في سوق المناخ بالكويت ‪ ،‬وإذن فالمن منعدم في عملية‬
‫المصرف كما هو منعدم في عملية المرابي ‪.‬‬
‫هـ ( ويرى الكاتب أن الخاصة الخامسة للربا القرآنــي هــي‬
‫أن الربــا زيــادة طــارئة فــي الــدين تفــرض علــى المحتــاج‬
‫للصدقة وتشترط عليه بعد حلول أجل الدين وعجز المدين‬
‫عن الوفاء ‪ ،‬وهــي زيــادة بعقــد جديــد مســتقل عــن العقــد‬
‫الول ول يقابلها في هذا العقد الجديد إل تأجيــل الســتيفاء‬
‫من المدين من غير أي نفع مادي للمـدين ؛ لن التأجيـل ل‬
‫ينتفع به المدين في طعامه أو تجارته على حين أن الزيادة‬
‫في الربا للدائن كانت زيادة مالية وقد اقتصرت عليه فقط‬
‫دون مقابل للمدين ‪ ،‬وهذا من أكل أموال الناس بالباطل ‪،‬‬
‫ثم قال وهذه الخاصة منتفية في المعاملــة المصــرفية لن‬
‫الزيادة فيها تشترط في أصل عقد الدين لغــراض تجاريــة‬
‫مع مدينين أغنياء من رجال العمــال وليســت طــارئة عنــد‬
‫حلول الجل مع المدين المحتاج ‪ ،‬وذلك يجعلها ذات صــفة‬
‫تجاريــة فــي المعــاملت المصــرفية أي فــي مقابــل منــافع‬
‫متبادلة ‪ .‬ونقول في الرد علــى ذلــك أن ادعــاء الكــاتب أن‬
‫الزيادة في المعاملــة المصــرفية تشــترط فــي أصــل عقــد‬
‫الدين لغراض تجاريــة قــول ينقضــه الواقــع ؛ لن العمليــة‬
‫المصرفية ل تحدد للدائن نوع نشــاطه القتصــادي ول نــوع‬
‫التجارة التي يزاولها ‪ ،‬وأقصى مــا يقــوم بـه المصـرف هـو‬
‫التوثق من الدين وكل ما يهمه بعد ذلك هو الحصول علــى‬
‫الفائدة المتفق عليها ‪ ،‬والمدين بعد ذلك حــر فــي نشــاطه‬
‫ول يتبادل مع المصرف منفعة ما سوى الفائدة ‪ ،‬أما ثمــرة‬
‫نشاط‬
‫المدين بعد الفائدة فكله له هذا إن ربح ‪ ،‬أما إذا خســر فل‬
‫يتحمل المصرف شيئا من خسارته ‪ ،‬وهذا أكبر دليل علــى‬
‫أن العلقة بين المصرف والمدين ليســت علقــة تجاريــة ‪،‬‬
‫وإنما هي قرض بفائدة معينة يدفعها المدين في كل عام ‪.‬‬

‫‪829‬‬
‫على أنــه إذا كــانت العلــة فــي تحريــم الربــا القرآنــي هــي‬
‫مقابلة الزيادة بالجل فهذا المعنى متحقــق فــي المعاملــة‬
‫المصرفية ؛ لن الزيادة فيها عن الدين فــي مقابــل الجــل‬
‫فأي فرق بين المعاملتين ؟‬
‫أما ادعاء الكاتب أن الربا القرآني هو الزيادة الطارئة عنــد‬
‫عجز المــدين عــن الوفــاء فــي مقابــل الجــل وذلــك بعقــد‬
‫مستقل ‪ ،‬فقد سبق إبطال هذا الدعاء وبينا أن الزيادة في‬
‫ابتداء الدين في مقابل الجل ربا صريح ‪ ،‬والقول بغير هذا‬
‫قول باطل ل أساس له ‪.‬‬
‫وقد اختتم الكاتب مقارنته بين الربا الذي ورد تحريمه فــي‬
‫القــرآن وبيــن المعاملــة المصــرفية بقــوله ‪ :‬يتضــح لنــا أن‬
‫المعاملت المصرفية تختلـف تمامــا عــن العمـال الربويـة‬
‫التي حذر منها القــرآن الكريــم ؛ لنهــا معــاملت جديــدة ل‬
‫تخضــع فــي حكمهــا للنصــوص القطعيــة الــتي وردت فــي‬
‫القرآن الكريم بشأن حرمة الربا ؛ ولهذا يجب علينا النظــر‬
‫إليها من خلل مصالح العباد وحاجــاتهم المشــروعة اقتــداء‬
‫برسول اللــه ‪ -‬صــلى اللــه عليــه وســلم ‪ -‬فــي إبــاحته بيــع‬
‫السلم رغم ما فيه من بيع غير موجود ‪ ،‬وبيع ما ليس عنــد‬
‫البائع مما قد نهى عنه رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬في الصل ‪ ،‬وقــد أجمــع العلمــاء علــى أن إباحــة الســلم‬
‫كانت لحاجة الناس إليه ‪ ،‬وهكذا فقد اعتمــد العلمــاء علــى‬
‫الســلم وعلــى أمثــاله مــن نصــوص الشــريعة فــي إباحــة‬
‫الحاجات التي ل تتم مصالح الناس فــي معاشــهم إل بهــا ‪،‬‬
‫إن المصارف والعمال المصرفية حاجة من حاجات العباد‬
‫ول تتم مصالح معاشهم إل بها ‪ ،‬ولذلك فإنه من غير الجائز‬
‫التسرع والحكم عليها بأنها من الربا المقطوع فيه ‪ ،‬وذلــك‬
‫لن حظرها يوقع العباد في حرج في معاشهم‬
‫ل مثيــل لــه ‪ ،‬بــل إن حظرهــا يهــدد كيــان الدولــة والمــة‬
‫الســلمية ويقضــي نهائيــا علــى مصــالحهم القتصــادية‬
‫ويجعلهــم تحــت رحمــة أعــدائهم وأعــداء دينهــم الــذين‬
‫يتحكمون في ثرواتهم ‪ ،‬بل يستخدمونها لزيادة قوتهم ضــد‬
‫أمة السلم ‪.‬‬

‫‪830‬‬
‫وردنا على مــا انتهــى إليــه الكــاتب فــي موضــوع الســباب‬
‫الذي ألمحنا إليه يتلخص فيما يلــي ‪ :‬أ ( إنــه قــد ســبق لنــا‬
‫عند مناقشة السباب ومقارنتها بيان أن مــا ذكــره الكــاتب‬
‫من أسباب للربا المحرم بعضه ليس مــن بــاب الســباب ‪،‬‬
‫والبعض الخر متحقق في المعاملة المصرفية وأنــه لــذلك‬
‫تنطبق عليها حقيقة الربا المحــرم ‪ ،‬إذ هــي قــرض بفــائدة‬
‫محددة في مقابل الجل وأن القول بغير هذا إمــا جهــل أو‬
‫مكابرة ‪ ،‬ومن ثم فإنه ل يجوز النظر في إباحتها مــن خلل‬
‫المصالح المدعاة إذ ل عبرة للمصلحة في مقابل النص ‪.‬‬
‫ب ( إن جواز المعاملة المصرفية قياسا على الســلم لعلــة‬
‫الحاجــة قيــاس غيــر ســليم مــن وجهيــن ‪ :‬الول ‪ :‬أن علــة‬
‫الحاجة غير متحققة في الفرع وهو المعاملــة المصــرفية ‪،‬‬
‫إذ حاجة الناس تتم دون هـذه المعاملـة ومـن ثـم ل حاجـة‬
‫إليها ‪.‬‬
‫الثــاني ‪ :‬إن الســلم ثــابت شــرعا بالنصــوص الصــحيحة‬
‫الصريحة من السنة المطهرة هذا مــع العلــم بــأنه لــو فتــح‬
‫باب إبطال النصوص بالمصالح والحاجات المــدعاة ؛ لكــان‬
‫في ذلك إبطــال الشــريعة وهــدمها بــأهواء النــاس والعيــاذ‬
‫بالله ‪.‬‬
‫ج ( إن حظر المعاملة المصرفية ل يوقع الناس ول الدولــة‬
‫في حرج ل مثيل له كما يدعي الكــاتب ‪ ،‬ول يقضــي نهائيــا‬
‫علــى المصــالح القتصــادية لن النــاس عاشــوا ويعيشــون‬
‫بدون هذه المعاملة المصرفية ‪ ،‬وتتم مصالحهم المعيشــية‬
‫بــدونها بــل العكــس هـو الصــحيح ‪ ،‬فــإن شــيوع الربــا عــن‬
‫طريق المصارف أو‬
‫غيرها أكبر ضربة توجه إلى اقتصاد الـدول والشـعوب كمـا‬
‫صرح بذلك أساطين القتصاد كما أشرنا إلى ذلك آنفا ‪.‬‬
‫د ( إن القول بحضر هذه المعاملة ليس مبنيا علــى ارتيــاح‬
‫النفــس أو عــدم ارتياحهــا ‪ ،‬وإنمــا هــو مبنــي علــى النــص‬
‫والجماع المحرمين لهذه المعاملــة الــتي ل تكييــف لهــا إل‬
‫أنها قرض بفائدة محدودة مقابل الجــل ‪ ،‬ومــع ذلــك فإننــا‬
‫نقــول بالبــديل عنهــا وهــو نظــام المضــاربة ) القــراض (‬
‫المجمع على جوازه شرعا ‪ ،‬وهو ما تعامل بــه المســلمون‬

‫‪831‬‬
‫في سائر العصور إذ ل يتحقــق فــي هــذه المعاملــة الربــا ‪،‬‬
‫ويتحمل فيها كل من صــاحب المــال والعامــل نصــيبه مــن‬
‫الربــح والخســارة ومــن ثــم ينتفــي فيهــا الظلــم عــن كــل‬
‫منهما ‪.‬‬
‫والخلصة أن الكاتب لم يوفق في إضــفاء الشــرعية علــى‬
‫معاملة المصـارف الـتي تقـرض المسـتغلين مـن أصـحاب‬
‫المصانع والمتــاجر والعقــارات ونحــوهم بفــائدة محــدودة ‪،‬‬
‫وأن كل ما ذكره لثبات هــذه الشــرعية إنمــا هــي شــبهات‬
‫واهية ل يثبت بها ما يدعيه ‪ .‬ولم يزد على أن جاء بملخــص‬
‫لما سبقه إليه الدكتور معروف الدواليبي في مقــاله الــذي‬
‫نشره باللغة الفرنسية عام ‪ 1371‬هـ ـ الموافــق ‪1951‬م )‬
‫‪ ، (1‬وقد اطلعت عليه فــي العــام الماضــي مكتوبــا باللغــة‬
‫العربية ‪ .‬والذي نــراه بــديل لهــذه المعــاملت الربويــة هــي‬
‫المضاربة إذا التزم فيها أحكام الشرع التي قررها الفقهــاء‬
‫استنباطا من كتاب الله العزيز وسنة رســوله ‪ -‬صـلى اللـه‬
‫عليه وسلم ‪ -‬وإجماع فقهاء المة ‪.‬‬
‫والله تعالى ولي التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل ‪.‬‬
‫وصلى الله وســلم وبــارك علــى ســيدنا محمــد وعلــى آلــه‬
‫وصحبه ‪.‬‬
‫محمد بن أحمد الصالح‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظـر تاريـخ الفكـر القتصـادي ص ‪ 57‬للـدكتور لـبيب‬
‫شقير ‪.‬‬
‫بل الفائدة المصرفية من ربا النسيئة‬
‫رد على بحث الدكتور إبراهيم بــن عبــد اللـه الناصـر حـول‬
‫"موقف الشريعة السلمية من المصارف ‪.‬‬
‫" للدكتور ‪ /‬شوقي أحمد دنيا‬
‫السم شوقي أحمد دنيا ‪.‬‬
‫الميلد من مواليد جمهورية مصر العربية ‪.‬‬
‫المؤهل ‪ ( 1‬بكالوريوس تجارة قسم القتصاد كلية التجارة‬
‫جامعة الزهر ‪.‬‬
‫‪ ( 2‬ماجســتير فــي القتصــاد بعنــوان " الســلم والتنميــة‬
‫القتصادية " من تجارة الزهر ‪.‬‬

‫‪832‬‬
‫‪ ( 3‬دكتــواره فــي القتصــاد بعنــوان " تمويــل التنميــة فــي‬
‫القتصاد السلمي ‪ -‬دراسة مقارنة من تجارة الزهر ‪.‬‬
‫العمل عضــو هيئة التــدريس بقســم القتصــاد الســلمي ‪-‬‬
‫كلية الشريعة ‪ -‬الرياض ‪.‬‬
‫النتاج العلمي ‪ :‬من مؤلفاته ‪ ( 1 ) :‬دراسات في القتصاد‬
‫السلمي " كتاب " ‪.‬‬
‫) ‪ ( 2‬أعلم القتصاد السلمي " كتاب " ‪.‬‬
‫) ‪ ( 3‬نقد لكتاب في الفكر القتصادي الســلمي للــدكتور‬
‫فاضل عباس الحسب " بحث منشور " ‪.‬‬
‫) ‪ ( 4‬النقود بين القتصاد السلمي والقتصاد الوضــعي "‬
‫بحث منشور " ‪.‬‬
‫) ‪ ( 5‬تقلبــات القــوة الشــرائية للنقــود وأثــر ذلــك علــى‬
‫الئتمان القتصادي والجتماعي " بحث منشور " ‪.‬‬
‫بالضافة إلى أبحاث أخرى في مــؤتمرات ونــدوات خاصــة‬
‫بالقتصاد السلمي ‪.‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على سيدنا رسول الله محمــد‬
‫بن عبد الله وعلى اله وصحبه ومن عمل بشريعته وتمسك‬
‫بسنته إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫وبعــد ‪ :‬فهــذه ورقــة حــول الدراســة الــتي قــدمها الــدكتور‬
‫إبراهيــم الناصــر المستشــار القــانوني بمؤسســة النقــد‬
‫الســـعودي بشـــأن " موقـــف الشـــريعة الســـلمية مـــن‬
‫المصارف " ‪.‬‬
‫وبداية نحب أن نؤكد علــى أن مهمــة وحــدود هــذه الورقــة‬
‫هي مجرد مناقشة الورقة الــتي قــدمها الــدكتور إبراهيــم ‪،‬‬
‫وبيان ما فيها وما عليها ‪ ،‬مع العلم بأن الموضوع في ذاتــه‬
‫هو أكبر بكثير من هذه الورقة ‪ ،‬وهو برغم كــثرة مــا كتــب‬
‫فيه بحاجة إلى بحث معمـق يحتـاج إلـى مزيـد مـن الجهـد‬
‫ومن الوقت ‪ ،‬نرجو الله تعالى أن ييسر لنا ولغيرنا ذلك ‪.‬‬
‫ومجمل مناقشتنا يخلص إلى مخالفة الدكتور إبراهيم فيما‬
‫قدمه من مقدمات وفيما توصــل إليــه مــن نتــائج ‪ .‬منهجنــا‬
‫في هذه الورقة هــو مناقشــة التحليلت والمقــدمات الــتي‬
‫طرحها الخ الكاتب ‪ ،‬وكذلك مناقشة مــا توصــل إليــه مــن‬
‫نتائج ‪ ،‬مع إعطاء لمحة سريعة عن البديل السلمي ‪.‬‬

‫‪833‬‬
‫ويمكن إجمال مــا قــدمه الكــاتب فــي ورقتــه فــي صــيغتها‬
‫الثانية الكثر شمول وتفصيل بأنه تنــاول مفهــوم الربــا فــي‬
‫كل من القــرآن والســنة كمــا فهمــه ‪ .‬ثــم عــرض لموقــف‬
‫بعض العلماء من المصــارف مضــيفا إلــى ذلــك ‪ .‬مناقشــة‬
‫لطبيعــة العمــال المصــرفية وبــوجه خــاص ومراكــز ‪ ،‬بــل‬
‫وأساســي عمليــة " اليــداع " وبعجالــة عمليــة " القــراض‬
‫المصرفي " وخلص من بحثه هذا إلى نتائج تتلخص في أن‬
‫العمــال المصــرفية الحاليــة ل تــدخل فــي الربــا القرآنــي‬
‫المجمع على تحريمه ‪ ,‬وإنما هي معاملــة مســتجدة تخضــع‬
‫للقواعد العامة للشريعة ومقاصدها المتمثلــة فــي تحقيــق‬
‫مصالح الناس ‪.‬‬
‫ولم يقف عند هــذا الحــد بــل واصــل القــول مصــرحا بأنهــا‬
‫حلل استنادا إلى أنها ليست من الربا الذي حرمه القــرآن‬
‫الكريــم وعمل بالمصــلحة الــتي نــوه بهــا بعــض العلمــاء‬
‫واستئناســا بموقــف العلمــاء المعاصــرين ‪ ،‬كمــا دعــم هــذا‬
‫الموقف بما أشار إليــه مــن أن بعــض أنــواع الربــا حرمــت‬
‫تحريم وسائل ل تحريم مقاصد فتباح عند الحاجة ‪ ،‬كما أن‬
‫فكرة الترخيص معتد بها شرعا وهناك ســوابق فــي إباحــة‬
‫بعــض المحظــورات كالســلم ‪ ،‬كــذلك فقــد اســتند إلــى‬
‫التقلبات الكبيرة في قيمة النقود والهبوط المســتمر لهــا ‪،‬‬
‫ومن ثم فمن العدل القول بإباحــة الفــائدة علــى القــروض‬
‫خاصة إذا مــا أخــذنا فــي الحســبان الهميــة الكــبيرة الــتي‬
‫تحتلها المصارف في حياتنا المعاصرة ‪.‬‬
‫هذه هي الفكــرة الساســية الــتي تــدور حولهــا ورقــة الخ‬
‫الكاتب )‪. (1‬‬
‫وقبــل المناقشــة التفصــيلية لمــا فــي هــذه الورقــة مــن‬
‫مقدمات ونتائج نرى من الضروري أول الشارة في عجالة‬
‫وإجمال إلــى بعــض النقــاط الساســية الــتي تعتــبر بمثابــة‬
‫قواعد أو مسلمات أساسية ل يقوم أي نقاش علمــي جــاد‬
‫لهذا الموضوع في غيبتها ‪.‬‬
‫نقاط جوهرية يجب التنويه بها ‪ -1 :‬القرآن الكريم والسنة‬
‫الشريفة كلهما مصدران أساســيان للتشــريع الســلمي ‪،‬‬
‫وما تحرمه السنة فهو محرم قطعيا ‪ ،‬وتحريمــه ليــس فــي‬

‫‪834‬‬
‫الحقيقة قاصــرا علــى الســنة بــل هــو محــرم فــي القــرآن‬
‫ل فََق ـد ْ‬ ‫ســو َ‬ ‫ن ي ُط ِـِع الّر ُ‬ ‫مـ ْ‬ ‫وبالقرآن أيضا ‪ ،‬قــال تعــالى ‪َ } :‬‬
‫ه { )‪، (2‬‬ ‫طاعَ الل ّ َ‬ ‫أَ َ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تجدر الشارة إلــى أن بحـث الــدكتور إبراهيــم الناصــر‬
‫يكاد يكون صورة طبق الصل من بحث سبق أن تقدم بــه‬
‫من قبل الدكتور معروف الدواليبي ‪ ،‬ومــن ثــم فــإن بحثنــا‬
‫هذا هو رد على هذا التجاه كله ‪.‬‬
‫)‪ (2‬سورة النساء الية ‪80‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن ك ُن ُْتـ ْ‬‫ل إِ ْ‬ ‫ل { )‪ُ } ، (1‬قـ ْ‬ ‫سـو َ‬ ‫طيُعـوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الّلـ َ‬ ‫}أ ِ‬
‫ن‬ ‫ما ي َن ْط ِقُ عَ ِ‬ ‫ه { )‪ } ، (2‬وَ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬
‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫تُ ِ‬
‫حى { )‪ . (4‬إذن كافة ما‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ن هُوَ إ ِّل وَ ْ‬ ‫وى { )‪ } (3‬إ ِ ْ‬ ‫ال ْهَ َ‬
‫حرم في القــرآن أو فــي الســنة ســواء كــان بنــص صــريح‬
‫جــزئي مــن القــرآن أو بنــص صــريح مــن الســنة هــو فــي‬
‫الحقيقــة محــرم فيهــا معــا وبهــا معــا ‪ ،‬ول فــرق بيــن هــذا‬
‫وذاك ‪ ،‬وليس لهذا درجــة تحريــم وللثــاني درجــة أعلــى أو‬
‫أقل ‪.‬‬
‫‪ - 2‬مهمة الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬هي تبليغ دين‬
‫الله وشرعه لمن أرسل إليهم من العباد وتــبيينه لهــم بيانــا‬
‫واضحا كوضوح الشمس في كبد السماء بل أكثر وضوحا ‪.‬‬
‫ل إ ِّل‬ ‫ســو ِ‬ ‫مــا عَل َــى الّر ُ‬ ‫دوا وَ َ‬ ‫طيُعوهُ ت َهْت َـ ُ‬ ‫ن تُ ِ‬‫قال تعالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫مــا‬ ‫س َ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫ك الذ ّك َْر ل ِت ُب َي ّ َ‬ ‫ن { )‪ } ، (5‬وَأ َن َْزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫مِبي ُ‬ ‫ال ْب ََلغُ ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ســا ِ‬ ‫ل إ ِّل ب ِل ِ َ‬ ‫ســو ٍ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مـ ْ‬ ‫سـل َْنا ِ‬ ‫مــا أْر َ‬ ‫م { )‪ } ، (6‬وَ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْهِـ ْ‬ ‫ن ُّز َ‬
‫ل إ ِّل ال ْب ََلغُ‬ ‫ســو ِ‬ ‫مــا عَل َــى الّر ُ‬ ‫م { )‪ } ، (7‬وَ َ‬ ‫ن ل َهُـ ْ‬‫مهِ ل ِي ُب َي ّـ َ‬‫ق َ ـو ْ ِ‬
‫َ‬
‫ن { )‪. (9‬‬ ‫مِبي ـ ُ‬ ‫ذيُر ال ْ ُ‬ ‫ل إ ِن ّــي أن َــا الن ّـ ِ‬ ‫ن { )‪ } ، (8‬وَقُ ـ ْ‬ ‫مِبي ـ ُ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ومعنــى هــذا أنــه يجــب الذعــان والعتقــاد الكامــل بــأن‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قد بيــن للنــاس كــل مــا‬
‫في القرآن من أحكام ومبادئ وكل مــا يريــده اللــه تعــالى‬
‫من عباده ‪ ،‬ولم يلتحق بالرفيق العلى وهنــاك شــيء مــن‬
‫الســلم غــامض أو غيــر مــبين ‪ ،‬بــل تركنــا علــى المحجــة‬
‫البيضاء ليلها كنهارها ‪ .‬ومن الواضح أن أهمية‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة النساء الية ‪59‬‬

‫‪835‬‬
‫)‪ (2‬سورة آل عمران الية ‪31‬‬
‫)‪ (3‬سورة النجم الية ‪3‬‬
‫)‪ (4‬سورة النجم الية ‪4‬‬
‫)‪ (5‬سورة النور الية ‪54‬‬
‫)‪ (6‬سورة النحل الية ‪44‬‬
‫)‪ (7‬سورة إبراهيم الية ‪4‬‬
‫)‪ (8‬سورة العنكبوت الية ‪18‬‬
‫)‪ (9‬سورة الحجر الية ‪89‬‬
‫هــذه القاعــدة تجعلهــا أكــبر بكــثير مــن أن تعــارض ببعــض‬
‫أقوال منسوبة لهذا الصحابي أو لـذاك ‪ ،‬وعلينـا أن نتحـرى‬
‫جيدا في توثيق ما قد يكون هناك من أقوال منسوبة ‪ ،‬ثــم‬
‫تحديد مضمونها بما ل يتعارض مــع تلــك القاعــدة الــتي لــو‬
‫اهتزت قيد أنملة لنهار السلم من أساسه ‪.‬‬
‫‪ - 3‬من الحقائق الثابتة ثبوتا ل يقبل الشك أن العرب فــي‬
‫الجاهلية كانوا يتعاملون بالربا ‪ ،‬بل لقد كان إحــدى حقــائق‬
‫عصرهم ومعيشتهم واقتصــادهم ‪ ،‬وأن صــور هــذا التعامــل‬
‫الربوي لم تكن واحدة بل كانت متعــددة ســواء مــن حيــث‬
‫الشكل والصورة أو مــن حيــث الــدوافع والهــداف ‪ ،‬فمــن‬
‫حيث الصورة والشــكل وجــدت الزيــادة علــى الــدين الــتي‬
‫تشترط ويتفق عليها عند عقد الدين ‪ ،‬كما وجــدت الزيــادة‬
‫التي تحدث عند انتهاء الجل وعدم المقدرة على السداد ‪،‬‬
‫هذه ثابتــة وهــذه ثابتــة ‪ ،‬ومــن يطلــع علــى كتــب التفســير‬
‫والتاريخ وغيرها يعلم ذلك يقينا ‪ .‬وسوف نعرض لذلك فــي‬
‫حينه ‪.‬‬
‫ومن حيث الدوافع والهداف كان هناك الدين بربا لغراض‬
‫الستهلك ‪ ،‬وكان هناك بكثرة وغالبية الدين بربــا لغــراض‬
‫البيع والتجارة والنتاج )‪ ، (1‬ويكفي أن نشير إلى أنه كــان‬
‫مصدرا أساسا من مصادر تمويل رحلتي الشتاء والصيف "‬
‫تمويل التجارة الخارجية " كمـا أنـه لـم يكــن قاصــرا علــى‬
‫ضعف المركز المالي للمدين في مواجهة المركــز المــالي‬
‫للدائن بل كثيرا ما كان العكس ‪ ،‬تاجر كبير أو قبيلة كــبيرة‬
‫تتــاجر فتحصــل علــى التمويــل " الــدين بربــا " مــن أفــراد‬
‫عديدة فتذهب لتشتري وتبيع وتسدد الدين برباه ‪.‬‬

‫‪836‬‬
‫هذا كله ثابت ثبوتا راسخا بمصادر علمية موثقة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬د ‪ .‬محمــد فــاروق النبهــان '' مفهــوم الربــا فــي ظــل‬
‫التطورات المعاصرة '' ص ‪. 80‬‬
‫‪ - 4‬القرآن الكريم حرم الربا دون أن يخصــص ذلــك بنــوع‬
‫دون نوع وصورة دون أخرى ‪ ،‬وليس هناك نــص قرانــي أو‬
‫حــتى نبــوي أن الربــا الــذي حرمــه القــرآن هــو فقــط ربــا‬
‫الجاهلية ‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أنه إذا كــانت هنــاك صــورة قائمــة عنــد نــزول‬
‫التحريم أو قبله فإنها تحرم ‪ ،‬فإذا أحدثت صور أخرى للربا‬
‫فإنها تحرم هي الخرى بنص القرآن الكريم ‪ ،‬ومعنى ذلــك‬
‫أن كل صور الربا تحرم بالنص حتى ولو لــم تظهــر إل بعــد‬
‫آلف الســنين مــن نــزول القــرآن ؛ لن القــرآن لــم ينــزل‬
‫لعصر دون عصر بل نزل لمة ممتــدة عــبر الزمــن موغلــة‬
‫في الستقبال ‪ ،‬ويخاطب به آخر فرد زمنا في أمة الدعوة‬
‫تماما كما خوطب به أول فــرد فيهــا ‪ .‬وإذن فل وجــه لمــن‬
‫يقول ولو كان القائل فقيها إن الربــا المحــرم فــي القــرآن‬
‫هو ربا الجاهلية فقط ‪ ،‬وإل فسوف يطــرد ذلــك علــى كــل‬
‫المحرمات ‪ ،‬زنا الجاهلية ‪ ،‬كذب الجاهلية ‪ ،‬سرقة الجاهلية‬
‫‪ . .‬إلخ ‪ .‬يضاف إلى ذلك أنه كمــا هــو معــروف فــإن آيــات‬
‫الربا في سورة البقرة هي من أواخر آيات النــزول ‪ .‬هــذه‬
‫المسلمة لها دللتها الخطيــرة فــي موضــوعنا هــذا ‪ ،‬فمــن‬
‫المعروف أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وســلم ‪ -‬قــد قــال‬
‫وفعل وأقر الكــثير والكــثير خلل فــترة الــدعوة الممتــدة ‪،‬‬
‫ومن ذلك ما يتعلــق بالربــا ‪ ،‬ســواء مــا كــان معروفــا لــدى‬
‫الجاهليــة أو مــا كــان يمــارس دون أن يعــرف بــأنه ربــا ‪،‬‬
‫وعندما باع صحابي تمرا بتمر بزيادة قال الرسول ‪ -‬صــلى‬
‫الله عليه وســلم ‪ » :‬أوه عيــن الربــا « )‪ (1‬وكررهــا ‪ .‬مــن‬
‫الواضح أن تلك صورة جديدة لم تكن تدخل في صور الربا‬
‫المعروفة وإل ما عملها الصــحابي أو أن هــذه كــانت بدايــة‬
‫التشريع في موضوع الربا ‪ .‬وسواء كــان هــذا أو ذاك فــإن‬
‫قول الرسول عليه الصلة والســلم ‪ » :‬عيــن الربــا « )‪(2‬‬
‫يفهم منه‬

‫‪837‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري الوكالة )‪,(2188,2188‬صحيح مســلم‬
‫المســــاقاة )‪,(1594,1594‬ســــنن النســــائي الــــبيوع )‬
‫‪,(4557‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(3/62‬‬
‫)‪ (2‬صـــحيح البخـــاري الوكالـــة )‪,(2188‬صـــحيح مســـلم‬
‫المساقاة )‪,(1594‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4557‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪.(3/62‬‬
‫أن جوهر الربا وحقيقته ومعناه واحد والذي يتميز ويختلــف‬
‫هــو الصــور والشــكال ‪ .‬وهنــاك احتمــالن ‪ ،‬إمــا أن هــذا‬
‫الحديث وغيره مما يدخل في موضوعنا قد قــاله الرســول‬
‫عليه السلم قبل نــزول آيــات الربــا أو بعــده ‪ .‬فــإن كــانت‬
‫اليــات قــد نزلــت ســلفا ‪ ،‬فتكــون تلــك الحــاديث مبينــة‬
‫وشارحة لمضمون الربــا الــذي ورد فــي القــرآن الكريــم ‪،‬‬
‫بالضافة إلى ما هو معهــود أصــل لــديهم مــن صــوره الــتي‬
‫كانت تمارس في الجاهلية ‪ .‬وإن كــانت اليــات قــد نزلــت‬
‫لحقا فمعنــى ذلــك أن الربــا فــي القــرآن الــذي ورد ودون‬
‫تخصيص أو تغيير يشمل كل صــور الربــا ‪ ،‬ســواء منهــا مــا‬
‫كان معروفا فــي الجاهليــة أو مــا بينتــه الســنة الشــريفة ‪،‬‬
‫وكذلك كل صورة تجــد لــه إلــى قيــام الســاعة حيــث بقــاء‬
‫المة والدعوة ‪.‬‬
‫‪ - 5‬مــن القواعــد الهامــة أن العــبرة بالمعــاني والمقاصــد‬
‫يقول المام مالك ‪ " :‬إنما تعبدنا بالمعاني والمقاصــد " أي‬
‫أن السم أو الصورة أو الشكل أو السلوب كل ذلك ل أثر‬
‫له طالما أن المعنى والمقصود والمضمون واحد ‪ .‬وبالطبع‬
‫فذلك واضــح تمامــا مــن القــرآن الكريــم " قصــة أصــحاب‬
‫السبت " وكذلك من السنة المطهــرة ‪ ،‬فــإذا كــان الشــائع‬
‫هو كون المدين شخصا فأصبح مؤسسة أو شركة أو حــتى‬
‫دولة فإن الدين هو الدين ‪ ،‬وسواء سميت رشوة أو عمولة‬
‫أو هدية أو إكراميــة أو أتعــاب ‪ . .‬إلــخ ‪ .‬فــإن الحكــم واحــد‬
‫طالما أن المضمون والمقصود والمعنــى متحــد ‪ ،‬والمثلــة‬
‫في كل باب أكثر من أن تحصى ‪.‬‬

‫‪838‬‬
‫‪ - 6‬ل أحد ينكر أن المصلحة مقصود التشــريع الســلمي ‪.‬‬
‫َ‬
‫ن { )‪(1‬ـ ‪،‬‬ ‫ة ل ِل ْعَــال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫مـ ً‬ ‫ك إ ِّل َر ْ‬
‫ح َ‬ ‫س ـل َْنا َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬وَ َ‬
‫ة { )‪(2‬‬ ‫م ٌ‬‫ح َ‬
‫شَفاٌء وََر ْ‬‫ما هُوَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ال ُْقْرآ ِ‬
‫م َ‬
‫ل ِ‬‫} وَن ُن َّز ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة النبياء الية ‪107‬‬
‫)‪ (2‬سورة السراء الية ‪82‬‬
‫لكن من الذي يدرك جــوهر المصــلحة وحقيقتهــا علــى مــر‬
‫اليام إنه الخالق عز وجل ‪ ،‬وإذن ففي كل ما في الســلم‬
‫مــن أحكــام بالحرمــة أو الباحــة أو الوجــوب إلــخ نجــد‬
‫المصلحة ول مصلحة دون ذلك ‪ ،‬بمعنى أن مــا ينــص عليــه‬
‫السلم بالقرآن أو بالسنة فهو المصلحة ‪ ،‬وإن بدا للبعــض‬
‫غير ذلك ‪ .‬ويترتب على ذلك أنه مع النص الصــريح الثــابت‬
‫ل كلم عن مصلحة تغايره على الطلق ‪ ،‬وإنما يرد الكلم‬
‫عنها عند عــدم وجــود نــص ‪ ،‬عنــد ذلــك نتلمــس المصــلحة‬
‫ملتزمين في ذلك بقول الثقاة من العلماء الــذين يخشــون‬
‫الله ول يخشــون أحــدا إل اللــه ‪ .‬فــي ضــوء تلــك الحقيقــة‬
‫الكلية ينبغي أن ندرس ونفهم مــا قــاله العلمــاء فــي بــاب‬
‫المصلحة ‪.‬‬
‫هذه بعض الساسيات التي كان ل بد لنــا مــن التمهيــد بهــا‬
‫قبل الدخول في المناقشة التفصيلية للورقــة الــتي قــدمها‬
‫أخونــا الــدكتور إبراهيــم ‪ .‬وآن لنــا هنــا أن نجــري تلــك‬
‫المناقشة ‪ ،‬فنقول وبالله التوفيق ‪ :‬في بداية كلمــه يقــول‬
‫الكاتب " يمكن القول إنه لــن تكــون هنــاك قــوة إســلمية‬
‫بدون قوة اقتصادية ‪ ،‬ولن تكون هناك قوة اقتصادية بدون‬
‫بنوك ‪ ،‬ولن تكون هناك بنوك بل فوائد " واضــح تمامــا أنــه‬
‫يريد أن يقول إنه لن تكون هناك قوة إســلمية بل فــوائد ‪.‬‬
‫وهــذا خطــأ بالعتبــار الشــرعي والعتبــار التــاريخي ‪ ،‬أمــا‬
‫العتبــار الشــرعي فسنفصــل القــول فيــه مــن خلل هــذه‬
‫الورقــة ‪ ،‬أمــا العتبــار التــاريخي فمــن الثــابت والمعلــوم‬
‫بالضرورة أن القوة الســلمية وجــدت كأحســن مــا تكــون‬
‫دون قوة اقتصــادية ‪ ،‬ثــم وجــدت القــوة الســلمية ومعهــا‬
‫القــوة القتصــادية دون بنــوك وفــوائد ‪ .‬كمــا أن القــوة‬

‫‪839‬‬
‫السلمية والقوة القتصادية للمسلمين قد ضــعفتا كــأقوى‬
‫ما يكون‬
‫الضعف بوجود تلــك المصــارف بفوائدهــا ‪ ،‬وهــذه قضــية ل‬
‫تحتاج إلى نظر بعيد ‪ .‬كما أنه في بدايــة حــديثه قــد صــرح‬
‫بــأن مجــال الدراســة هــو القــرض بفــائدة ‪ ،‬وقــد تســاءل‬
‫بتعجب وإنكار ‪ :‬لماذا يعتبر ذلك محرما في نظر الفقهاء ؟‬
‫وهذه نقطة لها أهميتها حيث إنه يحاول جاهدا طوال بحثــه‬
‫أن يخرج العمال المصرفية " اليداع " من حيز القــروض‬
‫ويدخلها في حيز التجارة ‪ .‬في عرضــه لمفهــوم الربــا فــي‬
‫القرآن الكريم يشير إلى ما هنالك من ربــط بيــن التحــذير‬
‫من الربا والصدقة على المــدين ‪ ،‬مــع أن الربــط بــالمعنى‬
‫الذي يحاول الكاتب أن يبرزه ليستخدمه مقدمة يصل منها‬
‫إلى ما يريد من نتائج هذا الربط غيــر وارد ‪ ،‬وعلــى ســبيل‬
‫و‬
‫ن رِب ًــا ل ِي َْرب ُـ َ‬
‫مـ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬‫المثال لقد ذكر الية الكريمة ‪ } :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن َزك َــا ٍ‬
‫ة‬ ‫مـ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫مــا آت َي ْت ُـ ْ‬ ‫عن ْـد َ الل ّـهِ وَ َ‬
‫س فََل ي َْرُبو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل الّنا‬ ‫ِ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِفي أ ْ‬
‫ن { )‪ ، (1‬واليــة‬ ‫ضـعُِفو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ه الل ّـهِ فَـُأول َئ ِ َ‬
‫ك هُ ـ ُ‬ ‫ج َ‬‫ن وَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬
‫تُ ِ‬
‫ت { )‪ (2‬ل نــرى‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫الكريمة } ي َ ْ‬
‫مثــل هــذا التصــور الــذي يتصــوره الكــاتب ليصــل إلــى أن‬
‫المصرف ليس محل للصــدقة ‪ ،‬ومــن ثــم فمعـاملته بعيــدة‬
‫تماما عن هذا النطاق الربــوي ‪ .‬كــل مــا هنالــك أن اليــتين‬
‫الكريمــتين تــبرزان ســلوكين ‪ ،‬ســلوك الربــا والســتغلل‬
‫والظلم والتقاطع ‪ ،‬وسلوك الــتراحم والتعــاون والتكامــل ‪،‬‬
‫كما تبين عاقبة كل من هذين السلوكين ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة الروم الية ‪39‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪276‬‬
‫وبعد ذكر الكاتب لبعض آيات الربا بين فهمــه لهــا ومــا رآه‬
‫من أســباب لتحريــم الربــا المــذكور منهــا وقــد ذكــر لــذلك‬
‫خمسة أسباب ‪ ،‬نناقشها واحدا تلو الخر ‪.‬‬
‫الســـبب الول ‪ :‬هـــو أن المـــدين محتـــاج للصـــدقة عمل‬
‫بظروف الدين ‪ ،‬ولذلك فهو مظلوم بأخــذ الربــا منــه ‪ .‬أمــا‬
‫أن المدين محتاج للصدقة فهذا ل يسلم به علــى إطلقــه ‪،‬‬
‫وليس كل مدين يحتاج للصدقة ‪ ،‬وعند العسار فإنه يحتاج‬

‫‪840‬‬
‫للصدقة باعتبار الغرم كما هو مفصل فــي بنــد الغــارمين ‪،‬‬
‫لكن ليس هناك علقة على الطلق بين حرمة الربــا وبيــن‬
‫كون مصير المدين العسار واحتياجه للصــدقة فيمــا بعــد ‪.‬‬
‫أما أن المدين مظلــوم بأخــذ الربــا منــه فهــذا حــق ‪ ،‬ومــن‬
‫الحق الذي ل يقــل عنــه أيضــا أنــه ظــالم بتعــامله الربــوي‬
‫وإعطائه الربا لغيره ‪ ،‬فالظلم قـد وقـع مـن الطرفيـن بـل‬
‫من كل أطراف العملية كما سنوضح ذلك فيما بعد‪.‬‬
‫السبب الثاني ‪ :‬هو أن الــدائن ينفــرد وحــده بالمنفعــة مــن‬
‫الربا ويستغل أبشع استغلل ظروف ذلك المحتاج للصدقة‬
‫‪ ،‬ولذلك فهو ظالم استحق الوعد الكــبير إن لـم يــذر الربـا‬
‫مع مدينه ‪ .‬أمــا قــوله بــانفراد الــدائن بالمنفعــة فهــذا غيــر‬
‫مسلم به فالمدين يســتفيد مــن الــدين وينتفــع بــه انتفاعــا‬
‫مؤكدا حتى ولو كان الدين لغراض الستهلك ناهيــك عــن‬
‫أغراض النتاج ‪ ،‬يضاف إلــى ذلــك أن هــذا غيــر مــؤثر فــي‬
‫الحكم ‪ ،‬والتمويل الربوي للتجــارة فــي الجاهليــة لــم يكــن‬
‫هذا الستغلل ظاهرا فيــه كمــا يتصــور الكــاتب ومــع ذلــك‬
‫حرم ‪ ،‬ولو كان أحد الطرفيــن مســتغل ومظلومــا مــا كــان‬
‫آثما وما استحق العذاب الشديد شأنه شأن الطرف الثاني‬
‫بنــص الحــديث الشــريف » لعــن اللــه آكــل الربــا ومــوكله‬
‫وكاتبه وشــاهديه ‪ ،‬وقــال هــم فــي الثــم ســواء « )‪ (1‬إذن‬
‫العملية كلها ملوثة وذميمة وكل من يشارك فيهــا ولــو لــم‬
‫يكن أحد ركني العقد فهو آثم ‪.‬‬
‫السبب الثالث ‪ :‬أن الربا تنمية من جانب واحد ‪ ،‬بمعنى أن‬
‫العائد فيها لطرف والغرم أو التكلفة على الطرف المقابل‬
‫‪ ،‬فهو غنم من جانب وغرم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن النسائي الزينة )‪,(5102‬مسند أحمد بن حنبــل )‬
‫‪.(1/402‬‬
‫من جانب آخر ‪ .‬ولنفرض أن هذا صحيح في بعــض الصــور‬
‫إل أن ذلك ل يخدم الكاتب فيما استهدفه ‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن ي َأك ُُلو َ‬
‫ن‬ ‫السبب الرابع ‪ :‬قدم تفسيرا لقوله تعالى ‪ } :‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الّرَبا { )‪ ، (1‬والكاتب ليس من رجــال التفســير مــن جهــة‬
‫حيث للتفسير رجاله المستكملون لشــروطه ‪ ،‬ومــا قــدمه‬

‫‪841‬‬
‫من تفسير هو مجرد رأي محتمل ‪ .‬ومــا رأيـه فيمــن ذهـب‬
‫من المفسرين إلــى أن الكــل فــي اليــة معنــاه التعامــل ‪،‬‬
‫ويكون المعني الذين يتعاملون بالربا وهو فــوق هــذا وذاك‬
‫ل يعتبر سببا من أســباب التحريــم ‪ ،‬فهــل يعقــل أن يكــون‬
‫سبب تحريم الربا أن آكله يتخبط كما يتخبط المجنون !!!‬
‫السبب الخــامس ‪ :‬هــو أن الربــا زيــادة طــارئة فــي الــدين‬
‫تفرض على المدين المحتاج للصــدقة وتشــترط عليــه بعــد‬
‫حلول أجل الدين وعجــز المــدين عــن الوفــاء ‪ ،‬وتلــك هــي‬
‫زيادة بعقد جديد مستقل عن العقد الول ‪ ،‬ول يقابلها فــي‬
‫هذا العقد الجديد غيـر تأجيـل السـتيفاء مـن المـدين أي "‬
‫النساء " وهو ربا النسيئة القطعي من غير أي نفــع مــادي‬
‫للمدين وهو أكل أمــوال النــاس بالباطــل ‪ ،‬ولــذا كــان هــذا‬
‫ظلما صريحا ‪ . .‬إلخ ‪ .‬جوهر هذا السبب يدور حــول فكــرة‬
‫أن ربا الجاهلية المحرم قطعيا كان عبارة عن زيادة طارئة‬
‫مشــترطة علــى المــدين نظيــر تأجيــل اســتيفاء الــدين ‪،‬‬
‫وبالطبع فإن المعاملــة المصــرفية الحاليــة ليســت هكــذا ‪،‬‬
‫فهي زيادة في صلب العقد الول ‪ ،‬ومن ثم فإنها ل تــدخل‬
‫فــي الحرمــة لهــذا الختلف ‪ .‬هــذه هــي أهــم فكــرة يــدور‬
‫حولها بحث الكاتب كله ‪ ،‬وهي عند التحقيق أوهن من بيت‬
‫العنكبوت ‪ .‬أما دعواه بأن ربا الجاهلية كان فحسب زيــادة‬
‫طارئة ‪ ،‬فهذا خطأ باعتراف‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫المفســرين والمــؤرخين وغيرهــم مــن علمــاء الســلم ‪،‬‬
‫والكاتب بنفسه قد ســجل ذلـك ممــا نقلـه عــن ابــن حجــر‬
‫وعن الرازي ‪ ،‬فالصورة الثانية وهي الزيادة الصلية كــانت‬
‫قائمة وسائدة حتى أن الجصــاص فــي " أحكــام القــرآن "‬
‫ذهب إلى أنه لم يكن موجودا سواها ‪.‬‬
‫هذه هي السباب الخمســة الــتي ذهــب الكــاتب إلــى أنهــا‬
‫كانت وراء تحريم الربا في القــرآن ‪ ،‬وقــد رأينــا أنهــا كلهــا‬
‫تنهار واحدا تلو الخر ‪ ،‬ثم إنه ما كان أحــرى بالكــاتب وهــو‬
‫يتصــدى لهــذا الموضــوع أن يرجــع إلــى مراجــع التفســير‬

‫‪842‬‬
‫والفقه وأصول الفقه والحــديث ؛ ليتأكــد علــى القــل مــن‬
‫معنى السبب وعلقته بالحكم الشرعي ‪.‬‬
‫خلصة القول هنا أن الكاتب قد انطلق من منطلق خاطئ‬
‫هو اعتباره الربا هو فقط الزيادة الطارئة بعد حلــول أجــل‬
‫الــدين ‪ ،‬وأن المــدين هــو دائمــا محتــاج للصــدقة مظلــوم‬
‫مستغل ‪ ،‬وكل ذلك غير صحيح وبفرض صحة بعضه فل أثر‬
‫لــه فــي الحكــم ‪ ،‬وهــب أن المــدين غنــي جــدا هــل يجــوز‬
‫إقراضه بفائدة ؟‬
‫انتقل الكاتب بعد ذلك إلى بيــان مفهــوم الربـا فـي الســنة‬
‫الشريفة ‪ ،‬وجاء كلمه عنها وفيها قاصرا إلى غاية الغايــة ‪.‬‬
‫ول أدري تفسيرا لذلك على وجه التحديد ‪ ،‬وهــل هــو عــدم‬
‫الدراية الكافيـة بالسـنة ؟ أم هـو موقـف متعمـد حيـث إن‬
‫المزيد من الدراسة والبدل يجلــب علــى الكــاتب مــال يــود‬
‫الوصول إليه ؟ يبدأ الكاتب بقــوله لــم يــرد تعييــن المــوال‬
‫الربوية في القرآن الكريم ‪ ،‬وإنما ورد تعيينها في الســنة ‪.‬‬
‫ومبدئيا فإذا كان قــد ورد تعيينهــا فــي الحــديث فمــا الــذي‬
‫يبقى للكاتب أو لغيره ؟ هل نحذف بعــض هــذه المــوال ؟‬
‫وهل ما لدينا من أموال مغاير لتلــك المــوال المعينــة فــي‬
‫الحديث ؟‬
‫يضاف إلى ذلك أن كلمه غير مسلم به على علتــه ‪ ،‬فــإن‬
‫الحديث الشريف الذي حدد أموال معينة قــد حــددها علــى‬
‫ورود ربا البيع فيها كمــا صــرحت بعــض روايــات الحــديث ‪،‬‬
‫ولذا فقد اشتهر علــى ألســنة الفقهــاء أن هنــاك ربــا بيــوع‬
‫وهناك ربا ديون ‪ ،‬وإذا كان ربا البيوع بنوعيه إنما يــرد فــي‬
‫أموال معينة ‪ ،‬فإن ربا الديون ومنه ربا القــروض يــرد فــي‬
‫كــل مــال ســواء كــان مــن تلــك المــوال الــتي وردت فــي‬
‫الحــديث أو مــن غيرهــا ‪ .‬وفــي ذلــك يقــول ابــن رشــد ‪" :‬‬
‫واتفق العلماء على أن الربا يوجد في شــيئين ؛ فــي الــبيع‬
‫وفيما تقرر في الذمة من بيع أو سلف أو غير ذلك " ) ‪، (1‬‬
‫وقال ابن حزم ‪ " :‬والربا ل يجــوز ‪ -‬أي ل يقــع ‪ -‬فــي الــبيع‬
‫والسلم إل في ستة أشياء فقط ‪ . . .‬وهو في القرض فــي‬
‫كل شيء " )‪ . (2‬وقـال الجصـاص ‪ " :‬والربـا الـذي كـانت‬
‫العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى‬

‫‪843‬‬
‫أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضــون بــه‬
‫" )‪ (3‬وقال الرازي ‪ " :‬أما ربا النسيئة فهو المر الذي كان‬
‫مشهورا متعارفا في الجاهلية ‪ ،‬وذلك أنهــم كــانوا يــدفعون‬
‫المال على أن يأخذوا كل شهر قدرا معينــا ‪ ،‬ويكــون رأس‬
‫المال باقيا ثم إذا حل الدين طالبوا المديون بــرأس المــال‬
‫فإن تعذر عليــه الداء زادوا فــي الحــق وفــي الجــل " )‪(4‬‬
‫وقــال القرطــبي ‪ " :‬وأجمــع المســلمون نقل عــن نــبيهم ‪-‬‬
‫صـلى اللـه عليـه وسـلم ‪ -‬علـى أن اشـتراط الزيـادة فـي‬
‫السلف ربا ولو كان قبضة من علف كما قال ابــن مســعود‬
‫أو حبة واحدة " )‪. (5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬بداية المجتهد ‪ 140 \ 2‬دار الفكر ‪.‬‬
‫)‪ (2‬المحلى ‪ 503 \ 9‬مكتبة الجمهورية ‪.‬‬
‫)‪ (3‬أحكام القرآن ‪ 464 \ 1‬دار الكتاب العربي ‪.‬‬
‫)‪ (4‬التفسير الكبير ‪ 85 \ 7‬دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫)‪ (5‬الجامع لحكام القرآن ‪ 241 \ 3‬دار الكتاب العربي ‪.‬‬
‫أعتقد أنه من الواضح البين أن هناك ربــا ديــون أو قــروض‬
‫وهنــاك ربــا بيــوع ‪ ،‬وأن الول ل يختــص بمــال دون مــال ‪،‬‬
‫ونحب أن نذكر أخانا الكاتب هنــا بتســاؤله الــذي صــدر بــه‬
‫بحثه بتعجب وإنكار لم حرمت الفــائدة علــى القــرض فــي‬
‫نظر الفقهاء ؟ كمــا أحــب أن أذكــره بنــص عبــارة الــرازي‬
‫وعبارة الجصاص حتى يراجــع نفســه فــي ادعــائه بــأن ربــا‬
‫الجاهلية كان فقط زيادة طارئة ولم يكن هناك تراض بيــن‬
‫الطرفين ‪ ،‬وكل ذلك مغاير للمعاملة المصرفية فهي زيادة‬
‫أصلية ونتجت عن تراض بين الطرفين ‪.‬‬
‫هذا هو كل مــا ذكــره عــن الربــا فــي الســنة الشــريفة ثــم‬
‫سرعان ما ركز على وجود تيارين متعارضين في أمر الربا‬
‫حتى فــي الصــدر الســلمي الول ‪ ،‬مبينــا أنــه كــان هنــاك‬
‫المتشددون فيه وهناك المتلطفون معــه ‪ ،‬ثــم ينقــل كلمــة‬
‫منسوبة إلى سيدنا عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬دون أن يجــري‬
‫حولها أية دراسة من حيــث التوثيــق والمضــمون ‪ ،‬ومــا إذا‬
‫كانت قد وردت فعل عن ســيدنا عمــر وأقــوال الثقــاة مــن‬
‫العلماء فيها ‪ ،‬بل إنه لم يشر مجــرد إشــارة إلــى مصــادره‬

‫‪844‬‬
‫في ذلــك )‪ ، (1‬وقــد ســبق أن علقنــا علــى تلــك المســألة‬
‫وغيرها في صدر الورقة ‪ .‬ثــم يقــول الكــاتب ‪ " :‬إن هنــاك‬
‫تيارا يتلطف في الربا ويحصره في ربا الجاهلية الذي نــزل‬
‫فيــه القــرآن ‪ ،‬لكــن مــا لبــث هــذا التيــار أن جرفــه التيــار‬
‫المعــارض " ونحــب أن نقــول للخ الكــاتب إن المســألة ل‬
‫تــدخل فــي بــاب العواطــف والمشــاعر حــتى يكــون فيهــا‬
‫تلطف وقسوة وتشدد بل هي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬يقال إن سيدنا عمر قال ‪ :‬إن آخر ما نزل من القــرآن‬
‫آيات الربا '' في البقرة '' وأن الرسول ‪ -‬صلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ‪ -‬قبض ولم يفسرها لنا فدعوا الربا والريبة ‪ .‬ولكلم‬
‫العلماء في هذه المقولة وتضــعيفهم لهــا انظــر ســنن ابــن‬
‫ماجه جـ ‪ 2‬ص ‪ . 2276‬وتهذيب التهذيب لبن حجر مــادة )‬
‫سعيد ( ‪ ،‬والمصنف لعبد الرزاق جـ ‪ 10‬ص ‪ ، 301‬والسنن‬
‫الكــبرى للــبيهقي جـ ـ ‪ 6‬ص ‪ . 225‬وفــي فهــم عمــر للربــا‬
‫بكافة جوانبه خاصة ربا الفضل وتشــدده فيــه انظــر شــرح‬
‫السنة للبغوي جـ ‪ 8‬ص ‪ ، 61‬والمنتقى شرح الموطأ جـ ـ ‪2‬‬
‫ص ‪. 636‬‬
‫أحكام شرعية وأمانة اللتزام الكامل بها ‪ ،‬كما أنها ليســت‬
‫معركة ول حربا حتى يجــرف تيــار تيــارا ‪ ،‬إنمــا هــو القنــاع‬
‫والقتناع ‪.‬‬
‫ثم انتقل الكاتب بعد ذلك سريعا إلــى القــول بوجــود ثلثــة‬
‫اتجاهات متدرجة في التضييق من منطقة الربا هــي ‪- 1 :‬‬
‫أقلها تضييقا لنطاق الربا هو ما ذهب إليه ابــن رشــد وابــن‬
‫القيم مــن التفرقــة بيــن الربــا الجلــي ربــا النســيئة والربــا‬
‫الخفي ربا الفضل ‪ .‬وقبل أن نناقش الكــاتب فــي مقــولته‬
‫هذه نناقشه أول في نسبة هذه المقولــة إلــى ابــن رشــد ‪،‬‬
‫وحتى يكون النقاش أكثر فعالية نضع نص عبارة ابن رشــد‬
‫والتي نقلها الكاتب في ورقته ‪ .‬يقول ابن رشد ‪ " :‬واتفــق‬
‫العلماء على أن الربا يوجد في شــيئين ‪ :‬فــي الــبيع وفيمــا‬
‫تقرر في الذمة من بيع أو سلف أو غير ذلــك ‪ ،‬فأمــا الــذي‬
‫تقرر في الذمة فهو صنفان ‪ ،‬صنف متفــق عليــه وهــو ربــا‬
‫الجاهلية ‪ ،‬والثاني ضع وتعجل وهو مختلف فيه " )‪. (1‬‬

‫‪845‬‬
‫وسؤالنا للخ الكاتب هو ‪ :‬في أي فقــرة مــن تلــك العبــارة‬
‫فرق فيها ابن رشد بين ربا الفضل وربا النسيئة ؟ وأين هو‬
‫الجلــي والخفــي فــي كلم ابــن رشــد ؟ ربمــا يكــون الخ‬
‫الكــاتب قــد ظــن أن قولــة ابــن رشــد " والثــاني هــو ضــع‬
‫وتعجل " يقصد بها ربا الفضل ‪ ،‬وهذا بالطبع ل يحتــاج إلــى‬
‫مناقشة هنا وبيان ‪ ،‬بل يحتاج من الكاتب الرجوع إلى كتب‬
‫الفقه للتعرف على مضمون تلك الجملــة " ضــع وتعجــل "‬
‫وموقف العلماء منها ‪ ،‬ولعل القـارئ يلحـظ أن ابـن رشـد‬
‫ينقل اتفاق العلماء على ربا البيوع دون تفصيل ‪ ،‬أما الــذي‬
‫فصل فيه فهو ربا الديون ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬ابن رشد '' بداية المجتهد '' جـ ‪ 2‬ص ‪. 140‬‬
‫ثم أخذ الكاتب بعــد ذلــك يتحــدث عــن ابــن القيــم ورأيــه ‪،‬‬
‫ومبدئيا فإن ابن القيم واحد مــن آلف العلمــاء يؤخــذ منــه‬
‫ويــرد ‪ ،‬ول يعتــبر رأيــه حجــة إل باســتناده إلــى القواعــد‬
‫والمبادئ السلمية ‪ ،‬وكيف يؤخذ كلمه هنا على علته في‬
‫ضوء الحديث الشريف الذي قاله لمن اشــترى تمــرا بتمــر‬
‫حال متفاضــل ‪ » :‬أوه عيــن الربــا « )‪ (1‬ومــن الواضــح أن‬
‫الحلول هنا بين جلي وليس فيه شبهة ول ذريعة للتأجيــل ‪،‬‬
‫ومع ذلك بين المصطفى صلى الله عليه وسلم » أنه عيــن‬
‫الربا « )‪ ، (2‬هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن ابن القيــم‬
‫رحمه الله قد حــاول أن يجــد تفســيرا لحرمـة ربـا الفضــل‬
‫بالمقارنة بربا النسيئة ‪ ،‬فقال إنه حرم لنه قد يفضي إلــى‬
‫ربا النسيئة )‪ ، (3‬وهب أن هذا تفسير مقبول ‪ ،‬هــل يــؤدي‬
‫ذلك إلى اختلف في الحرمة ؟ ل ‪ ،‬وهذا ما نص عليـه ابـن‬
‫القيم ‪ ،‬يضاف إلى ذلك وربما تكون أهم نقطــة مــن حيــث‬
‫موضوعنا وهي ‪ :‬ما علقة هذا بموضوع الورقة التي قدمها‬
‫الكاتب ؟ وهب أن في ربا الفضل من حيــث نطــاقه كلمــا‬
‫وكلما ‪ -‬مع أن الجميع متفق على أن هناك ربا فضل وأنــه‬
‫محرم في الصناف الستة بنص الحــديث ‪ ،‬ول اجتهــاد فــي‬
‫ذلك ‪ ،‬لكن ما علقة هذا بالمعاملة المصــرفية الحاليــة !!!‬
‫فهل هي مــن بــاب ربــا الفضــل أم مــن بــاب ربــا الــدين ؟‬
‫العجيب أن الكاتب في بعض عبارته يشير إلى أنها من ربا‬

‫‪846‬‬
‫الفضــل بينمــا الزيــادة الطــارئة هــو فقــط مــن ربــا الــدين‬
‫اســتنادا إلــى كلم عــزاه للشــيخ رشــيد رضــا ‪ ،‬لكــن ذلــك‬
‫مرفوض منه ومن المرحوم الشيخ رشيد إن كان قــد قــال‬
‫ذلك ‪ .‬فأين البيع هنا حتى يكون ربا فضل ‪ ،‬وما هو الفــرق‬
‫بين حقيقة وطبيعة‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري الوكالة )‪,(2188,2188‬صحيح مســلم‬
‫المســــاقاة )‪,(1594,1594‬ســــنن النســــائي الــــبيوع )‬
‫‪,(4557‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(3/62‬‬
‫)‪ (2‬صـــحيح البخـــاري الوكالـــة )‪,(2188‬صـــحيح مســـلم‬
‫المساقاة )‪.(1594‬‬
‫)‪ (3‬للرجوع إلى نص كلم ابن القيم انظر إعلم الموقعين‬
‫جـ ‪ 2‬ص ‪ 154‬وما بعدها ‪.‬‬
‫الزيادتين ؛ الصلية والطارئة ؟ ل فــرق ول خلف اللهــم إل‬
‫في زعم الكاتب فقط ‪ ،‬فقد زعم أن الزيادة الطارئة هــي‬
‫فــي نظيــر التأجيــل ليــس إل فهــي نســيئة ‪ ،‬أمــا الزيــادة‬
‫الصــلية فليســت كــذلك والســؤال هــو إذا لــم تكــن نظيــر‬
‫التأجيل أو على القل لم يكن التأجيــل عنصــرا بــارزا فيهــا‬
‫ففي نظير أي شيء تكون ؟ وهل نســي الكــاتب أنــه فــي‬
‫الكثير الغالب من عباراته يسـلم بأننــا فــي مجــال القــرض‬
‫بفائدة ؟ وبعد ذلك يخلص الكاتب ما ترتبه التفرقة بين ربا‬
‫النسيئة وربا الفضل من نتــائج أهمهــا أن الحرمــة فــي ربــا‬
‫النسيئة أشد من الحرمة في ربا الفضل ‪ ،‬ومن ثم ل يجوز‬
‫ربا النسيئة إل عند الضرورة بينمــا يجــوز ربــا الفضــل عنــد‬
‫الحاجة ‪ ،‬وذلك عندما ل يمكن اتخاذه ذريعــة لربــا النســيئة‬
‫فينتفي سبب التحريم ‪ .‬سبحان الله ‪ ،‬من الذي له ســلطة‬
‫المفاضلة بين المحرمات وعمل سلم لها ؟‬
‫ومــن الــذي لــه ســلطة إباحــة المحــرم وتحديــد الضــرورة‬
‫وتحديــد الحاجــة ؟ وبفــرض التســليم بــذلك فــإن الكــاتب‬
‫يناقض نفسه ويناقض كلم ابن القيم الــذي اعتمــد عليــه ‪،‬‬
‫فهو يقول عند الحاجة يباح ربا الفضل عند مــا ل يمكــن أن‬
‫يتخذ ذريعة لربا النسيئة ‪ ،‬فإذا ما جئنــا لنطبــق ذلــك علــى‬
‫المعاملة المصرفية " اليداع " وبفرض أنهــا مــن بــاب ربــا‬

‫‪847‬‬
‫الفضل ‪ ،‬ألم تؤد هذه المعاملة إلى ربا النســيئة ؟ وأليــس‬
‫هناك تأجيل صريح واضح ؟ يــا أخــي الكريــم مــا قــاله ابــن‬
‫القيم هو أن ‪ 5‬مقابل ‪ 6‬حال حــرم حــتى ل يكــون الحلــول‬
‫فيه ظاهريا فقط ‪ ،‬والحقيقة هو التأجيل أي تأجيل الستة ‪،‬‬
‫وما يحدث في المعاملة المصرفية أن المودع ل يأخذ مثــل‬
‫ماله مع إضافة الفائدة حال بل مؤجل ‪ ،‬وهذا أمــر بــدهي ‪:‬‬
‫أليس هذا هو النسيئة بعينه ؟ وهو الذي خشي ابــن القيــم‬
‫من الوصول إليه خفية فإذا بنا نصل إليه‬
‫مباشرة وعلنية وهذا عن التجاه الول كما عرضه الكاتب‬
‫‪ ،‬فهل فيه ما يؤيد وجهة نظره من قريب أو بعيد ؟‬
‫‪ - 2‬التجاه الثاني ‪ :‬هـو الــذي يميــز بيــن ربــا القـرآن وربـا‬
‫السنة ‪ .‬وقد وصف ربا القــرآن بالربــا الجلــي وربــا الســنة‬
‫بالربا الخفي ‪ ،‬وقد بين أن هذا التجــاه يقســم الربــا ثلثــة‬
‫أنـواع هـي ‪ :‬أ‪ -‬ربـا الجاهليـة ‪ :‬وهـو الربـا الـذي نـزل فيـه‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬وحقيقته كما ذكر الكاتب أن يقول الــدائن‬
‫للمدين عند حلول الجل إما أن تقضي وإما أن تربي ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ربا النسيئة الوارد في الحديث الشريف ‪ .‬وقد قال فيه‬
‫الكاتب إنه أوسع كثيرا فــي مــداه مــن ربــا الجاهليــة ‪ ،‬بــل‬
‫ويختلف عنه اختلفا بينا في كثير من الصور ‪.‬‬
‫جـ‪ -‬ربـا الفضـل الـوارد فـي الحـديث وهـو بيـع المكيـل أو‬
‫الموزون بجنسه متفاضل أو بيع الطعــام أو الثمــن بجنســه‬
‫متفاضل ‪.‬‬
‫هذا كل ما قاله الخ الكريم عن التجاه الثــاني ‪ .‬والحقيقــة‬
‫أن الكاتب هنا قد وضع نفسه في موضــع ل يحســد عليــه ‪.‬‬
‫فهل ما ذكره هنا يعتبر اتجاها ذهب إليه بعض العلماء ؟ أم‬
‫أنه تفصيل من العلمــاء كلهــم لصــور وأنــواع الربــا ؟ وهــل‬
‫هناك فقيه واحد ل يقول بتلك النــواع للربــا ؟ إنهــا عمليــة‬
‫تفصيل وتميــز بيــن النــواع المختلفــة للربــا ‪ ،‬وليــس لهــذا‬
‫التفصيل أي مدخل من قريب أو بعيد في الحــل والحرمــة‬
‫فكلها محرمة ‪ .‬فكيف يقال عن ذلك إن هذا هو اتجاه مــن‬
‫التجاهات التي تضيق من نطاق الربا ‪ ،‬فأين هــو التضــييق‬
‫والتوسيع فيما ذكره من هذا التجاه ؟ وبالطبع فإن كلمــه‬

‫‪848‬‬
‫عن النــوع الول هــو غيــر صــحيح ‪ ،‬وســبق أن فنــدناه أمــا‬
‫النوع الثاني فتارة‬
‫يقول عنه هو أوسع كثيرا من ربــا الجاهليــة ‪ ،‬وتــارة يقــول‬
‫إنه يختلف عنه اختلفا بينــا ‪ .‬ول يخفــى مــا فــي ذلــك مــن‬
‫التضارب فالتباين غير العموم والشمول ‪ .‬ثم إن قوله عن‬
‫الثاني هو أوسع بكثير عن الول غير مسلم به ‪ ،‬فهــذا فــي‬
‫بيع وهذا في دين أو قرض ‪ ،‬وهذا أصــل بــذاته وذاك أصــل‬
‫بذاته ‪ .‬ومع ذلك فالكل حرم بنصوص إسلمية ل فرق بيــن‬
‫هذا وذاك ‪.‬‬
‫ونحب أن نعلق بكلمة أخيرة بمناسبة تركيــز الكـاتب علـى‬
‫وصف بعض النواع بالجلي وبعضها بالخفي ‪ ،‬والــذي نحــب‬
‫أن يكون واضحا وجليا فــي ذهــن القــارئ أن مقصــود مــن‬
‫قال بذلك من العلماء ل يحمــل علــى الطلق تفرقــة فــي‬
‫الحرمة أو في درجتها ‪ ،‬فالربــا الخفــي ل يقــل حرمــة عــن‬
‫الربا الجلي ‪ ،‬وليس كــل خفــي أقــل ضــررا وخطــورة مــن‬
‫الجلي ‪.‬‬
‫‪ - 3‬التجاه الثالث ‪ :‬يقول عنه الكاتب هو الذي ل يحرم إل‬
‫ربا الجاهلية الوارد في القرآن الكريم وحــده ‪ ،‬ويقــول إنــه‬
‫على رأس هذا التجاه ابن عباس ويستدل بحديث » ل ربــا‬
‫إل في النسيئة « )‪ (1‬فأصحاب هذا التجاه ل يحرمون ربــا‬
‫الفضل بل فقط ربا النسيئة ‪ .‬ونقاشنا للكاتب يــدور حــول‬
‫تلك النقاط ‪ .‬فمــن جهــة ‪ ،‬هــذا ‪ -‬إن صــدق ‪ -‬فهــم لبعــض‬
‫العلماء يعارضه فهم الغالبية ‪ .‬مع ملحظة أن الكـاتب فـي‬
‫صدر حديثه يقـول عــن هـذا التيـار إن التيـار المتشـدد قــد‬
‫جرفه ‪ ،‬بمعنى أنه لم يبق هنــاك إل تيــار واحــد ‪ ،‬ثــم يعــود‬
‫فيقول إن ابن عباس ظل على موقفه هــذا حــتى الوفــاة ‪.‬‬
‫وهنا مفارقة ‪ ،‬والعجيب أن الكاتب يرجع في قوله هذا عن‬
‫ابــن عبــاس إلــى غيــر مرجــع فهــو يرجــع إلــى مجلــة "‬
‫المسلمون " وهل تلك المجلة ‪ -‬مع‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1596‬سنن النسائي البيوع‬
‫)‪,(4580‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2257‬مســند أحمــد‬
‫بن حنبل )‪,(5/209‬سنن الدارمي البيوع )‪.(2580‬‬

‫‪849‬‬
‫احترامنا لها ‪ -‬تعد مصدرا لمثل تلك المعلومــة الخطيــرة ؟‬
‫كنا نتوقع من الكــاتب أن يتحقـق لنــا مـن ذلـك وينقـل لنــا‬
‫بأمانة ودقة ما قاله العلماء الثقــاة فــي الحــديث المــذكور‬
‫وفي موقف ابن عباس ‪ ،‬لكــن الكــاتب لـم يفعــل ذلــك ول‬
‫شيئا منه ‪ ،‬وفي الغالب خشية أن يوصله ذلك إلى غير مــا‬
‫يريد الوصول إليه ‪ .‬هذا من جهة ‪ ،‬ومــن جهــة ثانيــة فهــب‬
‫جدل أن ما قاله هنا صحيح فمــا وجــه تــدعيم ذلــك لوجهــة‬
‫نظر الكاتب ؟ ليس له وجه ولو خافتــا ‪ ،‬فهــذا فــي مجــال‬
‫آخر ونحن في مجال آخر هناك التفاضل يدا بيد ‪ ،‬وهــو مــا‬
‫عبر عنه السبكي بـ " النقد " وهنا التأخير والتأجيل ‪ ،‬فــأين‬
‫هذا من ذاك ؟ ومن جهــة أخــرى فــإن ممــا يــدلنا علــى أن‬
‫نسبة هذا الكلم لبن عباس وبقاءه عليه فيهــا الكــثير مــن‬
‫النظر ‪ ،‬إنه من غير المتصور أن يـبيع شـخص ذهبــا بــذهب‬
‫من نفس النوع والجودة حال متفاضل ‪ ،‬هذا غيــر متصــور ‪،‬‬
‫والمتصور إحدى اثنتين ‪ ،‬إما أن أحدهما ردئ أو أن أحدهما‬
‫مؤجل حتى يكون للتفاضــل وجــه يتصــور مــن خللــه ‪ ،‬أمــا‬
‫التأجيل فل خلف بيـن ابـن عبـاس أو غيـره فـي حرمتـه ‪،‬‬
‫وأما الرداءة والجودة فهـي الصـورة الوحيـدة الـتي يمكـن‬
‫تصورها فيما لو ثبت ذلك عن ابــن عبــاس ‪ .‬وعنــدئذ فهــي‬
‫خارجة عن مجالنا لنها حالة من جهــة ومغــايرة صــفة مــن‬
‫جهة أخرى )‪. (1‬‬

‫__________‬
‫)‪ (1‬إن كل من تكلم من ثقات العلماء فــي هــذه المســألة‬
‫أكد على رجوع ابن عباس عن قوله ‪ .‬انظر في ذلك ‪ :‬نيل‬
‫الوطار جـ ‪ 5‬ص ‪ ، 216‬ـ ‪ ، 217‬شرح مسلم للنــووي جـ ـ‬
‫‪ 11‬ص ‪ ، 25 ، 24‬شرح السنة للبغوي ‪ ،‬المطالب العالية‬
‫لبـــن حجـــر ‪ .‬وقـــد قـــال القرطـــبي وابـــن عبـــد الـــبر ‪،‬‬
‫والسرخسي ‪ :‬إنه ل قول لحد مع رسول اللــه صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم ‪ .‬والمر سيان \ ج ‪ 1‬ص ‪ . 393‬في رجوع ابن‬
‫عباس أو عدم رجوعه فإذا ثبتت السنة فل قول معها لحد‬
‫‪ .‬انظر الجامع لحكام القــرآن جــ ‪ 3‬ص ‪ ، 348‬المبســوط‬
‫جـ ‪ 2‬ص ‪ 111‬وتكملة المجموع للسبكي جـ ‪ 10‬ص ‪. 34‬‬

‫‪850‬‬
‫ثم خلص الكاتب من ذكر تلــك التجاهــات إلــى مــا أســماه‬
‫حقيقــة ل تحتــاج إلــى دليــل وهــي ‪ :‬مــا ملخصــه أن الربــا‬
‫المحرم هو الذي نزل فيه القرآن الكريم وهو ربا الجاهليــة‬
‫وخاصيته ‪ -‬كما يقول ‪ -‬هو الزيادة عند حلول الجــل نظيــر‬
‫تمديد الجل ‪ ،‬وهو الربا الــذي ذكــره رســول اللــه ‪ -‬صــلى‬
‫الله عليه وســلم ‪ -‬فــي حجــة الــوداع قــال ‪ » :‬أل وإن ربــا‬
‫الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا عمي العباس بن عبــد‬
‫المطلب « )‪ ، (1‬أما ربا الفضــل فهــو محــرم أيضــا ‪ ،‬لكــن‬
‫تحريــم وســائل ومــا حــرم ســدا للذريعــة يبــاح للمصــلحة‬
‫الراجحة ‪ .‬ثم أضاف إلى ذلك معلومة أخرى وهي أن الربا‬
‫المحرم قطعيا هو الذي يتخذ صورة التضــعيف ‪ .‬ثــم ينقــل‬
‫َ‬
‫مُنــوا‬
‫نآ َ‬ ‫سببا من أسباب نزول الية الكريمة } َيا أي َّها اّلــ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة { )‪ (2‬مشــيرا إلــى أن‬ ‫ضــاعََف ً‬
‫م َ‬ ‫َل َتــأك ُُلوا الّرَبــا أ ْ‬
‫ضــَعاًفا ُ‬
‫الجاهليــة كــانوا يضــاعفون الــدين بمضــاعفة الجــل ‪ .‬هــذا‬
‫ملخص للحقيقــة الــتي ل تحتــاج إلــى دليــل ‪ .‬والغريــب أن‬
‫الكاتب ينقل بعض الفقرات ويترك بعضها ‪ ،‬وكنــا نــود منــه‬
‫طالمــا أنــه تعــرض لهــذه المســألة أن يعــرض لنــا أقــوال‬
‫العلماء والمفسـرين فـي معنـى هـذه اليـة ومـا وراء هـذا‬
‫القيد أضعافا مضاعفة ومدى تدخله فــي الحــل والحرمــة ‪،‬‬
‫وهل لو كان الربا غير مضاعف كان حلل ‪ .‬وهل التضــعيف‬
‫يرجع للدين أم يرجع للربا كما هو واضح مــن اليــة ‪ .‬وهــل‬
‫يخفى علــى القــارئ نوعيــة الفــائدة المصــرفية وهــل هــي‬
‫بسيطة أم مركبة ؟ وهل يخفى عليه ما هنالــك مــن ديــون‬
‫تضاعفت أضعاف أضعاف بفعل الفائدة المصرفية ؟‬
‫إن هذا الوصف ما ذكر لتقييد الحرمة بــه بــل هــو لشــناعة‬
‫وبشاعة ما يؤول إليه التعامل الربوي من نتائج ‪ ،‬ل لن مــا‬
‫عدا تلك الصورة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري الحــج )‪,(1693‬صــحيح مســلم الحــج )‬
‫‪,(1218‬سنن الترمذي الحج )‪,(856‬سنن النسائي مناسك‬
‫الحج )‪,(2763‬سنن أبو داود المناسك )‪,(1905‬ســنن ابــن‬
‫مـــاجه المناســـك )‪,(3074‬مســـند أحمـــد بـــن حنبـــل )‬

‫‪851‬‬
‫‪,(3/321‬موطأ مالك الحج )‪,(836‬سنن الدارمي المناسك‬
‫)‪.(1850‬‬
‫)‪ (2‬سورة آل عمران الية ‪130‬‬
‫‪ -‬بفرض حدوثها ‪ -‬غير محرم أو أقــل حرمــة ‪ ،‬إن القطــرة‬
‫من الخمر ل تقل في حرمتها عن الدن منها ‪ .‬والمثلة في‬
‫ذلك كثيرة ل تحتاج إلى بيان ‪.‬‬
‫ول أدري ماذا وراء قول الكــاتب فــي حقيقتــه هــذه " وهــو‬
‫الربا الذي ذكره الرسول ‪ -‬صـلى اللـه عليـه وسـلم ‪ -‬فـي‬
‫حجة الوداع " ‪ ،‬وهل يفهم من ذلك أن هذا هو الحرام ومــا‬
‫عداه من صور الربا فهي غير ذلك ؟ وهل يعنــي وضــع ربــا‬
‫الجاهلية أن ربا غير الجاهلية غير موضوع !!!‬
‫مع أنني لست من المختصين في الحديث ول فــي أصــول‬
‫الفقه إل أنه في حدود فهمــي للحــديث الشــريف ‪ -‬وأرجــو‬
‫أن يصحح لي هذا الفهم أهل الختصــاص ‪ -‬أن آيــات الربــا‬
‫نزلــت متــأخرة وإلــى نزولهــا كــان هنــاك آثــار باقيــة مــن‬
‫عمليات ربوية تمت في الجاهلية ‪ ،‬فعندما نزلت آيات الربا‬
‫ثم جاءت حجــة الــوداع فــي هــذا الحشــد الهــائل مــن كــل‬
‫صوب وحدب بين الرسول الكريـم أن كـل الثـار المترتبـة‬
‫والمتبقية مــن ربــا الجاهليــة موضــوعة بمعنــى أنــه ل حــق‬
‫لدائن قبل مدين إل برأس المال فقط ‪ ،‬ومن باب القــدوة‬
‫والسوة بدأ بالديون التي لعمه العباس علــى الغيــر ‪ .‬مــاذا‬
‫في ذلك ؟ وما علقته بحرمة بقية أنواع الربــا الــتي بينتهــا‬
‫السنة ‪ ،‬وبالطبع فإنها تلشت في المجتمع الســلمي ولــم‬
‫يعد لها بقاء أو أثر حتى يوضع ‪ ،‬بل عولجت معالجة كاملــة‬
‫قاطعة في حينها ‪ .‬أما ربا الجاهليــة فربمــا كــان يظــن أنــه‬
‫طالما تم ذلــك فــي الجاهليــة ‪ ،‬فيكــون مــن حــق الــدائنين‬
‫الحصـول عليهـا كاملـة فـبين الرسـول ‪ -‬صـلى اللـه عليـه‬
‫وسلم ‪ -‬أن ربا الجاهلية موضوع ‪.‬‬
‫وفي فقرته الثالثة تناول الكاتب مــا أســماه بموقــف أهــل‬
‫العلم وكبار رجــال الفتــوى فــي الســلم مــن المصــارف ‪.‬‬
‫ومن استعراضه غير المـدون فـي ورقتـه لمجمـل كلمهـم‬
‫تبين له ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن الربا محرم تحريما قطعيا ل شك فيه ‪.‬‬

‫‪852‬‬
‫‪ - 2‬أن الربا المجمع على تحريمه بل شك هو ربــا النســيئة‬
‫الذي كان في الجاهليــة ‪ ،‬أم ربــا الفضــل فقــد حــرم ســدا‬
‫للذريعة ‪ ،‬وما كان كذلك فيجوز للمصلحة ‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن الحكمة فـي تحريـم الربـا هـي إزالـة الظلـم بنــص‬
‫القرآن الكريم وعدم استغلل الغني حاجــة الفقيــر ‪ ،‬وبعــد‬
‫أن يستعرض بعض كلم للشيخ رشيد رضا يضيف قائل ‪" :‬‬
‫إن المصــارف هــي مؤسســات تجاريــة حديثــة لــم تكــن‬
‫معروفة في عهد نزول أحكام الربا في الشريعة السلمية‬
‫‪ ،‬ولذلك تخضع المصــارف لحكــام الشــريعة علــى طريــق‬
‫القياس ‪ ،‬فإذا كان الشبه كــامل مــن غيــر أي فــرق بينهمــا‬
‫وبيــن مــا قــد حرمتــه الشــريعة مــن الربــا القطعــي فهــي‬
‫محرمة أيضا قطعــا أمــا إذا اختلفــت المصــارف عــن الربــا‬
‫القطعي ولو فــي بعــض الوجــوه فليســت محرمــة تحريمــا‬
‫قطعيا ‪ .‬وإنما يجب النظر فيها على أساس مصالح النــاس‬
‫في معاشهم فإن كان معاشهم ل يتــم إل بهــا فهــي جــائزة‬
‫من غير ريب ‪ . .‬إلخ " ‪.‬‬
‫ول ندري ما هو سر تركيز الكاتب وترديــده لعبــارة محــرم‬
‫تحريما قطعيا ل شك فيه ‪ .‬وهل هناك محرم غير قطعي ؟‬
‫وهل هناك شك في أي تحريم ثبــت كــونه حرامــا ؟ ونحــن‬
‫نتفق معه فــي أن مــن جــوانب حكمــة تحريــم الربــا إزالــة‬
‫الظلم ‪ ،‬لكن ما هــو هــذا الظلــم ؟ وهــل هــو ظلــم طــرف‬
‫أطرف في العملية ؟ ومــا هــو الطــرف الظــالم والطــرف‬
‫المظلوم ؟ أم أن كل منهما ظالم ومظلوم ؟ أم أنهما معــا‬
‫ظالمــان لغيرهمــا مــن شــتى أفــراد المجتمــع الحاضــرين‬
‫والمستقبلين ؟ وماذا عن ترديده وإصراره على قوله أهــل‬
‫العلم وكبار رجال الفتوى ؟ وهل من تحدث عنهم هم كبار‬
‫رجال الفتوى ؟ أم أنهم نفر مــن رجــال الفتــوى ؟ يعــارض‬
‫رأيهم جمهور إن لم يكن سائر من عداهم ‪.‬‬
‫وفي فقرته الرابعة يتناول الكاتب طبيعة أعمال المصارف‬
‫‪ .‬ويقول ‪ :‬إنه بعد دراسة مفهوم الربا في القــرآن والســنة‬
‫وموقف أهل العلم مــن المصــارف نــدرس طبيعــة أعمــال‬
‫المصارف لنرى هل تقع ضمن العمــال الربويــة الــتي ورد‬
‫تحريمها فــي القــرآن تحريمــا قطعيــا ل شــك فيــه أم أنهــا‬

‫‪853‬‬
‫تختلف عنهــا تمــام الختلف ‪ ،‬وبالتــالي ينظــر إليهــا ضــمن‬
‫حدود القواعد العامة للشريعة ‪ ،‬وبالتالي عدم الحجر على‬
‫العباد فيما ل بد منه ويخلص إلى هذه النتيجــة ‪ :‬إن طبيعــة‬
‫أعمال المصارف تختلــف عــن الربــا المحــرم فــي القــرآن‬
‫علــى النحــو التــالي ‪ :‬أول ‪ :‬لن الــدائن فــي المعــاملت‬
‫المصرفية هو دائما مــن المــالكين لــرأس المــال غيــر أنــه‬
‫يملك سيولة صغيرة ل يستطيع استثماره ‪ ،‬أما المدين فهو‬
‫دائما من كبار المالكين لرأس المال غير أنــه ل يملــك أيــة‬
‫سيولة لتسيير أعماله الكبرى ‪ ،‬أي أن الــذي يحتــاج للخــر‬
‫في تلك المعاملة هم دائمــا الغنيــاء الكبــار الــذين يمــدون‬
‫أيديهم لوفر المالكين الصغار دون العكس ‪ ،‬ويترتب علــى‬
‫ذلك أن هؤلء المدينين ل تحل لهم الصدقة فيما لــو طلبنــا‬
‫إلــى هــؤلء أن يتوبــوا ويتصــدقوا بــرؤوس أمــوالهم علــى‬
‫صد ُّقوا َ‬
‫خْيــٌر‬ ‫َ‬
‫ن تَ َ‬
‫المدينين الغنياء ‪ ،‬عمل بقوله تعالى ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫م { )‪ ، (1‬وهذا هو أول ما يميز أعمــال المصــارف عــن‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫الربا المحرم في القرآن الكريم ؛ حيث إن المــدين يحتــاج‬
‫للصدقة عكس المدين في المعاملت المصرفية ‪ .‬هــذا مــا‬
‫قاله الخ الكاتب تعمدت نقله نقل شبه حرفي حتى تكــون‬
‫مناقشته حضوريا ‪.‬‬
‫وأعتقد أن ما يريد أن يقوله الكاتب في هــذه الفقــرة مــن‬
‫الوضوح بحيث ل يحتاج إلى توضيح ‪ ،‬لكن ترد عليه المــور‬
‫التالية دائما ما يركز علــى أنــه فــي تلــك المعاملــة الــدائن‬
‫دائما أقل غنى من المدين ‪ ،‬لكن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪280‬‬
‫كون ذلك دائما فهذا غير صحيح خاصة إذا ما علمنا حقيقــة‬
‫المصارف وأنها في غالبيتها شركات مساهمة قــد ل تكــون‬
‫ملكية الفرد فيها ذات شأن ‪ ،‬بالضافة إلــى أن هنــاك مــن‬
‫أصــحاب اليــداعات مــن هــم مــن أصــحاب الملييــن بــل‬
‫والبلييــن ‪ ( 2 ) .‬حســنا أن صــرح الكــاتب بــأن العلقــة‬
‫المصرفية هي علقة دائنية ومديونية أي أننــا فــي مجــال "‬
‫الدين " وحيث إن الــدين إمــا مــن بيــع أو إجــارة أو قــرض‬
‫إلخ ‪ ،‬وحيث إن المصرف لم يشتر ولم يسـتأجر شــيئا مـن‬

‫‪854‬‬
‫الدائن فيبقى أن يكون مصدر الــدين هــو القــرض ‪ ،‬وعلــى‬
‫أية حال فنحن في مجال الدين ‪ ،‬وقد أجمــع العلمــاء علــى‬
‫أن الزيــادة المشــترطة فــي عقــد الــدين هــي مــن الربــا‬
‫القطعي التحريم " بتعبير الكاتب " لنها صــورة مــن صــور‬
‫ربا الجاهلية ‪ ( 3 ) .‬علينا أن نلحظ أن المــدين إذا أعســر‬
‫فقد صار مركزه المالي سيئا جدا ‪ ،‬بحيث لم يعد يســتطيع‬
‫سداد ما عليه بغض النظر عما كــان عليــه فــي الماضــي ‪،‬‬
‫وفي تلك الحالة تجوز عليه الصدقة مـن الـدائن أو غيـره ‪،‬‬
‫وهب أن مصرفا قد أفلس وهب أن أعماله مشروعة فمــا‬
‫المانع في تلك الحالـة مـن التصـدق علـى مـالكيه ‪( 4 ) .‬‬
‫يضاف إلى ذلك أنه كما هو معروف في العقود ‪ ،‬فإن لكل‬
‫عقد أركانه وطالما استوفى العقد تلك الركــان دخــل فــي‬
‫نطاق العنوان المتعارف عليه ‪ ،‬فهنــاك دائن وهنــاك مــدين‬
‫وهناك دين إذن عقد الدين استكمل مقدماته ‪ ،‬ول أثر بعــد‬
‫ذلك فيما لو كان الدائن أغنى أو أقــل غنــى مــن المــدين ‪،‬‬
‫وهكذا نصل إلى أنه ليس كل مدين محتاجا للصدقة ‪ ،‬وكل‬
‫مدين معسر يحتاج إلى ذلك ‪ ،‬مصرفا كان أو غيره ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬لن الدائن في المعاملة المصــرفية ل يختــص وحــده‬
‫بالمنفعة دون المدين عكس ما حذر منه القــرآن الكريــم ‪،‬‬
‫كما أنه ل يستغل محتاجا للصدقة ‪ ،‬بل يشترك مع الغنيــاء‬
‫في المنفعة بموجب عقد رضائي تجاري ل استغلل فيه ‪.‬‬
‫ومبدئيا نقول إن هذا الكلم كله بفرض التسـليم بصــحته ل‬
‫أثر له فــي الحكــم علــى الطلق ‪ ،‬بــل المعــول عليــه هــو‬
‫وقوع زيادة مشترطة منصوص عليها في دين ‪ .‬وهذا قــائم‬
‫وموجود هنا ثم إن عملية التراضي هي الخــرى ل أثــر لهــا‬
‫في حل أو حرمة ‪ ،‬فكم من عقد تم بتراضي طرفيه ولكنه‬
‫حــرام ومحظــور وفاســد وباطــل مثــل الكــثير مــن الــبيوع‬
‫وغيرها ‪ .‬وكون المنفعة مشتركة هي الخــرى ل أثــر لهــا ‪،‬‬
‫فكم من عقود نجد منفعتهــا مشــتركة لكنهــا محرمــة مثــل‬
‫الزنا والكثير من الــبيوع والجــارات إلــخ ‪ ،‬كمــا أن قــوله ل‬
‫استغلل فيه غير مسلم به فالستغلل قائم وموجود حــتى‬
‫ولو كان من قبل المدين ‪ .‬إن عملية الظلم مرفوضــة مــن‬
‫دائن أو مدين ‪ ،‬من غني لفقير أو مــن فقيــر لغنــي ‪ .‬ولقــد‬

‫‪855‬‬
‫اعترف الخبراء باستغللية المصرف لكــل مــن الطرفيــن ‪،‬‬
‫المودع " الدائن " والمقترض " المدين " ‪ .‬ووصف الكاتب‬
‫العقــد بكــونه تجاريــا قاصــدا بــذلك أننــا فــي عمليــات بيــع‬
‫وتجارة وليس في عمليات إقراض اقتراض كما هو الحــال‬
‫في الربا في القرآن الكريم ‪ .‬لكن يــرد عليــه بــأنه بنفســه‬
‫اعترف أكثر من مرة بأننا هنا أمام دين ودائن ومدين ‪ ،‬بل‬
‫لقد صرح أكثر مــن مــرة بــالقرض ‪ ،‬يضــاف إلــى ذلــك أن‬
‫كون المصــرف أو حــتى الطرفيــن قــد حــول القــرض إلــى‬
‫صورة تجارة ‪ ،‬وهذا هو الواقــع فنحــن نعلــم أن المصــرف‬
‫يعرف بأنه تاجر ائتمان أي أن يتاجر في عمليات القــراض‬
‫والقـتراض ‪ ،‬وبـالطبع فـإن عمليـة التجـارة هـذه ل تخـرج‬
‫المر عن طابعه وطبيعته وهو " القرض " وعلينا أن ندرك‬
‫أن ربــا الجاهليــة فــي الكــثير مــن صــوره كــان لغــراض‬
‫تجارية ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬كرر الكاتب هنا ما قاله في " ثانيــا " ومــن ثــم فلــن‬
‫نعيد الــرد عليــه اللهــم إل تركيـزه علـى قصــد التجـار هنــا‬
‫وليس القرض لحاجة وأن ذلــك مــن قســم الــبيع ‪ .‬ونقــول‬
‫للخ الكريم طالما أنه يصر على ترديد ذلك وكأنه‬
‫عنصر جديد ومــؤثر فــي العمليــة ‪ .‬مــن تعنــى بمــن يقصــد‬
‫التجار من طرفي العقد إن كان المدين فهــذا ل أثــر لــه ‪.‬‬
‫ومن الذي قال إن القرض كان في الجاهلية أو فــي صــدر‬
‫السلم أو فــي أي عصــر أو فــي عصــرنا هــذا إنمــا يكــون‬
‫بقصد الستهلك فحسب من قبــل المــدين أو المقــترض ؟‬
‫وإن كــان الكــامن لــذلك هــو الــدائن " المقــرض " بــأن‬
‫يستخدم إقراضه أو دائنيته لغيــره لدرار العــوائد والفــوائد‬
‫متخذا من ذلك نشاطا تجاريا ‪ ،‬فيقول السلم لــه إن ذلــك‬
‫منك حرام مهما كــانت نوعيــة المقــترض أو المــدين ‪ ،‬وإذا‬
‫أردت توظيف مالك توظيفا اقتصاديا فالباب أمامك مفتوح‬
‫على مصراعيه للولوج منه ‪ ،‬أما أن تترك الباب المشــروع‬
‫لتوظيــف المــوال ؛ شــركة ‪ ،‬مضــاربة ‪ ،‬إلــخ بقوانينهــا‬
‫وضوابطها ثم تلج مــن بــاب القــرض ذي الطبيعـة الخاصـة‬
‫والقانون المميز مستخدما لــه اســتخدام مجــال التوظيــف‬
‫القتصادي فهذا هو الحرام بعينه ‪ .‬وهذا فإن قصــد التجــار‬

‫‪856‬‬
‫ل يحيل الحرام حلل طالما نستخدم نفس الدوات الــتي ل‬
‫يجوز أن تستخدم في التجــار ‪ ،‬وإل فمــا أيســر أن تقتصــر‬
‫التجــارة فــي أعمــال كــثيرة محظــورة ‪ ،‬فهــل يحيلهــا هــذا‬
‫القصد المجرد إلى حلل مباح ؟ ؟ إننا نرى اليوم عشــرات‬
‫العمال المحظورة والمحرمــة أصــبحت محل للتجــارة بــل‬
‫وللصــناعة ‪ -‬وكلهمــا نشــاط اقتصــادي مشــروع ‪ -‬مثــل‬
‫التجارة في الفوائد الدائنة والمدينة " العمــاق المصــرفية‬
‫" ‪ ،‬الزنا وأعمال العهر ‪ ،‬المخدرات ‪ ،‬الملهــي والقمــار ‪. .‬‬
‫إلخ وادعاء الكاتب بعدم وجود ضرر في تلك المعاملة غيــر‬
‫صحيح ‪ ،‬فماذا عن المجتمــع ‪ ،‬ومــاذا عــن المديونيــة الــتي‬
‫تجثم على صــدر العديــد مــن الــدول الســلمية ومعظمهــا‬
‫مصدره الفتراض بفائدة ؟ وماذا عن الثار الضارة للفائدة‬
‫علــى النتــاج وهيكلــه ومســتواه ‪ ،‬والتوزيــع والعمالــة ‪،‬‬
‫والستقرار القتصــادي ممــا هــو مــدون فــي أمهــات كتــب‬
‫القتصاد الوضعي ؟ ؟ أليست هذه كلها أضرارا !!!‬
‫رابعا ‪ :‬في هــذه الفقــرة أضــاف بعــدا جديــدا هــو الشــعور‬
‫بالمــان والطمئنــان فــي المعاملــة المصــرفية لكــل مــن‬
‫الدائن والمدين ‪ ،‬لكن ذلك مفتقر في الربا الذي حذر منــه‬
‫القــرآن الكريــم ؛ حيــث ل ضــمان لمــوال المرابيــن لــدى‬
‫العاجزين عن الوفاء ‪.‬‬
‫سبحان الله !! وهل يتباكى الكاتب علــى أحــوال المرابيــن‬
‫وسوء أوضاعهم ‪ ،‬وكــأنه يطــالب لهــم بأمــان أكــبر ‪ .‬وهــل‬
‫نســي الضــمانات المــأخوذة هنــا وهنــاك ؟ وهــل أمــان‬
‫المصرف على أمــواله ميــزة تميــزه عــن المرابــي القــديم‬
‫ومن ثم تجعل عمله حلل ؟ ثـم مـا هـذا الخلـط ؟ الكـاتب‬
‫تكاد تقوم ورقته كلها على موضوع " اليداع " وحديثه هنــا‬
‫ل يتصــور انصــرافه إل إلــى إقــراض البنــك للعملء ‪ ،‬فــأين‬
‫المان الذي تتحدث عنه للبنك ؟ أم أنه يتحدث عن ضــمان‬
‫وحماية مال صغار المــالكين " الــدائنين للبنــك " بينمــا لــم‬
‫يكن ذلك موجودا في الدائن المرابــي فــي الماضــي ؟ مــا‬
‫هذا ؟‬
‫خامسا ‪ :‬فــي هــذه الفقــرة يكــرر مــا ســبق قــوله فــي أن‬
‫الزيادة في العمال المصرفية إنما تشترط في أصل عقــد‬

‫‪857‬‬
‫الدين لغراض تجارية من مدينين أغنياء من رجال العمال‬
‫‪ ،‬وليست طــارئة عنــد حلــول الجــل مــع المــدين المحتــاج‬
‫للصدقة ‪ ،‬وذلك ما يجعلهــا فــي الصــل ذات صــفة تجاريــة‬
‫في المعاملت المصرفية أي فــي مقابــل منــافع متبادلــة ‪،‬‬
‫وهذه الزيادة تختلف تمامــا عــن الزيــادة الــتي أشــار إليهــا‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬والتي اعتبرها محرمة لنهــا ل تشــترط إل‬
‫على رجل محتاج للصدقة ‪ .‬ومبدأ حلول أجل الدين وعجــز‬
‫المدين عن الوفاء ‪ ،‬هذه عبارة كررت كثيرا ورددنــا عليهــا‬
‫في أكــثر مــن مكــان ‪ ،‬ومضــمونها فــي النهايــة خــاطئ ول‬
‫يعتبر تمييزا بين الربا المحرم وبين تلك العمال من قريب‬
‫أو بعيد ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬ذكر الكاتب في هذه الفقرة عبارة غريبــة عجيبــة‬
‫ننقلها بنصها‬
‫لتكون شاهدا حاضرا أمام عين القارئ ‪ .‬يقول الخ الكاتب‬
‫‪ " :‬الفائدة جزء من ربح المضاربة ‪ ،‬فنحن نعرف أن البنك‬
‫يقدم قرضين ‪ ،‬قرض استهلكي وقــرض إنتــاجي ‪ .‬وقــرض‬
‫النتاج ما هو إل أخذ مبلغ من المال مــن البنــك للســتثمار‬
‫والنماء عن طريق النشاط التجاري أو الصناعي أو كليهمــا‬
‫معا ‪ ،‬ويلتقي هذا التصــرف مــع نظيــر لــه فــي المعــاملت‬
‫السلمية أقره الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ويعــرف‬
‫باسم المضــاربة أو القــرض ‪ ،‬وقــوامه المــال مــن شــخص‬
‫والعمل لستثمار هذا المال من شخص آخر بجزء مســمى‬
‫على جهة الشيوع من الربــح ‪ ،‬وبنــاء عليــه فالفــائدة الــتي‬
‫تؤخذ على القرض النتاجي يمكن احتسابها جزءا من ربــح‬
‫المضاربة المشروعة " ثم أخذ في تعريف المضاربة وبيان‬
‫حكمها ورأي بعض العلماء المناصرين فيها ‪.‬‬
‫نلحظ أن حــديث الكــاتب ينصــرف أساســا بــل كليــة إلــى‬
‫مديونية البنك وليـس إلــى دائنيـه ‪ ،‬لكنــه هنــا يتحـدث عــن‬
‫دائنية البنك وهذا خلط واضح ‪ ،‬ويدعى أن الفائدة جزء من‬
‫ربح المضاربة ‪ .‬أية مضاربة ؟ وأية فائدة ؟ ل نجــد إجابــة ‪.‬‬
‫ثم يقول الخ الكاتب بجرأة غريبة إن ما يقدمه البنــك مــن‬
‫قروض إنتاجية نظير ما هو معــروف بالمضــاربة ‪ ،‬ويخلــص‬
‫مــن ذلــك إلــى إمكانيــة احتســاب الفــائدة علــى القــرض‬

‫‪858‬‬
‫النتاجي جــزءا مــن ربــح المضــاربة المشــروعة ‪ .‬إذن مــن‬
‫المؤكد أنه الن بصدد الحديث عن الفائدة الدائنة التي هي‬
‫للبنك على ما يقدمه من قروض ‪.‬‬
‫يضاف إلى ذلك أن الكاتب يصرح بإباحتها على أساس أنها‬
‫نظير شيء جائز ومعروف في السلم ‪ .‬ومن يمعن النظر‬
‫في كلم الكاتب يجــده ينــاقض بعضــه بعضــا ‪ ،‬فطــوال مــا‬
‫مضى من حديث له كان يبنيــه علــى أســاس أن المعاملــة‬
‫المصرفية مغــايرة للربــا ؛ حيــث المــدين فيهــا وهــو البنــك‬
‫أغنى بكثير من الدائنين عكس ما هو كائن في الربا ‪ .‬لكن‬
‫ما نراه الن يقلب الكلم‬
‫رأسا على عقب فها هو المصرف أصبح دائنا والمقترضون‬
‫أقل غنى منه بكثير طبقا لكلم الكاتب ‪ ،‬أي أنــه فــي تلــك‬
‫الحالــة ينطبــق عليــه تمامــا مــا يتصــوره الكــاتب فــي ربــا‬
‫الجاهلية فكيــف جــوز تلــك المعاملــة ؟ ونلحــظ أيضــا أنــه‬
‫يعترف صراحة هنا بكونها عملية قرض ‪ ،‬والمتفق عليه أن‬
‫أي زيادة مشترطة في القــرض ربــا ‪ .‬ثــم إنــه يمتلــك مــن‬
‫الجرأة ما تجعلــه يقــول إن القــرض نظيــر المضــاربة ومــا‬
‫دامت جائزة فيجوز نظيرهــا ‪ .‬مــن الــذي قــال إن القــرض‬
‫نظير المضاربة ؟ وفي تناوله للمضاربة بحيــث يؤكــد علــى‬
‫هـــذا التشـــابه والتنـــاظر ‪ ،‬كمـــا يقـــول ذكـــر آراء بعـــض‬
‫المعاصرين الــذين يــرى الكــاتب رأيهــم ‪ .‬ونلحــظ أن مــن‬
‫تكلــم فــي المضــاربة مــن المعاصــرين مــن أمثــال الشــيخ‬
‫خلف رحمه الله إنما ناقش مســألة اشــتراط كــون الربــح‬
‫نسبة وليس مبلغا محددا ‪ ،‬وذهب إلــى أن هــذا الشــرط ل‬
‫يجب التقيد به لنه من كلم الفقهاء وليس من القــرآن ول‬
‫من السنة ‪ .‬ونحن هنا ل نناقش الشــيخ خلف فيمــا ذهــب‬
‫إليه لسبب بسيط هو أن مجال حديثه غير مجالنــا ‪ ،‬فنحــن‬
‫نتكلم عن معاملة مصرفية اعترف الكاتب بأنها قرض وهو‬
‫يتكلم عن المضاربة وشتان بين هذا وذاك ‪ .‬وهــب أن كلم‬
‫الشيخ خلف له وجه ‪ -‬مع عدم التسليم بــه ‪ -‬فــإن ذلــك ل‬
‫يخدم وجهة نظر الكاتب ل من قريب ول من بعيد ‪ ،‬وذلــك‬
‫لن القرض عقد ينقل الملكية نقل كامل للمقترض بتسلمه‬
‫للقرض فيصبح القرض ملكا ومال للمقترض يتصــرف فيــه‬

‫‪859‬‬
‫كيف يشــاء وهــو ملــتزم بــرد مثلــه للمقــرض مهمــا كــانت‬
‫الظروف )‪. (1‬‬
‫بينما المضاربة عقد شركة ل ينقل ملكية المــال بــل يظــل‬
‫مملوكا لصاحبه وكل ما للمضارب فيــه هــو العمــل عليــه ؛‬
‫ولــذلك لــو تلــف أو فقــد أو خســر بل إهمــال أو تعــد مــن‬
‫المضارب ‪ ،‬فإن ذلك كله يحسب على صاحبه عكس‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر في ذلك ‪ :‬الكاساني ‪ '' :‬بدائع الصنائع '' ج ‪ 8‬ص‬
‫‪ 3596‬نشر زكريا يوسف ‪.‬‬
‫القرض ‪ ،‬إذن الطبيعة مختلفة والركان مختلفة والمقاصــد‬
‫مختلفة ‪ .‬يضاف إلى ذلك أن من تكلم من المعاصرين في‬
‫المضاربة إنما تكلم فحسب في مسألة الربــح وليــس فــي‬
‫مسألة الضمان ونقل الملكيــة ‪ ،‬فالكــل متفــق علــى بقــاء‬
‫المال على ملك صاحبه ‪.‬‬
‫تبقى لنا كلمـة هنـا ‪ ،‬لقـد نقـل الكـاتب عـن الشـيخ خلف‬
‫قوله ‪ " :‬واشتراط الفقهاء لصحة العقد أل يكـون لحـدهما‬
‫من الربح نصيب معين اشتراط ل دليل عليه ‪ ،‬وكمــا يصــح‬
‫أن يكون بالنسبة يصح أن يكون حظا معينا ول يــدخل فــي‬
‫ربا الفضل ول في ربا النســيئة ؛ لنــه نــوع مــن المضــاربة‬
‫وهذا الشتراط مخالف لقوال الفقهاء ولكنه غيــر مخــالف‬
‫نصا في القرآن الكريم أو السنة " ‪ ،‬والتعليــق هنــا يقتصــر‬
‫فقط على الجزء الخير من تلك العبـارة ‪ .‬إن كـل مـن لـه‬
‫اطلع على كتب الفقه على اختلف مذاهبها يجــد الجمــاع‬
‫علــى هــذا الشــرط " نســبية الربــح " ؛ إذن هنــاك إجمــاع‬
‫فقهــي ليــس علــى مســتوى مــذهب أو مــذهبين بــل علــى‬
‫مســتوى المــذاهب الربعــة ‪ ،‬بــل علــى مســتوى الفقــه‬
‫الســلمي بمــا فيــه مــن المــذهب الظــاهري والزيــدي‬
‫والشــيعي ‪ . .‬إلــخ وإذا كــان ذلــك كــذلك فكيــف يقــال إن‬
‫تحديد مقدار معين من الربح يخالف أقوال الفقهــاء ولكنــه‬
‫ل يخالف نصا من قرآن أو سنة ؟ لو صح هــذا لوقعنــا فــي‬
‫مأزق حرج ‪ ،‬فلو كان القائل بهذا الشرط فقيــه أو مــذهب‬
‫أو مذهبان مع مخالفة غيرهمــا لمكــن مخــالفته ‪ ،‬لكــن أن‬
‫يكون القائل هم كل علماء السلم على اختلف مــذاهبهم‬

‫‪860‬‬
‫فيخالف هذا القول الجمــاعي ‪ ،‬ثــم يقــال إنــه كلم فقهــاء‬
‫وليــس كلم اللــه ول كلم الرســول ! وكيــف أجمــع هــؤلء‬
‫العلماء على ذلك ؟ وما مستندهم إن لم يكــن كتــاب اللــه‬
‫وسنة رسوله ؟ إن مثل هذا القول فيه تشكيك رهيب فــي‬
‫الفقه الســلمي بــل وفــي الشــريعة نفســها ! هــذه كلمــة‬
‫خطيرة ‪ -‬سامح‬
‫الله شيخنا الفاضل فيها ‪ -‬ونحن نجزم بأنها لو صحت عنــه‬
‫فإنه لم يكن علــى درايــة كاملــة بمــدلولها ومفهومهــا ومــا‬
‫يترتب عليها ‪.‬‬
‫ثم ينقل الكاتب عما أسماه بالســتاذ وفيــق القصــار كلمــا‬
‫في فائدة القرض ل يخرج قيــد أنملــة عمــا ســبق ‪ ،‬وردده‬
‫رجال الكنيسة في العصور الوســطى تــبريرا للفــائدة ومــا‬
‫يستمر في ترديده الن رجال الفكــر الغربيــون ‪ .‬هــذا عــن‬
‫الفقــرة الرابعــة الــتي تحــدث فيهــا الكــاتب عــن طبيعــة‬
‫العمال المصرفية ومدى مخالفتهــا للعمــال الربويــة كمــا‬
‫ذهب الكاتب ‪ ،‬وبعد تلك المناقشة هل هناك خلف حقيقي‬
‫بينهما فعل أم أنه خلف متخيل متوهم ؟‬
‫الفقرة الخامسة ‪ :‬بعد ذلك يذكر الكــاتب خلصــة لبحثــه ل‬
‫يزيد فيها عما ســبق أن كــرره كــثيرا ومــا ســبق أن رددنــا‬
‫عليــه ‪ .‬ولكنــا نحــب أن نلفــت نظــر الخ الكــاتب هنــا إلــى‬
‫نقطة صغيرة هي أن العمال المصرفية " اليداع " باتفاق‬
‫رجال القتصاد والقانون في الغرب هي من بــاب القــرض‬
‫وإن تسميت بوديعــة أو بغيرهــا مــن التســميات ‪ .‬حــتى إن‬
‫تعريفهم للفائدة ينــص صــراحة علــى أنهــا ثمــن اســتعمال‬
‫النقود المقترضة ‪ .‬إذن كيف يتضــح الخلف والختلف ؟!!‬
‫والعجيب أنه يقــول مــا نصــه ‪ " :‬لنهــا معــاملت جديــدة ل‬
‫تخضــع فــي حكمهــا للنصــوص القطعيــة الــتي وردت فــي‬
‫القرآن الكريم بشــأن حرمــة الربــا ( ســبحان اللــه ! وهــل‬
‫مجرد كونها جديدة يجعلها تختلف عـن القـديم ‪ ،‬وهــل كــل‬
‫جديد يخالف القديم ؟ والكثر فزعا قوله طالما هي جديدة‬
‫فل تخضع في حكمها للنصــوص القطعيــة القرآنيـة ‪ .‬وكـأن‬
‫القرآن الكريم إنما جاء للمعاملت القديمة التي كانت في‬
‫الجاهلية وإبان نزوله فحسب ‪ ،‬ثــم مــا يجــد مــن معــاملت‬

‫‪861‬‬
‫يبحث له عن مصدر آخر للتعرف على حكمه ‪ .‬مع أنه مــن‬
‫المعلوم من الدين بالضرورة أن كل ما في القرآن والسنة‬
‫هي نصوص خالدة وليست‬
‫تاريخية وتطبق على كل ما حدث ومــا يحــدث ومــا ســوف‬
‫يحدث إلى قيام الساعة ‪ ،‬ثم يواصل في خلصته قــائل ‪" :‬‬
‫إن علينـا فـي ضـوء ذلـك أن ننظـر لهـا مـن خلل مصـالح‬
‫العبـاد وحاجــاتهم اقتـداء برســول اللـه ‪ -‬صـلى اللـه عليـه‬
‫وسلم ‪ -‬في إباحته للسلم رغم ما فيه من بيع غير موجــود‬
‫وبيع ما ليس عند البائع ‪ ،‬وقد أجمع العلماء على أن إباحــة‬
‫السلم كانت لحاجــة النــاس إليــه ( لقــد نســي الكــاتب أن‬
‫النصوص السلمية كفتنا مؤنة النظر هنا الذي يطــالب بــه‬
‫الخ فنصت على حرمة الربا والذي مــن صــوره الساســية‬
‫الدين بزيادة مشترطة ‪.‬‬
‫والعمل المصرفي من صميمه ‪ .‬والعجيب أن يقول اقتــداء‬
‫برسول الله في إباحته السلم ‪ .‬وكأن رسول اللــه ‪ -‬صــلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬لم يجد نصا أو وجد نصا محرمــا للســلم‬
‫ولكن مصالح العباد اقتضت أن ينظــر فــي المــر فيــبيحه ‪.‬‬
‫وهل يجهل الكاتب أن الرسول الكريــم مشــرع فــي الول‬
‫والخير ؟ وكل ما يقوله هو نصوص شرعية واجبة النفاذ ؟‬
‫وهل هناك نص صريح يفيد حرمة السلم ؟ وبفــرض وجــود‬
‫ذلك فهل إذا جاء الرسول الكريــم وقــال نصــا مغــايرا هــل‬
‫يعتبر الحكم الثــاني مصــدره العمــل بالمصــلحة أم بــالنص‬
‫السلمي ؟ ومن قال مــن العلمــاء إن الســلم يــدخل فــي‬
‫باب بيع ما يسمى عندك هم فئة مــن العلمــاء وليــس كــل‬
‫العلماء ‪ ،‬وهناك منهم من أكد على غير ذلــك ) ابــن تيميــة‬
‫وغيره ( حيث ذهبوا إلى أن السلم أصل بــذاته وليــس هــو‬
‫رخصة أو مستثنى من محرم للحاجة ‪ ،‬ثم يواصــل الكــاتب‬
‫قائل ‪ " :‬والمصارف والعمال المصرفية حاجة من حاجات‬
‫العباد ل تتم مصالح معاشهم إل بها " أما أن المصارف من‬
‫حيث المبدأ حاجة اقتصــادية عصــرية فنعــم ‪ ،‬لكــن ذلــك ل‬
‫يؤدي إلى اعتبار كل عمل تقوم به في حد ذاته حاجــة مــن‬
‫حاجات الناس ‪ .‬وإل فيمكن القول أيضا وبنفــس القــوة إن‬

‫‪862‬‬
‫الربا كان حاجة من حاجات المجتمع الجاهلي ‪ ،‬وكان يمثل‬
‫مصدرا أساسيا‬
‫مــن مصــادر تمويــل التجــارة ذات الهميــة القصــوى فــي‬
‫حياتهم واقتصادهم ‪ ،‬بل ولشدة تمسكهم به وحاجتهم إليــه‬
‫ل‬ ‫مــا ال ْب َي ْـعُ ِ‬
‫مث ْـ ُ‬ ‫شبهوه بالبيع بل شبهوا الــبيع بقــولهم ‪ } :‬إ ِن ّ َ‬
‫الّرَبا { )‪ . (1‬فهل أبيح للحاجة والمصلحة ؟‬
‫بل الصــواب أن يقــال إن المصــارف كمؤسســات تمويليــة‬
‫حاجــة هامــة ‪ ،‬وعلينــا نحــن المســلمين أن نتعــرف علــى‬
‫العمال التي تؤديها خدمة للمجتمع بما ل يخالف الشــريعة‬
‫وقواعدها وأحكامها ‪ ،‬والحمد لله هناك عمـل كـبير قـد تـم‬
‫في هذا الشأن على المســتوى النظــري وعلــى المســتوى‬
‫التطبيقي ‪ ،‬وبفرض أن في هذا العمل بعض الثغرات فــإن‬
‫الجهــد المطلــوب ليــس هــو نقــص مــا تــم ‪ ،‬بــل تطــويره‬
‫وتحسينه بحيث يقدم الخدمة المطلوبة على أحسن وجه ‪.‬‬
‫ونحن نخالف الكاتب تمام المخالفة من الناحية القتصادية‬
‫فوق مخالفتنا له من الناحية الشرعية ‪ ،‬وذلك فــي ادعــائه‬
‫بأن تحريم المعاملت المصرفية " القــراض والقــتراض "‬
‫يهــدد كيــان الدولــة والمــة الســلمية ‪ . .‬إلــخ مــا يقــول ‪.‬‬
‫فالحقيقة الدافعــة أن تلــك العمــال بوضــعها الراهــن هــي‬
‫إحدى الدوات الفتاكة التي تحقق ما تخوف منــه الكــاتب ‪.‬‬
‫والتبعيــة النقديــة والمصــرفية والســيطرة الغربيــة علــى‬
‫أجهزة المصارف والنقد في العالم والمديونية الهائلة التي‬
‫تتضــاعف عامــا بعــد عــام علــى المســتوى الــدولي وعلــى‬
‫المستوى المحلي كلها أمــور أوضــح مــن أن تنــاقش هنــا ‪،‬‬
‫وكــذلك الثــار القتصــادية المــدمرة لســعر الفــائدة علــى‬
‫النتاج والستثمار والتوزيع والســتقرار القتصــادي ‪ ،‬ومــن‬
‫ثم على تقدم المجتمعات وتحقيــق الرخــاء الحقيقــي لكــل‬
‫أفرادهــا كــل ذلــك معــروف ومــدون فــي كتــب القتصــاد‬
‫الوضعي ‪ ،‬فكيف يجيء كاتب مسلم ويقول إنه بل الفــائدة‬
‫لن تكون قوة اقتصادية ‪ ،‬وبل قوة اقتصادية لن تكون قــوة‬
‫إسلمية ‪ .‬وهكذا يوصلنا إلى‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬

‫‪863‬‬
‫مقولة من أغرب ما قيــل وهــي ‪ :‬إن الســلم والمســلمين‬
‫والدولة الســلمية كــل ذلــك رهيــن وجــود الفــائدة ‪ .‬وفــي‬
‫نظري أن الكثر جدوى من إبداء مثالب نظام الفــائدة هــو‬
‫تقديم لمحة عن البديل السلمي ‪.‬‬
‫وهــل البــديل الســلمي عــاجز عــن إشــباع تلــك الحاجــة‬
‫وتحقيق هذه المصلحة على وجه أكمل من هــذا الســلوب‬
‫المحرم ؟ للجابة على ذلك نعرض في كلمــة لهــذا البــديل‬
‫ثم لنرى إلى أي مدى يحقق المصلحة لكافة الطراف ‪.‬‬
‫إن البديل المتعارف عليه حاليا والمتفق عليــه بيــن علمــاء‬
‫المسلمين يتمثل في نظام ينحي الفائدة جانبا بكل صورها‬
‫ويحــل محلهــا أداتيــن ‪ ،‬القــرض الحســن " بل فــوائد "‬
‫والمضاربة ‪.‬‬
‫فهل هذا البديل يحقق المصــلحة الــتي يتشــدق بهــا أنصــار‬
‫النظام الربوي أم ل ؟‬
‫إن الحاجــة أو المصــلحة برغــم تــداخلها وترابطهــا إل أنــه‬
‫يمكن تحليلها إلى أربع ‪ ( 1 ) :‬حاجة صاحب المال ‪( 2 ) .‬‬
‫حاجة صاحب المشــروع ‪ ( 3 ) .‬حاجــة الوســيط المــالي "‬
‫المصرف " ‪ ( 4 ) .‬حاجة المجتمع ‪.‬‬
‫أول ‪ :‬حاجة صاحب المال ‪ .‬وقبل أن ننــاقش تلــك الحاجــة‬
‫يهمنا أن نشير إلي أن أنصــار النظــام الربــوي عــادة ‪ ،‬بــل‬
‫غالبا ما يركزون على تلك الحاجة في مناقشــاتهم مــدعين‬
‫أن تلك الحاجة إنما تتحقق على الوجه الكمل في النظــام‬
‫الوضعي عكس النظام السلمي ‪ .‬وبمنطق علمــي هــادئ‬
‫نناقش تلك المقولة ‪.‬‬
‫إن حاجة صاحب المال تتمثل في توظيف ماله بمــا يحقــق‬
‫له عائدا مجزيا مع توفير أكبر قدر ممكن من المــن علــى‬
‫ماله ‪ ،‬وقد تتمثل في المحافظة‬
‫على ماله والسحب منه عندما يحتاج ‪.‬‬
‫أما عن توظيف ماله فإن نظام المضــاربة يحقــق لــه ذلــك‬
‫من خلل ما يقدمه له من حصــة فــي الربــاح كــبرت هــذه‬
‫الحصة أو قلــت ‪ ،‬كمــا أن الفــائدة ترتفــع وتهبــط ‪ .‬وبرغــم‬
‫ذلك فعادة ما تثار الغيوم والشكوك ‪ .‬ومن ذلك أن الفائدة‬

‫‪864‬‬
‫مضمونة ومعروفة سلفا وفي ذلــك إغــراء وتشــجيع وأمــن‬
‫كبير ‪.‬‬
‫والجواب عن ذلك متعدد البعاد لكنا نكتفي بأنه ليــس كــل‬
‫مغر معترفا به شرعا سواء في المعاملت الماليــة أو فــي‬
‫غيرها فالغراء على العمل في حد ذاته ليس هــو المعــول‬
‫عليه في التحليل أو التحريم ‪ .‬ولقد حفت النار بالشــهوات‬
‫وإغراء الشهوة في كل مجال معروف ‪ .‬كذلك قد يقال إن‬
‫المال نفسه مضمون هناك ومعرض للمخاطر هنا ‪.‬‬
‫والجواب عن ذلك يتمثل في ‪ ( 1 ) :‬المال فــي المصــرف‬
‫الوضعي غير مضمون ضمانا كــامل مــن الناحيــة الحقيقيــة‬
‫القتصادية ‪ ،‬بل هو مجرد ضمان شكلي قانوني ويكفي أن‬
‫تعرف نسبة رأسمال المصــرف إلــى ودائعــه إنهــا عــادة ل‬
‫تصل إلى ‪ 5 : 1‬فأي ضمان هذا ؟ ) ‪ ( 2‬إن المصرف هو‬
‫المصــرف فكيــف يمنــح الثقــة الكاملــة فــي حالــة الفــائدة‬
‫وتسلب منه هذه الثقة فــي حالــة المضــاربة ؟ ) ‪ ( 3‬وهــل‬
‫هناك ما يمنــع مــن وجــود دراســات وسياســات للســتثمار‬
‫وضوابط للمشروعات التي يمارسها المصرف علــى غــرار‬
‫" عدم السير في بطن الوادي وعــدم التجــار فــي حيــوان‬
‫وعدم ركوب البحر " ؟ ) ‪ ( 4‬وهل إذا وظف الشخص ماله‬
‫في مشروع خاص أو شركة هل يضمن رأسها لـه وأربـاحه‬
‫مائة في المائة ؟ ) ‪ ( 5‬وهب جدل أن بعض المصارف لــم‬
‫يكن على المستوى المطلوب من حيــث الكفايــة والمانــة‬
‫تــرى هــل يظــل قائمــا فــي الســوق ؟ أم سينصــرف عنــه‬
‫المتعاملون مما يدفعه دفعا‬
‫إلى بذل كل جهد حرصا على النجــاح والســتمرار ؟ ) ‪( 6‬‬
‫وهل هناك ما يمنع من رقابـة وإشــراف الحكومـة وقيامهـا‬
‫بوضع الضوابط الكفيلة بمنع أي تلعب أو انحــراف ؟ وقــد‬
‫يقال إن عودة المال إلى صــاحبه عنــدما يحتــاجه متيســرة‬
‫فــي ظــل نظــام الفــائدة وغيــر متيســرة فــي ظــل نظــام‬
‫المضاربة ‪ .‬والجواب ‪ :‬أما أنهــا متيســرة هنــاك بل قيــد ول‬
‫شرط فهذا غير صحيح ‪ ،‬فالودائع الستثمارية عادة محددة‬
‫الفترات ‪ ،‬وأما أنه غير متيسر هنا فهو الخر إلى حــد كــبير‬
‫غير صحيح إذ من الممكن في الكثير مــن الحــالت ســحب‬

‫‪865‬‬
‫المال أو جزء منه ‪ .‬وعلينا أن نعلــم أن التجــارة والصــناعة‬
‫وغيرها من جوانب النشاط القتصادي تحتاج إلى الزمــن ‪،‬‬
‫ويجب أن نحترم هذا العنصر ‪ ،‬وإل ما تم مشــروع واعتقــد‬
‫أن ذلــك مصــلوب اقتصــاديا ‪ ،‬وهــب أن الشــخص يعمــل‬
‫لحسابه ‪ ،‬فهــل مــن الســهولة بمكــان أن يقــض مشــروعه‬
‫ويحصل على أمواله نقــدا عنــدما يريــد ؟ أظــن أن الجابــة‬
‫على ذلك من الناحية القتصــادية معروفــة ول تحتــاج إلــى‬
‫تعليق ‪.‬‬
‫أما عن حاجة صاحب المال المتمثلة في مجرد المحافظــة‬
‫على ماله والسحب منه عنــد مــا يريــد علــى غــرار مــا هــو‬
‫معروف بالوديعة الجارية ‪ .‬فهل البديل السلمي يعجز عن‬
‫ذلك ؟ إن الفقه السلمي قد خصص من أبوابه بابا أسماه‬
‫بالوديعة ‪ ،‬وقــدم لهــا مــن الحكــام والضــوابط مــا يجعلهــا‬
‫تنهض نهوضا كامل بتلبية مصــلحة رب المــال ‪ .‬وليــس هنــا‬
‫مجــال مناقشــة ذلــك لكنــا نشــير إلــى مجــرد جزئيــة فيهــا‬
‫لهميتهـــا ‪ .‬وهـــي أن الصـــل أن يحتفـــظ المســـتودع "‬
‫المصــرف " بالوديعــة دون التصــرف فيهــا لكــن طالمــا أن‬
‫الوديعة تأخذ الشكل النقدي والنقد غير متعين عنــد الكــثير‬
‫من العلمــاء إل فــي حــالت معينــة ‪ ،‬وطالمــا أن مــن حــق‬
‫المستودع أن يتصرف في الوديعة بــإذن ‪ ،‬وطالمــا أن مــن‬
‫حقهما " الطرفين " أن يحول الوديعة إلى قرض يصبح‬
‫مالكا له المستودع " المقترض " ويتصرف فيه كمــا يشــاء‬
‫ولــه الغنــم وعليــه الغــرم طالمــا أن ذلــك كلــه متــاح فــي‬
‫السلم ‪ .‬فهل بعد ذلك يعجز البــديل الســلمي عــن تلبيــة‬
‫مصلحة صاحب المال في حفظ ماله والسحب منه عنــدما‬
‫يحتــاج ؟ مــع ملحظــة أن المــودع للوديعــة الجاريــة فــي‬
‫النظام الربوي ل يحصل عادة علــى فــوائد ‪ ،‬بــل كــثيرا مــا‬
‫يدفع مصاريف وهو هنا أيضــا ل يحصــل علــى عــوائد ‪ ،‬بــل‬
‫ربما يدفع أجــرة الحفــظ والصــيانة اللهــم إل إذا صــرح لــه‬
‫بالتصرف فيها متحمل الغرم مستفيدا بــالغنم ‪ ،‬فعنــد ذلــك‬
‫تتحول الوديعة إلى قرض ل يحصل المودع على شيء منه‬
‫ول يــدفع مصــروفا لــه ‪ .‬هــذا عــن حاجــة صــاحب المــال‬
‫ومصلحته فهل عجز البديل السلمي عن تحقيقها ؟‬

‫‪866‬‬
‫ثانيــا ‪ :‬حاجــة صــاحب المشــروع ‪ .‬إن صــاحب المشــروع‬
‫يحتــاج إلــي تــأمين التمويــل الكــافي لقامــة مشــروعه‬
‫ولستمراريته ‪ .‬ومن الحقائق المدونة في دنيا القتصاد أن‬
‫حصــول صــاحب المشــروع علــى خــدمات عناصــر النتــاج‬
‫المختلفة والتي منها خدمــة رأس المــال ل يتــم مجانــا وبل‬
‫مقابل عادة ‪ ،‬بل ل بــد مــن دفــع المقابــل أو الثمــن ‪ .‬هــذا‬
‫معــروف فــي القتصــاد الوضــعي ول يعــرف غيــره ‪ .‬فهــل‬
‫البديل السلمي يحقق ذلك فقط ؟ أم لمحققــه وزيــادة ؟‬
‫أم ل يحققــه ؟ بــالتحري والتــدقيق نجــد البــديل الســلمي‬
‫يحقق ذلــك وزيــادة ‪ .‬فأمــام صــاحب المشــروع أن يــذهب‬
‫للمصرف ويتفاهم معه حول تمويل مشروعه بعد دراســته‬
‫دراســة جيــدة والطمئنــان علــى ســلمته مــن الناحيــة‬
‫القتصادية ومن الناحية الشرعية ‪ .‬وأمامهما عند ذلك أكثر‬
‫من وسيلة لنجاز هــذا المطلــوب مــن بينهــا دفــع التمويــل‬
‫على سبيل المضاربة أي بحصته فيما يتحقــق مــن أربــاح ‪.‬‬
‫وهنا نجد أن حاجة صاحب المشروع قد لــبيت فقــد حصــل‬
‫على التمويل اللزم ‪ ،‬وكل ما عليه أن يتنازل عن حصته‬
‫مــن الربــح للمصــرف إذا تحقــق ربــح ‪ .‬كمــا أنــه يمكنــه‬
‫الحصول على قرض حسن من المصرف " الودائع الجارية‬
‫" وعندئذ يلتزم التزاما قانونيا برده وفي نظير ذلك له كــل‬
‫مــا يتحقــق مـن ربـح ‪ .‬وإذن فمـن الممكـن إجـراء ترتيـب‬
‫بمقتضاه يمكن منح صاحب المشروع حاجته أو بعضها من‬
‫التمويل دون دفع ثمن ‪ .‬وهذه الصورة غير موجــودة علــى‬
‫الطلق في النظام الربوي ‪ .‬وهنا قد تثـار بعـض الشـكوك‬
‫والغيــوم ‪ ،‬والــتي منهــا أن صــاحب المشــروع قــد يتعــرض‬
‫للتدخلت الكثيرة والمعوقة من المصرف في أعماله وهذا‬
‫ما ل يرغبه عكس نظام الفــائدة ‪ .‬والجــواب عــن ذلــك إن‬
‫هــذه العمليــة نظــرا لهميتهــا وموضــوعيتها قــد احترمهــا‬
‫الســلم ‪ ،‬ووضــع مــن الحكــام والضــوابط مــا يجعــل هــذا‬
‫التدخل في أدنى الحدود بالقدر الذي يعتبر في حقيقته من‬
‫مصلحة صاحب المشروع أما ما عــدا ذلــك فل تــدخل مــن‬
‫المصرف ‪ ،‬وأحكام المضاربة تنص بوضوح وتفصــيل علــى‬
‫ذلك ‪ .‬وفــي ضــوء ذلــك فمــن مصــلحة صــاحب المشــروع‬

‫‪867‬‬
‫التعامــل بنظــام المضــاربة بــدل مــن نظــام الفــائدة ‪ .‬ذات‬
‫العبء الثابت والمال المضمون الذي ل بد له من إرجــاعه‬
‫بغض النظر عما قد يحدث للمشروع مع عدم الهمال ‪.‬‬
‫أما في نظام المضــاربة فليــس هنــاك عبــء ثــابت وليــس‬
‫هناك التزام قانوني برد المال إل عنــد الهمــال أو التعــدي‬
‫كما أن هناك دراسة مشتركة لجدوى المشروع مما يخفف‬
‫من العبء على صاحب المشروع ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬حاجة الوسيط المــالي "المصــرف" ‪ .‬ســوف نســلم‬
‫بــأن عمليــة الوســاطة الماليــة أو عمليــة الصــرافة عمليــة‬
‫مباحة ومتاحة أمام من يرغب في ذلك مــن الفــراد فكمــا‬
‫أن من حق الفراد أن يقيموا شركات تجارية أو زراعية أو‬
‫صناعية الخ فمن حقهم أن يقيمــوا مؤسســات أو شــركات‬
‫تمارس عمليات الوساطة أو بمعنــى آخــر عمليــات الربــط‬
‫بين أصحاب الموال‬
‫وأصحاب المشروعات ‪ .‬فهل البديل الســلمي يعجــز عــن‬
‫تلبية مصلحة هؤلء؟ إن مصلحتهم تتمثل في وجــود إقبــال‬
‫مـــن أصـــحاب المـــوال عليهـــم وبالمثـــل مـــن أصـــحاب‬
‫المشــروعات ‪ .‬وفــي الــوقت نفســه الحصــول علــى عــائد‬
‫مجزي من جراء تلــك العمليــة أو ممارســة هــذا النشــاط ‪.‬‬
‫من الملحظ أن نظــام المضــاربة يحقــق ذلــك وذلــك مــن‬
‫حيث إنه يحقق مصلحة كل من أصحاب الموال وأصــحاب‬
‫العمال ‪ ،‬وفي الوقت نفسه فإنه يبيح للمصرف الحصــول‬
‫على عائد مجزي إما على سبيل العمولة أو الجرة أو على‬
‫أســاس اعتبــاره طرفــا أصــيل فــي العمليــة مــع كــل مــن‬
‫أصحاب المــوال مــن جــانب وأصــحاب المشــروعات مــن‬
‫جانب آخر ‪ .‬وبالمثل فقــد تثــار هنــا بعــض الشــكوك حــول‬
‫تخـــوف المصـــارف مـــن إعطـــاء المـــوال لصـــحاب‬
‫المشــروعات دون ضــمان قــانوني برجوعهــا أو الحصــول‬
‫على عوائدها ‪ .‬ولكن الرد على ذلك جد يسير فمــن حقهــا‬
‫الدراسة الجادة والمتابعة القويمة وأخذ الضمانات الكفيلــة‬
‫لسلمة العملية ‪ ،‬ثم بعد ذلك فإن ما قد يحدث من تلعب‬
‫هو وارد على كل نظام ‪ ،‬كما أنه سرعان مــا يقضــي علــى‬
‫نفسه بنفسه ‪ .‬وقد يقال ما مصلحتها فــي إعطــاء قــروض‬

‫‪868‬‬
‫حسنة؟ والجواب على ذلك يمثل في‪ :‬وما ضررها في ذلك‬
‫طالما أنها هي بنفسها تحصل على قروض حسنة؟ يضــاف‬
‫إلي ذلك أن هذه القروض عادة ما تؤدي إلى توثيق الصلة‬
‫مع أصحاب المشروعات بل وتوســيع أعمــالهم ونشــاطهم‬
‫مما يجعلهم في حاجة إلى المزيد من التمويل عن طريــق‬
‫المضاربة ‪ .‬مع ملحظة ‪ .‬أن الكثير مــن عمليــات التمويــل‬
‫في النشاط القتصادي عادة ما تتم بأساليب غير قرضية ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬حاجة المجتمع ‪ .‬ونحب أن نشــير هنــا إلــى أن تلــك‬
‫المسألة كثيرا ما تستخدم من قبل أنصــار النظــام الربــوي‬
‫فدائما ما نسمع صيحات عالية‬
‫عن مصلحة المجتمـع ومصــلحة القتصــاد القــومي وحاجــة‬
‫البلد إلى التنمية والتقدم والقوة والرخاء والعمالة ‪ . .‬الخ ‪.‬‬
‫وكأن البديل السلمي يناقض كــل ذلــك!! علمــا بــأنه عنــد‬
‫التحري نجد البديل السلمي يحقق تلك المصلحة كأحسن‬
‫ما يكون ذلك ‪ .‬دعونا من ترديــد كلمــات وعبــارات جوفــاء‬
‫وتعالوا نحدد بدقة مضمون حاجة المجتمــع ومصــلحته فــي‬
‫هذا الشأن ‪ .‬ليمكن الحكم العملي على مــدى تحقــق تلــك‬
‫المصلحة من عدمه في ظل البديل ا لسلمي ‪.‬‬
‫إن مصــلحة المجتمــع هنــا يمكــن إجمالهــا فــي كلمــة هــي‬
‫توظيف وتشغيل كل ما لديه من مــوارد وطاقــات والعمــل‬
‫المستمر على توسعة تلـك الطاقـات ووضـعها فـي خدمـة‬
‫إنتاج ما يحتاجه المجتمع من سلع وخدمات ‪ .‬في إطار من‬
‫قيمه وعقيدته وأخلقياته ‪ .‬في ضوء هذا التحديــد لمصــلحة‬
‫المجتمع فإنني أطلــب مــن كــل مــن لــديه اعــتراض علــى‬
‫البديل السلمي أن يدلنا دللــة صــحيحة بينــة علــى نقطــة‬
‫الضعف أو العجز فــي هــذا البــديل حيــال تلــك المصــلحة ‪.‬‬
‫فمن حيــث المــوال هــل يعجــز هــذا البــديل عــن توظيــف‬
‫وتعبئة وجذب كل مــا هــو متــاح مــن أمــوال!! ومــن حيــث‬
‫المشروعات فهل هناك مشــروعات تنتــج ســلعا وخــدمات‬
‫يحتاجها المجتمع ل يمد لها البــديل الســلمي يــد التمويــل‬
‫الذي تحتاجه!! ‪.‬‬
‫هذا هو البديل السلمي لنظــام الفــائدة الربــوي فهــل هــو‬
‫عاجز عن سد حاجة المجتمع وتحقيق مصلحته؟ )‪ (1‬وإلــى‬

‫‪869‬‬
‫هذه المرحلة من البحــث قــد يقــال إن ذلــك يمكــن قبــوله‬
‫على المستوي الداخلي ‪ .‬لكن ما العمل على‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬لمزيد من التفصيل يمكن الرجوع إلى تمويــل التنميــة‬
‫فــي القتصــاد الســلمي دراســة مقارنــة نشــر مؤسســة‬
‫الرسالة للــدكتور شــوقي دنيــا وكــذلك النظــام المصــرفي‬
‫الربوي للــدكتور محمــد نجــاة اللــه صــديقي‪ .‬نشــر جامعــة‬
‫الملك عبد العزيز‪.‬‬
‫المستوى الخارجي؟ ونحن نعلم تشابك القتصــاد القــومي‬
‫مع القتصاد العالمي وحاجة كل دولة إسلمية إلى التعامل‬
‫الخارجي وحاجة الكثير منها إلى التمويل الخارجي وحاجــة‬
‫البعــض فيهــا إلــى توظيــف أموالهــا فــي الخــارج ‪ .‬وهــذه‬
‫حاجات ل تستقيم أحــوال المــة الســلمية دون العــتراف‬
‫بها وأخذها في الحسبان ‪ .‬فكيــف نشــبع تلــك الحاجــة فــي‬
‫ظل البديل السلمي؟ أنا ل أدعي أن الجابة هنا ‪-‬من قبل‬
‫البــاحث‪ -‬جــاهزة بوضــوح وتفصــيل وفــي نفــس الــوقت ل‬
‫أدعــي أنهــا غيــر جــاهزة علــى مســتوى البحــث الفكــري‬
‫السلمي عامة ‪ .‬فبالتأكيــد هنــاك دراســات وأبحــاث حــول‬
‫هــذا الموضــوع وللتأكيــد أيضــا هنــاك إمكانيــات متزايــدة‬
‫لتطوير هذه الدراسات وتحســين هــذه الجابــات ‪ .‬وأعتقــد‬
‫أن هذا يحتاج بحثا مستقل ‪ .‬ولكن ذلك ل يســتدعي توقــف‬
‫كل شيء إلى أن يتم كل شيء ‪ .‬فدعونا نؤمن إيمانا كامل‬
‫بصــلحية البــديل الســلمي لتحقيــق المصــلحة الداخليــة‬
‫للمجتمع بكافة أفراده ‪ .‬ودعونا نمارس عملية تغيير الواقع‬
‫الداخلي نحو هذا البديل شريطة أن نمنحه الــدعم الكــافي‬
‫على كل المستويات ونحرص بكل ثقلنا على نجاحه ‪ .‬ولــو‬
‫حدث هذا في المجال الــداخلي فإننــا نهيــئ الجــو بطريقــة‬
‫فعالــة لســتخدامه فــي المجــال الخــارجي بالضــافة إلــى‬
‫الجهــود الــتي تبــذل بجــد وإخل ‪0‬ص نحــو تطــوير أســاليب‬
‫فعالة لستخدامه في الخارج ‪.‬‬
‫وهنا نقطة أحــب أن أشــير إليهــا وهــي أن غيرنــا مــن الم‬
‫والمجتمعات قد حرصوا كل الحرص علــى تطــبيق وإنجــاز‬
‫واستخدام مــا اعتنقــوه مــن أنظمــة وأســاليب رغــم شــدة‬

‫‪870‬‬
‫المفارقة وصعوبة العقبات وكثرة التحــذيرات والتخويفــات‬
‫ومع ذلك ما تراجعوا ‪ .‬والمثلة جــد صــارخة منهــا أســلوب‬
‫التخطيط ونظام الملكية الجماعية ونظــام التعاونيــات بــل‬
‫ونظام السوق ونظــام الملكيــة الخاصــة ‪ . .‬الــخ فمــا بالنــا‬
‫نحن نضعف أمام كل عقبة وإن‬
‫هانت وكل تخوف وإن كان وهما ونجري نتســول النظمــة‬
‫والســاليب مــن هنــا وهنــاك رغــم مــا فيهــا علــى عقيــدتنا‬
‫وشريعتنا وأخلقنا واقتصادنا ‪.‬‬
‫إن الحقيقة الدامغـة الـتي ل جـدال فيهـا أن درجـة إيماننـا‬
‫بالبديل السلمي من حيث الصحة والفعالية لــم تــرق بعــد‬
‫كي تصل إلى الحدود الدنيا المقبولة ‪ ،‬وإذا كــان ذلــك فــي‬
‫حد ذاته مؤسفا ومحزنا فإن الكثر مدعاة للسف والســى‬
‫أن ذلك الموقف السلبي لم يرتكز على أي مستند حقيقي‬
‫بل إما النبهار بالنظام القائم والنظر إليه على أنه خير مــا‬
‫يمكن أن يكون أو أنه الجهل أو العداء لكل ما هو مســتمد‬
‫من السلم وإن كان فيه ما فيه مــن المصــلحة الحقيقــة ‪.‬‬
‫أو هــو اللمــز والغمــز والتشــكيك المســتمر حــول تجربــة‬
‫المصارف السلمية المعاصرة ‪ .‬إن الموقف الصحيح الذي‬
‫ينبغي أن تحرص عليه المجتمعــات الناهضــة هــو الدراســة‬
‫الجادة المســتمرة لكــل مــا يمكــن أن تســتفيد مــن قيمهــا‬
‫وعقائدهــا مــن تنظيمــات وأســاليب ‪ .‬ول شــك أن الوضــع‬
‫المثل في مســألتنا هــذه هــو قصــر التطــبيق والســتخدام‬
‫على البديل الســلمي علــى القــل لكــونه ل يتعــارض مــع‬
‫العقيــدة والشــريعة ثــم العمــل المســتمر علــى تطــويره‬
‫وتحسينه ‪ ،‬فإذا لم يكن هذا الوضع المثــل فالوضــع القــل‬
‫درجة هو أن يعامل البديل السلمي معاملة مفضلة ويمنح‬
‫الدعم السياسي الكافي كي يأخــذ فرصــته لثبــات وجــوده‬
‫فإذا لم يكن ذلك فإن الوضع القل درجة وهــو أقــل وضــع‬
‫يمكــن قبــوله شــرعا بصــفة مرحليــة هــو أن يمنــح البــديل‬
‫السلمي فرصة متكافئة بجــوار البــديل الوضــعي ولنــترك‬
‫لهما العمل بحرية وبل قيــود وعــرقلت ثــم لنرصــد النتــائج‬
‫لكن للسف الشديد‪ -‬وتلك حقيقة ‪ ،‬وإن كان فيها مــا فيهــا‬
‫من المرارة والمكاسفة في الوقت نفســه أن غالبيــة دول‬

‫‪871‬‬
‫العالم السلمي لم ترق في موقفها من البديل الســلمي‬
‫بعد إلى الوضع الدنى خاصة على المستوى‬
‫الرسمي ‪ ،‬بل نجد إما الحظر الكامل أو الموافقة الشكلية‬
‫المحضة كل ذلك تــذرعا بــالخوف علــى القتصــاد القــومي‬
‫وعلى انهياره لكن الحقيقة المرة وراء ذلك ببعيد ‪.‬‬
‫ولنفرض أن في التجربة المصرفية السلمية المعاصرة ما‬
‫فيها من الملحظات والثغرات فهل بناء على ذلــك ترفــض‬
‫التجربــة كليــة ويطــرد البــديل الســلمي أم تعالــج وتقــوم‬
‫وتطور؟ وهل قــامت إحــدى الــدول بمثــل تلــك الدراســات‬
‫الجادة وعمل التطوير السليم وأعطــت ذلــك مــا يســتحقه‬
‫من جهد وعناية؟ وهــل نجــد مــن أجهــزة العلم والتوعيــة‬
‫توجها صادقا حقيقيا نحو هذا البديل؟‬
‫وهل هناك أعمال جادة من قبل الجامعات ومراكز البحــث‬
‫العلمي حيال هذا البــديل وتلــك التجربــة؟ وإذا كــان هنــاك‬
‫مثل ذلك فهل وجد الذن الصاغية مــن قبــل المســؤولين؟‬
‫وهل من الصواب أن يغلق الباب أمــام الموضــوع إلــى أن‬
‫يكتمل وينضج؟ وإذا فعلت ذلك كل دولة إسلمية فأين يتم‬
‫ذلك؟ إن الصدق مع النفس مطلــوب فــي كــل شــأن مــن‬
‫شؤوننا وعلينــا أن نتحــراه وإن رأينــا فيــه الهلك فــإن فيــه‬
‫النجاة ‪.‬‬
‫هذا تعليــق ســريع علــى البــديل الســلمي وإلــى أي مــدى‬
‫يمكنه أن يلبي مصلحة المة السلمية ‪.‬‬
‫نعود إلى خلصة الباحث فقد بقي فيه نقطتان‪:‬‬
‫الولـــى ‪ :‬هـــي القيمـــة الماليـــة للزمـــن فـــي النشـــاط‬
‫القتصادي ‪ ،‬وقد ذكرهــا الكــاتب مــدعما بهــا وجهــة نظــره‬
‫وبالتأكيد فإن ما قــدمه فــي هــذا الصــدد يحســب عليــه ول‬
‫يحسب له ‪ ،‬وإضافة هــذه الفقـرة زادت الكلم وهنــا علــى‬
‫وهن ‪ .‬ذلـك أنـه باتفـاق العلمـاء فـإن للزمـن قيمـة ماليـة‬
‫معتدا بها شرعا في النشاط القتصادي ‪ ،‬فــالثمن المؤجــل‬
‫يمكن شرعا أن يكون أكبر من‬
‫الحال والثمن في السلم يمكن أن يكون أقــل مــن الثمــن‬
‫في غيره ‪ ،‬السلم لم يعتــد بــأي قيمــة ماليــة للزمــن فــي‬
‫مجالت أخرى من أهمها الدين والقرض ففيه خمسة حالة‬

‫‪872‬‬
‫تساوي تماما خمسة مؤجلة ‪ ،‬وكيلوجرام حال يعــادل كيلــو‬
‫قمح مؤجل تماما بتمام ‪ .‬ومعنى ذلك أننــا نحتكــم للســلم‬
‫في العتداد بالقيمة المالية للزمن من عــدمه ‪ .‬وكــم كــان‬
‫حريا بالخ الكاتب أن يدرك أن القرض بزيــادة هــو إعمــال‬
‫للقيمــة الماليــة للزمــن ‪ ،‬فهــل الشــرع بــذلك؟ ولــو تأمــل‬
‫الكاتب القوال العديدة التي نقلها في الصدد عن الفقهــاء‬
‫لتضح له أنهم قالوها في معرض تحريم الربا في معــرض‬
‫تجويزه وإباحته ‪ .‬وإل لجاز شرعا بيع خمســة بســتة مــؤجل‬
‫التساوي في القيمة المالية بين خمسة حالة وستة مؤجلــة‬
‫لكن ذلك بنص الحديث الشريف ‪ ،‬وهناك دراســات حديثــة‬
‫توضح تلك المسألة على حقيقتها )‪. (1‬‬
‫الثانية ‪ :‬وهي النقطة الخيرة في بحث الخ الكاتب وتتعلق‬
‫بتقلــب وتــدهور قيمــة النقــود بفعــل التضــخم المســتمر ‪.‬‬
‫ويخلص من ذلك إلى أنه مــن العــدل إباحــة الفــائدة قــائل‪:‬‬
‫"ولــذلك ل يســتطيع أحــد الن أن القيمــة العدديــة للنقــود‬
‫معبرة عن قدرة اقتصادية أو قوة شرائية يتعين المدين أن‬
‫يردها كاملة ‪ ،‬ولذلك فــإن المهلــة الممنوحــة للمــدين فــي‬
‫القرض لم تفوت على الدائن مكسبه فحسب بل إن هــذه‬
‫المهلة بل إن هذه المهلة تسبب لــه خســارة ماليــة بســب‬
‫نقص القوة الشرائية لديه ‪ ،‬ومــن ثــم فهنــاك تــوازن ضــار‬
‫بالــدائن المــر الــذي نســتخلص منــه ضــرورة الــترخيص‬
‫بــالقرض بفــائدة لنــه مــن العــدل والنصــاف أن يشــترك‬
‫الدائن والمدين معا في احتمالت التقلبــات النقديــة وذلــك‬
‫بأن يتحمل الدائن نقص قيمة النقود ‪,‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬من ذلك كتاب تمويل التنمية فــي القتصــاد الســلمي‬
‫لكاتب هذه الورقة نشر مؤسسة الرسالة ‪.‬‬
‫والمدين بأن يدفع الفوائد وبــذلك تتحقــق أهــداف الفــائدة‬
‫العامة خارج نطاق أي تحريم " ‪.‬‬
‫أما أن قيمة النقود تتعرض للتقلب الدائم فهذا مــا ل شــك‬
‫فيه لنه حقيقة قائمة ‪ ،‬لكــن علج ذلــك مــن خلل الفــائدة‬
‫غير صحيح شرعا واقتصادا ‪ .‬وهناك أبحاث متخصصــة فــي‬
‫ذلــك )‪ (1‬يمكــن للكــاتب الرجــوع إليهــا وهــل يجــادل الخ‬

‫‪873‬‬
‫الكاتب بأن الفائدة ذاتها هي أحد العوامــل الساســية وراء‬
‫هــذا التقلــب المســتمر فــي قيمــة النقــود؟ وكنــا نــود مــن‬
‫الكاتب أن يعمل فكره ليجد لنا علجا ناجعا لهذه المشكلة‬
‫صحيحا شرعا بدل من القول باســتخدام أداة مجمــع علــى‬
‫حرمتها وضــررها القتصــادي أبلــغ مــن نفعهــا إن كــان لهــا‬
‫نفع ‪ .‬ثم إن الترخيص هو تشريع ‪ ،‬ومن الذي يملكه هل أنا‬
‫أو هو أو أحد غير رســول اللــه صـلى اللـه عليـه وســلم إل‬
‫بالعتماد القوي الواضح علــى نــص شــرعي وإذا كــان مــن‬
‫يملكه لم يفعله فهل الشــريعة جــاءت لعصــر دون عصــر؟‬
‫ويختم الكاتب كلمه بالتوجه بالدعوة الملحة لهل الخــبرة‬
‫والرأي والفتاء للتعاون من أجل الوصول إلى إجمــاع فــي‬
‫الرأي حول العمال المصرفية ‪ .‬ونحن نضم صوتنا لصــوته‬
‫لكنــا نــذكر الكــاتب بــالقرار الــذي اتخــذه مجمــع البحــوث‬
‫السلمية بتحريم الفــائدة علــى الــدين بالجمــاع ‪ ،‬وكــذلك‬
‫بالعديــد مــن الفتــاوى الــتي صــدرت عــن الرئاســة العامــة‬
‫للفتاء بهذا الشأن ‪.‬‬
‫وبعــد فهــذا تعقيــب أو رد علــى مــا قــدمه الكــاتب ويمكــن‬
‫إجمال هــذا كلــه فــي كلمــة؛ لقــد تصــور البــاحث أن الربــا‬
‫المحرم قطعيا فقط هو ربا الجاهلية المذكور فــي القــرآن‬
‫الكريم وليت المر وقف عند هذا الحد بل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر في ذلك للكاتب بحث ''تقلبات القــوة الشــرائية‬
‫للنقود وأثر ذلك علــى الئتمــان القتصــادي والجتمــاعي''‪.‬‬
‫مجلة المسلم المعاصر العدد ‪.41‬‬
‫قد استند إلى مقدمات واهية فــي تحديــده لربــا الجاهليــة؛‬
‫لقد حدده بزيادة طارئة لمــدين محتــاج للصــدقة ‪ .‬ومعنــى‬
‫ذلك أن الزيادة الصلية ليست محرمة لنها ليست من ربــا‬
‫الجاهلية وهو بذلك يخرج قسما كبيرا من ربــا الجاهليــة أو‬
‫ربا النسيئة من نطاق الحرمة ‪ ،‬كــذاك فــإنه يقيــده بمــا إذا‬
‫كان المدين أقل غنى من الدائن وأنه تجوز عليــه الصــدقة‬
‫وأي صورة ل تحقق ذلك ل تدخل في نطــاق ربــا الجاهليــة‬
‫وهكذا فهو لم يقصر الربا المحرم على ربا النسيئة حسب‬
‫بل قصر الحرمة على بعض صور ربا النســيئة ‪ .‬وقــد ثبــت‬

‫‪874‬‬
‫لنــا كــل ذلــك غيــر صــحيح ‪ ،‬كمــا ثبــت أيضــا أن اليــداع‬
‫المصرفي الذي هو باعتراف خبرائه من بــاب القــرض هــو‬
‫صــورة طبــق الصــل مــن صــور ربــا الجاهليــة وقــد أجمــع‬
‫العلماء بكافتهم على حرمة الزيادة المشترطة على الدين‬
‫أو القرض بغض النظر عن كون القرض لغرض إنتــاجي أو‬
‫استهلكي وعن كون المدين أكــثر غنــى أو أقــل غنــى مــن‬
‫الدائن ‪.‬‬
‫وفي النهاية يهمني أن أؤكد أنني ما قصدت بــذلك تعريضــا‬
‫أو سوء ظن بالكاتب أو بغيره بل كل القصد أن أسهم بمــا‬
‫لدى من معرفة ضئيلة في هذا الموضوع عســى أن يكــون‬
‫فيهــا ولــو بعــض الصــواب فينتفــع بهــا النــاس فــي دنيــاهم‬
‫وأخراهم ‪.‬‬
‫وإنني أهيب بالخ الكريم أن يتقــي اللــه تعــالى فينــا وفــي‬
‫عمله ووظيفته وبدل من هذا الجهد الذي أقل ما يمكــن أن‬
‫يوصف بأنه جهد ضائع ‪ .‬ومضيع لمجهود الغير بدل من ذلك‬
‫نهيب به أن يبذل جهــدا فعــال ومــؤثرا فــي إبــراز مســاوئ‬
‫الفائدة بأسلوب تحليلي ثــم فــي تطــوير الســلوب البــديل‬
‫الذي يحقق أعلى فعالية اقتصادية في إطار مــن الشــريعة‬
‫الســلمية ‪ .‬واللــه تعــالى نســأل أن يهــدينا جميعــا ســواء‬
‫السبيل ‪.‬‬
‫شوقي أحمد دنيــا مــن أفــذاذنا العلمــاء الشــيخ محمــد بــن‬
‫إبراهيم‬
‫=================‬
‫‪#‬رد الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين على‬
‫الدكتور إبراهيم الناصر‬
‫حول بحثه ‪ :‬موقف الشريعة السلمية من المصارف‬
‫مجلة البحوث السلمية ‪) -‬ج ‪ / 23‬ص ‪(121‬‬
‫رد الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين‬
‫على الدكتور إبراهيم الناصر‬
‫حول بحثه ‪ :‬موقف‬
‫الشريعة السلمية من المصارف‬
‫كان الدكتور إبراهيــم الناصــر قــد دفــع البحــث الــذي كتبــه‬
‫بعنوان " موقف الشريعة السلمية مــن المصــارف " إلــى‬

‫‪875‬‬
‫صالح الحصــين ‪ ،‬وطلــب منــه أنــه يكتــب ملحظــاته علــى‬
‫البحث بكــل صــراحة وبــدون مجاملــة ‪ ،‬فكتــب لــه رســالة‬
‫مطولة نقتطف منها ما يأتي مع ملحظة أنا حافظنــا علــى‬
‫عبارات الصل عدا حــالت نــادرة اقتضــى حســن الســياق‬
‫تغيير اللفظ مع بقاء المعنى ‪.‬‬
‫الملحظة الولى ‪:‬‬
‫ليست مناقشة بل هــي بــالحرى عتــب ‪ ،‬إذ كــان النطبــاع‬
‫لدي عند قراءتي للبحث لول وهلــة أنــه لــم يكتــب بجديــة‬
‫تتناسب مع موضوعه ‪ ،‬بل أخشى أن يكون كتــب بطريقــة‬
‫أقرب إلى العبث وعدم الحتفال ‪.‬‬
‫ل أقصد ‪ ،‬وقد انتصــبتم للجتهــاد فــي الفتــاء فــي مســألة‬
‫ترونهــا جديــدة وخطيــرة ‪) .‬ص ‪ (11‬أنــه كــان يجــب أن‬
‫تطلعوا على النصوص الشــرعية المتصــلة بالموضــوع وأن‬
‫تعملـــوا القواعـــد الفقهيـــة فـــي الســـتنباط منهـــا ‪ ،‬وأن‬
‫تســتخدموا المقــاييس والمــوازين الشــرعية للترجيــح بيــن‬
‫الدلة ‪ ،‬فأنتم معذورون في التقصير في هــذا ؛ لنــه ليــس‬
‫لديكم المكانيات اللزمة لذلك ‪.‬‬
‫أقول ل أقصد هذا وإنما أقصد أنــه كــان يتوقــع منكــم وقــد‬
‫تصديتم للكتابة في مثل هذا الموضــوع أن تتقيــدوا بمنهــج‬
‫البحث العلمي تفكيرا وتعبيرا ‪ ،‬المر الذي حــرم منــه هــذا‬
‫البحث كما يتضح من الملحظة الثانية ‪.‬‬
‫الملحظة الثانية ‪:‬‬
‫أدق وصف للبحث أنه خليط مشوش من اقتباسات أخذت‬
‫من كتابة سابقة ‪ ،‬كــانت أكــثر جديــة وقــد حــررت للهــدف‬
‫نفسه الذي رمى إليه البحث وهو التماس المخرج الفقهي‬
‫لباحة " الفائدة الربوية " ‪.‬‬
‫والشكال جاء من أن الكتابــة المشــار إليهــا كــانت عرضــا‬
‫لنظريات متباينة ومتعارضة فكل نظرية منها ذهبت مــذهبا‬
‫في التأسيس والتخريج ‪ ،‬وكـان مــن المســتحيل أن يجيــء‬
‫باحث فيأخذ بها جميعا في وقت واحد ‪ ،‬إنك ل تستطيع أن‬
‫تصل إلى هدف واحد بالسير في إتجاهين متعارضين ‪.‬‬
‫إن الباحث لم ينتبه لهذا التناقض الذي وقــع فيــه البحــث ؛‬
‫لنه في حمى الوصول إلى النتيجة التي قررها مســبقا لــم‬

‫‪876‬‬
‫يبال أن يصــل إليهــا بمقــدمات وهميــة ‪ ،‬أو يكــون إيصــالها‬
‫للنتيجة وهما ‪ ،‬لقد اكتفى بصورة الحجة ل حقيقتها ‪ ،‬عنــاه‬
‫أن يكون يورد الشبهة ولم يهتم بإيراد الدليل ‪.‬‬
‫إن الكتابة المشار إليها التي اقتبس منها هي بحث " محل‬
‫العقد" في كتــاب ) مصــادر الحــق ( للســتاذ الســنهوري ‪،‬‬
‫وبدون أن يشير لهذا المرجع نقــل منــه بــالنص )‪ . (1‬وقــد‬
‫يكون المر في هذا قاصرا على عدم اللــتزام الخلقــي لــو‬
‫أحسن النقــل ولــم ينقــل بعــض الفكــار نقل خــاطئا ‪ ،‬ولــو‬
‫اســتطاع الســتفادة مــن المعلومــات الــتي تضــمنها هــذا‬
‫المرجع ‪ ،‬أو من طريقة البحث الــتي انتهجهــا ‪ ،‬ولكــن كــل‬
‫ذلك لم يحصل ‪.‬‬
‫لقــد اهتــم الســتاذ الســنهوري غفــر اللــه لــه ‪ -‬كمــا اهتــم‬
‫البــاحث ‪ -‬بالوصــول إلــى إباحــة الفــائدة ‪ ،‬وعــرض ثلث‬
‫نظريات في الموضوع ‪ ،‬وجــاء البــاحث فــاقتبس مــن كــل‬
‫هذه النظريات مع اختلفهــا فــي الســاس وتعارضــها فلــم‬
‫يكن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الصــفحات رقــم ‪، 4‬ــ ‪، 5‬ــ ‪ 6‬فنقلهــا بــالحرف مــن‬
‫) مصــادر الحــق( الجــزء الثــالث مــن ص ‪ ، 197‬ـ ‪، 223‬‬
‫‪. 248 ، 243 ، 242 ، 229 ، 227 ، 226 ، 225 ، 224‬‬
‫غريبا أن يؤدي هذا الخلط المشوش من القتباســات إلــى‬
‫وقوع البحث في التناقض ‪ ،‬والبعد عن الطريقة العلمية ‪.‬‬
‫لقد قرأت البحــث عــدة مــرات بغــرض مناقشــته ‪ ،‬ولكنــي‬
‫انتهيت إلى أن من المستحيل أن تنــاقش مناقشــة علميــة‬
‫بحثا يبعد كل هذا البعد عــن الطريقــة العلميــة ‪ ،‬ول يلــتزم‬
‫بقواعــد المنطــق القــانوني ‪ ،‬ورأيــت أن الســبيل الوحيــد‬
‫لمناقشــة البحــث ‪ ،‬أن أرده أول إلــى الصــول الــتي أخــذ‬
‫منها ‪ ،‬وأن أعرضها بالصورة التي وردت بها في مرجعه ثم‬
‫أناقشها ‪ .‬ويتضح هذا بالملحظة الثالثة ‪.‬‬
‫الملحظة الثالثة ‪:‬‬
‫عرض الستاذ السنهوري في مصادر الحــق ثلث نظريــات‬
‫لباحة الفائدة ‪.‬‬

‫‪877‬‬
‫)‪ (1‬نظريــة الــدكتور معــروف الــدواليبي وهــو موضــوع‬
‫محاضرة ألقاها في مؤتمر الفقــه الســلمي المعقــود فــي‬
‫باريس عــام ‪ 1951‬م ‪ ،‬ويلخصــها الســتاذ الســنهوري بمــا‬
‫يأتي ‪:‬‬
‫الربا المحرم إنما يكون في القروض التي يقصــد بهــا إلــى‬
‫الستهلك ل إلــى النتــاج ‪ ،‬ففــي هــذه المنطقــة ‪ -‬منطقــة‬
‫الستهلك ‪ -‬يســتغل المرابــون حاجــة المعــوزين والفقــراء‬
‫ويرهقونهم بما يفرضون عليهم من ربا فاحش ‪ ،‬أما اليــوم‬
‫وقــد تطــورت النظــم القتصــادية وانتشــرت الشــركات‬
‫وأصـــبحت القـــروض أكثرهـــا قـــروض إنتـــاج ل قـــروض‬
‫استهلك ‪ ،‬فإن من الواجب النظر فيما يقتضيه هذا التطور‬
‫في الحضارة من تطور في الحكــام ‪ ،‬ويتضــح ذلــك بــوجه‬
‫خاص عندما تقــترض الشــركات الكــبيرة والحكومــات مــن‬
‫الجماهير وصغار المــدخرين ‪ ،‬فــإن اليــة تنعكــس والوضــع‬
‫ينقلب ويصبح المقــترض وهــو الشــركات والحكومــات هــو‬
‫الجــانب القــوي المســتغل ‪ ،‬ويصــبح المقــرض أي صــغار‬
‫المدخرين هو الجانب الضــعيف الــذي تجــب لــه الحمايــة ‪،‬‬
‫فيجب إذن أن يكون لقروض النتاج حكمها في‬
‫الفقه السلمي ‪ ،‬ويجب أن يتمشى هذا الحكم مع طبيعــة‬
‫هــذه القـروض ‪ ،‬وهــي طبيعــة تغـاير مغــايرة تامـة طبيعــة‬
‫قروض الستهلك ‪ ،‬والحل الصحيح أن تباح قروض النتــاج‬
‫بقيــود وفــائدة معقولــة ‪ ،‬ويمكــن تخريــج هــذا علــى فكــرة‬
‫الضرورة أو فكــرة المصــلحة أي تقــديم المصــلحة العامــة‬
‫على المصلحة الخاصة ‪ ،‬كما لو تدرع العدو بمسلم فيقتــل‬
‫المسلم للوصول للعدو ‪.‬‬
‫)‪ (2‬نظرية الشيخ محمد رشيد رضا رحمه اللــه وهــي كمــا‬
‫تتلخص من المرجع المشار إليه آنفا كما يأتي ‪:‬‬
‫الربا المحرم هو ربا الجاهلية وحده ‪ ،‬فهو الربا الــوارد فــي‬
‫القرآن الكريم ‪ ،‬وهو الربا الذي يؤدي إلى خراب المدين ‪.‬‬
‫أما ربا النسيئة وربا الفضل الواردان في الحديث الشريف‬
‫فالنهي عنهما إنما جاء للذريعة إلى الربا المحرم القطعــي‬
‫وهو ربا الجاهلية ‪ ،‬وهذه الذريعة مظنونة ل قطعية فالشيخ‬
‫رشيد يرى أن بيع الصناف الستة بمثلها مع التفاضل فضل‬

‫‪878‬‬
‫عن تثمير الموال في الشركات التجارية كل هذا ل يــدخل‬
‫في الربا المحرم يقول ‪ " :‬وإنما يظهــر مــن ســبب النهــي‬
‫عن هذه البيوع أنه ســد لذريعــة الربــا المحــرم القطعــي ‪،‬‬
‫وهــذه الذريعــة مظنونــة ل قطعيــة ‪ ،‬ومــن المنهيــات فــي‬
‫الحــديث مــا هــو محــرم ومــا هــو مكــروه ومــا هــو خلف‬
‫الولى ‪" .‬‬
‫)‪ (3‬نظرية الستاذ السنهوري غفر الله له وملخصها ‪:‬‬
‫الصل في الربا تحريم الربا في جميــع صــوره ســواء كــان‬
‫ربا الجاهلية أو ربا النســيئة أو ربــا الفضــل علــى أن هنــاك‬
‫صورة من الربا هي أشنع هــذه الصــور صــورة الربــا الــذي‬
‫تعودته العــرب فــي الجاهليــة ‪ ،‬فيــأتي الــدائن مــدينه عنــد‬
‫حلول أجل الدين ويقول ‪ " :‬إما أن تقضي وإما أن تربي" ‪.‬‬
‫وهذا أشبه بمــا نســميه اليــوم ‪ . .‬الربــح المركــب ‪ . .‬هــذه‬
‫الصورة من الربا في العصر الحاضر هــي الــتي تقابــل ربــا‬
‫الجاهلية ‪ ،‬وهي محرمة تحريما قاطعا لذاتها تحريم مقاصد‬
‫ل تحريم وسائل ‪.‬‬
‫أما الصور الخـرى مـن الربـا ‪ ،‬الفـائدة البسـيطة للقـرض‬
‫وربا النسيئة وربا الفضل فهي أيضا محرمة ‪.‬‬
‫ولكن التحريم هنا تحريــم وســائل ل مقاصــد ‪ ،‬بعــض هــذه‬
‫الصور ‪ ،‬وهي الخاصــة بالصــناف الســتة وبفــائدة القــرض‬
‫وردت بنصـوص صـريحة فـي الحـاديث الشـريفة وبعضـها‬
‫وهي الخاصة بالصناف الخرى ‪ . .‬كان من عمل الفقهاء ‪،‬‬
‫وهي تقوم على صناعة فقهية ل شك في سلمتها ‪ ،‬وكلهــا‬
‫وسائل ل مقاصد وقد حرمت سدا للذرائع ‪ ،‬ومن ثم يكون‬
‫الصل فيها التحريم وتجوز استثناء إذا قامت الحاجة إليها ‪،‬‬
‫والحاجة هنا معناها مصلحة راجحة في صــورة معينــة مــن‬
‫صور الربا تفوت إذا بقــي التحريــم علــى أصــله عنــد ذلــك‬
‫تجوز هذه الصورة استثناء من أصل التحريم وتجــوز بقــدر‬
‫الحاجة القائمة فإن ارتفعت الحاجة عاد التحريم ‪.‬‬
‫وفي نظام اقتصادي رأسمالي كالنظام القائم فــي الــوقت‬
‫الحاضــر فــي كــثير مــن البلد ‪ . .‬تــدعو الحاجــة العامــة‬
‫الشاملة إلى حصول العامل على رأس المال حتى يستغله‬
‫بعمله وقد أصبحت شركات المضـاربة وغيرهــا غيــر كافيــة‬

‫‪879‬‬
‫للحصول على رأس المال اللزم ‪ . .‬القروض هي الوسيلة‬
‫الولى وكذلك السندات ‪ ،‬والمقترض هنا هو الجانب القوي‬
‫والمقرض هــو الجــانب الضــعيف ‪ . . .‬فمــا دامــت الحاجــة‬
‫قائمة للحصول على رؤوس الموال من طريق القرض ‪. .‬‬
‫فإن فائدة رأس المال في الحدود المذكورة ونقصد بــذلك‬
‫) أول ( ‪ :‬أنه ل يجوز بحـال مهمـا كـانت الحاجـة قائمـة أن‬
‫تتقاضى فوائد على متجمد الفوائد ‪ ،‬فهذا هو ربــا الجاهليــة‬
‫الممقوت ‪ ) .‬ثانيا ( ‪ :‬وحتى بالنسبة للفائدة البسيطة يجب‬
‫أن يرسم لها واضــع القــانون حــدودا ل تتعــداها مــن حيــث‬
‫سعرها ‪ ،‬ومن حيث طريقة تقاضــيها ‪ ،‬ومــن وجــوه أخــرى‬
‫وذلك حتى نقدر الحاجة بقدرها ‪.‬‬
‫وحتى بعد كل هذا فإن الحاجــة إلــى الفــائدة ل تقــوم كمــا‬
‫قدمنا إل في‬
‫نظام رأسمالي كالنظــام القــائم فــإذا تغيــر هــذا النظــام ‪،‬‬
‫ويبدو أنه في سبيله إلى التغيير ‪ . . .‬عند ذلك يعــاد النظــر‬
‫في تقدير الحاجة فقــد ل تقــوم الحاجــة فيعــود الربــا إلــى‬
‫أصله من التحريم ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫بعد استعراض هذه النظريات لن أناقشها من ناحية الفقــه‬
‫الشرعي ‪ ،‬وإنما أترك لرجل من أعظم رجال القانون فــي‬
‫العـــالم العربـــي ‪ ،‬وهـــو الســـتاذ الســـنهوري أن ينقـــض‬
‫النظريتين الوليين على أساس المنطق القــانوني ‪ ،‬وقبــل‬
‫ذلك ألفت النظر إلى الختلف الكامــل بــل إلــى التعــارض‬
‫بين النظريات الثلث في الساس الــذي بنــت عليــه المــر‬
‫الذي ل يسمح بالجمع بينها كما فعل الباحث ‪.‬‬
‫عــن النظريــة الولــى نظريــة الــدكتور معــروف الــدواليبي‬
‫يقول الستاذ السنهوري في المرجع السابق المشار إليه ‪:‬‬
‫" يؤخذ على هذا الرأي أمران ‪:‬‬
‫)‪ (1‬يصعب كثيرا من الناحية العملية التمييــز بيــن قــروض‬
‫النتاج وقروض الستهلك حتى تباح الفائدة المعقولة فــي‬
‫الولى وتحرم إطلقا فــي الثانيــة ‪ ،‬قــد يكــون واضــحا فــي‬
‫بعض الحالت أن القروض قــروض إنتــاج كــالقروض الــتي‬
‫تعقــدها الحكومــات والشــركات لكــن ‪ . . .‬مــن القــروض‬
‫صورا أكثرها وقوعا وهي القروض التي يعقدها الفراد مــع‬

‫‪880‬‬
‫المصــارف ‪ ،‬فهــل هــي قــروض إنتــاج تبــاح فيهــا الفــائدة‬
‫المعقولة أو هي قروض استهلك ل تجوز فيها الفائدة أصل‬
‫؟ وهل نستطيع هذا التمييز في كل حالة على حــدة فنبيــح‬
‫هنا ونحرم هناك ؟ ظاهر أن هذا التمييز متعـذر ول بـد إذن‬
‫من أحد المرين إما أن تباح الفــائدة المعقولــة فــي جميــع‬
‫القروض أو تحرم في جميعها ‪.‬‬
‫)‪ (2‬إذا فرضنا جدل أنه يمكــن تمييــز قــروض النتــاج فــإن‬
‫تخريج جــواز الفــائدة المعقولــة فــي هــذه القــروض علــى‬
‫فكرة الضرورة ل يستقيم ؛ فالضرورة بــالمعنى الشــرعي‬
‫ليســت قائمــة ‪ ،‬وإنمــا هــي الحاجــة ل الضــرورة ‪ ،‬وينبغــي‬
‫التمييز بين المرين ‪.‬‬
‫وعن نظرية الشيخ محمد رشيد رضا يقول السنهوري فــي‬
‫المرجع ذاته ‪:‬‬
‫غني عن البيان أن القول بأن ربا النسيئة وربا الفضل إنمــا‬
‫نهي عنهما في‬
‫الحديث الشريف نهي كراهة ل نهي تحريم ل يتفق مــع مــا‬
‫أجمعت عليه المذاهب الفقهية ‪ ،‬وقد اعترض الستاذ زكي‬
‫الدين بدوي بحق على هذا الرأي في مقاله المنشــور فــي‬
‫مجلة القانون والقتصاد حيث قال ‪ " :‬إنــه يتعــذر التســليم‬
‫بقوله بعدم دخول الصناف الستة في الربا المحــرم ؛ لن‬
‫بيع هذه الصــناف وإن كـانت وســائل وذرائع إلــى الربــا إل‬
‫أنها وســائل وذرائع منصوصــة ‪ ،‬ودللــة الحــاديث عليهــا ل‬
‫تختلف فيهــا الفهــام ‪ ،‬أمــا قــوله أن النهــي عــن بيــع هــذه‬
‫الصــناف كــان تورعــا ؛ لفــادة أن بيعهــا خلف الولــى أو‬
‫للكراهة فقــط ل للتحريــم ‪ ،‬فــدعوى تتعــارض مــع ظــواهر‬
‫النصوص والمأثور عن الصحابة " ‪ ،‬ويبدو أنه يجب الذهاب‬
‫إلى مدى أبعد مما ذهب إليه الستاذ زكي الدين ‪ ،‬والقــول‬
‫بأن ربا النسـيئة وربـا الفضـل ل يقتصـران علـى الصـناف‬
‫الستة المذكورة في الحديث الشريف بل يجاوزانها إلى ما‬
‫عداهما إليه المذاهب الفقهية من الصناف الخرى ‪ ،‬وهــذا‬
‫هو الذي انعقد عليه الجماع ‪ ،‬وإن كــل ذلــك ربــا محــرم ل‬
‫مكروه فحسب ‪ ،‬وننتهي الن إلى مناقشة نظريــة أســتاذنا‬
‫السنهوري فنقول ‪:‬‬

‫‪881‬‬
‫إذا كــان الســتاذ الســنهوري معــذورا مــن جهــة أنــه حــرر‬
‫نظريتــه والواقــع المعــاش فــي ذلــك الــوقت أنــه ل يوجــد‬
‫تطبيق مصرفي عملي إل محكوما بأحد النظامين ؛ النظام‬
‫اللربــوي الشــيوعي والنظــام الربــوي الرأســمالي ؛ فــإن‬
‫الوضــع الن قــد تغيــر ووجــدت تطبيقــات عمليــة وتجــارب‬
‫معاشة لنظام مصــرفي ليــس ربويــا ول شــيوعيا هــذا مــن‬
‫ناحية ‪ ،‬أما من الناحية الخــرى فــإن الحاجــة حينمــا تعتــبر‬
‫مثل هذا العتبار في بعض الحكام إنما يقصد بهــا الحاجــة‬
‫التي تفرض على النسان من الخارج ول يستطيع دفعهــا ‪،‬‬
‫أما أن يكون في إمكان النسان دفع الحاجة ‪ ،‬ثم ل ينشط‬
‫لذلك فل يجوز اعتبارها في هذه الحــال وواضــح بعــد تغيــر‬
‫الظروف ونجاح التطبيقات للنظام المصرفي غيــر الربــوي‬
‫أن في إمكان أي دولة إسلمية أن تحول نظامها المحلي ‪-‬‬
‫على القل ‪ -‬إلى نظام ل ربوي لــو أرادت ذلــك ‪ .‬وســيأتي‬
‫لهذا زيادة بيان إن شاء الله ‪.‬‬
‫ومن حيث بناء النظرية على التمييز بين صورة مــن صــور‬
‫الربــا الجاهليــة بــالقول بأنهــا مقصــودة فــي القــرآن ‪،‬‬
‫والمحرمة تحريم مقاصد وربا النسيئة ‪ -‬ومنه ربا القرض ‪-‬‬
‫بالقول بأنه ليس من الربا المقصود في القــرآن ‪ ،‬ومحــرم‬
‫تحريم وسائل فهو خطأ واضــح كالشــمس ‪ ،‬ووهــم زل بــه‬
‫عالم جليل نقصد به الشــيخ رشــيد رضــا ) ونــدعو اللــه أن‬
‫يعفو عنه في جانب حسناته الجليلة والله أعلم بها ( ولكن‬
‫ل يجوز تقليده في زلته ‪ ،‬ولو لم ترد النصوص موضحة أن‬
‫ربا الجاهلية ل يقتصر على تلك الصورة لوجب أن نستيقن‬
‫ذلك من طبائع المور وحكم العقل ‪.‬‬
‫كانت مكــة واديــا غيــر ذي زرع فلــم يكــن اقتصــاد قريــش‬
‫قائما على الزراعة ‪ ،‬وإنما كان قائما على التجــارة وكــانت‬
‫لهم رحلتا الشتاء والصيف ‪ ،‬وكان منهــم أصــحاب المــوال‬
‫) الممولــون ( وأصــحاب العمــل ) المحتــاجون للتمويــل (‬
‫وكــان مــن الطــبيعي أن يكــون القــرض الداة الرئيســية‬
‫للتمويل ‪ ،‬ول يعقل أن الممولين من قريش لم يعرفــوا إل‬
‫القرض الحسن الذي ل يكون فيه ربا ‪.‬‬

‫‪882‬‬
‫وعنــدما أعلــن النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم وضــع ربــا‬
‫الجاهلية تحت قـدميه الشـريفتين لـم يفهــم أحــد أبـدا أنـه‬
‫وضع فقــط صــورة ) إمــا أن تقضــي أو تربــي ( وتــرك ربــا‬
‫القرض قائما غير موضوع ‪ .‬وحين وضع ربــا العبــاس ‪ ،‬لــم‬
‫يكن الموضوع فقط ما كان على صورة " إما أن تقضي أو‬
‫تربي " والنصوص تشهد لهذا ‪.‬‬
‫فقد روى الطبري عن الســدي فــي تفســير قــوله تعــالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن الّرب َــا { )‬
‫م َ‬
‫ي ِ‬
‫ما ب َِق َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫‪ (1‬قال ‪ :‬نزلت هذه الية فــي العبــاس بــن عبــد المطلــب‬
‫ورجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية يسلفان‬
‫في الربا إلى أناس مــن ثقيــف ‪ . .‬الحــديث ج ‪ 6‬ص ‪. 33‬‬
‫ن‬
‫كما روى عـن السـدي فـي تفسـيره قـوله تعـالى ‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م { )‪ (2‬قــال ‪ :‬الــذي أســلفتم‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫مـ َ‬
‫سأ ْ‬‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ت ُب ْت ُـ ْ‬
‫وأســقط الربــا ‪ .‬ج ‪ 1‬ص ‪ . 27‬والســلف فــي اللغــة هــو‬
‫القرض ‪.‬‬
‫والعلماء عندما ذكروا صورة " إما أن تقضي وإما أن تربي‬
‫" على أنها ربا‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫الجاهليــة كــانوا يقصــدون حصــر ربــا الجاهليــة فــي هــذه‬
‫الصــورة ‪ ،‬يقــول ابــن القيــم فــي إعلم المــوقعين ‪ :‬ربــا‬
‫النسيئة هو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية ومثــل بصــورة‬
‫" إمــا أن تقضــي أو تربــي " ‪ ،‬وأفســد مــن فهــم أن ربــا‬
‫الجاهليـة قاصــر علــى صــورة " إمــا أن تقضــي أو تربــي "‬
‫نسبة ذلك إلى ابن عباس رضي الله عنــه ‪ ،‬وأنــه لــم يكــن‬
‫يرى ربا فــي غيــر هــذه الصــورة ‪ ،‬فــي حيــن أن هــذا غيــر‬
‫صحيح إنه إنما نقل عنه فقط الخلف في ربا الفضل ‪ ،‬وها‬
‫أنا أنقل من كتاب الســنهوري نفســه ‪ " :‬قــال ابــن رشــد ‪:‬‬
‫أجمع العلماء على أن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضــة‬
‫ل يجوز إل مثل بمثل يــدا بيــد إل مــا روي عــن ابــن عبــاس‬
‫ومن تبعه من المكيين أنهم أجازوا بيعــه متفاضــل ومنعــوه‬
‫نسيئة فقط ‪ ،‬وإنما صار ابن عبــاس إلــى ذلــك ؛ لمــا رواه‬

‫‪883‬‬
‫عن أسامة بن زيد عن النبي صــلى اللــه عليــه وســلم أنــه‬
‫قــال ‪ » :‬ل ربــا إل فــي النســيئة « )‪ (1‬فأخــذ ابــن عبــاس‬
‫بظاهر الحديث فلم يجعل الربا إل في النسيئة ‪.‬‬
‫بل إن بحث الدكتور إبراهيم الناصر نفسه وردت فيه هــذه‬
‫العبارات ) ص ‪ : ( 8‬وقال الشافعي رحمه الله فــي كتــاب‬
‫اختلف الحــديث ‪ " :‬كــان ابــن عبــاس ل يــرى فــي دينــار‬
‫بدينارين ول في درهم بدرهمين يدا بيد بأســا ‪ ،‬ويــراه فــي‬
‫النسيئة وكذلك عامة أصحابه ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1596‬سنن النسائي البيوع‬
‫)‪,(4580‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2257‬مســند أحمــد‬
‫بن حنبل )‪,(5/209‬سنن الدارمي البيوع )‪.(2580‬‬
‫الملحظة الرابعة ‪:‬‬
‫وردت في البحث هذه التقريرات النفعالية في المقدمــة ‪:‬‬
‫" لن تكون هناك قوة إسلمية بدون اقتصــاد ‪ ،‬ولــن تكــون‬
‫هناك قوة اقتصادية بدون بنوك ‪ ،‬ولن تكون بنوك بل فوائد‬
‫‪ ،‬إن وظيفة الجهاز المصرفي في اقتصــادها تشــبه القلــب‬
‫بالنسبة لجسم النسان ‪ ،‬يقـوم البنـك بتسـيير النقـود فـي‬
‫عــروق الحيــاة القتصــادية لي بلــد لتعيــش وتزدهــر ) ص‬
‫‪ . ( 1‬وفـــي الخاتمـــة ‪ " :‬نســـتخلص ضـــرورة الـــترخيص‬
‫بالقرض بفائدة ‪ ،‬بذلك تتحقق أهداف الفائدة العامة خارج‬
‫نطاق أي تحريم أو حظر قـانوني فـي اسـتخدام مـدخرات‬
‫المواطنين في‬
‫تعزيــز وتقويــة القتصــاد الــوطني فالعــائد سيصــبح ثابتــا‬
‫ومضمونا ومثمرا وذلك بسبب تنوع وتوسع المشــروعات ‪،‬‬
‫والنتيجة تحقق القــوة القتصــادية الــتي بــدونها لــن تكــون‬
‫هناك قوة إسلمية " ص ‪. 20‬‬
‫أحقا أن الدكتور إبراهيم يعيش معنا على هذه الرض ؟‬
‫فــي المــدة الخيــرة العنــوان الــذي ل نفتقــده يوميــا فــي‬
‫الصحافة والذاعة الحديث عن دول العــالم الثــالث ‪ ،‬ومــن‬
‫بينها مع السف عدد من البلدان السلمية ‪ ،‬وتخبطها فــي‬
‫مشكلة الديون للدول والبنوك الجنبية حيث تعــاني العجــز‬
‫عن تسديد فوائد الديون ل عن أقساطها فحسـب ‪ ،‬لنـترك‬

‫‪884‬‬
‫هذه الصورة ولننتقــل لصــورة ثانيــة ‪ ،‬لقــد وجــدت البنــوك‬
‫الربوية في العالم السلمي أو في جــزء منــه علــى القــل‬
‫منذ أكثر من مائة سنة ‪ ،‬ولم تنجح البلــدان الســلمية فــي‬
‫إقامة نظام يصلح أن يكون ندا أو مثيل لنظام في البلــدان‬
‫المتقدمة إل في النظــام البنكــي ‪ ،‬ربمــا كـانت الختلفــات‬
‫يسيرة بين بنك في الرياض أو في جدة وبنك في جنيف أو‬
‫لندن ‪ ،‬ولكن هــل تحققــت النتيجــة الــتي تنبــأ بهــا الــدكتور‬
‫إبراهيم القوة القتصادية ‪ ،‬إن الهزائم الــتي يعــاني العــالم‬
‫السلمي منها في المجــال العســكري والسياســي ليســت‬
‫أكبر من الهزائم فــي المجــال القتصــادي ‪ ،‬إن المصــارف‬
‫الربوية ونظام الفائدة لم يخلق للعالم السلمي إمكانيات‬
‫تمكنه من اجتياز حاجز التخلف ‪ ،‬وإذا اعتبر معيار التخلــف‬
‫مــدى العجــز عــن النتفــاع بالمكانيــات ) ل أقصــد فقــط‬
‫المكانيات المالية ‪ ،‬بل ول المكانيات اليجابية ‪ ،‬بل أقصــد‬
‫أيضا المكانيات السلبية ( فإن بلدان العالم الســلمي مــع‬
‫السف ) مقل ومستكثرا ( عــاجزة ل عــن العمــل بــل عــن‬
‫عدم العمل إذ من المعروف ‪ ،‬والمشاهد أن بلــدان العــالم‬
‫السلمي تتخبط في مشاكل كان يمكــن أن تحلهــا باتخــاذ‬
‫مواقف سلبية ولكنها مخذولة حتى عن ذلــك ‪ ،‬بالتأكيــد أن‬
‫نظام الفائدة لــم يكســبها قــوة اقتصــادية ‪ ،‬والبنــوك ) لــم‬
‫تسير الدم في عروق حياتها القتصادية لتعيش وتزدهر ( ‪.‬‬
‫ولكن أل يمكن أن يكون المر على العكس من ذلك ؟ لقد‬
‫م{‬ ‫ص ـْرك ُ ْ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬
‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬
‫شرط الله لنصرنا أن ننصره } إ ِ ْ‬
‫)‪ (1‬ووضع لنا قانونا أصدق من القوانين الرياضــية } َفــإ ِ ْ‬
‫ن‬
‫ْ‬
‫ن‬‫مـ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ح ـْر ٍ‬‫م ت َْفعَُلوا { )‪ (2‬أي ‪ :‬لم تذروا الربا } فَ ـأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫لَ ْ‬
‫ســول ِهِ { )‪ (3‬ولــو آمنــا حــق اليمــان بكلمــات اللــه‬ ‫الل ّهِ وََر ُ‬
‫لكان لنا شأن آخر ‪.‬‬
‫غير أن اليقين أضحى مريضا مرضا باطنا كثير الخفاء‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة محمد الية ‪7‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (3‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫الملحظة الخامسة ‪:‬‬

‫‪885‬‬
‫إن النظريات الــتي ســبقت الشــارة إليهــا فــي الملحظــة‬
‫الثالثة قد وجدت بضغط من عوامل الواقــع المعــاش عنــد‬
‫وجودها وذلك ما يلتمس به العــذر لصــحابها فــي الخطــأ ‪،‬‬
‫ولكــن الظــروف تغيــرت كــثيرا ‪ ،‬وتلــك العوامــل تجاوزهــا‬
‫الزمن فما بال الدكتور إبراهيم يصر على أن يحارب تحــت‬
‫راية من أشباح الماضي ‪ ،‬في الوقت الذي وجدت فيه تلك‬
‫النظريــات وأشــباهها لــم يكــن يوجــد علــى أرض الواقــع‬
‫مصرف واحد يقوم بمختلف الخــدمات المصــرفية دون أن‬
‫يحتاج لستخدام أداة الفائدة ‪.‬‬
‫أما الن فربمــا بلــغ عــدد المصــارف اللربويــة خمســين أو‬
‫يزيد إذا استثنينا الباكستان وإيران ‪ ،‬وبحسب التقرير الذي‬
‫أصدرته حكومة الباكستان في عام ‪ 1985‬م فقــد تحــولت‬
‫جميع فروع المصارف البالغة سبعة آلف فرع إلى النظــام‬
‫المصرفي اللربوي ‪ ،‬وقد اهتمت بهذه الظــاهرة دراســات‬
‫وبحوث كثيرة للخبراء القتصاديين والماليين الغربيين لعله‬
‫يكون مفيدا للدكتور إبراهيم أن نقتبــس مــن أحــد النمــاذج‬
‫لهــذه البحــوث ففــي عــام ‪ 1981‬م نشــر أنجــو كارســتن‬
‫الستاذ في مؤسسة السياسة القتصادية في جامعة كييــل‬
‫) ألمانيا الغربية ( وكــان حينــذاك يعمــل خــبيرا فــي البنــك‬
‫الدولي نشر بحثا عن السلم والوساطة الماليــة ‪ ،‬نشــرت‬
‫ترجمته مجلة أبحاث القتصاد السلمي ) ‪ ، ( 1 \ 2‬وأورد‬
‫هنا بعض ما ورد في المقال أو ملخصه ‪.‬‬
‫عدد المقال مبررات وجـود المصـرف اللربـوي فلـم يفتـه‬
‫اليضاح عن المبرر القتصادي ‪ ،‬وهــو المقولــة القتصــادية‬
‫المســــلمة أن ) معــــدلت الفــــائدة تعــــوق الســــتثمار‬
‫والعمالة ( ‪ .‬ثم تكلم عن مدى نجاح المصارف السلمية )‬
‫ولم يكن بين يديه في ذلك الوقت إل معلومات عن حوالي‬
‫‪ 20‬مصرفا ( فقال " تشير البيانات المحدودة التي أتيحــت‬
‫لنا إلى أن المصارف الســلمية عملــت بنجــاح ل بــأس بـه‬
‫فــي العــام الماضــي ‪1980‬م ‪ ،‬ففــي الباكســتان أعلنــت‬
‫المصــارف التجاريــة عــن حصــص الربــاح علــى حســابات‬
‫الدخار القائمة على المشــاركة ‪ ،‬وعلــى الــودائع المؤجلــة‬
‫للنصف الول من عام ‪ 1981‬م ‪ ،‬وتم دفع معدل ســنوي )‬

‫‪886‬‬
‫‪ ( %9‬للولى ‪ ،‬بينما أغلت الثانية ) ‪ ( % 5 . 11‬في حين‬
‫كان عائد الحسابات الربوية المقابلـة ) ‪ ( % 5 . 9‬لسـتة‬
‫أشهر ‪ -‬سنة وســجل البنــك الســلمي الردنــي ربحــا كليــا‬
‫بنسبة ) ‪ ( % 2 . 8‬لحسابات الستثمار لعام ‪1980‬م في‬
‫حيــن أن المصــارف التقليديــة ‪ -‬أي الربويــة ‪ -‬فــي الردن‬
‫دفعت عام ‪1980‬م معدلت ما بين ‪ 7 . 5 . 7‬للحسابات‬
‫المؤجلــة لســنة ‪ ،‬كمــا أن المــودعين لــدى بنــك البحريــن‬
‫قبضوا عام ‪1980‬م معــدلت أربــاح ‪ % 5 . 9 - 9‬علــى‬
‫حساب الودائع و ‪ % 5 . 5‬على حسابات الدخــار ‪ ،‬بينمــا‬
‫كــانت معــدلت الفــائدة للفــترة نفســها علــى المصــارف‬
‫البحرينية الربوية لثلثة أشهر ‪ % 8 - 5 . 7‬وعلى الودائع‬
‫لمدة ‪ 15 - 6‬شهرا ‪. % 5 . 9 - 5 . 8‬‬
‫ثم يقــول‪ " :‬إن المعلومــات عــن مســتوى أداء المصــارف‬
‫السلمية قليلة في الواقع إل أنها تشير إلى أن المصــارف‬
‫السلمية قادرة على مزاحمة المصارف التقليدية" ‪.‬‬
‫ثم يشير في بحث آثار النظام المصــرفي الســلمي علــى‬
‫التنميــة القتصــادية والســتقرار إلــى أنــه " لــدى تحليــل‬
‫النعكاسات الناشئة مـن تحويـل أسـاس عمليـات القطـاع‬
‫المصرفي إلى المشاركة فــي الربــح والخســارة فــإن مــن‬
‫المنافع المحتملة للتوسع في عمليات المشاركة فــي ظــل‬
‫بعض الظروف تحصيل معدلت‬
‫العائد الحقيقية اللحقة مــن آثــار التغيــرات غيــر المتوقعــة‬
‫في معدل التضخم ‪ ،‬وزيادة معــدل المرونــة الــواقعي فــي‬
‫الظــروف الــتي تكــون فيهــا العــوائد الســمية ) لزجــة ( ‪،‬‬
‫وزيـــادة تـــدخل الوســـطاء المـــاليين فـــي الداء المـــالي‬
‫للمقترضــين وجاذبيــة الوســائل الماليــة للمــدخرين الــذين‬
‫يشعرون بزواجر دينية حيال الصول التقليدية ذات الفائدة‬
‫‪.‬‬
‫لقد تعمدت كثرة القتباس من الستاذ كارســتن وإن كــان‬
‫يتحدث عن مرحلة مبكرة من تاريخ المصارف الســلمية ‪،‬‬
‫وهي مرحلة تجارب وخطوات أولى ؛ لكي يقــارن الــدكتور‬
‫إبراهيــم بيــن طريقــة تفكيــره وطريقــة تفكيــر الســتاذ‬
‫كارستن ‪ ،‬بين التفكير المستشرف للمستقبل لرجــل غيــر‬

‫‪887‬‬
‫مســلم ‪ ،‬وطريقــة تفكيــر مســلم يعيــش أســير أفكــار‬
‫الماضي ‪.‬‬
‫أرجو أن الدكتور إبراهيم يتابع بــالقراءة والطلع الكتابــات‬
‫المســتجدة فــي مجــال القــانون والقتصــاد ‪ ،‬ومــع ذلــك‬
‫فسوف أتطفل بأن أذكر له أن مجلــة الداري فــي عــددها‬
‫الصــادر فــي كــانون الثــاني لعــام ‪1987‬م ‪ .‬نشــرت علــى‬
‫صفحاتها ‪ 51 - 35‬بيانات إحصائية عن أكبر مائة مصرف‬
‫إسلميا في إحدى دول مجلس التعاون حصل على المركز‬
‫الول بيــن البنــوك المحليــة فــي تلــك الدولــة فــي مــردود‬
‫السهم وواردات الصــول ‪ ،‬وفــي مجــال المصــرف الكــثر‬
‫فعالية أما عند مقارنته بكل بنــوك المملكــة فــإنه يتقــدمها‬
‫في كل هذه المجــالت بمراحــل ‪ ،‬ولعــل ممــا يــثير دهشـة‬
‫الــدكتور إبراهيــم أن يعــرف أن هــذا المصــرف مشــهور‬
‫بتشــدده ومحــافظته وحرصــه علــى التقيــد بــالقيود الــتي‬
‫يتسامح فيها غيره ‪ ،‬وقد حقق هذا النجاز بــدون اســتخدام‬
‫أداة الفائدة ‪.‬‬
‫الملحظة السادسة ‪:‬‬
‫قرأت مرة في إحدى صحفنا أن مائة وستين ألف شــخص‬
‫تقدموا للمساهمة عندما طرحت أسهم أحد البنوك الربوية‬
‫للكتتاب العام في حين‬
‫قدرت عدد المواطنين السعوديين الراغبين في الســتثمار‬
‫والقــادرين عليــه والــذين علمــوا عــن طــرح الســهم فــي‬
‫الكتتاب ثم نسبت لهم عدد المتقدمين ‪ ،‬فعل أصابني فزع‬
‫شديد وخشيت أن يكون لذلك دللة على مدى مــا وصــلت‬
‫إليه منزلة الدين في مجتمعنا إلى درجــة أن تســتهل هــذه‬
‫النسبة الكبيرة مــن المــواطنين اقتحــام خطــر الربــا ‪ ،‬وأن‬
‫ينضموا بسهولة إلى الجانب الذي أذن الله بــالحرب ‪ ،‬غيــر‬
‫أني رجعت إلى نفسي وقلت لعل من هؤلء كثيرا ل يهــون‬
‫عليهم ارتكاب معصية أقل خطــرا ‪ .‬وإذن مــا تفســير هــذه‬
‫الظاهرة ؟‬
‫وأجبت لعل تفسيرها أن هــؤلء قــد تقحمــوا الخطــر تحــت‬
‫تأثير التجاه العام دون أن يكون لـذلك دللتـه علــى هــوان‬
‫أمر السلم في قلوبهم ‪ ،‬ولو صــح هــذا التفســير فل شــك‬

‫‪888‬‬
‫أن كــثيرا مــن هــؤلء ‪ -‬والنــذر والمــواعظ تقرعهــم كلمــا‬
‫ســمعوا خطبــة أو قــرأوا القــرآن ‪ -‬يعــانون مــن الصــراع‬
‫النفسي ‪ ،‬ولذلك فإني أخشى أن يكون البحث مصدر فتنة‬
‫لمثــل هــؤلء ‪ ،‬إن العــوام ‪ -‬وأقصــد بــالعوام هنــا غيــر‬
‫المختصــين فــي الفقــه أو القــانون ‪ -‬ل ســيما مــع الرغبــة‬
‫الشديدة في التخلص من الصراع النفسي والميل الجارف‬
‫لتطمين الضمير لن يكونوا في حالة ذهنية ونفســية قــادرة‬
‫على تقييم البحــث ‪ ،‬إنهــم ليســوا فــي وضــع يمكنهــم مــن‬
‫التمييز بين الحقائق والوهام بين الحجج الصورية والحجــج‬
‫الصحيحة بين الشبه والدلة ‪ ،‬ولذلك فــإن البحــث ســيؤدي‬
‫دورا لم يقصده كاتبه فهو الضلل بغير علم ‪ ،‬وإني بصــدق‬
‫مُلوا‬ ‫ح ِ‬ ‫أخشى على الكاتب من مقتضى الية الكريمة ‪ } :‬ل ِي َ ْ‬
‫ة يوم ال ْقيامة وم َ‬ ‫َ‬
‫ر‬
‫م ب ِغَي ْ ِ‬ ‫ضّلون َهُ ْ‬ ‫ن يُ ِ‬‫ذي َ‬ ‫ن أوَْزارِ ال ّ ِ‬ ‫مل َ ً َ ْ َ ِ َ َ ِ َ ِ ْ‬ ‫م َ‬
‫كا ِ‬ ‫أوَْزاَرهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن { )‪ ، (1‬عافانا الله وإياكم ‪ ،‬ول أجد‬ ‫ما ي َزُِرو َ‬‫ساَء َ‬ ‫عل ْم ٍ أَل َ‬ ‫ِ‬
‫للخ المكرم ‪ -‬والنصيحة له فــرض ‪ -‬ل أجــد لــه مخرجــا إل‬
‫بمحو هذه الثــار ‪ ،‬فرحمــة اللــه وســعت كــل شــيء وهــي‬
‫مكتوبة للمتقين ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة النحل الية ‪25‬‬
‫الملحظة السابعة ‪:‬‬
‫أقــدم الخ المكــرم علــى أمــر منكــر حينمــا أقــدم علــى‬
‫التعــرض لكلم اللــه بتفســيره بجهــل ‪ ،‬والصــفحة الولــى‬
‫والثانية أبلغ شاهد على ذلك ‪ ،‬ول أدري أين‬
‫مــا‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬ ‫مــو َ‬ ‫عزب فهمه عندما أقدم على تفسير } َل ي َُقو ُ‬
‫س { )‪ (1‬في صفحة‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬‫ه ال ّ‬‫خب ّط ُ ُ‬
‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ي َُقو ُ‬
‫) ‪ ( 14‬فجاء بتفسير كان ينبغي أن يثير الضحك والسخرية‬
‫لول أنه يتعرض لكلم الله ‪ ،‬فحقه أن يثير الغضــب ‪ ،‬هــدى‬
‫الله الخ الكريم وأنقـذه مـن وعيـد مـن قـال فـي القـرآن‬
‫برأيه أو بغير ما ل يعلم فليتبوأ مقعده من النار ‪.‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ل ب ِـ ِ‬ ‫م ي ُن َـّز ْ‬‫مــا ل َـ ْ‬
‫كوا ب ِــالل ّهِ َ‬ ‫شـرِ ُ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫وقال الله تعــالى ‪ } :‬وَأ ْ‬
‫َ‬
‫ن { )‪ (2‬فقــرن‬ ‫مــو َ‬ ‫مــا َل ت َعْل َ ُ‬ ‫ن ت َُقوُلوا عََلى الل ّـهِ َ‬ ‫طاًنا وَأ ْ‬ ‫سل ْ َ‬
‫ُ‬
‫القول على الله بغير علم بالشرك به أعاذنا الله وإياكم ‪.‬‬
‫__________‬

‫‪889‬‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (2‬سورة العراف الية ‪33‬‬
‫الملحظة الثامنة ‪:‬‬
‫إن من العبــث حقــا تتبــع شــبه البحــث وحججــه الوهميــة ‪،‬‬
‫وتسويد الورق بمناقشــتها واحــدة واحــدة ‪ ،‬ولكــن إذا كــان‬
‫الخ المكرم الدكتور إبراهيم ل يزال جاهل أن ربــا النســيئة‬
‫من المور الغامضة ول من المور التي ليس للجتهاد فيهــا‬
‫مجال ‪ ،‬وأن إجماع المــة علــى تحريمــه تحريــم مقاصــد ل‬
‫وســائل مــن المــور غيــر الخفيــة ‪ ،‬فضــل عــن النصــوص‬
‫القاطعة الثبوت القاطعة الدللة فلعلــه يفيــده أن يعــرف ‪-‬‬
‫وهو حديث عهد بالعمــل فــي مؤسســة النقــد ‪ -‬أن الجهــاز‬
‫الذي يعمل فيه كان حريصا على المصلحة العامة وازدهــار‬
‫القتصاد ومدركا لسباب رقيه ‪ ،‬ومع ذلك فبجهد المحــافظ‬
‫الســابق للمؤسســة ومســاندة ومتابعــة المحــافظ الحــالي‬
‫قــامت المؤسســة بعمــل دؤوب وجهــد متواصــل وبــذل‬
‫مشكور حتى أثمر ذلك مشــروعا متكــامل لقيــام مؤسســة‬
‫مصــرفية إســلمية ل تســتخدم الفــائدة ‪ ،‬وقــامت وزارة‬
‫التجارة ثم مجلــس الــوزراء بــدورهما المشــكور فــي هــذا‬
‫السبيل والن يوشك أن يخــرج هــذا المشــروع إلــى النــور‬
‫صرِ الل ّهِ { )‪(2‬‬‫ن { )‪ } (1‬ب ِن َ ْ‬
‫مُنو َ‬ ‫ح ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫مئ ِذٍ ي َْفَر ُ‬
‫} وَي َوْ َ‬
‫لعل من المناسب أن يضاف إلى الملحظة الســابقة هــذه‬
‫الملحظة ‪:‬‬
‫أن نظام مؤسسة النقــد العربــي الســعودي ) وهــي البنــك‬
‫المركزي‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة الروم الية ‪4‬‬
‫)‪ (2‬سورة الروم الية ‪5‬‬
‫للمملكة ( ينص في المادة الثانية منه علــى أنــه " ل يجــوز‬
‫لمؤسسة النقد العربي السعودي دفــع أو قبــض فــائدة " ‪،‬‬
‫وينــص فــي المــادة السادســة منــه علــى أنــه " ل يجــوز‬
‫لمؤسســة النقــد العربــي الســعودي مباشــرة أي عمــل‬
‫يتعارض مع قواعد الشريعة السلمية السمحاء ‪ ،‬فل يجوز‬
‫لها دفع أو قبض فائدة على العمال " ‪.‬‬

‫‪890‬‬
‫ومع صراحة هذه النصوص فإما أن يكون الــدكتور إبراهيــم‬
‫الناصر لم يطلع على نظام المؤسسة وهــذا هــو الحــرى ‪،‬‬
‫وإن كان غريبا أن ل يطلع المستشار القــانوني للمؤسســة‬
‫على نظامها ‪ ،‬أو يــرى أن المؤسســة قائمــة علــى قواعــد‬
‫تخــالف المنطــق الســليم ‪ ،‬وتخــالف التفســير الصــحيح‬
‫للشريعة إذ يقرر نظامهــا أن دفــع وقبــض الفــوائد يعــارض‬
‫الشريعة في حين يرى هو أن دفــع وقبــض الفــوائد يوافــق‬
‫الشريعة ‪ ،‬وأنه ل اقتصاد سليم بدون بنــوك تبنــي عمليــاته‬
‫على القراض والقتراض بالفائدة ‪.‬‬
‫صالح بن عبد الرحمن الحصين‬
‫==================‬
‫‪ #‬التحذير من إيداع الموال في البنوك أو غيرها‬
‫لغرض الحصول على الربا‬
‫مجلة البحوث السلمية ‪) -‬ج ‪ / 23‬ص ‪(397‬‬
‫التحذير من إيداع الموال في البنوك أو غيرها‬
‫لغرض الحصول على الربا‬
‫سماحة الشيخ \ عبد العزيز بن عبد الله بن باز‬
‫الحمد لله والصلة والسلم علــى عبــد اللــه ورســوله نبينــا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه ‪ ،‬أما بعد ‪- :‬‬
‫فقد اطلعت على إعلن باللغة النجليزية كان قد نشر فــي‬
‫جريدة الرياض الصادرة في يــوم الربعــاء الموافــق ‪\ 14‬‬
‫‪1407 \ 10‬هـ ‪ .‬وقد تضمن الدعاية ليــداع المــوال فــي‬
‫البنك الفدرالي للشرق الوسط الكائن في دولـة قـبرص ؛‬
‫للحصول على نسبة أعلى من الفــوائد الربويــة مــن البنــك‬
‫المذكور ‪.‬‬
‫ول يخفى على كل مســلم بصــير بــدينه أن التعامــل بالربــا‬
‫وأكله منكر ومن كبائر الذنوب ‪ ،‬كما قال الله عز وجل ‪:‬‬
‫ْ‬
‫خب ّط ُ ُ‬
‫ه‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫ما ي َُقو ُ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬‫مو َ‬ ‫ن الّرَبا َل ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫} ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫طان من ال ْمس ذ َل َ َ‬
‫ل الّرب َــا‬ ‫ما ال ْب َي ْـعُ ِ‬
‫مث ْـ ُ‬ ‫م َقاُلوا إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫عظ َـ ٌ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن َرب ّـ ِ‬ ‫مـ ُْ‬ ‫ة ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جــاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مـ ْ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَأ َ‬
‫ن عَــاد َ َفـأول َئ ِ َ‬ ‫َفانتهى فَل َه ما سـل َ َ َ‬
‫ك‬ ‫مـ ْ‬ ‫مـُرهُ إ َِلـى الّلـهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََْ‬
‫َ‬
‫ه الّرب َــا‬ ‫حـقُ الل ّـ ُ‬ ‫م َ‬‫ن { )‪ } (1‬ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِـ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫ل ك َّفارٍ أ َِثيم ٍ { )‪. (2‬‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫وَي ُْرِبي ال ّ‬

‫‪891‬‬
‫وقد جعل الله سبحانه ذلك محاربة له ولرسوله صلى اللـه‬
‫عليه وسلم حيث قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪276‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫ن الّرب َــا إ ِ ْ‬ ‫مـ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق ْ َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫} َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حـْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَل ُــوا فَـأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫ن ل َـ ْ‬ ‫ن { )‪ } (1‬فَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مــو َ‬ ‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫مـ َ‬‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬‫سول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫الل ّهِ وََر ُ‬
‫ن { )‪. (2‬‬ ‫مو َ‬ ‫وََل ت ُظ ْل َ ُ‬
‫وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم » أنه لعن آكل الربا‬
‫ومــوكله وكــاتبه وشــاهديه ‪ ،‬وقــال ‪ :‬هــم ســواء « )‪. (3‬‬
‫واليات والحاديث فــي التحــذير مــن الربــا وبيــان عــواقبه‬
‫الوخيمة كثيرة جدا ‪ ،‬فالواجب على كل من يتعــاطى ذلــك‬
‫التوبة إلى الله سبحانه منه ‪ ،‬وترك المعاملــة بــه مســتقبل‬
‫وعدم النصــياع لمثــل هــذه الــدعايات الباطلــة طاعــة للـه‬
‫سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليــه وســلم ‪ ،‬وحــذرا‬
‫من العقوبات المترتبة على ذلك عاجل وآجل ‪ ،‬وابتعادا عن‬
‫الوقــوع فيمــا حــرم اللــه ‪ ،‬عمل بقــوله ســبحانه وتعــالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن{)‬ ‫حــو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬ ‫ن ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ه ال ْ ُ‬ ‫ميًعا أي ّ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫} وَُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ َ‬
‫‪. (4‬‬
‫مُنوا ُتوُبوا إ َِلى الل ّـهِ ت َوْب َـ ً‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله عز وجل ‪َ } :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫نصــوحا عَســى ربك ُـ َ‬
‫م‬ ‫خل َك ُ ْ‬‫م وَي ُـد ْ ِ‬ ‫سـي َّئات ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي ُك َّفـَر عَن ْك ُـ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ً‬
‫حت َِها اْلن َْهاُر { )‪ . (5‬الية ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫َ‬
‫وأسأل الله أن يوفقنا وجميــع المســلمين للتوبــة إليــه مــن‬
‫جميــع الــذنوب ‪ ،‬وأن يعيــذنا جميعــا مــن شــرور أنفســنا‬
‫وسيئات أعمالنا ‪ ،‬وأن يصلح أحوال المســلمين جميعــا إنــه‬
‫جواد كريم ‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلــه‬
‫وصحبه ‪.‬‬
‫الرئيس العام‬
‫لدارات البحوث العلمية والفتاء والدعوة والرشاد‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪279‬‬

‫‪892‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري اللباس )‪,(5617‬سنن أبو داود الــبيوع‬
‫)‪,(3483‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(4/308‬‬
‫)‪ (4‬سورة النور الية ‪31‬‬
‫)‪ (5‬سورة التحريم الية ‪8‬‬
‫حديث شريف‬
‫عن عقبة بن عامر قال ‪ » :‬صلى رســول اللــه صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم علــى قتلــى أحــد بعــد ثمــاني ســنين كــالمودع‬
‫للحياء والموات ‪ ،‬ثم طلع المنبر فقال ‪ :‬إني بيــن أيــديكم‬
‫فرط ‪ ،‬وأنــا عليكــم شــهيد ‪ ،‬وإن موعــدكم الحــوض وإنــي‬
‫لناظر إليه من مقامي هذا ‪ ،‬وإني لست أخشى عليكــم أن‬
‫تشركوا ‪ ،‬ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى اللــه عليــه‬
‫وسلم « )‪(1‬‬
‫رواه البخاري‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صــحيح البخــاري المغــازي )‪,(3816‬صــحيح مســلم‬
‫الفضائل )‪,(2296‬سنن النسائي الجنائز )‪,(1954‬سنن أبو‬
‫داود الجنائز )‪,(3223‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(4/149‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ن عَل َي ْهَــا‬ ‫ن َوال ْعَــا ِ‬
‫مِلي َ‬ ‫كي ِ‬‫ســا ِ‬
‫م َ‬ ‫ت ل ِل ُْفَق ـَراِء َوال ْ َ‬‫ص ـد ََقا ُ‬‫مــا ال ّ‬ ‫} إ ِن ّ َ‬
‫ل الّلــ ِ‬
‫ه‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن وَِفي َ‬ ‫مي َ‬‫ب َوال َْغارِ ِ‬ ‫م وَِفي الّرَقا ِ‬ ‫مؤَل َّفةِ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫م { )‪(1‬‬ ‫كي ٌ‬‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ض ً‬‫ري َ‬ ‫ل فَ ِ‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫وَا ِب ْ ِ‬
‫) سورة التوبة ‪ ،‬الية ‪( 60‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة التوبة الية ‪60‬‬
‫المشرف العام‬
‫سماحة الشيخ‬
‫عبد العزيز بن عبد الله بن باز‬
‫الرئيس العام لدارات البحــوث العلميــة والفتــاء والــدعوة‬
‫والرشاد‬
‫لجنة الشراف‬
‫الدكتور‬
‫عبد العزيز بن محمد العبد المنعم‬

‫‪893‬‬
‫الشيخ‬
‫عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين‬
‫الشيخ‬
‫أحمد بن عبد الرزاق الدويش‬
‫الدكتور‬
‫محمد بن سعد الشويعر‬
‫===============‬
‫‪ #‬تعليق عن التفريق بين الفائدة البنكية والربا‬
‫مجلة البحوث السلمية ‪) -‬ج ‪ / 31‬ص ‪(123‬‬
‫الشيخ \ صالح بن عبد الرحمن الحصين‬
‫مــن المعــروف أن الربــا مكــروه مــن قــديم الزمــان وفـي‬
‫مختلف العصور ‪ ،‬ولكن ربما كان أقــدم نــص مكتــوب فــي‬
‫تحريــم الربــا الفــاحش فــي العصــر الفرعــوني هــو قــانون‬
‫الفرعــون بوخــوريس مــن الســرة الرابعــة والعشــرين ‪،‬‬
‫وحرمت التشريعات الموسوية والمســيحية الربــا بمختلــف‬
‫أشكاله ومهما كان قدره ‪ ،‬إل أن اليهود بعد موسى أجازوا‬
‫الربا مع غير اليهود على أساس أن مال غيــر اليهــود حلل‬
‫ُ‬ ‫لليهود ‪ } :‬ذ َل َ َ‬
‫ل{‬ ‫سِبي ٌ‬‫ن َ‬ ‫مّيي َ‬ ‫س عَل َي َْنا ِفي اْل ّ‬ ‫م َقاُلوا ل َي ْ َ‬‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫)‪ (1‬وقد عاب الله في القرآن الكريم اليهود بذلك فقــال ‪:‬‬
‫م‬ ‫ت ل َُهــ ْ‬‫حل ّ ْ‬‫ت أُ ِ‬ ‫م ط َي َّبا ٍ‬‫مَنا عَل َي ْهِ ْ‬
‫حّر ْ‬‫دوا َ‬‫ها ُ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬‫} فَب ِظ ُل ْم ٍ ِ‬
‫م الّرَبا وََقــد ْ‬ ‫خذِهِ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ك َِثيًرا { )‪ } (2‬وَأ َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬‫صد ّهِ ْ‬ ‫وَب ِ َ‬
‫ه { )‪ (3‬والربا الـذي كـانت تأخـذه اليهـود كمـا هـو‬ ‫ن ُُهوا عَن ْ ُ‬
‫معروف هــو الزيــادة الــتي يأخــذونها علــى القــروض الــتي‬
‫يقـدمونها لغيـر اليهـود ‪ ،‬فيأخـذون زيـادة علـى رأس مـال‬
‫القرض مقابل الجل ‪ ،‬وقــد ظــل العــالم المســيحي يكــره‬
‫اليهــود ويشــنع عليهــم أخــذهم الربــا ‪ ،‬ومــن آثــار ذلــك‬
‫المســرحية المشــهورة لشكســبير ) تــاجر البندقيــة ( عــن‬
‫المرابي اليهودي ‪،‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة آل عمران الية ‪75‬‬
‫)‪ (2‬سورة النساء الية ‪160‬‬
‫)‪ (3‬سورة النساء الية ‪161‬‬

‫‪894‬‬
‫وقد ظل اليهود يتــألمون مــن هــذه المســرحية ويكــافحون‬
‫ضد ظهورها ‪ ،‬ولول أن القيمة الدبية لها قد حمتها لكــانت‬
‫قد اختفت من الثار الثقافية ‪.‬‬
‫وقد ظلت القوانين في البلد المسيحية تحرم الربا ‪ ،‬فلمــا‬
‫جاءت الثورة الفرنسية في عــام ‪ 1789‬م أبــاحت الفــائدة‬
‫على القروض في حدود معينة وانتقلت هــذه الباحــة إلــى‬
‫تقنين نابليون الصادر عام ‪ 1804‬م والنافذ حــتى الن فــي‬
‫فرنسا ‪ ،‬ثم صدر فــي فرنســا عــام ‪ 1808‬م قــانون يحــدد‬
‫السعر القانوني للفائدة بـ ‪ % 5‬في المسائل المدنيــة و ‪6‬‬
‫‪ %‬في المسائل التجارية ‪ ،‬وفي ‪ 5‬أغســطس عــام ‪1935‬‬
‫م صدر قانون يجعل من يتقاضــى فــوائد زائدة عــن حــدود‬
‫معينة مرتكبا جريمة الربا ‪ ،‬وبالمثــل اعتــبرت المــادة ‪644‬‬
‫من القانون الجنائي اليطالي الجديــد مــن يتقاضــى فــوائد‬
‫زائدة عن حدود معينة مرتكبا جريمة الربا ‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن الضمير النساني لم يســتطع حــتى الن أن‬
‫يتخلــص مــن كراهيتــه للربــا واعتبــاره جريمــة وعمل غيــر‬
‫أخلقــي ‪ ،‬وإن تســامح فــي حــدود معينــة ونســب محــددة‬
‫للفائدة يتحكم واضع القانون في تقييمها بين وقت وآخر ‪.‬‬
‫أمــا السـلم فقــد جـاء بنصــوص قاطعـة الدللـة ‪ ،‬قاطعـة‬
‫الثبوت على تحريم ربا النسيئة ) أو أخذ زيادة في القــرض‬
‫عن رأس المال مقابل الجل ( ووردت بذلك آيــات ســورة‬
‫البقرة التي قررت أن الدائن ل يجوز له أن يأخذ زيادة عن‬
‫ْ‬
‫ن الل ّـ ِ‬
‫ه‬ ‫مـ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ح ـْر ٍ‬‫م ت َْفعَل ُــوا فَ ـأذ َُنوا ب ِ َ‬‫ن ل َـ ْ‬‫رأس مــاله ‪ } :‬فَ ـإ ِ ْ‬
‫ن وََل‬ ‫َ‬
‫م َل ت َظ ْل ِ ُ‬
‫مــو َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫مـ َ‬‫سأ ْ‬‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُـ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬
‫ســول ِهِ وَإ ِ ْ‬‫وََر ُ‬
‫ن { )‪ (1‬أي ل تظلمــون المــدين يأخــذ زيــادة عــن‬ ‫مــو َ‬ ‫ت ُظ ْل َ ُ‬
‫رأس المـــال ‪ ،‬كمـــا وردت بـــذلك الحـــاديث الصـــريحة‬
‫المتواترة تواترا معنويا ‪ ،‬ثم أجمعت على ذلك المة ‪ ،‬وقــد‬
‫وجد النزاع بين العلماء قديما وحديثا في صور عديــدة مــن‬
‫التعامل هل تدخل في الربا ‪ ،‬ولكن طوال القرون الماضية‬
‫لم يوجد نزاع ) بل لم ينقل ( حــول ربــا النســيئة ‪ ،‬فالمــة‬
‫متفقة على تحريمه بكل صوره سواء كان قليل أم كثيرا ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪279‬‬

‫‪895‬‬
‫وقــد حــدث أن وقعــت البلد الســلمية ) عــدا المملكــة‬
‫العربية السعودية واليمن ( تحت الستعمار الوروبي فنقل‬
‫إليها النظام البنكي المعتمــد علــى الفــائدة الربويــة وأنتــج‬
‫ذلك نتيجتين ‪:‬‬
‫النتيجة الولى ‪ :‬شل التعامل القتصادي المتحرر من الربــا‬
‫‪ ،‬وتقليد البلــدان الســلمية الــدول الغربيــة العلمانيــة فــي‬
‫تقنين التفريق بين قليل الربا وكثيره ‪ ،‬فسمحت التقنينــات‬
‫المدنيــة العربيــة مثل بتقاضــي فــوائد يحــددها القــانون‬
‫وحرمــت الزيــادة عليهــا ‪ ،‬كمــا حرمــت الفــوائد المركبــة‬
‫) الفوائد على متجمد الفــوائد ( بعــد أن ســمحت بــالفوائد‬
‫البســيطة فنصــت المــادة ) ‪ ( 236‬مــن التقنيــن المــدني‬
‫المصــري الجديــد علــى تحديــد ســعر الفــوائد بــ ‪ %4‬فــي‬
‫المسائل المدنية و ‪ %5‬في المسائل التجارية ‪ ،‬كما نصــت‬
‫المادة ) ‪ ( 237‬منه على أنه ) يجوز للمتعاقــدين أن يتفقــا‬
‫على سعر آخر للفوائد على أل يزيد هذا السعر عن ‪، %7‬‬
‫فإذا اتفقا على فوائد تزيد على هذا السعر وجب تخفيضــها‬
‫إلى ‪ %7‬ويمكن رد ما دفــع زائدا علــى هــذا القــدر ‪ ،‬وكــل‬
‫عمولة أو منفعة أيا كان نوعهــا اشــترطها الــدائن إذا زادت‬
‫هي والفائدة على الحد القصى المتقدم ذكره تعتبر فائدة‬
‫مستترة وتكون قابلة للتخفيض ( ونصت المــادة ) ‪( 233‬‬
‫منه على أنه ) ل يجوز تقاضى فوائد علــى متجمــد الفــوائد‬
‫ول يجــوز فــي أيــة حــال أن يكــون مجمــوع الفــوائد الــتي‬
‫يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المــال ( ‪ ،‬والحــال الخيــرة‬
‫يقصد بها تراكم الفوائد لسنوات كثيرة تبلغ بها رأس المال‬
‫‪ .‬وتتضــمن التقنينــات المدنيــة العربيــة الخــرى الســوري‬
‫والليــبي والعراقــي نصوصــا مماثلــة عــدا تحديــد نســبة‬
‫الفــائدة ‪ .‬ويقــول الـدكتور عبـد الـرزاق السـنهوري ‪ -‬وهـو‬
‫الذي وضع أصول القوانين الربعة المشار إليها في شرحه‬
‫لهــذه المــواد ‪ ) :‬ويتكفــل القــانون بتحديــد مقــدار الفــوائد‬
‫والسبب في ذلك كراهية تقليدية للربا ل في مصر فحسب‬
‫‪ ،‬ول في البلد السلمية وحدها ‪ ،‬بل فــي أكــثر تشــريعات‬
‫العالم ‪ ،‬فالربا مكروه في كــل البلد وفــي جميــع العصــور‬
‫ومن ثم لجأ المشرع إلى تحديده للتخفف من رزاياه وهذا‬

‫‪896‬‬
‫هو المبرر القوي الذي حمل القانون في هذه الحالة علــى‬
‫التدخل ‪ -‬ثم يقول ‪ -‬وسنرى فيما يلي كيف كــره المشــرع‬
‫المصري الربا‬
‫فحدد لفوائد رءوس الموال سعرا قانونيا وسعرا اتفاقيــا ‪،‬‬
‫وتشدد في مبدأ سريان هذه الفـوائد ‪ ،‬وأجـاز اســترداد مـا‬
‫يدفع زائدا على السعر المقرر ‪ ،‬وأعفى المدين في حالت‬
‫معينة من دفع الفوائد حتى في الحــدود الــتي قررهــا منــع‬
‫تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ‪ ،‬في هذه وغيرهــا آيــات‬
‫على كراهية المشرع ) المصري ( للربا وعلى الرغبــة فــي‬
‫التضييق منه حتى ل يستفحل فيرهــق المــدين وقــد يــؤذيه‬
‫بالفلس والخراب ‪ ،‬ثم يقول ‪ " :‬وقد زاد التقنيــن الجديــد‬
‫على التقنين القديم في كراهية الربا ) ثم يذكر أمثلة ( " )‬
‫‪. (1‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الوسيط ‪ ،‬جـ ‪ ، 1‬ص ‪. 883‬‬
‫النتيجة الثانية ‪ :‬لما كانت البنوك الــتي وجــدت فــي العـالم‬
‫السلمي تحت ظل المستعمر في الغلبية الساحقة بنوكـا‬
‫أجنبيــة ‪ ،‬وكــانت أداة فعالــة لســتغلل أمــوال المــواطنين‬
‫تحت نيـر السـتعمار ‪ ،‬وكـانت المشـكلة الكـبرى للمسـلم‬
‫كيف يوفق بيـن قلبـه الـذي يمنعـه مـن الربـا ‪ ،‬خوفـا مـن‬
‫الله ‪ ،‬وتفكيره الذي يمنعه من تــرك الفــوائد الربويــة عــن‬
‫إيداعاته لعدوه المستعمر الكافر ‪ ،‬وكان هذا المــر يشــكل‬
‫أعظم أزمة فكرية يواجهها العالم المفتي كما تصــور ذلــك‬
‫أبلغ تصوير الفتاوى التي نقلــت عــن الشــيخ محمــد رشــيد‬
‫رضا ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخــرى فــإن البنــوك الربويــة الســتعمارية وقــد‬
‫شلت التعامل القتصادي المتحرر من الربا ‪ ،‬وصارت هــي‬
‫المسيطرة على التعامــل القتصــادي فــي البلد الســلمية‬
‫كما هي المســيطرة فــي غيــره مــن العــالم ‪ ،‬قــد شــككت‬
‫بعــض المثقفيــن المســلمين فــي إمكانيــة الخــروج عــن‬
‫ســيطرة التعامــل البنكــي الربــوي ‪ ،‬وأصــبح كــثير مــن‬
‫المســلمين يعتقــدون أن ل بــديل للقتصــاد الشــتراكي إل‬
‫القتصاد الرأسمالي القائم على الربا ‪.‬‬

‫‪897‬‬
‫وحينمــا عقــد أســبوع الفقــة الســلمي فــي بــاريس عــام‬
‫‪1953‬م حضره مجموعة كبيرة من القــانونيين الغربييــن ‪،‬‬
‫كما حضره مــن المســلمين الــدكتور معــروف الــدواليبي ‪،‬‬
‫والشــيخ محمــد عبــد اللــه دراز ‪ .‬وتبعــا لطريقــة الــدكتور‬
‫معروف الدواليبي في التفكير وشغفه بــالحلول السياســية‬
‫حتى بالنسبة للمشاكل الفقهية ‪ ،‬ونظرا لعاطفته السلمية‬
‫القوية ورغبته في أن يجمــل وجــه الفقــه الســلمي أمــام‬
‫علماء‬
‫القانون الغربيين وأن يقنعهم بأن السلم صالح لكل زمان‬
‫ومكان ‪ ،‬وأنه ل يعــارض المصــالح الواقعيــة ‪ ،‬فقــد عــرض‬
‫نظرية غريبة مفادها أن السلم ل يحرم ربــا النســيئة فــي‬
‫كــل صــوره ‪ ،‬وإنمــا يحــرم هــذا الربــا فــي مجــال قــروض‬
‫الستهلك ‪ ،‬أما مجال قروض النتاج والســتثمار فل يحــرم‬
‫فيها ربا النسيئة ويجوز فيها تقاضي الفوائد عن القروض ‪،‬‬
‫ولحسن الحظ فقد كان طرح الشيخ محمد عبــد اللــه دراز‬
‫في تلك الندوة معاكسا تماما لطرح الدكتور الدواليبي ‪ ،‬إذ‬
‫أوضح أن السلم يحرم ربا النســيئة بمختلــف صــوره دون‬
‫تفريق بين مجال قروض الستهلك والستثمار ‪ ،‬وأنـه مــن‬
‫المستحيل إثبات وجود مثــل هــذا التفريــق ‪ ،‬وكــان حضــور‬
‫الشيخ دراز ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬وطرحه توفيقا من اللــه ‪ ،‬إذ لــو‬
‫اســتقر فــي أذهــان أعضــاء النــدوة أن فكــرة الــدكتور‬
‫الدواليبي تمثل حقــا الفقــه الســلمي لنتهــوا إلــى عكــس‬
‫الهدف الذي توخاه الدكتور الدواليبي ‪ ،‬إذ ســوف يعتــبرون‬
‫الفقه السلمي يمكن أن يكون له مجال في عالم الخلق‬
‫والمثل ولكن ل يمكن أن يكون له مجال في عــالم الواقــع‬
‫والتشريع ‪ ،‬إذ أن التمييز بين مجــال القــروض الســتهلكية‬
‫ومجال القروض الستثمارية إن أمكــن فــي بعــض الصــور‬
‫فهو غير ممكن في غالب الصور ‪ ،‬كما أوضح ذلك الــدكتور‬
‫الســنهوري فــي تعليقــه علــى هــذه الفكــرة فــي كتــابه‬
‫المشــهور مصــادر الحــق ‪ ،‬يوضــح هــذا أن التفريــق بيــن‬
‫قــروض الســتثمار وقــروض الســتهلك يعتمــد فــي أغلــب‬
‫الصور على محض النية الباطنة للمتعاملين والــتي ل تتخــذ‬
‫بالضرورة مظهرا يمكن الحكم عليه ‪ ،‬ومحض النيــة يصــلح‬

‫‪898‬‬
‫معيــارا للنظــام الخلقــي ولكنــه ل يصــلح معيــارا للنظــام‬
‫التشريعي إل إذا تشكل فــي مظهــر يمكــن أن يكــون محل‬
‫للحكم ‪.‬‬
‫وعلى كل حال ومع أن النسان عندما يخـترع فكــرة فإنهـا‬
‫عادة تسيطر عليه ول يستطيع أن يتخلص من أســرها ‪ ،‬إل‬
‫أنا مع ذلك ل نظن أن الــدكتور الــدواليبي يصــر حــتى الن‬
‫على فكرته ‪ -‬تلك ‪ -‬لســيما بعــد أن وضــح لــه ل مــن قبــل‬
‫علماء الشرع بل من قبل علماء القانون أن فكرته تســتند‬
‫على أساس من الوهم ل من الحقيقة ‪.‬‬
‫ما سبق يضع أمامنا صورة لعظــم أزمــة فكريــة للمثقــف‬
‫المسلم قبل ثلثين عاما ‪ ،‬وكان العالم الســلمي ينتظــر ‪-‬‬
‫للتخلص من هذه الزمة ‪ -‬روادا عظامــا ينظــرون لمكانيــة‬
‫الفلت من أسر النظام البنكي الغربي الربــوي ‪ ،‬ويثبتــون‬
‫صلحية الدوات الفقهية السلمية كبــديل كفــء ‪ .‬وينتظــر‬
‫مؤسسات تطبق هذا التنظيم وتثبته واقعا ملموســا ‪ ،‬وقــد‬
‫تم هذا ولله وحده الحمد والشكر ‪.‬‬
‫أما الفضل ‪ -‬بعد الله ‪ -‬فيرجــع لحكومــة المملكــة العربيــة‬
‫الســعودية فــي فتــح الفــاق المباركــة ‪ ،‬فبفضــل إيمانهــا‬
‫وشجاعتها حرصت عندما أصــدرت نظــام بنكهــا المركــزي‬
‫) مؤسسة النقد العربــي الســعودي ( فــي عــام ‪ 1377‬هــ‬
‫على أن تضمن المادة الثانية منه النص على أنه ) ل يجــوز‬
‫لمؤسسة النقد العربي السعودي دفع أو قبض فائدة وإنما‬
‫يجوز لها فقط فـرض رســوم لقــاء الخـدمات الــتي تؤديهـا‬
‫للجمهــور أو للحكومــة وذلــك لســد نفقــات المؤسســة (‬
‫ونصت المادة السادســة علــى أنــه ‪ " :‬ل يجــوز لمؤسســة‬
‫النقد العربي السعودي القيام بأي عمل من العمال التية‬
‫‪:‬‬
‫) ‪ ( 1‬مباشــرة أي عمــل يتعــارض مــع قواعــد الشــريعة‬
‫السلمية السمحاء فل يجوز لها دفع أو قبــض فــائدة علــى‬
‫العمال ‪.‬‬
‫وهكذا رفعت المملكة الراية للمسيرة المباركــة ‪ ،‬وأعلنــت‬
‫بوضوح أن العمل على التحرر من النظام البنكــي الربــوي‬
‫ليس ممكنا فحســب ‪ ،‬بــل هــو واجــب ‪ .‬ثــم أتيــح لهــا فــي‬

‫‪899‬‬
‫فرصة أخرى أن تعزز هذه الريادة فعند صياغة نظام البنك‬
‫السلمي للتنمية وضعت كل ثقلها في جانب تضمن نظــام‬
‫البنك نصوصا تقضي بأنه ل يجوز للبنك أن يتقاضــى فــوائد‬
‫عــن قروضــه ‪ ،‬وأن تتــم معــاملته كلهــا وفــق القواعــد‬
‫الشرعية ‪.‬‬
‫وقد تــوالت الثمــار ‪ ،‬فمــن ناحيــة التنظيــر وجــدت أعمــال‬
‫فكرية تنتهج الموضوعية والسلوب العلمي تشرح الحلــول‬
‫الفقهية السلمية وتثبت كفاءتها لن يعتمــد عليهــا اقتصــاد‬
‫نام وسليم ‪.‬‬
‫ومن بين العمال الكثيرة نقدم هنا مثالين ‪:‬‬
‫) ‪ ( 1‬لحظ الستاذ \ سامي حسن حمود الذي تدرج فــي‬
‫وظائف البنك الهلي الردني حـتى وصـل إلـى رتبـة نـائب‬
‫مدير البنك ‪ ،‬أن كثيرا من عملء البنك يمتنعون تورعا مــن‬
‫تقاضي فوائد على إيداعاتهم ‪ ،‬وقــد عــرف أن ســبب ذلــك‬
‫هو تحريم السلم لتقاضي الفوائد الربوية ‪ ،‬وقد لفت هــذا‬
‫نظره إلى البحث فــي الفقـه الســلمي فاكتشــف أن هــذا‬
‫الفقه زاخر بإمكانيات البدائل عن النظــام الربــوي ‪ ،‬وعنــد‬
‫تقدمه للحصول على درجة الدكتوراة من جامعــة القــاهرة‬
‫كان موضوع أطروحته ) تطوير المعاملت المصــرفية بمــا‬
‫يوافق الشــريعة الســلمية ( ‪ .‬ويعتــبر هــذا الكتــاب ‪ -‬وقــد‬
‫صدر قبل حوالي خمسة عشر عامــا ‪ -‬مــن أفضــل الكتــب‬
‫في موضوعه ‪ ،‬ويمتاز بالتزامه بالمنهج التزاما دقيقا ‪ ،‬وقد‬
‫هيــئ للــدكتور ســامي حمــود فيمــا بعــد أن يشــرف علــى‬
‫تطــبيق أفكــاره فــي هــذه الطروحــة عنــد تأســيس البنــك‬
‫الردني السلمي وقيامه بإدارته ‪.‬‬
‫) ‪ ( 2‬تولى الســتاذ الــدكتور عمــر شــابرا منصــب الخــبير‬
‫القتصادي لمؤسسة النقد العربي السعودي لمــدة طويلــة‬
‫كادت تبلغ ربع قرن ‪ ،‬وقد كان درس القتصاد على المنهج‬
‫الغربي ‪ ،‬ولكن عند التحاقه بالعمل في المؤسسة كان من‬
‫الطبيعي أن تلفت انتباهه نصوص نظام المؤسسة المشار‬
‫إليهــا آنفــا والــتي تحــرم علــى المؤسســة دفــع أو اقتضــاء‬
‫الفــوائد وتــوجب أن تكــون معاملتهــا موافقــة للقواعــد‬
‫الشــرعية ‪ ،‬وكــان مــن الطــبيعي أن يتــوجه اهتمــامه إلــى‬

‫‪900‬‬
‫البحث في الساليب القتصادية الســلمية ‪ ،‬وأن يكتشــف‬
‫نتيجة للبحث الطويل العميــق امتيــاز الســاليب الســلمية‬
‫وصلحيتها الكاملة لقامة نظــام اقتصــادي قــوي وســليم ‪،‬‬
‫وكانت الثمرة المباركة لهذه الجهود صدور كتــابه المعنــون‬
‫‪ towards a gust monetary system‬وقد صدر في إنجلــترا‬
‫قبــل حــوالي ثلث ســنوات ‪ ،‬إن الكتــاب يتضــمن دراســة‬
‫علميــة لعــدد مــن الوســائل القتصــادية الشــرعية وأثبــت‬
‫بوضوح ودقة امتياز هذه الوسائل وكفايتها‬
‫لن يستند عليها نظام اقتصادي سليم ‪ ،‬ول يعنينا فــي هــذا‬
‫المجال هذا وإنما سنهتم بنتيجة الموازنة العلميــة الدقيقــة‬
‫بين الوسائل الشرعية ‪ ،‬والوســائل الربويــة الــتي تضــمنها‬
‫الفصــل الخــامس ‪ ،‬فبالســتناد إلــى الكتشــافات والفكــار‬
‫القتصــادية الحديثــة وبــالرجوع إلــى أســاطين القتصــاد‬
‫الغربي المعاصرين وإلى الحصاءات وتقارير الخبراء أثبت‬
‫عجز الوسائل الربوية ) أو نظام الفائدة ( كأســاس يعتمــد‬
‫عليه في البناء القتصادي السليم وذلك علــى النحــو الــذي‬
‫نلخصه فيما يلي ‪ ) ،‬وإن كان هذا التلخيص تلخيصا مبتسرا‬
‫قد ل يقدم الصورة بالوضوح والقوة الــذي جــاءت بــه فــي‬
‫الكتاب ( ‪.‬‬
‫ما مدى كفاءة نظام الفائدة كأساس للقتصــاد ؟ إنــه مــن‬
‫حيث إن المعــروف أن القتصــاد القــوي الســليم يجــب أن‬
‫يتوافر له من ضمن ما يتوافر شروط أربعة ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫) أ ( القدرة على التخصيص المثل للموارد ‪.‬‬
‫) ب ( المنــاخ الســتثماري اليجــابي الــذي يشــجع علــى‬
‫الدخار والتكوين الرأسمالي ‪.‬‬
‫) جـ ( الستقرار ‪.‬‬
‫) د ( قابلية النمو القتصادي ‪ ،‬فقد أوضح الكتاب أن نظــام‬
‫الفائدة الربوي عاجز عن توفير هذه الشروط وذلــك علــى‬
‫النحو التالي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬فمــن ناحيــة التخصــيص الجــدى للمــوارد ‪ ،‬يلحــظ أن‬
‫للفائدة وظيفة رئيسية مفترضة هي أنها وسيلة لتخصــيص‬
‫الموال النادرة المقدمة من المــدخرين إلــى المســتثمرين‬
‫بطريقة موضوعية على أساس القدرة علــى دفــع الثمــن ‪،‬‬

‫‪901‬‬
‫وإذا تغير الطلب علــى المــوال القابلــة للقــراض أو تغيــر‬
‫عرضها تم عند معدل فائدة مختلــف التوصــل إلــى تــوازن‬
‫جديد ‪ ،‬إن هذه المقولــة مبنيــة علــى افــتراض أن المعــدل‬
‫النقدي للفائدة يعتبر أداة ناجحة لتخصيص الموارد بطريقة‬
‫مثالية ‪ .‬ولكن هذا الفتراض غير صحيح إذ يوجد في الواقع‬
‫دليل مقنع على العكس ‪ ،‬وقد تجمعت لدى إنزلو وكــونراد‬
‫وجونســن أدلــة تثبــت أن رأس المــال الحــالي قــد أســيء‬
‫تخصيصه ‪ -‬ربما إلى حد خطير ‪ -‬بين قطاعــات القتصــاد ‪.‬‬
‫إن افتراض باريتو في تخصيص‬
‫الموارد ل يوجد إل في عــالم الحلم عــالم نمــوج التــوازن‬
‫التنافسي الكامل ‪.‬‬
‫إن معدل الفائدة التوازني ل يوجد إل في الكتب المدرسية‬
‫فقط ‪ ،‬أما في الواقع فل يوجد معدل مقاصة سوقية فعالة‬
‫‪ ،‬بل هناك مزج نظري من معدلت قصيرة الجل وطويلــة‬
‫الجل مع فروق واختلفات هائلة في مســتوياتها ول يوجــد‬
‫مفهوم واضح لكيفية توحيد هــذه المعــدلت المتعــددة فــي‬
‫معيار واحد ‪ ،‬إن معدل الفائدة في الحقيقة والواقــع تعــبير‬
‫عن المفاضلة ل لصالح المقترض الجدى إنتاجا بل لصــالح‬
‫الكثر غنى ؛ لن المعيار في الواقع هو الجــدارة الئتمانيــة‬
‫فكلما كانت الجدارة الئتمانيــة لشــخص أكــبر كــان معــدل‬
‫الفــائدة الــذي يــدفعه أقــل ‪ ،‬والعكــس بــالعكس ‪ ،‬وبــذلك‬
‫تحصل المنشأة الكبيرة ) بغــض النظــر عــن مــدى حاجتهــا‬
‫للتمويل ومدى درجتها في الجدوى النتاجية ( تحصل علــى‬
‫أموال أكثر بسعر فــائدة أقــل وذلــك فقــط بســبب ارتفــاع‬
‫درجة تصنيفها الئتماني ‪ ،‬بمعنى آخر فإن المنشأة الكبيرة‬
‫التي هي أقدر على تحمل عبء الفائدة تحمل عــبئا أقــل ‪،‬‬
‫وعلى العكس فإن المنشأة المتوســطة أو الصــغيرة الــتي‬
‫قد تكون ذات إنتاجية أعظم بمقياس المساهمة في الناتج‬
‫الوطني تحصل على مبالغ أقل بكثير نسبيا وبأسعار فــائدة‬
‫أعلــى بكــثير ‪ ،‬وهــذا يعنــي أن الكــثير مــن الســتثمارات‬
‫الجدى إنتاجية بالقوة ل توجد بالفعل بسبب عــدم قــدرتها‬
‫التنافسية في الحصول علــى القــروض الــتي تنســاب إلــى‬

‫‪902‬‬
‫مشاريع أقــل جــدوى إنتاجيــة ‪ ،‬ولكنهــا متقدمــة فــي ســلم‬
‫التصنيف الئتماني ‪.‬‬
‫وبهــذا يتضــح أن معيــار الفــائدة ليــس معيــارا موضــوعيا‬
‫للجدوى النتاجية للمنشأة ‪ ،‬وإنما معيار متحيز مـن معـايير‬
‫التصنيف الئتماني ‪ ،‬وهــذا هــو أحــد الســباب فــي النظــام‬
‫الرأسمالي للنمو الســرطاني للمنشــآت الكــبيرة واختنــاق‬
‫المنشآت المتوسطة والصغيرة ‪ ،‬ويقــع هــذا بصــفة خاصــة‬
‫في حالة ارتفاع معدل الفائدة ‪ ،‬إن زيــادة تــدفق الئتمــان‬
‫إلى الغنياء ‪ -‬في النظام الربوي صــار حقيقــة معترفــا بهــا‬
‫على نطاق واسع ‪ .‬يقول جالبريت علـى سـبيل المثـال ‪" :‬‬
‫إن المنشأة الكبيرة عندما تقــترض تحظــى بصــفة العميــل‬
‫المفضل لدى المصارف وشركات التأمين " ويقول ‪:‬‬
‫" إن أولئك القل حاجــة إلــى القــتراض هــم المفضــلون ‪،‬‬
‫وأولئك الكثر حاجــة إلــى القــتراض هــم القــل حظــا فــي‬
‫نظام المنافسة السوقية " ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬وبالنســـبة لثـــر الفـــائدة علـــى الدخـــار والتكـــوين‬
‫الرأســـمالي ‪ ،‬فيجـــب أن نلحـــظ أول أنـــه لخلـــق منـــاخ‬
‫استثماري إيجابي نشط ل بد من المحافظة الدائمــة علــى‬
‫العدالة والتوازن بين المدخرين والمســتثمرين ‪ ،‬ثــم نشــير‬
‫إلى أنه بسبب المعدل الجتمــاعي للتفضــيل الزمنــي فقــد‬
‫يعتقد بأن للفائدة دائما دورا إيجابيــا مطــردا علــى الدخــار‬
‫والتكوين الرأسمالي ‪ ،‬غير أنه بدراسة الواقع فإن الــدلئل‬
‫الحصــائية ل تشــير إلــى وجــود ترابــط كــبير بيــن الفــائدة‬
‫والدخار في البلد الصناعية ‪ ،‬أما في البلدان الناميــة فــإن‬
‫أغلب الدراسات توضح أنــه ل تــأثير لمعــدل الفــائدة علــى‬
‫الدخار علــى الطلق ‪ ،‬وحــتى مــن الناحيــة النظريــة فــإن‬
‫عددا من القتصاديين يرفض افتراض بوم باورك التفضــيل‬
‫الزمني اليجابي حتى أن جراف شكك بأن له وجودا فعليــا‬
‫بالمرة ‪ ،‬على أن آراء آخرين تقول بــأن التفضــيل الزمنــي‬
‫لدى المستهلك الرشيد قد يكون موجبا أو صــفرا أو ســالبا‬
‫وقــد لحــظ ساملســون " أن الدلــة تهــدي إلــى أن بعــض‬
‫الناس يقل ادخارهم بدل أن يزيد عند ارتفاع معدل الفائدة‬

‫‪903‬‬
‫‪ ،‬وأن البعض يزيد ادخارهم في تلــك الحالــة وأن الكــثير ل‬
‫يتأثر ميلهم للدخار في حالة الرتفاع أو النخفاض " ‪.‬‬
‫مــن الطــبيعي أن يعــاني المــدخرون إذا كــانت الفــائدة‬
‫منخفضة وأن يعاني المستثمرون إذا كــانت مرتفعــة ‪ ،‬وأن‬
‫الظلم الواقع في توزيع المردود بيــن المــدخر والمســتثمر‬
‫بســبب معــدلت الفــائدة المتغيــرة أو الثابتــة يــؤدي إلــى‬
‫تشويه جهاز الثمن وإلى سوء تخصــيص المــوارد ومــن ثــم‬
‫إلى تباطؤ التكوين الرأسمالي ‪.‬‬
‫لقد كان ارتفاع معدل الفـائدة مانعـا كـبيرا مـن السـتثمار‬
‫في النظام الرأسمالي ‪ ،‬ولما كانت تكاليف الفائدة تقتطــع‬
‫من الرباح فقد أنتج هذا تآكــل ربحيــة الشــركات ‪ ،‬هــو مــا‬
‫اعتبر في تقرير مصرف التســويات الدوليــة ) عــامل كــبير‬
‫الهمية في إضعاف الحجــم الكلــي للســتثمار ( وقــد أدت‬
‫معــدلت التكــوين الرأســمالي المنخفضــة فــي الوليــات‬
‫المتحدة ‪ ،‬إلى إيجاد دور وتسلسل حيث إن هبوط‬
‫النتاجيــة أدى إلــى تقليــل القــدرة علــى تعــويض التكلفــة‬
‫المرتفعــة للقــرض ‪ ،‬وهــذا أدى إلــى هبــوط فــي الربحيــة‬
‫وهبوط أكثر في معدل التكوين الرأسمالي ‪ ،‬فــزاد اعتمــاد‬
‫المنشــآت علــى الــديون الــتي إنمــا تحصــل عليهــا بمعــدل‬
‫مرتفع للفائدة ‪.‬‬
‫وبالمقابل فإن معدلت الفــائدة المنخفضــة ل تقــل ضــررا‬
‫عن المرتفعة ‪ ،‬ففي حين أن المرتفعة تضــر المســتثمرين‬
‫فإن المنخفضــة تضــر المــدخرين ‪ ،‬وقــد شــجعت معــدلت‬
‫الفــائدة المنخفضــة علــى القــتراض مــن أجــل الســتهلك‬
‫فزادت بذلك الضغوط التضخمية كما شجعت الستثمارات‬
‫غيــر النتاجيــة ‪ ،‬وزادت مــن حــدة المضــاربة فــي أســواق‬
‫الســلع والوراق الماليــة ‪ ،‬وبالجملــة فقــد أنتجــت خفــض‬
‫المعدلت الجمالية للدخار ‪ ،‬وتدني نوعيــة الســتثمارات ‪.‬‬
‫وأحدثت قصورا في التكوين الرأسمالي ‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬وبالنسبة لثر الفائدة على الستقرار القتصــادي فــإن‬
‫من المؤكد أن الفائدة من أهم العوامل المخلة بالستقرار‬
‫في القتصاد الرأسمالي ‪ ،‬لذا لم يكن غريبا أن يجيب فــي‬
‫عــام ‪ 1982‬ميلتــون فردمــان عــن الســؤال عــن أســباب‬

‫‪904‬‬
‫السلوك الطائش الذي لم يســبق لــه مثيــل فــي القتصــاد‬
‫المريكــي بــأن ) الجابــة البديهيــة هــي الســلوك الطــائش‬
‫الموازي في معدلت الفائدة ( ‪.‬‬
‫إن التقلبات الطائشة فــي معــدل الفــائدة تحــدث تحــولت‬
‫لولبية في الموارد المالية بين المستفيدين منها ‪ ،‬إن زيادة‬
‫تقلــب معــدل الفــائدة تحقــن الســوق المــالي بكــثير مــن‬
‫الشكوك ‪ ،‬وهذا من شأنه تحويل المقرضين والمقترضــين‬
‫على السواء من الجــل الطويــل إلــى الجــل القصـير فــي‬
‫سوق المال ‪ ،‬واستمرار التقلــب فــي نصــيب الفــائدة فــي‬
‫مجمــوع عــائد رأس المســتثمر يجعــل مــن الصــعب اتخــاذ‬
‫قرارات استثمارية طويلة الجل بثقة ‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى‬
‫فإن الثابت أنه في ظل نظــام تعــويم المعــدل فــي ســوق‬
‫قصيرة الجل أنه كلما ارتفع معــدل الفــائدة ارتفــع معــدل‬
‫الفلس التجـــاري للمنشـــآت ‪ ،‬وذلـــك بســـبب الهبـــوط‬
‫المفاجئ في نصيب المنشأة من مجموع العائد على رأس‬
‫المال ل بســبب عــدم كفــاءة المنشــأة ‪ ،‬ونحــن نعــرف أن‬
‫الفلســـات التجاريـــة ل تقتصـــر فقـــط علـــى الخســـارة‬
‫الشخصية لمالكي المنشأة‬
‫بــل تســتتبع النخفــاض فــي العمالــة والناتــج والســتثمار‬
‫والطاقــة النتاجيــة وهــي خســائر يصــعب وتطــول فــترة‬
‫تعويضها وبديهي أن لكل هذه العوامل آثــارا خطيــرة علــى‬
‫الستقرار القتصادي ‪.‬‬
‫لسنا في حاجة إلى إيضاح أثر تقلب معدلت الفائدة علــى‬
‫القلــق فــي الســواق الماليــة والســلع ‪ ،‬ولمــا كــانت هــذه‬
‫الســواق للقتصــاد الرأســمالي بمثابــة مقيــاس الضــغط‬
‫الجــوي فــإن التقلبــات الــتي تحــدثها الفــائدة علــى هــذه‬
‫السواق تعكس تــأثيرا موجبــا للضــطراب علــى القتصــاد‬
‫بجملته ‪.‬‬
‫وأخيرا فبالنســبة لتــأثير الفــائدة علــى إجــراءات السياســة‬
‫النقدية فــإن البنــك المركــزي فــي إمكــانه إمــا أن يراقــب‬
‫معدلت الفائدة أو يراقــب رصــيد النقـود ‪ ،‬فــإذا مــا حــاول‬
‫تثبيت معدل الفائدة فقد الســيطرة علــى عــرض النقــود ‪،‬‬

‫‪905‬‬
‫وإذا ما حاول تحقيق نمو معين فــي عــرض النقــود تقلبــت‬
‫معدلت الفائدة وبخاصة القروض القصيرة الجل ‪.‬‬
‫وقــد دلــت التجربــة علــى أنــه مــن المســتحيل تنظيــم كل‬
‫العنصرين بطريقــة متوازنــة يمكــن معهــا الســيطرة علــى‬
‫التضخم دون إضرار بالستثمار ‪ ،‬ونستشــهد بهــذه العبــارة‬
‫المتحفظة في تقرير التسويات الدوليــة لعــام ‪ " 1982‬إن‬
‫التقلب الشديد في معدلت الفائدة يمكــن أن يســهم فــي‬
‫التقلبات الحادة في النشاط القتصادي كما قد يــؤدي إلــى‬
‫مشكلت هيكلية سواء في القتصاد أو في النظام المــالي‬
‫"‪.‬‬
‫د ‪ -‬بالنسبة لتأثير الفــائدة علــى النمــو القتصــادي ‪ ،‬نشــير‬
‫إلى أن الفاعلية القتصادية تعاق كثيرا بوجود حالــة الشــك‬
‫الــذي يصــعب معــه التوقــع للمســتقبل ‪ ،‬فل يملــك معــه‬
‫المســــتثمرون القــــدرة ول الجــــرأة علــــى التخطيــــط‬
‫لستثمارات طويلة الجل ‪ ،‬وإن العتماد في التمويل على‬
‫القروض الربوية من شأنه أن يوجد مناخا للشــك إذ يــزداد‬
‫الخطر الذي يواجه المستثمر ) المنظم ( لن نصــب عينــه‬
‫دائما أن الفائدة الربوية ل بد من دفعها بصرف النظر عــن‬
‫ربحية المشروع ‪ ،‬وتزيــد حــدة الشــك إذا تقلبــت معــدلت‬
‫الفائدة تقلبا طائشا ول سيما إذا تضمن عقد‬
‫التمويل معدل عائما للفائدة كما هو المتبع بصفة عامة في‬
‫الــوقت الحاضــر ‪ .‬وبصــعوبة القيــام باســتثمارات طويلــة‬
‫الجــل فــإن الســتثمار فــي النهايــة يعــاني مــن هبــوط‬
‫النتاجيــة ‪ ،‬وانخفــاض معــدل النمــو ‪ ،‬ومــن المعــروف أنــه‬
‫عنـدما ارتفعـت معـدلت الفـائدة فـي السـبعينات هبطـت‬
‫نسبة إجمالي الستثمار الثابت المحلي إلى إجمالي الناتــج‬
‫الوطني في البلدان الغربية ‪ ،‬كمــا انخفــض النمــو الــدولي‬
‫انخفاضا كبيرا في كل مكــان عمــا كــان عليــه فــي العقــود‬
‫التي أعقبت الحرب العالمية مباشرة ‪ ،‬ومن المعــترف بــه‬
‫أن الداء الستثماري الفضــل هــو مفتــاح النمــو الســرع ‪،‬‬
‫ومع السف فإن خفض معدل الفــائدة ليــس علجــا ناجحــا‬
‫لهذه الحالة لن ذلك ل يزيل حالة الشك فــي المســتقبل ‪،‬‬

‫‪906‬‬
‫ل سيما إذا أخذ في العتبار العجــز المرتفــع المتكــرر فــي‬
‫موازنات بعض الدول الصناعية الرئيسية ‪.‬‬
‫إن مــا تقــدم يمكــن أن يعتــبر اختصــارا مخل لمــا ورد فــي‬
‫الكتــاب ‪ ،‬ولكــن لعلــه يكــون كافيــا لقنــاع القــارئ بهــذه‬
‫الفرضية ‪ :‬إننا ننساق مع الوهم إلى حد كــبير حينمــا نظــن‬
‫أن تبني القتصاد الرأسمالي نظام ) الفائدة الربويــة ( هــو‬
‫سبب ازدهار هذا القتصاد وقوته ‪ ،‬بل الصحيح القــول ‪ :‬إن‬
‫لزدهار القتصاد الرأسمالي أسبابا متعــددة ســاهمت فــي‬
‫هذا الزدهار بالرغم من ) نظام الفائدة الربوية ( ‪.‬‬
‫والحقيقة الواضحة أنه إذا كان لنظام الفائدة في كثير مــن‬
‫الحوال تأثير سلبي على القتصاد ‪ -‬كما شرح ‪ -‬وذلك فــي‬
‫البلدان التي تتقبل اتجاهاتهــا الخلقيــة هــذا النظــام ‪ ،‬فمــا‬
‫ظنك بأثر هذا النظام علـى القتصـاد فـي بلد اسـتقر فـي‬
‫ضمائرها واتجاهها الخلقي كراهيته إلى درجة أن تعتقد أنها‬
‫بقبوله تأذن بالحرب علــى اللــه ‪ ،‬وتعتقــد أن نــتيجته علــى‬
‫سلوكها القتصادي المحق والدمار ‪.‬‬
‫وهذه الحقيقة توجب الشارة إلى حقيقة أخرى هي ‪:‬‬
‫أنه ل بــد لنجــاح نظــام اقتصــادي فــي بلــد مــا أن يتناســق‬
‫ويتناغم مع النظام الخلقي والقيم الثقافية التي تسود فــي‬
‫ذلك البلد ‪ ،‬ومن المستحيل أن يزدهــر نظــام اقتصــادي أو‬
‫أساليب اقتصادية في بلد مع معارضة ذلك النظام أو تلــك‬
‫الساليب‬
‫للقيم الخلقية والمعتقدات السائدة ‪ ،‬إن الشرط الساسي‬
‫لزدهار القتصاد في بلد مــا أن يحــور لينســجم مــع نظــام‬
‫البلد الخلقي ‪ ،‬أو أن يحور النظام الخلقـي لينســجم مــع‬
‫القتصاد وبدون ذلك يكون القتصاد كشجرة مغروسة فــي‬
‫تربة ومناخ غير ملئمين لها ‪.‬‬
‫إن الفكار النظريــة وحــدها لــم تكــن لتقــوى علــى تحريــر‬
‫الفكر ‪ ،‬وزعزعة التصور الذي ساد قبــل ثلثيــن عامــا فــي‬
‫أذهان المثقفين المسلمين عن نظام الفائدة الربويــة ‪ ،‬لــو‬
‫لــم توجــد إمكانيــة لوضــع تلــك الفكــار النظريــة موضــع‬
‫التطبيق ‪ ،‬ولو لم تتح فرصة اختبارها فــي ظــروف الواقــع‬
‫واجتيازهــا لهــذا الختيــار بنجــاح ‪ .‬وقــد أمكــن فــي خلل‬

‫‪907‬‬
‫السنوات القليلة الماضية وجود حوالي خمســين مؤسســة‬
‫مصرفية تستخدم الساليب الســلمية ‪ ،‬وتحــرر معاملتهــا‬
‫من الفائدة الربوية ‪ ،‬وقد حاز بعضها نجاحا كــبيرا بمختلــف‬
‫المعايير ‪ ،‬صحيح أن عددا قليل منها لم يوفق تمام التوفيق‬
‫بسبب سوء الدارة ‪ ،‬لنقص الخلص أو نقص الكفــاءة ‪ ،‬أو‬
‫بسبب ظروف خارجيــة ‪ .‬ولكــن نجــاح مؤسســة مــن هــذه‬
‫المؤسسات دليل كاف على كفاءة الساليب الماليــة الــتي‬
‫طبقتها ‪ ،‬إذ لو تخلفت كفاءتها لستحال نجــاح المؤسســة ‪،‬‬
‫وعلى العكس من ذلك فإن فشل بعض هــذه المؤسســات‬
‫ل يدل على عدم كفاءة الساليب الســلمية ؛ لن الفشــل‬
‫له أسباب كثيرة أخرى كما أشــرنا ‪ ،‬ويجــب أن نتــذكر أنــه‬
‫فــي تجربــة المملكــة مــع المؤسســات المصــرفية الــتي‬
‫اعتمــدت نظــام الفــائدة الربــوي تكــررت الخفاقــات ‪ ،‬ول‬
‫حاجة للتذكير بأبرزهــا ‪ -‬وهــو انهيــار البنــك الــوطني ‪ -‬لنــه‬
‫كابوس ل ينسى ‪.‬‬
‫ولم يقتصر المــر علــى قيــام مؤسســات مصــرفية تعتمــد‬
‫الساليب المالية السلمية ‪ ،‬بل إن أكــبر دولــة إســلمية ‪-‬‬
‫بعد أندونسيا ‪ -‬وهي الباكستان أعلنت تقريرها عام ‪1985‬‬
‫تؤكد أنها حررت فروع بنوكها المحلية البالغــة ‪ 7000‬فــرع‬
‫مــن نظــام الفــائدة ‪ ،‬وذلــك باســتثناء التفاقيــات الســابقة‬
‫والمعاملت مع الخارج ‪.‬‬
‫تلخيص‬
‫لعل القارئ قد تنبه إلى أن ما سبق لم يتضــمن آراء تقبــل‬
‫الجــدل حولهــا والحكــم عليهــا بالصــحة أو الخطــأ ‪ ،‬وإنمــا‬
‫تضمن تسجيل وقائع ‪ ،‬ول سبيل إلى تكذيب هذا التســجيل‬
‫لنــه كمــا يلحــظ القــارئ مــدعوم بــالتوثيق وإذا فيمكــن‬
‫للكــاتب بكــل اطمئنــان أن يقــول بــأن مــا تقــدم يكشــف‬
‫الحقائق التية ‪:‬‬
‫) ‪ ( 1‬إن الربــا ليــس مفهومــا غامضــا وإنمــا هــو معاملــة‬
‫معروفة ‪ ،‬استقر في الضمير الخلقي للنسان ) منذ أقــدم‬
‫العصور ( كراهيته واعتباره عمل غير أخلقي ‪.‬‬

‫‪908‬‬
‫) ‪ ( 2‬إن هذا المفهوم ليس شيئا غيــر ربــا النســيئة حيــث‬
‫يدفع الممول المال لطالب التمويل لجل بشرط أن يــرده‬
‫بزيادة في مقابل الجل ‪.‬‬
‫) ‪ ( 3‬الربــا بهــذا المفهــوم حرمتــه الشــرائع الســماوية‬
‫الموسوية والمســيحية والســلم ‪ ،‬وذلــك بمختلــف صــوره‬
‫ومهما كان حجمه ‪.‬‬
‫) ‪ ( 4‬الربا بهذا المفهوم هو الذي ارتكبته اليهود مع الناس‬
‫من غيرهما ‪ ،‬وذمهم الله به ‪ ،‬وكانوا به موضوعا للكراهيــة‬
‫م الّرب َــا وَقَ ـد ْ‬ ‫خذِهِ ُ‬ ‫والتعيير والسخرية من قبل الناس ‪ } :‬وَأ َ ْ‬
‫َ‬ ‫نهوا عَنه وأ َك ْل ِه َ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬‫ل وَأعْت َـد َْنا ل ِل ْك َــافِ ِ‬ ‫س ِبال َْباط ِـ ِ‬ ‫وا َ‬
‫ل الّنا ِ‬ ‫م َ‬
‫مأ ْ‬‫ِ ْ‬
‫َ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫ُُ‬
‫ما { )‪. (1‬‬ ‫م عَ َ‬
‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫من ْهُ ْ‬
‫ِ‬
‫) ‪ ( 5‬إنــه حــتى بعــد أن انتصــرت العلمانيــة ‪ -‬ممثلــة فــي‬
‫الثورة الفرنسية ‪ -‬على الكنيسة وقوانينها ‪ ،‬وأبــاحت الربــا‬
‫فإنها لم تبحه إل في حدود ضيقة ‪ ،‬وقد سمحت لهــا بــذلك‬
‫الفكرة العامة الـتي تعتنقهـا العلمانيـة عـن نسـبية القيمـة‬
‫الخلقية ‪ ،‬ومع ذلك فإنها لم تســتطع أن تتحــرر تمامــا مــن‬
‫كراهية الربــا المغروســة فــي الضــمير النســاني ‪ ،‬فظلــت‬
‫قوانينها الجنائية تعتبر التعامل بمــا يزيــد علــى الحــد الــذي‬
‫تســمح بــه نصــوص القــوانين مــن الربــا جريمــة تعــاقب‬
‫بعقوبات الجرائم ‪.‬‬
‫) ‪ ( 6‬الدكتور السنهوري الذي تولى صياغة النصوص التي‬
‫تسمح بالفائدة فــي حــدود معينــة فــي القــوانين المدنيــة ‪:‬‬
‫المصري والسوري والليــبي والعراقــي عنــدما قــام بشــرح‬
‫هذه النصوص لم يسمح له احترامه للعقل والمنطق أن‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة النساء الية ‪161‬‬
‫يتجنــب تســمية الفــائدة باســمها وأن يخفــي طبيعتهــا ‪،‬‬
‫فوصفها بأنها ربا سمح به القانون على سبيل الستثناء مع‬
‫بقــاء اتجــاهه العــام فــي كراهيــة الربــا ‪ ،‬ومحاولــة تضــييق‬
‫دائرتــه ‪ ،‬ول بــد أن يقــارن القــارئ الــواعي هــذا التجــاه‬
‫للـدكتور الســنهوري باتجــاه بعـض إخواننــا الطيــبين الـذين‬
‫يفزعهم أن تسمى الفائدة باسمها ‪ ،‬ويزعجهم أن يواجهــوا‬
‫بأن الفائدة البنكية هي ربا النسيئة ‪ ،‬إن ربا النســيئة ليــس‬

‫‪909‬‬
‫مجال للرأي والجتهاد والخلف وإنما هو محــرم بالنصــوص‬
‫القاطعة الثبوت القاطعة الدللة كما هو محــرم بالجمــاع ‪،‬‬
‫وأنه إذا كان قد نقل عن بعض الصحابة الخلف في بعــض‬
‫النكحة الفاسدة كنكاح المتعــة أو نقــل عــن بعــض الئمــة‬
‫خلف في تحريم خمــر الشــعير أو التفــاح ‪ ،‬أو نقــل خلف‬
‫حول ربـا الفضــل أو بعــض المعــاملت الخــرى ؛ فــإنه لـم‬
‫ينقل عن أحد طوال ثلثة عشر قرنا خلف على تحريم ربا‬
‫النسيئة ‪ ،‬بل إن المة متفقة على أن تحريــم ربــا النســيئة‬
‫معلوم من الدين بالضرورة ‪ ،‬يكفر مستحله ‪ ،‬وإنــه إذا لــم‬
‫يتب مستحله من المسلمين بعد استتابته فيقتل مرتدا ‪.‬‬
‫) ‪ ( 7‬في الفترة الماضية وبسبب ظروف سياسية وثقافية‬
‫وغيرها ‪ ،‬سيطرت على المثقــف المســلم تصــورات مبنيــة‬
‫على الوهام عن نظام الفــائدة الربــوي ‪ ،‬ولكــن التاريــخ ل‬
‫يقف والحياة تمضي قدما ‪ ،‬والوهــام أعجــز مــن أن تثبــت‬
‫فــي مواجهــة الــوعي ‪ ،‬فهيــأ اللــه روادا عنــوا باكتشــاف‬
‫الحقائق وتقديمها وتقدمت كوكبة من صــالحي المســلمين‬
‫الــذين درســوا القتصــاد الرأســمالي فــي بلد الغــرب ‪،‬‬
‫واكتشــفوا أســراره ‪ ،‬وتحــرروا مــن رهبــة المجهــول ‪ ،‬ثــم‬
‫انصرفوا لموروثهم الثقافي ‪ ،‬فاكتشفوا إمكانيــات عظيمــة‬
‫كفيلة بأن يبني عليها العالم السلمي اقتصادا ناميا ســليما‬
‫إذا توفرت لديه القـدرة والجـرأة علـى النتفـاع بإمكانيـاته‬
‫المتاحة المادية والمعنوية ‪ .‬ثم قامت المؤسســات الماليــة‬
‫التطبيقيـــة ‪ -‬وكـــان مـــن المنتظـــر أن تـــواجه بالعقبـــات‬
‫والتجارب الفاشــلة ‪ -‬الــتي تــواجه عــادة مــن يشــق أرضــا‬
‫مجهولة جديدة ‪ ،‬ولكن الله الذي وعد من يتقيه بأن يجعــل‬
‫له من أمره يسرا ‪ ،‬ووعد من ينصره بالنصر ‪ ،‬هيأ‬
‫لها النجاح بقدر ما وفقت له من إخلص النية والقــوة فــي‬
‫الخــذ بالســباب الماديــة ‪ ،‬ولعــل مــن الملفــت للنظــر أن‬
‫التقارير الحصائية أثبتت بالرقام أن أكثر هذه المؤسسات‬
‫تحفظــا ودقــة فــي ممارســة الســاليب الســلمية كــانت‬
‫أعظمها توفيقا ونجاحا ‪.‬‬
‫) ‪ ( 8‬أثبتــت التجــارب الواقعيــة والكتابــات والحصــاءات‬
‫الحديثة أن نظام الفائدة الربوي ليس حجر الفلسفة الذي‬

‫‪910‬‬
‫يحول الرصاص إلى ذهــب ‪ ،‬وإن هــذا النظــام ليــس فقــط‬
‫عاجزا عن توفير الشروط لوجود اقتصاد نام مستقر سليم‬
‫بل إن هــذا النظــام فــي كــثير مــن الوقــات دمــر شــروط‬
‫ودعائم القتصاد ونموه واستقراره ‪.‬‬
‫) ‪ ( 9‬إن الفكرة التي اخترعها قبل أكثر من ‪ 35‬سنة دولة‬
‫الدكتور معروف الــدواليبي بــدافع ظــروف معينــة ‪ ،‬والــتي‬
‫تفترض إمكانية التفريق بين الفائدة في قروض الستهلك‬
‫والفــائدة عــن قــروض النتــاج أو الســتثمار ‪ ،‬باعتبــار أن‬
‫الولـــى تقتضـــي اســـتغلل المقـــرض للمقـــترض بخلف‬
‫الثانية ‪ ،‬هذه الفكرة بالرغم من ظهور بطلنهــا لمعارضــتها‬
‫للنصوص القاطعة والجماع الذي لم يفرق بين ربــا وربــا ‪،‬‬
‫فقد كشف رجال القانون منذ ظهور الفكرة أنهــا ل تســتند‬
‫إلى حقائق وإنما إلى أوهام ‪ ،‬فمن وجه واضح أن التفريق‬
‫بيــن قــروض الســتهلك وقــروض الســتثمار مــن الناحيــة‬
‫العملية مبني على معيار النية الباطنة ‪ ،‬وهذا المعيار يصلح‬
‫للتفريق في القضايا الخلقية ولكنه ل يصلح للتفريـق فــي‬
‫قضــايا المعــاملت ‪ ،‬إل إذا اتخــذت النيــة مظهــرا خارجيــا‬
‫يمكن الحكم عليه ‪ ،‬ومن وجه ثان فإن الستغلل ل يكــون‬
‫ملزما دائمــا لقــروض الســتهلك وانتفــاؤه ل يكــون لزمــا‬
‫دائمــا لقــروض النتــاج ‪ ،‬فمثل يمكــن أن يقــترض أحــد‬
‫المترفين تمويل شراء يخت للنزهــة ‪ ،‬ويمكــن أن يقــترض‬
‫مهني فقير لنشاء ورشة صغيرة يعتاش منها ‪ -‬فكمـا نــرى‬
‫‪ -‬القرض الول قرض استهلك والقرض الثاني قرض إنتاج‬
‫فهل يمكن عقل القــول بــأن المقــرض فــي القــرض الول‬
‫مــراب اســتغل حاجــة المقــترض ‪ ،‬وأن المقــرض الثــاني‬
‫ممول شريف لم يستغل حاجة المقترض ‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫إن هدف الورقة أن تحمل المثقف السعودي على مواجهة‬
‫الــذات وإثــارة الســئلة والتمــاس أجوبتهــا المبنيــة علــى‬
‫الحقــائق الموضــوعية ونتــائج المحاكمــة المنطقيــة ‪ ،‬وأن‬
‫يتحرر من العبودية للفكار الســائدة والتصــورات الشــائعة‬
‫المبنية على الوهم والخيار والتي كــل ســندها وســر قوتهــا‬
‫إلفها وغلبة انتشارها على الجمهوريـة ‪ ،‬قـد يعـذر المثقـف‬

‫‪911‬‬
‫السعودي في عجــزه عــن استشــراف المســتقبل ‪ ،‬ولكنــه‬
‫ليس معذورا عن أن يتعامى عن حقائق الحاضر وأن يصــر‬
‫على التشبث بأوهام الماضي ‪.‬‬
‫إن سمة هذا العصر الواضحة هي تسارع التغييــر والتطــور‬
‫فل مجال لمواكبــة الحيــاة لمــن يســتنيم لغلل التجاهــات‬
‫الدجماتية في أمر ل مجال للدجماتية فيه ‪.‬‬
‫إن التقدم ل يتم بنقل مظاهره من البلد المتقدمة ‪ ،‬وإنمــا‬
‫بالسيطرة على منهج التفكير وطريقته في البلد المتقدمة‬
‫‪ ،‬وبإدراك هذه البديهة ‪ :‬إن المقيــاس الــدقيق للتقــدم هــو‬
‫مدى القدرة على النتفاع بالمكانيات المتاحة سواء كــانت‬
‫مادية أم معنوية ‪ ،‬بل سواء كانت إيجابية أو سلبية ‪ ،‬إذ من‬
‫مظاهر التخلف الغربية أن بعض مشــكلت التخلــف يمكــن‬
‫حلهــا بــأن يتوقــف البلــد المتخلــف عــن خلــق المشــكلة ‪،‬‬
‫وتثبيتها على التخلف يعجزها ل عن النتفاع بإمكانية العمل‬
‫بل عن النتفاع بإمكانية عدم العمل ‪.‬‬
‫إن واجب المثقف السعودي المشغول بالتفكير في التقدم‬
‫القتصــادي لبلــده أن يلــح علــى نفســه بالســؤال ‪ ،‬هــل‬
‫اكتشفنا إمكانياتنا المتاحة المعنوية قبل المادية ‪ ،‬ومــا هــو‬
‫مــدى شـجاعتنا وقــدرتنا علـى النتفــاع بهـذه المكانيــات ‪،‬‬
‫والله المســتعان ‪ ،‬وصــلى اللــه علــى النــبي الكريــم الــذي‬
‫بتربيته تحول رجال الصحراء إلى قادة أخرجوا الناس فــي‬
‫بلد الحضارة من ضيق الدنيا إلى سعتها ‪ ،‬وقدموا إنجازات‬
‫مذهلة ‪ -‬بكل المعايير ‪ -‬في المجال القتصادي ل يمنع مــن‬
‫تقديرها حق قدرها إل الجهل بها ‪.‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬من أبواب الربا الشرعي السلم في الحيوان‬
‫مجلة البحوث السلمية ‪) -‬ج ‪ / 42‬ص ‪(33‬‬
‫ومن أبواب الربا الشرعي السلم في الحيوان ‪:‬‬
‫قال عمر رضي الله عنه إن من الربا أبوابا ل تخفى ‪ ،‬منها‬
‫السلم في السن ‪ ،‬ولم تكن العرب تعرف ذلــك ربــا فعلــم‬
‫أنه قال ذلك توقيفا فجملة ما اشتمل عليه اسم الربا فــي‬
‫الشرع النساء والتفاضل على شــرائط قــد تقــرر معرفتهــا‬
‫عند الفقهاء ‪ .‬والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه‬

‫‪912‬‬
‫وسلم ‪ » :‬الحنطة بالحنطة مثل مثل يدا بيــد والفضــل ربــا‬
‫والشعير بالشــعير مثل بمثــل يــدا بيــد والفضــل ربــا « )‪(1‬‬
‫وذكر اسم التمر والملح والذهب والفضــة فســمى الفضــل‬
‫في الجنس الواحد من المكيل والموزون ربا ‪ .‬وقال صلى‬
‫الله عليه وسلم في حديث أسامة بن زيد الــذي رواه عنــه‬
‫عبد الرحمن بن عباس ‪ » :‬إنمــا الربــا فــي النســيئة « )‪(2‬‬
‫وفي بعض اللفاظ ‪ » :‬ل ربا إل في النســيئة « )‪ (3‬فثبــت‬
‫أن اسم الربا في الشرع يقــع علــى التفاضــل تــارة وعلــى‬
‫النساء أخرى ‪ ،‬وقد كان ابــن عبــاس يقــول‪ :‬ل ربــا إل فــي‬
‫النســيئة ‪ ،‬ويجــوز بيــع الــذهب بالــذهب والفضــة بالفضــة‬
‫متفاضل ويذهب فيه إلى حديث أسامة بن زيد ثم لما تواتر‬
‫عنــده الخــبر عــن النــبي صــلى اللــه عليــه وســلم بتحريــم‬
‫التفاضل في الصناف الستة رجع عن قوله ‪ .‬قال جابر بن‬
‫زيد ‪ :‬رجع ابن عباس عن قوله في الصرف وعن قوله في‬
‫المتعة ‪ ،‬وإنما معنى حديث أسامة ‪ :‬النساء في الجنسين ‪،‬‬
‫كما روي في حديث عبادة بن الصامت وغيــره عــن النــبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أنــه قــال ‪ » :‬الحنطــة بالحنطــة مثل‬
‫بمثل يدا بيد « )‪ (4‬وذكر الصناف الستة ثم قال ‪ » :‬بيعوا‬
‫الحنطة بالشــعير كيــف شــئتم يــدا بيــد « )‪ (5‬وفــي بعــض‬
‫الخبار ‪ » :‬وإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم يــدا بيــد‬
‫« )‪ (6‬فمنع النساء في الجنســين مــن المكيــل والمــوزون‬
‫وأباح التفاضل ‪ ،‬فحديث أسامة بن زيد محمول على هذا ‪.‬‬
‫ومن الربا المراد بالية شراء ما يباع بأقـل مـن ثمنـه قبـل‬
‫نقد الثمن ‪ ،‬والدليل علــى أن ذلــك ربــا حــديث يــونس بــن‬
‫إسحاق عن أبيه عن أبي العالية‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1588‬سنن النسائي البيوع‬
‫)‪,(4559‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2255‬مســند أحمــد‬
‫بن حنبل )‪.(2/232‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1596‬سنن النسائي البيوع‬
‫)‪,(4581‬سنن ابن ماجه التجارات )‪,(2257‬سنن الــدارمي‬
‫البيوع )‪.(2580‬‬

‫‪913‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1596‬سنن النسائي البيوع‬
‫)‪,(4580‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2257‬مســند أحمــد‬
‫بن حنبل )‪,(5/209‬سنن الدارمي البيوع )‪.(2580‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1588‬سنن النسائي البيوع‬
‫)‪,(4559‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2255‬مســند أحمــد‬
‫بن حنبل )‪.(2/232‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1587‬سنن الترمذي البيوع‬
‫)‪,(1240‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4563‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3349‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2254‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪,(5/314‬سنن الدارمي البيوع )‪.(2579‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1587‬سنن الترمذي البيوع‬
‫)‪,(1240‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4563‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3349‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2254‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪.(5/320‬‬
‫قال‪ :‬كنت عند عائشة فقالت لها امرأة إني بعــت زيــد بــن‬
‫أرقم جارية لي إلى عطــائه بثمانمــائة درهــم وإنــه أراد أن‬
‫يبيعهــا فاشــتريتها منــه بســتمائة فقــالت ‪ :‬بئســما شــريت‬
‫وبئسما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قــد أبطــل جهــاده‬
‫مــع رســول اللــه صــلى اللــه عليــه وســلم إن لــم يتــب ‪،‬‬
‫فقالت ‪ :‬يا أم المؤمنين أرأيت إن لــم آخــذ إل رأس مــالي‬
‫مــا‬
‫ه َ‬‫ن َرب ّـهِ فَــان ْت ََهى فَل َـ ُ‬
‫مـ ْ‬ ‫عظ َـ ٌ‬
‫ة ِ‬ ‫مو ْ ِ‬‫جــاَءهُ َ‬
‫ن َ‬ ‫فقالت‪ } :‬فَ َ‬
‫مـ ْ‬
‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ { )‪ (1‬فدلت تلوتهـا ليـة الربـا عنـد‬ ‫سل َ َ َ‬
‫ف وَأ ْ‬ ‫َ‬
‫قولها " أرأيت إن لــم آخــذ إل رأس مــالي " أن ذلــك كــان‬
‫عندها من الربا وهذه التسمية طريقها التوقيف ‪ ،‬وقد روى‬
‫ابن المبارك عن حكم بن زريــق عــن ســعيد بــن المســيب‬
‫قال‪ :‬سألته عن رجل باع طعاما من رجل إلى أجــل فــأراد‬
‫الذي اشترى الطعام أن يــبيعه بنقــد مــن الــذي بــاعه منــه‬
‫فقال هو ربا ‪ ،‬ومعلــوم أنــه أراد شــراءه بأقــل مــن الثمــن‬
‫الول إذ ل خلف أن شـــراءه بمثلـــه أو أكـــثر منـــه جـــائز‬
‫فسمى سعيد بن المسيب ذلك ربا ‪.‬‬
‫وقد روي النهي عــن ذلــك عــن ابــن عبــاس والقاســم بــن‬
‫محمــد ومجاهــد وإبراهيــم والشــعبي وقــال الحســن وابــن‬

‫‪914‬‬
‫سيرين في آخرين ‪ :‬إن باعه بنقد جاز أن يشتريه فإن كان‬
‫باعه بنسيئة لم يشتره بأقل منه إل بعد أن يحل الجل ‪.‬‬
‫وروي عن ابن عمر أنه إذا باعه ثم اشتراه بأقل مــن ثمنــه‬
‫جاز ‪ ،‬ولم يذكر فيه قبض الثمن وجائز أن يكون مــراده إذا‬
‫قبض الثمن ‪ ،‬فدل قــول عائشــة وســعيد بــن المســيب أن‬
‫ذلك ربا فعلمنا أنهما لم يسمياه ربا إل توقيفــا إذ ل يعــرف‬
‫ذلك اسما له من طريق اللغة فل يسمى به إل من طريــق‬
‫الشرع ‪ ،‬وأسماء الشرع توقيف من النبي صلى الله عليــه‬
‫وسلم ‪ ،‬والله تعالى أعلم بالصواب ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫‪===============-‬‬
‫‪#‬ومن أبواب الربا الدين بالدين ‪:‬‬
‫وقد روى موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابــن‬
‫عمر عن النبي صلى اللــه عليــه وســلم ‪ » :‬أنــه نهــى عــن‬
‫الكالئ بالكالئ « وفي بعض اللفاظ ‪ :‬عــن الــدين بالــدين‬
‫وهما سواء ‪ ،‬وقال في حديث أسامة بن زيد ‪ » :‬إنما الربــا‬
‫في النسيئة « )‪ (1‬إل أنه في العقد عن الدين بالدين وأنــه‬
‫معفو عنه بمقدار المجلس؛ لنه جائز له أن يســلم دراهــم‬
‫في كر حنطة وهما دين بدين إل أنهما إذا افترقا قبل قبض‬
‫الدراهم بطــل العقــد وكــذلك بيــع الــدراهم بالــدنانير جــائز‬
‫وهما دينان وإن افترقا قبل التقابض بطل ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1596‬سنن النسائي البيوع‬
‫)‪,(4581‬سنن ابن ماجه التجارات )‪,(2257‬سنن الــدارمي‬
‫البيوع )‪.(2580‬‬
‫================‬
‫‪ #‬من أبواب الربا الوضع مقابل التعجيل‬
‫ومن أبواب الربا الذي تضمنت اليــة تحريمــه‪ :‬مــن أبــواب‬
‫الربا الوضع مقابل التعجيل‬
‫الرجل يكون عليه ألف درهــم ديــن مؤجــل فيصــالحه منــه‬
‫علــى خمســمائة حالــة فل يجــوز ‪ ،‬وقــد روى ســفيان عــن‬
‫حميد عن ميسرة قال‪ :‬سألت ابن عمر ‪ :‬يكــون لــي علــى‬

‫‪915‬‬
‫الرجل الــدين إلــى أجــل فــأقول عجــل لــي وأضــع عنــك ؟‬
‫فقال‪ :‬هو ربا ‪ ،‬وروي عن زيـد بـن ثـابت أيضـا النهـي عـن‬
‫ذلك ‪ ،‬وهو قول سعيد بن جــبير والشــعبي والحكــم ‪ ،‬وهــو‬
‫قول أصحابنا وعامة الفقهاء ‪ ،‬وقال ابــن عبــاس وإبراهيــم‬
‫النخعــي ‪ :‬ل بــأس بــذلك ‪ .‬والــذي يــدل علــى بطلن ذلــك‬
‫شيئان ‪ :‬أحــدهما تســمية ابــن عمــر إيــاه ربــا وقــد بينــا أن‬
‫أسماء الشرع توقيف ‪ ،‬والثاني أنه معلوم أن ربا الجاهليــة‬
‫إنما كان قرضا مؤجل بزيادة مشروطة فكانت الزيادة بدل‬
‫م‬‫ن ت ُب ْت ُـ ْ‬
‫من الجل فأبطله اللــه تعــالى وحرمــه وقــال‪ } :‬وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫ما ب َِق َ‬ ‫م { )‪ (1‬وقال تعالى‪ } :‬وَذ َُروا َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سأ ْ‬‫م ُرُءو ُ‬‫فَل َك ُ ْ‬
‫ن الّرَبا { )‪ (2‬حظر أن يؤخــذ للجــل عــوض فــإذا كــانت‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫عليه ألف درهم مؤجلة فوضع عنــه علــى أن يعجلــه فإنمــا‬
‫جعل الحط بحذاء الجل فكان هــذا هــو معنــى الربــا الــذي‬
‫نص الله تعالى على تحريمه ‪ ،‬ول خلف أنه لــو كــان عليــه‬
‫ألف درهم حالة فقال له أجلني وأزيدك فيها مائة درهــم ل‬
‫يجوز ؛ لن المائة عوض من الجل ‪ ،‬كذلك الحط‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪279‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة الية ‪278‬‬
‫فــي معنــى الزيــادة إذ جعلــه عوضــا مــن الجــل وهــذا هــو‬
‫الصل في امتناع جواز أخذ البدال عن الجال ولذلك قــال‬
‫أبو حنيفة فيمن دفع إلى خياط ثوبا فقال ‪ :‬إن خطته اليوم‬
‫؛ فلــك درهــم ‪ ،‬وإن خطتــه غــدا فلــك نصــف درهــم ‪ -‬أن‬
‫الشرط الثاني باطل فإن خــاطه غــدا فلــه أجــر مثلــه لنــه‬
‫جعل الحط بحذاء الجل والعمل فــي الوقــتين علــى صــفة‬
‫واحدة فلم يجزه ؛ لنه بمنزل بيع الجل على النحــو الــذي‬
‫بيناه ‪.‬‬
‫ومن أجــاز مــن الســلف إذا قــال ‪ :‬عجــل لــي وأضــع عنــك‬
‫فجائز أن يكون أجازوه إذا لم يجعلــه شــرطا فيــه ‪ ،‬وذلــك‬
‫بأن يضع عنه بغير شرط ‪ ،‬ويعجل الخر الباقي بغير شرط‬
‫‪ ،‬وقد ذكرنا الدللة على أن التفاضل قد يكون ربــا ‪ ،‬علــى‬
‫حسب ما قال النبي صلى الله عليه وســلم فــي الصــناف‬
‫الستة ‪ ،‬وأن النساء قد يكون ربا في البيع بقوله صلى الله‬

‫‪916‬‬
‫عليه وسلم‪ » :‬وإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شــئتم يــدا‬
‫بيــد « )‪ (1‬وقــوله‪ » :‬إنمــا الربــا فــي النســيئة « )‪ (2‬وأن‬
‫السلم في الحيوان قد يكون ربا بقوله ‪ » :‬إنمــا الربــا فــي‬
‫النسيئة « )‪ (3‬وقوله ‪ » :‬إذا اختلف النوعــان فــبيعوا كيــف‬
‫شئتم يدا بيد « )‪ (4‬وتسمية عمر إياه ربا ‪ ،‬وشراء مــا بيــع‬
‫بأقل من ثمنه قبل نقد الثمن لما بينا ‪ .‬وشرط التعجيل مع‬
‫الحــط ‪ ،‬وقــد اتفــق الفقهــاء علــى تحريــم التفاضــل فــي‬
‫الصناف الستة التي ورد بهــا الثــر عــن النــبي صــلى اللــه‬
‫عليه وسلم من جهات كثيرة ‪ ،‬وهو عندنا فـي حيـز التـواتر‬
‫لكثرة رواته واتفاق الفقهاء على استعماله ‪ ،‬واتفقوا أيضــا‬
‫في أن مضمون هذا النــص معنــي بــه تعلــق الحكــم يجــب‬
‫اعتباره في غيره ‪ ،‬واختلفوا فيه بعد اتفــاقهم علــى اعتبــار‬
‫الجنــس علــى الوجــوه الــتي ذكرنــا فيمــا ســلف مــن هــذا‬
‫البــاب ‪ ،‬وأن حكــم تحريــم التفاضــل غيــر مقصــور علــى‬
‫الصناف الستة ‪ .‬وقد قال قوم هم شذوذ عنــدنا ل يعــدون‬
‫خلفا أن حكم تحريم التفاضل مقصور على الصناف التي‬
‫ورد فيها التوقيف دون تحريم غيرها ‪.‬‬
‫ولما ذهب إليه أصحابنا في اعتبار الكيل والوزن دلئل من‬
‫الثر والنظر وقد ذكرناها في مواضع ‪ ،‬ومما يدل عليه من‬
‫فحــوى الخــبر قــوله‪ » :‬الــذهب بالــذهب مثل بمثــل وزنــا‬
‫بوزن ‪ ،‬والحنطة بالحنطة مثل بمثل كيل بكيل « )‪. (5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1587‬سنن الترمذي البيوع‬
‫)‪,(1240‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4563‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3349‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2254‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪.(5/320‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1596‬سنن النسائي البيوع‬
‫)‪,(4581‬سنن ابن ماجه التجارات )‪,(2257‬سنن الــدارمي‬
‫البيوع )‪.(2580‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1596‬سنن النسائي البيوع‬
‫)‪,(4581‬سنن ابن ماجه التجارات )‪,(2257‬سنن الــدارمي‬
‫البيوع )‪.(2580‬‬

‫‪917‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1587‬سنن الترمذي البيوع‬
‫)‪,(1240‬ســنن النســائي الــبيوع )‪,(4563‬ســنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3349‬سنن ابن مــاجه التجـارات )‪,(2254‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪.(5/320‬‬
‫)‪ (5‬صـــحيح البخـــاري الـــبيوع )‪,(2067‬صـــحيح مســـلم‬
‫المساقاة )‪,(1584‬ســنن الترمــذي الــبيوع )‪,(1241‬ســنن‬
‫النسائي البيوع )‪,(4565‬موطأ مالك البيوع )‪.(1324‬‬
‫فأوجب استيفاء المماثلة بالوزن في الموزون وبالكيل في‬
‫المكيل فــدل ذلــك علــى أن العتبــار فــي التحريــم الكيــل‬
‫والوزن مضموما إلى الجنس ‪ .‬ومما يحتج به المخالف من‬
‫ْ‬
‫ن ي َـأك ُُلو َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬‫الية على اعتبار الكــل قــوله عــز وجــل‪ } :‬ال ّـ ِ‬
‫ن‬‫مـ َ‬
‫ن ِ‬ ‫ش ـي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ه ال ّ‬‫خب ّط ُـ ُ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي ي َت َ َ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬
‫ما ي َُقو ُ‬ ‫الّرَبا َل ي َُقو ُ‬
‫مو َ‬
‫س { )‪ (1‬وقوله تعالى } َل ت َأ ْك ُُلوا الّرب َــا { )‪ (2‬فــأطلق‬ ‫م ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫اسم الربا على المأكول ‪ ،‬قالوا فهذا عموم في إثبات الربا‬
‫في المأكول ‪ ،‬وهذا عندنا ل يدل على ما قالوا من وجوه‪:‬‬
‫أحــدها ‪ :‬مــا قــدمنا مــن إجمــال لفــظ الربــا فــي الشــرع‬
‫وافتقــاره إلــى البيــان فل يصــح الحتجــاج بعمــومه ‪ ،‬وإنمــا‬
‫يحتاج إلى أن يثبت بدللة أخرى أنه ربا حتى يحرمه باليــة‬
‫ول يأكله ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن أكثر ما فيه إثبات الربا في مأكول وليس فيــه‬
‫أن جميع المأكولت فيها ربا ونحن قد أثبتنا الربا فــي كــثير‬
‫من المأكولت ‪ ،‬وإذا فعلنا ذلـك فقـد قضـينا عهـدة اليـة ‪،‬‬
‫ولما ثبت بما قدمنا من التوقيف والتفاق على تحريــم بيــع‬
‫ألف بألف ومائة كما بطل بيع ألف بألف إلى أجــل فجــرى‬
‫الجل المشروط مجرى النقصان في المال وكــان بمنزلــة‬
‫بيع ألف بألف ومائة وجب أن ل يصــح الجــل فــي القــرض‬
‫كما ل يجوز قرض ألف بألف ومائة إذ كــان نقصــان الجــل‬
‫كنقصان الوزن وكان الربـا تـارة مــن جهـة نقصــان الـوزن‬
‫وتارة من جهة نقصان الجل وجب أن يكون القرض كذلك‬
‫‪ ،‬فإن قال قائل ليس القرض في ذلك كــالبيع ؛ لنــه يجــوز‬
‫له مفارقته في القرض قبل قبض البدل ول يجوز مثله في‬
‫بيع ألف بألف ‪ .‬قيل له إنما يكــون الجــل نقصــانا إذا كــان‬

‫‪918‬‬
‫مشروطا فأما إذا لم يكــن مشــروطا فــإن تــرك القبــض ل‬
‫يوجب نقصا في أحد المالين ‪ ،‬وإنما بطل‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية ‪275‬‬
‫)‪ (2‬سورة آل عمران الية ‪130‬‬
‫البيع لمعنى آخر غير نقصان أحدهما عــن الخــر ‪ ،‬أل تــرى‬
‫أنه ل يختلف الصنفان والصنف الواحد في وجوب التقابض‬
‫في المجلس ؛ أعنـي الـذهب بالفضـة مـع جـواز التفاضـل‬
‫فيهما ‪ ،‬فعلمنــا أن المــوجب لقبضــهما ليــس مــن جهــة أن‬
‫ترك القبض موجب للنقصان في غير المقبــوض ‪ ،‬أل تــرى‬
‫أن رجل لو باع من رجل عبدا بألف درهم ولم يقبض ثمنــه‬
‫سنين جاز للمشتري بيعــه مرابحــة علــى ألــف ‪ ،‬ولــو كــان‬
‫باعه بألف إلى شهر ثم حل الجل لم يكن للمشتري بيعــه‬
‫مرابحــة علــى ألــف حالــة حــتى يــبين أنــه اشــتراه بثمــن‬
‫مؤجل ‪ ،‬فدل ذلك علــى أن الجــل المشــروط فــي العقــد‬
‫يوجب نقصا في الثمن ‪ ،‬ويكون بمنزلة نقصان الوزن فــي‬
‫الحكم ‪ ،‬فإذا كان كذلك فالتشبيه بين القــرض والــبيع مــن‬
‫الوجه الذي ذكرنا صــحيح ل يعــترض عليــه هــذا الســؤال ‪،‬‬
‫ويدل على بطلن التأجيل فيه قول النبي صلى اللــه عليــه‬
‫وسلم‪ » :‬إنما الربا في النسيئة « )‪ (1‬ولم يفرق بين البيع‬
‫والقرض فهو على الجميع ‪ ،‬ويدل عليه أن القرض لما كان‬
‫تبرعــا ل يصــلح إل مقبوضــا ‪ ،‬أشــبه الهبــة فل يصــح فيــه‬
‫التأجيل كما ل يصح في الهبة ‪ ،‬وقد أبطل النبي صلى اللــه‬
‫عليه وسلم التأجيل فيها بقوله ‪ » :‬من أعمر عمــرى فهــي‬
‫له ولورثته من بعده « )‪ (2‬فأبطل التأجيل المشروط فــي‬
‫الملــك ‪ ،‬وأيضــا فــإن قــرض الــدراهم عاريتهــا ‪ ،‬وعاريتهــا‬
‫قرضها ؛ لنها تمليك المنافع إذ ل يصــل إليهــا إل باســتهلك‬
‫عينها ‪ ،‬ولذلك قال أصــحابنا ‪ :‬إذا أعــاره دراهــم فــإن ذلــك‬
‫قرض ‪ ،‬ولذلك لــم يجيــزوا اســتيجار الــدراهم لنهــا قــرض‬
‫فكأنه استقرض دراهم على أن يرد عليه أكثر منهــا ‪ ،‬فلمــا‬
‫لم يصح الجل في العارية لم يصح في القرض ‪.‬‬
‫ومما يدل على أن قــرض الــدراهم عاريــة حــديث إبراهيــم‬
‫الهجري عن أبي الحوص عن عبد الله قــال‪ :‬قــال رســول‬

‫‪919‬‬
‫الله صلى الله عليه وســلم‪ » :‬تــدرون أي الصــدقة خيــر ؟‬
‫قالوا ‪ :‬الله ورسوله أعلم ‪ ،‬قــال ‪ :‬خيــر الصــدقة المنحــة ؛‬
‫أن تمنح أخاك الدراهم أو ظهر الدابة أو لبــن الشــاة ‪) « ،‬‬
‫‪ (3‬والمنحة هي العارية فجعل قرض الدراهم عاريتهــا ‪ ،‬أل‬
‫ترى إلى قوله في حديث آخر ‪ » :‬والمنحة مــردودة « )‪(4‬‬
‫فلما لم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم المساقاة )‪,(1596‬سنن النسائي البيوع‬
‫)‪,(4581‬سنن ابن ماجه التجارات )‪,(2257‬سنن الــدارمي‬
‫البيوع )‪.(2580‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم الهبات )‪,(1625‬سنن الترمذي الحكــام‬
‫)‪,(1350‬سـنن النسـائي العمــرى )‪,(3747‬سـنن أبــو داود‬
‫البيوع )‪,(3551‬سـنن ابــن مــاجه الحكــام )‪,(2380‬مســند‬
‫أحمد بن حنبل )‪,(3/386‬موطأ مالك القضية )‪.(1479‬‬
‫)‪ (3‬مسند أحمد بن حنبل )‪.(1/463‬‬
‫)‪ (4‬سنن الترمذي الوصايا )‪,(2120‬سنن أبو داود البيوع )‬
‫‪,(3565‬سنن ابن ماجه الحكام )‪.(2398‬‬
‫يصــح التأجيــل فــي العاريــة لــم يصــح فــي القــرض وأجــاز‬
‫الشــافعي التأجيــل فــي القــرض وبــالله التوفيــق ومنــه‬
‫العانة ‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪920‬‬
‫الفهرس العام‬
‫‪..................................................................87‬المسألة الرابعة عشرة‪ :‬قرض البنك بفوائد سنوية‪:‬‬

‫‪921‬‬

You might also like