You are on page 1of 896

‫)المفصل في أحكام الربا )‪5‬‬

‫الباب الخامس‬
‫فتاوى وبحوث معاصرة حول الربا‬
‫وأحكامه‬
‫)‪(4‬‬

‫جمع وإعداد‬
‫الباحث في القرآن والسنة‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫‪#‬الحداث المعاصرة في ضوء السنن الربانية‬


‫‪1/2‬‬
‫الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل‬
‫‪7/1/1426‬‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بالله من‬
‫شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل‬
‫للله‪ ،‬ومللن يضلللل فل هللادي للله‪ ،‬ونشللهد أن ل إللله إل الللله‬
‫وحده ل شريك له وأن محمد عبللده ورسللوله _صلللى الللله‬
‫عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرًا_ أما بعد‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫فعمل ً بللواجب النصللح لللله ‪ -‬عللز وجللل ‪-‬ولكتللابه ولرسللوله‬
‫_صلللى الللله عليلله وسلللم_ ولئمللة المسلللمين وعللامتهم؛‬
‫أتللوجه ببعللض الوصللايا إلللى المسلللمين فللي كللل مكللان‪،‬‬
‫والدافع إلى توجيهها ما تمر به المة السلللمية اليللوم مللن‬
‫محنلللة عصللليبة وخطلللر داهلللم ملللن قبلللل أعلللداء المللللة‬
‫والمسلللمين بقيللادة طللاغوت العصللر المتغطللرس أمريكللا‬
‫وحلفائها‪ ،‬والذين رموا المة المسلللمة عللن قللوس واحللدة‬
‫يريدون بها الشر ومزيدا ً من التفتت والتفللرق والنيللل مللن‬
‫دينها ودعاتها وثرواتها وتغريبها وإقصاء مللا بقللي فيهللا مللن‬
‫شرائع الدين وشعائره‪ ،‬وهذا تأويل قوله _صلى الللله عليلله‬
‫وسلم_‪" :‬يوشك أن تداعى المم عليكم كما تداعى الكلللة‬
‫إلى قصعتها‪ .‬قالوا‪ :‬أمن قلللة نحللن يللومئذ‪ .‬قللال‪ :‬بللل أنتللم‬
‫يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السلليل‪ ،‬ولينزعللن الللله مللن‬
‫صدور عدوكم المهابة منكم‪ ،‬وليقذفن في قلوبكم الللوهن‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وما الوهن يا رسول الله؟ قال‪ :‬حب الدنيا وكراهيللة‬
‫الموت"‪.‬‬
‫معاشر المسلمين‪:‬‬
‫لقد اقتضت حكمة الله ‪ -‬عز وجل ‪-‬أن يوجللد الصللراع بيللن‬
‫الحق والباطل على هذه الرض منللذ أن ُأهبللط آدم _عليلله‬
‫السلم_ وإبليس اللعين إلى الرض إلى أن تقوم السللاعة‪،‬‬
‫وقد جعل الله ل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ل لهذا الصراع والمدافعة سننا ً‬
‫ن‬‫ديل ً وَل َل ْ‬ ‫ت الل ّلهِ ت َب ْل ِ‬ ‫سلن ّ ِ‬‫جلد َ ل ِ ُ‬ ‫ن تَ ِ‬ ‫ثابتة ل تتغير ول تتبدل "فَل َ ْ‬
‫ل" )فللاطر‪ :‬مللن اليللة ‪ .(43‬ول تظهللر‬ ‫وي ً‬ ‫ح ِ‬‫ت الل ّهِ ت َ ْ‬ ‫سن ّ ِ‬‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫تَ ِ‬
‫هذه السنن إل لمن تدبر كتللاب الللله ‪ -‬عللز وجللل ‪-‬واهتللدى‬
‫ه‬
‫ك ل ِي َلد ّب ُّروا آي َللات ِ ِ‬ ‫مب َللاَر ٌ‬
‫ك ُ‬ ‫ب أ َن َْزل ْن َللاهُ إ ِل َي ْل َ‬‫بنللوره وهللداه "ك ِت َللا ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ص‪ ،(29 :‬ومللن سللنن الللله ‪ -‬عللز‬ ‫ب" ) ّ‬ ‫وَل ِي َت َذ َك َّر أول ُللو اْلل ْب َللا ِ‬
‫وجل ‪-‬في إهلكله للملم أو نجلاتهم فلي هلذا الصلراع؛ مللا‬
‫قصه الله _تعالى_ علينا في كتابه الكريم من إهلكه للمم‬
‫الكافرة وإنجائه لنبيللائه وأوليللائه الصللالحين‪ ،‬حيللث يلفللت‬
‫الله ‪ -‬عز وجل ‪-‬أنظار المؤمنين إلى سننه ‪ -‬عز وجل ‪-‬في‬
‫م‬ ‫ن قَب ْل ِك ُل ْ‬‫مل ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َل ْ‬‫الهلك والنجاء‪ ،‬بقللوله _تعللالى_‪" :‬قَ لد ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫ض َفللان ْظ ُُروا ك َْيلل َ‬ ‫سلليروا ِفللي اْل َ‬
‫ة‬
‫عاقَِبلل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كللا َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ن فَ ِ ُ‬ ‫سللن َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫ن" )آل عمران‪ .(137 :‬ومللن ذلللك قللوله _تعللالى_‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مك َذ ِّبي َ‬

‫‪2‬‬
‫بعد أن قلص علينلا قصلص بعلض أنبيلائه فلي سلورة هلود‬
‫كان من ال ُْقرون من قَبل ِك ُل ُ‬
‫ن‬ ‫ن ع َل ِ‬ ‫م أول ُللو ب َِقي ّلةٍ ي َن ْهَ لوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِ ِ ْ ْ‬ ‫ول َ َ ِ َ‬ ‫"فَل َ ْ‬
‫ال َْفساد في اْل َرض إّل قَِليل ً مم َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫م َوات ّب َلعَ ال ّل ِ‬ ‫من ْهُ ل ْ‬‫جي َْنا ِ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫ِ ّ ْ‬ ‫ْ ِ ِ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫ُ‬
‫ك‬ ‫ك ل ِي ُهِْللل َ‬ ‫ن َرّبلل َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫مي َ‬ ‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كاُنوا ُ‬ ‫ما أت ْرُِفوا ِفيهِ وَ َ‬ ‫موا َ‬ ‫ظ َل َ ُ‬
‫َ‬
‫ن" )هود‪ ،(117 ،116 :‬وقوله‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫م َْ‬ ‫ال ُْقَرى ب ِظ ُل ْم ٍ وَأهْل َُها ُ‬
‫ك مغَيلرا ً ن ِعمل ً َ‬
‫مَهلا‬ ‫ة أن ْعَ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫م َيل ُ ُ ّ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬ ‫_‪ -‬عز وجل ‪" :_-‬ذ َل ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م"‬ ‫ميعٌ عَِليل ٌ‬ ‫سل ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّل َ‬ ‫م وَأ ّ‬ ‫سه ِ ْ‬ ‫ما ب ِأن ُْف ِ‬ ‫حّتى ي ُغَي ُّروا َ‬ ‫عََلى قَوْم ٍ َ‬
‫)النفال‪.(53 :‬‬
‫يقول المام ابن كثير _رحمه الله تعالى_‪" :‬يخلبر _تعللالى_‬
‫عن تمام عدله وقسطه فللي حكملله بللأنه _تعللالى_ ل يغيللر‬
‫نعمة أنعمها على أحد إل بسبب ذنب ارتكبه" ا‪.‬هللل‪ .‬ويقللول‬
‫المام ابن القيم _رحمه الله تعالى_ أيضا ً عنللد هللذه اليللة‪:‬‬
‫"فأخبر الله _تعالى_ أنه ل يغير النعمة التي أنعم بها علللى‬
‫أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه فيغيللر طاعللة الللله‬
‫بمعصيته‪ ،‬وشكره بكفره وأسباب رضاه بأسللباب سللخطه‪،‬‬
‫غير عليه جزاًء وفاقًا‪ ،‬وما ربك بظلم للعبيد‪ ،‬فإن‬ ‫فإذا غَّير ّ‬
‫غّير المعصية بالطاعة غي ّللر الللله العقوبللة بالعافيللة‪ ،‬والللذل‬
‫حّتى ي ُغَّيللُروا‬ ‫ما ب َِقوْم ٍ َ‬ ‫ه ل ي ُغَي ُّر َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫بالعز وقال _تعالى_‪" :‬إ ِ ّ‬
‫ما بأ َنُفسهم وإ َ َ‬
‫مللا ل َهُ ل ْ‬
‫م‬ ‫ه وَ َ‬ ‫مَرد ّ ل َ ُ‬ ‫سوءا ً َفل َ‬ ‫ه ب َِقوْم ٍ ُ‬ ‫ذا أَراد َ الل ّ ُ‬ ‫َ ِ ْ ِ ِ ْ َِ‬
‫ل" )الرعد‪ :‬من الية ‪.(11‬‬ ‫ن َوا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫دون ِهِ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫‪ ...‬فما زالت عن العبد نعمة إل بذنب‪ ،‬وما حللت بله نقملة‬
‫إل بذنب‪ ،‬كما قال علي بن أبي طالب _رضي الللله عنلله_‪:‬‬
‫"مللا نللزل بلء إل بللذنب ول رفللع إل بتوبللة"‪ .‬وقللد قللال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْل ِ‬ ‫سلب َ ْ‬ ‫مللا ك َ َ‬ ‫صلليب َةٍ فَب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫مل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫صللاب َك ُ ْ‬‫ما أ َ‬ ‫_تعالى_‪" :‬وَ َ‬
‫ر" ]الشورى‪ ([30 :‬ا‪.‬هل )الجواب الكافي ص‬ ‫ن ك َِثي ٍ‬ ‫وَي َعُْفو عَ ْ‬
‫‪.(105‬‬
‫نحللن علللى خطللر وشلليك ول ينقللذنا منلله إل أن نفللر مللن‬
‫معصية الله إلى طاعته‪ ،‬ومن أسباب سخطه إلللى أسللباب‬
‫رضاه فل نجاة لنا منه إل إليه _سبحانه_‬
‫وقال في موطن آخر‪ " :‬ومن عقوباتهللا – أي‪ :‬المعاصللي –‬
‫أنها تزيل النعم الحاضرة‪ ،‬وتقطللع النعللم الواصلللة‪ ،‬فتزيللل‬
‫الحاصل وتمنع الواصل‪ ،‬فإن نعم الله مللا حفللظ موجودهللا‬
‫بمثل طاعته‪ ،‬ول استجلب مفقدوها بمثل طاعته‪ ،‬فللإن مللا‬

‫‪3‬‬
‫عنده ل ينال إل بطاعته‪ ،‬وقللد جعللل الللله _سللبحانه_ لكللل‬
‫شيء سببا ً وآفة‪ ،‬سببا ً يجلبه‪ ،‬وآفة تبطللله‪ ،‬فجعللل أسللباب‬
‫نعمه الجالبة لها طاعته‪ ،‬وآفتها المانعة منها معصيته‪ ،‬فللإذا‬
‫أراد حفظ نعمته على عبللده ألهمله رعايتهلا بطلاعته فيهلا‪،‬‬
‫وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها‪.‬‬
‫ومن العجيب علم العبد بذلك مشاهدة في نفسلله وغيللره‪،‬‬
‫وسماعا ً لما غاب عنه من أخبار من أزيلت نعم الله عنهللم‬
‫بمعاصيه‪ ،‬وهو مقيم على معصية الله‪ ،‬كللأنه مسللتثنى مللن‬
‫هذه الجملة أو مخصوص من هذا العموم‪ ،‬وكأن هذا المللر‬
‫جار على الناس ل عليه‪ ،‬وواصل إلى الخلللق ل إليلله‪ ،‬فللأي‬
‫جهل أبلغ من هذا؟ وأي ظلم للنفس فوق هذا فالحكم لله‬
‫العلي الكبير" ا‪.‬هل )الجواب الكافي ص‪( 145:‬‬
‫أيها المسلمون‪:‬‬
‫إن الله ل سبحانه وتعالى ل ليس بينه وبين أحللد مللن خلقلله‬
‫نسب إل طللاعته‪ ،‬وسللننه _سللبحانه_ فللي المعرضللين عللن‬
‫طللاعته معروفللة ومطللردة‪ ،‬قللال _تعللالى_‪" :‬وَل ََقلد ْ أ َهْل َك ْن َللا‬
‫ر" )القمللر‪ ،(51:‬وقللال _سللبحانه_‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫مد ّك ِ‬
‫ن ُ‬‫م ْ‬‫ل ِ‬‫م فَهَ ْ‬‫شَياعَك ُ ْ‬ ‫أَ ْ‬
‫خير من ُأول َئ ِك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ر" )القمر‪:‬‬ ‫م ل َك ُ ْ‬
‫م ب ََراَءةٌ ِفي الّزب ُ ِ‬ ‫مأ ْ‬‫ْ‬ ‫م َ ٌْ ِ ْ‬ ‫"أك ُّفاُرك ُ ْ‬
‫‪ ،(43‬فما أهون الخلللق علللى الللله ‪ -‬عللز وجللل‪-‬إذا بللارزوه‬
‫بالمعصية‪ .‬عن عبد الرحمللن بللن جللبير بللن نفيللر عللن أبيلله‬
‫قال‪ :‬لما فتحت قبرص ٌفرق بين أهلها‪ ،‬فبكى بعضهم إلللى‬
‫بعض‪ .‬فرأيت أبا الدرداء جالسا ً وحده يبكي‪ ،‬فقلت‪ :‬يللا أبللا‬
‫الدرداء ما يبكيك في يللوم أعللز اللله فيلله السلللم وأهلله؟‬
‫فقال‪ :‬ويحك يا جبير‪ ،‬ما أهون الخلق على الله ‪ -‬عز وجللل‬
‫‪-‬إذا أضاعوا أمره‪ :‬بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك‪،‬‬
‫تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى‪.‬‬
‫أيها المسلمون‪:‬‬
‫إن المللة تمللر بنازلللة عظيمللة وأيللام عصلليبة‪ ،‬فهللي علللى‬
‫ضعفها وذلهللا ومهانتهللا‪ ،‬قللد سلللط الللله _سللبحانه_ عليهللا‬
‫أعداءها من اليهود والصللليبيين والمنللافقين وأجلبللوا عليهللا‬
‫بخيلهم ورجلهم وطائراتهم وأساطيلهم‪ .‬فهم من كل حدب‬
‫ينسلون‪ ،‬وأحاطوا بهللا إحاطللة السللوار بالمعصللم يريللدونها‬
‫ب‬‫غال ِ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫في دينها وثرواتها وتمزيق ما بقي من وحدتها "َوالل ّ ُ‬

‫‪4‬‬
‫ن" )يوسف‪ :‬من الية‬ ‫مو َ‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ن أ َك ْث ََر الّنا‬
‫مرِهِ وَل َك ِ ّ‬
‫َ‬
‫عََلى أ ْ‬
‫‪" ،(21‬ومللا ظ َل َمهللم الّللله ول َكلل َ‬
‫ن" )آل‬ ‫مللو َ‬‫م ي َظ ْل ِ ُ‬‫سللهُ ْ‬ ‫ن أن ُْف َ‬ ‫ُ َ ِ ْ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫عمران‪ :‬من الية ‪.(117‬‬
‫وإن الناظر إلى هذه الحداث الجسيمة والنوازل العظيمللة‬
‫الللتي أحللاطت بالمسلللمين اليللوم ل يسللتغرب حللدوثها ول‬
‫يفاجأ بها حينما يعتصم بكتاب الله ‪ -‬عز وجل ‪-‬وينطلق من‬
‫توجيهاته في ضوء سنن الللله ‪ -‬عللز وجللل ‪-‬الللتي ل تتبللدل؛‬
‫والتي أشرنا إلى بعضها فيما سبق‪ .‬ويكفللي أن ننظللر إلللى‬
‫أحوالنا ومدى قربها وبعدها عن الله ‪ -‬عز وجل ‪-‬لنللدرك أن‬
‫سنة الله ‪ -‬عز وجل ‪-‬في من أعرض عن طاعته وأمره قد‬
‫انعقدت أسللبابها علينللا‪ ،‬إل أن يرحمنللا الللله _عللز وجللل _‪،‬‬
‫ويرزقنا التوبة والنابة والستكانة والتضرع إليه _سبحانه_‪.‬‬
‫يا معشر المسلمين‪:‬‬
‫إن الخطللب جللد خطيللر‪ ،‬وإن عقللاب الللله ‪ -‬عللز وجللل ‪-‬ل‬
‫يستدفع إل بتوبة وإنابة‪ ،‬فالبدار البدار‪ ،‬فإن أسباب العقوبة‬
‫قد انعقدت‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله العلي العظيم‪ ،‬ولقد‬
‫رفع الله ‪ -‬عز وجل ‪-‬العذاب عن أمللة رأت بللوادره بتوبتهللا‬
‫وإيمانها ورجوعها إلى طاعة الللله ‪ -‬عللز وجللل ‪ -‬قللال الللله‬
‫م‬ ‫مان ُهَللا إ ِّل قَ لوْ َ‬‫ت فَن ََفعَهَللا ِإي َ‬ ‫من َ ْ‬
‫ةآ َ‬ ‫ت قَْري َ ٌ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ول َ‬ ‫_تعالى_‪" :‬فَل َ ْ‬
‫ة‬ ‫ي فِللي ال ْ َ‬
‫حي َللا ِ‬ ‫خ لْز ِ‬ ‫ب ال ْ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫م ع َل َ‬ ‫ش لْفَنا عَن ْهُ ل ْ‬ ‫مُنوا ك َ َ‬ ‫س لَ ّ‬
‫ما آ َ‬ ‫ُيون ُ َ‬
‫ن" )يونس‪.(98 :‬‬ ‫حي ٍ‬‫م إ َِلى ِ‬ ‫مت ّعَْناهُ ْ‬‫الد ّن َْيا وَ َ‬
‫إن أحوال المة وما حللل فيلله مللن معاصللي الللله _تعللالى_‬
‫ومساخطه لتنذر بالخطر‪ ،‬فلقد ضل كثير مللن النللاس عللن‬
‫أصل هذا الدين وأساسه المتين أل وهو التوحيللد والمللوالة‬
‫والمعاداة فيه‪ ،‬وأصبح الكفللرة المحللاربون يجوسللون خلل‬
‫الديار وتقدم لهم المعونات والتسهيلت لحرب المسلللمين‬
‫وأوذي أولياء الله ودعاته المصلحون مع أن في ذلك إيذانا ً‬
‫بالحرب من الله القللوي العزيللز‪ ،‬حيللث جللاء فللي الحللديث‬
‫القدسي "من عادى لي وليا ً فقد آذنتلله بللالحرب" وضللرب‬
‫الشللرك الكللبر مللن دعللاء المللوات والسللحر والشللعوذة‬
‫بأطنابه في أكثر بلد المسلمين‪ ،‬وأبعد شرع الله _تعللالى_‬
‫وحكمت قوانين البشر‪ ،‬وتسللاهل كللثير مللن النللاس بشللأن‬
‫الصلة والزكاة وهما أعظم أركان السلم بعد الشهادتين‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫ووقللع بعللض المسلللمين فللي عقللوق الوالللدين وقطيعللة‬
‫الرحام‪ ،‬وظلم العبللاد وفشللا الربللا الخللبيث فللي معللاملت‬
‫كثيرة بين المسلمين‪ ،‬ووقع بعض المسلللمين فللي تعللاطي‬
‫المسكرات والمخدرات‪ ،‬وكثر الغش في المعاملت‪ ،‬ووجد‬
‫بين المسؤولين من يبخس الناس حقوقهم ويأكل أملوالهم‬
‫بالباطل و يتعاطى الرشوة والتي لعن رسول الللله _صلللى‬
‫الله عليه وسلم_ السللاعي فيهللا ودافعهللا وآخللذها _ وكللثر‬
‫الفجللور فللي الخصللومات والللزور فللي الشللهادات‪ ،‬وبعللض‬
‫النساء يتساهلن بالحجاب‪ ،‬ويتبرجن بزينة الثيللاب‪ ،‬وانتشللر‬
‫الزنا والخبث وكثرة وسللائله الخبيثللة المللاكرة مللن قنللوات‬
‫ومجلت خليعة تدعو إلى الفاحشللة وتحببهللا فللي النفللوس‬
‫وتزينهللا‪ ،‬وامتلت بيللوت المسلللمين مللن الفضللائيات الللتي‬
‫تنشر العفللن والفسللاد‪ ،‬ول حللول ول قللوة إل بللالله العلللي‬
‫العظيم‪.‬‬
‫ولما سألت أم المؤمنين زينللب بنللت جحللش _رضللي الللله‬
‫عنها_ رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فقللالت‪ :‬أنهلللك‬
‫وفينا الصالحون؟ قال لهللا رسللول الللله _صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم_‪" :‬نعم إذا كثر الخبث" رواه البخاري‪ ،‬وما أصدق ما‬
‫قاله ابن القيم _رحمه الله تعالى_ على واقعنا اليللوم وهللو‬
‫يصف زمانه‪ ،‬فكيف لللو رأى زماننللا؟!!‪ .‬قللال _رحملله الللله‬
‫تعالى_‪" :‬لما أعللرض النللاس عللن تحكيللم الكتللاب والسللنة‬
‫والمحاكمة إليهما‪ ،‬واعتقدوا عدم الكتفاء بهما‪ ،‬عرض لهم‬
‫من ذلك فساد في فطرهم‪ ،‬وظلمة في قلوبهم‪ ،‬وكدر في‬
‫أفهامهم‪ ،‬ومحق في عقولهم‪ ،‬وعمتهم هذه المور وغلبللت‬
‫عليهم حتى ربى عليها الصغير‪ ،‬وهللرم عليهللا الكللبير‪ .‬فلللم‬
‫يروها منكرًا‪ ،‬فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البللدع مقللام‬
‫السنن والهوى مقام الرشد‪ ،‬والضلل مقام الهدى والمنكر‬
‫مقللام المعللروف والجهللل مقللام العلللم‪ ،‬والريللاء مقللام‬
‫الخلص‪ ،‬والباطللل مقللام الحللق‪ ،‬والكللذب مقللام الصللدق‪،‬‬
‫والمداهنة مقام النصيحة‪ ،‬والظلللم مقللام العللدل‪ ،‬فصللارت‬
‫الغلبللة لهللذه المللور‪ .‬اقشللعرت الرض وأظلمللت السللماء‬
‫وظهر الفساد في البر والبحر مللن ظلللم الفجللرة‪ ،‬وذهبللت‬
‫البركات وقلت الخيرات‪ ،‬وهزلت الوحوش وتكدرت الحياة‬

‫‪6‬‬
‫من فسق الظلملة وبكلى ضلوء النهلار وظلملة الليلل ملن‬
‫العمال الخبيثة والفعال الفظيعة‪ ،‬وشكا الكرام الكللاتبون‬
‫والمعقبات إلى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكللرات‬
‫والقبائح‪ ،‬وهذا والله منذر بسيل عذاب قللد انعقللد غمللامه‪،‬‬
‫ومؤذن بليل بلء قد ادلهم ظلمه‪ ،‬فاعزلوا عن طريق هللذا‬
‫السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابهللا مفتللوح‪،‬‬
‫وكأنكم بالباب وقد أغلق‪ ،‬وبالرهن وقد غلق‪ ،‬وبالجناح وقد‬
‫علق "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبللون" ]الفللوائد‬
‫ص ‪.[49‬‬
‫أيها المسلمون‪:‬‬
‫لقد ضرب الله ‪ -‬عز وجللل ‪ -‬لنللا فللي كتلابه الكريللم أمثللال ً‬
‫عظيمة لنتدبرها ونعقلها‪ .‬قال الله _تعالى_‪" :‬وت ِل ْ َ َ‬
‫ل‬ ‫مَثا ُ‬ ‫ك اْل ْ‬ ‫َ‬
‫ن" )العنكبللوت‪.(43 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ما ي َعِْقل َُها إ ِّل ال ْعَللال ِ ُ‬‫س وَ َ‬ ‫ضرِب َُها ِللّنا ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫ولنستمع إلى هذا المثل الذي ضربه الله ‪ -‬عز وجللل ‪-‬لمللن‬
‫كفر بأنعم الله ‪ -‬عز وجل ‪-‬وعاقبة مللن وقللع فللي معاصلليه‬
‫ه‬ ‫ب الّللل ُ‬ ‫ضللَر َ‬‫ولنتدبره حق التدبر‪ ،‬قال الله ‪ -‬عز وجل ‪" :-‬وَ َ‬
‫ْ‬
‫ل‬ ‫ن ك ُل ّ‬ ‫مل ْ‬ ‫ة ي َأِتيهَللا رِْزقُهَللا َرغَللدا ً ِ‬ ‫مط ْ َ‬
‫مئ ِن ّ ً‬ ‫ة ُ‬ ‫من َ ً‬
‫تآ ِ‬ ‫ة َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫مث َل ً قَْري َ ً‬‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جللوِع‬ ‫س ال ْ ُ‬‫ه ل َِبللا َ‬‫ذاقََهللا الّللل ُ‬‫ت ِبللأن ْعُم ِ الّلللهِ فَأ َ‬ ‫ن فَك ََفللَر ْ‬ ‫م َ‬
‫كللا ٍ‬ ‫َ‬
‫ن" )النحللل‪ .(112 :‬فهللذا المثللل‬ ‫ص لن َُعو َ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ف بِ َ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫َوال َ‬
‫وإن كان في أهل مكة الذين أشللركوا بللالله وكفللروا نعمللة‬
‫الللله _تعللالى_؛ إل أن العللبرة بعمللوم اللفللظ ل بخصللوص‬
‫السبب‪ ،‬وهذا إنذار وتحذير للمم التي تعيش في رغد مللن‬
‫العيش وأمن وسكينة؛ أنها إن كفرت بنعمة الللله _تعللالى_‬
‫وقابلتها بالمعصية والعراض فإن الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬يسلللبها‬
‫نعمة المن والمعيشة‪ ،‬ويذيقها مكان ذلك الجوع والخوف‪،‬‬
‫وخطر البتلء بالجوع والخوف ليس فللي ذاتهمللا فحسللب‪،‬‬
‫ولكن الخطر الحقيقي يكمن فيما يجرانه على الناس مللن‬
‫تنازلت رهيبة في الدين والعراض‪ .‬فكم مللن تللارك لللدينه‬
‫ومرخص لعرضه دافعه إلى ذلللك الجللوع والخللوف _عيللاذا ً‬
‫بالله_‪.‬‬
‫وهذه سنة إلهية إذا انعقدت أسللبابها وقعللت بالنللاس ولت‬
‫حين مناص‪ .‬وإن في التاريللخ لعللبرًا‪ ،‬ويكفللي أن نتللذكر مللا‬
‫حللل بالمسلللمين فللي بغللداد سللنة ‪ 656‬هللل‪ ،‬حينمللا اجتللاح‬

‫‪7‬‬
‫المغول التتر عاصمة السلم فللي ذلللك الللوقت ومللا جللرى‬
‫في هذا الهجوم من حوادث مريعة يقشعر لها جلد القللارئ‬
‫بعد هذه القلرون‪ ،‬فكيللف بمللن عاناهلا واصللطلى بحرهللا!!‬
‫وقارنوا أحوالنا اليوم بحلال المسللمين فلي ذلللك الزملان‪،‬‬
‫أعني زمن دخول التتر إلى بغداد‪ ،‬فهل نحن اليللوم أحسللن‬
‫حال ً منهم‪ ،‬حتى ننجو من خطر العداء الللذين أحللاطوا بنللا‬
‫من كل جانب؟؟ والجواب البدهي‪ :‬ل والله ‪ ،‬لسنا بأحسللن‬
‫حال ً منهللم‪ ،‬فواقعنللا المعاصللر ل يقللارن فللي سللوئه بللذلك‬
‫العصر‪ ،‬ومع ذلك سلللط الللله عليهللم الكفللرة المتوحشللون‬
‫الذين سفكوا الدماء وهتكللوا العللراض‪ ،‬وأفسللدوا الحللرث‬
‫َ‬
‫م‬
‫س له ُ ْ‬ ‫م وَل َك ِل ْ‬
‫ن ك َللاُنوا أن ُْف َ‬ ‫ه ل ِي َظ ْل ِ َ‬
‫مه ُ ل ْ‬ ‫ن الل ّل ُ‬
‫مللا ك َللا َ‬
‫والنسللل "وَ َ‬
‫ن" )العنكبوت‪ :‬من الية ‪.(40‬‬ ‫ي َظ ْل ِ ُ‬
‫مو َ‬
‫فيا أيها المسلمون بعامة‪:‬‬
‫نحللن علللى خطللر وشلليك ول ينقللذنا منلله إل أن نفللر مللن‬
‫معصية الله إلى طاعته‪ ،‬ومن أسباب سخطه إلللى أسللباب‬
‫رضاه فل نجاة لنا منه إل إليه _سبحانه_‪.‬‬
‫أيها الب والراعي المهمل لبيته ورعيته‪:‬‬
‫اتق الله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ول نللؤتى مللن قبلللك‪ ،‬تللب إلللى الللله‬
‫وأقلع عن مجاهرة لله ‪ -‬عز وجللل ‪ -‬بمعاصلليك‪ ،‬واعلللم أن‬
‫وجود أجهزة اللهو والفساد من التلفاز والقنوات الفضللائية‬
‫والمجلت الخليعة هي من المعاصي العظيمة التي تسخط‬
‫رب العالمين‪ ،‬فبادر إلى التوبللة منهللا وإخراجهللا مللن بيتللك‬
‫غير مأسوف عليها رجاء ثواب الله _تعالى_ وخوف عقابه‪،‬‬
‫مر أهلك بالصلة واصطبر عليها‪ ،‬وكن قللدوتهم فللي ذلللك‪،‬‬
‫وحث أبناءك على أدائها في جماعة وتفقدهم عليها‪.‬‬
‫اتق الله في نسائك ومحارمك وأحسن إليهللن بكللل وجللوه‬
‫الحسان‪ ،‬ومن أعظم ذلللك الحسللان إليهللن فللي تربيتهللن‬
‫وتأديبهن والحيلولة بينهن وبين ما حرم الللله ‪ -‬عللز وجللل ‪-‬‬
‫عليهن ملن السلفور والتلبرج والختلط المحلرم بالجلانب‬
‫مللن خللدم وسللائقين وأقللارب مللن غيللر المحللارم‪ ،‬وكللذا‬
‫إبعللادهن عمللا يفسللد دينهللن وأخلقهللن مللن أفلم سلليئة‬
‫وأغاني ماجنة وصواحب فاسقات‪.‬‬
‫أيها الباء المربون‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫ربوا أبناءكم وطلبكم على الجد والجتهاد وأعدوهم للجهاد‬
‫فللي سللبيل الللله _تعللالى_‪ ،‬واربطللوهم بالهللداف العاليللة‬
‫النبيلة ول تعلقوهم بالتوافه من المور والهللداف الدنيويللة‬
‫الهابطة والحياة المترفة‪ .‬أليس من المؤسف أل يوجد في‬
‫جو المنزل والمدرسللة – إل مللن رحللم الللله _تعللالى_ مللن‬
‫يقول للناشئة‪ :‬إن أمتكم تنتظركم‪ ،‬وإن لكم دورا ً في نشر‬
‫الخير والعلم والدعوة إلى التوحيللد وهدايللة النللاس _بللإذن‬
‫الله تعالى_‪ ،‬والجهاد في سبيله ‪ -‬عز وجللل ‪ ،-‬والللذود عللن‬
‫حمى المة وعقيدتها‪ ،‬إن هذا ممللا ينبغللي أن يقللال لبنائنللا‬
‫فل تقصروا فلي هلذا اللواجب فلالخطب جسليم‪ ،‬والخطلر‬
‫عظيم‪ ،‬فالمة تحتاجكم في كل وقت واليوم هي في أشللد‬
‫الحاجة إليكم فل تخيبوا آمالها‪.‬‬
‫فأنت أيها الب الكريم‪ ،‬وأنت أيها المدرس الناصح اللبيب‪،‬‬
‫وأنتم يا من ولكم الله مسللؤولية التربيللة ومناهجهللا اتقللوا‬
‫الللله فللي أبنللاء المسلللمين وأدوا الللواجب الللذي عليكللم؛‬
‫اغرسوا فللي قلللوب أبنللاء المللة كللل معللاني التوحيللد مللن‬
‫التوكللل علللى الللله ‪ -‬عللز وجللل ‪ -‬والتعلللق بلله _سللبحانه_‬
‫وموالة المؤمنين وبغض الكافرين‪ ،‬واستثمروا هذه النازلة‬
‫في تقوية عقيللدة الللولء والللبراء وبيللان خطللر أعللداء الللله‬
‫وأهدافهم الحقيقية؛ يقول الشيخ محمللد بللن عبللد الوهللاب‬
‫_رحمه الله تعللالى_‪ " :‬إن الللواجب علللى الرجللل أن يعلللم‬
‫عياله وأهل بيته الحب في الله والبغض في الله‪ ،‬والموالة‬
‫في الله والمعاداة فيه‪ ،‬مثل تعليم الوضوء والصلة؛ لنه ل‬
‫صحة لسلم المرء إل بصللحة الصلللة؛ ول صللحة لسلللمه‬
‫أيضا ً إل بصحة الموالة والمعاداة في الله " ا‪.‬هل‬
‫معاشر الباء والمربين‪:‬‬
‫اغرسوا في قلللوب الناشللئة الشللجاعة والقللدام‪ ،‬والجللرأة‬
‫عللللى العلللداء‪ ،‬واغرسلللوا فلللي قللللوبهم حلللب الجهلللاد‬
‫والستشهاد في سبيل الله‪ ،‬فالمة التي تربت على الجهاد‬
‫يخاف منها العداء وتصبح أمة قوية قاهرة ظاهرة‪ ،‬وكونوا‬
‫قدوة صالحة لهم في كل ما توجهونهم إليه مللن الفضللائل‪.‬‬
‫علقللوا أبنللاء المللة بتللاريخهم المشللرق‪ :‬تاريللخ الصللحابة‬
‫البطللال المجاهللدين الللذين رفعللوا رأس المللة‪ ،‬علمللوهم‬

‫‪9‬‬
‫سيرة نبينا الكريم محمد _صلى الله عليلله وسلللم_ أعظللم‬
‫قائد عرفه التاريخ وأعظم شخصية عرفتها المم المسلمة‬
‫والكافرة‪ ،‬والذي غير الله به مجرى التاريخ وأنقللذ بلله مللن‬
‫شاء من عباده من الظلمات إلى النور‪.‬‬
‫يا علماء المة ودعاتها‪:‬‬
‫إن أمتنا السلمية تمر هذه اليام بساعات حاسمة ونوازل‬
‫شديدة ومحن عظيمة لها ما بعدها‪ ،‬إن المللة تنطلللق مللن‬
‫كلمتكم ومواقفكم التي تبينون فيهللا الحللق للنللاس‪ ،‬فللأنتم‬
‫معقد المل فيها بعد الله ‪ -‬عز وجللل ‪ ،-‬وأنتللم الللذين ينيللر‬
‫الله بكم الطريق للناس إذا ادلهمت الخطوب‪ ،‬وأنتم الذين‬
‫أخذ الله عليكم الميثاق لتبينن الحللق للنللاس ول تكتمللونه‪،‬‬
‫فمن للمة في هذه الفتن والنوازل والزمات ومن لهللا إذا‬
‫اختلطت عليها المور وكللثر التلللبيس والتللدليس مللن قبللل‬
‫أعدائها من الكفار والمنافقين‪ .‬إنه ل ملجأ لها بعللد الللله إل‬
‫إليكم‪ ،‬فاتقوا الله وكونوا مللع الصللادقين‪ ،‬ول تللتركوا المللة‬
‫في حيرتها ول تسلموها لعدائها يسيرونها وفللق أهللوائهم‪،‬‬
‫خون ُللوا‬
‫وإن الله سائلكم عن علمكللم فيمللا عملتللم بلله "ل ت َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن" )النفللال‪:‬‬ ‫مللو َ‬‫م ت َعْل َ ُ‬‫م وَأن ْت ُل ْ‬‫ماَنات ِك ُ ْ‬
‫خوُنوا أ َ‬ ‫ل وَت َ ُ‬‫سو َ‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫من الية ‪(27‬‬
‫يا علماءنا الجلء‪:‬‬
‫إن المة تحتللاج إلللى سللماع قللولكم فيمللن يظللاهر الكفللار‬
‫ويناصللرهم بنفسلله أو سلللحه أو مللاله أو رأيلله أو يسللهل‬
‫عليهللم أي أمللر يعينهللم علللى قتللال المسلللمين‪ .‬إن المللة‬
‫محتاجة إلى سماع ملا كنتلم تقوللونه لطلبكلم فلي شلرح‬
‫كتب التوحيد واليمان وما يناقضلله‪ ،‬فللإذا سللكتم فللي مثللل‬
‫هذه النوازل عن بيان أصل الللدين ومللا يهللدمه فمللن يللبينه‬
‫للناس؟ )حقا ً إن أمانة العلم عظيمة وخطيرة(‪.‬‬
‫كما أن المة تنتظر بيللانكم فلي كشللف أهلداف الصللليبيين‬
‫الحاقدين على السلم وأهله‪ ،‬وأنهللم كمللا قللال الللله ‪ -‬عللز‬
‫ن‬
‫م ع َل ْ‬ ‫دوك ُل ْ‬
‫حت ّللى ي َُر ّ‬‫م َ‬ ‫ن ي َُقللات ُِلون َك ُ ْ‬‫وجل ‪ -‬عنهللم‪َ" :‬ول ي ََزال ُللو َ‬
‫عوا" )البقرة‪ :‬من الية ‪.(217‬‬ ‫طا ُ‬ ‫ست َ َ‬‫نا ْ‬‫م إِ ِ‬‫ِدين ِك ُ ْ‬
‫فالكفللار ل تكفيهللم التنللازلت مهمللا كللثرت إل أن يرتللد‬
‫المسلللمون عللن دينهللم‪ .‬فل تللتركوا أمللة السلللم للعلم‬

‫‪10‬‬
‫المضلل الفاسد الذي يبعد الناس عللن حقيقللة الكفللار فللي‬
‫حربهم ويحاول حصرها في أهللداف اقتصللادية أو يللردد مللا‬
‫يقوله الغلرب الكلافر بلأنهم يهلدفون إللى حلرب الرهلاب‬
‫وتخليص المنطقة من أسلحة الدمار الشامل!!‪.‬‬
‫يا دعاة المة من علماء ومتعلمين‪:‬‬
‫إن عليكم مسؤولية عظيمة فللي تثللبيت المللة _بللإذن الللله‬
‫تعللالى_ فللي مثللل هللذه الظللروف‪ ،‬وإحيائهللا مللن سللباتها‬
‫واستثمار هذه الحداث الكبيرة في إيقاظها وتقوية إيمانهللا‬
‫وتوحيدها وولئها وبرائهللا والقضللاء علللى اليللأس والحبللاط‬
‫الللذي قللد يتسللرب إلللى بعللض النفللوس فللي مثللل هللذه‬
‫الظللروف‪ ،‬والتأكيللد علللى أن النجللاة مللن الفتللن وتحقيللق‬
‫المن يكمن في قوة التوحيد وتخليصه من شوائب الشرك‬
‫ُْ‬ ‫م ي َل ْب ِ ُ‬‫مُنوا وَل َ ْ‬ ‫قال الله _تعالى_‪" :‬ال ّ ِ‬
‫م ب ِظل لم ٍ‬
‫مان َهُ ْ‬‫سوا ِإي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫ن" )النعام‪ .(82 :‬كمللا يكمللن‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬‫م ُ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫م ُ‬
‫َ‬
‫م اْل ْ‬ ‫ك ل َهُ ُ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫في قلوة التوكلل عللى اللله _تعلالى_ وإحسلان الظلن بله‬
‫ه" )الطلق‪:‬‬ ‫س لب ُ ُ‬ ‫ل عَل َللى الل ّلهِ فَهُ لوَ َ‬
‫ح ْ‬ ‫ن ي َت َوَك ّ ْ‬‫م ْ‬ ‫_سبحانه_ "وَ َ‬
‫ن" )هود‪ :‬من الية ‪.(49‬‬ ‫مت ِّقي َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬ ‫ن ال َْعاقِب َ َ‬ ‫من الية ‪ ،(3‬و "إ ِ ّ‬
‫يا دعاة المة والصلح‪:‬‬
‫َ‬
‫م" )النفللال‪ :‬مللن اليللة ‪،(1‬‬ ‫ت ب َي ْن ِك ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫حوا َ‬ ‫صل ِ ُ‬‫ه وَأ ْ‬ ‫"َفات ُّقوا الل ّ َ‬
‫م" )النفللال‪ :‬مللن اليللة‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ب ِري ُ‬ ‫شُلوا وَت َذ ْهَ َ‬ ‫عوا فَت َْف َ‬ ‫"َول ت ََناَز ُ‬
‫‪ ،(46‬واعلمللوا أن مللن أخطللر الدواء وأفتللك المللراض‬
‫التفرق وبخاصة في مثل هذه الظروف العصيبة التي رمانا‬
‫فيهللا العللداء عللن قللوس واحللدة‪ ،‬فمللا أشللد فللرح عللدونا‬
‫بخلفنا‪.‬‬
‫إنلله ل يجللوز بحللال أن نللوجه حرابنللا وخصللامنا إلللى بعللض‬
‫والعلللدو يسلللن سللللحه علينلللا جميعلللًا‪ ،‬فاللللدعاة جميعلللا ً‬
‫مستهدفون من الغللرب الكللافر وأذنللابه‪ ،‬ومللن العجللب أن‬
‫دعاة أهل السنة يتفقون في مواطن كثيرة والخلف بينهم‬
‫قليل ومع ذلللك يوقللف الشلليطان كللثيرا ً منهللم عنللد نقللاط‬
‫الخلف وينسيهم مللواطن التفللاق‪ ،‬فلنتعللاون فيمللا اتفقنللا‬
‫عليه وهو كثير وأهمه التفاق على وجود الخطللر وضللرورة‬
‫مواجهته وما اختلفنا عليه من مسائل الجتهاديللة فليناصللح‬
‫بعضنا بعضا فيها‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫معاشر المصلحين‪:‬‬
‫إنكم تمثلون – بإذن الله تعالى – صمام المان لهذه المة‪،‬‬
‫فبكم وبأمثالكم يدفع الله العقاب والعذاب عن العباد‪ ،‬قال‬
‫ك ال ُْقلَرى ب ِظ ُْللم ٍ وَأ َهْل َُهلا‬ ‫ك ل ِي ُهِْلل َ‬ ‫ن َرّبل َ‬‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫الله _تعالى_‪" :‬وَ َ‬
‫ن" )هود‪.(117 :‬‬ ‫حو َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫فكثفوا الدعوة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتربية‬
‫الناس على اليمان ونشر الخير ومحاربللة الفسللاد ودعللوة‬
‫الناس إلى التوبة الصادقة‪ ،‬وكونللوا علللى يقظللة تامللة فللي‬
‫مثل هلذه الظلروف مملا يحيكله أعلداء الملة ملن الكفلار‬
‫وأوليائهم المنافقين في انتهازهم لوقات الفتللن وانشللغال‬
‫الناس ليمرروا وينفذوا مخططاتهم الفاسدة في مجتمعات‬
‫المسلمين وبخاصة فيما يتعلللق بللالمرأة وسللبل إفسللادها‪،‬‬
‫فهذه عادة المنافقين في كللل زمللان ومكللان‪ ،‬وإنمللا ينجللم‬
‫نفللاقهم ويظهللر ويفتضللح خبثهللم أيللام الفتللن والنللوازل‬
‫والمحللن‪ ،‬فكونللوا علللى حللذر واقطعللوا عليهللم الطريللق‪،‬‬
‫وافضللحوهم وعرفللوهم للنللاس حللتى ل ينخللدعوا بهللم‪،‬‬
‫فالمنافقون في كل زمان ومكللان أوليللاء للكفللار وبخاصللة‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫م ت َلَر إ ِل َللى اّلل ِ‬‫اليهود والنصارى‪ ،‬قال الله _تعلالى_‪" :‬أَلل ْ‬
‫خوان ِهم ال ّذين ك ََفروا م َ‬
‫ب ل َئ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ل ال ْك َِتللا ِ‬‫ن أه ْ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ن ِل ِ ْ َ ِ ُ‬ ‫َنافَُقوا ي َُقوُلو َ‬
‫َ‬ ‫خرج لن معك ُلم ول نطي لع فيك ُل َ‬ ‫أُ ْ‬
‫ن‬ ‫حللدا ً أب َللدا ً وَإ ِ ْ‬
‫مأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ُ ِ ُ ِ‬ ‫م ل َن َ ْ ُ َ ّ َ َ‬ ‫جت ُل ْ‬‫خرِ ْ‬
‫ن" )الحشر‪.(11:‬‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬ ‫شهَد ُ إ ِن ّهُ ْ‬‫ه يَ ْ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫م ل َن َن ْ ُ‬
‫صَرن ّك ُ ْ‬ ‫ُقوت ِل ْت ُ ْ‬
‫أيها المسلمون‪:‬‬
‫إن المرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم خير وبركللة‬
‫على المة‪ ،‬فبهم يفتح الللله الخيللر والبركللات علللى النللاس‬
‫وبهللم يللدفع الللله الشللرور عللن المللة‪ ،‬وبهللم يرهللب الللله‬
‫العداء‪.‬‬
‫أل ما أشرف مهنتهم وما أكثر خيرهم وأثرهم على الناس‪،‬‬
‫فما أجدر المة أن تحبهم وتدعو لهم وتتعاون معهللم علللى‬
‫البر والتقوى وتكون معهم على أعدائهم وشانئيهم‪.‬‬
‫معاشر المسلمين‪:‬‬
‫إن أيللام الفتللن والنللوازل مظنللة لمزلللة القللدام وضلللل‬
‫الفهام وتحير العقول‪ ،‬وإن من أعظم ما يتسلللح بلله أمللام‬
‫هذه الفتن‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ -1‬دعللاء الللله ‪ -‬عللز وجللل ‪ -‬والتضللرع إليلله‪ :‬قللال الللله‬
‫ْ‬
‫عوا" )النعللام‪ :‬مللن‬ ‫ضلّر ُ‬ ‫سلَنا ت َ َ‬‫م ب َأ ُ‬ ‫جللاَءهُ ْ‬ ‫_تعالى_‪" :‬فَل َ ْ‬
‫ول إ ِذ ْ َ‬
‫الية ‪.(43‬‬
‫فالللدعاء سلللح عظيللم تسلللح بلله النبيللاء _عليهللم الصلللة‬
‫والسلم_ وأتباعهم من الصالحين‪ ،‬فلنجهد فيه للنفس‪.‬‬
‫للمسلمين وعلى الكافرين‪ ،‬وليحث النللاس عليلله وبخاصللة‬
‫كبار السن من الصالحين‬
‫قال رسول الله _صلى الله عليه وسلللم_‪" :‬هللل تنصللرون‬
‫وترزقون إل بضعفائكم" رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ -2‬العلللم بالشللرع والبصلليرة فللي الللدين‪ :‬فبللالعلم تللدفع‬
‫الشلللبهات ويلللزول اللبلللس‪ ،‬ول يتعلللرض العبلللد لخلللداع‬
‫المضللين‪ ،‬فإن لم يكن لدى المسلم علم يكفي فللالمتعين‬
‫عليه سؤال العلماء الربانيين الذين يجمعون بين‬
‫العلللم والتقللوى والللوعي بسللبيل المجرميللن‪ ،‬فبهللم تللدفع‬
‫الشبهات ويميز الله بهم الحق من الباطل‪.‬‬
‫‪ -3‬الجتهاد في العبادات‪ :‬ففي ذلك تثللبيت للعبللد وتوفيللق‬
‫له إلى الصواب والحفظ من الفتن بخلف الغافل المقصر‬
‫فإنه يخشى عليه أن تزل قللدمه‪ .‬قللال الللله ‪ -‬عللز وجللل ‪:-‬‬
‫شد ّ ت َث ِْبيتا ً‬‫م وَأ َ َ‬
‫خْيرا ً ل َهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ب ِهِ ل َ َ‬
‫كا َ‬ ‫ظو َ‬ ‫ما ُيوعَ ُ‬ ‫م فَعَُلوا َ‬
‫َ‬
‫"وَل َوْ أن ّهُ ْ‬
‫ص لَراطا ً‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ظيم لا ً وَل َهَ لد َي َْناهُ ْ‬‫جللرا ً عَ ِ‬ ‫ن ل َلد ُّنا أ ْ‬‫مل ْ‬
‫م ِ‬ ‫وَِإذا ً َلت َي ْن َللاهُ ْ‬
‫ست َِقيمًا" )النساء‪.(68-66 :‬‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫وقال رسول الله _صلى الله عليلله وسلللم_‪" :‬احفللظ الللله‬
‫ل‪ ،‬قللال‬ ‫يحفظك"‪ ،‬كما أن للعبادة وقلت الفتللن شللأنا ً وفضل ً‬
‫رسول الله _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬بادروا بالعمال فتنا ً‬
‫كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ً ويمسي كللافرا ً أو‬
‫يمسي مؤمنا ً ويصبح كللافرا ً يللبيع دينلله بعللرض مللن الللدنيا"‬
‫رواه مسلم ‪ .‬وقال _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬عبللادة فللي‬
‫الهللرج كهجللرة إلللي" رواه مسلللم وأحمللد ولفظلله عنللده‬
‫"العبادة في الفتنة كهجرة إلللي" قللال ابللن رجللب _رحملله‬
‫الله تعالى_ في شرحه لهذا الحديث في لطائف المعللارف‬
‫)وسبب ذلك أن الناس في زمللن الفتنللة يتبعللون أهللواءهم‬
‫فل يرجعون إلى دين‪ ،‬فيكون حالهم شبيها ً بحال الجاهليللة‪،‬‬
‫فإذا انفرد من بينهم مللن يتمسللك بللدينه ويعبللد ربلله ويتبللع‬

‫‪13‬‬
‫مراضيه ويجتنب مساخطه‪ ،‬كان بمنزلة من هاجر من بيللن‬
‫أهل الجاهلية إلى رسول الله _صلى الله عليلله وسلللم_" ا‬
‫هل‪.‬‬
‫‪ -4‬الحذر الحذر من العجلة والتسللرع أيللام الفتللن‪ ،‬ولللزوم‬
‫التؤدة في جميع المللور‪ ،‬فللالتؤدة خيللر كلهللا إل فللي أمللور‬
‫الخرة؛ وتتأكد في النوازل والفتن‪ ،‬فكم هللم الللذين أقللروا‬
‫بندمهم على تسرعهم وتعجلهم في أمر كان لهم فيه أنللاة‬
‫ولكن حين ل ينفع الندم‪ ،‬وممللا يعيللن علللى التللؤدة والنللاة‬
‫كللثرة المشللاورة لهللل العلللم الناصللحين وأهللل الللوعي‬
‫والتجربة‪ ،‬وعدم النفراد بالرأي في اتخاذ الموقللف‪ ،‬وممللا‬
‫له علقة بالعجلة أيام الفتن تطبيق أحاديث الفتن الللواردة‬
‫في آخر الزمان على واقع قائم أو نازلة تحللل بالمسلللمين‬
‫فإنه يحلو لبعض الناس المتعجلين مراجعة أحللاديث النللبي‬
‫_صلى الله عليه وسلللم_ فللي الفتللن وتنزيلهللا علللى واقللع‬
‫قائم وهذا خطأ وتعجل ل يحمد عقباه‪ ،‬كمثل ظللن بعضللهم‬
‫أن المهدي هو رجل من هذا الزمان سموه وعينوه ورتبللوا‬
‫على ذلك أفعال ً وأحكاما وكمللا فسللر بعضللهم قللول النللبي‬
‫_صلى الله عليه وسلم_‪" :‬إن الفتنة في آخر الزمان تكون‬
‫من تحت رجل من أهل بيتي" بأنه فلن بن فلن أو القللول‬
‫بأن تفسير حديث النبي _صلى الله عليلله وسلللم_ "يكللون‬
‫بينكم وبيللن الللروم صلللح آمللن‪ "...‬إلللى آخللر مللا جللاء فللي‬
‫الحديث من أخبار وأحداث هو ما يحصل فللي زماننللا وهللذا‬
‫التطللبيق لحللاديث الفتللن علللى الواقللع وبللث ذلللك فللي‬
‫المسلمين قبل حصول موجبات القطللع واليقيللن بلله ليللس‬
‫من منهج أهل السللنة والجماعللة فللإن السلللف علمونللا أن‬
‫أحاديث الفتن ل تنزل على واقع حاضر‪ ،‬وإنما يظهر صللدق‬
‫النبي _صلى الله عليه وسلللم_ بمللا أخللبر بلله مللن حللدوث‬
‫الفتللن بعللد حللدوثها وانقضللائها‪ .‬وأهللل السللنة والجماعللة‬
‫يذكرون الفتن وأحاديثها محذرين منها مباعدين للمسلمين‬
‫عن غشيانها أو القتراب منها‪ ،‬وشبيه بالعجلة فللي تفسللير‬
‫أحللاديث الفتللن العجلللة فللي تأويللل الللرؤى والتعلللق بهللا‬
‫والنطلق منها في اتخاذ المواقف والقيام بأعمال خطيللرة‬

‫‪14‬‬
‫بناء على الرؤى وهذا قد يكون من كيد الشليطان ومكلره‪،‬‬
‫فالصادق من الرؤى يستبشر به ول يعول عليه‪.‬‬

‫أيها العلميون في بلدان المسلمين‪:‬‬


‫إن أمتكم تمر بظللروف عصلليبة وحاسللمة وإن المسللؤولية‬
‫سللو َ‬
‫ل‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫خون ُللوا الل ّل َ‬ ‫عليكم عظيمة والمانة جسيمة "ل ت َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن" )النفال‪ :‬من الية ‪. (27‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ماَنات ِك ُ ْ‬‫خوُنوا أ َ‬ ‫وَت َ ُ‬
‫لقد أنعم الله عليكم بنعمة القلللم والبيللان‪ ،‬فاشللكروا الللله‬
‫على ذلك وسخروا ذلك في بيان الحلق للنللاس وتحلذيرهم‬
‫من الباطل‪ ،‬ول تلبسوا على الناس الحقللائق ول تضللللوهم‬
‫بتقليد العلم الكللافر وترديللد مللا يقللول ويلبللس؛ إنكللم إن‬
‫فعلتم ذلك فقد كفرتم نعمة الله عليكم وعصيتم أمر ربكم‬
‫وخنتم أماناتكم وأمتكم وتحملتم وزر من ضل بسببكم من‬
‫غير أن ينقص ذلك من أوزار الضالين شيئًا‪.‬‬
‫تجنبوا النفاق والكذب وقلب الحقللائق‪ ،‬فللإن الللله سللائلكم‬
‫ن‬ ‫مي ل َ‬
‫جرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب فَت َلَرى ال ْ ُ‬ ‫ضعَ ال ْك َِتا ُ‬ ‫ومحاسبكم عن ذلك كله "وَوُ ِ‬
‫بل‬ ‫ذا ال ْك ِت َللا ِ‬‫ل هَ ل َ‬ ‫مللا ِ‬‫ن ي َللا وَي ْل َت َن َللا َ‬ ‫ما ِفيهِ وَي َُقول ُللو َ‬ ‫م ّ‬‫ن ِ‬ ‫شِفِقي َ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫مُلللوا‬ ‫َ‬
‫مللا عَ ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫جلل ُ‬ ‫ها وَوَ َ‬‫صللا َ‬ ‫ح َ‬ ‫صللِغيَرةً َول ك َِبيللَرةً إ ِّل أ ْ‬ ‫ي َُغللادُِر َ‬
‫حدًا" )الكهف‪.(49 :‬‬ ‫َ‬
‫كأ َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ضرا ً َول ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫َ‬
‫وأنتم يا من ابتلكم الله بتوجيه العلم المللرئي مللن تلفللاز‬
‫وبث فضائي إلى المة‪ ..‬إن المة تشكوكم إلى بارئها ‪ -‬عز‬
‫وجل ‪ -‬وتعج إلللى الللله _تعللالى_ ممللا صللنعتم فللي إفسللاد‬
‫الدين والعراض والخلق‪ .‬فهل أنتللم منتهللون؟ وهللل أنتللم‬
‫مللدركون لعظيللم جرمكللم؟ اتقللوا الللله إن كنتللم مللؤمنين‪،‬‬
‫وانتبهوا لعظيم مللا تجرونلله مللن الفسللاد علللى أمتكللم‪ .‬إن‬
‫عدونا يحيط بنا من كل جانب‪ ،‬فهل يليق بنا والحالللة هللذه‬
‫أن نلهو ونلعب و نرقص ونغني؟؟ فللاتقوا الللله فللي دينكللم‬
‫ل‬‫م ت ُلوَّفى ك ُل ّ‬ ‫ن ِفيهِ إ َِلى الل ّلهِ ث ُل ّ‬ ‫جُعو َ‬ ‫وما ً ت ُْر َ‬ ‫وأمتكم "َوات ُّقوا ي َ ْ‬
‫ن" )البقرة‪.(281 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س َ‬‫ن َْف ٍ‬
‫هذا ما يسر الله لي كتابته في هللذا البحللث فمللا كللان فيلله‬
‫مللن صللواب فمللن الللله وحللده وبتللوفيقه وللله علللي المللن‬
‫والفضللل‪ ،‬ومللا كللان فيلله مللن خطللأ فمللن نفسللي ومللن‬

‫‪15‬‬
‫الشيطان‪ ،‬وأعوذ بالله أن يكلني إلللى نفسللي أو إلللى أحللد‬
‫من خلقه طرفة عين ‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الللله علللى خللاتم النبيللاء‬
‫والمرسلين وعلى آله وصحبه وملن سلار عللى هلديه إللى‬
‫يوم الدين‪.‬‬
‫الحداث المعاصرة في ضوء السنن الربانية ‪2/2‬‬
‫الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل‬
‫‪11/1/1426‬‬
‫ارسل تعليقك …‬
‫تعليقات سابقة …‬
‫ارسل الصفحة …‬
‫الى مشرف النافذة …‬
‫طباعة …‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلللى الللله وسلللم وبللارك علللى‬
‫رسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد‪:‬‬
‫سيُروا ِفللي‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫سن َ ٌ‬
‫م ُ‬ ‫ن قَب ْل ِك ُ ْ‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خل َ ْ‬‫قال الله _تعالى_‪" :‬قَد ْ َ‬
‫َْ‬
‫ن" )آل عمللران‪:‬‬ ‫مك َلذ ِّبي َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫عاقِب َل ُ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ف َ‬ ‫ض َفان ْظ ُُروا ك َي ْ َ‬ ‫الْر ِ‬
‫‪.(137‬‬
‫ت الل ّهِ ت َب ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ديل ً‬ ‫سن ّ ِ‬‫جد َ ل ِ ُ‬‫ن تَ ِ‬ ‫ن فَل َ ْ‬ ‫ت اْلوِّلي َ‬ ‫سن ّ َ‬ ‫ن إ ِّل ُ‬‫ل ي َن ْظ ُُرو َ‬ ‫"فَهَ ْ‬
‫ل" )فاطر‪ :‬من الية ‪.(43‬‬ ‫وي ً‬ ‫ح ِ‬ ‫ت الل ّهِ ت َ ْ‬
‫سن ّ ِ‬‫جد َ ل ِ ُ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫ن تَ ِ‬
‫واليات من كتللاب الللله _عللز وجللل_ فللي ذكللر مثللل هللذه‬
‫السنن الربانية كثيرة جدا ً وبخاصة عند التقللديم والتعقيللب‬
‫على قصص النبياء _عليهم الصلة والسلم_ مع أقللوامهم‪،‬‬
‫وإنه لمن الواجب على دعاة الحق و المجاهدين في سبيل‬
‫الله _تعالى_ أن يقفوا طويل ً مع كتاب الله _عز وجل_ وما‬
‫تضمن من الهدى والنور ومن ذلك ما تضللمنه مللن السللنن‬
‫الربانيللة المسللتوحاة مللن دعللوة النبيللاء _عليهللم الصلللة‬
‫والسلم_؛ وذلك لن في معرفتها والسير على هداها أخللذ‬
‫بأسباب النصر والتمكين والفلح‪ ،‬ونجاة مما وقع فيه الغير‬
‫مللن تخبللط وشللقاء وفلي الغفللة عنهللا تفريللط فلي الخللذ‬
‫بأسباب النجاة وإعراض عن هدي النبيللاء _عليهللم الصلللة‬
‫والسلم_ في الللدعوة إلللى الللله _عللز وجللل_‪ ،‬الللذين هللم‬
‫أعرف الناس بالله _سبحانه_‪ ،‬وبأسمائه وصفاته‪ ،‬وبالتللالي‬

‫‪16‬‬
‫فهم أعرف بسلننه _سللبحانه_ وعللاداته وأيلامه وهلم أللزم‬
‫الناس لها وللسير على ضوئها‪،‬وما ضل من ضل إل بسبب‬
‫العراض عن كتاب الله _عز وجللل_ ومللا فيلله مللن الهللدي‬
‫والنور‪ ،‬يقول الدكتور محمد السلمي _حفظه الله_‪:‬‬
‫"التاريخ بمللا يحتللوي مللن الحللوادث المتشللابهة والمواقللف‬
‫المتماثلة يساعد على كشف هذه السللنن الللتي هللي غايللة‬
‫في الدقة والعدل والثبللات‪ ،‬وفللي إدراكنللا للسللنن الربانيللة‬
‫فوائد عظيمة حتى لو لم نقدر على تفادي حدوثها والنجللاة‬
‫منهللا‪ ،‬حيللث يعطينللا هللذا الدراك والمعرفللة صلللبة فللي‬
‫الموقف‪ ،‬بخلف مللن يجهللل مصللدر الحللداث؛ فللإن الللذي‬
‫يعلم تكون لديه بصيرة وطمأنينة‪ ،‬أما الللذي يجهللل فليللس‬
‫لديه إل الحيرة والخوف والقلق" ا‪.‬هل‪).‬منهج كتابللة التاريللخ‬
‫السلمي ص ‪.(60‬‬
‫وليس المقصود هنا التفصيل في موضوع السللنن الربانيللة‬
‫فهذا له مقام آخللر‪ ،‬وإنمللا المقصللود هللو الستضللاءة بهللذه‬
‫السنن في الوصول إلى الموقف الحق الللذي نحسللب أنلله‬
‫يرضي الله _عز وجل_ وذلك في الحللداث السللاخنة الللتي‬
‫تدور رحاها في العراق وفلسطين وأفغانستان‪ ،‬والشيشان‬
‫وما صاحبها من فتن ومواقف ‪ ،‬وسأقتصر علللى ذكللر ثلث‬
‫من هذه السنن التي رأيت أن لها مساس لا ً بهللذه الحللداث‬
‫المعاصرة‪:‬‬
‫السنة الولى‪ :‬سنة المدافعة والصراع بين الحق والباطل‪.‬‬
‫السنة الثانية‪ :‬سنة البتلء والتمحيص‪.‬‬
‫السنة الثالثة‪ :‬سنة الملء والستدراج‪.‬‬
‫السنة الولى‪ :‬سنة المدافعة والصراع بين الحق والباطل‪:‬‬
‫م‬‫ض له ُ ْ‬‫س ب َعْ َ‬ ‫ول د َفْ لعُ الل ّلهِ الن ّللا َ‬ ‫يقول الله _عللز وجللل_‪" :‬وَل َل ْ‬
‫ل عََلى ال َْعللال َ ِ‬ ‫َ‬
‫ن"‬ ‫مي َ‬ ‫ض ٍ‬‫ذو فَ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ض وَل َك ِ ّ‬
‫ت اْلْر ُ‬ ‫سد َ ِ‬‫ض ل ََف َ‬ ‫ب ِب َعْ ٍ‬
‫)البقرة‪ :‬من الية ‪.(251‬‬
‫م‬ ‫ض له ُ ْ‬‫س ب َعْ َ‬ ‫ول د َفْ لعُ الل ّلهِ الن ّللا َ‬ ‫ويقول _تبارك وتعالى_‪ " :‬وَل َ ْ‬
‫جد ُ ي ُلذ ْك َُر ِفيهَللا‬ ‫سللا ِ‬‫م َ‬‫ت وَ َ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ص لل َ َ‬
‫معُ وَب ِي َعٌ وَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ص َ‬‫ت َ‬ ‫م ْ‬‫ض ل َهُد ّ َ‬‫ب ِب َعْ ٍ‬
‫ه ل ََق لوِ ّ‬
‫ي‬ ‫ن الل ّل َ‬
‫ص لُرهُ إ ِ ّ‬‫ن ي َن ْ ُ‬‫مل ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّل ُ‬ ‫م الل ّهِ ك َِثيرا ً وَل َي َن ْ ُ‬
‫صَر ّ‬ ‫س ُ‬‫ا ْ‬
‫زيٌز" )الحج‪ :‬من الية ‪.(40‬‬ ‫عَ ِ‬

‫‪17‬‬
‫شعي؛ أن رسللول الللله _صلللى‬ ‫مجا ِ‬ ‫وعن عياض بن حمار ال ُ‬
‫الله عليه وسلم_ قال ذات يوم فللي خطبتلله‪" :‬أل إن ربللي‬
‫أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمنللي يللومي هللذا؛ كللل‬
‫مال نحلته عبدا ً حلل‪ ،‬وإنللي خلقللت عبللادي حنفللاء كلهللم‪،‬‬
‫وإنهللم أتتهللم الشللياطين فاجتللالتهم عللن دينهللم‪ ،‬وحرمللت‬
‫عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لللم أنللزل‬
‫به سلطانًا‪ ،‬وإن الله نظر إلى أهل الرض فمقتهم عربهللم‬
‫وعجمهللم إل بقايللا مللن أهللل الكتللاب‪ ،‬وقللال‪ :‬إنمللا بعثتللك‬
‫لبتليك وابتلللى بللك‪ ،‬وأنزلللت عليللك كتاب لا ً ل يغسللله المللاء‬
‫تقرؤه نائما ً ويقظللان‪ ،‬وإن الللله أمرنللي أن أحللرق قريش لا ً‬
‫فقللللت‪:‬رب إذن يثلغلللوا رأسلللي فيلللدعوه خلللبزةً قلللال‪:‬‬
‫اسللتخرجهم كمللا اسللتخرجوك‪ ،‬واغزهللم نغللرك‪ ،‬وأنفللق‬
‫فسننفق عليك‪ ،‬وابعث جيشلا ً نبعللث خمسللة مثللله‪ ،‬وقاتللل‬
‫بمن أطاعك من عصاك" الحديث)‪.(1‬‬
‫ففي هاتين اليتين والحديث القدسي أبللغ دليلل عللى أنله‬
‫منللذ أن اجتللالت الشللياطين بنللي آدم عللن دينهللم وظهللر‬
‫الشللرك والكفللر وظهللر تحريللم الحلل وتحليللل الحللرام‬
‫والصراع حتمي بين الحق وأهله من جهللة والباطللل وأهللله‬
‫من جهة أخرى؛ هذه سنة إلهيللة ل تتخلللف ووقللائع التاريللخ‬
‫القديم والحديث تشللهد علللى ذلللك وهللذه المدافعللة وهللذا‬
‫الصراع بين الحق والباطل إن هو إل مقتضللى رحمللة الللله‬
‫وفضله‪ ،‬وهو لصالح البشرية وإنقاذها من فساد المبطلين؛‬
‫ولللذلك ختللم الللله _عللز وجللل_ آيللة المدافعللة فللي سللورة‬
‫ل عََلللى‬ ‫ضلل ٍ‬‫ذو فَ ْ‬ ‫ه ُ‬‫ن الّللل َ‬ ‫البقللرة‪ ،‬بقللوله _سللبحانه_‪" :‬وَل َ ِ‬
‫كلل ّ‬
‫ن" )البقرة‪ :‬من الية ‪ .(251‬حيث لم يجعل الباطللل‬ ‫مي َ‬‫ال َْعال َ ِ‬
‫وأهللله ينفللردون بالنللاس بللل قيللض الللله للله الحللق وأهللله‬
‫ف‬ ‫ل ن َْقلذِ ُ‬‫يدمغونه حلتى يزهلق فلالله _تعلالى_ يقلول‪َ " :‬بل ْ‬
‫ما‬ ‫م ّ‬ ‫م ال ْوَي ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫ذا هُوَ َزاهِقٌ وَل َك ُ ُ‬ ‫ه فَإ ِ َ‬ ‫حقّ عََلى ال َْباط ِ ِ‬
‫ل فَي َد ْ َ‬
‫مغ ُ ُ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫ن" )النبياء‪.(18:‬‬ ‫صُفو َ‬ ‫تَ ِ‬
‫إن الذين يطمعللون فللي الصلللح ودرء الفسللاد عللن المللة‬
‫بدون هذه السنة – أعني سنة المدافعة مع الباطللل وأهللل‬
‫الفساد – إنهم يتنكبون منهج النبياء في الللدعوة إلللى الللله‬
‫_عز وجل_ الذي ارتضاه واختاره لهم‪ ،‬وإن الللذين يللؤثرون‬

‫‪18‬‬
‫السلمة والخوف من عنللاء المدافعللة مللع الفسللاد وأهللله‪،‬‬
‫إنهم بهذا التصرف ل يسلللمون مللن العنللاء والمشللقة‪ ،‬بللل‬
‫إنهم يقعون في مشللقة أعظللم وعنللاء أكللبر يقاسللونه فللي‬
‫دينهم‪ ،‬وأنفسهم‪ ،‬وأعراضهم‪ ،‬وأموالهم‪ ،‬وهذه هي ضللريبة‬
‫القعود عن مدافعة الباطل‪ ،‬وإيثار الحياة الدنيا‪.‬‬
‫يقول سيد قطب _رحمه الله تعالى_‪" :‬إن تكاليف الخروج‬
‫من العبودية للطاغوت والدينونة لله وحده – مهما عظمت‬
‫وشقت – أقل وأهون من تكللاليف التبعيللة للطللواغيت! إن‬
‫تكللاليف التبعيللة للطللواغيت فاحشللة مهمللا لح فيهللا مللن‬
‫السلمة والمن والطمأنينة على الحياة والمقللام والللرزق!‬
‫إنهللا تكللاليف بطيئة طويلللة مديللدة! تكللاليف فللي إنسللانية‬
‫النسللان ذاتلله‪) .‬فهللذه النسللانية( ل توجللد والنسللان عبللد‬
‫للنسان وأي عبودية شر من خضوع النسان لمللا يشللرعه‬
‫له إنسان؟! وأي عبودية شر من تعلق قلب إنسان بللإرادة‬
‫إنسان آخر به ورضللاه أو غضللبه عليلله؟! وأي عبوديللة شللر‬
‫من أن تتعلق مصللائر إنسللان بهللوى إنسللان مثللله ورغبللاته‬
‫وشهواته؟! وأي عبودية شر من أن يكون للنسللان خطللام‬
‫أو لجام يقوده منه كيفما شاء إنسان؟!‬
‫على أن المر ل يقف عند حد هللذه المعللاني الرفيعللة‪ .‬إنلله‬
‫يهبط ويهبط حتى يكلف النللاس – فللي حكللم الطللواغيت –‬
‫أمللوالهم الللتي ل يحميهللا شللرع ول يحوطهللا سللياج‪ ،‬كمللا‬
‫يكلفهم أولدهم؛ إذ ينشئهم الطللاغوت كمللا شللاء علللى مللا‬
‫شلللاء ملللن التصلللورات والفكلللار والمفهوملللات والخلق‬
‫والتقاليد والعللادات‪ ،‬فللوق مللا يتحكللم فللي أرواحهللم وفللي‬
‫حيللاتهم ذاتهللا‪ ،‬فيللذبحهم علللى مذبللح هللواه‪ ،‬ويقيللم مللن‬
‫جماجمهم وأشلئهم أعلم المجد لذاته والجاه! ثم يكلفهللم‬
‫أعراضهم في النهاية؛ حيث ل يملك أب أن يمنع فتاته مللن‬
‫الللدعارة الللتي يريللدها بهللا الطللواغيت‪ ،‬سللواء فللي صللورة‬
‫الغصب المباشر – كما يقع على نطللاق واسللع علللى مللدار‬
‫التاريخ ‪ -‬أو في صورة تنشللئتهن علللى تصللورات ومفللاهيم‬
‫تجعلهن نهبا ً مباحا ً للشهوات تحت أي شللعار! وتمهللد لهللن‬
‫الدعارة والفجور تحت أي ستار‪ .‬والللذي يتصللور أنلله ينجللو‬
‫بماله وعرضه وحياته وحياة أبنائه في حكم الطواغيت مللن‬

‫‪19‬‬
‫دون الله‪ ،‬إنما يعيش في وهم أو يفقد الحساس بالواقع!(‬
‫ا‪.‬هل)‪.(2‬‬
‫والمدافعة بين الحق والباطل تأخذ صللورا ً متعللددة‪ :‬فبيللان‬
‫الحق وإزالة الشبه ورفع اللبس عن الحق وأهلله مدافعلة‪،‬‬
‫والمر بالمعروف والنهي عن المنكر مدافعة‪ ،‬وبيان سللبيل‬
‫المؤمنين وسبيل المجرمين مدافعة‪ ،‬والصبر والثبات علللى‬
‫ابتلء العداء من الكفرة والظلمة مدافعللة‪ ،‬ويللأتي الجهللاد‬
‫والقتال في سبيل الله _عز وجل_ علللى رأس وذروة هللذا‬
‫المدافعات لكف شر الكفار وفسادهم عن ديار المسلمين‬
‫ودينهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم‪.‬‬
‫يقللول شلليخ السلللم ابللن تيميللة _رحملله الللله تعللالى_‪:‬‬
‫"والجهاد‪ :‬منه ما هو باليللد ومنلله مللا هللو بللالقلب والللدعوة‬
‫والحجة والبيان والرأي والتدبير والصناعة فيجب بغايللة مللا‬
‫يمكنه")‪.(3‬‬
‫واليوم لم يعد خافيا ً على كل مسلم ما تتعللرض للله بلللدان‬
‫المسلمين قاطبللة مللن غللزو سللافر وحللرب شرسللة علللى‬
‫مختلف الصعدة‪ ،‬وذلك من قبل أعدائها الكفرة‪ ،‬وأذنللابهم‬
‫المنللافقين؛ فعلللى الصللعيد العسللكري تللرزح بعللض بلللدان‬
‫المسلللمين تحللت الحتلل العسللكري لجيللوش الكفللرة‬
‫المعتدين التي غزت أهل هذه البلدان في عقر دارهم كمللا‬
‫هي الحال في أفغانستان والشيشان والعللراق وفلسللطين‬
‫وكشللمير‪ ،‬وعلللى صللعيد الحللرب علللى الللدين والخلق‬
‫والعلم والتعليللم والقتصللاد لللم يسلللم بلللد مللن بلللدان‬
‫المسلمين من ذلك‪.‬‬
‫وكما هو مقرر عند أهل العلم أن جهاد الكفار يصبح متعينا ً‬
‫على أهل كل بلد عند ما يغزون فللي عقللر دارهللم‪ ،‬ويجللب‬
‫على كل قادر أن ينفر لصللد العللدوان وقتللال الكفللار حللتى‬
‫يجلوا عن أرض المسلمين‪ ،‬والجهاد في هذه البلدان يكون‬
‫بالنفس والمال ول يشترط له شرط كما أوضح ذلك شلليخ‬
‫السلم ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ بقللوله‪" :‬وأمللا قتللال‬
‫الدفع فهو أشد أنللواع دفللع الصللائل عللن الحرمللة والللدين‪،‬‬
‫فواجب إجماعًا؛ فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا ل‬
‫شيء أوجب بعد اليمان من دفعه‪ ،‬فل يشللترط للله شللرط‬

‫‪20‬‬
‫بل يدفع بحسب المكللان‪ ،‬وقللد نللص علللى ذلللك العلمللاء ‪:‬‬
‫أصحابنا وغيرهم‪ ،‬فيجب التفريق بين دفع الصللائل الظللالم‬
‫الكافر وبين طلبه في بلده")‪.(4‬‬
‫ويجب على بقية بلدان المسلمين أن ينصروا إخوانهم فللي‬
‫بلللدانهم المغللزوة بللأن يمللدوهم بالمللال والسلللح والبيللان‬
‫والدعاء‪ ،‬وإذا لم يكف المقاتلون في البلللد المعتللدى عليلله‬
‫في صد العدوان وجب على البلد المجاورة لهم أن تمدهم‬
‫بالرجال والمال حتى يكتفوا كما قللرر ذلللك شلليخ السلللم‬
‫ابن تيميللة _رحملله الللله تعللالى_ حيللث يقللول‪" :‬وإذا دخللل‬
‫العدو بلد المسلمين فل ريب أنه يجب دفعه على القللرب‬
‫فالقرب إذا بلد المسلمين كلهللا منزلللة البلللدة الواحللدة")‬
‫‪.(5‬‬
‫كما يجب على من كان من المسلللمين ذا خللبرة عسللكرية‬
‫في صنف من فنللون القتللال أن ينفللر لنصللرة إخللوانه فللي‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫البلدان المغزوة؛ قال الله _تعالى_‪" :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ل ل َك ُم ان ِْفروا ِفي سبيل الل ّهِ اّثاقَل ْت ُم إل َللى اْل َ‬
‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ذا ِقي َ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا ِفي‬ ‫مَتاعُ ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫خَرةِ فَ َ‬ ‫ن اْل ِ‬ ‫م َ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ضيت ُ ْ‬‫أَر ِ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫س لت َب ْدِ ْ‬‫ذابا ً أِليم لا ً وَي َ ْ‬ ‫م ع َل َ‬ ‫ل‪ ،‬إ ِل ّ ت َن ِْف لُروا ي ُعَ لذ ّب ْك ُ ْ‬ ‫خَرةِ إ ِّل قَِلي ٌ‬ ‫اْل ِ‬
‫ديٌر‪،‬‬ ‫يٍء قَ ل ِ‬ ‫شل ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه عََلى ك ُل ّ‬ ‫شْيئا ً َوالل ّ ُ‬ ‫ضّروهُ َ‬ ‫م َول ت َ ُ‬ ‫وما ً غَي َْرك ُ ْ‬ ‫قَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫سلِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م وَأن ُْف ِ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫دوا ب ِأ ْ‬ ‫جاهِ ُ‬ ‫خَفافا ً وَث َِقال ً وَ َ‬ ‫ان ِْفُروا ِ‬
‫ن" )التوبة‪.(41 -38:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬
‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫م إِ ْ‬ ‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫الل ّهِ ذ َل ِك ُ ْ‬
‫هذا فيما يتعلق بقتال الللدفع عللن المسلللمين الللذين احتللل‬
‫الكفار ديارهم وغزوهم في عقر دارهم‪ ،‬أملا البللدان اللتي‬
‫غزاها الكفار فللي عقللر دارهللا عقللديا ً واجتماعي لا ً وإعلمي لا ً‬
‫واقتصادا ً وثقافيًا‪ ،‬وتعاون معهللم إخللوانهم المنللافقون فللي‬
‫تنفيذ مخططاتهم فهذا النوع من الغزو لم يسلللم منلله بلللد‬
‫مللن بلللدان المسلللمين وقللد تسللارع الغللزاة فللي تنفيللذ‬
‫مخططهم الفسادي في السللنوات الخيللرة بشللكل لفللت‬
‫وخطير‪ ،‬فما هو الواجب على المسلمين في هللذه البلللدان‬
‫لمدافعة هذا الغزو الخطير؟‬
‫فقد تقللرر فيمللا سللبق مللن الكلم إن الجهللاد يتعيللن علللى‬
‫المسلمين إذا غزاهم الكفار في عقر دارهم‪ ،‬ويصبح واجبا ً‬
‫على كل مسلم قادر أن يشارك في دفع الصائل عن بلللده‬

‫‪21‬‬
‫بكل ممكن‪ ،‬فإن كان الغزو عسكريا ً وبالسلللح وجللب رده‬
‫بالقوة الممكنة والسلللح‪ ،‬وإذا كللان الغللزو بسلللح الكلمللة‬
‫والكتللاب والمجلللة والوسللائل العلميللة الخبيثللة بأنواعهللا‬
‫المقروءة و المسللموعة والمشللاهدة منهللا أقللول‪ :‬إذا كللان‬
‫الغزو من الكفار للمسلمين في عقر دارهم بهذه الوسائل‬
‫والمعاول الخطيللرة والللتي يباشللر الكفللار بعضللها وينيبللون‬
‫إخللوانهم مللن المنللافقين فللي بعضللها فللإن الجهللاد بالبيللان‬
‫والمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمدافعة والتحصين‬
‫يصبح واجبا ً عينيا ً على كل قادر من المسلمين كل بحسبه‪،‬‬
‫وإن التقاعس أو التشللاغل أو التخللذيل لهللذا الضللرب مللن‬
‫الجهاد يخشى أن يكللون مللن جنلس التللولي يللوم الزحللف‪،‬‬
‫وتقديما ً للدنيا الفانية على محبة الله _عز وجللل_ ورسللوله‬
‫والجهللاد فللي سللبيله _تعللالى_‪ ،‬ول يبعللد أن يكللون مللن‬
‫َ‬
‫م‬‫م وَأب ْن َللاؤُك ُ ْ‬ ‫ن آب َللاؤُك ُ ْ‬‫ن ك َللا َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫المعنيين بقوله _تعللالى_‪ " :‬قُل ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫هللا‬ ‫مو َ‬‫ل اقْت ََرفْت ُ ُ‬ ‫وا ٌ‬ ‫ملل َ‬‫م وَأ ْ‬ ‫شلليَرت ُك ُ ْ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫كلل ْ‬ ‫ج ُ‬‫م وَأْزَوا ُ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬
‫خلل َ‬‫وَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫ب إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ضوْن ََها أ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫ساك ِ ُ‬‫م َ‬ ‫ها وَ َ‬‫ساد َ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫شو ْ َ‬‫خ َ‬ ‫جاَرةٌ ت َ ْ‬
‫وَت ِ َ‬
‫ْ‬
‫ي الل ّل ُ‬
‫ه‬ ‫حت ّللى ي َلأت ِ َ‬ ‫صللوا َ‬ ‫سلِبيل ِهِ فَت ََرب ّ ُ‬‫جَهادٍ فِللي َ‬ ‫سول ِهِ وَ ِ‬ ‫الل ّهِ وََر ُ‬
‫َ‬
‫ن" )التوبة‪.(24:‬‬ ‫سِقي َ‬ ‫م ال َْفا ِ‬ ‫دي ال َْقوْ َ‬ ‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫مرِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ب ِأ ْ‬
‫هذا وإن كانت هذه اليات فللي جهللاد الكفللار فللي سلاحات‬
‫القتال ولكن ما الذي يمنع من أن تشللمل أيض لا ً القاعللدين‬
‫عن جهاد الكفار والمنلافقين بالبيلان والمدافعلة لفكللارهم‬
‫الخبيثللة وأخلقهللم السللافلة‪ ،‬والوقللوف أمللام وسللائلهم‬
‫ومخططاتهم المختلفة وتحصين المة وتحذيرها منها؟‬
‫فلقد قال الله _عز وجللل_ آمللرا ً نللبيه محمللدا _صلللى الللله‬
‫عليه وسلم_ في سورة مكية بمجاهدة الكفار بالقرآن قبل‬
‫فرض الجهاد عليهللم بالقتللال؛ وذلللك فللي سللورة الفرقللان‬
‫م‬ ‫هللد ْهُ ْ‬‫جا ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬‫حيث يقول الله _عز وجل_‪" :‬فل ت ُط ِِع ال ْ َ‬
‫جَهادا ً ك َِبيرًا" )الفرقان‪.(52:‬‬ ‫ب ِهِ ِ‬
‫وقللد مللر بنللا كل م شلليخ السلللم _رحملله الللله تعللالى_‪:‬‬
‫"والجهاد منه ما هو باليللد‪ ،‬ومنلله مللا هللو بللالقلب والللدعوة‬
‫والحجة والرأي والتدبير والصناعة فيجب بغاية مللا يمكللن"‬
‫ول يعذر أحد من المسلمين فللي النفللرة لهللذا الجهللاد كللل‬
‫بحسللب علملله وقللدرته؛ يقللول ابللن القيللم _رحملله الللله‬

‫‪22‬‬
‫تعالى_‪" :‬ولله _سللبحانه_ علللى كللل أحللد عبوديللة بحسللب‬
‫مرتبته‪ ،‬سوى العبودية العامة التي سوى بين عبللاده فيهللا‪:‬‬
‫فعلى العالم من عبودية نشر السنة والعلم الذي بعث الله‬
‫به رسوله ما ليس على الجاهل‪ ،‬وعليه من عبودية الصللبر‬
‫على ذلك ما ليس على غيره‪.‬‬
‫وعلى الحاكم من عبودية إقامة الحق وتنفيذه وإلزامه من‬
‫هو عليه به‪ ،‬والصبر على ذلك والجهاد عليه ما ليللس علللى‬
‫المفتي وعلى الغنلي ملن عبوديلة أداء الحقللوق اللتي فلي‬
‫ماله ما ليس على الفقير‪.‬‬
‫وعلى القادر على المر بالمعروف والنهي عن المنكر بيده‬
‫ولسانه ما ليس على العاجز عنهما‪.‬‬
‫ومن له خبرة بما بعث الله بلله رسللوله _صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم_‪ ،‬وبمللا كللان عليلله هللو وأصللحابه رأى أن أكللثر مللن‬
‫يشار إليهم بالدين‪ ،‬هم أقل النللاس دينلا ً واللله المسللتعان‪،‬‬
‫وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله ُتنتهللك‪ ،‬وحللدوده‬
‫تضاع‪ ،‬ودينه يترك‪ ،‬وسللنة رسللول الللله _صلللى الللله عليلله‬
‫وسلللم_ يرغللب عنهللا‪ ،‬وهللو بللارد القلللب سللاكت اللسللان‪،‬‬
‫شيطان أخرس‪ ،‬كما أن المتكلم بالباطل شلليطان نللاطق؟‬
‫وهل بلية الدين إل من هؤلء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم‬
‫ورياسللتهم‪ ،‬فل مبللالة بمللا جللرى علللى الللدين؟ وخيللارهم‬
‫متحّزن المتلمظ‪ ،‬ولو نلوزع فلي بعلض ملا فيله غضاضلة‬ ‫ال ُ‬
‫عليه في جاهه أو ماله بذل وتذبل وجد ّ واجتهد‪ ،‬واسللتعمل‬
‫مراتب النكار الثلثة بحسب وسعه‪ ،‬وهؤلء مع سللقوطهم‬
‫من عين الله ومقت الله لهم قللد بلللوا فللي الللدنيا بللأعظم‬
‫بلية تكون وهم ل يشعرون‪ ،‬وهو موت القلوب؛ فإن القلب‬
‫كلمللا كللانت حيللاته أتللم كللان غضللبه لللله ورسللوله أقللوى‬
‫وانتصاره للدين أكمل")‪.(6‬‬
‫السنة الثانية‪ :‬سنة البتلء والتمحيص‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ي ُت َْرك ُللوا أ ْ‬
‫ن‬ ‫سأ ْ‬‫ب الن ّللا ُ‬
‫سل َ‬‫ح ِ‬
‫قال الله _عز وجل_‪ " :‬الم‪ ،‬أ َ‬
‫م ل ي ُْفت َن ُللون ولقللد فتنللا الللذين مللن قبلهللم‬ ‫ي َُقوُلوا آ َ‬
‫من ّللا وَهُل ْ‬
‫ليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " )العنكبللوت‪:‬‬
‫‪(1،2‬‬

‫‪23‬‬
‫ص‬‫حل َ‬ ‫م ّ‬
‫م وَل ِي ُ َ‬ ‫دورِك ُ ْ‬ ‫صل ُ‬ ‫ما فِللي ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬‫وقال _تعالى_‪ " :‬وَل ِي َب ْت َل ِ َ‬
‫دوِر" )آل عمران‪ :‬من‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫ما ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه ل ِي َلذ ََر‬ ‫ّ‬
‫ن اللل ُ‬ ‫َ‬
‫مللا كللا َ‬ ‫الية ‪ (154‬وقال _سبحانه وتعللالى_‪َ " :‬‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ن الط ّّيلل ِ‬ ‫م َ‬‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ميَز ال ْ َ‬ ‫حّتى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫ن‬ ‫مل ْ‬ ‫جت َب ِللي ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّل َ‬ ‫ب وَل َك ِ ّ‬ ‫م عََلى ال ْغَي ْ ِ‬ ‫ه ل ِي ُط ْل ِعَك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫من ُللوا وَت َت ُّقللوا‬ ‫ن ت ُؤْ ِ‬‫س لل ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫مُنوا ب ِللالل ّهِ وَُر ُ‬ ‫شللاُء فَللآ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫سل ِهِ َ‬ ‫ُر ُ‬
‫َ‬
‫ظيم" )آل عمران‪.(179:‬‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫فَل َك ُ ْ‬
‫يقللول المللام ابللن كللثير _رحملله الللله تعللالى_ عللن اليللة‬
‫الخيرة‪" :‬أي ل بد أن يعقللد سللببا ً مللن المحنللة يظهللر فيلله‬
‫وليلله‪ ،‬ويفتضللح فيلله عللدوه‪ ،‬يعللرف بلله المللؤمن الصللابر‬
‫والمنافق الفاجر")‪.(7‬‬
‫ويقول سيد قطللب _رحملله الللله تعللالى_‪" :‬ويقطللع النللص‬
‫القرآني بأنه ليس مللن شللأن الللله _سللبحانه_ وليللس مللن‬
‫مقتضى ألوهيته‪ ،‬وليللس مللن فعللل سللنته‪ ،‬أن يللدع الصللف‬
‫المسلم مختلطا ً غيللر مميللز‪ ،‬يتللوارى المنللافقون فيلله وراء‬
‫دعوى اليمان‪ ،‬ومظهر السلم‪ ،‬بينمللا قلللوبهم خاويللة مللن‬
‫بشاشة اليمان‪ ،‬ومن روح السلم؛ فقد أخللرج الللله المللة‬
‫المسلللمة لتللؤدي دورا ً كونيلا ً كللبيرًا‪ ،‬ولتحمللل منهجلا ً إلهيلا ً‬
‫عظيمًا‪ ،‬ولتنشئ في الرض واقعلا ً فريللدًا‪ ،‬ونظاملا ً جديللدًا‪،‬‬
‫وهللذا الللدور الكللبير يقتضللي التجللرد والصللفاء والتميللز‬
‫والتماسك‪ ،‬ويقتضللي أل يكللون فللي الصللف خلللل‪ ،‬ول فللي‬
‫بنائه دخل‪ ،‬وبتعبير مختصر يقتضللي أن تكللون طبيعللة هللذه‬
‫المة من العظمة بحيث تسامي عظمة الدور الللذي قللدره‬
‫الله لها في هذه الرض‪ ،‬وتسامي المكانة التي أعدها الللله‬
‫لها في الخرة‪.‬‬
‫وكل هذا يقتضى أن يصهر الصف ليخرج منه الخبللث‪ ،‬وأن‬
‫يضغط لتتهاوى اللبنات الضعيفة‪ ،‬وأن تسلط عليه الضلواء‬
‫لتتكشللف الللدخائل والضللمائر‪ ،‬ومللن ثللم كللان شللأن الللله‬
‫_سبحانه_ أن يميز الخبيث من الطيب ولم يكللن شللأنه أن‬
‫يللذر المللؤمنين علللى مللا كللانوا عليلله قبللل هللذه الرجللة‬
‫العظيمة!")‪.(8‬‬
‫وبالنظر إلى ما يدور من الحللداث الخطيللرة والمتسللارعة‬
‫فللي بلللدان المسلللمين اليللوم ‪ -‬وذلللك فللي الصللراع بيللن‬

‫‪24‬‬
‫معسكر اليمان ومعسكر الكفر والنفاق سواء ما كان منله‬
‫صراعا ً عسكريا ً جهاديا ً باليد والسنان كمللا هللو الحللال فللي‬
‫بلد العراق وفلسطين وما صاحب ذلللك مللن التللداعيات أو‬
‫ما كان منه صراعا ً عقلديا ً وأخلقيلا ً كملا هلو الحاصلل فلي‬
‫عامة بلدان المسلمين ‪ -‬أقول‪ :‬بللالنظر لهللذا الصللراع فللي‬
‫ضوء سنة البتلء والتمحيص نرى أنه هللذه السللنة الربانيللة‬
‫الثانية تعمل الن عملها بإذن ربها _سبحانه وتعالى_ لتؤتي‬
‫أكلها الذي أراده الله _عللز وجللل_ منهللا؛ أل وهللو تمحيللص‬
‫المللؤمنين وتمييللز الصللفوف حللتى تتنقللى مللن المنللافقين‬
‫وأصحاب القلوب المريضة؛ وحتى يتعرف المؤمنللون علللى‬
‫ما في أنفسهم من الثغللرات والعللوائق الللتي تحللول بينهللم‬
‫وبين التمكين لهم في الرض فيتخلصللوا منهللا ويغيللروا مللا‬
‫بأنفسهم‪ ،‬فإذا ما تميزت الصفوف وتساقط المتسللاقطون‬
‫في أبواب البتلء وخرج المؤمنون الصادقون منها كالذهب‬
‫الحمر الذي تخلص من شللوائبه بللالحرق فللي النللار حينهللا‬
‫تهللب ريللاح النصللر علللى عبللاد الللله المصللطفين الللذين‬
‫يستحقون أن يمحق الله من أجلهم الكافرين ويمكللن لهللم‬
‫دينهم الذي ارتضى لهم وقبل هذا التمحيص والتمييللز فللإن‬
‫سنة محق الكافرين وانتصار المسلمين الللتي وعللدها الللله‬
‫_عز وجل_ عباده المؤمنين لن تتحقق‪ .‬هكذا أراد الله _عز‬
‫وجل_ وحكم في سننه التي ل تتبدل‪ :‬أن محق الكافرين ل‬
‫بد أن يسبقه تمحيص المؤمنين‪ ،‬ولللذلك لمللا سللئل المللام‬
‫الشافعي _رحمه الله تعالى_‪ :‬أيها أفضل للرجل أن يمكللن‬
‫أو يبتلى كان من دقيق استنباطه وفهمه لكتاب الللله _عللز‬
‫وجل_ أن قال‪" :‬ل يمكن حتى يبتلى"‪ ،‬ولعله فهم ذلك من‬
‫ق‬
‫حلل َ‬‫م َ‬
‫مُنللوا وَي َ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ه اّللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ص الّللل ُ‬
‫حلل َ‬
‫م ّ‬
‫قللوله _تعللالى_‪" :‬وَل ِي ُ َ‬
‫ن" )آل عمران‪.(141:‬‬ ‫ري َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫كافِ ِ‬
‫وللتللدليل والتأكيللد علللى أن مجتمعللات المسلللمين تعيللش‬
‫اليوم حالة شديدة من البتلء والتمحيص والفتنة في هللذه‬
‫النوازل‪ :‬أذكر بعض المواقف الللتي أفرزتهللا هللذه السللنة ‪-‬‬
‫أعنللي سللنة البتلء والتمحيللص ‪ -‬فللي خضللم هللذه الفتللن‬
‫المتلطمة ولم يكن لهذه المواقف أن تعرف ويعرف أهلها‬
‫قبل حصول هذه الفتن‪ ،‬وقد ظهرت هذه المواقف مع أننللا‬

‫‪25‬‬
‫في أول السنة وبداية البتلء فكيف يكون الحال فللي آخللر‬
‫المر نعوذ بالله أن نرجع علللى أعقابنللا أو أن نفتللن‪ ،‬وفللي‬
‫ذكللر هللذه المواقللف نصلليحة وتحللذير لنفسللي ولخللواني‬
‫المسلمين من الوقوع فيها أو المبادرة بالخروج منها لمللن‬
‫وقع فيها‪.‬‬
‫الموقف الول‪ :‬موقف المنافقين والمرجفين‪:‬‬
‫النفاق داء عضال في المة‪ ،‬ولقد عانت المة في تاريخهللا‬
‫الطويل ما عانت من الخيانات ومظاهرة الكافرين وكشف‬
‫عورات المسلمين لعدائهم‪ ،‬ومن عادتهم أنهم ل يظهرون‬
‫إل في أيام المحن الكللبيرة والنللوازل العظيمللة الللتي تمللر‬
‫بالمسلمين حيث يظهر الله عللوارهم ويكشللف أسللرارهم‪،‬‬
‫وهذا مللن رحمللة الللله _عللز وجللل_ وحكمتلله فللي حصللول‬
‫البتلءات‪ ،‬ومن ذلك ما كان منهللم يللوم الحللزاب يللوم أن‬
‫أحللاط المشللركون وحلفللاؤهم بالمدينللة‪ ،‬ونقضللت اليهللود‬
‫عهدها مع رسول الللله _صلللى الللله عليلله وسلللم_ وزلللزل‬
‫المسلللمون زلللزال ً شللديدا ً وعنللد ذلللك نجللم المنللافقون‬
‫والمرجفون والمعوقون ممن كللانوا مندسللين فللي الصللف‬
‫المسلللم‪ ،‬ويكفينللا فللي وصللف حللال المنللافقين فللي هللذه‬
‫ن‬
‫من َللافُِقو َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫الغللزوة قللول الللله _عللز وجللل_‪ " :‬وَإ ِذ ْ ي َُقللو ُ‬
‫ه إ ِّل غُُرورًا‪،‬‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫جُعوا‬ ‫م َفللاْر ِ‬ ‫كلل ْ‬ ‫م لَ ُ‬‫مَقا َ‬ ‫بل ُ‬ ‫ل ي َث ْرِ َ‬‫م َيا أ َهْ َ‬ ‫من ْهُ ْ‬‫ة ِ‬ ‫طائ َِف ٌ‬ ‫ت َ‬ ‫وَإ ِذ ْ َقال َ ْ‬
‫ْ‬
‫مللا‬‫ن ب ُُيوت َن َللا عَلوَْرةٌ وَ َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫ي ي َُقول ُللو َ‬ ‫م الن ّب ِل ّ‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫ريقٌ ِ‬ ‫ن فَ ِ‬ ‫ست َأذِ ُ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ن‬‫مل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت عَل َي ْهِل ْ‬ ‫خل َل ْ‬ ‫ن إ ِّل فِلَرارًا‪ ،‬وَل َلوْ د ُ ِ‬ ‫دو َ‬ ‫ريل ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ي ب ِعَلوَْرةٍ إ ِ ْ‬ ‫هِ َ‬
‫سلليرًا"‬ ‫مللا ت َل َب ّث ُللوا ب ِهَللا إ ِّل ي َ ِ‬‫ها وَ َ‬ ‫ة َلت َوْ َ‬ ‫سئ ُِلوا ال ِْفت ْن َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ها ث ُ ّ‬ ‫طارِ َ‬‫أ َقْ َ‬
‫)الحزاب‪.(14 ،13 ،12:‬‬
‫م‬ ‫من ْ ُ‬
‫كلل ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مَعلل ْوِّقي َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫م الّللل ُ‬ ‫إلللى قللوله _تعللالى_‪َ ":‬قللد ْ ي َعَْللل ُ‬
‫س إ ِّل قَِلي ً‬ ‫ْ‬
‫ل"‬ ‫ن ال ْب َلأ َ‬ ‫م إ ِل َي ْن َللا َول ي َلأُتو َ‬ ‫م هَل ُل ّ‬ ‫وان ِهِ ْ‬ ‫خل َ‬ ‫ن ِل ِ ْ‬ ‫َوال َْقللائ ِِلي َ‬
‫)الحزاب‪.(18:‬‬
‫وها نحن في هذا الزمان نشاهد فريقا ً منهم يقفللون نفللس‬
‫الموقف الذي وقفه إخوانهم يوم الحزاب؛ وذلللك عنللد مللا‬
‫رأى منافقوا زماننا ما أحاط بالمسلمين من النوازل‪ ،‬ورأوا‬
‫إخوانهم من الصليبيين يحيطون ببلللدان المسلللمين فظهللر‬
‫نفاقهم وبدا للنللاس مللا كللانوا يخفللون مللن قبللل‪ ،‬وأصللبحنا‬

‫‪26‬‬
‫نسمع منهم الرجاف وترديد ما يقوله الكفللرة الغللزاة عللن‬
‫المجاهدين والللدعاة الصللادقين‪ ،‬وراحللوا يحرضللون عليهللم‬
‫ويشللمتون بمللا يصلليبهم مللن المحللن والمصللائب‪ ،‬وصللاروا‬
‫يبثللون فللي المللة اليللأس مللن مقاومللة الغللزاة‪ ،‬يحسللنون‬
‫الكفرة الغزاة في عيون المسلمين‪ ،‬ويستبشرون بمجيئهم‬
‫ويساندونهم في تنفيذ مخططاتهم لغزو العقيدة والخلق ‪،‬‬
‫قللال الللله _تعللالى_ فللي وصللف سلللفهم مللن المنللافقين‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّل ِ‬ ‫وان ِهِ ُ‬ ‫خ َ‬
‫ن ِل ِ ْ‬ ‫ن َنافَُقوا ي َُقوُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫الولين‪ " :‬أل َ ْ‬
‫م َول‬ ‫معَك ُل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫جل ّ‬ ‫خُر َ‬ ‫م ل َن َ ْ‬‫جت ُل ْ‬ ‫خرِ ْ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫ب ل َئ ِ ْ‬ ‫ل ال ْك ِت َللا ِ‬ ‫ن أه ْ ل ِ‬
‫ك ََفروا مل َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫شلهَد ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫م َواللل ُ‬ ‫صلَرن ّك ْ‬ ‫م لن َن ْ ُ‬ ‫ن قُللوت ِلت ُ ْ‬ ‫حدا أب َللدا وَإ ِ ْ‬ ‫مأ َ‬ ‫طيعُ ِفيك ْ‬ ‫نُ ِ‬
‫ن" )الحشر‪(11:‬‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫م لَ َ‬‫إ ِن ّهُ ْ‬
‫وقال _سبحانه وتعالى_ عن شماتتهم بللالمؤمنين وإشللاعة‬
‫اليأس والرجاف وإساءة الظن بالله _عز وجل_ ووعده‪" :‬‬
‫َ‬ ‫ل ظ َننت َ‬
‫م‬ ‫ن إ ِل َللى أهِْليهِل ْ‬ ‫من ُللو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل َوال ْ ُ‬ ‫سللو ُ‬ ‫ب الّر ُ‬ ‫ن ي َن َْقل ِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َُْ ْ‬ ‫بَ ْ‬
‫وما ً‬ ‫َ‬
‫م قَ ْ‬ ‫سوِْء وَك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ظَ ّ‬ ‫م وَظ َن َن ْت ُ ْ‬ ‫ك ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫أَبدا ً وَُزي ّ َ‬
‫ُبورًا" )الفتح‪.(12:‬‬
‫ولم يعد خافيا ً على أحد مللا يطرحللونه فللي وسللائل العلم‬
‫المختلفة وبكل وقاحة ودون حياء ول خوف من الللله _عللز‬
‫وجل_ أو من الناس‪ ،‬وذلك في ما يتعلق بثللوابت الللدين أو‬
‫مللا يتعلللق بللالمرأة والتحريللض علللى خروجهللا ومخالطتهللا‬
‫للرجال والللزج بهللا فللي أعمللال مخالفللة لحكللم الللله _عللز‬
‫وجل_ وحكم رسوله _صلى الللله عليلله وسلللم_‪ ،‬والسللعي‬
‫الحثيث لمحاكاة المرأة الغربية في هديها وأخلقها‪.‬‬
‫وليس المقصود هنا تتبع ما يفعلله المنلافقون والمرجفللون‬
‫في هللذه السللنوات الخيللرة والمحللن العصلليبة الللتي تمللر‬
‫بالمسلمين‪ ،‬وإنما المقصود التدليل على أن سنة الله _عز‬
‫وجلللل_ فلللي البتلء والتمحيلللص أنهلللا تكشلللف وتفضلللح‬
‫المنافقين وتبرزهم فللي مجتمعللات المسلللمين كمللا فضللح‬
‫الله _عللز وجللل_ إخللوانهم وسلللفهم فللي عللزوة الحللزاب‬
‫وغزوة أحد وغزة تبوك التي أنللزل الللله _عللز وجللل_ فيهللا‬
‫سورة كاملة هي سورة التوبة التي من أسمائها الفاضللحة‬
‫لنهللا فضللحت المنللافقين وميزتهللم‪ .‬وهللذه مللن الحكللم‬
‫العظيمللة‪ ،‬والفللوائد الجليلللة لسللنة البتلء؛ إذ لللو بقللي‬

‫‪27‬‬
‫المنللافقون فللي الصللف المسلللم دون معرفللة لهللم فللإنهم‬
‫يشللكلون خطللرا ً وتضللليل ً للمللة‪ ،‬أمللا إذا عرفللوا وفضللحوا‬
‫وتميللزوا فللإن النللاس يحللذرونهم‪ ،‬وينبللذونهم ويجاهللدونهم‬
‫بالحجة والبيللان‪ ،‬أو بالسلليف والسللنان إن ظهللر انحيللازهم‬
‫للكفار ومناصلرتهم لهلم‪ ،‬وبلذلك يتخللص المسللمون ملن‬
‫سبب كبير مللن أسللباب الهزيمللة والفشللل ويتهيئون لنصللر‬
‫الله _عز وجل_ وتأييده‪.‬‬
‫الموقف الثاني‪ :‬موقف اليائسين والمحبطين والخائفين‪:‬‬
‫لما كشف أعداء هذا الللدين مللن الكللافرين وبطللانتهم مللن‬
‫المنللافقين عللن عللدائهم الصللريح وحربهللم المعلنللة علللى‬
‫السلللم وأهللله‪ ،‬وعنللدما تعللرض كللثير مللن المسلللمين‬
‫ومؤسسللاتهم الدعويللة والخيريللة للمضللايقة والذى مللن‬
‫الكفرة والمنافقة شعر بعض المسلمين حينئذ بشلليء مللن‬
‫اليأس والحباط والخوف وبخاصة لما قام شياطين النللس‬
‫والجن يبثون وساوسهم وشبههم في تضخيم قللوة العللداء‬
‫وأنها ل تقهر سيطر على بعض النفوس اليأس مللن ظهللور‬
‫هذا الدين والتمكين لهللله؛ فكللان منهللم فئة ظهللر ضللعف‬
‫يقينها ومرض قلوبها في هذه البتلءات فشكت في ظهور‬
‫هذا الدين واهتز يقينهلا بوعلد اللله _تعلالى_ بنصلرة دينله‪،‬‬
‫وهؤلء على خطر يهدد إيمانهم ويخشى أن يقعوا في فتنة‬
‫المنللافقين الظللانين بللالله ظللن السللوء‪ .‬وفئة أخللرى لللم‬
‫يساورها الشللك فللي ديللن الللله _تعللالى_‪ :‬بنصللرة أوليللائه‪،‬‬
‫وإنما أصابها اليأس من ذلك في هذا الزمان حيث رأت أن‬
‫المسلمين اليوم غير قادرين على المواجهة لعدم تكافؤهم‬
‫مع عدوهم وعليه فل داعي للمقاومللة الللتي ل تفيللد شلليئًا‪،‬‬
‫وإنما هي بمثابة المحرقة التي تحرق المسلللمين وبخاصللة‬
‫المجاهدين منهللم‪ ،‬والحللل عنللد هللؤلء‪ :‬الستسلللم للواقللع‬
‫وانتظار معجزة ربانية من الله _عز وجل_ كانتظار المهدي‬
‫أو المسيح عيسى ابن مريم _عليه الصلة والسلللم_!! ول‬
‫يخفى ما في هذه التصور ملن النحلراف والشلطط‪ ،‬وكلم‬
‫هو مفرح للكفرة والمنافقين مثل هذا التفكير ومثللل هللذه‬
‫المواقللف المسللتخذية الللتي تبللث اليللأس فللي نفللوس‬

‫‪28‬‬
‫المسلمين وتعيقهم عن بللذل الجهللد فللي الللدعوة والجهللاد‬
‫والخذ بالسباب الشرعية والمادية للنصر على العداء‪.‬‬
‫وإن مواقف الخوف واليأس والحباط ما كانت لتعللرف لللو‬
‫ل سنة البتلء والتمحيص وظهور هذه السنة وعملها اليوم‬
‫في حياة المسلمين هي التي أفرزت وأظهللرت مثللل هللذه‬
‫المواقف وفي ظهورها فائدة لصحابها لعلهللم أن يراجعللوا‬
‫أنفسهم ويقلعوا عن هذه المواقللف بعللد أن اكتشللفوا هللذا‬
‫المرض الكامن في نفوسهم بفعل هذه السنة‪ ،‬كما أن فيه‬
‫فائدة أيضا ً لغيرهم ليحللذروا مللن هللذه المواقللف ويحللذروا‬
‫ممللن ينللادي بهللا؛ قللال الللله _تعللالى_ فللي تحللذير عبللاده‬
‫المللؤمنين مللن الللوهن واليللأس والحبللاط‪َ" :‬ول ت َهُِنللوا َول‬
‫َ‬
‫ن" )آل عمران‪.(139:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬‫م اْل َعْل َوْ َ‬ ‫حَزُنوا وَأن ْت ُ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫وقللال _سللبحانه وتعللالى_ فللي وصللف عبللاده الصللابرين‬
‫َ‬
‫ه‬
‫مَعلل ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ي َقات َ َ‬ ‫ن ن َب ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫والموقنين بنصره _عز وجل_‪ " :‬وَك َأي ّ ْ‬
‫َ‬
‫مللا‬ ‫ل الل ّلهِ وَ َ‬ ‫سلِبي ِ‬ ‫م فِللي َ‬ ‫صللاب َهُ ْ‬ ‫مللا أ َ‬ ‫مللا وَهَن ُللوا ل ِ َ‬ ‫ن ك َِثيٌر فَ َ‬ ‫رِب ّّيو َ‬
‫م‬ ‫ن قَوْل َهُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن‪ ،‬وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫صاب ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫كاُنوا َوالل ّ ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ضعُُفوا وَ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫مرِن َللا وَث َب ّل ْ‬ ‫سَرافََنا فِللي أ ْ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا اغِْفْر ل ََنا ذ ُُنوب ََنا وَإ ِ ْ‬ ‫إ ِّل أ ْ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫وا َ‬ ‫ه ث َل َ‬ ‫م الل ّل ُ‬ ‫ن‪َ ،‬فآت َللاهُ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫صْرَنا عََلى ال َْقوْم ِ ال ْك َللافِ ِ‬ ‫مَنا َوان ْ ُ‬ ‫دا َ‬ ‫أقْ َ‬
‫ن" )آل‬ ‫سلِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫حل ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫خلَرةِ َوالّلل ُ‬ ‫ب اْل ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ن َثل َ‬ ‫سل َ‬ ‫ح ْ‬ ‫الد ّن َْيا وَ ُ‬
‫عمران‪(148 ،147 ،146:‬‬
‫وقال _سبحانه وتعالى_ في وصف أصحاب محمللد _صلللى‬
‫مللا َرأى‬ ‫الله عليه وسلم_ لما تحزبت عليهللم الحللزاب‪" :‬وَل َ ّ‬
‫ق‬
‫صد َ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ما وَعَد ََنا الل ّ ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫ب َقاُلوا هَ َ‬ ‫حَزا َ‬ ‫ن اْل َ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫سِليمًا" )الحزاب‪.(22:‬‬ ‫مانا ً وَت َ ْ‬ ‫م إ ِّل ِإي َ‬ ‫ما َزاد َهُ ْ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫الموقف الثالث‪ :‬موقللف المسللايرين للواقللع أهللل الحلللول‬
‫الوسط‪:‬‬
‫وهم الذين نظروا إلى شدة ما يصيب المسلمين في هللذه‬
‫الزمنة من الذى والتضييق والبتلءات المتنوعة فللرأوا أن‬
‫الثبللات والصللمود علللى ثللوابت هللذا الللدين والصللبر علللى‬
‫أحكامه الشرعية ومصادمة الواقللع ممللا يصللعب فللي مثللل‬
‫هذه الظروف؛ لن أعداء هذا الللدين ل يرضللون بللذلك بللل‬
‫يوجهون حربهم إلى هؤلء الثابتين الللذين يطلقللون عليهللم‬
‫تللارة‪ :‬الصللولية‪ ،‬وتللارة‪ :‬المتشللددين‪ ،‬وتللارة‪ :‬الرهللابيين‪،‬‬

‫‪29‬‬
‫والخطير في المر فلي هلذه المواقلف أنهللا تغطللى بشلبه‬
‫شرعية‪ ،‬ويحاول أصحابها أن يؤصلوا مللواقفهم هللذه بأدلللة‬
‫يزعمون أنها قواعد شرعية مع أنها غير منضبطة بضللوابط‬
‫الشرع ول ملتزمة بمقاصللده؛ كاسللتدللهم مثل ً بالضللرورة‬
‫وأحكامهللا‪ ،‬وقواعللد التيسللير ورفللع الحللرج‪ ،‬وبالمصللالح‬
‫المرسلة وغيرها مما هي صحيحة في أصله لكنهللا فاسللدة‬
‫في تطبيقها)‪.(9‬‬
‫وعلمللة أصللحاب هللذا الموقللف أنهللم يصللفون أنفسللهم أو‬
‫يصفهم غيرهم بالمعتدلة أو الوسطية‪ .‬وهذه المواقللف مللا‬
‫كانت لتعرف لول سنة البتلء التي تمحص وتميز الصفوف‬
‫ويكشف الله بها كوامن النفوس التي يعلمها الللله مسللبقًا‪،‬‬
‫لكنللله _سلللبحانه_ يظهرهلللا للنلللاس بفعلللل سلللنة البتلء‬
‫ن الل ّل ُ‬
‫ه ل ِي َلذ ََر‬ ‫مللا ك َللا َ‬‫والتمحيللص‪ ،‬وصللدق الللله العظيللم‪َ " :‬‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ن الط ّّيلل ِ‬ ‫م َ‬
‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬‫ميَز ال ْ َ‬
‫حّتى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْهِ َ‬ ‫ن عََلى َ‬
‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫ب" )آل عمران‪ :‬من اليللة‬ ‫م عََلى ال ْغَي ْ ِ‬ ‫ه ل ِي ُط ْل ِعَك ُ ْ‬
‫ن الل ّ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫وَ َ‬
‫‪.(179‬‬
‫وقد أخبر النللبي _صلللى الللله عليلله وسلللم_ أن المتمسللك‬
‫بدينه في آخر الزمان يعد غربيلا ً بيللن النللاس ووصللفه بللأنه‬
‫كالقابض على الجمر وهذا الوصف ل يقللدر عليلله إل أولللوا‬
‫العللزم مللن المللؤمنين الصللابرين؛ قللال _صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم_‪" :‬إن السلم بدأ غربيا ً وسيعود غريبا ً كما بدأ غريبا ً‬
‫فطوبى للغرباء " قيللل‪ :‬ومللن هللم يللا رسللول الللله؟ قللال‪:‬‬
‫"الذين يصلحون ما أفسد الناس")‪.(10‬‬
‫وقال _صلى الله عليه وسلم_‪" :‬يللأتي علللى النللاس زمللان‬
‫الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر"‪.‬‬
‫ول يخفللى علللى مللن يراقللب اليللوم كللثيرا ً مللن الفتللاوى‬
‫والحللوارات الللتي تقللوم بهللا بعللض الصللحف والمجلت‬
‫والقنوات الفضائية ما تحمل من هللذه المواقللف المتميعللة‬
‫والتي يحاول أصحابها أن يتشللبثوا فللي القتنللاع بهللا بللأدنى‬
‫شبهة أو أدنى قول شاذ يخالفه الدليل الصحيح من الكتاب‬
‫والسنة ‪ ،‬وهذه المواقف والفتاوى لم تقتصر على الحكام‬
‫فحسب بل تعدتها إلى أصول العقيدة وأركانها‪ ،‬وبخاصة ما‬
‫يتعلق بمسائل اليمان والكفر وحدودها‪ ،‬أو بمسائل الللولء‬

‫‪30‬‬
‫والبراء‪ ،‬أو ما يتعلق بالجهاد وأحكامه؛ والمقصللود أن سللنة‬
‫البتلء والتمحيص التي نعيشها هذه اليام قد أفرزت مثللل‬
‫هذه المواقف ولله _عز وجل_ الحكمة في ذلللك؛ لن فللي‬
‫ظهورها خيرا ً لهلها لعلهم يحاسللبون أنفسللهم فيتخلصللون‬
‫منها كما أن فيها خيرا ً أيضا ً لغيرهم حتى يحذروها ويحذروا‬
‫منها‪.‬‬
‫الموقف الرابع‪ :‬موقف المتعجلين المغيرين بالقوة‪:‬‬
‫وهللذا الموقللف يقابللل الموقللف السللابق‪ ،‬فبينمللا ينحللي‬
‫الموقف السابق إلى التنازل عللن بعللض الثللوابت والتعلللق‬
‫ببعض الشبهات و الشذوذات‪ ،‬يذهب أصحاب هذا الموقف‬
‫إلى الطرف المقابل حيث لم يصبروا علللى مللا يللرون مللن‬
‫شللدائد ومحللن وابتلءات تللوجه للمسلللمين فللي دينهللم‬
‫وأعراضللهم وعقللولهم ورأوا أن الموقللف إزاء مثللل هللذه‬
‫البتلءات هو المواجهة المسلحة دون أن ينظللروا إلللى مللا‬
‫يترتب عليهللا مللن مفاسللد كللبيرة ‪ ،‬ودون أن ينظللروا إلللى‬
‫واقعية المصالح التي يسعى لتحقيقها فنشأ من جراء ذلللك‬
‫أضرار عظيمة عليهم وعللى اللدعوة وأهلهلا فلي المحيلط‬
‫الذي تدور فيه هذه المواجهات‪.‬‬
‫وهنا أود التنبيه إلى أنه ليللس المعنللى فللي هللذه المواقللف‬
‫تلك الحركات الجهادية التي تدافع عن المسلمين وديارهم‬
‫في أفغانستان والعللراق والشيشللان وفلسللطين وكشللمير‬
‫وغيرهللا ممللن يقللوم بجهللاد الللدفع عللن ديللار المسلللمين‬
‫المحتلة‪ ،‬وإنما المعنللي هنللا أولئك الللذين يللرون المواجهللة‬
‫المسلحة فللي بعللض بلللدان المسلللمين قبللل وضللوح رايللة‬
‫الكفر فللي تلللك البلللدان للنللاس‪ ،‬ودون وضللوح رايللة أهللل‬
‫اليمان في مقابل ذلك‪ ،‬مملا ينشلأ عنله اللبلس والتللبيس‬
‫علللى النللاس‪ ،‬فتختلللط الوراق ويجللد هللؤلء المجاهللدون‬
‫المستعجلون أنفسهم وجها ً لوجهٍ مع إخللوانهم المسلللمين‪،‬‬
‫فحينئذ تقع الفتنة بين المسلمين‪ ،‬ويقتل بعضهم بعضًا‪ ،‬كما‬
‫هو حاصل في الجزائر وما قد حصل في مصر وسوريا أما‬
‫تلك الحركات الجهادية الللتي أعلنللت جهادهللا علللى الكفللار‬
‫في العراق وأفغانستان لمواجهة التحالف الصليبي أو فللي‬
‫كشللمير لمواجهللة الهنللدوس والللوثنيين‪ ،‬أو فللي الشيشللان‬

‫‪31‬‬
‫لمواجهة الملحدة الشيوعيين‪ ،‬أو فللي فلسللطين لمواجهللة‬
‫اليهود الغاشمين فإنهللا حركللات مشللروعة لوضللوح الرايللة‬
‫الكفرية‪ ،‬وزوال اللبس عن المسللمين فلي تللك الملاكن‪،‬‬
‫كما أنه جهاد للدفاع عن الدين والعللرض والمكللان حللتى ل‬
‫ترتفع فيه راية الكفار‪.‬‬
‫والذي حملني على هذا التنبيه ما نسللمعه – ويللا للسللف –‬
‫من بعض الفتاوى المتسرعة والتي مفادها أن القتللال ضللد‬
‫الغزاة الكفرة في العراق هو قتللال فتنللة وتعجللل وافللتئات‬
‫علللى المللة وهللذا مللن صللور البتلء الللذي يتعللرض للله‬
‫المسلمون في هذه الزمنة‪.‬‬
‫السنة الثالثة‪ :‬سنة الملء والستدراج للكفار والمنافقين‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫مل ِللي ل َهُ ل ْ‬ ‫مللا ن ُ ْ‬ ‫ن ك ََف لُروا أن ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬
‫ح َ‬‫قال _تعالى_‪َ " :‬ول ي َ ْ‬
‫ب‬ ‫ذا ٌ‬‫م ع َل َ‬ ‫دوا إ ِْثم لا ً وَل َهُ ل ْ‬ ‫دا ُ‬ ‫م ل ِي َلْز َ‬ ‫مل ِللي ل َهُ ل ْ‬ ‫ما ن ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ َ‬
‫سه ِ ْ‬ ‫خي ٌْر ِل َن ُْف ِ‬
‫َ‬
‫ن" )آل عمران‪.(178:‬‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫مل ْ‬‫م ِ‬ ‫جه ُ ْ‬‫س لت َد ْرِ ُ‬
‫سن َ ْ‬ ‫ن ك لذ ُّبوا ِبآيات ِن َللا َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وقال _تعالى_‪َ " :‬وال ل ِ‬
‫ُ‬
‫ن" )العللراف‪:‬‬ ‫مِتي ل ٌ‬ ‫دي َ‬ ‫ن ك َي ْل ِ‬‫م إِ ّ‬ ‫مِلي ل َهُ ل ْ‬ ‫ن‪ ،‬وَأ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ث ل ي َعْل َ ُ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫‪.(183 ،182‬‬
‫وهذه السنة اللهية تعمل عملها في هللذه الوقللات؛ وذلللك‬
‫في معسكر أهل الكفر والنفاق؛ وبخاصة أولئك الذين بلللغ‬
‫بهم الكللبر والغطرسللة والظلللم والجللبروت مبلغلا ً عظيم لا ً‬
‫ونراهللم يللزدادون يومللا ً بعللد يللوم فللي الظلللم والبطللش‬
‫والكبرياء ومع ذلك نراهم ممكنيللن ولهللم الغلبللة الظللاهرة‬
‫كما هو الحاصل الن مللن دولللة الكفللر والطغيللان أمريكللا؛‬
‫حيث ظلمت وطغت وقالت بلسللان حالهللا ومقالهللا‪" :‬مللن‬
‫أشد منا قوة" وقد يحيك في قلوب بعض المسلمين شيء‬
‫وهم يرون هؤلء الكفرة يبغللون ويظلمللون ومللع ذلللك هللم‬
‫متروكون لم يأخذهم الله بعذاب من عنده‪ ،‬لكللن المسلللم‬
‫الذي يفقلله سللنة الللله _عللز وجللل_ ويتأملهللا ويللرى آثارهللا‬
‫وعملها في المم السابقة ل يحيك فللي نفسلله شلليء مللن‬
‫هذا لنه يرى في ضوء هذه السنة أن الكفرة اليوم وعلللى‬
‫رأسللهم أمريكللا وحلفائهللا هللم الن يعيشللون سللنة الملء‬
‫والستدراج والتي تقودهم إلى مزيد من الظللم والطغيلان‬
‫والغرور‪ ،‬وهذا بدوره يقودهم إلللى نهللايتهم الحتميللة وهللي‬

‫‪32‬‬
‫الهلك والقصم في الجل الذي قللد ضللربه الللله لهللم قللال‬
‫جعَل ْن َللا‬ ‫َ‬
‫مللا ظ َل َ ُ‬
‫مللوا وَ َ‬ ‫م لَ ّ‬
‫ك ال ُْقللَرى أهْل َك ْن َللاهُ ْ‬
‫_تعللالى_‪ " :‬وَت ِل ْل َ‬
‫عدًا" )الكهف‪.(59:‬‬ ‫مو ْ ِ‬
‫م َ‬‫مهْل ِك ِهِ ْ‬
‫لِ َ‬
‫والله _عز وجل_ ل يسللتجيب لعجلللة المسللتعجلين بللل للله‬
‫الحكمة البالغة والسنة الماضللية الللتي إذا آتللت أكلهللا أتللى‬
‫الكفرة ما وعدهم الله _تعالى_ ل يسللتأخرون عنلله سللاعة‬
‫ول يستقدمون‪.‬‬
‫يقول صاحب الظلل _رحمه الللله تعللالى_ فللي هللذه اليللة‬
‫السابقة الذكر من سورة آل عمران‪:‬‬
‫"وفي هذه الية يصل السياق إلى العقدة التي تحيللك فللي‬
‫بعض الصدور‪ ،‬والشللبهة الللتي تجللول فللي بعللض القلللوب‪،‬‬
‫والعتاب الذي تجيش بلله بعللض الرواح‪ ،‬وهللي تللرى أعللداء‬
‫الله وأعداء الحق‪ ،‬مللتروكين ل يأخللذهم العللذاب‪ ،‬ممتعيللن‬
‫في ظاهر المللر‪ ،‬بللالقوة والسلللطة والمللال والجللاه! ممللا‬
‫يوقع الفتنة في قلللوبهم وفللي قلللوب النللاس مللن حللولهم؛‬
‫ومما يجعل ضعاف اليمان يظنللون بللالله غيللر الحللق ظللن‬
‫الجاهلية‪ ،‬يحسبون أن الله – حاشاه – يرضى عللن الباطللل‬
‫والشر والجحود والطغيان‪ ،‬فيملي له ويرخي له العنان! أو‬
‫يحسبون أن الله – _سبحانه_ – ل يتدخل في المعركة بين‬
‫الحق والباطل‪ ،‬فيدع للباطل أن يحطم الحللق‪ ،‬ول يتللدخل‬
‫لنصرته! أو يحسبون أن هذا الباطللل حللق‪ ،‬وإل فلللم تركلله‬
‫الله ينمو ويكبر ويغلب؟ أو يحسبون أن من شللأن الباطللل‬
‫أن يغلب على الحق في هذه الرض‪ ،‬وأن ليس مللن شللأن‬
‫الحللق أن ينتصللر! ثللم يللدع المبطليللن الظلمللة الطغللاة‬
‫المفسدين‪ ،‬يلجون فللي عتللوهم ويسللارعون فللي كفرهللم‪،‬‬
‫ويلجون في طغيانهم‪ ،‬ويظنون أن المر قللد اسللتقام لهللم‪،‬‬
‫وأن ليللس هنالللك مللن قللوة تقللوى علللى الوقللوف فللي‬
‫وجههم!!!‬
‫وهذا كله وهم باطل‪ ،‬وظن بالله غير الحللق‪ ،‬والمللر ليللس‬
‫كذلك‪ ،‬وها هو ذا الله _سبحانه وتعالى_ يحذر الذين كفروا‬
‫أن يظنوا هذا الظن؛ إنه إذا كللان الللله ل يأخللذهم بكفرهللم‬
‫الللذي يسللارعون فيلله وإذا كللان يعطيهللم حظلا ً فللي الللدنيا‬
‫يسللتمتعون بلله ويلهللون فيلله؛ إذا كللان الللله يأخللذهم بهللذا‬

‫‪33‬‬
‫البتلء فإنما هي الفتنة‪ ،‬وإنما هو الكيد المللتين‪ ،‬وإنمللا هللو‬
‫َ‬
‫مِلي ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ما ن ُ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا أن ّ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬
‫ح َ‬ ‫الستدراج البعيد‪َ " :‬ول ي َ ْ‬
‫ب‬‫ذا ٌ‬ ‫م ع َل َ‬‫دوا إ ِْثم لا ً وَل َهُ ل ْ‬‫دا ُ‬
‫م ل ِي َلْز َ‬‫مل ِللي ل َهُ ل ْ‬‫ما ن ُ ْ‬
‫م إ ِن ّ َ‬ ‫خي ٌْر ِل َن ُْف ِ‬
‫سه ِ ْ‬ ‫َ‬
‫ن" )آل عمران‪.(178:‬‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ُ‬
‫ولو كانوا يستحقون أن يخرجهللم الللله مللن غمللرة النعمللة‪،‬‬
‫بالبتلء المللوقظ لبتلهللم‪ ،‬ولكنلله ل يريللد بهللم خيللرا ً وقللد‬
‫اشتروا الكفر باليمان‪ ،‬وسارعوا في الكفر واجتهدوا فيلله!‬
‫فلم يعودوا يستحقون أن يوقظهم الله من هللذه الغمللرة –‬
‫ن"‪.‬‬ ‫مِهي ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬‫غمرة النعمة والسلطان – بالبتلء! "وَل َهُ ْ‬
‫والهانة هي المقابل لما هم فيه من مقام ومكانة ونعماء‪.‬‬
‫وهكذا يتكشف أن البتلء من اللله نعملة ل تصليب إل ملن‬
‫يريد له الله به الخير‪ ،‬فإذا أصللابت أوليللاءه فإنمللا تصلليبهم‬
‫لخيللر يريللده الللله لهللم – ولللو وقللع البتلء مترتبللا ً علللى‬
‫تصرفات هؤلء الولياء – فهناك الحكمللة المغيبللة والتللدبير‬
‫اللطيف‪ ،‬وفضل الله على أوليائه المؤمنين(‪.‬‬
‫ويقول في موطن آخر‪:‬‬
‫"وإنلله لممللا يخللدع النللاس أن يللروا الفللاجر الطللاغي‪ ،‬أو‬
‫المستهتر الفاسد‪ ،‬أو الملحد الكافر‪ ،‬ممكنا ً له في الرض‪،‬‬
‫غير مأخوذ من الللله ولكللن النللاس إنمللا يسللتعجلون؛ إنهللم‬
‫يللرون أول الطريللق أو وسللطه‪ ،‬ول يللرون نهايللة الطريللق‬
‫ونهاية الطريللق ل تللرى إل بعللد أن تجيللء! ل تللرى إل فللي‬
‫مصارع الغابرين بعد أن يصبحوا أحللاديث والقللرآن الكريللم‬
‫يوجه إلى هذه المصارع ليتنبه المخدوعون الللذين ل يللرون‬
‫– في حياتهم الفردية القصيرة – نهاية الطريق؛ فيخللدعهم‬
‫ما يرون في حياتهم القصيرة ويحسبونه نهاية الطريق!"‬
‫ومن حكمة الله _عز وجل_ في سللنة الملء للكللافرين أن‬
‫يمكنهم في هذا الملء ليزدادوا إثما ً وطغيان لا ً ينللدفعون بلله‬
‫بعجلة متسارعة إلى نهايتهم التي فيها قصللمهم ومحقهللم‪،‬‬
‫وقد بدت بوادر المحلق فلي المريكللان الكفلرة وحلفلائهم‬
‫فيما يتعلق بحقوق النسان التي يتشدقون بهللا وغيللر ذلللك‬
‫من عوامل المحق والقصم‪ ،‬ولكن الله _عز وجل_ بمكللره‬
‫لهم قد أغفلهم عن سوءاتهم وعما يترتب علللى حماقللاتهم‬
‫وطغيللانهم ليحللق عليهللم سللنته _سللبحانه_ فللي القللوم‬

‫‪34‬‬
‫الكلللافرين‪ ،‬كملللا أن ملللن حكمتللله _سلللبحانه_ فلللي إملء‬
‫الكللافرين وظلمهللم وتسلللطهم علللى المسلللمين تحقيللق‬
‫للسللنة الللتي سللبق الحللديث عنهللا أل وهللي سللنة البتلء‬
‫والتمحيص للمؤمنين ‪.‬‬
‫ففي الملء للكفار وتركهم يتسلطون على المسلمين في‬
‫مدة من الزمللن ابتلء وتمحيللص للمللؤمنين‪ ،‬حللتى إذا آتللت‬
‫سنة البتلء أكلها وتميللز الصللف المللؤمن الللذي خللرج مللن‬
‫البتلء نظيفا ً ممحصا ً عندئذ تكون سنة الملء هي الخلرى‬
‫قللد أشللرفت علللى نهايتهللا فيحللق القللول علللى الكللافرين‬
‫ويمحقهم الله كرامة للمللؤمنين الممحصللين الللذين يمكللن‬
‫الله لهم _عز وجل_ في الرض ويخلفون الرض بعد محق‬
‫الكافرين‪.‬‬
‫ق‬
‫حلل َ‬ ‫م َ‬‫مُنللوا وَي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه اّللل ِ‬ ‫ص الّللل ُ‬ ‫حلل َ‬ ‫م ّ‬ ‫قللال _تعللالى_‪ " :‬وَل ِي ُ َ‬
‫ن" )آل عمران‪.(141:‬‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬‫ال ْ َ‬
‫فذكر الله _سبحانه_ التمحيص قبل المحق ولو محق الللله‬
‫الكفار قيل تهيأ المؤمنين الممحصين فمللن يخلللف الكفللار‬
‫بعللد محقهللم إن الللله _عللز وجللل_ حكيللم عليللم ومللا كللان‬
‫_سبحانه_ ليحابي أحدا ً في سننه ولله _عز وجل_ الحكمللة‬
‫فللي وضللع السللنتين سللنة البتلء وسللنة الملء فللي آيللتين‬
‫متتللاليتين فللي سللورة آل عمللران؛ قللال _تعللالى_‪َ " :‬ول‬
‫َ‬
‫مللا‬ ‫م إ ِن ّ َ‬ ‫خي ْلٌر ِل َن ُْف ِ‬
‫س له ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مل ِللي ل َهُ ل ْ‬ ‫مللا ن ُ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا أن ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫سب َ ّ‬
‫ح َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن" )آل عمللران‪:‬‬ ‫مِهيل ٌ‬ ‫ب ُ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م ع َل َ‬ ‫دوا إ ِْثما ً وَل َهُ ل ْ‬ ‫دا ُ‬‫م ل ِي َْز َ‬ ‫مِلي ل َهُ ْ‬ ‫نُ ْ‬
‫‪(178‬‬
‫َ‬
‫مي لَز‬ ‫حت ّللى ي َ ِ‬ ‫م عَل َي ْلهِ َ‬ ‫ما أن ْت ُ ْ‬ ‫ن عََلى َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ل ِي َذ ََر ال ْ ُ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫" َ‬
‫ب‬ ‫م عَل َللى ال ْغَي ْل ِ‬ ‫ه ل ِي ُط ْل ِعَك ُل ْ‬ ‫ن الل ّل ُ‬ ‫مللا ك َللا َ‬ ‫ب وَ َ‬ ‫ن الط ّي ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ث ِ‬ ‫خِبي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ه‬
‫س لل ِ ِ‬ ‫مُنوا ب ِللالل ّهِ وَُر ُ‬ ‫شاُء َفآ ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬‫سل ِهِ َ‬ ‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬‫جت َِبي ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وَل َك ِ ّ‬
‫م" )آل عمران‪.(179:‬‬ ‫وإن تؤْمنوا وتتُقوا فَل َك ُ َ‬
‫ظي ٌ‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ََّ‬ ‫َِ ْ ُ ِ ُ‬
‫ولعللل مللن الحكمللة – والللله أعلللم – أن يعلمنللا الللله _عللز‬
‫وجللل_ أن هللاتين السللنتين متلزمتللان ومتزامنتللان وأن‬
‫إحداهما تهيئ للخرى‪.‬‬
‫اللهم ثبتنا بالقول الثابت فللي الحيللاة الللدنيا وفللي الخللرة‪،‬‬
‫الهم أبرم لهذه المة أمرا ً رشدا ً يعز فيه وليللك ويللذل فيلله‬

‫‪35‬‬
‫عدوك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيلله عللن المنكللر إنللك‬
‫سميع الدعاء‪،‬‬
‫اللهم ارحم عبادك الموحدين والطف بهم في العراق وفي‬
‫كللل مكللان؛ اللهللم احقللن دمللاءهم واحفللظ لهللم دينهللم‬
‫وأعراضهم‪.‬‬
‫اللهم فك أسر المأسورين من المسلمين في كللل مكللان‪،‬‬
‫اللهم انصر المجاهدين في سبيلك فللي كللل مكللان‪ ،‬اللهللم‬
‫اشف صدورنا وأقر أعيننا بنصللرة دينللك وأوليللائك وخللذلن‬
‫أعدائك؛ اللهم قاتل أمريكا وحلفاءها الذين يكذبون رسلللك‬
‫ويعللادون أوليللاءك ويصللدون عللن سللبيلك‪ ،‬وأنللزل عليهللم‬
‫رجزك وعذابك إله الحق‪ ،‬اللهم إنا نعوذ بك مللن شللرورهم‬
‫وندرأ بك في نحورهم‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله على نبينا محمد وآله‬
‫وأصحابه أجمعين‪.‬‬
‫_______________‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم ) ‪.(2865‬‬
‫)‪ (2‬في ظلل القرآن ‪ 1319 /3‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫)‪ (3‬الختيارات الفقهية‪ :‬ص ‪.447‬‬
‫)‪ (4‬الختيارات الفقهية ص ‪.310 ،309‬‬
‫)‪ (5‬الختيارات الفقهية ص ‪.448‬‬
‫)‪ (6‬إعلم الموقعين ‪.2/176‬‬
‫)‪ (7‬تفسللير ابللن كللثير عنللد اليللة ) ‪ (179‬مللن سللورة أل‬
‫عمران‪.‬‬
‫)‪ (8‬في ظلل القرآن ‪.1/525‬‬
‫)‪ (9‬للرد على هذه الشبهات ‪ :‬انظر كتلاب ) فاسلتقم كملا‬
‫أمرت ( للمؤلف‪.‬‬
‫)‪ (10‬تحفة الحلوذي ) ‪ 6/539 ( 2361‬وقلال الترملذي‪:‬‬
‫حديث غريب وقال الرناؤوط في جامع الصول له شواهد‬
‫يرتقي بها‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬حرب المس واليوم‬
‫سلمان بن فهد العودة ‪26/1/1424‬‬
‫‪29/03/2003‬‬

‫‪36‬‬
‫دعونا نمنح أنفسنا فرصة الفرح بالضرر الفادح الذي لحللق‬
‫بقوات الغزو المريكي للعراق ‪ ،‬وبالمقاومللة الصلللبة الللتي‬
‫فاجأتهم حيث استقبلوا بالرصللاص بللدل الزهللور ‪ ،‬دون أن‬
‫نؤجل هذا الفرح طمعا ً بنصر أوسع ننتظره ‪ ،‬وهو في علم‬
‫الغيب ‪.‬‬
‫ف على نفسي وأرجو مفازها … …‬ ‫أخا ُ‬
‫وأستار غيب الله دون العواقب‬
‫أل من يريني غايتي قبل مذهبي … …‬
‫ب؟‬ ‫ت بعد المذاه ِ‬ ‫ومن أين والغايا ُ‬
‫ودعونا نفرح مرةً أخرى بعدم تحول الشعب العراقي إلللى‬
‫قطيللع مللن اللجئيللن يسللتجدي لقمللة العيللش مللن أيللادي‬
‫الهيئات الدولية والخيرية ‪ ،‬بل ثبت وتمسك بحقه وحقله ‪.‬‬
‫ليس من المستبعد أن تكون آلة الحرب الضخمة ‪ ،‬وحمللم‬
‫النار التي تصب على العراق بل حساب قادرةً على حسللم‬
‫النتيجة الولية لهذه الحرب لصالح الطرف القوى ‪ ،‬وعلى‬
‫اضلللطرار فئات ملللن هلللذا الشلللعب إللللى الرحيلللل نحلللو‬
‫المجهول ‪.‬‬
‫لكن هانحن نرى الشللعب الفلسللطيني مثل ً يقللاوم ببسللالة‬
‫وضللراوة وصللبر وإصللرار بعللد هللذه الحقللب الطويلللة مللن‬
‫الستعمار ‪ ،‬مع الخذ بالعتبار الفارق بين استيطان يهودي‬
‫مكشوف ‪ ،‬وسيطرة أمريكية محتملة على العراق ‪.‬‬
‫إن الندفاع المريكي نحو التوسع والسلليطرة قللوي جللدا ً ‪،‬‬
‫وليس هو استثناء من الندفاعات المبراطورية التاريخية ‪،‬‬
‫غير أنه مسرف في حسلن ظنله بنفسله ‪ ،‬وإظهلار براءتله‬
‫وسلمة أهدافه ونبللل مقاصللده ‪ ،‬وهللو مسللرف أيضلا ً فللي‬
‫الستخفاف بالقوى التي ل تتفق مع رؤيته للمور ‪.‬‬
‫ولعل هذا وذاك همللا المسللؤولن عللن سللؤ التقللدير الللذي‬
‫وقعت فيه القوات الغازية الللتي يسللمونها خللداعا ً وتضللليل ً‬
‫بل"قوات التحالف" ‪.‬‬
‫تقفز إلى ذهني وأنا أشللاهد الموقللف اليللة الكريمللة الللتي‬
‫طا َ‬
‫م‬‫مللال َهُ ْ‬ ‫ن أعْ َ‬ ‫ش لي ْ َ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن ل َهُ ل ُ‬
‫نزلت بشأن غزوة بدر "وَإ ِذ ْ َزي ّل َ‬
‫ملا‬ ‫م فَل َ ّ‬ ‫جلاٌر ل َ ُ‬
‫كل ْ‬ ‫س وَإ ِّنلي َ‬ ‫ن الّنلا ِ‬ ‫م َ‬‫م ِ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬‫ب ل َك ُ ُ‬ ‫غال ِ َ‬‫ل َل َ‬ ‫وََقا َ‬
‫م‬ ‫من ْك ُل ْ‬‫ري لٌء ِ‬ ‫ص عََلى عَِقب َي ْلهِ وَقَللا َ‬
‫ل إ ِن ّللي ب َ ِ‬ ‫ن ن َك َ َ‬ ‫ت ال ِْفئ ََتا ِ‬
‫ت ََراَء ِ‬

‫‪37‬‬
‫ديد ُ‬‫شلل ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالّللل ُ‬ ‫ف الّللل َ‬ ‫خللا ُ‬ ‫ن إ ِّنللي أ َ َ‬ ‫مللا َل َتللَروْ َ‬
‫َ‬
‫إ ِّنللي أَرى َ‬
‫ب"]النفال‪ [48:‬والشلليطان لللم يكللن مريللدا ً للتغريللر‬ ‫ال ْعَِقا ِ‬
‫بالكافرين وهزيمتهم ‪ ،‬ول وقوعهم فللي قبضللة الملؤمنين ‪،‬‬
‫ة التأمل والنظر‬ ‫ولكن الرغبة العمياء ل تمنح النسان فرص ً‬
‫وحسن التقدير ‪.‬‬
‫والظلللن أن قلللوى المعارضلللة المندفعلللة ملللع الركلللب‬
‫الستعماري ذات أثر في الصورة المرتسللمة عللن الللداخل‬
‫العراقللي ‪ ،‬والللتي ظنللت أن الحللرب نزهللة صللحراوية لللن‬
‫تتجاوز بضلعة أيلام ‪ ،‬بللل يمكلن تجنبهلا مللن خلل ضللربات‬
‫ة للنتفلللاض‬ ‫نوعيلللة سلللريعة تعطلللي الشلللعب فرصللل ً‬
‫والنقضاض ‪.‬‬
‫إن الشعب العراقي اليوم يعيش تحت وطأة ظلللم جديللد ‪،‬‬
‫وغللزو فللاجر ‪ ،‬يتحللدث عللن تحريللره وحقللوقه ‪ ،‬ويبشللره‬
‫بالديموقراطية القادملة علبر الصلاروخ والدبابلة ‪ ،‬ويحلاول‬
‫تحويله إلى أرتال من الجياع والمرضللى والمصللابين ليمللن‬
‫عليه بعد ذلك بالمساعدات النسللانية الللتي تسللتقطع مللن‬
‫أرصللدة بلللده ‪ ،‬بينمللا تللذهب ثرواتلله وخيراتلله إلللى جيللب‬
‫المعتدي !‬
‫وهذا سر من أسرار قوته ‪ ،‬فإن المظلوم منصور ولو بعللد‬
‫طاًنا فََل‬ ‫س لل ْ َ‬‫جعَل ْن َللا ل ِلوَل ِي ّهِ ُ‬
‫مللا فََقلد ْ َ‬ ‫مظ ُْلو ً‬ ‫ل َ‬ ‫ن قُت ِل َ‬ ‫مل ْ‬ ‫حيللن "وَ َ‬
‫صوًرا"]السراء‪[33:‬‬ ‫من ْ ُ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫ف ِفي ال َْقت ْ ِ‬ ‫سرِ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫ُ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬‫ن ل ِل ّ ِ‬‫وحين أذن الله تعالى بالقتال علل ذلك بقوله ‪ ":‬أذِ َ‬
‫َ‬
‫ديٌر"]الحج ‪:‬‬ ‫م ل ََق ِ‬ ‫ه عََلى ن َ ْ‬
‫صرِهِ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا وَإ ِ ّ‬ ‫م ظ ُل ِ ُ‬ ‫ن ب ِأن ّهُ ْ‬‫ي َُقات َُلو َ‬
‫‪ [33‬اليات ‪.‬‬
‫وفي المسند أن عمر رضي الله عنه سأل رجل ً ممن أنللت‬
‫فقال ‪ :‬من عنزة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول ‪ ) :‬حي من هاهنا مبغي عليهم منصورون ( ‪.‬‬
‫ولعل هذا مللن أسللباب اختلف الصللورة اليللوم عمللا كللانت‬
‫عليلله أثنللاء حللرب الخليللج الثانيللة ‪ ،‬حيللن احتلل العللراق‬
‫الكللويت ‪ ،‬حيللث كللان معتللديا ً ظالم لا ً ‪ ،‬فانكسللر انكسللارا ً‬
‫سريعا ً ‪ ،‬ولم يفلح في أي مقاومة ‪ ،‬بينما هو اليوم معتللدى‬
‫عليه في أرضه ‪ ،‬ومقصود بالتدمير والقضللاء علللى قللدراته‬

‫‪38‬‬
‫الحاضللرة والمسللتقبلية ‪ ،‬فهللذا عللزز مللوقفه فللي الللدفاع‬
‫والمقاومة ‪.‬‬
‫ومن تأمللل سللير الحللداث واسللتقرأ سللنن الللله فيهللا رأى‬
‫العجب فللي لطللائف الحكللم الربانيللة ‪ ،‬وكيللف يجللري الللله‬
‫تعالى القدر وفللق علملله وحكمتلله وعللدله ‪ ،‬وإن كللان هللذا‬
‫المعنى قد يغيللب عمللن يشللهد اللحظلة الحاضلرة ويندملج‬
‫فيها ‪ ،‬فتستغرقه عن رؤية ما قبلها ‪ ،‬أو توّقع ما بعدها ‪.‬‬
‫وكان جديرا ً بمن عانى مرارة الظلم أن يكون أبعد النللاس‬
‫عنه ‪ ،‬وأشلدهم نفلورا ً منله‪ ،‬وأعظمهلم خوفلا ً ملن علاقبته‬
‫وشؤمه ‪ ،‬ولهللذا يقللال فللي مللأثور الحكمللة ‪ )) :‬مللن أعللان‬
‫ظالما ً سلط عليه (( !‬
‫إن من الخطأ النسياق في هللذه الحللرب تحللت مسللوغات‬
‫خاصة ذاتية ‪ ،‬بينما أهدافها الحقيقية تتجللاوز العللراق ونللزع‬
‫أسلحته ‪ ،‬بل وتغيير نظامه إلللى إعللادة صللياغة المنطقللة ‪،‬‬
‫ورسم خريطتها وفق رؤية أمريكية إسرائيلية ‪.‬‬
‫وهذه الحرب تأسيس خطيللر لمبللدأ التللدخل المباشللر فللي‬
‫شؤون الدول ‪ ،‬وخللوض المعللارك بهللدف تغييللر النظمللة ‪،‬‬
‫فضل ً عما قد يتمخض عنها مللن انكسللار حللاد فللي النظللام‬
‫والوجود العربي والسلمي ‪.‬‬
‫وتمهيللد للتطللبيع الكامللل وصللفقة السلللم المذلللة ‪ ،‬وفللق‬
‫"خارطللة الطريللق" أو غيرهللا ممللا تتفتللق عنلله قللرائح‬
‫الليكوديين !‬
‫ة في سلسلللة ممتللدة ترمللي إلللى‬ ‫وربما كانت العراق حلق ً‬
‫القضاء على جميع ألوان السللتقلل فللي الرادة والقللرار ‪،‬‬
‫أو العمللل والتخطيللط ‪ ،‬أو التصللنيع وامتلك القللوة فللي‬
‫المنطقة السلللمية كلهللا ‪ ،‬وزحزحللة كللل مشللروع يشللكل‬
‫خطللرا ً حاليلا ً أو مسللتقبليا ً علللى الوجللود الغربللي والتفللوق‬
‫السرائيلي في المنطقة ‪.‬‬
‫قد تتمكن اللة المتفوقللة مللن حسللم المعركللة فللي نهايللة‬
‫المطللاف ‪ ،‬وإقامللة النمللوذج الللذي تنشللده ليكللون قللدوةً‬
‫لجيرانه ‪ ،‬ومنطلقا ً لحروب أخرى تشن هنا وهناك ‪...‬‬

‫‪39‬‬
‫م‬
‫ض له ُ ْ‬ ‫ولكن تظل السنة قائمة " وَل َوَْل د َفْ لعُ الل ّلهِ الن ّللا َ‬
‫س ب َعْ َ‬
‫ل عََللللى‬ ‫َ‬
‫ضللل ٍ‬‫ذو فَ ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الّلللل َ‬ ‫ض وَل َ ِ‬
‫كللل ّ‬ ‫ت اْلْر ُ‬ ‫سلللد َ ِ‬‫ض ل ََف َ‬ ‫ب ِب َْعللل ٍ‬
‫ن"]البقرة‪[251:‬‬ ‫مي َ‬‫ال َْعال َ ِ‬
‫فصللاحب الحللق أطللول نفس لا ً وأمللد صللبرا ً ‪ ،‬وأقللدر علللى‬
‫التضللحية والفللداء ‪ ،‬وهللو إذا مللات يلورث الحفلاد الوصللية‬
‫بمحاسبة المعتدي والنتصاف منه ‪.‬‬
‫فإذا رأيت جريمة الجاني وما اجترحت يداه‬
‫فانثر على قبري وقبر أبيك شيئا ً من دماه !‬
‫وما زالت ذكريات المقاومة الباسلة للستعمار ماثلللة فللي‬
‫الذهان ‪ ،‬أو ظاهرة للعيلان ‪ ،‬فلي العلراق والشلام ومصلر‬
‫وبلد المغرب وغيرها ‪ ،‬وما الحتلل الجديد عنه ببعيد ‪.‬‬
‫قل للفرنسيس إذا جئته … …‬
‫مقالة من ناصح بر فصيح‬
‫دار ابن لقمان على حالها … …‬
‫والقيد باق‪..‬والطواشي صبيح‬
‫نل‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَنللافِِقي َ‬ ‫ن وَل َ ِ‬
‫كلل ّ‬ ‫مللؤْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫سللول ِهِ وَل ِل ْ ُ‬
‫"وَل ِّلللهِ ال ِْعللّزةُ وَل َِر ُ‬
‫ن"‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫============‬
‫‪#‬ضوابط الفتيا في النوازل المعاصرة )‪(1/2‬‬
‫الدكتور ‪ /‬مسفر بن علي القحطاني أستاذ الفقلله وأصللوله‬
‫في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ‪18/2/1424‬‬
‫‪20/04/2003‬‬
‫إن للنظر والجتهاد في أحكام النوازل المقام السمى في‬
‫السللم لمللا لله ملن موصللول الوشلائج بأصللوله وفروعلله‬
‫الحظ الوفى والقدح المعلى ‪،‬وهو الميدان الفسلليح الللذي‬
‫يستوعب ما جد ّ من شؤون الحياة والحيللاء ‪ ،‬وتعللرف مللن‬
‫خلللله أحكللام الشللرع فللي الوقللائع والمسللتجدات الدينيللة‬
‫والدنيوية ‪.‬‬
‫ول يخفى على أهل العلم والصلح ما وقللع خلل السللابيع‬
‫الماضية من عدوان غاشم علللى العللراق اسللتهدف أرضلله‬
‫ومقدراته وانتهللك حقللوق شللعبه وحرمللاته ‪ ،‬فكللانت نازلللة‬
‫عظيمة أصيبت بها المة العربيللة و السلللمية فللي فؤادهللا‬

‫‪40‬‬
‫وتأثر لها العالم أجمع ‪ ،‬ولعلها بداية السيل الغربللي العللرم‬
‫على بلدنا ومقدساتنا وثقافاتنا السلمية‪.‬‬
‫عنللدها عللت صلليحات الغيللورين محل ّ‬
‫ذرةً مللن هللذه الفتنللة‬
‫ومرشدةً للمخرج الشرعي منها ‪ ،‬فخرج علللى إثرهللا عللدد‬
‫من الفتاوى الشللرعية للجللان وهيئات علميللة وكللذا لفللراد‬
‫من أهل العلم ؛ بّينت أحكام بعض النوازل التي وقعت في‬
‫الحرب ؛ كحكم جهاد الغزاة من المريكان والبريطللانيين ‪،‬‬
‫والتعللاون مللع البعللثيين فللي ذلللك ‪ ،‬وحكللم مناصللرتهم‬
‫ومظاهرتهم على المسلمين في هذه الزمة ‪ ،‬وهللل يجللوز‬
‫لجيللوش المسلللمين المشللاركة فللي هللذه الحللرب بتقللديم‬
‫العون والدعم مهما كان لولئك المعتدين إلللى غيرهللا مللن‬
‫المسائل الواقعة والمتوقعة الحدوث خلل اليام القادمة ‪.‬‬
‫وقد أدى خروج بعض هذه الفتاوى في السللاحة السلللمية‬
‫إلى شيٍء مللن التبللاين والختلف فللي أحكامهللا ‪ ،‬والتنللافر‬
‫والتباعد بين أعلمهللا ‪ ،‬إضللافة للحيللرة والضللطراب الللتي‬
‫اعترت كثير من المسلمين من جللراء هللذا الختلف ‪ ،‬فللي‬
‫حين أننللا فللي أمللس الحاجللة فللي هللذه الزمللات للتقللارب‬
‫والئتلف و التعاون وجمع الكلمة على الحللق ‪ .‬ومللن أجللل‬
‫هذا المقصد العظيم أحببللت أن أشللارك إخللواني البللاحثين‬
‫وطلبللة العلللم الناصللحين بتوضلليح أهللم ضللوابط النظللر‬
‫والجتهاد في مثللل هللذه النللوازل ‪ ،‬وذكللر الململلح الهامللة‬
‫لجتهللادٍ أمثللل يسللتند علللى نصللوص الشللرع ويتوافللق مللع‬
‫مقاصده الكلية وقواعده العامة‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك قسمت هذا البحث إلى ثلثة مطالب ‪:‬‬
‫المطلب الول ‪:‬مناهج الفتيا في النوازل المعاصرة ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬الضوابط التي ينبغللي أن يراعيهللا المجتهللد‬
‫قبل الحكم في النازلة ‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪:‬الضوابط التي ينبغي أن يراعيهللا المجتهللد‬
‫أثناء بحث النازلة ‪.‬‬
‫هذا والله أسلأل أن يجلد القلارئ فللي هللذا التأصلليل لفقله‬
‫النوازل ما ينتفع به طلبة العلللم والبللاحثين ويللرأب الصللدع‬
‫الذي حدث بين بعضهم من جّراء أحداث الزمللة الراهنللة ‪،‬‬
‫ول أزعم أخواني القللراء الحاطللة والستقصللاء وإنمللا هللي‬

‫‪41‬‬
‫محاولة متواضعة أفتح فيها المجللال لهللل العلللم والفضللل‬
‫لشباع هذا الجانب المهم مللن التأصلليل ورب حامللل فقلله‬
‫إلى من هو أفقه منه ‪ ،‬كما أود التنبيه أني قد استعنت في‬
‫بحثي هللذا بدراسللتي الموسللعة حللول هللذا الموضللوع فللي‬
‫رسالتي للدكتوراه والللتي كللانت بعنللوان ‪):‬منهللج اسللتنباط‬
‫الحكللام الفقهيللة للنللوازل المعاصللرة ‪ ،‬دراسللة تأصلليلية‬
‫تطبيقية( والتي سوف تنزل المكتبات قريبا ً إن شاء الله‪.‬‬
‫المطلب الول ‪:‬مناهج الفتيا في النوازل المعاصرة‬
‫برزت في العصر الحاضر مناهج فللي النظللر فيمللا اسللتجد‬
‫حدوثه من نوازل وواقعللات وبللرز لكللل منهللج منهللا علمللاء‬
‫ومفتون وجهات تبني اجتهادها في النوازل من خلل رؤيللة‬
‫هذه المناهج وطرقها في النظر ‪.‬‬
‫وهذه المناهج المعاصرة في الفتيا والجتهاد ليست وليللدة‬
‫هذا العصر بل هي امتداد لوجهات نظر قديمللة واجتهللادات‬
‫علماء وأئمة سلكوا هذه المناهج وأسسوا طرقها ‪.‬‬
‫فلن يكون مقصود بحثنللا تأريللخ هللذه المناهلج ورموزهلا إل‬
‫بقدر ما يوضح مناهج الفتوى والنظر فللي عصللرنا الحاضللر‬
‫إذ هللي الوعللاء لكللل مللا يج لد َ وينللزل بالنللاس مللن أحكللام‬
‫وواقعات معاصرة ‪.‬‬
‫ويمكن إجمال أبرز هذه المناهج المعاصرة في النظر فللي‬
‫أحكام النوازل إلى ثلثة مناهج‪ ،‬هي كالتالي‪- :‬‬
‫أول ً ‪ :‬منهج التضييق والتشديد ‪.‬‬
‫من المقرر شرعا ً أن هللذا الللدين ُبنللي علللى اليسللر ورفللع‬
‫الحرج وأدلة ذلك غير منحصرة ‪ ،‬فاستقراء أدلللة الشللريعة‬
‫ض بأن الله عز وجلل جعلل هلذا اللدين رحمللة للنللاس ‪،‬‬ ‫قا ٍ‬
‫ويسرًا‪ ،‬والرسول صلى الله عليه وسلم أصل بعثته الرأفة‬
‫والرحمة بالناس ورفع الصار والغلل الللتي كللانت واقعللة‬
‫م‬‫جللاءك ْ‬ ‫على من قبلنا من المم ‪ ،‬يقول الله تعللالى ‪]:‬ل ََق لد ْ َ‬
‫لم َ‬
‫م‬ ‫ص عَل َي ْك ُل ْ‬
‫ريل ٌ‬ ‫ح ِ‬‫م َ‬ ‫زيلٌز عَل َي ْلهِ َ‬
‫مللا عَن ِت ّل ْ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫سو ٌ ِ ْ‬
‫ن أنُف ِ‬ ‫َر ُ‬
‫م [)‪.(1‬‬ ‫حي ٌ‬‫ف َر ِ‬ ‫ن َرُءو ٌ‬‫مِني َ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫َ‬
‫ن [ )‪(2‬‬ ‫مي َ‬‫ة ل ِل َْعال َ ِ‬‫م ً‬‫ح َ‬ ‫ك ِإل َر ْ‬‫سل َْنا َ‬
‫ما أْر َ‬ ‫ويقول عز وجل ‪] :‬وَ َ‬
‫‪ ،‬ويقول عليه الصلة والسلم ‪ )) :‬إن الله لم يبعثني معنتا ً‬
‫ول متعنتا ً ولكن بعثني معلما ً ميسرا ً (()‪(3‬‬

‫‪42‬‬
‫ومن أبرز أوصافه عليه الصلة والسلللم ملا قلاله ربله عللز‬
‫ضلعُ‬‫ث وَي َ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫خب َللائ ِ َ‬ ‫م عَل َي ْهِل ْ‬‫حّر ُ‬ ‫م الط ّي َّبا ِ‬
‫ت وَي ُ َ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬
‫ح ّ‬‫وجل ‪] :‬وَي ُ ِ‬
‫م[)‪.(4‬‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كان َ ْ‬‫ل ال ِّتي َ‬ ‫م َوال ْ‬
‫غل َ‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬
‫عَن ْهُ ْ‬
‫ولللذلك كللان عليلله الصلللة والسلللم يللترك بعللض الفعللال‬
‫والوامر ‪ ،‬خشيه أن يشق على أمته كما قال عليه الصلللة‬
‫والسلم‪ ):‬لول أن أشق على أمللتي لمرتهللم بالسللواك (()‬
‫‪(5‬‬
‫ونظائره من السنة كثير ولذلك كان عليه الصلة والسلللم‬
‫يأمر أصحابه بالتيسير أيضا ً على الناس وعدم حملهم على‬
‫الشدة والضيق ‪ ،‬فقد قللال لمعللاذ بللن جبللل وأبللي موسللى‬
‫الشعري ل رضلي اللله عنهملا لل لملا بعثهملا إللى اليملن ‪:‬‬
‫شرا ول تنّفرا (()‪.(6‬‬ ‫سرا وب ّ‬ ‫سرا ول تع ّ‬ ‫)) ي ّ‬
‫إن منهج التضييق و التشدد من الغلو المذموم انتهاجه في‬
‫أمر الناس سواًء كان إفتاًء أو تعليما ً أو تربية أو غير ذلك ‪،‬‬
‫وقد يهون المر إذا كان في خاصة نفسه دون إلزام الناس‬
‫به ‪ ،‬ولكن المر يختلف عندما ُيتجاوز ذلك إلللى المللر بلله ‪،‬‬
‫واللزام به‪،‬ويمكن إبراز بعض ملمح هذا المنهللج فللي أمللر‬
‫الفتاء بما يلي ‪-:‬‬
‫أ‪-‬التعصب للمذهب أو للراء أو لفراد العلماء ‪:‬‬
‫تقوم حقيقة التعصب على اعتقاد المتعصب أنه قبض على‬
‫الحق النهائي – في المور الجتهاديللة – الللذي ل جللدال ول‬
‫ن‬‫ق فللي النظللر وحسللن ظ ل ٍ‬ ‫مللراء فيلله ‪،‬فيللؤدي إلللى انغل ٍ‬
‫بللالنفس وتشللنيع علللى المخللالف والمنللافس ‪ ،‬ممللا يولللد‬
‫منهجللا ً متشللددا ً يّتبعلله الفقيلله أو المفللتي بللإلزام النللاس‬
‫بمذهبه في النظر وحرمة غيره من الراء و المذاهب؛ مما‬
‫يوقعه وإياهم في الضيق والعنت بالنغلق على هذا القول‬
‫أو ذاك المللللذهب دون غيللللره مللللن الراء و المللللذاهب‬
‫الراجحة ‪.‬‬
‫يقول المام أحمد ل رحمه الله ل ‪ )) :‬من أفتى الناس ليس‬
‫ينبغي أن يحمل الناس على مذهبه ويشدد عليهم(()‪.(7‬‬
‫مع العلم بأن مذهب جمهور العلماء عللدم إيجللاب اللللتزام‬
‫بمذهب معين في كل ما يذهب إليه من قول ‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية ل رحمه الله ل ‪-:‬‬

‫‪43‬‬
‫)) وإذا نزلت بالمسلم نازلة يستفتي من اعتقللد أنلله يفللتيه‬
‫بشرع الله ورسوله ملن أي ملذهب كلان ‪ ،‬ول يجلب عللى‬
‫أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كللل‬
‫ما يقول ‪ ،‬ول يجب على أحد من المسلمين التزام مللذهب‬
‫شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم فللي كللل‬
‫ما يوجبه ويخبر به ‪ ،‬بل كل أحد من الناس يؤخذ من قللوله‬
‫ويللترك إل رسللول اللله صلللى الللله عليلله وسلللم (()‪.(8‬ول‬
‫يختلف الحال والثر إذا كان التعصب لراء وأقللوال طائفللة‬
‫أو إمللام معيللن ل ُيخ لَرج عللن اجتهللادهم وافقللوا الحللق أو‬
‫خالفوه ‪.‬‬
‫والناظر في أحوال الناس المعاصرة وما أصابها مللن تغي ّللر‬
‫وتطور لم يسبق له مجتمع من قبل مع ما فيه من تشللابك‬
‫وتعقيد ‪ ،‬يتأكد لللديه أهميللة معللاودة النظللر فللي كللثير مللن‬
‫المسائل الفقهيللة الللتي بنيللت علللى التعليللل بالمناسللبة أو‬
‫قامت علللى دليللل المصلللحة أو العللرف السللائد ؛ كنللوازل‬
‫المعاملت المعاصرة من أنواع البيوع والسلم والضللمانات‬
‫والحوالت وغيرها ‪ ،‬أو كنللوازل الزمللات والحللروب كللالتي‬
‫تمر بالمة هذه الوقات ‪،‬وقد يكون التمسك بنصوص بعض‬
‫ص صللريح أو إجمللاع‬ ‫الفقهاء وشروطهم التي ليس فيهللا ن ل ٌ‬
‫من التضييق والتشدد الذي ينافي يسر وسماحة السلللم ‪،‬‬
‫وخصوصا ً إن احتاج الناس لمثل هذه القضايا أو المعاملت‬
‫التي قد تدخل في كثير من الحيان في بللاب الضللرورة أو‬
‫الحاجة الملحة ‪.‬‬
‫ومن ذلك ما نراه في مجتمعنا المعاصر من شللدة الحاجللة‬
‫لمعرفة بعض أحكام المعاملت المعاصرة التي تنزل بحياة‬
‫الناس ‪ ،‬ولهللم فيهللا حاجللة ماسللة ‪ ،‬أو مرتبطللة بمعاشللهم‬
‫الخاص من غير انفكلاك ‪ ،‬والصلل الشلرعي فيهلا الحلل ‪،‬‬
‫ل بعقودهللا ممللا قللد‬ ‫وقد يطرأ على تلك المعاملت مللا يخل ّ‬
‫يقربها نحو المنع والتحريللم ‪ ،‬فيعمللد الفقيلله لتغليللب جهللة‬
‫الحرمة والمنع في أمثللال تللك العقللود الللتي تشلعبت فللي‬
‫حياة الناس ‪ ،‬مع أن الصل فللي العقللود الجللواز والصللحة)‬
‫‪ ،(9‬والصل في المنافع الباحة )‪.(10‬‬

‫‪44‬‬
‫فيصبح حلال أولئك النلاس إملا بحثلا ً علن القلوال الشلاذة‬
‫والمرجوحة فيقلدونها ولن يعللدموها ‪ ،‬وإمللا ينبللذون التقيللد‬
‫بالحكام الشرعية فللي معللاملتهم وهللي الطامللة الكللبرى‪،‬‬
‫سللع الفقهللاء علللى النللاس فللي أمثللال تلللك العقللود‬ ‫ولللو و ّ‬
‫وضللبطوا لهللم صللور الجللواز واسللتثنوا منهللا صللور المنللع‬
‫ووضعوا لهم البدائل الشرعية خيرا ً من أن يحملللوا النللاس‬
‫على هذا المركب الخشن من المنع العام والتحريللم التللام‬
‫لكل تلك العقود النازلة ‪(11).‬‬
‫ومللن المثلللة فللي هللذا المجللال أيضلا ً مللا يقللع فللي الونللة‬
‫الخيرة أيام الحللج مللن تزايللد مطللرد لعللداد الحجللاج ومللا‬
‫ينجم عنه من تزاحم عنيف ومضايقة شديدة أدت إلى تغير‬
‫اجتهاد كثير من العلماء المفتين في كللثير مللن المسللائل ‪،‬‬
‫ومخالفة المشهور من المذاهب تخفيفلا ً علللى النللاس مللن‬
‫الضيق والحرج ‪ ،‬وكم سيحصل للناس من شدة وكرب لللو‬
‫تمسللك أولئك العلمللاء بللأقوال أئمتهللم أو أفتللوا بهللا دون‬
‫اعتبلللار لتغيلللر الحلللوال والظلللروف واختلف الزمنلللة‬
‫والمجتمعات ‪.‬‬
‫فرمي الجمار في أيام التشللريق يبللدأ مللن زوال الشللمس‬
‫حتى الغروب ‪ ،‬وعلى رأي الجمهللور ل يجللزئ الرمللي بعللد‬
‫المغرب ‪(12).‬‬
‫ومع ذلك اختار كثير ملن المحققيلن وجهلات الفتلاء جلواز‬
‫الرمللي ليل ً مراعللاة للسللعة والتيسللير علللى الحجللاج مللن‬
‫دة والزحام ‪(13).‬‬ ‫الش ّ‬
‫ولعل الداعي يتأكد لمعاودة النظر فللي حكللم الرمللي قبللل‬
‫الللزوال وخصوص لا ً للمتعجللل فللي اليللوم الثللاني مللن أيللام‬
‫التشريق ؛ لما ترتب على الرمي بعد الزوال في السنوات‬
‫الماضية من ضلليق وحللرج شللديد ‪ ،‬ول يخفللى أن القاعللدة‬
‫في أعمال الحج كما أنها قائمة على اتباع سنة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قائمة أيضا ً علللى رفللع الحللرج والتيسللير ‪.‬‬
‫وقد أفتى بالجواز بعض الئمللة مللن التللابعين وهللو مللذهب‬
‫الحناف )‪.(14‬‬
‫ب ‪ -‬التمسك بظاهر النصوص فقط ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫إن تعظيم النصوص وتقديمها أصل ديني ومطلللب شللرعي‬
‫ل يصح للمجتهد نظر إذا لم يأخللذ بالنصللوص ويعمللل بهللا ‪،‬‬
‫ولكن النحراف يحصل بالتمسك بظللواهر النصللوص فقللط‬
‫دون فقهها ومعرفة مقصد الشرع منهللا ‪.‬وممللا يللدل علللى‬
‫وجود هذا التجاه ما ذكره د ‪ .‬صالح المزيللد بقللوله‪ )):‬وقللد‬
‫ظهر في عصرنا من يقول ‪ :‬يكفللي الشللخص لكللي يجتهللد‬
‫فللي أمللور الشللرع يقتنللي مصللحفا ً مللع سللنن أبللي داود‪،‬‬
‫وقاموس لغوي (()‪.(15‬‬
‫وهذا النوع من المتطفلين لم يشموا رائحة الفقه فضل ً أن‬
‫يجتهللدوا فيلله ‪ ،‬وقللد سللماهم د ‪ .‬القرضللاوي ) بالظاهريللة‬
‫الجدد ( ل مع فارق التشبيه في نظري ل حيث قال عنهللم ‪:‬‬
‫))المدرسلللة النصلللية الحرفيلللة ‪ ،‬وهلللم اللللذين أسلللميهم‬
‫)الظاهرية الجدد( وجلهللم ممللن اشللتغلوا بالحللديث ‪ ،‬ولللم‬
‫يتمرسوا الفقه وأصوله ‪ ،‬ولم يطلعوا على اختلف الفقهاء‬
‫ومللداركهم فللي السللتنباط ول يكللادون يهتمللون بمقاصللد‬
‫الشريعة وتعليل الحكام بتغير الزمان والمكان والحللال(()‬
‫‪.(16‬‬
‫وهؤلء أقرب شيء إلللى ألسللنتهم وأقلمهللم إطلق كلمللة‬
‫التحريم دون مراعللاة لخطللورة هللذه الكلمللة ودون تقللديم‬
‫الدلة الشافية من نصوص الشرع وقواعده سندا ً للتحريللم‬
‫وحمل ً للناس على أشد مجاري التكليف ‪ ،‬والللله عللز وجللل‬
‫ف‬‫ص ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬‫قد حذر من ذلك حيث قال سبحانه ‪َ] :‬ول ت َُقوُلوا ل ِ َ‬
‫َ‬
‫م ل ِت َْفت َلُروا عَل َللى الل ّل ِ‬
‫ه‬ ‫حلَرا ٌ‬‫ذا َ‬ ‫ل وَهَل َ‬‫حل ٌ‬ ‫ذا َ‬ ‫ب هَ َ‬ ‫م ال ْك َذِ َ‬ ‫أل ْ ِ‬
‫سن َت ُك ُ ْ‬
‫ن [)‬ ‫حللو َ‬‫ب ل ي ُْفل ِ ُ‬‫ن عَل َللى الل ّلهِ ال ْك َلذِ َ‬‫ن ي َْفت َُرو َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ال ْك َذِ َ‬
‫‪.(17‬‬
‫فكم من المعاملت المباحة حرمت وكثير من أبواب العلم‬
‫والمعرفة ُأوصدت وُأخرج أقللوام مللن المل ّللة زاعميللن فللي‬
‫ذلك كله مخالفة القطعي من النصوص والثابت من ظللاهر‬
‫الدلة ؛ وليس المر كذلك عند العلماء الراسخين ‪.‬‬
‫يقول المام ابن القيم ل رحمه الله ل ‪ )) :‬ل يجللوز للمفللتي‬
‫أن يشهد علللى الللله ورسللوله بللأنه أحللل كللذا أو حرملله أو‬
‫أوجبه أو كرهه إل لما يعلم أن المر فيلله كللذلك ممللا نللص‬
‫اللللله ورسلللوله عللللى إبلللاحته أوتحريمللله أو إيجلللابه أو‬

‫‪46‬‬
‫كراهيته ‪..‬قال غير واحللد مللن السلللف ‪ :‬ليحللذر أحللدكم أن‬
‫يقول ‪ :‬أحل الله كذا أو حّرم كذا ‪ ،‬فيقللول الللله للله كللذبت‬
‫لم أحل كذا ‪ ،‬ولم أحرمه (()‪.(18‬‬
‫وهذا التحذير مللن إصللدار أحكللام الللله تعللالى قاطعللة فللي‬
‫النوازل والواقعات من دون علم راسخ ل شك أنلله يفضللي‬
‫إلللى إعنللات النللاس والتشللديد عليهللم بمللا ينللافي سللماحة‬
‫الشريعة ورحمتها بالخلق ‪.‬‬
‫وقللد وقللع فللي العصللور الخيللرة مللن كّفللر المجتمعللات‬
‫والحكومات حتى جعلوا فعل المعاصي سللببا ً للخللروج عللن‬
‫السلم ‪ ،‬ومللن أولئك القللوم ؛ مللا قللاله مللاهر بكللري أحللد‬
‫أعضاء التكفير والهجرة ‪ )) :‬إن كلمة عاصي هي اسم من‬
‫أسماء الكافر وتساوي كلمة كافر تماما ً ‪ ،‬ومرجع ذلك إلى‬
‫قضية السماء ‪ ،‬إنه ليس في ديللن الللله أن يسللمى المللرء‬
‫ن واحد مسلما ً وكافرا ً )‪!!(19‬؟‬ ‫في آ ٍ‬
‫وكما حدث من بعض طلبة العلم في الزمللة الخيللرة فللي‬
‫العراق من التكفير والخللراج مللن الملللة لكللل مللن ظللاهر‬
‫الكفار فقط ؛دون التفريق بيللن التللولي و المللوالة أو دون‬
‫النظر في حال المعين وما قد يشوبه من إكللراه أو تأويللل‬
‫أو غير ذلك‬
‫إن هذا المنهج القائم علللى النظللر الظللاهر للنصللوص دون‬
‫معرفة دللتها أعنت المة وأوقللع المسلللمين فللي الشللدة‬
‫والحرج ولعله امتللداد للخللوارج فللي تشللديدهم وتضللييقهم‬
‫على أنفسللهم والنللاس ‪ ،‬أو الظاهريللة فللي شللذوذهم نحللو‬
‫بعض الفهام الغريبة والراء العجيبة ‪.‬‬
‫ج ل الغلو في سد الللذرائع والمبالغللة فللي الخللذ بالحتيللاط‬
‫عند كل خلف ‪.‬‬
‫دلت النصوص الكثيرة على اعتبار سد الللذرائع والخللذ بلله‬
‫حماية لمقاصد الشريعة وتوثيقا ً للصل العام الللذي قللامت‬
‫عليه الشريعة من جلب المصالح ودرء المفاسد ‪ .‬ولللله در‬
‫ابن القيم ل رحمه الله ل إذ يقول ‪-:‬‬
‫)) فإذا حّرم الرب تعالى شيئا ً وله طللرق ووسللائل تفضللي‬
‫إليه ‪ ،‬فإنه يحرمها ويمنللع منهللا‪ ،‬تحقيقلا ً لتحريملله ‪ ،‬وتثبيتلا ً‬
‫له ‪ ،‬ومنعا ً من أن يقرب حماه ولو أباح الوسللائل والللذرائع‬

‫‪47‬‬
‫المفضية إليه لكلان ذللك نقصلا ً للتحريلم وإغلراًء للنفلوس‬
‫به (()‪.(20‬‬
‫ويحدث الشكال في اعتبار قاعدة سد الذرائع عندما تؤول‬
‫المبالغة في الخذ بها إلى تعطيللل مصللالح راجحللة مقابللل‬
‫مصلحة أو مفسدة متوهمة يظنهللا الفقيلله ؛ فيغلللق البللاب‬
‫إساءةً للشللرع مللن حيللث ل يشللعر كمللن ذهللب إلللى منللع‬
‫زراعة العنب خشية اتخاذه خمرًا‪،‬والمنع من المجاورة في‬
‫البيوت خشية الزنللا ‪ ،‬فهلذه المثللة وغيرهللا اتفقلت المللة‬
‫على عدم سللده‪،‬لن مصلللحته راجحللة فل تللترك لمفسللدة‬
‫مرجوحة متوهمة‪(21).‬وقد يحصل لبعللض متفقهللة العصللر‬
‫الحاضر المبالغة في رفللض القتبللاس مللن المللم الخللرى‬
‫فيما توصلت إليه من أنظمة وعلوم ومعارف ومخترعات ؛‬
‫معتبرين ذلك من الحداث في الدين والمخالفة لهدي سيد‬
‫المرسلين )‪.(22‬‬
‫والنللاظر فللي كللثير مللن النللوازل المعاصللرة فللي مجللال‬
‫القتصاد والطب يرى أنهللا فللي غالبهللا قادمللة مللن الللدول‬
‫الكللافرة وأن تعميللم الحكللم بللالرفض بنللاًء علللى مصللدره‬
‫ومنشأه تحجر وتضللييق ‪ .‬ول تللزال تللرد علللى النللاس مللن‬
‫المستجدات والوقائع بحكللم اتصلالهم بلالمم الخللرى مللن‬
‫العللادات والنظللم مللا لللو أغل َللق المفللتي فيلله علللى النللاس‬
‫دد مللن غيللر دليللل وحجللة ؛ لنفللض النللاس مللن‬ ‫الحكم وش ّ‬
‫حول الدين وغرقوا فيها من غيللر حاجللة للسللؤال ‪ ،‬ولللذلك‬
‫كان من المهم سد الذرائع المفضللية إلللى مفاسللد راجحللة‬
‫وإن كانت ذريعة في نفسها مباحة كما ينبغي فتح‬
‫الذرائع إذا كلانت تفضللي إلللى طاعلات وقربللات مصللحتها‬
‫راجحة )‪.(23‬‬
‫ومللن ململلح منهللج التضللييق والتشللدد فللي الفتللوى فللي‬
‫النوازل‪:‬‬
‫الخذ بالحتياط عند كل مسألة خلفية ينهللج فيهللا المفللتي‬
‫نحو التحريم أو الوجوب سد ّا ً لذريعة التساهل فللي العمللل‬
‫بالحكام أو منعا ً من الوقوع في أمرٍ فيه نوع شبهة يخشى‬
‫أن يقع المكلف فيها ‪ ،‬فيجري هذا الحكم عاما ً شامل ً لكللل‬
‫أنواع الناس والحوال والظروف ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫فمن ذلك منع عمل المرأة ولو بضوابطه الشرعية ووجللود‬
‫الحاجة إليه )‪.(24‬‬
‫وكذلك تحريم كافة أنواع التصوير الفوتغرافي والتلفزيوني‬
‫مع شدة الحاجة إليه في أوقاتنا المعاصرة )‪(25‬إلى غيرها‬
‫من المسائل التي أثبت جمهور العلماء جوازهللا بالضللوابط‬
‫والشروط الصالحة لذلك ‪.‬‬
‫ويجب التنبيه ل في هذا المقام ل على أن العمل بالحتيللاط‬
‫سائغ فللي حللق النسللان فللي نفسلله لمللا فيلله مللن الللورع‬
‫واطمئنان القلب ‪ ،‬أما إلزام العامة به واعتباره منهجا ً فللي‬
‫الفتوى فإن ذلك مما يفضي إلى وضع الحرج عليهم)‪.(26‬‬
‫وقاعللدة ‪ :‬اسللتحباب الخللروج مللن الخلف )‪(27‬؛ ليسللت‬
‫على إطلقها بل اشترط العلماء في استحباب العمللل بهللا‬
‫شروطا ً هي كالتالي ‪-:‬‬
‫أ ل أن ل يؤدي الخروج من الخلف إلى الوقوع في محذور‬
‫شللرعي مللن تللرك سللنة ثابتللة أو اقتحللام مكللروه أو تللرك‬
‫للعمل بقاعدة مقررة ‪.‬‬
‫ب للل أن ل يكللون دليللل المخللالف معلللوم الضللعف فهللذا‬
‫الخلف ل يلتفت إليه ‪.‬‬
‫ج ل أن ل يؤدي الخروج من الخلف إلى الوقوع فلي خلف‬
‫آخر ‪.‬‬
‫د ل أن ل يكون العامل بالقاعدة مجتهدا ً ؛ فإن كان مجتهدا ً‬
‫لم يجز له الحتياط في المسللائل الللتي يسللتطيع الجتهللاد‬
‫فيها‬
‫بل ينبغي عليه أن يفتي الناس بما ترجح عنللده مللن الدلللة‬
‫والبراهين )‪.(28‬‬
‫يقول د ‪ .‬الباحسين في بيان بعللض آثللار العمللل بالحتيللاط‬
‫في كل خلف حصل‪:‬‬
‫))ووجه الشبه في معارضة هذه القاعدة لرفع الحرج ‪ ،‬هو‬
‫أنه إذا كان وجللوب الحتيللاط يعنللي وجللوب التيللان بجميللع‬
‫محتملت التكليف ‪ ،‬أو اجتنابها عند الشللك بهللا ‪ ،‬فللإن فللي‬
‫ذلك تكثيرا ً للفعال التي سيأتي بها المكلف أو سلليجتنبها ‪،‬‬
‫وفللي هللذه الزيللادة فللي الفعللال مللا ل يتلءم مللع إرادة‬
‫التخفيف والتيسير ورفع الحرج ‪ ،‬بل قللال بعللض العلمللاء ‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫إنه لو بنى المكلف يوما ً واحدا ً على اللتزام بالحتياط فللي‬
‫جميع أموره مما خرج من موارد الدلة القطعية لوجد مللن‬
‫نفسه حرجا ً عظيما ً ‪ ،‬فكيف لللو بنللى ذلللك جميللع أوقللاته ‪،‬‬
‫وأمر عامة المكلفين حتى النسللاء وأهللل القللرى والبللوادي‬
‫فإن ذلك مما يؤدي إلى حصول الخلللل فللي نظللام أحللوال‬
‫العباد ‪ ،‬والضرار بأمور المعايش(()‪. (30‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬منهج المبالغة في التساهل والتيسير‬
‫ظهر ضللمن مناهللج النظللر فللي النللوازل المعاصللرة منهللج‬
‫المبالغللة والغلللو فللي التسللاهل والتيسللير ‪ ،‬وتعتللبر هللذه‬
‫المدرسللة فللي النظللر والفتللوى ذات انتشللار واسللع علللى‬
‫المستوى الفردي والمؤسسي خصوصا ً أن طبيعللة عصللرنا‬
‫الحاضر قد طغت فيه المادية على الروحية ‪ ،‬والنانية على‬
‫الغيرية ‪ ،‬والنفعيللة علللى الخلق ‪ ،‬وكللثرت فيلله المغويللات‬
‫بالشر والعللوائق عللن الخيللر ‪ ،‬وأصللبح القللابض علللى دينلله‬
‫كالقابض على الجمر حيث تلواجهه التيللارات الكلافرة عللن‬
‫ن‬ ‫مل ْ‬‫يمين وشمال تحاول إبعاده عن دينه وعقيدته ول يجللد َ‬
‫يعينه بل ربما يجد من يعوقه ‪.‬‬
‫وأمام هذا الواقع دعا الكثير من الفقهللاء إلللى التيسللير مللا‬
‫اسللتطاعوا فللي الفتللوى والخللذ بللالترخص فللي إجابللة‬
‫المستفتين ترغيبا ً لهم وتثبيتا ً لهللم علللى الطريللق القللويم)‬
‫‪.(31‬‬
‫ولشك أن هذه دعوى مباركة قائمة علللى مقصللد شللرعي‬
‫عظيم من مقاصد الشريعة العليا وهو رفللع الحللرج وجلللب‬
‫النفع للمسلم ودرء الضرر عنه في الدارين ؛ ولكن الواقللع‬
‫المعاصللر لصللحاب هللذا التللوجه يشللهد أن هنللاك بعللض‬
‫التجاوزات في اعتبار التيسير والخذ بالترخص وربمللا وقللع‬
‫أحدهم في رد بعض النصوص وتأويلها بما ل تحتمللل وجه لا ً‬
‫في اللغة أو في الشرع ‪.‬‬
‫وغ التضللحية‬ ‫وضغط الواقع ونفرة الناس عن الللدين ل يس ل ّ‬
‫بالثوابت والمسلمات أوالتنللازل عللن الصللول والقطعيللات‬
‫مهمللا بلغللت المجتمعللات مللن تغيللر وتطللور فللإن نصللوص‬
‫الشرع جاءت صالحة للناس في كل زمان ومكان ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ل رحمه الللله ل ل فللي‬
‫ذلك ‪ )) :‬فعموم الشريعة لسائر البشر في سللائر العصللور‬
‫مما أجمع عليلله المسللمون ‪ ،‬وقللد أجمعلوا علللى أنهللا ملع‬
‫عمومها صالحة للناس فللي كللل زملان ومكلان ولللم يلبينوا‬
‫كيفيللة هللذه الصلللوحية ؛ وهللي عنللدي تحتمللل أن تتصللور‬
‫بكيفيتين ‪:‬‬
‫الكيفية الولى ‪ :‬أن هذه الشريعة قابلللة بأصللولها وكلياتهللا‬
‫للنطبللاق علللى مختلللف الحللوال بحيللث تسللاير أحكامهللا‬
‫مختلف الحوال دون حرج ول مشقة ول عسر …‬
‫الكيفية الثانية ‪ :‬أن يكون مختلللف أحللوال العصللور والمللم‬
‫قللابل ً للتشللكيل علللى نحللو أحكللام السلللم دون حللرج ول‬
‫مشقة ول عسر كمللا أمكللن تغييللر السلللم لبعللض أحللوال‬
‫العرب والفرس والقبللط والللبربر والللروم والتتللار والهنللود‬
‫والصين والترك مللن غيللر أن يجللدوا حرجلا ً ول عسللرا ً فللي‬
‫القلع عما نزعوه من قديم أحوالهم الباطلة(()‪.(32‬‬
‫فمللن الخطللأ والخطللر تللبرير الواقللع والمبالغللة فللي فقلله‬
‫ل والعمللل بللأي اجتهللادٍ دون اعتبللار‬ ‫التيسير بالخذ بأي قللو ٍ‬
‫مّهما ً في النظر والجتهاد ‪.‬‬‫الحجة والدليل مقصدا ً ُ‬
‫ولعل من الدوافع لهذا التجاه الجتهادي ؛أن أصحاب هللذه‬
‫المدرسللة يريللدون إضللفاء الشللرعية علللى هللذا الواقللع ‪،‬‬
‫بالتماس تخريجات وتأويلت شرعية‪ ،‬تعطيه سندا ً للبقللاء ‪.‬‬
‫وقد يكون مهمتهم تبرير‪ ،‬أو تمرير ما يراد إخراجلله للنللاس‬
‫من قوانين أو قرارات أو إجراءات تريدها السلطة ‪.‬‬
‫ومن هؤلء من يفعل ذلك مخلص لا ً مقتنع لا ً ل يبتغللي زلفللى‬
‫إلى أحد ‪ ،‬ول مكافأة مللن ذي سلللطان ولكنلله واقللع تحللت‬
‫تللأثير الهزيمللة النفسللية أمللام حضللارة الغللرب وفلسللفاته‬
‫ومسلماته ‪.‬‬
‫ومنهم مللن يفعللل ذلللك ‪ ،‬رغبللة فللي دنيللا يملكهللا أصللحاب‬
‫مللن وراءهللم مللن الللذين يحركللون الزرار مللن‬ ‫السلطة أو َ‬
‫وراء الستار ‪ ،‬أو حبا ً للظهور والشهرة على طريقة ‪:‬‬
‫خالف تعرف ‪ ،‬إلى غير ذلك من عوامل الرغب والرهب أو‬
‫الخوف والطمع التي تحرك كثيرا ً من البشللر ‪ ،‬وإن حملللوا‬
‫ألقاب أهل العلم وألبسوا لبوس أهل الدين ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ول يخفى على أحد ما لهذا التيار الجتهادي من آثللار سلليئة‬
‫على الدين وحتى على تلك المجتمعات التي هم فيها‪،‬فهللم‬
‫قد أزالوا من خلل بعض الفتاوى الفوارق بين المجتمعللات‬
‫المسلللمة والكللافرة بحجللة مراعللاة التغيللر فللي الحللوال‬
‫والظروف عما كانت عليه في القرون الولى)‪.(33‬‬
‫ويمكن أن نبرز أهم ملمح هذا التجاه فيما يلي ‪-:‬‬
‫ا ‪ -‬الفراط بالعمل بالمصلحة ولو عارضت النصوص ‪:‬‬
‫إن المصلحة المعتبرة شرعا ً ليست بذاتها دليل ً مستقل ً بل‬
‫هي مجموع جزئيات الدلة التفصيلية مللن القللرآن والسللنة‬
‫التي تقوم على حفظ الكليات الخمس فيسللتحيل عقل ً أن‬
‫تخللالف المصلللحة مللدلولها أو تعارضلله وقللد ُأثبتللت حجيللة‬
‫المصلحة عن طريق النصللوص الجزئيللة فيكللون ذلللك مللن‬
‫قبيل معارضة المللدلول لللدليله إذا جللاء بمللا يخللالفه وهللذا‬
‫باطل )‪.(34‬‬
‫فالمصلحة عند العلماء ما كانت ملئمة لمقاصللد الشللريعة‬
‫ل تعارض نصا ً أو إجماعا ً مع تحققها يقينيا ً أو غالبلا ً وعمللوم‬
‫نفعها في الواقع ‪ ،‬أما لو خالفت ذلللك فل اعتبللار بهللا عنللد‬
‫كي‬ ‫ح ِ‬
‫عامة الفقهاء والصوليين إل ما ُ‬
‫عن المام الطوفي ل رحمه الله ل أنه نادى بضرورة تقللديم‬
‫دليلللل المصللللحة مطلقلللا ً عللللى النلللص والجملللاع عنلللد‬
‫معارضتهما له‪(35).‬‬
‫وواقع الفتاء المعاصر جنللح فيلله بعللض الفقهللاء والمفللتين‬
‫إلى المبالغللة فللي العمللل بالمصلللحة ولللو خللالفت الللدليل‬
‫المعتبر ومن ذلك ما قللاله بعللض المعاصللرين ممللن ذهبللوا‬
‫إلللى جللواز تللولي المللرأة للمناصللب العاليللة ‪ )) :‬إن النللبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قللرأ علللى النللاس فللي مكللة سللورة‬
‫النمل وقص عليهم في هذه السورة قصة ملكة سبأ الللتي‬
‫قللادت قومهللا إلللى الفلح والمللان بحكمتهللا وذكائهللا ‪،‬‬
‫ويستحيل أن يرسل حكما ً في حديث يناقض ما نللزل عليله‬
‫من وحي …ل إلى أن قال لل هللل خللاب قللوم ولللوا أمرهللم‬
‫امرأة من هذا الصنف النفيس (()‪. (36‬‬

‫‪52‬‬
‫ول شك في معارضة هذا الكلم لما ورد عللن النللبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم بقوله ‪ )) :‬لن يفلح قوم وّلوا أمرهم امرأة‬
‫(()‪.(37‬‬
‫ومللن ذلللك أيضللا ً مللا أفللتى بلله فضلليلة المفللتي السللابق‬
‫بجمهورية مصر العربية على جواز الفللوائد المصللرفية مللع‬
‫معلومية الربا فيها ‪ ،‬ومخالفته للنصوص والجماع المحللرم‬
‫للربا قليله وكثيره )‪.(38‬‬
‫وظهر في الونة الخيرة بعللض الفتللاوى الللتي أبللاحت بيللع‬
‫الخمر من أجل مصلحة‬
‫البلد في استقطاب السياحة ‪ ،‬وإباحة الفطار في رمضان‬
‫من أجل أل تتعطللل مصلللحة العمللال فللي البلد ‪ ،‬وإباحللة‬
‫التعامل بالربا من أجل تنشيط الحركة التجاريللة والنهللوض‬
‫بها ‪ ،‬والجمع بين الجنسين فللي مرافلق المجتمللع لملا فللي‬
‫ف للميلللل الجنسلللي‬ ‫ب للخلق وتخفيللل ٍ‬ ‫ذللللك ملللن تهلللذي ٍ‬
‫بينهما !! ؟)‪. (39‬‬
‫وبعضها جوزت التسوية بين البناء والبنللات فللي الميللراث)‬
‫‪ ، (40‬بللل وبعضللها جللوزت أن تمثللل المللرأة وتظهللر فللي‬
‫العلم بحجللة التكييللف مللع تطللورات العصللر بفقلله جديللد‬
‫وفهم جديد)‪.(41‬‬
‫وكللل هللذه وغيرهللا خرجللت بللدعوى العمللل بالمصلللحة‬
‫ومواكب الشريعة لمستجدات الحياة ‪.‬‬
‫ب – تتبع الرخص والتلفيق بين المذاهب ‪:‬‬
‫الرخللص الشللرعية الثابتللة بللالقرآن والسللنة ل بللأس فللي‬
‫العمل بها لقول النبي صلى الله عليلله وسلللم ‪ )) :‬إن الللله‬
‫يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه (()‪.(42‬‬
‫أما تتبع رخص المللذاهب الجتهاديللة والجللري وراءهللا دون‬
‫حاجةٍ يضطر إليها المفتي ‪ ،‬والتنقل ملن ملذهب إللى آخلر‬
‫والخذ بللأقوال عللددٍ مللن الئمللة فللي مسللألة واحللدة بغيللة‬
‫الترخص ‪ ،‬فهذا المنهللج قللد كرهلله العلمللاء وحل ّ‬
‫ذروا منلله ‪،‬‬
‫وإمامهم في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما قال ‪)) :‬‬
‫إني أخاف عليكم ثلثا ً وهي كائنللات ‪ :‬زلللة عللالم ‪ ،‬وجللدال‬
‫منافق بالقرآن ‪ ،‬ودنيا تفتح عليكم (()‪. (43‬‬

‫‪53‬‬
‫فزلة العاِلم مخوفة بالخطر لترتب زلل العاَلم عليها فمللن‬
‫تتبع زلل العلماء اجتمع فيه الشر كله ‪.‬‬
‫وقد حكى بعض المعاصرين خلفا ً بين العلمللاء فللي تجللويز‬
‫الخذ برخص العلماء لمن كان مفتيا ً أو ناظرا ً في النللوازل‬
‫)‪.(44‬‬
‫ولعل حكاية الخلف ليست صللحيحة علللى إطلقهللا وذلللك‬
‫للسباب التالية ‪-:‬‬
‫‪ -1‬أن الخلف الذي ذكروه في جواز تتبللع الرخللص أخللذوه‬
‫بناًء على الخلف في مسألة الجواز للعامي أن يتخيللر فللي‬
‫تقليده من شاء ممن بلغ درجة الجتهاد ‪ ،‬وأنه ل فرق بيللن‬
‫مفضول وأفضل ‪ ،‬ومع ذلك فللإنهم وإن اختلفللوا فللي هللذه‬
‫المسألة إل أنهم اتفقوا على أنه إن بللان لهللم الرجللح مللن‬
‫المجتهدين فيلزمهم تقليده ول يجللوز لهللم أن يتتبعللوا فللي‬
‫ذلك رخص العلماء وزللهم والعمل بها دون حاجه أو ضابط‬
‫)‪.(45‬‬
‫ف للعلماء في مسألة تخريجلا ً علللى‬ ‫فل يصح أن ُيحكى خل ٌ‬
‫مسألة أخرى تخالفها فللي المعنللى والمضللمون ‪ ،‬ول تلزم‬
‫بينهللا وذلللك أن الخلف فللي حللق العللامي ‪ ،‬أمللا المجتهللد‬
‫المفتي فل يجوز له أن يفللتي إل بمللا توصللل إليلله اجتهللاده‬
‫ونظره )‪.(46‬‬
‫وز الللترخص فللي الخللذ بللأقوال أي‬ ‫‪ -2‬أن بعض العلماء ج ل ّ‬
‫العلماء شاء وهذا إنما هو في حق العللوام ل ل كمللا ذكرنللا ل ل‬
‫كذلك أن يكون في حالت الضطرار وأن ل يكللون غرضلله‬
‫الهوى والشهوة ‪ ،‬يقول المام الزركشي ل رحمه الله ل في‬
‫ذلللك ‪ )) :‬وفللي فتللاوى النللووي الجللزم بللأنه ل يجللوز تتبللع‬
‫الرخص ‪ ،‬وقال في فتاٍوله أخللرى ؛ وقللد سللئل عللن مقلللد‬
‫ملذهب ‪ :‬هلل يجلوز لله أن يقللد غيلر ملذهبه فلي رخصلة‬
‫لضرورة ونحوها ؟ ‪ ،‬أجاب ‪ :‬يجوز له أن يعمل بفتللوى مللن‬
‫يصلح للفتاء إذا سأله اتفاق لا ً مللن غيللر تلّقللط الرخللص ول‬
‫تعمد سؤال مللن يعلللم أن مللذهبه الللترخيص فللي ذلللك (()‬
‫‪.(47‬‬
‫فالعلمللاء ل يجللوزون تتبللع الرخللص إل فللي حللالت خاصللة‬
‫يبّررها حاجة وحال السائل لذلك ل أن يكون منهجا ً للفتللاء‬

‫‪54‬‬
‫يتبعلله المفللتي مللع كللل سللائل أوفللي كللل نازلللة بللالهوى‬
‫والتشهي )‪.(48‬‬
‫‪– 3‬أن هناك من العلماء من حكى الجماع على حرمة تتبع‬
‫الرخص حتى لو كان عاميا ً ومن أولئك المام ابللن حللزم ل ل‬
‫رحمه الله ل)‪(49‬وابن الصلح ل رحملله الللله للل)‪(50‬وكللذلك‬
‫ابن عبد البر حيث قال رحمه الله‪)):‬ل يجللوز للعللامي تتبللع‬
‫الرخص إجماعًا(()‪.(51‬‬
‫وقد أفاض المام الشاطبي ل رحمه الله ل في الثار السيئة‬
‫التي تنجم عن العمل بتلّقط الرخص وتتبعها من المللذاهب‬
‫وخطر هذا المنهج في الفتيا)‪.(52‬‬
‫والتساهل المفرط ليللس مللن سلليما العلمللاء الخيللار وقللد‬
‫جعل ابن السمعاني ل رحمه الله ل من شروط العلماء أهل‬
‫الجتهاد ‪ :‬الكللف عللن الللترخيص والتسللاهل ‪ ،‬ثللم صللنف لل‬
‫رحمه الله ل المتساهلين نوعين ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يتسللاهل فللي طلللب الدلللة وطللرق الحكللام ويأخللذ‬
‫ببادئ النظر وأوائل الفكر فهذا مقصر في حق الجتهاد ول‬
‫يحل له أن يفتي ول يجوز ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن يتسللاهل فللي طلللب الرخللص وتللأول السللنة فهللذا‬
‫متجوز في دينه وهو آثم من الول)‪.(53‬‬
‫والملحللظ أن منهللج التسللاهل القللائم علللى تتبللع الرخللص‬
‫يفضي إلى اتباع الهللوى وانخللرام نظللام الشللريعة )) فللإذا‬
‫عرض العامي نازلته على المفتي ‪ ،‬فهو قائل له ‪ :‬أخرجني‬
‫عن هواي ودلني على اتباع الحق ‪ ،‬فل يمكن والحلال هللذه‬
‫أن يقول له ‪ :‬في مسللألتك قللولن فللاختر لشللهوتك أيهمللا‬
‫ل لهل العلم يصلح لك‬ ‫شئت ()‪ (54‬أو سأبحث لك عن قو ٍ‬
‫‪ ،‬وقد قال المام أحمد ل رحمه الله ل ‪ )) :‬لو أن رجل ً عمل‬
‫بكل رخصه ؛ بقول أهل الكوفة في النبيذ ‪ ،‬وأهللل المدينللة‬
‫في السماع ‪ ،‬وأهل مكة في المتعة كان فاسقا ً (()‪.(55‬‬
‫ويروى عن إسماعيل القاضي ل ل رحملله الللله ل ل أنلله قللال ‪:‬‬
‫)) دخلت على المعتضد فدفع إلي كتابا ً فنظللرت فيلله وقللد‬
‫جمع فيه الرخص من زلل العلماء وما احتج به كللل منهللم‪،‬‬
‫فقلللت ‪ :‬مصللنف هللذا زنللديق ‪،‬فقللال‪ :‬لللم تصللح هللذه‬
‫الحاديث ؟ قلت‪ :‬الحاديث على ما رويت ولكن مللن أبللاح‬

‫‪55‬‬
‫المسللكر لللم يبللح المتعللة ‪ ،‬ومللن أبللاح المتعللة لللم يبللح‬
‫المسللكر ‪ ،‬ومللا مللن عللالم إل وللله زلللة ‪ ،‬ومللن جمللع زلللل‬
‫العلماء ‪ ،‬ثم أخذ بها ذهللب دينلله ‪ ،‬فللأمر المعتضللد بللإحراق‬
‫ذلك الكتاب (()‪.(56‬‬
‫ولعل واقعنللا المعاصللر يشللهد جللوانب مللن تسللاهل بعللض‬
‫الفقهاء في التلفيق بين المذاهب وتتبللع الرخللص كمللا هللو‬
‫حاصل عند من يضع القللوانين والنظمللة أو يحتللج بأسلللمة‬
‫القللانون بنللاًء علللى هللذا النللوع مللن التلفيللق ‪ ،‬أمللا حللالت‬
‫الضرورة في الخذ بهذا المنهج فإنها تقدر بقدرها ‪.‬‬
‫ج – التحايل الفقهي على أوامر الشرع ‪.‬‬
‫وهو من ملمح مدرسة التساهل والغلو في التيسير ؛ وقللد‬
‫جاء النهي في السنة عن هذا الفعل حيث قال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ )):‬ل ترتكبوا ما ارتكب اليهللود فتسللتحلوا‬
‫محارم الله بأدنى الحيللل (()‪ .(57‬وعلللى ذلللك اتفللق أكللثر‬
‫أهل العلم على عدم تجويزه )‪ (58‬وفي ذلك يقول المللام‬
‫القرافي ل رحمه الله ل ‪ )) :‬ل ينبغي للمفتي ‪ :‬إذا كان فللي‬
‫المسألة قولن ‪ :‬أحدهما فيه تشديد والخر فيلله تخفيللف ؛‬
‫أن يفللتي العامللة بالتشللديد والخللواص مللن ولة المللور‬
‫بالتخفيف وذلك قريب مللن الفسللوق والخيانللة فللي الللدين‬
‫والتلعب بالمسلمين ‪ ،‬ودليل على فراغ القلب من تعظيم‬
‫الللله تعللالى و إجلللله وتقللواه ‪ ،‬وعمللارته بللاللعب وحللب‬
‫الرياسة والتقرب إلى الخلق دون الخالق نعللوذ بللالله مللن‬
‫صفات الغافلين (()‪.(59‬‬
‫وقد حكى أبو الوليد الباجي ل رحمه الللله لل عللن أحللد أهللل‬
‫زمانه أخللبره أنلله وقعللت للله واقعللة ‪ ،‬فأفتللاه جماعللة مللن‬
‫المفتين بما يضره وكلان غائبلا ً ‪ ،‬فلملا حضلروا قلالوا ‪ :‬للم‬
‫نعلم أنها لك ‪ ،‬وأفتوه بالرواية الخرى ‪ ،‬قال‪ :‬وهللذا ممللا ل‬
‫خلف بين المسلمين المعتد بهم في الجماع أنه ل يجوز )‬
‫‪.(60‬‬
‫صل المام ابن القيم ل رحمه الله ل القول في الحيل‬ ‫وقد ف ّ‬
‫الممنوعة على المفتي وما هو مشروع له حيث قال ‪:‬‬
‫)) ل يجوز للمفتي تتبللع الحيللل المحرمللة والمكروهللة ‪ ،‬ول‬
‫م‬
‫حلرِ َ‬
‫تتبع الرخص لمن أراد نفعه ‪ ،‬فإن تتبللع ذلللك فسللق و ُ‬

‫‪56‬‬
‫سن قصده في حيلةٍ جائزة ل شبهة فيها‬ ‫ح ُ‬‫استفتاؤه ‪ ،‬فإن َ‬
‫ول مفسدة ‪ ،‬لتخليص المستفتي بها من حللرج جللاز ذلللك ‪،‬‬
‫بل استحب ‪ ،‬وقد أرشد الله نبيه أيوب عليلله السلللم إلللى‬
‫التخلص من الحنث بأن يأخذ بيده ضغثا ً فيضرب به المرأة‬
‫ة واحدة ‪ .‬وأرشد النبي صلللى الللله عليلله وسلللم بلل ً‬ ‫ضرب ً‬
‫إلى بيع التمر بدراهم ‪ ،‬ثللم يشللتري بالللدراهم تمللرا ً آخللر ‪،‬‬
‫فيخلص من الربا ‪.‬‬
‫فأحسن المخارج ما خّلص من المآثم وأقبح الحيل ما أوقع‬
‫في المحارم أو أسقط ما أوجبه الللله ورسللوله مللن الحللق‬
‫اللزم والله الموفق للصواب (()‪.(61‬‬
‫وقد وقع كثير من الفقهلاء المعاصللرين فلي الفتللاء بجلواز‬
‫كثير من المعاملت المحرمة تحللايل ً علللى أوامللر الشللرع ؛‬
‫كصور بيع العينة المعاصرة ومعاملت الربا المصللرفية ‪ ،‬أو‬
‫التحايل على إسقاط الزكاة أو البراء من الديون الواجبة ‪،‬‬
‫أو ما يحصل في بعض البلدان من تجويز النكحللة العرفيللة‬
‫تحايل ً على الزنا ‪ ،‬أو تحليل المرأة لزوجها بعد مبللاينته لهللا‬
‫بللالطلق ‪،‬وكللل ذلللك وغيللره مللن التحايللل المللذموم فللي‬
‫الشرع )‪.(62‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬المنهج الوسطي المعتدل في النظر والفتاء‬
‫الشريعة السلمية شريعة تتميلز بالوسلطية واليسلر وللذا‬
‫ينبغي للناظر في أحكام النوازل من أهل الفتيللا والجتهللاد‬
‫أن يكونللوا علللى الوسللط المعتللدل بيللن طللرف التشللدد‬
‫والنحلل كمللا قللال المللام الشللاطبي للل رحملله الللله ل ل ‪:‬‬
‫)) المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس علللى‬
‫المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور فل يذهب بهم مذهب‬
‫الشدة ول يميل بهم إلى طرف النحلل ‪.‬‬
‫والدليل على صحة هذا أن الصراط المستقيم الذي جاءت‬
‫به الشريعة ؛فإنه قد مّر أن مقصللد الشللارع مللن المكلللف‬
‫الحمل عللى التوسلط ملن غيلر إفلراط ول تفريلط ‪ ،‬فلإذا‬
‫خرج عن ذلك في المسللتفتين ؛ خللرج عللن قصللد الشللارع‬
‫ن خرج عللن المللذهب الوسللط مللذموما ً عنللد‬ ‫م ْ‬‫ولذلك كان َ‬
‫العلماء الراسخين …فإن الخروج إلى الطراف خارج عللن‬
‫العدل ‪ ،‬ول تقوم به مصلحة الخلللق ‪ ،‬أمللا طللرف التشللديد‬

‫‪57‬‬
‫فللإنه مهلكللة وأمللا طللرف النحلل فكللذلك أيضللا ً ؛ لن‬
‫ب به مللذهب العنللت والحللرج ب ُغّللض إليلله‬ ‫المستفتي إذا ذ ُهِ َ‬
‫الدين وأدى إلى النقطاع عن سلوك طريق الخرة ‪ ،‬وهللو‬
‫ب بلله مللذهب النحلل كللان مظنللة‬ ‫مشللاهد ‪ ،‬وأمللا إذا ذ ُهِل َ‬
‫للمشي على الهوى والشهوة ‪ ،‬والشللرع إنمللا جللاء بللالنهي‬
‫عن الهوى واتباع الهوى مهلك ‪ ،‬والدلة كثيرة (()‪.(63‬‬
‫ولعل مللا ذكرنللاه مللن ململلح للمناهللج الخللرى المتشللددة‬
‫والمتساهلة كان من أجل أن يتبين لنللا مللن خللهللا المنهللج‬
‫المعتللدل ؛ وذلللك أن الشللياء قللد تعللرف بضللدها وتتمللايز‬
‫بنقائضها‪.‬‬
‫وقد أجاز بعض العلماء للمفتي أن يتشدد في الفتوى على‬
‫سبيل السياسة لمن هللو مقللدم علللى المعاصللي متسللاهل‬
‫فيها ‪ ،‬وأن يبحث عن التيسير والتسلهيل عللى ملا تقتضليه‬
‫الدلة لمن هو مشدد علللى نفسلله أو غيللره ‪ ،‬ليكللون مللآل‬
‫الفتوى ‪ :‬أن يعود المستفتي إلى الطريق الوسط )‪.(64‬‬
‫ولذلك ينبغي للمفتي أن يراعي حالللة المسللتفتي أو واقللع‬
‫النازلة فيسير في نظره نحو الوسط المطلوب باعتللدال ل‬
‫إفراط فيه نحو التشدد ول تفريط فيه نحو التسللاهل وفللق‬
‫مقتضى الدلة الشرعية وأصول الفتيا ‪ ،‬وما أحسن ما قاله‬
‫المام سفيان الثوري ل رحملله الللله للل‪)):‬إنمللا العلللم عنللدنا‬
‫الرخصة من ثقة فأمللا التشللدد فيحسللنه كللل أحللد(()‪.(65‬‬
‫والظاهر أنه يعني تتبع مقصد الشارع بالصل‬
‫الميسور المستند إلى الدليل الشرعي‪.‬‬
‫ولشللك أن هللذا التجللاه هللو اتجللاه أهللل العلللم والللورع‬
‫والعتدال ‪ ،‬وهلي الصلفات اللزملة لملن يتعلرض للفتلوى‬
‫والتحدث باسم الشرع ‪ ،‬وخصوصا ً في هذا العصر ‪.‬‬
‫فالعلم هو العاصم من الحكم بالجهل ‪ ،‬والورع هو العاصللم‬
‫مللن الحكللم بللالهوى ‪ ،‬والعتللدال هللو العاصللم مللن الغلللو‬
‫والتفريط ‪ ،‬وهذا التجاه هللو الللذي يجللب أن يسللود ‪ ،‬وهللو‬
‫الجتهاد الشرعي الصحيح وهو الذي يدعو إليه أئمة العلللم‬
‫المصلحون)‪.(66‬‬
‫وسلليأتي مزيللد بيللان لبعللض الداب والضللوابط المكملللة‬
‫لصحاب هذا التجاه المعتدل من أجللل الوصللول إلللى أدق‬

‫‪58‬‬
‫النتائج وتحقيق الصواب والتوفيق من الله عز وجل ؛ وهللو‬
‫موضوع المطلبين القادمين – بإذن الله ل ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الضوابط التي ينبغي أن يراعيها المجتهللد‬
‫قبل الحكم في النازلة‪ (1) .‬سورة التوبة ‪ ،‬آية ‪) . 128 :‬‬
‫‪ (2‬سورة النبياء ‪ ،‬آية ‪. 107 :‬‬
‫)‪ (3‬أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الطلق‪،‬باب بيان‬
‫أن تخيير امرأته ل يكون طلقا ً إل بنيلة ‪ ،‬رقمله ) ‪( 1478‬‬
‫‪ (4) .1104 /2‬سورة العراف ‪ ،‬آية ‪ (5) . 157 :‬أخرجه‬
‫البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة ‪ ،‬باب السواك يللوم‬
‫الجمعة ‪ . 5 / 2‬وأخرجه مسلم فللي صللحيحه فللي كتللاب‬
‫الطهارة ‪ ،‬باب السواك ‪ ، 220 / 1 ،‬رقمه ) ‪(6). ( 1732‬‬
‫أخرجه البخاري في صللحيحه فللي كتللاب الجهللاد بللاب ومللا‬
‫يكره من التنازع والختلف في الحرب وعقوبة من عصللى‬
‫إمامه ‪ . 79 / 4‬وأخرجه مسلم فللي صللحيحه فللي كتللاب‬
‫الجهاد ‪ ،‬باب المر بالتيسير وترك التنفير ‪ 1358 / 3‬رقمه‬
‫)‪ (7). ( 1732‬الداب الشرعية لبن مفلح ‪(8) . 45 / 2‬‬
‫انظر ‪ :‬تحرير النزاع في المسألة ‪ :‬المجموع ‪91 , 90 / 1‬‬
‫؛ شرح المحلى على جمع الجوامع ‪ 393 / 2‬؛ شرح تنقيح‬
‫الفصللول ص ‪ 432‬؛ المسللودة ص ‪ 465‬؛ شللرح الكللوكب‬
‫المنير ‪ 574 / 4‬؛ الوصول إلى علم ألصول لبن برهان ‪2‬‬
‫‪. 369 /‬‬
‫)‪ (9‬مجموع الفتاوى ‪ (10) ، 209 , 208 / 20‬انظر ‪:‬‬
‫تهذيب الفروق ‪ 120 / 4‬؛ الفتاوى الكبرى لبن تيمية ‪/ 4‬‬
‫‪. 581‬‬
‫)‪ (11‬انظر ‪ :‬البحر المحيط ‪ 215 / 1‬؛ القواعد للحصللني‬
‫‪ 478 / 1‬؛ البهاج ‪ 177 / 3‬؛ نهاية السول ‪ 352 / 4‬؛‬
‫الشباه والنظللائر للسلليوطي ص ‪ ، 133‬ويللدل علللى هللذه‬
‫القاعدة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قللال ‪:‬‬
‫)) الحلل ما أحا الله في كتابه ‪ ،‬والحرام ما حرم الله فللي‬
‫كتابه ‪ ،‬وما سكت عنه فهو مما عفا عنلله (( رواه الترمللذي‬
‫في كتللاب اللبللاس ‪ ،‬بللاب مللا جللاء فللي لبللس الفللراء ‪/ 4‬‬
‫‪ . 220‬ورواه ابللن مللاجه فللي كتللاب الطعمللة ‪ ،‬بللاب أكللل‬

‫‪59‬‬
‫الجبن والسمن ‪ (12). 1117 / 2 ،‬انظر ‪ :‬الفكر السامي‬
‫‪. 215 / 1‬‬
‫)‪ (13‬انظر ‪ :‬الكافي لبن عبللد الللبر ‪ 355 / 1‬تحقيللق د ‪.‬‬
‫محمد بن محمد ولد مايللك ‪ ،‬الناشللر المحقللق ‪ 1399‬هلل ؛‬
‫مغني المحتاج للشربيني ‪ ، 377 / 2‬دار الكتب العلميللة ‪،‬‬
‫الطبعة الولى ‪ 1415‬هلل ؛ المبللدع لبللن مفلللح ‪250 / 3‬‬
‫طبعة المكتب السلمي ‪1400‬هل ؛ القنللاع للحجللاوي ‪/ 1‬‬
‫‪ 390‬طبعة دار المعرفة‬
‫)‪ (14‬انظر ‪ :‬بدائع الصللنائع ‪ ، 137 / 2‬المكتبللة العالميللة‬
‫ببيروت ؛ الشرح الممتع على زاد المستنقع لبن عثيمين ‪7‬‬
‫‪ 385 /‬مؤسسة إمللام للنشللر الطبعللة الولللى ‪1416‬هل ل ؛‬
‫فتاوى الحج والعملرة والزيلارة ؛ جملع محملد المسلند ص‬
‫‪ ، 110‬دار الللوطن الطبعللة الولللى ‪ (15).‬انظللر ‪ :‬بللدائع‬
‫الصللنائع ‪ 138 / 2‬؛ المبسللوط للسرخسللي ‪ 68 / 4‬دار‬
‫الكتب العلميللة ‪ ،‬الطبعللة الولللى ‪1414‬هل ل ؛ المغنللي ‪/ 3‬‬
‫‪328‬؛ رسللالة فللي فقلله الحللج والعمللرة د ‪ .‬عبللد الرحمللن‬
‫النفيسة ص ‪ 25-22‬ضمن العدد )‪ (33‬من مجلللة البحللوث‬
‫الفقهية المعاصرة ‪ (16) .‬فقه الئمة الربعة بين الزاهدين‬
‫فيه والمتعصبين له ص ‪ (17) . 66‬الجتهاد المعاصللر ص‬
‫‪ (18). 88‬سلللورة النحلللل ‪ ،‬آيلللة ‪ (19). 116 :‬إعلم‬
‫الموقعين ‪ (20) . 134 / 4‬نقل ً من كتاب الغلو في الدين‬
‫د ‪ .‬عبللد الرحمللن اللويحللق ص ‪ ، 273‬مؤسسللة الرسللالة‬
‫الطبعة الثانية ‪1413‬هل ‪.‬‬
‫)‪ (21‬إعلم الموقعين ‪(22) . 109 / 3‬انظر ‪ :‬شرح تنقيح‬
‫الفصول للقرافلي ص ‪ 449-448‬؛ الفللروق للقرافلي ‪/ 2‬‬
‫‪ 33‬؛ مقاصد الشريعة السلمية د ‪ .‬اليوبي ص ‪584-574‬‬
‫)‪(23‬انظر ‪ :‬السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة‬
‫ومقاصدها د ‪ .‬القرضاوي ص ‪ ، 231‬مكتبللة وهبللة بمصللر ‪،‬‬
‫الطبعة الولى ‪1419‬هل ‪(24) .‬انظر ‪ :‬شرح تنقيح الفصول‬
‫ص ‪ ، 449‬إعلم الموقعين ‪. 109 / 3‬‬
‫)‪(25‬انظلللر ‪ :‬مركلللز الملللرأة فلللي الحيلللاة السللللمية د‬
‫‪.‬القرضاوي ص ‪ ، 150 – 130‬المكتب السلمي ‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪1418‬هل ؛ المرأة ماذا بعد السقوط ‪ ،‬تأليف ‪ :‬بدرية‬

‫‪60‬‬
‫العزاز ص ‪ ، 216 -199‬مكتبة المنار السلمية بالكويت ‪).‬‬
‫‪ (26‬انظر ‪ :‬الجتهاد المعاصر للقرضاوي ص ‪. 88‬‬
‫)‪(27‬انظر ‪ :‬الموافقات ‪ 194 -184 / 1‬؛ العمل بالحتياط‬
‫فللي الفقلله السلللمي تللأليف ‪ :‬منيللب محمللود شللاكر ص‬
‫‪ ، 118‬دار النفائس بالرياض ‪ ،‬الطبعة الولى ‪1418‬هل ‪.‬‬
‫)‪(28‬انظلللر ‪ :‬الشلللباه والنظلللائر للسللليوطي ص ‪ 257‬؛‬
‫الفروق للقرافي ‪. 210 / 4‬‬
‫)‪ (29‬انظللر ‪ :‬الشللباه والنظللائر للسلليوطي ص ‪ 258‬؛‬
‫العمل بالحتياط في الفقه السلمي ص ‪ 257-254‬؛ رفع‬
‫الحرج د ‪ .‬صالح بن حميللد ص ‪ ، 348-337‬دار السللتقامة‬
‫الطبعة الثانية ‪1412‬هل ؛ رفع الحرج د ‪ .‬يعقوب الباحسللين‬
‫ص ‪ ، 130-115‬دار النشللر الللدولي بالريللاض ‪ ،‬الطبعللة‬
‫الثانية ‪1416‬هل ‪.‬‬
‫)‪ (30‬رفع الحرج ص ‪ (31)< 116 , 115‬انظر ‪ :‬الفتوى‬
‫بين النضلباط والتسليب د ‪ .‬القرضللاوي ص ‪(32) . 111‬‬
‫مقاصد الشريعة السلمية ص ‪. 93 , 92‬‬
‫)‪ (33‬انظللر ‪ :‬بعضلا ً مللن هللذه الفتللاوى مللن كتللاب تغليللظ‬
‫الملم على المتسرعين في الفتيا وتغييللر الحكللام للشلليخ‬
‫حمود التويجري ص ‪ ، 88 – 58‬دار العتصللام بالريللاض ‪،‬‬
‫الطبعة الولى ‪1413‬هل ؛ الجتهاد المعاصر للقرضللاوي ص‬
‫‪ 88-62‬؛ الفتوى في السلم للقاسلمي ص ‪(34) . 125‬‬
‫انظللر ‪ :‬ضللوابط المصلللحة د ‪ .‬البللوطي ص ‪(35) . 110‬‬
‫انظر ‪ :‬المستصفى ‪ 293 / 2‬؛ شرح الكوكب المنير ‪/ 4‬‬
‫‪ 432‬؛ شرح تنقيح الفصول ص ‪ 446‬؛ البحر المحيط ‪/ 6‬‬
‫‪ 79 , 78‬؛ تقريب الوصول ص ‪ 412‬؛ إرشاد الفحول ص‬
‫‪ 242‬؛ ضوابط المصلحة ص ‪ 187‬؛ الستصلح والمصلللحة‬
‫للزرقا ص ‪ 75‬؛ السياسة الشللرعية للقرضللاوي ص ‪-245‬‬
‫‪ 261‬؛ نظرية المصلللحة لحسللين حامللد حسللان ص ‪-525‬‬
‫‪ (36). 552‬السنة النبوية بين أهل الفقلله وأهللل الحللديث‬
‫ص ‪. 50 , 47‬‬
‫)‪(37‬أخرجه البخاري في صحيحه ‪ ,‬كتللاب المغللازي ‪ ،‬بللاب‬
‫كتاب النبي صلى الله عليلله وسللم إللى كسلرى وقيصلر ‪،‬‬
‫رقمه) ‪ (38) .( 4073‬انظر ‪ :‬رد ّ د ‪ .‬السالوس في كتابه ‪:‬‬

‫‪61‬‬
‫القتصاد السلمي والقضايا الفقهية المعاصرة ‪– 330 / 1‬‬
‫‪ 356‬دار الثقافة بقطر الطبعة الولللى ‪1416‬هل ل ويتضللمن‬
‫الكتاب الرد على من أجللاز الفللوائد الربويللة مثللل د ‪ .‬عبللد‬
‫المنعم نمر و د‪ . .‬الفنجري وغيرهم ‪.‬‬
‫)‪ (39‬انظللر ‪ :‬رفللع الحللرج لبللن حميللد ص ‪ 312‬و ‪ 313‬؛‬
‫تزييللف الللوعي لفهمللي هويللدي ص ‪ ، 79‬دار الشللروق ‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة ‪ 1420‬هل فقد نقل عللن د ‪ .‬محمللد فرحللات‬
‫عدم ملئمة حد السرقة وتحريم الربا للواقللع والمصلللحة ‪.‬‬
‫من خلل كتابه ) المجتمع والشريعة والقللانون ( ص ‪ 78‬و‬
‫‪. 88‬‬
‫)‪ (40‬انظر ‪ .‬السياسة الشرعية د ‪ .‬القرضاوي ص ‪ 253‬؛‬
‫الجتهاد المعاصر ص ‪. 82 70‬‬
‫)‪ (41‬انظر ‪ :‬مقال د ‪ .‬سعيد الغامدي في مجلللة المجتمللع‬
‫العدد )‪ ( 1321‬فللي مناقشللة د ‪ .‬القرضللاوي حللول تمثيللل‬
‫المرأة ‪ (42) .‬أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ‪162 / 3‬‬
‫وقال ‪ ":‬رواه الطبراني في الكللبير والللبزار ورجللال الللبزار‬
‫ثقللات وكللذلك رجللال الطللبراني" وانظللر صللحيح الجللامع‬
‫لللباني ‪ 383 / 1‬رقم ) ‪. ( 1885‬‬
‫)‪ (43‬أخرجه الهيثمي فللي مجمللع الللزوائد ‪ 186 / 1‬مللن‬
‫حديث معاذ وقال ‪ " :‬رواه الطبراني في الثلثة وفيلله عبللد‬
‫الحكيم بن منصور وهو متروك الحديث " وذكر له شللواهد‬
‫ل تخلو من ضللعف ‪ ،‬ورواه الللبيهقي فللي الشللعب ‪/ 3/ 2‬‬
‫‪ ، 347‬وهذا الحديث له شواهد مرفوعللة وموقوفللة يقللوى‬
‫بها إلى الحسن لغيره ‪ .‬انظر ‪ :‬جللامع بيللان العلللم وفضللله‬
‫‪ ، 980 / 2‬الفقيه والمتفقه ‪ ، 26 / 2‬حلية الوليلاء ‪/ 4‬‬
‫‪. 196‬‬
‫)‪ .(44‬انظر ‪ :‬المسللتدرك مللن الفقلله السلللمي وأدلتله د‪.‬‬
‫وهبه الزحيلللي ‪ 41 / 9‬طبعللة دار الفكللر الطبعللة الولللى‬
‫‪1417‬هل ؛ بحللث د ‪ .‬سللعد العنللزي بعنللوان ) التلفيللق فللي‬
‫الفتللوى ( ص ‪ ، 305 -274‬مجلللة الشللريعة والدراسللات‬
‫السلللميةالعدد ) ‪1420 ( 38‬هل ل ؛ بحللوث مجلللة مجمللع‬
‫الفقه السلمي ‪ ،‬العدد الثامن ‪ ، 565 – 41 / 1‬ومن هذه‬
‫البحوث التي تناولت مسألتنا ‪ :‬بحث د ‪ .‬وهبه الزحيلي و د‬

‫‪62‬‬
‫‪ .‬عبد الله محمد عبد الله والشيخ خليل الميللس ‪ ،‬والشلليخ‬
‫محمد رفيع العثماني ‪ ،‬ود ‪ .‬حمد الكبيسي والشيخ مجاهللد‬
‫القاسمي ‪ ،‬ود ‪ .‬حمداتي شبيهنا ماء العينين وغيرهم ‪ .‬وقد‬
‫ذهب بعضللهم إلللى جللواز التلفيللق وتتبللع الرخللص ونسللبوا‬
‫القول بالجواز للمللام القرافللي وأكللثر أصللحاب الشللافعي‬
‫والراجللح عنللد الحنفيللة وأنلله اختيللار ابللن الهمللام وصللاحب‬
‫مسلم الثبوت ‪.‬‬
‫)‪ (45‬انظر ‪ :‬المستصفى ‪ 390 / 2‬؛ شرح تنقيح الفصول‬
‫ص ‪ 432‬؛ فواتح الرحموت ‪ 404 / 2‬؛ البحر المحيط ‪/ 6‬‬
‫‪ 325‬؛ شللرح الكللوكب المنيللر ‪ 571,577 / 4‬؛ روضللة‬
‫النللاظر ‪ 1024 / 3‬؛ الحكللام فللي تمييللز الفتللاوى عللن‬
‫الحكام ص ‪ 230‬؛ إرشاد الفحول ص ‪(46). 272 , 271‬‬
‫انظر ‪ :‬الموافقات ) الحاشية ( ‪ ، 98 / 5‬الجتهاد والتقليد‬
‫د ‪ .‬الدسوقي ص ‪ (47) . 233‬البحر المحيط ‪). 326 / 6‬‬
‫‪ (48‬انظر ‪ :‬الموافقات ‪ ، 99 / 5‬أدب المفتي والمستفتي‬
‫ص ‪ (49). 126 , 125‬مراتب الجماع ص ‪ (50). 58‬أدب‬
‫المفتي والمستفتي ص ‪ (51)125‬جامع بيان العلم وفضله‬
‫؛ انظر ‪ :‬شرح الكوكب المنير ‪ 578 / 4‬؛ فواتح الرحموت‬
‫‪ 406 /2‬؛حاشية العطار على جمع الجوامع ‪). 442 / 2‬‬
‫‪ (52‬انظر ‪ :‬الموافقات ‪. 105 – 79 / 5‬‬
‫)‪ (53‬تهذيب الفروق ‪ (54). 117 / 2‬الموافقات ‪. 97 / 5‬‬
‫)‪ (55‬البحر المحيط ‪ 325 / 6‬؛ إرشاد الفحول ص ‪). 272‬‬
‫‪ (56‬إرشللاد الفحللول ص ‪ (57). 272‬أورده الحللافظ ابللن‬
‫القيم في حاشيته علللى سللنن أبللي داود وقللال فيلله ‪ :‬رواه‬
‫ابن بطة وغيره بإسناد حسن ‪ ،‬وقال أيضا ً ‪ :‬وإسللناده ممللا‬
‫يصححه الترمذي ‪ .‬انظر ‪ :‬عون المعبود ‪. 244 / 9‬‬
‫)‪ (58‬انظر ‪ :‬أدب المفتى والمستفتي ص ‪ 111‬؛ المجموع‬
‫‪ 81 / 1‬؛ تبصرة الحكام لبن فرحون ‪ 51 / 1‬؛ الموافقات‬
‫‪ 91 / 5‬؛ إعلم الموقعين ‪ 175 / 4‬؛ حاشية العطار على‬
‫جمع الجوامع ‪. 442 / 2‬‬
‫)‪ (59‬الحكام في تمييز الفتاوى عن الحكللام ص ‪). 250‬‬
‫‪ (60‬انظر ‪ :‬تبصرة الحكام ‪. 64 / 1‬‬
‫)‪ (61‬إعلم الموقعين ‪. 171 , 170 / 4‬‬

‫‪63‬‬
‫)‪ (62‬انظللر ‪ :‬الفتللاوى الكللبرى ‪ 430 / 3‬ومللا بعللدها ؛‬
‫الموافقات ‪. 187 / 5 ، 116 – 108 / 3‬‬
‫)‪ (63‬الموافقات ‪ (64). 278-5/276‬انظللر ‪ :‬الموافقللات‬
‫‪ 286 / 2‬؛ أدب المفللتي والمسللتفتي ص ‪ 111,112‬؛‬
‫المجموع ‪ (65). 51 / 1‬جامع بيان العلم وفضله ‪784 / 1‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (66‬انظللر ‪ :‬الفتللوى فللي السلللم للقاسللمي ص ‪ 59‬؛‬
‫الجتهلللاد المعاصلللر ص ‪ 91‬؛ الجتهلللاد فلللي السللللم د ‪.‬‬
‫القرضاوي ص ‪ 178‬؛ الفتوى بين النضللباط والتسلليب د ‪.‬‬
‫القرضاوي ص ‪ 111‬؛ أحكللام الفتللوى والسللتفتاء د ‪ .‬عبللد‬
‫الحميللد مهيللوب ص ‪115 – 112‬؛ دار الكتللاب الجللامعي‬
‫بمصر ‪1404‬هل ؛ أصول الفتوى والقضاء د ‪ .‬محمللد ريللاض‬
‫ص ‪. 232‬‬
‫==============‬
‫‪#‬ضوابط الفتيا في النوازل المعاصرة)‪(1/2‬‬
‫د‪.‬مسفر بن علي القحطاني ‪19/2/1424‬‬
‫‪21/04/2003‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الضوابط التي ينبغي أن يراعيها المجتهللد‬
‫قبل الحكم في النازلة‬
‫يتعلق بالنظر في النوازل شروط جمة منها العلم والعدالة‬
‫؛ فشرط العلم يدخل فيه الخبللار بللالحكم الشللرعي علللى‬
‫الوجه الكمل بعد معرفة الواقعة من جميع جوانبها ‪.‬‬
‫وشللرط العدالللة يللدخل فيلله عللدم التسللاهل فللي الفتللوى‬
‫بالشرع والمحاباة فيها ‪ ،‬مع مراعللاة وجلله الحللق فللي كللل‬
‫ذلك والنظر إلى مشكلت الناس برحمللة ويسللر الشللرع ‪،‬‬
‫وحمل أفعالهم على الوسط في أحكامه ‪.‬‬
‫إلى غيرهللا مللن الشللروط الللتي ذكرهللا أهللل العللم فيمللن‬
‫يتصدى للنظر والفتاء ‪ ،‬وهي كالتكملة والتتمة لمللا ينبغللي‬
‫أن يكون عليه الناظر من العدالة والعلم )‪.(1‬‬
‫إل أن خطلللة النظلللر والجتهلللاد والفتلللاء فلللي النلللوازل‬
‫والواقعات قد أصابتها عللوارض أخرجتهللا عللن النهللج الللذي‬
‫قرره أهل العلم من مبللادئ وأسللس للنظللر ‪ ،‬وهللذا النللوع‬
‫مللن الخلللل إمللا أن يكللون مللن جهللة الزيللغ فللي إصللدار‬

‫‪64‬‬
‫الحكام ‪ ،‬أو في كيفية النظر في تناول هذه المستجدات ‪،‬‬
‫وإما من جهة انحراف الناظر وعللدم إخلصلله وتقللواه فللي‬
‫فتواه واجتهاده ؛ مما جعل بعض الئمة والعلماء يتللذمرون‬
‫ويشتكون من ذلك في كل عصللر يخللرج فيلله أهللل النظللر‬
‫والجتهاد عن الطريق السوي ‪.‬‬
‫وقد حصل ما يدل على ذلك فللي عهللد مبكللر يشللهد عليلله‬
‫المام مالك ل رحمه الله ل حيللث قللال ‪ )) :‬مللا شلليء أشللد‬
‫ي من أن ُأسأل عن مسألة من الحلل والحرام لن هذا‬ ‫عل ّ‬
‫هو القطع في حكم الله ‪ ،‬ولقد أدركت أهل العلللم والفقلله‬
‫في بلللدنا وإن أحللدهم إذا سللئل عللن مسللألة كللأن المللوت‬
‫أشرف عليه ‪ ،‬ورأيت أهل زماننا هللذا يشللتهون الكلم فيلله‬
‫والفتيا ‪ ،‬ولو وقفوا على ما يصيرون إليلله غللدا ً لقللللوا مللن‬
‫هللذا ‪ ،‬وإن عمللر بللن الخطللاب وعليللا ً وعلقمللة‪ (2):‬خيللار‬
‫الصحابة كانت ترد عليهم المسائل وهم خير القرون الذين‬
‫بعث فيهم النللبي صلللى الللله عليلله وسلللم كللانوا يجمعللون‬
‫أصحاب النبي صلى الله عليه وسلللم ويسللألون ‪،‬ثللم حينئذٍ‬
‫يفتون فيها وأهل زماننا هذا قد صار فخرهم الفتيا ‪ ،‬فبقللدر‬
‫ذلك ُيفتح لهم من العلم (()‪.(3‬‬
‫ويتضح لنا من كلم المام مالك ل رحملله الللله ل ل المنهجيللة‬
‫المثلى التي كان السلف رحمهم الله يتبعونها عند نظرهللم‬
‫واجتهادهم في الحكام والواقعات من عللدم التسللرع فللي‬
‫الفتللوى أو التقصللير فللي بحثهللا ‪ ،‬والنظللر فيهللا ‪ ،‬أو قلللة‬
‫ر‬
‫التحري والتشاور في أمرها ‪ ،‬مما يؤدي إلى انخرام ٍ ظاه ٍ‬
‫ف في‬ ‫ب واعتسا ٍ‬ ‫في نظام النظر والجتهاد و الفتيا أو تسي ٍ‬
‫احترام هذا المقام العللالي مللن الشللريعة )‪ .(4‬ومللن أجللل‬
‫هذه الهمية في المحافظة على هذا المقام والتأكيد علللى‬
‫ما يحتاجه الفقيه من ضوابط وشروط للنظر ل سليما فلي‬
‫النوازل المعاصرة التي يكثر فيهللا زلللل القللدام وانحللراف‬
‫الفهام وذلك بمللا تميللز بلله عصللرنا مللن صللراعات ثقافيللة‬
‫وتيللارات فكريللة بالضللافة إلللى كللثرة المللؤثرات النفسللية‬
‫والجتماعية والسياسية مما يجعلها فللي عصللرنا أشللد مللن‬
‫أي عصر مضى ‪ ،‬ويزداد أمر النحراف في الجتهاد والنظر‬
‫خطرا ً تبعا ً لتساع دائرة انتشار هذه الجتهللادات والفتللاوى‬

‫‪65‬‬
‫بواسطة وسائل العلم الحديثللة مللن طبللع ونشللر وإذاعللة‬
‫وتلفزة ‪.‬‬
‫إن الضوابط والداب الللتي ينبغللي أن يراعيهللا النللاظر فللي‬
‫النوازل وخصوصا ً ما كان منها معاصللرا ً ‪ ،‬منهللا مللا يحتللاجه‬
‫قبل الحكم فلي النازللة وهلذا النلوع ملن الضلوابط يكلون‬
‫ضروريا ً لعطاء المجتهد أهلية كاملة وعللدة كافيللة يتسللنى‬
‫بها الخوض للنظر والجتهاد فللي حكمهللا ‪ ،‬وهنللاك ضللوابط‬
‫أخللرى يحتاجهللا النللاظر أثنللاء البحللث والجتهللاد فللي حكللم‬
‫النازلللة ‪ ،‬ينتللج مللن خلل هللذه الضللوابط أقللرب الحكللام‬
‫للصواب وأوفقها للحق ؛ بإذن الله ‪:‬‬
‫وسيكون البحث في هذا المطلب حول أهم الضوابط التي‬
‫يحتاجها الناظر في النوازل قبل الحكم في النازلللة ؛ علللى‬
‫النحو التالي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬التأكد من وقوعها‬
‫الصل فللي المسلائل النازللة وقوعهلا وحلدوثها فلي واقلع‬
‫المر ‪ ،‬وعندها ينبغي أن ينظلر المجتهلد فلي التحقلق ملن‬
‫م اسللتنباط حكمهللا‬ ‫وقوعها والتأكللد مللن حللدوثها ‪ ،‬ومللن ثل ّ‬
‫الشللرعي ‪ ،‬وقللد يحصللل أن ُيسللأل الفقيلله المجتهللد عللن‬
‫مسألة لم تقع تكلفا ً من السلائل وتعمقلا ً منله فلي تخيلت‬
‫وتوقعات ل تفيد صاحبها ول تنفع عالملا ً أو متعلملا ً ‪ ،‬وذلللك‬
‫لبعد وقوعها واستحالة حدوثها ‪.‬‬
‫ول يخفى أن التوغل في باب الجتهاد إنما هو للحاجة التي‬
‫تنزل بالمكلف يحتلاج فيهلا إللى معرفلة حكلم الشلرع وإل‬
‫وقع في الحرج والعنت أو الخللوض فللي مسللائل الشللريعة‬
‫بغير علم أو هدى ‪ ،‬أما إذا كان بللاب الجتهللاد مفتوحلا ً مللن‬
‫غير حاجة وقعت ودون حادثة نزلت‪،‬فل شللك فللي كراهيللة‬
‫النظر في مسائل للم تنلزل أو يسلتبعد وقوعهلا)‪.(5‬ويؤيلد‬
‫ما لللم‬‫ذلك ما جاء عن سلفنا الصالح من كراهية السؤال ع ّ‬
‫يقللع وامتنللاعهم عللن الفتللاء ‪ ،‬فيهللا وبعضللهم ذهللب إلللى‬
‫التشديد في ذلك والنهي عنه )‪.(6‬‬
‫ويروى عن الصحابة في ذلك آثار كثيرة منها ‪-:‬‬
‫‪ -‬أن رجل ً جاء إلى ابن عمر رضي الله عنهمللا فسللأله عللن‬
‫شيء ؛ فقال له ابن عمر رضي الللله عنهمللا ‪ )) :‬ل تسللأل‬

‫‪66‬‬
‫عما لم يكن فإني سمعت عمر بن الخطاب ل ل رضللي الللله‬
‫عنه ل يلعن من سأل عما لم يكن (()‪.(7‬‬
‫‪ -‬وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه إذا سللأله إنسللان عللن‬
‫شيء قال ‪ )) :‬آلله ! أكان هللذا ؟ فللإن قللال ‪ :‬نعللم ‪ ،‬نظللر‬
‫وإل لم يتكلم (()‪.(8‬‬
‫‪ -‬وعن مسروق قال ‪ :‬كنت أمشي مع أبي بن كعب رضللي‬
‫ى ‪ :‬ما تقول يللا عمللاه فللي كللذا وكللذا ؛‬ ‫الله عنه فقال ‪ :‬فت ً‬
‫قال ‪ :‬يا بن أخللي ! أكللان هللذا ؟ قللال ‪ :‬ل ‪ ،‬قللال ‪ :‬فاعفنللا‬
‫حتى يكون (()‪.(9‬‬
‫‪ -‬ويروى عن عبد الملك بن مروان ل رحمه الله ل أنه سللأل‬
‫ابن شهاب ل رحمه الله ل‪ ،‬فقال له ابن شهاب ‪ :‬أكللان هللذا‬
‫بأمير المؤمنين ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬فللدعه ‪ ،‬فللإنه إذا كللان ‪،‬‬
‫أتى الله عز وجل له بفرج (()‪.(10‬‬
‫فهذه الثار وغيرها كثير ؛ تللبين حللرص الصللحابة والتللابعين‬
‫على عدم الخوض في مسائل لم تقع سواًء بالسؤال عنهللا‬
‫أو بالجواب فيها ؛ لن النظر فيها ل ينفع كما‬
‫هو معلوم عن الصحابة رضي الله عنهللم مللع النللبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم حيث قللال فيهللم ابللن عبللاس رضللي الللله‬
‫عنهما ‪ )) :‬ما رأيت قوملا ً كللانوا خيللرا ً مللن أصللحاب النللبي‬
‫صلللى الللله عليلله وسلللم ومللا سللألوا إل عللن ثلث عشللرة‬
‫مسألة حتى قبض كلهن في القرآن ‪ ،‬وما كانوا يسألون إل‬
‫عما ينفعهم (()‪.(11‬‬
‫ويوضح ابن القيم ل رحمه الله ل مقصد ابن عباس بقللوله ‪:‬‬
‫) ما سألوه إل عن ثلث عشرة مسألة ( )) المسائل الللتي‬
‫حكاها الله في القرآن عنهم‪ ،‬وإل فالمسللائل الللتي سللألوه‬
‫عنها وبين لهم أحكامها فللي السللنة ل تكللاد تحصللى ولكللن‬
‫إنما كانوا يسألونه عما ينفعهم ملن الواقعللات ولللم يكونلوا‬
‫يسألونه عللن المقللدرات والغلوطللات وعضللل المسللائل ‪،‬‬
‫ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها ‪ ،‬بللل كللانت‬
‫هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به ‪ ،‬فللإذا وقللع بهللم‬
‫أمر سألوا عنه ‪ ،‬فأجابهم ‪ ،‬وقد قال اللله تعلالى ‪َ ]:‬يلا أ َي َّهلا‬
‫ن ت ُْبلد َ ل َ ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ال ّذين آمنوا ل ت َ‬
‫ن‬‫م وَإ ِ ْ‬ ‫سلؤْك ُ ْ‬
‫م تَ ُ‬ ‫كل ْ‬ ‫شلَياَء إ ِ ْ‬ ‫سأُلوا عَ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬
‫ت َ‬
‫ه عَن َْها َوالل ّل ُ‬
‫ه‬ ‫م عََفا الل ّ ُ‬ ‫ن ت ُب ْد َ ل َك ُ ْ‬
‫ل ال ُْقْرآ ُ‬
‫ن ي ُن َّز ُ‬ ‫سأُلوا عَن َْها ِ‬
‫حي َ‬ ‫َ ْ‬

‫‪67‬‬
‫حوا ب ِهَللا‬ ‫غَُفور حِليم *قَلد سلأ َل َها قَلوم ملن قَبل ِك ُلم ث ُل َ‬
‫صلب َ ُ‬
‫مأ ْ‬‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ٌ ِ ْ ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ٌ َ ٌ‬
‫ن [)‪.(13)(( (12‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫كافِ ِ‬
‫فعلى المجتهد أو المفتي في النوازل أن يتأكللد مللن وقللوع‬
‫النازللللة ول ينظلللر فلللي المسلللائل الغريبلللة والنلللادرة أو‬
‫المستبعدة الحصول ‪ ،‬ولكن إذا كانت المسألة ولو لم تقللع‬
‫منصوصا ً عليهللا ‪ ،‬أو كللان حصللولها متوقعلا ً عقل ً فتسللتحب‬
‫الجابة عنها ‪ ،‬والبحللث فيهللا ؛ مللن أجللل البيللان والتوضلليح‬
‫ومعرفة حكمها إذا نزلت ‪.‬‬
‫وفي هذا يقول المام ابللن القيللم لل رحملله الللله لل بعللد أن‬
‫حكى امتناع السلف عن الجابة في ما لم يقع ‪ )) :‬والحللق‬
‫التفصيل ‪ ،‬فإذا كان في المسللألة نللص مللن كتللاب الللله أو‬
‫سنة عن رسول اللله صللى اللله عليله وسللم أو أثلر علن‬
‫الصحابة لم يكره الكلم فيها وإن لم يكن فيها نص ول أثللر‬
‫؛ فإن كانت بعيدة الوقوع أو مقدرة ل تقع لم يسللتحب للله‬
‫الكلم فيها ‪.‬‬
‫وإن كان وقوعها غيلر نلادر ول مسلتبعد ‪ ،‬وغلرض السلائل‬
‫الحاطة بعلمها ليكون منها على بصيرة إذا وقعت استحب‬
‫له الجواب بما يعلم ول سيما إن كان السائل يتفقه بذلك ‪،‬‬
‫ويعتللبر بهللا نظائرهللا ويفللرع عليهللا فحيللث كللانت مصلللحة‬
‫الجواب راجحة كان هو الولى والله أعلم (()‪.(14‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن تكون النازلللة مللن المسللائل الللتي يسللوغ النظللر‬
‫فيها‬
‫بينا فيما سبق أهمية مراعللاة المجتهللد وتأكللده مللن وقللوع‬
‫النازلة وترك النظر عمللا للم يقللع أو يسللتبعد وقللوعه عقل ً‬
‫وذلك حتى ل ينشغل أهل الجتهاد عما هو واقع فعل ً أو مللا‬
‫ل نفع فيه ول فائدة ‪.‬‬
‫وإذا قررنللا مبللدأ النظللر فللي الوقللائع الحادثللة للنللاس‬
‫والمجتمعللات ؛ فللمجتهللد بعللد ذلللك أن يعللرف مللا يسللوغ‬
‫النظر فيه ملن المسلائل وملا ل يسلوغ ؛ وهلذا الضلابط ل‬
‫ينفك عن الذي قبله ‪ ،‬وذلك لن المجتهد قد يترك الجتهللاد‬
‫في بعض المسائل التي ل يسللوغ فيهللا النظللر لن حكمهللا‬
‫كحكم ما لم يقع من المسللائل لعللدم الفللائدة والنفللع مللن‬
‫ورائها فالضابط الذي ينبغي أن يراعيه المجتهللد النللاظر أل‬

‫‪68‬‬
‫يشغل نفسه وغيللره مللن أهللل العلللم إل بمللا ينفللع النللاس‬
‫ويحتاجون إليه في واقع دينهم ودنياهم ‪.‬‬
‫أمللا السللئلة الللتي يريللد بهللا أصللحابها المللراء والجللدال أو‬
‫التعالم والتفاصح أو امتحللان المفلتي وتعجيللزه أو الخلوض‬
‫فيما ل يحسنه أهل العلم والنظر ‪ ،‬أو نحو ذلك فهللذه ممللا‬
‫ينبغي للناظر أن ل يلقي لها بال ً ؛ لنها تضر ول تنفع وتهدم‬
‫ول تبني وقد تفرق ول تجمع ‪.‬‬
‫وقد ورد النهي عن ذلك كما جاء عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه ‪ )) :‬نهى عن الغلوطات (()‪.(15‬‬
‫وجاء عن معاوية رضي الللله عنلله ‪ :‬أنهللم ذكللروا المسللائل‬
‫عنده ‪ ،‬فقال ‪ )) :‬أما تعلمللون أن رسللول الللله صلللى الللله‬
‫عليه وسلم نهى عن عضل المسائل (()‪.(16‬‬
‫قال الخطابي ل رحمه الله ل في هذا المعني ‪ )) :‬أنلله نهللي‬
‫أن ُيعترض العلماء بصعاب المسائل التي يكثر فيها الغلللط‬
‫ليسللتزلوا و يسللقط رأيهللم فيهللا ‪ ،‬وفيلله كراهيللة التعمللق‬
‫والتكلف فيما ل حاجة للنسان إليه من المسللألة ووجللوب‬
‫التوقف عما ل علم للمسؤول به (()‪.(17‬‬
‫فشللداد المسللائل وصللعابها ممللا ل نفللع فيلله ول فللائدة إل‬
‫إعنات المسئول لشك أنه مذموم شللرعا ً ينبغللي أن يحللذر‬
‫الفقيه أو الناظر من النسياق الملهي خلف هذه المسللائل‬
‫والنشغال بها عما هو أهم وأعظم ‪ ،‬كللذلك ينبغللي للنللاظر‬
‫أن ل يقحم نفسه ويجتهد في المسائل التي ورد بها النللص‬
‫إذ القاعدة فيها ‪ )) :‬ل مساغ للجتهاد في مللورد النللص (()‬
‫‪.(18‬‬
‫والمقصود بهذه القاعدة – على وجلله الجمللال – مللا قللاله‬
‫المام الزركشي ل رحمه الله ل أن )) المجتهد فيه وهو كل‬
‫حكم شرعي عملي أو علمي)‪ (19‬يقصللد بلله العلللم ليللس‬
‫فيه دليل قطعي (()‪.(20‬‬
‫ويمكن من خلل النقاط التالية إبراز ما يسوغ للمجتهد أن‬
‫ل ‪-:‬‬‫ينظر فيه من النوازل بإجما ٍ‬
‫ص عليها‬‫‪-1‬أن تكون هذه المسألة المجتهد فيها غير منصو ٍ‬
‫ص قاطٍع أو مجمع عليها ‪.‬‬ ‫بن ٍ‬

‫‪69‬‬
‫‪ -2‬أن يكون النص الوارد في هذه المسألة – إن ورد فيهللا‬
‫ص – محتمل ً قابل ً للتأويل ‪.‬‬ ‫ن ٌ‬
‫‪ -3‬أن تكون المسألة مترددة بين طرفيللن وضللح فللي كللل‬
‫واحدٍ منهما مقصد الشارع في الثبات في أحدهما والنفللي‬
‫في الخر)‪.(21‬‬
‫‪ -4‬أن ل تكون المسألة المجتهد فيهللا مللن مسللائل أصللول‬
‫العقيدة والتوحيد أو في المتشابه من القرآن والسنة ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن تكون المسألة المجتهد فيها من النوازل والوقائع أو‬
‫مما يمكن وقوعها في الغالب والحاجة إليها ماسة)‪.(22‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬فهم النازلة فهما ً دقيقا ً ‪:‬‬
‫إن فقللله النلللوازل المعاصلللرة ملللن أدق مسلللالك الفقللله‬
‫وأعوصللها حيللث إن النللاظر فيهللا يطللرق موضللوعات لللم‬
‫تطرق من قبل ولم يرد فيها عن السلللف قللول ‪ ،‬بللل هللي‬
‫قضايا مستجدة‪ ،‬يغلب على معظمها طابع العصر الحللديث‬
‫ل علميللة لمشللكلت متنوعللة قديمللة‬ ‫المتميللز بابتكللار حلللو ٍ‬
‫وحديثة واسللتحداث وسللائل جديللدة لللم تكللن تخطللر ببللال‬
‫البشر يوما ً من الدهر والله أعلم ‪.‬‬
‫مللن هللذا المنطلللق كللان ل بللد للفقيلله المجتهللد مللن فهللم‬
‫النازلة فهما ً دقيقا ً وتصورها تصورا ً صحيحا ً قبل البللدء فللي‬
‫بحث حكمها ‪ ،‬والحكم على الشيء فرع عن تصوره‪ ،‬وكللم‬
‫أ ُِتي الباحث أو العالم من جهلة جهلله بحقيقلة الملر اللذي‬
‫يتحدث فيه ؟ فالناس في واقعهم يعيشون أمرا ً ‪ ،‬والباحث‬
‫يتصور أمرا ً آخر ويحكم عليه ‪.‬‬
‫فلبد حينئذ من تفهم المسألة من جميع جوانبهللا والتعللرف‬
‫عللللى جميلللع أبعادهلللا وظروفهلللا وأصلللولها وفروعهلللا‬
‫ومصطلحاتها وغير ذلك مما له تأثير في الحكم فيها)‪.(23‬‬
‫ولهمية هذا الضابط جاء في كتاب عمر بن الخطللاب إلللى‬
‫أبي موسى الشعري رضي الللله عنهمللا مللا يؤكللد ضللرورة‬
‫الفهم الدقيق للواقعة حيللث جللاء فيلله ‪ )) :‬أمللا بعللد‪ ،‬فللإن‬
‫ي إليللك‬ ‫ُ‬
‫القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة ‪ ،‬فافهم إذا أدل َ‬
‫؛ فإنه ل ينفع تكلم بالحق ل نفاذ له…ثم الفهم الفهم فيما‬
‫أدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ول سللنة ثللم‬

‫‪70‬‬
‫قايس المور عند ذلللك ‪ ،‬واعللرف المثللال ثللم اعمللد فيمللا‬
‫ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق (()‪.(24‬‬
‫يقول المام ابن القيم ل رحمه الله ل ل معلق لا ً وشللارحا ً هللذا‬
‫الكتللاب بقللوله ‪ )) :‬ول يتمكللن المفللتي ول الحللاكم مللن‬
‫الفتوى والحكم بالحق إل بنوعين من الفهم ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة مللا‬
‫وقع بالقرائن والمارات والعلمات حتى يحيط به علما ً ‪.‬‬
‫والنوع الثاني ‪ :‬فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله‬
‫الذي حكم به فلي كتلابه أو عللى لسلان رسلوله فلي هلذا‬
‫الواقع ثم يطبللق أحللدهما علللى الخللر ؛ فمللن بللذل جهللده‬
‫واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرا ً … ومللن‬
‫ة بهذا ‪ ،‬ومللن‬ ‫تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافح ً‬
‫سلك غير هذا أضللاع علللى النللاس حقللوقهم ‪ ،‬ونسللبه إلللى‬
‫الشريعة التي بعث الله بها رسوله (()‪.(25‬‬
‫ومما ينبغي أن يتفطللن للله المفللتي أو النللاظر التللبّين مللن‬
‫مقصود السائل أو المستفتي وطلب المزيللد مللن اليضللاح‬
‫والستفصللال منلله ؛ وذلللك حيللن ل يفهللم المفللتي صللورة‬
‫النازلة كما يجب ‪ ،‬من أجل التعللرف السللليم علللى الحكللم‬
‫الشرعي الذي تندرج تحته تلك النازلة أو حين يكون المللر‬
‫يدعو إلى التفصيل واليضاح ‪.‬‬
‫دة أمثللةٍ فللي هللذا‬ ‫وقد ضرب ابن القيم ل رحمه الللله لل عل ّ‬
‫المجال فمن ذلك ‪:‬‬
‫ل عن رجل حلف ل يفعل كللذا وكللذا ‪ ،‬ففعللله ؛‬ ‫سئ ِ َ‬
‫)) ‪ -‬إذا ُ‬
‫لم يجز له أن يفتي بحنثه حتى يستفصله ؛ هل كللان ثللابت‬
‫العقل وقت فعله أم ل ؟ وإذا كان ثابت العقللل فهللل كللان‬
‫مختارا ً فللي يمينلله أم ل ؟ وإذا كللان مختللارا ً فهللل اسللتثنى‬
‫عقيب يمينه أم ل ؟ وإذا لم يسللتثن فهللل فعللل المحلللوف‬
‫عليه عالما ً ذاكرا ً مختارا ً أم كان ناسيا ً أو جاهل ً أو مكرهللًا؟‬
‫وإذا كان عالما ً مختارا ً فهل كان المحلوف عليلله داخل ً فللي‬
‫قصده ونيتلله أو قصللد عللدم دخللوله مخصصلله بنيتلله أو لللم‬
‫يقصللد دخللوله ول نللوى تخصيصلله ؟ فللإن الحنللث يختلللف‬
‫باختلف ذلك كله (()‪.(26‬‬

‫‪71‬‬
‫فالمقصود أن يتنبه المفللتي والنللاظر علللى وجللوب الفهللم‬
‫الكامللل للنازلللة والستفصللال عنللد وجللود الحتمللال لن‬
‫المسائل النازلة ترد في قللوالب متنوعللة وكللثيرة فللإن لللم‬
‫يتفطن لذلك المجتهد أو المفتي هلك وأهلك)‪.(27‬‬
‫والمتأمل فللي بعللض فقهللاء العصللر يجللد بعضللهم يجللازف‬
‫بالفتوى في أمور المعاملت الحديثة مثل التللأمين بللأنواعه‬
‫وأعمال البنوك والسهم والسللندات وأصللناف الشللركات ‪،‬‬
‫فيحرم ويحلل ‪ ،‬دون أن يحيط بهذه الشياء خبرا ً ويدرسها‬
‫جيدا ً ومهما يكن علمه بالنصوص عظيملا ً ومعرفتلله بالدلللة‬
‫واسعة ‪ ،‬فإن هذا ل يغنلي ملا للم يؤيللد ذللك معرفللة تاملة‬
‫بالواقعة المسئول عنها وفهمه لحقيقتها الراهنة )‪.(28‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬التثبت والتحري واستشارة أهل الختصاص ‪:‬‬
‫بّينا في الضابط السللابق أهميللة فهللم النازلللة فهملا ً دقيقلا ً‬
‫واضحا ً كافيا ً يجعل الناظر متصورا ً حقيقة المسألة تصللورا ً‬
‫صحيحا ً يحسن بعدها أن يحكم بمللا يللراه الحللق فيهللا وقللد‬
‫يحتاج الفقيه أن يستفصل من السائل عند ورود الحتمللال‬
‫إذا دعى إلى ذلك المقام ‪.‬‬
‫وممللا ينبغللي أيض لا ً للنللاظر أن يراعيلله هنللا زيللادة التثبللت‬
‫والتحللري للمسللألة وعللدم السللتعجال فللي الحكللم عليهللا‬
‫والتأني في نظره لها فقد يطرأ ما يغيللر واقللع المسللألة أو‬
‫يصل إليه علم ينافي حقيقتها وما يلزم منها ‪ ،‬فإذا أفتى أو‬
‫ت وتللروٍ فقللد‬‫ث وتثب ل ٍ‬
‫حكم من خلل نظرٍ قاصرٍ أو قلة بح ل ٍ‬
‫يخطئ الصواب ويقع في محذور يزل فيه خلق‬
‫كثير))‪.(29‬‬
‫وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسللم ملا يؤيلد التثبلت‬
‫والتحري في الفتيا والجتهاد ؛ ومن ذلك قللوله صلللى الللله‬
‫عليه وسلم ‪ )) :‬من أفتى بفتيا غير ثبت ‪ ،‬فإنما إثمه علللى‬
‫مللن أفتللاه (()‪.(30‬وقللال أيضللا ً عليلله الصلللة والسلللم ‪:‬‬
‫)) أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار (( )‪(31‬‬
‫‪ ،‬و يروى عن ابن مسعود رضللي اللله عنلله قللوله ‪ )) :‬مللن‬
‫أجاب الناس في كل ما يسألونه عنه فهو مجنون (()‪.(32‬‬

‫‪72‬‬
‫وكان ابللن مسللعود رضللي الللله عنلله ُيسلَأل عللن المسللألة‬
‫فيتفكر فيها شهرا ً ‪ ،‬ثم يقول‪ )) :‬اللهم إن كان صوابا ً فمن‬
‫عندك ‪ ،‬وإن كان خطأ فمن ابن مسعود (()‪.(33‬‬
‫وجاء عن المام ماللك لل رحمله اللله لل أنله قلال ‪ )) :‬إنلي‬
‫لفكر في مسألة منذ بضللع عشللرة سللنة ‪ ،‬فمللا اتفللق لللي‬
‫فيهللا رأي إلللى الن (()‪ . (34‬وقللال أيضلا ً ‪ )) :‬ربملا وردت‬
‫ي المسألة فأفكر فيها ليالي (()‪.(35‬‬ ‫عل ّ‬
‫ولشك في دللة هذه الحاديث والثار على أهميللة التثبللت‬
‫في الفتوى وعدم الستعجال في إجابة كل أحللدٍ دون تللرٍو‬
‫ونظرٍ ‪ ،‬فالمفتي في النوازل إذا وضع نصللب عينيلله أهميللة‬
‫خطته وشرفها اتخذ الخلص والتثبت شعاره ضمن النجاح‬
‫في القيام بمسئوليته الجسيمة )‪.(36‬‬
‫يقول المام ابن القيم ل رحمه الله ل فللي ذلللك ‪ )) :‬حقيللق‬
‫دته وأن يتأهب للله‬ ‫بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد ّ له ع ّ‬
‫أهبته وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه ‪ ,‬ول يكللون فللي‬
‫صدره حرج من قول الحق والصدع به ‪ ،‬فللإن الللله ناصللره‬
‫وهللاديه ‪ ،‬وكيللف وهللو المنصللب الللذي تللوله بنفسلله رب‬
‫الرباب (()‪.(37‬‬
‫ومملا ينبغلي أن يراعيله النلاظر فلي النلوازل ملن التثبلت‬
‫والتحري استشارة أهل الختصاص ‪ ،‬وخصوصا ً في النوازل‬
‫المعاصرة المتعلقة بأبواب الطب والقتصاد والفلللك وغيللر‬
‫ذلك ‪ ،‬والرجوع إلى علمهم في مثل تلك التخصصات عمل ً‬
‫ن[)‬ ‫م ل ت َعْل َ ُ‬
‫مللو َ‬ ‫ن ُ‬
‫كنت ُل ْ‬ ‫سأ َُلوا أ َهْ ل َ‬
‫ل ال لذ ّك ْرِ إ ِ ْ‬ ‫بقوله تعالى ‪َ ]:‬فا ْ‬
‫‪.(38‬‬
‫فإن كانت النازلة متعلقة بالطب مثل ً ‪ ،‬وجب الرجللوع إلللى‬
‫أهل الطب وسؤالهم والستيضاح منهم ‪ ،‬وإن كانت النازلة‬
‫جعُ حينئذٍ لصحاب الختصاص‬ ‫متعلقة بالقتصاد والمال فُير َ‬
‫في القتصاد أو للمراجع المختصة في ذلك الشأن ‪ ،‬فالذي‬
‫ل يعرف حقيقللة النقللود الورقيللة المعاصللرة أفللتى بأنهللا ل‬
‫زكاة فيهللا ‪ ،‬أو أن الربللا ل يجللري فيهللا اعتمللادا ً علللى أنهللا‬
‫ليست ذهبا ً أو فضة)‪.(39‬‬

‫‪73‬‬
‫كمللا أن الللذي ل يعللرف مجريللات مللا يسللمى ) بأطفللال‬
‫ل‬ ‫حلل ّ‬
‫النابيب ( ل يستطيع أن يعطي فتوى صحيحة فيهللا بال ِ‬
‫أو الحرمة إل إذا وضحت له حالت هذه العملية‬
‫وفروضللها ‪ ،‬فيسللتطيع حينئذٍ أن يعطللي الحكللم المناسللب‬
‫لكل حالة )‪.(40‬‬
‫ولعل في اتبللاع هللدي النللبي صلللى الللله عليلله وسللم فللي‬
‫ن للمفلتي ملن القلول بل علللم وخصوصلا ً‬ ‫الستشارة ضما ٌ‬
‫فيما ينزل من مسائل معاصرة ‪ ،‬والجتهللاد الجمللاعي فللي‬
‫وقتنا الحاضللر المتمثللل بالمجللامع الفقهيللة وهيئات الفتللاء‬
‫ومراكز البحث العلمي تحقق الدور المنشللود الللذي ينبغللي‬
‫للمفتي أو المجتهد مراعاته واللتزام به لتتسع دائرة العلم‬
‫وتللزداد حلقللة المشللورة مللن أجللل الحيطللة والكفايللة فللي‬
‫البحث والنظر ‪.‬‬
‫يقول الخطيب البغدادي ل رحمه الله ل معلق لا ً علللى أهميللة‬
‫ذلك ‪ )) :‬ثم يذكر المسألة ل ل أي المفللتي لل لمللن بحضللرته‬
‫ممن يصلح لذلك من أهل العلم ويشاورهم فللي الجللواب ‪،‬‬
‫ويسأل كل واحد منهلم عمللا عنللده ‪ ،‬فلإن فلي ذللك بركلة‬
‫واقتداء بالسلف الصالح ‪ ،‬وقللد قللال الللله تبللارك وتعللالى ‪:‬‬
‫مرِ [)‪ ، (41‬وشاور النبي صلى الله عليه‬ ‫م ِفي ال ْ‬ ‫شاوِْرهُ ْ‬‫]و َ َ‬
‫وسلللم فللي مواضللع وأشللياء وأمللر بالمشللاورة ‪ ،‬وكللانت‬
‫الصحابة تشاور في الفتاوى والحكام (()‪.(42‬‬
‫خامسللا ً ‪ :‬اللتجللاء إلللى الللله عللز وجللل وسللؤاله العانللة‬
‫والتوفيق‬
‫وهللذا الضللابط مللن أهللم الداب الللتي ينبغللي أن يراعيهللا‬
‫الناظر في النوازل ليوفق للصواب ويفتح عليه بللالجواب ‪،‬‬
‫وما ذلك إل من عند الله العليم الحكيم ‪ ،‬القائل في كتللابه‬
‫م ل ََنللا ِإل َ‬
‫مللا‬ ‫عل ْ َ‬
‫كل ِ‬‫حان َ َ‬
‫سب ْ َ‬
‫الكريم ؛ يحكي عن الملئكة ‪ُ ] :‬‬
‫عَل ّمتنا إن َ َ‬
‫م [)‪.(43‬‬ ‫كي ُ‬
‫ح ِ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ت ال ْعَِلي ُ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫ْ ََ ِّ‬
‫وقللد اسللتحب بعللض العلمللاء للمفللتي أن يقللرأ هللذه اليللة‬
‫س لْر ل ِللي‬
‫ص لد ِْري*وَي َ ّ‬
‫ح ل ِللي َ‬ ‫با ْ‬
‫شَر ْ‬ ‫وكذلك قوله تعالى ‪َ ] :‬ر ّ‬
‫سللاِني * ي َْفَقُهللوا َقللوِْلي[)‬ ‫حُللل ْ‬ ‫َ‬
‫ن لِ َ‬ ‫ملل ْ‬
‫ل عُْقللد َةً ِ‬ ‫ري *َوا ْ‬ ‫ملل ِ‬ ‫أ ْ‬
‫‪(44‬وغيرها من الدعية والوراد لن من ثابر علللى تحقيللق‬

‫‪74‬‬
‫هذه الصلة الملتجئة بالله كللان حريلا ً بللالتوفيق فللي نظللره‬
‫وفتواه )‪.(45‬‬
‫وما أروع ما قاله المام ابن القيم ل رحمه الله ل مؤكدا ً هذا‬
‫النوع مللن الدب للمفللتي ‪ )) :‬ينبغللي للمفللتي الموفللق إذا‬
‫نزلت به المسللألة أن ينبعللث مللن قلبله الفتقللار الحقيقللي‬
‫الحالي ل العلمي المجرد إلى ملهم الصواب ومعلم الخيللر‬
‫وهادي القلوب أن يلهمه الصواب ويفتح له طريق السللداد‬
‫ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هللذه المسللألة ‪،‬‬
‫فمتى قرع هذا الباب فقد قرع بللاب التوفيللق ‪ ،‬ومللا أجللدر‬
‫مل فضل ربه أن ل يحرمه إياه ‪ ،‬فإذا وجللد فللي قلبلله‬ ‫من أ ّ‬
‫هذه الهمللة فهللي طلئع بشللرى التوفيللق‪ ،‬فعليلله أن يللوجه‬
‫وجهلله ويحللدق نظللره إلللى منبللع الهللدى ومعللدن الصللواب‬
‫ومطلع الرشلد وهلو النصلوص ملن القلرآن والسلنة وآثلار‬
‫الصحابة ‪ ،‬فيستفرغ وسعه فللي تعللرف حكللم تلللك النازلللة‬
‫منها ‪ ،‬فإن ظفر بذلك أخبر به وإن اشللتبه عليلله بللادر إلللى‬
‫التوبة والستغفار والكثار من ذكر الللله ‪ ،‬فللإن العلللم نللور‬
‫الللله يقللذفه فللي قلللب عبللده ‪ ،‬والهللوى والمعصللية ريللاح‬
‫عاصللفة تطفللئ لللك النللور أو تكللاد ول بللد أن تضللعفه ‪،‬‬
‫ت شيخ السلم ل ابن تيمية لل قللدس الللله روحلله إذا‬ ‫وشهد ُ‬
‫أعيتلله المسللائل واستصللعب عليلله ‪ ،‬فلّر منهللا إلللى التوبللة‬
‫والسللتغفار و السللتغاثة بللالله واللجللوء إليلله ‪ ،‬واسللتنزال‬
‫الصواب من عنده والستفتاح من خللزائن رحمتلله ‪ ،‬فقلمللا‬
‫يلبث المدد اللهي أن يتتابع عليه مدا ً ‪ ،‬وتزدلف الفتوحللات‬
‫اللهية إليه بأيتهن يبدأ ‪(46)(( ..‬‬
‫ولعل من أشد المزالق التي يقع بها بعض المفللتين ضللعف‬
‫الصلة بالله عللز وجللل وقلللة الللورع ‪ ،‬ممللا قللد يللؤدي إلللى‬
‫سلوك هذا الصللنف مللن المفللتين إلللى إرضللاء أهللوائهم أو‬
‫أهواء غيرهم ممن ترجى عطاياه وتخشللى رزايللاه ‪ ،‬أو قللد‬
‫يكون باتباع أهواء العامة والجري وراء إرضائهم بالتسللاهل‬
‫أو بالتشديد ‪ ،‬وكله من اتباع الهوى المضل عن الحق ‪.‬‬
‫جعَل َْنللا َ‬
‫ك‬ ‫م َ‬ ‫والله عز وجل قد حذر من ذلك حيث قال ‪ُ ] :‬ثلل ّ‬
‫َ‬
‫نل‬ ‫ذي َ‬ ‫واَء ال ّل ِ‬
‫م لرِ َفات ّب ِعْهَللا ول ت َت ّب ِلعْ أهْ ل َ‬
‫ن ال ْ‬
‫مل ْ‬
‫ريعَةٍ ِ‬ ‫عَل َللى َ‬
‫شل ِ‬

‫‪75‬‬
‫ن‬ ‫مي َ‬ ‫ن الظ ّللال ِ ِ‬ ‫ن الل ّلهِ َ‬
‫ش لي ًْئا وَإ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫عن َ‬ ‫ن ي ُغُْنوا َ‬ ‫م لَ ْ‬
‫مون*إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫بعضه َ‬
‫ن[)‪.(47‬‬ ‫مت ِّقي َ‬ ‫ي ال ْ ُ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫ض َوالل ّ ُ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬‫َْ ُ ُ ْ‬
‫وكذلك قوله تعالى يخاطب رسوله صلى الله عليلله وسلللم‬
‫ع‬
‫ه َول ت َت ّب ِل ْ‬ ‫ل الل ّل ُ‬ ‫مللا َأن لَز َ‬
‫م بِ َ‬ ‫م ب َي ْن َهُ ل ْ‬‫حك ُل ْ‬ ‫نا ْ‬
‫َ‬
‫أيض لا ً بقللوله ‪] :‬وَأ ْ‬
‫ك‬ ‫ه إ ِل َي ْ َ‬‫ل الل ّ ُ‬‫ما َأنَز َ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ب َعْ ِ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ن ي َْفت ُِنو َ‬ ‫أ َهْواَءهُم و احذ َرهُ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ َ ْ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫[)‪ ، (48‬إلى غيرها من اليات والحاديث ‪.‬‬
‫وصدق المام سفيان الثوري ل رحملله الللله لل حيللث قللال ‪:‬‬
‫)) ما من الناس أعز من فقيه ورع(( )‪ . (49‬ويعلل المللام‬
‫الشاطبي عّزة وندرة هذا النوع من الفقهللاء ؛ بللأن أفعللاله‬
‫قد طابقت أقواله فيقول ل رحمه الله ل ل ‪ )) :‬فللوعظه أبلللغ‬
‫وقوله أنفع وفتواه أوقع فللي القلللوب ممللن ليللس كللذلك ‪،‬‬
‫لنه الذي ظهرت ينابيع العلللم عليلله واسللتنارت كليتلله بلله‪،‬‬
‫وصار كلمه خارجلا ً مللن صللميم القلللب ‪ ،‬والكلم إذا خللرج‬
‫من القلب وقع في القلب ‪،‬ومن كان بهذه الصفة فهو مللن‬
‫ه‬
‫عب َللادِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شللى الل ّل َ‬ ‫خ َ‬ ‫مللا ي َ ْ‬ ‫الللذين قللال الللله فيهللم ‪ ] :‬إ ِن ّ َ‬
‫ماُء[ )‪ ، (50‬بخلف من لم يكللن كللذلك‪،‬فللإنه وإن كللان‬ ‫ال ْعُل َ َ‬
‫عللدل ً وصللادقا ً وفاضللل ً ل يبلللغ كلملله مللن القلللوب هللذا‬
‫المبلغ‪،‬حسبما حققته التجربة العادية(()‪.(51‬‬
‫فما أحوج الفقيه المفتي فللي عصللرنا الحاضللر إلللى تقويلة‬
‫الصلة بالله والفتقار إليه حللتى يكللون فللي حمللى اليمللان‬
‫بللالله مسللتعليا ً وعللن الخلللق مسللتغنيا ً وبللالحق والصللواب‬
‫موفقا ً ل بإذن الله ل )‪.(52‬‬
‫فهذه بعض الضللوابط الللتي ينبغللي للنللاظر والمجتهللد فللي‬
‫النوازل مراعاتها قبل البحث في حكم النازلة ‪.‬‬
‫والحقيقة أن هناك ضوابط وآداب أخرى كثيرة ذكرها أهللل‬
‫العلم ل ربما يندرج بعضللها فيمللا ذكرنللا لل لعللل مللن أهمهللا‬
‫مناسبة للمقام في هذا المطلب مللا قللاله المللام أحمللد ل ل‬
‫رحمه الله ل ‪ )) :‬ل ينبغي للرجللل أن ينصللب نفسلله للفتيللا‬
‫حتى يكون فيه خمس خصال‬
‫‪-1‬أن تكون له نية ‪ ،‬فإن لم يكن له نية ؛ لم يكن عليه نور‬
‫ول على كلمه نور ‪.‬‬
‫‪-2‬أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة ‪.‬‬
‫‪-3‬أن يكون قويا ً على ما هو فيه وعلى معرفته ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪-4‬الكفاية وإل مضغه الناس ‪.‬‬
‫‪-5‬معرفة النللاس (( )‪ ، (53‬وقللد وفّللى وكفللى المللام ابللن‬
‫القيم ل رحمه الله ل في بيانها وشللرحها بالللدليل والبرهللان‬
‫في كتابه القيم إعلم الموقعين )‪ (1).(54‬انظر ‪ :‬التفصيل‬
‫في شروط الجتهاد في النوازل في كتب الصول ‪.‬‬
‫)‪ (2‬يحتمل أن يكون علقمللة بللن وقللاص الليللثي المللدني ‪،‬‬
‫وذكر مسلم وابن عبد البر أنه ولد فللي حيللاة النللبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم وذكره ابن منده في عداد الصللحابة وقللال‬
‫الحافظ ابن حجر في التقريللب ‪ " :‬ثقللة ثبللت ‪ ،‬أخطللأ مللن‬
‫زعم أن له صللحبه " التقريللب ) ‪ ، ( 4701‬انظللر ‪ :‬تهللذيب‬
‫التهذيب ‪. 240 / 7‬‬
‫ويحتمل أن يكون علقمللة بللن قيللس النخعللي صللاحب ابللن‬
‫مسللعود رضللي الللله عنلله وكللان أشللبه النللاس بلله سللمتا ً‬
‫وهديا ً ‪.‬وكان بعض أصحاب النللبي صلللى الللله عليلله وسلللم‬
‫ك للله‬ ‫يسألونه ويستفتونه ‪ ،‬توفي عللام ‪ 62‬هلل ‪ .‬وذكللر مالل ٍ‬
‫وز ‪.‬‬‫في الصحابة تج ّ‬
‫انظر ترجمته ‪ :‬تهذيب التهذيب ‪ ، 237 / 7‬صفة الصفوة ‪3‬‬
‫‪. 27 /‬‬
‫)‪ (3‬ترتيب المدارك ‪. 179 / 1‬‬
‫)‪ (4‬انظر ‪ :‬الفقيه والمتفقه ‪ 428-386 / 2‬؛ جللامع بيللان‬
‫العلم وفضله ‪ 529،559 -501 / 1‬؛ الداب الشرعية لبن‬
‫مفلح ‪ 55-44 / 2‬؛ تغليظ الملم علللى المتسللرعين إلللى‬
‫الفتيا الشيخ حمللود التللويجري ص ‪ 47-6‬؛ أصللول الفتللوى‬
‫والقضاء د ‪ .‬محمد رياض ص ‪218‬و ‪. 219‬‬
‫)‪ (5‬انظر ‪ :‬المحصلول للللرازي ‪ 493 / 2‬؛ نهايلة السلول‬
‫) الحاشية ( ‪ 579 / 4‬؛ البحر المحيط ‪ 198 / 6‬؛ شرح‬
‫تنقيح الفصول ص ‪ 430‬؛ تقريب الوصللول لبللن جللزي ص‬
‫‪ 422‬؛ كشف السرار للبخاري ‪. 26 / 4‬‬
‫)‪ (6‬انظر ‪ :‬جامع بيان العلللم وفضللله ‪1069-1065 / 2‬؛‬
‫أدب المفللتي والمسللتفتي ص ‪109‬؛ إعلم المللوقعين ‪/ 4‬‬
‫‪ 170‬؛ جامع العلوم والحكم لبن رجب ‪ 241 / 1‬؛ الداب‬
‫الشرعية لبن مفلللح ‪ 54-52 / 2‬؛ تغليللظ الملم للشلليخ‬
‫حمود التويجري ص ‪. 25-23‬‬

‫‪77‬‬
‫)‪ (7‬أخرجه الدارمي في سننه ‪ 50 / 1‬؛ الفقيه والمتفقه‬
‫‪ 12 / 2‬؛ جامع بيان العلم وفضله ‪. 1067 / 2‬‬
‫)‪ (8‬أخرجه الدارمي في سننه ‪ 50 / 1‬؛ الفقيه والمتفقه‬
‫‪ 13 / 2‬؛ جامع بيان العلم وفضله ‪. 1068 / 2‬‬
‫)‪ (9‬أخرجه الدارمي في سننه ‪ ،56 / 1‬الفقيه والمتفقه ‪2‬‬
‫‪ ، 14 /‬جامع بيان العلم وفضله ‪1065 / 2‬‬
‫)‪ (10‬جامع بيان العلم وفضله ‪. 1067 / 2‬‬
‫)‪ (11‬أخرجلله الللدارمي فللي سللننه فللي المقدمللة ‪ ،‬بللاب‬
‫كراهية الفتيا رقمه ) ‪. 51 / 1 ( 125‬‬
‫وأخرجه ابن عبد البر فللي جللامع بيللان العلللم وفضللله ‪/ 2‬‬
‫‪. 1062‬‬
‫)‪ (12‬سورة المائدة ‪ :‬اليتان ‪. 102 , 101 :‬‬
‫)‪ (13‬إعلم الموقعين ‪ 56 / 1‬و ‪. 57‬‬
‫)‪ (14‬المرجع السابق ‪. 170 / 4‬‬
‫)‪ (15‬رواه أبو داود في سننه كتللاب العلللم ‪ ،‬بللاب التللوقي‬
‫فللي الفتيللا ‪ ،‬رقملله ) ‪ 243 / 4 ( 3656‬؛ والخطيللب‬
‫البغللدادي فللي الفقيلله والمتفقلله ‪ 20 / 2‬رقللم ‪. 635‬‬
‫والغلوطات أو الغلوطللات هللي ‪ :‬شللداد المسللائل وفيللل ‪:‬‬
‫دقيقها ‪ ،‬وقيل ما ل يحتاج إليه مللن كيللف وكيللف ‪ .‬انظللر ‪:‬‬
‫الفقيه والمتفقه ‪ 20 / 2‬و ‪. 21‬‬
‫)‪ (16‬أخرجه الطبراني في الكبير ‪ 368 / 19‬رقمه ) ‪865‬‬
‫(‪.‬‬
‫)‪ (17‬معالم السنن للخطابي ‪.‬‬
‫)‪ (18‬انظر ‪ :‬شرح القواعد الفقهيللة للشلليخ أحمللد الزرقللا‬
‫ص ‪ ، 147‬دار القلم ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1409‬هل ل ؛ المللدخل‬
‫الفقهي العام مصطفى الزرقللا ‪ 1008 / 2‬؛ الللوجيز فللي‬
‫إيضاح القواعد الفقهية الكلية د ‪ .‬البورنو ص ‪. 328‬‬
‫)‪ (19‬المقصود بالعلمي ‪ " :‬مللا تضللمنه علللم الصللول مللن‬
‫المظنونات التي يستند العمل إليهللا " البحللر المحيللط ‪/ 6‬‬
‫‪. 227‬‬
‫)‪ (20‬البحر المحيط ‪. 227 / 6‬‬
‫)‪ (21‬انظر ‪ :‬الموافقات ‪. 118 – 114 / 5‬‬

‫‪78‬‬
‫)‪ (22‬انظللر ‪ :‬الرسللالة ص ‪ ، 560‬الفصللول فللي الصللول‬
‫للجصاص ‪ 13 / 4‬؛ جامع بيان العلم وفضللله ‪-844 / 2‬‬
‫‪ 891‬؛ الفقيه والمتفقه ‪ 504 / 1‬؛ الموافقات ‪-114 / 5‬‬
‫‪ 118‬؛ إعلم الموقعين ‪، 56-54 / 1‬ل ‪ 199 / 2‬؛ شرح‬
‫الكوكب المنير ‪ 588-584 / 4‬؛ جامع العلوم والحكلم ‪/1‬‬
‫‪ 252 – 241‬؛ البحر المحيط ‪ 6/227‬؛ الحكام في تميللز‬
‫الفتللاوى عللن الحكللام ص ‪ 192‬؛ الداب الشللرعية لبللن‬
‫مفلح ‪ 55 / 2‬؛ إرشاد الفحول ص ‪ 253‬؛ الجتهاد فيما ل‬
‫نص فيه ‪ 17 , 16 / 1‬؛ تغليظ الملم للشيخ التويجري ص‬
‫‪ 29 , 28‬؛ الفتوى بين النضباط والتسيب ص ‪. 120‬‬
‫)‪ (23‬انظر ‪ :‬جامع بيان العلم وفضله ‪ 848 / 2‬؛ الفتللوى‬
‫بين النضباط والتسيب ص ‪ 73, 72‬؛ ضللوابط الدراسللات‬
‫الفقهية للعودة ‪. 92-89‬‬
‫)‪ (24‬أخرجه البيهقي في السنن الكبرى رقم ) ‪( 20324‬‬
‫‪ 15 / 10‬طبعللة البللاز ‪ ،‬وذكللره ابللن القيللم فللي إعلم‬
‫الموقعين ‪ 67 / 1‬وقال ‪ " :‬هذا كتاب جليل تلقاه العلماء‬
‫بالقبول "‪.‬‬
‫)‪ (25‬إعلم الموقعين ‪. 69 / 1‬‬
‫)‪ (26‬المرجع السابق ‪. 146 / 4‬‬
‫)‪ (27‬انظر ‪ :‬الفقيه والمتفقه ‪ 388 , 387 / 2‬؛ الحكام‬
‫في تمييز الفتللاوى عللن الحكللام ص ‪ 237 , 236‬؛ إعلم‬
‫المللوقعين ‪ 149-143 / 4‬؛ أصللول الفتللوى والقضللاء د ‪.‬‬
‫محمد رياض ص ‪ 223‬؛ مجمللوع الفللوائد واقتنللاص الوابللد‬
‫تللأليف ‪ :‬الشلليخ ابللن سللعدي ص ‪ ، 129 , 128‬دار ابللن‬
‫الجوزي ‪ ،‬الطبعة الولى ‪1418‬هل ‪.‬‬
‫)‪ (28‬انظر ‪ :‬الفتوى بين النضباط والتسيب ص ‪. 74‬‬
‫)‪ (29‬انظر ‪ :‬الفقيه والمتفقه ‪ 390 / 2‬؛ الموافقات ‪/ 5‬‬
‫‪ 324, 323‬؛ الحكام في تمييز الفتاوى عللن الحكللام ص‬
‫‪ 237, 236‬؛ المفتي في الشريعة السلللمية د ‪ .‬الربيعللة‬
‫ص ‪. 31‬‬
‫)‪ (30‬رواه المام أحمد في مستده ‪ ، 321 / 1‬والللبيهقي‬
‫في سننه ‪ ، 116 – 112 / 10‬والخطيب البغللدادي فللي‬
‫الفقيه والمتفقه ‪ 328 / 2‬قللال محققلله وإسللناده حسللن‬

‫‪79‬‬
‫لغيره ‪ ،‬وصححه الحكام في المستدرك ‪ 183 / 1‬رقللم )‬
‫‪ ( 61‬ووافقه الذهبي ‪ ،‬وبنحوه أخرجه أبللو داود فللي سللننه‬
‫كتاب العلم ‪ ،‬باب التوقي في الفتيا رقمه ) ‪/ 4 ( 3649‬‬
‫‪. 243‬‬
‫)‪ (31‬أخرجه الدارمي فللي سللننه ‪ ،‬المقدمللة ‪ ،‬بللاب الفتيللا‬
‫وما فيه من الشدة ‪. 69 / 1‬‬
‫)‪ (32‬أخرجه الخطيب البغدادي في الفقيلله والمتفقلله ‪/ 2‬‬
‫‪ ، 416‬وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلللم وفضللله‬
‫‪. 1124 / 2‬‬
‫)‪ (33‬إعلم الموقعين ‪. 64 / 1‬‬
‫)‪ (34‬ترتيب المدارك ‪. 178 / 1‬‬
‫)‪ (35‬المرجع السابق ‪.‬‬
‫)‪ (36‬انظر ‪ :‬فتاوى المام الشللاطبي د ‪ .‬أبللو الجفللان ص‬
‫‪. 83‬‬
‫)‪ (37‬إعلم الموقعين ‪. 9 / 1‬‬
‫)‪ (38‬سورة النبياء ‪ ،‬آية ‪. 7 :‬‬
‫)‪ (39‬انظلللر ‪ :‬الجتهلللاد فلللي الشلللريعة السللللمية د ‪.‬‬
‫القرضاوي ص ‪. 176‬‬
‫)‪ (40‬انظر ‪ :‬بحث المدخل إلى فقه النوازل د ‪ .‬ابو البصل‬
‫ص ‪ 130‬ضللمن مجلللة أبحللاث اليرمللوك العللدد )‪ (1‬عللام‬
‫‪1997‬م ‪.‬‬
‫)‪ (41‬سورة آل عمران ‪ :‬آية ‪. 159 :‬‬
‫)‪ (42‬الفقيلله والمتفقلله ‪ ، 390 / 2‬انظللر أيضللا ً ‪ :‬إعلم‬
‫الموقعين ‪ 197 / 4‬؛ أدب المفتي والمستفتي ص ‪. 138‬‬
‫)‪ (43‬سورة البقرة ‪ ،‬آية ‪. 32‬‬
‫)‪ (44‬سورة طه ‪ ،‬اليات ‪. 28 – 25 :‬‬
‫)‪ (45‬انظر ‪ :‬أدب المفتي والمستفتي ص ‪ 141 , 140‬؛‬
‫المجموع ‪. 86 / 1‬‬
‫)‪ (46‬إعلم الموقعين ‪. 132 , 131 / 4‬‬
‫)‪ (47‬سورة الجاثية ‪ ،‬اليات ‪. 19 , 18 :‬‬
‫)‪ (48‬سورة المائدة ‪ ،‬آية ‪. 49 :‬‬
‫)‪ (49‬أخرجه الخطيب البغدادي في الفقيلله والمتفقلله ‪/ 2‬‬
‫‪. 340‬‬

‫‪80‬‬
‫)‪ (50‬سورة فاطر ‪ ،‬آية ‪. 28‬‬
‫)‪ (51‬الموافقات ‪. 299 / 5‬‬
‫)‪(52‬انظر ‪ :‬الفتوى بين النضباط والتسلليب ص ‪ 77-75‬؛‬
‫المفتي في الشريعة السلمية د ‪ .‬الربيعة ص ‪ 27‬؛ أصول‬
‫الفتوى والقضاء د ‪ .‬محمد رياض ص ‪ 222 – 220‬؛ أصول‬
‫الفتوى د ‪ .‬الحكمي ص ‪. 49 ’ 48‬‬
‫)‪ (53‬إعلم الموقعين ‪. 152 / 4‬‬
‫)‪ (54‬المرجع السابق ‪. 160 , 152 / 4‬‬
‫=================‬
‫=============‬
‫‪#‬الحرب الصليبية الثالثة أمريكية‬
‫د‪.‬عبد العزيز القارئ ‪27/1/1424‬‬
‫‪30/03/2003‬‬
‫أمريكا تهاجم السلم؛ لقد أعلنتها حربا ً صليبية؛ هكذا بكللل‬
‫وضللوح ووقاحللة‪ ،‬إذن هللاهي الحللرب الصللليبية الثالثللة قللد‬
‫بدأت‪.‬‬
‫كللان الهجللوم الصلليبي الول علللى يللد الوربييللن‪ ،‬وسللقط‬
‫سموا الشللام‬ ‫) بيت المقدس ( في أيديهم سنة ‪402‬هل‪ ،‬وق ّ‬
‫إلى إمارات صليبية استمرت قرابة مائتي عام وحرر صلح‬
‫الدين ) بيت المقدس ( وطرد الصليبيين من معظم الشام‬
‫عام )‪(583‬هل‪.‬‬
‫وكان الهجوم الصليبي الثاني على يد الوروبيين أيضًا‪ ،‬بعللد‬
‫الحللرب العالميللة الولللى الللتي انتهللت سللنة )‪(1337‬هللل‪،‬‬
‫تقاسموا العالم السلمي في حملة سميت بل "الستعمار"‬
‫وسقطت الشام وشمال أفريقيا بيد " الفرنسلليين " وليبيللا‬
‫بيللد " البريطللانيين " والعللراق ومصللر وشللرق الجزيللرة‬
‫العربيللة وجنوبهللا بيللد " النجليللز " وكللذلك الهنللد وإيللران‪،‬‬
‫واحتل الهولنديون أندونيسيا‪ ،‬وهكللذا تكللالبوا علللى العللرب‬
‫َ‬
‫ب الك َل َةِ على قَ ْ‬
‫صَعتها‪.‬‬ ‫كال ُ َ‬
‫وعلى العالم السلمي ت َ َ‬
‫والن ها هو التاريخ يعيد نفسه‪ ،‬وها هو الرئيللس المريكللي‬
‫المتعجرف يعلللن الحللرب الصللليبية الثالثللة علللى السلللم‪،‬‬
‫وبعد احتلل أفغانستان‪ ،‬يريدون الن احتلل العراق‪ ،‬وبقية‬
‫المنطقللة‪ ،‬وربمللا الوصللول إلللى قلللب العللالم السلللمي‬

‫‪81‬‬
‫واحتلله‪ ،‬وأما التمكين لليهود في فلسطين وفي المنطقللة‬
‫فهللو الهللدف الكللبر‪ ،‬ولللذا فللالحرب الصللليبية هللذه المللرة‬
‫أمريكيللة يهوديللة ؛ وفيهللا أمللور هامللة نلفللت إليهللا انتبللاه‬
‫المسلمين‪:‬‬
‫) أول ً (‪:‬يجب أن نوقن بللأن عاقبللة هللذه الحللرب الصللليبية‬
‫اليهودية الجديدة سللتكون للسلللم‪ ،‬لقللد جللرب الوربيللون‬
‫مرتين وفشلوا في القضاء على السلللم‪ ،‬ولللم يسللتطيعوا‬
‫الستمرار طويل ً في احتلل العالم السلمي‪ ،‬كان في كل‬
‫مرة ينتفض ولو بعد حين ويقذف بهم بعيدًا‪ ،‬وأنا مللوقن أن‬
‫هجومهم هذه المللرة سللينتهي بعللد سلسلللة مللن الحللروب‬
‫والكوارث بالقضاء على اليهود وسللقوط دولتهللم والقضللاء‬
‫على أمريكا والصليبيين جميعًا‪..‬‬
‫من َللا القللرآن وبينللت لنللا السللنة النبويللة أن الصللراع‬ ‫لقللد عل ّ َ‬
‫البدي المستمر حتى نهاية العالم هو بين السلم من جهة‬
‫وبين اليهودية والنصرانية من الجهة الخرى‪ ،‬وأنلله مسللتمر‬
‫ة حتى تسقط في النهاية إحدى الجبهللتين‪ ،‬وقللد أخبرنللا‬ ‫دول ً‬
‫ُ‬
‫نبينا صلى الله عليه وسلم أن نهاية هللذا الصللراع سللتكون‬
‫بانتصللار المسلللمين وظهللور السلللم علللى الللدين كللله‪،‬‬
‫والقضاء على اليهود‪ ،‬وكسر الصليب‪..‬‬
‫والمؤمن إذا قرأ نصوص السنة الواردة في هذا الموضللوع‬
‫يفهم كل ما يجري الن‪ ،‬ول ينبغللي أن يقللول مثللل ضللعفاء‬
‫اليمان‪ :‬نلجأ إلى الغيبيات لنبرر عجزنا ونهرب من واقعنا‪.‬‬
‫بللل المسلللم صللحيح اليمللان يللؤمن بللالغيب‪ ،‬وبمللا أخللبر‬
‫الصادق المين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وهو قللد‬
‫أخبر بكل ما هو كائن بين يدي الساعة من الملور الهاملة‪،‬‬
‫حفظه من حفظه ونسيه من نسيه )‪.(1‬‬
‫ونحن نلجأ إلى القرآن وإلى ما أخللبرت بلله السللنة النبويللة‬
‫م واقعنا‪..‬‬
‫ضعََفاَءنا‪ ،‬ون َْفهَ َ‬ ‫لن َُقوّيَ إيماننا‪ ،‬ون ُث َب ّ َ‬
‫ت ُ‬
‫السنة النبوية أخبرت بكل الوقائع الكبرى فللي حيللاة المللة‬
‫السلمية إلى قيام السللاعة ؛ حللتى هجللوم المغللول الللذي‬
‫عصف بالخلفة العباسية‪ ،‬ودمر الخضللر واليللابس أخللبرت‬
‫به السنة )‪..(2‬‬

‫‪82‬‬
‫ولو كان المسلللمون يقللرؤون ويفقهللون كلم ربهللم وسللنة‬
‫نبيهم لتسّلحوا بأول سلح للمقاومة وهللو الللوعي‪ ،‬والفهللم‬
‫الصحيح لما يجري‪ ،‬ولتسلللحوا بللأقوى سلللح وهللو اليمللان‬
‫الثابت القوي واليقين الصادق بأن هذا الللدين ظللاهر علللى‬
‫الدين كله‪ ،‬وأن الله غالب على أمره‪.‬‬
‫ثم ل ننسى أننلا نعيلش فللي عصلر ي ُعَلد ّ الربلع الخيللر ملن‬
‫الزمان‪ ،‬وهذا الربع الخير بدأ ببعثة نبينا محملد صللى اللله‬
‫عليه وسلم وينتهي بقيام الساعة؛ ولذلك قللال صلللى الللله‬
‫عليه وسلم‪ ) :‬ب ُِعثت أنا والساعة كهاتين – يعني أصبعيه ()‬
‫‪ (3‬يشير صلى الله عليلله وسلللم إلللى شللدة قربهللا‪ ،‬وعنللد‬
‫التأمل تجد أننا اليوم في الربع الخير من الربع الخير‪ ،‬لن‬
‫أشراط الساعة الصغرى قد تحققت سائرها ؛ ولم يبللق إل‬
‫أشراطها الكبرى‪ ،‬حيث تقع الملحللم الكللبرى الللتي تنتهللي‬
‫بالقضللاء علللى اليهللود والنصللارى‪ ،‬وبظهللور السلللم علللى‬
‫أعدائه‪.‬‬
‫) ثانيا ً (‪:‬ينبغي أل نغتّر بهلذه البشلائر اللواردة فللي السللنة‪،‬‬
‫كل عليها ونتواكللل بسللببها؛ فقللد ل نكللون نحللن هللذا‬ ‫وأل نت ّ ِ‬
‫الجيل المقصودين بها‪ ،‬وينبغي أل نزكي أنفسنا فقد ُنبتَلللى‬
‫بتسليط العدو علينا‪ ،‬حسللب ذنوبنللا‪ ،‬وحالنللا وحللال قلوبنللا‪،‬‬
‫وحال قياداتنا وحكامنللا؛ وقللد نكللون نحللن وقللود َ المعركللة‪،‬‬
‫والذي سيجني ثمار النصر غيرنا‪ ،‬مسلمون آخرون ي ُوَّفللون‬
‫بشروط النصر‪ ،‬وقد نشهد نحن بشائر النصر وبوادره بعللد‬
‫سام‪..‬‬
‫ج َ‬
‫ابتلء شديد وحوادث ِ‬
‫نقول هذا لننبه المسلمين إلللى سللنن الللله الللتي ل تتبللدل‪،‬‬
‫منها أنه لبد من التطهير قبل النصللر‪ ،‬وأن النصللر ل ينللزل‬
‫على الكسالى والغافلين‪..‬‬
‫ب العللالم‬ ‫ومن سللنن الللله العجيبللة أنلله يحمللي بنفسلله قلل َ‬
‫السلللمي وهللو الحرمللان المقدسللان مكللة والمدينللة‪ ،‬فل‬
‫يقتحمهما العداء‪ ،‬وفي الملحللم الخيللرة يحللاول المسللي ُ‬
‫خ‬
‫الدجال اقتحامهما وهو يهللودي فل يسللتطيع‪ ،‬وأخللبر النللبي‬
‫صلللى الللله عليلله وسلللم أن المدينللة النبويللة تحميهللا منلله‬
‫الملئكة يجللدهم علللى أنقابهللا شللاهري السلليوف وأنقاُبهللا‬
‫يعني مداخلها)‪.(4‬‬

‫‪83‬‬
‫ولكللن العجللب مللن هللذا أنلله ل حصللانة لهللاتين المللدينتين‬
‫ظلمة والمنافقين من حكلام المسللمين؛‬ ‫المقدستين من ال ّ‬
‫فلقد ابت ُِليتا بشرورهم في مراحل التاريخ السابقة‪ ،‬ووقللائع‬
‫الحرة بالمدينة النبوية‪ ،‬وهللدم الحجللاج للكعبللة بللالمنجنيق‪،‬‬
‫ثم غزو القرامطة لمكة‪ ،‬أشهُر من أن ُتذكر‪..‬‬
‫مل‪ :‬لم يقتحم مكة يوما ً من اليام عدو كافٌر يهود ٌ‬
‫ي‬ ‫لكن َتأ ّ‬
‫ي‪ ،‬أو غير ذلك؛ ولما حاول " أبرهللة "‬ ‫ي أو مجوس ٌ‬ ‫أو نصران ٌ‬
‫مللى الللله بيتلله منلله بأضللعف خلقلله‬‫ح َ‬ ‫ي َ‬
‫ي النصللران ّ‬ ‫الحبش ل ّ‬
‫) البابيللل ( طيللور صلغار جلاءت ملن جهلة البحللر ؛ ولكللن‬
‫م مكة ) القرمطي ( الرافضي المنافق وقتللل الحجللاج‬ ‫ح َ‬
‫ت ََق ّ‬
‫فلي المسلجد الحلرام‪ ،‬هلذا نلوعٌ ملن البلء للم ُتمنلع منله‬
‫المللدينتان؛ إذ ْ أن أهلهللا مثللل بللاقي المسلللمين‪ ،‬إذا كث ُللرت‬
‫ذنللوبهم وأسللاءوا الدب مللع هللذا الجللوار المقللدس فللإنهم‬
‫ُيعاقبون ويطّهرون بللأنواع مللن البليللا والفتللن‪ ،‬ليللس منهللا‬
‫ظهور العدو الكافر من اليهود والنصارى وغيرهم ؛ لن في‬
‫هذا ذهاب السلم‪ ،‬واستئصال هذه المة‪ ،‬وهذا ممنوع‪.‬‬
‫) ثالثللا ً (‪:‬التاريللخ يعيللد نفسلله‪ ،‬ويكللرر عظللاته ودروسلله‬
‫ن أكثر الناس ل يفقهون‪ ،‬بللل ل يقللرؤون‪ ،‬لللو‬ ‫سام‪ ،‬ولك ّ‬ ‫ج َ‬ ‫ال ِ‬
‫كنا نقرأ التاريخ ونسللتفيد مللن تجللاربه ودروسله إذن لكللان‬
‫حالنا أحسن مما هو عليلله الن‪ ،‬الحللوادث الكللبرى تتكللرر‪،‬‬
‫والعلللل والفللات تتكللرر‪ ،‬وأسللباب الللدمار والنهيللار هللي‬
‫نفسها‪..‬‬
‫في القرون الثلثة الخامس والسادس والسابع هّبت علللى‬
‫ف هائلللة كللادت تقتلعهللا مللن جللذورها‪ :‬بللدأت‬ ‫المة عواصل ُ‬
‫بهجللوم الصللليبيين علللى جناحهللا الغربللي الللذي انتهللى‬
‫بللاحتللهم لللل) بيللت المقللدس(‪ ،‬ثللم هجللوم المغللول علللى‬
‫جناحها الشرقي الذي انتهى بتدمير بغداد وإسقاط الخلفة‬
‫العباسية‪ ،‬أعظم خلفة بعد )الراشدين (‪.‬‬
‫والعجيب المؤلم أنه فللي كل هللذين الهجللومين الخطيريللن‬
‫كللان ) الروافللض ( مللن داخللل المللة يمّثلللون )الطللابور‬
‫الخامس(‪ ،‬فكللانوا يراسلللون الصللليبيين يحّرضللونهم علللى‬
‫مهاجمة الشام‪ ،‬وكان ) ابللن العلقمللي ( الللوزير الرافضللي‬
‫لخر خليفة عباسي يراسل المغللول‪ ،‬يللدلهم علللى عللورات‬

‫‪84‬‬
‫المسلللمين‪ ،‬ويحّرضلللهم عللللى مهاجملللة بغلللداد‪ ،‬واليلللوم‬
‫وق‬ ‫والجيوش الصليبية المريكية واليهوديللة الصللهيونية ُتط ل ّ‬
‫المللة مللن الشللرق والغللرب والشللمال والجنللوب فللإن‬
‫المسلمين ينبغي أل يأمنوا غدَر الروافض وغوائلهم‪.‬‬
‫عند هجوم الصليبيين‪ ،‬وكللذلك عنللد هجللوم المغللول كللانت‬
‫الحالة السياسية في غاية من التردي‪ ،‬الحكللام مللن أمللراء‬
‫وسلللطين متفرقللون متنللاحرون وعللاجزون أمللام العللدو‬
‫الغازي‪ ،‬حتى بلغ الخبللث بالخليفللة الفللاطمي فللي مصللر –‬
‫وهو رافضي – أن راسللل الصللليبيين يحرضللهم علللى غللزو‬
‫الشللام نكايللة بالسلللجقة الللذين كللانوا يحكمونهللا وهللم‬
‫سنيون‪..‬‬
‫والن تفللرج علللى حللال حكامنللا ‪ :‬متفرقللون متنللاحرون‪،‬‬
‫متفقون على أل يتفقوا ويكيد بعضللهم لبعللض‪ ،‬ويتسللابقون‬
‫للغدر بأشقائهم وشعوبهم؛ ولتقديم خلدماتهم للعلدو اللذي‬
‫يتربص بهم جميعًا‪.‬‬
‫ولكن المل أن يهدي الله أحدهم أو بعضللهم فيقللذف الللله‬
‫فللي قلبلله اليمللان وإرادة المقاومللة والجهللاد ؛ حينئذ تبللدأ‬
‫نهاية العدو‪..‬‬
‫فإن تولوا جميعا ً وتمادوا في الستسلم للعدو‪ ،‬فالمللل أن‬
‫يبعث الله للمة قيادة جديلدة إيمانيلة‪ ،‬قيلادة إنقلاذ وجهلاد‬
‫وعزة‪..‬‬
‫كما حدث دائما ً في المرات السابقة من تاريخ هذه المة‪..‬‬
‫رغم الكللوارث والزمللات الكللبرى الللتي كللانت تحللل بهللذه‬
‫المللة‪ ،‬إل أن هنللاك ومضللات مشللرقة كللانت تتخلللل هللذه‬
‫الدياجير‪ ،‬تتمثل في سلللطين وملللوك صللالحين مجاهللدين‬
‫يغيث الله بهم المللة كلمللا اشللتدت أزماتهللا‪ ،‬تختلللف هللذه‬
‫الومضات من حيث المدة وعظم الثر‪ ،‬فالذين وقفوا فللي‬
‫وجه المللد الرافضللي مللن بللويهيين وفللاطميين هللم ملللوك‬
‫) السلللجقة ( السللنيون‪ ،‬وكللان مللن أشللهرهم السلللطان‬
‫المجاهد ) ألب أرسلن ( الذي أوقف زحف الصليبيين مللن‬
‫الشمال في معركة )ملذكرد ( وهذه المعركة فتحت بوابة‬
‫آسلليا الصللغرى ) تركيللا الن ( أمللام العثمللانيين بعللد ذلللك‪،‬‬
‫وكان من بركات )السلجقة( السلطان عماد الدين زنكي‪،‬‬

‫‪85‬‬
‫وابنه نور الدين زنكي الشهيد‪ ،‬اللذان مهدا الطريق للملك‬
‫الصالح والسلطان المجاهد صلح الدين اليوبي الذي طرد‬
‫الصليبيين بعد ذلك وحرر ) بيت المقدس (‪ ،‬وعنللدما هبللت‬
‫عاصفة المغول وأحرقت الخضر واليللابس‪ ،‬وتمل ّللك الفللزع‬
‫سائر المراء والسلطين‪ ،‬قيض الللله ذلللك الملللك الصللالح‬
‫المجاهد ) سيف الللدين قطللز ( المملللوكي فللأوقف زحللف‬
‫سللاء‬‫المغول وكسر شوكتهم وهزمهم وملّرغ أنللوفهم الَفط ْ َ‬
‫في تراب ) عين جالوت ( سنة ‪658‬‬
‫ومللن يقللرأ سلليرة هللؤلء الملللوك الصللالحين والسلللطين‬
‫المجاهدين يجد منهجلا ً واضللحا ً للنهللوض بالمللة‪ ،‬ولنقاذهللا‬
‫عند الزمات الكبرى‪ ،‬ويرى بركة الجهاد وأثره العظيم في‬
‫إنقاذ هذه المة‪ ،‬ويعلم أنه ببركة هذه الومضات حفظ الله‬
‫هذه المة من الفناء‪ ..‬وأهم منها – كما أشلرنا فلي موضلع‬
‫آخر – حفظ الله هذه المة ببركة العلم والعلماء‪..‬‬
‫) رابعا ً ( ‪ :‬الصراع المتوقع مللع الغللزو الصللليبي المريكللي‬
‫ل‪ ،‬لن العدو أعلن أنلله يسللتهدف كللل شلليء‪،‬‬ ‫سيكون شام ً‬
‫حتى المدارس والجامعات‪ ،‬وطريقة حياة النللاس‪ ،‬ودينهللم‬
‫ومعتقداتهم‪..‬‬
‫مللن أجللل هللذا سنشللهد فللي الفللترة المقبلللة ) إسلللما ً‬
‫أمريكيا ً ( بدأ يروج له البعض منذ الن‪..‬‬
‫وسنشهد محاولت للترويج للطريقة المريكية في الحيللاة‪،‬‬
‫وهي لمن كللان جللاهل ً بهللا تمثلهللا نمللاذج معلنللة واضللحة ‪:‬‬
‫سياسللليون بلللارزون‪ ،‬وشللركات كللبرى فللي اللصوصللية‬
‫والكذب‪ ،‬وآخرون بارزون في التحلل الخلقي‪..‬‬
‫سيعمل بعض المنافقين عندنا على إلغللاء شللريعة الجهللاد‪،‬‬
‫وسللتحل محلهللا أحللاديث السلللم‪ ،‬وأحلم التنميللة والحيللاة‬
‫الرغيللدة‪ ،‬وسلليعمل البعللض علللى إلغللاء عقيللدة ) الللولء‬
‫والبراء ( وسيحل محلها مصطلحات جديدة‪ :‬احترام الللرأي‬
‫الخللر‪ ،‬التعدديللة الفكريللة والثقافيللة‪ ،‬تكامللل الحضللارات‪،‬‬
‫الحوار بين الحضارات‪ ،‬التسامح والمحبة بين بني البشر‪..‬‬
‫حللتى السللماء الجغرافيللة سللتتغير‪ ،‬فبللدل ً مللن العللالم‬
‫ة ) الشلللرق‬ ‫مى المنطقللل ُ‬‫السللللمي أو العلللرب سُتسللل ّ‬

‫‪86‬‬
‫الوسط (‪ ،‬وستبدأ المشاريع الشرق الوسللطية بمشللاركة‬
‫اليهود الصهاينة‪ ،‬بل قل تحت هيمنتهم‪.‬‬
‫وستنشط مشاريع السياحة؛ حتى تتقللاطر وفللود الصللهاينة‬
‫وجواسيس ) الموساد ( و ) السي آي إيه( ليكملوا المهمة‬
‫فيفسدوا ما لم تتمكللن الجيللوش مللن إفسللاده ؛ والعجيللب‬
‫أنهم عندنا يتحدثون منذ الن عن السللياحة الدينيللة لليهللود‬
‫والنصارى‪ ،‬كأنه ل تكفينا أعظم سياحةٍ دينية وهللي ) الحللج‬
‫والعمرة ( إنهمللا أعظللم اسلتثمار دينلي واقتصللادي‪ ،‬وليتنللا‬
‫نستطيع إدارتهما على المستوى المطلوب‪ ،‬والعجيب أنهم‬
‫منذ الن يرممون الثار المتعلقللة بللاليهود والنصللارى بينمللا‬
‫يهدمون الثار السلمية بما فيها المساجد النبوية في مكة‬
‫والمدينة)‪ (5‬في تناقض ل يفهمه عاقل ول يقبله مسلم‪..‬‬
‫ملللى ملللن المشلللاريع القتصلللادية‬ ‫ح ّ‬
‫ستشلللهد المنطقلللة ُ‬
‫والسلللتثمار الجنلللبي حلللتى تكتملللل الحلقلللة بالسللليطرة‬
‫القتصادية‪..‬‬
‫يتحدثون عن السللتثمار الجنللبي بينمللا المللوال السللعودية‬
‫الهاربة المستثمرة في أمريكا وحدها تقللارب )الللترليون (‪،‬‬
‫وهو رقم ل أعرف كيف أعده‪..‬‬
‫وستبلغ الوقاحة بالمريكللان والمتللأمركين أن ينشللروا فللي‬
‫ربوعنا الجامعللات ) المريكيللة (‪ ،‬وهللا هللو أحللد المنللافقين‬
‫المتأمركين من أبناء جلدتنا يعلن عن نوايللاه فللي مشللروع‬
‫إنشاء ) جامعة أمريكية ( في جدة )‪.(6‬‬
‫أي أن المعركة ستكون شاملة‪ ،‬أهونها الجانب العسكري‪..‬‬
‫لذلك فإن المللل بعللد لطللف الللله فللي العلمللاء الربللانيين‪،‬‬
‫علماء الصحوة‪ ،‬فهم فقط الذين يستطيعون مقاومللة غللزو‬
‫حدوا جهودهم‪..‬‬ ‫شامل بهذا المستوى إذا وَ ّ‬
‫ونكاد نجزم أن المريكان بشراستهم وعجرفتهم وغرورهم‬
‫سيكفوننا مؤونللة إيقللاظ العللرب والمسلللمين لمللواجهتهم‪،‬‬
‫وتنبيههم لخطرهم‪ ،‬وسوف يتسببون بسياساتهم المتهللورة‬
‫الحمقللاء فللي إذكللاء روح العللداوة ضللدهم فللي نفللوس‬
‫المسلمين‪ ،‬بل في إشعال نار المقاومة المسلحة‪..‬‬
‫)خامسًا( ‪ :‬الهجللوم العسللكري المريكللي الصللهيوني علللى‬
‫العراق يوشك أن يبدأ‪ ،‬وربما يكون قد بللدأ فعل عنللد نشللر‬

‫‪87‬‬
‫هذه المقالة‪ ،‬وحينئذ فالسؤال الللذي يعتلللج فللي فللؤاد كللل‬
‫مؤمن‪ ،‬وربما نطق به لسانه‪:‬‬
‫ما العمل ؟ ما هو واجبي ؟ هل أبقى متفرجا ؟؟‬
‫أول واجللب علللى الجميللع أن يلتفللوا حللول العلمللاء‪ ،‬أعنللي‬
‫العلماء الربانيين الذين يقولون الحق ل يخافون لومة لئم‪،‬‬
‫علماء الصحوة الذين هم محللل الثقلة فلي صللدقهم‪ ،‬وفلي‬
‫قدرتهم على القول والعمل‪ ،‬فقد يكون هناك علمللاء فيهللم‬
‫صدق وخير‪ ،‬ولكن ل قدرة لهم على قول الحق‪ ،‬ول قللدرة‬
‫لهم على الحركة بسبب الخوف‪ ،‬أو لسباب أخرى‪...‬‬
‫هذا الواجب الللذي هللو اللتفللاف حللول العلمللاء الربللانيين‪،‬‬
‫والرجوع إليهم‪ ،‬ورد المر إليهم هو مدلول قوله تعالى‪:‬‬
‫دوهُ‬ ‫عوا ب ِلهِ وَل َلوْ َر ّ‬ ‫ذا ُ‬‫ف أَ َ‬‫خو ْ ِ‬ ‫ن أ َوِ ال ْ َ‬‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬
‫من ال َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫ٌ‬ ‫م‬
‫ْ‬
‫ذا جاَءهُم أ َ‬
‫ْ‬ ‫)َوإ َ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ه اّللل ِ‬
‫ملل ُ‬‫م ل َعَل ِ َ‬‫من ُْهلل ْ‬
‫مللرِ َ‬ ‫ل وَإ َِلللى أوِلللي ال ْ‬ ‫سللو ِ‬ ‫إ َِلللى الّر ُ‬
‫م( ]‪/83‬النساء[‪.‬‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ست َن ْب ِ ُ‬
‫طون َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫تنبه إلى أن الية تتحدث عن أمور المللن‪ ،‬وأمللور الخللوف‪،‬‬
‫ونحن الن في خوف‪ ،‬في أزمة من أزمات الحرب‪ ،‬حللرب‬
‫شرسة علللى السلللم والمسللمين‪ ،‬فل ملجلأ بعلد اللله إل‬
‫ها‪،‬‬‫حل َّها وَعَْق لدِ َ‬ ‫مرِ هذه المة‪ ،‬وأهْ ُ‬ ‫َ‬
‫ل َ‬ ‫العلماء الذين هم ولةُ أ ْ‬
‫حتى المراء والحكام يجب أن يرجعوا إليهم )‪..(7‬‬
‫ومما يدل علللى أن العلمللاء هللم فللي الحقيقللة ولة المللر‪،‬‬
‫ه( والعلللم شللأن العلمللاء‪ ،‬والللذين‬ ‫مل ُ‬ ‫قللوله فللي اليللة )ل َعَل ِ َ‬
‫يستنبطون الحكم من العلماء هم الراسللخون فللي العلللم‪،‬‬
‫هؤلء هم أهللل السللتنباط‪ ،‬فللإن السللتنباط هللو اسللتخراج‬
‫المعاني الخفية بجهد ومشقة‪ ،‬من قولهم ‪ :‬نبط الماء مللن‬
‫ة‪..‬‬ ‫البئر‪ .‬أي استخرجه بمشق ٍ‬
‫فالمقصود أن الرجوعَ إلى العلماء‪ ،‬ورد ّ المر إليهم‪ ،‬وت َل َّقي‬
‫ف حللولهم‪ ،‬هللذا هللو أول‬ ‫التللوجيه والحكللم منهللم‪ ،‬واللتفللا َ‬
‫واجب على الجميع بنص الية‪ ..‬وبنص الحديث‪ ،‬وهللو قللوله‬
‫صلى الله عليلله وسلللم ‪) :‬العلمللاء ورثللة النبيللاء( فالنبيللاء‬
‫الذين هم القادة‪ ،‬استخلفوا على هذه القيادة مللن أتبللاعهم‬
‫العلماء‪ ..‬فل يجوز لمن يريللد أن يسللتبرئ لللدينه أن يتلّقللى‬
‫ل والعم َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫م‪ ،‬والقو َ‬ ‫م والحك َ‬ ‫من غيرهم العل َ‬

‫‪88‬‬
‫ن العدوّ فللي حربلله‬ ‫والواجب الثاني على كل مسلم‪ :‬أل ّ ي ُِعي َ‬
‫م‬‫سل َ ُ‬
‫على المسلمين بأيّ شيء‪ ،‬ول حتى بشطر كلمة‪ ،‬ل ي َ ْ‬
‫مَر بإعانةِ العدوّ على المسلمين فل‬ ‫ُ‬
‫ه بغير ذلك‪ ،‬ولو أ ِ‬ ‫له دين ُ ُ‬
‫ل النللبي صلللى الللله عليلله‬ ‫يجوز له أن يفعللل‪ ،‬وليتللذكر قللو َ‬
‫ق فللي معصلليةِ الخللالق(‪ ،‬حللتى لللو‬ ‫ة لمخلو ٍ‬ ‫وسلم‪) :‬ل طاع َ‬
‫صى الوامللر فللإنه ل يجللوز لله‬ ‫كان يخاف على نفسه إن عَ َ‬
‫َ‬
‫مك ْلَرهَ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ل هذه الوامر‪ ،‬هذا باتفللاق الفقهللاء أ ّ‬ ‫أن ينّفذ مث َ‬
‫ُ‬
‫ل للله ذلللك‪.‬‬ ‫حل ّ‬‫ل غيره من المسلمين لم ي َ ِ‬ ‫إذا أك ْرِهَ على قَت ْ ِ‬
‫وما سوى هذين الواجبين‪ ،‬فللإن عليلله أن ينتظللر مللا يتفللق‬
‫عليه العلماء الربانّيون‪ ،‬فإذا لم يتفقوا على شلليٍء‪ ،‬فليكللن‬
‫ف سلليَفه‪ ،‬والللله المسللتعان‪ ،‬عليلله توكلنللا‪،‬‬ ‫س بيته وليك ّ‬ ‫حل ْ َ‬
‫ِ‬
‫وإليه أنبنا وإليه المصير‪.‬‬
‫المقالة التالية‬
‫)الجهاد حياة ‪ (1)(3-1‬متفللق عليلله ‪ /‬وانظللر مختصللر أبللي‬
‫داود للمنذري ] ‪.[ 6/130‬‬
‫)‪ (2‬البخلاري فلي الجهلاد ‪ /‬انظلر الفتلح ] ‪،6/104‬ل ‪-604‬‬
‫‪.[ 610‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري في الرقائق ] ‪ / 132 ،8/131‬الحلبي [‪.‬‬
‫)‪(4‬متفق عليه ‪ ] :‬البخاري ‪ ،3/53 /‬ومسلم ‪.[ 2/1005‬‬
‫)‪ (5‬هللدمت حللتى الن مللن المسللاجد النبويللة بالمدينللة ‪:‬‬
‫المساجد السبعة‪ ،‬ومسجد الفضيخ‪ ،‬وقبله هدم مسجد ثنية‬
‫الوداع‪ ..‬في بادرة ل نظن أن المقصود بها حمايلة العقيلدة‬
‫لسللببين ‪ :‬أحللدهما أن المسللاجد ل تمثللل تهديللدا ً للعقيللدة‪،‬‬
‫والخر أن هذه المسللاجد لهللا مئات السللنين وبعضللها منللذ‬
‫عهد الصحابة كالمساجد السبعة‪ ،‬ولللم تهللدد العقيللدة ولللم‬
‫يطلب أحد من العلماء هدمها‪.‬‬
‫هناك فرق بين الثار المخالفة للعقيدة كالبناء على القبللور‬
‫– بنللاء المسللاجد علللى القبللور وأشللد منهللا بنللاء الضللرحة‬
‫والقباب – وبين الثار الللتي ل مخالفللة فيهللا كللالتي ذكرنللا‪،‬‬
‫ولنا بحث في ذلك قد ينشر قريبًا‪.‬‬
‫)‪ (6‬في جريدة المدينة بتاريخ ‪27/11/1423‬هل‪.‬‬
‫)‪(7‬سبق أن أشرنا إلى هذا المعنى‪.‬‬
‫=============‬

‫‪89‬‬
‫‪#‬الجذور القتصادية للحرب على العراق‬
‫د‪ .‬سامي السويلم * ‪29/1/1424‬‬
‫‪01/04/2003‬‬
‫تنوعت آراء المحللين حول الدوافع الحقيقية وراء الحللرب‬
‫المريكية على العراق‪ ،‬فهناك مللن يعزوهللا لنفللوذ الللدهليز‬
‫)اللللوبي( الصللهيوني علللى الدارة المريكيللة‪ ،‬وأن الحللرب‬
‫تخدم مصالح إسرائيل بالدرجة الولى‪ ،‬وهناك من يفسرها‬
‫بتثبيت الوجود المريكي في الخليج ردا ً على تفجيرات ‪11‬‬
‫سللبتمبر الللتي نفللذها مجموعللة ينتمللي معظمهللم لبنللاء‬
‫المنطقة‪ ،‬وهناك من يرى أن السيطرة على منللابع النفللط‬
‫هي المحرك الول للحرب‪.‬‬
‫والقرب أن دوافع الحرب هي خليللط مللن كللل مللا سللبق‪،‬‬
‫ويبعد أن يكون قرار بمثل هذه الخطورة نابع لا ً مللن سللبب‬
‫أحادي ل يوجد ما يكفي للتعويض عن جوانبه السلبية‪.‬‬
‫وما نريد أن نلقي عليه الضوء هنا هو أن الدافع القتصادي‬
‫وراء الحرب أكبر من مجرد الحصول على مصللدر إضللافي‬
‫للثروة‪ ،‬وأن مثل هذه الحرب كانت ستقع بشكل أو بللآخر‪،‬‬
‫ل‪ ،‬حتى لو لم توجد الدوافع الخرى‪.‬‬ ‫عاجل ً أو آج ً‬
‫التخطيط المسبق‬
‫من المهم الشارة إلى أن التخطيط لحرب العراق قد بللدأ‬
‫قبل أحداث سللبتمبر بسللنوات‪ ،‬حيللث طللرح أول ً فللي عللام‬
‫‪1996‬م‪ ،‬ثم تبلور فللي عللام ‪1998‬م مللن خلل مللا سللمي‬
‫"مشللروع القللرن المريكللي الجديللد" لحمايللة المصللالح‬
‫دم هذا المشللروع ‪-‬للرئيللس كلينتللون‪ -‬آنللذاك‬ ‫المريكية‪ .‬وق ّ‬
‫عدد ٌ من المستشارين الذين يتبوأون اليوم مناصب قياديللة‬
‫فللي إدارة الرئيللس بللوش‪ ،‬مثللل ديللك تشلليني ودونالللد‬
‫رامسفيلد وبول ولفوويتز وغيرهم‪) .‬انظر ما نقلته صحيفة‬
‫الللوطن السللعودية ‪21/2/2003‬م عللن صللحيفة )هللآرتس(‬
‫السللرائيلية‪ ،‬والجزيللرة ‪20/3/2003‬م عللن ديللر شللبيجل‬
‫اللمانية(‪.‬‬
‫هذا التخطيط يعني أن دوافع الحرب كانت قائمة قبل ذلك‬
‫ف‪ ،‬مما دفللع بهللؤلء إلللى إعللداد هللذه الدراسللات‬‫بوقت كا ٍ‬
‫والمشللاريع لتقللديمها للدارة المريكيللة‪ ،‬وكللانت المسللألة‬

‫‪90‬‬
‫مسألة تلوقيت‪ ،‬وللم يكلن هنلاك ‪-‬فيملا يبلدو‪ -‬أنسلب ملن‬
‫أحللداث ‪ 11‬سللبتمبر لتحويللل هللذه المشللاريع إلللى واقللع‬
‫ملموس‪.‬‬
‫الداء المزمن‬
‫يعاني القتصاد المريكي منذ مللدة طويلللة مللن مشللكلتين‬
‫جوهريللتين تهللددان اسللتقراره وازدهللاره علللى المللدى‬
‫الطويللل‪ ،‬وتضللاعف إحللداهما حللدة الخللرى‪ .‬الولللى هللي‬
‫المديونية المفرطة‪ ،‬والثانية هي تدهور التركيبللة السللكانية‬
‫للمجتمع المريكي‪.‬‬
‫المديونية‬
‫أما المديونية‪ ،‬فإن الوليات المتحدة كانت ‪ -‬إلللى مللا قبللل‬
‫تولي الرئيس ريجان الرئاسة في ‪1980‬م‪ -‬تعد أكبر دولللة‬
‫دائنة في العللالم‪ ،‬ثللم بفضللل سياسللات ريجللان التوسللعية‪،‬‬
‫أصبحت في ‪1985‬م أكبر دولة مدينة في العالم‪ ،‬بل وفللي‬
‫التاريخ أيضًا‪ .‬وقد بلللغ حجللم المديونيللة فللي عللام ‪1993‬م‬
‫أربعة تريليون دولر أمريكي‪ ،‬وبلغ حجم الفوائد المدفوعللة‬
‫نحو ‪ 290‬مليار دولر سنويًا‪ .‬مما حدا بعللدد مللن المحلليللن‬
‫إطلق تحللللذيرات بشللللأن الملءة الئتمانيللللة للحكومللللة‬
‫المريكية وقدرتها على الوفاء بديونها‪ .‬وصدر آنللذاك كتللاب‬
‫هاري فيجي المعللروف‪" :‬إفلس ‪ ،"1995‬الللذي حللذر فيلله‬
‫من أنه إذا استمرت معدلت نمو الدين‪ ،‬ومللا يللترتب عليلله‬
‫من الفوائد‪ ،‬على مللا هللي عليلله‪ ،‬فسللوف تتجللاوز الفللوائد ُ‬
‫ت الحكومة من الضرائب‪ ،‬ومن ثم تصللبح‬ ‫المستحقة إيرادا ِ‬
‫الحكومة المريكيللة مهللددة بللالفلس‪ .‬بطبيعللة الحللال لللم‬
‫تفلس الحكومة المريكيللة فللي ‪1995‬م‪ ،‬ولكللن اسللتفحال‬
‫المديونية وتزايللد معللدلت العجللز فللي الميزانيللة أدى إلللى‬
‫نشلللوب خلف بيلللن الرئيلللس كلينتلللون –آنلللذاك‪ -‬وبيلللن‬
‫الكونجرس حول إقللرار الميزانيللة‪ ،‬وأدى هللذا الخلف إلللى‬
‫إعلن مؤسسة "موديز" المختصة بللالتقييم الئتمللاني أنهللا‬
‫سللتراجع التصللنيف الئتمللاني لفئة مللن سللندات الخزينللة‬
‫المريكية تبلغ قيمتها ‪ 387‬مليار دولر‪ ،‬وكللان ذلللك بمثابللة‬
‫صدمة للسواق المالية‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫اليوم تبلغ ديللون الحكومللة الفدراليللة المعلنللة أكللثر مللن ‪6‬‬
‫تريليللون دولر‪ ،‬فللي حيللن يقللدر الخللبراء أن الللديون غيللر‬
‫المعلنللة )الللتي تقترضللها الحكومللة مللن صللندوق الضللمان‬
‫الجتماعي ونحوه( قد تصلل إلللى مقلدار مماثللل‪ .‬وتللتراوح‬
‫الفوائد التي تدفعها الحكومة من الميزانية بيللن ‪220-170‬‬
‫مليللار دولر سللنويًا‪ .‬أمللا العجللز التجللاري فيبلللغ نحللو ‪500‬‬
‫مليار دولر سنويا‪ ،‬في حين يبلغ إجمالي مديونية القتصللاد‬
‫المريكي )القطاع العام والخاص عدا القطاع المالي( أكثر‬
‫مللن ‪ 19‬تريليللون دولر )هللذه الرقللام مستخلصللة مللن‬
‫إحصائيات البنك الحتياطي الفيدرالي(‪.‬‬
‫والمؤشرات تدل على أن المديونية المريكية فللي ازديللاد‪.‬‬
‫وباتفاق الخبراء‪ ،‬فإن هذا النمو ل يمكن أن يستمر إلى مللا‬
‫ل نهايللة‪ .‬فالللديون تجعللل القتصللاد مكبل ً بقيللود الفللوائد‬
‫المستحقة سنويًا‪ ،‬ول مفر للتخلص ملن هلذه القيللود الللتي‬
‫تنمو وتزيد مع الزمن سوى البحث عن مللوارد جديللدة‪ .‬ول‬
‫شك أن أهم وأخطر المللوارد اليللوم هللو النفللط‪ ،‬وإذا كللان‬
‫العراق يرقد على ثاني أكبر مخزون من النفط في العالم‪،‬‬
‫وكان النظللام العراقللي ُيعللد خارجلا ً عللن القللانون لسللباب‬
‫شللتى‪ ،‬فالنتيجللة الطبيعيللة هللي تللوجه الطمللاع إلللى هللذا‬
‫المخزون‪ ،‬وتحويله لنقلاذ الدوللة القلوى فلي العلالم ملن‬
‫الفلس‪ ،‬بدل ً من بقائه بيد نظام منبللوذ دولي لًا‪ .‬ولللذلك لللم‬
‫يكن غريبا ً أن يتزامن تحذير المحلليللن مللن تهديللد الفلس‬
‫الذي تواجهه الحكومة المريكيللة‪ ،‬وإعلن مللوديز لمراجعللة‬
‫الملءة المالية لسندات الخزينة‪ ،‬مع ظهور الخطة الداعيللة‬
‫إلى احتلل العللراق والتحكللم فللي مللوارده النفطيللة‪ .‬لكللن‬
‫إدارة الرئيس كلينتون لم تكللن ترغللب فللي تحمللل العبللاء‬
‫السلبية لهذا القرار‪ ،‬خاصللة فللي غيللاب الفرصللة الملئمللة‬
‫محليا ً ودوليًا‪ ،‬ولذلك أخرت الموضللوع ليكللون مللن نصلليب‬
‫الدارة التي تليها‪.‬‬
‫التركيب السكاني‬
‫لللو للم يكللن القتصللاد المريكللي يعلاني إل ملن المديونيلة‬
‫لكفاه‪ ،‬لكن هناك مشكلة أخرى من شأنها أن تسبب كارثة‬
‫للقتصاد المريكي ما لم يتم علجها بشكل فعال‪ ،‬لكن مع‬

‫‪92‬‬
‫غللرق القتصللاد فللي المديونيللة‪ ،‬يتعللذر العلج ومللن ثللم‬
‫تتضاعف الكارثة‪.‬‬
‫هللذه المشللكلة باختصللار هللي تزايللد نسللبة كبللار السللن‬
‫والمتقاعللدين فللي المجتمللع المريكللي‪ ،‬وفللي المجتمعللات‬
‫الغربيللة عمومللًا‪ ،‬وهللي نتيجللة طبيعيللة لتنللاقص معللدلت‬
‫المواليد من جهة‪ ،‬ونقص معللدلت الوفيللات المبكللرة مللن‬
‫جهللة أخللرى‪ .‬وتنللاقص معللدلت المواليللد بللدوره نشللأ مللن‬
‫تدهور وضللع السللرة فللي الغللرب‪ ،‬وشلليوع العلقللات غيللر‬
‫الشرعية وانفراط القيم الخلقية‪.‬‬
‫ومللع تزايللد نسللبة كبللار السللن وتنللاقص نسللبة الشللباب‬
‫والقادرين على العمل‪ ،‬يتزايللد عبللء الضللمان الجتمللاعي‬
‫الللذي يللوفر التقاعللد لكبللار السللن‪ ،‬مللن خلل مسللاهمات‬
‫العاملين عبر ما يسمى )ضريبة الضمان الجتماعي( وذلك‬
‫أن الضمان الجتماعي في الوليللات المتحللدة مبنللي علللى‬
‫إعطاء المتقاعدين مستحقاتهم من خلل ضللريبة الضللمان‬
‫الجتماعي التي تفرض على العاملين‪ .‬فكلما كللانت نسللبة‬
‫المتقاعللدين إلللى العللاملين أقللل‪ ،‬كلمللا كللانت التعويضللات‬
‫المتاحة للمتقاعدين أوفر‪ ،‬والعكس بالعكس‪ .‬والحاصل هو‬
‫أن هذه النسبة تتنللاقص مللع الزمللن‪ ،‬حيللث يتوقللع أن تبلللغ‬
‫نسبة نمو شريحة المتقاعدين )الذين تزيد أعمللارهم علللى‬
‫‪ 65‬عامًا( ‪ %90‬خلل العقود الثلثللة القادمللة‪ ،‬لتصللل إلللى‬
‫‪ 69‬مليونًا‪ ،‬بينما تنمو شريحة العاملين )ممن هللم دون ‪65‬‬
‫عامًا( بمعدل ‪ %15‬فقط‪ ،‬لتصل إلى ‪ 195‬مليون لًا‪ .‬وبللذلك‬
‫يتوقللع أن تكللون نسللبة المتقاعللدين إلللى العللاملين فللي‬
‫‪2030‬م ‪ 2:1‬بحيث يكون لكل متقاعد عاملن اثنان فقط‪.‬‬
‫فللي حيللن كللانت هللذه النسللبة أول مللا أنشللئ الضللمان‬
‫الجتمللاعي قبللل نحللو ‪ 70‬عاملا ً تبلللغ ‪ ، 50:1‬أي خمسللين‬
‫عامل ً لكل متقاعد‪.‬‬
‫وسيترتب على ذلك أن تصللبح الميزانيللة اللزمللة للضللمان‬
‫الجتمللاعي تعللادل ‪ %15‬مللن الللدخل المحلللي للقتصللاد‬
‫المريكي‪ ،‬أو ما يعادل تقريبا ً ‪ 3-2.5‬تريليللون دولر سللنويا ً‬
‫)بناء على ما جاء فللي تقريللر لجنللة الكللونجرس للميزانيللة‬
‫المعد في ‪2001‬م(‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫ولكن واقع المر أن صندوق الضمان الجتماعي يعاني من‬
‫مشللكلتين‪ :‬أولهمللا أن معللدل النفللاق علللى المتقاعللدين‬
‫سيتجاوز مقدار الضللريبة المللأخوذة مللن العللاملين بحلللول‬
‫عام ‪2018‬م‪ .‬واعتبارا ً من ذلللك الللوقت سلليحتاج صللندوق‬
‫الضمان الجتمللاعي إللى مصللادر خارجيلة لتمويللل العجلز‪.‬‬
‫ونظللرا ً لن الصللندوق حكللومي بطبيعللة الحللال‪ ،‬فسللتكون‬
‫الحكومة هي المسؤولة عن سد العجز‪.‬‬
‫المشللكلة الثانيللة‪ :‬أن الفللائض الللذي تراكللم لللدى صللندوق‬
‫الضللمان خلل العقللود الماضللية قللد اقترضللته الحكومللة‬
‫لتمويللل نفقاتهللا الخللرى‪ .‬وهللذا يعنللي أن عبللء الضللمان‬
‫الجتمللاعي علللى الحكومللة صللار مضللاعفًا‪ :‬فهللي بحاجللة‬
‫لسداد الديون الماضية لتغطيللة عجللز الصللندوق‪ ،‬كمللا أنهللا‬
‫ملزمة بتغطية ما يزيد عن ذلك من مصاريف الضمان‪.‬‬
‫وهذا يعني أنه يجللب علللى الحكومللة المريكيللة أن تسللتعد‬
‫لتوفير هذه المبللالغ الطائلللة لهللذه الشللريحة الكللبيرة مللن‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫والوسائل المتاحة للحكومة لذلك ل تخرج عن ثلثة‪:‬‬
‫‪ -‬القتراض‪،‬‬
‫‪ -‬الضريبة‪،‬‬
‫‪ -‬زيادة إصدار النقود‪.‬‬
‫أما القتراض فهللو خيللار متعللذر بسللبب المديونيللة العاليللة‬
‫التي تستهلك فوائدها خمللس الميزانيللة حالي لًا‪ ،‬وأي توسللع‬
‫في القللتراض مللن شلأنه أن يهللدد ثقللة المسللتثمرين فللي‬
‫السندات المريكية‪ ،‬ويعرض من ثم الللدولر إلللى النهيللار‪.‬‬
‫أما الضريبة فقد تزايدت ضريبة الضللمان الجتمللاعي عللبر‬
‫السنين إلى حد أن زيادتها أكثر مما سللبق ستصللبح ضللارة‬
‫بالقتصاد‪ ،‬وقد ل تفي بالمبالغ المطلوبة‪.‬‬
‫أما إصدار النقود فسيؤدي إلى تدهور قيمة الللدولر‪ ،‬ومللن‬
‫ثم إلى تهديد القتصاد المريكي أكثر من ذي قبل‪.‬‬
‫وإذا لم تنجح الحكومة المريكيللة فللي سللد عجللز الضللمان‬
‫الجتماعي فيصبح المجتمع المريكي مهددا ً بنقص حاد في‬
‫دخول شريحة كبيرة من أعضائه‪ .‬ونظللرا ً للثقللل النتخللابي‬
‫لهذه الشريحة فليس من مصلحة أي حكومة أن تتجاهلهللا‪،‬‬

‫‪94‬‬
‫ولكن الحللال أنلله ل توجللد مللوارد لحللل المشللكلة‪" .‬كيفمللا‬
‫نظرت إلى المر"‪ ،‬يقول القتصللادي المريكللي المعللروف‬
‫)بول كروجمان(‪" :‬تجد المستقبل مخيفًا"‪.‬‬
‫وإذا كان المر بهذه الخطللورة فل بلد مللن بحللث عللن حللل‬
‫خارج الطار المعتاد‪ ،‬وهذا يقود إلى محاولة تأمين مصللادر‬
‫خارجية للثروة‪ ،‬وأبرز هللذه المصللادر وأهمهللا هللو الطاقللة‪.‬‬
‫ومللرة أخللرى نجللد المؤشللرات تتجلله نحللو آبللار النفللط؛‬
‫ذر التي تهدد القتصاد المريكي‪.‬‬ ‫لمواجهة الن ُ ُ‬
‫الحرب‬
‫إن إقدام الدارة المريكية على احتلل منابع النفللط ليللس‬
‫قرارا ً ارتجاليًا‪ .‬وبالرغم مما يتسم به القللرار مللن الكبريللاء‬
‫والغطرسة والستعلء والرغبة في استكثار المال والتحكم‬
‫في الثروة‪ ،‬إل أنه في الحقيقة ينبع ممللا هللو أعمللق وأبعللد‬
‫من ذلك‪ :‬إنه محاولة لنقاذ القتصاد المريكي من النهيللار‬
‫تحللت وطللأة الللديون والفللوائد الربويللة المتراكمللة عليلله‪،‬‬
‫وتحللت وطللأة اختلل التركيبللة السللكانية‪ ،‬وتزايللد نسللبة‬
‫المعتمدين على الضمان الجتماعي‪.‬‬
‫وعبر التاريخ نشبت العديد من الحروب الللتي دفعللت إليهلا‬
‫أغلل الديون وآصار الربا‪ ،‬وهاهو التاريخ اليوم يعيد نفسه‪.‬‬
‫ولقد صدق الله تعالى إذ يقللول‪} :‬فللإن لللم تفعلللوا فللأذنوا‬
‫بحرب من الله ورسوله{‪ ،‬ومن مظاهر إعلن الحرب على‬
‫الله وآثاره‪ :‬نشوب الحللروب بيللن الللدول لتللوفير المصللادر‬
‫اللزمة لسداد الديون أو مجرد التخفيف منها‪.‬‬
‫ويتضح مما سبق العلقة الوثيقة لليهود بهذه الحرب‪ ،‬فمن‬
‫جهة فإن اليهللود هللم الللذين تبنللوا النظللام الربللوي السللائد‬
‫اليوم‪ ،‬والذي يتمثل بأجلى صلوره فلي الوليللات المتحللدة‪،‬‬
‫فأغرقوها بالديون ليجمعوا أكبر قدر ممكن من الثروة من‬
‫خلل الفللوائد الربويللة المترتبللة عليهللا‪ ،‬فأصللبحت أمريكللا‬
‫عاجزة عن الوفاء إل من خلل الستيلء على مصادر ثروة‬
‫خارجيللة‪ .‬ومللن جهللة يطمللح اليهللود إلللى بنللاء "إسللرائيل‬
‫الكبرى" التي تمتد من الفرات إلى النيل‪ ،‬ويشكل العللراق‬
‫جللزءا ً مهم لا ً مللن هللذا الكيللان‪ .‬فللاليهود ورطللوا القتصللاد‬
‫المريكللي‪ ،‬فللي هللذه المعضلللة‪ ،‬ثللم هللاهم أولء يوجهللونه‬

‫‪95‬‬
‫للخروج منها مللن خلل التللورط فللي معضلللة جديللدة هللي‬
‫الحرب‪ .‬وصدق الله فيهم إذ يقول‪} :‬ويسعون فللي الرض‬
‫فسادا ً والله ل يحب المفسدين{‪.‬‬
‫نظرة استشرافية‬
‫بللالرغم مللن كللل مللا يكيللده اليهللود الصللهاينة واليميللن‬
‫المسلليحي للمسلللمين‪ ،‬فللإن الللله تعللالى راد كيللدهم فللي‬
‫نحرهم‪ ،‬وجاعل عاقبة مكرهم خسارة عليهللم‪} :‬إن الللذين‬
‫كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله‪ .‬فسينفقونها‬
‫ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون{‪ .‬فمآل ما تسللعى إليلله‬
‫الدارة المريكية أقرب إلى أن يكون وبللال ً علللى القتصللاد‬
‫المريكي من أن يكون إنقاذا ً له من الكوارث التي تهدده‪.‬‬
‫فمن جهة ستكلف هللذه الحللرب مللا ل يقللل عللن ‪75‬مليللار‬
‫دولر من النفقات المباشرة‪ ،‬أما النفقللات غيللر المباشللرة‬
‫‪-‬سواء أثناء الحرب أو بعدها‪ -‬فقللد تصللل إلللى ‪ 300‬مليللار‬
‫دولر‪ ،‬كما أن نشللوب الحللرب سلاهم فللي اسلتمرار حاللة‬
‫الكسللاد الللتي يعيشللها القتصللاد المريكللي منللذ العللام‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫ومللن جهللة أخللرى فللإن هللذه الحللرب سللتجعل الوليللات‬
‫المتحدة دولة تعيش حالة من المواجهة مع الدول الخرى‪،‬‬
‫خاصة روسيا وأوروبا‪ ،‬وهو أمر قللد ُيحيللي مللن جديللد عهللد‬
‫الحرب الباردة‪ .‬وهللذه الحللرب سللتكلف الدارة المريكيللة‬
‫مبالغ طائللة لملدد طويللة‪ ،‬علللى غللرار مللا كبللدته الحلرب‬
‫البللاردة إبللان الثمانينيللات للقتصللاد المريكللي‪ ،‬ويكفللي أن‬
‫ول الوليات المتحدة من أكبر دولة دائنللة‪ ،‬إلللى‬ ‫نعلم أن تح ّ‬
‫أكبر دولللة مدينللة كللان نتيجللة لسللباق التسلللح الللذي بللدأه‬
‫ريجان –آنذاك‪ ،(1988-1980) -‬وكللان المقصللود منلله هللو‬
‫استنزاف القتصاد السوفييتي إلى حد النهيار‪ ،‬وقد حصللل‬
‫هذا بالفعل حيث انهللار جللدار برليللن فللي ‪1990‬م وتفكللك‬
‫التحلللاد السلللوفييتي‪ ،‬تماملللا ً كملللا كلللانت تهلللدف الدارة‬
‫المريكية‪ .‬لكن ماذا كان الثمن الذي دفعته؟ إنه أكللثر مللن‬
‫‪ 6‬تريليون دولر من الديون تللدفع عليهللا فللوائد نحللو ‪200‬‬
‫مليار دولر سللنويًا‪ ،‬وهللذا يعنللي أن الوليللات المتحللدة لللن‬
‫يكون بمقدورها الدخول في حرب بلاردة جديلدة أو سلباق‬

‫‪96‬‬
‫تسلح آخر‪ ،‬إذ ليس بوسللعها أن تقللترض مثللل هللذا المبلللغ‬
‫مرة أخللرى‪ ،‬ول يبعللد أن تكللون هللذه الحللرب البللاردة‪ -‬إذا‬
‫انطلقت‪ -‬سببا ً لتزعزع الوليات المتحللدة وتصللدعها‪ ،‬علللى‬
‫غرار ما حصل للتحاد السوفييتي من قبل }جزاًء وفاقًا{‪.‬‬
‫ومن جهة ثالثة فإن الوليات المتحدة ستصبح مهددة أمنيا ً‬
‫أكثر من ذي قبل‪ ،‬وستكون من ثم أقل جذبا ً للمستثمرين‪.‬‬
‫وإذا علمنا أن نسبة كبيرة من السندات المريكيللة يملكهللا‬
‫أجانب‪ ،‬فإن تراجع هللؤلء عللن شللراء السللندات المريكيللة‬
‫سيؤدي إلى تناقص قيمتها ومن ثللم تللدهور قيمللة الللدولر‪،‬‬
‫وهللذا مللن شللأنه أن يهللدد قللدرة الخزينللة المريكيللة علللى‬
‫الوفاء‪ ،‬ومن ثم يهللدد منزلللة الللدولر كللونه عملللة رئيسللية‬
‫عالمية‪ .‬جميللع هللذه المتغيللرات تصللب فللي خانللة إضللعاف‬
‫القتصللاد المريكللي وتراجعلله‪ ،‬أكللثر ممللا لللو لللم تللدخل‬
‫الحكومة المريكية هذه الحرب‪.‬‬
‫فالحاصل أن محاوللة إنقللاذ القتصلاد المريكلي ملن خلل‬
‫الستيلء على مقللدرات الشللعوب الخللرى بللالقوة‪ ،‬أقللرب‬
‫إلى أن يفاقم من مشكلته ويضاعف من حللدتها منلله إلللى‬
‫أن يعالجها أو يقضللي عليهللا‪ ،‬وهللذه نتيجللة طبيعيللة للظلللم‬
‫والبغي والطغيان‪.‬‬
‫واجبنا‬
‫قديما ً أمر الله تعالى المسلمين أن يتعظوا بما جرى لبنللي‬
‫قريظة‪ ،‬بقوله }يخربون بيوتهم بأيديهم وأيللدي المللؤمنين‪.‬‬
‫فاعتبروا يا أولي البصار{‪ .‬والمنطللق نفسلله يللوجب علينللا‬
‫أن نعتبر بما يجري الن‪ ،‬فتدهور القتصللاد المريكللي نشللأ‬
‫مللن مشللكلتين جوهريللتين‪ :‬الللديون الربويللة‪ ،‬والنحللراف‬
‫الخلقي‪ .‬فإذا أرادت دولة ما أن تبني مجتمعها بناء متينللًا‪،‬‬
‫فعليها أن تتحصن بقوة ضد هذين المرضين‪ :‬الربللا والزنللا‪.‬‬
‫والمسلللمون أولللى النللاس بللذلك‪ ،‬فهللم يملكللون الطللار‬
‫الفكري والعقللائدي اللزم لبنللاء مجتمللع متماسللك أخلقيلا ً‬
‫واقتصاديًا‪ ،‬كمللا أن الشللريعة السلللمية نظمللت العلقللات‬
‫الجتماعية والتصرفات المالية بشكل محكم ليس له مثيل‬
‫في أي نظام تشريعي آخلر‪ .‬وقلد حلذر النلبي ‪-‬صللى اللله‬
‫عليه وسلم‪ -‬من هذين المرين خصوصًا‪ ،‬بقوله‪" :‬مللا ظهللر‬

‫‪97‬‬
‫الربللا والزنللا فللي قللوم إل أحلللوا بأنفسللهم العقوبللة" رواه‬
‫أحمد وأبو يعلى )صحيح الجامع ‪.(5634‬‬
‫لقللد كللانت الللديون والنحرافللات الخلقيللة عللبر التاريللخ‬
‫مؤشرا ً لنهيار الدول والحضارات‪ ،‬ونحن نملك بحمللد الللله‬
‫المبادئ والوسائل الكفيلة بتجنب النهيار‪ ،‬فهل نحللن علللى‬
‫قدر المسؤولية؟* مستشار اقتصادي‬
‫==============‬
‫‪#‬أولويات المرحلة القادمة !‬
‫التحرير ‪15/2/1424‬‬
‫‪17/04/2003‬‬
‫تتطلللب المرحلللة الحاضللرة والمسللتقبلية العمللل الجللاد‬
‫للحفاظ على هوية المجتمع‪ ،‬وعقيللدته‪ ،‬ووحللدته‪ ،‬وتعللاونه‪،‬‬
‫ووضللوح الرؤيللة الصللحيحة لمجريللات الحللداث القائمللة‪،‬‬
‫والنظرة بعين البصيرة استشرافا ً للمستقبل القريب‪ ،‬وقللد‬
‫أجرى موقع (السلم اليوم( ل في هذا الشأن ل حلقة حوار‬
‫لوضللع رؤيللة مسللتقبلية وعمليللة للتعامللل مللع الحللداث‬
‫والمتغيرات التي باتت تسابق سرعة الضوء‪.‬‬
‫وكللان مللن ضللمن أهللداف هللذه الحلقللة تقللديم أفكللار‬
‫وموضوعات مقترحة للمرحلة القادمللة‪ ،‬يمكللن أن يسللتفيد‬
‫منها طلبة العلم والدعاة والخطباء من جهة‪ ،‬وتحدد معللالم‬
‫المستقبل لغيرهم من جهة‪ ،‬ويسر )موقلع السللم( اليلوم‬
‫ة لنتائج هذا الحوار ‪.‬‬ ‫أن يضع بين يدي قرائه الكرام خلص ً‬
‫عناوين مختصرة ؛ لنبدأ بها‬
‫تم توجيه هذا السللؤال فللي البللدء علللى عللدد مللن العلمللاء‬
‫والمهتميللن بمتابعللة المسللتجدات‪ ،‬ومنهللم‪ :‬فضلليلة الشلليخ‬
‫سلمان بن فهد العودة‪ ،‬وفضيلة الشلليخ إبراهيللم الللدويش‪،‬‬
‫وفضللليلة الشللليخ سلللعود الفنيسلللان‪ ،‬وفضللليلة الشللليخ‬
‫عبدالوهاب بن ناصللر الطريللري‪ ،‬وفضلليلة الللدكتور عللوض‬
‫القرنلللي‪ ،‬واللللدكتور خاللللد العجملللي‪ ،‬واللللدكتور عبلللدالله‬
‫الصبيح ‪.‬‬
‫حرصللنا أن تكللون إجابللاتهم عنللاوين مختصللرة وواضللحة‪،‬‬
‫ومقسللمة إلللى قسللمين‪ ،‬أولهمللا‪ :‬وصللايا للللدعاة وطلب‬
‫العلم‪ ،‬وثانيهما‪ :‬موضوعات مهمة للطرح فللي هللذا الللوقت‬

‫‪98‬‬
‫مللة؛ لتكللون لهللا الولويللة فللي‬
‫على مسللتوى الخاصللة والعا ّ‬
‫الطرح‪ ،‬وتكوين الوعي العام‪.‬‬
‫ل‪ :‬وصايا للدعاة‪ ،‬وطلب العلم‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ 01‬المشاركة الجللادة فللي مؤسسللات المجتمللع الرسللمية‬
‫منها ‪ ،‬وغير الرسمية؛ للقللرب مللن النللاس‪ ،‬والسللهام فللي‬
‫الصلح والتأثير‪ ،‬ومن ذلللك وسللائل العلم المللرئي منهللا‪،‬‬
‫والمقروء والمسموع‪.‬‬
‫‪ 02‬طللرح الصلللحات المطلوبللة مللن الدولللة باعتللدال‪،‬‬
‫ووضوح‪ ،‬ولغة صللادقة؛ اتباعلا ً لهللدي القللرآن والسللنة فللي‬
‫ذلك‪ ،‬فإن هذه الزمة كشللفت عللن ثغللرات هائلللة تتطلللب‬
‫جدية الصلح‪.‬‬
‫‪ 03‬تنوع الطرح‪ ،‬وتعدده ضمن إطار القواعد الشرعية‪.‬‬
‫‪ 04‬قبللول سللماع الللرأي المخللالف‪ ،‬مللا دام فللي دائرة‬
‫مجمعا ً عليه‪.‬‬‫الجتهاد‪ ،‬ولم يخالف أمرا ً عََقديًا‪ ،‬أو ُ‬
‫‪ 05‬دعوة الطوائف المخالفة لهل السللنة‪ ،‬مللع المحافظللة‬
‫على عدم تأجيج النزعة الطائفية؛ تفويتا ً لفرصة العدو فللي‬
‫استثمار الخلف الطائفي والمذهبي‪.‬‬
‫‪ 06‬محاورة جميع شللرائح المجتمللع‪ ،‬واكتشللاف المسللاحة‬
‫الواسللعة مللن المتفللق عليلله واسللتثمارها‪ ،‬والتعللاون مللع‬
‫الجميع في القدر المشترك‪ ،‬مللع الللدعوة والمناصللحة فللي‬
‫مساحة الختلف بالطريقة المناسبة للصلح ‪.‬‬
‫‪ .7‬دعوة المبهورين بالنموذج الغربللي‪ ،‬وبيللان تهللافته فللي‬
‫الميدان العملي‪ ،‬وإدارة الحوار حول ذلك‪.‬‬
‫ة‪ ،‬وتعليمًا‪ ،‬وتفقيهًا‪ ،‬واللتركيز عللى‬ ‫‪ .8‬العناية بالمرأة‪ :‬دعو ً‬
‫ذلك‪ ،‬فهي مستهدفة في هذه المرحلة‪ ،‬وذلك بطرح برامج‬
‫تستوعب المرأة في المجتمع‪ ،‬بنشاطات متنوعللة‪ ،‬تناسلب‬
‫جميع شرائح المجتمع‪.‬‬
‫‪ 09‬بللث المعللاني العقديللة الكللبيرة فللي نفللوس الللدعاة‪،‬‬
‫وطلب العلللم؛ بللل وعامللة النللاس أيض لًا‪ ،‬مثللل‪ :‬اليمللان‪،‬‬
‫التوكل‪ ،‬اليقين‪ ،‬حسن الظن بالله‪ ،‬والثقة به‪ ،‬عللدم القلللق‬
‫والتللوتر إزاء الحللداث‪ ،‬الرتبللاط بللالله – عللز وجللل ‪، -‬‬
‫والعللتراف بالخطللأ والمسللؤولية‪ ،‬وليللس إلقاؤهللا علللى‬
‫الخرين‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫‪ 010‬التواصي بحفظ أمللن المجتمعللات المسلللمة؛ فكري لا ً‬
‫واجتماعيا ً واقتصاديًا‪ ،‬والتعللاون علللى ذلللك بكللل الوسللائل‬
‫الممكنة شرعًا‪.‬‬
‫‪ 011‬الجتهللللاد فللللي حمايللللة المؤسسللللات الشللللرعية‪،‬‬
‫والتعليمية‪ ،‬والغاثية‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وعدم العمل علللى زعزعتهللا‬
‫أو تقليصها‪.‬‬
‫‪ 012‬محاولة تحويل جهود الفراد – ما أمكن‪ -‬إلللى أعمللال‬
‫مؤسسية تقوم على الدراسة والتشللاور؛ لتحقللق مكاسللب‬
‫أوسع‪.‬‬
‫‪ 013‬الجد في بناء علقات وثيقة بين العاملين فللي مجللال‬
‫الدعوة والصلح‪ ،‬وتقوية التعاون‪ ،‬وتعميق التواصل بينهم‪،‬‬
‫وتللدارس المسللتجدات بحيويللة وشللفافية وجديللة وعللدم‬
‫تباطؤ‪.‬‬
‫‪ .14‬تعميق التلحم بين فئات المجتمللع العمليللة والداريللة‪،‬‬
‫والعامللة والخاصللة‪ ،‬والتعللاون بينهللم فيمللا يخللدم السلللم‬
‫والمسلمين‪ ،‬وكل ما فيه مصلحة البلد والعباد‪.‬‬
‫‪015‬عدم احتقار النفس بأي جهد يقللوم بلله الداعيللة‪ ،‬فهللو‬
‫على ثغر‪.‬‬
‫‪ 016‬محاورة كل من للله فكللرة غاليللة‪ ،‬أو رأي مللؤثر فللي‬
‫المللة وشللبابها‪ ،‬محللاورة علميللة مؤصلللة؛ لتوصللل إلللى‬
‫الهداف المرجوة‪.‬‬
‫‪ 017‬بث الثقة في العلماء الربانيين‪ ،‬والرجللوع إليهللم فللي‬
‫الزمات والنوازل‪.‬‬
‫‪ 018‬بث معللاني الخللوة بيللن أفللراد المجتمللع‪ ،‬واسللتيعاب‬
‫أسللباب الخلف‪ ،‬ومحاصللرة مظللاهر القطيعللة والتنللافر‪،‬‬
‫والحرص عللى التماسلك اللداخلي بكلل ملا يسلتطاع ملن‬
‫الوسائل المناسبة‪ ،‬وتفويت الفرصة على كل عدو يستثمر‬
‫الفرقة‪.‬‬
‫‪ 019‬الهتمللام بالشللباب الجللاد‪ ،‬ومحللاورتهم‪ ،‬والجلللوس‬
‫معهلللم فلللي موضلللوعات جلللادة ملللن خلل جلسلللاتهم‪،‬‬
‫ورحلتهم…‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫‪ 020‬إظهار التفاؤل والبشائر وعدم اليللأس‪ ،‬مللع الوقللوف‬
‫على الداء‪ ،‬ومعالجته بالساليب المناسبة‪ ،‬ويدخل في ذلك‬
‫أهمية إظهار نقاط الضعف عند العدو‪ ،‬ومواضع الخلل‪.‬‬
‫‪ 021‬الحرص على عدم مخالفة الجماعة‪ ،‬مهمللا كللان رأي‬
‫المخالف عنده راجحًا‪ ،‬ورأي غيره مرجوحًا‪ ،‬فالتفاق علللى‬
‫المرجوح – ما دام ضللمن الضللوابط الشللرعية‪ -‬أولللى مللن‬
‫الختلف‪.‬‬
‫‪ 022‬كتابللة مشللاريع إصلللحية جللادة‪ ،‬مجتمعللة ومتفرقللة‪،‬‬
‫تقللدم للحكوملات بالسلاليب المناسللبة؛ أمللرا ً بلالمعروف‪،‬‬
‫ونهيا ً عن المنكر‪.‬‬
‫ثاني لًا‪ :‬موضللوعات مهمللة للطللرح فللي هللذا الللوقت علللى‬
‫مستوى الخاصة والعامة‪:‬‬
‫‪ 01‬اليمان بالله وتعميقه‪ ،‬وعوامل زيادته‪ ،‬وأثره‪.‬‬
‫‪ 02‬التوكللل علللى الللله مفهللومه‪ ،‬وأهميتلله‪ ،‬وواقللع النللاس‬
‫تجاهه‪.‬‬
‫‪ 03‬التفاؤل‪ ،‬والتشاؤم‪ ،‬وأثرهما‪.‬‬
‫‪ 04‬الدعاء‪ ،‬وأثره في حل المعضلت ونصر المة‪.‬‬
‫‪ 05‬مواقلف رسلول اللله – صللى اللله عليله وسللم‪ -‬فلي‬
‫الزمات والمهمات‪.‬‬
‫‪ 06‬مصادر التلقي بين الفراط والتفريط‪.‬‬
‫‪ 07‬الجتماع وتوحيد الكلمة‪ ،‬وأثر ذلك‪ ،‬والفرقة وأثرها‪.‬‬
‫‪ 08‬مفهوم الجهاد‪ ،‬وأنواعه‪ ،‬ووسللائله‪ ،‬ويللدخل فيلله إعللداد‬
‫العدة‪.‬‬
‫‪ 09‬الصدق مع الله – تعالى‪ -‬وأثره‪.‬‬
‫‪ 010‬المخَرج من الفتن‪.‬‬
‫‪ 011‬الشاعات‪ ،‬وأثرها في خلخلة الصف‪.‬‬
‫‪ 012‬العلماء‪ :‬مكانتهم‪ ،‬وأهمية الرجوع إليهم‪ ،‬والثقة بهم‪.‬‬
‫‪ 013‬الرجاف‪ ،‬وأساليب المرجفين والمنافقين‪.‬‬
‫‪ 014‬المصالح والمفاسد العامة‪ ،‬وضوابطها‪.‬‬
‫‪ 015‬الخلف بين أهل العلم‪ ،‬والتعامل معه‪.‬‬
‫‪ 016‬تربية النفوس على الجد والجهاد‪.‬‬
‫‪ 017‬المن‪ ،‬والمحافظة عليه وأثره‪ ،‬وخطورة الفوضى‪.‬‬
‫‪ 018‬اليجابية في التعامل مع الحداث‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫‪ 019‬النصر‪ ،‬والهزيمة‪ ،‬المفهوم والعوامل‪.‬‬
‫‪ 020‬العتصام بالكتاب و السنة؛ مفهوما ً وتطبيقًا‪.‬‬
‫‪" 021‬إن كيد الشيطان كان ضعيفا ً "‪.‬‬
‫‪ 022‬الللواجب والمؤمللل فللي مثللل هللذه الوقللات علللى‬
‫الشباب‪..‬‬
‫‪ 023‬المرأة‪ :‬واجبها‪ ،‬وما يراد لها‪.‬‬
‫‪ 024‬العداء‪ ،‬ووسائلهم‪ ،‬ومخططاتهم ضد السلم وأهله‪.‬‬
‫‪ 025‬البيت المسلم‪ ،‬والمحافظة على تماسكه‪.‬‬
‫‪ 026‬المكتسبات الشرعية‪ ،‬والمحافظة عليها‪.‬‬
‫واسلللتكمال للرؤيلللة قمنلللا أيضلللا ً باسلللتكتاب علللدد ملللن‬
‫الشخصلليات العلميللة والثقافيللة وسللألناهم ‪-‬أيضللًا‪ -‬عللن‬
‫"أولويات المرحلة القادمة" من وجهة نظرهم‪ ،‬وقد قللاموا‬
‫مشللكورين بالتفاعللل مللع هللذه القضللية ويسللرنا ان ننشللر‬
‫إجاباتهم بين إيديكم‪ ،‬مصنفة حسب موضوعها‪...‬‬
‫الرجوع إلى الله هو خط البداية‬
‫ل يمكن أن نتحدث عن أولويات المرحلة القادمللة دون أن‬
‫نبدأ بهذه القضية الللتي أجمللع المشللاركون علللى أهميتهللا‪،‬‬
‫وضرورة التأكيد عليها‪ ،‬يقول فضيلة الشيخ الدكتور ريللاض‬
‫المسيميري‪ :‬ضرورة العودة الصادقة إلى الله تعالى علللى‬
‫جّربللت جميللع المللذاهب‬ ‫مسللتوى الللدول والشللعوب‪ ،‬فقللد ُ‬
‫والمناهج الرضية؛ فلم يفلح منها شيء فللي تحقيللق إنجللاز‬
‫ُيللذكر سللواء فللي المجللال العسللكري‪ ،‬أو القتصللادي‪ ،‬أو‬
‫الجتماعي‪ ،‬ويمكللن أن تتحقللق العللودة إلللى الللله بإسللهام‬
‫الللدول‪ ،‬والشللعوب‪ ،‬والعلمللاء‪ ،‬والللدعاة فللي نشللر الللوعي‬
‫سّنن المحمدية‪ ،‬وتخليص الدين بمللا علللق‬ ‫الديني‪ ،‬وبعث ال ُ‬
‫به من الخرافة والبدعة‪.‬‬
‫ويؤكد فضيلة الشيخ محمد الدحيم على أهمية ربط الناس‬
‫بربهم وخالقهم؛ حتى يعلموا أن النصر من عنللد الللله‪ ،‬وأن‬
‫المر له يؤتي وينزع‪ ،‬ويعز ويذل‪ ،‬وأن الخيللر فيمللا يختللاره‬
‫جل جلله‪ .‬مع الخللذ بعيللن العتبللار أن يكللون هللذا الربللط‬
‫ف تغلللب فيلله العواطللف‪ ،‬وُتلغللى فيلله‬ ‫ليس ردة فعل تصّر ٍ‬
‫العقول‪ ،‬وليكن هللذا الربللط حللافزا ً لعللداد القللوة‪ ،‬والتهيئة‬
‫للنصر ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫صل هذا المعنى فضيلة الشيخ الللدكتور حمللد الحيللدري‬ ‫وُيف ّ‬
‫ببعض التوجيهات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬الفرار إلى الله تعالى والصدق في ذلك‪ ،‬فإن من تقللرب‬
‫منه –تعالى‪ -‬ذراعا ً تقرب إليلله – سللبحانه‪ -‬باعلا ً ومللن أتللاه‬
‫يمشي أتاه –سبحانه‪ -‬هرولة‪ ،‬وهو الغني سبحانه ‪.‬‬
‫‪-‬التعرف على الله تعالى في الرخاء بشللكر نعملله‪ ،‬وكللثرة‬
‫دعللائه‪ ،‬وفللي حللديث ابللن عبللاس –رضللي الللله عنهمللا‪-‬‬
‫مرفوعًا‪":‬تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة"‬
‫‪-‬كثرة الدعاء‪ ،‬واللحاح فيه‪ ،‬وعللدم اليللأس أو السللتعجال؛‬
‫فيكثر المسلللم مللن الللدعاء لنفسلله‪ ،‬ولمجتمعلله ‪ ،‬ولمتلله‪،‬‬
‫ويلح في ذلك‪ ،‬وفي الحديث‪":‬ل يرد القدر إل الدعاء"‪.‬‬
‫‪-‬الصلح‪ ،‬والمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬بالطريقة‬
‫الشرعية التي ل تفسد القلللوب؛ بللل تؤلفهللا وتحبللب إليهللا‬
‫الخير وأهله‪ ،‬فالصلح سبب للنجاة "وما كان ربللك ليهلللك‬
‫القرى بظلم وأهلها مصلحون" وأول مللا يبللدأ بلله النسللان‬
‫إصلح نفسه‪ ،‬وأهل بيته‪.‬‬
‫‪-‬كثرة الستغفار الصادق‪ ،‬قال الله تعللالى‪":‬ومللا كللان الللله‬
‫معذبهم وهم يستغفرون"‪.‬‬
‫‪-‬كللثرة الصللدقة والحسللان إلللى عبللاد اللله‪ ،‬فللإن الصللدقة‬
‫تطفئ الخطيئة‪ ،‬والخطيئة سللبب كللل مصلليبة‪ ،‬والحسللان‬
‫إلللى العبللاد سللبب لرحمللة الللله "والراحمللون يرحمهللم‬
‫الرحمن"‪.‬‬
‫ويواصل فضلليلته‪ :‬وقبللل ذلللك وبعللده‪ ،‬التنبلله إلللى السللبب‬
‫الحقيقي لمللا يحصللل مللن تسلللط علللى المسللمين‪ ،‬وذللة‬
‫واقعة بهم‪ ،‬ثم طلب السباب الحقيقية للتخلللص مللن هللذا‬
‫الواقع المرير‪ ،‬والسبب الحقيقي قد وضللحه الللله –تعللالى‪-‬‬
‫بقوله‪":‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيللديكم ويعفللو‬
‫عن كثير"‪،‬وقوله تعالى‪" :‬أو لما أصابتكم مصيبة قد أصللبتم‬
‫مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم"‬
‫تفعيل دور العلماء والدعاة‬
‫من ضمن القضايا الللتي أكللد عليهللا المشللاركون "ضللرورة‬
‫تفعيل دور العلماء والدعاة فللي هللذه الزمللة"‪ ،‬ففللي ذات‬
‫السياق يتوجه فضيلة الشيخ الدكتور أحمد أبللا بطيللن إلللى‬

‫‪103‬‬
‫ملهللم مسللؤولية المشللاركة فللي وضللع‬ ‫علمللاء المللة‪ ،‬ويح ّ‬
‫الحلول لهذه الزمة‪ ،‬واللتفللات حللولهم‪ ،‬ومطللالبتهم بعقللد‬
‫جلسللات طللارئة لستصللدار قللرارات تنطلللق مللن رؤيللة‬
‫شرعية‪ ،‬يوضح فيها كيفية التعامل مع هذه الحللداث وقللت‬
‫الفتن‪.‬‬
‫ويرى الشيخ هللاني الجللبير أل ُيكتفللى بتصللريحات وفتللاوى‬
‫وأقوال العلماء والمفكريلن منفلردة؛ بلل ل بلد ملن وجلود‬
‫فتاوى وتوجيهات جماعية تتسللم بالسللرعة‪ ،‬والمبللادرة مللع‬
‫التعقل في الطرح‪.‬‬
‫ويؤكد الشيخ علي اللمعللي علللى ضللرورة اتصللال الللدعاة‬
‫بالشخصلليات المعتللبرة فللي الدولللة؛ ليصللال فكللرة "أننللا‬
‫جميعا ً أمام عللدو مشللترك‪ ،‬فيجللب التعللاون للوقللوف فللي‬
‫وجهة‪ ،‬وصده عن مخططاته التي أصلبح يرددهلا علنلا ً دون‬
‫مواربة ول استحياء‪ ،‬قال تعالى‪" :‬ما يود الذين كفللروا مللن‬
‫أهل الكتاب ول المشركين أن ُينزل عليكللم مللن خيللر مللن‬
‫ربكم" الية‪.‬‬
‫والتأكيد على العلمللاء بللأن يكللون لهللم دور واضللح ومعلللن‬
‫فيما يجري‪ ،‬وتذكيرهم بما عليه الناس مللن المعانللاة ومللن‬
‫فقدان الثقة‪ ،‬وأنه ل بللد لهللم مللن بيللان مشللترك؛ يسللمعه‬
‫العدو‪ ،‬وينتفع به الناس فيجبر الكسر ويعيد للنللاس المللل‪،‬‬
‫قال تعالى‪ " :‬وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه‬
‫للناس ول تكتمونه" الية‪.‬‬
‫يرى فضيلة الشيخ أحمد الخضيري‪" :‬ضرورة قيام العلماء‪-‬‬
‫وبخاصة من أحيلت إليهم أمور إفتاء الناس‪ -‬بللواجبهم فللي‬
‫بيان الموقف الشرعي للمسلم من هذه الحداث؛ حللتى ل‬
‫تضطرب أفكار الناس‪ ،‬فيتجهوا إلى الخللذ بفتللاوى شللاذة‪،‬‬
‫أو آراء متعجلللة يطالعونهللا فللي وسللائل العلم المختلفللة‪،‬‬
‫وينشأ عن ذلك ابتعادهم عن التصال بكبللار العلمللاء وأهللل‬
‫الحل والعقد ‪ ،‬وإذا ابتعد الناس عللن أهللل العلللم التمسللوا‬
‫البديل في بعض الفتاوى التي ل ُيطمأن إليها‪ ،‬أو إلللى مللن‬
‫أصدرها ‪ ،‬وبخاصة مللع ازديللاد مسللاحة حريللة الكلمللة عمللا‬
‫كانت عليه سابقا ‪ .‬كما أن في بيان أهل العلم وتوضلليحهم‬
‫هذه الحكام لعامة الناس وطلبة العلم ما يعزز الثقللة بهللم‬

‫‪104‬‬
‫ويقوي الرتباط معهم ويسللاعد فللي القضللاء علللى مللا قللد‬
‫يحدثه الشيطان في النفوس من الظنون السيئة‪.‬‬
‫العلقة اليجابية المتبادلة بين العلماء والشباب‬
‫ربمللا شللعر الجميللع مللن خلل تللوالي الزمللات بالنجللذاب‬
‫الطللبيعي بيللن هللاتين الشللريحتين ‪ ...‬العلمللاء والشللباب‪،‬‬
‫واختلفللت مسللتويات هللذا التفاعللل مللدا ً وجللزرًا‪ .‬فللي هللذا‬
‫الصللدد يؤكللد فضلليله الشلليخ أحمللد الخضلليري‪ :‬إن علللى‬
‫العلماء أن ينزلوا إلى الشللباب‪ ،‬ويصللبروا علللى محللاورتهم‬
‫والسماع منهللم‪ ،‬وليعلمللوا أن حللال النللاس فللي السللنوات‬
‫الخيرة اختلف كثيًرا عما كان عليه قبل سللنوات معللدودة؛‬
‫من حيث انتشار وسائل العلم فللي كللل مكللان –تقريب ًللا‪،-‬‬
‫فأصللبح يتللوفر للمللرء سللماع ومطالعللة كللثير مللن الراء‬
‫والجتهادات المتنوعة‪ ،‬بخيرها وشلرها‪ ،‬فيقتضلي هللذا مللن‬
‫أهل العلم أن يواجهوا هذا السيل العارم بالبيللان والتللوجيه‬
‫في النوازل التي تهم المة عللبر وسللائل العلم المتاحللة ‪،‬‬
‫وبخاصة مع ازدياد مساحة حرية الكلمللة عمللا كللانت عليلله‬
‫سابقا‪.‬‬
‫وفي هذا السياق يؤكد فضيلة الدكتور حمد الحيدري‪ :‬على‬
‫الحرص على جمع الكلمة‪ ،‬واحتواء الشباب‪ ،‬والخذ بزمللام‬
‫المبللادرة فللي ذلللك؛ لئل يكللون الشللباب مرتعللا ً خصللبا ً‬
‫للجماعللات المنحرفللة الللتي تسللتميلهم بإرضللاء العواطللف‬
‫وتغذيتها‪ ،‬ولن كبار العلماء عندهم ما يشغلهم مللن المللور‬
‫الكبار؛ فأقترح عللى كبلار اللدعاة ‪-‬مملن هلم محلل الثقلة‬
‫والقبول عند الجميللع‪ -‬أن يتولللوا هللم هللذا المللور ويكونللوا‬
‫حلقللة وصللل بيللن الشللباب وكبللار العلمللاء؛ فيكللون فللزع‬
‫الشباب وتوجههم إليهم‪ ،‬وهم يبلغون عنهم وإليهم‪.‬‬
‫ويرى فضيلة الشيخ عمر المقبل ضرورة فتح أهل العلم –‬
‫مللن علمللاء وطلبللة علللم‪ -‬أبللوابهم للشللباب والسللتماع‬
‫لصواتهم –مهما كانت توجهاتهم‪ -‬وفتح باب الحوار معهللم‪،‬‬
‫وإبداء وجهللات النظللر‪ ،‬مدعمللة بالدلللة الشللرعية‪ ،‬والعلللل‬
‫المرعية‪ ،‬ومقاصد الشريعة العامة‪.‬‬
‫ويقللول‪ :‬إن مللن الملحللظ أن كللثيرا ً مللن الحتقللان ‪-‬الللذي‬
‫يعيشه كثير من الشباب‪ -‬هللو بسللبب تلقيهللم عللبر وسللائل‬

‫‪105‬‬
‫كثيرة من النترنت‪ ،‬أو المجالس الخاصللة أو غيرهللا‪ ،‬ومللن‬
‫ثم عدم مقدرتهم على فهم وجهة النظر الشرعية‪ ،‬أو على‬
‫القل وجهة النظر الخللرى‪ ،‬الللتي قللد تخللالف ذلللك الللرأي‬
‫المطللروح‪ ،‬إن كللثيرا ً مللن الشللباب يجلللس أحللدهم أمللام‬
‫النترنت؛ فيبحر في عباب هذا البحر الخضللم‪ ،‬عللبر مواقللع‬
‫كثيرة‪ ،‬فيستقبل؛ لكنلله ل يرسللل! وأحسللب أن مثللل هللذه‬
‫المجالس لو فتحت أمام هؤلء الشباب‪ ،‬لكانت فرصة لبدء‬
‫ص بيللن طلب العلللم بهللذا؟‪،‬‬ ‫الرسال عندهم‪ ،‬فهل من توا ٍ‬
‫إن أقل ما ُيطالب به في هذه الفترة بالذات‪ ،‬أن يوجد في‬
‫كللل بلللد مجموعللة مللن طلب العلللم‪ ،‬يفتحللون أبللوابهم؛‬
‫لستقبال الشباب‪ ،‬وسماع مللا لللديهم‪ ،‬بللل وأرى أن تكللون‬
‫هذه المجالس مفتوحة أمام أطياف المجتمع كلها ليرتادهللا‬
‫شباب الصحوة‪ ،‬وعامة الناس‪ ،‬ومن علللى ظللاهرهم بعللض‬
‫المخالفات الشرعية؛ ليكون لهل العلم دورهم الذي يليللق‬
‫بهم في توجيه سفينة المجتمع‪ ،‬حتى ترسللو علللى شللاطئ‬
‫النجاة ‪-‬بإذن الله تعالى‪ ،-‬ومن جرب هذه المجالس‪ ،‬سواء‬
‫بفتحها أو بحضورها ومللدى اسللتفادة الشللباب منهللا؛ أدرك‬
‫تعطشهم إلللى مثلهللا‪ ،‬فكللم استرشللدها مللن شللاب! وكللم‬
‫استنار بها من جاهل!‪.‬‬
‫نشر الوعي بأبعاد القضية‬
‫فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله وكيل الشليخ يلرى ضلرورة‬
‫نشر الوعي بحقيقة الهداف المريكية‪ ،‬وقد ل يجد الباحث‬
‫قرارات صادرة بهذه الهداف لكن المر المتواتر ‪-‬الللذي ل‬
‫خذ إل بعد سلليل مللن الدعايللة‬ ‫ُيشك فيه‪ -‬أن القرارات ل ُتت َ‬
‫العلميللة‪ ،‬والدراسللات البحثيللة؛ لتهيئة النفللوس لتقّبللل‬
‫القرارات‪ ،‬وقد ُيظن أن نشر مثل هذه الهداف يوهن مللن‬
‫عزيمة الفرد المسلم‪ ،‬وربما ُيبتلى بالحباط واليأس؛ لكللن‬
‫حقيقة المر أن المعرفة بأهداف العدو ُتول ّللد حاللة التحفللز‬
‫والحتياط عند المسلللم‪ ،‬وهنللا تللأتي الحاجللة إلللى البرامللج‬
‫التي تحول المعلومللات مللن وسلليلة للحبللاط إلللى وسلليلة‬
‫للتفاعللل الحللي‪ ،‬فنحللن أمللام عللدو شللرس‪ ،‬منتهللك لكللل‬
‫العراف والقوانين‪ ،‬يعيش حالة مللن الغللرور‪ ،‬عّززهللا فللي‬

‫‪106‬‬
‫نفسه ضعُفنا وهواُننا وعجُزنا من اتخاذ مشاريع الدفاع عن‬
‫النفس‪.‬‬
‫وفي هذا السياق يؤكد الشيخ أحمد الخضيري علللى أهميللة‬
‫العناية في هذا الوقت بفضح خطط العداء من النصللارى‪،‬‬
‫وبيان ارتبللاطهم مللع اليهللود والمنللافقين ‪ ،‬وكشللف الللوجه‬
‫القبيللح لهللؤلء العللداء‪ ،‬الللذين يتسللترون بالديمقراطيللة‬
‫والحرية وحقوق النسان والشرعية الدولية‪ ،‬وهم أول مللن‬
‫يكُفر بها إذا تعارضللت مللع مصللالحهم وأطمللاعهم ‪،‬وتجليللة‬
‫دع بثقافللة هللؤلء‬ ‫خ ِ‬‫هذا المر يكشف الغفلة عن كثير ممن ُ‬
‫العللداء‪ ،‬فاتخللذهم العللداء بوقللا وأداة لهللم فللي تضللليل‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫ويؤكد ذلك الشلليخ محمللد الللدحيم بضللرورة رفللع الللوعي‪،‬‬
‫وفك الغموض حول هللذه الحملللة بجللرأة كافيللة تتلءم مللع‬
‫الحللدث‪ ،‬وليللس هللذا خللاص بعلمللاء الشللريعة؛ بللل هللو‬
‫مسؤولية الشرعي‪ ،‬والجتماعي‪ ،‬والقتصادي‪ ،‬والسياسي‪،‬‬
‫مللل بعضللها البعللض؛ لتخللرج برؤيللة‬ ‫وهللذه المنظومللات يك ّ‬
‫متكاملة متناسقة‪.‬‬
‫ويربللط الشلليخ علللي اللمعللي "قضللية الللوعي بالحللداث‬
‫ومخططات العللداء" بالمنظللار الشللرعي حللول الحللداث‪،‬‬
‫وذلك ببيان عداوة اليهود والنصارى‪ ،‬وظلم وطغيان الغرب‬
‫في الجملة‪ ،‬ثم تذكيرهم بعقيدة الولء والبراء‪ ،‬وبسنن الله‬
‫الكونية والشرعية‪ ،‬وتنيبه الخطباء‪ ،‬والساتذة والمعلميللن‪،‬‬
‫والكّتاب إلى ضرورة التحدث في الوضللع القللائم بمنهجيللة‬
‫واضحة‪ ،‬مع البعد عللن التهللويش والفوضللى الللتي ل فللائدة‬
‫منها‪ ،‬ويجب التذكير بالثوابت التي يجب أل تتغيللر‪ ،‬وإظهللار‬
‫الحق وقواعلده الثابتللة‪ ،‬وبيللان الباطللل وأسلاليبه‪ ،‬وضللوع‬
‫اليهود في العالم‪ ،‬ودورهم فللي التخريللب والفسللاد وإيقللاد‬
‫الفتن والحروب‪ ،‬فهم عبر التاريخ كله ل يعيشللون إل علللى‬
‫هذا النمط‪ ،‬كما قللال تعللالى‪ " :‬كلمللا أوقللدوا نللارا ً للحللرب‬
‫أطفأهللا الللله ويسللعون فللي الرض فسللادا ً والللله ل يحللب‬
‫المفسدين"‪.‬‬
‫الهتمام بالدراسات المستقبلة‬

‫‪107‬‬
‫الزمات تتكرر‪ ،‬والتاريخ يعيد نفسلله‪ ،‬والحاجللة إلللى إعللادة‬
‫أسلوب تجاوبنا مللع الحللداث؛ بحيللث نتجللاوز وصللفها بأنهللا‬
‫)ردود أفعللال( إلللى أن تصللبح اسللتباقية تسللتوعب الواقللع‪،‬‬
‫وتستشرف المستقبل‪ ،‬في هذا السياق يدعو الشيخ أحمللد‬
‫الخضيري إلى أخذ الهبة والسللتعداد لمللا يتوقللع أن تللؤول‬
‫إليه المور في المسللتقبل فللي المنطقللة ‪ ،‬وهللذه الللدعوة‬
‫تكللون عامللة لللولة المللر‪ ،‬وللمجتمللع وأفللراده كللل فيمللا‬
‫يخصه‪ ،‬بحسب ما أمر الله –تعللالى‪ -‬وأرشللد إليلله؛ لتتللوافر‬
‫أسللباب الجهللاد‪ .‬والسللتعداد ُ يشللمل جللوانب كللثيرة منهللا‪:‬‬
‫الجلللانب العسلللكري‪ ،‬والقتصلللادي‪ ،‬والعلملللي‪ ،‬والتقنلللي‪،‬‬
‫والجتماعي‪ ،...‬وغير ذلللك‪ .‬ول ينبغللي أن ُتسللكرنا الغفلللة‪،‬‬
‫وتلهينا حياة الترف عما يراد بنا‪.‬‬
‫ويللرى د‪.‬ريللاض المسلليميري ضللرورة صللياغة البرامللج‬
‫السياسية والقتصادية والتربوية الفاعلللة‪ ،‬المرتكللزة علللى‬
‫شريعة السلم‪ ،‬والكفيلة بتحقيق مصللالح المللة فللي هللذه‬
‫المجالت المهمة‪ ،‬ووأد كافللة الخيللارات المخالفللة لحكللام‬
‫الدين الحنيف‪.‬‬
‫كر الشلليخ يوسللف القاسللم بضللرورة تقللديم البحللوث‬ ‫ويللذ ّ‬
‫والدراسات العلمية في شتى الميادين‪ ،‬حتى يرتفع الجهللل‬
‫عن المة‪ ،‬وحتى نرتقي بالفكر إلى الحد الذي يجعلنللا فللي‬
‫مستوى المواجهة ‪.‬‬
‫ويرى د‪.‬حمد الحيدري ضللرورة إعللادة النظللر فللي معالجللة‬
‫بعللض المللور‪ ،‬والسللتنارة فللي ذلللك بسللنن الللله الللتي ل‬
‫تتخلف‪ ،‬فإنها كما جرت في قوم سللابقين سللتجري فيمللن‬
‫بعدهم‪ ،‬إذا وجدت أسبابها‪ ،‬وهذه السنن تستفاد من كتللاب‬
‫الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬ثم مللن وقللائع‬
‫التاريخ‪ .‬وأكاد أجزم أن الدول لللم تسللتفد منهللا شلليئًا؛ لن‬
‫أكللثر المستشللارين ل يبللالون بهللا‪ ،‬أو ل يللدركونها بالرؤيللة‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫وفي نفللس السللياق يللرى الشلليخ محمللد الللدحيم ضللرورة‬
‫متابعللة الحللدث أول بللأول‪ ،‬ومللن مصللادر عللدة‪ ،‬وإعللداد‬
‫دراسات مستقبلية توقعية‪ -‬غير قطعية‪ -‬لكل مرحلة؛ حتى‬

‫‪108‬‬
‫ل نفاجأ بما للم نفكلر فيله‪ ،‬وهلذا للن يكلون سلهل ً ملا للم‬
‫نتواجد مع الحدث أينما حصل‪.‬‬
‫ولن التاريخ يتكرر‪ ،‬ويمكن أن نستفيد منه لفهم كللثير مللن‬
‫دورات التاريخ التي تتغير في ظاهرها‪ ،‬وليس في حقيقتها‪.‬‬
‫يؤكللد الشلليخ هللاني الجللبير علللى أهميللة دراسللة التاريللخ‪،‬‬
‫وخصوصللا مرحلللتي‪ :‬الهجمللة المغوليللة‪ ،‬وزمللن ملللوك‬
‫الطوائف بالندلس المفقود‪ ،‬حيث صارت كل مدينللة دولللة‬
‫لها توجهاتها ومصالحها التي تهمهللا أكللثر مللن أي شلليء!‪..‬‬
‫حتى استعان بعضهم علللى بعلض بالنصللارى اللذين وجللدوا‬
‫معّبدًا‪ ،‬ودربا ً سللالكًا؛ لبتلع هللذه الللدول!! الغارقللة‬
‫طريقا ُ‬
‫في لهوها‪..‬إن في كل صورة وموقف دروسا ً كثيرة‪ ،‬وعبرا ً‬
‫عديللدة‪ ،‬وجللوانب يمكننللا مللن خلل تأملهللا أن نسللتجلي‬
‫وسائل الصلح‪.‬‬
‫الصلح الداخلي‬
‫لقد لحظ الجميع اللغة الللتي تسللتخدمها الدارة المريكيللة‬
‫لدغدغة مشاعر العراقيين في الداخل‪ ،‬وذلك بالعزف على‬
‫وتر العلقة المتردية بين الحكومة والشعب‪.‬‬
‫في هذا الصدد يوجه فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن علوش‬
‫ة للحكومللات السلللمية ‪-‬بصللفة عامللة‪،-‬‬ ‫المللدخلي نصلليح ً‬
‫وحكومات المنطقللة ‪ -‬بصللفة خاصللة ‪ -‬أن تسللعى لتحقيللق‬
‫التلحللم مللع شللعوبها‪ ،‬ممللا يعمللق النتمللاء للبلللد‪ ،‬ويسللد‬
‫الثغرات والفجوات‪ ،‬ويسد كافة الطرق علللى أعللداء المللة‬
‫المتربصين‪.‬‬
‫ما كيف يتم ذلللك؟؛ فيللرى الشلليخ حسللن أحمللد القطللوي‬ ‫أ ّ‬
‫وجوب تقديم القضايا الكبرى والمصيرية على المور النية‬
‫والمحدودة‪ ،‬فإن قوى الشر في العالم بعمومها ‪-‬والغربيللة‬
‫منها علللى وجلله الخصللوص‪ -‬قللد قللررت إعللادة احتلل بلد‬
‫العروبة والسلم‪ ،‬بحجة أن هذه البلد تمتلك ما ل تستحقه‬
‫من الثروات الهائلة‪ ،‬أو أنها لم تحسن اسللتخدام مللا تملللك‬
‫من تلك الثروات‪ ،‬وقد رأت قوى الغرب ‪ -‬في الحقيقة‪ -‬أن‬
‫هنللاك بللوادر تنللبئ عللن امتلك المللة العربيللة والسلللمية‬
‫لبعللض المكانللات الللتي يمكللن بهللا مقاومللة قللوى الشللر‬
‫الغربية‪ ،‬فأعلنت خوفها من أن تؤول تلللك المكانللات إلللى‬

‫‪109‬‬
‫أيد الصادقين‪ ،‬فللاعتبرت ذلللك ممللا يهللدد كيانهللا‪ ،‬ويعللرض‬
‫مصالحها )النتهازية( للخطر‪.‬‬
‫وينبه الشيخ عمر المقبل إلللى ضللرورة توعيللة الجمهللور –‬
‫وخاصة الشباب‪ -‬بأهمية توحيد الصف أمام العدو المتربص‬
‫المتفق عليه‪ ،‬ول يعني –بالضرورة‪ -‬التحاد فللي الراء فللي‬
‫المسائل الجتهادية‪ ،‬فهذا لم يحصل لخيار هللذه المللة فللي‬
‫عهد نبيها –صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬بل المقصللود الجتمللاع‬
‫علللى مللا اجتمللع عليلله السلللف‪ ،‬مللن معرفللة مللا ل يجللوز‬
‫الختلف فيلله‪ ،‬ومللا يجللوز الختلف فيلله‪ ،‬ولكنلله ل يبيللح‬
‫التفرق‪.‬‬
‫ويطالب د‪.‬عبد الله وكيل الشيخ الحكومات بتوسيع هامش‬
‫الحريللة للشللعوب؛ للتعللبير عللن مشللاعرها‪ ،‬حيللث تمتلللئ‬
‫مشاعر المسلمين بكم هائل من الغضب عللى هلذا العلدو‬
‫الللذي ينتهللك حريللة المسلللمين‪ ،‬الللذين يربللط بينهللم إخللاء‬
‫اليمان "إنمللا المؤمنللون إخللوة " هللذه المشللاعر ل بللد أن‬
‫يسمح لها بالظهور‪ ،‬قول ً وفعل ً ل يؤديان إلى الغرر والنيللل‬
‫من مصالح المسلللمين‪ ،‬ومللن عللدم التوفيللق تجاهللل هللذه‬
‫المشاعر أو مصادرتها حتى تنقلللب إلللى أعمللال ارتجاليللة‪،‬‬
‫تغيب عنها الرؤية المصلحية الشرعية‪ ،‬والتعللبير عللن هللذه‬
‫المشاعر ل يتخذ صورة واحدة؛ بل تتنوع صللوره إلللى مللال‬
‫نهاية‪ .‬فسلللوك هللذه المسللالك يخفللف مللن الحتقللان مللن‬
‫ناحية‪ ،‬ويوجد الرعب في نفوس العللدو مللن ناحيللة أخللرى‪،‬‬
‫وكم هي فتنة شديدة أن ل يعللرف هللؤلء المعتللدون حجللم‬
‫الكراهية لهم في نفوسنا‪ ،‬فُيغريهللم ذلللك بالسللتمرار فللي‬
‫عللدوانهم‪ ،‬ول ينبغللي العتللذار هنللا بللأن التعللبير عللن هللذه‬
‫المشاعر اليمانية يقللترن بللأنواع مللن التخريللب والتللدمير‪،‬‬
‫لنه بالوعي المستمر‪ ،‬والتعامل الحسللن‪ ،‬والتللدريب علللى‬
‫النضباط تتلشى هذه السلبيات‪ ،‬أو تخللف إلللى حللد كللبير‪،‬‬
‫وبكل المقللاييس فالبللديل المتمثللل فللي مصللادرة التعللبير‪،‬‬
‫وتكميم الفللواه أعظللم ضللررًا‪ ،‬وأفللدح خطللرًا‪ ،‬وقللد تقللرر‬
‫شرعا ً احتمال أقل الضررين لدفع أعظمهما‪.‬‬
‫الدعوة للجهاد العام‬

‫‪110‬‬
‫يؤكللد د‪ .‬ريللاض المسلليميري علللى ضللرورة إحيللاء فريضللة‬
‫ب رئيسللي لرفللع‬ ‫الجهاد‪ ،‬بوصفها ذروة سنام السلم‪ ،‬وسب ٌ‬
‫الذلة والصغار عن المة‪ ،‬وبناء هاجس الرهبللة فللي قلللوب‬
‫العداء؛ لوأد كل مخطط ماكر لغزو ديار السلم‪.‬‬
‫ويقول إننا لو تأملنا قوله تعللالى ‪ " :‬ول يزالللون يقللاتلونكم‬
‫حللتى يردوكللم عللن دينكللم إن اسللتطاعوا" لدركنللا حتميللة‬
‫الجهللاد‪ ،‬وضللرورة إعللداد العللدة لمواجهللة هللذه الحقيقللة‬
‫البدية‪ ،‬وذلك القدر المحتوم‪.‬‬
‫ويؤكللد د‪.‬محمللد الخضلليري علللى أن ضللرورة السللتعداد‬
‫للجهاد حقيقة‪ .‬فما دامت قوات الصليب تمركزت واحتلللت‬
‫بلد المسلللمين؛ فقللد َتحّقللق مللا يسللميه الفقهللاء "الجهللاد‬
‫العيني"‪.‬‬
‫ويرى الشيخ ناصللر بللن محمللد آل طللالب ضللرورة )تللديين‬
‫الحرب( بأن تذكي الجذوة الدينية في النفللوس‪ ،‬فللإن هللذا‬
‫بالضافة إلى أنه الواجب الشرعي؛ فهو أثخن فللي العللدو‪،‬‬
‫وجللبر للله علللى إعللادة حسللاباته فللي مطللامعه الخللرى‪،‬‬
‫وضرورة إعداد المة ثقافيا ً وعسللكريًا‪ ،‬وإحسللان التصللرف‬
‫فللي الميزانيللة العسللكرية للللدول السلللمية فللي محاولللة‬
‫لعادة بعض هيبة المة المفقودة‪.‬‬
‫أما الشيخ يوسف القاسللم فيللدعو إلللى توظيللف الطاقللات‬
‫نحو النتاج المثمر‪ ،‬والمشاركة الفعالللة فللي المشللروعات‬
‫النافعة‪ ،‬التي يتحقق بهللا نشللر الخيللر‪ ،‬والللدعوة إلللى الللله‬
‫على أوسع نطاق‪ ،‬وذلك من خلل السللتفادة بكللل مللا هللو‬
‫متاح من وسائل تقنيللة متطللورة‪ ،‬وكللذلك شللغل الوقللات‪،‬‬
‫وشللحنها بالواجبللات‪ ،‬ومراعللاة الولويللات؛ بتقللديم الهللم‬
‫فللالمهم‪ ،‬فليللس المنللدوب كللالواجب‪ ،‬وليللس المكللروه‬
‫كالمحرم‪ ،..‬وهكذا‪...‬‬
‫ويوسع الشيخ حسن القطوي دائرة الجهاد ومجالته فيللرى‬
‫النطلق لمقاومللة الزحللف الغربللي‪ ،‬بجبهللاته المختلفللة‪:‬‬
‫الثقافية‪ ،‬والقتصادية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والعسللكرية‪ ،‬مللن واقللع‬
‫هوية أمتنا السلللمية ومقوماتهللا الذاتيللة‪ ،‬وأل ننطلللق فللي‬
‫مقاومتنا لهذا الزحف من خلل محاكاتنا لما تفرزه لنا تللك‬
‫القوى‪ ،‬فإن هذه المحاكللاة لللن توصلللنا إل إلللى مزيللد مللن‬

‫‪111‬‬
‫التهويل والتضخيم؛ لما تستند إليه قوى الشر الغربيللة مللن‬
‫خطط وإمكانات‪ ،‬فتوّلد لدينا الحباط واليأس والستسلم‪،‬‬
‫ثم يؤكد على اعتماد أساس بناء الذات؛ للتحصن مللن كللل‬
‫محاولت الختراق‪ ،‬والقدرة علللى مقاومللة آليللات التبعيللة‪،‬‬
‫وامتلك الوعي الصادق بحجم ما نعانيه من قصور؛ بهللدف‬
‫إصلحها بعزيمة ل تثنيها قوى الشر عن سلوك أفق الحوار‬
‫الحضللاري بمللا تمليلله ثقافتنللا الدينيللة وتعللاليم السلللم "‬
‫فاستقم كمللا أمللرت ومللن تللاب معللك ول تطغللوا إنلله بمللا‬
‫تعملون بصير * ول تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار‬
‫وما لكم مللن دون الللله مللن أوليللاء ثللم ل تنصللرون" ]هللود‬
‫‪.[113 – 112‬‬
‫مل الشيخ عمر المقبل أهل العلم مسللؤولية التواصللل‬ ‫ويح ّ‬
‫مللع الجهللات المسللؤولة – كللل فللي تخصصلله )الشللرعي‪،‬‬
‫القتصللادي‪ ،‬السياسللي‪ ،‬المللؤرخ‪...‬إلللخ(‪ -‬وبيللان الخطللط‬
‫الحقيقية لهذه الحملة‪ ،‬وما يترتب على النصياع لما تمليلله‬
‫الدارة المريكية من الثلار السليئة عللى جميلع الصلعدة‪:‬‬
‫السياسية‪ ،‬والمنية والقتصادية‪ ،‬والجتماعية‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫ويدعود‪.‬عبد الله وكيل الشلليخ إلللى البللدء الجللاد والفللوري‬
‫ببرامج القوة العسكرية والقتصادية والتعليميللة والداريللة‪،‬‬
‫فلن تنتفللع المنطقللة بكللثرة التسللويفات لبرامللج الصلللح‪،‬‬
‫ولقد عاشت المنطقة في عام ‪1991‬م ذل ً ليس بعده ذل‪،‬‬
‫إذ عجزت كافة الدول العربية ‪-‬بل السلللمية‪ -‬عللن إحقللاق‬
‫الحللق فللي اعتللداء العللراق علللى الكللويت‪ ،‬وتللم اسللتدعاء‬
‫ذر عللن هللذا‬ ‫القوات الجنبية لتحقيق هذا الغرض‪ ،‬وقد ُاعت ُل ِ‬
‫الستدعاء حينها بضللعف المكانللات عللن القيللام بللالواجب‪،‬‬
‫وقَِبل الناس هذا الملر عللى مضلض لعلهلا سلحابة صليف‬
‫تنقشع قريبًا‪ ،‬وتبدأ الرادة الدارية بللالنهوض بالمللة‪ ،‬لكننللا‬
‫وللسللف الشللديد بعللد اثنللي عشللر عامللا ً نعيللش عيللش‬
‫الضعف‪ ،‬بل ضعفا ً أكثر تجلى فللي المحافللل والمللؤتمرات‪،‬‬
‫فهل ستؤجل إللى سلنوات أخلرى‪ ،‬بعللد أن تلتهللم القللوات‬
‫المعتديللة دول المنطقللة دولللة بعللد أخللرى؟! إن القواسللم‬
‫المشتركة بيللن دول الخليللج أكللثر مللن أن ُتحصللى‪ ،‬بللل إن‬
‫الفوارق تكاد أن تتلشى‪ ،‬ولكن الفرقة والخصام والموالة‬

‫‪112‬‬
‫للقوى المعتدية من أهم أسباب التشفي‪ ،‬وقد أوجللب الللله‬
‫علينا التحاد‪ ،‬والعتصام بحبله المتين‪ ،‬فقال عز مللن قللائل‬
‫" واعتصموا بحبل الله جميعا ً ول تفرقوا"‪ ،‬ولعلل ملن أهلم‬
‫أسباب هذه الفرقللة أيضلًا‪ :‬النفللراد بللالرأي فللي المنطقللة‬
‫لدى الدارة السياسية‪ ،‬ولو كان لهل الحل والعقللد‪ ،‬وأهللل‬
‫الللرأي والمشللورة فاعليللة حقيقيللة ‪-‬مللن خلل مؤسسللات‬
‫فاعلة في صنع قرارات المللة‪ -‬لمللا وصللل الحللال إلللى مللا‬
‫نحن عليه‪.‬‬
‫ويؤكد د‪.‬رياض المسيميري على ضرورة الهتمام بشللرائح‬
‫المجتمع‪ ،‬وشؤون المرأة والطفللل علللى وجلله الخصللوص‪،‬‬
‫وصياغة السياسات والبرامج الكفيلة بصيانتها مللن الطللرح‬
‫العابث‪ ،‬والمساومة الفكرية‪ ،‬والخلقيات الهدامة‪.‬‬
‫ويللوجه د‪ .‬الشللريف حللاتم العللوني النظللر إلللى الهتمللام‬
‫بالعلم ووسللائله؛ فيقللول‪" :‬لقللد عللرف النللاس كلهللم مللا‬
‫للعلم من أثر سحري في عقول الناس ونفوسللهم‪ ،‬فلقللد‬
‫شاهدنا جميعا ً كيف تتغير الحقائق‪ ،‬وكيللف تللزول الثللوابت‪،‬‬
‫وكيف تتبدل العقائد والمبادئ في قلوب النللاس بعللد ذلللك‬
‫العلم الموجه لتلك الغراض‪ ،‬لقللد أصللبحنا نخشللى علللى‬
‫من حولنا أن يأتي يوم يصبح فيلله الرجللل مؤمنللا‪ ،‬ويمسللي‬
‫كافرًا‪ ،‬أو يمسي مؤمنا ً ويصبح كافرًا‪ ،‬وأن يكون المعللروف‬
‫منكرًا‪ ،‬والمنكر معروفًا‪ ،‬كمللا أخبرنللا بللذلك رسللول الللله –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬من أخبار المستقبل والغيللب"‪ ،‬إنلله‬
‫ليجب على الناس أن يعرفوا حقيقللة ذلللك العلم المللوجه‬
‫من أعدائنا‪ ،‬ومن يقع تحت تسلللطهم‪ ،‬وأنلله لللم يكللن ولللن‬
‫يكللون إل فللي صللالح العللداء‪ ،‬وإل هللل نتصللور أن عللدونا‬
‫وت فرصة استثمار هذه العصا السحرية فللي تللدجيننا‪،‬‬ ‫سُيف ّ‬
‫وبث روح التبعية له‪ ،‬والهزيمة النفسية أمامه؟!‬
‫ويدعو الشيخ يوسف القاسم إلى أكثر من ذلك‪ ،‬فهو يدعو‬
‫إلللى مقارعللة العللداء بالمثللل‪ ،‬مللن خلل تقللديم العلم‬
‫السلللمي المنللافس‪ ،‬والتحليللل العلمللي السللليم‪ ،‬فمللن‬
‫المعيللب أن تعيللش وسللائل إعلم المللة –فللي كللثير مللن‬
‫مواقعها‪ -‬تبعية قاتلة‪ ،‬ل يرجى منها تحصين فكر‪ ،‬ول حفللظ‬
‫دين‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫الشعور بالنجاح يدفع إلى مزيد منه‬
‫د‪.‬أحمد أبللابطين يللرى ضللرورة تحقيللق الطمئنللان والمللن‬
‫النفسللي والجتمللاعي للمللة‪ ،‬ويفسللر ذلللك الشلليخ أحمللد‬
‫الخضيري؛ بنشر الفأل الحسن بين المسلمين‪ ،‬والبعد عللن‬
‫حالة الحباط والقنوط التي ربما تصيب مللن يتللابع الخبللار‬
‫الدامية في العالم السلمي فيستبطئ النصر‪ ،‬أو يقع فللي‬
‫اليأس التام‪ ،‬ويتم علج هذه الحالة بعناية أهل العلم؛ بذكر‬
‫النصوص الدالة على تكّفل الله تعالى بنصر دينه وإعللزازه‬
‫في آخر الزمان‪ ،‬وأن الله تعالى وعد نللبيه أنلله لللن يسلللط‬
‫على هذه المة من يستبيح بيضتها ويقضي عليها ‪ ،‬والتنللبيه‬
‫حللا‪ ،‬ويسللتفيد المسلللمون منهللا‬ ‫على أن المحللن تحمللل من ً‬
‫دروسللا وعللبًرا‪ ،‬ويحصللل فيهللا التمييللز بيللن المللؤمنين‬
‫والمنافقين ‪ ,‬ويضرب لذلك بعض المثلة من سلليرة النللبي‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪) -‬كما فللي غللزوة الخنللدق(‪ ،‬وسللير‬
‫الصحابة ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬ومن جاء بعدهم ‪.‬‬
‫ويؤكد الشيخ يوسف بن محمد القاسم علللى أهميللة الثقللة‬
‫بنصر الله عز وجل‪ ،‬مع الخذ بأسباب النصر‪ ،‬وأن العللداء‬
‫مهما أوتوا من قوة‪ ،‬فإن الله عز وجل قادر عللى إهلكهلم‬
‫شللاُء‬‫ن تَ َ‬
‫مل ْ‬ ‫ك َ‬ ‫مل ْل َ‬
‫ك ت ُلؤِْتي ال ْ ُ‬
‫مل ْل ِ‬‫ك ال ْ ُ‬
‫مال ِ َ‬
‫م َ‬‫ل الل ّهُ ّ‬‫ومحقهم "قُ ِ‬
‫ن‬
‫ملل ْ‬
‫ل َ‬ ‫شللاُء وَُتللذِ ّ‬ ‫ن تَ َ‬‫ملل ْ‬
‫شللاُء وَت ُِعللّز َ‬ ‫ن تَ َ‬‫ملل ْ‬
‫م ّ‬ ‫ك ِ‬‫مْللل َ‬
‫وَت َْنللزِعُ ال ْ ُ‬
‫شاُء‪."...‬‬ ‫تَ َ‬
‫ويحذر د‪ .‬الشريف حاتم العوني من تلبيس إبليس وتلعبلله‬
‫معه فيما ل يستطيع بلوغه ول يقللدر علللى‬ ‫بابن آدم؛ أن ُيط ّ‬
‫تحصيله‪ ،‬ويعظم في نفسه ما يشللق عليلله غايللة المشللقة‪،‬‬
‫وفي المقابل تجد هذا العدو الماكر يزهده فيما يقدر عليه‪،‬‬
‫ويحقر في نفسه ما يسللتطيع القيللام بلله‪ ،‬فينتللج عللن ذلللك‬
‫العجز الكامل‪ ،‬والقعود عن كل شلليء؛ فل يصللل النسللان‬
‫إلى ما ل يقدر عليه‪ ،‬وينقطع دون ما يشق عليه‪ ،‬ويترك ما‬
‫يقدر عليلله ويفللرط فيمللا يسللهل القيللام بلله‪ ،‬فللإذا بلله فللي‬
‫النهايللة أسللير تلعللب الشلليطان‪ ،‬سللجين هللذه الحيلللة‬
‫الواضحة!‪.‬‬
‫الضيوف المشاركين في إعداد هذه الورقة‪:‬‬
‫م…السم…الوظيفة‬

‫‪114‬‬
‫‪…1‬الشيخ د‪.‬أحمد أبا بطين…عضو هيئة التدريس بجامعللة‬
‫المام بالرياض‬
‫‪…2‬الشيخ د‪.‬أحمد الخضيري…عضو هيئة التدريس بجامعة‬
‫المام بالرياض‬
‫‪…3‬الشلليخ حسللن القطللوي…مللدرس بجامعللة اليمللان‬
‫بصنعاء‬
‫‪…4‬الشيخ د‪.‬حمد الحيدري…عضو هيئة التللدريس بجامعللة‬
‫المام بالرياض‬
‫‪…5‬الشلليخ د‪.‬ريللاض المسلليميري…عضللو هيئة التللدريس‬
‫جامعة المام بالرياض‬
‫‪…6‬الشيخ د‪.‬الشريف حاتم العوني…عضللو هيئة التللدريس‬
‫بجامعة أم القرى بمكة المكرمة‬
‫‪…7‬الشيخ د‪.‬عبد الرحمن المدخلي…عضو هيئة التللدريس‬
‫بكلية المعلمين بجيزان‬
‫‪…8‬الشيخ د‪.‬عبدالله وكيللل الشلليخ…عضللو هيئة التللدريس‬
‫بجامعة المام بالرياض‬
‫‪…9‬الشيخ د‪.‬علي اللمعي…عضللو هيئة التللدريس بجامعللة‬
‫الملك خالد بأبها‬
‫‪…10‬الشيخ عمر المقبللل…عضللو هيئة التللدريس بجامعللة‬
‫المام بالقصيم‬
‫‪…11‬د‪.‬محمللد الخضلليري…عضللو هيئة التللدريس بجامعللة‬
‫المام بالقصيم‬
‫‪…12‬الشيخ ناصر آل طالب…القاضي بالمحكمللة الكللبرى‬
‫بعرعر‬
‫‪…13‬الشيخ هاني الجبير…القاضي بمحكمة جدة‬
‫‪…14‬الشيخ يوسللف القاسللم…المحاضللر بالمعهللد العللالي‬
‫للقضاء‬
‫==============‬
‫‪#‬المخالفات الشرعية في بطاقتي الخير‬
‫والتيسير الئتمانية‬
‫إعداد ‪:‬خالد بن إبراهيم الدعيجي ‪11/9/1424‬‬
‫‪05/11/2003‬‬
‫مقدمة‬

‫‪115‬‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نبي بعده‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬ففي ظل تنللامي السللوق الماليللة‪ ،‬وتطللور شللبكة‬
‫التصللالت الدوليللة‪ ،‬أدى ذلللك إلللى تنللافس المصللارف‬
‫التجارية بجلب أكبر عدد من العملء؛ لتوفير قدر أعلى من‬
‫الربللح‪ :‬فقللامت بتقللديم خللدمات مصللرفية‪ ،‬وتسللهيلت‬
‫لعملئها‪،‬فأنشأت في ساحة التعامللل المصللرفي مجموعللة‬
‫من ‪ ":‬عقود الئتمان" منها‪:‬‬
‫‪-1‬بيع المرابحة للمر بالشراء‪.‬‬
‫‪-2‬بيع الجل‪.‬‬
‫‪-3‬الستصناع‪.‬‬
‫‪-4‬بطاقات الئتمان‪.‬‬
‫وأوسللع هللذه العقللود انتشللارا ً هللي بطاقللات الئتمللان‪ ،‬إذ‬
‫يصدرها نحو‪ "200":‬مائتي بنك في العالم في أكللثر مللن "‬
‫‪ "163‬دولة‪ ،‬مستخدمة في أكثر من )‪ (12000000‬محللل‬
‫تجاري في العالم‪ ،‬وللسحب والتمويل فيملا يقلرب ملن ‪":‬‬
‫‪ "500000‬مؤسسة مالية‪ ،‬وجهللاز صللرف إلكللتروني‪ ،‬مللن‬
‫خلل شبكات الصرف الدولية)‪.(1‬‬
‫وهذه البطاقات نشأت وتطورت فللي دول ل تحكللم شللرع‬
‫الله في معاملتها‪ ،‬وكانت في بنوك قائمة على الربللا غيللر‬
‫مراعية الشرعية السلمية‪ ،‬فداخل بعضها مللن الوصللاف‪،‬‬
‫والشروط‪ ،‬ما يعلم قطعا ً بحرمة بعضللها‪ ،‬وبالتللالي تلقفهللا‬
‫المسلمون على ما فيها من مخالفللات شللرعية‪ ،‬وأعظمهللا‬
‫القرض بفائدة المجمع على تحريمه‪(2).‬‬
‫ولكن بتوفيق من الللله‪ ،‬قللامت جهللود مخلصللة فللي هيئات‬
‫شرعية لدى البنوك السلمية‪ ،‬بتنقيللح وتهللذيب هللذا النللوع‬
‫من البطاقات‪ ،‬حتى صيرتها بطاقات إسلمية ‪.‬‬
‫وتتالت الهيئات الشرعية في البنوك بدراسة هذا النوع من‬
‫البطاقات‪ ،‬ومحاولللة أسلللمتها‪ ،‬وتأصلليلها‪ ،‬وتخريجهللا علللى‬
‫ضوابط المعاملت وقواعدها‪ ،‬وذلك إما بإضافة شللروط أو‬
‫إلغائها‪ ،‬أو بتركيبها بعقدين أو أكثر حتى ل تقع فيمللا حرملله‬
‫الله من الربا‪.‬‬
‫ومن ذلك ما قامت بلله الهيئتللان الشللرعيتان لللدى البنكيللن‬
‫الهلللي والسللعودي المريكللي‪ ،‬فقللد قامتللا بإصللدار قللرار‬

‫‪116‬‬
‫بشللرعية بطللاقتي الخيللر والتيسللير الئتمللانيتين التللابعتين‬
‫للبنكين‪ ،‬وأنهما متوافقتان مع الشريعة السلمية‪.‬‬
‫ولكن بعد التأمل في كيفية عمللل هللاتين البطللاقتين‪ ،‬تللبين‬
‫للبللاحث أنهمللا تتضللمنان مخالفللات ل تتفللق مللع أحكللام‬
‫الشريعة السلمية؛ لسباب سوف أذكرها خلل البحث‪.‬‬
‫وهذه الورقات ‪:‬هي بيان لبعض المخالفات الشرعية الللتي‬
‫تضمنتها بطاقتا الخيللر والتيسللير الئتمانيللة‪ ،‬ينتظللم عقللدها‬
‫في مبحثين‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬تصوير عمل البطاقتين‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المخالفات الشرعية في عمل البطاقتين‪.‬‬
‫علما ً أني لن أتطرق في هذا البحللث إلللى بعللض المسللائل‬
‫وهي ‪:‬‬
‫‪-1‬التورق المصرفي‪.‬‬
‫‪-2‬البيع الفضولي‪.‬‬
‫‪ -3‬التوكيل بالبيع والشللراء‪ ،‬أي أن يتللولى الوكيللل طرفللي‬
‫العقد ‪.‬‬
‫للسباب التالية‪:‬‬
‫‪-1‬إن العمللل الن علللى جللواز هللذه المعللاملت‪ ،‬وإن كللان‬
‫يوجد فيها خلف قوي‪.‬‬
‫‪-2‬لعدم إطالة البحث‪ ،‬والخروج به عن مقصوده ‪.‬‬
‫‪-3‬إن مسألة التورق المصرفي مثل ً من المسائل الشائكة‪،‬‬
‫ولهذا سوف ُتبحث في الدورة القادمة لمجمع الفقه التابع‬
‫لرابطة العالم السلمي‪ ،‬فمن الولى عدم الستعجال في‬
‫بحثها؛ لنه سيصدر فيها قرار من المجمع الفقهي‪.‬‬
‫وأخيرًا‪:‬‬
‫فقد بذلت في هذا البحللث جهللدي وهللو جهللد المقللل‪ ،‬فمللا‬
‫أصبت فيه فمن الله تعالى وله الحمد والثناء‪ ،‬وما أخطللأت‬
‫فيه فمن نفسي وأستغفر الله‪.‬‬
‫وإني لتوجه بالدعاء إلى الله قيللوم السللموات والرض أن‬
‫يأخللذ بأيللدينا إلللى سللواء السللبيل‪ ،‬وأن يرينللا الحللق حق لا ً‬
‫ويرزقنا اتباعه‪ ،‬وان يرينا الباطل باطل ً ويرزقنا اجتنابه‪ ،‬إنه‬
‫ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫وصلى الله وسلم على خاتم رسله نبينا محمللد وعلللى آللله‬
‫وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫المبحث الول‪ :‬تصوير عمل البطاقتين‬
‫قال الفقهاء‪ :‬الحكم على الشيء فرع عن تصللوره‪ ،‬وقبللل‬
‫أن نبدأ بالحكم على البطاقتين لبللد مللن تصللوير عملهمللا‪،‬‬
‫ومن ثم بيان حكمهما‪.‬‬
‫ل‪ :‬تصوير عمل بطاقة تيسير الهلي‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫جاء في شروط وأحكام بطاقة تيسير الهلي‪:‬‬
‫) ميعاد الستحقاق‪:‬تستحق كافة اللتزامات المترتبة علللى‬
‫حامللل البطاقللة نتيجللة إصللدار البطاقللة أو اسللتعمالها فللي‬
‫تاريخ إصدار البنك لكشف الحساب‪ ،‬وبحيللث يقللوم حامللل‬
‫البطاقة بسداد قيمة الرصيد )كامل ً أو يلللتزم بسللداد الحللد‬
‫الدنى الواجب دفعه ‪ %5‬مللن كامللل المبلللغ المسللتحق أو‬
‫مبلغ ‪ 250‬ريال ً أيهما أكثر( إلى البنللك خلل ‪ 20‬يوم لا ً مللن‬
‫تاريخ إصدار كشف الحساب وبالتالي تنشيط حللد التيسللير‬
‫للمبلغ المتبقي‪.‬‬
‫وفي حالة عدم تسديد المبللغ كلامل ً أو الحللد الدنللى علللى‬
‫القل يقوم البنك بلبيع سللعة معينلة يملكهلا البنلك قيمتهلا‬
‫تقارب المديونية ويبيعها على العميل بيعا ً فضوليا ً ويقسللط‬
‫الثمن على ‪24‬قسطًا‪ ،‬وفللي حالللة عللدم اعللتراض العميللل‬
‫بعد إبلغلله بهللذا التصللرف خلل عشللرين يوملا ً مللن تاريللخ‬
‫الكشف اللحق يعتبر هذا إجازة منه بذلك‪ (.‬أ‪.‬هل‬
‫التوضيح‪:‬‬
‫ممللا ل يخفللى أن هللدف البطاقللة الئتمانيللة هللو إقللراض‬
‫حاملها‪ ،‬وذلك إما بالسحب الفوري من مكائن الصللرف‪ ،‬أو‬
‫من خلل ضمانه لللدى التجللار‪ ،‬حيللث إن البنللك يللدفع عنلله‬
‫مستحقاته لدى التجار ومن ثم يطالبه فيمللا بعللد بالسللداد‪،‬‬
‫وغالبا ً تحدد المدة بشهر أو تزيد قلي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫فإذا شغلت ذمة حامل البطاقة بالدين نتيجة استعمالها إما‬
‫بالقرض أو الشراء‪ ،‬فللإن مصللدر البطاقللة) البنللك الهلللي(‬
‫يتيح له السداد من خلل طريقين‪:‬‬
‫الطريق الول‪ :‬إما بالتسديد النقدي لكامل المبلغ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫الطريق الثاني‪ :‬إذا لم يسللدد كامللل المبلللغ‪ ،‬وحللل الجللل‪،‬‬
‫يقوم المصرف بعمليللة التللورق‪ ،‬وذلللك بللبيع سلللعة معينللة‬
‫يمتلكها البنك … الخ‪ .‬كما هو مبين سابقًا‪.‬‬
‫ولتوضلليح الصللورة أكللثر‪ ،‬جللاء فللي التعريفللات فللي نفللس‬
‫التفاقية ما يلي‪:‬‬
‫التيسللير‪ :‬هللو صلليغة تمويللل معتمللدة مللن هيئة الرقابللة‬
‫الشرعية تتيح الحصول على النقد على سبيل التورق‪.‬‬
‫حد التيسير الئتماني‪ :‬هو مبلغ التمويل الشخصي الئتماني‬
‫المعتمد من البنك الهلي التجاري)البنك( لحامللل البطاقللة‬
‫بناء على طلبله ليكللون الطريقللة الثانيلة )بجلانب التسللديد‬
‫النقدي( لسداد حساب البطاقة الئتمانيللة الللذي ينتللج عللن‬
‫استخدام البطاقة من قبل حاملها "حامل البطاقة"‪.‬‬

‫استعمالت حد التيسللير الئتمللاني‪ :‬يسللتخدم حللد التيسللير‬


‫الئتمللاني لسللداد حسللاب البطاقللة الئتمانيللة فقللط ويتللم‬
‫استخدامه لهذا الغرض بتفويض من حامل البطاقة‪.‬‬
‫استخدام حد التيسللير الئتمللاني‪ :‬هللو أمللر حامللل البطاقللة‬
‫البنك بشراء سلعة‪/‬سلع وإعادة بيعها لتسديد جللزء أو كللل‬
‫دين البطاقة الئتمانية وبالتالي سداد ثمن تلك السلع على‬
‫‪ 24‬قسطا ً شهريًا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تصوير عمللل بطاقللة الخيللر التابعللة للبنللك السللعودي‬
‫المريكي‬
‫جاء فللي اتفاقيللة بطاقللة الخيللر الئتمانيللة‪ ،‬الللذي يصللدرها‬
‫البنك السعودي المريكي‪:‬‬
‫) في حالة عدم دفع كامل المديونية المطلوبللة مللن عضللو‬
‫البطاقة فسوف يقللوم سللامبا بوقللف البطاقللة وفللي حالللة‬
‫استمرار عدم الدفع يقوم سامبا بإلغلاء البطاقلة ولللن يتلم‬
‫إصدار بطاقة بديلة إل بعد سداد كامل المبلغ مع أن سامبا‬
‫يتيح لعضو البطاقللة فرصللة لسللداد المديونيللة عللن طريللق‬
‫دخوله مع سامبا في عملية تورق تجنبا ً للغاء البطاقة‪(.‬‬
‫وجاء في نفس التفاقية‪:‬‬
‫) في حالة رغبة العميل في تغطية مديونيللة البطاقللة عللن‬
‫طريق التورق تكون مدة البيع بالتقسيط ‪ 15‬شهرا ً بمعدل‬

‫‪119‬‬
‫ربح ‪ %16.30‬على كامل المدة‪ ،‬وإذا كان المبلغ المتبقللي‬
‫على العميل أقل من خمسمائة ريال فلن يلبي البنك طلبه‬
‫لتنفيذ عملية التورق‪(.‬‬
‫وجاء في التفاقية‪:‬‬
‫) نموذج وكالة(‬
‫أوكل السللادة‪ /‬مكتللب عبللد العزيللز القاسللم للستشللارات‬
‫الشرعية والنظاميللة فللي شللراء سلللع مللن إدارة الئتمللان‬
‫الشخصلللي للللدى البنلللك السلللعودي المريكلللي )سلللامبا(‬
‫بالتقسيط بغرض تنفيللذ عمليللات التللورق فللي حللال وجللود‬
‫رصلليد مللدين علللى بطاقللة الخيللر الئتمانيللة فللي يللوم‬
‫الستحقاق أو بعده ملن كلل شلهر وذللك حسلب سلجلت‬
‫البنك‪.‬‬
‫كما أنني أوكل إدارة الئتمان الشخصللي لللدى سللامبا بللبيع‬
‫السلع الللتي اشللتريتها وذلللك لطللرف آخللر حسللب السللعر‬
‫السائد وقت البيع مع حق توكيل إدارة الئتمان الشخصللي‬
‫لدى سامبا لطرف آخر لتمللام عمليللة الوكالللة واسللتخدام‬
‫المبللالغ المتحصلللة لتسللوية الرصلليد المللدين علللى بطاقللة‬
‫الخيللر الئتمانيللة‪ .‬ويعتللبر هللذا التوكيللل غيللر قابللل للنقللض‬
‫طالمللا كللانت اتفاقيللة بطاقللة الخيللر الئتمانيللة سللارية‬
‫المفعول‪(.‬‬
‫وجاء في نشرة تعريفية لبطاقة الخير ما يلي‪:‬‬
‫)بطاقللة الخيللر هللي البطاقللة الئتمانيللة الجديللدة‪ ،‬الولللى‬
‫والوحيدة المجازة من هيئة الرقابة الشللرعية لللدى سللامبا‬
‫والتي تستخدم في أي مكان حول العالم‪.‬‬
‫تتم عبر تنفيذ عملية التورق والتي من خللها يقوم العميل‬
‫بشراء سلع مملوكة من قبل البنك "معادن" بالجل بسللعر‬
‫معين ويفوض البنك ببيع هذه السلع "معادن" حسب سللعر‬
‫السوق إلى طرف ثالث‪.‬‬
‫المبلغ الناتج مللن عمليللة بيللع السلللع"معللادن" سللوف يتللم‬
‫اسللتخدامه لتسللوية الرصلليد القللائم علللى بطاقللة الخيللر‬
‫الئتمانية في يوم الستحقاق من كل شهر‪(.‬‬
‫وجاء فيها‪:‬‬
‫)متى يكون العميل مؤهل ً لتنفيذ عملية التورق؟‬

‫‪120‬‬
‫يجب على العميل على القل أن يقوم بتسديد الحد الدنى‬
‫المستحق على بطللاقته فللي يللوم تاريللخ السللتحقاق‪ ،‬فللي‬
‫حال عللدم قيللام العميللل بسللداد أي مبلللغ فلللن يتللم تنفيللذ‬
‫عملية تورق‪ .‬ويجب أن يكللون المبلللغ المتبقللي بعللد سللداد‬
‫الحد الدنى يساوي خمسمائة ريال سعودي أو أكثر‪(.‬‬
‫التوضيح‪:‬‬
‫من الشللروط المتفللق عليهللا بيللن البنللك المصللدر وحامللل‬
‫البطاقة‪ :‬أنلله مللتى حللل وقللت السللداد ولللم يسللدد حامللل‬
‫البطاقة فإنه تجرى عملية تورق بسلع مملوكة للبنك‪ ،‬ومن‬
‫ثم يسدد الدين المستحق على البطاقة‪ ،‬وينشللأ ديللن آخللر‬
‫عللى حاملل البطاقلة بسلبب عمليلة التلورق ولكلن يقلوم‬
‫بتسديده خلل )‪ (15‬عشر شهرًا‪.‬‬
‫أوجه الشبه والختلف بين بطاقتي الخير والتيسير‪:‬‬
‫أما وجه الشبه‪:‬‬
‫فإن كل من البطاقتين تتيح لحاملهما سللداد الللدين ‪-‬الللذي‬
‫أسللتحق بسللبب اسللتعمالهما – عللن طريللق إجللراء عمليللة‬
‫تللورق‪ ،‬وذلللك بللبيع سلللع مملوكللة للبنكيللن علللى حامللل‬
‫البطاقة‪ ،‬ومن ثم يتولى البنكان بيع هللذه السلللع لمصلللحة‬
‫العميل على طرف ثالث‪ ،‬وتؤخذ القيمة ويسدد بهللا الللدين‬
‫الول‪ ،‬وينشللأ بعللد ذلللك ديللن جديللد علللى حامللل البطاقللة‬
‫يسدده خلل مدة معينة‪.‬‬
‫أما أوجه الختلف فكما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬تختلفان في عملية إجراء التورق‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ففي بطاقللة التيسللير عللن طريللق الللبيع الفضللولي‪ ،‬حيللث‬
‫يتولى البنك إجراء عمليتي الشراء لحامللل البطاقلة والللبيع‬
‫لطرف ثالث لجل مصلحة حامل البطاقة‪ ،‬ويعتبر التصرف‬
‫نافذا ً خلل عشرين يوما ً إذا لم يعترض حامل البطاقة‬
‫أما بطاقة الخير فعن طريق التوكيل لطرف ثللالث بشللراء‬
‫السلع‪ ،‬ومن ثم توكيل إدارة الئتمان الشخصي ل وهو تللابع‬
‫للبنك المريكي ل ببيعها لطرف آخر‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬معدل الربح في بيع التورق‬
‫ففي بطاقة الخير ‪ :‬معدل الربح ‪ %16.15‬وهو أكثر بكلثير‬
‫من معدلت الربح العالمية في بيع الجللل والمرابحللة‪ ،‬بللل‬

‫‪121‬‬
‫إنلله يشللبه إلللى حللد مللا معللدلت الفللائدة علللى بطاقللات‬
‫الئتمان الربوية العالمية‪ ،‬حيث أنها تحتسب أكثر فائدة ربا‬
‫على مستعمليها مقارنة بمعدلت الفوائد الربوية الخرى‪.‬‬
‫أما بطاقة الخير فلم يذكر بشأن معدلت الربح شيئًا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مدة الجل في سداد عملية التورق‪.‬‬
‫ففي بطاقة التيسير )‪ (24‬شهرًا‪ ،‬أمللا فللي بطاقللة الخيللر )‬
‫‪ (15‬شهرًا‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المخالفات الشرعية لعمل البطاقتين‬
‫من خلل الوصف السابق لعمل البطاقتين‪ ،‬يتضح للبللاحث‬
‫أن فيهما مخالفات شرعية جلية‪ ،‬يمكن إيضاحها كالتالي‪:‬‬
‫المخالفللة الولللى‪ :‬أنهمللا مللن قلللب الللدين المجمللع علللى‬
‫تحريمه‪.‬‬
‫فسداد الدين في هاتين البطللاقتين يتللم عللن طريللق قلللب‬
‫الدين‪.‬‬
‫وقلب الدين‪ :‬هو زيادة الدين في ذمة المدين بللأي طريللق‬
‫كان‪.‬‬
‫قللال شلليخ السلللم‪ ":‬وأمللا إذا حللل الللدين وكللان الغريللم‬
‫معسرا ‪ :‬لم يجللز بإجمللاع المسلللمين أن يقلللب بللالقلب ل‬
‫بمعاملة ول غيرها ; بل يجب إنظاره وإن كان موسرا كللان‬
‫عليلله الوفللاء فل حاجللة إلللى القلللب ل مللع يسللاره ول مللع‬
‫إعساره")‪.(3‬‬
‫وجاء في مطللالب أولللى النهللى شللرح غايللة المنتهللى )‪:(4‬‬
‫) وحللرم قلللب ديللن ( مؤجللل علللى معسللر لجللل ) آخللر‬
‫اتفاقا ( قال الشيخ تقي الدين ‪ :‬ويحرم على صاحب الدين‬
‫أن يمتنع من إنظار المعسر حتى يقلب عليه الدين ‪ ,‬ومتى‬
‫قال رب الدين ‪ :‬إما أن تقلب الدين ‪ ,‬وإما أن تقللوم معللي‬
‫إلى عند الحاكم ‪ ,‬وخاف أن يحبسه الحللاكم ; لعللدم ثبللوت‬
‫إعساره عنللده ‪ ,‬وهللو معسللر ‪ ,‬فقلللب علللى هللذا الللوجه ‪,‬‬
‫كانت هذه المعاملة حراما غير لزمللة باتفللاق المسلللمين ‪,‬‬
‫فإن الغريم مكره عليها بغير حق ‪ ,‬ومن نسب جواز القلب‬
‫على المعسر بحيلة مللن الحيللل إللى ملذهب بعلض الئملة‬
‫فقد أخطأ في ذلك وغلط‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫وقال الشيخ السعدي – رحمه الله ‪ " : -‬أعظم أنواع الربللا‬
‫قللب اللدين عللى الملدينين‪ ،‬سلواء فعلل ذللك صلريحا ً أو‬
‫ل؛ فلإنه ل يخفلى عللى رب العلالمين‪ ،‬فملن حلل دينله‬ ‫تحي ً‬
‫على غريمه‪ ،‬ألزم بالوفاء‪ ،‬إن كان من المقتدرين‪ ،‬ووجللب‬
‫على صاحب الحق إنظاره إن كان من المعسرين")‪.(5‬‬
‫وقد اصلطلح الحنابللة علللى تسلمية هللذه المعامللة بقلللب‬
‫الدين‪ ،‬بينما المالكية يسمونها ‪ :‬فسخ الدين بالدين‪.‬‬
‫قال المام القيرواني‪ ":‬ول يجوز فسخ دين في ديلن‪ ،‬مثلل‬
‫أن يكللون شلليء فللي ذمتلله‪ ،‬فتفسللخه فللي شلليء آخللر ل‬
‫تتعجله" )‪ (6‬وقال‪ " :‬وكان فسخ الدين أشد فللي الحرمللة؛‬
‫لنه من ربا الجاهلية")‪.(7‬‬
‫بل عده المالكية من أشد صور بيع الكللالئ بالكللالئ الللذي‬
‫هو محرم بالجماع)‪.(8‬‬
‫وقلب الدين له طريقان‪:‬‬
‫الطريقة الولى‪:‬قلب الدين صللراحة‪ ،‬وذلللك بقللول الللدائن‬
‫للمللدين‪ :‬إمللا أن تقضللي وإمللا أن تربللي‪ ،‬ويقللول المللدين‪:‬‬
‫أنظرني أزدك‪ .‬وهذا هو ربا الجاهلية‪.‬‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬قلب الدين بالحيلة‪ ،‬وهذا ما يتفنن به أكلة‬
‫الربا‪ ،‬فيعمدون إلى معاملت ظاهرها الصحة؛ لجللل قلللب‬
‫الدين على المدين‪ ،‬ولهذه الطريقة عدة صور‪:‬‬
‫‪-1‬منها‪ :‬أن يكللون فللي ذمللة شللخص لخللر دراهللم مؤجلللة‬
‫فيحل أجلهللا وليللس عنللده مللا يللوفيه‪ ،‬فيقللول للله صللاحب‬
‫الدين‪ :‬أدينك فتوفيني فيدينه فيوفيه‪ ،‬وهذا من الربا بل هو‬
‫مما قال اللله فيلله ‪): :‬يلا أيهلا الللذين آمنللوا ل تلأكلوا الربلا‬
‫أضعافا ً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ( ]آل عمللران‪:‬‬
‫‪ [130‬وهذه الصورة من أعمال الجاهلية حيث كللان يقللول‬
‫أحدهم للمدين إذا حل الدين ‪ :‬إما أن توفي وإما أن تربي‪.‬‬
‫إل أنهم في الجاهلية يضيفون الربا إلى الدين صراحة مللن‬
‫غير عمل حيلة وهؤلء يضيفون الربللا إلللى الللدين بالحيلللة)‬
‫‪.(9‬‬
‫‪-2‬ومنها‪ :‬أن يكون لشخص على آخر دين فإذا حل قال له‪:‬‬
‫إما أن توفي دينك أو تذهب لفلن يللدينك وتللوفيني ويكللون‬
‫بين الدائن الول والثاني اتفاق مسللبق فللي أن كللل واحللد‬

‫‪123‬‬
‫منهما يدين غريم صاحبه ليوفيه ثم يعيد الللدين عليلله مللرة‬
‫أخللرى ليللوفي الللدائن الجديللد‪.‬أو يقللول‪ :‬اذهللب إلللى فلن‬
‫لتستقرض منه ويكون بين الللدائن الول والمقللرض اتفللاق‬
‫أو شبه اتفاق على أن يقرض المللدين‪ .‬فللإذا أوفللى الللدائن‬
‫الول قلب عليه الدين ثم أوفى المقرض ما أقللترض منلله‪،‬‬
‫وهذه حيلة لقلب الدين بطريق ثلثية)‪.(10‬‬
‫ل)مللائة ( ول وفللاء‬ ‫‪-3‬ومنها‪ :‬إذا حل الدين على المللدين مث ً‬
‫عنده‪ ،‬وأراد أن يدينه أيضا ً مائة‪ ،‬جعل فائدة المائة الجديدة‬
‫مضاعفة‪ ،‬فإن كانت فائدة المائة الولى ‪ ،%2‬جعل فللائدة‬
‫المائة الثانية ‪ ،%4‬مراعاة للمللائة الحالللة‪ ،‬والمللدين يلللتزم‬
‫بذلك لضطراره)‪.(11‬‬
‫‪ -4‬ومنها‪ :‬أن يكللون للرجللل ديللن علللى آخللر‪ ،‬فيحللل أجللل‬
‫الدين‪ ،‬وليس عند المدين ما يوفي به دينه‪ ،‬فيحتال الللدائن‬
‫ويعطي المدين المعسر نقودا ً على أنهللا رأس مللال سلللم‪،‬‬
‫لمبيع موصوف مؤجل في الذمة‪ ،‬ثللم إن الللدائن يسللتوفي‬
‫بهللذه النقللود عللن دينلله السللابق )‪.(12‬وجللاء فللي الللدرر‬
‫السنية‪ :‬ومنها – أي المعاملت الربوية ‪ : -‬قلب الدين على‬
‫المعسر‪ ،‬إذا حل الدين على الغريم‪ ،‬ولم يقدر على الوفاء‬
‫أحضر طالب الدين دراهم‪ ،‬وأسلمها إليلله فللي طعللام فللي‬
‫ذمتلله‪ ،‬ثللم أوفللاه بهللا فللي مجلللس العقللد‪ ،‬ويسللمون هللذا‬
‫تصحيحًا‪ ،‬وهللو فاسلد ليلس بصللحيح‪ ،‬فلإنه للم يسللم إليلله‬
‫دراهم‪ ،‬وإنما قلب عليه الدين الللذي فللي ذمتلله‪ ،‬لمللا عجللز‬
‫عن استيفائه؛ والمعسر ل يجوز قلب الدين عليه)‪.(13‬‬
‫وقد حرر هذه المسألة الموفق رحمه الله وقال ‪ :‬إذا كللان‬
‫له في ذمة رجل دينار‪ ،‬فجعله سلما ً في طعام إلللى أجللل‪،‬‬
‫لم يصح‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمع على هللذا كللل مللن أحفللظ‬
‫عنه ملن أهلل العلللم‪ ،‬منهلم ماللك‪ ،‬والوزاعللي‪ ،‬والثللوري‪،‬‬
‫وأحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وأصحاب الرأي‪ .‬وعن ابن عمر أنه قال‪:‬‬
‫ل يصلح ذلك‪ .‬وذلك لن المسلم فيه دين‪ ،‬فإذا جعل الثمن‬
‫دينا ً كان بيع دين بدين‪ ،‬ول يصح ذلك بالجماع)‪.(14‬‬
‫‪-5‬ومنها‪ :‬من له دين على شخص قد حل أجله فطللالبه بلله‬
‫فوجللده معسللرا بجميعلله ‪ ,‬ووجللد عنللده سلللعة ل تفللي بلله‬
‫فأخللذها منلله فللي جميللع الللدين ‪ ,‬ثللم باعهللا للله بللأكثر مللن‬

‫‪124‬‬
‫الدين ‪ ,‬فهذا ل يجوز أيضا ; لن السلعة الللتي خرجللت ملن‬
‫اليد وعادت إليها تعد لغوا ‪ ,‬وكأنه فسخ ما في ذمة المدين‬
‫في أكثر منه ابتداء فهو ربا الجاهلية)‪.(15‬‬
‫‪-6‬ومنها‪ :‬ما جللاء فللي الموطللأ ‪ ) :‬قللال ماللك فللي الرجللل‬
‫يكون له على الرجل مائة دينار إلى أجل فإذا حلت قال له‬
‫الذي عليه الدين بعني سلعة يكون ثمنهللا مللائة دينللار نقللدا‬
‫بمائة وخمسين إلى أجل قال مالك هذا بيع ل يصلح ‪ ,‬ولللم‬
‫يزل أهل العلم ينهون عنه قال مالللك ‪ ,‬وإنمللا كللره ذلللك ;‬
‫لنه إنما يعطيه ثملن ملا بلاعه بعينلله ‪ ,‬ويلؤخر عنله الملائة‬
‫الولى إلى الجل الذي ذكللر للله آخللر مللرة ‪ ,‬ويللزداد عليلله‬
‫خمسين دينارا في تأخيره عنه فهللذا مكللروه ‪ ,‬ول يصلللح ‪,‬‬
‫وهو أيضا يشبه حديث زيد بن أسلم في بيع أهل الجاهليللة‬
‫أنهم كانوا إذا حلت ديونهم قال للللذي عليلله الللدين إمللا أن‬
‫تقضي ‪ ,‬وإما أن تربي فإن قضى أخذوا ‪ ,‬وإل زادوهم فللي‬
‫حقوقهم وزادوهم في الجل ( ‪ .‬أهللل‪ .‬قللال البللاجي ‪ :‬وهللذا‬
‫على ما قال ; لن من كان له على رجللل مللائة دينللار إلللى‬
‫أجل فاشترى منلله عنللد الجللل سلللعة تسللاوي مللائة دينللار‬
‫بمللائة وخمسللين فقضللاه دينلله الول ‪ ,‬وإنمللا قضللاه ثمللن‬
‫سلعته ‪ ,‬وزاد خمسين دينارا في دينه لتأخيره به عن أجللله‬
‫فهللذا يشللبه مللا تضللمنه حللديث زيللد بللن أسلللم مللن بيللوع‬
‫الجاهليللة فللي زيللادتهم فللي الللديون عنللد انقضللاء أجلهللا‬
‫ليؤخروا بها ‪ ,‬ويدخله أيضا بيع وسلف ; لنه إنما ابتاع منلله‬
‫هذه السلعة بمائة معجلة وخمسين مؤجلة ليؤخره بالمللائة‬
‫التي حلت له عليه ‪ ,‬ووجوه الفساد فللي هللذا كللثيرة جللدا)‬
‫‪.(16‬‬
‫‪-7‬ومنها ‪ :‬ما جاء في فتاوى شيخ السلللم ‪ " :‬وسللئل عللن‬
‫رجل له مع رجل معاملة فتأخر له معه دراهم فطالبه وهو‬
‫معسر فاشترى للله بضللاعة مللن صلاحب دكللان وباعهللا للله‬
‫بزيللادة مللائة درهللم حللتى صللبر عليلله ‪ .‬فهللل تصللح هللذه‬
‫المعاملة ؟ فأجاب ‪ :‬ل تجوز هللذه المعاملللة ; بللل إن كللان‬
‫الغريم معسرا فله أن ينتظره ‪ .‬وأمللا المعاملللة الللتي يللزاد‬
‫فيها الللدين والجللل فهللي معاملللة ربويللة وإن أدخل بينهمللا‬

‫‪125‬‬
‫صاحب الحانوت ‪ .‬والواجب أن صاحب الدين ل يطللالب إل‬
‫برأس ماله ل يطالب بالزيادة التي لم يقبضها ")‪.(17‬‬
‫فإذا تقرر أن ما يجري عمله في بطللاقتي الخيللر والتيسللير‬
‫إنما هو من قلب الللدين المجمللع علللى تحريملله‪ ،‬فللإن مللن‬
‫تعامل بها فإنه سيقع لزما ً بمخالفتين عظيمتين‪:،‬‬
‫أحدهما‪ :‬الوقوع في ربا الجاهلية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬التحايل على الربا‪.‬‬
‫وإليك إيضاح ذلك ‪.‬‬
‫المخالفة الثانية ‪:‬أنهما داخلتان فللي ربللا الجاهليللة" إمللا أن‬
‫تقضي وإما أن تربي"‪.‬‬
‫إن أسوأ أنواع الربا وأشدها تحريما ً هو ربا الجاهليللة الللذي‬
‫يزيد فيه الدين لجل تللأخير الوفللاء‪ ،‬فللإذا حللل الجللل قللال‬
‫الدائن‪:‬أتقضي أم تربللي؟ ويقللول المللدين‪ :‬أنظرنللي أزدك‪.‬‬
‫وهذا هو الذي نزل فيه قوله تعال ‪:‬يللا أيهللا الللذين آمنللوا ل‬
‫تأكلوا الربا أضعافا ً مضاعفة واتقوا الللله لعلكللم تفلحللون (‬
‫] آل عمللران‪ (18).[130:‬وقللوله جللل شللأنه‪ ) :‬أضللعافا ً‬
‫مضاعفة ( بيان لما يؤول إليه حال الربا من تضاعف الدين‬
‫في ذمة المدين وما يترتب عليه من الظلللم الفللادح وأكللل‬
‫المال بغير حق‪ .‬والمة مجمعة على تحريم هذا النللوع مللن‬
‫الربا تحريما ً قطعيا ً ل يتطرق إليه أدنى شك‪.‬‬
‫وجه الشبه بين ربا الجاهلية و عمل البطاقتين‪:‬‬
‫أن ما يحدث في بطاقتي الئتمان المشلار إليهملا هلو ملن‬
‫هذا الباب‪ ،‬فالبنك المصدر للبطاقة يخير العميل بين وفللاء‬
‫دينه الذي حل أجله وبين تأخير الوفاء مع زيادة الدين فللي‬
‫ذمته من خلل التورق‪ ،‬ثم إذا حل أجل الدين الجديد تكللرر‬
‫المر مرة أخرى‪ ،‬فينمو الدين ويتضاعف في ذمة المللدين‪،‬‬
‫وهذا عين ربا الجاهلية‪ .‬ول يؤثر فللي هللذه الحقيقللة كونهللا‬
‫تتللم مللن خلل سلللع أو بضللائع غيللر مقصللودة لي مللن‬
‫الطرفيللن؛ فللإن العللبرة بالحقللائق والمعللاني ل بالصللور‬
‫والمبللاني‪ .‬والللله شللرع الللبيع والشللراء لتحقيللق مصلللحة‬
‫الطرفين‪ ،‬ل للحتيال به على الربا‪.‬‬
‫ويؤيد ذلك ما ورد عن المام مالك‪ ):‬قال مالك في الرجل‬
‫يكون له على الرجل مائة دينار إلى أجل فإذا حلت قال له‬

‫‪126‬‬
‫الذي عليه الدين بعني سلعة يكون ثمنهللا مللائة دينللار نقللدا‬
‫بمائة وخمسين إلى أجل قال مالك هذا بيع ل يصلح ‪ ,‬ولللم‬
‫يزل أهل العلم ينهون عنه قال مالللك ‪ ,‬وإنمللا ك ُللره ذلللك ;‬
‫لنه إنما يعطيه ثملن ملا بلاعه بعينلله ‪ ,‬ويلؤخر عنله الملائة‬
‫الولى إلى الجل الذي ذكللر للله آخللر مللرة ‪ ,‬ويللزداد عليلله‬
‫خمسين دينارا في تأخيره عنه فهللذا مكللروه ‪ ,‬ول يصلللح ‪,‬‬
‫وهو أيضا يشبه حديث زيد بن أسلم في بيع أهل الجاهليللة‬
‫أنهم كانوا إذا حلت ديونهم قال للللذي عليلله الللدين إمللا أن‬
‫تقضي ‪ ,‬وإما أن تربي فإن قضى أخذوا ‪ ,‬وإل زادوهم فللي‬
‫حقوقهم وزادوهم في الجل ( ‪ .‬أهل‪.‬‬
‫فالمام مالك ‪-‬رحمه الله – جعل هذه المعاملة الللتي فيهللا‬
‫قلب للدين شللبيهة بربللا الجاهليللة إمللا أن تقضللي وإمللا أن‬
‫تربي‪ ،‬و أما قللول المللام مالللك " وإنمللا ك ُللره ذلللك" ليللس‬
‫المراد به الكراهة التي يحدها الصوليون ‪ :‬ما نهي عنه نهيا ً‬
‫غير جازم‪ ،‬أو ما يثاب تاركه ول يعاقب فللاعله‪ ،‬بللل المللراد‬
‫بالكراهة عنللد السلللف التحريللم‪ ،‬خلف لا ً للمتللأخرين فللإنهم‬
‫اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم)‪.(19‬‬
‫المخالفة الثالثة‪ :‬أن فيهما تحايل ً على الربا‪.‬‬
‫من خلل ما سبق‪ ،‬تبين للباحث أن عمل البطاقتين ما هللو‬
‫إل تحايل على الربللا‪ ،‬وقللد حللذرنا النللبي صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم من الحتيال على مللا حرملله اللله تعلالى بقللوله‪ ":‬ل‬
‫ترتكبوا ما ارتكبللت اليهللود‪ ،‬فتسللتحلوا محللارم الللله بللأدنى‬
‫الحيل")‪.(20‬‬
‫وقال صلى الللله عليلله وسلللم‪":‬قاتللل الللله اليهللود‪،‬حرمللت‬
‫عليهم الشحوم فجملوها فباعوها")‪.(21‬‬
‫وحقيقة الحيلة المحرمة أنها توسل بعمل مشروع لتحقيللق‬
‫غاية محرمة‪ ،‬فالبيع مشروع لكن التوسل به الزيادة الدين‬
‫في ذمة المدين مقابل تأخير الوفللاء توسللل لغايللة ونتيجللة‬
‫محرمة‪ ،‬فيكون البيع في هذه الحالة حيلة محرمة‬
‫قللال الموفللق‪ ":‬ثبللت مللن مللذهب أحمللد أن الحيللل كلهللا‬
‫باطلة" )‪ ،(22‬وقال‪ ":‬الحيل كلها محرمة‪ ،‬غير جللائزة فللي‬
‫شيء من الدين‪ ،‬وهو أن يظهر عقدا ً مباحا ً يريد به محرمًا‪،‬‬
‫مخادعة وتوسل ً إلى فعل ما حرم الله")‪.(23‬‬

‫‪127‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه الله ‪ ":‬النبي صلى الله عليه وسلللم‬
‫قد قال كلمتين كفتا وشفتا وتحتهما كنوز العلم وهما قللوله‬
‫‪ } :‬إنما العمال بالنيات ‪ ,‬وإنما لكل امرئ ما نوى { فبين‬
‫في الجملللة الولللى أن العمللل ل يقللع إل بالنيللة ‪ ,‬ولهللذا ل‬
‫يكون عمل إل بنية ‪ ,‬ثم بين في الجملة الثانيللة أن العامللل‬
‫ليللس للله مللن عمللله إل مللا نللواه وهللذا يعللم العبللادات‬
‫والمعللاملت واليمللان والنللذور وسللائر العقللود والفعللال ‪,‬‬
‫وهذا دليل على أن من نوى بالبيع عقد الربا حصل له الربا‬
‫‪ ,‬ول يعصللمه مللن ذلللك صللورة الللبيع …وإذا نللوى بالفعللل‬
‫التحيل على ما حرمه الله ورسوله كان له ما نللواه ; فللإنه‬
‫قصد المحرم وفعل مقدوره فللي تحصلليله ‪ ,‬ول فللرق فللي‬
‫التحيل على المحرم بين الفعل الموضوع لله وبيللن الفعللل‬
‫الموضوع لغيره إذا جعل ذريعة للله ‪ ,‬ل فللي عقللل ول فللي‬
‫شرع ; ولهذا لو نهى الطبيب المريلض عملا يلؤذيه وحمللاه‬
‫منه فتحيل على تناوله عللد متنللاول لنفللس مللا نهللى عنلله ‪,‬‬
‫ولهذا مسخ الللله اليهللود قللردة لمللا تحيلللوا علللى فعللل مللا‬
‫حرمه الله ‪ ,‬ولم يعصمهم من عقوبته إظهار الفعل المبللاح‬
‫لما توسلوا به إلى ارتكاب محارمه ‪ ,‬ولهذا عاقب أصللحاب‬
‫الجنة بأن حرمهم ثمارها لما توسلوا بجذاذها مصبحين إلى‬
‫إسقاط نصيب المساكين ‪ ,‬ولهذا لعن اليهود لما أكلوا ثمن‬
‫ما حرم الله عليهم أكله ‪ ,‬ولم يعصمهم التوسل إلللى ذلللك‬
‫بصورة البيع ‪ .‬وأيضللا فللإن اليهللود لللم ينفعهللم إزالللة اسللم‬
‫الشللحوم عنهللا بإذابتهللا فإنهللا بعللد الذابللة يفارقهللا السللم‬
‫وتنتقللل إلللى اسللم الللودك ‪ ,‬فلمللا تحيلللوا علللى اسللتحللها‬
‫بإزالة السم لم ينفعهم ذلك ‪.‬‬
‫قللال الخطللابي ‪ :‬فللي هللذا فللي الحللديث بطلن كللل حيلللة‬
‫يحتال بهللا المتوسللل إلللى المحللرم ; فللإنه ل يتغيللر حكملله‬
‫بتغير هيئته وتبديل اسمه ‪.‬‬
‫إذا تبين هذا فمعلللوم أنله لللو كلان التحريللم معلقللا بمجللرد‬
‫اللفظ وبظاهر من القول دون مراعللاة المقصللود للشلليء‬
‫المحللرم ومعنللاه وكيفيتلله لللم يسللتحقوا اللعنللة لللوجهين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن الشحم خللرج بجمللله عللن أن يكللون شللحما ‪,‬‬
‫وصار ودكا ‪ ,‬كما يخرج الربا بالحتيال فيه عللن لفللظ الربللا‬

‫‪128‬‬
‫إلى أن يصير بيعا عند من يستحل ذلك ; فللإن مللن أراد أن‬
‫يبيع مائة بمائة وعشرين إلى أجل فللأعطى سلللعة بللالثمن‬
‫المؤجل ثم اشتراها بالثمن الحال ‪ ,‬ول غرض لواحد منهما‬
‫في السلعة بوجه ما ‪ ,‬وإنما هي كما قال فقيه المة دراهم‬
‫بدراهم دخلت بينهما حريرة ; فل فرق بين ذلك وبين مللائة‬
‫بمائة وعشرين درهما بل حيلة ألبتة ‪ ,‬ل في شللرع ول فللي‬
‫عقل ول عرف ‪ ,‬بل المفسدة التي لجلها حرم الربا بعينها‬
‫قائمة مع الحتيال أو أزيد منها ‪ ,‬فإنها تضللاعفت بالحتيللال‬
‫لم تذهب ولم تنقص ; فمن المستحيل على شريعة أحكللم‬
‫الحاكمين أن يحرم ما فيلله مفسللدة ويلعللن فللاعله ويللؤذنه‬
‫بحرب منه ورسوله ويوعده أشد الوعيللد ثللم يبيللح التحيللل‬
‫على حصللول ذلللك بعينلله سللواء مللع قيللام تلللك المفسللدة‬
‫وزيادتهللا بتعللب الحتيللال فللي معصللية ومخادعللة الللله‬
‫ورسوله ‪ .‬هذا ل يللأتي بلله شللرع ; فللإن الربللا علللى الرض‬
‫أسهل وأقل مفسدة من الربا بسلم طويل صعب الللتراقي‬
‫يترابى المترابيان على رأسه‪ ،‬فيا لله العجب ‪ ,‬أي مفسدة‬
‫من مفاسد الربا زالت بهذا الحتيال والخداع ؟ فهللل صللار‬
‫هذا الذنب العظيم عند الللله هللو مللن أكللبر الكبللائر حسللنة‬
‫وطاعة بالخداع والحتيال ؟ ويللا لللله ‪ ,‬كيللف قلللب الخللداع‬
‫والحتيال حقيقته من الخبيث إلى الطيللب ومللن المفسلدة‬
‫إلللى المصللحة وجعلله محبوبلا لللرب تعلالى بعللد أن كلان‬
‫مسخوطا له ؟ ولئن كان هذا الحتيال يبلغ هذا المبلغ فللإنه‬
‫عند الله ورسوله بمكان ومنزلللة عظيمللة وإنلله مللن أقللوى‬
‫دعائم الدين وأوثق عراه وأجل أصوله ‪.‬‬
‫ويا لله العجللب ‪ ,‬أي فللرق بيللن بيللع مللائة بمللائة وعشللرين‬
‫درهما صريحا وبين إدخال سلعة لم تقصد أصل بل دخولهللا‬
‫كخروجها ؟ ولهذا ل يسأل العاقد عن جنسها ول صفتها ول‬
‫قيمتها ول عيب فيها ول يبالي بللذلك ألبتللة حللتى لللو كللانت‬
‫خرقللة مقطعللة أو أذن شللاة أو عللودا مللن حطللب أدخلللوه‬
‫محلل للربللا ‪ ,‬ولمللا تفطللن المحتللالون أن هللذه السلللعة ل‬
‫اعتبار بها في نفس المر ‪ ,‬وأنها ليسللت مقصللودة بللوجه ‪,‬‬
‫وأن دخولها كخروجها – تهاونوا بها ‪ ,‬ولم يبالوا بكونها ممللا‬
‫يتمول عادة أو ل يتمول ‪ ,‬ولم يبال بعضهم بكونها مملوكللة‬

‫‪129‬‬
‫للبائع أو غير مملوكة ‪ ,‬بل لم يبال بعضهم بكونها مما يبللاع‬
‫أو مما ل يباع كالمسجد والمنارة والقلعة ‪ ,‬وكللل هللذا وقلع‬
‫من أرباب الحيل ‪ ,‬وهذا لما علموا أن المشللتري ل غللرض‬
‫له في السللعة فقللالوا ‪ :‬أي سللعة اتفللق حضللورها حصللل‬
‫بهذا التحليل‪(24)".‬‬
‫المخالفة الرابعة‪ :‬أنهما داخلتان فللي حللديث " نهللي النللبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عن سلف وبيع"‪.‬‬
‫عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قللال‪:‬قللال رسللول‬
‫الللله صلللى الللله عليلله وسلللم ‪":‬ل يحللل سلللف وبيللع‪ ،‬ول‬
‫شرطان في بيع‪،‬ول ربللح مللا لللم يضللمن‪،‬ول بيللع مللا ليللس‬
‫عندك")‪(25‬‬
‫قال ابن القيم – رحمه الله ‪ ": -‬وأما السلف والبيع‪ :‬فلنلله‬
‫إذا أقرضه مائة إلى سللنة‪ ،‬ثللم بللاعه مللا يسللاوي خمسللين‬
‫بمائة‪ :‬فقد جعل هذا البيع ذريعة إلى الزيللادة فللي القللرض‬
‫الذي موجبه رد المثل‪ ،‬ولول هللذا الللبيع لمللا أقرضلله ولللول‬
‫عقد القرض لما اشترى ذلك‪(26)".‬‬
‫ووجه الشبه بين هذا التفسير للحديث وعمل البطاقتين‪:‬‬
‫أن العلقة بين مصدر البطاقة وحاملها‪ :‬هي علقة مقللرض‬
‫يتمثل في مصدر البطاقة‪ ،‬ومقترض هو حامل البطاقة‪.‬‬
‫فحامل البطاقة إما أن يشتري سلعا ً ومن ثللم يقللوم البنللك‬
‫بالسداد‪ ،‬ويكون هذا المبلغ دينا ً في ذمة حامل البطاقة‪ ،‬أو‬
‫أنلله يسللحب مبلغ لا ً نقللديا ً مللن مكللائن الصللرف‪ ،‬وفللي كل‬
‫الحالتين تكون ذمة حامل البطاقة مشغولة للبنك المصللدر‬
‫لها‪ ،‬ويحدد له يوما ً يقوم بسداد الدين فيه‪.‬‬
‫وعند الرجوع إلى اتفاقية عمللل البطللاقتين نجللد أن البنللك‬
‫السعودي المريكي وضع من ضمن التفاقية أنه متى حللل‬
‫سداد الدين ولم يسدد حامل البطاقللة فللإنه سللوف يجللري‬
‫عملية تورق بالوكالة‪.‬‬
‫وأما البنك الهلي فقللد قللرر فللي التفاقيللة أنلله مللتى حللل‬
‫الللدين فللإنه سلليجري عمليللة التللورق مللن خلل التصللرف‬
‫الفضولي‪.‬‬
‫وفللي كل الحللالتين‪ :‬نجللد أن البنكيللن اشللترطا فللي عمليللة‬
‫القراض أنه متى حل موعد سداد الدين ولم يسدد حامللل‬

‫‪130‬‬
‫البطاقة فإنه تجرى عملية التللورق‪ ،‬فهنللا اجتمللع فللي هللذه‬
‫المعاملة سلف وبيع‪.‬‬
‫المخالفة الخامسة‪ :‬أنهما داخلتان في حديث " نهي النللبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة"‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النللبي صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم نهى عللن بيعللتين فللي بيعللة‪ .‬وفللي لفللظ " مللن بللاع‬
‫بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا")‪.(27‬‬
‫قللال المللام الخطللابي – رحملله الللله ‪ -‬فللي بيللان معنللى‬
‫الحديث‪ ":‬كأن يسلفه دينارا ً في قفيزيللن إلللى شللهر فلمللا‬
‫حل الجل وطالبه بالبر‪ ،‬قال للله‪ :‬بعنللي القفيللز الللذي لللك‬
‫علي بقفيزين إلى شهر‪ .‬فهذا بيع ثان قد دخلل عللى اللبيع‬
‫الول فصار بيعتين فللي بيعلة فيلردان إلللى أوكسللهما وهلو‬
‫الصل‪ ،‬فإن تبايعا المبيع الثاني قبل أن يتناقضا الول كانللا‬
‫مرتبين" معالم السنن )‪(2/104‬‬
‫وتوضيح ذلك‪ :‬أن المراد به قلب الدين على المعسللر فللي‬
‫صورة بيع الدين المؤجل على المدين إلى أجل آخر بزيادة‬
‫عليه‪.‬‬
‫ووجه الشبه بين هذا التفسير وعمل البطاقتين كالتالي‪:‬‬
‫ففي عمل البطاقتين لما حل الجل وكان صاحب البطاقللة‬
‫مدينا ً للبنك بريالت‪ ،‬وليس عنده ما يوفيه‪ ،‬فكأنه بللاع هللذا‬
‫الدين بدين آخر إلللى أجللل مللع زيللادة‪ ،‬ولكللن أدخل بينهمللا‬
‫سلعة عن طريق التورق‪ .‬فاجتمع في المعاملة بيعان‪ ،‬فإما‬
‫أن يأخذان بالبيع الول وهلو الللدين القللل‪ ،‬وإمللا أن يتملان‬
‫البيع الثاني‪ ،‬فيقعان في النهي وهو الربا‪.‬‬
‫وهذا التفسير للحديث ل يمنع التفسير المشهور عن شلليخ‬
‫السلم وابن القيم بأن المللراد بالحللديث بيللع العينللة‪ ،‬مللن‬
‫وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن في كل الصورتين تحايل على الربا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إن من القواعد المقللررة عنللد أهللل العلللم‪ :‬أنلله إذا‬
‫احتمل اللفظ أكثر من معنللى وليللس بينهمللا تعللارض فللإنه‬
‫يحمل عليهما‪.‬‬
‫فكل معاملتين ظاهرهما الصللحة وباطنهمللا التحايللل علللى‬
‫أكل الربللا فهمللا داخلتللان فللي النهللي الللذي فللي الحللديث‪،‬‬

‫‪131‬‬
‫فيشللمل الحللديث بيللع العينللة وقلللب الللدين وغيرهللا مللن‬
‫المعاملت‪.‬‬
‫وأخيرًا‪:‬‬
‫هذه بعض المخالفات على هاتين البطللاقتين‪ ،‬وأحسللب أن‬
‫هللذا البحللث مللا هللو إل بدايللة لبحللوث أخللرى مللن العلمللاء‬
‫وطلب العلللم المهتميللن بهللذه المعللاملت‪ ،‬وإنللي أدعللو‬
‫الباحثين إلى تجليللة هللذا المللر وزيللادة بحثلله‪ ،‬حللتى يكللون‬
‫الناس على بصيرة من أمرهم‪.‬‬
‫فوالله لو ترك هذا المر ومر مرور الكرام فلن يكللون ربللا‬
‫في البنوك‪ ،‬وسينتهي الربا إلى غير رجعللة بالتحايللل عليلله‪،‬‬
‫وسيصعب رد الناس عنه إذا انغمسوا فيه‪.‬‬
‫ونحن بأمس الحاجة إلى الرجوع إلللى الللله‪ ،‬والتوبللة إليلله‪،‬‬
‫فالمة تعيش في عصر تكالب عليهللا أعللداء الللله مللن كللل‬
‫جانب‪ ،‬والنصر ل يأتي إل من عند الللله‪ ،‬وكيللف نللدعو الللله‬
‫النصر؛ ونحن نحاربه بأكل الربا ‪.‬‬
‫كما أدعو القللائمين علللى الهيئات الشللرعية الللذين أجللازوا‬
‫مثل هللذه المعللاملت أن يللبينوا لنللا مسللك إبللاحتهم لهللذه‬
‫المعاملة بالدلة الصللريحة الصللحيحة‪ ،‬حللتى تظهللر للعيللان‬
‫حجج الطرفين ومسلك كل فريق‪.‬‬
‫وإني لتوجه بالدعاء إلى الله قيللوم السللموات والرض أن‬
‫يأخللذ بأيللدينا إلللى سللواء السللبيل‪ ،‬وأن يرينللا الحللق حق لا ً‬
‫ويرزقنا اتباعه‪ ،‬وان يرينا الباطل باطل ً ويرزقنا اجتنابه‪ ،‬إنه‬
‫ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على خاتم رسله نبينا محمللد وعلللى آللله‬
‫وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬
‫)‪ (1‬بطاقات الئتمان‪ ،‬للشيخ بكر أبو زيد ص ‪11‬‬
‫)‪(2‬انظر‪ :‬الجماع لبلن المنللذر ص ‪ ،95‬المغنلي )‪(6/436‬‬
‫ط هجر‪.‬‬
‫)‪ (3‬مجموع الفتاوى )‪(29/419‬‬
‫)‪(3/62) (4‬‬
‫)‪ (5‬الفتاوى السعدية )ص ‪.(353‬‬
‫)‪ (6‬الفواكه الدواني ‪.2/101‬‬

‫‪132‬‬
‫)‪ (7‬المصدر السابق‪.‬‬
‫)‪(8‬انظر‪ :‬شرح حدود ابن عرفه ص ‪ ،253‬الفواكه الدواني‬
‫‪.2/101‬‬
‫)‪(9‬رسالة المداينة للشيخ محمد العثيمين رحمه الللله )ص‬
‫‪.(15-14‬‬
‫)‪(10‬الفتللاوى السللعدية )ص ‪ ،(350‬رسللالة المداينللة )ص‬
‫‪.(16-15‬‬
‫)‪(11‬الفتاوى السعدية )ص ‪.(352‬‬
‫)‪ (12‬نيل المآرب في تهذيب عمدة الطللالب‪ ،‬للشلليخ عبللد‬
‫الله البسام )‪.(3/86‬‬
‫)‪ (13‬الدرر السنية في الجوبللة الحنبليللة )‪ .(6/117‬وهللي‬
‫فتوى لبناء الشيخ محمد وهم‪:‬حسللين وإبراهيللم وعبللدالله‬
‫وعلي‪.‬‬
‫)‪ (14‬المغني )‪ ،(6/410‬النصاف )‪.(4/34‬‬
‫)‪ (15‬الفواكه الدواني )‪.(2/102‬‬
‫)‪ (16‬المنتقى شرح الموطأ )‪6(5/66‬‬
‫)‪(17‬مجموع فتاوى شيخ السلم )‪(29/439‬‬
‫)‪ (18‬تفسير الطبري )جامع البيان عللن تأويللل القللرآن ( )‬
‫‪.(7/204‬‬
‫)‪ (19‬إعلم الموقعين )‪.(81-2/75‬‬
‫)‪ (20‬رواه ابن بطة في إبطال الحيل‪ ،‬وقواه شيخ السلم‬
‫في بيان الدليل ص ‪ ،55‬ط المكتب السلمي‪.‬‬
‫)‪ (21‬رواه البخاري فللي كتللاب‪ :‬الللبيوع‪ ،‬بللاب‪ :‬بيللع الميتللة‬
‫والصللنام ) الحللديث رقللم ‪ ،(2236‬وأخرجلله فللي كتللاب‬
‫التفسير‪ ،‬باب ‪ ":‬وعلى‬
‫الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنللم حرمنللا‬
‫عليهم شحومهما" )الحللديث رقللم ‪ ،(4633‬وأخرجلله أيضلا ً‬
‫في كتاب‬
‫المغازي‪ ،‬بللاب‪) ،51:‬الحللديث رقللم ‪ ،(4296‬ورواه مسلللم‬
‫فللي كتللاب‪ :‬المسللاقاة‪ ،‬بللاب‪ :‬تحريللم بيللع الخمللر والميتللة‬
‫والخنزير والصنام‪) ،‬الحديث رقم ‪.(4024‬‬
‫)‪ (22‬المغني )‪.(6/116‬‬
‫)‪ (23‬المغني )‪.(6/154‬‬

‫‪133‬‬
‫)‪ (24‬إعلم الموقعين ‪.(527-4/522‬‬
‫)‪ (25‬أخرجه أبو داود في كتاب‪ :‬البيوع‪ ،‬باب‪ :‬فللي الرجللل‬
‫يبيع ما ليس عنده‪) ،‬الحديث رقم ‪ ،(3504‬والترمللذي فللي‬
‫كتاب‪ :‬البيع‬
‫باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك‪) ،‬الحللديث رقللم‬
‫‪ ،(1234‬والنسائي في كتللاب‪:‬الللبيوع‪ ،‬بللاب ‪:‬شللرطان فللي‬
‫بيع‪ ) ،‬الحديث‬
‫رقم )‪ ،(4644‬وأحمد فللي المسللند )حللديث رقللم ‪.(6633‬‬
‫والحديث صححه ابن تيمية فللي الفتللاوى الكللبرى ‪،6/177‬‬
‫وحسنه اللباني في إرواء الغليل ‪.148-5/146‬‬
‫)‪ (26‬التعليق عل سنن أبي داود‪) ،‬عون المعبود ‪.(9/402‬‬
‫)‪ (27‬أخرجه الترمذي في كتاب ‪:‬البيوع ‪ ،‬باب ما جلاء فلي‬
‫النهللللي عللللن بيعللللتين فللللي بيعللللة‪) ،‬الحللللديث رقللللم‬
‫‪،(1231‬والنسائي في كتاب ‪:‬البيوع‬
‫باب‪ :‬بيعتين في بيعة‪)،‬الحللديث رقللم ‪ ،(4646‬وأحمللد فللي‬
‫المسند )حديث رقم ‪ ،(9795‬وحسنه اللباني إرواء الغليل‬
‫)‪.5/149‬‬
‫============‬
‫‪#‬الحرب على الله ورسوله‬
‫د‪ .‬سامي بن إبراهيم السويلم ‪23/9/1424‬‬
‫‪17/11/2003‬‬
‫أثارت موجة التفجيللرات الخيللرة فللي الريللاض كللثيرا ً مللن‬
‫التساؤلت‪ :‬ما هي السباب؟ وما هي الحلول؟‪.‬‬
‫إذا رجعنللا إلللى القللرآن العظيللم؛ فلللن يكللون عسلليرا ً أن‬
‫نمسك بخيوط المشكلة‪.‬‬
‫إن مجتمعنا ‪-‬ولله الحمد‪ -‬يللدين بالتوحيللد‪ ،‬ول توجللد دعللوة‬
‫تناقض هللذا المبللدأ‪ ،‬ظللاهرا ً علللى القللل‪ .‬وإذا كللان كللذلك‬
‫فلننظر في النحرافات الخرى‪ ،‬وأيها يمكن أن يؤدي إلللى‬
‫هذا الوضع‪.‬‬
‫إن الضللطراب وانعللدام المللن قريللن الحللرب‪ ،‬فمللا هللي‬
‫المعصية التي توعدها الله تعالى بالحرب؟‪.‬‬
‫لن نجد صعوبة في الجواب عن هذا السؤال‪ ،‬إذ ليس فللي‬
‫القرآن ذنب توعد الللله أهللله بللالحرب سللوى ذنللب واحللد‪:‬‬

‫‪134‬‬
‫الربا‪ .‬قال تعالى‪) :‬يا أيها الذين آمنوا اتقللوا الللله وذروا مللا‬
‫بقي ملن الربلا إن كنتلم ملؤمنين‪ .‬فلإن للم تفعللوا فلأذنوا‬
‫بحرب من الله ورسوله(‪ .‬ولهذا قللال المللام مالللك رحملله‬
‫الله‪" :‬إني تصفحت كتللاب الللله وسللنة نللبيه‪ ،‬فلللم أر شلليئا ً‬
‫أشر من الربا‪ ،‬لن الله أذن فيه بالحرب‪) ".‬الجامع لحكام‬
‫القرآن ‪.(3/364‬‬
‫لقللد تطللاولت قلع الربللا فللي بلدنللا‪ ،‬واسللتفحلت الللديون‬
‫الربويللة‪ ،‬حللتى صللار القتصللاد بللأكمله رهنللا ً للمرابيللن‪.‬‬
‫وتجاوزت الديون الحكومية ‪ 600‬مليار ريللال‪ ،‬تللدفع عليهللا‬
‫فوائد سللنوية تتجللاوز ‪ 30‬مليللار ريللال‪ .‬ولمللن تللذهب هللذه‬
‫الفوائد؟ ل نحتاج إلى قللدر كللبير مللن الفطنللة لنللدرك أنهللا‬
‫تللذهب للمتخميللن بالمللال الللذين لللم يجللدوا أفضللل مللن‬
‫إقراضلله بربللا‪ .‬إن ‪ 30‬مليللار سللنويا ً كفيلللة بحللل معظللم‬
‫المشكلت التي يعاني منها المجتمع‪ ،‬لكنها بللدل ً مللن ذلللك‬
‫تذهب لجيوب المرابين الذين ل يزيدون القتصللاد إل وهن لا ً‬
‫وضعفًا‪ .‬فالربا حيثما كان وأينما وجد‪ ،‬نزيف فللي القتصللاد‬
‫ونذير شؤم على البلد‪.‬‬
‫والربا ل ينشأ من فراغ‪ ،‬بل هللو نتيجللة للسللراف والتبللذير‬
‫والنفللاق غيللر المشللروع‪ .‬ولهللذا وصللف الللله –تعللالى‪-‬‬
‫المبذرين بأنهم )إخوان الشياطين(‪ ،‬ووصف المرابين بأنهم‬
‫)ل يقومللون إل كمللا يقللوم الللذي يتخبطلله الشلليطان مللن‬
‫المس(‪ .‬فالتبذير والربا متلزمان‪ ،‬ولهذا كان كلهما قريللن‬
‫الشيطان‪.‬‬
‫والربا بدوره ل يؤدي إل إلى مزيد من التبللذير والسللراف‪.‬‬
‫فتتضاعف المشكلة‪ ،‬وتتفاقم البطالللة‪ ،‬وتللزداد الهللوة بيللن‬
‫الفقراء والغنياء‪ ،‬وترتفع حللدة التللوتر بيللن فئات المجتمللع‬
‫بشكل مخيف‪ .‬ول أمل في الخللروج مللن هللذه الدوامللة إل‬
‫بالعودة الصادقة إلى الله‪ ،‬والحللد مللن مظللاهر السللراف‪،‬‬
‫واستئصال الربا من جذوره‪.‬‬
‫ما هو أسوأ من الربا‬
‫إذا كان الربا هللو شللر الللذنوب؛ لن الللله تعللالى آذن أهللله‬
‫بالحرب‪ ،‬فما هو السوأ من الربا؟‬

‫‪135‬‬
‫إنه التحايل على الربا والتلعب بأحكام الشرع ليظهر الربا‬
‫المحرم بمظهر البيوع المشروعة‪ .‬إن اليهود قد أكلوا الربا‬
‫صراحة‪ ،‬ومع ذلك لم يعللاقبهم الللله علللى ذلللك فللي الللدنيا‬
‫بعقوبة عاجلة‪ .‬لكنهم لما احتالوا علللى صلليد الحيتللان يللوم‬
‫مسخوا قردة‪ ،‬كما قال تعالى‪) :‬ولقد علمتم الللذين‬ ‫السبت ُ‬
‫اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قللردة خاسللئين(‪.‬‬
‫لمللاذا يمسللخون علللى الحتيللال علللى صلليد الحيتللان‪ ،‬ول‬
‫يمسخون على أكل الربا؟‪ ،‬مع أن الصيد أهللون بكللثير مللن‬
‫الربا؟ لن التحايل على شرع الله أعظم إثما ً وأشد جرمللا ً‬
‫ل‬‫من المعصية المجردة‪ .‬فالتحايل علللى المعصللية اسللتحل ٌ‬
‫لها‪ ،‬والستحلل أشد بمراحل من الوقوع فللي الللذنب دون‬
‫استحلل‪.‬‬
‫وقد ثبت عن النبي ‪-‬صلى الله عليلله وسلللم‪ -‬أنلله قللال‪" :‬ل‬
‫ترتكبوا ما ارتكبللت اليهللود‪ ،‬فتسللتحلوا محللارم الللله بللأدنى‬
‫ص صللريح أن‬ ‫الحيل" ]رواه ابن بطة بإسناد جيد[‪ .‬فهللذا ن ل ٌ‬
‫التحايل على المحرمات استحل ٌ‬
‫ل لها‪.‬‬
‫ويدل على ذلك أيضلا ً أن النللبي ‪-‬صلللى الللله عليلله وسلللم‪-‬‬
‫ن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها‪،‬‬ ‫قال‪" :‬ليشرب ّ‬
‫ُيعزف على رؤوسهم بالمعللازف والمغنيللات‪ ،‬يخسللف الللله‬
‫بهم الرض ويجعل منهم القردة والخنازير" ]رواه مسلللم[‪.‬‬
‫وذكللر فللي الحللديث الخللر‪" :‬ليكللونن مللن أمللتي أقللوام‬
‫يسللتحّلون الحللر والحريللر والخمللر والمعللازف" ثللم قللال‪:‬‬
‫"فَي ُب َّييَتهم الله ويضع العَلم ويمسخ منهم قردة وخنازير إلى‬
‫يوم القيامة" ]رواه بهذا اللفظ ابن مللاجه بإسللناد حسللن[‪.‬‬
‫فللدل مجمللوع الحللديثين علللى أن اسللتحلل الخمللر كللان‬
‫بتسميتها إياها بغير اسمها‪ ،‬وهذا من التحايل بل ريب‪ ،‬كمللا‬
‫يقول شيخ السلم ]بيان الدليل فللي إبطللال التحليللل‪ :‬ص‬
‫‪.[63‬‬
‫فهذا يدل أيضلا ً علللى أن التحايللل علللى المحرمللات تعجللل‬
‫عقللوبته فللي الللدنيا‪ ،‬وأنلله أشللد وأسللوأ مللن الوقللوع فللي‬
‫المحرم بل تحايل‪ .‬ولهذا قال أيوب السختياني رحمه الللله‪:‬‬
‫"يتلعبون بالله تلعب الصبيان‪ .‬لو أتوا المللر علللى وجهلله‬
‫كان أهون علي"‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫فإذا كان الربا سببا ً للحرب على الله ورسللوله‪ ،‬فمللا ظنللك‬
‫بالتحايل عليه‪ ،‬أليس أولى بللالحرب والنكللال المعجللل فللي‬
‫الدنيا قبل الخرة؟‬
‫واليوم نشاهد ملء السمع والبصر تعاملت ألبسللت لبللاس‬
‫الشرعية وأخرجت في صلورة الللبيوع الجللائزة‪ ،‬وهللي فللي‬
‫حقيقتها نقود حاضرة بنقود مؤجلة فللي الذمللة أكللثر منهللا‪.‬‬
‫فهي في الصورة بيع وفللي الحقيقللة ربللا النسلليئة المحللرم‬
‫بالنص والجماع‪ .‬بل بلغ المر إلى حد الحتيال علللى أسللوأ‬
‫أنواع الربا‪ ،‬وهو ربللا الجاهليللة‪ ،‬الللذي نللتيجته زيللادة الللدين‬
‫مقابللل تللأخير الوفللاء‪ ،‬أو "أنظرنللي أزدك‪ ".‬فلللم يقتصللر‬
‫التحايل على الفللائدة البسلليطة‪ ،‬بللل تجللاوزه إلللى الفللائدة‬
‫المركبة‪ ،‬التي تمنعها كثير من النظمة الوضعية ابتداء‪ ،‬ول‬
‫تقبل التحايل عليها بشكل من الشللكال‪ ،‬حللتى قللال بعللض‬
‫الغربيين‪" :‬إن المسلمين يتحايلون على دينهم بما ل يمكن‬
‫أن نحتال به علللى قضللاتنا‪ ".‬فللإذا بلللغ بنللا المللر إلللى هللذا‬
‫المستوى‪ ،‬فما ظننا بالله؟ أننتظر من الله النصر والتأييللد؟‬
‫أم نتخللوف العقوبللة والنكللال والحللرب فللي الللدنيا قبللل‬
‫الخرة؟‬
‫إن الله تعالى ليس بحاجة لنا حتى نقبل عليه بهللذه الحيللل‬
‫والتلفيقات‪ ،‬ودين الله تعالى أعز من أن نتلعللب بأحكللامه‬
‫وشرائعه تلعب الصبيان‪ .‬فإذا أردنا لبلدنللا السلللم والمللن‬
‫والرخللاء‪ ،‬فلننبللذ الخللداع جانب لًا‪ ،‬ولنرجللع إلللى الللله رجعللة‬
‫صادقة‪.‬‬
‫والللله تعللالى ل يسلللط علللى قللوم الخللوف بعللد المللن‪،‬‬
‫والهزيمة بعد النصر‪ ،‬إل بذنوبهم‪ .‬وليس بعلد النبيلاء أكللرم‬
‫على الله من أصحاب محمد صلى الله عليلله وسلللم‪ ،‬ومللع‬
‫حد تساءلوا‪ :‬من أين جاءت الهزيمة؟‬ ‫ذلك لما أصيبوا يوم أ ُ‬
‫فرد الله عليهم بقوله‪) :‬أولما أصللابتكم مصلليبة قللد أصللبتم‬
‫مثليها قلتم أنى هذا؟ قل هو مللن عنللد أنفسللكم(‪ .‬فللالعلج‬
‫ن إل‬ ‫يبدأ من عندنا وأسللبابه بأيللدينا‪ ،‬فللإن فّرطنللا فل نلللوم ّ‬
‫أنفسنا‬
‫===============‬
‫‪ #‬النقود‪ :‬أثمان أم سلع؟‬

‫‪137‬‬
‫د‪ .‬يوسف بن أحمد القاسم ‪26/3/1427‬‬
‫‪24/04/2006‬‬
‫قبل أكثر من ستة قرون‪ ،‬صرخ أحد علمللاء القللرن الثللامن‬
‫الهجري صرخة اهتز لها جبل قاسيون بالشللام‪ ،‬ووجللد لهللا‬
‫صدى في أنحائه‪ ،‬إل أنها لم تجد لها صدى في بني قللومه‪،‬‬
‫فوقع ما لم يكن بالحسبان‪ ،‬وحل ما حللذر منلله عللالم ذلللك‬
‫الزمان‪ ،‬ثلم هلاهو التاريلخ يعيلد نفسله‪ ،‬فحلل بنلا ملا حلل‬
‫بهم !! فمن هو يا ترى ذلك المام ؟‬
‫وما هي تلللك الصللرخة الللتي اهللتز لهللا قلملله‪ ،‬وعللبر عنهللا‬
‫بنانه ؟‬
‫وما هي نتيجة تجاهل تلك الصرخة ؟‬
‫وكيف أعاد التاريخ نفسه ؟‬
‫أما المام‪ ،‬فهو‪ :‬العلمة ابن قيم الجوزية )ت ‪751‬هل( وأما‬
‫الصرخة‪ ،‬فهللي‪ :‬إنكللاره علللى بنللي قللومه اتخللاذهم النقللود‬
‫سلللعًا‪ ،‬يتللاجرون بهللا‪ ،‬ويعللدونها للربللح‪ ،‬فكللانت النتيجللة‬
‫المؤسفة ؛ حيث عم الضرر‪ ،‬ووقع الظلم ‪.‬هذا ملخللص مللا‬
‫جرى‪ ،‬وأدع الحديث للمام ابن القيم‪ ،‬فهو حي بيننا بكتبلله‪,‬‬
‫شللاهد عللدل بعلملله وفقهلله‪,‬إذ يقللول فللي كتللابه إعلم‬
‫الموقعين)‪ " : (3/401‬الدراهم والدنانير أثمللان المبيعللات‪،‬‬
‫والثمن هو المعيار الذي به يعرف تقللويم المللوال‪ ،‬فيجللب‬
‫أن يكون محدودا ً مضبوطا ً ل يرتفع ول ينخفض‪ ،‬إذ لو كللان‬
‫الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لم يكللن لنللا ثمللن نعتللبر بلله‬
‫المبيعللات‪ ،‬بللل الجميللع سلللع‪ ،‬وحاجللة النللاس إلللى ثمللن‬
‫يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة‪ ،‬وذلللك ل يمكللن‬
‫إل بسعر تعرف به القيمة‪ ،‬وذلك ل يكون إل بثمن تقوم بله‬
‫الشياء‪ ،‬ويستمر على حالة واحدة‪ ،‬ول يقوم هو بغيللره‪ ،‬إذ‬
‫يصير سلعة يرتفع وينخفض‪ ,‬فتفسد معاملت الناس‪ ,‬ويقع‬
‫الخلف‪ ,‬ويشتد الضرر‪ ,‬كمللا رأيللت مللن فسللاد معللاملتهم‪,‬‬
‫والضللرر اللحللق بهللم‪ ،‬حيللن اتخللذوا الفلللوس سلللعة تعللد‬
‫للربح‪ ,‬فعللم الضللرر‪ ,‬وحصللل الظلللم‪ ...‬فالثمللان ل تقصللد‬
‫لعيانها‪ ،‬بل يقصد التوسل بها إلى السلع"أهل‬
‫وقال في الطرق الحكمية)صل ‪ " : (350‬ويمنللع مللن جعللل‬
‫النقود متجرا ً ؛ فإنه بذلك يدخل على الناس من الفساد ما‬

‫‪138‬‬
‫ل يعلمه إل الله‪ ،‬بل الواجب أن تكون النقود رؤوس أموال‬
‫يتجر بها‪ ،‬ول يتجر فيها "أهل‬
‫وهاهو التاريخ يعيد نفسه‪ ،‬وكأن ابللن القيللم يعيللش واقعنللا‬
‫الحاضر‪ ،‬أو كأنه ينظر إليلله مللن سللتر رقيللق ! ولللذا‪ ،‬فللإنه‬
‫يستحق شهادة دكتوراه فخرية في المللال والقتصللاد‪ ،‬وإن‬
‫كنت أشك في حفاوته بها لو كان حيا ً ‪.‬‬
‫نعم‪,‬أعاد التاريخ نفسه؛لننللا اليللوم نللرى ونسللمع كللثيرًاعن‬
‫تذبذب أسعار العملت‪,‬وما نتج عنه من تضخم فللي النقللود‬
‫وضعف قوتهللا الشلرائية‪ ,‬كملا هللو مشلاهد فلي بعلض بلد‬
‫الشللرق والغللرب‪ ،‬وهللذا للله أسللبابه السياسللية‪ ,‬والمنيللة‪،‬‬
‫والقتصادية ومن أبرزها العبث بهللذا النقللد اللذي اسلتخدم‬
‫في غير ما صنع له‪ ,‬وهذا ماحللذر منلله العلمللة ابللن القيللم‬
‫آنفًا‪ ,‬وألمح إليلله الفقيلله الشللافعي أبللو حامللد الغزالللي)ت‬
‫‪505‬هل( في إحياء علوم الدين)‪ (4/91‬والفقيه الحنفي ابن‬
‫عابدين)ت ‪1252‬هل( في مجموعة رسللائله)صل ل ‪ (57‬حيللث‬
‫قللال‪ ":‬رأينللا الللدراهم والللدنانير ثمنللا ً للشللياء‪ ،‬ول تكللون‬
‫الشللياء ثمن لا ً لهللا‪ ..‬فليسللت النقللود مقصللودة لللذاتها‪ ,‬بللل‬
‫وسيلة إلى المقصود"أهل‬
‫وأصرح من هذا ما قاله الشلليخ محمللد رشلليد رضللا‪ ,‬حيللث‬
‫قال في تفسير المنار)‪":(3/108‬وثم وجد أمر آخر لتحريم‬
‫الربا مللن دون الللبيع‪ ،‬وهللو أن النقللدين إنمللا وضللعا ليكونللا‬
‫ميزان لا ً لتقللدير قيللم الشللياء الللتي ينتفللع بهللا النللاس فللي‬
‫معايشهم‪ ،‬فإذا تحول هذا وصار النقد مقصودا ً بالسللتغلل‪,‬‬
‫فإن هذا يؤدي إلى انتزاع الللثروة مللن أيللدي أكللثر النللاس‪,‬‬
‫وحصرها في أيدي الللذين يجعلللون أعمللالهم قاصللرة علللى‬
‫استغلل المال بالمال "أهل‬
‫وبهذا نقف على إحدى الحكللم الللتي حللرم لجلهللا الشللارع‬
‫الربللا‪ ،‬وهللي أن المرابللي يشللتغل بالنقللد عللن المشللاريع‬
‫النتاجية‪ ،‬فيقل المعروض من السلع والخللدمات‪ ,‬وبالتللالي‬
‫يزيد الطلب عليها‪ ,‬ومع كثرة النقد يقع التضللخم‪ ،‬وهللو مللا‬
‫عبر عنه بعض القتصللاديين ‪ ):‬نقللود كللثيرة‪ ،‬تطللارد سلللعا ً‬
‫قليلة ( ‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫ومن هذا الوجه‪ -‬وغيره‪ -‬ذهللب بعللض الفقهللاء المعاصللرين‬
‫إلللى المنللع مللن المتللاجرة بللالعملت ‪-‬ل بيعهللا وشللراؤها‬
‫للحاجة‪ -‬ومن المضاربة بفروق السعار في سللوق المللال؛‬
‫ومللن هللؤلء الفقهللاء الللدكتور محمللد الشللباني‪,‬كمللا فللي‬
‫بحلللثيه) الربلللا والدوات النقديلللة المعاصلللرة‪,‬والمضلللاربة‬
‫بالسهم والمشتبهات من المكاسب( وعلل مللا ذهللب إليلله‬
‫بأدلة‪ ,‬ومقاصد شرعية‪ ,‬جديرة بالنظر والتأمل‪ ،‬ومنها ‪ :‬أنه‬
‫عد من المفاسد التي يؤدي إليها هذا النللوع مللن التعامللل‪،‬‬
‫الضرر على القتصاد ككل؛ حيث يتوجه المال المدخر إلللى‬
‫المضللاربة فيلله‪ ،‬بحيللث يصللبح دولللة بيللن المضللاربين فللي‬
‫السهم‪ ،‬يتحرك في دائرة واحدة ل يتعداها إلللى غيرهللا ‪...‬‬
‫الخ ‪.‬‬
‫وقللد أشللار إلللى هللذا المحللذور ومللا يللؤدي إليلله مللن‬
‫كساد‪,‬الشلليخ أبوحامللد الغزالللي فللي إحيللاء علللوم الللدين)‬
‫‪ (4/45‬حيث قللال‪ ":‬إنمللا حللرم الربللا مللن حيللث إنلله يمنللع‬
‫النللاس مللن الشللتغال بالمكاسللب ؛ وذلللك لن صللاحب‬
‫الدرهم إذا تمكن بواسللطة الربللا مللن تحصلليل درهللم زائد‬
‫نقدا ً أو آجل ً خف عليه اكتساب المعيشللة‪,‬فل يكللد ويتحمللل‬
‫مشللقة الكسللب والتجللارة والصللناعة‪ ،‬وذلللك يفضللي إلللى‬
‫انقطاع منافع الخلق‪ ،‬ومللن المعلللوم أن مصللالح العللالم ل‬
‫تنتظم إل بالتجارات‪,‬والحرف‪ ,‬والصناعة‪ ,‬والعمار"أهل‬
‫وبنظرة خاطفة إلى واقعنا منذ أربعة أشللهر أو أكللثر‪ ،‬نجللد‬
‫أن أموالنا أصللبحت تصللب فللي فوهللة السللوق حيللن غلللت‬
‫القيمللة السللوقية لبعللض الشللركات غلء غيللر مسللبوق‪,‬‬
‫واقتصرت المضاربة على فروق السعار بعيدا ً عللن الواقللع‬
‫القتصللادي للشللركات المسللاهمة‪ ،‬فأصللبحت السلللع هللي‬
‫النقود فللي الحقيقللة‪,‬حللتى ظهللرت مقللدمات الكسللاد فللي‬
‫سللوق العقللارات‪ ,‬والسلليارات ‪...,‬الللخ‪ ،‬ولمللس كللثير مللن‬
‫الناس ارتفاع قيمة إيجار الدور والمنازل ؛ لقلة المعروض‪,‬‬
‫وأصبح هذا حديث الناس‪ ،‬كل هذا في فترة زمنية محدودة‬
‫! فما الظن لو استمر الحال سنة أو أكثر !!‬
‫ثم أل يكفي هذا حافزًا‪ -‬على القل‪-‬لعادة النظر في حكم‬
‫اتخاذ النقود سلعًا‪ ,‬ومللا تفضللي إليلله هللذه المعللاملت مللن‬

‫‪140‬‬
‫مفاسللد وأخطللار علللى الفللرد والمجتمللع ؟ أم نحتللاج إلللى‬
‫جنائز ومرضى ومفلسللين أكللثر عللددًا‪ ،‬حللتى تتحقللق لللدينا‬
‫القناعة بذلك ؟!!‬
‫============‬
‫‪ #‬الرأسمالية بأبشع صورها‬
‫د‪ .‬يوسف بن أحمد القاسم ‪25/3/1427‬‬
‫‪23/04/2006‬‬
‫ل يخفى أن من أبرز سمات الرأسمالية الغربية أنهللا تزيللد‬
‫الغني غنى‪ ،‬وتزيللد الفقيللر فقللرا ً ‪ .‬والسللؤال الللذي يطللرح‬
‫نفسه‪ ،‬هللو ‪ :‬مللا الفللرق بيللن الربللا الللذي تمارسلله البنللوك‬
‫الغربية والشرقية‪ ,‬والذي يجعل العميللل مللدينا ً حي لا ً وميت لًا‪،‬‬
‫فيولد وهو مدين‪ ،‬ويعيش وهو مدين‪ ،‬ويموت وهو مدين !!‬
‫ما الفرق بين ذلك الربا الجاهلي والمعاصر‪ ،‬وبين هذا الربا‬
‫المقنللن الللذي تجريلله بعللض البنللوك والمصللارف باسللم‪:‬‬
‫)التورق المنظم( ؟! وما الفرق بين المواطن الللذي ابللتزه‬
‫الغنللي أو البنللك بالربللا‪ ،‬وبيللن هللذا المللواطن الللذي ابللتزه‬
‫المصللرف أو البنللك بللالتورق المصللرفي السلليء الصلليت‪،‬‬
‫حتى ركبته الديون وورثها صاغرا ً عن صاغر ؟!!‬
‫فللي الواقللع أن الفللرق بينهمللا كللالفرق بيللن مللن يلللغ فللي‬
‫الحرام باسم الزنا‪ ،‬وبين من يقنللن الزنللا ويلللغ فيلله باسللم‬
‫المتعة !! ول فرق‪ ،‬بل هذا الخير أشد حرمللة مللن الول ؛‬
‫لنلله اسللتحل محللارم الللله بللأدنى الحيللل‪ ،‬وهللي مللن أبللرز‬
‫صفات اليهود الذين حين حرمت عليهم الشحوم‪ ،‬أذابوهللا‪،‬‬
‫ثم باعوها‪ ،‬فللأكلوا ثمنهللا ! وحيللن حللرم الللله عليهللم صلليد‬
‫الحيتللان يللوم السللبت عمللدوا إلللى البحللر فحفللروا حللوله‬
‫الحياض‪ ،‬وشّرعوا منه إليها النهار‪ ،‬ثلم فتحلوا تللك النهلار‬
‫عشية الجمعة‪ ،‬فأقبل الموج بالحيتللان إلللى الحيللاض‪ ،‬فلللم‬
‫تقدر على الخروج لبعد عمللق الحيللاض وقلللة مائهللا‪ ،‬فلمللا‬
‫جاء يوم الحللد أخللذوها‪ ،‬فللأنكر الللله ذلللك عليهللم بقللوله ‪:‬‬
‫) ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فللي السللبت فقلنللا لهللم‬
‫كونوا قردة خاسئين ( ‪.‬‬
‫وهكذا الحال فيمن أكل الربا وأموال الناس بالباطل علللى‬
‫سبيل المكر والخديعة والحتيال‪ ،‬ولهللذا حللذر النللبي صلللى‬

‫‪141‬‬
‫الللله عليلله وسلللم أمتلله مللن ارتكللاب الحيللل‪ ،‬فقللال ‪ ) :‬ل‬
‫ترتكبوا ما ارتكبللت اليهللود‪ ،‬فتسللتحلوا محللارم الللله بللأدنى‬
‫الحيللل ( ‪ .‬وهللذا بخلف مللن وقللع فللي الللذنب وهللو مقللر‬
‫بخطيئته‪ ،‬فقد اقللترن بمعصلليته اعللترافه بللالخطيئة‪ ،‬وبللأنه‬
‫مذنب عاص‪ ،‬مع انكسار قلبه مللن ذل المعصللية‪ ،‬وازدرائه‬
‫على نفسه‪ ،‬ورجائه لمغفرة ربه‪ ،‬وعد نفسه من المذنبين‪،‬‬
‫فلعل ما يقوم بنفسلله مللن هللذه المعللاني يفضللي بلله إلللى‬
‫الخير‪ ،‬والقلع عن هذه المعصية ‪.‬‬
‫وهنا يرد تساؤل عن التورق المنظم‪ ،‬ما هو ؟ ومللا موقللف‬
‫العلماء منه قديما ً وحديثا ً ؟ وما أثر هذه المعاملة وأشباهها‬
‫على اقتصادنا المعاصر ؟‬
‫والجواب ‪ :‬أن التورق المنظللم‪ ،‬هللو ‪ :‬أن يتللولى المصللرف‬
‫البنك أو المصرف ترتيب الحصللول علللى النقللد للمتللورق‪،‬‬
‫بأن يبيعه سلعة بأجل‪ ،‬ثللم يبيعهللا نيابللة عنلله نقللدا ً ويقبللض‬
‫الثمن من المشتري‪ ،‬ثم يسلمه للمتورق ‪ .‬ثم إن البنللك أو‬
‫المصرف قد يكون مالكا ً للسلعة ابتداء‪ ،‬وقد ل يكون مالكا ً‬
‫لها‪ ،‬فيسبقه مرابحة للمللر بالشللراء ‪ .‬وبللالنظر إلللى واقللع‬
‫هذه المعاملة‪ ،‬نجد أنها غالبا ً ما تكون من العقود الصللورية‬
‫ل الحقيقية‪ ،‬حيث يقصد من ورائها دفع النقد لتحصيل نقللد‬
‫ل‪ ،‬وأنها كما قال ابن عباس رضي الله عنه ‪:‬‬ ‫أكثر منه مؤج ً‬
‫) دراهم بدراهم بينهما حريللرة !! ( وهللذا التللورق المنظللم‬
‫ليس من العقود الحديثة‪ ،‬كما يظن البعللض‪ ،‬بللل جللاء عللن‬
‫السلف بعض الثار الدالة على وقللوعه والنهللي عنلله‪ ،‬كمللا‬
‫فللي مصللنف عبللدالرزاق ) ‪ (8/294‬وابللن أبللي شلليبة )‬
‫‪ . (7/275‬ولن العبرة في العقللود بالمقاصللد والمعللاني ل‬
‫باللفللاظ والمبللاني‪ ،‬كمللا قللرر ذلللك المحققللون مللن أهللل‬
‫العلم‪ ،‬لذا فقد صللدر قللرار مجمللع الفقلله السلللمي التللابع‬
‫لرابطة العالم السلمي في أواخر سنة )‪1424‬هل( بتحريم‬
‫التورق المنظم‪ ،‬وأنه يأخذ حكم العينة الثنائية ‪ .‬وقللد أفللتى‬
‫بموجب هذا القرار جمع كبير من علمائنا المعاصللرين‪ ،‬بللل‬
‫ومن خبرائنا في مجال القتصاد السلللمي‪ ،‬وصللرحوا بللأن‬
‫هذا النوع من العقود قد نتج عنه تراجع للهداف الحقيقيللة‬
‫الللتي لجلهللا أنشللئت المصللارف السلللمية‪ ،‬وعلللى رأس‬

‫‪142‬‬
‫قائمتهللا دعللم التنميللة‪ ،‬والسللهام فللي النشللاط الحقيقللي‬
‫للقتصلللللللاد فلللللللي البللللللللد‪ ،‬وذللللللللك ملللللللن خلل‬
‫المشللاركة‪,‬والستصللناع ‪,‬والجللارة‪ ,‬ونحوهللا مللن العقللود‬
‫التنموية الحقيقية‪ ،‬حتى تم اختزال ذلك كله في بيللع النقللد‬
‫بالنقد باسم التللورق‪ ،‬تحقيقلا ً للربللاح بأقللل وقللت ممكللن‪،‬‬
‫ودون مخاطرة أو مشقة‪ ،‬ولو كان ذلك على حساب ديننا‪,‬‬
‫وأخلقنا‪ ,‬واقتصادنا !! حتى أصبح المال دولة بيللن الغنيللاء‬
‫منا‪ ،‬ولذا أصبحوا يمارسون الرأسللمالية فللي بلدنللا بأبشللع‬
‫صورها‬
‫==============‬
‫‪ #‬المضاربة بالسهم‪ :‬متاجرة‪ ،‬أم مقامرة؟‬
‫د‪ .‬يوسف بن أحمد القاسم )*( ‪13/2/1427‬‬
‫‪13/03/2006‬‬
‫حللدثني مللن أثللق بلله‪ :‬أن مسللاهما ً فللي إحللدى الشللركات‬
‫المتردية أو النطيحة‪ ،‬قد بلغه خبر مفاجئ لم يصللدقه مللن‬
‫أول وهلة‪ ،‬وهو أن الشلركة اللتي سلاهم فيهلا منلذ سلنين‬
‫بطريللق)الخطللأ!!( قللد أفللاقت مللن سللباتها‪ ،‬وسللادت بيللن‬
‫الشلركات بعلد ترديهلا فلي ظلملات ثلث‪ ،‬فلارتفع مؤشلر‬
‫قيمتها السوقية ل بين عشية وضللحاها لل مللن )‪ (150‬ريللال ً‬
‫إلللى )‪ (2600‬ريللال‪ ،‬ودون سللابق إنللذار!! وكللأن دعللوة‬
‫صللالحة فللي آخللر الليللل قللد وافقللت سللاعة اسللتجابة‪،‬‬
‫فانتشلتها من بين الركام‪ ،‬ومن الحضيض إلى القمللة‪ ،‬فمللا‬
‫كللان مللن أخينللا المسللاهم الللذي لللم يسللدد بللاقي القيمللة‬
‫السمية لسهمه ل لعدم قناعته المسبقة بجدواها الربحي ل‬
‫لم يكن منه إل أن امتطى سيارته‪ ،‬متجها ً إلى المقر العللام‬
‫لتللك الشلركة‪ ،‬وحيلن وصلل إللى المقلر كلانت المفاجلأة‬
‫الخللرى‪ ،‬وهللي أن هللذه الشللركة المجدولللة فللي قائمللة‬
‫الشركات المتداولة ل يديرها إل موظف واحد‪ ،‬من جنسية‬
‫عربية‪ ،‬ومن قارة أفريقية‪ ،‬وهللذا وحللده هللو المللدير‪ ،‬وهللو‬
‫المسؤول‪ ،‬وهو موظف الصادر والوارد‪...‬الخ‪.‬‬
‫وحين سأله أخونا عللن بللاقي المللوظفين‪ ،‬أفللاده الموظللف‬
‫المسؤول بأن البللاقي هللم أعضللاء مجلللس الدارة‪ ،‬الللذين‬
‫يجتمعون مرة ل أو أكثر ل في كل عام!‬

‫‪143‬‬
‫وأما واقع نشاطها‪ ،‬فحدث ول حرج‪ ،‬وتسمع بالمعيدي خير‬
‫من أن تراه!‬
‫دد المساهم بللاقي القيمللة السللمية لسللهمه‪ ،‬ثللم قفللل‬ ‫س ّ‬
‫راجعًا‪ ،‬وهو عللاجز عللن حللل هللذه المعادلللة؛ إذ كيللف تبلللغ‬
‫القيمة السوقية لسهم هذه الشركة أكثر من ألفللي ريللال‪،‬‬
‫وهي بهذه الحال من الضللعف والخللور‪ ،‬وقلللة ذات اليللد‪!!.‬‬
‫فما كان جوابه لنفسه إل أن قال‪ :‬ربمللا كللان بفعللل خللارج‬
‫عن العادة وقانون الطبيعة‪ ،‬كعصا موسى الذي انقلب إلى‬
‫حية‪ ،‬أو كالحجر الذي انبجست منه اثنتا عشرة عينًا‪.‬‬
‫فأجابته نفسلله اللوامللة‪ :‬بللأن هنللاك فارقلا ً بيللن واقللع هللذا‬
‫الحجر‪ ،‬وواقع تلك الشركة‪ ،‬والفارق بينهما هو الفارق بيللن‬
‫الحقيقة والخيال )أو السراب(‪ ،‬فللالحجر قللد أصللبح بقللدرة‬
‫الله تعالى اثنتا عشرة عينًا‪ ،‬قد علم كللل أنللاس مشللربهم‪،‬‬
‫ولهذا قال الله تعالى عقب ذلك‪ " :‬كلوا واشربوا مللن رزق‬
‫الله"‪.‬‬
‫وأمللا الواقللع الخللر‪ ،‬فهللو أشللبه بسللراب )بقيعللة يحسللبه‬
‫الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجلده شليئًا( وأنلى للظملآن‬
‫أن يللروى مللن السللراب!! وبللذلك انتهللت فصللول القصللة‪،‬‬
‫ولكن لم تقف آثارها عند هذا الحد‪.‬‬
‫َ‬
‫فذلك السراب وإن وجده بعض المضاربين شيئًا‪ ،‬إل أنه قد‬
‫وجده كثيرون ل شيء‪ ،‬وجدوه كللذلك وجّربللوه‪ .‬ولللذا تللرى‬
‫هؤلء العارفين بالسراب‪ ،‬يصفون أسللهم هللذه الشللركة ل ل‬
‫وأمثالها ل مما ل تتفللق قيمتهللا السللوقية‪ ،‬مللع واقللع ربحهللا‬
‫وقللوة اسللتثمارها‪ ،‬بللأن هللذه السللهم لهللا بطللن مللن دون‬
‫أرجل! حيث قد وصلت أسعارها إلى أرقام فلكية من دون‬
‫سند اقتصادي حقيقي‪ ,‬حتى قرأت لغيللر واحللد مللن خللبراء‬
‫المال والقتصاد‪ ،‬من يصللف المضللاربة بهللذه السلهم بللأنه‬
‫ضرب مللن القمللار! فهللل هللي قمللار حقلًا؟ أم هلي مجللرد‬
‫مخاطرة؟ وهل كللل مخللاطرة قمللار‪ ،‬أم ل؟ وإذا لللم تكللن‬
‫قمارًا‪ ،‬فهللل يتجلله القللول بتحريمهللا لنهللا نللوع مللن أنللواع‬
‫الغرر‪ ،‬أو لما تشتمل عليه من المفاسد الراجحة؟‬
‫هللذه التسللاؤلت أضللعها بيللن يللدي أهللل العلللم والبصلليرة‬
‫ليمعنوا النظر في هذه المسألة الشللائكة‪ ،‬والللتي أصللبحت‬

‫‪144‬‬
‫محللل جللدل وخلف بيللن المعاصللرين‪ ،‬ومللا هللذا البحللث‬
‫المتواضع إل مساهمة في إثراء هذا الموضوع‪ ,‬ولللو بإثللارة‬
‫تساؤل ليس إل‪ ،‬فأقول‪:‬‬
‫قبل الدخول في الموضللوع‪ ،‬أنبلله هنللا بللأن مقصللودي مللن‬
‫المضاربة‪ :‬المتاجرة‪ ،‬كما هو المفهوم الشائع‪ ،‬ل المضللاربة‬
‫المصطلح عليها بين الفقهاء‪.‬‬
‫ثم إنه ل ريب أن الصل في المعاملت الحل‪ ،‬ولهللذا فللإن‬
‫الذي يطالب بالدليل‪ ،‬هو مدعي التحريم‪ ،‬ل العكس‪ ،‬وهللذا‬
‫أمر معلوم لدى أهل العلم‪ ،‬ومقرر في كتبهم‪.‬‬
‫وتعليقا ً على التساؤل أقول‪:‬‬
‫ل يخفى على كل مراقللب للسللوق ل ل ولمؤشللر الشللركات‬
‫المساهمة تحديدا ً ل أن القيمة السوقية لسهم العديللد مللن‬
‫الشركات يرتفع ويهوي في غمضه عين‪ ،‬وربما يستمر هذا‬
‫الرتفاع أو النخفاض الحاد لفترة أسبوع‪ ،‬أو أقللل أو أكللثر‪،‬‬
‫وبعد هذه المدة قد يصبح المضارب ثريا ً فللي لمحللة بصللر‪،‬‬
‫وقد يكون الواقع عكسيا ً فينحدر إلللى مسللتوى تحللت خللط‬
‫الفقر‪ ،‬ل سيما إن كان حاصل على مال المضاربة بطريللق‬
‫القرض‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬ولهذا حذر كثير مللن القتصللاديين مللن‬
‫المجازفة في الدخول بكل مللا يملكلله المضللارب‪ ،‬لئل تقللع‬
‫الكارثة‪ .‬وهنا أقول‪ :‬هل هذه المخاطرة قمار‪ ،‬كملا سلماها‬
‫بعض الكّتاب المهتمين بالسوق السعودية؟‬
‫الواقع أن المخاطرة أعم من القمار‪ ،‬فكل قمار مخاطرة‪،‬‬
‫وليس كل مخاطرة قمارًا‪.‬‬
‫ولشلليخ السلللم ابللن تيميللة كلم نفيللس حللول المخللاطرة‬
‫والقمار‪ ،‬فإنه اعتبر المخاطرة من المظاهر الطبيعيللة فللي‬
‫م فهللي جللائزة شللرعًا‪ ،‬واعتبرهللا فللي‬ ‫المعللاملت‪ ،‬ومللن ث َل ّ‬
‫موضع آخر من القمار المحرم‪ ،‬والحقيقة أن هذا الختلف‬
‫في كلمه إنما هو من اختلف التنللوع‪ ،‬وليللس مللن اختلف‬
‫التضاد؛ لنه يمكن الجمع بين كلمه فللي الموضللعين‪ ،‬فأمللا‬
‫الموضع الول الذي صرح فيه بللالجواز‪ ،‬فهللو فللي مختصللر‬
‫الفتاوى المصرية )ص ‪ (532‬حيث قللال‪" :‬أمللا المخللاطرة‪،‬‬
‫فليس في الدلة الشرعية ما يوجب تحريم كللل مخللاطرة‪،‬‬
‫بل قد عُِلم أن الله ورسوله لم يحرمللا كللل مخللاطرة" ثللم‬

‫‪145‬‬
‫قال في )ص ‪" "(533‬وكذلك كل مللن المتبللايعين لسلللعة‪،‬‬
‫فإن كل ً يرجو أن يربح فيها‪ ،‬ويخاف أن يخسر‪ ،‬فمثل هللذه‬
‫المخللاطرة جللائزة بالكتللاب والسللنة والجمللاع‪ ،‬والتللاجر‬
‫مخاطر" أهل‪.‬‬
‫وأما الموضع الثاني الذي صرح فيه بالمنع‪ ،‬فهو فللي كتللابه‬
‫العقود )ص ‪ (229‬حيث قللال‪":‬فللإذا قيللل‪ :‬فهللل يصللح بيللع‬
‫المعدوم‪ ،‬والمجهول‪ ،‬والذي ل يقدر علللى تسللليمه؟ قيللل‪:‬‬
‫إن كان في شيء من هذه الللبيوع أكللل مللال بالباطللل لللم‬
‫يصح‪ ،‬وإل جازت‪ ،‬وإذا كان فيها معنى القمللار‪ ،‬ففيهللا أكللل‬
‫مال بالباطللل‪ ،‬وإذا كللان فيهللا أخللذ أحللدهما المللال بيقيللن‪،‬‬
‫والخر )على خطر( بالخذ والفوات‪ ،‬فهو مقامر‪ ،‬فهذا هللو‬
‫الصل الذي دل عليه الكتاب والسنة‪ ،‬وهو المعقللول الللذي‬
‫تبين به أن الله أمر بالمعروف‪ ،‬ونهى عن المنكللر‪ ،‬وشللرع‬
‫للعباد ما يصلحهم فللي المعللاش والمعللاد‪ .‬فللإذا بللاعه ثمللر‬
‫الشلللجر سلللنين‪ ،‬فهلللذا قملللار؛ لن البلللائع يأخلللذ الثملللن‪،‬‬
‫والمشللتري )علللى الخطللر(‪ ،‬وكللذلك بيللع الحمللل‪ ،‬وحبللل‬
‫الحبلة‪ ،‬ونحو ذلك" أ هل‬
‫وهذا الكلم النفيس‪ ،‬يمكن الجمع بينلله وبيللن الللذي قبللله‪،‬‬
‫بأن شيخ السلم ل رحمه الله ل ل أجللاز مطلللق المخللاطرة‪،‬‬
‫كما في الموضع الول‪ ،‬ولم يجز المخاطرة المطلقة‪ ،‬كمللا‬
‫في الموضع الثاني‪ ،‬ووجه ذلك‪ :‬أن كل معاملة ل تخلو من‬
‫مخاطرة‪ ،‬وهذا ما ل يمكن منعلله؛ لنلله ممللا يشللق التحللرز‬
‫منلله‪ ،‬ولن يللؤدي إلللى المنللع مللن كللثير مللن المعللاملت‬
‫الجائزة‪ ،‬ويمكن ضبط هللذه المخللاطرة الجللائزة بمللا كللان‬
‫الغالب فيها السلمة‪ ،‬كما يفهم هذا من كلم شيخ السلم‬
‫حيث قال بعللد كلملله النللف الللذكر مللا نصلله‪" :‬وإذا أكللراه‬
‫عقاره سنين جاز ذلك‪ ،‬ولم يكن هللذا مقللامرة؛ لن العللادة‬
‫جارية بسلللمة المنللافع‪ ،‬ول يمكنلله أن يللؤجر إل هكللذا‪ ،‬ول‬
‫مخاطرة فيها‪ ،‬فإن سلمت العيلن اسلتقرت عليله الجللرة‪،‬‬
‫وإن تلفت المنافع سقط عنه من الجرة بقدر ما تلف مللن‬
‫المنفعة فليست الجللارة معقللودة عقللدا ً يأخللذ بلله أحللدهما‬
‫مللال الخللر مللع بقللاء الخللر علللى الخطللر‪ ،‬بللل ل يسللتحق‬

‫‪146‬‬
‫أحللدهما إل مللا يسللتحق الخللر بللدله" أهل ل ‪ .‬هللذا بالنسللبة‬
‫لمطلق المخاطرة‪.‬‬
‫أمللا المخللاطرة المطلقللة‪ ،‬فهللي الللتي اعتبرهللا مقللامرة‪،‬‬
‫ويمكن ضبطها بما كان الغالب فيها الخسللارة أو العطللب‪،‬‬
‫ولهذا حّرم الله تعالى بيع المعدوم وبيللع المجهللول‪ ،‬ومللا ل‬
‫يقدر على تسليمه‪ ،‬وبيع حبل الحبلة‪ ،‬وبيع الثمرة قبل بللدو‬
‫صلحها‪ ،‬فالبائع يضمن الثمللن‪ ،‬وأمللا المشللتري فهللو علللى‬
‫خطر بالخذ والفوات‪ ،‬وقد اصطلح كثير من الفقهللاء علللى‬
‫تسمية هذا النوع من البيوع غللررًا‪ ،‬وسللماه شلليخ السلللم‬
‫غررا ً وقمارًا‪ ،‬كما في كتابه العقود )ص ‪ ,(227‬حيث قللال‪:‬‬
‫"إن النبي ل صلى الله عليه وسلم لل نهلى أن يكلون الغلرر‬
‫مبيعلًا‪ ،‬ونهللى أن يبللاع مللا هللو غللرر‪ ،‬كللبيع السللنين‪ ،‬وحبللل‬
‫الحبلة‪ ،‬وبيع الثمرة قبل بدو صلحها‪ ،‬وعلل ذلللك بمللا فيلله‬
‫من المخاطرة التي تتضمن أكل المال بالباطل‪ ،‬كما قللال‪:‬‬
‫)أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأكل أحدكم مال أخيلله بغيللر‬
‫حق( وهذا هو القمار‪ ،‬وهللو المخللاطرة الللتي تتضللمن أكللل‬
‫المال بالباطل‪ ،‬فإنه متردد بين أن يحصل مقصوده بللالبيع‪،‬‬
‫وبين أن ل يحصل‪ ،‬مع أن ماله يؤخذ على التقديرين‪ ،‬فللإذا‬
‫لم يحصل كان قد أكل ماله بالباطل" أ هل‪.‬‬
‫وبهذا تعلم أن شيخ السلم ل رحمه الله ل يرى بأن مفهوم‬
‫القمار أوسع من المفهوم الذي عليه كثير من أهل العلللم‪،‬‬
‫وهو أن القمار‪ :‬التردد بين الغنم والغرم‪ .‬فهللذا عنللده مللن‬
‫القمار‪ ،‬وكذلك المخاطرة التجارية الللتي يللتردد فيهللا حللظ‬
‫أحد المتعاقدين بين الخذ والفوات‪ ،‬فهي عنده من القمار‪،‬‬
‫وهو ما يعّبر عنه بعض الفقهاء بالغرر‪.‬‬
‫بقللي أن يقللال‪ :‬وهللل فللي المضللاربة بالسللهم مخللاطرة‬
‫مطلقللة‪ ,‬بحيللث يللتردد فيهللا حللظ المشللتري بيللن الخللذ‬
‫والفوات؟‬
‫وأترك الجواب لما نشلر فلي جريللدة الريلاض فللي علددها‬
‫رقللم‪ (13752) :‬الصللادر يللوم الجمعللة )‪18/1/1427‬هلل (‬
‫تحت عنوان )سوق السللهم يفقللد ‪ 80.2‬مليللار ريللال فللي‬
‫دقائق(‪ ..." :‬أدى النخفاض السريع إلى إحداث حالة ذعللر‬
‫وخوف لدى المتداولين من حدوث نزول تصحيحي شللامل‬

‫‪147‬‬
‫جعلهم يتلدافعون عللى اللبيع‪ ...‬الملر اللذي جعلل القيملة‬
‫السلللوقية للسلللوق تنخفلللض) ‪ ( 80.2‬مليلللار ريلللال فلللي‬
‫دقائق‪"...‬‬
‫وكثيرا ً ما نقرأ مثل هذا الخبر في صحفنا المحلية‪ ،‬حتى إن‬
‫كثيرا ً من المضاربين قد ل يدركه الوقت لبيع ما لللديه مللن‬
‫أسللهم‪ ،‬بسللبب النهيللار المفللاجئ والسللريع للسللهم‪ ،‬بللل‬
‫امتدت موجة هبوط أسعار السهم لتقضي على عللدد مللن‬
‫المواطنين الذين توفوا نتيجة تعرضهم لزمللات قلبيللة بعللد‬
‫انهيار رؤوس أموالهم بين عشية وضحاها‪ ،‬وأصبحنا نسللمع‬
‫عن تدافع بعض السعوديين نحو عيادات الطبللاء‪ ،‬مصللابين‬
‫بارتفاع في ضغط الدم‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وهللذا الواقللع المؤسللف يقودنللا إلللى نقطللة أخللرى فللي‬
‫الموضوع وهللي أنله علللى القللول بللأن المضللاربة بالسللهم‬
‫ليسللت مللن المخللاطرة المحرمللة‪ ،‬فمللا هللو مللدى حجللم‬
‫المفاسللد الناتجللة عللن المضللاربة بالسللهم علللى الفللرد‬
‫والمجتمع؟ هل هي مفاسد راجحة فيمنع منها لهذه العلللة‪،‬‬
‫أو هي مرجوجة مغمورة في مصالحها الراجحة فتباح؟‬
‫والجواب على هذا السؤال لبد أن يكللون ملمسلا ً للواقللع‪،‬‬
‫فل يصح أن يكون الجللواب نظريلا ً مجللردا ً عللن حقيقللة مللا‬
‫يجري في هذا السوق‪.‬‬
‫والمتأمل للواقللع‪ ،‬لل كمللا يحكيلله رأي الجريللدة القتصللادية‬
‫الصادرة يوم الربعاء )‪1/2/1427‬هل( ل يجده أشبه بمشللهد‬
‫مسرحي‪ ،‬حيث دفع سعار تداول السهم القاصي والللداني‬
‫للنخراط في مذبحة السوق‪ ،‬إذ باع راعللي الغنللم أغنللامه‪،‬‬
‫وراعللي البللل إبللله‪ ،‬وصللاحب الورشللة ورشللته‪ ،‬وصللاحب‬
‫البقالة بقالته )بللل وبللاع صللاحب المنللزل منزللله واسللتأجر‬
‫لهله وأولده منزل ً أو شقة‪ ،‬وباع مالللك السلليارة سلليارته‪،‬‬
‫واستأجر له سيارة بأجر شللهري( بللادروا بللذلك مللدفوعين‬
‫ببريق سوق منتعشة‪ ،‬تغريله ليلل نهلار بربلح وفيلر‪ ،‬وحللم‬
‫يلوح على البعد بالثراء أو اليسر علللى أقللل تقللدير‪ .‬وكللثير‬
‫من هؤلء من هجر عمله أو حقله أو حانوته‪ ،‬واختطللف مللا‬
‫لديه من نقود‪ ،‬واستل حلتى ملا فلي جيبله‪ ،‬ثلم ألقلاه فلي‬

‫‪148‬‬
‫فوهة فم السوق التي ل تشبع‪ ،‬وتقللول‪ :‬هللل مللن مزيللد؟!‬
‫والنتيجة لهذا الواقع‪ ،‬ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬قيام المضاربين )البالغ عللددهم مليونللان تقريب لًا( بضللخ‬
‫السلليولة فللي فوهللة فللم السللوق‪ ،‬والنللأي بهللا بعيللدا ً عللن‬
‫القطاعللات النتاجيللة والخدميللة وغيرهللا‪ ،‬ممللا أدى إلللى‬
‫إحداث كساد في البلد ل يخفى على بصير‪.‬‬
‫‪ -2‬أننا أصبحنا نقللوم بعكللس مللا تفعللله المللم والشللعوب‪،‬‬
‫فعلى حين تستخدم هي أسواقها الماليللة مللن أجللل تللوفير‬
‫السلليولة لتمويللل المشللاريع‪ ،‬قمنللا نحللن بضللخ السلليولة‬
‫وجرفها بعيدا ً عن القطاعات النتاجيللة والخدميللة وغيرهللا‪،‬‬
‫كما صرح بذلك بعض خبراء القتصاد‪.‬‬
‫‪ --3‬أن هذه السيولة الكثيرة التي يضخها السللوق‪ ،‬مللع مللا‬
‫تعيشه الدولة من وفللرة فلي اليللرادات النفطيلة ونحوهلا‪-‬‬
‫بالضافة إلى ذلك الكساد المشار إليه‪ -‬ينللذر بتضللخم فللي‬
‫النقد ‪.‬‬
‫‪ -4‬تعثر كثير من المضاربين الصللغار‪ ،‬وهللم الللذين يمثلللون‬
‫الغالبية بين )الهوامير( ممللا أدى إلللى انتكاسللات خطيللرة‪،‬‬
‫كانت سببا ً في تراكم الديون عليهم‪ ،‬وربمللا إلللى وصللولهم‬
‫إلى مستوى تحت خط الفقر‪ ،‬وذلك في غمضة عين‪.‬‬
‫‪ -5‬أن أسلللوب المضللاربة بالسللهم أفللرز نقيللض مللا كللان‬
‫يحققه أسلوب الستثمار بها‪ ،‬فالسلوب الول يقتصر على‬
‫المضاربة على فروق السعار‪ ،‬أما السلوب الثاني ل و هللو‬
‫الصل ل فهو الذي يعّزز إنتاجيللة الشللركة‪ ،‬ويعللدو بهللا إلللى‬
‫مصللاف الشللركات المتقدمللة‪ ،‬وحيللث إن السلللوب الول‬
‫يتحقق بدون عناء أو مشقة كان التركيز عليه‪ ،‬حتى أصللبح‬
‫تأثيره سلبيا ً علللى أسلللوب السللتثمار‪ ،‬بللل حللتى أصللبحت‬
‫الشركات نفسها تراهن عليه‪ ،‬وتشغل ما لديها من سلليولة‬
‫فيه‪ ،‬بدل ً من استثمار هللذه السلليولة فللي مشللاريع ترتقللي‬
‫بالشركة إلى المام‪.‬‬
‫لهذا وغيللره لل ممللا تشللهده السللواق الماليللة عموملا ً مللن‬
‫تلعب‪ ،‬وعللدم الللتزام بأحكللام الشللريعة فللي تعاملتهللا‪ ،‬ل ل‬
‫صّرح بعض العلماء بتحريم المضاربة بالسللهم‪ ،‬لمللا تللؤدي‬
‫إليه من أضرار بالغة بالفرد والمجتمع‪ ،‬ومن هؤلء العلمللاء‬

‫‪149‬‬
‫الدكتور الصديق محمد المين الضرير‪ ،‬كما صرح في بحثه‬
‫عن الختيارات المقدم إللى مجملع الفقله السللمي‪ ،‬فلي‬
‫العدد السللابع )‪ (1/270‬حيللث صللرح فيلله بللأنه يميللل إلللى‬
‫المنللع‪ .‬وهللو رأي الشلليخ الللدكتور صللالح الفللوزان‪ ،‬وعلللل‬
‫تحريم المضاربة بها بأنهللا قمللار محللرم‪ ،‬كمللا شللافه بللذلك‬
‫عددا ً من طلبه‪.‬‬
‫وهذا الموضوع جدير بأن يعاد فيه النظر من قبل المجللامع‬
‫العلمية‪ ،‬وما يكتنف هذه المعاملت من مصللالح ومفاسللد‪،‬‬
‫ومدى شبه هذه المضللاربات بالقمللار‪ ،‬حللتى يصللدر النللاس‬
‫عن رأي موثللوق بلله‪ ،‬يللدرس الموضللوع مللن كللل جللوانبه‪،‬‬
‫ويحدد مواقع الزلللل‪ ،‬ويضللع الحلللول الشللرعية المناسللبة‪،‬‬
‫والله تعالى أعلم‪ ،‬وأحكم‪.‬‬
‫)*( عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء‬
‫=============‬
‫‪ #‬موقف العامة من خلف المفتين‬
‫د‪ .‬يوسف بن أحمد القاسم ‪24/12/1426‬‬
‫‪24/01/2006‬‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نللبي بعللده‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فقللد تميللز عصللرنا الحاضللر بالتقللدم التقنللي فللي مجللالت‬
‫عديدة‪ ،‬ومنها التقدم في المجال العلمي‪ ،‬وتنللوع وسللائل‬
‫التصال الحديثة‪ ،‬وقد كللان لهللذه التقنيللة الحديثللة جللوانب‬
‫إيجابية كثيرة وأخرى سلبية‪.‬‬
‫ومن جوانبها اليجابية ‪-‬ول شك‪ -‬توظيللف هللذا العلم فللي‬
‫خدمة العلم الشرعي‪ ،‬بأسلوب التعليم‪ ،‬أو الفتاء‪ ،‬أو نحللو‬
‫ذلك مما ل يخفى‪ ،‬مما أدى إلى تذليل الكثير من العقبات‪،‬‬
‫وتيسير العديد من الصعاب‪ ،‬حيث أصبح العلللم يصللل بكللل‬
‫يسر وسهولة إلى فرد السرة وهو في بيته‪ ،‬وإلى السللائق‬
‫وهو في سلليارته‪ ،‬وإلللى الموظللف وهللو فللي عملله‪ ،‬وإلللى‬
‫التاجر وهو في متجره‪ ،‬وهذا بخلف مللا كللان عليلله الحللال‬
‫في أزمنة سابقة‪ ،‬حيث كان المستفتي يرحل –أحيانًا‪ -‬مللن‬
‫أجل مسألة‪ ،‬كما ذكر ذلك الخطيب البغدادي )ت ‪462‬هللل(‬
‫في الفقيه والمتفقه )‪ (2/375‬حيللث قللال‪" :‬أول مللا يلللزم‬

‫‪150‬‬
‫المستفتي إذا نزلت به نازلة أن يطلب المفتي ليسأله عن‬
‫حكم نازلته‪ ،‬فإن لم يكن في محله وجب عليلله أن يمضللي‬
‫إلى الموضع الذي يجللده فيلله‪ ،‬فللإن لللم يكللن ببلللده لزملله‬
‫الرحيل إليلله وإن بعللدت داره‪ ،‬فقللد رحللل غيللر واحللد مللن‬
‫السلف في مسألة" أهل‪.‬‬
‫وبكل حال‪ ،‬فإن البرامللج المشللار إليهللا‪ ،‬مللع مللا فيهللا مللن‬
‫فوائد جمة‪ ،‬ومصالح راجحة‪ ،‬إل أنهللا كللانت سللببا ً فللي بللث‬
‫العديد من الفتاوى المختلفة فللي المسللألة الواحللدة‪ ،‬ممللا‬
‫أدى إلى وقوع اللبس لدى العامة‪ ،‬حتى كثر سللؤالهم عللن‬
‫موقللف المسللتفتي مللن هللذا الخلف‪ ،‬هللل يأخللذ بللرأي‬
‫الجمهور‪ ،‬أم بالرأي الشد؛ لنه الحوط‪ ،‬أم بالرأي الخف؛‬
‫لنه اليسر‪...،‬أم ماذا؟‬
‫وقبل الجابة على هذا التساؤل‪ ،‬أمهّد ُ له بالتنبيهات التية‪:‬‬
‫التنبيه الول‪ :‬أنه يجب على العامي أن يستفتي من يثق به‬
‫ممن يغلب على ظنه أنه من أهل العلم والدين‪ ،‬كما أشللار‬
‫إلى ذلك ربنا عز وجل إذ يقللول‪) :‬فاسللألوا أهللل الللذكر‪(...‬‬
‫أي‪ :‬أهل العلم‪ .‬ولهذا قال ابن سلليرين –رحملله الللله‪" :-‬إن‬
‫هذا العلم دين فلينظر أحدكم عمن يأخذه"‪.‬‬
‫قال الخطيللب البغللدادي فللي الفقيلله والمتفقلله )‪:(2/376‬‬
‫"وإذا قصد أهل محله للستفتاء‪ ،‬فعليه أن يسأل مللن يثللق‬
‫بدينه‪ ،‬ويسكن إلى أمانته عللن أعلمهللم وأمثلهللم‪ ،‬ليقصللده‬
‫ويؤم نحوه‪ ،‬فليس كل من ادعى العلم أحرزه‪ ،‬ول كل من‬
‫انتسب إليه كان من أهله"‪ .‬أهل‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬فإنه ل يصح أن يستفتي العالم إذا كان فاسقًا‪،‬‬
‫ول العابد إن كان جاهل ً ولو كللان إماملا ً لمسللجد أو جللامع‪،‬‬
‫ب ل يحسللنه‪ ،‬فل ُيسللأل‬ ‫ول أن يستفتي طالب العلم في با ٍ‬
‫ل‪ -‬في باب المعاملت المالية المعاصرة من ل يحسللن‬ ‫–مث ً‬
‫فهمها‪ ،‬أول يللدرك واقعهلا‪ ،‬أو ل يحيلط بتفاصليلها المللؤثرة‬
‫في الحكم‪ ،‬ولو كان عالما ً شهيرًا‪ ،‬يقصده العامللة لشللهرته‬
‫ل لعلمه‪ ،‬كما حذر من ذلك العلمللة ابللن القيللم فللي إعلم‬
‫المللوقعين )‪ (6/119‬حيللث قللال‪" :‬وهللذا الضللرب إنمللا‬
‫يستفتون بالشكل ل بالفضلل‪ ،‬وبالمناصلب ل بالهليلة‪ ،‬قلد‬
‫غرهم عكوف من ل علللم عنللده عليهللم‪ ،‬ومسللارعة أجهللل‬

‫‪151‬‬
‫منهم إليهم‪ ،‬وتعج منهم الحقوق إلللى الللله تعللالى عجيج لًا‪،‬‬
‫وتضج الحكام إلى من أنزلها ضجيجًا‪ ،‬فمن أقللدم بللالجرأة‬
‫على ما ليس له بأهل‪ ،‬فتيا‪ ،‬أو قضاء‪ ،‬أو تللدريس‪ ،‬اسللتحق‬
‫اسم الذم‪ ،‬ولم يحل قبول فتياه ول قضائه‪ ،‬هذا حكم ديللن‬
‫السلم" أهل‪.‬‬
‫وهذا الكلم القيم من ابن القيم –رحملله الللله‪ -‬يجرنللا إلللى‬
‫التنبيه الثاني وهو‪ :‬أنه ل يجوز العمل بمجرد فتوى المفللتي‬
‫إذا علم المستفتي أن المر في البللاطن بخلف مللا أفتللاه‪،‬‬
‫كما ل ينفعه لو كان خصما ً قضلاء القاضلي لله بللذلك‪ ،‬كملا‬
‫قال النبي –صلى الله عليه وسلم‪" -‬فمن قطعللت للله مللن‬
‫حق أخيه شيئًا‪ ،‬فل يأخذه‪ ،‬فإنما أقطللع للله بلله قطعللة مللن‬
‫النار" متفق عليه‪.‬‬
‫فللالمفتي والقاضللي فللي هللذا سللواء‪ ،‬ولهللذا ل ينبغللي‬
‫للمستفتي أن يعمل بمجللرد فتللوى المفللتي إذا لللم تطمئن‬
‫لها نفسه‪ ،‬ولم يسكن لها قلبه‪ ،‬ولو كان هذا المفتي ممللن‬
‫يتصدر للفتوى‪ ،‬كما يدل لذلك الحديث الذي حسنه النووي‬
‫في أربعينه )ص ‪ (47‬عن وابصة بن معبد –رضي الله عنه‪-‬‬
‫وفيلله أن النللبي –صلللى الللله عليلله وسلللم‪ -‬قللال للله‪..." :‬‬
‫استفت قلبك‪ ،‬البر ما اطمأنت إليه النفس‪ ،‬واطمللأن إليلله‬
‫القلب‪ ،‬والثم ما حاك في النفس‪ ،‬وتردد في الصللدر‪ ،‬وإن‬
‫أفتاك الناس وأفتوك" رواه أحمللد فللي مسللنده )‪،(4/227‬‬
‫والدارمي في سللننه )‪ ،(2/246‬وبنحللو هللذا صللرح العلمللة‬
‫ابن القيللم فللي العلم )‪ (193-6/192‬وإذا كللان هللذا فللي‬
‫زمانه‪ ،‬فكيف فللي زماننللا الللذي كللثر فيلله المفتللون الللذين‬
‫يجرون وراء رخللص الفقهللاء بحجللة المصلللحة‪ ،‬أو التيسللير‬
‫على الناس‪ !!..‬ثم قال كلما ً نفيس لًا‪ ،‬مللا نصلله‪" :‬ول يظللن‬
‫المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سللأل عنلله إذا‬
‫كان يعلم أن المر بخلفه في الباطن‪ ،‬سواء تردد أو حللاك‬
‫في صدره‪ ،‬لعلمه بالحللال فللي البللاطن‪ ،‬أو لشللكه فيلله‪ ،‬أو‬
‫لجهله به‪ ،‬أو لعلمه جهل المفتي‪ ،‬أو محاباته في فتللواه‪ ،‬أو‬
‫عللدم تقيللده بالكتللاب والسللنة‪ ،‬أو لنلله معللروف بللالفتوى‬
‫بالحيل والرخص المخالفة للسنة‪ ،‬وغير ذلك مللن السللباب‬
‫المانعة من الثقة بفتواه‪ ،‬وسكون النفس إليها‪ "...‬أهل‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫وكلمه القيم هذا –رحمه الله‪ -‬يجرنا إلى التنبيه الثالث‪.‬‬
‫وهو‪ :‬أنه ل يجوز للعامي أن يتتبع رخص الفقهاء‪ ،‬ل رخللص‬
‫الشارع‪ ،‬ففرق بين الخذ برخصللة الللله تعللالى‪ ،‬وبيللن تتبللع‬
‫رخص خلقه‪.‬‬
‫فللالول‪ :‬منللدوب إليلله بقللوله –صلللى الللله عليلله وسلللم‪:-‬‬
‫"عليكم برخصة الله التي رخللص لكللم" وأمللا الثللاني‪ :‬فهللو‬
‫محرم بإجماع أهل العلم‪ ،‬كما صرح بذلك الحافظ ابن عبد‬
‫البر فيما حكاه عنه ابن النجار في شرح الكوكب المنيللر )‬
‫‪ (4/578‬حيث نقل عنلله أنلله قللال‪" :‬ل يجللوز للعللامي تتبللع‬
‫الرخص إجماعًا" أهل‪ .‬وقال المام أحمد –رحملله الللله‪) -‬لللو‬
‫أن رجل ً عمللل بكللل رخصللة كللان فاسللقًا" وقللال المللام‬
‫الغزالي –رحمه الله‪ -‬في المستصفى )‪) :(2/391‬ل يجللوز‬
‫ب بمجللرد التشللهي‪ ،‬أو أن ينتقللي‬ ‫للمستفتي أن يأخذ بمذه ٍ‬
‫في كل مسألة أطيبها عنده" أهل‪.‬‬
‫وحكى الزركشي في البحر المحيط )‪ (6/325‬عن النللووي‬
‫أنه سئل‪) :‬هللل يجللوز أن ُيقل ّللد غيللر المللذهب فللي رخص ل ٍ‬
‫ة‬
‫لضللرورةٍ ونحوهللا( فأجللاب‪) :‬يجللوز أن يعمللل بفتللوى مللن‬
‫يصلح للفتاء إذا سأله اتفاقا ً مللن غيللر تلقللط الرخللص‪ ،‬ول‬
‫تعمد سؤال من يعلم أن مذهبه الترخيص في ذلك" أهل‪.‬‬
‫ومن جليل ما نقل في سد ّ ذريعة الترخص‪ ،‬ما رواه المللام‬
‫الللبيهقي فللي سللننه الكللبرى )‪ (10/211‬بإسللناده عللن‬
‫إسللماعيل القاضللي )ت ‪282‬هللل( أنلله قللال‪) :‬دخلللت علللى‬
‫ي كتاب لا ً نظللرت فيلله‪ ،‬وقللد‬
‫المعتضد )ت ‪289‬هل( فللدفع إل ل ّ‬
‫جمع فيه الرخص من زلل العلماء‪ ،‬وما احتج به كل منهللم‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬مصَنف هذا زنديق‪ .‬فقال‪ :‬لم تصح هذه الحللاديث؟‬
‫قلت‪ :‬الحاديث على ما رويت‪ ،‬ولكن ملن أبلاح المسللكر –‬
‫أي النبيذ‪ -‬لم يبح المتعة‪ ،‬ومن أباح المتعة لم يبح المسكر‪،‬‬
‫وما من عالم إل وله زلة‪ ،‬ومن جمع زلل العلماء‪ ،‬ثللم أخللذ‬
‫بها‪ ،‬ذهب دينه‪ ،‬فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب(‪.‬‬
‫ومما تؤخذ منه العبرة في هذا الباب‪ ،‬ما قللاله المللام ابللن‬
‫الجوزي )ت ‪597‬هل( عن نفسه فللي كتللابه الللوعظي صلليد‬
‫ت في شيء يجللوز فللي‬ ‫الخاطر )‪ (2/304‬ما نصه‪" :‬ترخص ُ‬
‫بعض المذاهب‪ ،‬فوجدت في قلبي قسوة عظيمة‪ ،‬وتخايللل‬

‫‪153‬‬
‫لي نوع طللرد ٍ عللن البللاب‪ ،‬وبعللد‪ ،‬وظلمللة تكللاثفت فقللالت‬
‫نفسي‪ :‬ما هللذا؟ أليللس مللا خرجللت عللن إجمللاع الفقهللاء؟‬
‫فقلت لها‪ :‬يا نفس السوء! جواُبك من وجهين‪:‬‬
‫ت‬‫ك تأولت ما ل تعتقدين‪ ،‬فلو است ُْفتيت لللم تفلل ِ‬ ‫أحدهما‪ :‬أن ِ‬
‫بما فعلت‪ .‬قالت‪ :‬لو لم أعتقد جواز ذلك ما فعلتلله‪ .‬قلللت‪:‬‬
‫ك في الفتوى‪.‬‬ ‫ك هو ما ترضينه لغير ِ‬ ‫إل أن اعتقاد ِ‬
‫ت من الظلمة عقيب‬ ‫ك الفرح بما وجد ِ‬ ‫والثاني‪ :‬أنه ينبغي ل ِ‬
‫ذلك؛ لنه لول نوُر في قلبك ما أثّر مثل هذا عندك‪ .‬قللالت‪:‬‬
‫فلقد استوحشت بهذه الظلمة المتجددة في القلب‪ .‬قلت‪:‬‬
‫ت جللائزا ً بالجمللاع‪،‬‬‫دري مللا ترك ل ِ‬‫فاعزمي على الترك‪ ،‬وق ل ّ‬
‫ت( أهل‪.‬‬‫دي هجره ورعًا‪ ،‬وقد سلم ِ‬ ‫وعُ ّ‬
‫فإذا تقرر‪ :‬أنه ل يجوز تتبع الرخص‪ ،‬ول تلقللط الزلللل‪ ،‬فمللا‬
‫هو موقف العامي إزاء خلف المفتين؟‬
‫في هذه المسألة خلف قديم‪ ،‬حكاه غيللر واحللد مللن أهللل‬
‫العلم‪ ،‬ومنهم ابللن الصلللح )ت ‪643‬هللل( فللي أدب المفللتي‬
‫والمسللتفتي )ص ‪ ،(164‬حيللث ع لد ّ فللي المسللألة خمسللة‬
‫أوجه عن أصحابه الشافعية‪ ،‬وتللابعه ابللن حمللدان الحنبلللي‬
‫)ت ‪695‬هل( في صللفة الفتللوى والمفللتي والمسللتفتي )ص‬
‫‪ ،(80‬واعتبرها خمسة مذاهب‪ ،‬ورجح ما رجحه ابن الصلح‬
‫–بالتفصيل الذي ذكره وبالعبارة نفسها‪ -‬دون أدنللى إشللارة‬
‫إلى ذلك! وهذه القوال هي‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه يأخذ بأغلظها‪ ،‬فيأخذ بالحظر دون الباحللة‪ ،‬لنلله‬
‫الحوط‪ ،‬ولن الحق ثقيل‪ ،‬وهذا محكي عن أهللل الظللاهر‪،‬‬
‫وأقوى ما استدلوا به حديث النعمان بن بشير الثللابت فللي‬
‫الصحيحين‪ ،‬وفيه )إن الحلل بّين‪ ،‬وإن الحرام بّين‪ ،‬وبينهما‬
‫أمور مشللتبهات ل يعلمهللن كللثير مللن النللاس‪ ،‬فمللن اتقللى‬
‫الشللبهات‪ ،‬فقللد اسللتبرأ لللدينه وعرضلله‪ ،‬ومللن وقللع فللي‬
‫الشبهات وقع في الحرام‪ ،‬كللالراعي يرعللى حللول الحمللى‬
‫يوشك أن يرتع فيه‪(...‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه يأخذ بأخفها‪ ،‬لنلله اليسللر‪ ،‬والنللبي –صلللى الللله‬
‫عليه وسلم‪ -‬بعث بالحنيفية السمحة‪ ،‬وما خّير رسول الللله‬
‫–صلى الله عليه وسلم‪ -‬بين أمرين إل اختار أيسللرهما‪ ،‬مللا‬
‫لم يكن إثمًا‪ ،‬كما ثبت بذلك الحديث‪ ،‬وفي التنزيللل‪" :‬يريللد‬

‫‪154‬‬
‫الله بكم اليسر ول يريد بكم العسر" وهذا القول وجه عند‬
‫الشافعية‪.‬‬
‫الثللالث‪ :‬يسللأل مفتي لا ً آخللر‪ ،‬فيعمللل بفتللوى مللن يللوافقه‪،‬‬
‫وحاصل هذا أنلله يأخللذ بللرأي الكللثر‪ ،‬وهكللذا لللو كللان فللي‬
‫المسألة رأيان‪ ،‬أحلدهما قلول الجمهللور‪ ،‬فيأخللذ بله‪ ،‬لغلبلة‬
‫الظن بصحة هذا الرأي‪ ،‬كتعدد الدلة والرواة‪ ،‬وهذا القللول‬
‫هو وجه عند الشافعية‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬يتخير‪ ،‬فيأخذ بقول أيهما شاء‪ ،‬وهذا القول كما فللي‬
‫البحر المحيط )‪ (6/313‬نقله المحاملي عن أكللثر أصللحابه‬
‫من الشافعية –وصححه الشيخ أبو إسحاق الشلليرازي فللي‬
‫اللمع‪ ،‬والخطيب البغدادي في الفقيلله والمتفقلله )‪(2/432‬‬
‫واحتج له‪ :‬بأن العامي ليس من أهل الجتهللاد‪ ،‬وإنمللا عليلله‬
‫أن يرجع إلى قول عالم ثقللة‪ ،‬وقللد فعللل ذلللك‪ ،‬فللوجب أن‬
‫يكفيله‪ ،‬وكلذا اختلار هلذا القلول القاضلي أبلو يعللى‪ ،‬وأبلو‬
‫الخطللاب‪ ،‬وذكللر أنلله ظللاهر كلم أحمللد‪ ،‬كمللا فللي شللرح‬
‫الكللوكب المنيللر )‪ (4/580‬وكللذا اختللاره المجللد كمللا فللي‬
‫المسودة )ص ‪.(519‬‬
‫الخامس‪ :‬يجتهد في الوثق‪ ،‬فيأخذ بفتللوى العلللم‪ ،‬الورع‪،‬‬
‫واختار هذا القول السمعاني الكللبير‪ ،‬كمللا حكللاه عنلله ابللن‬
‫الصلح في أدب المفتي )ص ‪ (165‬فإن استويا تخير‪ ،‬وهذا‬
‫هو اختيار ابن قدامة في الروضة )‪ (385‬واختاره الغزالللي‬
‫فللي المستصللفى )‪ (2/391‬وصللححه النللووي فللي روضللة‬
‫الطالبين )‪ (11/105‬وقللرره مللن المعاصللرين الشلليخ ابللن‬
‫عللثيمين فللي كتللابه الصللول مللن علللم الصللول‪ ،‬كملا فللي‬
‫مجموع فتاواه ورسائله )‪.(11/82‬‬
‫دم‬ ‫فللإن كللان أحللدهما أعلللم‪ ،‬والثللاني أورع‪ ،‬ففللي أيهمايقل ّ‬
‫خلف‪ ،‬والصللح عنللد ابللن الصلللح الول‪ ،‬كمللا فللي أدب‬
‫المفتي )ص ‪.(160‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد حكى هذه القوال الخمسللة‪ ،‬العلمللة ابللن القيللم‬
‫في العلم )‪ (6/205‬إل أنه اعتبر الخذ بقول العلم قللول ً‬
‫خامسًا‪ ،‬والخذ بقول الورع قول ً سادسًا‪ ،‬وزاد قول ً سابعًا‪،‬‬
‫وهو‪ :‬أنه يجب على العامي أن يتحرى‪ ،‬ويبحث عن الراجح‬
‫بحسبه‪ ،‬ثم رجح هذا القللول‪ ،‬وقللال‪" :‬فيعمللل‪ ،‬كمللا يعمللل‬

‫‪155‬‬
‫عند اختلف الطريقين‪ ،‬أو الطبيللبين‪ ،‬أو المشلليرين" وهللذا‬
‫هو عين ما رجحه شيخه ابن تيمية فإنه قللال فللي مجمللوع‬
‫الفتللاوى )‪" :(33/168‬وأمللا تقليللد المسللتفتي للمفللتي‪،‬‬
‫فالذي عليه الئمة الربعة‪ ،‬وسللائر أئمللة العلللم‪ :‬أنلله ليللس‬
‫على أحد‪ ،‬ول شرع له‪ ،‬التزام قول شخص معين فللي كللل‬
‫ما يوجبه ويحرمه ويبيحه‪ ،‬إل رسول الله –صلى الللله عليلله‬
‫وسلم‪ -‬لكللن منهللم مللن يقللول‪ :‬علللى المسللتفتي أن يقلللد‬
‫العلم الورع ممن يمكن استفتاؤه‪ .‬ومنهم من يقللول‪ :‬بللل‬
‫يخّير بين المفتين إذا كان له نوع تمييز‪ ،‬فقد قيل‪ :‬يتبللع أي‬
‫القولين أرجح عنللده بحسللب تمييللزه فللإن هللذا أولللى مللن‬
‫التخييللر المطلللق‪ .‬وقيللل‪ :‬ل يجتهللد إل إذا صللار مللن أهللل‬
‫الجتهللاد‪ .‬والول أشللبه؛ فللإذا ترجللح عنللد المسللتفتي أحللد‬
‫القولين إما لرجحان دليله بحسب تمييزه‪ ،‬وإما لكون قائله‬
‫أعلم وأورع‪ ،‬فله ذلك‪ ،‬وإن خالف قوله المذهب" أهل‪ .‬هذا‪،‬‬
‫وفي المسألة أقللوال أخللرى حكاهللا الزركشللي فللي البحللر‬
‫المحيللط )‪ (315-6/313‬وغيللُره مللن الصللوليين‪ ،‬ولكللن‬
‫أشهرها ما تقدم ذكره‪.‬‬
‫وبكل حال‪ ،‬فالرجح ما ذهب إليه شيخ السلم ابن تيميللة‪،‬‬
‫وتلميللذه ابللن القيللم‪ ،‬وهللو أن العللامي إذا اختلفللت عليلله‬
‫الفتوى‪ ،‬فللإنه يجتهللد حسللب تمييللزه‪ ،‬ويتقللي الللله حسللب‬
‫استطاعته‪ ،‬فإن ترجح له قول أحد المفللتين لكللونه العلللم‬
‫الورع‪ ،‬أخذ بفتواه‪ .‬فإن استويا في العلم والورع‪ ،‬أو شللق‬
‫عليه معرفة العلم منهمللا‪ ،‬ولكللن مللا اسللتدل بلله أحللدهما‬
‫أقوى في الحجة وظهور الدليل مما استدل به الخر‪ ،‬أخللذ‬
‫به‪ ،‬أو كانت نفسه تسكن لفتيا أحدهما‪ ،‬ويطمئن لها قلبلله‪،‬‬
‫دون فتيا الخر‪ ،‬أخذ بهذا المرجح‪ ،‬وكذا لو ترجللح للله قللول‬
‫أحدهما‪ ،‬لكللثرة مللن أفللتى بلله مللن أهللل العلللم‪ ،‬أخللذ بلله‪..‬‬
‫وهكذا‪ .‬قال العلمة ابن القيم –رحملله الللله‪ -‬فللي العلم )‬
‫‪ (138-6/137‬موجها ً هذا القول )وقد نصب الللله سللبحانه‬
‫وتعالى على الحق أمارات كثيرة‪ ،‬ولم يسوّ الللله –سللبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬بين ما يحبه وبين ما يسخطه من كل وجه‪ ،‬بحيللث‬
‫ل يتميز هذا من هذا‪ ،‬ولبد أن تكون الفطر السليمة مائلللة‬

‫‪156‬‬
‫إلللى الحللق‪ ،‬مللؤثرة للله‪ ،‬ولبللد أن يقللوم لهللا عليلله بعللض‬
‫المارات المرجحة‪ "...‬أهل‪.‬‬
‫وبهللذا يظهللر لللك ضللعف قللول مللن قللال‪ :‬إنلله يخي ّللر بيللن‬
‫القلولين‪ ،‬وقلد أنكلر هلذا القلول ابلن القيلم فلي العلم )‬
‫‪ (3/570‬فقال‪" :‬وإن كلفنا بتقليد البعض‪ ،‬وكان جعل ذلللك‬
‫إلى تشهينا واختيارنا‪ ،‬صار دين الله تبعلا ً لرادتنللا واختيارنللا‬
‫وشللهواتنا‪ .‬وهللو عيللن المحللال" أهللل‪ .‬وكللذا أنكللره المللام‬
‫الشلللاطبي فلللي الموافقلللات )‪ (97-5/94‬بكلم نفيلللس‪،‬‬
‫أسوقه لهميته‪ ،‬حيث قال ما نصه‪...." :‬وذلللك أن المتخيللر‬
‫ل‪ -‬بمجللرد موافقللة الغللرض‪ ،‬إمللا أن يكللون‬ ‫بللالقولين –مث ً‬
‫حاكما ً به‪ ،‬أو مفتيًا‪ ،‬أو مقلدا ً عامل ً بمللا أفتللاه بلله المفللتي"‬
‫فللذكر حالللة الحللاكم بلله‪ ،‬ثللم المفللتي‪ ،‬ثللم العللامي –وهللو‬
‫المقصود‪ -‬فقال‪ ) :‬وأما إن كان عاميًا‪ ،‬فهو قد اسللتند فللي‬
‫فتللواه إلللى شللهوته وهللواه‪ ،‬واتبللاع الهللوى عيللن مخالفللة‬
‫كم العالم علللى نفسلله ليخللرج‬ ‫الشرع‪ ،‬ولن العامي إنما ح ّ‬
‫عللن اتبللاع هللواه‪ ،‬ولهللذا بعثللت الرسللل وأنزلللت الكتللب‪...‬‬
‫وعامة القوال الجارية في مسللائل الفقلله إنمللا تللدور بيللن‬
‫النفي والثبات‪ ،‬والهللوى ل يعللدوهما‪ ،‬فللإذا عللرض العللامي‬
‫نازلته على المفتي‪ ،‬فهللو قللائل للله‪) :‬أخرجنللي عللن هللواي‬
‫ودلني على اتباع الحق( فل يمكن –والحال هذه‪ -‬أن يقللول‬
‫له‪) :‬في مسللألتك قللولن؛ فللاختر لشللهوتك أيهمللا شللئت!(‬
‫فإن معنى هذا تحكيم الهللوى دون الشللرع‪ .‬ول ينجيلله مللن‬
‫هذا أن يقول )ما فعلت إل بقول عالم( لنه حيلة من جملة‬
‫الحيل التي تنصبها النفس‪ ،‬وقاية عن القال والقيل‪ ،‬وحيلة‬
‫لنيللل الغللراض الدنيويللة‪ ،‬وتسللليط المفللتي العللامي علللى‬
‫تحكيم الهوى بعد أن طلب منه إخراجه عن هواه رمي في‬
‫عماية‪ ،‬وجهل بالشريعة‪ ،‬وغش في النصيحة‪ "...‬أهل‪.‬‬
‫ثم تكلم –رحمه الله‪ -‬عن تتبللع الرخللص‪ ،‬وأنكللر هللذا بكلم‬
‫نفيس‪ ،‬وكأنه يشير بذلك إلى أن القللول بللالتخيير هللو مللن‬
‫تتبع الرخص‪ ،‬أو أنه كالبوابة له‪.‬‬
‫ومثل ذلك‪ :‬القلول بالخلذ بلأخف القلولين‪ ،‬لنله اليسلر‪...‬‬
‫استدلل ً بحلديث‪" :‬ملا خي ّللر رسلول اللله صللى اللله عليله‬
‫وسلم بين أمرين إل اختار أيسللرهما‪ "...‬أو بنحللو هللذا مللن‬

‫‪157‬‬
‫الدلة‪ ،‬فليس الستدلل بهذا الحديث أو نحللوه بللأولى مللن‬
‫الستدلل بحديث الصللحيحين‪" :‬ومللن وقللع فللي الشللبهات‬
‫وقع في الحرام‪ "...‬للخذ بأغلظ القولين‪.‬‬
‫وكل الحللديثين ل ينهللض السللتدلل بهمللا لللذلك‪ ،‬فل الول‬
‫لجواز الخذ باليسللر‪ ،‬ول الثللاني لوجللوب الخللذ بللالحوط‪،‬‬
‫فغاية ما في الول الندب إلللى الخللذ باليسللر فيمللا ثبتللت‬
‫إباحته‪ ،‬بخلف مسألتنا‪ ،‬فهي فيما اختلللف فيلله‪ ،‬وغايللة مللا‬
‫في الثاني كراهلة الوقلوع فلي الشلبهات‪ ،‬ونلدب المسللم‬
‫الورع إلى البتعاد عنها‪ ،‬ل غير‪.‬‬
‫لهذا‪ ،‬وغيللره فقللد رد ّ المللام الشللاطبي هللذا القللول‪ ،‬وهللو‬
‫الخذ بللأخف القللولين‪ ،‬وأجللاب عنلله بمللا نصلله‪" :‬وهللو –أي‬
‫الخللذ باليسللر‪ -‬أيضلا ً مللؤد إلللى إيجللاب إسللقاط التكليللف‬
‫جمللة‪ ،‬فلإن التكللاليف كلهللا شلاقة ثقيللة‪ ،‬ولللذلك سلميت‬
‫تكليفلا ً مللن الكلفللة‪ ،‬وهللي المشللقة )قلللت‪ :‬لكنهللا مشللقة‬
‫معتللادة( فللإذا كللانت المشللقة حيللث لحقللت فللي التكليللف‬
‫تقتضللي الرفللع بهللذه الللدلئل‪ ،‬لللزم ذلللك فللي الطهللارات‪،‬‬
‫والصلللوات‪ ،‬والزكللوات‪ ،‬والحللج‪ ،‬والجهللاد‪ ،‬وغيللر ذلللك‪ ،‬ول‬
‫يقف عند حد إل إذا لم يبق على العبد تكليف‪ ،‬وهذا محال‪،‬‬
‫فما أدى إليه مثله‪ ،‬فإن رفللع الشللريعة مللع فللرص وضللعها‬
‫محال‪ ".......‬أهل والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫‪===============-‬‬
‫‪ #‬سوق السهم‪..‬على شفا انهيار‬
‫قراءة نقدّية لواقع المساهمات في السوق المحلي‬
‫د‪ .‬يوسف بن أحمد القاسم * ‪22/11/1426‬‬
‫‪24/12/2005‬‬
‫ينطق واقعنا الحالي بما حدث به نبينللا محمللد ‪-‬صلللى الللله‬
‫عليه وسلم‪ -‬حين قال‪" :‬يأتي علللى النللاس زمللان ل يبللالي‬
‫من الحلل‪ ،‬أم ملن الحلرام!!" أخرجله‬ ‫المرء ما أخذ منه‪ ،‬أ ِ‬
‫وب عليه )باب مللن لللم يبللال مللن‬ ‫البخاري في صحيحه‪ ،‬وب ّ‬
‫حيث كسب المال(؛ فقد أصبح الحلل في نظر كثيرين هو‬
‫ل‬
‫ل في اليد أو الجيب‪ ،‬ل ما حلله الله تعالى‪ ،‬فلم يبللا ِ‬ ‫ما ح ّ‬
‫إن وقللع المللال فللي يللده بسللبب المسللاهمات الربويللة‪ ،‬أو‬
‫بسبب المضاربات والصفقات الناتجللة عللن طريللق الغللش‬

‫‪158‬‬
‫والتدليس‪ ،‬أو عن طريللق الكللذب والتلللبيس‪ ،‬أو نحللو ذلللك‬
‫من الوسائل المحرمة في كسب المال؛ ولذا أصبح الواحد‬
‫ب( فل ُيسلتجاب لله‪،‬‬ ‫ب يا ر ّ‬‫ح في الدعاء )يا ر ّ‬‫منا يدعو ويل ّ‬
‫ولو كللان فللي سللفر‪ ،‬أو كللان أشللعث أغللبر!! لن مطعملله‬
‫حرام‪ ،‬ومشللربه حللرام‪ ،‬وملبسلله حللرام‪ ،‬وغُللذي بللالحرام‪،‬‬
‫فأنى يستجاب لذلك؟!‬
‫وبنظرة سريعة لما يشلهده سلوق السلهم المحللي‪ ،‬نلرى‬
‫كثيرا ً مللن المخالفللات الشللرعية‪ ،‬والللتي نللوجز الكلم فللي‬
‫أبرزها عبر النقاط التية‪:‬‬
‫نرى بعض المسلمين –وللسف‪ -‬يدخل في الربا من أوسع‬
‫أبوابه‪ ،‬فيلغ فيه ولوغا ً ل يطهللره المللاء ول الللتراب‪ ،‬فللتراه‬
‫يستثمر في أسهم البنوك الربوية‪ ،‬أو يضارب فيها‪ ،‬أو فللي‬
‫أسللهم شللركات ل تتللورع عللن الربللا‪ ،‬إيللداعا ً واقتراضللا ً‬
‫واستثمارًا‪ ،‬وبأي نسبة كانت ولو كثيرة‪ ،‬والعاقبة أن ُيمحق‬
‫هذا المال‪ ،‬أو ُتمحق بركته‪ ،‬كما قال سبحانه‪) :‬يمحق الللله‬
‫الربا(‪ ،‬وأما صاحبه فقد آذن بحرب من الله ورسللوله‪ ،‬ومللا‬
‫الظن بمن أعلن الله تعالى الحرب عليه – عياذا ً بالله‪ -‬هذا‬
‫واقع‪.‬‬
‫ن‪ :‬ممن جعل إشاعة الكللذب مطّيتلله فللي تحقيللق‬ ‫وواقع ثا ٍ‬
‫المكاسب وجني الرباح‪ ،‬فترى مجموعة مللن المسللاهمين‬
‫أو المضللاربين فللي السللوق يشللترون أسللهما ً فللي إحللدى‬
‫الشركات بثمن بخس‪ ،‬وعلى سبيل التواطؤ‪ ،‬ثللم يشلليعون‬
‫خبرا ً ما عبر منتديات النترنت وعبر رسائل الجوال‪ ،‬ونحللو‬
‫ذلللك ممللا ينتشللر معلله الخللبر انتشللار النللار فللي الهشلليم‪،‬‬
‫ل‪ -‬بللأن رأس مللال تلللك الشللركة سلليرتفع‬ ‫فيشلليعون –مث ً‬
‫بسللبب منحللة‪ ،‬أو بللأن للشللركة مسللتحقات لللدى الدولللة‬
‫سوف تتسلمها في القريب العاجل‪ ،‬أو بأنها ستوقع عقودا ً‬
‫معينة مع إحدى الدول‪ ...،‬إلخ‪ ،‬ويكذبون مع هللذه الشللاعة‬
‫مئة كذبة!! فيشيع الخبر في أوساط المضاربين‪ ،‬ول سيما‬
‫الصللغار منهللم ممللن ل يعللي حجللم الخطللر المحللدق بهللم‪،‬‬
‫فيقبلون على شراء أسللهم تلللك الشللركة‪ ،‬فللترتفع قيمتهللا‬
‫بسللبب كللثرة الطلللب‪ ،‬ويللبيع أولئك المشلليعون للخللبر مللا‬
‫لديهم من أسهم‪ ،‬ثم تهوي القيمة السوقية لتلللك السللهم‪،‬‬

‫‪159‬‬
‫ويتضح أن هذا الرتفاع خيال ل واقع‪ ،‬فتقع الكارثللة بسللبب‬
‫تلللك الشللاعة الثمللة‪ ،‬وشللعار هللؤلء المتلعللبين بالسللوق‬
‫المقولة السائدة "اشتر على الشاعة وب لعْ علللى الخللبر!!"‬
‫وهكذا تكون أموال الناس ألعوبللة فللي أيللدي مللن ل أخلق‬
‫ن‪.‬‬‫له‪ ،‬ومن غش المسلمين فليس منهم‪ .‬وهذا واقع ثا ٍ‬
‫وواقع ثالث‪ :‬سببه الطلبات والعروض الوهمية‪ ،‬فهو نجللش‬
‫بصورة عصرية!! فترى بعض ضعاف النفللوس –وللسللف‪-‬‬
‫يعللرض عللبر شاشللات التللداول عروض لا ً وهميللة مللن خلل‬
‫بعللض المحللافظ الللتي يللديرها بالوكالللة‪ ،‬فيعللرض –مث ً‬
‫ل‪-‬‬
‫عشرة آلف سهم بسعر معيللن فللي إحللدى المحللافظ‪ ،‬ثللم‬
‫يعرض من محفظلة أخلرى وفلي بنلك آخلر عشلرين أللف‬
‫سهم بنحو ذلك السعر‪ ،‬وهكذا من محفظة ثالثة ورابعة‪،...‬‬
‫ثم يشتري عددا ً قليل ً من هذه السهم –كعشللر المعللروض‬
‫ل‪ -‬من محافظ أخرى بالسعر المعروض‪ ،‬حتى يوهم من‬ ‫مث ً‬
‫يراقب هذا التداول بأن لسهم تلك الشللركة قللوة شللرائية‬
‫تستحق الهتمام‪ ،‬وهو في الحقيقة مناقلة للسهم بطريقة‬
‫التدوير‪ ،‬فيقبل الغرار من المضاربين بشللراء أسللهم تلللك‬
‫الشركة‪ ،‬فيبيع عليهم أسهمه بالسعر الذي خطللط للله‪ ،‬ثللم‬
‫تهوي القيمة السوقية مللرة أخللرى‪ ،‬فيرجللع هللو ويشللتريها‬
‫بثمن بخس‪ ،‬وهكذا يربح في الدخول والخللروج‪ ،‬فللي الللبيع‬
‫والشراء‪ ،‬وبأسلوب مبالغ في القبح والدناءة‪ .‬وهذه صللورة‬
‫من صور النجش المحرم‪ ،‬والللذي حللذر منلله النللبي ‪-‬صللى‬
‫اللللله عليللله وسللللم‪ -‬فلللي قلللوله‪":‬ول تناجشلللوا" قلللال‬
‫الخطابي‪":‬النجش‪ :‬أن يرى الرجل السلع ُتبللاع فيزيللد فللي‬
‫ثمنهللا‪ ،‬وهللو ل يريللد شللراءها‪ ،‬وإنمللا يريللد بللذلك ترغيللب‬
‫)السللوام( فيهللا ليزيللدوا فللي الثمللن‪ ،‬وفيلله غللرر للراغللب‬
‫فيهللا‪ "...‬وقللال النللووي‪" :‬وهللذا محللرم بالجمللاع‪ ،‬والثللم‬
‫مختص بالناجش إن لم يعلللم بلله البللائع"‪ .‬والبللائع هنللا فللي‬
‫هذه الصورة هو الناجش!!‬
‫وتتجلى هللذه الصللورة مللن الكللذب والتللدليس فللي أسللهم‬
‫الشركات التي ل يتفق واقع الربحية في أسهمها مع واقللع‬
‫الشركة نفسها‪ ،‬أو بمعنى أوضح مع مواقع القيمة الدفترية‬
‫للشركة‪ ،‬فربما تللرى الشللركة خاسللرة مللن حيللث الواقللع‪،‬‬

‫‪160‬‬
‫ومع هذا تللرى المسللاهمين يضللاربون فللي أسللهمها بأربللاح‬
‫خيالية ربما تزيد في السللوق علللى ‪ %100‬أو ‪ %200‬مللن‬
‫قيمتها الحقيقية! وهذا واقع ثالث‪.‬‬
‫ث المعلومللات‬ ‫وواقللع رابللع‪ :‬وهللو عللدم الشللفافية فللي ب ل ّ‬
‫المتعلقة ببعض الشركات المساهمة‪ ،‬بحيث ل يطلللع علللى‬
‫الخبللار المللؤثرة فللي أسللهم تلللك الشللركات إل أفللراد‬
‫معدودون أو بعض )الهوامير( بلهجللة السللوق‪ ،‬وربمللا كللان‬
‫لحد أعضاء مجلس إدارة بعض الشركات أثللر سلللبي فللي‬
‫ث بعللض المعلومللات لحللد )الهللوامير(‬ ‫هذا الواقع‪ ،‬فربما ب ّ‬
‫لعرض شراء السهم قبل ارتفلاع قيمتهلا السلوقية‪ ،‬وربملا‬
‫كان ذلك لنسبة بينهما فيشتري السهم بثمن بخللس علللى‬
‫حين غفلة من بقية المساهمين‪ ،‬ثم يبيعها بعد ذلللك بسللعر‬
‫ل بعد أن ُتحّقق ارتفاعلا ً بسللبب ظهللور تلللك المعلومللة‪،‬‬ ‫غا ٍ‬
‫لعلمهم المسبق بارتفاع سقف السللهم لتلللك الشللركة‪ ،‬أو‬
‫بدمج هذه الشركة مع أخرى‪ ...‬إلخ‪ ،‬ممللا يللؤثر إيجاب لا ً فللي‬
‫قيمة تلك السهم‪ ...‬وهكذا في سلسلة طويلة مللن اللعللب‬
‫والعبث بأموال المساهمين وممتلكاتهم‪ ،‬والتي ربما تكللون‬
‫يوما ً ما سببا ً في انهيار السهم‪ ،‬مما ينلذر بخطللر –ل قللدر‪-‬‬
‫على أموال أولئك المساهمين‪.‬‬
‫جه ثلث رسائل‪:‬‬ ‫وهنا أو ّ‬
‫الولى‪ :‬إلى هيئة سوق المال‪ ،‬بأن تقوم مللن سللباتها‪ ،‬وأن‬
‫تؤدي واجبها في هللذا السللوق‪ ،‬فتلحللق أصللحاب الطلبللات‬
‫والعللروض الوهميللة وتعللاقبهم‪ ،‬وتمنللع أسلللوب التللدوير‪،‬‬
‫وتحاسلللب أصلللحاب الشلللاعة‪ ،‬وتطلللالب بتحقيلللق مبلللدأ‬
‫الشفافية في بث المعلومات المتعلقللة بجميللع الشللركات؛‬
‫لن الشللركة ل تخللص مسللاهما ً دون آخللر‪ ،‬بللل هللي حللق‬
‫للجميع‪ ،‬كما عليها أن تراقب وتمنع كل ما من شأنه إلحاق‬
‫الذى بالمساهمين‪ ،‬وهنا أوجه رسالة بهذا الصدد‪ ،‬وهي أن‬
‫خر تنفيذ أوامر البيع والشللراء؛‬ ‫صغار المساهمين يعانون تأ ّ‬
‫لن البنوك والشركات تقللوم بتسللهيل هللذه المهمللة لكبللار‬
‫المسلللاهمين دون صلللغارهم‪ ،‬فربملللا انخفضلللت القيملللة‬
‫السللوقية لبعللض السللهم فل يسللتطيع أولئك مللن بيللع مللا‬
‫يخصهم من أسهم إل بعد فوات الوان‪ ،‬وهنلا يجللب تفعيللل‬

‫‪161‬‬
‫كن الجميع من تحقيق نشاطهم على‬ ‫سرعة التداول بما يم ّ‬
‫الوجه الكمل‪ ،‬وبهذا يتحقق العدل بين جميللع المسللاهمين‬
‫صغارا ً وكبارًا‪.‬‬
‫والرسالة الثالثة‪ :‬إلى أولئك المساهمين أو المضاربين بأن‬
‫يتقللوا الللله تعللالى‪ ،‬فيجتنبللوا الحللرام فللي مسللاهماتهم‬
‫ومضارباتهم‪ ،‬وأل ّ تكون هذه التجللارة سللببا ً فللي انحرافللات‬
‫سلوكية وأخلقية تجاه باقي المساهمين‪ ،‬كمللا ل ينبغللي أن‬
‫تشغلهم عن الحقوق الواجبة عليهم تجاه أهلهم وأولدهللم‪،‬‬
‫ن‬ ‫أوعن ذكر الله تعالى وعن الصلة )في بيوت أ َذن الّللل َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ ٍ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫جا ٌ‬ ‫ل رِ َ‬ ‫ه ِفيَها ِبال ْغُد ُوّ َواْل َ‬
‫صا ِ‬ ‫ح لَ ُ‬
‫سب ّ ُ‬‫ه يُ َ‬ ‫م ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ت ُْرفَعَ وَي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ‬
‫ن ذِك ْرِ الل ّلهِ وَإ ِقَللام ِ ال ّ‬
‫صلللةِ وَِإيت َللاءِ‬ ‫جاَرةٌ َول ب َي ْعٌ عَ ْ‬ ‫م تِ َ‬‫ل ت ُل ِْهيهِ ْ‬
‫َ‬
‫صللاُر( ]النللور‪:‬‬ ‫ب َواْلب ْ َ‬ ‫ب ِفيهِ ال ُْقل ُللو ُ‬ ‫وما ً ت َت ََقل ّ ُ‬ ‫خاُفو َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫كاةِ ي َ َ‬‫الّز َ‬
‫‪ [36‬والحقيقة أن هناك واقعا ً مؤسفا ً فللي انشللغال النللاس‬
‫بهللذه السللهم‪ ،‬يصللوره حللال هللذا الكللاتب فللي إحللدى‬
‫المنتللديات؛ إذ يقللول بلهجتلله العاميللة‪" :‬أنللا ابتعللدت عللن‬
‫السوق‪ ،‬تعبت من متابعة السهم في فللترة التللداول‪ ،‬مللن‬
‫ل‪ ،‬وثللاني شلليء مللا‬ ‫الساعة الرابعة عصرا ً إلى الواحللدة لي ً‬
‫تقدر تشللوف أهلللك ول ربعللك‪ ،‬كللل الللوقت فللي المكتللب‪،‬‬
‫وممنوع أحد يدخل عليللك‪ ،‬والهللم الكرسللي اللللي تجلللس‬
‫عليه‪ ،‬تصدق –يخللاطب أحللد القللراء فللي منتللدى المللارات‬
‫للوراق المالية‪ -‬أنا عندي ثلث كراسي‪ ،‬كل ساعة أو ثلث‬
‫س ظهري بينكسللر‪ "!!...‬وهللذه‬ ‫ساعات أبدل الكرسي‪ ،‬أح ّ‬
‫الصورة الواقعية أسوقها دون تعليق‪.‬‬
‫* أستاذ مساعد بالمعهد العالي للقضاء‪-‬الرياض‬
‫================‬
‫‪ #‬زكاة السهم المتعثرة‬
‫د‪ .‬يوسف بن أحمد بن عبدالرحمن القاسم ‪25/2/1426‬‬
‫‪04/04/2005‬‬
‫المقدمة‬
‫الحمللد لللله رب العللالمين‪ ،‬والصلللة والسلللم علللى إمللام‬
‫المرسلين‪ ،‬نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصللحبه والتللابعين ‪ ،‬أمللا‬
‫بعد‪:‬‬

‫‪162‬‬
‫فإن من أهم ما ينبغي أن تجّرد لها القلم والمحللابر ‪ ،‬وأن‬
‫تستنهض لها همم الباحثين في مجال الفقه‪ ،‬هللو اسللتقراء‬
‫المسائل النازلة ‪ ،‬واسللتنباط الحكللام الشللرعية المناسللبة‬
‫لهللا مللن عمللوم أدلللة الكتللاب والسللنة‪ ،‬أو مللن القواعللد‬
‫الشللرعية‪ ،‬والمقاصللد الكليللة‪ ،‬مللع محاولللة اسللتنتاج هللذا‬
‫الحكم من كلم أهلل العللم بواسلطة التخريلج والقيلاس ‪،‬‬
‫وبهذا يمكللن أن نسلد ّ ثغللرة فللي هللذا المجللال المهللم مللن‬
‫مجالت العلم الشرعي‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وإن من المسائل النازلللة فللي هللذا العصللر المتللاجرة‬
‫والستثمار في السهم عللبر الشللركات المحليللة وغيرهللا ‪.‬‬
‫وقد كتب في هللذه النازلللة العديللد مللن الكتللب والرسللائل‬
‫العلمية ‪.‬‬
‫وفي الونة الخيرة قامت كللثير مللن المسللاهمات عللبر مللا‬
‫يسللمى بشللركات توظيللف المللوال‪ ،‬ممللا أدى إلللى وقللوع‬
‫ب أو لخللر‪ ،‬وهنللا وقللع‬‫التعثر في مساهمات عديللدة‪ ،‬لسللب ٍ‬
‫الكثير من المشللكلت ‪ ،‬ومنهللا مللا أشللكل علللى كللثير مللن‬
‫المساهمين ‪ ،‬وهو مدى وجللوب الزكللاة فللي هللذه السللهم‬
‫المتعثرة‪ ،‬وحيث لم أقف على بحث خاص بهذه المسللألة ‪،‬‬
‫فقللد عقللدت العللزم – مسللتعينا ً بللالله وحللده – علللى هللذه‬
‫المهمة ‪ ،‬ووضعت لهذا البحث المخطط التي‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬التمهيد‪ ،‬وفيه مبحثان‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬التعريف بمفردات عنوان البحث‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حكم زكاة السهم )غير المتعثرة(‪.‬‬
‫ثاني لًا‪ :‬موضللوع البحللث )زكللاة السللهم المتعللثرة( ‪ ،‬وفيلله‬
‫فصلن‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬حقيقة السهم المتعثرة‪.‬‬
‫وفيه ثلثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬واقع السهم المتعثرة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أسباب تعثر السهم‪.‬‬
‫المبحللث الثللالث‪ :‬مللدى اعتبللار القيمللة السللوقية للسللهم‬
‫المتعثرة‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬حكم زكاة السهم المتعثرة‪.‬‬
‫وفيه تمهيد‪ ،‬ومبحثان‪:‬‬

‫‪163‬‬
‫المبحلللث الول‪ :‬التخريلللج عللللى زكلللاة ديلللن المعسلللر‪،‬‬
‫والمماطل‪.‬‬
‫وفيه ثلثة مطالب‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬مفهوم العسار‪ ،‬والمماطلة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حكم زكاة دين المعسر‪ ،‬والمماطل‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التخريج‪.‬‬
‫ضمار‪.‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬التخريج على زكاة المال ال ّ‬
‫وفيه ثلثة مطالب‪:‬‬
‫ضمار‪.‬‬
‫المطلب الول‪ :‬مفهوم المال ال ّ‬
‫ضمار‪.‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬حكم زكاة المال ال ّ‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التخريج‪.‬‬
‫الخاتمة‪.‬‬
‫وبالله التوفيق‪.‬‬
‫التمهيد‬
‫وفيه مبحثان‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬التعريف بمفردات العنوان‪:‬‬
‫أمللا الزكللاة ‪ ،‬فهللي فللي اللغللة‪ :‬مللن الّزكللاء‪ ،‬وهللو النمللاء‬
‫مي‬ ‫والزيادة ‪ ،‬يقال‪ :‬زكا الزرع والرض‪ ،‬تزكللو‪ُ ،‬زك ُلوًّا‪ .‬و ُ‬
‫سل ّ‬
‫ب يرجى به الزكللاء‬ ‫ة؛ لنه سب ٌ‬ ‫القدر المخرج من المال زكا ً‬
‫ة‪ ،‬والزكللاة اسللم‬ ‫كى الرجل مللاله تزكي ل ً‬ ‫– يعني النماء – وز ّ‬
‫منله ‪ ،‬وإذا نسلبت إللى الزكلاة وجلب حلذف الهلاء وقللب‬
‫اللف واوًا‪ ،‬فيقال )زكوي( )‪.(1‬‬
‫والزكاة في الشرع‪ :‬هي حقٌ يجب في المال‪ ،‬كمللا عرفهللا‬
‫بذلك ابن قدامة في المغني )‪.(2‬‬
‫وأما السهم ‪ ،‬فهلي فللي اللغلة ‪ :‬جملع سلهم‪ ،‬وهلو الحلظ‬
‫والنصلليب‪ ،‬والشلليء مللن مجموعللة أشللياء ‪ ،‬يقللال أسللهم‬
‫س لْهمة‪ .‬والنصلليب‪ :‬أن‬ ‫الرجلن ‪ :‬إذا اقترعللا‪ ،‬وذلللك مللن ال ُ‬
‫م‬ ‫يفوز كل واحد منهما بما يصيبه‪ ،‬قال الله تعالى‪" :‬فَ َ‬
‫سللاهَ َ‬
‫ن" )‪ (3‬ثللم حمللل علللى ذلللك‪ ،‬فسللمي‬ ‫ضي َ‬‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مد ْ َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫فَ َ‬
‫كا َ‬
‫السهم الواحد من السهام‪ ،‬كأنه نصيب من أنصباء ‪ ،‬وحللظ‬
‫من حظوظ ‪ ،‬وهذا هو أحد المعاني التي ذكرها ابن فارس‬
‫)‪ (4‬في تعريف السلهم‪ ،‬وهلو المتعللق بموضلوعنا ‪ .‬وجلاء‬

‫‪164‬‬
‫فللي المعجللم الوسلليط )‪" :(5‬سللاهمه ‪ :‬قاسللمه‪ ،‬أي أخللذ‬
‫سهمًا‪ ،‬أي نصيبا ً معه‪ ،‬ومنه شركة المساهمة" أ‪.‬هل ‪.‬‬
‫والسللهم فللي الصللطلح ‪ :‬هللي مللا يمث ّللل الحصللص الللتي‬
‫يقللدمها الشللركاء عنللد المسللاهمة فللي مشللروع الشللركة‪،‬‬
‫سواء أكانت حصصا ً نقدية أم عينيللة‪ ،‬ويتكللون رأس المللال‬
‫من هذه السهم ‪.‬‬
‫وقيل هي‪ :‬صكوك تمّثل أنصباء عينيللة أو نقديللة فللي رأس‬
‫مال الشركة ‪ ،‬قابلة للتداول‪ ،‬تعطي مالكها حقوقا ً خاصة )‬
‫‪.(6‬‬
‫عثللارًا‪ ،‬إذا‬
‫وأما المتعثرة ‪ ،‬فهي في اللغة‪ :‬من عَث َللر‪ ،‬ي َعْث ُللر‪ِ ،‬‬
‫كبللا ‪ ،‬أو سللقط‪ ،‬ومنلله العَث ْللرة‪ :‬أي الَزل ّللة‪ ،‬يقللال‪ :‬عللثر بلله‬
‫فرسه فسقط‪ ،‬وتعثر لسانه‪ :‬تلعثم‪ .‬والعواثير‪ :‬جمع عاثور‪،‬‬
‫وهو المكان الوعث الخشللن؛ لنلله يعللثر فيلله ‪ .‬وقيللل‪ :‬هللو‬
‫الحفرة التي تحفر للسد‪ ،‬واسللتعير هنللا للورطللة والخطللة‬
‫المهلكة ‪ .‬وأما العواثر‪ ،‬فهي جمع عاثر وهي حبالة الصائد‪،‬‬
‫أو جمع عاثرة‪ ،‬وهي الحادثة التي تعثر بصاحبها )‪.(7‬‬
‫والمتعللثرة فللي اصللطلح البللاحث‪ :‬هللي السللهم الللتي ل‬
‫يستطيع مالكها من النتفاع بها ول من تحصيل قيمتها ‪.‬‬
‫وبهللذا نللدرك العلقللة الواضللحة بيللن التعريللف اللغللوي‬
‫والصللطلحي‪ ،‬فالسللهم حيللن تعللثرت‪ ،‬فإنهللا قللد َزل ّللت أو‬
‫تأخرت عما أنشللئت لجللله‪ ،‬كمللا أنهللا وقعللت بصللاحبها فل‬
‫يمكنه النتفاع بها‪ ،‬وبهللذا وقللع فللي ورطللة ماليللة‪ ،‬أو كللأنه‬
‫سقط في حفرة صيد ل يستطيع الخلص منها ‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫حكم زكاة السهم )غير المتعثرة(‬
‫الزكاة هي أحد أركان السلم الخمسة‪ ،‬وهي – في الصل‬
‫– واجبة بكتاب الله تعالى‪ ،‬وسنة رسوله –صلى الله عليلله‬
‫وسلم ‪ ،-‬وإجماع أمته‪ ،‬كما قاله ابن قدامة ‪ -‬رحمه الللله –‬
‫في المغني )‪.(8‬‬
‫ومن الصور المالية المعاصرة‪ :‬ما يسمى بالسهم التجارية‬
‫والسهم الستثمارية‪ ،‬والمتمثلللة فللي شللركات السللهم أو‬
‫الشركات المساهمة‪ ،‬وهي طريقللة حديثللة فللي السللتثمار‬
‫والتجارة جاد بها التقدم العلمي في هذا العصر‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫وقد اتفق العلماء المعاصرون على وجوب الزكاة في هذه‬
‫السهم ‪ ،‬إما في أصلها‪ ،‬أو في ريعها ‪ .‬واختلفوا في كيفيللة‬
‫زكاتها‪ ،‬وأرجللح هللذه القللوال‪ ،‬وأقربهللا إلللى الصللواب‪ ،‬هللو‬
‫القول بالتفريق بين المساهمات التجارية فتأخذ حكم زكاة‬
‫عروض التجارة‪ ،‬وبين المساهمات الستثمارية ‪ ،‬والتفريلق‬
‫في المساهمات السللتثمارية‪ ،‬بيللن مللا هللو زراعللي فيأخللذ‬
‫حكم زكاة الخارج من الرض‪ ،‬وما هو حيواني فيأخذ حكللم‬
‫زكاة الحيوان‪ ،‬وهكذا … وتفصيل ذلك على النحو التي‪:‬‬
‫مالك السهم ل يخلللو ‪ ،‬إمللا أن يكللون قصللده فللي التملللك‬
‫التجارة بها بيعا ً وشراًء وهي ما تسمى بالسللهم التجاريللة‪،‬‬
‫فيشتريها اليوم ليبيعهللا غللدا ً أو بعللد غللد‪ ،‬طلبلا ً للربللح فللي‬
‫تداولها وتقليبهللا‪ ،‬فهللذا تجللب الزكللاة عليلله فللي جميللع مللا‬
‫يملكه من أسهم ‪ ،‬سواء كانت السهم زراعية‪ ،‬أم صناعية‪،‬‬
‫أم تجاريللة‪ ،‬أم حيوانيللة… الللخ‪ ،‬فيزكللي أسللهمه بحسللب‬
‫قيمتها السوقية ‪ ،‬كل سنة ‪.‬‬
‫وإما أن يكون قصد المالك للسللهم السللتثمار بهللا‪ ،‬بحيللث‬
‫يسللتفيد مللن عائدهللا السللنوي‪ ،‬وهللي مللا تسللمى بالسللهم‬
‫الستثمارية‪ ،‬فهو ل يشتري هذه السهم بنية بيعهللا ‪ ،‬وإنمللا‬
‫بقصد الستمرار في تملكها‪ ،‬فهللذا يزكللي أسللهمه بحسللب‬
‫طبيعتها‪ ،‬فإن كلانت أسللهما ً فللي شللركة زراعيللة‪ ،‬ومجالهللا‬
‫الستثماري في زراعللة الحبللوب والثمللار‪ ،‬فتخضللع لحكللام‬
‫الزكاة فيما تخرجه الرض من الحبوب والثمللار ممللا يكللال‬
‫ويدخر‪ ،‬وإن كانت في شركة حيوانية كتربيللة النعللام علللى‬
‫سبيل النتاج والتسمين ‪ ،‬فتخضع لحكللام زكللاة الحيللوان ‪،‬‬
‫وإن كانت في شللركة تجاريللة تختللص بتللداول السلللع بيعلا ً‬
‫وشراًء كشركات الستيراد ‪ ،‬فتخضع لحكام زكاة عللروض‬
‫التجلللارة ‪ ،‬وإن كللانت فلللي شلللركة صلللناعية‪ ،‬كشلللركات‬
‫السمنت والجبللس والدويللة ونحوهللا‪ ،‬فتجللب الزكللاة فللي‬
‫صافي أرباحها ‪ ،‬قياسا ً علللى زكللاة مللا يعللد للكللراء ‪ .‬وهللذا‬
‫صل هو الذي تجتمع به أدلة الزكاة ‪ ،‬وبه يرتبط‬ ‫القول المف ّ‬
‫الحكم بمناطه الذي أناط به الشللارع وجللوب الزكللاة‪ ،‬وبلله‬
‫يللزول التنللاقض والضللطراب الللذي لحللق ببعللض الراء‬
‫المعاصرة‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫وإلى هذا القول ذهب الشيخ عبدالله بن منيع )‪ –(9‬حفظه‬
‫الله – وغيُره‪.‬‬
‫ل أخرى ‪ ،‬ليس هللذا التمهيللد محللل‬ ‫وفي هذه المسألة أقوا ٌ‬
‫بسطها )‪.(10‬‬
‫الفصل الول‬
‫حقيقة السهم المتعثرة‬
‫وفيه ثلثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬واقع السهم المتعثرة‪:‬‬
‫فلللي عصلللرنا الحاضلللر ‪ ،‬كلللثرت الشلللركات المسلللاهمة‬
‫وانتشرت‪ ،‬وتنوعت أغراضها وتعددت‪ ،‬وأقبل عليها الغنياء‬
‫ومتوسطوا الحال ‪ ،‬بلل وربملا محلدودوا اللدخل – بلأموال‬
‫حصلوا عليها بطريق القرض أو التقسيط – كل ذلك؛ لجل‬
‫تحصيل ما تجود به السهم من أربللاح‪ ،‬دون مزيللد عنللاء أو‬
‫مشقة‪.‬‬
‫ولم يقف المر عند هذا الحد‪ ،‬بل ظهللرت شللركات أخللرى‬
‫غير مرخصة‪ ،‬وهي ما تسمى بشللركات توظيللف المللوال‪،‬‬
‫تقوم بتحصيل الموال من أربابها ‪ ،‬ثم تقوم بتوظيفهللا – أو‬
‫تدعي ذلك أحيانا ً – في مشللاريع عقاريللة أو غيرهللا‪ ،‬وربمللا‬
‫أغرت الناس بأرباح مرتفعة‪ ،‬ليس لهللا مثيللل فللي السللوق‬
‫المحلي‪ ،‬فيقبل عليها النلاس زرافلات ووحلدانا‪ ،‬وغالبلا ً ملا‬
‫يقع تعثر السهم في مثل هذا النوع مللن الشللركات‪ ،‬حيللث‬
‫إنهللا ل تخضللع لنظللام ٍ قللانوني ول محاسللبي‪ ،‬فيكللثر فيهللا‬
‫التلعللب بللأموال النللاس دون رقيللب‪ ،‬فربمللا تللم تحصلليل‬
‫المللوال لغللرض المسللاهمة فللي عقللارٍ مللا ‪ ،‬أو لجللل بيللع‬
‫وشراء سلعة ما‪ ،‬ثم يتم توظيفهلا لهلذا الغلرض ولغلراض‬
‫أخرى‪ ،‬بل ربمللا كللان بعللض هللذه المللوال هللدفا ً لسلللوب‬
‫تدوير المال‪ ،‬أو لمللا يسللمى بالتسللويق الشللبكي )‪ ،(11‬أو‬
‫غير ذلك‪ ،‬ول ينكشللف المللر إل بعللد إيقللاف ضللخ المللوال‬
‫المساهمة إلى هذه الشركة‪ ،‬أو بعللد تجميللدها مللن الجهللة‬
‫الرسمية‪ ،‬وعند ذللك يظهللر العجلز ويقللع التعلثر‪ ،‬ول يعللم‬
‫المساهم بمقدار هذا التعثر الللذي لحللق بمللاله ‪ ،‬ول بمللدى‬
‫إمكان الحصول على رأس المال أو ل‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫ومن صور التعثر التي يكللثر وقوعهللا فللي هللذا العصللر‪ ،‬مللا‬
‫يقوم به مجموعة من أربللاب المللال‪ ،‬مللن المسللاهمة فللي‬
‫أرض عقاريللة – مثل ً – وبعللد شللراء العقللار الخللام لغللرض‬
‫دعي اسللتحقاقه لهللذه الرض‬ ‫المتاجرة فيه‪ ،‬يظهر خصم ي ل ّ‬
‫أو لهذا العقار‪ ،‬فتبدأ الخصومة في الجهة المختصة‪ ،‬وربمللا‬
‫اسللتمرت سللنين عديللدة‪ ،‬فتتعللثر المسللاهمة‪ ،‬ول يتمكللن‬
‫أربابهللا مللن اسللترجاع المللال ول جللزء منلله ‪ ،‬حللتى تنتهللي‬
‫الخصومة ‪ ،‬وهكذا… في مسلسل طويل من الصور‪.‬‬
‫فللإذا تعللثرت هللذه السللهم‪ ،‬ولللم يتمكللن المسللاهم مللن‬
‫استرداد رأس ماله ول جزٍء منه‪ ،‬مدة سنة أو أكللثر‪ ،‬وكللان‬
‫هذا المال مما تجب فيه الزكاة فللي الصللل‪ ،‬فللإنه يشللكل‬
‫على كثير من المساهمين مللدى وجللوب الزكللاة فللي هللذه‬
‫السهم المتعثرة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫أسباب تعثر السهم‬
‫مما تقدم‪ ،‬يتبين أن لتعثر السهم أسبابا ً عديدةً ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫ل‪ :‬توظيللف المللوال فللي جهللات مشللبوهة ل يعلللم بهللا‬ ‫أو ً‬
‫المساهم ‪ ،‬كتوظيفها في مجال التسللويق الهرمللي‪ ،‬ونحللو‬
‫ذلك‪ ،‬مما يؤدي في كثير من الحيان إلى تعثر مفللاجئ ‪ ،‬ل‬
‫يعرف سببه‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تجميد حسابات الشركة من قبل الجهللات الرسللمية‪،‬‬
‫إما لسباب غير قانونيللة وقعللت فيهللا تلللك الشللركة‪ ،‬وإمللا‬
‫لتظلللم بعللض المسللاهمين لللدى الجهللة المختصللة ضللد‬
‫القائمين على تلك المساهمات بسبب تأخر صرف الرباح‪،‬‬
‫أو عدم التمكللن مللن اسللترداد رأس المللال‪ ،‬لسللباب غيللر‬
‫معروفة لديهم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ظهور خصومة في بعض المساهمات العقارية ‪ -‬مثل ً‬
‫‪ -‬مما يستدعي إيقاف العمللل فللي تلللك المسللاهمة‪ ،‬حللتى‬
‫تفصللل الجهللة القضللائية لصللالح المسللاهمين‪ ،‬أو لصللالح‬
‫المخاصمين في ذلك العقار )محل المساهمة(‪.‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫مدى اعتبار القيمة السوقية )‪(12‬للسهم المتعثرة‬

‫‪168‬‬
‫كثير من هذه السللهم المتعللثرة‪ ،‬يبللادر أصللحابها بللالتخلص‬
‫ة لهللذا المبلللغ‪،‬‬
‫ن بخس‪ ،‬إما حاجل ً‬ ‫منها‪ ،‬وذلك ببيعها ولو بثم ٍ‬
‫وإمللا خوف لا ً مللن إفلس الشللركة‪ ،‬وربمللا أعلللن عللن هللذه‬
‫السهم المعروضة للبيع في أعمدة الصحف‪ ،‬فيبللادر بعللض‬
‫الناس بشرائها بأقل من قيمتها المدونة في تلك العقود أو‬
‫الصكوك ‪ ،‬طمعا ً في تحصيلها من الجهللة المعني ّللة والظفللر‬
‫بقيمة السهم التي تفوق سعر الشراء‪.‬‬
‫وهذه القيمة السوقية للسهم المتعللثرة ل اعتبللار لهللا فللي‬
‫الشرع ؛ لنها مبنية على الغلرر‪ ،‬وهلو بيلع ملا هلو مجهلول‬
‫العاقبللة )‪ ،(13‬وهللو – هنللا – بيللع مللا هللو مجهللول القللدر ‪،‬‬
‫صللل كامللل قيمللة‬ ‫فالمشتري لهذه السهم ل يدري هللل يح ّ‬
‫السهم‪ ،‬أو كامل القيمة مع الربللاح‪ ،‬أو ل يحصللل إل بعللض‬
‫القيمة‪ ،‬أو ل يحصل شيئًا‪ ،‬وكذا البللائع ل يللدري مللا يح ّ‬
‫صللله‬
‫المشتري‪ ،‬وقد )نهى النبي – صلى الله عليه وسلللم ‪ -‬عللن‬
‫بيع الغرر( كما في الحديث الذي رواه مسلم في صللحيحه‬
‫)‪ (14‬عن أبي هريرة – رضي الله عنلله ‪ . -‬وهللذه الصللورة‬
‫من البيع المجهول العاقبة‪ ،‬هي كللبيع العبللد البللق والبعيللر‬
‫الشارد‪ ،‬حيللث يللبيعه صللاحبه بثمللن بخللس‪ ،‬ول يللدري هللل‬
‫يظفر به المشتري‪ ،‬أو ل ‪ ،‬فللإن ظفللر بله غُب ِللن البللائع‪ ،‬وإل‬
‫غُِبن المشتري‪ ،‬كما صرح بذلك شيخ السلم ابللن تيميللة –‬
‫رحملله الللله – فللي قواعللده النورانيللة )‪ ،(15‬حيللث قللال‪:‬‬
‫"والغرر هو المجهول العاقبة‪ ،‬فإن بيعه من الميسللر الللذي‬
‫هو القمار ‪ ،‬وذلك أن العبد إذا أبللق ‪ ،‬أو الفللرس أو البعيللر‬
‫إذا شرد ‪ ،‬فإن صللاحبه إذا بللاعه ‪ ،‬فإنمللا يللبيعه مخللاطرة ‪،‬‬
‫صللل للله قللال‬‫ح َ‬ ‫فيشتريه المشتري بدون ثمنه بكثير‪ ،‬فللإن َ‬
‫صل ‪،‬‬ ‫البائع‪ :‬قمرتني‪ ،‬وأخذت مالي بثمن قليل‪ .‬وإن لم يح ُ‬
‫ت الثمللن منللي بل عللوض‪،‬‬ ‫قال المشتري‪ :‬قمرتنللي‪ ،‬وأخللذ َ‬
‫فيفضللي إلللى مفسللدة الميسللر الللتي هللي إيقللاع العللداوة‬
‫والبغضاء‪ ،‬مع ما فيه من أكل المال بالباطل‪ ،‬الذي هو نوع‬
‫من الظلم" أهل‪ .‬وما ذكره شيخ السلم – رحمه الله – هو‬
‫واقع بعينه في بيع مثل هذه السهم المتعثرة‪ ،‬وعلى هللذا‪،‬‬
‫فل يصح القول بإخراج الزكاة وفق هللذه القيمللة الللتي لللم‬
‫يعتبرها الشارع‪ ،‬والله تعالى أعلم ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫حكم زكاة السهم المتعثرة‬
‫وفيه تمهيد‪ ،‬ومبحثان‪:‬‬
‫التمهيد‪:‬‬
‫هللذه السللهم المتعللثرة تختلللف مللن حيللث كونهللا مرجللوة‬
‫الحصول‪ ،‬أول‪ ،‬وذلك أن بعض المساهمات المتعثرة يتوقللع‬
‫أصحابها أن ينتهي التعثر في مدة سللنتين أو أقللل أو أكللثر‪،‬‬
‫ويرجع لهم رأس المال أو بعضلله‪ ،‬وبعضللها الخللر ل يتوقللع‬
‫أصللحابها أن ينتهللي التعللثر ول فللي مللدة عشللرين سللنة‬
‫للظللروف المحيطللة بالقضللية ‪ ،‬وربمللا يقطللع البعللض مللن‬
‫المساهمين بعدم إمكللان الحصلول علللى شلليء مللن رأس‬
‫المال‪ ،‬فالحال الولى يمكن تخريجهللا علللى ديللن المعسللر‬
‫والمماطل‪ ،‬وهو ما كللان مرجللو الحصللول ولللو بعللد زمللن‪،‬‬
‫ضمار‪ ،‬وهللو مللا‬‫والحال الثانية يمكن تخريجها على المال ال ّ‬
‫ل يرجللى حصللوله‪ ،‬كالمللال المغصللوب والمسللروق‪ ،‬ونحللو‬
‫ذلك‪ ،‬وعلللى هللاتين الحللالتين جللرى تخريللج هللذه المسللألة‬
‫المعاصرة ‪ ،‬ولكل حالة مبحث خاص‪ ،‬فإلى المبحث الول‪.‬‬
‫المبحث الول‬
‫التخريج على زكاة دين المعسر والمماطل‬
‫وفيه ثلثة مطالب‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬مفهوم العسار‪ ،‬والمماطلة‪:‬‬
‫سر‪ ،‬وهو ضللد اليسللر‪،‬‬ ‫أما العسار ‪ ،‬فهو في اللغة‪ :‬من العُ ْ‬
‫سر المر‪ ،‬وتعاسر‪ ،‬واستعسر‪ :‬إذا اشتد والتللوى ‪.‬‬ ‫يقال‪ :‬تع ّ‬
‫سرة‪ :‬هي الضلليق وقلللة ذات‬ ‫وأعسر‪ :‬إذا افتقر )‪ .(16‬والعُ ْ‬
‫اليد )‪.(17‬‬
‫وهو في الصطلح‪ :‬عدم قللدرة المللرء علللى أداء مللا عليلله‬
‫من مال )‪.(18‬‬
‫طللل‪ ،‬وهللو‬ ‫م ْ‬
‫وأمللا المماطلللة ‪ ،‬فهللي فللي اللغللة‪ :‬مللن ال َ‬
‫وفه بوعد الوفاء‬ ‫مط ْ ً‬
‫ل‪ :‬إذا س ّ‬ ‫التسويف ‪ ،‬يقال‪ :‬مطله بدينه َ‬
‫مرةً بعد أخرى )‪.(19‬‬
‫وهي في الصطلح ‪ :‬ل تخرج عللن معناهللا اللغللوي‪ ،‬فهللي‪:‬‬
‫إطالة المدافعة عن أداء الحق‪ ،‬وهي غالبا ً ما تطلللق علللى‬
‫مطل الموسر‪ ،‬القادر على قضاء الدين‪ ،‬بل عذر )‪.(20‬‬

‫‪170‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حكم زكاة دين المعسر‪ ،‬والمماطل‪:‬‬
‫اختلف العلماء في الدين إذا كان على معسللر أو مماطللل‪،‬‬
‫هل تجب زكاته على الدائن‪ ،‬أو ل؟ على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬أنه تجب فيه الزكاة ‪ ،‬فيزكيلله إذا قبضلله لمللا‬
‫مضى‪ ،‬وهلذا هللو ملذهب الحنفيللة )‪ ،(21‬والشلافعية علللى‬
‫القول الجديد وهللو المللذهب )‪ ،(22‬والحنابلللة علللى روايللة‬
‫وهي الصحيح من المذهب )‪ ،(23‬وهو قول الثوري ‪ ،‬وأبللي‬
‫عبيد )‪.(24‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنه يزكيه إذا قبضه لسلنة واحلدة‪ ،‬وهلذا هلو‬
‫مللذهب المالكيللة )‪ ،(25‬وهللو قللول عمللر بللن عبللدالعزيز ‪،‬‬
‫والحسن‪ ،‬والليث‪ ،‬والوزاعي )‪.(26‬‬
‫القول الثللالث‪ :‬أنلله ل تجللب فيلله الزكللاة بحللال‪ ،‬وهللذا هللو‬
‫القول القديم للشافعية )‪ ،(27‬ورواية عنللد الحنابلللة )‪،(28‬‬
‫وهو قول قتادة ‪ ،‬وإسحاق ‪ ،‬وأبي ثور )‪.(29‬‬
‫الدلة ‪:‬‬
‫أ – استدل أصحاب القول الول بما يأتي‪:‬‬
‫)‪ (1‬ما رواه ابن أبي شيبة )‪ ،(30‬وأبوعبيد )‪ ،(31‬عن علي‬
‫– رضي الله عنه ‪) :-‬أنه سئل عن الرجل يكللون للله الللدين‬
‫المظنون‪ ،‬أيزكيه؟ فقال‪ :‬إن كان صادقا ً فليزكه لما مضللى‬
‫إذا قبضه( ‪.‬‬
‫)‪ (2‬ما رواه أبو عبيللد )‪ ،(32‬عللن ابللن عبللاس رضللي الللله‬
‫عنهما أنه قال في الدين‪) :‬إذا لم ترج أخذه فل تزكه حللتى‬
‫تأخذه ‪ ،‬فإذا أخذته فزك عنه ما عليه(‪.‬‬
‫)‪ (3‬أن الدائن هللو المالللك الحقيقللي للمللال‪ ،‬فيجللب عليلله‬
‫زكاته كما لو كان المال عنللد مليللء بللاذل )‪ ،(33‬وكمللا لللو‬
‫كان وديعة )‪.(34‬‬
‫مناقشة أدلة هذا القول‪:‬‬
‫يجاب عما استدلوا به بما يأتي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬أمللا أثللر علللي – رضللي الللله عنلله ‪ -‬فيجللاب عنلله مللن‬
‫وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن هذا القول عن علي – رضي الله عنلله ‪ -‬مخللالف‬
‫لعموم النصوص الشرعية ‪ ،‬الدالة على أن الزكاة ل تجللب‬
‫إل على رب المال – وهو هنا مللن هللو فللي ملكلله – ومنهللا‬

‫‪171‬‬
‫خذ ْ م َ‬
‫م‬
‫كيهِ ل ْ‬ ‫ة ت ُط َهُّرهُ ل ْ‬
‫م وَت َُز ّ‬ ‫صلد َقَ ً‬
‫م َ‬
‫وال ِهِ ْ‬
‫مل َ‬
‫نأ ْ‬‫قوله تعالى ‪ْ ِ ُ " :‬‬
‫ب َِها" )‪ (35‬ولذا قال ابن حزم في المحلى )‪" :(36‬إذا خرج‬
‫الدين عن ملك الذي استقرضه ‪ ،‬فهو معدوم عنده – يعني‬
‫الدائن – ومللن الباطللل المللتيقن أن يزكللي عللن ل شلليء ‪،‬‬
‫وعما ل يملك‪ ،‬وعن شيء لو سرقه قطعت يده؛ لنلله فللي‬
‫ملك غيره" أ‪.‬هل‪.‬‬
‫الثللاني‪ :‬أنلله جللاء عللن بعللض الصللحابة قللول مخللالف لهللذا‬
‫الرأي‪ ،‬حيللث روي عللن عائشللة – رضللي الللله عنهللا – أنهللا‬
‫قالت‪) :‬ليس في الدين زكاة( )‪ (37‬يعنللي‪ :‬مطلق لًا‪ ،‬سللواء‬
‫كان على مليء أو على معسر أو مماطل ‪ ،‬كما حكاه عنها‬
‫‪ -‬وعللن ابللن عمللر أيضلا ً ‪ -‬ابللن قدامللة فللي المغنللي )‪،(38‬‬
‫وعليه فل يجب الخذ بقول علي – رضي الله عنه ‪.-‬‬
‫‪ – 2‬وأما أثر ابن عباس – رضي الله عنهما – فيجللاب عنلله‬
‫بما أجيب به أثللر علللي – رضللي الللله عنلله ‪ ، -‬وأيضلا ً فللإنه‬
‫ضعيف‪ ،‬كما في الرواء )‪.(39‬‬
‫‪ – 3‬ويجللاب عللن القيللاس علللى المليللء البللاذل‪ ،‬وعلللى‬
‫الوديعة‪ ،‬بأنه قياس مع الفارق‪ ،‬فالمال الللذي عنللد الملللي‪،‬‬
‫والمال المودع‪ ،‬هو بمنزلة ما في يده )‪ ،(40‬فيمكنه أخللذه‬
‫والتصللرف فيلله‪ ،‬وهللذا بخلف الللدين الللذي عنللد المعسللر‬
‫والمماطل‪ ،‬فربما يحاول تخليصه منه سنين‪ ،‬ول يقدر على‬
‫ذلك‪ ،‬وبهذا يتضح الفرق بين المسألتين‪.‬‬
‫ب – استدل أصحاب القول الثاني‪ :‬بأن المال كان فللي يللد‬
‫الدائن أول الحول‪ ،‬ثم حصل بعد ذلك في يده‪ ،‬فللوجب أن‬
‫ل تسقط الزكاة عن حول واحد )‪.(41‬‬
‫مناقشة دليل هذا القول ‪:‬‬
‫يجاب عنه بأن هذا المال قد انقطع حوله بانتقللاله مللن يللد‬
‫الدائن إلى يد المدين‪ ،‬فهو كما لو خرج من يللده بهبللة – أو‬
‫نحوها – ثم عاد إليه ‪ ،‬فللإنه ينقطللع حللوله – قللول ً واحللدا ً –‬
‫لخروجه عن ملكلله ‪ ،‬فكللذا هنللا ‪ ،‬وكمللا لللو نقللص النصللاب‬
‫جد في بعللض الحللول‬ ‫أيضًا؛ فالمانع من وجوب الزكاة إذا وُ ِ‬
‫فإنه يمنع ‪ .‬وأيضا ً فإن هذا المال في جميللع العللوام علللى‬
‫ل واحللد‪ ،‬فللوجب أن يتسللاوى فللي وجللوب الزكللاة أو‬ ‫حللا ٍ‬
‫سقوطها كسائر الموال )‪.(42‬‬

‫‪172‬‬
‫ج – استدل أصحاب القول الثالث بما يأتي‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن هذا المال الواقع فللي يللد المعسللر والمماطللل قللد‬
‫خرج مللن ملللك الللدائن إلللى ملللك المللدين‪ ،‬ومللن شللروط‬
‫وجوب الزكاة ‪ :‬أن يكون المال مملوكا ً ملكا ً تاما ً لصللاحبه‪،‬‬
‫وعليه فل يتوجه القول بوجوب الزكاة عليه‪.‬‬
‫‪ – 2‬أن هذا المال غير مقدور على النتفاع به‪ ،‬فأشبه ديللن‬
‫المكاتب )‪.(43‬‬
‫‪ – 3‬أن الزكاة إنما تجب في المللال النللامي أو فللي المللال‬
‫الذي يمكن تنميته‪ ،‬والدين الذي على المعسللر والمماطللل‬
‫م‪ ،‬فلم تجب زكاته‪ ،‬كعروض الُقْنية )‪.(44‬‬ ‫غير نا ٍ‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫وبعد عرض القوال‪ ،‬والدلة‪ ،‬ومناقشللة أدلللة القللول الول‬
‫والثلاني‪ ،‬يتلبين رجحلان القلول الثلالث وهلو علدم وجلوب‬
‫الزكاة في دين المعسر والمماطل ؛ لقوة ما استدلوا بلله ‪،‬‬
‫ولن المال إذا خرج من ملك صاحبه فالصللل بللراءة ذمتلله‬
‫من زكاته‪ ،‬فل يقال بالوجوب إل بدليل ظاهر‪ ،‬ول دليل هنللا‬
‫ينقل عن البراءة‪ ،‬وأيضا ً فإنه يلزم مللن القللول بللالوجوب ‪،‬‬
‫القول بللالزدواج فلي إيجلاب الزكلاة‪ ،‬بحيلث تلللزم اللدائن‬
‫والمدين‪ ،‬وهذا لزم باطل؛ لنه يلؤدي إللى إيجلاب زكلاتين‬
‫ل واحد‪ ،‬وهذا القول رجحه شيخ السلم ابللن تيميللة‬ ‫في ما ٍ‬
‫)‪ ،(45‬وصدر به قرار مجمللع الفقلله السلللمي فللي دورتلله‬
‫الثانية )‪ ،(46‬والله تعالى أعلم ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪:‬‬
‫التخريج ‪:‬‬
‫مما تقدم يتبين أن هذه السهم المتعثرة إذا كانت مرجللوة‬
‫الحصول خلل سنين قليلة‪ ،‬فإنه يكون حكم زكاتهلا كزكلاة‬
‫الللدين الللذي علللى المعسللر والمماطللل ‪ ،‬وعلللى القللول‬
‫الراجح‪ ،‬فإنه إذا انفك التعثر ‪ ،‬وعادت السهم إلى أربابهللا‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ول تجب الزكاة فيهللا لمللا‬ ‫فإنه يستأنف بها المساهم حو ً‬
‫مضى‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫ضمار‬‫التخريج على زكاة المال ال ّ‬
‫وفيه ثلثة مطالب‪:‬‬

‫‪173‬‬
‫ضمار ‪:‬‬‫المطلب الول‪ :‬مفهوم المال ال ّ‬
‫مار في اللغة‪ :‬هو الغائب الذي ل يرجى عللوده )‬ ‫ض َ‬
‫المال ال ِ‬
‫‪ ،(47‬وأصله من الضمار ‪ ،‬وهلو التغيلب والختفلاء ‪ ،‬ومنله‬
‫الضمير ‪ ،‬وهو السللر وداخللل الخللاطر‪ ،‬يقللال‪ :‬أضللمره‪ :‬إذا‬
‫أخفاه )‪.(48‬‬
‫وهو في الصطلح ل يخرج عن معنللاه اللغللوي‪ ،‬فهللو‪ :‬كللل‬
‫ب ل يرجى حصوله )‪ ،(49‬مع قيام أصللل الملللك ‪،‬‬ ‫ل غائ ٍ‬ ‫ما ٍ‬
‫كالمال المغصوب‪ ،‬والمفقود‪ ،‬والمسروق‪ ،‬والمجحود – إذا‬
‫لم يكن للمالك بينة – وكالمال المللودع عنللد مللن ل يعرفلله‬
‫إذا نسي شخصه سنين‪ ،‬وكالمال الللذي انللتزعه السلللطان‬
‫قهرا ً من صاحبه… )‪(50‬الخ ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حكم زكاة المال الضمار‪:‬‬
‫اختلف العلماء في حكم زكاة المال الضللمار‪ ،‬فللي الفللترة‬
‫الميؤوس فيها من عوده لصاحبه ‪ ،‬على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬أنه ل تجب فيه الزكاة بحال‪ ،‬وهذا هو مذهب‬
‫الحنفية )‪ ،(51‬والقول القديم عند الشافعية )‪ ،(52‬وروايللة‬
‫عند الحنابلة )‪ ،(53‬وهو قول الليث )‪.(54‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنه يزكيه إذا قبضه لسلنة واحلدة‪ ،‬وهلذا هلو‬
‫ملللذهب المالكيلللة )‪ ،(55‬وهلللو قلللول عطلللاء‪ ،‬والحسلللن‪،‬‬
‫والوزاعي )‪.(56‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أنه تجب فيه الزكاة ‪ ،‬فيزكيه إذا قبضلله لمللا‬
‫مضى ‪ ،‬وهذا هو مذهب الشافعية على القول الجديد وهللو‬
‫الظهر عندهم )‪ ،(57‬وهو الصحيح مللن مللذهب الحنابلللة )‬
‫‪ ،(58‬وهو قول الثوري ‪ ،‬وزفر )‪.(59‬‬
‫الدلة ‪:‬‬
‫أ – استدل أصحاب القول الول بما يأتي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬ظواهر النصوص الشرعية الدالة على أن الزكاة تؤخذ‬
‫خللذ ْ‬‫من المال الذي تحت يد مالكه ‪ ،‬ومنها قوله تعللالى ‪ُ " :‬‬
‫صلد ََقة" )‪ (60‬وهللذا المللال الضللمار مفقللود‪،‬‬ ‫م َ‬
‫م َ‬
‫وال ِهِ ْ‬
‫مل َ‬
‫نأ ْ‬‫ِ ْ‬
‫فكيف يؤمر بإخراج زكاته ‪.‬‬
‫‪ – 2‬مللا روي عللن علللي – رضللي الللله عنلله ‪ -‬موقوفللًا‪،‬‬
‫ومرفوعا ً إلى رسول الله – صللى اللله عليله وسللم ‪ -‬أنله‬
‫قال‪) :‬ل زكاة في مال الضمار( )‪.(62) (61‬‬

‫‪174‬‬
‫‪ – 3‬أنه مال خرج عن يده وتصللرفه‪ ،‬وصللار ممنوع لا ً منلله‪،‬‬
‫فلم يلزمه زكاته‪ ،‬كمال المكاتب ‪ ،‬فإنه ل تجب فيه الزكاة‬
‫على السيد )‪.(63‬‬
‫‪ – 4‬أن كل ما استقر في ذمة غيللر المالللك‪ ،‬فللإنه ل زكللاة‬
‫فيه ‪ ،‬وإل لزم منلله أن يزكللى عمللا فللي ذمللة الغيللر ‪ ،‬وهللو‬
‫خلف القياس )‪.(64‬‬
‫‪ – 5‬أن الزكاة إنما تجب في المال النامي وما في حكمه ‪،‬‬
‫وهذا المال الضمار ليس بنام ٍ ‪ ،‬فل تجب زكاته )‪.(65‬‬
‫ب – استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬ما رواه ابن أبي شليبة )‪ ،(66‬عللن عملرو بللن ميملون‬
‫قال‪) :‬أخذ الوالي في زمن عبدالملك مال رجللل مللن أهللل‬
‫الرقة – يقال له أبو عائشة – عشرين ألف لًا‪ ،‬فللأدخلت فللي‬
‫بيت المال‪ ،‬فلما ولي عمر بن عبدالعزيز أتاه ولده فرفعوا‬
‫مظلمتهم إليه‪ ،‬فكتب إلى ميمون ‪ :‬ادفعوا إليهم أموالهم ‪،‬‬
‫وخذوا زكاة عامه هذا‪ ،‬فلو أنه كان مال ً ضمارا ً أخللذنا منلله‬
‫زكاة ما مضى( وفي لفظ له )‪) :(67‬أن رجل ً ذهب له مال‬
‫في بعض المظالم ‪ ،‬ووقع في بيت المال‪ ،‬فلما ولللي عمللر‬
‫بن عبدالعزيز‪ ،‬رفع إليه‪ ،‬فكتب عمر‪ :‬أن ادفعوا إليه وخذوا‬
‫منه زكاة ما مضى‪ ،‬ثم أتبعهم بعد بكتاب‪ :‬أن ادفعللوا إليلله‪،‬‬
‫ثم خذوا منه زكاة ذلك العام‪ ،‬فإنه كان مال ً ضمارًا(‪.‬‬
‫‪ – 2‬واستدلوا أيضا ً ‪ :‬بدليلهم السابق في زكاة الدين الذي‬
‫على المعسر )‪.(68‬‬
‫مناقشة أدلة هذا القول‪:‬‬
‫‪ – 1‬أمللا أثللر عمللر بللن عبلدالعزيز ‪ -‬رحملله اللله – فيجلاب‬
‫عنه ‪ :‬بأنه اجتهاد منه يخالف مللا تقتضلليه عمللوم النصللوص‬
‫الشرعية الدالة على أن الزكاة إنما تؤخذ من الموال التي‬
‫تحت يدأربابها‪،‬والقاعدة الشرعية‪:‬أنه ل اجتهللاد فللي مللورد‬
‫النص‪.‬‬
‫‪ – 1‬ويجاب عن دليلهم الثاني بما أجيب به فللي المناقشللة‬
‫السابقة لهذا الدليل )‪.(69‬‬
‫ج – استدل أصحاب القول الثالث‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ – 1‬أن ملكه عليلله تللام‪ ،‬فلزمتلله زكللاته ‪ ،‬كمللا لللو أسللر أو‬
‫حبس وحيل بينه وبين ماله )‪.(70‬‬ ‫ُ‬

‫‪175‬‬
‫‪ – 2‬أنه يثاب عليه ويؤجر فيه إن ذهب‪ ،‬فكذا تلزمه زكللاته‬
‫)‪.(71‬‬
‫‪ – 3‬واستدلوا أيضا ً ‪ :‬بأدلتهم السابقة في زكاة الدين الذي‬
‫على المعسر )‪.(72‬‬
‫مناقشة أدلة هذا القول‪:‬‬
‫‪ – 1‬أما قياس المال الضمار على ما لو أسر أو حبس عن‬
‫ماله‪ ،‬فهو قياس مع الفللارق‪ ،‬وذلللك أن محللل الزكللاة فللي‬
‫المال الضمار مفقود‪ ،‬وهو المال – محل الوجوب – فكيف‬
‫ل ل وجود له ؟ كما أن مللن شللروط وجللوب‬ ‫يخرج زكاة ما ٍ‬
‫الزكاة المللك التللام للملال‪ ،‬وهللو غيللر متحقلق هنلا‪ ،‬وهللذا‬
‫بخلف ما لو حبس ‪ ،‬فالمال موجود ومملللوك ‪ ،‬ولكنلله لللم‬
‫يتمكن من النتفاع به لسللبب خللارجي ‪ ،‬كمللا لللو مللرض أو‬
‫سافر فلم يتمكن من النتفاع بله حللال مرضلله أو سللفره ‪،‬‬
‫فإنه يلزمه زكاته ‪.‬‬
‫‪ – 2‬وأما الثواب والجر علللى ذهللاب المللال‪ ،‬فللإنه ل يلللزم‬
‫منلله وجللوب الزكللاة؛ إذ ل تلزم بيللن المريللن‪ ،‬فللالجر‬
‫والثواب بابه واسع ‪ ،‬وأما الزكللاة فلهللا شللروط ل تجللب إل‬
‫بتحققها ‪.‬‬
‫ويجاب عن أدلتهم السللابقة بمللا أجيللب بلله فللي المناقشللة‬
‫السابقة لهذه الدلة )‪.(73‬‬
‫الترجيح ‪:‬‬
‫وبعللد عللرض القللوال ‪ ،‬والدلللة ‪ ،‬ومناقشللة أدلللة القللول‬
‫الثللاني‪ ،‬والثللالث‪ ،‬يتللبين رجحللان القللول الول‪ ،‬وهللو عللدم‬
‫وجوب الزكاة في المال الضللمار؛ لقللوة مللا اسللتدلوا بلله ‪،‬‬
‫ولنه القول الذي يتفق مع أصلل بلراءة الذملة ملن الملال‬
‫الخارج عن ملك صاحبه‪ ،‬ويتفق أيضا ً مع مقاصللد الشللريعة‬
‫مللن رفللع الحللرج عللن المكلللف ‪ ،‬حيللث ل يكل ّللف المسلللم‬
‫بإخراج زكاة مال ليس في ذمته‪ ،‬بل هللو فللي ذمللة غيللره‪،‬‬
‫كما ينسجم مع مقصللد التيسللير الللذي جللاءت بلله شللريعتنا‬
‫الغراء‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪:‬‬
‫التخريج‪:‬‬

‫‪176‬‬
‫ممللا تقللدم يتللبين أن هللذه السللهم المتعللثرة إذا لللم تكللن‬
‫مرجوة الحصول‪ ،‬بمعنى أنه ميؤوس مللن تحصلليلها ‪ ،‬فللإنه‬
‫يكللون حكلم زكاتهللا كزكلاة المللال الضلمار‪ ،‬وعلللى القلول‬
‫الراجح ‪ ،‬فإنه إذا انفك التعثر‪ ،‬وعادت السهم إلى أربابها ‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ول تجب الزكاة فيهللا لمللا‬ ‫فإنه يستأنف بها المساهم حو ً‬
‫مضى‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫وتشتمل على ملخص لهم نتائج البحث‪ ،‬فأقول‪:‬‬
‫تلخص مما تقدم‪ ،‬أن تعثر السهم أصبح ظاهرة في واقعنا‬
‫المعاصر‪ ،‬لسباب كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬كثرة الخصللومات العقاريللة‬
‫التي تطال بعض المساهمات فتتعثر بسببها ‪ ،‬ومنهللا كللثرة‬
‫الشللركات المسللاهمة الللتي ل تلللتزم بالنظمللة الماليللة‬
‫والمحاسبية‪ ،‬مع ضعف الديانة وقلة المانة – إل مللن رحللم‬
‫الله – فساهم هذا الواقع في ظهلور ملا يمكلن أن يسلمى‬
‫بالسللهم المتعللثرة‪ ،‬أو بالمسللاهمات المتعللثرة‪ ،‬ومللع هللذا‬
‫الواقع فقد أشكل على كللثيرين مللدى وجللوب الزكللاة فللي‬
‫هذه السهم‪ ،‬وبالنظر إلللى كلم الفقهللاء المتقللدمين فللإنه‬
‫يمكن تخريج هذه المسألة علللى مسللألة الزكللاة فللي ديللن‬
‫المعسر والمماطل‪ ،‬ومسللألة الزكللاة فللي المللال الضللمار‪،‬‬
‫وعلى هذا ‪ ،‬فإنه إذا كانت هللذه السللهم المتعللثرة مرجللوة‬
‫الحصول ‪ ،‬فإنها تخرج على زكاة دين المعسر والمماطللل‪،‬‬
‫وتبين بعد عرض الخلف في هذه المسألة أن الراجح‪ :‬هللو‬
‫أن الدين الذي علللى المعسللر والمماطللل ل يزكللى‪ ،‬وإنمللا‬
‫ل‪ ،‬فكذا هنا فللي السللهم المتعللثرة ‪.‬‬ ‫يستأنف به الدائن حو ً‬
‫أما إذا كانت هذه السهم غير مرجوة الحصول أو ميللؤوس‬
‫منها‪ ،‬فإنها تخرج على زكاة المال الضمار‪ ،‬وقللد تللبين بعللد‬
‫عرض الخلف في هذه المسألة أن الراجح هللو‪ :‬أن المللال‬
‫الضمار ل يزكى ‪ ،‬وإنما يستأنف به مالكه حللو ً‬
‫ل‪ ،‬فكللذا هنللا‬
‫ل‪ ،‬ول‬‫في السهم المتعثرة ‪ ،‬فإنه يستأنف بها المساهم حو ً‬
‫يزكي لما مضى ‪.‬‬
‫أما ما يثار بأن هللذه السللهم المتعللثرة لهللا قيمللة سللوقية‪،‬‬
‫وبالتالي فإنه يجب أن تزكى وفق هذه القيمة ‪ ،‬فقلد تقللرر‬
‫في ثنايا البحث أن هذه القيمة السوقية ل اعتبار لهللا عنللد‬

‫‪177‬‬
‫الشارع؛ لنها مبنية على الغرر والغبن‪ ،‬وعليه فل يصح هذا‬
‫القول‪ ،‬والله تعالى هو الموفق والهادي ‪.‬‬
‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫)‪ (1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم‪ ،‬للمام مسلم بن الحجاج القشيري‪ ،‬دار‬
‫الحديث‪ ،‬الطبعة الولى‪1412 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (3‬إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السللبيل‪ ،‬لمحمللد‬
‫بن ناصر الدين اللباني‪.‬‬
‫)‪ (4‬أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة ‪ ،‬لمحمد بن‬
‫سليمان الشللقر وآخللرون‪ ،‬دار النفللائس‪ ،‬الطبعللة الولللى‪،‬‬
‫‪1418‬هل‪.‬‬
‫)‪ (5‬السللهم والسللندات وأحكامهللا فللي الفقلله السلللمي‪،‬‬
‫لحمد بن محمد الخليل‪ ،‬دار ابن الجوزي‪1424 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (6‬المللوال لبللي عبيللد القاسللم بللن سلللم ‪ ،‬دار الفكللر‪،‬‬
‫‪1408‬هل‪.‬‬
‫)‪ (7‬النصاف في معرفة الراجح مللن الخلف )مللع الشللرح‬
‫الكبير( للمرداوي علي بن سللليمان بللن أحمللد ‪ ،‬دار هجللر‪،‬‬
‫الطبعة الولى‪1415 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (8‬الستذكار لبن عبلدالبر يوسلف بلن عبلدالله النملري‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة الولى‪2000 ،‬م ‪.‬‬
‫)‪ (9‬بللدائع الصللنائع فللي ترتيللب الشللرائع للكاسللاني علء‬
‫الدين أبي بكر بللن مسللعود‪ ،‬دار الكتللاب العربللي‪ ،‬الطبعللة‬
‫الثانية‪1402 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (10‬الدراية في تخريج أحاديث الهداية لبللن حجللر أحمللد‬
‫بن علي العسقلني‪ ،‬دار المعرفة ‪.‬‬
‫)‪ (11‬روضة الطالبين وعمللدة المفللتين للنللووي يحيللى بللن‬
‫زكريا‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬الطبعة الثانية‪1405 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (12‬الشرح الكبير لبي الفرج عبدالرحمن بن محمللد بللن‬
‫أحمللد بللن قدامللة المقدسللي‪ ،‬دار هجللر‪ ،‬الطبعللة الولللى‪،‬‬
‫‪1415‬هل‪.‬‬
‫)‪ (13‬طلبة الطلبة في الصطلحات الفقهية للنسفي أبللي‬
‫حفللص عمللر بللن محمللد‪ ،‬دار النفللائس‪ ،‬الطبعللة الولللى‪،‬‬
‫‪1416‬هل‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫)‪ (14‬الغللرر وأثللره فللي العقللود فللي الفقلله السلللمي‪،‬‬
‫للصديق محمد المين الضرير‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬الطبعللة الثانيللة‪،‬‬
‫‪1410‬هل‪.‬‬
‫)‪ (15‬فتللح القللدير لبللن الهمللام محمللد بللن عبدالواحللد‬
‫السكندري‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬ودار الكتب العلمية‪.‬‬
‫)‪ (16‬فتوى جامعللة فللي زكللاة العقللار ‪ ،‬لبكللر بللن عبللدالله‬
‫أبوزيد‪ ،‬دار العاصمة‪ ،‬الطبعة الولى‪1421 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (17‬القاموس المحيط للفيروزآبادي محمللد بللن يعقللوب‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة السادسة‪1419 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (18‬القواعد النورانية الفقهية )الكلية( ‪ ،‬لبن تيمية أحمد‬
‫بن عبدالحليم بن عبدالسلم‪ ،‬مكتبة التوبة‪ ،‬الطبعة الولى‪،‬‬
‫‪1423‬هل‪.‬‬
‫)‪ (19‬القللوانين الفقهيللة لبللن جللزي محمللد بللن أحمللد بللن‬
‫محملللد الكللللبي‪ ،‬دار الكتلللاب العربلللي‪ ،‬الطبعلللة الثانيلللة‪،‬‬
‫‪1409‬هل‪.‬‬
‫)‪ (20‬الكافي في فقه أهل المدينة المالكي‪ ،‬لبن عبللدالبر‬
‫يوسللف بللن عبللدالله بللن محمللد النمللري‪ ،‬مكتبللة الريللاض‬
‫الحديثة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1406 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (21‬لسللان العللرب ‪ ،‬لبللن منظللور محمللد بللن مكللرم‬
‫الفريقي‪ ،‬دار صادر‪ ،‬الطبعة الولى‪.‬‬
‫)‪ (22‬مجلللة مجمللع الفقلله السلللمي‪ ،‬التابعللة لمنظمللة‬
‫المؤتمر السلللمي‪ ،‬العللدد الثللاني الصللادر عللام ‪1407‬هللل‪،‬‬
‫والعدد الرابع‪ ،‬الصادر عام ‪1408‬هل‪.‬‬
‫)‪ (23‬مجمع النهر في شرح ملتقى البحللر لللداماد افنللدي‬
‫عبدالله بن محمد بن سليمان‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫)‪ (24‬مجموع فتاوى وبحوث ‪ ،‬لعبدالله بن سليمان المنيع‪،‬‬
‫دار العاصمة ‪ ،‬الطبعة الولى‪1420 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (25‬مختصر الطحاوي‪ ،‬لبي جعفر أحمللد بللن محمللد بللن‬
‫سلمة‪ ،‬لجنللة إحيللاء المعللارف النعمانيللة بحيللدرآباد الللدكن‬
‫بالهند‪.‬‬
‫)‪ (26‬المصباح المنير في غريب الشللرح الكللبير‪ ،‬للفيللومي‬
‫أحمللد بللن محمللد بللن علللي‪ ،‬دار الكتللب العلميللة‪ ،‬الطبعللة‬
‫الولى‪1414 ،‬هل‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫)‪ (27‬المصنف لبن أبي شيبة أبي بكر عبدالله بللن محمللد‬
‫الكوفي‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬الطبعة الولى‪1409 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (28‬معجم المصللطلحات القتصللادية فللي لغللة الفقهللاء ‪،‬‬
‫لنزيلله حمللاد‪ ،‬الللدار العالميللة للكتللاب السلللمي ‪ ،‬الطبعللة‬
‫الثالثة‪1415 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (29‬معجللم مقللاييس اللغللة‪ ،‬لبللن فللارس أبللي الحسللين‬
‫أحمد‪ ،‬دار الفكر‪1399 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (30‬المعونلللة عللللى ملللذهب علللالم المدينلللة للقاضلللي‬
‫عبدالوهاب البغدادي‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫)‪ (31‬المغني ‪ ،‬لبن قدامة أبي محمد عبدالله بن أحمد بن‬
‫محمد المقدسي‪ ،‬دار هجر‪ ،‬الطبعة الثانية‪1412 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (32‬مغني المحتللاج إلللى معرفللة معللاني ألفللاظ المنهللاج‬
‫للشربيني محمد الخطيب‪ ،‬دار الفكر‪.‬‬
‫طاب محمللد‬ ‫)‪ (33‬مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للح ّ‬
‫بن محمد بللن عبللدالرحمن المغربللي‪ ،‬دار الفكللر ‪ ،‬الطبعللة‬
‫الثالثة‪1412 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (34‬نصللب الرايللة للزيلعللي عبللدالله بللن يوسللف ‪ ،‬دار‬
‫الحديث‪1357 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (35‬الهدايللة شللرح بدايللة المبتللدي )مللع فتللح القللدير(‬
‫للمرغيناني أبي الحسن علي بن عبدالجليل الرشداني‪ ،‬دار‬
‫إحياء التراث العربي‪ ،‬ودار الكتب العلمية‪.‬‬
‫)‪ (1‬المصباح المنير ص ‪ ،254‬مادة )زكى(‪.‬‬
‫)‪. 4/5 (2‬‬
‫)‪ (3‬سورة الصافات ‪ ،‬آية )‪.(141‬‬
‫)‪ (4‬معجم مقاييس اللغة ‪ ،3/111‬مللادة )سللهم( وانظللر ‪:‬‬
‫المصباح المنير ص ‪ ،293‬مادة )سهم( ‪.‬‬
‫)‪. 1/459 (5‬‬
‫)‪ (6‬السهم والسندات وأحكامها ص ‪. 48‬‬
‫)‪ (7‬لسان العرب ‪ ،541-4/539‬مادة )عثر( ‪.‬‬
‫)‪. 4/5 (8‬‬
‫)‪ (9‬في مجموع البحوث والفتاوى لله ‪ ،189-2/179‬حيللث‬
‫قّرر هذا القول أحسن تقرير‪ ،‬ومنه استفدت هذا التفصيل‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫)‪ (10‬ينظلللر ‪ :‬السلللهم والسلللندات وأحكامهلللا ص ‪،265‬‬
‫وأبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة ‪ ،1/55‬وبحللوث‬
‫زكللاة السللهم فللي الشللركات فللي مجلللة مجمللع الفقلله‬
‫السلمي ‪ ، 4/1/705‬وفتوى جامعة فللي زكللاة العقللار ص‬
‫‪.14‬‬
‫)‪ (11‬التسويق الشبكي )ويسللمى الهرمللي( هللو نللوع مللن‬
‫التسللويق يصللنف مللن حيللث المبللدأ ضللمن صللور الغللش‬
‫والحتيال التجاري ‪ ،‬وصورته‪ :‬أن يشتري الشخص منتجات‬
‫شركة ما مقابل الفرصة بأن يقنع آخرين بمثل ما قام به ‪،‬‬
‫ويأخللذ هلو مكافللأة أو عموللة مقابلل ذللك ‪ ،‬وهكلذا يقللوم‬
‫المشتري بمثل ما قام به المشتري الول ‪ ،‬فيحصللل علللى‬
‫العمولة هو والول أيضا ‪ ،‬فيكون ذلك المنتج ستارا ً وهميللا ً‬
‫لعطلللاء هلللذه المعامللللة الصلللفة الشلللرعية ‪ ،‬ومقصلللود‬
‫المشتري هو العمولللة ل المنتللج ‪ ،‬ويكللون حللظ المشللتري‬
‫الول من العمولة أكثر من الثاني والثللالث ‪ ،‬وحللظ الثللاني‬
‫منها أكثر من الثالث والرابع ‪ ،‬وهكذا فللي تسلسللل هرمللي‬
‫ث‬‫… = ينظللر لهللذه النازلللة )الللتي لللم يقللدم فيهللا بحلل ٌ‬
‫مطبوع(‪ :‬حكللم التعامللل مللع شللركة بزنللس كللوم للللدكتور‬
‫سامي السويلم في موقع السلم اليوم ‪ ،‬نافذة الفتاوى‪.‬‬
‫)‪ (12‬لم أخصص مبحثا ً للقيمة السمية للسهم المتعللثرة؛‬
‫لنه ل يمكن أن يقدم عاقل رشيد على شراء هذه السهم‬
‫صل هذه السهم أو ل‪،‬‬ ‫بقيمتها السمية‪ ،‬وهو ل يعلم هل يح ّ‬
‫صلها فما هو العائد؟ ولذا فإنه لو أقدم أحللد الغللرار‬ ‫وإذا ح ّ‬
‫على شراء هذه السللهم بقيمتهللا السللمية ‪ ،‬فللإنه ل يجللوز‬
‫بيعه؛ لما يلحقه من الغبن والغللرر‪ ،‬حيللث إن التعللثر يللؤدي‬
‫إلى حالة من الكساد بحيث تكون قيمللة السللهم أقللل مللن‬
‫قيمته السمية بكثير‪.‬‬
‫)‪ (13‬ينظللر فللي تعريللف الغللرر‪ :‬كتللاب الغللرر وأثللره فللي‬
‫العقود ص ‪. 34‬‬
‫)‪ (14‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب البيوع ‪. 3/1153 ،‬‬
‫)‪ (15‬القواعد النورانية ص ‪. 223‬‬
‫)‪ (16‬القاموس المحيط ص ‪ ،439‬مادة )عسر(‪.‬‬
‫)‪ (17‬معجم مقاييس اللغة ‪ ،4/319‬مادة )عسر(‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫)‪ (18‬معجم المصطلحات القتصادية ص ‪. 69‬‬
‫)‪ (19‬المصللباح المنيللر ص ‪ ،575‬القللاموس المحيللط ص‬
‫‪ ،1057‬مادة )مطل(‪.‬‬
‫)‪ (20‬معجم المصطلحات القتصادية ص ‪. 314‬‬
‫)‪ (21‬مختصللر الطحللاوي ص ‪ ،51‬وفتللح القللدير ‪،2/123‬‬
‫مجمع النهر ‪. 1/194‬‬
‫)‪ (22‬روضة الطالبين ‪ ،2/194‬مغني المحتاج ‪. 1/410‬‬
‫)‪ (23‬المغنللي ‪ ، 4/270‬النصللاف )مللع الشللرح الكللبير(‬
‫‪. 6/326‬‬
‫)‪ (24‬حكاه عنهما ابن قدامة في المغني ‪. 4/270‬‬
‫)‪ (25‬الكافي لبن عبدالبر ‪ ،1/293‬مواهب الجليل ‪2/314‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (26‬حكاه عنهم ابن قدامة في المغني ‪.4/270‬‬
‫)‪ (27‬روضة الطالبين ‪. 2/194‬‬
‫)‪ (28‬المغني ‪ ،4/270‬النصاف ‪. 6/327‬‬
‫)‪ (29‬حكاه عنهم ابن قدامة في المغني ‪. 4/270‬‬
‫)‪ (30‬مصنف ابن أبي شيبة ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪. 2/390 ،‬‬
‫)‪ (31‬الموال ‪. 1/528‬‬
‫)‪ (32‬الموال ‪. 1/528‬‬
‫)‪ (33‬المغني ‪. 4/270‬‬
‫)‪ (34‬الشرح الكبير ‪. 6/326‬‬
‫)‪ (35‬سورة التوبة‪ ،‬آية )‪.(103‬‬
‫)‪. 6/101 (36‬‬
‫)‪ (37‬أخرجلله ابللن أبللي شلليبة فللي مصللنفه ‪ ،‬فللي كتللاب‬
‫الزكاة ‪. 2/390 ،‬‬
‫)‪. 4/270 (38‬‬
‫)‪ (39‬إرواء الغليل ‪. 3/254‬‬
‫)‪ (40‬المغني ‪. 4/270‬‬
‫)‪ (41‬المعونة ‪. 1/371‬‬
‫)‪ (42‬المغني ‪ ، 4/271‬الشرح الكبير ‪. 6/326‬‬
‫)‪ (43‬المغني ‪. 4/270‬‬
‫)‪ (44‬المغني ‪. 4/270‬‬
‫)‪ (45‬كما حكاه عنه المرداوي في النصاف ‪. 6/328‬‬

‫‪182‬‬
‫)‪ (46‬مجلة مجمع الفقه السلمي التابع لمنظمة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪. 2/1/113‬‬
‫)‪ (47‬المصللباح المنيللر ص ‪ ، 364‬القللاموس المحيللط ص‬
‫‪ ،429‬مادة )ضمر(‪.‬‬
‫)‪ (48‬القاموس المحيللط ص ‪ ، 429‬مللادة )ضللمر( ‪ ،‬طلبللة‬
‫الطلبة ص ‪. 95‬‬
‫)‪ (49‬طلبة الطلبة ص ‪. 95‬‬
‫)‪ (50‬بدائع الصنائع ‪ ، 2/9‬الكافي لبللن عبللدالبر – وسللمى‬
‫هلللذا الملللال‪ :‬الثلللاوي – ‪ ، 1/293‬معجلللم المصلللطلحات‬
‫القتصادية ص ‪ ، 221‬مادة )ضمار(‪.‬‬
‫)‪ (51‬بدائع الصنائع ‪ ، 2/9‬الهداية )مع فتح القدير( ‪2/121‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (52‬روضة الطالبين ‪ ، 2/192‬مغني المحتاج ‪. 1/409‬‬
‫)‪ (53‬المغني ‪ ،4/272‬النصاف ‪. 6/327‬‬
‫)‪ (54‬حكاه عنه ابن عبدالبر في الستذكار ‪. 3/161‬‬
‫)‪ (55‬القوانين الفقهية ص ‪ ، 104‬مواهب الجليللل ‪،2/314‬‬
‫السللتذكار ‪ . 3/162‬وحكللى ابللن عبللدالبر فللي الكللافي )‬
‫‪ (294-1/293‬عن المام مالك روايتين ‪ :‬الولى‪ :‬أنه يزكيه‬
‫لكل سنة‪ ،‬والثانية ل زكاة عليه لما مضللى وإن زكللاه لعللام‬
‫واحللد فحسللن‪ ،‬ثللم قللال‪" :‬وقللد روي عللن ابللن القاسللم ‪،‬‬
‫وأشهب‪ ،‬وسحنون ‪ :‬أنه يزكيه لما مضللى مللن السللنين‪ ،‬إل‬
‫أنهم يفرقون بين المضللمون فللي ذلللك وغيللر المضللمون ‪،‬‬
‫فيوجبون الزكللاة فللي الغصللوبات إذا رجعللت لعللام واحللد ‪،‬‬
‫والمانات وما ليس بمضمون على أحللد يزكللى لمللا مضللى‬
‫من السنين ‪ ،‬وهذا أعدل أقاويل المذهب" أهل‪.‬‬
‫)‪ (56‬حكاه عنهم ابن عبدالبر في الستذكار ‪. 3/162‬‬
‫)‪ (57‬روضة الطالبين ‪ ، 2/192‬مغني المحتاج ‪. 1/409‬‬
‫)‪ (58‬النصاف ‪. 6/326‬‬
‫)‪ (59‬حكاه عنهما ابن عبدالبر في الستذكار ‪. 3/161‬‬
‫)‪ (60‬سورة التوبة‪ ،‬آية )‪. (103‬‬
‫)‪ (61‬بدائع الصنائع ‪. 2/9‬‬

‫‪183‬‬
‫)‪ (62‬قال الحافظ ابن حجللر فللي الدرايللة )‪" :(1/249‬لللم‬
‫أجده عللن علللي" أهلل وقللال الزيلعللي فللي نصللب الرايللة )‬
‫‪" : (2/334‬غريب" أهل‪.‬‬
‫)‪ (63‬مغني المحتاج ‪ ،1/409‬المغني ‪. 4/272‬‬
‫)‪ (64‬الستذكار ‪. 3/162‬‬
‫)‪ (65‬الهدايللة )مللع فتللح القللدير( ‪ ،2/122‬مغنللي المحتللاج‬
‫‪. 1/409‬‬
‫)‪ (66‬مصنف ابن أبي شيبة ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،2/420 ،‬رقللم‬
‫)‪. (10614‬‬
‫)‪ ،2/420 (67‬برقم )‪.(10615‬‬
‫)‪ (68‬ينظر‪ :‬ص ‪. 16‬‬
‫)‪ (69‬ينظر‪ :‬ص ‪. 16‬‬
‫)‪ (70‬المغني ‪. 4/272‬‬
‫)‪ (71‬الستذكار ‪. 3/162‬‬
‫)‪ (72‬ينظر‪ :‬ص ‪. 15-14‬‬
‫)‪ (73‬ينظر‪ :‬ص ‪. 16-15‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬المساهمة في الشركات التي أعلنت توقفها‬
‫عن النشطة المحرمة‬
‫عبد المجيد بن صالح بن عبد العزيز المنصور ‪4/4/1428‬‬
‫‪21/04/2007‬‬
‫لحمد لله وحده والصلة والسلم علللى مللن ل نللبي بعللده‪،‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فيحصل أحيانا ً من بعض الشركات أو البنوك أو غيرها مللن‬
‫المؤسسات ذات الشخصية المعنوية أن تعزم على إيقللاف‬
‫التعاملت المحرمة كاليداع والقراض بللالفوائد توبللة منهللا‬
‫إلى الله‪ ،‬ورجوعا ً إلى الحق بإرادة جازمللة‪ ،‬واقتناع لا ً منهللا‬
‫بخطورة الربا ونحوه ‪.‬‬
‫هذا الموضوع نحتاج إليه في هللذا الللوقت؛ لكللثرة السللئلة‬
‫الواردة علللى طلب العلللم والمفللتين عللن الثللار المترتبللة‬
‫على إقلع الشركات والبنوك عن التعاملت المحرمة مللن‬
‫جواز المساهمة فيهللا وحكللم النشللطة المحرمللة السللابقة‬
‫قبل التوبة‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫وتزداد الحاجة إليه بعد أن بدأنا نسمع بين الفينة والخللرى‬
‫احتمال توجه كثير ملن الشللركات إلللى السلللمة الحقيقيللة‬
‫والتوقف عن النشطة المحرمة‪.‬‬
‫وهللذا البحللث عبللارة عللن مشللاركة متواضللعة فللي هللذا‬
‫الموضوع ول أزعم أني أوفيته حقه من كل جللوانبه ولعللله‬
‫يكون مفتاح باب لمن أراد أن يلللج بحثلله بللأوفى ممللا ُ‬
‫ذكللر‬
‫فيه؟‬
‫فأقول‪ :‬هل إذا تابت هذه الشركات وأقلعت عن التعاملت‬
‫المحرمللة يقضللى لهللا بمللا سلللف مللن المللوال المحرمللة‬
‫وبالتالي يجوز المساهمة فيهللا وتمل ُللك أسللهمها بعللد إعلن‬
‫توبتها أو أنه يجب عليها التخلللص ممللا سللبق مللن المللوال‬
‫المقبوضة بالربا‪ ،‬ول تملكهللا بللالقبض والتوبللة‪ ،‬وبالتللالي ل‬
‫يجوز المسللاهمة فيهللا وَتمل ّللك أسللهمها حللتى تتخللص مللن‬
‫التعاملت المحرمة المقبوضة قبل التوبة كالربا وغيره؟‬
‫هذه المسألة يمكن تخريجها على العاصي الذي عاش مدة‬
‫فللي مسللتنقع الفجللور والكبللائر‪ ،‬وقللد تعامللل بللالحرام‬
‫والمعاملت الفاسدة والباطللة دهلرا ً ملن الزملن ل بجهلل‬
‫يعذر به ول بتأويل سائغ‪ ،‬ولكن إعراض لا ً عللن طلللب العلللم‬
‫الواجب عليه الذي يجنبه الوقوع في هللذه المعللاملت مللع‬
‫تمكنه من العلم‪ ،‬أو سمع بتحريم هذه الللبيوع والمعللاملت‬
‫ولم يتركها إعراضا ً ل كفرا ً بالرسالة‪ ،‬فهذان نوعان يقعللان‬
‫كثيرا ً ‪.‬‬
‫الول‪ :‬من ترك طلب العلم الواجب عليلله مللع تمكنلله منلله‬
‫حتى وقع في هذه المعاملت المحرمة غير عالم بتحريمهلا‬
‫‪.‬‬
‫الثللاني‪ :‬مللن بلغلله الخطللاب بتحريمهللا‪ ،‬وعلللم بللالحكم‬
‫الشرعي ولم يلتزم اتباعه‪ ،‬تعصبا ً لمللذهبه أو اتباع لا ً لهللواه‬
‫وعصيانا ً لربه‪ ،‬وهذا هو الكثر‪.‬‬
‫فهل يكون حللال هللذا إذا تللاب إلللى الللله عللز وجللل ورجللع‬
‫وأناب‪ ،‬وأقر بللالتحريم تصللديقا ً والتزام لا ً كحللال الكللافر إذا‬
‫أسلم علللى أمللوال محرمللة قللد قبضللها قبللل إسلللمه؛ لن‬
‫التوبللة تجللب مللا قبلهللا كمللا أن السلللم يجللب مللا قبللله‪،‬‬
‫وبالتالي ل يفسخ العقد‪ ،‬و يقللر علللى أمللواله الللتي قبضللها‬

‫‪185‬‬
‫حال فسقه‪ ،‬وليللس عليلله التخلللص منهللا‪،‬وتكللون للله حلل ً‬
‫طيبًا‪ ،‬ويملكها كما في العقد الصحيح‪.‬‬
‫أو يجب عليه رد جميع ما اكتسللبه مللن المللوال المحرمللة‪،‬‬
‫والتخلص منها‪ ،‬ويجب فسللخ العقللود الفاسللدة المقبوضللة‪،‬‬
‫ولم يتملكها طوال تلك المدة؟‬
‫اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين‪:‬‬
‫القول الول‪:‬‬
‫أنه يجب عليه فسخ تلك العقود والقبوض‪ ،‬ول يقللر عليهللا‪،‬‬
‫ويؤمر برد جميع ما قبضه مللن المللوال المحرمللة مللن ربللا‬
‫وميسر ومخدرات ويانصيب ونحو ذلك‪ ،‬أو التخلص منها‪.‬‬
‫وعلى هذا القول يجب على الشللركة رد جميللع مللا قبضللته‬
‫مللن المللوال المحرمللة مللن ربللا وميسللر إن أمكللن‪ ،‬وإل‬
‫تتخلص منها‪ ،‬ول تقر عليها‪ ،‬وهذا قول في مذهب الحنابلللة‬
‫)‪ ،(1‬واختيار اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء )‪.(2‬‬
‫وهو قول المالكية )‪ (3‬في الربا خاصة‪ ،‬فإنه مفسوخ أبللدا ً‬
‫فات أم لم يفت‪ ،‬وليس للله إل رأس مللاله‪ ،‬أمللا غيللره مللن‬
‫العقود فإنه يجب فسخه ما لم يفت )‪.(4‬‬
‫قال ابن عبد البر‪) :‬قللال ماللك‪ :‬ومللن الللبيوع مللا يجللوز إذا‬
‫تفاوت أمره وتفاحش رده‪ ،‬فأما الربا فإنه ل يكون فيلله إل‬
‫الرد أبدًا‪ ،‬ول يجوز منه قليل ول كثير ول يجوز فيه ما يجوز‬
‫م‬ ‫م فَل َك ُل ْ‬
‫في غيره؛ لن الله تعالى يقول في كتابه‪" :‬وَِإن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن" )‪.(5‬‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬
‫مو َ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬‫ُر ُ‬
‫ثم قال‪) :‬هذا قول صحيح في النظر وصحيح من جهة الثر‬
‫فمن قاده ولم يضطرب فيه فهو الخّير الفقيه‪.(6) (...‬‬
‫وقال‪ ) :‬وقد اتفللق الفقهللاء علللى أن الللبيع إذا وقللع بالربللا‬
‫مفسوخ أبدا ( )‪.(7‬‬
‫جاء في سؤال موجهٍ إلى اللجنة الدائمة ‪:‬‬
‫)س‪ :‬أنا كنت أساهم فللي البنللوك‪ ،‬واسللتفدت منهللا بعللض‬
‫الشيء‪ ،‬فإذا هي حرام ونويت التوبة والبتعللاد عنهللا‪ ،‬فهللل‬
‫هذا يكفي أو ل ؟‬
‫ل‪ :‬عليللك التوبللة والسللتغفار مللن ارتكللاب جريمللة‬ ‫ج‪ :‬أو ً‬
‫المشللاركة فللي هللذا المللر المحللرم‪ ،‬والقلع عللن ذلللك‪،‬‬
‫وسحب مساهمتك عسى الله أن يتوب عليك‪ ،‬فهو سبحانه‬

‫‪186‬‬
‫م‬‫صلاِلحا ً ُثل ّ‬ ‫ل َ‬ ‫مل َ‬‫ن وَعَ ِ‬ ‫مل َ‬‫ب َوآ َ‬ ‫ملن َتلا َ‬ ‫القائل‪" :‬وَإ ِّنلي ل َغَّفلاٌر ل ّ َ‬
‫دى" )‪.(8‬‬ ‫اهْت َ َ‬
‫ثانيًا‪ :‬عليك التخلص من الربللاح الللتي حصلللت لللك بسللبب‬
‫هذه المساهمة بصرفها على الفقراء والمساكين( )‪.(9‬‬
‫ب لسؤال آخر‪:‬‬ ‫وقالت في جوا ٍ‬
‫)إذا تاب العبد من المعاملة الربويللة‪ ،‬وهللي ل تللزال قائمللة‬
‫بينه وبين النللاس‪ ،‬فيجللب عليلله اسللتلم رأس مللاله فقللط‪،‬‬
‫م‬ ‫ويللترك الزيللادة الربويللة؛ امتثللال ً لقللوله تعللالى‪" :‬وَِإن ت ُب ْت ُل ْ‬
‫َ‬
‫م" )‪ ،(10‬وإذا اسللتلم قيمللة المعاملللة‬ ‫وال ِك ُ ْ‬‫م َ‬‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫فَل َك ُ ْ‬
‫الربوية مع ربحهللا فيجللب عليلله تملللك رأس مللاله الصلللي‬
‫فقط‪ ،‬والربح الربوي ينفقه في وجوه البر ( )‪.(11‬‬
‫واستدل أصحاب هذا القول بأربعة أدلة‪:‬‬
‫الدليل الول‪:‬‬
‫َ‬
‫ي‬
‫مللا ب َِقلل َ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬ ‫قوله تعالى ‪َ" :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ْ‬
‫ب‬ ‫ح لْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَل ُللوا ْ فَ لأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫ن * فَِإن ل ّ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫كنُتم ّ‬ ‫ن الّرَبا ِإن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫م" )‪.(12‬‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬‫سول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫وجه الدللللة مللن اليللة‪ :‬أن هللذه اليلة عامللة فللي الجاهللل‬
‫والعاصي والكافر إذا أسلم وغيرهم‪ ،‬تجللب عليهللم التوبللة‪،‬‬
‫ويذرون ما قبضوه من الربا والموال المحرمة‪ ،‬وليس لهم‬
‫إل رؤوس أموالهم‪.‬‬
‫وقد يناقش‪ :‬بللأن المقصللود باليللة هللو مللا لللم يقبللض مللن‬
‫العقود‪ ،‬فإن غير المقبوض يجب إبطاله وترك ما بقي منه‪،‬‬
‫وليس للعاقد إل رأس ماله‪ ،‬وليس المراد هو ما قبض من‬
‫العقود بجهل وتأويل ونحو ذلك‪ ،‬فإن هذه له بقوله تعللالى‪:‬‬
‫"فله ما سلف"‪ ،‬أي‪ :‬من العقود المقبوضة حال العذر‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫استدلوا بحديث عائشة –رضي الله عنه‪ -‬أن النللبي –صلللى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬قال‪)) :‬من عمل عمل ً ليللس عليلله أمرنللا‬
‫فهو رد(( )‪.(13‬‬
‫وجه الدللة من الحديث‪ :‬أن هذا النص عام فللي العبللادات‬
‫والمعاملت فكل ما وقع منهملا عللى خلف الشلرع يجلب‬
‫رده وإبطاله‪ ،‬والعقود المقبوضة بهللذه الحللال يجللب ردهللا‬
‫وإبطالها؛ لدخولها تحت هذا الحديث‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫قال الخطابي‪) :‬في هذا الحديث بيللان أن كللل شلليء نهللى‬
‫عنه رسول الله –صلى الله عليلله وسلللم‪ -‬مللن عقللد نكللاح‬
‫وبيع وغيرهما من العقود‪ ،‬فإنه منقللوض مللردود؛ لن قللوله‬
‫فهو رد يوجب ظاهره إفساده وإبطاله إل أن يقوم الللدليل‬
‫على أن المراد به غير الظلاهر فينلزل الكلم عليله؛ لقيلام‬
‫الدليل فيه( )‪ .(14‬قال ابن حزم )ولم يستثن –صلللى الللله‬
‫عليلله وسلللم‪ -‬عالملا ً مللن غيللر عللالم‪ ،‬ول مكلفلا ً مللن غيللر‬
‫مكلف‪ ،‬ول عامدا ً من غير عامللد )‪ ،(15‬والعقللود المحرمللة‬
‫ليست من أمر الدين فيجب ردها(‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫ما رواه البخاري ومسلم في صللحيحيهما مللن حللديث أبللي‬
‫سعيد الخللدري –رضللي الللله عنلله‪ -‬قللال‪)) :‬جللاء بلل بتمللر‬
‫برني‪ ،‬فقال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪)): -‬من‬
‫أين هذا؟(( فقال بلل ‪ :‬تمر كان عندنا رديللء‪ ،‬فبعللت منلله‬
‫صاعين بصاع؛ لمطعم النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬فقال‬
‫رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬عند ذلك ‪)) :‬أوه عيللن‬
‫الربا‪ ،‬ل تفعل‪ ،‬ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعلله بللبيع‬
‫آخر ثم اشتر به(( )‪ (16‬وفي رواية لمسلم ‪)) :‬فللردوه ثللم‬
‫بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا(( )‪(17‬‬
‫قللالوا‪ :‬إذا أوجبنللا فسللخ العقللود والقبللوض علللى الجاهللل‬
‫المعذور فعلى العالم بالتحريم العاصي أولى وأحرى‪ ،‬فهللو‬
‫ص ظالم بترك التعلم واللتزام‪ ،‬ول يلزم من العفو عللن‬ ‫عا ٍ‬
‫الجاهل العفو عن هذا ‪.‬‬
‫ويجاب عنه‪:‬‬
‫بأن المسلم العاصي إذا تاب ليس بأشقى من الكافر‪ ،‬فإذا‬
‫لم نوجب الفسخ علللى الكللافر وصللححنا عقللوده وقبوضلله‬
‫فالمسلم التائب أولى ‪.‬‬
‫القول الثاني‪:‬‬
‫أن تلك العقود والقبوض الفاسدة تملك بعللد التوبللة‪ ،‬ويقللر‬
‫عليها‪ ،‬ول يجب عليه ردهللا‪ ،‬ول فسللخها والتخلللص منهللا إل‬
‫من تاب من الحرام وكان بيده فإنه يجللب عليلله رده‪ ،‬فللإن‬
‫لم يعللرف مللالكه تصللدق بلله عنلله‪ ،‬أو صللرفه فللي مصللالح‬
‫المسلمين‪ ،‬وعليه فإن تلك العقود والقبوض الفاسدة التي‬

‫‪188‬‬
‫قبضتها الشركة تملللك بعللد التوبللة‪ ،‬وتقللر عليهللا‪ ،‬ول يجللب‬
‫عليها ردها لصللحابها‪ ،‬ول فسللخها ول التخلللص منهللا إل إن‬
‫تابت من الحرام وكان بيدها‪ ،‬فإنه يجللب عليهللا ردهللا إلللى‬
‫أصللحابها إن أمكللن‪ ،‬وإل تتصللدق بلله عنلله‪ ،‬أو تصللرفه فللي‬
‫مصالح المسلمين‪ ،‬وهذا قول في المللذهب )‪ ،(18‬وانتصللر‬
‫له شيخ السلم ابن تيمية )‪.(19‬‬
‫واستدلوا على ذلك بأربعة أدلة‪:‬‬
‫الدليل الول‪:‬‬
‫القياس على الكافر إذا أسلم قياسا ً أولويا ً وبيانه‪:‬‬
‫أن هذا المسلم اللذي تلاب وأنلاب ليلس بأسلوأ حلال ملن‬
‫الكافر المعاند الللذي تللرك اسللتماع القللرآن كللبرا ً وحسللدا ً‬
‫ى‪ ،‬أو سمعه وتدبره واستيقنت نفسه أنه حق من عند‬ ‫وهو ً‬
‫الله‪ ،‬ولكن جحد ظلم لا ً وعلللوا ً كحللال فرعللون وأكللثر أهللل‬
‫الكتللاب والمشللركين الللذين ل يكللذبونك ولكللن الظللالمين‬
‫بآيات الله يجحدون )‪ ،(20‬فإذا عفي عن الكافر مللا قبضلله‬
‫من المحرمات إذا أسلم‪ ،‬فالمسلللم كللذلك يعفللى عنلله إذا‬
‫تاب بجامع أن كليهما رجع وأناب إلى الله وعرف الحق‪.‬‬
‫وقلد ينلاقش‪ :‬بوجلود الفلرق بينهملا ملن حيلث إن الكلافر‬
‫وقعللت معللاملته وهللو غيللر مكلللف‪ ،‬وغيللر مخللاطب بآيللات‬
‫أصول الربا‪ ،‬بخلف المسلم العاصي العالم‪ ،‬فإن معللاملته‬
‫وقعت في حال هو مكلف فيها‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬
‫أن التوبة كالسلم )‪ (21‬فإن الذي قللال‪)) :‬السلللم يهللدم‬
‫ما كان قبله(( )‪ (22‬هو الذي قال‪)) :‬التوبة تهللدم مللا كللان‬
‫قبلهللا(( )‪ (23‬وذلللك فللي حللديث واحللد رواه مسلللم فللي‬
‫صحيحه ‪.‬‬
‫فإذا عفللي عللن الكللافر إذا أسلللم أنللواع المحرمللات الللتي‬
‫ارتكبها‪ ،‬وأبيحت للله المللوال المقبوضللة بللالحرام‪ ،‬فكللذلك‬
‫المسلم إذا تاب إلى الله‪ ،‬ول فللرق‪ ،‬فالحللديثان مخرجهمللا‬
‫واحد‪ ،‬ول يجوز تفسير أحدهما بخلف الخر‪.‬‬
‫وينللاقش‪ :‬بللأن مللن مقتضللى التوبللة أن يتخلللص مللن هللذه‬
‫الموال المحرمللة‪ ،‬ويبعللدها عنلله‪ ،‬ويعللدل إلللى غيرهللا مللن‬
‫المكاسب )‪(24‬؛ فللإن التوبللة قللول وفعللل فللالقول بإكثللار‬

‫‪189‬‬
‫الستغفار‪ ،‬والفعل بللالقلع عللن هللذه المللوال‪ ،‬والتخلللص‬
‫منها بالتصدق بها على المحتاجين‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫ما ثبت في صحيح مسلم من حللديث أبللي ذر ‪-‬رضللي الللله‬
‫عنه‪ -‬قال‪ :‬قللال رسللول الللله –صلللى الللله عليلله وسلللم‪: -‬‬
‫))إني لعلم آخر أهل الجنة دخول ً الجنة‪ ،‬وآخللر أهللل النللار‬
‫خروجا ً منها‪ ،‬رجل يؤتى به يللوم القيامللة‪ ،‬فيقللال‪ :‬اعرضللوا‬
‫عليه صغار ذنوبه‪ ،‬وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صللغار‬
‫ذنوبه فيقال‪ :‬عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا‪ ،‬وعملللت يللوم‬
‫كذا وكذا كذا وكذا‪ ،‬فيقول‪ :‬نعم‪ ،‬ل يستطيع أن ينكللر‪ ،‬وهللو‬
‫مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه‪ ،‬فيقال له‪ :‬فإن لللك‬
‫مكان كل سيئة حسللنة‪ ،‬فيقللول‪ :‬رب قللد عملللت أشللياء ل‬
‫أراها ها هنللا‪ ،‬فلقللد رأيللت رسللول الللله –صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم‪ -‬ضحك حتى بدت نواجذه(( )‪.(25‬‬
‫وجه الدللة من الحديث‪ :‬أنه إذا كانت تلك التي تللاب منهللا‬
‫صارت حسنات لم يبق في حقلله بعللد التوبللة سلليئة أص ل ً‬
‫ل‪،‬‬
‫فيصير ذلك القبض والعقد من باب المعفو عنه‪ ،‬فل يكللون‬
‫بذلك فاعل ً لمحرم ول تاركا ً لواجب )‪.(26‬‬
‫وقد يناقش‪ :‬أن هذا حديث يحكي أحوال يللوم القيامللة‪ ،‬ول‬
‫يبنى على الحكام الخروية‪ ،‬أحكاما ً فقهيللة فللي اللدنيا‪ ،‬فل‬
‫تقاس أحوال الخرة على أحوال الدنيا‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬فمن جاءه موعظة من ربله فللانتهى فلله مللا‬
‫سلف"‬
‫وجه الدللة من الية‪ :‬أن هذه الية عامة في كل من جاءه‬
‫موعظة من ربه فقد جعل الله له ما سلف‪ ،‬ويدل على أن‬
‫ذلك ثابت في حق المسلم مللا بعللد هللذا ‪" :‬يللا أيهللا الللذين‬
‫ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا" فأمرهم بترك ما‬
‫بقي‪ ،‬ولم يأمرهم برد ما قبضوه‪ .‬فدل علللى أنلله لهللم مللع‬
‫قوله‪" :‬فله ما سلف وأمره إلللى اللله" واللله يقبللل التوبلة‬
‫عن عباده )‪.(27‬‬
‫ونوقش‪ :‬بأن هذا مختص بالكافرين )‪.(28‬‬

‫‪190‬‬
‫وأجيب‪ :‬بأنه ليس في القرآن ما يدل على ذلك‪ ،‬إنما قللال‪:‬‬
‫"فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله مللا سلللف" وهللذا‬
‫يتناول المسلم بطريق الولى )‪.(29‬‬
‫الموازنة والترجيح‪:‬‬
‫هللذه المسللألة مللن أعقللد المسللائل لقللوة أدلللة الفريقيللن‬
‫وتضاربها فللي نظللر البللاحث‪ ،‬وإن كنللت أميللل إلللى القللول‬
‫الثاني‪ ،‬وهو أن تلك العقود معفو عنها وتقر عليها و تملكها‬
‫بعد التوبة‪ ،‬وذلك لثلثة أمور‪:‬‬
‫ل‪ :‬أنلله إذا كللان العفللو عللن الكللافر لجللل مللا وجللد مللن‬ ‫أو ً‬
‫السلم الماحي‪ ،‬والحسنات يذهبن السيئات‪ ،‬فهذا المعنللى‬
‫موجللود فللي التوبلة عللن الجهللل والظلللم والعصلليان‪ ،‬فللإن‬
‫العللتراف بللالحق والرجللوع إليلله حسللنة يمحللو الللله بهللا‬
‫السيئات )‪.(30‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن في عدم العفو عن تلك العقود والقبوض الماضية‬
‫في حللال العصلليان تنفيللرا ً عظيملا ً عللن التوبللة؛ لمللا يلللزم‬
‫الداخل فيه من الصللار والغلل الثقيلللة الموضللوعة علللى‬
‫لسان هذا النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬عن التائبين‪ ،‬فإن‬
‫المر برد جميع ما كسبه التائب من الموال والخروج عمللا‬
‫يحبه منها تصير التوبة في حقه عللذابًا‪ ،‬وكللان الكفللر حينئذ‬
‫أحب إليه من ذلك السلم الذي كان عليه‪ ،‬فإن توبته مللن‬
‫الكفر رحمة وتوبته ‪-‬وهو مسلم عذاب‪ ،(31) -‬فللإن كللثيرا ً‬
‫من الفساق أصحاب رؤوس أموال هائلة‪ ،‬وغالبهللا أو كللثير‬
‫منها من الحرام الفاسد‪ ،‬وقد يكون غير متميز عن الحلل‪،‬‬
‫وقللد يكللون لله مصللادر تجللارة متعللددة‪ ،‬ومطللالبته بردهللا‪،‬‬
‫والتخلص مما قبضه في غاية الصعوبة والمشقة‪ ،‬ولو قيللل‬
‫له‪ :‬من شرط توبتك أن ترد كل مللا كسللبته بللالحرام ربمللا‬
‫نفر عن التوبة‪ ،‬وكللان هللذا القللول معينلا ً للشلليطان عليلله‪،‬‬
‫لكن لو قيل له‪ :‬بأن الله قللد غفللر لللك بتوبتللك كللل ذنوبللك‬
‫المتعلقللة فللي بللاب العبللادات وبللاب المعللاملت‪ ،‬وعليللك‬
‫بالقبال على الله من جديد‪ ،‬وترك المعاودة لمثل ما سبق‬
‫لكان هذا حافزا ً ومشجعا ً له إلللى التوبللة ومحاولللة تصللحيح‬
‫وضعه الجديد‪ ،‬ويكف عن المعاملة بالحرام‪ ،‬وقد يكون هذا‬
‫قدوة لخرين مثله إذا رأوا ذلك منه ‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫وبهذه الطريقة نكون قد قضينا على كللثير مللن المعللاملت‬
‫الفاسدة التي ربما كانت تسللتمر لللول القللول بللالعفو عمللا‬
‫سلف مما قبضوه‪.‬‬
‫وكذلك يقال في الشركات والبنللوك ونحوهلا أن فلي علدم‬
‫العفو عن تلك العقود والقبوض قبل إعلن الشركة توقفها‬
‫عللن التعامللل بللالمحرم تنفيللر عظيللم عللن القلع عللن‬
‫التعاملت المحرمة وتنفير عن التوبللة؛ لمللا يلللزم الشللركة‬
‫بعد توبتها وإعلن توقفها من الحللرام مللن الصللار والغلل‬
‫الثقيللة الموضلوعة عللى لسلان النلبي –صللى اللله عليله‬
‫وسلللم‪ -‬عللن التللائبين‪ ،‬فللإن المللر بللرد جميللع مللا كسللبته‬
‫الشركة من الموال الربوية وغيرهللا‪ ،‬والخللروج عمللا تحبلله‬
‫صّير التوبة وإعلن التوقف فللي حقهللا عللذابًا‪ ،‬وكللان‬ ‫منها‪ ،‬ت ُ َ‬
‫الستمرار على ما كانت عليه في السابق حينئذ أحب إليها‬
‫من إعلن توقفها‪ ،‬ويضاف إلى ذلك أن التخلص منهللا أمللر‬
‫في غاية الصعوبة والمشقة‪ ،‬ولو قيل‪ :‬من شرط توبتها أن‬
‫ترد كل ما كسبته بالحرام ربمللا نفللرت عللن التوبللة‪ ،‬وكللان‬
‫هللذا القللول معين لا ً للشلليطان عليهللا‪ ،‬بخلف مللا لللو قيللل‬
‫للشركة‪ :‬ل يلزمك الخروج من الموال الربوية المقبوضللة‬
‫ت بصللدق‬ ‫ت‪ ،‬و أعلنل ِ‬ ‫ك حلل ً إذا تبل ِ‬
‫في السللابق‪ ،‬ويكللون لل ِ‬
‫ت التعامللل بالربللا بكللل‬ ‫ك مللن جديللد‪ ،‬وتركل ِ‬ ‫تصللحيح وضللع ِ‬
‫أشكاله وأنواعه‪ ،‬فإن هذا يكللون لهللا حللافزا ً إلللى التوبللة و‬
‫العلن عنها‪ ،‬كما قلد يكلون حلافزا ً للشلركات الخلرى أن‬
‫تحذو حذوها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أننا بهذه الطريقللة نكللون قللد قضللينا علللى كللثير مللن‬
‫الشلركات والبنللوك المحرمللة والمعلاملت الفاسللدة اللتي‬
‫ربمللا اسللتمرت علللى نشلاطاتها وتعاملتهللا المحرمللة لللول‬
‫القول بالعفو عما قبضوه ممللا سلللف‪ ،‬بخلف مللا لللو قيللل‬
‫جي كللل‬ ‫خرِ ِ‬
‫ك – كشرط من شروط التوبة – أن ت ُ ْ‬ ‫لها‪ :‬لبد ل ِ‬
‫ت تعلميللن‬ ‫ت بللالعقود الفاسللدة المحرمللة مللا دمل ِ‬ ‫ما قبضل ِ‬
‫ت عاصية بذلك )‪ ،(32‬ربما كان هذا فلي حقهلا‬ ‫حرمتها وكن ِ‬
‫شللاقًا‪ ،‬وربمللا يللترتب عليهللا خسللائر ماليللة ضللخمة كللانت‬
‫التزمتها في السابق‪ ،‬وبالتالي يكون هذا عائقا ً لها‪ ،‬ومنفرا ً‬
‫عن التوبة‪ ،‬فتحجم الكثير من الشركات عن التوبة بسللبب‬

‫‪192‬‬
‫هذا‪ ،‬وهذه نظللرة ماراع لا ً فيهللا جللانب المصلللحة الراجحللة‬
‫مقابل المفسدة المرجوحة‪ ،‬قال ابللن تيميللة‪ ) :‬ومللن تللدبر‬
‫أصول الشرع علللم أنلله يتلطللف بالنللاس فللي التوبللة بكللل‬
‫طريق ( )‪.(33‬‬
‫لكللن قللد يللرد علللى هللذه الحللال – أعنللي توبللة الشللركات‬
‫والبنللوك – إشللكال وهللو أن توبللة الشللركات ونحوهللا عللن‬
‫التعامل بللالحرام والفاسللد غيللر متمكنللة أو ضللعيفة‪ ،‬فهللي‬
‫ليسللت كالشللخاص والفللراد الللذين يملكللون أمللوالهم‬
‫بأنفسهم فالشركات والبنوك عبارة عللن شخصللية معنويللة‬
‫قائمة بعدد من الشخاص‪ ،‬وكل عامللل فيهللا ل يعنيلله توبللة‬
‫الشركة من عدمها‪ ،‬فمن التائب فيها؟‬
‫ويجاب‪ :‬بأن هلذه طبيعلة الشخصليات المعنويلة ل يطلالب‬
‫فيها شخص بعينه‪ ،‬وإنما هي قائمة بإرادة الجميع ومتخللذي‬
‫القرار فيها‪ ،‬فإذا كانت الرادة قائمة مللن الدارة ومتخللذي‬
‫القرار فيها كانت هذه الرادة – وأعني بها التوبة‪ -‬مقبولللة‪،‬‬
‫فهي مثل توبة الفرد والشخص العادي‪.‬‬
‫ويؤيده إمكانية وجود شللرائط التوبللة فللي هللذه الشللركات‬
‫والبنوك ونحوها المساهمة‪ ،‬وهي العزم علللى عللدم العللود‬
‫إلى الحرام من ربا وغيره في المستقبل‪ ،‬والقلع عنه في‬
‫الحال‪ ،‬وأن تكون صادقة ل بقصد التلعللب بعقللول النللاس‬
‫ونحللوه‪ ،‬والنللدم علللى مللا صللدر منهللا فللي السللابق )‪،(34‬‬
‫والعزم الجازم على فعل المأمور والتيان به )‪.(35‬‬
‫وأما الموال الربوية المقبوضة فهي محرمة لحق لله وقللد‬
‫عفى عنها‪ ،‬وليست حق لا ً لدمييللن فيللؤمروا بإرجاعهللا إلللى‬
‫أصحابها‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫وأخيرا ً أقول‪ :‬أيضا ً يمكن إرجاع الفتوى في هللذه المسللألة‬
‫إلللى المفللتي فينظللر فللي ذلللك المصلللحة‪ ،‬فللإن رأى مللن‬
‫الشركة القدرة والستعداد للتخلللص مللن المللوال الربويللة‬
‫المقبوضة وصدق في التوبة مهما كلفها ذلك‪ ،‬فللإنه يفتيهللا‬
‫بللالتخلص مللن هللذه المللوال بالتصللدق بهللا فللي مصللالح‬
‫المسلمين بنية التخلص ل التطوع‪.‬‬
‫وإن رأى منها ضعفا ً فللي هللذا البللاب وخشللي نفورهللا مللن‬
‫التوبة‪ ،‬فللإنه يفللتي بعللدم وجللوب التخلللص مللن المقبللوض‬

‫‪193‬‬
‫الفاسللد‪ ،‬ول يجللب رده باعتبللار أن هللذه الفتللوى أخللف‬
‫المفسدتين‪.‬‬
‫فإنهللا‪-‬أي‪ :‬الشللركة‪ -‬لللو أفللتي لهللا بوجللوب التخلللص‪ ،‬لللم‬
‫تتخلص من المقبوض بعقد فاسد ولللم تعلللن التوقللف عللن‬
‫التعاملت المحرمة بخلف ما لو أفتي لها بعللدم الوجللوب‪،‬‬
‫فإنها لن تتخلص من المقبوض بعقد فاسللد‪ ،‬وسللوف تقلللع‬
‫عن التعاملت المحرمة في المسللتقبل بعللد إعلن توبتهللا‪،‬‬
‫والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫ومن خلل ما سبق‪ ،‬فمن قال بصحة توبة الشركة‪ ،‬وَتمِلك‬
‫ما قبضته من العقود الفاسدة‪ ،‬فإن من لزم قللولهم جللواز‬
‫المساهمة فيها‪ ،‬وأنها تملك أسهمها بعد إعلن توبتها ‪.‬‬
‫ومن قال بعدم صحة توبتها إل برد جميع الموال المحرمللة‬
‫أو التخلص منها فللإن مللن لزم قللولهم تحريللم المسللاهمة‬
‫فيها وتملك أسهمها حتى تتخلص من التعللاملت المحرمللة‬
‫المقبوضة قبل التوبة‪ ،‬والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫وصلى الله على بينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫)‪ (1‬مجموع الفتاوى )‪ (22/16‬وما بعللدها‪ ،‬والللدرر السللنية‬
‫في الفتاوى النجدية )‪.(3/133‬‬
‫)‪ (2‬فتاوى اللجنة الدائمة )‪(14/29‬و)‪(14/32‬و)‪(14/48‬و)‬
‫‪.(14/62‬‬
‫)‪ (3‬المدونة الكبرى )‪ ،(4/148‬ومواهب الجليل )‪،(4/381‬‬
‫ومقلللدمات ابلللن رشلللد ص )‪ ،(503‬والتمهيلللد )‪،(5/129‬‬
‫والسلللتذكار )‪ (19/146‬و)‪ ،(21/139‬والجلللامع لحكلللام‬
‫القللرآن للقرطلبي )‪ ،(356-2/355‬ومسلائل ل يعلذر فيهلا‬
‫بالجهل على مذهب المام مالك شرح العلمة المير علللى‬
‫منظومللة بهللرام ص)‪ ،(49‬والفللروق وحواشلليه )‪،(2/164‬‬
‫والمالكية أوجبوا عللى الجاهلل التخللص منله‪ ،‬وبنلاء عللى‬
‫ذلك فإنه من باب أولى أن يوجبوه على العالم العاصي ‪.‬‬
‫)‪ (4‬الفوات عند المالكية يعني أحد خمسة أشللياء ‪ :‬الول‪:‬‬
‫تغير الذات وتلفهللا كللالموت والعتللق وهللدم الللدار وغللرس‬
‫الرض وأكللل الطعللام ونمللاء المللبيع ونقصللانه ‪ .‬والثللاني‪:‬‬
‫حوالللة السللواق‪ .‬والثللالث‪ :‬الللبيع‪ .‬والرابللع‪ :‬حللدوث عيللب‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫والخامس‪ :‬تعلق حق الغير كرهن السلعة ‪ .‬انظر القللوانين‬
‫الفقهية لبن جزيء ص)‪ (265‬والشرح الصغير للدردير‬
‫)‪ (5‬سورة البقرة‪ ،‬آية)‪.(279‬‬
‫)‪ (6‬الستذكار )‪.(21/139‬‬
‫)‪ (7‬التمهيد )‪ ،(5/129‬والستذكار ) ‪ (19/146‬وهذا النقل‬
‫لتفاق الفقهاء في هذه المسللألة فيلله نظللر‪ ،‬فللإن جمهللور‬
‫الحنفية يللرون أن المقبللوض بعقللد ربللوي يملللك وإن كللان‬
‫واجب الفسخ‪ ،‬وخالفهم شمس الدين السرخسي في هذه‬
‫المسألة‪ ،‬فوافق الجمهور‪.‬‬
‫)‪ (8‬سورة طه‪ ،‬آية)‪.(82‬‬
‫)‪ (9‬فتللاوى اللجنللة الدائمللة للبحللوث العلميللة والفتللاء )‬
‫‪.(14/48‬‬
‫)‪ (10‬سورة البقرة‪ ،‬آية)‪.(279‬‬
‫)‪ (11‬فتللاوى اللجنللة الدائمللة للبحللوث العلميللة والفتللاء )‬
‫‪ ،(14/51‬وانظر )‪(13/400‬و)‪(13/429‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (12‬سورة البقرة‪ ،‬آية)‪.(279-278‬‬
‫)‪ (13‬رواه مسلم بهذا اللفظ من طريق القاسم بن محمد‬
‫عن عائشلة علن النلبي –صللى اللله عليله وسللم‪) -‬كتلاب‬
‫القضللية ‪-‬بللاب نقللض الحكللام الباطلللة ‪ ،‬ورد محللدثات‬
‫المور ( رقم ‪.(9/119) 3243‬‬
‫)‪ (14‬عون المعبود )‪.(12/234‬‬
‫)‪ (15‬المحلى )‪.(8/135‬‬
‫)‪ (16‬رواه البخاري في صللحيحه )كتللاب الوكالللة‪ -‬بللاب إذا‬
‫بللاع الوكيللل شلليئا ً فاسللدا ً فللبيعه مللردود( ‪(2/613)2188‬‬
‫ومسلم في صحيحه )كتاب المساقاة ‪-‬باب بيع الطعام مثل ً‬
‫بمثل( ‪(3/1215)1594‬‬
‫)‪ (17‬رواه مسلم في صحيحه )كتاب المسللاقاة ‪-‬بللاب بيللع‬
‫الطعام مثل ً بمثل( )‪(3/1215‬‬
‫)‪ (18‬مجموع الفتاوى )‪ (22/16‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (19‬مجموع الفتاوى )‪ (22/16‬وملا بعلدها و)‪ (30/328‬و‬
‫تفسير آيات أشكلت )‪.(595-2/577‬‬
‫)‪ (20‬مجموع الفتاوى )‪ (22/17‬بتصرف‪.‬‬
‫)‪ (21‬المرجع السابق بتصرف‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫)‪ (22‬رواه مسلم في صللحيحه )كتللاب اليمللان‪-‬بللاب كللون‬
‫السلم يهدم ما كان قبله وكذا الهجرة والحج( )‪.(1/112‬‬
‫)‪ (23‬المرجع السابق ‪.‬‬
‫)‪ (24‬انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الفتاء‬
‫)‪.(14/62‬‬
‫)‪ (25‬صحيح مسلم )كتاب اليمان‪ -‬باب أدنللى أهللل الجنللة‬
‫منزلة فيها ( رقم ‪.(1/177) 190‬‬
‫)‪ (26‬مجموع الفتاوى )‪ (22/18‬بتصرف‪.‬‬
‫)‪ (27‬تفسير آيات أشكلت )‪(2/586‬‬
‫)‪ (28‬تفسير آيات أشكلت )‪(2/586‬‬
‫)‪ (29‬تفسير آيات أشكلت )‪(2/586‬‬
‫)‪ (30‬مجموع الفتاوى بتصرف )‪.(22/18‬‬
‫)‪ (31‬مجموع الفتللاوى بتصللرف )‪ ،(22-22/18‬ذكللر شلليخ‬
‫السلم ابن تيمية‪ :‬أنه يعللرف طائفللة مللن الصللالحين مللن‬
‫يتمنى أن يكون كافرا ً ليسلم فيغفر له مللا قللد سلللف؛ لن‬
‫التوبة عنده متعذرة عليه أو متعسرة على ما قللد قيللل للله‬
‫واعتقده مللن التوبللة‪ ،‬ثللم قللال‪ :‬ثللم هللذا منفللر لكللثر أهللل‬
‫الفسوق عن التوبة وهو شبيه بالمؤيس للناس مللن رحمللة‬
‫الله‪ ،‬مجموع الفتاوى )‪.(22/22‬‬
‫)‪ (32‬هذه حللال كللثير مللن الشللركات المحرمللة فللي البلد‬
‫السلمية فإنها تعلم بتحريم الربا ولكن تتعامل به عصلليانا ً‬
‫وعن هوى ‪-‬نسأل الله السلمة‪.-‬‬
‫)‪ (33‬تفسير آيات أشكلت)‪.(2/595‬‬
‫)‪ (34‬انظللر‪ :‬شللرائط التوبللة فللي مللدارج السللالكين )‬
‫‪.(1/182‬‬
‫)‪ (35‬المرجع السابق )‪.(1/305‬‬
‫===============‬
‫‪#‬تحريم العينة ‪ ،‬وجواز التورق بل قيد ول شرط‬
‫سليمان بن ناصر العلوان ‪26/3/1424‬‬
‫‪27/05/2003‬‬
‫كتب هللذا البحللث جوابلا ً علللى سللؤال ورد لفضلليلة الشلليخ‬
‫سليمان بن ناصر العلللوان حللول صللورة التللورق والعينللة ‪،‬‬

‫‪196‬‬
‫وحكمهمللا‪ ،‬ويسللر الموقللع أن ينشللر البحللث الللذي خللص‬
‫فضيلة الشيخ سليمان العلوان الموقع به‪.‬‬
‫العينة ‪ :‬في اللغة السلف ‪0‬‬
‫وصورتها في الشللرع ‪ :‬أن يللبيع مللن رجللل سلللعة بحللوزته‬
‫بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم يشللتريها منلله بأقللل مللن‬
‫الثمن الذي باعه بله ‪ ،‬وملن ذللك أن يلبيع سللعة بنقلد ثلم‬
‫يشتريها منه بأكثر منها نسيئة ‪0‬‬
‫وهي محرمة في قول أكثر العلماء ‪ ،‬وهي وسيلة إلى الربا‬
‫‪ ،‬وموصلة إليه ‪ ،‬خلفا ً للشافعي وأبي يوسف رحمهللا الللله‬
‫تعالى حيث أجازاها ‪0‬‬
‫قال النووي في روضللة الطللالبين )‪ (3/416‬فصللل ‪ :‬ليللس‬
‫من المناهي بيع العينة بكسر العين المهملة وبعد الياء نون‬
‫‪ ،‬وهو أن يبيع غيللره شلليئا ً بثمللن مؤجللل ويسلللمه إليلله ثللم‬
‫يشتريه قبل قبض الثمن بأقل من ذلك الثمن نقدا ً ‪0‬‬
‫وكذا يجللوز أن يللبيع بثمللن نقللدا ً ويشللتري بللأكثر منلله إلللى‬
‫أجل ‪ ،‬سواء قبض الثمن الول أم ل ‪ .‬وسواء صارت العينة‬
‫عادة له غالبة في البلد أم ل ‪ .‬هذا هللو الصللحيح المعللروف‬
‫في كتب الصحاب ‪ ،‬وأفتى الستاذ أبو إسحق السفراييني‬
‫‪ ،‬والشيخ أبو محمد بأنه إذا صار عادة له صار البيع الثللاني‬
‫كالمشروط في الول فيبطلن جميعا ً ‪0‬‬
‫ونقل أيضا ً فللي المجمللوع )‪ (9/261‬عللن الرافعللي قللوله ‪-‬‬
‫بعد كلم له سبق ‪ -‬لن العتبللار عنللدنا بظللاهر العقللود ‪ ،‬ل‬
‫بما ينويه العاقلدان ‪ ،‬ولهلذا يصلح بيلع العينلة ‪ ،‬ونكلاح ملن‬
‫قصد التحليل ونظائره ‪0‬‬
‫وجاء في حاشية ابن عابدين )‪ (5/273‬وعللن أبللي يوسللف‬
‫العينة جائزة مأجور من عمل بها ‪ ،‬كذا في مختار الفتللاوى‬
‫الهندية ‪0 ( ..‬‬
‫ن فعلها ‪ ،‬وذلك لوجوه ‪:‬‬ ‫م ْ‬‫والصواب منع ذلك ‪ ،‬وتأثيم َ‬
‫‪ -1‬أن النبي صلى الله عليه وسلم )نهللى عللن بيعللتين فللي‬
‫بيعللة( أخرجلله المللام أحمللد )‪ (2/432‬والشللافعي )‪(532‬‬
‫والنسائي )‪ (7/295‬والترمذي )‪ (1231‬كلهللم مللن طريللق‬
‫محمد بن عمرو بن علقمة بن وقللاص ‪ ،‬عللن أبللي سلللمة ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه ‪0‬‬

‫‪197‬‬
‫وقال الترمذي حديث حسن صحيح ‪0‬‬
‫والعينة هي المقصودة في هذا الخبر ‪0‬‬
‫‪ -2‬أن الوسيلة إلى الربللا حللرام ‪ ،‬ول يختلللف العلمللاء فللي‬
‫تحريم الربا ‪ ،‬والعينة وسيلة إليه ‪ ،‬وحين سئل ابللن عبللاس‬
‫عن حريرة بيعت إلى أجللل ‪ ،‬ثللم اشللتريت بأقللل ‪ .‬فقللال ‪:‬‬
‫دراهم بدراهم ‪ ،‬دخلت بينهما حريرة ‪ .‬رواه سعيد وغيللره ‪،‬‬
‫وجاء نحوه عند عبد الرزاق في مصنفه ‪ .‬وسئل أنلس علن‬
‫دع هللذا ممللا حللرم الللله ‪،‬‬ ‫خل َ‬
‫العينللة ‪ ،‬فقللال ‪ :‬إن الللله ل ي ُ ْ‬
‫ورسوله ‪ .‬عزاه ابن القيم لمطين في كتاب البيوع ‪0‬‬
‫‪ -3‬مللا جللاء عنللد المللام أحمللد فللي مسللنده ‪ ،‬مللن طريللق‬
‫العمش ‪ ،‬عن عطاء بن أبي رباح ‪ ،‬عللن ابللن عمللر رضللي‬
‫الله عنهمللا قللال ‪ :‬سللمعت رسللول الللله صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم يقول‪) :‬إذا ضن الناس بالللدينار والللدرهم ‪ ،‬وتبللايعوا‬
‫بالعينة ‪ ،‬واتبعوا أذناب البقللر ‪ ،‬وتركللوا الجهللاد فللي سللبيل‬
‫الله ‪ ،‬أنزل الله بهم بلء ‪ ،‬فل يرفعلله عنهللم حللتى يراجعللوا‬
‫دينهم( ‪0‬‬
‫وهذا خبر ضللعيف ‪ ،‬وقللد جللاء مللن غيللر وجلله ‪ ،‬ول يصللح ‪،‬‬
‫وذهب شيخ السلم ‪ ،‬وابللن القيللم ‪ ،‬إلللى تقللويته بمجمللوع‬
‫طرقه ‪0‬‬
‫‪ -4‬ما رواه علي بن الجعد في مسنده )‪ (80‬ومللن طريقلله‬
‫البيهقي في سننه )‪ (5/330‬علن شلعبة عللن أبللي إسللحاق‬
‫قال دخلت امرأتي على عائشة ‪ ،‬وأم ولد لزيد بللن أرقللم ‪،‬‬
‫فقالت لها أم ولد زيد ‪ :‬إني بعت مللن زيللد عبللدا ً بثمانمللائة‬
‫نسيئة واشتريته منه بستمائة نقدا ً ‪ ،‬فقالت عائشللة رضللي‬
‫الله عنها )أبلغي زيدا ً أن قد أبطلت جهادك مع رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم إل أن تتوب بئسما شريت وبئس ما‬
‫اشتريت( ‪0‬‬
‫قال البيهقي رحمه الللله تعللالى ‪ :‬كللذا جللاء بلله شللعبة عللن‬
‫طريق الرسال ‪0‬‬
‫وهذا الخبر ‪ :‬ط ُِعن فيه بعلتين ‪:‬‬
‫‪ -1‬جهالللة العاليللة ‪ ،‬وقللد رد حللديثها الشللافعي فللي الم ‪،‬‬
‫والدارقطني ‪ ،‬وابن حزم في المحلى ‪0‬‬

‫‪198‬‬
‫وُرد هذا ‪ ،‬بأن العالية معروفة ‪ ،‬فقد دخلت علللى عائشللة ‪،‬‬
‫وسمعت منها ‪0‬‬
‫قال ابن الجوزي فللي التحقيللق – العاليللة ‪ -‬جليلللة القللدر ‪،‬‬
‫معروفة ‪0‬‬
‫وقال ابن عبد الهللادي فللي تنقيللح التحقيللق )‪ (2/558‬هللذا‬
‫إسناد جيد ‪ ،‬وإن كان الشافعي قد قال ‪ :‬إنلا ل نثبلت مثلله‬
‫على عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬وكذلك قول الدارقطني في‬
‫العالية إنها مجهولة ل يحتللج بهللا ‪ ،‬فيلله نظللر ‪ .‬وقللد خللالفه‬
‫غيره ( ‪0‬‬
‫‪ -2‬وعلة أخرى ‪ ،‬الختلف فيلله ‪ ،‬فقللد رواه الثللوري ‪ ،‬عللن‬
‫أبي إسحاق ‪ ،‬عن امرأة أبي السفر ‪ :‬أنها بللاعت مللن زيللد‬
‫بن أرقم ‪.‬‬
‫ورواه عبد الرزاق ‪ ،‬عن الثوري ‪ ،‬عللن أبللي إسللحاق ‪ ،‬عللن‬
‫امرأته قالت ‪ :‬سمعت امللرأة أبللي السللفر تقللول ‪ :‬سللألت‬
‫عائشة ‪0‬‬
‫تابعه عبد الله بن الوليد ‪ ،‬عن الثوري ‪0‬‬
‫قال ابن حزم رحمه الله تعالى في المحلللى )‪ (7/550‬قللد‬
‫صللح أنلله مللدلس – يعنللي ‪ :‬أبللا إسللحاق ‪ -‬وأن امللرأة أبللي‬
‫إسحاق لم تسمعه من أم المؤمنين ‪ ،‬وذلللك أنلله لللم يللذكر‬
‫عنها زوجها ‪ ،‬ول ولللدها ‪ :‬أنهللا سللمعت سللؤال المللرأة لم‬
‫المؤمنين ‪ ،‬ول جواب أم المؤمنين لها ‪ ،‬إنما فللي حللديثها ‪:‬‬
‫دخلت على أم المؤمنين ‪ ،‬أنللا ‪ ،‬وأم ولللد لزيللد بللن أرقللم ‪،‬‬
‫فسألتها أم ولد زيد ابن أرقم – وهذا يمكن أن يكللون ذلللك‬
‫السؤال في ذلك المجلس ‪ ،‬ويمكن أن يكون في غيره ثللم‬
‫روى أبو محمد بسنده إلللى محمللد بللن يوسللف الفريللابي ‪،‬‬
‫عللن سللفيان الثللوري ‪ ،‬علن أبلي إسللحاق علن املرأة أبلي‬
‫السفر ‪ :‬أنها باعت من زيد بن أرقللم خادملا ً لهللا بثمانمللائة‬
‫درهم إلى العطاء ‪ ......‬فذكره ‪0‬‬
‫قال ‪ :‬وبما رويناهللا مللن طريللق عبللد الللرزاق عللن سللفيان‬
‫الثوري ‪ ،‬عن أبللي إسللحاق عللن امرأتلله ‪ ،‬قللالت ‪ :‬سللمعت‬
‫امرأة أبي السفر تقول ‪ :‬سألت عائشة ‪ .....‬فذكره ‪ .‬قللال‬
‫أبللو محمللد ‪ :‬فللبين سللفيان وجلله الدفينللة الللتي فللي هللذا‬
‫الحللديث ‪ ،‬وأنهللا لللم تسللمعه امللرأة أبللي إسللحاق مللن أم‬

‫‪199‬‬
‫المؤمنين ‪ ،‬وإنما روته عن امرأة أبي السللفر ‪ ،‬وهللي الللتي‬
‫باعت من زيد ‪ ،‬وهي أم ولد لزيد ‪ ،‬وهي في الجهالة أشللد‬
‫وأقوى من امرأة أبي إسحاق ‪ ،‬فصارت مجهولة عن أشللد‬
‫منها جهاللة ونكللرة ‪ ،‬فبطللل جمللة ‪ ،‬وللله تعلالى الحملد ‪،‬‬
‫وليس بين يونس ‪ ،‬وبين سفيان نسبة في الثقة والحفظ ‪،‬‬
‫فالرواية ما روى سفيان ‪0‬‬
‫وقيل إن هذا الختلف غيللر مللؤثر ‪ ،‬وقللد جللزم ابللن القيللم‬
‫رحمه الله تعالى في إعلم المللوقعين بصللحته ‪ ،‬ورد علللى‬
‫المخللالفين فللي ذلللك ‪ ،‬ولللم أر لحللد مللن أهللل الحللديث‬
‫المتقللدمين تصللحيحا ً للله ‪ ،‬وقللد جللزم الشللافعي وغيللره‬
‫بضعفه ‪ ،‬والله أعلم ‪0‬‬
‫وفي الباب غير ذلك ‪ ،‬فقد جللاءت آثللار كللثيرة فللي تحريللم‬
‫العينة ‪ ،‬والقياس ‪ ،‬والنظر الصحيح يقتضي ذلك ‪0‬‬
‫وقد قال مسروق ‪ :‬العينة حرام ‪ .‬رواه ابن أبي شلليبة فللي‬
‫مصنفه )‪0 (4/282‬‬
‫وجاء عن الحسن وابن سيرين ‪ ،‬أنهمللا كرهللا العينللة ‪ ،‬ومللا‬
‫دخل الناس فيه منها ‪ .‬رواه ابن أبللي شلليبة فللي مصللنفه )‬
‫‪0 (4/283‬‬
‫وقال طاووس ‪ :‬من اشللترى سلللعة بنظللرة مللن رجللل فل‬
‫يبيعها إياه ‪ ،‬ومن اشترى بنقد فل يبيعها إياه بنظللرة ‪ .‬رواه‬
‫عبد الرزاق في مصنفه )‪0 (8/186‬‬
‫وقال معمر سألت حمادا ً عن رجل اشترى من رجل سلعة‬
‫‪ ،‬هل يبيعها منه قبل أن ينقده بوضلليعة ؟ قللال‪ :‬ل‪ ،‬وكرهلله‬
‫حتى ينقذه‪ .‬أخرجه عبد الرزاق في مصنفه )‪0 (8/186‬‬
‫وقال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى في الكللافي )‬
‫‪ (3/325‬وأما بيع العينة فمعناه أنه تحيللل فللي بيللع دراهللم‬
‫بدراهم أكثر منها إلى أجل بينهما سلعة محللة ‪ ،‬وهو أيض لا ً‬
‫من باب بيع ما ليس عنللدك ‪ ،‬وقللد نهللى عنلله رسللول الللله‬
‫صلى الله عليه وسلللم ؛ فللإن كللانت السلللعة المبيعللة فللي‬
‫ذلللك طعام لا ً دخللله أيض لا ً مللع ذلللك بيللع الطعللام قبللل أن‬
‫يستوفى ‪ ،‬مثال ذلك أن يطلب رجل من آخر سلعة ليبيعها‬
‫منه بنسيئة ‪ ،‬وهو يعلم أنها ليست عنده ويقول له اشللترها‬
‫من مالكها هذا بعشرة ‪ ،‬وهي علي باثني عشللر أو القللدرة‬

‫‪200‬‬
‫عشلر إللى أجلل كلذا فهلذا ل يجلوز لملا ذكرنلا ‪ ،‬واختللف‬
‫أصحاب مالك في فسخ البيع المذكور بالعينة إذا وقع على‬
‫ذلك ‪ ،‬فمنهم من رأى فسخه قبل الفوات ‪ ،‬وبعده يصلللحه‬
‫بالقيمة على حكم البيوع الفاسدة ‪0‬‬
‫وقال أبو محمد ابن حزم في المحلى )‪ (7/549‬فإن ابتللاع‬
‫سلعة بثمن مسمى إلى أجل مسمى ‪ ،‬فإنه ل يجوز للله أن‬
‫يبيعها من الذي باعها منه بثمللن أقللل مللن ذلللك الثمللن‪ ،‬أو‬
‫بسلعة تساوي أقل من ذلك الثمن نقدا ً ‪ ،‬أو إلى أجل أقللل‬
‫من ذلك الجل أو مثله ‪ :‬لم يجز شيء ملن ذللك ‪ ،‬ولله أن‬
‫يبيعها من الذي باعها منه بثمن أكثر من ذلك الثمن نقللدا ً ‪،‬‬
‫أو إلى أجل أقل مللن ذللك الجللل أو مثلله ‪ ،‬وليللس لله أن‬
‫يبيعها من بائعها منه بثمن أكثر من ذلللك الثمللن إلللى أبعللد‬
‫من ذلك الجل ‪ ،‬ول بسلعة تساوي أكللثر مللن ذلللك الثمللن‬
‫إلى أبعد من ذلك الجل ‪0‬‬
‫وقال ابن قدامة في المغني )‪ (4/256‬وجملة ذلك أن مللن‬
‫باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها بأقل منه نقللدا ً لللم يجللز‬
‫فللي قللول أكللثر أهللل العلللم ‪ ،‬روي ذلللك عللن ابللن عبللاس‬
‫وعائشة والحسن وابن سلليرين والشللعبي والنخعللي ‪ ،‬وبلله‬
‫قال أبو الزناد وربيعة وعبد العزيز بن أبي سلللمة والثللوري‬
‫والوزاعللي ومالللك وإسللحاق وأصللحاب الللرأي ‪ ،‬وأجللازه‬
‫الشافعي لنه ثمن يجوز بيعها به من غير بائعها فجللاز مللن‬
‫بائعها كما لو باعها بمثل ثمنها ‪ .‬ونقل عن المام أحمد أنلله‬
‫قللال ‪ :‬العينللة أن يكللون عنللد الرجللل المتللاع فل يللبيعه إل‬
‫بنسيئة ‪ ،‬فإن باعه بنقللد ونسلليئة فل بللأس ‪ .‬وقللال ‪ :‬أكللره‬
‫للرجل أن ل يكون له تجارة غير العينة ل يبيع بنقد ‪ ،‬وقللال‬
‫ابن عقيل إنما كره النسيئة لمضارعتها الربللا فللإن الغللالب‬
‫أن البائع بنسيئة يقصد الزيللادة بالجللل ‪ ،‬ويجللوز أن تكللون‬
‫العينة اسما لهذه المسللألة ‪ ،‬وللللبيع بنسلليئة جميعلا ً ‪ ،‬لكللن‬
‫البيع بنسيئة ليس بمحرم اتفاقا ً ‪ ،‬ول يكره إل أن يكون للله‬
‫تجارة غيره ‪0‬‬
‫وقال في النصاف )‪ (4/335‬ومللن بللاع سللعة بنسليئة للم‬
‫يجز أن يشتريها بأقللل ممللا باعهللا نقللدا ً ‪ ،‬إل أن تكللون قللد‬
‫تغيرت صفتها ‪0‬‬

‫‪201‬‬
‫قال ‪ :‬هذه مسألة العينة ‪ ،‬فعلها محرم ‪ .‬على الصحيح من‬
‫المذهب ‪ .‬نص عليه ‪ .‬وعليه الصحاب ‪ ،‬وعند أبي الخطاب‬
‫يحرم استحسانا ً ‪ ،‬ويجوز قياسا ً ‪ .‬وكذا قال في الللترغيب ‪:‬‬
‫لم يجز استحسانا ً ‪ .‬وفي كلم القاضي وأصحابه ‪ :‬القيللاس‬
‫صحة البيع ‪0‬‬
‫قال في الفروع ‪ :‬ومرادهم أن القياس خولف لدليل راجح‬
‫‪ ،‬فل خلف إذا ً فللي المسلألة ‪ .‬وحكللى الزركشلي بالصللحة‬
‫قول ً ‪ ،‬وذكر الشيخ تقي الدين أيضا ً ‪ :‬أنه يصح البيع الول ‪،‬‬
‫إذا كان بيانا ً ‪ ،‬بل مواطأة ‪ ،‬وإل بطل ‪ ،‬وأنه قول أحمد ‪0‬‬
‫وجاء في السؤال ‪ :‬ما صورة التورق ‪0‬‬
‫والتورق هو ‪ :‬شراء سلعة بثمن مؤجللل بقصللد بيعهللا علللى‬
‫غير البائع ‪0‬‬
‫وحكم ذلك ‪ :‬الجواز في أصللح قللولي العلمللاء ‪ ،‬وهللو قللول‬
‫إياس بن معاويللة ‪ ،‬والمللام أحمللد فللي إحللدى الروايللتين ‪،‬‬
‫وهي المشهورة عند الحنابلة ‪0‬‬
‫قال في كشاف القناع )‪ (3/186‬ولو احتاج إنسان إلى نقد‬
‫‪ ،‬فاشترى ما يساوي مائة بمائة وخمسين ‪ ،‬فل بأس بللذلك‬
‫‪ .‬نص عليه ‪ ،‬وهي مسألة التورق ( ‪0‬‬
‫ودليل الجواز ‪:‬‬
‫)‪ (1‬أن الصل في العقللود والمعللاملت الحللل حللتى يقللوم‬
‫الدليل على تحريمها ‪0‬‬
‫)‪ (2‬وبللدليل العمللوم المسللتفاد مللن قللوله تعللالى )ي َللا أ َي ّهَللا‬
‫َ‬
‫مى فَللاك ْت ُُبوهُ‬ ‫سل ّ‬ ‫م َ‬
‫ل ُ‬ ‫ن إ ِل َللى أ َ‬
‫جل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫م ب ِلد َي ْ‬‫داَينت ُ ْ‬ ‫من ُللوا إ ِ َ‬
‫ذا ت َل َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ه ال ْب َي ْ َ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬‫ل( وقوله تعالى )وَأ َ‬ ‫ب ِبال ْعَد ْ ِ‬‫كات ِ ٌ‬‫م َ‬ ‫ب ب َي ْن َك ُ ْ‬‫وَل ْي َك ْت ُ ْ‬
‫م الّرَبا( ‪0‬‬ ‫حّر َ‬ ‫وَ َ‬
‫فمن اشترى سلعة قرضا ً ‪ ،‬سواء قصد ذاتها أو ثمنها فالية‬
‫مفيدة بجواز هذا البيع ويتأكد هذا بالصل في حكم العقللود‬
‫والمعاملت ‪ ،‬فل يخرج عن هذا الصل إل بدليل ‪0‬‬
‫ول أعلم دليل ً شرعيا ً يمنع هذه المعاملة ‪ ،‬وأما تعليللل مللن‬
‫منعهللا بكللون المقصللود منهللا الللدراهم ‪ ،‬أو التحايللل علللى‬
‫الربا ‪ ،‬فليس فيه تحيل على الربا بوجه مللن الوجللوه ‪ ،‬مللع‬
‫مسيس الحاجة إليها ‪ ،‬لنه ليس كللل أحللد اشللتدت حللاجته‬
‫إلى النقللد يجللد مللن يقرضلله بللدون ربللا ‪ ،‬ومللا دعللت إليلله‬

‫‪202‬‬
‫الحاجة ‪ ،‬وليس فيه محذور شرعي ‪ ،‬لم يجز تحريمه علللى‬
‫العباد ‪0‬‬
‫• وذهب عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬وطائفة من أهللل المدينللة ‪،‬‬
‫والمام أحمد في رواية إلى التحريللم ‪ ،‬وهللذا اختيللار شلليخ‬
‫السلم ابن تيمية ‪ ،‬وتلميذه العلمة ابن القيم ‪0‬‬
‫وقللال شلليخ السلللم رحملله الللله تعللالى فللي الفتللاوى )‬
‫‪ (29/303‬إن كلللان المشلللتري محتاجلللا ً إللللى اللللدراهم ‪،‬‬
‫فاشتراها ليبيعها ‪ ،‬ويأخذ ثمنها ‪ ،‬فهللذا يسللمى التللورق وإن‬
‫كان المشتري غرضه أخذ الورق ‪ ،‬فهذا مكروه فللي أظهللر‬
‫قولي العلماء ‪ ،‬كما قال عمر بن عبد العزيز ‪ :‬التورق أخية‬
‫الربللا ‪ .‬وقللال ابللن عبللاس ‪ :‬إذا قللومت بنقللد ‪ ،‬ثللم بعللت‬
‫بنسيئة ‪ :‬فتلك دراهم بدراهم ‪ ،‬وهذا إحللدى الروايللتين عللن‬
‫أحمد ‪0‬‬
‫ومعنى قول عمر بن عبد العزيز أخية الربا ‪ ،‬يعنللي ‪ :‬أصللل‬
‫الربا قاله شيخ السلم ابن تيمية رحمه الللله تعللالى ‪ ،‬كمللا‬
‫في الفتاوى )‪(29/431‬‬
‫وقللال شليخ السلللم رحمله اللله تعلالى أيضلا ً ‪ ،‬فللي بيللان‬
‫الدليل في إبطال التحليللل )‪ (119‬ولهللذا كللره العلمللاء أن‬
‫يكون أكثر بيع الرجل أو عامته بنسيئة لئل يدخل في اسللم‬
‫العينة ‪ ،‬وبيع المضطر ‪ ،‬فإن أعاد السلللعة إلللى البللائع فهللو‬
‫الذي ل يشك في تحريمه ‪ ،‬وأما إن باعها لغيره بيعا ً بتاتللا ً ‪،‬‬
‫ولم تعد إلى الول بحال فقد اختلف السلف فللي كراهيتلله‬
‫ويسمونه التورق لن مقصوده الورق ‪ ،‬وكان عمر بن عبللد‬
‫العزيز يكرهه ‪ ،‬وقال التورق أخية الربا وإياس بللن معاويللة‬
‫يرخص فيه ‪ ،‬وعن المام أحمد فيه روايتللان منصوصللتان ‪،‬‬
‫وأشار في رواية الكراهة إلى أنه مضطر ‪0‬‬
‫وقال ابن القيم رحمله اللله تعلالى فلي إعلم الملوقعين )‬
‫‪ (3/370‬وهذا المضطر إن أعاد السلللعة إلللى بائعهللا فهللي‬
‫العينة وإن باعها لغيره فهو التورق وإن رجعللت إلللى ثللالث‬
‫يدخل بينهملا فهللو محللل الربللا والقسللام الثلثللة يعتمللدها‬
‫المرابون وأخفها التورق ‪ ،‬وقد كرهه عمر ابن عبد العزيللز‬
‫وقال هو أخية الربا ‪ ،‬وعن أحمد فيلله روايتللان وأشللار فللي‬
‫رواية الكراهة إلى أنه مضطر ‪ ،‬وهذا من فقهه رضي الللله‬

‫‪203‬‬
‫عنه قال فإن هذا ل يدخل فيلله إل مضللطر ‪ ،‬وكللان شلليخنا‬
‫رحمه الله يمنع من مسألة التورق وروجع فيها مللرارا ً وأنللا‬
‫حاضر فلم يرخص فيهللا وقللال المعنللى الللذي لجللله حللرم‬
‫الربا موجود فيها بعينلله مللع زيللادة الكلفللة بشللراء السلللعة‬
‫وبيعها والخسارة فيها ؛ فالشريعة ل تحللرم الضللرر الدنللى‬
‫وتبيح ما هو أعلى منه ‪0‬‬
‫وقللال أيض لا ً فللي تهللذيب السللنن )‪ 250-9/249‬المطبللوع‬
‫ضمن عون المعبللود( فللإن قيللل فمللا تقولللون إذا لللم تعللد‬
‫السلعة إليه بل رجعت إلى ثالث هل تسمون ذلك عينة ؟‬
‫قيل هذه مسألة )التورق( لن المقصود منها الورق ‪ ،‬وقللد‬
‫نص أحمد في رواية أبي داود على أنها من العينة ‪ ،‬وأطلق‬
‫عليها اسمها ‪0‬‬
‫وقللد اختلللف السلللف فللي كراهيتهللا ‪ ،‬فكللان عمللر بللن‬
‫عبللدالعزيز يكرههللا ‪ ،‬وكللان يقللول )التللورق أخيللة الربللا(‬
‫ورخص فيها إياس بن معاوية ‪0‬‬
‫وعن أحمد فيها روايتان منصوصتان ‪ ،‬وعلللل الكراهللة فللي‬
‫إحداهما بأنه بيع مضطر وقللد روى أبللو داود عللن علللي أن‬
‫النبي نهى عللن المضللطر ‪ ،‬وفللي المسللند عللن علللي قللال‬
‫سيأتي على الناس زمان يعض المؤمن علللى مللا فللي يللده‬
‫م(‬ ‫ل ب َي ْن َك ُل ْ‬ ‫وا ال َْف ْ‬
‫ضل َ‬ ‫سل ْ‬
‫ولم يؤمر بللذلك ‪ ،‬قللال تعللالى )َول َتن َ‬
‫ويبايع المضطرون ‪ ،‬وقد نهى رسول الله صلى الللله عليلله‬
‫وسلم عن بيع المضطر ‪ ( ...‬وذكر الحديث ‪0‬‬
‫فأحمد رحمه الله تعالى أشار إلى أن العينة إنمللا تقللع مللن‬
‫رجل مضطر إلللى نقللد لن الموسللر يضللن عليلله بللالقرض‬
‫فيضطر إلى أن يشتري منه سلعة ثم يبيعها فللإن اشللتراها‬
‫منه بائعها كانت عينة ‪ ،‬وإن باعها من غيره فهي )التللورق(‬
‫ومقصوده في الموضللعين ‪ :‬الثمللن فقللد حصللل فللي ذمتلله‬
‫ثمن مؤجل مقابل لثمن حال أنقص منلله ‪ ،‬ول معنللى للربللا‬
‫إل هذا لكنه ربا بسلم لم يحصل له مقصللوده إل بمشللقة ‪،‬‬
‫ولو لم يقصده كان ربا بسهولة ‪0‬‬
‫وقال ابن مفلح في الفروع )‪ (4/126‬ولو احتللاج إلللى نقللد‬
‫فاشترى ما ساوى مائة بمائتين فل بأس ‪ ،‬نص عليه ‪ ،‬هللي‬
‫التورق ‪ ،‬وعنه ‪ :‬يكره ‪ .‬وحرمه شلليخنا ‪ ،‬نقللل أبللو داود إن‬

‫‪204‬‬
‫كان ل يريد بيع المتاع الذي يشتريه منك هللو أهللون ؛ فللإن‬
‫كان يريد بيعه فهو العينللة وإن بللاعه منلله لللم يجللز ‪ ،‬وهللي‬
‫العينة نص عليه ‪0‬‬
‫وفيه أدلة أخرى للذين يجيزون التورق ‪ ،‬والللذين يحرمللون‬
‫ذلك ‪0‬‬
‫والصواب من قولي العلماء جللواز التللورق ‪ ،‬وهللذا مللذهب‬
‫الجمهور ‪ ،‬فإن الصل في البيوع والمعاملت الحللل ‪ ،‬ولللم‬
‫يأت دليل يقضي بأن التورق ربا ‪ ،‬أو فيه شللبهة ربللا ‪ ،‬فقللد‬
‫بيعت السلعة على غير المشترى منه ‪ ،‬فانتفت شبهة الربا‬
‫الموجودة في بيع العينة ‪ ،‬والعجيب في المسألة أن بعللض‬
‫الفقهللاء يجيللز العينللة إذا لللم يكللن فيلله تواطللأ بيللن البللائع‬
‫والمشللتري ويمنللع التللورق ‪ ،‬وهللذا تنللاقض ‪ ،‬وتفريللق بيللن‬
‫المتماثلين ‪ ،‬والله أعلم ‪0‬‬
‫هذا ونحث المسلمين ‪ ،‬ممن آتاهم الله بسطة في المال ‪،‬‬
‫وثلللروة فلللي القتصلللاد ‪ ،‬مواسلللاة ومسلللاعدة إخلللوانهم‬
‫المعسرين ‪ ،‬والقيللام معهللم فللي معيشللتهم ‪ ،‬والنظللر فللي‬
‫شؤنهم ‪ ،‬فالمسلمون بعضهم لبعض كالعضو الواحد ‪ ،‬وقللد‬
‫جاء السلم بالتكافل الجتماعي ‪ ،‬وجاء الركن الثالث مللن‬
‫أركان السلم ‪ ،‬الزكاة ‪ ،‬ومما رغللب فيلله الصللدقة ‪ ،‬وممللا‬
‫حللث عليلله إنظللار المعسللر والتعللاون مللع المعللوزين ‪،‬‬
‫والتوسلليع علللى المعسللرين ممللا يعللزز عمللق الخللوة‬
‫الصادقة ‪ ،‬وينشر المودة الخالصة ‪ ،‬ويبث روح الرحمة بين‬
‫أفراد المجتمع ‪ ،‬يحسن فيها القوي على الضللعيف والغنللي‬
‫على الفقير ‪0‬‬
‫إن السلم ضرب القدح المعلى ‪ ،‬وصور المثل العليللا فللي‬
‫التكافل الجتماعي والتضامن السلمي ‪ ،‬فجاء في النفاق‬
‫علللى المحتللاجين ‪ ،‬والبللذل للمعللوزين ‪ ،‬والعطللف علللى‬
‫الفقراء والمدينين ‪ ،‬ورتب على ذلك تجاوز الله تعالى عللن‬
‫الذنوب والثام ‪ ،‬قال رسول الله صلللى الللله عليلله وسلللم‬
‫)تلقللت الملئكللة روح رجللل ممللن كللان قبلكللم ‪ ،‬قللالوا ‪:‬‬
‫أعملللت مللن الخيللر شلليئا ً ؟ قللال ‪ :‬كنللت آمللر فتيللاني أن‬
‫ينظروا ويتجللاوزوا عللن المعسللر ‪ ،‬قللال ‪ :‬قللال ‪ :‬فتجللاوزوا‬

‫‪205‬‬
‫عنه( متفق عليه من طريق زهير ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن ربعي‬
‫بن حراش ‪ ،‬عن حذيفة رضي الله عنه ‪0‬‬
‫وإنظار المعسر ‪ ،‬من أسباب تنفيس كرب يوم القيامة‪،‬كما‬
‫جاء في صللحيح مسلللم )‪ (1563‬مللن طريللق أيللوب ‪ ،‬عللن‬
‫يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن عبد الللله بللن أبللي قتللادة ‪ ،‬أن أبللا‬
‫قتادة طلب غريما ً له فتوارى عنه ‪ ،‬ثم وجده ‪ ،‬فقال ‪ :‬إني‬
‫معسر ‪ ،‬فقال ‪ :‬آلللله؟ ‪ ،‬قللال ‪ :‬آلللله قللال ‪ :‬فللإني سللمعت‬
‫رسول الله صلى الللله عليلله وسلللم يقللول )مللن سللره أن‬
‫ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عللن معسللر ‪ ،‬أو‬
‫يضع عنه( ‪0‬‬
‫وإنظار المعسر ‪ ،‬من أسباب الستظلل بظل الللله يللوم ل‬
‫ظللل إل ظللله ‪ ،‬روى مسلللم فللي صللحيحه )‪ (3006‬مللن‬
‫طريق يعقوب بن مجاهد أبي حزرة ‪ ،‬عن عبادة بن الوليللد‬
‫ابن عبادة بن الصامت قال ‪ :‬خرجت أنا وأبي نطلب العلم‬
‫في هذا الحي من النصار ‪ ،‬قبل أن يهلكوا ‪ ،‬فكان أول من‬
‫لقينا أبا اليسر ‪ ،‬صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلللم‬
‫ومعه غلم له ‪ ،‬معه ضمامة من صحف ‪ ،‬وعلى أبي اليسر‬
‫بردة ومعافري ‪ ،‬وعلى غلمه بللردة ومعللافري ‪ ،‬فقللال للله‬
‫أبي ‪ :‬يا عم إني أرى في وجهك سفعة من غضب ‪ ،‬قللال ‪:‬‬
‫أجل كان لي علللى فلن بللن فلن الحرامللي مللال ‪ ،‬فللأتيت‬
‫ي ابن للله‬ ‫أهله فسلمت ‪ ،‬فقلت ثم هو ؟ قالوا ل فخرج عل ّ‬
‫جفر ‪ ،‬فقلت له أين أبوك ؟ قال سمع صوتك فدخل أريكة‬
‫أمي ‪ ،‬فقلت اخرج إلللي فقللد علمللت أيللن أنللت ‪ ،‬فخللرج ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬ما حملك على أن اختبللأت منللي ؟ قللال أنللا والللله‬
‫أحدثك ‪ ،‬ثم ل أكذبك خشيت ‪ ،‬والللله أن أحللدثك فأكللذبك ‪،‬‬
‫وأن أعدك فأخلفك ‪ ،‬وكنت صاحب رسول الله صلللى الللله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وكنت والله معسرا ً ‪ ،‬قللال قلللت آلللله ‪ ،‬قللال‬
‫الله ‪ ،‬قلت آلله ‪ ،‬قال الللله ‪ ،‬قلللت آلللله ‪ ،‬قللال الللله‪ ،‬قللال‬
‫فللأتى بصللحيفته فمحاهللا بيللده ‪ ،‬فقللال إن وجللدت قضللاء‬
‫فاقضني ‪ ،‬و إل أنت في حللل ‪ ،‬فأشللهد بصللر عينللي هللاتين‬
‫)ووضع إصبعيه على عينيلله( وسللمع أذنللي هللاتين ‪ ،‬ووعللاه‬
‫قلبي هذا )وأشار إلى مناط قلبه( رسول الللله صلللى الللله‬

‫‪206‬‬
‫عليه وسلم وهو يقول )من أنظر معسرا ً ‪ ،‬أو وضللع عنلله ‪،‬‬
‫أظله الله في ظله( ‪0‬‬
‫إن النفوس الكريمة ‪ ،‬مجبولة على حب من أحسن إليهللا ‪،‬‬
‫وصنائع المعروف ساترة لعيللوب صللاحبه ‪ ،‬غللافرة لزلتلله ‪،‬‬
‫متجاوزة عن هفوته‬
‫ب المرِء في الناس بخُله … …‬ ‫وُيظهُر عي َ‬
‫وَيستُره عنهم جميعا ً سخا ُ‬
‫ؤه‬
‫ب السخاِء فإنني … …‬ ‫ط بأثوا ِ‬‫َتغ ّ‬
‫ؤه‬ ‫ب والسخاُء غطا ُ‬ ‫ل عي ٍ‬ ‫أرى ك ّ‬
‫إن صللاحب المعللروف يسللتعبد قلللوب الحللرار ‪ ،‬ويعطللف‬
‫قلوبهم إليه ‪ ،‬ويحبب الناس إليه ولللو لللم ينللل النللاس مللن‬
‫إحسانه‬
‫م……‬ ‫أحسن إلى الناس تستعبد قلوبه ُ‬
‫ن‬
‫فطالما استعبد النسان إحسا ُ‬
‫من جاد بالمال مال الناس قاطبة … …‬
‫ن‬‫إليه والمال للنسان فتا ُ‬
‫أحسن إذا كان إمكان ومقدرة … …‬
‫ن‬‫فلن يدوم على النسان إمكا ُ‬
‫إن البذل والسخاء خلق كريم ‪ ،‬من أشرف القيم العاليللة ‪،‬‬
‫والخلق الفاضلللة بلله يتبللؤ صللاحبه الرتللب العليللة ‪ ،‬وينللال‬
‫الشللرف الرفيللع ‪ ،‬ذلللك لن الجللود مللن أشللرف المكللارم‬
‫وأخص الفضائل ‪ ،‬وأهله هم المكرمون عند الله تعالى‬
‫ة ل يسللتوي البخللل عنللد الللله‬ ‫ة والبخل مبغضل ٌ‬ ‫الجود مكرم ٌ‬
‫والجود ُ‬
‫==================‬
‫‪ #‬قرار رقم ‪ (2/7 ) 64 :‬بشأن البيع بالتقسيط‬
‫مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪21/10/1425‬‬
‫‪04/12/2004‬‬
‫مجلة المجمع )ع ‪ ،6‬ج ‪ 1‬ص ‪ 193‬والعدد السللابع ج ‪ 2‬ص‬
‫‪(9‬‬
‫إن مجلللس مجمللع الفقلله السلللمي المنعقللد فللي دورة‬
‫مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربيللة السللعودية مللن‬

‫‪207‬‬
‫‪ 12-7‬ذي القعدة ‪1412‬هل الموافق ‪ 14 – 9‬أيللار )مللايو(‬
‫‪1992‬م ‪،‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الللواردة إلللى المجمللع بخصللوص‬
‫موضللوع الللبيع بالتقسلليط‪ ،‬واسللتكمال ً للقللرار ‪(2/6) 51‬‬
‫بشأنه‪،‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬الللبيع بالتقسلليط جللائز شللرعًا‪ ،‬ولللو زاد فيلله الثمللن‬
‫المؤجل على المعجل ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الوراق التجارية )الشيكات‪-‬السللندات لمللر‪-‬سللندات‬
‫السحب( من أنواع التوثيق المشروع للدين بالكتابة ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إن حسم )خصم( الوراق التجارية غير جائز شللرعًا‪،‬‬
‫لنه يؤول إلى ربا النسيئة المحرم ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬الحطيطة من الدين المؤجل‪ ،‬لجللل تعجيلله‪ ،‬سلواء‬
‫أكانت بطلب الدائن أو المدين )ضع وتعجل( جائزة شرعًا‪،‬‬
‫ل تدخل في الربللا المحللرم إذا لللم تكللن بنللاء علللى اتفللاق‬
‫مسبق‪ ،‬وما دامت العلقة بين الدائن والمدين ثنائية ‪ .‬فإذا‬
‫دخل بينهما طرف ثالث لم تجللز‪ ،‬لنهللا تأخللذ عنللدئذٍ حكللم‬
‫حسم الوراق التجارية ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر القساط‬
‫عند امتناع المدين عللن الوفللاء بللأي قسللط مللن القسللاط‬
‫المستحقة عليه ما لم يكن معسرا ً ‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬إذا اعتبر الدين حال ً لموت المدين‪ ،‬أو إفلسه‪ ،‬أو‬
‫ممللاطلته‪ ،‬فيجللوز فللي جميللع هللذه الحللالت الحللط منلله‬
‫للتعجيل بالتراضي ‪.‬‬
‫سابعا ً ‪ :‬ضللابط العسللار الللذي يللوجب النظللار ‪ :‬أل يكللون‬
‫للمدين مال زائد عن حوائجه الصلية يفللي بللدينه نقللدًا‪ ،‬أو‬
‫عينا ً ‪.‬‬
‫والله أعلم‬
‫=============‬
‫‪#‬السندات‬
‫مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪19/10/1425‬‬

‫‪208‬‬
‫‪02/12/2004‬‬
‫مجلة المجمع )ع ‪ ،6‬ج ‪ 2‬ص ‪1273‬ع ‪ 7‬ج ‪ 1‬ص ‪(73‬‬
‫إن مجلللس مجمللع الفقلله السلللمي المنعقللد فللي دورة‬
‫مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من‬
‫‪ 23-17‬شللعبان ‪1410‬هل ل الموافللق ‪20-14‬آذار )مللارس(‬
‫‪1990‬م‪،‬‬
‫بعد اطلعه على البحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في‬
‫ندوة السواق المالية المنعقدة في الرباط ‪ 24 – 20‬ربيع‬
‫الثاني ‪ 1410‬هل ‪ 1989 / 10/ 24 – 20 /‬م بالتعاون بين‬
‫هذا المجمع والمعهد السلمي للبحللوث والتللدريب بالبنللك‬
‫السلمي للتنمية ‪ ،‬وباستضللافة وزارة الوقللاف والشللؤون‬
‫السلمية بالمملكة المغربية ‪،‬‬
‫وبعد الطلع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها‬
‫أن يدفع لحاملها القيمة السمية عند الستحقاق ‪ ،‬مع دفللع‬
‫فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة السمية للسللند ‪ ،‬أو‬
‫ترتيب نفع مشروط سواء أكللان جللوائز تللوزع بالقرعللة أم‬
‫مبلغا ً مقطوعا ً أم حسما ً ‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬إن السندات التي تمثل التزاما ً بدفع مبلغا ً مع فللائدة‬
‫منسوبة إليلله أو نفللع مشللروط محرمللة شللرعا ً مللن حيللث‬
‫الصدار أو الشراء أو التداول ‪ ،‬لنهلا قلروض ربويلة سلواء‬
‫أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولللة ‪.‬‬
‫ول أثر لتسميتها شهادات أو صكوكا ً اسلتثمارية أو ادخاريلة‬
‫أو تسللمية الفللائدة الربويللة الملللتزم بهللا ربح لا ً أو ريع لا ً أو‬
‫عمولة أو عائدا ً ‪.‬‬
‫ثانيلللا ً ‪ :‬تحلللرم أيضللا ً السلللندات ذات الكوبللون الصللفري‬
‫باعتبارها قروضا ً يجري بيعها بأقللل مللن قيمتهللا السللمية ‪،‬‬
‫ويسللتفيد أصللحابها مللن الفللروق باعتبارهللا حسللما ً لهللذه‬
‫السندات ‪.‬‬
‫ثالث لا ً كمللا تحللرم أيض لا ً السللندات ذات الجللوائز باعتبارهللا‬
‫قروضللا ً ُاشللترط فيهللا نفللع أو زيللادة بالنسللبة لمجمللوع‬
‫المقرضين ‪ ،‬أو لبعضهم ل على التعيين ‪ ،‬فضل ً عللن شللبهة‬
‫القمار ‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬من البدائل للسندات المحرمللة – إصللدارا ً أو شللراءً‬
‫أو تللداول ً – السللندات أو الصللكوك القائمللة علللى أسللاس‬
‫المضاربة لمشروع أو نشللاط اسللتثماري معيللن ‪ ،‬بحيللث ل‬
‫يكون لمالكيهلا فللائدة أو نفلع مقطلوع ‪ ،‬وإنمللا تكلون لهللم‬
‫نسبة من ربح هذا المشللروع بقللدر مللا يملكللون مللن هللذه‬
‫السندات أو الصللكوك ول ينللالون هللذا الربللح إل إذا تحقللق‬
‫فعل ً ‪ .‬ويمكللن السللتفادة فللي هللذا مللن الصلليغة الللتي تللم‬
‫اعتمادهللا بللالقرار رقللم ‪ (5/4) 30‬لهللذا المجمللع بشللأن‬
‫سندات المقارضة ‪.‬‬
‫والله أعلم‬
‫============‬
‫‪#‬التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها‬
‫مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪21/10/1425‬‬
‫‪04/12/2004‬‬
‫مجلة المجمع )ع ‪5‬ج ‪4‬ص ‪2773‬ع ‪6‬ج ‪1‬ص ‪( 81‬‬
‫إن مجلللس مجمللع الفقلله السلللمي المنعقللد فللي دورة‬
‫مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من‬
‫‪ 23 -17‬شللعبان ‪ 1410‬هللل الموافللق ‪ 20 – 14‬آذار‬
‫)مارس( ‪1990‬م‪،‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الللواردة إلللى المجمللع بخصللوص‬
‫موضوع التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها ‪،‬‬
‫واستماعه للمناقشات التي دارت حوله ‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬إن المسللكن مللن الحاجللات الساسللية للنسللان ‪،‬‬
‫وينبغللي أن يللوفر بللالطرق المشللروعة بمللال حلل ‪ ،‬وإن‬
‫الطريقة التي تسلكها البنوك العقارية والسكانية ونحوها ‪،‬‬
‫من القراض بفائدة قللت أو كلثرت‪ ،‬هلي طريقلة محرملة‬
‫شرعا ً لما فيها من التعامل بالربا ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬هنللاك طللرق مشللروعة ُيسللتغنى بهللا عللن الطريقللة‬
‫المحرمللة‪ ،‬لتللوفير المسللكن بالتملللك )فضلل ً عللن إمكانيللة‬
‫توفيره باليجار(‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫‪210‬‬
‫أ‪ -‬أن تقدم الدولة للراغللبين فللي تملللك مسللاكن‪ ،‬قروض لا ً‬
‫مخصصة لنشاء المساكن‪ ،‬تستوفيها بأقساط ملئمة بدون‬
‫فللائدة‪ ،‬سللواء أكللانت الفللائدة صللريحة‪ ،‬أم تحللت سللتار‬
‫اعتبارها )رسللم خدمللة(‪ ،‬علللى أنلله إذا دعللت الحاجللة إلللى‬
‫تحصيل نفقات لتقديم عمليات القللروض ومتابعتهللا‪ ،‬وجللب‬
‫أن يقتصر فيها على التكاليف الفعلية لعملية القرض علللى‬
‫النحو المللبين فللي الفقللرة )أ( مللن القللرار رقللم ‪(1/3)13‬‬
‫للدورة الثالثة لهذا المجمع ‪.‬‬
‫ب – أن تتللولى الدولللة القللادرة إنشللاء المسللاكن وتبيعهللا‬
‫للراغبين في تملك مساكن بالجللل والقسللاط‪ ،‬بالضللوابط‬
‫الشرعية المبينة في القرار ‪ (2/6) 51‬لهذه الدورة ‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن يتولى المسللتثمرون مللن الفللراد أو الشللركات بنللاء‬
‫مساكن تباع بالجل ‪.‬‬
‫د‪ -‬أن تملك المساكن عن طريق عقللد الستصللناع – علللى‬
‫أساس اعتباره لزم لا ً – وبللذلك يتللم شللراء المسللكن قبللل‬
‫بنلائه‪ ،‬بحسلب الوصلف اللدقيق المزيلل للجهاللة المؤديلة‬
‫للنزاع‪ ،‬دون وجوب تعجيل جميع الثمللن‪ ،‬بللل يجللوز تللأجيله‬
‫بأقسللاط يتفللق عليهللا‪ ،‬مللع مراعللاة الشللروط والحللوال‬
‫المقررة لعقد الستصناع لدى الفقهللاء الللذين ميللزوه عللن‬
‫عقد السلم ‪.‬‬
‫ويوصي بما يلي ‪:‬‬
‫مواصلة النظر ليجاد طللرق أخللرى مشلروعة تلوفر تمللك‬
‫المساكن للراغبين في ذلك ‪.‬‬
‫والله الموفق‪.‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬حكم شراء المنازل بقرض بنكي ربوي‬
‫للمسلمين في غير بلد السلم‬
‫قرارات المجلس الوروبي للفتاء والبحوث ‪16/3/1426‬‬
‫‪25/04/2005‬‬
‫قرار المجلس‪:‬‬
‫مللت بهللا البلللوى فللي‬
‫نظر المجلللس فللي القضللية الللتي ع ّ‬
‫أوروبا وفي بلد الغللرب كلهللا‪ ،‬وهللي قضللية المنللازل الللتي‬
‫تشترى بقرض ربوي بواسطة البنوك التقليدية‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫وقد ُقدمت إلى المجلس عدة أوراق في الموضوع ما بيللن‬
‫مؤيد ومعارض‪ ،‬قرئت علللى المجلللس‪ ،‬ثللم ناقشللها جميللع‬
‫العضاء مناقشة مستفيضة‪ ،‬انتهى بعدها المجلس بأغلبيللة‬
‫أعضائه إلى ما يلي‪:‬‬
‫* يؤكد المجلس على ما أجمعللت عليلله المللة مللن حرمللة‬
‫الربا‪ ،‬وأنه من السبع الموبقات‪ ،‬ومللن الكبللائر الللتي تللؤذن‬
‫بحرب من الله ورسوله‪ ،‬ويؤكد ما قررته المجامع الفقهيللة‬
‫السلمية من أن فوائد البنوك هي الربا الحرام‪.‬‬
‫* يناشد المجلس أبناء المسلمين في الغللرب أن يجتهللدوا‬
‫فللي إيجللاد البللدائل الشللرعية‪ ،‬الللتي ل شللبهة فيهللا‪ ،‬مللا‬
‫اسللتطاعوا إلللى ذلللك سللبي ً‬
‫ل‪ ،‬مثللل )بيللع المرابحللة( الللذي‬
‫تسللتخدمه البنللوك السلللمية‪ ،‬ومثللل تأسلليس شللركات‬
‫إسلمية تنشئ مثل هذه البيوت بشروط ميسللرة مقللدورة‬
‫لجمهور المسلمين‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫* كما يللدعو التجمعللات السلللمية فللي أوروبللا أن تفللاوض‬
‫البنللوك الوروبيللة التقليديللة؛ لتحويللل هللذه المعاملللة إلللى‬
‫صيغة مقبولة شرعًا‪ ،‬مثل )بيع التقسلليط( الللذي يللزاد فيلله‬
‫الثمن مقابل الزيادة فللي الجللل‪ ،‬فللإن هللذا سلليجلب لهللم‬
‫دا كبيًرا من المسلمين يتعامل معهم على أسللاس هللذه‬ ‫عد ً‬
‫الطريقللة‪ ،‬وهللو مللا يجللري بلله العمللل فللي بعللض القطللار‬
‫دا من البنوك الغربية الكللبرى تفتللح‬ ‫الوروبية‪ ،‬وقد رأينا عد ً‬
‫عللا لهللا فللي بلدنللا العربيللة تتعامللل وفللق الشللريعة‬‫فرو ً‬
‫السلمية‪ ،‬كما في البحرين وغيرها‪.‬‬
‫* ويمكن للمجلس أن يساعد في ذللك بإرسلال نلداء إللى‬
‫هذه البنوك؛ لتعديل سلوكها مع المسلمين‪.‬‬
‫وإذا لم يكن هذا ول ذاك ميسرا ً في الوقت الحاضللر‪ ،‬فللإن‬
‫المجلس في ضوء الدلة والقواعد والعتبللارات الشللرعية‪،‬‬
‫سا من اللجوء إلى هللذه الوسلليلة‪ ،‬وهللي القللرض‬ ‫ل يرى بأ ً‬
‫الربللوي لشللراء بيللت يحتللاج إليلله المسلللم لسللكناه هللو‬
‫وأسرته‪ ،‬بشرط أل يكون لديه بيت آخللر يغنيله‪ ،‬وأن يكللون‬
‫هو مسكنه الساسي‪ ،‬وأل يكون عنده من فائض المال مللا‬
‫كنه من شرائه بغير هذه الوسيلة‪ ،‬وقد اعتمللد المجلللس‬ ‫يم ّ‬
‫في فتواه على مرتكزين أساسيين‪:‬‬

‫‪212‬‬
‫المرتكللز الول‪ :‬قاعللدة )الضللرورات تبيللح المحظللورات(‪:‬‬
‫وهي قاعدة متفق عليها‪ ،‬مأخوذة من نصوص القللرآن فللي‬
‫خمسة مواضع‪ ،‬منها قوله تعالى في سورة النعللام‪" :‬وقللد‬
‫صل لكم ما حّرم عليكللم إل مللا اضللطررتم إليلله" ]اليللة‪:‬‬ ‫ف ّ‬
‫‪ ،[119‬ومنهللا قللوله تعللالى فللي نفللس السللورة بعللد ذكللر‬
‫محرمات الطعمة‪" :‬فمن اضطر غير باغ ول عاد فإن ربك‬
‫غفور رحيللم" ]اليللة‪ ،[145 :‬وممللا قللرره الفقهللاء هنللا أن‬
‫الحاجة قد تنزل منزلة الضرورة‪ ،‬خاصة كانت أو عامة‪.‬‬
‫والحاجة هي التي إذا لم تتحقق يكون المسلللم فللي حللرج‬
‫وإن كللان يسللتطيع أن يعيللش‪ ،‬بخلف الضللرورة الللتي ل‬
‫يستطيع أن يعيش بدونها‪ ،‬والله تعالى رفع الحرج عن هذه‬
‫المة بنصوص القلرآن‪ ،‬كملا فلي قلوله تعلالى فلي سلورة‬
‫الحج‪" :‬وما جعل عليكم في الدين من حرج" ]اليللة‪،[78 :‬‬
‫وفي سورة المائدة‪" :‬ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج"‬
‫]الية‪.[6 :‬‬
‫والمسكن الذي يللدفع عللن المسلللم الحللرج هللو المسللكن‬
‫المناسب له في موقعه وفي سعته وفللي مرافقلله‪ ،‬بحيللث‬
‫يكون سكًنا حًقا‪.‬‬
‫وإذا كللان المجلللس قللد اعتمللد علللى قاعللدة الضللرورة أو‬
‫الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة‪ ،‬فإنه لم ينللس القاعللدة‬
‫الخرى الضابطة والمكملة لها‪ ،‬هي أن )ما أبيللح للضللرورة‬
‫يقدر بقدرها(‪ ،‬فلم يجز تملك البيوت للتجارة ونحوها‪.‬‬
‫والمسللكن ول شللك ضللرورة للفللرد المسلللم وللسللرة‬
‫المسلمة‪ ،‬وقللد امتللن الللله بللذلك علللى عبللاده حيللن قللال‪:‬‬
‫"والله جعل لكم من بيوتكم سللكًنا" ]النحللل‪ ،[80 :‬وجعللل‬
‫النبي – صلى الله عليه وسلم‪ -‬السكن الواسع عنصرا ً مللن‬
‫عناصر السعادة الربعة أو الثلثة‪ ،‬والمسللكن المسللتأجر ل‬
‫يلللبي كللل حاجللة المسلللم‪ ،‬ول يشللعره بالمللان‪ ،‬وإن كللان‬
‫يكلللف المسلللم كللثيًرا بمللا يللدفعه لغيللر المسلللم‪ ،‬ويظللل‬
‫دا‪،‬‬
‫سنوات وسنوات يدفع أجرته ول يملك منلله حج لًرا واح ل ً‬
‫ومع هذا يظل المسلم عرضة للطرد من هذا المسللكن إذا‬
‫كثر عياله أو كثر ضيوفه‪ ،‬كمللا أنلله إذا كللبرت سللنه أو قللل‬
‫دخله أو انقطع يصبح عرضة لن يرمى به في الطريق‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫كنه أن‬ ‫وتمّلك المسكن يكفي المسلم هذا الهم‪ ،‬كما أنه يم ّ‬
‫يختللار المسللكن قريب ًللا مللن المسللجد والمركللز السلللمي‪،‬‬
‫والمدرسة السلمية‪ ،‬ويهيئ فرصللة للمجموعللة المسلللمة‬
‫أن تتقللارب فللي مسللاكنها عسللى أن تنشللئ لهللا مجتمعًللا‬
‫إسلللمًيا صللغيًرا داخللل المجتمللع الكللبير‪ ،‬فيتعللارف فيلله‬
‫أبناؤهم‪ ،‬وتقوى روابطهم‪ ،‬ويتعاونون على العيش في ظل‬
‫كن المسلم من إعداد بيتلله‬ ‫مفاهيم السلم‪ .‬كما أن هذا يم ّ‬
‫وترتيبه بما يلبي حاجته الدينية والجتماعية‪ ،‬ما دام مملو ً‬
‫كا‬
‫له‪.‬‬
‫وهناك إلى جانب هذه الحالة الفردية لكل مسللم‪ ،‬الحاجلة‬
‫العامة لجماعة المسلمين الذين يعيشون أقليللة خللارج دار‬
‫السلم‪ ،‬وهي تتمثل في تحسين أحوالهم المعيشية‪ ،‬حللتى‬
‫يرتفللع مسللتواهم‪ ،‬ويكونللوا أهل ً للنتمللاء إلللى خيللر أمللة‬
‫ُأخرجت للناس‪ ،‬ويغدوا صورة مشرفة للسلللم أمللام غيللر‬
‫المسلللمين‪ ،‬كمللا تتمثللل فللي أن يتحللرروا مللن الضللغوط‬
‫القتصادية عليهم‪ ،‬ليقوموا بواجب الدعوة ويسللاهموا فللي‬
‫بناء المجتمع العللام‪ ،‬وهللذا يقتضللي أل يظللل المسلللم يكللد‬
‫وينصب طول عمره من أجل دفع قيمة إيجار بيته ونفقات‬
‫عيشه‪ ،‬ول يجد فرصة لخدمة مجتمعه‪ ،‬أو نشر دعوته‪.‬‬
‫المرتكز الثاني‪ :‬هو ما ذهب إليه أبو حنيفة وصاحبه محمللد‬
‫مْفَتللى بلله فللي المللذهب‬ ‫بللن الحسللن الشلليباني‪ ،‬وهللو ال ُ‬
‫الحنفي‪ .‬وكللذلك سللفيان الثللوري وإبراهيللم النخعللي‪ ،‬وهللو‬
‫رواية عن أحمد بن حنبل‪ ،‬ورجحها ابن تيمية – فيمللا ذكللره‬
‫بعض الحنابلة‪ :-‬من جواز التعامل بالربا وغيره من العقللود‬
‫الفاسدة‪ ،‬بين المسلمين وغيرهم في غير دار السلم‪.‬‬
‫ويرجح الخذ بهذا المذهب هنا عدة اعتبارات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫عا أن يقيم أحكللام الشللرع‬ ‫)‪ (1‬أن المسلم غير مكلف شر ً‬
‫المدنية والمالية والسياسللية ونحوهللا ممللا يتعل ّللق بالنظللام‬
‫العام فللي مجتمللع ل يللؤمن بالسلللم؛ لن هللذا ليللس فللي‬
‫سا إل وسللعها‪ ،‬وتحريللم الربللا هللو‬ ‫وسعه‪ ،‬ول يكّلف الله نف ً‬
‫من هللذه الحكللام الللتي تتعل ّللق بهويللة المجتمللع‪ ،‬وفلسللفة‬
‫الدولة‪ ،‬واتجاهها الجتماعي والقتصادي‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫دا‪،‬‬‫وإنما يطالب المسلم بإقامللة الحكللام الللتي تخصلله فللر ً‬
‫مثل أحكام العبادات‪ ،‬وأحكللام المطعومللات والمشللروبات‬
‫والملبوسات‪ ،‬وما يتعّلق بالزواج والطلق والرجعة والعللدة‬
‫والميراث‪ ،‬وغيرها من الحوال الشخصية‪ ،‬بحيث لللو ضلليق‬
‫عليه في هذه المور‪ ،‬ولم يستطع بحللال إقامللة دينلله فيهللا‬
‫لوجب عليه أن يهاجر إلى أرض الله الواسعة ما وجد إلللى‬
‫ذلك سبي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫)‪ (2‬أن المسلللم إذا لللم يتعامللل بهللذه العقللود الفاسللدة –‬
‫ومنها عقد الربا‪ -‬في دار القوم‪ ،‬سيؤدي ذلك بالمسلم إلى‬
‫أن يكون التزامه بالسلم سبًبا لضعفه اقتصادًيا‪ ،‬وخسارته‬
‫مالًيا‪ ،‬والمفروض أن السلللم يقللوي المسلللم ول يضللعفه‪،‬‬
‫ويزيللده ول ينقصلله‪ ،‬وينفعلله ول يضللره‪ ،‬وقللد احتللج بعللض‬
‫علماء السلف على جواز توريث المسلم من غير المسلللم‬
‫بحديث‪) :‬السلم يزيد ول ينقص()‪ ،(1‬أي يزيد المسلم ول‬
‫ينقصه‪ ،‬ومثله حديث‪) :‬السلللم يعلللو ول ُيعلللى( )‪ ،(2‬وهللو‬
‫إذا لم يتعامل بهذه العقود التي يتراضونها بينهم‪ ،‬سيضللطر‬
‫إلى أن يعطي ما يطلب منه‪ ،‬ول يأخللذ مقللابله‪ ،‬فهللو ينفللذ‬
‫هذه القللوانين والعقللود فيمللا يكللون عليلله مللن مغللارم‪ ،‬ول‬
‫ينفذها فيما يكون له من مغانم‪ ،‬فعليه الُغرم دائم لا ً وليللس‬
‫مللا مالي ًللا‪ ،‬بسللبب‬
‫دا مظلو ً‬‫له الغُْنم‪ ،‬وبهذا يظل المسلم أب ل ً‬
‫دا إلللى أن يظلللم‬ ‫الللتزامه بالسلللم! والسلللم ل يقصللد أبل ً‬
‫المسلم بالتزامه بلله‪ ،‬وأن يللتركه – فللي غيللر دار السلللم‪-‬‬
‫لغير المسلم يمتصه ويستفيد منه‪ ،‬فللي حيللن يحللرم علللى‬
‫المسلم أن ينتفع من معاملة غير المسلم في المقابل في‬
‫ضوء العقود السائدة‪ ،‬والمعترف بها عندهم‪.‬‬
‫وما يقال من أن مذهب الحنفية إنما يجيللز التعامللل بالربللا‬
‫فللي حالللة الخللذ ل العطللاء؛ لنلله ل فللائدة للمسلللم فللي‬
‫العطللاء وهللم ل يجيللزون التعامللل بللالعقود الفاسللدة إل‬
‫بشرطين‪ :‬الول‪ :‬أن يكون فيها منفعللة للمسلللم‪ .‬والثللاني‪:‬‬
‫أل يكون فيها غدر ول خيانة لغير المسلم‪ ،‬وهنا لللم تتحقللق‬
‫المنفعة للمسلم‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن هذا غير مسّلم‪ ،‬كما يللدل عليلله قللول محمللد‬
‫بلللن الحسلللن الشللليباني فلللي "السلللير الكلللبير"‪ ،‬وإطلق‬

‫‪215‬‬
‫المتقدمين من علماء المذهب‪ ،‬كمللا أن المسلللم وإن كللان‬
‫يعطي الفائدة هنا فهو المستفيد‪ ،‬إذ به يتملك المنزل فللي‬
‫النهاية‪.‬‬
‫وقللد أكللد المسلللمون الللذين يعيشللون فللي هللذه الللديار‬
‫بالسلماع المباشلر منهلم وبالمراسللة‪ :‬أن القسللاط الللتي‬
‫يدفعونها للبنك بقللدر الجللرة الللتي يللدفعونها للمالللك‪ ،‬بللل‬
‫أحياًنا تكون أقل‪.‬‬
‫ومعنى هذا أننا إذا حّرمنا التعامللل هنللا بالفللائدة مللع البنللك‬
‫حَرمنا المسلم من امتلك مسكن للله ولسللرته‪ ،‬وهللو مللن‬
‫الحاجات الصلية للنسان كما يعللبر الفقهللاء‪ ،‬وربمللا يظللل‬
‫عشللرين أو ثلثيللن سللنة أو أكللثر‪ ،‬يللدفع إيجللاًرا شللهريا ً أو‬
‫سنوًيا‪ ،‬ول يملك شلليئًا‪ ،‬علللى حيللن كللان يمكنلله فللي خلل‬
‫عشرين سنة – وربما أقل‪ -‬أن يملك البيت‪.‬‬
‫فلو لم يكن هذا التعامللل جللائًزا علللى مللذهب أبللي حنيفللة‬
‫ومن وافقه‪ ،‬لكان جللائًزا عنللد الجميللع للحاجللة الللتي تنللزل‬
‫أحياًنا منزلة الضرورة‪ ،‬في إباحة المحظور بها‪.‬‬
‫كل الربا ول ي َللأك ُُله‪ ،‬أي هللو‬ ‫ولسيما أن المسلم هنا‪ ،‬إنما ُيؤ ِ‬
‫ب‬‫صل ٌ‬ ‫من ْ َ‬‫يعطي الفللائدة ول يأخللذها‪ ،‬والصللل فللي التحريللم ُ‬
‫على )أكل الربا( كما نطقت بلله آيللات القللرآن‪ ،‬إنمللا حللرم‬
‫دا للذريعلة‪ ،‬كمللا حرملت الكتابللة لله والشللهادة‬ ‫اليكال سل ً‬
‫عليه‪ ،‬فهو من باب تحريم الوسائل ل تحريم المقاصد‪.‬‬
‫ومن المعلللوم أن أكللل الربللا المحللرم ل يجللوز بحللال‪ ،‬أمللا‬
‫ص‬
‫إيكاله )بمعنى إعطاء الفللائدة( فيجللوز للحاجللة‪ ،‬وقللد ن ل ّ‬
‫على ذلك الفقهاء‪ ،‬وأجازوا السللتقراض بالربللا للحاجللة إذا‬
‫سدت في وجهة أبواب الحلل‪.‬‬
‫ومن القواعد الشهيرة هنا‪ :‬أن )مللا حللرم لللذاته ل يبللاح إل‬
‫للضرورة‪ ،‬ومللا حللرم لسللد الذريعللة يبللاح للحاجللة(‪ ،‬والللله‬
‫الموفق‪.‬‬
‫القرار ]‪.[2/4‬‬
‫ج أبو داود رقم‪ ،(2912) :‬ومن طريقه‪ :‬البيهقي )‬ ‫)‪ (1‬أخر َ‬
‫دة‪ :‬أن‬ ‫‪،6/205‬ل ‪ (255-254‬بإسناده إلى عبد الله بللن ب َُري ْل َ‬
‫ث‬ ‫مر‪ :‬يهودي ومسلم‪ ،‬فوَّر َ‬ ‫صما إلى يحيى بن ي َعْ َ‬‫أخوين اخت َ‬
‫دثه‪،‬‬ ‫ن رجل ً ح ل ّ‬ ‫المسلم منهما‪ ،‬وقال‪ :‬حدثني أبللو السللود‪ ،‬أ ّ‬

‫‪216‬‬
‫دثه‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول الله –صلى الله عليلله‬ ‫ن معا ًَ‬
‫ذا ح ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ث المسلللم‪.‬‬ ‫وسلم‪ -‬يقول‪" :‬السلم َيزيد ول َينقص" ‪ .‬فوَّر َ‬
‫ح‪ ،‬وإنما هو منقطع بين أبللي‬ ‫ده إلى أبي السود صحي ٌ‬ ‫وإسنا ُ‬
‫السود ومعاذ‪ ،‬لجهالة الراوي بينهما‪ ،‬ويشهد للمرفوع منلله‬
‫ن لغيره‪.‬‬ ‫حديث عائذ بن عمرو التالي‪ ،‬وهو به حس ٌ‬
‫)‪ (2‬حديث حسن لغيره‪ ،‬أخرجلله الرويللاني فللي "مسللنده"‬
‫رقللم‪ ،(783) :‬وأبللو ُنعيللم فللي )أخبللار أصللبهان( )‪،(1/65‬‬
‫والبيهقي )‪ ،(6/205‬وفي إسناده مجهولن‪ ،‬لكن يشهد للله‬
‫حديث معاذ بن جبل المتقدم قبله‪ ،‬كما جاء كللذلك بإسللناد‬
‫صللحيح عللن ابللن عبللاس موقوفًللا‪ ،‬أخرجلله الطحللاوي فللي‬
‫)شللرح معللاني الثللار( )‪ ،(3/257‬وعلقلله البخللاري فللي‬
‫)صحيحه( )‪ -1/454‬كتاب الجنائز(‪ ،‬وصححه ابن حجر فللي‬
‫دقه واللذي قبلله قلوله تعلالى‪:‬‬ ‫"الفتح" )‪ .(9/421‬كما يصل ّ‬
‫)هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهللره علللى‬
‫الدين كله( ]التوبة‪ ،33 :‬الصف‪.[9 :‬‬
‫===============‬
‫‪ #‬الورق النقدي‬
‫هيئة كبار العلماء ‪22/8/1426‬‬
‫‪26/09/2005‬‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على مللن ل نللبي بعللده‬
‫محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه‪،‬وبعد‪:‬‬
‫فبناء على توصية رئيس إدارات البحللوث العلميللة والفتللاء‬
‫والللدعوة والرشللاد‪ ،‬والميللن العللام لهيئة كبللار العلمللاء –‬
‫بدراسة موضوع الورق النقدي من قبل هيئة كبار العلمللاء؛‬
‫استنادا ً إلى المللادة السللابعة مللن لئحللة سللير العمللل فللي‬
‫الهيئة التي تنص على أن ما يجري بحثه في مجلس الهيئة‬
‫يتم بطلب مللن ولللي المللر‪ ،‬أو بتوصللية مللن الهيئة‪،‬أو مللن‬
‫أمينهللا‪ ،‬أو مللن رئيللس إدارات البحللوث العلميللة والفتللاء‬
‫والدعوة والرشللاد‪،‬أو مللن اللجنللة الدائمللة المتفرعللة عللن‬
‫الهيئة‪ -‬فقد جرى إدراج الموضوع في جدول أعمللال الهيئة‬
‫للللدورتها الثالثلللة المنعقلللدة فيملللا بيلللن ‪1/4/1393‬هلللل و‬
‫‪17/4/1393‬هل‪ ،‬وفي تلك الدورة جرى دراسللة الموضللوع‬

‫‪217‬‬
‫بعد الطلع على البحث المقدم عنلله مللن اللجنللة الدائمللة‬
‫للبحوث العلمية والفتاء‪.‬‬
‫وبعد استعراض القللوال الفقهيللة الللتي قيلللت فللي حقيقللة‬
‫الوراق النقدية من اعتبارها أسنادًا‪ ،‬أو عروض لًا‪ ،‬أو فلوسللا‬
‫ً‪،‬أو بدل ً عن ذهب أو فضة‪ ،‬أو نقدا ً مستقل ً بذاته‪،‬وما يترتب‬
‫على تلك القوال من أحكام شرعية – جرى تللداول الللرأي‬
‫فيها‪ ،‬ومناقشة ما على كل قول منها مللن إيللرادات‪ .‬فتنتللج‬
‫عن ذلك العديللد مللن التسللاؤلت الللتي تتعلللق بللالجراءات‬
‫المتخللذة مللن قبللل الجهللات المصللدرة لهللا‪:‬وحيللث أن‬
‫الموضوع من المسائل التي تقضللي المللادة العاشللرة مللن‬
‫لئحللة سللير عمللل الهيئة بالسللتعانة بالشللؤون القتصللادية‬
‫والجتماعية والنظمة العامة بما في ذلك القضللايا البنكيللة‬
‫والتجارية والعمالية‪ ،‬فإن عليها أن تشرك في البحث معهللا‬
‫واحدا ً أو أكثر من المتخصصين في تلك العلوم‪ -‬فقد جللرى‬
‫استدعاء سعادة محافظ مؤسسة النقد العربللي السللعودي‬
‫الدكتور أنور علي‪،‬وحضر معه الللدكتور عمللر شللابريه أحللد‬
‫المختصين في العلللوم القتصللادية‪ ،‬ووجهللت إلللى سللعادته‬
‫السئلة التالية‪:‬‬
‫س ‪:1‬هل تعتبر مؤسسة النقد ورق النقللد السللعودي نقللدا ً‬
‫قائما ً بذاته أم تعتبره سللندات تتعهللد الدولللة بللدفع قيمتهللا‬
‫لحاملها‪،‬كما هو مدون على كل فئة من فئات أوراق النقللد‬
‫السللعودي‪،‬وإذا لللم يللرد معنللى هللذه العبللارة‪ ،‬فمللا معنللى‬
‫اللتزام بتسجيلها على كل ورقة‪،‬وهل يعني ذلك التعهد أن‬
‫ورق النقد السعودي مغطى بريالت فضية أم ل؟‬
‫س ‪ :2‬هل لكللل عملللة ورقيللة غطللاء مللادي محفللوظ فللي‬
‫خزائن مصدريها‪ ،‬إذا كان كذلك فهللل هللو غطللاء كامللل أم‬
‫غطاء للبعض فقط‪ ،‬وإذا كان غطاء للبعللض فمللا هللو الحللد‬
‫العلى للتغطية‪ ،‬وما هو الحد الدنى لها؟‬
‫س ‪:3‬ما نوع غطاء العملت الورقية‪ ،‬وهل توجد عملة لي‬
‫دولة ما مغطاة بالفضة‪،‬وله هناك جهات إصدار تخلت عللن‬
‫فكرة التغطية المادية مطلقًا؟‬
‫س ‪:4‬المعللروف أن الورقللة ل قيمللة لهللا فللي ذاتهللا‪،‬وإنمللا‬
‫قيمتها في الخارج عنها‪ ،‬فما هي مقومات هذه القيمة؟‬

‫‪218‬‬
‫س ‪:5‬نرغب في شرح نظرية غطاء النقد بصفة عامة‪ ،‬وما‬
‫هي مقومات اعتبار العملة الورقية على الصعيدين الدولي‬
‫والمحلي؟‬
‫س ‪:6‬هل الغطللاء ل يكللون إل بالللذهب‪ ،‬وإذا كللان بالللذهب‬
‫وغيره فهل غير الذهب فرع عن الذهب باعتبللار أنلله قيمللة‬
‫له‪ ،‬وهل يكفي للغطاء ملءة ومتانة اقتصادها وقوتهللا ولللو‬
‫لم يكن لنقدها رصيد؟‬
‫س ‪:7‬ما يسمى بالدينار‪ ،‬والجنيه هل هو مغطللى بالللذهب؛‬
‫ولذا سمي دينارا ً أو جنيها ً رمزا ً لما غطي به‪ ،‬ومثله الريال‬
‫السللعودي هللل هللو مغطللى بفضللة أم أن هللذه التسللميات‬
‫يقصللد منهللا المحافظللة علللى التسللميات القديمللة للعمللل‬
‫ما هللي مسللتندة عليلله‬ ‫المتداولة فيما مضى بغض النظر ع ّ‬
‫من ذهب أو فضة؟‬
‫س ‪ :8‬ما السبب في عدم الثقة في النقد المتداول اليللوم‬
‫مما أدى إلى ارتفاع الذهب ارتفاعا ً لم يسبق له نظير؟‬
‫وإجابة سعادته عنها بواسطة المترجم القائد الدكتور أحمد‬
‫المالك إجابة جرى رصد خلصتها في محضللر الجلسللة مللع‬
‫سعادته‪ ،‬وقد توصلت بها الكثرية مللن الهيئة إلللى القتنللاع‬
‫بما ارتأته فيها من رأي‪.‬‬
‫ثم بعد إعادة النظر في القوال الفقهية الللتي قيلللت فيهللا‬
‫على ضوء اليضاحات التي ذكرها سللعادة المحللافظ‪ -‬قللرر‬
‫المجلس بالكثرية ما يلي‪:‬‬
‫بناء على أن النقد هو كل شيء يجري اعتباره فللي العللادة‬
‫أو الصطلح‪ ،‬بحيث يلقى قبول ً عاما ً كوسيط للتبادل‪ ،‬كمللا‬
‫أشار إلى ذلك شلليخ السلللم ابللن تيميللة حيللث قللال)وأمللا‬
‫الدرهم والدينار فما يعرف له حللد طبعللي ول شللرعي‪،‬بللل‬
‫مرجعه إلى العللادة والصللطلح؛وذلللك لنلله فللي الصللل ل‬
‫يتعلللق المقصللود بلله‪ ،‬بللل الغللرض أن يكللون معيللارا ً لمللا‬
‫يتعاملون به‪ ،‬والدراهم والدنانير ل تقصد لنفسها‪ ،‬بللل هللي‬
‫وسيلة إلى التعامل بها؛ولهللذا كللانت أثمانلًا‪..‬إلللى أن قللال‪:‬‬
‫والوسيلة المحضة التي ل يتعلللق بهللا غللرض‪،‬ل بمادتهللا ول‬
‫بصورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت(اهل‪(1).‬‬

‫‪219‬‬
‫وذكللر نحللو ذلللك المللام مالللك فللي]المدونللة[ مللن كتللاب‬
‫الصرف حيث قللال‪):‬ولللو أن النللاس أجللازوا بينهللم الجلللود‬
‫حللتى يكللون لهللا سللكة وعيللن لكرهتهللا أن تبللاع بالللذهب‬
‫والورق نظرة(اهل)‪.(1‬‬
‫وحيلللث أن اللللورق النقلللدي يلقلللى قبلللول ً عاملللا ً فلللي‬
‫التداول‪،‬ويحمل خصائص الثمان من كللونه مقياس لا ً للقيللم‬
‫ومسللتودعا ً للللثروة‪ ،‬وبلله البللراء العللام‪ ،‬وحيللث ظهللر مللن‬
‫المناقشة مع سعادة المحافظ‪ :‬أن صفة السندية فيها غيللر‬
‫مقصودة‪ ،‬والواقع يشهد بذلك ويؤكده‪،‬كما ظهر أن الغطاء‬
‫ل يلزم أن يكون شامل ً لجميللع الوراق النقديللة‪ ،‬بللل يجللوز‬
‫في عرف جهات الصدار أن يكون جزء من عملتهللا بللدون‬
‫غطاء‪ ،‬وأن الغطللاء ل يلللزم أن يكللون ذهب لًا‪ ،‬بللل يجللوز أن‬
‫يكون من أمور عدة الذهب والعملت الورقية القوية‪ ،‬وأن‬
‫الفضة ليست غطاء كلي ّلا ً أو جللزيئا ً لي عملللة فللي العللالم‪،‬‬
‫كمللا اّتضللح أن مقومللات الورقللة النقللديه قللوة وضللعفا ً‬
‫مسللللتمدة ممللللا تكللللون عليلللله حكومتهللللا مللللن حللللال‬
‫اقتصادية‪،‬فتقوى الورقة بقوة دولتها وتضعف بضعفها‪ ،‬وأن‬
‫الخامات المحليللة؛كللالبترول والقطللن والصللوف لللم تعتللبر‬
‫حتى الن لدى أي من جهات الصدار‪.‬‬
‫)ج( يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقلًا‪ ،‬إذا كللان‬
‫ذلك يدا ً بيد‪ ،‬يجوز بيللع الليللرة السللورية أو اللبنانيللة بريللال‬
‫سعودي‪ ،‬ورقا ً كان أو فضة‪ ،‬أو أقل من ذلك أو أكللثر‪،‬وبيللع‬
‫الدولر المريكي بثلثة أريلللة سللعودية أو أقللل أو أكللثر إذا‬
‫كللان ذلللك يللدا ً بيللد‪ ،‬ومثللل ذلللك فللي الجللواز بيللع الريللال‬
‫السعودي الفضة بثلثة أريلة سعودية ورق أو أقللل أو أكللثر‬
‫يدا ً بيد؛ لن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنس ول أثر لمجللرد‬
‫الشتراك في السم مع الختلف في الحقيقة‪.‬‬
‫ثانيًا‪:‬وجللوب زكاتهللا إذا بلغللت قيمتهللا أدنللى النصللابين مللن‬
‫ذهب أو فضة أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الثمان‬
‫والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لهل وجوبها‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬جواز جعلها رأس مال في السلم والشركات‪.‬‬
‫والله أعلم‪ ،‬وبالله التوفيق‪ ،‬وصلى الله علللى نبينللا محمللد‪،‬‬
‫وآله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫هيئة كبار العلماء‬
‫…‬
‫…‬
‫رئيس الدورة الثالثة‬
‫…‬
‫…‬
‫محمد المين الشنقيطي ]متوقف[‬
‫عبد الله خياط‬
‫…‬
‫عبد الله بن حميد‬
‫]متوقف[‬
‫…‬
‫عبد الرزاق عفيفي‬
‫]لي وجهة نظر أخرى في الوراق النقدية أقدم بها بيانا ً إن‬
‫شاء الله[‬
‫عبد العزيز بن باز‬
‫…‬
‫عبد العزيز بن صالح‬
‫…‬
‫عبد المجيد حسن‬
‫محمد الحركان‬
‫…‬
‫سليمان بن عبيد‬
‫…‬
‫إبراهيم محمد آل الشيخ‬
‫صالح بن غصون‬
‫…‬
‫راشد بن خنين‬
‫…‬
‫عبد الله بن غديان ]متوقف[‬
‫محمد بن جبير‬
‫…‬
‫عبد الله بن منيع‬

‫‪221‬‬
‫…‬
‫صالح بن لحيدان ]متوقف[‬
‫================‬
‫‪ #‬استفادة الهيئات الخيرية من عوائد الحسابات‬
‫الربوية‬
‫قرارات المجلس الوروبي للفتاء والبحوث ‪24/4/1426‬‬
‫‪01/06/2005‬‬
‫قرار المجلس‪:‬‬
‫صلا ملن فتلح‬ ‫عموم المسللمين فلي الغلرب ل يجلدون منا ً‬
‫حسابات في البنوك الربوية‪ ،‬ومعلللوم أن هللذه الحسللابات‬
‫تللترتب عليهللا زيللادات ربويللة تلحللق بحسللاباتهم‪ ،‬فيجللدون‬
‫أنفسهم بين خيارين‪ :‬إما ترك هذه الفوائد للبنك‪ ،‬وفي هذا‬
‫تفويت مصلحة للمسلمين‪ ،‬وربما كللانت عون ًللا لمؤسسللات‬
‫تبشيرية‪ ،‬وإما أن يصرفوها في وجوه الخيللر العامللة‪ ،‬وبمللا‬
‫أن الحكم ل يتعلق بعين المللال وإنمللا بطريقللة تحصلليله أو‬
‫ما فحرمته في حللق مللن اكتسللبه‬ ‫صرفه‪ ،‬فما كان منه حرا ً‬
‫بطريقة غير مشروعة‪ ،‬فالذي يحرم في شللأن هللذا المللال‬
‫الربللوي هللو أن ينتفللع بلله الشللخص لنفسلله‪ ،‬أمللا بالنسللبة‬
‫ما‪.‬‬
‫للفقراء والجهات الخيرية فل يكون حرا ً‬
‫سللا مللن أن تسللأل‬ ‫وبناء على ذلك‪ ،‬فإن المجلس ل يرى بأ ً‬
‫المؤسسة الخيرية أصحاب هذه الحسابات أن يمكنوها من‬
‫تلك الموال‪ ،‬كما ل يجد فرًقا في تحصيل هذه الموال من‬
‫أي جهة أخرى كالمؤسسات والبنوك وغير ذلك‪.‬‬
‫وينبغي للمؤسسة أن تتحاشى ما وسعها ذكللر اسللم البنللك‬
‫المتبرع على وجه الدعاية له‪ ،‬بسبب عدم مشروعية أصل‬
‫عمله‪.‬‬
‫ول مانع كذلك من أن يفتح حسللاب خللاص تللودع فيلله تلللك‬
‫الموال‪.‬‬
‫]الدورة السابعة[‬
‫=============‬
‫‪#‬تغير قيمة العملة‬
‫مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪6/11/1425‬‬

‫‪222‬‬
‫‪18/12/2004‬‬
‫إن مجلللس مجمللع الفقلله السلللمي المنعقللد فللي دورة‬
‫مللؤتمره الخللامس بللالكويت مللن ‪ 6-1‬جمللادى الولللى‬
‫‪1409‬هل الموافق ‪ 15-10‬كانون الول )ديسمبر(‪1988‬م‪،‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث المقدمة مللن العضللاء والخللبراء‬
‫في موضللوع تغيللر قيمللة العملللة ‪ ،‬واسللتماعه للمناقشللات‬
‫التي دارت حوله ‪،‬‬
‫وبعللد الطلع علللى قللرار المجمللع رقللم ‪( 9/3) 21‬فللي‬
‫الدورة الثالثة ‪ ،‬بللأن العملت الورقيللة نقللود اعتباريللة فيهللا‬
‫صللفة الثمنيللة كاملللة ‪ ،‬ولهللا الحكللام الشللرعية المقللررة‬
‫للذهب والفضة مللن حيللث أحكللام الربللا والزكللاة والسلللم‬
‫وسائر أحكامها ‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬العبرة في وفاء الللديون الثابتللة بعملللة مللا ‪ ،‬هللي بالمثللل‬
‫وليس بالقيمة ‪ ،‬لن الديون ُتقضى بأمثالها ‪ ،‬فل يجوز ربط‬
‫الديون الثابتللة فللي الذمللة ‪ ،‬أيللا كللان مصللدرها ‪ ،‬بمسللتوى‬
‫السعار والله أعلم‪.‬‬
‫===============‬
‫‪#‬قضايا العملة‬
‫مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪6/11/1425‬‬
‫‪18/12/2004‬‬
‫إن مجلللس مجمللع الفقلله السلللمي المنعقللد فللي دورة‬
‫مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة المارات العربية المتحدة‬
‫مللن ‪ 6 -1‬ذي القعللدة ‪1415‬هل ل الموافللق ‪ 6 -1‬نيسللان‬
‫)أبريل( ‪1995‬م‪،‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الللواردة إلللى المجمللع بخصللوص‬
‫موضوع قضايا العملة ‪،‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات الللتي دلللت علللى أن هنللاك‬
‫اتجاهللات عديللدة بشللأن معالجللة حللالت التضللخم الجامللح‬
‫الللذي يللؤدي إلللى النهيللار الكللبير للقللوة الشللرائية لبعللض‬
‫العملت منها ‪:‬‬

‫‪223‬‬
‫أ‪ -‬أن تكون هذه الحالت الستثنائية مشمولة أيضا ً بتطبيق‬
‫قرار المجمع الصادر في الدورة الخامسة‪ ،‬ونصه ‪ :‬العللبرة‬
‫في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة‬
‫لن الديون تقضى بأمثالها‪ ،‬فل يجللوز ربللط الللديون الثابتللة‬
‫في الذمة أيا ً كان مصدرها بمستوى السعار ‪.‬‬
‫ب – أن يطبق في تلللك الحللوال السللتثنائية مبللدأ الربللط‬
‫بمؤشر تكاليف المعيشة )مراعاة القوة الشرائية للنقود( ‪.‬‬
‫ج – أن يطبق مبدأ ربط النقود الورقيللة بالللذهب )مراعللاة‬
‫قيمة هذه النقود بالذهب عند نشوء اللتزام( ‪.‬‬
‫د – أن يؤخذ في مثل هذه الحالت بمبدأ الصلللح الللواجب‪،‬‬
‫بعد تقرير أضرار الطرفين )الدائن والمدين( ‪.‬‬
‫هل ‪ -‬التفرقة بين انخفاض قيمة العملة عن طريق العللرض‬
‫والطلب في السوق‪ ،‬وبين تخفيض الدولة عملتهللا بإصللدار‬
‫قرار صريح في ذلك بما قد يلؤدي إللى تغيللر اعتبلار قيمللة‬
‫العملت الورقية التي أخذت قوتها بالعتبار والصطلح ‪.‬‬
‫و – التفرقللة بيللن انخفللاض القللوة الشللرائية للنقللود الللذي‬
‫يكون ناتجا ً عن سياسات تتبناها الحكومات وبين النخفاض‬
‫الذي يكون بعوامل خارجية ‪.‬‬
‫ز – الخللذ فللي هللذه الحللوال السللتثنائية بمبللدأ )وضللع‬
‫الجوائح( الذي هو من قبيل مراعاة الظروف الطارئة ‪.‬‬
‫وفللي ضللوء هللذه التجاهللات المتباينللة المحتاجللة للبحللث‬
‫والتمحيص ‪.‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن تعقد المانة العامة للمجمع – بالتعاون مع إحللدى‬
‫المؤسسات المالية السلللمية – نللدوة متخصصللة يشللارك‬
‫فيها عدد من ذوي الختصاص في القتصاد والفقه‪ ،‬وتضللم‬
‫بعض أعضاء وخبراء المجمللع‪ ،‬وذلللك للنظللر فللي الطريللق‬
‫القوم والصلح الللذي يقللع التفللاق عليلله للوفللاء بمللا فللي‬
‫الذمللة مللن الللديون واللتزامللات فللي الحللوال السللتثنائية‬
‫المشار إليها أعله ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن يشتمل جدول الندوة على ‪:‬‬
‫أ – دراسة ماهية التضخم وأنواعه وجميع التصورات الفنية‬
‫المتعلقة به ‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫ب – دراسة آثار التضلخم القتصلادية والجتماعيلة وكيفيلة‬
‫معالجتها اقتصاديا ‪.‬‬
‫ج – طرح الحلول الفقهية لمعالجة التضللخم مللن مثللل مللا‬
‫سبقت الشارة إليه في ديباجة القرار ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬ترفع نتائج الندوة – مللع أوراقهللا ومناقشللاتها – إلللى‬
‫مجلس المجمع في الدورة القادمة ‪ .‬والله الموفق‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬نظرات حول الشتراك في القنوات السلمية‬
‫الفضائية‬
‫عابد الثبيتي ‪8/4/1424‬‬
‫‪08/06/2003‬‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬والصلة والسلم على المبعللوث‬
‫رحمة للعالمين ‪ ،‬الذي فتح الله به أعينا ً عميًا‪ ،‬وآذانا ً صللمًا‪،‬‬
‫وقلوبا ً غلفًا‪ ،‬فبّلغ الرسالة وأدى المانة ونصح المة وجاهد‬
‫في الله حق جهاده حتى أتاه اليقيللن مللن ربلله صلللى الللله‬
‫عليه وعلى آله صحبه وسلم ‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فقد شاع علللى ألسللنة الغيللورين مللن أبنللاء هللذه الصللحوة‬
‫المباركللة وخاصللة مللع وجللود أول قنللاة إسلللمية كّرسللت‬
‫ل مللن المحللاذير الشللرعية‪،‬‬ ‫جهودهللا فللي تقللديم إعلم خللا ٍ‬
‫سؤال مهم هو ‪ :‬ما حكم الشتراك في مثل هللذه القنللاة ‪،‬‬
‫خاصة وأنها تجري المقابلت مع بعض طلبللة العلللم الللذين‬
‫منحهم الله جمال الصورة‪ ،‬وعذوبة المنطق ‪ ،‬فينظللر إليلله‬
‫النساء ‪ ،‬ويستمعن لحديثه ‪ ،‬وربما وقع فللي قلللب إحللداهن‬
‫الميل له … وزاد من هذا الحذر ملا تنلاقله الشلباب بينهلم‬
‫من اتصال نساء على بعض الجمعيات الللتي تعنللى بشللئون‬
‫السرة وتيسير الزواج مبللديات رغبتهللن فللي نكللاح الشلليخ‬
‫الفلني أو طالب العلم الفلني …‬
‫وف يجده يظهر علللى صللورة أسللئلة‬ ‫والذي يتأمل هذا التخ ّ‬
‫تطرح بينهم ول يجدون لها جوابللا ‪ ،‬ويمكللن إيجازهللا فيمللا‬
‫يلي ‪:‬‬
‫مللا حكللم نظللر المللرأة إلللى الرجللل الجنللبي ‪ ،‬مللا حكللم‬
‫الشتراك في مثل هذه القنللوات والحالللة هللذه ‪ ،‬مللا حكللم‬

‫‪225‬‬
‫خروج طلبة العلم ممن هم على تلك الحال في مثل هللذه‬
‫القنوات ؟‬
‫ن لي أن أبحث ما ورد في شرعنا المطهر فيما‬ ‫ومن هنا ع ّ‬
‫يتعلق بالجابة على هللذه السللئلة ‪ ،‬متوخي لا ً الصللواب قللدر‬
‫المكان‪ ،‬فل أتكّلف منع شيء لللم يمنعلله الشللرع ‪ ،‬ول آذن‬
‫في شيء قد منعه ‪ ،‬راجيا ً الصواب والتوفيق والسداد مللن‬
‫ربي ‪ .‬وقد بذلت جهدي في تسهيل عبارته ليفهملله العامللة‬
‫والخاصة فلإن كلان ملا كتبتله حقلا ً وصللوابا ً فهللو ملن اللله‬
‫وحده‪ ،‬وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان‪.‬‬
‫فأقول مستعينا ً بالله ‪:‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬حكم نظر المرأة إلى الرجل الجنبي ‪.‬‬
‫لعل من المناسب قبل الخوض في هذه المسألة أن يحرر‬
‫موضع السؤال‪ ،‬فإن نظر المللرأة للرجللل الجنللبي ل يخلللو‬
‫من حالين ‪:‬‬
‫الحال الولى ‪ :‬أن يكون نظر المرأة إلللى مللا بيللن السللرة‬
‫والركبة من الرجل ‪ ،‬بمعنللى أن المللرأة تنظللر إلللى عللورة‬
‫الرجللل ‪ ،‬فهللذا ممللا جللاءت الشللريعة بحسللم مللادة وبيللان‬
‫حكمه‪ ،‬فهذا النظر حرام بالتفللاق سللواًء كللان هللذا النظللر‬
‫بشهوة أو بغير شهوة‪.‬‬
‫الحال الثاني ‪ :‬أن يكون نظر المرأة إلى مللا فللوق السللرة‬
‫وتحت الركبة من الرجل‪ ،‬وهذا النظر إما أن يكون بشهوة‬
‫أو بغير شهوة‪ .‬فإن كان هذا النظر بشهوة فهو حرام أيضا ً‬
‫قللول ً واحللدا ً ‪ ،‬وإن كللان بل شللهوة فهللو مللوطن السللؤال‬
‫وللجواب عليلله يقللال ‪ :‬إن مللن يجمللع النصللوص المتعلقللة‬
‫بنظر المرأة إلى الرجل من الكتاب والسنة يجدها متقابلة‬
‫متعارضلة فيملا يظهلر ‪ ،‬ولهلذا صلار محصللة آراء العلملاء‬
‫قولين متقابلين ‪.‬‬
‫القول الول ‪ :‬أن نظر المرأة إلى الرجللل الجنللبي محللرم‬
‫مطلقا ً سواًء كان النظر إليها بشهوة أو بغير شهوة ‪.‬‬
‫واستدلوا على ذلك بدليلين ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫صللارِهِ ّ‬
‫ن أب ْ َ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫ض َ‬‫ض ْ‬
‫ت ي َغْ ُ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مَنا ِ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬
‫الول‪:‬قوله تعالى‪ ):‬وَقُ ْ‬
‫ن ()‪(1‬فالمر بغلض البصللر هنلا عللام فلي‬ ‫جه ُ ّ‬ ‫حَفظ ْ َ‬
‫ن فُُرو َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫كل نظر سواًء كان بشهوة أو بغير شهوة ‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫الثاني ‪ :‬عن أم سلمة رضي الللله عنهللا قللالت ‪ :‬كنللت عنللد‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة‪ ،‬فأقبللل ابللن أم‬
‫مكتوم‪ .‬وذلك بعد أن أمرنا بالحجللاب ‪ ،‬فقللال النللبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬احتجبا منلله" ‪ ،‬فقلنللا يللا رسللول الللله !‬
‫أليس أعمى ل يبصرنا ول يعرفنا ؟ فقال النبي صلللى الللله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه!")‪.(2‬‬
‫القول الثللاني ‪ :‬إن نظللر المللرأة للرجللل جللائز إذا كللان بل‬
‫شهوة واستدلوا على ذلك بأدلة أشهرها ما يلي‪:‬‬
‫‪1‬ل حديث فاطمة بنت قيس في أمر النبي صلى الله عليلله‬
‫دي‬ ‫وسلم لها بالعدة في بيت ابن أم مكتللوم بقللوله ‪) :‬اعت ل ّ‬
‫عند ابن أم مكتوم ‪ ،‬فإنه رجل أعمى ‪ ،‬تضللعين ثيابللك…()‬
‫‪.(3‬‬
‫وهذا أمر صريح لها بالسكنى عند ابن أم مكتوم‪ ،‬فلو كللان‬
‫النظر إلى الرجل حراما ً لمرهللا بغللض بصللرها عنلله عقللب‬
‫أمره لها بالسللكنى عنللده ‪ ،‬وهللذه الحادثللة فللي آخللر حيللاة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتللح مكللة بللدليل سللؤالها‬
‫للنبي صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء عدتها واستشارتها‬
‫له في نكاح رجال خطبوها منهم معاوية بن أبللي سللفيان ‪،‬‬
‫ومعاوية رضي الله عنه من مسلمة الفتح ‪.‬‬
‫‪2‬ل عن عائشة رضي الله عنها قالت ‪" :‬لقللد رأيللت رسللول‬
‫الللله صلللى الللله عليلله وسلللم يومللا ً علللى بللاب حجرتللي‬
‫والحبشللة يلعبللون فللي المسللجد‪ ،‬ورسللول الللله يسللترني‬
‫بردائه أنظر إلى لعبهم")‪.(4‬‬
‫وهذا الذن من النبي صلى الله عليلله وسلللم لعائشللة فيلله‬
‫دليل على أن النظر إلى الرجال بل شهوة غير محرم ‪.‬‬
‫مناقشة القائلين بالتحريم والمنع ‪:‬‬
‫ويمكن مناقشة أدلة القائلين بالمنع بأن قوله تعالى ‪):‬وقل‬
‫للمؤمنات يغضضن مللن أبصللارهن( عللام والحللاديث الللتي‬
‫تبيح النظر إلى الرجال خاصة ‪ ،‬والعام إذا خللص فل يعمللل‬
‫بلله وإنمللا يعمللل بالللدليل المخصللص فل حجللة فللي ذلللك ‪،‬‬
‫ويبقى عمل الية فيما بقي على عمومه ممللا أمللر النسللاء‬
‫بكف البصر عنه ‪ .‬وقد قال ابن سعدي في معناها ‪) :‬وقللل‬

‫‪227‬‬
‫للمؤمنات يغضضن من أبصارهن( عن النظر إلى العورات‬
‫والرجال بشهوة ونحو ذلك)‪.(5‬‬
‫ما حديث أم سلمة فيمكن الجواب عنه بما يلي ‪:‬‬ ‫وأ ّ‬
‫‪1‬ل أن الحديث مختلللف فللي صللحته لن فيلله راوٍ مجهللول‪،‬‬
‫وهو نبهان مولى أم سلمة لم يلوثقه إل ّ ابلن حّبلان كعلادته‬
‫في توثيق المجاهيللل‪،‬وقللد ضللعف هللذا الحللديث اللبللاني‪)،‬‬
‫‪(6‬وشعيب الرناؤوط)‪.(7‬‬
‫‪2‬ل علللى فللرض صللحته فلعللل المللر لهللن بالحتجللاب منلله‬
‫لكونه أعمى فربما كان منه شيء ينكشللف وهللو ل يشللعر‬
‫به)‪ ،(8‬أو أنه من باب الستحباب والندب ل الوجوب ‪.‬‬
‫‪3‬ل أن هذا الحديث على فرض صحته خللاص بللأزواج النللبي‬
‫صلللى الللله عليلله وسلللم قللال أبللو داود بعللد روايتلله لهللذا‬
‫الحديث ‪) :‬هذا لزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ‪،‬‬
‫أل ترى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم ‪. ( ..‬‬
‫مناقشة القائلين بالجواز ‪:‬‬
‫جه إلى الدليل الول وهو حديث فاطمة بنت قيللس بأنهللا‬ ‫و ّ‬
‫يمكن أن تساكنه وتغض بصرها عنه ‪ ،‬ول يخفى بعده ‪.‬‬
‫ما حديث عائشة فقالوا أنها كانت وقتئذٍ صغيرة لللم تبلللغ‬ ‫وأ ّ‬
‫بللدليل قولهللا ‪" :‬فاقللدروا قللدر الجاريللة الحديثللة السللن" ‪.‬‬
‫وأجيب عليه بأن الروايات الخرى تذكر أن ذلك بعد قللدوم‬
‫وفد الحبشة ‪ ،‬ووفد الحبشة كان في السللنة السللابعة مللن‬
‫الهجللرة فيكللون عمللر عائشللة حينئذٍ سللت عشللرة سللنة ‪،‬‬
‫فكانت بالغًا)‪.(9‬‬
‫الترجيح ‪:‬‬
‫الذي يظهر والله أعلم أن نظر المرأة إلى ما يظهللر غالبللا‬
‫من الرجل الجنبي جائز إذا كان بل شهوة‪ ،‬ومن مسوغات‬
‫هذا الترجيح ما يلي ‪:‬‬
‫‪1‬ل أن الية عامة‪ ،‬ول يمكللن بقاؤهللا علللى عمومهللا لوجللود‬
‫المعارض الصحيح القللوي ال بللترك العمللل بالمعللارض ‪ ،‬أو‬
‫تعسف تأويله تعسفا ً متكلفا ً ‪.‬‬
‫‪2‬ل قوة أدلة القائلين بللالجواز وجميعهللا فللي الصللحيحين أو‬
‫فللي أحللدهما ‪ ،‬فل يقللف فللي وجههللا حللديث أم سلللمة‬

‫‪228‬‬
‫المختلف في صحته‪ ،‬وعلى فرض صحته فللإنه مللؤول عنللد‬
‫العلماء تأويلت مقبولة ‪.‬‬
‫‪3‬ل تناسب هذا القول مع الية الكريمة ‪) :‬وقللل للمؤمنللات‬
‫يغضضن مللن أبصللارهن ويحفظللن فروجهللن( فللإن النسللاء‬
‫أمرن بحفظ فروجهن عقب المر بغض البصر لنه وسلليلة‬
‫إليه ‪ ،‬فيلمس من هذا أن البصر المأمور بحفظلله مللا كللان‬
‫بشهوة قد تؤدي إلى عدم حفظ الفرج ‪.‬‬
‫‪4‬ل مللا رواه البخللاري أن امللرأة مللن خثعللم وضلليئة جللاءت‬
‫تسللأل النللبي صلللى الللله عليلله وسلللم فللي حجللة الللوداع‬
‫والفضل بن عباس رديفه فطفق ينظر إليهلا وتنظلر إليله ‪،‬‬
‫فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظللر إليهللا ‪،‬‬
‫فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل ‪ ،‬فعدل وجهله علن النظلر‬
‫إليها)‪.(10‬‬
‫فالنبي عليه الصلة والسلم لم يأمر المرأة بغض بصرها ‪،‬‬
‫وإنما صرف نظر الفضل لما رأى من الريبللة فللي نظللره ‪،‬‬
‫ولنه مأمور بغض بصره عن النساء مطلقا ً بشهوة أو بغيللر‬
‫شهوة ‪.‬‬
‫‪4‬ل ما فهمه البخاري رحمه الللله مللع إمللامته فللي الحللديث‬
‫والفقه‪ ،‬فترجم لحديث عائشللة رضللي الللله عنهللا ونظرهللا‬
‫للحبشة بقوله ‪ :‬باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم مللن‬
‫غير ريبة)‪.(11‬‬
‫المسللألة الثانيللة‪:‬حكللم الشللتراك فللي هللذه القنللوات مللع‬
‫احتمال حصول هذه المفسدة‪.‬‬
‫وللجواب عن هذا يقال ‪:‬‬
‫إن هذه القنوات تندرج تحت أحكام الوسائل في الشللريعة‬
‫السلمية ‪ ،‬فهي وسيلة إلى دعوة الناس ‪ ،‬وتعليمهم الخير‬
‫ور فيلله إعلم الباطللل ليعللرض الفجللور ‪،‬‬ ‫فللي زمللن تطلل ّ‬
‫والخلعة ‪ ،‬والشرك ‪ ،‬والبدعة بأنواعهللا علللى المسلللمين ‪،‬‬
‫وحتى أوجز الحديث عللن هللذا أورد مللا سللطره يللراع ابللن‬
‫القيم رحمه الله تعالى في تقسيم الوسائل وبيان أحكامها‬
‫ثم نصّنف هذه المسألة التي نحن بصللددها ونللدرجها تحللت‬
‫قسمها التي هي منه ونعطيها حكمه ‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫فللالقوال والفعلال المتوصللل بهللا إللى المفسللدة ‪ ،‬سللواءً‬
‫كللانت محضللة أو راجحللة أو مرجوحللة ل تخلللو مللن أربعللة‬
‫أقسام هي ‪:‬‬
‫‪1‬ل مللا كللانت وسلليلة موضللوعة للفضللاء إلللى المفسللدة ‪،‬‬
‫كالزنا المؤدي إلى اختلط النساب وفساد الفرش ‪ ،‬فهللذا‬
‫ة أو تحريمًا‪ ،‬بحسللب درجللاته فللي‬ ‫منعته الشريعة إما كراه ً‬
‫المفسدة ‪.‬‬
‫‪2‬ل ما كانت وسيلة موضوعة للمباح قصد بها التوسل إلللى‬
‫المفسدة‪ ،‬مثل ‪ :‬عقد الللبيع بقصللد الحصللول علللى الربللا ‪،‬‬
‫وعقللد النكللاح بقصللد التحليللل‪ ،‬فهللذا أيضللا ً ممنللوع فللي‬
‫الشريعة لن للوسائل أحكام المقاصد ‪.‬‬
‫‪3‬لل مللا كللانت وسلليلة موضللوعة للمبللاح ‪ ،‬ولللم يقصللد بهللا‬
‫التوسل إلى المفسدة لكنها مفضية إليها غالبا ً ‪ ،‬ومفسدتها‬
‫أرجللح مللن مصلللحتها‪ ،‬مثللل ‪ :‬سللب آلهللة المشللركين بيللن‬
‫ظهرانيهم ‪ ،‬فهذا أيض لا ً منعتلله الشللريعة لن درء المفاسللد‬
‫مقدم على جلب المصالح‪ .‬وقللد اسللتدل ابللن القيللم علللى‬
‫المنع في هذين القسمين بتسعةٍ وتسعين دليل ً ‪.‬‬
‫‪4‬لل مللا كللانت وسلليلة موضللوعة للمبللاح وقللد تفضللي إلللى‬
‫المفسدة ومصلحتها أرجح من مفسدتها‪ ،‬ككلمة الحق عند‬
‫سلطان جلائر ونحلو ذللك ‪ ،‬فالشلريعة جللاءت بإباحلة هلذا‬
‫القسللم ‪ ،‬أو اسللتحبابه ‪ ،‬أو إيجللابه بحسللب درجللاته فللي‬
‫المصلحة)‪.(12‬‬
‫وة مللن هللذه‬ ‫فللإذا أردنللا أن نللوازن بيللن المصلللحة المرج ل ّ‬
‫القنوات الفضائية السلمية والمفسدة المتوقعة مللن وراء‬
‫ذلللك نقللول ‪ :‬إن فيهللا مللن المصللالح الللتي هللي مطلوبللة‬
‫شرعا ً ‪،‬كتعليم العقيدة الصللحيحة ‪ ،‬ونشللر العلللم والفقلله ‪،‬‬
‫وطللرح الحلللول الشللرعية لمشللاكل النللاس المعاصللرة‪،‬‬
‫وتوجيه الرأي العام المسلم إلى المواقللف الصللحيحة مللن‬
‫المستجدات العالميللة‪ ،‬وتكللوين الشللعور المسلللم الممثللل‬
‫بالجسد الواحد وإشغال أوقات الناس علللى أقللل الحللوال‬
‫بالمباحات عن المحرمات ‪ ..‬وفيها من المفاسد مللا يتوقللع‬
‫حدوثه من نظر النساء إلللى الرجللال بشللهوة ‪ ،‬أو انشللغال‬

‫‪230‬‬
‫الناس بمشاهدة هذه القنوات عن بعض المور المهمة في‬
‫حياتهم ‪.‬‬
‫وة مللن مثللل‬ ‫وبعد هذه الموازنة يظهر أن المصللالح المرجل ّ‬
‫هذه القنوات أعظم من المفاسد المتوقعة لندرتها ‪ ،‬وعدم‬
‫إمكانية الجزم بوقوعها ‪ ،‬فهي داخلة تحللت القسللم الرابللع‬
‫دها ابللن القيللم رحملله الللله ‪،‬‬
‫من أقسام الوسائل الللتي ع ل ّ‬
‫فالشتراك فيها مبللاح لمللن رغللب فللي ذلللك ‪ ،‬وقللد يكللون‬
‫مستحبا ً أو واجبا ً إذا كان فيه صرف للنللاس عللن مشللاهدة‬
‫غيرها مما يشتمل على المحرمات ‪ ،‬كالغناء والموسيقى ‪،‬‬
‫أو صلور النسلاء ‪ ،‬أو ملا هلو أعظلم ضلررا ً كنشلر البلدع ‪،‬‬
‫والطعللن فللي الللدين ونحللوه ‪ .‬ول يعنللي الحكللم بإباحللة‬
‫الشتراك في هذه القنوات أن يشترك كل مسلم فيها بللل‬
‫هي كأحد أنواع الفواكه مباح ول يلزم من إبلاحته أن يلأكله‬
‫كل أحد ‪،‬‬
‫تنبيه ‪:‬‬
‫إن الشللريعة جللاءت بتحصلليل المصللالح وتكميلهللا وتقليللل‬
‫المفاسد وتعطيلها‪ .‬وهنا لبد من توجيه نداء إللى القللائمين‬
‫على هذه القنوات السلمية بسد ّ باب الذريعة إلى الفساد‬
‫‪ ،‬وذلللك بعللدم استضللافة مللن يللرون فيلله فتنللة للنسللاء‪،‬‬
‫والستغناء عنه بغيره من العلماء وطلبة العلم ‪ ،‬فللإن ذلللك‬
‫من السياسة الشرعية المفضية إلللى إصلللح المسلللمين ‪.‬‬
‫وعلى طلبللة العللم مملن يعلللم أن النظللر إليلله قلد يللورث‬
‫تشبب النساء به أل ّ يخرج عليهن ‪ ،‬والحمد لله أن القنوات‬
‫الفضائية ليست السبيل الوحيد للدعوة وتبليغ الناس الخير‬
‫‪ ،‬فيتخير من وسائل الدعوة ما يكللون أقللرب إلللى تحقيللق‬
‫المراد من الللدعوة بل مفسللدة ‪ ،‬فللإن عمللر بللن الخطللاب‬
‫رضي الللله عنلله لمللا كللان يمشللي بالمدينللة فسللمع امللرأة‬
‫تتغنى بشاب من أهل المدينة اسمه ‪ :‬نصر بن حجاج دعى‬
‫به فوجده شابا ً حسنا ً ‪ ،‬فحلق رأسه فلازداد جملال ً ‪ ،‬فنفلاه‬
‫إلى البصرة‪ ،‬لئل تفتتن به النساء‪ ،‬مع أنلله ل ذنللب للله فللي‬
‫ذلك‪ ،‬وما كان هذا إل ّ سد ّا ً لباب‬
‫الذريعة‪ ،‬وحسما ً لمادته)‪ (13‬والله أعلم ‪.‬‬
‫وفي الختام ‪..‬‬

‫‪231‬‬
‫هللذا مللا تيسللر جمعلله وتحللبيره راجي لا ً مللن الللله التوفيللق‬
‫والصواب ‪ ،‬ثللم أرجللو مللن العلمللاء وطلبللة العلللم تصللويب‬
‫الخطأ ‪ ،‬والعفو عن الزلل ‪ ،‬فإنما الخير أردت‪..‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫‪-1‬سورة النور ‪ ،‬آية ‪.31‬‬
‫‪ - 2‬أخرجلله أبللو داود برقللم )‪ ، (4112‬والترمللذي برقللم )‬
‫‪ ، (2878‬وأحمد )‪. (6/296‬‬
‫‪ - 3‬أخرجه مسلم برقم )‪. (1480‬‬
‫‪ -4‬أخرجه البخاري برقم )‪ ، (454‬ومسلم برقم )‪. (892‬‬
‫‪ -5‬تفسير السعدي )ص ‪. (566‬‬
‫‪ -6‬إرواء الغليل )‪. (6/211‬‬
‫‪-7‬حاشية شرح السنة للبغوي )‪. (4/24‬‬
‫‪ -8‬انظر فتح الباري )‪.(9/248‬‬
‫‪ - 9‬رواه البخاري برقم )‪. (1513‬‬
‫‪ - 10‬رواه البخاري‬
‫‪-11‬فتح الباري )‪. (9/248‬‬
‫‪ -12‬إعلم الموقعين )‪. (3/136‬‬
‫‪-13‬ينظللر‪:‬مجمللوع الفتللاوى )‪ ، (28/370،371‬السياسللة‬
‫الشرعية )‪ ، (1/119‬الطرق الحكمية)‪(1/22‬‬
‫============‬
‫‪#‬بين الثبات والتجديد )‪(1/3‬‬
‫سلمان بن فهد العودة ‪30/3/1424‬‬
‫‪31/05/2003‬‬
‫الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ‪،‬‬
‫وصلى الللله وسلللم علللى نبينللا محمللد وعلللى آللله وصللحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫لهللذا الموضللوع قصللة وذلللك أن بعللض الخللوة فللي وليللة‬
‫كاليفورنيا من الوليات المتحدة المريكية في مسجد النور‬
‫طلبللوا منللي مشللاركة معهللم فللي مللؤتمر أقللاموه وكللانوا‬
‫يقللترحون أن يكللون العنللوان ) المراجعللات المنهجيللة فللي‬
‫الواقع السلللمي المعاصللر ( فللألقيت لهللم محاضللرة عللبر‬
‫الهاتف ثم طلب مني إخوة آخرون في الجامعة السلللمية‬
‫العالمية فلي كواللمبلور فلي ماليزيلا محاضلرة أيضلا ً فلي‬

‫‪232‬‬
‫موضوع ) التجديد في الشريعة السلمية ( وحللدثت هللؤلء‬
‫وأولئك فتبين لي أن الحديث بين هللذين الموضللوعين فيلله‬
‫شيء من الشتراك ل بد من كشفه وبيانه وبناء على ذلللك‬
‫جمعت شتاته في هذا المقال ‪.‬‬
‫والعمللل السلللمي فللي هللذا العصللر سللواًء كللان عمللل‬
‫جماعات أو أفرادٍ أو مؤسسات أو غير ذلك يمر بمتغيللرات‬
‫ومراجعات منذ فترة ليسللت باليسلليرة ‪ ،‬لكللن وتيللرة هللذه‬
‫المراجعات وزخمها يتزايد يوما ً بعد يوم خصوصا ً فللي ظللل‬
‫العولمة الللتي تحللاول أن تجمللع العللالم كللله تحللت سلللطة‬
‫ة واقتصللادا ً وإعلم لا ً وثقافللة ثللم ثاني لا ً‬
‫أممية واحدة سياس ل ً‬
‫بسبب أحداث ‪ 11‬سبتمبر وما ترتب عليها ملن الجلراءات‬
‫العسكرية والسياسية والمنية وغيرها ‪ ،‬فبذلك مللر العللالم‬
‫كله بتحولت سياسية وفكرية عميقللة ‪ ،‬وتبع لا ً فللإن الواقللع‬
‫السلمي هو جزء من الواقع العام يتأثر به سلبا ً وإيجابا ً ‪.‬‬
‫لقللد كللان بعللض السلللميين منللذفترة طويلللة يحللاربون‬
‫ويعترضللون علللى مللا يسللمى بالمشللاركة السياسللية أو‬
‫الدخول في البرلمانات ‪ ،‬أو محاولة التأثير من الداخل كما‬
‫يقال ‪ ،‬ثم بدا لهللم أن هللذا بلاب ل بلد ملن وللوجه فأصللبح‬
‫الذين كللانوا بللالمس يجوبللون القطللر محللذرين مللن هللذه‬
‫المشلللاركة وملللبينين أن فيهلللا خطلللرا ً وأن فيهلللا لبسلللا ً‬
‫ومتخوفين من هذه التجربللة صللاروا يفعلللون الشليء ذاتله‬
‫ن أو فلن أو هللذه القائمللة أو تلللك‬ ‫داعين إلللى ترشلليح فل ٍ‬
‫الجمعية اقتناعا ً منهم بأن هللذا ل بللد مللن فعللله ولبللد مللن‬
‫مزاحمللة الشللر بللالخير ‪ ،‬كللذلك حمللل بعللض السلللميين‬
‫السلح لمواجهة بعض النظمة الحاكمة في عدد من البلد‬
‫السلمية ربما كان أقدم هذه التجارب هللي التجربللة الللتي‬
‫جللرت فللي سللوريا ‪ ،‬وكللان مللن جرائهللا النتللائج الكللبيرة‬
‫المعروفة ونزيف الدماء الهللائل وضللياع المللوال وانسللداد‬
‫أبواب كانت مشرعة للدعوة في وقللت مللن الوقللات‪ ،‬وتل‬
‫ذلك أحداث مشابهة في أكللثر مللن قطللر إسلللمي كمصللر‬
‫وبعد فترة طويلة من هذه التجربة ترتب على ذلك العلن‬
‫الكبير عن أن هذه التجربة مرت بظروف صللعبة واكتنفتهللا‬

‫‪233‬‬
‫أخطاء عديدة وأنه ل بد من تصحيح المسار وتدارك العثللار‬
‫وضبط المصطلح والشعار لدى هؤلء الخيار ‪.‬‬
‫كان ثمت آخرون من الدعاة يحملون على البلث الفضللائي‬
‫ويحذرون منه ويتحدثون عللن مخللاطره وبعللد ذلللك وجللدوا‬
‫أنفسهم مضطرين ل بعد ما أصبح هذا البث واقعا ً ل سللبيل‬
‫إلى تجاهله ل أن يقتحموه بدعوتهم وأن يزاحموا فيه الشر‬
‫بالخير وأن يعتمدوه كوسلليلة جديللدة مللن وسللائل الللدعوة‬
‫كما يعتمدون النترنت أو الكتاب أو الشريط أو الجريدة أو‬
‫المجلة أو غيرها والوسائل لها حكم الغايللات ‪ ،‬هللذه مجللرد‬
‫نماذج وغيرها كثير تشير إلى أن هناك مايحتاج إلللى تجليللة‬
‫وإيضاح‪.‬‬
‫والمسلللم يللدعو ‪ " :‬اهللدنا الصللراط المسللتقيم "‪ ،‬و هللذا‬
‫الدعاء رباني عظيلم فلي دللتله‪ ،‬ولحكملة اللله لعبلاده أن‬
‫يتلوه ويقرؤوه في كل صلة بللل فللي كللل ركعللة فل تصللح‬
‫الصلة إل بهذا ول صلة لمن لم يقرأ بفاتحللة الكتللاب كمللا‬
‫ر‬
‫في البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ‪ ،‬ولم ٍ‬
‫ما شرع الله عللز وجللل هللذا ‪ ،‬ول شللك أن المسلللم يللوقن‬
‫يقينا ً قطعيا ً أن ذلللك لحكمللة عظيمللة ‪ ،‬وأن غيللره ل يقللوم‬
‫مقامه فيه ‪ ،‬والهداية المطلوبة هي أربعة أنواع ‪:‬‬
‫الهدايللة الولللى هللي منللح الللله عبللاده القللوى والقللدرات‬
‫والملكات التي بها يتوصلون إلى معرفة الخيللر والمصلللحة‬
‫وإلى معرفة الشر والمفسدة ‪.‬‬
‫ومن ذلك أن الله تعالى زودهللم بللالحواس المعروفللة مللن‬
‫سمع وبصر ولمللس وغيللر ذللك ومنحهللم سللبحانه العقللول‬
‫التي يحصلون بها العلم والتعلم ولهذا قال الله سبحانه ‪[ :‬‬
‫وعلم آدم السماء كلها ] أن الله جعل لدم ثم لذريته مللن‬
‫بعلللده قلللدرة عللللى التعللللم والفهلللم والدراك ل تتحقلللق‬
‫لغيرهم ‪ ،‬فربنا سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم‬
‫هدى ‪ ،‬وهذا وإن كان للحيوان نصلليب منلله بمللا هللداه الللله‬
‫إليه بفطرته فهو يعرف أين يختار المرعللى وأنلله يأكللل إذا‬
‫جاع ويشرب إذا عطش ويتقي بعض المخللاطر حللتى إنللك‬
‫تجد للحيوانات وللحشرات وللهوام والدواب من بديع صنع‬

‫‪234‬‬
‫الله تعالى الشلليء الللذي ينللدهش منلله العقللل إل أن الللله‬
‫سبحانه فضل النسان على غيره من ذلك بما ل يخفى ‪.‬‬
‫فالهداية الولى ‪ :‬هي أن الللله زود النللاس بالملكللات الللتي‬
‫بها يحصلون على الهداية ويعرفون الخير فيفعلونه والشللر‬
‫فيجتنبللونه‪ ،‬ولهللذا كللان العقللل منللاط التكليللف والسللؤال‬
‫والجزاء‪.‬‬
‫الهدايللة الثانيللة ‪ :‬الهدايللة العامللة بللأن الللله بعللث الرسللل‬
‫والنبياء عليهللم الصلللة والسلللم وأنللزل الكتللب وخاتمتهللا‬
‫القرآن ولهذا قال تعالى ‪ [ :‬ولكل قوم هاد ] وقال سبحانه‬
‫[ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقللوم ] فللبين أن الرسللل‬
‫هداة ‪ ،‬وأن القرآن الكريم والكتللب السللماوية قبللله كللانت‬
‫هداية للناس [ إنا أنزلنا التوراة فيهللا هللدى ونللور ] وهكللذا‬
‫بقية الكتب حتى جاء القرآن مهيمنا ً عليهللا‪ ،‬وهللذه الهدايللة‬
‫يسميها العلماء هداية الدللة والرشاد ‪ ،‬فالله تعالى يقللول‬
‫لرسوله صلى الله عليه وسلم ‪ [ :‬وإنك لتهدي إلى صراط‬
‫مستقيم ] فأثبت لرسوله صلى الله عليه وسلم هذا النللوع‬
‫من الهداية بتعليملله النللاس وتلوة القللرآن وبيللان السللنة ‪،‬‬
‫يكون هدى الناس وإن كللان نفللى عنلله نوع لا ً آخللر[ إنللك ل‬
‫تهدي من أحببت ] ‪.‬‬
‫الهدايللة الثالثللة ‪ :‬الهدايللة الخاصللة وهللي هدايللة التوفيللق‬
‫للصالحين من عباد الله تبارك وتعالى أن يهديهم الله إلللى‬
‫صراطه المستقيم ولهذا يقول الله عز وجل ‪ [ :‬وهدوا إلى‬
‫الطيلب ملن القلول وهلدوا إللى صلراط الحميلد ] ويقلول‬
‫سبحانه ‪ [ :‬أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ] ويقللول‬
‫عز وجل ‪ [ :‬والذين جاهللدوا فينللا لنهللدينهم سللبلنا ] فهللذه‬
‫هداية التوفيق واللهام أن الله تعالى يأخللذ بيللد مللن يشللاء‬
‫من عباده إلللى الصللراط المسللتقيم ‪ ،‬ولللذلك يقللول بعللض‬
‫العلماء ‪ :‬إن آيات الله سبحانه وتعالى في الكون مبثوثة ل‬
‫يحصيها إل هو ‪ ،‬ولكللن المسللتفيدين منهللا قليللل فكللم مللن‬
‫ناظر في ملكوت السللموات والرض ل يتجلله إلللى هللدى ‪،‬‬
‫ول ينصرف عن ردى ‪ ،‬ولكن الله يهدي من يشاء ‪.‬‬
‫ومن الواضح أن هذا النللوع مللن الهدايللة لل هدايللة التوفيللق‬
‫وهدايللة اللهللام للل يتجللزأ ويتكللون للنسللان شلليئا ً فشلليئا ً‬

‫‪235‬‬
‫ويحصل عليه النسان بالتدريج ولهللذا يقللول الللله سللبحانه‬
‫وتعالى ‪ [ :‬والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سللبلنا ] فهللم لمللا‬
‫جاهدوا فللي الللله سللبحانه وتعللالى كللانوا مهتللدين وإل لمللا‬
‫جاهدوا في الله تعالى ‪ ،‬ولكن وعدهم الله تعالى بقللوله‪[ :‬‬
‫لنهللدينهم سللبلنا ] بمزيللد مللن الهدايللة والتوفيللق والعلللم‬
‫والمعرفة ومزيد من العمل والرحمة لم يكن لهم من قبل‬
‫‪ ،‬وهكللذا قللول الللله سللبحانه ‪ [ :‬إن الللذين آمنللوا وعملللوا‬
‫الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ] فهم أول ً آمنللوا وعملللوا‬
‫الصالحات ‪ ،‬واليمان هداية ‪ ،‬وعمل الصللالح هدايللة ‪ ،‬ومللع‬
‫ذلك قال ‪ [ :‬يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم النهار‬
‫في جنات النعيم ] فهم آمنللوا وعملللوا الصللالحات ‪ ،‬وهللذه‬
‫هداية ‪ ،‬ثم تذرعوا بها إلى هداية أكمللل وأعظللم منهللا فللي‬
‫الدنيا وفي الخرة بوعد الله تبللارك وتعللالى ‪ ،‬وهكللذا قللول‬
‫الله عز وجل ‪ [:‬والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنللدخلنهم‬
‫في الصالحين ]‪ ،‬فيتكلف العمل الصالح أول ً ثم يصبح سهل ً‬
‫يسيرا ً عليه بالعتياد والتمرين‪.‬‬
‫فمن أنللواع الهدايللة الظللاهرة فللي هللذه اليللة أن هللدايتهم‬
‫الولى كانت تكلفا ً وتصبرا ً ‪ ،‬ثم تحللولت إلللى جبلللة وعللادة‬
‫ة بغير تكلف فتلقنوا هذه العمال ‪ ،‬ولهذا كان قيامهم‬ ‫وكلف ً‬
‫الليللل أول المللر فللي عنللاء وجهللد ‪ ،‬ثللم تحللول إلللى عللادة‬
‫مألوفللة ل يصللبرون بللدونها ‪ ،‬ول يجللدون لللذتهم إل فيهللا ‪،‬‬
‫ولهذا يقول الله سللبحانه وتعللالى ‪ [:‬يللا أيهللا الللذين ءامنللوا‬
‫اتقوا الله وءامنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل‬
‫لكللم نللورا ً تمشللون بلله ويغفللر لكللم والللله غفللور رحيللم‬
‫] فخللاطبهم باليمللان ‪ ،‬ودعللاهم إلللى أن يتقللوا الللله وأن‬
‫يؤمنوا برسوله ‪ ،‬وهذه هدايات ‪ ،‬فللإذا فعلللوا ذلللك قللال ‪[:‬‬
‫يؤتكم كفليللن مللن رحمتلله ويجعللل لكللم نللورا ً تمشللون بلله‬
‫] فهذا النور هو ثمرة الهداية ثمللرة التقللوى ثمللرة اليمللان‬
‫ثمرة العمل الصالح أن يكون لهللم نللور يمشللون فيلله فللي‬
‫الدنيا فيفرقون به بين الخطللأ والصللواب والحللق والباطللل‬
‫بل يفرقون به بين الصللوابات المتعللددة أيهللا أفضللل وبيللن‬
‫النواع التي كلهللا خيللر أيهللا أخيللر ‪ ،‬ولهللذا قللال عمللرو بللن‬
‫العاص رضي الله عنه ‪ " :‬ليس الفقيلله مللن يعللرف الخيللر‬

‫‪236‬‬
‫من الشر ‪ ،‬إنما الفقيه كل الفقيه من يعرف خير الخيريللن‬
‫وشر الشرين " وهنا قال ‪ [ :‬ويجعل لكم نورا ً تمشون به ]‬
‫وفي الية الخرى قال ‪ [ :‬إن تتقوا الله يجعل لكللم فرقانللا‬
‫] فهذا الفرقللان يكللون فللي قلللب النسللان وعقلله ‪ ،‬وفللي‬
‫خبرته وعلمه فيفرق بين الشياء ويختار أيها أفضل وأكمل‬
‫وأنبل مما يقصر عنه فهم غيره‪.‬‬
‫الهداية الرابعة ‪ :‬الهداية إلى مجاورته سبحانه وتعالى فللي‬
‫جنللات عللدن فللي جنللات النعيللم ‪ ،‬قللال الللله عللز وجللل ‪[ :‬‬
‫ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري مللن تحتهللم النهللار‬
‫وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتللدي لللو ل أن‬
‫هدانا الله ] فتمام الهداية إنما يتحقق بمصللير النللاس إلللى‬
‫جنات النعيم في جوار الرب الرحيم فهذه الهدايات الربللع‬
‫يطلبها العبد يطلبها في دعائه ‪.‬‬
‫وقد اختلفت عبارات المفسرين فللي معنللى قللوله [ اهللدنا‬
‫الصراط المستقيم ] ‪.‬‬
‫فقللال علللي بللن أبللي طللالب وأبللي بللن كعللب رضللي الللله‬
‫عنهمللا [ اهللدنا ] معناهللا ثبتنللا علللى الصللراط المسللتقيم ‪،‬‬
‫وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ‪ :‬أرشللدنا ‪،‬‬
‫وروي عنه أيضا ً أنه قللال ‪ :‬وفقنللا وألهمنللا ‪ ،‬فهنللاك الثبللات‬
‫وهناك هداية الرشاد وهناك هداية التوفيق واللهام ‪.‬‬
‫كما اختلفت عبارات المفسللرين فللي الصللراط المسللتقيم‬
‫فقيل ‪ :‬هوكتاب الله تعللالى ‪ ،‬وقيللل ‪ :‬السلللم ‪ ،‬كمللا قللاله‬
‫ابن مسعود والحسن وأبو العالية وغيرهم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬طريللق‬
‫الجنة ‪ ،‬وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫والصواب أن ذلك كله حق ‪ ،‬وههنا يقول المام ابللن تيميللة‬
‫رحمه الله )‪ " : (13/382‬فكل مللن المفسللرين يعللبر عللن‬
‫الصراط المستقيم بعبارة يدل بها على بعض صللفاته وكللل‬
‫ذلك حق بمنزلة ما يسمى الله ورسوله وكتابه بأسماء كل‬
‫اسم منها يدل على صللفة مللن صللفاته فيقللول بعضللهم ‪[ :‬‬
‫الصراط المستقيم ] كتاب الله أو اتباع كتاب الللله ويقللول‬
‫الخر ‪ [ :‬الصراط المستقيم ] هو السلم أو ديللن السلللم‬
‫ويقول الخر ‪ [ :‬الصراط المستقيم ] هو السنة والجماعللة‬
‫ويقول الخر ‪ [ :‬الصراط المسللتقيم ] طريللق العبوديللة أو‬

‫‪237‬‬
‫طريق الخوف والرجاء والحب وامتثللال المللأمور واجتنللاب‬
‫المحظور أو متابعة الكتاب والسنة أو العمللل بطاعللة الللله‬
‫أو نحو هذه السماء والعبارات ‪ ،‬ومعلوم أن المسللمى هللو‬
‫واحد وإن تنوعت صفاته وتعددت أسماؤه وعباراته " ‪.‬‬
‫ن كلها حق‪.‬‬ ‫ولهذا نقول ‪ :‬إن الية تدل على معا ٍ‬
‫المعنى الول منها ‪ :‬ثبتنا على الصراط المسللتقيم ‪ ،‬ولهللذا‬
‫روى مسلم عن عبدالله بن عمرو بللن العللاص رضللي الللله‬
‫عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليلله وسلللم يقللول ‪ ) :‬إن‬
‫قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلللب‬
‫واحد يصرفه حيث يشاء ( ثم قال صلى الله عليه وسلللم ‪:‬‬
‫) اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ( ‪.‬‬
‫وروى الترمذي وغيره عن أنس وجماعة من الصللحابة أنلله‬
‫قال ‪ :‬كان رسللول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم يكللثر أن‬
‫يقول ‪ ) :‬يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ( فقلللت ‪:‬‬
‫يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال‬
‫‪ ) :‬نعم ‪ .‬إن القلوب بين أصللبعين مللن أصللابع الللله يقلبهللا‬
‫كيف يشاء ( فالصراط المستقيم هنا هو السلم ‪ ،‬فل يبتللغ‬
‫المسلم دينا ً سواه ‪ ،‬وهو القرآن فل يبتغ كتابا ً غيللره ‪ ،‬وهللو‬
‫اليمان فل يختار الكفلر عللى اليملان طائعلا ً راضليًا‪ ،‬وهلو‬
‫السنة فل يصرف قلبه إلى بدعة أو مخالفة أو انحراف ‪.‬‬
‫إن أركان السلم الخمسة وأركان اليمان السللتة وأصللول‬
‫الخلق وأصللول المحرمللات والمنهيللات وأصللول العتقللاد‬
‫المقررة فللي كتللاب الللله وسللنة رسللوله صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم ‪ ،‬والتي هي محل إجماع من السلف الصللالح رضللي‬
‫اللله عنهللم هللي مللن الضللروريات الظللاهرة‪ ،‬ومللن قواعللد‬
‫الدين ومعاقده ومبانيه الثابتة المستقرة ‪ ،‬فللالمؤمن يللدعو‬
‫ربه صباح مساء في قيامه وركوعه وسجوده بالثبات عليها‬
‫حتى يلقاه ؛ لن هذه الشياء ممللا ل يجللوز أن يكللون فيهللا‬
‫أي خلل أو اضللطراب وكللثير مللن النللاس قللد يقللع عنللدهم‬
‫شيء من الزلزال ‪.‬‬
‫والزلزال قد يضرب منطقة معينة ‪ ،‬ولكن الذين يرصللدون‬
‫الزلزال يدركون إن توابع الزلللزال قللد تمتللد إلللى منللاطق‬
‫بعيدة جدا ً ‪ ،‬وإن لم يشعر الناس فيهللا بزلزلللة قويللة لكللن‬

‫‪238‬‬
‫يللدركها العللارفون‪ ،‬فهكللذا بعللض النللاس ربمللا بسللبب‬
‫اضطرابهم في بعللض المللور يصللل الزلللزال عنللدهم إلللى‬
‫القواعد والمعاقد والصول ‪ ،‬وهذا خطر ينبغي النتباه للله ‪،‬‬
‫ويجللب علللى المسلللم أن يحللاذره فللإن أغلللى مللا يملكلله‬
‫المسلم وقرة عينه في الدنيا وسعادته في الخرة وقربانه‬
‫إلللى ربلله سللبحانه وتعللالى هللو اليمللان بللالله والتسللليم‬
‫لشريعته والوقوف عند حدودها ‪.‬‬
‫فالمعنى الول ثبتنا على الصراط المستقيم‪.‬‬
‫والمعنى الثاني زدنا هدى ‪ ،‬قللال تعللالى ‪ [ :‬والللذين اهتللدوا‬
‫زادهم هدى وآتاهم تقواهم ] وقللال تعللالى ‪ [ :‬ويزيللد الللله‬
‫الذين اهتدوا هدى ] فالهدى ل يتوصل النسللان إليله دفعلة‬
‫واحدة حتى الرسول صلى الللله عليلله وسلللم كللان الللوحي‬
‫يتجدد عنده مرة بعد مرة وكان يرتقي في ملدارج الكملال‬
‫زلفة بعد أخرى وكان يقول له ربه سبحانه ‪ [ :‬واعبللد ربللك‬
‫حتى يأتيك اليقين ] واليقيللن هللو المللوت فمللا زال رسللول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يعبد ربه ‪ ،‬ويصعد سّلم العبودية‬
‫‪ ،‬ويرتقي في مدارج الكمال حللتى كللان يقللول صلللى الللله‬
‫عليه وسلم كما في صحيح مسلم عن الغر المزني ‪) :‬إنلله‬
‫ليغان على قلبي وإني لستغفر الله في اليوم مائة مرة (‪،‬‬
‫وعلمه ربه أنه يطلب المزيد من العلم والعمل‪.‬‬
‫فمهم للنسان أن يطلب الزيادة من الهللدى ‪ ،‬ومللن زيللادة‬
‫الهدى الطمئنان إلى ما عنللد ربلله تبللارك وتعللالى ‪ ،‬ولهللذا‬
‫قال إبراهيم عليه الصللة والسللم لربله علز وجلل ‪[ :‬رب‬
‫أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تللؤمن قللال بلللى ولكللن‬
‫ليطمئن قلبي] فاطمئنللان القلللب باليمللان هللو مللن زيللادة‬
‫الهدى ‪ ،‬وكذلك زيللادة العلللم بتفاصلليل اليمللان و تفاصلليل‬
‫العمال هو من الهدى ‪ ،‬ولهذا قال تبللارك وتعللالى ‪ [ :‬وإذا‬
‫ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكللم زادتلله هللذه إيمان لا ً‬
‫فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمان لا ً وهللم يستبشللرون * وأمللا‬
‫اللذين فلي قللوبهم ملرض فزادتهلم رجسلا ً إللى رجسلهم‬
‫وماتوا وهم كافرون ] فالمؤمن جاءته آية جديدة فآمن بهللا‬
‫وسلم وقرأها ‪ ،‬وكل هذا زيادة إيمان ‪ ،‬والمنافق كذب بهللا‬
‫وردها وكفر فكان ذلك زيادة في نفاقه ‪ ،‬ومن هنا قال الله‬

‫‪239‬‬
‫سبحانه وتعالى لنبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلللم ‪[ :‬‬
‫وقل ربي زدني علما ً ] وقد روى صالح ابن المام أحمد بن‬
‫حنبل فقال ‪ :‬رأى رجل مع أبللي محللبرة ً فقللال للله ‪ :‬يللا أبللا‬
‫عبدالله ‪ ،‬أنت قد بلغت هذا المبلغ ‪ ،‬وأنت إمام المسلللمين‬
‫‪ ،‬فقال ‪ " :‬من المحبرة إلى المقبرة " يعني ل يزال يطلب‬
‫العلم إلى أن يموت ‪.‬‬
‫وحللتى فللي مللرض المللوت كللان السلللف يتلقللون العلللم‬
‫ويطلبونه ‪ ،‬وليس مقصود العلم المعرفة النظرية المجردة‬
‫فقط ‪ ،‬وإنما العلم واليمان ‪ ،‬ولهذا لما قيل للمام أحمد ل ل‬
‫وهو في مرض المللوت ‪ ،‬وكللان يئن مللن الوجللع ل ل ‪ :‬بعللض‬
‫السلف كانوا يقولون ‪ :‬إن النين يكتب ‪ ،‬ترك النين رحملله‬
‫الله‬
‫المعنى الثالث ‪ :‬اهدنا أي وفقنا للصواب فيما تختلللف فيلله‬
‫النظار وتتفللاوت فيلله الجتهللادات‪ ،‬ولهللذا كللان مللن دعللاء‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬دعوته في صلة الليل )‬
‫اللهم رب جبرائيل وميكائيل‪ ،‬وإسرافيل فللاطر السللماوات‬
‫والرض‪ ،‬عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما‬
‫كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحللق بإذنللك‬
‫إنك تهدي من تشاء إلى صراط مسللتقيم ( والحللديث رواه‬
‫مسلم وأحمد وأهل السنن ‪ ،‬وهنا دعللا النللبي ‪ -‬صلللى الللله‬
‫عليلله وسلللم ‪ -‬ربلله فاسللتغاث بلله‪ ،‬وقللال ‪ ) :‬رب جبرائيللل‬
‫وميكائيللل وإسللرافيل ( الللذين مهمتهللم تتعلللق بالحيللاة‬
‫فجبريل ينزل بالوحي الللذي بلله حيللاة القلللوب ‪ ،‬وميكائيللل‬
‫الموكل بالقطر الذي فيلله حيللاة الرض ‪ ،‬وإسللرافيل ينفللخ‬
‫في الصور لحياة الناس من قبورهم ‪.‬‬
‫وذلك لن المقام مقام طلب الهدايللة ‪ ،‬والهدايللة هللي نللور‬
‫وحيللاة للقلللوب وللبللدان‪ ،‬فناسللب أن يللذكر اسللم هللؤلء‬
‫الملئكة ‪.‬‬
‫وهذا يشمل الهداية الولللى بالثبللات إل أنلله يشللمل هدايللة‬
‫جديدة ‪ ،‬وهي طلب الهداية في مواضللع الشللكال ‪ ،‬ولهللذا‬
‫قال ‪) :‬لما اختلف فيه من الحللق ( وكللثيرا ً ماكللان العلمللاء‬
‫يللدعون بهللذا الللدعاء فللي مواضللع الضللطراب والختلف‬
‫والمسائل الخفية‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫وهنا نلحظ أن الرسول ‪ -‬صلى الللله عليلله وسلللم ‪ -‬سللأل‬
‫الهداية وليس الثبات ‪ -‬كما في الحديث الذي قبله ‪. -‬‬
‫إن هذه الهداية هلي ‪ -‬فلي حقيقتهلا ‪ -‬ثبللات ‪ ،‬ولكلن قللد ل‬
‫تكون صورتها كذلك ‪ ،‬إنها ثبات على المنهج ‪ ،‬ومن الثبللات‬
‫أن يتبع المرء الهداية حيث كانت ‪ ،‬فالدين المحللض يسللأل‬
‫المللرء الثبللات عليلله بكللل حللال ‪ ،‬والللرأي يطلللب المللرء‬
‫الصواب فيه ‪ ،‬ولهذا نقول ‪ :‬إن أعظم الثوابت هو الجتهللاد‬
‫‪ ،‬وهو أساس المتغيرات فإن المرء إذا اجتهد فأصلاب فلله‬
‫أجران ‪ ،‬وإن أخطأ فله أجر ؛ لن اجتهاد المرء ينتقللل مللن‬
‫فاضل إلى أفضل أو من مفضول إلى فاضل‪.‬‬
‫وعند البخاري وغيره عن زهدم قال ‪ :‬كنا عند أبي موسللى‬
‫الشعري ‪ ،‬وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم إخللاء فللأتي‬
‫بطعام فيه لحم دجاج ‪ ،‬وفي القوم رجل جالس أحمر فلم‬
‫يدن من طعامه قال ‪ :‬ادن فقد رأيت رسول الللله ‪ -‬صلللى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬يأكل منه ‪ ،‬قلال ‪ :‬إنلي رأيتله أكلل شليئا‬
‫فقذرته فحلفللت أل آكللله ‪ ،‬فقللال ‪ :‬ادن أخللبرك أو أحللدثك‬
‫أني أتيت النبي ‪ -‬صللى الللله عليلله وسللم ‪ -‬فللي نفللر مللن‬
‫الشعريين فوافقته وهو غضبان ‪ ،‬وهو يقسم نعما ً من نعم‬
‫الصدقة فاستحملناه فحلف أل يحملنا ‪ :‬قلال ‪ ) :‬ملا عنلدي‬
‫ما أحملكم عليه ( ثم أتي رسللول الللله ‪ -‬صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم ‪ -‬بنهللب مللن إبللل فقللال ‪ ) :‬أيللن الشللعريون ؟ أيللن‬
‫الشعريون ؟ ( قال فأعطانا خمس ذود غر الللذرى‪ ،‬فلبثنللا‬
‫غير بعيد‪ ،‬فقلت لصحابي ‪ :‬نسي رسول الله ‪ -‬صلللى الللله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يمينه ‪ ،‬فوالله لئن تغفلنا رسول الله ‪ -‬صلللى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬يمينه ل نفلح أبدا ً ‪ ،‬فرجعنللا إلللى النللبي ‪-‬‬
‫صلللى الللله عليلله وسلللم ‪ ، -‬فقلنللا ‪ :‬يللا رسللول الللله‪ ،‬إنللا‬
‫استحملناك فحلفت أل تحملنا ‪ ،‬فظننا أنك نسيت يمينللك ‪،‬‬
‫فقال ‪ ) :‬إن الله هو حملكللم ‪ ،‬إنللي والللله إن شللاء الللله ل‬
‫أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا ً منها إل أتيت الللذي هللو‬
‫خير وتحللتها ( ‪.‬‬
‫فهنا تلحظ أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬حلف علللى‬
‫شئ ‪ ،‬ثم فعل غيره‪ ،‬وقللرر فللي ذلللك قاعللدة عظيمللة للله‬
‫ولمن يأتي بعده أنه قللد يللرى الشلليء صللوابا ً حللتى يحلللف‬

‫‪241‬‬
‫عليه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬ثم يبدو له أن غيللره خيللر‬
‫منه ؛ لنه تغيرت الحوال والحداث ‪ ،‬إذ لم يكن عنده نعم‬
‫فجاءته النعم ‪ ،‬أولم يكن يرى هذا الشيء فأراه الله تعالى‬
‫إياه فيكفر عن يمينه الول‪ ،‬ثم يأتي الذي هو خيللر ‪ ،‬ولهللذا‬
‫قال عمر بن الخطاب في رسالته لبي موسى ل والغريللب‬
‫أن أبلا موسللى طللرف فللي المريلن كليهملا لل ضللمن هلذا‬
‫الخطاب ‪ :‬ول يمنعنك قضاء قضيته بالمس فراجعت اليوم‬
‫فيلله عقللك وهللديت فيلله إللى رشللدك أن ترجللع فيله إلللى‬
‫الحق‪ ،‬فإن الحق قديم‪ ،‬ومراجعة الحق خيللر مللن التمللادي‬
‫بالباطل‪ ،‬ثم قال له ‪ :‬الفهم الفهم فيما تلجلج في صللدرك‬
‫مما ليس في كتاب الله ول سللنة نللبيه ‪ -‬صلللى الللله عليلله‬
‫وسلللم ‪ ، -‬ثللم اعللرف المثللال والشللباه وقللس المللور‬
‫بنظائرها‪.‬‬
‫يقلللول ابلللن القيلللم ‪ -‬رحمللله اللللله ‪ -‬فلللي )كتلللاب إعلم‬
‫الموقعين(‪ " :‬هذا كتاب جليل تلقاه العلماء بللالقبول وبنللوا‬
‫عليه أصول الحكللام والشللهادة والحللاكم‪ ،‬والمفللتي أحللوج‬
‫شئ إليه وإلى تأمله والفقه فيه‪ ،‬ثم شرح ابللن القيللم هللذا‬
‫الفقرة بالذات في قول عمر لبللي موسللى ‪ ":‬ول يمنعنللك‬
‫قضاء قضيته بالمس ثم راجعللت فيلله عقلللك وعللدت فيلله‬
‫إلى رشدك أن تراجع الحق فإن الحق قللديم " يقللول فللي‬
‫كلم جميل ‪ ":‬يريد أنك إذا اجتهدت في حكومة يعنللي فللي‬
‫حكم ثم وقعت في هذه الحكومللة مللرة أخللرى فل يمنعللك‬
‫الجتهاد الول من إعادته؛ فإن الجتهاد قد يتعثر‪ ،‬ول يكون‬
‫الجتهاد الول مانعا ً مللن العمللل بالثللاني إذا ظهللر لللك أنلله‬
‫الحق ‪ ،‬فإن الحق أولللى باليثللار ؛ لن الحللق قللديم سللابق‬
‫على الباطل‪ ،‬فإذا كان الجتهاد الول قللد سللبق يعنللي هللو‬
‫الول عندك وقد تعمل به ؛ لنك تقول ‪ :‬هللذا أول اجتهللاد ‪،‬‬
‫وهو أول ما ذهبت إليه ‪ ،‬وأول ما نظرت فيه‪ ،‬فيقللول لللك‪:‬‬
‫ل يمنعنك ذلك من أن تأخذ بللالحق الجديللد‪ ،‬فللالحق قللديم‬
‫يعني أسبق حتى من اجتهللادك الول والرجللوع إليلله أولللى‬
‫من التمادي على الجتهاد الول ‪ ،‬ثم نجد أن عمللر‪ -‬رضللي‬
‫الله عنه ‪ -‬وغيره من الخلفاء الراشدين والئمللة المهللديين‬
‫كانوا يعملون بهذا النظام‪ ،‬فعمر نفسه ‪ -‬رضي الله عنلله ‪-‬‬

‫‪242‬‬
‫كما عند عبدالرزاق وغيره أنه قضى في مسألة المشللركة‬
‫ل وهي مسألة فرضية ل بقضاء ثم جرت مرة أخرى فقضى‬
‫فيها ‪ -‬عمر رضي الله عنه ‪ -‬بقضاء آخر ‪ ،‬فقيللل ‪ :‬يللا أميللر‬
‫المؤمنين‪ ،‬إنك قضيت قبل عام بغيللر ذلللك ‪ ،‬فقللال عمللر ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ : -‬تلك على ما قضينا يومئذ‪ ،‬وهذه على ما‬
‫قضينا اليوم ‪ ،‬فأخذ عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬باجتهاد ثم أخذ‬
‫باجتهاد آخر بما ظهر له أنه الحق ولم يمنعه القضللاء الول‬
‫من الرجوع إلللى الثللاني‪ ،‬ولللم ينقللض أيض لا ً القضللاء الول‬
‫بالقضاء الثاني فجرى أئمة السلم ‪ -‬كما يقول ابن القيم ‪-‬‬
‫من بعده على هذا المنوال‪ ،‬ومن هنا وجللدنا الئمللة ينهللون‬
‫عللن تقليللدهم بللل ويرفضللون هللم أن يقلللدوا أنفسللهم ‪،‬‬
‫فالمام أحمد يكون له في المسألة الواحدة سبع روايات ‪،‬‬
‫وهي من القضايا التي قد يكون فيها نصوص ‪ ،‬ولكن توجيه‬
‫النصللوص علللى محلهللا والنظللر‪ ،‬فيهللا واعتبللار الناسللخ‬
‫والمنسللوخ‪ ،‬والنظللر إلللى صللحة السللناد وعللدمه ‪ ،‬وهكللذا‬
‫الشافعي كان له مذهب قديم في العراق ثم مذهب جديللد‬
‫في مصر ‪ ،‬وتلميذ أبي حنيفة أصللبحوا يخللالفونه فللي نحللو‬
‫من ثلثي مذهبه ‪ -‬رضي الله عنهم أجمعين ‪.-‬‬
‫وكان الشافعي يقول‪ :‬إنما يؤخذ بالخر فالخر من هللدي ‪-‬‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وقوله ‪ :‬فنحن نجد أن النللبي‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لما قللدم إلللى المدينللة مثل ً كللان‬
‫يحب موافقة أهل الكتاب فيما للم ينللزل عليله فيلله شليء‬
‫يحب موافقتهم طمعا ً في إسلللمهم وتأليفلا ً لقلللوبهم ‪ ،‬ثللم‬
‫خلللالفهم بعلللد ذللللك ‪ ،‬وأصلللبحت مخالفللة أهلللل الكتلللاب‬
‫والمشركين والوثنين شريعة قائمة أمر بهللا النللبي ‪ -‬صلللى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وقررها وقعد أصولها ‪ ،‬وهكذا نجد بعللد ‪-‬‬
‫هؤلء الئمة ‪ -‬أن المام ابن تيمية ينتقل من المذهبية إلللى‬
‫الجتهاد‪ ،‬ويكتب ويتكلم ويفتي في كثير من المسائل التي‬
‫خلالف فيهلا الملذهب وخلالف فيهلا الشليوخ يتكللم برؤيلة‬
‫شهودية لم تكن له من قبل حتى إنه يخالف رأيه بللل أكللثر‬
‫من هذا فتجده في موضع يتكلم عن مسللألة جريللان الربللا‬
‫في الحلي فيقول‪ :‬إنها باطلة باتفاق العلماء ‪ ،‬ثم يقرر في‬
‫آخر عمره وفي السللجن فللي تفسللير آيللات أشللكلت وهللو‬

‫‪243‬‬
‫كتاب مطبوع خلف الرأي الذي قللرره مللن قبللل ‪ ،‬وقللال ‪:‬‬
‫إن عليه اتفاق العلماء؛ وما ذلك إل لنه كللبر عقللله واتسللع‬
‫اجتهاده‪ ،‬وزاد نظره‪ ،‬و تغيرت رؤيتلله‪ ،‬وأدرك مللا لللم يكللن‬
‫يدرك من قبل ‪ ،‬وإل ‪ -‬فهو ل شللك ‪ -‬فللي المسللألة الثانيللة‬
‫أكللثر احتياطللا ً لللدينه وأكللثر ورعللا ً وحرصللا ً علللى مصللالح‬
‫الناس ‪ ،‬ولكن أراه الله حينئذ ما لم يكن يرى من قبل‪ ،‬ول‬
‫يلللزم مللن ذلللك بالضللرورة أن يكللون الخللر صللوابًا‪ ،‬لكللن‬
‫المدرك هو سعة المر وأهمية التعبد بالجتهللاد الللذي يللراه‬
‫الفقيه‪ ،‬ول يقلد فيه نفسه ول غيره‪.‬‬
‫ومللن المهمللات فللي هللذه المسللألة ضللرورة فصللل الللدين‬
‫الرباني المحض عن النقللائص البشللرية النفسللية والعقليللة‬
‫فإنهما يختلطان على المرء أحيانا ً فتتدثر بعللض الخصللائص‬
‫البشرية وبعض الطبائع النسانية بدثار التقوى حتى يلتبس‬
‫المر على صاحبها ‪ ،‬وفرز هذا عن ذاك بحيث يعرف المرء‬
‫ما كان دينا ً محضا ً صريحا ً ل شوب فيلله‪ ،‬ومللا كللان رأي لا ً أو‬
‫أمرا ً اجتهاديا ً أو أمرا ً شخصيا ً أو نابعا ً من طبيعة أو جبلللة ‪،‬‬
‫وهذا ل شك مللن أعظللم علمللات الخلص لللله ورسللوله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬والنجاة من تلبس الهوى بالنسان‬
‫‪ ،‬ويللدخل فللي هللذا النتقللال مللن الجتهللاد المرجللوح إلللى‬
‫الجتهاد الراجح‪ -‬من الحصول على أجر واحد إلى الحصول‬
‫علللى أجريللن معللا ً ‪ -‬أجللر الجتهللاد وأجللر الصللواب وهللذا‬
‫الختلف‬
‫والترجيح والنتقال يكون فللي مسللائل‪ ،‬أذكللر أربعلا ً ‪ -‬منهللا‬
‫على سبيل العرض السريع ‪-:‬‬
‫الولى‪ :‬مسألة الوسائل وليس الغايات ‪ ،‬فالغايات متفقة ‪،‬‬
‫دعوة الناس إلى رب العالمين وتعبيدهم ‪ -‬لله عللز وجللل ‪-‬‬
‫بالعمل بالكتاب والسللنة وطلللب الجنللة طلللب الرضللوان ‪،‬‬
‫لكن الوسائل إلللى ذلللك تختلللف ‪ ،‬ولهللذا نللرى أن وسللائل‬
‫الدعوة اجتهادية وليست توقيفيللة ‪ ،‬وقللد يجللد للنللاس مللن‬
‫الوسائل اليوم ما لم يكن عندهم من قبل‪ ،‬إما أنه لم يكللن‬
‫موجللودًا‪ ،‬أو لللم يكللن مسللتخدماً‪ ،‬أو لللم تكللن المصلللحة‬
‫الراجحة تقتضي اعتماده كوسيلة‪ ،‬فالوسللائل تختلللف مللن‬

‫‪244‬‬
‫زمان إلى زمان ومن مجتمللع إلللى مجتمللع ومللن بيئة إلللى‬
‫أخرى‪ ،‬وهي حركة ضمن دائرة المباح الصلي في الجملة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬ما يتعلق بالساليب‪ ،‬فأساليب الدعوة قد تختلللف ‪،‬‬
‫فالنسللان يسللتخدم النسللان أسلللوب السللرية والعلنيللة ‪-‬‬
‫ونوح عليه السلم يقول } ثم إنللي أعلنللت لهللم وأسللررت‬
‫لهم إسرارًا{ وقد دعا النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬سرا ً‬
‫بمكة ثلث سنين‪ ،‬ثللم جهللر بللدعوته‪ ،‬كللذلك التفللاوت بيللن‬
‫الشدة واللين وبين التعميم والتخصلليص والتربيللة الفرديللة‬
‫والخطاب الجماعي ‪ ،‬وهكذا كلها أساليب يطلللب منهللا مللا‬
‫يحقق المقصود وما يحقللق المقصللود اليللوم قللد ل يحققلله‬
‫غدًا‪ ،‬وما يحققه في بلد قد ل يحققه في بلللد آخللر ‪ ،‬ولهللذا‬
‫أذنت الشريعة أن يكون هذا مجال نظر واجتهاد وتوسعة‪.‬‬
‫الثالثللة ‪ :‬مللا يتعلللق بللالفروع وليللس الصللول‪ ،‬فأصللول‬
‫الشريعة والعتقللاد مللن المحكمللات المسلللمات القطعيللة‬
‫التي ل خلف فيها ‪ ،‬لكن باب الفروع بللاب واسللع؛ اختلللف‬
‫موسى وهارون وهما نبيان كمللا جللاء فللي صللريح القللرآن‪،‬‬
‫كما اختلف فيه أبو بكللر وعمللر حللتى فللي حضللور ‪ -‬النللبي‬
‫صلللى الللله عليلله وسلللم ‪ -‬فللي موضللوع السللرى وغيللره‪،‬‬
‫واختلف فيه أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ‪ ،‬واختلللف‬
‫فيه المام النووي وابن حجر وابن تيمية وغيرهم ‪ ،‬واختلف‬
‫فيه ابن باز وابن عثيمين‪ ،‬فل غللرو إذن أن يختلللف النللاس‬
‫فيه إلى قيام الساعة وأل يكون ثمللة تللثريب علللى اختلف‬
‫الناس فيما كان من فروع الشريعة‪ ،‬والخلف المقبول هنا‬
‫ليس بسبب الهوى أو التشهي‪ ،‬أو المزاج أو الللذوق؛ وإنمللا‬
‫بسلبب الجتهللاد والنظلر فلي الدللة والراجللح والمرجللوح‪،‬‬
‫والصحيح والضعيف‪ ،‬والناسخ والمنسوخ وغيره‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬الجتهاد في النوازل الحادثة وليس فللي القواعللد‬
‫المستقرة‪ ،‬والنازلة ‪ -‬بطبيعتها ‪ -‬شيء جديد‬
‫تطيش له الفهام وتللذهل العقللول وتسللتوحش النفللوس ‪،‬‬
‫ولكن العبرة بما يلؤول إليلله المللر ويسلتقر عليله الحللال ‪،‬‬
‫ولهذا فللإن الجتهللاد فللي النللوازل يكللون مجللال ً وعرضللة ‪،‬‬
‫ونحن نجد موسى وهللارون قللد اجتهللدا فللي مسللألة نازلللة‬
‫وهي كون بني إسرائيل عبدوا العجل‪ ،‬فعاملهللا كللل منهمللا‬

‫‪245‬‬
‫بطريقة على حسب ما ذكللر الللله تعللالى فللي كتللابه ‪ ،‬وإن‬
‫كانوا كلهم وكل الرسل والنبياء بعثوا بدعوة التوحيد ونبللذ‬
‫النداد والصنام ورفض الشرك‪ ،‬إل أن معالجللة نازلللة فللي‬
‫هللذا البللاب كللانت محللل اختلف فعالجهللا ‪ -‬هللارون عليلله‬
‫السلم ‪ -‬بأن نهاهم عن ذلك وصبر عليهم ‪ -‬بينما موسى ‪-‬‬
‫عليه السلم ‪ -‬أخذ برأس أخيه يجره إليه‪ ،‬ونهاه عللن ذلللك‬
‫فقللال للله ‪ ):‬ل تأخللذ بلحيللتي ول برأسللي إنللي خشلليت أن‬
‫تقول فرقت بين بني إسللرائيل ولللم ترقللب قللولي ( فمللن‬
‫معاني الهداية‪ :‬طلب ما هو الفضل والتقى والكثر صوابا ً‬
‫والكثر رجحانا ً ‪.‬‬
‫الرابع من معاني الهدايللة ‪ :‬اهللدنا الصللراط المسللتقيم‪ ،‬أي‬
‫ألهمنا عبودية تناسب الحال التي نحن فيها فإن لكل مقلام‬
‫مللن مقامللات النسللان عبوديللة تخصلله وتلئملله ‪ ،‬فهنللاك‬
‫عبودية النسان في حال الصللحة ‪ ،‬واسللتخدام قللوته فيمللا‬
‫يرضللي الللله سللبحانه ‪ ،‬لكللن عبللوديته فللي حللال المللرض‬
‫بالصبر والرضا والتسليم والللدعاء ‪ ،‬وهنللاك عبوديللة الغنللى‬
‫بالنفاق في سبيل الله وهي الشكر ‪ ،‬وهناك عبودية الفقر‬
‫التي هي الرضا والتسليم ‪ ،‬وأل يمد عينيه أو يللديه إلللى مللا‬
‫عند الناس‪ ،‬وأن يدعو الله سبحانه وتعالى‪ ،‬ويطلب الغنللى‬
‫منلله دون غيللره‪ ،‬وهنللاك عبوديللة القللوة للفللرد والجماعللة‬
‫والدولة والمة بلأن تصلرف هلذا القلوة فلي طاعلة اللله ‪،‬‬
‫وفي حمايللة اليمللان والمللؤمنين ‪ ،‬وفللي تللأديب الظللالمين‬
‫والفاسللقين والمعتللدين ‪ ،‬وهنللاك عبوديللة الضللعف الللتي‬
‫تقتضللي الصللبر والمصللابرة والنتظللار والتفكيللر وإعمللال‬
‫العقل والحيلللة‪ ،‬فقللد يللدرك النسللان بالحيلللة مللال يللدركه‬
‫بالوسيلة والقوة ‪ ،‬وكذلك التسليم لله ‪ -‬سللبحانه وتعللالى ‪-‬‬
‫بأل يسخط النسللان مللن القضللاء أو القلدر‪ ،‬أو يخللرج علن‬
‫طوره أو يكفر بربه أو يشك في دينه ‪ ،‬وبعض الناس يقول‬
‫‪ :‬لماذا مكن الله الكفار وأعطاهم القوة ؟ وحرم المؤمنين‬
‫ومنعهم من ذلك ؟‬
‫فهذا مما يدل على أهمية إدراك العبودية في حال الضعف‬
‫‪ ،‬وأنها غير العبودية في حللال القللوة ‪ ،‬ومللن العبوديللة فللي‬
‫حال الضعف أن يسعى النسان بنظره وتفكيره وتخطيطه‬

‫‪246‬‬
‫إلى اسللتجماع واستحضللار القللوة الممكنللة ؛ بحيللث يللزول‬
‫الضعف ‪ ،‬وإذا لم يزل عن هذا الجيل فليزل ل على القل ل‬
‫عن الجيال القادمة وأن نعرف لجيالنا طريقا ً بللدأناه نحللن‬
‫ليكملوه هم من بعدنا‪ ،‬وهكذا عبودية الشباب غيللر عبوديللة‬
‫الكهولة أو عبودية الشيخوخة‪ ،‬ولهذا نجد أن النبي ‪ -‬صلللى‬
‫الله عليه وسللم ‪ -‬كلان يقللول ‪ ) :‬لكللل عابللد شللرة ولكللل‬
‫شرة فترة ( رواه ابن حبللان وأحمللد والترمللذي وغيرهللم ‪،‬‬
‫وفي لفظ ) إن لكل شيء شللرة ولكللل شلليء فللترة فللإن‬
‫كان صاحبها سدد وقارب فارجوه وإن أشير إليلله بالصللابع‬
‫فل تعدوه ( وهذا لفظ الترمذي ‪ ،‬وفي مسند المللام أحمللد‬
‫عن عبد الله بن عمرو قال ‪ :‬ذكر لرسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬رجال يجتهدون فللي العبللادة اجتهللادا ً شللديدا ً‬
‫فقللال ‪ ) :‬تلللك ضللراوة السلللم وشللرته ‪ ،‬ولكللل ضللراوة‬
‫شرة ‪ ،‬ولكل شرة فترة ‪ ،‬فمن كللانت فللترته إلللى اقتصللاد‬
‫وسنة فلم ما هو ومن كانت فللترته إلللى المعاصللي فللذلك‬
‫الهالك ( فأشار النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إلى طبيعة‬
‫الشياء وأن لكل شلليء عبللادته أو عبللوديته الللتي تلئملله ‪،‬‬
‫فالشباب ‪ -‬مثل ً ‪ -‬بطبيعتهم الحادة وحداثة التجربللة لللديهم‬
‫يكونللون ‪ -‬كمللا يقللول الللرازي فللي الفراسللة ) ص ‪:( 81‬‬
‫"سللراع التقلللب يغلللب عليهللم الملل‪ ،‬يشللتهون بللإفراط‪،‬‬
‫ويملون بإفراط؛ لن النفس الخالية من التصللورات تكللون‬
‫شديدة الرغبة في تحصيلها‪ ،‬فإذا قضت وطرها منها مالت‬
‫إلى غيرها‪.‬‬
‫ويغلب عليهم حب الكرامة‪ ،‬ورغبتهلم فلي العللو والظهلور‬
‫فوق رغبتهم في المال‪.‬‬
‫ولديهم سرعة التصديق بما يلقي إليهم‪ ،‬وبسللاطة التصللور‬
‫مما يولد نوعا ً من القدام‪.‬‬
‫أما في السن المتقدم فيغلب علللى المللرء كللثرة التعقلت‬
‫والتصورات والتجارب‪ ،‬وكثرة التردد والشك‪ ،‬وقلة الجللزم‪،‬‬
‫والعتدال في الولء وفي الكراهية‪ ،‬والمعرفة بالعواقب"‪.‬‬
‫وقريللب مللن ذلللك مللا ذكللره ابللن رشللد عللن بعللض أهللل‬
‫الفلسفة حيللث قللال ‪" :‬فممللا يتصللف بلله الشللباب ‪ :‬غلللب‬
‫الشهوات عليهم‪ ،‬وهم سريعو الغضب والرضا وهم محبون‬

‫‪247‬‬
‫للكرامة‪ ،‬ول يحتملللون تجريحلًا‪ ،‬ويصللدقون القللول سللريعا ً‬
‫لقلة خبرتهم‪ ،‬ويسهل خداعهم واغترارهم؛ لن من شللأنهم‬
‫التصديق من غيللر دليللل أو بللدليل ضللعيف‪ ،‬والحيللاء يغلللب‬
‫عليهم‪ ،‬ثم هم يقدمون الجميل على النافع إذا أحبللوا شلليئا ً‬
‫بللالغوا فللي حبلله ‪ ،‬وإذا أبغضللوا شلليئا ً بللالغوا فللي بغضلله‪،‬‬
‫ويميلون إلى الهزل والمزح‪.‬‬
‫أما أخلق الشيوخ فل يكترثون بحمد ول ذم ؛ لن قصللدهم‬
‫الحقائق‪ ،‬ول يجزمون بشيء ألبتة ويقرنللون كلمهللم بلعللل‬
‫وعسللى!‪ ،‬ول يحبللون بشللدة كمللا ل يبغضللون بشللدة ‪ ،‬بللل‬
‫أمرهم وسط بل إسراف ‪ ،‬بل بما يقتضيه الحال‪ ،‬ويللؤثرون‬
‫النافع على الجميل‪ ،‬وهم بعللد ذلللك أطللول صللبرا ً وأمضللى‬
‫عزيمة ل يهزلون كثيرًا‪ ،‬ول يمزحون إل نادرا ً (‪.‬‬
‫فالمؤمن يللدعو ربلله أن يللوفقه ويلهملله العبوديللة الملئمللة‬
‫لحاله كفرد ولحال المجموعة أو المة أو المجتمللع ‪ ،‬ولهللذا‬
‫يقول المام ابن تيمية في الفتاوى )‪" : (22/400‬كل عبللد‬
‫فهو مضللطر دائمللا إلللى مقصللود هللذا الللدعاء وهللو هدايللة‬
‫الصللراط المسللتقيم ‪ ،‬فللإنه ل نجللاة مللن العللذاب إل بهللذه‬
‫الهداية ول وصول إلى السعادة إل به فمن فاته هذا الهدى‬
‫فهللو إمللا مللن المغضللوب عليهللم أو مللن الضللالين ‪ ،‬وهللذا‬
‫الهتللداء ل يحصللل إل بهللدى الللله ‪ ) :‬مللن يهللد الللله فهللو‬
‫المهتللدي ومللن يضلللل فلللن تجللد للله وليللا مرشللدا ( فللإن‬
‫الصراط المستقيم أن تفعل كل وقللت مللا أمللرت بلله فللي‬
‫ذلك الوقت من علم وعمل ول تفعل ما نهيت عنلله‪ ،‬وإلللى‬
‫أن يحصل له إرادة جازمة لفعللل المللأمور وكراهللة جازمللة‬
‫لترك المحظور ‪ ،‬والصللراط المسللتقيم قللد فسللر بللالقرآن‬
‫والسلم وطريق العبودية وكللل ذلللك حللق فهللو موصللوف‬
‫بهذا وبغيره‪ ،‬فحاجته إلى هذه الهداية ضرورية في سعادته‬
‫ونجاته‪ ،‬بخلف الحاجة إلى الرزق‪.‬‬
‫فالمام ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬ذكلر المعنلى الول وهلو أن الهدايلة‬
‫في كل وقت بحسبه‪ ،‬وأن العبد حينما يدعو ويقول ‪ :‬اهدنا‬
‫الصللراط المسللتقيم‪ ،‬فلنلله اليللوم محتللاج إلللى الهدايللة‬
‫المتجددة زائدة علللى مللا كللان عنللده بللالمس ‪ ،‬وهللو غللدا ً‬
‫يحتاج إلى هدايةزائدة على ما عنده اليوم ‪ ،‬ففي كللل يللوم‬

‫‪248‬‬
‫بل في كل ساعة بل في كل لحظة هو محتاج إلللى هدايللة‬
‫جديدة تلئم مقللامه وتحللل المشللكلة الماثلللة أمللامه فهللذا‬
‫معنى‪.‬‬
‫ثم أشللار ‪ -‬رحملله الللله ‪ -‬إلللى أن هللذه الهدايللة ضللرورية ‪،‬‬
‫بخلف الحاجة إلى الللرزق والنصللر فللإن الللله يرزقلله فللإذا‬
‫انقطع رزقه مات‪ ،‬والموت ل بد منه ‪ -‬فإن كللان مللن أهللل‬
‫الهداية كان سعيدا بعد الموت وكان الموت موصل له إلللى‬
‫السعادة الدائمة البدية فيكون رحمة في حقه‪.‬‬
‫وكذلك النصر إذا قدر أنه قهر وغلب حللتى قتللل فللإذا كللان‬
‫من أهل الهداية والستقامة مات شللهيدا‪ ،‬فتللبين أن حاجللة‬
‫العباد إلى الهدى أعظم من حاجتهم إلللى الللرزق والنصللر‪،‬‬
‫بل ل نسبة بينهما ; فلهذا كان هللذا الللدعاء هللو المفللروض‬
‫عليهم ‪ ،‬وأيضا فإن هذا الدعاء يتضمن الرزق والنصر ؛ لنه‬
‫إذا هدي الصراط المستقيم كان من المتقيللن ) ومللن يتللق‬
‫الله يجعل له مخرجللا ( ) ويرزقلله مللن حيللث ل يحتسللب (‬
‫وكان من المتوكلين ) ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن‬
‫الله بالغ أمره ( وكان ممن ينصر الله ورسوله‪ ،‬ومن ينصر‬
‫الله ينصره الله وكان من جند الله‪ ،‬وجند الله هم الغالبون‬
‫‪.‬‬
‫فالهدى التام يتضمن حصول أعظم مللا يحصللل بلله الللرزق‬
‫والنصر ‪ ،‬فتبين أن هذا الللدعاء هللو الجللامع لكللل مطلللوب‬
‫يحصل به كل منفعة ويندفع به كل مضللرة ‪ ،‬فلهللذا فللرض‬
‫على العبد ‪ ،‬هذا يدخل فيه سؤال الله ‪ -‬سللبحانه وتعللالى ‪-‬‬
‫اللهام لمعرفة الحوال ومعرفة المراحل وتحقيق عبوديته‬
‫كل منها في وقتها ‪ ،‬و النسان ل يعرف ذلك إل بتعليم الله‬
‫تعالى له ‪ ،‬ولهذا قال النبي صلى الللله عليلله وسلللم ‪ -‬كمللا‬
‫في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس‪ ":‬لما بعث النللبي‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬معلاذا ً إللى اليملن ‪ ) :‬إنلك تلأتي‬
‫قوما ً أهل كتاب فليكن أول ما تللدعوهم إليلله شللهادة أن ل‬
‫إله إل الله وأن محمللدا ً رسللول الللله ‪ ،‬فللإن هللم أطللاعوك‬
‫بذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلللوات فللإن‬
‫هم أطاعوك بذلك فأعلمهم أن في أمللوالهم صللدقة تؤخللذ‬
‫من أغنيائهم وترد إلى فقرائهللم ‪ (...‬الحللديث‪ ،‬فللإذا أجللابوا‬

‫‪249‬‬
‫إلى شيء دعوا إلى ما فوقه وإلى ما بعده وهذا يدل على‬
‫ملحظة التدرج في دعوة الناس أفرادا ً وجماعللات ‪ ،‬ومللن‬
‫هللذا التنللوع فللي العنايللة بالموضللوعات المختلفللة‪ ،‬فهنللاك‬
‫أقللوام يناسللبهم أن يتحللدث معهللم فللي موضللوع التربيللة ‪،‬‬
‫وآخرون يناسبهم الحديث معهم فللي تفصلليلت العلللم فللي‬
‫الفقه والحديث والتفسير وغيرها ‪ ،‬و فئة ثالثة تحتللاج إلللى‬
‫من يحدثها في الجوانب الواقعيللة والمسللائل والمشللكلت‬
‫السياسية ‪ ،‬وفئة رابعة تحتاج إلى من يحدثها بالنتقال إلى‬
‫العمال والمشاريع والمؤسسات وإلى المللور العمليللة ‪- ،‬‬
‫وهكذا بحسب ما لدى هؤلء من الكمال ومن اليمان ومن‬
‫العلم ومن القللدرة ‪ ،‬وبحسللب مللا عنللدهم مللن النقللص أو‬
‫الختلل ‪ -‬يكون ما يقدم لهم ‪ ،‬ومن ذلك أيضا ً أن الخطاب‬
‫يقبل التنوع والتعدد ‪ ،‬ولهذا الله ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬يقول ‪:‬‬
‫) ومللا أرسلللنا مللن رسللول إل بلسللان قللومه ليللبين لهللم (‬
‫فالرسالة تكون بلسان القوم المبعللوث إليهللم‪ ،‬والمقصللود‬
‫من ذلللك هللو البيللان ‪ ،‬فالمقصللود مللن دعللوة السلللم هللو‬
‫البيان للناس والبيان يكون بالقول والفعل ‪ ،‬والقول يتنللوع‬
‫والفعل يتنوع بحسللب حللال المتحللدث وحللال المللدعوين ‪،‬‬
‫ولذلك كللان خطللاب المللم ذات الحضللارة والعلللم المللادي‬
‫الللدنيوي يختلللف عللن خطللاب المللم البسلليطة السللاذجة‪،‬‬
‫فاللللدعوة فلللي أوروبلللا‪ -‬مثل ً ‪ -‬تختللللف فلللي متطلباتهلللا‬
‫واحتياجاتها و في همومها ومشكلتها الللتي تواجههللا ‪ -‬عللن‬
‫الدعوة فلي أفريقيلا أو اللدعوة فلي آسليا ‪ ،‬فحينملا تلدعو‬
‫شخصا ً بسيطا ً ساذجا ً ليس عنده أي خلفية مسبقة يختلف‬
‫المر عما إذا دعللوت شخص لا ً مليئا ً بالشللبهات والنظريللات‬
‫والفلسفات والقللوال السللابقة ‪ ،‬وإذا دعللوت شخصلا ً فللي‬
‫الصحراء ليللس كمللا لللو دعللوت شخصلا ً فللي المدينللة‪ ،‬ثللم‬
‫أحوال المجتمعات وتعقيداتها وظروفهللا يحتمللل أبعللد مللن‬
‫هللذا‪ ،‬فالشللبهات غيللر الشللبهات والهمللوم والمشللكلت‬
‫والحلول تتفاوت من قوم إلى قللوم‪ ،‬وكللل قللوم يخللاطبون‬
‫بحسللب مللا يناسللبهم ‪ ،‬ووسللائل التللأثير مختلفللة ونوعيللة‬
‫الداعية الللذي نحتللاج إليلله فللي أوروبللا غيللر الداعيللة الللذي‬
‫نحتاجه في أفريقيا ‪ ،‬والداعية فللي بلد ينتشللر فيهللا العلللم‬

‫‪250‬‬
‫الشرعي غير الداعية في بلد يعم فيهللا الجهللل ‪ ،‬والللدعوة‬
‫في بلد غنية غير الدعوة في بلد فقيرة وهكذا‬
‫المعنى الخللامس ‪:‬اهلدنا الصلراط المسلتقيم مللن معانيهللا‬
‫النتقال من الحسن إلى ما هو أحسن منه ‪ ،‬فهناك حسللن‬
‫وأحسللن ‪ ،‬ولللذلك يقللول الللله سللبحانه وتعللالى ‪ ) :‬الللذين‬
‫يستمعون القول فيتبعون أحسنه ( ويقول ‪ ) :‬اتبعوا أحسن‬
‫ما أنزل إليكم من ربكم ( فحتى في بعض أوامر الشللريعة‬
‫ثمت تخيير‪ ،‬فهناك تخيير في باب الكفارات ‪ ،‬وهناك تخيير‬
‫في الحقوق فالنسان لله أن يأخلذ الديلة لل وهللذا حللق لله‬
‫مشروع ‪ ،‬وهو حسن ل ولكن هناك ما هو أحسن منه‪ ،‬وهللو‬
‫العفو والصفح خاصللة إذا كللان معلله الصلللح ‪ ،‬ومللن ذلللك‬
‫النتقال من عمل فاضل إلى عمل أفضل منه ‪ ،‬فقد يكون‬
‫النسان منصرفا ً إلى عبادة ‪ ،‬والعبادة خير وقربة إلى الللله‬
‫سبحانه‪ ،‬ولكن العبادة نفعهللا لزم خللاص فللإن انتقللل إلللى‬
‫التعليم وإلى الدعوة فقللد انتقللل مللن عبللادة إلللى عبللادة ‪،‬‬
‫لكن العبادة الجديدة أحسن من الولى ؛ لن نفعها متعللدٍ ‪،‬‬
‫ولهللذا كللان الزهللري ومالللك وغيرهللم يقولللون ‪ :‬إن طلللب‬
‫العلم أفضل من نوافل العبادة لمن صحت نيتلله ومللا ذلللك‬
‫إل لن العلللم فيلله نفللع للنللاس بخلف العبللادة فللإن نفعهللا‬
‫مقصور غالبا ً على صاحبها ‪ ،‬وهذا كما يكللون للفللرد يكللون‬
‫للجماعة ويكون للمة ‪ ،‬فقللد يفتللح الللله تعللالى لقللوم هللم‬
‫على خير خاص فيفتح الله لهم خيرا ً أعللم وأوسللع وأعظللم‬
‫فينبغللي أن يغتنمللوا ذلللك وأن ل يضلليعوا الفرصللة ‪ ،‬وكمللا‬
‫قيل ‪:‬‬
‫إذا هبت رياحك فاغتنمها … …‬
‫فعقبى كل عاصفة سكون‬
‫وقد يكون الشيء حسنا ً ويكون غيره أحسن منه في حللال‬
‫أخرى‪ ،‬وهذا يتجلى في الخلق والمواقف ‪ ،‬ولذلك قيل ‪:‬‬
‫ووضع الندى في موضع السيف بالعل … …‬
‫مضر كوضع السيف في موضع الندى‬
‫المعنى السادس ‪ :‬أن يتجلى للمؤمن أو العللالم ويثبللت للله‬
‫مللا لللم يثبللت لغيللره ‪ ،‬وهللذا مللن معللاني اهللدنا الصللراط‬
‫المسلللتقيم ‪ ،‬وللللذا كلللان الئملللة الكبلللار أئملللة الحلللديث‬

‫‪251‬‬
‫المتقللدمون المحققللون يقللع لحللدهم للل بسللبب البحللث‬
‫والتحللري والطلع علللى السللانيد ومعرفللة الرجللال وتتبللع‬
‫طللرق الحللديث لل مللن القطللع واليقيللن والجللزم بللأن هللذا‬
‫الحديث صللحيح ‪ ،‬بللل قللد يكللون عنللده متللواتر ويحلللف أن‬
‫الرسول صلى الللله عليلله وسلللم قللال هللذا ونطللق بلله ول‬
‫يستثني ويكون محقا ً في ذلك بارا ً راشدا ً ؛ لنه تيقللن ذلللك‬
‫يقينا ً قلبيا ً جازملا ً بسللبب عمليللة البحلث الطويللة والطلع‬
‫ومعرفة السانيد والمتون والطرق والرجال وغيرها فمثللل‬
‫هذا العالم تحقق له من اليقين في مسألةٍ مللا لللم يتحقللق‬
‫لغيره حتى من العلماء فضل ً عللن عامللة النللاس ممللن لللم‬
‫يصلوا إلى هذا ولم يسلكوا طريقلله ‪ ،‬فيكللون لهللذا العللالم‬
‫هداية خاصة خصلله الللله تعللالى بهللا عللرف بهللا صللحة هللذا‬
‫الحديث بل ثبوته بل تواتره أحيانلا ً وأنله ضلروري وقطعللي‬
‫ويقيني ما لم يقع لغيره ‪ ،‬ول يستطيع هذا العللالم أن يلللزم‬
‫غيره بذلك ممن لم يسلك هذا السبيل ولم يصل إلى هللذه‬
‫النتيجة‪ ،‬فهذه أنواع من الهدايات التي يطلبها المرء ‪.‬‬
‫أخيرا ً ‪ :‬لماذا يقع هذا ؟‬
‫هذا التنوع الذي يحدث ويتجدد له أسباب عديدة منها‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬هناك ما هو من باب تجدد الجتهاد الفقهي والللدعوي‬
‫ودفع التعصب والهوى وتلرك تقليلد النفللس ‪ ،‬وهلذا يحتللاج‬
‫إلى تجرد والللتزام بالنقللد وتصللحيح المفللاهيم والتصللورات‬
‫والعمللال والمواقللف والجتهللادات الفرديللة والجماعيللة‬
‫فبسبب ذلك يقع النتقال ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪:‬قد يقع ذلك بسبب تغير الظللروف والللبيئات وأحللوال‬
‫الناس ‪ ،‬فيكون لكللل حللال مللا يناسللبها ‪ ،‬الداعيللة كالتللاجر‬
‫الذي يعرض بضللاعته فللي السللوق ‪ ،‬لكللن بضللاعته ليسللت‬
‫ة من سلع الدنيا ‪ ،‬وإنما هللي أغلللى السلللع وأعظمهللا‪،‬‬ ‫سلع ً‬
‫بضاعته الهداية والتي ثمرتها الجنة ) أل إن سلعة غاليللة أل‬
‫إن سلعة الله الجنلة ( والتلاجر ل يسلتطيع أن يتحكلم فلي‬
‫السعار ول في نوعية البضائع ول في طريقة البيع ول فللي‬
‫الزبائن ‪ ،‬وإنما قصاراه أن يعللرض بضللاعته علللى النللاس ‪،‬‬
‫وهللو إذا كللان حريصللا ً علللى تسللويقها ونشللرها وإيصللالها‬
‫فسوف يتلطف ويتذرع بكللل وسلليلة أذنللت بهللا الشللريعة‪،‬‬

‫‪252‬‬
‫وسوف يجدد من وسائل العرض والتقللديم والتوصللل إلللى‬
‫قلوب الناس وعقللولهم والتللأثير عليهللم فيمللا يحبللون ممللا‬
‫أباحه الله تعالى ووسع فيه مما هو من التنوع المحمود ‪.‬‬
‫وهاهي النظمة السياسية في العالم السلللمي كللله تغيللر‬
‫قراراتها وتغير سياساتها وتحالفاتها بحسب تجللدد الحللوال‬
‫وتغير الظروف‪.‬‬
‫وهاهي الدول العظمى والمبراطوريات الكبرى‪ ،‬كالوليات‬
‫المتحللدة المريكيللة ‪...‬تحللاول أن تهيمللن وتسلليطر علللى‬
‫معاقد المور فللي العللالم كلله‪ ،‬ومللع ذللك تغيللر سياسللاتها‬
‫وتحالفاتهللا وتغيللر خريطللة علقاتهللا الدوليللة ومواقفهللا‬
‫السياسية والقتصللادية وقوانينهللا الداخليللة إلللى غيللر ذلللك‬
‫بسبب الحداث التي طرأت‪.‬‬
‫فالوقوف والجمود على أمر معين ليس أمللرا ً جللديرا ً بمللن‬
‫يعيشون الحياة وتقلباتها ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬ومنه ما يكون بسبب تنوع الخبرة والدرايللة وإحكللام‬
‫التجربة المبنية علللى عقللل النسللان ‪ ،‬والتجربللة ل تحصللل‬
‫للنسللان إل بخللوض الغمللرات وقللوة الملحظللة والصللبر‬
‫والتدبر ‪ ،‬وما يمنح الله سبحانه وتعللالى عبيللده مللن الفهللم‬
‫والدراك ‪ ،‬ولهللذا لمللا سللئل علللي رضللي الللله عنلله ‪:‬هللل‬
‫خصكم رسللول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم أهللل الللبيت‬
‫بشيء ؟‬
‫قال‪":‬ل‪.‬والذي برأ الحبة وفلق النسمة إل فهما ً أوتيه رجللل‬
‫في كتاب الللله تعللالى "‪ .‬فالنللاس يتفللاوتون فللي فهللومهم‬
‫سواء فهمهم لكتللاب الللله عللز وجللل أو فهمهللم لمجريللات‬
‫المور ومعرفة النتائج من مقدماتها ‪ ،‬ولهذا يقول بشار بن‬
‫برد العقيلي ‪:‬‬
‫إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن … …‬
‫برأي نصيح أو نصيحة حازم‬
‫ول تجعل الشورى عليك غضاضة … …‬
‫فإن الخوافي قوة للقوادم‬
‫ف أمسك الغل أختها … …‬ ‫وما خير ك ٍ‬
‫وما خير سيف لم يؤيد بقائم‬
‫وخل الهوينا للضعيف ولتكن … …‬

‫‪253‬‬
‫نؤوما ً فإن الحزم ليس بنائم‬
‫وأدن على القربى المقرب نفسه … …‬
‫ول تشهد الشورى امرءا ً غير كاتم‬
‫فإنك ل تستطرد الهم بالمنى … …‬
‫ول تبلغ العليا بغير المكارم‬
‫ويقول المتنبي في قصيدته المشهورة ‪:‬‬
‫الرأي قبل شجاعة الشجعان … …‬
‫هو أول وهي المحل الثاني‬
‫فإذا هما اجتمعا لنفس حرة … …‬
‫بلغت من العلياء كل مكان‬
‫ولربما طعن الفتى أقرانه … …‬
‫بالرأي قبل تطاعن القران‬
‫لول العقول لكان أدنى ضيغم … …‬
‫أدنى إلى شرف من النسان‬
‫ولما تفاضلت النفوس ودبرت … …‬
‫أيدي الكماة عوالي المران‬
‫إن الواقع السلمي علللى جميللع الصللعد ليللس هللو الخيللار‬
‫المثل ول الصورة الشرعية‪ ،‬ولذا يتحتللم علللى المصلللحين‬
‫السعي في التدارك والتغييللر وفللق الحكللام إلللى القاعللدة‬
‫الشللرعية )مللا كللان عليلله النللبي صلللى الللله عليلله وسلللم‬
‫وأصحابه(‪.‬‬
‫================‬
‫‪#‬بيع التقسيط وأحكامه‬
‫سليمان بن ُتركي الُتركي ‪11/4/1424‬‬
‫‪11/06/2003‬‬
‫اسم الكتاب ‪:‬بيع التقسيط وأحكامه‬
‫المؤلف‪ :‬سليمان بن ُتركي الُتركي‬
‫الناشر ‪:‬دار إشبيليا ‪ /‬السعودية‬
‫عدد الصفحات ‪558 :‬‬
‫انتظمت الرسالة بعد المقدمة في تمهيللد‪ ،‬وثلثللة فصللول‪،‬‬
‫وتتمة‪ ،‬وخاتمة‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫التمهيد خصصله لدراسلة مصلطلحات البحلث ‪ ،‬وجلاء فلي‬
‫مطلبين‪ :‬الول فللي تعريللف الللبيع وأقسللامه ‪،‬والثللاني فللي‬
‫تعريف التقسيط والجل فيه ‪.‬‬
‫أمللا الفصللل الول فعقللده لبيللان شللروط بيللع التقسلليط ‪،‬‬
‫وانتظم في تمهيد وثلثة مباحث‪:‬‬
‫التمهيد كان حول الشللروط العامللة للللبيع‪ .‬بينمللا المبللاحث‬
‫كللللان الول منهللللا فللللي الشللللروط المتعلقللللة بأحللللد‬
‫العاقدين‪،‬والثاني في الشروط المتعلقة بالعوض ‪،‬و الثالث‬
‫في الشروط المتعلقة بالجل ‪.‬‬
‫وأملللا الفصلللل الثلللاني فخصصللله لدراسلللة تلللأثر الثملللن‬
‫بالتقسيط ‪ ،‬وجاء في ثلثة مباحث ‪:‬‬
‫الول حول زيادة الثمن المؤجل عن الثمن الحال فللي بيللع‬
‫التقسيط ‪،‬والثاني في الحط مللن الثمللن لقللاء تعجيللل أداء‬
‫القسللاط ‪ ،‬والخيللر حللول مللا يللترتب علللى تللأخير أداء‬
‫القساط ‪.‬‬
‫أما الفصل الثالث فخصصلله لدراسللة آثللار بيللع التقسلليط ‪،‬‬
‫وجاء في ثلثة مباحث ‪:‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬لزوم الجل في بيع التقسيط‪،‬والثاني فللي‬
‫انتقال ملكيللة المللبيع للمشللتري ‪،‬بينمللا كللان الثللالث حللول‬
‫المواعدة وأثرها في بيع التقسيط ‪.‬‬
‫وأما التتمة ‪ ،‬فجعلها دراسللة تطبيقيللة لللبيع التقسلليط مللن‬
‫واقع شركتين من الشركات المتعاملة بهذا البيع‪.‬‬
‫وفي نهاية البحث ذكر خاتمة أوجز فيها ما توصل إليه مللن‬
‫نتائج ‪،‬وهي كالتالي‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬بيللع التقسلليط هللو ) عقللد علللى مللبيع حللال ‪ ،‬بثمللن‬
‫مؤجل ‪ ،‬يؤَدى مفرق لا ً علللى أجللزاء معلومللة ‪ ،‬فللي أوقللات‬
‫معلومة ( وبين التقسيط والتأجيل علقة عمللوم وخصللوص‬
‫مطلق ‪ ،‬فكل تقسيط تأجيل ‪ ،‬وقد يكون التأجيل تقسلليطا ً‬
‫وقد ل يكون ‪ ،‬فالتأجيل هو العم مطلقا ً ‪.‬‬
‫ثانيًا‪:‬يشترط لبيع التقسيط – فوق الشروط العامة للللبيع –‬
‫جملة من الشروط ‪ .‬هي كالتالي ‪:‬‬

‫‪255‬‬
‫الشرط الول ‪ :‬أن ل يكون بيع التقسيط ذريعة إلى الربا ‪.‬‬
‫وأبرز الصور التي يتحقق فيها التذرع بالتقسيط إلى الربا ‪:‬‬
‫بيع العينة‪.‬‬
‫الشروط الثاني ‪ :‬أن يكون البائع مالكا ً للسعلة ‪ .‬فل يجللوز‬
‫أن يقدم البائع على بيع سلعة ليست مملوكة له ‪ ،‬على نية‬
‫أنله إذا أتلم العقلد ملع المشلتري ‪ ،‬اشلتراها وسللمها بعلد‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫أما طلب شراء السلعة مللن شللخص ليسللت عنللده ليقللوم‬
‫بتملكها ومن ثم بيعها على طالبهللا بربللح ‪ ،‬فجللائز إن كللان‬
‫المأمور يشتري لنفسه ويتملللك ملكلا ً حقيقيلا ً ‪ ،‬ومللن غيللر‬
‫إلزام للمر بتنفيذ ما وعد به من شراء السلعة‪.‬‬
‫الشللرط الثللالث‪ :‬أن تكللون السلللعة مقبوضللة للبللائع ‪.‬فل‬
‫يكفللي تملللك البللائع للسلللعة الللتي يرغللب فللي بيعهللا‬
‫بالتقسلليط ‪ ،‬بللل ل بللد مللن قبللض السلللعة المللراد بيعهللا‬
‫بالتقسيط القبض المعتبر لمثلها قبل التصرف فيها بالبيع ‪،‬‬
‫أيا ً كانت تلك السلعة طعاما ً أو غيره‪.‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬أن يكون العوضان مما ل يجري بينهما ربا‬
‫النسلليئة ‪ .‬وذلللك للتلزم بيللن بيللع التقسلليط وبيللن الجللل‬
‫الموجب لنتفاء الشتراك في علة الربا‪.‬‬
‫الشرط الخامس ‪ :‬أن يكون الثمن في بيع التقسيط دينا ً ل‬
‫عينلا ً ‪ .‬لن الثمللن فللي بيللع التقسلليط ل يكللون إل مللؤجل ً ‪،‬‬
‫والجل ل يصح دخوله إل على الللديون الللتي تقبللل الثبللوت‬
‫في الذمة ‪ ،‬دون العيان‪.‬‬
‫الشللرط السللادس ‪ :‬أن تكللون السلللعة المبيعللة حالللة ل‬
‫مؤجلة ‪ .‬لن المبيع إذا أجل–مللع أن الثمللن مؤجللل أص لل ً –‬
‫فقد تحقق كون ذلك من بيع الكالئ بالكللالئ ‪ .‬وهللو منهللي‬
‫عنه‪.‬‬
‫الشرط السابع ‪ :‬أن يكون الجل معلوما ً ‪ .‬فل بد من بيللان‬
‫عدد القساط ‪ ،‬ووقلت أداء كللل قسلط ‪ ،‬وملدة التقسلليط‬
‫كاملة ‪ ،‬يحدد هذا تحديدا ً منضبطا ً ل يحصل معه نللزاع بيللن‬
‫الطرفين‪.‬‬
‫الشرط الثامن ‪ :‬أن يكون بيع التقسيط منجللزا ً ‪ .‬فل يصللح‬
‫تعليق عقد البيع علللى أداء جميللع القسللاط ‪ ،‬بللل ل بللد أن‬

‫‪256‬‬
‫يتم البيع بصورة منجزة ‪ ،‬تترتب عليه جميع الثار المترتبللة‬
‫على عقد البيع فور صدوره‪.‬‬
‫ثالثًا‪:‬تجوز زيادة الثمن المؤجل عن الثملن الحلال فللي بيلع‬
‫التقسلليط ‪ ،‬فللي قللول جمللاهير أهللل العلللم مللن السلللف‬
‫والخلف ‪ ،‬من غير مخالف يعتد بخلفه ‪ .‬بل قد حكى بعض‬
‫أهل العلم الجماع على جواز أن الثمن المؤجل أزيللد مللن‬
‫الثمن الحال‪ .‬ومع ذلك فقد وجد من شذ في هذه المسألة‬
‫‪ ،‬ورأى تحريم زيللادة الثمللن المؤجللل عللن الثمللن الحللال ‪،‬‬
‫لشتباه هذه الزيادة عليلله بالربللا ‪ .‬تللبين مللن خلل البحللث‬
‫شذوذ هذا الرأي وضعف أدلته ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬يجوز الحط من الدين المؤجل مقابل تعجيل الداء ‪.‬‬
‫فيسوغ لمن أدى القسللاط قبللل زمللن حلولهللا أن يطللالب‬
‫بالحط عنه من الثمن بقدر ما زيد أصل ً مقابل تلللك المللدة‬
‫الملغاة‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬ل يجوز إلللزام البللائع بقبللول القسللاط المعجلللة ‪،‬‬
‫التي سوف يترتب على قبوله لها حط من الثمن ؛ لن في‬
‫ذلك إضرارا به ‪ ،‬فهو لم يقصد من البيع بالتقسيط إل هذه‬
‫المصلحة ‪ ،‬والجل حق لهما فل يستبد أحدهما بإسقاطه‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء مللا‬
‫حل من أقساط ‪ ،‬ومع ذلك فل يجوز فرض تعللويض مللالي‬
‫على المدين المماطل مقابل تأخير أداء الدين‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬يجوز اشتراط حلول بقية القسللاط بتللأخر المللدين‬
‫الموسر في أداء بعضها ‪[.‬‬
‫ثامنًا‪:‬ل يجوز أن يتم العقللد فللي بيللع التقسلليط علللى عللدة‬
‫آجال لكل أجل ثمنه ‪ ،‬كأن يتم التعاقد على بيع سيارة إلى‬
‫سنة بمائة ألف ‪ ،‬وإلى سنتين بمائة وعشرين ‪ ،‬وإلللى ثلث‬
‫بمائة وثلثين ‪ .‬بل ل بد أن يكون الثمن والجل واحللدا ً بات لا ً‬
‫من أول العقد ‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬ل يجوز للبائع المطالبة بالثمن قبلل حللول الجلل ‪،‬‬
‫كما ل يعد المشتري ممللاطل ً لللو امتنللع مللن أداء القسلاط‬
‫قبل حلولها ‪ .‬ول حق للبائع في المطالبة إل بانقضاء الجل‬
‫وبلوغ غايته ‪ ،‬أو باتفاق المتعاقدين على إسقاطه ‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫عاشرًا‪ :‬إذا مات المشتري بالتقسيط قبل أداء جميع الثمن‬
‫فإن ديونه ل تحل بموته ‪ ،‬إذا وثق الورثة ذلك الدين برهللن‬
‫أو كفيل ‪ .‬فإن حل الدين لعدم توثيقه فل بد من الحط منه‬
‫بمقدار ما زيد فيه للمدة الباقية التي عجلت أقساطها ‪.‬‬
‫حادي عشر‪ :‬ل تحل الللديون المؤجلللة والقسللاط المتبقيللة‬
‫لفلس المشتري ‪ ،‬وإنما يقسم مال المفلس بين أصحاب‬
‫الديون الحالة ‪ ،‬وتبقى الديون المؤجلللة فللي ذمللة المللدين‬
‫إلى وقت حلولها ‪.‬‬
‫ثاني عشر‪:‬تنتقل ملكية المبيع للمشللتري ‪ ،‬وملكيللة الثمللن‬
‫للبائع فور صدور عقد بيع التقسيط ‪ ،‬وبناء عليلله فل يجللوز‬
‫للبائع حبس السلعة لستيفاء ثمنها المؤجل ‪ ،‬ولللو اشللترط‬
‫البائع ذلك فإن العقد يكون فاسدا ً ‪.‬‬
‫ثالث عشر‪ :‬إذا أفلس المشتري وفي يده عين مللال ثمنهللا‬
‫مؤجل ‪ ،‬فالبائع أحق بسلللعته مللن بقيللة غرمللاء المشللتري‬
‫أصحاب الديون الحالة ‪ ،‬فتوقف السلعة المبيعة إلى حلول‬
‫الللدين وانقضللاء الجللل ويخيللر البللائع‪ -‬إن اسللتمر الحجللر‬
‫حينئذ‪ -‬بين أخذ السلعة ‪ ،‬أو تركها ومحاصللة الغرمللاء ‪ .‬كللل‬
‫ذلك بشرط أن ل يكون البائع قد قبللض مللن ثمللن السلللعة‬
‫شيئا ً ‪ ،‬وأن يكون المشتري حيا ً ‪.‬‬
‫رابع عشر‪ :‬يجوز للبائع اشتراط رهن المللبيع علللى ثمنلله –‬
‫رهنللا ً حيازيللا ً أو رسللميا ً ‪ ، -‬لضللمان حقلله فللي اسللتيفاء‬
‫القساط المؤجلة ‪.‬‬
‫خامس عشر‪ :‬ل يجللوز اشللتراط كللون المواعللدة السللابقة‬
‫لعقد البيع بالتقسيط ملزمة للطرفين ؛ لن اللزام بالوعللد‬
‫يصيره عقدا ً ‪ ،‬ولن اللللزام السللابق يجعللل العقللد اللحللق‬
‫عن غير تراض‬
‫===============‬
‫‪#‬حكم الكتتاب في الشركة المتحدة الدولية‬
‫للمواصلت )بدجت السعودية(‬
‫المجيب ‪ :‬الشيخ ‪ :‬محمد بن سعود العصيمي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم علللى رسللول الللله وعلللى آللله‬
‫وصحبه ومن واله‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫‪258‬‬
‫فقد اطلعت على نشللرة الكتتللاب الصللادرة مللن الشللركة‬
‫المتحدة الدولية للمواصلت‪ ،‬المطروحللة للكتتللاب العللام‪،‬‬
‫وحيث إن نشاط الشركة نشاط مباح وهو تأجير السيارات‬
‫تأجيرا قصيرا وطويل الجل‪ ،‬وبيع السلليارات المسللتخدمة‪،‬‬
‫وبعللض الخللدمات ذات العلقللة‪ ،‬إل أن النشللرة قللد نصللت‬
‫على أن للشركة مطلوبات على البنوك تبلغ مللائة وثمانيللة‬
‫عشر مليونا منها قللرض لجللل بللأكثر مللن خمسللة وثلثيللن‬
‫مليونللا وذلللك بضللمان عللوائد التللأمين علللى السلليارات‬
‫المملوكة للشركة‪ ،‬وهو في العرف البنكللي قللرض ربللوي‪،‬‬
‫والبللاقي قللرض تمويللل تللأجيري لللم يفصللح عللن طللبيعته‪.‬‬
‫وكذلك لدى الشللركة نقللد لللدى البنللوك بقيمللة تزيللد علللى‬
‫عشرين مليون ريال لم يفصح عن طبيعته‪ ،‬ومن البعيد أن‬
‫يكون حسابا جاريا بدون فائدة ربويللة‪ ،‬كللذلك فمللن ضللمن‬
‫مصللادر الللدخل الخللرى )ص ‪ (28‬مبلللغ يزيللد علللى أربعللة‬
‫عشللر مليونللا سللمته الشللركة دخللل التعللويض والسللترداد‬
‫يفرض على العميل المستأجر للسيارات وما هو إل تللأمين‬
‫تجاري بحت‪ ،‬ثم هناك تسهيلت قصيرة ومتوسللطة الجللل‬
‫بغلت رسومها أكثر من ثمانية مليين ريال‪ .‬ومللع كللل هللذا‬
‫فقد نصت نشرة الكتتاب على أن "جميع عمليللات تمويللل‬
‫السيارات تتم وفق أحكام الشريعة السلمية‪ ،‬كما تسللعى‬
‫الشركة مستقبليا للحفاظ على هلذه التللوجه" ص ‪ ،28‬ثللم‬
‫خففت النشرة من قوة العبللارة السللابقة فللي مكللان آخللر‬
‫وقللالت‪" :‬وتهللدف الشللركة إلللى جعللل جميللع التسللهيلت‬
‫الئتمانية التي تحصل عليها والمتعلقة بالسيارات متوافقللة‬
‫مع الشريعة السلمية" ص ‪ .32‬وحيللث إن مللا نللص عليلله‬
‫مللن اللللتزام بالضللوابط الشللرعية فللي تمويللل السلليارات‬
‫طيب ومشروع وتشكر عليه الشركة‪ ،‬إل أنه غير كاف في‬
‫جعلهللا مللن الشللركات المباحللة‪ ،‬حيللث يجللب أن تلللتزم‬
‫بالضوابط الشرعية في القروض كلهللا وفللي السللتثمارات‬
‫كلها وهو أمر لللم تنللص عليلله النشللرة‪ ،‬بللل الحقللائق الللتي‬
‫ذكرت أعله تدل على خلفه‪ ،‬وعليه فل أرى جواز الكتتاب‬
‫بها‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫وإني أوصي القائمين على هللذه الشللركة بتقللوى الللله عللز‬
‫وجل‪ ،‬والحرص على رضاه والتقرب إليلله فللي كللل المللور‬
‫خاصللة فللي أمللور التمويللل والسللتثمار‪ .‬وقللد وجللد مللن‬
‫التمللويلت السلللمية مللا يفللي بكللل احتياجاتهللا التمويليللة‪،‬‬
‫خاصللة أنهللا تقللوم بنشللاط يسللهل علللى البنللوك التجاريللة‬
‫السلمية تغطيلله بعقللود شللرعية بللل وأن تضللع لمللديوينته‬
‫صللكوكا إسللمية متداولللة قائملة عللى التللأجير التشلغيلي‬
‫الحقيقي وليس الصوري‪ .‬وأرجو أن يكللون ذلللك بللديل لمللا‬
‫ذكرته الشركة في ملخلص النظلام الساسلي ملن إصلدار‬
‫السللندات و السللهم الممتللازة‪ .‬كمللا أوصلليهم بالتللأمين‬
‫التعللاوني الحقيقللي واللللتزام بلله‪ ،‬ل كمللا أشللارت نشللرة‬
‫الكتتاب فلي ص ‪ .43‬وإن ممللا يعيللن الشلركة عللى مثلل‬
‫ذلك التوجه الشرعي تعيين مستشلار شلرعي لهلا‪ ،‬خاصلة‬
‫أنها نصت في النشرة على سللعيها للحفللاظ علللى التللوجه‬
‫السلمي في التمويل‪.‬‬
‫وإن الشركات المساهمة مشكورة تحتاط في أمور كللثيرة‬
‫ملللن المخلللاطر )مثلللل المخلللاطر الئتمانيلللة والسلللوقية‬
‫والتسللويقية ومخللاطر تقلبللات العملللة وأسللعار الفللائدة‬
‫وغيرها(‪ ،‬وهذه أمور يحمللدون عليهللا وتللدل علللى الحللرص‬
‫على تسيير أمور الشركات على الوجه اللئق مللن الناحيللة‬
‫الفنية والقتصادية‪ .‬إل أني أذكرهللم ونفسللي المقصللرة أن‬
‫حق الله أولى‪ ،‬وأننا يجللب أن نللوقر الللله سللبحانه وتعللالى‬
‫وأن نحسللب حسللاب المخللاطرة فللي عصلليانة أشللد مللن‬
‫حسللباننا للمخللاطرات السللابقة‪ .‬فللالله سللبحانه يمهللل ول‬
‫يهملل‪ ،‬وهلو علز وجلل يغلار عللى محلارمه أن تنتهلك‪ ،‬ول‬
‫طاقة لحد بعقابه في الللدنيا ول فللي الخللرة‪ .‬وإن المثلت‬
‫أمامنا في كل مكان وعللى كلل مسلتوى‪ .‬فالحلذر الحلذر‪،‬‬
‫فإن الله بالمرصاد‪] .‬مالكم ل ترجون لله وقارا[‪.‬‬
‫وفق الله الجميع لكل خيللر‪ ،‬وعصللمنا وإيللاهم مللن الزلللل‪،‬‬
‫والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينللا محمللد وعلللى آللله‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫ما حكم الكتتاب في الشركة المتحدة الدولية للمواصلللت‬
‫)بدجت(؟‬

‫‪260‬‬
‫المجيب ‪ :‬د‪ .‬يوسف بن عبد الله الشبيلي‬
‫عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬أما بعد‬
‫فإن نشاط هذه الشركة في تأجير السيارات‪ ،‬وهلو نشلاط‬
‫مبللاح‪ ،‬وقللد نصللت الشللركة فللي نشللرة الصللدار علللى أن‬
‫"جميع عمليات تمويل السيارات تتم وفق أحكام الشللريعة‬
‫السلللمية‪ ،‬وأنهللا تسللعى مسللتقبليا للحفللاظ علللى هللذه‬
‫التللوجه"‪ ،‬إل أن علللى الشللركة قروضللا ً تجاريللة محرمللة‬
‫وليست من نشاطها‪ ،‬فالذي يظهر هو جواز الكتتاب فيهللا؛‬
‫لن نشاطها مباح‪ ،‬ومعظم معاملتهللا الماليللة كللذلك‪ ،‬ولن‬
‫السللهم صللكوك ماليللة مباحللة‪ ،‬فللإذا خالطهللا شلليء مللن‬
‫الحرام فيتخلص منلله ويبقللى مللا عللداه علللى الصللل وهللو‬
‫الباحة‪ ،‬عمل ً بالقاعدة الشرعية في اختلط الحرام اليسير‬
‫المغمور بالحلل الكثير‪ .‬وإثم التعامللل المحللرم علللى مللن‬
‫باشره أو أذن به من القائمين على الشركة‪.‬‬
‫وإنللي أحللث القللائمين علللى هللذه الشللركة وغيرهللا مللن‬
‫الشركات على المبللادرة إلللى تنقيللة جميللع معاملتهللا مللن‬
‫العقلللود المحرملللة أو المشلللبوهة؛ فلللإن جلللواز الكتتلللاب‬
‫للمساهمين ل يعفي القللائمين عليهللا مللن إثللم أي معاملللة‬
‫محرمة يأذنون بها ولللو قل ّللت‪ ،‬فللالله قللد حللذرنا مللن الربللا‬
‫وتوعد من تعامل به بحرب منلله ومللن رسللوله صلللى الللله‬
‫عليه وسلم‪ .‬نسأل الله يوفقنا إلى مللا يرضلليه‪ ،‬وأن يجنبنللا‬
‫أسباب سخطه وعقابه‪ .‬والغللرض مللن هللذه الفتللوى تللبيين‬
‫الوضع المالي للشركة من الناحية الشرعية ول يقصد منها‬
‫التوصية بالكتتاب ملن علدمه فتللك مسلؤولية المسلتثمر‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫=============‬
‫‪#‬دعاوى الصلح‬
‫محمد بن شاكر الشريف‬
‫الصلح كلمة جميلة سللهلة الخللراج مللن اللسللان‪ ،‬خفيفللة‬
‫الوقللع علللى الذن‪ ،‬تنشللرح لسللماعها الصللدور‪ ،‬وتألفهللا‬
‫القلللوب؛ لن الصلللح موافللق للفطللرة الللتي فطللر الللله‬
‫الناس عليها؛ ولهذا قال نبي الله شعيب لقومه لما دعللاهم‬

‫‪261‬‬
‫إلللى عبللادة الللله وحللده‪ ،‬ونهللاهم عللن إنقللاص المكاييللل‬
‫والموازين‪ ،‬وأمرهم بتوفيتها‪ ،‬قال لهم‪":‬إن أريد إل الصلح‬
‫ما استطعت " ولما كانت هذه الكلمة بهذه المنزلللة‪ ،‬فقللد‬
‫ادعاها كثيرون‪ :‬من يريد الصلح حقيقة ومن هم مقيمللون‬
‫علللى الفسللاد والفسللاد‪ ،‬لكللن هنللاك ضللابطا يميللز بيللن‬
‫المدعين‪ ،‬إذ الصلح كله مضمن فيمللا جللاء بلله الشللرع‪ ،‬أو‬
‫دل عليلله وأرشللد إليلله‪ ،‬أو قبللله‪ ،‬فمللن زعللم الصلللح بمللا‬
‫يخالف الشرع فهو مفسد‪ ،‬وإن زعم غيللر ذلللك‪ ،‬ومللن رام‬
‫الصلح مللن غيللر أن يتخللذ الشللرع هاديللا وإمامللا للله فهللو‬
‫يمشي في عماية‪ ،‬ل يللدري أيللة سللكة سلللك‪ ،‬فقللد يسلللك‬
‫سكة للصلح‪ ،‬كما قد يسلك سككا للفساد ‪ ،‬ونهاية أمللره‬
‫التخبط والفساد ؛لن العقول وإن اهتدت إلى ما فيه بعض‬
‫الصلح والصلح في بعض المور‪ ،‬لكنها ل تستقل بللإدراك‬
‫الصلح كله في المور جميعها‪ ،‬فل مندوحة لحد يدعو إلى‬
‫الصلح عن الرجوع إلى الشرع‪ ،‬والركون إليلله‪ ،‬والنطلق‬
‫منه‪ ،‬وعلى هذا فإن كل دعوة للصلح مهما كللان حجمهللا‪،‬‬
‫وأيا كان مطلقها أو الصائح بها‪ ،‬أو الجهة التي تقف خلفها‪،‬‬
‫إذا لللم تكللن قائمللة علللى اتبللاع الشللرع المنللزل مللن رب‬
‫العللالمين جميعهللم‪ ،‬فهللي دعللوة للفسللاد‪ ،‬ومآلهللا إفسللاد‬
‫المجتمع وتخريبه‪ ،‬ولذا فإن شللعار " الللدعوة للصلللح " ل‬
‫يصلح أن يرفعه بحق إل من اتخذ الشريعة له قائدا وهاديللا‬
‫ودليل ‪ ،‬أما من لم يجعللل الشللريعة دليللله وقللائده وجعلهللا‬
‫وراءه ظهريا‪ ،‬فإنه يقيم على الفساد وهللو يظللن أنلله قللائم‬
‫على الصلح ‪ ،‬ويدعو إلى الفساد وهو يزعم أنه من دعللاة‬
‫الصلللح ‪ ،‬وهللذه هللي حللال المنللافقين‪ ،‬فهللم يفسللدون‬
‫ويزعمون أنهم مصلحون‪ ،‬قال الله تعالى" وإذا قيل لهم ل‬
‫تفسدوا في الرض قالوا إنما نحن مصلللحون أل إنهللم هللم‬
‫المفسدون ولكن ل يشعرون" فهم قللائمون علللى الفسللاد‬
‫داعون للفساد ويزعمون أن الصلح في أقوالهم وأفعالهم‬
‫وسلوكهم‪ ،‬وهذا شأنهم في تغيير المعللاني وقلللب الفكللار‬
‫وانعكاس المعايير‪ ،‬فتراهم يدعون إلللى تماسللك الشللعوب‬
‫وعللدم تفتيتهللا ) وخاصللة الشللعوب الللتي تللدين بللأكثر مللن‬
‫ديللن ( والحفللاظ علللى الوحللدة الوطنيللة ويقولللون ‪ :‬هللذه‬

‫‪262‬‬
‫دعوة للصلح‪ ،‬فإذا بحثت وفتشت عن حقيقة ذلك وجللدته‬
‫دعللوة إلللى إقصللاء الشللريعة السلللمية وتحكيللم القللوانين‬
‫الوضللعية‪ ،‬وهللذا هللو الفسللاد‪ ،‬وتراهللم يللدعون إلللى عللدم‬
‫التمييز بين طبقات المجتمللع‪ ،‬وعللدم التحيللز لفئة ضللد فئة‬
‫أخرى‪ ،‬ويقولون ‪ :‬هللذه دعللوة للصلللح‪ ،‬فلإذا فتشللت عللن‬
‫حقيقة ذلك وجدته دعوة إلى المساواة التامللة بيللن الللذكر‬
‫والنثى‪ ،‬حتى فيما فرقت فيه النصوص القطعية‪ ،‬وهذا هللو‬
‫الفسللاد‪ ،‬وتراهللم يللدعون إلللى المحافظللة علللى حقللوق‬
‫النسان وإعطائه الحرية‪ ،‬ويقولون ‪ :‬هللذه دعللوة للصلللح‪،‬‬
‫فللإذا فتشلت علن حقيقلة ذللك وجللدته دعللوة إللى إباحيللة‬
‫مطلقة مللن كللل قيللد حللتى يللأتي الرجللل الرجللل والمللرأة‬
‫المرأة وهذا هو الفسللاد ‪ ،‬وتراهللم يللدعون إلللى التسللامح‬
‫وإشاعة ثقافة الحوار والنفتاح على الخر المختلف ثقافيللا‬
‫ويقولون ‪ :‬هذه دعللوة للصلللح فللإذا بحثللت وفتشللت عللن‬
‫حقيقة ذلك وجدته دعوة إلى إذابة الفوارق بين المسلمين‬
‫والكفار ‪ ،‬وإضعاف معاني الللولء والللبراء إلللى حللد اللغللاء‬
‫وهذا هو الفساد وتراهم يدعون إلى الستفادة من الصللور‬
‫المعاصرة فللي كيفيللة تنميللة رأس المللال مللع المللان مللن‬
‫تقلبات الحللوال والمعللاملت القتصللادية ويقولللون ‪ :‬هللذه‬
‫دعوة للصلح فإذا بحثت وفتشت عن حقيقة ذلللك وجللدته‬
‫دعوة إلى التعاملت الربوية عن طريق البنوك التي يقللوم‬
‫أمرها على الربا‪ ،‬وهذا هو الفسللاد‪ ،‬ولوظللنللا نتتبللع كللثيرا‬
‫من ألفاظهم التي يتلعبون بها وجدناها لم تخرج عللن حللد‬
‫الكلم الذي تكون حقيقته مخالفة لظاهره وهذا هو النفاق‬
‫" وإذا قيللل لهللم ل تفسللدوا فللي الرض قللالوا إنمللا نحللن‬
‫مصلللحون"‪ ،‬فللإذا أردت أن تفللرق بيللن مللن تكللون دعللوته‬
‫للصلح بحق‪ ،‬وبين من يدعو للفساد تحت عباءة الصلللح‬
‫فانظر أين موضع الشريعة من دعوته تعرف ذلك‬
‫=============‬
‫‪ #‬صناعة الفتوى وفقه القليات ]‪[14/21‬‬
‫الشيخ العلمة‪ /‬عبد الله بن بيه ‪19/4/1427‬‬
‫‪17/05/2006‬‬
‫‪ -‬التأمين على الحياة‬

‫‪263‬‬
‫‪ -‬الفرق بين التأمين التعاوني والتأمين التقليدي‬
‫‪ -‬العناصر الساسية للتكافل‬
‫‪ -‬توريث المسلم من أقاربه غير المسلمين‬
‫‪ -‬الوفاء بالعقود‬
‫‪ -‬ضوابط التعامل بين الجنسين‬
‫‪ -‬حكللم اسللتفادة الهيئات الخيريللة مللن عللوائد الحسللابات‬
‫الربوية‬
‫التأمين على الحياة‬
‫ناقش المجلس البحوث المقدمة إليه حللول التللأمين علللى‬
‫الحيللاة‪ ،‬واطلللع عللل مللا صللدر عللن المجللامع الفقهيللة‬
‫والمؤتمرات والندوات العلمية بهذا الشأن‪.‬‬
‫وبعد المناقشة والتحاور حول جوانب هللذا الموضللوع‪ ،‬ومللا‬
‫عليلله أحللوال المسلللمين فللي أوروبللا وسللائر البلد غيللر‬
‫السلمية‪ ،‬ومع مراعاة ما يجري عليه العمل في شللركات‬
‫التأمين التجاري‪ ،‬والتأمين التعاوني في أوروبا‪ ،‬انتهلى إللى‬
‫ما يأتي‪:‬‬
‫ل‪ :‬تأكيد ما صدر عن المجلس في دورته السادسة حول‬ ‫أو ً‬
‫موضوع التأمين وإعادة التأمين ‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تأكيد ما صدر عن بعض المجامع الفقهية مللن حرمللة‬
‫التأمين التجاري على الحياة‪ ،‬وجللواز التللأمين التعللاوني إذا‬
‫خل عن الربا والمحظورات الشرعية ‪ ،‬وعلى ما صدر مللن‬
‫الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي الللتي حضللرها‬
‫ثلة من الفقهاء المعاصرين والقتصاديين فللي ‪ 1413‬هل ل ‪-‬‬
‫‪ 1992‬م وانتهت إلى إصدار الفتوى التالية ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التأمين على الحيللاة بصللورته التقليديللة القائمللة علللى‬
‫المعاوضة بين القسللاط والمبللالغ المسللتحدثة عنللد وقللوع‬
‫الخطر أو المستردة مع فوائدها عند عدم وقوعه هللو مللن‬
‫المعاملت الممنوعة شرعا ً لشتماله علللى الغللرر‪ ،‬والربللا‪،‬‬
‫والجهالة ‪.‬‬
‫‪ - 2‬ل مانع شرعا ً من التأمين علللى الحيللاة إذا أقيللم علللى‬
‫أساس التأمين التعاوني )التكافلي( وذلك من خلل الللتزام‬
‫المتبرع بأقساط غير مرتجعة )‪ ،(1‬وتنظيم تغطية الخطار‬
‫التي تقع على المشتركين مللن الصللندوق المخصللص لهللذا‬

‫‪264‬‬
‫الغرض‪ ،‬وهو ما يتناوله عموم الدلة الشرعية الللتي تحللض‬
‫على التعاون‪ ،‬وعلى البر والتقوى وإغاثة الملهوف ورعايللة‬
‫حقوق المسلللمين‪ ،‬والمبللدأ الللذي ل يتعللارض مللع نصللوص‬
‫الشريعة وقواعدها العامة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬ومع ما سبق فإن حالت اللزام قانونيا ً ‪ ،‬أو وظيفيللًا‪،‬‬
‫مسموح بها شرعًا‪ ،‬إضافة إلى ما سبق إثباته في قللرارات‬
‫الدورة السادسة‪.‬‬
‫تعليق‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬لهمية موضوع التأمين أردت أن أعلق عليه تعليقللا ً‬
‫مللوجزًا‪ ،‬لكنلله يللبين باختصللار حقيقللة التللأمين التجللاري‪،‬‬
‫والتأمين التكافلي‪ ،‬وعناصرهما‪ ،‬والفرق بينهما‪.‬‬
‫أول‪ :‬التأمين التقليدي يعرف بللأنه ‪ :‬ضللمان يقللدمه مللؤمن‬
‫إلى مومن له بتعويضلله عللن خطللر محتمللل‪ ،‬مقابللل نقللود‬
‫يدفعها‪ ،‬أو اشتراك‪ ).‬لروس الصغير الفرنسي(‬
‫ويعرفه الفرنسي هيمار ‪ :‬بللأنه عقللد بمللوجبه يحصللل أحللد‬
‫المتعاقدين وهو المؤمن له في نظيلر مقابلل يلدفعه عللى‬
‫تعهللد بمبلللغ يللدفعه للله‪ ،‬أو للغيللر إذا تحقللق خطللر معيللن‪،‬‬
‫المتعاقد الخر وهو المؤمن الذي يدخل في عهدته مجموع‬
‫من هذه الخطار يجري مقاصة فيمللا بينهللا طبق لا ً لقللوانين‬
‫الحصاء‪)".‬الوسيط للسنهوري ‪(7/1090‬‬
‫أهم مميزات التأمين التجاري‪:‬‬
‫النفصال الكامللل لشخصللية المللأمن "صللاحب المشللروع"‬
‫عن شخصية المؤمن له "مالك وثيقة التأمين"‪.‬‬
‫تهللدف الهيئات الممارسللة للتللأمين التجللاري أساس لا ً إلللى‬
‫تحقيق الربح‪ ،‬فالمال الذي يجمع من القساط يصبح ملكا ً‬
‫للمؤمن‪ ،‬والربح أو الخسارة عبارة عللن الناتللج عللن زيللادة‬
‫القساط المتحصلة أو نقصها عن التكلفة الفعلية للتللأمين‪،‬‬
‫مع ملحظللة تحمللل قسللط التللأمين التجللاري المقللدر منللذ‬
‫بداية العقد بجزء لمقابلة الرباح المراد تحقيقها‪.‬‬
‫يتميز التأمين التجاري بأن القساط الللتي يللدفعها المللؤمن‬
‫لهم ثابتة منذ إبرام العقد تتحرر على أسس معينة‪ ،‬وتبقللى‬
‫كذلك طيلة مدة العقد فيكون المؤمن لهم لهم علللى علللم‬
‫بما يلتزمون به منذ البداية‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫أمللا التللأمين التكللافلي فقللد ورد تعريفلله فللي قللرارات‬
‫المجلللس الوربللي للفتللاء والبحللوث بمللا نصلله‪ :‬والبللديل‬
‫الشرعي لذلك هو التللأمين التكللافلي القللائم علللى تكللوين‬
‫محفظة تأمينية لصالح حملة وثائق التللأمين‪ ،‬بحيللث يكللون‬
‫لهللم الغنللم وعليهللم الغللرم‪ ،‬ويقتصللر دور الشللركة علللى‬
‫الدارة بأجر‪ ،‬واستثمار موجودات التأمين بللأجر‪ ،‬أو بحصللة‬
‫على أساس المضاربة‪.‬‬
‫وإذا حصللل فللائض مللن القسللاط وعوائدهللا بعللد دفللع‬
‫التعويضللات فهللو حللق خللالص لحملللة الوثللائق‪ ،‬ومللا فللي‬
‫التأمين التكافلي من غرر يعتللبر مغتفللرًا؛ لن أسللاس هللذا‬
‫التأمين هو التعاون والتللبرع المنظللم‪ ،‬والغللرر يتجللاوز عنلله‬
‫في التبرعات‪.‬‬
‫وأهم مميزات التأمين التعاوني هي‪:‬‬
‫اتحللاد شخصللية المللؤمن "صللاحب المشللروع" وشخصللية‬
‫المؤمن له "حامل وثيقة التأمين" ومن هنا جاء وصف هللذا‬
‫النوع من التأمين بالتكافلي حيللث يللؤمن العضللاء بعضللهم‬
‫بعضًا‪ ،‬فكل منهم مؤمن ومؤمن له في وقت واحد‪.‬‬
‫إن تعريللف المجلللس الوربللي إنمللا هللو تعريللف لصللورة‬
‫مفضلة من التأمين التكافلي لن التأمين التكافلي قد يأخذ‬
‫صورا ً متعددة كأن تأسللس جماعللة شللركة مضللاربة تقللوم‬
‫بالتجارة في موجودات الشركة ويلحقللون بنظللام الشللركة‬
‫عقدا ً تكافليلا ً يلللتزم فيلله أعضللاء الشللركة بتللأمين بعضللهم‬
‫البعض وحمللايته مللن الخطللار سللواء كللان ذلللك مللن ربللح‬
‫الشركة‪ ،‬وهو أمر جائز أن يتبرع المضارب بربحه‪.‬‬
‫وهناك صيغة أخرى طبقناها فللي بعلض البلد وهللي تكلوين‬
‫شركة مضاربة بلأموال يقلوم فيهللا بعلض أعضللاء الشللركة‬
‫بالدارة لصللالح الجميللع فيكللون لهللؤلء مزيللد مللن الربللاح‬
‫لنهم مؤسسون ومشتركون بأموالهم وأبدانهم وهللو جللائز‬
‫على مذهب أحمد وقد بين ذلللك ابللن قدامللة حيللث قللال ‪:‬‬
‫وأما المضاربة الللتي فيهللا شللركة وهللي أن يشلترك ملالن‬
‫وبدن صاحب أحدهما مثل أن يخرج كل واحللد منهمللا ألف لا ً‬
‫ويللأذن أحللدهما للخللر فللي التجللارة بهمللا فمهمللا شللرطا‬
‫للعامل من الربح إذا زيد على النصللف جللاز لنلله مضللارب‬

‫‪266‬‬
‫لصاحبه في أللف ولعاملل المضلاربة ملا اتفقلا عليله بغيلر‬
‫خلف‪...‬‬
‫وبعد شرح طويل قال ‪ :‬فحصل مما ذكرنا أن الربح بينهمللا‬
‫على ما اصطلحا عليه في جميع أنللواع الشللركة‪) .‬المغنللي‬
‫‪ 140-139-138 /7‬دار هجر(‪.‬‬
‫وممللا ذكرنللا يتللبين أنلله قللد تكللون أفضللل صلليغة للتللأمين‬
‫السلمي أن تكون شللركة مضللاربة ومعهللا شللركة أمللوال‬
‫فيمنللح المسللاهمون الكبللار وهللم المضللاربون بأبللدانهم‬
‫ة‬
‫لتوليهم الدارة وأرباب المللال لشللتراكهم بللأموالهم حصل ً‬
‫مللن الربللح أكللبر مللن حصللص المشللتركين حملللة الوثللائق‬
‫لوجللود التراضللى ولهللذا فيكللون لهللؤلء المشللتركين فللي‬
‫الجمعية العامة ممثلون‪.‬‬
‫وهي صيغة مختصرة وبسيطة تقوم علللى تأسلليس شللركة‬
‫تجارية من مساهمين كبار تبرعوا بجزء من أمللوالهم لجللبر‬
‫الضرار التي تنزل بهللم ويلتحلق مشللتركون صلغار بنفللس‬
‫الصيغة أي أنهم شركاء بالقساط التي دفعوها متضللامنين‬
‫مع الخرين مع قبولهم بمنح جللزء أكللبر مللن الربللح لهللؤلء‬
‫المساهمين المؤسسين وهللي شللركة تلللزم بللالقول وهللذا‬
‫مذهب مالك قال خليل )ولزمت بما يدل عرفا ً كاشتركنا(‪.‬‬
‫ول بأس أن نذكر بكلم للنووي مذكور في البحث السللابق‬
‫لتطبيقه علللى موضللوع التللأمين يقللول النللووي ‪) " :‬فللرع(‬
‫الصل أن بيع الغرر باطل لهللذا الحللديث والمللراد مللا كللان‬
‫فيه غرر ظاهر يمكن الحللتراز منلله )فأمللا( مللا تللدعو إليلله‬
‫الحاجللة ول يمكللن الحللتراز عنلله كأسللاس الللدار‪ ،‬وشللراء‬
‫الحامل مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر‪ ،‬ذكللر أو أنللثى‪،‬‬
‫كامل العضاء أو ناقصها‪ ،‬وكشراء الشاة في ضللرعها لبللن‬
‫ونحو ذلك فهذا يصح بيعه بالجماع ‪.‬‬
‫ونقل العلماء الجماع أيضا ً في أشياء غررها حقيللر )منهللا(‬
‫مة أجمعت على صحة بيع الجبة المحشوة وإن لم ير‬ ‫أن ال ّ‬
‫حشوها‪ ،‬ولو باع حشوها منفردا ً لم يصللح ‪ ،‬وأجمعللوا علللى‬
‫جواز إجارة الدار وغيرها شهرا ً مع أنه قد يكون ثلثين يوما ً‬
‫وقد يكون تسعة وعشللرين ‪ ،‬وأجمعللوا علللى جللواز دخللول‬
‫الحمام بأجرة‪ ،‬وعلى جواز الشرب من ماء السقاء بعوض‬

‫‪267‬‬
‫مع اختلف أحوال الناس في استعمال الماء أو مكثهم في‬
‫الحمام ‪.‬‬
‫قال العلماء مدار البطلن بسبب الغرر والصحة مع وجوده‬
‫على ما ذكرناه وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر‬
‫ول يمكن الحتراز عنه إل ّ بمشقة أو كان الغرر حقيرا ً جللاز‬
‫البيع وإل ّ فل‪.‬‬
‫وقد يختلف العلماء في بعض المسائل كبيع العين الغائبللة‪،‬‬
‫وبيللع الحنطللة فللي سللنبلها‪ ،‬واختلفهللم مبنللي علللى هللذه‬
‫القاعدة ‪ ،‬فبعضللهم يللرى الغللرر يسلليرا ً ل يللؤثر ‪ ،‬وبعضللهم‬
‫يراه مؤثرا ً والله سبحانه وتعالى أعلم )المجمللوع للنللووي‪:‬‬
‫‪. (9/258‬‬
‫من هذا الكلم نستفيد أمرين أحدهما الغرر الخفيف الللذي‬
‫يغتفر للحاجة وهو مللا بنللي عليلله المجلللس جللواز التكافللل‬
‫بأنواعه‪ ،‬والغرر الكللبير المللؤثر وهللو أصللل التحريللم إل أن‬
‫المجلس تجاوز عن هذا الغرر إذا لللم يمكللن الحللتراز منلله‬
‫في البيئة الوربية ولعل ذلك ما أشار إليه النووي بقوله ‪":‬‬
‫أما ما تدعو إليه الحاجة ول يمكن الحتراز منه‪."...‬‬
‫ولهذا فإن هذه الفتوى مبنيللة علللى قاعللدة تنزيللل الحاجللة‬
‫منزلة الضرورة في صللورتي الغللرر المغتفللر فللي الصللل‪،‬‬
‫وهو ما خف ودعت إليه حاجة وفللي صللورة المحللرم اصللل‬
‫وأشللتدت وطللأة الحاجللة ولللم يمكللن الحللتراز فللي حالللة‬
‫التللأمين التجللاري فللي أوربللا لفرضلله بالقللانون ولمسلليس‬
‫الحاجة المنزلة منزلة الضرورة إليه‪.‬‬
‫‪ -‬الفرق بين التأمين التعاوني والتأمين التقليدي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن التأمين التقليدي يغلب عليه الغرر فيمكللن أن يعللبر‬
‫عنه بأنه هو الغرر بعينه‪ ،‬كما قدمنا عللن البللاجي‪ ،‬وبالتللالي‬
‫فهو من الغرر الشديد الغالب المحرم‪ ،‬فل تجيللزه الحاجللة‬
‫إل في ظروف استثنائية‪.‬‬
‫وأن التأمين التكافلي يخف فيه الغرر‪ ،‬وذلك لعنصر التبرع‬
‫القائم عليه ومحدودية المؤمنين فتجيزه الحاجلة وهلذا هلو‬
‫الفرق الول‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫‪ -2‬أن التأمين التكافلي عقد إرفللاق ومعللروف لنلله مبنللي‬
‫في نيته على التعاون ولهذا يغتفر فيه الغرر كما قدمنا في‬
‫مسألة ‪ ":‬أعني بغلمك على أن أعينك" في بحث الحاجة‪.‬‬
‫وكما في مسألة الدينار الناقص والطعام فللإن أراد التبللايع‬
‫حرم وإن اراد القالة جاز لنه معروف في بحث الحاجة‪.‬‬
‫بخلف التللأمين التقليللدي فالقصللد الغللالب فيلله التجللارة‬
‫وكسب الربح‪ ،‬ولهذا ل يجوز فيه الغللرر‪ ،‬وهللذا هللو الفللرق‬
‫الثاني‪.‬‬
‫‪ -3‬الفرق الثالث أن الغرر في التأمين التقليلدي أصلل لن‬
‫المؤسسة قائمة على كسبها من الحوادث التي لم تحصل‬
‫بينما الغرر في التكافلي إضافي وتبعي‪ ،‬وقد قدمنا مسللألة‬
‫الظئر والرضيع عن المواق‪.‬‬
‫‪ -‬العناصر الساسية للتكافل‬
‫وأهم شيء في شركة التكافل ثلثة عناصر ‪:‬‬
‫‪ -1‬عنصر التبرع وهو تبرع للمتضللرر مللن أعضللاء الشللركة‬
‫بجللزء مللن الربللح أو بالربللح بكللامله وهللذا كمللا يجللوز فللي‬
‫المضاربة التللبرع بجللزء مللن رأس المللال وهللذا جللائز لنلله‬
‫يغتفر الغرر في التبرعات‪.‬‬
‫‪ -2‬عنصللر الشللراكة وهللو اعتبللار كللل قسللط يللدفع إلللى‬
‫الشللركة‪ ،‬إنمللا هللو قسللط اشللتراك وليللس مللدفوعا ً فللي‬
‫مقابل‪.‬‬
‫‪ -3‬عنصر اتحاد الشخص ذي الجهتين بين المللؤمن بصلليغة‬
‫اسم الفاعل والمؤمن بصيغة اسم المفعللول سللواء أداروا‬
‫الشللركة بأنفسللهم كشللركة أبللدان وأمللوال‪ ،‬أو أداروهللا‬
‫بواسطة جهاز إداري يمارس عملية وكالة بأجر‪.‬‬
‫أما بالنسبة للفتوى المتعلقة بالتأمين التجاري الذي أجللازه‬
‫المجلس في حالت محددة فإن الفتوى تستند إلى الحاجة‬
‫الشديدة الناشئة عن الفرض بالقللانون‪ ،‬أو الحللرج الشللديد‬
‫والمشقة طبقا ً لمقولة الشيخ تقلي اللدين ابلن تيميلة فلي‬
‫حديثه عن الجوائح إن" الشريعة مبنية علللى أن المفسللدة‬
‫المقتضللية للتحريللم إذا عارضللتها مصلللحة راجحللة أبيللح‬
‫المحرم"‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫وهي مبنية من جهة أخرى على الخلف الذي أسلللفنا فللي‬
‫مبحث الحاجة والذي يرجح به في العقود الفاسدة‪.‬‬
‫‪-‬توريث المسلم من أقاربه غير المسلمين‬
‫يللرى المجلللس عللدم حرمللان المسلللمين ميراثهللم مللن‬
‫أقاربهم غير المسلمين ومما يوصون لهللم بلله‪ .‬وأنلله ليللس‬
‫في ذلك ملا يعللارض الحللديث الصللحيح‪" :‬ل يللرث المسلللم‬
‫الكافر ول الكافر المسلم" الذي يتجه حمللله علللى الكللافر‬
‫الحربي‪ ،‬مع التنللبيه إلللى أنلله فللي أول السلللم لللم يحللرم‬
‫المسلمون من ميراث أقاربهم من غير المسلمين‪ .‬وهو ما‬
‫ذهب إليه من الصللحابة معللاذ بللن جبللل ومعاويللة بللن أبللي‬
‫سفيان ومن التللابعين جماعللة منهللم سللعيد بللن المسلليب‪،‬‬
‫ومحمللد بللن الحنفيللة‪ ،‬وأبللو جعفللر البللاقر ومسللروق بللن‬
‫الجدع‪ ،‬ورجحه شيخ السلم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم‪.‬‬
‫‪ -‬الوفاء بالعقود‬
‫توقيع العقد في أي صفقة ملزم للطرفين شرعا‪ ،‬ول يجوز‬
‫لحدهما أن يرجع فيه بإرادته المنفردة‪ ،‬دون رضا الطللرف‬
‫الخر‪ ،‬فهذا مخالف لما أمللر الللله تعللالى ورسللوله –صلللى‬
‫الله علهي وسلم ‪ ،-‬وأكدته نصللوص القللرآن والسللنة‪.‬قللال‬
‫من ُللوا ْ أ َوْفُللوْا" ]المللائدة‪ [1:‬وقللال‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫تعللالى‪َ" :‬ياأي ّهَللا ال ّل ِ‬
‫ن ال ْعَهْد َ َ‬ ‫َ‬
‫ل" ]السراء ‪:‬‬ ‫ؤو ً‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫عزوجل‪" :‬وَأوُْفوا ْ ِبال ْعَهْدِ إ ِ ّ‬
‫ضوا ْ‬ ‫م وَل َ َتنُق ُ‬ ‫هدت ّ ْ‬ ‫عا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫‪ .[34‬وقال تعالى‪":‬وَأ َوُْفوا ْ ب ِعَهْدِ الل ّهِ إ ِ َ‬
‫َْ‬
‫ل" ]النحللل‪:‬‬ ‫م ك َِفي ً‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م الل ّ َ‬ ‫جعَل ْت ُ ُ‬ ‫ها وَقَد ْ َ‬ ‫كيدِ َ‬
‫ن ب َعْد َ ت َوْ ِ‬‫ما َ‬ ‫الي ْ َ‬
‫‪.[91‬‬
‫وحمللل القللرآن بشللدة علللى الللذين يتهللاونون بللالعهود‬
‫ن‬ ‫وينقضونها من بعللد ميثاقهللا‪ ،‬فللي آيللات كللثيرة‪ ،‬منهللا‪" :‬إ ِ ّ‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫ك لَ َ‬ ‫من ًللا قَِليل ً أ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫م ثَ َ‬ ‫مان ِهِ ْ‬
‫َ‬
‫ن ب ِعَهْدِ الل ّهِ وَأي ْ َ‬ ‫شت َُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬‫م ي َوْ َ‬ ‫ه وَل َ َينظ ُُر إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مه ُ ُ‬‫خَرةِ وَل َ ي ُك َل ّ ُ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫َ‬
‫م" ]آل عمران‪.[77:‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬ ‫كيهِ ْ‬‫وَل َ ي َُز ّ‬
‫واعتبر النبي –صلى الللله عليلله وسلللم ‪ -‬نقللض العهللد مللن‬
‫شعب النفاق‪ ،‬وخصال المنافق الساسللية "أربللع مللن كللن‬
‫فيه كان منافقا ً خالصًا‪ ،‬ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه‬
‫خصلة من النفاق حللتى يللدعها‪....‬و ذكللر منهللا ‪" :‬إذا عاهللد‬
‫غدر "‪ .‬رواه الشيخان عن عبدالله بن عمرو‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫و ليللس مللن الضللروري أن يكللون العقللد مكتوبللا‪ ،‬فمجللرد‬
‫اليجاب والقبول مشافهة يكفي في ايجاد العقد‪ ،‬ولكن للله‬
‫خيار المجلس على ما نرجحه‪ ،‬فلو تبين له عقد آخر‪ ،‬وهما‬
‫ل يزالن في مجلس العقد‪ ،‬فمن حقه أن يرجع‪ ،‬كمللا جللاء‬
‫في الحديث الصللحيح ‪ ":‬البيعللان بالخيللار مللا لللم يتفرقللا "‬
‫متفللق عليلله عللن ابللن عمللر‪ .‬فقللد جعللل الحللديث فرصللة‬
‫للتراجع لمن تسرع في التعاقد دون روية‪.‬‬
‫و مثل ذلك لو كان مغبونا غبنا فاحشا يرفع أمره إلى جهللة‬
‫تحكيم تثبت له خيار الغبن إذا تبين لها ذلللك‪ ،‬عمل بمللذهب‬
‫الحنابلة وغيرهم‪.‬‬
‫و يستطيع المسلم أن يخرج من ورطة التراجع في العقللد‬
‫بعللد إتمللامه إذا اشللترط لنفسلله الخيللار أيامللا معللدودة‪،‬‬
‫يستطيع فيها أن يرجع في صفقته خللها‪ ،‬وهذا ما نصح بلله‬
‫النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬أحد الصحابة‪ ،‬حين شكا إليه‬
‫أنه كثيرا ما يخدع في البيع‪ ،‬فقال له ‪ ":‬إذا بايعت فقل ‪ :‬ل‬
‫خلبللة " أي ل خللداع‪ ،‬وهللذا فللي الصللحيحين‪ ،‬وفللي خللارج‬
‫الصحيحين ‪ ":‬ولللي الخيللار ثلثللة أيللام " والمسلللمون عنللد‬
‫شروطهم‪.‬‬
‫أما فيما عدا ذلك‪ ،‬فالمسلم يحترم كلمته إذا قالهللا‪ ،‬وهللذه‬
‫إحدى القيم التي دعا إليها السلم‪ ،‬حتى يسللتقر التعامللل‪،‬‬
‫وتستقيم حياة الناس‪ .‬وقد قال الشاعر ‪:‬‬
‫و ل أقول ‪) :‬نعم( يومًا‪ ،‬وأتبعها بل ل )ل( ولللو ذهبللت بالمللال‬
‫والولد‬
‫بل يحرم السلم أن يبيع المسلم على بيع أخيه‪ ،‬أي يدخل‬
‫عليه وقد أوشك أن يعقد الصفقة مع الخر‪ ،‬فيزايللد عليلله‪،‬‬
‫ليختطف الصفقة منه‪ ،‬وفي هذا جاء الحللديث الصللحيح ‪" :‬‬
‫ل يبيع المسلم على بيع أخيه"‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫‪ -‬مدى حق الموظلف فللي اسللتخدام الدوات العامللة للديه‬
‫لمصلحته الشخصية‪:‬الصل في المال العام أو شللبه العللام‬
‫ونعنللي بلله مللال الدولللة والمؤسسللات العامللة والشللركات‬
‫الخاصة هو المنع‪ ،‬وخصوصا ً أن نصوص الكتاب والسنة قد‬
‫شددت الوعيد في تناول المال العام بغير حق‪ ،‬وقللد جعللل‬

‫‪271‬‬
‫الفقهللاء المللال العللام بمنزلللة مللال اليللتيم فللي وجللوب‬
‫المحافظة عليه وشدة تحريم الخذ منه‪ ،‬ويستثنى من ذلك‬
‫مللا تعللارف النللاس علللى التسللامح فيلله مللن الشللياء‬
‫الستهلكية فيعفى عنه باعتباره مأذونا ً فيه ضمنًا‪ ،‬على أن‬
‫ل يتوسع في ذلك‪ ،‬مراعللاة لصللل المنللع‪ ،‬علللى أن الللورع‬
‫أولى بالمسلم الحريص على دينه‪ ،‬و"مللن اتقللى الشللبهات‬
‫فقد استبرأ لدينه وعرضه"‪.‬‬
‫– ضوابط التعامل بين الجنسين‪ :‬اللقاء والتعاون والتكامل‬
‫بين الرجال والنساء أمللر فطللري‪ ،‬ول يمكللن منعلله واقع لًا‪،‬‬
‫ولم يرد في دين الفطرة ما يحجره بإطلق‪ ،‬وإنمللا أحللاطه‬
‫بالضوابط التالية‪:‬‬
‫ترك الخللوة )وهلي وجلود رجلل وامللرأة أجنبيلة عنلله فللي‬
‫موضوع ل يراهما فيه أحد( امتثال ً لقول النبي ‪-‬صلللى الللله‬
‫عليه وسلم‪ -‬في الحديث الصحيح‪" :‬ما خل رجل بللامرأة إل‬
‫كان الشيطان ثالثهما"‪.‬‬
‫توقي التماس )وهو التلصق والتراص بالبدان بين الرجللل‬
‫والمرأة الجنبية عنه( حللذر الثللارة والفتنللة‪.‬تجنللب التللبرج‬
‫)وهو الكشلف عملا أملر اللله ورسلوله –صللى اللله عليله‬
‫وسلللم‪ -‬بسللتره مللن البللدن(‪ ،‬إذ يجللب علللى المللرأة حيللن‬
‫اجتماعها بالرجال غير المحارم أن تسللتر كللل جسللدها مللا‬
‫عدا الوجه واليدين‪ ،‬على مذهب جمهور الفقهاء‪.‬‬
‫التزام المرأة الحشمة في حديثها وحركاتها‪ ،‬فل تتصنع من‬
‫الكلم والحركات ما يؤدي إلى إثارة الغللرائز‪ ،‬قللال تعللالى‪:‬‬
‫ذي فِللي قَل ْب ِل ِ‬
‫ه‬ ‫م لعَ ال ّل ِ‬
‫ل فَي َط ْ َ‬
‫ن ب ِللال َْقوْ ِ‬
‫ض لع ْ َ‬
‫خ َ‬‫ن فََل ت َ ْ‬‫ن ات َّقي ْت ُل ّ‬
‫"إ ِ ِ‬
‫معُْروفًللا" ]الحللزاب ‪ [32‬وقللال تعللالى‪:‬‬ ‫ن قَلوًْل ّ‬ ‫ض وَقُل ْل َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫َ‬
‫"ول يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن"‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإذا التزم الرجال والنساء فللي أي لقللاء أو نشللاط‬
‫بهذه الضوابط الشرعية‪ ،‬فل حرج عليهم في ذلك‪ ،‬ما كللان‬
‫موضوع اللقاء أو النشاط جديًا‪ ،‬سواء أكان علميا ً أم ثقافيا ً‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫ول فرق في ضرورة اللتزام بهذه الضوابط بين أن يتعلللق‬
‫المللر بفتيللات مسلللمات أو غيللر مسلللمات‪ ،‬لن الثللارة‬
‫محتملة فللي الحللالتين‪ ،‬علللى أن النفصللال فللي المجلللس‬

‫‪272‬‬
‫الواحللد فللي المقاعللد بيللن الرجللال والنسللاء هللو الفضللل‪،‬‬
‫خاصة إذا لم تكن هناك حاجة إلى خلفه‪.‬‬
‫‪-‬حكللم اسللتفادة الهيئات الخيريللة مللن عللوائد الحسللابات‬
‫الربوية من الفراد والبنوك وما يرتبط بللذلك مللن الدعايللة‬
‫لها‪ ،‬وفتح حساب خاص لهذه الموال‪:‬‬
‫عموم المسللمين فلي الغلرب ل يجلدون مناصلا ً ملن فتلح‬
‫حسابات في البنوك الربوية‪ ،‬ومعلللوم أن هللذه الحسللابات‬
‫تللترتب عليهللا زيللادات ربويللة تلحللق بحسللاباتهم‪ ،‬فيجللدون‬
‫أنفسهم بين خيارين‪:‬‬
‫إما تللرك هللذه الفللوائد للبنللك‪ ،‬وفللي هللذا تفللويت مصلللحة‬
‫للمسلمين وربما كانت عونا ً لمؤسسات تبشيرية‪ ،‬وإمللا أن‬
‫يصرفوها في وجوه الخير العامة‪ ،‬وبما أن الحكم ل يتعلللق‬
‫بعين المال وإنما بطريقة تحصيله أو صرفه‪ ،‬فما كلان منله‬
‫حراما ً فحرمته في حق من اكتسبه أو صرفه بطريقة غيللر‬
‫مشروعة‪ ،‬فالذي يحرم في شأن هذا المال الربوي هللو أن‬
‫ينتفع بلله الشللخص لنفسلله‪ ،‬أمللا بالنسللبة لغيللره فل يكللون‬
‫حرامًا‪.‬‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬فإن المجلس ل يرى بأس لا ً مللن أن تسللأل‬
‫المؤسسة الخيرية أصحاب هذه الحسابات أن يمكنوها من‬
‫تلك الموال‪ ،‬كما ل يجد فرقا ً في تحصيل هذه الموال من‬
‫أي جهة أخرى كالمؤسسات والبنوك وغير ذلك‪.‬‬
‫وينبغي للمؤسسة أن تتحاشى ما وسعها ذكللر اسللم البنللك‬
‫المتبرع على وجه الدعاية له‪ ،‬بسبب عدم مشروعية أصل‬
‫عمله‪.‬ول مانع كذلك من أن يفتح حساب خللاص تللودع فيلله‬
‫تلك الموال‪.‬‬
‫‪ -‬وكان من ضمن الستفتاءات التي أجاب عنهللا المجلللس‪:‬‬
‫مسألة الختلط بين الجنسللين فللي المنتللديات واللقللاءات‬
‫العامة‪ ،‬والمرابحة التي تزاولها بعض البنللوك فللي الغللرب‪،‬‬
‫والتأمين‪ ،‬ومعاش التقاعللد‪ ،‬واسللتفادة الجمعيللات الخيريللة‬
‫من فوائد البنوك‪ -.‬كما عهد المجلللس إلللى بعللض أعضللائه‬
‫بمعالجة بعض المشللكلت السللرية الللتي وردت إليلله مللن‬
‫خلل التصال المباشر بأصحابها‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫)‪ (1‬أي أنهللا ل ترتجللع بالكامللل ‪ ،‬وإذا ارجللع شللئ فهللو مللا‬
‫يسمى بالفائض الذي يوزع في أخر العام‪.‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬صناعة الفتوى وفقه القليات]‪[15/21‬‬
‫الشيخ العلمة‪ /‬عبد الله بن بيه ‪26/4/1427‬‬
‫‪24/05/2006‬‬
‫‪ -‬جمع الزكاة من المسلمين المقيمين في الغرب؟‬
‫‪ -‬ماذا أفعل بالفوائد الربوية غير المقصودة؟‬
‫‪ -‬بناء المساجد بتبرعات غير المسلمين‬
‫‪ -‬بطاقة الفيزا‬
‫‪ -‬العمل في محلت تبيع لحم الخنزير‬
‫‪ -‬بيع الخمر والخنزير لجل كسب العلماء؟‬
‫‪ -‬مضاربة فاسدة‬
‫جمع الزكاة من المسلمين المقيمين في الغرب‪.‬‬
‫السؤال ‪ :‬هل يجللوز لنللا أن نجمللع الزكللاة مللن المسلللمين‬
‫المقيمين في هذه البلد ثم نقوم بعد ذلللك بتوزيعهللا علللى‬
‫المستحقين في صورة دفعات تستمر لسنة كاملللة وليللس‬
‫دفعة واحدة في حالة معرفتنللا أنلله قللد ينفللد المللال الللذي‬
‫يصل إلى المستحق ثم يحتللاج ول يجللد مللن يعللاونه أو أنلله‬
‫يحتاج إلى هذا المال في مواسم معينة ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫نعم يجوز جمع أموال الزكاة وحبسها لتعطى إلى الفقللراء‬
‫على شكل دفعات بحسب ما يتناسللب مللع حاجللاتهم حللتى‬
‫المزكي نفسه يمكنه أن يفعل ذلك إذا رأى مصلحة الفقير‬
‫فيه لكن عليه أن يعزل ذلك المال مللن سللائر مللاله وأن ل‬
‫ينتفع به انتفاعا ً خاصا‪.‬‬
‫ماذا أفعل بالفوائد الربوية غير المقصودة؟‬
‫السؤال ‪ :‬أنا طالب كنت أدرس منذ سللنتين فللي بريطانيللا‬
‫وكنت أتقاضى منحة دراسللية مللن بلللدي عللن طريللق أحللد‬
‫البنوك وكما تعلمون فإن البنوك تعطي فائدة بسيطة ولللم‬
‫أقم في ذلك الوقت بخصم هذه الفائدة من أمللوالي لنللي‬
‫لم أكن أعرف قيمتها بالضبط ول كيفية خصمها حيللث إنهللا‬

‫‪274‬‬
‫لم تكن ذات قيمة ثابتة ولقد قمت بالتصرف في كل مالي‬
‫تقريبا ً عدا القليل الذي ما يزال بحسابي بالبنك‪.‬‬
‫والسؤال هو ‪ :‬هل يجوز لي خصم هذه الفائدة الن وكيللف‬
‫يمكنني أن أفعل ذلك ؟ وهل يمكنني تقدير قيمللة الفللائدة‬
‫وبالتالي خصمها من المال بالعملة المحلية لبلدي ؟‬
‫والسؤال الثللاني‪ :‬بخصللوص المللال المتبقللي فللي حسللابي‬
‫حوالي ‪1000‬دولر أمريكي منذ سنتين وهللو ثللابت القيمللة‬
‫هل يجوز لي أن أستخرج الزكاة على هذا المال كلمللا مللر‬
‫عليه الحول مع العلم بأني أدخر هللذا المللال لللدفع رسللوم‬
‫دخول المتحانات في بريطانيا في المستقبل‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫بالنسبة إلي التصرف بالفائدة فاجتهد فللي طلللب معرفتهللا‬
‫عن طريق حسابك في البنللك فللإن تعسللر عليللك ذلللك فل‬
‫بأس أن تقدرها بالتقريب والظن وتحتاط في ذلك التقللدير‬
‫بما تحسب أن ذمتك قد برئت به ول يكلللف الللله نفس لا ً إل‬
‫وسلعها‪ .‬وحيلن تحلدد مبللغ الفلائدة فيجلب عليلك صلرفها‬
‫للفقراء ول تنتفع بها لنفسك‪.‬‬
‫أما ما سألت عنه بخصللوص الزكللاة علللى المبلللغ المللذكور‬
‫فإن نصللاب المللال هللو مللا يعللادل ‪ 85‬غرام لا ً مللن الللذهب‬
‫الخالص والذي يعلن عنه عادة في الصحف وأسواق المال‬
‫فإذا بلغ مالللك قيمللة النصللاب المللذكور ومللرت عليلله فللي‬
‫حسابك سنة وجبت عليك فيه الزكاة والظاهر من السؤال‬
‫أنه ل زكاة عليك حيث إن المبلغ المدخر مرصود لحوائجك‬
‫الصلية‪.‬‬
‫بناء المساجد بتبرعات غير المسلمين‬
‫السؤال ‪ :‬بعض الغنياء ممن ل تخلو أموالهم من شبهة إذا‬
‫تبرعوا لبناء مسجد كل ً أو بعضا ً فمللا هللو الحكللم الشللرعي‬
‫في قبول ذلك منهم؟ ولو تبرعت جمعية أو جهة أخرى من‬
‫غير المسلمين لصالح بناء المسجد فهل يقبل منهم ذلك ؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫نعللم يجللوز قبللول التللبرع مللن الفللراد أو المؤسسللات أو‬
‫الحكومات مسلمة كانت أو غيللر مسلللمة حللتى ولللو غلللب‬
‫علللى ظننللا أنهللا أمللوال غيللر مشللروعة مللن وجهللة النظللر‬

‫‪275‬‬
‫السلمية‪ ،‬إل إذا كانت محرمة العين مثل الخمر والخنزيللر‬
‫وذلللك لن قبللول التللبرع منهللم بمنزلللة قبللول الهدايللة‪ ،‬إذ‬
‫التبرع نوع منها‪ ،‬هذا عنللد جمهللور الفقهللاء وعنللدما تنتقللل‬
‫هذه التبرعات إلينا يصبح ملن اللواجب أن تخضلع للحكلام‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫وفي حالة حصول التبرع من غير المسلللمين يسللتثنى مللن‬
‫القبول حالتان‪:‬‬
‫الولللى‪ :‬مللا إذا كللان هللذا التللبرع يللؤدي إلللى إضللعاف ولء‬
‫المسلم للسلم وأهله‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬ما إذا كان هذا التبرع مشروطا ً بمللا يضللر بمصللالح‬
‫المسلمين‪) .‬الدورة الثانية(‬
‫تعليق‪:‬‬
‫قلت‪ :‬قد نص شراح خليل على كراهة الصلة في المسجد‬
‫المبني بالمال الحرام‪.‬‬
‫بطاقة الفيزا‬
‫السؤال‪:‬إن بعض البنوك تصدر بطاقات ائتمان مثل الفيللزا‬
‫‪VISA‬بحيث يشتري حامل البطاقة بواسطتها من السواق‬
‫ما يريد وفي آخر الشهر يرسللل البنللك إلللى حامللل بطاقللة‬
‫فيزا ‪ VISA‬كشف حساب ليسللدد مللا عليلله خلل خمسللين‬
‫يوما ً فإذا سدد قبل نهاية الخمسين يوما ً فإنه ل يدفع سوى‬
‫ملللا صلللرفه فعل دون أي فلللائدة ربويلللة وإذا تلللأخر علللن‬
‫الخمسين يوما ً فإن البنك يقوم بتحميله فللوائد ربويللة عللن‬
‫المدة التي تأخرها‪.‬‬
‫ومعظم المسلللمين فللي الغللرب يحملللون هللذه البطاقللات‬
‫ويشترون بواسطتها ويسددون قبللل نهايللة المللدة المتاحللة‬
‫وبذلك ل يستحق عليهم أي فوائد ربوية‪.‬‬
‫واليجابيات لحامل بطاقة فيلزا ‪ VISA‬أنله ل يحملل نقلودا ً‬
‫تتعللرض للضللياع أو السللرقة فللي بلللد إقللامته أو سللفره‪،‬‬
‫ويشتري بواسللطتها مللن معظللم دول العللالم دون الحاجللة‬
‫لتصريف العملة وهي قرض حسن لمدة ‪50‬يومًا‪.‬‬
‫واليجابيات للبنك الذي يصللدر بطاقللة فيللزا ‪ VISA‬هللي أن‬
‫يأخذ مللن البللائع الللذي اشللترى منلله حامللل بطاقللة الفيللزا‬
‫‪ VISA‬نسبة ‪ %2‬من قيمة المشتريات ويأخذ فللوائد ربويللة‬

‫‪276‬‬
‫من حاملي بطاقة فيللزا الللذين ل يسللددون حسللابهم خلل‬
‫الخمسين يومًا‪.‬‬
‫وهناك عرض من أحد البنوك لصدار بطاقللة الفيللزا باسللم‬
‫الهيئة الخيرية بحيث يظهر اسللم الهيئة مكللان اسللم البنللك‬
‫وبذلك تظهر الهيئة كمصدرة لهذه البطاقة‪.‬وإداريا ً ل تقللوم‬
‫الهيئة بأي جهد مطلقًا‪ .‬فالبنك يقوم بكل ذلك‪.‬‬
‫واليجابيللات للهيئة الخيريللة هللي أنهللا تحصللل علللى نسللبة‬
‫كأرباح من البنك كلما استعمل حامل البطاقة بطاقته فيزا‬
‫ول تتحملللل الهيئة الخيريلللة أو حاملللل بطاقلللة الفيلللزا أي‬
‫مصروفات تجاه هذا المشروع‪ .‬وكل مللا هللو مطلللوب مللن‬
‫الهيئة الخيرية هو تزويد هذا البنك بعنللاوين متللبرعي الهيئة‬
‫ليرغبهم باقتناء بطاقة فيزا ومللن الممكللن أن تللوزع الهيئة‬
‫حملتها البريدية عن طريق البريد الصادر من البنك شهريا ً‬
‫لحملة البطاقات وبللذلك تللوفر أجللور البريللد وعلللى حامللل‬
‫بطاقة الفيزا توقيع اتفاقية مع البنك تشير أحد بنللوده إلللى‬
‫أن حامل البطاقة عليه دفللع فللوائد ربويللة إذا مضللت مللدة‬
‫خمسين يوما ً الممنوحة له ولللم يسللدد حسللابه قبللل نهايللة‬
‫تلك المدة‪.‬‬
‫والسللؤال هللو ‪ :‬هللل يجللوز لهللذه الهيئة الخيريللة أن تكللون‬
‫وكيل عن بنك بتسويق بطاقات فيلزا وذللك مقابلل فرصلة‬
‫لدعم المشاريع الخيرية من ذلك البنك ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫في عدد من البلد السلللمية قللامت المصللارف السلللمية‬
‫بإصدار بطاقة فيزا شرعية خالية من الشبهات بعيللدة عللن‬
‫الفللوائد كمللا فللي بيللت التمويللل الكويللتي ومصللرف قطللر‬
‫السلمي وبنك قطر الدولي السلللمي وشللركة الراجحللي‬
‫بالسعودية وغيرهما من المؤسسات المالية السلمية‪.‬‬
‫وهذه ل حرج في استخدامها بعد أن أجازتها هيئات الرقابة‬
‫الشرعية في تلك البنوك‪.‬‬
‫ولكن يبقى السؤال عن وضع هذه البطاقات خلارج العلالم‬
‫السلمي وفي البلد التي ل توجد فيها بنوك إسلمية ‪ :‬مللا‬
‫حكم هذه البطاقات ؟‬

‫‪277‬‬
‫والذي عليه الفتوى من أكثر علماء العصر فيما نعللم هلو ‪:‬‬
‫إجازة استخدامها للحاجة الماسللة إليهللا مللع لللزوم تسللديد‬
‫الحساب المطلوب قبل نهاية المدة الممنوحللة للله حللتى ل‬
‫تترتب عليه فوائد التأخير فيدخل في إثم مؤكل الربا‪ .‬وهو‬
‫الذي جرى عليه تعامل عامللة المسلللمين فللي بلد الغللرب‬
‫من غير نكير عليهم من أحد يعتد به‪.‬‬
‫ويشترط فيمن يستخدم هذه البطاقة أن ل يسللتخدمها إذا‬
‫لم يكن له رصيد في حسابه‪.‬‬
‫وإذا كللانت الفتللوى المعتمللدة هللي جللواز اسللتخدام هللذه‬
‫البطاقات للفراد فل مانع أن تقوم بعللض الهيئات الخيريللة‬
‫السلمية بالوكالة عن البنك بتسويق هللذه البطاقللات بيللن‬
‫متبرعيها وأن تصدر هذه البطاقللات باسللمها بحيللث تظهللر‬
‫الهيئة كأنها المصللدرة لهللذه البطاقللة مللا دامللت ل تتحمللل‬
‫الفوائد ول يترتب عليها أية مسؤولية فللي ذلللك ول تتحمللل‬
‫أي مصروفات تجاه هذا المشروع‪.‬‬
‫وستحصل الهيئة على نسبة مئوية بوصفها أرباحا ً من البنك‬
‫كلمللا اسللتعمل حامللل البطاقللة بطللاقته‪ .‬فالبنللك يسللتفيد‬
‫لنفسه ويفيد الهيئة بإعطائها نسبة معينة من ربحه‪.‬‬
‫ويشترط فيمن يسللتخدم هللذه البطاقللة أن ل يسللحب بهللا‬
‫أموال نقدية إذا لم يكن في حسللابه مللا يغطيهللا‪ ) .‬الللدورة‬
‫الولى(‬
‫العمل في محلت تبيع لحم الجنزير‬
‫السلللؤال‪ :‬أنلللا مسللللم أعملللل فلللي ملللا يعلللرف بمحلت‬
‫الماكدونالللدز وهللي محلت تلللبيع الطعمللة والملللأكولت‬
‫الخفيفة وفي الواقع فإن هذا المحللل يللبيع لحللوم الخنزيللر‬
‫وكما تعلمون فإنه ليللس مللن السللهل أن يجللد المللرء عمل‬
‫آخر يقتات منه وذللك بسللبب ضللعف المرتبللات علملا ً بللأن‬
‫لدي زوجة على وشك أن تضلع موللودا ً وأنلا الوحيللد اللذي‬
‫أعمل من أجل أن أعولها‪.‬‬
‫كذلك أود أن أشللير إلللى أن المحللل يللبيع مللأكولت أخللرى‬
‫مثللل السندوتشللات المحشللوة بللالبيض أو الللبيرجر فهللل‬
‫يتوجب علي أن أترك هذه الوظيفة وأبحث عن غيرها ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬

‫‪278‬‬
‫إن الله عز وجل حرم أكل لحم الخنزيللر بنصللوص قطعيللة‬
‫صريحة في كتابه أما بيعه فإنه مما ثبت في السنة تحريمه‬
‫فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنلله سللمع رسللول‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يقول عام الفتح وهو بمكللة‪" :‬‬
‫إن الللله حللرم بيللع الخمللر والميتللة والخنزيللر والصللنام"‪.‬‬
‫)متفق عليه البخاري رقم ‪ 2121‬ومسلم ‪(1581‬‬
‫فالصل في هذا العمل المقترن ببيع الخنزير تحريمه بنص‬
‫حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬فالواجب عليك‬
‫أن تبحث عن سبب آخر للرزق فإن لم تجللد عمل ً حلل ً ول‬
‫مصدرا ً طيبا ً لكسب رزقك فإن كان ل يضر بللك أن تطلللب‬
‫من المسللؤولين عللن العمللل أن يعفللوك مللن بيللع الخنزيللر‬
‫فيجب عليك أن تفعل ذلك أو تطلب مللن عامللل آخللر غيللر‬
‫مسلم ممن يعمل معك أن يكفيك هذا المللر وتعمللل أنللت‬
‫فيما سوى ذلك من العمال الللتي ليللس فيهللا حرمللة فللإن‬
‫تعسلر عليلك كلل ذلللك فل بلأس باسلتمرارك فللي العملل‬
‫الحالي إذا لم يكن عندك من الدخل ما يقوم بكفايتللك مللع‬
‫بذل الوسع في الحصول على عمل آخر يخلو من الحرام‪.‬‬
‫بيع الخمر الخنزير لجل كسب العملء‬
‫السؤال‪ :‬أخ مسلم قام بفتح مطعم في هذا البلللد ويطلللب‬
‫الجواب عن المسائل التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬رأى القبال على الشراء من مطعمه ضعيفا ً وذلك لنلله‬
‫ل يبيع الخمر أو المشروبات المحرمة شرعا ً فهل يجوز للله‬
‫أن يبيع الخمور أو بعض المشللروبات المحرمللة شللرعا ً ثللم‬
‫يتصدق بثمنها دون أن يمس منه شسئا ً ؟‬
‫‪ -2‬بعض الزبائن يطلبون منه أن يؤجر لهللم المحللل لعمللل‬
‫بعللض الحفلت وهللم يحضللرون معهللم الخمللور ولكنهللم ل‬
‫يسللتعملون أي أدوات مللن المطعللم وصللاحب المطعللم ل‬
‫يشاركهم في حفلتهم فهل يجوز له ذلك ؟‬
‫‪ -3‬سمعنا أن هناك نوعا ً من البير "ماء الشعير" تبللاع فللي‬
‫بعض الدول السلمية وهللي ل تحتللوي علللى الكحلول كملا‬
‫يشاع فهل يجللوز لنللا أن نشللربها ؟ وهللل يجللوز بيعهللا فللي‬
‫المطعم المذكور؟‬
‫الجواب ‪:‬‬

‫‪279‬‬
‫‪ -1‬ل يجوز له أن يبيع الخمور وما هو محرم مللن الطعمللة‬
‫أو الشربة حللتى مللع عللدم انتفللاعه بأرباحهللا وتصللدقه بهللا‬
‫ق الل ّل َ‬
‫ه‬ ‫من ي َت ّ ِ‬‫وعليه أن يتقي الله تعالى في كسب رزقه "وَ َ‬
‫ل‬‫مللن ي َت َوَك ّل ْ‬‫ب وَ َ‬‫س ُ‬ ‫ث ل َ يَ ْ‬
‫حت َ ِ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬‫خَرجا ً وَي َْرُزقْ ُ‬‫م ْ‬
‫ه َ‬‫جَعل ل ّ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫ه" ]الطلق ‪.[3-2‬‬ ‫سب ُ ُ‬‫ح ْ‬ ‫عََلى الل ّهِ فَهُوَ َ‬
‫ويعلم أن البركة في الحلل وإن قللل فللي نظللره والحللرام‬
‫ممحوق البركللة ل خيللر فيلله والمؤاخللذة عليلله باقيللة علللى‬
‫مكتسبه إل أن يغفر له الله ويرحمه‪.‬‬
‫تعليق‪:‬‬
‫قلللت‪ :‬مسللألة بيللع الخمللر لغيللر المسلللمين فللي دار غيللر‬
‫المسلمين جائزة عند أبي حنيفة وكذلك بيع الخنزير وغيره‬
‫فليراجع في هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪ -2‬ل ملانع ملن تلأجير المحلل للغلرض الملذكور وبالصلفة‬
‫المللذكورة وليللس صللاحب المحللل مسللؤول ً عمللا يفعلللونه‬
‫ضمن إجارتهم إنما هو مسؤول علن نفللس عمليلة التللأجير‬
‫فما دامت خلت من الحرام في نفسها فهي جائزة‪.‬‬
‫تعليق‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬هذا هو مذهب الشافعي خلفا ً لمالك وأحمد ‪.‬‬
‫‪ -3‬كل مشروب ل يسكر فهللو حلل فحيللث أن هللذا النللوع‬
‫من الشراب المسمى فللي السللؤال ل يسللكر لخلللوه مللن‬
‫مللادة السللكار فهللو حلل وإن سللمي باسللم قبيللح جللرت‬
‫العادة بإطلقه على المسكرات فإن العبرة بالمسللميات ل‬
‫بالسماء وما جاز شربه جاز بيعه‪ ) .‬الدورة الثانية(‬
‫مضاربة فاسدة!‬
‫السؤال ‪ :‬لي مبلغ من المللال أعطيتلله لتللاجر ليللدخله إلللى‬
‫رأس ماله كي يتاجر به فيستفيد هللو وأسللتفيد أنللا كللذلك‪.‬‬
‫وأنا والذي نفسي بيده ل أرضى بالربا ول أحبلله ومللا نللويته‬
‫وما خطر لي علللى بللال‪ .‬وقللد طلبللت مللن هللذا التللاجر أن‬
‫نتفق على نسبة في الربح والخسارة فأبى بحجللة أن ذلللك‬
‫سيشق عليلله بمعنللى أنلله سيضللطر إلللى إجللراء حسللابات‬
‫وحسابات وهو ل يريد ذلك وأنا أظن أن هناك سببا ً آخر لم‬
‫يصارحني به وهو أنه ل يريد أن يطلعني على أشياء أخللرى‬

‫‪280‬‬
‫على سبيل المثال‪ :‬كللم هللو ربحلله الحقيقللي وربمللا تكللون‬
‫هناك أسباب أخرى‪.‬‬
‫وخلصة المر‪ :‬فقد أكللد لللي هللذا التللاجر أن مللاله سلليربح‬
‫ومن أجل أن يريح نفسه مللن الحسللابات وغيللر ذلللك فقللد‬
‫قرر أن يعطيني ‪ %10‬سنويًا‪.‬‬
‫فقلت له أخشى أن يكون هذا ربا فأكلد للي أن هلذا ليلس‬
‫ربا لن المال يربح أكثر من ذلك وهو إنما يريد أن يعطيني‬
‫هذه النسبة كما ذكرت ليريح نفسلله مللن عنللاء الحسللابات‬
‫فما هو الحكم الشرعي في هذه الحال؟‬
‫بالنسبة لي إذا كان المال يربح أكثر من ‪ %10‬فأنا أسامح‬
‫هذا التاجر بما هو فوق ذلك وأرضى بل ل ‪ %10‬لنهللا أفضللل‬
‫من أن يكون المال في درج طاولتي أو فللي حسللابي فللي‬
‫البنك‪.‬‬
‫وإذا كان ربح المال أقل مللن ‪ %10‬أو أن المللال سيخسللر‬
‫فإني سأستحلف هذا التاجر بالله أن يصدقني القللول فللإن‬
‫قال لي إن المال ربح أقل من ‪ %10‬أو خسر فإني سأخذ‬
‫قدر ما ربح المال فقط بمعنى أنللي سأشللاركه الربللح وإن‬
‫كان قد خسر المال فسوف أشاركه الخسارة‪.‬‬
‫أفتوني إخواني جزاكم الله خيللرا ً فللي فعلللي هللذا هللل هللو‬
‫مطللابق للشللرع أم ل ؟ وإن كللان هللذا ل يرضللي الشللرع‬
‫فكيللف يمكننللي أن اسللتثمر مللالي بمللا يرضللى الشللرع‬
‫الحنيف؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫نيتك طيبة في حرصك علللى عللدم أخللذ الربللا لكللن العقللد‬
‫مضاربة فاسدة وذلك للجهالة في النسبة عند التفللاق لللذا‬
‫يجب تصحيح ذلك العقد بتحديد نسللبة صللريحة فللي العقللد‬
‫فإذا تعللذر عليللك تصللحيحه فل يجللوز أن تحللدده إذا انتهللت‬
‫مدته كذلك ل يجب عليك أن تستحلف شريكك على الربح‬
‫أو الخسللارة وإنمللا يكفيللك أن تطلللب منلله أن يخللبرك‬
‫بالخسارة عند وقوعها‪.‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬سوق المال ‪ ,‬وصورة طبق الصل !‬
‫د‪ .‬يوسف بن أحمد القاسم ‪18/4/1427‬‬

‫‪281‬‬
‫‪16/05/2006‬‬
‫كللم هللي القللرارات والتوصلليات الللتي تصللدرها المجللامع‬
‫الفقهية الموقرة ‪ ,‬والتي يوقع عليها عدد كبير من علمائنللا‬
‫الفاضل من شتى البلد السلمية ‪ ,‬ويشللارك فيهللا العديللد‬
‫من الباحثين ‪ ,‬والخللبراء فللي التخصصللات المختلفللة‪ ,‬ومللع‬
‫هلذا كلله يطويهلا النسليان ‪ ,‬وتحفلظ فلي مللف الحفلظ ‪,‬‬
‫ويوقع عليها بلسان الحال بالعبللارة المألوفللة‪):‬للحفللظ مللع‬
‫التحية!!( ثم توضع فللي الللرف السلليء الصلليت ! فتللذهب‬
‫كثير من تلك القللرارات والتوصلليات أدراج الريللاح ‪ ,‬وكللأن‬
‫شيئا ً لم يكن !‬
‫وهذا التجاهل من الجهات ذات الختصاص هو في الحقيقة‬
‫خطيئة من الخطايا‪ ,‬وهللو إن كللان صللغيرة مللن الصللغائر ‪,‬‬
‫فإنه مع الصللرار يصللبح كللبيرة ‪ ,‬ويعكللس حجللم اللمبللالة‬
‫تجاه ما تتخذه تلك المجامع العلمية من قرارات ‪ ,‬وربما لو‬
‫كانت في بلد غربية لكان لها شأن آخر ‪.‬‬
‫ومن تلك القرارات التي طواها النسلليان ‪ :‬القللرار الصللادر‬
‫من مجمع الفقه السلمي بشأن السللواق الماليللة‪ ,‬رقللم)‬
‫‪ ,(59‬وتاريخ)‪1410/ 8/ 23-17‬هل( في البند الثاني منه ‪,‬‬
‫ونصه‪ ):‬إن هذه السلواق الماليلة‪ -‬ملع الحاجلة إللى أصلل‬
‫فكرتها‪ -‬هي في حالتها الراهنللة ليسللت النمللوذج المحقللق‬
‫لهداف تنمية المللال واسللتثماره مللن الوجهللة السلللمية ‪.‬‬
‫وهذا الوضع يتطلب بذل جهود علمية مشتركة من الفقهاء‬
‫والقتصاديين لمراجعللة مللا تقللوم عليلله مللن أنظمللة ‪ ,‬ومللا‬
‫تعتمده من آليات وأدوات ‪ ,‬وتعديل مللا ينبغللي تعللديله فللي‬
‫ضوء مقررات الشريعة السلمية ( أهل ‪ .‬وقبل ذلك أوصى‬
‫مجمع الفقه السلمي فللي قللراره رقللم)‪ (38‬وتاريللخ)‪-18‬‬
‫‪23/6/1408‬هللل( بعللدة توصلليات‪,‬منهللا‪ ):‬إقامللة اقتصللاد‬
‫إسلمي‪ ,‬ل شرقي ول غربي ‪ ,‬بل اقتصاد إسلمي خالص ‪,‬‬
‫مع إقامة سوق إسلمية مشتركة ‪ (....‬أهل ‪.‬‬
‫لقد أدرك علماؤنللا الفاضللل بللأن أسللواقنا الماليللة ل تفللي‬
‫بمتطلباتنا‪,‬ول تتفق مع قيمنا السلللمية ؛ لنهللا فللي أصلللها‬
‫نموذج غربي قائم على مفهوم الربا والقمار‪,‬ولهذا ل يصللح‬
‫أن نقلوم بعمليلة استنسلاخ للذلك النملوذج الغربلي ‪ ,‬دون‬

‫‪282‬‬
‫إعادة هيكلته ‪ ,‬وتعديل أنظمته بما يتفق مع شريعتنا الغراء‬
‫‪ ,‬والمشكلة أننا نحن العرب والمسلللمين قللد تعودنللا علللى‬
‫علدم الخلروج علن مسلار ونملط الجنلبي ‪ ,‬حلتى أصلبحنا‬
‫صورة طبق الصل له في كثير من سلوكنا‪.‬‬
‫وتعاملتنا ‪ ,‬ولو كان ذاك الجنبي ل يتفق مع مبادئنا وقيمنا‬
‫‪ ,‬ولهذا صدق فينا قول نبينا صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬حللتى‬
‫لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه!" وما أضيق جحللر الضللب ‪,‬‬
‫وما أوحشه و أوعر مسالكه !!‬
‫ومتى يأتي اليوم الذي نؤمن فيلله بثرواتنللا ومقللدراتنا ‪ ,‬بللل‬
‫وبعقولنا ‪ ,‬حتى نكف عن مد يللد السللؤال ‪ ,‬فل نشللحذ مللن‬
‫غيرنللا النظللم الماليللة والقتصللادية ‪ ,‬كمللا نشللحذ منهللم‬
‫الخردوات ‪ ,‬وأدوات الزينة !‬
‫ولم ل نعيد النظر في واقع أسواقنا‪ ,‬ونرجع البصللر كرتيللن‬
‫فللي أنظمتهللا وقوانينهللا ‪ ,‬فنعيللد صللياغتها بمللا يزيللل عنهللا‬
‫المشتبهات من المكاسب ‪ ,‬وبما يحصللنها مللن وقللوع مثللل‬
‫هذه النهيارات المالية التي عصفت باقتصادنا‪ ,‬وبمدخرات‬
‫من هم من جلدتنا‪ ,‬والتي سللرعان مللا تلشللت فللي أيللام ‪,‬‬
‫وربما في ساعات ‪ ,‬حتى رجلع أكللثر مللن مليلوني ملواطن‬
‫بخفي حنين ‪.‬‬
‫وكم هي السواق التي انهللارت بيللن عشللية وضللحاها فللي‬
‫طول العالم وعرضه ‪ ,‬وأبلغ شاهد على هذا‪ ,‬مللا وقللع فللي‬
‫السواق المالية لدول النمور السلليوية ‪ ,‬حيللث أدى حمللى‬
‫المضللاربات إلللى انهيللار البورصللة ‪ ,‬وقللد تللولى كبرهللا‬
‫الملياردير جورج سورس ‪ ,‬الذي قلام بعمليلة بيللع جمللاعي‬
‫لستثماراته مما ترتب عليه انخفاض حاد في قيمة الصول‬
‫‪ ,‬ثم عاد واشترى فللي اليللوم التللالي بالسللعر المنخفللض ‪,‬‬
‫فتحسنت السعار ‪ ,‬ثم قام بعملية بيع أخللرى ‪ ,‬ممللا ترتللب‬
‫عليه تأكيد النهيار ‪ ,‬حتى قال رئيس وزراء ماليزيا مقللولته‬
‫الشهيرة‪ ":‬أصبحنا فقللراء بفعللل المضللاربة فللي العملت ‪,‬‬
‫أخذت منا ما يقارب )‪ (%60‬من ثروتنا الوطنية ! " وهكذا‬
‫سائر أسواق السهم والمال ‪ ,‬يكون مصلليرها‪,‬بللل ومصللير‬
‫اقتصاد الدولة أحيانًا‪,‬مرهونا ً بنظام ل يدعم الستثمار بقدر‬
‫ما يزيد من حمى المضاربات الثمة التي يمارسها مصاصو‬

‫‪283‬‬
‫الملللوال واللللدماء ‪ ,‬مملللن يملكلللون الملللوال الطائللللة‪,‬‬
‫ويفتقدون أدنى مقومات الخلق الفاضلة‪ ,‬وقد شهد شاهد‬
‫من أهلها‪ ,‬حين صرح مدير الصللندوق الللدولي عقللب أزمللة‬
‫سللوق المكسلليك عللام )‪1995‬م( فقللال وهللو يعالللج هللذه‬
‫الزمة‪ ":‬العللالم فللي قبضللة هللؤلء الصللبيان" مشلليرا ً إلللى‬
‫المضاربين‪ ,‬وذكر بأنهم صبيان لصغر سنهم فللي الغللالب !‬
‫وهذا هو عين ما وقللع فللي سللوقنا المحليللة ‪ ,‬حيللث أصللبح‬
‫السلوق فلي قبضلة أصلحاب الملوال الطائللة ‪ ,‬والضلحية‬
‫مليونان أو أكثر ! فهل يوثق في سوق يتحكم فيلله أفللراد ‪,‬‬
‫ويكون الضحايا فيه بالمليين ؟! وهل يقر شللرعنا الحنيللف‬
‫الذي جاء بدرء المفاسد الراجحة وبسد الللذرائع مثللل هللذا‬
‫النللوع مللن السللواق الللذي أثبللت الواقللع بأنهللا ل تسللتطيع‬
‫السيطرة على مجموعللة مللن التعللاملت المحرمللة ‪ ,‬كللبيع‬
‫الغرر‪ ,‬و النجش ‪ ,‬وغيرهما ؟‬
‫وإذا كلانت شلريعتنا السللمية السللمحة قلد منعللت بعلض‬
‫البيوع التي ل يطال ضررها إل شخص البللائع أو المشللتري‬
‫فقط ‪ ,‬كبيع حبل الحبلة ‪ ,‬وبيع الحمل في البطللن ‪ ,‬واللبللن‬
‫فللي الضللرع ‪ ,‬وبيللع مللا ل يقللدر علللى تسللليمه ‪ ,‬كللالبق‬
‫والشارد ‪ ,‬وبيع الرجل على بيع أخيه ‪ ,‬والسوم على سومه‬
‫‪ ,‬إذا كانت هذه الللبيوع ونحوهللا قللد حرمهللا الشللارع‪,‬ومنللع‬
‫منها‪ ,‬مع أن أثرهللا ل يتعللدى شللخص البللائع أو المشللتري ‪,‬‬
‫فما الظن إذا ً بسوق يعصف بللالمليين فللي غمضللة عيللن ‪,‬‬
‫ولهذا ينبغللي أن تفعّللل قللرارات المجللامع العلميللة بإنشللاء‬
‫سللوق ل يتحكللم فيلله أفللراد ‪ ,‬ويكللون الهللدف منلله دعللم‬
‫الستثمار والقتصاد على مسللتوى الفللرد والدولللة‪ ,‬ووضللع‬
‫الضمانات الكافية لمنع أسلوب حمى المضاربات الللتي مللا‬
‫إن تطل برأسها في سوق ما إل ويكللون نللذيرا ً بانهيارهللا ‪,‬‬
‫وأن يؤخللذ ببعللض المقترحللات الللتي مللن شللأنها أن تللدفع‬
‫الشركات نحو الستثمار ‪ ,‬ل أن تدفعها باتجاه المضللاربات‬
‫التي ل تسمن ول تغني من جلوع ‪ ,‬وملن تللك المقترحلات‬
‫الجديرة بالنظر ‪ ,‬والتي ذكرها أحد خللبراء القتصللاد ) فللي‬
‫مجلة اقتصاديات في عددها الرابع والعشرين(وهي كفيلة‪-‬‬
‫بإذن الله‪ -‬بتنشيط الستثمار‪,‬وعلج حمى المضاربات ‪:‬‬

‫‪284‬‬
‫‪ -1‬أن يتم تحديد سعر السهم على أساس القيمة الدفترية‬
‫للسلهم مضلافا ً إليهلا نسلبة مئويلة عللى القيملة الدفتريلة‬
‫للسللهم ‪ ,‬وتحللدد هللذه النسللبة وفقللا ً لمؤشللرات ربحيللة‬
‫الشركة في الماضي والحاضلر ‪ ,‬وتتغيلر هلذه النسلبة كلل‬
‫أربعللة أشللهر ‪ ,‬وفق لا ً للبيانللات والمعلومللات عللن الشللركة‬
‫نفسللها وعللن القطللاع القتصللادي الللذي تنتمللي إليلله هللذه‬
‫الشركة‪ ,‬وتتولى هيئة السوق المالي تحديد هذه النسبة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يتم تحديد مللدة زمنيللة بيللن حركللة الللبيع والشللراء ‪,‬‬
‫بحيلث يمنلع بيلع السلهم إل بعلد ملرور هلذه الفلترة لمنلع‬
‫)حمى( المضاربة فللي السللهم ‪ ,‬ومللن أجللل العمللل علللى‬
‫استقرار السوق المالي ‪.‬‬
‫وبهللذه المقترحللات ونحوهللا ‪ ,‬تسللعى جميللع الشللركات‬
‫المساهمة إلللى تفعيللل اسللتثماراتها ودفعهللا نحللو المللام ‪,‬‬
‫ونقطع الطريق على العبث بالموال في مضاربات وهميللة‬
‫تدفع بالناس نحو النهيار والفلس‬
‫==========‬
‫‪#‬نهاية التاريخ أم نهاية الرأسمالية ؟‬
‫إدريس الكنبوري* ‪18/8/1423‬‬
‫‪24/10/2002‬‬
‫قبل عشر سنوات خرج )فرانسلليس فوكويامللا( ‪ -‬اليابللاني‬
‫الصل المريكي الجنسللية‪ -‬ليبشللر العللالم بنظريللة جديللدة‬
‫تقول بنهاية التاريخ‪ ،‬زعم فيها أن النظللام الرأسللمالي هللو‬
‫أرقى ما أنتجته البشرية في تاريخهللا ‪ ،‬وأن الليبراليللة هللي‬
‫النموذج النساني الذي بإمكانه تحقيق السللعادة للبشللرية‪،‬‬
‫وتحقيق مجتمع الرفاه‪ ،‬وبالتللالي فلللم يعللد أمللام البشللرية‬
‫سوى تبجيل هللذا النمللوذج ‪ ،‬والسللعي إلللى النخللراط فللي‬
‫مركبه قبل فوات الوان‪.‬‬
‫وقللد قللوبلت نظريتلله بعللدة انتقللادات مللن مفكريللن كللثر‪،‬‬
‫اتهموه بضيق الفق والجهل بصيرورة التاريخ‪ ،‬وبعض هللذه‬
‫ب علللى تبيللان علللل الرأسللمالية الحديثللة ‪-‬‬ ‫النتقادات انص ّ‬
‫خاصللة المريكيللة‪ -‬والنتللائج الكارثيللة الللتي تولللدها فللي‬
‫المجتمعللات‪ ،‬وبيللن المجتمعللات المختلفللة‪ ،‬وكيللف أنهللا‬
‫تتأسللس علللى مبللدأ الصللراع مللن أجللل الربللح والطبقيللة‬

‫‪285‬‬
‫والتفاوت بين مختلللف فئات المجتمللع والتهميللش وسللحق‬
‫الفقراء‪ ،‬وخلصت هذه النتقادات إلى أن الرأسللمالية فللي‬
‫نمطها المريكي المتوحش لن يكون بمقللدورها أن تعيللش‬
‫طللويل ً أمللام التحللديات القتصللادية الدوليللة المتمثلللة –‬
‫بالخصوص‪ -‬في اليابان وأوروبا التي تتجمع في بيت واحد‪،‬‬
‫والتي ستشكل تحدًيا حقيقًيا للنموذج القتصادي المريكللي‬
‫‪.‬‬
‫لكللن الللذي حللدث بعللد عشللر سللنوات مللن تلللك النظريللة‬
‫المتفائلة ‪،‬أن الرأسمالية المريكية بدأت تتآكل من داخلها‪،‬‬
‫وأخذ النهيار يدب في أوصالها بعد تلحق سللقوط كبريللات‬
‫الشركات التي ينهض عليها القتصللاد المريكللي الحللديث ‪،‬‬
‫فبعد انهيار شركة "انرون" العملقة للطاقللة فللي )دجنللبر(‬
‫من العلام الماضلي‪ ،‬وقبلهلا شلركة الكهربلاء الكاليفورنيلة‬
‫الضخمة فللي أبريللل ‪ ،2000‬هللا هللي شللركة "وورلللدكوم"‬
‫للتصللالت اللكترونيللة تلتحللق هللي الخللرى بمسلسللل‬
‫النهيارات‪ ،‬ليدخل القتصللاد المريكللي أزمللة ل سللابق لهللا‬
‫مللا وأعمللق تللأثيًرا مللن‬
‫في تاريخ الرأسمالية‪ ،‬تعد أكللبر حج ً‬
‫أزمة الثلثينات من القرن الماضي‪.‬‬
‫مرض الرأسمالية المريكية‬
‫إن هذا السقوط المريع والمتلحق له عدة دللت‪ ،‬بعضللها‬
‫اقتصلادي ولكلن الكلثير منهلا ثقلافي وأخلقلي؛ لن نظلام‬
‫الرأسمالية ليس مبنيا على مجللرد معللادلت اقتصللادية بللل‬
‫على فلسفة معينة تعطيه ماهيته ‪ ،‬لقد جلاء إفلس شلركة‬
‫"انرون" نتيجة عملية اختلس كبيرة قدرت بأزيللد مللن ‪20‬‬
‫مليللار دولر ‪ ،‬بينمللا انهللارت شللركة "وورلللدكوم" بسللبب‬
‫عملية تزوير في الحسللابات لفللائدة بعللض المللديرين قللدر‬
‫مبلغها بحوالي ‪ 38‬مليار دولر‪ ،‬أي أن وراء النهيللار قضللية‬
‫اسمها )الفساد المالي(‪ ،‬وهي ظاهرة أصللبحت جللزًءا مللن‬
‫المنظومللة الرأسللمالية الللتي تنبنللي علللى تقللديس الربللح‬
‫واقتنلللاص فلللرص الحلللظ بلللأي ثملللن‪ ،‬وعللللى الجشلللع‬
‫والسمسرة ‪.‬‬
‫لقللد أكللدت السللنوات الخيللرة أن مسلسللل الفسللاد فللي‬
‫الوليات المتحدة المريكية تحول إلى مكللون عضلوي فللي‬

‫‪286‬‬
‫القتصاد والسياسة المريكييللن ‪ .‬وتؤكللد مختلللف التقللارير‬
‫حول أحوال القتصاد المريكي ما بعد حوادث ‪ 11‬سللبتمبر‬
‫‪ 2001‬أنه يتجله نحلو النحلدار ‪ ،‬ملا يلدل عللى أن تصلعيد‬
‫العدوان المريكي عبر العالم بعد تلك الحوادث‪ ،‬بشكل لم‬
‫يسللبق للله مثيللل‪ ،‬يرمللي إلللى تصللدير الزمللات الداخليللة‬
‫وإشللغال الللرأي العللام عللن واقللع النهيللارات القتصللادية‬
‫والختلسات المالية‪ ،‬بمثل ما يكشف عن التقللاء المصللالح‬
‫بين الرئاسة المريكية وكبريللات الشللركات المتنفللذة فللي‬
‫التوسع الخارجي والبحث عن منافذ جديدة للثروة ‪.‬‬
‫ليس هذا الكلم من عندي‪ ،‬لكنلله رؤيللة تحليليللة لمللا صللدر‬
‫فللي المللدة الخيللرة عللن أكللثر مللن جهللة داخللل الوليللات‬
‫المتحدة نفسللها‪ ،‬ويؤكللد أن حلقللة " الغنيللاء الجللدد " بعللد‬
‫تفجيرات ‪ 11‬سبتمبر بدأت تضيق أكللثر‪ ،‬لفللائدة بللوش ذي‬
‫الماضللي التجللاري الغللامض ومعللاونيه‪ ،‬ومجموعللة مللن‬
‫الشركات الكبرى ‪ ،‬فقللد أوضللح اسللتطلع للللرأي أجرتلله "‬
‫نيويورك تايمز " و " سي بللي إس نيللوز" فللي شللهر يوليللو‬
‫الماضي وجود قلق لدى المريكيين مللن الفضللائح الماليللة‬
‫الضخمة التي يتكون أبطالها من مديري الشركات ‪ ،‬وعَّبللر‬
‫أكثر مللن نصللف المسللتجوبين عللن اعتقللادهم بللأن الدارة‬
‫المريكية لها مصلحة في حماية الشركات الكللبرى ‪ ،‬أكللثر‬
‫من حماية مصالح المواطنين المريكيين‪ ،‬وقال ثلثللا الللذين‬
‫شاركوا في الستجواب أن الشركات الكبرى تملللك نفللو ً‬
‫ذا‬
‫قوًيا على إدارة جللورج بللوش البللن والحللزب الجمهللوري‪،‬‬
‫وخلللص السللتطلع إلللى أن المريكييللن يعللدون الوضللع‬
‫القتصادي الحالي السوأ منذ عام ‪ ، 1994‬أثناء عهد )بيللل‬
‫كلينتللون( الللذي أزكمللت رائحللة فضللائحه الخلقيللة أنللوف‬
‫المريكيين ‪.‬‬
‫هللذه النتللائج الللتي كشللفها اسللتطلع أجللري فللي أوسللاط‬
‫المواطنين المريكيين العللاديين ‪ ،‬كشللف مللثيل لهللا تقريللر‬
‫متخصص أعده ‪190‬خبيًرا ومسؤول ً حكومي ًللا ‪ ،‬وظهللر فللي‬
‫المدة نفسها التي ظهرت فيها نتائج الستجواب المذكور ‪،‬‬
‫أي شهر يوليو الماضي ‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫التقريللر أعللده أحللد مراكللز البحللوث التابعللة للكللونجرس‬
‫المريكي ‪ ،‬وورد فيلله أن معللدل الفسللاد فللي عهللد الدارة‬
‫المريكية الحالية ارتفع بوثيرة غير مسبوقة بلغت ‪، %35‬‬
‫وأن الشهر القليلللة الماضللية شللهدت تقللديم ‪ 2130‬حالللة‬
‫فساد إلى المحاكم والجهات المختصة بالنظر فللي حللالت‬
‫الفساد الحكومي‪ ،‬وجرى التحقيق مللع مسللؤولي ومللديري‬
‫‪ 64‬شركة اقتصادية أمريكيلة ‪ ،‬وأكللثر ملن مئتلي مسلؤول‬
‫عن مؤسسة حكومية أمريكية ‪ ،‬وكان موضللوع التحقيقللات‬
‫الحصللول علللى رشللاوي وأمللوال‪ ،‬وتيسللير الحصللول علللى‬
‫خدمات مقابل التنازل عن تطبيق القوانين‪.‬‬
‫التقرير إياه يتوقع حدوث انهيار اقتصادي في أمريكللا خلل‬
‫العشللر سللنوات المقبلللة ‪ ،‬ويلحللظ ازديللاد الفللارق بيللن‬
‫القتصاد المريكي والقتصاديات الخرى‪ ،‬بحيث وصل هللذا‬
‫الفارق )نسبة ‪ 1‬إلى ‪ (4‬لصالح القتصللاد الوروبللي ‪ ،‬و )‪1‬‬
‫إلى ‪ (2‬لصللالح القتصللاد اليابللاني ‪ ،‬ويخلللص التقريللر إلللى‬
‫خلصة مدوية ‪ :‬القتصللاد المريكللي سلليدخل أزمللة فعليللة‬
‫تنتهي بتآكله ! ‪.‬‬
‫نهاية التفرد المريكي‬
‫بعللض المحلليللن الغربييللن ‪ -‬مللن طينللة فوكويامللا نفسلله‪-‬‬
‫ينظرون إلى الزمة الحالية في القتصاد المريكي بوصفها‬
‫واحللدة مللن الزمللات الدوريللة الطبيعيللة فللي القتصللاد‬
‫الرأسمالي الحديث الللذي مللا يلبللث أن ينهللض ‪ ،‬ومللن ثللم‬
‫فهي أزمة طبيعية سيتم تجاوزها ‪.‬‬
‫ومثللل هللؤلء ينسللون العلقللة الرابطللة بيللن الزمللات فللي‬
‫القتصللاد الرأسللمالي وبيللن اشللتعال الزمللات العالميللة ‪،‬‬
‫وذلك الترابط السببي بين النتعللاش الرأسللمالي مللن بعللد‬
‫الزمة‪ ،‬وبين الزمات في مختلف بقاع العالم‪.‬‬
‫لقلللد حقلللق القتصلللاد الوروبلللي فلللي القرنيلللن الثلللامن‬
‫عشروالتاسللع عشللر قمللة الللتراكم الرأسللمالي؛ بسللبب‬
‫التوسع السللتعماري فللي آسلليا وأفريقيللا‪ ،‬وقفللز القتصللاد‬
‫المريكللي بعيللد الحللرب العالميللة الثانيللة؛ بسللبب انهيللار‬
‫القتصاد الوروبي الناتج عن مخلفللات الحللرب‪ .‬مللن أجللل‬

‫‪288‬‬
‫ذلللك ‪ ،‬كللان العامللل الخللارجي عللامل ً رئي ً‬
‫سللا فللي إنعللاش‬
‫القتصاد الرأسمالي )وتزييت مفاصله(‪.‬‬
‫لكن الزمات العالمية الحالية ‪ -‬ما بعد مرحلللة ‪11‬سللبتمبر‬
‫‪ ، - 2001‬هي برؤية الكثير من المحللين‪ ،‬أكبر مللن قللدرة‬
‫الوليات المتحدة على احتوائهللا‪ .‬فقللد ارتضللت لنفسللها أن‬
‫تلعب أكثر من دور مع أكثر من طرف‪ ،‬وأثبتت قدرة فائقة‬
‫على خلق العداء وتوسيع الجسور بينها وبين ‪-‬حتى أولئك‪-‬‬
‫الذين أوهمتهم بالقيام بدور الحلفاء الطللبيعيين‪ ،‬وعرضللتها‬
‫هللذه السياسللات الملتويللة لنتقللادات أوروبيللة واسللعة‪،‬‬
‫مرشحة للتحول إلى ردود فعل قوية في التي من اليام‪.‬‬
‫لقد انسحبت أمريكا من اتفاقيللة )كيوت ّللو( حللول الحللد مللن‬
‫جا مغللايًرا للسياسللة هللو تحريللر‬ ‫التلوث البيئي‪ ،‬واتخذت نه ً‬
‫التجارة تبعا لمبادئ منظمة التجارة العالمية‪ ،‬حيللث سللعت‬
‫إلللى حمايللة منتجاتهللا الزراعيللة‪ ،‬وفرضللت ضللرائب علللى‬
‫الحديد والصلب المستورد‪ ،‬هذا بالضافة إلى الوجه البشع‬
‫الذي ظهرت به في مللؤتمر )دربللان( حللول العنصللرية فللي‬
‫العام الماضللي بانحيازهللا السللافر إلللى إسللرائيل‪ ،‬ودعمهللا‬
‫المستمر المفضللوح للجللرائم السللرائيلية فللي فلسللطين‪،‬‬
‫وإغلق البلاب أملام أوروبلا لمنعهلا مللن لعلب أي دور فللي‬
‫منطقة الشرق الوسط‪ ،‬وفي كل هذه المحطات وغيرهللا‪،‬‬
‫كشفت الوليات المتحللدة عللن أنهللا دولللة دون مشللروعية‬
‫أخلقية‪ ،‬تريد استثمار لحظة التفرد العالمي الراهن للقيام‬
‫بدور إمبراطوري يريد كسللر التوازنللات العالميللة لصللالحه‪،‬‬
‫على حساب مصالح الخرين‪.‬‬
‫لعل الكثيرين نسوا‪ -‬في غمرة التطورات المتسللارعة فللي‬
‫العلالم – شلليئا كلان اسلمه نظريلة نهايللة التاريلخ‪ ،‬وهلؤلء‬
‫عليهللم أن يسللتعيدوها‪ ،‬فللي ضللوء الترنللح المريكللي‪ ،‬بعللد‬
‫عشر سنوات من قصيدة المللدح تلللك ! ‪ *.‬مراسللل موقللع‬
‫السلم اليوم ‪ -‬الرباط‬
‫==============‬
‫‪#‬تعقيب على فتوى "شراء البيوت بالقرض‬
‫الربوي"‬
‫د‪ .‬سامي بن إبراهيم السويلم ‪22/5/1423‬‬

‫‪289‬‬
‫‪01/08/2002‬‬
‫كثيرة هي الفتاوى التي تردنا عللن موضللوع شللراء الللبيوت‬
‫عن طريق القرض الربوي حيث انتشر هذا المر في بعض‬
‫البلللدان ‪ ،‬ولهميللة هللذا الموضللوع فقللد نشللرنا فللي وقللت‬
‫سابق فتوى بعنوان شراء البيوت بالقرض الربوي لفضلليلة‬
‫الشيخ الدكتور سامي السويلم والتي تقضللي بتحريللم هللذا‬
‫النوع من المعاملت‪،،‬‬
‫إل أنه وردنا تعقيب على هذه الفتوى من أحد زوار النافذة‬
‫‪ ،‬وقللد عللرض هللذا التعقيللب علللى فضلليلة الشلليخ فتكللرم‬
‫بالتوضيح والبيان‪...‬‬
‫التعقيب‪:‬‬
‫أود أن أبدي بعض الملحظات حول فتوى حرمة القتراض‬
‫من البنوك لجل شراء البيوت ‪ ،‬وهي ملحظللات تلجلجللت‬
‫في صدري كثيرا ‪ ،‬وكنت أتساءل بداية قائل مللن المعلللوم‬
‫أن التمر بالتمر يجري فيه الربا ‪ ،‬ول بللد للله مللن شللرطين‬
‫الول التقللابض ‪ ،‬والمثليللة ‪ ،‬ومللع أن الربللا ذنبلله عظيللم‬
‫وخطره جسيم ‪ ،‬إل أن نجد في الشريعة إباحة بيع العرايللا‬
‫وحقيقته أنه ربا ‪ ،‬أبيح لحاجة الناس إلى التفكه بللالرطب ‪،‬‬
‫وهذا حكللم معللروف لللديكم ‪ ،‬فقلللت فللي نفسللي متسللائل‬
‫النبي صلى الله عليه يبيح الربا لحاجة يمكن أن يقللال إنهللا‬
‫نوع من الترفيه ‪ ،‬فكيف بنا اليوم نحللرم القللتراض بفللائدة‬
‫من أجل شراء بيللت ومعلللوم أن الللبيت بالنسللبة للنسللان‬
‫الواجد لمن يؤجره من الحاجات العظيمة ‪ ،‬هذا من جللانب‬
‫من جانب آخر وجدت العلماء قد اتفقللوا علللى الضللرورات‬
‫تبيللح المحظللورات وصللحيح أن شللراء الللبيوت ليللس مللن‬
‫الضرورات لكنهم في المقابل أيضا ً قالوا إن الحاجة تنللزل‬
‫منزلة الضرورة ‪ ،‬هذا بعض ما تلجلج في نفسي حيال هذه‬
‫القضية وثمة أمر أود لو استجاب له المفتون وهو التخلللي‬
‫عن الخلط بين لغتي الوعظ والفتوى ‪ ،‬حتى تحرر المسألة‬
‫تحريرا علميا أما أن يقول المفتي إن هذه المسألة لتحتاج‬
‫إلى فتوى ول سيما أنه قد أفتى بها علماء آخرون هلو نلوع‬
‫من المصادرة التي ل تنبغي وشكرا وجزاكم الله خيرا‪.‬‬
‫*****‬

‫‪290‬‬
‫التوضيح‪:‬‬
‫‪ .1‬أمللا مسللألة العرايللا فهللي أول ً مقيللدة بمللا دون خمسللة‬
‫أوسق‪ ،‬وثانيا ً هي استثناء من ربللا الفضللل وليللس مللن ربللا‬
‫النسيئة‪ .‬وبحسب اطلعنا لم ينقل في السللنة أي اسللتثناء‬
‫من ربا النسيئة في الموال الربوية‪ ،‬وهي المنصوص عليها‬
‫في حللديث عبللادة بللن الصللامت رضللي الللله عنلله مسلللم)‬
‫‪ .(1587‬إذا تقرر ذلك فربا الفضللل حللرم لحكللم متعللددة‪،‬‬
‫منها كونه ذريعة لربللا النسليئة‪ ،‬كملا ذكللر ذللك ابلن القيللم‬
‫رحمه الله‪ .‬وما حرم سدا ً للذريعة أبيح للحاجة‪ .‬يقللول ابللن‬
‫القيم رحمه الله‪" :‬وما أبيللح سللدا ً للذريعلة أبيللح للمصلللحة‬
‫الراجحة‪ ،‬كما أبيحت العرايا من ربا الفضللل‪ ،‬وكمللا أبيحللت‬
‫ذوات السباب من الصلة بعد الفجر والعصللر‪ ،‬وكمللا أبيللح‬
‫النظر للخاطب والشللاهد والطللبيب ‪) "...‬إعلم المللوقعين‬
‫‪.(2/161‬‬
‫أما ربا النسيئة فهو محللرم تحريللم المقاصللد‪ ،‬ولللذلك قللال‬
‫صلللى الللله عليلله وسلللم‪" :‬إنمللا الربللا فللي النسلليئة" رواه‬
‫البخللاري)‪،(2179‬مسلللم)‪ (1596‬واللفللظ للله‪ .‬فل يصللح‬
‫قيللاس مللا حللرم تحريللم المقاصللد علللى مللا حللرم تحريللم‬
‫الوسائل‪ ،‬لنه قياس مع الفارق المؤثر‪.‬‬
‫ولو أبيح ربا النسيئة لشراء البيوت‪ ،‬مللا الللذي يمنللع إبللاحته‬
‫لشراء السيارات‪ ،‬وهي أيضا ً في حللق كللثيرين مللن النللاس‬
‫حاجة تنزل منزلة الضرورة‪ ،‬وما الذي يمنع إبللاحته للللزواج‬
‫ابتداء‪ ،‬وهو أهم من المنزل ومن السيارة؟ وما الذي يمنللع‬
‫إباحته لتمويل التنمية وإنشاء المرافق الضرورية كالكهرباء‬
‫والماء والهاتف وبناء المدن‪ ،‬وهي حاجللة عامللة أولللى بللأن‬
‫تنزل منزلللة الضللرورة مللن الحاجللة الخاصللة؟ ثللم ل تللزال‬
‫الحاجللات تتللوالى‪ ،‬ول يوجللد مرجللع للنللاس يحللدد مللا هللي‬
‫الحاجة المستثناة من غير المسللتثناة‪ ،‬والنتيجللة فللي نهايللة‬
‫المر هي اسللتفحال الربللا فللي القتصللاد‪ ،‬وتفللاقم الفللوائد‬
‫عليلله‪ ،‬حلتى تصللبح ثلروات المجتمللع رهنلا ً للمرابيلن علللى‬
‫حساب الجيللال القادمللة‪ ،‬وحللتى يصللبح الصللل فللي الربللا‬
‫الحل وليس المنع‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫‪ .2‬وأما ما اعتبره الخ الكريم خلطا ً بين الوعظ والفتللوى‪،‬‬
‫فهللذه هللي طريقللة القللرآن‪ .‬فللإذا تتبعللت القللرآن‪ ،‬وجللدت‬
‫فتاواه تجمع بين بيللان الحكللم وبيللن الللوعظ‪ .‬قللال تعللالى‪:‬‬
‫"يسألونك عللن الهلللة‪ .‬قللل هللي مللواقيت للنللاس والحللج‪.‬‬
‫وليس البر بأن تأتوا البيوت مللن ظهورهللا ولكللن الللبر مللن‬
‫اتقللى وأتللوا الللبيوت مللن أبوابهللا واتقللوا الللله لعلكللم‬
‫تفلحللون"]البقللرة‪ .[189:‬وقللال تعللالى‪" :‬يسللألونك عللن‬
‫المحيض‪ .‬قل هو أذى فلاعتزلوا النسلاء فلي المحيلض‪ ،‬ول‬
‫تقربوهن حللتى يطهللرن‪ ،‬فللإذا تطهللرن فللأتوهن ملن حيللث‬
‫أمركللم الللله إن الللله يحللب التللوابين ويحللب المتطهريللن‪.‬‬
‫نسللاؤكم حللرث لكللم فللأتوا حرثكللم أنللى شللئتم وقللدموا‬
‫لنفسلللكم واتقلللوا اللللله واعلملللوا أنكلللم ملقلللوه وبشلللر‬
‫المللؤمنين"]البقللرة‪،222:‬لل ‪ .[223‬فهللذه فتللاوى اقللترنت‬
‫بالمر بالتقوى والستعداد للخرة‪ ،‬وهذا من الللوعظ الللذي‬
‫أمر الله به‪.‬‬
‫وأما في موضوع الربا‪ ،‬فآيات الربا هللي الللتي حللذرت مللن‬
‫الحرب على الله ورسلوله لبيلان شلدة حرملة هلذا الملر‪.‬‬
‫فهي جمعت بين بيان الحكم وبين التخويف والتهديد‪.‬‬
‫‪ .3‬أمللا اعللتراض الخ الكريللم علللى عبللارة "ل تحتللاج إلللى‬
‫فتوى" وأنها نوع من المصادرة لفتاوى علمللاء آخريللن‪ ،‬فل‬
‫ريب أن حرمة الربا مما ل يحتاج إلى فتللوى مللع النصللوص‬
‫الصريحة الصحيحة الجلية وإجماع المة عليهللا‪ ،‬إل إذا كللان‬
‫المقصود هو بيللان معللاني هللذه النصللوص والتأكيللد عليهللا‪.‬‬
‫وأما فتوى بعض أهل العلم بجللواز القللتراض بربللا لشللراء‬
‫المنازل لمن يقيللم فللي الغللرب‪ ،‬فقللد أشللير إلللى أن ذلللك‬
‫محمول علللى حللال الضللطرار‪ .‬فالفتللاوى ليسللت متعلقللة‬
‫بحكم الربا‪ ،‬بل المة مجمعة على حرمته‪ ،‬ومن يقول الربا‬
‫حلل فقللد خللالف المعلللوم مللن الللدين بالضللرورة‪ ،‬لكنهللا‬
‫متعلقة بحالت خاصة قد يرى المفللتي أنهللا مللن الضللرورة‬
‫التي تبيح المحرمات‪ ،‬ويرى غيره خلف ذلك‪ .‬لكلن الصلل‬
‫متفق عليه بين الجميع‪.‬‬
‫والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫=============‬

‫‪292‬‬
‫‪#‬الفقه والتجديد‬
‫د‪ .‬عبد الرحمن بن أحمللد الجرعللي جامعللة الملللك خالللد –‬
‫أبها المملكة العربية السعودية ‪14/3/1423‬‬
‫‪26/05/2002‬‬
‫المقدمة‬
‫الحمد لله رب العللالمين‪ ،‬والصلللة والسلللم علللى أشللرف‬
‫النبياء والمرسلين‪ ،‬نبينا محمد صلى الله عليلله وعلللى آللله‬
‫وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فهذا بحث عللن الفقلله والتجديللد‪ ،‬حللاولت فيلله أن‬
‫أشللير إلللى معللالم هللذا الموضللوع باعتبللاره مللن أهللم‬
‫الموضللوعات الللتي تشللغل بللال الفقيلله المسلللم فللي هللذا‬
‫العصللر‪ ،‬ولقللد انقسللم النللاس حيللال هللذا الموضللوع إلللى‬
‫طرفين ووسط‪ ،‬قسم رأى البقاء على القللديم‪ ،‬واسللتراب‬
‫من كل جديد وتجديد‪ ،‬وقسلم فتلح البلاب علللى مصلراعيه‬
‫لكل تجديد حتى وإن كان فللي الثللوابت والصللول‪ ،‬وقسللم‬
‫رزقلله الللله أصللابة الوسللط فأصللاب الحللق وقبللل التجديللد‬
‫بالضوابط الشرعية‪ ،‬وسد ّ الباب على التفريط والفراط‪.‬‬
‫وأنا أعلم أن الكتابات في هذا المجال كثيرة‪ ،‬ولكن أحببت‬
‫أن أسهم في إيضاح المعللالم البللارزة لهللذه القضللية الللتي‬
‫ربما تتناثر أجزاؤها فللي كتللب وأبحللاث متفرقللة‪ ،‬بالضللافة‬
‫إلى التنبيه على قضايا تهم الفقيه المتصدي للتجديد‪.‬‬
‫وقد كانت خطة هذا البحث على النحو التالي‪:‬‬
‫التمهيد ‪ :‬ويشتمل على المطالب التية‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬تعريف الفقه لغة واصطلحًا‪.‬‬
‫المطلللب الثللاني‪ :‬تعريللف التجديللد لغللة‪ ،‬وبيللان المقصللود‬
‫بتجديد الفقه‪ ،‬وبيان أن التجديد سنة ماضية‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬خصائص الشريعة‪ ،‬وتشمل )‪ (1‬الربانية )‬
‫‪ (2‬الوسطية والعتدال )‪ (3‬الشمول )‪ (4‬الثبات والمرونة‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬عدم منافاة التجديد للصالة‪.‬‬
‫المبحث الول‪:‬مجالت التجديد ويشتمل على ما يلي‪:‬‬
‫)‪(1‬تنزيل الحكم الشرعي على الواقع المعاش‪.‬‬
‫)‪(2‬مراجعة التراث الفقهي مراجعة استفادة وتمحيص‪.‬‬
‫)‪(3‬إيجاد الحلول الشرعية للمستجدات والنوازل‪.‬‬

‫‪293‬‬
‫)‪(4‬تقريب الفقه للناس وتيسيره‪.‬‬
‫المبحث الثانيمبررات التجديد‪ ،‬وبواعثه‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫)‪(1‬التغيرات الهائلة في الحياة المعاصرة‪.‬‬
‫)‪(2‬سيطرة أنماط الحياة الغربية وأعرافها على كللثير مللن‬
‫جوانب الحياة‪.‬‬
‫)‪(3‬النبهللار بللالفكر الغربللي‪ ،‬وتصللدي هللؤلء المنبهريللن‬
‫للحديث عن القضايا الشرعية‪.‬‬
‫)‪(4‬الجمود الفقهي‪ ،‬والتعصب المذهبي‪.‬‬
‫المبحث الثالث صفات المجدد‪:‬‬
‫)‪ (1‬العلم ‪ (2) .‬العدل‪ (3) .‬العتدال )‪ (4‬القدوة‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪:‬مزالق التجديد‪ .‬وهي‪:‬‬
‫)‪(1‬المصلحة المتوهمة‪.‬‬
‫)‪(2‬مسايرة الواقع بعجره وبجره‪.‬‬
‫)‪(3‬الجتهاد قبل اكتمال الهلية‪.‬‬
‫)‪(4‬الجتهاد في موارد النص‪.‬‬
‫)‪(5‬مسايرة الهوى ‪.‬‬
‫)‪(6‬عدم فهم الواقع ‪.‬‬
‫)‪(7‬تقليد الفكر الغربي‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪:‬تنبيهات‪:‬‬
‫المصادر والمراجع‪:‬‬
‫وفي ختام هذه المقدمة‪ ،‬أسأل الله التوفيق والسداد‪ ،‬وأن‬
‫يجعل عملنا خالصا ً وصوابًا‪ ،‬إنه على كل شيء قدير‬
‫المطلب الول‪ :‬تعريف الفقه لغة واصطلحا ً‬
‫ه‬
‫مللا ن َْفَق ل ُ‬
‫•تعريف الفقه لغة‪ :‬مطلق الفهللم قللال تعللالى‪َ ) :‬‬
‫ل()‪ (1‬وقللال‪) :‬واحلللل عقللدة مللن لسللاني‬ ‫مللا ت َُقللو ُ‬ ‫ك َِثيللرا ً ِ‬
‫م ّ‬
‫يفقهوا قولي()‪(2‬‬
‫•والفقلله اصللطلحًا‪ :‬معرفللة الحكللام العمليللة الفرعيللة‬
‫المستنبطة من أدلتها التفصيلية‪.‬‬
‫وعلم الفقه من أهم العلوم الشللرعية‪ ،‬إذ هللو العلللم الللذي‬
‫تعرف به الحكام من الحلل والحرام والمندوب والمكروه‬
‫والمباح‪ ،‬وتشتد ّ إليه الحاجة في كل عصر وأوان‪ ،‬وقد يسع‬
‫الرجل جهل تفسير آية‪ ،‬ويند عنه معرفة درجللة حللديث‪ ،‬أو‬
‫حلللال راو‪ ،‬ولكلللن ل يسلللعه الجهلللل بالحكلللام الشلللرعية‬

‫‪294‬‬
‫المتعلقة بصحة طهارته أو صلللته أو صللومه‪ .‬وقللديما قللال‬
‫بعضهم‪:‬‬
‫إذا ما اعتّز ذو علم بعلم … …‬
‫فعلم الفقه أولى باعتزاز‬
‫فكم طيب يفوح ول كمسك … …‬
‫وكم طير يطير ول كباز‬
‫ولقد مكث النبي – صلى الله عليه وسللم – بيلن ظهرانلي‬
‫الصللحابة‪ ،‬يفللتيهم‪ ،‬ويجيللب علللى أسللئلتهم‪ ،‬وكللان القللرآن‬
‫يتنزل على النللبي – صلللى الللله عليلله وسلللم – والصللحابة‬
‫يتعلمون ويتفقهون من الكتاب والسنة‪ ،‬ولما قبض النبي –‬
‫صلى الله عليه وسلم – حمل رايللة الفقلله أصللحابه‪ ،‬وكللان‬
‫بعضهم أفقه من بعض‪ ،‬فكان عمر – رضي الله عنه – من‬
‫المجلين فلي هللذا الشلأن‪ ،‬وغيلره كلثير‪ ،‬ثللم حملل الرايلة‬
‫التابعون ثللم تللابعو التللابعين‪ ،‬حللتى أوصلللوها إلللى الفقهللاء‬
‫الربعة )أبو حنيفة‪ ،‬ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد( وقد أسس‬
‫هللؤلء المللذاهب الللتي حملللت أسللماءهم‪ ،‬وتعمقللت هللذه‬
‫صل لها‪ ،‬ثم طرأ نللوع مللن التعصللب والجمللود‪،‬‬ ‫المذاهب وأ ّ‬
‫وتمحلللور كلللثير ملللن الفقهلللاء حلللول نصلللوص أئمتهلللم ل‬
‫سر الله انتعاش الفقه مرة أخرى في هللذا‬ ‫يجاوزونها‪ ،‬ثم ي ّ‬
‫العصللر‪ ،‬فقللامت جهللود خيللرة مباركللة‪ ،‬وأسللهم ثلللة مللن‬
‫الفقهللاء فللي إبللراز الفقلله فللي ثللوب قشلليب‪ ،‬يجمللع بيللن‬
‫الصللالة والمعاصللرة‪ ،‬وتللوالت فللي هللذا العصللر دعللوات‬
‫إصلحية‪ ،‬وهيئات‪ ،‬ومجللامع فقهيللة‪ ،‬تبللاينت فللي إسللهامها‪،‬‬
‫دت‬ ‫ولكنها في الجملة قد دفعت حركة الفقلله قللدمًا‪ ،‬وتص ل ّ‬
‫هذه الجهود لنوازل المجتمع وقضاياه‪.‬‬
‫المطلللب الثللاني ‪ :‬تعريللف التجديللد لغللة‪ ،‬وبيللان المقصللود‬
‫بتجديد الفقه‪ ،‬وبيان أن التجديد سنة ماضية‪.‬‬
‫* التجديد لغة‪ :‬جعل الشيء جديللدًا‪ ،‬ومنلله‪ :‬جللدد وضللوءه‪،‬‬
‫وجدد عهده‪ :‬يعني أعاده وكرره والجديد نقيض الخلق)‪.(3‬‬
‫* وتجديد الفقه يقصد به إعادة نضللارته وبهللائه وإحيللاء مللا‬
‫انللدرس مللن معللالمه‪ ،‬والعمللل علللى نشللره بيللن النللاس‪،‬‬
‫ويشمل التجديد كذلك‪ :‬التصدي للمسللتجدات الللتي تظهللر‬
‫في كل عصر؛ لبيان الحكم الصحيح لهذه المستجدات‪(4).‬‬

‫‪295‬‬
‫* والتجديللد بهللذا المعنللى يعنللي أن التجديللد يكللون علللى‬
‫اضمحلل لشأنه‪ ،‬ول يعني التجديد نبذ شيء منه أو اختراع‬
‫فقه جديد فذلك في الحقيقة تحريف ومسخ‪.‬‬
‫* التجديد سنة ماضية‪:‬‬
‫إن التجديد سنة إلهية شرعية في هللذا الللدين‪ ،‬وتتلءم مللع‬
‫ما هو معلوم من أن الله قد ختللم النبيللاء بمحمللد – صلللى‬
‫الله عليله وسللم ‪ ،-‬فالعلملاء اللذين يجلددون لهلذه الملة‬
‫دينها هم نواب له ووراث لهديه – صلى الله عليه وسلم ‪،-‬‬
‫فهم يحيون ما اندرس من الدين في نفوس الناس‪.‬‬
‫الكلم عن حديث التجديد‪:‬‬
‫نص الحديث )إن الله يبعث لهذه المة على رأس كللل مئة‬
‫سللنة مللن يجللدد لهللا أمللر دينهللا( والحللديث صللحيح‪ ،‬حيللث‬
‫صححه جمللع مللن أهللل العلللم قللديما ً وحللديثًا)‪،(5‬بللل نقللل‬
‫السيوطي في رسالته )التنبيه فيمن يبعثه اللله علللى رأس‬
‫المئة( إجماع العلماء على تصحيحه)‪.(6‬‬
‫وفي الحديث بشارة وعد بها الرسللول ‪ -‬صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم ‪ -‬المة أنها ل تخلو من المجددين‪ ،‬فهو وعد إلهللي ل‬
‫يتخلف‪.‬‬
‫ويتضمن الحديث كذلك جانبا ً شرعيا ً مهما ً وهو الطلب من‬
‫المة‪ ،‬وخاصة القادرين من أهل العلللم واليمللان أن يللؤدوا‬
‫الدور المنوط بهم‪ ،‬فيكون التجديد على أيللديهم‪ ،‬فالمجللدد‬
‫ل يهبط من السماء‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬خصائص الشريعة‪:‬‬
‫للفقه السلللمي ‪ -‬وإن شللئت قلللت للشللريعة ‪ -‬خصللائص‪،‬‬
‫نكتفي بذكر ما يقتضيه المقام‪:‬‬
‫)‪ (1‬الربانية‪ :‬فهي‪:‬‬
‫أ‪ .‬ربانية المصدر فمصدرها إلهي‪.‬‬
‫ب‪ .‬وربانية الوجهة‪ .‬وهذه الخصيصللة تللدل علللى خصللائص‬
‫أخرى منها‪ :‬الكمال والعدل المطلق )ولو كان من عند غير‬
‫الله لوجدوا فيه اختلفا ً كبيرًا(‪.‬‬
‫كما أنها تحظى بالقبول والحترام من قبللل المللؤمنين بهللا‬
‫بما ل يحظى قانون أو نظام‪ ،‬وإن كانت المقارنة هنللا غيللر‬
‫واردة‪:‬‬

‫‪296‬‬
‫ألم تر أن السيف ينقص قدره … …‬
‫إذا قيل إن السيف أمضى من العصا‬
‫كما أن النسان المعتنق لهذه الشريعة يراقب ربه في كل‬
‫صللغيرة وكللبيرة‪ ،‬بللل لبللد أن تقابللل أحكامهللا بالرضللا‬
‫والتسليم)فل وربك ل يؤمنون حللتى يحكمللوك فيمللا شللجر‬
‫بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا ً مما قضيت ويسلللموا‬
‫تسليمًا( ]النساء‪.[65 :‬‬
‫)‪ (2‬الوسطية والعتدال والموازنة‪ :‬ففيها توازن بين الروح‬
‫والجسد‪ ،‬وموازنة بين مصلحة الفللرد والجماعللة‪ ،‬وموازنللة‬
‫واعتدال في النظر إلى حقوق الرجل والمرأة بين النظللرة‬
‫الجاهليللة فللي احتقللار المللرأة وظلمهللا وبيللن الجاهليللة‬
‫المعاصرة في إخراجها عن حدود ما خلللق اللله لهللا‪ ،‬وهللذا‬
‫التوازن ل يلغي ترتيب الولويات فهناك الللواجب والوجللب‬
‫وهناك المهم والهم‪.‬‬
‫)‪ (3‬الشمول‪:‬‬
‫أ‪ .‬لمصالح الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ب‪ .‬لجوانب الحيللاة المختلفللة )مللن آداب الكللل والشللرب‬
‫إلى بناء الدولة(‪.‬‬
‫ج‪ .‬لمراحل حياة النسان كلها )طفل ً وكه ً‬
‫ل(‪.‬‬
‫د‪ .‬شمولها لكل البشر – النزعة العالمية – )ومللا أرسلللناك‬
‫إل رحمة للعالمين(‪.‬‬
‫هل‪ .‬شمولها لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫)‪ (4‬الثبللات والمرونللة‪ :‬الثبللات فللي الصللول والهللداف‬
‫والقطعيات‪ ،‬والمرونة فللي الفللروع والوسللائل والظنيللات‪،‬‬
‫ومساحة المرونة مسللاحة واسللعة وهللي منطقللة مفتوحللة‬
‫للجتهاد البشري في مجال التشريع السلمي)‪.(7‬‬
‫ولقد كان هذا الفقه أساس التشريع والقضاء والفتوى في‬
‫دلت فيهللا‬ ‫العالم السلمي كله طيلة ثلثللة عشللر قرن لًا‪ ،‬تب ل ّ‬
‫النظللم وتغّيللرت الوضللاع والحللوال‪ ،‬فلللم يضللق صللدره‬
‫بمشكلة ولم يقف عنللد نازلللة‪ ،‬بللل كللان لللديه لكللل حادثللة‬
‫حللديث‪ ،‬ولكللل واقعللة حكللم‪ ،‬ولكللل مشللكلة علج فللالفقه‬
‫السلمي يمتاز بقواعده الدقيقة وأصوله المقننللة المتقنللة‬
‫التي تضبط طرائق الستنباط‪ ،‬وهو ما يعرف بعلم )أصلول‬

‫‪297‬‬
‫الفقه( الذي عرف لدى علماء المسلمين في فترة مبكللرة‬
‫على يد المام الشافعي‪ ،‬ويمتاز الفقه كذلك بقللدرته علللى‬
‫التجديد والنماء‪ ،‬فهو عللم خصلب‪ ،‬ملرن‪ ،‬اسلتوعب شلتى‬
‫البيئات والوطان ‪ -‬رغم تباينها ‪ -‬ومن البللدو إلللى الحضللر‪،‬‬
‫فلم يضق بهللا ذرعلًا‪ ،‬بللل سللبكها ضللمن منظمتلله‪ ،‬وقضللى‬
‫بالعدل‪ ،‬وقال كلمة الفصل‪.‬‬
‫كثرة القوال والختلفات ثروة فقهية‪:‬‬
‫وهللي نعمللة ل نقمللة وهللي دليللل علللى مرونللة الشللريعة‪،‬‬
‫وتسامح الئمة وقد نقل عنهم في هذا الباب كلما ً عظيم لا ً‬
‫ولم يكونوا ‪ -‬رحمهم الله ‪-‬يرون بذلك بأسا ً وكثيرا ً ما يكون‬
‫الختلف داخل المذهب نفسه كمللا سللجله المللرداوي فللي‬
‫كتابه )النصاف( والنووي في )روضة الطالبين( وربما كان‬
‫اختلفهللم ل بسللبب الحجللة والبرهللان بللل بسللبب العصللر‬
‫والزمللان‪ ،‬كمللا قيللل عللن خلف أبللي يوسللف ومحمللد بللن‬
‫الحسن الشيباني لبي حنيفة‪.‬‬
‫وفقه مذهب واحد يضيق عن الوفاء بحاجات النللاس فتجللد‬
‫في بعض المذاهب من السعة واليسر وسداد الللرأي مللا ل‬
‫يوجد في بقية المذاهب‪ ،‬ومن المثلة علللى هللذا‪ :‬المللذهب‬
‫الحنبلي في العقود فهو من أيسر المذاهب في ذلك‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬عدم منافاة التجديد للصالة‪.‬‬
‫التجديد في الفقه ل ينافي الصالة‪ ،‬كل‪ ،‬بللل يتنللاغم معهللا‪،‬‬
‫إذا حدد المفهوم الصللحيح للصللالة‪ ،‬فليسللت الصللالة هللي‬
‫النكفللاء علللى كللل قللديم ورفللض كللل جديللد‪ ،‬فللذلك قتللل‬
‫للبللداع وإغلق لبللاب الجتهللاد‪ ،‬بللل الصللالة هللي تلللك‬
‫الممارسة الواعية التي تعني الستمساك بللالثوابت وتعنللى‬
‫بالتجديد في المتغيللرات بحسللب الحاجللة‪ ،‬علللى أن يكللون‬
‫ذلك ضمن المفاهيم والمضامين الشرعية‪ ،‬وأن يكون دافع‬
‫التجديد هو الرغبة في التحسين ل مجرد التقليد‬
‫كما أن التجديد ليس هو السخرية بكل قديم وفتح البواب‬
‫أمام كل جديد‪ ،‬بزعم أن الجديد ل يمثل إل التطور والرقي‬
‫والقديم ل يمثل إل التخلف والجمود‪ ،‬يقول شكيب أرسلن‬
‫في الرد على دعاة نسف التراث‪:‬‬
‫كم من قديم ل يزال رواؤه … …‬

‫‪298‬‬
‫متألقا ً يحكي الصباح المسفرا‬
‫مهما تقادم جوهر في عنقه … …‬
‫فهو الثمين وليس يبرح جوهرا)‪(8‬‬
‫المبحث الول‪ :‬مجالت التجديد ويشتمل على ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تنزيل الحكم الشرعي الصحيح على الواقع المعاش‪.‬‬
‫‪ -2‬مراجعة الللتراث الفقهللي مراجعللة اسللتفادة فهللو ثللروة‬
‫فقهية عظيمة ل يمكن الستغناء عنهللا‪ ،‬وفيهللا مللن السللعة‬
‫والدقة ما ل يخفى‪ ،‬وربما احتاج هذا بعض هذا التراث إلللى‬
‫مراجعة تمحيص لما يحتللاج إلللى تمحيللص ومراجعللة ومللن‬
‫المثلة على ذلك‪.‬‬
‫)أ( مراجعة الحاديث التي استدل بها الفقهاء وبنللوا عليهللا‬
‫كثيرا ً من أحكللامهم‪ ،‬وهللي أحللاديث غيللر صللحيحة كحللديث‬
‫)حق الجار أربعون دارا ً هكذا وهكذا وهكذا‪.(9)(...‬‬
‫)ب( التثبت من مسائل الجماع التي حكاها بعض الفقهاء‪،‬‬
‫فلو صح الجماع لما جازت مخالفته ولكللن يتسللامح بعللض‬
‫الفقهاء في نقله‪ ،‬وهو غير صحيح‪ ،‬وبالتالي فل يترتب عليه‬
‫المنع من الجتهاد في المسألة التي لم يثبت فيها الجماع‪.‬‬
‫)ج( المعلومات المتوافرة في هللذا العصللر والللتي لهللا دور‬
‫في تمحيص كلم الفقهاء‪ ،‬إذا كللانت هللذه المعلومللات قللد‬
‫وصلت إلى درجة الحقائق ل النظريات‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬أقصللى‬
‫مللدة الحمللل‪ .‬فقللد ذكللر بعللض الفقهللاء أن أقصللى مللدة‬
‫الحمل‪ :‬سنتان‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬أربع‪ ،‬وقال البعض‪ ،‬خمللس‪،‬‬
‫وسبع‪ .‬ومن المعلوم الن طبيا ً أن الحمل ل يكون أكثر من‬
‫سللنة‪ ،‬ومللا ذكللر مللن المللدة الطويلللة )سللنتان‪ ،‬أربللع‪،‬‬
‫خمس ‪ (...‬فهو حالة معروفة طبيا ً بالحمل الكاذب‪ .‬وتظهر‬
‫فيلله كللل أعللراض الحمللل مللن انتفللاخ البطللن‪ ،‬والشللعور‬
‫بالغثيان والقيء وتقلص عضلت البطن ونحوها بمللا يشللبه‬
‫حركة الجنين في البطن‪ ،‬وتظهر هذه الحللالت كللثيرا ً عنللد‬
‫الرغبللة العارمللة للحمللل‪ ،‬وحيللن يكشللف عليهللا الطللبيب‬
‫بالوسائل الحديثة من التحليل والشعة يجزم الطبيب بأنها‬
‫غير حامل‪ .‬ومن الطريف أن هذا المرأة قللد تسللتمر معهللا‬
‫هذه الحالة ثللم يشللاء المللولى ‪-‬جللل وعل‪ -‬أن تحمللل حمل ً‬
‫صللادقا ً فللي نهايللة المللدة فتظنلله امتللدادا ً للحمللل الكللاذب‬

‫‪299‬‬
‫وتحسب المدة كلها على هذا الحمل‪ ،‬وتلللد بعللد سللنتين أو‬
‫ثلث‪ ،‬فيصدق الناس هذه الدعوى)‪.(10‬‬
‫‪ -3‬إيجللللاد الحلللللول )الحكللللام( الشللللرعية المناسللللبة‬
‫للمستجدات والنوازل‪ ،‬ومن أبرز المجالت التي تبرز فيهللا‬
‫النللوازل مجللال المعللاملت والقتصللاد كقضللايا الشللركات‬
‫والسهم والتأمين والبنوك وبعضها شبيه بالقديم أو قريللب‬
‫منه وبعضها جديد تماما ً ول نظير له‪ ،‬فهل الحل هو في )أ(‬
‫د‪.‬‬
‫الجمود )ب( أو القبول بكل ما استج ّ‬
‫)ج( أو البحث من خلل الثروة الفقهيلة اللتي ورثناهلا علن‬
‫أسلفنا‪ ،‬فإن لم نجللد اجتهللد المجتهللد فللي ضللوء القواعللد‬
‫الشللرعية العامللة‪ .‬الصللحيح أنلله ل يسللع الفقيلله إل المللر‬
‫الخير‪.‬والمجللال الخللر الللذي تكللثر فيلله النللوازل‪ :‬المجللال‬
‫الطللبي‪ ،‬فقللد وضللع العلللم الحللديث بيللن يللدي المسلللم‬
‫مجموعة كبيرة من النللوازل‪ ،‬تللدخل أحيان لا ً فللي تفصلليلت‬
‫الحيللاة اليوميللة‪ ،‬وتثللور أسللئلة وافللرة فللي ذهللن الطللبيب‬
‫المسلم عن الحكللم الشللرعي لهللا كقضللايا زرع العضللاء‪،‬‬
‫والستنساخ‪ ،‬والهندسة الوراثية‪ ،‬وأبحللاث العقللم‪ ،‬والوفللاة‬
‫الدماغية ‪ ....‬الخ‪ .‬خاصة وأن هذا التقدم العلمللي قللد نشللأ‬
‫في مجتمع غير مسلم وله أعراف غير أعرافنا‪ ،‬فهو شللبيه‬
‫بشعب بوان الذي قال فيه المتنبي‪:‬‬
‫ولكن الفتى العربي فيها … …‬
‫غريب الوجه واليد واللسان)‪(11‬‬
‫)‪ (4‬تقريللب الفقلله للنللاس وتيسلليره‪ ،‬وكتللابته بأسلللوب‬
‫يناسب العصر‪ ،‬مللع اسللتخدام الوسللائل المتاحللة فللي هللذا‬
‫العصر وذلك يتم بأمور منها‪:‬‬
‫أ‪ .‬اسللتخدام اللغللة الميسللرة البسلليطة الللتي يفهمهللا غيللر‬
‫المتخصص لنه يحال أحيانا ً بين النللاس وبيللن كتللب الفقلله‬
‫بسللبب وعللورة المصللطلحات الللتي تشللكل علللى غيللر‬
‫المتخصص‪ ،‬ومن حللق النللاس أن يقللرب لهللم الفقلله بلغللة‬
‫عصرهم‪.‬‬
‫ب‪ .‬التخفف من المسللائل الللتي ل وجللود لهللا فللي عصللرنا‬
‫كبعض المعاملت التي ل يتعامل بها حالي لًا‪ ،‬أو يتعامللل بهللا‬
‫على نطللاق ضلليق كشللركات المفاوضللة والعنللان‪ ،‬فينبغللي‬

‫‪300‬‬
‫التركيز علللى مللا يعايشلله النللاس فللي هللذا الشللأن وغيللره‬
‫كأعمال البنوك وشركات التأمين‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وكذلك البعد‬
‫علن التفصليلت وتشلقيقات المسلائل اللتي ل طلائل ملن‬
‫ورائها‪.‬‬
‫ج‪ .‬استخدام معارف العصر في الترجيح‪ ،‬فقد يترجح بعض‬
‫القوال بناء على ذلك‪ ،‬خلفلا ً لملا يللذكر فلي كتللب الفقله‪،‬‬
‫فالسفينة التي يتكلم الفقهاء السللابقون عللن ضللمانها غيللر‬
‫السللفينة الحاليللة‪ ،‬فتلللك تحركهللا الريللاح وهللذه يحركهللا‬
‫المحرك اللي‪.‬‬
‫د‪ .‬تحويل المقادير الشرعية إلى مقادير معاصرة‪ ،‬فل يكللاد‬
‫النللاس اليللوم يعرفللون مقللدار الللدينار والفرسللخ والقلللة‬
‫والوسق إل ببيانها بالمقادير المعاصرة‪ ،‬وهو أمر متاح وقد‬
‫ألفت فيه مؤلفات عدة)‪(12‬‬
‫هل‪ .‬الحرص على بيان الحكمة من التشللريع فللإن لهللا أثللرا ً‬
‫على اطمئنان القلب كما في قللوله ‪ -‬تعللالى ‪) -‬إن الصلللة‬
‫تنهللى عللن الفحشللاء والمنكللر( مللع السللتفادة ممللا يكتبلله‬
‫المعاصرون كحديثهم عللن مضللار التللدخين‪ ،‬ومضللار ولللوغ‬
‫الكلللب فللي النللاء‪ ،‬وأكللل لحللم الخنزيللر‪ ،‬مللع الحللذر مللن‬
‫التعليلت القاصللرة الللتي تفتللح البللاب لللذوي الهللواء أو‬
‫المنكريللن كتعليللل تحريللم الربللا باسللتغلل حاجللة الفقيللر‬
‫وتعليللل الزنللا بللاختلط النسللاب‪ ،‬مللع الشللارة إلللى عللدم‬
‫الجزم بالعلة أو الحكمة من التشريع إذا لم يكن منصوصللا ً‬
‫عليها‪.‬‬
‫)و( ربط جزئيات الفقه بمقاصد الشريعة الكلية‪ :‬فالسلللم‬
‫كل ل يتجزأ‪ ،‬فمن المناسب جدا ً أن يتكلم المرء عن نظام‬
‫العاقلة في الديات ويربط ذلك بنظام النفقات والمللواريث‬
‫حتى يتضح جانب الغنم والغرم ‪ ،‬وكذلك عند الحللديث عللن‬
‫نصيب الذكر والنثى ينبغي أن يذكر بللأن المللرأة إن كللانت‬
‫زوجا ً فنفقتها على زوجها‪ ،‬وإن كانت بنتا ً فنفقتها على أبيها‬
‫إن احتاجت ‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ز‪ .‬الستفادة مما كتبه المعاصرون من العلماء الثقات فللي‬
‫جميع جوانب الفقه وكذلك فتاوى المجامع الفقيلله وهيئات‬

‫‪301‬‬
‫كبار العلمللاء والموسللوعات الفقهيللة ورسللائل الماجسللتير‬
‫والدكتوراة‪.‬‬
‫ح‪ .‬الستفادة من الوسائل المعاصللرة الللتي تيسللر الشللرح‬
‫من الرسوم والشكال التي ل محظور فيها كما كان صلللى‬
‫الللله عليلله وسلللم يسللتخدم الخللط علللى الرمللل وضللرب‬
‫المثال)‪.(13‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مبررات التجديد‪ ،‬وبواعثه‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫)‪ (1‬التغيرات الهائلة في الحياة المعاصرة )التقدم التقنللي‬
‫في مجال التصالت والمجالت الصناعية والطبية وغيرهللا‬
‫وكل ذلك يحدث وقائع تحتاج لحكام شرعية‪ ،‬وبعضها كللان‬
‫موجللودا ً لكللن بصللفة مبسللطة كمسللائل الجللارة وأحكللام‬
‫الشركات(‪.‬‬
‫)‪ (2‬سيطرة أنماط الحياة الغربية وأعرافها على كثير مللن‬
‫جوانب الحياة‪ ،‬والذي يعيللش فللي الجللواء الطبيللة يلحللظ‬
‫هذا‪ ،‬بالضافة إلى غزو القللوانين الوضللعية لكللثير مللن بلد‬
‫المسلمين‪ ،‬وكل ما سبق يحتاج إلى بيان الحكم الشللرعي‬
‫فيه‪.‬‬
‫)‪ (3‬النبهار بالفكر الغربي‪ ،‬وتصدي بعض هؤلء المبهورين‬
‫– خاصة ممن درس في بلد الغرب – للحديث عللن قضللايا‬
‫شرعية ليسوا مؤهلين للخوض فيها‪ ،‬فزلوا وهللم يحسللبون‬
‫أنهم يحسنون صنعًا‪ .‬ومن العجيب أنه ل يقبل من أحللد أن‬
‫يتحدث في تخصصه الدقيق إل أن يكللون مللن أهللل الللدار‪،‬‬
‫وتجده يرتع في حمى الفقه‪ ،‬ويصدر الفتاوى بل خطللام ول‬
‫زمام‪ ،‬وربما استسهل الكلم في مسألة لو عرضللت علللى‬
‫عمر – رضي الله عنه – لجمع لها أهل بدر‪.‬‬
‫)‪ (4‬الجمود الفقهي‪ ،‬والتعصب المذهبي‪ ،‬وقد اسللتمر هللذا‬
‫المر ردحا ً من الزمن‪ ،‬ول زالت بقاياه‪ ،‬ومن المثلللة علللى‬
‫هذا الجمود وجود أكثر من مائة شرح وحاشللية لحللد كتلب‬
‫بعض المللذاهب الفقهيللة()‪ ،.(14‬ومللن المثلللة علللى ذلللك‬
‫قول بعضهم عن كتاب )الهداية(‬
‫إن الهداية كللالقرآن قللد نسللخت ‪ ...‬مللا صللنفوا قبلهللا فللي‬
‫الشرع من كتب)‪.(15‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬صفات المجدد‪:‬‬

‫‪302‬‬
‫)‪ (1‬العلم‪:‬‬
‫فالمجدد في الفقلله لبللد أن يكللون مالك لا ً لدوات الجتهللاد‬
‫فيما يجتهد فيه‪ ،‬كما هو مقرر في علم أصول الفقه‪ ،‬وأهم‬
‫هذه الشروط‪:‬‬
‫)ب( العلللم بللالقرآن )فيعللرف آيللات الحكللام – والناسللخ‬
‫والمنسوخ منه – والعللام والخللاص – والمطلللق والمقيللد –‬
‫وأسباب النزول(‪.‬‬
‫)ب( العلم بالسنة ) فيعللرف مواقللع أحللاديث الحكللام‪ ،‬ول‬
‫يقتصر على المهات السللت‪ ،‬ويعللرف الصللحيح والضللعيف‬
‫مللن الحللاديث‪ ،‬وعلللم التاريللخ والرجللال‪ ،‬وأسللباب الجللرح‬
‫والتعديل(‪. .‬‬
‫)ج( معرفة مسائل الجماع‪.‬‬
‫)د( معرفللة أصللول الفقلله ‪ ،‬وأن يتقللن هللذا العلللم خاصللة‬
‫مباحث اللفاظ ودللتها‪ ،‬ومباحث القياس‪ ،‬وذلك لمسيس‬
‫الحاجة إليها‪.‬‬
‫)هل( معرفة اللغة العربية‪.‬‬
‫)و( أن يكون فقيه النفس‪ ،‬فيكون الفقه ملكة وسجية للله‪،‬‬
‫يسللتطيع بهللا اسللتنباط الحكللام)‪(16‬كللذلك لبللد أن يلللم‬
‫بمقاصد التشريع‪ ،‬وفقه المصالح والمفاسد وفقه الخلف‪.‬‬
‫)‪ (2‬أن يكون عدل ً في دينه‪ ،‬ورعًا؛ فإنه إنما يوقع عن الله‪،‬‬
‫ومن لم يكن كذلك فليس من المقبللول أن يرتللع فللي هللذا‬
‫الحمى‪ ،‬فالبيوت إنما تؤتى من أبوابها‪ ،‬وإذا كللان مللن غيللر‬
‫المقبول أن يمارس مدعي الطب هذه المهنللة‪ ،‬فمللا بالللك‬
‫بمن يتكلم في أمر الحلل والحرام وهو ليس لللذلك أهللل‪.‬‬
‫والمجدد لبد أن يكون من أصللحاب المنطلقللات الشللرعية‬
‫الصللحيحة فأمللا مللن كللان منطلقلله فللي التجديللد‪ :‬إخضللاع‬
‫السلم للعقل والواقع‪ ،‬كما يظهر ذلك فللي كتابللات بعللض‬
‫المعاصرين‪ ،‬فهولء ليسوا من أهل التجديد المنشود‪.‬‬
‫)‪ (3‬العتدال‪ :‬بعيدا ً عن الغلو والفللراط‪ ،‬فللإن مللن النللاس‬
‫من هذا ديدنه فيقدم الحوط دائمًا‪ ،‬وكذا سد الذريعللة وإن‬
‫لم يكن لهما مساغ‪ ،‬والخذ بهما شرعا ً لله ضلوابط وليلس‬
‫على إطلقه‪ ،‬وكذلك يجب البعللد عللن التفريللط والتسللاهل‬
‫بحجللة مجللاراة العصللر‪ ،‬وكللذا البحللث عللن المخللارج بكللل‬

‫‪303‬‬
‫وسيلة ممكنة‪ ،‬وهذا طبع موجود‪ ،‬وكل طرفي قصد المللور‬
‫ذميم‪.‬‬
‫)‪ (4‬أن يكون المجللدد قللدوة لغيللره‪ :‬فللي سلللوكه وحيللاته‪،‬‬
‫حتى يستحق الشرف العظيم الذي يناط به‪.‬‬
‫*مجال التجديد‪ :‬التجديد يكون في الفروع ل الصول‪ ،‬وفي‬
‫الظنيات ل القطعيات‪ ،‬وفي المتشابهات ل المحكمات‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬مزالق التجديد‪ .‬وهي‪:‬‬
‫)‪ (1‬المصلحة المتوهمة )الغلللو فللي اعتبللار المصلللحة ولللو‬
‫على حساب النص(‪.‬‬
‫فالمصلحة تنقسم إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫أ‪ .‬مصلحة معتبرة‪ :‬شهد الشللرع لهللا بالعتبللار وهللي ترجللع‬
‫إلى حفظ الضللرورات الخمللس ) الللدين والنفللس والعقللل‬
‫والنسل والمال( )‪(17‬‬
‫ب‪ .‬مصلحة ملغاة)‪(18‬‬
‫شهد الشرع بعدم اعتبارها كالربا )وأحل اللله اللبيع وحلرم‬
‫الربا( ]البقرة ‪ .[275 :‬مع ما قد يتوهم من جلبه للمصالح‪،‬‬
‫ومن المثلة الللتي تللذكر فللي هللذا المقللام المصلللحة الللتي‬
‫حكم بها يحيى بن يحيى على عبد الرحمن بن الحكم الذي‬
‫وطئ في نهار رمضللان حيللث حكللم عليلله بصلليام شللهرين‬
‫متتابعين‪.‬‬
‫وترك هذا الفقيه الحكللم بللالعتق كمللا هللو قللول الجمهللور‪،‬‬
‫وترك كللذلك التخييللر بيللن الكفللارات كمللا هللو القللول فللي‬
‫مذهب مالك‪ ،‬وعلته في ذلك‪ :‬أننا لو فتحنللا لله هللذا البللاب‬
‫لسهل عليه )أي على هذا الواطئ( أن يعتق كل يوم رقبة‪،‬‬
‫فحمله على أصعب المور لئل يعود)‪.(19‬‬
‫فهو نظر إلى مصلللحة وفللوت مصلللحة أعظللم منهللا وهللي‬
‫تشوف الشرع إلى إعتاق الرقاء‪.‬‬
‫مثال آخلر‪ :‬الشلخص اللذي أراد نقلل صللة الجمعلة ليلوم‬
‫الحد في بلد الغرب لمصلحة متوهمة‪ ،‬وهللي أن النللاس ل‬
‫يجتمعون للجمعة‪ ،‬فتؤخر إلى اليوم الللذي يجتمعللون فيلله‪،‬‬
‫وقد رد عليه بعض العلماء بأمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬مخالفة النللص الصللريح‪) :‬يللا أيهللا الللذين آمنللوا إذا‬
‫نودي للصلة من يوم الجمعة( فنص على ذلك اليوم‬

‫‪304‬‬
‫وثانيهما‪ :‬قيل له هذه صلة الجمعة فإذا أقمناها يوم الحللد‬
‫فماذا تسمى؟!!!)‪(20‬‬
‫)ج( مصلحة لم يقم الدليل على اعتبارها بذاتها ول إلقائها‪،‬‬
‫ولكنها تدخل ضللمن مقاصللد الشللرع‪ ،‬وتسللمى )المصلللحة‬
‫المرسلة(‪.‬‬
‫ومن أمثلتها‪ :‬جمع القرآن‪ ،‬تدوين الدواوين‪ ،‬قوانين السللير‬
‫والمرور‪ ،‬وتحديد السعار‪ ،‬وإنشاء المحاكم‪ ،‬فهذه مصلللحة‬
‫معتبرة)‪.(21‬‬
‫‪ -2‬مسايرة الواقع بعجللره وبجللره )الرضللوخ تحللت ضللغط‬
‫الواقع(‪ .‬فيشللكل هللذا الضللغط تكييللف الحكللام الشللرعية‬
‫وفقا ً للواقع المعاش‪ ،‬دون مراعاة النصوص‪.‬‬
‫‪ -3‬الجتهاد قبل اكتمال الهلية‪.‬‬
‫‪ -4‬الجتهاد على خلف النص‪ ،‬إمللا لجهللل بثبللوته‪ ،‬أو عللدم‬
‫ل‪ ،‬أو لغفلة وذهول لهوى أو سوء فهم‪.‬‬ ‫العلم به أص ً‬
‫‪ -5‬مسايرة الهوى طمعا ً في جاه أو منصب أو تملق لا ً لمللن‬
‫يخشى أو يرجللى‪ ،‬ومللن ذلللك تملللق الجمللاهير طمعلا ً فللي‬
‫النجومية‪ ،‬وإقبال الدهماء‪.‬‬
‫‪ -6‬عدم فهم الواقع‪ ،‬ومن المثلة على ذللك إفتلاء بعضلهم‬
‫بأن الباروكة ل تعدو أن تكون غطاءً للللرأس‪ ،‬فتحللل‪ ،‬رقللم‬
‫أنها داخلة في معنى الواصلة التي ورد فيها اللعن‪.‬‬
‫‪ -7‬تقليد الفكر الغربي )كما فللي منللع الطلق‪ ،‬ومنللع تعللدد‬
‫الزوجات( أو مجاملته على القل)‪(22‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬تنبيهات‪.‬‬
‫* ينبغي أن تكون الفتوى جماعية قدر المكان‪ ،‬في صللورة‬
‫مجللامع فقهيللة وهيئات لكبللار العلمللاء‪ ،‬ول تتللأثر بللالبيئة‬
‫الجتماعية والمؤثرات الخرى‪ ،‬ومللع ذلللك ل يسللتغنى عللن‬
‫الجتهاد الفردي الذي يكشف الطريللق ويمهللده بمللا يقللدم‬
‫من دراسات رصينة‪ ،‬تضيء الطريق‪ ،‬وتكشف معالمه‪.‬‬
‫* وينبغي أن يتللوجه الفقيلله فللي اجتهللاداته إلللى المسللائل‬
‫المعاصرة فيتصدى لهللا ويسللتنبط الحكللام لهللا فللي ضللوء‬
‫النصللوص والقواعللد الكليللة للفقلله‪ ،‬وأل يسللتهلكه تقريللر‬
‫المسائل القديمة دون النظر للمستجدات‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫* قد يبدو للمجتهد المجدد فهما ً تحتمله النصوص الشرعية‬
‫لعله لم يسبق إليه أو سبق إليه ولكنه هجر‪ ،‬لعدم الحاجللة‬
‫إليه أو لعللدم شللهرة قللائله‪ ،‬وربمللا فتللح هللذا القللول أفق لا ً‬
‫واسعا ً للمجتهدين بما ل يتعارض مللع النصللوص ول يخللالف‬
‫القطعيات‪.‬‬
‫سر الجتهاد اليوم‪ :‬ممللا نللص عليلله بعللض أهللل العلللم‬ ‫* تي ّ‬
‫كابن القيم وغيره أن الجتهللاد يتجللزأ‪ ،‬فهنللاك مجتهللد فللي‬
‫باب تمكن من أدلته‪ ،‬أما من أتقن مسألة فقللط فقللد منللع‬
‫بعض أهل العلم اجتهاده فيها باعتبار أن المسللألة الواحللدة‬
‫ترتبط بغيرها من المسائل)‪.(23‬‬
‫وهناك الجتهاد النتقائي )الترجيحي( بين أقوال السابقين‪،‬‬
‫وكثير من رسائل الدراسات العليا من هذا الباب‬
‫ويشار هنا إلى أن الجتهاد بالنسللبة للمجتهللدين قللد أصللبح‬
‫أمره أيسر من الزمن الماضي مللن ناحيللة تللوفر المراجللع‬
‫وطباعتها وكونها في متناول الباحث‪ ،‬وقد أشللار علللى هللذا‬
‫العلمة الحجللوي فللي كتللابه )الفكللر السللامي( وقللد حقللق‬
‫كثيرا ً من الكتب التي كانت نادرة‪ ،‬ويوجد في مكتبة طالب‬
‫العلم اليللوم مللن كتللب التخصللص مللا لللم يكللن يوجللد فللي‬
‫مكتبات بعض الئمة سابقًا‪ ،‬وساعد الكمبيوتر فللي تقريللب‬
‫كثير من المعلومات وجمعها بين يدي الباحث‪.‬‬
‫* عند التجديد لبد من مراعاة يسللر الشللريعة وأنهللا بنيللت‬
‫على ذلللك ل اسللتجابة لضللغوط الواقللع أو تناغملا ً مللع روح‬
‫العصر‪ ،‬ولكنها صفة أصلليلة فللي الشللريعة قللال ‪ -‬تعللالى ‪-‬‬
‫)يريد الله بكم اليسر ول يريد بكم العسللر( وفللي الحللديث‬
‫المتفق عليه فيما رواه أنس "يسروا ول تعسللروا وبشللروا‬
‫ول تنفروا"‪.‬‬
‫وقالت عائشة – رضي الله عنهللا )مللا خيللر النللبي – صلللى‬
‫الله عليه وسلم – بين أمرين إل اختار أيسرهما ما لم يكن‬
‫إثمًا(‬
‫* وعند التصدي للتجديد لبللد أن نتوقللع الخطللأ وأن نتقبللل‬
‫ذلك بصدر رحب وأن نبذل النصيحة ول نبادر بالتهام لمللن‬
‫اجتهللد – وهللو مللن أهللل الجتهللاد – فأخطللأ‪ ،‬فللإنه مللأجور‪،‬‬
‫وربما كان هو المصيب في الحقيقللة‪ ،‬وقللد يفتللح باجتهللاده‬

‫‪306‬‬
‫هذا بابا ً كان مغلقًا‪ ،‬ولنا في شيخ السلم ابن تيميللة قللدوة‬
‫فقد كان من المجددين‪ ،‬وقد قاومه أهل عصللره‪ ،‬وأسللاؤوا‬
‫به الظن‪ ،‬ثم انتفعوا بعلمه واجتهللاده‪ ،‬ول زلنللا اليللوم نفيللد‬
‫من تجديده في مجالت كثيرة‪ .‬والله الموفق‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫)‪(1‬مسند أبي يعلى الموصلي‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسين سليم أسد‪،‬‬
‫دار المأمون للتراث‪ ،‬دمشق‪1407 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (2‬القاهرة‪.‬‬
‫)‪(3‬الجامع الصغير للسلليوطي‪ ،‬مللع شللرحه فيللض القللدير‪،‬‬
‫للمناوي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫)‪(4‬المقاصللد الحسللنة‪ ،‬للسللخاوي‪ ،‬الناشللر ‪ :‬دار الكتللب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫)‪(5‬صللحيح الجلامع الصللغير وزيلاداته‪ ،‬محمللد ناصلر اللدين‬
‫اللبللاني‪ ،‬أشللرف علللى طبعلله‪ :‬زهيللر الشللاويش‪ ،‬الطبعللة‬
‫الثانية‪1406 ،‬هل‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬بيروت – دمشق‪.‬‬
‫)‪(6‬سلسلة الحاديث الضعيفة‪ ،‬محمد ناصر الدين اللباني‪،‬‬
‫الطبعللة الرابعللة ‪1398‬هللل‪ ،‬المكتللب السلللمي‪ ،‬بيللروت‬
‫دمشق‪.‬‬
‫)‪(7‬جمع الجوامع‪ ،‬تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي‪،‬‬
‫مطبعة محمد سبيح‪ ،‬الطبعة الثانية‪1346 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪(8‬العتصام‪ ،‬لبللي إسللحاق الشلليرازي‪ ،‬المكتبللة التجاريللة‬
‫الكبرى‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫)‪(9‬الفكر السامي في تاريخ الفقلله السلللمي‪ ،‬محمللد بللن‬
‫الحسن الحجلوي الثعلالبي الفاسللي‪ ،‬خللرج أحلاديثه وعلللق‬
‫عليه‪:‬عبد العزيز بن عبللد الفتللاح القللاري‪ ،‬الناشللر‪:‬المكتبللة‬
‫العلمية‪ ،‬المدينة المنورة‪،‬الطبعة الولى ‪1396‬هل‬
‫)‪(10‬الفقلله السلللمي بيللن الصللالة والتجديللد‪ ،‬يوسللف‬
‫القرضلللاوي‪ ،‬دار الصلللحوة‪ ،‬القلللاهرة‪ ،‬الطبعلللة الوللللى‬
‫‪1406‬هل‪(11).‬الجتهاد المعاصر بين النضللباط والنفللراط‪،‬‬
‫يوسف القرضاوي‪ ،‬دار التوزيع والنشر السلمية‪1414 :‬هل‬
‫)‪(12‬نحلو فقله ميسللر‪ ،‬يوسلف القرضلاوي‪ ،‬مكتبلة وهبلة‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫)‪(13‬الوجيز في أصول التشلريع السلللمي‪ ،‬محمللد حسلن‬
‫هيتو‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫)‪(14‬التجديد في السلم‪ ،‬كتللاب المنتللدى‪ ،‬سلسلللة تصللدر‬
‫عن المنتدى السلمي‪ ،‬لندن‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1419 ،‬هل‬
‫)‪(15‬أصول الفقلله السلللمي‪ ،‬وهبللة الزحيلللي‪ ،‬دار الفكللر‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬الطبعة الولى‪1406 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪(16‬أثللر الدلللة المختلللف فيهللا فللي الفقلله السلللمي‪،‬‬
‫مصلللطفى البغلللا‪ ،‬دار القللللم‪ ،‬دمشلللق‪ ،‬الطبعلللة الثانيلللة‪،‬‬
‫‪1413‬هل‪.‬‬
‫)‪(17‬الدليل إلى المتون العلمية‪ ،‬عبللد العزيللز بللن إبراهيللم‬
‫بن قاسم‪ ،‬دار الصميعي‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫)‪(18‬بحللث الفقلله السلللمي‪ ،‬آفللاقه وتطللوره‪ ،‬د‪ .‬عبللاس‬
‫حسني محمد‪ ،‬مجلة دعوة الحللق‪ ،‬السللنة الثانيللة‪ ،‬محللرم‪،‬‬
‫‪1402‬هل‪ .‬العدد العاشر‪.‬‬
‫)‪(19‬الصللحاح تللاج اللغللة وصللحاح العربيللة‪ ،‬إسللماعيل بللن‬
‫حماد الجوهري‪ ،‬تحقيق أحمد عبد الغفور عطار‪ ،‬دار العللم‬
‫للمليين ‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫)‪(20‬القاموس المحيط‪ ،‬لمجللد الللدين الفيللروز آبللادي‪ ،‬دار‬
‫الحديث‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫)‪(21‬معجللم لغللة الفقهللاء ‪ ،‬محمللد رواس قلعجللي‪ ،‬حامللد‬
‫قنيبي‪ ،‬دار النفائس بيروت‪.‬‬
‫)‪(22‬ديوان المتنبي‪ ،‬دار بيروت للطباعة والنشر‪.‬‬
‫)‪(23‬مصطفى صادق الرافعللي‪ ،‬فللارس القلللم تحللت رايللة‬
‫القرآن‪ ،‬محمد رجب البيومي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشللق‪ ،‬الطبعللة‬
‫الولى‪1417 ،‬هل‪.‬‬
‫)‪ (1‬سورة هود‪ ،‬آية ‪.91‬‬
‫)‪ (2‬سورة طه‪ ،‬آية ‪.98‬‬
‫)‪ (3‬انظللر ‪ :‬الصللحاح للجللوهري‪ ،‬مللادة )جللدد( ‪،2/454‬‬
‫والقاموس المحيط‪ ،‬مادة )جدد( ‪1/281‬‬
‫)‪ (4‬انظر ‪ :‬التجديد في السلم ص ‪ ،39 :‬كتاب المنتللدى‪،‬‬
‫والفقه السلمي‪ ،‬آفللاقه وتطللوره‪ ،‬عبللاس حسللني‪ ،‬مجلللة‬
‫دعوة الحق‪ ،‬عدد )‪ (10‬ص ‪. 83 :‬‬

‫‪308‬‬
‫)‪(5‬منهم‪ :‬الزين العراقللي والسللخاوي والمنللاوي واللبللاني‬
‫)انظر‪ :‬الجامع الصغير مع فيللض القللدير للمنللاوي ‪،2/282‬‬
‫والمقاصد الحسنة ص‪ ،121 :‬صحيح الجامع ‪.1/382‬‬
‫)‪(6‬انظر ‪ :‬التنبئة ص ‪) 2‬مخطللوط( نقل ً عللن التجديللد فللي‬
‫السلم ص ‪ ،16 :‬الفقه السللمي بيلن الصلالة والتجديلد‬
‫للقرضاوي ص ‪.20-6‬‬
‫)‪(7‬الفقللله السللللمي بيلللن الصلللالة والتجديلللد‪ ،‬يوسلللف‬
‫القرضاوي ص ‪.20 – 6‬‬
‫)‪(8‬مصللطفى صللادق الرافعللي‪ ،‬فللارس القلللم تحللت رايللة‬
‫القرآن‪ ،‬محمد رجب البيومي‪ ،‬ص ‪.293 :‬‬
‫)‪(9‬الحديث أخرجه أبو يعلى في مسنده ‪ ،10/385‬وضعفه‬
‫ابللن حجللر فللي التلخيللص ‪ ،3/93‬واللبللاني فللي السلسلللة‬
‫الضعيفة ‪1/296‬‬
‫)‪ (10‬الجتهلللاد المعاصلللر بيلللن النضلللباط والنفلللراط‪،‬‬
‫للقرضاوي‪ ،‬ص ‪.30 :‬‬
‫)‪ (11‬ديوان المتنبي‪ ،‬ص ‪.541‬‬
‫)‪(12‬انظللر ‪ :‬مثل‪ :‬معجللم لغللة الفقهللاء ‪ ،‬لمحمللد رواس‬
‫قلعجي‪ ،‬وحامد قنبي‪ :‬دار النفائس‪ .‬وفيلله بيللان المقللدرات‬
‫السابقة بمقدرات معاصرة‪.‬‬
‫)‪ (13‬نحو فقه ميسر ‪ ،‬للقرضاوي ص ‪ ،22 – 16‬دار وهبة‬
‫‪.‬‬
‫)‪(14‬انظر‪ :‬الدليل إلى المتللون العلميللة ‪ ،‬عبللد العزيللز بللن‬
‫إبراهيم بن قاسم ‪ ،‬ص ‪ ،386‬دار الصميعي‪ -‬الرياض‪.‬‬
‫)‪ (15‬انظر ‪ :‬الفكر السامي فللي تاريللخ الفقلله السلللمي‪،‬‬
‫للحجوي ‪ 2/183‬دار التراث – القاهرة‪.‬‬
‫)‪(16‬انظر ‪ :‬الوجيز في أصول التشريع السلللمي‪ ،‬محمللد‬
‫حسن هيتو )ص ‪.(531 – 526 :‬‬
‫)‪ (17‬أصول الفقه السلمي‪ ،‬وهبة الزحيلي ‪.2/752‬‬
‫)‪ (18‬انظلللر ‪ :‬العتصلللام‪ ،‬للشلللاطبي ‪ ،2/114‬المكتبلللة‬
‫التجارية الكبرى – مصر‪.‬‬
‫)‪ (19‬أصول الفقه السلمي‪ ،‬وهبة الزحيلي ‪2/753‬‬
‫)‪ (20‬الجتهلللاد المعاصلللر بيلللن النضلللباط والنفلللراط‪،‬‬
‫للقرضاوي ص ‪ ،74 ،73‬دار التوزيع والنشر القاهرة‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫)‪(21‬أثللر الدلللة المختلللف فيهللا فللي الفقلله السلللمي‪،‬‬
‫مصطفى البغا‪ ،‬ص ‪.36 :‬‬
‫)‪(22‬الجتهاد المعاصر‪ ،‬ص ‪ 46‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪(23‬جمللع الجوامللع‪ ،‬لبللن السللبكي ‪ ،2/386‬الللوجيز فللي‬
‫أصول التشريع ص ‪.533‬‬
‫==============‬
‫‪#‬المصارف السلمية بين النظرية والتطبيق‬
‫د‪ .‬عبد الرزاق رحيم جدي الهيتي ‪15/3/1423‬‬
‫‪27/05/2002‬‬
‫اسم الكتاب‪:‬المصارف السلمية بين النظرية والتطبيق‬
‫المؤلف ‪:‬د‪ .‬عبد الرزاق رحيم جدي الهيتي‬
‫الناشر ‪ :‬دار أسامة‪/‬الردن‬
‫عدد الصفحات‪795:‬‬
‫يشتمل البحث على مقدمة وأربعة أبواب وخاتمة‪.‬‬
‫فللي المقدمللة بيللن المؤلللف أهميللة الموضللوع ‪ ،‬وأسللباب‬
‫اختياره‪ ،‬وذكر المصادر الساسللية الللتي اعتمللد عليهللا فللي‬
‫هذه الدراسة‪ ،‬ومنهجية البحث فيها‪.‬‬
‫وفي الباب الول تحدث عن المصللارف الربويللة مللن خلل‬
‫فصلين‪ :‬في الول تطرق إلى تعريف المصارف ثللم نشللأة‬
‫العمل المصرفي ومراحل تطللوره بللدأ ً بالعمللل المصللرفي‬
‫في القرون الوسطى مرورا ً بالحضارة السلمية ثم العمل‬
‫المصرفي في ظل الحضارات الحديثة ‪.‬‬
‫ثم تحللدث عللن وظللائف المصللارف مللن أعمللال الصلليرفة‬
‫العتيادية‪ ،‬واستثمار الودائع‪ ،‬وإيجاد النقود وابتكارها ‪.‬‬
‫وفي آخر هذا الفصل تحللدث عللن أنللواع المصللارف فللذكر‬
‫المصارف المركزية ‪،‬والتجارية ‪،‬والمتخصصة‪.‬‬
‫وأما الفصل الثاني فكان حول الربا ‪ :‬تعريفه ‪ ،‬ثللم نللوعيه‪:‬‬
‫ربا الفضل وربا النسيئة ‪ ،‬بعد ذلك عرض للفرق بين الربللا‬
‫والربح‪ ،‬ثم ذكر أدلة تحريم الربا من الكتاب ثم من السللنة‬
‫ثم الجماع ‪ ،‬كما أشار إلى علة تحريمه‪.‬‬
‫وفي آخر هذا الفصلل علرض لنطلاق تحريلم الربلا وبعلض‬
‫الشبه التي أثيرت حوله‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫وأما البلاب الثلاني فجعلله فلي ثلثلة فصلول ‪،‬تطلرق فلي‬
‫الول منها إلى المصارف السلمية فبدأ بتعريفها ثم كيفية‬
‫نشأتها ‪،‬والعوامللل الللتي سللاعدت علللى إنشللاء المصللارف‬
‫السلمية‪ .‬بعد ذلك تحدث المؤلف عن خصائص المصارف‬
‫السلمية ‪.‬‬
‫وفي الفصل الثاني تحدث عن أسس المصارف السلللمية‬
‫ودورها في تصحيح المسار القتصادي‪.‬‬
‫بينما في الفصل الثالث والخيللر تطللرق المؤلللف لمصللادر‬
‫الموال في المصارف السلمية‪.‬‬
‫وفي الباب الثالث تحدث عن وظيفة المصارف السلللمية‬
‫خلل فصلين ‪:‬‬
‫في الول تكلللم عللن العمللال والخللدمات المصللرفية مللن‬
‫قبلللول للحسلللابات )اللللودائع( المصلللرفية كالحسلللابات‬
‫الجاريللة)ودائع تحللت الطلللب(‪ ،‬والسللتثمارية المشللتركة‬
‫والمخصصة ‪ ،‬وشهادات الستثمار‪.‬ثم التحويلت المصرفية‬
‫‪ ،‬وتحصيل الوراق التجارية وخصمها ‪،‬ثلم الكتتلاب وحفلظ‬
‫الوراق المالية ‪،‬ثم بيللع وشللراء السللهم والسللندات ‪،‬وبيللع‬
‫وشراء العملت الجنبية ‪ ،‬وتأجير الصناديق الجديدة‪.‬‬
‫وفللي الجللزء الثللاني لهللذا الفصللل تحللدث عللن مجموعللة‬
‫الخدمات الجتماعية للمصارف السلمية كالقرض الحسن‬
‫‪،‬وإدارة الممتلكات والزكللاة والوصللايا والتركللات والكفالللة‬
‫المصرفية ) خطاب الضمان( ‪ ،‬والعتمادات المستندية ‪.‬‬
‫وفي كل خدمة تحدث عن التكييف الشللرعي الفقهللي لهللا‬
‫بأسلوب العرض والمناقشة ثم الترجيح‪.‬‬
‫وفي الباب الثللاني تحللدث عللن السللتثمار فللي المصللارف‬
‫السلمية ‪ ،‬بدأه بأسس استثمار رأس المال فللي السلللم‬
‫وأهداف الستثمار في المصارف السلمية‪.‬‬
‫ثم تحدث عن أشكال الستثمار في المصارف السلللمية ‪:‬‬
‫كالمضاربة ‪ ،‬والمشاركة فللي رأس المللال‪ ،‬وبيللع المرابحللة‬
‫بنوعيه البسيط والمركب ‪ ،‬والللبيوع المؤجلللة )بيللع السلللم‬
‫والتقسيط( ‪ ،‬وبيع الستصناع‪ ،‬وسندات المقارضة‪.‬‬
‫وفي البللاب الرابللع تحللدث عللن المصللارف السلللمية فللي‬
‫مرحلة التطبيق من خلل فصلين في الول تطللرق لنللواع‬

‫‪311‬‬
‫المصارف السلمية‪ :‬الحكومية‪ ،‬والدولية ‪ ،‬والخاصللة ‪ ،‬ثللم‬
‫دراسة ميدانية لثلثلة مصلارف إسللمية‪ :‬البنلك السللمي‬
‫الردنللي ‪ ،‬بنللك قطللر السلللمي‪ ،‬والمصللرف العراقللي‬
‫السلمي ‪،‬وذلللك مللن خلل نشللأته ‪ ،‬وأهللدافه ‪ ،‬ومصللادره‬
‫الماليللة ‪ ،‬والعمللال والخللدمات الللتي يقللوم بهللا ‪ ،‬ثللم‬
‫ملحظات عامة حول هذا المصرف‪.‬‬
‫وأما الفصللل الثللاني فتحللدث فيلله عللن المآخللذ علللى هللذه‬
‫المصللارف ثللم بعللض المشللاكل والصللعوبات )الداخليللة‬
‫والخارجية(التي تعاني منها المصارف السلمية‪.‬‬
‫ثم تحدث في آخر هذا الفصل عن عوامل نجاح المصللارف‬
‫السلمية وبعض الشبه التي أثيرت حولها ومناقشتها ‪.‬‬
‫وفي نهاية البحث ذكر المؤلف خاتمة أشار فيهللا إلللى أهللم‬
‫النتائج التي توصل إليهللا ‪ ،‬مللع بعللض التوصلليات الللتي رأى‬
‫أنها تساعد على إنجاح هذه التجربة‪.‬‬
‫============‬
‫‪#‬منهجية التيسير في الفتوى‬
‫لجنة البحث العلمي في الموقع ‪12/7/1423‬‬
‫‪19/09/2002‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لله والصلة والسلم علللى رسللول الللله وعلللى آللله‬
‫وصحبه أجمعين ‪ .‬أما بعد ‪:‬‬
‫فقد كثر الكلم حول مسألة التيسير في الفتللوى ‪،‬والنللاس‬
‫مغّرب‪ ،‬وعز الوسللط ‪ ,‬ولللذا رأت لجنللة‬ ‫شرق‪ ،‬و ُ‬‫م ّ‬
‫فيها بين ُ‬
‫البحللث العلمللي فللي موقللع )السلللم اليللوم( الدلء بهللذا‬
‫البحللث رجللاء أن يكللون مللدخل ً لبللاب الحللوار ‪،‬والتأصلليل‬
‫العلملللي لهلللذه المسلللألة لجعلهلللا منضلللبطة بضلللوابطها‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫نسأل الله أن يهدينا لما اختلف فيلله مللن الحللق بللإذنه إنلله‬
‫يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫ألفاظ عنوان البحث‪:‬‬
‫المنهج في اللغة هو الطريق الواضح)‪،(1‬وفي الصللطلح ‪:‬‬
‫الخطة المرسومة ‪،‬أي الطريق التي يسللير عليهللا السللالك‬

‫‪312‬‬
‫في أي مجال‪.‬ونريللد بالمنهللج هنللا الطريللق الصللحيح الللذي‬
‫يجب أن يسلكه المفتي في عملية التيسير‪.‬‬
‫والتيسير من اليسر‪،‬وهو اللين والنقياد والسهولة وهو ضد‬
‫العسر)‪ ،(2‬وفي الصطلح‪ :‬التسهيل على المكلف‪ ،‬ورفللع‬
‫الحرج عنه بما هو سائغ شرعا ً ‪.‬‬
‫والفتوى في اللغة تبيين الحكللم ‪،‬يقللال‪ :‬أفللتى الفقيلله فللي‬
‫المسألة إذا بين حكمهللا )‪،(3‬وفللي الصللطلح‪:‬الخبللار عللن‬
‫الحكم الشرعي عن دليل شرعي على غير وجه اللللزام‪).‬‬
‫‪ (4‬شروط الفتاء ‪:‬‬
‫‪ -1‬العلم الشرعي ‪:‬‬
‫فيجب أن يكون المفتي قد بلغ المنزلة العلمية التي تؤهله‬
‫للفتاء حسب الشروط التي ذكرها الصوليون في كتبهم ‪،‬‬
‫فل يجوز إفتاء من ل يعرف حكم الله في المسللألة لقللوله‬
‫تعالى ‪) :‬ول تقف ما ليس لك به علللم إن السللمع والبصللر‬
‫والفللؤاد كللل أولئك كللان عنلله مسللؤول()السللراء ‪( 36‬ل ‪،‬‬
‫وقوله تعالى‪ ):‬قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهللر منهللا‬
‫وما بطن والثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم‬
‫ينللزل بلله سلللطانا وأن تقولللوا علللى الللله مللا ل تعلمللون(‬
‫)العللراف ‪ ، (33‬وقللوله تعللالى‪):‬ول تقولللوا لمللا تصللف‬
‫ألسنتكم الكذب هذا حلل وهللذا حللرام لتفللتروا علللى الللله‬
‫الكذب()النحل ‪. (116‬‬
‫‪ -2‬معرفة الواقع ‪:‬‬
‫قال ابن القيم – رحمه الله –‪":‬ول يتمكن المفتي ‪،‬والحاكم‬
‫من الفتوى ‪،‬والحكم بالحق إل بنوعين من الفهم ‪ :‬أحللدهما‬
‫‪ :‬فهم الواقع ‪،‬والفقه فيه ‪،‬واستنباط علم حقيقللة مللا وقللع‬
‫بالقرائن ‪،‬والمارات ‪،‬والعلمات ‪،‬فالعللالم يتوصللل بمعرفللة‬
‫الواقع ‪،‬والتفقه فيه إلللى معرفللة حكللم الللله ورسللوله فللي‬
‫المسألة")‪(5‬‬
‫‪ -3‬معرفة مقاصد الشريعة ‪:‬‬
‫وهو من ضوابط الفتاء ‪،‬وذلك أنه شرط أولي للجتهاد لن‬
‫الشللرائع إنمللا جللاءت برعايللة مصللالح البشللر الماديللة‬
‫والمعنوية ‪،‬قال الشاطبي رحمه الله ‪" :‬إنما تحصللل درجللة‬
‫الجتهللاد لمللن اتصللف بوصللفين أحللدهما ‪ :‬فهللم مقاصللد‬

‫‪313‬‬
‫الشريعة على كمالها ")‪ .(6‬وقال شيخ السلم ابن تيمية –‬
‫رحملله الللله‪": -‬خاصللة الفقلله فللي الللدين معرفللة حكمللة‬
‫الشريعة ‪،‬ومقاصدها ومحاسنها ")‪. (7‬‬
‫‪ -4‬طلب الحق ‪:‬‬
‫أي أن على المفتي عند النظر في النازلة أن يفتي بحسب‬
‫ما أوصله إليه اجتهاده أنه الحق‪ ،‬ول يجوز له أن يفتي بمللا‬
‫شاء من القوال ‪،‬والوجوه من غير نظر في الترجيح ‪ ،‬بللل‬
‫يكتفللي كللون ذلللك قللول ً قللاله إمللام ‪،‬أو وجه لا ً ذهللب إليلله‬
‫جماعة‪ ،‬فيفتي بما شاء مللن الوجللوه ‪،‬والقللوال حيللث رأى‬
‫أن ذلك القول‪،‬وفق إرادته وغرضه عمل به‪,‬فيجعل إرادتلله‬
‫وغرضه المعيار‪،‬وبهما الترجيح ‪،‬وهذا حرام باتفاق المة بل‬
‫هو من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر)‪.(8‬‬
‫مفهوم التيسير ‪:‬‬
‫إن التيسير الذي دعت إليه الشريعة ‪،‬ودلت عليه النصوص‬
‫هو السماحة ‪،‬والسهولة ‪،‬ورفع الحرج عللن المكلللف بمللا ل‬
‫يصادم نصا ً شرعيا ً ‪،‬مراعللاة للظللرف ‪،‬والزمللان ‪،‬والمكللان‬
‫‪،‬والوضع الجتماعي ‪،‬والسياسي الذي حصلت فيه الواقعللة‬
‫ما دام أن هناك مخرجا ً شرعيا ً يسنده دليل شرعي‪ ,‬فعلى‬
‫المفتي مراعاة ذلك ‪،‬فليس الحكم للقوي مثل الضللعيف ‪،‬‬
‫ن كان في حال السللعة كمللن‬ ‫ول للمن مثل الخائف‪ ،‬ول م ْ‬
‫كان في حال الضطرار أو الحاجة ‪،‬ومن تتبع الهدي النبوي‬
‫وجد ذلك جليا ً ‪.‬‬
‫وهكللذا كللان هللدي الصللحابة الكللرام رضللي الللله عنهللم‬
‫ن أدركت مللن أصللحاب‬ ‫م َْ‬
‫أجمعين ‪ ،‬قال عمر بن إسحاق" ل َ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر لمن سبقني منهللم‪،‬‬
‫فما رأيللت قوم لا ً أيسللر سلليرة ‪،‬ول أقللل تشللديدا ً منهللم ")‬
‫‪(9‬وقال رجاء بللن أبللي سلللمة ‪ :‬سللمعت عبللادة بللن نسللي‬
‫الكندي‪،‬وسئل عن المرأة مللاتت مللع قللوم ليللس لهللا ولللي‬
‫فقال‪ ":‬أدركللت أقواملا ً مللا كللانوا يشللددون تشللديدكم ‪،‬ول‬
‫يسألون مسائلكم")‪(10‬قال سفيان بن عيينة عللن معمللر ‪:‬‬
‫"إنما العلم أن تسللمع بالرخصللة مللن الثقللة‪,‬فأمللا التشللديد‬
‫فيحسنه كل واحد")‪ (11‬وقال الشعبي ‪" :‬إذا اختلف عليك‬
‫المران ‪،‬فإن أيسرهما أقرب إلى الحق")‪.(12‬‬

‫‪314‬‬
‫وليس المراد بالتيسير تتبللع رخللص العلمللاء وزلتهللم ‪،‬فللإن‬
‫ذلك تلعب بدين الله ‪،‬ول يجوز للمفتي أن يفتي بخلف ما‬
‫يعتقد‪(13).‬ونقل الشللوكاني عللن الللبيهقي أنلله حكللى عللن‬
‫ي‬‫إسماعيل القاضي قال‪ :‬دخلت على المعتضللد‪ ،‬فرفللع إل ل ّ‬
‫ت له فيه الرخص من زلل العلماء ‪ ،‬وما احتج‬ ‫جمع ْ‬ ‫كتابا ً قد ُ‬
‫به كل منهم ‪ ،‬فقلت‪" :‬مصنف هذا زنديق ‪،‬وما من عالم إل‬
‫وله زلة‪ .‬ومن جمع زلل العلماء ‪ ،‬ثم أخذ بها ذهللب دينلله")‬
‫‪(14‬‬
‫أدلة التيسير ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬من القران ‪:‬‬
‫‪ -‬قال الله تعللالى‪ ) :‬يريللد الللله بكللم اليسللر ول يريللد بكللم‬
‫العسر( )البقرة ‪(185‬‬
‫قال الشللوكاني ‪" :‬فللي اليللة أن هللذا )اليسللر(مقصللد مللن‬
‫مقاصد الرب سبحانه‪ ،‬ومراد من مراداته في جميللع أمللور‬
‫الدين")‪.(15‬وقال ابن سعدي رحمه الللله ‪ ":‬أي يريللد الللله‬
‫تعللالى أن ييسللر عليكللم الطللرق الموصلللة إلللى رضللوانه‬
‫أعظم تيسير ‪ ،‬ويسهلها أبلغ تسهيل‪ ،‬ولهذا كللان جميللع مللا‬
‫أمللر الللله بلله عبللاده فللي غايللة السللهولة فللي أصللله‪ ،‬وإذا‬
‫حصلللت بعللض العللوارض الموجبللة لثقللله ‪ ،‬سللهله تسللهيل ً‬
‫آخر ‪ ،‬إما بإسقاطه أو تخفيفه بأنواع التخفيفات" )‪. (16‬‬
‫‪ -‬قال تعالى‪) :‬ما جعل عليكم في الدين من حرج ( )الحللج‬
‫‪(78‬‬
‫قال ابن عباس رضي الللله عنلله‪:‬أي مللن ضلليق‪ ,‬والتعريللف‬
‫بأل في )الدين( للستغراق)‪.(17‬‬
‫قللال السلليوطي ‪" :‬اليللة أصللل قاعللدة " المشللقة تجلللب‬
‫التيسير")‪.(18‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬من السنة‬
‫‪ -‬قالت عائشة رضي الله عنها ‪":‬ما خّير رسول الله صلللى‬
‫الله عليه وسلم بين أمرين إل اختار أيسرهما مللا لللم يكللن‬
‫إثما ً ‪،‬فإن كان إثما ً كان أبعد الناس منه")‪(19‬‬
‫‪ -‬وفي الصحيحين عللن أبللي موسللى الشللعري أن رسللول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال لمعللاذ وأبللي موسللى حيللن‬

‫‪315‬‬
‫سللرا ‪،‬وبشللرا ‪،‬ول تنفللرا‬ ‫سللرا ‪،‬ول تع ّ‬
‫بعثهما إلى اليمن ‪ ":‬ي ّ‬
‫‪،‬وتطاوعا ‪،‬ول تختلفا "‬
‫وفيهما عن أنس نحوه ‪ (20).‬إلى غير ذلللك مللن النصللوص‬
‫الدالة على المراد ‪.‬‬
‫وقد استنبط العلماء رحمهم الله من هذه النصوص قواعللد‬
‫شرعية عامة تدل على التيسير ‪،‬ومنها ‪:‬‬
‫‪ -1‬المشقة تجلب التيسير‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا ضاق المر اتسع ‪.‬‬
‫‪ -3‬الحاجة تنزل منزلة الضرورة )‪.(21‬‬
‫مجال التيسير في الفتوى ‪:‬‬
‫سبق أن التيسير من قواعللد هللذا الللدين ‪،‬ومحاسللنه الللتي‬
‫حث الشارع على تحصيلها‪,‬ولكللن لبللد مللن إدراك أن فللي‬
‫الشريعة ما هللو ثللابت ‪،‬ومللا هللو متغيللر‪ ,‬فأمللا الثللابت مللن‬
‫الدين‪ ،‬فقد أطلقه العلماء على المور القطعيللة ‪،‬ومواضللع‬
‫ة فلي كتللابه أو عللى‬ ‫الجماع التي أقام الله بها الحجلة بّينل ً‬
‫لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ‪،‬ول مجال فيها لتطوير أو‬
‫اجتهاد )‪. (22‬‬
‫قال الشافعي رحمه الله ‪":‬كل ما أقام به الله الحجللة فللي‬
‫كتابه أو على لسان نبيه منصوصا ً بينلا ً ‪ ،‬للم يحلل الختلف‬
‫فيه لمن علمه")‪.(23‬‬
‫ومجللال الثللوابت هللو كليللات الشللريعة ‪،‬وأغلللب مسللائل‬
‫العتقاد ‪،‬وأصول الفللرائض ‪،‬وأصللول المحرمللات ‪،‬وأصللول‬
‫الفضللائل والخلق ‪ ،‬ول يجللوز أن يوضللع شلليء مللن هللذه‬
‫المور القطعية موضع الجدل والنقاش ‪ ،‬كأن يقال بتعطيل‬
‫الزكللاة اكتفللاء بالضللرائب ‪ ،‬أو فريضللة الصللوم تشللجيعا ً‬
‫للنتاج‪ ,‬أو الحج توفيرا ً للعملة‪ ,‬أو إباحة الخمر ترغيبللا ً فللي‬
‫السياحة‪ ,‬أو إباحة الربا دعما ً للتنمية‪ ,‬أو غير ذلك ‪،‬والقللول‬
‫به خروج عن السلم ومروق مللن الللدين ‪،‬والمسللاس بهللا‬
‫فساد عريض لن شأنها شأن القوانين الكونية التي تمسك‬
‫السللموات والرض أن تللزول)‪.(24‬فل يللدخل التيسللير فللي‬
‫الثوابت إل لعارض الضرورة إذا كان من المحللرم لللذاته أو‬
‫عارض الحاجة إن كان من المحرم لغيللره‪ ،‬فمثللال الول ‪:‬‬
‫جواز شرب الخمر للكللراه ‪،‬ومثللال الثللاني ‪ :‬جللواز كشللف‬

‫‪316‬‬
‫المرأة المريضة أمام الطبيب عند عدم وجود طبيبة ‪،‬وهذه‬
‫الحكلللام تكلللون لعلللارض الضلللرورة أو الحاجلللة ‪،‬وتلللزول‬
‫بزوالها ‪.‬‬
‫وأما المتغير فهو ما كان من موارد الجتهاد ‪ ،‬وكللل مللا لللم‬
‫يقم عليه دليل قاطع مللن نللص صللحيح أو إجمللاع صللريح )‬
‫‪. (25‬‬
‫يقول الشافعي‪":‬وما كان من ذلك يحتمل التأويللل ويللدرك‬
‫قياسا ً ‪،‬فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخللبر‬
‫أو القياس ‪ ،‬وإن خالفه غيره لم أقل أنه يضيق عليه ضلليق‬
‫الخلف في المنصوص ")‪(26‬‬
‫ومجال المتغير المللور الجتهاديللة‪ ،‬والحكللام الللتي ارتبللط‬
‫مناط الحكم فيها بالزمللان ‪،‬والمكللان ‪،‬والحللوال ‪،‬والعللوائد‬
‫كم المرعية )‪،(27‬وكللذا‬ ‫ح َ‬
‫بما يحقق المصلحة الشرعية وال ِ‬
‫حال المستفتي قوة وضعفا ً ‪،‬والقرائن المصاحبة للواقعة ‪،‬‬
‫حك َللم‬
‫وكذا إن تردد الحكم عند المفتي بين اليسر والشللد َ‬
‫باليسر لن أصول الدين تقتضيه ‪،‬وهذا ما لم يخالف نصا ً ‪.‬‬
‫قال ابن القيم – رحمه الللله – "‪ :‬الحكللام نوعللان ‪ :‬نللوع ل‬
‫يتغيللر عللن حالللة واحللدة هللو عليهللا ‪ ،‬ل بحسللب الزمنللة‬
‫والمكنة ‪ ،‬ول اجتهاد الئمللة كوجللوب الواجبللات ‪ ،‬وتحريللم‬
‫المحرمات ‪،‬والحدود المقدرة على الجللرائم ‪،‬ونحللو ذلللك ‪،‬‬
‫فهذا ل يتطرق إليه تغيير‪ ،‬ول اجتهاد يخالف ما وضع عليه ‪.‬‬
‫والنللوع الثللاني ‪ :‬مللا يتغيللر بحسللب اقتضللاء المصلللحة للله‬
‫زمانللا ً ‪،‬ومكانللا ً ‪،‬وحللال ً ‪،‬كمقللادير التعزيللرات ‪،‬وأجناسللها‬
‫‪،‬وصفاتها ‪ ،‬فللإن الشللارع ينللوع فيهللا بحسللب المصلللحة ")‬
‫‪.(28‬‬
‫تنبيه ‪:‬‬
‫ذهب طائفة من أهلل العلللم إللى أنلله ل يوجلد متغيللر فللي‬
‫الشريعة‪ ,‬و شنوا حملة ضد مصطلح المتغير ‪ ،‬وقالوا إنه ل‬
‫تغير في أحكام الشريعة ‪،‬وإن بدا أنلله تبللدل أو تغيللر ‪،‬فهللو‬
‫في الحقيقة ليس تغيرا ً لحكم شرعي ‪،‬وإنما هو تغير مناط‬
‫الحكام المتعلقة بأمر من المور ‪،‬وأن الحكم يتغيللر بتغيللر‬
‫مناطه )‪.(29‬وعند تحرير محل النللزاع بيللن الفريقيللن نجللد‬
‫أن الخلف لفظي ‪،‬وذلك أن القائلين بللالتغير إنمللا يقولللون‬

‫‪317‬‬
‫بتغير الحكام المعللة إذا اختلفت العلة أو زالللت ‪ ،‬وكللذلك‬
‫الحكام المترتبللة علللى العللوائد ‪،‬والعللراف ‪،‬واعتبللار حللال‬
‫الزمللان والمكللان ‪ ،‬أمللا الحكللام الثابتللة ‪،‬فل تغيللر فيهللا‬
‫‪،‬وجعلللوا عللدم مخالفللة النللص ضللابطا ً لبللد مللن اعتبللاره‬
‫بالدرجة الولى ‪.‬‬
‫والقائلون بعدم التغيير أقروا التغيير عملي لا ً ‪،‬ولكللن سللموه‬
‫تغيير مناط الحكم ‪،‬وأن التغييللر حصللل لختلف المنللاط ل‬
‫للحكم نفسه وحاصل النتيجة واحد ‪.‬‬
‫تغير الفتوى‬
‫لقللد تقللرر عنللد الئمللة أن الفتللوى تتغيللر بتغيللر الزمللان ‪,‬‬
‫والمكان والعوائد والحوال ‪.‬‬
‫قال ابن القيللم – رحملله الللله ‪ ":‬فصللل فللي تغيللر الفتللوى‬
‫‪،‬واختلفهللا بحسللب تغيللر الزمنللة ‪،‬والمكنللة ‪،‬والحللوال‬
‫‪،‬والنيات والعوائد‪- ..‬ثم قال ‪ -:‬وهذا فصل عظيم النفع جدا ً‬
‫‪،‬وقد وقع بسللبب الجهللل بلله غلللط عظيللم علللى الشللريعة‬
‫أوجب من الحرج ‪،‬والمشقة ‪،‬وتكليف ما ل سللبيل إليلله مللا‬
‫يعلللم أن الشللريعة البللاهرة الللتي هللي فللي أعلللى رتللب‬
‫المصالح ل تأتي به ‪،‬فإن الشريعة مبناهللا ‪،‬وأساسللها علللى‬
‫الحكم ‪،‬ومصالح العباد في المعاش والمعاد" )‪.(30‬‬
‫ويقول القرافي –رحمه الللله ‪" : -‬إن إجللراء الحكللام الللتي‬
‫مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلف الجماع ‪،‬وجهالة‬
‫في الدين بل كل ما هو فللي الشللريعة يتبللع العللوائد يتغيللر‬
‫الحكللم فيلله عنللد تغيللر العللادة إلللى مللا تقتضلليه العللادة‬
‫المتجددة")‪.(31‬‬
‫وجاء في مجلة الحكام العدلية المادة )‪" :(39‬ل ينكر تغير‬
‫الحكام بتبدل الزمان"‬
‫أسباب تغير الفتوى ‪،‬وأثرها على التيسير‪:‬‬
‫‪ -1‬تغيير الزمان ‪:‬‬
‫إن تغير الفتللوى بتغيللر الزملان ممللا شلهدت لله النصلوص‬
‫الشللرعية ‪ ،‬فالتللدرج فللي الشللريعة فيلله دللللة علللى تغيللر‬
‫الفتوى بتغير الزمان ‪،‬والزمان ليس هو سبب تغير الفتللوى‬
‫بحد ذاته ‪ ،‬إنما بما فيه مللن ملبسللات اقتضللت ذلللك ومللن‬
‫الدلة على ذلك ‪:‬‬

‫‪318‬‬
‫‪ -‬البراد بالصلة زمن شدة الحر ‪،‬فعللن أبللي هريللرة وابللن‬
‫عمر قللال قللال صلللى الللله عليلله وسلللم " إذا اشللتد الحللر‬
‫فللأبردوا بالصلللة فللإن شللدة الحللر مللن فيللح جهنللم ")‬
‫‪،(32‬فانتقل عن الصل الذي هو استحباب التبكير بالصلللة‬
‫في أول وقتها إلى استحبابه في آخره لتغير الزمن ‪.‬‬
‫‪ -‬الصلللة فللي الللبيوت فللي الليلللة البللاردة مللع أن الصللل‬
‫وجوب الصلة في المساجد جماعة ‪ ،‬ففي الصحيحين عللن‬
‫ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالصلة‬
‫في الرحال في الليلة الباردة )‪ -. (33‬ومن ذلك أن رسول‬
‫الللله صلللى الللله عليلله وسلللم نهللى أن تقطللع اليللدي فللي‬
‫الغزاة)‪.(34‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك النهي عن الدخار في الضاحي أكثر مللن ثلث‬
‫في زملن الفاقلة ‪،‬فعلن عائشلة رضلي اللله عنهلا قلالت ‪:‬‬
‫"دف‪-‬أي أقبلللل‪ -‬النلللاس ملللن أهلللل الباديلللة فحضلللرت‬
‫الضللحى ‪،‬فقللال رسللول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم ‪":‬‬
‫إدخروا لثلث ‪،‬وتصدقوا بما بقي " قالت عائشة ‪،‬فلما كان‬
‫بعد ذلك قلللت‪ :‬يللا رسللول الللله قللد كللان النللاس ينتفعللون‬
‫بضحاياهم‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم"إنما كنللت نهيتكللم‬
‫للدافة التي دفت ‪،‬فكلوا ‪،‬وتصدقوا ‪،‬وتللزودوا" وفللي روايلة‬
‫"فعلت ذلك من أجل الدافة ")‪.(35‬‬
‫ولهللذا عنللدما خطللب علللي رضللي الللله عنلله النللاس زمللن‬
‫عثمان ‪،‬والناس في فاقة ‪،‬وجوع ذكرهم بنهي النبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم عن الدخار)‪.(36‬‬
‫أمثلة تطبيقية ‪:‬‬
‫‪ -‬تحريم بيع السلح في زمللن الفتنللة مللع أن الصللل جللواز‬
‫بيعه)‪.(37‬‬
‫‪ -‬جواز تولية الفاسق للقضاء عند فساد الزمان)‪.(38‬‬
‫‪ -2‬تغير المكان‪:‬‬
‫إن تغير الفتللوى بتغيللر المكللان مللن أسللباب التيسللير فللي‬
‫الفتوى ‪،‬ويدل لذلك ما رواه البخاري معلقا ً "قال طللاووس‬
‫قال معاذ رضي الله عنه لهل اليمن ‪ :‬ائتوني بعرض ثيللاب‬
‫خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير ‪،‬والللذرة أهللون‬

‫‪319‬‬
‫عليكللم‪ ،‬وخيللر لصللحاب النللبي صلللى الللله عليلله وسلللم‬
‫بالمدينة")‪.(39‬‬
‫ومما يدل عليه إخراج زكاة الفطر من قوت البلد لنه أنفع‬
‫لفقراء البلد وأيسر على المتصدقين‪.‬‬
‫فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال ‪ :‬فللرض رسللول الللله‬
‫صلى الله عليلله وسلللم صللدقة الفطللر صللاعا ً مللن تمللر أو‬
‫صاعا ً من شعير)‪. (40‬‬
‫قال ابن القيم رحمه الله – ‪":‬وهلذه كلانت غللالب أقلواتهم‬
‫في المدينة‪ ،‬فأما أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلللك‪ ،‬فإنمللا‬
‫عليهم صاع من قوتهم كمن قوتهم الذرة أو الرز أو الللتين‬
‫أو غير ذلك ملن الحبلوب‪ ،‬فلإن كلان قلوتهم غيلر الحبلوب‬
‫كاللبن‪ ،‬واللحم‪ ،‬والسمك أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنا ً‬
‫ما كان")‪.(41‬‬
‫أمثلة تطبيقية‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب جماعللة مللن أهللل العلللم إلللى كراهيللة الللزواج مللن‬
‫الكتابية في دار الحرب)‪.(42‬‬
‫‪ -‬إن الضيافة إنما تتأكد على أهلل الباديلة ‪،‬ول ضلليافة فلي‬
‫الحضر لوجود الفنادق ‪،‬وغيرهللا ‪،‬ولن القللرى يقللل الوافللد‬
‫إليها ‪،‬فل مشقة بخلف الحضر)‪.(43‬‬
‫‪ -‬صلللة أهللل القطللبين ‪،‬وصلليامهم ‪،‬وكللذا المنللاطق الللتي‬
‫يطول فيها وجود الشمس أو غيابها فوق العادة‪.‬‬
‫‪ -3‬تغير الشخاص‪:‬‬
‫ى‬ ‫ً‬
‫من المعلوم أن المكلفين ل يستوون قوة وضللعفا ‪ ،‬وغنلل ً‬
‫وفقرا ً ‪،‬ولذا فإن الشارع الحكيم راعى هذا الجانب ‪،‬ولكنلله‬
‫لم يخص أحدا ً لشخصه ‪،‬وإنما لوصفه ‪.‬‬
‫ويدل لذلك حديث عمران بن حصين رضي الللله عنلله قللال‬
‫كانت بي بواسير ‪،‬فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن‬
‫الصلة ‪،‬فقال‪ " :‬صل قائما ً ‪،‬فإن لم تستطع ‪،‬فقاعدا ً ‪،‬فللإن‬
‫لم تستطع ‪،‬فعلى جنب")‪.(44‬‬
‫ومما يدل على ذلك مللا جللاء فللي الصللحيحين عللن عائشللة‬
‫رضي الله عنها قالت‪ :‬اسللتأذنت سللودة النللبي صلللى الللله‬
‫عليه وسلم ليلة جمع ‪،‬وكانت ثقيلة ثبطة ‪،‬فأذن لها)‪.(45‬‬

‫‪320‬‬
‫وما سبق دليل على أن مراعاة حال الشللخص مللن أبللواب‬
‫تغير الفتللوى تيسلليرا ً أو تشللديدا ً يقللول الشلليخ محمللد بللن‬
‫عثيمين رحمه الله " إذا كانت حال المستفتي أو المحكللوم‬
‫عليه تقتضي أن تعامل معاملة خاصة عمللل بمقتضللاها مللا‬
‫لم يخالف النص")‪.(46‬‬
‫أمثلة تطبيقية ‪:‬‬
‫‪ -‬عدم التوقيت في المسح على الخفين للبريد)‪.(47‬‬
‫‪ -‬تأجيل إقامة الحد على المريض حتى يبرأ )‪.(48‬‬
‫‪ -4‬تغير العرف والعادة‪:‬‬
‫والعللرف هللو عللادة جمهللور قللوم فللي قللول أو فعللل)‬
‫‪،(49‬والعادة هي العرف ‪،‬والعرف من مجالت التيسير في‬
‫الفتوى شريطة أل يصادم نصا ً شللرعيا ً ‪،‬ولللو تعللارف عليلله‬
‫أهل الرض جميعا ً كالربا‪.‬‬
‫والللدليل علللى تغيللر الفتللوى بتغيللر العللرف قللوله تعللالى ‪:‬‬
‫) وعاشللروهن بللالمعروف(‪،‬وقللوله تعللالى)ومتعللوهن علللى‬
‫الموسع قدره وعلى المقتر قللدره متاع لا ً بللالمعروف حق لا ً‬
‫على المحسنين( )سورة البقر ‪.(236‬‬
‫ومن ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت ‪:‬قالت هند‬
‫أم معاويللة لرسللول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم إن أبللا‬
‫سفيان رجل شحيح فهل علي جناح أن آخذ من ماله سللرا ً‬
‫قال‪":‬خذي أنت وبنللوك مللا يكفيللك بللالمعروف")‪.(50‬قللال‬
‫الحللافظ‪" :‬وفيلله _ أي فللي الحللديث_ اعتمللاد العللرف فللي‬
‫المور التي ل تحديد فيها من قبل الشرع ‪،‬وقال القرطبي‪:‬‬
‫فيه اعتبار العرف في الشرعيات "‬
‫قال ابن القيم‪" :‬وعلى هذا أبدا ً تجيء الفتللاوى فللي طللول‬
‫اليام ‪،‬فمهمللا تجللد فللي العللرف ‪،‬فللاعتبره ‪،‬ومهمللا سللقط‬
‫‪،‬فألفه ‪،‬ول تجهد على النقول في الكتب طول عمللرك بللل‬
‫إذا جللاءك رجللل يسللتفتيك ‪،‬فل تجبلله علللى عللرف بلللدك ‪،‬‬
‫وسله عن عرف بلده فأجبه عليه")‪.(51‬‬
‫أمثلة تطبيقية ‪:‬‬
‫‪-‬إذا تنازع الزوجان فللي متللاع الللبيت‪،‬فللإن لكللل منهمللا مللا‬
‫جرت عليه العادة باستعماله)‪(52‬‬

‫‪321‬‬
‫‪-‬سقوط نفقة الزوجة إذا أكلت مللع زوجهللا بجريللان عللرف‬
‫الناس على ذلك‪ ،‬واكتفائهم به)‪(53‬‬
‫‪-‬تقدير اللقطة التي ل يجب تعريفها ‪.‬‬
‫ولتغير الفتوى بتغير العرف مجال للتيسير مثل أن كللل مللا‬
‫تعارف الناس على أنلله بيللع‪،‬فهللو بيللع ‪،‬ول يلللزم مللا قللرره‬
‫الفقهاء المتقدمون من صيغ اليجاب والقبول‪ ،‬وكذا سللائر‬
‫العقود‪ ،‬وإنما قرروا ذلك على أعرافهم)‪(54‬‬
‫‪ -5‬التطور ‪:‬‬
‫المللراد مللا جللد للنللاس مللن وسللائل وآلت لللم تكللن فللي‬
‫العصللور السللابقة ‪،‬وبنللاء علللى هللذا الجديللد‪ ،‬فللإن الفتللوى‬
‫تغيللرت علللى وفقلله‪ ،‬ولللم يجمللد الحكللم الشللرعي علللى‬
‫الوسائل اللتي للم تلرد للذاتها ‪،‬وللم ينلط الحكلم بهلا دون‬
‫غيرها ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬القصاص في قتل الجاني ‪،‬فقد اختلف الفقهاء‬
‫فلللي كيفيلللة القصلللاص عللللى ملللذهبين‪ :‬الول ‪:‬ماللللك‬
‫‪،‬والشافعي‪ ،‬ورواية عن أحمد أن القصلاص يكلون بالصلفة‬
‫التي وقع بها القتل‪،‬والثاني ‪:‬أبو حنيفة‪ ،‬وروايللة عللن أحمللد‬
‫أنه ل يكون إل بالسيف ‪ ،‬ولكل مذهب دليللله )‪،(55‬وليللس‬
‫المقصود تحرير المسألة‪ ،‬وإنما التمثيل لتغير الفتوى نتيجة‬
‫للتطللور ‪،‬فعلللى القللول الثللاني‪ ،‬فللإن القصللاص بالوسللائل‬
‫الحديثة التي يكون فيها تسريعا ً في إحللداث الوفللاة ‪،‬فإنهللا‬
‫تستخدم عمل ً بالمر بإحسان القتلة ‪.‬‬
‫‪ -6‬المصلحة‪:‬‬
‫إن المتتبع لمذاهب الفقهاء يجد أنهم يتفقللون عملي لا ً علللى‬
‫اعتماد المصلحة‪ ،‬وإن اختلفوا نظريا ً )‪.(56‬‬
‫والمراد بالمصلحة ‪" :‬المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم‬
‫لعباده من حفللظ دينهللم‪ ،‬ونفوسللهم‪ ،‬وعقللولهم‪ ،‬ونسلللهم‪،‬‬
‫وأموالهم طبق ترتيب معين فيما بينها )‪.(57‬‬
‫‪،‬والمصلحة باعتبار الحكم الشرعي على ثلثة أقسام‪:‬‬
‫أ‪-‬المصالح المعتللبرة شللرعا ً ‪ :‬وهللي الللتي تظللافرت الدلللة‬
‫على رعايتها‪ ،‬فهي حجة صحيحة ل خلف بيللن أهللل العلللم‬
‫في إعمالها‪ ,‬وذلك كأن ينص الشللارع علللى حكللم‪ ،‬ويجعللل‬
‫مناط الحكم تحقيق مصلحة ما‪,‬أو دفع مفسدة ما ‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫فإنه إذا وقعت حادثة أخرى تتحقق فيها هللذه المصلللحة أو‬
‫تنللدفع بهللا هللذه المفسللدة وجللب إعطاؤهللا نفللس الحكللم‬
‫للمنصوص)‪.(58‬‬
‫مثاله ‪:‬أن تعلم الرمي فيه مصلحة إرهاب أعللداء اللله كمللا‬
‫نصت عليه آية النفال‪،‬و التصنيع العسكري يأخذ حكمه لن‬
‫فيه المصلحة نفسها ‪.‬‬
‫ب‪ -‬المصللالح الملغللاة شللرعا ً ‪:‬وهللي المصللالح الللتي شللهد‬
‫الشارع بردها وأقام الدلة علللى إلغائهللا ‪،‬وهللذا النللوع مللن‬
‫المصللالح ل سللبيل لقبللوله‪ ،‬ول خلف فللي إهمللاله عنللد‬
‫الجميع)‪.(59‬‬
‫مثال ذلك ‪:‬توهم مصلحة التخفيف عن النفس مللن مللرض‬
‫أو ألم شديد بالنتحار لن هللذه المصلللحة رفضللها الشللارع‬
‫وردها بقوله تعالى ) ول تقتلوا أنفسكم ‪) ( ...‬النساء ‪(11‬‬
‫ج‪-‬المصالح المرسلة‪ :‬وهي التي لم يقم دليل مللن الشللرع‬
‫علللى اعتبارهللا‪ ،‬ول علللى إلغائهللا وسللميت مرسلللة لن‬
‫الشارع أرسلها فلم يقيدها باعتبار ول إلغاء )‪.(60‬‬
‫ودليل اعتبار المصلحة المرسلة عمل الصحابة رضي الللله‬
‫عنهم حيث حدث في زمانهم ما لم يكللن فللي زمللن النللبي‬
‫صلللى الللله عليلله وسلللم وجللدت أمللور‪ ،‬فضللربوا النقللود‪،‬‬
‫وشادوا السللجون‪ ،‬واتخللذوا الللدواوين‪ ،‬وجمعللوا المصللحف‬
‫إلى غير ذلك مما يطول حصره‪ ،‬وقد أجمع الصللحابة علللى‬
‫قبولها بما ل يدع ريبا ً ول شكًا)‪.(61‬‬
‫شروط العمل بالمصلحة المرسلة‪:‬‬
‫‪ -1‬الملئمللة بيللن المصلللحة الملحوظللة‪ ،‬ومقاصللد الشللرع‬
‫بالجملة بحيث ل تنافي أصل ً من أصوله ول دليل ً من أدلته‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون معقولة في ذاتها بحيث إذا عرضت على أهللل‬
‫العقول تلقتها بللالقبول ‪،‬فل مللدخل لهللا فللي التعبللدات لن‬
‫عامة التعبدات ل يعقل معناها على التفصيل ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون الخذ بها راجعا ً إلى حفظ أمر ضروري أو رفع‬
‫حرج لزم في الدين بحيللث لللو لللم يؤخللذ بتلللك المصلللحة‬
‫المعقولة في موضعها لكان الناس في حرج شديد‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم تفويتها مصلحة أهم‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم معارضتها للقياس الصحيح)‪.(62‬‬

‫‪323‬‬
‫أمثلة تطبيقية ‪:‬‬
‫‪ -‬امتناع عمر عن إعطاء الكبراء من الزكاة تأليفا ً لقلللوبهم‬
‫عندما قللويت شللوكة السلللم ‪ ،‬لنلله يللرى أن الحكللم كللان‬
‫لمصلحة زالت فزال حكمها)‪.(63‬‬
‫‪ -‬السفر إلللى بلد الكفللر‪ ،‬فللإن الفتللوى فيلله تتغيللر حسللب‬
‫المصلحة فإذا ظهر أن السللفر إليهللا فيلله مصلللحة مرجللوة‬
‫دون أن تجر على صاحبها مفسدة جللاز‪ ،‬وهللذا مللن أبللواب‬
‫التيسير على المكلفين حفظا ً لمصالحهم الدينية والدنيوية‪.‬‬
‫قاعدة"ارتكاب أخف الضررين " وأثرهللا فللي التيسللير فللي‬
‫الفتوى‪:‬‬
‫إن المتتبلع لكلم أهلل العللم ‪،‬وفتلاويهم يلدرك إللى ملدى‬
‫كانت هذه القاعللدة معتللبرة عنللدهم ‪،‬وقللد دلللت النصللوص‬
‫على اعتبارها ‪.‬‬
‫‪ -‬فمن ذلك قوله تعالى‪ ):‬ول تسبوا الذي يدعون مللن دون‬
‫الله فيسبوا الله عللدوا ً بغيللر علللم( )النعللام ‪ (108‬فأرشللد‬
‫سللبحانه وتعللالى إلللى تللرك سللب آلهللة المشللركين لللدرء‬
‫المفسللدة العظللم وهللي سللب المشللركين لللله سللبحانه‬
‫وتعالى بارتكاب مفسدة أقل وهي ترك سب آلهتم‪.‬‬
‫‪ -‬ومن الدلة خرق الخضر السللفينة ‪ ،‬حيللث أن خرقلله لهللا‬
‫مفسدة‪ ،‬وضرر‪ ،‬ولكن لدفع ضرر أشللد‪ ،‬وهللو أخللذ الملللك‬
‫السفينة برمتها ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها نهي النبي صلى الله عليلله وسلللم الصللحابة رضللي‬
‫الله عنهم عن النكار على العرابي الذي بال في المسجد‬
‫وقت تبوله حتى أتمه)‪(64‬‬
‫‪،‬وذلك أن النكار عليه سيؤدي إلى مفسللدة أعظللم ‪،‬وهللي‬
‫تلوث قدر أكبر من المسللجد ‪،‬وكللذا ثيللابه سللتتلوث‪ ،‬فللأقر‬
‫منكرا ً لزمن معين لدفع منكر أعظم‪.‬‬
‫وهذه القاعدة من أعظم أبواب التيسير فللي الفتللوى ذلللك‬
‫أن مللن مقاصللد الشللريعة تحصلليل المصللالح ‪،‬وتكميلهللا‬
‫‪،‬وتعطيللل المفاسللد ‪،‬وتقليلهللا ‪،‬فللإذا تزاحمللت المصللالح‬
‫فللللالواجب تحصلللليل الكمللللل منهمللللا ‪،‬وإذا تعارضللللت‬
‫مفسدتان ‪،‬فالواجب درء الكبر منهما بارتكاب الصغر‪.‬‬
‫أمثلة تطبيقية‪:‬‬

‫‪324‬‬
‫‪ -‬قبول إمامة الفاسق والمبتدع – ما لم تكن بدعته مكفرة‬
‫– إذا لم تمكن إزالتلله وذلللك لتحصلليل الجمللع والجماعللة )‬
‫‪.(65‬‬
‫‪ -‬توليللة الفاسللق فللي القضللاء إذا لللم يوجللد غيللره لللدفع‬
‫مفسدة خلو البلد من القضاء الذي يحفظ النظام أو جزءا ً‬
‫منه‪.‬‬
‫‪ -‬العمللل فللي المرافللق المهمللة‪ ،‬وإن كللان فيهللا بعللض‬
‫المنكرات‪ ،‬وذلك أن خلوها من الصللالحين مفسللدة أعظللم‬
‫من الوقوع في بعض المحظورات ‪.‬‬
‫مآل الفتوى وأثرها في التيسير ‪:‬‬
‫من المتقرر أن الفتوى الشرعية تحقق مصالح العباد ‪،‬ولذا‬
‫فإن على المفتي أن ل يفتي بما يترتب على فتواه مفاسد‬
‫أكبر ‪،‬ولو كان المر واجبا ً أو مسللتحبا ً ‪.‬قللال شلليخ السلللم‬
‫ابن تيمية‪) :‬علللى المفللتي أن يمتنللع عللن الفتللوى إن كللان‬
‫قصللد المسللتفتي –كائنللا مللن كللان‪-‬نصللرة هللواه بللالفتوى‪،‬‬
‫وليللس قصللده معرفللة الحللق‪ ،‬واتبللاعه()‪، (66‬ومللن ذلللك‬
‫امتناع النبي صلى الله عليه وسلم إعادة بناء الكعبللة علللى‬
‫قواعد إبراهيم لما في ذللك مللن فتنللة علللى القلوم اللذين‬
‫اسلموا حديثًا‪ ،‬فقد قال صلى الله عليه وسلم‪):‬يللا عائشللة‬
‫لول أن قومك حديثو عهد بجاهلية فأخاف أن تنكر قلللوبهم‬
‫لهدمت الكعبة‪ ،‬وبنيتها على قواعد إبراهيم()‪.(67‬‬
‫والمفتي متى امتنع عن الفتوى الللتي تسللبب ضللررا ً ‪،‬فقللد‬
‫سلك سبيل التيسير على الناس ‪.‬‬
‫التيسير في الفتوى بين الفراط والتفريط‬
‫جللرت العللادة الغالبللة فللي موقللف النللاس مللن القضللايا‬
‫المطروحة علللى العقللل البشللري أنهللم طرفللان ‪،‬ووسللط‪،‬‬
‫ومن تلك القضايا مسألة التيسير في الفتوى‪.‬‬
‫ففريللق سلللك بالنللاس مسلللك التشللديد ‪،‬فللألزمهم مللا ل‬
‫يطيقون أو ما يشق عليهم‪،‬وأعجزهم بحجة الخذ بللالحوط‬
‫لجهله بمسالك التيسير في الفتوى ‪)،‬وهذا الدين يسر‪،‬ولن‬
‫يشاد الدين أحد إل غلبه()‪، (68‬ولربما كان سببا ً في تنفيللر‬
‫الناس عن ديلن اللله بسللبب تحريجهللم بشلليء جعلل لهلم‬
‫الشارع فيه فسحة‪،‬فكان مخالفا ً للهدي النبللوي)يسللروا ول‬

‫‪325‬‬
‫تعسروا وبشروا ول تنفللروا ()‪ (69‬وهللذا التشللديد يحسللنه‬
‫كل أحد ‪ ,‬وهو دليل على قلة علم صاحبه ‪،‬ولعل في قصللة‬
‫الذي أفتى قاتل التسللعة والتسللعين نفسلا ً أنلله ل توبللة للله‬
‫دليل على ما تقدم)‪.(70‬‬
‫وفريق آخر فرط فجعل من التيسير مدخل ً للتلعللب بللدين‬
‫الله ‪،‬فصار يتتبللع رخللص العلمللاء ‪،‬وجعللل منهللا دينلا ً ‪،‬وهللذا‬
‫الذي قال فيلله العلمللاء مللن تتبللع رخصللة كللل عللالم ‪،‬فقللد‬
‫تزندق ‪.‬وقد نقل ابن عبد البر الجماع على المنع من تتبللع‬
‫الرخص)‪.(71‬‬
‫ومن المفرطيللن مللن سلللك مسلللك التلفيللق فللي الفتللوى‬
‫‪،‬وتأول النصوص الواضحة انهزاما ً ومسايرة للواقع الفاسد‬
‫الذي جاء الشرع لصلحه ل لموافقته ‪.‬‬
‫بل إن الشيطان اسللتدرج أقواملا ً ‪،‬فجعلللوا التيسللير مطيللة‬
‫للتحلل من دين الله بحجة أن الشارع جاء لجلب المصللالح‬
‫للمكلفين ‪،‬وأن الحكم يدور معها‪ ،‬وأن الفتوى تتغيللر بتغيللر‬
‫الزمان ‪،‬والمكان متجاهلين أن المصلللحة فيمللا شللرع الللله‬
‫‪،‬فجعلوا المصلحة ‪،‬والزمان ‪،‬والمكان حاكمة علللى الشللرع‬
‫ل الشرع حاكما ً عليها ‪،‬متعلقين برأي الطوفي الذي خالف‬
‫فيه إجماع المة‪ ,‬وذلك لجهلهم أن المصلحة المعتبرة هللي‬
‫التي ل تخالف نصا ً وإنما تستند إلللى نللص كلللي‪ ،‬وأن تغيللر‬
‫الفتوى بتغير الزمان والمكان إنما هو في الحكام التي لها‬
‫مناط متغير أما الثوابت فل ‪.‬‬
‫وأمللا الطائفللة الثالثللة ‪،‬فسلللكت فللي هللذا المللر مسلللك‬
‫التيسير المنضبط مدركة أن الميل إلى الرخص في الفتيللا‬
‫بإطلق مضاد للمشي علللى التوسللط‪,‬كمللا أن الميللل إلللى‬
‫التشدد مضاد له أيضا ً ‪,‬والوسط هو معظللم الشللريعة ‪،‬وأم‬
‫الكتاب ومن تأمل موارد الحكللام بالسللتقراء التللام عللرف‬
‫ذلك)‪.(72‬‬
‫والله أعلم ‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد ‪،‬وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫)‪ -(1‬لسان العرب ‪.3/313‬‬
‫)‪ - (2‬المصدر السابق ‪5/395‬‬
‫)‪ - (3‬معجم مقاييس اللغة لبن فارس ‪6/155‬‬

‫‪326‬‬
‫)‪- (4‬مواهب الجليل ‪1/45‬‬
‫)‪ - (5‬إعلم الموقعين ‪ 17 /1‬بتصرف‬
‫)‪ - (6‬الموافقات ‪5/14‬‬
‫)‪ - (7‬مجموع الفتاوى ‪354 /11‬‬
‫)‪ - (8‬انظر إعلم الموقعين ‪4/211‬‬
‫)‪ - (9‬أخرجه الدارمي في المسند )‪(128‬‬
‫)‪ - (10‬المصدر السابق رقم )‪(129‬‬
‫)‪ - (11‬أخرجه ابن عبد البر في التمهيد ‪8/147‬‬
‫)‪ - (12‬نقل هذا عنه رحمه الله عدد مللن العلمللاء ‪،‬إل أنللي‬
‫لم أقف عليه مسندا ً ‪.‬‬
‫)‪ - (13‬الحكام في تمييز الفتوى عن الحكام ص‬
‫)‪ - (14‬إرشاد الفحول ‪.272‬‬
‫)‪ - (15‬فتح القدير ‪.1/183‬‬
‫)‪ - (16‬تيسير الكريم الرحمن ‪1/223‬‬
‫)‪ - (17‬تفسير ابن كثير ‪ ,3/223‬القاسمي ‪.12/68‬‬
‫)‪ - (18‬الكليل ‪. 185‬‬
‫)‪ (19‬البخاري )‪ ، (3560‬ومسلم ) ‪( 4294‬‬
‫)‪ (20‬البخاري )‪ ، (69‬مسلم )‪(3264‬‬
‫)‪ - (21‬انظللر ‪ :‬القمللار المضلليئة شللرح القواعللد الفقهيللة‬
‫‪.109‬ومجلة الحكام العدلية ‪ ،1/31‬وغيرها ‪.‬‬
‫)‪ - (22‬الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمللل السلللمي‬
‫ص ‪.37‬‬
‫)‪ - (23‬الرسالة ‪560‬‬
‫)‪ - (24‬انظر البعد الزماني والمكاني وأثرهما فلي الفتلوى‬
‫ص ‪161 – 160‬‬
‫)‪ - (25‬الثوابت والمتغيرات ص ‪37‬‬
‫)‪ - (26‬الرسالة ص ‪560‬‬
‫)‪ - (27‬شرح القواعد الفقهية للزرقا )بتصرف (‬
‫)‪ - (28‬إغاثة اللهفان ‪331-1/330‬‬
‫)‪ - (29‬انظللللر ضللللوابط المصلللللحة ص ‪، 245‬والثبللللات‬
‫والشمول في الشريعة للسفياني ص ‪. 533‬‬
‫)‪ (30‬إعلم الموقعين ‪.3/3‬‬
‫‪ (31‬العلم في تمييز الفتاوى عن الحكام ص ‪.111‬‬

‫‪327‬‬
‫)‪ (32‬البخاري )‪ ، (534‬ومسلم )‪(973‬‬
‫)‪ (33‬البخاري )‪ ،(666‬مسلم )‪.(1125‬‬
‫)‪ (34‬أخرجلله أحمللد )‪،( 1969‬وأبللو داود كتللاب الحللدود )‬
‫‪ ،(2/441‬والترمذي )‪ .(1450‬والحديث وإن كان فيه‬
‫مقال فللإن إجمللاع الصللحابة علللى ذلللك يقللويه‪ ،‬وقللد نقللل‬
‫إجماعهم ابن قدامة في المغني )‪(13/1068‬‬
‫)‪ (35‬مسلم )‪ ، (3643‬والبخاري )‪ (5570‬نحوه مختصرا ً‬
‫)‪ (36‬فتح الباري ‪10/28‬‬
‫‪ (37‬إعلم الموقعين ‪، 1/42،3/158‬والمغني ‪4/155‬‬
‫)‪ (38‬السياسة الشرعية ‪.37‬‬
‫)‪ (39‬البخللاري كتللاب الزكللاة بللاب العللرض فللي الزكللاة‬
‫‪ 312-3/311‬مع الفتح‪.‬‬
‫)‪ (40‬البخاري )‪ ، (1503‬ومسلم )‪.(1635‬‬
‫)‪ (41‬إعلم الموقعين ‪.3:12‬‬
‫)‪ (42‬انظر المغنللي ‪ ، 9/292‬والفقلله السلللمي للزحيلللي‬
‫‪ ، 7/145‬وحكم زواج المسلم من الكتابية ‪.27‬‬
‫)‪ (43‬انظللر الللذخيرة للقرافللي ‪ ،13/335‬شللرح الربعيللن‬
‫النووية للنووي ‪.48‬‬
‫)‪ (44‬أخرجه البخاري )‪ (1117‬وغيره‬
‫)‪ (45‬البخاري)‪ ،(1680‬مسلم )‪(2271‬‬
‫)‪ (46‬كتاب العلم ‪.227‬‬
‫)‪ (47‬مجموع الفتاوى ‪ 217-21/215‬لبن تيمية ‪.‬‬
‫)‪ (48‬الموسوعة الفقهية ‪17/146‬‬
‫)‪ (49‬المدخل الفقهي العام )‪(2/860‬‬
‫)‪ - (50‬البخاري )‪ ، (2211‬مسلم )‪. (3233‬‬
‫)‪ (51‬إعلم الموقعين ‪..3/78‬‬
‫)‪ (52‬الفتاوى ‪.82-34/81‬‬
‫‪ (3‬الفتاوى ‪.82-34/81‬‬
‫)‪ (54‬الختيارات ‪121‬‬
‫)‪ (55‬انظر أحكام القرآن ‪ 1/160‬والمغني ‪11/512‬‬
‫)‪ (56‬انظر شرح البعد الزماني ‪.169-168‬‬
‫)‪ (57‬ضللوابط المصلللحة للبللوطي ص ‪ ،27‬وأثللر الدلللة‬
‫المختلف فيها في الفقه السلمي ص ‪.29-28‬‬

‫‪328‬‬
‫)‪ (58‬البعد الزماني ‪ 166‬بتصرف‬
‫)‪ (59‬نفس المرجع ‪167‬‬
‫)‪ (60‬أصلللول الفقللله خلف ص ‪ 84‬وأثلللر الختلف فلللي‬
‫القواعد الصولية ‪.544‬‬
‫)‪ (61‬العتصام ‪ 2/111‬وما بعدها ‪.‬‬
‫)‪ (62‬العتصام ‪.235-2/129‬‬
‫)‪ (63‬السنن الكللبرى للللبيهقي ‪ ، 7/20‬والسللنة لبللن أبللي‬
‫عاصم ‪2/246‬‬
‫)‪ (64‬البخاري )‪، (219‬مسلم )‪(427‬‬
‫)‪ - (65‬مجموع الفتاوى )‪(23/343‬‬
‫)‪ - (66‬مجموع الفتاوى ‪28/198‬‬
‫)‪ - (67‬البخاري )‪، (1586‬ومسلم ) ‪(1333‬‬
‫)‪ - (68‬البخلاري) ‪ ، (39‬مسللم )‪ (5036‬ملن حلديث أبلي‬
‫هريرة رضي الله عنه ‪.‬‬
‫)‪ - (69‬سبق تخريجه ‪.‬‬
‫)‪ - (70‬البخاري)‪ ، (3470‬مسلم )‪ (4967‬من حديث أبللي‬
‫سعيد رضي الله عنه ‪.‬‬
‫)‪ - (71‬جامع بيان العلم وفضله ‪2/92‬‬
‫)‪ - (72‬الموافقات ‪5/278‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬أحكام صرف النقود والعملت في الفقه‬
‫السلمي وتطبيقاته المعاصرة‬
‫د ‪.‬عباس أحمد محمد الباز ‪26/12/1423‬‬
‫‪10/03/2002‬‬
‫اسم الكتاب ‪ :‬أحكام صللرف النقللود والعملت فللي الفقلله‬
‫السلمي وتطبيقاته المعاصرة‬
‫المؤلف ‪:‬د ‪ /‬عباس أحمد محمد الباز‬
‫الناشر ‪:‬دار النفائس ‪ /‬الردن‬
‫عدد الصفحات‪239:‬‬
‫ملخص الرسالة ‪:‬‬
‫يتميز موضوع الصرف بأنه بيع يختص بالثمان من الللذهب‬
‫والفضلة وملا يقلوم مقامهملا ملن النقلود والثملان ‪ ،‬فلإن‬
‫علماء السلم لم يقصروا الثمنية على الذهب والفضة بللل‬

‫‪329‬‬
‫جعلوا العلة اللتي ملن أجلهلا ربلط الشلارع الحكيلم بعلض‬
‫الحكام بالدنانير الذهبية والدراهم الفضية متعدية إلللى مللا‬
‫سواهما من الموال إذا حازت علة الللذهب والفضللة وهللي‬
‫الثمنية على الراجح من أقوال العلمللاء ‪ ،‬فللالنقود ل تقصللد‬
‫لذاتها ‪ ،‬وإنما هي وسيلة إلى التعامل بها وتحصيل المنللافع‬
‫بواسطتها ‪ ،‬والوسيلة المحضة التي ل يتعلق بهللا غللرض ل‬
‫في مادتها ول في صورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت‬
‫‪.‬‬
‫وبناء على ذلك فلإن التعامللل بللالنقود الورقيللة اليللوم بيعلا ً‬
‫وشراء يعد صرفا ً وتنطبق عليلله أحكللام الصللرف المطبقللة‬
‫علللى بيللع الللذهب والفضللة كمللا أمللرت بلله الشللريعة‬
‫السلمية ‪.‬‬
‫وقد حللرص السلللم علللى أل تخللرج النقللود عللن وظيفتهللا‬
‫الساسية وهللي الثمنيللة لكللي يحفللظ اقتصللاد المللة متينلا ً‬
‫ويقيه من كل ما يؤثر عليه ‪.‬‬
‫ولما كان بيع الصرف أقللرب أنللواع الللبيع إلللى الربللا‪ ،‬فللإن‬
‫الشارع الحكيم قد احتاط كللثيرا ً لهللذا النللوع مللن التعامللل‬
‫واشترط له شروطا ً خاصة زائدة على الشروط التي يجب‬
‫توفرها في كل بيع ‪ ،‬كما وضع له قواعد وضوابط انفرد بها‬
‫عن سائر أنللواع الللبيوع ‪ ،‬مملا جعلل هلذا العقلد ملن أكلثر‬
‫عقود البيع قيودا ً وأكثرها شروطا ً ‪ ،‬وهذا يدل دللة واضحة‬
‫على أهمية هذا العقد ومدى حرص الشللارع الكريللم علللى‬
‫أن يكون التعامل به في البيع والشراء كما أراد له‪.‬‬
‫ولهذا فقللد سللار فقهللاء السلللم فللي اسللتنباطهم لحكللام‬
‫الصرف وبيان قواعده وضوابطه على تضللييق التعامللل بلله‬
‫لبعاد الناس عن الربا وشبهته حتى غدا باب الصللرف مللن‬
‫أضلليق أبللواب التعامللل تحقيق لا ً لمصلللحة ضللبط التعامللل‬
‫بالثمان للحفاظ على معيار محللدد للتعامللل التجللاري فللي‬
‫السوق ‪.‬‬
‫والقاعدة العامة فللي بيللع الصللرف أن الزيللادة تحللرم عنللد‬
‫تبللايع النقللد إذا اتحللد جنسللا ً وتجللوز إذا اختلللف بشللرط‬
‫التقابض الحال فللي مجلللس العقللد وإل كللان التعامللل ربلا ً‬
‫محرما ً ‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫فللإذا بللاع شللخص دنللانير أردنيللة بلل دولرات أمريكيللة مثل ً‬
‫فعليلله أن يسللّلم الللدنانير ويسللتلم الللدولرات فللورا ً فللي‬
‫مجلس العقد ‪ ،‬فإن التقابض الفوري شللرط أساسللي فللي‬
‫الصرف ‪ ،‬ول يجوز اشتراط الخيار فللي الصللرف أو تأجيللل‬
‫قبللض أحللد البللدلين ‪ ،‬لن شللرط الخيللار يللؤثر فللي صللحة‬
‫القبض وشرط التأجيل يؤثر في القبض نفسه ‪.‬‬
‫ول تجوز المصللارفة بعمللة ثابتللة فللي الذملة ‪ ،‬فللإنه ل أثللر‬
‫للرتفاع أو النخفاض في سعر الصرف على الدين الثللابت‬
‫في الذمة ‪.‬‬
‫ويلزم المدين عند حلول أجل الدين برد مثل ما أخذ قللدرا ً‬
‫وصفة ‪ ،‬فإن الللديون تللؤدى بأمثالهللا دون التفللات إلللى مللا‬
‫يطرأ على سعر الصرف من رخص أو غلء‬
‫==============‬
‫‪ #‬المن المائي لبلدان المغرب العربي في خطر‬
‫ارتفاع حجللم السللكان وتزايللد الحاجيللات وغيللاب التنسلليق‬
‫يضاعف الزمة‬
‫السلم اليوم ‪ -‬الرباط ‪23/12/1423‬‬
‫‪07/03/2002‬‬
‫تفيد التقارير أن منطقة المغرب العربللي وشللمال إفريقيللا‬
‫تواجه تحللديا علللى مسللتوى تللدبير الميللاه فللي المسللتقبل‬
‫بسبب مخاطر الندرة والجفاف التي أصبحت عنصرا بنيويا‬
‫في واقعها البيئي في السنوات الخيرة‪ ،‬إذ إن الحتياجللات‬
‫المائية المستقبلية لدول المنطقة في ارتفاع مستمر ممللا‬
‫يطرح عليها رهانا كبيرا خصوصا لكللون اقتصللادياتها ترتكللز‬
‫أساسا على الفلحة‪.‬‬
‫تنتمي بلدان المغرب العربي جغرافيا إلى منطقللة مناخيللة‬
‫شبه جافة تجعل موارد المياه‪ ،‬السللطحية منهللا والجوفيللة‪،‬‬
‫محللدودة ‪ ،‬بسللبب ضللعف التسللاقطات المطريللة وعللدم‬
‫انتظامها من سنة لخرى‪ ،‬في الوقت الذي تشللكل الللثروة‬
‫المائية مادة حيوية واستراتيجية في أمن الدول والشللعوب‬
‫بمفهومه الشامل‪.‬‬
‫وتشمل هذه المنطقة )المغللرب العربللي(‪ :‬ليبيللا والجللزائر‬
‫وتللونس وموريتانيللا والمغللرب‪ ،‬و تللواجه هللذه المجموعللة‬

‫‪331‬‬
‫فجوة في الموارد المائية والغذائيللة‪ ،‬بللالنظر إلللى أن جللل‬
‫مواردها المائية تقليدية أساسا وغالبيتها سللطحية‪ ،‬فتشللكو‬
‫هذه البلدان من تدني الللوفرة المائيللة ومعللدل السللتهلك‬
‫الفردي مللن المللاء‪ ،‬فعلللى حيللن يصللل متوسللط اسللتهلك‬
‫الفللرد مللن الميللاه العذبللة الصللالحة للشللرب فللي البلللدان‬
‫الصناعية إلى نحو ‪ 1200‬متر مكعب في السنة ‪ ،‬ل تتجاوز‬
‫نسبة الفرد في البلللدان المغاربيللة ‪ 545‬مللترا مكعبللا فللي‬
‫السنة‪ ،‬مما يبرز الفجوة الكبيرة في معدلت التنمية‪.‬‬
‫وذكر تقرير صادر عن صندوق المللم المتحللدة حللول حاللة‬
‫سكان العالم لسنة ‪ 2001‬وزع أثناء انعقللاد مللؤتمر كيوتللو‬
‫حول المنللاخ فللي مدينللة مراكللش المغربيللة شللهر نوفمللبر‬
‫الماضي‪ ،‬أن ‪ 300‬مليون شخصا سيعانون مللن نقللص فللي‬
‫مياه الشرب في السللنوات القليلللة المقبلللة‪ ،‬وأن منطقللة‬
‫شمال إفريقيا والمغرب العربي ستكون مللن الللدول الللتي‬
‫ستواجه شعوبها أزمللة فللي تللدبير الللثروات المائيللة‪ ،‬وأكللد‬
‫التقرير المذكور ايضا ً أن معدل التساقطات المطريللة فللي‬
‫هذه البلدان ل يتجاوز ألف متر مكعب سنويا‪.‬‬
‫وحدد التقرير البلدان التي تعاني أزمة في المياه في تلللك‬
‫الللتي يتللوافر لللديها ‪ 1700‬مللتر مكعللب مللن الميللاه لكللل‬
‫شخص في السنة‪ ،‬أما البلدان التي تعاني شحا في الميللاه‬
‫فلديها أقل من ألف متر مكعللب‪ ،‬وخلللص التقريللر إلللى أن‬
‫هذ الوضع سيكون له تللأثير علللى التنميللة القتصللادية فللي‬
‫المستقبل‪ ،‬وقد تنشأ عنه "صعوبات بيئية شديدة"‪.‬‬
‫وأشلار بلغ صلدر ملؤخرا عللن الجتمللاع اللوزاري للبللدان‬
‫الفريقيللة الثنللى وعشللرين الللذي انعقللد بمناسللبة انعقللاد‬
‫الملللؤتمر اللللدولي للملللم المتحلللدة حلللول الملللاء فلللي‬
‫بون)المانيا(‪ ،‬أن ‪ 17‬بلدا إفريقيا سيعاني من انخفاض حاد‬
‫في الميلاه فلي أفلق سلنة ‪ ،2010‬أي أن الفلرد فيهلا للن‬
‫يتجاوز معدل استهلكه من الماء أكثر من ألف متر مكعب‬
‫سنويا‪ .‬وذكر التقريللر أن بلللدان المغللرب العربللي وشللمال‬
‫إفريقيللا ‪ ،‬إضللافة إلللى مصللر وإثيوبيللا وإفريقيللا الجنوبيللة‪،‬‬
‫ستكون من بين هذه الدول المرشحة لن تشهد أزمة فللي‬
‫المعطيات المائيللة‪ ،‬بسللبب التغيللرات المناخيللة وانخفللاض‬

‫‪332‬‬
‫المتوسط العام لموارد المياه‪ ،‬وتزداد تأثيرات هذه النللدرة‬
‫في المخللزون المللائي للبلللدان المللذكورة مللع تزايللد عللدد‬
‫السكان وارتفاع الحاجيات من الموارد الثابتة‪.‬‬
‫وللخروج من هذه الزمة‪ ،‬تطرح هذه البلللدان‪ ،‬ومللن بينهللا‬
‫المغرب‪ ،‬بدائل تمكنها من تجاوز خطللر نقللص الميللاه فللي‬
‫السنوات القادمة‪ ،‬وذلك ببناء المزيللد مللن السللدود لخللزن‬
‫المياه واستعمال الطاقة النووية لتحلية مياه البحللر‪ ،‬إل أن‬
‫مثل هذه البدائل تتطلب تمويلت سخية وتوفير المكانيات‬
‫الضللرورية لللذلك‪ .‬ورغللم ذلللك تبقللى هللذه البللدائل الخيللار‬
‫الوحيد والممكن أمام هذه الدول لتجاوز الفجللوة الغذائيللة‬
‫وهشاشة التنمية القتصادية ‪ -‬الجتماعيللة فيهللا‪ .‬وقللد كللان‬
‫اجتملاع للوزراء الفلحلة لبللدان المغلرب العربلي‪ ،‬واللذي‬
‫انعقللد فللي دورتلله العاشللرة بالربللاط فللي شللهر فللبراير‬
‫الماضي‪ ،‬قد نبه إلى ضرورة تللأمين المللن الغللذائي لللدول‬
‫المنطقة‪ ،‬وأكللد علللى مسللألة إيجللاد اسللتراتيجية مشللتركة‬
‫ومتكاملللة لهللذا الغللرض‪ ،‬وخللق الليللات الللتي تمكللن ملن‬
‫تحقيق هذا الهدف‪.‬‬
‫ومن المؤكد أن جمود مؤسسللات اتحللاد المغللرب العربللي‬
‫وضعف التنسيق بين دوللله سللتحول دون تنفيللذ مثللل هللذه‬
‫السللتراتيجية فللي القريللب‪ ،‬لتظللل قضللايا التنميللة والمللن‬
‫المائي والغذائي رهينة بتوفير المناخ السياسي‪.‬‬
‫============‬
‫‪#‬الخدمات المصرفية وموقف الشريعة السلمية‬
‫منها‬
‫د‪ .‬علء الدين زعتري ‪4/8/1423‬‬
‫‪10/10/2002‬‬
‫اسللم الكتللاب‪ :‬الخللدمات المصللرفية وموقللف الشللريعة‬
‫السلمية منها‬
‫المؤلف‪ :‬د‪ .‬علء الدين زعتري‬
‫الناشر ‪ :‬دار الكتب والقلم ‪ /‬دمشق ‪ -‬بيروت‬
‫التعريف بالكتاب‪:‬‬
‫اشللتمل البحللث علللى مقدمللة وتمهيللد وبللابين وخاتمللة‬
‫وفهارس‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫أما المقدمة فقد ذكر فيها البللاحث سللبب اختيللار البحللث ‪،‬‬
‫وأهميته ‪ ،‬والجديد فيه ‪ ،‬ونقد المصادر والمراجع‪.‬‬
‫وأما التمهيد ‪ ،‬فكان بمثابة باب تمهيللدي تفللرع إلللى أربعللة‬
‫فروع ضمن أربعة مطالب ‪.‬‬
‫فكان المطلب الول لشرح وبيللان مفهللوم كلمللات عنللوان‬
‫البحث ‪ :‬الخدمات المصرفية وموقف الشللريعة السلللمية‬
‫منها ‪ ،‬مفردة ‪ ،‬ثم تركيبا ً مزدوجا ً ‪ ،‬ثم تركيبا ً كليا ً ‪.‬‬
‫وكللان المطلللب الثللاني فللي التعللّرف علللى غايللة إنشللاء‬
‫المصارف ‪ ،‬وأهداف أعمالها ‪ ،‬وتنوع نشاطاتها ‪.‬‬
‫وخصص المطلب الثالث للحللديث عللن نشللأة المصللارف ‪،‬‬
‫وتاريخ تطورها ‪ ،‬في توسع أعمالهللا وجللذب عملئهللا ‪ ،‬مللع‬
‫الحللديث عللن المصللارف السلللمية ‪ ،‬وأهميللة وجودهللا‬
‫وضرورة توسيع قاعدتها ؛ لتصل خدماتها لكل مسلم‪.‬‬
‫وأمللا البللاب الول ‪ ،‬فكللان للحللديث عللن إدارة المصللرف‬
‫للموال وتوزيعها وحفظها ‪،‬ضمن خمسة فصول‪:‬‬
‫الفصل الول ‪ :‬خدمة أمناء الستثمار ‪ ،‬ضمن مبحثين ‪:‬‬
‫كان المبحث الول منلله عللن قيللام المصللرف بللأداء خدمللة‬
‫أمناء الستثمار ؛ مللن حيللث التعريللف بهللا ‪ ،‬ونشللأتها ‪ ،‬مللع‬
‫بيللان مشللروعية اسللتثمار المللوال ‪ ،‬وحكمللة مشللروعية‬
‫النمللاء والسللتثمار ‪ ،‬وكللذا مللن حيللث بيللان العلقللة بيللن‬
‫المصرف وطالب الستثمار ‪ ،‬وبي ّللن قللائدة هللذه الخدمللة ‪،‬‬
‫وشروطها ‪ ،‬وأهميتها ‪ ،‬ومناسبتها للمسلمين ‪.‬‬
‫وفي المبحث الثاني ‪ ،‬كان الحديث عن الصيغ السللتثمارية‬
‫التي تطرحها الدارة المختصة بخدمة أمناء السللتثمار فللي‬
‫المصرف ‪ ،‬وهذه الصيغ ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫‪ -‬المراجعة ‪ ،‬فعّرفها ‪ ،‬وذكر دليللل مشللروعيتها ‪ ،‬وضللرورة‬
‫هذا العقد وأهميته ‪ ،‬ومجللالته ‪ ،‬وبي ّللن حكللم بيللع المرابحللة‬
‫للمللر بالشللراء ‪ ،‬وكللذا حكللم المرابحللة للواعللد بالشللراء ‪،‬‬
‫وذكر أقوال الفقهاء في مسائل إلزاميللة الوعللد ‪ ،‬وتع لّرض‬
‫لحكللم بيللع المرابحللة بالتقسلليط ‪ ،‬وحكللم العربللون فللي‬
‫المرابحة ‪ ،‬وختللم المطلللب ببيللان الخطللوات المّتبعللة فللي‬
‫المصرف السلمي لبيع المرابحة ‪.‬‬

‫‪334‬‬
‫‪ -‬تسويق العقارات ‪ ،‬حيث يقوم المصرف نيابة عن عملئه‬
‫في تسويق عقاراتهم ؛ باستخدام أحد العقود التية ‪ :‬الللبيع‬
‫القطعي ‪ ،‬أو اليجار ‪ ،‬أو البيع اليجاري ‪ ،‬أو حق النتفللاع ‪،‬‬
‫وفي الحديث عن البيع اليجاري ذكللر حكللم اشللتراط عقللد‬
‫في عقد ‪ ،‬أو اجتمللاع عقللدين فللي عقللد ‪ ،‬كمللا ذكللر حكللم‬
‫اشتراط شرط أو أكثر في عقود المعاوضات المالية ‪.‬‬
‫‪ -‬الوكالة الستثمارية ‪ ،‬حيث ذكر تعريف الوكالة ‪ ،‬وأركانها‬
‫‪ ،‬وأحكام الوكالة الستثمارية ‪ ،‬مع بيللان بعللض التصللرفات‬
‫المحظورة على المصرف في الوكالة الستثمارية ‪.‬‬
‫وكللان الفصللل الثللاني ‪ :‬مللن البللاب الول بعنللوان ‪ :‬إدارة‬
‫الممتلكات والوصايا والتركات ‪ ،‬ضمن مباحث أربعة ‪:‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬كان عن دراسات الجدوى القتصللادية ‪ ،‬أو‬
‫دمها المصرف لعملئه‬ ‫ما يسمى بالمساعدة الفنية التي يق ّ‬
‫دث عللن ذلللك مللن حيللث ‪ :‬الدراسللات التسللويقية ‪،‬‬ ‫؛ تحلل ّ‬
‫والدراسات البيئيللة ‪ ،‬والدراسللات القتصللادية والدراسللات‬
‫دث عللن‬ ‫الفنيللة ) الهندسللية ( والدراسللات الداريللة ‪ ،‬وتح ل ّ‬
‫أهداف تقييم فرص السللتثمار ‪ ،‬ومعللايير دراسللة الجللدوى‬
‫القتصادية ‪ ،‬فهنلاك معلايير تقليديلة قلام البلاحث بوصلفها‬
‫ونقللدها ‪ ،‬وبّيللن المنهللج السلللمي فللي قيللاس الربحيللة‬
‫) التكلفة والعائد( ‪.‬‬
‫وكان المبحث الثاني للحديث عن الشركات والمشروعات‬
‫الللتي يقللوم المصللرف بتأسيسللها وإدارتهللا ‪ ،‬أو بتأسيسللها‬
‫فقط ؛ نيابة عن عملئه‪.‬‬
‫وكان المبحلث الثلالث عللن تصلفية التركللات وإعطللاء كلل‬
‫ق حقه مما يسللتحق مللن التركللة ‪ ،‬وكللذا الشللأن‬ ‫صاحب ح ٍ‬
‫في تنفيذ الوصايا المشروعة ‪.‬‬
‫وتحدث فللي المبحللث الرابللع عللن قيللام المصللرف بسللداد‬
‫اللتزامات الدورية وغيللر الدوريللة المترتبللة علللى عملئه ‪،‬‬
‫وليس لللديهم الللوقت الكللافي للقيللام بهللذه العمللال ممللا‬
‫كلون المصرف بذلك ‪.‬‬ ‫يجعلهم يو ّ‬
‫صصه للحديث‬ ‫وأما الفصل الثالث من الباب الول ‪ ،‬فقد خ ّ‬
‫عن خدمة إسلمية تتميز بهللا المصللارف السلللمية ‪ ،‬ونللي‬

‫‪335‬‬
‫خدمللة جملع أملوال الزكللاة مللن الغنيللاء ‪ ،‬وتوزيعهللا عللى‬
‫مستحقيها من الصناف الثمانية المذكورة بنص القرآن ‪.‬‬
‫وخلل حديثه عن مصارف الزكاة ذكر المفللاهيم والسللس‬
‫التي تنهللض بحللال المسلللمين ‪ ،‬وُتكسللب الزكللاة روحهللا ‪،‬‬
‫وتجعللل المجتمللع السلللمي قوي لا ً متماسللكا ً ‪ ،‬وأك ّللد علللى‬
‫المسؤولية العامة عن جمع أموال الزكللاة وتوزيعهللا ‪ ،‬كمللا‬
‫بّين حكم استثمار أموال الزكاة لصالح المصرف أو لصالح‬
‫ة بضللبط جمللع أمللوال‬ ‫ت خاص ً‬ ‫المستحقين ‪ ،‬وعرض إجراءا ٍ‬
‫الزكاة وحسن توزيعها‪.‬‬
‫وأما الفصل الرابللع مللن البللاب الول فكللان للحللديث عللن‬
‫خدمللة القللروض الحسللنة ‪ ،‬وبللديل القللروض السللتهلكية‬
‫الربويللة ‪ ،‬فللذكر تعريللف القللرض ‪ ،‬ومشللروعيته ‪ ،‬وحكملله‬
‫وأركان عقللده ‪ ،‬وشللروطه ‪ ،‬وأهميللة توثيللق القللرض ‪ ،‬ثللم‬
‫تحدث عن تاريخ هذه الخدمة المصارف السلللمية ‪ ،‬وعللن‬
‫تمويل صناديق القروض الحسنة ‪ ،‬وختم الفصللل بالحللديث‬
‫عن تقييم القروض الحسن كوسيلة تمويل اقتصادية ‪.‬‬
‫صللص الفصللل الخللامس للحللديث عللن خدمللة صللناديق‬ ‫وخ ّ‬
‫المانللات ؛ بللديل الللودائع الجاريللة ‪ ،‬والللتي ل َيقصللد منهللا‬
‫مودعها سوى الحفللظ ‪ ،‬دون السللتثمار ‪ ،‬فوصلف العمليللة‬
‫ن للزبون أو للمصرف ‪ ،‬مع بيان‬ ‫وذكر فائدة هذه الخدمة إ ْ‬
‫التكييف الشرعي لعقد النتفاع من الخزائن الحديدية لدى‬
‫المصارف‪.‬‬
‫وجعللل الحللديث فللي البللاب الثللاني عللن عمليللات التجللارة‬
‫الخارجيللة ‪ ،‬ووسللائل التبللادل الحديثللة ‪ ،‬ضللمن خمسللة‬
‫فصول ‪:‬‬
‫صللص الفصللل الول لخطابللات الضللمان ‪ ،‬حيللث عللرض‬ ‫خ ّ‬
‫مفهوم خطاب الضمان ‪ ،‬وأهميته ‪ ،‬ومجللالت اسللتخدامه ‪،‬‬
‫ونللة للله ‪ ،‬واللتزامللات المترتبللة علللى عقللد‬ ‫والعناصر المك ّ‬
‫العتماد بالضللمان ‪ ،‬مللع بيللان التكييللف الشللرعي لخطللاب‬
‫الضمان ‪ ،‬وبي ّللن موقللف المصللارف الربويللة مللن خطابللات‬
‫الضمان ‪ ،‬وكذا موقف المصارف السلللمية مللن خطابللات‬
‫الضمان ‪ ،‬وختم الفصل ببيان حكم استثمار غطللاء خطللاب‬
‫الضمان‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫وكللان الفصللل الثللاني مخصصللا ً للحللديث عللن العتمللاد‬
‫المستندية ‪ ،‬حيث بّين مفهوم العتماد المستندي ‪ ،‬ووصف‬
‫العملية ‪ ،‬والجراءات المتخذة لفتللح العتمللاد المسللتندي ‪،‬‬
‫مللع بيللان أهميللة هللذه الخدمللة وفوائدهللا ‪ ،‬مللع عللرض‬
‫اللتزامات المترتبة على إنشاء العتماد المستندي لجميللع‬
‫الطلراف ‪ ،‬ملع بيلان التكييلف الشلرعي للمسلألة ‪ ،‬وأ ََثلار‬
‫قضية العتمادات المستندية النظيفللة وموقللف المصللارف‬
‫ن تعامل مع‬ ‫السلمية منها ‪ ،‬وكيف يمكن لهذه المصارف أ ْ‬
‫المصارف الربوية‪.‬‬
‫صصه للحديث عن الوراق التجارية‬ ‫وأما الفصل الثالث فخ ّ‬
‫؛ الكمبيالة ‪ ،‬والسند ‪ ،‬والشيك ‪ ،‬حيث بي ّللن خصللائص هللذه‬
‫الوراق ‪ ،‬وخصائصللها ‪،‬وأنواعهللا ‪ ،‬وبي ّللن العمللال الواقعللة‬
‫عليها ؛ من حيث ‪:‬‬
‫‪-‬إصدارها ‪ ،‬ومشروعيته ‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪-‬تسّلمها وتحصيل قيمتهلا ملن ملدينها ‪ ،‬وموقلف الشلريعة‬
‫ض التحصيل ‪ ،‬وبخاصة عوا ئد التأخير ‪.‬‬ ‫عو َ ِ‬
‫من ِ‬
‫‪-‬خصم الوراق التجاريللة ‪ ،‬وعلقللة الخصللم بمسللألة ) ضللع‬
‫جل( ‪ ،‬مع بيان البديل المقترح لعملية الوراق التجاريللة‬ ‫وتع ّ‬
‫في المصارف السلمية ‪ ،‬بعيدا ً عن الربا‪.‬‬
‫وأمللا الفصللل الرابللع فكللان للحللديث عللن الوراق الماليللة‬
‫والعمليللات عليهللا ‪ ،‬وقللد بّيللن مفهللوم الوراق الماليللة ؛‬
‫السهم ‪ ،‬والسندات ‪ ،‬وذكللر خصائصللها ‪ ،‬وأنواعهللا ‪ ،‬وبي ّللن‬
‫حكم التعامل بهللا ‪ ،‬وموقللف الشللريعة مللن سللوق الوراق‬
‫المالية ) المصافق( ‪ ،‬وعّرف الدوات التمويلة السلللمية ‪،‬‬
‫كما ذكر العمليات الواردة على الوراق المالية ‪:‬‬
‫‪-‬من الكتتاب عليها ‪ ،‬مع بيللان الضللوابط الشللرعية لعمليللة‬
‫الكتتاب‪.‬‬
‫‪ -‬حفظ الوراق المالية وإيداعها ‪ ،‬والتكييف الشرعي لعقد‬
‫إيداع الصكوك ‪.‬‬
‫‪ -‬بيع وشراء الوراق الماليللة ‪ ،‬سللواء لصللالح المصللرف أو‬
‫لصالح عميل المصرف ‪ ،‬مع بيان الحكم الشرعي في هذه‬
‫المسألة‪.‬‬
‫‪ -‬إجارة الوراق المالية‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫‪ -‬اقتراض الوراق المالية‪.‬‬
‫‪ -‬رهن الوراق المالية ‪.‬‬
‫‪ -‬تحصيل عوائد الوراق المالية من المصدرين لهللا ‪ ،‬ودفللع‬
‫عوائدها لمالكيها‪.‬‬
‫وختللم البللاب الثللاني بالفصللل الخللامس عللن بطاقللات‬
‫الئتمللان ‪ ،‬فعّرفهللا ‪ ،‬وذكللر نشللأتها وتطورهللا ‪ ،‬وأنواعهللا ‪،‬‬
‫وبّين محاسنها ومساوئها ‪ ،‬مع بيان التكييف الشرعي لهللا ‪،‬‬
‫وختم الحديث بذكر البديل السلمي لبطاقات الئتمان‪.‬‬
‫ثم كللانت خاتمللة البحللث ‪ ،‬الللتي ذكللر فيهللا أهللم المسللائل‬
‫والقضلايا المدروسلة فلي البحلث ‪ ،‬ملع ذكلر النتلائج اللتي‬
‫توصل إليها ‪ ،‬والتوصيات التي رأى أنها تخدم مصالح المللة‬
‫السلمية عامة ؛ في إطار المؤسسات المالية والمصارف‬
‫السلمية‬
‫=============‬
‫‪#‬ركب المنهزمين‬
‫محمد جلل القصاص‬
‫في نهاية القرن الثامن عشر الميلدي نللزل نللابليون مصللر‬
‫بنسائه العاريات ‪ ،‬وبنادقه ومدافعه ‪ ،‬ونقب عللن الفراعنللة‬
‫ثم ارتحل وقد تعلقت به النفوس المريضة تريد التقليد ‪.‬‬
‫ت في إثره العمائم ثم عللادت تثنللي علللى ديللار‬ ‫ل ورحل َ ْ‬‫رح َ‬
‫الكفر تريللد محاكاتهللا ‪ ،‬فكللان تيللار المتفرنجيللن ‪ -‬إن صللح‬
‫التعبير ‪-‬‬
‫ذود‬‫ونهض المشايخ )الئمة ( ‪ -‬بحسن نية]‪ - [1‬يريللدون ال ل ّ‬
‫عن الدين ‪ ..‬نهضوا بروح منهزمة منبهرة بعدوها ‪ ،‬فالتفتوا‬
‫إلى عللدوهم ينظللرون حللاله ‪ ..‬ثللم التفللوا حللول النصللوص‬
‫يريللدون حملهللا ليسلليروا بهللا علللى هللوى الغللرب تللارة و‬
‫الشرق تارة أخرى ‪.‬‬
‫فزعلللم السلللد أ بلللادي ) جملللال اللللدين اليرانلللي ( أن‬
‫الشتراكية من السلم ‪.‬وهللو كللاذب ‪ .‬وان أول اشللتراكيي‬
‫عرفه التاريخ كان مللن الصللحابة رضللوان الللله عليهللم !! ‪،‬‬
‫وقال بوحدة الديللان وتكاملهللا !! ‪،‬وراح يسللتجدي النصللرة‬
‫من أمريكا ‪ ،‬وما نصرته أمريكا ‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫ب النجليز حتى‬ ‫وعلى دربه صار تلميذه محمد عبده فصاح َ‬
‫تخذه ) كرومر ( صديقا ً !! وأحل الربا فللي شللكل صللناديق‬
‫التوفير ‪ ،‬وأبللاح التشللبه بالكفللار فللي الفتللوى الترنسللفالية‬
‫‪،‬وشارك مع المندوب السللامي البريطللاني اللللورد كرومللر‬
‫في إنشللاء معهللد للعللداد ) الللدعاة المتحرريللن ( ‪ ،‬فكللان‬
‫جسرا عبر عليه العدو إلى حللنا وحرامنا ‪ ،‬فحلللل الحللرام‬
‫وحرم الحلل تحللت دعللوى ) الصلللح ( ‪ ،‬وخطللط لنشللاء‬
‫جامعة علمانيللة كللانت فيمللا بعللد جامعللة القللاهرة ‪ ،‬وكللان‬
‫ل كتللاب‬ ‫ظهيللرا ً لقاسللم أميللن ‪ ،‬بللل زعللم البعللض أن ُ‬
‫جلل ّ‬
‫خط بيدي الشيخ ‪[2].‬‬ ‫) تحرير المرأة ( ُ‬
‫ل أحد يستطيع أن يشكك في نوايا محمد عبده ‪ ،‬فقد كللان‬
‫حقيقللة يريللد ) الصلللح ( ‪ ،‬ولكللن غلبلله الجهللل والنبهللار‬
‫بالغرب ‪ ،‬وصار تحت ردود الفعال فأوجد انحرافا وأحللدث‬
‫خرقا ‪[3].‬‬
‫ثم في خطوة أخللرى جللاء بعللض المنهزميللن ‪ ..‬المنبهريللن‬
‫وعمد إلى كتاب الله يفسره بما يتفق مع العلم الحللديث ‪،‬‬
‫فزعم أن الطير البابيل الللتي ترمللي بحجللارة مللن سللجيل‬
‫هي الطاعون ‪ ،‬وأن آية الدم الللتي أرسلللت علللى فرعللون‬
‫وقومه هي البلهارسيا !!‬
‫دغل ) الشللتراكية أعنللي ( يتللاجر‬ ‫ثللم نبللت فللي ربوعنللا الل ّ‬
‫بالقضللية الجتماعيللة وفقللر الجمللاهير وتقبلتلله الجمللاهير‬
‫فانتفش وعََلى الزرع ‪.‬‬
‫وبعللد حيللن جللاءته ريللاح القوميللة الخبيثللة ذات الصللل‬
‫النصللراني الكللافر تلقحلله وتنميلله علللى ُبغللض السلللم ‪،‬‬
‫فأصبحت النظمة الجديدة ل تريد السلم ل في السياسللة‬
‫ول في القتصاد ول فللي أي شلليء وأضللحى واضللحا ) أننللا‬
‫نحن السلميين ‪ 0‬أشد الناس عداوة عنللد العلمللانيين مللن‬
‫اليهود والذين أشركوا ( ‪ ،‬وبات القللوم وقللد انسللخت مللن‬
‫قلوبهم الغيرة علللى المقدسللات والعللراض حللتى تسللائل‬
‫الحبة بكل مرارة ) لماذا ‪ ..‬ولمللاذا ‪ ..‬ولمللاذا ‪ ..‬ثللم لمللاذا‬
‫يصر المنافقون على الصدام مع مطلب السلميين ثقافيلا ً‬
‫وسياسللليا وإعلميلللا ً وبوليسللليا ً وعسلللكريا ً بلللل ووعظيلللا ً‬
‫رسميا ً ( ؟؟]‪[4‬‬

‫‪339‬‬
‫وليس ذاك إل لنهم كرهوا ما أنزل الله (‪.‬‬
‫وتحلللت وطئة هلللذه الهجملللة اليسلللارية الشرسلللة علللاد‬
‫المنهزمون ثانية ليكتبوا عن ) اشتراكية السلم(‬
‫واليوم أو بالحرى في الونة الخيرة انضم إلى الصللحوة ‪-‬‬
‫دون إذن أو استشارة ‪ -‬فريق ينزع إلى الجتهللاد العقلنللي‬
‫في فهم النصوص والواقع ‪ ،‬كثير منهم منحدر من تجللارب‬
‫عقدية ومنهجية مغايرة للمنهللج السلللمي وعقيللدته ‪ ،‬مللن‬
‫ماركسيين وقوميين وبعثيين وليبراليين ل دينيين ‪.‬‬
‫وهذا الفريق لديه جرأة عجيبة على تجاوز النص الشللرعي‬
‫أو تأويله إذا لم يوافق تأملهم العقلي ‪ ،‬ولللديهم حالللة مللن‬
‫الستعلء على البناء الشرعيين للدعوة السلمية ممللن ل‬
‫يوافقللونهم فللي نزعتهللم ‪ ،‬ولهللذا الفريللق جللولت علللى‬
‫الساحة الفكرية منها جولته للطعن في رمللوز المللة مثللل‬
‫المام أحمد بن حنبل وشيخ السلم بن تيمية رحمه الللله ]‬
‫‪،[5‬‬
‫وهم من تكلموا في أحكام الديار وطالبوا بإلغائها ]‪،[6‬وهم‬
‫مللن أثللاروا الخلف حللول حجيللة السللنة النبويللة المطهللرة‬
‫‪.‬وفيهم من تكلللم بللأن الحجللاب عللادة جاهليللة تخللص بللدو‬
‫الجزيرة قبل أربعة عشر قرنا ‪ ،‬وجلهم انشغلوا ) بتحسللين‬
‫( صللورة السلللم عللن الغللرب ‪ ،‬وتطويللع السلللم ليصللبح‬
‫عصريا ‪.‬‬

‫وأخطر ما في أمر هذا التيللار ‪ -‬كمللا يقللول السللتاذ جمللال‬


‫سلللطان ‪ -‬أنهللم اقللتربوا مللن بعللض " المشللايخ " إنسللانيا‬
‫وفكريا ً ‪ ،‬وأثروا فيهم تلأثيرا كللبيرا ‪ ،‬وخاصلة عنللدما دخلللوا‬
‫إليهم من باب نظر الغرب إلى السلم ‪ ،‬وتحسللين صللورة‬
‫السلم أمام النسان الغربي الجديد ‪ ،‬وما تصوروه تيسيرا‬
‫على الناس في الحكام ونحوها ‪.‬‬
‫وانتهللى المللر‪ -‬عنللد هللؤلء ‪ -‬إلللى مسللخ الشللريعة باسللم‬
‫التجديد ‪ ،‬وتيسر أسباب الفساد باسم فقه التيسللير‪ ،‬وفتللح‬
‫أبواب الرذيلة باسم الجتهللاد‪ ،‬وتهللوين السللنن باسللم فقلله‬
‫الولويات ‪ ،‬ومللوالة الكفللار تحللت دعللوى تحسللين صللورة‬
‫السلم ‪.‬‬

‫‪340‬‬
‫ومن هؤلء ل المنهزمين ل من ادعى أن ما نأخذه نحن على‬
‫الشيعة من سّبهم الصللحابة الكللرام ‪ ،‬وتحريفهللم القللرآن ‪،‬‬
‫وقولهم بعصمة الئمة ‪ ،‬وحجهم للمشاهد وغيرها )خلفات‬
‫على هامش العقيدة(!!‬
‫واليوم برز فريق من الذين أعمى الله بصللرهم وبصلليرتهم‬
‫وقللالوا بللأن للمسلللمة أن تللتزوج النصللراني ‪ ،‬ول شلليء‬
‫عليها ‪ ،‬وشهادتها كشهادة الرجل ‪ ،‬ول اعتراض إل من كللل‬
‫متزمت ل يفهم الدين ‪ ...‬حقودٍ يكره النساء !!‬
‫ويا أذيال المنهزمين ‪ :‬حتى تتبعوا ملتهم !‬
‫لم يللرض القللوم بمحمللد عبللده ول بمللن خلعللوا ) الّعمللة (‬
‫ولبسوا الطربوش ‪ ،‬إنها نفوس مريضة تحمل أحقادا دفينة‬
‫ك ال ْي َُهلود ُ وَل َ‬‫عنل َ‬ ‫ضلى َ‬ ‫‪ .‬وربكلم أعللم بهلم منكلم )وََللن ت َْر َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫دى الل ّهِ هُوَ ال ْهُ ل َ‬ ‫مل ّت َهُ ْ‬
‫م قُ ْ‬
‫دى وَلئ ِ ِ‬ ‫ن هُ َ‬‫ل إِ ّ‬ ‫حّتى ت َت ّب ِعَ ِ‬ ‫صاَرى َ‬
‫َ‬
‫الن ّ َ‬
‫ن الّللل ِ‬
‫ه‬ ‫ملل َ‬
‫ك ِ‬ ‫ما ل َ َ‬‫ن ال ْعِل ْم ِ َ‬
‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫جاء َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هم ب َعْد َ ال ّ ِ‬ ‫واء ُ‬ ‫ت أهْ َ‬ ‫ات ّب َعْ َ‬
‫ر( )البقرة ‪( 120 :‬‬ ‫صي ٍ‬ ‫ي وَل َ ن َ ِ‬‫من وَل ِ ّ‬ ‫ِ‬
‫‪------------------------‬‬
‫]‪ [1‬هكذا أحسبهم‬
‫]‪ [2‬قال ذلك نصا ً الشيخ محمد اسللماعيل المقللدم حفظله‬
‫الللله فللي محاضللرة للله بعنللوان المللؤامرة علللى المللرأة‬
‫المسلمة ‪ ،‬وعلل ذلك بأن الكتاب مليء بالمسائل الفقهية‬
‫التي ل علم لقاسم امين بها ‪ .‬وصلرح بلذلك الهاللك أحملد‬
‫لطفي السيد في مذكراته ‪.‬‬
‫]‪ [3‬انظر إن شللئت مقدمللة مقومللات التصللوير السلللمي‬
‫للستاذ سيد قطب‪ ،‬وانظللر للكللاتب مقللال ) محمللد عبللده‬
‫نموذجا ‪ .‬من زرعه ومن جصده ؟منشور بموقع القلم ‪.‬‬
‫]‪ [4‬هو تساءل الدكتور عبد العزيز كامل ل ل حفظلله الللله ل ل‬
‫في إحدى مقالته بمجلة البيان ‪.‬‬
‫]‪ ) [5‬انظر كتاب تجديللد الفكللر السلللمي لمحمللد عمللارة‬
‫وهو عبارة عن مجموعة مقالت نشرت في مجلة العربللي‬
‫الكويتية (‬
‫]‪ ) [6‬المسلمون وآخللرون أشللواك وعقللد علللى الطريللق(‬
‫لفهمي هويدي (‬
‫============‬

‫‪341‬‬
‫‪ #‬التورق ‪ ...‬والتورق المنظم‬
‫)دراسة تأصيلية(‬
‫د‪ .‬سامي بن إبراهيم السويلم ‪5/11/1426‬‬
‫‪07/12/2005‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وبعد‪:‬‬
‫فقللد احتللل التللورق حيللزا ً كللبيرا ً فللي التعللاملت الماليللة‬
‫المعاصللرة الللتي تهللدف إلللى اللللتزام بأحكللام الشللريعة‬
‫السلمية‪ .‬وقللد كلان التللورق فللي الماضللي تصللرفا ً فرديلا ً‬
‫يقتصر على الشخص المحتاج إلللى النقللد‪ .‬أمللا اليللوم فقللد‬
‫تحول إلى عمل مؤسسي يرتبط فيلله الطللراف المعنيللون‬
‫بعلقات منظمة ومخطللط لهللا لتحقيللق هللدف محللدد وهللو‬
‫الحصول على النقد الحاضللر مقابللل نقلد فللي الذملة أكلثر‬
‫منه‪ .‬ويتوسط ذلك سلع أو أصللول غيللر مقصللودة لي مللن‬
‫الطللراف المعنيللة‪ ،‬ول تحقللق أي قيمللة مضللافة للنشللاط‬
‫القتصادي‪ .‬وقد أثار هذا التطللور الكللثير مللن الشللك حللول‬
‫مصداقية التمويل السلمي‪ ،‬وهل يختلف فعل ً عن التمويل‬
‫الربوي‪ ،‬أم أنه مجرد ترتيبات شكلية ل تنطوي على مبادئ‬
‫وأسس تمثل حقيقة القتصاد السلمي‪.‬‬
‫ولهذا السللبب عقللدت عللدة ملتقيللات وملؤتمرات لدراسلة‬
‫هللذه القضللية‪ ،‬وكللان مللن أبرزهللا اجتمللاع مجمللع الفقلله‬
‫السلللمي بمكللة المكرمللة فللي ‪1424‬هللل لدراسللة هللذه‬
‫القضية والخروج بموقف واضح منها‪ .‬وكانت النتيجللة الللتي‬
‫صدر بها قرار المجمع هي منع التورق المصرفي لنه يأخذ‬
‫حكم العينة الثنائية المحرمة شرعًا‪.‬‬
‫وهذا البحللث كللان أحللد البحللاث المقدمللة لهللذا الجتمللاع‪،‬‬
‫سوى بعض التصحيحات والتعديلت الطفيفة التي أجريللت‬
‫بعد انعقاد المجمع‪ .‬وقد سللعى البحللث لهللذا الغللرض إلللى‬
‫دراسة التورق من جذوره دراسة تأصيلية مقارنة‪ ،‬تتضللمن‬
‫تحريللر محللل الخلف‪ ،‬وتحديللد القللوال فيهللا مللن خلل‬
‫مصادرها المباشرة‪ ،‬ثم تتبع الدلة لكل قول‪ ،‬وما يرد عليه‬
‫ملللن المناقشلللة والعلللتراض‪ ،‬والجلللواب عنهلللا‪ ،‬وذللللك‬
‫بموضوعية وإنصاف قدر المكان‪ .‬ثم بعد ذلك الترجيح في‬
‫ضوء أدلة الكتللاب والسللنة‪ ،‬وفللي ضللوء مقاصللد الشللريعة‬

‫‪342‬‬
‫وقواعللدها‪ ،‬وفللي ضللوء أقللوال السلللف والئمللة المهللديين‬
‫والعلماء الربانيين‪.‬‬
‫كما حرص البحث علللى ربللط الحكللام الشللرعية بمعانيهللا‬
‫وغاياتهللا‪ ،‬وربللط المفللاهيم الفقهيللة بالمعللاني القتصللادية‪،‬‬
‫وذلك للتمييز بين حقيقة البيع المشروع وبين حقيقة الربا‪،‬‬
‫وتوظيف ذلللك فللي تقييللم الحيللل الربويللة عموملًا‪ ،‬وليللس‬
‫التورق فحسب‪ .‬فنحن بحاجة إلى منهجية مطردة وأصللول‬
‫كليللة تضللبط التعللاملت الماليللة لنتوصللل مللن خللهللا إلللى‬
‫مواقف أقرب إن شاء الله إلى الصواب وإلى الحلق اللذي‬
‫ينشده الجميع‪.‬‬
‫والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬عقد الكالئ بالكالئ‪ :‬تدليل ً وتعليل ً‬
‫د‪ .‬سامي بن إبراهيم السويلم ‪27/1/1426‬‬
‫‪08/03/2005‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫يمثل النهي عن الكالئ بالكالئ أحللد المعللالم البللارزة مللن‬
‫معالم قواعللد التبللادل فللي القتصللاد السلللمي‪ .‬وذلللك أن‬
‫المبادلت المالية إما أن تكون حاضرة البللدلين‪ ،‬أو مؤجلللة‬
‫أحللد البللدلين‪ ،‬أو مؤجلللة كل البللدلين‪ .‬والقسللمان الولن‬
‫جائزان باتفاق الفقهاء‪ ،‬بينما القسم الثللالث‪ ،‬وهللو الكللالئ‬
‫بالكالئ‪ ،‬ممنوع بالتفللاق‪ .‬وهللذا يعنللي أن الكللالئ بالكللالئ‬
‫يمثل نظرًيا ثلث المبادلت الماليللة‪ .‬واتفللاق العلمللاء علللى‬
‫منعه‪ ،‬خلًفا عن سلف‪ ،‬مع كثرة الفروع والصور التي تنبني‬
‫على هذه المعاملة‪ ،‬يتطلب دراسة عميقة مللن أجللل فهللم‬
‫قواعد التشللريع فللي هللذا الجللانب الجللوهري مللن جللوانب‬
‫النشاط النساني‪ .‬وبالرغم من ذلك فللإن الدراسللات الللتي‬
‫ل‪ ،‬ل تتجللاوز أصللابع اليللد‬‫عنيللت بهللذا الحكللم‪ ،‬تللدليل ً وتعلي ً‬
‫الواحدة‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أن كثيًرا من الدراسات المعاصللرة ركللزت‬
‫عنايتها علللى دراسلة الربللا وجللوانبه الفقهيلة والقتصللادية‪.‬‬
‫ومع التقدم الملموس في هذا الجانب‪ ،‬إل أن فهم الصول‬
‫القتصادية والفقهية للمبادلت الممنوعللة‪ ،‬بملا فيهللا الربللا‪،‬‬

‫‪343‬‬
‫يتطلب دراسة مقارنة بين العقللود الممنوعللة‪ ،‬خاصللة تلللك‬
‫التي اتضحت معالمها‪ ،‬وانعقد الجماع على حكمها‪ ،‬بحيللث‬
‫يسهل علللى البللاحث النطلق مللن أرضللية ثابتللة وواضللحة‬
‫لتحليل الموضوع‪.‬‬
‫إن كمال الشريعة السلمية يستلزم خلوها مللن التنللاقض‪،‬‬
‫وهللذا يعنللي أن هنللاك أصللول ً مشللتركة تحكللم المبللادلت‬
‫المالية‪ ،‬وتحللدد معلالم النظلام السلللمي للتبلادل‪ .‬وللذلك‬
‫فإن التجاه الذي بدأ يظهر نحو إباحة عقد الكالئ مطلًقللا‪،‬‬
‫مع كونه يمثل مخالفة صريحة للجماع والنصوص القاضللية‬
‫بتحريم هذا العقد‪ ،‬فلإنه‪ ،‬كملا سيتضلح ملن البحلث‪ ،‬يمثلل‬
‫ضا ظاهًرا بين موقف هؤلء الكتللاب مللن تحريللم الربللا‬ ‫تناق ً‬
‫وفي نفس الوقت إباحة الكالئ‪ ،‬وهذا التناقض يمثللل أحللد‬
‫جوانب الخلل في معالجللة أصللول المعارضللات الممنوعللة‬
‫وفي فهم نظرية السلم في التبادل‪.‬‬
‫ومما يلفت النظر في هذه القضية أن الفقهاء عبر القرون‬
‫لللم يعترضللوا علللى منللع عقللد الكللالئ بللالرغم مللن النقللد‬
‫الموجه لبعض أدلة تحريمه‪ .‬حتى جاء هذا العصللر‪ ،‬وبللدأت‬
‫بعض الراء تستشكل هذا المنع‪ ،‬وتدعو إلللى إبللاحته جملللة‬
‫وتفصي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫والحقيقة أن نشوء هذه الراء في هذا العصر ليللس غريًبللا‬
‫إذا أخذنا في العتبار أن القيلم الرأسلمالية اسللتطاعت أن‬
‫تبسط هيمنتها على الحياة القتصادية اليوم‪ ،‬وازدهرت من‬
‫ثللم تجللارة الللديون‪ ،‬وتعللددت أنللواع المللداينات‪ ،‬وفرضللت‬
‫سا‬‫نفسها في واقع الحياة العملية‪ ،‬حتى أضحت محوًرا رئي ً‬
‫من محاور النشللاط القتصللادي اليللوم أكللثر مللن أي وقللت‬
‫مضى‪ .‬في هذه الجللواء وجللد كللثير مللن البللاحثين أن منللع‬
‫دا أمللام‬‫سللا‪ ،‬ويقللف س ل ً‬
‫الكالئ بالكالئ يصادم واقعًللا ملمو ً‬
‫كثير من التعاملت التي اسللتجدت فلي هللذا العصللر‪ .‬ولمللا‬
‫كللانت هللذه المسللتجدات مبنيللة علللى مس لّلمات وأسللس‬
‫منافية للسس السلمية للقتصاد‪ ،‬لللم يكللن مسللتغرًبا أن‬
‫تظهر الدعوة لباحة هذا النوع مللن التعامللل والتشللكيك أو‬
‫العراض عما أطبقت عليه المة أكثر من ألف عام‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫لهذه السللباب جميعًللا‪ ،‬تبللدو الحاجللة ماسللة لدراسللة عقللد‬
‫الكللالئ دراسللة تحليليللة مقارنللة‪ ،‬تسللتوعب أول ً الدلللة‬
‫الشرعية على منعلله‪ ،‬ثللم تتلمللس ثاني ًللا الصللول والسللس‬
‫التي يمكن أن يستند إليها هذا المنع‪ ،‬ومقارنة ذلك بالعقود‬
‫الممنوعللة الخللرى‪ ،‬خاصللة الربللا‪ .‬وهللذه الدراسللة تعتللبر‬
‫خطوة في هذا المضمار‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫وقد انطلق البحث من المبدأ القاضي بأن أي نظريللة فللي‬
‫القتصاد السلمي يجب أن تحقق شرطين أساسيين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أل تخلللالف الحكلللام الشلللرعية الثابتلللة بلللالنص أو‬
‫الجماع‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن تكون سالمة في ذاتها من التناقض‪.‬‬
‫ولللذلك اشللتمل البحللث علللى قسللمين‪ :‬الول يتتبللع الدلللة‬
‫الشرعية‪ ،‬من الكتاب والسنة والجماع المتعلقة بحكم بيع‬
‫الكالئ‪ ،‬والخروج بتصور واضح لموقف الشللريعة مللن هللذا‬
‫العقد بحيث يكون هذا الموقف هو السللاس الللذي ينطلللق‬
‫منه التحليل‪.‬‬
‫والقسللم الثللاني خللاص بدراسللة أوجلله التعليللل‪ ،‬الفقهللي‬
‫والقتصادي‪ ،‬لموقف الشريعة المطهرة من هذا النوع مللن‬
‫التبللادل‪ .‬ولللذلك اعتمللد البحللث منهللج المقارنللة بيللن عقللد‬
‫الكللالئ والللبيوع الممنوعللة الخللرى‪ .‬وذلللك لن الفللتراض‬
‫الجوهري الذي سار عليه البحث هللو أن الللبيوع الممنوعللة‬
‫ترجع إلى أصول مشلتركة كليلة تحكمهللا وتنظمهلا جميعًللا‪.‬‬
‫وهي فرضية اعتمدها عدد من الفقهاء على سللبيل المثللال‬
‫المام أبو بكر ابن العربي)‪ ، (1‬وبناء على ذلك فأي تعليللل‬
‫ما مع قواعللد‬ ‫مقترح لمنع بيع الكالئ يجب أن يكون منسج ً‬
‫ل‪ ،‬وأل ّ يتخلف أثره إذا وجد فللي عقللد آخللر‪.‬‬ ‫المبادلت إجما ً‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬فإن التعليل المطللروح يجللب أن يسلللم مللن‬
‫التناقض‪.‬‬
‫كمللا انطلللق البحللث مللن مسلللمة أن "النقللل الصللحيح ل‬
‫يعارض العقل الصريح" فما استقر عليه حكم الكللالئ فللي‬
‫الشللرع المطهللر‪ ،‬لبللد أن يكللون مصلللحة راجحللة‪ .‬ولهللذا‬
‫الغرض تطلللب البحللث دراسللة أوجلله المصللالح والمفاسللد‬

‫‪345‬‬
‫القتصللادية الللتي يمكللن أن يحققهللا‪ ،‬وذلللك للوصللول إلللى‬
‫تقويم متوازن للعقد‪.‬‬
‫ويخلص البحث إلللى أن عقللد الكللالئ بالكللالئ قللد اسللتقر‬
‫الجماع على منعه‪ ،‬وأن قواعللد المبللادلت وأصللولها تللأبى‬
‫جوازه‪ ،‬كما أن المفاسد التي يمكن أن تترتب عليه تتجاوز‬
‫المصالح المرجوة منه‪ .‬والحتياجات الللتي يمكللن أن يلبيهللا‬
‫العقد يمكن تحقيقها بصيغ أخرى مشروعة تتلفى مللا فيلله‬
‫من السلبيات‪.‬‬
‫والله الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬
‫)‪ (1‬في أحكام القرآن ‪ ،1/244‬والقبس فللي شللرح موطللأ‬
‫مالك بن أنس ‪.2/787‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬تقويم نظام "هبة الجزيرة"‬
‫د‪ .‬سامي بن إبراهيم السويلم ‪27/9/1425‬‬
‫‪10/11/2004‬‬
‫الحمد لله رب العللالمين‪ ،‬والصلللة والسلللم علللى أشللرف‬
‫النبياء والمرسلين‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فللإن تقللويم نظللام شللركة "هبللة الجزيللرة" يتلخللص فللي‬
‫مقامين‪:‬‬
‫الول‪ :‬حقيقة النظام والهدف المقصود منه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬حكمه وفقا ً للقواعد الشرعية‪.‬‬
‫المقام الول‪ :‬حقيقة النظام والمقصود منه‬
‫بناء على الشرح المقدم في موقع الشللركة‪ ،‬فللإن العميللل‬
‫يشتري قرصا ً ممغنطا ً بخمسمائة ريال‪ ،‬ثم بعد فترة يمنللح‬
‫حافزا ً قللدره ‪ 700‬ريللال عللن كللل قللرص اشللتراه بحسللب‬
‫"قوة السوق"‪ ،‬ثم بعد فترة أيضا ً وبحسب "قوة السللوق"‪،‬‬
‫يمنللح المتسللوق مبلللغ ‪ 15000‬ريللال‪ ،‬وذلللك "هبللة مللن‬
‫الشركة" على حد تعبير الموقع‪.‬‬
‫فالعميل إذن يللدفع ‪ 500‬ريللال مقابللل القللرص مللن جهللة‪،‬‬
‫والحللوافز والهبللات الللتي تشللكل فللي مجموعهللا ‪15700‬‬
‫ريال‪ .‬ول نحتاج لكبير عناء لنعرف ما هللو مقصللود العميللل‬
‫من الشراء‪ .‬فالقرص قيمته ‪ 500‬ريال‪ ،‬أما "الهبللة" فتبلللغ‬

‫‪346‬‬
‫‪ .15000‬وكل عاقل يبحللث عللن مصلللحته يللدرك أن هللذه‬
‫"الهبة" أكثر قيمة وأجدى اقتصاديا ً من القرص‪ .‬فالمقصود‬
‫الهم والعظم من الشراء هو الهبة‪ .‬أما الُقللرص فإمللا أن‬
‫ل‪ ،‬أو على أحسن الحللوال مقصللودا ً‬ ‫يكون غير مقصود أص ً‬
‫بحسللب قيمتلله‪ .‬فللإذا كللانت قيمللة الُقللرص ‪ 500‬والهبللة‬
‫‪ ،15000‬فسلليكون الُقللرص مقصللودا ً بنسللبة ‪ ،%3‬وهللي‬
‫نسبة ‪ ،500/15500‬أما الهبللة فسللتكون مقصللودة بنسللبة‬
‫‪.%97‬‬
‫أما من الناحية القتصادية‪ ،‬فالسؤال الللذي يطللرح نفسلله‪:‬‬
‫من أين تأتي هذه "الهبة" التي تعادل أكثر مللن ‪ 32‬ضللعف‬
‫الثمن المدفوع؟‬
‫إن الموقع نفسه يصرح بأن منح الهبللة يعتمللد علللى "قللوة‬
‫السوق"‪ ،‬كما ينص على أنه يتم توزيعها بين المتسوقين أو‬
‫العملء "بالعتماد على مبدأ الول ثم الذي يليلله"‪ .‬وواضللح‬
‫أن هذه الهبات الكللبيرة إذن تعتمللد علللى تسلسللل العملء‬
‫في الشللراء‪ ،‬فالهبللة تللذهب لمللن اشللترى أو ً‬
‫ل‪ ،‬ثللم الللذين‬
‫اشتروا بعدهم وهكذا‪.‬‬
‫والموقع يشير إلللى أن منللح الهبللة مرتبللط بقللوة السللوق‪،‬‬
‫والمقصود بذلك هو مستوى القبال على شراء المنتج من‬
‫الشركة‪ .‬فكلما ارتفع القبال وازداد عدد المتسوقين‪ ،‬كلما‬
‫كانت فرصة الحصول على "الهبة" أكبر‪.‬‬
‫والموقللع يللذكر أن مصللدر هللذه الهبللات هللو الربللاح الللتي‬
‫تحصل عليها الشركة بعللد اسللتقطاع نصلليبها البللالغ ‪.%10‬‬
‫وبناء على ما جاء في الموقع‪ ،‬فإن سعر الُقللرص يجللب أل‬
‫يقل عن ‪ 300‬ول يزيللد عللن ‪ 1000‬ريللال‪ .‬وهللذا يعنللي أن‬
‫التكلفللة ل تتجللاوز ‪ 300‬ريللال بحللال مللن الحللوال‪ .‬فللإذا‬
‫افترضنا تنزل ً أن التكلفة في حدود ‪ 200-150‬ريال‪ ،‬فهللذا‬
‫يعني أن الربح يبلغ ‪ 350-300‬ريال للقرص الواحد‪.‬‬
‫ويمكننا من باب التبسيط أن نفترض أن صافي الربح بعللد‬
‫استقطاع نصيب الشللركة يبلللغ ‪ 300‬ريللال للقللرص‪ .‬فكللم‬
‫يجب أن يكون عدد القراص المباعة لتمنللح الشللركة هبللة‬
‫‪ 15000‬ريال للمتسوق الول؟ الجواب بحسب الفللتراض‬
‫السللابق‪ 50 = 15000/300 :‬قرص لًا‪ .‬أي أنلله يجللب أن‬

‫‪347‬‬
‫يوجللد ‪ 50‬متسللوقا ً بعللد المتسللوق الول‪ ،‬إذا كللان كللل‬
‫متسوق يشتري قرصا ً واحدًا‪ .‬ولكي يمنح المتسوق الثللاني‬
‫‪ 15000‬ريللال فيجللب أن يوجللد بعللده ‪ 50‬متسللوقا ً أيض لًا‪،‬‬
‫وهكللذا‪ .‬وكللل واحللد مللن هللؤلء يحتللاج ‪ 50‬متسللوقا ً بعللده‬
‫ليحصل على هذه "الهبة‪".‬‬
‫أي أن المتسوق الول يحصل على هبات ماليللة مللن خلل‬
‫ما يدفعه من يأتي بعده‪ ،‬ومللن بعللده ممللن بعللده‪ ،‬وهكللذا‪.‬‬
‫وكل منهم ل بد أن يوجد بعده عدد أكللبر مللن المشللتركين‬
‫ليمكن تحقيق مبلغ "الهبة"‪ ،‬فتكون النتيجللة النهائيللة هرملا ً‬
‫من المتسوقين‪ ،‬كل طبقة فيه أكبر من التي تليهللا‪ .‬وينمللو‬
‫هللذا الهللرم بحسللب "قللوة السللوق" وبحسللب مسللتوى‬
‫النضمام للهرم‪.‬‬
‫وهذا هو بعينه نظام التسلسل الهرمللي الللذي تقللوم عليلله‬
‫شركات التسويق الشللبكي‪ ،‬والللذي تزعللم الشللركة أنلله ل‬
‫علقة لهللا بلله إطلقلًا‪ .‬إن النظللام الهرمللي فللي جللوهره ل‬
‫يختلف بين هذه الشركات‪ ،‬بما فيها شللركة هبللة الجزيللرة‪،‬‬
‫لكن قد تختلف هذه الشركات فيمللا بينهللا فللي الجللراءات‬
‫والتنظيمات التفصلليلية‪ .‬لكللن المبللدأ والجللوهر واحللد‪ :‬كللل‬
‫عضو يدفع لكي يحصل على مبلغ ممللن يليلله‪ ،‬وكللل طبقللة‬
‫من المشتركين يجب أن تليها طبقة أكبر منها ليمكن جملع‬
‫العمولت أو "الهبات" الموعودة‪.‬‬
‫وكما سبق بيانه في مناسبات عديدة‪ ،‬فإن الهللرم ل يمكللن‬
‫أن يستمر في النمللو إلللى مللا ل نهايللة‪ .‬فللإذا توقللف كللانت‬
‫الطبقات الخيرة قللد دفعللت الثمللن دون أن تحصللل علللى‬
‫"الهبة" التي كللانوا يحلمللون بهللا‪ .‬فهللي فللي حقيقللة المللر‬
‫خاسرة لنها لم تحقق الغرض الذي دفعللت الثمللن لجللله‪.‬‬
‫وحللتى فللي أثنللاء نمللو الهللرم‪ ،‬فللإن كللل طبقللة ل يتحقللق‬
‫مقصودها إل إذا جاءت بعدها طبقة أو أكللثر لتحصللل علللى‬
‫العمولت أو الهبات الموعللودة‪ .‬فالطبقللات الخيللرة دائملا ً‬
‫خاسرة إل إذا وجد بعدها من يدفع ويتحمل الخسللارة إلللى‬
‫أن يأتي بعدها من يتحملها بدوره‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫فالقول بللأن نظللام هبللة الجزيللرة ل علقللة للله بالتسلسللل‬
‫الهرمي قول ينافي الواقع ويناقض المعطيات المصرح بها‬

‫‪348‬‬
‫في موقع الشركة‪ .‬وليس هذا غريب لا ً عللن هللذه الشللركات‬
‫التي تجتهد بكل وسيلة لخفاء الحقيقة عللن أعيللن النللاس‪،‬‬
‫ولو كانت كالشمس في رابعة النهار‪.‬‬
‫المقام الثاني‪ :‬حكم هذا النظام وفق القواعد الشرعية‬
‫إن الحكم على هذا النظام يتناول جانبين‪ :‬جانب العقد بين‬
‫المتسوق والشركة‪ ،‬وجللانب مجمللوع المتسللوقين وكيفيللة‬
‫عمل النظام بمجموعه‪.‬‬
‫ل‪ :‬العقد بين المتسوق وبين الشركة‬ ‫أو ً‬
‫إن الشركة تصرح فللي أنظمتهللا أن المتسللوق يللدفع ‪500‬‬
‫ريال ليحصل على الُقرص بالضافة إلى حللافز قللدره ‪700‬‬
‫ريال وهبة قدرها ‪ .15000‬وكللل مللن الحللافز والهبللة غيللر‬
‫مضمون‪ ،‬بل هو بحسللب مللا أسللموه قللوة السللوق‪ .‬أي أن‬
‫الحللوافز والهبللات غيللر متيقنللة ول مضللمونة‪ ،‬بللل هللي‬
‫احتمالية‪ .‬وإذا قصرنا النظر على الهبة فتكللون النتيجللة أن‬
‫المتسوق يدفع ‪ 500‬مقابل قُللرص بالضللافة إلللى ‪15000‬‬
‫احتمالية الحصول‪.‬‬
‫وسللبق فللي المقللام الول أن مقصللود المتسللوق الهللم‬
‫والكبر هو الهبة وليس الُقرص‪ ،‬وأن هذا هللو شللأن العقلء‬
‫الذين يبحثون عللن مصللالحهم‪ .‬فالمقصللود إذن هللو مبادلللة‬
‫‪ 500‬ريال بل ‪ 15000‬ريال قد تحصل وقد ل تحصل‪ ،‬وهللذا‬
‫هو القمار والميسر المحرم شرعًا‪ .‬وفوق ذلك فإنه مبادلة‬
‫لنقد بنقد مع التفاضل والتأخير ‪ ،‬فيدخل في الربا‪.‬‬
‫وأما وجود الُقرص فهو إما أن يكون غير مقصللود أص ل ً‬
‫ل‪ ،‬أو‬
‫على أحسن الحوال مقصودا ً تبعًا‪ ،‬وإنمللا المقصللود الكللبر‬
‫والعظم هو مبلغ الهبة‪ .‬ومما يؤكد ذلك ما صرح به موقللع‬
‫الشركة أن من ثمرات النظام أنه "تللم عقللد قللران أربعللة‬
‫من الشباب الذين استفادوا مللن هبللات هلذا النظلام‪ .‬وقلد‬
‫امتلك ثلثة من المتسوقين منازل خاصة بعد أن كانوا فللي‬
‫منازل مستأجرة ‪ " ...‬إلخ‪.‬‬
‫ولك أن تتخيل أخي القارئ كم حجللم الهبللات الللتي حصللل‬
‫عليها من تمكن من الزواج أو شراء بيت‪ .‬إنها ل بد أن تبلغ‬
‫عشرات اللوف بل المئات منها‪ .‬أليللس هللذا أوضللح دليللل‬
‫على أن المقصود من النظام هو الهبات وليس القللراص؟‬

‫‪349‬‬
‫فالقراص ل تزوج عزبا ً ول تشتري بيتًا‪ .‬فإذا كللان هللذا هللو‬
‫المقصود الحقيقللي مللن النظللام فمللا الللداعي إذن لوجللود‬
‫القراص ابتللداء؟ ولللم ل يكللون النظللام اشللتراكات نقديللة‬
‫مقابل "هبات" تحصللل بحسللب "قللوة السللوق"؟ الجللواب‬
‫واضللح‪ ،‬فلإن غيللاب الُقللرص يكشللف حقيقللة النظللام وأنلله‬
‫مبادلة نقللد بنقللد‪ ،‬مللن جنللس اليانصلليب‪ .‬فكللم مللن فقيللر‬
‫وأعزب ومستأجر استغنى وتزوج وامتلك بيتا ً بسبب جوائز‬
‫اليانصيب‪ ،‬فهل هذا كاف في الحكللم بللالجواز؟ وهللل بهللذا‬
‫تصدر الحكام الشرعية؟‬
‫فللإذا كلان المقصللود الحقيقللي والغللب ملن المبادللة هللو‬
‫الهبة‪ ،‬كان الحكم مبنيا ً على ذلك‪ ،‬فتكون مبادلة نقللد بنقللد‬
‫محتمل‪ ،‬مع التفاضل والتأخير‪ ،‬فيجتمع فيها الميسر والربا‪.‬‬
‫وأما الحتجاج بأن هذا من أسللباب مكافحللة الفقللر‪ ،‬فتللأتي‬
‫مناقشته إن شاء الله عند مناقشة النظام بمجموعه‪.‬‬

‫ضابط الحيل‬
‫تتنوع صور التحايل على الربلا والقملار‪ ،‬إل أن ملن أبرزهلا‬
‫أن يضللم صللاحب الحيلللة سلللعة غيللر مقصللودة إلللى أحللد‬
‫البدلين‪ ،‬ثم يزعم أن المقصللود هللو السلللعة وليللس البللدل‬
‫المحرم‪.‬‬
‫ولكن الفقهاء كانوا أكثر فطنة من أصللحاب الحيللل‪ ،‬ولهللذا‬
‫اتفقوا على منع مبادلة نقد بنقد أكثر منه‪ ،‬ومع النقد الكثر‬
‫عجللوة‪ .‬وذلللك‬ ‫مد ّ َ‬
‫سلعة‪ .‬وهذ المسألة تسمى عندالفقهاء‪ُ :‬‬
‫كمن يبللادل ‪ 1000‬ريللال بسلللعة ومعهللا ‪ ،1500‬فل خلف‬
‫بينهم في منع هذه المبادلللة‪ ،‬وذلللك أن الزيللادة فللي النقللد‬
‫المضموم للسلعة ل يقابلها شئ في الطرف الخر‪ .‬والبائع‬
‫ل يقبللل فللي الحقيقللة هللذا التبللادل إذا كللان النقللد الكللثر‬
‫حاضرًا‪ ،‬لنه زيادة بل مقابل‪ ،‬فتكون خسارة محضة‪ .‬وإنمللا‬
‫يمكن أن يقبل ذلك إذا كللان النقللد الكللثر إمللا مللؤجل ً فللي‬
‫الذمة‪ ،‬فتكون المبادلة في الحقيقة قرضا ً بزيللادة وأدخلللت‬
‫السلعة تمويها ً وتحللايل ً علللى الربللا‪ .‬أو يكللون النقللد الكللثر‬
‫محتمل الحصول‪ ،‬فتكون تحايل ً على الميسر والقمار‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫وهللذا هللو الحاصللل بالضللبط فللي نظللام "هبللة الجزيللرة"‪:‬‬
‫فالمتسللوق يللدفع ‪ 500‬مقابللل الُقللرص ومعلله ‪.15000‬‬
‫ومعلوم أنه ل يمكن أن يقبل بذلك البللائع إل إذا كلان مبلللغ‬
‫الل ‪ 15000‬احتماليا ً قد يحصللل ول يحصللل‪ ،‬فيكللون وجللود‬
‫الُقللرص حيلللة وتلبيس لا ً لحقيقللة المعاملللة وهللي الميسللر‬
‫والمقامرة‪.‬‬
‫ل مللن أن تنطلللي‬ ‫والفقه السلمي بحمد الله أعظللم وأج ل ّ‬
‫عليه هذه الحيل المذمومللة‪ ،‬وإن كللان قللد يقللع خلف بيللن‬
‫الفقهاء في بعض المعاملت هل هي من الحيل المذمومللة‬
‫أم ل‪ .‬لكللن فيمللا اتفقللوا عليلله وفللي الدلللة الصللحيحة مللا‬
‫يكشف وجه الحق في هذه المسائل‪ ،‬لن الله تعالى عصم‬
‫هذه المة من الجتماع على ضللة‪ .‬وفي النهاية فإن الللله‬
‫عز وجل هو المطلع على قلب كل إنسللان ومللراده‪ ،‬فمللن‬
‫قصد الحق وبحث عنه وتجللرد للللدليل فسلليتبين للله الحللق‬
‫ل‪ ،‬وهو في ذلك مأجور إن شاء الله‪ .‬ومللن أراد‬ ‫عاجل ً أو آج ً‬
‫تتبع الرخص والتلفيللق بيللن الراء بمللا يرضللي هللواه ل بمللا‬
‫يرضي موله‪ ،‬فسيجد عمله عند من ل تخفى عليه خافية‪.‬‬
‫السماء ل تغير الحقائق‬
‫وأما تسميتها بالهبة‪ ،‬فهو من تسمية الشللياء بغيللر اسللمها‬
‫الذي حذر منه النبي صلى الللله عليلله وسلللم فللي أحللاديث‬
‫عديدة‪ ،‬في الصحيح وغيللره‪ .‬والحكللام الشللرعية ل تتعلللق‬
‫بالسماء إذا كانت تنافي الحقائق‪ .‬فسللواء سللميت هبللة أو‬
‫هدية أو مكافأة أو منحة أو غير ذلك من السللماء‪ ،‬فهللذا ل‬
‫يغير حقيقة أنها المقصود الهم في المعاوضة‪.‬‬
‫وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الهديللة قللد تكللون‬
‫ل‪ ،‬كما في قصة الرجل الذي بعثه النبي صلللى‬ ‫رشوة وغلو ً‬
‫الله عليه وسلم لجمع الصدقة‪ ،‬فلما جاء للنبي صلللى الللله‬
‫عليه وسلم قال‪ :‬هذا لكم وهذا أهلدي إللي‪ ،‬فقلال رسلول‬
‫الله صلى اللله عليله وسللم‪" :‬أفل قعلدت فلي بيلت أبيلك‬
‫وأمك فتنظر أيهدى إليك أم ل ؟" ثم قام خطيبا ً فحمد الله‬
‫وأثنى عليه ثم قال‪" :‬أما بعد فإني أسللتعمل الرجللل منكللم‬
‫على العمل مما ولني الله‪ ،‬فيأتي فيقللول هللذا لكللم وهللذا‬
‫هدية أهديت لي‪ ،‬أفل جلس في بيت أبيه وأمه حللتى تللأتيه‬

‫‪351‬‬
‫هديته إن كان صادقًا؟ والله ل يأخذ أحللد منكللم شلليئا بغيللر‬
‫حقلله إل لقللي اللله يحملله يللوم القيامللة" الحللديث‪ ،‬متفللق‬
‫عليه‪ ،‬ورواه أحمد أبو داود‪.‬‬
‫فهذه التي أسماها الرجل هدية إنمللا هللي سللحت وغلللول‪،‬‬
‫فمجرد التسمية ل يغير من الحقيقة شيئًا‪ ،‬وإنمللا هللي مللن‬
‫التحايل المذموم على الشرع‪ .‬ولذلك ذكر البخللاري رحملله‬
‫الللله هللذه القصللة فللي كتللاب الحيللل‪ .‬والتحايللل ل يجعللل‬
‫ل‪ ،‬بللل يزيللده تحريملًا‪ ،‬لنلله يجمللع بيللن حرمللة‬
‫الحللرام حل ً‬
‫الفعل وبين حرمة التحايل والتدليس‪.‬‬
‫فيقال لمن يسمي مبلغ الل ‪ 15000‬ريال ً هبة أو هديللة‪ :‬هل‬
‫جلست في بيت أبيك وأمللك فتنظللر هللل يهللدى إليللك هللذا‬
‫المبلغ أم ل؟ فهذه الهدية ل تعطى إل لمللن اشللترى ودفللع‬
‫الثمن‪ ،‬فتكون إذن جزءا ً من المعاوضة‪ ،‬وليسلت هبلة كمللا‬
‫سموها‪.‬‬
‫وفي صحيح البخاري أن عبد الله بن سلم رضي الله عنلله‬
‫قال لبي بردة بن أبي موسى الشعري‪" :‬إنك بأرض الربللا‬
‫بها فاش‪ ،‬إذا كان لك على رجلل حللق فأهلدى إليلك حملل‬
‫تبن أو حمل شعير أو حمل قت فل تأخذه فإنه ربا"‪ .‬فللبين‬
‫رضي الله عنه أن هذه التي تبدو هدية ظاهرا ً هي ربا فللي‬
‫حقيقتها‪ ،‬وإخراجها على صللورة هديللة ل يغيللر مللن الحكللم‬
‫شيئًا‪ .‬وعبد الله بن سلم رضي الللله عنلله كللان مللن أحبللار‬
‫اليهود قبل أن يسللم‪ ،‬فهللو خللبير بالربلا وصلوره وأنللواعه‪.‬‬
‫ن‬
‫فقوله هذا مبني على علم وخبرة بحقيقة الربا‪ ،‬مع ما م ل ّ‬
‫الله به عليه من العلم والفقه والصحبة‪.‬‬
‫ولللذلك قللرر شلليخ السلللم أن الهديللة إذا وجللدت لسللبب‬
‫أخذت حكم ذلك السبب‪ ،‬وجعل ذلك من أصول الشللريعة‪:‬‬
‫"وهو أن كل من أهدي له شئ أو وهللب للله شللئ بسللبب‪،‬‬
‫فللإنه يثبللت للله حكللم ذلللك السللبب‪ ،‬بحيللث يسللتحق مللن‬
‫يستحق ذلك السبب‪ ،‬ويثبت بثبوته‪ ،‬ويزول بزواله‪ ،‬ويحللرم‬
‫بحرمته‪ ،‬ويحل بحله حيث جاز له قبللول الهديللة‪ .‬مثللل مللن‬
‫ُأهدي له للَقرض‪ ،‬فإنه يثبت له حكم بدل الَقرض‪ .‬وكللذلك‬
‫من ُأهدي له لولية مشتركة بينه وبين غيره‪ ،‬كالمام وأمير‬
‫الجيش وساعي الصدقات‪ ،‬فإنه يثبت في الهدية حكم ذلك‬

‫‪352‬‬
‫الشتراك‪ .‬ولو كانت الهدية قبل العقللد )أي عقللد النكللاح(‪،‬‬
‫وقد وعدوه بالنكاح فزوجوا غيللره‪ ،‬رجللع بهللا" )الختيللارات‬
‫ص ‪ (334‬وهذا يرجع في النهاية إلى قاعدة الشللريعة فللي‬
‫اعتبللار المقاصللد والنيللات‪ ،‬وهللي قاعللدة كليللة ثبتللت مللن‬
‫نصوص متواترة تبلغ حد القطع‪.‬‬
‫إذا ثبت ذلك فإن ما سمي هبة في هللذه المعاملللة مللا هللو‬
‫في الحقيقة إل عللوض عللن الثمللن المللدفوع‪ ،‬إذ ل يحصللل‬
‫علللى الهبلة إل مللن اشللترى ودفلع الثمللن‪ .‬ولمللا كلان هلذا‬
‫العوض هو المقصود أساسًا‪ ،‬وكان احتماليا ً قد يحصل وقد‬
‫ل يحصللل‪ ،‬فالمعاملللة إذن مللن الميسللر المحللرم بللالنص‬
‫والجماع‪ .‬ول يفيد تسمية العوض الحتمللالي هبللة أو هديللة‬
‫إل زيادة الثم والتحريم‪ ،‬كما سبق‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حكم النظام بمجموعه‬
‫سبق أن مصدر "الهبة" في هللذه المعاملللة هللو مشللتريات‬
‫المتسوقين التالين للمتسوق الول‪ ،‬وكل من يحصل علللى‬
‫الهبة إنما يحصل عليها ممن يللأتي بعللده مللن المتسللوقين‪.‬‬
‫فالطبقات الخيرة من المتسوقين ل تربح الهبة إل إذا وجد‬
‫بعدها طبقات جديدة‪ .‬وهذا يعني أن من يكسب الهبة إنمللا‬
‫يكسبها على حسللاب مللن يللأتي بعللده‪ ،‬وهللذا ل يكسللب إل‬
‫على حساب من بعده‪ ،‬وهكللذا‪ .‬فالطبقللات الخيللرة دائم لا ً‬
‫خاسللرة‪ ،‬لن المقصللود مللن الثمللن هللو الهبللة كمللا سللبق‪،‬‬
‫والهبة ل تتحقق إل بوجود طبقات تالية تتحمل هللي الثمللن‬
‫لتحصل الهبة لمن سبقهم‪ ،‬وتحصل هي علللى الهبللة ممللن‬
‫بعدهم‪ .‬فل يوجد من يربح إذن إل بوجود من يخسر‪ ،‬وهللذا‬
‫هو حقيقة أكل المال بالباطل المحرم شرعًا‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أن من طبيعة النظام الهرمللي الللذي ينشللأ‬
‫بهذا السلوب أن الطبقات الدنيا الخاسرة أكبر بكللثير مللن‬
‫الطبقات العليا الرابحة‪ .‬ورياضيا ً فإن نسبة مللن يربللح فللي‬
‫الهللرم ل تتجللاوز ‪ ،%6‬بينمللا ‪ %94‬مللن أعضللاء الهللرم‬
‫يخسرون‪ .‬فالغالبية تخسر لكي تربح القلية‪ ،‬وهللذا مللع مللا‬
‫فيه من الظلم وأكل المال بالباطل‪ ،‬فإنه يؤدي إلللى سللوء‬
‫تركيللز الللثروة الللذي تحرملله جميللع الشللرائع الللتي تراعللي‬
‫العدالة الجتماعية‪ ،‬فضل ً عن الشريعة السلمية‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫فالنظام الهرمي في أصل طبيعته وتكوينه قائم علللى ربللح‬
‫القلية في أعلى الهرم على حساب الكثرية ممن دونهللم‪.‬‬
‫وهذا النظام يجمللع بيللن أكللل المللال بالباطللل وبيللن سللوء‬
‫توزيع الثروة وتركيزها في يد القلية‪ ،‬وهي عين المفسللدة‬
‫الللتي تنشللأ عللن الربللا والحتكللار‪ ،‬وحرمهللا القللرآن بقللوله‬
‫تعللالى‪" :‬كيل يكللون دولللة بيللن الغنيللاء منكللم"‪ .‬فل يشللك‬
‫عاقل درس هذا النظام وأدرك حقيقتلله وكيفيللة عمللله أنلله‬
‫مناقض للشريعة السلمية مناقضة صريحة‪ ،‬فهو كما قيل‪:‬‬
‫تصوره كاف في إبطاله‪.‬‬
‫الغاية ل تبرر الوسيلة‬
‫تفخر الشركة في موقعهللا بللأن مللن ثمللرات النظللام زواج‬
‫عدد من المتسوقين عن طريق الهبات التي حصلوا عليها‪،‬‬
‫وتملك بعضهم بيوتا ً بعللد أن كللانوا فللي منللازل مسللتأجرة‪،‬‬
‫"وما علم الله به أكثر وأعظم‪ ".‬ثللم أشللاروا إلللى مللا لهللذا‬
‫النظللام مللن "الثللر الكللبير فللي مكافحللة الفقللر والرتفللاع‬
‫بمستوى المعيشة بإذن الله تعللالى‪ .‬ومعلللوم أن الشللريعة‬
‫الغراء من مقاصدها رفع الفقر عن المسلللمين" إلللى آخللر‬
‫ما جاء فيه‪.‬‬
‫وأول ما يلحظ هنا هو العتماد على مقاصد الشللريعة بعللد‬
‫أن كانت مغيبة عند تبرير بيللع الُقللرص وأنلله عللوض الثمللن‬
‫المدفوع‪ .‬فإن كانت العبرة بالمقاصد فما الحاجة إذن لللبيع‬
‫القراص؟ إن هذه القراص ل تسللمن ول تغنللي مللن جللوع‬
‫في مكافحة الفقر وتزويج الشباب وإيواء المشردين‪ .‬وكما‬
‫سبق‪ ،‬فإن هذا مللن أوضللح الدلللة علللى أن المقصللود مللن‬
‫النظام هو الهبات وليللس القللراص‪ ،‬فللالواجب إذن تقللويم‬
‫النظام بهذا العتبار‪ .‬ولكن هذا يعني أن النظام ل يعدو أن‬
‫يكون صورة من الميسر‪ ،‬لنه نقد مقابللل نقللد قللد يحصللل‬
‫وقد ل يحصل‪.‬‬
‫ونقول ثانيًا‪ :‬ل ريب أن مكافحة الفقر من مقاصد التشريع‬
‫السلمي‪ ،‬لكن الغايللة ل تللبرر الوسلليلة‪ ،‬فل يجللوز سلللوك‬
‫طرق غير مشروعة لتحقيق الهللدف المشللروع‪ .‬وقللد كللان‬
‫الميسر في الجاهلية يتباهى به العرب في إعطاء المحتللاج‬
‫والفقير‪ ،‬ومع ذلللك نللزل القللرآن بتحريملله قطع لًا‪ .‬كمللا أن‬

‫‪354‬‬
‫اليانصيب الحكومي في دول الغرب وغيرها هدفه مكافحة‬
‫الفقر وعلج المرضى وتوظيف العاطلين‪ ،‬وغيللر ذلللك مللن‬
‫الهداف الجتماعية‪ .‬فهل هذا يجعل اليانصلليب مشللروعًا؟‬
‫إن اللله تعللالى طيلب ل يقبلل إل طيبلًا‪ ،‬فملن رام تحقيللق‬
‫الهداف النبيلة فل بد له من سلوك الطرق المناسبة لهذه‬
‫الهداف‪.‬‬
‫ونقول ثالثًا‪ :‬إن هذا النظام هو نفسلله مللن أسللباب الفقللر‪،‬‬
‫لنه يركللز الللثروة فللي أيللدي القلللة القليلللة علللى حسللاب‬
‫الكثرة الكاثرة‪ ،‬كمللا سللبق‪ .‬فللإن كللان الهللدف هومكافحللة‬
‫الفقر ومحاربة تركيز الللثروة‪ ،‬فللالواجب منللع هللذا النظللام‬
‫ومحاربته‪ .‬وهذا يؤكد أن الوسائل المحرمة ل تفضللي إلللى‬
‫مصالح مشروعة‪ ،‬بل إلى مفاسد محرمة‪ .‬ومن نظللر إلللى‬
‫الوسللائل وأعللرض عللن المللآلت‪ ،‬أو نظللر إلللى المللآلت‬
‫وأعرض عن الوسائل‪ ،‬وقع في التناقض ول بد‪ .‬ومن جمللع‬
‫بينهمللا ائتلفللت عنللده المقاصللد والحكللام‪ ،‬واتفللق الحكللم‬
‫الخاص بالعقد مع الحكللم العللام للنظللام بمجمللوعه‪ ،‬وهللذا‬
‫بحمد الله بّين لكل منصف‪.‬‬
‫الخلصة‬
‫إن نظام هبة الجزيرة يجمع بين الميسر والربا‪ ،‬مع ما فيلله‬
‫من التحايل المذموم‪ ،‬فهو محرم شرعًا‪ .‬وبيان ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬إن المقصود الهم من الشراء هو الهبة‪ ،‬وهذا هو شللأن‬
‫العقلء الذين تتعللق بهلم الحكللام الشللرعية‪ ،‬وهللو الواقلع‬
‫الذي ثبت بالرؤية والمشاهدة‪ ،‬وباعتراف أصحاب الشللركة‬
‫أنفسهم‪ .‬والُقرص مللا هللو إل سللتار وحيلللة لخفللاء حقيقللة‬
‫المعاملة‪.‬‬
‫‪ .2‬إن المعاملللة بللذلك تصللبح مبادلللة بيللن ‪ 500‬نقللدا ً و‬
‫‪ 15000‬محتملللة‪ ،‬وهللذا يجمللع بيللن القمللار وبيللن الربللا‪،‬‬
‫وكلهما محرم بالنص والجماع‪.‬‬
‫‪ .3‬إن النظام بمجموعه هو النظللام الهرمللي القللائم علللى‬
‫أكل المال بالباطللل وربللح القليللة علللى حسللاب الكثريللة‪،‬‬
‫وكلهما محرم أيضا ً بالنص والجماع‪.‬‬
‫وختاما ً ندعو كل مللن يرتللاب فللي صللحة هللذه النتللائج إلللى‬
‫النظر في حقيقة هذه المعاملة وغايتها‪ ،‬والنظر فللي واقللع‬

‫‪355‬‬
‫ل‪ ،‬ثللم عللرض هللذه‬ ‫المتعللاملين ومللا الللذي يسللعون للله فع ً‬
‫الحقيقللة وهللذه الغايللة علللى قواعللد الشللريعة وأحكامهللا‬
‫ومقاصلللدها‪ .‬فالحكلللام الشلللرعية تبنلللى عللللى الحقلللائق‬
‫والمقاصد‪ ،‬ل على الصور والمظاهر إذا ناقضت الحقائق‪.‬‬
‫اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل‪ ،‬فللاطر السللماوات‬
‫والرض‪ ،‬عالم الغيلب والشلهادة‪ ،‬أنلت تحكلم بيلن عبلادك‬
‫فيما كانوا فيه يختلفون‪ ،‬اهدنا وإخواننا لما اختلف فيه مللن‬
‫الحق بإذنك‪ ،‬إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬موقف السلف من التورق المنظم‬
‫د‪ .‬سامي بن إبراهيم السويلم ‪3/11/1426‬‬
‫‪05/12/2005‬‬
‫الحمد لله رب العللالمين‪ ،‬والصلللة والسلللم علللى أشللرف‬
‫النبياء وسيد المرسلين‪ ،‬محمد بللن عبللد الللله‪ ،‬وعلللى آللله‬
‫وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪.‬‬
‫فقد انتشر التمويل من خلل التورق المنظم في السنوات‬
‫الخيرة بصورة غير مسبوقة‪ ،‬واسللتفحلت بسللببه مديونيللة‬
‫الفراد‪ ،‬وترافق ذلك مع تدهور توزيع الدخل وارتفاع تركيز‬
‫الثروة بدرجة ملحوظة‪.‬‬
‫وقد نتج عن انتشار هذا التمويل لدى المصارف السلللمية‬
‫تساؤلت جوهرية حول حقيقة التمويل السلمي والرسالة‬
‫التي وجدت المصارف السلمية أص لل ً مللن أجلهللا‪ .‬فبينمللا‬
‫كان دعم التنمية والسهام في النشاط الحقيقي للقتصللاد‬
‫على رأس قائمة أهللداف المصللارف السلللمية‪ ،‬مللن خلل‬
‫المشللاركة والستصللناع والجللارة ونحوهللا مللن المبللادلت‬
‫الحقيقية‪ ،‬تراجعت هذه الهداف بعد بروز التورق المنظم‪،‬‬
‫وحل محلها أهداف ”أكللثر واقعيللة“‪ ،‬تقتصللر علللى تحقيللق‬
‫الربح من خلل تقديم النقد الحاضر مقابل أكللثر منلله فللي‬
‫الذمة‪ ،‬مع توسيط سلع ل أثر لها في النشاط الحقيقللي أو‬
‫في توليد قيمة مضافة للقتصاد‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫وهكذا صار التللورق المنظللم سللببا ً فللي الللتراجع عللن أهللم‬
‫أهداف المصارف السلمية‪ ،‬وسببا ً لتشكيك الكثيرين‪ ،‬مللن‬
‫المسلمين وغير المسلمين‪ ،‬في جدوى التمويل السلللمي‬
‫ل‪ ،‬وما إذا كانت هناك فروق فعلية بينلله وبيللن التمويللل‬ ‫أص ً‬
‫الربوي‪.‬‬
‫ولذلك لم يكن غريبا ً وقوع النزاع بين الفقهللاء المعاصللرين‬
‫حول مشروعية هذا النمط من التمويل‪ ،‬وتتابع المناقشات‬
‫والمداولت بشأنه عبر سلسلة من الندوات والمللؤتمرات‪،‬‬
‫كان خاتمتها اجتماع مجمع الفقه السلللمي التللابع لرابطللة‬
‫العالم السلمي‪ ،‬والذي صدر قراره فللي أواخللر ‪1424‬هل ل‬
‫بمنع التورق المنظم وأنه يأخذ حكم العينة الثنائية‪.‬‬
‫وقلللد قلللدمت العديلللد ملللن البحلللوث والدراسلللات حلللول‬
‫الموضللوع‪ ،‬بيللن مؤيللد ومعللارض‪ .‬انصللب معظمهللا حللول‬
‫الستدلل بشتى أنواع الدلة حللول مللدى مشللروعية هللذه‬
‫الصيغة من عدمه‪ .‬لكنها تكاد تتفق علللى أن هللذه الصلليغة‬
‫تبدو مستحدثة وغير مطروقة في مصادر الفقه السلللمي‬
‫ومدوناته‪.‬‬
‫لكن تبين أن هذه الصيغة كانت معروفة منللذ القللرن الول‬
‫للهجرة‪ ،‬وأن فتاوى السلف بشأنها كانت صريحة وحاسمة‬
‫في منعها‪ .‬ونظرا ً لغياب هذه الحقيقة عن كثيرين‪ ،‬جاء هذا‬
‫البحث ليسلط الضوء على هذا الجانب‪ ،‬وليسهم فللي بنللاء‬
‫تصللور أكللثر موضللوعية ومصللداقية فللي هللذه المسللألة‬
‫الخلفية‪.‬‬
‫ولتتضح الصورة للقارئ نمهد بتحديللد المصللطلحات محللل‬
‫البحث‪:‬‬
‫مفهوم التورق وأنواعه‬
‫التورق أو التورق الفللردي‪ :‬هللو الحصللول علللى النقللد مللن‬
‫خلل شراء سلعة بأجلل ثللم بيعهلا نقلدا ً لطلرف آخللر غيلر‬
‫البائع‪.‬‬
‫التورق المنظم‪ :‬هو أن يتولى البائع ترتيب الحصللول علللى‬
‫النقد للمتورق‪ ،‬بأن يبيعه سلعة بأجل ثم يبيعهللا نيابللة عنلله‬
‫نقدا ً ويقبض الثمن من المشتري ويسلمه للمتورق‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫التورق المصرفي‪ :‬كثيرا ً ما يستخدم هذا المصللطلح رديف لا ً‬
‫للتورق المنظللم‪ .‬لكللن يمكللن التمييللز بينهمللا بللأن التللورق‬
‫المصرفي هو تورق منظم يسبقه مرابحة للمللر بالشللراء‪،‬‬
‫حيث المر بالشراء هللو المتللورق‪ .‬والسللبب أن المصللارف‬
‫في الغالب ل تملك سلعا ً ابتللداء‪ ،‬فللإذا رغللب العميللل فللي‬
‫الحصللول علللى النقللد مللن خلل التللورق المنظللم عللبر‬
‫المصللرف‪ ،‬تطلللب المللر شللراء المصللرف السلللعة لمللر‬
‫المتورق‪ ،‬ثم بيعها عليه بأجل‪ ،‬ثم بيعها نقدا ً وتسلليم النقللد‬
‫للعميل‪.‬‬
‫فتاوى السلف في التورق المنظم‬
‫‪ .1‬المام سعيد بن المسيب )‪94‬هل(‬
‫وهو أعلم التابعين‪ ،‬وأفقه الناس في البيوع )‪ .(1‬كان يفتي‬
‫والصحابة رضي الله عنهم أحياء‪ ،‬وكان عبد الللله بللن عمللر‬
‫سللئل عللن شللئ يشللكل عليلله يقللول‪:‬‬ ‫رضي الله عنهما إذا ُ‬
‫)سلوا سعيد بن المسيب فإنه كان يجالس الصالحين()‪.(2‬‬
‫روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن داود بللن أبللي عاصللم‬
‫عينلة‪،‬‬ ‫الثقفي أن أخته قالت له‪ :‬إني أريد أن تشتري متاعا ً ِ‬
‫فاطلبه لي‪ .‬قال‪ :‬فقلت فإن عندي طعامًا‪] ،‬قللال‪ [:‬فبعُتهللا‬
‫طعاما ً بذهب إلى أجل‪ ،‬واسَتوفَْته‪ .‬فقالت‪ :‬انظللر لللي مللن‬
‫يبتاعه مني‪ .‬قلت‪ :‬أنا أبيعه لك‪ .‬قال‪ :‬فبعتها لها‪ .‬فوقع فللي‬
‫ت سللعيد َ بللن المسلليب فقللال‪:‬‬ ‫نفسي من ذلك شئ‪ .‬فسأل ُ‬
‫)انظر أل تكون أنت صاحبه؟( قال‪ :‬قلت فأنا صاحبه‪ .‬قال‪:‬‬
‫”فذلك الربا محضًا‪ ،‬فخذ رأسمالك‪ ،‬واردد إليهللا الفضللل“‪،‬‬
‫هذا لفظ عبد الرزاق‪.‬‬
‫ولفظ ابن أبي شيبة‪ :‬عن داود بن أبي عاصم أنله بلاع ملن‬
‫أختلله بيع لا ً إلللى أجللل‪ ،‬ثللم أ َ‬
‫مَرت ْلله أن يللبيعه‪ ،‬فبللاعه‪ .‬قللال‪:‬‬
‫ت سللعيد بللن المسلليب فقللال‪) :‬أبصللر أل يكللون هللو‬ ‫فسأل ُ‬
‫أنت؟( قلت‪ :‬أنا هللو‪ .‬قللال‪) :‬ذلللك الربللا‪ ،‬فل تأخللذ منهللا إل‬
‫رأسمالك( )‪.(3‬‬
‫وهذا الثر يتضمن عددا ً من الدللت المهمة‪:‬‬
‫‪ .1‬إن هذه المعاملة التي تمت بين داود وأختله كلانت ملن‬
‫التورق المنظم‪ ،‬لن داود هو اللذي بلاع السللعة بأجلل ثلم‬

‫‪358‬‬
‫تولى بيعها نقدا ً نيابة عن أخته لطرف ثالث‪ .‬ويدل على أن‬
‫البيع النقدي كان لطرف ثالث أمور‪:‬‬
‫مَرْته أن يللبيعه(‪ ،‬وهللذا صللريح أنله نلائب‬ ‫• التصريح بأنها )أ َ‬
‫عنها في البيع‪ ،‬ل أنه هو المشتري‪.‬‬
‫ك(‪ .‬وهذا معناه أنه يللبيع نيابللة عنهللا‪ ،‬ل‬ ‫• قوله‪) :‬أنا أبيعه ل ِ‬
‫أنه يشتري منها‪ ،‬وهذا معروف عند السلف‪ ،‬إذا قال‪ :‬أبيعه‬
‫لللك‪ ،‬أي أبيعلله لمصلللحتك نيابللة عنللك )‪ .(4‬ولللو كللان هللو‬
‫المشتري لقال‪ :‬أنا أبتاعه منك‪.‬‬
‫• قولها‪) :‬انظر لي من يبتاعه مني(‪ ،‬وهذا يللدل علللى أنهللا‬
‫طلبت البحث عن المشتري بعد شرائها مللن أخيهللا بأجللل‪،‬‬
‫ولو كان المقصود أن يشللتريها هللو نفسلله لمللا كللان هنللاك‬
‫حاجة للبحث عن مشتر‪.‬‬
‫• أن عبد الرزاق وابن أبي شيبة ذكرا هذا الثللر فللي بللاب‬
‫آخر خلف أبواب العينة الثنائية )‪.(5‬‬
‫فهذه المعاملة من باب التورق المنظم وليست من العينلة‬
‫الثنائية التي ترجع فيها السلعة للبائع‪.‬‬
‫‪ .2‬إن فتوى سعيد بن المسيب رحملله الللله كللانت بتحريللم‬
‫هذه المعاملة لنها ربا‪ ،‬بل وصفها بأنها )الربا محض لًا(‪ ،‬وأن‬
‫داود ليس للله مللن أختلله إل رأسللماله الللذي يعللادل الثمللن‬
‫النقدي‪ ،‬وتبطل الزيادة فوق ذلك‪.‬‬
‫‪ .3‬إن فتللواه رحملله الللله كللانت حاسللمة وواضللحة‪ ،‬وهللذا‬
‫يشعر أن هذه المعاملة للم تكلن جديلدة عللى سلعيد‪ ،‬بلل‬
‫وقف عليها وعلم حكمهللا قبللل ذلللك‪ .‬وإذا كللان سللعيد بللن‬
‫المسيب رحمه الله لقي جمعا ً كبيرا ً مللن الصللحابة‪ ،‬وكللان‬
‫صهر أبي هريللرة رضللي الللله عنلله‪ ،‬وكللان مقيملا ً بالمدينللة‬
‫النبوية وفيها أصحاب النبي صلى الله عليلله وسلللم‪ ،‬وكللان‬
‫أعلم الناس بأقضية النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكللر‬
‫وعمر‪ ،‬فَيبعد والحللال كلذلك أن تكلون هللذه الفتلوى‪ ،‬بهلذا‬
‫الجزم‪ ،‬محض اجتهاد منه رحملله الللله‪ ،‬بللل القللرب أن للله‬
‫فيها سلفا يتصل بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫مت معاملتها عينة‪ ،‬لنها قالت‪ :‬أريد أن‬ ‫‪ .4‬أن أخت داود س ّ‬
‫تشتري متاعا ً عينة‪ ،‬مع أن مقصودها ليللس العينللة الثنائيللة‬
‫وإنما التللورق‪ .‬فللدل علللى أن التللورق كللان يسللمى عينللة‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫ويؤيللد ذلللك مللا رواه ابللن أبللي شلليبة فللي المصللنف عللن‬
‫سليمان التيمي‪) :‬أن إياس بللن معاويللة كللان يللرى التللورق‬
‫يعني العينة( )‪ .(6‬ففسللر التللورق بللأنه عينللة‪ .‬وسلليأتي إن‬
‫شاء الله ما يؤكد ذلك عند الفقهاء‪.‬‬
‫‪ .2‬الحسن بن يسار البصري )‪110‬هل(‬
‫ل‪ ،‬وفقيلله البصللرة ومفتيهللا‪.‬‬‫من سادات التابعين علما ً وعم ً‬
‫قال أبو قتادة‪ :‬ما رأيت أحدا ً أشبه برأي عمر بن الخطللاب‬
‫ت علللم الحسللن إلللى أحللد مللن‬ ‫منه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬ما جمع ل ُ‬
‫ت له فضل ً عليه‪ ،‬غيللر أنله إذا أشللكل عليله‬ ‫العلماء إل وجد ُ‬
‫شئ كتب فيه إلى سعيد بن المسيب )‪.(7‬‬
‫روى عبد الرزاق عن أبي كعب‪ ،‬عبد ربه بللن عبيللد الزدي‪،‬‬
‫أنه قال‪ :‬قلت للحسن‪ :‬إني أبيع الحرير‪ ،‬فتبتاع مني المرأة‬
‫والعرابي‪ ،‬يقولون‪ :‬بعلله لنللا فللأنت أعلللم بالسللوق‪ .‬فقللال‬
‫الحسللن‪) :‬ل تبعلله‪ ،‬ول تشللتره‪ ،‬ول ترشللده‪ ،‬إل أن ترشللده‬
‫إلى السوق(‪.‬‬
‫وروى أيضا ً عللن رزيللق بللن أبللي سلللمى أنلله قللال‪ :‬سللألت‬
‫الحسن عن بيع الحرير‪ ،‬فقال‪) :‬بع واتق الله(‪ .‬قللال‪ :‬يلبيعه‬
‫لنفسه؟ قال‪) :‬إذا بعته فل تدل عليه أحللدًا‪ ،‬ول تكللون منلله‬
‫في شئ‪ .‬ادفع إليه متاعه ودعه( )‪.(8‬‬
‫وهذا الثر يتضمن عددا ً من الدللت‪:‬‬
‫‪ .1‬قوله‪ :‬إني أبيع الحرير‪ ،‬كان الغالب آنذاك هو اسللتعمال‬
‫الحرير للحصول على النقد من خلل شرائه بأجل ثم بيعلله‬
‫نقدًا‪ ،‬ولهذا قال ابلن عبلاس رضللي اللله عنله فلي العينللة‪:‬‬
‫)دراهم بدراهم وبينهما حريرة‪ (.‬وتسمى العينة أحيانًا‪) :‬بيع‬
‫الحريرة( )‪ ،(9‬وسلليأتي مللا يؤيللد ذلللك مللن كلم الفقهللاء‪.‬‬
‫ويفهم أن أبا كعللب ربمللا بللاع بأجللل لمللن يريللدون العينللة‪،‬‬
‫ولهذا قال الحسن في الرواية الثانية‪) :‬بللع واتللق الللله( أي‬
‫لكثرة ما يلبس بيع الحرير من الوقوع في العينة بصللورها‬
‫المختلفة‪.‬‬
‫‪ .2‬إن جواب الحسن صريح في منللع البللائع بأجللل مللن أن‬
‫يتدخل بأي صورة مللن الصللور لتحصلليل النقللد للمشللتري‪،‬‬
‫ولهذا قال‪) :‬ل تكون منه فيه شئ ادفع إليه متاعه ودعلله‪(.‬‬
‫وهذا يقتضي منع توسط البائع بأجل لمن يريد النقللد حللتى‬

‫‪360‬‬
‫لو كان بمجرد الدللة على من يشتريه نقللدًا‪ ،‬وهللذا صللريح‬
‫في منعه للتورق المنظم‪.‬‬
‫‪ .3‬وقول الحسن رحملله الللله‪) :‬ل تبعلله( أي ل تبللع الحريللر‬
‫نيابة عمن اشتراه منك بأجل‪ ،‬وهذا منللع للتللورق المنظللم‪.‬‬
‫وقوله‪) :‬ول تشللتره( أي ل تشللتره منلله‪ ،‬وهللذا منللع للعينللة‬
‫الثنائية‪ .‬وقوله‪) :‬ول ترشده( أي ل تدله علللى مللن يشللتريه‬
‫منه نقدًا‪ .‬وقال في الرواية الخرى‪) :‬إذا بعته فل تدل عليه‬
‫أحللدًا( يعنللي والللله أعلللم إذا بعللت الحريللر واشللتراه منللك‬
‫المتورق فل تللدل عليلله مللن يشللتري منلله بنقللد‪ .‬فمجمللوع‬
‫الروايتين منعٌ للدللة من الجهتين‪ .‬وعلللى كللل تقللدير فهللو‬
‫نهي عن التدخل في عملية التورق‪ ،‬ولهذا قال‪) :‬ادفع إليلله‬
‫متاعه ودعه(‪.‬‬
‫‪ .4‬إن هذا التللدخل ممنللوع وإن كللان المشللتري ل يحسللن‬
‫التعاملللل فلللي السلللوق‪ ،‬لقلللوله‪) :‬فتبتلللاع منلللي الملللرأة‬
‫والعرابي‪ ،‬يقولون‪ :‬بعه لنللا فللأنت أعلللم بالسللوق( ‪ ،‬ومللع‬
‫ذلك نهاه الحسن رحمه الله عن التللدخل‪ ،‬لعلملله أن مللراد‬
‫هؤلء النقد‪ .‬ولو كان هذا المراد حلل ً طيبا ً لكللانت العانللة‬
‫عليه مشروعة مطلوبة‪ .‬فلما كللانت العانللة علللى تحصلليل‬
‫النقد بهذا الطريللق ممنوعللة‪ ،‬علللم أن هللذا الغللرض محللل‬
‫شبهة على أقل تقدير‪.‬‬
‫‪ .3‬المام مالك بن أنس )‪179‬هل(‬
‫إمام دار الهجرة‪ ،‬وعالم المدينللة الللذي ضللربت إليلله أكبللاد‬
‫البل في طلب العلم‪ ،‬فلم يجد الناس أعلم منه‪ ،‬كمللا ورد‬
‫في الحديث النبوي )‪.(10‬‬
‫ت مالكلا ً عللن الرجللل يللبيع السلللعة‬ ‫قال ابن القاسم‪) :‬سأل ُ‬
‫ب الللبيع بينهمللا قللال المبتللاع‬‫ج َ‬
‫بمائة دينار إلى أجل‪ ،‬فإذا و َ‬
‫للبائع‪ :‬بعها لي من رجل بنقللد فللإني ل أبصللر الللبيع‪ .‬فقللال‬
‫مالك‪ :‬ل خير فيه‪ ،‬ونهى عنه( )‪.(11‬‬
‫ويلحظ من هذا النص‪:‬‬
‫ن القاسلم عنهلا مالكلا ً هلي‬ ‫سلأل ابل ُ‬‫‪ .1‬أن المعاملة اللتي َ‬
‫عماد التورق المنظم‪ ،‬لن المشتري بأجل يطلب من البائع‬
‫أن يبيع السلعة نقدا ً نيابة عنلله لرجللل آخللر‪ .‬فقللوله‪) :‬فللإذا‬
‫ب البيع بينهما قال المبتلاع للبلائع‪ :‬بعهللا للي مللن رجلل‬ ‫ج َ‬
‫و َ‬

‫‪361‬‬
‫بنقد(‪ ،‬أي قال المشللتري للبللائع‪ :‬بعهللا لللي‪ ،‬أي بعهللا نيابللة‬
‫عني‪ ،‬كما سبق‪ .‬وقوله‪) :‬من رجللل( أي غيللر البللائع نفسلله‬
‫كما هو ظاهر‪.‬‬
‫‪ .2‬إن المام مالكا منع هذا التعامللل بقللوله‪) :‬ل خيللر فيلله(‬
‫وبنهيه عنه أيضًا‪ .‬ونحللوه مللا جللاء فللي النللوادر والزيللادات‪:‬‬
‫)قال مالك‪ :‬ول يلي بيعها لمبتاعها منلله يسللأله ذلللك‪ .‬قللال‬
‫أشهب‪ :‬ل خير فيه‪.(12) (.‬‬
‫وهذا يوافق فتوى سعيد بن المسيب رحمه الله فللي هللذه‬
‫المسألة‪ .‬ول غرابة في ذلك‪ ،‬فالمام مالك وارث علم أهل‬
‫المدينة قبله‪ ،‬ومن أبرزهم سعيد بن المسيب‪.‬‬
‫‪ .3‬وقول المشتري‪) :‬إني ل أبصر البيع( هو نفللس التعليللل‬
‫سئل عنه الحسن البصري رحمه الله‪ .‬ومع ذلك فللإن‬ ‫الذي ُ‬
‫الجابة كانت حاسمة بالمنع‪ .‬وهذا يؤكد أنه لو كان مقصود‬
‫المشتري من تحصيل النقد بهذا السلللوب أمللرا ً مشللروعا ً‬
‫ومحمودًا‪ ،‬لكانت إعانته عليه محمودة كللذلك‪ ،‬فلمللا كللانت‬
‫العانة مذمومة‪ ،‬علم أن هذا السلوب غير محمود أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ .4‬وقول المام مالك هذا رحمه الللله يوافللق مللا ورد عنلله‬
‫مللن مسللائل التللورق الللتي ذكرهللا عنلله أصللحابه‪ ،‬وتتفللق‬
‫جميعها على أن أي تدخل للبائع لتسهيل التللورق للمتللورق‬
‫يجعل المعاملة محرمة )‪.(13‬‬
‫‪ .4‬المام محمد بن الحسن الشيباني )‪189‬هل(‬
‫دث‪ ،‬صللاحب أبللي حنيفللة ومللن أئمللة‬ ‫الفقيه المجتهد المحل ّ‬
‫المذهب الحنفي‪.‬‬
‫وقد جاء عنه أكثر من نص‪:‬‬
‫)أ( جاء في كتاب الصل‪) :‬ولو باعه لرجل‪ ،‬لم يكلن ينبغلي‬
‫للله أن يشللتريه بأقللل مللن ذللك قبللل أن ينقللد‪ ،‬لنفسلله ول‬
‫لغيره‪ .‬ول ينبغللي للللذي بللاعه أن يشللتريه أيضلا ً بأقللل مللن‬
‫ذلك‪ ،‬لنفسه ول لغيره‪ ،‬لنه هو البائع( )‪.(14‬‬
‫‪ .1‬ذكر محمد بن الحسن رحمه الله هذا النص بعد أن ذكر‬
‫صورة العينة الثنائية‪ ،‬وهي أن يبيع الشخص السلللعة بثمللن‬
‫مؤخر ثم يشتريها بثمن حاضللر‪ ،‬ويسللميها فقهللاء الحنفيللة‪:‬‬
‫)شراء ما باع بأقل مما بللاع قبللل انتقللاد الثمللن(‪ ،‬وبي ّللن أن‬
‫هذا الشراء مللردود‪ .‬ثللم بعللد أن تعللرض لبعللض التفاصلليل‬

‫‪362‬‬
‫انتقل إلى المسألة التي نحللن بصللددها‪ ،‬وهللي مللا إذا كللان‬
‫الشراء أصالة أو وكالة‪.‬‬
‫‪ .2‬قوله‪) :‬ولو باعه لرجل(‪ ،‬سبق أن عبارة )باع له( تعنللي‬
‫باع لمصلحته ونيابة عنه‪ .‬فقوله‪ :‬ولو بللاعه لرجللل‪ ،‬أي بللاع‬
‫المبيع لمصلحة رجل آخللر‪ ،‬فالللذي يباشللر الللبيع هنللا وكيللل‬
‫ونائب عن مالك المبيع‪ .‬ثللم قللال‪) :‬للم يكللن ينبغللي للله أن‬
‫يشتريه بأقل من ذلك قبللل أن ينقللد‪ (.‬أي لللم يكللن ينبغللي‬
‫للمالللك الصلليل أن يشللتري المللبيع بأقللل‪ .‬فيكللون معنللى‬
‫العبارة‪ :‬لو وكل مالللك السلللعة مللن يبيعهللا نيابللة عنلله‪ ،‬فل‬
‫يجوز للصليل أن يشلتري السللعة بأقلل قبلل انتقلاد ثملن‬
‫الشللراء‪ .‬وقللوله‪) :‬لنفسلله ول لغيللره( أي ل ينبغللي للله أن‬
‫يشتري سواء كان الشللراء لنفسله أو لغيللره‪ .‬وواضللح مللن‬
‫ذلك أنه ل يلزم أن ترجع السلعة للمالك الصلي‪ ،‬ومع ذلك‬
‫حكم المام محمد بمنع هذا الشراء‪.‬‬
‫‪ .3‬ثم قال‪) :‬ول ينبغي للذي بللاعه أن يشللتريه أيض لا ً بأقللل‬
‫من ذلك لنفسه ول لغيره‪ ،‬لنلله هللو البللائع‪ (.‬وقللوله )الللذي‬
‫بللاعه( يريللد الوكيللل الللذي باشللر الللبيع نيابللة عللن المالللك‬
‫الصلي‪ .‬فيكون معنى العبارة‪ :‬ل يجوز للوكيل الذي باشللر‬
‫البيع أن يشتري المبيع بأقل من الثمن الللذي بللاع بلله قبللل‬
‫أن ينقد المشتري الثمن‪ .‬وقوله‪) :‬لنفسه ول لغيللره( أي ل‬
‫يصح الشراء‪ ،‬سواء كان الشراء لمصلحة الوكيل نفسلله أو‬
‫لمصلحة غيره‪ .‬وواضح مرة أخرى أن المنع ل يشترط فيلله‬
‫أن تكون السلعة قد عادت للمالللك الصلللي‪ ،‬بللل قللد تبللاع‬
‫لطرف ثللالث‪ ،‬وبللذلك تكللون المعاملللة مللن صللور التللورق‬
‫وليس العينة الثنائية‪ ،‬وهو تأكيد لمفهوم العبللارة السللابقة‪.‬‬
‫وسيأتي من كلم فقهاء الحنفية ما يؤكد هذه النتيجة‪.‬‬
‫‪ .4‬إن هذا الحكم ليس رأيا ً خاصا ً بالمام محمد وحده‪ ،‬بللل‬
‫هو رأي أئمة المذهب‪ :‬أبي حنيفة )‪150‬هل(‪ ،‬والقاضي أبللي‬
‫يوسف )‪182‬هل(‪ ،‬بالضافة لمحمد بن الحسن‪ ،‬رحمة الللله‬
‫عليهم جميعًا‪ .‬ولهللذا كللان كتللاب الصللل مللن كتللب ظللاهر‬
‫الرواية‪ ،‬أي الكتب المعتمدة في المللذهب الحنفللي‪ .‬ولهللذا‬
‫السبب وجدنا هذا الحكم منصوصا ً عليه في كتللب الفقهللاء‬
‫ممن بعدهم‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫ففي تبيين الحقائق للزيلعي‪ ،‬بعد أن ذكر المنع مللن شللراء‬
‫ما باع بأقل مما باع‪ ،‬قال‪) :‬وكذا لللو وك ّللل رجل ً بللبيع عبللده‬
‫بألف درهم‪ ،‬فباعه‪ ،‬ثم أراد الوكيل أن يشتري العبللد بأقللل‬
‫مما باع‪ ،‬لنفسه أو لغيره بأمره‪ ،‬قبل نقد الثمن‪ ،‬لم يجللز‪(.‬‬
‫)‪ (15‬ويزيد ابن عابدين فللي حاشلليته هللذا المعنللى تأكيللدا ً‬
‫فيقول‪) :‬فأفاد أنه لو باع شلليئا ً أصللالة بنفسلله أو وكيللله أو‬
‫وكالللة عللن غيللره‪ ،‬ليللس للله شللراؤه بالقللل ل لنفسلله ول‬
‫لغيره‪.(16)(.‬‬
‫‪ .5‬وهذه العبارات من فقهاء المذهب عبر القرون صريحة‬
‫في منع هذا التعامل أصالة أو وكالة‪ ،‬في أي من العقللدين‪:‬‬
‫البيع أو الشراء‪ .‬وتعليلهم لهذا المنع يعكس حرصهم علللى‬
‫سد البللاب مللن أصللله‪ .‬فيعلللل الزيلعللي المنللع مللن شللراء‬
‫الوكيل لنفسلله بقللوله‪) :‬أمللا شللراؤه لنفسلله فلن الوكيللل‬
‫بالبيع بائع لنفسه في حق الحقوق‪ ،‬فكان هذا شللراء البللائع‬
‫من وجه‪ ،‬والثابت من وجه كالثابت من كل وجه فللي بللاب‬
‫الحرمات‪ (.‬ثم يعلل المنع من الشراء لغيره بقللوله‪) :‬وأمللا‬
‫لغيره فلن شللراء المللأمور واقللع للله مللن حيللث الحقللوق‪،‬‬
‫فكان هذا شراء ما باع لنفسه من وجه‪ (.‬وذكر ابن عابدين‬
‫تعليل الزيلعي وأقره‪.‬‬
‫‪ .6‬إن هللذه النصللوص تؤكللد أن مللن بللاع سلللعة بثمللن‬
‫مؤخر‪،‬لم يجللز للله أن يشللتري هللذه السلللعة ل لنفسلله ول‬
‫لغيره‪ ،‬حتى لو كان فللي الللبيع الول وكيل ً يعمللل لمصلللحة‬
‫غيره‪ ،‬حتى لو لم ترجع السلعة لمالكها الول‪ .‬وهللذا إغلق‬
‫محكم لكل أنواع الوساطة في هذا الباب‪ ،‬حللتى لللو كللانت‬
‫المعاملة من باب التورق وليس العينة الثنائية‪.‬‬
‫)ب( النص الخر جللاء فللي كتللاب الجللامع الصللغير‪) :‬رجللل‬
‫مَره أن يتعّيللن عليلله حريللرًا‪.‬‬ ‫ك ََفللل عللن رجللل بللأمره‪ ،‬فللأ َ‬
‫فالشرى للكفيل والربح الذي ربحه البائع عليه( )‪.(17‬‬
‫وفي هذا النص وقفات‪:‬‬
‫‪ .1‬قال الشراح‪ :‬قوله )يتعّين(‪ ،‬أي يتعامل بالعينة‪ ،‬كما هللو‬
‫المعنى اللغوي‪ .‬ومعنى العينة عند فقهاء الحنفيللة‪ :‬هللي أن‬
‫يطلب الرجل من التاجر قرضًا‪ ،‬فيأبى أن يعطيه التاجر إل‬
‫بربح‪ ،‬ويخاف الوقوع في الربا‪ .‬فيبيعه سلللعة قيمتهللا نقللدا ً‬

‫‪364‬‬
‫مثل ً عشرة بخمسة عشر مؤجلللة‪ ،‬فيبيعهللا المحتللاج للنقللد‬
‫في السوق بعشرة‪ ،‬فيحصل للله عشللرة نقللدا ً وفللي ذمتلله‬
‫خمسة عشر للبائع‪ .‬قالوا‪ :‬وهي مذمومة شرعًا‪ ،‬وجاء فيها‬
‫الحديث‪) :‬إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقللر ورضلليتم‬
‫بالزرع وتركتم الجهاد‪ ،‬سلط الله عليكم ذل ً ل ينزعه حللتى‬
‫ترجعوا إلى دينكم( )‪.(18‬‬
‫‪ .2‬يلحللظ أن الحنفيللة عّرفللوا العينللة بمللا يشللمل مفهللوم‬
‫التورق‪ ،‬وهذا يؤكد ما سللبق عللن السلللف مللن أن التللورق‬
‫يندرج ضمن العينة‪ .‬وليس هذا خاصا ً بفقهللاء الحنفيللة‪ ،‬بللل‬
‫يوافقهم فيه المالكية‪ ،‬ونص عليه المام أحمد )‪.(19‬‬
‫كما يلحظ أن قللوله ”أمللره أن يتعي ّللن عليلله“ يشللبه قللول‬
‫أخللت داود بللن أبللي عاصللم فللي أثللر سللعيد بللن المسلليب‬
‫السابق حين قالت‪) :‬أريد أن تشتري متاعا ً عينة(‪ ،‬فكلهما‬
‫أمٌر بالعينة‪.‬‬
‫‪ .3‬مضمون هذه الصيغة أن المللر محتللاج للنقللد‪ ،‬فيطلللب‬
‫من المأمور أن يشتري حريرا ً لمصلحة المر بثمن مؤجل‪،‬‬
‫ثم يبيع المأمور الحرير بنقد‪ ،‬أقل من الثمن الجل بطبيعللة‬
‫الحال‪ ،‬ويسلم النقد للمر أو يللوفي بلله الللدين الللذي كفلله‬
‫عنه‪ .‬والصل فللي هللذه الحالللة أن يطللالب المللأموُر الم لَر‬
‫بالثمن الجل‪ ،‬لن الخير هو المشتري للسلعة أصالة‪.‬‬
‫لكن محمد بن الحسن يرى أن المأمور ليس له أن يطالب‬
‫المر بالثمن الجل‪ ،‬ولهذا قال‪) :‬فالشرى للكفيللل‪ ،‬والربللح‬
‫الذي ربحه البائع عليه(‪ .‬أي أن الثمن الجل يثبت في ذمللة‬
‫المأمور أمام البائع‪ ،‬ول يثبت في ذمة المر أمام المللأمور‪،‬‬
‫لن الشللراء ل يكللون للمللر‪ ،‬بللل للمللأمور‪ .‬وعليلله فللإن‬
‫المأمور ل يطالب المر إل بمقدار النقد الللذي سلللمه إيللاه‬
‫أو وّفى به عنه‪ ،‬دون أي زيادة‪.‬‬
‫وهذا يقتضي تحريم هللذه الزيللادة‪ ،‬لن الصللل أن يطللالب‬
‫ل‪ ،‬إذ الشللراء فللي الصللل‬ ‫المأموُر المَر بالثمن الجل كللام ً‬
‫للمر لنه هو المحتاج للنقد‪ .‬فإذا بطللل كللون الشللراء للله‪،‬‬
‫امتنع أن يطالب المللأموُر الملَر بالزيللادة علن النقلد الللذي‬
‫سلمه إياه‪ .‬وهذا يستلزم تحريللم إثبللات الزيللادة فللي ذمللة‬
‫المر‪ ،‬ولول ذلك لما حكم ببطلنها‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫وهذا مطابق لفتوى سعيد بن المسيب حيللن أمللر داود بللن‬
‫أبي عاصم أن يرد الزيادة لخته ول يأخذ إل رأسماله الذي‬
‫يعادل الثمن النقدي‪ ،‬كما سبق‪ .‬فأقوال محمد بن الحسللن‬
‫وسعيد بن المسيب متفقللة علللى أن الزيللادة علللى الثمللن‬
‫النقدي باطلة ول تثبت في ذمة المر بالعينة‪.‬‬
‫‪ .4‬وهذا الحكم ليس رأي محمد بن الحسن وحده‪ ،‬بل هللو‬
‫قول أئمة المللذهب‪ ،‬لن كتللاب الجللامع الصللغير مللن كتللب‬
‫ظاهر الرواية المعتمدة في المذهب الحنفللي‪ .‬ومللع اتفللاق‬
‫فقهللاء المللذهب علللى هللذا الحكللم إل أنهللم اجتهللدوا فللي‬
‫تعليله‪ .‬فعلله بعضهم بللأنه ضللمان مللن المللر لمللا يخسللره‬
‫المأمور بالفرق بين الثمن الجللل والثمللن النقللدي‪ ،‬قللالوا‪:‬‬
‫وضمان الخسران باطللل‪ .‬وعلللله بعضللهم بللأنه توكيللل مللع‬
‫جهالة مقدار السلعة والثمللن‪ ،‬فهللي وكالللة باطلللة‪ .‬لكنهللم‬
‫متفقون على أن المأمور به هللو العينللة المذمومللة‪ ،‬وعلللى‬
‫أن الزيادة ل تثبت في ذمة المللر‪ .‬ول حاجللة للتعليللل بعللد‬
‫ذلك بأكثر من أن هذه المعاملللة مللن العينللة المنهللي عنهللا‬
‫بنص الحديث‪ ،‬فل تثبت الزيادة فللي حللق المللر لنهللا ربللا‪،‬‬
‫ويتحملها المأمور لنه هللو الللذي باشللر الشللراء‪ .‬وإذا علللم‬
‫المأمور أنه ل يحق له مطالبة المر بالزيادة فللإن سلليمتنع‬
‫من هذا التعامل أساسًا‪.‬‬
‫‪ .5‬وموقف محمد بن الحسن هذا يؤكده عبارته المشهورة‬
‫م‪،‬‬‫في العينة‪) :‬هللذا الللبيع فللي قلللبي كأمثللال الجبللال‪ ،‬ذميل ٌ‬
‫اخترعه أكلة الربا( )‪ .(20‬وهذا الذم ل يقتصر علللى العينللة‬
‫الثنائية‪ ،‬كما تأوله البعللض‪ ،‬بللل يشللمل الوسللاطة بللالتورق‬
‫كما سبق صريحًا‪.‬‬
‫ملحظات عامة‬
‫‪ .1‬إن اتفاق هؤلء العلمللاء علللى منللع هللذه المعاملللة‪ ،‬مللع‬
‫تباين مناهجهم‪ ،‬ما بين أهل الللرأي وأهللل الحللديث‪ ،‬وتعللدد‬
‫مدارسهم‪ ،‬ما بين المدينة إلى البصرة إلى الكوفللة‪ ،‬يشللير‬
‫إلى أن منعها يستند إلى أصل صحيح يتفقون عليه جميعللًا‪،‬‬
‫أل وهو منع العينة وذمها‪ ،‬إذ يقتضي هللذا سللد البللاب أمللام‬
‫اتخاذ البيع ذريعة للحصول عللى النقلد الحاضلر بلدين فلي‬
‫الذمة أكثر منه‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫وسبق أن الوكالة بالتورق إعانة ومساعدة للمحتاج للنقللد‪،‬‬
‫فإذا كانت ممنوعة دل ذلللك علللى أن تحصلليل النقللد بهللذا‬
‫الطريق من العينة المذمومة شرعًا‪.‬‬
‫‪ .2‬إن الفتاوى السابقة تمنع توسط البللائع لتحصلليل النقللد‬
‫حللتى بللدون تواطللؤ أو اتفللاق مسللبق بيللن المتللورق وبيللن‬
‫البائع‪ ،‬كما يظهر من سياق النصوص المنقوللة عنهلم‪ .‬وإذا‬
‫كان هذا ممنوعا ً مع غياب التواطؤ‪ ،‬فهو مللع وجللوده أولللى‬
‫بالمنع‪ .‬والتورق المنظللم بالصللورة الللتي يطبللق بهللا اليللوم‬
‫يظهر فيها التواطؤ ظهورا ً ل مزيد عليه‪ ،‬فالقول بمنعه إذن‬
‫آكد وأوجب‪.‬‬
‫‪ .3‬إن قرار مجمع الفقه السلمي بمنللع التللورق المنظللم‪،‬‬
‫مع عدم اطلع أعضائه فيما يبدو على أقوال السلللف فللي‬
‫هذا الخصللوص‪ ،‬يشللهد علللى كمللال هللذه الشللريعة الغللراء‬
‫وربانيتها وعصمتها‪ ،‬فالكل يصدر عن مشكاة واحدة تعصلم‬
‫من تمسك بها عن النحراف‪ ،‬وتهديه إلى المحجة البيضللاء‬
‫الللتي سللار عليهللا السلللف الصللالح‪ ،‬مهمللا باعللدت بينهللم‬
‫القرون وتطاولت بهم الزمان‪.‬‬
‫‪ .4‬وكون هذه المعاملة معروفة منذ القرن الول الهجري‪،‬‬
‫وكانت مواقف السلف منها بهذا الحسللم والوضللوح‪ ،‬دليللل‬
‫على أن مسيرة التمويل السلمي اليوم بحاجللة لمراجعللة‬
‫جادة‪ .‬فانتشار التورق المنظم والمصلرفي تراجلع وتقهقلر‬
‫للتمويللل السلللمي مللن جهللتين‪ :‬الولللى أن هللذه الصلليغة‬
‫ممنوعلللة منلللذ القلللدم‪ ،‬وبلللدل ً ملللن إيجلللاد صللليغ وأدوات‬
‫مشلللروعة‪ ،‬تتجللله المؤسسلللات السللللمية إللللى الصللليغ‬
‫المشبوهة والممنوعة‪ .‬الثانية أنها صيغة قديمة ليللس فيهللا‬
‫جديد‪ ،‬حتى لو غضضنا الطرف عن مللدى مشللروعيتها‪ .‬إن‬
‫منهج تصميم الدوات والصيغ المالية السائد بحاجة حقيقية‬
‫إلى إعادة نظر‪ ،‬والبحللث عللن منهجيللة أكللثر إبللداعًا‪ ،‬وفللي‬
‫الوقت نفسه أبعد عن الشبهات‪.‬‬
‫والله تعالى المسؤول أن يهدينا إلى الحق فيما اختلف فيه‬
‫بإذنه‪ ،‬إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫]‪ [1‬انظر‪ :‬الفتاوى الكللبرى‪ ،‬دار الكتللب العلميللة‪6/614 ،‬؛‬
‫القواعد النورانية‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫]‪ [2‬الطبقات لبن سعد‪ ،‬دار بيروت‪.5/141 ،‬‬
‫]‪ [3‬المصللنف لعبللد الللرزاق‪ ،‬المكتللب السلللمي‪-8/294 ،‬‬
‫‪295‬؛ المصنف لبن أبللي شلليبة‪ ،‬الللدار السلللفية‪-7/275 ،‬‬
‫‪ .276‬وإسناده صحيح إلى سعيد بن المسلليب‪ .‬ووقللع عنللد‬
‫عبد الللرزاق ”عبللد الملللك بللن أبللي عاصللم“ بللدل ”داود“‪،‬‬
‫والترجيح من ابن أبللي شلليبة‪ ) .‬وأشللكر فضلليلة الشلليخ د‪.‬‬
‫عبد الللله بللن وكيللل الشلليخ ‪-‬حفظلله الللله‪ -‬علللى مراجعتلله‬
‫لسناد الحديث(‪.‬‬
‫ل‪ :‬المدونلللة‪ ،‬ط‪ .‬السلللعادة‪248-4/244 ،‬؛‬ ‫]‪ [4‬انظلللر مث ً‬
‫المنتقى شرح الموطأ للباجي‪.5/80 ،‬‬
‫]‪ [5‬فقد ذكر عبد الرزاق العينة الثنائيللة فللي بللاب‪ :‬الرجللل‬
‫يبيع السلعة ثم يريد شراءها بنقد‪ ،8/184 ،‬بينمللا ذكللر أثللر‬
‫سعيد في باب‪ :‬الرجل يعي ّللن الرجللل هللل يشللتريها منلله أو‬
‫يبيعها لنفسه‪ .‬أما ابن أبي شلليبة فقللد ذكللر العينللة الثنائيللة‬
‫في باب‪ :‬الرجل يبيع السلعة بالنقد ثللم يشللتريها‪،6/593 ،‬‬
‫كما ذكر العينة في ‪،6/47‬ل ‪ ،573‬بينما ذكر أثر سللعيد فللي‬
‫باب‪ :‬الرجل يبيع الدين إلى أجل‪.‬‬
‫]‪ [6‬المصنف ‪.6/47‬‬
‫]‪ [7‬سير أعلم النبلء ‪.573 ،4/577‬‬
‫]‪ [8‬المصللنف ‪ .8/295‬والروايللة الولللى إسللنادها صللحيح‪.‬‬
‫والرواية الثانية فيها ”رزيق بن أبي سلمى“‪ ،‬ذكره ابن أبي‬
‫حاتم في الجرح والتعديل ‪ 3/505‬وسكت عليه‪ .‬وجاء فللي‬
‫الصلل فلي الروايلة الثانيلة‪” :‬إذا ابتعتله“‪ ،‬والتصلحيح ملن‬
‫حاشية التحقيق‪.‬‬
‫]‪ [9‬انظر المصنف لبن أبي شيبة ‪ ،6/48‬بيان الدليل لبن‬
‫تيمية‪ ،‬المكتب السلمي‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫]‪ [10‬سير أعلم النبلء ‪.56-8/55‬‬
‫]‪ [11‬المدونلللة ‪ ،4/125‬بحلللث ”التلللورق كملللا تجريللله‬
‫المصارف“ د‪ .‬عبد الله السعيدي‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫]‪ [12‬النوادر والزيادات ‪ ،6/94‬وانظر الذخيرة ‪.5/15‬‬

‫‪368‬‬
‫]‪ [13‬راجللع بحللث الكللاتب‪”:‬التللورق والتللورق المنظللم“ ‪:‬‬
‫دراسة تأصيلية‪ ،‬ص ‪.14-10‬‬
‫]‪ [14‬كتاب الصللل‪ ،‬عللالم الكتللب‪ .5/192 ،‬وهنللاك زيللادة‬
‫أضافها المحقق للنص لليضاح‪ ،‬حذفت هنا‪.‬‬
‫]‪ [15‬تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق‪ ،‬ط بولق‪.4/54 ،‬‬
‫]‪ [16‬رد المحتار‪ ،‬ط بولق‪.4/114 ،‬‬
‫]‪ [17‬الجلللامع الصلللغير‪ ،‬ط‪ .‬علللالم الكتلللب‪ ،‬ص)‪(373‬ل ‪،‬‬
‫) وأشللكر فضلليلة الشلليخ د‪ .‬علللي النللدوي ‪-‬حفظلله الللله‪-‬‬
‫لمراجعته الموضوع(‪.‬‬
‫]‪ [18‬انظر‪ :‬طلبللة الطلبللة‪ ،‬دار النفللائس‪ ،‬ص ‪242‬؛ تللبيين‬
‫الحقائق‪4/163،‬؛ مجمللع النهللر شللرح ملتقللى البحللر‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ .3/194 ،‬والحديث أخرجه أحمد وأبللو داود‪،‬‬
‫انظر السلسلة الصحيحة رقم )‪.(11‬‬
‫]‪ [19‬انظر بحث ”التورق والتورق المنظم“‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫]‪ [20‬فتح القدير‪ ،‬دار إحياء التراث‪.6/224 ،‬‬
‫===============‬
‫‪#‬المنفعة في القرض‬
‫عبد الله بن محمد العمراني ‪30/6/1424‬‬
‫‪28/08/2003‬‬
‫اسم الكتاب‪ :‬المنفعة في القرض دراسة تأصيلية تطبيقية‬
‫المؤلف ‪ :‬عبد الله بن محمد العمراني‪.‬‬
‫الناشر ‪:‬دار ابن الجوزي‬
‫عدد الصفحات‪723 :‬‬
‫جاء الكتاب في مقدمة ‪ ،‬وتمهيد‪ ،‬وبابين‪ ،‬وخاتمة ‪.‬‬
‫أمللا المقدمللة فتشللمل أسللباب اختيللار الموضللوع ‪ ،‬ومنهللج‬
‫البحث وخطته‪.‬‬
‫وأما التمهيد ففي ‪ :‬حقيقة القرض ‪ ،‬وفضله ‪ ،‬وبيان الصل‬
‫فيه‪.‬‬
‫وأما البابان فهما على النحو التالي‪:‬‬
‫البللاب الول ‪ :‬حقيقللة المنفعللة فللي القللرض وأحكامهللا‬
‫وضوابطها‪ .‬ضمن ثلثة فصول‪ :‬الول حول‪ :‬حقيقة المنفعة‬
‫فللي القللرض‪ .‬عللرض فيلله لتعريللف المنفعللة فللي القللرض‬
‫‪،‬وأنواعها ‪،‬ثم لنظرية الفائدة عند القتصاديين‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫والفصللل الثللاني كللان فللي‪ :‬أحكللام المنفعللة فللي القللرض‬
‫‪.‬عرض فيه لحكام المنفعة المشروطة ‪،‬وغير المشللروطة‬
‫في القرض ‪،‬وحكم عقد القرض مع اشتراط المنفعة ‪.‬‬
‫في حين كان الفصللل الثللالث فللي‪ :‬ضللوابط المنفعللة فللي‬
‫القرض‪.‬‬
‫أما الباب الثاني فخصصه لذكر تطبيقات معاصرة للمنفعللة‬
‫فللي القللرض‪ .‬خلل خمسللة فصللول ‪ :‬الول فللي ‪:‬الللودائع‬
‫المصلللرفية‪.‬والثلللاني فلللي ‪ :‬السلللندات ‪.‬والثلللالث فلللي‪:‬‬
‫العتملللادات المسلللتندية‪ .‬والرابلللع فلللي ‪ :‬خصلللم الوراق‬
‫التجارية‪.‬والخامس والخير في‪ :‬جمعيات الموظفين‪.‬‬
‫وفي نهاية البحث ذكر خاتملة اشلتملت أهلم نتلائج البحلث‬
‫التي توصل إليها وهي ‪:‬‬
‫‪.1‬القرض هو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله ‪ ،‬وقد دلللت‬
‫على فضله الدلة من الكتاب والسنة والمعقول‪.‬‬
‫‪.2‬الصلللل فلللي القلللرض أنللله ملللن عقلللود التبرعلللات ل‬
‫المعاوضات‪.‬‬
‫‪.3‬يمكللن تعريللف المنفعللة فللي القللرض بأنهللا الفللائدة أو‬
‫المصلحة التي تعود لحد أطراف عقد القرض بسللبب هللذا‬
‫العقد‪.‬‬
‫‪.4‬المنفعة في القرض أنواع متعللددة باعتبللارات متعللددة ‪،‬‬
‫ومن ذللك أن المنفعلة فلي القلرض باعتبلار ذات المنفعلة‬
‫ثلثة أنواع ‪ :‬عينية ‪ ،‬وعرضية ‪،‬ومعنويللة ‪ .‬وباعتبللار المنتفللع‬
‫بها أربعة أنواع‪ ،‬وهي ‪ :‬أن تكون للمقترض‪ ،‬أو للمقللرض ‪،‬‬
‫أو لهما معا ً ‪ ،‬أو لطلرف ثللالث ‪ .‬وباعتبللار الشللرط وعلدمه‬
‫نوعان ‪ :‬مشروطة وغيللر مشللروطة ‪ .‬إلللى غيللر ذلللك مللن‬
‫العتبارات‪.‬‬
‫‪.5‬الفللائدة فللي اصللطلح القتصللاديين هللي ‪ :‬الثمللن الللذي‬
‫يدفعه المقترض مقابللل اسللتخدام نقللود المقللرض ‪ .‬ولقللد‬
‫نشط القتصاديون الغربيون في ابتكار نظريات لتبريرها‪.‬‬
‫‪.6‬اتفق العلماء على أنه ل يجوز اشللتراط زيللادة فللي بللدل‬
‫القرض للمقللرض ‪ ،‬وأن هللذه الزيللادة ربللا‪ .‬وسللواء أكللانت‬
‫الزيادة في الصللفة أم فللي القللدر ‪ ،‬عينلا ً أم منفعللة ‪ ،‬ولللم‬

‫‪370‬‬
‫يفرقوا في الحكم بين اشتراط الزيادة في بداية العقللد أو‬
‫عند تأجيل الوفاء‪.‬‬
‫‪.7‬تسمى الزيللادة المشللروطة فللي القللرض ربللا القللرض ‪،‬‬
‫وهي من ربا الجاهلية‪.‬‬
‫‪.8‬حديث )كل قرض جر منفعة فهو ربا( ‪ ،‬إسللناد المرفللوع‬
‫منه ضعيف جدا ً ‪ ،‬والموقوف ضعيف ‪ ،‬ولكن معناه صللحيح‬
‫إذا كان القرض مشروطا ً فيه نفع للمرض فقط أو ما كللان‬
‫في حكم المشللروط؛ وذلللك لتلقللي كللثير مللن العلمللاء للله‬
‫بالقبول ‪ ،‬واعتضاده بالدلة من الكتللاب والسللنة والجمللاع‬
‫والمعقول الدالة على تحريم اشتراط المنفعة للمقرض‪.‬‬
‫‪.9‬اختلف الفقهاء في حكم اشتراط وفاء القرض بالقللل ‪،‬‬
‫والراجح هو الجواز‪.‬‬
‫‪.10‬محل الخلف في مسألة اشتراط الوفاء فللي غيللر بلللد‬
‫القرض هو في المنفعة الضافية إذا كللان اشللتراط الوفللاء‬
‫في غير بلللد القللرض لمنفعللة المقللترض والمقللرض معلا ً ‪،‬‬
‫والراجح هو جواز اشتراط الوفللاء فللي غيللر بلللد القللرض ‪،‬‬
‫بحيث يكون على وجلله الرفللاق بللالمقترض ‪ ،‬سللواء انتفللع‬
‫المقرض أول‪.‬‬

‫‪.11‬اشتراط الجللل فللي القللرض جللائز ‪ ،‬ويتأجللل القللرض‬


‫بالتأجيل‪.‬‬
‫‪.12‬اتفق العلماء فللي الجمللة عللى أنله ل يجلوز اشلتراط‬
‫عقد البيع في عقد القرض ‪ ،‬وكللذا ل يجللوز اشللتراط عقللد‬
‫معاوضللة كالجللارة ونحوهللا فللي عقللد القللرض ‪ .‬وممللا للله‬
‫علقة بهذه المسألة اشتراط المقرض على المقللترض أن‬
‫يزكي القرض الذي عنده ‪ ،‬فإن ذلك ل يجوز‪.‬‬
‫‪.13‬اشتراط عقد قرض آخر من المقللترض للمقللرض فللي‬
‫مقابللل القللرض الول ل يجللوز ‪ ،‬وهللذا المسللألة تسللمى‬
‫) أسلفني وأسلفك(‪.‬‬
‫‪.14‬قللرض المنللافع جللائز إذا كللان علللى وجلله المعللروف‬
‫والرفاق‪.‬‬

‫‪371‬‬
‫‪.15‬ل يجوز الجعل المشروط ثمنا ً للجاه والشفاعة فقط ‪،‬‬
‫بينما يجوز ذلك إذا كان الجعل مقابللل مللا يحتللاج إليلله مللن‬
‫نفقة‪.‬‬
‫‪.16‬فيما يتعلق بحكم عقللد القللرض مللع اشللتراط المنفعللة‬
‫للمقللرض ‪ ،‬فللإن عقللد القللرض يبقللى صللحيحا ً مللع فسللاد‬
‫الشرط ‪ .‬وأما حكمه مع اشتراط المنفعة للمقللترض فللإنه‬
‫يصح ‪ ،‬والشرط جائز ‪ ،‬وكذلك حكللم العقللد عنللد مللن منللع‬
‫هللذا الشلتراط ملن العلمللاء ‪ ،‬فلإن الشللرط يلغللو عنللدهم‬
‫ويبقى العقد صللحيحا ً ‪ .‬وأمللا حكملله مللع اشللتراط المنفعللة‬
‫للمقترض والمقرض معا ً بحيللث يكللون مصلللحة للطرفيللن‬
‫على وجه الرفاق فإنه يصح؛ لن الراجح أن هذا الشتراط‬
‫جائز‪.‬‬
‫‪-.17‬الزيادة عند الوفاء للمقرض مللن غيللر شللرط جللائزة‪،‬‬
‫سواء كانت الزيادة في القدر أو في الصفة‪.‬‬
‫‪.18‬المنللافع غيللر المشللروطة للمقلرض قبللل الوفلاء فيهللا‬
‫تفصيل ‪ ،‬فإن كانت من أجل القللرض فإنهللا ل تجللوز ‪ ،‬وإن‬
‫كانت هذه المنافع ليست من أجللل القللرض ‪ ،‬مثللل مللا إذا‬
‫كانت العادة جاريلة بيلن المقلرض والمقلترض بلذلك قبلل‬
‫القرض ‪ ،‬أو حدث سبب موجب لهذه المنافع بعللد القللرض‬
‫فإن ذلك جللائز ‪،‬وإن جهللل الحللال فتمنللع حللتى يتللبين أنهللا‬
‫ليست لجل القرض‪.‬‬
‫‪.19‬شكر المقترض للمقرض ودعائه له ممللا ينللدب إليلله ؛‬
‫لنه من باب مقابلة المعروف بالمعروف‪.‬‬
‫‪.20‬منفعة المقللرض بضللمان مللاله عنللد المقللترض منفعللة‬
‫أصلللية فللي القللرض ‪ ،‬ولكللن إن قصللد المقللرض الرفللاق‬
‫بللالمقترض فللإنه يثللاب علللى قرضلله ‪ ،‬وهللذا الصللل فللي‬
‫مشللروعية القللرض ‪ ،‬وأمللا إن كللان المقللرض يقصللد نفللع‬
‫نفسه فقلط بضلمان الملال ل الرفلاق بلالمقترض فلإنه ل‬
‫يثاب على هذا القللرض ‪ ،‬ولكللن القللرض فللي هللذه الحالللة‬
‫جائز‪.‬‬
‫‪.21‬القللراض بقصللد النتفللاع بشللفاعة المقللترض وجللاهه‬
‫محرم إذا كان ذلك وسيلة لحقاق باطللل أو إبطللال حللق ؛‬
‫لنه بمثابة الرشوة للحصول على غرض ما‪.‬‬

‫‪372‬‬
‫‪).22‬كل قرض جر منفعة فهو ربا( ضابط يذكره الفقهللاء ‪،‬‬
‫وسيستدلون به ‪ ،‬ويحيلون إليه فروعا ً ‪ .‬وإيرادهللم للله جللاء‬
‫ح ‪ ،‬ففي بعض المواضللع يسللوقونه علللى أنلله‬ ‫على عدة نوا ٍ‬
‫حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأحيانللا ً يسللوقونه‬
‫على أنه أثر عن الصحابة رضللي الللله عنهللم ‪ ،‬وفللي بعللض‬
‫المواضللع يسللتدلون بلله علللى أنلله قاعللدة أو ضللابط ‪ ،‬أو‬
‫يجعلونه قاعدة أو ضابطا ً ويحيلون إليه الفروع التي يرونها‬
‫تدخل فيه‪.‬‬
‫‪.23‬وبعد دارسة هذا الضابط تبين أنه ليس على عمللومه ‪،‬‬
‫وإنما يخرج منه بعض المنافع الجللائزة ‪ ،‬ويمكللن أن يكللون‬
‫الضابط على مللا توصلللت إليلله ‪ ) :‬كللل قللرض جللر منفعللة‬
‫زائدة متمحضة مشروطة للمقرض على المتقرض أو فللي‬
‫حكم المشروطة فإن هذه المنفعة ربا(‪.‬‬
‫‪.24‬مللن الضللوابط الللتي ذكرهللا بعللض الفقهللاء ‪) :‬مللتى‬
‫تمحضللت المنفعللة فللي القللرض للمقللترض جللاز( ‪ .‬وبعللد‬
‫دراسة هذا الضابط تبين أنه ليللس علللى إطلقلله ‪ ،‬ويمكللن‬
‫أن يكون الضابط على ما توصلت إليه على النحو التي ‪) :‬‬
‫كل منفعة في القرض متمحضة للمقللترض ‪ ،‬وكللل منفعللة‬
‫مشتركة بين المقترض والمقرض ومنفعة المقترض أقوى‬
‫أو مساوية فإنها جائزة(‪.‬‬
‫‪.25‬من الضوابط الللتي ذكرهللا بعللض الفقهللاء ‪ ) :‬القللرض‬
‫عقللد إرفللاق وقربللة فمللتى خللرج عللن بللاب المعللروف‬
‫امتنع ( ‪.‬وبعد دراسة هذا الضللابط تللبين أنلله غيللر مسلللم ‪،‬‬
‫فموضوع القرض هو الرفاق والمعروف ‪ ،‬وهذا هو الصللل‬
‫فيه ‪ ،‬ولكنه ليس شرطا ً لجللواز القللرض ‪ ،‬وليللس خروجلله‬
‫عن المعروف والرفاق مناطا ً للمنع‪.‬‬
‫‪.26‬من الضوابط فللي هللذا البحللث)المقاصللد معتللبرة فللي‬
‫التصرفات من العقود وغيرها(‪ .‬وممللا يللترتب علللى اعتبللار‬
‫المقاصد في التصرفات إبطال الحيلل الللتي يللراد التوصللل‬
‫بها إلى المحرمات ‪ .‬ومن صور التحايل على أخللذ المنفعللة‬
‫في القرض ‪ :‬البيع بشرط أن البائع متى ما رد الثمن فللإن‬
‫المشتري يعيد إليلله المللبيع ‪ ،‬ومللن الصللور ‪ :‬الللبيع بشللرط‬
‫الخيار حيلة ليربح في قرض‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫‪.27‬من الضوابط في هذا البحللث )المنفعللة المجمللع علللى‬
‫تحريمهللا هللي المنفعللة الللزائدة المتمحضللة المشللروطة‬
‫للمقرض على المقترض( ‪ .‬ومفاد هذا الضابط بيللان محللل‬
‫الجماع في موضوع المنفعة المحرمة في القرض‪.‬‬
‫‪.28‬من الضوابط في هذا البحللث )المنفعللة المحرمللة فللي‬
‫القرض هي‪:‬‬
‫‪-‬المنفعة الللزائدة المتمحضللة المشللروطة للمقللرض علللى‬
‫المقترض ‪ ،‬أو ما كان في حكم المشروطة‪.‬‬
‫‪-‬المنفعة غير المشروطة التي يبللذلها المقللترض للمقللرض‬
‫من أجل القرض(‪.‬‬
‫‪.29‬الودائع المصرفية بنوعيها الحالة والجلللة قللروض فللي‬
‫الحقيقة ل ودائع ‪ ،‬فهي من التطبيقللات لموضللوع المنفعللة‬
‫في القرض ‪ ،‬وهي من أشكال القتراض المصرفي‪.‬‬
‫‪.30‬إن ملكية أرصللدة ودائع الحسللاب الجللاري تنتقللل إلللى‬
‫المصرف بموجب عقد القرض ‪ ،‬فيجوز له التصرف فيهللا ‪،‬‬
‫وبالتالي يحل للمصرف العائد المترتب على استثمار هللذه‬
‫الموال‪ ،‬إل أنه ل بد أن يكون الستثمار جائزا ً شرعًا‪.‬‬
‫‪.31‬إن قدرة المصرف على توليد الئتمان بدرجة أكبر من‬
‫كمية الللودائع ناتللج عللن وظيفتلله كوسلليط بيللن المللدخرين‬
‫والمسلتثمرين ‪ ،‬وبملا يصلدره مللن وسللائل الللدفع النقديللة‬
‫الحديثة ‪ .‬وتوليد الئتمللان مللن حيللث الصللل جللائز ‪ ،‬إل أن‬
‫الحكللم يختلللف حسللب نللوع السللتثمار الللذي يقللوم بلله‬
‫المصرف ‪ ،‬وحسب الثار المترتبة على ذلك‪.‬‬
‫‪.32‬إن تقاضي المصرف أجرا ً في الحسلاب الجلاري علللى‬
‫الخدمات التي يقدمها جائز ‪ ،‬لنه يستحق هذا الجر مقابل‬
‫العمال التي يقوم بها‪.‬‬
‫‪.33‬يجوز انتفاع صاحب الحساب الجاري بللدفتر الشلليكات‬
‫وبطاقة الصراف اللي دون مقابل‪ ،‬لن المنفعللة الضللافية‬
‫هنا مشتركة للطرفين‪.‬‬
‫‪.34‬السعار المميزة لصللاحب الحسللاب الجللاري إذا كللانت‬
‫للعميللل دون غيللره ‪ ،‬ولللم يكللن للمصللرف منفعللة سللوى‬
‫القرض ‪ ،‬فإن هذه منفعة في القرض محرمة‪ .‬ومثللل ذلللك‬
‫الهدايا من المصرف للعميل‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫‪.35‬يحللرم أخللذ الفللوائد وإعطاؤهللا علللى الللودائع الحالللة‬
‫والجلة‪ ،‬لنها حينئذ قروض ربوية‪.‬‬
‫‪.36‬إقراض المصرف غيره مقابل فوائد ربا محرم‪.‬‬
‫‪.37‬القروض المتبادلة إذا كانت مشروطة فإنهللا محرمللة ‪،‬‬
‫وأما إذا كانت غير مشروطة فإنها جائزة‪.‬‬
‫‪.38‬اليللداع فللي الحسللاب الجللاري فللي البنللوك الربويللة‬
‫محرم‪ ،‬لنه من التعاون على الثم والعدوان‪ ،‬وفي اليللداع‬
‫في البنك الربللوي إعانللة وتقويللة للله‪ ،‬حيللث إن رأس مللال‬
‫المصرف ل يشكل إل مبلغا ً قليل ً ل يتجللاوز ‪ %10‬والبللاقي‬
‫يعمل بلله مللن المللوال الللتي أودعللت عنللده‪ ،‬سللواء كللانت‬
‫جارية أو غيرها‪ ،‬ومما يتولد عنها‪ .‬وعلللى هللذا فلللو م يللودع‬
‫أحد في المصارف الربوية لتعطلت ولم تعمل فللي الربللا ‪،‬‬
‫فيصدق على من يودع فيها أنه يعينها على الثم والعدوان‪.‬‬
‫‪.39‬إن إصدار سندات القللرض بأنواعهللا محللرم‪ ،‬ومللن ثللم‬
‫ل‪ ،‬لنها قروض ربويللة‪ .‬وهللي‬ ‫يحرم التعامل بها شراء وتداو ً‬
‫من أشكال القتراض المصرفي‪.‬‬
‫‪.40‬الفللوائد الللتي يأخللذها مصللرف البلللد المسللتورد فللي‬
‫العتمال المسلتندي – إذا كلان العتملاد غيلر مغطلى ملن‬
‫قبل المستورد أو كان مغطى جزئيا ً – فوائد ربوية محرمة‪.‬‬
‫وكذلك الفوائد التي يأخذها المصللرف إذا تللأخر المسللتورد‬
‫في الدفع‪ ،‬فإنها فللوائد ربويللة محرمللة‪ .‬وهللذا مللن أشللكال‬
‫القراض المصرفي‪.‬‬
‫‪.41‬الحالللة الولللى لجمعيللات المللوظفين‪ ،‬وهللي الحالللة‬
‫الخالية من الشروط الزائدة‪ :‬جائزة‪.‬‬
‫‪.42‬الصورة الولى من الحالة الثانيللة لجمعيللة المللوظفين‪،‬‬
‫وهللي أن يشللترط علللى جميللع الراغللبين فللي المشللاركة‬
‫الستمرار حتى تستكمل دورة كاملة‪ :‬جائزة‪ ،‬والولى عدم‬
‫هذا الشرط‪.‬‬
‫‪.43‬الصورة الثانية من الحالة الثانية لجمعيات الموظفين ‪،‬‬
‫وهللي أن يشللترط علللى جميللع الراغللبين فللي المشللاركة‬
‫الستمرار حتى تدور دورة ثانية أو أكثر ‪ :‬ل تجوز‬
‫============‬

‫‪375‬‬
‫‪#‬حول سوق الوراق المالية والبضائع )البورصة(‬
‫مجمع الفقه السلمي المنبثق عن رابطة العالم السلمي‬
‫‪15/10/1425‬‬
‫‪28/11/2004‬‬
‫حول سوق الوراق المالية والبضائع )البورصة(‪:‬‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نللبي بعللده‪،‬‬
‫سيدنا ونبينا محمللد‪ .‬وبعللد‪ :‬فللإن مجلللس المجمللع الفقهللي‬
‫السلللمي‪ ،‬قللد نظللر فللي موضللوع سللوق الوراق الماليللة‬
‫والبضائع )البورصة(‪ ،‬وما يعقد فيها من عقود‪ :‬بيًعا وشللراء‬
‫عللللى العملت الورقيلللة وأسلللهم الشلللركات‪ ،‬وسلللندات‬
‫القروض التجارية والحكومية‪ ،‬والبضائع‪ ،‬وما كان من هللذه‬
‫جللل‪ .‬كمللا اطلللع‬
‫جل‪ ،‬وما كان منها على مؤ ّ‬ ‫العقود على مع ّ‬
‫مجلللس المجمللع علللى الجللوانب اليجابيللة المفيللدة لهللذه‬
‫السلوق فلي نظلر القتصلاديين والمتعلاملين فيهلا‪ ،‬وعللى‬
‫الجوانب السلبية الضارة فيها‪.‬‬
‫)أ( فأما الجوانب اليجابية المفيدة فهي‪:‬‬
‫ل‪ :‬أنهللا تقيللم سللوًقا دائمللة‪ ،‬تسللهل تلقللي البللائعين‬‫أو ً‬
‫والمشللترين‪ ،‬وتعقللد فيهللا العقللود العاجلللة والجلللة‪ ،‬علللى‬
‫السهم والسندات والبضائع‪.‬‬
‫ثاني ًللا‪ :‬أنهللا تسللهل عمليللة تمويللل المؤسسللات الصللناعية‪،‬‬
‫والتجارية‪ ،‬والحكومية‪ ،‬عن طريق طرح السللهم وسللندات‬
‫القروض للبيع‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬أنهلا تسلهل بيلع السلهم‪ ،‬وسلندات القلروض للغيلر‪،‬‬
‫والنتفاع بقيمتها‪ ،‬لن الشللركات المصللدرة لهللا‪ ،‬ل تصللفي‬
‫قيمتها لصحابها‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬أنها تسهل معرفة ميزان أسللعار السللهم‪ ،‬وسللندات‬
‫وجاتهللا فللي ميللدان التعامللل‪ ،‬عللن‬‫القروض والبضللائع‪ ،‬وتم ّ‬
‫طريق حركة العرض والطلب‪.‬‬
‫)ب( وأما الجوانب السلبية الضارة في هذه السوق فهي‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن العقود الجلة التي تجري في هذه السوق‪ ،‬ليست‬ ‫أو ً‬
‫في معظمها بيًعا حقيقّيا‪ ،‬ول شراء حقيقي ّللا‪ ،‬لنهللا ل يجللري‬
‫فيها التقابض بين طرفي العقد فيما يشللترط للله التقللابض‬
‫عا‪.‬‬
‫في العوضين أو في أحدهما شر ً‬

‫‪376‬‬
‫ثانًيا‪ :‬أن البائع فيها‪ ،‬غالًبا يبيع ما ل يملللك‪ ،‬مللن عملت‪ ،‬أو‬
‫أسهم‪ ،‬أو سندات قروض‪ ،‬أو بضائع‪ ،‬على أمل شرائه مللن‬
‫السوق‪ ،‬وتسليمه في الموعد‪ ،‬دون أن يقبللض الثمللن عنللد‬
‫العقد‪ ،‬كما هو الشرط في السلم‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬أن المشتري فيها غالًبلا‪ ،‬يلبيع ملا اشلتراه لخلر قبلل‬
‫ضا لخللر قبللل قبضلله‪ ،‬وهكللذا يتكللرر‬ ‫قبضه‪ ،‬والخر يبيعه أي ً‬
‫البيع والشراء على الشيء ذاته قبل قبضه‪ ،‬إلى أن تنتهللي‬
‫الصفقة إللى المشللترى الخيللر اللذي قلد يريللد أن يتسللم‬
‫المبيع من البائع الول‪ ،‬الذي يكون قد بللاع مللا ل يملللك‪ ،‬أو‬
‫أن يحاسبه على فرق السعر في موعد التنفيللذ‪ ،‬وهللو يللوم‬
‫التصفية‪ ،‬بينما يقتصر دور المشترين والبللائعين غيللر الول‬
‫والخير‪ ،‬على قبض فرق السعر في حالة الربللح‪ ،‬أو دفعلله‬
‫في حالة الخسارة‪ ،‬في الموعد المذكور‪ ،‬كمللا يجللري بيللن‬
‫ما‪.‬‬
‫المقامرين تما ً‬
‫رابًعللا‪ :‬مللا يقللوم بلله المتمولللون‪ ،‬مللن احتكللار السللهم‬
‫والسللندات والبضللائع فللي السللوق‪ ،‬للتحكللم فللي البللائعين‬
‫الذين باعوا ما ل يملكون‪ ،‬علللى أمللل الشللراء قبللل موعللد‬
‫تنفيذ العقد بسعر أقل‪ ،‬والتسليم في حينه‪ ،‬وإيقللاعهم فللي‬
‫الحرج‪.‬‬
‫سا‪ :‬أن خطورة السوق المالية هذه تأتي مللن اتخاذهللا‬ ‫خام ً‬
‫وسيلة للتأثير في السواق بصفة عامة‪ ،‬لن السللعار فيهللا‬
‫ل تعتمللد كلي ّللا علللى العللرض والطلللب الفعلييللن مللن قبللل‬
‫المحتاجين إلى الللبيع أو إلللى الشللراء‪ ،‬وإنمللا تتللأثر بأشللياء‬
‫كثيرة بعضها مفتعل من المهيمنيللن علللى السللوق‪ ،‬أو مللن‬
‫المحتكرين للسلع‪ ،‬أو الوراق المالية فيها‪ ،‬كإشللاعة كاذبللة‬
‫عا‪ ،‬لن ذلك‬ ‫أو نحوها‪ ،‬وهنا تكمن الخطورة المحظورة شر ً‬
‫يؤدي إلى تقلبات غير طبيعية في السعار‪ ،‬مما يللؤثر علللى‬
‫الحيللاة القتصللادية تللأثيًرا سلليًئا‪ ،‬وعلللى سللبيل المثللال ل‬
‫الحصللر‪ :‬يعمللد كبللار الممللولين إلللى طللرح مجموعللة مللن‬
‫الوراق الماليللة مللن أسللهم أو سللندات قللروض‪ ،‬فيهبللط‬
‫سعرها لكثرة العرض‪ ،‬فيسارع صللغار حملللة هللذه الوراق‬
‫إلى بيعها بسعر أقل‪ ،‬خشية هبوط سعرها أكللثر مللن ذلللك‬
‫وزيادة خسارتهم‪ ،‬فيهبط سعرها مجللدًدا بزيللادة عرضللهم‪،‬‬

‫‪377‬‬
‫فيعود الكبار إلى شراء هذه الوراق بسعر أقل‪ ،‬بغيللة رفللع‬
‫سللعرها بكللثرة الطلللب‪ ،‬وينتهللي المللر بتحقيللق مكاسللب‬
‫للكبار‪ ،‬وإلحاق خسائر فادحة بالكثرة الغالبللة‪ ،‬وهللم صللغار‬
‫حملة الوراق المالية‪ ،‬نتيجة خللداعهم بطللرح غيللر حقيقللي‬
‫ضا في سللوق البضللائع‪.‬‬ ‫لوراق مماثلة‪ ،‬ويجري مثل ذلك أي ً‬
‫وللللذلك قللد أثلللارت سللوق البورصللة جللدل ً كللبيًرا بيلللن‬
‫القتصاديين‪ ،‬والسللبب فللي ذلللك أنهللا سللببت فللي فللترات‬
‫معينة‪ ،‬من تاريخ العالم القتصادي‪ ،‬ضياع ثللروات ضللخمة‪،‬‬
‫في وقت قصير‪ ،‬بينما سببت غنى للخرين دون جهد‪ ،‬حتى‬
‫إنهم في الزمللات الكللبيرة الللتي اجتللاحت العللالم‪ ،‬طللالب‬
‫الكثيرون بإلغائها‪ ،‬إذ تذهب بسببها ثللروات‪ ،‬وتنهللار أوضللاع‬
‫اقتصللادية فللي هاويللة‪ ،‬وبللوقت سللريع‪ ،‬كمللا يحصللل فللي‬
‫الزلزل والنخسافات الرضية‪.‬‬
‫ولذلك كله‪ ،‬فإن مجلس المجمللع الفقهللي السلللمي‪ ،‬بعللد‬
‫اطلعلله علللى حقيقللة سللوق الوراق الماليللة والبضللائع‬
‫)البورصة( وما يجري فيها مللن عقللود عاجلللة وآجلللة علللى‬
‫السهم وسللندات القللروض‪ ،‬والبضللائع والعملت الورقيللة‪،‬‬
‫ومناقشتها في ضوء أحكللام الشللريعة السلللمية يقللرر مللا‬
‫يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن غاية السوق المالية )البورصللة( هللي إيجللاد سللوق‬ ‫أو ً‬
‫مسلللتمرة ودائملللة‪ ،‬يتلقلللى فيهلللا العلللرض والطللللب‪،‬‬
‫والمتعاملون بيعًللا وشللراء‪ ،‬وهللذا أمللر جيللد ومفيللد‪ ،‬ويمنللع‬
‫اسلللتغلل المحلللترفين للغلللافلين والمسترسللللين اللللذين‬
‫يحتاجون إلى بيع أو شراء‪ ،‬ول يعرفون حقيقة السعار‪ ،‬ول‬
‫يعرفون المحتاج إلى البيع‪ ،‬ومن هللو محتللاج إلللى الشللراء‪.‬‬
‫ولكللن هللذه المصلللحة الواضللحة‪ ،‬يواكبهللا فللي السللواق‬
‫المللذكورة )البورصللة(‪ ،‬أنللواع مللن الصللفقات المحظللورة‬
‫عا‪ ،‬والمقللامرة‪ ،‬والسللتغلل‪ ،‬وأكللل أمللوال النللاس‬ ‫شللر ً‬
‫بالباطل‪ ،‬ولذلك ل يمكن إعطاء حكم شرعي عام بشللأنها‪،‬‬
‫بل يجب بيان حكم المعاملت التي تجرى فيها‪ ،‬كل واحدة‬
‫منها على حدة‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬أن العقود العاجلة علللى السلللع الحاضللرة الموجللودة‬
‫في ملك البائع‪ ،‬التي يجري فيها القبللض فيمللا يشللترط للله‬

‫‪378‬‬
‫عا‪ ،‬هي عقود جللائزة‪ ،‬مللا لللم‬ ‫القبض في مجلس العقد شر ً‬
‫عا‪ ،‬أما إذا لم يكللن المللبيع فللي‬ ‫تكن عقوًدا على محرم شر ً‬
‫ملك البائع‪ ،‬فيجب أن تتوافر فيه شروط بيع السلم‪ ،‬ثللم ل‬
‫يجوز للمشتري بعد ذلك بيعه قبل قبضه‪.‬‬
‫ثالًثلللا‪ :‬أن العقلللود العاجللللة عللللى أسلللهم الشلللركات‬
‫والمؤسسات‪ ،‬حيللن تكللون تلللك السللهم فللي ملللك البللائع‬
‫عا‪ ،‬ما لللم تكللن تلللك الشللركات أو المؤسسللات‬ ‫جائزة شر ً‬
‫عا‪ ،‬كشللركات البنللوك الربويللة‪،‬‬ ‫موضوع تعاملها محّرم شللر ً‬
‫وشركات الخمور‪ ،‬فحينئذ يحرم التعاقللد فللي أسللهمها بيعًللا‬
‫وشراء‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬أن العقود العاجلة والجلة‪ ،‬علللى سللندات القللروض‬
‫عا‪ ،‬لنهللا معللاملت‬ ‫بفائدة‪ ،‬بمختلف أنواعها غير جائزة شللر ً‬
‫تجري بالربا المحرم‪.‬‬
‫سللا‪ :‬أن العقللود الجلللة بأنواعهللا‪ ،‬الللتي تجللري علللى‬ ‫خام ً‬
‫المكشوف‪ ،‬أي على السهم والسلع التي ليست في ملللك‬
‫البائع‪ ،‬بالكيفية التي تجري في السوق الماليللة )البورصللة(‬
‫عا؛ لنهللا تشللتمل علللى بيللع الشللخص مللا ل‬ ‫غير جائزة شر ً‬
‫يملك اعتماًدا على أنه سيشلتريه فيملا بعلد‪ ،‬ويسللمه فلي‬
‫عا لما صللح عللن رسللول الللله‬ ‫الموعد‪ .‬وهذا منهي عنه شر ً‬
‫ك"‪.‬‬ ‫عن ْلد َ َ‬ ‫مللا ل َي ْل َ‬
‫س ِ‬ ‫صلى الله عليه وسلم أنه قللال‪" :‬ل ت َب ِلعْ َ‬
‫وكذلك ما رواه المام أحمد وأبو داود بإسناد صللحيح‪ ،‬عللن‬
‫زيد بن ثابت‪ ،‬رضي اللله عنله‪ ،‬أن النلبي صللى اللله عليله‬
‫حوَزهللا الّتجللاُر‬ ‫وسلم نهى أن تباع السلع حيث ُتبتاع‪ ،‬حتى ي َ ُ‬
‫إلى ِرحاِلهم‪.‬‬
‫سللا‪ :‬ليسللت العقللود الجلللة فللي السللوق الماليللة‬ ‫ساد ً‬
‫)البورصللة( مللن قبيللل بيللع السلللم الجللائز فللي الشللريعة‬
‫السلمية‪ ،‬وذلك للفرق بينهما من وجهين‪:‬‬
‫)ج( فللي السللوق الماليللة )البورصللة( ل يللدفع الثمللن فللي‬
‫العقود الجلة في مجلس العقد‪ ،‬وإنمللا يؤجللل دفللع الثمللن‬
‫إلى موعد التصفية‪ ،‬بينما الثمن فللي بيللع السلللم يجللب أن‬
‫يدفع في مجلس العقد‪.‬‬
‫)د( في السوق المالية )البورصللة( تبللاع السلللعة المتعاقللد‬
‫عليهللا‪ -‬وهللي فللي ذمللة البللائع الول‪ -‬وقبللل أن يحوزهللا‬

‫‪379‬‬
‫المشتري الول عدة بيوعات‪ ،‬وليس الغللرض مللن ذلللك إل‬
‫قبض أو دفع فروق السعار بين البللائعين والمشللترين غيللر‬
‫الفعليين‪ ،‬مخاطرة منهم على الكسب والربح‪ ،‬كالمقللامرة‬
‫سواء بسواء‪ ،‬بينما ل يجوز بيع المبيع في عقد السلم قبللل‬
‫قبضه‪.‬‬
‫وبناء على ما تقدم‪ ،‬يرى المجمللع الفقهللي السلللمي‪ :‬أنلله‬
‫يجللب علللى المسللؤولين فللي البلد السلللمية‪ ،‬أل ّ يللتركوا‬
‫أسواق البورصة في بلدهم حرة‪ ،‬تتعامل كيللف تشللاء مللن‬
‫عقود وصفقات‪ ،‬سواء أكانت جائزة أو محرمة‪ ،‬وأل ّ يتركوا‬
‫للمتلعللبين بالسللعار فيهللا أن يفعلللوا مللا يشللاؤون‪ ،‬بللل‬
‫يوجبون فيهللا مراعللاة الطللرق المشللروعة فللي الصللفقات‬
‫عا‪،‬‬‫الللتي تعقللد فيهللا‪ ،‬ويمنعللون العقللود غيللر الجللائزة شللر ً‬
‫ليحولللوا دون التلعللب الللذي يجللر إلللى الكللوارث الماليللة‪،‬‬
‫ويخللرب القتصللاد العللام‪ ،‬ويلحللق النكبللات بللالكثيرين‪ ،‬لن‬
‫الخير كل الخير في التزام طريق الشريعة السلللمية فللي‬
‫ما‬ ‫ن هَ ل َ‬ ‫َ‬
‫س لت َِقي ً‬‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫ص لَرا ِ‬
‫ذا ِ‬ ‫كل شيء‪ ،‬قال الله تعللالى‪) :‬وَأ ّ‬
‫سلِبيل ِهِ ذ َل ِك ُل ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬‫م عَل ْ‬‫ل فَت ََفلّرقَ ب ِك ُل ْ‬
‫سلب ُ َ‬‫َفات ّب ُِعوهُ َول ت َت ّب ِعُللوا ال ّ‬
‫ن(]النعام‪ .[153:‬والله سللبحانه هللو‬ ‫م ت َت ُّقو َ‬‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫صاك ُ ْ‬
‫وَ ّ‬
‫ولي التوفيق‪ ،‬والهادي إلى سواء السبيل‪ .‬وصلى الله على‬
‫سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫==============‬
‫سلم وتطبيقاته المعاصرة‬ ‫‪#‬ال ّ‬
‫مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪19/10/1425‬‬
‫‪02/12/2004‬‬
‫مجلة المجمع )ع ‪ ،9‬ج ‪ 1‬ص ‪(371‬‬
‫إن مجلللس مجمللع الفقلله السلللمي المنعقللد فللي دورة‬
‫مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة المارات العربية المتحدة‬
‫مللن ‪ 6 -1‬ذي القعللدة ‪1415‬هل ل الموافللق ‪ 6 -1‬نيسللان‬
‫)أبريل( ‪1995‬م‪،‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الللواردة إلللى المجمللع بخصللوص‬
‫سلم وتطبيقاته المعاصرة‪،‬‬ ‫موضوع ال ّ‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله ‪،‬‬

‫‪380‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬بشأن )السلم( ‪:‬‬
‫أ‪ -‬السلع التي يجري فيها عقد السلم تشمل كل مللا يجللوز‬
‫بيعه ويمكن ضللبط صللفاته ويثبللت دينلا ً فللي الذمللة‪ ،‬سللواء‬
‫أكانت من المواد الخام أم المزروعات أم المصنوعات ‪.‬‬
‫ب – يجب أن يحدد لعقد السللم أجلل معللوم‪ ،‬إملا بتاريلخ‬
‫معين‪ ،‬أو بالربط بأمر مؤكد الوقوع‪ ،‬ولو كان ميعاد وقوعه‬
‫يختلف اختلفا ً يسيرا ً ل يؤدي للتنازع كموسم الحصاد ‪.‬‬
‫ج – الصل تعجيللل قبللض رأس مللال السلللم فللي مجلللس‬
‫العقد‪ ،‬ويجوز تأخيره ليومين أو ثلثة ولو بشرط‪ ،‬علللى أن‬
‫ل تكون مدة التأخير مساوية أو زائدة عللن الجللل المحللدد‬
‫للسلم ‪.‬‬
‫سلِلم )المشللتري( رهنلا ً أو‬ ‫م ْ‬‫د – ل مانع شللرعا ً مللن أخللذ ال ُ‬
‫كفيل ً من المسّلم إليه )البائع( ‪.‬‬
‫هل ‪ -‬يجوز للمسِلم )المشتري( مبادلة المسَلم فيه بشلليء‬
‫آخر – غير النقد ‪ -‬بعد حلول الجل‪ ،‬سواء كللان السللتبدال‬
‫بجنسه أم بغير جنسه ‪ .‬حيث إنه لم يرد في منع ذلك نللص‬
‫ثابت ول إجماع‪ ،‬وذلك بشرط أن يكللون البللدل صللالحا ً لن‬
‫يجعل مسلما ً فيه برأس مال السلم ‪.‬‬
‫و – إذا عجز المسلم إليلله عللن تسللليم المسلللم فيلله عنللد‬
‫ن المسلم )المشللتري( يخيللر بيللن النتظللار‬ ‫حلول الجل فإ ّ‬
‫إلى أن يوجد المسلم فيه وفسخ العقللد وأخللذ رأس مللاله‪،‬‬
‫وإذا كان عجزه عن إعسار فنظرة إلى ميسرة ‪.‬‬
‫ز – ل يجللوز الشللرط الجللزائي عللن التللأخير فللي تسللليم‬
‫المسلللم فيلله‪ ،‬لنلله عبللارة عللن ديللن‪ ،‬ول يجللوز اشللتراط‬
‫الزيادة في الديون عند التأخير ‪.‬‬
‫ح – ل يجوز جعلل اللدين رأس ملال للسللم لنله ملن بيلع‬
‫الدين بالدين ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬بشأن )التطبيقات المعاصرة للسلم( ‪:‬‬
‫انطلقا ً من أن السلم في عصرنا الحاضر أداة تمويل ذات‬
‫كفللاءة عاليللة فللي القتصللاد السلللمي وفللي نشللاطات‬
‫المصللارف السلللمية‪ ،‬مللن حيللث مرونتهللا‪ ،‬واسللتجابتها‬
‫لحاجات التمويل المختلفة‪ ،‬سواء أكان تمويل ً قصير الجللل‬

‫‪381‬‬
‫أم متوسلللطة أم طويللللة‪ ،‬واسلللتجابتها لحاجلللات شلللرائح‬
‫مختلفة ومتعددة من العملء‪ ،‬سللواء أكللانوا مللن المنتجيللن‬
‫الزراعييللن‪ ،‬أم الصللناعيين أم المقللاولين أم مللن التجللار‪،‬‬
‫واستجابتها لتمويل نفقات التشغيل‪ ،‬والنفقات الرأسللمالية‬
‫الخرى ‪.‬‬
‫ولهذا تعددت مجالت تطبيق عقد السلم‪ ،‬ومنها ما يلي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬يصلح عقد السلم لتمويل عمليات زراعية مختلفة‪ ،‬حيث‬
‫يتعامل المصرف السلمي مع المزارعين الذين يتوقللع أن‬
‫توجللد لللديهم السلللعة فللي الموسللم مللن محاصلليلهم أو‬
‫محاصيل غيرهللم الللتي يمكللن أن يشللتروها ويس لّلموها إذا‬
‫أخفقللوا فللي التسللليم مللن محاصلليلهم‪ ،‬فَي َُق لد ّ ُ‬
‫م لهللم بهللذا‬
‫التمويل نفعا ً بالغا ً ويدفع عنهم مشللقة العجللز المللالي عللن‬
‫تحقيق إنتاجهم ‪.‬‬
‫ب‪ -‬يمكللن اسللتخدام عقللد السلللم فللي تمويللل النشللاط‬
‫الزراعي والصللناعي‪ ،‬ول سلليما تمويللل المراحللل السللابقة‬
‫لنتاج وتصدير السلع والمنتجللات الرائجللة‪ ،‬وذلللك بشللرائها‬
‫سلما ً وإعادة تسويقها بأسعار مجزية ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ج‪ -‬يمكن تطبيق عقد السلم في تمويل الحرفيين‪ ،‬وصللغار‬
‫المنتجيللن الزراعييللن‪ ،‬والصللناعيين‪ ،‬عللن طريللق إمللدادهم‬
‫بمسللتلزمات النتللاج فللي صللورة معللدات وآلت‪ ،‬أو مللواد‬
‫أوليللة كللرأس مللال سلللم‪ ،‬مقابللل الحصللول علللى بعللض‬
‫منتجاتهم وإعادة تسويقها ‪.‬‬
‫يوصي المجلس بما يلي ‪:‬‬
‫استكمال صللور التطبيقللات المعاصللرة للسلللم بعللد إعللداد‬
‫البحوث المتخصصة ‪ .‬والله الموفق‪.‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬صكوك التمويل‬
‫د ‪ .‬يوسف بن أحمد القاسم ‪6/2/1428‬‬
‫‪24/02/2007‬‬
‫لم تزل بعض البنوك والشركات الكبرى فللي بلدنللا تعيللش‬
‫علللى أطلل الماضللي‪ ,‬وتصللبح وتمسللي علللى السلللوب‬
‫التقليدي في بعض تعاملتهللا الماليللة‪ ,‬سللواء فللي أسلللوب‬
‫الستثمار والتمويل‪ ,‬أو فللي غيرهللا مللن السللاليب‪ ,‬والللتي‬

‫‪382‬‬
‫أثبتت الخبرة والتجربة وكر اليام عدم جللدواها القتصللادية‬
‫للفرد والمجتمع‪ ,‬وربمللا كللان بعضللها ممللا ل يقللره شللرعنا‬
‫الحنيف‪ ,‬ولكن لجللل أن هللذه المعللاملت كللانت ول زالللت‬
‫تسير فللي ركللب اقتصللاد البنللوك بالللدول المتقدمللة‪ ,‬لهللذا‬
‫ظلت على هذا النهج طللول هللذه الحقبللة الماضللية‪ ,‬وكللأن‬
‫قدرنا أن نسير في فلك الخر ولو على حسللاب اقتصللادنا‪,‬‬
‫أو قيمنا السلمية‪ ,‬وربما نرى الكثير من البنوك السلللمية‬
‫من حولنا تحقق نجاحات متتابعة في الكثير من المشللاريع‬
‫السللتثمارية‪ ,‬وتتوصللل إلللى ابتكللار العديللد مللن البللدائل‬
‫السلمية لعدد من المعللاملت البنكيللة المحرمللة‪ ,‬وتحقللق‬
‫تفوقا ً متواصل ً في هللذا المجللال‪ ,‬ومللع هللذا لللم تعللط تلللك‬
‫البنوك والشللركات اهتمام لا ً يللذكر بهللذه البللدائل وجللدواها‬
‫الربحي‪ ,‬ول ترفع بذلك رأسًا‪ ,‬ليس لقناعتهلا الذاتيلة بعلدم‬
‫جدوى هللذا البللديل أو ذاك‪ ,‬بقللدر مللا لللديها مللن حساسللية‬
‫مفرطة تجاه ما تنتجه عقول أبنائنا‪ ,‬وغالب لا ً مللا تكللون تلللك‬
‫الحساسية نابعة من عللدم الثقللة فللي اقتصللادنا السلللمي‬
‫الذي لم يعللد صللالحا ً لزماننللا فللي اعتقللاد قلللة مللن رجللال‬
‫أعمال مجتمعنا الحاضلر‪ ,‬وللسلف!! ثللم كلانت المفاجلأة‪,‬‬
‫حين أعجب بعض البنوك والمؤسسللات الماليللة فللي البلد‬
‫الغربية بحجم العللوائد الللتي تحققهللا كللثير مللن المعللاملت‬
‫المالية السلللمية‪ ,‬فأخللذت بزمللام المبللادرة‪ ,‬وفتحللت لهللا‬
‫نوافلذ إسللمية؛ حيلن ثبلت عللى أرض الواقلع نجلاح تللك‬
‫المعللاملت‪ ,‬ومللا حققتلله مللن أربللاح فللاقت حجللم الفللوائد‬
‫البنكية‪ ,‬مما كان سببا ً في جذب عملئها من كللل الطيللاف‬
‫المختلفللة‪ ,‬ولللم يعللد هللذا الواقللع خافي لا ً علللى كللل راصللد‬
‫للتعاملت البنكية في الخارج‪ ,‬وقد كان هذا التطور اللفت‬
‫في البنوك الغربية أمرا ً محرجا ً لكل مللن كللان يقللدم رجل ً‬
‫ويللؤخر أخلرى تجلاه تللك المعلاملت والبللدائل السللمية‪,‬‬
‫ولكل من كان ينظر إليها نظرة ازدراء أو إشفاق !‬
‫ولنأخذ مثال ً واحدا ً على هذا‪ ,‬وهلو صلكوك التمويلل‪ ,‬حيلث‬
‫غللدا التمويللل بصللكوك السللندات لللدى كللثير مللن بنوكنللا‬
‫وشركاتنا الكبرى ضربة لزب‪ ,‬أو أصبح وكأنه غاية‪ ,‬وليللس‬
‫وسلليلة لتللوفير السلليولة وجللذب رؤوس المللوال‪ ,‬اقتللداء‬

‫‪383‬‬
‫بالبنوك العالمية فللي البلد الغربيللة‪ ,‬ممللا جعللل كللثيرا مللن‬
‫الشركات المالية تنهج هذا السلوب التقليدي مللع مللا فيلله‬
‫من إشكالت كثيرة‪ ,‬ويكفي أن هذا السلوب الربللوي فللي‬
‫التمويللل أفللرزه الفكللر الرأسللمالي الللذي يللؤمن بالعقليللة‬
‫النفعية النتهازية التي ل تعنيهللا مصلللحة الفللرد والمجتمللع‪,‬‬
‫مللع مللا فللي هللذا السلللوب التمللويلي مللن تجاهللل صللارخ‬
‫لشللرعنا المطهللر الللذي حللرم الربللا‪ ,‬واعتللبره ضللربا ً مللن‬
‫ضروب الحرب على الله ورسوله! وما سد الله تعالى باب‬
‫حرام إل فتح بإزائه أبوابا ً كثيرة للحلل‪.‬‬
‫إن الستفادة من معطيات الحضارة الغربية‪ ,‬بتوظيللف مللا‬
‫فيها من إيجابيات لصالح المسلمين على كل الصعد أمر ل‬
‫ينازع فيه عاقل‪ ,‬وهذا ل يعني أن نأخذ بكل ما تفللرزه تللك‬
‫الحضارة إذا كان له آثاره السلللبية فللي المللال والقتصللاد‪,‬‬
‫لسيما إذا كان معارضا ً لشريعتنا السلمية‪ ,‬وذلللك كفكللرة‬
‫السللندات الللتي تجعللل الللدائن أشللبه شلليء بللذكر النحللل‪,‬‬
‫يعيش على عمل الغير‪ ,‬ول يصحو إل مع نهاية العام‪ ,‬ليأكل‬
‫ملللن كسلللب غيلللره‪ ,‬دون أن يشلللاطره الجهلللد والربلللح‬
‫والخسارة‪ .‬وهذا هو السلوب النتهللازي الللذي يقللوم علللى‬
‫فكرة النفعية للدائن أو للمدين‪ ,‬بعيدا ً عن مصلحة المجتمع‬
‫ككل‪.‬‬
‫ول أظنه يخفى على القارئ أنه قد وجد الكثير من البدائل‬
‫السلللمية لصللكوك السللندات المحرمللة‪ ,‬والمتمثلللة فللي‬
‫صكوك الستثمار ذات الصيغ المتعددة‪ ,‬ومن تلك الصيغ ما‬
‫صللدر بلله قللرار مجمللع الفقلله السلللمي التللابع لمنظمللة‬
‫المؤتمر السلمي‪ ,‬في دورة مؤتمره الرابللع بجللدة‪ ,‬حيللث‬
‫قدم صيغة رائدة لصكوك استثمارية اصطلح المجمع علللى‬
‫تسميتها بل" صكوك المقارضة " وقللدم لهللا صلليغة مقبولللة‬
‫شللرعًا‪ ,‬بحيللث تكللون أداة اسللتثمارية‪ ,‬تقللوم علللى تجللزئة‬
‫رأس مللال القللراض )المضللاربة(‪ ,‬بإصللدار صللكوك ملكيللة‬
‫بللرأس مللال المضللاربة‪ ,‬علللى أسللاس وحللدات متسللاوية‬
‫القيمللة‪ ,‬محكومللة بالضللوابط الشللرعية‪ ,‬ويمكللن الكتتللاب‬
‫فيها‪ ,‬وتداولها في السوق الماليللة وفق لا ً لظللروف العللرض‬
‫والطلب ‪.‬‬

‫‪384‬‬
‫لقد قللام مجمللع الفقلله السلللمي بللدوره حيللن اسللتقطب‬
‫العلمللاء والخللبراء والمختصللين فللي المجللالت المختلفللة‪,‬‬
‫وقللدم مثللل هللذه الصلليغة التمويليللة‪ ,‬وغيرهللا مللن الصلليغ‪,‬‬
‫ليقدم البديل السلمي‪ ,‬جنبا إلى جنب مع القللرار العلمللي‬
‫المتخصص‪ ,‬وقلد انتفللع بهللذه الصليغة التمويليلة علدد مللن‬
‫المؤسسات والشركات المالية في المملكة وخارجها‪ ,‬ولم‬
‫يبللق عللذر لمللن كللان يللرى أن الربللا هللو الحللل الوحيللد‬
‫للمشكلت الستثمارية‪.‬‬
‫علما بللأن هنللاك بللدائل أخللرى كللثيرة للصللكوك‪ ,‬كصللكوك‬
‫السلم‪ ,‬والستصناع‪ ,‬والجارة‪ ,‬وغيرها مما يمكن أن يصاغ‬
‫صللياغة جديللدة‪ ,‬تتنللاغم مللع المعطيللات الجديللدة‪ ,‬دون أن‬
‫يكون هنللاك مسللاس بمللا حللرم الللله تعللالى‪ ,‬ل سلليما وأن‬
‫عقود المعاملت مبنية على الباحة‪ ,‬ل على الحظللر‪ ,‬وفللي‬
‫هذا كله مندوحة عما حرم الله ‪.‬‬
‫كما أنلله يتحتللم علللى المؤسسللات والشللركات الماليللة أن‬
‫تستقطب العلماء والمتخصصين لتقديم البللدائل الشللرعية‬
‫المجدية‪ ,‬بعيدا ً عن الصيغ الصورية المحرمللة‪ ,‬والللتي ربمللا‬
‫تكون بلباس شللرعي‪ ,‬كمللا وقللع ذلللك فللي صلليغة صللكوك‬
‫الجارة الصادرة مللن مؤسسللة نقللد البحريللن‪ ,‬حيللن صللدر‬
‫قرار هيئتها الشلرعية بجلواز تللك الصليغة‪ ,‬ثلم علاد بعلض‬
‫أعضاء هيئتها الشرعية‪ ,‬وأعلن رجوعه عن فتياه حين ظهر‬
‫له صورية ذلك العقد‪ ,‬واشتماله علللى بيللوع محرمللة‪ ,‬وهنللا‬
‫يجب أخذ الحيطة من الوقوع فللي الحيللل الربويللة‪ ,‬والللتي‬
‫ربما تكون أعظللم مللن الوقللوع فللي الربللا الصللريح‪ ,‬والللله‬
‫تعالى أرحم بعباده‪ ,‬وهو سبحانه أعلم وأحكم ‪.‬‬
‫================‬
‫‪#‬البنك السلمي )السرائيلي(!!‬
‫مهنا الحبيل ‪24/1/1428‬‬
‫‪12/02/2007‬‬
‫حين ُولدت التجارب الولى للمصارف السلمية كان هناك‬
‫خطللاب مصللاحب لهللا يؤصللل ويكللرس مبللادئ التشللريع‬
‫السلللمي فللي القتصللاد‪ ،‬وكيللف أن أسللاس القتصللاد‬
‫الرأسمالي المستبد والسللاحق للفللرد وللطبقللة الوسللطى‬

‫‪385‬‬
‫والفقيرة يتناقض مع أساس العدالة التي ركزهللا القتصللاد‬
‫السلمي بتداول الموال‪ ،‬وفتح باب البيع والشراء‪ ،‬وإدارة‬
‫الملللوال‪ ،‬وتنشللليط القلللوى البشلللرية‪ ،‬وزيلللادة أعلللداد‬
‫المسللتفيدين مللن إنمللاء المجتمللع‪ ،‬وفللرص إدارة الللثروة‬
‫الوطنية لبلدان المسلمين داخل قطاعات الستثمار وذات‬
‫العلقة المباشرة بأهالي هللذه القللاليم الللتي تتواجللد فيهللا‬
‫تلك الثروات والمؤسسات القتصادية السلمية‪.‬‬
‫وحين بللدأت التطبيقللات ُتمللارس علللى الواقللع القتصللادي‬
‫ودوائر السوق ذات العلقة المندمجللة مللع الدارة الدوليللة‬
‫فللي قبضللة البنللوك العالميللة تغيللر المشللهد‪ ،‬وأصللبحت‬
‫معاملت هللذه المصللارف السلللمية ُتحللاول شللرعنة تلللك‬
‫المشاريع والعمليات بتخفيللف الحللد الدنللى مللن الشللروط‬
‫الذي يعفيها من الربا الصريح‪ ،‬ولكن تبقى آليللة وطريقللة و‬
‫تللداول المعللاملت الماليللة هللي نفسللها بللذات الرأسللمالية‬
‫العميقة‪ ،‬خلف لا ً –وبللالقطع‪ -‬مللع منهللج التشللريع السلللمي‬
‫العلللادل‪ ،‬ملللع احترامنلللا وتقلللديرنا لشخصللليات الهيئات‬
‫الشرعية‪ ،‬ولكننا نتحللدث عللن التطبيقللات والمفللاهيم فللي‬
‫أرض الواقع‪.‬‬
‫وهو ما حدا بللالمفكر الباكسللتاني الشللهير خورشلليد أحمللد‬
‫‪-‬وهو أحد أبرز منظري القتصللاد السلللمي‪ -‬أن يعلللن فللي‬
‫ذلك الزمن أن المصارف السلمية هي مصللارف ل ربويللة‬
‫وليست إسلللمية‪ ،‬وشللرح مللوقفه هللذا بنللاء علللى مفهللوم‬
‫العناية بالفقراء ومتوسطي الدخل الللتي يضللمنها القتصللاد‬
‫السلمي‪ ،‬مع تحقيق الربح والنجللاح؛ لن هللذه المصللارف‬
‫ليست جمعيات خيرية‪ ،‬لكنها من المفترض أن تدشن بعللد‬
‫كل هذه السنوات من التجربللة نمللاذج قائمللة علللى الرض‬
‫تمثللل بوضللوح فلسللفة القتصللاد السلللمي‪ ،‬وهللو مللا لللم‬
‫يحصل مع السف الشديد‪.‬‬
‫ول بد هنا من أن أوضح أنه تبقى قضية الربا الصرف حالللة‬
‫من حالت المعصية الجتماعية الكبرى‪ ،‬بإجماع أهل السنة‬
‫فلللي مشلللارق الرض ومغاربهلللا‪ ،‬اسلللتطاعت المصلللارف‬
‫السلمية تحقيق بديل مع كثير من التحفظات عليه‪ ،‬ولكن‬

‫‪386‬‬
‫البيع بالمرابحة للمر بالشراء وبيللع الجللال وغيرهللا أعفللى‬
‫البعض من تداول القروض الربوية المباشرة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬كنا نتفهم بأن تجربة القتصاد السلمي حديثللة‪ ،‬وقللد‬
‫نشأت مع وجود اقتصاد دولي إقطاعي ورأسمالي مهيمن‪،‬‬
‫لكننا بدل أن نرى انتقال ً كليا ً وتنوعا ً جديللدا ً فللي المشللاريع‬
‫القتصادية السلمية أصبحنا نعيش مرحلللة تكريللس لللذلك‬
‫القطاع والثراء‪ ،‬ولكن بصيغة ُيطلللق عليهللا إسلللمية‪ ،‬ثللم‬
‫استبدلت كل تلك البنوك لفتاتهللا أو افتتحللت لفتللة أخللرى‬
‫لمعاملت إسلمية‪ ،‬ولم يتغير غالبلا ً حلال الملال للديها‪ ،‬ول‬
‫تداوله‪ ،‬ول جهاته الستثمارية الكبرى‪ ،‬ول نسبة الربح‪ ،‬إنما‬
‫كل ما تغير هو الستمارات المطبوعة للمشاريع المسللوقة‬
‫لللدى هللذا المصللرف أو ذاك‪ ،‬هللذه إسلللمية بختللم اللجنللة‬
‫الشرعية وتلك تجارية‪.‬‬
‫ولعل أبرز ما أثار هذه القضية هللو انهيللار أسللواق السللهم‬
‫فللي الخليللج‪ ،‬وقيللام بعللض المصللارف الللتي تهتللف بأنهللا‬
‫إسلللمية بللإغراء صللغار المسللاهمين لخللذ قللروض تمويللل‬
‫كبيرة ثم تسييل محافظهم عند أول انهيللار‪ ،‬وسللحق أولئك‬
‫البسلللطاء‪ ،‬ومتوسلللطي اللللدخل‪ ،‬وبعلللض المقتلللدرين‪،‬‬
‫وإخراجهم بين عشية وضحاها إلللى أهللل فاقللة مسللتحقين‬
‫للزكاة‪ ،‬كما فعلت البنوك التجارية وأكثر‪.‬‬
‫إننا لن ننكر الحالة المصرفية‪-‬وكما قلت‪ -‬التي بللدأت تبعللد‬
‫المجتمع عن الربللا‪ ،‬غيللر أن هللذه القضللية ‪-‬أي رفلع شلعار‬
‫المصللارف السللمية‪ -‬لهلا تبعلات عنلد اللله والنللاس تلثير‬
‫أسئلة خطيرة يجب على تلك البنوك الجابة عنها‪ ،‬وتطللرح‬
‫بدائل وخيارات حقيقية تنموية للشرق السلمي والجنللوب‬
‫النسللاني المضللطهدين‪ ،‬ول تتحللول كجنللاح آخللر للرادة‬
‫الدولية الستعمارية في القتصاد‪ ،‬ومللن يسلليطرون عليلله‪،‬‬
‫ويعرف الجميع من هم وأين هم‪ ،‬وأل ّ يتذمر منسللوبو هللذه‬
‫المصارف من مساءلة الناس والمختصللين‪ :‬مللن أيللن لكللم‬
‫هذا؟‬
‫============‬
‫‪ #‬حكم تداول أسهم الشركات التي في مرحلة‬
‫التأسيس‬

‫‪387‬‬
‫)شركة الصحراء للبتروكيماويات أنموذجا(‬
‫د‪.‬يوسف بن عبدالله الشبيلي )*( ‪5/6/1425‬‬
‫‪22/07/2004‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬
‫فيكللثر السلؤال فللي هللذه اليللام علن حكلم تلداول أسلهم‬
‫شركة الصحراء ‪ ،‬وهي شركة حديثللة التأسلليس رأسللمالها‬
‫ألف وخمسمائة مليللون ريللال ‪ ،‬أنشللأت بغللرض السللتثمار‬
‫في المنتجات البتروكيماوية ‪ ،‬وقد طرحت أسهمها للتدوال‬
‫بيعا ً وشراًء مع أن أغلب موجوداتها فللي هللذه الفللترة مللن‬
‫النقود ‪ ،‬وليس لها مشروعات إنتاجية قائمة حتى الن ‪.‬‬
‫وتحقيقللا ً للفللائدة فقللد جمعللت هللذه الحللرف اليسلليرة‬
‫لستبانة الحكم الشرعي لتداول هللذه السللهم ‪ ،‬وقسللمت‬
‫هذه الورقة إلى العناصر التية ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬موجودات الشركات المساهمة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬التكييف القانوني والشرعي للسهم ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬بيع السلهم ذات الموجلودات المختلطلة وعلقتله‬
‫بمسألة " مد عجوة ودرهم " ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬خلصة البحث ‪.‬‬
‫أسلللأل اللللله أن يلهمنلللا الصلللواب ‪ ،‬وأن يجنبنلللا الزيلللغ‬
‫والرتياب ‪.‬‬
‫ل‪-‬موجودات الشركات المساهمة‬ ‫أو ً‬
‫ل تخلللو عامللة الشللركات المسللاهمة فللي أي لحظللة مللن‬
‫اللحظات من الموجودات التية ‪:‬‬
‫ل‪ -‬العيان ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫والمقصود بالعيان هنا‪ :‬ما سوى النقود والديون ‪ ،‬وهي ما‬
‫يعبر عنها بلغة المحاسبة الحديثللة بلل )الصللول الحقيقيللة(‪،‬‬
‫وتشمل‪:‬‬
‫أ‪ -‬الصول الثابتة ‪:‬‬
‫وهي إما أن تكون ‪:‬‬
‫‪ .1‬عقارات ‪ :‬كالراضي والمباني والضيعات ونحو ذلك ‪.‬‬
‫‪ .2‬أو منقولت ‪ :‬كالسيارات المعدة للستخدام ‪ ،‬والجهزة‬
‫والثاث ونحو ذلك من عروض القنية ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الصول المتداولة غير المالية ‪:‬‬

‫‪388‬‬
‫وهي ما يعبر عنها الفقهاء بل )) عروض التجللارة (( ‪ ،‬وهللي‬
‫العروض المعللدة للللبيع ‪ ،‬سللواء كللانت منتجللات زراعيللة أو‬
‫صناعية أو تجارية أو طبية أو غير ذلك ‪.‬‬
‫ثانيًا‪ -‬المنافع ‪:‬‬
‫المنفعة لغة ‪ :‬ما يتوصل به النسان إلى مطلوبه)‪(1‬‬
‫والمقصود بالمنفعة هنا ‪ :‬الفائدة العرضية التي تستفاد من‬
‫العيللان بطريللق اسللتعمالها ‪ ،‬كسللكنى المنللازل وركللوب‬
‫السيارة ولبس الثوب وعمللل العامللل ‪ ،‬ول تتنلاول الفلوائد‬
‫المادية كاللبن بالنسبة إلى الحيوان ‪ ،‬والتمر بالنسللبة إلللى‬
‫الشجر والجرة بالنسبة إلى العيللان الللتي تسللتأجر ونحللو‬
‫ذلك)‪(2‬‬
‫وعرفها ابن عرفه ‪ :‬مللا ل يمكللن الشللارة إليلله حس لا ً دون‬
‫إضافة ‪ ،‬يمكن استيفاؤه ‪ ،‬غير جزء مما أضيف إليه)‪(3‬‬
‫فالمنافع تكتسب من العيلان بواسلطة اسلتعمالها ‪ ،‬وهلي‬
‫الهدف من ملكيللة العيللان وغايتهللا فللي الحقيقللة ‪ ،‬فليللس‬
‫تملك العيان إل لجل الحصول على منافعها ‪.‬‬
‫غير أن ملك المنفعة قد يكون مستقل ً ومنفصل ً عللن ملللك‬
‫مصادرها من العيللان فيملللك منفعللة العيللن مللن ل يملللك‬
‫العين ‪ ،‬وعندئذٍ يكون له ملك المنفعة دون ملك العين )‪(4‬‬
‫فمن ملك دارا ً فقد ملللك عينهللا ومنفعتهللا ‪ ،‬ومللن اسللتأجر‬
‫دارا ً للسكنى ملك منفعة سكناها ومن استأجر عامل ً لعمل‬
‫معين ملك عمله الذي حدد في عقد الجارة ‪.‬‬
‫فالمنفعللة تللارة يكللون محلهللا عينلا ً مللن العيللان كالسللكن‬
‫بالنسللبة للللدور ‪ ،‬وتللارة يكللون محلهللا الللذمم كالعمللال‬
‫بالنسبة للعمال )‪(5‬‬
‫وتتجسد ملكية المنافع في الشركات المساهمة فللي حللال‬
‫وجللود أصللول ذات منللافع كالمبللاني واللت ‪ ،‬أو منللافع‬
‫مجلللردة كلللالبيوت المسلللتأجرة ‪ ،‬والملللوظفين والعملللال‬
‫التابعين للشركة ‪.‬‬
‫ول خلف بين الفقهاء على جواز المعاوضللة علللى المنللافع‬
‫من حيث ال)‪ ،(6‬فيمكللن أن يكللون ثمنلا ً ومثمنلا ً ‪ ،‬كمللا لللو‬
‫استأجر رجل دارا ً مقابل انتفاع المؤجر بسيارة المسللتأجر‬
‫)‪.(7‬‬

‫‪389‬‬
‫ثالثًا‪-‬الحقوق المعنوية ‪:‬‬
‫وهذه الحقوق ملزمة لوجود الشركة منللذ تأسيسللها ‪ ،‬إذ ل‬
‫تخلو شركة مساهمة – ولللو فللي مرحلللة التأسلليس – مللن‬
‫هذه الحقوق ‪.‬‬
‫وتشمل هذه الحقوق ‪ :‬السم التجاري للشركة ‪ ،‬والتصريح‬
‫بالكتتاب والتداول ‪ ،‬والدراسات السابقة لنشللأتها ‪ ،‬وكلفللة‬
‫المخاطرة ‪ ،‬وكفاءة الدارة وجودتها وغير ذلك ‪.‬‬
‫فحصة مستثمر مع مدير للستثمار ذي كفاءة عالية قيمتها‬
‫عند البيع أعلى من حصة آخر مع مدير كفللاءته أقللل ‪ ،‬ولللو‬
‫تساوت حصتاهما من حيللث القيمللة الرأسللمالية النقديللة ‪،‬‬
‫لن الزيادة ليست بسبب زيادة في الموجودات العينية بل‬
‫بسبب قوة الدارة‪.‬‬
‫وقد توهم البعض أن هذه الحقللوق المجللردة ليسللت محل ً‬
‫للعقللد ‪ ،‬لنهللا ليسللت بمللال متقللوم شللرعا ً ‪ ،‬وهللذا الللرأي‬
‫ن‬ ‫ً‬
‫ضللعيف جللدا ‪ ،‬فللإن المعاوضللة كمللا تكللون علللى عيلل ٍ‬
‫ي غيللر ململلوس ‪،‬‬ ‫ق معنو ٍ‬‫محسوسة يصح أن تكون على ح ٍ‬
‫وقد أجاز جمهور الفقهاء بيع الحقوق المجردة ‪ ،‬مثللل حللق‬
‫المرور ‪ ،‬وحق التعللي ‪ ،‬وحلق التسلييل ‪ ،‬وحلق الشلرب ‪،‬‬
‫وحق وضع الخشب على الجدار ‪ ،‬وحق فتح البللاب ‪ ،‬ونحللو‬
‫ذلك )‪ ،(8‬ودلت الشريعة على جواز المعاوضة ببذل المال‬
‫ق من الحقوق ‪ ،‬كالمصالحة على العفو عللن‬ ‫للتنازل عن ح ٍ‬
‫القصللاص ‪ ،‬والخلللع ‪ ،‬والصلللح بعللوض للتنللازل عللن حللق‬
‫الشفعة ‪ ،‬وبيع العربون ‪ ،‬وغير ذلك من المعاوضللات الللتي‬
‫يكون محل العقد فيها حقا ً مجردا ً ‪.‬‬
‫رابعًا‪-‬النقود ‪:‬‬
‫وبيع النقد بنقد هو الصرف ‪ ،‬ويشترط فيه ‪:‬‬
‫‪ .1‬التماثل إذا بيع النقد بجنسه ‪ ،‬فإن بيللع بغيللر جنسلله فل‬
‫يشترط التماثل ‪.‬‬
‫‪ .2‬والتقابض في الحال ‪.‬‬
‫خامسًا‪ -‬الديون ‪:‬‬
‫وقد تكون بسللبب تسللهيلت ائتمانيللة مللن الشللركة لبعللض‬
‫عملئها ‪ ،‬أو مستحقات مالية بسبب بيوٍع آجلة ونحو ذلك ‪.‬‬

‫‪390‬‬
‫وقد اختلف أهل العلم في حكم بيع الدين من غير من هللو‬
‫عليه والظهر هو جواز بيع الللدين مللن غيللر مللن هللو عليلله‬
‫بثمن حاضر ‪ ،‬بالشروط التيه ‪:‬‬
‫‪ .1‬أل يتفق العوضان )الدين وعوضه( في العلللة الربويللة ‪،‬‬
‫كأن يكون الدين ريالت ويشللترى بريللالت أو دولرات ‪ ،‬أو‬
‫يكللون الللدين بللرا ً ويشللترى بتمللر أو بللبر ‪ ،‬لن مللن شللرط‬
‫المبادلة بين هذه الصناف التقابض ‪ ،‬ول يتحقق القبض إذا‬
‫كللان أحللدهما دينللا ً ‪ .‬قللال فللي القواعللد الفقهيللة ‪)) :‬بيللع‬
‫الصكاك قبل قبضها ‪ ،‬وهي الللديون الثابتللة علللى النللاس ‪..‬‬
‫فإن كان الللدين نقللدا ً وبيللع بنقللد لللم يجللز بل خلف ‪ ،‬لنلله‬
‫صرف بنسيئة(( )‪.(9‬‬
‫‪ .2‬أل يربح الدائن من البيع ‪ ،‬فله أن يبيعه بنفس قيمتلله أو‬
‫بأقل ول يزداد ‪ ،‬لئل يدخل في النهي عن ربح ما لم يضمن‬
‫‪.‬‬
‫فهذه هي الموجودات المعتادة للشركة المساهمة ‪ ،‬حيللث‬
‫تتألف من العيان والمنافع والحقوق والنقود والللديون ‪ ،‬أو‬
‫من أوراق مالية ترجع إلى شيء من ذلك ‪.‬‬
‫وفي الشركات التي في مرحلللة التأسلليس تكللون الغالبيللة‬
‫العظمى من هذه الموجللودات هللي النقللود المحصلللة مللن‬
‫أموال المكتتبين ‪ ،‬ففي شللركة الصللحراء مثل ً تصللل نسللبة‬
‫النقود من موجودات الشركة في هذه الفترة ما يزيد عللن‬
‫تسعين بالمائة حسللب إفللادة القللائمين عليهللا ‪ ،‬ومللع ذلللك‬
‫فالشللركة ل تخلللو مللن بعللض الموجللودات الخللرى ذات‬
‫القيمة المعتبرة شرعا ً ‪ ،‬كالحقوق المعنوية ومنافع العيان‬
‫والشخاص العللاملين فيهللا إضللافة إلللى بعللض الممتلكللات‬
‫اليسيرة ‪.‬‬
‫والسؤال المطروح الن ‪:‬هل المعتبر عند بيع هذه السللهم‬
‫قيمتها السوقية بغض النظر عما تمثله من موجودات فللي‬
‫الشركة ؟ أم ينظللر إلللى موجللودات الشللركة ويأخللذ الللبيع‬
‫حكم تلك الموجودات ؟‬
‫وعلى الثاني يجب أن تطبق شروط الصرف في بيع أسهم‬
‫الشركات التي أغلللب موجوداتهللا النقللود ‪ ،‬فيلللزم التماثللل‬
‫والتقابض ‪ ،‬ويتحقق التماثللل فللي بيللع السللهم أثنللاء فللترة‬

‫‪391‬‬
‫الكتتاب وقبل التشغيل ببيعه بقيمته السمية دون زيادة أو‬
‫نقصان ‪ ،‬أما بعللد التشللغيل فيتحقللق التماثللل بللبيع السللهم‬
‫بقيمته الحقيقية ‪ ،‬وهي النصيب الذي يستحقه السهم فللي‬
‫صللافي أمللوال الشللركة ‪ ،‬فيشللمل رأس المللال المللدفوع‬
‫وموجللودات الشللركة ومللا أضلليف إلللى رأس المللال مللن‬
‫الرباح والحتياطيات )‪.(10‬‬
‫وتساوي هذه القيمة ‪ :‬القيمة الدفترية لخر فترة ‪ ،‬مضافا ً‬
‫إليها الرباح المحتجزة ‪.‬‬
‫والجواب عن هذا السؤال يتطلب تحرير التكييف القللانوني‬
‫والشرعي للسهم ‪ ،‬وعلقة السللهم بموجللودات الشللركة ‪،‬‬
‫وهذا مللا سللنجيب عنلله بمشلليئة الللله تعللالى فللي السللطر‬
‫القادمة‬
‫ثانيًا‪-‬التكييف القانوني والشرعي للسهم‬
‫التكييف القانوني ‪:‬‬
‫السهم في القانون التجاري هو صك يمثل حصة فللي رأس‬
‫مال شركة المساهمة)‪.(11‬‬
‫وللسهم خصللائص متعللددة منهللا ‪:‬التسللاوي فللي القيمللة ‪،‬‬
‫والقابليلللة للتلللداول ‪ ،‬والقابليلللة للتسلللييل )‪ ، (12‬وعلللدم‬
‫القابلية للتجزئة ‪ ،‬وغير ذلك )‪.(13‬‬
‫وخلفلا ً للنظللرة الشللرعية ‪ ،‬فللإن القللانون التجللاري – بمللا‬
‫يمنحه للشركة المسللاهمة مللن شخصللية اعتباريللة – يميللز‬
‫بين ملكية السهم ‪ ،‬وملكية الصول والعيان التي يتضمنها‬
‫السهم ‪.‬‬
‫فالسهم يملك علللى وجلله السللتقلل عللن ملكيللة الصللول‬
‫والعيللان الللتي تملكهللا الشللركة ‪ ،‬بحيللث إن الحصللص‬
‫المقدمة للمساهمة في الشركة تنتقل على سبيل التمليك‬
‫إلى ملكية الشركة ‪ ،‬ويفقد الشركاء المستثمرون كل حق‬
‫عينللي عليهللا ‪ ،‬ول يبقللى لهللم إل حللق فللي الحصللول علللى‬
‫نصيب من أرباح الشركة أثناء وجودها ‪ ،‬وفي اقتسام قيمة‬
‫بيع موجوداتها عند التصفية ‪.‬‬
‫ولقد ل حظت كثير من القوانين هللذا السللتقلل ففرضللت‬
‫ضريبة الدخل أو الربللاح علللى الشللركات بشللكل منفصللل‬
‫عن ضريبة الدخل علللى الفللراد ‪ ،‬فالشللركة تللدفع ضللريبة‬

‫‪392‬‬
‫علللى مجمللوع أرباحهللا سللواء وزعتهللا أم لللم توزعهللا ‪،‬‬
‫والمستثمر يدفع ضريبة أيضا ً عما حصللل عليلله مللن أربللاح‬
‫موزعة ‪ ،‬دون أن يعتبر ذلك ازدواجا ً ضريبيا ً ‪ ،‬لن للشللركة‬
‫أو الصللندوق السللتثماري شخصللية قانونيللة وذمللة ماليللة‬
‫مستقلتين عما للمستثمرين أفرادا ً أو مجتمعين )‪.(14‬‬
‫التكييف الشرعي للسهم ‪:‬‬
‫ل يختلللف التكييللف الشللرعي للسللهم كللثيرا ً عللن التكييللف‬
‫القانوني ‪ ،‬إل في دمج ملكيللة السللهم بملكيللة موجللوداته ‪،‬‬
‫فالسهم ل يملك على وجه الستقلل عللن ملكيللة الصللول‬
‫والعيان ‪ ،‬بل إن الشللركة أو الوعللاء السللتثماري مملللوك‬
‫بما فيه للمساهمين ‪.‬‬
‫وعلى هذا فالتكييف الشرعي للسهم أنلله‪)) :‬حصللة شللائعة‬
‫من موجودات الشركة ‪ ،‬أيا ً كان نوع هذه الموجودات((‪.‬‬
‫فقللد تكللون موجللودات الشللركة أصللول ً ماليللة – نقللودا ً أو‬
‫أوراقا ً ماليللة – ‪ ،‬وقللد تكللون أصللول ً حقيقيللة مللن عقللارات‬
‫وسلللع ومنللافع وغيللر ذلللك ‪ ،‬وقللد تكللون مزيجلا ً مللن هللذه‬
‫الصول أو بعضها ‪.‬‬
‫وقد أوجدت الطبيعة المزدوجة للسهم ‪ ،‬تباينا ً في وجهللات‬
‫النظللر عنللد العلمللاء المعاصللرين ‪ ،‬فللي تحديللد النظللرة‬
‫الشرعية التي يجب أن يعامل بها السللهم لتنزيللل الحكللام‬
‫الشرعية عليه ‪.‬‬
‫فمع أن الجميع متفقون على أن السهم حصة شللائعة فللي‬
‫موجللودات الشللركة ‪ ،‬إل أن قللابليته للتللداول والتسللييل‬
‫بسللهولة جعلللل البعللض يميلللل إلللى تكييفلله عللللى أنلله‬
‫ض (( مطلقا ً بصرف النظر عما يتكون منه من نقود‬ ‫)) عَْر ٌ‬
‫أو ديللون أو منللافع أو غيللر ذلللك ‪ ،‬وهللو رأي يقللترب مللن‬
‫النظرة االقانونية الللتي قللدمناها آنفلا ً ‪ ،‬والللتي تفصللل بيللن‬
‫ملكية السهم ‪ ،‬وملكيللة موجللوداته ‪ ،‬فموجللودات الشللركة‬
‫ليسللت بالضللرورة – علللى هللذا الللرأي – هللي موجللودات‬
‫السهم ‪.‬‬
‫ويظهر أثر هذا الختلف جليا ً في ثلثللة أبللواب مللن أبللواب‬
‫الفقه ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫‪ -‬باب الزكاة ‪.‬‬

‫‪393‬‬
‫‪ -‬وباب البيع ‪.‬‬
‫‪ -‬وباب الرهن ‪.‬‬
‫وفيما يلي عللرض لهللذين الرأييللن ‪ ،‬ومللا يللترتب علللى كللل‬
‫منهما من أثر في هذه البواب ‪ ،‬وإن كان بعضهم قد أبدى‬
‫رأيه في بللاب دون الخللر إل أن إجللراء الحكللم فللي جميللع‬
‫المسائل من لزم قوله ‪.‬‬
‫فنقول ‪:‬‬
‫اختلللف العلمللاء المعاصللرون فللي تكييللف الوراق الماليللة‬
‫التي تمثل حصص ملكية كالسهم على قولين‪:‬‬
‫القول الول ‪:‬‬
‫يرى بعض العلماء أن السهم أموال قللد اتخللذت للتجللار ‪،‬‬
‫فإن صاحبها يتجر فيها بالبيع والشراء ‪ ،‬ويكسب منهللا كمللا‬
‫يكسب كل تاجر من سلعته ‪ ،‬فهللي بهللذا العتبللار عللروض‬
‫تجارة ‪ ،‬مهما كانت موجودات أو طبيعة عمل الشركة التي‬
‫أصدرتها )‪.(15‬‬
‫وإلللى هللذا ذهبللت نللدوة البركللة الثانيللة ‪ ،‬وبعللض الهيئات‬
‫الشرعية للمصارف السلللمية وذلللك إذا كللان مللن ضللمن‬
‫موجودات الشللركة نسللبة ولللو يسلليرة مللن العيللان )غيللر‬
‫النقود والديون( )‪(16‬‬
‫ويمكن أن يستدل لهذا القول بما يلي ‪:‬‬
‫الحجة الولى ‪:‬‬
‫قوله عليه الصلة والسلم ‪)) :‬من باع عبدا ً له مللال فمللاله‬
‫للذي باعه إل أن يشترطه المبتاع(( )‪.(17‬‬
‫ووجلله الدللللة منلله ‪ :‬أنلله اجتمللع فللي المللبيع ‪ :‬عبللد وهللو‬
‫عرض ‪ ،‬ومال ‪ ،‬فأعطي الجميع حكم العرض ‪ ،‬فيجوز بيعه‬ ‫َ‬
‫سواء كان المال الذي معه معلوما ً أو مجهول ً ‪ ،‬مللن جنللس‬
‫الثمن أو من غيره ‪ ،‬عينا ً كللان أو دينلا ً ‪ ،‬وسللواء كللان مثللل‬
‫الثمن أو أقل أو أكثر )‪.(18‬‬
‫وقياسا ً على ذلك يجوز بيع الورقة المالية بغض النظر عما‬
‫في موجوداتها من الديون والنقللود ‪ ،‬فللإن مللن موجوداتهللا‬
‫ن وآلت ونحو ذلك ‪ ،‬ونقللودا ً ‪ ،‬فتأخللذ حكللم‬ ‫عروضا ً من مبا ٍ‬
‫العروض بدللة الحديث ‪.‬‬
‫ويمكن مناقشة هذه الحجة ‪:‬‬

‫‪394‬‬
‫)بأن الحللديث محمللول علللى أن قصللد المشللتري للعبللد ل‬
‫للمال ‪ ،‬فيلدخل الملال فللي الللبيع تبعلا ً ‪ ،‬فأشللبه أساسللات‬
‫الحيطان والتمويه بالللذهب فللي السللقوف ‪ ،‬فأمللا إذا كللان‬
‫المال مقصودا ً بالشللراء فيجللوز اشللتراطه إذا وجللدت فيلله‬
‫شرائط البيع من العلللم بلله ‪ ،‬وأل يكللون بينلله وبيللن الثمللن‬
‫ربا ‪ ،‬كمللا يعتللبر ذلللك فللي العينيللن المبيعللتين ‪ ،‬لنلله مللبيع‬
‫مقصود( )‪(19‬أ‪.‬هل‪.‬‬
‫وعليه ‪ :‬فيصح الستدلل لو كان القصد من الورقة المالية‬
‫هو العروض دون النقود ‪.‬‬
‫ويجاب عن هذه المناقشة ‪:‬‬
‫بللأن المسللاهم – عنللد شللرائه السللهم – ل يقصللد امتلك‬
‫موجودات ذلك السهم ‪ ،‬بل لربما ل يعرف مللافي الشللركة‬
‫مللن موجللودات ‪ ،‬وإنمللا قصللده الحصللول علللى الربللح إمللا‬
‫بالمضاربة بالسهم في السوق المالية )الرباح الرأسمالية(‬
‫أو بالحتفاظ به حتى موعد توزيع الرباح )الرباح الدورية(‪،‬‬
‫فللالنقود أو الللديون الللتي مللن موجللودات الشللركة ليسللت‬
‫مقصودة لله وللو كلانت تمثلل النسلبة العظملى ملن تللك‬
‫الموجودات ‪.‬‬
‫الحجة الثانية ‪:‬‬
‫أن الوراق الماليللة ومنهللا السللهم أصللبحت سلللعا ً تبللاع‬
‫وتشترى ‪ ،‬وصاحبها يكسب منها كما يكسب كل تللاجر مللن‬
‫سلعته ‪ ،‬وقيمتها الحقيقية التي تقدر في السواق ‪ ،‬تختلف‬
‫في البيع والشراء عن قيمتها السمية )‪.(20‬‬
‫ويمكن مناقشة هذه الحجة ‪:‬‬
‫بللأن كللون الوراق الماليللة قابلللة للتللداول ل يخرجهللا عللن‬
‫ماهيتها وحقيقتها الشرعية ‪ ،‬فالنقود الورقية أصبحت سلعا ً‬
‫تباع وتشترى ‪ ،‬ومع ذلك فهي ليست عروض ‪.‬‬
‫ما يترتب على هذا القول ‪:‬‬
‫)‪ -(1‬في الزكاة ‪:‬‬
‫يجب أن تزكى الوراق المالية زكاة عروض التجارة مطلقا ً‬
‫‪ ،‬سواء قصد المشتري من امتلك الورقة الماليللة التجللارة‬
‫أو الغلة ‪ ،‬وذلك بأن تقللوم تلللك الوراق فللي نهايللة الحللول‬
‫بقيمتها السوقية ‪ ،‬ويؤخذ ربع العشر من قيمتها‪.‬‬

‫‪395‬‬
‫)‪ -(2‬في البيع )‪.(21‬‬
‫ينطبق على بيع الورقة الماليللة أحكللام بيللع العللروض ‪ ،‬فل‬
‫يجري فيها ربا الفضللل أو النسلليئة حللتى ولللو كللان معظللم‬
‫موجوداتها نقللودا ً أو ديون لا ً ‪ ،‬فيجللوز بيعهللا بللالنقود بقيمتهللا‬
‫السوقية ‪ ،‬وإن كانت مختلفة عن قيمتها الحقيقيه ) القيمة‬
‫الدفترية ‪ +‬الرباح ( ‪ ،‬ويجللوز بيعهللا أيضلا ً مللن غيللر قبللض‬
‫لثمنها ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫ذهب بعض العلماء المعاصللرين إلللى أن للسللهم حكللم مللا‬
‫يمثله في موجودات الصندوق أو الشللركة الللتي أصللدرته ‪،‬‬
‫من عللروض أو نقللود أو ديللون أو منللافع ‪ ،‬فيختلللف حكملله‬
‫باختلف تلك الموجودات)‪.(22‬‬
‫وبهذا القول صدر قرار مجمع الفقه السلللمي بجللدة فللي‬
‫دورته الرابعه )‪.(23‬‬
‫احتج أصحاب هذا القول بما يلي ‪:‬‬
‫الحجة الولى ‪:‬‬
‫أن السللهم مللا هللو إل مسللتند لثبللات حللق المسللاهم ‪ ،‬فل‬
‫قيمة له في نفسه وإنما بما يمثله من موجودات الشركة ‪،‬‬
‫فيجب أن يأخذ حكمها )‪.(24‬‬
‫نوقش ‪:‬‬
‫بأن القيمة السوقية للسهم تختلف ارتفاعا ً وهبوطا ً ‪ ،‬فهللي‬
‫ل تمثل القيمة الحقيقية لموجودات الشركة)‪.(25‬‬
‫أجيب ‪:‬‬
‫بأن تقلب القيمة السوقية ارتفاعا ً وهبوطا ً أمر طبيعي لن‬
‫رأس المال المللدفوع قللد اسللتخدمته الشللركة فللي شللراء‬
‫موجوداتهللا ‪ ،‬وهللذه الموجللودات اسللتخدمت فللي أنشللطة‬
‫إنتاجية قد تنجح فتقوي من مركللز الشللركة المللالي ‪ ،‬وقللد‬
‫تفشل فيحدث العكس ‪ ،‬وفي كلتللا الحللالتين تتللأثر القيمللة‬
‫الحقيقية للورقة ‪ ،‬وتبعا ً لذلك تتأثر القيمللة السللوقية ‪ ،‬لن‬
‫القيمة الحقيقية تعتبر مؤشرا ً موضوعيا ً للقيمة السللوقيه )‬
‫‪.(26‬‬
‫الحجة الثانية ‪:‬‬

‫‪396‬‬
‫أن الشركة المساهمة إما أن تكون على سللبيل المضللاربة‬
‫أو العنان ‪ ،‬وعلللى كل الحللالين فللإن نصلليب الشللريك نافللذ‬
‫على موجودات الشركة ‪.‬‬
‫ويمكن مناقشة هذه الحجة ‪:‬‬
‫بأن شركة المساهمة تختلف عن شركة المضاربة والعنان‬
‫اللتين عرفهما الفقه السلمي باعتبارات متعددة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن شركة المساهمة من شركات الموال الللتي تتجلللى‬
‫فيها الشخصية العتبارية المستقلة للشللركة عللن ملكهللا ‪،‬‬
‫بخلف المضاربة والعنان فإنهمللا مللن شللركات الشللخاص‬
‫التي يرتبط تكوينها وماهيتها بأشخاص ملكها ولهذا تفصللل‬
‫القلللوانين التجاريلللة بيلللن المسلللاهمين اللللذين يمتلكلللون‬
‫"السهم" والشركة التي تمتلك "الموجودات"‪.‬‬
‫‪ .2‬أن ملكية السهم منفصلة عن ملكية موجوداتها ‪ ،‬ولهذا‬
‫لوصللفيت الشللركة ل يحللق لي مللن الشللركاء المطالبللة‬
‫بقسمة الموجودات أو بحصته من أعيانها حللتى ولللو كللانت‬
‫مثلية ‪،‬بخلف شركتي العنان والمضاربة فإن الصل فيهمللا‬
‫هو التصفية الحقيقية ل الحكمية )التقديريللة( ‪ ،‬فلللو طلللب‬
‫الشريك عنللد التصللفية حصللته بعينهللا مللن الموجللودات أي‬
‫المقاسمة لزم الخر إجابته إلى ذلك ‪ ،‬قال في المغني ‪" :‬‬
‫وإن طلللب أحللدهما القسللمة والخللر الللبيع أجيللب طللالب‬
‫القسمة دون طالب البيع ")‪. (27‬‬
‫‪ .3‬أن السهم –إذا تحقق المتعاقدان بأنفسهما أوبقول من‬
‫يثقان به مللن خلللوه مللن المحللاذير الشللرعية– فللإنه يجللوز‬
‫تللداوله بيعلا ً وشللراًء وإن لللم يعلمللا حقيقللة مللا يمثللله مللن‬
‫موجودات الشركة ‪ ،‬وليعللد بللذلك مللن عقللود الغللرر ‪ ،‬لن‬
‫قصدهما في الربح ل في الموجللودات ‪ ،‬والغللرر إنمللا يللؤثر‬
‫في العقد إذا كان مقصودا ً ل تابعا ً ‪ ،‬أما حصة الشريك فللي‬
‫العنان والمضاربة فل يجوز بيعها أو شللراؤها إل بعللد العلللم‬
‫بموجوداتها تحديللدا ً وإل كللان مللن عقللود الغللرر ‪ ،‬لن تلللك‬
‫الموجودات مقصودة بذاتها‪.‬‬
‫‪ .4‬أن شللركة المسللاهمة ذات مسللؤلية محللدودة بخلف‬
‫العنان والمضاربة ‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫‪ .5‬قابليللة السللهم فللي الشللركات المسللاهمة للتللداول‬
‫والتسييل بخلف حصة الشريك في العنان والمضاربة ‪.‬‬
‫‪ .6‬اختلف القيمة السوقية للسللهم عللن القيمللة الحقيقيللة‬
‫) القيمة الدفترية ‪ +‬الربللاح ( بخلف حصللة الشللريك فللي‬
‫العنان والمضاربة فإن قيمتها عند التصفية بقيمة ما تمثللله‬
‫من موجودات ‪.‬‬
‫‪ .7‬ثبوت حق الشللفعة فللي العنللان والمضللاربة عنللد تللوفر‬
‫شروطه بخلف الشركات المساهمة ‪.‬‬
‫فكل هذه العتبارات وغيرها تمنع من تطبيق أحكام العنان‬
‫والمضاربة وغيرها بحذافيرها على الشللركات المسللاهمة ‪،‬‬
‫وتجعل العلقة بيللن السللهم وموجللوداته أضللعف ممللا هللي‬
‫عليه في شركات الشخاص‪.‬‬
‫ما يترتب على هذا القول ‪:‬‬
‫‪ -1‬في الزكاة ‪ :‬يأخذ السهم حكم زكاة موجودات الشركة‬
‫الللتي أصللدرته وطبيعللة نشللاطها ‪ ،‬فينظللر إلللى موجللودات‬
‫الشركة ونشاطها وتحسب الزكاة وفقا ً لذلك ‪.‬‬
‫‪ -2‬فللي الللبيع ‪ :‬تأخللذ الوراق حكللم بيللع موجوداتهللا ‪ ،‬فللإن‬
‫كانت ديونا ً فلها حكللم بيللع الللديون وإن كللانت نقللودا ً فلهللا‬
‫حكم بيع النقود ‪ ،‬وإن كانت أعيانا ً أو منافع فلهللا حكللم بيللع‬
‫العيان والمنافع ‪.‬‬
‫الترجيح بين القولين السابقين ‪:‬‬
‫مما لشك فيه أن الخلف السابق جللوهري ويللترتب عليلله‬
‫مسائل متعللددة ‪ ،‬وأحكللام متباينللة ‪ ،‬ولكنللي سللأحجم عللن‬
‫الترجيح بين القولين لن نتيجة القولين في المسللألة الللتي‬
‫نحن بصدد دراستها بخصوصها واحدة كما سيأتي ‪.‬‬
‫ثالثلًا‪-‬بيللع أسللهم الشللركات وعلقتلله بمسللألة "مللد عجللوة‬
‫ودرهم"‬
‫عرفنللا فيمللا تقللدم أن موجللودات الشللركات المسللاهمة ل‬
‫تخلو من كونهللا خليطلا ً مللن أنللواٍع متعللددةٍ مللن المللوال ‪،‬‬
‫ولكللن أغلللب هللذه الموجللودات فللي الشللركات حديثللة‬
‫التأسلليس تكللون مللن النقللود ‪ ،‬فعلللى قللول مللن يللرى أن‬
‫للسهم حكم العروض مطلقا ً فل إشكال في تداول أسللهم‬
‫هلللذه الشلللركات بقيمتهلللا السلللوقية بغلللض النظلللر علللن‬

‫‪398‬‬
‫موجوداتهللا ‪ ،‬لن الحكللم للعيللان مطلقللا ً ‪ ،‬اكتفللاًء بمبللدأ‬
‫الخلطة ‪ ،‬فل يشللترط للللبيع تقللابض ول تماثللل ولللو كللانت‬
‫النقود أو الديون هي الغالبة‪.‬‬
‫أما على رأي من يرى أن حكم بيللع السللهم للله حكللم بيللع‬
‫موجوداتها فإنه ينظر إلى الغلللب مللن تلللك الموجللودات ‪،‬‬
‫فيعطي السهم حكم الغلب فإن كانت العيان هي الغالبة‬
‫‪ ،‬فله حكم بيع العيان ‪ ،‬وإن كانت النقود هي الغالبة ‪ ،‬فله‬
‫حكم المصارفة ‪ ،‬وإن كانت الديون هي الغالبللة فللله حكللم‬
‫بيع الديون ‪.‬‬
‫وإلى هذا القول ذهب مجلس مجمع الفقه السلمي بجدة‬
‫)‪.(28‬‬
‫ويجري على هللذا القللول – الثللاني – الخلف بيللن الفقهللاء‬
‫المتقدمين فيما إذا بيع ربوي بجنسه ومعهما أو مع أحدهما‬
‫من غير جنسهما ‪ ،‬وتعرف بمسألة )) مد عجوة ودرهللم ((‬
‫)‪.(29‬‬
‫وللفقهاء في هذه المسألة ثلثة أقوال ‪:‬‬
‫‪ .1‬المنع مطلقا ً ‪.‬‬
‫‪ .2‬الجواز إن كان المفرد أكللثر مللن الللذي معلله غيللره ‪ ،‬أو‬
‫كان مع كل واحد منهما من غير جنسه ‪.‬‬
‫‪ .3‬الجواز إن كان غير الربوي تابعا ً ‪.‬‬
‫وقبل الشروع في ذكر الخلف وما يترتب عليه وحجج كللل‬
‫فريق ‪ ،‬يحسن أول ً تحرير محل النزاع في المسألة ‪.‬‬
‫فثمت مسائل اتفقت هذه القوال عليها ‪:‬‬
‫‪ -1‬إن باع ما فيه الربا بغير جنسه ‪ ،‬ومعه من جنس ما بيع‬
‫به ‪ ،‬إل أنله – أي الربلوي – تللابع غيلر مقصللود ‪ ،‬فللإن كلان‬
‫يسيرا ً ‪ ،‬فللالبيع جللائز ‪ ،‬قللال ابللن قدامللة ‪ )) :‬ل أعلللم فيلله‬
‫خلفا ً (( )‪.(30‬‬
‫ووجود الربوي في هذا البيع كعدمه ‪.‬‬
‫وذلللك مثللل أن يشللتري دارا ً مموهللا ً سللقفها بالللذهب ‪،‬‬
‫بذهب ‪ ،‬أو بدار سقفها مموه بالذهب ‪.‬‬
‫وتتفاوت المللذاهب فللي تحديللد القللدر الللذي يتسللامح فيلله‬
‫بوجود الربوي في الصفقه ‪ ،‬فنجد المذهب الشافعي أشللد‬
‫هذه المذاهب ثم المالكي والحنبلي ثم الحنفي ‪.‬‬

‫‪399‬‬
‫فالشافعية يضبطون ذلك بلأن يكلون الربلوي يسليرا ً تابعلا ً‬
‫بالضافة إلى المقصود ‪ ،‬كبيع حنطة بشعير ‪ ،‬وفيهللا أوفللي‬
‫أحدهما حبات من الخر يسيرة )‪.(31‬‬
‫والحنابلة يحددون ذلك بأن يكون الربوي التابع يسيرا ً غيللر‬
‫مقصللود ‪ ،‬كالملللح فيمللا يعمللل فيلله ‪ ،‬أو كللثيرا ً لمصلللحة‬
‫المقصود كالماء في خل التمر والزبيب )‪.(32‬‬
‫بينما يرى المالكية جواز بيع المحلى إذا بيع بنقللد مللن غيللر‬
‫جنسه بثلثة شروط ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن تكون الحلية مباحللة ‪ ،‬كتحليللة السلليف والخللاتم‬
‫ونحوهما ‪ ،‬فإن كانت محرمة كالثياب فلتجوز‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن تكون الحلية مسمرة ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن يباع معجل ً من الجانبين ‪ ،‬لن العقد اجتمع فيه‬
‫بيع وصرف ‪.‬‬
‫فإن بيع بجنسه فيشترط إضافة إلى ما تقللدم شللرط رابللع‬
‫وهو أن تكون الحيلة بقدر الثلث فأقل ‪.‬‬
‫ومع هذه الشروط فالمالكية يرون أن العقد مشتمل علللى‬
‫المصارفة ولذا اشترطوا التقابض ‪.‬‬
‫وفيما سوى ذلك ل يجوز بيع ما فيه فضة أو ذهب بنوع مللا‬
‫فيه منهما إل أن يكون ما فيه من الفضة والللذهب إذا نللزع‬
‫لم يجتمع منه شيء له بال فل بللأس حينئذٍ بللبيعه بنللوع مللا‬
‫فيه نقدا ً أو نسأ ً ‪ ،‬لن وجود النقد كعدمه )‪.(33‬‬
‫ويقيللد الحنفيللة ذلللك بمللا إذا كللان النقللد يسلليرا ً كللالتمويه‬
‫اليسللير الللذي ل يحصللل منلله شلليء يللدخل فللي الميللزان‬
‫بالعرض على النار ‪ ،‬فوجود الربوي في هذه الحالة ل يؤثر‬
‫)‪.(34‬‬
‫ويرى المام الوزاعي ‪ :‬إن كانت الحلية تبعا ً وكان الفضللل‬
‫في الفضل جاز بيعه بنوعه نقدا ً وتأخيرًا)‪.(35‬‬
‫‪ -2‬ل أعلم خلفا ً بين العلماء أنه إذا بيع ربوي بجنسه ومللع‬
‫أحدهما من غيللر جنسلله ‪ ،‬وكللان كللل منهمللا – أي الربللوي‬
‫وغير الربوي – مقصودا ً في العقللد ‪ ،‬فيجللب التقللابض بيللن‬
‫العوضين ‪.‬‬
‫فحتى الحناف الذين يرون صحة البيع ل ينللازعون فللي أن‬
‫العقد يشتمل على الصرف فيجب فيه التقابض ‪.‬‬

‫‪400‬‬
‫قللال فلي الهدايللة ‪)) :‬إن بلاع سلليفا ً محللى بملائة درهللم ‪،‬‬
‫وحليته خمسون فدفع من الثمن خمسين جاز الللبيع وكللان‬
‫المقبوض حصة الفضة ‪ ..‬فإن لم يتقابضا حتى افترقا بطل‬
‫العقد في الحلية(( قال في الشرح‪)) :‬لنه صرف فيهللا(( )‬
‫‪.(36‬‬
‫‪ -3‬إذا بيع النقد من غير جنسه ومع أحدهما أو كليهما متاع‬
‫‪ ،‬كمللا لللو بيللع ذهللب بفضللة وثللوب ‪ ،‬أو ريللالت بللدولرات‬
‫وكتاب ‪ ،‬وحصل التقابض في المجلللس ‪ ،‬صللح العقللد عنللد‬
‫الجمهللور مطلقللا ً مجازفللة كللان أو متفاضللل ً أو متسللاويا ً‬
‫لختلف الجنسين ‪ ،‬ويصح عنللد المالكيللة أيضلا ً بشللروطهم‬
‫السابقة )‪.(37‬‬
‫فإذا بيع الربوي بجنسلله ومعهمللا أو مللع أحللدهما مللن غيللر‬
‫جنسهما ‪ ،‬وكان كل من الربويين مقصودا ً في العقد ‪ ،‬فقد‬
‫اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلثة أقوال ‪:‬‬
‫القول الول ‪:‬‬
‫المنع مطلقا ً ‪.‬‬
‫وهذا مذهب الجمهور من المالكية)‪ ،(38‬والشللافعية)‪،(39‬‬
‫والحنابلة في الرواية المشهورة )‪(40‬والظاهرية‪.(41) .‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول بما يلي ‪:‬‬
‫الدليل الول ‪:‬‬
‫ما روى فضالة بن عبيد رضي الله عنلله قللال ‪ :‬أتللي النللبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بقلدة فيها ذهللب وخللرز ‪،‬‬
‫وهي من المغانم تباع ‪ ،‬فأمر رسول الله صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم بالذهب الذي في القلدة فنزع وحده ‪ ،‬ثم قال لهللم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬الذهب بالللذهب وزن لا ً‬
‫بوزن(()‪.(42‬‬
‫ووجه الدللة منه ‪ )) :‬أنه أمر بنلزع الخلرز وإفلراد اللذهب‬
‫ليمكن بيعه ‪ ،‬ولو جاز بيعه مع الخرز لما احتاج إلى وزنلله ‪،‬‬
‫ثم قال ‪)) :‬الذهب بالذهب وزنا ً بوزن(( فنبه بذلك إلللى أن‬
‫علة إفراده بالبيع أن يتحقق فيه الوزن بالوزن(( )‪.(43‬‬
‫نوقش هذا الستدلل من جهتين ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬من حيث ثبوته ‪:‬‬

‫‪401‬‬
‫ظ مختلفة )‪، ،(44‬‬ ‫فإن الحديث مضطرب ‪ ،‬فقد روي بألفا ٍ‬
‫ففي بعض الروايات أنه اشترى قلدة ))فيها خرز وذهب((‬
‫)‪.(45‬‬
‫وفي بعضها ))ذهب وجوهر(( )‪ ، .(46‬وفي بعض الروايات‬
‫أنهللا بيعللت ))بللاثني عشللر دينللارًا(( )‪ ،(47‬وفللي بعضللها‬
‫)) بتسعة دنانير أو بسبعة دنانير(( )‪.(48‬‬
‫أجيب ‪:‬‬
‫)) بللأن هللذا الختلف ل يللوجب ضللعفا ً بللل المقصللود مللن‬
‫الستدلل محفوظ ل اختلف فيه وهو النهي عن بيع ما لم‬
‫يفصل ‪ ،‬وأما جنسلها وقلدر ثمنهلا فل يتعلللق بله فلي هللذه‬
‫الحالللة مللا يللوجب الحكللم بالضللطراب ‪ ،‬وحينئذٍ فينبغللي‬
‫الترجيح بين رواتها ‪ ،‬وإن كان الجميع ثقات فيحكللم بصللحة‬
‫رواية أحفظهم وأضبطهم ‪ ،‬وتكون روايللة البللاقين بالنسللبة‬
‫إليه شاذة (( )‪.(49‬‬
‫الثانية ‪ :‬من حيث دللته ‪:‬‬
‫فإن الحديث ل دللة فيه على المقصود لمرين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم رده لن‬
‫ذهب القلدة أكثر من ذهب الثمن بدليل ما جاء في بعللض‬
‫روايات مسلم ‪)) :‬أنه اشتراها باثني عشللر دينللارا ً ‪ ،‬قللال ‪:‬‬
‫ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا(()‪.(50‬‬
‫الثاني ‪ :‬ويحتملل أنله رده لن هلذه القلدة ل يعللم مقلدار‬
‫ذهبها أهو مثل وزن جميع الثمن أو أقل من ذلك أو أكللثر ‪،‬‬
‫ومن شرط صلحة اللبيع التحقلق ملن أن الثملن أكلثر ملن‬
‫الذهب )‪.(51‬‬
‫أجيب ‪:‬‬
‫بأن ما ذكر من احتمالت غير وارد لثلثة أمور ‪:‬‬
‫‪ )) .1‬أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلللق الجللواب مللن‬
‫غير سؤال فدل على استواءالحالين(( )‪.(52‬‬
‫‪ .2‬أنه جاء في رواية أبي داود أن المشتري قللال ‪ )) :‬إنمللا‬
‫أردت الحجارة (( فدل على أن الللذهب يسللير دخللل علللى‬
‫وجه التبع )‪.(53‬‬
‫‪ .3‬أن فضالة بن عبيد رضي الله عنه وهو صللاحب القصللة‬
‫قد حمل النهي على العموم ‪ ،‬فقد سللئل عللن شللراء قلدة‬

‫‪402‬‬
‫فيها ذهب وورق وجوهر ‪ ،‬فقال ‪ :‬انزع ذهبهللا فللاجعله فللي‬
‫كفة ‪ ،‬واجعل ذهبك في كفة ‪ ،‬ثللم ل تأخللذه إل مثل ً بمثللل ‪،‬‬
‫فإني سمعت رسول الله صلللى الللله عليلله وسللم يقللول ‪:‬‬
‫))من كان يللؤمن بللالله واليللوم الخللر ‪ ،‬فل يأخللذن إل مثل ً‬
‫بمثل(()‪.(54‬‬
‫الدليل الثاني ‪:‬‬
‫عموم الحاديث في النهي عن بيع الربللوي بجنسلله إل مثل ً‬
‫بمثللل ‪ ،‬مثللل قللوله عليلله الصلللة والسلللم ‪ )) :‬ل تللبيعوا‬
‫الذهب بالذهب إل مثل ً بمثل ‪ ،‬ول تشفوا بعضها على بعض‬
‫‪ ،‬ول تبيعوا الورق بالورق إل مثل ً بمثل ‪ ،‬ول تشفوا بعضللها‬
‫على بعض ((‬
‫ووجه الدللة ‪ :‬أن وجود شيء مع الربوي يمنع مللن تحقللق‬
‫المساواة التي أمر بهلا النللبي صلللى اللله عليلله وسلللم فل‬
‫يصح البيع إل بفصل الربوي وحده ‪.‬‬
‫ويناقش ‪:‬‬
‫بأن شرط المساواة متحقق فيما إذا كان المفرد أكثر مللن‬
‫الذي معه غيره ‪ ،‬بأن يجعل الربللوي المخلللوط بمللا يقللابله‬
‫خلط الللذي مللع‬ ‫مللن المفللرد ‪ ،‬ومللا فضللل مللن المفللرد بللال ِ‬
‫الربوي ‪.‬‬
‫الدليل الثالث ‪:‬‬
‫أن العقد إذا جمع عوضللين مختلفللي القيمللة ‪ ،‬كللان الثمللن‬
‫مقسطا ً على قيمتهما على الشيوع ‪ ،‬ل على أعدادهما ‪.‬‬
‫يوضح ذلك أصلن ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن من اشترى شقصا ً )‪.(55‬من دارٍ وعبدا ً بللألف‬
‫فاستحق الشقص بالشفعة كان مأخوذا ً بحصته من الثمللن‬
‫اعتبارا ً بقيمته وقيمة العبد ول يكون مأخوذا ً بنصف الثمن ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن من اشترى عبدا ً وثوبا ً بألف ثم استحق الثللوب‬
‫أو تلف كان العبللد مللأخوذا ً بحصللته مللن اللللف ‪ ،‬ول يكللون‬
‫مأخوذا ً بنصف اللف ‪.‬‬
‫وبتطبيق ذلك على العقد هنا يلزم الفساد لن العقد يللتردد‬
‫بيللن أمريللن ‪ :‬إمللا العلللم بالتفاضللل أو الجهللل بالتماثللل ‪،‬‬
‫وكلهما مفسد للعقد ‪ ،‬لنه يجوز أن تكون قيمة المد الذي‬
‫مع الدرهم أقل أو أكثر أو يكللون درهملا ً ل أقللل ول أكللثر ‪،‬‬

‫‪403‬‬
‫فإن كللان أقللل أو أكللثر كللان التفاضللل معلوملا ً ‪ ،‬وإن كللان‬
‫درهما ً كللان التماثللل مجهللول ً ‪ ،‬لن التقللويم ظللن وتخميللن‬
‫والجهللل بالتماثللل – فللي بللاب الربللا –كللالعلم بالتفاضللل ‪،‬‬
‫ص )‪.(56‬‬ ‫ولذلك لم يجز بيع صبرة بصبرة بالظن والخر ِ‬
‫نوقش هذا الستدلل من ثلثة أوجه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن انقسام الثمن بالقيمة لغير حاجة ل دليللل عليلله‬
‫)‪.(57‬‬
‫الثللاني ‪ )) :‬أن مطلللق المقابلللة تحتمللل مقابلللة الجنللس‬
‫بالجنس على سبيل الشيوع من حيث القيمللة كمللا قلتللم ‪،‬‬
‫وتحتمل مقابلة الجنس بخلف الجنس ‪ ..‬إل أنا لللو حملنللاه‬
‫على الول لفسد العقد ‪ ،‬ولو حملنللاه علللى الثللاني لصللح ‪،‬‬
‫فالحمل على ما فيه الصحة أولى (( )‪.(58‬‬
‫الثالث ‪ :‬وعلللى فللرض التسللليم بللأن التماثللل مبنللي علللى‬
‫الظللن ‪ ،‬فللإن بيللع الربللوي بللالربوي علللى سللبيل التحللري‬
‫والخرص جائز عند الحاجة ‪ ،‬إذا تعذر الكيل أو الوزن ‪ ،‬كما‬
‫يقول ذلك مالك والشافعي وأحمد في بيع العرايا بخرصللها‬
‫)‪.(59‬‬
‫الدليل الرابع ‪:‬‬
‫أن هذا العقد ممنوع سدا ً لذريعللة الربللا ‪ ،‬فللإن اتخللاذ ذلللك‬
‫حيلة على الربا الصريح وارد ‪ ،‬كبيع مائة درهللم فللي كيللس‬
‫بمائتين جعل ً للمائة فللي مقابلللة الكيللس ‪ ،‬وقللد ل يسللاوي‬
‫درهما ً )‪.(60‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫الجواز إذا كان ما مع الربوي تابعا ً ‪.‬‬
‫فيجوز بيع الفضة التي لم يقصد غشها بالخالصة مثل ً بمثل‬
‫‪.‬‬
‫وهو رواية في مذهب المام أحمد )‪.(61‬‬
‫‪ ،‬اختارهللا شلليخ السلللم ابللن تيميلله فللي أحللد قللوليه )‬
‫‪.(62‬استدل أصحاب هذا القول ‪:‬‬
‫بقوله عليه الصلة والسلم‪)) :‬من ابتاع عبدا ً له مال فماله‬
‫للذي باعه إل أن يشترط المبتاع ((‪.‬‬
‫ووجه الدللة منه ‪ :‬أن الحللديث دل علللى جللواز بيللع العبللد‬
‫بماله إذا كان قصد المشتري للعبد ل للمال ‪ ،‬فيجلوز اللبيع‬

‫‪404‬‬
‫سواء كان المال معلوما ً أو مجهول ً ‪ ،‬مللن جنللس الثمللن أو‬
‫من غيره ‪ ،‬عينا ً كان أو دينلا ً ‪ ،‬وسللواء كللان مثللل الثمللن أو‬
‫أقل أو أكثر)‪.(63‬‬
‫ويقاس عليه إذا كان الذي مع الربوي تابعا ً غيللر مقصللود )‬
‫‪.(64‬‬
‫ويناقش ‪:‬‬
‫بأن الربوي في مسألة مد عجوة ودرهم مقصللود بالعقللد ‪،‬‬
‫أما المال الذي مع العبد فالمقتضي لجواز بيعه بثمللن مللن‬
‫جنسه كونه تابعا ً غيللر مقصللود بالصللالة ‪ ،‬ول يصللح قيللاس‬
‫إحدى المسألتين على الخرى لمرين‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن الربوي إذا كان تابعا ً غير مقصود ل يتصور كلون‬
‫العقد حيلة على الربا ‪ ،‬بخلف ما إذا كان غير الربللوي هللو‬
‫التابع ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه إذا بيللع الربللوي بمللا يسللاويه مللن جنسلله ومللع‬
‫أحدهما جنللس آخللر غيللر مقصللود ‪ ،‬فللإن ذلللك يللؤدي إلللى‬
‫التفاضل ‪ ،‬لن غير الربوي له قسط ولو يسلليرا ً مللن قيمللة‬
‫العوض المفرد ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪:‬‬
‫جواز بيع الربوي بجنسه ومعه من غيللر جنسلله بشللرط أن‬
‫يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره ‪ ،‬أو يكللون مللع كللل‬
‫واحد منهما من غير جنسهما ‪.‬‬
‫وهذا مللذهب الحنللاف )‪ ،.(65‬وروايلة عللن المللام أحمللد ‪،‬‬
‫اختارها شيخ السلم ابللن تيميلله فللي أشللهر قللوليه )‪،(66‬‬
‫وقيد المام أحمد وشيخ السلم ابن تيمية الجواز بقيدٍ آخر‬
‫وهو أل يكون القصد من هذه المعاملة التحايل على الربا ‪،‬‬
‫وذلك بأن يكون لما مع الربوي قيمة حقيقية )‪.(67‬‬
‫وجوز الشللافعية فللي وجلله ضللعيف عنللدهم ‪ :‬إذا بللاع مللدا ً‬
‫ودرهمللا ً بمللد ودرهللم ‪ ،‬والللدرهمان مللن ضللرب واحللد ‪،‬‬
‫والمدان من شجرة واحدة فإنه يصح)‪.(68‬‬
‫فعلى هذا القول ‪ :‬مللن بللاع سلليفا ً محلللى بثمللن أكللثر مللن‬
‫الحلية ‪ ،‬وكان الثمن من جنس الحلية جللاز وذلللك لمقابلللة‬
‫الحليللة بمثلهللا ذهبللا ً كللانت أم فضللة ‪ ،‬والزيللادة بالنصللل‬
‫والحمائل والجفن )‪.(69‬‬

‫‪405‬‬
‫فللإن تسللاوى المفللرد مللع المضللموم إليلله غيللره ‪ ،‬أو كللان‬
‫المفرد أقل بطل البيع ‪ ،‬لتحقق التفاضل ‪ ،‬وكذا إذا لم يدر‬
‫الحال لحتمال المفاضلة أو الربا ‪.‬‬
‫قال في الهداية ‪ )) :‬ولو تبايعا فضة بفضة أو ذهبا ً بللذهب ‪،‬‬
‫وأحدهما أقل ‪ ،‬ومع أقلهمللا شلليء آخللر تبلللغ قيمتلله بللاقي‬
‫الفضللة جللاز الللبيع مللن غيللر كراهيللة ‪ ،‬وإن لللم تبلللغ فمللع‬
‫الكراهة ‪ ،‬وإن لم يكن له قيمة كالتراب ل يجوز الللبيع (( )‬
‫‪.(70‬‬
‫فللإن تسللاوى المفللرد مللع المضللموم إليلله غيللره ‪ ،‬أو كللان‬
‫المفرد أقل بطل البيع ‪ ،‬لتحقق التفاضل ‪ ،‬وكذا إذا لم يدر‬
‫الحال لحتمال المفاضلة أو الربا ‪.‬‬
‫قال في الهداية ‪)) :‬ولو تبايعا فضة بفضة أو ذهب لا ً بللذهب ‪،‬‬
‫وأحدهما أقل ‪ ،‬ومع أقلهمللا شلليء آخللر تبلللغ قيمتلله بللاقي‬
‫الفضللة جللاز الللبيع مللن غيللر كراهيللة ‪ ،‬وإن لللم تبلللغ فمللع‬
‫الكراهة ‪ ،‬وإن لم يكن له قيمة كلالتراب ل يجلوز اللبيع(( )‬
‫‪.(71‬‬
‫نوقش هذا الستدلل من وجهين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن الواجب حمل العقد على ما يقتضيه مللن صللحة‬
‫وفساد ‪ ،‬وليس تصحيح العقد ‪ ،‬ولللو كللان مللا قللالوه أص لل ً‬
‫معتبرا ً لكان بيع مد تمر بمدين جائزا ً ليكون تمر كل واحللد‬
‫منهما بنوى لخر )‪.(72‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن هذا منتقض )) بمللن بللاع سلللعة إلللى أجللل ثللم‬
‫اشللتراها نقللدا ً بأقللل مللن الثمللن الول فللإنه ل يجللوز عنللد‬
‫الحناف مع إمكان حمله على الصحة ‪ ،‬وهما عقدان يجللوز‬
‫كل واحد منهما على الفراد ‪ ،‬فجعلوا العقللد الواحللد هاهنللا‬
‫عقدين ليحملوه على الصحة فكان هذا إفسادا ً لقللولهم(()‬
‫‪.(73‬‬
‫الدليل الثاني ‪:‬‬
‫أن الربا إنما حرم لما فيه من ظلللم يضللر المعطللي ‪ ،‬وقللد‬
‫يكون في هذه المعاوضة مصلحة للعاقدين همللا محتاجللان‬
‫إليها ‪ ،‬كما في الدراهم الخالصة بالمغشوشة ‪ ،‬والمنع مللن‬
‫ذلللك مضللرة عليهمللا ‪ ،‬والشللارع ل ينهللى عللن المصللالح‬

‫‪406‬‬
‫الراجحة ‪ ،‬ويوجب المضرة المرجوحة ‪ ،‬كما قد عرف ذلك‬
‫من أصول الشرع )‪.(74‬‬
‫الترجيح ‪:‬‬
‫باسللتعراض القللوال المتقدمللة وأدلتهللا نجللد أن الفريللق‬
‫الثالث يستند إلى البراءة الصللية بينملا اسلتدل الفريقلان‬
‫الول والثاني على المنع بأدلة ل تخلو من مناقشة ‪:‬‬
‫فحديث فضالة بن عبيد – وهو عمللدة المللانعين – ل يسلللم‬
‫الستدلل به للحتمللالت الللواردة عليلله ‪ ،‬وهللي احتمللالت‬
‫قوية ‪ ،‬والقاعدة أن الدليل إذا طرأ عليه الحتمللال ‪ ،‬وكللان‬
‫الحتمال قويا ً ‪ ،‬بطل به الستدلل ‪.‬‬
‫وأجوبة الفريق الول عن هذه الحتمالت غيللر وجيهللة لن‬
‫الثابت في صحيح مسلم أن الذهب الذي في القلدة أكللثر‬
‫من الثمن ‪.‬‬
‫وأما الدليل العقلي فقد أجيب عنه ‪.‬‬
‫ويبقى كللون العقللد ذريعللة إلللى الربللا ‪ ،‬وهللو دليللل متللوجه‬
‫وقوي ‪ ،‬لكن ينبغي حمله على ما إذا تضللمن العقللد تحللايل ً‬
‫على الربا ‪ ،‬فيحرم لذلك ‪ ،‬أما إذا لم يكن حيلللة للربللا بللأن‬
‫كان ما مع الربوي مقصودا ً فعل ً للعاقد فل يظهر المنع ‪ ،‬ل‬
‫سلليما وأن هللذه المعاملللة قللد يحتللاج إليهللا العاقللدان ‪ ،‬ول‬
‫يتمكنان من إجراء العقد على سبيل التفضيل بللأن يقللول ‪:‬‬
‫بعتك مدا ً بمد ‪ ،‬ودرهما ً بمد ‪ ،‬وهللي الصللورة الللتي يجيزهللا‬
‫الفريق الول)‪.(75‬‬
‫وأقرب شاهد على ذلك العقد الذي نحن بصدده ‪ ،‬وهو بيللع‬
‫السهم التي موجوداتها مختلطة ‪ ،‬فمن الصعوبة بمكان أن‬
‫يلزم العاقدان بالتفصيل على النحو السابق ‪.‬‬
‫ولذلك فإن الذي يترجح هو جواز هذه المعاملة إذا لم تكن‬
‫حيلة على الربا وكان الربوي المخلللوط أقللل مللن الربللوي‬
‫المفرد ‪ ،‬وذلك بأن يكون ما مع الربوي له قيمللة حقيقيللة ‪،‬‬
‫ولم يؤت به للتحليل ‪ ،‬والله أعلم ‪.‬‬
‫وتطبيقا ً للحكام السابقة ‪:‬‬
‫فعلى فرض صحة القللول الثللاني وهللو أن بيللع السللهم للله‬
‫حكم بيع موجوداتها ‪:‬‬

‫‪407‬‬
‫‪ .1‬فإن بيع السهم إذا كانت موجوداتها مختلطة مللن نقللود‬
‫وغيرها وكانت تلك النقود مقصللودة لللذاتها فللالبيع ل يصللح‬
‫عند الجمهور إل إذابيعت بعملة غيللر عملللة السللهم فيصللح‬
‫عند الجميع سوى المالكية ‪.‬‬
‫وأمللا علللى القللول الراجللح فيصللح الللبيع بنفللس العملللة‬
‫بشرطين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن يكون الثمن الذي يشترى به السللهم أكللثر مللن‬
‫قيمة موجوداته من النقود والديون ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يتقابضا العوضين ‪ -‬شهادة السهم وثمنها ‪-‬قبل‬
‫التفرق ‪.‬‬
‫‪ -2‬فإن كانت موجودات السهم من النقود والللديون تابعللة‬
‫غير مقصللودة فيصللح الللبيع مطلقلا ً عنللد الجميللع مللن غيللر‬
‫اشتراط التقابض أو زيادة الثمللن علللى قيمللة تلللك النقللود‬
‫والديون ‪ ،‬لن هذه النقود تابعة فل حكم لها والقاعدة عنللد‬
‫أهللل العلللم أن " التللابع تللابع " و " يثبللت تبع لا ً مللا ليثبللت‬
‫استقل ً‬
‫ل"‪.‬‬
‫والذي يحدد كون النقود والللديون تابعللة أم ل ‪ ،‬هللو طبيعللة‬
‫نشاط الشركة ‪ ،‬فإذا كانت الشللركة تسللتثمر أموالهللا فللي‬
‫بيوع آجلة فالديون أصيلة فيهللا حللتى ولللو كللانت نسللبتها –‬
‫عند بيع السهم ‪-‬من الموجودات قليلة‪.‬‬
‫وإذا كانت الشركة مصرفية فالنقود أصيلة فيها ولللو كللانت‬
‫نسبتها من الموجودات قليلة ‪.‬‬
‫وإذا كانت شركة ذات نشاط زراعي أو تجللاري أو عقللاري‬
‫أو صللناعي أو أي اسللتثمارات حقيقيللة أي غيللر ماليللة ‪،‬‬
‫فالنقود والديون تعتبر تابعة وليست مقصودة ‪ ،‬فيصللح بيللع‬
‫السهم بمثل قيمتلله الحقيقيللة أو بأقللل أو بللأكثر ‪ ،‬وبقبللض‬
‫وبدون قبض ‪.‬‬
‫وعلى هذا فليست العبرة في جريان أحكام الصرف علللى‬
‫المعاملة بغلبة نسبة النقود إلى موجودات الشللركة – كمللا‬
‫قال به أصحاب القول الثاني – وذلك لعدة أمور‪:‬‬
‫‪ .1‬أن هللذا القللول إذ لللم يقللل بلله أحللد مللن أهللل العلللم‬
‫المتقدمين – فيما أعلم – ‪.‬‬

‫‪408‬‬
‫‪ .2‬فضل ً عن أن هذا المر ل ينضبط في تللداول السللهم إذ‬
‫تتغير المراكز المالية للشركات بصورة مستمرة ‪.‬‬
‫‪ .3‬ولن هللذا القللول نظللر إلللى الموجللودات المحسوسللة‬
‫للشركة ولم يلتفت إلللى العوامللل والحقللوق الخللرى غيللر‬
‫المحسوسة والتي ل تقل أهميللة فللي التللأثير علللى القيمللة‬
‫السوقية للسهم عن الموجودات المحسوسة ‪.‬‬
‫رابعًا‪-‬خلصة البحث‬
‫ومن خلل ما تقدم فالذي يظهللر هللو جللواز تللداول أسللهم‬
‫الشركات حديثة التأسيس التي تمللارس أنشللطة مباحللة –‬
‫ومنها شركة الصحراء – ولو كان الغلب في موجوداتها هو‬
‫النقود ‪ ،‬لما يأتي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ -‬لن هذه الشركات ل تخلو من موجودات أخرى غيللر‬
‫النقود وهي ذات قيمة معتبرة شرعا ً ‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫‪ .1‬الحقوق المعنوية كالسم التجاري للشركة‪،‬والدراسللات‬
‫السابقة لنشائها ‪ ،‬وتصاريح العمل ‪ ،‬وقوة الدارة وكفاءتها‬
‫‪،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ت‬‫ض أو سلليارا ٍ‬‫‪ .2‬بعض الصول المملوكة للمنشأة من أرا ٍ‬
‫ث أو غير ذلك ‪.‬‬ ‫أو أثا ٍ‬
‫‪ .3‬ومنافع العيلان المسلتأجرة والشلخاص العلاملين فلي‬
‫الشركة وقت تأسيسها ‪.‬‬
‫ثاني لًا‪ -‬ولن التكييللف الشللرعي للسللهم –علللى رأي بعللض‬
‫العلماء المعاصرين‪ -‬أنها عروض مهما كللانت موجللودات أو‬
‫طبيعة عمل الشركة التي أصدرتها لنها أموال قللد اتخللذت‬
‫للتجار ‪ ،‬وصاحبها يتجر فيها بالبيع والشراء ‪ ،‬ويكسب منها‬
‫كما يكسب كلل تلاجر ملن سللعته ‪ ،‬وهلذا اللرأي لله قلوة‬
‫وحظ من النظللر ‪ ،‬ويتأيللد بعللددٍ مللن العتبللارات الشللرعية‬
‫والقانونية ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن القانون التجاري – بمللا يمنحلله للشللركة المسللاهمة‬
‫من شخصية اعتبارية – يميز بين ملكيللة السللهم ‪ ،‬وملكيللة‬
‫الصول والعيلان اللتي يتضلمنها السلهم ‪ ،‬فالسلهم يمللك‬
‫على وجله السللتقلل علن ملكيلة الصللول والعيلان اللتي‬
‫تملكها الشركة ‪ ،‬بحيث إن الحصللص المقدمللة للمسللاهمة‬
‫فللي الشللركة تنتقللل علللى سللبيل التمليللك إلللى ملكيللة‬

‫‪409‬‬
‫الشللركة ‪ ،‬ويفقللد الشللركاء المسللتثمرون كللل حللق عينللي‬
‫عليها ‪ ،‬ول يبقى لهم إل حق في الحصول على نصيب مللن‬
‫أربللاح الشللركة أثنللاء وجودهللا ‪ ،‬وفللي اقتسللام قيمللة بيللع‬
‫موجوداتها عند التصفية‪.‬‬
‫‪ .2‬ولن القيمة السوقية للسهم لتعكس بالضرورة القيمة‬
‫الفعليللة لموجللودات الشللركة ) القيمللة الدفتريللة ( ‪ ،‬فقللد‬
‫تتناقص قيمللة موجللودات الشللركة بينمللا القيمللة السللوقية‬
‫للسهم في تصاعد ‪ ،‬والعكس كذلك ‪ ،‬وقد تخسللر الشللركة‬
‫وقيمتهللا السللوقية تللزداد وهكللذا ‪ ،‬فقيمللة السللهم ل تعللبر‬
‫بالضرورة عن قيمة الموجودات ‪ ،‬فهي قد تتأثر بها ولكنهللا‬
‫ل ترتبط بها ارتباطا ً مباشرا ً صعودا ً وهبوطا ً ‪ ،‬وذلك لوجللود‬
‫مؤثرات أخرى في قيمة السللهم غيللر موجللودات الشللركة‬
‫ونشاطها ‪ ،‬فجودة الدارة وسمعتها التجاريللة وخبرتهللا فللي‬
‫مجال النشاط كلها عوامل ترفع مللن قيمللة السللهم ‪ ،‬ممللا‬
‫يعنلللي أن الزيلللادة فلللي قيملللة السلللهم ليسلللت مقابلللل‬
‫الموجودات وإنما لعوامل أخرى متعددة ‪.‬‬
‫‪ .3‬ولن النقلللد إنملللا يمثلللل أغلبيلللة بلللالنظر إللللى قيملللة‬
‫الموجودات العينية ) المحسوسللة ( للشللركة ‪ ،‬أي بللالنظر‬
‫إلى القيمة السمية للسهم ‪ ،‬ل إلى قيمتها السللوقية ‪ ،‬لن‬
‫القيمة السوقية تتأثر بعوامللل أخللرى –كمللا سللبق‪ -‬ل تقللل‬
‫أهمية عن الموجودات العينية ‪ ،‬فإذا أخذ بعين العتبار تلك‬
‫العوامللل المعنويللة المللؤثرة علللى قيمللة السللهم السللوقية‬
‫والتي يكتسبها المساهم بمجرد دخللوله فللي الشللركة فللإن‬
‫نسبة النقد إلى موجودات الشركة الجماليلة تكلون أقلل ‪،‬‬
‫والواجب عند النظر إلى موجودات السللهم أن ينظللر إلللى‬
‫الموجودات والحقوق الللتي يشللتمل عليهللا السللهم بقيمتلله‬
‫السوقية ) أي العوامل التي أوصلته إلى تلك القيمللة ( ‪ ،‬ل‬
‫أن ينظر إلى موجودات قيمته السمية فحسب ‪.‬‬
‫‪ .4‬ولن الزيادة في قيمة السهم بعد بللدء التللداول ليسللت‬
‫زيادة في قيمة موجودات السللهم ‪ ،‬وإنمللا هللي زيللادة فللي‬
‫قيمة السهم نفسه ‪ ،‬و"السللهم" شلليٌء و " مللا يمثللله مللن‬
‫موجودات في الشركة" شيٌء آخر ‪ ،‬ولهذا لو طلللب مالللك‬
‫مك ّللن مللن ذلللك لن‬ ‫السللهم حصللته مللن الموجللودات لللم ي ُ َ‬

‫‪410‬‬
‫ت‬ ‫امتلكه للسهم ليعنللي امتلكلله لمللا يمثللله مللن موجللودا ٍ‬
‫بأعيانها ‪.‬‬
‫‪ .5‬ومن الناحيللة الشللرعية فللإنه يللترتب علللى القللول بللأن‬
‫للسهم حكم ما يمثله في موجودات الشركة التي أصللدرته‬
‫عدد ٌ من اللوازم الباطللة الللتي تللؤدي إلللى القلول بتحريللم‬
‫السهم مطلقا ً وهو أمر لم يلتزم به القائلون بذلك ‪ ،‬ومللن‬
‫ذلك ‪:‬‬
‫‪ .6‬أن عامة الشركات المسللاهمة ل تخلللو موجوداتهللا مللن‬
‫نقودٍ أو ديون ذات قيمةٍ مؤثرة ‪ ،‬ويتم تداول أسللهمها دون‬
‫مراعاة لضوابط الصللرف أو بيللع الللدين ‪ ،‬والقللول بإعطللاء‬
‫الحكم للغلب من موجودات الشركة ل دليل عليلله بللل إن‬
‫النصوص الشرعية تلدل عللى أن الملبيع إذا اشلتمل عللى‬
‫نقدٍ مقصودٍ وبيع بنقد فيأخللذ حكللم الصللرف وإن لللم يكللن‬
‫النقد غالبا ً وكذلك في سائر الموال الربوية ‪ ،‬فمن يشتري‬
‫حليا ً ثلثه ذهب وثلثاه ألماس فللإنه يجللب قبللض ثمنلله قبللل‬
‫التفرق مراعاة للذهب الذي فيه مع أنلله القللل ‪ ،‬ونصللوص‬
‫الفقهاء التي أشرنا إليها في مسألة "مللد عجللوة ودرهللم "‬
‫وفللي مسللألة " التخللارج " تللدل علللى ذلللك ‪ ،‬قللال فللي‬
‫الهداية ‪ )) :‬وإذا كانت التركة بين الورثة فللأخرجوا أحللدهم‬
‫منها بمال أعطوه إياه والتركة عقار أو عروض ‪ ،‬جاز قليل ً‬
‫كان مللا أعطللوه إيللاه أو كللثيرا ً ‪ ..‬وإن كللانت التركللة فضللة‬
‫فأعطوه ذهبا ً أو كان ذهبا ً فأعطوه فضة فهللو كللذلك ‪ ..‬فل‬
‫يعتبر التساوي ويعتبر التقابض في المجلس لنه صرف ‪.‬‬
‫وإن كانت التركة ذهبا ً وفضللة وغيللر ذلللك فصللالحوه علللى‬
‫ذهب أو فضة فل بد أن يكون‬
‫ما أعطوه أكثر من نصلليبه مللن ذلللك الجنللس حللتى يكللون‬
‫نصيبه بمثله والزيادة بحقه مللن بقيللة التركللة احللترازا ً عللن‬
‫الربا ‪ ،‬ول بد من التقابض فيمللا يقابللل نصلليبه مللن الللذهب‬
‫والفضة لنه صرف في هذا القدر‪.‬‬
‫وإن كان في التركة دين على الناس فأدخلوه فللي الصلللح‬
‫على أن يخرجوا المصالح عنه ويكون الدين لهم ‪ ،‬فالصلللح‬
‫باطل ‪ ،‬لن فيه تمليك الدين من غير من عليه ‪ ،‬وهو حصة‬

‫‪411‬‬
‫المصللالح ‪ ،‬وإن شللرطوا أن يللبرأ الغرمللاء منلله ول يرجللع‬
‫عليهم نصيب المصالح ‪ ،‬فالصلح جائز (( )‪.(76‬‬
‫‪ .7‬ولن الكثير من المسللاهمين ل يعلللم حقيقللة مللا يمثللله‬
‫السهم من موجللودات فللي الشللركة ‪ ،‬بللل لربمللا ل يعللرف‬
‫موجللودات الشللركة أصللل ً أو نشللاطها ‪ ،‬ومللن الشللروط‬
‫المتفق عليها لصحة البيع ‪ :‬العلللم بللالمبيع ‪ ،‬وإذا قلنللا ‪ :‬إن‬
‫المللبيع هللو حصللته مللن الموجللودات فيلزملله العلللم ‪-‬ولللو‬
‫ل‪ -‬بتلللك الموجللودات ‪ ،‬وهللو مللا ليقللع ‪ ،‬لن نظللر‬ ‫إجمللا ً‬
‫المسللاهم إلللى أمريللن فقللط همللا ‪ :‬القيمللة السللوقية ‪،‬‬
‫والرباح الدورية ‪.‬‬
‫ومللن بللاب السللتطلع فقللد قمللت بسللؤال عللددٍ مللن‬
‫المسللتثمرين فللي شللركتي "اللجيللن"و "أميللانتيت " عللن‬
‫نوعية نشاط تينك الشركتين ‪ ،‬فكانت الجابة بعدم العلم ‪،‬‬
‫فعرفت أن الكثير من المساهمين إنمللا يسللتقي معلومللاته‬
‫عن نشاط الشركة من اسمها فقط ‪ ،‬وأن غايللة مللا يبللذله‬
‫في التحري أن يسأل أهل العلم عن حكم المسللاهمة فللي‬
‫تلك الشركة دون دراية بما فيها من النقلد وملا عليهلا ملن‬
‫المديونيات وما لها من الصول وغير ذلك‪.‬‬
‫‪ .8‬ومللن لزم هللذا القللول تحريللم تللداول أسللهم البنللوك‬
‫السلمية بقيمتها السوقية لن الغالب في موجودات تلللك‬
‫البنوك أنها نقود أو ديون في ذمللم المتمللولين ‪ ،‬ومللع ذلللك‬
‫فعامة الهيئات الشرعية لتلك البنوك على الجواز ‪.‬‬
‫ثالث لًا‪-‬وعلللى فللرض التسللليم بصللحة التكييللف الثللاني لللبيع‬
‫السهم – وهو أن له حكم ما يمثله السهم مللن موجللودات‬
‫– فالذي دل عليه حديث ابن عمر السابق "مللن بللاع عبللدا ً‬
‫للله مللال فمللاله للللذي بللاعه إل أن يشللترطه المبتللاع" أن‬
‫المبيع إذا اشتمل على نقدٍ واشتري بنقدٍ من جنسه ‪ ،‬ولللم‬
‫يكن النقد المخلللوط مقصللودا ً فل يلتفللت إليلله بمعنللى أنلله‬
‫ليجري على الصفقة حكم الصرف ‪ ،‬حتى ولو كانت قيمللة‬
‫خلط الذي معه ‪ ،‬قال ابللن‬ ‫النقد المخلوط أكثر من قيمة ال ِ‬
‫قدامة –رحمه الله‪" : -‬الحللديث دل علللى جللواز بيللع العبللد‬
‫بماله إذا كان قصد المشتري للعبد ل للمال‪ ...‬فيجوز البيع‬
‫سواء كان المال معلوما ً أو مجهول ً ‪ ،‬مللن جنللس الثمللن أو‬

‫‪412‬‬
‫من غيره ‪ ،‬عينا ً كان أو دينلا ً ‪ ،‬وسللواء كللان مثللل الثمللن أو‬
‫أقل أو أكثر )‪.(77‬‬
‫ومن المعلوم أن العبد ل يملك وأن المال الذي بيللده مللآله‬
‫للمشتري ‪ ،‬ومع ذلك جللاز الللبيع مطلق لا ً بللدون تقللابض ول‬
‫تماثل حتى مع اتفاق النقدين ) المال الذي معلله ‪ ،‬والثمللن‬
‫الذي يشترى به العبد ( ‪ ،‬وحتى لللو كللان المللال الللذي مللع‬
‫العبد أكثر من قيمة العبد نفسه ‪.‬‬
‫ول يشكل على هللذا الحللديث حللديث القلدة – المتقللدم –‬
‫فإن الللذهب الللذي فللي القلدة مقصللود للمشللتري بخلف‬
‫المال الذي مع العبد ‪.‬‬
‫وهذا أحسن ما قيل في الجمع بين الحديثين ‪.‬‬
‫ويؤخللذ مللن هللذين الحللديثين أن العللبرة بالقصللد ل بقيمللة‬
‫المال الربوي ‪ ،‬فإن كان المال الربللوي مقصللودا ً فوجللوده‬
‫في الصفقة مؤثر ‪ ،‬وإن كان تابع لا ً فل يللؤثر ‪ ،‬كمللا أن هللذا‬
‫التفصيل يتماشللى مللع القواعللد الشللرعية ‪ " :‬العللبرة فللي‬
‫العقود بالمقاصد " و " التابع تابع " وغيرها‪.‬‬
‫وبخصللوص الشللركة الللتي نتحللدث عنهللا ‪ ،‬وهللي شللركة‬
‫الصحراء ‪ ،‬وغيرها من الشركات النتاجية حديثة التأسلليس‬
‫فإن النقد الذي فيها ليس بمقصود لمرين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن المشتري –بشرائه السللهم‪ -‬ل يقصللد الحصللول‬
‫على النقد الذي في الشركة ‪ ،‬ول ينتقي من الشركات مللا‬
‫ة ‪ ،‬بل قصده الحصول على الربح الرأسمالي‬ ‫هو أكثر نقدي ً‬
‫أو الدوري أيا ً كانت الموجودات ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬لن المقصود من نشاط الشللركة هللو السللتثمار‬
‫في المنتجات البتروكيماويللة ‪ ،‬وهللي مللن العللروض ‪ ،‬وأمللا‬
‫غلبة النقدية في موجوداتها لفترة من الفللترات فهللي أمللر‬
‫عارض ول يعد ذلك من نشاطها المقصود‪.‬‬
‫رابعًا‪ -‬وعلى فرض التسليم بأن النقللد الللذي فللي الشللركة‬
‫مقصود وأن بيع السهم له حكم بيع موجوداتها فإن صورة‬
‫هذه المعاملة كمسألة " مللد عجللوة ودرهللم " وهللي ‪ :‬بيللع‬
‫الربوي بجنسه ومع أحدهما من غيللر جنسللهما ‪ ،‬وكللل مللن‬
‫الربويين مقصود في العقد ‪ ،‬وبيان ذلك أن السهم مؤلفللة‬
‫من ‪:‬‬

‫‪413‬‬
‫‪ .1‬النقد ‪ ،‬وهو بالريالت ‪.‬‬
‫ن ومنافع ‪.‬‬‫ق وأعيا ٍ‬‫‪ .2‬والموال الخرى من حقو ٍ‬
‫والثمللن مللن الريللالت ‪ ،‬فالريللالت فللي طرفللي العقللد‬
‫ل غير ربوي ‪.‬‬‫مقصودة ‪ ،‬ومع أحد الطرفين ما ٌ‬
‫والذي ترجح من الخلف السابق في مسللألة " مللد عجللوة‬
‫ودرهم" ‪ -‬وهو اختيار شيخ السلم ابن تيميللة وروايللة عللن‬
‫المام أحمد ‪ -‬أن العقد يصح بشرطين ‪:‬‬
‫الول ‪:‬أن يكون المال الربوي المفرد أكثر من الللذي معلله‬
‫غيره ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أل يكون القصد من المعاملة التحايل علللى الربللا‬
‫وذلك بأن يكون ما مع الربوي له قيمة حقيقية ‪ ،‬ولم يللؤت‬
‫به للتحليل‪.‬‬
‫وكل الشرطين متحققٌ في بيللع هللذه السللهم ‪ ،‬فإنهللا تبللاع‬
‫بقيمتها السوقية وهي أعلى من القيمة السللمية الللتي تللم‬
‫الكتتاب بها ‪ ،‬كما أن الموجودات الخرى غير النقديللة فللي‬
‫الشركة ذات قيمة حقيقية ولم يؤت بها حيلة ‪.‬‬
‫وقد يرد على هذا التخريج أن الصول العينية للشركة عنللد‬
‫بدء التداول ل تمثل شيئا ً مقارنة بالنقدية التي فيها ‪.‬‬
‫والجواب عن ذلك ‪ :‬أن المقصود بالموجودات الخرى غيللر‬
‫النقدية أعم من أن يكون أعيانا ً فقط ‪ ،‬فقد تكون أعيانا ً أو‬
‫منافع أو حقوقا ً ‪ ،‬فكل ما يؤثر في القيمة السوقية للسهم‬
‫– إذا كان له قيمة معتبرة شرعًا‪ -‬فتحمل الزيادة في قيمة‬
‫السللهم علللى أنهللا مقللابله ‪ ،‬ونظيللر ذلللك مللا ذكللره شلليخ‬
‫السلم ابن تيميللة وغيللره مللن أهللل العللم مللن جللواز بيللع‬
‫المصوغ مللن الللذهب والفضللة بجنسلله مللن غيللر اشللتراط‬
‫التماثل‪ ،‬ويجعل الزائد في مقابلللة الصللنعة ‪ ،‬وهللي منفعللة‬
‫وليست عينا ً ‪،‬والله أعلم‪.‬‬
‫نسأل الله أن يرينا الحللق حقلا ً ويرزقنللا اتبللاعه ‪ ،‬والباطللل‬
‫باطل ً ويرزقنا اجتنابه ‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على نبينللا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫)*( الستاذ المساعد بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي‬
‫للقضاء جامعة المام محمد بن سعود السلمية‬

‫‪414‬‬
‫)‪ (1‬المصللباح المنيللر ص ‪ ، 236‬المفللردات فللي ألفللاظ‬
‫القرآن الكريم ص ‪. 819‬‬
‫)‪ (2‬معجم المصطلحات القتصللادية فللي لغللة الفقهللاء ص‬
‫‪. 330‬‬
‫)‪ (3‬الحدود لبن عرفه ص ‪. 556‬‬
‫وخرج بقوله‪)) :‬حسا ً دون إضافة(( ‪ :‬ما يمكن الشارة إليه‬
‫حسا ً من العيللان كللالثوب والدابللة ‪ ،‬فإنهمللا ليسللا بمنفعللة‬
‫لمكان الشارة إليهمللا حس لا ً دون إضللافة ‪ ،‬بخلف ركللوب‬
‫الدابة ولبس الثوب ‪.‬‬
‫وبقوله ‪)) :‬يمكن استيفاؤه(( أخرج العلم والقدرة لنهما ل‬
‫يمكن استيفاؤهما ‪.‬‬
‫وبقوله ‪)) :‬غير جلزء مملا أضليف إليله((‪ :‬أخلرج بله نفلس‬
‫نصف الدار مشاعا ً لنه يصدق عليه ‪.‬‬
‫)‪ (4‬الملكية فللي الشللريعة السلللمية‪ ،‬لعلللي الخفيللف ص‬
‫‪. 180‬‬
‫)‪ (5‬الملكية فللي الشللريعة السلللمية‪ ،‬لعلللي الخفيللف ص‬
‫‪. 181‬‬
‫)‪ (6‬يللرى أبللو حنيفللة وصللاحباه خلفلا ً لزفللر والجمهللور أن‬
‫المنفعة ل تعتللبر مللال ً حقيقيللة ‪ ،‬وإن كللان يصللح العتيللاض‬
‫عنهللا ‪ ،‬وكونهللا ثمن لا ً أو مثمن لا ً ‪ ،‬وترتللب علللى هللذا الخلف‬
‫مسائل متعددة ل علقة لها فيما نحن بصدده مثل ‪ :‬ضمان‬
‫منللافع المغصللوب ‪ ،‬وإجللارة المشللاع ‪ ،‬وانتقللاض الجللارة‬
‫بموت أحد العاقدين ‪ ،‬مع أنه ورد في بعض كتللب الحنللاف‬
‫مللا يشللعر بللأن المنفعللة مللال عنللدهم ‪ ،‬ومللن ذلللك قللول‬
‫البابرتي ) العنايه ‪ )) : ( 8/7‬العيان والمنافع أموال فجللاز‬
‫أن تقع أجرة (( ‪.‬‬
‫)‪ (7‬رد المحتللار ‪ ، 9/85‬جللواهر الكليللل ‪ ، 2/150‬روضللة‬
‫الطالبين ‪ ، 5/177‬شرح المنتهى ‪. 2/140‬‬
‫)‪ (8‬انظلللر ‪ :‬حاشلللية الدسلللوقي ‪ ، 3/14‬نهايلللة المحتلللاج‬
‫‪ ، 3/372‬شرح المنتهى ‪. 2/140‬‬
‫)‪ (9‬قواعد ابن رجب ص ‪. 84‬‬
‫)‪ (10‬انظر ‪ :‬الشركات للخياط ‪. 2/214‬‬

‫‪415‬‬
‫)‪ (11‬معجم مصطلحات القتصاد والمللال وإدارة العمللال‬
‫ص ‪. 498‬‬
‫)‪ (12‬الملللراد بالتسلللييل ‪ :‬سلللهولة تحويلهلللا إللللى نقلللود‬
‫) سيولة ( ‪.‬‬
‫)‪ (13‬ينظر ‪ :‬الللوجيز فللي النظللام التجللاري السللعودي ص‬
‫‪. 200‬‬
‫)‪ )) (14‬السللتثمار فللي السللهم والوحللدات والصللناديق‬
‫الستثماريه (( ص ‪ ، 37‬أسواق الوراق الماليه ص ‪. 266‬‬
‫)‪ (15‬من أنصار هللذا القللول ‪ :‬أبللو زهللرة ‪ ،‬وعبللد الرحمللن‬
‫حسن ‪ ،‬وخلف ‪ ،‬والقرضاوي ‪ ،‬والشيخ جاد الحق شيخ‬
‫الزهر سللابقا ً ‪ ،‬انظللر ‪ :‬فقلله الزكلاة ‪ ، 1/527‬بحللوث فللي‬
‫الزكاة ص ‪ ، 183‬أسواق الوراق الماليه ص ‪. 318‬‬
‫)‪ (16‬الفتللاوى القتصللادية ص ‪ ، 15‬صللناديق السللتثمار‬
‫السللللمية ص ‪ ، 48‬مناقشلللات مجللللس مجملللع الفقللله‬
‫السلمي‬
‫حول سندات المقارضة ‪ ،‬مجلة المجمع ‪– 2045 ) /4/3‬‬
‫‪ ، (2060‬وهذا القول لزم لجميللع الهيئات الشللرعية الللتي‬
‫أجازت تداول أسهم بنوكها بالقيمة السوقيه ‪.‬‬
‫)‪ (17‬أخرجلله البخللاري ) كتللاب المسللاقاة ‪ /‬بللاب الرجللل‬
‫يكللون للله ممللر أو شللرب فللي حللائط أو نخللل ( ومسلللم‬
‫) كتاب‬
‫البيوع ‪ /‬باب مللن بللاع نخل ً عليهللا ثمللر برقللم ‪ ( 1543‬مللن‬
‫حديث ابن عمر رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫)‪ (18‬المغني ‪. 6/258‬‬
‫)‪ (19‬المغني ‪. 6/258‬‬
‫)‪ (20‬فقه الزكاة ‪. 1/527‬‬
‫)‪ (21‬هذا الثر وإن لم يكن من منصوص قولهم إل أنه من‬
‫لزملله ‪ ،‬بللل ومللن لزم فتللاوى الهيئات الشللرعية للبنللوك‬
‫السلللمية الللتي أجللازت تللداول أسللهم بنوكهللا بقيمتهللا‬
‫السوقية ‪ ،‬مع أن الغالب في موجودات البنك أنها نقللود أو‬
‫ديون في ذمم المتمولين ‪.‬‬
‫)‪ (22‬فقه الزكللاة ‪ ، 1/523‬تنظيللم ومحاسللبة الزكللاة فللي‬
‫التطبيق المعاصر ص ‪. 84‬‬

‫‪416‬‬
‫)‪ (23‬مجلة المجمع ‪. 4/3/2162‬‬
‫)‪ (24‬شركة المساهمة في النظللام السللعودي ص ‪، 347‬‬
‫مجلة مجمع الفقه السلمي ‪. 4/1/761‬‬
‫)‪ (25‬الشركات للخياط ‪. 2/215‬‬
‫)‪ (26‬أسواق الوراق المالية وآثارها النمائية في القتصاد‬
‫السلمي ص ‪ ، 186‬الشركات للخياط ‪. 2/216‬‬
‫)‪ (27‬المغني ‪7/132‬‬
‫)‪ (28‬مجلة المجمع ‪ ،‬الدورة الرابعة ‪ ،‬القرار رقم )‪.(5‬‬
‫)‪ (29‬مثل أن يبيع ‪ :‬مد عجوة ودرهم بمدين ‪ ،‬أو بدرهمين‬
‫‪ ،‬أو بمدودرهم ‪ .‬والعجوة ‪ :‬أجود التمر ‪ .‬المغرب ص ‪306‬‬
‫)‪ (30‬المغنللي ‪ ، 6/96‬وانظللر ‪ :‬بدايللة المجتهللد ‪، 2/234‬‬
‫مجموع فتاوى ابن تيميه ‪. 29/461‬‬
‫)‪ (31‬مغنللي المحتللاج ‪ ، 2/376‬وانظللر ‪ :‬الحللاوي الكللبير‬
‫‪ ، 6/140‬تكملة المجمللوع ‪ ، 10/407‬حواشللي الشللرواني‬
‫‪ 4/286‬فتح الباري ‪. 5/51‬‬
‫)‪ (32‬المغني ‪ ، 6/97،258‬قواعللد ابللن رجللب ص ‪، 252‬‬
‫النصاف ‪ ، 12/78‬المبدع ‪ ، 4/137‬الكافي ‪. 2/59‬‬
‫)‪ (33‬حاشية الدسللوقي ‪ ، 3/40‬بدايللة المجتهللد ‪، 2/234‬‬
‫التللاج والكليللل ‪ ، 6/134‬بلغللة السللالك ‪ ، 2/15‬حاشللية‬
‫العدوي ‪. 5/36‬‬
‫)‪ (34‬رد المحتار ‪. 7/527‬‬
‫)‪ (35‬تكملة المجموع شرح المهذب ‪. 10/359‬‬
‫)‪ (36‬فتح القدير ‪. 6/266‬‬
‫)‪ (37‬فتح القدير ‪ ، 6/265‬رد المحتار ‪ ، 7/528‬الدسوقي‬
‫‪ ، 3/40‬الحاوي الكبير ‪ ، 6/129‬المغني ‪. 6/96‬‬
‫)‪ (38‬السللللتذكار ‪ ، 19/240‬المنتقللللى شللللرح الموطللللا‬
‫‪ ، 6/266‬بلغللة السللالك ‪ ، 2/15‬حاشللية العللدوي ‪، 5/36‬‬
‫التاج والكليل ‪. 6/134‬‬
‫)‪ (39‬الم ‪ ، 3/21‬الحاوي الكبير ‪ ، 6/132‬تكملة المجموع‬
‫شرح المهذب ‪ ، 10/236‬نهاية المحتاج ‪. 3/441‬‬
‫)‪ (40‬مسللائل المللام أحمللد لبللي داود ص ‪ ، 196‬مسللائل‬
‫المللام أحمللد لبنلله صللالح ‪ ، 1/432‬المحللرر فللي الفقلله‬

‫‪417‬‬
‫‪ ، 1/320‬الكللافي ‪ ، 3/86‬الشللرح الكللبير علللى المقنللع‬
‫‪ ، 12/77‬فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم ‪. 7/178‬‬
‫)‪ (41‬المحلى ‪. 8/494‬‬
‫)‪ (42‬أخرجه مسلم ) كتللاب المسللاقاة ‪ /‬بللاب بيللع القلدة‬
‫فيها ذهب وخرز برقم ‪ ( 1591‬وأبو داود ) كتللاب الللبيوع ‪/‬‬
‫بللاب فللي حليللة السلليف تبللاع بالللدراهم – برقللم ‪( 3351‬‬
‫والترمذي ) كتاب البيوع ‪ /‬باب مللا جللاء فللي شللراء القلدة‬
‫وفيهللا ذهللب وخللرز – برقللم ‪ ( 1255‬والنسللائي ) كتللاب‬
‫البيوع ‪ /‬بللاب بيللع القلدة فيهللا الخللرز والللذهب بالللذهب –‬
‫برقم ‪. ( 4573‬‬
‫)‪ (43‬المنتقى شرح الموطا ‪ ، 6/267‬المغني ‪. 6/94‬‬
‫)‪ (44‬شرح معاني الثار ‪ ، 4/72‬إعلء السنن ‪. 14/285‬‬
‫)‪ (45‬وهي عند مسلم في الموضع السابق ‪.‬‬
‫)‪ (46‬وهي عند مسلم في الموضع السابق ‪.‬‬
‫)‪ (47‬وهي عند مسلم في الموضع السابق ‪.‬‬
‫)‪ (48‬وهي رواية أبي داود في الموضع السابق ‪.‬‬
‫)‪ (49‬التلخيص الحبير ‪. 3/20‬‬
‫)‪ (50‬المبسلللوط ‪ ، 14/12‬مجملللوع فتلللاوى ابلللن تيميللله‬
‫‪. 29/453‬‬
‫)‪ (51‬شرح معاني الثار ‪ ، 4/72‬مجموع فتاوى ابللن تيميلله‬
‫‪. 29/453‬‬
‫)‪ (52‬الحاوي الكبير ‪. 6/133‬‬
‫)‪ (53‬الحاوي الكبير ‪. 6/133‬‬
‫)‪ (54‬أخرجه مسلم في الموضع السابق ‪.‬‬
‫ش لْقص ‪ :‬السللهم والنصلليب ‪ ،‬النهايللة فللي غريللب‬ ‫)‪ (55‬ال ِ‬
‫الحديث والثر ‪. 2/490‬‬
‫)‪ (56‬الحلللاوي الكلللبير ‪ ، 6/134‬فتلللح العزيلللز ‪، 8/174‬‬
‫المنتقى شرح الموطا ‪ ، 6/266‬الفروق ‪ ، 3/251‬المغنللي‬
‫‪ ، 6/94‬قواعد ابن رجب ص ‪. 249‬‬
‫)‪ (57‬مجموع فتاوى ابن تيميه ‪. 29/452‬‬
‫)‪ (58‬بدائع الصنائع ‪ ، 7/78‬وانظر ‪ :‬فتح القللدير ‪، 6/269‬‬
‫تبيين الحقائق ‪. 4/38‬‬

‫‪418‬‬
‫)‪ (59‬مجموع فتاوى ابللن تيميلله ‪ ، 29/454‬وبيللع العرايللا ‪:‬‬
‫بيع الرطب في رؤوس النخل خرصلا ً ‪ ،‬بملآله يابسلا ً بمثلله‬
‫مللن التمللر كيل ً معلومللا ً ل جزافللا ً ‪ .‬الموسللوعة الفقهيللة‬
‫‪. 9/91‬‬
‫)‪ (60‬القواعد في الفقه السلمي لبللن رجللب ص ‪، 249‬‬
‫المنتقى شرح الموطا ‪. 6/266‬‬
‫)‪ (61‬الفللروع ‪ ، 4/160‬النصللاف ‪ ، 12/78‬قواعللد ابللن‬
‫رجب ص ‪. 249‬‬
‫)‪ (62‬مجموع فتللاوى ابللن تيميلله ‪ ] 29/462‬وممللن نسللب‬
‫هذا القول لبن تيميه ‪ :‬ابللن مفلللح فللي الفللروع ‪، 4/160‬‬
‫والمرداوي في النصللاف ‪ ، 12/78‬والللذي يظهللر أن شلليخ‬
‫السلم ل يقول بلله بللإطلقه بللل يشللترط لللذلك أل يكللون‬
‫حيلة على الربا ‪ ،‬فللإنه قيللد الجللواز بمللا إذا كللان الربويللان‬
‫متساويين [ ‪.‬‬
‫)‪ (63‬المغني ‪. 6/258‬‬
‫)‪ (64‬مجموع فتللاوى ابللن تيميلله ‪ ، 29/462،465‬الفللروع‬
‫‪. 4/160‬‬
‫)‪ (65‬المبسوط ‪ ، 12/189‬بللدائع الصللنائع ‪ ، 7/78‬العنايللة‬
‫‪ ، 6/266‬الختيار ‪. 2/289‬‬
‫)‪ (66‬المغني ‪ ، 6/92‬مجموع فتاوى ابن تيميه ‪، 29/452‬‬
‫الفروع ‪ ، 4/160‬النصاف ‪. 12/78‬‬
‫)‪ (67‬قواعد ابن رجب ص ‪ ، 249‬مجموع فتاوى ابن تيميه‬
‫‪. 29/466‬‬
‫)‪ (68‬روضة الطالبين ‪ ، 3/386‬تحفة المحتاج ‪. 4/287‬‬
‫)‪ (69‬النصللل ‪ :‬حديللدة السلليف ‪ ،‬الحمللائل ‪ :‬جمللع حمالللة‬
‫وهي علقته ‪ ،‬الجفن ‪ :‬غلفه ‪ .‬طلبة الطلبه ص ‪103،116‬‬
‫)‪ (70‬الهداية ‪. 6/271‬‬
‫)‪ (71‬بدائع الصنائع ‪ ، 7/78‬فتح القدير ‪. 6/267‬‬
‫)‪ (72‬المغني ‪ ، 6/94‬الحاوي الكبير ‪. 6/135‬‬
‫)‪ (73‬الحاوي الكبير ‪. 6/135‬‬
‫)‪ (74‬مجموع فتاوى ابن تيميه ‪. 29/455‬‬
‫)‪ (75‬انظر ‪ :‬الحاوي الكبير ‪. 6/135‬‬
‫)‪ (76‬الهداية ‪ ، 7/410‬وانظر ‪ :‬شرح الخرشي ‪. 6/6‬‬

‫‪419‬‬
‫)‪ (77‬المغني ‪. 6/258‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬بطاقة )سعودي تك(‬
‫صورة عمل البطاقة)*(‪:‬‬
‫د‪ .‬يوسف الشبيلي ]عضللو هيئة التللدريس بالمعهللد العللالي‬
‫للقضاء بجامعة المام[ ‪9/3/1425‬‬
‫‪28/04/2004‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬
‫فللالحكم الشللرعي لهللذه البطاقللة مبنللي علللى تكييفهللا‬
‫الفقهللي‪ ،‬فمللن الواضللح مللن العللرض السللابق أن هللذه‬
‫البطاقللة ليسللت بطاقللة ائتمانيللة بللالمفهوم المصللرفي‬
‫لبطاقات الئتمان والتي تتضمن في آليللة عملهللا دين لا ً مللن‬
‫در لحامل البطاقة‪ ،‬إذ إن مشتري هذه البطاقة يقوم‬ ‫مص ِ‬‫ال ُ‬
‫بدفع قيمة مشترياته بها مسبقا ً قبل اسللتخدامه لهللا‪ ،‬فهللي‬
‫بطاقة مديونية ل دائنية‪ ،‬وإنما تحمل شعار الماستر كللارد ‪،‬‬
‫وتأخذ رقما ً تسلسليا ً من أرقامهللا للسللتفادة مللن خللدمات‬
‫تللللك المنظملللة‪ ،‬واسلللتعمال شلللبكتها التصلللالية لتملللام‬
‫الصللفقات التجاريللة عللبر نقللاط الللبيع المرتبطللة بمنظمللة‬
‫الفيزا أوالماسللتر كللارد أو غيرهللا مللن شللركات البطاقللات‬
‫الئتمانية ‪.‬‬
‫وهذا النوع من البطاقات قللد انتشللر فللي الونللة الخيللرة‪،‬‬
‫ويعرف ببطاقات التخزين اللكتروني‪ ،‬أو البطاقات سللابقة‬
‫الللدفع ‪ ،‬وتقللوم المؤسسللات الماليللة بللترويجه لعملئهللا‪،‬‬
‫لسيما الذين لتتوفر فيهم شروط إصدار بطاقات الئتمان‬
‫العادية )القرضية( ‪.‬‬
‫والتخريج الشرعي لهذه البطاقة ليخلو من أحد أمرين ‪:‬‬
‫التخريج الول‪ :‬أن يكون لهذه البطاقة حكللم الللدين‪ ،‬فتعللد‬
‫البطاقة سندا ً بدين من المشتري للمصللدر‪ ،‬ويتللم اسللتيفاء‬
‫ذلك الدين بما يتناقص من القيمللة المخزنللة فللي البطاقللة‬
‫عنللد اسللتخدامها‪ ،‬وعلللى هللذا فالعلقللة بيللن المصللدر‬
‫والمشتري هي علقة قرض‪ ،‬ففي الصورة المللذكورة فللي‬
‫السؤال كأن المشتري قد أقرض المصدر )‪ (25‬دولرا ً ثللم‬
‫يسترد هذا المبلغ بما يشتريه بالبطاقة‪.‬‬

‫‪420‬‬
‫ويترتب على هذا التخريج أنه لو باعها المصللدر بثمللن أقللل‬
‫من قيمتها المخزنة فيها‪ ،‬فهو حرام لنه قرض جللر منفعللة‬
‫للمقرض وهو هنا المشتري ‪ ،‬أما لو باعها بثمن أكللثر فهللو‬
‫قرض بشرط رد أقل من قيمته ‪ ،‬وهو جائز علللى الصللحيح‬
‫من أقوال أهل العلم)‪. (1‬‬
‫وهذا التخريج – أعني تخريج البطاقة على عقللد القللرض –‬
‫بعيد؛ لن البطاقة لها قيمللة اعتباريللة بللذاتها‪ ،‬فحاملهللا قللد‬
‫قبض قيمتها حقيقللة‪ ،‬وتشللبه هللذه البطاقللات فللي نشللأتها‬
‫النقود الورقية في بداية ظهورها عنلدما كلان يلدون عليهلا‬
‫تعهد من البنك المصدر لحاملها بللدفع قيمتهللا مللن الللذهب‬
‫عند الطلب‪ ،‬وهو ما حدا ببعض العلماء في أول المر إلللى‬
‫أن يجعل لها – أي النقود الورقية ‪-‬حكم الدين‪ ،‬ثم لللم يعللد‬
‫لهللذا القللول حللظ مللن النظللر بعللد أن انتشللرت الوراق‬
‫النقديللة‪ ،‬وأصللبح لهللا مللن النفللوذ والقبللول والللرواج فللي‬
‫الوسللاط التجاريللة مللا يجعلهللا تعللادل النقللدين – الللذهب‬
‫والفضللة – أو تتفللوق عليهمللا‪ ،‬وبعللد أن أدت تلللك النقللود‬
‫دورهللا بللدأ العللالم – كمللا يشللير إلللى ذلللك كللثير مللن‬
‫القتصاديين – يتجلله إلللى عصللر اللنقللد‪ ،‬أي العصللر الللذي‬
‫تختفللي فيلله النقللود الورقيللة‪ ،‬ويظهللر التعامللل بللالنقود‬
‫البلستيكية من بطاقات ائتمللان‪ ،‬وبطاقللات خصللم فللوري‪،‬‬
‫وبطاقات تخزين وغيرها‪ ،‬والعالم يشهد تطللورا ً رهيب لا ً فللي‬
‫هذه المجالت‪.‬‬
‫التخريج الثاني‪ :‬أن يكون لهذه البطاقة حكم النقللد‪ ،‬وعلللى‬
‫هذا فالعقد بين المصدر والمشتري هو عقد صرف‪ ،‬فيجب‬
‫التقللابض عنللد شللراء البطاقللة‪ ،‬كمللا يجللب التسللاوي بيللن‬
‫القيمة المخزنة في البطاقة والقيمة التي اشتريت بهللا إذا‬
‫كانت القيمتان بعمللة واحلدة‪ ،‬أمللا إن اختلفلت العمللة فل‬
‫مانع من اختلف القيمتين‪.‬‬
‫وهذا هو التخريج الصللحيح؛ لن هللذه البطاقللات أصللبح لهللا‬
‫اليوم من الحماية والقبللول والللرواج عنللد النللاس مثللل مللا‬
‫للنقود الورقية‪ ،‬فقبضها في قوة قبض محتواها من النقود‪،‬‬
‫وقد نص أهل العلم على أن المرجع في تحديد القبض إلى‬
‫العلللرف)‪ ، (2‬فحكلللم هلللذه البطاقلللات كحكلللم الشللليك‬

‫‪421‬‬
‫المصرفي المصدق‪ ،‬بل البطاقات أكثر وضوحا ً فللي معنللى‬
‫النقدية من الشيكات لنها وسلليلة للتبللادل التجللاري بللدون‬
‫قيللود بخلف الشلليك فللإنه ل يمكللن صللرفه إل لمللن حللرر‬
‫لصالحه‪.‬‬
‫وبناء على هذا التخريللج يمكللن النظللر فللي الرسللوم الللتي‬
‫يتقاضاها المصدر‪ ،‬وهل هي تخل بشرط الصرف أم ل؟‬
‫فالمصللدر يتقاضللى فللي هللذه المعاملللة ثلثللة أنللواع مللن‬
‫الرسوم‪:‬‬
‫الول‪ :‬رسوم الصرف‪:‬‬
‫فالمشلتري قللد يشللتري البطاقلة بنفللس العمللة المخزنلة‬
‫فيهللا‪ ،‬بمعنللى أنلله يللدفع )‪ (25‬دولرا ً ليحصللل علللى قيمللة‬
‫مخزنة في البطاقللة بالللدولر‪ ،‬وفللي هللذه الحللال يجللب أن‬
‫تكون القيمة المدفوعللة مسللاوية للقيمللة المخزنللة‪ ،‬بللدون‬
‫زيادة ول نقصان‪ ،‬وإل كان من ربا الفضل‪ ،‬أما للو اختلفلت‬
‫العملللة فل مللانع مللن اختلف سللعر صللرف العملللتين عللن‬
‫سعر الصرف في السوق‪ ،‬لن كل عملة تعد جنسا ً مستقل ً‬
‫بذاته على الصحيح من أقوال أهل العلم المعاصرين)‪، (3‬‬
‫وإذا اختلف الجنس لم يشترط التساوي‪ ،‬لقوله صلى الللله‬
‫عليه وسلم‪ " :‬فللإذا اختلفللت هللذه الصللناف فللبيعوا كيللف‬
‫شئتم إذا كان يدا ً بيد" رواه مسلللم مللن حللديث عبللادة بللن‬
‫الصامت ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ،-‬وهذا فللي الواقللع هللو مللا يتللم‬
‫في البطاقلة المللذكورة فلي السلؤال‪ ،‬فالمشلتري يللدفع )‬
‫‪ (100‬ريال مقابل شحن البطاقة بما يساوي )‪ (25‬دولرًا‪،‬‬
‫أي أن المصدر يربح في صرف كل دولر ربع ريللال تقريب لا ً‬
‫)الللدولر = ‪ 3.75‬ريللال‪ ،‬وهنللا جعللل لكللل دولر أربعللة‬
‫ريالت(‪ ،‬وهذا جائز لختلف جنس العملتين‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬رسوم الشتراك السنوي‪:‬‬
‫وهي تسلاوي )‪ (165‬ريلال ً فلي صلورة السلؤال الملذكور‪،‬‬
‫وهذه جائزة‪ ،‬لنهلا مقابلل الخدملة المقدملة ملن المصلدر‬
‫والمتمثلللة بإصللدار البطاقللة وتجديللدها‪ ،‬ولشللك أن هللذه‬
‫الخدمة عمل متقوم شللرعا ً يسللتحق عليلله صللاحبه الجللر‪،‬‬
‫فهي ُتخرج شرعا ً على أنها من الجارة على العمال‪.‬‬

‫‪422‬‬
‫وهذه الرسوم جائزة سواء اشتريت البطاقة بنفللس عملللة‬
‫القيمة المخزنة فيها أو بعملة أخرى‪ ،‬ول يختل بذلك شرط‬
‫الصرف‪ ،‬أمللا إذا اختلفللت العملللة فللالمر ظللاهر‪ ،‬وأمللا إذا‬
‫ل آخللر ل علقللة للله‬ ‫اتحدت فلن هذه الرسوم مقابللل عم ل ٍ‬
‫بالصرف‪ ،‬ولهذا نجد من علمائنا المتقدمين من ذهللب إلللى‬
‫مثل هذا القول‪ ،‬وأنه إذا كان العقد ل تجوز المفاضلة فيلله‪،‬‬
‫فقام أحد المتعاقدين بعمل يستحق عليه الجللر فللي ذلللك‬
‫العقد فيجوز له أخذ الجر بمللا يقابللل ذلللك العمللل‪ ،‬فجللوز‬
‫شلليخ السلللم ابللن تيميللة وابللن القيللم رحمهمللا الللله بيللع‬
‫المصوغ والحلية من الذهب والفضة بمثل جنسه متفاضللل ً‬
‫إذا كان الفللرق فللي مقابللل أجللرة الصللنعة)‪ ، (4‬كمللا قللرر‬
‫مجلللس مجمللع الفقلله السلللمي جللواز أخللذ الجللور عللن‬
‫خدمات القللروض إذا كللانت فللي حللدود النفقللات الفعليللة‪،‬‬
‫وذلللك فللي جللواب اسللتفتاء مقللدم مللن البنللك السلللمي‬
‫للتنميللة)‪ ، (5‬وللجنللة الدائمللة للفتللاء بالمملكللة العربيللة‬
‫السعودية فتوى بنحو ذلك )‪.(6‬‬
‫والثللالث ‪ :‬نسللبة الخصللم الللتي تؤخللذ علللى التللاجر الللذي‬
‫يشترى منه بالبطاقة‪:‬‬
‫ذلك أنلله مللن المعللروف أن شللركات البطاقللات الئتمانيللة‬
‫تأخذ ملن التلاجر نسلبة " عموللة "ملن قيملة المشلتريات‬
‫بالبطاقة‪ ،‬وجزء من هذه النسللبة يعطللى للجهللة المصللدرة‬
‫للبطاقة‪.‬‬
‫وهللذه العمولللة جللائزة أيضللا ً لنهللا فللي مقابللل الخدمللة‬
‫التسويقية التي يقدمها المصدر للتاجر‪ ،‬إذ من المعلللوم أن‬
‫كلون التلاجر يقبللل البطاقللات الئتمانيللة يعللد ذلللك وسليلة‬
‫جذب لحاملي تلك البطاقللات للتسللوق منلله‪ ،‬وهللذا العمللل‬
‫متقوم شرعا ً يستحق عليه صاحبه العوض‪ ،‬ويمكن تخريجه‬
‫على عقللد السمسللرة‪ ،‬وقللد نللص الفقهللاء علللى أن أجللرة‬
‫السمسللار تلحللق بالجعالللة إذا كللانت ل تسللتحق إل بتمللام‬
‫العمل‪ ،‬قال في البهجة – عند الحديث على جللواز الجللارة‬
‫على الشيء بجزء منه ‪) :-‬وعلى ذلك تخللرج أجللرة الللدلل‬
‫ل()‪ ، (7‬وفللي عمللدة القللاري‪" :‬أجللرة‬ ‫بربع عشر الثمللن مث ً‬
‫السمسللار ضللربان‪ :‬إجللارة وجعالللة ‪ ...‬والثللاني‪ :‬ل يضللرب‬

‫‪423‬‬
‫فيها أجل ول يستحق في الجعالة شلليئا ً إل بتمللام العمللل()‬
‫‪ ، (8‬ومن المعلوم أن المصدر ل يستحق تلللك العمولللة إل‬
‫بعد تمام العمل وهو شراء المشتري من التاجر بالبطاقة‪.‬‬
‫وهذه العمولة جائزة سواء اشتريت البطاقة بنفللس عملللة‬
‫القيمة المخزنة فيها أو بعملة أخرى‪ ،‬لنفس التعليللل الللذي‬
‫أشرنا إليه آنفا ً في رسوم الشتراك‪.‬‬
‫وبهذا يتبين جواز البطاقات ذات الدفع السابق ‪ ،‬وأن جميع‬
‫الرسوم التي تأخذها الشركة المصدرة من حامل البطاقللة‬
‫ل محظور فيها شرعًا‪ ،‬ما لم تختلف قيمللة شللحن البطاقللة‬
‫عللن القيمللة المخزنللة فيهللا وذلللك فيمللا إذا كللانت عملللة‬
‫القيمتين واحدة‪.‬‬
‫والخلصة‪:‬‬
‫أن البطاقة بالوصف المذكور من أحد المشلتركين جللائزة‪،‬‬
‫ول مانع من الشتراك فيها بالنسبة للمسلم‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫)*( إفادة من أحد المشتركين في البطاقة‪:‬‬
‫بطاقللة )سللعودي تللك( الشللرائية للنللترنت‪ ،‬كللأي بطاقللة‬
‫ماستركارد‪ ،‬توفر لك بطاقة )سعودي تك( إمكانية التسوق‬
‫العالمي مللن خلل شللبكة النللترنت‪ ،‬إنهللا بطاقللة مدفوعللة‬
‫ل‪ ،‬ويمكللن‬ ‫مسبقا ً ذات اشتراك سنوي مقللداره )‪ (165‬ريللا ً‬
‫استخدامها كنقد حقيقي لي شللراء علللى النللترنت‪ ،‬وهللي‬
‫ذات قيمة كبيرة لعدم وجود أي تكاليف أو رسللوم إضللافية‬
‫عليها أو على استخدامها‪ ،‬فقط أعد شحن البطاقة في أي‬
‫وقت وبكل سللهولة لي عمليللة شللراء ترغللب بهللا‪ ،‬بطاقللة‬
‫)سللعودي تللك( تمنحللك المرونللة والمللان فللي تحديللد‬
‫استخدامك لها )ذات حد أقصى ‪ 250‬دولرا ً أمريكيلًا‪ ،‬وحللد‬
‫أدنى ‪ 25‬دولرا ً لعادة الشحن(‪.‬‬
‫لبطاقة )سعودي تك( رقم حساب ماستركارد مكون من )‬
‫‪ (16‬رقملللًا‪ ،‬أصلللدر علللن طريلللق )آل سلللرور لتقنيلللة‬
‫المعلومات(‪ ،‬قابل للستخدام والشللراء فللي جميللع مواقللع‬
‫النترنت التي تقبل بطاقات ماستركارد‪.‬‬
‫بطاقة )سللعودي تللك( هللي بطاقللة ماسللتركارد فللي جميللع‬
‫خصائصللها باسللتثناء أنلله ل يمكللن اسللتخدامها كبطاقللة‬
‫ملموسة في عمليات الشراء‪.‬‬

‫‪424‬‬
‫بطاقللة )سللعودي تللك( ل يمكللن أن تسللتعمل لي عمليللة‬
‫شلللراء تتطللللب تقلللديم بطاقلللة ماسلللتركارد ملموسلللة ‪،‬‬
‫كاستخدامها في منافذ البيع‪.‬‬
‫بطاقة )سعودي تك( ل يمكن أن تستعمل لعمليات الشراء‬
‫عن طريق البريد أو الهاتف‪ ،‬علوة على ذلللك فللإن بطاقللة‬
‫)سللعودي تللك( ل يمكللن أن تسللتعمل لعمليللات الشللراء‬
‫المزدوجة‪ ،‬على سبيل المثال‪ :‬ل يمكللن شللراء سلللعة مللن‬
‫خلل النترنت يتطلب تقديم بطاقللة ماسللتركارد ملموسللة‬
‫تحمل نفس رقم الحساب لتسليمها إلى المشتري‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وهللي صللالحة‬ ‫العرض الخاص‪ :‬قيمللة البطاقللة ‪ 265‬ريللا ً‬
‫للستخدام لمدة سنة‪ ،‬وتحمل قيمللة شللرائية أوليللة تعللادل‬
‫‪ 25‬دولرا ً أمريكيللًا‪ ،‬وتحصللل معهللا علللى عشللر سللاعات‬
‫إنترنت مجانية‪ ،‬وتتم إعادة شحن البطاقة بنفس الطريقللة‬
‫من مضاعفات الل ‪ 25‬دولرًا‪ ،‬وقيمة الدولر تسللاوي أربعللة‬
‫ريالت‪.‬‬

‫)‪ (1‬انظللر ‪ :‬مجمللوع فتللاوى ابللن تيميللة ‪ 20/515‬البهجللة‬


‫شرح التحفة ‪ 2/288‬حاشية الجمل ‪3/261‬‬
‫)‪(2‬انظلر ‪ :‬بلدائع الصلنائع ‪ 5/244‬المنتقلى للبلاجي ‪6/97‬‬
‫المغني ‪4/125‬‬
‫)‪ (3‬الورق النقدي حقيقته وتاريخ وحكمه ص ‪113‬‬
‫)‪(4‬انظر ‪ :‬أعلم الموقعين ‪2/140‬‬
‫)‪(5‬مجلة المجمع ‪305 /3‬‬
‫)‪(6‬مجلة البحوث السلمية )‪(18/81 ) (8/147‬‬
‫)‪(7‬البهجة شرح التحفة ‪2/181‬‬
‫)‪(8‬عمدة القاري ‪10/85‬‬
‫===============‬
‫‪ #‬رأي في تأجيل العوضين في عقد التوريد‬
‫عبد العزيز بن إبراهيم الشبل)*( ‪2/7/1425‬‬
‫‪18/08/2004‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم علللى رسللول الللله وعلللى آللله‬
‫وصحبه ومن واله‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫‪425‬‬
‫فبعللد بدايللة عصللر الثللورة الصللناعية والتطللور السللريع‬
‫للمنتجات الحديثة واتساع التجارة بين الدول ظهرت عقود‬
‫أضحت من لوازم تلللك التجللارة‪ ،‬ومللن تلللك العقللود عقللود‬
‫التوريد وعقود العاشة‪ ،‬أن الشكال الذي يرد على عقللود‬
‫التوريد أنه في الغالب يكون اتفاق ملزم للطرفين )عقللد(‬
‫وهذا التفاق عند إبرامه ل يتضمن تسليم أحد العوضللين أو‬
‫كليهما‪ ،‬وبناء على ذلك رأى كثير من الفقهللاء المعاصللرين‬
‫أنه من قبيل بيع الدين بالدين المنهي عنلله شللرعًا‪ ،‬وبللذلك‬
‫جللاء قللرار مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق مللن منظمللة‬
‫المؤتمر السلمي )‪.(1)(1/12) (107‬‬
‫ولكن هلل هلذا الحكلم مسللم؟ وهللل هللذا هلو رأي جميللع‬
‫الفقهللاء المتقللدمين؟ أل يوجللد مسللائل ذكرهللا الفقهللاء‬
‫المتقدمون يمكن تخريج عقد التوريد عليها؟‬
‫الحقيقة أن هناك بعض الصور التي ذكرها الفقهللاء تنطبللق‬
‫على عقد التوريد ل أو هي قريبة منه ل وهذه الصور يجمعها‬
‫أنها بيع تأخذ فيه السلع شيئا ً فشيئًا‪.‬‬
‫وهذا البيع لم يتفق الفقهاء على اسم واحد له‪ ،‬بل له عدة‬
‫أسماء‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ .1‬بيع السللتجرار‪:‬وهللذه التسللمية موجللودة عنللد متللأخري‬
‫الحنفيللة)‪ ، (2‬وعنللد الشللافعية )‪ ،(3‬ولعللل سللبب هللذه‬
‫التسمية‪ :‬أن أخذ المشتري السلللعَ مللن البللائع بيللن الفينللة‬
‫والخلرى فيلله معنلى الجلّر والجلذب؛ لن المشلتري يأخلذ‬
‫السلع شيئا ً فشيئا ً فكأنه يجّرها من البائع‪.‬‬
‫أو لعل سبب التسمية‪ :‬أن الغالب في الستجرار أن يكون‬
‫الثمن مؤخرًا‪ ،‬والعرب تقلول‪ :‬أجلررت لله دينله أي أخرتله‬
‫له)‪.(4‬‬
‫أو لن البللائع ينقللاد للمشللتري فيعطيلله مللا يطلللب منلله‪،‬‬
‫والعللرب تقللول‪ :‬اسللتجررت للله‪ :‬أي أمكنتلله مللن نفسللي‬
‫فانقدت له‪.(5).‬‬
‫والحتمال الول أقرب‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪ .2‬بيعة أهل المدينة‪:‬‬
‫وهذه التسمية مشهورة عند المالكيللة فللإنهم يسللمون بيللع‬
‫الستجرار بيعة أهل المدينة؛ وذلك لشتهارها بينهم)‪.(6‬‬

‫‪426‬‬
‫‪ .3‬مسألة السللعر‪ :‬وهللذه التسللمية يللذكرها شلليخ السلللم‬
‫وابن القيم‪(7)،‬‬
‫ويشيران بهلا إللى مسلألة اللبيع بسلعر السلوق ويجعلنهلا‬
‫والستجرار شيئا ً واحدًا‪ ،‬ولعل سبب هذه التسمية أن شيخ‬
‫السلم يرى أن الللبيع فللي بيللع السللتجرار ينعقللد بالقيمللة‬
‫)سعر السوق(‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وقيل‬ ‫‪ .4‬الوجيبة‪ :‬وهي أن توجب البيع ثم تأخذه أول ً فأو ً‬
‫هي‪ :‬على أن تأخذ منه بعضا ً في كللل يللوم حللتى تسللتوفي‬
‫وجيبتك)‪.(8‬‬
‫‪ .5‬أما كثير من الفقهللاء فللإنهم ل يسللمون بيللع السللتجرار‬
‫باسم بل يصفونه وصفًا‪ ،‬كأن يقولللوا مللا يأخللذه المشللتري‬
‫من البياع‪ ،‬أو من البقال شيئا ً فشيئًا‪ ،‬ونحو ذلك‪.(9).‬‬
‫الفرق بين الستجرار والمعاطاة‬
‫البيع بالسللتجرار قريللب مللن الللبيع بالمعاطللاة )التعللاطي(‬
‫ولهللذا فللإن بعللض الفقهللاء يللذكره بعللد الكلم عللن الللبيع‬
‫بالمعاطاة‪ ،‬ولكن هناك فروق بيللن السللتجرار والمعاطللاة‪،‬‬
‫هي‪:‬‬
‫‪ .1‬مللن حيللث صلليغة العقللد‪ :‬بيللع السللتجرار أعللم مللن‬
‫المعاطاة؛ لن المعاطللاة تكللون بالفعللل‪ ،‬بينمللا السللتجرار‬
‫يكون بالقول )إيجاب وقبول( ويكون بالفعل )معاطاة(‪.‬‬
‫‪ .2‬من حيث الثمن‪ :‬الغالب في الستجرار تأجيل الثمن‪ ،‬أو‬
‫عدم تحديده في صور أخرى‪ ،‬بينما الغللالب فللي المعاطللاة‬
‫مناولة الثمن عند التعاطي)‪.(10‬‬
‫‪ .3‬من حيث طول العقد‪ :‬السللتجرار عقللد طويللل يسللتمر‬
‫أياما ً وشهورًا‪ ،‬يتم فيه قبللض المللبيع علللى مراحللل‪ ،‬ولهللذا‬
‫فهو في بعض صوره مجموعة من العقود‪ ،‬وأمللا المعاطللاة‬
‫فتتم مرة واحدة‪.‬‬
‫صور الستجرار‪:‬‬
‫لبيع الستجرار صور عديللدة‪ ،‬وهللذه الصللور تللذكرها بعللض‬
‫المذاهب دون بعض‪ ،‬فنجد عند الحنفية صورا ً ل نجللد لهللذا‬
‫ذكرا ً عند المالكية وهكذا‪ ،‬وجامع هذه الصور أن الثمن إمللا‬
‫أن يكللون مقللدما ً )نقللدًا( والمثمللن )المللبيع( مللؤخرًا‪ ،‬أو‬

‫‪427‬‬
‫العكس‪ ،‬أو أن يكون العوضان مؤخرين‪ ،‬والصورة الخيللرة‬
‫هي التي تعنينا‪.‬‬
‫حكم الصورة الثالثة من صور الستجرار‬
‫وهي‪ :‬أن يتفقا على أن يأخذ المشتري من البائع كللل يللوم‬
‫لللل‪ ،‬ويتفرقللان مللن دون قبللض‬ ‫كيس أرز بمللائة ريللال لل مث ً‬
‫الثمن‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء ل رحمهم الله ل في هذه المسألة علللى‬
‫قولين‪:‬‬
‫القللول الول‪ :‬أن هللذا الللبيع ل يجلوز‪ ،‬وهللو قللول الحنفيلة)‬
‫‪ ، (11‬وقول للمام مالللك )‪ ، (12‬وقللول الشللافعية )‪،(13‬‬
‫والحنابلة)‪ ، (14‬وهذا بناء على رأيهم في مسألة بيع الدين‬
‫بالدين‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن هللذا الللبيع ممللا يتسللاهل فيلله‪ ،‬إذا كللانت‬
‫المعاملة من دائم العمل كالخباز واللحام‪ ،‬بشروط‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬أن يشرع في أخذ ما أسلم فيه‪ ،‬على أنهللم‬
‫تسامحوا فللي ذلللك إلللى عشللرة أيللام‪ ،‬وبعضللهم ذكللر أنلله‬
‫يتسامح فيما دون نصف شهر‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون أصل هذا المبيع عند البائع‪.‬‬
‫درًا‪،‬‬
‫الشللرط الثللالث‪ :‬أن يكللون مللا يأخللذه المشللتري مق ل ّ‬
‫ويسمي ما يأخذ منه فللي كللل مللرة‪ ،‬فللإن حللدد مقللدار مللا‬
‫يأخذه كل يوم وثمنه ولكنه لم يحللدد مقللدار جملللة المللبيع‬
‫صح البيع ولكن العقد ينقلب إلى عقد جائز ل لزم‪.‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أن يكون الثمن إلى أجل معلوم‪.‬‬
‫الشرط الخامس‪ :‬أن يكون تحصيل الثمللن مأمون لًا‪ ،‬وذلللك‬
‫كأن يواعده إلى خروج العطللاء)‪ (15‬المللأمون‪ ،‬وكللذلك إذا‬
‫واعده إلى نهايللة الشللهر‪ ،‬وقبللض الرواتللب وكللانت الجهللة‬
‫التي يعمل عندها المشلتري مأمونلة ملن عادتهلا أل تتلأخر‬
‫في دفع الرواتب‪.‬‬
‫وهذه الصورة وإن كللانت قريبللة مللن السلللم‪ ،‬إل أنهللم لللم‬
‫يعدوها سلما ً محضًا‪ ،‬ولهذا أجازوا تأخير رأس المال‪ ،‬ولكن‬
‫ل بد أن يكون ذلللك مللن دائم العمللل كالخبللاز‪ ،‬أمللا إن لللم‬
‫يكن من دائم العمل فهللي سلللم يشللترط لهللا مللا يشللترط‬
‫للسلم من شروط‪ ،‬كما أنهم لم يجعلوا لهللا أحكللام شللراء‬

‫‪428‬‬
‫العيان ولهذا جاز عندهم أن يتأخر قبللض جميللع المللبيع إذا‬
‫شرع في قبض أوله‪ ،‬وهذا القول هو المذهب عند المالكية‬
‫)‪.(16‬‬
‫وهو مذهب الحنابلة في المبيع الموصوف المعّين‪ ،‬وروايللة‬
‫عند الحنابلة في المبيع الموصوف غير المعّين)‪.(17‬‬
‫قال في الشرح الكبير‪ ):‬والللبيع بالصللفة نوعللان‪ :‬أحللدهما‪:‬‬
‫بيللع عيللن معينللة‪ ،‬مثللل أن يقللول‪ :‬بعتللك عبللدي الللتركي‪...‬‬
‫ويجللوز التفللرق قبللل قبللض ثمنلله وقبضلله كللبيع الحاضللر‪،‬‬
‫الثاني‪ :‬بيع موصوف غير معين‪ ،‬مثل أن يقول بعتللك عبللدا ً‬
‫تركيا ً ثم يستقصي صفات السلم‪ ...‬ول يجللوز التفللرق عللن‬
‫مجلللس العقللد قبللل قبللض المللبيع أو قبللض ثمنلله‪ ...‬وقللال‬
‫القاضي‪ :‬يجوز التفللرق فيلله قبللل القبللض؛ لنلله بيللع حللال‪،‬‬
‫فجاز التفرق فيه قبل القبض‪ ،‬كبيع العين(‪.‬‬
‫أدلة القوال‪:‬‬
‫يستدل لصحاب القول الول بالدلة الدالة على حرمة بيللع‬
‫الدين بالدين‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬حديث النهي عن بيع الكالئ بالكالئ)‪.(18‬‬
‫ويعترض على هذا اللدليل بلأنه‪ :‬للم يصلح فلي هلذا البلاب‬
‫حديث‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬إجماع المللة علللى حرمللة بيللع الللدين بالللدين‪ ،‬وقللد‬
‫حكى ذلك المام أحمد)‪.(19‬‬
‫ويعترض على هذا الدليل‪ :‬بأن الجماع لللم يقللع علللى كللل‬
‫صور بيع الللدين بالللدين بللل وقللع علللى بعللض الصللور دون‬
‫بعض)‪ ،(20‬وحينئذ ٍ فإن التحريم يثبت في الصور التي وقع‬
‫التفاق عليها دون التي وقع الخلف فيهللا‪ ،‬وهللذه المسللألة‬
‫مما وقع فيه الخلف فل يثبت لها التحريم‪.‬‬
‫وقللد يجللاب عللن هللذا العللتراض بللأنه‪ :‬يستصللحب حكللم‬
‫الجماع في موضللع الخلف‪ ،‬فللإذا كللان بيللع الللدين بالللدين‬
‫ابتلداء وقلع الجملاع عللى تحريمله‪ ،‬فإننلا نستصلحب هلذا‬
‫الحكم في موضع الخلف‪.‬‬
‫ولكن يقال في الجابة عن هذا اليللراد بللأن‪ :‬الصللحيح مللن‬
‫أقوال الصوليين أنه ل يصح استصحاب حكم الجمللاع فللي‬
‫موضع الخلف؛ لن موضع الخلف لللم يثبللت فيلله إجمللاع‪،‬‬

‫‪429‬‬
‫والصل فيه الجللواز‪ ،‬فيستصللحب هللذا الجللواز حللتى يللأتي‬
‫ل علللى التحريللم فيبقللى‬ ‫دليل يمنع من الجواز‪ ،‬ول دليل يد ّ‬
‫الصل وهو الجواز)‪.(21‬‬
‫دليل القول الثاني‪:‬‬
‫أجاز أصحاب هذا القول هذه الصورة استحسانًا‪ ،‬وإن كللان‬
‫القياس يخالفه واستندوا في هذا الستحسان على ما كان‬
‫عليلله عمللل أهللل المدينللة‪ ،‬ففللي المدونللة )‪ ..): ،(22‬عللن‬
‫سالم بن عبد الله قللال‪ :‬كنللا نبتللاع اللحللم كللذا وكللذا رطل ً‬
‫بدينار‪ ،‬يأخذ كل يوم كذا وكذا‪ ،‬والثمن إلى العطاء‪ ،‬فلم ير‬
‫أحد ذلك دينا ً بدين‪ ،‬ولم يروا بذلك بأسًا()‪.(23‬‬
‫العتراض على هذا الدليل‪:‬‬
‫أن هذا الثر يحمل على أنه في كل مرة يتم الشراء يجللب‬
‫على المشتري ثمن ما يأخذ‪ ،‬ويكللون وقللت تسللليم الثمللن‬
‫عند العطاء‪ ،‬فيكون هناك عقد بينهمللا فللي كللل مللرة يأخللذ‬
‫المشتري من البائع شيئًا‪ ،‬وعلللى ذلللك ل يكللون هنللاك بيللع‬
‫دين بدين‪ ،‬بل هو عقللد متجللدد‪ ،‬ويللترتب علللى ذلللك أنلله ل‬
‫يلزم أحدا ً منهما التمادي على هذا الفعل بللل للله أن يمتنللع‬
‫متى ما شاء عن هذا البيع)‪.(24‬‬
‫الجابة عن هذا العتراض‪:‬‬
‫مللا ذكللر فللي العللتراض خلف مللا يظهللر مللن فعللل أهللل‬
‫المدينة‪ ،‬بل الظاهر أنهم كانوا يعقدون العقد ويتسللامحون‬
‫في هذا التأخير للبدلين‪ ،‬ولهذا صّرح سالم أنهم لم يكونللوا‬
‫يرون ذلك من قبيل بيع الدين بالدين‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫الظللاهر ل ل والللله أعلللم بالصللواب ل ل أن الراجللح هللو قللول‬
‫المالكية؛ لن النهللي عللن بيللع الكللالئ بالكللالئ مللرّده إلللى‬
‫الجماع‪ ،‬وأما الحديث فلم يثبت مرفوعا ً إلى النبي ‪ -‬صلى‬
‫لله عليلله وسلللم ‪ -‬وعلللى ذلللك فللأي صللورة يتخلللف عنهللا‬
‫الجماع فالصل فيها الجواز إذا خلت من محظورين‪:‬‬
‫)‪ (1‬الربا‪.‬‬
‫)‪ (2‬الغرر‪.‬‬
‫وهذه الصورة ل يوجد فيهللا ربللا ول غللرر‪ ،‬ولللم يثبللت فيهللا‬
‫إجماع‪ ،‬فتبقى على الصل وهو الباحة‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬

‫‪430‬‬
‫وعلى ذلك فإذا كان عقد التوريد بين تاجر وبين مصنع ينتج‬
‫سلعة من السلع‪ ،‬وبعد العقد تم توريد هذه السلعة للتللاجر‬
‫وتم التفاق على قدر )كمية( السلع الموردة‪ ،‬وتم التفللاق‬
‫على موعد سداد الثمن‪ ،‬وكللان تحصلليل ثمللن هللذه السلللع‬
‫مأمونا ً في الحللوال المعتللادة‪ ،‬كللأن يكللون التللاجر صللاحب‬
‫مكانة اقتصادية بحيث يسللتطيع تصللريف هللذه السلللع ورد ّ‬
‫ثمنها‪ ،‬أو كان التاجر يتعامل مللع الدولللة والدولللة لللم يعهللد‬
‫عنها جحد لحقوق التجار‪ ،‬أقول إذا تللوفرت تلللك الشللروط‬
‫فما المانع من القول بصحة عقد التوريد؟‬
‫في رأيللي المتواضللع ل يوجللد مللانع مللن ذلللك‪ ،‬خاصللة وأن‬
‫مصالح النللاس متعلقللة بهللذه العقللود‪ ،‬والللله أعلللم وصلللى‬
‫وسلم على نبينا محمد‪.‬‬
‫)*( عضو هيئة التدريس بجامعة المللام محمللد بللن سللعود‬
‫السلمية‬
‫)‪ (1‬القرار لم يكن بالغلبية كما هو واضللح مللن مناقشللات‬
‫ِالعضاء‪ ،‬كما أن الموضوع ل على أهميته لل لللم يأخللذ حقلله‬
‫من البحث والمناقشة‪ ،‬وليللت أن مجمللع الفقلله يللذكر فللي‬
‫قراراته كلها هل صللدر القللرار بالجمللاع أم بالغلبيللة؟ مللع‬
‫إدراج الللرأي المخللالف ل ل إن وجللد ل ل كمللا يفعللل المجمللع‬
‫الفقهي التابع للرابطة و هيئة كبار العلماء في السعودية‪.‬‬
‫)‪ (2‬انظر‪ :‬البحر الرائق )‪ (5/279‬وحاشللية ابللن عابللدين )‬
‫‪ (4/12‬ودرر الحكام لعلي حيدر )شرح م ‪(1/157)(205‬‬
‫)‪ (3‬تحفللة المحتللاج )‪ (4/217‬ونهايللة المحتللاج )‪(3/375‬‬
‫وحاشية الجمل )‪ (3/9‬وحاشللية البجيرمللي علللى المنهللج )‬
‫‪(2/168‬‬
‫)‪ (4‬المقاييس في اللغللة مللادة )جللر( )‪ (1/413‬والصللحاح‬
‫مادة )جرر( )‪ (2/612‬ولسان العرب )‪ (2/242‬والقاموس‬
‫)‪(464‬‬
‫)‪ (5‬القاموس المحيط )‪(464‬‬
‫)‪ (6‬مواهب الجليل )‪ (6/517‬ومنح الجليل )‪(3/36‬‬
‫)‪ (7‬النكت على المحرر )‪ (1/300‬وأعلم الموقعين )‪(4/7‬‬
‫)‪ (8‬البرقيات لحمد تيمور باشللا )‪ ،(75‬وانظللر‪ :‬القللاموس‬
‫)وجب()‪(180‬‬

‫‪431‬‬
‫)‪ (9‬انظللر‪ :‬البحللر الللرائق )‪ (5/279‬والموطللأ مللع شللرح‬
‫الباجي)‪ (5/15‬والمجمللوع )‪9/163‬ل ل ‪ (164‬والنكللت علللى‬
‫المحرر)‪(1/300‬‬
‫)‪ (10‬انظر‪ :‬الموسوعة الفقهية الكويتية )‪(9/43‬‬
‫)‪ (11‬المبسوط )‪ (12/127‬وبدائع الصنائع)‪4/343‬و ‪397‬و‬
‫‪ (486‬والهداية مع البناية )‪(8/353‬‬
‫)‪ (12‬مواهب الجليل )‪ (6/517‬منح الجليل )‪(3/36‬‬
‫)‪ (13‬المهلللذب ملللع المجملللوع )‪9/399‬لللل ‪ (400‬وتحفلللة‬
‫المحتاج )‪ (5/4‬ونهاية المحتاج )‪(4/184‬‬
‫)‪ (14‬انظر‪ :‬الشللرح الكللبير والنصللاف )‪(12/105‬كشللاف‬
‫القناع )‪ (3/265‬ومطالب أولي النهى )‪(3/171‬‬
‫)‪ (15‬العطللاء هللو‪ :‬الللذي يعطيلله المللام مللن بيللت المللال‬
‫لمستحقه‪ .‬تسهيل منح الجليل )‪(3/36‬‬
‫)‪ (16‬مواهب الجليل )‪6/516‬ل ‪ (517‬ومنح الجليل )‪3/35‬ل‬
‫‪ (36‬وشرح الخرشي مللع حاشللية العللدوي عليلله )‪(5/223‬‬
‫والشرح الصغير مع حاشية الصاوي )‪3/220‬ل ‪(221‬‬
‫)‪ (17‬انظللر‪ :‬الشللرح الكللبير والنصللاف )‪11/102‬ل ل ‪(103‬‬
‫والمبدع )‪ (4/27‬والنصاف )‪ (3/163‬وقولهم يحتللاج مزيللد‬
‫تأمل وتحرير‪.‬‬
‫)‪ (18‬الحديث أخرجه‪ :‬الدارقطني )‪ (3/71)(269‬والحللاكم‬
‫)‪(2/57‬مللن طريللق الخصلليب بللن ناصللح ثنللا عبللد العزيللز‬
‫الداروردي عن موسى بن عقبة عللن نللافع عللن ابللن عمللر‬
‫رضي الله عنهما‪ ،‬وقال الحاكم‪ :‬صحيح على شرط مسلللم‬
‫ولم يخرجاه‪.‬‬
‫كمللا أخرجلله الللدارقطني )‪(3/72)(270‬والحللاكم)الموضللع‬
‫السابق( من طريق حمزة بن عبد الواحد عن موسللى بللن‬
‫عقبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر‪.‬‬
‫وهذا السناد وإن كان ظاهره الصحة‪ ،‬إل أن الطحاوي في‬
‫شللرح معللاني الثللار )‪ (4/21)(5554‬وفللي شللرح مشللكل‬
‫الثار )‪ (2/265)(795‬وأحمد بن منيع )كما فللي المطللالب‬
‫العالية )‪ ((2/97‬والبيهقي في الكبرى )‪ (5/290‬والعقيلللي‬
‫في الضعفاء الكبير )‪ (4/162‬أخرجوه من طريللق موسللى‬
‫بن عبيدة الربذي )ل عقبة( عن عبد الله بن دينار عن ابللن‬

‫‪432‬‬
‫عمر‪ ،‬وأخرجه البيهقي )الموضع السابق( وابللن عللدي فللي‬
‫الكامل )‪ (6/335‬من طريق موسى بللن عبيللدة عللن نللافع‬
‫م‬
‫ي والحللاك َ‬‫ي الللدارقطن َ‬‫عللن ابللن عمللر‪ ،‬ثلم نلاقش اللبيهق ّ‬
‫ووهمهما في ذكر موسى بن عقبللة وبي ّللن أنلله موسللى بللن‬
‫عبيدة الربذي‪ ،‬وقال‪ ):‬الحديث مشهور بموسى بللن عبيللدة‬
‫مرة عن نافع عن ابن عمر‪ ،‬ومرة عن عبد الللله بللن دينللار‬
‫عن ابن عمر(‪.‬‬
‫وعلى ذلك فالحديث ضعيف من أجللل ضللعف موسللى بللن‬
‫عبيدة‪) ،‬انظر الضعفاء للعقيلللي )‪ (4/160‬و الكامللل لبللن‬
‫عدي )‪ ((6/333‬ولهذا قال فيلله المللام أحمللد إنلله ل يصللح‬
‫فيه حديث‪.‬‬
‫وانظر في تضعيف الحديث‪ :‬نصب الراية )‪ (4/40‬وتلخيص‬
‫الحبير )‪ (3/26‬وإرواء الغليللل )‪ (5/220‬والتحللديث )‪(113‬‬
‫والمغني عن الحفظ والكتاب مع جنة المرتاب )‪.(405‬‬
‫ومع ضعف الحديث فقد قال الطحاوي في شرح المشكل‬
‫)‪ ):(2/266‬واحتمل أهل الحديث هذا الحللديث مللن روايللة‬
‫موسى بن عبيدة وإن كان فيها ما فيها(‪.‬‬
‫ومعنللى الكللالئ بالكللالئ‪ :‬أي النسلليئة بالنسلليئة أو الللدين‬
‫بالللدين‪ ،‬انظللر‪ :‬سللنن الللدارقطني )‪ (3/71‬وشللرح معللاني‬
‫الثار )‪ (2/21‬ومستدرك الحللاكم )‪ (2/57‬وسللنن الللبيهقي‬
‫الكبرى )‪ (5/290‬والمطالب العالية )‪(2/97‬‬
‫)‪ (19‬انظر في حكاية الجماع‪ :‬العقود لبللن تيميللة )‪(451‬‬
‫وأعلم الموقعين )‪ (2/10‬وطبقات الشافعية لبن السبكي‬
‫)‪(10/231‬‬
‫)‪ (20‬انظللللر‪ :‬العقللللود وأعلم المللللوقعين )الموضللللعين‬
‫السابقين(‬
‫)‪ (21‬انظللر‪ :‬التمهيللد لبللي الخطللاب الكلللوذاني )‪(4/254‬‬
‫وروضلللة النلللاظر )‪ (2/509‬وأعلم الملللوقعين )‪(1/318‬‬
‫والبحر المحيط )‪(8/20‬‬
‫)‪(3/293) (22‬‬
‫)‪ (23‬وانظللر‪ :‬مللواهب الجليللل )‪ (6/517‬ومنللح الجليللل )‬
‫‪(3/36‬‬
‫)‪ (24‬مواهب الجليل )‪ (6/517‬ومنح الجليل )‪(3/36‬‬

‫‪433‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬الشركات النقية والسهم المختلطة!‬
‫تركي بن محمد اليحيى ‪1/7/1427‬‬
‫‪26/07/2006‬‬
‫مصطلح "السهم النقية" يراد به أن تكون الشللركة خاليللة‬
‫من الستثمارات المحرمة المعلنللة أو البللارزة فللي نشللاط‬
‫الشركة أو قوائمها‪ ،‬وذلللك أنلله ل يمكللن أن يشللترط علللى‬
‫المسلم أن يتتبع جزئيات الشركة وأعمالهلا اليوميلة‪ ،‬فهلذا‬
‫متعذر ول يمكن اشتراطه‪ ،‬فُيكتفي بما يظهللر مللن أعمللال‬
‫الشركة ونشاطاتها وقوائمها‪.‬‬
‫أما ما يسمى بل"الشركات المختلطة" فهي الشركات ذات‬
‫النشاط المباح في الصل لكنها تتعامل ببعللض المعللاملت‬
‫المحرمة كالربا وغيره‪ ،‬وهذه أجازها بعض أهل العلم على‬
‫ف بينهم في ضوابط الجواز‪ ،‬بينما حرمهللا بعلض أهللل‬ ‫اختل ٍ‬
‫العلم مهما كانت نسبة الختلط فيها‪.‬‬
‫والذي ظهر لي من خلل بحث المسللألة والقللوال والدلللة‬
‫فيها رجحان القول بالتحريم‪.‬‬
‫وليللس المقصللود هنللا بحللث هللذه المسللألة‪ ،‬وإنمللا المللراد‬
‫الحديث عللن مسللألة مبنيللة علللى القللول بتحريللم السللهم‬
‫المختلطة‪.‬‬
‫وهي أن بعض الشركات "النقية" التي ل تستثمر بلالحرام‪،‬‬
‫قد تستثمر في أسهم الشركات المختلطة‪ ،‬وقد يللرد علللى‬
‫ل حول تأثير هذا السللتثمار علللى جللواز تلللك‬ ‫الباحث إشكا ٌ‬
‫الشركات النقية‪.‬‬
‫وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن مثل هذا الستثمار يللؤدي‬
‫إلى اعتبار تلك الشركات شركات مختلطللة ويخرجهللا عللن‬
‫كونها من الشركات النقية‪.‬‬
‫وحيللث إن هللذه المسللألة متصلللة بأحللد مبللاحث رسللالة‬
‫الدكتوراه التي أقوم بإعدادها فقد كتبت فيهللا وجهللة نظللر‬
‫أحببت أن أطرحها بين يدي إخللواني مللن البللاحثين وطلبللة‬
‫العلم‪ ،‬أرجو أن أستفيد من مداخلتهم حولها‪.‬‬
‫ولعلي أطرح المسألة من خلل النقاط التالية‪:‬‬

‫‪434‬‬
‫ل‪ :‬لبللد أن نحللدد الوصللف الفقهللي لتحريللم السللهم‬ ‫أو ً‬
‫المختلطة‪ ،‬ثم نبني الحكم انطلقا ً من ذلك الوصف‪ ،‬بحيث‬
‫نعطي حكما ً مطللردا ً لكللل مسللألة مماثلللة‪ ،‬فل نفللرق بيللن‬
‫المتماثلت في الحكم أو العكس‪.‬‬
‫فإذا اعتبرنا تحريم السللهم المختلطللة أمللرا ً قطعيلًا‪ ،‬أو أن‬
‫ف شللاذ‪ ،‬فيجللب أن يكللون أثللر السللتثمار‬ ‫الخلف فيها خل ٌ‬
‫فيهللا علللى الشللركات‪ ،‬كللأثر السللتثمار بالربللا وغيللره مللن‬
‫المعاملت المحرمة‪.‬‬
‫أما إذا اعتبرنا أن تحريمهللا مسلألة اجتهاديللة مختلللف فيهلا‬
‫وأنه مع كلون الراجللح هللو تحريمهللا‪ ،‬إل أنهللا تظللل مسللألة‬
‫اجتهادية‪ ،‬والخلف فيها له حظ من النظللر‪ ،‬فيجللب هنللا أن‬
‫نعطيها حكم المعاملت المختلف فيها‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إذا كان محل العقد أو النشاط الغللالب فللي الشللركة‬
‫هو المختلف فيه‪ ،‬فإن الشريك الذي يرى القول بللالتحريم‬
‫يحرم عليلله الللدخول فللي الشللركة‪ ،‬أو السللتمرار إذا كللان‬
‫داخل ً فيها‪ ،‬لنه يعتقد حرمة المحل‪.‬‬
‫أما إن كان محل العقد أو النشاط الغالب في الشركة مما‬
‫يعتقللد الشللريك حللله وإبللاحته‪ ،‬فللإن المشللاركة تجللوز للله‬
‫ط مختلف فيه لكون‬ ‫بالتفاق‪ ،‬فإذا دخلت الشركة في نشا ٍ‬
‫الشركاء يعتقدون الباحة فالحكم هنللا مختلللف وهللو محللل‬
‫البحث‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المعاملت المختلف فيها كللثيرة جللدًا‪ ،‬والشللركاء قللد‬
‫يتفقون أن يكون محل الشركة ونشاطها مما يتفقون على‬
‫جوازه‪ ،‬ولكن قد يقع من بعضهم مللن المعللاملت مللا يللرى‬
‫إبلاحته هلو ويلدخلها بتأويلل سلائغ‪ ،‬بينملا قلد يكلون بعلض‬
‫الشركاء ممن يرى التحريم‪ ،‬فهل تخرج الشركة من كونها‬
‫نقية إلى أن تكون مختلطة بمجرد أن تللدخل فللي أي عقللد‬
‫مختلف فيه؟‪ ،‬ل سيما إذا كان دخولهللا فللي هللذا المختلللف‬
‫فيه مبنيا ً على تأويل سائغ وفتوى معتبرة‪ ،‬فلللو كللان المللر‬
‫كللذلك لللم يصللح مللن الشللركات إل الللتي تكللون جميللع‬
‫ذر لكثرة الخلف‬ ‫المعاملت فيها جائزة بالجماع‪ ،‬وهذا متع ّ‬
‫في المعاملت‪ ،‬أو التي يكون الشللركاء فيهللا متفقيللن فللي‬
‫جميع مسائل الخلف‪ ،‬وهذا ل يقول به أحد‪.‬‬

‫‪435‬‬
‫رابع لًا‪ :‬نظللرا ً لختلف أقللوال العلمللاء فللي بعللض مسللائل‬
‫المعاملت المالية الجتهادية‪ ،‬فإن الشللركاء إذا كللانوا مللن‬
‫مذهبين مختلفين‪ ،‬قد يقع من أحدهما معاملة مالية جللائزة‬
‫في مذهبه‪ ،‬لكنها محرمة فللي مللذهب شللريكه‪ ،‬فيللرد بنللاءً‬
‫على هذا مسألة حكم مشللاركة المسلللم للمسلللم إذا كانللا‬
‫من مذهبين مختلفين‪.‬‬
‫وإذا كانت العلة من اشتراط أن ل يلللي الكللافر العمللل إذا‬
‫شاركه المسلم‪ ،‬هي في كللونه قللد يتعامللل بللالحرام‪ ،‬فللإن‬
‫ن مللن يلللي‬ ‫العلة موجودة هنللا‪ ،‬وهللي أنلله مللن المحتمللل أ ّ‬
‫العمللل مللن الشللريكين قللد يتعامللل بمللا هللو عنللد شللريكه‬
‫محرم‪.‬‬
‫ورغم ذلللك لللم أجللد مللن أهللل العلللم مللن اشللتراط اتحللاد‬
‫المذهب‪ ،‬مما يدل على أنها على الصل وهللو الجللواز‪ ،‬بللل‬
‫ص على الجلواز فلي أوسلع نلوع ملن أنلواع‬ ‫إن هناك من ن ّ‬
‫الشركات وهي المفاوضة‪ ،‬كما جاء عنللد الحنفيللة‪" :‬وتصللح‬
‫ي‪ ،‬وإن تفاوتللا تصللرفا ً فللي‬‫ي وشافع ّ‬ ‫المفاوضة)‪(1‬بين حنف ّ‬
‫ة")‪.(2‬‬ ‫متروك التسمية؛ لتساويهما مل ّ ّ‬
‫الملذاهب الربعلة بالتفلاق تصلحح الشلركة بيلن مختلفلي‬
‫المذهب‪ ،‬رغم أنه من المعلوم اختلف المذاهب فلي كلثير‬
‫من مسائل المعاملت‪ ،‬وأن الشريك لبد أن يقع منلله مللن‬
‫العقللود والمعللاملت مللا يللرى جللوازه بينمللا شللريكه يللرى‬
‫التحريم‪.‬‬
‫ولو لم نقل بهذا للزم أن يشترط في المضللاربة مثل ً أن ل‬
‫يدفع رب المال ماله لحد ليتاجر به‪ ،‬إل إذا حللدد للله أنللواع‬
‫العقود بدقة‪ ،‬أو كان متفقا ً معه في جميع مسللائل الخلف‬
‫بل استثناء‪ ،‬حتى ولللو كللان العامللل مسلللمًا‪ ،‬ل يجللري مللن‬
‫العقود إل ما اعتقد جوازه‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬من الواضح اتفاق الفقهللاء مللن المللذاهب الربعللة‬
‫على التفريق بين أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬دخلللول الشلللركة فلللي الحلللرام المحلللض‪ ،‬وللللذلك‬
‫يشللترطون لجللواز مشللاركة الكللافر أن ل يلللي التصللرف؛‬
‫لكونه قد يعقد على الحرام المحض‪.‬‬

‫‪436‬‬
‫الثاني‪ :‬دخول الشللركة فللي المعللاملت المختلللف فيهللا إذا‬
‫كان من يلي عقدها هو من يرى الجواز بناء علللى مللذهبه‪،‬‬
‫أو اجتهاده‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬ولللذلك ل يشللترط أحللد منهللم أن‬
‫يتفق الشركاء في المذهب‪.‬‬
‫ولللذلك مللن المهللم التفريللق بيللن المريللن فللي مسللألتنا‪،‬‬
‫وأقصد التفريللق بيللن الللدخول فللي الشللركة الللتي تتعامللل‬
‫بالحرام المحض‪ ،‬وبين الشركة التي تستثمر فللي مجللالت‬
‫هي محل خلف بين أهل العلم‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬من المهم أن يقال لمللن اعتللبر الشللركات النقيللة‬
‫شركات مختلطة إذا ما استثمرت بالسهم المختلطللة‪ :‬مللا‬
‫ضابط الشركات المختلطة؟‬
‫فإن قيللل‪ :‬هللي الللتي تتعامللل بللالحرام المحلض المقطللوع‬
‫بحرمته‪ ،‬أو ما كان القول بجوازه قول ً شاذًا‪.‬‬
‫قيل‪ :‬فالسهم المختلطللة ليسللت مللن المقطللوع بحرمتلله‪،‬‬
‫وليس القول بالجواز من القوال الشاذة التي ل اعتبار لها‬
‫–رغم أننا نقول برجحان التحريم‪.-‬‬
‫وإن قيللل‪ :‬بللل بالمختلطللة تشللمل حللتى الللتي تتعامللل‬
‫بالمعاملت المختلف فيها‪.‬‬
‫قيل‪ :‬كل الشركات –سللواء المسللاهمة أو غيرهللا‪ -‬تتعامللل‬
‫بالمختلف فيه‪ ،‬بل أنتم ذكرتم شركة مكة مثل ً من النقيللة‪،‬‬
‫رغم الخلف المشلهور فلي حكلم تلأجير دور مكلة‪ ،‬ورغلم‬
‫كونها تؤجر بعض المحرمات‪.‬‬
‫وذكرتم نادك من النقيللة‪ ،‬رغللم وجللود عقللد تللأمين صللحي‬
‫عندها وهو محل خلف‪.‬‬
‫والتورق مختلف فيه فهل نقلول بلأن كلل الشلركات اللتي‬
‫لديها تورق مختلطة؟‪.‬‬
‫وكذلك المرابحة للمر بالشراء‪ ،‬والتأجير المنتهي بالتمليك‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬لعلي أمّثل لما أشرت إليه مللن أنلله لبللد أن يكللون‬
‫المحل جائزا ً أو مطلقًا‪ ،‬وأن يكون المختلف فيه تابعًا‪ ،‬أمللا‬
‫إن كان محل الشركة المختلف فيه فإن من يرى التحريم‪،‬‬
‫يحرم عليه الدخول في الشركة‪.‬‬

‫‪437‬‬
‫م عنللد الحنابلللة‪،‬‬ ‫ومثللال ذلللك‪ :‬بيللع كلب الصلليد محللر ٌ‬
‫والشافعية‪ ،‬وجائٌز عند الحناف‪.‬‬
‫ة مطلقة‪ ،‬فل إشللكال فللي‬ ‫ي شرك ً‬‫ي وحنف ٌ‬ ‫فلو تشارك حنبل ٌ‬
‫الجواز‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فللإن محللل‬ ‫ة محددةً في بيع البهائم مث ً‬ ‫وإن تشاركا شرك ً‬
‫ح في الجملللة عنللدهما‪ ،‬مللع احتمللال أن يللبيع‬ ‫العقد هنا مبا ٌ‬
‫ي في الصللورتين كلب الصلليد أحيانلًا‪ ،‬فالشللركة هنللا‬ ‫الحنف ُ‬
‫جائزة أيضًا‪.‬‬
‫ولو تشاركا على أن يتاجرا بللبيع كلب الصلليد بالتحديللد‪ ،‬أو‬
‫بأنها الغلللب علللى تجارتهمللا‪ ،‬فهللذه هللي الصللورة الثالثللة‪،‬‬
‫م عنللد‬ ‫والتي يظهر للباحث تحريمها؛ لن محل العقد محللر ّ‬
‫الحنبلي فل يجوز له القدام عليه‪.‬‬
‫ومثله ما يتعلق بالسهم المختلطة‪ ،‬فللإن الشللركة إذا كللان‬
‫محلها المتاجرة في السهم المختلطة فإنه يحرم على من‬
‫يرى تحريم السهم المختلطة الدخول في الشركة‪ ،‬أما إن‬
‫كللانت الشللركة فللي الصللناعة‪ ،‬أو الزراعللة‪ ،‬أو غيرهللا‪ ،‬ثللم‬
‫اسللتثمرت فللي السللهم المختلطللة لكونهللا تللرى الجللواز‬
‫ودخلت بتأويل سائغ‪ ،‬فإن الصل هو الجواز‪ ،‬إل إن رأى أن‬
‫القول بجواز المختلطة قول ً شاذا ً وأن التحريم مقطوعٌ به‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬يتلخص مما سبق أن الشركات النقية إذا اسللتثمرت‬
‫بالسهم المختلطة ل تخلرج ملن كونهلا نقيلة‪ ،‬وذللك وفلق‬
‫الضوابط التالية‪:‬‬
‫* أن ل يكون السللتثمار بللالمختلط هللو محللل الشللركة‪ ،‬أو‬
‫النشاط الغالب فيها‪.‬‬
‫* أن يكون السللتثمار فللي السللهم المختلطللة مبنيلا ً علللى‬
‫تأويل سائغ‪ ،‬واتباعا ً لفتوى من يعتد بقوله من أهل العلم‪.‬‬
‫أسأل الله أن يجنبنا‪ ،‬والمسلمين ما يغضبه‪ ،‬ويسخطه مللن‬
‫القوال‪ ،‬والفعال‪..‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‪.‬‬
‫)‪ (1‬كونهم ينصون على صحة المفاوضللة بينهمللا أبلللغ؛ لن‬
‫التصرف في المفاوضة عنللد الحنللاف أوسللع مللن العنللان‪،‬‬
‫ولللذلك يشللترطون فيهللا اتحللاد الللدين‪ ،‬فل يصللح مشللاركة‬
‫الكافر مفاوضة مطلقلًا‪ ،‬وذلللك أن التصللرف الشللركة فللي‬

‫‪438‬‬
‫المفاوضة مطلق‪ ،‬ويعمل الشريك فيها بالتفويض المطلللق‬
‫في كل أنواع التجارة وبدون علم صللاحبه ويتسللاويات فللي‬
‫التصرف وفي العمل وفي المال وفي الربح من كل وجه‪.‬‬
‫)‪ (2‬حاشية ابن عابللدين )‪ ،(6/471‬والنلص هلو مللن شلرح‬
‫تنللوير البصللار الللذي عليلله الحاشللية‪ ،‬وانظللر‪ :‬شللرح فتللح‬
‫القدير )‪.(6/150‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬توجيهات لمضاربي المساهمات‬
‫د‪ .‬عصام بن عبد المحسن الحميدان)*( ‪9/7/1425‬‬
‫‪25/08/2004‬‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نللبي بعللده‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فإن النسان يعجب عندما يسمع عن بعللض النللاس الللذين‬
‫أصيبوا بسكتة قلبية‪ ،‬أو بمللرض‪ ،‬أو بللاعوا بيللوتهم‪ ،‬أو غيللر‬
‫ذلك نتيجة لمضاربات السهم!‬
‫إن ذلك دليل على أحللد شلليئين‪ :‬إمللا قلللة اليمللان‪ ،‬أو قلللة‬
‫الحرص والحتياط والخبرة‪.‬‬
‫جه بعض النصائح والتوجيهات لهؤلء النللاس‬ ‫ولذا فإني سأو ّ‬
‫وغيرهم‪ ،‬ممن يريد أن يقدم على المسللاهمة‪ ،‬أو هللو أحللد‬
‫المساهمين‪.‬‬
‫قبل التجارة‪:‬‬
‫ل‪ :‬عدم الفتاء بغير علللم‪ ،‬وتحريللم مللا لللم يحرملله الللله‪،‬‬ ‫أو ً‬
‫فبعللض النللاس يسللأل فيسللارع إلللى التحريللم مللن بللاب‬
‫الحتياط‪ ،‬وهذا ل يجوز شرعًا‪ ،‬لن التحريللم والتحليللل لللله‬
‫ذب‬ ‫تعالى‪ ،‬قال سبحانه "ول تقولوا لما تصف ألسنتكم الكلل ِ‬
‫ل وهذا حرام لتفللتروا علللى الللله الكللذب" [النحللل‬ ‫هذا حل ٌ‬
‫‪ ]116‬وهو جزء من التشريع للمللة‪ ،‬فهللل هللذا يرضللى أن‬
‫يكون مشّرعا ً مع الله تعالى ؟! وقد كللان السلللف رحمهللم‬
‫الله من الصحابة والتابعين يخافون أن يتحدث أحدهم فللي‬
‫الدين فيكون مخطئًا‪.‬‬
‫ثم إن الصل فللي المعللاملت الباحللة‪ ،‬كمللا قللال العلمللاء‪،‬‬
‫والصل في العبادات الحظر والتوقيف ‪.‬‬

‫‪439‬‬
‫والنللبي صلللى الللله عليلله وسللّلم أبقللى علللى التجللارات‬
‫الموجودة في زمنه‪ ،‬إل استثناءات يسيرة ‪.‬‬
‫جرملا ً مللن‬ ‫وقال صلى الللله عليلله وسلّلم " أعظللم النللاس ُ‬
‫حّرم من أجل مسألته " متفللق‬ ‫سأل عن شيء لم يحّرم‪ ،‬ف ُ‬
‫عليه عن سعد رضي الله عنه ‪.‬‬
‫والورع شيء والتحريم شيء آخر‪ ،‬قللد أتللوّرع أنللا أو يللوجه‬
‫أحللد العلمللاء بللالتورع عللن شلليء‪ ،‬ولكللن ذلللك ل يعنللي‬
‫التحريم‪ ،‬وأبو ذّر رضي الله عنه من ورعلله اعللتزل النللاس‬
‫في الرَبذة‪ ،‬لنلله يللرى أن النللاس قللد توسللعوا فللي الللدنيا‪،‬‬
‫ولكلن بقلي عثملان رضلي اللله عنله وكبلار الصلحابة فلي‬
‫المدينة‪ ،‬وبقاؤهم هو الصح‪ ،‬لن يد الله على الجماعة ‪.‬‬
‫صللين مللن العلمللاء‬ ‫ومما يجب قبل التجارة‪ :‬الرجللوع للمخت ّ‬
‫الخبيرين بللالمور الماليللة شللرعا ً وواقع لا ً ؛ لن المعللاملت‬
‫وعت وتفّرعت‪ ،‬وأصبح من الصعب على الفقيلله‬ ‫تعددت وتن ّ‬
‫أن يستوعب كل أنواع المعاملت ‪.‬‬
‫وأما الحكم في حال اختلف الفقهاء‪ ،‬فهو باعتماد المجامع‬
‫الفقهية واللجان الشرعية‪ ،‬فإنها أقرب إلللى الصللواب مللن‬
‫غيرها ‪.‬‬
‫ة مللن الللله‬ ‫ل لغيرهم من الفقهللاء‪ ،‬فهللو رحم ل ٌ‬ ‫جد قو ٌ‬‫وإذا وُ ِ‬
‫ة على المة‪.‬وقللد جلاء للمللام‬ ‫تعالى‪ ،‬لن في اختلفهم سع ٌ‬
‫ب فللي‬ ‫ل يستشلليره فللي تلأليف كتلا ٍ‬ ‫أحمد رحملله اللله رجل ٌ‬
‫مه كتاب السعة ‪.‬‬ ‫الختلف‪ ،‬فقال له‪ :‬س ّ‬
‫وقال ابن العربي رحمه الله )إنلله بعللد مللوت النللبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم تختلف العلماء فيه‪ ،‬فيحرم عللالم‪ ،‬ويحلللل‬
‫ة‬
‫آخر‪ ،‬ويوجب مجتهد‪ ،‬ويسقط آخر‪ ،‬واختلف العلماء رحم ٌ‬
‫ة فللي الحللق‪ ،‬وطري لقٌ مهيللع –بي ّللن‪ -‬إلللى‬ ‫للخلللق‪ ،‬وفسللح ٌ‬
‫الرفق( )أحكام القرآن‪.(699 / 2 :‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الستفادة من أهل العلم والخبرة‪:‬‬
‫فإن المال أمانللة بيللد النسللان‪ ،‬حللتى المللال الللذي تنسللبه‬
‫لنفسك هو حقيقة لله تعالى‪ ،‬قللال الللله سللبحانه "وأنفقللوا‬
‫مما جعلكم مستخلفين فيه" [الحديد‪ ]7:‬ومصلادر الزراعلة‬
‫والتجارة والرعللي‪ ،‬وكللل الكللون لللله تعللالى " للله مللا فللي‬
‫السماوات وما في الرض وما بينهما ومللا تحللت الللثرى" [‬

‫‪440‬‬
‫طه‪ ] 6 :‬وهذه هي نظرة السلم للمال‪ ،‬وهي تختلف عللن‬
‫النظرة الرأسمالية التي تهدف إلى الربح المادي الذاتي –‬
‫دون مراعاة لدور الدين فيه ‪ ،-‬وينتج عنها تكللوين الطبقيللة‬
‫في المجتمع – دون مراعاة للتكافل الجتماعي ‪. -‬‬
‫فإذا كان المال لله تعالى‪ ،‬فل يحل تبذيره بغير حللق‪ ،‬قللال‬
‫تعالى‪" :‬ول تؤتوا السفهاء أمللوالكم الللتي جعللل الللله لكللم‬
‫قيامًا" [النساء‪.]5:‬‬
‫فيتقللي النسللان الللله تعللالى فللي مللاله‪ ،‬فل يضلليع نفسلله‬
‫جه إلللى السللتفادة‬ ‫وأبناءه‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسّلم و ّ‬
‫مللن أهللل الخللبرة والتخصللص‪ ،‬فقللال " هل سللألوا إذ لللم‬
‫يعلموا‪ ،‬فإنمللا شللفاء العللي السللؤال "‪ ،‬واسللتجاب لشللارة‬
‫سلللمان رضللي الللله عنلله فللي حفللر الخنللدق‪ ،‬وقللال فللي‬
‫الزراعة " أنتم أعلم بأمر دنياكم " رواه مسلللم عللن أنللس‬
‫رضي الله عنه ‪.‬‬
‫لللذا ينبغللي عللدم التسللرع فللي المسللاهمات‪ ،‬واستشللارة‬
‫الثقللات‪ ،‬والسللؤال عللن الشللركات‪ ،‬ومعاملتهللا‪ ،‬ومعرفللة‬
‫واقعهلا ملن الناحيلة الشللرعية‪ ،‬والماليلة‪ ،‬لئل يضلطر إلللى‬
‫سحب ماله بعد ذلك ‪.‬‬
‫ثللم يسللأل عللن كيفيللة التجللارة‪ ،‬والمرابحللة‪ ،‬والمسللاهمة‪،‬‬
‫وغيرها‪ ،‬لئل يغَبن ‪.‬‬
‫دخللار‬‫ثالثًا‪ :‬عدم استعمال المال الضروري في السللهم‪ ،‬وا ّ‬
‫ما يحتاجه المرء‪ ،‬لن في التجللارة مخللاطرة‪ ،‬فربمللا ذهللب‬
‫مللاله بللإذن الللله تعللالى ابتلًء للله‪ ،‬فمللن الحللزم أن يكللون‬
‫مستعدا ً ليوم الكريهة ‪.‬‬
‫ثللم يلتمللس البركللة فللي المللال ولللو فللي غيللر التجللارة‪،‬‬
‫كالزراعة‪ ،‬والصناعة وغيرهما‪ ،‬فإن النبي صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم يقول " إنكللم ل تللدرون فللي أيّ طعللامكم البركللة "‬
‫رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه ‪.‬‬
‫عند التجارة ‪:‬‬
‫جللل الربللح‪ ،‬فكلمللا زاد الصللبر قل ّللت‬
‫ل‪ :‬الصللبر وعللدم تع ّ‬‫أو ً‬
‫الخسارة‪:‬‬
‫والزمن جزء من العلج‪ ،‬والربح السريع خطلأ ؛ لنله يلؤدي‬
‫إلى عدم مراعاة الضوابط الشرعية بشكل كامل‪ ،‬ويللؤدي‬

‫‪441‬‬
‫إلى السرعة في اتخاذ القرار دون التثبت في مللدى نجللاح‬
‫المساهمة‪ ،‬ويؤدي إلى الغفلة عن بعللض الثغللرات الللتي ل‬
‫تتضح إل بالتأمل وذلك تحت تأثير الغراء بالربح ‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬عدم التساهل في المور الربوية ‪:‬‬
‫فقد قال سبحانه‪" :‬يا أيها الذين آمنوا اتقلوا اللله وذروا مللا‬
‫بقي من الربا إن كنتللم مللؤمنين * فللإن لللم تفعلللوا فللأذنوا‬
‫ب مللن الللله ورسللوله" [البقللرة‪ ،278 :‬ل ‪ ،]279‬وقللال‬ ‫بحر ٍ‬
‫صلى الله عليه وسّلم " درهم ربا يلأكله الرجللل أشلد عنلد‬
‫اللله ملن سلت وثلثيلن زنيلة " رواه أحملد ورجلال رجلال‬
‫الصحيح عن عبدالله بن حنظلة رضي الله عنه ‪.‬‬
‫وقال عليه السلم " الربا ثلثة وسبعون بابلا ً أيسللرها مثللل‬
‫أن ينكللح الرجللل أملله " رواه الحللاكم وصللححه عللن ابللن‬
‫مسعود رضي الله عنه ‪.‬‬
‫وإذا كلللانت البنلللوك قلللد فتحلللت أبوابهلللا للمسلللاهمين‬
‫والمضللاربين‪ ،‬فليللس معنللى ذلللك جللواز التعامللل بأسللهم‬
‫البنوك‪ ،‬فإن رؤوس أموالها ربوية‪ ،‬وهناك فرق بيللن شللراء‬
‫أسللهم البنللوك‪ ،‬والشللركات الربويللة‪ ،‬واسللتخدام غللرف‬
‫وشاشلللات البنلللوك فلللي التعاملللل‪ ،‬فلللإن هلللذه الغلللرف‬
‫والشاشلات وسلائل للتلداول ل علقلة لهلا بنلوع الملال أو‬
‫التجارة ‪.‬‬
‫ولكن على المؤمن البتعاد عن الشبهات خصوصا ً في حال‬
‫شيوع الحرام‪ ،‬قال صلى الله عليه وسّلم " من يأخذ مللال ً‬
‫بحقه يبارك له فيه‪ ،‬ومن يأخذ مال ً بغير حقلله‪ ،‬فمثللله مثللل‬
‫الذي يأكل ول يشبع " رواه مسلم عللن أبللي سللعيد رضللي‬
‫الله عنه ‪.‬‬
‫وعلللى المسلللم مراعللاة الضللوابط الشللرعية للمعللاملت‬
‫والمسللاهمات الللتي تصللدرها المجللامع الفقهيللة‪ ،‬واللجللان‬
‫الشرعية في البنوك‪.‬‬
‫ولما جاء السلم أغلق بعض أبواب التجارة لمللا فيهللا مللن‬
‫الحللرام‪ ،‬وإن كللان فيهللا نف لعٌ وأربللاح‪ ،‬فقللال سللبحانه فللي‬
‫الخمر والميسر "فيهما إثللم كللبير ومنللافع للنللاس وإثمهمللا‬
‫أكبر من نفعهما" ]البقرة‪ [219:‬وقال في تشللغيل النسللاء‬

‫‪442‬‬
‫في الفتنة أول السلم "ول تكرهوا فتياتكم على البغاء إن‬
‫صنا ً لتبتغوا عَرض الحياة الدنيا" ]النور‪[33 :‬‬
‫أردن تح ّ‬
‫فأغلق بعض البواب الضارة بالدين‪ ،‬وإن كانت نافعللة فللي‬
‫الدنيا ‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬عواقب أكل الحرام ‪:‬‬
‫في الدنيا‪ :‬الكتئاب‪ ،‬والقلق‪ ،‬والضيق‪ ،‬والمراض النفسية‪،‬‬
‫والجتماعية ‪.‬‬
‫وفي الخرة‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلّلم " ل يللدخل الجنللة‬
‫لحللم ول دم نبللت مللن سللحت‪ ،‬النللار أولللى بلله " رواه‬
‫الطبراني ورجاله ثقات عللن كعللب بللن عجللرة رضللي الللله‬
‫عنه‪ ،‬ورواه أحمد عن جابر رضي اللله عنله ورجلاله رجلال‬
‫الصحيح ‪.‬‬
‫فعلى المؤمن أن يتقي الله تعالى‪ ،‬ول يعرض نفسه وأهله‬
‫لكل الحرام والشبهة‪ ،‬فللإن الللدعاء مقللرون بأكللل الحلل‪،‬‬
‫قال صلى الله عليه وسّلم يلا سلعد‪ ،‬أطللب مطعملك تكللن‬
‫مجاب الدعوة رواه الطبراني بإسناد فيه نظر ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الرزق من الله تعالى ل من الناس ‪:‬‬
‫لذا فإن المؤمن يسأل اللله تعلالى ل النللاس "إن اللله هلو‬
‫الرزاق ذو القوة المتين"‬
‫[الذاريات‪]58 :‬‬
‫ويدعو الله تعالى بالسعة في الرزق‪ ،‬وكان صلى الله عليه‬
‫وسّلم يقول "اللهم ارزقني واهدني"‪ ،‬وكللان يقللول "اللهللم‬
‫ي عند كبر سللني‪ ،‬وانقطللاع عمللري"‬ ‫اجعل أوسع رزقك عل ّ‬
‫رواه الطبراني في الوسط عن أم المؤمنين عائشة رضي‬
‫الله عنها بسند جيد ‪.‬‬
‫ومللن أفضللل الدعيللة فللي كسللب الللرزق المداومللة علللى‬
‫الدعاء بقول "اللهم اكفنللي بحللللك عللن حرامللك‪ ،‬وأغننللي‬
‫بفضلك عمن سواك "‬
‫وبالتالي ل يجزع إذا أصيب في ماله‪ ،‬لنه من الللله تعللالى‪،‬‬
‫سع عليه‪ ،‬قال سبحانه في قصللة قللارون "ل‬ ‫ول يبطر إذا و ّ‬
‫تفللرح إن الللله ل يحللب الفرحيللن" ]القصللص‪ [76 :‬وقللال‬
‫سبحانه "لكيل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بما آتللاكم"‬
‫]الحديد‪.[23 :‬‬

‫‪443‬‬
‫خامسًا‪ :‬يجب أن ل تشغل التجللارة عللن ذكللر الللله تعللالى‪،‬‬
‫ل ل تلهيهم تجارةٌ ول بيعٌ عللن ذكللر الللله‬ ‫قال سبحانه "رجا ٌ‬
‫وإقام الصلة وإيتاء الزكاة يخافون يوما ً تتقلب فيه القلوب‬
‫والبصار" [النور‪]37:‬‬
‫ولذا قال سبحانه‪”:‬يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلة مللن‬
‫يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الللله وذروا الللبيع ذلكللم خيللر‬
‫لكللم إن كنتللم تعلمللون" [ الجمعللة‪ ] 9 :‬وفللي غيللر يللوم‬
‫الجمعة كذلك ‪.‬‬
‫ونحللن نعلللم أن الحفللاظ علللى المللال مللن الضللرورات‬
‫الخمس‪ ،‬ولكنه بعللد الحفللاظ علللى الللدين‪ ،‬والنفللس‪ ،‬فهللو‬
‫ة في‬ ‫وسيلة لقامة الدين‪ ،‬ل غاية لذاته‪ ،‬لذا فقد يكون نقم ً‬
‫كى‪ ،‬وهو الكنز ‪.‬‬ ‫بعض الحيان‪ ،‬كالمال غير المز ّ‬
‫دنيا ل َِغيرِ ب َل َِغهِ … …‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫فيا جا ِ‬
‫مع‬ ‫جا ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ست َت ُْرك َُها فانظ ُْر ل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ت……‬ ‫ح ْ‬ ‫صب َ َ‬ ‫ن قد َ ا ْ‬ ‫معي َ‬ ‫َوكم قد رأينا الجا ِ‬
‫مضاجع‬ ‫ب َ‬ ‫ق الّترا ِ‬ ‫ن أطبا ِ‬ ‫لهم‪ ،‬بي َ‬
‫ه‪… … ،‬‬ ‫ك بن َْفعِ ِ‬ ‫ن ت َْرجو عََلي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ض ّ‬ ‫إذا َ‬
‫ع‬
‫ض‪ ،‬واس ُ‬ ‫ق‪ ،‬في الْر ِ‬ ‫ن الّرْز َ‬ ‫ه‪ ،‬فإ ّ‬ ‫فذ َْر ُ‬
‫ه‪… … ،‬‬ ‫م ُ‬‫هواهُ وهَ ّ‬ ‫ت الد ّْنيا َ‬ ‫ن كان َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ع‬
‫م ُ‬ ‫طا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ال َ‬ ‫مَنى واستعبد َت ْ ُ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫سب َت ْ ُ‬
‫سه‪… … ،‬‬ ‫م َنف َ‬ ‫ل اسَتحيا‪َ ،‬وأكَر َ‬ ‫ن عََق َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫ت َقان ِ ُ‬
‫ع‬ ‫ل أن ْ َ‬ ‫ن قَن ِعَ استغَْنى فَهَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه……‬ ‫ن َرأيٌ ي َك ُّف ُ‬ ‫رىء رأَيا ِ‬ ‫ل ام ِ‬ ‫ِلك ّ‬
‫شيِء‪ ،‬أحيانًا‪ ،‬وََرأيٌ ُينازِعُ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ع ِ‬
‫سادسًا‪ :‬الصدقة تطهر المال من الشبهات ‪:‬‬
‫ة تطهرهللم وتزكيهللم‬ ‫قال سبحانه "خذ مللن أمللوالهم صللدق ً‬
‫بها" [التوبة‪]103:‬‬
‫ص قصة أصللحاب البسللتان "إنللا بلونللاهم‬ ‫وقال عز وجل يق ّ‬
‫كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصللبحين ول‬
‫يستثنون* فطاف عليهللا طللائف مللن ربللك وهللم نللائمون *‬
‫فأصبحت كالصللريم" [القلللم‪ ]20–17:‬وذلللك بسللبب أنهللم‬
‫تعهللدوا أل يللدخلنها عليهللم مسللكين‪ ،‬فمنعللوا الصللدقة‪،‬‬
‫فاحترقت المزرعة ‪.‬‬

‫‪444‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسّلم " ما نقص مللال مللن صللدقة "‬
‫رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلّلم " يلا معشلر التجلار‪ ،‬إن اللبيع‬
‫شللوبوه بالصللدقة " رواه أصللحاب‬ ‫يحضره اللغو والحلف‪ ،‬ف ُ‬
‫السنن وصححه الترمذي عن قيس بللن أبللي غللرزة رضللي‬
‫الله عنه ‪.‬‬
‫وكان عثمان رضي الله عنه يتصدق كثيرًا‪ ،‬مع تللوّرعه فللي‬
‫تجارته‪ ،‬وجاءت تجارة له يومًا‪ ،‬فقال‪ :‬من يساومني عليها‪،‬‬
‫ض‪ ،‬حللتى قللال‪:‬‬‫ض‪ ،‬فزيد‪ ،‬فللم يللر َ‬ ‫فأعطي ‪ %100‬فلم ير َ‬
‫إني أعطيت فيها ‪ % 1000‬ربح لًا‪ ،‬فتعجبللوا‪ ،‬وقللالوا‪ :‬نحللن‬
‫تجار المدينة‪ ،‬ولم يسبقنا أحد ٌ إليك‪.‬فمن أعطللاك ؟ فقللال‪:‬‬
‫الله أعطاني‪.‬فتصدق بها لوجه الله تعالى ‪.‬‬
‫فالبركة تلتمس بالصدقة‪ ،‬وأكل الحلل‪.‬وهللذا أمللر مج لّرب‬
‫بحمد الله ‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬تحريم الشاعات والكاذيب ونشرها ‪:‬‬
‫فإن إضرار المسلمين حرام‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلّلم "‬
‫ل ضرر ول ضرار "‪ ،‬وقال " ل تحاسدوا "‬
‫ن السللمع والبصللر والفللؤاد‬ ‫والكلمة أمانة‪ ،‬قال سللبحانه "إ ّ‬
‫ل" [السراء‪]36:‬‬ ‫كل أولئك كان عنه مسؤ ً‬
‫فل يجوز الكذب في نقل أسللعار السللهم‪ ،‬والفللتراء علللى‬
‫الشخاص‪ ،‬وربما حلف بعضهم كاذبا ً في مواقللع النللترنت‪،‬‬
‫ن غموس يغمللس صللاحبه فللي‬ ‫ومنتديات السهم‪ ،‬وهذا يمي ٌ‬
‫النار – عياذا ً بللالله ‪ ،-‬قللال صلللى الللله عليلله وسلّلم " مللن‬
‫حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أحد‪ ،‬لقي الله وهللو‬
‫عليه غضبان " رواه أحمد والنسائي عن عللدي بللن عميللرة‬
‫رضي الله عنه‪.‬وهو في الصحيحين بنحوه عن ابن مسللعود‬
‫رضي الله عنه ‪.‬‬
‫وربما عد ّ بعضهم ذلك شللطارة ‪ ,‬وذكللاء‪ ،‬وهللو ل يعلللم أنلله‬
‫يوقع إخوانه المسلمين في الحرج‪ ،‬والخسارة‪ ،‬وربما قال‪:‬‬
‫لم أجبر أحدا ً على الشراء والبيع‪ ،‬ولكن أليس هو مللن أراد‬
‫الناس أن يثقوا به‪ ،‬فكللان عنللد سللوء ظنهللم‪ ،‬وأصللبح غيللر‬
‫محل ثقة ‪.‬‬

‫‪445‬‬
‫ثامنًا‪ :‬الغيب ل يعلمه إل الله‪ ،‬قللال سللبحانه‪" :‬قللل ل يعلللم‬
‫من في السموات والرض الغيب إل الله"[ النمل‪. ]65:‬‬
‫فل يجوز الحكم بالغيب في السعار‪ ،‬وما يسمى بالتنبؤات‪،‬‬
‫ظ‪،‬‬ ‫أو العتماد على الرؤى‪ ،‬أو العتماد علللى الطللالع والح ل ّ‬
‫ونشر الشاعات على ضوئها ‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬المانة في المال‪ ،‬والنصيحة للمسلمين‪:‬‬
‫تبيين عيب السهم وحالها الصحيح‪ ،‬فل يبيع على أحد شيئا ً‬
‫يعلم أنه خاسر‪ ،‬ويوهمه أنه رابح‪ ،‬فإن هذا غش‪ ،‬وقد قللال‬
‫صلى الله عليه وسّلم " الدين النصيحة " وقال " من غ ّ‬
‫ش‬
‫فليس منا " رواهما مسلم في صحيحه ‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلللم " ل يحللل لحللد يللبيع شلليئا ً إل‬
‫بّين ما فيه‪ ،‬ول يحل لمن علم ذلك إل بّينلله " رواه الحللاكم‬
‫وصححه ووافقه الذهبي عن واثلة بلن السللقع رضللي اللله‬
‫عنه ‪.‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسّلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا‪،‬‬
‫فإذا صدقا وبينا بللورك لهمللا فللي بيعهمللا‪ ،‬وإن كتمللا وكللذبا‬
‫محقت بركة بيعهمللا " متفللق عليلله عللن حكيللم بللن حللزام‬
‫رضي الله عنه ‪.‬‬
‫ونهى صلى الله عليه وسّلم عن تلقي الركبان‪.‬متفق عليلله‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه ‪.‬‬
‫لنه يؤدي إلى غبن البائع‪ ،‬فإن كان ل بد ّ فالسكوت ‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬اتقاء الله تعالى في أموال الناس من قبل الوكلء‬
‫والوسطاء‪:‬‬
‫وحفللظ حقللوق النللاس‪ ،‬وعللدم طلللب الربللح الفللاحش‬
‫بالسمسرة ‪.‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬أمانة مجالس الدارة في البعد عن الحللرام‬
‫والربا‪ ،‬والتماس منفعة الناس ‪.‬‬
‫فللإن لمجللالس الدارة دور كللبير فللي توعيللة المسللاهمين‬
‫بللأنواع المسللاهمات‪ ،‬والصللحيح منهللا‪ ،‬والرابللح‪ ،‬والخاسللر‪،‬‬
‫والسعر الحقيقي‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫عند الربح ‪:‬‬
‫ة‬
‫تذكر فضل الله تعالى‪ ،‬قال سبحانه "ومللا بكللم مللن نعم ل ٍ‬
‫فمن الله" [النحللل‪ ،]53:‬ونتللذكر حللديث البللرص والقللرع‬

‫‪446‬‬
‫والعمى الذين ابتلهللم الللله تعللالى بكللثرة المللال‪ ،‬فجحللد‬
‫البرص والقرع نعمللة الللله‪ ،‬وأقلّر بهللا العمللى‪ ،‬فقللال للله‬
‫الملك‪ :‬إنما هو ابتلء‪ ،‬فقد رضي الللله عنللك وسللخط علللى‬
‫صاحبيك‪.‬رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ‪.‬‬
‫عند الخسارة‪:‬‬
‫عدم القنوط من رحمة الله‪ ،‬واليمان بالقدر ‪:‬‬
‫قال سبحانه "قل لن يصيبنا إل ما كتب الللله لنللا" [التوبللة‪:‬‬
‫‪]51‬‬
‫‪ ،‬وتلذكر أن الخسلارة الماديلة أهلون ملن خسلارة اللدين‪،‬‬
‫وتوّقع الخسارة ‪:‬‬
‫ه *** لللن تبلللغ المجللد حللتى‬ ‫ل تحسب المجد تمرا ً أنت آكل ُ‬
‫تلعق الصبرا‬
‫وتللذكر آلم المسلللمين وفجللائعهم‪ ،‬وأن هللذه أنللواع مللن‬
‫البتلء‪ ،‬فبعللض النللاس يبتلللى بللالفقر‪ ،‬وبعضللهم يبتلللى‬
‫بالتهجير‪ ،‬وبعضهم يبتلى بالمرض‪ ،‬وبعضهم يبتلى بالزوجللة‬
‫والوَلد‪ ،‬وبعضللهم يبتلللى بللالغنى‪ ،‬قللال سللبحانه‪" :‬ونبلللوكم‬
‫بالشر والخير فتنة" ]النبياء‪ [35 :‬وقال "ولنبلونكم بشلليء‬
‫من الخوف والجوع ونقص من الموال والنفس والثمرات‬
‫شر الصابرين" ]البقرة‪.[155:‬‬ ‫وب ّ‬
‫)*( الستاذ المساعد بقسم الدراسات السلمية والعربيللة‬
‫جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران‪.‬‬
‫================‬
‫‪#‬بيع قسيمة الشراء بأقل من قيمتها‬
‫د‪ .‬سامي بن إبراهيم السويلم )*( ‪17/7/1425‬‬
‫‪02/09/2004‬‬
‫سللبق وأن نشللرنا فللي نافللذتنا فتللوى حللول )بيللع قسلليمة‬
‫الشراء بأقل من قيمتها ( ثم وردنا تعقيب من أحد الخللوة‬
‫يستشكل فيه جواز بيع هذه القسيمة بأقل من قيمتها إلى‬
‫آخر ما ذكللر‪. -‬فعرضللنا هللذا التعقيللب علللى أحللد المشللائخ‬
‫المشاركين معنا في الجابة على أسللئلة السللائلين فتكلّرم‬
‫بالتوضيح والبيان‪ ،‬فإليكم التعقيب والتوضيح‪.‬‬
‫التعقيب‪:‬‬

‫‪447‬‬
‫بسم الله‪ ،‬والحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‪،‬‬
‫وبعد ‪:‬‬
‫الخوة الكرام بموقع السلم اليوم‪ :‬السلم عليكم ورحمة‬
‫الله وبركاته‪.‬‬
‫نسأل الله أن ينفع بكم‪ ،‬ولقد قرأت فتوى بموقعكم تحللت‬
‫عنوان‪) :‬بيع قسيمة الشراء بأقل من قيمتهللا(‪ ،‬ولللي علللى‬
‫هلللذه الفتلللوى هلللذا الستشلللكال‪ ،‬وأرجلللو علللرض هلللذا‬
‫الستشكال على أهل العلم بفقه المعاملت من مللوقعكم‪،‬‬
‫وخاصة الشيخ السويلم‪ ،‬نص الستشكال‪ :‬قسيمة الشللراء‬
‫هي بمثابة سند بقيمة مالية معينة تمنحها بعض الشللركات‬
‫لموظفيها إما على سبيل القرض‪ ،‬أو على سبيل الهبللة‪ ،‬أو‬
‫على سبيل المكافأة‪.‬‬
‫هذه القسيمة بمثابة سللند للموظللف بقيمللة ماليللة معينللة‪،‬‬
‫بشرط أن يشتري بها من مكان مخصوص‪ ،‬فهو داخل فللي‬
‫مفهوم الوراق التجارية كالشيك‪ ،‬والسند‪ ،‬والكمبيالة‪.‬‬
‫فهللل أجللاز أحللد مللن الفقهللاء بيللع الشلليك أو السللند؟ أو‬
‫الكمبيالة بأقل مللن قيمتهللا؟! أليللس هللذا هللو ربللا الفضللل‬
‫المحرم؟ أليس هذا ما تحدث عنه علماء العصر مما يعرف‬
‫بخصلللم أو حسلللم الوراق التجاريلللة بدايلللة ملللن الشللليخ‬
‫الهمشللري‪ ،‬ونهايللة بوقتنللا هللذا ‪ ...‬فكللانت الفتللوى علللى‬
‫التحريم؟‪.‬‬
‫إن إجازة هذه الصورة ينتج عنها جواز بيع بطاقللة الئتمللان‬
‫بأقل من قيمتها‪.‬‬
‫وخلصللة المللر أن هللذه القسلليمة إمللا أن تمثللل مللال ً أو‬
‫عروضًا‪.‬‬
‫فإذا مثلت مال فيجوز بيعه‪ ،‬ولكن ل يجوز بيعلله بأقللل مللن‬
‫جنسه‪ ،‬وإل وقع ربا الفضل‪.‬‬
‫وإما أن يمثل عروضًا‪ ،‬والعروض يجوز بيعهللا بللالثمن الللذي‬
‫يتفق عليه‪ ،‬ولكن البيع هنا ل يجوز؛ لنه بيللع قبللل الشللراء‪،‬‬
‫وبيع قبل القبض‪ ،‬وبيع مجهول للطرفين‪.‬‬
‫التوضيح‪:‬‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الللله‪ ،‬وعلللى آللله‬
‫وصحبه ومن واله‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫‪448‬‬
‫إذا كللانت القسلليمة المشللار إليهللا صللادرة مللن المحللل‬
‫التجاري‪ ،‬كما يفهللم مللن السللؤال مللن أنهللا باسللم المحللل‬
‫وليست باسم الشركة‪ ،‬وتعطي حاملها الحق في الحصول‬
‫على بضللاعة مللن هللذا المحللل قيمتهللا ‪ 500‬ريللال‪ ،‬وليللس‬
‫الحصول على النقد‪ ،‬فهذه القسيمة تمثل سلعا ً في الذمة‪،‬‬
‫سلم‪ ،‬ولكللن هللذا الللدين لللم يتحللدد فيلله نللوع‬‫بمثابة دين ال ّ‬
‫المبيع وقدره‪ ،‬وإنما تحدد مصدره وقيمته‪ ،‬وهذه الصورة ل‬
‫حرج فيها شرعا ً على الظهللر؛ إذ يجللوز للرجللل أن يسلللم‬
‫مبلغا ً من المال للبقال على أن يأخذ منه كل يللوم بضللاعة‬
‫بحسب حاجته‪ ،‬وبحسب سعرها‪ ،‬والتزام البقال بذلك مللن‬
‫جنس ديللن السلللم‪ ،‬وهللو نظيللر الللتزام المحللل هنللا بللالبيع‬
‫لحامل القسيمة‪ ،‬وثمن القسيمة قد يكون دفعتلله الشللركة‬
‫مقدما ً للمحل‪ ،‬وقد يكون التزم به صللاحب المحللل ابتللداء‪،‬‬
‫وفي كلتا الحالتين هو بمثابة دين السلم كما سبق‪.‬‬
‫إذا تقرر ذلك فدين السلم يجوز بيعلله ‪ -‬قبللل قبضلله ‪ -‬عنللد‬
‫المام مالك‪ ،‬ومنللع مللن ذلللك الجمهللور؛ لنلله بيللع لمللا لللم‬
‫يقبض‪ ،‬ورجح شيخ السلم ابن تيمية جواز بيع دين السلللم‬
‫قبل قبضه بشرط أل يربح منه )أي ل يكون ثمن البيع أكبر‬
‫من رأسمال السلم(؛ لئل يقع في ربح ما لم يضمن‪.‬‬
‫والقرب ‪-‬والله أعلم‪ -‬هو جواز بيع دين السلم قبل قبضلله؛‬
‫لنها معاملة تخلو من الربا‪ ،‬فليس فيها نقد بنقد‪ ،‬وإنما نقد‬
‫مقابل سلع في الذمة‪ ،‬وفيما يتعلق بالقسيمة فالربللح غيللر‬
‫متصللور؛ لن الموظللف حصللل علللى البطاقللة دون دفللع‬
‫مقابل‪ ،‬ثم يبيعها بأقل من قيمتها‪ ،‬وعدم تحديد نوع السلللع‬
‫وقللدرها ل يضللر بالعقللد؛ لنلله ل يللؤدي للنللزاع‪ ،‬والجهالللة‬
‫المحرمة شرعا ً هي التي تفضي للنزاع‪ ،‬والنزاع هنا منتللف‬
‫بتحديد المحل التجاري‪ ،‬وتحديد القيمة الكلية‪.‬‬
‫وبهللذا يتللبين الفللرق بيللن هللذه القسلليمة‪ ،‬وبيللن الورقللة‬
‫التجارية )الشيك والكمبيالة( التي أشار إليها الخ الفاضل‪،‬‬
‫فهذه الوراق تمثل نقودا ً في الذمة‪ ،‬بينما القسلليمة تمثللل‬
‫سلعا ً في الذمة‪ ،‬والفللرق بينهمللا ظللاهر‪ ،‬وبيللع السلللع فللي‬
‫الذمة مقابل نقود حاضرة ل حرج فيلله‪ ،‬بللل هللذا هللو عقللد‬
‫السلم‪ ،‬إذ هو بيع لسلع فللي الذمللة مقابللل نقللود حاضللرة‪،‬‬

‫‪449‬‬
‫وإنما المحذور بيعها مقابل نقود في الذمللة؛ لن ذلللك مللن‬
‫بيع الدين بالدين المجمع على تحريمه‪.‬‬
‫أما مقارنة القسيمة ببطاقة الئتمان‪ ،‬وفللق مللا ذكللره الخ‬
‫في رسالته‪ ،‬فالفرق بينهما من وجوه‪:‬‬
‫)‪ (1‬أن بطاقة الئتمان تصدر من البنك ول تمثل سلعا ً في‬
‫ذمللة البنللك‪ ،‬بللل ضللمانا ً مللن المصللرف بالسللداد‪ ،‬بخلف‬
‫القسيمة فإنها تمثل سلعا ً في ذمة المحللل التجللاري‪ ،‬فللبيع‬
‫البطاقة يعني المعاوضة على الضمان‪ ،‬وهو محرم شللرعا؛ً‬
‫لنه يؤول إلى الربا‪.‬‬
‫)‪ (2‬أن مشتري البطاقة ل تنتهي مسللئوليته بقبللض السلللع‬
‫مللن المحلت التجاريللة‪ ،‬بللل يجللب عليلله سللداد قيمتهللا‬
‫للمصرف‪ ،‬فبيع البطاقة في هللذه الحالللة‪ ،‬حللتى لللو كللانت‬
‫تمثل سلعا ً في الذمة‪ ،‬بمثابة بيع الدين بالدين‪ ،‬وهو ممنوع‬
‫بالجماع‪ ،‬بخلف القسيمة فإن مشتريها ل يترتب في ذمته‬
‫أي دين‪ ،‬فل تتضمن بيع الدين بالدين‪.‬‬
‫)‪ (3‬أن البطاقللة تسللمح بالحصللول علللى النقللد مللن خلل‬
‫أجهزة الصرف اللي‪ ،‬بخلف القسيمة‪ ،‬فللبيع البطاقللة بيللع‬
‫لحق القتراض من البنك‪ ،‬وهو يؤول إلى القتراض بفائدة‪،‬‬
‫فقياس بيع القسيمة على بيع البطاقة الئتمانية قياس مللع‬
‫الفارق المؤثر‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق فللالظهر ‪-‬والللله أعلللم‪ -‬هللو جللواز بيللع‬
‫القسيمة المشار إليها إذا كانت تمثلل سللعا ً أو منلافع فلي‬
‫ذمة مصلدرها‪ ،‬ول تسلمح لحاملهللا بالحصلول عللى النقللد‪،‬‬
‫وكللان ثمنهللا مللدفوعا ً نقللدًا‪ .‬والللله الهللادي إلللى الصللواب‪،‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫)*( مللدير مركللز البحللث والتطللوير بالمجموعللة الشللرعية‬
‫بشركة الراجحي المصرفية للستثمار‬
‫===============‬
‫‪ #‬حكم تداول أسهم شركة الصحراء‬
‫د‪ .‬أحمد بن محمد الخليل ‪21/7/1425‬‬
‫‪06/09/2004‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وبعد‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫تتميز الشركات حديثة التأسيس بأن أغلب موجوداتها مللن‬
‫النقللود‪ ،‬وقللد يكللون مللع هللذه النقللود بعللض الموجللودات‬
‫الخرىمن العيان‪ ،‬أوالمنافع‪ ،‬أو الحقوق‪.‬‬
‫ومللن هنللا نشللأ الشللكال فللي حكللم تللداول أسللهم هللذه‬
‫الشركات؛ لن تداولها يعني تداول نقللد بنقللد معلله أعيللان‪،‬‬
‫ومنافع‪ ،‬وإن كللان هللذا الشللكال ل يختللص بالشللركة الللتي‬
‫نشأت حديثًا‪ ،‬بل يشمل كل شركة بقيلة غللالب موجوداتهلا‬
‫من النقود ولم يبدأ تشغيل واستثمار تلك النقود‪.‬‬
‫وُأحب في هذه الكلمات المختصرة بيان حكم تللداول هللذه‬
‫السهم‪ ،‬راجيا ً من الله التوفيق والسداد‪ ،‬فللأقول مسللتعينا ً‬
‫بالله‪.‬‬
‫من أهم الملور اللتي تحتلاج إللى بيلان وإيضلاح فلي هللذه‬
‫الشركات ما يتعلق بالنقد الموجود فيها هل هو مقصود أم‬
‫ل؟‬
‫وإذا نظر النسان إلى النقد الموجود فللي هللذه الشللركات‬
‫وجده مقصودا ً لعدة اعتبارات ‪:‬‬
‫ل‪ :‬قوام هذا النوع مللن الشللركات فللي هللذا الللوقت هللو‬ ‫أو ً‬
‫النقد الذي تملكه الشركة‪ ،‬فهو مهم جدا ً في هذه المرحلة‬
‫مللن مراحللل الشللركة؛ لن المشللروعات النتاجيللة الللتي‬
‫ستقوم تعمتد بالدرجة الولللى علللى هللذا النقللد‪ ،‬بللل ربمللا‬
‫احتاجت الشركة إلى القتراض لزيادة هذا النقد‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الجزء غير المقصود في السلعة من خصائصه أنه تبع‬
‫ل يؤثر فقده علللى السلللعة‪ ،‬ولللو فقللدت المللوال النقديللة‬
‫لهذه الشركة بأي سبب مللن السللباب لسللقطت سللقوطا ً‬
‫ذريعًا‪ ،‬ولصبح سهمها ل قيمة له فكيف يقللال مللع ذلللك أن‬
‫النقود غير مقصودة؟!‬
‫وبالمقابل لو فقدت بعض العيان‪ ،‬أو المنافع‪ ،‬أو الحقللوق‪،‬‬
‫لم تؤثر على الشركة تأثير فقد النقود‪.‬‬
‫وأنا ل أقول ل قيمة لهذه العيان‪ ،‬والحقوق‪ ،‬بل لها قيمللة‪،‬‬
‫لكللن النقللود أيض لا ً مقصللودة ومهمللة فللي هللذه المرحلللة‬
‫للشركة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬هذه النقود هي الغالب في موجودات الشركة فكيف‬
‫يكون غالب السلعة ليس مقصودا ً ؟‬

‫‪451‬‬
‫رابعًا‪ :‬عندما تحدث الفقهاء عن قاعدة )التابع تللابع( ذكللروا‬
‫مللن أمثلتهللا ‪:‬جلللد الحيللوان‪ ،‬والجفللن والحمللائل للسلليف‪,‬‬
‫ونحوها‪.‬‬
‫فهللل نسللبة المللوال النقديللة للشللركة كنسللبة الحمللائل‬
‫للسيف؟ إن في التسوية بينهما بعدا ً ل يخفى‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬المساهم الذي يشتري السهم يقصده كللله بنقللده‬
‫وموجللوداته الخللرى غيللر النقديللة كللالموجودات العينيللة‪,‬‬
‫والحقوق المعنوية ونحوها‪.‬‬
‫فإن قيل إنه ليقصد النقد وليخطر بباله‬
‫فالجواب أنه ليقصد أيضا الموجودات الخرى غير النقدية‪،‬‬
‫وهذا يدل على أنه يقصد سهم الشللركة بموجللوداته جملللة‬
‫من غير تعيين)‪. (1‬‬
‫وكون الشركة في الصل تريللد اسللتثمار هللذه النقللود فللي‬
‫المستقبل‪ ،‬ل ينفي أن ننظر إليها الن)‪ (2‬باعتبار حقيقتها‪،‬‬
‫وهي أنها نقود وأعيان؛ لن الحكم يدور مع علتلله وجللودا ً و‬
‫عدمًا‪.‬‬
‫فإذا ثبت أن أسهم الشركات حديثة التأسيس تشتمل على‬
‫أموال وأعيان كلهما مقصود صارت هللذه المسللألة تللدخل‬
‫في مسألة "مد عجوة ودرهم" التي ذكرها الفقهاء‪.‬‬
‫ول أريد هنا الطالة بذكر الخلف مع الدلللة والترجيللح فللي‬
‫هذه المسألة‪ ، ،‬إنما سأذكر القوال فقط ثم أذكر بعد ذلك‬
‫حكم مسألتنا‪.‬‬
‫وقد اختلف فيها الفقهاء على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬ل يجوز بيع الربوي بجنسه‪ ،‬ومع إحللداهما‪ ،‬أو‬
‫معهما‪ ،‬من غير جنسللهما‪ ،‬كمللد عجللوة ودرهللم بمللدين‪ ،‬أو‬
‫بدرهمين‪ ،‬أو بمد ودرهم‪ ،‬وهذا قللول جمللاهير أهللل العلللم)‬
‫‪.(3‬‬
‫القللول الثللاني‪ :‬يجللوز إن لللم يكللن الللذي معلله مقصللودًا‪،‬‬
‫كالسيف المحلى)‪،(4‬وهو رواية لحمد‪ ،‬وأحللد قللولي شلليخ‬
‫السلم‪ ،‬واختارها ابن قاضي الجبل)‪.(5‬‬
‫القول الثالث‪ :‬يجوز بشرط أل يكون حيلة على الربللا‪ ،‬وأن‬
‫يكون المفرد أكثر من الذي معه غيللره‪ ،‬أو يكللون مللع كللل‬
‫واحد منهما من غير جنسه‪ ،‬وهو مللذهب الحنللاف‪ ،‬وحمللاد‬

‫‪452‬‬
‫بن أبي سليمان‪ ،‬ورواية لحمد‪ ،‬وأحد قولي شيخ السلللم)‬
‫‪ ،(6‬ولهذا القول شرط آخر سيأتي تفصيله‪.‬‬
‫فإذا عرفت القوال في هذه المسألة فأقول‪:‬‬
‫على القول الول ل يجوز تللداول أسللهم الشللركات حديثللة‬
‫التأسيس لعدم جواز بيع الربوي بجنسه ومللع أحللدهما مللن‬
‫غير جنسهما‪.‬‬
‫وعلللى القللول الثللاني أيضلا ً ل يجللوز تللداول هللذه السللهم‪،‬‬
‫باعتبار أن النقد الذي فيها مقصود‪ ،‬على ما سبق بيانه ‪.‬‬
‫وإنما يتصور الجواز على القول الثالث فقط‪.‬‬
‫والصواب أنه ل يجوز تداول أسللهم هللذه الشللركات‪ ،‬حللتى‬
‫علللى القللول الثللالث؛ لن لهللذا القللول شللرطا ً يمنللع مللن‬
‫الجواز‪.‬‬
‫ذلك؛ لن الفقهاء الذين أخذوا بالقول الثالث إنمللا يجيللزون‬
‫بيع الربوي بجنسه‪ ،‬ومعه من غير جنسلله إذا كللان المفللرد‬
‫أكثر بشرط وهو المقابلة‪.‬‬
‫ومعنى المقابلة تقسيم الثمن عللى المثملن‪ ،‬فمثل ً إذا بلاع‬
‫درهمين بدرهم وملد‪ ،‬فلإن الملد مقابلل اللدرهم واللدرهم‬
‫مقابل الدرهم‪.‬‬
‫قللال حللرب‪ :‬قلللت لحمللد‪ :‬دفعللت دينللارا ً كوفي لا ً ودرهم لا ً‬
‫وأخذت دينلارا ً شلاميا ً وزنهملا سلواء‪ ،‬قلال‪ :‬ل يجلوز إل أن‬
‫ينقص الدينار فيعطيه بحسابه فضة)‪.(7‬‬
‫وذكر شيخ السلم أن الفضة إذا كان معها نحللاس وبيعللت‬
‫بفضة خالصة "والفضة المقرونة بالنحللاس أقللل‪ ،‬فللإذا بيللع‬
‫مائة درهم مللن هللذه بسللبعين مثل مللن الللدراهم الخالصللة‬
‫فالفضة التي في المائة أقل من سبعين‪ ،‬فإذا جعللل زيللادة‬
‫الفضة بإزاء النحاس جاز علللى أحللد قللولي العلمللاء الللذين‬
‫يجوزون مسألة " مد عجوة "‪ ،‬كما هو مذهب أبللي حنيفللة‪،‬‬
‫وأحمد في إحدى الروايتين")‪. (8‬‬
‫ولزيادة اليضاح أنقل كلما ً نفيسا ً للحافظ ابن رجب‪ ،‬حول‬
‫حكم مسألة مد عجوة ودرهم‪ ،‬قال ابن رجب‪:‬‬
‫"ومنهللا مسللألة مللد عجللوة وهللي قاعللدة عظيمللة بنفسللها‬
‫فلنذكر هاهنا مضمونها ملخصا‪ :‬إذا باع ربويا بجنسلله ومعلله‬
‫من غير جنسه من الطرفين أو أحدهما كمد عجوة ودرهللم‬

‫‪453‬‬
‫بمد عجوة أو مد عجلوة ودرهللم بملدي عجللوة أوبلدرهمين‬
‫ففيه روايتان أشهرهما بطلن العقد وله مأخذان‪:‬‬
‫أحللدهما‪ :‬وهللو مسلللك القاضللي وأصللحابه أن الصللفقة إذا‬
‫اشتملت على شيئين مختلفي القيمة يقسللط الثمللن علللى‬
‫قيمتهما وهذا يؤدي هاهنا إما إلى يقين التفاضل وإمللا إلللى‬
‫الجهل بالتساوي وكلهما مبطللل للعقللد فللي أمللوال الربللا‪.‬‬
‫وبيان ذلك ‪ :‬أنه إذا باع مدا يساوي درهمين ودرهما بمدين‬
‫يساويان ثلثة دراهللم كللان الللدرهم فللي مقابلللة ثلللثي مللد‬
‫ويبقى مد في مقابلة مد وثلث ذلك ربا وكذلك إذا باع مللدا‬
‫يساوي درهما ودرهمين بمدين يساوين ثلثللة دراهللم فللإنه‬
‫يتقابل الدرهمان بمد وثلث مد ويبقى ثلثا مللد فللي مقابلللة‬
‫مد ‪ ,‬وأما إن فرض التساوي كمد يساوي درهمللا ‪ ,‬ودرهللم‬
‫بمد يساوي درهما ودرهم فللإن التقللويم ظللن وتخميللن فل‬
‫يللتيقن معلله المسللاواة والجهللل بالتسللاوي هاهنللا كللالعلم‬
‫بالتفاضل فلو فرض أن المدين من شللجرة واحللدة أو مللن‬
‫زرع واحللد وإن الللدرهمين مللن نقللد واحللد ففيلله وجهللان‬
‫ذكرهما القاضي فللي خلفلله احتمللالين ‪ :‬أحللدهما ‪ :‬الجللواز‬
‫لتحقق المساواة ‪ .‬والثاني ‪ :‬المنع لجواز أن يتغير أحللدهما‬
‫قبل العقد فتنقص قيمته وحده وصللحح أبللو الخطللاب فللي‬
‫انتصاره المنع قال ; لنا ل نقابل مدا بمللد ودرهمللا بللدرهم‬
‫بل نقابل مدا بنصف مد ونصلف درهلم ‪ ,‬وكلذلك للو خلرج‬
‫مستحقا لسترد ذلك وحينئذ فالجهل بالتساوي قائم ‪ ,‬هللذا‬
‫ما ذكره في تقريره هذه الطريقة ‪ .‬وهللو عنللدي ضللعيف ;‬
‫لن المنقسم هو قيمة الثمن على قيمة المثمللن ل إجللراء)‬
‫‪ (9‬أحدهما علللى قيمللة الخللر ففيمللا إذا بللاع مللدا يسللاوي‬
‫درهمين ودرهما بمدين يساويان ثلثة ل نقول درهم مقابل‬
‫بثلثي مد بل نقول ثلث الثمن مقابل بثلث المثمن فنقابللل‬
‫ثلث المدين بثلللث مللد وثلللث درهللم ونقابللل ثلللث المللدين‬
‫بثلثي مد وثلثي درهم فل تنفك مقابلة كل جزء من المدين‬
‫بجزء من المد والدرهم‪ .‬ولهذا لو باع شقصا وسلليفا بمللائة‬
‫درهم وعشرة دنللانير لخللذ الشللفيع الشللقص بحصللته مللن‬
‫الدراهم والدنانير ‪ ,‬نعم نحتاج إلى معرفة ما يقابل الدرهم‬
‫أو المد من الجملة الخرى إذا ظهر أحدهما مستحقا أو رد‬

‫‪454‬‬
‫بعيب أو غيره ليرد ما قابله من عوضه حيث كان المللردود‬
‫هاهنللا معينللا مفللردا ‪ ,‬أمللا مللع صللحة العقللد فللي الكللل‬
‫واستدامته فإنللا نللوزع أجللزاء الثمللن علللى أجللزاء المثمللن‬
‫بحسللب القيمللة وحينئذ فالمفاضلللة المتيقنللة كمللا ذكللروه‬
‫منتفية ‪ ,‬وأمللا أن المسللاواة غيللر معلومللة فقللد تعلللم فللي‬
‫بعض الصور كما سبق")‪.(10‬‬
‫فهذا الكلم نقلته لبيان أن العلماء يرون أنه في مسألة مد‬
‫عجوة ودرهم ل بد من انقسام أجزاء أحللدهما علللى قيمللة‬
‫الخر على طريقة القاضي‪.‬‬
‫أو انقسام قيمة الثمن على قيمة المثمن على طريقة ابن‬
‫رجب‪.‬‬
‫ل ل بد من هذا التقسيم‪.‬‬ ‫وعلى ك ٍ‬
‫وقد نقلت هذا لليضاح كما سبق‪ ،‬وإل فللإن هللذا التفصلليل‬
‫كله يتعلللق بالروايللة الولللى وهللي المنللع‪ .‬ونللأتي الن إلللى‬
‫الرواية الثانية يقول ابن رجب‪:‬‬
‫"والرواية الثانية ‪ :‬يجوز ذلك بشرط أن يكون مللع الربللوي‬
‫من غير جنسه من الطرفين‪ ،‬أو يكللون مللع أحللدهما ولكللن‬
‫المفرد أكثر من الذي معه غيره نص عليه أحمد في روايللة‬
‫جماعللة‪ ،‬جعل لغيللر الجنللس فللي مقابلللة الجنللس‪ ،‬أو فللي‬
‫مقابلة الزيادة ‪ ,‬ومن المتلأخرين كالسللامري ملن يشللترط‬
‫فيما إذا كان مع كل واحللد مللن غيللر جنسلله مللن الجللانبين‬
‫التساوي جعل لكل جنس في مقابلة جنسه‪ ،‬وهو أولى من‬
‫جعل الجنس في مقابلة غيره‪ ،‬ل سيما مللع اختلفهمللا فللي‬
‫القيمة‪ ،‬وعلى هذه الرواية فإنمللا يجللوز ذلللك مللا لللم يكللن‬
‫حيلة على الربا‪ ،‬وقللد نللص أحمللد علللى هللذا الشللرط فللي‬
‫رواية حرب ول بد منه ‪ .‬وعلى هذه الرواية يكللون التوزيللع‬
‫هاهنا للفراد على الفراد‪ ،‬وعلى الروايللة الولللى هللو مللن‬
‫بللاب توزيللع الفللراد علللى الجمللل‪ ،‬أو توزيللع الجمللل علللى‬
‫الجمل")‪. (11‬‬
‫إذا ً على هذه الرواية ل الجواز ل يكون التوزيع للفراد علللى‬
‫الفراد‪ ،‬أي نجعل غير الجنس في مقابلة الجنللس‪ ،‬أو فللي‬
‫مقابلة الزيادة‪ ،‬كما تقدم عللن ابللن رجللب‪ ،‬وإذا اختللل هللذا‬
‫المبدأ حرمت المعاملة‪.‬‬

‫‪455‬‬
‫وإذا أردنللا أن نطبللق هللذه المقابلللة‪ ،‬أو التقسلليم‪ ،‬علللى‬
‫مسألتنا فإنه ينتج من ذلك عدم الجواز‪.‬‬
‫ولبيان ذلك أقول‪:‬‬
‫طرحت شركة الصحراء أسهمها للكتتاب بقيمة )‪ (50‬ريال ً‬
‫للسهم الواحد)‪.(12‬‬
‫صرف جزء يسير من هذه ألل )‪ (50‬في شللراء أعيللان‪ ،‬أو‬ ‫و ُ‬
‫منافع ولنفرض أنها تشكل ‪ %10‬من قيمة السللهم‪ ،‬فبقللي‬
‫من الموال النقدية ‪ 45‬ريا ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ثم ارتفعت قيمة السهم لتصللل إلللى )‪ (220‬ريللال ً للسللهم‬
‫الواحد‪.‬‬
‫فإذا أردنا تطبيق مبدأ مد عجوة ودرهم فنقول‪:‬‬
‫أللل)‪ (45‬ريللال ً ملن الثملن أي )‪ (220‬مقابللل ألللل)‪ (45‬ملن‬
‫المثمن )النقد في الشركة( ويبقى من الثمن ‪220‬للل ‪=45‬‬
‫‪175‬‬
‫فهذا المبلغ المتبقللي مللن الثمللن وهللو )‪ (175‬ل يمكللن أن‬
‫يكون كله مقابل العيان والمنافع فقط لما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬هذه العيللان والمنللافع ل يعرفهللا كللثير مللن المسللاهمين‬
‫ل‪ ،‬بل كثير من الناس ل يعرف عن هذه الشركة إل أنها‬ ‫أص ً‬
‫ما زالت نقودًا‪ ،‬وإذا كان المساهمون الذين رفعلوا السلهم‬
‫ل يعرفللون فيلله هللذه الحقللوق والمنللافع‪ ،‬بللل قللد تكللون‬
‫معرفتهم بوجود النقد أكثر من معرفتهم بها‪ ،‬فكيف نجعللل‬
‫سبب إرتفاع السهم منحصللرا ً فللي أشللياء ل يعرفونهللا‪ ،‬أو‬
‫معرفتهم بها قليلة‪.‬‬
‫ل هذه القيمة قد ترتفع أو تنزل في دقلائق‪ ،‬مملا يلدل أنهلا‬
‫قيمة سللوقية للسللهم كللله‪ ،‬نقللده‪ ،‬وأعيللانه‪ ،‬وحقللوقه؛ لن‬
‫قيمة هذه العيان والحقوق لن ترتفع في دقائق بمفردهللا‪،‬‬
‫بل الذي يرتفع هو السهم بكل موجوداته العينية‪ ,‬والنقدية‪،‬‬
‫وغيرها‪ ,‬ول يوجد مطلقا ً ما يدل على أن هذا الرتفاع إنمللا‬
‫هو في قيمة العيلان والمنلافع فقلط‪ ,‬بلل هللذه غايلة فلي‬
‫البعد‪ ،‬عند تصور حقيقة المعاملة‪.‬‬
‫إذ إن القللول بللأن هللذه السللهم ارتفللع سللعرها نظللرا ً‬
‫للموجودات غير النقديللة‪ ,‬وسللمعت الشللركة‪ ,‬ونحللو ذلللك‪,‬‬
‫قول بعيد عن حقيقة ما يقللع فللي أسللواق تللداول السللهم؛‬

‫‪456‬‬
‫فإن المساهمين فللي الغللالب ل يعرفللون شلليئا ً كللثيرا ً عللن‬
‫الشركات‪ ،‬ل سيما الحديثة منها‪ ،‬إنمللا يتحكللم فللي إرتفللاع‬
‫سللعر السللهم أو هبوطهللا مللا يجللري علللى السللهم مللن‬
‫مضاربات بين المتداولين‪ ،‬أو ظهور الشاعات‪ ،‬أو تحركات‬
‫كبار المساهمين‪ ،‬ونحو هذه السباب‪.‬‬
‫والمضاربات هي العنصر الهللم فللي إرتفللاع قيللم السللهم‪,‬‬
‫والمضللاربون يرفعللون قيللم السللهم مللن خلل السللاليب‬
‫المتنوعللة فللي العللرض والطلللب‪ ،‬وذلللك كللله بعيللدا ً عللن‬
‫مراعات شئ معين من موجللودات الشللركة مللن الحقللوق‬
‫والمنافع والعيان والنقود‪ ،‬فإذا ارتفللع السللهم فهللو يرتفللع‬
‫بكل موجوداته ول يقصد منها شيئا ً معينا ً‬
‫ول أدل على ذلللك مللن أن أسللهم بعللض الشللركات ترتفللع‬
‫رغم إعلنها الخسارة ووجود انطباع سيء عن أدائهللا عنللد‬
‫المساهمين‪ ،‬وهذا كللله يفللترض أن يللؤدي إلللى تللدني قيللم‬
‫الحقوق والموجودات العينية‪ ،‬ولكن مع ذلك ترتفع أسهمها‬
‫بسبب المضاربات السوقية‪.‬‬
‫ومع ما سبق ما الذي يجعلنا نفترض أن الزيادة فللي قيمللة‬
‫السللهم فللي مقابللل تلللك الموجللودات )العيللان والحقللوق‬
‫والمنافع( فقط‪.‬‬
‫وقلد عرفنلا أن هلذا الرتفلاع سلببه الحقيقلي المضلاربات‬
‫على السهم‪ ،‬وهي ل تفللرق بيللن موجللودات الشللركة مللن‬
‫النقود‪ ،‬والحقوق‪ ،‬والعيان‪ ،‬وغيرها فهي في الواقع مقابل‬
‫السهم برمته نقده وموجوداته‪.‬‬
‫فالزعم أن سبب الرتفاع هوالموجودات غير النقدية فقط‬
‫يخالف الواقع‪.‬‬
‫وخلصة ما سبق أن هللذا الرتفللاع ل يقابللل هللذه الحقللوق‬
‫والمنللافع فقللط‪ ،‬بللل يقابللل السللهم كللله نقللده وحقللوقه‬
‫ومنافعه‪.‬‬
‫ونخلص من هذا إلى أن جزء من هذا المبلللغ المتبقللي )أي‬
‫ألل ‪ (175‬مقابل للنقد الموجود في الشركة بالضللافة إلللى‬
‫ألل )‪ (45‬الولى من الثمن أي أنلله اشللترى )‪ (45‬ريللال ً بللل)‬
‫‪ (45‬وزيادة وهذا هو ربا الفضل‪.‬‬

‫‪457‬‬
‫وبهذا يتبين أنه حتى على القول بجلواز مسلألة ملد عجلوة‬
‫ودرهم فإنها ل تنطبق على شللركة الصللحراء لعللدم تحقللق‬
‫شرط الجواز على ما سبق تفصيله‪.‬‬
‫هللذا مللا ظهللر لللي فللي هللذه المسللألة واللله تعلالى أعللم‬
‫بالصواب‪.‬‬
‫وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫لمزيد من الدراسة حول الموضوع‪:‬‬
‫)حكم تداول أسهم الشركات التي في مرحلة التأسيس(‬
‫)‪ (1‬وسيأتي مزيد إيضاح لهذه النقطة إن شاء الله‪.‬‬
‫)‪ (2‬أي قبل بدء النشاط‪.‬‬
‫)‪ (3‬القللوانين الفقهيللة ص ‪ ،166‬مغنللي المحتللاج ‪،2/28‬‬
‫المغني ‪.6/93‬‬
‫)‪ (4‬أي كلبيع سليف محللى بفضلة فلإن الفضلة اللتي فلي‬
‫السيف ليست مقصودة‪.‬‬
‫)‪ (5‬الشرح الكبير مع النصاف ‪.12/79‬‬
‫)‪ (6‬البنايللة ‪ ،7/518‬المبسللوط ‪ ,12/189‬المغنللي ‪،6/93‬‬
‫النصاف مع الشرح الكبير ‪.12/79‬‬
‫)‪ (7‬الشرح الكبير ‪.12/78‬‬
‫)‪ (8‬مجموع الفتاوى ‪.29/452‬‬
‫)‪ (9‬هكذا في المطبوعة والمحققة ولعل صوابها‪) :‬أجللزاء(‬
‫وذكر في المحققة نسخة ) إجزاء ( هكذا‪.‬‬
‫)‪ (10‬قواعد ابن رجب ‪.2/478‬‬
‫)‪ (11‬قواعد ابن رجب ‪.2/480‬‬
‫)‪ (12‬سلليكون التطللبيق علللى سللهم واحللد ليسللهل فهللم‬
‫المسألة وتصورها‪.‬‬
‫===============‬
‫‪#‬الغزالي‪ :‬أعطوا النظرية القتصادية السلمية‬
‫الفرصة‬
‫حوار ‪/‬عبد الرحمن أبو عوف ‪10/9/1425‬‬
‫‪24/10/2004‬‬
‫أكد الدكتور عبد الحميد الغزالي ‪-‬أستاذ القتصاد السلمي‬
‫بجامعللة القللاهرة‪ -‬أن الللدول العربيللة والسلللمية جربللت‬
‫العديد من النماذج القتصادية مما سبب لهللا الللتراجع عللن‬

‫‪458‬‬
‫الركللب العللالمي‪ ،‬وطللالب بإعطللاء النمللوذج السلللمي‬
‫الفرصة ليثبت نفسه في السللاحة القتصللادية‪ ،‬السلللمية‪،‬‬
‫وغيرها من القضايا التي أثيرت في الحوار التالي‪.‬‬
‫• بوصفك خبيًرا اقتصللادّيا هللل لللك أن توضللح لنللا أسللباب‬
‫التخلف القتصادي الذي يعاني منه عالمنا السلمي؟‬
‫• إن مجتمعاتنا تعاني من التخلف القتصللادي لبعللدها عللن‬
‫تطبيق النموذج السلللمي للقتصللاد والحيللاة؛ فنحللن قمنللا‬
‫بتجربة جميع النماذج القتصادية من اشتراكي إلى ليبرالي‬
‫حلّر‪ ،‬وفشللت كلتلا النظريللتين؛ فلمللاذا ل نعطللي النظريلة‬ ‫ُ‬
‫السلللمية الفرصللة؟ كمللا أن هللذه النظريللة تقللوم علللى‬
‫محورين لحداث التنمية الول‪ :‬أن تكون هللذه المجتمعللات‬
‫حرة‪ ،‬والثللاني أن تكللون مسللتقلة ومنتجللة‪ .‬المشللكلة فللي‬
‫عالمنا العربي أنه ل يتوفر الشللرطان؛ فالمنللاخ السياسللي‬
‫يقوم على القهر السياسي والسللتغلل القتصللادي‪ ،‬وهمللا‬
‫سبب مصيبتنا وتخّلفنا‪ ،‬ونحن نسللتطيع التغلللب علللى هللذه‬
‫المشكلة بتطهير المنللاخ والقيللام بإصلللحات فللي مجللالت‬
‫التعليم والتكنولوجيا والنتباه لمصالحنا القتصادية‪.‬‬
‫تجربة البنوك السلمية‬
‫• شهدت بريطانيا مؤخًرا افتتاح بنللك إسلللمي كللبير كيللف‬
‫تنظرون إلى هذه التجربة؟‬
‫• المصرفية السلمية ُتعللد ظللاهرة قديمللة تقللوم أساس لا ً‬
‫علللى تللوفير تمويللل للمشللروعات النمائيللة وفًقللا لصلليغ‬
‫الستثمار السلمي البعيدة عن شبهة الربا المحّرم‪ ،‬وُتعللد ّ‬
‫هللذه الظللاهرة جديللدة؛ لنهللا تختلللف جللذرّيا عللن العمللل‬
‫المصللرفي الربللوي الحللديث‪ ،‬وقللد حققللت هللذه التجربللة‬
‫الحديثة نسبّيا‪ -‬أول بنك إسلمي تم إنشاؤه في دبللي عللام‬
‫ت ل ينكرهللا إل جاحللد؛ حيللث وصللل عللدد‬ ‫‪ - 1971‬نجاحللا ٍ‬
‫ك‪ ،‬ومؤسسة نقديللة تعمللل‬ ‫البنوك السلمية إلى )‪ (300‬بن ٍ‬
‫من خلل شبكة من الفروع تصللل لكللثر مللن )‪ (500‬فللرع‬
‫يبلغ حجم أعمالها مئات المليارات‪ ،‬ويتعامللل معهللا ملييللن‬
‫العملء‪ ،‬وليس أدل على النجاح الذي حققته هللذه التجربللة‬
‫من قيام البنوك الربوية بفتح شللبابيك للتعامللل السلللمي‪،‬‬

‫‪459‬‬
‫وهللذا ليللس إيماًنللا بللالفكرة‪ ،‬وإنمللا اسللتغلل لجللدواها‬
‫القتصادية‪.‬‬
‫ت مللن جهللات دوليللة تشللهد‬ ‫• ولكن هللل ظهللرت اعترافللا ٌ‬
‫بنجاح البنوك السلمية؟‬
‫• بالتأكيللد صللدرت تقللارير ودراسللات عللن صللندوق النقللد‬
‫والبنللك الللدوليين تشللير إلللى جللدوى العمللل المصللرفي‬
‫السلمي‪ ،‬وتوصية للدول النامية‪ ،‬ومنها السلللمية بالخللذ‪،‬‬
‫ولو جزئيا ً بهللذه الصلليغة فللي عمليللة تمويللل التنميللة علللى‬
‫كا حقيقّيللا فللي‬ ‫أسللاس أن البنللك السلللمي ُيعللد شللري ً‬
‫ت إنمائيللة‪ ،‬وهللذا مللا‬‫الستثمار‪ ،‬أي يقوم بإنشللاء مشللروعا ٍ‬
‫تحتاجه هذه الدول لتنمية اقتصادياتها؛ حيث إن المصللرفية‬
‫السلمية ل تتعامللل بالنظللام الربللوي‪ ،‬وتقللوم علللى نظللام‬
‫المشللاركة فللي الربللح والخسللارة‪ ،‬فالعلقللة بيللن البنللك‬
‫السلللمي والمللودعين يحكملله عقللد المضللاربة الشللرعي‪،‬‬
‫وصلليغ السللتثمار السلللمي الللذي يقللوم علللى العقللود‬
‫ت‪.‬‬
‫الشرعّية التي تتكون من ثلث مجموعا ٍ‬
‫المجموعلللة الوللللى‪ :‬تشلللمل عقلللود الشلللركة‪ ،‬وعقلللود‬
‫المضاربة‪ ،‬والمجموعة الثانية‪ :‬الخاصة بالبيوع‪ ،‬وتشمل بيع‬
‫المساومة‪ ،‬أو المتللاجرة‪ ،‬والمرابحللة‪ ،‬والمجموعللة الثالثللة‪:‬‬
‫هللي عقللود اليجللار التشللغيلية‪ ،‬والجللارة‪ .‬وتحكللم علقللة‬
‫العملء بالبنك السلمي ضرورة تحمل المخاطرة الكاملللة‬
‫ما إل إذا كللان‬ ‫لكل الطرفين أي أن رأس المال ل يكون غان ً‬
‫هناك احتمال حللدوث خسللارة‪ ،‬وثانيهللا أن النقللود فللي حللد‬
‫دا؛ إنما تزيد أو تنقللص بللدخولها فللي نشللاط‬ ‫ذاتها ل تلد نقو ً‬
‫اقتصادي‪ ،‬وتحمللل مخللاطر ذلللك‪ ،‬وثالثهللا أن الربللح وقايللة‬
‫لرأس المال لنه إذا خسر ينقص‪.‬‬
‫• حللديثك يشللير إلللى إيجابيللات أل تللواجه هللذه الظللاهرة‬
‫مشكلت تعوق عملها؟‬
‫• هناك مشكلت حقيقية تجابه هذه الظللاهرة‪ ،‬وأهمهللا أن‬
‫المصللارف السلللمية نشللأت فللي بيئة ماديللة بمعنللى أن‬
‫السوق المصرفية التي نشأت فيها هللذه الظللاهرة تتعامللل‬
‫بالربللا المحللرم‪ ،‬كمللا أن البنللك المركللزي فللي كللثيرٍ مللن‬
‫التجارب يطبق عليها قانون النقد والئتمان؛ فيفرض عليها‬

‫‪460‬‬
‫طا ل تتماشى مع طبيعتها؛ مثل سقف الئتمللان رغللم‬ ‫شرو ً‬
‫أنها ل تتعامللل بالنظللام الربللوي‪ ،‬وهنللاك مخللرج مللن هللذه‬
‫الزمة هللو سللن قللانون خللاص بالمصللرفية السلللمية كمللا‬
‫حدث في تجارب دولة المارات والبحرين واليمن‪.‬‬
‫والمشكلة الثانية أن هذه الظاهرة تم تطبيقها قبل العداد‬
‫الجيد لها؛ حيث نجد أن العاملين في هذه المؤسسللات للم‬
‫دا للقيللام بهللذه المهمللة مللن ثللم حللدثت بعللض‬‫دوا جي ل ً‬
‫يع ل ّ‬
‫الخطاء مما يؤكد ضرورة تكثيف التدريب لكافة العللاملين‬
‫ضماًنا للتطبيق الصحيح لشروط وضوابط العمل في هللذه‬
‫المؤسسات‪.‬‬
‫• ما رؤيتك لمستقبل العمل المصرفي السلمي؟‬
‫• باطمئنللان ظللاهرة المصللرفية السلللمية جللاءت لتبقللى‬
‫وتزدهر بمشيئة الله‪ ،‬ولعل تحول تجارب كاملة إلى العمل‬
‫المصللللرفي السلللللمي‪ ،‬وهللللي التجربللللة الباكسللللتانية‬
‫والسلللودانية‪ ،‬وتحلللول معظلللم المؤسسلللات التحويليلللة‬
‫السلللعودية إللللى الظلللاهرة السللللمية‪ ،‬وازدهارهلللا فلللي‬
‫التجربتين الماليزيلة والندونيسلية خيلر شلاهدٍ عللى نجلاح‬
‫هذه التجربة‪.‬‬
‫===============‬
‫‪ #‬القتصاد السلمي والتحديات المعاصرة‬
‫د‪ .‬يوسف بن أحمد القاسم ‪24/5/1427‬‬
‫‪20/06/2006‬‬
‫أكللد الللدكتور يوسللف القاسللم السللتاذ المسللاعد بالمعهللد‬
‫العللالي للقضللاء أن القضللايا المسللتجدة تحتللاج إلللى تتبللع‬
‫واستقراء؛ وذلك لن الحكم على الشيء فرع عن تصوره‪,‬‬
‫والواقع أن عالم القتصاد‪ ,‬بل والعالم بأسره‪ ،‬أصللبح يطللل‬
‫علينا يوميا ً بكل جديد‪.‬‬
‫وقال في حوار لسلميات معاصللرة إن أهللم مللا يجللب أن‬
‫يتعلملله المشللتغلين بالسللوق‪ :‬التفقلله فللي مسللائل الللبيع‬
‫والشراء‪ .‬وأبان أن الختلف بين المفللتين ظللاهرة طبيعيللة‬
‫وجدت منذ عصور متقدمة‪ ،‬ولهللذا ل ينبغللي أن ينتقللد أهللل‬
‫العلم في ذلك‪ ،‬وقد شعر العامة بهذا المأزق بسبب كللثرة‬
‫برامج الفتاوى التي تبثها وسائل العلم المختلفة‪ ،‬وتحدث‬

‫‪461‬‬
‫عن جوانب أخرى تهم المتابع كالجوانب القتصللادية وفيمللا‬
‫يلي نص الحوار ‪..‬‬
‫ما سبب التوجه للكتابة في القتصاد السلمي؟‬
‫الحقيقة أن أول اهتمامي للكتابة بهذا الموضوع كللان عللبر‬
‫البحث الذي كتبته للترقية قبل أكللثر ملن سللنة‪ ،‬وعنلوانه "‬
‫زكاة السهم المتعثرة " وقد نشر بعد تحكيملله فللي مجلللة‬
‫العللدل الفصلللية‪ ،‬وفللي بعللض المواقللع والمنتللديات‪ ،‬وقللد‬
‫دفعنللي للكتابللة فللي هللذا الموضللوع كللثرة المسللاهمات‬
‫المتعثرة الللتي شللهدها بلللدنا ‪ -‬وللسللف ‪ -‬هللذه السللنوات‬
‫الخيرة‪ ،‬وكثرة سؤال الناس عنها‪ ،‬مما دفعني للكتابة فللي‬
‫هذا الموضوع حيث لم أقف علللى أي بحللث أو كتللاب عللن‬
‫هذه المسألة النازلللة‪ ،‬وبعللدما نشللر هللذا البحللث‪ ،‬هللاتفني‬
‫أخي الفاضل الستاذ عبد الحي شاهين الكاتب فللي موقللع‬
‫السلللم اليللوم طالبللا ً الكتابللة حللول أي موضللوع يتعلللق‬
‫بالسهم‪ ،‬حيث كان تعلق الناس حينها بالسوق على أشده‪،‬‬
‫وكانت رغبته تلك مللن أجللل أن ينشللر المقللال فللي مجلللة‬
‫السلللم اليللوم‪ ،‬وكنللت حينهللا أسللمع ببعللض السلللوكيات‬
‫الخاطئة في سوق السهم‪ ،‬فقررت أن يكون المقال حول‬
‫هذا الموضوع‪ ،‬وحيث لم يكللن لللي سللابق خللبرة فللي هللذا‬
‫المجال فقد سألت بعض الخللوة المهتميللن بالسللوق عمللا‬
‫يدور في الكواليس وفوق الطاولة وتحتهللا‪ ،‬فللوقفت علللى‬
‫تجاوزات يندى لها الجبين‪ ،‬فكتبت المقال حينها‪ ،‬ونشر في‬
‫المجلة‪ ،‬وكان عنوانه "قراءة نقدية لواقع المساهمات فللي‬
‫السللوق المحلللي" وكللان للله صللدى طيللب فللي أوسللاط‬
‫المهتميللن بالسللهم‪ ،‬حيللث نشللر فللي عللدد مللن المواقللع‬
‫والمنتديات‪ ،‬وقد أشرت في ذلك المقال إلى مللا يقللع فللي‬
‫سوق السهم من مخالفات شرعية‪ ،‬من نجللش‪ ,‬وتللدليس‪,‬‬
‫وإشاعات كاذبة‪ ،‬حتى أصبح من المقولت السائدة "اشللتر‬
‫على الشاعة وبع على الخبر!!" وهكذا أصبح السللوق فللي‬
‫الحقيقة مجموعة مللن السلللوكيات الخللاطئة‪ ،‬وزاد الطيللن‬
‫بلة تلك المضاربات التي رفعللت بأسللعار بعللض الشللركات‬
‫إلللى معللدلت غيللر حقيقيللة‪ ،‬حللتى نطللق المجللانين قبللل‬
‫العقلء‪ ،‬والبسطاء قبل العلماء‪ ،‬بأنها قمللار‪ ،‬وأنهللا سللتهوي‬

‫‪462‬‬
‫بالسوق نحو القاع‪ ،‬وقد أشرت فللي المقللال النللف الللذكر‬
‫إلى هذه الحقيقة‪ ،‬ومن الطريف حق لا ً أن السللتاذ المحللرر‬
‫عبد الحي أضاف إلى هذا المقال شيئا ً من السخونة‪ ،‬حيث‬
‫أعطاه عنوانا ً آخر‪ ،‬وهو " سوق السهم على شفا انهيللار "‬
‫ونشللر فللي المجلللة فللي عللددها الثللامن‪ ،‬ثللم نشللر علللى‬
‫الصفحة الرئيسية لموقع السلم اليوم قبللل النهيللار بأيللام‬
‫قليلة‪ ،‬وكأنه صيحة تحذير للمضاربين في السوق !‬

‫هللل تعتقللد أن الهتمللام بقضللايا القتصللاد ونللوازل العصللر‬


‫يحتاج إلى متابعة مستمرة؟‬
‫لشللك أن هللذه القضللايا المسللتجدة تحتللاج إلللى تتبللع‬
‫واستقراء؛ وذلك لن الحكم على الشيء فرع عن تصوره‪،‬‬
‫والواقع أن عالم القتصاد‪ ،‬بل والعالم بأسره‪ ،‬أصلبح يطلل‬
‫علينا يوميا ً بكل جديد‪ ،‬وهذا يحتاج من طالب العلم إلى أن‬
‫يتابع كل ما يستجد في الساحة قللدر المكللان‪ ،‬حللتى يضللع‬
‫الحكم الشرعي في محله الصحيح‪ ،‬ولهذا قللرر ابللن القيللم‬
‫في أعلم الموقعين أن المفللتي ل يتمكللن مللن الفتللوى إل‬
‫بنللوعين مللن الفهللم‪ ،‬أحللدهما‪ :‬فهللم الواقللع والفقلله فيلله‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله تعالى‬
‫الذي حكم به في كتابه أو على لسللان رسللوله صلللى الللله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ثم يطبقه على هذا الواقع‪.‬‬
‫هل ترون أن هناك أمورا ً وضوابط ل بللد أن يتعللرف عليهللا‬
‫المتعاملون في أي سوق تجاري ؟‬
‫أهم ما يجب تعلمه على المشتغلين بالسللوق‪ :‬التفقلله فللي‬
‫مسائل البيع والشراء‪ ،‬ولهذا روي عللن عمللر بللن الخطللاب‬
‫رضي الله عنه أنه قال‪":‬من لم يتفقه فل يتجر في سللوقنا‬
‫" بل استدل بعض المفسللرين ومنهللم القرطللبي علللى مللا‬
‫قللرره عمللر بقللوله تعللالى‪) :‬ول تؤتللوا السللفهاء أمللوالكم(‬
‫وعلللق القرطللبي علللى هللذه اليلة بقللوله‪" :‬ل تللدفع مالللك‬
‫مضللاربة ول إلللى وكيللل ل يحسللن التجللارة"‪ ،‬وكللثير مللن‬
‫الممارسات الخاطئة الواقعة في أسواق المسلمين سببها‬
‫الجهللل بأحكللام التجللارة‪ ،‬وإن كللان الللدافع الكللبر لهللا هللو‬
‫الهوى وحب المال الذي يعمي ويصم ‪.‬‬

‫‪463‬‬
‫يفتقد الناس الطللرح الللتربوي القتصللادي لمعالجللة قضللايا‬
‫التعامل الساخنة بين المتعاملين في المجال القتصادي‪.‬‬
‫في الواقع هذا الطرح موجود‪ ،‬ولكنه بشللكل محللدود جللدًا‪,‬‬
‫وينبغي تفعيل هذا الطرح‪ ،‬ليس على المستوى القتصادي‬
‫فحسللب‪ ،‬بللل علللى جميللع المسللتويات‪ ،‬فمراعللاة الجللانب‬
‫التربوي هي من صميم وظيفة النبياء والرسل‪ ،‬ولهذا نجلد‬
‫نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قللد أعطللى هللذا الجللانب‬
‫حقه مللن الهتمللام‪ ،‬ففللي مجللال السللوق والللبيع والشللراء‬
‫نجده عليه الصلة والسلم يدخل السوق بنفسه‪ ,‬ويراقللب‬
‫وم ما اعوج منها بأسلوبه الحكيم‪ ,‬ولهلذا‬ ‫سلوك الباعة‪ ,‬ويق ّ‬
‫حين دخل مرة السوق‪ ,‬ومر على صبرة طعام‪ ،‬أدخل يللده‬
‫فيها‪ ،‬فنالت أصابعه بلل‪ ،‬فقال ما هذا يا صاحب الطعللام ؟‬
‫فقال ‪ :‬أصابته السماء يا رسول الللله‪ ،‬فقللال عليلله الصلللة‬
‫والسلم‪ :‬أفل جعلته فوق الطعللام كللي يللراه النللاس؟ مللن‬
‫غللش فليللس منللي‪ ،‬والحللديث فللي صللحيح مسلللم‪ .‬وفللي‬
‫الصللحيحين عنلله صلللى الللله عليلله وسلللم أنلله قللال‪" :‬ل‬
‫تناجشللوا‪ ،‬ول تحاسللدوا‪ ،‬ول تباغضللوا‪ ،‬ول تللدابروا‪ ،‬ول يبللع‬
‫بعضللكم علللى بيللع بعللض" وفللي صللحيح مسلللم"ول يسللم‬
‫الرجللل علللى سللوم أخيلله " فهللذه الحللاديث القوليللة‪,‬‬
‫والعملية‪ ,‬كلها تغرس في نفلس المسللم حلس المراقبلة‪،‬‬
‫وتحمله على الخلق الفاضلة في السوق وخارجها‪ ،‬ولهللذا‬
‫ورث منه أصحابه الكرام هذا السلللوب الللتربوي العملللي‪,‬‬
‫فكان عمر يمارس هذا السلوب ذاته‪ ،‬فقللد روي عنلله أنلله‬
‫مللل جمللله أكللثر مللن‬ ‫دخللل السللوق مللرة‪ ،‬فللرأى رجل يح ّ‬
‫مللت جملللك مللا ل‬ ‫طاقته‪ ،‬فقال له عمللر منكللرا ً عليلله‪" :‬ح ّ‬
‫يطيق!" ومرة دخل السلوق فملر بحلاطب بلن أبلي بلتعلة‬
‫وبين يللديه غرارتللان فيهمللا زبيللب‪ ،‬فسللأله عللن سللعرهما‪،‬‬
‫دثت بعيللر‬ ‫فسّعر له مدين لكل درهم‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬قد ح ّ‬
‫مقبلة من الطائف تحمل زبيبًا‪ ،‬وهم يعتبرون سعرك‪ ،‬فإملا‬
‫أن ترفع في السعر‪ ،‬وإمللا أن تللدخل زبيبللك الللبيت فتللبيعه‬
‫كيف شئت‪ .‬فلما رجع عمر حاسب نفسه‪ ،‬ثم أتللى حاطبللا ً‬
‫في داره‪ ،‬فقال له‪ :‬إن الللذي قلللت ليللس بعزمللة منللي ول‬
‫قضاء‪ ،‬إنما هو شليء أردت بله الخيلر لهلل البللد‪ ،‬فحيلث‬

‫‪464‬‬
‫شئت فبع " وبتأمل هللذا الثللر نجللد عمللر قللد اهتللم بشللأن‬
‫السوق حين دخله وقام فيه بجولة‪ ,‬رغم مكانته رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬ثم إن هموم الناس قللد خللالطت شلغاف قلبله‪ ،‬حيللن‬
‫خشي أن يؤدي تخفيض سعر الللبيع إلللى الضللرار بالباعللة‪،‬‬
‫ولهذا أمر حاطبا ً أن يبيع بسعر السوق‪ ،‬وبعد أن خرج مللن‬
‫السوق لمته نفسه‪ ،‬وخشي أن يكون قد تدخل فيما ليللس‬
‫مللن شللأنه‪ ،‬فرجللع إلللى السللوق ثانيللة‪ ،‬وقللال للله مللا قللال‬
‫معتذرًا‪ ،‬وهذا من تواضعه رضللي الللله عنلله‪ ،‬ثللم صللرح للله‬
‫بالبيع كيف شاء‪ ،‬وترك سعر السوق يخضع لقانون العرض‬
‫والطلللب دون تللدخل منلله‪ ،‬أو مللن غيللره‪ .‬وممللا روي عنلله‬
‫رضي الله عنه أنه رأى مرة رجل ً خلط اللبن بالماء‪ ،‬ويبيعه‬
‫على هذه الصورة‪ ،‬فأراقه عليه‪ .‬فهللذه المواقللف ونحوهللا‪،‬‬
‫تعطي المتعاملين في السوق دروسا ً عمليللة فللي التربيللة‪،‬‬
‫واستحضار مراقبة الله تعالى في البيع والشللراء‪ ،‬وتحريللم‬
‫إلحاق الذى بالناس ‪ ..‬إللخ‪ ،‬وهكللذا ينبغللي أن يكلون ورثلة‬
‫النبياء‪ ،‬وهم العلماء‪ ،‬فينبغي أن يكرسوا الجهد في سللبيل‬
‫الدعوة‪ ,‬والتربية‪ ,‬والصلح‪.‬‬
‫يقف المستفتي حللائرا ً فللي أحيللان كللثيرة بسللبب تضللارب‬
‫الفتوى‪ ،‬فكيف يمكن للمستفتي أن يتجاوز هذا المأزق؟‬
‫الختلف بين المفتين ظاهرة طبيعيللة وجللدت منللذ عصللور‬
‫متقدمة‪ ،‬ولهذا ل ينبغي أن ينتقد أهل العلم في ذلك‪ ،‬وقللد‬
‫شعر العامة بهذا المأزق بسبب كثرة برامج الفتللاوى الللتي‬
‫تبثها وسائل العلم المختلفة‪ ،‬وهي ظاهرة صحية وليست‬
‫مرضية‪ ،‬ما دام المفتي المستضاف علللى قللدر مللن العلللم‬
‫والحكمة‪ ،‬وقد كتبت مقال ً فللي موقللف العللامي مللن خلف‬
‫المفتين ‪ -‬منشللور فللي موقللع السلللم اليللوم ‪ -‬بينللت فيلله‬
‫المخللرج مللن هللذا المللأزق بكلم مفصللل‪ ،‬حاصللله‪ :‬أن‬
‫المستفتي ل يجوز للله أن يتتبللع الراء الشللاذة ول أن يتتبللع‬
‫رخص الفقهاء بإجماع أهل العلم كمللا حكللاه الحللافظ ابللن‬
‫عبد البر‪ ،‬وإذا اختلفللت عليلله الفتللوى فالراجللح مللا اختللاره‬
‫شلليخ السلللم ابللن تيميللة وهللو أن العللامي يجتهللد حسللب‬
‫تمييزه‪ ،‬ويتقي الله حسب استطاعته‪ ،‬فإن ترجح للله قللول‬
‫أحد المفتين لكونه العلم الورع أخذ بفتواه‪ ،‬فللإن اسللتويا‬

‫‪465‬‬
‫فللي العلللم والللورع‪ ،‬أو شللق عليلله معرفللة العلللم منهمللا‪،‬‬
‫وكانت نفسه تسكن لفتيا أحللدهما ويطمئن لهللا قلبلله دون‬
‫فتيللا الخللر‪ ،‬أخلذ بهللذا المرجللح‪ ،‬وكلذا للو ترجللح لله قللول‬
‫أحدهما لكثرة من أفتى به من أهل العلم‪.‬‬
‫كيف ترى أهمية دراسة القتصاد والستفادة مما فيلله مللن‬
‫إيجابيلللات‪ ،‬وهلللل هنلللاك أخطلللاء يتلللم تصلللديرها للعلللالم‬
‫السلمي؟‬
‫أرى أن هذا من الهميللة بمكللان؛ إذ ل ينبغللي أن نبللدأ مللن‬
‫حيث بدأ غيرنا‪ ،‬وإنما نبدأ من حيث انتهللوا‪ ،‬وهللذا يعنللي أن‬
‫نستفيد مما لديهم من حسللنات وإيجابيللات‪ ،‬ل أن نسللتورد‬
‫مللا عنللدهم بعجللره وبجللره‪ ،‬بمعنللى أن نؤسللس اقتصللادا ً‬
‫إسلللميا مسللتقل ً ل تابعللًا‪ ،‬مللع السللتفادة مللن الخللبرات‬
‫والتجللارب الخللرى‪ ,‬ل أن نقللوم بعمليللة ترقيللع للقتصللاد‬
‫الشللرقي أو الغربللي‪ ،‬مللع الحتفللاظ بالسللس الللتي تقللوم‬
‫عليها تلللك النظمللة‪ ،‬فيصللبح التعللديل فللي الشللكل ل فللي‬
‫المضللمون‪ ،‬والنتيجللة اقتصللاد مسللخ‪ ،‬كمللا هللو الحللال فللي‬
‫برامج الطفال الكرتونية التي تستورد من هنا وهنللاك‪ ،‬ثللم‬
‫يجللرى عليهللا بعللض اللمسللات السلللمية الللتي ل تغيللر‬
‫المضمون‪ ،‬وهكذا نعتمد علللى عقللول الخريللن‪ ،‬ونسللتغني‬
‫عن عقولنللا وإبللداعاتنا‪ ،‬ونكللون عالللة علللى غيرنللا‪ ،‬ونبقللى‬
‫متخلفين في ركب العالم الثالث‪.‬‬
‫وبالنسبة إلى الشق الثاني مللن السللؤال‪ ،‬فللإنه ل شللك أن‬
‫هناك أخطاء كثيرة تم تصديرها لعالمنا السلمي بقصللد أو‬
‫بغير قصد‪ ،‬ومن أبرزها هذا الربا الللذي يمارسلله عللدد مللن‬
‫البنللوك فللي بلدنللا السلللمية‪ ،‬مللع كللونه كللبيرة مللن أكللبر‬
‫الكبائر‪ ،‬والغريب أنه بدأت تظهر هنللاك فللي الغللرب بعللض‬
‫النداءات المطالبة بإلغاء الربا؛ لنه لن الواقع أثبت فشللله‬
‫أمام التعللاملت المصللرفية السلللمية‪ ،‬وأنهللا أكللثر جللدوى‬
‫ربحية منلله‪ ،‬وقللد نشللر فللي جريللدتكم القتصللادية خللبر أو‬
‫تقرير عللن هللذا الموضللوع‪ ،‬وأنلله قللامت بعللض المصللارف‬
‫الوروبية بافتتاح فروع إسلمية في بلدهللا لمللا ثبللت لللديها‬
‫من الجدوى القتصادية لهذه المصارف‪ ،‬ومع هذا كله نجللد‬
‫من بني جلدتنا من يأكل الربا بكلتا يديه‪ ،‬ويؤكل غيره‪ ،‬بللل‬

‫‪466‬‬
‫ويحللرم كللثيرا ً مللن أبنللاء الللوطن مللن الللدخول فللي بعللض‬
‫الشركات المسللاهمة؛ لنلله أبللى إل أن يأكللل الربللا ويللدعو‬
‫الناس معه على مائدته!!‬
‫ومن الخطاء التي تم تصديرها إلللى بلدنللا السلللمية هللذا‬
‫النظام الغربي لسوق السهم‪ ,‬الللذي ضللحاياه اليللوم أكللثر‬
‫من مليوني شخص مابين قتيل وجريح ! وهذه الضحايا كما‬
‫تهاوت في سوقنا‪ ،‬فقللد تهللاوت قبللل فللي نيويللورك‪ ،‬وفللي‬
‫الكويت‪ ،‬وفي دول جنوب شرق آسلليا‪ ،‬وغيرهللا‪ ،‬ول عجللب‬
‫مما حل في سوقنا إذا علمنا أن هذه الصالت تللدعى فللي‬
‫بعض البلد الغربية بصالت القمار‪ ،‬ومللا حللرم الللله تعللالى‬
‫الرحيم بعباده على خلقه شلليئا ً إل لمللا يشللتمل عليلله مللن‬
‫ضرر في العاجل والجل‪ ،‬ولو لم يكن فيه من ضرر إل أنله‬
‫أدى إلى ركود اقتصادي في البلد‪ ،‬بل أدى إلللى نقيللض مللا‬
‫أسست الشركات من أجلله وهللو السللتثمار‪ ،‬حلتى قللامت‬
‫بعض الشركات باستثمار ‪ 60‬في المائة من السيولة الللتي‬
‫لللديها فللي هللذه السللوق الللتي تلقللف مللا صللنعوا‪ ،‬ولهللذا‬
‫فللالواجب أن نسللتلهم الللدروس والعللبر ممللا يمللر بنللا مللن‬
‫أزمات‪ ،‬حتى ل نلدغ من جحر واحد مرتين‪ ،‬أو أكثر!! ومن‬
‫الخطأ أن نعتقد أن هذا النظام القائم هو قدرنا الذي يجب‬
‫علينللا أن نختللاره‪ ،‬فنلللزم أنفسللنا بتجربللة أو تجللارب أثبللت‬
‫الواقع فشلها‪ ،‬فكم سمعنا في وسائل العلم المختلفة أن‬
‫هللذه السللوق قويللة واقتصللادنا واعللد‪ ،‬فل يمكللن أن تنهللار‬
‫السللوق‪ ،‬وخللالف الواقللع كللل هللذه القناعللات! وانهللارت‬
‫السوق بين عشية وضحاها‪ .‬والواقع أنه ل غرابللة مللن هللذا‬
‫ل‪ :‬للللو أن مجموعلللة ملللن‬ ‫النهيلللار‪ ،‬ولضلللرب للللذلك مث ً‬
‫المضاربين اجتمعوا علللى سلليارة أجللرة قديمللة مسللتعملة‬
‫أكل عليها الدهر وشرب وتقيأ‪ ،‬وليس للناس رغبة للركوب‬
‫فيها‪ ،‬فهي ل تدر على صاحبها ربحا ً يللذكر‪ ،‬بللل ربمللا ينفللق‬
‫عليها أكثر مما يأخذ منها‪ ،‬كما هلو ظلاهر ملن حالهلا‪ ،‬وملع‬
‫هذا كله أخللذ هللؤلء المضللاربون يبيعونهللا ويشللترونها فللي‬
‫اليوم أكثر من ألف مرة‪ ،‬وبأسعار ل تتفق مع الواقع‪ ،‬وهي‬
‫واقفة ل تراوح مكانها ! وسللبب هللذا الغلء لهللذه السلليارة‬
‫المهترئة‪ ،‬أن المشترين كثر‪ ،‬فمهما اشللتريتها بسللعر غللال‬

‫‪467‬‬
‫فستجد من يشتريها منك‪ ،‬وهي واقفة ل تتحرك‪ ،‬فهل هللذا‬
‫بيلع أسلس عللى تقلوى ملن اللله ورضلوان‪ ،‬أم هلو قملار‬
‫أسس على شفا جرف هار‪ ،‬فانهار به‪ ،‬وهكذا السهم حين‬
‫هوت بأصحابها‪ ،‬حيث كانت المضاربات تتم علللى شللركات‬
‫تراوح مكانها‪ ،‬والمضاربون يساومون عليها وهي تغط فللي‬
‫نوم عميق!!‬
‫هناك بعض الراء لكم تشير إلى تشابه السهم مع القمار‪،‬‬
‫هل بنيت ذلك على أسس معينة؟‬
‫ل‪ :‬بأن هذا الللرأي سللبقني فيلله غيللري مللن‬ ‫أحب أن أنبه أو ً‬
‫أهل العلم‪ ،‬ممللن هللم مللن مشللايخي وأسللاتذتي فللي هللذا‬
‫المجال‪ ،‬وما أنا إل تلميذ صلغير ملن تلملذتهم‪ ،‬ومللن أبللرز‬
‫هؤلء العلماء‪ :‬الدكتور الصديق محمد المين الضللرير وهللو‬
‫عضو في مجمع الفقه السلمي‪ ،‬والدكتور صالح الفللوزان‬
‫عضو هيئة كبار العلماء‪ ،‬والشيخ عبللد القللادر شلليبة الحمللد‬
‫المدرس بالمسجد النبلوي‪ ،‬وكلذا الشليخ عبلد اللله المنيلع‬
‫عضو هيئة كبار العلماء الذي أشكره حقيقة على شللجاعته‬
‫حيللن أعلللن هللذا الللرأي‪ ،‬وأراه اقتنللع بلله أخيللرا ً حيللن رأى‬
‫وسمع هذه الثللار المللدمرة للنسللان والقتصللاد علللى حللد‬
‫سواء‪ ،‬حتى أصبح البعض منا عالة يتكففون الناس!‬
‫وأما بالنسللبة إلللى الدلللة الللتي اسللتندت إليهللا‪ ،‬فهللي فللي‬
‫مقالي الذي نشر في جريللدتكم المللوقرة‪ ،‬كمللا نشللر فللي‬
‫بعللض المواقللع والمنتللديات‪ ،‬وعنللوانه "المتللاجرة بالسللهم‬
‫مضاربة أم مقامرة ؟" فأحيل إليلله القللارئ الكريللم‪ ،‬ففيلله‬
‫إجابة عن هذا التساؤل‪.‬‬
‫ظهرت لبعض العلماء أقوال ودعوات بخصوص الرغبة في‬
‫انتهاء معاملت السهم إلى البد‪ ،‬ما رأيكم في ذلك؟‬
‫فللي الحقيقللة ل أؤيللد هللذا القللول إطلقللا؛ لن الشللركات‬
‫القائمللة علللى أسلللوب السللتثمار أثبتللت جللدواها‪ ،‬وكللانت‬
‫داعم لا ً اقتصللاديا ً قوي لا ً للبلللد‪ ،‬هللذا بالنسللبة إلللى أسلللوب‬
‫الستثمار‪ .‬أما بالنسبة إلى أسلوب المضاربة‪ ،‬فهو بأسلوبه‬
‫الحاضر قائم على مفهوم القمار‪ ,‬وينبغي إعادة هيكلته بما‬
‫يجنب الناس الحرام والوقوع في شرك النهيار والفلس‪،‬‬
‫ولدينا ولله الحمد من الطاقات والخبرات‪ ،‬مللا هللي كفيلللة‬

‫‪468‬‬
‫بإذن الله بوضع السس السللليمة لللذلك وقللد قللرأت لحللد‬
‫الخبراء في هذا المجال وهو الفقيه القتصللادي )د‪ .‬محمللد‬
‫الشللباني( اقتراحلا ً جيللدا ً لسلللوب المضللاربة يسللاهم فللي‬
‫تنشيط الستثمار‪ ،‬ويضع حللدا ً للمضللاربات سلليئة الصلليت‪،‬‬
‫ل‪ :‬بأن يتم تحديد سعر السهم على أساس القيمة‬ ‫وذلك أو ً‬
‫الدفتريلة للسلهم مضلافا ً إليهلا نسلبة مئويلة عللى القيملة‬
‫الدفترية للسهم‪ ،‬وتحدد هذه النسبة وفقا ً لمؤشرات ربحية‬
‫الشركة في الماضي والمستقبل‪ ،‬وتتغير هذه النسللبة كللل‬
‫أربعة أشهر وفقا ً للبيانات والمعلومات عن الشركة نفسها‬
‫وعن القطاع القتصادي الللذي تنتمللي إليلله هللذه الشللركة‪،‬‬
‫وتتولى هيئة السوق المالية تحديد هذه النسللبة‪ .‬وثاني لًا‪ :‬أن‬
‫يتم تحديد مدة زمنية بين حركة البيع والشراء‪ ،‬بحيث يمنع‬
‫بيع السهم إل بعد مرور هذه الفترة؛ لمنع حمى المضللاربة‬
‫فللي السللهم‪ ،‬ومللن أجللل العمللل علللى اسللتقرار السللوق‬
‫المالية‪ ،‬وقد أشرت إلى هذا كله في المقال الموسللوم بللل‬
‫"سوق المال وصورة طبق الصل"‪.‬‬
‫عللودة بعللض المهتميللن بالقتصللاد فللي الغللرب وخصوص لا ً‬
‫المصارف إلى الستفادة من النظام السلللمي‪ ،‬إلم تعللزو‬
‫ذلك ؟‬
‫أعزوه إلى عدة أسباب‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬النجلللاح اللللذي حققللله علللدد كلللبير ملللن المصلللارف‬
‫السللللمية‪ ،‬وثبلللوت الجلللدوى القتصلللادية لمعاملتهلللا‬
‫المصرفية‪ ،‬وأنها أكثر جدوى من المعاملت الربوية‪.‬‬
‫الثللاني‪ :‬رغبللة كللثير مللن الجاليللات المسلللمة هنللاك فللي‬
‫المعاملت المصرفية السلللمية‪ ،‬وقللد حقللق هللذه الرغبللة‬
‫بعض البنوك‪ ،‬مما اضطر بنوكا ً أخرى إلى الدخول في هللذا‬
‫المشروع السلللمي الكللبير نللزول ً عنللد رغبللة عملئهللا‪ ،‬ول‬
‫سيما وقد أثبتت جدواها الربحي‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬حول العملة الورقية‬
‫مجمع الفقه السلمي المنبثق عن رابطة العالم السلمي‬
‫‪15/10/1425‬‬
‫‪28/11/2004‬‬

‫‪469‬‬
‫حول العملة الورقية‪:‬‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نللبي بعللده‪،‬‬
‫سيدنا ونبينا محمد‪ .‬أما بعد‪ :‬فإن مجلس المجمللع الفقهللي‬
‫السلمي قد اطلع على البحث المقدم إليلله فللي موضللوع‬
‫العملللة الورقيللة‪ ،‬وأحكامهللا مللن الناحيللة الشللرعية‪ ،‬وبعللد‬
‫المناقشة والمداولة بين أعضائه قرر ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬أنه بناء على أن الصل في النقد هو الذهب والفضللة‪،‬‬ ‫أو ً‬
‫وبناء على أن علة جريان الربا فيهمللا هللي مطلللق الثمنيللة‬
‫في أصح القوال عند فقهاء الشللريعة‪ .‬وبمللا أن الثمنيللة ل‬
‫تقتصللر عنللد الفقهللاء علللى الللذهب والفضللة‪ ،‬وإن كللان‬
‫معدنهما هو الصل‪ .‬وبما أن العملللة الورقيللة قللد أصللبحت‬
‫ثمًنا‪ ،‬وقامت مقام الذهب والفضة فللي التعامللل بهللا‪ ،‬وبهللا‬
‫م الشياء فللي هللذا العصللر‪ ،‬لختفللاء التعامللل بالللذهب‬ ‫ت َُقوّ ُ‬
‫والفضللة‪ ،‬وتطمئن النفللوس بتمولهللا وادخارهللا‪ ،‬ويحصللل‬
‫الوفاء والبراء العام بها‪ ،‬رغم أن قيمتها ليست فللي ذاتهللا‪،‬‬
‫وإنما في أمر خارج عنها‪ ،‬وهو حصول الثقللة بهللا‪ ،‬كوسلليط‬
‫في التداول والتبادل‪ ،‬وذلك هو سر مناطها بالثمنية‪ .‬وحيث‬
‫إن التحقيق في علة جريان الربا في الللذهب والفضللة هللو‬
‫مطلق الثمنية‪ ،‬وهي متحققللة فللي العمللة الورقيللة‪ ،‬لللذلك‬
‫كله‪ ،‬فللإن مجلللس المجمللع الفقهللي السلللمي‪ ،‬يقللرر‪ :‬أن‬
‫العملللة الورقيللة نقللد قللائم بللذاته‪ ،‬للله حكللم النقللدين مللن‬
‫الذهب والفضة‪ ،‬فتجب الزكللاة فيهللا‪ ،‬ويجللري الربللا عليهللا‬
‫ة‪ ،‬كمللا يجللري ذلللك فللي النقللدين مللن‬ ‫بنوعيه‪ ،‬فضل ً ونسيئ ً‬
‫ما‪ ،‬باعتبار الثمنية فللي العملللة الورقيللة‬ ‫الذهب والفضة تما ً‬
‫سا عليهما‪ ،‬وبذلك تأخذ العملللة الورقيللة أحكللام النقللود‬ ‫قيا ً‬
‫في كل اللتزامات التي تفرضها الشريعة فيها‪.‬‬
‫ما بللذاته‪ ،‬كقيللام النقديللة‬
‫دا قائ ً‬
‫ثانًيا‪ :‬يعتبر الورق النقدي نق ً‬
‫في الذهب والفضة وغيرهما من الثمان‪ ،‬كما يعتبر الللورق‬
‫سا مختلفة‪ ،‬تتعللدد بتعللدد جهللات الصللدار فللي‬ ‫النقدي أجنا ً‬
‫البلللدان المختلفللة‪ ،‬بمعنللى أن الللورق النقللدي السللعودي‬
‫جنلس‪ ،‬وأن اللورق النقلدي المريكلي جنلس‪ .‬وهكلذا كلل‬
‫عملة ورقية جنس مستقل بذاته‪ ،‬وبذلك يجري فيهللا الربللا‬
‫ة‪ ،‬كما يجري الربا بنوعيه فللي النقللدين‬ ‫بنوعيه فضل ً ونسيئ ً‬

‫‪470‬‬
‫الذهب والفضة وفي غيرهما من الثمان‪ .‬وهذا كله يقتضي‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫)أ( ل يجوز بيع الورق النقدي بعضلله ببعللض‪ ،‬أو بغيللره مللن‬
‫الجناس النقدية الخللرى‪ ،‬مللن ذهللب أو فضللة أو غيرهمللا‪،‬‬
‫نسيئة مطلًقا‪ .‬فل يجوز مثل ً بيع ريال سعودي بعملة أخرى‬
‫متفاضل ً نسيئة بدون تقابض‪.‬‬
‫)ب( ل يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقيللة بعضلله‬
‫دا بيد‪ ،‬فل يجللوز‬ ‫ل‪ ،‬سواء كان ذلك نسيئة أو ي ً‬ ‫ببعض متفاض ً‬
‫مثل ً بيع عشللرة ريلالت سلعودية ورقًللا‪ ،‬بأحلد عشللر ريلال ً‬
‫سعودية ورًقا‪ ،‬نسيئة أو ي ً‬
‫دا بيد‪.‬‬
‫)ج( يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلًقللا‪ ،‬إذا كللان‬
‫دا بيد‪ ،‬فيجوز بيع الليرة السللورية أو اللبنانيللة بريللال‬ ‫ذلك ي ً‬
‫سعودي ورًقا كان أو فضة‪ ،‬أو أقل من ذلك‪ ،‬أو أكثر‪ .‬وبيللع‬
‫الدولر المريكي بثلثة ريالت سعودية‪ ،‬أو أقل مللن ذلللك‪،‬‬
‫دا بيد‪ ،‬ومثللل ذلللك فللي الجللواز بيللع‬ ‫أو أكثر‪ ،‬إذا كان ذلك ي ً‬
‫الريال السللعودي الفضللة بثلثللة ريللالت سللعودية ورق‪ ،‬أو‬
‫دا بيد؛ لن ذلك يعتبر بيع جنس بغير‬ ‫أقل من ذلك أو أكثر ي ً‬
‫جنسه‪ ،‬ل أثر لمجرد الشتراك في السم مع الختلف في‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬وجوب زكاة الوراق النقدية‪ ،‬إذا بلغللت قيمتهللا أدنللى‬
‫النصابين من ذهب أو فضللة‪ ،‬أو كللانت تكمللل النصللاب مللع‬
‫غيرها من الثمان والعروض المعدة للتجارة‪.‬‬
‫رابًعللا‪ :‬جللواز جعللل الوراق النقديللة رأس مللال فللي بيللع‬
‫السلم‪ ،‬والشركات‪ .‬والللله أعلللم‪ .‬وبللالله التوفيللق‪ .‬وصلللى‬
‫الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫=============‬
‫‪#‬بشأن حكم شراء أسهم الشركات والمصارف‬
‫إذا كان في بعض معاملتها ربا‬
‫مجمع الفقه السلمي المنبثق عن رابطة العالم السلمي‬
‫‪16/10/1425‬‬
‫‪29/11/2004‬‬
‫بشأن حكم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في‬
‫بعض معاملتها ربا‪:‬‬

‫‪471‬‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نللبي بعللده‪،‬‬
‫سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪ ..‬أما بعد‪ :‬فللإن‬
‫مجللللس المجملللع الفقهلللي السللللمي‪ ،‬برابطلللة العلللالم‬
‫السلللمي‪ ،‬فللي دورتلله الرابعللة عشللرة المنعقللدة بمكللة‬
‫المكرمللة‪ ،‬والللتي بللدأت يللوم السللبت ‪ 20‬مللن شللعبان‬
‫‪1415‬هل ‪21/1/1995-‬م؛ قد نظر في هذا الموضوع وقرر‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬بمللا أن الصللل فللي المعللاملت الحللل والباحللة فللإن‬
‫تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مباحللة أمللر‬
‫عا‪.‬‬
‫جائز شر ً‬
‫‪ -2‬ل خلف فللي حرمللة السللهام فللي شللركات غرضللها‬
‫الساسي محرم‪ ،‬كالتعامل بالربللا أو تصللنيع المحرمللات أو‬
‫المتاجرة فيها‪.‬‬
‫‪ -3‬ل يجوز لمسلم شراء أسهم الشللركات والمصللارف إذا‬
‫ما بذلك‪.‬‬‫كان في بعض معاملتها ربا‪ ،‬وكان المشتري عال ً‬
‫‪ -4‬إذا اشللترى شللخص وهللو ل يعلللم أن الشللركة تتعامللل‬
‫بالربا‪ ،‬ثم علم فالواجب عليه الخروج منها‪.‬‬
‫والتحريم في ذلك واضح‪ ،‬لعموم الدلة من الكتاب والسنة‬
‫في تحريم الربا‪ ،‬ولن شراء أسهم الشركات التي تتعامللل‬
‫بالربا مع علم المشللتري بللذلك‪ ،‬يعنللي اشللتراك المشللتري‬
‫نفسه في التعامل بالربا‪ ،‬لن السهم يمثل جزًءا شائًعا من‬
‫رأس مللال الشللركة‪ ،‬والمسللاهم يمللك حصلة شلائعة فللي‬
‫موجودات الشركة‪ ،‬فكل مال تقرضلله الشللركة بفللائدة‪ ،‬أو‬
‫تقترضللله بفلللائدة‪ ،‬فللمسلللاهم نصللليب منللله‪ ،‬لن اللللذين‬
‫يباشرون القراض والقتراض بالفائدة يقومون بهذا العمل‬
‫نيابة عنه‪ ،‬والتوكيل بعمل المحرم ل يجوز‪.‬‬
‫وصلى الله على سيدنا محمد وعلللى آللله وصللحبه‪ ،‬وسلللم‬
‫ما كثيًرا‪ .‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬
‫تسلي ً‬
‫===============‬
‫‪#‬بشأن موضوع بيع الدين‬
‫مجمع الفقه السلمي المنبثق عن رابطة العالم السلمي‬
‫‪16/10/1425‬‬
‫‪29/11/2004‬‬

‫‪472‬‬
‫بشأن موضوع بيع الدين‪:‬‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نللبي بعللده‪،‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإن مجلس المجمع الفقهي السلمي في دورتلله‬
‫السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة‪ ،‬في المللدة مللن‬
‫‪26/10/1422-21‬هل الذي يللوافقه‪10/1/2002-5 :‬م‪ ،‬قللد‬
‫نظر في موضوع‪) :‬بيلع اللدين(‪ .‬وبعلد اسلتعراض البحلوث‬
‫التي قدمت‪ ،‬والمناقشات المستفيضة حول الموضوع‪ ،‬وما‬
‫تقرر في فقلله المعللاملت مللن أن الللبيع فللي أصللله حلل‪،‬‬
‫َ‬
‫م الّربا(]البقرة‪.[275 :‬‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬
‫حّر َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫ح ّ‬‫لقوله تعالى‪) :‬وَأ َ‬
‫ولكن البيع له أركان وشروط لبد من تحقق وجودها‪ ،‬فللإذا‬
‫تحققللت الركللان والشللروط وانتفللت الموانللع كللان الللبيع‬
‫حا‪ ،‬وقد اتضح من البحوث المقدمة أن بيللع الللدين للله‬ ‫صحي ً‬
‫صور عديدة؛ منها ما هو جائز‪ ،‬ومنها ما هو ممنوع‪ ،‬ويجمللع‬
‫الصور الممنوعة وجود أحد نوعي الربا‪ :‬ربللا الفضللل‪ ،‬وربللا‬
‫ما‪ ،‬مثل بيلع اللدين الربلوي بجنسله‪ ،‬أو‬ ‫الّنساء‪ ،‬في صورة ّ‬
‫وجود الغرر الذي يفسد البيع؛ كما إذا ترتب على بيع الدين‬
‫عدم القدرة على التسليم ونحوه؛ لنهيلله صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ‪ .‬وهنللاك تطبيقللات معاصللرة‬
‫في مجال الديون تتعامل بها بعض المصارف والمؤسسات‬
‫المالية‪ ،‬بعض منها ل يجوز التعامل به؛ لمخالفته للشللروط‬
‫والضوابط الشرعية الواجبة في البيوع‪.‬‬
‫وبناء على ذلك قرر المجمع ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬من صور بيع الدين الجائزة‪ :‬بيع الدين للمللدين نفسلله‬ ‫أو ً‬
‫ل؛ لن شرط التسليم متحقللق؛ حيللث إن مللا فللي‬ ‫حا ّ‬
‫بثمن َ‬
‫ما‪ ،‬فانتفي المانع من بيع الدين‪ ،‬الذي هو‬ ‫ذمته مقبوض حك ً‬
‫عدم القدرة على التسليم‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬من صور بيع الدين غير الجائزة‪:‬‬
‫أ‪ -‬بيع الدين للمدين بثمن مؤجلل أكللثر ملن مقلدار الللدين؛‬
‫عا‪ ،‬وهللو مللا‬
‫لنه صورة من صللور الربللا‪ ،‬وهللو ممنللوع شللر ً‬
‫يطلق عليه )جدولة الدين(‪.‬‬
‫ب‪ -‬بيع الدين لغير المدين بثمن مؤجل من جنسله‪ ،‬أو ملن‬
‫غير جنسه؛ لنها من صور بيع الكللالئ بالكللالئ ) أي الللدين‬
‫عا‪.‬‬ ‫بالدين ( الممنوع شر ً‬

‫‪473‬‬
‫ثالًثا‪ :‬بعض التطبيقات المعاصرة في التصرف في الديون‪:‬‬
‫أ‪ -‬ل يجوز حسللم الوراق التجاريللة ) الشلليكات‪ ،‬السللندات‬
‫الذنية‪ ،‬الكمبيالت (؛ لما فيه من بيللع الللدين لغيللر المللدين‬
‫على وجه يشتمل على الربا‪.‬‬
‫ب‪ -‬ل يجوز التعامل بالسندات الربويللة إصللداًرا‪ ،‬أو تللداو ً‬
‫ل‪،‬‬
‫أو بيًعا؛ لشتمالها على الفوائد الربوية‪.‬‬
‫ج‪ -‬ل يجللوز توريللق )تصللكيك( الللديون بحيللث تكللون قابلللة‬
‫للتداول في سوق ثانويللة؛ لنلله فللي معنللى حسللم الوراق‬
‫التجارية المشار لحكمه في الفقرة)أ(‪.‬‬
‫رابعًللا‪ :‬يللرى المجمللع أن البللديل الشللرعي لحسللم الوراق‬
‫التجاريللة‪ ،‬وبيللع السللندات‪ ،‬هللو بيعهللا بللالعروض )السلللع(‬
‫شريطة تسلم البائع إياها عند العقد‪ ،‬ولو كان ثمن السلعة‬
‫عا مللن‬‫أقل من قيمللة الورقللة التجاريللة؛ لنلله ل مللانع شللر ً‬
‫شراء الشخص سلعة بثمن مؤجل أكثر من ثمنها الحالي‪.‬‬
‫سللا‪ :‬يوصللي المجمللع بإعللداد دراسللة عللن طبيعللة‬ ‫خام ً‬
‫موجودات المؤسسات المالية السلمية‪ ،‬من حيللث نسللبة‬
‫الديون فيها‪ ،‬وما يللترتب علللى ذللك ملن جلواز التلداول أو‬
‫عدمه‪.‬‬
‫والله ولي التوفيق‪ .‬وصلى الله على نبينا محمد‪.‬‬
‫=============‬
‫‪#‬بشأن حكم بيع التوّرق‬
‫مجمع الفقه السلمي المنبثق عن رابطة العالم السلمي‬
‫‪16/10/1425‬‬
‫‪29/11/2004‬‬
‫بشأن حكم بيع التوّرق‪:‬‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نللبي بعللده‪،‬‬
‫سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه‪ ،‬أما بعد‪ :‬فإن مجلس‬
‫المجمع الفقهي السلمي‪ ،‬برابطة العللالم السلللمي‪ ،‬فللي‬
‫دورته الخامسللة عشللرة المنعقللدة بمكللة المكرمللة‪ ،‬الللتي‬
‫بللللدأت يللللوم السللللبت ‪11‬رجللللب ‪1419‬هللللل الموافللللق‬
‫‪31/10/1998‬م قد نظر فللي موضللوع حكللم بيللع التللوّرق‪.‬‬
‫وبعد التداول والمناقشة‪ ،‬والرجللوع إلللى الدلللة‪ ،‬والقواعللد‬

‫‪474‬‬
‫الشرعية‪ ،‬وكلم العلماء في هذه المسللألة قللرر المجلللس‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن بيللع التللوّرق‪ :‬هللو شللراء سلللعة فللي حللوزة البللائع‬ ‫أو ً‬
‫وملكه‪ ،‬بثمن مؤجل‪ ،‬ثم يبيعها المشتري بنقد لغيللر البللائع‪،‬‬
‫للحصول على النقد )الورق(‪.‬‬
‫عا‪ ،‬وبلله قللال جمهللور‬‫ثانًيا‪ :‬أن بيللع التللورق هللذا جللائز شللر ً‬
‫العلماء‪ ،‬لن الصل في البيوع الباحة‪ ،‬لقللول الللله تعللالى‪:‬‬
‫َ‬
‫م الّربللا(]البقللرة‪ .[275 :‬ولللم يظهللر‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬
‫حّر َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫)وَأ َ‬
‫دا ول صللورة‪ ،‬ولن الحاجللة داعيللة‬ ‫في هذا البيع رًبا ل قص ل ً‬
‫إلى ذلك لقضاء دين‪ ،‬أو زواج أو غيرهما‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬جواز هذا البيع مشروط بللأل ّ يللبيع المشللتري السلللعة‬
‫بثمن أقل مما اشتراها به على بائعها الول‪ ،‬ل مباشرة ول‬
‫بالواسطة‪ ،‬فإن فعل فقللد وقعللا فللي بيللع العينللة‪ ،‬المحلّرم‬
‫ما‪.‬‬
‫دا محر ً‬
‫عا‪ ،‬لشتماله على حيلة الربا فصار عق ً‬ ‫شر ً‬
‫رابًعلا‪ :‬إن المجلللس‪ -‬وهللو يقللرر ذلللك‪ -‬يوصلي المسللمين‬
‫بالعمل بما شرعه الله سبحانه لعباده من القرض الحسللن‬
‫من طيب أموالهم‪ ،‬طيبة به نفوسهم‪ ،‬ابتغاء مرضللاة الللله‪،‬‬
‫ن ول أذى‪ ،‬وهو من أجل أنواع النفاق في سبيل‬ ‫ل يتبعه م ّ‬
‫الله تعالى‪ ،‬لما فيه من التعاون والتعاطف‪ ،‬والللتراحم بيللن‬
‫المسلمين‪ ،‬وتفريج كرباتهم‪ ،‬وسد حاجاتهم‪ ،‬وإنقاذهم مللن‬
‫الثقال باللديون‪ ،‬والوقلوع فلي المعلاملت المحرملة‪ ،‬وإن‬
‫النصوص الشرعية فللي ثللواب القللراض الحسللن‪ ،‬والحللث‬
‫عليه كثيرة ل تخفى‪ ،‬كما يتعين عللى المسلتقرض التحللي‬
‫بالوفاء‪ ،‬وحسن القضاء وعدم المماطلة‪.‬‬
‫وصلى الله على سلليدنا محمللد‪ ،‬وعلللى آللله وصللحبه سلللم‬
‫ما كثيًرا‪ .‬والحمد لله رب العالمين‪.‬‬ ‫تسلي ً‬
‫==============‬
‫‪#‬حكم التعامل المصرفي بالفوائد‬
‫وحكم التعامل بالمصارف السلمية‬
‫مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪19/10/1425‬‬
‫‪02/12/2004‬‬
‫مجلة المجمع – ع ‪ ،2‬ج ‪/2‬ص ‪ 735‬و ‪813‬‬

‫‪475‬‬
‫إن مجلس مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة‬
‫المؤتمر السلمي في دورة انعقللاد مللؤتمره الثللاني بجللدة‬
‫من ‪ 16-10‬ربيللع الخللر ‪1406‬هلل ‪ 28– 22/‬كللانون الول‬
‫)ديسمبر ( ‪1985‬م ‪.‬‬
‫بعد أن عرضت عليه بحوث مختلفة في التعامل المصرفي‬
‫المعاصر ‪،‬‬
‫وبعد التأمل فيما قدم ومناقشللته مناقشللة مركللزة أبللرزت‬
‫الثار السيئة لهذا التعامل على النظام القتصادي العالمي‬
‫‪ ،‬وعلى استقراره خاصة في دول العالم الثالث ‪،‬‬
‫وبعللد التأمللل فيمللا ج لَره هللذا النظللام مللن خللراب نتيجللة‬
‫إعراضه عما جاء في كتللاب الللله مللن تحريللم الربللا جزئيلا ً‬
‫وكليا ً واضحا ً بدعوته إلى التوبة منه ‪ ،‬وإلى القتصللاد علللى‬
‫استعادة رؤوس أموال القروض دون زيادة ول نقصان قللل‬
‫أو كثر ‪ ،‬وما جاء من تهديد بحرب مدمرة من الله ورسوله‬
‫للمرابين ‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن كل زيادة أو فللائدة علللى الللدين الللذي حللل أجللله‬
‫وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله ‪ ،‬وكذلك الزيادة‬
‫أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد ‪ .‬هاتان الصللورتان‬
‫ربا محرم شرعا ً ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن البديل الذي يضمن السيولة الماليللة والمسللاعدة‬
‫علللى النشللاط القتصللادي حسللب الصللورة الللتي يرتضلليها‬
‫السلم هو التعامل وفقا ً للحكام الشرعية ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬قرر المجمع التأكيد على دعوة الحكومات السلمية‬
‫‪ ،‬والتمكين لقامتهللا فللي كللل بلللد إسلللمي لتغطللي حاجللة‬
‫المسلمين كي ل يعيش المسلللم فللي تنللاقض بيللن واقعلله‬
‫ومقتضيات عقيدته ‪.‬‬
‫والله أعلم‬
‫=============‬
‫‪#‬أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة‬
‫مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪19/10/1425‬‬
‫‪02/12/2004‬‬

‫‪476‬‬
‫مجلة المجمع – ع ‪ ،3‬ج ‪/3‬ص ‪ 1650‬والعدد الخامس ج ‪3‬‬
‫ص ‪1609‬‬
‫إن مجلللس مجمللع الفقلله السلللمي المنعقللد فللي دورة‬
‫مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنيللة الهاشللمية‬
‫مللن ‪ 13-8‬صللفر ‪1407‬هللل ‪ 16 – 11/‬تشللرين الول‬
‫)أكتوبر ( ‪1986‬م ‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الللواردة إلللى المجمللع بخصللوص‬
‫موضوع أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬بخصوص أحكام العملت الورقية ‪ :‬أنها نقود اعتبارية‬
‫فيها صفة الثمنية كاملة‪ ،‬ولها الحكللام الشللرعية المقللررة‬
‫للذهب والفضة من حيللث أحكللام الربللا والزكللاة‪ ،‬والسلللم‬
‫وسائر أحكامهما ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬بخصوص تغير قيمة العملة ‪ :‬تأجيل النظر فللي هللذه‬
‫المسللألة حللتى تسللتوفى دراسللة كللل جوانبهللا لتنظللر فللي‬
‫الدورة الرابعة لمجلس ‪.‬‬
‫والله أعلم‬
‫‪============-‬‬
‫‪#‬استفسارات البنك السلمي للتنمية‬
‫مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪19/10/1425‬‬
‫‪02/12/2004‬‬
‫مجلة المجمع – ع ‪ ،2‬ج ‪/2‬ص ‪ 527‬والعدد الثالث ج ‪ 1‬ص‬
‫‪77‬‬
‫إن مجلللس مجمللع الفقلله السلللمي المنعقللد فللي دورة‬
‫مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الردنيللة الهاشللمية‬
‫مللن ‪ 13-8‬صللفر ‪1407‬هللل ‪ 16 – 11/‬تشللرين الول‬
‫)أكتوبر ( ‪1986‬م ‪.‬‬
‫بعلللد دراسلللة مستفيضلللة ومناقشلللات واسلللعة لجميلللع‬
‫الستفسارات التي تقدم بها البنك إلى المجمع‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫)أ( بخصوص أجور خدمات القروض فللي البنللك السلللمي‬
‫للتنمية ‪:‬‬

‫‪477‬‬
‫أول ً ‪ :‬يجوز أخذ أجور عن خدمات القروض على أن يكللون‬
‫ذلك في حدود النفقات الفعلية ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬كل زيادة على الخدمات الفعليللة محرمللة لنهللا مللن‬
‫الربا المحرم شرعا ً ‪.‬‬
‫)ب( بخصوص عمليات اليجار ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬إن الوعلللد ملللن البنلللك السللللمي للتنميلللة بإيجلللار‬
‫المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعا ً‬
‫‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إن توكيل البنك السلمي للتنمية أحد عملئه بشراء‬
‫ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هللو‬
‫محللدد الوصللاف والثمللن لحسللاب البنللك بغيللة أن يللؤجره‬
‫البنك تلك الشياء بعد حيازة الوكيل لها‪ ،‬هو توكيل مقبللول‬
‫شرعًا‪ ،‬والفضللل أن يكللون الوكيللل بالشللراء غيللر العميللل‬
‫المذكور إذا تيسر ذلك ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إن عقد اليجار يجب أن يتللم بعللد التملللك الحقيقللي‬
‫للمعدات وأن يبرم بعقد منفصل عن عقد الوكالة والوعد ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬إن الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الجارة جائز‬
‫بعقد منفصل ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬إن تبعة الهلك والعيوب تكون على البنك بصللفته‬
‫مالكللا ً للمعللدات مللا لللم يكللن ذلللك بتعللد أو تقصللير مللن‬
‫المستأجر فتكون التبعة عندئذ عليه ‪.‬‬
‫سادس لا ً ‪ :‬إن نفقللات التللأمين لللدى الشللركات السلللمية‪،‬‬
‫‪-‬كلما أمكن ذلك‪ -‬يتحملها البنك ‪.‬‬
‫)ج( بخصوص عمليات البيع بالجل مع تقسيط الثمن ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬إن الوعد من البنك السلمي للتنمية بللبيع المعللدات‬
‫إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعا ً ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إن توكيل البنك أحد عملئه بشراء مللا يحتللاجه ذلللك‬
‫العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الوصاف‬
‫والثمن لحساب البنك‪ ،‬بغية أن يبيعه البنك تلك الشياء بعد‬
‫وصولها وحصولها في يد الوكيل‪ ،‬هو توكيل مقبول شللرعًا‪،‬‬
‫والفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا‬
‫تيسر ذلك ‪.‬‬

‫‪478‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إن عقللد الللبيع يجللب أن يتللم بعللد التملللك الحقيقللي‬
‫للمعدات والقبض لها‪ ،‬وأن يبرم بعقد منفصل ‪.‬‬
‫)د( بخصوص عمليات تمويل التجارة الخارجية ‪:‬‬
‫ينطبق على هذه العمليات المبادئ المطبقة على عمليللات‬
‫البيع بالجل مع تقسيط الثمن ‪.‬‬
‫)هل( بخصللوص التصللرف فللي فللوائد الللودائع الللتي يضللطر‬
‫البنك السلمي للتنمية ليداعها في المصارف الجنبية ‪:‬‬
‫يحرم على البنك أن يحمي القيمللة الحقيقيللة لمللواله مللن‬
‫آثار تذبذب العملت بواسطة الفوائد المنجرة من إيداعاته‬
‫‪ .‬ولذا يجب أن تصرف تلك الفوائد في أغراض النفع العام‬
‫كالتللدريب والبحللوث‪ ،‬وتللوفير وسللائل الغاثللة‪ ،‬وتللوفير‬
‫المسللاعدات الماليللة للللدول العضللاء وتقللديم المسللاعدة‬
‫الفنيلللة لهلللا‪ ،‬وكلللذلك للمؤسسلللات العلميلللة والمعاهلللد‬
‫والمدارس وما يتصل بنشر المعرفة السلمية ‪.‬‬
‫والله أعلم‬
‫================‬
‫‪#‬المشاركة في أسهم الشركات المساهمة‬
‫المتعاملة بالربا‬
‫مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪19/10/1425‬‬
‫‪02/12/2004‬‬
‫مجلة المجمع )ع ‪ ،6‬ج ‪ 2‬ص ‪ 1273‬وع ‪ 7‬ج ‪ 1‬ص ‪ 73‬وع‬
‫‪ 9‬ج ‪ 2‬ص ‪(5‬‬
‫إن مجلللس مجمللع الفقلله السلللمي المنعقللد فللي دورة‬
‫مؤتمره الثامن ببندر سلليري بيجللوان‪ ،‬برونللاي دار السلللم‬
‫مللن ‪ 7 -1‬محللرم ‪1414‬هل ل الموافللق ‪ 27 -21‬حزيللران‬
‫)يونيو( ‪1993‬م‪،‬‬
‫بعد اطلعه على توصيات الندوة القتصللادية الللتي عقللدتها‬
‫المانللة العامللة للمجمللع فللي جللدة بالتعللاون مللع المعهللد‬
‫السلمي للبحوث والتدريب بالبنك السلمي للتنمية حللول‬
‫حكم المشاركة في أسهم الشركات المساهمة المتعاملللة‬
‫بالربا‪ ،‬والبحاث المعدة في تلك الندوة‪،‬‬

‫‪479‬‬
‫ونظللرا ً لهميللة هللذا الموضللوع وضللرورة اسللتكمال جميللع‬
‫جوانبه وتغطية كل تفصيلته والتعرف إلى جميع الراء فيه‬
‫‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫أن تقللوم المانللة العامللة للمجمللع باسللتكتاب المزيللد مللن‬
‫البحوث فيه ليتمكن المجمللع مللن اتخللاذ القللرار المناسللب‬
‫في دورة قادمة ‪ .‬والله الموفق‪.‬‬
‫=============‬
‫‪#‬بطاقة الئتمان‬
‫مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪19/10/1425‬‬
‫‪02/12/2004‬‬
‫مجلة المجمع )ع ‪ ،8‬ج ‪ 2‬ص ‪ 571‬وع ‪ 10‬ج ص (‬
‫إن مجلللس مجمللع الفقلله السلللمي المنعقللد فللي دورة‬
‫مؤتمره العاشر بجدة في المملكة العربية السعودية خلل‬
‫الفترة من ‪ 28-23‬صفر ‪1418‬هل الموافق ‪ – 28‬حزيللران‬
‫)يونيو( ‪ 3 -‬تموز )يوليو( ‪1997‬م‪،‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الللواردة إلللى المجمللع بخصللوص‬
‫موضوع بطاقة الئتمان‪ ،‬واستماعه للمناقشات التي دارت‬
‫حول الموضوع من الفقهاء والقتصاديين‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬تكليف المانة العامة إجراء مسح ميداني لجميللع نمللاذج‬
‫الشروط والتفاقيات للبطاقات التي تصدرها البنوك ‪.‬‬
‫ب – تشكيل لجنة تقللوم بدراسللة صلليغ البطاقللات لتحديللد‬
‫خصائصها وفروقها وضبط التكييفات الشللرعية لهللا‪ ،‬وذلللك‬
‫بعد توفير المصادر العربية والجنبية عن أنواع البطاقات ‪.‬‬
‫ج – عقللد حلقللة بحللث لمناقشللة الموضللوع فللي ضللوء‬
‫التحضيرات السابقة وإعللداد نتللائج متكاملللة عنلله لعرضللها‬
‫على الدورة القادمة ‪.‬‬
‫ويوصي بما يلي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬ضللرورة إعللادة صللياغة المصللطلحات القتصللادية ذات‬
‫العلقة والبعاد الشرعية فيما يتعلللق بالمعللاملت الجللائزة‬
‫والمحرمة بما يناسب حقيقتها‪ ،‬ويكشف عن ماهيتها ‪.‬‬

‫‪480‬‬
‫وإيثار ما لله وجلود فلي المصلطلح الشلرعي عللى غيلره‪،‬‬
‫بحيث يترسخ لفظلله ومعنللاه‪ ،‬خصوص لا ً مللا تكللون للله آثللار‬
‫كمية شرعية‪ ،‬لتقللويم صللياغة المصللطلحات القتصللادية‪،‬‬ ‫ح ْ‬
‫ُ‬
‫وانسللجامها مللع المصللطلحات الفقهيللة‪ ،‬واسللتخراجها مللن‬
‫تراث المة ومفاهيمها الشرعية ‪.‬‬
‫ب‪ -‬مناشللدة الجهللات المعنيللة فللي البلد السلللمية منللع‬
‫البنوك من إصدار بطاقات الئتمان الربويللة‪ ،‬صلليانة للمللة‬
‫من الوقوع في مستنقع الربللا المحللرم‪ ،‬وحفظ لا ً للقتصللاد‬
‫الوطني وأموال الفراد ‪.‬‬
‫ج‪ -‬إيجاد هيئة شرعية ومالية واقتصادية تكللون مسللؤوليتها‬
‫حمايللة الفللراد مللن اسللتغلل البنللوك والمحافظللة علللى‬
‫حقوقهم‪ ،‬في حدود الحكام الشللرعية‪ ،‬والسياسللة الماليللة‬
‫حكمللة لحمايللة‬ ‫م ْ‬
‫لحماية القتصللاد الللوطني‪ ،‬ووضللع لللوائح ُ‬
‫المجتمللع والفللراد مللن اسللتغلل البنللوك لتفللادي النتللائج‬
‫الوخيمة المترتبة على ذلك ‪ .‬والله الموفق‬
‫==============‬
‫‪#‬السواق المالية‬
‫مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪21/10/1425‬‬
‫‪04/12/2004‬‬
‫مجلللة المجمللع )ع ‪ ،6‬ج ‪ 2‬ص ‪ 1273‬والعللدد السللابع ج ‪1‬‬
‫ص ‪ 73‬والعدد التاسع ج ‪ 2‬ص ‪(5‬‬
‫إن مجلللس مجمللع الفقلله السلللمي المنعقللد فللي دورة‬
‫مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربيللة السللعودية مللن‬
‫‪ 12-7‬ذي القعدة ‪1412‬هل الموافق ‪ 14 – 9‬أيللار )مللايو(‬
‫‪ 1992‬م ‪،‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الللواردة إلللى المجمللع بخصللوص‬
‫موضوع السواق الماليللة السللهم ‪ ،‬الختيللارات ‪ ،‬السلللع ‪،‬‬
‫بطاقة الئتمان ‪،‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله ‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬السهم ‪:‬‬
‫‪ -1‬السهام في الشركات ‪:‬‬

‫‪481‬‬
‫أ‪ -‬بما أن الصل في المعاملت الحل فإن تأسلليس شللركة‬
‫مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز ‪.‬‬
‫ب – ل خلف فللي حرمللة السللهام فللي شللركات غرضللها‬
‫الساسي محللرم‪ ،‬كالتعامللل بالربللا أو إنتللاج المحرمللات أو‬
‫المتاجرة بها ‪.‬‬
‫ج – الصللل حرمللة السللهام فللي شللركات تتعامللل أحيان لا ً‬
‫بالمحرمللات‪ ،‬كالربللا ونحللوه‪ ،‬بللالرغم مللن أن أنشللطتها‬
‫الساسية مشروعة ‪.‬‬
‫‪ -2‬ضمان الصدار )‪: (under writing‬‬
‫ضمان الصدار ‪ :‬هو التفاق عنلد تأسليس شلركة ملع ملن‬
‫يلتزم بضمان جميع الصدار من السهم‪ ،‬أو جزء مللن ذلللك‬
‫الصدار‪ ،‬وهو تعهد من الملتزم بالكتتاب في كل ما تبقللى‬
‫مما لم يكتتب فيه غيره‪ ،‬وهذا ل مانع منه شللرعًا‪ ،‬إذا كللان‬
‫تعهد الملتزم بالكتتاب بالقيمة السمية بدون مقابللل لقللاء‬
‫التعهد‪ ،‬ويجوز أن يحصل الملللتزم علللى مقابلل عللن عملل‬
‫يللؤديه‪-‬غيللر الضللمان‪ -‬مثللل إعللداد الدراسللات أو تسللويق‬
‫السهم ‪.‬‬
‫‪ -3‬تقسيط سداد قيمة السهم عند الكتتاب ‪:‬‬
‫ل مانع شرعا ً من أداء قسللط مللن قيمللة السللهم المكتتللب‬
‫فيلله‪ ،‬وتأجيللل سللداد بقيللة القسللاط‪ ،‬لن ذلللك يعتللبر مللن‬
‫الشللتراك بمللا عجللل دفعلله‪ ،‬والتواعللد علللى زيللادة رأس‬
‫المال‪ ،‬ول يترتب على ذلك محذور لن هللذا يشللمل جميللع‬
‫السللهم‪ ،‬وتظللل مسللؤولية الشللركة بكامللل رأس مالهللا‬
‫المعلن بالنسبة للغير‪ ،‬لنلله هللو القللدر الللذي حصللل العلللم‬
‫والرضا به من المتعاملين مع الشركة ‪.‬‬
‫‪ -4‬السهم لحامله ‪:‬‬
‫بما أن المبيع في )السهم لحللامله( هللو حصللة شللائعة فللي‬
‫موجودات الشركة وأن شهادة السللهم هللي وثيقللة لثبللات‬
‫هذا السللتحقاق فللي الحصللة فل مللانع شللرعا ً مللن إصللدار‬
‫أسهم في الشركة بهذه الطريقة وتداولها ‪.‬‬
‫‪ -5‬محل العقد في بيع السهم ‪:‬‬

‫‪482‬‬
‫إن المحللل المتعاقللد عليلله فللي بيللع السللهم هللو الحصللة‬
‫الشائعة من أصول الشللركة‪ ،‬وشللهادة السللهم عبللارة عللن‬
‫وثيقة للحق في تلك الحصة ‪.‬‬
‫‪ -6‬السهم الممتازة ‪:‬‬
‫ل يجوز إصدار أسهم ممتازة‪ ،‬لها خصائص مالية تؤدي إلى‬
‫ضمان رأس المال‪ ،‬أو ضمان قدر من الربح وتقديمها عنللد‬
‫التصفية‪ ،‬أو عند توزيع الرباح ‪.‬‬
‫ويجللوز إعطللاء بعللض السللهم خصللائص تتعلللق بللالمور‬
‫الجرائية أو الدارية ‪.‬‬
‫‪ -7‬التعامل في السهم بطريقة ربوية ‪:‬‬
‫أ‪ -‬ل يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقللدمه السمسللار أو‬
‫غيللره للمشللتري لقللاء رهللن السللهم‪ ،‬لمللا فللي ذلللك مللن‬
‫المرابللاة وتوثيقهللا بللالرهن وهمللا مللن العمللال المحرمللة‬
‫بالنص على لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ل يجوز أيضا ً بيللع سللهم ل يملكلله البللائع‪ ،‬وإنمللا يتلقللى‬
‫وعدا ً من السمسار بإقراضه السهم فللي موعللد التسللليم‪،‬‬
‫لنه من بيع مللا ل يملللك البللائع‪ ،‬ويقللوى المنللع إذا اشللترط‬
‫إقباض الثمن للسمسار لينتفع به بإيداعه بفللائدة للحصللول‬
‫على مقابل القراض ‪.‬‬
‫‪ -8‬بيع السهم أو رهنها ‪:‬‬
‫يجوز بيع السهم أو رهنه مع مراعللاة مللا يقضللي بلله نظللام‬
‫الشللركة‪ ،‬كمللا لللو تضللمن النظللام تسللويغ الللبيع مطلقلا ً أو‬
‫مشللروطا ً بمراعللاة أولويللة المسللاهمين القللدامى فللي‬
‫الشراء‪ ،‬وكذلك يعتبر النص في النظام على إمكان الرهن‬
‫من الشركاء برهن الحصة المشاعة ‪.‬‬
‫‪ -9‬إصدار أسهم مع رسوم إصدار ‪:‬‬
‫إن إضافة نسبة معينة مع قيمة السهم‪ ،‬لتغطيللة مصللاريف‬
‫الصدار‪ ،‬ل مانع منها شرعا ً ما دامت هللذه النسللبة مقللدرة‬
‫تقديرا ً مناسبا ً ‪.‬‬
‫‪ -10‬إصدار أسهم بعلوة إصدار أو حسم )خصم( إصدار ‪:‬‬
‫يجوز إصدار أسلهم جديلدة لزيلادة رأس ملال الشلركة إذا‬
‫أصدرت بالقيمة الحقيقية للسهم القديمة – حسب تقللويم‬
‫الخبراء لصول الشركة – أو بالقيمة السوقية ‪.‬‬

‫‪483‬‬
‫‪ -11‬ضمان الشركة شراء السهم ‪:‬‬
‫يرى المجلس تأجيل إصدار قرار في هذا الموضوع لللدورة‬
‫قادمة لمزيد من البحث والدراسة ‪.‬‬
‫‪ -12‬تحديد مسؤولية الشركة المساهمة المحدودة ‪:‬‬
‫ل مانع شرعا ً مللن إنشلاء شللركة مسللاهمة ذات مسللؤولية‬
‫محللدودة بللرأس مالهللا‪ ،‬لن ذلللك معلللوم للمتعللاملين مللع‬
‫الشركة وبحصللول العلللم ينتفللي الغللرر عمللن يتعامللل مللع‬
‫الشركة ‪.‬‬
‫كملللا ل ملللانع شلللرعا ً ملللن أن تكلللون مسلللؤولية بعلللض‬
‫المساهمين غير محللدودة بالنسللبة للللدائنين بللدون مقابللل‬
‫لقللاء هللذا اللللتزام ‪ .‬وهللي الشللركات الللتي فيهللا شللركاء‬
‫متضامنون‪ ،‬وشركاء محدودو المسؤولية ‪.‬‬
‫‪ -13‬حصر تداول السهم بسماسرة مرخصللين‪ ،‬واشللتراط‬
‫رسوم للتعامل في أسواقها ‪:‬‬
‫يجوز للجهات الرسللمية المختصللة أن تنظللم تللداول بعللض‬
‫السللهم بللأن ل يتللم إل بواسللطة سماسللرة مخصوصللين‬
‫ومرخصين بذلك العمل‪ ،‬لن هذا من التصللرفات الرسللمية‬
‫المحققة لمصالح مشروعة ‪.‬‬
‫وكللذلك يجللوز اشللتراط رسللوم لعضللوية المتعامللل فللي‬
‫السواق المالية‪ ،‬لن هذا مللن المللور التنظيميللة المنوطللة‬
‫بتحقيق المصالح المشروعة ‪.‬‬
‫‪ -14‬حق الولوية ‪:‬‬
‫يرى المجلس تأجيل البللت فللي هللذا الموضللوع إلللى دورة‬
‫قادمة لمزيد من البحث والدراسة ‪.‬‬
‫‪ -15‬شهادة حق التملك ‪:‬‬
‫يرى المجلس تأجيل البللت فللي هللذا الموضللوع إلللى دورة‬
‫قادمة لمزيد من البحث والدراسة ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الختيارات ‪:‬‬
‫أ‪ -‬صورة عقود الختيارات ‪:‬‬
‫إن المقصود بعقود الختيارات العتياض عن اللللتزام بللبيع‬
‫شيء محدد موصوف أو شللرائه بسللعر محللدد خلل فللترة‬
‫زمنية معينة أو في وقت معيللن إمللا مباشللرة أو مللن خلل‬
‫هيئة ضامنة لحقوق الطرفين ‪.‬‬

‫‪484‬‬
‫ب‪ -‬حكمها الشرعي ‪:‬‬
‫إن عقللود الختيللارات – كمللا تجللري اليللوم فللي السللواق‬
‫المالية العالمية – هي عقود مستحدثة ل تنضلوي تحلت أي‬
‫عقد من العقود الشرعية المسماة ‪.‬‬
‫وبما أن المعقود عليه ليس مللال ً ول منفعللة ول حق لا ً مالي لا ً‬
‫يجوز العتياض عنه فإنه عقد غير جائز شرعا ً ‪.‬‬
‫وبما أن هذه العقود ل تجوز ابتداًء فل يجوز تداولها ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬التعامل بالسلع والعملت والمؤشرات في السللواق‬
‫المنظمة ‪:‬‬
‫‪ -1‬السلع ‪:‬‬
‫يتم التعامل بالسلللع فللي السللواق المنظمللة بإحللدى أربللع‬
‫طرق هي التالية ‪:‬‬
‫الطريقة الولى ‪:‬‬
‫أن يتضللمن العقللد حللق تسلللم المللبيع وتسلللم الثمللن فللي‬
‫الحال مع وجللود السللع أو إيصللالت ممثلللة لهللا فللي ملللك‬
‫البائع وقبضته ‪.‬‬
‫وهذا العقد جائز شرعا ً بشروط البيع المعروفة ‪.‬‬
‫الطريقة الثانية ‪:‬‬
‫أن يتضللمن العقللد حللق تسلللم المللبيع وتسلللم الثمللن فللي‬
‫الحال مع إمكانهما بضمان هيئة السوق ‪.‬‬
‫وهذا العقد جائز شرعا ً بشروط البيع المعروفة ‪.‬‬
‫الطريقة الثالثة ‪:‬‬
‫أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة فللي‬
‫موعد آجل ودفع الثمن عند التسللليم وأن يتضللمن شللرطا ً‬
‫يقتضي أن ينتهي فعل ً بالتسليم والتسلم ‪.‬‬
‫وهذا العقللد غيللر جللائز لتأجيللل البللدلين‪ ،‬ويمكللن أن يعللدل‬
‫ليستوفي شروط السلم المعروفة‪ ،‬فإذا اسللتوفى شللروط‬
‫السلم جاز ‪.‬‬
‫وكذلك ل يجوز بيع السلعة المشتراة سلما ً قبل قبضها ‪.‬‬
‫الطريقة الرابعة ‪:‬‬
‫أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة فللي‬
‫موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم دون أن يتضمن العقد‬

‫‪485‬‬
‫شرطا ً يقتضي أن ينتهي بالتسليم والتسلللم الفعلييللن‪ ،‬بللل‬
‫يمكن تصفيته بعقد معاكس ‪.‬‬
‫وهذا هو النوع الكثر شيوعا ً في أسواق السلع‪ ،‬وهذا العقد‬
‫غير جائز أصل ً ‪.‬‬
‫‪ -2‬التعامل بالعملت ‪:‬‬
‫يتللم التعامللل بللالعملت فللي السللواق المنظمللة بإحللدى‬
‫الطرق الربع المذكورة في التعامل بالسلع ‪.‬‬
‫ول يجوز شراء العملت وبيعها بالطريقتين الثالثة والرابعللة‬
‫‪.‬‬
‫أما الطريقتان الولى والثانية فيجوز فيهما شللراء العملت‬
‫وبيعها بشرط استيفاء شروط الصرف المعروفة ‪.‬‬
‫‪ -3‬التعامل بالمؤشر ‪:‬‬
‫المؤشر هو رقم حسابي يحسب بطريقللة إحصللائية خاصللة‬
‫يقصد منه معرفة حجم التغيللر فللي سللوق معينللة‪ ،‬وتجللري‬
‫عليه مبايعات في بعض السواق العالمية ‪.‬‬
‫ول يجوز بيع وشراء المؤشر لنلله مقللامرة بحتللة وهللو بيللع‬
‫شيء خيالي ل يمكن وجوده ‪.‬‬
‫‪ -4‬البللديل الشللرعي للمعللاملت المحرمللة فللي السلللع‬
‫والعملت ‪:‬‬
‫ينبغي تنظيم سوق إسلمية للسلع والعملت علللى أسللاس‬
‫المعاملت الشرعية وبخاصة بيع السلم والصرف ‪ ،‬والوعد‬
‫بالبيع في وقت آجل‪ ،‬والستصناع‪ ،‬وغيرها ‪.‬‬
‫ويرى المجمع ضرورة القيام بدراسة وافية لشللروط هللذه‬
‫البدائل وطرائق تطبيقها في سوق إسلمية منظمة ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬بطاقة الئتمان ‪:‬‬
‫أ‪ -‬تعريفها ‪:‬‬
‫بطاقة الئتمان هي مستند يعطيه مصدره لشخص طللبيعي‬
‫أو اعتبللاري – بنللاء علللى عقللد بينهمللا – يمكنلله مللن شللراء‬
‫السلع أو الخدمات ممن يعتمللد المسللتند دون دفللع الثمللن‬
‫حللال ً لتضللمنه الللتزام المصللدر بالللدفع ‪ .‬ومللن أنللواع هللذا‬
‫المسللتند مللا يمكللن مللن سللحب نقللود مللن المصللارف ‪.‬‬
‫ولبطاقات الئتمان صور ‪:‬‬

‫‪486‬‬
‫‪-‬منهللا مللا يكللون السللحب أو الللدفع بموجبهللا مللن حسللاب‬
‫حاملها في المصرف وليس مللن حسللاب المصللدر فتكللون‬
‫بذلك مغطاة ‪ .‬ومنها ما يكون الدفع مللن حسللاب المصللدر‬
‫ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية ‪.‬‬
‫‪-‬ومنها ما يفرض فوائد ربويللة علللى مجمللوع الرصلليد غيللر‬
‫المدفوع خلل فترة محددة من تاريخ المطالبة ‪ .‬ومنها مللا‬
‫ل يفرض فوائد ‪.‬‬
‫‪ -‬وأكثرها يفللرض رسللما ً سللنويا ً علللى حاملهللا ومنهللا مللا ل‬
‫يفرض فيه المصدر رسما ً ‪.‬‬
‫ب‪ -‬التكييف الشرعي لبطاقات الئتمان ‪:‬‬
‫بعللد التللداول قللرر المجلللس تأجيللل البللت فللي التكييللف‬
‫الشللرعي لبطاقللات الئتمللان وحكمهللا إلللى دورة قادمللة‬
‫لمزيد من البحث والدراسة ‪.‬‬
‫والله أعلم‬
‫==============‬
‫‪#‬بيع الوفاء‬
‫مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪21/10/1425‬‬
‫‪04/12/2004‬‬
‫مجلة المجمع )ع ‪ ،7‬ج ‪ 3‬ص ‪(9‬‬
‫إن مجلللس مجمللع الفقلله السلللمي المنعقللد فللي دورة‬
‫مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربيللة السللعودية مللن‬
‫‪ 12-7‬ذي القعدة ‪1412‬هل الموافق ‪ 14 – 9‬أيللار )مللايو(‬
‫‪ 1992‬م ‪،‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الللواردة إلللى المجمللع بخصللوص‬
‫موضوع بيع الوفاء‪،‬‬
‫وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول بيع الوفاء‪،‬‬
‫وحقيقته ‪" :‬بيع المال بشرط أن البائع متى رد الثمللن يللرد ّ‬
‫المشتري إليه المبيع"‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬إن حقيقة هذا الللبيع )قللرض جللر نفعلًا(‪ ،‬فهللو تحايللل‬
‫على الربا‪ ،‬وبعدم صحته قال جمهور العلماء ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إن هذا العقد غير جائز شرعا ً ‪.‬‬

‫‪487‬‬
‫والله أعلم‬
‫==============‬
‫‪ #‬حكم التراجع عن الوفاء بالعقد بعد توقيعه‬
‫قرارات المجلس الوروبي للفتاء والبحوث ‪16/3/1426‬‬
‫‪25/04/2005‬‬
‫قرار المجلس‪:‬‬
‫عا‪ ،‬ول يجوز‬ ‫توقيع العقد في أي صفقة ملزم للطرفين شر ً‬
‫لحللدهما أن يرجللع فيلله بللإرادته المنفللردة‪ ،‬دون رضللى‬
‫الطرف الخر‪ ،‬فهذا مخالف لما أمر الللله ورسللوله ‪-‬صلللى‬
‫الله عليلله وسلللم‪ -‬وأكللدته نصللوص القللرآن والسللنة‪ .‬قللال‬
‫مُنوا أ َوُْفوا ب ِللال ْعُُقوِد{ ]المللائدة‪ :‬مللن‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن ال ْعَهْلد َ ك َللا َ‬ ‫الية ‪ ،[1‬وقال عللز وجللل‪} :‬وَأوْفُللوا ِبال ْعَهْلدِ إ ِ ّ‬
‫ل{ ]السراء‪ :‬من الية ‪ ،[34‬وقللال تعللالى‪} :‬وَأ َوْفُللوا‬ ‫ؤو ً‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ها وََقللد ْ‬ ‫كيللدِ َ‬ ‫ن ب َعْد َ ت َوْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ضوا اْلي ْ َ‬ ‫م َول ت َن ُْق ُ‬ ‫عاهَد ْت ُ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ب ِعَهْدِ الل ّهِ إ ِ َ‬
‫ل{ ]النحل‪ :‬من الية ‪.[91‬‬ ‫م ك َِفي ً‬ ‫ه عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م الل ّ َ‬‫جعَل ْت ُ ُ‬ ‫َ‬
‫وحمللل القللرآن بشللدة علللى الللذين يتهللاونون بللالعهود‬
‫ن‬ ‫وينقضونها من بعد ميثاقهللا‪ ،‬فللي آيللات كللثيرة‪ ،‬منهللا‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ق‬
‫خل َ‬ ‫كل َ‬ ‫من لا ً قَِليل ً ُأول َئ ِ َ‬ ‫م ثَ َ‬‫مان ِهِ ْ‬
‫َ‬
‫ن ب ِعَهْدِ الل ّهِ وَأي ْ َ‬ ‫شت َُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬‫م ي َوْ َ‬ ‫ه َول ي َن ْظ ُُر إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مه ُ ُ‬‫خَرةِ َول ي ُك َل ّ ُ‬ ‫م ِفي اْل ِ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫َ‬
‫م{ ]آل عمران‪.[77:‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَل َهُ ْ‬ ‫كيهِ ْ‬‫َول ي َُز ّ‬
‫واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم نقض العهد من شللعب‬
‫النفاق‪ ،‬وخصال المنافق الساسية‪" :‬أربع من كن فيه كان‬
‫صا‪ ،‬ومن كان فيه خصلة منهن كان فيلله خصلللة‬ ‫منافًقا خال ً‬
‫من النفاق حتى يدعها" وذكر منهللا‪" :‬إذا عاهللد غللدر" رواه‬
‫الشيخان عن عبد الله بن عمرو)‪.(1‬‬
‫وليللس مللن الضللروري أن يكللون العقللد مكتوب ًللا‪ ،‬فمجللرد‬
‫اليجاب والقبول مشافهة يكفي في إيجاد العقد‪ ،‬ولكن للله‬
‫خيار المجلس على ما نرجحه‪ ،‬فلو تبين له عقد آخر‪ ،‬وهما‬
‫ل يزالن في مجلس العقد‪ ،‬فمن حقه أن يرجع‪ ،‬كمللا جللاء‬
‫في الحديث الصحيح‪" :‬البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" متفق‬
‫عليه عن ابن عمر)‪ .(2‬فقد جعل الحللديث فرصللة للللتراجع‬
‫لمن تسرع في التعاقد دون روية‪.‬‬

‫‪488‬‬
‫ومثل ذلك لو كان مغبوًنا غبًنا فاحشا ً يرفع أمره إلللى جهللة‬
‫تحكيم تثبت له خيار الغبن إذا تبين لها ذلللك‪ ،‬عمل ً بمللذهب‬
‫الحنابلة وغيرهم‪.‬‬
‫ويستطيع المسلم أن يخرج من ورطة التراجع فللي العقللد‬
‫مللا معللدودة‪،‬‬ ‫بعللد إتمللامه إذا اشللترط لنفسلله الخيللار أيا ً‬
‫يستطيع فيها أن يرجع في صفقته خللها‪ ،‬وهذا ما نصح بلله‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة‪ ،‬حيلن شلكا إليله‬
‫أنه كثيًرا ما يخدع في البيع‪ ،‬فقال له‪" :‬إذا بللايعت فقللل‪ :‬ل‬
‫خلبة" أي ل خداع‪ ،‬وهذا فللي الصللحيحين)‪ ،(3‬وفللي خللارج‬
‫الصحيحين‪" :‬ولي الخيار ثلثة أيام")‪ ،(4‬والمسلللمون عنللد‬
‫شروطهم‪.‬‬
‫] القرار ‪[6/6‬‬
‫)‪ (1‬هو عند البخاري )رقم‪ ،(3007 ،2327 ،34 :‬ومسلم‬
‫)رقم‪.(58 :‬‬
‫)‪ (2‬أخرجللله البخلللاري )رقلللم‪ 2001 :‬ومواضلللع أخلللرى(‪،‬‬
‫ومسلم )رقم‪ (1531 :‬من حديث ابللن عمللر‪ ،‬كمللا أخرجلله‬
‫البخاري )رقم‪ (1973 :‬ومواضللع أخللرى(‪ ،‬ومسلللم )رقللم‪:‬‬
‫‪ (1532‬من حديث حكيم بن حزام‪.‬‬
‫)‪ (3‬البخاري )رقم‪ 2011 :‬ومواضع أخرى(‪ ،‬ومسلم )رقم‪:‬‬
‫‪ (1533‬من حديث عبد الله بن عمر‪.‬‬
‫)‪ (4‬يعني أذن له أن يكون له الخيار ثلثة أيام‪ ،‬كما أخرجه‬
‫الدارقطني )‪ ،(55-3/54‬والحاكم )رقم‪ (2210 :‬والبيهقي‬
‫)‪ (5/273‬من حديث ابن عمر بإسناد حسن‪ ،‬وفللي لفظلله‪:‬‬
‫"إذابعت فقل‪ :‬ل خلبللة‪ ،‬ثللم أنللت فللي كللل سلللعة تبتاعهللا‬
‫بالخيار ثلث ليال"‬
‫==============‬
‫‪#‬السواق المالية‬
‫مجمللع الفقلله السلللمي المنبثللق عللن منظمللة المللؤتمر‬
‫السلمي ‪6/11/1425‬‬
‫‪18/12/2004‬‬
‫إن مجلللس مجمللع الفقلله السلللمي المنعقللد فللي دورة‬
‫مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من‬

‫‪489‬‬
‫‪ 23-17‬شللعبان ‪1410‬هلل الموافللق ‪ 20-14‬آذار )مللارس(‬
‫‪1990‬م‪،‬‬
‫بعد اطلعه على البحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في‬
‫ندوة السواق المالية المنعقدة في الرباط ‪ 24 – 20‬ربيع‬
‫الثاني ‪ 1410‬هل ‪ 1989 / 10/ 24 – 20 /‬م بالتعاون بين‬
‫هذا المجمع والمعهد السلمي للبحللوث والتللدريب بالبنللك‬
‫السلمي للتنمية ‪ ،‬وباستضللافة وزارة الوقللاف والشللؤون‬
‫السلمية بالمملكة المغربية ‪،‬‬
‫وفي ضوء ما هو مقرر في الشريعة السلمية مللن الحللث‬
‫على الكسللب الحلل واسللتثمار المللال وتنميللة المللدخرات‬
‫على أسس الستثمار السلمي القائم على المشاركة في‬
‫العباء وتحمل المخاطر ‪ ،‬ومنها مخاطر المديونية ‪،‬‬
‫ولما للسواق المالية من دور في تداول الموال وتنشلليط‬
‫استثمارها ‪ ،‬ولكون الهتمام بها والبحث عن أحكامها يلللبي‬
‫حاجة ماسة لتعريف الناس بفقه دينهللم فللي المسللتجدات‬
‫العصرية ويتلقللى مللع الجهللود الصلليلة للفقهللاء فللي بيللان‬
‫أحكام المعاملت المالية وبخاصللة أحكللام السللوق ونظللام‬
‫الحسبة على السواق ‪ ،‬وتشمل الهمية السللواق الثانويللة‬
‫التي تتيح للمستثمرين أن يعللاودوا دخللول السللوق الوليللة‬
‫وتشللكل فرصللة للحصللول علللى السلليولة وتشللجع علللى‬
‫ة بإمكان الخروج من السوق عند الحاجلة‬ ‫توظيف المال ثق ً‬
‫‪ ،‬وبعد الطلع علللى مللا تنللاولته البحللوث المقدمللة بشللأن‬
‫نظم وقوانين السواق المالية القائمة وآلياتها وأدواتها ‪،‬‬
‫قرر ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬إن الهتمام بالسللواق الماليللة هللو مللن تمللام إقامللة‬
‫الواجب في حفظ المال وتنميته باعتبللار مللا يسللتتبعه هللذا‬
‫من التعاون لسد الحاجات العامة وأداء ما في المللال مللن‬
‫حقوق دينية أو دنيوية ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إن هللذه السللواق الماليلة – ملع الحاجلة إلللى أصلل‬
‫فكرتها – هي في حالتها الراهنة ليسللت النمللوذج المحقللق‬
‫لهداف تنمية المللال واسللتثماره مللن الوجهللة السلللمية ‪.‬‬
‫وهذا الوضع يتطلب بذل جهود علمية مشتركة من الفقهاء‬
‫والقتصاديين لمراجعللة مللا تقللوم عليلله مللن أنظمللة ‪ ،‬ومللا‬

‫‪490‬‬
‫تعتمده من آليللات وأدوات وتعللديل مللا ينبغللي تعللديله فللي‬
‫ضوء مقررات الشريعة السلمية ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إن فكرة السواق المالية تقوم علللى أنظمللة إداريللة‬
‫وإجرائيللة ‪ ،‬ولللذا يسللتند اللللتزام بهللا إلللى تطللبيق قاعللدة‬
‫المصالح المرسلة فيما يندرج تحت أصل شللرعي عللام ول‬
‫يخللالف نص لا ً أو قاعللدة شللرعية ‪ ،‬وهللي لللذلك مللن قبيللل‬
‫التنظيم الذي يقوم به ولي المللر فللي الح لَرف والمرافللق‬
‫الخرى وليس لحد مخالفة تنظيمات ولي المر أو التحايل‬
‫عليها ما دامت مستوفية الضوابط والصول الشرعية ‪.‬‬
‫ويوصي بما يلي ‪:‬‬
‫اسللتكمال النظللر فللي الدوات والصلليغ المسللتخدمة فللي‬
‫السللواق الماليللة بكتابللة الدراسللات والبحللاث الفقهيللة‬
‫والقتصادية الكافية‬
‫والله الموفق ‪.‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬حكم الكتتاب في بنك البلد‬
‫أعضاء فريق العمل الشرعي في بنك البلد ‪3/1/1426‬‬
‫‪12/02/2005‬‬
‫الحمللد لللله رب العللالمين‪ ،‬والصلللة والسلللم علللى سلليد‬
‫الولين والخرين نبينا محمد وعلللى آللله وصللحبه أجمعيللن‪،‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فقللد درس فريللق العمللل الشللرعي فللي بنللك البلد فللي‬
‫اجتماعه )المائة( المنعقد يوم الخميس ‪01/01/1426‬هللل‪،‬‬
‫ما ورد إليه من أسئلة عديدة حول حكم الكتتاب في بنللك‬
‫البلد‪ ،‬وقرر ما يأتي‪:‬‬
‫ل‪ :‬يجللوز الكتتللاب فللي بنللك البلد؛ لن البنللك يخضللع‬ ‫أو ً‬
‫لسياسة شرعية تلزملله بعللرض جميللع أعمللاله علللى الهيئة‬
‫الشرعية واللتزام بقراراتهللا‪ ،‬ومراقبللة تطبيقهللا مللن خلل‬
‫إدارة الرقابة الشرعية‪ ،‬وتنللص السياسللة الشللرعية للبنللك‬
‫على مللا يللأتي‪" :‬بتوفيللق مللن الللله الللتزم بنللك البلد علللى‬
‫نفسه منذ بداية تأسيسه تطبيق الشرع المطهر في جميللع‬
‫معاملته‪ .‬كما يحمل على عاتقه مراعاة مقاصللد الشللريعة‬
‫وغايات القتصاد السلمي‪ .‬ولتحقيق هذا الهللدف السللامي‬

‫‪491‬‬
‫التزم في نظامه بوجود هيئة شللرعية مسللتقلة عللن جميللع‬
‫إدارات البنك‪ ،‬يعرض عليها البنك جميع أعماله؛ للتأكد مللن‬
‫مدى موافقتها لحكام الشريعة السلمية‪ .‬وتجدر الشللارة‬
‫في هذا المقام إلى التي‪:‬‬
‫‪ .1‬قرارات الهيئة الشرعية ملزمة لكل إدارات البنك‪.‬‬
‫‪ .2‬ل يقللدم أي منتللج للعملء إل بعللد عرضلله علللى الهيئة‬
‫الشرعية‪ ،‬وموافقتها عليه‪.‬‬
‫‪ .3‬تقوم الهيئة بمراقبة أعمال البنللك؛ للتأكللد مللن موافقللة‬
‫العمال لقراراتها‪ .‬وتتولى ذلك إدارة الرقابة الشرعية‪.‬‬
‫‪ .4‬تعمل الهيئة الشرعية على تطوير المنتجلات بملا يتفلق‬
‫مع القواعد الشرعية‪ ،‬ويحقق أهللداف القتصللاد السلللمي‬
‫وغاياته‪.‬‬
‫‪ .5‬علللى الهيئة الشللرعية تحمللل مسللؤولية نشللر الللوعي‬
‫المصللرفي السلللمي فللي البنللك‪ ،‬وفللي مختلللف جهللات‬
‫المجتمع‪ ".‬أ‪.‬هل نص السياسة الشرعية للبنك‪.‬‬
‫وقد بدأ فريق العمل الشرعي في تنفيذ هذه السياسة منذ‬
‫تشكيله في شهر ربيع الخر لعام ‪1425‬هل فدرس النظللام‬
‫الساسللي للبنللك‪ ،‬وعقللد التأسلليس‪ ،‬ونشللرة الكتتللاب‬
‫المفصلة‪ ،‬ونشرة الكتتاب المختصللرة‪ ،‬ونمللوذج الكتتللاب‪،‬‬
‫واتفاقية البنوك المشاركة في الكتتاب‪ ،‬واتفاقية البنك مع‬
‫مدير الكتتاب؛ فلم يجد فيها ما يمنللع مللن جللواز الكتتللاب‬
‫فيه والتعامل معه‪.‬‬
‫هذا وقد فرغ فريق العمل الشرعي من دراسللة عللدد مللن‬
‫عقود البنك وإجازتها‪ ،‬وأنهى عددا ً من الضللوابط الشللرعية‬
‫لمعاملته‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يجوز بيع أسللهم البنللك وشللراؤها وتللداولها بعللد الذن‬
‫بتللداول السللهم فللي السللوق؛ لنلله يملللك موجللودات ذات‬
‫قيمة معتبرة شللرعًا‪ ،‬ومنهللا‪ :‬الللتراخيص الممنوحللة للعمللل‬
‫كبنك‪ ،‬ووجود مبنى رئيس للدارة العامة للبنك‪ ،‬وعللدد مللن‬
‫الفللروع العاملللة للبنللك بتجهيزاتهللا يعمللل فيهللا أكللثر مللن‬
‫سللتمائة موظللف‪ ،‬فض لل ً عللن وجللود العديللد مللن النظمللة‬
‫والجهزة‪ ،‬إضافة للعلقللات التعاقديللة مللع مؤسسللة النقللد‬
‫العربي السعودي‪ ،‬ومللع أكللثر مللن مئة بنللك مراسللل علللى‬

‫‪492‬‬
‫مستوى العالم‪ ،‬ولن التغيرات في قيمللة السللهم بعللد بللدء‬
‫التداول ل ترتبط ارتباطا كليا بالتغير في قيمة الموجللودات‬
‫العينية للشركة أو مطلوباتها فحسب‪ ،‬بل يؤثر فيها عوامل‬
‫أخرى كللالعرض والطلللب علللى السللهم والمؤشللر العللام‪،‬‬
‫والحقوق المعنوية وغير ذلك‪.‬‬
‫ص آخللر فللي‬ ‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬ل يجوز للمكتتب أن يستعمل اسم شللخ ٍ‬
‫الكتتاب‪ ،‬سواء أكان ذلك بعوض يدفعه لصاحب السللم أم‬
‫بغير عوض‪ ،‬لما في ذلللك مللن تجللاوز الحللد المسللتحق للله‬
‫نظاما‪ ،‬وتعديه على حق غيره ممللن الللتزم بالنظللام‪ ،‬إذ إن‬
‫مقتضى العدالة أن تتكافأ فرص المساهمين في الحصللول‬
‫على السهم‪ ،‬ول يتحقق ذلك إل بأن يحدد لكللل واحللد مللن‬
‫المكتتبين سقف أعلللى ل يتجللاوزه‪ ،‬فللالمنع مللن اسللتخدام‬
‫الشخص اسم غيره من السياسة الشرعية التي تتفق مللع‬
‫مقاصد الشريعة من جعل المللال دولللة بيللن النللاس كلهللم‬
‫فقيرهم وغنيهللم‪ ،‬ل أن يكللون محصللورا ً بأيللدي فئة قليلللة‪.‬‬
‫وفضل عن ذلك‪ ،‬فإن هذا التصرف نوع من التدليس‪ ،‬وهللو‬
‫مظنة الخلف والخصومة بين الطراف‪.‬‬
‫ن‬ ‫ً‬
‫ض حسلل ٍ‬ ‫رابعا‪ :‬يجوز للمكتتب اقتراض قيمة الكتتاب بقر ٍ‬
‫يللرده للمقللرض بمثللله بللدون زيللادة‪ ،‬فللإن كللان القللرض‬
‫مشروطا ً بزيادة يدفعها المقللترض للمقللرض فهللو محللرم‪،‬‬
‫سواء أكانت الزيادة المشروطة نسبية أم بمبلللغ مقطللوع‪،‬‬
‫وسواء سمي ذلك تمويل ً أم تسهيلت بنكيللة أم غيللر ذلللك‪،‬‬
‫لنه من الربا‪ .‬وعوضا ً عن ذلك يجوز للمكتتب الذي ل يجد‬
‫ما يكفي من المال اللدخول مللع صلاحب المللال فلي عقلد‬
‫مشاركة‪ ،‬وما يتحقق من ربح بعد بللدء التللداول يتقاسللمانه‬
‫بينهمللا بحسللب اتفاقهمللا‪ .‬ويشللترط أن تكللون الحصللة‬
‫المشروطة لكل منهما من الربللح شلائعة كلأن يقلول‪ :‬خللذ‬
‫هذا المال وما كللان مللن ربللح فيلله فلللك ‪ %20‬منلله‪ ،‬ولللي‬
‫‪ ،%80‬أما لو حددت حصة الواحد منهما بمبلغ مقطللوع فل‬
‫يجوز كما لو قال‪ :‬خذ هذا المال فاكتتب به ولك ألف ريال‬
‫من الربح ولي ما زاد على ذلك؛ لن هذا يللؤدي إلللى قطللع‬
‫المشاركة في الربح‪ ،‬فقد ل تربللح تلللك السللهم إل المبلللغ‬
‫المذكور أو أقل‪ ،‬أو قد تربح أرباحا كبيرة فيشعر بالغبن‪.‬‬

‫‪493‬‬
‫ول يخفى أن دخول صاحب المال فللي عقللد مشللاركة مللع‬
‫مللن سيسللجل السللهم باسللمه أقللرب إلللى تحقيللق العللدل‬
‫بينهما من استئثار صاحب المال بكامل الربللح‪ ،‬لسلليما أن‬
‫هذه المشاركة ل يظهر ما يمنع منها نظامًا‪ ،‬فقد نص نظام‬
‫الشركات على جواز أن يكون السللهم مملوك لا ً بالشللتراك‬
‫لشخصين فأكثر‪ ،‬على أن يكون مسجل ً باسم شخص واحد‬
‫في مقابل الشركة‪.‬‬
‫وفي الختام‪ ،‬نسأل الله أن يوفق القائمين على بنللك البلد‬
‫للستمرار باللتزام بأحكام الشريعة‪ ،‬كمللا نحللث القللائمين‬
‫علللى الشللركات المسللاهمة علللى البعللد عللن المعللاملت‬
‫المحرملللة فلللي التمويلللل والسلللتثمار وغيرهملللا‪ ،‬ونحلللث‬
‫المتعللاملين فللي سللوق المللال علللى دعللم الشللركات‬
‫المساهمة التي تلتزم بأحكام الشريعة السلمية‪.‬‬
‫وفق الله الجميع لهداه‪ ،‬وجعللل العمللل فللي رضللاه‪ ،‬والللله‬
‫أعلللم‪ ،‬وصللى اللله عللى نبينللا محمللد وعللى آلله وصلحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫أعضاء فريق العمل الشرعي في بنك البلد‪:‬‬
‫الشيخ أ‪.‬د عبدالله بن موسى العمار‬
‫الشيخ د‪ .‬عبدالعزيز بن فوزان الفوزان‬
‫الشيخ د‪ .‬محمد بن سعود العصيمي‬
‫الشيخ د‪ .‬يوسف بن عبدالله الشبيلي‬
‫===============‬
‫‪ #‬بيع الدين بالدين أقسامه وشروطه‬
‫راشد بن فهد آل حفيظ ‪6/5/1426‬‬
‫‪13/06/2005‬‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نللبي بعللده‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فهذا بحث مختصر عن مسألة بيللع الللدين بالللدين‪ ،‬جمعللت‬
‫فيه ما وقفللت عليلله مللن كلم بعللض المحققيللن مللن أهللل‬
‫العلللم‪ ،‬فللي هللذه المسللألة‪ ،‬مللع بيللان المللذهب "مللذهب‬
‫الحنابلللة" وذلللك لهميتهللا‪ ،‬وتعلقهللا ببعللض أبللواب الللبيوع‪،‬‬
‫ولنها مما يشكل على البعض‪ ،‬بللل قللد يخطللئ فيهللا‪ ،‬وقللد‬
‫رتبته في مبحثين على النحو التالي‪:‬‬

‫‪494‬‬
‫المبحللث الول‪ :‬أقسللام بيللع الللدين بالللدين‪ ،‬وفيلله أربعللة‬
‫مطالب‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬بيع الواجب بالواجب‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬بيع الساقط بالساقط‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬بيع الساقط بالواجب‪ ،‬وفيه مسألتان‪:‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬الدين الذي يجوز بيعه‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬بيع الدين لغير من هو عليه‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬بيع الواجب بالساقط‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬شروط جواز بيع الدين‪.‬‬
‫صللا لللوجهه‪ ،‬موافًقللا‬
‫والللله أسللأل أن يجعللل عملللي خال ً‬
‫لمرضاته‪ ،‬نافًعا لعباده‪ ،‬إنه قريب مجيب‪.‬‬
‫المبحث الول‬
‫أقسام بيع الدين بالدين )‪(1‬‬
‫المطلب الول‬
‫بيع الواجب بالواجب‬
‫القسم الول‪ :‬بيع الواجب بالواجب‪:‬‬
‫وهو بيع دين مؤجل لم يقبض بدين مؤجل آخر لللم يقبللض‪،‬‬
‫أو بيع الدين المؤخر الذي لم يقبض بالللدين المللؤخر الللذي‬
‫لم يقبض‪.‬‬
‫فكلهما مؤخر مؤجل‪ ،‬لم يقبض أحدهما‪ ،‬أو يسقط)‪.(2‬‬
‫"مثل أن يسلللم شلليًئا مللؤخًرا فللي الذمللة فللي شلليء فللي‬
‫الذمة")‪ (3‬وهو محرم بالجماع)‪ (4‬وهو بيع الكالئ بالكالئ‬
‫المنهي عنه)‪ ،(5‬بحللديث عبللد الللله بللن عمللر –رضللي الللله‬
‫عنهما‪" -‬أن النبي ‪-‬صلى الللله عليلله وسللم‪ -‬نهللى عللن بيللع‬
‫الكالئ بالكالئ")‪.(6‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية –رحمه الللله‪" :-‬وهللذا مثللل أن‬
‫يسلف إليه شيًئا مللؤجل ً فللي شلليء مؤجللل‪ ،‬فهللذا الللذي ل‬
‫يجوز بالجماع‪ .. ،‬والجمللاع إنمللا هللو فللي الللدين الللواجب‬
‫بالدين الواجب‪ ،‬كالسلف المؤجل من الطرفين")‪.(7‬‬
‫وقال رحمه الله‪" :‬ل يجوز باتفاقهم‪ ،‬لنلله كل ً منهمللا شللغل‬
‫ذمته بما للخر من غير منفعة حصلت لحدهما‪ ،‬والمقصود‬
‫بالبيع النفع‪،‬فهذا يكون أحدهما قد أكل مال الخر بالباطللل‬
‫إذا قال أسلللمت إليللك مللائة درهللم إلللى سللنة فللي وسللق‬

‫‪495‬‬
‫حنطة‪ ،‬ولللم يعطله شلليًئا‪ ،‬فللإن هللذه المعاملللة ليللس فيهللا‬
‫منفعة‪ ،‬بل مضرة‪ ،‬هللذا يطلللب هللذا بالللدراهم‪ ،‬ولللم ينتفللع‬
‫واحد منهما‪ ،‬بل أكل مال الخر بالباطل من غير نفع نفعلله‬
‫به)‪.(8‬‬
‫وقال رحمه الله‪" :‬والمقصللود مللن العقللود‪ :‬القبللض‪ ،‬فهللذا‬
‫ل‪ ،‬بل هو الللتزام بل فللائدة")‬ ‫عقد لم يحصل به مقصود أص ً‬
‫‪.(9‬‬
‫وقللال رحملله الللله‪" :‬إنلله عقللد وإيجللاب علللى النفللوس بل‬
‫حصول مقصود لحد الطرفين‪ ،‬ول لهما")‪.(10‬‬
‫وقال ابن القيم –رحمه الله‪" :-‬إنلله اشللتغلت فيلله الللذمتان‬
‫بغيللر فللائدة‪ ،‬فللإنه لللم يتعجللل أحللدهما مللا يأخللذه فينتفللع‬
‫بتعجيله‪ ،‬وينتفع صاحب المؤخر بربحه‪ ،‬بل كلهما اشللتغلت‬
‫ذمته بل فائدة")‪ .(11‬وقال –رحمه الله‪":-‬وفيه ذريعة إلللى‬
‫تضاعف الدين في ذمة كل واحد منهما في مقابلة تللأجيله‪،‬‬
‫وهذه مفسدة ربا النساء بعينها")‪.(12‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫بيع الساقط بالساقط‬
‫القسم الثاني‪ :‬بيع الساقط بالساقط‪:‬‬
‫وهو‪ :‬بيع دين ثابت في الذمة يسقط إذا بيع بدين ثابت في‬
‫الذمة يسقط" )‪ (13‬مثللل أن يكللون لحللدهما عنللد الخللر‪،‬‬
‫وللخر عند الول دراهم‪ ،‬فيبيع هذا بهذا")‪.(14‬‬
‫وهو ما يعرف بمسألة المقاصة)‪.(15‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية –رحمه الله‪" :-‬وهللذا بيللع ديللن‬
‫ساقط بللدين سللاقط‪ ،‬ومللذهب أبللي حنيفللة)‪ ،(16‬ومالللك)‬
‫‪ ،(17‬جوازه")‪.(18‬‬
‫وقال رحمه الله‪" :‬والظهر جواز هذا‪ ،‬لنه برئت ذمللة كللل‬
‫منهما‪ ،‬فهو خلف ما يشغل ذمة كل منهما‪.(19) "..‬‬
‫وقال رحمه الله‪" :‬إن هذا يقتضللي تفريللغ كللل واحللدة مللن‬
‫الذمتين‪ ،‬ولهذا كان هللذا جللائًزا فللي أظهللر قللولي العلمللاء‬
‫كمذهب مالك‪ ،‬وأبي حنيفة")‪.(20‬‬
‫وقال رحمه الله‪" :‬إن براءة ذمللة كللل منهمللا منفعللة للله")‬
‫‪ . (21‬وقال ابن القيم –رحمه الله‪ -‬معلل ً للجواز‪:‬‬

‫‪496‬‬
‫"لن ذمتهما تبرأ من أسرها‪ ،‬وبراءة الذمللة مطلللوب لهمللا‬
‫وللشارع")‪.(22‬‬
‫واختار الجللواز –كللذلك‪ -‬العلمللة الشلليخ عبللد الرحمللن بللن‬
‫سعدي)‪ ،(23‬وتلميذه العلمة الشلليخ محمللد بللن عللثيمين)‬
‫‪ ،(24‬رحمهما الله‪.‬‬
‫أما المذهب‪ :‬فل يجوز ذلك‪ ،‬لنه بيع دين بدين)‪.(25‬‬
‫ويجاب عن ذلك بأن بيع الدين بالدين المنهي عنلله هللو بيللع‬
‫الواجب بالواجب‪ ،‬لشتغال الذمتين فيه بغير منفعللة –كمللا‬
‫تقدم‪" -‬بخلف بيع الساقط بالساقط‪ ،‬فإن براءة ذمللة كللل‬
‫منهما منفعة له")‪.(26‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية –رحمه الله‪" :-‬لفظ النهي عن‬
‫بيع الدين بالدين لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ل‬
‫بإسللناد صللحيح ول ضللعيف‪ ،..‬قللال أحمللد‪ :‬لللم يصللح فيلله‬
‫حديث‪ ،‬ولكن هو إجماع‪ ،‬وهللذا مثللل أن يسلللف إليلله شلليًئا‬
‫مؤجل ً في شيء مؤجل‪ ،‬فهذا الذي ل يجوز بالجمللاع‪ ،‬وإذا‬
‫كان العمدة في هذا هللو الجمللاع‪ ،‬والجمللاع إنمللا هللو فللي‬
‫الللدين الللواجب بالللدين الللواجب‪ ،‬كالسلللف المؤجللل مللن‬
‫الطرفين‪ ،‬فهذه الصورة –وهي بيع ما هو ثابت فللي الذمللة‬
‫ليسقط بمللا هللو فللي الذمللة‪ -‬ليللس فللي تحريملله نللص ول‬
‫إجماع ول قياس‪ ،‬فإن كل ً منهما اشترى ما في ذمته‪ ،‬وهللو‬
‫مقبوض له بما في ذمة الخر‪ ،‬فهو كما لو كللان لكللل منهللا‬
‫عنللد الخللر وديعللة‪ ،‬فاشللتراها بللوديعته عنللد الخللر‪ ،‬وهنللا‬
‫حصلت بالبيع براءة كل منهما‪ ،‬وهللي ضللد مللا يحصللل بللبيع‬
‫الدين الواجب بالدين الواجب")‪.(27‬‬
‫قال شيخ السلم –رحمه الله‪" :-‬اشتهر أنه نهللي عللن بيللع‬
‫الدين بالدين‪ ،‬لكن هذا اللفللظ ل يعللرف عللن النللبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ولكن الدين المطلق هو المؤخر‪ ،‬فيكللون‬
‫هو بيع الكالئ بالكالئ")‪.(28‬‬
‫وقال –رحمه الله‪" :-‬إن النبي صلى الللله عليلله وسلللم لللم‬
‫ينه عن بيع الدين بالللدين‪ ،‬ولكللن روي "إنلله نهللى عللن بيللع‬
‫الكللالئ بالكللالئ" مللع ضللعف الحللديث‪ ،‬لكللن بيللع المللؤخر‬
‫بالمؤخر ل يجوز باتفاقهم")‪.(29‬‬

‫‪497‬‬
‫وقال –رحمه الله‪" :-‬وكونه يشمله لفظ بيع دين‪ ،‬ولو كللان‬
‫هذا لفظ صاحب الشللرع لللم يتنللاول هللذا‪ ،‬فللإنه إنمللا يللراد‬
‫بذلك إذا جعل على هذا دين بدين يجعللل علللى هللذا‪ ،‬وهللذا‬
‫لم يبق على هذا دين ول على هذا ديللن فللأي محللذور فللي‬
‫هذا؟ بل هذا خير من أن يؤمر كل واحد منهما بإعطللاء مللا‬
‫عليه‪ ،‬ثم استيفاء ما له على الخللر‪ ،‬فللإن فللي هللذا ضللرًرا‬
‫على هذا وعلى هذا‪ ،‬وتضللييع مللا لهمللا لللو كلان معهمللا مللا‬
‫يوفيان‪ ،‬فكيف إذا لم يكن معهما ذلللك؟ ينللزه الشللرع عللن‬
‫تحريمه فإن الشارع حكيم ل يحرم ما ينفع ول يضر")‪.(30‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫بيع الساقط بالواجب‬
‫القسم الثالث‪ :‬بيع الساقط بالواجب‪:‬‬
‫هو بيع دين ثابت يسقط ويجب ثمنه)‪.(31‬‬
‫كمن باع ملائة صللاع مللن الللبر ثابتلة لله فللي ذمللة شللخص‬
‫بمائتي ريال)‪.(32‬‬
‫وهذا جائز علللى الصللحيح‪ ،‬سللواء كللان الللدين المللبيع ديللن‬
‫سلم‪ ،‬أو رأس مال السلم –بعد فسللخ العقللد‪ -‬أو غيرهمللا‪،‬‬
‫وسواء باعه على من هو عليه‪ ،‬أو غيللره‪ ،‬لكللن بشللروط –‬
‫كما سيأتي‪ -‬لنه ل دليل علللى المنللع‪ ،‬والصللل حللل الللبيع‪،‬‬
‫ولن ما في الذمة مقبوض للمدين‪ ،‬قال شيخ السلم ابللن‬
‫تيميللة –رحملله الللله‪" :-‬ويجللوز بيللع الللدين فللي الذمللة مللن‬
‫الغريم وغيره‪ ،‬ول فرق بين دين السلم وغيره‪ ،‬وهو روايللة‬
‫عن أحمد)‪ ،(33‬وقال ابن عباس‪ ،‬ولكن بقدر القيمة فقط‪،‬‬
‫لئل يربح فيما لم يضمن")‪.(34‬‬
‫ومن المناسب هنا الكلم عن هاتين المسألتين‪:‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬الدين الذي يجوز بيعه‪.‬‬
‫يجوز بيع كل دين مستقر –من ثمن مبيع‪ ،‬وأجرة اسللتوفي‬
‫نفعها‪ ،‬أو فرغت مدتها‪ ،‬وقرض‪ ،‬ومهر بعد الدخول‪ ،‬وجعللل‬
‫ة‪ ،‬وأرش‪ ،‬وقيملة متللف‪- ،‬إل ديلن السللم‬ ‫بعلد عملل‪ ،‬وديل ٍ‬
‫"المسلم فيه" على المذهب)‪.(35‬‬
‫وقد نص المام أحمد في رواية‪ :‬على جواز بيعه كذلك‪.‬‬

‫‪498‬‬
‫واختار شيخ السلم)‪ (36‬وتلميذه العلمة ابن القيللم)‪،(37‬‬
‫والعلمة ابن سعدي)‪ ،(38‬وتلميذه ابن عثيمين)‪ ،(39‬لكللن‬
‫بقدر القيمة فقط لئل يربح فيما لم يضمن‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية –رحمه الللله‪" :-‬وهللذه الروايللة‬
‫أكثر في نصوص أحمد‪ ،‬وهي أشبه بأصوله")‪.(40‬‬
‫وقال –رحمه الله‪" :-‬وهذا القول أصح‪ ،‬وهو قيللاس أصللول‬
‫أحمد‪ ،‬وذلك لن دين السلم مبيع")‪.(41‬‬
‫وقال رحمه الله‪" :‬وهو مذهب مالك‪ ،‬وقد نص أحمد‪ ،‬على‬
‫هللذا فللي غيللر موضللع‪ ،‬وجعللل ديللن السلللم كغيللره مللن‬
‫المبيعات")‪.(42‬‬
‫وقال رحمه الله‪" :‬وهو قول ابن عباس‪ ،‬ول يعرف له فللي‬
‫الصحابة مخالف‪ ،‬وذلك لن دين السلللم ديللن ثللابت‪ ،‬فجللاز‬
‫العتياض عنه كبدل القللرض‪ ،‬وكللالثمن فللي المللبيع‪ ،‬ولنلله‬
‫أحللد العوضللين فللي الللبيع فجللاز العتيلاض عنله‪ ،‬كلالعوض‬
‫الخر")‪.(43‬‬
‫وقال ابن القيم –رحمه الللله‪" :-‬وهللو اختيللار القاضللي أبللي‬
‫يعلى‪ ،‬وشيخ السلللم ابللن تيميللة‪ ،‬وهللو مللذهب الشلافعي‪،‬‬
‫وهو الصحيح‪ ،‬فإن هذا عوض مستقر فللي الذمللة‪ ،‬فجللازت‬
‫المعاوضة عليه‪ ،‬كسائر الديون‪ ،‬من القرض وغيره")‪.(44‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما الجواب عن حديث‪" :‬من أسلللف فللي شلليء‪،‬‬
‫فل يصرفه إلى غيره")‪.(45‬‬
‫فالجواب عنه من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن الحديث ضعيف)‪.(46‬‬
‫الثاني‪ :‬أن المراد به أن ل يصرف المسلم فيه إلى مسلللم‬
‫فيه آخر‪ ،‬لنه بهذا سوف يتضمن الربللح فيمللا لللم يضللمن)‬
‫‪.(47‬‬
‫فللإن لللم يتضللمن الربللح فجللائز‪ ،‬علللى الصللحيح)‪ (48‬كمللا‬
‫سيأتي في القسم الرابع‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬إن بيع دين السلللم "المسلللم فيلله" بيللع لمللا لللم‬
‫يقبض‪ ،‬والبيع قبل القبض منهي عنلله)‪ .(49‬فللالجواب عللن‬
‫ذلك من وجهين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن النهي إنما كان في العيان ل في الديون")‪.(50‬‬

‫‪499‬‬
‫بدليل ما ثبت عن ابن عمر –رضللي الللله عنهمللا‪ -‬أنلله قللال‬
‫للرسول –صلى الله عليه وسلم‪" :-‬إني أبيع البل بللالبقيع‪،‬‬
‫فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم‪ ،‬وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير؟‬
‫فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم‪ :-‬ل بأس أن تأخذها‬
‫بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء")‪.(51‬‬

‫"فهذا بيع للثمن ممن هو في ذمته قبل قبضه‪ ،‬فما الفللرق‬


‫بينه وبين العتياض عن دين السلم بغيره")‪.(52‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية –رحمه الله‪:-‬‬
‫"إن النهي علن بيللع الطعللام قبللل قبضله هلو فللي الطعلام‬
‫المعين‪ ،‬وأمللا مللا فللي الذمللة فالعتيللاض عنلله مللن جنللس‬
‫ك‬‫الستيفاء‪ ،‬وفائدته سقوط ما في ذمته عنه‪ ،‬ل حدوث مل ٍ‬
‫له‪ ،‬فل يقاس هذا بهذا‪ ،‬فإن البيع المعللروف هللو أن يملللك‬
‫المشتري ما اشتراه‪ ،‬وهنا لم يملك شيًئا‪ ،‬بل سقط الللدين‬
‫من ذمته وهذا لو وفاه ما في ذمته لم يقل إنه باعه دراهم‬
‫بدراهم‪ ،‬بل يقال‪ :‬وفللاه حقلله‪ ،‬بخلف مللا لللو بللاعه دراهللم‬
‫معينة‪ ،‬فإنه بيع")‪.(53‬‬
‫وقال ابن القيم –رحمه الله‪:-‬‬
‫"وأما نهي النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬عن بيللع الطعللام‬
‫قبل قبضه فهذا إنما هو في المعيللن‪ ،‬أو المتعلللق بلله حللق‬
‫التوفية من كيللل أو وزن‪ ،‬فللإنه ل يجللوز بيعلله قبللل قبضلله‪،‬‬
‫وأما ما في الذمة فالعتيللاض عنلله مللن جنللس السللتيفاء‪،‬‬
‫ك للله فل‬ ‫وفائدته سقوط ما في ذمتلله عنلله‪ ،‬ل حللدوث مل ل ٍ‬
‫يقاس بالبيع الذي يتضمن شغل الذمللة‪ ،‬فللإنه إذا أخللذ منلله‬
‫ضا أو غيره أسقط ما في ذمتلله‪ ،‬فكللان‬ ‫عن دين السلم عر ً‬
‫كالمستوفي في دينه لن بدله يقوم مقامه‪ ،‬ول يدخل هللذا‬
‫في بيع الكالئ بالكالئ بحال‪ ،‬والبيع المعروف هو أن يملك‬
‫المشتري مللا اشللتراه‪ ،‬وهللذا لللم يملكلله شلليًئا‪ ،‬بللل سللقط‬
‫الدين من ذمته‪ ،‬ولهذا لو وفاه ما فللي ذمتلله لللم يقللل إنلله‬
‫باعه دراهم بدراهم‪ ،‬بللل يقللال‪ :‬وفللاه حقلله‪ ،‬بخلف مللا لللو‬
‫باعه دراهم يسمى بيًعا‪ ،‬وفي الدين إذا وفاهللا بجنسللها لللم‬
‫يكن بيًعا فكذلك إذا وفاها بغير جنسها لم يكن بيًعا‪ ،‬بل هو‬
‫إيفاء فيه معنى المعاوضة")‪.(54‬‬

‫‪500‬‬
‫الثاني‪ :‬أن النهي عن بيع المبيع قبل قبضه مختللص بمللا إذا‬
‫باعه على غير بائعه‪ ،‬أما إذا باعه على بائعه فجائز)‪.(55‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما الجواب عن قول الموفق ابن قدامة –رحملله‬
‫الله‪" :-‬وأما بيلع المسللم فيله قبلل قبضله فملا نعللم فلي‬
‫تحريمه خلًفا‪.(56) "..‬‬
‫فالجواب‪" :‬أنه قال بحسب مللا علملله‪ ،‬وإل فمللذهب مالللك‬
‫أنه يجوز من غير المستسلف‪ ،‬كما يجللوز عنللده بيللع سللائر‬
‫ضلا إحلدى الروايلتين‬ ‫الديون من غير من هو عليه‪ ،‬وهلذا أي ً‬
‫عن أحمد‪ ،‬نص عليه في مواضع بيع الدين من غير من هللو‬
‫عليه‪ ،‬كما نص على بيع دين السلم ممن هو عليه‪ ،‬وكلهما‬
‫منصوص عن أحمد في أجوبة كثيرة من أجوبته‪ ،‬وإن كللان‬
‫ذلك ليس في كتب كثير من متأخري أصحابه‪ ،‬وهذا القول‬
‫أصللح‪ ،‬وهللو قيللاس أصللول أحمللد‪ ،‬وذلللك لن ديللن السلللم‬
‫مبيع")‪.(57‬‬
‫ومثله –علللى الصللحيح‪ -‬رأس مللال السلللم‪ -‬أي بعللد فسللخ‬
‫عقللد السلللم –يصللح بيعلله)‪ ،(58‬وهللو أحللد الللوجهين فللي‬
‫المذهب)‪ ،(59‬والوجه الثاني‪ :‬ل يصح‪ ،‬وهو المذهب)‪.(60‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬بيع الدين لغير من هو عليه‪:‬‬
‫المذهب‪ :‬ل يجوز بيعه لغيللر مللن هللو عليلله)‪ (61‬لنلله غيللر‬
‫قادر على تسليمه‪ ،‬أشبه بيع البق)‪.(62‬‬
‫وقد نص المام أحمد في رواية على جواز بيعلله لغيللر مللن‬
‫هو عليه)‪ ،(63‬واختاره شيخ السلم ابن تيمية)‪.(64‬‬
‫قال شيخ السلم –رحمه الله‪:-‬‬
‫"مذهب مالك يجوز بيعه من غير المستسلللف‪ ،‬كمللا يجللوز‬
‫ضللا‬
‫عنده بيع سائر الديون من غير مللن هللو عليلله‪ ،‬وهللذا أي ً‬
‫إحدى الروايتين عن أحمد‪ ،‬نص عليه في مواضع بيع الدين‬
‫من غير من هو عليه‪ ،‬كما نص على بيع ديللن السلللم ممللن‬
‫هو عليه‪ ،‬وكلهما منصوص عن أحمد في أجوبة كثيرة مللن‬
‫أجوبته‪ ،‬وإن كان ذلك ليلس فلي كتلب كلثير ملن متلأخري‬
‫أصحابه")‪.(65‬‬
‫وقال رحمه الله‪" :‬بيع الدين ممن هو عليه جللائز‪ ،...‬وعنللد‬
‫مالك يجللوز بيعلله ممللن ليللس هللو عليلله‪ ،‬وهللو روايللة عللن‬
‫أحمد")‪. (66‬‬

‫‪501‬‬
‫وقال رحمه الله‪" :‬تنازع العلماء في بيع الدين على الغيللر‪،‬‬
‫وفيه عن أحمد روايتان‪ ،‬وإن كللان المشللهور عنللد أصللحابه‬
‫منعه")‪.(67‬‬
‫وقال رحمه الله‪:‬‬
‫"وهذا –يعني عدم التمكن من التسليم‪ -‬حجة من منللع بيللع‬
‫الدين ممن ليس عليه‪ ،‬قال‪ :‬لنه غرر ليس بمقبوض‪ ،‬ومن‬
‫وزه قال‪ :‬بيعه كالحوالة عليلله‪ ،‬وكللبيع المللودع‪ ،‬والمعللار‪،‬‬ ‫ج ّ‬
‫وزنا بيع الثمار")‪(69).(68‬‬ ‫ما‪ ،‬ولهذا ج ّ‬‫فإنه مقبوض حك ً‬
‫وقال ابن القيم –رحمه الله‪" :-‬نص أحمللد علللى جللواز بيللع‬
‫الدين لمن هو في ذمته ولغيره‪ ،‬وإن كان أكللثر أصللحابنا ل‬
‫يحكمون عنه جوازه لغير من هو في ذمته‪ ،‬فقد نص عليلله‬
‫في مواضع‪ ،‬حكلاه شليخنا أبلو العبلاس بلن تيميلة –رحمله‬
‫الله‪.(70)-‬‬
‫جح محملد –رحملله اللله‪" :-‬وعللن أحمللد روايلة ثانيلة‬ ‫وقد ر ّ‬
‫بجواز بيعه لغير من هو عليه‪ ،‬لكن بشروط‪:‬‬
‫قال الشيخ محمد –رحمه الله‪" :-‬وعللن أحمللد روايللة ثانيللة‬
‫بجواز بيعه لغيلر ملن هلو عليله)‪ (71‬اختارهلا الشليخ تقلي‬
‫الدين)‪ ،(72‬قلت‪ :‬وهو الصواب بشرط أن يكون من عليلله‬
‫ل‪ ،‬وأن ل يبيعه بما ل يباع به نسيئة")‪.(73‬‬ ‫الدين غنًيا باذ ً‬
‫وقال رحمه الله‪" :‬ول يجوز لغير من هو عليه‪ ،‬وعنه‪ :‬بلللى‪،‬‬
‫وهو اختيار الشيخ تقي الللدين‪ ،‬وهللو الصللواب‪ ،‬لكللن بقللدر‬
‫القيمة‪ ،‬كما تقدم لئل يربح فيما لم يضمن‪ ،‬هكذا اشللترط)‬
‫‪ ،(74‬وهو صحيح‪ ،‬وينبغي أن يزاد شرط آخر‪ ،‬وهو القللدرة‬
‫على أخذه مللن الغريللم‪ ،‬وإل لللم يصللح‪ ،‬لن مللن الشللروط‬
‫القدرة على تسليم المبيع‪ .(75) "..‬وقللال – رحملله الللله‪:-‬‬
‫ر)‪ (76‬علللى شللخص قللادر علللى‬ ‫)إذا باع دينا ً في ذمللة مقل ٍ‬
‫استخراجه‪ ،‬فالصواب أنه جللائز؛ لنلله ل دليللل علللى منعلله‪،‬‬
‫والصل حل البيع( )‪.(77‬‬
‫لنلله إذا بللاع دينلا ً بهللذه الصللفة‪ ،‬فلللن يكللون ثمللة غللرر ول‬
‫مخاطرة –حينئذ‪ -‬كبيع المغصوب علللى قللادر علللى أخللذه)‬
‫‪ (78‬وبيع البق على قادر على رده)‪.(79‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما الحكم إذا تعذر أخذ الدين في المدين؟‬

‫‪502‬‬
‫فللالجواب‪ :‬أن للمشلتري الفسللخ‪ -‬حينئذ‪ -‬قياسلا ً عللى بيلع‬
‫المغصوب على قادر على أخذه)‪ (80‬فللإنه إذا تعللذر أخللذه‬
‫فللمشتري الفسخ‪ ،‬على المذهب)‪.(81‬‬
‫فإن قيلل‪ :‬فهلل يجلوز بيلع ديلن مؤجلل عللى الغيلر بلدين‬
‫مؤجل آخر؟)‪.(82‬‬
‫فالجواب‪ :‬ل‪ ،‬ل يجوز ذلك بالتفاق)‪ ،(83‬سواء بللاعه علللى‬
‫من هو عليه‪ ،‬أو علللى الغيللر)‪ ،(84‬لشللتغال الللذمتين فيلله‬
‫بغير فائدة – كما تقدم في المطلب الول‪.-‬‬
‫قللال شلليخ السلللم ابللن تيميللة –رحملله الللله‪) :-‬ل يجللوز‬
‫باتفاقهم – يعني بيع الواجب بالواجب‪ -‬لن كل ً منهما شغل‬
‫ذمته بما للخر من غير منفعة وصلت لحدهما‪ ،‬والمقصللود‬
‫بالبيع النفع( )‪.(85‬‬
‫وقال –رحمه الله‪) :-‬المقصود من العقللود القبللض‪ ،‬فهللو –‬
‫يعني بيع الواجب بالواجب‪ -‬عقد لم يصل به مقصود أص ل ً‬
‫ل‪،‬‬
‫بل هو التزام بل فائدة( )‪.(86‬‬
‫وقال –رحمه الله‪) :-‬ففيه – يعنللي بيللع الللواجب بللالواجب‪-‬‬
‫شغل ذمة كل واحد منهما بالعقود الللتي هللي وسللائل إلللى‬
‫القبض‪ ،‬وهو المقصود بالعقد( )‪.(87‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫القسم الرابع‪ :‬بيع الواجب بالساقط‬
‫وهو‪ :‬إسقاط دين ثابت في ذمة شخص‪ ،‬وجعله ثمنا ً )رأس‬
‫ل‬
‫مللال سلللم( لموصللوف فللي الذمللة )مسلللم فيلله( مؤج ل ٍ‬
‫م)‪.(89)(88‬‬ ‫معلو ٍ‬
‫قال ابن القيم –رحمه الله‪) :-‬كما لو أسلم إليله فلي ُ‬
‫كلّر –‬
‫مكيال لهل العراق‪ -‬حنطة بعشرة دراهم في ذمتلله‪ ،‬فقللد‬
‫وجب له عليه دين وسقط عنه دين غيره( )‪.(90‬‬
‫وقال الشيخ عبد الرحمن بللن قاسللم –رحملله الللله‪) :-‬بللأن‬
‫يكون لزيد على عمرو دراهم مثل ً فيجعلها رأس مال سلم‬
‫في طعام ونحوه( )‪.(91‬‬
‫وهللذا جللائز ‪-‬أيض لًا‪ -‬علللى الصللحيح‪ ،‬لكللن بشللروط – كمللا‬
‫سيأتي – لنه ل دليل على المنع‪ ،‬والصل حللل الللبيع‪ ،‬ولن‬
‫ما في الذمة مقبوض للمدين‪.‬‬

‫‪503‬‬
‫قال ابن القيم –رحمه الله‪) :-‬وقد حكي الجماع)‪ (92‬على‬
‫امتناع هذا‪ ،‬ول إجماع فيه‪ ،‬قاله شيخنا)‪ ،(93‬شيخ السلللم‬
‫ابن تيمية واختار جوازه)‪ ،(94‬وهللو الصللواب‪ ،‬إذ ل محللذور‬
‫فيه‪ ،‬وليس بيع كالئ بكالئ‪ -‬بيع الواجب بالواجب‪ -‬فيتناوله‬
‫النهي بلفظه‪ ،‬ول في معناه فيتناوله بعمللوم المعنللى‪ ،‬فللإن‬
‫المنهي عنه اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة( )‪.(95‬‬
‫ثم قللال رحمله اللله‪) :‬وإذا جللاز أن يشلغل أحللدهما ذمتلله‪،‬‬
‫والخر يحصل على الربح‪ -‬وذلك في بيع العين بالدين‪ -‬جاز‬
‫أن يفرغها من دين ويشغلها بغيره‪ ،‬وكأنه شغلها بها ابتللداء‬
‫إمللا بقللرض أو بمعاوضللة فكللانت ذمتلله مشللغولة بشلليء‪،‬‬
‫فانتقلت من شللاغل إلللى شللاغل‪ ،‬وليللس هنللاك بيللع كلالئ‬
‫بكالئ‪ ،‬وإن كان بيع دين بدين فلم ينهه الشارع عن ذلك ل‬
‫بلفظه ول بمعنى لفظه‪ ،‬بل قواعد الشرع تقتضي جللوازه‪،‬‬
‫فإن الحوالة اقتضت نقل الدين وتحويله من ذمللة المحيللل‬
‫إلى ذمة المحال عليه‪ ،‬فقد عللاوض المحيللل المحتللال مللن‬
‫دينه بدين آخر في ذمة ثالث‪ ،‬فإذا عاوضه مللن دينلله علللى‬
‫دين آخر في ذمته كان أولى بالجواز)‪.(96‬‬
‫وقال رحمه الله‪) :‬ل إجماع معلوم في المسألة‪ ،‬وإن كللان‬
‫قد حكي‪ ،‬فإن المانع مللن جوازهللا رأى أنهللا مللن بللاب بيللع‬
‫الدين بالدين‪ ،‬والمجوز له يقللول‪ :‬ليللس عللن الشللرع نللص‬
‫عام في المنع من بيللع الللدين بالللدين‪ ،‬وغايللة مللا ورد فيلله‬
‫حديث‪ ،‬وفيه ما فيه )أنه نهى عن بيع الكالئ بالكالئ)‪،(97‬‬
‫والكللالئ المللؤخر‪ ،‬فهللذا هللو الممنللوع منلله بالتفللاق؛ لنلله‬
‫يتضمن شغل الللذمتين بغيللر مصلللحة لهمللا‪ ،‬وأمللا إذا كللان‬
‫الدين في ذمة المسلم إليلله فاشللترى بلله شلليئا ً فللي ذمتلله‬
‫فقد سقط الدين من ذمته‪ ،‬وخلفه دين آخللر واجللب‪ ،‬فهللذا‬
‫كللبيع السلاقط بللالواجب‪ ،‬فيجلوز كملا يجللوز بيللع السلاقط‬
‫بالساقط في باب المقاصة)‪.(98‬‬
‫وقد اشترط شيخ السلم ابن تيمية)‪ ،(99‬وتلميذه العلمللة‬
‫ابن القيم)‪ – (100‬رحمهما الله‪ -‬لجواز مثل ذلك‪ :‬أل يربللح‬
‫فيه‪ ،‬وأل يباع بما ل يباع به نسيئة‪.‬‬
‫أما المذهب‪ :‬فل يجوز ذلك – وقد حكللي إجماع لًا)‪– (101‬‬
‫لنه بيع دين بدين)‪ (102‬ويجاب عن ذلك بما تقدم مللن أن‬

‫‪504‬‬
‫بيع الدين بالدين المحرم هو بيع الواجب بالواجب لشتغال‬
‫الذمتين فيه بغير منفعة‪ ،‬أما هنا في بيع الواجب بالسللاقط‬
‫فقد أفرغها من دين وشغلها بغيللره‪ ،‬فللانتقلت مللن شللاغل‬
‫إلى شاغل‪ ،‬ول إجماع فللي المسللألة‪ ،‬ول نللص‪ ،‬قللال شلليخ‬
‫السلم ابن تيمية –رحمه الله‪) :-‬بيللع الللدين بالللدين ليللس‬
‫فيه نص عام‪ ،‬ول إجماع‪ ،‬وإنما ورد النهي عللن بيللع الكللالئ‬
‫بالكالئ‪ ،‬والكالئ هو المؤخر الذي لم يقبض بالمؤخر الذي‬
‫لم يقبض‪ ،‬فهذا ل يجوز بالتفاق( )‪.(103‬‬
‫وقال رحمه الله‪) :‬فهذا الذي ل يجللوز بالجمللاع‪ ،‬والجمللاع‬
‫إنمللا هللو فللي الللدين الللواجب بالللدين الللواجب‪ ،‬كالسلللف‬
‫المؤجل من الطرفين)‪.(104‬‬
‫قال ابن القيم –رحمه الله‪) :-‬فهذا هللو الممنللوع بالتفللاق؛‬
‫لنه يتضمن شغل الذمتين بغير مصلحة لهما‪ ،‬وأما إذا كللان‬
‫الدين في ذمة المسلم إليلله فاشللترى بلله شلليئا ً فللي ذمتلله‬
‫فقد سقط الدين من ذمته وخلفه ديللن آخللر واجللب‪ ،‬فهللذا‬
‫كبيع الساقط بالواجب)‪.(105‬‬
‫فللإن قيللل‪ :‬إن هللذا سللوف يتخللذ حيلللة علللى قلللب الللدين‬
‫المحرم)‪.(106‬‬
‫فللالجواب‪ :‬إن جللواز ذلللك مشللروط بللأل يربللح فيلله – كمللا‬
‫تقللدم‪ -‬وبهللذا يللزول هللذا الشللكال‪ .‬فللإن قيللل‪ :‬إن لشلليخ‬
‫السلم)‪ ،(107‬وتلميذه ابن القيم –رحمهما الله‪ -‬كلما ً قد‬
‫يشللكل علللى اختيارهمللا فللي هللذه المسللألة)‪ ،(108‬وهللو‬
‫قولهما‪ :‬ل يجوز أن يجعل المسلم فيه )دين السلم(‪ -‬سلما ً‬
‫وثمنا ً لمسلم فيه آخر‪.‬‬
‫فالجواب عن ذلك من وجهين‪ :‬الول‪ :‬أنهما ذكرا ذلك بنللاء‬
‫على التسليم بصللحة حللديث‪" :‬مللن أسلللف فللي شلليء فل‬
‫يصرفه إلى غيره)‪(110)."(109‬‬
‫الثاني‪ :‬أنهما ل يجيزان ذلك إذا كان سيربح فيه‪ ،‬أما إذا لم‬
‫يربح فيه فل بأس به عندهما)‪.(112)(111‬‬
‫وقللد سللألت الشلليخ الفقيلله العلمللة محمللد بللن صللالح‬
‫العثيمين‪-‬رحمه الللله‪ -‬عللن هللذه المسللألة‪ ،‬وهللي‪ :‬إسللقاط‬
‫الدين الثابت في ذمة شخص وجعللله ثمن لا ً لموصللوف فللي‬
‫الذمة مؤجل معلوم‪.‬‬

‫‪505‬‬
‫وقرأت عليه كلم العلمة ابن القيللم – فللي العلم )‪-(2/9‬‬
‫الذي رجح فيه جواز ذلللك‪ ،‬وذكللر أنلله اختيللار شلليخه شلليخ‬
‫السلم ابن تيمية‪ ،‬ثم قلت‪ :‬ما رأيكم فللي ذلللك؟ هللل هللو‬
‫جائز؟‬
‫فقال الشلليخ‪ -‬رحملله الللله‪ :-‬نعللم‪ ،‬هللذا جللائز‪ ،‬وليللس فيلله‬
‫شيء‪ ،‬لكن بشرط أل يربح فيه‪ ،‬وبشرط آخر أل يبيعه بمللا‬
‫ل يباع به نسيئة‪ .‬ا‪.‬هل‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬لقد باعه بمؤجل‪ ،‬أل يشترط أن يكون حا ً‬
‫ل؟‬
‫فللال الشلليخ –رحملله الللله‪:-‬ل‪ ،‬ل يشللترط؛ لن الثمللن قللد‬
‫قبض‪ .‬ا‪.‬هل‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬لقد قلتم –حفظكللم الللله‪ -‬فللي الفللرائد صلل ‪:-161‬‬
‫)الخللامس‪ :‬أل يللبيعه بمؤجللل فللإن بللاعه بمؤجللل فحللرام‬
‫باطل؛ لنه بيع دين بدين(‪.‬‬
‫فقال الشيخ‪-‬رحمه الله‪) :-‬إن المحذور في ذلك أن يؤجللل‬
‫من أجل أن يربح فيه‪ ،‬أمللا إذا لللم يربللح فل بللأس‪ ،‬مللا دام‬
‫الثمن قد قبض‪ .‬ا‪.‬هل‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬وقلتم أيضا ً في الفرائد‪) :‬لنه يتخذ حيلة على قلللب‬
‫الدين المحرم(‪ ،‬وقلتم أيضا ً في مختارات مللن العلم صللل‬
‫‪) :-39‬وفيه محذور‪ ،‬وهو التحيل على قلب الدين كمللا هللو‬
‫ظاهر( فقال الشيخ –رحمه الله‪ :-‬هذا إذا ربح فيه‪ ،‬أمللا إذا‬
‫لم يربح‪ ،‬وأخللذه بسللعر يللومه فل بللأس‪ .‬ا‪.‬هللل‪ ،‬يللوم الحللد‬
‫‪23/6/1420‬هل‪.‬‬
‫ثم راجعته في المسللألة مللرة أخللرى وقللرأت عليلله كلملله‬
‫السابق الموجود في الفرائد‪ ،‬والمختارات مرة أخرى فأكد‬
‫لي جواز ذلك بالشرطين السابقين‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬إن لشيخ السلم‪ ،‬وتلميذه العلمة ابللن القيللم –‬
‫رحمهما الله‪ -‬كلما ً قللد يشللكل علللى اختيارهمللا فللي هللذه‬
‫المسألة‪ ،‬وهو قولهما‪ :‬إنه ل يجوز أن يجعللل المسلللم فيلله‬
‫ثمنا ً لمسلم فيه آخر‪ -‬وقد تقدم ذلك قريبًا‪.-‬‬
‫فقال الشيخ –رحمه الله‪ -‬هذا إذا كان سيربح فيلله‪ ،‬أمللا إذا‬
‫للللم يربلللح‪ ،‬فل بلللأس بللله عنلللدهما ا‪.‬هلللل‪ ،‬يلللوم الربعلللاء‬
‫‪26/6/1420‬هل‪.‬‬

‫‪506‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فإذا ارتفع سللعر المسلللم فيلله عنللد حللول أجللله‬
‫ارتفاعا ً معتادًا‪ ،‬فهل يؤثر ذلك على صحة العقد؟‬
‫فالجواب‪ :‬ل‪ ،‬ل يؤثر؛ لكون العقد قد وقللع صللحيحًا؛ لخلللوه‬
‫من الربح في الدين المبيع )المسلم فيه(‪.‬‬
‫لكن يبقى أن يقال‪ :‬هل يلللزم المسلللم أن يللدفع للمسلللم‬
‫إليه القدر الزائد الذي طرأ في السعر؟‬
‫فالجواب‪ :‬أن ذلك محل نظر‪ ،‬فقللد يقللال بللذلك‪ ،‬لئل يربللح‬
‫فيما لم يضمن‪ ،‬وقد يقال بعدمه – يعني أنه ل يلزمه ذلك‪-‬‬
‫لنه لم يشترط ذلك‪ ،‬ولم يكن له ي لد ٌ فيلله؛ وإنمللا هللو رزق‬
‫ساقه الله –تعالى‪ -‬إليلله‪ ،‬بسللبب ارتفللاع السللعار المعتللاد‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫شروط جواز بيع الدين‬
‫يشترط لجواز بيع الدين – وهو تلخيص لما معنى‪ -‬ما يلي‪:‬‬
‫الشرط الول‪" :‬أن يكون معلومًا")‪ (113‬فإن كان مجهول ً‬
‫لم يصح‪ ،‬إل على سبيل المصالحة)‪.(114‬‬
‫الشرط‪ :‬أن يباع بسعر يومه )أل يربح فيلله(‪ .‬وذلللك لقللوله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل بأس أن تأخذها بسعر يومهللا‪"..‬‬
‫)‪ ،(115‬ولنه إذا باعه بأكثر من سعر يومه ربح فيلله‪ ،‬وقللد‬
‫نهى صلى الله عليه وسلم‪ -‬عن ربح ما لللم ُيضللمن)‪،(116‬‬
‫أي نهى عن الربح في شيء لم يدخل فللي ضللمان البللائع‪،‬‬
‫والدين في ضمان من هو في ذمته‪) ،‬في ضمان المللدين(‪،‬‬
‫ولم يدخل بعد في ضمان من هو له )فللي ضللمان الللدائن(‬
‫حتى يجوز له الربح فيه‪ (117) .‬قال شيخ السلم –رحملله‬
‫وز بيع الدين ممن هو عليه بربللح‪ ،‬فللإنه ربللح‬ ‫الله‪) :-‬فلم يج ّ‬
‫فيما لم يضمن‪ ،‬فللإنه لللم يقبللض‪ ،‬ولللم يصللر فللي ضللمانه‪،‬‬
‫والربح إنما يكون للتاجر الذي نفللع النللاس بتجللارته‪ ،‬فأخللذ‬
‫الربح بإزاء نفعه‪ ،‬فلم يأكل أموال الناس بالباطل( )‪.(118‬‬
‫ثم قال رحمه الله‪) :‬فإذا كان لله ديلن وبلاعه ملن الملدين‬
‫بربح فقد أكل هذا الربح بالباطل‪ ،‬إذا كان لم يضمن الدين‬
‫ولم يعمل فيه عم ً‬
‫ل( )‪.(119‬‬
‫وقال رحمه الله‪) :‬فل يربح حتى يصير في حللوزته‪ ،‬ويعمللل‬
‫فيها عمل ً من أعمال التجارة‪ :‬إما بنقلهللا إلللى مكللان آخللر‪،‬‬

‫‪507‬‬
‫الذي يشتري في بلد ويبيع في آخر‪ ،‬وإما حبسها إلى وقت‬
‫آخر‪ ،‬وأقل ما يكون قبضها‪ ،‬فإن القبض عمل‪ ،‬وأمللا مجللرد‬
‫التخلية في المنقول فليس فيها عمل( )‪.(120‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فهل يجوز بيعه بأقل من سعر يومه؟ فللالجواب‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬يجوز ذلك؛ لنه لم يربللح فيلله‪ ،‬بللل زاد المللدين خيللرًا‪،‬‬
‫وأبرأه من بعض حقه)‪.(121‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما الجواب عللن مفهللوم قللوله صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم‪" :‬ل بأس أن تأخذها بسعر يومها‪.(122) "..‬‬
‫فللالجواب‪ :‬أن المفهللوم ل عمللوم للله‪ ،‬بللل يصللدق بصللورة‬
‫واحدة مخالفة)‪ .(123‬والصورة المخالفة هنا هي إذا بللاعه‬
‫بأكثر من سعر يومه‪ ،‬فهذا ل يجوز؛ لنه يدخل في ربللح مللا‬
‫لم يضمنه)‪.(124‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن يقبض عوضلله فللي مجلللس العقللد‪ ،‬إن‬
‫باعه بما ل يباع به نسلليئة؛ وذلللك لقللوله صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم في أخذ الدراهم عن الدنانير والعكس‪" :‬ل بللأس أن‬
‫تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء")‪.(125‬‬
‫أما إن باعه بما يباع به نسيئة فل يخلو من حالين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن يبيعه بمعين‪ ،‬كقوله‪ :‬بعتك مللا فللي ذمتللك بهللذا‬
‫الثلللوب‪ .‬فحينئذ ل يشلللترط القبلللض فلللي المجللللس – بل‬
‫إشكال‪ -‬وهو المذهب)‪.(126‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يبيعه بغيللر معيللن بموصللوف فللي الذمللة حللال‪،‬‬
‫كقوله‪ :‬بعتك ما في ذمتك بثللوب صللفته كللذا وكللذا‪ ،‬فحينئذ‬
‫يشترط القبض على المذهب)‪" ،(127‬لئل يصللير بيللع ديللن‬
‫بدين")‪ .(128‬والصحيح أنه ل يشترط القبض هنا أيضًا‪.‬‬
‫واختاره شيخ السلم ابللن تيميللة)‪ ،(129‬وتلميللذه العلمللة‬
‫ابللن القيللم‪ (131)(130)،‬والعلمللة الشلليخ محمللد بللن‬
‫عثيمين)‪– (132‬رحمة الله على الجميع‪ -‬لعللدم جريللان ربللا‬
‫النسلليئة بينهمللا)‪ ،(133‬وقللد تقللدم الجللواب عللن دليللل‬
‫المذهب‪.‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أل يباع بمؤجل‪ ،‬إن كان مللؤجل ً باقي لا ً علللى‬
‫تأجيله‪ ،‬لم ُيسقط؛ لن بيعه بمؤجللل إن كللان مللؤجل ً باقي لا ً‬
‫على تأجيله لم يسقط هو بيللع الللواجب بللالواجب‪ ،‬المنهللي‬

‫‪508‬‬
‫عنلله بالتفللاق كمللا تقللدم‪ -‬أمللا إن كللان مللؤجل ً فأسللقطه‪،‬‬
‫واعتاض عنه بمؤجل فجائز على الصحيح‪.‬‬
‫الشرط الخامس‪ :‬أن يكون الدين مستقرًا‪.‬‬
‫فإن كان غير مستقر‪ -‬كدين الكتابة‪ ،‬وصداق قبللل الللدخول‬
‫والخلوة‪ ،‬وجعل قبللل عمللل‪ ،‬وأجللرة قبللل فللراغ المللدة‪ ،‬أو‬
‫قبل استيفاء نفعها لم يصح بيعه)‪ ،(134‬لعدم تمام الملك‪،‬‬
‫ولنه قد يستقر وقد ل يستقر)‪.(135‬‬
‫ويشترط على المذهب – إضافة إلى ما سبق‪ -‬ما يلي‪:‬‬
‫‪ (1‬أل يباع لغير من هو عليه‪.‬‬
‫والصحيح أن ذلك ل يشترط –كما تقللدم‪ -‬وأنلله يجللوز بيعلله‬
‫للغير بالشروط المتقدمللة‪ ،‬وبشللروط ثلثللة أيضلا ً هللي‪ :‬أن‬
‫يكون الدين ثابتا ً ببينة أو إقرار‪ ،‬وأن يكون المشتري قادرا ً‬
‫على استخراجه من المدين‪ ،‬وأل يباع بما ل يباع به نسيئة‪.‬‬
‫‪ (2‬أل يبيعه بمؤجل‪.‬‬
‫والصحيح أن ذلك ل يشترط‪ ،‬إل إن كلان الللدين الللذي فللي‬
‫ذمة المدين مؤجل ً باقيا ً على تأجيله لم يسقط‪.‬‬
‫‪ (3‬أل يكون دين سلم )مسلم فيلله(‪ ،‬والصللحيح أن ذلللك ل‬
‫يشترط‪ ،‬وقد تقدم ذلك‪.‬‬
‫‪ (4‬أل يكون رأس مال سلم )ثمن المسلم فيه(‪ ،‬وذلك بأن‬
‫يفسخ عقد السلم‪ ،‬فيقلوم المسللم بلبيع رأس ملاله عللى‬
‫المسلللم إليلله‪ ،‬فل يصللح علللى المللذهب – كمللا تقللدم‪-‬‬
‫والصحيح صحته‪ ،‬وعدم اشتراط هللذا الشللرط‪ ،‬وقللد تقللدم‬
‫ذلك أيضا ً في آخر المسألة الولى من المطلب الثالث‪.‬‬
‫‪ (5‬أل يكون ثمنا ً لمبيع‪ ،‬ثم يعتاض عنه بمللا ل يبللاع بللالمبيع‬
‫نسيئة‪.‬‬
‫مثل أن يكون الدين ثمنا ً لبر فيعتاض عنه بشعير‪ ،‬أو غيللره‬
‫مما يشارك البر فللي علللة الربللا‪ ،‬فل يصللح ذلللك لئل تتخللذ‬
‫ذريعة إلى الربا‪ ،‬وحيلللة عليلله‪ ،‬وهللذا هللو المللذهب)‪.(136‬‬
‫والصحيح أن ذلك جائز‪ ،‬إذا لم يكن حيلة مقصودة‪.‬‬
‫واختاره موفق الدين بن قدامة)‪ ،(137‬وشرف الللدين بللن‬
‫قاضي الجبللل)‪ (138‬والعلمللة ابللن القيللم)‪ (139‬والعلمللة‬
‫ابن سعدي)‪.(140‬‬

‫‪509‬‬
‫وقد توسط شيخ السلم ابن تيمية بيللن القللولين‪ ،‬فجللوزه‬
‫لحاجة)‪ (141‬وتبعه علللى ذلللك العلمللة الشلليخ محمللد بللن‬
‫عثيمين)‪ (142‬رحمة الله على الجميع‪.‬‬
‫قال ابن القيم –رحمه الله‪ -‬عن هذه المسألة‪) :‬فيها قولن‬
‫أحللدهما‪ :‬المنللع‪ ،‬وهللو المللأثور عللن ابللن عمللر وسللعيد بللن‬
‫المسيب وطاوس‪ ،‬وهو مذهب مالك وإسحاق‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬الجواز‪ ،‬وهو مذهب الشافعي‪ ،‬وأبي حنيفللة‪ ،‬وابللن‬
‫المنذر‪ ،‬وبه قال جابر بن زيد‪ ،‬وسعيد بن جبير‪ ،‬وعلللي بللن‬
‫الحسين‪ ،‬وهو اختيار صاحب المغني وشيخنا)‪ (143‬والول‬
‫اختيار عامة الصحاب‪ ،‬والصحيح الجواز( )‪.(144‬‬
‫وإلى هنللا انتهللى مللا أردنللا والحمللد لللله الللذي بنعمتلله تتللم‬
‫الصالحات‪.‬‬
‫لمزيد من الطلع حول الموضوع‪:‬‬
‫* عقد الكالئ بالكالئ‪ :‬تدليل ً وتعليل ً‬
‫)‪ (1‬الللدين‪ :‬مللا ثبللت مللن المللال فللي الذمللة‪ ،‬معجللم لغللة‬
‫الفقهاء ص‪.189 .‬‬
‫)‪ (2‬انظر مجموع فتاوى شيخ السلم ‪29/472 ,20/512‬‬
‫‪ ،‬والعقلللود ص ‪ ،235‬وتفسلللير آيلللات أشلللكلت ‪،22/638‬‬
‫‪ ،665‬وإعلم الموقعين ‪ ،2/8‬وإغاثة اللهفان ‪.1/364‬‬
‫)‪ (3‬تفسير آيات أشكلت ‪.2/655‬‬
‫)‪ (4‬انظر المغني ‪ ،6/106‬ومجموع فتللاوى شلليخ السلللم‬
‫‪،20/512‬لل ‪ ،29/472‬والعقللود ص ‪ ،235‬وتفسللير آيللات‬
‫أشكلت ‪ ،665 ،2/637‬إعلم الموقعين ‪.3/340 ،2/8‬‬
‫)‪ (5‬انظلللر مجملللوع فتلللاوى شللليخ السللللم ‪،20/512‬‬
‫‪،29/472‬لل ‪ ،30/264‬والعقللود ص ‪ ،235‬وتفسللير آيللات‬
‫أشللكلت ‪،2/637‬لل ‪ ،665‬وأعلم المللوقعين ‪ ،2/8‬وإغاثللة‬
‫اللهفان ‪.11/364‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه الدار قطني في سننه ‪ ،72-3/71‬والحاكم في‬
‫مسلللتدركه ‪ ،66-2/65‬واللللبيهقي فلللي السلللنن الكلللبرى‬
‫‪ ،5/290‬وقد تفرد به موسى بن عبيدة الربذي‪ ،‬قال المام‬
‫أحمد‪ :‬ل تحل الرواية عنه‪ ،‬ول أعرف هذا عن غيره‪ ،‬وقللال‬
‫ضا ليس في هذا حديث يصح‪ .‬أ‪.‬هل مللن التلخيللص ‪،3/62‬‬ ‫أي ً‬
‫والمغني ‪ ،6/106‬والعقود ص ‪ ،235‬وقال الشافعي‪ :‬أهللل‬

‫‪510‬‬
‫الحديث يوهنون هللذا الحللديث‪ .‬أ‪.‬هل ل مللن التلخيللص ‪،3/62‬‬
‫وقد ضعفه شيخ السلم ابن تيميللة فللي العقللود ص ‪،235‬‬
‫وفي تفسير آيات ‪ ،2/638‬ل ‪ ،665‬وابللن حجللر فللي البلللوغ‬
‫‪ ،2/25‬حيث قال‪" :‬رواه إسلحاق واللبزار بإسلناد ضلعيف"‬
‫وضعفه اللباني في الرواء ‪.5/220‬‬
‫)‪ (7‬العقود ص ‪.235‬‬
‫)‪ (8‬تفسير آيات أشكلت ‪ 2/665‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫)‪ (9‬العقود ص ‪.235‬‬
‫)‪ (10‬مجموع فتاوى شيخ السلم ‪ 30/264‬بتصرف يسللير‬
‫دا‪.‬‬
‫ج ً‬
‫)‪ (11‬إعلم الموقعين ‪.2/9‬‬
‫دا‪.‬‬
‫)‪ (12‬إغاثة اللهفان ‪ ،1/364‬بتصرف يسير ج ً‬
‫)‪ (13‬مجموع فتاوى شيخ السلم ‪.29/472‬‬
‫)‪ (14‬العقود ص ‪.235‬‬
‫)‪ (15‬انظر إعلم الموقعين ‪ ،2/9‬وتهذيب السللنن ‪،9/262‬‬
‫والنصاف ‪.106-12/105‬‬
‫)‪ (16‬انظر الهداية ‪.3/84‬‬
‫)‪ (17‬انظر بداية المجتهد ‪.2/200‬‬
‫)‪ (18‬العقود ص ‪.235‬‬
‫)‪ (19‬تفسير آيات ‪.2/639‬‬
‫)‪ (20‬مجموع فتاوى شيخ السلم ‪ 29/472‬بتصرف يسللير‬
‫دا‪.‬‬‫ج ً‬
‫)‪ (21‬تفسير آيات ‪.2/665‬‬
‫)‪ (22‬إعلم الموقعين ‪ 2/9‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫)‪ (23‬انظر الرشاد ص ‪.100‬‬
‫)‪ (24‬انظر حاشيته على الروض ‪ ،1/519‬والشرح الممتللع‬
‫‪.8/447‬‬
‫)‪ (25‬تفسير آيات أشكلت ‪.2/665‬‬
‫)‪ (26‬العقود ص ‪.235‬‬
‫)‪ (27‬العقود ص ‪.235‬‬
‫)‪ (28‬تفسير آيات أشكلت ‪.2/639‬‬
‫)‪ (29‬المصدر السابق ‪.2/665‬‬
‫)‪ (30‬المصدر السابق ‪.2/640‬‬

‫‪511‬‬
‫)‪ (31‬انظللر إعلم المللوقعين ‪ ،2/9‬والنصللاف ‪-12/105‬‬
‫‪.106‬‬
‫)‪ (32‬انظر إعلم الموقعين ‪ ،2/9‬والشرح الممتع ‪.8/433‬‬
‫)‪ (33‬انظللر الفللروع ‪ ،4/186‬والنصللاف ‪ ،12/292‬ل ‪،296‬‬
‫‪.299 ،297‬‬
‫)‪ (34‬انظر الخبار العلمية ص ‪.193‬‬
‫)‪ (35‬انظر المغنللي ‪ ،6/415‬والفللروع ‪ ،4/186‬والنصللاف‬
‫‪ ،297 ،296 ،10/292‬المبدع ‪ ،4/1199‬والكشاف ومتنه‬
‫‪ ،3/1553‬والمنتهى ‪.391-22/390‬‬
‫)‪ (36‬انظللر الخبللار العلميللة ص ‪ ،193‬ومجمللوع فتللاوى‬
‫‪،506-29/503‬لللل ‪ ،519‬والفللللروع ‪ ،4/186‬والنصللللاف‬
‫‪.12/292‬‬
‫)‪ (37‬انظر إعلم الموقعين ‪ ،2/9‬وتهذيب السنن ‪.9/260‬‬
‫)‪ (38‬انظللر المختللارات الجليلللة ص ‪ ،149‬والرشللاد ص‬
‫‪ ،100‬والفتاوى السعدية ص ‪ ،249‬ص ‪ ،25‬ص ‪.521‬‬
‫)‪ (39‬انظر حاشلليته علللى الللروض ‪،1/517‬ل ‪،540– 538‬‬
‫والمنتقللى مللن فللرائد الفللوائد ص ‪ ،161‬والشللرح الممتللع‬
‫‪.8/432‬‬
‫)‪ (40‬مجموع فتاوى ‪.29/505‬‬
‫)‪ (41‬المصدر السابق ‪.29/506‬‬
‫)‪ (42‬المصدر السابق ‪.29/503‬‬
‫)‪ (43‬المصدر السابق ‪.29/519‬‬
‫)‪ (44‬تهذيب السنن ‪.9/260‬‬
‫)‪ (45‬أخرجلله أبللو داود فللي كتللاب الللبيوع بللاب السلللف ل‬
‫ول‪ ،‬برقللم )‪،(3468‬ل ‪ ،3/480‬وابللن ملاجه‪ ،‬فلي كتلاب‬ ‫يحل ّ‬
‫التجارات باب من أسلم في شليء فل يصلرفه إللى غيلره‬
‫برقللم )‪،(2283‬لل ‪ ،2/766‬وفللي سللنده عطيللة بللن سللعد‬
‫العوفي‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬ضعفه أحمد وغيره‪ ،‬قال ابن حجر –‬
‫فللي التلخيللص ‪" : 3/60‬وهللو ضللعيف‪ ،‬وأعللله أبللو حللاتم‬
‫والبيهقي وعبد الحق وابن القطللان بالضللعف والضللطرار"‬
‫أ‪.‬هل‪ .‬وضّعف الحديث كذلك شيخ السلللم ابللن تيميللة فللي‬
‫مجموع فتاوى شيخ السلم ‪ ،29/517‬ل ‪ ،519‬وابللن القيللم‬
‫في تهذيب السنن ‪ ،9/257‬واللباني في الرواء ‪.5/215‬‬

‫‪512‬‬
‫)‪ (46‬انظر مجموع فتاوى شليخ السللم ‪،29/517‬ل ‪،519‬‬
‫وتهذيب السللنن ‪ ،9/257‬ل ‪ ،261‬والتلخيللص الحللبير ‪،3/60‬‬
‫والرواء ‪.5/215‬‬
‫)‪ (47‬انظر مجموع فتاوى شليخ السللم ‪،29/517‬ل ‪،519‬‬
‫وتهذيب السنن ‪.261 ،9/257‬‬
‫)‪ (48‬انظلللر مجملللوع فتلللاوى شللليخ السللللم ‪،20/512‬‬
‫‪ ،29/516‬وتفسير آيات أشكلت ‪ ،2/638‬وتهللذيب السللنن‬
‫‪ ،9/291‬وإعلم الموقعين‪.‬‬
‫)‪ (49‬انظر المغني ‪ ،6/415‬وشللرح الزركشللي ‪،18-4/17‬‬
‫ومجموع فتاوى شلليخ السلللم ‪ ،29/519‬وتهللذيب السللنن‬
‫‪.258 ،9/256‬‬
‫)‪ (50‬مجموع فتاوى شيخ السلم ‪.29/519‬‬
‫)‪ (51‬أخرجه أحمد فللي المسللند ‪،7/50‬ل ‪،264‬ل ‪ ،266‬أبللو‬
‫داود في كتاب البيوع باب في اقتضاء الذهب مللن الللورق‪،‬‬
‫برقم )‪ ،3/442 ،(3354‬والترمذي في أبواب البيوع‪ ،‬باب‬
‫مللا جللاء فللي الصللرف‪ ،4/370 ،‬تحفللة ‪ ،‬والنسللائي فللي‬
‫الصغرى‪ ،‬في البيوع‪ ،‬باب بيع الفضللة بالللذهب‪-7/324 ،...‬‬
‫‪ ،325‬السلليوطي‪ ،‬وابللن مللاجه فللي كتللاب التجللارات بللاب‬
‫اقتضللاء الللذهب مللن الللذهب‪ ،..‬برقللم )‪ (2262‬و ‪،2/760‬‬
‫وصللححه الحللاكم فللي مسللتدركه ‪ ،2/50‬ووافقلله الللذهبي‬
‫وصححه كذلك النووي في المجموع ‪ ،109-9/108‬وأحمللد‬
‫شاكر في تحقيقه للمسند ‪ ،7/175‬فقد أخرج النسائي في‬
‫الصغرى ‪ ،7/325‬عن ابن عمر –رضللي الللله عنهمللا‪" -‬أنلله‬
‫سلا يعنلي فلي قبلض اللدراهم ملن اللدنانير‪،‬‬ ‫كان ل يرى بأ ً‬
‫والدنانير من الدراهم"‪.‬‬
‫)‪ (52‬تهذيب السنن ‪.9/257‬‬
‫)‪ (53‬مجمللوع فتللاوى شلليخ السلللم ‪ 29/512‬بتصللرف‬
‫يسير‪.‬‬
‫)‪ (54‬تهذيب السنن ‪.258-9/257‬‬
‫)‪ (55‬انظر مجموع فتاوى شيخ السلللم ‪،29/505‬لل ‪-512‬‬
‫‪،514‬لل ‪ ،517‬والخبللار العلميللة ص ‪ ،188-187‬والفللروع‬
‫‪ ،4/186‬وتهذيب السنن ‪.282 ،9/258‬‬
‫)‪ (56‬المغني ‪.6/415‬‬

‫‪513‬‬
‫)‪ (57‬مجموع فتاوى شيخ السلم ‪.29/506‬‬
‫)‪ (58‬انظر الخبللار العلميللة ص ‪ ،193‬والفتللاوى السللعدية‬
‫ص ‪ ،251-249‬والمنتقى من فرائد الفوائد ص ‪.161‬‬
‫)‪ (59‬انظر النصاف ‪.298-296 ،293-12/292‬‬
‫)‪ (60‬انظللر الفللروع ‪ ،187-4/186‬والنصللاف ‪،12/292‬‬
‫‪ ،298‬والكشاف ومتنه ‪.3/1554‬‬
‫)‪ (61‬انظللر الفللروع ‪ ،186-4/185‬والنصللاف ‪،12/299‬‬
‫والكشاف ومتنه ‪.3/1555‬‬
‫)‪ (62‬انظر الكشاف ‪.3/1555‬‬
‫)‪ (63‬انظر الفروع ‪ ،186-4/185‬والنصاف ‪.12/299‬‬
‫)‪ (64‬انظللر المصللدرين السللابقين‪ ،‬والخبللار العلميللة ص‬
‫‪ ،193‬وتهذيب السنن ‪ ،9/257‬والمنتقى من فرائد الفوائد‬
‫ص ‪.160‬‬
‫)‪ (65‬مجموع الفتاوى ‪.29/506‬‬
‫)‪ (66‬المصدر السابق ‪.29/401‬‬
‫)‪ (67‬مجموع الفتاوى ‪.30/265‬‬
‫)‪ (68‬قللال شلليخ السلللم فللي مجمللوع الفتللاوى ‪29/508‬‬
‫"يجوز في أصح الروايتين عن أحمد للمشتري أن يبيع هللذا‬
‫الثمر‪ ،‬مع أنه من ضمان البائع" أ‪.‬هل‪.‬‬
‫)‪ (69‬مجموع الفتاوى ‪.29/403‬‬
‫)‪ (70‬تهذيب السنن ‪.9/257‬‬
‫)‪ (71‬انظر الفروع ‪ ،186-4/185‬والنصاف ‪.12/299‬‬
‫)‪ (72‬انظللر المصللدرين السللابقين والخبللار العلميللة ص‬
‫‪.193‬‬
‫)‪ (73‬المنتقى من فرائد الفوائد ص ‪.1160‬‬
‫)‪ (74‬انظر المصادر السابقة‪.‬‬
‫)‪ (75‬حاشيته على الروض ‪.1/539‬‬
‫)‪ (76‬ومثل ذلك إذا ثبت ببينة‪.‬‬
‫)‪ (77‬الشرح الممتع )‪.(8/436‬‬
‫)‪ (78‬المذهب‪ :‬صحة بيعلله علللى قللادر علللى أخللذه‪ .‬انظللر‬
‫الفلللروع )‪ ،(4/21‬والنصلللاف )‪ (90-11/89‬والمنتهلللى )‬
‫‪ ،(2/261‬والللروض ومتنلله )‪ ،(11/461‬والشللرح الممتللع )‬
‫‪.(8/162‬‬

‫‪514‬‬
‫)‪ (79‬الصواب‪ :‬صحة بيعه علللى قللادر علللى رده‪ ،‬واختللاره‬
‫الموفق في الكللافي )‪ ،(3/20‬وصللاحب الشللرح فيلله )‪/11‬‬
‫‪ ،(94-93 .89‬وقدمه ابن مفلح في الفروع )‪ ،(4/21‬وقال‬
‫اختاره الشيخ – يعني ابن قدامة‪ -‬وغيللره‪ ،‬وذكللره القاضللي‬
‫في موضع )و هل م( يعني وفاقا ً لبللي حنيفللة ومالللك( ا‪.‬هلل‬
‫وصللوبه المللرداوي فللي النصللاف )‪ ،(11/89/94‬وانظللر‬
‫الشرح الممتع )‪.(8/59‬‬
‫)‪ (80‬انظر المنتقى من فرائد الفوائد ص ‪.160‬‬
‫)‪ (81‬انظللر الفللروع )‪ ،(4/21‬والنصللاف )‪،(94 .11/90‬‬
‫والمنتهى )‪.(2/261‬‬
‫)‪ (82‬مثل أن يكون لزيد في ذمة عمر سيارة مؤجلة إلللى‬
‫سنة‪ ،‬فيبيعها زيد على بكر بمائة ألف مؤجلة إلللى سللنتين‪،‬‬
‫مع بقاء الدينين مؤجلين‪.‬‬
‫)‪ (83‬انظللر المغنللي )‪ ،(6/106‬ومجمللوع فتللاوى شلليخ‬
‫السللللم )‪ ،(472 .29 .20/512‬والعقلللود )ص ‪،(235‬‬
‫وتفسير آيات أشكلت )‪ ،(665 .2/637‬وإعلم الموقعين )‬
‫‪ ،(2/8‬وإغاثة اللهفان )‪.(1/364‬‬
‫)‪ (84‬تنبيه‪ :‬قد يظن البعض أن شيخ السلم –رحمه الللله‪-‬‬
‫يجيز هذه الصورة وهي بيع الدين المؤجل بالدين المؤجل‪،‬‬
‫إذا كان ذلك على الغير؛ لنه يجيز بيللع الللدين علللى الغيللر‪،‬‬
‫وهذا من الخطأ عليه –رحمه الله‪ -‬لنه وإن أجاز بيعه على‬
‫الغير فل يلزم أن يجيز هذه الصورة )بيعه على الغير وهللو‬
‫مؤجل بدين مؤجل آخر( بل مقتضى كلملله‪ -‬المتقللدم فللي‬
‫المطلب الول‪ -‬عدم جواز هذه الصورة‪ ،‬وجواز مللا سللقط‬
‫فيلله أحللد الللدينين‪ ،‬أو كلهمللا‪ .‬انظللر العقللود )ص ‪،(235‬‬
‫وتفسلللير آيلللات أشلللكلت )‪ ،(665 .2/637.639‬إعلم‬
‫الموقعين )‪.(2/9‬‬
‫)‪ (85‬تفسير آيات أشكلت )‪.(2/665‬‬
‫)‪ (86‬العقود )ص ‪.(235‬‬
‫)‪ (87‬مجموع الفتاوى )‪.(29/472‬‬
‫)‪ (88‬فإن قيل‪ :‬ما الفرق بينه وبين القسم الثالث؟‬
‫فللالجواب‪ :‬أن الفللرق إنمللا هللو مللن حيللث تقللدم الثمللن‬
‫والمثمن في القسمين‪ ،‬وتأخرهما‪ ،‬وإل فالحكم واحد علللى‬

‫‪515‬‬
‫الصللحيح – كمللا سلليأتي‪ -‬ففللي القسللم الثللالث‪ :‬المتقللدم‬
‫والساقط هو المثمن‪ ،‬والمتأخر والواجب هو الثمللن )عقللد‬
‫الللبيع المعللروف تمامللًا(‪ ،‬وفللي القسللم الرابللع‪ :‬المتقللدم‬
‫والساقط هو الثمن‪ ،‬والمتأخر والواجب هو المثمللن )عقللد‬
‫السلم المعروف تمامًا(‪.‬‬
‫)‪ (89‬انظللر إعلم المللوقعين )‪ ،(2/9‬والمغنللي )‪،(6/410‬‬
‫والشللرح )‪ ،(12/281‬والنصللاف )‪ ،(12/105‬والكشللاف )‬
‫‪،3/1512‬لل ‪،1551‬لل ‪ ،1554‬وحاشللية ابللن قاسللم علللى‬
‫الروض )‪.(5/26 .4/523‬‬
‫)‪ (90‬إعلم الموقعين )‪.(2/9‬‬
‫)‪ (91‬حاشيته على الروض )‪.(5/26‬‬
‫)‪ (92‬قال موفق الدين ابن قدامة – رحمه الللله‪) -‬إذا كللان‬
‫له في ذمة رجل دينار فجعله سلما ً في طعام إلى أجل لم‬
‫يصح‪ ،‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمع على هذا كل من أحفللظ عنلله‬
‫من أهل العلم‪ ،‬منهم مالك‪ ،‬والوزاعي‪ ،‬والثللوري‪ ،‬وأحمللد‪،‬‬
‫وإسللحاق‪ ،‬وأصللحاب الللرأي‪ ،‬والشللافعي( ا‪.‬هللل المغنللي )‬
‫‪ ،(6/410‬وذكره صاحب الشرح الكبير فيه )‪.(12/281‬‬
‫)‪ (93‬قال شيخ السلم – رحمه الللله‪) -‬بيللع الللدين بالللدين‬
‫ليس فيه نص عام‪ ،‬ول إجمللاع‪ ،‬وإنمللا ورد النهللي عللن بيللع‬
‫الكالئ بالكالئ‪ ،‬والكالئ هو المؤخر الذي لم يقبض‪ ،‬فهللذا‬
‫ل يجوز بالتفاق(‪ .‬فتاواه )‪.(20/512‬‬
‫)‪ (94‬انظر مجموع فتاواه )‪،(264 .472 .29 .20/512‬‬
‫والعقود ص ‪ 235‬وتفسير آيللات أشللكلت )‪.639 .2/638‬‬
‫‪.665 .640‬‬
‫)‪ (95‬إعلم الموقعين )‪.(2/9‬‬
‫)‪ (96‬إعلم الموقعين )‪.(2/9‬‬
‫)‪ (97‬تقدم تخريجه هامش )‪.(6‬‬
‫)‪ (98‬إعلم الموقعين )‪ (3/340‬بتصرف يسير جدًا‪.‬‬
‫)‪ (99‬انظللر مجمللوع فتللاواه )‪،(519 .510 .29/503‬‬
‫وتفسير آيات أشكلت )‪.(639 .662-2/659‬‬
‫)‪ (100‬انظر تهذيب السنن )‪.(261 .259 .9/257‬‬
‫)‪ (101‬انظللللر المغنللللي )‪ ،(6/410‬والشللللرح الكللللبير )‬
‫‪ ،(122/281‬وحاشية ابن قاسم )‪.(4/522‬‬

‫‪516‬‬
‫)‪ (102‬انظلللللر الفلللللروع )‪ ،(187-4/186‬والنصلللللاف )‬
‫‪ ،(12/298‬والمنتهى )‪ ،(3911 .388 .2/356‬والكشاف‬
‫ومتنللله )‪ .1551 .3/1512‬واللللروض )‪.517-(516 .1‬‬
‫‪.(540‬‬
‫)‪ (103‬مجموع فتاواه )‪.(20/512‬‬
‫)‪ (104‬العقود )ص ‪.(235‬‬
‫)‪ (105‬إعلم الموقعين )‪ (3/340‬بتصرف يسير جدًا‪.‬‬
‫)‪ (106‬انظر حاشية ابن قاسم )‪ ،(4/523‬ومختللارات مللن‬
‫إعلم المللوقعين )ص ‪ ،(39‬والمنتقللى مللن فللرائد الفللوائد‬
‫)ص ‪.(161‬‬
‫)‪ (107‬انظر مجموع فتاواه )‪.(519 .29/517‬‬
‫)‪ (108‬انظر تهذيب السنن )‪.(261 .9/57‬‬
‫)‪ (109‬سبق تخريجه هامش رقم )‪.(45‬‬
‫)‪ (110‬انظللر مجمللوع فتللاوى شلليخ السلللم )‪،(29/519‬‬
‫وتهذيب السنن )‪.(261 .9/257‬‬
‫)‪ (111‬انظللر مجمللوع فتللاوى شلليخ السلللم )‪.20/512‬‬
‫‪ (.516 .511 .510 .29/472‬وتفسللير )‪-639-2/638‬‬
‫‪ ،(665-640‬وإعلم الموقعين )‪ ،(3/340 .9-2/8‬وتهذيب‬
‫السنن )‪ (9/261‬وحاشية الشيخ محمللد بللن عللثيمين علللى‬
‫الروض )‪ ،(1/517‬والشرح الممتع )‪.(8/434‬‬
‫)‪ (112‬وقاله لي الشلليخ العلمللة محمللد بللن عللثيمين يللوم‬
‫الربعللاء ‪26/6/1420‬هل ل وذلللك عنللدما سللألته عللن هللذه‬
‫المسألة )بيع الواجب بالساقط(‪ ،‬وقرأت عليه كلملله فيهللا‬
‫في المنتقى من فرائد الفوائد )ص ‪ ،(161‬ومختارات مللن‬
‫إعلم المللوقعين )ص ‪ ،(39‬وكلم ابللن القيللم فللي إعلم‬
‫الموقعين )‪.(2/9‬‬
‫)‪ (113‬انظلللر المغنلللي )‪ ،(6/411‬والشلللرح والنصلللاف )‬
‫‪.(283-282 ،12/233‬‬
‫)‪ (114‬المنتقى من فرائد الفوائد )ص ‪.(160‬‬
‫)‪ (115‬تقدم تخريجه هامش )‪.(51‬‬
‫)‪ (116‬أخرجه أحمد في المسند )‪ ،(110/120‬وأبللو داود‪،‬‬
‫في كتاب البيوع‪ ،‬باب في الرجل يبيع ما ليس عنده‪ ،‬برقم‬
‫)‪ ،(3/495) ،(3504‬والترمذي‪ ،‬في أبواب البيوع‪ ،‬باب ما‬

‫‪517‬‬
‫جاء في كراهية بيللع مللا ليللس عنللده‪ ،‬وقللال عنلله‪" :‬حسللن‬
‫صللحيح" )‪ (4/3611‬تحفللة‪ ،‬والنسللائي‪ ،‬فللي الللبيوع‪ ،‬بللاب‬
‫سلف وبيللع )‪ ،(7/340‬سلليوطي‪ ،‬وابللن ماجللة‪ ،‬فللي كتللاب‬
‫التجارات‪ ،‬باب النهي عن بيع ما ليس عنده‪ ،‬وعن ربللح مللا‬
‫لم ُيضمن‪ ،‬برقللم )‪ ،(738-2/737) (2188‬والحللاكم فللي‬
‫المستدرك )‪ ،(2/21‬وصللححه‪ ،‬ووافقلله الللذهبي‪ ،‬وصللححه‬
‫كللذلك أحمللد شللاكر فللي تحقيقلله للمسللند )‪،(10/120‬‬
‫واللباني في الرواء )‪،(5/147‬لل ‪ ،(148‬وفي صحيح سللنن‬
‫أبي داود )‪.(2/669‬‬
‫)‪ (117‬انظر مجموع فتاوى شيخ السلم )‪.511-29/510‬‬
‫‪ ،519‬وتفسللير آيللات أشللكلت )‪ ،(662-2/659‬وتهللذيب‬
‫السنن )‪ ،(2611 .9/259‬والشرح الممتع )‪-375 .8/222‬‬
‫‪.(435 .433 .376‬‬
‫)‪ (118‬تفسير آيات أشكلت )‪.(2/659‬‬
‫)‪ (119‬المصدر السابق )‪.(2/660‬‬
‫)‪ (120‬تفسير آيات أشكلت )‪.(2/656‬‬
‫)‪ (121‬انظللر مجمللوع فتللاوى شلليخ السلللم )‪.229/505‬‬
‫‪ ،(519 -518‬ومختصللر الفتللاوى المصللرية )ص ‪،(432‬‬
‫وتهذيب السنن )‪ ،(9/259‬والمنتقى من فرائد الفوائد )ص‬
‫‪ ،(160‬والشرح الممتع )‪ ،(434 .8/376‬وحاشللية الشلليخ‬
‫محمد بللن عللثيمين علللى الللروض )‪-538 .517-11/516‬‬
‫‪.(539‬‬
‫)‪ (122‬تقدم تخريجه هامش )‪.(51‬‬
‫)‪ (123‬انظللللر المغنللللي )‪ ،(1/48‬والنصللللاف )‪،(1/133‬‬
‫ومجموع فتاوى شيخ السلم )‪،(498 .21/73 .20/520‬‬
‫ومختصللر الفتللاوى المصللرية )ص ‪ ،(24-23‬وفقلله الكتللاب‬
‫والسنة )المسائل الماردينية( لشيخ السلم )ص ‪،(58-57‬‬
‫والخبار العلمية )ص ‪ ،(312‬وتهذيب السللنن )‪،(86-1/85‬‬
‫والقواعد والفوائد الصولية )ص ‪ ،(314‬والشرح الممتللع )‬
‫‪.(8/434 .1/33‬‬
‫)‪ (124‬انظللر مجمللوع فتللاوى شلليخ السلللم )‪-129/518‬‬
‫‪ ،(519‬ومختصللر الفتللاوى المصللرية ص ‪ ،432‬وتهللذيب‬
‫السللنن )‪ ،(9/259‬والشللرح الممتللع )‪ ،(8/434‬وحاشللية‬

‫‪518‬‬
‫الشلليخ محمللد بللن عللثيمين علللى الللروض )‪،517-1/516‬‬
‫‪.(539-538‬‬
‫)‪ (125‬تقدم تخريجه هامش )‪.(51‬‬
‫)‪ (126‬انظلللللر الفلللللروع )‪ ،(187-4/186‬والنصلللللاف )‬
‫‪ ،(12/298‬والمنتهللللى )‪ ،(2/391‬والكشللللاف ومتنلللله )‬
‫‪ ،(1555-3/1554‬وحاشية الشلليخ محمللد علللى الللروض )‬
‫‪.(540 .1/517‬‬
‫)‪ (127‬انظلللللر الفلللللروع )‪ ،(187-4/186‬والنصلللللاف )‬
‫‪ ،(12/298‬المنتهلللللى )‪ ،(2/391‬والكشلللللاف ومتنللللله )‬
‫‪ ،(1555-3/1554‬والروض )‪.(540 .517-22/516‬‬
‫)‪ (128‬الكشاف )‪.(3/1554‬‬
‫)‪ (129‬انظر مجمللوع الفتللاوى )‪ ،(29/516‬وتفسللير آيللات‬
‫أشكلت )‪ ،(2/639‬وإعلم الموقعين )‪.(2/9‬‬
‫)‪ (130‬انظللر إعلم المللوقعين )‪ ،(3/340 .2/9‬وتهللذيب‬
‫السنن )‪.(2611 .(9/259‬‬
‫)‪ (131‬وقد تقدم أنهما –رحمهمللا اللله‪ -‬يجيللزان فللي هللذه‬
‫الصورة التأجيل كذلك‪ ،‬فالجواز هنا عندهما من باب أولى‪.‬‬
‫)‪ (132‬انظللر المنتقللى مللن فللرائد الفللوائد )ص ‪،(160‬‬
‫وحاشللليته عللللى اللللروض )‪ ،(1/517‬والشلللرح الممتلللع )‬
‫‪.(8/434‬‬
‫)‪ (133‬انظللر تفسللير آيللات أشللكلت )‪ ،(2/639‬وتهللذيب‬
‫السنن )‪ ،(9/261‬وحاشللية الشلليخ محمللد علللى الللروض )‬
‫‪.(1/517‬‬
‫)‪ (134‬انظلللر الفلللروع )‪ ،(4/185‬والنصلللاف )‪-12/296‬‬
‫‪ ،(298‬والمنتهللى )‪ ،(2/391‬والكشللاف ومتنلله )‪-3/1554‬‬
‫‪ ،(1555‬والروض )‪ ،(1/539‬والمنتقى مللن فللرائد الفللوائد‬
‫)ص ‪.(161‬‬
‫)‪ (135‬انظر المنتقى من فرائد الفوائد )ص ‪.(161‬‬
‫)‪ (136‬انظر المغني )‪ ،(264-6/263‬والشرح والنصاف )‬
‫‪ ،(199-11/196‬والفلروع )‪ ،(4/171‬والمنتهلى )‪،(2/284‬‬
‫والكشاف ومتنه )‪ ،(1554 .39/1434‬والروض )‪،(1/472‬‬
‫والمنتقى من فرائد الفوائد )ص ‪.(161‬‬

‫‪519‬‬
‫)‪ (137‬انظللر المغنللي )‪ ،(264-6/263‬والشللرح الكللبير )‬
‫‪.(199-11/197‬‬
‫)‪ (138‬انظر النصاف )‪.(197-11/196‬‬
‫)‪ (139‬انظر تهذيب السنن )‪.(9/262‬‬
‫)‪ (140‬انظللر الرشللاد إلللى معرفللة الحكللام )ص ‪،(99‬‬
‫والفتاوى السعدية )ص ‪) ،(249‬ص ‪.(250‬‬
‫)‪ (141‬انظر مجموع الفتاوى )‪.450-448 .301-29/300‬‬
‫‪ ،(519-518‬ومختصلللر الفتلللاوى المصلللرية )ص ‪،(432‬‬
‫والفلللللروع )‪ ،(4/1711‬والخبلللللار العلميلللللة )ص ‪،(190‬‬
‫والنصاف )‪.(197-11/196‬‬
‫)‪ (142‬انظر الشيخ الممتع )‪.(8/222‬‬
‫)‪ (143‬لكن شيخ السلم قيللده بالحاجللة‪ .‬انظللر الفللروع )‬
‫‪ ،(4/171‬والخبار العلمية )ص ‪.(190‬‬
‫)‪ (144‬تهذيب السنن )‪ ،(9/262‬وانظللر المغنللي )‪-6/263‬‬
‫‪ ،(264‬الشرح الكبير )‪.(199-197‬‬
‫================‬
‫‪ #‬سوق السهم بين المصالح والمفاسد‬
‫د‪ .‬عبد اللطيف بن عبد الله الوابل ‪16/11/1426‬‬
‫‪18/12/2005‬‬
‫أصللبح موضللوع سللوق السللهم حللديث المجللالس وكللثرت‬
‫السئلة حوله واتجهت شرائح من المجتمع إليلله بحث لا ً عللن‬
‫الرباح وكان لبد لكل من عنده علم في ذلك أن يبين رأيه‬
‫في المسألة ويدلي بدلوه براءة للذمة ونصحا ً للمة‪ .‬وهذه‬
‫رؤية في الموضوع أطرحها حسب ما بلغه اجتهادي وأسأل‬
‫الله التوفيق والسداد‪.‬‬
‫وقبل الحديث عن سللوق السللهم ومللا يشللتمل عليلله مللن‬
‫مصالح ومفاسد في حالته الراهنة لبد مللن ذكللر مقللدمات‬
‫هامة ليكون الحديث عن سوق السهم فللي الطللار العللام‬
‫للمنهج السلمي المتميز‪:‬‬
‫الكسب الحلل مطلب شرعي‪ ،‬أمر الله المؤمنين بله كملا‬
‫أمر المرسلين‪ ،‬فقد ثبت في الحديث الصحيح مللن حللديث‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ )) :‬يللا أيهللا النللاس إن الللله طيللب ل يقبللل إل‬

‫‪520‬‬
‫طيبًا‪ ،‬وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلللين فقللال‪:‬‬
‫" يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ً إنللي بمللا‬
‫تعملون عليللم " وقللال‪ )) :‬يللا أيهللا الللذين آمنللوا كلللوا مللن‬
‫طيبات ما رزقناكم " ثم ذكر الرجل يطيل السللفر أشللعث‬
‫أغللبر ومطعملله حللرام‪ ،‬ومشللربه حللرام‪ ،‬وملبسلله حللرام‪،‬‬
‫وغذي بالحرام يمد يديه إلى السللماء‪ :‬يللا رب يللارب فللأنى‬
‫يستجاب لذلك((‪.‬‬
‫الصل في المسلم أن يتجنب الشبهات حرص لا ً علللى دينلله‬
‫وحفظا ً لخرته ولللذلك أخللبر صلللى الللله عليلله وسلللم فللي‬
‫حديث النعمان بللن بشلير المتفللق عليله عللن ذللك بقلوله‪:‬‬
‫)) إن الحلل بين وإن الحرام بين وبينهما أمللور مشللتبهات‬
‫ل يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ‬
‫لدينه وعرضه ومن وقللع فللي الشللبهات وقللع فللي الحللرام‬
‫كالراعي يرعى حللول الحمللى يوشللك أن يرتللع فيلله ‪(( ....‬‬
‫والمشتبه هو ما اختلف في حله أو تحريمه وفسرها المام‬
‫الزاهد الورع أحمد بن حنبل رحملله الللله بأنهللا منزلللة بيللن‬
‫الحلل والحللرام وقللال مللن اتقاهللا فقللد اسللتبرأ لللدينه‪،‬‬
‫وفسرها تارة بللاختلط الحلل والحللرام‪ .‬قللال سللفيان بللن‬
‫عيينة رحمه الله ‪ :‬ل يصيب عبد حقيقة اليمان حتى يجعللل‬
‫بينه وبين الحرام حاجزا ً من الحلل وحللتى يللدع الثللم ومللا‬
‫تشابه منه‪.‬‬
‫كسللب المللال ليللس مقصللودا ً فللي ذاتلله ولكنلله وسلليلة‬
‫للستعانة به على طاعة الله‪ ،‬فإذا لم يكن حلل ً يستعان به‬
‫على طاعة الله فهو بؤس وشقاء قال تعالى‪ )) :‬وابتغ فيما‬
‫آتاك الله الدار الخرة ول تنس نصيبك مللن الللدنيا (( وفللي‬
‫الحديث في مسللند المللام أحمللد رحملله الللله ‪ ":‬وإن الللله‬
‫يعطي الدنيا من يحللب ومللن ل يحللب ول يعطللي الللدين إل‬
‫من أحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبلله‪ ،‬والللذي نفللس‬
‫محمد بيده ل يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ول يللؤمن‬
‫حتى يأمن جاره بوائقه‪ ،‬قالوا‪ :‬وما بوائقه يللا رسللول الللله‪.‬‬
‫قال غشمه وظلمه‪ ،‬ول يكسب عبد مال ً من حللرام فينفللق‬
‫منه فيبارك له فيلله ول يتصللدق بلله فيقبللل منلله‪ ،‬ول يللتركه‬
‫خلللف ظهللره إل كللان زاده إلللى النللار‪ ،‬إن الللله ل يمحللو‬

‫‪521‬‬
‫السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسللن‪ ،‬إن الخللبيث‬
‫ل يمحو الخبيث " ومن ثم حذر صلى الله عليه وسلم مللن‬
‫أن يصبح المال غاية يتعلق به قلب المسلم فقال " تعللس‬
‫عبد الدينار‪ ،‬تعس عبد الدرهم ‪ " ....‬والتعاسة هي الشللقاء‬
‫والبؤس وذلك حين يصبح هم النسان جمع المال وتكللثيره‬
‫بأي وسيلة دون حذر من الشبهات ‪.‬‬
‫الربا من أشد ما حرم الله سبحانه في المعاملت بللل هللو‬
‫أعظمها إثما ً فلم يتوعد الله بالحرب في آية من كتابه كما‬
‫في آية الربللا فللي قللوله تعللالى‪ " :‬فللإن لللم تفعلللوا فللأذنوا‬
‫بحللرب مللن الللله ورسللوله " ومللن ثللم فقللد حللذر السلللف‬
‫رحمهم الله من الربا وما يتبعه من الحيل الربوية فالصللل‬
‫في المجتمع المسلم ترك الربا بأنواعه وأشللكاله وكللل مللا‬
‫يتوصل بلله إليلله فل يليللق بأمللة السلللم أن تأخللذ بالنظللام‬
‫الرأسللمالي المبنللي علللى الربللا والقمللار فهللذا نللوع مللن‬
‫العراض عن شرع الله ودينه ويجللب علللى المسلللمين أن‬
‫يتعاونوا على ترك الربا بكل أشكاله وحيله وإل وقعللوا فللي‬
‫الثم ل محالة‪ .‬ولو نظرنا إلى سللوق السللهم أو بمفهللومه‬
‫الواسع " سوق الوراق المالية لرأينا أنه في أصله نمللوذج‬
‫غربلي قلائم عللى مفهلوم الربلا والقملار والحيلل الربويلة‬
‫فالصل فيه الشبهة حللتى يتأكللد المسلللم خلللوه مللن هللذه‬
‫المحرمات ومن ثم نجد أنه مرتبللط لللديهم بسللعر الفللائدة‬
‫وغالب الشركات المسجلة فيلله تعتمللد فللي تمويلهللا علللى‬
‫الربا والسندات المحرمة فل يجوز بللأي حللال أن نسللتورده‬
‫على حالته اللتي هلي عليهلا دون تمحيلص وتنقيلة لله ملن‬
‫شوائبه لن ذلك سيؤدي إلى تجللاوزات ل نهايللة لهللا‪ .‬ولقللد‬
‫عجبت كثيرا ً ممن أجاز تدوال أسهم الشللركات المختلطللة‬
‫التي تقترض جزءا ً من تمويلهللا بللالطرق الربويللة وإن كللان‬
‫من أجاز ذلك قد وضع ضوابط ولكن كيف غللاب عنلله هللذا‬
‫التحذير الشللديد والزجللر العظيللم مللن الللله سللبحانه لمللن‬
‫يتعامللل بالربللا قليل ً كللان أو كللثيرا ً بكللل أشللكاله وأصللنافه‬
‫وذلك في قوله تعالى‪ ":‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا‬
‫ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين‪ .‬فللإن لللم تفعلللوا فللأذنوا‬
‫بحرب من الللله ورسللوله " وإن كنللت ل أشللك فللي صلللح‬

‫‪522‬‬
‫نيتهم وقصدهم ولكن ل يجوز بحللال أن يصللل بنللا الضللعف‬
‫والهزيمة إلى اللجؤ لفتح هذا الباب فالنظام الربوي سللواء‬
‫في بنوكه أو شركاته الربوية هللو عللار ومذلللة علللى جللبين‬
‫المسلمين ونشاز في المجتمللع السلللمي فللالواجب علللى‬
‫أفراد المة المسلمة جمعيا ً الحزم في هذا المر وال يترك‬
‫بحال مطلقا ً بدعم أو تللبرير أي تعامللل ربللوي قللل أو كللثر‪.‬‬
‫ولللو أن المسلللمين قللاموا بللدورهم فللي الحتسللاب علللى‬
‫البنوك الربوية لما أصبح النظام القتصادي فلي أغلللب بلد‬
‫المسلمين قائما ً على الربا فالبنوك إنمللا تقللوم علللى ودائع‬
‫الفراد فلو كللان هنللاك وعللي وعللزم وتعللاون علللى القيللام‬
‫بالواجب لغلقللت هللذه البنللوك الربويللة أبوابهللا مللن زمللن‬
‫طويل ولعل من أسباب ما هو واقللع بالملة المسللمة ملن‬
‫ذل وهوان وتسلط للعللداء ومشللاكل اقتصللادية وسياسللية‬
‫في معظم دول عالمنا السلمي هو قيللام واسللتمرار هللذه‬
‫البنوك الربوية الللتي تجلللب معهللا غضللب الرحمللن ونللزول‬
‫حربه الذي ل قدرة للمة على مواجهة هذه الحللرب ولكللن‬
‫المل ل يزال قويا ً في هذه المة التي ل يعدم الخيللر فيهللا‬
‫فخطوات إنشاء البنوك السلمية أثبتت قدرتها على البقاء‬
‫والستمرار ولكنها ل تزال بحاجة إلى دعللم مللن حكومللات‬
‫وشعوب العالم السلمي حتى يتحللول النظللام القتصللادي‬
‫بكامله من نظام ربوي إلى نظام إسلمي لئل تبقى البنوك‬
‫السلمية وغيرها من المؤسسللات التمويليللة تعيللش حالللة‬
‫من الشللية والضعف لنهللا تحللت سلليطرة بنللوك مركزيللة‬
‫ربوية تؤمن بالفائدة معيارا ً لرقابتها على البنوك الخرى ‪.‬‬
‫المة السلمية أمة ذات استقللية فلها شخصيتها ومنهجها‬
‫المميللز ونظامهللا الشللامل فليسللت بحاجللة إلللى اسللتيراد‬
‫أنظمللة سياسللية أو اقتصللادية أو ثقافيللة أو اجتماعيللة مللن‬
‫المم الكافرة فلديها مللا يغنيهللا ويسللعدها لللو استمسللكت‬
‫بشلرع اللله وأخللذت الكتلاب بقلوة‪ ،‬وملع هلذا أقلول فلإذا‬
‫احتاجت المة المسلمة إلى شيء من هذه النظمللة الللتي‬
‫ربما سبقتها بعض المم الكافرة إليها فيجللب عليهللا وزنهللا‬
‫بميللزان الشللريعة وعرضللها أول ً علللى علمللاء الشللريعة‬
‫الربانيين لتهذيبها وتصفيتها مللن الشللوائب المحرمللة الللتي‬

‫‪523‬‬
‫تخالف شريعة الله والتفكيللر الجللاد والبللداع ليجللاد بللدائل‬
‫أفضل وأحسن بعد دراسة وتمحيص والمة بحمد الله فيهللا‬
‫من الطاقات والمكانات والقللدرات البشللرية والماديللة مللا‬
‫يمكنها من ذلك‪ .‬أما أن تبقى أمة استهلك وتبعية تسللتورد‬
‫مللا فللي الغلرب وتلبسله ثللوب السللم أو تعطيله تأشلليرة‬
‫إسلللمية ليكللون ثوب لا ً مرقع لا ً يللورد المللة المهالللك وينللزع‬
‫هويتها ويفقدها عزتهللا وقوتهللا ومكانتهللا لتبقللى أمللة ذليلللة‬
‫تابعة للمم الكافرة ومن ثللم ينعكللس ذلللك علللى شللعوبها‬
‫فتعيش هزيمة نفسية منكللرة فل إبللداع ول تفكيللر ول بنللاء‬
‫فهذا هو عين التخلف والهزيمة‪.‬‬
‫بعد هذه المقدمات أعود للحديث عن سوق السللهم وكمللا‬
‫قلللت فهللو نمللوذج غربللي مبنللي علللى فلسللفة القتصللاد‬
‫الرأسللمالي الللذي يعتمللد أساسللا ً علللى الربللا بأشللكاله‬
‫المختلفة ويخالطه القمار والحتكار ) فقد أكد بعض خبراء‬
‫البورصلات الغربيلة عللى اعتبلار المضلاربة عللى السلعار‬
‫بمفهومهلللا الغربلللي " القملللار" أحلللد الوظلللائف الهاملللة‬
‫للبورصة ( فالصل فيلله أنلله سللوق شللبهات محرمللة ل بللد‬
‫للمسلمين أن يجردوه من الشوائب المحرمة قبل ولللوجه‬
‫واسللتيراده وهللو وإن كللان قائمللا ً علللى تحقيللق منللافع‬
‫اقتصللادية‪ ،‬إل أن هللذه المنللافع يمكللن تحقيقهللا بللدون مللا‬
‫يحتوي عليه من مفاسد‪ ،‬ولعل مللن أهللم وظللائفه أنلله يعللد‬
‫أحد الليات الهامة في تجميلع ملدخرات الفلراد وتوجيههلا‬
‫إلى المشاريع ذات النتاجية الكبيرة سواء منها ما كان في‬
‫مرحلللة التكللوين أو تلللك القائمللة والراغبللة فللي التوسللع‬
‫والتطللوير ) السللوق الوليللة (‪ .‬أمللا السللوق الثانويللة فإنهللا‬
‫تساعد على استمرار هذه المشاريع بمللا تللوفر مللن سللوق‬
‫لبيع وشراء حقوق المساهمين دون تأثير على أصل الثروة‬
‫المتمثلة في أصول المشروع‪.‬‬
‫إن من أهللم وجللوه الختلف بيللن أسللواق الوراق الماليللة‬
‫) السهم وغيرها ( مللن جهللة وبيللن السللواق الخللرى أنلله‬
‫بينمللا يجللري التعامللل فللي السللواق السلللعية علللى ذات‬
‫الثروة فإن التعامل في أسواق الوراق الماليللة يتللم علللى‬
‫حقوق الثروة وليس على الثروة ذاتها‪ .‬فالصللل فللي قيللام‬

‫‪524‬‬
‫هذه السواق هو دعم الشركات المسللاهمة ذات النتاجيللة‬
‫الكبيرة والللتي ل غنللى للمجتمللع اليللوم عنهللا وذلللك لللدعم‬
‫التنمية القتصادية‪ ،‬فغياب مثل هذه السوق قد يللؤدي إلللى‬
‫استحالة قيام شركات مسللاهمة جديللدة ووأد أيللة محاولللة‬
‫مللن قبللل الشللركات لزيللادة روؤس أموالهللا بهللدف زيللادة‬
‫النتاج أو تنويعه أو تحسينه وتطويره‪ ،‬وكذلك فهللي تعطللي‬
‫فرصلللة للراغلللبين فلللي اسلللتثمار أملللوالهم أو تصلللفية‬
‫اسللتثماراتهم سللواء كللان الللدافع لللذلك هللو الحاجللة إلللى‬
‫السلليولة المطلقللة ) النقديللة ( أو النتقللال مللن قطللاع‬
‫استثماري إلى آخر تتعللاظم فيلله الربللاح‪ .‬ولكللن المشللكلة‬
‫كما قلت سابقا ً أنه نموذج غربي مبني علللى فلسللفة الربلا‬
‫والقمار والحتكار وأخواتها فاللية التي تدار بهللا السللوق ل‬
‫تزال تعاني من إشكالت شللرعية تللدور حللول الربللا الللذي‬
‫تتمول به بعض الشركات المساهمة المسجلة في السوق‬
‫وكذلك الغرر الفاحش الذي يكتنف السوق مع ما فيها مللن‬
‫احتكار المعلومات‪ .‬أي أن هناك اشللكال ً فللي آليللة السللوق‬
‫ولهذا كثيرا ً ما يتردد السؤال عن سر صعود وهبوط أسعار‬
‫الوراق المالية ) السهم وغيرها ( في البورصات المحليللة‬
‫والعالميللة مللن لحظللة لخللرى رغللم عللدم تغيللر الظللروف‬
‫القتصللادية أو المراكللز الماليللة الحقيقيللة للشللركات الللتي‬
‫يجري التعامل على أسهمها بل ويزداد السؤال إلحاحا ً عند‬
‫البعض عن الرباح المتعاظمللة فللي السللوق والناتجللة عللن‬
‫تفاعل قوى العرض والطلب كيف نتجت ومن الرابح ومللن‬
‫الخاسر بين لحظللة وأخللرى‪ .‬فهنللاك انفصللام للعلقللة بيللن‬
‫الصللول الماديللة المملوكللة للمشللروع والللتي تمثللل أصللل‬
‫الثروة وبين الصول المالية التي تباع وتشترى في السوق‬
‫وتمثل حقوقا ً علللى هللذه الللثروة‪ .‬ولعللل مللن أهللم أسللباب‬
‫ذلك‪:‬‬
‫هيمنللة بعللض أنللواع الللبيوع المحرمللة مثللل الللبيع علللى‬
‫المكشوف أو الشراء والمتاجرة بالحد‪.‬‬
‫المناورات التي تتم في السللوق لرفللع سللعر ورقللة معينللة‬
‫) سهما ً كان أو سندا ً ( وذلك لوجود مللا يسللمى بجماعللات‬
‫المضاربة على الصعود يتم تكوينها لشراء أكللبر كميللة مللن‬

‫‪525‬‬
‫أسللهم إحللدى الشللركات وتقللوم بعللدها بالمنللاورة لجللذب‬
‫أنظار جمهور المتعللاملين والللذي يعقبلله عللادة شلراء هللذه‬
‫الوراق بأسعار مرتفعة من أيدي المضاربين من جهة مللن‬
‫يغرر بهم ويحتال عليهم فالسوق هي بين رابح وخاسللر ول‬
‫بد‪.‬‬
‫وهنا تظهر إشكالية إنحراف السوق عن وظيفتها ومسارها‬
‫وكيف أنها أضافت إلى وظيفتها الساسية التي قامت مللن‬
‫أجلها ودعت الحاجة والضرورة إلى وجودها وظائف جديدة‬
‫ما كان لها أن تقوم بها لول الرغبة المحمومللة فللي الللثراء‬
‫السريع بأي طريق فتحول كثير من هذه السواق إلللى مللا‬
‫يشبه أنديلة القملار‪ .‬وليلس أدل عللى ذللك ملن تخصليص‬
‫بعض ردهات عددٍ ملن البورصلات للمراهنلة عللى تقلبلات‬
‫واتجاهات السعار‪ .‬وأصبح أكثر من يتعامل فيها غرضه هللو‬
‫المضللاربة علللى فللروق السللعار وليللس السللتثمار النللافع‬
‫فأصبح الهدف من المسللاهمة هللو مجللرد رغبللة فللي جنللي‬
‫الرباح السريعة من خلل المضاربة علللى فللروق السللعار‬
‫وليس العتراض هنا على كون المضلارب ) أو المسلاهم (‬
‫يسعى للحصول على الربح فهي غاية مشللروعة‪ .‬ولكللن ل‬
‫بد من أن تكللون الوسلليلة كللذلك مشللروعة أمللا إذا كللانت‬
‫الوسيلة مبنية على محرمات وشبهات فللإن الغايللة ل تللبرر‬
‫الوسيلة‪ .‬ومن ثم فإن هللذا المسللاهم ) المضللارب ( ليللس‬
‫في الحقيقللة إل مجللرد دائن عللادي للشللركة بللل هللو دائن‬
‫عابر والسهم المشترى أو المباع في حقه ما هو إل صورة‬
‫شكلية تنتقللل بيللن أيللدي المضللاربين كلعللب القمللار وهللذا‬
‫النوع من المضاربين أوالمسللاهمين ) وهللم الكللثر عللددا ً (‬
‫يتسببون بطريقتهم هذه في مشللاكل اقتصللادية بللدءا ً مللن‬
‫التضخم وإنتهاًء بانصراف النللاس عللن المشللاريع النتاجيللة‬
‫الفاعلة في القتصاد ركضا ً وراء الربللاح الللتي يجنيهللا لهللم‬
‫المضللاربون والسماسللرة إضللافة إلللى تراكللم المللدخرات‬
‫النقدية في أيدي قلة من الناس ولدى البنوك التي تضللطر‬
‫إلى استثمار هذه المللوال غالبلا ً فللي الغللرب لعللدم وجللود‬
‫قنوات استثمارية جيدة في ظللل وجللود فجللوة كللبيرة بيللن‬
‫المقدرة الستيعابية للهياكل القتصللادية والصللول الماديللة‬

‫‪526‬‬
‫للقتصاد من جهة وبين المقدرة التمويلية والتي تتمثل في‬
‫مدخرات الفراد المتزايدة‪ .‬وتتضاعف هذه المشللاكل فللي‬
‫الدول التي تكون فيها السوق المالية ناشئة وضلليقة وغيللر‬
‫منظمة وليس عليها رقابة فاعلة ذات خبرة جيدة تتحاشى‬
‫السلبيات وتهتم باليجابيات ويمكللن أن نخلللص ممللا سللبق‬
‫إلى النقاط التية‪-:‬‬
‫سوق الوراق المالية نموذج غربي يشتمل علللى مجموعللة‬
‫من المصالح والمفاسد من وجهة نظر الشريعة السلللمية‬
‫فالصل فيه المنع حتى يتم التأكد من خلوه ممللا فيلله مللن‬
‫المحرمات فل بد من ضبطه بالضوابط الشرعية ومللن ثللم‬
‫يمكن الستفادة منه وتوجيهه الوجهة القتصللادية السللليمة‬
‫بما يتوافق مع شريعتنا السلمية ‪.‬‬
‫الفقهاء رحمهم الله بينهم خلف أصل ً في جواز بيع الغائب‬
‫وهي الصفة التي يتصف بها البيع في هذه السللوق ولللذلك‬
‫فإن جواز إنتقال وبيع الحقوق داخل سوق السهم هو مللن‬
‫باب المصلحة الراجحة في أهمية هللذه السللواق وإل فللإن‬
‫هناك إشكالت فقهية من حيللث إن هللذه السللوق تشللتمل‬
‫على بيع غائب وأنها بيللع حقللوق والحاجللة والمصلللحة كمللا‬
‫يقول الفقهاء رحمهم الله تقدر بقدرها وتضللبط بضللوابطها‬
‫لتتحقق المصلحة التي من أجلها احتمل بعض ما فيها مللن‬
‫إشكالت ولئل يفتح الباب على مصراعيه فتنقلب المصالح‬
‫إلى مفاسد ويتحقق ضللرر عللام ل يللدركه إل أهللل الخللبرة‬
‫المتخصصين في هذا الشأن‪.‬‬
‫محل العقد في أسواق الوراق المالية ) السهم وغيرهللا (‬
‫عللللى اختلف درجلللات كفاءاتهلللا يشلللوبها غلللرر فلللاحش‬
‫فالبيانات المنشورة ل ترفع عنه الغللرر الفللاحش ول تللدرء‬
‫عنه الخطر وليس باستطاعة أحد أن يزعللم تطللابق العلللم‬
‫بالصفة مع العلم بالحس فللي هللذه الللبيوع‪ ،‬إذ الغللرر فيهللا‬
‫غللرر مللؤثر ل تللدعوا إليلله حاجللة‪ ،‬فالحاجللة كمللا عرفهللا‬
‫السيوطي رحمه الله ‪ :‬هي أن يصل المرء إلى حالة بحيث‬
‫لو لم يتنللاول الممنللوع يكللون فللي جهللد ومشللقة ولكنلله ل‬
‫يهلللك‪ .‬أي أنلله يللؤدي إلللى فللوات مصلللحة مللن المصللالح‬
‫المعتبرة شرعًا‪ ،‬وكذلك ل بد أن تكون الحاجة الللتي تجعللل‬

‫‪527‬‬
‫الغرر غير مؤثر متعينة‪ ،‬فل يمكن الوصول إليها من طريق‬
‫آخر ل غرر فيه ومن ثم فل بد أن تقدر الحاجللة بقللدرها‪ ،‬إذ‬
‫إن ما جاز للحاجة يقتصر فيه على ما يزيل الحاجللة فقللط‪.‬‬
‫فيكف وقد انقلبت المصللالح المرجللوة فللي هللذه السللواق‬
‫إلى مفاسد ظاهرة أشبه ما تكون بمنتديات القمار المبنية‬
‫على الحللظ والغللرر والغللش والحتيللال‪ ،‬علملا ً بللأنه يمكللن‬
‫تنظيمها وضبطها وفق الضوابط الشللرعية بمللا يمنللع ذلللك‬
‫الغرر الفاحش‪ .‬فالتعامل فلي هلذه السلواق عللى حالتهلا‬
‫الراهنة محفوف بالمخاطر والضرار المستقبلية خاصة مع‬
‫اشتداد سعار المضاربات وعوامل النهيار وتقلبات السعار‬
‫المصاحبة للدورات القتصادية وتدهور السعار ملع أزملات‬
‫الكساد وشيوع البطالة‪ ،‬فتنشلليط التللداول وسللرعة دوران‬
‫أوراق الشللركات يتللم عللن طريللق مجموعللات المضللاربة‬
‫الكبللار الللذين يتحكمللون فللي السللوق ويعقللدون اتفاقللات‬
‫خاصة مع بعض الشركات التي يرغبون فللي زيللادة أسللعار‬
‫أسهمها وبالمقابل يكسرون أسعار أسللهم شللركات أخللرى‬
‫بما يملكون من سيطرة مالية احتكارية على السوق ولهذا‬
‫فهم يتلعبون بأسعار السهم كمللا يفعللل لعبللو اليانصلليب‬
‫بما قد يؤدي هذا السلوب إلللى أضللرار اقتصللادية ل تحمللد‬
‫عقباها على المستوى الكلي للمجتمع‪.‬‬
‫السوق بحالته الراهنة يحتوي على مخالفات شرعية أخرى‬
‫كما في احتكار المعلومات والتحكللم فيهللا إضللافة إلللى مللا‬
‫يحصل من خداع وكذب وغش وتسريب لمعلومات خاطئة‬
‫داخللل السللوق ممللا يفللوت المصللالح المرجللوة ويجلللب‬
‫المفاسد‪ ،‬فلقد أخبرني من أثق به ممللن تعامللل فللي هللذه‬
‫السوق بللأن هنللاك اتفاقللات سللرية تعقللد بيللن بعللض كبللار‬
‫المضاربين وبعض الشركات لرفع قيمللة أسللهمها أضللعاف‬
‫أضعاف ما هي عليه حقيقة ليزداد سهمها صعودا ً فيشتري‬
‫هؤلء أسهمها لغراء الخرين بذلك ممللن ل يملكللون هللذه‬
‫المعلومات الخادعة والتي تقف وراء اللعبة ثم يقوم هؤلء‬
‫المضاربون بعد فللترة وجيللزة وقبللل إكتشللاف اللعبللة بللبيع‬
‫أكبر كمية ممكنة من السهم لجني الرباح ومقاسمتها مللع‬
‫تلللك الشللركة المتللآمرة وفللي هللذا مللا فيلله مللن الحتيللال‬

‫‪528‬‬
‫والكذب والضرار بالغير بل بالمجتمع كامل ً فهللذه السللوق‬
‫لها تأثير كبير على القتصاد الكلي ول يفقلله هللؤلء حللديث‬
‫رسول الله صلى الله عليلله وسلللم الللذي قللال فيلله ) مللن‬
‫غشنا فليس منا ( والحديث الخر ‪ ) :‬ل يحل لحد باع بيعللا ً‬
‫فيه عيب إل بينه (‪.‬‬
‫وبنللاًء علللى مللا سللبق فللإنني ل أنصللح بالتعامللل فللي هللذه‬
‫السوق بحالتها الراهنللة فهللي شللبهات بعضللها فللوق بعللض‬
‫وإننللي آمللل مللن أهللل العلللم الشللرعي وأصللحاب الخللبرة‬
‫القتصادية والمالية إعادة النظر في الليات التي تللدار بهللا‬
‫السللوق ليجللاد مخللرج شللرعي وفنللي اقتصللادي يحقللق‬
‫المصالح المعتبرة باتقاء الشبهات صونا ً لللدينه وحللذرا ً مللن‬
‫حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ) كل جسللد نبللت‬
‫من السحت فالنار أولى به ( ومهما كثرت الرباح في مثل‬
‫هذه السواق الشبهاتية فل بركة فيها وإنمللا البركللة تكللون‬
‫فللي الحلل وإن كللان قليل ً ولللذلك فللإنني اقللترح مللا يلللي‬
‫لصلح الليللة الللتي تللدار بهللا السللوق فللي المملكللة ودول‬
‫الخليج وغيرها من بلد العالم السلمي ‪-:‬‬
‫تكوين رقابة شرعية وفنية اقتصادية مالية لها قللوة فاعلللة‬
‫وسلطة مؤثرة لتحديد الضوابط والمعايير التي مللن شللأنها‬
‫أن تحد من الغرر والجهالة وسواها من المحاذير الشرعية‬
‫والقتصللادية وتطللبيق هللذه المعللايير بدقللة ويكللون لهللذه‬
‫الرقابة الحق في منع دخول أي شركة تتعامل فللي سلللعة‬
‫محرمة أو تقترض بالربا ولو كان يسيرا ً ولها كذلك منع كل‬
‫أسلوب غير شرعي يؤدي إلى إحداث تلعب وغش داخللل‬
‫السوق‪.‬‬
‫تصللحيح مسللار آليللة عمللل السللوق بحيللث تحقللق السللوق‬
‫العناصر التية ‪-:‬‬
‫‪ o‬أن تكللون المعلومللات الماليللة متاحللة للجميللع وبتكلفللة‬
‫صفرية‪ .‬فلو توفرت المعلومللات عللن الشللركات بصللورتها‬
‫الصحيحة للجميع لدى ذلك إلى تخفيض درجة حمى سعار‬
‫المضلللاربات وجنلللي الربلللاح بلللالطرق غيلللر المشلللروعة‬
‫ولتحققت المنافع القتصادية التي من أجلها قام السوق‪.‬‬

‫‪529‬‬
‫‪ o‬أل يكون بوسع أحللد المضللاربين فللي السللوق السلليطرة‬
‫على حركات السعار أو جعلها عرضلة للتلعلب والمنللاورة‬
‫والخداع‪.‬‬
‫‪ o‬أن يسود السوق مللا يقللرب مللن التللوازن الللدائم بحيللث‬
‫تتجه القيمة السوقية نحو القيمة الذاتية‪.‬‬
‫‪ o‬الهتمام بالسوق الولية والتركيز عليها ل سلليما وأنهللا ل‬
‫تزال سوقا ً ناشئة في عدد من الدول السلمية إضافة أننا‬
‫بحاجللة إلللى كللثير مللن المشللاريع النتاجيللة ذات الوحللدات‬
‫الكبيرة لنتحول مللن سللوق اسللتهلكية إلللى سللوق إنتاجيللة‬
‫مصللدرة ولللذلك فل بللد للللدول السلللمية أن تهتللم بللذلك‬
‫وتسللهل إجللراءات قيللام الشللركات النافعللة فللي جميللع‬
‫المجالت الصناعية والزراعية والخدماتية التي تجلب الخير‬
‫والرخاء وتوجد منافع حقيقية للبلد والعباد وتحقق العدالللة‬
‫في فتح باب المساهمة لجميع أفراد المجتمع‪.‬‬
‫‪ o‬تحديد ضوابط في السوق الثانوية وذلك للحللد مللن عقللد‬
‫صفقات ربحية بقصد المتاجرة ورغبللة فلي اللثراء السللريع‬
‫دون اهتمللام بمللا يللؤدي ذلللك إليلله مللن أضللرار اقتصللادية‬
‫مسللتقبلية لحسللاب فئة محللدودة وهللذا يسللتدعي توسلليع‬
‫قاعدة السوق الولية والهتمام بها ودعمهللا ليتجلله الفللراد‬
‫إلى النتاج الحقيقي بدل ً مما يحصل الن‪ .‬إذ بلغتني حالت‬
‫كثيرة تلم فيهلا بيلع أصلول إنتاجيلة بلل بلاع بعلض الفلراد‬
‫أصوله المادية الضرورية من بيت وسيارة وأعظم من ذلك‬
‫أن البعللض الخللر صللار يقللترض أو يشللتري أص لل ً إنتاجي لا ً‬
‫بالتقسيط ويبيعه نقدا ً للدخول في مضاربات سوق السهم‬
‫دون قرار مدروس ومعرفة جيدة بمللا يحتللوي عليلله سللوق‬
‫السهم من محللاذير شللرعية ومخللاطر اقتصللادية والسللوء‬
‫مللن ذلللك كللله أن طائفللة مللن النللاس أهملللوا وظللائفهم‬
‫وأعمللالهم سللعيا ً وراء الكسللب السللريع وسللراب الربللاح‬
‫المتصاعدة يدفعهم إلى كل ذلك الدعاية القوية التي يقوم‬
‫بها المضاربون من خلل السماسرة مقابل عمولة محللددة‬
‫لهم ولم يدر بخلد هللؤلء المتعجليللن أنلله ربمللا كللانت هللذه‬
‫الرباح في لحظة ما جزءا ً من رأسماله الذي ربما يخسره‬
‫في صفقة لحقة واحدة‪.‬‬

‫‪530‬‬
‫‪ o‬تسهيل فتح قنوات استثمارية متنوعة لستيعاب الفللائض‬
‫النقدي لدى الفراد بحيللث تكللون هللذه القنللوات منضللبطة‬
‫بضللوابط شللرعية وقواعللد نظاميللة بعيللدا ً عللن التعقيللد أو‬
‫مضاّرة من يسعى ليجاد منفعة اقتصللادية أو أصلل ً إنتاجيلا ً‬
‫يستفيد منلله ويفيللد البلد وفللي هللذا جمللع للمصللالح ودفللع‬
‫للمفاسللد وتحقيللق لرفاهيللة الفللراد وبنللاء مسللتقبل واعللد‬
‫بالخير‪.‬‬
‫‪ o‬نشر الثقافة الصحيحة الستثمارية ملن الجهلة الشلرعية‬
‫والقتصلللادية والنظاميلللة ملللن خلل المنلللابر العلميلللة‬
‫والقنوات التعليمية وغير ذلك من وسللائل التوعيللة العامللة‬
‫حتى يتحقق المقصللد الشللرعي مللن حفللظ أمللوال النللاس‬
‫وقبللل ذلللك سلللمة دينهللم وهللذا بل شللك هللو مللن القيللام‬
‫بواجب المانة التي حملها الله الراعي تجاه الرعية لصلح‬
‫دينهم ودنياهم‪ .‬قال المام الشللافعي رحملله الللله ) منزلللة‬
‫الوالي من الرعية بمنزلة والي اليتيم (‪.‬‬
‫===============‬
‫‪#‬الحلل والحرام في السهم والشركات‬
‫د‪ .‬عبدالله الزايدي ‪8/8/1426‬‬
‫‪12/09/2005‬‬
‫من نعم الله علينا في بلدنا ‪-‬المملكللة العربيللة السللعودية‪-‬‬
‫أن معظللم سللكانها يحرصللون علللى تحللري الحلل فللي‬
‫تعاملتهم البنكية؛ لهذا أقبلوا علللى السللهم والبنللوك الللتي‬
‫تتعامل تعامل ً شرعيًا؛ فتجتنللب القللروض الربويللة وتتجن ّللب‬
‫الّتجار فللي المحّرمللات‪ ،‬لمللا فللي ذلللك مللن مرضللاة الللله‬
‫وطاعته وبركة الكسب الحلل وآثاره الطيبة‪.‬‬
‫ولهذا اتجه هؤلء إلى استفتاء المتخصصللين فيمللا يريللدون‬
‫الكتتاب فيه أو شراء أسهمه من شركات وبنوك‪.‬‬
‫وقد كان لهذا التجاه أثره في السوق المالية وفي حللالت‬
‫الكتتاب‪ .‬فالفتوى الشرعية من المختصين أصبحت عللامل ً‬
‫ثالثا ً يتحكم بأسعار السللوق إلللى جللانب العللرض والطللب‪،‬‬
‫فكمية السهم المتداولة ترتبط أحيانا ً بالتحليل والتحريم‪.‬‬

‫‪531‬‬
‫وانطلقا ً من هذا الواقع الجيد المرشح للستمرار والزيادة‬
‫بسبب الوعي العلمي والشرعي فإن من المهللم أن تعمللد‬
‫الشركات لصلح أوضاعها بما يتفق مع الشريعة والواقع‪.‬‬
‫مى تقليدية‪ -‬قللد سللارت شللوطا ً‬ ‫إن بعض البنوك ‪-‬التي ُتس ّ‬
‫ول إلى التعامل المشروع فللي كافللة‬ ‫طيبا ً فيما يتصل بالتح ّ‬
‫أنشطة البنك‪ ،‬وكانت ناجحة في قسم الخدمات السلمية‬
‫ورت بشكل كبير‪ ،‬ولكن لم نعد نسمع عللن إكمللال‬ ‫التي تط ّ‬
‫المسيرة‪.‬‬
‫م ل تتوافق البنللوك والمؤسسللات مللع الختيللار الشللعبي‪،‬‬ ‫لِ َ‬
‫وقبل ذلك مع الحكام الشرعية والنظمة القائمة‪ ،‬لسلليما‬
‫أن هذا التوافق سيجلب لها المزيد من الربح والزيادة فللي‬
‫أسهمها والقبال عليها؟‬
‫من الغريب حقا ً أن تجد هذه الشركات وتلك البنوك سللببا ً‬
‫مشروعا ً متفقا ً مع النظمة‪ ،‬ومؤثرا ً حتما ً في زيللادة الربللح‬
‫والتوسللع‪ ،‬ومللع ذلللك تتوقللف فللي سلللوكه وتللتريث فللي‬
‫انتهاجه‪.‬‬
‫إن الربح المشروع والتجللارة المنضللبطة بضللوابط الشللرع‬
‫سبب في بركة المال الللتي تتعللدى مجللرد زيللادة الرصلليد؛‬
‫فهي تمتللد لتللؤثر إيجابلا ً فللي المحافظللة علللى المللال مللن‬
‫الجوائح والنكبات التي تحدث لسباب كثيرة‪.‬‬
‫ومللن المعلللوم أن أكللبر المؤسسللات الماليللة لللدينا وهللي‬
‫)شلللركة الراجحلللي المصلللرفية للسلللتثمار( هلللي أعللللى‬
‫الشركات سعرا ً في السهم‪ ،‬وهللي أقللل الشللركات ديون لا ً‬
‫غير ممكنة التحصلليل‪ ،‬بعكللس بعللض البنللوك الللتي لتللزال‬
‫تتعامل بالفائدة غير المشروعة )الربا( والتي بلغت ديونهللا‬
‫الشكوك فللي تحصلليلها نسللبة مللؤثرة مقارنللة بموجوداتهللا‬
‫المالية‪ .‬ول نجللد فرقلا ً بيللن الشللركة وهللذه البنللوك سللوى‬
‫التزام الشركة بالبعد عن الربا فللي تعاملتهللا‪ .‬وهللذا يؤكللد‬
‫الهمية الكبيرة لللتزام الشرعي‪.‬‬
‫وإن مما يشجع البنوك والشللركات ويحفزهللا علللى التللوجه‬
‫نحو اللتزام بالضوابط الشرعية ‪ -‬وضع هيئة رقابة شرعية‬
‫لسوق المال تفتي فللي تعللاملت الشللركات والمؤسسللات‬
‫دد الفتللاوى حللول‬ ‫المالية حتى تتلفى اختلف الفتللوى وتع ل ّ‬

‫‪532‬‬
‫بعض الشركات؛ لن ارتفاع أسهم شركة ما يرتبللط بكللثرة‬
‫القبال عليه‪ ،‬ومن أسباب ذلك الفتوى بحل ذلك السهم‪ ،‬و‬
‫من الطبيعي أن يكللون أعضللاء هللذه الهيئة المقترحللة هللم‬
‫ممن يجمع بيلن العللم الشلرعي وفهلم حقيقلة التعلاملت‬
‫المالية المعاصرة أمثللال أسللاتذة القتصللاد السلللمي فللي‬
‫بعض جامعاتنا السعودية‪.‬‬
‫إل ّ أن البعض يرى أن مثل هللذه الخطللوة فللي رأيلله تلحللق‬
‫ضللررا ً بالقتصللاد الللوطني لكونهللا سللتحدث تمييللزا ً بيللن‬
‫الشللركات‪ ،‬وسللتؤدي إلللى انهيللار أسللهم بنللوك وشللركات‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫وهذا قد يكون له نصيب من الصحة‪ ،‬غيللر أن العلج يكمللن‬
‫بمسارعة هذه الشركات لللترك القللروض الربويللة‪ ،‬وإعلن‬
‫التزامها مستقبل ً بالمعاملت المشروعة‪ .‬وأنها لن تقللترض‬
‫بطريق الفائدة الربوية المحرمة‪.‬‬
‫إن معظم المخالفات في الشركات المساهمة تكمللن فللي‬
‫القروض الربوية‪.‬‬
‫ومع وجود بديل مشروع جيد وعملي وناجح‪ ،‬بديل للقللرض‬
‫الربوي فل معنى للصرار بعد ذلك على القللروض الربويللة‬
‫المحرمة‪.‬‬
‫وإن وجللود عللدد مللن الفقهللاء المتخصصللين بالمعللاملت‬
‫عرفللوا بالحتيللاط والدقللة فللي‬ ‫الماليللة المعاصللرة ممللن ُ‬
‫تشخيص أحوال الشللركات يشللجع علللى إقامللة لجنللة فتيللا‬
‫مت إلللى لجنلة‬ ‫ضل ّ‬
‫متخصصة فللي هلذا الجلانب‪ ،‬وحبلذا لللو ُ‬
‫الفتللاء الرسللمية؛ إذ ل يوجللد ‪-‬حسللب الظللاهر‪ -‬فيهللا مللن‬
‫يجمع بين التخصص الفقهي والقتصادي‪ ،‬وتكون مثل هللذه‬
‫اللجنة حل ً لتعدد الفتاوى في موضوع السهم؛ لن موضوع‬
‫الفتوى في السهم ضللرورة شللرعية دينيللة‪ ،‬وهللي مطلللب‬
‫لكللل مسلللم حريللص علللى سلللمة أمللواله مللن الربللا‬
‫والشبهات‪ ،‬وليست ترفا ً أو مجرد مطلللب لفللراد‪ ،‬وإذا لللم‬
‫يحدث ذلك فل معنى لما تبنته إحدى الصحف المحلية مللن‬
‫دعوة إلى الحجللر علللى المختصللين الجللامعيين بيللن العللم‬
‫بالمعاملت المعاصللرة والعلللم الشللرعي‪ ،‬وعللدم السللماح‬
‫لهم بلالفتوى بحجلة أن ذللك يحلدث بلبللة واضلطرابا ً فلي‬

‫‪533‬‬
‫سوق السهم‪ ،‬ولنهم ليسوا مللن الهيئة الرسلمية للفتللوى‪،‬‬
‫فهذه دعوة في غير محلها؛ لن مثل هؤلء محل ثقللة كللثير‬
‫من الناس؛ لدراكهم أن هؤلء يعرفللون حقيقللة الشللركات‬
‫وأوضاعها ويستطيعون ‪-‬بحكم اختصاصللهم‪ -‬دراسللة قللوائم‬
‫الشركات المالية ومعرفة ثغراتها وإشللكالتها‪ .‬وهلم بحكللم‬
‫الختصاص يعرفللون أكللثر ممللا يعرفلله بعللض الفقهللاء غيللر‬
‫المختصين بدراسة القتصاد‪ ،‬ومللن ثللم فللإن الللدعوة لمنللع‬
‫هؤلء من الفتوى دعوة خطيرة ل محل لها‪ ،‬وهي مصللادرة‬
‫لحقهم وحقوق الخرين ممن يحرصون على معرفة رأيهللم‬
‫والخذ بفتواهم‪.‬‬
‫وإن ما يراه بعض الكتاب مللن تللأثير سلللبي للفتللوى علللى‬
‫سوق السللهم ينطلللق مللن رؤيللة ماديللة مجللردة ل تلتفللت‬
‫للتأثير العظللم للربللا ومشللكلته علللى الوضللع القتصللادي‬
‫الدولي‪ ،‬وعلى الفرد نفسه؛ لن المسلم يتيقن قول الحللق‬
‫تبارك وتعللالى )يمحللق الللله الربللا ويربللي الصللدقات( وثللم‬
‫مؤثرات سلبية كثيرة على سوق السللهم ل يسللتطيع أحللد‬
‫منعهللا‪ ،‬وهللي الشللاعات‪ ،‬ومللا ُيكتللب فللي بعللض مواقللع‬
‫النترنت‪ .‬فكيف نترك واجبا ً شللرعيا ً لجللل أهللواء النفللوس‬
‫وشهواتها؟!‬
‫==============‬
‫‪#‬البنوك السلمية ‪ ..‬ما الفرق؟‬
‫جبريل محمد ‪7/5/1427‬‬
‫‪03/06/2006‬‬
‫ل شللك أن صللناعة الخللدمات الماليللة السلللمية الللتي‬
‫انطلقت أواسط السبعينيات من القرن الماضللي )‪(1975‬‬
‫حققت إنجازات كبيرة‪ ،‬وأفرزت تجارب وكيانللات متفرعللة‬
‫أصبح لهللا اليللوم الشللأن الكللبير والمسللاهمة الفاعلللة فللي‬
‫تطوير الصللناعة؛ إذ بلللغ إجمللالي أصللول الصللناعة الماليللة‬
‫السلمية في الخليج العربللي )‪ (84.152‬مليللار دولر فللي‬
‫العام ‪ ،2005‬بنسبة نمو ‪%34.8‬عن العام السابق‪ ،‬وهللذه‬
‫أعلى نسبة نمو مسجلة في دول الخليج خلل الفللترة مللن‬
‫‪ 2001‬إلى ‪2005‬؛ إذ بلغ متوسللط معللدل النمللو السللنوي‬
‫في هذه الفترة ‪.%21.5‬‬

‫‪534‬‬
‫وهنا يتبادر إلى الذهان سؤال مهم‪ ،‬هو‪ :‬هللل هنللاك فللروق‬
‫بين البنوك السلمية والبنوك التقليدية؟‬
‫بالطبع هناك فروق جوهرية بين البنوك السلمية والبنللوك‬
‫التقليدية‪ ،‬فتتمثل أساسا ً فللي حقيقللة أن البنللوك التقليديلة‬
‫تقللوم علللى آليللة سللعر الفللائدة مللن خلل القللتراض مللن‬
‫المودعين بفائدة ما‪ ،‬ثم إقراضها آخرين بفائدة أعلللى مللن‬
‫الفللائدة الولللى‪ ،‬ويتمثللل ربحهللا فللي الفللرق بيللن الفللائدة‬
‫المدينة والدائنة‪ ،‬وهذا هو ربا الجاهلية ربا العباس بن عبللد‬
‫المطلب الذي وضعه النبي ‪-‬صلى الللله عليلله وسلللم‪ -‬فللي‬
‫حجة الوداع تحت قللدمه‪ ،‬كمللا أن هللذه البنللوك تتللاجر فللي‬
‫النقود كسلعة‪ ،‬وتحصل على فائدة مقابل الزمن‪ ،‬ومن ثللم‬
‫تقوم على فكرة أن النقود تلد في حللد ذاتهللا نقللودًا‪ ،‬وهللذا‬
‫يختلف جذريا ً عن طبيعة عمل البنوك السلمية التي تقوم‬
‫على نظام المشاركة في الربح والخسللارة‪ ،‬وعلللى حرمللة‬
‫الربللا‪ ،‬وعلللى السللتثمار الحقيقللي وفق لا ً لصلليغ السللتثمار‬
‫السلمي‪ ،‬والمتمثلللة فللي عقللود الشللركة وعقللود الللبيوع‪،‬‬
‫ومن عقود الشلركة عقلد المضلاربة الشلرعي‪ ،‬وهلو عقلد‬
‫يجمع في تزاوج بّناء بين المال والعمللل‪ ،‬وهللو عقللد يقللوم‬
‫على المخاطرة بالنسبة لرب المال؛ إذ يتحمل أي خسللارة‬
‫تقع‪ ،‬وبالنسبة للعامل فيناله جزء من الخسللارة‪ ،‬ومللن ثللم‬
‫يحق للطرفين أن يحصل على نصلليبيهما النسللبيين اللللذين‬
‫اتفقا عليهما في بداية تنفيذ هللذا العقللد‪ ،‬ومللن ثللم يختلللف‬
‫جذريا ً عقد المضاربة عن أي قرض للبنوك التقليديلة‪ ،‬فهنلا‬
‫البنك التقليدي مقللرض والمسللتثمر أو المقللرض مقللترض‬
‫وضامن للمال المقترض؛ بالضللافة إلللى فللائدة ربويللة‪ ،‬ول‬
‫يمكن أن يكون ذلك عقد مضلاربة شلرعي‪ ،‬كملا أن البنلك‬
‫السلللمي يسللتخدم عقللود الللبيوع‪ ،‬وعلللى رأسللها بيللع‬
‫المرابحة‪ ،‬وبيع المرابحة بيللع أمانللة يتعيللن علللى البنللك أن‬
‫ل‪ ،‬ثم يتصل بالعميل‬ ‫يمتلك البضاعة محل البيع حكما ً أو فع ً‬
‫المر بالشراء والراغب في الشراء‪ ،‬ويسمي له ثمن شراء‬
‫البنك للبضاعة والربح الذي يطلبه البنك‪ ،‬فإذا قبل العميللل‬
‫الثمن مرابحة تم عقد المرابحة شرعًا‪ ،‬وهذا يختلف جذريا ً‬
‫عن التمويل الربوي لعميل البنك التقليدي؛ إذ يعطي البنك‬

‫‪535‬‬
‫التقليللدي قرض لا ً لعميللله بفللائدة‪ ،‬ول يهملله أساس لا ً شللكل‬
‫تصرف العميل في هذا القرض‪ ،‬صحيح أن العميللل يطلللب‬
‫القرض على أساس تمويللل مشللروع معيللن‪ ،‬وقللد يللدرس‬
‫البنك التقليدي هذا المشللروع ضللمانا ً لقرضلله‪ ،‬لكنلله ليللس‬
‫عقد مرابحة شللرعي‪ ،‬وإنمللا قللرض بفللائدة ربويللة‪ ،‬كسللب‬
‫العميللل أو خسللر فلبللد أن يللدفع أصللل القللرض والفللائدة‬
‫عليه‪ ،‬ومن ثم ل يمكن القول إن البنللوك السلللمية مجللرد‬
‫مسميات لضفاء الصبغة الشللرعية علللى معاملتهللا؛ فهللي‬
‫حقيقللة بنللوك تعمللل علللى تطللبيق منهللج السلللم فللي‬
‫المعاملت المالية‪.‬‬
‫البنوك السلمية‪..‬فوائد كثيرة‬
‫يؤكد رجال القتصاد أن البنوك السلمية سللاهمت بشللكل‬
‫مباشر في انتعاش القتصاد العربي والعالمي؛ إذ إن البنك‬
‫سا شركة استثمار حقيقي‪ ،‬وليس اسللتثمارا ً‬ ‫السلمي أسا ً‬
‫ماليًا‪ ،‬ومن ثم فعمليات البنك السلمي هللي الللدخول فللي‬
‫إنشاء مشروعات استثمارية وفقا ً للولويات النمائية للبلللد‬
‫الذي يوجد فيه البنك السللمي؛ حيلث يسلاهم البنلك فلي‬
‫المشللللروعات الصللللناعية والمشللللروعات الزراعيللللة‪،‬‬
‫ومشروعات الخللدمات مللن صللحة‪ ،‬وتعليللم‪ ،‬وتللدريب إلللى‬
‫آخره‪ ،‬ومن ثم يللدخل فللي كافللة المشللروعات القتصللادية‬
‫التي تعمل على تنميللة القللدرة النتاجيللة للمجتمللع موضللع‬
‫التنمية‪ ،‬والقول بللأن البنللك السلللمي يقتصللر عمللله علللى‬
‫المعاملت المالية التقليدية قول يجانب الحقيقللة والواقللع؛‬
‫إذ إنه في بداية عمل البنوك السلمية كللان لبللد أن تأخللذ‬
‫بأسللاس الفللن المصللرفي الحللديث‪ ،‬وهللو المواءمللة بيللن‬
‫اعتبارين متضادين‪ ،‬وهما الربح من ناحية‪ ،‬والسيولة أو ثقة‬
‫العملء من ناحية أخرى؛ إذ إن أي مؤسسة نقدية حديثة ل‬
‫يمكن أن تركز على اعتبار دون الخللر‪ ،‬فللإذا ركللزت علللى‬
‫اعتبار الربحية أدى ذلك إلى أنها لن تسللتطيع أن تسللتجيب‬
‫لطلبات العملء بالدفع نقدا ً وفي الحللال‪ ،‬ومللن ثللم يتنللافى‬
‫ووجودهللا كمؤسسللة نقديللة‪ ،‬وإذا مللا ركللزت علللى اعتبللار‬
‫السلليولة أو الثقللة أصللبحت كخللازن للنقللود‪ ،‬ومللن ثللم‬
‫كمشروع اقتصادي فلن تحقق أرباحًا‪ ،‬ومللن هنللا كللان لبللد‬

‫‪536‬‬
‫من الموائمة بين اعتبللار الربحيللة واعتبللار السلليولة سللواء‬
‫كان البنك إسلميا ً أو تقليديًا‪.‬‬
‫البنوك السلمية وأحداث سبتمبر‬
‫علللى عكللس المتوقللع أثللرت أحللداث الحللادي عشللر مللن‬
‫سبتمبر‬
‫علللى البنللوك السلللمية بشللكل إيجللابي؛ فقللد رأى خللبراء‬
‫ومراقبون أن الدليل على ذلك هللو ارتفللاع حجللم عمليللات‬
‫الودائع خلل الشللهر الثلثللة الللتي تلللت العتللداءات علللى‬
‫نيويللورك وواشللنطن‪ ،‬معتللبرين أن الهجللوم العنيللف الللذي‬
‫تعرضت له البنللوك والمؤسسللات الماليللة السلللمية كللان‬
‫مبنيلا ً علللى سللوء فهللم وعللدم إلمللام بطريقللة عمللل هللذه‬
‫البنوك وخاصللة لللدى السياسلليين‪ ،‬وقللد مورسللت ضللغوط‬
‫شديدة للغاية على المؤسسات المالية السلمية في دول‬
‫الخليللج العربيللة مللن أجللل تجميللد أصللول المشللتبهين أو‬
‫المرتبطين بمجموعات إرهابية محتملة‪.‬‬
‫غيللر أن حركللة اليللداع فللي البنللوك السلللمية واصلللت‬
‫ارتفاعها لتصل إلى ‪ %5‬زيادة عن المعدل الطبيعي الللذي‬
‫كان يتراوح مللا بيللن ‪ 5‬إلللى ‪ ، %10‬وعللزا الخللبراء ارتفللاع‬
‫نسبة الودائع في البنوك السلللمية فللي تلللك الفللترة إلللى‬
‫حركلللة سلللحب فلللي السللليولة ملللن المصلللارف الغربيلللة‬
‫والمريكية بالتحديد أو إيداعات غيللر مباشللرة مللن البنللوك‬
‫المحلية‪.‬‬
‫وقد تراوحت قيمة السيولة المسحوبة ملا بيلن )‪ 150‬إلللى‬
‫‪ (200‬مليللون دولر فللي غضللون ثلثللة أشللهر بعللد ‪11‬‬
‫سبتمبر‪ ،‬لكن معدل اليداع في البنوك السلمية عللاد بعللد‬
‫ذلللك إلللى معللدلته الطبيعيللة‪ ،‬فللي حيللن رأى اقتصللاديون‬
‫آخللرون أن أحللداث سللبتمبر لللم تللؤثر فللي أداء البنللوك‬
‫السلللمية بشللكل مباشللر‪ ،‬مشلليرين إلللى أن نموهللا ظللل‬
‫طبيعيًا‪.‬‬
‫================‬
‫‪#‬التورق والعينة‬
‫هيئة كبار العلماء ‪13/10/1426‬‬
‫‪15/11/2005‬‬

‫‪537‬‬
‫الحمد لله‪ ،‬والصلة والسلللم علللى رسللوله وآللله وصللحبه‪،‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فقد اطلع مجلس هيئة كبار العلماء على ما جاء في المللر‬
‫السامي رقم )‪ (30891‬في ‪20/12/1396‬هل مللن الرغبللة‬
‫فللي دراسللة مجلللس هيئة كبللار العلمللاء المعللاملت الللتي‬
‫يسللتغلها بعللض التجللار فللي المللداينات لحصللولهم علللى‬
‫مكاسب مالية بطريللق ملتويللة ل تتفللق ومبللدأ المعللاملت‬
‫الشللرعية فللي الللبيع والقللتراض‪ ،‬والنظللر فيمللا إذا كللان‬
‫بالمكان إيجللاد بللديل للحللد مللن جشللع هللؤلء واسللتغللهم‬
‫للمحتاجين من النللاس‪ ،‬واطلللع علللى البحللث الللذي أعللدته‬
‫اللجنة الدائمة في أنواع مللن الللبيوع الللتي يسللتغلها بعللض‬
‫الناس اسللتغلل ً سلليئا ً يخللرج بهللا عمللا شللرعه الللله‪ ،‬وبعللد‬
‫الدراسة وتداول الرأي قرر المجلس ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬العينللة‪ :‬ومعناهللا‪ :‬أن يللبيع إنسللان لخللر شلليئا ً بثمللن‬
‫أو ً‬
‫مؤجل ويسلمه إليه ثم يشتريه منه بائعه قبل قبض الثمللن‬
‫بأقللل مللن ذلللك الثمللن نقللدًا‪ ،‬وقللد اتفللق المجلللس علللى‬
‫تحريمها بهذا المعنللى؛ لمللا رواه المللام أحمللد وسللعيد بللن‬
‫منصور من طريق أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية‬
‫بنت أنفع أنها قالت‪ ) :‬دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم على‬
‫عائشة رضي الله عنها فقالت أم ولد زيللد بللن أرقللم‪ :‬إنللي‬
‫بعت غلما ً من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم‬
‫اشتريته منه بسللتمائة درهلم‪ ،‬فقللالت لهلا‪ :‬بئسلما شللريت‬
‫وبئسما اشتريت‪ ،‬أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطللل جهللاده‬
‫مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إل أن يتللوب (‪ ،‬فللإن‬
‫الظللاهر أنهللا ل تقللول مثللل هللذا القللول وتقللدم عليلله إل‬
‫بتوقيف سمعته من رسول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم‪،‬‬
‫فجرى ذلك مجرى روايتها عنه‪ ،‬ولنه ذريعة إلى الربا‪ ،‬فإنه‬
‫يللدخل السلللعة ليسللتبيح بيللع خمسللمائة بللألف إلللى أجللل‬
‫معلوم‪ ،‬ولما رواه المام أحمد فللي ]مسللنده[ مللن طريللق‬
‫عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر رضللي الللله عنهمللا قللال‪:‬‬
‫سمعت النبي – صلى الله عليه وسلللم‪ -‬يقللول‪ " :‬إذا ضللن‬
‫الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر‬
‫وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهللم ذل ً فل يرفعلله‬

‫‪538‬‬
‫عنهم حتى يراجعوا دينهم"‪ .‬ورواه أبو داود في ]سننه[ من‬
‫طريق عطللاء الخراسللاني أن نافع لا ً حللدثه عللن ابللن عمللر‬
‫رضي الله عنهما قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليلله‬
‫وسلم يقول‪ :‬فذكر الحديث‪ .‬ورواه السري بللن سللهل مللن‬
‫طريللق ثللالث عللن عطللاء عللن ابللن عمللر رضللي الللله‬
‫عنهما‪،‬ولن ابن عبللاس رضللي الللله عنهمللا لمللا سللئل عللن‬
‫حريلرة بيعلت إللى أجلل ثلم اشلتريت بأقلل قلال‪ :‬دراهلم‬
‫بدراهم دخلت بينهما حريللرة‪ ،‬ولن أنللس بللن ماللك رضللي‬
‫الله عنه لما سئل عن العينة قال‪ :‬إن الله ل يخدع هذا مما‬
‫حرم الله ورسللوله‪ ،‬ولن العينللة بللالمعنى المتقللدم بيعتللان‬
‫في بيعة فكانت محرمة؛ لما رواه أبو داود فللي سللننه مللن‬
‫حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليلله‬
‫وسلم قال‪ " :‬من بللاع بيعللتين فللي بيعللة فللله أوكسللهما أو‬
‫الربا"‪ ،‬ويلتحق بذلك بيع المشتري مللا اشللتراه لمللن بللاعه‬
‫إياه حال ً أو مؤجل ً قبل أن يقبضه منه بأكثر من ثمنلله؛ لمللا‬
‫تقدم‪ ،‬ولما فيه من ربح ما لم يضللمن‪ ،‬ولمللا فيلله مللن بيللع‬
‫الدين بالدين إذا كان مؤج ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬التورق‪ :‬وله صور‪ :‬منهللا أن يطلللب إنسللان مللن آخللر‬
‫ألف ريال مثل ً إلى أجل فيقول له‪ :‬المطلوب منه‪ :‬العشرة‬
‫ل‪ ،‬ويتواطللآن علللى ذلللك‬ ‫باثني عشرة‪ ،‬أو بخمسة عشر ريا ً‬
‫ثم يجريان بيعا ً صوريا ً يحقق بيع النقللود بالسللعر المتواطللأ‬
‫عليه‪ ،‬وهذا محرم؛ لن المقصود منه بيع ريالت نقدا ً بأكثر‬
‫منها إلى أجلل‪ ،‬والعقلود تعتلبر بمقاصلدها؛ لحلديث " إنملا‬
‫العمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امرئ ما نوى"‪ ،‬فكان هذا عين‬
‫الربا مع زيادة المخادعة والحتيال‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن يحتاج إنسان إلى نقود للستهلك أو التوسع بهللا‬
‫ل‪ ،‬فيشتري من آخر سلللعة إلللى أجللل بللأكثر‬ ‫في تجارته مث ً‬
‫من سللعر مثلهللا حللا ً‬
‫ل؛ ليبيعهللا بعللد قبضللها علللى غيللر مللن‬
‫اشتراها منه فهذه ل ربا فيها‪ ،‬ول يصدق فيهللا أنهللا بيعتللان‬
‫في بيعة فهي جائزة؛ لعموم قوله تعللالى‪ " :‬يللا أيهللا الللذين‬
‫آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" )‪ ،(1‬ولما‬
‫صح من الحاديث في جواز البيع لجل وبيللع السلللم‪ ،‬لكللن‬
‫إذا انتهز البللائع فرصللة حاجللة المشللتري فشللق عليلله فللي‬

‫‪539‬‬
‫زيللادة الثمللن كللثيرا ً كللان ذلللك مخالف لا ً لسللماحة السلللم‬
‫ومنافيا ً لواجب الخوة والتراحم بيللن المسلللمين ولمكللارم‬
‫الخلق‪ ،‬وكان مدعاة إلى التقاطع والتدابر وتوليد الحقللاد‪،‬‬
‫ولهذا خطره وأثره السيء في فساد المجتمللع‪ ،‬وقللد ثبللت‬
‫في حديث جابر بن عبد الللله رضللي الللله عنهمللا أن النللبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪ " :‬رحللم الللله امللرءا ً سللمحا ً إذا‬
‫بللاع‪ ،‬سللمحا ً إذا اشللترى‪ ،‬سللمحا ً إذا قضللى‪ ،‬سللمحا ً إذا‬
‫اقتضى" رواه البخاري وابن ماجه‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬يمكن القضلاء عللى جشلع ملن يحتلالون بلأنواع ملن‬
‫البيوع المحرمة على اسللتغلل حاجللة المضللطرين بللالمور‬
‫التية‪.‬‬
‫‪ -1‬التوعيللة الشللاملة‪ :‬يقللوم العلمللاء بتللبيين أنللواع الللبيوع‬
‫المحرمة ويحذرون الناس من التعامل بهللا؛ لمللا فيهللا مللن‬
‫التعللرض لغضللب الللله وسللخطه‪ ،‬ولمللا يللترتب عليهللا مللن‬
‫أخطار على المة وخاصة المحتاجين ومللا ينشللأ عنهللا مللن‬
‫أضللرار اجتماعيللة وماليللة مللن توليللد الضللغائن والحقللاد‬
‫وتقطيع أواصر المحبة والخاء وتكبيل مللن صللاروا فريسللة‬
‫للتحايل في البيوع وسائر المعاملت‪ ،‬والتلعب فيها بكثرة‬
‫الديون وتراكمها على الضعفاء وشغل القضاة وولة المور‬
‫بالخصللومات‪ ،‬ويكللون ذلللك بإلقللاء الخطللب والللدروس‬
‫بالمساجد والمحاضرات في النوادي والتلفزيللون والذاعللة‬
‫والمجتمعلللات العاملللة وبنشلللر المقلللالت فلللي الصلللحف‬
‫والمجلت‪ ،‬فإن لذلك التأثير البين ‪-‬إن شاء الله‪ -‬على ذوي‬
‫القلللوب الحيللة والنفللوس الطيبللة‪ ،‬وبلله يخللف الجشللع‬
‫والحتيال لكل الموال بالباطل‪.‬‬
‫‪ -2‬ينصح الناس بالقتصاد في النفقات وعدم التوسللع فللي‬
‫وسائل الترف‪ ،‬وينصح من عنللده رأس مللال يتجللر فيلله أل‬
‫يدخل في مداينات أو معللاملت محرمللة ليتوسللع بهللا فللي‬
‫رأس ماله‪ ،‬وليستغن بما آتاه الله وما أباحه له مللن طللرق‬
‫التجار والكسب الحلل عما حرمه الله عليه؛ شكرا ً لنعمة‬
‫الللله عليلله ‪ ،‬عسللى أن يزيللده الللله سللبحانه وتعللالى مللن‬
‫فضله‪.‬‬

‫‪540‬‬
‫‪ -3‬الخذ عللى يللد المتلعلبين فللي المعلاملت‪ :‬يقللوم ولة‬
‫المور بمراقبة السواق العامة والمحلت التجارية لمعرفة‬
‫ما يجري فيها من المعاملت المحرمة‪ ،..‬ويأخذون على يد‬
‫من حصل منلله ذلللك فيعزرونلله بمللا يردعلله مللن حبللس أو‬
‫ضرب أو غرامات مالية أو بمصادرة العوض فللي المعاملللة‬
‫المحرمة إلى أمثال هذا مما يرونه زاجرا ً للمسيء ولمثاله‬
‫الللذين لللم يسللتجيبوا للتوعيللة والرشللاد‪ ،‬ولللم تللؤثر فيهللم‬
‫الللدروس والمللواعظ فلللم يعبللؤوا بالتحللذير‪ ،‬ولللم يبللالوا‬
‫بالوعيد والجزاء‪ ،‬وهذا مما يقضي علللى جشللعهم أو يقلللله‬
‫إن شاء الله‪ ،‬ويجعلهم على حللذر مسللتمر مللن السللتغلل‬
‫السيئ والكسب المحرم‪.‬‬
‫‪ -4‬توجيه الللزراع إلللى بنللك التسللليف الزراعللي؛ ليتعللاملوا‬
‫معلله فيأخللذوا منلله مللا يحتللاجونه لمزارعهللم مللن اللت‬
‫الزراعية وغيرها بأسعار معتدلة تدفع على أقساط مناسبة‬
‫دون ربا ً أو إرهاق أو استغلل للظروف‪.‬‬
‫‪ -5‬توجيه من يريد بناء مسكن له أو من يريد التوسللع فللي‬
‫بناء مسللاكن للسللهام فللي حللل أزمللة المسللاكن‪ ،‬ولينتفللع‬
‫بذلك – إلى صندوق التنمية والستثمار العقاري ليقدم إليه‬
‫من المال ما يستعين به في إقامللة مللا يريللد مللن بنللاء ثللم‬
‫يسللدد مللا أخللذه أقسللاطا ً ل يشللق عليلله الوفللاء بهللا فللي‬
‫مواعيدها دون أن يتقاضى الصندوق على ذلك منه ربًا‪.‬‬
‫‪ -6‬إرشاد من يحتاج إلى قرض لشئون أخرى يحتاجها فللي‬
‫حياته أن يتقدم إلى البنك السلمي أو أحد الفراد الغنيللاء‬
‫بإبداء حاجته ليعطيه قرضا ً بل ربا ً يسد به حاجته‪.‬‬
‫والله ولي التوفيق‪ ،‬وصلى الله على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله‬
‫وصحبه وسلم‪.‬‬
‫هيئة كبار العلماء‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة‪ ،‬الية ‪.282‬‬
‫هيئة كبار العلماء‬
‫…‬
‫…‬
‫رئيس الدورة الحادية العاشرة‬
‫…‬

‫‪541‬‬
‫…‬
‫عبد الله بن محمد بن حميد‬
‫عبد العزيز بن صالح‬
‫…‬
‫عبد المجيد حسن‬
‫…‬
‫عبد الله بن خياط‬
‫إبراهيم بن محمد آل الشيخ‬
‫…‬
‫عبد الرزاق عفيفي‬
‫…‬
‫سليمان بن عبيد‬
‫عبد الله بن غديان‬
‫…‬
‫عبد العزيز بن باز‬
‫…‬
‫راشد بن خنين‬
‫صالح بن لحيدان‬
‫…‬
‫محمد الحركان‬
‫…عبد الله بن منيع‬
‫محمد بن جبير‬
‫…صالح بن غصون …عبد الله بن قعود‬
‫==============‬
‫‪ #‬تعقيب على فتوى )اشتراط الغرامة المالية‬
‫لجل التأخير(‬
‫د‪ .‬سامي بن إبراهيم السويلم ‪2/5/1427‬‬
‫‪29/05/2006‬‬
‫نشللرت فتللوى بعنللوان‪) :‬اشللتراط الغرامللة الماليللة لجللل‬
‫التلأخير (‪ ،‬للشليخ اللدكتور‪ /‬سلامي بلن إبراهيلم السلويلم‬
‫"بللاحث فللي القتصللاد السلللمي"‪ ،‬وقللد ورد إلللى الموقللع‬
‫تعقيب على الفتوى المذكورة من أحد الخوة الزوار‪ ،‬وبعد‬
‫عرضه على الشيخ أجاب بما يلي‪:‬‬

‫‪542‬‬
‫التعقيب‪:‬‬
‫آمل من فضيلة الدكتور بيان كيف كانت المسألة من قبيل‬
‫ربا الجاهلية‪ ،‬ووجه السؤال أن الغرامة ليست فللي جللانب‬
‫دافع المال‪ ،‬وإنما في جانب بائع البضاعة ‪-‬إن كللان فهمللي‬
‫صحيحًا‪ -‬وهذه الغرامة فيما يظهر لللي مللن قبيللل الشللرط‬
‫الجزائي‪ .‬ولو أن التحريم بنللي علللى مللا فيهللا مللن الضللرر‬
‫البالغ فل إشكال‪ .‬مجرد تسللاؤل أرجللو أن يتسللع للله صللدر‬
‫فضيلة الدكتور‪ .‬وشكرا ً للجميع‪.‬‬
‫الرد‪:‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫أشكر الخ الكريم على ملحظته‪ ،‬وأرجو أل يبخللل القللارئ‬
‫بما يراه لن هذا من النصيحة في الدين التي أمر بها النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وأود أن أنبه الخ إلللى أن السللؤال نللص علللى أن الغرامللة‬
‫هي ألف ريال لكل يوم تأخير‪ ،‬دون أن يذكر تحديللدا ً للحللد‬
‫القصللى مللن الغرامللة‪ ،‬ودون أن يربللط الغرامللة بالضللرر‬
‫الواقع على المشتري‪.‬‬
‫وهذا يعني أنه بمجرد مضي الوقت يستحق المشتري مبلغ‬
‫ألللف ريللال علللى البللائع دون أي مقابللل‪ .‬ول ريللب أن هللذا‬
‫الشرط بهذه الصيغة من الظللم الللبين علللى البللائع‪ ،‬ومللن‬
‫أكل المال بالباطل بالنسبة للمشللتري‪ ،‬لنلله يحصللل علللى‬
‫هذا المبلغ دون أي مقابل لمجرد مضي الزمللن‪ ،‬وهللذا هللو‬
‫الظلم الحاصل في ربا الجاهلية‪ ،‬حيث يحصل الدائن علللى‬
‫مبالغ مالية ل لشئ إل لمجرد تأخر المدين في السداد‪.‬‬
‫والشرط الجللزائي الللذي أجللازه مجمللع الفقلله وهيئة كبللار‬
‫العلماء له شروط تحول بينه وبين أن يكون من باب الربا‪.‬‬
‫فليس في الشرط الجزائي غرامة مفتوحة مرتبطة بمجرد‬
‫التأخير‪ ،‬بللل إمللا أن تكللون مرتبطللة بالضللرر الللذي تحمللله‬
‫الطرف الخر‪ ،‬وإما أن تكون محللددة بمللا ل يتجللاوز مبلغلا ً‬
‫محددا ً )‪ %5‬مثل ً من قيمة العقد(‪ ،‬وفي هذه الحالللة يعتللبر‬
‫الشرط الجزائي نظير العربون‪ ،‬كما أشار للذلك علدد ملن‬
‫البحوث التي تناولت الموضوع )انظر مجلللة مجمللع الفقلله‬
‫السلمي‪ ،‬الللدورة ‪ ،12‬مجلللد ‪ .(2‬وفللي جميللع الحللوال ل‬

‫‪543‬‬
‫يمكن أن تصل غرامة التأخير إلى ما يسللاوي ثمللن المللبيع‬
‫كله )أي ‪ %100‬ملن قيملة العقلد( لن هلذا ينلاقض أصلل‬
‫العقد القائم على المعاوضة‪ ،‬ويجعل الشرط سببا ً للكسب‬
‫وليس المبيع الذي هو سبب العقد ابتداء‪.‬‬
‫وأما ما أشار له الخ بأن الغرامة هي مللن جللانب البضللاعة‬
‫وليس من جانب النقد‪ ،‬فإن هذا ل ينفي عنها الربا‪ ،‬كما أن‬
‫الفائدة يمكن أن تكون خدمة‪ ،‬أو سلعة‪ ،‬إذا اشترطت فللي‬
‫الدين ول يلزم أن تكون نقودًا‪.‬‬
‫فالزيادة في الدين مقابل التأخير ربللا مطلق لًا‪ ،‬سللواء كللان‬
‫الدين نقودا ً أو سلعًا‪ ،‬وسواء كانت الزيادة نقللودا ً أو سلللعًا‪،‬‬
‫م لنلله زيللادة‬ ‫سل َ ْ‬
‫ولهذا منع المجمع الشرط الجزائي في ال ّ‬
‫في الدين‪ ،‬مع أن الدين سلعة وليس نقودًا‪.‬‬
‫والشرط الجزائي المتضمن للتعويض المالي‪ ،‬يشترط فيه‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬أل يكون التعويض علللى المللدين فللي عقللد مداينللة‪ ،‬فل‬
‫م‪ ،‬ول‬ ‫سلل َ ْ‬
‫يجوز اشتراط التعويض عللى البللائع فللي عقللد ال ّ‬
‫علللى المشللتري فللي الللبيع الجللل‪ .‬وكللذلك ل يكللون علللى‬
‫المشتري فللي عقللود الستصللناع والتوريللد ونحوهللا‪ .‬ومللن‬
‫الفقهاء المعاصرين من يمنع التعويض عن التللأخير مطلقلا ً‬
‫في كل العقود لن فيه شللبهة ربللا النسلليئة )راجللع بحللوث‬
‫المجمع ومناقشاته(‪.‬‬
‫‪ .2‬أن يرتبط التعويض بالضرر الذي يلحق بالمشللتري فللي‬
‫عقللود المقللاولت والستصللناع والتوريللد‪ .‬وقللد نللص قللرار‬
‫المجمع على أن الضرر هنا يشمل الضرر المالي الفعلللي‪،‬‬
‫ول يشمل الضرر الدبي‪ ،‬أو المعنللوي‪ ،‬ول فللوات الكسللب‬
‫المحتمل‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يكون هذا الضرر ناتجلا ً عللن تفريللط البللائع وإهمللاله‬
‫في اللتزام بالعقد‪ ،‬وليس لمر خللارج عللن إرادتلله‪ .‬كمللا ل‬
‫يصح اشتراط التعويض إذا كان الضرر ناتجا ً عن سبب آخر‬
‫ل علقة له بالبائع‪ ،‬ول إذا انتفى الضرر‪.‬‬
‫‪ .4‬وقد نص عدد من الفقهاء على أنلله ل يجللوز أن يتجللاوز‬
‫مقدار التعويض عن الضرر المالي قيمة الصفقة الجماليللة‬
‫)كما في بحوث المجمع ومناقشاته(‪ ,‬لئل يجتمع للمشللتري‬

‫‪544‬‬
‫الثمن والمثمن‪ ،‬فيفضي إلى الربح بدون مقابللل‪ .‬كمللا أنلله‬
‫من المقرر عند الفقهاء أن ضمان المتلفات يكللون بالمثللل‬
‫أو بالقيمة‪ ،‬فإذا تأخر البائع فللي تسللليم المللبيع فللإنه علللى‬
‫أسوأ الحوال يكون كما لو أتلف المبيع‪ ،‬فليس عليلله حينئذ‬
‫سوى المثل أو القيمللة‪ .‬فل يجللوز اشللتراط تعللويض مللالي‬
‫يزيد عن قيمللة الصللفقة )كمللا أفللاده فضلليلة الشلليخ علللي‬
‫الندوي(‪.‬‬
‫وفي الصورة محل السؤال فإن الغرامللة وإن كللانت علللى‬
‫البائع لكنها غير محددة بالضرر‪ ،‬بل بمدة التأخير فحسللب‪.‬‬
‫وهذا ل يمكللن أن يكللون مقبللول ً لنلله يللؤدي إلللى أن يربللح‬
‫المشتري من مجرد التأخير‪ ،‬وهذه هي حقيقللة الربللا‪ .‬كمللا‬
‫أنه يؤدي إلى أن يربح المشتري أكثر مللن قيمللة الصللفقة‪،‬‬
‫فيكون كسللبا ً دون مقابللل وأكل ً للمللال بالباطللل‪ .‬كمللا أنهللا‬
‫تللؤدي إلللى ظلللم البللائع بتحميللله مبللالغ طائلللة تتجللاوز مللا‬
‫يستحقه المشتري‪ .‬فسبب المنع هنا أمران‪ :‬الظلم والربا‪،‬‬
‫وهما متلزمان‪ .‬والله تعالى أعلم‬
‫==============‬
‫دين‬
‫‪ #‬موقف الشريعة السلمية من ال ّ‬
‫د‪.‬سامي بن إبراهيم السويلم ‪15/10/1426‬‬
‫‪17/11/2005‬‬
‫الحمد لللله والصلللة والسلللم علللى محمللد بللن عبللد الللله‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبه ومن واله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فهللذه الدراسللة محاولللة لبنللاء موقللف وتصللور متكامللل‬
‫للتمويل بالدين في القتصاد السلمي‪ .‬وهي لهذا الغللرض‬
‫تنطلق من ثلثة أسس‪ :‬المصالح والمفاسد المترتبة علللى‬
‫هذا النمط من التمويل؛ والحاديث والثار الواردة في هللذا‬
‫البللاب؛ واسللتقراء عللدد مللن الحكللام الفقهيللة المتصلللة‬
‫بالمعاوضات المالية‪.‬‬
‫وتنبع أهمية البحث في هذا الموضوع من جهتين‪:‬‬
‫الولى أن الباحث لم يقف على معالجة مباشللرة وشللاملة‬
‫لحكم الستدانة في الشريعة السلمية‪ ،‬من المتقللدمين أو‬
‫المعاصرين‪ .‬وموقف الشريعة المطهللرة مللن الللدين ليللس‬
‫مجرد حكم ٍ شرعي‪ ،‬كما يتضح من البحث‪ ،‬بللل هللو مقصللد‬

‫‪545‬‬
‫مللن مقاصللد الشللريعة الللتي تللوجه السلللوك القتصللادي‬
‫للمجتمللع المسلللم‪ ،‬فالحاجللة إلللى اسللتقراء النصللوص‬
‫والحكام الشللرعية للكشللف عللن هللذا المقصللد الشللرعي‬
‫تظهر جلية‪.‬‬
‫الثانيللة‪ :‬مللا تعللاني منلله كللثير مللن المجتمعللات اليللوم مللن‬
‫اسلللتفحال المديونيلللة‪ ،‬العاملللة والخاصلللة‪ ،‬السلللتهلكية‬
‫والستثمارية‪ ،‬وما يترتب على ذلللك مللن اضللطراب أدائهللا‬
‫القتصادي واستقرارها الجتماعي‪ .‬وليس في الفق‪ ،‬حتى‬
‫الن‪ ،‬ما يشير إلى انحسار هذا التجاه‪ .‬بل المؤشرات تدل‬
‫على عكس ذلك‪ ،‬بالرغم مللن كللثرة التصللريحات والوعللود‬
‫بتقليص المديونيللة‪ .‬وقللد ظهللرت للعيللان اليللوم المسللاوئ‬
‫القتصللادية لهللذا الوضللع‪ ،‬مللع الزديللاد المطللرد فللي عللدد‬
‫الدراسات التي تفصللل هللذا المسللاوئ مللن خلل النظريللة‬
‫القتصادية الوضعية‪ .‬فللي هللذه الجللواء تبللدو الحاجللة إلللى‬
‫التعرف على موقف الشريعة المطهرة من هذه الظللاهرة‬
‫ملحة على المستويين النظري والعملي‪.‬‬
‫ومللللن خلل اسللللتقراء المصللللالح والمفاسللللد الخلقيللللة‬
‫والقتصللادية المترتبللة علللى الللدين‪ ،‬وفللي ضللوء النصللوص‬
‫النبوية الواردة في هذا الباب‪ ،‬ومللن خلل اسللتقراء جملللة‬
‫من الحكام الشرعية المتصلة بالمعاوضات الماليللة‪ ،‬تصللل‬
‫الدراسة إلى أن الشريعة السلمية ل تشللجع علللى الللدين‬
‫ول ترغللب فيلله‪ ،‬وأن أحللد مقاصللد التشللريع فللي بللاب‬
‫المعاملت هو الحد من التوسع في المديونية‪.‬‬
‫==========‬
‫‪ #‬صورة من بيع التورق المنظم‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عبد الله بن محمد الطيار ‪19/2/1427‬‬
‫‪19/03/2006‬‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بللالله مللن‬
‫شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فل مضللل‬
‫له ومن يضلل فل هادي له وأشهد أن ل إله إل الله وأشهد‬
‫أن محمدا ً عبده ورسوله وبعد‪:‬‬
‫فيعد فقه المعاملت من أهم المهمللات الللتي ينبغللي لكللل‬
‫مللن يتعامللل بهللا المعرفللة بلله حللتى ل يقللع فللي محظللور‬

‫‪546‬‬
‫شرعي‪ ،‬وبخاصة في هذا الزمان الذي اختلطت فيه المور‬
‫وكثرت فيه المعاملت وأصبح بعض الناس ل يتورعون في‬
‫كسبهم مللن تجللارتهم وبيعهللم وشللرائهم‪ ،‬فكللم واحللد مللن‬
‫الناس ل ينظر إلى نوع المعاملت وحكم الشللرع فيهللا ثللم‬
‫بعد وقوعه في المخالفة يسأل وهذا مما نلحظه كثيرا ً من‬
‫خلل السئلة التي تعرض على أهل العلم‪.‬‬
‫وحيث إن الفقه في المعاملت وبخاصللة فقلله الللبيوع ممللا‬
‫يحتاج الناس إليه كثيرا ً إذ ل يمر يوم إل فيه بيع وشراء من‬
‫أفراد الناس‪ ،‬لذا رأيت وضع رسالة بسيطة أوضح فيها مللا‬
‫يجب أن يكون في البيع والشراء ل سيما بيوع التقسيط‪.‬‬
‫وهللذه الرسللالة بينللت فيهللا نوع لا ً مللن أنللواع الللبيوع الللتي‬
‫انتشرت في هللذه الفللترة وهللو مللا يسللمى بللبيع الصللابون‬
‫ويقللاس عليله غيللره ممللا يتعامللل بله النللاس فلي مسلائل‬
‫التورق الكثيرة كبيع بطاقللات )سللوى( والقهللوة‪ ،‬والشللاي‪،‬‬
‫والهيلللل‪ ،‬والرز‪ ،‬ومناديلللل الفلللاين‪ ،‬وغيرهلللا كالسللليارات‬
‫والسهم‪.‬‬
‫ولعل من أبرز أسباب تللأليف الرسللالة أنلله أثنللاء لقللاء مللع‬
‫فضيلة الشيخ عقيل الشمري الداعيللة فللي مركللز الللدعوة‬
‫في حفر الباطن‬
‫وبعد طرحه مجموعللة مللن السللئلة حللول هللذا النللوع مللن‬
‫الللبيوع "بيللع الصللابون" طللب منللي وضللع رسللالة صلغيرة‬
‫ق‬
‫بأسلوب واضح يستفيد منها عامة الناس‪ ،‬وحيث إن طللّر َ‬
‫هذا الموضوع كانت تراودني فكرته منذ وقت‪ ،‬وذلك عندما‬
‫تم لقاء فللي منطقللة تبللوك مللع بعللض العسللكريين وكللانوا‬
‫يسألون كثيرا ً عن هللذا التعامللل‪ ،‬ولمللا للشلليخ عقيللل مللن‬
‫مكانة في نفسي‪ ،‬ورغبة في نشر العلم ونفع المللة كللانت‬
‫هذه الرسالة التي أسأل الله أن يجعلهللا مباركللة وأن يعللم‬
‫نفعها من كتبها أو قرأها‪ ،‬أو سمعها‪ ،‬أو أشار بها‪ ،‬إنلله ولللي‬
‫ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد‪.‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عبد الله بن محمد الطيار‬
‫التعريف بالرسالة‬
‫الرسالة هي عبارة عن مسائل في فقه الللبيع وخاصللة بيللع‬
‫الصللابون‪ ،‬وهللذه السللئلة جمعهللا فضلليلة الشلليخ عقيللل‬

‫‪547‬‬
‫الشمري وأرسلها لي للجابة عليهللا وجعلتهللا كمللا أسلللفت‬
‫في رسالة ليعللم بهللا النفللع ولتمللام الفللائدة أضللفت بعلض‬
‫المسائل التي لم يذكرها الشيخ لعموم الوقوع فيها وكثرة‬
‫السؤال عنها‪.‬‬
‫وليعلم أخي القللارئ أن هللذه المسللائل فللي بيللع الصللابون‬
‫تنطبق على غيره مما يتعامل به الناس فللي كللل بلللد ممللا‬
‫يجعلونه وسلليلة للحصللول علللى المللال‪ ،‬ومسللائل التللورق‬
‫توسللع فيهللا النللاس كللثيرًا‪ ،‬ولكللن إذا ضللبطت بالضللوابط‬
‫الشرعية فل حرج فيهللا ‪ ،‬أمللا إذا كللانت تحللايل ً علللى الربللا‬
‫فهللي محرمللة مهمللا كللانت المعللاذير والسللباب‪ ،‬والللله‬
‫المستعان‪.‬‬
‫المسألة الولى‪:‬‬
‫هل هناك في الشريعة بيع يسمى بهذا السم؟‬
‫الحمد لله والصلة والسلم علللى رسللول الللله وعلللى آللله‬
‫وصحبه ومن اهتدى بهداه‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫أقول وبالله التوفيق ل يوجد في الشريعة مللا يسللمى بللبيع‬
‫الصابون‪ ،‬ول بيللع الشللاي‪ ،‬ول القهللوة‪ ،‬ول بيللع كللذا وكللذا‪،‬‬
‫وإنما هو نوع من البيوع التي متى اشللتملت علللى شللروط‬
‫صللحة الللبيع حكللم بصللحة هللذا الللبيع ومللتى تخلفللت هللذه‬
‫الشروط وفقللدت أو فقللد بعضللها حكللم ببطلن هللذا الللبيع‬
‫وعدم صحته‪.‬‬

‫فالصل في البيع الحل لقوله تعالى‪":‬وأحل الله البيع" )‪(1‬‬


‫ولما كانت حاجة الناس إلى البيع ضرورية جاءت الشللريعة‬
‫بإبللاحته وحللله‪ ،‬لكللن جعلللت للله ضللوابط تحكملله‪ ،‬وهللذه‬
‫الضوابط حماية لكل من البائع والمشتري‪ ،‬ومن تأمل فيها‬
‫علم أن شللريعة السلللم ذات محاسللن جمللة بللل علللم أن‬
‫شللريعة السلللم هللي الشللريعة المناسللبة للفطللرة الللتي‬
‫ارتضاها الرب سبحانه لنفسه‪ ،‬ورضيها لخلقه‪ ،‬حيللث قللال‪:‬‬
‫"ورضيت لكم السلللم دين لًا" )‪ (2‬فكللونه سللبحانه وتعللالى‬
‫رضيها لنا وذلك يوجب أن نتحاكم إليها فللي جميللع شللؤوننا‬
‫الدينية والدنيوية‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪:‬‬

‫‪548‬‬
‫ما السم الشرعي الصحيح لمثل هذا البيع؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫ليس هناك اسم شرعي يسمى به هذا النللوع مللن الللبيوع‪،‬‬
‫بل هو نوع مللن أنللواع الللبيوع الللتي يشللترط فيهللا شللروط‬
‫فمللتى اسللتوفاها سللمي بيع لا ً صللحيحًا‪ ،‬ومللتى افتقللدها أو‬
‫تخلف بعضها سمي بيعا ً باط ً‬
‫ل‪.‬‬
‫أما تسمية بيع الصابون بهللذا السللم فل أعللرف أحللدا ً مللن‬
‫الفقهاء ذكره بهذا السم فهم يذكرون أسماء بيللوع منهللي‬
‫عنها‪ ،‬أو مختلف فيها‪ ،‬كبيع المصحف مثل ً هل هللو جللائز أم‬
‫غير جائز‪ ،‬أو بيع الصلنام‪ ،‬والتماثيلل أو بيلع الكللب‪ ،‬ونحلو‬
‫ذلك مما جاءت نصوص السنة بالنهي عنه‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪:‬‬
‫ما ضوابط بيع التورق؟‬
‫قبل أن نبين ضوابط هذا النوع من الللبيوع مللن الضللروري‬
‫بيان معناه وذلك لن هذا النوع من البيوع لللم يسللمه بهللذا‬
‫السم أعني )التورق( إل فقهلاء الحنابللة أملا غيرهلم فقلد‬
‫جعلوه في المسائل المتعلقللة بللبيع العينللة وأدرجللوه فيهللا‪،‬‬
‫ولم يفرده باسما ً خاصا ً إل الحنابلة كما ذكرنا‪.‬‬
‫فنقول بيع التورق فللي اصللطلح الفقهللاء هللو‪ :‬أن يشللتري‬
‫سلعة نسيئة )أي بأجل(‬
‫ثم يبيعها نقدا ً – لغير البائع‪ -‬بأقل مما اشتراها بلله ليحصللل‬
‫بذلك على النقد‪.‬‬
‫أما حكم هذه المسألة فقد اختلف فيها الفقهللاء‪ ،‬فجمهللور‬
‫أهل العلم علللى أنهلا جلائزة‪ ،‬وعلللوا ذلللك بلأن المشللتري‬
‫للسلعة يكون غرضه منها إما عينها‪ ،‬وإما عوضللها وكلهمللا‬
‫غرض صحيح‪ ،‬وعللوا أيضا بللأنه نللوع مللن الللبيوع الللتي لللم‬
‫يظهر فيها قصد الربا وصورته‪ ،‬ولهذا أفتت اللجنة الدائمللة‬
‫للبحوث العلمية بجوازه )‪ (3‬وهذا هو الصحيح‪.‬‬
‫أما القول الثاني فهو القول بتحريمه ) التورق( وهو روايللة‬
‫عن المام أحمد‪ ،‬واختارها شيخ السلم ابللن تيميللة‪ ،‬وكللذا‬
‫ابن القيم‪ ،‬وانتصر لها بقوة وعللوا ذلك بللأن الغللرض منهللا‬
‫هللو أخللذ دراهللم بللدراهم ودخللول السلللعة بينهللا للتحليللل‬
‫وتحليللل المحللرم بالمسللائل الللتي ل يرتفللع بهللا حصللول‬

‫‪549‬‬
‫المفسدة ل يغني شيئا ً لقوله صلى الله عليه وسلم "وإنما‬
‫لكل امرئ ما نوى" )‪.(4‬‬
‫الصحيح القول بجواز هذا النللوع مللن الللبيوع نظللرا ً لحاجللة‬
‫الناس وقلة من يقرضهم‪.‬‬
‫أما عن الضوابط الشرعية لمسألة التورق فقد ذكر بعللض‬
‫أهل العلم شروطا ً لجوازها‪ ،‬منها‪:‬‬
‫)‪ (1‬كون المشتري محتاجا ً للدراهم فإن لللم يكللن محتاج لا ً‬
‫لها فل يجوز‪.‬‬
‫)‪ (2‬أن ل يتمكن المحتاج من الحصول على المللال بطللرق‬
‫ل‪،‬‬‫أخرى مباحة غير هذه الطريقللة كللالقرض‪ ،‬أو السلللم مث ً‬
‫فإن كان يمكنه الحصول على حاجته بدون التورق لم يجللز‬
‫له ذلك‪.‬‬
‫)‪ (3‬أن ل يشتمل العقد عللى ملا يشلبه صلورة الربلا كلأن‬
‫يقول له بعتك هذه السلعة العشرة أحد عشر‪ ،‬فهللذا كللأنه‬
‫دراهم بدراهم فل يصح‪.‬‬
‫أما الطريقة الصحيح في ذلك أن يقول له بعتك إياها بكللذا‬
‫وكذا إلى سنة مثل‪.‬‬
‫)‪ (4‬أن ل يبيعها المشللتري إل بعللد قبضللها وحيازتهللا لنهللي‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم حيث نهى عن بيع السلع قبللل‬
‫أن يحوزها التجار إلى رحالهم )‪.(5‬‬
‫)‪ (5‬أن ل يبيعها المشتري على من اشتراها منه بأقل ممللا‬
‫اشتراها منه بأي حال من الحوال لن هذا هللو بيللع العينللة‬
‫الذي جاءت نصوص الشريعة بتحريمه‪.‬‬
‫فهذه جملة ملن الضلوابط اللتي ذكرهلا بعلض أهلل العللم‬
‫لجواز بيع التورق‪.‬‬
‫وقد رجح شيخنا الشيخ عبللد العزيللز بللن بللاز ‪-‬رحملله الللله‪-‬‬
‫جواز هذا النوع من البيوع وقد سألته عللام ‪1400‬هل ل أثنللاء‬
‫بحللثي لهللذه المسللألة فللي رسللالة الللدكتوراه‪ -‬البنللوك‬
‫السلمية بين النظرية والتطبيق‪ -‬فقال ياولدي إذا أحسللن‬
‫من يوسع على النللاس النيللة‪ ،‬ولللم يأخللذ ربح لا ً كللثيرا ً فهللو‬
‫مأجور إن شاء الله‪ .‬أما شيخنا الشيخ محمد العثيمين فقللد‬
‫تشدد فيها ومنعها إل بضوابطها الشرعية‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪:‬‬

‫‪550‬‬
‫صفة البيع السائدة‪:‬‬
‫أن يذهب شللخص إلللى أحللد محلت بيللع الجملللة فيشللتري‬
‫كمية من الصابون بمبلللغ )‪ (500‬ريللال مثل ً ويحجزهللا فللي‬
‫زاوية مللن زوايللا المحللل‪ ،‬ثللم يأخللذ فللاتورة بهللا‪ ،‬ثللم يللأتي‬
‫شخص آخر ويشتري منه كمية الصابون بمبلغ )‪ (800‬ريال‬
‫مثل ً مؤجلة أو على أقساط شللهرية‪ .‬ثللم يللذهب بالفللاتورة‬
‫إلى محل الجملة ويبيعها عليهم أو على غيرهم‪.‬‬
‫فما حكم هذه الصورة من البيع؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫قبللل أن نللبين حكللم هللذه الصللورة مللن الللبيوع نللذكر هنللا‬
‫باختصار الشروط المعتبرة شرعا في البيع ليكون صللحيحا ً‬
‫ومللن خللهللا يمكللن للسللائل معرفللة حكللم هللذه الصللورة‬
‫المذكورة‪.‬‬
‫فنقول أول ً من شروط البيع‪:‬‬
‫‪ .1‬كون البيع عن تراض بيللن الطرفيللن؛ لقللوله تعللالى‪":‬إل‬
‫أن تكون تجارة عن تراض" )‪ (6‬ولقللوله صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم "إنما البيع عن تراض" )‪.(7‬‬
‫فمتى أكره النسللان علللى بيللع شلليء فللإن الللبيع ل يكللون‬
‫صحيحا ً إل أن يكللون الكللراه بحللق‪ ،‬فللالبيع يكللون صللحيحا ً‬
‫كمن كان مدينا ً وطالبه الغرماء بالسداد وعنلده سللع فهنللا‬
‫يجبره القاضي على البيع لسداد دين الغرماء ‪.‬‬
‫‪ .2‬كون العاقدين يجوز تصرفهما وهما ممن اجتمعللت فيلله‬
‫ثلثة شروط‪:‬‬
‫)‪ (1‬كونه حرا ً فل يجوز بيع المملوك إل بإذن سيده‪.‬‬
‫)‪ (2‬كونه بالغا ً فيخرج منه من دون البلوغ وهم قسمان‪:‬‬
‫الول‪ :‬من هو دون التمييز‪ ،‬فهذا ل يصح بيعه بإجمللاع أهللل‬
‫العلم‬
‫الثاني ‪ :‬من هو مميز‪ ،‬ولكنه دون البلوغ‪ ،‬وهذا محل خلف‬
‫بين أهل العلم‬
‫)‪ (3‬كونه رشيدا ً ‪:‬‬
‫ل‪ ،‬وهو من‬ ‫فل يصح بيع من ل يحسن التصرف كالسفيه مث ً‬
‫به خفة في عقله فل يصح بيعه ولوكان كبيرا ً لقوله تعالى‪:‬‬
‫"ول تؤتوا السفهاء أموالكم" )‪(8‬‬

‫‪551‬‬
‫‪ .3‬كون المبيع منتفعا ً به كالدراهم‪ ،‬والثيللاب‪ ،‬والحيوانللات‪،‬‬
‫والمشروبات‪ ،‬وغيرها مما يباح نفعه مطلقا ً من غير حاجة‪.‬‬
‫أما ماليس فيه نفع كالحية‪ ،‬والفأرة وغيللر ذلللك ممللا ليللس‬
‫فيه نفع فل يجوز بيعه‪.‬‬
‫‪ .4‬كون المبيع مملوكا ً للبائع‪ ،‬أو مأذونلا ً للله فيلله مللن جهللة‬
‫مللالكه‪ ،‬لقللوله صلللى الللله عليلله وسلللم‪" :‬ل تبللع مللا ليللس‬
‫عندك" )‪.(9‬‬
‫‪ .5‬كون المعقود عليه مقدورا ً على تسليمه‪ ،‬فل يجللوز بيللع‬
‫العبد البق‪ ،‬والجمل الشللارد‪ ،‬ول الفللرس العللاثر )‪ (10‬ول‬
‫يجوز بيللع الطيللور فللي السللماء كالحمللام‪ ،‬والصللقور‪ ،‬ولللو‬
‫ألفت الرجوع لنه ل يقدر على تسليمها‪.‬‬
‫واشترط هللذا الشللرط لن قبللض المللبيع واسللتيلء العاقللد‬
‫عليه هو المقصود مللن الللبيع حللتى يتمكللن المشللتري مللن‬
‫النتفاع به والستيلء عليه‪ ،‬فللإذا عللدم هللذا الشللرط عللدم‬
‫الغرض المقصود وحصل أيضا ً به الغرر الذي جاءت السللنة‬
‫بالنهي عنه‪ .‬فقد روى مسلم في صحيحه عن أبللي هريللرة‬
‫رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهللى عللن‬
‫بيع الحصاة وعن بيع الغرر" )‪.(11‬‬
‫‪ .6‬كون المبيع والثمن معلوما ً للمتعاقدين؛‬
‫فالمعلومية في المبيع تكون بأحد أمرين‪:‬‬
‫‪ .1‬رؤية المبيع كله أو بعضه‪.‬‬
‫‪ .2‬ذكر صفة المبيع‪.‬‬
‫أما معلومية الثمن كأن يكون الثمن معلوما ً قللدره وصللفته‬
‫للطرفين وهل هو حال أو مؤجل‪.‬‬
‫‪ .7‬من الشروط كون المبيع مقبوضا ً للمشتري؛‬
‫فمتى قبض المشللتري سلللعة مللن البللائع واسللتوفاها صللح‬
‫البيع‪ ،‬أما التصرف في البيع قبل القبض فإنه ل يجوز‪.‬‬
‫والقبض يختلف باختلف المبيعات فكل شيء يكون قبضلله‬
‫ل‪ ،‬أو الللدواب‪ ،‬وكللذا‬‫بحسبه‪ .‬فقبض ما يؤكللل كالطعللام مث ً‬
‫السيارات‪ ،‬وغير ذلك مما يتم بالنقللل‪ ،‬يكللون قبضلله بنقللله‬
‫من مكانه الذي بيع فيه‪ ،‬وما يكال ويوزن ويعد يكون قبضه‬
‫بوزنه‪ ،‬وعده‪ ،‬وكيله‪ ،‬بالضافة إلى نقله على الصللحيح مللن‬
‫أقوال أهللل العلللم‪ ،‬وإل فالمللذهب أعنللي مللذهب الحنابلللة‬

‫‪552‬‬
‫يللرون أنلله يكتفللى بكيللله ووزنلله وعللده‪ ،‬لكللن الصللحيح مللا‬
‫ذكرناه من اشتراط النقل وذلك لعدة أمور‪:‬‬
‫)‪ (1‬لن النزاع قد يقع بين البائع والمشتري‪.‬‬
‫)‪ (2‬لعموم حديث زيد بن ثابت‪ ،‬وفيه أن النبي صلللى الللله‬
‫عليه وسلم "نهى أن تباع السلع حيث تبتللاع حللتى يحوزهللا‬
‫التجار إلى رحالهم" )‪ (12‬ولفللظ السلللع هنللا عللام يشللمل‬
‫جميع المبيعات‪.‬‬
‫)‪ (3‬القياس على الحاديث التي وردت في الكيل والللوزن‬
‫ويلحق بها مالم ينص عليه ول يختص بها‪.‬‬
‫)‪ (4‬أن العلة في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع‬
‫السلع حيث تبتاع هو إزالة الضللرر عللن البللائع والمشللتري‪،‬‬
‫فبقاؤها في محل البائع يعرضها إلى بيعها مرة أخرى فقللد‬
‫يشتريها منه من يأتي بثمن أكثر فهنا يحصللل الضللرر علللى‬
‫المشللتري الول‪ .‬أمللا ضللررها علللى البللائع فقللد يتللأخر‬
‫المشتري وتتعرض السلعة للتلللف وبالتللالي يطللالب البللائع‬
‫برد قيمتها أو يفوت بيعها على البائع فيحصللل الضللرر‪ ،‬لللذا‬
‫جاءت الشريعة بإلزام المشللتري بنقللل المللبيع مللن مكللانه‬
‫حتى ل يحصل الضرر‪.‬‬
‫أما الشياء التي ل تنقللل كالراضللي‪ ،‬والعقللارات‪ ،‬ونحوهللا‪،‬‬
‫فيكون قبضها بتخليتها وإيقاف المشللتري عليهللا ويقللال للله‬
‫هذه أرضك أو بيتك‪.‬‬
‫أما البيوت فيكون القبض بتخلية البيت وإعطائه المفاتيح‪.‬‬
‫والخلصة هنا في هذا الشللرط أنلله ل يجللوز التصللرف فللي‬
‫المبيع ول بيعه قبل قبضه على الصورة التي ذكرناها فمتى‬
‫باعه قبل قبضه فالبيع باطل‪.‬‬
‫ومللن هنللا نقللول للسللائل يمكنللك أن تعللرف الجابللة علللى‬
‫سؤالك حول هللذه المسللألة المللذكورة‪ ،‬فنقللول بللأن هللذه‬
‫الصورة المذكورة التي سألت عنها غيللر جلائزة‪ ،‬لن نقلهلا‬
‫من ناحية البائع إلى ناحية أخرى فللي محللل الللبيع ل يعتللبر‬
‫قبضا ً تامًا‪.‬‬
‫المسألة الخامسة‪:‬‬

‫‪553‬‬
‫هللل هللذا الحكللم ينطبللق علللى غيللر الصللابون كالسللمنت‪،‬‬
‫والحديد‪ ،‬ومللواد البنللاء‪ ،‬وبطاقللات سللوى‪ ،‬والشللاي‪ ،‬وغيللر‬
‫ذلك؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫نعم جميع الشروط السابقة في البيع أي التي ذكرناها هي‬
‫شروط في كل مبيع لبد من توافرها فمتى تخلللف بعضللها‬
‫صار البيع غير صحيح‪.‬‬
‫المسألة السادسة ‪:‬‬
‫حكم هذه الصورة من البيع؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫قد تمت الجابة على هذه المسللألة فللي المسللألة الرابعللة‬
‫فلتراجع‬
‫المسألة السابعة‪:‬‬
‫ما الصفة الصحيحة لهذا البيع ليكون جائزا ً ؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫لكي يكللون الللبيع صللحيحا ً فللإنه يشللترط فيلله أن يسللتوفي‬
‫جميع شروط البيع التي ذكرناها آنفًا‪ ،‬أما عن الصللفة الللتي‬
‫ذكرتموها عن بيع الصابون فهي وإن اشللتملت علللى أكللثر‬
‫شروط الللبيع غيللر أنهللا تخلللف عنهللا شللرط القبللض الللذي‬
‫يتناول إخراجها عن محل البائع فل بد أن تنتقل من المحل‬
‫لكي تكون صفة هذا البيع صحيحة‪.‬‬
‫المسألة الثامنة‪:‬‬
‫ما حكم البيوع على القساط؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫البيع بالتقسيط ل حرج فيه لعموم قوله تعالى‪" :‬وأحل الله‬
‫البيع وحرم الربا" )‪ (13‬وقد باع أصحاب بريرة ‪-‬رضي الله‬
‫عنها‪ -‬بريرة نفسللها كاتبوهللا علللى أقسللاط‪ ،‬فللي كللل عللام‬
‫أوقية )وهي أربعون درهمًا( باعوها علللى تسللعة أقسللاط )‬
‫‪ (14‬في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولللم ينكللر ذلللك‬
‫عليهم‪.‬‬
‫لكن يشترط فللي هللذا الللبيع أن تكللون القسللاط معروفللة‬
‫والجال معلومة‪ ،‬فمثل ً إذا اشترى شخص سلليارة قيمتهللا )‬
‫‪ (100،000‬مائة ألف ريال على أقسللاط فل بللد أن تكللون‬

‫‪554‬‬
‫هذه القساط معروفة كأن تكون )‪ (10،000‬عشللرة آلف‬
‫ريال كل سنة مثل ً أو كللل خمسللة أشللهر علللى حسللب مللا‬
‫يتفقان عليه‪.‬‬
‫دليل ذلك قوله تعالى‪":‬يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بللدين‬
‫إلى أجل مسمى فاكتبوه" )‪ (15‬ولقللوله صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم "من أسلف فللي شلليء فليسلللف فللي كيللل معلللوم‬
‫ووزن معلوم إلى أجل معلوم" )‪(16‬‬
‫وخلصلة الجابلة عللى هلذه المسلألة أن اللبيع بالتقسليط‬
‫جائز إذا كانت القساط معروفة والجال معلومة‪.‬‬
‫لكن هنلاك مسلألة وهلي هلل الزيلادة فلي القيملة مقابلل‬
‫الجل جائزة؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫بعض أهل العلم قال بأن الزيادة مقابل الجل غير جللائزة؛‬
‫لنها داخلة في البيع المنهي عنه‪ ،‬وهللو‪ :‬بيعتللان فللي بيعللة‪.‬‬
‫وقال آخرون بل الزيادة ل مانع منها في مقابل الجل وقد‬
‫ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ما يدل على ذلك‬
‫حيث أمر عبد الله بن عمرو بن العاص رضللي الللله عنهمللا‬
‫أن يجهز جيشا ً فكان يشتري البعير بللالبعيرين إلللى أجللل )‬
‫‪(17‬وهذا هو الصحيح وبه قال شيخنا ابللن بللاز وأكللثر أهللل‬
‫العلم‪.‬‬
‫المسألة التاسعة‪:‬‬
‫هل يجوز أن يشتري رجللل الصللابون مثل ً ثللم يحجللزه فللي‬
‫زاوية من زوايا المحل التجاري الذي اشتراه منه؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫لقد جاء نصوص السنة بالنهي عن البيع ما لم يقبللض وقللد‬
‫ذكرنا أصول القبض وطريقته الشرعية وسنذكر هنا طرف لا ً‬
‫من الدلة التي تدل على اشللتراط القبللض والنقللل ليكللون‬
‫السائل على بينة من المر‪ .‬فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬ما رواه أحمد وغيره أن النبي صلللى الللله عليلله وسلللم‬
‫قال لحكيم بن حزام‪" :‬ل تبع ملا ليلس عنلدك" )‪ (18‬أي ل‬
‫تبع ما ل تملكه‪ ،‬وغير القابض للسلعة هو في الحقيقة غيللر‬
‫مالك لها‪.‬‬

‫‪555‬‬
‫‪ .2‬ما رواه البخاري ومسلللم عللن النللبي صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم قال‪" :‬من اشترى طعاما ً فل يبعه حتى يسللتوفيه" )‬
‫‪ (19‬ولذا بوب مسلم علللى هللذا الحللديث باب لا ً فقللال بللاب‬
‫بطلن بيع مالم يقبض وذكر الحديث‪.‬‬
‫‪ .3‬ما رواه مسلم أيضا ً عللن ابللن عمللر رضللي الللله عنهمللا‬
‫قال‪" :‬كنا نشتري الطعام جزافلا ً فبعللث إلينللا رسللول الللله‬
‫صلى الله عليه وسلم من ينهانا أن نبيعه حللتى ننقللله إلللى‬
‫رحالنا" )‪(20‬‬
‫‪ .4‬ما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلللم "نهللى‬
‫أن تبللاع السلللع حيللث تبتللاع‪ ،‬حللتى يحوزهللا التجللار إلللى‬
‫رحالهم" )‪(21‬‬
‫وبهذه الحاديث وغيرها مما جاء في معناها يتضح لنا أنه ل‬
‫يجوز بيللع سلللعة مللا لللم يملكهللا المشللتري ويحوزهللا إلللى‬
‫ملكه ‪ ،‬ويتضح لنا أيضا ً أن ما يفعله البعض من بيللع مللا لللم‬
‫يقبضه أو يشتري السلعة ثم يبيعها في محل البائع قبل أن‬
‫يقبضها القبض الشرعي أن هذا أمر ل يجوز لمللا فيلله مللن‬
‫مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولمللا فيلله مللن‬
‫التلعب بالمعاملت ولمللا يللترتب علللى ذلللك مللن الفسللاد‬
‫والشرور‪ ،‬نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه‪.‬‬
‫أما هل يكون مالكا ً بهذه الصورة التي ذكرها السائل؟‬
‫نقول بأنه ل يكون مالكا ً له حتى ينقله من المحل الذي بيع‬
‫فيه‪ ،‬وإل لم يصح البيع إن باعه في نفس المحل‪.‬‬
‫المسألة العاشرة‪:‬‬
‫هللل يشللترط فللي الللبيع أن ينقللل المشللتري المللبيع؟ ومللا‬
‫ضابط نقله له؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫تمت الجابة على هذه المسألة وذكرنا أنه يشللترط النقللل‬
‫من المكان الذي بيعت فيه وذكرنا الضوابط لذلك‪.‬‬
‫المسألة الحادية عشرة‪:‬‬
‫ما حكم البيع إلى أجل مع زيادة الثمن مقابل الجل؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫ذكرنا أن الصحيح من أقوال أهللل العلللم صللحة الللبيع إلللى‬
‫أجل مع الزيادة في الثمن مقابل الجل فل مانع من هذا‪.‬‬

‫‪556‬‬
‫المسألة الثانية عشرة‪:‬‬
‫ما الحكم لو تم البيع إلى أجل ثم حل الجللل ولللم يسللتطع‬
‫المشتري السداد فهل يجوز للبائع أن يمهله أشهرا ً مقابللل‬
‫أن يزيد في المبلغ؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫ل تجوز الزيادة في مقابل المهال إذا تم البيع أول‪ ،‬بل هذا‬
‫هو ربا الجاهلية الذي جللاءت نصللوص الشللرع بللالنهي عنلله‬
‫والتحذير منه فالحذر الحذر من الوقوع في مثل هذا النوع‬
‫من البيع‪.‬‬
‫المسألة الثالثة عشرة‪:‬‬
‫أحيانا ً ينصرف المشتري عن البائع ولم يتفقللا علللى تحديللد‬
‫الثمن‪ ،‬هل يكون حال أو مؤج ً‬
‫ل؟ بعللد أن تللم الللبيع بينهمللا‪،‬‬
‫ولكن يقول أحللدهما‪ :‬إن حضللر المبلللغ نهايللة الشللهر فهللو‬
‫بالثمن الحال‪ ،‬وإن لم يحضر فهللو بللالثمن المقسللط فهللل‬
‫يصح ذلك؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫ل يصح ذلك‪ ،‬فل بد من التفاق على نوع البيع هل هو حال‬
‫أم مؤجل‪ ،‬فل يتفرقا بالبدان إل بالتفاق على أحدهما إمللا‬
‫حال ً أو مؤجل ً لن هذه صورة من صور البيعللتين فللي بيعللة‬
‫التي جاءت نصوص السنة بتحريمها لما فيهللا مللن الجهالللة‬
‫التي تفضي إلى النزاع والخلف‪.‬‬
‫المسألة الرابعة عشرة‪:‬‬
‫مللا الحكللم لللو أراد البللائع أن يشللتري السلللعة ذاتهللا مللن‬
‫المشتري سواء بالتفاق أو بدونه؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫إذا تم البيع بينهما بطريقته الشرعية الللتي ذكرناهللا سللابقا ً‬
‫بحيث يكون المشتري حاز سلعته حيازة تامللة وقبضللها ثللم‬
‫أراد أن يبيعها إلى البائع الول فهذا يجوز‪ ،‬ولكن بشرط أن‬
‫ل يبيعها بثمن أقل مملا اشلتراها منله‪ ،‬بلل يشلتريها البلائع‬
‫الول بثمنها الذي باعها به أو يشتريها بأكثر مللن ثمنهللا لن‬
‫شراءه لها بأقل يجعلها معاملة ربوية لنها في الحقيقة بيع‬
‫دراهم بدراهم وكأنت السلعة بينهما ما هي إل لتحليل هللذا‬
‫النوع من البيوع وهو بيع العينة المنهي عنه كما ذكرنا‪.‬‬

‫‪557‬‬
‫وللفائدة هنا نبين معنى بيع العينة فقد عرفه الفقهللاء بللأنه‬
‫أن يبيع شيئا ً من غيره بثمن مؤجل ويسلمه للمشللتري ثللم‬
‫يشتريها قبل قبض الثمن نقدا ً بثمن أقل مللن ذلللك القللدر‪،‬‬
‫هذه هي العينة‪.‬‬
‫المسألة الخامسة عشرة‪:‬‬
‫ما حكم الشرط الجلزائي فلي اللديون اللذي تفعلله بعلض‬
‫مكاتب الخدمات حيث يقللوم المشللتري بالسللداد فللي كللل‬
‫شهر فإن تأخر فعن كل شللهر يتللأخره زيلادة )‪ (300‬ريللال‬
‫مث ً‬
‫ل‪.‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫هذا الشرط محرم‪ ،‬لنلله عيللن ربللا الجاهليللة الللذي جللاءت‬
‫نصوص الشريعة بتحريمه والتحذير منه والوعيد لمللن قللام‬
‫به قال تعالى‪" :‬ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مللا بقللي‬
‫من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من‬
‫الله ورسوله‪.(22) "...‬‬
‫المسألة السادسة عشرة‪:‬‬
‫ما الحكم لو شللرط البللائع شللرطا ً جزائيلا ً فقللال‪ :‬إن تللأخر‬
‫المشللتري عللن السللداد فيحللق لللي توكيللل أحللد مكللاتب‬
‫المحاماة على أن يتحمل المشتري جميع تكاليف المعاملة‬
‫المادية؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫هذا الشرط ل يسوغ لما فيه من الغللرر والجهالللة وذريعللة‬
‫لحصول الربا ولما يترتب عليه من مفاسللد كللثيرة‪ ،‬والللذي‬
‫ينبغي على البائع أن يحسللن المعاملللة مللع المشللتري وأن‬
‫يتعامللل معلله بالرحمللة واللطللف والحسللان لن هللذا مللن‬
‫مقاصللد الشللريعة‪ ،‬فشللريعة السلللم تللدعو إلللى الرأفللة‬
‫والرحمة بالبشر وحسللن الداء والقضللاء وإنظللار المعسللر‬
‫والتوسعة عليه‪.‬‬
‫المسألة السابعة عشرة‪:‬‬
‫ما الحكم لو أن المشتري للصابون وغيره وكل البائع على‬
‫تصريفه له؟‬
‫الجواب‪:‬‬

‫‪558‬‬
‫إذا تم البيع وملك المشتري السلعة وحازها حيازة شللرعية‬
‫بحيث قبضها ونقلها مللن المحللل الللذي اشللتراها منلله إلللى‬
‫مكان أخرى ثم وكل المشتري ببيعها له فل حرج في ذلك‪،‬‬
‫أما كونه يشتريها ثم يبقيها عنده ليبيعها للله فهللذا ل يجللوز‪،‬‬
‫لنه في الواقع لم يقبضها القبض الشرعي الذي سللبق أن‬
‫بّيناه‪.‬‬
‫المسألة الثامنة عشرة‪:‬‬
‫هل تشترط رؤية المبيع للصابون أو غيره أو يكفللي مجللرد‬
‫معرفته؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫ذكرنللا فيمللا مضللى أن مللن شللروط الللبيع كللونه معلوم لا ً‬
‫للمتعاقدين لن النبي – صلى الله عليه وسللم ‪ -‬نهلى علن‬
‫بيع الغرر فإذا كان المللبيع غيللر معلللوم فهنللا تكللون جهالللة‬
‫وغرر فل يصح البيع حينئذ‪ ،‬والمعلومية للمبيع تتحقق بأحللد‬
‫أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬رؤية المبيع كله أو بعضه الدال على بقيته‪ ،‬فمثل لو‬
‫اشترى كمية من الصابون تعادل ‪ 100‬كيللس منلله فرؤيتلله‬
‫تتحقق برؤية الكمية كلها أو يكفي حفنة واحدة من الكيس‬
‫لن البعض يدل عل الكل‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مما تكون به معلومية المبيع بيان صفته‪ ،‬كللأن يقللول‬
‫أبيعك صابونا ً اسمه كذا وصفته كذا وكذا فهنا الصفة تكفي‬
‫لعدم الجهالة والغرر‪.‬‬
‫وعلى ذلك فيشترط رؤية الصابون أو معرفته معرفة تامة‬
‫قبل البيع لن الوصف الذي يكفي في السلللم يقللوم مقللام‬
‫الرؤية على الصحيح من أقوال أهل العلم ويلزم العقللد بلله‬
‫في الحال‪.‬‬
‫المسألة التاسعة عشرة‪:‬‬
‫ما الحكم لو نفذ الصابون عند البائع ثم جاءه شللخص آخللر‬
‫فطلب منه صللابونا ً فقللال البللائع‪ :‬تللأتي غللدا ً وتجللد الكميللة‬
‫المطلوبة؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫هذا ما يسللمى بالوعلد بالشلراء وهللذا فلي الحقيقللة ليللس‬
‫شراء وإنما هو وعد بللذلك‪ ،‬فللإذا أراد إنسللان شللراء حاجللة‬

‫‪559‬‬
‫وطلب من أخيلله أن يشللتريها لنفسلله ثللم يبيعهللا عليلله فل‬
‫حللرج فللي هللذا الللبيع بشللرط أن يقبضللها المشللتري الول‬
‫ويتملكها ثم يتفق مع المشللتري الثللاني ويبيعهللا عليلله بعللد‬
‫ملكيتها وقبضها‪.‬‬
‫المسألة العشرون‪:‬‬
‫الغللالب أن مكللاتب الصللابون تكتللب عقللدا ً صللوريا ً فقللط‬
‫ويكون فيه غير ما تم التفاق عليه بين البللائع والمشللتري‪،‬‬
‫بل يكتب في العقد " أن فلنا ً وهو البائع‪"...‬‬
‫الجواب‪:‬‬
‫هللذا ممللا ل يجللوز أيض لًا‪ ،‬لمللا فيلله مللن الغللرر‪ ،‬والجهالللة‪،‬‬
‫والكذب‪ ،‬فالتفاق على الشياء غير ما تم بينهما هو غللش‪،‬‬
‫وكذب‪ ،‬وعدم ذكر اسم كللل مللن البللائع أو المشللتري فللي‬
‫العقد فيه غرر‪ ،‬وجهالة وهذا منهي عنه‪.‬‬
‫بل الواجب كتابة ما تللم بينهمللا‪ ،‬ول يللزاد عليلله‪ ،‬ول ينقللص‬
‫منلله‪ ،‬لكللي يكللون الللبيع صللحيحًا‪ ،‬وتكللون المعاملللة علللى‬
‫الصدق‪ ،‬والصراحة‪.‬‬
‫المسألة الحادية والعشرون‪:‬‬
‫البعض من البائعين يقول للمشتري‪" :‬ضع يدك على كميللة‬
‫الصابون! فيضع المشتري يده" هل يعتبر بذلك مالكا ً لها؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫ل يعتبر بذلك مالكا ً لها بل ل بد مللن رؤيتهللا ثللم نقلهللا مللن‬
‫مكانها الذي بيعت فيه على الصفة المللذكورة سللابقا ً وأمللا‬
‫مجرد الوضع لليد عليها فل يفيد أنلله قللد ملكهللا أو صللارت‬
‫في حوزته‪.‬‬
‫المسألة الثانية والعشرون‪:‬‬
‫بعض البائعين يشترط شرطا ً جزائيا ً مضمونه أنه في حللال‬
‫تأخر المشتري عن السداد فإن المبلغ المتبقي يحللل عليلله‬
‫ل‪ ،‬فهل يجوز ذلك؟‬ ‫كام ً‬
‫الجواب‪:‬‬
‫هذا الشرط وهو حلللول المبلللغ بكللامله دفعللة واحللدة عنللد‬
‫تأخر المشتري في تسللديد أحللد القسللاط أو بعضللها؛ هللذا‬
‫الشرط غير صحيح لنه ينافي مقتضى العقد‪ ،‬وهو التأجيللل‬
‫الذي استحقت به الزيادة‪.‬‬

‫‪560‬‬
‫والواجب على البائع متى علم أن المللدين معسللر إنظللاره‬
‫لقوله تعالى‪" :‬وإن كان ذو عسرة فنظرة إلللى ميسللرة" )‬
‫‪.(23‬‬
‫المسألة الثالثة والعشرون‪:‬‬
‫أحيانا ً يجعل للبيع قيمتان‪ ،‬فيقول البللائع للمشللتري‪" :‬هللذه‬
‫الكمية بعشرة آلف ريال إذا تأخرت عن السللداد‪ ،‬وإذا لللم‬
‫تتأخر فهي بثمانية آلف ريال"‬
‫فهل يصح ذلك؟‬
‫الجواب‪:‬‬
‫هذا أيضا ً مما ل يجوز لنلله جعللل قيمللتين لسلللعة واحللدة ‪.‬‬
‫وهذا ل يجوز حيث لم يقطعا سعرا ً محددا ً للسلعة‪ ،‬والثمن‬
‫لبد أن يكون معلوما ً وهذا أحد شروط البيع السابقة‪.‬‬
‫بعض المسائل في البيوع‬
‫ل‪ :‬مسائل في بيع السيارات‬ ‫أو ً‬
‫المسألة الولى‪:‬‬
‫تحريك السيارة داخل المعرض كما يفعله البعللض ل يعتللبر‬
‫حيازة وقبضا ً وعلى ذلك ل يكون البيع صللحيحا ً لكللونه بيعلا ً‬
‫قبل قبض السيارة‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪:‬‬
‫ل يجوز بيع السيارة قبل أن تستكمل الجراءات النظاميللة‬
‫مللن الحصللول علللى ورقللة المبايعللة‪ ،‬واسللتلم السلليارة‪،‬‬
‫ورؤيتها‪ ،‬ونقلها من المعرض‪ ،‬لنه ل يكمل قبضها إل بذلك‪،‬‬
‫وأما نقل ملكية السيارة فالصواب أنه ل يلزم‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪:‬‬
‫التأمين على السيارة محرم لما في ذلك من الغللرر وأكللل‬
‫الموال بالباطل‪ ،‬لكللن إذا ألللزم النسللان بله فيقللدم عليلله‬
‫تحقيقللا ً لعلللى المصلللحتين ودفعللا ً لعلللى المفسللدتين‪،‬‬
‫فطاعة ولي المر في هذا الباب ألزم وأوجب‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪:‬‬
‫بعض الناس يحتاج لشراء سيارة ول يملك قيمتها‪ ،‬فيللذهب‬
‫لزيد من الناس ليشتريها له على أن تكون هناك زيادة عن‬
‫ثمنها الصلي الذي اشتراها به‪ ،‬هذه الزيادة حرام لن هذه‬

‫‪561‬‬
‫حيلة على الربا لنه في الحقيقة كللأنه أقللرض هللذا الرجللل‬
‫ثمنها بفائدة‪.‬‬
‫ثانيًا‪:‬مسائل في بيع الذهب‬
‫المسألة الولى‪:‬‬
‫ل يجوز بيع الذهب إلى أجل فقللد أجمللع أهللل العلللم علللى‬
‫تحريمه لنه ربا نسيئة وقد قللال صلللى الللله عليلله وسلللم‪:‬‬
‫"الذهب بالذهب ‪ ...‬إلى قوله يدا ً بيد"‬
‫المسألة الثانية‪:‬‬
‫من اشترى ذهبا ً وبقي عليه من قيمته شيء‪ ،‬فطلللب مللن‬
‫البائع إمهاله أياما ً لحضار الباقي له فهللذا العمللل ل يجللوز‪،‬‬
‫فإن فعله صح العقللد فيمللا قبللض عوضلله وبطللل فيمللا لللم‬
‫يقبض‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪:‬‬
‫ل يجللوز التعامللل بالشلليكات فللي بيللع الللذهب‪ ،‬أو الفضللة‪،‬‬
‫وذلك لن الشيك ل يعد قبضا ً وإنما هو وثيقة حوالة فقللط‪،‬‬
‫وإذا لم يكللن الشلليك قبضلا ً فللإنه ل يصللح الللبيع لن النللبي‬
‫صلى الله عليلله وسلللم أمللر فللي بيللع الللذهب والفضللة أن‬
‫يكون يدا ً بيد‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪:‬‬
‫بعض الناس يشتري الذهب والفضة فيدفع بعض قيمتها ثم‬
‫يبقيها عند البائع لحين سداد القيمللة كاملللة‪ ،‬وهللذا ل يجللوز‬
‫لن مقتضى البيع أن يكون ملك ذلك المشللتري فيجللب أن‬
‫تنقل إليه وبهذا ل يجللوز هللذا العمللل بللل ل بللد مللن قبللض‬
‫الثمللن كللامل ً ثللم إن شللاء المشللتري أبقاهللا عنللد البللائع أو‬
‫أخذها‪.‬‬
‫المسألة الخامسة‪:‬‬
‫تبديل الذهب بذهب مع إضافة قيمة التصللنيع إلللى أحللدهما‬
‫هذا محرم ول يجوز‪ ،‬لنه داخل فللي الربللا الللذي نهللى عنلله‬
‫النبي صلى الله عليله وسللم‪ ،‬فقلد قلال صللى اللله عليله‬
‫وسلم‪" :‬الذهب بالذهب والفضللة بالفضللة ‪ ...‬إلللى قللوله‪...‬‬
‫فمن زاد أو استزاد فقد أربى" )‪.(24‬‬
‫المسألة السادسة‪:‬‬
‫الطريقة السليمة في استبدال الذهب بالذهب هي‪:‬‬

‫‪562‬‬
‫أن يباع الذهب القللديم مللن غيللر مواطللأة ول اتفللاق‪ .‬فللإذا‬
‫قبض صاحبه الثمن فإنه يشتري الشيء الجديد من المحل‬
‫نفسه‪ ،‬أومن غيره‪ ،‬فل بد من إنهللاء المعاملللة الولللى‪ ،‬ثللم‬
‫إجراء المعاملة الثانية‪.‬‬
‫ثالثًا‪:‬مسائل في بيوع أخرى‪.‬‬
‫المسألة الولى‪:‬‬
‫يقوم بعض الناس ببيع بعض محلتهم بمللا فيلله جزافلا ً دون‬
‫معرفة المال الذي في المحل وبل بصيرة بمللا فيلله‪ ،‬وهللذا‬
‫النوع من البيوع غير صحيح لما فيلله مللن الجهالللة والغللرر‪،‬‬
‫ولكي يكون البيع صحيحا ً فل بد من معرفة المال الموجود‬
‫فيه وأن يكون البائع والمشتري على بصيرة بذلك‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪:‬‬
‫ل يكون الكلم قبضا ً للسلعة كما هو الواقع غالبًا‪ ،‬بل ل بللد‬
‫من نقل السلعة إلى ملكه‪ ،‬أو إلى السللوق وإخراجهللا مللن‬
‫المحل الذي بيعت فيه‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪:‬‬
‫يجوز أخذ العربون من المشللتري و فللي حالللة عللدم وفللاء‬
‫المشتري أو رجوعه في البيع يحق له أن يحتفظ به لنفسه‬
‫ول يرده للمشتري إذا فسخ العقد في أصح قولي العلماء‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪:‬‬
‫ل يجوز احتكار السلع وتخزين شيء الناس في حاجة إليلله‬
‫لما في ذلك من الضرار بالمسلمين‪.‬‬
‫أما تخزينه حتى يحتللاج إليلله وكللان النللاس فللي غنللى عنلله‬
‫فيجوز‪.‬‬
‫المسألة الخامسة‪:‬‬
‫إذا قامت الدولة بوضع تسعيرة لمبيع فإنه ل تجوز الزيللادة‬
‫عليه بل الواجب التمشي مع النظام الللذي تضللعه الدولللة‪،‬‬
‫لن في مخالفته مضرة عليك وعلى الخرين‪.‬‬
‫المسألة السادسة‪:‬‬
‫يجب على البائع بيان ما في سلعته من عيب إن كان فيهللا‬
‫عيب ول يحل له كتمللان مللا فيهللا مللن العيللوب‪ ،‬فل يللؤمن‬
‫أحدنا حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه‪.‬‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة الية‪275 :‬‬

‫‪563‬‬
‫)‪ (2‬سورة المائدة الية ‪3:‬‬
‫)‪ (3‬انظر فتاوى اللجنللة الدائمللة )‪ (13/161‬رقللم الفتللوى‬
‫‪16402‬‬
‫)‪ (4‬رواه البخاري ) ‪ ( 1/7‬ومسلم ) ‪(1907‬‬
‫)‪ (5‬رواه أبو داود في كتاب الللبيوع‪-‬بللاب فللي بيللع الطعللام‬
‫قبللل أن يسللتوفى برقللم )‪ (3499‬وصللححه اللبللاني فللي‬
‫صحيح سنن أبي داود برقم )‪(2988‬‬
‫)‪ (6‬سورة النساء ‪ ،‬الية )‪(29‬‬
‫)‪ (7‬روا ابللن ماجللة برقللم )‪ 2185‬وصللححه اللبللاني فللي‬
‫الرواء )‪ (5/125‬برقم ‪1283‬‬
‫)‪ (8‬سورة النساء الية )‪(5‬‬
‫)‪ (9‬رواه أحمد في مسند حكم بن حزام برقللم )‪(14887‬‬
‫ورواه الترمذي في كتاب البيوع‪ -‬باب ما جللاء فللي كراهيللة‬
‫بيع ما ليس عندك برقم )‪ (1232‬وابن ماجة برقم )‪2187‬‬
‫(‬
‫)‪ (10‬الفرس العاثر أي الشارد‬
‫)‪ (11‬رواه مسلللم فللي كتللاب الللبيوع‪ -‬بللاب بطلن بيللع‬
‫الحصاة والبيع الذي فيه غرر برقم )‪(1513‬‬
‫)‪ (12‬رواه أبو داود برقللم )‪ (3499‬وصللححه اللبللاني فللي‬
‫صحيح سنن أبي داود برقم )‪(2988‬‬
‫)‪ (13‬سورة البقرة الية ) ‪(275‬‬
‫)‪ (14‬رواه البخلللاري – كتلللاب اللللبيوع‪ -‬بلللاب إذا اشلللترط‬
‫شروطا ً في البيع ل تحل )الفتح ‪(4/376‬‬
‫)‪ (15‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪282:‬‬
‫)‪ (16‬رواه البخاري )باب السلم في وزن معلللوم( برقللم )‬
‫‪ (2241‬ومسلم برقم )‪(1604‬‬
‫)‪ (17‬رواه الدارقطني وقوى إسناده ابن حجللر فللي الفتللح‬
‫)الفتح ‪(4/419‬‬
‫)‪ (18‬سبق تخريجه‬
‫)‪ (19‬رواه البخاري فللي كتللاب الللبيوع )‪ (2126‬ومسلللم )‬
‫‪(1526‬‬
‫)‪ (20‬رواه مسلم في كتاب البيوع‪ -‬باب بطلن الللبيع قبللل‬
‫القبض برقم )‪(1526‬‬

‫‪564‬‬
‫)‪ (21‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫)‪ (22‬سورة البقرة اليات )‪( 279 ،278‬‬
‫)‪ (23‬سورة البقرة الية )‪(280‬‬
‫)‪ (24‬رواه المام أحمد في مسنده فللي مسللند المكللثرين‬
‫من الصللحابة – مسللند أبللي هريللرة برقللم )‪ -(7131‬ورواه‬
‫مسلم في المساقاة –بللاب الصللرف وبيللع الللذهب بللالورق‬
‫نقدا ً برقم )‪ (1584‬وبرقم )‪.(1588‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬أحكام السهم ]‪[1/2‬‬
‫هاني بن عبد الله الجبير ‪20/7/1427‬‬
‫‪14/08/2006‬‬
‫‪ -‬مقدمة‪:‬‬
‫‪ -‬تمهيد‪:‬‬
‫‪ -‬حقيقة السهم وقيمته‪:‬‬
‫‪ -‬عوامل تفاوت قيمة السهم السوقية ‪:‬‬
‫‪ -‬مكان تداول السهم‬
‫‪ -‬هل يجوز بيع السهم وشراؤها؟‬
‫‪ -‬شروط تداول السهم المباحة‪:‬‬
‫‪ -‬مقدمة‪:‬‬
‫ن الحمد لله نحمللده ونسللتعينه ونسللتغفره ونتللوب إليلله ‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومللن سلليئات أعمالنللا ‪ ،‬مللن‬
‫يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له ‪ .‬وأشهد أل‬
‫إله إل الله وحده ل شريك له‪.‬‬
‫دا عبده ورسوله ‪.‬‬ ‫ن محم ً‬‫وأشهد أ ّ‬
‫ما كثيرا ‪.‬‬
‫صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسلي ً‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فإن دين السلم هو الدين الذي ختم الله تعالى به الديان‬
‫‪ ،‬وهو الدين الذي ل يقبل الللله تعللالى مللن أحللد أن يتللدّين‬
‫بغيره ؛ قال تعالى ‪" :‬ومن يبتغ غير السلم دينا فلن ُيقبللل‬
‫ما كان السلم‬ ‫منه وهو في الخرة من الخاسرين")‪ ،(1‬فل ّ‬
‫حا لكللل زمللان ومكللان ‪ ،‬ولللذا فهللو‬‫بهذه المثابة كللان صللال ً‬
‫يجمع بين التطور والثبات ‪ ،‬القواعد التي قررها الله تعالى‬
‫في كتابة وقررها المصطفى –صلى الله عليه وسلم‪ -‬فللي‬

‫‪565‬‬
‫سنته وأجمع عليها أئمللة السلللم قواعللد ثابتللة ل تتغيللر ول‬
‫تتبدل يستضيء بها المجتهللد فللي كللل نازلللة ومسللألة تلللم‬
‫بالمسلمين ‪ ،‬ومهما حصل للمسلللمين مللن قضللايا ونللوازل‬
‫حديثللة أو قديمللة سللواء كللانت تتعلللق بنفللس النسللان أو‬
‫تجللارته أو طريقللة تنقللله أو بعلجلله وتطللبيبه ودوائه فللإّنه‬
‫سلليجد فللي قواعللد الشللريعة الثابتللة بياًنللا لحكللم هللذه‬
‫المسألة ‪ ،‬ولذا كانت هذه الشللريعة متطللورة مللع مللا فيهللا‬
‫ضَعت القواعد التي يمكللن للنسللان أن‬ ‫من الثبات ؛ لنها و َ‬
‫يعرف من خللها حكم كل واقعة ‪ ،‬وبللذلك يصللبح للمجتهللد‬
‫القدرة علللى أن ينظللر فللي كللل نازلللة تقللع ويللبّين حكمهللا‬
‫الشرعي ‪ .‬وهذه الشريعة لم تللترك تصللرًفا مللن تصللرفات‬
‫ن الله بلله علللى مللن يشللاء‬ ‫ما يم ّ‬
‫النسان إل وبينت فيه حك ً‬
‫ن الفقه في الدين منة من الله تعلالى عللى‬ ‫من عباده ؛ فإ ّ‬
‫عباده لم يعطيها كل أحد ؛ قال صلى الله عليه وسلم )من‬
‫يرد الله به خيًرا يفقهه في الدين( )‪.(2‬‬
‫ن هللذه الشللريعة ل تللأتي بشلليء يعللارض‬ ‫وبحمللد الللله فللإ ّ‬
‫الفطرة‪ ،‬ولذا حث الشرع علللى تحصلليل المللال كمللا قللال‬
‫تعالى‪" :‬فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا للله إليلله‬
‫ترجعون")‪ (3‬وليس جمع المال محظوًرا ‪ ،‬إنمللا المحظللور‬
‫أن يجمع المال من الحرام‪.‬‬
‫عن أبي برزة السلمي أنه قال ‪ :‬قللال رسللول الللله صلللى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ) :‬ل تزول قللدما عبللد يللوم القيامللة حللتى‬
‫يسأل عن أربع عن عمره فيما أفنللاه‪ ،‬وعللن جسللمه فيمللا‬
‫أبله‪ ،‬وعن علمه ماذا عمل به‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسللبه‬
‫وفيم أنفقه( )‪.(4‬‬
‫فالنسان مسئول عن هذا المال من حيث طريقة النفللاق‬
‫ن معرفة طرق الكسب المباحللة‬ ‫وطريقة الكسب ‪ .‬ولذا فإ ّ‬
‫وطرق الكسب المحرمة من أهللم مللا ينبغللي لمللن أراد أن‬
‫يدخل في أي تجارة من أنواع التجارات ‪.‬‬
‫قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪) :‬ل يبللع فللي سللوقنا‬
‫إل من قد تفّقه في الدين( )‪.(5‬‬

‫‪566‬‬
‫وفيما يلي عرض موجز لطريقللة اكتسللاب معاصللرة نلقللي‬
‫الضللوء عليهللا بمللا أرجللو أن يكللون نافعللا ً والللله الموفللق‬
‫والهادي ل إله إل هو‪.‬‬
‫‪ -‬تمهيد‪:‬‬
‫نشهد هذا العصر تطورات اقتصللادّية كللثيرة تحت ّللم أن تتللم‬
‫العمال عن طريق تكاتف أعللداد كللبيرة مللن المسللاهمين‬
‫لتجميع مبالغ ضللخمة يمكللن مللن خللهللا إنشللاء المشللاريع‬
‫الكبيرة التي ل يكفي في إنشائها رؤوس أموال بسيطة ‪.‬‬
‫كما توجه كثير من الناس إلى البحث عللن طللرق يتمكنللون‬
‫بها من استثمار مدخراتهم القليلللة‪ ،‬والللتي ل يمكنهللم مللن‬
‫خللها إنشاء مشاريع مستقلة‪ ،‬وذلللك عللن طريللق اجتمللاع‬
‫عدد منهم لتحصيل رأس المال المطلوب‪.‬‬
‫وتزايدت هذه الحاجة ملع تزايلد الرغبلة فلي تنويلع وتكلثير‬
‫مصادر الدخل لوجود الكباب علللى الللدنيا والحللرص علللى‬
‫التزّيد منها ‪ ،‬ولوجود الضغوط الحياتية المعاصرة ‪.‬‬
‫كما أن وجود الشراكات في المنشآت التجارية يحقللق لهللا‬
‫الستقرار والستمرار ؛ لنها بذلك ل تتأثر بحيللاة مللا لكيهللا‬
‫وهذا يدعم النهضة القتصادية ‪.‬‬
‫ومللن هنللا وجللدت الحاجللة إلللى وجللود الشللركات بأنواعهللا‬
‫صة المساهمة منها‪.‬‬ ‫خا ّ‬
‫وأصل مبدأ الشراكة موجود في العصللور الماضللية ‪ ،‬حللتى‬
‫وجدت بعض القواعد المتعّلقة به فللي مللدونات الرومللان ‪،‬‬
‫ولذا تناولها الفقهاء في باب مستقل وهللو بللاب الشللركة ‪،‬‬
‫وبينوا جملة من أحكامها ‪ ،‬وقد خرج النبي صلى الله عليلله‬
‫وسلم بمال لخديجة رضي الله عنها ليتللاجر بلله )‪ (6‬وهللذه‬
‫شراكة بينهما ‪ ،‬ومضاربة بمالها ‪.‬‬
‫ولما فتح النبي صلى الله عليه وسلللم خيللبر وقسللمها بيللن‬
‫أصحابه ‪ ،‬عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمار مقابللل‬
‫عملهم)‪ ،(7‬وهذا نوع مللن أنللواع المشللاركات الللتي تعتمللد‬
‫على بذل المال من أحد الطرفيللن ‪ ،‬والقيللام بالعمللل مللن‬
‫الطرف الخللر وهللو الللذي يسللمى ‪ ) :‬شللركة المضللاربة (‬
‫المعروفة في الفقه السلمي ‪.‬‬

‫‪567‬‬
‫وفللي هللذا العصللر وجللدت للشللركات تسللميات جديللدة ‪،‬‬
‫واستحدث لها أساليب جديدة ‪.‬‬
‫ومن هذه الشركات‪ :‬الشركات المساهمة‪.‬‬
‫والشركة المساهمة‪ :‬هي الشركة التي ينقسم رأس مالهللا‬
‫إلى أسهم متساوية قابلة للتداول‪ ،‬ويكون الشريك مسئول ً‬
‫صته)‪.(8‬‬ ‫عن ديون الشركة بقدر ح ّ‬
‫وهي شركة تعتمد على جمع أمللوال المكتتللبين علللى قللدر‬
‫طاقتهم لتحقيق رأس المال المطلوب لها‪.‬‬
‫وأغراضللها متعللددة‪ ،‬فقللد تكللون تجارّيللة‪ ،‬أو صللناعية‪ ،‬أو‬
‫زراعية‪.‬‬
‫وهللذه الشللركة نللوع جديللد مللن المعللاملت ينطبللق عليهللا‬
‫وصف شركة المضاربة‪ ،‬أو شركة العنان والمضاربة‪ ،‬ولكن‬
‫مع زيادة شروط لم تكللن فللي الشللركات السللابقة‪ ،‬وهللذه‬
‫الشروط الصل فيها الباحة إل إذا دل دليل على التحريم‪.‬‬
‫لقللول النللبي صلللى الللله عليلله وسلللم‪) :‬المسلللمون علللى‬
‫ما( )‪.(9‬‬ ‫طا حرم حلل ً أو أحل حرا ً‬ ‫شروطهم ‪ ،‬إل شر ً‬
‫ن الصللل فللي‬ ‫قللال ابللن القيللم‪ " :‬جمهللور الفقهللاء علللى أ ّ‬
‫حة‪ ،‬إل مللا أبطللله الشللارع أو نهللى‬ ‫العقود والشللروط الص ل ّ‬
‫م‬‫ن الحكللم ببطلنهللا حك ل ٌ‬ ‫عنه‪ ،‬وهذا القول هو الصحيح؛ فللإ ّ‬
‫بالتحريم والتأثيم‪ ،‬ومعلوم أن ّلله ل حللرام إل مللا حرملله الللله‬
‫ورسوله ")‪. (10‬‬
‫‪ -‬حقيقة السهم وقيمته‪:‬‬
‫السهم نصيب معلوم من رأس مال مشترك لمجموعة من‬
‫المشتركين‪ ،‬وكل منهم يمّثل جللزًءا مللن أجللزاء متسللاوية‪،‬‬
‫صللة مشللاعة مللن كامللل حجللم الشللركة‬ ‫وهو عبارة عللن ح ّ‬
‫ومالكه يملك جزًءا من الشركة)‪.(11‬‬
‫وقيمته لها أنواع)‪:(12‬‬
‫‪ -1‬قيمة اسمّية وهي التي يعلن عنها في الكتتللاب‪ ،‬وينللص‬
‫عليهللا فللي وثيقللة الكتتللاب‪ .‬وهللي القيمللة الللتي يللدفعها‬
‫المكتتب ‪.‬‬
‫‪ -2‬قيمة دفتري ّللة )حقيقي ّللة( وهللي النصلليب الللذي يسللتحّقه‬
‫صاحب السهم في صافي أموال الشركة بعد حسم ديونها‬
‫ويتم تحديده بعد معرفة موجوداتها وممتلكاتها ‪.‬‬

‫‪568‬‬
‫‪ -3‬القيمة السوقية وهللي قيمللة السللهم فللي السللوق عنللد‬
‫التداول بالبيع والشراء‪.‬‬
‫حل ّللت الشللركة وانتهللت نقللدر قيمللة السللهم بالقيمللة‬ ‫فللإذا ُ‬
‫الحقيقية فقط والمفترض أن تكون قيمة السهم السللوقّية‬
‫مماثلة لقيمته الحقيقي ّللة ‪ ،‬لكللن بعللض الظللروف قللد تللؤثر‬
‫على قيمة السهم السوقية‪.‬‬
‫‪ -‬عوامل تفاوت قيمة السهم السوقية ‪:‬‬
‫القيمة السوقية يتحكم فيه‪:‬‬
‫‪ -1‬العرض والطلب‪.‬‬
‫‪ -2‬المللل المعقللود علللى الشللركة فللي نوعيللة إنتاجهللا‬
‫والحصول على أرباح منها ‪.‬‬
‫‪ -3‬ما تدفعه من أرباح للمساهمين ‪.‬‬
‫‪ -4‬الوضلللاع والظلللروف السياسلللية للدوللللة‪ ،‬فاللللدول‬
‫المستقرة ترتفع فيها قيمة السهم والدول غير المسللتقرة‬
‫سياسًيا تنخفض قيمة السهم فيها‪.‬‬
‫‪ -‬مكان تداول السهم)‪:(13‬‬
‫مى‪) :‬بورصللة‬ ‫يتم تداول السهم في سللوق أسللهم قللد يسل ّ‬
‫صللا‪ ،‬تتللم‬
‫مللا خا ّ‬
‫ظللم تنظي ً‬ ‫السللهم(‪ .‬والبورصللة سللوق من ّ‬
‫العمليات فيه بواسطة وسطاء‪.‬‬
‫وأسواق السهم قد تكون أسللواًقا أولي ّللة‪ ،‬وهللي الللتي يتللم‬
‫فيها إصدار السهم‪ ،‬أما السللواق الثانوي ّللة فهللي الللتي تتللم‬
‫فيها تداول السهم‪.‬‬
‫والن في المملكة العربّية السللعودّية يتللم إصللدار السللهم‬
‫صة بالسهم‪.‬‬ ‫وتداولها عبر البنوك؛ لّنه ل توجد أسواق خا ّ‬
‫‪ -‬هل يجوز بيع السهم وشراؤها؟‬
‫استقر رأي جماهير الفقهاء المعاصرين على جللواز تللداول‬
‫السهم المباحة‪ ،‬وبعض الفقهاء يحرم تداولها ومن أدّلتهم‪:‬‬
‫ن السهم جزء مجهول من رأس مال الشركة ل يعلللم‬ ‫‪ -1‬أ ّ‬
‫تحديده وبيع المجهول ل يجوز؛ لنهي النبي صلى الله عليلله‬
‫وسلم عن بيع الغرر)‪.(14‬‬
‫‪ -2‬أن جزًءا من السهم أموال نقدّية ‪ ،‬أو ديون فبيع السهم‬
‫مللا يكللون‬‫مع اشللتماله علللى ذللك دون تحديللد مقللداره تما ً‬

‫‪569‬‬
‫مبادلللة مللال ربللوي بمثللله مللع الجهللل بالتماثللل ‪ ،‬والجهللل‬
‫بالتماثل كالعلم بالتفاضل ‪.‬‬
‫ويمكن أن يجاب عن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬بلأنه يمكلن تحديلد مقلدار السلهم ومكونلاته ملن خلل‬
‫دراسة القوائم المالية للشركة ‪ ،‬ولو بقي بعد ذلللك جهالللة‬
‫يسيرة فإنها تكون مغتفرة للقاعدة المعلومللة مللن اغتفللار‬
‫ة وأن تتبع الجزئيات في مثل هذا فيلله حللرج‬ ‫ص ً‬ ‫اليسير ‪ ،‬خا ّ‬
‫ومشلللّقة وملللن القواعلللد المقلللررة أن المشلللّقة تجللللب‬
‫التيسير ‪.‬‬
‫مللا النقللود والللديون فللي الشللركة فإّنهللا تابعللة غيللر‬ ‫‪ -2‬وأ ّ‬
‫مقصودة ‪ ،‬وبذلك ل يكون لها حكم مستقل بل تكون تابعة‬
‫لغيرها والقاعدة المتقررة فلي الفقله أنله يجلوز تبًعلا ملال‬
‫يجوز استقلل ً ‪.‬‬
‫ويدل على هذا حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النللبي‬
‫دا فمللاله للللذي‬ ‫صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬مللن ابتللاع عبل ً‬
‫باعه‪ .‬إل ّ أن يشترطه المبتاع( )‪.(15‬‬
‫فصح دخول المال في هذه المعاوضة لكونه تابًعا ‪ ،‬وسواء‬
‫دا أو في ذمم الناس ‪.‬‬ ‫كان مال العبد موجو ً‬
‫قال المام مالك رحمه الله تعللالى ‪ :‬الملُر المجتمللع عليلله‬
‫دا كللان‬ ‫ن المبتاع إن اشترط مال العبد فهو له ‪ ،‬نقلل ً‬ ‫عندنا أ ّ‬
‫ضللا ‪ ،‬ي ُْعلللم أو ل ي ُْعلللم ‪ ،‬وإن كللان للعبللد مللن‬‫أو ديًنا أو عر ً‬
‫دا أو دين ًللا أو‬
‫المللال أكللثر ممللا اشللترى بلله ‪ ،‬كللان ثمنلله نقل ً‬
‫ضا)‪.(16‬‬ ‫عر ً‬
‫وبما سبق يظهر جواز بيع السهم والله أعلم)‪.(17‬‬
‫‪ -‬شروط تداول السهم المباحة‪:‬‬
‫ن الصللواب إباحللة تللداول السللهم مشللروط‬ ‫ما سبق من أ ّ‬
‫بشللروط‪ ،‬وليسللت الباحللة مطلقللة وهللذه الشللروط و‬
‫الضوابط هي‪:‬‬
‫حا وسيأتي تفصيل‬ ‫‪ -1‬أن يكون موضوع نشاط الشركة مبا ً‬
‫لهذا الضابط ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكللون تللداول السللهم بعللد أن تبللدأ الشللركة فللي‬
‫نشاطها الفعلي وذلك بأن تتملك بعللض الصللول أو تشللرع‬

‫‪570‬‬
‫ما قبل بدئها في نشاطها الفعلي فإّنه ل‬ ‫في بعض أعمالها أ ّ‬
‫يجوز بيع السهم إل بالقيمة السمية لها فقط‪.‬‬
‫ن السهم قبل بدء الشركة في نشللاطها الفعلللي‬ ‫والسبب أ ّ‬
‫عبارة عن نقود فقط فإذا باع النسللان سللهمه فيكللون قللد‬
‫دا بنقلد ٍ فهنللا لبلد مللن التقللابض والتماثللل ‪ .‬أمللا إذا‬
‫باع نقل ً‬
‫شرعت الشركة في نشاطها وتحولت أموالها ‪ -‬أو بعضها ‪-‬‬
‫إلى سلع وخدمات فهنا تخرج عن مسألة الصللرف ويكللون‬
‫النقد تابًعا كما سبق‪.‬‬
‫‪ -3‬من أهل العلللم مللن يشللترط لجللواز شللراء السللهم أن‬
‫يكون المقصود اقتناء وتملللك السللهم‪ ،‬أمللا اتخللاذ السللهم‬
‫سعر المتغّير دون‬ ‫سلعة تباع وتشترى بقصد كسب فرق ال ّ‬
‫أن يكللون للله غللرض فللي أسللهم الشللركة ول يريللد تملللك‬
‫أسهمها فهذا محرم عنده)‪.(18‬‬
‫ومع وجاهة هذا القول إل أن ّلله يخللالف المعلللوم مللن إباحللة‬
‫البيع والشراء سواء كانت رغبة المشتري تملك الشلليء أو‬
‫بيعه بعد رواجه‪.‬‬
‫|‪|2|1‬‬
‫)‪ (1‬سورة آل عمران آية ‪. 85‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري ) ‪ ( 71‬؛ صحيح مسلم ) ‪. ( 1037‬‬
‫)‪ (3‬سورة العنكبوت آية ‪. 17‬‬
‫)‪ (4‬سنن الترمذي ) ‪ ( 2417‬وقال حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫)‪ (5‬سللنن الترمللذي ) ‪ ( 487‬وقللال هللذا حللديث حسللن‬
‫غريب‪.‬‬
‫)‪ (6‬المستدرك للحاكم ) ‪ ( 3/182‬وصححه وأقره الذهبي‬
‫؛ مصنف عبد الللرزاق ) ‪ ( 5/319‬وهللو مشللهور فللي كتللب‬
‫السيرة وإن كانت أسانيده ضعيفة ‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري ) ‪ ( 2285‬؛ صحيح مسلم ) ‪. ( 1551‬‬
‫)‪ (8‬الشللركات التجاريللة فللي النظللام السللعودي ‪ ،‬الغرفللة‬
‫التجارية الصناعية بالرياض ص ‪. 42‬‬
‫ما بلله فللي كتللاب الجللارة‬‫)‪ (9‬أخرجه البخاري معلًقا مجزو ً‬
‫باب أجرة السمسللرة ‪ ،‬سللنن الترمللذي ) ‪ ( 1352‬؛ سللنن‬
‫أبي داوود ) ‪ ( 3594‬؛ سنن ابن ماجللة ) ‪ ( 2353‬؛ مسللند‬
‫أحمد ) ‪ ( 366/2‬وسنده حسن ‪.‬‬

‫‪571‬‬
‫)‪ (10‬إعلم الموقعين ) ‪ . ( 1/344‬وانظر ‪ :‬مجموع فتاوى‬
‫ابن تيمية ) ‪. ( 29/346‬‬
‫)‪ (11‬فقه الزكاة ‪ ،‬د‪ .‬يوسف القرضاوي ) ‪. ( 1/521‬‬
‫)‪ (12‬الشركات في النظام السعودي ‪ ،‬عبد العزيز الخياط‬
‫) ‪ ( 2/95‬؛ السهم والسندات وأحكامها ‪ ،‬أحمد الخليل ص‬
‫‪. 61‬‬
‫)‪ (13‬انظر ‪ :‬أحكام السوق في السلم ‪ ،‬أحمد الدريويش‬
‫ص ‪ 49‬فما بعدها ‪.‬‬
‫)‪ (14‬صحيح مسلم ) ‪. ( 1513‬‬
‫)‪ (15‬صحيح البخاري ) ‪ ( 2379‬؛ صحيح مسلم ) ‪( 3905‬‬
‫) ‪. ( 1543‬‬
‫)‪ (16‬الموطأ ص ‪ ، 394‬كتاب الللبيوع ‪ ،‬بللاب مللا جللاء فللي‬
‫مال المملوك ‪.‬‬
‫)‪ (17‬انظر فتللاوى ورسللائل الشلليخ محمللد بللن إبراهيللم )‬
‫‪، 7/42‬ل ‪ ( 43‬؛ الشركات للشيخ علي الخفيف ص ‪، 96‬‬
‫‪ 97‬؛ المعللاملت الماليللة المعاصللرة لعثمللان شللّبير ص‬
‫‪.168 ، 167‬‬
‫)‪ (18‬مجللللة مجملللع الفقللله السللللمي العلللدد السلللابع )‬
‫‪.( 576 ، 1/270‬‬
‫=================‬
‫‪ #‬أحكام السهم ]‪[2/2‬‬
‫هاني بن عبد الله الجبير ‪29/7/1427‬‬
‫‪23/08/2006‬‬
‫أقسام الشركات من حيث حكم نشاطها‬
‫حكم تداول أسهم الشركات حسب نشاطها‪:‬‬
‫كيفية التخلص من الرباح الحاصلة عللن التعامللل بالسللهم‬
‫المحرمة ‪:‬‬
‫بيع حق الكتتاب ‪:‬‬
‫مخالفات شرعّية في تداول السهم‪:‬‬
‫حكم علوة الصدار‪:‬‬
‫زكاة السهم‪:‬‬
‫أقسام الشركات من حيث حكم نشاطها‪:‬‬
‫تنقسم الشركات إلى ثلثة أقسام ‪:‬‬

‫‪572‬‬
‫)‪ (1‬شركات محرمللة محظلورة وهلي الللتي ُأنشللئت أصلل ً‬
‫للمتاجرة في المحرمات مثل شركة ُأنشئت لبيع الخمللور‪،‬‬
‫أو ُأنشئت للعقود المحرمة مثل شركات التأمين التجللاري‪،‬‬
‫والمصارف الربوّية فهذه ل يجوز للنسان أن يسللاهم فيهللا‬
‫ول أن يكتتب فيها ول يجوز إنشاؤها ول التصرف فيها بيًعللا‬
‫وشراًء ‪.‬‬
‫)‪ (2‬شركات أصل نشللاطها مبللاح لكللن دخللل عليهللا بعللض‬
‫السللتثمارات المحرمللة مثللل التمللويلت والسللتثمارات‬
‫المحرمة كقروض ربويلة أو بعلض العقلود الفاسلدة وهلذه‬
‫يسميها المعاصرون‪) :‬شركات مختلطة(‪.‬‬
‫ط العقللود‬ ‫)‪ (3‬شللركات أصللل نشللاطها مبللاح ولللم تتعللا َ‬
‫المحرمة والستثمارات غير المباحة ويسميها المعاصرون‪:‬‬
‫)شركات نقية( وهذا التقسيم إجمالي‪.‬‬
‫ولبد عند إرادة الحكم على الشركة أن يراعى هل تتعامل‬
‫بعقود محرمة أو لها استثمارات محرمة سواء في الربللا أو‬
‫غيره من المعاملت وسواء في ذلك القوائم الخيرة أو ما‬
‫قبلها ‪ ،‬وأن ل يكتفى بآخر القللوائم الماليللة ‪ ،‬حللتى يتحقللق‬
‫من وجود المال المحرم من عدمه ‪.‬‬
‫حكم تداول أسهم الشركات حسب نشاطها‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬ل شك أن كل من يرضللى بللإجراء العقللود المحرمللة‬
‫والستثمارات المحرمللة أنلله آثللم ومعللرض نفسلله للوعيللد‬
‫الشديد الذي بينه الله تعالى في كتللابه وبينلله النللبي صلللى‬
‫ضا ل يجللوز للله عنللد‬ ‫الله عليه وسلم في سنته والنسان أي ً‬
‫أي من فقهاء السلم أن يأكل جزء من المال المحرم بللل‬
‫لبد أن يخرج الحرام من ماله ‪.‬‬
‫كذلك كل من يستطيع أن يمنع الشركة من تعاطي العقود‬
‫وا في الجمعيللة العموميللة للشللركة‪،‬‬ ‫المحرمة بأن كان عض ً‬
‫وا في مجلس الدارة‪ ،‬ويستطيع أن يمنع شلليًئا مللن‬ ‫أو عض ً‬
‫المحرمات فإنه لبللد أن يمنعلله‪ ،‬وإذا لللم يمنللع هللذا العقللد‬
‫المحرم فهو آثم ‪.‬‬
‫والشركة التي أصل نشاطها غير مباح ل يجوز للنسان أن‬
‫يساهم فيها والله تعالى يقول ‪" :‬يا أيها الللذين آمنللوا اتقللوا‬
‫الله وذروا مللا بقللي مللن الربللا إن كنتللم مللؤمنين فللإن لللم‬

‫‪573‬‬
‫تفعلللوا فللأذنوا بحللرب مللن الللله ورسللوله وإن تبتللم فلكللم‬
‫رؤوس أمللوالكم ل َتظلمللون ول ُتظلمللون]البقللرة‪-278:‬‬
‫‪ ، [279‬وقال النبي صلى الله عليه وسلم‪) :‬لعن الله آكللل‬
‫الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال ‪ :‬هم سواء ( )‪.(1‬‬
‫كل للعامل في المال‪ ،‬ول‬ ‫والسبب في هذا أن الشريك مو ّ‬
‫صا أن يأخذ له ربا‪ ،‬أو يجري له‬ ‫يجوز للنسان أن يوكل شخ ً‬
‫ما‪.‬‬
‫دا محّر ً‬ ‫عق ً‬
‫قال ابن القيم رحمه الله‪" :‬المضارب )يعني العاملل اللذي‬
‫يأخذ المللوال ويتللاجر فيهللا( أميللن وأجيللر ووكيللل وشللريك‬
‫فأمين إذا قبض المال‪ ،‬ووكيل إذا تصّرف فيه‪ ،‬وأجير فيمللا‬
‫يباشره بنفسه من العمل‪ ،‬وشريك إذا ظهر فيلله الربللح ")‬
‫‪(2‬‬
‫كمللا ل يجللوز لشللخص أن يوك ّللل أحللدا ً أن يعمللل للله عمل ً‬
‫دا أو يسللتثمر للله اسللتثماًرا‬
‫دا فاسل ً‬ ‫ما أو يجري له عقل ً‬ ‫محّر ً‬
‫محظوًرا ‪ ،‬فكذلك ل يجوز للنسان أن يشلترك ملع إنسلان‬
‫دا محرمة بحكم الشراكة ‪.‬‬ ‫آخر ليجري له عقو ً‬
‫ومن هنا نعلم أن التعامل بأسهم سلة شركات مساهمة ل‬
‫يعرف حقيقللة نشلاط تللك الشلركات ول يلللتزم القلائمون‬
‫عليها كونها مباحة النشاط‪ ،‬ل ينبغي لجهالة حالها‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الشركات النقية إذا تحقق فعل ً أنها نقية فإنه ل حللرج‬
‫فللي تللداول أسللهمها وتملكهللا والمشللاركة فيهللا سللواء‬
‫بالكتتاب أو المضاربة‪.‬‬
‫ثالًثللا ‪ :‬الشللركات المختلطللة هللذه ل إشللكال أن مجلللس‬
‫الدارة فيهللا يللأثم لتعللاطيه العقللود الفاسللدة ‪ ،‬ول إشللكال‬
‫حلا ملن شلركة مختلطلة أنله‬ ‫صل رب ً‬ ‫ضا أن النسان إذا ح ّ‬ ‫أي ً‬
‫لبللد أن يخللرج الجللزء الللذي يقابللل نسللبة الحللرام فللي‬
‫الشركة ‪.‬‬
‫وقد اختلللف فقهللاء العصللر فللي حكللم تللداول أسللهم هللذه‬
‫الشركات والمشاركة معها والمساهمة فيها على أقوال‪:‬‬
‫وهي التحريم مطلًقا‪ ،‬والباحللة مطلًقللا‪ ،‬والتفريللق بيللن مللا‬
‫ة وبيلن ملا تكلون نسلبته فيله‬ ‫تكون نسبة الحرام فيه قليلل ً‬
‫ة‪ ،‬على تفاوت بينهم في تحديد النسبة المذكورة‪.‬‬ ‫كثير ً‬

‫‪574‬‬
‫والمختللار مللن هللذه القللوال هللو تحريللم الكتتللاب فللي‬
‫الشركات المختلطة وبيعها وشرائها‪.‬‬
‫وهو الذي قرره مجمع الفقلله السلللمي بجلدة فلي دورتله‬
‫السابعة)‪.(3‬‬
‫واختارته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء بالمملكللة‬
‫العربية السعودية)‪.(4‬‬
‫وسبب التحريم‪ :‬أن يد الشريك هللي نفللس يللد الخللر فللي‬
‫الحكم‪ ،‬وكمللا ل يجللوز للنسللان أن يباشللر الحللرام بنفسلله‬
‫فللإنه يحللرم عليلله أن يباشللره بواسللطة وكيللله‪ ،‬وتقللدم أن‬
‫الشريك وكيل‪ .‬قال ابن القيم رحمه الللله‪ " :‬ومللا بللاعوه –‬
‫ذمة – من الخمر والخنزير قبل مشاركة المسلم‬ ‫أي أهل ال ّ‬
‫جاز لهم شركتهم في ثمنلله‪ ،‬وثمنلله حلل لعتقللادهم حللله‪،‬‬
‫وما باعوه واشتروه بمال الشركة فالعقد فيه فاسللد؛ فللإن‬
‫كل ")‪.(5‬‬ ‫الشريك وكيل‪ ،‬والعقد يقع للمو ّ‬
‫وقد ذكر السيوطي قاعدة في الشباه والنظائر)‪ (6‬فقللال‪:‬‬
‫حت منله مباشلرة الشليء صلح تلوكيله فيله غيلره‪،‬‬ ‫من ص ّ‬
‫وتوكله فيه عن غيره‪ ،‬وإل فل‪.‬‬
‫كمللا أن المللال الحللرام يشلليع فللي مللال الشللركة وإخللراج‬
‫النسبة المحرمة من سهمه فقللط قللد تطهللر المللال ؛ لنلله‬
‫صة شائعة من الحرام عند بعض أهللل العلللم‬ ‫ستبقى فيه ح ّ‬
‫قال ابن رشد ‪ " :‬ل يجوز له أن يأكل منلله شلليًئا ‪ -‬أي مللن‬
‫ماله الللذي خللالطه الربللا ‪ -‬حللتى يللرد مللا فيلله مللن الربللا ؛‬
‫لختلطه بجميع ماله وكونه شائًعا فيه ")‪.(7‬‬
‫كما أن في هذه المساهمة تعاوًنا على الثم وقد نهى الللله‬
‫عنه بقوله تعالى‪" :‬ول تعاونوا على الثم والعدوان")‪.(8‬‬
‫وفيه استمراء للربا‪ ،‬وتعطيل للسعي لتحويل السللتثمارات‬
‫إلى استثمارات شرعّية خالصة‪.‬‬
‫كيفية التخلص من الرباح الحاصلة عللن التعامللل بالسللهم‬
‫المحرمة ‪:‬‬
‫من المهم بداية أن نقّرر أن من تعامل معاملة يعتقللد أنهللا‬
‫صحيحة بناء على اجتهاد أو فتوى وحصل التقابض فيها ثللم‬
‫تبّين له ترجيح أّنها غير مباحة وأنه أخطللأ فأخللذه وتصللرفه‬

‫‪575‬‬
‫بهذا المال الحاصل من المعاملة المللذكورة ل حللرج فيلله ‪،‬‬
‫وإنما عليه أن يمتنع في المستقبل عنها ‪.‬‬
‫قال ابن تيمية ‪ " :‬وهكذا كل عق لدٍ اعتقللد المسلللم صللحته‬
‫ن هللذه العقللود إذا حصللل‬ ‫بتأويل من اجتهاد أو تقرير ‪ ...‬فإ ّ‬
‫فيها التقابض مع اعتقاد الصحة ‪ ،‬لللم تنقللض بعللد ذلللك ‪ ،‬ل‬
‫بحكم ول برجوع عن ذلك الجتهاد ‪.‬‬
‫ما إذا تحاكم المتعاقدان إلى من يعلم بطلنها قبل القبض‬ ‫أ ّ‬
‫أو استفتياه ‪ ،‬إذا تبّين لهما الخطأ فرجللع عللن الللرأي الّول‬
‫فما كان قللد قبللض بالعتقللاد الّول ُأمضللي ‪ ،‬وإذا كللان قللد‬
‫بقي في الذمة رأس المال وزيادة ربوّية اسقطت الزيللادة‬
‫ورجع إلى رأس المال ولم يجب على القابض رد ما قبضه‬
‫قبل ذلك بالعتقاد الّول ")‪.(9‬‬
‫ما إذا كان إقدامه على المعاملللة دون اسللتفتاء أو اجتهللاد‬ ‫أ ّ‬
‫فإن الواجب عليه أن يخرج من ماله ما كان فيه من حرام‬
‫لنه ل عذر له‪.‬‬
‫وعليه مللن أراد التخلللص مللن المللال المحللرم الللذي دخللله‬
‫بمثل هذه العقود فإنه ل يخلو من أحد ثلث حالت‪:‬‬
‫حا من عائد أسهمه‪ ،‬فهذا عليلله‬ ‫الحالة الولى‪ :‬أن يقبض رب ً‬
‫أن يخرج نسبة العقود المحرمة والستثمارات غير المباحة‬
‫من الربح‪.‬‬
‫حا نتيجللة ارتفللاع سللعر السللهم‬ ‫صل رب ً‬ ‫الحالة الثانية‪ :‬أن يح ّ‬
‫والمضاربة به فهذا عليلله أن يخللرج النسللبة المحرمللة مللن‬
‫ملا فصللح فللي‬ ‫قيمة السهم كاملة؛ لّنله قلد بلاع حلل ً وحرا ً‬
‫الحلل دون الحرام كمسائل تفريق الصفقة‪.‬‬
‫فإن علم مقدار الحرام وإل تحرى وأخللرج مللا تطمئن إليلله‬
‫نفسه أن به يطيب ماله ‪.‬‬
‫حا من بيع أسهم محرمة )غيللر‬ ‫صل رب ً‬ ‫الحالة الثالثة ‪ :‬أن يح ّ‬
‫ما ل شللبهة فيلله فعليلله أن‬ ‫مختلطة( فهنا يكون قد باع حرا ً‬
‫ن ما حرم شراؤه حرم‬ ‫يخرج كامل القيمة التي حصلها‪ ،‬فإ ّ‬
‫بيعه)‪.(10‬‬
‫والمراد بإخراج القيمة أو النسبة أن ينفقها في وجوه البر‪،‬‬
‫بقصد التخّلص من المال الحرام‪ ،‬وليس بنّية الصللدقة؛ ل ّ‬
‫ن‬
‫الله تعالى طّيب ل يقبل إل طيًبا‪.‬‬

‫‪576‬‬
‫بيع حق الكتتاب ‪:‬‬
‫ص غيره من أخذ أوراقلله الثبوتيللة‬ ‫كن شخ ٌ‬ ‫والمقصود أن يم ّ‬
‫المتضمنة لسمه وأسماء أفراد عائلته ليكتتللب فللي إحللدى‬
‫الشركات بأسمائهم ويعطيه في مقابل ذلك مبلًغا مالًيا ‪.‬‬
‫ة من السهم‬ ‫وسبب ذلك أن بعض الشركات قد توزع نسب ً‬
‫لكل مكتتب بمقدار متساوٍ عند كثرة المكتتبين فإذا اكتتب‬
‫ة أكثر من السهم‪.‬‬ ‫صل نسب ً‬ ‫بأسماء كثيرة ح ّ‬
‫ن المعقللود عليلله‬ ‫وهذا العمل ل يجوز أخذ العوض عليلله؛ ل ّ‬
‫كا لصاحبه وليس مللال ً يقبللل‬ ‫وهو السم الشخصي ليس مل ً‬
‫المعاوضللة‪ ،‬كمللا ل يمكللن اعتبللاره حًقللا معنوًيللا كالسللم‬
‫التجاري؛ لن السم التجاري يجذب العملء ويمّيز السلللعة‬
‫أما اسللتعمال السللم الشخصللي فليللس للله فللائدة إل أخللذ‬
‫نصيب الغير‪.‬‬
‫ولبد أن يفّرق النسان بين ملك المنفعة وملك النتفاع‪.‬‬
‫وقد أوضحه القرافي فقللال‪" :‬تمليللك النتفللاع نريللد بلله أن‬
‫يباشر هللو بنفسلله فقللط‪ ،‬وتمليللك المنفعللة أعللم وأشللمل‪،‬‬
‫فيباشر بنفسه‪ ،‬ويمك ّللن غيللره مللن النتفللاع بعللوض وبغيللر‬
‫عوض‪.‬‬
‫مثللال الّول‪ :‬سللكنى المللدارس والربللاط والمجللالس فللي‬
‫الجوامع والمساجد والسواق‪ ،‬فله أن ينتفع بنفسلله فقللط‪.‬‬
‫ولو حاول أن يؤجر أو يعاوض عليه امتنع ذلك ‪..‬‬
‫ما مالك المنفعة فكمن استأجر داًرا أو استعارها فله أن‬ ‫وأ ّ‬
‫يؤجرها من غيره ‪(11) "..‬‬
‫ي فللي حقيقتلله تحايللل علللى‬ ‫كمللا أن بيللع السللم الشخص ل ّ‬
‫الشركة المكتتب فيها‪ ،‬وعلللى النظللام العللام الللذي يقصللد‬
‫توزيع السهم بالتعادل بين المكتتبين لتنتفللع أكللبر شللريحة‬
‫من الناس‪ .‬ففيه غش وتغرير وهما حرام)‪.(12‬‬
‫مخالفات شرعّية في تداول السهم‪:‬‬
‫وملللن هلللذه المخالفلللات ‪ :‬اللللبيع الجلللل ‪ ،‬واللللبيع عللللى‬
‫المكشللوف ‪ ،‬والشللراء بالهللامش ) المللارجن ( ‪ ،‬وأعمللال‬
‫النجش والتجمعات القاصللدة للتحكللم بسللوق السللهم بمللا‬
‫يضر المتعاملين به ‪.‬‬

‫‪577‬‬
‫فالبيع الجل ‪ :‬بيع يتم فيه عقد صللفقات لللبيع أسللهم لكللن‬
‫يشترط فيها أن يكون الدفع والتسليم بعللد فللترة محللددة)‬
‫‪.(13‬‬
‫والبيع على المكشوف ‪ :‬أن يستقرض المستثمر عدًدا مللن‬
‫أسهم شركة يتوقللع انخفللاض قيمتهللا‪ ،‬ثللم يبيعهللا مباشللرة‬
‫ويسّلم قيمتها لمن اقترضها منه رهًنا ‪.‬‬
‫فللإن حصللل مللا تللوقعه مللن انخفللاض قيمللة السللهم فللإنه‬
‫يشللتري مثللل تلللك السللهم الللتي اقترضللها ويعيللدها لمللن‬
‫اقترضللها منلله‪ ،‬وبلذلك يكسللب الفلرق بيلن سلعر الشلراء‬
‫والبيع)‪.(14‬‬
‫ما بمبلللغ ل‬
‫والشللراء بالهللامش‪ :‬أن يشللتري العميللل أسلله ً‬
‫ل‪ ،‬فيدفع جزًءا من القيمة والباقي يقترضلله مللن‬ ‫يملكه كام ً‬
‫البائع بفائدة‪ ،‬ويبقى السهم مرهوًنا للبائع ضللماًنا لحقللوقه)‬
‫‪.(15‬‬
‫فالبيع الجل نوع من بيللع الللدين بالللدين‪ ،‬وقللد نهللى النللبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ )‪ (16‬وانعقد‬
‫الجماع على معنى الحديث)‪.(17‬‬
‫قال ابن تيمية‪ " :‬النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيللع‬
‫خر‪ .. ،‬فالعقود وسللائل‬ ‫خر بالمؤ ّ‬
‫الكالئ بالكالئ ‪ ،‬وهو المؤ ّ‬
‫ن السللع هلي‬ ‫إللى القبلض‪ ،‬وهلو المقصلود بالعقلد‪ ،‬كملا أ ّ‬
‫المقصودة بالثمان‪ ،‬فل يباع ثمن بثمن إلى أجل‪ ..‬لما فللي‬
‫ذلك من الفساد والظلم المنافي لمقصود الثمنّية ومقصود‬
‫العقود ")‪.(18‬‬
‫والشراء بالهامش فيه اقتراض بالربا المحّرم ‪.‬‬
‫والمعاملت الثلث ل يكون المقصللود فيهللا الللبيع والشللراء‬
‫ي بللل المللراد المراهنللة والقمللار علللى ارتفللاع أو‬‫الحقيق ل ّ‬
‫انخفاض السعار‪ ،‬فهي معاملت تقوم على المخللاطرة‪ ،‬بل‬
‫إرادة للتملك ولذا ل يحصل فيها ‪-‬في العادة‪ -‬تسليم أوراق‬
‫سعر فقط‪.‬‬ ‫مالية بل يعطى أحدهما للخر فرق ال ّ‬
‫والميسر هو كل معاملة ل يخلو الداخل فيها مللن أن يغللرم‬
‫أو يغنم بناء على المخاطرة فقط)‪.(19‬‬
‫ولذا قال جمع من السلف‪ :‬الميسر كل شلليء فيلله خطللر)‬
‫‪.(20‬‬

‫‪578‬‬
‫ول شك أن نسبة المخاطرة في أسللواق السللهم مرتفعللة‬
‫دا‪ ،‬ول نلبلللث أن نسلللمع عللن أضللرار كللبيرة لحقللت‬ ‫جللل ً‬
‫بالمضاربين جراء ما في هذه السواق من مخاطرة‪ .‬وهذه‬
‫الضرار تكفللي للمنللع مللن هللذه الصللور مللع مللا فيهللا مللن‬
‫محاذير‪.‬‬
‫وكذلك فإن النجش‪ ،‬والتفاق على التلعب بالسعار لجللل‬
‫الكسللب علللى حسللاب مسللتثمرين آخريللن محللرم ‪ ،‬فللإن‬
‫الشرع ل يبيح اكتساب المللال عللن طريللق خللداع النللاس ‪،‬‬
‫والضرار حرام سواء كان بقصد الكسب أو غيره ‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النللبي صلللى الللله عليلله‬
‫ش فليس منا ( )‪.(21‬‬ ‫وسلم قال‪ ) :‬من غَ ّ‬
‫وعن أبي سعيد الخدري رضللي الللله عنلله أن رسللول الللله‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪) :‬ل ضرر ول ضرار ( )‪. (22‬‬
‫وكل كسب حصل للنسان بسبب ظلملله لغيللره أو خللداعه‬
‫له أو تغريره بالشاعات‪ ،‬والعمال الموهمللة؛ فهللو كسللب‬
‫محرم ل يحل له‪.‬‬
‫حكم علوة الصدار‪:‬‬
‫تعمللد بعللض الشللركات عنللد طللرح أسللهمها للكتتللاب أن‬
‫تضيف إلى قيمة السهم مبلًغا يسللمى ‪ :‬رسللم إصللدار ‪ ،‬أو‬
‫علوة إصللدار ‪ ،‬يقصللد منلله أن يغطللي تكللاليف إجللراءات‬
‫در تقللديًرا‬‫إصدار السهم وهذا ل حللرج فيلله بشللرط أن تقل ّ‬
‫مناسًبا يكون ممثل ً فعل ً لما يكلفلله إصللدار السللهم أمللا لللو‬
‫زادت علللى ذلللك فتكللون مللن أكللل أمللوال المسللاهمين‬
‫بالباطل)‪.(23‬‬
‫زكاة السهم‪:‬‬
‫اختلف أهل العلم في كيفّية زكاة السهم على أقوال لعللل‬
‫الراجح منها هو ما صدر بلله قللرار مجمللع الفقلله السلللمي‬
‫وخلصته أن تعامل شركات السهم كما يعامل الفراد بأن‬
‫تخرج الشركة زكللاة أسللهمها كمللا يخللرج النسللان الواحللد‬
‫زكاة أمواله بالنظر لمقدار المال ونصابه ونوعه ‪.‬‬
‫ن المسلاهم ملن خلل‬ ‫فلإن للم تلزك الشلركة أموالهلا فلإ ّ‬
‫حسللابات الشللركة يحسللب مقللدار الزكللاة الواجبللة علللى‬
‫أسللهمه بمعرفتلله لمقللدار الزكللاة الواجبللة علللى الشللركة‬

‫‪579‬‬
‫إجمال ً ثم يخرج ما يخص أسهمه من الزكاة بنفس العتبار‬
‫السابق‪.‬‬
‫وإن لم يتمكن من معرفة ذلك فإن كان قللد سللاهم بقصللد‬
‫الستفادة من ريع السهم السنوي فتجب الزكاة في الّريللع‬
‫ربع العشر بعد مضي الحول عليه ‪.‬‬
‫وإن كان قد تملك السهم بقصد بيعها عندما ترتفع قيمتهللا‬
‫كاها زكاة عروض تجارة بأن يخرج ربع العشر من القيمة‬ ‫ز ّ‬
‫والربح)‪.(24‬‬
‫ن المساهم الذي يقصد الستفادة من ريع السهم‬ ‫وعليه فإ ّ‬
‫يخللرج الزكللاة بحسللاب القيمللة الحقيقيللة للسللهم‪ .‬وأمللا‬
‫المضارب الذي يقصد بيعهللا عنللد ارتفللاع قيمتهللا فيحسللب‬
‫زكاته على أساس قيمتها السوقية؛ لنها كعروض التجارة‪.‬‬
‫|‪|2|1‬‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم ) ‪. ( 1598‬‬
‫)‪ (2‬بواسطة حاشية الروض المربللع للشلليخ عبللد الرحمللن‬
‫بن قاسم ) ‪. ( 5/253‬‬
‫)‪ (3‬مجلة مجمع الفقه السلمي ) ‪. ( 7/1/712‬‬
‫)‪ (4‬فتاوى اللجنة ) ‪. ( 13/407‬‬
‫)‪ (5‬أحكام أهل الذمة ) ‪. ( 1/274‬‬
‫)‪ (6‬ص ‪. 261‬‬
‫)‪ (7‬البيان والتحصيل ) ‪. ( 18/195‬‬
‫)‪ (8‬سورة المائدة آية ‪. 2‬‬
‫)‪ (9‬مجموع الفتاوى ) ‪. ( 413 ، 29/412‬‬
‫)‪ (10‬هذه المسألة وهي طريقة التخلللص مللن الربللاح لللم‬
‫أقللف علللى تفصلليل واف فيهللا ‪ .‬والللذي اخللترته ورصللدته‬
‫بعاليه هو ما تطمئن إليه النفس ولول طبيعة المحاضللرات‬
‫لحتاج المر إلى زيادة بسط في تقريره ‪.‬‬
‫وقد وقفت على قول من يجيز بيع السهم المحرمللة علللى‬
‫دق بالبللاقي ‪ ،‬ويللرد‬ ‫أن يسترد البائع رأس ماله فقط ويتص ل ّ‬
‫عليه أّنه بيلع للحلرام والحلرام غيلر ممللوك ‪ ،‬ورأيلت ملن‬
‫يجيللز أخللذ الربللاح كاملللة فللي عمليللات مضللاربة السللهم‬
‫ة‬
‫ضللا غيللر مرتبط ل ٍ‬
‫المختلطة بالحرام ويجعللل السللهم عرو ً‬
‫برأس مللال الشللركة ‪ ،‬وهللذا ل أدري كيللف يوصللف عللوائد‬

‫‪580‬‬
‫السهم للمستثمرين فيها مادامت ليست جللزًءا مللن رأس‬
‫المال ‪.‬‬
‫)‪ (11‬الفروق ) ‪. ( 1/187‬‬
‫)‪ (12‬انظر في المعاوضة على السم الشخصللي ‪ :‬فتللاوى‬
‫اللجنة الدائمة ) ‪. ( 15/106‬‬
‫)‪ (13‬أسواق الوراق المالية ‪ ،‬سمير رضوان ص ‪. 332‬‬
‫)‪ (14‬مجلللة مجمللع الفقلله السلللمي العللدد السللادس )‬
‫‪.( 2/1602‬‬
‫)‪ (15‬مجلللة مجمللع الفقلله السلللمي العللدد السللادس )‬
‫‪.( 2/1601‬‬
‫)‪ (16‬المسللتدرك للحللاكم ) ‪ ( 2/57‬؛ سللنن الللدارقطني )‬
‫‪ ( 3/71‬؛ سللنن الللبيهقي ) ‪ ( 5/290‬وهللو حللديث ضللعيف‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬ليس في هذا حديث يصح ‪ ،‬لكن إجمللاع‬
‫الناس على أنه ل يجوز بيع دين بللدين ‪ .‬التلخيللص الحللبير )‬
‫‪ ، (3/26‬ومعنى الكالئ بالكالئ أي ‪ :‬الدين بالدين ‪.‬‬
‫)‪ (17‬الجماع لبن المنذر ص ‪ 104‬؛ مجمللوع فتللاوى ابللن‬
‫تيمية ) ‪. ( 20/512‬‬
‫)‪ (18‬مجموع الفتاوى ) ‪. ( 29/472‬‬
‫)‪ (19‬شللرح المحلللي علللى المنهللاج ) ‪ ( 4/226‬؛ مجمللوع‬
‫فتاوى ابن تيمّية ) ‪ ( 32/242‬؛ تفسير القرطبي ) ‪( 3/53‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (20‬الكشللاف للزمخشللري ) ‪ ( 1/262‬؛ مجمللوع فتللاوى‬
‫ابن تيمية ) ‪. ( 29/46‬‬
‫)‪ (21‬صحيح مسلم ) ‪. ( 101‬‬
‫)‪ (22‬سللنن ابللن ماجللة ) ‪ ( 2341‬؛ سللنن الللدارقطني )‬
‫‪ ( 4/228‬وذكره النووي في الربعين وقللال عنلله ‪ :‬حللديث‬
‫ضا‪.‬‬‫حسن ‪ ،‬وله طرق يقوي بعضها بع ً‬
‫)‪ (23‬مجللللة مجملللع الفقللله السللللمي العلللدد السلللابع )‬
‫‪.( 1/713‬‬
‫)‪ (24‬مجلة مجمع الفقه السلمي العدد الرابع ) ‪( 1/881‬‬
‫وفيه عدة أبحاث في هذه المسألة ‪.‬‬
‫==============‬

‫‪581‬‬
‫‪ #‬حكم تملك الوراق المالية الربوية وأرباحها‬
‫بالقبض‬
‫عبد المجيد بن صالح المنصور ‪3/6/1428‬‬
‫‪18/06/2007‬‬
‫المراد بالوراق المالية‬
‫حكم تملك الوراق المالية الربوية بالقبض‬
‫حكم أرباح الوراق المالية بعد القبض‬
‫الحمد لله وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده أما‬
‫بعد‪:‬‬
‫فإن طلب الربللح الحلل والسللعي فيلله بجللد‪ ،‬والقلع عللن‬
‫الربح الحلرام والبتعللاد عنلله أصلبح مطلبلا ً ملحلا ً فللي هللذا‬
‫الوقت أكثر من أي وقت مضى؛ وذلك لما نرى مللن كللثرة‬
‫النكسات القتصادية على شتى الصللعد‪ ،‬ولمللا يسللببه مللن‬
‫ُبعد في إجابة الدعوات ففي صحيح مسلم من حديث أبللي‬
‫هريرة قال قال رسول اللله صللى اللله عليله وسللم ) إن‬
‫الله طيب ل يقبل إل طيبا وإن الله أمر المؤمنين بمللا أمللر‬
‫به المرسلللين فقللال "يللا أيهللا الرسللل كلللوا مللن الطيبللات‬
‫واعملوا صالحا إنللي بمللا تعملللون عليللم" ]المؤمنللون‪[15:‬‬
‫وقلللال "يلللا أيهلللا اللللذين آمنلللوا كللللوا ملللن طيبلللات ملللا‬
‫رزقنللاكم"]البقللرة‪ [271:‬ثللم ذكللر الرجللل يطيللل السللفر‬
‫أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يللا رب يللا رب ومطعملله‬
‫حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغللذي بللالحرام فللأنى‬
‫يستجاب لذلك(‪ ،‬وإن طلب الحلل واجب على كل مسلم‪،‬‬
‫وإنبللات اللحللم ملن سلحت)‪ (1‬محللرم النللار أوللى بله)‪،(2‬‬
‫ويجب لمن وقع بشلليء مللن ذلللك المسللارعة إلللى التوبللة‬
‫والتخلص من المال المحرم أيا ً كان نللوعه وشللكله؛ وذلللك‬
‫برده إلى مستحقه الصلي أو البدلي عند تعذره‪.‬‬
‫وفي هذا الزمن ابتلي كثير من المسلمين بالتعامللل بالربللا‬
‫مع الفراد أو الشركات أو البنوك أو غير ذلك‪ ،‬وعندها يقللع‬
‫الناس في الحرج‪ ،‬وترد بعض الشكالت والتساؤلت الللتي‬
‫تعرض على طلب العلم والمفتين على نحو‪:‬‬
‫هل المقبوض بعقد ربوي يملك أو ليملك؟ ومللا الحكللم إذا‬
‫نتج عن هذا المقبوض بعقد ربوي ربح هل يملكه المشتري‬

‫‪582‬‬
‫أو ل يملكه ويكون لمالك الصللل)البللائع( بنللاء علللى فسللاد‬
‫العقد ولللم يثبللت الملللك فللي الصللل بقبضلله؟ ومللا كيفيللة‬
‫التخلص من الربح الربوي؟ وهللل يجللوز التصللدق بلله علللى‬
‫الفقراء والمساكين ونحوهم؟ وهللل يجللوز رد الربللاح إلللى‬
‫البنك؟ وغير ذلك من السئلة التي حاولت جعل جوابها في‬
‫نسق واحد في أثناء البحث‪ ،‬لبناء بعضها على بعض‪ ،‬وقبللل‬
‫كشف الغطللاء عللن المسللألة والنللزاع فيهللا‪ ،‬نللذكر المللراد‬
‫بالوراق المالية كتمهيد لبيان حكمها‪.‬‬
‫المراد بالوراق المالية ‪:‬‬
‫)الوراق الماليللة(‪:‬هللي أصللول تمثللل جللزءا ً مللن رأسللمال‬
‫شركة‪ ،‬أو جزءا ً من دين على شركة‪ ،‬أو مؤسسة‪ ،‬أو حصة‬
‫في صندوق استثماري‪ ،‬وهي عبللارة عللن أسللهم وسللندات‬
‫ووحلللدات اسلللتثمارية تصلللدرها الشلللركات المسلللاهمة‪،‬‬
‫والسلللندات اللللتي تصلللدرها الحكوملللة وهيئاتهلللا العاملللة‪،‬‬
‫وسللندات الخزينللة‪ ،‬وأذوناتهللا‪ ،‬وأيللة أوراق ماليللة أخللرى‬
‫يحددها نظام السوق الماليللة‪ ،‬وتكللون قابلللة للتللداول فللي‬
‫هذه السوق بالطرق التجارية‪ ،‬وتمثل حقللا ً للمسللاهمين أو‬
‫المقترضللين‪ ،‬وموضللوعها مبلللغ مللن النقللود وأجللل الوفللاء‬
‫بالحقوق الثابتة فيها‪.‬‬
‫وعنللدما تطللرح الشللركة أو الدولللة أسللهما ً أو سللندات‬
‫للكتتللاب العللام فإنهللا تلجللأ إلللى بنللك يكللون وسلليطا بيللن‬
‫الجمهور الذي يكتتب في السهم والسندات وبين الشركة‬
‫أو الدولة التي تصدر هذه الوراق‪ ،‬ويتقاضى البنك عمولللة‬
‫نظير هذه الوساطة)‪.(3‬‬
‫حكم تملك الوراق المالية الربوية بالقبض‪:‬‬
‫ل‪ ،‬فأقول‪ :‬لللو‬ ‫رب مث ً‬‫ض ِ‬
‫لجل تبسيط صورة هذا الموضوع أ ْ‬
‫أن مسلما ً عقد عقدا ً ربويا ً وقبللض المعقللود عليلله‪ ،‬وليكللن‬
‫أسهما ً قبضها بعقد ربوي ووضعت فللي محفظتلله)‪ ،(4‬ولللم‬
‫يضارب بها‪ ،‬ورغب في أرباحها ثم استحقت الربللاح‪ ،‬فهللل‬
‫مللن تكللون هللذه الربللاح‬ ‫يملللك تلللك السللهم بللالقبض؟ ول ِ‬
‫المقبوضة بعقد ربوي ؟‬

‫‪583‬‬
‫هللل تكللون لمشللتري تلللك الوراق الماليللة بعقللد فاسللد أو‬
‫للمالك الصل )البائع( وهي )الشركة مصدرة تلك الوراق(‬
‫بناء على أن المقبوض بعقد فاسد ل يملك؟‬
‫ولجللل معرفللة لمللن الربللاح؟ لبللد مللن معرفللة لمللن‬
‫الصل)السهم المقبوض بعقللد ربللوي( أي هللل تملللك تلللك‬
‫الوراق المالية بالقبض أو ل ؟‬
‫هذه المسألة مللن النللوازل الفقهيللة الللتي لللم يتطللرق لهللا‬
‫ل‪ ،‬ولكن أصولها موجودة فللي‬ ‫الفقهاء السابقون بحثا ً وتدلي ً‬
‫كتبهللم‪ ،‬فللإن هللذه المسللألة تعللود إلللى مسللألة) ملكيللة‬
‫المقبوض بعقد فاسد ( فيكون التخريج عليها‪.‬‬
‫فيقللال‪ :‬إن العلمللاء اختلفللوا فللي تملللك الوراق الماليللة‬
‫الربوية بالقبض على قولين‪:‬‬
‫القول الول‪:‬‬
‫ذهللب جمهللور الفقهللاء مللن المالكيللة)‪ ،(5‬والشللافعية)‪،(6‬‬
‫والحنابلة)‪ ،(7‬وبعض الحنفية)‪ (8‬إلى أن العقللود الربويللة ل‬
‫تملك ولو اتصل بها القبض‪ ،‬بل هي مفسوخة أبللدًا‪ ،‬وعلللى‬
‫قللولهم هللذا فل تملللك الوراق الماليللة الربويللة بللالقبض‪،‬‬
‫ويجب فسخ العقد وردها ‪.‬‬
‫جاء في "المدونة" عن ابللن وهللب قللال‪ ):‬وسللمعت مالكلا ً‬
‫يقول الحرام البين من الربا وغيره يرد إلى أهله أبدا ً فللات‬
‫أو لم يفت)‪.(10)((9‬‬
‫وقال ابن عبد البر‪ ) :‬قال مالك‪ :‬ومن الللبيوع مللا يجللوز إذا‬
‫تفاوت أمره وتفاحش رده‪ ،‬فأما الربا فإنه ل يكون فيلله إل‬
‫الرد أبدًا‪ ،‬ول يجوز منه قليل ول كثير ول يجوز فيه ما يجوز‬
‫م‬ ‫م فَل َك ُل ْ‬
‫في غيره؛ لن الله تعالى يقول في كتابه‪" :‬وَِإن ت ُب ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن" ]البقرة‪.[279:‬‬ ‫مو َ‬‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬
‫مو َ‬‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬
‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سأ ْ‬ ‫ُر ُ‬
‫ؤو ُ‬
‫ثم قال‪) :‬هذا قول صحيح في النظر وصحيح من جهة الثر‬
‫فمن قاده ولم يضطرب فيه فهو الخّير الفقيه‪.(11) (...‬‬
‫وقال‪ ) :‬وقد اتفللق الفقهللاء علللى أن الللبيع إذا وقللع بالربللا‬
‫مفسوخ أبدا( )‪.(12‬‬
‫وقال السرخسي من الحنفية‪ ):‬إن الربا‪ ...‬ل يكون موجبللا ً‬
‫للملك بكل حال( )‪.(13‬‬
‫القول الثاني‪:‬‬

‫‪584‬‬
‫ذهب جمهور الحنفية)‪ (14‬إلى أن العقللود الفاسللدة ومنهللا‬
‫الربا تملك إذا اتصل بها القبض‪ ،‬ولكنلله ملللك خللبيث يجللب‬
‫فسخه‪ ،‬فإن تصرف به بللبيع أو هبللة أو نحللوه صللح‪ ،‬وعليلله‬
‫فإن الوراق المالية الربوية تملك عند جمهللور الحنفيللة إذا‬
‫اتصل بها القبض‪ ،‬لكنهللا ملللك خللبيث يجللب عليلله رد الربللا‬
‫على من أربى عليه‪.‬‬
‫والراجح في هذه المسألة ‪-‬والله أعلم‪ -‬أن الوراق المالية‬
‫الربوية ل تملك ولللو اتصللل بهللا القبللض‪ ،‬ويجللب فسللخ مللا‬
‫قبض منها‪ ،‬فيرد الوراق المالية إلى بائعها‪ ،‬ويسللترد ثمنهللا‬
‫إن أمكن‪ ،‬وإل يتخلص منها بالبيع)‪.(15‬‬
‫و الدلللة علللى هللذا كللثيرة ومللن أقواهللا مللا رواه البخللاري‬
‫ومسلم في صحيحيهما من حللديث أبللي سللعيد الخللدري –‬
‫رضي الله عنلله‪ -‬قللال‪)) :‬جللاء بلل بتمللر برنللي‪ ،‬فقللال للله‬
‫رسول الله –صلى الله عليلله وسلللم‪)) :-‬مللن أيللن هللذا؟((‬
‫فقللال بلل ‪ :‬تمللر كلان عنلدنا رديلء‪ ،‬فبعللت منلله صلاعين‬
‫بصاع؛ لمطعم النبي –صلى الله عليه وسلم‪ -‬فقال رسللول‬
‫الله –صلى الله عليه وسلم‪ -‬عند ذلك ‪)) :‬أوه عين الربا‪ ،‬ل‬
‫تفعل‪ ،‬ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخللر ثللم‬
‫اشتر به(( )‪ ،(16‬وفي رواية لمسلللم ‪)) :‬فللردوه ثللم بيعللوا‬
‫تمرنا واشتروا لنا من هذا(( )‪.(17‬‬
‫ووجلله الدللللة مللن الحللديث‪ :‬أن النللبي –صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم‪ -‬أمر بالرد ولم يقره على هذا العقد الربوي‪ ،‬بل أمر‬
‫بفسخه مع اتصال القبض به‪.‬‬
‫قال النووي عند هذا الحديث‪ ) :‬وقللوله ‪-:‬صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم‪] -‬هذا الربا فردوه[ هذا دليل على أن المقبوض ببيع‬
‫فاسد يجب رده على بائعه وإذا رده اسللترد الثمللن( )‪،(18‬‬
‫وقال ابن حجر‪) :‬وفيه أن البيوع الفاسدة ترد( )‪.(19‬‬
‫حكم أرباح الوراق المالية بعد القبض‪:‬‬
‫لما عرفنا حكم تملك الوراق المالية بللالقبض‪ ،‬بقللي حكللم‬
‫ما ينتللج عللن تلللك الوراق مللن أربللاح‪ ،‬وإن أقللرب تكييللف‬
‫فقهي لتلك الرباح هو نماء المقبللوض بعقللد فاسللد‪ ،‬وهللذا‬
‫النماء من قبيل النمللاء المنفصللل غيللر متولللد مللن الصللل‬
‫كالكسللب والغلللة‪ ،‬والعلمللاء مختلفللون فللي حكللم نمللاء‬

‫‪585‬‬
‫المقبوض بعقد فاسد من حيث ملكيته تبعا ً لختلفهللم فللي‬
‫ملكية أصله على القولين السابقين‪.‬‬
‫أما من حيث وجوب رد النمللاء إلللى مالللك الصللل )البللائع(‬
‫فلم تختلف أقوال المذاهب الربعة في ذلك؛ فإنهم قضللوا‬
‫بوجوب رد النماء –ومنه الرباح‪ -‬مع أصللله إلللى البللائع وأن‬
‫ذلك النماء والربح ل يمنع الفسخ‪ – ،‬وإليك بيان ذلك‪:‬‬
‫أما الشافعية‪ ،‬والحنابلة‪ ،‬والظاهريللة‪ :‬فهللم علللى قاعللدتهم‬
‫السابقة ليثبتون الملللك بللالقبض‪ ،‬ويوجبللون رد المقبللوض‬
‫بعقد فاسد ونماءه سواء أكان ربويا ً أم غير ربوي‪.‬‬
‫أما المالكية‪ :‬فلإنهم ل يثبتللون المللك فلي العقللود الربويللة‬
‫مطلقًا‪ ،‬وهو مفسوخ عندهم أبدا ً سواء فللات أم لللم يفللت‪،‬‬
‫ول يكون فيه إل الرد أبدًا‪ ،‬ول يجوز منه قليللل ول كللثير ول‬
‫يجوز‬
‫فيلله مللا يجللوز فللي غيللره)‪ (20‬ول ينتقللل الضللمان فيلله‬
‫للمشتري‪.‬‬
‫فظاهٌر أن الغلة والرباح ل تأثير لها على الحكم في العقد‬
‫صللير العقللد‬‫الربوي‪-‬عند المالكية‪ ،-‬وأن هللذه الزيللادات ل ت ّ‬
‫فائتًا‪ ،‬وبالتالي يجب عنللدهم رده وأربللاحه علللى مللن أربللى‬
‫عليه )‪.(21‬‬
‫جاء في مواهب الجليل‪ ) :‬وهنا ‪ -‬أي فللي العقللد الربللوي ‪-‬‬
‫لم ينتقل الضمان لبقاء المبيع تحت يد بائعه‪ ،‬فل يحكم للله‬
‫‪-‬أي المشللتري‪-‬بالغلللة بللل لللو قبللض المشللتري المللبيع‪،‬‬
‫وتسلمه بعد أن أخله البائع ثم آجره المشللتري للبللائع لللم‬
‫يجز؛ لن ما خرج من اليد وعاد إليها لغو‪.(22) (...‬‬
‫أما الحنفية)‪ :(23‬فإنهم وإن أثبتوا الملك بللالقبض إل أنهللم‬
‫قالوا‪ :‬إن الزيادة‪ -‬المنفصلة‪ -‬على المقبوض بعقد فاسد ل‬
‫تمنع الفسخ‪ ،‬ويجللب ردهللا مللع أصلللها إلللى البللائع‪ ،‬ولللزوم‬
‫ضمانها عند التلف‪ ،‬سللواء أكللانت هللذه الزيللادة المنفصلللة‬
‫متولدة من الصل كالولد واللبن والثمرة؛ لن هذه الزيادة‬
‫تابعة للصل لكونهللا متولللدة منلله‪ ،‬والصللل مضللمون الللرد‬
‫فكذلك الزيادة‪ ،‬كمللا فللي الغصللب‪ ،‬أم كللانت الزيللادة غيللر‬
‫متولللدة مللن الصللل كالهبللة والصللدقة والكسللب والغلللة‬

‫‪586‬‬
‫والرباح؛ لن الصل مضللمون الللرد‪ ،‬وبللالرد ينفسللخ العقللد‬
‫من الصل فتبين أن الزيادة حصلت على مالكه)‪.(24‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫يلحظ فللي المسللألة أنلله وإن اختلللف العلمللاء فللي تملللك‬
‫الوراق الماليللة الربويللة بللالقبض إل أن المللذاهب الربعللة‬
‫اتحد قولهم في الرباح‪ ،‬فإنهم اتفقوا على أن هذه الربللاح‬
‫الربوية والتي تعتبر نمللاًء منفص لل ً مللن ملللك البللائع لتمنللع‬
‫الفسخ ويجب ردها مع الصل إلى البللائع؛ حللتى علللى رأي‬
‫الحنفية الذين يثبتون الملكية فللي المقبللوض بعقللد فاسللد؛‬
‫لنها حصلت في ملكلله‪ ،‬وحللتى علللى رأي المالكيللة الللذين‬
‫يعتللبرون النمللاء فوتللا ً فللي المللبيع يثبللت بلله الملللك فللي‬
‫المقبوض بعقد فاسد إل الربا لن الربا عندهم ليثبللت فيلله‬
‫الملك أبدا ‪.‬‬
‫ومللع أن هللذا هللو الصللل والراجللح فللي المسللتحق للربللح‬
‫الربوي إل أن المستحق شيء وطريقة التخلص منه شيء‬
‫آخر؛ وذلك أنلله قللد يسللتحقه صللاحبه ابتللداء ولكللن لسللبب‬
‫شرعي أو عذر أومانع نصرف الربللح الربللوي لجهللة أخللرى‬
‫دون مستحقه ابتداء ‪.‬‬
‫لذا يقال إن مستحق الربح الربوي ل يخلو من ثلث حالت‬
‫‪.‬‬
‫الحال الولى‪ :‬إذا كان مستحق هذه الرباح الربوية شخصا ً‬
‫معينا ً معلومًا‪ ،‬ويمكن ردها ‪-‬أي الرباح والصل‪ -‬إليلله‪ ،‬ولللم‬
‫يكن معروفا ً بالتعامل بالربللا والحللرام فللالواجب فللي هللذه‬
‫الحالة رد تلللك الربللاح وأصلللها إليلله؛ لنهللا مقبوضللة بعقللد‬
‫فاسللد‪ ،‬والربللاح لهللا حكللم أصلللها؛ لنهللا تبللع‪ ،‬والتبللع يتبللع‬
‫الصل)‪ ،(25‬والتبع يملك بملك الصل)‪ ،(26‬والتابع ل يفرد‬
‫بالحكم)‪.(27‬‬
‫الحال الثانية‪ :‬إذا كان مستحق الرباح مجهول ً أو تعذر الرد‬
‫إليه ولم يكن معروفا ً بالتعامل بالربللا والحللرام فللإنه يجللب‬
‫على المشتري التخلص من المقبوض بعقد ربوي وأربللاحه‬
‫بالتصدق به ‪-‬على الفقراء والمساكين‪ -...‬عن صاحبه بنيللة‬
‫التخلص منه ل بنية التقرب إلى الله تعللالى بهللذه الصللدقة‬
‫كما هو قول جمهور الفقهاء مللن الحنفيللة)‪ (28‬والمالكيللة)‬

‫‪587‬‬
‫‪ (29‬والحنابلة)‪ (30‬وبعللض الشللافعية)‪ ،(31‬واختيللار شلليخ‬
‫السلم ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪ -‬فللي أكللثر مللن موضللع مللن‬
‫فتاويه‪ ،‬والقاعدة عند شلليخ السلللم ابللن تيميللة فللي هللذا)‬
‫‪ ):(32‬أن الموال التي تعذر ردها إلللى أهلهللا لعللدم العلللم‬
‫ل‪ ،‬وأن مللن كللان عنللده مللال ل يعللرف صللاحبه‬ ‫بهللم مث ً‬
‫كالغاصب التائب والمرابي التائب ونحوهم ممن صار بيللده‬
‫مللال ل يملكلله ول يعللرف صللاحبه فللإنه يصللرف إلللى ذوي‬
‫الحاجات ومصالح المسلمين( )‪ ،(33‬وقال‪) :‬هذا عند أكللثر‬
‫العلماء( )‪.(34‬‬
‫ثم قال‪ ) :‬إذا تبين هللذان الصلللن فنقللول‪ :‬مللن كللان مللن‬
‫ذوي الحاجللات كللالفقراء والمسللاكين والغللارمين وابللن‬
‫السبيل‪ ،‬فهؤلء يجوز‪ ،‬بل يجللب أن يعطللوا مللن الزكللوات‪،‬‬
‫ومن الموال المجهولة باتفاق المسلمين( )‪.(35‬‬
‫وقال‪ ) :‬وما تصدق به فإنه يصرف في مصالح المسلمين‪،‬‬
‫فيعطللى منلله مللن يسللتحق الزكللاة‪ ،‬ويقللرى منلله الضلليف‪،‬‬
‫ويعان فيه الحاج‪ ،‬وينفق في الجهاد وفي أبواب الللبر الللتي‬
‫يحبها الله ورسوله كمللا يفعللل بسللائر المللوال المجهولللة‪،‬‬
‫وهكذا يفعل من تاب من الحللرام وبيللده الحللرام ل يعللرف‬
‫مالكه( )‪.(36‬‬
‫وقال‪ ) :‬المال الللذي ل نعللرف مللالكه يسللقط عنللا وجللوب‬
‫رده‪ ،‬فيصرف في مصالح المسلمين‪ ،‬والصدقة من أعظللم‬
‫مصالح المسلمين‪ ،‬وهذا أصللل عللام فللي كللل مللال يجهللل‬
‫مالكه بحيث يتعذر رده إليه كالمغصوب والعواري والودائع‬
‫يتصدق بها عن صاحبها أو يصرفها في مصللالح المسلللمين‬
‫علللى مللذهب مالللك وأحمللد وأبللي حنيفللة وغيرهللم‪ ،‬وإذا‬
‫صرفت على هذا الوجه جللاز للفقيللر أخللذها؛ لن المعطللي‬
‫هنا إنما يعطيها نيابة عن صاحبها( )‪.(37‬‬
‫قال القرطبي‪) :‬قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من‬
‫الموال الحرام إن كانت رًبا فليردها على من أربى عليلله‪،‬‬
‫ويطلبه إن لم يكن حاضًرا فإن أيس من وجوده فليتصللدق‬
‫بذلك( )‪.(38‬‬
‫وقللال الغزالللي‪ ) :‬إذا كللان معلله مللال حللرام وأراد التوبللة‬
‫والبراءة منه ‪-‬فإن كان له مالك معين‪ -‬وجللب صللرفه إليلله‬

‫‪588‬‬
‫أو إلى وكيله‪ ،‬فإن كان ميتلا ً وجلب دفعله إللى وارثله‪ ،‬وإن‬
‫كان لمالك ل يعرفه ويئس من معرفته‪ ،‬فينبغي أن يصرفه‬
‫في مصالح المسلمين العامة كالقناطر والربط والمسللاجد‬
‫ومصالح طريق مكة‪ ،‬ونحو ذلللك ممللا يشللترك المسلللمون‬
‫فيه‪ ،‬وإل فيتصدق به على فقير أو فقراء‪.(39) (...‬‬
‫الحلال الثالثلة‪ :‬إذا كلان مسلتحق الربلاح الربويلة معلوملا ً‬
‫وأمكلن اللرد إليله‪ ،‬بْيلد َ أنله يعلرف عنله التعاملل بلالحرام‬
‫كالمقبوض من البنللوك أو الشللركات الللتي تتعامللل بالربللا‪،‬‬
‫والمقبوض على الزنا ‪ -‬مهور البغاء ‪ -‬والغناء ولعب القمللار‬
‫وثمن الخمر‪ ،‬والمقبوض على النياحة وغير ذلك فالصللحيح‬
‫من أقوال أهل العلم في هذه الحال أنه ل يجوز رد المللال‬
‫والربح على ذلك الزاني ول تلك الشركة وذلك البنك‪ ،‬حتى‬
‫ل يجمللع للله بيللن العللوض والمعللوض‪ ،‬وعليلله إذا قبللض‬
‫المشتري تلك الربللاح أن يتصللدق بهللا بنيللة التخلللص منهللا‬
‫وهللذا قللول عنللد المالكيللة)‪ ،(40‬وعنللد الحنابلللة‪ ،‬وهللو‬
‫المنصللوص عللن أحمللد فللي ثمللن الخمللار أنلله ل يللرد إلللى‬
‫صاحبه‪ ،‬ويجب عليه التخلص منه والتصدق به فللي مصللالح‬
‫المسلمين)‪ ،(41‬وانتصر لهذا شيخ السلم ابن تيمية)‪،(42‬‬
‫وابن القيم)‪.(43‬‬
‫والقاعللدة عنللد هللذين الشلليخين‪-‬رحمهمللا الللله‪ -‬فللي هللذه‬
‫المسألة‪) :‬كللل كسللب خللبيث لخبللث عوضلله عين لا ً كللان أو‬
‫منفعة يكون التخلص منه بالصدقة به ( )‪.(44‬‬
‫وسئل شيخ السلللم ابللن تيميللة ‪-‬رحملله الللله‪ -‬عللن امللرأة‬
‫كانت مغنية‪ ،‬واكتسللبت فللي جهلهللا مللال ً كللثيرا ً وقللد تللابت‬
‫وحجت إلى بيت الله تعللالى‪ ،‬وهللي محافظللة علللى طاعللة‬
‫الله‪ ،‬فهل المال الذي اكتسبته مللن حللل وغيللره إذا أكلللت‬
‫وتصدقت منه تؤجر عليه ؟‬
‫فأجاب‪ :‬المللال المكسللوب إن كللانت عيللن أو منفعللة)‪(45‬‬
‫مباحة في نفسها‪ ،‬وإنما حرمت بالقصد مثل من يبيع عنبللا ً‬
‫لمن يتخذه خمرا ً أو من يسللتأجر لعصللر الخمللر أو حملهللا‪،‬‬
‫فهذا يفعله بالعوض لكن ل يطيب له أكللله‪ ،‬وأمللا إن كللانت‬
‫العين أو المنفعة محرمة كمهر البغي وثمن الخمر‪ ،‬فهنللا ل‬
‫ُيقضى له به قبل القبض‪ ،‬ولو أعطاه إياه لللم يحكللم بللرده‬

‫‪589‬‬
‫ملع لهللم بيلن‬ ‫ج ِ‬‫فللإن هللذا معونللة لهلم علللى المعاصللي إذا ُ‬
‫العللوض والمعللوض‪ ،‬ول يحللل هللذا المللال للبغللي والخمللار‬
‫ونحوهما‪ ،‬لكن يصرف فللي مصللالح المسلللمين)‪ ،(46‬فللإن‬
‫مار‪ ،‬وكانوا فقراء جاز أن يصرف‬ ‫ي وهذا الخ ّ‬‫تابت هذه البغ ّ‬
‫إليهم من هذا المال مقدار حاجتهم‪ ،‬فإن كان يقدر يتجر أو‬
‫طي ما يكون له رأس مال‪،‬‬ ‫ُ‬
‫يعمل صنعة كالنسج والغزل أعْ ِ‬
‫وإن اقترضللوا منلله شلليئا ليكتسللبوا بلله ولللم يللردوا عللوض‬
‫القرض كان أحسن‪ ،‬وأما إذا تصدق به لعتقللاده أنلله يحللل‬
‫عليه أن يتصدق به فهذا يثاب على ذلك‪ ،‬وأما إن تصدق به‬
‫كما يتصدق المالللك بملكلله فهللذا ل يقبللله الللله؛ إن الللله ل‬
‫يقبل إل الطيب‪ ،‬فهذا خبيث‪ ،‬كما قللال النللبي –صلللى الللله‬
‫عليه وسلللم‪)) :-‬مهللر البغللي خللبيث(( )‪ ،(48)((47‬وقللال‪:‬‬
‫)نعم البغي والمغني والنائحة ونحوهم إذا أعطوا أجللورهم‪،‬‬
‫ثم تابوا‪ ،‬هل يتصدقون بهللا أو يجللب أن يردوهللا علللى مللن‬
‫أعطاهموهللا؟ فيهللا قللولن‪ :‬أصللحهما أنللا ل نردهللا علللى‬
‫الفسللاق الللذين بللذلوها فللي المنفعللة المحرمللة‪ ،‬ول يبللاح‬
‫الخذ‪ ،‬بل يتصدق بها وتصرف في مصالح المسلمين‪ ،‬كمللا‬
‫نص عليه أحمد في أجرة حمل الخمر( )‪.(49‬‬
‫سّلم إليهم‬‫وقال ابن القيم‪ ) :‬فإن قيل‪ :‬فما تقولون فيمن ُ‬
‫المنفعة المحرمللة الللتي اسللتأجروه عليهللا كالغنللاء والنللوح‬
‫والزنى واللواط؟ قيل إن كان لم يقبض منهم العللوض لللم‬
‫يقض له به باتفاق المة‪ ،‬وإن كان قد قبللض لللم يطللب للله‬
‫أكله‪ ،‬ولم يملكه بذلك‪،‬والجمهور يقولون يرده عليهللم؛لنلله‬
‫قبضه قبضلا ً فاسللدًا‪ ،‬وهللذا فيلله روايتللان منصوصللتان عللن‬
‫المام أحمد؛ إحداهما‪ :‬أنه يللرده عليهللم‪ ،‬والثانيللة‪ :‬ل يللأكله‬
‫ول يرده بل يتصدق به‪ ،‬قال شيخنا‪ :‬وأصح الروايتين أنلله ل‬
‫يرده عليهم ول يباح للخذ‪ ،‬ويصرف في مصالح المسلمين‬
‫كما نص عليه أحمد في أجرة حمللال الخمللر( )‪ ،(50‬وقللال‬
‫في موضع آخر‪ ) :‬فصل المسللألة الثانيلة إذا عللاوض غيلره‬
‫معاوضة محرمة‪ ،‬وقبض العللوض كالزانيللة والمغنللي وبللائع‬
‫الخمللر وشللاهد الللزور ونحللوهم‪ ،‬ثللم تللاب والعللوض بيللده‪،‬‬
‫فقالت طائفة‪ :‬يللرده إلللى مللالكه؛ إذ هللو عيللن مللاله‪ ،‬ولللم‬
‫يقبضه بإذن الشارع‪ ،‬ول حصل لربه في مقابلته نفع مباح‪،‬‬

‫‪590‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬بل توبته بالتصللدق بلله ول يللدفعه إلللى مللن‬
‫أخذه منه‪ ،‬وهو اختيار شيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬وهو أصللوب‬
‫القولين( )‪.(51‬‬
‫وقال )إن الذي عاوض على خمر أو خنزير أو علللى زنللا أو‬
‫فاحشللة أو غيللر ذلللك أخرجلله باختيللاره واسللتوفى عوضلله‬
‫المحرم‪ ،‬فل يرد العوض إليه ؛ لنه ل يسوغ عقل ً أن يجمللع‬
‫له بين العوض والمعوض عنه‪ ،‬فإن في ذلك إعانة له عللى‬
‫الثم والعدوان‪ ،‬وتيسيرا ً لصللحاب المعاصللي‪ ،‬ومللاذا يريللد‬
‫الزاني وصاحب الفاحشة إذا علم أنه ينال غرضلله ويسللترد‬
‫ماله‪ ،‬فهذا مما تصان الشريعة عللن التيللان بلله‪ ،‬ول يسللوغ‬
‫القللول بلله‪ ،‬وهللو يتضللمن الجمللع بيللن الظلللم والفاحشللة‬
‫والغدر‪ ،‬ومن أقبح القبح أن يسللتوفي عوضلله مللن المزنللي‬
‫بها ثم يرجع فيما أعطاها قهرًا‪ ،‬فقبح هذا مستقر في فطر‬
‫جميللع العقلء فل تللأت بلله الشللريعة( )‪ .(52‬والللله تعللالى‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫)‪ (1‬قال المنذري )السللحت بضللم السللين وإسللكان الحللاء‬
‫وبضمهما أيضا هو الحرام وقيل هو الخبيث من المكاسب(‬
‫الترغيب والترهيب )‪.(2/349‬‬
‫)‪) (2‬انظللر الكلم حللول هللذا الحللديث‪ :‬تخريللج الحللاديث‬
‫والثار للزيلعي)‪ (398‬وتلخيص الحبير )‪(4/149‬‬
‫)‪ (3‬انظللر‪ :‬موقللع هيئة الوراق الماليللة والسلللع المللارات‬
‫العربية المتحللدة )المصللطلحات (‪ ،‬وموقللع وزارة التجللارة‬
‫والصناعة في المملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫?‪http://www.commerce.gov.sa/circular/40-4.asp‬‬
‫‪print=true‬‬
‫)‪ (4‬قَْبللض السللهم‪ :‬وضللعها فللي المحفظللة؛ لن القبللض‬
‫مرجعه إلى العرف‪-‬كمللا مقللرر‪ -‬و ل يعتللبر قابضلا ً للسللهم‬
‫عرفا ً إل بوضعها في المحفظة‪،‬والله أعلم‪.‬‬
‫)‪ (5‬المدونة الكبرى )‪ ،(4/145‬والتمهيللد لبللن عبللد الللبر )‬
‫‪ ،(5/29‬وبدايلللة المجتهلللد ونهايلللة المقتصلللد )‪،(2/230‬‬
‫والستذكار )‪.(21/139‬‬

‫‪591‬‬
‫)‪ (6‬الم )‪ (2/53‬و)‪ (3/247‬و)‪ ،(6/184‬والمهللللللللللللذب‬
‫للشيرازي)‪ ،(1/275‬والحاوي الكبير)‪ ،(5/316‬والمجموع)‬
‫‪ ،(9/377‬وروضلللة الطلللالبين )‪ ،(3/72‬والنلللوار لعملللال‬
‫البرار )‪.(1/333‬‬
‫)‪ (7‬المغني )‪ ،(6/327‬والنصاف)‪ ،(4/473‬وشرح منتهللى‬
‫الرادات )‪ ،(3/237‬وكشاف القنللاع )‪ ،(3/245‬والفللروع )‬
‫‪ (6/287‬ومعلله تصللحيح الفللروع وحاشللية ابللن قنللدوس‪،‬‬
‫والمستوعب للسامري )‪ ،(2/61‬وفتح الملك العزيز بشرح‬
‫الوجيز للبغدادي الحنبلي )‪ ،(3/561‬والمحللرر فللي الفقلله)‬
‫‪ .(1/323‬وتقرير القواعد لبن رجب )‪.(2/189‬‬
‫)‪ (8‬ومنهللم زفللر والسرخسللي‪ ،‬انظللر‪ :‬الجللامع الصللغير )‬
‫‪ ،(1/332‬وأصول السرخسي ص )‪.( 83‬‬
‫)‪ (9‬الفوات عند المالكية يعني أحد خمسة أشللياء ‪ :‬الول‪:‬‬
‫تغير الذات وتلفهللا كللالموت والعتللق وهللدم الللدار وغللرس‬
‫الرض وأكللل الطعللام ونمللاء المللبيع ونقصللانه ‪ .‬والثللاني‪:‬‬
‫حوالللة السللواق‪ .‬والثللالث‪ :‬الللبيع‪ .‬والرابللع‪ :‬حللدوث عيللب‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬تعلق حق الغير كرهن السلعة ‪ .‬انظر القللوانين‬
‫الفقهية لبن جزيء ص)‪ (265‬والشرح الصغير للدردير‬
‫)‪ (10‬المدونلللة الكلللبرى )‪ ،(4/148‬وملللواهب الجليلللل )‬
‫‪.(4/381‬‬
‫)‪ (11‬الستذكار )‪.(21/139‬‬
‫)‪ (12‬التمهيلللد )‪ ،(5/129‬والسلللتذكار ) ‪ (19/146‬وهلللذا‬
‫النقل لتفاق الفقهللاء فللي هللذه المسللألة فيلله نظللر‪ ،‬فللإن‬
‫جمهور الحنفية يرون أن المقبوض بعقد ربللوي يملللك وإن‬
‫كان واجب الفسخ‪ ،‬وخالفهم شمس الدين السرخسي في‬
‫هذه المسألة‪ ،‬فوافق الجمهور كما في المتن‪.‬‬
‫)‪ (13‬أصول السرخسي ص )‪ .( 83‬وانظر‪ :‬البحر الرائق )‬
‫‪ ،(6/136‬وحاشية ابن عابدين )‪.(5/169‬‬
‫)‪ (14‬انظللر‪ :‬فللي بيللان مللذهب الحنفيللة الكتللب التاليللة ‪:‬‬
‫الجامع الصللغير )‪ ،(332-1/331‬بللدائع الصللنائع )‪،(5/299‬‬
‫وما بعدها و)‪ ،(5/263‬والمبسوط )‪ ،(29/142‬وشرح فتللح‬
‫القدير ومعه شرح العناية )‪ (6/400‬ومابعدها‪ ،‬والبناية فللي‬
‫شرح الهداية )‪ ،(6/377‬والبحر الرائق شرح كنللز الللدقائق‬

‫‪592‬‬
‫)‪(6/99‬وما بعدها و) ‪ ،(6/136‬والختيار لتعليللل المختللار )‬
‫‪ ،(2/22‬وحاشللية ابللن عابللدين )‪ (7/233‬ومللا بعللدها و)‬
‫‪ ،(5/169‬ومجمع النهر في شرح ملتقللى البحللر )‪،(2/65‬‬
‫والشباه والنظائر ص )‪ ،(209‬ورؤوس المسللائل الخلفيللة‬
‫ص) ‪ ،(288‬وكشف السرار للبخاري )‪(1/269‬‬
‫)‪ (15‬سوف أفرد هللذه المسللألة فللي بحللث مسللتقل فللي‬
‫المستقبل‪-‬إن شاء الله‪ -‬وهي )حكم التخلللص مللن الوراق‬
‫المالية بالبيع(‬
‫)‪ (16‬رواه البخاري في صللحيحه )كتللاب الوكالللة‪ -‬بللاب إذا‬
‫باع الوكيللل شلليئا ً فاسللدا ً فللبيعه مللردود( ‪،(2/613)2188‬‬
‫ومسلم في صحيحه )كتاب المساقاة ‪-‬باب بيع الطعام مثل ً‬
‫بمثل( ‪.(3/1215)1594‬‬
‫)‪ (17‬رواه مسلم في صحيحه )كتاب المسللاقاة ‪-‬بللاب بيللع‬
‫الطعام مثل ً بمثل( )‪.(3/1215‬‬
‫)‪ (18‬شرح النووي على صحيح مسلم )‪.(11/22‬‬
‫)‪ (19‬فتح الباري )‪.(4/401‬‬
‫)‪ (20‬السللللتذكار )‪ (21/139‬و) ‪ ،(19/146‬والتمهيللللد )‬
‫‪ ،(5/129‬وانظلللر المدونلللة الكلللبرى )‪ (4/148‬وملللواهب‬
‫الجليللل )‪ (4/381‬وشللرح ميللارة )‪ .(2/8‬هللذا حكملله عنللد‬
‫المالكية إذا كان ربويا ً أما إذاكان العقد الفاسد غيللر ريللوي‬
‫فالمر عندهم معلق على الفوات إن فات ثبت فيه الملللك‬
‫وإل فل‪.‬‬
‫)‪ (21‬انظر‪ :‬الجامع لحكام القرآن للقرطبي )‪.(3/366‬‬
‫)‪ (22‬ملللواهب الجليلللل )‪ (374-4/373‬بتصلللرف يسلللير‪،‬‬
‫وانظر شرح ميارة )‪. (2/8‬‬
‫)‪ (23‬بدائع الصنائع )‪ ،(5/302‬والفتاوى الهندية )‪،(3/148‬‬
‫ومجمللع الضللمانات ص) ‪ ،)216‬وحاشللية ابللن عابللدين)‬
‫‪.(303-7/302‬‬
‫)‪ (24‬بدائع الصنائع )‪.(5/302‬‬
‫)‪ (25‬موسوعة القواعد الفقهية للبورنو )‪.(3/187‬‬
‫)‪ (26‬المرجع السابق‪.‬‬
‫)‪ (27‬المنثور)‪ ،(1/234‬والشباه والنظائر لبللن نجيللم ص)‬
‫‪ ،(120‬وموسوعة القواعد الفقهية للبورنو )‪.(3/158‬‬

‫‪593‬‬
‫)‪ (28‬الختيار لتعليل المختار لبن مورد )‪ ،(3/61‬وحاشللية‬
‫ابن عابدين )‪.(3/223‬‬
‫)‪ (29‬الجامع لحكام القرآن للقرطللبي )‪ ،(3/366‬وفتللاوى‬
‫ابللن رشللد )‪ ،(1/632‬والمعيللار المعللرب للونشريسللي )‬
‫‪.(9/551‬‬
‫)‪ (30‬مجملللللللوع الفتلللللللاوى)‪ (28/592‬و )‪(29/264‬و)‬
‫‪ ،(29/321‬والفتللاوى الكللبرى )‪(5/421‬و) ‪،(213-4/210‬‬
‫والفللروع لبللن مفلللح )‪ (4/513‬و) ‪ ،(2/667‬والنصللاف )‬
‫‪ ،(213-6/212‬وقواعلللد ابلللن رجلللب ص)‪ ،(225‬وجلللامع‬
‫العلوم والحكم )‪.(1/104‬‬
‫)‪ (31‬المجموع شرح المهللذب النللووي )‪ ،(9/428‬وانظللر‪:‬‬
‫المنثللور فللي القواعللد للزركشللي )‪ ،(2/231‬وفتللاوى ابللن‬
‫حجر )‪.(4/357‬‬
‫)‪ (32‬مجملللللللوع الفتلللللللاوى )‪ (28/284‬و)‪ (28/568‬و)‬
‫‪.(29/241‬‬
‫)‪ (33‬مجملللوع الفتلللاوى )‪ (569-28/568‬و)‪ (30/413‬و)‬
‫‪.(29/263‬‬
‫)‪ (34‬المراجع السابقة‪.‬‬
‫ل بعللض البللاحثين حينمللا‬ ‫)‪ (35‬المرجع السللابق‪ ،‬ولقللد وَهَل َ‬
‫ظن من قول شيخ السلم ابن تيمية فللي بعللض المواضللع‬
‫"يصللرف فللي مصللالح المسلللمين" أنلله خللاص بللالمرافق‬
‫العامة فقط‪ ،‬وأن شلليخ السلللم ابللن تيميللة ل يللرى جللواز‬
‫صرفها للفقراء والمسللاكين‪ ،‬والكلم المنقللول فللي المتللن‬
‫يرد هذا الظن‪ ،‬وكلم شيخ السلللم ابللن تيميللة هنللا ظللاهر‬
‫في جواز صرف المال الحللرام إلللى الفقللراء والمسللاكين‪،‬‬
‫وكلمه أيضا ً يفسر بعضه بعضًا‪ ،‬ثم إن الفقراء يدخلون في‬
‫مصالح المسلمين‪.‬‬
‫وذكر شيخ السلم ابن تيمية أيضا ً في موضع آخللر أن مللن‬
‫أراد التخلص من الحرام والتوبة‪ ،‬وتعللذر رده إلللى أصللحابه‬
‫فلينفقلله فللي سللبيل الللله ‪-‬أي فللي الجهللاد‪ -‬عللن أصللحابه‪،‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪ (28/421‬والذي يظهر ‪-‬والللله أعلللم‪ -‬أن‬
‫قوله هذا لم يقصد به حصره على هللذه الجهللة‪ ،‬وإنمللا أراد‬
‫ذكر إحدى أهم مصالح المسلمين الللتي ينفللق فيهللا المللال‬

‫‪594‬‬
‫الحرام‪-‬وهي الجهاد في سبيل الله‪ -‬فيكون داخل ً في رأيلله‬
‫الول‪ ،‬وليس رأيا ً آخر له كمللا ظللن بعللض البللاحثين بللدليل‬
‫كلمه التي‪.‬‬
‫)‪ (36‬مجموع الفتاوى )‪.(30/328‬‬
‫)‪ (37‬مجموع الفتاوى )‪ (29/263‬و)‪.(29/321‬‬
‫)‪ (38‬الجامع لحكام القرآن )‪.(3/366‬‬
‫)‪ (39‬المجموع شرح المهذب )‪.(9/428‬‬
‫)‪ (40‬مقدمات ابن رشد )‪.(2/618‬‬
‫)‪ (41‬مسائل المام أحمد وابن راهللويه للكوسللج )‪،(2/66‬‬
‫والكلللافي لبلللن قداملللة )‪ ،(2/756‬ومجملللوع الفتلللاوى )‬
‫‪ ،(30/209‬واقتضللاء الصللراط المسللتقيم )‪ ،(1/247‬وزاد‬
‫المعاد )‪ ،(5/782‬والنصاف )‪ ،(11/212‬وكشاف القنللاع )‬
‫‪.(6/317‬‬
‫)‪ (42‬مجملللوع الفتلللاوى )‪(28/666‬و )‪ (292-29/291‬و)‬
‫‪ (309-29/308‬و)‪ ،(30/209‬واقتضاء الصراط المسللتقيم‬
‫ص)‪.(265‬‬
‫)‪ (43‬زاد المعاد في هللدي خيللر العبللاد )‪ ،(5/778‬وأحكللام‬
‫أهل الذمة )‪ ،(1/574‬ومدارج السالكين )‪.(1/390‬‬
‫)‪ (44‬زاد المعاد في هدي خير العباد )‪.(5/779‬‬
‫)‪ (45‬هكذا في مجموع الفتاوى‪ ،‬ولعل الصللواب‪) :‬إن كللان‬
‫ة مباحة(‪.‬‬‫عينا ً أو منفع ً‬
‫ت‬‫)‪ (46‬يلحللظ هنللا أن شلليخ السلللم ابللن تيميللة لللم ي ُْف ل ِ‬
‫بملكيللة هللذا المللال الخللبيث مللع كونهللا جاهلللة وقللد تللابت‬
‫وحافظت على حدود الله‪ ،‬وذكر في موضع آخر)‪ (22/8‬أن‬
‫من تاب على أموال محرمة قبضها فللي حللال الفسللق أنلله‬
‫يملكها؛ لن التوبة تهدم ما كان قبلها وأنه ليس بأولى مللن‬
‫الكللافر‪ ،‬والفللرق بيللن القللولين ‪ -‬واللله أعلللم ‪ -‬أن وجللوب‬
‫التخلص إنما هو في العين والمنفعة المحرمللة فللي أصلللها‬
‫كمهر البغي ‪ ...‬أوكان المال موجودا ً وأمكن التخلص منلله‪،‬‬
‫وقوله الخر محمول على ماكان محرم لا ً فللي وصللفه دون‬
‫أصله أو حرم لكسبه أو كان المال المحرم قبض في حللال‬
‫الفسق منذ زمن بعيد ولم يمكن تمييزه‪ ،‬أو يكون هذا رأي‬
‫آخر له في المسألةوالله أعلم‪.‬‬

‫‪595‬‬
‫)‪ (47‬رواه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ )كتاب المساقاة‬
‫‪-‬باب تحريم ثمن الكلب وحلللوان الكللاهن ومهللر البغللي( )‬
‫‪.(3/1199‬‬
‫)‪ (48‬مجموع الفتاوى )‪.(29/308‬‬
‫)‪ (49‬اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيللم‬
‫)‪.(1/247‬‬
‫)‪ (50‬أحكام أهل الذمة)‪.(1/575‬‬
‫)‪ (51‬مدارج السالكين )‪.(1/390‬‬
‫)‪ (52‬زاد المعاد )‪ (5/779‬بتصللرف يسللير‪ ،‬وانظللر مللدارج‬
‫السالكين )‪.(1/390‬‬
‫==============‬
‫‪ #‬السهم النقية والمختلطة‬
‫خالد بن سعودالرشود ‪25/12/1427‬‬
‫‪15/01/2007‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم وبعد‪:‬‬
‫فإن من المعاملت التي ظهللرت وانتشللرت فللي المجتمللع‬
‫المسلم‪ :‬بيع وشراء أسهم الشركات المساهمة حتى قلما‬
‫تجللد أحللدا ً ل يتعللاطى مثللل هللذه المعللاملت وبنللاًء عليلله‬
‫توجهت أسئلة المستفتين إلى طلبة العلم فاجتهللدوا فيهللا‪،‬‬
‫وتعددت آراؤهم‪ ،‬واختلفت اجتهاداتهم حسب ما يأتي بيانه‪.‬‬
‫ولكن مع ذلك مللا زال السللؤال مسللتمّرا عللن حكمهللا مللع‬
‫سللابق علللم المسللتفتي بللأقوال المفللتين‪ ،‬وكللأنه لللم يجللد‬
‫الجواب الذي يشفي ويكفي‪ ،‬خصوصا ً مع ظهللور التنللاقص‬
‫في هذه الفتاوى‪ .‬فبينما تحرم إحدى الشركات في وقللت‪،‬‬
‫إذا بها تحل في وقت آخر والعكللس صللحيح‪ ،‬فقللد يشللتري‬
‫وقلت الفتلاء بلالجواز ثلم تحلرم‪ .‬وخاصلة ملع كلثير مملن‬
‫يتحرى في أمر دينه‪ ،‬ويخاف على نفسلله مللن المحللرم أي ّللا‬
‫كان قدره‪.‬‬
‫وكنت إلى وقت قريب معرضا ً عن الخوض في أحكام هذه‬
‫السهم؛ لن هناك من يقللوم ببيللان الحكللم الشللرعي فيهللا‬
‫وله سابق فضل وعلم‪ ،‬كما أن طالب العلم ل يتجللرأ علللى‬
‫الفتوى مع أن غيره قد كفاه‪ ،‬ولكن ما فتئت هذه المسائل‬

‫‪596‬‬
‫ي فأحيل الجللواب علللى مللن تصللدى لللذلك مللن‬ ‫تعرض عل ّ‬
‫طلبة العلم‪ ،‬ولكن لحظت إقبال عدد كبير من الناس على‬
‫هذه السهم بناًء على هذه الفتوى‪ ،‬فلما تملكوا فيها حدث‬
‫أمران عظيملان أوجبلا إشلكال ً عنلد كلثير ملن المتعلاملين‬
‫ممللن يتحللرى الحلل فللي مللا يكتسللب‪ ،‬وهللذان المللران‬
‫مرتبطان ببعضهما وأحدهما مترتب على الخر‪:‬‬
‫الول‪ :‬النهيار الشديد في سوق السهم ممللا ترتللب عليلله‬
‫خسارة كثير من أهل الخير ممللن شللجعتهم تلللك الفتللاوى‬
‫علللى دخللول السللوق المللالي‪ .‬فأشللاروا تلميحللا ً أحيانللًا‪،‬‬
‫وتصللريحا ً أحيان لا ً أخللرى إلللى تلللك الفتللوى الللتي دفعتهللم‬
‫وسهلت لهم دخول هذا المجال‪ .‬وبعضهم أظهللر اسللتنكاره‬
‫الشديد من هذه الفتاوى التي تسللببت فللي خسللارته ‪-‬فللي‬
‫ظنه‪ -‬مما دفعه إلى كيل التهللم ‪-‬فللي ضللمن عللدة جهللات‪-‬‬
‫إلى هؤلء المفتين وتلك الفتاوى؛ خصوصا ً مع وجود المللر‬
‫الثاني‪ :‬أل وهو اختلف الفتوى في نفس الشركة‪ ،‬وانقلبها‬
‫من الجواز إلى التحريم أو العكس فجعله يتأخر فللي بيعهللا‬
‫حتى قل سعرها‪ ،‬أو يبادر إلى البيع وهي في طللور ارتفللاع‬
‫السعر‪ .‬فإن خسر فيهلا أوجلب عليله ذللك إمسلاك أسلهم‬
‫هذه الشركة مع علمه بتحريمها بناءً على هذه الفتوى وإن‬
‫لح له المكسب فيهللا اضللطر لبيعهللا قبللل تحققلله؛ خشللية‬
‫الوقوع في المحرم‪.‬‬
‫ولما سبق فقد رأيت ‪-‬ولله المللر ملن قبلل ومللن بعللد‪ -‬أن‬
‫أكتب في هذه المسألة رأيي القاصر إبللراًء للذمللة ونصللحا ً‬
‫للمة وخروجلا ً مللن العهللدة ‪-‬خاصللة مللع تعلللق حكللم هللذه‬
‫المسألة بأحد الضروريات الخمس وهللو المللال‪ -‬فللإن كللان‬
‫صوابا ً فمن الللله وإن كللان خطللأ فمللن نفسللي والشلليطان‬
‫والله ورسوله منه بريئان وما توفيقي إل بالله عليه توكلت‬
‫وإليه أنيب‪ .‬وبيان هذه المسألة يكون بأمور‪:‬‬
‫ل‪ :‬يجب على المسلم أل يتساهل فيمللا يكتسللب وليعلللم‬ ‫أو ً‬
‫أنه مسؤول عن هذا المال؛ من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟‬
‫لما جاء في حديث معاذ رضللي الللله عنلله أن النللبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم قال‪" :‬ل تزول قدما عبد يوم القيامة حتى‬
‫يسأل عن أربع‪ "...‬وذكر منها‪" :‬وعن ماله من أين اكتسللبه‬

‫‪597‬‬
‫وفيما أنفقه" رواه الترمللذي وحسللنه‪ .‬كمللا أن أكللل المللال‬
‫الحللرام مللن المسللائل الخطيللرة والعيللاذ بللالله الللتي ورد‬
‫بشأنها الوعيد الشديد‪ .‬روى المام أحمللد )‪ (13919‬بسللند‬
‫حسن عن جابر بللن عبللد الللله أن النللبي صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم قال لكعب بن عجللرة‪" :‬يللا كعللب بللن عجللرة إنلله ل‬
‫يدخل الجنة لحم نبت من سحت؛ النار أولى بلله‪ .‬يللا كعللب‬
‫بن عجرة الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها وبائع نفسه‬
‫فموبقها"‪ .‬وهذا وعيد عظيم لمللن تهللاون فللي أكللل المللال‬
‫الحرام فعلم من هذا أن على المسلم أن يراعي الله جللل‬
‫وعل في هذا المال‪ ،‬وأل يتبع في كسلبه هلواه‪ ،‬بلل يطللب‬
‫الحق في تحليله وتحريمه‪ ،‬ول يكللن كالللذي يبحللث لنفسلله‬
‫غطاًء من زلة عالم أو خطأ مجتهد لجل اكتسابه مللن غيللر‬
‫حله‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬علينا أن نعلم أن الحق في كل مسألة واحد ل يتعللدد‬
‫باتفاق أهل العلم ‪-‬ممن يعتد بخلفه‪ -‬كما علينا أن نعلم أن‬
‫البشر خلقهم الله تعالى مختلفين في ألوانهم وأجسللامهم‬
‫ولغاتهم وتفكيرهم وعقولهم والختلف فيهم حاصللل وهللذا‬
‫واقع ل مفر منه قال تعالى‪" :‬ول يزالون مختلفيللن إل مللن‬
‫رحم ربك ولذلك خلقهم" ولكن ل بللد أن نعتقللد بالضللرورة‬
‫‪-‬مع هذا‪ -‬أن الحلق ملع أحلد هلؤلء المختلفيلن علمله ملن‬
‫علمه‪ ،‬وجهلله مللن جهللله‪ .‬وإذا ً ل يجللوز أن تكللون أقللوالهم‬
‫كلها حق‪ ،‬ول يجوز أيضا ً أن يخلو قول أحدهم من الحللق إذ‬
‫ل بد لكل عصر من قائم الله بالحجة‪ .‬وأقرب النللاس إلللى‬
‫الحق أقربهم إلى الكتاب والسللنة وفهللم السلللف رضللوان‬
‫الله عليهم وأعملهم بالللدليل الصللحيح وليللس العللبرة فللي‬
‫تمييز الحق كللثرة العللاملين أو القللائلين بللالقول أو قلتهللم‪.‬‬
‫يقول الفضيل بن عياض رحمه اللله‪" :‬ل يغللرك ملن الحلق‬
‫قلة السالكين ول من الباطل كللثرة الهللالكين"‪ .‬وذلللك لن‬
‫بعض الناس يعتبر الحق بفعل الكثرية فيقول أكثرهم فعل‬
‫كذا وأغلبهم عمل بكذا وهذا غير صحيح‪ .‬فالعبد يسأل عللن‬
‫عمله ول يسأل عن عمل غيللره‪ .‬فللإذا تسللاهل المسللتفتي‬
‫في طلب الحق كان عليه من الثم بقدر تساهله‪.‬‬

‫‪598‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أن معنى السهم اصطلحا ً هو‪ :‬جزء مشع من شللركة‬
‫تضم أعيانا ً ونقدا ً وعمل ً أو بعضها؛ على الراجح من أقللوال‬
‫الفقهاء المعاصرين‪ .‬وبناًء عليه يكون التملك في أي سللهم‬
‫من هذه السهم يعني أن يكون للمالك حصة مشللاعة فللي‬
‫جميع أعيان ونقود وأعمال وودائع الشركة المساهم بها‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن الحكم على سهم شركة ما أنه نقي أو غير نقللي‬
‫لجل تحديد جواز شراء أسللهمها مللن عللدمه مبللدأ ل يصللح‬
‫من وجوه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن الشركة قد تقترض أموال ً طائلة بالربا فتبني بها‬
‫أصول ً تجارية لها؛ كمصانعها ومنشآتها خلل سللنين ماضللية‬
‫من عمرها إل أنها قد تمر عليها سنة ‪-‬أو ربع سنة‪ -‬مالية ل‬
‫تحتاج فيها إلى القتراض وبناء عليه تصدر قوائمها الماليللة‬
‫الربع سنوية خالية مللن القللتراض المحللرم فهللل يصللح أن‬
‫يطلق على هذه الشركة نقيللة لمجللرد أنهللا لللم تحتللج إلللى‬
‫القللتراض فللي ربللع السللنة الللذي أصللدرت فيلله قوائمهللا‬
‫المالية؟‬
‫الثاني‪ :‬أنها قد تحصل على فوائد ربوية من ودائع مالية ثم‬
‫تضخها في أرباح الشركة ثم بعللد ذلللك تضللخ هللذه الربللاح‬
‫في رأس مال الشركة لتؤسس منشللآت أو لتطللوير عمللل‬
‫الشركة ونحوه وذلللك خلل سللنين مللن عمللر الشللركة‪ ،‬إل‬
‫أنها قد تمر عليهلا سلنة ماليلة أو ربلع سلنة ل يوجلد للديها‬
‫ودائع مالية ذات فوائد فكيف يقال إن هذه الشركة نقية؟‬
‫الثالث‪ :‬أن السهم المشترى هو عين تمثللل حصللة مشللاعة‬
‫من الشركة ‪-‬كما سبق‪ -‬ول يصح اعتبار السهم يمثل فللترة‬
‫سنة واحدة أو ربع سنة‪ ،‬بل هو يمثل هللذه الحصللة لجميللع‬
‫أعمال وموجودات وأصللول وودائع الشللركة منللذ تأسيسللها‬
‫وحتى وقت الشراء‪ ،‬وذلك لن النسان إذا اشترى عينا ً فل‬
‫يصح اعتبار هذا الشراء مخصوصلا ً بللوقت‪ ،‬بللل هللو شللامل‬
‫للعين المباعة بعمرها الماضللي ولهللذا لللو اشللترى دابللة أو‬
‫دارا فبلللات مسلللتحقة فلللي أي وقلللت سلللابق للشلللراء‬
‫فللمشتري ردها بهذا العيب‪) .‬انظر المغنللي ‪(320-4/319‬‬
‫فلو كان الشراء يمثل فترة معينة لم يكن للمشللتري ردهللا‬
‫بهذا العيب‪ .‬وهذه مسألة مللن أوضللح الواضللحات ل تحتللاج‬

‫‪599‬‬
‫لمزيللد بيللان‪ ،‬وبنللاء عليلله فللإطلق وصللف النقللاوة علللى‬
‫الشركة لمجرد أن قوائمها المالية الربع سنوية خلللت مللن‬
‫تعاملت محرمة غير صحيح؛ لن هذا الوصف لو صللح فهللو‬
‫ينطبللق علللى فللترة مللن عمللر الشللركة‪ ،‬ول ينطبللق علللى‬
‫الشركة ككل‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن عمل التاجر قد ل يخلو من الشبهة أحيان لا ً ومللن‬
‫المحرم أحيانا ً أخرى بقصد أو بغير قصد وهذا يتعارض مللع‬
‫لفظ النقاوة‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أنه من خلل عملي في القضاء واطلعللي علللى‬
‫كللثير مللن ميزانيللات الشللركات والمؤسسللات التجاريللة‪،‬‬
‫وجدت أن هذه الميزانيات الصادرة علن مكللاتب محاسللبية‬
‫قد ل تعبر بالضرورة عن جميع العمليات الماليللة كمللا هللي‬
‫في الواقع‪ ،‬ولو افترضنا أنها تعبر عن الواقللع بصللدق فللإن‬
‫المحاسب القانوني ليس له دراية بالشريعة وبالتالي‪ .‬فلإن‬
‫اللفاظ التي يطلقهللا تمثللل بصللورة أساسللية مصللطلحات‬
‫محاسلللبية تختللللف بلللالمفهوم الشلللرعي بيلللن محاسلللب‬
‫ومحاسب آخر في كونها تمثل ربا أو ل؟ وهي أمور دقيقللة‬
‫ل تظهر في القللوائم الماليلة الربللع سللنوية‪ ،‬ومثالهللا‪ :‬كللأن‬
‫ل‪ :‬غرامات تللأخير بمبلللغ كللذا وهللذه‬ ‫يكتب في الميزانية مث ً‬
‫الغرامات عند التمحيللص ليسللت علللى تللأخير أعمللال‪ ،‬بللل‬
‫على تأخير سداد أموال مستحقة للشللركة فهللي فللوائد أو‬
‫ربا صريح بينما تظهر هذه الغرامللات فللي القللوائم الماليللة‬
‫على أنها مطلوبات على الغيللر فللي ضللمن ديللون صللحيحة‬
‫للشللركة علللى الغيللر وهللذه مللن المسللائل الشللائعة لللدى‬
‫الشللركات المسللاهمة‪ ،‬وعلللى هللذا فهللي ل تحتسللب مللن‬
‫المللوال الربويللة نتيجللة لعللدم التمحيللص فللي الميزانيللات‬
‫المالية لكللل شللركة ومراقبتهللا مللن قبللل عللالم بالشللريعة‬
‫أضللف إلللى ذلللك أن اسللتيفاء فحللص الميزانيللات لهللذه‬
‫الشركات لكل بند وتمحيصه أمر عسير جدا ً ويحتاج لفللرق‬
‫محاسللبية وشللرعية خاصللة مللع كللبر تعللاملت الشللركات‬
‫المسللاهمة فللي المملكللة‪ ،‬وبهللذا يتللبين أن إطلق وصللف‬
‫النقاوة لمجرد الطلع على القوائم المالية الربع السللنوية‬
‫الولية للشركات المساهمة غير صحيح‪.‬‬

‫‪600‬‬
‫الخامس‪ :‬أنه من المعلوم شللرعا ً أن الللله تعللالى إذا حللرم‬
‫شيئا ً أوجب اجتنابه كلّيا قليله وكثيره يدل لذلك قوله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬ما أمرتكم بأمر فأتوا منه مللا اسللتطعتم‬
‫وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" وأيضا ً في المحرمات نهللى عللن‬
‫اقترابها فضل ً عن فعلها قال تعالى" ول تقربوا مال اليتيم"‬
‫"ول تقربوا الزنا" وقللال صلللى الللله عليلله وسلللم‪" :‬الحلل‬
‫بيللن والحللرام بيللن وبينهمللا أمللور مشللتبهات فمللن اتقللى‬
‫الشللبهات فقللد اسللتبرأ لللدينه وعرضلله ومللن وقللع فللي‬
‫الشللبهات فقللد وقللع فللي الحللرام كللالراعي يرعللى حللول‬
‫الحمللى يوشللك أن يللواقعه أل إن لكللل ملللك حمللى أل إن‬
‫حمى الله محارمه" من حللديث النعمللان بللن بشللير رضللي‬
‫الله عنه ففي هذا الحلديث أرشلد النلبي صللى اللله عليلله‬
‫وسلم إلى عدم القتراب مللن المحللرم حللذرا ً ملن الوقلوع‬
‫فيه‪ .‬وعليه فالربا قليللله وكللثيره سللواء فللي الحرمللة يللدل‬
‫لذلك ما رواه أحمد في المسند بسند صحيح عن عبد الللله‬
‫بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬درهم ربا‬
‫يأكله الرجل وهو يعلم أشد من سلت وثلثيلن زنيلة" وفلي‬
‫رواية في الخطيئة "وبنللاء عليله كيللف يجللوز شللراء أسلهم‬
‫شركة جزء منها ربا ولو كان قليل ً فقليللل المحللرم وكللثيره‬
‫سواء؛ للحديث‪ .‬وبالتالي فالشلركة الللتي يمثللل الربلا فيهلا‬
‫نسبة قليلة ل يجوز شراء أسهمها لن السهم يشمل جميع‬
‫ل‪ -‬إقلرار بله ورضلا‬ ‫أجزاء الشركة وتجلويزه ‪-‬وللو كلان قلي ً‬
‫وتعاطي للمحرم وهذا من المعلوم تحريمه‪.‬‬
‫السادس‪ :‬أنه ل يصح القول بأنه يمكن تطهير هللذا السللهم‬
‫أو ذاك؛ لسللباب منهللا‪ :‬أن النهللي متللوجه لعللدم المقاربللة‬
‫فضل ً عن المقارفة ومتوجه لخذه مع العلم بللأنه ربلا ‪-‬كمللا‬
‫مر‪ -‬وهذا قد اشترى سهما ً وأخذ مال ً مع علمه بما فيه من‬
‫الحرمللة فكيللف يصللح شللراؤه والحالللة هللذه فضللل ً عللن‬
‫تطهيره‪ .‬ومنها أنه علللى التسللليم بصللحة هللذا المبللدأ وهللو‬
‫التطهير فإن السهم جزء من الشركة التي هي عبارة عللن‬
‫أعيللان ونقللود وهللذه العيللان والنقللود المشللاعة تمثللل‬
‫المعاملت المحرمة جللزءا ً مشللاعا ً منهللا أيضلا ً والمشللاع ل‬
‫يمكن تطهيلره إل إذا تعيلن والتعييلن متعلذر والحاللة هلذه‬

‫‪601‬‬
‫‪-‬في الشركات المساهمة‪ -‬فيتعذر تطهيللره‪ ،‬كملا للو تيقللن‬
‫النجاسة في ثوب وجهل موضعها فللإنه يحللرم الصلللة فللي‬
‫هذا الثوب حتى يغسله جميعا ً فهو هنا كللذلك؛ فللإذا اختلللط‬
‫المحرم اليسير بللالحلل علللى وجلله الشلليوع حللرم الحلل‬
‫حتى يتميز الخبيث منه تميزا ً يمكن إخراجه منه‪.‬‬
‫السابع‪ :‬على التسليم بأن هذه الشللركة أو تلللك قللد خلللت‬
‫معاملتهللا مللن الربللا جميعلله سللواء بللالقتراض أو اليللداع‬
‫بالفوائد منذ بداية الشركة وحتى إصدار المفتي فتواه بأنها‬
‫نقيللة‪ ،‬فللإن خلوهللا مللن الربللا ل يلللزم منلله خلوهللا مللن‬
‫المعاملت المحرمة الخرى غيللر الربللا كالتللأمين التجللاري‬
‫وخطابات الضمان غير المغطاة مع دفع الرسوم على تلك‬
‫الخطابات بالنسبة والتناسب وبيوع الديون والبيع وشللرط‪،‬‬
‫والبيوع ذات الشروط الفاسدة وغيرها كلثير مملا يتعلارض‬
‫مع لفظ النقاوة المعبر عنه في الفتوى؛ علم لا ً أن التحقللق‬
‫من صللحة الللبيوع وعللدم مخالفتهللا ل يمكللن إل بمباشللرتها‬
‫والطلع على عقودها‪ ،‬حيث إنه ل القوائم المالية ول حتى‬
‫الميزانيات التفصيلية تللبين طريقللة تعاطيهللا حللتى يتسللنى‬
‫بيان حلها من حرمتها‪ ،‬والمقصود أنه ل يصللح هللذا الطلق‬
‫)لفظ نقية( مع وجود ذلك‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬أن عبارة‪ :‬شركة نقية تفيد القطع بذلك مللع وجللود‬
‫احتملللالت بإخفلللاء مجللللس الدارة بعلللض المعلللاملت‬
‫المحرمة‪ ،‬أو أن المجلس يجهل تحريمها وكيف تفيللد هللذه‬
‫العبارة القطع وعمل المفتي إنما يفيد الظن علللى أحسللن‬
‫الحوال؟‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬أن مما يدل على اضطراب الفتوى بالنقية وعدمها‬
‫هللو تحللول الشللركات المسللتمر مللن وصللف النقللاوة إلللى‬
‫المختلطة والعكس بالعكس‪ .‬وعلماء الصللول نصللوا علللى‬
‫أن من صحة العلللة اطرادهللا‪ ،‬وهنللا لللم تطللرد؛ إذ ل يوجللد‬
‫سبب لتحويلها من النقية إلى غيرها سللوى مللا يظهللر فللي‬
‫قوائمها المالية ربللع السللنوية وقلد سللبق بيللان بطلن هلذا‬
‫العلة‪.‬‬
‫العاشر وهو أهمها‪ :‬أنه إذا كللان نظللام الشللركة الساسللي‬
‫يبيح لمجلس الدارة التعاملل بلالقروض التجاريلة واليلداع‬

‫‪602‬‬
‫للدى البنلوك بلالفوائد المحرملة‪ ،‬كملا هلو حلال كلثير ملن‬
‫الشركات المسللاهمة كيللف يصللح القللول بللأن هللذه نقيللة؟‬
‫وهي عندها الستعداد على تعللاطي الربللا بللالقوة؛ هللذا إذا‬
‫سلمنا بأنها لم تقع فيه بالفعل‪.‬‬
‫ولهذا فإن العقود تبطل بالشللروط المحرمللة علللى القللول‬
‫الصللحيح )الموسللوعة الفقهيللة ‪ (30/239‬وممللا يزيللد هللذا‬
‫القول قوة أن القائلين بصحة هللذه العقللود أوجبللوا إبطللال‬
‫هذه الشروط على كللل حللال‪ ،‬ولكللن الواقللع أن المسللاهم‬
‫العادي ل يمكنه ذلك‪ .‬وبالتالي اجتمللع القللول علللى حرمللة‬
‫هذه الشركات مع وجود هذه الشروط‪.‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬أنه بناًء على حديث حنظلة رضي الللله عنلله‬
‫السابق ذكره أن العبد ل يؤاخذ بعمل المحرم إل بعد علمه‬
‫بحرمته عند أخذه‪ ،‬فلللذلك إذا قلنللا بجللواز هللذه الشللركات‬
‫لنها نقية وقللد تصللمن النظللام الساسللي للشللركة تجللويز‬
‫تعامللل مجلللس الدارة بالربللا أو بالمعللاملت المحرمللة‬
‫عمومًا‪ ،‬ثللم أظهللرت قوائمهللا الماليللة عللدم تعاطيهللا الربللا‬
‫‪-‬وحكم بأنها نقية‪ -‬بينما أخفللى مجلللس الدارة المعللاملت‬
‫الربوية خاصة والمحرمة عامة‪ ،‬ثم تبين بعد الللدخول فيهللا‬
‫تلك المعاملت المحرمة فللإن المسللاهم يللأثم بالمسللاهمة‬
‫في هذه الشركة ابتداًء بتعاطي أسهمها بيعا ً وشراًء؛ وذلك‬
‫لنه ولو لم يعلم بأن هذه الشركة قد وقعللت فللي الحللرام‬
‫عند شراء أسهمها إل أنه أقرها على فعلهللا بالللدخول فيهللا‬
‫مع وجود هذه الشروط ‪-‬التي تجيز الربا‪ -‬فيها‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬بناء على ما سبق فقد اختلف الفقهاء المعاصرون‬
‫في حكم هذه السهم على أقوال أبرزها ثلثة أقوال‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬التفصيل بين الشركات النقية وغيرها‪.‬‬
‫فالتنقية تعتبر جائزة والمختلطة بعضللهم أجازهللا إذا كللانت‬
‫نسبة الربا يسيره يمكن تطهيرها‪ ،‬وبعضللهم منعهللا مطلقلا ً‬
‫وهذا القول قد تضمنت الوجه السابقة الجواب عليه‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬الجواز بشروط‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون النشاط مباحا‪.‬‬
‫‪ -2‬أل تكون نسبة القروض الربويللة الللتي أخللذتها الشللركة‬
‫أكثر من ‪.%30‬‬

‫‪603‬‬
‫‪ -3‬أل تكون نسبة الفوائد الربوية الللتي تتقاضللاها الشللركة‬
‫من الودائع المصرفية أكثر من ‪.%5‬‬
‫‪ -4‬أل تكون نسبة النقللود أكللثر مللن ‪ %50‬مللن رأس مللال‬
‫الشركة‪.‬‬
‫والرد التفصيلي على هذا القول قللد يطللول‪ ،‬ولكللن أجمللل‬
‫الرد في حديث عبد الله بن حنظلة السللابق ففيلله أبلللغ رد‬
‫على هذا القول‪ ،‬حيث دل على أنه ل فرق بين قليلل الربلا‬
‫وكثيره كما سبق بيانه‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أنه يجوز التعامل بالسهم مضاربة فللي كللل‬
‫الشركات المساهمة بشرط أن يكون النشاط مباحًا‪ .‬وهذا‬
‫القول وإن كان أضللبط فللي العللة لكنله أوهللى ملن ناحيللة‬
‫الدليل حيث إن النهي إذا توجه إلى شيء كان النهللي عللن‬
‫التملك عموما سواء اشتراه لجل البيع والمضللاربة فيلله أو‬
‫اشتراه لجل غلته ولو صح هللذا القللول لجللازت كللثير مللن‬
‫المحرمات أو التي بعضللها محللرم إذا كللان شللراؤها لجللل‬
‫البيع‪.‬‬
‫الرأي الذي أرجحه في هذه المسألة‪:‬‬
‫إن العقللد اللذي يحكلم بيلن المشلتري للسلهم والبللائع لله‬
‫والشركة محل الشراء هو النظام الساسللي للشللركة لللذا‬
‫فإن شراء السهم ل يخلو من ثلثة أحوال‪:‬‬
‫الحال الول‪ :‬أن يكتتب فللي شللركة جديللدة بشللراء أسللهم‬
‫التأسيس ففي هذه الحالة يجوز بشروط‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون النشاط مباحًا‪.‬‬
‫‪ -2‬أل يتضمن النظللام الساسللي للشللركة إعطللاء مجلللس‬
‫الدارة صلحية التعامل المحرم‪.‬‬
‫وذلللك لن هللذه السللهم ‪-‬المكتتللب فيهللا فللي الشللركات‬
‫الجديدة التي لم يسبق لها مزاولللة العمللل‪ -‬ليسللت شللراء‬
‫لعين قائمة‪ ،‬بل هي في الحقيقة دفع مال لجللل المتللاجرة‬
‫به‪ .‬ويمثل هذا المال المدفوع حصة مشاعة مللن الشللركة‪،‬‬
‫بدليل أن هذه الموال المكتتللب بهللا تضللخ فللي رأس مللال‬
‫الشركة الذي هو النواة لعمالها‪.‬‬
‫وبنللاء عليلله فللإذا لللم يوجللد شللرط يجيللز لمجلللس الدارة‬
‫تعاطي المعاملت المحرمة بقي المر على الصل في أن‬

‫‪604‬‬
‫المسلم الصل فيه المانة‪ ،‬وأن المضاربه أمين بينما لوجد‬
‫هذا الشرط أدى إلى إقرار المكتتب بالمحرم‪ ،‬فيحرم مللن‬
‫هذا الوجه‪ .‬لكللن لللو علللم مللن أراد الكتتللاب بللأن مجلللس‬
‫الدارة ينوي القتراض الربوي فإنه في هذه الحالللة يحللرم‬
‫الكتتاب فيها بناء علللى عمللله بنقللض المضللارب )مجلللس‬
‫الدارة( للصل المشار إليه أعله‪.‬‬
‫الحال الثاني‪ :‬الكتتاب في شركة قائمة )سبق لها العمللل‪،‬‬
‫وكانت مقفلة ثللم طرحللت جللزءا ً مللن أسللهمها للكتتللاب –‬
‫الللبيع‪ :(-‬فهللذا يجللوز بشللروط للل إضللافة إلللى الشللروط‬
‫السابقة‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ينص النظام الساسي للشللركة علللى أنلله يجللب أن‬
‫تكللون معللاملت الشللركة ل تخللالف الشللريعة السلللمية‪،‬‬
‫وذلك لما يأتي‪:‬‬
‫أ‪ -‬إبراء لذمة المساهم من جميع أعمال الشللركة السللابقة‬
‫والتي تخالف الشرع المطهر‪.‬‬
‫ب‪ -‬يللترتب عليلله أنلله ل يلللزم المسللاهم التنقيللب فللي‬
‫ميزانيات الشركة ومتابعتها لنه‪.‬‬
‫ل‪ :‬قد يجهل التعامل مع هذه الميزانيات‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫دا أن يطللالب كللل مسللاهم ببحللث‬ ‫ثاني لًا‪ :‬مللن العسللير ج ل ّ‬
‫شرعية كل ميزانية للشركة‪.‬‬
‫ثالثلللًا‪ :‬إن الشلللركة المسلللاهمة تعللللن القلللوائم الماليلللة‬
‫مختصرة‪ ،‬ول تعلن الميزانيات التفصيلية ففللي ذلللك إبللراء‬
‫لذمة المساهم عما يكون فللي الميزانيللات التفصلليلية مللن‬
‫أمور محرمة‪.‬‬
‫ج‪ -‬أنه بموجب هذا الشرط فإن أي عمل يقوم به مجلللس‬
‫الدارة مخالف لهذا الشرط فإنه يتحمل إثملله كللام ً‬
‫ل؛ لنلله‬
‫‪-‬أي مجلللس الدارة‪ -‬خللان المانللة بللإخلله بهللذا الشللرط‪.‬‬
‫وبالتالي فل يلحق المساهم من العمال المخالفللة أي إثللم‬
‫قبل علمه بها‬
‫د‪ -‬أنه بموجب هذا الشللرط يكللون للمسللاهم ‪-‬ولللو بسللهم‬
‫واحد‪ -‬دور إيجابي في الشركة؛ حيث إن المسللاهم إذا نمللا‬
‫إلى علمه مخالفة مجلس الدارة لهذا الشللرط فللإنه يحللق‬

‫‪605‬‬
‫له مقاضاة مجلس الدارة على هذا الخلل‪ ،‬حتى ل يكللون‬
‫مقّرا لهم على ما فعلوه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون السعر عادل ً من جهة القيمة الدفترية للسهم‪:‬‬
‫بمعنى أن يعكس القيمة الحقيقية للسهم بناء على القيملة‬
‫الدفترية أي التي أظهرتها الميزانيات الصللحيحة فلللو كللان‬
‫فيه كذب أو خداع أو تدليس فإنه يحرم علللى بللائع السللهم‬
‫أخللذ الزيللادة علللى القيمللة الفعليللة للسللهم )لن السللهم‬
‫المطروحللة للكتتللاب كللانت مملوكللة لحللد الشللركاء فللي‬
‫الشللركة ثللم قللام بيبعهللا بنظللام الكتتللاب( كمللا أنلله يثبللت‬
‫للمساهم إذا علم بالغبن خيار الغبن‪.‬‬
‫الحللال الثللالث‪ :‬تللداول السللهم فللي السللوق المللالي بيعلا ً‬
‫وشراء بقصد المضاربة أو الستثمار فإنه يجوز بشللروط ل ل‬
‫إضافة إلى الشروط السابقة ‪: -‬‬
‫‪ -1‬أن يكللون السللعر عللادل ً مللن جهللة القيمللة السللوقية‬
‫للسللهم‪ ،‬بحيللث تكللون القيمللة السللوقية للسللهم مقاربللة‬
‫للقيمة الدفترية أو أعلى منها بشرط أل يكللون هللذا العلللو‬
‫فاحشا ً بحيث يظهر فيه المخللاطرة بللالبيع والشللراء الللذي‬
‫يخرج هذا التعامل من التجارة إلى المقامرة‪ .‬وهذه مسألة‬
‫مهمة ل بد من التفطللن لهللا؛ لن المقللامرة هلي نللوع مللن‬
‫المخاطرة رغبة في الكسب الكللثير والسللريع فللي الللوقت‬
‫القصير‪ ،‬ويللترتب عليهلا الخسلارة السللريعة والكلثيرة فللي‬
‫الوقت القصير‪ ،‬أيضا ً قال ابن حجللر المكللي‪ :‬سللبب النهللي‬
‫عللن الميسللر وتعظيلم أملره أنله ملن أكلل أملوال النلاس‬
‫بالباطل الللذي نهللى الللله عنلله بقللوله‪} :‬ل تللأكلوا أمللوالكم‬
‫بينكم بالباطل{‪ -‬ثم ذلللك حللديث‪} :‬مللن حلللف فقللال فللي‬
‫حلفلله واللت والعللزى فليقللل ل إللله إل الللله ومللن قللال‬
‫لصللاحبه تعللال أقللامرك فليتصللدق{‪ .‬وقللال‪ :‬فللإذا اقتضللى‬
‫مطلق القول –بالمقامرة‪ -‬طلب الكفارة والصدقة المنللبئة‬
‫عللن عظيللم مللا وجبللت للله أو سللنت‪ ،‬فمللا ظنللك بالفعللل‬
‫والمباشرة‪.‬‬
‫فأي مخللاطرة أعظللم مللن أن تشللتري سلللعة تعللرف فللي‬
‫قرارة نفسك أن سعرها هذا يفوق سعرها الحقيقي مرات‬
‫عديدة‪ ،‬وأي أكل أموال بالباطل أعظللم مللن إيهللام النللاس‬

‫‪606‬‬
‫بالربح لجل أن يشتري غيره السهم وهو في حال ارتفللاع‪،‬‬
‫ثم يضطره لن يبيعه بأقل‪ .‬ولو اشللتراه بسللعره الحقيقللي‬
‫)القيمللة الدفتريللة( أو قريبلا ً منهللا علللى أقللل الحللوال لللم‬
‫يترتب عليه مخاطرة أنه حتى لو انخفض فسيعود إلللى مللا‬
‫كان عليه بناء على العللرض والطلللب أمللا إذا كللان السللعر‬
‫مبالغا ً فيه فهذا سيؤدي إلى خسارة فادحة عند النخفللاض‬
‫‪-‬الوصول إلى السعر الحقيقي‪ -‬وهو الذي حدث في الونللة‬
‫الخيرة عندما انخفضت أسعار السهم ورجعت إلى قريب‬
‫من أقيامها الحقيقية‪ ،‬حيللث خسللر كللثير مللن المسللاهمين‬
‫جزءا ً كبيرا ً من أموالهم‪ ،‬بل إن بعضللهم خسللر روحلله‪ ،‬بللل‬
‫تسبب بظهور العلداوة وقتلل بعلض النلاس لبعلض بسلبب‬
‫هذه المور؛ لذلك فللإنه عنللد ارتفللاع السللعر فللوق القيمللة‬
‫الحقيقة بكثير فشراء السهم نوع من القمار الذي هو نللوع‬
‫من الميسر قال تعالى‪" :‬يا أيهللا الللذين آمنللوا إنمللا الخمللر‬
‫والميسللر والنصللاب والزلم رجللس مللن عمللل الشلليطان‬
‫فللاجتنبوه لعلكللم تفلحللون* إنمللا يريللد الشلليطان أن يوقللع‬
‫بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصللدكم عللن‬
‫ذكر الله وعن الصلة فهل أنتم منتهون"‪.‬‬
‫ويقول ابن القيم رحمه الله ل في كلم معناهل ل ‪ :‬إذا اشللتبه‬
‫عليكم حكم مسألة فانظر إلى ما تنتهي إليه‪ .‬فإنه سلليتبين‬
‫لك حكمها‪.‬‬
‫ومللن ينظللر إلللى نهايللات سللوق السللهم يعلللم مقللدار‬
‫المخاطرة فيها التي تتضمن المقامرة ولو قلنا إنها ليسللت‬
‫بميسر أو قمار فهي على أقل الحوال فيها شللبهة القمللار‬
‫مما ينبغي الحذر منه‪.‬‬
‫‪ -2‬أل يكون الشراء ‪-‬أو طلب الشراء‪ -‬بقصللد رفللع السللعر‬
‫والتغرير بالناس؛ لن هذا نوع من الخداع والنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول "الخديعة في النار" كما نهى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم عن النجش وهو الزيادة في سعر السلعة‬
‫بقصد التغرير والخداع لغيره‪ ،‬وقال ابن أبللي أوفللى رضللي‬
‫الله عنه‪" :‬النلاجش آكلل ربلا خلائن" رواه البخلاري‪ .‬وهلذا‬
‫حق‪ .‬فالناجش إنما يريد رفع سللعر السلللعة لجللل الزيللادة‬
‫الناتجة عللن هللذا الرتفللاع فهللذا رباهللا‪ .‬وأمللا الخيانللة فهللو‬

‫‪607‬‬
‫مؤتمن على إعطاء الحقيقة في قيمة السلعة إل أنله خللان‬
‫المانة‪ ،‬وأعطى السلعة قيمة تخالف حقيقتها‪.‬‬
‫وختامًا‪ :‬فل بد من التنبيه إلى أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬قد يقول قائل بأن هذه الفتوى فيها تضييق على الناس‬
‫أو نحوه‪ ...‬وأقول بأن الواجب معرفة الحق بدليله‪ ،‬ولللذلك‬
‫ل يجوز للمفللتى اعتقللاد الحكللم ثللم بنللاء الللدليل عليلله بللل‬
‫الللواجب اتبللاع الللدليل للوصللول إلللى الحللق‪ .‬لللذلك فللإن‬
‫المفتي إذا نظر لما قد يدعيه البعض مللن أنلله حاجللة ل بللد‬
‫منها فإنه سينظر للحكم علللى أنلله جللائز قبللل النظللر فللي‬
‫الدليل‪ ،‬وهلذا خطلأ فلي مبلدأ النظلر يخلل بالوصلول إللى‬
‫معرفة الحق‪.‬‬
‫لهذا أول ً يجب أن نعرف حكم المسألة بناء على الدلة ثللم‬
‫ننظر هل هناك ضرورة تبيحهللا إن كللان محرم لًا؟ فللإن لللم‬
‫يكن ثمة ضرورة فلم تللأتي الشللريعة بإباحللة الحاجللات إذا‬
‫كللانت محرمللة‪ ،‬بللل لللم يجعللل الللله تعللالى للنللاس حاجللة‬
‫للمحرم ولو تفكرنا في تداول السللهم فليللس للنللاس بهللا‬
‫حاجة‪ ،‬بل ربما يكون بها ضرر بللالغ عليهللم‪ .‬وإنمللا يسللتفيد‬
‫منها المتنفذون وأصحاب رؤوس المللوال الضللخمة الللذين‬
‫يوهمون الناس بتحقيق الربح وهم في الحقيقللة الرابحللون‬
‫الحقيقيون‪ ،‬كالربا الذي يستفيد منه أصحاب رؤوس المال‬
‫ويظلم به المدينين‪ ،‬وبالتالي فل حجة لمللن يللدعي الحاجللة‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫‪ -2‬علللى هيئة سللوق المللال إلللزام الشللركات المسللاهمة‬
‫بنشر النظام التأسيسي للشركة بأي وسيلة كللانت‪ ،‬فأقللل‬
‫حقللوق المسللاهم هللو أن يطلللع علللى النظللام التأسيسللي‬
‫للشركة التي يريد أن يساهم بها‪.‬‬
‫‪ -3‬على رؤساء مجللالس الدارات فللي الشللركات مراقبللة‬
‫الللله تعللالى فللي أعمللال هللذه الشللركات‪ ،‬والحللذر مللن‬
‫المعاملت المحرمة التي توجب محق بركة العمر والمللال‬
‫والولد والعياذ بالله‪.‬‬
‫‪ -4‬ليعلم المسلم أنه مللأمور باتبللاع الحللق الللذي ظهللر للله‬
‫وليحذر من اتباع الهوى‪ ،‬فإن ترك الدليل الشرعي يللوجب‬

‫‪608‬‬
‫اتباع الهوى ل محالة قال تعللالى‪" :‬فللإن لللم يسللتجيبوا لللك‬
‫فاعلم أنما يتبعون أهواءهم" )القصص(‪.‬‬
‫أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للعلم النللافع والعمللل‬
‫الصالح وصلى الللله علللى نبينللا محمللد وعلللى آللله وصللحبه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬أضرار الربا‬
‫الفصل الول ‪) :‬تعريف الربا(‬
‫وسنذكر التعريللف اللغللوي ثللم التعريللف الصللطلحي عنللد‬
‫الفقهاء وما يلحظ على هذه التعريفات الصطلحية‪-:‬‬
‫المبحث الول‪-:‬‬
‫التعريف اللغوي‪-:‬‬
‫الراء والباء والحرف المعتل وكذلك المهموز منه يدل على‬
‫أصل واحد‪ ،‬وهو الزيادة والنمو والعلو…والّربا تثنية ِربللوان‬
‫و رِب ََيان)]‪.([1‬‬
‫فالربا هو الفضل والزيادة)]‪ . ([2‬وتقول‪ :‬ربا الشيء يربوا‬
‫ُرب ُوّا ً وِربللاءا ً أي‪ :‬زاد ونمللا‪ ،‬وأربيتلله‪ :‬نميتلله ‪ ،‬وفللي التنزيللل‬
‫العزيز‪:‬‬
‫"ويربي الصدقات" ] البقرة ‪. [ 265 :‬‬
‫ومنه أخذ الّربا المحرم )]‪.([3‬‬
‫المبحث الثاني‪-:‬‬
‫التعريف الصطلحي للربا‬
‫اختلفللت تعريفللات المللذاهب للربللا وسللنذكر تعريللف كللل‬
‫مللذهب علللى حللده ثللم نللبين‪-‬إن شللاء الللله‪ -‬وجلله اختلف‬
‫تعريفات العلماء للربا‪-:‬‬
‫‪ q‬تعريف الربا في المذهب الحنفي‪-:‬‬
‫ل بل عللوض فللي معاوضللة مللال‬ ‫هللو عنللدهم ‪) -:‬فضل ُ‬
‫ل مللا ٍ‬
‫بمال( )]‪.([4‬‬
‫وقيل هو‪) -:‬الفضللل الخللالي عللن العللوض المشللروط فللي‬
‫البيع( )]‪.([5‬‬
‫‪ q‬تعريفه في المذهب المالكي‪-:‬‬
‫هو‪) -:‬كل زيادة لم يقابلها عوض( )]‪.([6‬‬
‫‪ q‬تعريفه في المذهب الشافعي‪-:‬‬

‫‪609‬‬
‫هو‪) -:‬عقد على عوض مخصوص غير معلللوم التماثللل فللي‬
‫معيللار الشللرع حالللة العقللد أو مللع تللأخير فللي البللدلين أو‬
‫أحدهما( )]‪.([7‬‬
‫‪ q‬تعريفه في المذهب الحنبلي‪-:‬‬
‫هو‪) -:‬الزيادة في أشياء مخصوصة( )]‪.([8‬‬
‫للل والمتأمللل فللي هللذه التعريفللات وغيرهللا مللن تعريفللات‬
‫العلماء للربا يجد أنها تنقسم إلى ثلثللة أقسللام وهللي كمللا‬
‫يلي‪-:‬‬
‫‪ (1‬تعريفات مقصورة على ربا القروض‪-:‬‬
‫فمن العلماء من حصر تعريفه للربا في نطاق ربا القروض‬
‫ومنهم المام ابن الثير حيث يقول‪-:‬‬
‫" وهو في الشرع ‪ :‬الزيادة على أصل المال من غير عقللد‬
‫تبايع ")]‪.([9‬‬
‫ل ومنهم المام الواحدي فقد عرفه بقوله‪-:‬‬
‫" الربا اسم للزيادة علللى أصللل المللال مللن غيللر بيللع " )]‬
‫‪.([10‬‬
‫ومما هو واضح في تعريف هذين المامين أنهما عرفللا ربللا‬
‫القللروض فقللط‪ ،‬وأمللا ربللا الللبيوع فأخرجللاه مللن نطللاق‬
‫التعريف بقولهما‪) :‬من غير عقللد تبللايع( و‪) :‬مللن غيللر بيللع(‬
‫ولعلهما اقتصرا على تعريف ربا القروض مراعيلن أنله هلو‬
‫الربا الجلي المتفق عليه)]‪.([11‬‬
‫‪ (2‬تعريفات مقصورة على ربا البيوع‪-:‬‬
‫فمللن العلمللاء مللن اقتصللر علللى تعريللف ربللا الللبيوع أثنللاء‬
‫تعريفلله للربللا وهللذه هللي تعريفللات الحنفيللة والشللافعية‬
‫السابقة‪.‬‬
‫ويلحظ أن تلك التعريفللات تتحللدث عللن الربللا فللي نطللاق‬
‫البيوع‪ ،‬ولعل سبب القتصار على تعريف ربا الللبيوع يرجللع‬
‫إلى أنهم أرادوا معالجة ربا البيوع فحسب)]‪.([12‬‬
‫‪ (3‬تعريفات للربا باعتبار مفهومه الشامل‪-:‬‬
‫ومللن العلملاء ملن عللرف الربللا باعتبلار مفهلومه الشلامل‬
‫كالمللام ابللن العربللي فللي قللوله‪) -:‬كللل زيللادة لللم يقابلهللا‬
‫عوض( )]‪.([13‬‬

‫‪610‬‬
‫وكذلك تعريف الحنابلة السللابق إنمللا هللو باعتبللار مفهللومه‬
‫الشامل‪.‬‬
‫ويظهللر مللن هللذه التعريفللات شللمولها ربللا القللروض وربللا‬
‫البيوع‪ ،‬حيث توجد الزيادة فيهما‪ ،‬إل أن تعريف المام ابللن‬
‫العربي غير مانع‪ ،‬حيث تدخل زيللادات ليسللت مللن الربللا)]‬
‫‪.([14‬‬
‫)]‪ ([1‬معجم مقللاييس اللغللة ‪ . 484 – 483 / 2 :‬مللادة‬
‫) ربى أ ( ‪.‬‬
‫)]‪ ([2‬المصباح المنير ‪. 217 :‬‬
‫)]‪ ([3‬لسان العرب ‪ . 307 / 14 :‬مادة ) ربا ( ‪.‬‬
‫)]‪ ([4‬البحر الرائق شرح كنز الرقائق ‪ . 135 / 6 :‬وعمدة‬
‫القارئ ‪. 199 / 11 :‬‬
‫)]‪ ([5‬المبسوط ‪. 109 / 12 :‬‬
‫)]‪ ([6‬أحكام القرآن ‪. 242 / 1 :‬‬
‫)]‪ ([7‬نهاية المحتاج ‪ . 409 / 3 :‬ومغنللي المحتللاج ‪/ 2 :‬‬
‫‪. 21‬‬
‫)]‪ ([8‬المغني ‪. 51 / 6 :‬‬
‫)]‪ ([9‬النهاية في غريب الحديث و الثر ‪. 192 / 2 :‬‬
‫)]‪ ([10‬نقل ذلك عنه المام النللووي فللي تهللذيب السللماء‬
‫واللغات القسم الثاني ‪ 118 / 2 :‬مادة ) ربو ( ‪.‬‬
‫)]‪ ([11‬التدابير الواقية من الربا في السلم ‪. 25 – 24 :‬‬
‫)]‪ ([12‬السابق ‪. 25 :‬‬
‫)]‪ ([13‬أحكام القرآن ‪. 242 / 1 :‬‬
‫)]‪ ([14‬التدابير الواقية ‪ . 26 :‬بتصرف ‪.‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬أدلة تحريم الربا‬
‫لقد حرم الله الربا وقرر أنه من أكبر الكبائر كمللا ب َي ّللن أنلله‬
‫سبب لعقوبات عديدة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ولم يقف عند هذا الحد ‪ ،‬بللل منللع السلللم مللن تقللديم أي‬
‫مساعدة للتعامل الربوي )]‪.([1‬‬
‫وتنوعت أدلة تحريمه فقد جللاء ذلللك فللي الكتللاب والسللنة‬
‫وأجمع المسلمون على ذلك وسنذكر –إن شاء الله تعالى‪-‬‬
‫الدلة من الكتاب ثم من السنة ثم الجماع على ذلك‪-:‬‬
‫المبحث الول‪ -:‬أدلة تحريم الربا في القرآن الكريم‪-:‬‬

‫‪611‬‬
‫ل شك أن القرآن قد نهى عن كثير مللن المنكللرات وشللدد‬
‫الوعيد في بعضللها‪ ،‬ولكللن الكلمللات الللتي جللاء بهللا لعلن‬
‫حرمة الربا أشد ّ وآكد من الكلمات التي أوردها للنهي عللن‬
‫سائر المنكرات والمعاصي)]‪.([2‬‬
‫وذكر الله ‪-‬عللز وجللل‪ -‬تحريللم الربللا فللي آيللات مللن كتللابه‬
‫الكريم منها‪-:‬‬
‫‪ .1‬قوله تعالى‪ "-:‬الللذين يللأكلون الربللا ل يقومللون إل كمللا‬
‫س ذلللك بللأنهم قللالوا‬
‫يقوم الذي يتخبطه الشيطان من الم ّ‬
‫إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جللاءه‬
‫موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن‬
‫عاد فلأولئك أصللحاب النللار هلم فيهلا خالللدون" ] البقلرة ‪:‬‬
‫‪. [ 275‬‬
‫ويستدل بهذه الية على تحريم الربا من عدة وجوه هي‪-:‬‬
‫‪ q‬الوجه الول ‪ :‬ذكر حال المرابي في قوله "الللذين يللأكلن‬
‫الربا " وحتى قوله "ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا"‪-:‬‬
‫روى المام الطبري ‪-‬رحملله الللله‪ -‬عللن سللعيد بللن جللبير –‬
‫رحمه الله‪ -‬في تفسير هذه الية قوله‪) -:‬يبعللث آكللل الربللا‬
‫يوم القيامة مجنونا ً يخنق( )]‪.([3‬‬
‫ونقللل عللن قتللادة قللوله‪) -:‬وتلللك علمللة أهللل الربللا يللوم‬
‫القيامة‪ ،‬بعثوا وبهم خبل من الشيطان( )]‪.([4‬‬
‫ومعنى الية‪-:‬‬
‫أن الذين يربون الربا ل يقومون في الخرة من قبورهم إل‬
‫كما يقوم الذي يخنقلله الشلليطان فيصللرعه مللن الجنللون)]‬
‫‪.([5‬‬
‫والللله سللبحانه وتعللالى إنمللا يرتللب هللذه العقوبللات علللى‬
‫المعاصي والموبقات ل على القربات والمباحات‪.‬‬
‫وذكره سبحانه لحالهم هذا وأنهم كما كانوا في الللدنيا فللي‬
‫طلب المكاسب الخبيثللة كالمجللانين‪ ،‬عوقبللوا فللي الللبرزخ‬
‫والقيامة ‪ ،‬بللأنهم ل يقومللون مللن قبللورهم‪ ،‬أو يللوم بعثهللم‬
‫ونشورهم إل كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من الجنون‬
‫والصرع يدل على الللترهيب مللن هللذا العمللل الللذي يكللون‬
‫مصير فاعله في الخرة هذا الحال‪.‬‬

‫‪612‬‬
‫لل تنبيه‪-:‬هذا الوعيد ليس خاصا ً بالكل فليس المقصود من‬
‫الربا في هذه اليللة الكللل إل أن الللذين نزلللت فيهللم هللذه‬
‫اليات كانت طعمتهم ومأكلهم من الربا فذكرهم بصللفتهم‬
‫معظما ً بذلك عليهم أمر الربا ومقبحا ً إليهم الحال التي هم‬
‫عليها في مطاعمهم ويدل لهللذا القللول قللوله تعللالى‪ " :‬يللا‬
‫أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتللم‬
‫مؤمنين" الية ] البقللرة ‪ [ 278 :‬فللالتحريم مللن الللله فللي‬
‫ذلك لكل معاني الربا وهي تدل على أن العمللل بلله وأكللله‬
‫وأخذه وعطاؤه سواء)]‪.([6‬‬
‫‪ q‬الوجه الثاني‪ -:‬في قوله تعالى ‪) -:‬وأحل الله البيع وحرم‬
‫الربا(‬
‫وهذا تحريم صريح جازم في كتاب الله)]‪.([7‬‬
‫ومعنى الية‪-:‬‬
‫أن الله تعالى أحل البيع وحرم نوعا ً من أنواعه وهللو الللبيع‬
‫المشتمل على الربا‪.‬‬
‫‪ q‬الوجه الثللالث‪ -:‬فللي قللوله تعللالى‪) -:‬ومللن عللاد فللأولئك‬
‫أصحاب النار هم فيها خالدون(‪.‬‬
‫ففي هذا أن الربا موجب لدخول النار والخلود فيها‪ ،‬وذلللك‬
‫لشناعته ما لم يمنع من الخلود مانع اليمان)]‪.([8‬‬
‫‪ .2‬الدليل الثاني من القرآن‪ -:‬قللوله تعللالى‪) -:‬يمحللق الللله‬
‫الربللا ويربللي الصللدقات والللله ل يحللب كللل كّفللار أثيللم(‬
‫] البقرة ‪. [ 286 :‬‬
‫وهذه الية أيضا ً تدل على تحريم الربللا ويسللتدل بهللا علللى‬
‫ذلك من أربعة وجوه هي‪-:‬‬
‫ن الله تعالى يذهب الربا إمللا بللأن يللذهبه‬ ‫‪ q‬الوجه الول‪ -:‬أ ّ‬
‫بالكلية من يد صاحبه أو يحرمه بركة ماله فل ينتفع به بللل‬
‫يعدمه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة)]‪.([9‬‬
‫وهذا يدل على تحريملله لن الللله تعللالى طيللب ل يقبللل إل‬
‫طيبا ً كما ورد ذلك في عدة أحاديث)]‪.([10‬‬
‫‪ q‬الوجه الثاني‪ -:‬في قوله تعالى‪" -:‬والله ل يحب كل كفار‬
‫أثيم"‬

‫‪613‬‬
‫فحرمانه)]‪ ([11‬من محبة الله يستلزم بغضه ومقتلله للله)]‬
‫‪ ، ([12‬وهو يدل على تحريم عمللل المرابللي الللذي بسللببه‬
‫استحق غضب الله ومقته‪.‬‬
‫‪ q‬الوجه الثالث‪ -:‬تسميته كفارًا‪ ،‬أي مبالغا ً في كفر النعمللة‬
‫بقسوته على العاجز عن القضاء‪ ،‬واستغلله لما يعرض للله‬
‫من الضرورة بدل ً من إنظاره وتللأخير دينلله إلللى الميسللرة‬
‫وإسعافه بالصدقة ‪ ،‬أو كفارا ً الكفر المخرج مللن المّلللة إن‬
‫استحّله)]‪.([13‬‬
‫‪ q‬الللوجه الرابللع‪ -:‬تسللميته أثيملا ً وهللي صلليغة مبالغللة مللن‬
‫الثللم ‪ ،‬وهللو كللل مللا فيلله ضللرر فللي النفللس أو المللال أو‬
‫غيرهما )]‪.([14‬‬
‫‪ .3‬الدليل الثالث من القللرآن الكريللم‪ -:‬قللوله تعللالى‪" -:‬يللا‬
‫أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتللم‬
‫مؤمنين‪ ،‬فإن لم تفعلوا فللأذنوا بحللرب مللن الللله ورسللوله‬
‫ظلمللون"‬ ‫ظلمللون ول ت ُ ْ‬
‫وإن تبتم فلكم رؤوس أمللوالكم ل ت َ ْ‬
‫] البقللرة ‪ .[ 279 – 278 :‬وهاتللان اليتللان تللدلن علللى‬
‫تحريم الربا من عدة وجوه هي‪-:‬‬
‫‪ q‬الوجه الول‪ -:‬من قوله‪" -:‬يا أيها الذين آمنوا اتقللوا الللله‬
‫وذروا ما بقي من الربا" ‪-:‬‬
‫حيث أمر الله تعالى عباده المؤمنين بتقواه نهيا ً لهللم ع ّ‬
‫مللا‬
‫يقربهللم إلللى سللخطه ويبعللدهم عللن رضللاه‪ ،‬أي خللافوه‬
‫وراقبوه فيما تفعلون "وذروا ما بقي من الربللا" أي اتركللوا‬
‫ما لكم على الناس من الزيادة علللى رؤوس المللوال بعللد‬
‫هذا النذار)]‪.([15‬‬
‫وهذا يدل على أن الربا من أسباب سخط الللله تعللالى لن‬
‫الله نهى المؤمنين عنه وأمرهللم بللالتخلص ممللا بقللي منلله‬
‫ومللن خللالف أمللر الللله تعللالى فقللد ع لّرض نفسلله للهلك‬
‫والعقاب إن لم يتب إلى الله تعالى فيتوب الله عليه‪.‬‬
‫‪ q‬الوجه الثاني‪ -:‬من قوله تعللالى‪" -:‬إن كنتللم مللؤمنين" ‪-:‬‬
‫أي بما شرع الله لكم من تحليل البيع وتحريللم الربللا وغيللر‬
‫ذلك)]‪.([16‬‬
‫ومما يفهم مللن اليللة الكريمللة أن مللن مقتضلليات اليمللان‬
‫ترك الربا )]‪ ،([17‬وهذا يدل على تحريمه‪.‬‬

‫‪614‬‬
‫‪ q‬الوجه الثالث‪ -:‬من قوله تعالى‪" -:‬فإن لم تفعلللوا فللأذنوا‬
‫بحرب من الله ورسوله" ‪-:‬‬
‫وهذا تهديد شديد ووعيللد أكيللد لمللن اسللتمر علللى تعللاطي‬
‫الربا بعد النذار)]‪ ،([18‬وأذان الحللرب مللن الللله ورسللوله‬
‫بسبب هذه الجريمة يدل على أنها من الكبائر)]‪.([19‬‬
‫يقول المام القرطبي‪ -‬رحمه الله‪): -‬دلت هذه اليللة علللى‬
‫أن أكل الربا والعمل به من الكبائر( )]‪.([20‬‬
‫‪ q‬الوجه الرابع‪ -:‬من قوله تعالى‪" -:‬وإن تبتم فلكللم رؤوس‬
‫أموالكم ل تظلمون ول ُتظلمون"‪.‬‬
‫صَفه بالظلم وهللو ظلللم محقللق لن فيلله تسلللط الغنللي‬ ‫فو َ‬
‫على الفقير ومعلوم أن ظلم المحتاج أعظم من ظلم غيللر‬
‫المحتاج )]‪ ،([21‬وقد قال تعالى فللي الحللديث القدسللي –‬
‫محرما ً الظلم‪": -‬يا عبادي إني حرمت الظلم علللى نفسللي‬
‫وجعلته بينكم محرما ً فل تظالموا" رواه مسلم)]‪.([22‬‬
‫‪ .4‬الدليل الرابع من القرآن الكريم‪ -:‬قللوله تعللالى‪" -:‬ومللا‬
‫ءاتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فل يربللوا عنللد الللله‬
‫ومللا ءاتيتللم مللن زكللاة تريللدون وجلله الللله فللأولئك هللم‬
‫المضعفون"‪.‬‬
‫ومعنى )ل يربوا عند الله(‪ :‬أي ل يحكم به بل هللو للمللأخوذ‬
‫منه‪ ،‬وهذه الية تدل على تحريم الربا على القول بأنها في‬
‫الربا المحرم وهللو أحللد القللوال فللي تفسللير هللذه اليللة)]‬
‫‪.([23‬‬
‫*هذا ما تيسر من ذكر الدلة مللن كتللاب الللله تعللالى علللى‬
‫مللل بعللض مللا تقللدم حصللل للله العلللم‬ ‫ن تأ ّ‬
‫م ْ‬
‫تحريم الربا‪ ،‬و َ‬
‫اليقيني بأنه من المحرمات التي نهى الله تعالى عنها نهيللا ً‬
‫أكيدا ً ورتب عليها العقوبة فللي الللدار الخللرة‪ ،‬وننتقللل الن‬
‫لذكر الدلة على ذلك من سنة المصطفى صلى الله عليلله‬
‫وعلى آله وسلم‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ -:‬أدلة تحريم الربا في السنة المطهرة‪-:‬‬
‫عللد‬‫ن الحاديث في تحريم الربا كثيرة ومشهورة‪ ،‬وقللد تو ّ‬ ‫إ ّ‬
‫الله آكل الربا بضروب مللن الوعيللد ممللا يللدل علللى عظلم‬
‫إثمه وفحش ضرره فقد تنوع الوعيللد عليلله فللي النصللوص‬
‫ي‬
‫القرآنية – كما سبق بيانه‪ -‬والحللاديث النبويللة‪ ،‬فعلد ّ النللب ّ‬

‫‪615‬‬
‫صلى الله عليه وسلم المرابي مللن أهللل الموبقللات وهللي‬
‫أكبر الكبائر ووردت عدة أحللاديث صللحيحة فللي لعللن آكللل‬
‫الّربا وموكله وكاتبه وشللاهديه‪ ،‬ووردت عللدة أحللاديث فللي‬
‫الوعيد الشديد عليه وسنذكر فيما يلي بعض هذه الحاديث‬
‫ونجملها في العناوين التالية‪-:‬‬
‫‪ (1‬ما ورد من لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫لكل الربا ومن عاونه على هذا الباطل‪-:‬‬
‫; عن جابر رضي الله عنه قللال‪ ":‬لعللن رسللول الللله صلللى‬
‫الله عليه وسلم آكل الربا وموكله‪ ،‬وكاتبه وشاهديه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫هم سواء" رواه مسلم)]‪.([24‬‬
‫; وعن عبد الله بن مسعود رضللي الللله عنلله قللال‪ " :‬لعللن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومللوكله" رواه‬
‫مسلم)]‪.([25‬‬
‫; وعن علي بن أبي طللالب رضللي الللله عنلله قللال‪ " :‬لعللن‬
‫رسللول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم عشللرة‪ :‬آكللل الربللا‬
‫ل والمحّلللل للله ومللانع‬‫ومللوكله وكللاتبه وشللاهديه والحللا ّ‬
‫الصدقة‪ ،‬والواشحة والموستوشحة " رواه المللام أحمللد)]‬
‫‪.([26‬‬
‫‪ .2‬ما ورد من نهيه صلى الله عليله وآلله وسللم علن آكلل‬
‫ده من الموبقات‪-:‬‬ ‫الربا وع ّ‬
‫; عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال‪ " :‬نهللى النللبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وثمللن الللدم ‪ ،‬ونهللى عللن‬
‫الواشمة والموشومة‪ ،‬وآكل الربا وموكله‪ ،‬ولعن المصللور"‬
‫رواه البخاري)]‪.([27‬‬
‫; وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪ " :‬اجتنبللوا السللبع الموبقللات‪ ،‬قللالوا‪ :‬ومللا‬
‫هي يللا رسللول الللله‪ ،‬قللال‪ :‬الشللرك بللالله والسللحر وقتللل‬
‫النفس التي حرم الله إل بالحق ‪ ،‬وأكللل الربللا وأكللل مللال‬
‫اليتيم‪ ،‬والتولي يوم الزحف‪ ،‬وقللذف المحصللنات الغللافلت‬
‫المؤمنات" متفق عليه)]‪.([28‬‬
‫‪ .3‬ما ورد عنه صلى الله عليه وآللله وسلللم مللن تقريللره –‬
‫في خطبته في حجة الوداع – لتحريم الربا ووضعه‪-:‬‬

‫‪616‬‬
‫عن سليمان بن عمرو عن أبيه قال‪ :‬سللمعت رسللول الللله‬
‫صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول‪-:‬‬
‫ن كللل ربللا مللن ربللا الجاهليللة موضللوع‪ ،‬لكللم رؤوس‬ ‫" أل إ ّ‬
‫أموالكم ل تظلمون ول تظلمللون ‪ ،‬أل وإن كللل دم مللن دم‬
‫الجاهلية موضوع‪ ،‬وأول دم أضع منها دم الحارث بللن عبللد‬
‫المطلب كان مسترضعا ً في بني ليث فقتلته هللذيل‪ ،‬قللال‪:‬‬
‫اللهم هل بلغت؟ قللالوا‪ :‬نعللم‪ .‬ثلث مللرات‪.‬قلال‪ " -:‬اللهلم‬
‫اشهد" ‪ .‬ثلث مرات‪ .‬رواه أبو داود ومسلم نحوه)]‪.([29‬‬
‫‪ .4‬ذكره صلى الله عليله وسللم لعقوبلة ملن يظهلر فيهلم‬
‫الربا‪-:‬‬
‫; عن عمللرو بللن العللاص رضللي الللله عنلله قللال‪ -:‬سللمعت‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلللم يقللول‪ " :‬مللا مللن قللوم‬
‫يظهر فيهم الربللا إل أخللذوا بالسللنة‪ ،‬ومللا مللن قللوم يظهللر‬
‫فيهم الرشا إل أخذوا بالرعب" رواه المام أحمد)]‪.([30‬‬
‫; وعن أبي أمامة رضي الله عنلله ‪ :‬أن رسللول الللله صلللى‬
‫الله عليه وسلم قال‪ " -:‬يبيت قللوم مللن هللذه المللة علللى‬
‫طعللم وشللرب ولهللو ولعللب فيصللبحوا قللد مسللخوا قللردة‬
‫وخنللازير ‪ ،‬وليصللبنهم خسللف وقللذف حللتى يصللبح النللاس‬
‫فيقولون خسف الليلة بدار فلن ‪ ،‬ولترسلن عليهم حجللارة‬
‫من السماء كما أرسلت على قوم لوط علللى قبللائل فيهللا‪،‬‬
‫وعلى دور بشربهم ‪ ،‬ولترسلن عليهلم الريلح العقيلم اللتي‬
‫أهلكللت عللادا ً علللى قبللائل ‪ ،‬وعلللى دور شللربهم الخمللر‬
‫ولبسهم الحرير واتخاذهم القينات وأكلهللم الربللا‪ ،‬وقطيعللة‬
‫الرحم‪ "..‬رواه المام أحمد مختصرًا)]‪.([31‬‬
‫‪ .5‬مللا ورد فللي حللديث السللراء وغيللره مللن ذكللر عقوبللة‬
‫المرابي يوم القيامة‪-:‬‬
‫; عن سمرة بن جندب رضللي الللله عنلله قللال‪ :‬قللال النللبي‬
‫صلللى الللله عليلله وسلللم‪ " :‬رأيللت الليلللة رجليللن أتيللاني‬
‫فأخرجاني إلى أرض مقدسة‪ ،‬فانطلقا حتى أتينا علللى نهللر‬
‫من دم‪ ،‬فيه رجل قائم‪ ،‬وعلى وسط النهر رجل بيللن يللديه‬
‫حجارة‪ ،‬فأقبل الّرجل الذي في النهر ‪ ،‬فإذا أراد الرجل أن‬
‫يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرّده حيث كللان‪ ،‬فجعللل‬
‫كلما جاء ليخرج رمى في فيلله بحجللر فيرجللع حيللث كللان ‪،‬‬

‫‪617‬‬
‫فقلت‪ :‬ما هذا؟ فقال‪ :‬الذي رأيته في النهر ‪ :‬آكل الربللا "‪.‬‬
‫رواه المام أحمد مختصرا ً والبخاري بهذا اللفظ)]‪.([32‬‬
‫; وعن أبي هريرة رضي الله عنله قلال‪ :‬قلال رسلول اللله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ " -:‬أتيت ليلة أسري بللي علللى قللوم‬
‫بطونهم كالبيوت فيهللا الحيللات تللرى مللن خللارج بطللونهم‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬من هؤلء يا جبريل؟ قال‪ :‬هؤلء أكلة الربللا" ‪ .‬رواه‬
‫المام أحمد)]‪.([33‬‬
‫‪ .6‬ما ورد من الحاديث عن رسول الللله صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم في أنه أشد من الزنا والعياذ بالله‪-:‬‬
‫; عن عبد الله بن حنظلة الراهب "مرفوعًا" ‪ " :‬درهم ربللا‬
‫يأكله الرجل – وهو يعلم – أشد عند الله من ست وثلثيللن‬
‫زنية " رواه المام أحمد والدارقطني )]‪.([34‬‬
‫; وعن البراء بن عازب رضي الللله عنلله مرفوع لا ً ‪ " :‬الربللا‬
‫اثنان وسبعون بابا ً ‪ ،‬أدناها مثل إتيان الرجل أمه‪ ،‬وإن أدنى‬
‫الربا استطالة الرجل في عرض أخيلله " رواه الطللبراني)]‬
‫‪. ([35‬‬
‫; وعن وهب بن السود خال رسول الله صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم قال‪ " :‬دخلت على رسول الله فقال لللي‪ :‬أل أنللبئك‬
‫بشيء من الربا؟ قلت‪ :‬بلى يا رسللول الللله‪ ،‬قللال‪ " :‬الربللا‬
‫سبعون بابا ً ‪ ،‬أدنى فجرة منها كاضللطجاع الرجللل أملله" )]‬
‫‪.([36‬‬
‫‪ .7‬مللا ورد مللن الحللاديث الدالللة علللى محللق البركللة مللن‬
‫المال الذي رابى فيه صاحبه ‪ ،‬وأن عاقبته إلى زوال‪-:‬‬
‫; عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‪ ،‬أن النللبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم قال‪ " :‬الربا وإن ك َُثر فإن عاقبته إلى قل"‬
‫رواه المام أحمد)]‪.([37‬‬
‫قال ابن كثير – رحملله الللله ‪) : -‬وهللذا مللن بللاب المعاملللة‬
‫بنقيض المقصود( )]‪.([38‬‬
‫وقال معمر‪) :‬سمعت أنه ل يأتي على صاحب الربا أربعون‬
‫سنة حتى يمحق(‪ ،‬وقاله الثوري ‪ ،‬وقال عبلد اللرزاق ‪ :‬قللد‬
‫رأيته‪ .‬رواه عبد الرزاق)]‪.([39‬‬
‫‪ .8‬ما ورد من إنكار الصحابة رضللي الللله عنهللم علللى مللن‬
‫تعامل بالربا أو أذن في ذلك‪-:‬‬

‫‪618‬‬
‫; عللن سللليمان بللن يسللار ‪ " :‬أن صللكاك التجللار خرجللت‬
‫ن فللي بيعهللا فللأذن لهللم‪ ،‬فللدخل أبللو‬ ‫فاستأذن التجاُر مروا َ‬
‫هريرة – رضي الله عنه‪ -‬عليه فقال للله‪ " :‬أذنللت فللي بيللع‬
‫الربللا وقللد نهللى رسللول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم أن‬
‫يشتري الطعام ثم يباع حتى ُيستوفى " ‪.‬‬
‫قللال سللليمان ‪ :‬فرأيللت مللروان بعللث الحللرس فجعلللوا‬
‫ينللتزعون الصللكاك مللن أيللدي مللن ل يتحللرج منهللم" رواه‬
‫المام أحمد)]‪.([40‬‬
‫والحاديث في هذا الباب كللثيرة ‪ ،‬وكتللب الفقلله والحللديث‬
‫والتفسللير وغيرهللا مليئة بللالنقول عللن كبللار العلمللاء مللن‬
‫الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب وغيرهم…‬
‫وفي هذا القدر من أدلللة السللنة علللى تحريللم الربللا كفايللة‬
‫لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)]‪.([41‬‬
‫المبحث الثالث‪ -:‬دليل الجماع على تحريم الربا ‪-:‬‬
‫لقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع المة على تحريللم‬
‫الربا في الجملة وإن اختلفوا في بعض صوره‪ ،‬وممن نقل‬
‫ذلك ‪-:‬‬
‫‪ .1‬المللام النللووي ‪ -:‬حيللث يقللول رحملله الللله‪ ) : -‬أجمللع‬
‫المسلمون على تحريم الربا وأنه من الكبائر وقيل إنه كان‬
‫محرما ً في جميع الشرائع وممن حكاه الماوردي( )]‪.([42‬‬
‫‪ .2‬شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪ -:‬يقول رحمه الللله‪-:‬‬
‫) المراباة حرام بالكتاب والسنة والجماع( )]‪.([43‬‬
‫‪ .3‬المام الصنعاني‪ -:‬حيث قال‪) -:‬وقد أجمعت المة علللى‬
‫تحريم الربللا فللي الجملللة وإن اختلفللوا فللي التفاصلليل( )]‬
‫‪.([44‬‬
‫; ومن راجع أقوال العلمللاء فلي الربللا علللم يقينلا ً أن الربلا‬
‫محللرم مجمللع عليلله‪ ،‬فهللو مللن المحرمللات الللتي ل يسللع‬
‫جهلها…‪ .‬ول تجد أحدا ً من أهللل العلللم إل قللال لللك‪ :‬الربللا‬
‫حرام‪ ،‬ول تجللد باحثلا ً مسللما ً يخشللى اللله إل وهللو يحكللي‬
‫التحريم عمن قبله‪.‬‬
‫‪ v‬هذا ما تيسر جمعه من أدلة تحريم الربا‪ ،‬وهي كما سبق‬
‫تدل دللة قطعية على ذلك لمن تأملها‪.‬‬
‫)]‪ ([1‬التدابير الواقية ‪. 47 :‬‬

‫‪619‬‬
‫)]‪ ([2‬الربا للمودودي ‪. 101 :‬‬
‫)]‪ ([3‬جامع البيان ‪ 103 / 3 :‬وروى ابن أبي حاتم معنللاه‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهما انظلر تفسلير ابلن كلثير ‪:‬‬
‫‪. 1/308‬‬
‫)]‪ ([4‬جامع البيان ‪. 103 / 3 :‬‬
‫)]‪ ([5‬جامع البيان ‪. 103 / 3 :‬‬
‫)]‪ ([6‬جللامع البيللان ‪ ، 103 / 3 :‬والربللا خطللره وسللبيل‬
‫الخلص منه ‪ 12 – 11 :‬بتصرف وسللتأتي الحللاديث فللي‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫)]‪ ([7‬الربا وأثره على المجتمع النساني ‪. 47 :‬‬
‫)]‪ ([8‬تيسير الكريم الرحمن ‪ ، 245 / 1 :‬وجامع البيان ‪:‬‬
‫‪. 105 / 3‬‬
‫)]‪ ([9‬تفسير ابن كثير ‪ . 310 / 1 :‬بتصرف ‪.‬‬
‫)]‪ ([10‬انظرها في جامع البيان ‪106 – 105 / 3 :‬‬
‫)]‪ ([11‬أي المرابي ‪.‬‬
‫)]‪ ([12‬الفرق بين البيع والربا ‪. 11 :‬‬
‫)]‪ ([13‬الفرق بين البيع والربا ‪. 11 :‬‬
‫)]‪ ([14‬الفرق بين البيع والربا ‪. 11 :‬‬
‫)]‪ ([15‬تفسير ابن كثير ‪. 312 / 1 :‬‬
‫)]‪ ([16‬تفسير ابن كثير ‪. 312 / 1 :‬‬
‫)]‪ ([17‬التدابير الواقية من الربا ‪. 18 :‬‬
‫)]‪ ([18‬تفسير ابن كثير ‪. 312 / 1 :‬‬
‫)]‪ ([19‬التدابير الواقية ‪. 49 :‬‬
‫)]‪ ([20‬الجامع لحكام القرآن ‪. 364 / 3 :‬‬
‫)]‪ ([21‬فقه وفتاوى البيوع ‪. 151– 150 :‬‬
‫)]‪ ([22‬صحيح مسلم بشرح النللووي ‪ 108 / 16 :‬رقللم )‬
‫‪. ( 2577‬‬
‫)]‪ ([23‬فتح القدير ‪. 285 – 284 / 4 :‬‬
‫)]‪ ([24‬صحيح مسلللم بشللرح النللووي ‪ 22 / 11 :‬رقللم )‬
‫‪. ( 1598‬‬
‫)]‪ ([25‬صحيح مسلللم بشللرح النللووي ‪ 22 / 11 :‬رقللم )‬
‫‪. ( 1597‬‬

‫‪620‬‬
‫)]‪ ([26‬المسند بتحقيق أحمد شاكر ‪ 53 / 2 :‬رقم ) ‪635‬‬
‫( وفي إسناده ضعف كما ذكر ذلك الشيخ أحمد شاكر لكن‬
‫الجملة الولى منه إلى قلوله ‪ ) :‬وشلاهديه ( صلحيحة كملا‬
‫في حديث مسلم السابق ‪.‬‬
‫)]‪ ([27‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ 368 / 4 :‬رقم ) ‪2086‬‬
‫(‪.‬‬
‫)]‪ ([28‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ 462 / 5 :‬رقم ) ‪2766‬‬
‫( وصحيح مسلم بشرح النووي ‪ 70 / 2 :‬رقم)‪(89‬‬
‫)]‪ ([29‬أبو داود ‪ 628 / 3 :‬رقم ) ‪ ( 3334‬وصحيح مسلم‬
‫بشرح النووي ‪ 138 / 8 :‬رقم ) ‪. ( 1218‬‬
‫)]‪ ([30‬مرويات المام أحمد فللي التفسللير ‪– 242 / 1 :‬‬
‫‪ 243‬رقم ) ‪ ( 508‬قال أحمد البنللا ‪ :‬لللم أقللف عليلله لغيللر‬
‫المام أحمد وسنده ل بأس به ‪ ) .‬الفتح الرباني ‪70 / 15:‬‬
‫‪ .‬لكن الحديث ضعفه اللباني في ضللعيف الجللامع الصللغير‬
‫برقم )‪. ( 5211‬‬
‫)]‪([31‬مسند المام أحمد ‪. 259 / 5 :‬‬
‫)]‪ ([32‬مرويات المام أحمد في التفسير ‪ 238 / 1 :‬رقم‬
‫) ‪ ( 494‬والبخاري مع الفتح ‪ 367 / 4 :‬رقم )‪.(2085‬‬
‫)]‪ ([33‬مرويات المام أحمد في التفسير ‪ 238 / 1 :‬رقم‬
‫) ‪ ( 496‬قال ابن كثير ‪ :‬وفي إسناده ضعف ‪ ) .‬تفسير ابن‬
‫كثير ‪ ( 309 / 1 :‬وضعفه أيضا ً الشلليخ اللبلاني كملا فللي‬
‫الجامع الصغير رقم ) ‪. ( 133‬‬
‫)]‪ ([34‬مرويات المام أحمد في التفسير ‪ 238 / 1 :‬رقم‬
‫) ‪ ( 495‬وسنن الدارقطني ‪ 16 / 3 :‬رقم ) ‪ ( 48‬وهو في‬
‫السلسلة الصحيحة ‪ 29 / 3 :‬رقم ) ‪. ( 1033‬‬
‫)]‪ ([35‬المعجم الوسط ‪ 158 / 7 :‬رقم ) ‪ ( 7151‬وهللو‬
‫في السلسلة الصحيحة ‪ 488 / 4 :‬رقم ) ‪. ( 1871‬‬
‫)]‪ ([36‬السلسلة الصحيحة ‪ . 490 / 4 :‬حيث ذكر الشيخ‬
‫رحمه الله أن إسناده رجاله كلهم ثقلت وذكر أن الحللديث‬
‫أخرجه ابن مندة في المعرفة ‪.‬‬
‫)]‪ ([37‬المسند بتحقيللق أحمللد شللاكر ‪ 283 / 5 :‬رقللم )‬
‫‪ ( 3754‬وصحح إسناده الشيح أحمد شاكر ورواه أيضا ً ابن‬

‫‪621‬‬
‫ماجة ‪ 765 / 2 :‬رقم ) ‪ ( 2279‬وحسللنه ابللن حجللر فللي‬
‫الفتح ‪. 369 / 4 :‬‬
‫)]‪ ([38‬تفسير ابن كثير ‪. 311 / 1 :‬‬
‫)]‪ ([39‬مصنف عبد الرزاق ‪ 316 / 8 :‬رقم ) ‪. ( 15353‬‬
‫)]‪ ([40‬المسند بتحقيق أحمد شللاكر ‪ 156 / 16 :‬رقللم )‬
‫‪ ( 7347‬وقال الشيخ أحمد شاكر ‪ :‬إسناده صحيح ‪.‬‬
‫)]‪ ([41‬الربا وأنواعه ‪. 17 :‬‬
‫)]‪ ([42‬المجموع شرح المهذب ‪. 487 / 9 :‬‬
‫)]‪ ([43‬مجموع الفتاوى ‪. 418 / 29 :‬‬
‫)]‪ ([44‬سبل السلم ‪. 65 / 3 :‬‬
‫‪00000000000‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬التدرج في تحريم الربا‬
‫ذكر بعض الباحثين أن الربللا فللي القللرآن الكريللم تللدرجت‬
‫اليات في تحريمه كما تدرجت فللي تحريللم الخمللر )]‪.([1‬‬
‫ويمكن ترتيب هذه التدرج كما يلي‪-:‬‬
‫‪ .1‬المرحلة الولى‪ -:‬ما جاء في سورة الللروم وهللي مكيللة‬
‫نزلت قبل الهجرة ببضللع سللنين مقرونلا ً بللذم الربللا ومللدح‬
‫الزكاة وذلك قبل فرض الزكللاة كمللا فللي قللوله تعللالى‪" -:‬‬
‫وما آتيتم من ربا ليربوا فللي أمللوال النللاس فل يربللوا عنللد‬
‫الله وما آتيتم من الزكللاة تريللدون وجلله الللله فللأولئك هللم‬
‫المضعفون"] الروم‪. [ 39 :‬‬
‫وقد جاء في السور المكية أصللول الواجبللات والمحرمللات‬
‫بوجه إجمالي كما في هذه الية)]‪.([2‬‬
‫‪ .2‬المرحلللة الثانيللة‪ -:‬وهللي فللي قللوله تعللالى فللي سللورة‬
‫النساء‪ " -:‬فبظلم من الذين هللادوا حرمنللا عليهللم طيبللات‬
‫أحلت لهم وبصدهم عن سللبيل اللله كلثيرًا‪ ،‬وأخلذهم الربللا‬
‫وقللد ُنهللوا عنلله وأكلهللم أمللوال النللاس بالباطللل وأعتللدنا‬
‫للكافرين منهم عذابا ً أليمًا"‪ ] .‬النساء ‪. [ 161– 160 :‬‬
‫أي أن الله قد نهاهم عن الربا فتنللاولوه وأخللذوه واحتللالوا‬
‫عليه بأنواع من الحيل وصنوف من الشبه)]‪.([3‬‬
‫وهذا تلميح بالتحريم لنه جاء على سبيل الحكاية عن بنللي‬
‫إسرائيل وأن الربا كان محرما ً عليهم‪ ،‬فاحتالوا على أكللله‪،‬‬

‫‪622‬‬
‫فهو بذلك تمهيللد ‪ ،‬وإيمللاء إلللى إمكللان تحريللم الربللا علللى‬
‫المسلمين كما هو محرم على بني إسرائيل…‬
‫وفيه إيماء آخر ‪ ،‬وهو أنه إذا حرم عليكللم الربللا فل تفعلللوا‬
‫مثل فعلهم‪ ،‬فتلقوا من العذاب الليم مثل ما لقوا لن هذا‬
‫السلوك ليس إل سلوك الكافرين والعياذ بالله)]‪.([4‬‬
‫‪ .3‬المرحلة الثالثللة‪ -:‬فللي سللورة آل عمللران حيللث يقللول‬
‫تعالى‪ " -:‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا الربا أضعافا ً مضاعفة‬
‫واتقللوا الللله لعلكللم تفلحللون‪ ،‬واتقللوا النللار الللتي أعللدت‬
‫للكافرين ‪ ،‬وأطيعوا الللله والرسللول لعلكللم ترحمللون"] آل‬
‫عمران ‪. [ 132– 130 :‬‬
‫أي‪ :‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا الربا فللي إسلللمكم بعللد إذ‬
‫هداكم له‪ ،‬كما كنتم تأكلونه في جاهليتكم)]‪.([5‬‬
‫وهذا مفيد لتحريم الربا‪ -‬كما سبق بيانه – إل أنلله لللم يكللن‬
‫فيه من التهديد والوعيد ما كان في آخر مراحل التحريم‪.‬‬
‫‪ .4‬المرحلة والخيرة ‪ -:‬وفي هذه المرحلللة جللاءت اليللات‬
‫الكريمللة بللالحكم الشللرعي‪ " -:‬الللذين يللأكلون الربللا ل‬
‫يقومون إل كما يقوم الذي يتخبطه الشلليطان مللن المللس‬
‫ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحللرم‬
‫الربا فمن جاءه موعظللة مللن ربلله فللانتهى فللله مللا سللف‬
‫وأمره إلى الله ومن عاد فللأولئك أصللحاب النللار هللم فيهللا‬
‫خالدون‪ ،‬يمحق الله الربا ويربللي الصللدقات والللله ل يحللب‬
‫كل كفار أثيم" إلى قوله‪ " -:‬يا أيها الذين آمنللوا اتقللوا الللله‬
‫وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مللؤمنين‪ ،‬فللإن لللم تفعلللوا‬
‫فللأذنوا بحللرب مللن الللله ورسللوله وإن تبتللم فلكللم رؤوس‬
‫أمللوالكم ل تظلمللون ول تظلمللون" ] البقللرة ‪– 275 :‬‬
‫‪.[ 279‬‬
‫وهذه اليات من آخر ما نزل من القرآن الكريم‪ ،‬كما قللال‬
‫ابن عباس رضي الله عنهمللا فللي قللوله تعللالى‪ " -:‬يللا أيهللا‬
‫الذين آمنوا اتقللوا الللله وذروا مللا بقللي مللن الربللا إن كنتللم‬
‫مؤمنين" إلى قوله " وهم ل يظلملون" ] البقلرة ‪– 278 :‬‬
‫‪ [ 279‬قال‪) -:‬هذه آخر آية نزلللت علللى النللبي صلللى الللله‬
‫عليه وسلم( رواه البخاري معلقا ً بصيغة الجزم)]‪.([6‬‬

‫‪623‬‬
‫‪ v‬ويستمر تحريمه إلى يوم القيامة ‪ ،‬هذا تاريللخ الربللا عللبر‬
‫التاريللخ‪ ،‬وكابوسلله الثقيللل علللى المللم وموقللف الشللرائع‬
‫ن‬
‫السماوية منه ومحاربته لنقاذ البشللرية مللن ويلتلله ولك ل ْ‬
‫يللأبى الللذين اسللتحوذ عليهللم الشلليطان واسللتولى عليهللم‬
‫ح إل عتوا ً ونفورا ً ليستمروا على التحكم بأموال الناس‬ ‫الش ّ‬
‫بغير حق)]‪.([7‬‬
‫)]‪ ([1‬الفائدة والربا ‪. 30 :‬‬
‫)]‪ ([2‬فقه وفتاوى البيوع ‪. 152 :‬‬
‫)]‪ ([3‬تفسير ابن كثير ‪. 553 / 3 :‬‬
‫)]‪ ([4‬الفائدة والربا ‪. 30 :‬‬
‫)]‪ ([5‬جامع البيان ‪. 34 / 3 :‬‬
‫)]‪ ([6‬البخاري مع الفتح ‪ 368 / 4 :‬باب موكل الربا ‪.‬‬
‫)]‪ ([7‬فقه وفتاوى البيوع ‪ . 152 :‬وانظر فللي التللدرج فللي‬
‫تحريللم الربللا ‪ :‬فقلله السللنة ‪ 156 / 3 :‬والفللائدة والربللا‬
‫الصفحات السابقة في الفصللل ‪ .‬هللذا وبعللض العلمللاء لللم‬
‫يذكر هذا التدرج ‪.‬‬
‫‪000000000000000‬‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬آثار الربا الجتماعية‬
‫تمهيد‬
‫إن الربا عمل يتنافى مع الشرع السلمي ‪ ،‬إنه يقوم على‬
‫الستغلل ‪ ،‬والمرابي ل يجعل الله في حسللابه ول يراعللي‬
‫المبادئ والغايات والخلق‪ ،‬وإنما الغاية عنده هي تحصلليل‬
‫المال بأي طريق وأية وسيلة‪ ،‬ويؤدي هذا إلى إنشاء نظللام‬
‫يسحق البشرية ويشقيها أفللرادا ً وجماعللات‪ ،‬دول ً وشللعوبًا‪،‬‬
‫لمصلحة شرذمة قليلللة مللن المرابيللن ل يرعللون عهللدا ً ول‬
‫ذمة لحد من الناس)]‪.([1‬‬
‫وللربا في المجتمعات التي تتعامللل بلله آثللاٌر وخيمللة علللى‬
‫الفرد وحده وعلى المجتمع بأسره ويمكللن أن نبحللث فللي‬
‫آثار الربا الجتماعية من ناحيتين‪-:‬‬
‫الناحية الخلقية والنفسللية والناحيللة الجماعيللة وهللي كمللا‬
‫يلي‪-:‬‬
‫المبحث الول‪ -:‬آثار الربا من الناحية الخلقية والنفسية‪-:‬‬

‫‪624‬‬
‫أنزل الله دينه ليقيم العباد على منهج العبودية الحقة الللتي‬
‫تعرج بهم إلى مدارج الكمال‪ ،‬وتسموا بهللم إلللى المراتللب‬
‫العليللا‪ ،‬وبللذلك يتخلصللون مللن العبوديللة)]‪ِ ،([2‬ليَقصللروا‬
‫أنفسهم علللى عبللادة رب الخلئق‪ ،‬ويتخلصللون بللذلك مللن‬
‫الللدخن والفسللاد الللذي يخللالط النفللوس فللي تطلعاتهللا‬
‫ن السلم يريد أن يطهر العباد فللي نفوسللهم‬ ‫ومنطلقاتها‪،‬إ ّ‬
‫الخافية المستورة‪ ،‬وفي أعمللالهم المنظللورة‪ ،‬وتشللريعات‬
‫السلم تعمل في هذين المجالين‪ ،‬وهلذا اللذي نشلير إللى‬
‫ماه القللرآن التزكيللة‬ ‫ن السلللم يريللده بنللا هللو الللذي س ل ّ‬ ‫أ ّ‬
‫والتطهير‪ " :‬خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها "‬
‫] التوبة ‪ . [ 103 :‬وقللد أقسللم الللرب تبللارك وتعللالى فللي‬
‫سورة الشمس أقسللاما ً سللبعة علللى أ ّ‬
‫ن المفلللح مللن زك ّللا‬
‫ساها‪ " -:‬قللد أفلللح مللن زكاهللا‪ ،‬وقللد‬ ‫نفسه‪ ،‬والخائب من د ّ‬
‫مللن دسللاها " ] الشللمس ‪ . [ 10– 9 :‬والربللا واحللد مللن‬
‫العمال التي تعمللق فللي النسللان النحللراف عللن المنهللج‬
‫ن المرابي يستعبده المال‪ ،‬ويعشي نللاظريه‬ ‫السوي‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫بريُقه‪ ،‬فهو يسعى للحصول عليه بكل سبيل‪ ،‬وفللي سللبيل‬
‫تحقيللق المرابللي لهللدفه يللدوس القيللم‪ ،‬ويتجللاوز الحللدود‪،‬‬
‫ويتعدى على الحرمات)]‪.([3‬‬
‫والربا ينبت في النفس النسانية صللفات ذميمللة ويصللرف‬
‫عنه ما يحصل للمؤمنين المتقين من السعادة‪ ،‬وفيمللا يلللي‬
‫استعراض لهللم هللذه الثللار الملحظللة علللى مللن يتعامللل‬
‫بالربا‪-:‬‬
‫‪ .1‬الربللا ينبللت فللي النفللس النسللانية الجشللع كمللا ينبللت‬
‫الحرص والبخل‪-:‬‬
‫وهمللا مرضللان مللا اعتللورا نفس لا ً إل أفسللدا صللاحبها)]‪([4‬‬
‫فبالنظر إلى العمل بالربا نجد أنه يبدأ من رغبلة فلي جملع‬
‫المللال منطبع لا ً بللالثرة والبخللل وضلليق الصللدر والعبوديللة‬
‫للمال والتكالب عليها… وهذا على العكللس ممللا يللأمر بلله‬
‫الشرع السلللمي القللائم علللى الزكللاة والصللدقات وعلللى‬
‫الكللرم والسللخاء واليثللار … وغيللر ذلللك مللن الصللفات‬
‫الشريفة)]‪.([5‬‬
‫شره والكسل غير المريح‪-:‬‬ ‫‪ .2‬ال ّ‬

‫‪625‬‬
‫ن هذه الفة)]‪ ([6‬تظهر آثارها جلية واضحة فللي الشللره‬ ‫وإ ّ‬
‫الذي يخيم على نفوس المرابين‪ ،‬ويجعلهللم يسللتغلون كللل‬
‫ن مللن‬ ‫قوى غيرهللم وإنتللاجه فللي كسللب يعللود عليهللم‪ ،‬فللإ ّ‬
‫ن عنللده عشللرة آلف درهللم أن يعرضللها‬ ‫مل ْ‬
‫سللهل علللى َ‬‫ال ّ‬
‫بفائدة خمسة في المائة أو ستة فللي المللائة فيجيللء إليلله‬
‫وهو جالس في عقر داره خمسمائة درهللم كللل عللام‪ ،‬مللن‬
‫غير جهد ول عمل ومللن غيللر أن يتعللرض لخسللارة ‪ ،‬إل أن‬
‫تجتاح المقترض جائحة تأكل الخضر واليابس ول تبقي ول‬
‫تذر… وفي غالب الحيان قد احتاط الدائن لمللاله فينقللض‬
‫عند نكبة المدين على ما عساه يكون قد بقي من ماله…‬
‫ن ذلك الكسل الذي يكون فيه الدائن ليس هو الكسل‬ ‫; وإ ّ‬
‫المريح‪ ،‬بللل هللو الكسللل الللذي يصللحبه الوسللواس الللدائم‬
‫والضطراب المستمر لنه قد أودع ثروته بين أيدي النللاس‬
‫يراقبهم‪ ،‬ويتتبعهم‪ ،‬ل ليشركهم فللي خسللارتهم ومغللارمهم‬
‫كما يشركهم في كسبهم ومغللانهم‪ ،‬بللل يللترقبهم ليحللافظ‬
‫على ماله وفائدته التي تتضاعف عاما ً بعد عام‪([7]) ..‬‬
‫‪ .3‬السراف وعدم الدخار‪-:‬‬
‫وإن تسهيل القرض بفائدة شجع الكثيرين علللى السللراف‬
‫وعدم الدخار‪ ،‬فإنه إذا كان يشجع على الدخار الثللم عنللد‬
‫بعض الناس‪ ،‬فهو يشجع على عدم الدخللار عنللد الخريللن‪،‬‬
‫ن يقرضلله بالفللائدة فللي أي‬ ‫مل ْ‬
‫لنه إذا كان المسرف يللرى َ‬
‫وقت فأنه ل يرعوي‪ ،‬ول يحسب حساب المسللتقبل بحيللث‬
‫يدخر في حاضره ما يحتاج إليلله فللي قللابله‪ ،‬وإن اضللطرته‬
‫حاجته يجد المصرف الذي يقرضلله بفللائدة الضللامن الللذي‬
‫يضمنه)]‪.([8‬‬
‫‪ .4‬الضطراب النفسي المستمر‪-:‬‬
‫إن التعامل بالربا يوجد اضلطرابا ً نفسلليا ً مسللتمرا ً بالنسللبة‬
‫لكل الربا وموكله على السواء‪ ،‬وإنه فللوق مللا يحللدثه مللن‬
‫اضطراب في النظام القتصادي يوجد قلقا ً نفسيا ً مستمرا ً‬
‫للمتعاملين‪ ،‬وهو بالنسبة لكله ينبعللث مللن جش لٍع أساسلله‬
‫الكسب من جهود غيره‪ ،‬وبالنسبة للخر المسللتغل ينبعللث‬
‫ب ليس في مقدوره‪.‬‬ ‫من جشٍع في كس ٍ‬

‫‪626‬‬
‫والجشع من طبيعته أن يحدث اضطرابا ً مستمرا ً في قلللب‬
‫الجاشع‪ ،‬وأحاسيسه ومشاعره‪ ،‬ولذلك قرر بعللض الطبللاء‬
‫ن كثرة المراض التي تصلليب القلللب – فيكللون‬ ‫المتدينين أ ّ‬
‫من مظاهرها ضغط الدم المستمر أو الذبحللة الصللدرية أو‬
‫الجلطة الدمويللة أو النزيللف بالمللخ أو المللوت المفللاجئ –‬
‫سللببها ذلللك الضللطراب القتصللادي الللذي ول ّللد جشللعا ً ل‬
‫سللُتبدل بللذلك النظللام‬ ‫تتللوافر أسللبابه الممكنللة… ولللو ا ْ‬
‫القتصادي – الذي يجعل المقللرض آكل ً دائم لًا‪ ،‬والمقللترض‬
‫مللأكول ً غارمللا ً فللي أكللثر الحللوال أو كللثير منهللا – نظللا ٌ‬
‫م‬
‫اقتصادي أساسه التعللاون بيللن المقللرض والمقللترض فللي‬
‫المغنللم والمغللرم لكللان أجلللب للطمئنللان وأعللدل وأقللوم‬
‫وأهدى سبي ً‬
‫ل)]‪.([9‬‬
‫‪ .5‬تخبط المرابي‪-:‬‬
‫قال تعالى‪ " -:‬الذين يأكلون الربا ل يقومون إل كمللا يقللوم‬
‫الذي يتخبطه الشيطان من المس" ] البقرة ‪.[ 275 :‬‬
‫وهذه الية وإن كانت – كمللا يقللول كللثير مللن المفسللرين‪-‬‬
‫تتحدث عن حال المرابي عندما يقوم من قللبره وأن حللاله‬
‫يكون كالذي يتخبطه الشيطان من المللس‪ ،‬إل أن النظللرة‬
‫المتأملة تهدينا إلى أن الحللال الللتي يبعللث عليهللا المرابللي‬
‫مناسبة للحالة الللتي كللان عليهللا فللي الللدنيا‪ ،‬فللالجزاء مللن‬
‫جنس العمل‪ ،‬فلما كلان المرابللي فللي دنيللاه يتخبلط خبللط‬
‫عشواء‪ ،‬ويتصرف تصرفات خرقاء‪ ،‬كان خللاله فللي الخللرة‬
‫على الخط نفسه‪ ،‬قال الحرالي‪-:‬‬
‫)في إطلقه إشعار بحللالهم فللي الللدنيا والللبرزخ والخللرة‪،‬‬
‫ففي إعلمه إيذان بأن آكله ُيسلب عقله‪ ،‬ويكون بقاؤه في‬
‫ق ل بعقل‪ُ ،‬يقبللل فللي محللل الدبللار‪ ،‬ويللدبر فللي‬ ‫خْر ٍ‬
‫الدنيا ب ُ‬
‫محل القبال( )]‪.([10‬‬
‫وقد عقب البقاعي على مقال الحرالي بقوله‪-:‬‬
‫)وهو مؤيد بالمشللاهدة فإنللا لللم نللر وللم نسللمع بآكللل ربلا‬
‫ينطق بالحكمللة ول يشللهر بفضلليلة‪ ،‬بللل هللم أدنللى النللاس‬
‫وأدنسهم( )]‪.([12]).([11‬‬
‫‪ .6‬الجبن والكسل‪-:‬‬

‫‪627‬‬
‫فللالمرابي جبللان يكللره القللدام‪ ،‬ولللذلك يقللول المرابللون‬
‫ن النتظار هو صللنعة المرابللي فهللو‬ ‫والذين ينظرون لهم‪ :‬إ ّ‬
‫يعطي ماله لمن يستثمره‪ ،‬ثم يجلس ينتظللر إنتللاجه لينللال‬
‫حظ ّا ً معلوما ً بدل انتظاره‪ ،‬وهو كسول متبلد ل يقوم بعمل‬
‫منتج نافع‪ ،‬بل تلراه يريلد ملن الخريلن أن يعمللوا ثلم هلو‬
‫يحصل على ثمرة جهودهم)]‪.([13‬‬
‫‪ .7‬قسوة القلب‪-:‬‬
‫ن قلوب المرابين فللي بعللض الحيللان تكللون أقسللى مللن‬ ‫إ ّ‬
‫الحجللارة ‪ " -:‬ثللم قسللت قلللوبكم مللن بعللد ذلللك فهللي‬
‫ن من الحجارة لملا يتفجلر منله‬ ‫كالحجارة أو أشد قسوة وإ ّ‬
‫النهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لمللا‬
‫يهبط من خشية الله "] البقرة ‪. [ 74 :‬‬
‫لقد وصف الللله آكللل الربللا بللأنه كفللار أثيللم فللي قللوله‪" -:‬‬
‫يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله ل يحللب كللل كفللار‬
‫أثيم" ] البقرة ‪.[ 276 :‬‬
‫وكفار وأثيللم صلليغتان مللن صلليغ المبالغللة تللدلن علللى أن‬
‫المرابللي بلللغ الغايللة فللي الكفللر)]‪ ([14‬والثللم‪ ،‬وذلللك أن‬
‫المرابي كما يقول ابن كثير‪ -‬رحمه الله‪-:-‬‬
‫)ل يرضى بما قسم الله له من الحلل ول يكتفي بما شرع‬
‫له من الكسب المباح‪ ،‬فهو يسعى في أكل أمللوال النللاس‬
‫بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة فهو جحود لما عليلله مللن‬
‫النعمة‪ ،‬ظلوم آثم بأكل أموال النللاس بالباطللل( )]‪]).([15‬‬
‫‪.([16‬‬
‫ن اهتمامات المرابي وتطلعاته وغايللاته تللدور حللول أمللر‬ ‫وإ ّ‬
‫واحد هو مصالحه الذاتية‪ ،‬فل تراه يحللزن لللدموع الثكللالى‪،‬‬
‫ول لنللات الحزانللى‪ ،‬ول لوجللاع اليتللامى‪ ،‬يللرى البؤسللاء‬
‫والفقللراء‪ ،‬فل يعللرف مللن حللالهم إل أنهللم صلليد يجللب أن‬
‫ُتمتص البقية الباقية من دمائهم‪.‬‬
‫ألم يصل الحال بالمرابين قساة القلوب إلى أن يسللتعبدوا‬
‫فللي بعللض أدوار التاريللخ أولئك المعسللرين الللذين لللم‬
‫يسللتطيعوا أن يفللوا بللديونهم ومللا ترتللب عليهللا مللن ربللا‬
‫خبيث؟‪.‬‬
‫‪ .8‬أن أكل الربا والتغذي به من جملة موانع إجابة الدعاء‪-:‬‬

‫‪628‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪-:‬‬
‫" إن الللله طيللب ل يقبللل إل طيب لا ً ‪ ،‬وإن الللله تعللالى أمللر‬
‫المؤمنين بما أمر بلله المرسلللين فقللال‪" -:‬يللا أيهللا الرسللل‬
‫كلوا مللن الطيبللات واعملللوا صللالحًا" ] المؤمنللون ‪[ 51 :‬‬
‫وقال تعالى‪ " -:‬يا أيهللا الللذين آمنللوا كلللوا مللن طيبللات مللا‬
‫رزقناكم " ] البقرة ‪ [ 172 :‬ثم ذكر الرجل يطيللل السللفر‬
‫أشللعث أغللبر‪ ،‬يمللد يللديه إلللى السللماء‪ ،‬يللا رب ‪ ،‬يللا رب‪،‬‬
‫ومطعمه حللرام‪ ،‬ومشللربه حللرام‪ ،‬وملبسلله حللرام‪ ،‬وغللذي‬
‫بالحرام‪ ،‬فأنى يستجاب لذلك" رواه المام أحمللد ومسلللم‬
‫والترمذي والدارمي)]‪.([17‬‬
‫فيؤخذ من هذا الحديث أن التوسع في الحرام والتغذي بلله‬
‫من جملة موانع الجابة…‪ .‬وقد يكلون ارتكللاب المحرمللات‬
‫مانع من الجابة أيضا ً وكذلك ترك الواجبات…‪ .‬وعن عمر‪-‬‬
‫رضي الله عنه‪ -‬قال‪) -:‬بالورع عمللا حللرم الللله يقبللل الللله‬
‫الدعاء والتسبيح(…‪ .‬وقال ماللك بللن دينللار ‪) :‬أصللاب بنللي‬
‫إسرائيل بلء‪ ،‬فخرجوا مخرجا ً فأوحى الله تعالى إلللى نللبيه‬
‫أن أخللبرهم أنكللم تخرجللون إلللى الصللعيد بأبللدان نجسللة‬
‫ي أك ُّفا قد سفكتم بها الدماء وملتم بها بيوتكم‬ ‫وترفعون إل ّ‬
‫من الحرام‪ ،‬الن اشتد غضبي عليكم ولن تلزدادوا منلي إل‬
‫بعدًا(‪.‬‬
‫وقللال بعللض السلللف‪) :‬ل تسللتبطئ الجابللة‪ ،‬وقللد سللددت‬
‫طرقها بالمعاصي( )]‪.([18‬‬
‫; ول شك إن من أعظم المحرمات ومن أكبر الكبائر أكللل‬
‫الربا والتعامل به فيكون داخل ً في معنى هذا الحديث‪ ،‬لن‬
‫من ملء بيتلله مللن الربللا وكللان مطعملله ربللا وملبسلله ربللا‬
‫ومشربه الربا وغذي بالربا فقد عرض نفسه لهذه العقوبللة‬
‫من الله تعالى وهي عدم إجابة الدعوة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ -:‬آثار الربا على المجتمع بأسره‪-:‬‬
‫ن المجتمللع الللذي يتعاملل‬ ‫إنله ل يكلاد يختللف اثنللان فللي أ ّ‬
‫أفراده فيما بينهم بالثرة‪ ،‬ول يساعد فيه أحللد غيللره إل أن‬
‫يرجو منه فائدة راجعة على نفسه‪ ،‬ويكون فيه عوُز أحد ما‬
‫ة يغتنمهللا غيللره للتمللول والسللتثمار‪،‬‬ ‫وضيُقه وفقُره فرص ل ً‬

‫‪629‬‬
‫فتكلون مصللحة الطبقلات الغنيلة الموسلرة فيله مناقضلة‬
‫لمصلحة الطبقات المعدمة‪ ،‬ل يمكن أن يقوم ويظل قائما ً‬
‫مثل هذا المجتمع على قواعد محكمة أبدًا‪ ،‬ول بد أن تبقى‬
‫أجللزائه مائلللة إلللى التفكللك والتشللتت فللي كللل حيللن مللن‬
‫الحيان‪.‬‬
‫ثم إذا عاونت على هذه الوضعية السباب الخرى أيض لًا‪ ،‬ل‬
‫تلبث هذه الجزاء تتحارب وتتشابك فيما بينها‪.‬‬
‫وبالعكس من ذلللك‪ ،‬إن المجتمللع الللذي يقللوم بنللاؤه علللى‬
‫التعاون والتناصح والتكافلل ويتعاملل أعضلاؤه فيملا بينهلم‬
‫بالكرم والسللخاء‪ ،‬ول يكللاد يحللس فيلله أحللد أن أحللدا ً مللن‬
‫إخوانه في حاجة إلى مساعدته‪ ،‬إل سارع إلى الخذ بيللده‪،‬‬
‫وعامل فيه الغنياء إخوانهم الفقراء بالعانللة متطللوعين أو‬
‫بالتعاون العادل على القللل‪ ،‬ل بللد أن تنشللأ وتنمللو صللعدا ً‬
‫عواطف التحاب والتناصر والتناصح في قلوب أفللراد مثللل‬
‫هذا المجتمع وتبقى أجزاؤه متكافلة متساندة فيما بينها ول‬
‫تتطرق إليه عواملل التنللازع والتصلادم الللداخلي أبللدًا‪ ،‬وأن‬
‫يكللون أسلرع كللذلك إلللى الّرقلي والكملال والزدهللار ملن‬
‫المجتمع الول)]‪.([19‬‬
‫والثار التي تظهر فللي المجتمللع الللذي يتعامللل بالربللا آثللار‬
‫كثيرة نذكر بعضها فيما يلي‪-:‬‬
‫‪ .1‬فقدان التآلف وحصول الكراهية والحقللد والبغللض بيللن‬
‫أفراد ذلك المجتمع‪-:‬‬
‫ل يمكللن أن تقللوم المجتمعللات النسللانية مللا لللم يللترابط‬
‫النللاس فيمللا بينهللم بروابللط الللود والمحبللة القائمللة علللى‬
‫التعاون والتراحم التكافل‪ ،‬ومنبلعُ الللود والمحبللة والتكافللل‬
‫والتعللاون والللتراحم الخللوةُ بيللن أفللراد المللة الواحللدة ‪.‬‬
‫والفللراد فللي الجماعللة‪ ،‬أو القطللاع مللن المللة الللذين ل‬
‫تؤرقهم آلم إخوانهم وأوجاعهم ومصائبهم كالعضو الشل‪،‬‬
‫الذي عدم فيه الحساس وانقطعت روابطه بباقي الجسد‪،‬‬
‫…‪ .‬كيف ينعم مجتمع إذا انبث في جنباته أكلة الربا الللذين‬
‫يقيمون المصللائد والحبللائل لسللتلب المللال بطريللق الربللا‬
‫وغيره من الطرق!! وكيف يتآلف مجتمع يسود فيه النظام‬
‫الربوي الذي يسحق القويّ فيه الضعيف!! كيف نتوقللع أن‬

‫‪630‬‬
‫سلللبت خيراتهللم نللاهبيهم‬ ‫يحللب الللذين ُنهبللت أمللوالهم‪ ،‬و ُ‬
‫ن الذي يسود في مثل هللذه المجتمعللات هللو‬ ‫وسالبيهم!! إ ّ‬
‫الكراهيللة والحقللد والبغضللاء‪ ،‬فللترى القلللوب قللد امتلت‬
‫بالضللغينة‪ ،‬واللسللنة قللد ارتفعللت بالللدعاء علللى هللؤلء …‬
‫الذين سلبوهم أموالهم)]‪.([20‬‬
‫فالربا ينمللي الضللغائن والحقللاد بيللن النللاس لعللدم اقتنللاع‬
‫المقترض بما ُأخذ منه مهملا كلانت حلاجته‪ ،‬ورغبتله فيله)]‬
‫‪ ([21‬فينشأ الحقد والغضب في قلبه ضللد صللاحب المللال‪،‬‬
‫حيث يشاهده يأخذ منه ما كسبه بعرق جبينه ظلما وبللاطل ً‬
‫بللدل أن يواسلليه أو يقرضلله قرضللا ً حسللنا ً فللي ظروفلله‬
‫الحرجة… وهذا ليس كلما ً نظريا ً فحسب‪ ،‬بل يشهد علللى‬
‫ذلك التاريخ ويصدقه الواقع)]‪.([22‬‬
‫وكثيرا ً ما يتعدى المر ذلك – الحقد والبغض‪ -‬عنللدما يقللوم‬
‫المقترض بثللورات تعصللف بللالمرابين وأمللوالهم وديللارهم‪،‬‬
‫وتجرف في طريقها الخضر واليابس)]‪.([23‬‬
‫‪ .2‬اختلل توزيع الثورة المؤدي إلى خلل يصيب المجتمع‪-:‬‬
‫إذا أصللبح المللال دولللة بيللن الغنيللاء‪ ،‬شللقي أغنيللاء ذلللك‬
‫المجتمع وفقراؤه‪ ،‬والربا يركز المال فللي أيللدي فئة قليلللة‬
‫من أفراد المجتمع الواحد‪ ،‬ويحللرم منلله الجمللوع الكللثيرة‪،‬‬
‫وهذا خلل فللي توزيللع المللال … وهللو الللذي يجعللل اليهللود‬
‫ره بيللن العبللاد‪ ،‬كمللا‬
‫يصللرون علللى التعامللل بالربللا‪ ،‬ونش ل ِ‬
‫يحرصون على تعليم أبنللائهم هللذه المهنللة‪ ،‬كللي يسلليطروا‬
‫على المال ويحوزوه إلى خزائنهم‪.‬‬
‫وهذا الخلل الذي ُيحدثه الربللا فللي المجتمعللات النسللانية‪-‬‬
‫وهلو خللل توزيلع اللثروة‪ -‬داٌء يعجلز علجله الطبلاء‪ ،‬وقلد‬
‫اعترف رجال القتصللاد فللي العلالم الغربللي بعجزهللم عللن‬
‫علج هللذا الخلللل الللذي أصللاب العللالم الغربللي … يقللول‬
‫ن التقاعلد‪ ،‬أريلد أ‪ ،‬أوصلي‬ ‫أحدهم‪) -:‬إنني وقلد قلاربت سل ّ‬
‫الجيل الصغر مني سن ّا ً في هذه القضية‪ :‬لقد أصللبحنا الن‬
‫بعد هذه الجهود الطويلة في بلبلة مستمرة‪ ،‬فكلنللا يشللقى‬
‫بسبب توزيع الثروة‪ ،‬وتوزيلع اللدخل‪ ،‬سلواء منهلا ملا كلان‬
‫جزئيًا‪ ،‬مثل قضية الفائدة والربا‪ ،‬أم مللا كللان مثللل تفللاوت‬
‫الطبقات‪ ،‬تعبنا في هذا ولم نصل إلى شيء(‪.‬‬

‫‪631‬‬
‫وهذا تصريح منلله بالنتيجللة الحتميللة الللتي يصللير إليهللا كللل‬
‫معرض عن هدي السماء‪) :‬لقد أصبحنا في بلبلة مستمرة(‬
‫…)كلنا يشقى بسبب توزيع الثروة(…وتعبنا ولم نصل إلى‬
‫شيء(…‪.‬‬
‫إنه الشقاء ‪ ،‬شقاء الحياة الدنيا‪ ،‬وشقاء الخرة أشد وأبقى‬
‫" ومن أعرض عن ذكري فإن للله معيشللة ضللنكا ً ونحشللره‬
‫يوم القيامة أعمى‪ ،‬قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنللت‬
‫بصيرًا‪ ،‬قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسللى‪،‬‬
‫وكذلك نجزي من أسرف ولللم يللؤمن بآيللات ربلله ولعللذاب‬
‫الخرة أشد وأبقى"] طه ‪.([24]) [ 126 – 124 :‬‬
‫ومن ظواهر هذا الثر تضخم المال بطريق غير مشللروعة‪،‬‬
‫لنه تضخم على حساب سلب مال الفقير وضمه إلى كنوز‬
‫الغني‪ ،‬وحسبك بهذا داءا ً فتاكا ً في المجتمعات وسللببا ً فللي‬
‫الخصومات والعداوات…)]‪([25‬‬
‫‪ .3‬تدمير الربا للمجتمعات‪-:‬‬
‫إن الربا بما يحدثه في النفوس من أمللراض‪ ،‬وبمللا يوجللده‬
‫فللي القتصللاد مللن بليللا‪ ،‬وبمللا يصللنعه مللن خلللل يصلليب‬
‫المجتمعات النسانية بالدمار…وقد لعللب الربللا دورا ً هام لا ً‬
‫في انهيار المجتمعات‪..‬وظهور القتصللاديات القائمللة علللى‬
‫الرق منظرا ً لن القرض قبل زمن كللان مضللمونا ً بشللخص‬
‫المقترض نفسه إلى جانب ضمانات أخللرى كللانت النتيجللة‬
‫نللزع ملكيللة صللغار المزارعيللن‪ ،‬وتحويللل عللدد منهللم إلللى‬
‫رقيق‪ ،‬مما أدى في النهاية إلى تركيز الملكية العقارية في‬
‫أيد قلئل‪ ،‬هذا ما فعله الربللا فللي الماضللي‪ ،‬وقللد اسللتطاع‬
‫الك ُّتاب الذين لم يتعمقوا في باطن المور أن يدركوا آثاره‬
‫في تلك المجتمعللات‪ ،‬ولكللن كللثيرا ً مللن هللؤلء يظنللون أن‬
‫الفائدة الربوية اليوم ل تحدث في المجتمعات النسانية ما‬
‫أحللدثته فللي تلللك المجتمعللات‪ ،‬لقللد حللول المرابللون فللي‬
‫القديم البشَر إلى عبيد يعملون في المزارع التي سرقوها‬
‫من أولئك العبيد‪ ،‬ول يزال المرابون إلى اليوم يسعون إلى‬
‫السلليطرة علللى ثمللار جهللود البشللر وسللرقة عََرِقهللم‬
‫وأموالهم…‪.‬وقد يقال إن الحال اليللوم قللد تغيللر‪ ،‬والفللائدة‬
‫أصبحت محدودة‪ ،‬وهي ل ترهق الفراد ول المؤسسات ول‬

‫‪632‬‬
‫الحكومات‪ ،‬وهذا قصور في النظر وخطل من القول‪ ،‬فإن‬
‫فوائد البنوك الربوية وبيوتات المال فللي أوائل القللرن لللم‬
‫تكللن تتعللدى الثلثللة أو الربعللة أو الخمسللة أو السللتة أو‬
‫السبعة في المائة على أكثر تقدير‪ ،‬أما اليوم فللإن الفللائدة‬
‫التي كانت تعلنها البنوك الربوية قد بلغت )‪(18‬أو)‪ (20‬في‬
‫المائة‪ ،‬وقد بلغ الربا في بعض المعاملت في إحدى الدول‬
‫فللي أزمللة مللن الزمللات )‪ (800‬فللي المللائة وكللان حجللم‬
‫المللوال الللتي سللببت الزمللة بلللغ )‪ (27‬مليللارا ً منهللا )‪(9‬‬
‫مليارات تراكمت بسبب الربا والذين ل يأكلون الربللا كللانوا‬
‫أبعد الناس عن التأثر بتلك الزمة‪.‬‬
‫ومما يدل على أن هذا البلء ل يزال آخذا ً بأنفللاس النللاس‪،‬‬
‫ول يزال رابضا ً على قلللوبهم‪ ،‬أن مللا يسللمى بللدول العللالم‬
‫الثالث اليللوم مثقلللة بللديون ل تسللتطيع صللادراتها كلهللا أن‬
‫تفي بسداد خدمة الديون الربوية)]‪.([26‬‬
‫‪ .4‬عللدم اسللتخدام المللواهب فللي نهضللة البلد واسللتغلل‬
‫خيراتها‪-:‬‬
‫فهو يربي النسان على عدم استخدام مللواهبه الللتي أنعللم‬
‫الله بها عليه في العمل النافع والنتاج المثمر‪ ،‬فيقعللد عللن‬
‫العمل والسعي في الرض وإذا وجد أن إيداعه لنقوده في‬
‫بنك مثل ً يمكنه من الكل من ربحهللا‪ ،‬فيفعللل ذلللك ويللترك‬
‫العمللل ويصللبح عضللوا ً فاسللدا ً فللي المجتمللع حيللث أفسللد‬
‫تعامله بالربا خلقه وشعوره تجاه أخيه فتفسد بللذلك حيللاة‬
‫الجماعة…)]‪([27‬‬
‫خْلق طبقة مترفة ل تعمل‪-:‬‬ ‫‪ .5‬التعامل بالربا يؤدي إلى َ‬
‫حيث تعتمللد هللذا الطبقللة علللى مللا يعللود لهللا مللن الربللاح‬
‫الربويللللة‪ ،‬فتتعطلللل المكاسللللب والتجلللارات والحلللرف‬
‫والصناعات الللتي ل تنتظللم مصللالح العللالم إل بهللا‪ ،‬إذ مللن‬
‫يحصل على درهمين بدرهم كيف يتجشم مشقة كسللب أو‬
‫تجارة)]‪.([28‬‬
‫‪ .6‬استغلل حاجة المحتاجين‪-:‬‬
‫فالربا يسللتغل حاجللة المحتللاجين ويلحللق بهللم الكللثير مللن‬
‫الضرار دون اختيار منهم)]‪ ، ([29‬فالمجتمع الذي يتعامللل‬
‫بالربا مجتمع منحل‪ ،‬متفكك ل يتساعد أفراده فيملا بينهلم‪،‬‬

‫‪633‬‬
‫ول يساعد أحد غيللره إل إذا كللان يرجللو مللن ورائه شلليئًا)]‬
‫‪.([30‬‬
‫‪ .7‬الربا يلغي معاني الفضيلة‪-:‬‬
‫فهو يلغي معاني الفضيلة‪ ،‬والتعاون علللى الللبر والتقللوى)]‬
‫‪ ، ([31‬فالمرابي الللذي قللد أعشللى نظللره بريلقُ المللال ل‬
‫يعرف إل مصالحه وهو يبغض كللل مللا يللؤدي إلللى انقطللاع‬
‫أرباحه الربوية‪ ،‬وبهذا تتربى عنللده تلللك الخصللال الذميمللة‬
‫شره والبخللل والكسللل والجبللن هللي مضللادة تمام لا ً‬ ‫من ال ّ‬
‫لمعللاني الفضلليلة مللن الكللرم والشللجاعة والتعللاون وحللب‬
‫الخير لعموم المسلمين‪.‬‬
‫‪ .8‬انقطاع المعروف بين الناس من القرض‪-:‬‬
‫لعل من الحكم فللي تحريللم الربللا أنلله يللؤدي إلللى انقطللاع‬
‫ل درهللم‬ ‫حل ّ‬‫المعروف والحسان الذي فللي القللرض‪ ،‬إذ ْ لللو َ‬
‫بدرهمين ما سمح أحد بإعطاء درهم بمثله)]‪.([32‬‬
‫‪ .9‬أنه وسيلة الستعمار‪-:‬‬
‫يقول السيد سابق رحمه الله ‪) -:‬وهللو وسلليلة السللتعمار‪،‬‬
‫ولذلك قيل‪ :‬الستعمار يسير وراء تاجر أو قسلليس‪ ،‬ونحللن‬
‫قد عرفنا الربا وآثاره في استعمار بلدنا( )]‪.([33‬‬
‫هذه بعض الثار التي تظهر في ذلك المجتمع الذي يتعامل‬
‫بالربا‪ ،‬وهذا بعض ما يلقيه من استبدل أوامللر الللله تعللالى‬
‫ومنهجله السلوي بغيلره ملن المناهلج الرضلية وللو اللتزم‬
‫الناس بأوامر دينهم التي منها ترك الربا وتحريمه‪ ،‬لعاشللوا‬
‫حياة سعيدة بعيدة عن الشقاء والضرر‪ ،‬ولكن الله سبحانه‬
‫جعل السعادة لهل اليمان‪ ،‬والشقاء لمن أعرض عن الله‬
‫وعن ذكره‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬
‫)]‪ ([1‬الربا وخطره وسبيل الخلص منه ‪. 29 :‬‬
‫)]‪ ([2‬أي عبودية البشر ‪.‬‬
‫)]‪ ([3‬الربا وأثره على المجتمع النساني ‪. 102 – 101 :‬‬
‫)]‪ ([4‬الربا وأثره على المجتمع النساني ‪. 102 :‬‬
‫)]‪ ([5‬الربللا وخطللره وسللبيل الخلص منلله ‪. 30 – 29 :‬‬
‫وانظر أيضا ً الربا أضراره وآثاره ‪. 52 :‬‬
‫)]‪ ([6‬أي آفة الربا وهي آفة اجتماعية واقتصادية ‪.‬‬
‫)]‪ ([7‬تحريم الربا تنظيم اقتصادي ‪. 15 – 14 :‬‬

‫‪634‬‬
‫)]‪ ([8‬السابق ‪. 17 :‬‬
‫)]‪ ([9‬تحريم الربللا تنظيللم اقتصللادي ‪ . 19 – 18 :‬والربللا‬
‫وأثره على المجتمع النساني ‪. 105 -104 :‬‬
‫)]‪ ([10‬تفسير القاسمي ‪. 701 / 3 :‬‬
‫)]‪ ([11‬السابق ‪.‬‬
‫)]‪ ([12‬الربا وأثره على المجتمع النساني ‪. 108– 107 :‬‬
‫)]‪ ([13‬الربللا وأثللره علللى المجتمللع النسللاني ‪– 102 :‬‬
‫‪ . 103‬وقد تقدم أن هذا الكسللل تصللحبه آثللار أخللرى مللن‬
‫الضطراب وغيره مما يجعللل المرابللي ليللس مرتاح لا ً فللي‬
‫حياته ‪.‬‬
‫)]‪ ([14‬سبق المراد بالكفر هنا ‪.‬‬
‫)]‪ ([15‬تفسير ابن كثير ‪. 312 / 1 :‬‬
‫)]‪ ([16‬الربا وأثره على المجتمع النساني ‪. 109– 108 :‬‬
‫)]‪ ([17‬مسلم بشرح النللووي ‪ 88 / 7 :‬رقللم ) ‪( 1015‬‬
‫والترمذي ‪ 174 / 8 :‬رقم ) ‪ ( 2992‬وأحمد ‪. 2328 / 2 :‬‬
‫والدارمي ‪ 210 / 2 :‬رقم ) ‪. ( 2720‬‬
‫)]‪ ([18‬جامع العلوم والحكم ‪ . 277 – 275 / 1 :‬وفيلله‬
‫الثار عن عمر ومالك بن دينار وبعض السلف ‪.‬‬
‫)]‪ ([19‬الربا للمودودي ‪. 51– 50 :‬‬
‫)]‪ ([20‬الربللا وأثللره علللى المجتمللع النسللاني ‪– 108 :‬‬
‫‪. 109‬‬
‫)]‪ ([21‬القتصاد السلمي ‪. 85 :‬‬
‫)]‪ ([22‬التدابير الواقية ‪. 91– 90 :‬‬
‫)]‪ ([23‬الربا وأثره على المجتمع النساني ‪. 110– 109 :‬‬
‫)]‪ ([24‬الربللا وأثللره علللى المجتمللع النسللاني ‪– 111 :‬‬
‫‪ . 114‬بتصرف ‪ .‬والربا خطره وسبيل الخلص منه ‪. 30 :‬‬
‫)]‪ ([25‬تيسير العلم ‪. 198 / 2 :‬‬
‫)]‪ ([26‬الربللا وأثللره علللى المجتمللع النسللاني ‪– 114 :‬‬
‫‪ . 118‬بتصرف ‪.‬‬
‫)]‪ ([27‬الربا خطره وسبيل الخلص منه ‪. 30 :‬‬
‫)]‪ ([28‬فقه وفتاوى البيوع ‪ . 154 :‬ومللن محاسللن الللدين‬
‫السلمي ‪. 81 :‬‬
‫)]‪ ([29‬القتصاد السلمي ‪. 85 :‬‬

‫‪635‬‬
‫)]‪ ([30‬الربا أضراره وآثاره ‪. 52 :‬‬
‫)]‪ ([31‬القتصاد السلمي ‪. 85 :‬‬
‫)]‪ ([32‬فقه وفتاوى البيوع ‪ . 154 :‬ومللن محاسللن الللدين‬
‫السلمي ‪. 81 :‬‬
‫)]‪ ([33‬فقه السنة ‪. 157 / 3 :‬‬
‫‪00000000000000‬‬
‫الفصل الخامس ‪ :‬آثار الربا القتصادية‬
‫تمهيد‬
‫إن الربا آفة من الفات‪ ،‬إذا أصابت القتصللاد فإنهللا تنتشللر‬
‫فيلله انتشللار السللرطان فللي جسللم النسللان‪ ،‬وكمللا عجللز‬
‫الطبللاء عللن علج السللرطان فللإن المفكريللن ورجللال‬
‫السياسة والقتصاد عجزوا عن علج بليا الربا‪.‬‬
‫ومن العجيب أن بعض الناس ظنوا أن الربللا يحللدث خيللرا ً‬
‫للناس‪ ،‬ومثلهم في ذلك مثل الذين يظنون أن التورم فللي‬
‫ة‪ ،‬فليللس‬ ‫ة وعافيل ً‬ ‫بعض الجساد الناشئ من المللرض صللح ً‬
‫كل تضخم في الجسم صلحًا‪ ،‬إن السرطان إنما هو تكللاثر‬
‫غير طبيعي لخليا الجسم‪ ،‬وهذا التكاثر ليس فللي مصلللحة‬
‫النسان‪ ،‬بل هو مدمر لحياته‪ ،‬وفاتك به‪.‬‬
‫وكذلك ما يولد الربا ليس صلللحا ً للقتصللاد بللل هللو مللدمر‬
‫ن بليا الربا ل تظهر مرة واحدة فللي‬ ‫للقتصاد‪ ،‬والمشكلة أ ّ‬
‫كيان المجتمع وكيان القتصللاد‪ ،‬يقللول الللرازي‪) :‬الربللا وإن‬
‫كان زيادة في الحال إل إنه نقصللان فللي الحقيقللة( )]‪.([1‬‬
‫وهذا مسللتفاد مللن النللص القرآنللي‪ " :‬يمحللق الللله الربللا "‬
‫] البقرة ‪ [ 276:‬فالمحق نقصان الشيء حال ً بعد حللال …‬
‫فالذين يتعللاملون بالربللا يظنللون أن فيلله كسللبًا‪ ،‬والحقيقللة‬
‫التي أخبر بها العليم الخبير‪ ،‬والتي كشف عنها واقع البشر‬
‫ة للكسللب ملدمٌر‬ ‫الذي دمره سرطان الربا أن الربا ممحقل ٌ‬
‫ب…‪.‬‬ ‫للقتصللاد‪ ،‬ذلللك أنلله يطيبلله بعلللل خبيثللة يعللي الطللبي َ‬
‫ؤها‪ ،‬الربا ليس بركة ورخاء بل هو مرض عضال ي ُللذهب‬ ‫دوا ُ‬
‫المال ويقلله‪ ،‬يقول الرسول صلى الللله عليلله وسلللم‪" :‬إن‬
‫الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل")]‪ .([2‬أي‪ :‬قلة‪.‬‬
‫وعلماؤنللا الللذين أبصللروا الحقللائق مللن خلل النصللوص‬
‫القرآنية والحديثية أدركوا هذه الحقيقة‪ ،‬يقول الرازي‪) :‬إن‬

‫‪636‬‬
‫الربا وإن كان زيادة في الحال إل أنه نقصان في الحقيقة‪،‬‬
‫وإن الصدقة وإن كانت نقصانا ً في الصورة فهي زيادة في‬
‫الحقيقة( )]‪.([3‬‬
‫ب والدمار‪ ،‬فكللثيرا ً‬‫ويقول المراغي‪) :‬إن عاقبة الربا الخرا ُ‬
‫ما رأينا ناسا ً ذهبت أموالهم‪ ،‬وخربت بيوتهم بللأكلهم الربللا(‬
‫)]‪.([4‬‬
‫ويقول القاسمي‪) :‬المال الحاصل من الربا ل بركة له‪ ،‬لنه‬
‫حاصل من مخالفة الحق‪ ،‬فتكون عاقبته وخيمة( )]‪.([5‬‬
‫والفات القتصادية التي يجلبها الربا كثيرة)]‪ ، ([6‬وسنذكر‬
‫بعضللها فيمللا يلللي مبتللدئين بالثللار العامللة لهللذه الفللة‬
‫القتصادية – آفة الربا‪-: -‬‬
‫المبحث الول‪ -:‬الثار القتصادية العامة للربا‬
‫والثار العامة للربا على القتصاد كثيرة منها ما يلي‪-:‬‬
‫‪ .1‬الربا من أسباب غلء السعار‪-:‬‬
‫يشكو العالم اليوم من غلء السعار‪ ،‬وسببه يرجع إلى ح لد ّ‬
‫كبير إلى النظام الربوي السللائد اليللوم‪ ،‬ل يرضللى صللاحب‬
‫المللال‪ ،‬إذا اسللتثمر مللاله فللي صللناعة أو زراعللة أو شللراء‬
‫سلعة‪ ،‬أن يبيع سلعته أو الشيء الذي أنتجه إل بربللح أكللثر‬
‫من نسبة الربا‪ ،‬وذلك لنه يفكر بأنه اسللتثمر المللال وبللذل‬
‫الجهد واستعد لتحمل الخسارة فل بد أن تكون نسبة الربح‬
‫أكثر من نسبة الربا‪ ،‬وكلما زادت نسبة الربا غلت السللعار‬
‫أكثر منها بكثير‪ ،‬هذا إذا كان المنتج أو التاجر صاحب مال‪.‬‬
‫وأما إذا كان المنتج أو التاجر ممللن يقللترض الربللا‪ ،‬فرفعُلله‬
‫أسعار منتجلاته وسللعته أملٌر بلدهي‪ ،‬حيلث سيضليف إللى‬
‫نفقاته ما يدفعه ربللا…‪ .‬يقللول أحللد علمللاء الغللرب‪) :‬لعللله‬
‫يلزم أن تكون نسبة الربح من )‪ (15‬إلى )‪ (%20‬لللترغيب‬
‫الناس في مخاطرة الستثمار عندما يكللون سللعر الفللائدة‬
‫الخالص)‪ (5‬أو)‪ ،(%6‬وُتحدث تلك النسبة من الربح تفاوت لا ً‬
‫في توزيع الدخل الفردي‪ ،‬وعند انخفللاض السللعر الخللالص‬
‫إلى )‪ (2‬أو )‪ (%3‬تحت تأثير نظام المصللارف أو الوسللائل‬
‫الماليللة الخللرى سلليكون ممكنللا ً للمبادلللة الجتماعيللة أو‬
‫السلللطات المباشللرة خفللض نسللبة الربللح إلللى )‪ (5‬أو )‬
‫‪.([7]) ( (%10‬‬

‫‪637‬‬
‫ول يقف المر عند غلء السعار‪ ،‬بل يحدث اضللطراب فللي‬
‫حياة الناس حيث ل يتمكنون من شراء حاجاتهم الساسية‬
‫بسبب غلء السعار)]‪.([8‬‬
‫هذا لن الربا والفائدة سبب في رفع تكاليف النتللاج الللتي‬
‫يترتب عليها رفع السعار وهذا يللؤدي إلللى أضللرار محققللة‬
‫على الناحية القتصادية)]‪.([9‬‬
‫‪ .2‬الربا من أسباب البطالة‪-:‬‬
‫يتسللبب الربللا فللي انتشللار البطالللة‪ ،‬وذلللك لن أصللحاب‬
‫الموال يفضلون أموالهم بالربا على استثمارها في إقامللة‬
‫مشروعات صناعية أو زراعيللة أو تجاريللة‪ ،‬وهللذا‪ -‬بالتللالي‪-‬‬
‫يقّلل فرص العمل‪ ،‬فتنتشر البطالة فلي المجتمعلات اللتي‬
‫يسود فيها التعامل الربللوي‪ ،‬ويؤكللد هللذا مللا نشللاهده مللن‬
‫دمها فنيا ً‬
‫معاناة الدول الغربية من مشكلة البطالة رغم تق ّ‬
‫وتطورها في الصناعة…‬
‫وتبللذل حكومللات تلللك الللدول الجهللد لتشللغيل النللاس‬
‫والسيطرة على مشكلة مع إبقاء سبيلها؟ وقد ب َي ّللن علمللاء‬
‫الغللرب الرتبللاط الوثيللق بيللن البطالللة والتعامللل الربللوي‪،‬‬
‫يقول أحدهم‪) :‬مللن مصلللحتنا أن نخفللض سللعر الربللا إلللى‬
‫درجة يتمكن من تشغيل الناس جميعًا( )]‪.([11]).([10‬‬
‫‪ .3‬التضخم‪-:‬‬
‫التضخم يقصد به‪ :‬وجود اتجاه صعودي في الثمان بسللبب‬
‫وجود طلب زائد أو فائض بالنسبة إلى إمكانية التوسع في‬
‫العروض‪.‬‬
‫والتضخم له أسباب طبيعيللة وأسللباب غيللر طبيعيللة‪ ،‬ومللن‬
‫السباب غيلر الطبيعيلة الربلا‪ ،‬فلالمرابي بملا يقرضلله مللن‬
‫فائدة مرتفعة يجبر أصحاب السلللع والخللدمات علللى رفللع‬
‫أثمان هذه السلع والخدمات‪ ،‬ول شك أن التضللخم يسلليء‬
‫إلى الناس كلثيرا ً خاصلة أصلحاب اللدخول النقديلة الثابتلة‬
‫م تنخفض دخللولهم الحقيقيللة‪،‬‬ ‫كالموظفين والعمال‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫وإذا اضطرت الحكومات إلى مواجهللة المللر برفللع دخللول‬
‫المللوظفين والعمللال فللالملحظ أن تقريللر الزيللادة ل يتللم‬
‫بسللرعة وفللي الللوقت المناسللب‪ ،‬ولللذلك يجللب أن يعمللل‬
‫المفكللرون ورجللال السياسللة والقتصللاد علللى محاربللة‬

‫‪638‬‬
‫ميه القتصللاديون‬ ‫التضللخم‪ ،‬خاصللة ذلللك النللوع الللذي ُيس ل ّ‬
‫بالتضخم الجموح والللذي ترتفللع فيلله الثمللان ارتفاعلا ً غيللر‬
‫طبيعي‪ ،‬ومن أعظم السباب التي تؤدي إليه الربا‪ ،‬فمنعلله‬
‫إنما هو علج لمرض خطير)]‪.([12‬‬
‫‪ .4‬الربا يسبب شقاوة المقترضين لحاجاتهم الشخصية‪-:‬‬
‫يبدو أن النظام الربوي يساعد المقترضين‪ ،‬حيث يتمكنللون‬
‫من تلبية حاجاتهم بالمال الللذي ينللالونه بللالقرض‪ ،‬لكللن إذا‬
‫نظرنا إلى ما يترتب على هذا القتراض وجللدنا أنلله سللبب‬
‫ن نسللبة الربللا الللتي يتقاضللاها‬ ‫دمللارهم وشللقاوتهم‪ .…،‬إ ّ‬
‫المرابون من هؤلء عاليللة جللدا ً … ونتيجللة لللذلك‪ ،‬إذا وقللع‬
‫ة للمرابين‪ ،‬فل يكاد يخللرج مللن شللباكهم‪ ،‬يللدفع‬ ‫أحد ٌ فريس ً‬
‫دين‪ ،‬في كثير من الحيان أكللثر مللن أصللل‬ ‫المقترض ربا ال ّ‬
‫دين فللي ذمتلله كللامل ً غيللر نللاقص‪،‬‬ ‫دين‪ ،‬في حين يبقى ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫وقد قيل عن حالة المدين المزارع في الهند‪) -:‬يولد الفّلح‬
‫وهو مدين‪ ،‬ويعيش وهو مدين‪ ،‬ويموت وهو مدين( )]‪([13‬‬
‫‪ ،‬وقد بين هللذا علماؤنللا قبللل الغللرب أثنللاء ذكرهللم حكمللة‬
‫تحريم الربا‪ ،‬يقول المللام ابللن القيللم – رحملله الللله‪ -‬أثنللاء‬
‫بيللانه حكمللة تحريللم ربللا القللروض‪) -:‬فأمللا الجلللي فربللا‬
‫النسيئة‪ ،‬وهو الذي كللانوا يفعلللونه فللي الجاهليللة‪ ،‬مثللل أن‬
‫يؤخر دينه ويزيده في المال وكلمللا أخللره زاد فللي المللال‪،‬‬
‫حتى تصير المائة عنده آلفا ً مؤلفة‪ ،‬وفي الغللالب ل يفعللل‬
‫ذلللك إل معللدم محتللاج‪ ،‬فللإذا رأى أن المسللتحقّ يللؤخر‬
‫مطالبته‪ ،‬ويصبر عليه بزيادة يبذلها له‪ ،‬تكّلف بذلها ليفتللدي‬
‫من أسر المطالبة والحبس‪ ،‬ويدافع من وقللت إلللى وقللت‪،‬‬
‫دين حللتى‬ ‫فيشللتد ضللرره‪ ،‬وتعظللم مصلليبته‪ ،‬ويعلللوه اللل ّ‬
‫يستغرق جميع موجوده‪ ،‬فيربوا المللال علللى المحتللاج مللن‬
‫غير نفع يحصل له‪ ،‬ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل‬
‫منه لخيه‪ ،‬فيأكل مال أخيه بالباطللل‪ ،‬ويحصللل أخيلله علللى‬
‫غاية الضرر‪ ،‬فمن رحمة أرحم الراحمين وحكمته وإحسانه‬
‫إلى خلقه أن حرم الربا( )]‪.([14‬‬
‫‪ .5‬منللع الربللا مللن السللتثمار فللي المشللروعات المفيللدة‬
‫للمجتمع‪-:‬‬

‫‪639‬‬
‫يجد صاحب المللال فللي النظللام الربللوي فرصللة للحصللول‬
‫على نسبة معينة من الربا علللى مللاله‪ ،‬وهللذا يصللرفه عللن‬
‫استثمار ماله فللي مشللروعات صللناعية وزراعيللة وتجاريللة‬
‫مهما كانت مفيدة للمجتمع‪ ،‬إل إذا اعتقد حصول نسبة ربح‬
‫أكثر من تلك المشروعات من نسبة الربا‪،‬‬
‫وقد ل يرغب مع ذلللك فللي تلللك المشللروعات‪ ،‬حيللث إنهللا‬
‫تتطلب بذل الجهد واستعدادا ً لتحمل الخسللارة‪ ،‬فللي حيللن‬
‫يتمكن فيه صاحب المال مللن الحصللول علللى الربللا بللدون‬
‫مشقة ومخللاطرة‪ ،‬وقللد ب َي ّللن العلمللاء هللذه الحقيقللة أثنللاء‬
‫ذكرهم حكمة تحريللم الربللا‪ ،‬يقللول الفخللر الللرازي‪) -:‬قللال‬
‫بعضهم ‪ :‬الله تعالى إنمللا حللرم الربللا مللن حيللث إن ّلله يمنللع‬
‫الناس عن الشتغال بالمكاسب‪ ،‬وذلك لن صاحب الدرهم‬
‫إذا تمكن بواسطة عقد الربللا مللن تحصلليل الللدرهم الللزائد‬
‫ف عليه اكتساب وجلله المعيشللة‪ ،‬فل‬ ‫نقدا ً كان أو نسيئة‪ ،‬خ ّ‬
‫مل مشقة الكسب والتجارة والصللناعات الشللاقة(‬ ‫يكاد يتح ّ‬
‫)]‪.([15‬‬
‫ويلللؤثر إعلللراض النلللاس علللن اسلللتثمار أملللوالهم فلللي‬
‫المشروعات المختلفة على نمو رأس مال المجتمع…‬
‫فهكذا يحرم الربا أصحاب المللوال مللن اسللتثمار أمللوالهم‬
‫فللي المشللروعات ويجعلهللم كسللالى‪ ،‬ويللترتب علللى هللذا‬
‫النخفللاض فللي النتللاج‪ ،‬ويظهللر تللأثير الربللا فللي انخفللاض‬
‫النتاج من جانب آخللر‪ ،‬وذلللك أن نفقللات المشللروع الللذي‬
‫يقترض صاحبه مال ً للله بالربللا تللزداد‪ ،‬فتقللل نسللبة الربللاح‬
‫وبالتالي تضعف الرغبة فللي تنفيللذ المشللروع‪ ،‬وهللذا يللؤدي‬
‫إلى انخفاض النتاج)]‪.([16‬‬
‫‪ .6‬تعطيل الطاقات البشرية‪-:‬‬
‫غب في الكسل‬ ‫الربا يعطل الطاقات البشرية المنتجة‪ ،‬وُير ّ‬
‫وإهمال العمل‪ ،‬والحيللاة النسللانية إنمللا ترقللى وتتقللدم إذا‬
‫بللذل الجميللع طاقللاتهم الفكريللة والبدنيللة فللي التنميللة‬
‫والعمار‪ ،‬والمرابي الللذي يجللد المجللال رحبلا ً لنمللاء مللاله‬
‫بالربا يسهل عليه الكسب الذي يؤمن للله العيللش‪ ،‬فيللألف‬
‫الكسل‪ ،‬ويمقللت العمللل‪ ،‬ول يشللتغل بشلليء مللن الحللرف‬
‫والصناعات‪ ،‬يقول الرازي‪ ):‬حرم الربا من حيللث إن ّلله يمنللع‬

‫‪640‬‬
‫الناس عن الشتغال بالمكاسب‪ ،‬وذلك لن صاحب الدرهم‬
‫إذا تمكن بواسطة عقد الربللا مللن تحصلليل الللدرهم الللزائد‬
‫ف عليه اكتساب وجلله المعيشللة‪ ،‬فل‬ ‫نقدا ً كان أو نسيئة‪ ،‬خ ّ‬
‫مل مشقة الكسب والتجارة والصللناعات الشللاقة‪،‬‬ ‫يكاد يتح ّ‬
‫وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلللق‪ ،‬ومللن المعلللوم أن‬
‫مصالح العالم ل تنتظم إل بالتجارات والحرف والعمللارات(‬
‫ن تعطيل الربللا للطاقللات المنتجللة ل يتوقللف‬ ‫)]‪ .([17‬ثم إ ّ‬
‫ن كللثيرا ً مللن طاقللات‬‫علللى تعطيللل طاقللة المرابللي‪ ،‬بللل إ ّ‬
‫العمال ورجال العمال قد تقللل أو تتوقللف‪ ،‬ذلللك أن الربللا‬
‫يوقع العمال في مشكلت اقتصادية صعبة‪ ،‬فالذين تصيبهم‬
‫المصائب في البلد الرأسمالية ل يجدون إل المرابي الللذي‬
‫يقرضهم المال بفللوائد عاليللة تعتصللر ثمللرة أتعللابهم‪ ،‬فللإذا‬
‫أحاطت هذه المشكلت بالعمال أثرت في إنتاجهم‪.‬‬
‫هذا جانب‪ ،‬وجانب آخر أن الربا يسبب الركللود القتصللادي‬
‫والبطالة وهذا يعطللل الطاقللات العاملللة فللي المجتمعللات‬
‫النسانية)]‪.([18‬‬
‫‪ .7‬تعطيل المال‪-:‬‬
‫وكما يعطل الربا جزءا ً من الطاقات البشرية الفاعلة‪ ،‬فإنه‬
‫كللذلك يعطللل المللوال عللن الللدوران والعمللل‪ ،‬والمللال‬
‫للمجتمع يعد بمثابة الدم الذي يجري في عللروق النسللان‪،‬‬
‫وبمثابة الماء الذي يسيل إلى البساتين والحقللول‪ ،‬وتوقللف‬
‫المال عن الدوران يصيب المجتمعات بأضرار فادحة‪ ،‬مثله‬
‫كمثل انسداد الشرايين‪ ،‬أو الحواجز الذي تقف في مجرى‬
‫الماء‪.‬‬
‫وقد رهب الله تبارك وتعالى الذين يكنزون المال وتهددهم‬
‫بالعذاب الليم الموجع‪ " -:‬والذين يكنزون الذهب والفضللة‬
‫ول ينفقونها فللي سللبيل الللله فبشللرهم بعللذاب أليللم‪ ،‬يللوم‬
‫ُيحمى عليها في نللار جهنللم فتكللوى بهللا جبللاههم وجنللوبهم‬
‫وظهللورهم هللذا مللا كنزتللم لنفسللكم فللذوقوا مللا كنتللم‬
‫تكنزون" ] التوبة ‪[ 35– 34 :‬‬
‫وقد شرع الله من الحكام ما يكفل استمرار تدفق المللال‬
‫إلى كل أفراد المجتمللع‪ ،‬بحيللث ل يصللبح المللال دولللة بيللن‬

‫‪641‬‬
‫الغنياء دون غيرهم‪ ":‬كي ل يكون دولة بين الغنياء منكم"‬
‫] الحشر ‪.[ 7 :‬‬
‫والمرابي بجبنه وتطلعاته إلى الكسب الوفير ل يدفع مللاله‬
‫إلى المشروعات النافعة والعمللال القتصللادية إل بمقللدار‬
‫يضمن عودة المال وافرا ً كثيرًا‪ ،‬وهو يحبسلله إذا مللا أحللس‬
‫بللالخطر‪ ،‬أو طمللع فللي نسللبة أعلللى مللن الفللائدة فللي‬
‫المستقبل‪ ،‬وعندما يقل المال في أيدي الناس يقع النللاس‬
‫في بلء كبير‪.‬‬
‫ثللم إن مقترضللي المللال بالربللا ل ُيسللهمون فللي العمللال‬
‫المختلفة إل إذا ضمنوا نسللبة مللن الربللح أعلللى مللن الربللا‬
‫دين)]‪.([19‬‬ ‫المفروض على ال ّ‬
‫‪ .8‬الربا يشجع على المغامرة والسراف‪-:‬‬
‫الحصول على المال بالربا سهل ميسور‪ ،‬مللا دام المرابللي‬
‫ن الذين ليس لهم تجربللة‪،‬‬ ‫يضمن عودة المال إليه‪ ،‬ولذا فإ ّ‬
‫وليس عندهم خللبرة‪ ،‬يغريهللم الطمللع‪ ،‬فيأخللذون القللروض‬
‫بالربا‪ ،‬ثم يدخلون فللي أعمللال هللي إلللى المقللامرة أقللرب‬
‫منهللا إلللى العمللال الصللالحة‪ ،‬ومللتى ك َث ُللر هللذا النللوع مللن‬
‫العمال فإنه يضر باقتصللاد المللة‪ ،‬والمرابللي ل يمتنللع مللن‬
‫إمللداد هللؤلء بالمللال‪ ،‬لنلله ل يشللغل بللاله الطريقللة الللتي‬
‫ظف المال بها‪ ،‬وكل ما يشغله عودة المللال بربللاه‪ ،‬وقللد‬ ‫يو ُ ّ‬
‫سللفيه مللن التصللرف فللي مللاله‬ ‫أوجب علينا السلم منع ال ّ‬
‫حفاظا ً على ثروة المة من الضللياع‪ " -:‬ول تؤتللوا السللفهاء‬
‫أموالكم التي يجعل الله لكم قيامًا" ] النساء ‪ [ 5 :‬ولحظ‬
‫قوله‪" :‬أموالكم"‪ ،‬فقد جعللل مللال السللفيه مللال ً للمللة بهللا‬
‫قوام أمرها فالربا يسهل وضع الكثير مللن مللال المللة بيللن‬
‫أيدي المغامرين والجهلء الذين قد يبللددون هللذه المللوال‪،‬‬
‫ويزداد المر سوءا ً عنللدما يسللتولي المرابللي علللى بيللوتهم‬
‫ومزارعهم والبقية الباقية من مصانعهم ومتاجرهم‪.‬‬
‫وسهولة القللتراض بالربللا تشللجع علللى السللراف وإنفللاق‬
‫المال فيما ل يفيد ول يغني‪..‬يقول المراغي)]‪-:([20‬‬
‫)فالسر في هذا أن المقترضين يسهل عليهللم أخللذ المللال‬
‫من غير بدل حاضر ويزين لهم الشيطان إنفاقه في وجللوه‬
‫الكماليات التي كان يمكن الستغناء عنها‪ ،‬ويغريهم بالمزيد‬

‫‪642‬‬
‫دين علللى كللواهلهم‬ ‫من الستدانة‪ ،‬ول يزال يللزداد ثقللل ال ل ّ‬
‫حللتى يسللتغرق أمللوالهم‪ ،‬فللإذا حللل الجللل لللم يسللتطيعوا‬
‫الوفللاء وطلبللوا التأجيللل‪ ،‬ول يزالللون يمللاطلون ويؤجلللون‪،‬‬
‫دين يزداد يوما ً بعد يوم‪ ،‬حتى يستولي الللدائنون قسللرا ً‬ ‫وال ّ‬
‫على كل ما يملكون‪ ،‬فيصبحون فقراء معدمين‪ ،‬صدق الله‬
‫‪ ":‬يمحق الله الربا ويربي الصدقات"] البقرة ‪]) [ 276 :‬‬
‫‪.([21‬‬
‫‪ .9‬الكساد والبطالة‪-:‬‬
‫إذا ارتفعت أثمان الشياء ارتفاعا ً عاليا ً فإن الناس يكفللون‬
‫عن القبال على السلع والخدمات المرتفعللة الثمللان‪ ،‬إمللا‬
‫لعدم قدرتهم على دفع أثمانها‪ ،‬أو لنهللا ترهللق ميزانيتهللم‪،‬‬
‫وإذا امتنع الناس عن الشراء كسدت البضائع في المخازن‬
‫والمتاجر‪ ،‬وعند ذلك تقلل المصانع من النتاج‪ ،‬وقد تتوقف‬
‫عنلله‪ ،‬ول بللد فللي هللذه الحالللة مللن أن تسللتغني المصللانع‬
‫مالهللا وموظفيهللا فللي حالللة‬ ‫والشللركات عللن جللزء مللن ع ّ‬
‫مالها وموظفيها إذا‬ ‫تخفيض إنتاجها‪ ،‬أو تستغني عن جميع ع ّ‬
‫توقفت عللن النتللاج‪ ،‬وعنللدما يحللس المرابيللن بمللا يصلليب‬
‫السوق من زعزعة يزيدون الطين بّلة‪ ،‬فيقبضللون أيللديهم‪،‬‬
‫ويسحبون أموالهم‪ ،‬فعند ذلللك تكللون الهللزات القتصللادية‪.‬‬
‫المر العجيب لن الموال في المجتمع كثيرة‪ ،‬ولكنهللا فللي‬
‫خزائن المرابيللن‪ ،‬والنللاس بحاجللة إلللى السلللع‪ ،‬ولكنهللم ل‬
‫مال يحتللاجون‬ ‫يشترونها لعدم وجود المال بين أيديهم‪ ،‬والعُ ّ‬
‫إلى عمل‪ ،‬ولكن المصانع والشركات تمتنللع مللن تشللغيلهم‬
‫لحاجتها إلى المال من جانب وإللى تصلريف بضلاعتها ملن‬
‫جانب‪.‬‬
‫إن الربا يحدث خلل ً في دورة التجارة‪ ،‬والسلم في سبيل‬
‫إصلللح هللذا الخلللل وغيللره حلّرم الربللا‪ ،‬وشللرع تشللريعات‬
‫كللثيرة تمنللع تركللز المللال فللي أيللدي طائفللة مللن أفللراد‬
‫المجتمع…‬
‫واليوم تعاني أمريكا زعيمللة الرأسللمالي مللن أزمللة بطالللة‬
‫مخيفة حيث زاد عدد العاطلين عن العمل في أمريكا عللن‬
‫اثني عشر مليونًا‪ ،‬وعللدد الشللركات الللتي أعلنللت إفلسللها‬
‫في عام ‪1982‬م ربا على )‪ (25000‬شركة‪ ،‬وهذه النسللبة‬

‫‪643‬‬
‫ُتعد ّ رقما ً قياسيا ً لم تبلغلله تللك الللديار منللذ سللنة ‪1933‬م‪،‬‬
‫وأظهرت إحصاءات رسمية أذيعة في بللون ألمانيلا الغربيللة‬
‫أن عددا ً قياسيا ً من شركات ألمانيا الغربية قد أفلست في‬
‫عام ‪1982‬م بسبب الكسللاد والركللود القتصللادي وأسللعار‬
‫الفللائدة المرتفعللة ونقللص رأس المللال السللتثماري …)]‬
‫‪ ([22‬إن تكبيل المم بهللذه القيللود الرهيبللة يجعلهللا تعمللل‬
‫وتعملل وتعملل ول تسلتفيد ملن عملهلا شليئًا‪ ،‬كلل عملهلا‬
‫يذهب إلى خزائن المرابين‪،‬وعنلد ذللك ل يسلتطيع الفلراد‬
‫الحصول علللى حاجيللاتهم‪ ،‬ومللع ذلللك فللإن الدولللة تفللرض‬
‫المزيد من الضرائب‪ ،‬وترفع السعار لمواجهللة العجللز فللي‬
‫مدفوعاتها‪ ،‬فتقوم الثورات وتحصللل الضللطرابات وتزهللق‬
‫الرواح‪ …،‬وقد يصل المللر إلللى درجللة تعجللز الدولللة عللن‬
‫السداد وعند ذلك تلغي الدولة ديونها…)]‪([23‬‬
‫‪ .10‬توجيه القتصاد وجهة منحرفة‪-:‬‬
‫ومن بليا الربا أنه ُيوجه القتصاد وجهة منحرفة‪ ،‬فالمرابي‬
‫يدفع لمن يعطيه ربحا ً أكثر‪ ،‬وأخذ القرض الربوي ل يوظف‬
‫المال الذي اقترضه إل في مجالت تعود عليلله بربللح أكللثر‬
‫مما فرضه عليه المرابي‪.‬‬
‫ب على تحصيل المال‪ ،‬وفللي سللبيل ذلللك‬ ‫إذن القضية تكال ٌ‬
‫تتجللاوز المشللروعات النافعللة الللتي تعللود بللالخير علللى‬
‫المجتمع‪ ،‬ويوظللف المللال فللي المشللروعات الكللثر إدرارا ً‬
‫للربح‪.‬‬
‫فإذا كانت نللوادي القمللار ونللوادي العهللر والفسللق تعطللي‬
‫عائدا ً أكثر من المشروعات الصناعية والتجارية فإن المال‬
‫الربوي يجري إليها جريًا‪ ،‬في حين تحرم المشروعات التي‬
‫يحتاج إليها النسان من تلك الموال)]‪.([24‬‬
‫‪ .11‬التسبب في الزمات الجائحة‪-:‬‬
‫إن الربللا فللي ذاتلله يسللهل علللى النللاس أن يللدخلوا فللي‬
‫مغامرات ل قبل لهم باحتمال نتائجهللا – كمللا سللبق بيللانه‪-‬‬
‫فالتاجر بدل أن يتجر في قدر من المال يتكافأ مللع قللدرته‬
‫المالية على السداد‪ ،‬يأخذ مال ً بفللائدة ليزيللد فللي متجللره‪،‬‬
‫وقد يكسب من ذلك…‪ ،.‬ولكللن العاقبللة غيللر محمللودة إن‬
‫نزلت البضائع‪ ،‬فإنه ل يكون في قللدرته الللبيع فللي الللوقت‬

‫‪644‬‬
‫الذي يريد‪ ،‬إذ أن الفائدة التي تلحقه‪ ،‬والديون التي تركبلله‬
‫تضطره للبيع في الوقت الذي ل يناسبه‪ ،‬فتكون الخسللارة‬
‫مر‪ ،‬والديون تحيللط بللذمته‪،‬‬ ‫الفادحة‪ ،‬أو يكون الفلس المد ّ‬
‫كما تحيط الغلل بعنقه‪.‬‬
‫وقللد ثبللت أن الزمللات الجائحللة الللتي تعللتري القتصللاد‬
‫العالمي تكون من الديون التي تركللب الشللركات المقلللة‪،‬‬
‫فإن عجزها عن السداد عند الكسللاد يللدفعها إلللى الخللروج‬
‫عن بضاعتها بأقل الثمان إن وجدت مللن يشللتري‪ ،‬ولللذلك‬
‫كانت تعالج هذه الزمللات الجائحللة بتقليللل الللديون بطللرق‬
‫مختلفة‪ ،‬كإحداث تضخم مالي من شللأنه أن يضللعف قيمللة‬
‫النقللد فيقللل الللدين تبعللا ً لللذلك…‪ .‬أو بتنقيللص الللديون‬
‫مباشرة)]‪.([25‬‬
‫‪ .12‬إضعاف القوة الشرائية عند الطبقة الفقيرة والعمللال‬
‫مما يعرقل ترقية التجارة والصناعة‪-:‬‬
‫ن يقرضلله ملن ذي الحاجلة آخلَر ملا‬ ‫مل ْ‬
‫إن المرابي يسللب َ‬
‫يبقى عنده من قوة الشراء‪.‬‬
‫إن بطالة مئات اللوف من البشر‪ ،‬والدخل الزهيد لمليين‬
‫منهم سبب عرقلة شديدة فللي سللبيل ترقيللة تجللارة البلد‬
‫وصناعتها‪ .…،‬وإذا حصلت بعض القوة الشرائية عند هؤلء‬
‫المليين من الفقراء بدخلهم القليل وأجورهم غير الكافية‪،‬‬
‫فإنهم ل يستطيعون أن يشتروا بها أدوات الحاجة ومرافللق‬
‫الحيللاة اللزمللة‪ ،‬فللإن المرابللي يسلللبهم معظمهللا ثللم ل‬
‫يستهلكها في اشتراء البضائع والخدمات ولكن ليزيد علللى‬
‫المجتمع قروضا ً تجلب مزيدا ً من الربا إلى خزانته‪ ،‬فلو أنه‬
‫إذا كان في الدنيا كلها خمسون مليون رجللل ممللن وقعللوا‬
‫في مخالب المرابين يؤدي كل واحد منهم جنيها ً فقط فللي‬
‫كل شهر‪ ،‬فمعناه أن الدنيا يبقى فيهللا فللي كللل شللهر مللن‬
‫البضائع ما قيمته خمسون مليونا ً دونما استهلك‪ ،‬وينصرف‬
‫هذا القدر من المال في كل شهر في خلق قللروض ربويللة‬
‫جديدة بدل أن يرجع إلى إنتاج البلد القتصادي)]‪.([26‬‬
‫‪ .13‬وضع مال المسلمين بين أيدي خصوم السلم‪-:‬‬
‫من أخطر ما أصيب بلله المسلللمون أنهلم أودعللوا الفللائض‬
‫من أمللوالهم فللي البنللوك الربويللة فللي دول الكفللر‪ ،‬وهللذا‬

‫‪645‬‬
‫اليللداع يجللرد المسلللمين مللن أدوات النشللاط القتصللادي‬
‫ومن القوة الظاهرة في المبادلت‪ ،‬ثللم يضللعها فللي أيللدي‬
‫أبللاطرة المللال‪ -‬اليهللود‪ -‬الللذين أحكمللوا سلليطرتهم علللى‬
‫أسللواق المللال وهللذه والفللوائد الخبيثللة الللتي يللدفعها لنللا‬
‫المرابون هي ثمن التحكم في السيولة الدولية)]‪.([27‬‬
‫المبحللث الثللاني‪ -:‬مللن أضللرار الربللا فللي قللروض التجللار‬
‫والصناع )القروض النتاجية( )]‪: ([28‬‬
‫هذه القروض هي التي يأخللذها التجللار والصللناع وأصللحاب‬
‫الحرف الخرى لستغللها في شؤونهم المثمرة)]‪.([29‬‬
‫ن مما تقتضيه مصلحة التجللارة والصللناعة والزراعللة ومللا‬ ‫إ ّ‬
‫إليها من العمال القتصادية الخرى‪ ،‬أن الللذين يشللتركون‬
‫فيها من أي وجه مللن الوجللوه ينبغللي أن تكللون مصللالحهم‬
‫وأغراضهم وميولهم متحدة متجهللة إلللى ترقيتهللا والرتفللاع‬
‫بهللا‪ ،‬وأن تكللون خسللارتها خسللارتهم جميع لا ً حللتى يسللعوا‬
‫مجتمعين للسلمة من خطرها وإنقاذ أنفسهم من الوقللوع‬
‫فيه‪ ،‬وأن يكون ربحها ربحهم جميعا ً ليستفيدوا في ترقيتها‪.‬‬
‫فكان مما ُتجبه المصلحة القتصادية مللن هللذه الناحيللة أن‬
‫الللذين يشللتركون فللي التجللارة أو الصللناعة أو الزراعللة ل‬
‫بقواهم الذهنية أو البدنيللة ولكللن بللرؤوس أمللوالهم فقللط‪،‬‬
‫ينبغي أن تكون مشاركتهم أيضا ً من هذا النوع نفسه حللتى‬
‫يكونوا على اتصال بها كغيرهم‪ ،‬ويسعوا معهم في ترقيتهللا‬
‫وإنقاذها من الوقوع فلي الخسلارة‪ ،‬لكلن لملا انفتلح عللى‬
‫وجوه المرابين من أصحاب المللوال أن يسللتغلوا أمللوالهم‬
‫في التجارة والصناعة ل من حيث هم شركاء فيها بل على‬
‫أن يكون منهم دينا ً فيهللا‪ ،‬وأل يزالللوا يحصلللون كللذلك مللن‬
‫التجارة أو الصناعة على ربحهم حسللب سللعر معيللن سللنة‬
‫فسنة أشهرا ً فشهر…‬
‫فالذين بأيديهم الوسائل لجمع المال واستغلله في أعمال‬
‫النتللاج القتصللادي ل يسللتغلونه فللي التجللارة أو الصللناعة‬
‫بأنفسللهم ول يشللاركون بلله غيرهللم بللل الللذي يتمنللونه‬
‫ويسللعون للله دوم لا ً أن ينصللرف رأس مللالهم فللي تجللارة‬
‫غيرهم أو صناعتهم أو زراعتهم بصورة الدين حللتى يضللمن‬
‫لهللم ربللح مللالي معيللن علللى تقلبللات الحللوال وحللدوث‬

‫‪646‬‬
‫دون أن يكون هذا الربح المالي المعين علللى‬ ‫الكوارث‪ ،‬ويو ّ‬
‫أرفع ما يكللون مللن السللعر السللنوي أو الشللهري ممللا للله‬
‫مضار فادحة عديدة نشير إلى بعضها فيما يلي)]‪-:([30‬‬
‫ن‬ ‫‪ .1‬ركز المال في موضع واحللد دون أن يتقلللب فللي شللأ ٍ‬
‫نافع مثمر وتعذر وسائل النتاج‪:‬‬
‫ل يزال معظم رأس المال بل كللله أكللثر الحيللان‪ ،‬مللدخرا ً‬
‫مرتكزا ً في موضللع واحللد دون أن يتقلللب فللي شللأن نللافع‬
‫مثمر ل لشلليء إل لن الرأسللماليين يرجللون ارتفللاع سللعر‬
‫الربا في السوق‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬تكون في الدنيا وسائل كافيللة قابلللة للنتللاج‪ ،‬وكللذلك‬
‫يكون في الدنيا عدد غير يسير من طلب المعاش يهيمون‬
‫على وجوههم ملتمسين العمل المرتزق لنفسهم‪ ،‬وكللذلك‬
‫يكون الطلب على أدوات الحاجة ومرافق الحيللاة موجللودا ً‬
‫في الناس‪ ،‬ولكن على كل ذلك ل تكون في الدنيا وسللائل‬
‫النتاج ول يجد العللاطلون عمل ً يرتزقللون منلله ول تسللتهلك‬
‫البضائع في السواق حسب الطلب الحقيقي‪.‬‬
‫وما كل ذلك إل لن الرأسللمالي ل يعطللي مللاله لتجللارة أو‬
‫صناعة مادام ل يرجللوا أن يعللود عليلله مللاله بللذلك السللعر‬
‫المرتفع الذي يود أن يناله بماله)]‪.([31‬‬
‫‪ .2‬عللدم السللتفادة مللن المللوال إل وفللق مصلللحة ذلللك‬
‫المرابي‪-:‬‬
‫إن الطمع فللي السللعر المرتفللع شلليء يجعللل الرأسللمالي‬
‫يمسللك مللاله عللن جريللانه إلللى تجللارة البلد وصللناعتها‬
‫وزراعتها‪ ،‬أول يفتحه لهللا إل وفللق مصلللحته الشخصللية ‪ ،‬ل‬
‫وفق حاجة البلد‪ ،‬ومضرة ذلك علللى البلد كمضللرة مللن ل‬
‫يفتح ماء ترعته‪ ،‬أو ل يفتحه إل وفق مللا تقتضلليه مصلللحته‬
‫الذاتية ل وفق ما تقتضيه حاجة المزارع والبساتين‪.‬‬
‫يستعد لفتح الماء بسعر رخيص على أوسع قللدر إذا كللانت‬
‫المزارع والبساتين ل تحتاج إليه‪ ،‬ويرفع سللعره علللى قللدر‬
‫ما تشتد إليه حاجللة المللزارع والبسللاتين‪ ،‬ول يللزال يرفعلله‬
‫ويرفعه حتى ل تعود لصحاب المزارع والبساتين منفعة ما‬
‫في إرواء أراضيهم بمائه بهذا السعر)]‪.([32‬‬

‫‪647‬‬
‫‪ .3‬اتجاه رأس المال إلى أعمللال ل تحتللاج إليهللا المصلللحة‬
‫العامة‪-:‬‬
‫إنه من آثار الربللا أن رأس المللال ل يرضللى أن يتجلله إلللى‬
‫أعمال نافعة تشتد إليها الحاجة للمصلحة العامللة مللادامت‬
‫ل ترد على صاحبه بالربح حسب سعر الربللا فللي السللوق‪،‬‬
‫ويجري – على العكللس مللن ذلللك‪ -‬متللدفقا ً إلللى أعمللال ل‬
‫تحتاج إليها المصلحة العامللة مللادامت تعللود علللى صللاحبها‬
‫بربح مغدق‪.‬‬
‫وبالجانب الخر إن الربا هللو الللذي يحمللل التجللار والصللناع‬
‫ويدفعهم إلللى السللتعانة بكللل مللا تصللل إليلله أيللديهم مللن‬
‫الطلرق المشللروعة وغيلر المشلروعة ليكسلبوا أكلثر مللن‬
‫سعر الربا)]‪.([33‬‬
‫‪ .4‬إرغام أصحاب الصناعة والحللرف علللى سلللوك طريللق‬
‫ضيق النظر وعلى عدم الجرأة في أعمالهم‪-:‬‬
‫يأبى الرأسللماليون أن يقرضللوا العمللال والصللناع أمللوالهم‬
‫لجل طويل لنهم يريدون‪ ،‬في جللانب أن ل تخلللوا أيللديهم‬
‫أبدا ً من مقدار كبير من المال قابل للستغلل في القمللار‪،‬‬
‫ويرتؤون في الجانب الخر أنلله إذا ارتفللع سللعر الربللا فللي‬
‫السوق فيما بعد فللإنهم سيخسللرون بمللا يكونللون أقرضللوا‬
‫من أموالهم لجل طويل من قبل‪.‬‬
‫فينتج من كل ذلك أن أصحاب الصللناعة والحللرف الخللرى‬
‫ُيرغمون طبعا ً على سلوك طريق ضيق النظر‪ ،‬وعلى عدم‬
‫الجرأة في أعمالهم‪ ،‬فل يأخذون من هؤلء الرأسماليين إل‬
‫ديون لا ً قصلليرة الجللل ويكتفللون بأعمللال موقتللة محللدودة‬
‫النطاق مكللان أن يعملللوا شلليئا ً للمصلللحة العامللة الدائمللة‬
‫والتوسيع في نطاقها‪.‬‬
‫ففي مثل هذا الوضلع يستعصلي عليهلم أن يصلرفوا ثلروة‬
‫عظيمة فللي شللراء اللت والماكينللات المسللتحدثة‪ ،‬بللل ل‬
‫يجدون لنفسهم ب ُد ّا ً أن يظلوا يستخدمون ما بأيللديهم مللن‬
‫اللت والماكينللات القديمللة المسللتعملة وأل ّ يللوردوا إلللى‬
‫السللوق إل منتجللات رديئة‪ ،‬حللتى يتمكنللوا مللن الوفللاء بمللا‬
‫عليهم من الدين ورباه ويولدوا مللع ذلللك شلليئا ً مللن الربللح‬
‫لنفسللهم‪ ،‬ثللم إن مللن آثللار هللذه الللديون القصلليرة الجللل‬

‫‪648‬‬
‫نفسها أن أصحاب المصانع يقللون من إنتللاج البضللائع فللي‬
‫مصللانعهم بمجللرد مللا يحسللون بقلللة الطلللب عليهللا مللن‬
‫السوق‪ ،‬ول يجللدون مللن أنفسللهم جللرأة لل ولللو إلللى مللدة‬
‫قصيرة ل على أن يبقوا ينتجون البضائع في مصانعهم على‬
‫ذلك النطاق نفسلله الللذي كللانوا ينتجونهللا عليلله مللن قبللل‪،‬‬
‫لنهم يجدون أنفسهم مهددين بالخطر الداهم قائمين على‬
‫شفا حفرة من الفلس إذا انخفضت قيمللة بضللائعهم فللي‬
‫السوق)]‪.([34‬‬
‫‪ .5‬إفلس أكلثر الملدينين أو إتيلانهم بحيلل غيلر مشلروعة‬
‫مخلة بالنظام القتصادي في البلد‪-:‬‬
‫إن المللال الللذي يستقرضلله التجللار والصللناع لمشللاريعهم‬
‫التجارية والصناعية لجلل طويلل‪ ،‬يسلبب أخلذ الربلا عليله‬
‫منهم حسب سعر معين كثيرا ً من المفاسد‪.‬‬
‫فمثل هذه الديون تؤخذ عامة لعشرة أعوام أو عشللرين أو‬
‫ثلثين عاملا ً ويتفلق فيهلا الفريقلان عللى سلعر مخصلوص‬
‫يوفيه المدين إلى الدائن سنويًا‪ ،‬ول يراعي فيهللا ول يمكللن‬
‫أن يراعللي مللادام ل يللرى الفريقللان مللن ظهللر الغيللب مللا‬
‫سلليتقلب علللى أثمللان البضللائع مللن تطللورات الرتفللاع أو‬
‫النخفاض وأنه إلى أي حللد سللوف تزيللد أو تقللل أو تنعللدم‬
‫بتاتللا ً فللرص الربللح للمللدين خلل مللدة العشللر سللنين أو‬
‫العشرين أو الثلثين سنة التية‪.‬‬
‫ب أن رجل ً يستقرض اليوم مقللدارا ً عظيم لا ً مللن المللال‬ ‫وه َ ْ‬
‫لعشرين سنة بسعر )‪ (%70‬سنويا ً ثم ينشئ على أساسلله‬
‫عمل ً كبيرا ً مهمًا‪ ،‬فهو مضطر بطبيعة الحال أل يزال يللؤدي‬
‫إلى الللدائن سللنة فسللنة إلللى سللنة)‪2017‬م( قسللطا ً مللن‬
‫أقسللاط دينلله ومللا عليلله مللن الربللا‪ ،‬ولكللن إذا انخفضللت‬
‫الثمان في السوق سنة )‪1999‬م( إلى شطر ما هي عليه‬
‫ل‪ ،‬فمعناه أن هذا المدين مللادام ل يللبيع فللي تلللك‬ ‫اليوم مث ً‬
‫السنين القادمة أضعاف ما يبيعه اليوم من بضائع‪ ،‬فإنه لن‬
‫يستطيع أن يؤدي إلى الللدائن قسللطه مللن الللدين ول مللن‬
‫الربا وستكون النتيجة اللزمة لذلك أن يفلس أكثر مدينين‬
‫هذا الدائن أو يأتوا بحيل غير مشروعة مخلة بنظام بلدهم‬
‫القتصادي لينقذوا أنفسهم من الفلس‪.‬‬

‫‪649‬‬
‫ومما ل يكلاد يقلوم فيله أدنلى ارتيلاب عنلد كلل عاقلل أن‬
‫الرأسللمالي الللذي يقللرض التجللار والصللناع بيللن الثمللان‬
‫المرتفعة والمنخفضللة فللي مختلللف الزمللان‪ ،‬ليللس ربحلله‬
‫الذي ل يتبدل مع انخفاض الثمان وارتفاعها في شيء من‬
‫العللدل والنصللاف ول يمكللن إثبللات تمشلليه مللع مبللادئ‬
‫القتصاد‪ ،‬ومساعدته على الرفاهية الجتماعية‪.‬‬
‫أوقد سمعتم في الدنيا بمقاول إذا كان يعاهد زبللائنه علللى‬
‫أن يهيأ لهم شيئا ً من أدوات حاجتهم‪ ،‬يقطع أن لن يهيأ لهم‬
‫هذا الشليء فلي العشلرين سلنة القادملة إل بهلذا السلعر‬
‫الذي يهيئه لهم به الن‪.‬‬
‫فإن كان هذا الوضع الغريب ل يمكلن فلي نلوع ملن أنلواع‬
‫البيع الطويلة الجل في الللدنيا‪ ،‬فمللا للرأسللمالي المرابللي‬
‫وحده دون غيره مع مدينه على قيمة مخصوصة لدينه‪ ،‬ثللم‬
‫ل يزال يتقاضاه إياهم إلى مدة غير قصلليرة مللن السللنين!‬
‫)]‪.([35‬‬
‫المبحث الثالث‪-:‬‬
‫من أضرار الربا في قروض الحكومات من أهالي بلدها‬
‫وهذه القللروض هللي الللتي تأخللذها الحكومللات مللن أهللالي‬
‫بلدها لغراض مثمرة أو غير مثمرة‪.‬‬
‫فهي على قسمين‪ :‬نوع يكون لغللراض غيللر مثمللرة ونللوع‬
‫يكون لغراض مثمرة)]‪.([36‬‬
‫ونتناول الن كل قسم بالبحث لنعرف مضار الربا فيه‪-:‬‬
‫المطلب الول‬
‫فللي قللروض الحكومللات مللن أهللالي بلدهللا لغللراض غيللر‬
‫مثمرة‪-:‬‬
‫كالحروب‪ :‬أما هللذا النللوع فللإن الربللا عليلله ل يختلللف فللي‬
‫شللكله مللن الربللا الللذي يتقاضللاه المرابللون مللن مللدينيهم‬
‫الفراد‪ ،‬بل هو شر منه وأكثر قللذرا ً لنلله ليللس معنللى هللذا‬
‫النوع من الربا إل أن ثمللة رجل ً ملن كفلله المجتمللع وربللاه‬
‫وأخللذ بيللده حللتى أصللبح قللادرا ً علللى الكسللب ودافللع عنلله‬
‫الخطللار وحمللاه مللن المضللار والخسللائر‪ ،‬وقللام نظللامه‬
‫المدني والسياسي والقتصادي بجميع الخدمات التي تيسر‬
‫للله أن يكسللب معاشلله وهللو آمللن وداع فأصللبح يللأبى أن‬

‫‪650‬‬
‫يقرض مجتمعه شيئا ً مللن مللاله بغيللر الربللا‪ ،‬حللتى ول عنللد‬
‫الحاجات التي ليس من شأنها أن ترجع بشلليء مللن الربللح‬
‫المالي‪ ،‬والللتي تتوقللف علللى تحققهللا مصلللحته نفسلله مللع‬
‫مصلحة غيره من أبناء المجتمع‪.‬‬
‫تللراه يقللول لمجتمعلله الللذي كفللله وربللاه ‪ :‬ل بللد لللي أن‬
‫اتقاضاك أجري سنويا ً عللى مللا تقللترض منلي مللن الملال‪،‬‬
‫سواء أكسبت منه ربحا ً أم لم تكسب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شعْ عنللدما تتعللرض البلد‬ ‫أقْذِْر بهذا الوضع من المعاملة وأب ْ ِ‬
‫لحرب‪ ،‬ويمسللي نفللس هللذا المرابللي ومللاله وعرضلله مللع‬
‫نفللوس غيللره مللن أفللراد المجتمللع وأمللوالهم وأعراضللهم‬
‫عرضة للخطر‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن كل شيء في الخزانة ينفق في مثل هذه‬
‫الحالت‪ ،‬وأنه ل ينفق لغرض ينحصر في نجاحه أو إخفللاقه‬
‫مللوت هللذا المرابللي وحيللاته أيضلا ً مللع مللوت سللائر أفللراد‬
‫المجتمع وحياتهم‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك يكلون جميللع أفللراد المجتمللع يضلحون فيله‬
‫بمهجهم وأرواحهللم وأوقللاتهم وجهللودهم ول يتسللاءل أحللد‬
‫منهم عما سينال من الربح سنويا ً على ما يبذل من روحلله‬
‫وأوقاته وجهوده للللدفاع عللن البلد‪ ،‬إل هللذا المرابللي فللإنه‬
‫يرفع رأسه من جمعهم ول يرضى بإقراض شيء من مللاله‬
‫إل على شرط أن ينال الربح على ماله بحساب كللذا وكللذا‬
‫في المللائة سللنويًا‪ ،‬وأل يللزال ينللاله مللادامت المللة بجميللع‬
‫أفرادها ل تصفيه حسابه وتؤدي إليه آخر قللرش مللن رأس‬
‫ماله ولو طالت هذه المدة إلى قرن كامللل بللل إلللى عللدة‬
‫قرون‪ ،‬ويصر على أن ينهال هذا الربللح علللى خزنتلله حللتى‬
‫من جيوب أولئك الذين يجرحون لدفاعهم عن بلدهللم فللي‬
‫أيلللديهم وأرجلهلللم ورؤوسلللهم‪ ،‬ويصلللابون فلللي أولدهلللم‬
‫وإخوانهم وأزواجهم عبثا ً فهل تسللتحق مثللل هللذه الفئة أن‬
‫يكفلها المجتمع ويسمنها بإيكالها الربا؟!!)]‪.([37‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫من أضرار الربا في قروض الحكومللات مللن أهللالي بلدهللا‬
‫لغراض مثمرة‪-:‬‬

‫‪651‬‬
‫يتسبب الربا في هذا النوع من القروض في مضار وخيمللة‬
‫في اقتصاد البلد منها ما يلي‪-:‬‬
‫‪ .1‬إصابة الحكومات بأزمات مالية شديدة‪-:‬‬
‫إن القروض اللتي تأخلذها الحكوملات لغراضللها المثمللرة‪،‬‬
‫تأخللذها عامللة لجللال طويلللة‪ ،‬ولكللن ل تكللون أي حكومللة‪،‬‬
‫عندما تأخذ هذه القروض بسعر سللنوي معيللن‪ ،‬علللى علللم‬
‫بما سيطرأ على أحوال بلدها الللداخلي والشللؤون الدوليللة‬
‫الخارجيللة مللن التطللورات والحللوادث خلل العشللرين أو‬
‫الثلثيللن سللنة التيللة‪ ،‬ول تللدري هللل سللتعود عليهللا هللذه‬
‫الغراض التي تأخذ لها هذه القروض بشيء مللن الربللح أم‬
‫ل؟‪.‬‬
‫وكثيرا ً ما تخطئ هذه الحكومات في مقاييسها وقلما تعود‬
‫عليها مشاريعها وأعمالها بالربللح علللى حسللب سللعر الربللا‬
‫فضل ً عن أن تعود عليها بربح أكثر‪.‬‬
‫فكل هذا من السللباب الهامللة والعوامللل الساسللية الللتي‬
‫تصيب الحكومات بأزملات ماليللة شللديدة يستعصلي عليهلا‬
‫معهللا إيفللاء رأس المللال الللديون السللالفة وأقسللاط الربللا‬
‫فضل ً عن أن تنفق مزيدا ً من المال علللى مشللاريع مثمللرة‬
‫جديدة)]‪.([38‬‬
‫‪ .2‬عدم إنفاق الحكومللة المللوال فللي مشللاريع مفيللدة إن‬
‫كانت نسبة ربحها أقل من الربا المفروض عليها‪-:‬‬
‫إن سعر الربا في السوق يقلرر حلدا ً للربلح ملن الملال‪ ،‬ل‬
‫تستعد أي حكومة أن تنفق أموالها في عمللل يرجللع عليهللا‬
‫بربح دونه‪ ،‬ولو كان ذلك العمل في منتهى الفللادة والنفللع‬
‫بالنسبة للجمهور فللي البلد‪ ،‬فعمللارة البقللاع غيللر العللامرة‬
‫وإصلح الراضي القاحلللة‪ ،‬وتهيئة المللاء للللري فللي البقللاع‬
‫الجدبللة‪ ،‬وإنشللاء الشللوارع فللي القللرى وحفللظ صللحة‬
‫سللكانها… ومللا إلللى هللذا مللن العمللال النافعللة الخللرى‬
‫بالنسبة للبلد وعامة سكانها‪ ،‬فمهما تكن بالغة في أهميتها‬
‫في حد ذاته ومهما يلحق بالبلد من الضرر بعللدم وجودهللا‪،‬‬
‫فإن أي حكومة ل تكاد تنفق فيها شيئا ً من مالها مادامت ل‬
‫ترجوا منها ربحا ً مساويا ً لسعر الربللا فللي السللوق أو أكللثر‬
‫منه)]‪.([39‬‬

‫‪652‬‬
‫‪ .3‬فرض الضرائب والمكوس على أهالي البلد‪-:‬‬
‫إن الحقيقة في باب مثللل هللذه العمللال والمشللاريع الللتي‬
‫تستقرض الحكومة المال بالربا للنفاق فيهللا أن الحكومللة‬
‫إنما تلقي وزر رباها على عامة أهالي البلد وتستجلبه مللن‬
‫جيب كل واحد منهم بفرض الضرائب والمكوس عليهم ول‬
‫تزال تؤدى إلى الرأسماليين إلى مللدة مديللدة مللن الزمللن‬
‫آلفا ً مؤلفة من الليرات في كل سنة‪.‬‬
‫فإذا كانت الحكومللة تشللرع اليللوم مثل ً فللي مشللروع كللبير‬
‫للري‪ ،‬وتنفق فيه خمسين مليون ليرة باستقراضللها بسللعر‬
‫)‪ ،(%6‬فعليها – بحكللم هللذا الحسللاب‪ -‬أن تللؤدي فللي كللل‬
‫سنة ثلثة مليين من الليرات إلى الرأسماليين‪.‬‬
‫ومن الظاهر أن ليس بيد الحكومة ينبوع ينفجللر لهللا بمثللل‬
‫هذا القدر الكبير من المال فهي تلقي وزره على الفلحين‬
‫الذين ينتفعون من هلذا المشللروع‪ ،‬ول بلد –علللى هلذا‪ -‬أن‬
‫يكون هناك في كل ما يؤدي هؤلء الفلحون إلى الحكومللة‬
‫من المال جزء لداء هذا الربا‪.‬‬
‫كما أن الظاهر كذلك أن هؤلء الفلحين ل يؤدون هذا الربا‬
‫من جيوب أنفسللهم‪ ،‬بللل يلقللون وزره علللى قيمللة حاصللل‬
‫أراضيهم كأن هذا الربا ُيؤخذ على وجه غير مباشر من كل‬
‫من يشتري الغلة من السوق ليعد منه الخبز في بيتلله مللن‬
‫أهالي البلد)]‪.([40‬‬
‫‪ .4‬جريان الموال من الفقراء إلى الغنياء‪-:‬‬
‫ل‪ ،‬عللن تسللديد‬ ‫وتتمة للثر السابق‪ :‬إذا عجزت الحكومة مث ً‬
‫هذا الدين إلى خمسلين سلنة فإنهلا للن تنفلك إللى نصلف‬
‫قرن تقوم بواجب جمع "الكتتاب" من الفقراء وتساعد به‬
‫الغنياء فللي بلدهللا‪ ،‬ولللن تكللون منزلتهللا فللي هللذا الشللأن‬
‫مختلفة عن منزلة كاتب الحسابات المرابي فكل هذا ممللا‬
‫يجعل الثروة في القتصاد الجتماعي تجللري مللن الفقللراء‬
‫إلى الغنياء‪ ،‬مع أن الذي يقتضيه فلح الجماعة ومصلللحتها‬
‫هو أن يكللون جريللان الللثروة مللن الغنيللاء إلللى الفقللراء)]‬
‫‪.([41‬‬
‫وأخيرا ً إن هذه المضار والمفاسد ل توجد فللي الربللا الللذي‬
‫تؤديه الحكومللة علللى قللروض تأخللذها لغراضللها المثمللرة‬

‫‪653‬‬
‫فحسب‪ ،‬بل هي توجد أيضا ً في جميللع المعللاملت الربويللة‬
‫الللتي يتعامللل بهللا أصللحاب التجللارة والصللناعة والحللرف‬
‫الخرى‪ ،‬لن من الظاهر أن كللل تللاجر أو صللانع أو زارع ل‬
‫يؤدي الربا إلى المرابللي مللن جيبلله‪ ،‬بللل يلقللي وزره علللى‬
‫أثمان بضللائعه ومنتجللاته وحاصلللت أرضله ويجمعله فلسلا ً‬
‫فلسا ً من جيوب عامللة الهللالي "اكتتابللا" منهللم لمسللاعدة‬
‫أصحاب المليين وعشرات المليين‪.‬‬
‫الحق أن أكللثر مللن يسللتحق المسللاعدة فللي هللذا النظللام‬
‫المنكس الغاشم هو أغنى من في البلد من أصحاب الثراء‬
‫والمللوال‪ ،‬وأن أكللثر مللن يجللب عليلله أن يسللاعد هللذا‬
‫"المسكين" هو من ل يكسب بعللرق جللبينه ووصللله سللواد‬
‫ليله ببياض نهاره إلى ليرة أو بعض ليرة حيث الحرام عليه‬
‫أن يشتري بها رغيفا ً يمسللك بلله رمللق حيللاته وحيللاة أهللله‬
‫وأولده المتضورين جوعا ً قبل أن ُيخرج مللن هللذا الرغيللف‬
‫حق ذلللك "المسللكين" المتمللول الللذي يسللتحق المرحمللة‬
‫والمعونة أكثر من غيره)]‪.([42‬‬
‫المبحث الرابع‪-:‬‬
‫من أضرار الربا في قروض الحكومات من الخارج‬
‫وهي القروض التي تأخذها الحكومللات مللن المرابيللن مللن‬
‫خارج بلدها)]‪.([43‬‬
‫إن مثل هذه القروض تكون عامة لمبالغ عظيمللة قللد تبلللغ‬
‫أحيانللا ً آلف الملييللن… والحكومللات عامللة تأخللذ هللذه‬
‫القروض في أحوال تهجللم فيهللا علللى بلدهللا أزمللات غيللر‬
‫عادية ل تكاد تكفي وسائل البلد المالية لتقوم فللي وجههللا‬
‫وتكشف غمتها‪ ،‬فتتجه إذن للستقراض من الخارج طمعللا ً‬
‫في ترقية وسائلها بمزيد من السللرعة إذا أنفقللت مقللدارا ً‬
‫عظيما ً من المال في مشاريعها وأعمالها النشائية‪ ،‬ثللم إن‬
‫هذه القروض تؤخللذ عامللة بسللعر يللتراوح بيللن)‪ (7-6‬و)‪-9‬‬
‫‪ (%10‬سللنويًا‪ ،‬أي أن الربللا عليهللا كللثيرا ً مللا يبلللغ مئات‬
‫المليين سنويًا…!!‬
‫إن المتمولين والمرابين في سوق المال الدولية يقرضون‬
‫مثل هذه الحكومللات أمللوالهم بتوسلليط حكومللاتهم بينهللم‬
‫وبينها ويرتهنون منها إحدى وسائل دخلها المهمة كالجمرك‬

‫‪654‬‬
‫أو التنبول أو السكر أو الملح‪ ،‬ضمانا ً منهللا بوفللاء قروضللها‬
‫إليهم‪.‬‬
‫إن هذا النوع من القروض الربوية يحمل في نفسلله جميللع‬
‫المفاسد والسيئات والمضار التي سلف فيها القول آنفًا…‬
‫ولكن بالضافة إلى جميللع هللذه المفاسللد والمضللار يحمللل‬
‫هذا النوع في نفسه مفسدةً هي أشد خطرا ً وأكثر مضللرة‬
‫على النسانية من سائرها هي‪-:‬‬
‫" أن المم بجميع ما تشتمل عليه مللن الفللراد والطللوائف‬
‫تختل ميزانيتهللا وحالتهللا القتصللادية لجللل هللذا النللوع مللن‬
‫القروض"‬
‫مما يؤثر تأثيرا ً غير محمللود فللي الوضللع القتصللادي للللدنيا‬
‫كلهللا‪ ،‬ويغللرس بللذور العللداوة والبغضللاء بيللن أمللم الرض‬
‫وشعوبها‪ ،‬وليللس إل مللن فضللل هللذه القللروض أن شللباب‬
‫المم البائسة عندما تتكسر قلوبهم في آخر المر يبللدءون‬
‫بالقبللال علللى فلسللفات سياسللية واجتماعيللة واقتصللادية‬
‫متطرفة والبحث عن الحل لمصائبهم وكوارثهم ‪ ..‬بطريللق‬
‫ثورات دامية وحروب ضارية‪.‬‬
‫من الظاهر أن كللل حكومللة إذا لللم تكللن وسللائلها الماليللة‬
‫كافية في رفع مصائبها وقضاء حاجاتها‪ ،‬فإن لهللا أن تللؤدي‬
‫كل سنة ربا مقداره عشرات ومئات المليين… مللع أدائهللا‬
‫قسطا ً من أقساط دينلله‪ ،‬ول سلليما إذا كللان دائنهللا ارتهللن‬
‫منها وسيلة كبيرة من وسائلها المالية وضيق نطاق دخلهللا‬
‫عما كان عليه من قبل‪.‬‬
‫ة تستقرض مبلغا ً عظيما ً من المال بهللذا‬ ‫م إن حكوم ً‬‫ومن ث َ ّ‬
‫الطريق‪ ،‬قلمللا تللزول مصللائبها فللي معظللم الحيللان‪ ،‬لنهللا‬
‫كثيرا ً ما تلتجئ لتصفية أقساط قروضها ورباها إلى فللرض‬
‫الضرائب الفادحة على رؤوس سكان بلدهللا والقلل مللن‬
‫نفقاتها‪ ،‬مما يزيد من قلق الهالي ويسعر نللار اضللطرابهم‬
‫في جانب لنهم ل يستعيضون عما ينفقون من المال مللال ً‬
‫يعادله‪ ،‬وفلي الجلانب الخلر يستعصلي عللى الحكوملة أن‬
‫تبقى مؤدية أقساط القروض والربا فللي الميعللاد علللى مللا‬
‫تكلف به الجمهور وفوق طاقتهم في أداء الضرائب‪.‬‬

‫‪655‬‬
‫ثللم إذا بللدأ التقصللير عللن البلء فللي أداء قروضللها‪ ،‬بللدأ‬
‫قارضوها يرمونها بقلللة المانللة وأكللل مللال الغيللر بللالحرام‬
‫وبدأت جرائدهم …‪ .‬بإيماء منهم‪ ،‬تطعن فيها‪ ،‬حللتى يللؤول‬
‫المر إلللى أن تتوسللط حكللومتهم بينهللم وبينهللا ول تقتصللر‬
‫على الضغط والرهاب السياسي عليها لمصلحة رأسللمالها‬
‫فقط‪ ،‬بل تسللتغل مصللائبها ونكباتهللا لمصللالحها السياسللية‬
‫أيضًا‪ ،‬فتحاول حكومة البلد المدينة النجاة من هذه الزمللة‬
‫بالزيادة من ضرائبها على سكان بلدها وتقللل مللن نفقاتهللا‬
‫ولكن ذلك يؤثر تأثيرا ً ل تحمد عواقبه فللي أهاليهللا ويحللدث‬
‫في طبيعتهم النزق والطيش لجل ما يتقبلللون فيلله بصللفة‬
‫دائمة من الوزار المالية والزمات القتصادية المتصللاعدة‪،‬‬
‫فيزيلللدهم طعلللن المقترضلللين فلللي الخلللارج وضلللغطهم‬
‫السياسي غضبا ً وزمجرة‪ ،‬مما يفضي بهم أخيرا ً إلللى عللدم‬
‫الثقللة بالمللدبرين المعتللدلين فللي بلدهللم ويسللتعر فللي‬
‫صدورهم نار الغضب والحنق ويجعلهم يتبعون المتطرفيللن‬
‫الذين يتبرءون إلى الميدان يتحدون أصللحاب تلللك الللديون‬
‫يقولون‪) :‬أنزلونا عن مطالبكم واسللتردوا منللا أمللوالكم إن‬
‫كنتم على ذلك من القادرين(‪.‬‬
‫ل مللن ذوي‬ ‫وهنا يبلغ شر الربا وفتنتلله منتهاهللا‪ ،‬فهللل لرج ل ٍ‬
‫الفهم والتعقل بعد كل هللذا‪ ،‬أن يشللك فللي فداحللة شللرور‬
‫الربا ومفاسده وويلته على المجتمع النساني‪ ،‬ويتردد في‬
‫العتراف بأن الربا سيئة يجب تحريمها بتاتًا؟‪.‬‬
‫ل بعد أن شللاهد مضللار الربللا ونتللائجه‪ ،‬علللى مللا‬ ‫وهل لرج ٍ‬
‫بيناها آنفًا‪ ،‬أن يرتاب في صدق قللول الرسللول صلللى الللله‬
‫عليه وآله وسلم‪-:‬‬
‫"الربا سبعون جزءا ً أيسرها أن ينكح الرجل أمه" )]‪. ([44‬‬
‫)]‪ .([45‬والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫)]‪ ([1‬تفسير الرازي ‪. 94 / 7 :‬‬
‫)]‪ ([2‬سبق تخريجه ‪.‬‬
‫)]‪ ([3‬تفسير الرازي ‪ . 94 / 7 :‬بتصرف ‪.‬‬
‫)]‪ ([4‬تفسير المراغي ‪. 58 / 3 :‬‬
‫)]‪ ([5‬محاسن التأويل ‪. 710 / 3 :‬‬

‫‪656‬‬
‫)]‪ ([6‬انظللر مللا سللبق فللي الربللا وأثللره علللى المجتمللع‬
‫النساني ‪. 120 – 118 :‬‬
‫)]‪ ([7‬نقل ً من كتاب التدابير الواقية ‪. 58 :‬‬
‫)]‪ ([8‬التدابير الواقية من الربا ‪ . 85 – 84 :‬بتصرف يسير‬
‫‪.‬‬
‫)]‪ ([9‬الربا خطره وسبيل الخلص منه ‪ . 33 :‬بتصرف ‪.‬‬
‫)]‪ ([10‬نفل ً عن التدابير الواقية من الربا ‪. 87 :‬‬
‫)]‪ ([11‬انظر هذا الثر في التدابير الواقية مللن الربللا ‪85 :‬‬
‫– ‪. 87‬‬
‫)]‪ ([12‬الربللا وأثللره علللى المجتمللع النسللاني ‪– 123 :‬‬
‫‪. 124‬‬
‫)]‪ ([13‬نقل ً من التدابير الواقية ‪. 89 :‬‬
‫)]‪ ([14‬إعلم الموقعين ‪ . 103 / 2 :‬وانظر هذا الثر في‬
‫التدابير الواقية ‪. 89 – 87 :‬‬
‫)]‪ ([15‬تفسير الرازي ‪. 87 / 7 :‬‬
‫)]‪ ([16‬انظر هذا الثر في التدابير الواقية ‪. 84 – 82 :‬‬
‫)]‪ ([17‬تفسير الرازي ‪. 87 / 7 :‬‬
‫)]‪ ([18‬الربا وأثره على المجتمع النساني ‪. 121– 120 :‬‬
‫)]‪ ([19‬السابق ‪. 123 – 122 :‬‬
‫)]‪ ([20‬تفسير المراغي ‪. 59 – 58 / 3 :‬‬
‫)]‪ ([21‬الربا وأثره على المجتمع النساني ‪. 130– 129 :‬‬
‫)]‪ ([22‬كتب هذا الكلم بتاريخ ‪ 1408‬هل ‪.‬‬
‫)]‪ ([23‬السابق ‪. 128 – 124 :‬‬
‫)]‪ ([24‬السابق ‪. 129 – 128 :‬‬
‫)]‪ ([25‬تحريم الربا تنظيم اقتصادي ‪. 16 :‬‬
‫)]‪ ([26‬الربا للمودودي ‪ . 59 – 58 :‬بتصرف ‪.‬‬
‫)]‪ ([27‬الربا وأثره على المجتمع النساني ‪. 132 :‬‬
‫)]‪ ([28‬هللذا المبحللث اعتمللدت فيلله علللى كتللاب الربللا‬
‫للمللودودي وقمللت بللترتيبه وتقسلليمه علللى النقللاط الللتي‬
‫سأذكرها ‪.‬‬
‫)]‪ ([29‬الربا للمودودي ‪. 59 :‬‬
‫)]‪([30‬الربا للمودودي ‪. 60 – 59 :‬‬
‫)]‪ ([31‬السابق ‪. 62 – 61 :‬‬

‫‪657‬‬
‫)]‪ ([32‬السابق ‪. 62 :‬‬
‫)]‪ ([33‬السابق ‪ . 63 :‬بتصرف يسير ‪.‬‬
‫)]‪ ([34‬السابق ‪. 64 – 63 :‬‬
‫)]‪ ([35‬السابق ‪ . 66 – 64 :‬بتصرف ‪.‬‬
‫)]‪ ([36‬السابق ‪ . 66 :‬بتصرف ‪.‬‬
‫)]‪ ([37‬السابق ‪. 67 – 66 :‬‬
‫)]‪ ([38‬السابق ‪. 68 :‬‬
‫)]‪ ([39‬السابق ‪. 69 – 68 :‬‬
‫)]‪ ([40‬السابق ‪. 70 – 69 :‬‬
‫)]‪ ([41‬السابق ‪. 70 :‬‬
‫)]‪ ([42‬السابق ‪. 71– 70 :‬‬
‫)]‪ ([43‬السابق ‪. 71 :‬‬
‫)]‪ ([44‬سبق تخريجه ‪.‬‬
‫)]‪ ([45‬الربا للمودودي ‪ . 74 – 71 :‬مختصرا ً ‪.‬‬
‫‪000000000000000‬‬
‫الخاتمة‬
‫الحمد لله رب العالمين… والصلة والسلللم علللى أشللرف‬
‫النبياء والمرسلين وبعد…‪..‬‬
‫فإنه قد كان لهذا البحث فوائد بالنسبة لي ولعل مللن أهللم‬
‫النتائج التي توصلت لها هي ما يلي‪-:‬‬
‫‪ .1‬أن السبب في تخلف المم والشللعوب هللو بعللدها عللن‬
‫الدين السلمي فهو مصدر عزة المم وسبب رقيها‪.‬‬
‫‪ .2‬كمال الدين السلمي وأنه ل ينهى عن أمر إل لمللا فيلله‬
‫من المفسدة ول يأمر بفعل إل لما فيه من المصلحة‪.‬‬
‫‪ .3‬أن الكتاب والسنة قد دل ً دللة قاطعة على تحريم الربا‬
‫وكذا جاء تحريمه في الجماع‪.‬‬
‫‪ .4‬أن الربا من كبائر الذنوب وأنه مللن الموبقللات كمللا دل‬
‫على ذلك الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ .5‬أن للربا آثارا ً سيئة علللى المجتمعللات الللتي تتعامللل بله‬
‫منها ما يلي‪-:‬‬
‫‪ q‬أن الربا ينبللت فللي النفللس النسللانية الجشللع والحللرص‬
‫والبخل‪.‬‬
‫‪ q‬الشره والكسل غير المريح‪.‬‬

‫‪658‬‬
‫‪ q‬السراف وعدم الدخار‪.‬‬
‫‪ q‬الضطراب النفسي المستمر‪.‬‬
‫‪ q‬تخبط المرابي‪.‬‬
‫‪ q‬الجبن والكسل‪.‬‬
‫‪ q‬قسوة القلب‪.‬‬
‫‪ q‬أنه من جملة موانع الدعاء‪.‬‬
‫‪ q‬فقدان التآلف وحصول الكراهية والحقد والبغض‪.‬‬
‫‪ q‬اختلل توزيع الثروة‪.‬‬
‫‪ q‬تدمير الربا للمجتمعات‪.‬‬
‫‪ q‬عدم استخدام المواهب في نهضة البلد‪.‬‬
‫‪ q‬التعامل به يؤدي إلى خلق طبقة مترفة ل تعمل‪.‬‬
‫‪ q‬استغلل حاجة المحتاجين‪.‬‬
‫‪ q‬الربا يلغي معاني الفضيلة‪.‬‬
‫‪ q‬انقطاع المعروف بين الناس من القرض‪.‬‬
‫‪ q‬أنه وسيلة الستعمار‪.‬‬
‫‪ .6‬أن الربا آفة من الفات القتصادية وهو سرطان الدول‬
‫ومن آثاره على القتصاد ما يلي‪-:‬‬
‫* الربا من أسباب غلء السعار‪.‬‬
‫* الربا من أسباب البطالة‪.‬‬
‫* التضخم‪.‬‬
‫* يسبب شقاوة المقترضين لحاجتهم الشخصية‪.‬‬
‫* منع الربا من الستثمار في المشروعات المفيدة‪.‬‬
‫* تعطيل الطاقات البشرية‪.‬‬
‫* تعطيل المال‪.‬‬
‫* الربا يشجع على المغامرة والسراف‪.‬‬
‫* الكساد والبطالة‪.‬‬
‫* توجيه القتصاد وجهة منحرفة‪.‬‬
‫* التسبب في الزمات الجائحة‪.‬‬
‫* إضعاف القوة الشللرائية عللن الطبقللة الفقيللرة والعمللال‬
‫مما يعرقل ترقية التجارة والصناعة‪.‬‬
‫* وضع مال المسلمين بين أيدي خصوم السلم‪.‬‬
‫* تركيز المال في موضع واحد وتعذر وسائل النتاج‪.‬‬
‫* عدم الستفادة من الموال إل وفق مصلحة المرابي‪.‬‬

‫‪659‬‬
‫* اتجاه رأس المال إلللى أعمللال ل تحتللاج إليهللا المصلللحة‬
‫العامة‪.‬‬
‫* إرغام أصللحاب الصللناعة والحللرف علللى سلللوك طريللق‬
‫ضيق النظر وعلى عدم الجرأة في أعمالهم‪.‬‬
‫* إفلس أكللثر المللدينين أو إتيللانهم بحيللل غيللر مشللروعة‬
‫مخلة بالنظام القتصادي في البلد‪.‬‬
‫* إصابة الحكومات بأزمات مالية شديدة‪.‬‬
‫* عللدم إنفللاق الحكومللة المللوال فللي مشللاريع مفيللدة إذا‬
‫كانت نسبة ربحها أقل من الربا المفروض عليها‪.‬‬
‫* فروض الضرائب والمكوس على أهالي البلد‪.‬‬
‫* جريان الموال من الفقراء إلى الغنياء‪.‬‬
‫* اختلل ميزانية المم والشعوب والحالة القتصادية‪.‬‬
‫‪ .7‬أن الرقللي والتقللدم الللذي يزعملله أعللداء السلللم فللي‬
‫بلدهم إنما هو فللي الحقيقللة انحطللاط بمسللتوى البشللرية‬
‫إلى أنزل الدركات في العيللش وسلللب النسللان فطريللاته‬
‫التي يحفظها له السلم‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من الفوائد والنتائج العديدة‪.‬‬
‫هذا واسأل الله العظيم أن ينفعني بهذا البحث وأن يجعللله‬
‫خالصا ً لوجهه الكريم وصلى الله وسلللم علللى نبينللا محمللد‬
‫وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين…‪.‬‬
‫كتبه ‪ /‬فهد بن مبارك الحربي‬
‫===============‬
‫‪#‬الربا والفساد القتصادي )‪(281-275‬‬
‫ْ‬
‫ه‬‫خب ّط ُل ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّل ِ‬ ‫ما ي َُقللو ُ‬ ‫ن ا ِل ّ ك َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن الّرَبا ل َ ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ل الّرب َللا‬ ‫مث ْل ُ‬ ‫ما ال ْب َي ْلعُ ِ‬ ‫م َقاُلوا ْ إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِا َن ّهُ ْ‬ ‫س ذ َل ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫عظ َل ٌ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مللن َرب ّل ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جللآَءهُ َ‬ ‫مللن َ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَأ َ‬
‫ن عَللاد َ َفلُاولئ ِ َ‬ ‫َفانتهى فَل َه ما سلل َ َ َ‬
‫ك‬ ‫مل ْ‬ ‫ملُرهُ إ َِللى الّللهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََْ‬
‫َ‬
‫ه الّرب َللا وَي ُْرب ِللي‬ ‫ح لقُ الل ّل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن * يَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫وا‬ ‫من ُل ْ‬
‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّل ِ‬ ‫ل ك َّفللارٍ أِثيلم ٍ * إ ِ ّ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫جُرهُل ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫كاةَ ل َهُ ْ‬ ‫صلةَ َوات َوُا ْ الّز َ‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫ت وَأَقا ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * َيآ أي َّهللا اّللل ِ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَل َ هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م وَل َ َ‬ ‫عند َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن*‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن الّرَبآ ِإن ك ُن ُْتم ُ‬ ‫م َ‬‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫َءا َ‬

‫‪660‬‬
‫ْ‬
‫م‬‫سللول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُل ْ‬ ‫ن الل ّلهِ وََر ُ‬ ‫مل َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ح لْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَُلوا ْ فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫فِإن ل َ ْ‬
‫َ‬
‫ن * وِإن ك َللا َ‬
‫ن‬ ‫مللو َ‬‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫سأ ْ‬‫م ُرؤو ُ‬ ‫فَل َك ُ ْ‬
‫َ‬
‫م ِإن‬ ‫خي ْلٌر ل َك ُل ْ‬ ‫ص لد ُّقوا ْ َ‬ ‫س لَرةٍ وَأن ت َ َ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ ِإلى َ‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ُ‬
‫م ت ُلوَّفى‬ ‫ن ِفيهِ إ َِلى الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫جُعو َ‬ ‫ما ً ت ُْر َ‬‫ن * َوات ُّقوا ْ ي َوْ َ‬ ‫مو َ‬‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ن )البقرة‪(281-275/‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ي ُظ ْل َ ُ‬ ‫ت وَهُ ْ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬‫س َ‬‫ل ن َْف ٍ‬ ‫كُ ّ‬
‫‪(rule1.jpg (1308 bytes‬‬
‫الربا و الفساد القتصادي‬
‫هدى من اليات ‪:‬‬
‫من الناس مللن ينفللق فللي سللبيل الللله علللى الضللعفاء ‪ ،‬و‬
‫منهم من يعكس تمامللا فيسللتغل الضللعفاء ‪ ،‬و يبنللي كيللانه‬
‫القتصللادي علللى انقللاض ثرواتهللم المحللدودة ‪ ،‬هللؤلء هللم‬
‫المرابون الذين يتحللدث عنهللم القللرآن هنللا ‪ ،‬لنهللم الللوجه‬
‫المتناقض مع المنفقين الذين تحدث عنهم الدرس السابق‬
‫‪.‬‬
‫و الية الولى تحدثت عن النتائج المرة للخلط بين الللبيع و‬
‫الربا ‪ ،‬و بينت الية الثانية الفرق بيللن المنفللق فللي سللبيل‬
‫الله و المرابي ‪ ،‬فالول يضاعف له الله و الثاني يمحقه ‪.‬‬
‫و بعللد ان وجلله القللرآن النظللار الللى الصلللة والزكللاة‬
‫باعتبارهما وسيلتي خلص للمللؤمن مللن ضللغط الشللهوات‬
‫ومنها شهوة الثراء السريع بالربا ‪ ،‬بعدئذ وجله نلداءا آخلرا‬
‫للمؤمنين بترك الربا والكتفللاء فقللط بللرأس المللال ‪ ،‬ولللم‬
‫يكتف القرآن بذلك ‪ .‬بل امر في اليللة التاليللة بللأن يعطللي‬
‫مهلة كافية لمن ل يستطيع تسديد ديونه ‪ ،‬اما الية الخيرة‬
‫فقللد ذكرتنللا بللالتقوى ‪ ،‬تلللك الصللفة النفسللية الللتي يكللون‬
‫تجنب الربا واحدا من مظاهرها ‪.‬‬
‫بينات من اليات ‪:‬‬
‫آثار الربا ‪:‬‬
‫] ‪ [275‬التجللارة تزيللد العقللل ‪ ،‬لنهللا تحمللل بيللن طياتهللا‬
‫مخاطر الخسلارة ‪ ،‬فيفكلر صلاحب التجلارة بكلل اسللوب‬
‫ينجح تجارته و يجنبها الخسارة ‪ ،‬و بالتفكر المسللتمر ينمللو‬
‫العقل اما لو اطمأن النسان الى مصدر ثللابت مللن الربللح‬
‫يأتيه بل تعب فلماذا يفكر ؟!‬

‫‪661‬‬
‫انه يعطل عقله لنه ل يحتاج اليه شيئا فشيئا يضمر العقللل‬
‫حتى ينتهي ‪ ،‬و الربا هو ذلك المصدر الثابت الللذي ينتظللره‬
‫كل الكسالى حيللث يللأملون ان تكللون لللديهم ثللروة معينللة‬
‫يقرضونها للفقراء مقابل جزء مللن جهللدهم ‪ ،‬سللواء خسللر‬
‫اولئك الكادحون ام ربحوا ‪ ،‬و بذلك فان اخطر اضرار الربا‬
‫هو تشجيعه على تكوين طبقة من المللترفين و المعتللوهين‬
‫في المجتمع ‪.‬‬
‫] الذين يأكلون الربا ل يقومون ال كما يقوم الذي يتخبطلله‬
‫الشيطان من المس [‬
‫ل يجهدون انفسهم انما يقومون و يتحركون لمجللرد اللهللو‬
‫حيث يخالطهم خبل من الشيطان ‪.‬‬
‫ان هذا الخبل نتيجة طبيعية لختيارهم السيء منذ البداية ‪،‬‬
‫حيللث انهللم اختللاروا الربللا ‪ ،‬و خلطللوا بينلله وبيللن الللبيع ‪،‬‬
‫فخالطهم الخبل واصبحوا معتوهين طبيعيا ‪ ،‬لخلطهم ‪.‬‬
‫الباطل بين البيع و الربا ‪.‬‬
‫] ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا [‬
‫و زعموا انلله كمللا يجللوز التعامللل بللالبيع و الكتسللاب بلله ‪،‬‬
‫كللذلك يجللوز الكتسللاب بالربللا ‪ ،‬فللالبيع عنللدهم هللو الربللا‬
‫بالضبط ‪ ،‬ولكن بصورة اخرى ‪ :‬انت في البيع تعطي سلعة‬
‫وتأخذ ثمنا ‪ ،‬وهنا تعطي قرضا و تأخذ ايجاره ‪ .‬كل ‪..‬‬
‫] و احل الله البيع وحرم الربا [‬
‫بالطبع ليس عبثا انمللا الهللدف محللدد هللو ‪ :‬منللافع الللبيع و‬
‫اضرار الربا ‪.‬‬
‫] فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف و امللره‬
‫الى الله [‬
‫له ما سلف ملن رأس املواله ‪ ،‬وهلو مرجلو لملر اللله ان‬
‫يشأ يعذبه او يتوب عليه ‪.‬‬
‫] ومن عاد فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون [‬
‫] ‪ [276‬و الربللا يسللبب تكللوين طبقللة مللن المللترهلين و‬
‫العاطلين عللن العمللل المنتللج ‪ ،‬فيللؤخر اقتصلاد المجتملع ‪،‬‬
‫وهو في ذات الوقت يمتص جهللود الفقللراء ‪ ،‬ول يشللجعهم‬
‫على العمل الجاد ‪ ،‬بينما النفاق في سبيل الله ‪ ،‬و اعطللاء‬
‫الفقراء صدقات لرفللع عللوزهم ‪ ،‬و تهيئة رٍأس مللال لهللم ‪،‬‬

‫‪662‬‬
‫سوف يسبب في تدوير الثروة ‪ ،‬و تحريك عجلللة القتصللاد‬
‫و تشجيع العاطلين على العمللل مللن هنللا تقللع الصللدقات ‪،‬‬
‫في مواجهة الربا تماما ‪.‬‬
‫] يمحق الله الربا و يربي الصدقات [‬
‫و الصدقات دليل علللى ايمللان المنفقيللن وشللكرهم لنعملله‬
‫الثروة ‪ ،‬بينما الربا دليل كفر المرابيللن الحقيقللي ! بللالله ‪،‬‬
‫بالرغم من تظاهرهم باليمان كما انه عمل اجرامي‬
‫و اثيم ‪.‬‬
‫] و الله ل يحب كل كفار اثيم [‬
‫و ربما جاءت كلمة الكفار بصيغة المبالغة للدللة علللى ان‬
‫المرابي يكفر مرتين ‪ ،‬مرة حين ل يدفع للفقراء الصدقة ‪،‬‬
‫و مرة حين يمتص جهود الفقراء بالربا ‪.‬‬
‫ما هو العلج ؟‬
‫] ‪ [277‬كيف نتخلص من الربا ؟ ان القلب البشري يهوى‬
‫الثروة ‪ ،‬ومن الصعب التخلص من هذا الهوى ؟‬
‫يقللول القللرآن الحكيللم ‪ :‬ان طريقللة الخلص مللن شللهوة‬
‫الثروة هي اليمان بالله ‪ ،‬و العمل الصللالح ‪ ،‬و الصلللة ‪ ،‬و‬
‫الزكاة ‪.‬‬
‫] ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات و أقاموا الصلة و آتللوا‬
‫الزكللاة لهللم اجرهللم عنللد ربهللم ول خللوف عليهللم ول هللم‬
‫يحزنون [‬
‫] ‪ [278‬ان تنميللة التقللوى فللي النفللس هللي مسللؤولية‬
‫المسلم نفسه ‪ ،‬فعليلله ال ينتظللر شلليئا يربيلله ‪ ،‬او شخصللا‬
‫يعظه ‪ ،‬بل ليكن واعللظ نفسلله و مربيهللا ‪ ،‬و ليتخلللص مللن‬
‫السلبيات وفي طليعتها الربا ‪.‬‬
‫] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي مللن الربللا ان‬
‫كنتم مؤمنين [‬
‫فاذا كانت بينكللم وبيللن النللاس ربللا ‪ ،‬فارضللوا منهللم فقللط‬
‫برأسمالكم ‪ ،‬و اعفوهم عن الربا ‪.‬‬
‫] ‪ [279‬اذا لو لم تتقوا الله ‪ ،‬فان الله يعلن عليكللم حربللا‬
‫تتمثل في تخلللف إقتصللادكم ‪ ،‬واشللاعة الخلف بينكللم ‪ ،‬و‬
‫تسلط العدو عليكم ‪ ،‬و نزول الكللوارث الطبيعيللة بكللم ‪ .‬و‬
‫غيرها ‪.‬‬

‫‪663‬‬
‫] فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الللله ورسللوله وان تبتللم‬
‫فلكم رؤوس اموالكم ل تظلمون ول تظلمون [‬
‫] ‪ [280‬يمكنكم استعادة رؤوس اموالكم الللتي دفعتموهللا‬
‫للمقترضللين دون اخللذ الربللا منهللم ‪ ،‬و لكللن ل يجللوز لكللم‬
‫الضغط عليهم ‪.‬‬
‫] وان كان ذو عسرة [‬
‫الذي استدان منكم ‪.‬‬
‫] فنظرة الى ميسرة [‬
‫فلبد من اعطاء مهلة حتى يقدر علللى الوفللاء ‪ ،‬و الفضللل‬
‫من اعطاء المهلة هو التغاضي رأسا عن الدين ‪ ،‬و اعتباره‬
‫صدقة ‪.‬‬
‫] وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون [‬
‫] ‪ [281‬صحيح ان من الصعب عليكم ذلك ‪ ،‬ولكللن يجللب‬
‫على النسان ان يتجاوز الللدنيا فللي سللبيل الحصللول علللى‬
‫الخرة ‪ ،‬فغدا ل تنقللذ النسللان مللن عللذاب الللله ثروتلله او‬
‫شهرته ‪.‬‬
‫] و اتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس مللا‬
‫كسبت وهم ل يظلمون [‬
‫===============‬
‫‪ #‬شبهات وردود حول الربا‬
‫بسبب تأثير ثقافللة المللترفين فللي الشللعوب المستضللعفة‪،‬‬
‫وبسبب ضغط المستكبرين على مراكز القرار فللي الللدول‬
‫النامية وبالذات على بعض المراكز العلمية والدينية‪ ،‬فقد‬
‫ل‬ ‫مللا ال ْب َْيللعُ ِ‬
‫مْثلل ُ‬ ‫راجللت ثقافللة المرابيللن الللذين قللالوا‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫الّرب َللا) وقللد تحللدث الللدكتور الزحيلللي عللن تللأثيرات هللذه‬
‫الثقافة على بعض المراكز الدينية ومع السف فقال‪ :‬ومن‬
‫هللذه الهجمللة )ضللد حرمللة الربللا( مللا كتبلله السلليد فهمللي‬
‫هويللدي فللي مجلللة العربللي العللدد‪ /341/‬أبريللل‪ ،‬نيسللان‬
‫‪1987‬م شعبان ‪ 1407‬هل ناقل ً عللن بعللض العلمللاء القللول‬
‫في إباحة فوائد اليداع في البنللوك‪ ،‬وعللدم العتمللاد علللى‬
‫مبدء "كل قرض جّر نفعا ً فهو ربا" لعدم ثبوت كونه حديثًا‪،‬‬
‫وبالتالي عدم جواز الستدلل به‪ .‬ومنها فتوى هللذا العللالم‪،‬‬
‫وهو الدكتور عبد المنعم النمر بإباحة فوائد المصارف فللي‬

‫‪664‬‬
‫جريدة الهرام )القاهريللة( يللوم الخميللس ‪ 27‬مللن شللوال‬
‫‪ 1409‬هل الموافق ‪1/6/1989‬م‪ ،‬ومنها فتوى مفتي مصللر‬
‫الدكتور محمد سلليد طنطللاوي بإباحللة شللهادات السللتثمار‬
‫بتاريخ ‪ 7/5/1410‬هل ‪ 7/12/1989‬م‪.‬‬
‫والطامة الكبرى بيان مفتي مصر المذكور قبل ربيللع سللنة‬
‫‪ 1410‬هل وقبل نوفمبر )تشرين الثاني( ‪ 1989‬الذي أحللل‬
‫فيللله الفلللوائد الربويلللة لشلللهادات السلللتثمار والبنلللوك‬
‫المتخصصة‪ ،‬وأعقبه عام ‪ 1991‬بأن فوائد المصارف حلل‬
‫في جميع أنحاء الرض‪(1) .‬‬
‫هكذا تسللربت ثقافللة الربللا حللتى إلللى المنللاطق المحرمللة‬
‫عليها؛ أي إلى حيث ينبغي أن يبدء الحرب منه ضده‪ .‬ولكن‬
‫ما هي الدلة التي يعتمدها مثل هذا الفريق من الناس؟‬
‫‪ /1‬يقولللون إن الللله إنمللا حللّرم الربللا أضللعافا ً مضللاعفة‪،‬‬
‫والفوائد التي تؤخذ دون ذلك بكثير‪ ..‬والجواب‪:‬‬
‫ل‪ :‬كل الربا يتسبب في تكدس الثروة عند طبقللة معينللة‬ ‫أو ً‬
‫وتتضاعف لديهم‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الدلة الشرعية على تحريم الربا ل تختص بالية التي‬
‫نهت عن أكله أضعافا ً مضاعفة‪ (2) .‬إذ هنللاك آيللات أخللرى‬
‫تحرمه مطلقًا‪ ،‬وتصرح بأن الذي يرجع من الللدين إنمللا هللو‬
‫م‬ ‫م فَل َ ُ‬
‫كل ْ‬ ‫رأسلمال الماللك‪ ،‬حيلث يقلول سلبحانه‪) :‬وَِإن ت ُب ُْتل ْ‬
‫َ‬
‫ن) )البقرة‪(279/‬‬ ‫مو َ‬‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬
‫مو َ‬‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬
‫وال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫سأ ْ‬‫ُرؤو ُ‬
‫وهذه الية تدل علللى أن الربللا ظلللم وهللو كللذلك؛ والظلللم‬
‫قبيح وحرام‪ ،‬كثيره وقليله‪.‬‬
‫‪ /2‬ويقولون ما الفرق بين أن يؤجر المالللك داره لحللد‪ ،‬أو‬
‫يللؤجره قللدرا ً مللن المللال يسللتطيع بلله تللأجير دار لنفسلله‪،‬‬
‫فالثروة هنا وهناك ذات قيمة‪ ،‬سواًء كانت متمثلة فللي دار‬
‫أو في ثمنها؟ وهكذا يقولون )‪ (3‬إن الربا المحللرم هللو ربللا‬
‫القللروض السللتهلكية ‪ -‬أي الللتي يقترضللها ذوو الحاجللة‬
‫الملحة ويؤدونها أضعافا ً مضللاعفة‪ ،‬أمللا القللروض النتاجيللة‬
‫الللتي يقترضللها الموسللرون للتشللغيل فللي مشللروعات‬
‫إنتاجيللة‪ -‬صللناعية أو تجاريللة أو زراعيللة تللدر عليهللم ربح لا ً‬
‫وفيرًا‪ ،‬فليسللت الفللائدة المللؤداة ربللا محرملا ً لعللدم تللوافر‬
‫معنى إستغلل حاجة المحتاج‪(1) .‬‬

‫‪665‬‬
‫والجواب عن ذلك‪:‬‬
‫ل‪ :‬إن الحكام الشرعية ل تعتمد علللى الحللالت الخاصللة‬ ‫أو ً‬
‫والمضطربة؛ ولن أضرار الربللا كللثيرة‪ ،‬فللان الشللريعة لللم‬
‫تحرمه فقط‪ ،‬بل وحرمت كل البواب التي تفضي إليه‪..‬‬
‫والربا كما الزنا‪ ،‬وأخطر منه‪ ،‬إذا سمح له المجللال إكتسللح‬
‫الساحة‪ .‬أل ترى كيف حّرم الدين الحنيللف التللبرج والنظللر‬
‫ن عشللرات‬ ‫الى النساء‪ ،‬وأوجب الحجللاب والسللتيذان وسل ّ‬
‫الحكام التي تساهم في منع إنتشار الزنا وزعزعة الكيللان‬
‫السري؟‬
‫ثانيًا‪ :‬ليس الرأسمال كل شيء في الستثمار‪ ،‬وإنما عمللل‬
‫النسلللان والتوفيلللق يلعبلللان دورا ً أساسللليا ً فيللله‪ .‬ونعنلللي‬
‫بالتوفيق؛ الظروف المساعدة التي ل يستطيع حتى أفضل‬
‫الخبراء معرفتها مسبقا ً والتنبؤ بهللا‪ ،‬فكيللف بعامللة النللاس‪.‬‬
‫فللأنت تقللترض مثل ً عشللرة آلف دولر بفللائدة ثابتللة لكللي‬
‫تستثمره في إستصلح أرض وزراعتها‪ ،‬وتجتهد نفسك فللي‬
‫هذا السبيل‪ .‬فهل تضمن أن يكون الموسم موسما ً زراعيا ً‬
‫ل؛ فإذا منعت السللماء قطرهللا وتحطمللت آمالللك‬ ‫حسنًا؟ ك ّ‬
‫فإنك لست فقللط مللديون بعشللرة آلف دولر‪ ،‬بللل وأيض لا ً‬
‫بفائدتها‪ .‬حسنا ً أنت والذي أقرضك تعيشان في بلد واحللد‪،‬‬
‫والجفاف يضرب هذا البلد وأنت عملللت وهللو قللد أعطللاك‬
‫ثروته‪ ،‬فلمللاذا تتحمللل أنلت دونلله ضلرر الجفللاف‪ ،‬أملا هلو‬
‫فيبقى يجني الثروة ويضاعفها دونك؟‬
‫من هنا عجللزت المللدارس القتصللادية فللي تللبرير الفللوائد‬
‫الثابتة‪ ،‬واختلفت النظمة في العالم في تحديدها‪..‬‬
‫وأقوى تبرير قدمه البعض للربا ما يللذكره الكللاتب الشللهير‬
‫أبللو العلللى المللودودي فللي كتللابه الربللا‪ ،‬حيللث يقللول‪ :‬إن‬
‫تحريللم الربللا شلليء يتعلللق بللالعواطف أكللثر ممللا يتعلللق‬
‫ل‪ ،‬وأن ليس إقراض‬ ‫بالحقيقة‪ ،‬بل ل علقة له بالحقيقة أص ً‬
‫أحد غيره شيئا ً من المال دونما شيء من الربا إل ّ سللماحة‬
‫خلقية قد شط الللدين وجللاوز حللد الفطللرة‪ ،‬إذ طللالب بهللا‬
‫الناس بمثل هذه الشدة والتأكيد‪ .‬وإن الربا شلليء معقللول‬
‫من الناحية المنطقية‪ ،‬وأمر نافع ل مندوحة عنه للنسللانية‪،‬‬
‫وإنه ل يقبل أي إعتراض من الناحية القتصادية‪(1) .‬‬

‫‪666‬‬
‫هذه خلصة التبرير الذي يقدمه النظام القتصللادي القللائم‬
‫على أساس الربا اليوم‪ ،‬ولنا عليه ملحظات شتى‪:‬‬
‫ل‪ :‬ل يمكللن فصللل القتصللاد عللن سللائر شللؤون البشللر‪،‬‬ ‫أو ً‬
‫حيث إن النسان كل ل يتجزأ‪ ،‬ونظرتنا الللى النسللان تللؤثر‬
‫في نظرتنا الى القتصاد‪..‬‬
‫وأهللم ميللزة للنسللان حيللاته الجتماعيللة‪ ،‬وإنمللا قللامت‬
‫الحضللارات الشللامخة فللي تللاريخه علللى قاعللدة القيللم‬
‫الجتماعية‪ ،‬فإذا نزعناها فإن أسس بقاء النسان فوق هذا‬
‫الكوكب يتزعزع‪ ،‬بل وينهار‪ .‬واليوم مع تقدم العلللم وتنللوع‬
‫وسائل الفتك الجمللاعي وازديللاد وسللائل القهللر والبللتزاز‪،‬‬
‫تزداد الحاجة إلى الخلق الكريم‪ .‬والحسان صللفة إنسللانية‬
‫ل يمكن بقاء البشر من دونه‪.‬‬
‫والحسان يبدء من إهتمام الوالدين بالطفل‪ ،‬وينتهللي الللى‬
‫إحساس كل فللرد بضللرورة مسللاعدة المحتللاج‪ .‬وإذا كنللت‬
‫تملك فائض الثروة )ويسمى بالعفو في لغة القرآن( وكان‬
‫غيرك يحتاجهلا‪ ،‬فملن واجبلك النسلاني أن تعطيله؛ سلواءً‬
‫إنفاقا ً أو قرضًا‪.‬‬
‫ومن العجب إن الللدول الرأسللمالية تفللرض علللى رعاياهللا‬
‫مبللالغ طائلللة مللن الضللرائب‪ ،‬وهللي ل تعللترف بللواجب‬
‫الحسان‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬في مجتمع يحلرم الربللا تبقللى ثلروات عائمللة كلثيرة‪،‬‬
‫فإمللا تجللد طريقهللا الللى التجللارة أو المضللاربة‪ ،‬أو تخللتزن‬
‫لحين الحاجلة‪ .‬فملا أجملهلا أن نقضلي بهلا حاجلة الفقلراء‬
‫والمنكوبين‪ ،‬لماذا ل؟ وهم نعم الحفظة للللثروة‪ ،‬أوَ ليسللوا‬
‫أفضل من صناديق الحديد؟‬
‫قد يقال إذا ً نخاطر بها عندهم‪ ،‬إذ قد تللذهب أدراج الريللاح‪.‬‬
‫نقول‪ :‬بلى؛ ولكنها ل تذهب عند الللله الللذي قللال سللبحانه‪:‬‬
‫صلد ََقات)‪ .‬والنسللان إذا دفللع‬
‫حللق الللله الّربللا وَي َْربللي ال ّ‬
‫م َ‬‫)ي َ ْ‬
‫لخيه قرضا ً ثلم للم يسلتطع الوفلاء بله‪ ،‬يمكنله أن يعتلبره‬
‫زكاة مللاله‪ .‬أوَ ليللس الللواجب عليلله دفللع شلليء مللن مللاله‬
‫زكاة؟‬
‫ثم يمكن للمقرض أن يستوثق من المدين قبل دفع الللدين‬
‫له بالرهن أو الضامن أو أي نظام آخر‪.‬‬

‫‪667‬‬
‫ثالثًا‪ :‬لقد إسللتمرت الحضللارة السلللمية قرون لا ً متطاولللة‪،‬‬
‫وقد إتسعت رقعة نفوذها حتى شللملت شلعوبا ً كللثيرة فللي‬
‫أربعة قارات‪ ،‬وكان اقتصللادها خالي لا ً مللن الربللا‪ ،‬بللل وممللا‬
‫يللؤدي الللى الربللا مللن الللذارئع المختلفللة‪ ،‬وكللان اقتصللادا ً‬
‫ل على أن الربا لم يكن ضللرورة فللي البنيللة‬ ‫مزدهرا ً مما د ّ‬
‫القتصادية‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬لقد سبق الحديث أن الربا يوقللف حركللة النمللو فللي‬
‫المجتمللع‪ ،‬لنلله يكللرس الطبقيللة‪ ،‬ولن الفقللراء يللزدادون‬
‫بسببه فقرًا‪ ،‬ولذلك فهم يفقدون القوة الشرائية‪ ،‬وبالتللالي‬
‫ل يساهمون في النمو القتصادي‪ .‬بينما القرض يسبب في‬
‫تنشيط الدورة القتصادية في البلد‪ ،‬ويزداد الفقراء غنللى‪،‬‬
‫ول يبخس الغنياء حقهم‪.‬‬
‫وكلمة أخيرة؛ الحديث عن الربا ودوره السلللبي‪ ،‬والقللرض‬
‫صل ونكتفللي فللي هللذه‬ ‫الحسن ودوره اليجابي‪ ،‬حديث مف ّ‬
‫الدراسة بمللا أسلللفنا‪ ،‬عسللى الللله أن يوفقنللا للمزيللد مللن‬
‫البحث في مناسبات أخرى‪ ،‬والله المستعان‪.‬‬
‫=================‬
‫‪#‬العجاز في تحريم الربا‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫كل دارس للشريعة السلمية وفقهها‪ ،‬يعلللم علللم اليقيللن‪:‬‬
‫أن هنلللاك دائرتيلللن متملللايزتين‪ ،‬لكلللل منهملللا خصائصلللها‬
‫وأحكامها‪.‬‬
‫الولللى‪ :‬دائرة مفتوحللة وقابلللة لتعللدد الفهللام‪ ،‬وتجللدد‬
‫الجتهادات‪ ،‬ومن شللأنها أن تختلللف فيهللا القللوال‪ ،‬وتتنللوع‬
‫المذاهب‪ .‬وهذه الدائرة تشللمل معظللم نصللوص الشللريعة‬
‫وأحكامها‪ ,‬فهي دائرة مرنة منفتحة‪ .‬وهذا مللن رحمللة الللله‬
‫بعبللاده‪ ،‬لتتسللع شللريعته للعقللول المتباينللة‪ ،‬والمشللارب‬
‫المختلفلللة‪ ،‬والوجهلللات المتعلللددة‪ .‬ول غلللرو أن وسلللعت‬
‫الظاهري والثري وصاحب الرأي‪.‬‬
‫الثانيللة‪ :‬دائرة مغلقللة‪ ،‬ل تقبللل التعللدد ول الختلف‪ ،‬لنهللا‬
‫تقوم على نصوص قطعيللة الثبللوت والدللللة‪ ،‬ل تحتمللل إل‬
‫وجهللا ً واحللدًا‪ ،‬ومعنللى واحللدًا‪ ،‬لنهللا تجسللد وحللدة المللة‬
‫الفكرية والشعورية والعملية‪ ،‬ولولهللا لنفللرط عقللد المللة‬

‫‪668‬‬
‫وتحولت إلللى أمللم شللتى‪ ،‬ل تربطهللا رابطللة عمليللة‪ ,‬وقللد‬
‫حافظت المة طوال العصللور الماضللية علللى أحكللام هللذه‬
‫الدائرة‪ ،‬وانعقد الجماع عليها علما ً وعم ً‬
‫ل‪.‬‬
‫والمؤامرة اليوم تتجلله إلللى هللذه الللدائرة‪ ،‬تريللد اختراقهللا‬
‫وإذابتها‪ ،‬لتتمزق المة وتنحل‪ ،‬ول يبقللى لهللا شلليء تجتمللع‬
‫عليلله‪ ,‬وهللذا سللر مللا نللراه مللن تشللكيك فللي البللديهيات‬
‫واليقينيللات ومللا علللم مللن الللدين بالضللرورة‪ ،‬مللن مثللل‬
‫التشكيك في تحريم الخمر‪ ،‬أو تحريم الربا‪.‬‬
‫وربمللا يمكللن أن يفهللم هللذا حيللن يصللدر مللن العلمللانيين‬
‫واللدينييللن والشلليوعيين وأمثللالهم‪ .‬أمللا الللذي ل يفهللم ول‬
‫يعقل فهو أن يحطب في هللذا الحبللل بعللض مللن يتحللدثون‬
‫باسم الدين‪ ،‬ويروجوا بغبائهم بضاعة أعداء الدين؛ لن من‬
‫أعظم الفتن الفكرية‪ ،‬ومن أخبث المؤامرات علللى العقللل‬
‫السلللمي المعاصللر‪ ،‬تلللك المحللاولت الجللريئة لتحويللل‬
‫المحكمللات إلللى متشللابهات‪ ،‬والقطعيللات إلللى محتملت‪،‬‬
‫قابلللة للقيللل والقللال‪ ،‬والنقللاش والجللدال‪ ،‬مللع أن هللذه‬
‫المحكمات والقطعيات هي التي تمثل )ثوابت المة( الللتي‬
‫انعقللد عليهللا الجمللاع المسللتيقن‪ ،‬واسللتقر عليهللا الفقلله‬
‫والعمل‪ ،‬وتوارثتها الجيال جيل ً إثللر جيللل)‪ .(1‬ولكللن الللذي‬
‫يطمئننا‪ ،‬هو‪ :‬وضوح الحللق‪ ،‬بنصللاعة أدلتلله‪ ،‬وقللوة رجللاله‪،‬‬
‫ووهن الباطل‪ ،‬وتهللافت منطقلله‪ ،‬وتنللاقض أصللحابه‪ ،‬وكمللا‬
‫ل‬‫قيل‪ :‬الحق أبلج‪ ،‬والباطل لجلج‪ ،‬وكما قال تعللالى‪ ? :‬وَُقلل ْ‬
‫هوقًا?]السللراء‪:‬‬ ‫ن َز ُ‬‫كا َ‬ ‫ن ال َْباط ِ َ‬
‫ل َ‬ ‫ل إِ ّ‬‫حقّ وََزهَقَ ال َْباط ِ ُ‬ ‫جاء ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫مللا َينَف لعُ الن ّللا َ‬ ‫مللا َ‬‫جَفللاء وَأ ّ‬
‫ب ُ‬ ‫مللا الّزب َلد ُ فَي َلذ ْهَ ُ‬
‫‪ ? ،[81‬فَأ ّ‬
‫َ‬ ‫مك ُل ُ‬
‫ض? ]الرعللد‪ ,[17:‬الن حصللحص الحللق‪،‬‬ ‫ث فِللي الْر ِ‬ ‫فَي َ ْ‬
‫وتبين الرشد من الغي‪ ،‬فليختر كل امرئ لنفسلله الطريللق‬
‫الذي يريد‪ .‬ولعل ما يسمى العجاز اليللوم نللوع مللن أنللواع‬
‫الحفظ لهذه الثوابت حيللث يثبللت العجللاز قطعيللة الثبللوت‬
‫والدللة للنصوص مللن خلل تجللانس الفكللرة والمضللمون‪،‬‬
‫واتحاد الهدف والغاية‪.‬‬
‫تعريف الربا لغة‪:‬‬
‫َ‬
‫ذا أن َْزل ْن َللا‬
‫الربا في اللغة‪ :‬هو الزيادة‪ .‬قال الللله تعللالى‪? :‬فَلإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ت?]الحللج‪ ,[5:‬وقللال تعللالى‪? :‬أ ْ‬ ‫ت وََرب َل ْ‬ ‫عَل َي َْها ال ْ َ‬
‫مللاَء اهْت َلّز ْ‬

‫‪669‬‬
‫ة? ]النحل‪ ،[92:‬أي أكللثر عللددا ً‬ ‫ة هي أ َربى م ُ‬ ‫كو ُ‬
‫م ٍ‬‫نأ ّ‬ ‫ِ ْ‬ ‫م ٌ ِ َ ْ َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫تَ ُ َ‬
‫يقللال‪” :‬أربللى فلن علللى فلن‪ ،‬إذا زاد عليلله“)‪ (2‬وأصللل‬
‫الربا الزيادة‪ ،‬إما في نفس الشيء وإما في مقابله كدرهم‬
‫بدرهمين‪ ،‬يقال‪ :‬ربا الشيء إذا زاد‪ ,‬ومللن ذلللك قللول الللله‬
‫ه لَ‬ ‫ت َوالّللل ُ‬ ‫ه ال ّْرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬
‫صد ََقا ِ‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬‫تبارك وتعالى‪? :‬ي َ ْ‬
‫َ‬
‫م? ]البقرة‪ . [276 :‬وأربى الرجل‪ :‬عامل‬ ‫ل ك َّفارٍ أِثي ٍ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬‫يُ ِ‬
‫بالربا أو دخل فيه ويطلق الربا على كل بيع محللرم أيضلا ً )‬
‫‪.(3‬‬
‫تعريف الربا في الشرع‪:‬‬
‫الربا في الشرع‪ :‬هو الزيللادة فللي أشللياء مخصوصللة‪ .‬وهللو‬
‫يطلق على شيئين‪ :‬يطلق على ربا الفضللل وربللا النسلليئة)‬
‫‪.(4‬‬
‫والربا في اصطلح الفقهاء له عدة معان منها‪:‬‬
‫ل عن عللوض بمعيللار شللرعي‬ ‫عرفه الحنفية بأنه‪ :‬فضل خا ٍ‬
‫مشروط لحد المتعاقدين في المعاوضة)‪. (5‬‬
‫وعرفه الشافعية بللأنه‪ :‬عقللد علللى عللوض مخصللوص غيللر‬
‫معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقللد أو مللع تللأخير‬
‫في البدلين أو أحدهما)‪.(6‬‬
‫وعرفه الحنابلة بأنه‪ :‬تفاضل في أشياء‪ ,‬ونسء في أشللياء‪,‬‬
‫مختللص بأشللياء‪ ،‬ورد الشللرع بتحريمهللا– أي تحريللم الربللا‬
‫فيها‪ -‬نصا ً في البعض‪ ,‬وقياسا ً في الباقي منها)‪.(7‬‬
‫وأما المالكية فقد عرفوا كل نوع من أنواع الربا على حدة‬
‫وسأقتصر على ما تقدم لليجاز‪.‬‬
‫النصوص الواردة في تحريم الربا‪:‬‬
‫الربا محرم بالكتاب والسللنة والجمللاع‪ ,‬وهللو مللن الكبللائر‪,‬‬
‫ومن السبع الموبقللات‪ ,‬ولللم يللؤذن الللله تعللالى فللي كتللابه‬
‫عاصيا ً بالحرب سوى آكل الربا‪ ,‬ومن اسللتحله فقللد كفللر ‪-‬‬
‫لنكاره معلوما ً من الدين بالضرورة ‪ -‬فيستتاب‪ ,‬فللإن تللاب‬
‫وإل قتل‪ ,‬أما من تعامل بالربا من غير أن يكون مستحل ً له‬
‫فهو فاسق‪.‬‬
‫ودليل التحريم مللن الكتللاب قللول الللله تبللارك وتعللالى ‪? :‬‬
‫َ‬
‫م الّرَبلا?]البقلرة‪ ,[275:‬وقلوله علز‬ ‫ه ال ْب َْيلعَ وَ َ‬
‫حلّر َ‬ ‫ل الّلل ُ‬‫ح ّ‬‫وَأ َ‬

‫‪670‬‬
‫ْ‬
‫ذي‬ ‫م ال ّل ِ‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬
‫مللا ي َُقللو ُ‬ ‫مللو َ‬ ‫ن الّرَبا ل َ ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وجل‪? :‬ال ّ ِ‬
‫مس ‪] ?...‬البقرة‪.[275:‬‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬
‫ي َت َ َ‬
‫ودليل تحريم الربا من السنة أحاديث كللثيرة منهللا‪ :‬مللا ورد‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم قال‪» :‬اجتنبوا السبع الموبقات قالوا‪ :‬يا رسول الللله‬
‫وما هن ؟ قال‪ :‬الشرك بالله‪ ,‬والسحر‪ ,‬وقتل النفس الللتي‬
‫حرم الله إل بالحق‪ ,‬وأكل الربا‪ ,‬وأكل مال اليتيم‪ ,‬والتللولي‬
‫يوم الزحف‪ ,‬وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات«)‪.(8‬‬
‫وما رواه مسلم عن جابر بن عبللد الللله رضللي الللله تعللالى‬
‫عنهما قال‪» :‬لعن رسول الله صلى الله عليله وسللم آكلل‬
‫الربللا ومللوكله وكللاتبه وشللاهديه«)‪ ,(9‬وقللال‪ :‬هللم سللواء‪.‬‬
‫وأجمعت المة على أصل تحريللم الربللا‪ .‬وإن اختلفللوا فللي‬
‫تفصيل مسائله وتبيين أحكامه وتفسير شرائطه‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صّلى الله عليلله‬
‫وسّلم قال‪» :‬ليأتين على الناس زمان ل يبللالي المللرء بمللا‬
‫ن الحرام«)‪ ،(10‬وأخللبر النللبي‬ ‫م َ‬ ‫من الحلل أم ِ‬ ‫أخذ المال أ ِ‬
‫صّلى الله عليه وسّلم بهذا تحذيرا ً من فتنة المال‪ ،‬فهو من‬
‫بعض دلئل نبوته صّلى الله عليه وس لّلم بللالمور الللتي لللم‬
‫م من جهة الّتسللوية بيللن المريللن‬ ‫تكن في زمنه‪ ،‬ووجه الذ ّ ّ‬
‫وإل فأخذ المال مللن الحلل ليللس مللذموما ً مللن حيللث هللو‬
‫والله أعلم)‪.(11‬‬
‫وعن سمرة بن جندب رضللي الللله عنلله قللال‪ :‬قللال النللبي‬
‫صللّلى الللله عليلله وسللّلم‪» :‬رأيللت الليلللة رجليللن أتيللاني‬
‫فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا علللى نهللر‬
‫من دم فيه رجل قائم‪ ،‬وعلى وسط النهر رجللل بيللن يللديه‬
‫حجارة‪ ،‬فأقبل الرجل الذي فللي النهللر فللإذا أراد أن يخللرج‬
‫رمى الرجل بحجر في فيه فَُرد ّ حيث كان فجعل كلما جللاء‬
‫ليخرج رمى في فيه بحجللر فيرجللع كمللا كللان‪ ،‬فقلللت‪ :‬مللا‬
‫هذا؟ فقال‪ :‬الذي رأيته في النهر آكل الربا«)‪.(12‬‬
‫وقد ذكر الله تعالى لكل الربا خمسا ً من العقوبات‪:‬‬
‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬
‫مللا‬ ‫مللو َ‬ ‫إحداها‪ :‬التخبط ‪ . .‬قال الللله تعللالى‪ ? :‬ل َ ي َُقو ُ‬
‫مس?‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ه ال ّ‬‫خب ّط ُ ُ‬‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫ي َُقو ُ‬

‫‪671‬‬
‫ه ال ّْرب َللا? والمللراد‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫الثانية‪ :‬المحق ‪ . .‬قال تعالى‪? :‬ي َ ْ‬
‫الهلك والستئصال ‪ ,‬وقيل ‪ :‬ذهاب البركة والستمتاع حتى‬
‫ل ينتفع به‪ ,‬ول ولده بعده‪.‬‬
‫ْ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫الثالثة‪ :‬الحرب ‪ . .‬قال الله تعالى‪ ? :‬فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬
‫سوِله? ]البقرة ‪. [279 :‬‬ ‫وََر ُ‬
‫ن‬ ‫مل َ‬ ‫ي ِ‬ ‫الرابعة‪ :‬الكفر ‪ . .‬قال الللله تعللالى‪ ? :‬وَذ َُروا ْ َ‬
‫مللا ب َِق ل َ‬
‫ن? ]البقرة ‪ [278 :‬وقال سبحانه بعللد‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫كنُتم ّ‬ ‫الّرَبا ِإن ُ‬
‫ل ك َّفار أ َ‬
‫م? ]البقللرة ‪[276 :‬‬ ‫ٍ‬ ‫ثيلل‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ذكر الربا‪َ? :‬والل ّ ُ‬
‫أي‪ :‬كفار باستحلل الربا‪ ,‬أثيم فاجر بأكل الربا‪.‬‬
‫ك‬ ‫ُ‬
‫عاد َ َفللأوْل َئ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫الخامسة‪ :‬الخلود في النار قال تعالى‪ ? :‬وَ َ‬
‫ن? ]البقرة ‪ ,[275 :‬وكللذلك ‪-‬‬ ‫أَ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬‫ْ‬
‫ضَعافا ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ْ ل َ ت َأك ُُلوا ْ الّرَبا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قول الله تعالى‪َ ? :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن? ]آل عمران ‪,[130 :‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬ ‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ة َوات ُّقوا ْ الل ّ َ‬‫ضاعََف ً‬ ‫م َ‬‫ّ‬
‫وقوله سبحانه‪? :‬أضعافا مضاعفة? ليس لتقييد النهللي بلله‪,‬‬
‫بل لمراعاة ما كانوا عليه من العادة توبيخا ً لهللم بللذلك‪ ,‬إذ‬
‫كان الرجل يربي إلى أجل‪ ,‬فإذا حل الجللل قللال للمللدين‪:‬‬
‫زدني في المال حتى أزيدك في الجل‪ ,‬فيفعل‪ ,‬وهكذا عند‬
‫محل كل أجل‪ ,‬فيستغرق بالشيء الطفيللف مللاله بالكليللة‪,‬‬
‫فنهوا عن ذلك ونزلت الية‪.‬‬
‫حكم الربا‪:‬‬
‫قال المام النووي رحمه الللله تعللالى‪” :‬أجمللع المسلللمون‬
‫على تحريللم الربللا فللي الجملللة وإن اختلفللوا فللي ضللابطه‬
‫وتعاريفه“)‪.(13‬‬
‫ونص النبي صّلى الله عليه وسّلم علللى تحريللم الربللا فللي‬
‫ستة أشللياء‪ :‬الللذهب‪ ،‬والفضللة‪ ،‬والللبر‪ ،‬والشللعير‪ ،‬والتمللر‪،‬‬
‫والملح‪.‬‬
‫قال أهل الظاهر‪ :‬ل ربا فللي غيللر هللذه السللتة‪ ،‬بنللاء علللى‬
‫أصلهم في نفي القياس‪.‬‬
‫وقال جميع العلماء سللواهم‪ :‬ل يختللص بالسللتة بللل يتعللدى‬
‫إلى ما في معناها وهو ما يشاركها في العلة‪.‬‬
‫واختلفوا في العلة التي هي سبب تحريم الربا في الستة‪:‬‬
‫فقال الشافعية‪ :‬العلة في الذهب‪ ،‬والفضللة كونهمللا جنللس‬
‫الثمان‪ ،‬فل يتعدى الربا منهما إلى غيرهما من الموزونات‪،‬‬

‫‪672‬‬
‫وغيرها لعدم المشاركة‪ ،‬والعلة في الربعة الباقيللة‪ :‬كونهللا‬
‫مطعومة فيتعدى الربا منها إلى كل مطعوم‪.‬‬
‫ووافق مالك الشافعي في الذهب والفضة‪.‬‬
‫أما في الربعة الباقية فقال‪ :‬العلة فيها كونها تدخر للقوت‬
‫وتصلح له‪.‬‬
‫وأما مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى‪ :‬فهو أن العلة في‬
‫الذهب‪ ،‬والفضة الوزن وفي الربعة الكيل فيتعدى إلى كل‬
‫موزون‪ ...‬وإلى كل مكيل‪.‬‬
‫ومللذهب أحمللد‪ ،‬والشللافعي فللي القللديم‪ ،‬وسللعيد بللن‬
‫المسيب‪ :‬أن العلة في الربعة كونها مطعوملة موزونلة‪ ،‬أو‬
‫مكيلة‪ ،‬بشرط المرين)‪.(14‬‬
‫قال المام ابللن تيميللة رحملله الللله تعللالى‪” :‬اتفللق جمهللور‬
‫الصللحابة‪ ،‬والتللابعين‪ ،‬والئمللة الربعللة علللى أنلله ل يبللاع‬
‫الذهب‪ ،‬والفضللة‪ ،‬والحنطللة‪ ،‬والشللعير‪ ،‬والتمللر‪ ،‬والزبيللب‪،‬‬
‫بجنسه إل مثل ً بمثللل‪ ،‬إذ الزيللادة علللى المثللل أكللل للمللال‬
‫بالباطل“)‪.(15‬‬
‫وأجمع العلماء كذلك على أنه ل يجوز بيللع الربللوي بجنسلله‬
‫وأحدهما مؤجل‪ ،‬وعلى أنه ل يجوز التفاضل إذا بيع بجنسه‬
‫حال ً كالذهب بالذهب‪ ،‬وأجمعوا علللى أنلله ل يجللوز التفللرق‬
‫قبل التقابض إذا باعه بجنسه–كالللذهب بالللذهب‪ ،‬أو التمللر‬
‫بالتمر– أو بغيللر جنسلله ممللا يشللاركه فللي العلللة كالللذهب‬
‫بالفضة والحنطة بالشعير)‪ .(16‬وقال المام ابللن قدامللة –‬
‫رحمه الله – في حكم الربا‪” :‬وهو محرم بالكتللاب والسللنة‬
‫والجماع“)‪.(17‬‬
‫والحاصل مما تقدم أن العلة في جريان الربا فللي الللذهب‬
‫والفضة‪ :‬هو مطلق الثمنيللة‪ ،‬أمللا الربعللة الباقيللة فكللل مللا‬
‫اجتمع فيه الكيل‪ ،‬والوزن‪ ،‬والطعم من جنللس واحللد ففيلله‬
‫الربا‪ ،‬مثل‪ :‬البر‪ ،‬والشعير‪ ،‬والذرة‪ ،‬والرز‪ ،‬والدخن‪.‬‬
‫وأما ما انعدم فيه الكيل‪ ،‬والوزن‪ ،‬والطعم واختلف جنسلله‬
‫فل ربا فيه وهو قول أكثر أهل العلم‪ ،‬مثل‪ :‬القت‪ ،‬والنوى)‬
‫‪.(18‬‬
‫كيف بدأ الربا وانتشر؟‪..‬‬

‫‪673‬‬
‫لننظر أول ً في حكم الربا في الشللرائع السللابقة كاليهوديللة‬
‫والنصللرانية قبللل النتقللال عللن بدايتللة وكيللف نشللأ‪ ،‬قللال‬
‫حل في شريعة قللط لقللوله‬ ‫الماوردي وغيره‪ :‬إن الربا لم ي ِ‬
‫ه? ]النساء‪ [161 :‬يعني‬ ‫م الّربا وَقَد ْ ن ُُهوا عَن ْ ُ‬ ‫تعالى‪? :‬وَأ َ ْ‬
‫خذِهِ ُ‬
‫في الكتب السابقة‪ ,‬لقد حرم الله الربا على اليهللود‪ ،‬وهللم‬
‫يعلمون ذلك‪ ،‬وينهون عنه فيما بينهللم‪ ،‬لكنهللم يللبيحونه مللع‬
‫غيرهم‪ ،‬جاء في سفر التثنية‪ :‬الصحاح الثالث والعشرين‪:‬‬
‫" للجنللبي تقللرض بربللا‪ ،‬ولكللن لخيللك ل تقللرض بالربللا"‪.‬‬
‫ومنشللأ هللذا أنهللم ينظللرون إلللى غيرهللم نظللرة اسللتعلء‬
‫واحتقار‪ ،‬والتوراة وإن كانت قللد حرفللت إل أن شلليئا ً منهللا‬
‫بقي كما هو لم يحرف‪ ،‬منهللا تحريللم الربللا‪ ،‬لكنهللم حرفللوا‬
‫النص حينما أباحوه مع غيللر اليهللودي…)‪ ،(19‬قللال المللام‬
‫الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى‪” :‬إن الللله قللد نهللاهم –‬
‫أي اليهود – عن الربللا‪ ،‬فتنللاولوه‪ ،‬وأخللذوه‪ ،‬واحتللالوا عليلله‬
‫بأنواع الحيل‪ ،‬وصنوف مللن الشللبه‪ ،‬وأكلللوا أمللوال النللاس‬
‫بالباطل“)‪(20‬وقد صرف اليهود النص المحّرم للربا حيللث‬
‫قصروا التحريم فيه على التعامل بين اليهللود‪ ،‬أمللا معاملللة‬
‫اليهودي لغير اليهللودي بالربللا‪ ،‬فجعلللوه جللائزا ً ل بللأس بلله‪.‬‬
‫ويقول أحد رهبانييهم‪” :‬عندما يحتاج النصراني إلللى درهللم‬
‫فعلى اليهودي أن يسللتولي عليلله مللن كللل جهللة‪ ،‬ويضلليف‬
‫الربا الفاحش إلى الربا الفاحش‪ ،‬حتى يرهقه‪ ،‬ويعجز عللن‬
‫ل عن أملكلله أو حللتى يضللاهي المللال مللع‬ ‫إيفائه ما لم يتخ ّ‬
‫فائدة أملك النصراني‪ ،‬وعندئذ يقوم اليهودي على مدينه –‬
‫غريملله – وبمعاونللة الحللاكم يسللتولي علللى أملكلله“)‪(21‬‬
‫فاّتضح ملن كلم اللله تعللالى أن اللله قلد حلّرم الربلا فلي‬
‫التوراة على اليهود‪ ،‬فخالفوا أمر الللله‪ ،‬واحتللالوا‪ ،‬وحّرفللوا‪،‬‬
‫دلوا‪ ،‬واعتبروا أن التحريم إنما يكون بيللن اليهللود فقللط‪،‬‬ ‫وب ّ‬
‫أما مع غيرهم فل يكون ذلك محرما ً فللي زعمهللم الباطللل‪،‬‬
‫مهم الله في كتابه العزيز كما بّينت ذلك آنفًا‪.‬‬ ‫ولذلك ذ ّ‬
‫والدين النصراني كللذلك يحرملله‪ ،‬ففللي إنجيللل لوقللا‪ " :‬إذا‬
‫أقرضتم الذين ترجون منهللم المكافللأة فللأي فضللل يعللرف‬
‫لكللم؟…ولكللن افعلللوا الخيللرات وأقرضللوا غيللر منتظريللن‬
‫عائدتهللا… وإذا ً يكللون ثللوابكم جللزيل" ‪ .‬وقللد أجمللع رجللال‬

‫‪674‬‬
‫الكنيسة ورؤساؤها كما اتفقت مجامعها على تحريللم الربللا‬
‫تحريم لا ً قاطع لًا‪ ،‬حللتى أن البللاء اليسللوعيين وردت عنهللم‬
‫عبارات صارخة في حق المرابين‪ ،‬يقللول الب بللوني‪ ":‬إن‬
‫المرابيللن يفقللدون شللرفهم فللي الحيللاة‪ ،‬إنهللم ليسللوا أهل‬
‫للتكفين بعد موتهم ‪ " ..‬ولم يكن تحريم الربا قاصلرا ً عللى‬
‫أرباب الديانتين‪ ،‬بل كذلك حّرملله مللن اشللتهر فللي التاريللخ‬
‫بالعلم والفهم والحكمة كبعض الفلسللفة‪ ،‬منهللم أرسللطو‪،‬‬
‫وأفلطللون الفيلسللوف اليونللاني الللذي قللال فللي كتللابه‬
‫القانون‪ " :‬ل يحل لشخص أن يقرض بربا" ‪(22)..‬‬
‫وأما العرب في جاهليتهم على الرغم مللن تعللاملهم بلله إل‬
‫أنهم كللانوا ينظللرون إليلله نظللرة ازدراء‪ ،‬وليللس أدل علللى‬
‫ذلك أنه عندما تهللدم سللور الكعبللة وأرادت قريللش إعللادة‬
‫بنائه حرصللت علللى أن تجمللع المللوال اللزمللة لللذلك مللن‬
‫البيوت التي ل تتعامل بالربا‪ ،‬حتى ل يدخل في بنللاء الللبيت‬
‫مال حرام‪ ،‬فقد قال أبللو وهللب بللن عابللد بللن عمللران بللن‬
‫مخللزوم‪ " :‬يللا معشللر قريللش ل تللدخلوا فللي بنيانهللا مللن‬
‫كسبكم إل طيبًا‪ ،‬ل يدخل فيها مهللر بغللي‪ ،‬ول بيللع ربللا‪ ،‬ول‬
‫مظلمة أحد من الناس"‪.‬‬
‫ومهما كان فالربا كان منتشرا ً في عصر الجاهلية انتشللارا ً‬
‫كبيرا ً وقد عدوه من الرباح العظيمة – في زعمهم – الللتي‬
‫تعود عليهم بالموال الطائلة‪ ،‬فقللد روى المللام الطللبري –‬
‫رحمه الله –أنه قللال‪” :‬كللانوا فللي الجاهليللة يكللون للرجللل‬
‫على الرجل الدين فيقول‪ :‬لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر‬
‫ل أجللل‬ ‫عنه“)‪(23‬وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا ح ّ‬
‫الدين قال )من هو له( )لمن هو عليه(‪ :‬أتقضي أم تربللي؟‬
‫خللر للله‬‫فإذا لم يقض زاد مقدارا ً في المال الللذي عليلله‪ ،‬وأ ّ‬
‫الجل إلى حين‪ ،‬وفللي الثمللان يللأتيه فللإن لللم يكللن عنللده‬
‫أضعفه في العام القابللل‪ ،‬فللإن لللم يكللن عنللده فللي العللام‬
‫القابللل أضللعفه أيضلًا‪ ،‬فللإذا كللانت مللائة جعلهللا إلللى قابللل‬
‫مللائتين‪ ،‬فللإن لللم يكللن عنللده مللن قابللل جعلهللا أربعمللائة‬
‫يضعفها له كل سنة أو يقضيه)‪ ،(24‬فهذا قوله تعللالى‪? :‬ي َللا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ة َوات ُّقوا الّللل َ‬
‫ضاعََف ً‬ ‫ضَعافا ً ُ‬
‫م َ‬ ‫مُنوا ل ت َأك ُُلوا الّربا أ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن? ]آل عمران‪.[130:‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬ ‫ل َعَل ّك ُ ْ‬

‫‪675‬‬
‫وإذا كان المر على هلذا النحلو‪ ،‬وأصلحاب اللديانات كلهلم‬
‫يحرمون الربا‪ ،‬كيف إذن بدأ وانتشر في العالم؟‬
‫لقللد كللانت الجاهليللة تتعامللل بالربللا قبللل السلللم‪ ،‬فجللاء‬
‫السلم وحرمه كما هو معلوم بالنصوص‪ ،‬وسد كللل أبللوابه‬
‫ووسائله وذرائعه ومنافذه‪ ،‬حتى ما كان فيه شبهة من ربللا‬
‫منعه وحرمه‪ ،‬كمنعه عليه الصلة والسلم من بيع صللاعين‬
‫من تمر رديء بصاع من تمر جيد ‪ ..‬فامتثل النللاس لللذلك‪،‬‬
‫وتلشى الربا‪ ،‬وحل محله البيع والقرض الحسن والصللدقة‬
‫والزكاة‪..‬‬
‫وكما قلنا كانت أوربللا الللتي تللدين بالنصللرانية تحللرم الربللا‬
‫وتنهى عن التعامل به‪ ،‬أما اليهود ل والللذين كللانوا يمتنعللون‬
‫من التعامل بالربا فيما بينهم ل كانوا ممنوعين من التعامل‬
‫به مع غيرهم تحت وطأة الكراهية والذل الذي كانوا فيلله‪..‬‬
‫ولكللن ومنللذ أواخللر القللرن السللادس عشللر ميلدي بللدأت‬
‫أوربا بالتمرد على هذا الحكم اللهللي‪..‬ففللي عللام ‪1593‬م‬
‫وضع استثناء لهذا الحظر في أموال القاصرين‪ ،‬فصار يباح‬
‫تثميرهللا بالربللا‪ ،‬بللإذن مللن القاضللي‪ ،‬فكللان هللذا خرقللا ً‬
‫للتحريم‪ ..‬ثم تبع ذلك استغلل الكبار لنفللوذهم‪ ،‬فقللد كللان‬
‫بعض الملوك والرؤساء يأخذون بالربللا علن لًا‪ ،‬فهللذا لللويس‬
‫الرابللع عشللر اقللترض بالربللا فللي ‪1692‬م‪ ،‬والبابللا التاسللع‬
‫تعامل كذلك بالربا في سنة ‪1860‬م‪.‬‬
‫كانت تلك محاولت وخروقات فردية‪ ..‬لكن الربا لم ينتشر‬
‫ولللم يقللر كقللانون معللترف بلله إل بعللد الثللورة الفرنسللية‪،‬‬
‫فللالثورة كللانت ثللورة علللى الللدين والحكللم القطللاعي‬
‫والملكي‪..‬وكان من جملة الحكللام الدينيللة فللي أوربللا كمللا‬
‫علمنا تحريم الربا‪ ،‬فنبذ هذا الحكم ضمن ما نبذ من أحكام‬
‫أخر‪ ،‬وكان ل بد أن يحصل ذلللك‪ ،‬إذ إن اليهللود كللانت لهللم‬
‫اليد الطولى في تحريك الثورة الفرنسية واستغلل نتائجها‬
‫لتحقيللق طموحللاتهم‪ ،‬مللن ذلللك إنشللاء مصللارف ربويللة‪،‬‬
‫لتحقيق أحلمهم بالستحواذ علللى أمللوال العللالم‪ ،‬وجللاءت‬
‫الفرصة في تللك الثللورة‪ ،‬وأحلل الربلا وأقلر‪ .‬فقللد قلررت‬
‫الجمعية العمومية في فرنسا في المر الصادر بتاريللخ ‪12‬‬

‫‪676‬‬
‫أكتوبر سنة ‪1789‬م أنه يجوز لكللل أحللد أن يتعامللل بالربللا‬
‫في حدود خاصة يعينها القانون)‪.(25‬‬
‫أصدرت فرنسا التمرد على الدين وعزله عللن الحيللاة إلللى‬
‫كل أوربا‪ ،‬ومن ذلك التملرد عللى تحريلم الربلا‪ ،‬وقلد كلان‬
‫اليهود في ذلك الحين من أصللحاب المللال‪ ،‬وبللدأت الثللورة‬
‫الصناعية‪ ،‬واحتاج أصحاب الصللناعات إلللى المللال لتمويللل‬
‫مشاريعهم‪ ،‬فللأحجم أصللحاب المللال مللن غيللر اليهللود عللن‬
‫تمويل تلك المشاريع الحديثة خشية الخسللارة‪..‬أمللا اليهللود‬
‫فبللادروا بإقراضللهم بالربللا‪ ،‬ففللي قللروض الربللا الربللح‬
‫مضمون‪ ،‬ولو خسر المقترض‪ ،‬وقد كللانت أوربللا فللي ذلللك‬
‫الحين مستحوذة على بلدان العالم بقللوة السلللح‪ ،‬فارضللة‬
‫عليها إرادتها‪ ،‬فلما تملك اليهود أمرها وتحكموا في إرادتها‬
‫كان معنى ذلك السيطرة والتحكم في العالم أجمللع‪ ،‬ومللن‬
‫ثم فرضوا التعامل بالربا على جميع البلد الللتي تقللع تحللت‬
‫سيطرة الغرب‪ ،‬فانتشللر الربللا وشللاع فللي كللل المبللادلت‬
‫التجارية والبنوك‪ ،‬فاليهود كانوا ول زالوا إلى اليوم يملكون‬
‫اقتصاد العالم وبنوكه‪..‬إذن‪ ..‬اليهود هللم وراء نشللر النظللام‬
‫الربوي في العالم)‪. (26‬‬
‫شبه حول تحريم الربا‪:‬‬
‫مما يروج له المماحكون في موضوع الربا عدة أمور‪:‬‬
‫ن الزيادة في القرض حق للمرابللي‪ ،‬لن المللال الللذي‬ ‫‪ -1‬أ ّ‬
‫يدفعه للمقترض يتيح له الفرصة للعمل وللربح تماملا ً كمللا‬
‫هو حال صاحب الدار الذي يتيح للمستأجر فرصللة النتفللاع‬
‫بالسللكنى فيأخللذ الجللرة فللي مقابللل ذلللك فالقضللية فللي‬
‫مجملها‪ ،‬هي أن تكون الزيادة في مقابل المنفعللة‪ ،‬فكيللف‬
‫يكون ذلك أكل ً للمال بالباطل‪.‬‬
‫ن المنفعة في الدار هي أمللر حقيقللي‬ ‫ونجيب على ذلك‪ ،‬بأ ّ‬
‫قائم بالدار‪ ،‬وهي ملللك لصللاحبها كمللا هللي الللدار ملللك للله‬
‫فيستحق العوض عليها من مستثمرها اللذي ل يتحملل أّيلة‬
‫مسؤولية فيما يحدث للدار إذا لم يكللن هنللاك اعتللداء مللن‬
‫قبله فإذا تلف شيء من الدار من دون تعد ّ ول تفريط فإن‬
‫المالك هو الذي يتحمله وحده‪ ،‬أما رأس المال في القرض‬
‫فأن العامل يتحمل مسؤوليته‪ ،‬بالضافة إلى الزيللادة‪ ،‬مللن‬

‫‪677‬‬
‫دون أن يتحمل صاحب المال شيئًا‪ ،‬فهو رابللح دائم لا ً بينمللا‬
‫يكللون العامللل معّرض لا ً للربللح والخسللارة‪ ،‬ممللا يعنللي أن‬
‫القضية ليست انتفاعا ً بمال الخرين في مقابل أجللرة‪ ،‬بللل‬
‫القضية هي النتفاع بماله الذي يتملكه بالقرض في مقابل‬
‫مللله لمسللؤوليته ‪ ...‬ممللا يجعللل بيللن‬ ‫ضللمانه للله ‪ ...‬وتح ّ‬
‫المرين فرقا ً كبيرًا‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الزيادة المأخوذة في معاملة الربا‪ ،‬ليست زيادةً في‬
‫الحقيقة‪ ،‬بللل هللي تعللويض لصللاحب المللال عللن الخسللارة‬
‫وة الشرائية للعملللة علللى مللرور‬ ‫الطارئة بسبب ضعف الق ّ‬
‫الزمن ‪ ...‬وربما تكون الخسللارة أكللثر مللن التعللويض‪ ،‬كمللا‬
‫نشاهده في العملت الللتي تهبللط إلللى أكللثر مللن النصللف‪،‬‬
‫بينما تكون الزيادة بنسللبة خمسللة بالمللائة أو أكللثر أو أقللل‬
‫قليل ً ‪ ...‬وذلك من خلل الوضاع القتصادية المرتبكة‪.‬‬
‫ونجيب على ذلك‪ :‬أن القضية إذا كانت على هذا السللاس‪،‬‬
‫فكيف نصنع بالحالة القتصادية التي تساهم في رفع سللعر‬
‫العملة‪ ،‬فهل يتوقف الللدائن عللن طلللب الزيللادة‪ ،‬أم يظللل‬
‫علللى مللوقفه فللي حالللة الزيللادة والنقصللان ‪ ...‬إن فكللرة‬
‫التعويض ل تنسجم مع طبيعة قانون الربللا الللذي ل يراعللي‬
‫الدّقة في هذا الجانب فيمللا يفرضلله مللن زيللادة ثابتللة فللي‬
‫جميع الحوال ‪...‬‬
‫‪ -3‬إن بعض الناس قد يحتلاجون إلللى أن يحركللوا أمللوالهم‬
‫دموا عمل ً عضويا ً أو فكريللا ً‬ ‫في اتجاه الربح من دون أن يق ّ‬
‫مللا لظللروف ذاتيللة‬ ‫مللا لعجزهللم عللن العمللل وإ ّ‬ ‫في ذلللك‪ ،‬إ ّ‬
‫خاصة ‪ ...‬فما هي الطريقة إلى تحقيق ذلك‪ ،‬بدل ً عن الّربا‬
‫‪ ...‬وقد يضيف هؤلء‪ ،‬إننللا نعللرف أن الربللح ل يتحللرك مللن‬
‫خلل العمللل‪ ،‬بللل ينطلللق مللن عنصللرين ‪ ...‬رأس المللال‪،‬‬
‫والعمل‪ ،‬فلول المال لما تمكن العامل مللن التجللارة‪ ،‬ولمللا‬
‫اسللتطاع صللاحب المصللنع أن يصللل إلللى مللا يريللده مللن‬
‫مستوى النتاج‪ ،‬فلبد من أن يكون لرأس المال حصة مللن‬
‫أجل تحقيق العدالة والتوازن في هذا المجال‪.‬‬
‫ونجيب على ذلك ‪ ...‬بأن السلم قد وضع حل ً عمليا ً يرتكز‬
‫عللللى المزاوجلللة بيلللن رأس الملللال وبيلللن العملللل وهلللو‬
‫المضاربة‪ ،‬الللتي تمثللل الشللركة بيللن صللاحب المللال وبيللن‬

‫‪678‬‬
‫العمل بحيث تكون النتيجة لهما على حسب التفاق بينهمللا‬
‫صللة ليّ منهمللا‪ ،‬فللي حالللة الربللح‪ ،‬كمللا أن‬‫في مقللدار الح ّ‬
‫الخسارة في حالة حللدوثها تلحللق رأس المللال تمام لا ً كمللا‬
‫يخسللر العامللل عمللله ‪ ...‬وبللذلك يتللم التللوازن فللي حركللة‬
‫المال نحو الربح من دون عمل‪ ،‬وحركة العمل نحللو الربللح‬
‫من دون رأس مال ‪ ...‬فيتحمل كل منهما خسللارة الجللانب‬
‫دمه في حالة الخسارة‪ ،‬كما يحصل كل منهما على‬ ‫الذي يق ّ‬
‫الربح في حالة الربح ‪...‬‬
‫‪ -4‬هناك من يقول‪ :‬إن تحريم الربا يللؤدي إلللى شلللل فللي‬
‫القتصاد على مستوى الفرد والمجتمع‪ ،‬لن معنى ذلك هو‬
‫إلغاء المصارف‪ ،‬والعلقات القتصللادية القائمللة فللي حيللاة‬
‫الناس على أساس الربا ‪ ...‬مما يجعل من التحريللم‪ ،‬أمللرا ً‬
‫غير واقعي‪ ،‬ول عملللي‪ ،‬فل يكللون صللالحا ً للتطللبيق‪ ،‬فلبللد‬
‫من تجميده في هذه الظروف من أجللل مصلللحة النسللان‬
‫اللتي قلد تلواجه بعلض السللبيات فلي مقابلل الكلثير ملن‬
‫اليجابيات ‪..‬‬
‫ونجيب على ذلك‪ ،‬بأن كل حكم إسلمي‪ ،‬تحريما ً أو إيجابللا ً‬
‫أو إباحللة‪ ،‬ل يمكللن أن نعللرف واقعيتلله وعلقتلله بالحللل‬
‫الشامل لمشكلة النسان‪ ،‬إل مللن خلل مقللارنته بالحكللام‬
‫الخرى التي تلتقي معه في إيجاد الحل؛ لن السلم يمثل‬
‫في أّية مشكلة من مشاكل الواقع‪ ،‬كل ّ مترابط الجزاء‪ ،‬أو‬
‫هيكل ً متناسللق الخصللائص فيمللا يطلقلله مللن تشللريعات‬
‫لتحقيق الحل الفضل الشامل ‪ ...‬وهذا هو مللا نفهملله فللي‬
‫موضللوع تحريللم الربللا فأننللا ل نسللتطيع معرفللة سلللبياته‬
‫وإيجابياته في نطاق النظام الرأسللمالي الللذي يمثللل الربللا‬
‫العمود الفقري له ول يمكن أن نفكر في إلغللاء الربللا‪ ،‬مللع‬
‫إبقاء العلقات القتصادية على ما هي عليه‪ ،‬لننا ل نتحدث‬
‫عن التحريم على أساس المر الواقع بل من موقع العمللل‬
‫علللى تغييللر النظللام فللي قواعللده وأسسلله الجتماعيللة‬
‫والقتصادية والسياسية‪ ،‬المر الذي نعرف فيلله اليجابيللات‬
‫العملية لتحريم الربا في الخطة السلمية المتكاملة)‪.(27‬‬
‫‪ -5‬وقال بعضهم‪ :‬إن البنك ليس شخصا ً مكلفًا‪ ،‬يتوجه إليلله‬
‫المللر والنهللي‪ ،‬وزعللم أن الشللرع ل يعللرف )الشخصللية‬

‫‪679‬‬
‫المعنوية( وهو جهل قبيح‪ .‬فقللد عللرض الشللرع الشخصللية‬
‫المعنويللة فللي )بيللت المللال( وفللي )المسللجد( و)الوقللف(‬
‫وغيرهللا‪ ,‬وجللاء فللي أحللاديث الزكللاة فللي الصللحاح اعتبللار‬
‫الخليطين في الماشية؛ بمثابة شخص واحد‪ ،‬وطرده بعللض‬
‫الفقهاء في كل المللوال‪ ،‬وهللو مللا أخللذ بلله مللؤتمر الزكللاة‬
‫المنعقد بالكويت‪ ،‬في اعتبار الشركات كالشللخص الواحللد‪.‬‬
‫وكأن هذا القائل يبيح للشللركات أن تللروج الخمللر‪ ،‬وتتللاجر‬
‫في الدعارة‪ ،‬وغيرها‪ ،‬لنها ليست شخصا ً مكلفًا!!‬
‫‪ -6‬وقال من قال‪ :‬إن الرسول صلى الله عليه وسلم لقللي‬
‫ربه ولم يبين ما هو الربا‪ ،‬ورووا في ذلللك أثللرا ً عللن عمللر‪،‬‬
‫وهم عادة ل يعنون بالثار ول يعتمدونها‪ ،‬وإن صح هذا فهللو‬
‫في صور ربا البيوع الجزئية‪ ,‬أما ربا النسيئة أو ربا الديون‪،‬‬
‫فهو مما ل ريب فيه‪ ،‬ول يختلف فيه اثنان‪.‬‬
‫وإني لعجب لهؤلء كيف يتصللورون أن يحللرم الللله شلليئًا‪،‬‬
‫وينزل فيه من الوعيد الهائل ما لم ينزللله فللي غيللره‪ ،‬كمللا‬
‫في قوله تعالى‪? :‬ذ َل َ َ‬
‫ل الّرب َللا‬ ‫مث ْل ُ‬ ‫مللا ال ْب َي ْلعُ ِ‬ ‫م قَللاُلوا ْ إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِلأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫عظ َل ٌ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مللن ّرب ّل ِ‬ ‫ة ّ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جللاءهُ َ‬ ‫مللن َ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَأ َ‬
‫ك‬ ‫ن عَللاد َ َفلأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ملُرهُ إ َِللى الّللهِ وَ َ‬
‫َفانتهى فَل َه ما سلل َ َ َ‬
‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ ََ َ‬
‫ه ال ّْرب َللا وَي ُْرب ِللي‬ ‫ح لقُ الل ّل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن* ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِل ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫من ُللوا ْ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّل ِ‬ ‫م* إ ِ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ل ك َّفللارٍ أِثيل‬ ‫ب ك ُل ّ‬ ‫حل ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫جُرهُل ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫كاةَ ل َهُ ْ‬ ‫صل َةَ َوآت َوُا ْ الّز َ‬ ‫موا ْ ال ّ‬ ‫ت وَأَقا ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ن* َيلا أي ّهَللا اّلل ِ‬ ‫حَزن ُللو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وَل َ هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م وَل َ َ‬ ‫عند َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن*‬ ‫مِني َ‬ ‫مللؤْ ِ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫ن الّرَبا ِإن ُ‬ ‫م َ‬
‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫آ َ‬
‫ْ‬
‫م‬ ‫سللول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُل ْ‬ ‫ن الل ّلهِ وََر ُ‬ ‫مل َ‬ ‫ب ّ‬ ‫ح لْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَُلوا ْ فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫فَِإن ل ّ ْ‬
‫َ‬
‫ن? ]البقللرة‪:‬‬ ‫مللو َ‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مللو َ‬ ‫م ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫فَل َك ُ ْ‬
‫‪.[279-275‬‬
‫وقد لعن النبي صلى الله عليله وسلللم آكللل الربللا ومللوكله‬
‫وكاتبه وشاهديه‪ ،‬وقال‪» :‬ما ظهر الزنى والربللا فللي قريللة‬
‫إل أحلوا بأنفسهم عذاب الله«)‪(28‬؛ فكيف سمع الصحابة‬
‫رضي الله عنهم هذا كله‪ ،‬ولم يعرفللوا مللا هللو الربللا؟ ولللم‬
‫يسللألوا عنلله؟ وكيللف لللم يللبينه لهللم الرسللول الكريللم؟‬
‫والبيان–كما يقللول العلمللاء– ل يجللوز أن يتللأخر عللن وقللت‬
‫الحاجة؟ وكيف يكتمل الدين وتتم به النعمللة إذا لللم يتللبين‬

‫‪680‬‬
‫أهله المحرمات الكبيرة المتصلة بحياة الناس؟ وما معنللى‬
‫َ‬ ‫قوله تعالى‪ ? :‬ال ْيو َ‬
‫ت عَل َي ْك ُل ْ‬
‫م‬ ‫مل ُ‬
‫م ْ‬ ‫م ِدين َك ُل ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ت ل َك ُل ْ‬ ‫مل ْل ُ‬‫م أك ْ َ‬
‫َ ْ َ‬
‫م ِدينلًا? ]المللائدة‪ ،[3:‬لن فقلله‬ ‫سلل َ َ‬ ‫م ال ِ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫ضي ُ‬
‫مِتي وََر ِ‬
‫ن ِعْ َ‬
‫المعاملت بصورة عامة إنما جللاءت نصوصلله بصللفة عامللة‬
‫بصورة أوامر شاملة ليست تفصلليلية‪ ،‬وهللذا مللا يللراه كللل‬
‫مطلللع‪ ،‬وعمومللا ً فللإن القطعيللات والثللوابت ل يللرد فيهللا‬
‫نصوص تفصيلية أو ما يبين كل جزئيات المسائل‪ ،‬كما بينللا‬
‫ذلك في مقدمة هذا البحث‪.‬‬
‫ومما اتفللق عليلله هللؤلء الممللاحكون فللي تحريللم الفللوائد‬
‫البنكية‪ :‬ادعاؤهم أنلله ل يوجللد دليللل علللى تحريللم التحديللد‬
‫المقدم للرباح في عقد المضاربة‪ ,‬ونقول لهؤلء‪ :‬بل هناك‬
‫دليلن شرعيان مؤكدان‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬الجماع الذي نقله ابن المنذر والنووي وابن قدامة‬
‫وغيرهم على عدم جواز التحديللد المقللدم؛ ولللم يشللذ عللن‬
‫ذلك فقيه واحد‪ ،‬ول مذهب من المذاهب‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬الحاديث الصحاح التي جاءت في منللع المزارعللة‬
‫بشيء معين‪ ،‬مثل ثمار قطعة معينة من الرض‪ ،‬أو مقللدار‬
‫معين من الثمللرة‪ ،‬خشللية أن تسلللم هللذه القطعللة ويهلللك‬
‫غيرها‪ ،‬أو العكللس‪ ،‬فيكللون لحللدهما الغنللم يقين لًا‪ ،‬وللخللر‬
‫الغرم‪ ،‬وهذا ينافي العدالة المحكمة التي ينشدها السلم‪.‬‬
‫قال العلمة ابن قدامة‪ :‬والمضاربة مزارعللة فللي المعنللى‪.‬‬
‫وصدق رحمه الله‪ ،‬فالمضاربة مزارعة في المللال‪ ،‬كمللا أن‬
‫المزارعة مضاربة في الرض‪.‬‬
‫الحق أني لم أجد للممارين الممللاحكين فللي الباطللل فللي‬
‫تحريم الفوائد أي منطق قوي‪ ،‬أو حجة مقنعللة‪ ،‬إل دعللاوى‬
‫أوهن مللن بيللت العنكبللوت‪ .‬وحسللبنا أن المجللامع العلميللة‬
‫والفقهيلللة السللللمية‪ ،‬والملللؤتمرات العالميلللة للقتصلللاد‬
‫السلللمي والفقلله السلللمي كلهللا قللد أجمعللت علللى أن‬
‫الفوائد البنكية هي الربا الحرام)‪.(29‬‬
‫مضار الربا من الناحية القتصادية‪:‬‬
‫إن مضار الربا من الناحية القتصادية تتجسد في صور من‬
‫القللروض‪ ،‬كالسللتهلكية والقللروض النتاجيللة والقللروض‬
‫الحكومية من الداخل‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫‪681‬‬
‫أ – القللروض السللتهلكية‪ :‬وهللي قللروض يطلبهللا الفقللراء‬
‫المتوسطون نتيجة لوقوعهم فللي مصلليبة أو شللدة لقضللاء‬
‫حاجاتهم الضرورية‪ .‬ومن المعلللوم فداحللة السللعر الربللوي‬
‫في هذا النوع من القروض‪ ،‬لن المتصدي لهللذا النللوع هللو‬
‫المرابي الذي ل رقيب عليه في تقرير الفائدة‪ ،‬فالذي يقللع‬
‫في شرك هذا المرابي مرة ل يتخلص منه طول حياته‪ ،‬بل‬
‫يكون العبء على أبنائه وأحفاده في سداد دينه‪.‬‬
‫وهذه العملية هي التي تمكن الرأسمالي من دخل العمللال‬
‫وتجعله مستبدا ً به دونهللم‪ .‬ونتيجللة لللذلك تفسللد أخلقهللم‪،‬‬
‫ويقللترفون الجللرائم والللدنايا‪ ،‬وهللو يحللط مللن مسللتوى‬
‫المعيشة‪ ،‬ويقلل من كفاءاتهم ونشاطهم الذهني والبللدني‪،‬‬
‫وهللذا ليللس ظلملا ً فحسللب بللل إنلله ضللرر علللى القتصللاد‬
‫الجتمللاعي‪ ,‬علللى أن المرابللي يسلللب قللوة الشللراء مللن‬
‫الفقيللر‪ ،‬وإذا فللترت قللوة الشللراء تكدسللت البضللائع فللي‬
‫السواق ونتيجة لهذا التكدس تتوقف بعللض المعامللل مللن‬
‫النتاج أو تقلله على القللل‪ ،‬وبهللذه العمليللة تنشللأ البطالللة‬
‫لمئات مللن البشللر‪ ،‬وهللذه البطالللة تعرقللل نمللو التجللارة‬
‫والصناعة‪.‬‬
‫ب – القللروض النتاجيللة‪ :‬وهللذه القللروض يأخللذها التجللار‬
‫وأصحاب الصناعة والحرف لستغللها في النتاج المثمر‪.‬‬
‫إن هللذه العمليللة الللتي يأخللذ المرابللي الربللا مللن دون أن‬
‫يتعللرض لشلليء إذا خسللر المعمللل أو التللاجر تللؤدي إلللى‬
‫تحرك الميزان القتصادي من جانب واحد دائما ً وهو جانب‬
‫المرابي فهللو رابللح دائملًا‪ ،‬أمللا صلاحب المعمللل أو التللاجر‬
‫فليس كللذلك‪ ،‬فيتضللرر جميللع العمللال وصللاحب العمللل إل‬
‫المرابللي فللإنه ل يتضللرر بللذلك حيللث أن ربحلله مضللمون‪,‬‬
‫بالضلللافة إللللى أن معظلللم رأس الملللال ملللدخر عنلللد‬
‫الرأسماليين‪ ،‬لنهم يرجون ارتفلاع سلعر الربلا‪ ،‬فل يعطللي‬
‫ماله للتجارة أو الصناعة لنتظاره ارتفاع سللعر الربللا علللى‬
‫أن السعر المرتفع يجعل المرابلي ممسلكا ً لملاله إل ّ وفلق‬
‫مصلللحته الشخصللية ل وفللق حاجللة النللاس أو البلد‪ ،‬وقللد‬
‫يكللون السللعر المرتفللع مانعللا ً للعمللال النافعللة المفيللدة‬
‫للمصلحة العامة مادام ربحها ل يسدد سعر الربا‪ ،‬في حين‬

‫‪682‬‬
‫أن المال يتدفق نحو العمال البعيدة عن المصلحة العامللة‬
‫لنها تعود بربح كثير‪.‬‬
‫وقد يسللتعمل التجللار الللذين هللم مطللالبون بالربللا الطللرق‬
‫المشللروعة وغيللر المشللروعة المؤديللة إلللى اضللطراب‬
‫المجتمع النساني والحط من الخلق النسانية وما يترتب‬
‫عليها من جرائم في سبيل كسب سعر الربا‪.‬‬
‫ج – القروض الحكومية من الداخل‪ :‬وهللي القللروض الللتي‬
‫تأخلللذها الحكوملللة ملللن أهلللالي البلد‪ ،‬فهنلللاك القلللروض‬
‫المأخوذة لغراض غير مثمرة كالحروب ‪ ،‬وهناك القللروض‬
‫ل‪ ،‬وهللذان‬ ‫المأخوذة لغراض إنسانية اجتماعية كالتجارة مث ً‬
‫النوعان يشابهان القروض الستهلكية والقروض النتاجية‪.‬‬
‫والملحظ هنا أن الحكومة تلقللي ضللغطا ً علللى عامللة أهللل‬
‫البلد بفرض الضرائب والمكوس حللتى تسللتطيع أن تللؤدي‬
‫إلى الرأسماليين )أصحاب القروض( الربللا‪ ،‬والتجللار أيض لا ً‬
‫ليللؤدون هللذه الضللرائب والمكللوس مللن عنللدهم وإنمللا‬
‫يرفعون قيمة السلع فيؤخذ الربا على وجه غير مباشر من‬
‫كل من يشتري من السوق وهو الفقير والمتوسط الحللال‪.‬‬
‫إذن الللذي يتضللرر تضللررا ً كللامل ً هللو الفقيللر فحسللب‪ ،‬لن‬
‫صاحب الغلة وأصحاب المصانع والتجار يرفعون من سللعر‬
‫نتاجهم)‪.(30‬‬
‫الربا يمنع من إنشاء المشللروعات المفيللدة للمجتمللع‪ ،‬لن‬
‫الربلا‪ :‬يعنلي أن الملال يوللد الملال ملن دون أعملال‪ ،‬أملا‬
‫العمال إذا ولللدت المللال‪ ،‬فهللذا يعنللي أن صللاحب العمللل‬
‫استفاد وكذلك المجتمع استفاد‪ ,‬وإذا طرحللت هللذه المللواد‬
‫أو تلك المنتجات أو هذه الخللدمات انخفضللت السللعار لن‬
‫توافر المواد يخفض سعرها‪ ،‬وإذا انخفض السللعر اتسللعت‬
‫شريحة المستفيدين فإذا اتسعت شريحة المستفيدين عللم‬
‫الرخاء‪ ،‬لن كل شيء يرفع السعر يضيق دائرة الستفادة‪،‬‬
‫ن الللدائرة إذا ضللاقت يقللل النتللاج والبضللائع‬‫والمشللكلة أ ّ‬
‫تتكدس في المستودعات مما يؤدي إلى انخفللاض النتللاج‪،‬‬
‫وهللذا بللدوره يللؤدي إلللى السللتغناء عللن العمللال فللتزداد‬
‫البطالة)‪.(31‬‬

‫‪683‬‬
‫وانقسللم المجتمللع إلللى طبقللتين طبقللة تملللك ول تعمللل‬
‫وطبقة تعمل ول تمللك ‪ ،‬طبقلة عاطللة علن العملل وهلي‬
‫طبقللة المرابيللن وطبقللة تعمللل ول تملللك وكللل جهللدها ل‬
‫يكفيها قوت يومها‪.‬‬
‫أضرار الربا من الناحية الجتماعية‪:‬‬
‫للربا أضرار عديدة من الناحية الجتماعية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪1‬ل الربا له أضرار أخلقية وروحية‪ ،‬لننا ل نجد من يتعامللل‬
‫بالربا إل إنسانا ً منطبعا ً في نفسله البخلل‪ ،‬وضلليق الصللدر‪،‬‬
‫وتحجر القلب‪ ،‬والعبودية للمال‪ ،‬والتكالب على المادة وملا‬
‫إلى ذلك من الصفات الرذيلة‪.‬‬
‫‪2‬ل المجتمع الذي يتعامل بالربا مجتمللع منحللل‪ ،‬متفكللك‪ ،‬ل‬
‫يتساعد أفراده فيما بينهم‪ ،‬ول يساعد أحد غيره إل إذا كان‬
‫يرجو من ورائه شيئًا‪ ،‬والطبقات الموسرة تعادي الطبقات‬
‫المعدملة‪ .‬ول يمكلن أن تلدوم لهلذا المجتملع سلعادته‪ ،‬ول‬
‫استتباب أمنه‪ ،‬بل ل بد أن تبقى أجزاؤه مائلة إلى التفكك‪،‬‬
‫والتشتت في كل حين من الحيان حيث بالربا تزرع بللوادر‬
‫الحقد والعداوة وهذا ما نشاهده اليللوم بيلن أطلراف الربلا‬
‫سواء على الصعيد الشخصي أو على الصعيد الدولي‪.‬‬
‫‪3‬ل الربا إنما يتعلق في نواحي الحياة الجتماعية لما يجري‬
‫فيه التللداين بيللن النللاس‪ ،‬علللى مختلللف صللوره وأشللكاله‪.‬‬
‫وهللذه القللروض ضللررها يعللود علللى المجتمللع بالخسللارة‪،‬‬
‫والتعاسة مدة حياته‪ ،‬سواء كانت تلك القروض لتجللارة‪ ،‬أو‬
‫لصللناعة‪ ،‬أو ممللا تأخللذه الحكومللات الفقيللرة مللن الللدول‬
‫الغنية‪ ،‬فإن ذلك كله يعود على الجميع بالخسللارة الكللبيرة‬
‫التي ل يكاد يتخلص منها ذلك المجتمع أو تلك الحكومللات‪،‬‬
‫وما ذلك إل لعدم اتباع المنهج السلمي‪ ،‬الللذي يللدعو إلللى‬
‫كل خير ويأمر بللالعطف علللى الفقللراء والمسللاكين‪ ،‬وذوي‬
‫وى َول‬ ‫الحاجات‪ ،‬قال الله تعالى‪? :‬وَت ََعاوَُنوا عََلى ال ْب ِّر َوالت ّْق َ‬
‫ديد ُ‬ ‫ه َ‬
‫شل ِ‬ ‫ن الل ّل َ‬‫ه إِ ّ‬ ‫ن َوات ُّقللوا الل ّل َ‬‫ت ََعاوَُنوا عَل َللى ال ِث ْلم ِ َوال ْعُلد َْوا ِ‬
‫ب?]المائدة‪ .[2 :‬وقال عليه الصلللة والسلللم‪» :‬مثللل‬ ‫ال ْعَِقا ِ‬
‫المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم‪ ،‬كمثل الجسد‪،‬‬
‫إذا اشللتكى منلله عضللو تللداعى للله سللائر الجسللد بالسللهر‬
‫والحمى«)‪ ,(32‬فل نجاة‪ ،‬ول خلص‪ ،‬ول سعادة‪ ،‬ول فكاك‬

‫‪684‬‬
‫من المصائب‪ ،‬إل باتباع المنهج السلمي القويم واتباع مللا‬
‫جاء به من أحكام وتعاليم‪.‬‬
‫‪4‬ل تعطيل الطاقة البشرية‪ ،‬فإن البطالللة تحصللل للمرابللي‬
‫بسبب الربا وتقاعسه عن العمللل الجللاد‪ ،‬والنتللاج المللؤدي‬
‫إلى صلح الفرد والمجتمع؛ بمللا يللوفره مللن تللوفير فللرص‬
‫أكبر لليدي العاملة‪.‬‬
‫‪5‬ل وضع مال المسلللمين بيللن أيللدي خصللومهم‪ ،‬وهللذا مللن‬
‫أخطر ما أصيب به المسلمون‪ ،‬وذلك لنهم أودعوا الفائض‬
‫من أمللوالهم فللي البنللوك الربويللة فللي دول الكفللر‪ ،‬وهللذا‬
‫اليداع يجّرد المسلمين من أدوات النشللاط‪ ،‬ويعيللن هللؤلء‬
‫الكفرة أو المرابين على إضللعاف المسلللمين‪ ،‬والسللتفادة‬
‫من أموالهم)‪.(33‬‬
‫‪6‬ل آكل الربا يحال بينه وبين أبواب الخير فللي الغللالب‪ ،‬فل‬
‫يقللرض القللرض الحسللن‪ ،‬ول ينظللر المعسللر‪ ،‬ول ينفللس‬
‫الكربة عن المكروب‪ ،‬لنه يصعب عليه إعطاء المال بدون‬
‫فوائد محسوسللة‪ ،‬وقللد بي ّللن اللله فضللل مللن أعللان عبللاده‬
‫المؤمنين ونّفس عنهم الكرب‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه قال‪» :‬مللن نّفللس‬
‫عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نّفس الله عنلله كربللة مللن‬
‫سللر الللله عليلله‬
‫سر على معسر ي ّ‬ ‫كرب يوم القيامة‪ ،‬ومن ي ّ‬
‫في الدنيا والخرة‪ ،‬ومن ستر مسلما ً ستره الله في الللدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬والله فللي عللون العبللد مللا كللان العبللد فللي عللون‬
‫أخيه«)‪. (34‬‬
‫وعن عبد الله بن عمر رضللي الللله عنهمللا أن رسللول الللله‬
‫صلّلى الللله عليلله وسلّلم قللال‪» :‬المسلللم أخللو المسلللم ل‬
‫يظلمه ول ُيسلمه‪ ،‬من كان في حاجة أخيه كللان الللله فللي‬
‫حاجته‪ ،‬ومن فّرج عن مسلم كربة فّرج الله عنه بهللا كربللة‬
‫من كرب يوم القيامة‪ ،‬ومن ستر مسلللما ً سللتره الللله يللوم‬
‫القيامة«)‪. (35‬‬
‫وثبت عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه قال‪» :‬من أنظر‬
‫معسرا ً أو وضع عنه أظله الله في ظله«)‪. (36‬‬
‫‪7‬ل الربا يقتل مشاعر الشفقة عند النسان‪ ،‬لن المرابي ل‬
‫يتردد في تجريد المدين من جميع أمواله عند قللدرته علللى‬

‫‪685‬‬
‫ذلك‪ ،‬ولهذا جاء عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنلله قللال‪:‬‬
‫»ل تنزع الرحمة إل من شقي«)‪ ,(37‬وقللال عليلله الصلللة‬
‫والسلم‪» :‬ل يرحم الله مللن ل يرحللم النللاس«)‪ (38‬وقللال‬
‫عليلله الصلللة والسلللم‪» :‬الراحمللون يرحمهللم الرحمللن‪،‬‬
‫ارحموا من في الرض يرحمكم من في السماء«)‪. (39‬‬
‫‪8‬ل الربا يسبب العداوة والبغضاء بين الفللراد والجماعللات‪،‬‬
‫ويحدث التقللاطع والفتنللة ويجلّر النللاس إلللى الللدخول فللي‬
‫مل نتائجها‪.‬‬ ‫مغامرات ليس باستطاعتهم تح ّ‬
‫وأضرار الربا ل ُتحصى‪ ،‬ويكفي أن نعلللم أن الللله تعللالى ل‬
‫ل ما فيه ضللرر ومفسللدة خالصللة أو مللا ضللرره‬ ‫يحرم إل ك ّ‬
‫ومفسدته أكثر من نفعه)‪.(40‬‬
‫وجه العجاز‪:‬‬
‫ل يشك المسلم في أن الله عز وجل ل يأمر بأمر ول ينهى‬
‫عن شيء‪ ،‬إل وله فيه حكمة عظيمة‪ ،‬فإن علمنا بالحكمللة‪،‬‬
‫فهذا زيادة علم ولله الحمللد‪ ،‬وإذا لللم نعلللم بتلللك الحكمللة‬
‫فليس علينا جناح في ذلك‪ ،‬إنمللا الللذي يطلللب منللا هللو أن‬
‫ننفذ ما أمر الله به‪ ،‬وننتهي عمللا نهللى الللله عنلله ورسللوله‬
‫ن للّربللا أضللرار‬
‫كأ ّ‬‫ص لّلى الللله عليلله وآللله وس لّلم‪ ,‬ول ش ل ّ‬
‫جسلليمة‪ ،‬وعللواقب وخيمللة‪ ،‬والللدين السلللمي لللم يللأمر‬
‫البشللرية بشلليء إل وفيلله سللعادتها‪ ،‬وعّزهللا فللي الللدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬ولم ينهها عن شيء إل وفيه شقاوتها‪ ،‬وخسللارتها‬
‫في الدنيا والخرة‪ ،‬ثم إن المصلحة هللي بتحريللم الربللا لن‬
‫أضللراره القتصللادية والسياسللية والجتماعيللة أكللثر مللن‬
‫منافعه‪ ,‬ومن ثم فإنه ل يصح القول بأن العلللة فللي تحريللم‬
‫الربا هي الستغلل أو الظلم؛ لن الظلم أو الستغلل هللو‬
‫الحكمة من تحريم الربا‪ ،‬وهناك فرق بين الحكمللة والعلللة‪،‬‬
‫فلالحكم الشلرعي يلدور ملع العللة ل ملع الحكملة وجلودا ً‬
‫وعدمًا)‪.(41‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫إن الربا ثروة مللن الفقللراء إلللى الغنيللاء‪ ،‬تصللور إنسللانا ً ل‬
‫يعمل‪ ،‬يستيقظ الساعة الثانيللة عشللرة ظهللرًا‪ ،‬لن أمللواله‬
‫مستثمرة في مشروع ربللوي وربحلله ثللابت ل يهملله نللزول‬
‫مطر أو ل‪ ،‬ول يهملله كسللاد ول يهملله رواج‪ ،‬ل يهملله تقللدم‬

‫‪686‬‬
‫المللة‪ ،‬فربحلله ثللابت‪ ،‬لللذلك فللإن أقسللى قلللب هللو قلللب‬
‫المرابي أو الذي يستثمر ماله عن طريق الربا لنه انتهازي‬
‫ل يهملله شلليء سللوى نفسلله)‪ .(42‬ومللا شللرعت الزكللاة‬
‫والصدقة وتحريم الربا إل ليعم المال جميع الناس بالعللدل‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مل ْ‬ ‫سللول ِهِ ِ‬ ‫ه عَل َللى َر ُ‬ ‫ما أَفاء الل ّل ُ‬ ‫والقسط قال الله تعالى‪ّ ? :‬‬
‫مى‬ ‫ذي ال ُْقْرَبللى َوال ْي ََتللا َ‬ ‫ل وَِللل ِ‬ ‫سللو ِ‬ ‫ل ال ُْقللَرى فَل ِّلللهِ وَِللّر ُ‬ ‫هلل ِ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن اْل َغْن ِي َللاء‬ ‫ة ب َي ْل َ‬ ‫دول َل ً‬‫ن ُ‬ ‫ي َل ي َك ُللو َ‬ ‫ل ك َل ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن َواب ْ ِ‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ه فَللانت َُهوا‬ ‫م عَن ْل ُ‬ ‫مللا ن َهَللاك ُ ْ‬ ‫ذوهُ وَ َ‬ ‫خل ُ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ب?]الحشللر‪ ,[7 :‬إنلله مللع‬ ‫ديد ُ ال ْعَِقللا ِ‬ ‫شل ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّل َ‬ ‫ه إِ ّ‬‫َوات ُّقوا الل ّ َ‬
‫ضيق المكاسب وقلة العمال ارتفعت نسبة الجللرام إلللى‬
‫عشرة أضعاف تقريبلًا‪ ،‬والعللالم الغربللي يعللاني أخطللر مللا‬
‫يعاني من البطالللة‪ ،‬بسللبب اسللتثمار المللوال عللن طريللق‬
‫الربللا‪ ,‬فللالمرابي كلأنه مصللاص اللدماء يأخلذ دمللاء النلاس‬
‫وتعبهم وعرقهم وكل جهدهم ول يكفي ذلك كله لسداد مللا‬
‫عليهم‪.‬‬
‫لقد جاء تحريم الربا بنص القرآن على لسان النللبي المللي‬
‫المين الذي ل ينطللق عللن الهللوى؛ بللل هللو مللن عنللد الللله‬
‫العظيم‪ ،‬وهذا ما أكللدته اليللوم نتاجللات الحضللارة وخللبرات‬
‫البنللوك وتجللارب المرابحيللن والتجللار؛ أن الربللا مللرض‬
‫سللرطاني يجللب أن ُيستأصللل مللن جللذوره لكللي تعيللش‬
‫الشعوب بأمان ويعم الرخاء وتنتهي البطالة ويحيى النللاس‬
‫على الحب والتآخي والشعور بالمسللؤولية تجللاه الخريللن‪،‬‬
‫حتى ننال السعادة فللي الللدارين ونعيللش معيشللة ل نضللل‬
‫مّني‬ ‫كم ّ‬ ‫ما ي َأ ْت ِي َن ّ ُ‬‫فيها ول نشقى امتثال ً لمر الله القائل‪ ? :‬فَإ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ل وََل ي َ ْ‬
‫ض‬
‫ن أعْلَر َ‬ ‫مل ْ‬ ‫شلَقى^وَ َ‬ ‫ضل ّ‬ ‫دايَ فََل ي َ ِ‬ ‫ن ات ّب َعَ هُل َ‬ ‫م ِ‬ ‫دى فَ َ‬ ‫هُ ً‬
‫ة‬
‫مل ِ‬ ‫م ال ِْقَيا َ‬ ‫شلُرهُ ي َلوْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ضللنكا ً وَن َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫شل ً‬‫مِعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ل َل ُ‬ ‫ري فَلإ ِ ّ‬ ‫عن ذِك ْ ِ‬ ‫َ‬
‫مى? ]طه‪.[124-123 :‬‬ ‫َ‬
‫أعْ َ‬
‫إعداد‪ :‬قسطاس إبراهيم النعيمي‬
‫مراجعة‪ :‬علي عمر بلعجم‬
‫)‪ - (1‬أخذا من موقع‪:‬‬
‫?‪http://www.qaradawi.net/site/topics/article.aspx‬‬
‫‪cu_no=2&item_no=2926&version=1&template_id=6&p‬‬
‫‪arent_id=12‬‬

‫‪687‬‬
‫)‪ - (2‬انظر المغني لبن قدامة ‪.6/51‬‬
‫)‪ - (3‬انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،11/8 ،‬وفتح‬
‫الباري لبن حجر‪.4/312 ،‬‬
‫)‪ - (4‬انظللر المغنللي لبللن قدامللة ‪ 6/52‬وفتللح القللدير‬
‫للشوكاني ‪.1/294‬‬
‫)‪ - (5‬البحر الرائق شرح كنز الرقائق‪ ,135 / 6 :‬وعمدة‬
‫القارئ ‪. 199 / 11 :‬‬
‫)‪ - (6‬نهاية المحتاج‪ ,409 / 3 :‬ومغني المحتاج‪. 21/ 2 :‬‬
‫)‪ - (7‬المغني‪. 51 / 6 :‬‬
‫)‪ - (8‬صللحيح البخللاري ‪ ,3/1017‬برقللم‪ ,2615 :‬وصللحيح‬
‫مسلم ‪ ,1/92‬برقم‪.89 :‬‬
‫)‪ - (9‬صحيح مسلم ‪ ،288 / 8‬برقم‪2995 :‬‬
‫)‪ - (10‬البخاري مع الفتللح ‪ 4/313‬برقللم ‪ 2083‬و ‪،4/296‬‬
‫برقم ‪ 2059‬باب من لم يبال من حيث كسب المال‪.‬‬
‫)‪ - (11‬انظر الفتح ‪.4/297‬‬
‫)‪ - (12‬البخاري ‪ ,3/11‬برقم‪ ،2085 :‬وانظر‪ :‬فتللح البللاري‬
‫بشرح صحيح البخاري ‪.4/313‬‬
‫)‪ - (13‬شرح النووي على مسلم ‪.11/9‬‬
‫)‪ - (14‬انظر شرح النووي ‪.11/9‬‬
‫)‪ - (15‬فتاوى ابن تيمية ‪ ،20/347‬وانظر‪ :‬الشرح الكللبير‪،‬‬
‫‪ ،12/11‬والنصلللاف فلللي معرفلللة الراجلللح ملللن الخلف‬
‫للمرداوي‪ ،12/11 ،‬وشرح الزركشي ‪.3/414‬‬
‫)‪ - (16‬انظر شرح النووي ‪.11/9‬‬
‫)‪ - (17‬المغني ‪.6/51‬‬
‫)‪ - (18‬انظللر المغنللي لبللن قدامللة ‪ ،6/53‬ونيللل الوطللار‬
‫للشوكاني ‪.358-6/346‬‬
‫)‪http://saaid.net/Doat/abu_sarah/98.htm - (19‬‬
‫)‪ - (20‬تفسير ابن كثير ‪.1/584‬‬
‫)‪ - (21‬الربا وأثره على المجتمع النساني للللدكتور‪ /‬عمللر‬
‫بن سليمان الشقر ص ‪.31‬‬
‫)‪ -(22‬أخلللللللللللللللللذا ملللللللللللللللللن موقلللللللللللللللللع‪:‬‬
‫‪http://www.thenewlibya.com/libyaeconmic.htm‬‬
‫)‪ - (23‬جامع البيان في تفسير آي القرآن ‪.3/67‬‬

‫‪688‬‬
‫)‪ - (24‬انظر جللامع البيللان فللي تفسللير آي القللرآن ‪،4/59‬‬
‫وفتللح القللدير للشللوكاني ‪ ،1/294‬وموطللأ المللام مالللك‬
‫‪ ،2/672‬وشرحه للزرقاني ‪.3/324‬‬
‫)‪ - (25‬أخللللللللللللللللذا ً مللللللللللللللللن موقللللللللللللللللع‪:‬‬
‫‪http://www.thenewlibya.com/libyaeconmic.htm‬‬
‫)‪ - (26‬المرجع السابق‬
‫‪http://www.balagh.com/mosoa/eqtsad/rf1059h8.htm23 -‬‬
‫‪((27‬‬
‫)‪ - (28‬أخرجلله الحللاكم فللي المسللتدرك ‪ ,2/43‬برقللم‪:‬‬
‫‪ ,2261‬والطلللبراني فلللي الكلللبير ‪ ,1/178‬برقلللم‪,460 :‬‬
‫والبيهقي في شعب اليمان ‪ ,4/363‬برقللم‪ ,5416 :‬وقللال‬
‫اللباني‪ :‬حسن لغيللره‪ ,‬انظللر‪ :‬صللحيح الللترغيب والللترهيب‬
‫‪ ,2/179‬برقللم‪ ,1859 :‬وهللو فللي صللحيح الجللامع برقللم‪:‬‬
‫‪.679‬‬
‫?‪http://www.qaradawi.net/site/topics/article.aspx‬‬
‫‪cu_no=2&item_no=2926&version=1&template_id=6&p‬‬
‫‪(arent_id=12 -(29‬‬
‫)‪ - (30‬السلم والربا‪ :‬قرشي ص ‪.221 – 220‬‬
‫)‪ - (31‬مضار الربا‪ :‬فضيلة الستاذ محمد راتب النابلسي‪.‬‬
‫)‪ - (32‬البخاري ‪ ،7/77‬برقللم‪ ،6011 :‬ومسلللم ‪,4/1999‬‬
‫برقم‪ 2586 :‬واللفظ له‪.‬‬
‫)‪ - (33‬ينظر الربا‪ ،‬وآثاره على المجتمع النساني‪ ،‬للدكتور‬
‫عمر بن سليمان الشقر‪.‬‬
‫)‪ - (34‬مسلم ‪ ,4/2074‬برقم‪.2699 :‬‬
‫)‪ -(35‬البخاري ‪ ,2/862‬برقم‪ ،2442 :‬ومسلللم ‪,4/1996‬‬
‫برقم‪.2580 :‬‬
‫)‪ -(36‬مسلم ‪ ,4/2302‬برقم‪.3006 :‬‬
‫)‪ -(37‬أبو داود ‪ ,4/286‬برقم‪ ،4942 :‬والترمللذي ‪,4/323‬‬
‫برقم‪ ،1923 :‬وقال الترمذي‪ :‬حللديث حسللن‪ ,‬وفللي بعللض‬
‫النسخ حسن صللحيح‪ ,‬قللال اللبللاني فللي صللحيح الللترغيب‬
‫والترهيب ‪ ,273 / 2‬برقم‪ ,2261:‬حسن‪.‬‬
‫)‪ - (38‬متفلللق عليللله‪ :‬البخلللاري ‪ ,8/208‬برقلللم‪،7376 :‬‬
‫ومسلم ‪ ,4/1809‬برقم‪.2319 :‬‬

‫‪689‬‬
‫)‪ - (39‬أبو داود ‪ ,4/285‬برقم‪ ،1941 :‬والترمذي ‪,4/324‬‬
‫برقللم‪ ،924 :‬وقللال اللبللاني فللي السلسلللة الصللحيحة ‪/2‬‬
‫‪ ,594‬برقم‪ ,925 :‬صحيح‬
‫)‪ - (40‬كتاب الربللا ‪ /‬أضللراره وآثللاره ‪ /‬فللي ضللوء الكتللاب‬
‫والسنة فضيلة الشيخ الدكتور ‪ /‬سعيد بللن علللي بللن وهللف‬
‫القحطاني‬
‫)‪-(41‬‬
‫‪http://www.arriyadh.com/Economic/LeftBar/Researches/‬‬
‫‪------/----------------------3.doc_cvt.asp‬‬
‫)‪ - (42‬مضار الربا‪ :‬فضيلة الستاذ محمد راتب النابلسي‪.‬‬
‫===============‬
‫‪#‬أضرار الربا‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمد لللله رب العللالمين و الصلللة والسلللم علللى سلليدنا‬
‫محمد سيد الولين والخرين وعلى آله وأصحابه أجمعيللن‪،‬‬
‫اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه يا أرحم الراحمين‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫لما تعاظم أمر الربا وانتشر وباؤه‪ ،‬حتى كاد أن يدخل كللل‬
‫بيت وتعامل به كثيرون ممن لللم يللدركوا خطللره‪ ،‬بللل لمللا‬
‫استباحه بعض المسيسين زورا ً وبهتانًا‪ ،‬كان ل بد من تبيين‬
‫المسائل الربوية حتى يتجنبها النللاس و أصللبح لزام لا ً علللى‬
‫العقلء النابهين أن يظهروا البديل الشللرعي الللذي اختللاره‬
‫الله عز وجل لسعاد البشرية لذلك تقدمت بين يللدي هللذه‬
‫الضرورة الملحة ببيان مضار الربللا و بجملللة مللن الحكللام‬
‫مبينا فيها الفرق بين مسائل البيع ومسللائل الربللا‪ ،‬فنسللأل‬
‫الله التوفيق والسداد في مبتغانا‪.‬‬
‫فالشللريعة السلللمية اعتللبرت الربللا مللن أكللبر الجللرائم‬
‫الجتماعية والدينية‪ ،‬فالربللا فللي نظللر السلللم مللن أفظللع‬
‫الجرائم وهو أساس المفاسد وهو الوجه النقيللض للصللدقة‬
‫والبر والحسان‪ ،‬فالصدقة عطاء وسماحة ‪ ،‬وهللي التعللاون‬
‫والتكافل والطهارة ‪ ...‬والربا شللح وقللذارة ودنللس وجشللع‬
‫وأنانيللة‪ .‬ويمكننللا أن نجمللل بعللض أضللرار الربللا فللي ثلث‬
‫فقرات‪:‬‬

‫‪690‬‬
‫‪ -1‬ضرر الربا من الناحية النفسية ‪.‬‬
‫‪ -2‬ضرر الربا من الناحية الجتماعية ‪0‬‬
‫‪ -3‬ضرر الربا من الناحية القتصادية‪.‬‬
‫‪ -1‬فمن الناحية النفسية فإن الربا يوّلد لدى النسان حللب‬
‫الثرة والنانية‪ ،‬فل يهمه إل مصلحته ونفعه ‪ ،‬فبذلك تنعللدم‬
‫المروءة واليثار‪ ،‬وتنعللدم معللاني الللبر و الحسللان ومحبللة‬
‫الخير للخرين‪ ،‬وتحل مكانها النانية والثرة وحللب الللذات‪،‬‬
‫وتتلشللى الروابللط الخويللة بيللن النسللان وأخيلله فيغللدو‬
‫النسان المرابي مصاص دماء ل يهملله سللوى اسللتلب مللا‬
‫في أيدي الناس ومللص دمللائهم‪ ،‬ويصللبح ذئبللا فللي صللورة‬
‫إنسان وديع ‪ ،‬وتجد أن معاني الخير والنبل والمللروءة قللد‬
‫انعدمت في قلوب الناس وحل مكانها الجشع والطمع‪.‬‬
‫‪ -2‬وأمللا ضللرر الربللا مللن الناحيللة الجتماعيللة ‪ :‬فللإنه يولللد‬
‫الكراهية والعداوة بين أفراد المجتمع ويكللون معللول هللدم ٍ‬
‫يهدم الروابط النسانية والجتماعيللة بيللن طبقللات النللاس‪،‬‬
‫ويقضللي علللى كللل مظللاهر الشللفقة والحنللان‪ ،‬والتعللاون‬
‫والحسان في نفللوس البشلر‪ ،‬بلل إنله ليللزرع فلي القلللب‬
‫الحسللد والبغضللاء‪ ،‬ويللدمر قواعللد المحبللة والخللاء ‪ ،‬ومللن‬
‫المقطللوع بلله أن النسللان الللذي ل تسللكن قلبلله معللاني‬
‫الشفقة والرحمة‪ ،‬ول يعرف معنى للخوة النسانية سوف‬
‫يعدم كل إحترام أو عطف من أبناء مجتمعه وينظرون إليه‬
‫بعين الزدراء والحتقار‪ ،‬وكفى بمن يتنللاولون مللرض الربللا‬
‫مقتا ً أنهم أعلنوا على أنفسهم الحرب من الللله عللز وجللل‪،‬‬
‫بمللا كسللبت أيللديهم مللن مللص لللدماء البشللر عللن طريللق‬
‫استغللهم حاجتهم واضطرارهم‪.‬‬
‫‪ -3‬وأما ضرر الربا من الناحية القتصادية‪ :‬فهو جلي واضح‬
‫لنه يقسم الناس الى طبقتين‪ ،‬طبقة مترفة تعيش منعمللة‬
‫مرفهة على حساب الخرين‪ ،‬وطبقة معدمللة تعيللش علللى‬
‫الفاقة والحاجة‪ ،‬والبؤس والحرمان‪.‬‬
‫فالله عللز وجللل يخللبر أولئك المتعللاملين بالربللا فيمتصللون‬
‫دماء الناس‪ ،‬بأنهم ل يقومون من قبورهم يوم القيامللة‪ ،‬إل‬
‫كما يقللوم المصللروع حللال صللرعه وتخبللط الشلليطان للله‪،‬‬
‫فيتعثر ويسقط ول يستطيع المشي سويًا‪ ،‬لن به مسا ً من‬

‫‪691‬‬
‫الشيطان‪ ،‬فهذه الحالة تلّبستهم لمللا اسللتحلوا الربللا الللذي‬
‫حرمه الله‪ ،‬فقالوا الربلا مثلل اللبيع فلملاذا يكلون حراملًا؟‬
‫وقد رد الله عليهم قولهم السقيم بللأن الللبيع تبللادل منللافع‬
‫وقد أحللله الللله‪ ،‬أمللا الربللا فهللو زيللادة مقتطعللة مللن جهللد‬
‫المدين أو لحمه وقد حرمه الله فكيف يتساويان ؟!‬
‫الللله جعللل الللبيع حلل ً وجعللل الربللا حراملا ً فقللال سللبحانه‬
‫ْ‬
‫م‬‫مللا ي َُقللو ُ‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬ ‫مللو َ‬ ‫ن الّرب َللا ل َ ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َلأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫وتعللالى ‪ " :‬ال ّل ِ‬
‫ذي‬
‫طان من الملس ذ َلل َ َ‬
‫ملا‬ ‫م َقلاُلوا إ ِن ّ َ‬ ‫ك ِبلأن ّهُ ْ‬ ‫ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫جللاَءهُ‬ ‫مللن َ‬ ‫م الّرب َللا فَ َ‬ ‫حلّر َ‬ ‫ه الب َي ْلعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّل ُ‬ ‫حل ّ‬‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫الب َي ْعُ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ّرب ّهِ َفانت ََهى فَل َ ُ‬ ‫ة ّ‬ ‫عظ َ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن " ) سللورة‬ ‫خال ِللدو ِ َ‬ ‫م ِفيهَللا َ‬ ‫ب الن ّللارِ هُل ْ‬ ‫حا ُ‬‫صل َ‬ ‫عَللاد َ فَلأوْلئ ِك أ ْ‬
‫البقرة ‪( 275 :‬‬
‫فقد رد الله عليهللم هللذه الشللبهة فالمغللايرة واضللحة بيللن‬
‫الللبيع وبيللن الربللا وهللذا مللا دلللت عليلله الللواو الللتي تفيللد‬
‫المغايرة فهي كالواو في قوله تعالى ) ومن ثمرات النخيل‬
‫والعنللاب تتخللذون منلله سللكرا ً ورزقللا ً حسللنا (‪ ،‬فللالرزق‬
‫الحسن غير السكر‪.‬‬
‫ثم توجه خطاب الله عز وجل إلى المؤمنين الذي يتخللذون‬
‫من شرع الله منهجا ً وسلوكًا‪ ،‬ينهللاهم الللله عللز وجللل فيلله‬
‫عن أكل الربا فيقول سبحانه وتعالى ) يا أيها الللذين آمنللوا‬
‫ل تأكلوا الربا أضعافا ً مضاعفة‪. (....‬فمللاذا علللى المللؤمنين‬
‫التائبين أن يفعلوا ؟! ) فإن تبتم فلكللم رؤوس أمللوالكم ل‬
‫تظلمون ول تظلمون ‪.(....‬‬
‫ثم يأتي تهديد الله عز وجل بمحق أموال المرابين ووعللده‬
‫سبحانه وتعالى بتنمية أموال التائبين فقال سبحانه وتعالى‬
‫) يمحق الله الربا ويربي الصدقات ‪ . (....‬ثم يأمر الله عللز‬
‫وجل عباده المؤمنين بالتقوى وتللرك المللوال الربويللة }يللا‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن ك ُن ُْتلل ْ‬ ‫ن الّربا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ه ْوَذ َُروا ما ب َِق َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أّيها ال ّ ِ‬
‫ه‬
‫سللول ِ ِ‬ ‫ن الل ّلهِ وََر ُ‬ ‫مل َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ح لْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَُلوا فَ لأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ن‪ ،‬فَإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫مللو َ‬ ‫ن َول ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مللو َ‬ ‫م ل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫موال ِك ُ ْ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫وَإ ِ ْ‬
‫]البقرة‪.[279-2/278 :‬‬
‫أما أولئك الذين أرادوا أن يستمروا فللي أكللل أمللوال الربللا‬
‫والتعامل فيه فقد جاء إعلن الله عز وجل بالحرب عليهللم‬

‫‪692‬‬
‫ْ‬
‫ه{‪.‬‬ ‫ن الل ّلهِ وََر ُ‬
‫سللول ِ ِ‬ ‫مل َ‬
‫ب ِ‬ ‫فقال سبحانه وتعالى }فَأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫حْر ٍ‬
‫وهذا سيد الخلق وحبيب الحق محمد بللن عبللد الللله صلللى‬
‫الللله عليلله وسلللم ‪ -‬الللذي كللان ول يللزال قللدوة المللؤمنين‬
‫الذين آمنوا بالله واليوم الخر‪ -‬يقول‪ )) :‬أل إن كل ربا ً من‬
‫ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا عمي العباس وكل‬
‫دم من دم الجاهلية موضوع ‪ ،‬وأول دم أضعه دم ربيعة بن‬
‫الحارث بن عبد المطلب((‪.‬‬
‫ويقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لعن الللله‬
‫آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه واللعن هللو الطللرد مللن‬
‫رحمة الله تعالى‪ ،‬فالربا من الكبائر كالزنا وشللرب الخمللر‬
‫ويدل على سوء الخاتمة كإيذاء أولياء الللله الصللالحين ولللو‬
‫أمواتا ً فإنه سبحانه وتعالى لم يأذن بالمحاربة إل فيهم‪.‬‬
‫وحرمة الربا تعبدية ولم يحل في شريعة قط لقوله تعللالى‬
‫) وأكلهم الربا وقد نهوا عنه ( أي في الكتب السابقة‪.‬‬
‫الربا من الكبائر فكل من يقللول إن الربللا جللائز فقللد حللل‬
‫الحرام ومن حلل الحرام متعمدا ً فهو كافر ‪.‬‬
‫والربا لغة الزيادة قال الللله تعللالى ) وتللرى الرض هامللدة‬
‫فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت( أي زادت ونمت‪.‬‬
‫وأما الربللا شللرعا ً فهللو عقللد علللى عللوض مخصللوص غيللر‬
‫معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقللد أو مللع تللأخير‬
‫في البدلين أو أحدهما وسللمي الربللا عقللدا ً لن فيله تبلادل‬
‫الموال‪ ،‬ومعنى على عوض مخصوص أي الموال الربويللة‬
‫من ذهب وفضة وبر وشعير وغير ذلك‪ ،‬أمللا المقصللود مللن‬
‫عبارة غيللر معلللوم التماثللل أي بللأن يكللون أحللد العوضللين‬
‫متفاضل ً مع العوض الخللر أو أنلله مجهللول التسللاوي معلله‪،‬‬
‫وأما قوله فللي معيللار الشللرع فهللو المكيللل فللي المكيلت‬
‫والموزون في الموزونات‪ ،‬وأمللا قللوله حالللة العقللد فل بللد‬
‫للعوضين أن يكونا متساويين حالة العقد فلو كللان العللوض‬
‫مجهول ً عنللد العقللد فل يجللوز وإن كيللل بعللد العقللد فخللرج‬
‫العوضان متماثلين لن التماثل كان مجهول ً حالة العقد‪.‬‬
‫وأم المراد بالتأخير في البدلين أو أحدهما أي فيم للو كلان‬
‫العوضان متماثلين عند العقللد لكللن لللم يتللم التقللابض فللي‬
‫المجلس بين المتعاقدين والمراد بالتللأخير كللذلك اشللتراط‬

‫‪693‬‬
‫الجل في العقد‪ .‬وبعد شللرح تعريللف الربللا نللبين أن الربللا‬
‫على ثلثة أنواع‪.‬‬
‫النللوع الول هللو ربللا الفضللل وهللو الللبيع مللع زيللادة أحللد‬
‫العوضين على الخر كبعتك دينارا ً بدينارين‪ ،‬وقللد روى هللذا‬
‫التحريم البخاري ومسلم أن رسول الللله صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم قال ل تبيعوا الذهب بالذهب إل مثل ً بمثل ول تشفوا‬
‫بعضها على بعض ول تبيعوا الورق بالورق إل مثل ً بمثل ول‬
‫تشفوا بعضها على بعض أي ل تفضلوا بعضها علللى بعللض‪،‬‬
‫وقول النبي صلى الله عليه وسلللم ل تشللفوا بعضللها علللى‬
‫بعض )أي ل تفاضلوا (‪.‬‬
‫كما أنه ل عبرة للصنعة في هذا‪ ،‬كأن بيع خاتم ذهب ووزنه‬
‫خمسة عشر غراما بخمسة عشر غراما ً من الذهب ومللائة‬
‫ليرة للصنعة فهذا ربا‪ ،‬إذ ل عبرة للصنعة وإن ذلك سيؤدي‬
‫إلى زيادة أحد العوضين وانتفاء التماثللل‪ ،‬ومللن هللذا النللوع‬
‫ربا القرض وهو أن يشترط مللا فيله نفللع للمقللرض وجعللل‬
‫من ربا القللرض لنلله لمللا شللرط فيلله نفللع للمقللرض كللان‬
‫بمنزلة أنه باعه ما أقرضه بما يزيد عليه‪ ،‬كأن قال مقرض‬
‫لمقترض أقرضتك ألف ليرة على أن تعيدها إلي بعد شللهر‬
‫ألفا ً و خمسين فكأنه باعه ألف ليرة بألف وخمسللين ليللرة‬
‫فأشبه البيع مع زيادة أحد العوضين‪.‬‬
‫وأما النوع الثاني فهو ربا اليد وهو البيع مع تأخير العوضين‬
‫أو أحدهما كأن بيع مال ربوي بمال ربوي فيه نفللس العلللة‬
‫دون أن يشترط لللذلك أجللل بنفللس العقللد‪ ،‬ولكللن يحصللل‬
‫التأخير في قبللض البللدلين أو أحللدهما عللن مجلللس العقللد‬
‫بالفعل والدليل على تحريم هذا النوع الحللديث الللذي رواه‬
‫البخاري ومسلم عن عمللر بللن الخطللاب رضللي الللله عنلله‬
‫قللال‪ :‬قللال رسللول الللله صلللى الللله عليلله وسلللم الللذهب‬
‫بالذهب ربا إل هاء وهاء‪ .‬وكلمة هللاء هللي اسللم فعللل أمللر‬
‫بمعنى خذ‪ ،‬والمراد أن يعطي كل من المتعاقدين مللا بيللده‬
‫من العوض فيحصل التقابض في المجلس كبعتك هذا المد َ‬
‫بهذا المدِ وأسلمك المد الذي بيدي ثم تسلمني المد الللذي‬
‫بيدك ويتم التقابض في المجلس‪.‬‬

‫‪694‬‬
‫أما إذا تم تأخير تسليم العوضللين أو أحللدهما عللن مجلللس‬
‫العقد فإن ذلك هو ربا اليد‪.‬‬
‫وأما النوع الثالث من أنواع الربا فهو ربا الَنساِء وهو الللبيع‬
‫لجل والنساء معناه التأخير وهو بيع مال ربوي بمال ربوي‬
‫ل‬
‫آخر فيه نفس العلة إلى أج ٍ‬
‫ومثاله‪ :‬بعتك عشرين غراما ً ذهبا ً بعشللرين ذهب لا ً وأسلللمك‬
‫العشرين بعد يومين‪.‬‬
‫والرسول صلى الله عليه وسلم قال مثل ً بمثللل و يللدا بيللد‬
‫سواًء بسواء‪.‬‬
‫ة مللن القللرءان الكريللم‬ ‫وبعد أن استعرضنا نصوصلا ً واضللح ً‬
‫والسللنة المطهللرة فللي تحريللم الربللا وبينللا أنللواعه الثلثللة‬
‫وهي ‪:‬‬
‫‪ -‬ربا الفضل‬
‫‪ -‬ربا اليد‬
‫‪ -‬ربا النساء‬
‫فل بد أن نتعرف على الشياء التي يحصللل فيهللا و يتحقللق‬
‫الربا‪.‬‬
‫فالربا ل يكون إل في الذهب والفضة ولللو غيللر مضللروبين‬
‫وفي المطعومات ل في غير ذلك‪.‬‬
‫والمراد بالمطعومللات مللا قصللد لطعللم تقوت لا ً أو تفكه لا ً أو‬
‫تداويا ً كما يؤخذ ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫الللذهب بالللذهب والفضللة بالفضللة والللبر بللالبر والشللعير‬
‫بالشللعير والتمللر بللالتمر والملللح بالملللح مثل ً بمثللل سللواءً‬
‫بسواء يدا ً بيد‪ .‬فللإذا اختلفللت هللذه الجنللاس فللبيعوا كيللف‬
‫شئتم إذا كللان يللدا ً بيللد ‪ .‬أي مقابضللة‪ ،‬فقللد نللص الحللديث‬
‫الشريف على أن الربا إنما يكون في الذهب والفضللة وإن‬
‫كانا غير مضروبين كحلي وتبر وسبائك أي ولو كان الذهب‬
‫أو الفضللة مكسللرا ً ويطلللق علللى الللذهب والفضللة اسللم‬
‫النقدين وإنما يكون الربا في الذهب والفضة لعلللة الثمنيللة‬
‫الغالبة ويعبر عنها بجوهرية الثمان غالبًا‪ ،‬وهي منتفية عللن‬
‫العروض‪ .‬وأيضا ً نص الحديث الشريف على الللبر والشللعير‬
‫والمقصللود منهمللا التقللوت فللألحق بهمللا مللا فللي معناهمللا‬
‫كالرز والحمص والذرة والماء العللذب فللإنه مطعللوم قللال‬

‫‪695‬‬
‫الله تعالى )ومن لم يطعمه فإنه مني( وأيضا ً نص الحللديث‬
‫الشريف على التمر والمقصود منه التفكه والتلأدم فللألحق‬
‫بلله مللا فللي معنللاه كالللذبيب والللتين‪ ،‬وأيضلا ً نللص الحللديث‬
‫الشريف على الملح والمقصود منه الصلح فألحق بلله مللا‬
‫في معناه من الدوية كالزعفران والزنجبيل وحب الحنظل‬
‫والكزبرة‪ .‬فالملح لصلح الطعام والدوية لصلح البدن‪.‬‬
‫أمللا المطعومللات الخاصللة بالبهللائم فقللط فل ربللا فيهللا‬
‫كالحشيش والتبن‪.‬‬
‫أما ما اشترك فيه البهائم والدميون ففيه الربللا وإن أكلتلله‬
‫البهائم كثيرًا‪.‬‬
‫أما الطعام المشترك بين الدميين والبهائم ففيه التفصلليل‬
‫التي‬
‫فالمطعوم المختص بالدميين وما يغلللب اختصاصللهم فيلله‬
‫وما يستوي فيه الدميون وغيرهم ففيه الربا‪ ،‬أما ما يختص‬
‫بغير الدميين وما يغلب في غير الدميين فل ربا فيه‪.‬‬
‫أما التفكه فالمراد به ما يؤكل لللتذاذ به كللالتحلي بحلللوى‬
‫ل أكل الفاكهة وبعد أن تعرفنا على الجناس الربوية الللتي‬
‫نص عليها الحديث الشريف فل بد أن نتعللرف علللى كيفيللة‬
‫بيع بعضها ببعض وبيع بعضها بغيره‪.‬‬
‫والمراد بالجنس كل شيئين اتفقا فلي السلم الخلاص ملن‬
‫أصل الخلقة‪ ،‬فهم جنللس واحللد فالللذهب فللي كللل أنللواعه‬
‫يعتبر جنسا ً واحدا ً والحنطة فللي كللل أنواعهللا تعتللبر جنسلا ً‬
‫واحدا ً وكل ما يتفرع عن الصل يعتللبر جنسللا تابع لا ً لصللله‬
‫فالبرغل والطحين يعتبران جنسا ً واحدا تابعا ً لصليهما وهو‬
‫ط لصللحة الللبيع ثلثللة أمللور‬‫البر‪ .‬فإذا بيع ربوي بجنسه شرِ َ‬
‫حلول و تقابض قبل تفرق ومماثلة يقينا ً ومعنى الحلول أي‬
‫ل يصح بيع جنس ربوي بجنسلله دينلًا‪ ،‬وأمللا التقللابض ففللي‬
‫المجلس ‪ ،‬ول بد من المماثلة يقينا ً وتكللون المماثلللة فيمللا‬
‫يكال كيل ً ويوزن وزنا ً وهذه المور الثلثة أخذناها من قللول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ) ل تبيعوا الللذهب بالللذهب ول‬
‫الوَرِقَ بالوَرِقَ ول البر بالبر ول الشللعير بالشللعير ول التمللر‬
‫بالتمر ول الملح بالملح إل سواء بسواء عينا بعيللن يللدا بيللد‬
‫فإن اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إن كللان يللدا ً‬

‫‪696‬‬
‫بيللد( ‪ .‬فل بللد مللن المماثلللة يقينللا فللي البللدلين كيل ً فللي‬
‫ل‬
‫ل برطل ٍ‬ ‫المكيلت كمد بمللد ووزنللا فللي الموزونللات كرطل ٍ‬
‫وعددا ً في المعدودات كخمسة بخمسة‪.‬‬
‫والجهل بالمماثللة كحقيقلة المفاضللة‪ ،‬فللو بيعلت صلبرة]‬
‫‪[1‬حنطة بصبرة أخرى ل يعلم قدر كل منهما فهذا ربا ولللو‬
‫علم تساويهما بعد ذلك‪ ،‬لن الجهللل بالمماثلللة سللبق الللبيع‬
‫فالجهل بالمماثلة كحقيقللة المفاضلللة أي كللبيع مللد بمللدين‬
‫وهذا حرام لكن لو بيع مدان من هذه الصللبرة بمللدين مللن‬
‫تلك الصبرة جاز وذلك للعلم بالتماثل حالة البيع‪.‬‬
‫والتفصيل في مسألة المكيل والموزون أنه إذا كان المللبيع‬
‫أصغر من تمرة فمكيل وإن كان أكبر من تمللرة فمللوزون‪،‬‬
‫أما إذا كان مثل التمر فبعادة بلد المبيع حاللة اللبيع‪ ،‬وقلال‬
‫أبو يوسف من الحنفية‪ :‬المعتلبر هللو العلرف مطلقلا ً وفلي‬
‫هذا رفع للحرج‪.‬‬
‫وإذا بيع ربوي بربوي غير جنسلله واتحللدا علللة كللبر بشللعير‬
‫وذهب بفضة شرط حلول و تقابض قبل التفرق ل مماثللة‪.‬‬
‫فإذا بيع مد قمح بمدي شعير أو بيع مائة غرام من الللذهب‬
‫بللألف غللرام مللن الفضللة فهللذا جللائز وذلللك للختلف فللي‬
‫الجنللس‪ ،‬كمشللتقات أصللول مختلفللة الجنللس وخلولهللا‬
‫وأدهانها ولحومهللا وألبانهللا أي أن حكللم مشللتقات الجنللس‬
‫كحكم أصولها‪ ،‬فلو بيع طحين قمح بطحين شعير يشللترط‬
‫الحلول و التقابض فقط كأصلهما تمامًا‪ ،‬وكذا فللي الخلللول‬
‫و الدهان واللحوم واللبان والبيض فيباع خل العنللب بخللل‬
‫التمر متفاضل ً بشرط الحلول و التقابض فقط‪ ،‬وكللذا بقيللة‬
‫مشتقات الصول المختلفة لختلف الجناس واتحاد العلة‪.‬‬
‫والعلة إما أن تكون علة طعم كما في البر والشللعير وإمللا‬
‫أن تكللون علللة ثمنيللة كمللا فللي الللذهب والفضللة‪ ،‬وخللرج‬
‫بمختلفة الجنس متحدته كمشتقات أنواع البر فهللي جنللس‬
‫واحد ٌ أي ل يجوز بيع دقيق الحنطللة بللدقيق الحنطللة لعللدم‬
‫تأتي المماثلة‪ ،‬أما إذا بيع جنس ربوي بجنس ربوي مختلف‬
‫مع الجنس الخر في العلة كبيع طعام بذهب أو بيع طعللام‬
‫بثوب أو بيع ثوب بثوب لللم يشللترط شلليء مللن الشللروط‬

‫‪697‬‬
‫الثلثة السابقة للختلف في الجنس والعلة‪ ،‬فالطعام علته‬
‫الطعم والذهب علته الثمنية‪.‬‬
‫وتعتللبر المماثلللة فللي الثمللر والحللب واللحللم بجفللاف لهللا‬
‫والثمر هو العنب والتمر والحب هو الحنطللة والشللعير ومللا‬
‫يلحللق بهمللا مللن ذرة وأرز وعللدس فل يصللح بيللع الحبللوب‬
‫بعضها ببعللض رطبللة بللل ل بللد مللن الجفللاف وكللذا الثمللار‬
‫واللحم فل يصح بيع رطب برطب أي ول بجاف أي ل يصح‬
‫بيع رطب بجللاف وكمللا ل يصللح بيللع حنطللة رطبللة بحنطللة‬
‫رطبة ول يصح بيع شعير رطب بشعير رطب كذلك ل يصح‬
‫بيع حنطة رطبة بحنطة جافة ول شعير رطب بشعير جاف‬
‫فل بد من المماثلة في الثمر ول بد من المماثلة في الحب‬
‫ول بد من المماثلة في اللحم ويعتبر كل ذلك بجفافها‪ .‬وقد‬
‫استثنى النبي من ذلك بيع العرايا ولكن بشرط أن ل يزيللد‬
‫المبيع عن خمسة أوسللق‪ ،‬فيقللول البللائع للمشللتري بعتللك‬
‫الرطب على النخيل بتمر علللى الرض‪ ،‬ول بللد مللن تقللدير‬
‫المماثلة حالة الجفاف‪ ،‬وقدرة الخمسة أوسق بسللبع مللائة‬
‫وخمسين كيلو غللرام وجللاء فللي مشللروعية ذلللك مللا رواه‬
‫البخاري ومسلم عن سهل بن أبي حتمللة رضللي الللله عنلله‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهللى عللن بيللع الثمللر‬
‫بالتمر ورخص في العَرِي َةِ أن تباع بخرصها]‪ [2‬يأكلهللا أهلهلا‬
‫رطبًا‪ ،‬وفي حديث آخر يرويه البخللاري ومسلللم أن رسللول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيللع العرايللا لخمسللة‬
‫أوسق أو دون خمسة أوسق والصل في ذلك سؤل النللبي‬
‫صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر فقال‪ :‬أينقص‬
‫الرطللب إذا يبللس؟ فقللالوا نعللم فنهللى عللن ذلللك‪ .‬رواه‬
‫الترمذي وغيره وصححه ‪.‬‬
‫وفيه إشارة إلى أن المماثلللة تعتللبر عنللد الجفللاف وألحللق‬
‫بالرطب فيما ذكللر طللري اللحللم فل يبللاع بطريلله ول يبللاع‬
‫طري اللحم بقديده من جنسه‪.‬‬
‫فبيع ‪10‬ك‪.‬غ لحم بقر طري بل ل ‪10‬ك‪.‬غ لحللم بقللر قديللد ل‬
‫يصح ‪.‬‬

‫‪698‬‬
‫لكن صح أن يباع قديده بقديده بل عظم ول ملح يظهر في‬
‫الوزن فبيع ‪10‬ك‪.‬غ لحم قديد بل ‪10‬ك‪.‬غ لحم قديد بل ملح‬
‫أو عظم يظهر في الوزن فإنه يصح‪.‬‬
‫ويمتنللع بيللع بللر بللبر مبلللول وإن جللف أي ل يصللح بيللع بللر‬
‫مسلوق ببر مسلوق وإن جف كبيع الفريكة بالفريكللة وبيللع‬
‫البرغل بالبرغل فإنه ل يصح وإن جللف فل تكللون المماثلللة‬
‫فيما يتخذ من حب كدقيق وخبز فل يبللاع بعضلله ببعللض ول‬
‫حبه به للجهل بالمماثلللة بتفللاوت الطحيللن فللي النعومللة و‬
‫الخبز في تأثير النار ويجوز بيع ذلللك بالنخالللة لنهللا ليسللت‬
‫ربوية فل يجوز بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطللة ول يجللوز‬
‫بيع الخبز بالخبز لن الخبز أثللرت فيلله النللار كمللا أن المللاء‬
‫في الرغيف الول يختلف عن الماء في الرغيف الثللاني ول‬
‫يجوز بيع حب الحنطللة بطحيللن الحنطللة للجهللل بالمماثلللة‬
‫ويجوز بيع ذلك بالنخالة لنها ليسللت ربويللة تقللول السلليدة‬
‫عائشة أول بدعة دخلت في السلم النخل وقللد ثبللت الن‬
‫علميا فوائد النخالة فيصللح بيللع النخالللة بالحنطللة مفاضلللة‬
‫وتكللون المماثلللة فللي دهللن السمسللم فيجللوز بيللع دهللن‬
‫السمسللم بللدهن السمسللم متمللاثل ً ول يجللوز بيللع دهللن‬
‫السمسم بحب السمسم لعدم المماثلة‪ ،‬وتكفللي المماثلللة‬
‫في العنب أو الرطب عصيرا ً أو خل ً فيجوز بيع عصير عنب‬
‫بعصير عنللب وعصللير الرطللب بعصللير الرطللب وكللذا خللل‬
‫العنب بخل العنب وخل الرطلب بخلل الرطلب لكلن ل بلد‬
‫مللن المماثللة لن مللا ذكللر حللالت كملال وكعصلير العنلب‬
‫والرطب عصير ثائر الفواكه كعصير الرمان وعصير قصللب‬
‫السللكر وتعتللبر أي المماثلللة فللي لبللن لبن لا ً بحللاله )أي لللم‬
‫يخالطه المللاء( أو سللمنا ً أو مخيضلا ً صللرفا ً أي خالصلا ً مللن‬
‫المللاء ونحللوه ويجللوز بيللع بعللض اللبللن ببعللض سللواء فيلله‬
‫الحليب وغيره ما لم يغلى بالنار‪ ،‬ويجوز بيع بعللض السللمن‬
‫ببعض‪ ،‬واللبللن يطلللق علللى الحليللب فل يجللوز بيللع حليللب‬
‫مخلوط بماء بحليب آخر لوجود الماء في الحليب كللذلك ل‬
‫يجوز بيع سمن فيه نوع من اللبن بسمن آخللر‪ ،‬ويصللح بيللع‬
‫المخيض بالمخيض و المخيض هللو مللا نللزع زبللده أي يبللاع‬
‫المخيض بالمخيض الصرف والسمن بالسمن ما لم يخلللط‬

‫‪699‬‬
‫السمن باللبن‪ .‬فل تكون المماثلة في باقي أحواله كجبن و‬
‫أقط ومصل وزبد لنها ل تخلو عن مخالطة شلليء فللالجبن‬
‫يخللالطه النفحللة]‪ ،[3‬والقللط يخللالطه المللاء ‪،‬والمصللل‬
‫يخللالطه الطحيللن‪ ،‬والزبللد ل يخلللو عللن قليللل مخيللض‪ ،‬فل‬
‫تتحقق فيها المماثلة فل يباع بعللض كللل منهللا ببعللض فللبيع‬
‫لبن بلبن يصح وبيع لبن بحليب يصح أما بيع جبن بجبللن فل‬
‫يصح ‪ ،‬ول يصح بيع مصل بمصل ول يصح بيع أقط بللأقط و‬
‫القط هو ما يتخذ من اللبن المخيض ثم يطبللخ ثللم يللترك‪،‬‬
‫والمصل ما سال من ماء القط إذا طبللخ فل يبللاع المصللل‬
‫بالمصل‪ ،‬ول يباع الزبد بالزبد‪ ،‬لنهللا ل تخلللو عللن مخالطللة‬
‫شيء فل يباع كل منها ببعللض لعللدم تحقللق المماثلللة ‪ ،‬ول‬
‫ي‬
‫ي وش ل ٍ‬ ‫تكفي المماثلة فيما أثرت فيه نار كنحو طبخ وقللل ً‬
‫وعقللد ودبللس فل يبللاع بعضلله ببعللض للجهللل بالمماثلللة‬
‫باختلف تأثير النار قوة وضعفا ً فل يباع لحم مشللوي بلحللم‬
‫مشوي ول لحم مقلي بلحم مقلي ول يباع معقللود بمعقللود‬
‫ول يباع دبس بدبس‬
‫ول يضر تأثير تمييللز ولللو بنللار كعسللل وسللمن مللذاب عللن‬
‫الشمع واللبن فيباع بعض كل منهمللا ببعللض حينئذ لن نللار‬
‫التمييللز لطيفللة أمللا قبللل التمييللز فل يجللوز ذلللك للجهللل‬
‫بالمماثلة إذا يصح بيع العسللل بالعسللل والسللمن بالسللمن‬
‫ولو أتهما عرضا علللى النللار لنلله ل بللد مللن ذلللك لحصللول‬
‫التمييز أي تمييز الشمع عللن العسللل وتمييللز السللمن عللن‬
‫اللبن ويباع بعض كل ببعللض حينئذ لن نللار التمييللز لطيفللة‬
‫أما قبل التمييز فل يجوز ذلك للجهل بالمماثلة‪.‬‬
‫وإذا جمع عقد جنسللا ربويلا ً مللن الجللانبين فللاختلف المللبيع‬
‫جنسا ً أو نوعا ً أو صفة منهما أو مللن أحللدهما‪ ،‬بللأن أشللتمل‬
‫أحدهما على جنسللين أو نللوعين أو صللفتين أشللتمل الخللر‬
‫عليهما أو على أحدهما فقط كمد عجوة ودرهم بمثلهما أو‬
‫بمدين ودرهمين أو كمللد عجللوة وثللوب بمثلهمللا أو بمللدين‬
‫وكجيد ورديء متميزين بمثلهما أو بأحدهما وقيمة الرديللء‬
‫دون قيمة الجيد كما هو الغالب فباطل‪.‬‬
‫إذا فإذا جمع عقد جنسا ً ربويا ً من الجانبين و اختلف المبيع‬
‫جنسا ً المللد جنللس والللدرهم جنللس آخللر‪ ،‬فللإذا بيللع هللذان‬

‫‪700‬‬
‫الجنسان بمثلهما كأن بيللع مللد عجللوة ودرهللم بمللد عجللوة‬
‫ودرهللم أو مللدين كللأن بيللع مللد عجللوة ودرهللم بمللدين أو‬
‫بدرهمين وكأن بيع مد عجوة ودرهم بمللدين وهللذه الصللور‬
‫الثلثللة السللابقة فللي اختلف الجنللس فل يصللح‪ ،‬أمللا فللي‬
‫اختلف النوع كأن بيع مد عجوة برني ومد عجوة صلليحاني‬
‫بمثلهما أي مد عجوة برني بمد عجللوة صلليحاني أو بمللدين‬
‫كأن بيع مد عجوة برني ومد عجوة صيحاني بمللدي عجللوة‬
‫صيحاني أو بمدين برنييين فل يصح‪.‬‬
‫ومثال اختلف الصفة كأن بيع دينار صللحيح ودينللار مكسللر‬
‫بمثلهما أي بدينار صحيح ودينار مكسر أو بدينارين كأن بيع‬
‫دينار صحيح ودينار مكسر بدينارين صحيحين أو مكسللرين‪،‬‬
‫فل يصح بيع تمر جيد ورديء بتمر جيد ورديء ول يصح بيللع‬
‫تمر جيد ورديء بتمر جيد ول يصللح بيللع تمللر جيللد ورديللء‬
‫بتمر رديء وقيمة الرديء دون قيمة الجيد كما هو الغللالب‬
‫فباطل‪ ،‬أما إذا كانت قيمة الرديء تساوي قيمة الجيد فإن‬
‫البيع يكون صحيحًا‪.‬‬
‫كأن باع تمللرا ً جيللدا ً ورديلًء ولكللن قيمللة الرديللء تسللاوي‬
‫قيمة الجيد بتمر جيد ورديء صح البيع‪.‬‬
‫وكذا لو باع مدا ً جيدا ً ومدا ً رديًء بمللدين جيللدين لن قيمللة‬
‫الرديء تساوي قيمة الجيد فيصللح كللذا لللو بللاع مللدا ً جيللدا ً‬
‫ومللدا ً ردي لًء بمللدين رديئيللن صللح كللذلك إذا كللانت قيمللة‬
‫الرديء تسلاوي قيملة الجيللد واللدليل علللى ذللك ملا رواه‬
‫مسلم عن فضالة بن عبيد قال أوتي النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بقلدة فيها خرز والقلدة ذهب والخرز غيللر الللذهب‬
‫تباع بتسعة دنانير فللأمر النللبي بالللذهب الللذي فللي القلدة‬
‫فنزع وحده ثم قال الذهب بالذهب وزنا بوزن وفللي روايللة‬
‫ل تباع حتى تفصل‪.‬‬
‫و لو لم يشتمل أحد جانبي العقد على شلليء مللم اشللتمل‬
‫عليه الخر كللبيع درهللم ودينللار بصللاع بللر وصللاع شللعير أو‬
‫بصاعي بر أو شعير وبيع دينار صللحيح وآخللر مكسللر بصللاع‬
‫تمر برنيا ً و صاع معقلي أو بصاعين برني أو معقلي جاز‪.‬‬
‫أما اذا كان الربوي تابعا ً بالضافة الللى المقصللود كللبيع دار‬
‫فيها بئر ماء عذب بمثلها فيصح‪.‬‬

‫‪701‬‬
‫ول يصح بيع اللحم بالحيوان كأن بيع لحم شاة بشاة للنهي‬
‫عن ذلك رواه الترمذي مسللندا وأبللو داوود مرسلل ً بللالنهي‬
‫عللن بيللع الشللاة بللاللحم رواه الحللاكم والللبيهقي وصللحح‬
‫إسناده‪.‬‬
‫وأخيللرا إنمللا مللر مللن تفصلليل فللي الحكللام ليللبين الفللرق‬
‫الطحيللن بيللن المسللائل الللتي تتعلللق بالربللا ومقارنتهللا‬
‫بالمسائل التي تتعلق بالبيع‪ ،‬وإن الساحة الجتماعية اليللوم‬
‫لتشللهد وللسللف بعض لا ً مللن أدعيللاء العلللم يعللودون الللى‬
‫الجاهلية الولى فيللبيحون التعامللل مللع المصللارف الربويللة‬
‫على أنها مصارف عمللل‪ ،‬وليللس فيهللا إل الربللا و إل الللذي‬
‫حاربه الله وحرمه‪ ،‬ويبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل‪.‬‬
‫وبدل ً من أن يظهر الدعاة خطورة الربا على الناس وعلللى‬
‫مجتمعللاتهم راح بعضللهم يبحللث عللن تسللهيلت للمصللارف‬
‫الربوية وكأنه لم يسمع الللى قللول الللله عللز وجللل وجللوابه‬
‫المسكت المخرس كما ورد فللي قللوله تبللارك وتعللالى ‪" :‬‬
‫ْ‬
‫ه‬‫خب ّط ُل ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّل ِ‬ ‫ما ي َُقللو ُ‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬ ‫مو َ‬‫ن الّرَبا ل َ ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬‫َ‬ ‫ذي‬‫ال ّ ِ‬
‫طان من المس ذ َل َ َ‬
‫ل الّرب َللا‬ ‫مث ْل ُ‬‫ما الب َي ْلعُ ِ‬ ‫م َقاُلوا إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫عظ َل ٌ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫مللن ّرب ّل ِ‬ ‫ة ّ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جللاَءهُ َ‬ ‫مللن َ‬ ‫م الّرَبا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه الب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَأ َ‬
‫ك‬ ‫ن عَللاد َ َفلأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ملُرهُ إ َِللى الّللهِ وَ َ‬
‫َفانتهى فَل َه ما سلل َ َ َ‬
‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََ‬
‫ن " ) سورة البقرة ‪( 275 :‬‬ ‫َ‬
‫خاِلدو ِ َ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫وقول النبي صلى الللله عليلله وسلللم لعللن الللله آكللل الربللا‬
‫وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء‪.‬‬
‫و كأني بالحبيب المصطفى صلى الللله عليلله وسلللم يحللذر‬
‫أمته فيقول يا أمة محمللد اجتنبللوا كللل جللانب مللن جللوانب‬
‫الربا‪.‬‬
‫و إذا كان علماء المذاهب الربعة قد اختلفوا في شرع من‬
‫قبلنا أهو شرع لنا ؟!‬
‫فعند المام الشافعي شرع من قبلنللا ليللس شللرعا ً لنللا‪ ،‬إل‬
‫إذا أتى ما يؤيده من كتللاب الللله عللز وجللل وأمللا الخللرون‬
‫يقولون شرع من قبلنا هو شرع ٌ لنا إذا لم يأت ما يخللالفه؛‬
‫على كل حال وعلى القولين فقد ورد فلي كتلاب اللله علز‬
‫وجل أن الربا كان محرما ً على المم السللابقة وحللرم الللله‬
‫علينا الربا وهو شرع لمن قبلنا وهو شرع لنا‪ ،‬فلللم يختلللف‬

‫‪702‬‬
‫أحد في مسألة تحريمه سللابقا ً أو لحق لًا‪ ،‬فللالله عللز وجللل‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫عندما أنزل تحريم الربا أمرنا بالتقوى فقال }يا أّيها ال ّل ِ‬
‫ن‪،‬‬ ‫مِني َ‬ ‫م لؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُل ْ‬ ‫ن الّربللا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬
‫ي ِ‬ ‫ه وَ ْذ َُروا ما ب َِق َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫آ َ‬
‫م‬‫ن ت ُب ْت ُل ْ‬ ‫سللول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫ن الل ّلهِ وََر ُ‬ ‫مل َ‬‫ب ِ‬ ‫ح لْر ٍ‬ ‫م ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ن{ ]البقللرة‪:‬‬ ‫مللو َ‬ ‫ن َول ت ُظ ْل َ ُ‬‫مللو َ‬‫م ل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫موال ِك ُ ْ‬
‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫فَل َك ُ ْ‬
‫‪ ..[279-2/278‬فالمؤمن الذي أمره الله بالتقوى ل يقرب‬
‫من عقد الربا على الطلق‪ ،‬لما في هذا العقللد مللن تجللرد‬
‫من القيم النسانية والخلق الفاضلة‪ ،‬وبنللاءا ً علللى مللا تللم‬
‫إيضاحة أخللي المسلللم الكريللم مللن تفصلليلت فقهيللة فللي‬
‫جميع فروع الربا صغيرها وكبيرها يتللبين للك زيللف وبطلن‬
‫ادعاء من يقول أن ربا البنوك مباح وهو ما يسمى بالفائدة‬
‫في عصر قلبت فيه المصطلحات فسميت الخمر مشللروبا‬
‫روحيا و سميت الربا فائدة أو عائدا ً ربحيا ً و الرد على ذلك‬
‫واضح يستطيع أي مسلم قد أولى دينه شيئا ً من اهتماماته‬
‫أو تعلم ما هو واجب عليه مما علم مللن الللدين بالضللرورة‬
‫الللتي يجللب علللى كللل مسلللم اللمللام و الهتمللام بهللا و‬
‫الحاطة بكل جوانبها فهي من ضمن أخطللر القضللايا الللتي‬
‫يحارب السلم من خللها ويتهم بالتخلف و الرجعية وعدم‬
‫مواكبللة العصللر‪ ،‬وأنهللم يزعمللون اسللتحالة وجللود نظللام‬
‫اقتصادي دولي ل يقوم على الربا‪ ،‬فالعداء الذين يمكرون‬
‫بالسلم والمسلللمين فللي كللل زمللان و مكللان يركللزون و‬
‫ل طاقاتهم من أجل تسويق النظام الربوي الللى‬ ‫ج ّ‬
‫يضعون ُ‬
‫العالم‪ ،‬و يستخدمون شتى أسللاليب الخللداع و الحيللل مللن‬
‫أجل ذلك‪ ،‬و ملن بعلض هلذه السلاليب إيجلاد صلنائع لهلم‬
‫يربللونهم علللى أيللديهم و يشللترونهم عللن طريللق المللوال‬
‫والمناصب ثم يضعونهم على منابر رسللول الللله ليتصللدروا‬
‫الفتاء‪ ،‬كفتوى إباحة التعامل مع البنوك الربويللة‪،‬وقللد ذكللر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم هؤلء المتفيهقين وحذر منهللم‬
‫في قوله )أخوف ما أخاف على أمللتي أئملة مضلللين ( ويلا‬
‫للسف نرى أنه خرج من بني جلدتنا ومن كليللات شللريعتنا‬
‫أناس يفتللون بإباحللة الربللا فيضلللون السللواد العظللم مللن‬
‫المسلللمين لنلله ل يوجللد مللن يللرد عليهللم جهللارًا‪ ،‬لنهللم‬
‫محميون بمزيلد ملن الرهلاب الفكلري فينخلدع بهلم كلثير‬

‫‪703‬‬
‫ممن لم يتفقه بأحكللام الشللريعة الغللراء ويتبعهللم أصللحاب‬
‫النفوس المريضة الذين يعتقدون أن أموالهم ستزيد بالربللا‬
‫وتنقص بالصدقات‪،‬زاعمين أن ما يقولونه وما يقدمونه من‬
‫نظريات هو الحق وهو الحضارة و النفتاح وأن ما عداه هو‬
‫التخلف و التقوقع على أحكام ٍ أكللل الللدهر عليهللا و شللرب‬
‫وليس ذلك ‪.‬‬
‫فهؤلء يريدون نسف النص ونسف الدين فقد خرجوا عمللا‬
‫اجتمعت عليه المة سابقا ً ومجمع الفقلله السلللمي لحق لا ً‬
‫من تحريم ٍ للتعامل مع البنوك الربوية ول نشللك فللي أنهللم‬
‫منافقون يظهرون ولئهم للسلللم و أيللديهم بأيللدي أعللداء‬
‫السلم الذين يدعمونهم بالمال و المناصب والشهرة و قد‬
‫أخرجللوهم علللى أنهللم فقهللاء و مجللددون ومسللتنيرون و‬
‫يجعللللون علملللاء الملللة سللللفا ً و خلفلللا ً أنهلللم ظلميلللون‬
‫ومتخلفون وهذا أيضا ما نبه عليلله النللبي صلللى الللله عليلله‬
‫وسلم فقللال )أخللاف عليكللم كللل منللافق عليللم اللسللان (‬
‫فهؤلء ي َُفّتون في عضد المة أكثر من ألف فاسق ‪.‬‬
‫والحمد لله نحن المسلمين ل نستقي أحكامنللا مللن رئيللس‬
‫المجمع الفلني ولو كان أكبر مجمع إسلللمي و ل الللدكتور‬
‫الفلني ول الشيخ الفلني نحن نستقي أحكامنا مللن كتللاب‬
‫الللله و سللنة رسللوله وإجمللاع المللة‪ ،‬فالمللة معصللومة‬
‫بمجموعها كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال )إن‬
‫الله ل يجمع أمتي على ضللة (‪.‬‬
‫وان ما تردد في الونة الخيرة هو ليس بجديللد اذا علمللت‬
‫أخي القارئ أن أكثر من ‪ %90‬من القتصللاد العللالمي هللو‬
‫بيد اليهود و إن أكثر من ‪ %99‬من القتصاد اليهودي قللائم‬
‫على الربا‪ ،‬فتصلور أن يتوقلف أكلثر مللن مليللار مسللم أي‬
‫حللوالي سللدس سللكان الرض عللن التعامللل مللع البنللوك‬
‫الربويللة فسللوف يحللدث ذلللك ضللربة قاصللمة لليهللود و‬
‫أعوانهم‪.‬‬
‫فالنظام الربوي يجعل اليهود أكثر قوة في محاربة السلم‬
‫و المسلمين‪ ،‬و يشكل دعما ً قويا ً للحملت التنصلليرية فللي‬
‫افريقية و جنوب شرق آسيا وهذا يشكل معول ً هداما ً لبناء‬
‫المسلمين و مجتمعاتهم من جلراء النظلام الربلوي‪ ،‬وبهلذا‬

‫‪704‬‬
‫علمت أخي المسلم خطورة المر وفظاعته وعرفت لماذا‬
‫أعلن الله الحرب على الربا وآكليه‪.‬‬
‫أخي المسلم عنللدما علمنللا مللا هللي المضللار الللتي يحللدثها‬
‫النظام الربوي فسللوف نتسللائل عللن الحلللول القتصللادية‪،‬‬
‫وهي كثيرة نوهنا الى كثير منها في التفريللق بيللن مسللائل‬
‫الربا و مسائل البيع السلابقة وإنلك لتجلد نظاملا ً اقتصلاديا ً‬
‫دقيقللا ً رحيمللا ً كشللركة المضللاربة و المرابحللة و الللبيع و‬
‫الشراء المبنيللة علللى الرحمللة بيللن النللاس‪ ،‬بينمللا تجللد أن‬
‫النظام الربوي يزيد الفقير فقرا ً و يزيللد الغنللي غنللى علللى‬
‫حساب إفقار الخرين‪ ،‬و يبني الكراهية و الحقد بين الناس‬
‫وما تراه اليوم من تصدع في البناء الجتماعي وتردي فللي‬
‫الخلق إنملا هلو نتيجلة لهلذا النظلام البغيلض اللذي دبلره‬
‫اليهود بليل‪ ،‬ولهذا كان لبد من إيجاد مؤسسات اقتصللادية‬
‫يقيمها الغيارى على الدين والخلق والعراض‪ ،‬تقوم على‬
‫النظام السلمي الذي يجعل المرابحللة بيللن النللاس تقويلة‬
‫لشوكة المسلمين ورفعا ً لشأن دينهم وإعزازا ً لمجتمعاتهم‬
‫بدل ً من أن يصبح المجتمع تبعا ً ذليل ً لليهود وأعوانهم الذين‬
‫يلهثللون وراء جمللع المللال وتللوظيفه فللي تقللويض دعللائم‬
‫السلم‪.‬‬
‫والمسلمون عن ذلك نيام ول حول ول قوة إل بالله العلللي‬
‫العظيم وإليك فتوى مفتي الجمهورية المصرية رحمه الللله‬
‫في تحريم فوائد البنوك عام ‪1989‬‬
‫]‪ [1‬الصبرة )كومة( بمعنى كمية غير معلومة‪.‬‬
‫]‪ [2‬بخرصها أي مقدرة بما يقابلها جاف‬
‫]‪ [3‬النفحة هي خترة الجبن وهي‬
‫===============‬
‫‪#‬مضار الربا‬
‫لفضيلة الستاذ محمد راتب النابلسي‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫الحمللد اللله رب العلالمين والصلللة والسلللم عللى سلليدنا‬
‫محمد الصادق الوعد المين ‪ ،‬اللهم ل علم لنا إل ما علمتنا‬
‫إنك أنت العليم الحكيم ‪ ،‬اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بمللا‬
‫علمتنا وزدنا علما ‪ ،‬وأرنا الحق حق لا ً وارزقنللا اتبللاعه وأرنللا‬

‫‪705‬‬
‫الباطل بللاطل ً وارزقنللا اجتنللابه ‪ ،‬واجعلنللا ممللن يسللتمعون‬
‫القللول فيتبعللون أحسللنه ‪ ،‬وأدخلنللا برحمتللك فللي عبللادك‬
‫الصالحين‪.‬‬
‫أيها الخوة الكارم ‪:‬‬
‫ل زلنا في موضوع دقيق أل و هلو "الربلا" لقلد بينلت لكللم‬
‫في الدرس الماضي‪ ،‬و هذا هو الللدرس الثللاني بينللت لكللم‬
‫في الدرس الماضي أن تسعة أعشار المعاصي تللأتي مللن‬
‫ن العللم نلور و العللم حللارس ‪ ،‬و‬ ‫كسب الرزق ‪ .‬واذكروا أ ّ‬
‫النسان عليه أن يتفقلله ‪ ،‬لنلله إذا تفقلله عللرف الحللق مللن‬
‫الباطللل والخيللر مللن الشللر و الحلل مللن الحللرام ‪ ،‬لكللن‬
‫الدرس اليوم محوره مضار الربللا‪ ،‬و قبللل أن نتحللدث عللن‬
‫مضار الربا ل بد من مقدمللة قصلليرة و هللي ‪ :‬أن المللؤمن‬
‫الحق إذا علم أن كل أمر تلقاه عن الله عللز وجللل أو عللن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلللم وإذا ثبللت لللديه أن هللذا‬
‫أمر الله و أن هذا أمر النبي عليه الصلللة و السلللم فهللذه‬
‫هي الوسيلة الوحيدة التي تقنعلله بللالكف عللن كللل مللا هللو‬
‫حرام ‪ ،‬لكللن إذا بحثنللا عللن حكمللة التشللريع و عللن مضللار‬
‫المعاصي و عن فوائد الطاعات فهذا من أجل الدعوة إلى‬
‫الله بشفافية ووضوح ‪ ،‬المؤمن مللا دام أن الللله عللز وجللل‬
‫قد أمره و نهاه‪ ،‬فالمر والنهلي عللة كافيللة لتبلاع الملر و‬
‫لجتناب النهي ‪ ،‬لن المر تنبع قيمتلله مللن قيمللة المللر ‪ ،‬و‬
‫المر هو الله و المر هو الخالق ‪ ،‬على كل ليس هناك من‬
‫مانع أن نبحث في الحكم ليزداد اليمان قال تعالى‪:‬‬
‫)سورة البقرة (‬
‫ليس هناك مللن مللانع أن نبحللث فللي الحكللم لنسللتطيع أن‬
‫ندعوَ إلى الله لن الدعوة المعللللة الللتي تللدعمها الدلللة و‬
‫الشواهد الواقعية أجدى وأقللوى ‪ ،‬فيمكللن أن تللأمر النللاس‬
‫بأمر الله عز وجل وأن تنهاهم عما نهى الله عنه أما حينما‬
‫تقدم التحليللل الللدقيق و الفللوائد العظيمللة المترتبللة علللى‬
‫طاعلة اللله علز وجلل و النتلائج الخطيلرة اللتي تنتلج ملن‬
‫معصية الله عز وجل فهذا من شأنه أن يقنع الناس بأحقية‬
‫هذا الدين ‪.‬‬

‫‪706‬‬
‫وبعد ‪ ،‬فمضار الربا أيها الخللوة أكللثر مللن أن تحصللى كمللا‬
‫بينت لكم فللي درس سللابق ‪ ،‬فالمعصللية يكللبر حجمهللا إذا‬
‫كللبر خطرهللا هنللاك صللغائر و هنللاك كبللائر ‪ .‬فكلمللا ازداد‬
‫الخطر الللذي ينتللج عللن المعصللية يللزداد حجللم المعصللية ‪،‬‬
‫وكلما قللل الخطللر الللذي ينجللم عللن المعصللية يقللل حجللم‬
‫المعصية ‪ ،‬فما من آيللة بللالقرآن الكريللم ومللا مللن معصللية‬
‫ذكرت في القرآن الكريم توعد الله مرتكبيهللا بحللرب مللن‬
‫الله ورسوله كمعصية الربا ‪ ،‬المعصية الوحيللد الللتي توعللد‬
‫الله مرتكبها بحرب من الله ورسللوله هللي معصللية الربللا ‪،‬‬
‫لمللاذا ؟ لن هللذه المعصللية لهللا آثللار سلليئة فللي المجتمللع‬
‫بأكمله‪ ،‬يعني مجتمع بأكمله يمكن أن يضطرب ‪ ،‬يمكن أن‬
‫يدمر ‪ ،‬يمكن أن ينسحق من خلل هذه المعصية الخطيرة‬
‫التي تفشت بالعالم كله ‪.‬‬
‫أول نتيجة خطيرة من نتائج معصللية الربللا ‪ ،‬أن الربللا يمنللع‬
‫مللن إنشللاء المشللروعات المفيللدة للمجتمللع‪ ،‬والنسللان‬
‫بالسللاس يريللد أن يسللتثمر مللاله ليأخللذ منلله عللائدا ً يعللود‬
‫عليه ‪ ،‬فهذا الستثمار إما أن يكون في مشللروعات نافعللة‬
‫وإما أن يكون عن طريق الربا ‪.‬‬
‫الصل أن المال إذا وّلدته العمال فهذه مشروعات بنللاءة‬
‫ومفيدة وتعللود بللالخير علللى المجتمللع كلله‪ ،‬أمللا المللال إذا‬
‫ولده المال فقط فهذا هو الربا ‪.‬‬
‫الربا ‪ :‬يعني أن المال يولللد المللال مللن دون أعمللال ‪ ،‬أمللا‬
‫العمللال إذا ولللدت المللال ‪ ،‬فهللذا يشللير إلللى أن صللاحب‬
‫العمل الذي ولد المال استفاد وكذلك المجتمع استفاد ‪.‬‬
‫أيّ مشللروٍع زراعللي ‪ ،‬أيّ مشللروٍع صللناعي ‪ ،‬أي مشللروع‬
‫تجاري ‪ ،‬أي مشروع خدمات مع أن أصحابه يربحللون لكللن‬
‫هللم يطرحللون خللدماتهم أو بضللائعهم أو منتجللاتهم علللى‬
‫تنوعهللا فللي المجتمللع وإذا طرحللت هللذه المللواد أو تلللك‬
‫المنتجات أو هذه الخدمات انخفضت السعار وهذه قاعللدة‬
‫صللحيحة ‪ ،‬والشللواهد كللثيرة جللدا ً ‪ ،‬عنللدنا قاعللدة وهللذه‬
‫القاعدة أشرت إليها في الدرس الماضي تصللور مخروط لا ً‬
‫ومحللللورا ً ‪ .‬هللللذا المخللللروط هللللو مؤشللللر السللللعار ‪،‬‬
‫والدوائرمتعاقبة وأوسع دائرة في القاعدة ثللم تصللغر هللذه‬

‫‪707‬‬
‫الدوائر إلى أن تتلشى في القمة ‪ ،‬الدوائر تمثل الشللرائح‬
‫منَتجة أو هذه‬ ‫المستفيدة من هذه السلعة أو هذه المادة ال ُ‬
‫الخدمللة ‪ ،‬والمحللور يمثللل ارتفللاع السللعر ‪ ،‬وكلمللا ارتفللع‬
‫السعر ضللاقت شللريحة المسللتفيدين منلله ‪ ،‬وهللذه قاعللدة‬
‫ذهبية ‪.‬‬
‫توافر المواد يخفض سعرها ‪ ،‬وإذا انخفض السعر اتسللعت‬
‫شريحة المستفيدين فإذا اتسعت شريحة المستفيدين عللم‬
‫الرخللاء ‪ ،‬هنللاك بعللض المللواد حينمللا كللانت ممنوعللة كللان‬
‫سللمح باسللتيرادها وأصللبحت مبذولللة‬ ‫سعرها مضاعفا ً فلما ُ‬
‫بين أيدي الناس انخفض سعرها إلى النصف ‪.‬‬
‫النسان حينما يوظف أمواله في مشروعات إنتاجية يسهم‬
‫بشكل أو بللآخر بخفللض السللعار ‪ ،‬والسللعار إذا انخفضللت‬
‫اتسلللعت شلللريحة المسلللتفيدين فلللإذا اتسلللعت شلللريحة‬
‫المستفيدين عم الرخاء ‪.‬‬
‫فلو أن إنسانا ً أسس مشروعا ً بقرض ربللوي هللل يسللتطيع‬
‫أن يبيع سلعته بسعر يساوي سعر مشروع أسس من دون‬
‫قللرض ربللوي ‪ ،‬سللؤال دقيللق ؟ فهللذان مشللروعان بحجللم‬
‫واحد ‪ ،‬في اختصاص واحد ‪ ،‬بسلعة واحدة ‪.‬‬
‫مشروع أسس بقرض ربوي بحسب التكللاليف وأحللد هللذه‬
‫ح‬‫ش رب ل ٍ‬
‫ضللع هللام َ‬ ‫ض لعَ التكللاليف وو َ‬
‫التكللاليف الفللائدة ‪ ،‬وَ َ‬
‫ح السلعة في السوق ‪.‬‬ ‫وطر َ‬
‫المشروع الثاني القرض حسن غير ربوي ‪ ،‬وضعَ التكللاليف‬
‫ي‬
‫ح السلللعة فللي السللوق أ ّ‬ ‫ضللع هللامش الربللح وطللر َ‬ ‫وو َ‬
‫السلعتين أعلللى سللعرا ً ؟ سلللعة المشللروع الربللوي ‪ .‬هللذا‬
‫بشكل مبسط‪.‬‬
‫أيّ مشروع بني على قللرض ربللوي يطللرح سلللعه بأسللعار‬
‫مرتفعة ‪ ،‬الربا من هللذه الزاويللة يسللهم برفللع السللعر وإذا‬
‫أسهم برفع السعر قلت نسبة المنتفعيللن وإذا قلللت نسللبة‬
‫المنتفعين اضطر المنتج أن يخفللض إنتللاجه ‪ ،‬انظللروا إلللى‬
‫هذه الحلقة المفرغة ‪ ،‬انخفض النتاج ‪.‬‬
‫هناك قصة ترويها كتب القتصللاد ‪ ،‬الكسللاد الخطيللر الللذي‬
‫كان في عام ألف وتسعمئة وثمانية وثلثين والذي كان في‬
‫أوربا ‪ ،‬طفل صغير كاد َ يموت مللن الللبرد سللأل أبللاه ‪ :‬أيللن‬

‫‪708‬‬
‫ت ؟ فوالده فصل من عمله لماذا ؟ لنلله يوجللد‬ ‫الفحم يا أب ِ‬
‫كسلاد بللالفحم فلي المنلاجم ول يوجللد بيللع فاسلتغنوا عللن‬
‫العمال ‪ ،‬فلما سأل البن أباه لماذا ل يوجللد عنللدنا فحللم ؟‬
‫قال يا بني لكثرة الفحم ‪ ،‬ليس عندنا فحم نتدّفأ به لللوفرة‬
‫ن سللعره مرتفللع‬ ‫الفحم في المعامللل ‪ ،‬فللالفحم متللوافر ل ّ‬
‫فصار كساد وصارت بطالة ‪ ،‬والذي ترك عمللله ليللس فللي‬
‫إمكانه أن يشتري فحما ً يتدّفأ به ‪.‬‬
‫القضية خطيرة جدا ً قضية قوانين اقتصادية ‪ ،‬هللذا المحللور‬
‫المخروط ؛ انتبهوا إليلله ‪ ،‬كللل شلليء يرفللع السللعر يضلليق‬
‫ن اللدائرة إذا ضلاقت يقللل‬ ‫دائرة السلتفادة ‪ ،‬والمشللكلة أ ّ‬
‫النتللاج والبضللائع تتكللدس فللي المسللتودعات ويخفضللون‬
‫النتللاج وإذا خفللض النتللاج اسللتغنوا عللن العمللال ووقعللت‬
‫بطالة‪.‬‬
‫أخطر شيء فللي الربللا أنلله يصللرف النللاس إلللى اسللتثمار‬
‫أموالهم بطريقة الربللا المريحللة ويبعللدهم عللن اسللتثمارها‬
‫بالمشروعات الناجحة هذا أول شيء ‪ ،‬كانوا قبللل سللنوات‬
‫عديللدة يقيسللون قللوة الدولللة القتصللادية بمللدى التغطيللة‬
‫الذهبية لعملتها الورقية وهذا المقياس أصبح فاسللدا ً ‪ ،‬أمللا‬
‫الن فالقوة القتصادية في أمة هي القدرة علللى النتللاج ‪،‬‬
‫إذا كان عندها منتجات وتصدر أكثر مما تستورد فهذا البلللد‬
‫أو هذه المة قوية ‪ ،‬إذا ً الربا يسهم فللي صللرف المللوال ل‬
‫إلللى مشللروعات إنتاجيللة نافعللة‪ ،‬بللل إلللى السللتثمار عللن‬
‫طريق الفائدة وهللذا يسللهم فللي رفللع السللعار وفللي قلللة‬
‫المسلتفيدين ملن منتجلات زراعيلة أو صلناعية أو خلدمات‬
‫وهذا يؤدي إلى البطالة ‪.‬‬
‫أحد العلمللاء القتصللاديين فللي العللالم الغربللي يقللول ‪ :‬إن‬
‫ارتفاع سعر الربا يجعل الناس كسالى ‪.‬‬
‫تصور إنسللانا ً ل يعمللل ‪ ،‬يسللتيقظ السللاعة الثانيللة عشللرة‬
‫ظهرا ً ‪ ،‬لن أمللواله مسللتثمرة فللي مشللروع ربللوي وربحلله‬
‫ثابت ل يهمه نزول مطر أو ل ‪ .‬ويقول بل مطللر أفضللل ول‬
‫يهمه كساد ول يهمه رواج ‪ ،‬ل يهملله تقللدم المللة ‪ ،‬فربحلله‬
‫ثللابت ‪ ،‬لللذلك أقسللى قلللب هللو قلللب المرابللي أو الللذي‬
‫يستثمر ماله عن طريق الربا لنه ل يوجد عنده مشكلة ‪.‬‬

‫‪709‬‬
‫أما المزارع ؛ فقد أقسم لي بعضهم أن بعللض المزارعيللن‬
‫حينما هطلت المطار انهمرت مع المطار دمللوعهم فرح لا ً‬
‫بهذه المطار ‪ ،‬ترى المزارع متعلقلا ً برحمللة الللله ‪ ،‬التللاجر‬
‫يشتري البضاعة ويقول ‪ :‬يا جبار تخرج من أعمللاق قلبلله ‪،‬‬
‫مرة قلللت لتللاجر هللذا القمللاش جميللل فقللال لللي ‪ :‬ليللس‬
‫القماش جميل ولكن الذي يباع هو الجميل ‪.‬‬
‫المرابي بما أن ربحه ثابت ودخله ل يهزه شلليء ‪ ،‬ل قحللط‬
‫السماء ول كساد البضاعة ول قانون ول شيء آخر ‪ ،‬فقلبه‬
‫س‪.‬‬‫قا ٍ‬
‫فلو فرضنا أنك ممنوع بمجتمع مسلم أن تستثمر مالللك إل‬
‫في المور النتاجية ‪ ،‬وأنللك ممنللوع عليللك اسللتثمار المللال‬
‫بالربا ‪ ،‬فعندئذ ليس لديك إل منفذ واحللد وهللو المشللاريع ‪،‬‬
‫وكل مشروع يعين على الرخاء ويعين على توافر الحاجات‬
‫‪ ،‬لن أصللحاب المللال اسللتثمروا أمللوالهم فللي مشللاريع‬
‫نافعة ‪ ،‬دمشللق تعللاني أزمللة مواصلللت حللادة جللدا ً يقللول‬
‫المواطن ‪ :‬انتظرت ساعة ولم أجد سيارة ‪ ،‬هللذه المللوال‬
‫الضخمة التي استثمرت بالنقل ‪ ،‬هللذه الحللافلت الصللغيرة‬
‫أصحابها ربحوا أو لم يربحوا ‪ ،‬لكّنهم حلوا مشللكلة وأصللبح‬
‫تنُقل الناس ببساطة وسهولة ‪ ،‬قال لي واحد ‪ :‬على بعللض‬
‫الخطوط مئتان وسبعون حافلة وإذا اصطفت وراء بعضللها‬
‫تمل الخط بكامله ‪ ، ،‬عندما المال يستثمر في مشللروعات‬
‫إنتاجية أو خدمات يعم الخير على الناس كلهم‪ ،‬تكاد تكللون‬
‫أزمة المواصلت حلت في دمشق نهائيا ً عللن طريللق هللذه‬
‫السلليارات ‪ ،‬تصللوروا أصللحاب هللذه السلليارات لللو أخللذوا‬
‫أموالهم ووضعوها في بنوك أجنبية وجاءتهم الحوالت كللل‬
‫شهر بالعملة الصلعبة وأنفقوهلا عللى حاجللاتهم الشخصلية‬
‫من دون أن يشعروا أن لهم علقة فالزمة تزداد إحكامًا‪.‬‬
‫المال إذا ولد المال عم الشقاء والعمال إذا ولدت المللال‬
‫عم الرخللاء ‪ ،‬عنللدنا خيللاران ‪ :‬إمللا أن تسللتثمر هللذا المللال‬
‫بالطرق الربوية وإمللا أن تسللتثمرها بالمشللاريع النتاجيللة ‪،‬‬
‫تقول لي ‪ :‬أعمال الِعمارة جيدة ‪ ،‬وتاجر العمار يقدم بيوتا ً‬
‫للناس وكلمللا كللان متجاوبلا ً مللع حاجللاتهم أفللاد واسللتفاد ‪،‬‬
‫ب يحتاج إلى غرفتين ويريد أقل سللعر ممكللن ‪ ،‬وأنللا‬ ‫والشا ُ‬

‫‪710‬‬
‫أرجو الله عز وجل أن يتجه تجار البناء إلى إنشللاء وحللدات‬
‫سكنية صغيرة جدا ً تلبي حاجة الشباب الفقراء يعني بأقللل‬
‫تكلفللة ممكنللة ‪ ،‬إنشللاء مشللاريع سللكنية وإنشللاء مشللاريع‬
‫زراعية وتجارية ومشاريع صناعية ومشاريع خدميللة ‪ ،‬كّلهللا‬
‫تنهض بالمة ونحن عندنا قاعدة يجب الخللذ بهللا ‪ ،‬ل يجللوز‬
‫أن يلد المال المال ‪ ،‬والمال ل يولد إل من خلل العمال ‪،‬‬
‫وإذا اتجلله المللال إلللى أن ينمللو مللن خلل الربللا والفللوائد‬
‫تعطلللت العمللال وقل ّللت الخللدمات وقلللت السلللع وقلللت‬
‫المنتجات وارتفعت السعار وانقسم المجتمع إلى طبقللتين‬
‫طبقللة تملللك ول تعمللل وطبقللة تعمللل ول تملللك ‪ ،‬طبقللة‬
‫عاطلة عن العمل وهي طبقة المرابيللن وطبقللة تعمللل ول‬
‫تملك و كل جهدها ل يكفيها قللوت يومهللا ‪ ،‬لللذلك الجللانب‬
‫حكموا عقولهم وقالوا ‪ :‬إن ارتفاع سعر الربا يجعل الناس‬
‫كسالى في مهنهم ويصيرون مرابين ‪ .‬أمللا انخفللاض سللعر‬
‫الربا فإنه يتيح فرصة لتطوير العمال والصناعة والزراعللة‬
‫وينفخ الروح في صناعتنا الميتة ‪.‬‬
‫مفكر غربللي ل علقللة للله بللالقرآن ول بالربللا ول بللالتحريم‬
‫لكن من زاويللة موضللوعية رأى أن الربللا إذا عللم المجتمللع‬
‫أوقعنا في شر أعمالنا ‪.‬‬
‫أحد الشيوخ العلماء يقول ‪ :‬إذا جرى نمو المال عن طريق‬
‫الربا أفضلى إلللى تللرك الصللناعات و الزراعللات اللتي هلي‬
‫أصول المكاسب ‪ ،‬فلدينا بديلن إما أن تستثمر المال عللن‬
‫طريق الربا ‪ ،‬ويتخلف فينا كللل شلليء ‪ ،‬وإملا أن تسلتثمره‬
‫عن طريق مشاريع نافعة فنرقى جميعا ً بها ‪.‬‬
‫المام الفخر الرازي يقول ‪ :‬الله تعالى إنما حرم الربا مللن‬
‫حيث إّنه يمنع الناس من الشللتغال بالمكاسللب وذلللك لن‬
‫صللاحب الللدراهم إذا تمكللن عللن طريللق عقللد الربللا مللن‬
‫تحصيل الدراهم الزائدة نقدا ً أو نسيئة خف عليلله اكتسللاب‬
‫المعيشلللة فل يكلللاد يتحملللل مشلللقة الكسلللب والتجلللارة‬
‫والصناعة الشاقة ‪.‬‬
‫والنسان إذا كان غير مؤمن فليس معقول ً أن يبلذل جهللدا ً‬
‫شاقا ً ويتحمل مخاطر شللديدة حللتى يربللح بالمللائة خمسللة‬
‫ن أيّ بنللك أو أيّ مصللرف فللي‬ ‫عشر أو عشرين في حين أ ّ‬

‫‪711‬‬
‫بعض الدول الجنبية يقدم له هذا الربح نظير إيداع أمللواله‬
‫عنده ‪ ،‬ثم يقول لك أأنا مجنون لكي أعمللل ‪ ،‬أجللل ؛ هكللذا‬
‫يقول ‪.‬‬
‫مر أمواله عن طريق الربا مجتمع متخلف‬ ‫المجتمع الذي تث ّ‬
‫بينمللا المجتمللع الللتي تثمللر أمللواله عللن طريللق المشللاريع‬
‫الصناعية والزراعية والخدمية مجتمع متطور ومجتمع ينمو‬
‫‪ ،‬والقاعللدة كلمللا تللوافرت السلللعة انخفللض سللعرها وإذا‬
‫انخفض سعرها كثر المنتفعون بها وإذا كثر المنتفعللون بهللا‬
‫عم الرخاء في المجتمع وفي القرآن الكريللم آيللات دقيقللة‬
‫قال تعالى }ما أ ََفاء الل ّه عََلى رسول ِه م َ‬
‫ل ال ُْقَرى فَل ِل ّل ِ‬
‫ه‬ ‫ن أه ْ ِ‬ ‫َ ُ ِ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن َواب ْ ِ‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬‫مى َوال َ‬ ‫ذي الُقْرَبى َوالي ََتا َ‬ ‫ل وَل ِ ِ‬ ‫سو ِ‬ ‫وَِللّر ُ‬
‫ل‬ ‫سللو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫مللا آت َللاك ُ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫من ُ‬
‫كل ْ‬ ‫ن اْل َغْن َِيلاء ِ‬‫ة ب َْيل َ‬ ‫دول َ ً‬ ‫ن ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ي َل ي َ ُ‬ ‫كَ ْ‬
‫ديد ُ‬‫شل ِ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّل َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ه فَللانت َُهوا َوات ُّقللوا الل ّل َ‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬ ‫ذوهُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬‫فَ ُ‬
‫ب{ )‪ (7‬سورة الحشر‬ ‫ال ْعَِقا ِ‬
‫المال أخطر ما فيه أن يتجمع فللي أيلدٍ قليللةٍ ‪ ،‬ويمكللن أن‬
‫نقول إذا تجمعت الكتلة النقدية بين أيدي الناس ول أعرف‬
‫كم هي ‪ ،‬قد تقول لي خمسة آلف مليون أو أكثر‪ ،‬والرقم‬
‫كبير جدا ً فالمشكلت الجتماعية والقتصادية تطغللى لكللن‬
‫هللذه الكتلللة إذا كللانت موزعللة فللي أوسللع شللريحة فنحللن‬
‫بخير ‪ ،‬أما إذا تجمعت في أقل شريحة فالشقاء يعم ‪ ،‬أمن‬
‫ن واحدا ً يملك مليون لا ً ومليللون ل يملكللون واحللدا ً ‪،‬‬ ‫العدل ا ّ‬
‫وهللذا سللبب كللل المشللكلت والضللطرابات والثللورات‬
‫وأعمال العنف ‪.‬‬
‫حدثني أخ كريم يعمللل فللي المللن الجنللائي أنلله مللع ضلليق‬
‫المكاسب وقلة العمال ارتفعت نسبة الجرام إلى عشرة‬
‫المثال تقريبا ً ‪ ،‬والعالم الغربي يعاني أخطر ما يعللاني مللن‬
‫البطالللة ‪ ،‬بأرقللام دقيقللة جللدا ً خمسللة ملييللن أو عشللرة‬
‫ث عشللرةَ مللن‬ ‫ملييللن إلللى درجللة أن النسللبة بالمللائة ثل َ‬
‫القوى العاملة بل عمل بسبب استثمار الموال عن طريلق‬
‫الربا ‪.‬‬
‫أما إذا استثمرت عللن طريللق المشللروعات عللم الرخللاء ‪،‬‬
‫وهذه أول نقطة ‪ ،‬المال إما أن تستثمره عن طريلق الربللا‬
‫أو عن طريق المشاريع النتاجية ‪ ،‬في الحالة الولى يؤدي‬

‫‪712‬‬
‫الربا إلى تخلللف المللة وبالحالللة الثانيللة تتقللدم المللة عللن‬
‫طريق الرخاء القتصادي ‪.‬‬
‫بعض علماء الغرب يقول ‪ :‬إلغاء نظام الربللا يوسللع نطللاق‬
‫الستثمار ‪.‬‬
‫الشيء الثاني أن الربا أحد أسباب البطالللة وهللذه أشللرت‬
‫إليها في الدرس الماضي ‪ ،‬فل تتصللور مشللروعا ً تجاري لا ً أو‬
‫صناعيا ً إل وآلف المصالح متعلقة به ‪ ،‬عندك محللل صللغير‬
‫فل بد من فواتير إذا ً فل بد ملن مطبعلة و المطبعلة تحتلاج‬
‫إلى خطاط والخطللاط يريللد زنغللوغراف والمطبعللة تحتللاج‬
‫إلى ورق ‪ ،‬فل بد من الستيراد والمسللتورد يريللد محاسللبا ً‬
‫والمحاسلللب يحتلللاج قرطاسلللية والقرطاسلللية‪ ...‬عملللل‬
‫متسلسللل ‪ ،‬عنللدما أنللت تقيللم مشللروعا ً يجللب أن ُتش لّغل‬
‫عشرات اللوف وأنت ل تللدري فللأنت مضللطر أن تشللتري‬
‫ت ‪ ،‬تريد شاحنة والشاحنة لها من يصلحها‬ ‫حاجات ‪ ،‬وخدما ٍ‬
‫من حين إلى آخر وتحتاج زيتا ً وقطع غيللار والللذي يصلللحها‬
‫لك عنده موظفون يعطيهم معاشللات ‪ ،‬فالللدولب إذا ً دائم‬
‫الحركة ‪.‬‬
‫ذات مرة قلت لكم إنه لفت نظري شخصان فللي مكللان ‪،‬‬
‫أحدهما صاحب معمللل تطريللز ‪ ،‬قللال للخللر ‪ :‬بعنللا السللنة‬
‫الماضية بيعا ً مذهل ً ‪ ،‬فسأله ‪ :‬ما السبب ؟ قال له ‪ :‬كللانت‬
‫أمطاٌر غزيللرة فللي الحسلكة و فلي الجزيللرة ‪ ،‬وهللو يصللنع‬
‫قماش تطريز و هذا بيعلله قليللل جللدا ً ‪ ،‬و لكللن لن النتللاج‬
‫الزراعي وفير جدا ً فالفلح عنللدما اغتنللى اشللترى لزوجتلله‬
‫أقمشة من الدرجة العالية ‪ ،‬إذا ً الحركة عبللارة عللن عجلللة‬
‫إذا دارت فكل شيء يدور معهللا ‪ ،‬فللأول أضللرار الربللا أنلله‬
‫يسهم فللي البطالللة ‪ ،‬المرابللي ل يوجللد عنللده غيللر حركللة‬
‫واحدة أن يضع المال بالمصرف و يأخذ إيصال ً و يقبللع فللي‬
‫بيته ‪ ،‬ل يريد محاسبا ً و ل يريد شاحنة و ل يريد مطبعة و ل‬
‫يريد فواتير ول يريد أي شيء آخر ‪ ،‬حينمللا أودع مللاله فللي‬
‫المصرف و قبع في بيته يتقاضى الفوائد وقد يقللول لللك و‬
‫الله ‪ :‬الحمد لله عندي دخل أعلللى مللن حللاجتي بكللثير ‪ ،‬و‬
‫هنللاك نقطللة هامللة ‪ ،‬هللي نقطللة خطيللرة جللدا ً وهللي ‪ :‬أن‬
‫النسان عندما يعمل يحقق وجوده ‪ ،‬والقابع في بيته تجده‬

‫‪713‬‬
‫في خلف مع زوجته ‪ ،‬وكل يوم هناك عراك طوال النهار ‪،‬‬
‫تطلب منه مغادرة البيت ‪ ،‬وأن يتغيب عن المنللزل لتتفللرغ‬
‫للعمللل مللن دون تللدخلته ‪ ،‬فالعمللل يحقللق ذات النسللان‬
‫وعندئذ كل إنسان يأخذ دوره الحقيقي بالمجتمع ‪.‬‬
‫إذا ً الربا يسهم في انتشار البطالة وهناك أرقام مخيفة في‬
‫بريطانيا فعدد العاطلين عللن العمللل ثلثللة ملييللن شللخص‬
‫بنسبة أربعة عشر بالمائة من مجموع العمال ‪ ،‬طبعلا ً هلذه‬
‫الحصاءات كثيرة جدا ً والن الغللرب يعللاني مللن مشللكلت‬
‫كثيرة ‪ ،‬وأسبابها ‪:‬‬
‫أول ً ل الربا ‪.‬‬
‫وثانيا ً ل حلول اللة محل النسان ‪.‬‬
‫فمثل ً كنا لكل نول نريد عامل ً يراقبه ‪ .‬وباللة تم السللتغناء‬
‫عن آلف العمال ‪.‬‬
‫حدثني أخ كان بفرنسا قال للي ملائة نلول تراقبهلا كلاميرا‬
‫تلفزيونية واحدة فإذا كان في معمل ألف نول ‪ ،‬عوضا ً عن‬
‫ألف عامل يكفي خمسلة عملال و مراقلب علللى الشاشلة‬
‫فقللط ‪ ،‬وكللذلك التقللدم التكنولللوجي الحللديث جللدا ً سللاهم‬
‫بالبطالة ‪ ،‬يقولللون إن أحللد الكتللاب عمللل عمل ً فنيلا ً أدبي لا ً‬
‫مفاده أن التقللدم العللالي جللدا ً فللي الصللناعة للله منعكللس‬
‫اجتمللاعي خطيللر سللاهم بالبطالللة أيض لا ً ‪ ،‬أيْ بمللا أن كللل‬
‫شيء يحل عن طريق أجهزة التحكم اللية فلم يعللد هنللاك‬
‫دور للنسان ‪ ،‬فإنسان خارج الفضاء مثل ً وعللاد بعللد ألفللي‬
‫سنة فيجد المر تبدل تبدل ً جذريا ً ‪ .‬كل شلليء عللن طريللق‬
‫اللة و النسان لم يعد له عمل ‪ ،‬فنحتاج إلللى موظفلا ً مللن‬
‫بني البشر فيتقدم مليين يأخذون شخصا ً واحدا ً ‪ ،‬والبللاقي‬
‫ينتحرون ملل ً ‪ ،‬فالعمل يحقق وجود النسللان ‪ .‬و مللن دون‬
‫ن الفللراغ أحللد أسللباب‬ ‫عمللل تفسللد حيللاة النسللان أي أ ّ‬
‫الفساد الفكري و الخلقي ‪.‬‬
‫إذا ً الربا يسهم أيضلا ً فللي البطالللة الجتماعيللة ‪ ،‬و البطالللة‬
‫خطيرة جدا ً والفراغ خطير بالنسبة للشباب وإذا كان الباء‬
‫قد أكرمهم الله بأبناء صالحين ‪ ،‬فالبن الصالح أحد أسباب‬
‫صلحه انهماكه في عمل أو دراسة ويكون وقتلله مليئا ً أمللا‬
‫إذا كان بل عمللل أو بل دراسللة فهللذا الفللراغ أحللد أسللباب‬

‫‪714‬‬
‫الفساد ‪ ،‬والربللا بشللكل أو بللآخر يسللهم بفسللاد النسللان ‪،‬‬
‫والعاطلل إنسلان فاسلد ‪ ،‬بالمناسلبة لكلي ل أتجنلى عللى‬
‫بعض الخوة ‪ ،‬فكل إنسان يطلب علما ً دينيلا ً أو غيللر دينللي‬
‫فهذا ليس عاطل ً والذي يطلب العلم هذا إنسان عامل من‬
‫أعلى درجة ‪ ،‬فطلب العلم أعلى درجة ‪ ،‬فإذا كللان إنسللان‬
‫ل يعمل لكنه يدرس أو يطلب العلم ل يجوز أن يسمى هذا‬
‫عاطل ً أبدا ً ‪.‬‬
‫النبي عليه الصلة والسلم لما جاءه شريك يشكو شللريكه‬
‫طالب العلم ‪ ،‬قال له ‪ :‬لعلك ترزق به‪.‬‬
‫عنللدنا شلليء آخللر أن الربللا يسللبب شللقوة المقترضللين‬
‫لحاجاتهم الشخصية ‪ ،‬أنت عندك حالن وأنت بحاجة للمال‬
‫‪ ،‬فلللديك طريللق رحمللاني وطريللق شلليطاني ‪ ،‬الطريللق‬
‫الرحماني أساسلله القللرض الحسللن والطريللق الشلليطاني‬
‫أساسه القرض الربوي ومع انتشار القرض الربوي تضعف‬
‫همللة النللاس للقللرض الحسللن ‪ ،‬أول كلمللة يقولهللا لللك ‪:‬‬
‫أمعقول أن أجمد مالي ؟‬
‫كلمللا انتشللر القللرض الربللوي تضللاءل القللرض الحسللن ‪،‬‬
‫فالقرض الربوي عّرفوه ‪ :‬أنه يساعد المللدين كمللا يسللاعد‬
‫حبل المشنقة على إنهاء حياة هللذا النسلان ‪ ،‬كلملا مضلى‬
‫يوم يدفع فقط الفوائد ل غير ويبقى الدين كمللا هللو وهللذه‬
‫المشكلة تعانيها الللدول الصللغيرة مللع الللدول الكللبرى فلللو‬
‫كانت قروضها كلها ربوية فإنللك تللرى خلل عشللر سللنوات‬
‫أوعشرين سللنة يسللددون فقللط الفللوائد وأصللل القللروض‬
‫ثابت ‪ ،‬إذا ً النلاس يطلبلون المسلاعدة عللن طريلق الربلا ‪،‬‬
‫وهللذا القللرض ل يسللاعد بللل يسللحق ‪ ،‬لن المطلللوب أن‬
‫يللوفي أصللل الللدين وعليلله أن يللوفي الفللوائد المركبللة‬
‫مْلتلله فللوق طللاقته ‪ ،‬فقللد‬ ‫ح ّ‬
‫والنسللان بالسللاس فقيللر و َ‬
‫تقترض مائة ألف وتجللد أربعيللن ألف لا ً فوائدهللا وقّللع العقللد‬
‫على مائة وأخذ ستين ‪ ،‬انتفع بستين وعليه أن يدفع المائة‬
‫‪ ،‬فللللو أراد أن يعملللل بهلللا عمل ً صلللار رأس ملللاله قليلللل‬
‫والمطالب كثيرة جدا ً ‪ ،‬فالقرض يسبب شللقاوة للمقللترض‬
‫وليس مساعدةً له ‪ ،‬لللذلك تجللد فللي بعللض البلد ‪ ،‬وأرجللو‬
‫الله سللبحانه وتعللالى أن يوفقنللا لمثللل هللذا ‪ ،‬يعنللي هنللاك‬

‫‪715‬‬
‫مؤسسات للقراض الحسن ‪ ،‬مؤسسة للزكللاة والقللراض‬
‫الحسن والقرض له فائدة كللبيرة جللدا ً وليللس كللل إنسللان‬
‫يأخللذ مسللاعدة ‪ ،‬بللل قللد تجللد إنسللانا ً للله قيمتلله وكرامتلله‬
‫وعزته ل يحتاج إل إلى قرض حسن أما القرض مللع فللائدة‬
‫دد ‪ ،‬أصللل الللدين والفللوائد‬ ‫ففللوق طللاقته ‪ ،‬يجللب أن يس ل ّ‬
‫المركبة ‪ .‬أما القرض الحسن فيحل مشللكلة كللبيرة جللدا ً ‪،‬‬
‫ده‬ ‫جع على القرض الحسن وع ّ‬ ‫لذلك نرى القرآن الكريم َ‬
‫ش ّ‬
‫ده معصللية‬ ‫عمل ً صللالحا ً وشللدد علللى القللرض الربللوي وعل ّ‬
‫كبيرة ‪.‬‬
‫في بعض بلد شرق آسيا الفلح يولد النسللان وهللو مللدين‬
‫ويعيش وهو مدين ويموت وهللو مللدين لن القللروض كلهللا‬
‫تتنامى بفوائد مركبة ‪ ،‬فولد مدينا ً وعاش مدينا ً ومات مدينا ً‬
‫‪.‬‬
‫المرابي كللأنه مصللاص الللدماء يأخللذ دمللاء النللاس وتعبهللم‬
‫وعرقهم وكل جهدهم ول يكفي ذلك كله لسداد ما عليهم ‪.‬‬
‫قرأت في الجاهلية قبل السلم أحيانلا ً كللانت تصللل نسللبة‬
‫مثل ً ‪،‬‬ ‫الربللا إلللى ألللف وثلث مللائة بالمللائة‪ ،‬ثلثللة عشللر ِ‬
‫فللالقرض الربللوي أساسلله السللتغلل والقللرض الحسللن‬
‫أساسه الحسان ‪ ،‬بين أن تسللتغل حاجللة النللاس وبيللن أن‬
‫تحسن إليهم فبينهما مسافة كبيرة جدا ً ‪.‬‬
‫ابن القيم وهو مللن كبللار العلمللاء المجللددين يقللول ‪ :‬الربللا‬
‫جلي وخفللي فأمللا الجلللي فربللا النسلليئة وهللو الللذي كللانوا‬
‫يفعلونه في الجاهلية مثل أن يؤخر دينه ويزيللد فللي المللال‬
‫وكلما أخر زاد في المللال حللتى تصللير المللائة آلف مؤلفللة‬
‫وفي الغالب ل يفعل ذلك إل معللدم محتللاج ‪ ،‬فللإذا رأى أن‬
‫المستحق يؤخر مطالبته ويصبر بزيادة ما يبللذله للله تكلللف‬
‫لذلك ليفتدي من أثر المطالبة والحبس ويللدافع مللن وقلت‬
‫إلى آخر فيشتد ضرره وتعظم مصيبته ويعلوه الللدين حللتى‬
‫يستغرق جميع موجوداته ‪ ،‬لذلك قال الللله تعللالى ‪ :‬يمحللق‬
‫الله الربا ‪ .‬إن الفوائد قللد تسللتغرق كللل الممتلكللات وكللل‬
‫شيء تملكه فيربو المال على المحتاج من غير نفللع يجنيلله‬
‫ويزيللد مللال المرابللي مللن غيللر نفللع يحصللل منلله لخيلله ‪،‬‬
‫محق‬ ‫سحق ماله و ُ‬ ‫سحق ومص دمه والمرابي َ‬ ‫المستقرض ُ‬

‫‪716‬‬
‫من دون أن يفعل خيرا ً فيأكل مال أخيه بالباطل ثم يمحق‬
‫‪ ،‬ويقع أخوه في غاية الضرر ‪ ،‬فمن رحمة أرحم الراحميللن‬
‫وحكمته وإحسانه إلى خلقه أنه حرم الربا ‪.‬‬
‫ل تستغرب أحيانا ً أجر القرض الحسن عند الللله سللبحانه ؛‬
‫ل يقل عن أجر الصدقة ‪ ،‬لن القرض الحسلن لله أصللحابه‬
‫ة ُتحللل مشللكلته‬ ‫والصدقة لها أصحابها فالذي ل يقبل صدق ً‬
‫بالقرض الحسن ‪.‬‬
‫المام الفخر الرازي يقول ‪ :‬السبب في تحريم عقللد الربللا‬
‫أنه يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض ‪.‬‬
‫مادام يوجد قرض بفائدة فل تجد معروفا ً بين النللاس ‪ ،‬لن‬
‫الذي يأخذ فائدة على قرضه شعر أنلله كسللب ‪ ،‬أمللا الللذي‬
‫يقرض قرضا ً حسنا ً فإن كان ضعيف اليمان شعر أن مللاله‬
‫تجمد بل فائدة ‪.‬‬
‫فكلما شاع القللرض الربللوي قللل القللرض الحسللن ‪ ،‬شللاع‬
‫الستغلل وقل الحسللان وشللاع التحكللم وقللل التواصللل ‪،‬‬
‫شاعت القسوة وقل التراحم وربنا عز وجل قال إذا أردتم‬
‫رحمتي فارحموا خلقي ‪ ،‬وإذا رآنا يقسو بعضنا على بعللض‬
‫إذا ً نحرم رحمة الله عز وجل ‪.‬‬
‫حلّرم‬ ‫حلّرم هللذا قللول الفخللر الللرازي ‪ :‬الربللا إذا ُ‬
‫الربللا إذا ُ‬
‫طابت النفوس بقرض الدرهم واسترجاع مثللله ‪ ،‬ولللو حللل‬
‫الربللا لكللانت حاجللة المحتللاج تحمللله علللى أخللذ الللدرهم‬
‫بدرهمين فيفضي ذلك إلى انقطللاع المواسللاة والمعللروف‬
‫والحسان ‪.‬‬
‫بالمناسبة هناك موضوع حساس فقد شاع بالبلد الستثمار‬
‫بنسب ثابتة ‪ ،‬وهللذه تشللبه الربللا تماملا ً يعطيلله مللائة ألللف‬
‫ويقول له أريد عليها ثلثة آلف بالشهر ‪ ،‬تحت كلم ل نريد‬
‫حسابات ومشاكل وكل اثنللي عشللر شللهرا ً يتقاضللى سللتة‬
‫وثلثين ألفا ً ‪ ،‬يا ترى الذي أخذ هذا المبلغ ربح ستة وثلثين‬
‫بالمائة ‪ ،‬إذا ربح السبعين بالمائة فممكن أن يكون مرتاحا ً‬
‫بالدفع وإذا ربح ستين بالمائة أعطى أصحاب الموال أكللثر‬
‫ة وثلثين صار خادما ً مجانا ً ‪.‬‬ ‫مما ربح ‪ ،‬وإذا ربح ست ً‬
‫أيها الخوة الكرام ‪:‬‬

‫‪717‬‬
‫القضية خطيرة ومنتشرة جدا ً حتى إن أناسا ً يصلون ورواد‬
‫مساجد ‪ ،‬يقول أريد على المائة ألف ثلثللة آلف بالشللهر ‪،‬‬
‫ويرفض ألفين وخمسمائة مثل ً ‪.‬‬
‫هذا هو الربا ‪ ،‬النسبة الثابتة ‪ ،‬فأي اسلتثمار للملال بنسلب‬
‫ثابتة يلتقي مع الربا تماما ً ‪ ،‬أحيانا ً بشكل آخللر يقللول لللك ‪:‬‬
‫أنا أريد أن أشتري بيتا ً وأملك نصف ثمنه فيأخذ قرضا ً مللن‬
‫ده مللؤجرا ً ويعطيلله علللى‬ ‫شخص يساوي نصفه الخللر ويع ل ّ‬
‫القرض مبلغا ً ‪ ،‬الصورة عقللد إيجللار لكنلله عمليلا ً ربللا مللتى‬
‫يصح أن تعطي إنسانا ً مائة ألف وتسللاهم معلله فللي شللراء‬
‫بيللت وتأخللذ أجللرة ؟ هللذا الللبيت لللو صللار ضللمن مشللروع‬
‫تنظيمي وأموالك ذهبت لنك أنت مالك ‪ ،‬وكذلك لو صارت‬
‫مشللكلة والسللعار هبطللت ومبلغللك قَ ل ّ‬
‫ل ‪ ،‬أمللا أنللت تريللد‬
‫مبلغك كما هو وتريد أن تأخذ عليه أجرا ً فللي هللذه المللدة ‪،‬‬
‫الصورة عقد إيجار أما الحقيقة عقد ربللوي ‪ ،‬وكلكللم يعلللم‬
‫أنلله فللي بلد كللثيرة أن المرابيللن يأخللذون شللكل ً آخللر ‪،‬‬
‫المرابي في دولة تمنع الربا يضع سجادة على باب المحللل‬
‫أي إنسان مقترض للربلا يقلول لله ‪ :‬أتللبيعني هللذه وهنللاك‬
‫عبارة مشهورة أتبيعني هللذه السللجادة بللألف ‪ ،‬يقللول للله‪:‬‬
‫بعتك إياها ‪ ،‬أتبيعني إياها دينا ً يقول له ‪ :‬بعتك إياها ‪ ،‬يكتلب‬
‫في دفتر الذمة من فلن ألللف ليللرة ثمللن سللجادة وانتهللى‬
‫العقد ‪ ،‬ثم يقول له ‪ :‬أتشتريها مني بثمان مائة يقللول للله ‪:‬‬
‫اشتريتها ويعطيه ثمنها نقدا ً ‪.‬‬
‫ما الذي حصل ؟ دفع الثمان مائة وسجلت ألفا ً ‪ ،‬فهذا عقد‬
‫ربوي ‪ ،‬أما في الصورة فسجادة تباع شكل ً وتشترى وهمًا‪.‬‬
‫خالق الكللون أل يعللرف هللذا ؟ أتنطلللي عليلله هللذه الحيلللة‬
‫وأحيانا ً تكون الحيلة على شكل صندوق شاي ومللرة علللى‬
‫شكل سلعة ما ‪ ،‬ل يوجد غيرها يبيعهللا بللاليوم مللائة مللرة ‪،‬‬
‫يبيعها دينا ً ويسجلها ويشتريها نقدا ً ويدفع ثمنها ‪ ،‬ففي دفتر‬
‫الحسابات سجل ألفا ً ودفع صاحبه ثمان مائة ‪ ،‬وهللذا عقللد‬
‫ربوي ‪.‬‬
‫النسان حينما يسلك سبيل الحيلللة الشللرعية فهللذا إيمللانه‬
‫بالله صفر ل يعرف الللله أبللدا ً ولكنللي أقللول لكللم وأكللرر ‪:‬‬
‫أكللثر شلليء شللائع بيللن المسلللمين وبيللن رواد المسللاجد‬

‫‪718‬‬
‫الستثمار بنسب ثابتة وهذا يلتقي مع الربا تماملا ً ملن دون‬
‫شك‪.‬‬
‫واستئجار البيوت ؛ ساعدته في شراء بيللت وأخللذت أجللرة‬
‫إلى حين أن يوفيك القرض فهللذه الجللرة هللي فللائدة فللي‬
‫الحقيقة ‪ ،‬أما إذا ساعدته فللي شللراء بيللت وكتللب باسللمك‬
‫وأخذت أجرة فهذا حلل وبعد أن ينتهي وبعد حيللن يمكنللك‬
‫أن تبيع حصتك بسعر السوق ‪ ،‬أو أن البيت إذا صدر بحقلله‬
‫قرار تنظيللم وصللار مسللتملكا ً ونللزل سللعره أو غل سللعره‬
‫وأنت مالك والمالك ضامن ‪ ،‬فلك ذلك ‪.‬‬
‫والمللام الفخللر الللرازي يقللول أيض لا ً ‪ :‬إن الفقللراء الللذين‬
‫ت أموالهم بسبب الربا يلعنللون المرابللي‬ ‫ُ‬
‫يشاهدون أنه أخذ ْ‬
‫ويدعون عليه ‪.‬‬
‫شيء طبيعي جدا ً المال شقيق الروح ‪ ،‬وكللل إنسللان أخللذ‬
‫من أموالك فوق طاقتك تلعنه وتتمنللى دمللاره ‪ ،‬أمللا الللذي‬
‫أعانك بقرض حسن تدعو للله ‪ ،‬شللتان بيللن مللن يللدعو لللك‬
‫وبين من يدعو عليك ‪ .‬شتان ‪.‬‬
‫وهناك من يقول ‪ :‬إن الربا أحد أسباب الحروب بين الدول‬
‫‪ ،‬القروض الربوية التي أرهقت كاهل بعض الدول الفقيلرة‬
‫هللي سللبب حللروب طاحنللة و سللفك دمللاء كللثيرة ‪ ،‬إذا ً ‪،‬‬
‫اجتماعيا ً ‪ ،‬الربا يجعل تقاطع الصلت بين أفراد المجتمللع ‪،‬‬
‫ويسللبب البطالللة ويسللهم فللي غلء السللعار ويحللرم البلد‬
‫قيمللة المشللاريع النتاجيللة ولهللذه العلللل كلهللا ‪ :‬البطالللة‬
‫والغلء والعداوة وعدم إعمار الرض ‪ ،‬لهذه السللباب كلهللا‬
‫ْ‬
‫ن الّرَبللا‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫ذي َ‬‫حّرم ربنا جل جلله الربا ‪ ،‬قال تعالى }ال ّ ِ‬
‫س‬
‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬
‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ما ي َُقو ُ‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬
‫مو َ‬ ‫ل َ ي َُقو ُ‬
‫َ‬ ‫ذ َل َ َ‬
‫م‬‫ح لّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬
‫مث ْ ُ‬ ‫م َقاُلوا ْ إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫سلل َ َ‬ ‫مللا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ى فَل َل ُ‬ ‫لن ّرب ّلهِ َ فَللانت َهَ َ‬ ‫مل‬‫ة ّ‬ ‫عظ َل ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاءهُ َ‬ ‫من َ‬ ‫الّرَبا فَ َ‬
‫ُ‬
‫عاد َ فَ لأوْل َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م ِفيهَللا‬ ‫ب الن ّللارِ هُ ل ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫صل َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫وَأ ْ‬
‫ن{ )‪ (275‬سورة البقرة‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫الملخص أن المال ل ينبغي أن يلد المال والعمال وحللدها‬
‫هي التي يمكن أن تلد المال وبهللذا تتللوزع الكتلللة النقديللة‬
‫بين أفراد المجتمع جميعا ً ويعم الرخللاء وتنهللض المللة ومللا‬

‫‪719‬‬
‫هذا الوعيد الخطير في القرآن الكريم للمرابين إل بسللبب‬
‫أن الربا يعم ضرره المة كلها ويؤدي هوانها وذلها ‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‬
‫============‬
‫‪#‬دراسة فقهية تعترض على فتوى مجمع‬
‫البحوث السلمية في إباحة الفوائد البنكية )‪ 1‬ـ‬
‫‪(2‬‬
‫قبل الدخول في مناقشة مضامين الفتوى يجللب ان نحللدد‬
‫محل النللزاع والخلف أو منللاط الحكللم فللي الفتللوى‪ ،‬فللإن‬
‫الفتوى قد خلطت بين محللل الوفللاق والخلف ولللم تحللرر‬
‫منللاط الحكللم‪ ،‬فليللس الخلف فللي تحديللد الربللح مقللدما‬
‫منفصل عن غيره‪ ،‬بل الخلف في ضمان واشتراط الربللح‪،‬‬
‫وفي ضمان رأس المال‪ ،‬وفي صفة يد البنللك علللى المللال‬
‫هل هي صفة امان أو ضللمان‪ ،‬واذا قيللل بللأن البنللك وكيللل‬
‫فما هللي الثللار المبنيللة علللى هللذه العلقللة؟ هللذا مللا كللان‬
‫الواجب جعله محور واساس الفتوى لتكون الفتوى سليمة‬
‫من الناحية المنهجية العلمية‪ .‬بعد هذا نبدأ بمناقشلة هلادئة‬
‫علمية فقهية للفتوى‪.‬‬
‫ل‪ :‬عنوان الفتللوى »اسللتثمار المللوال فللي البنللوك الللتي‬ ‫أو ً‬
‫تحدد الربح مقدمًا«‪ :‬العنوان يوحي بأن محللل الخلف فللي‬
‫تحديد الربح مقدما وكأن الستثمار ذاته حلل مفروغ منلله‪،‬‬
‫وعناصر السؤال المتعددة اغفلها العنوان‪ ،‬وصللحة العنللوان‬
‫ان يكون »حكم اسللتثمار المللوال فللي البنللوك التقليديللة«‬
‫ليشمل عناصر السؤال‪ ،‬وما اذا كان الربللح محللددا مقللدما‬
‫أو غيللر محللدد‪ .‬ويشللمل البنللك الللذي يحللدد الربللح مقللدما‬
‫والذي ل يحدد لئل يكون للعنوان مفهوم مخالف‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬السؤال‪» :‬إن عملء بنك الشركة المصللرفية العربيللة‬
‫الدوليلللة يقلللدمون املللوالهم وملللدخراتهم للبنلللك اللللذي‬
‫يستخدمها ويستثمرها في معاملته المشروعة مقابل ربللح‬
‫يصرف لهم ويحدد مقدما في مدد يتفق مع العميل عليهللا‪،‬‬
‫نرجو الفادة عن الحكم الشرعي لهذه المعاملة«‪ .‬رئيللس‬
‫مجلس الدارة توقيع الدكتور حسن عباس زكي وقد أرفق‬

‫‪720‬‬
‫مللع الخطللاب نموذجللا لمسللتند التعامللل الللذي يتللم بيللن‬
‫المستثمر والبنك‪ ،‬ونص هذا النموذج كالتي‪:‬‬
‫* البنك الشركة المصرفية العربية الدولية‬
‫* التاريخ‪2000/ / :‬م‬
‫* السيد‪/‬‬
‫* حساب رقم‪:‬‬
‫* تحية طيبة وبعد‪:‬‬
‫نحيط سيادتكم علما بللأنه قللد تللم تجديللد رصلليدكم طرفنللا‬
‫وقدره ‪ 100000‬جم )فقط مائة ألف جنيه مصري ل غير(‬
‫عللن الفللترة مللن ‪ 2002/1/1‬حللتى ‪ 2002/12/31‬بعللائد‬
‫‪ %10‬سنويا والعائد قدر ‪ 10000‬جنيه مصري‪.‬‬
‫اجمالي المبلغ ‪ +‬العائد في تاريخ الستحقاق‪.‬‬
‫‪ 110000‬جنيه مصري‪.‬‬
‫المبلغ الجديد مضافا اليه العائد حتى ‪.2002/12/31‬‬
‫‪ 110000‬جنيه مصري‪.‬‬
‫* المناقشة‪ :‬وتتناول السؤال ذاتلله والجللدول المرفللق مللع‬
‫السؤال‪:‬‬
‫أ ل كان من الواجب ان يحللرر المجمللع محللل السللؤال‪ ،‬ول‬
‫يمكن اصدار حكم مع هذا الجمللال‪ ،‬فينبغللي ان يستفصللل‬
‫ويستفسر المجمع عن بعض المور التي ل يكتمل الجواب‬
‫والفتوى ال بها وهي‪ :‬مللا هللي صللفة البنللك القانونيللة حيللن‬
‫يسللتلم امللوال العملء‪ ،‬هللل هللو مقللترض او مضللارب أو‬
‫وكيل‪ ،‬ومحل هذا السؤال ودواعيه ان معرفتلله هللي منللاط‬
‫الحكم ومبناه‪ ،‬اذ من المعلوم ان تسلم البنك الموال انمللا‬
‫هو على صفة القتراض‪.‬‬
‫الستفسللار عللن المقصللود بعبللارة السللتخدام والسللتثمار‬
‫وفي معاملته المشروعة‪ .‬ما هي هذه السللتثمارات الللتي‬
‫وصفها البنك بأنها مشروعة؟ ولفللظ مشللروعة هللذا حكللم‬
‫شللرعي يصللدره السللائل‪ ،‬وهللو مصللادرة علللى الحكللم‬
‫والفتللوى‪ ،‬فالبنللك ل يملللك وصللف افعللاله مللن الناحيللة‬
‫الشرعية‪ ،‬وال فل محللل للسللؤال ابتللداء‪ .‬ومللا الفللرق بيللن‬
‫الستخدام والستثمار‪ ،‬هل المراد ان البنك يسللتخدم هللذه‬

‫‪721‬‬
‫المللوال فللي شللؤونه الداريللة‪ ،‬ومقللار عمللله‪ ،‬والسللتثمار‬
‫شيء آخر‪.‬‬
‫ب للل الجللدول المرافللق للسللؤال ل يطللابق السللؤال‪ ،‬ول‬
‫يكشف عن مضمونه فمضمون السؤال‪ :‬اسللتثمار المللوال‬
‫اي ان هناك مجالت اسللتثمار محللددة‪ ،‬ومعللاملت وصللفها‬
‫بالمشللروعية‪ ،‬والجللدول يتضللمن شلليئا آخللر‪ ،‬وكللان مللن‬
‫المفروض ان يللثير تسللاؤلت بديهيللة فللإن الجللدول صلليغة‬
‫بنكية ربوية صريحة‪ ،‬تحمل الجواب على ان البنللك ل صلللة‬
‫له بالستثمار‪ ،‬ال الستثمار النقدي الربوي حيث يلد النقللد‬
‫النقد‪ ،‬وهذه واضحة في الجدول ل تحتاج الى عميق نظر‪..‬‬
‫فالعميل اودع مبلغ ‪ 100000‬جم )مائة الف جنيه مصري(‬
‫لفترة من ‪ 1/1/2002‬حتى ‪ 31/12/2002‬اي بعائد ‪%10‬‬
‫سنويا‪ ،‬وتللم حسللابه باجمللالي المبلللغ ‪ +‬العللائد فللي نهايللة‬
‫السللنة ليصللبح ‪ 110000‬جنيلله مصللري‪ .‬فالجللدول ربللوي‬
‫صللرف غايللة مللا فيلله تسللمية الفللوائد بللالعوائد‪ ،‬والعللبرة‬
‫للمعاني ل لللفاظ كما هو متفق عليه عند أهل العلم‪.‬‬
‫* ثالثًا‪ :‬الفتوى ومناقشتها فقرة فقرة‪:‬‬
‫أ ل ل الفقللرة الولللى‪» :‬الللذين يتعللاملون مللع بنللك الشللركة‬
‫المصللرفية العربيللة الدوليللة لل أو مللع غيللره مللن البنللوك لل‬
‫ويقومون بتقديم امللوالهم ومللدخراتهم الللى البنللك ليكللون‬
‫وكيل عنهم في استثمارها في معاملته المشروعة‪ ،‬مقابل‬
‫ربللح يصللرف لهللم‪ ،‬ويحللدد مقللدما فللي مللدد يتفللق مللع‬
‫المتعاملين عليها«‪.‬‬
‫لقد تضمنت هللذه الفقللرة ثلثللة أمللور‪ :‬أولهللا‪ :‬انهللا ضللمت‬
‫للجواب‪ ،‬بالضافة الى البنك السائل‪ ،‬بقية البنوك‪ ،‬وثانيهللا‪:‬‬
‫وصللف البنللك بللأنه وكيللل عللن عملئه‪ ،‬وثالثهللا‪ :‬وصللف‬
‫اسللتثماراتها انهللا فللي معللاملت مشللروعة‪ .‬ونتنللاول هللذه‬
‫الثلثة وخاصة الثاني والثالث منها محل الشللكال ومحللزه‪.‬‬
‫أمللا المللر الول‪ :‬وهللو تعميللم الحكللم ليشللمل مللع البنللك‬
‫السللائل غيللره مللن البنللوك الربويللة‪ .‬وهللذا يفيللد انلله ل‬
‫خصوصللية للبنللك السللائل وان كللان مسللماه قللد يللوحي‬
‫باختلف عن البنوك وانه قد يستثمر في غير المعهللود فللي‬

‫‪722‬‬
‫استثمارات البنوك‪ .‬فالتعميم قطع بأنه بنك مثل غيره مللن‬
‫البنوك لذا كان الحكم واحدًا‪.‬‬
‫أما المر الثاني‪ :‬اضفاء صفة الوكيل على البنللك وهللذا هللو‬
‫منللاط الفتللوى فللإذا اسللتقام اسللتقامت الفتللوى فللي هللذه‬
‫الجزئية وهي اساسية جدا‪ ،‬وهي التي تكشف عن التكييف‬
‫الشرعي لصفة البنك‪ .‬صفة الوكالة هذه ل تصح البتلة‪ ،‬لن‬
‫الفقهاء مجمعون على ان الوكيل يعمل لمصلللحة وبتللوجيه‬
‫الموكللل‪ ،‬وللموكللل ان يعفيلله ويقيللله مللن الوكالللة‪ ،‬لن‬
‫الوكالة عقد جلائز غيلر لزم‪ ،‬ويلد الوكيلل عللى الملال يلد‬
‫أمانة ل يضمن الخسارة وتلف المال ال اذا ثبللت تعللديه أو‬
‫اهمللاله وتقصلليره تقصلليرا ل يحللدث مللن امثللاله‪ .‬ثللم ان‬
‫الوكيل اما ان يعمل في مال موكله متبرعللا أو بللأجر‪ ،‬وان‬
‫كان بأجر فيلزم تحديد اجرته مبلغا مقطوعا‪ ،‬ويجيللز بعللض‬
‫الفقهاء ان تكون أجرته نسبة من رأس المال‪ ،‬كما اجمعوا‬
‫على ان ربح المال في يد الوكيل كله للموكللل‪ ،‬وخسللارته‬
‫التي ل يد للوكيل فيها على الموكل‪ .‬وليس شيء من ذلك‬
‫يصح فللي هللذا العقللد‪ ،‬فللإن البنللك يسللتثمر أمللوال العملء‬
‫بطريقته‪ ،‬ثم يعطيهم ربحا ل حسب عبارة الفتللوى ل ل وهللذا‬
‫يعني ان ما زاد عن الربح المحدد كله للبنك ل كما صللرحت‬
‫الفتوى في فقرة لحقللة لل وهللذا المقللدار مللن الربللح غيللر‬
‫محدد‪ ،‬ول يطلع عليه العملء ارباب المللال الموكلللون‪ ،‬ثللم‬
‫ان البنك وهو الوكيل ضامن للخسارة بللل ضللامن صللراحة‬
‫لرأس مال الموكل وربحه المحدد مقدما‪ .‬وهذا كللله قلللب‬
‫لمفهوم عقد الوكالة رأسا على عقب‪ ،‬فل يمكللن البتللة ان‬
‫يكون هذا عقد وكالة‪ ،‬ولم يقل‪ ،‬ول يقول احد عنده مسحة‬
‫من فقه ان هذا عقد وكالة‪.‬‬
‫كما ل يصح ان يكللون العقللد عقللد مضللاربة‪ ،‬بحيللث يكللون‬
‫البنللك مضللاربا بللأموال العملء‪ ،‬وهللم اربللاب المللال‪ ،‬لن‬
‫شرط المضاربة المتفق عليه عند جميع الفقهاء‪ :‬ان يكللون‬
‫الربح معلوم القدر‪ ،‬فيحللدد نصلليب المضللارب مللن الربللح‪،‬‬
‫والباقي مللن الربللح لللرب المللال‪ .‬وان يكللون الربللح نسللبة‬
‫شائعة كالنصلف والثللث والربللع‪ ،‬فللإذا شللرط مبللغ معيلن‬
‫مقطوع من الربح أو نسبة محددة من رأس المال بطلللت‬

‫‪723‬‬
‫المضاربة لنها تؤدي الى احتمال قطع الشركة في الربللح‪،‬‬
‫لحتمال ال يربح المضارب غير المبلغ الذي تم تحديده في‬
‫عقد المضللاربة‪ .‬ثللم ان هللذا كللله اذا وجللد ربللح مللن عمللل‬
‫المضارب‪ ،‬فللإن لللم يحصللل الربللح‪ ،‬يضللع علللى المضللارب‬
‫جهللده‪ ،‬ويضللع علللى رب المللال الربللح‪ ،‬وإذا خسللر المللال‬
‫فخسارته على رب المال‪ ،‬ول يتحمل المضارب منه شيئا‪.‬‬
‫وهذا كله غير متحقق في العلقة محل النظر‪ ،‬فللإن البنللك‬
‫هنللا يضللمن رأس المللال كمللا يضللمن الربللح‪ ،‬ويتحمللل‬
‫المخاطرة والخسارة‪ .‬فتكييف العلقللة علللى انهللا مضللاربة‬
‫بعيد كل البعد‪ .‬وإذا بطلت المضاربة يبطل تكييللف العلقللة‬
‫بالشركة‪ ،‬اذ ل يصللح ان يكللون البنللك شللريكا مللع العملء‪،‬‬
‫فللإن الشللركة تبطللل باجمللاع الفقهللاء مللتى ضللمن احللد‬
‫الشركاء لغيره من الشركاء الربح لما يؤدي اليه من قطللع‬
‫الشركة في الربح ل كما سبق ل فلم يبق ال ان العلقة بين‬
‫البنللك وعملئه اربللاب المللال ال علقللة اقللراض واقللتراض‬
‫فالبنك مقترض اموالهم وهم مقرضون والمسمى ربحللا أو‬
‫عللائدا هللو نصلليب اربللاب العمللل‪ ،‬وهللو الفللائدة الربويللة‬
‫المضمونة والمنسللوبة لللرأس المللال والمللدة‪ .‬وهللذا عيللن‬
‫الربا‪ ،‬ربا الجاهلية الذي يربط فيه المقرض الفائدة بللرأس‬
‫المللال والمللدة‪ ،‬فكلمللا زاد رأس المللال أو المللدة زادت‬
‫الفللائدة‪ .‬وإذا كنللا نتلمللس سللندا أو دليل لتكييللف العلقللة‬
‫بالوكالة أو المضاربة أو المشاركة‪ ،‬فإنا ل نحتاج الى دليللل‬
‫على كونها علقة قرض واقتراض‪ ،‬فهذا ظاهر من السؤال‬
‫ومن الجللدول المرافللق للله فكللان مللن الللواجب ان يقللول‬
‫المجمع ‪» :‬ان هذه المعاملللة محرمللة لنهللا تضللمنت الربللا‬
‫الصريح بدليل الجدول المرافق للسؤال«‪.‬‬
‫أمللا المللر الثللالث‪ :‬وصللف اسللتثمارات البنللك بأنهللا فللي‬
‫معاملته المشروعة‪ .‬إن الفتوى ل تستقيم فقها حتى تللبين‬
‫ما هي هذه الستثمارات البنكيللة المشللروعة‪ ،‬وقللد اصللدر‬
‫البنللك هللذا الحكللم الشللرعي‪ ،‬فوصللف عمللله بللذاته بللأنه‬
‫مشروع‪ ،‬والفتوى قبلت هذا الوصف واقرته‪ ،‬ومللن واجللب‬
‫المفتي ان يسأل عن طبيعة هللذه السللتثمارات حللتى ولللو‬
‫ظلللن انهلللا فعل مشلللروعة‪ ،‬فهلللي مشلللروعة فلللي نظلللر‬

‫‪724‬‬
‫المستفتي‪ ،‬فل بللد مللن الستفصللال عللن طبيعتهللا ونوعهللا‬
‫ليكون الحكم الشللرعي علللى وفقهللا‪ ،‬فهللي مللن مناطللات‬
‫الحكم التي ل تصح الفتوى دون تحريره‪ .‬ول يعقل ان أحدا‬
‫مللن العلمللاء الفاضللل‪ ،‬ومللن بينهللم ثلثللة مللن الفقهللاء‬
‫المتخصصين في الفقه والصول لم يسأل عن طبيعة هللذا‬
‫السللتثمار‪ .‬ولعلهللا لللم تللبين لنلله ل يمكللن ال ان تكللون‬
‫استثمارات غير مشروعة‪ ،‬وهي التي ل يملك البنك غيرهللا‬
‫بنصوص القوانين‪ ،‬سواء القانون المصري أو بقيللة قللوانين‬
‫البلد العربيللة وغيرهللا الللتي تقللر اعمللال البنللوك الربويللة‪،‬‬
‫وكلهللا تعتللبر امللوال العملء قرضللا علللى البنللك ويجللب ان‬
‫يعطي عليه فائدة وهناك بعض نصللوص القللانون المصللري‬
‫فالمادة ‪ 726‬من القانون الملدني تنلص عللى التلي‪» :‬اذا‬
‫كانت الوديعة مبلغا من النقود‪ ،‬أو أي شيء آخر مما يهلللك‬
‫بالستعمال‪ ،‬وكان المودع عنده مأذونا للله فللي اسللتعماله‪،‬‬
‫اعتبر العقد قرضا«‪ .‬وتنص المادة ‪ 301‬من القللانون رقللم‬
‫‪ 17‬لسنة ‪1999‬م على ان وديعة النقود عقد يخول البنللك‬
‫ملكية النقود المودعة‪ ،‬والتصرف فيها بمللا يتفللق ونشللاطه‬
‫مللع الللتزامه بللرد مثلهللا للمللودع طبقللا لشللروط العقللد«‪.‬‬
‫وتحظللر المللادة ‪ 39‬علللى »البنللك التجللاري التعامللل فللي‬
‫المنقول والعقار بالشراء والبيع أو المقايضللة«‪ .‬كمللا تنللص‬
‫المادة ‪ 45‬على انه‪» :‬يحظر على البنوك العقارية والبنوك‬
‫الصناعية والبنللوك السللتثمارية العمللال المحظللورة علللى‬
‫البنوك التجارية«‪.‬‬
‫وازاء هذه النصوص الواضحة فإن مقولة ان البنك يستثمر‬
‫اموال العملء في استثمارات مشروعة غيللر صللحيح‪ ،‬ولللو‬
‫صح لم يسمح بهللا القللانون‪ ،‬ولمنللع هللذه المعاملللة وأوقللع‬
‫العقوبللة علللى البنللك المخللالف لختصاصلله المحللدد‪ ،‬وهللو‬
‫القراض والقتراض فحسب‪.‬‬
‫ب ل الفقرة الثانية‪» :‬هذه المعاملة بتلك الصللورة حلل ول‬
‫شبهة فيها‪ ،‬لنه لم يرد نص في كتاب الله أو السنة النبوية‬
‫يمنع هذه المعاملة الللتي يتللم فيهللا تحديللد الربللح أو العللائد‬
‫مقدما‪ ،‬ما دام الطرفان يرتضيان هذا النوع من المعاملللة‪.‬‬
‫قال الله تعالى‪) :‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم‬

‫‪725‬‬
‫بالباطللل إل أن تكللون تجللارة عللن تللراض منكللم( »سللورة‬
‫النساء الية ‪ .«29‬أي‪ :‬يا من آمنتللم بللالله حللق اليمللان‪ ،‬ل‬
‫يحللل لكللم‪ ،‬ول يليللق بكللم ان يأكللل بعضللكم مللال غيللره‬
‫بللالطرق الباطلللة الللتي حرمهللا الللله تعللالى كالسللرقة‪ ،‬أو‬
‫الغصب‪ ،‬أو الربا‪ ،‬أو غير ذلك مما حرمه الله تعللالى‪ ،‬لكللن‬
‫يبللاح لكللم ان تتبللادلوا المنللافع فيمللا بينكللم عللن طريللق‬
‫المعاملت المشروعة الناشئة عن التراضي الللذي ل يحللل‬
‫حراما ول يحرم حلل‪ ،‬سواء أكان هذا التراضي فيما بينكم‬
‫عن طريق التلفظ أم الكتابة أم الشارة أم غير ذلللك ممللا‬
‫يدل على الموافقة والقبول بين الطرفين‪.‬‬
‫ومما ل شك فيه ان تراضي الطرفيللن علللى تحديللد الربللح‬
‫مقدما من المور المقبولة شللرعا وعقل حللتى يعللرف كللل‬
‫طرف حقه‪.‬‬
‫هذه الفقرة تضلمنت علدة أملور الول‪ :‬ان هلذه المعامللة‬
‫حلل ل شبهة فيها لنه لم يرد نلص فلي الكتلاب أو السلنة‬
‫النبويللة يمنللع هللذه المعاملللة‪ .‬والثللاني‪ :‬ان رضللا الطرفيللن‬
‫يكفي فللي وصللف هللذه المعاملللة بأنهللا حلل والستشللهاد‬
‫على صحة ذلك بالية الكريمة‪.‬‬
‫المر الول‪ :‬ان هذه المعاملة حلل ل شبهة فيهللا لنلله لللم‬
‫يرد نص من الكتاب أو السنة النبوية يمنللع هللذه المعاملللة‪.‬‬
‫هذا مبني على صحة المعاملة‪ ،‬وان تكييفها وكالة صحيحة‪،‬‬
‫وان الستثمار قد تم في مجالت مشروعة‪ ،‬وهذا كللله لللم‬
‫يصح بالبيللان السللابق‪ .‬والقللول الصللحيح المللدعوم بالدلللة‬
‫السابقة يشير الى انها معاملة محرمة ل تختلف في شيء‬
‫عن عمل البنوك الربوية في اعتبار المللال قرضللا واعطللاء‬
‫الفائدة المضمونة عليه‪ .‬ول يخفى ان اشد آيللة نزلللت فللي‬
‫كتاب الللله هللي فللي حرمللة الربللا وقللد تضللافرت نصللوص‬
‫الكتاب والسنة واجماع المة على حرمللة الربللا وهللو عينلله‬
‫الصورة المذكورة في السؤال والجدول المرافق له‪ .‬قللال‬
‫الله تعالى‪) :‬يا أيها الذين آمنللوا اتقللوا الللله وذروا مللا بقللي‬
‫من الربا إن كنتم مؤمنين‪ .‬فللإن لللم تفعلللوا فللأذنوا بحللرب‬
‫مللن الللله ورسللوله وإن تبتللم فلكللم رؤوس أمللوالكم ل‬
‫تظلمللون ول تظلمللون(‪) ،‬البقللرة‪ 278 :‬للل ‪ ،(279‬وقللال‬

‫‪726‬‬
‫تعالى‪) :‬وأحل الله البيع وحللرم الربللا فمللن جللاءه موعظللة‬
‫من ربه فانتهى فله ما سلللف وأمللره إلللى الللله ومللن عللاد‬
‫فأولئك اصحاب النار هللم فيهللا خالللدون(‪) ،‬البقللرة‪،(275 :‬‬
‫ومن السنة احاديث كثيرة منها‪ :‬ما رواه‪ :‬جابر بن عبد الله‬
‫النصاري قال‪» :‬لعن رسول الله صلللى الللله عليلله وسلللم‬
‫آكل الربا وموكله وكاتبه وشللاهديه« وقللال‪» :‬هللم سللواء«‬
‫)مسلم ‪ (3/219‬حديث رقم ‪ .1598‬والربا اعظم ذنبا مللن‬
‫الزنى لقللوله صلللى الللله عليلله وسلللم‪» :‬درهللم ربللا يللأكله‬
‫الرجل وهو يعلم أشللد مللن سللت وثلثيللن زنيللة« )مشللكاة‬
‫المصللابيح ‪ ،(90/2‬حللديث صللحيح كمللا قللال الشلليخ ناصللر‬
‫الدين اللباني(‪.‬‬
‫وأمللا الجمللاع فقللد قللال ابللن المنللذر‪ :‬أجمعللوا علللى أن‬
‫المسلللف إذا شللرط علللى المستسلللف زيللادة أو هديللة‬
‫فأسلف على ذلك ان أخللذ الزيللادة علللى ذلللك ربللا‪ ،‬وقللال‬
‫القرطبي‪» :‬اجمللع المسلللمون نقل عللن نللبيهم صلللى الللله‬
‫عليه وسلم ان اشتراط الزيادة في السلللف ربللا ولللو كللان‬
‫قبضة من علف ل كما قال ابن مسللعود لل أو حبللة واحللدة«‬
‫تفسللير القرطللبي ‪ «241/3‬وهللذه المعاملللة بللذاتها شللكل‬
‫وموضوعا‪ ،‬وهو القرض الذي جر نفعا نظير الجل هللو ربللا‬
‫النسلليئة المعللروف فللي الجاهليللة الللذي نزلللت اليللات‬
‫بتحريمه‪ ،‬قال المام الرازي‪» :‬ربا النسيئة هو المللر الللذي‬
‫كان مشهورا متعارفا عليه في الجاهلية‪ ،‬وذلك انهللم كللانوا‬
‫يدفعون المال على ان يأخذوا كل شهر قدرا معينا‪ ،‬ويكون‬
‫رأس المال باقيا‪ ،‬ثم إذا حل الدين طللالبوا المللدين بللرأس‬
‫المال‪ ،‬فإن تعذر عليه الداء زادوا في الحق والجل‪ ،‬فهللذا‬
‫هو الربا الذي كللانوا فللي الجاهليللة يتعللاملون بلله »تفسللير‬
‫الرازي ‪ .92/4‬وقال ابن قدامة‪» :‬كل قرض شرط فيه ان‬
‫يزيده فهو حرام بغير خلف«‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬وهو ان تحديد الربح أو العائد مقدما حلل مللا‬
‫دام الطرفان يرتضيان هذا النوع مللن المعاملللة‪ .‬فللإن مللن‬
‫المقطللوع بلله فقهللا ان التراضللي علللى المحللرم ل يحللل‬
‫الحرام‪ ،‬ولو كلان هلذا القلول صللحيحا لنخرمللت الحكللام‪،‬‬
‫ولصبح الزنا والفجور حلل إذا تم بالتراضي‪ .‬وهل كان ربللا‬

‫‪727‬‬
‫الجاهلية إل بالتراضي كمللا قللال المللام الجصللاص‪» :‬الربللا‬
‫الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قللرض الللدراهم‬
‫والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرضه على ما‬
‫يتراضللون بلله« أحكللام القللرآن ‪ .465/1‬فتحديللد الربللح أو‬
‫العائد ل اي الفائدة ل مقدما مع اشتراط ضللمانها هللو الربللا‬
‫المقطوع بحرمته‪ ،‬فكيللف يحللله التراضللي‪ ،‬فالرضللا محللله‬
‫العقود المباحة والجائزة الخالية من المحرمات‪.‬‬
‫وأما الستشللهاد باليللة علللى ان التراضللي يحللل المعاملللة‬
‫وهي قوله تعلالى‪) :‬يللا أيهلا الللذين آمنلوا ل تللأكوا أملوالكم‬
‫بينكللم بالباطللل إل أن تكللون تجللارة عللن تللراض منكللم(‬
‫)النساء‪ .(29 :‬هذه الية التي يستدل بها على الجواز‪ ،‬هي‬
‫دليل منع إذ الية هنا لها دللة نص وظاهر‪ ،‬فهي نللص فللي‬
‫حرمة أكل أموال المسلمين بينهللم بالباطللل‪ ،‬وظللاهر فللي‬
‫حرمة الربا لنه من أكل أموال الناس بالباطل قطعللا‪ ،‬بللل‬
‫هو من أظهر أنواع أكل أموال الناس بالباطل‪.‬‬
‫والتجارة هنا هي التجارة الصحيحة التي ل باطللل ول ظلللم‬
‫فيها‪ ،‬ول ريب ان التراضي على التجارة الحرام باطللل‪ ،‬ول‬
‫يحل التراضي ما حرمه الشرع‪ ،‬ومعنللى اليللة‪» :‬ول تللأكلوا‬
‫أموالكم بينكم بالباطل« يعني‪ :‬بالحرام الللذي ل يحللل فللي‬
‫الشرع‪ ،‬وقوله‪» :‬إل ان تكون تجارة عن تراض منكم« هذا‬
‫استثناء منقطع و»إل« هنا بمعنى »لكللن« والمعنللى‪ :‬لكللن‬
‫ان كانت تجارة أي أموال تجارة صادرة عللن تللراض منكللم‬
‫وطيب نفس فكلوهللا حلل‪ ،‬فأكللل المللوال بالتجللارة جللائز‬
‫بالجمللاع‪ ،‬ولن التجللارة ليسللت مللن جنللس أكللل المللال‬
‫بالباطل‪ .‬فالتراضي ليس مطلقا كما أوردته الفتوى فنصت‬
‫على‪» :‬ان يباح لكللم ان تتبلادلوا المنلافع فيملا بينكلم علن‬
‫طريق المعاملت الناشئة عن التراض »فالية قاصلرة هنللا‬
‫على التجارة التي فيها أكل الموال لكن بالتراضي والربللح‬
‫الحلل‪ ،‬وليللس كللل معاملللة دخلهللا الرضللا فهللي حلل‪،‬‬
‫والتراضي في المعاملللة محللل الفتللوى يحللل حرامللا فهللي‬
‫خارجة عن موضوع الية‪.‬‬
‫ج ل الفقرة الثالثة‪» :‬ومن المعروف ان البنوك عندما تحدد‬
‫للمتعاملين معها هذه الرباح أو العوائد مقدما‪ ،‬إنما تحددها‬

‫‪728‬‬
‫بعللد دراسللة دقيقللة لحللوال السللواق العالميللة والمحليللة‬
‫والوضاع القتصادية في المجتمع‪ ،‬ولظللروف كللل معاملللة‬
‫ولنوعها ولمتوسط ارباحها‪ .‬ومن المعروف كللذلك ان هللذا‬
‫التحديلللد قابلللل للزيلللادة والنقلللص‪ ،‬بلللدليل ان شلللهادات‬
‫الستثمار بدأت بتحديد العائد ‪ %4‬ثم ارتفع هذا العائد الى‬
‫أكثر من ‪ %15‬ثم انخفض الن الى مللا يقللرب مللن ‪.%10‬‬
‫والذي يقوم بهذا التحديد القابللل للزيللادة أو النقصللان‪ ،‬هللو‬
‫المسؤول عن هذا الشأن طبقللا للتعليمللات الللتي تصللدرها‬
‫الجهة المختصة في الدولة«‪.‬‬
‫إن صدر هذه الفقرة يفيد ان البنك يضللمن الربللح لعملئه‪،‬‬
‫ول يضيره ان يحدد لهم الربللح المعيللن مقللدما‪ ،‬لنلله يللأمن‬
‫الخطأ في التحديد ان يكون سببا لخسارة مللا‪ ،‬فللإن البنللك‬
‫مطمئن الى دراسته الدقيقة للسواق المحليللة والعالميللة‪،‬‬
‫وأوضاع المجتمع القتصادية‪ .‬ثم ان البنللك لللم يحللدد ربحللا‬
‫معينللا مضللمونا ال وهللو ضللامن ربحللا أكللبر‪ ،‬فيأخللذ أمللوال‬
‫العملء قرضا‪ ،‬ثم يقرضها لبنوك أخلرى بنسلبة ربلح أعللى‬
‫ممللا ضللمنه لعملئه وهللذا شللأن البنللوك‪ ،‬وهللذا مفهللوم‬
‫الستثمار فيها‪ ،‬ل انها تستثمره فللي العقللار أو المنقللول او‬
‫السهم او غير ذلك فإنه محظللور عليهللا قانونللا كمللا سللبق‬
‫البيان‪ ،‬بللل عمللل البنللوك توليللد النقللود بللالنقود‪ ،‬وقللد نبلله‬
‫فقهاؤنا على خطورة اتخللاذ النقللود سلللعة تبللاع وتشللترى‪،‬‬
‫فقال الشاطبي وغيره‪ :‬النقود خلقت اثمانللا وقيمللا للسلللع‬
‫ومتى استعملت سلعة دخل على الناس الفساد‪ .‬النللابهون‬
‫مللن القتصللاديين اليللوم يؤكللدون هللذا المعنللى القتصللادي‬
‫الدقيق فالبنك انما يتحصل على الفائدة لعملئه وللله ايضللا‬
‫عن طريق بيع النقللود والمضللاربة الربويللة فيهللا بللالقراض‬
‫والقتراض‪.‬‬
‫والقللول بللأن تحديللد البنللك قابللل للزيللادة والنقللص‪ ،‬هللذه‬
‫العبارة تشعر بمناقضة الفقللرة السللابقة الللتي يحللدد فيهللا‬
‫البنك الفوائد تحديدا دقيقا‪ .‬وهللي عبللارة تللوهم بللأن الربللح‬
‫متغير وهي سمة التجارة المشروعة‪ ،‬وليللس المللراد ذلللك‬
‫قطعا فإن البنك يحدد لكل عملية ربحها المحدد المضمون‬
‫الثابت الذي ل يزيللد ول ينقللص‪ ،‬ولكللن المللراد ان الزيللادة‬

‫‪729‬‬
‫والنقص في العقللود المختلفللة وفللي ازمنللة مختلفللة فهللي‬
‫تزيللد وتنقللص تبعللا للظللروف والزمللان والحللوال‪ .‬والبنللك‬
‫المركزي هو الذي يتدخل ويفرض نسبة الفللوائد الللتي قللد‬
‫تختلف من وقت لخر وفق معطيللات اقتصللادية وسياسللية‬
‫مختلفة‪.‬‬
‫د ل الفقرة الرابعة‪» :‬ومن فوائد هذا التحديد ل ل سيما في‬
‫زماننا هذا الذي كثر فيه النحراف عن الحللق والصللدق ان‬
‫فللي هللذا التحديللد منفعللة لصللاحب المللال‪ ،‬ومنفعللة ايضللا‬
‫للقائمين على ادارة هذه البنوك المستثمرة للموال« فيلله‬
‫منفعة لصاحب المال‪ ،‬لنه يعرفه حقلله معرفللة خاليللة مللن‬
‫الجهالة‪ ،‬وبمقتضى هذه المعرفة ينظم حياته‪ .‬وفيه منفعللة‬
‫للقائمين على ادارة هذه البنوك‪ ،‬لن هذا التحديللد يجعلهللم‬
‫يجتهدون في عملهم وفي نشاطهم حتى يحققللوا مللا يزيللد‬
‫علللى الربللح الللذي حللددوه لصللاحب المللال‪ ،‬وحللتى يكللون‬
‫الفائض بعد صرفهم لصحاب الموال حقوقهم‪ ،‬حقا خالصا‬
‫لهم في مقابل جدهم ونشاطهم‪ ،‬هذه الفقللرة تركللن الللى‬
‫الدليل الضعف وهو بنللاء الحللل علللى المنللافع والمصللالح‪،‬‬
‫والمقرر عنللد علمللاء الصللول ان شللرط الخللذ بالمصلللحة‬
‫وبناء الحكم عليها اذا لم تصادم نصللا‪ ،‬وقللد اجمللع الفقهللاء‬
‫والصوليون علللى ان المصلللحة ل تقللدم علللى النللص عنللد‬
‫التعارض ل ومن قال بخلفه وهللو الطللوفي‪ ،‬فقللول شللاذ ل‬
‫يخرق الجماع ل ولذا كانت المصللالح المصللادمة للنصللوص‬
‫غير معتبرة‪ ،‬وما بني عليها باطل‪ ،‬وكللانت الفللائدة الربويللة‬
‫وان كان فيها مصلحة للمرابين ال انها مال خبيث ل يحللل‪،‬‬
‫ول يعتبر طريقا من طرق الملكيللة ولللذا لللم تجللب الزكللاة‬
‫في الفائدة الربوية لخبثها‪ ،‬ومن قال ان الربا فيلله مصللالح‬
‫حقيقية‪ ،‬بل الصحيح ان مصالحه موهومة بل هللي مفاسللد‬
‫حقيقية‪ .‬ولذا سللماه الللله ظلمللا فقللال تعللالى‪» :‬وإن تبتللم‬
‫فلكم رؤوس أموالكم ل تظلمللون ول تظلمللون« )البقللرة‪:‬‬
‫‪ ،(279‬فالزيادة على رأس المال ربا وظلم‪ ،‬يقللول المللام‬
‫ابن تيمية‪» :‬الربا فيه ظلم محقق لمحتاج‪ ،‬ولهذا كان ضللد‬
‫الصلدقة‪ ،‬فلإن اللله للم يلدع الغنيلاء حلتى اوجلب عليهلم‬
‫اعطللاء الفقللراء فللإن مصلللحة الغنللي والفقيللر فللي الللدين‬

‫‪730‬‬
‫والدنيا ل تتم إل بذلك‪ ،‬فإذا اربى معه فهو بمنزلللة مللن للله‬
‫على رجل دين فمنعه وظلمه زيادة أخرى‪ ،‬والغريم محتاج‬
‫الى دينه‪ .‬فهذا من اشد انواع الظلم‪ ،‬ويعظمه‪ :‬لعن النللبي‬
‫صلللى الللله عليلله وسلللم آكللله وهللو الخللذ‪ ،‬ومللوكله وهللو‬
‫المحتللاج المعطللي للزيللادة‪ ،‬وشللاهديه‪ ،‬لعللانتهم عليلله‬
‫»)القواعد النورانية ‪.(117‬‬
‫وإذا كان ربا الجاهلية ظلمه ظاهر على المقترض المحتاج‬
‫للمال ضرورة‪ ،‬فيعجز عن السداد فيزداد عليلله حللتى يبللاع‬
‫عليه ما يملك او يستعبد هو نفسلله‪ ،‬فللإن ربللا البنللوك فللي‬
‫المعاملللة محللل الفتللوى‪ ،‬الضللعيف فيهللا هللو المقللرض‬
‫المغلللوب علللى امللره الللذي ل يسللتطيع ان ينمللي امللواله‬
‫ويستثمرها‪ ،‬فيعطلها اذ يدفعها الللى المقللترض يتقللوى بهللا‬
‫على الباطل والحرام فيسللتثمرها فللي الربللا وهللذا ضللرره‬
‫ابلغ‪ ،‬فإن ضرر المدين المضطر على نفسه والظلللم واقللع‬
‫عليه ابتداء‪ ،‬لكن ضرر البنك خاصللة اكللبر لنلله ضللرر علللى‬
‫المجتمع بأسره في تعطيل المال‪ ،‬وحرمللان المجتمللع مللن‬
‫التنميللة‪ .‬ول يخفللى ان الظلللم ظلللم سللواء مللن الللدائن او‬
‫المدين‪ ،‬فالبنك المدين هنا يظلم الللدائن اذ يعطيلله القليللل‬
‫فهذه الفائدة بحد ذاتهللا ظلللم ومانحهللا ظللالم‪ ،‬ثللم يتحللول‬
‫بمال المدين الذي ملكه ليصبح دائنا قويللا يأخللذ اكللثر ممللا‬
‫اعطللى‪ ،‬فضللرره ثنللائي مضللاعف‪ .‬ولقللد بحللت اصللوات‬
‫القتصاديين في التنبيه على اضرار الربا المللدمرة للفللراد‬
‫والمجتمعللات والللدول وانهللا السللبب الرئيسللي فللي تباعللد‬
‫طبقات المجتمعات في المجتمع الواحللد بيللن فئاتلله وبيللن‬
‫الدول الغنية والفقيرة‪ ،‬حيث يكبل القوي الضعيف بالديون‬
‫وفوائدها فيستغل خيراته ويستعبد اهله‪.‬‬
‫ولسنا هنا في معرض بيان آثار الربا ومساوئه علللى الفللرد‬
‫والسرة والمجتمع والدول والقتصاد العالمي برمته‪ ،‬فهللذا‬
‫قد خصصت له بحللوث مطولللة مللن علمللاء القتصللاد قبللل‬
‫علمللاء الشللريعة‪ .‬والفتللوى تشللير بوضللوح الللى ان للبنللك‬
‫مطلق الحريللة فللي اسللتثمار المللال كللله لصللالحه بعللد ان‬
‫يتفضل بالقليل لصحاب الموال‪ ،‬وتعلل الفتللوى حللل ريللع‬
‫هذا الستثمار لموال المللودعين »بللانه حللق خللالص لهللذه‬

‫‪731‬‬
‫البنوك مقابل جهدهم ونشاطهم« فكيف يكون هذا الظلللم‬
‫حقا وهو استغلل لموال اصللحاب المللوال؟ وكيللف يكللون‬
‫حقا خالصا؟ وهو انما يستثمره في الحرام الللبين‪ ،‬لن ملن‬
‫سطر هذه الفتوى ووافق عليها يعلم قبللل غيللره ان البنللك‬
‫انما يستثمرها في بنوك أخرى بطريق الربا ل غير‪.‬‬
‫هل ل الفقرة الخامسلة‪» :‬وقلد يقلال ان البنلوك قلد تخسلر‬
‫فكيللف تحللدد هللذه البنللوك للمسللتثمرين امللوالهم عنللدها‬
‫الرباح مقدما؟ والجواب‪ :‬اذا خسرت البنوك في صفقة ما‬
‫فإنهللا تربللح فللي صللفقات أخللرى‪ ،‬وبللذلك تغطللي الربللاح‬
‫والخسائر«‪ .‬هذه الفقرة تؤكد ان اصحاب الفتللوى العلمللاء‬
‫)حفظهم الله( يدركون ان البنوك ضللامنة للربللح لنهللا لللن‬
‫تخسر فللان البنللك ضللامن ربحلله فللي صللفقته مللع البنللوك‬
‫الخرى‪ ،‬وعلى فرض الخسارة فإن البنللك يللوزع المخللاطر‬
‫فيعقد عدة صفقات مع بنوك أخرى‪ .‬فالخسارة ان وقعللت‬
‫محللدودة ونللادرة‪ .‬والربللاح تغطللي الخسللائر لللو وقعللت‪،‬‬
‫والصللفقات المشللار اليهللا معلللوم لللدى مللن يفللتي بانهللا‬
‫صفقات ربا ل ريللب‪ .‬اذ البنللوك ممنوعللة مللن اي صللفقات‬
‫في غير الربا‪ .‬ول تمتنع البنوك من اعطاء الفائدة لصحاب‬
‫الموال‪ .‬وال فالقضاء ينصللفهم لن القضللاء يعتللبر الفللائدة‬
‫المحرملللة حقلللا للمقلللرض وواجبلللا ل ينفلللك اداؤه علللن‬
‫المقترض‪.‬‬
‫و ل الفقرة السادسة‪» :‬والخلصة ان تحديللد الربللح مقللدما‬
‫للذين يستثمرون اموالهم عن طريق الوكالللة السللتثمارية‬
‫في البنوك او غيرها حلل ل شبهة في هذه المعاملة فهللي‬
‫مللن قبيللل المصللالح المرسلللة وليسللت مللن العقللائد او‬
‫العبادات التي ل يجوز التغيير او التبديل فيها‪ .‬وبناء على ما‬
‫سبق فان استثمار الموال لدى البنوك التي تحللدد كالربللح‬
‫او العائد مقدما حلل شرعا ول بأس به«‪.‬‬
‫هذه الفقرة تكرر المعاني السابقة فتقر بأن تحديللد الربللح‬
‫او بللالمعنى الصللحيح اشللتراط ضللمان الربللح حلل مللا دام‬
‫مبنيللا علللى الوكالللة السللتثمارية للل المقصللود الوكالللة‬
‫بالستثمار ل في البنوك او غيرها‪ ،‬وهنا يللدخل فللي الفتللوى‬
‫غير البنوك من الشركات والمؤسسات المالية‪ ،‬واعتقد ان‬

‫‪732‬‬
‫المراد هو البنللك السللائل وهللو »بنللك الشللركة المصللرفية‬
‫العربية الدولية وغيره من البنوك« ولكن سللرعة الصللياغة‬
‫ربما اوقعت في هذا اللبس غير المراد‪ .‬وتؤكد الفقرة بللأن‬
‫هللذه المعاملللة حلل ل شللبهة فيهللا‪ .‬وهللذا ايمللاء لوجللود‬
‫الشبهة‪ ،‬وال ل كتفى بأن المعاملة حلل‪ ،‬وتضيف الخلصللة‬
‫دليل آخر لم يسبق ذكره وهذا عيب فللي الفتللوى ان تللذكر‬
‫دليل في الخلصة ل ذكر له في اصل ادلة الفتوى‪ ،‬ويحشر‬
‫في الفتوى حشرا‪ .‬وهو قول الفتوى بللأن »هللذه المعاملللة‬
‫من قبيل المصالح المرسلللة« واظللن ان مللن بيللن اعضللاء‬
‫المجمع الحاضرين ثلثة من الفقهاء المختصين المتعمقيللن‬
‫في الفقه واصول الفقه‪ ،‬وهم الوحيللدون الللذين اعترضللوا‬
‫علللى الفتللوى‪ .‬وهللم يعلمللون يقينللا مللا معنللى المصللالح‬
‫المرسلة‪ .‬ول اظللن ذلللك يخفللى ايضللا علللى بقيللة العلمللاء‬
‫الكرام‪ .‬فالمصلحة المرسلة هللي المصلللحة الللتي لللم يللرد‬
‫نص باعتبارها فينص على انها جائزة‪ ،‬ولم يرد نص بالغائهللا‬
‫فينص على انها غير معتللبرة وملغللاة‪ .‬وقللد اوردت الفتللوى‬
‫نصا قرآنيا ادعت انه دليل اعتبار هذه المعاملة وهي قللوله‬
‫تعالى‪» :‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل‬
‫إل أن تكللون تجللارة عللن تللراض منكللم« فتكللون مصلللحة‬
‫معتبرة ل مصلحة مرسلة بناء على هذه الية‪ .‬وقد بينللا ان‬
‫الستشهاد في غير محللله ولللم يبللق ال ان هللذه المعاملللة‬
‫محرمة وهي من الربا‪ ،‬وهي حينئذ مصلللحة ملغللاة بللالنص‬
‫القاطع وهي اي من التحريم مللن القللرآن واحللاديث النللبي‬
‫صلى الله عليه وسلم واجماع فقهاء المللة‪ .‬فهللي مصلللحة‬
‫يتحقق فيها شرط اللغللاء‪ ،‬ثللم ان عبللارة »انهللا مللن قبيللل‬
‫المصالح المرسلة وليست من العقائد او العبادات الللتي ل‬
‫يجوز التغيير او التبللديل فيهللا« عبللارة غيللر سلليمة علميللا‪،‬‬
‫فإن العقائد والعبادات ل تقابل بالمصلالح المرسللة‪ ،‬وانملا‬
‫تقابللل بالمصللالح المرسلللة المصلللحة المعتللبرة الللتي ورد‬
‫النص باعتبارها‪ ،‬والمصلحة الملغاة التي ورد النص بالغائها‬
‫والمصلحة العامة والخاصة التي وردت النصوص باعتبارها‪،‬‬
‫فمحل المصالح والمصللالح المرسلللة هللو فللي المعللاملت‪،‬‬
‫ومن المعاملت المحققة للمصالح ما ل يجوز فيلله التبللديل‬

‫‪733‬‬
‫او التغييللر بادخللال شللروط او الغللاء بعضللها كعقللد السلللم‬
‫والستصللناع والمضللاربة ونحوهللا ممللا بنللي اصللل علللى‬
‫المصلللالح‪ .‬وانملللا العبلللادات والعقلللائد يمكلللن ان تقابلللل‬
‫المصلحة بالمعنى العام‪ ،‬لن المصلحة تتغير بتغير الزمللان‬
‫والمكان‪ ،‬ولكنها وفق ضوابطها بأل تخالف نصا من الكتاب‬
‫او السنة او الجماع او القياس‪ ،‬وال تفوت مصلحة اكبر‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق من هذا البيان المستقرئ للفتوى بالرد‬
‫والتصللحيح فللإنه يسللعنا القللول‪ :‬ان هللذه الفتللوى مللردودة‬
‫لمصادمتها نصوص الشرع القاطعة بحرمة الربللا‪ ،‬وخرقهللا‬
‫لجماع الفقهاء قديما وحديثا وانها قول شاذ ل يللدخل فللي‬
‫باب الجتهاد‪ .‬اذ ل اجتهلاد مللع النلص‪ .‬وانهلا ل تسللتند اللى‬
‫تكييف او دليل شرعي‪ ،‬بل هي صلريحة فلي ابتنائهللا عللى‬
‫اقللراض البنللك واعطللاء فللائدة محللددة مقللدما ومضللمونة‬
‫ومنسوبة لرأس المال ويعيد البنك مللع الفللائدة رأس مللال‬
‫المقرض وهذا عين الربا المقطوع بحرمته نصللا واجماعللا‪.‬‬
‫ولو لم يكللن فللي هللذه الفتللوى ال شللبهة للربللا لبطلللت اذ‬
‫شبهة الربا ربا‪.‬‬
‫وتبطل هذه الفتوى بتضافر اجماع مجامع الفقلله فللي هللذا‬
‫العصر بدءا بقرار مجمع البحوث السلمية وقد سبق ذكللر‬
‫فتواه والتي شارك فيها قرابلة ملائة وخمسلين فقيهلا ملن‬
‫خمللس وثلثيللن دولللة‪ ،‬ومجمللع الفقلله السلللمي التللابع‬
‫لمنظمة المؤتمر السلللمي الللذي يضللم الللدول السلللمية‬
‫كلها ممثلة بأبرز علمائها وبحضور زهاء مائة واربعين فقيها‬
‫ومجمع الفقه برابطللة العللالم السلللمي‪ ،‬وفيمللا يلللي ذكللر‬
‫هذه الفتللاوى‪ ،‬وتللذييلها بفتللوى فضلليلة شلليخ الزهللر عينلله‬
‫ونفسه الشيخ محمد سيد طنطاوي‪ .‬وكل هذه الفتاوى في‬
‫الموضوع نفسه اقراض البنك ومنح البنك فائدة علللى هللذا‬
‫القراض‪.‬‬
‫جريدة الشرق الوسط ‪04/02/2003‬‬
‫===============‬
‫‪#‬الربا‪ ..‬آثام وأضرار‬
‫بناء النفللس والسللرة‪ ،‬وبنللاء المجتمللع والمللة ل يكللون إل‬
‫باكتسللاب‪ ،‬ول اكتسللاب إل بعمللل‪ .‬والعمللل ل يكللون إل‬

‫‪734‬‬
‫بالتعامللل مللع الخريللن‪ ،‬سللواء كللان العمللل والكتسللاب‬
‫مشروعا ً أم غير مشروع‪ ،‬أخلقيا ً أم غير أخلقي‪.‬‬
‫وأحكام السلم لم تكن كنظريات الشتراكيين التي ألغللت‬
‫الملكية الفردية‪ ،‬وقتلت أبناءهللا‪ ،‬وأدت بهللم إلللى العطالللة‬
‫والبطالللة‪ .‬وهللي كللذلك ليسللت رأسللمالية تعطللي الحريللة‬
‫المطلقة في الموال ليسللحق القويللاء الضللعفاء‪ ،‬ويكونللوا‬
‫ل! ليسللت‬ ‫بمثابللة العبيللد والخللدم لهللم‪ ،‬والعمللال لللديهم‪ .‬ك ّ‬
‫أحكام السلم في التعللاملت كللذلك؛ إذ وازنللت بيللن حللق‬
‫الفرد في الملكية الخاصة وبين حاجة المجتمع بمللا يحقللق‬
‫التقارب واللفة والمن‪ ،‬فللأعطت الفللرد حللق تنميللة مللاله‬
‫بالكسب المشروع‪ ،‬ولم تحرمه من ابتكارات فللي التجللارة‬
‫مللا دامللت فللي حللدود الحلل‪ .‬وفللي الللوقت ذاتلله أغلقللت‬
‫تشللريعات السلللم منافللذ السللتبداد المللالي‪ ،‬والحتكللار‬
‫التجاري‪ ،‬واستغلل الطبقات الفقيرة وحاجتها إلى المللال‪،‬‬
‫وفتحت أبللواب الحسللان والقللرض والصللدقة‪ ،‬والمضللاربة‬
‫المشروعة‪ ....‬إلخ‪.‬‬
‫وفللي هللذه المقالللة عللرض لبعللض آثللام الربللا الشللرعية‪،‬‬
‫وأضراره الدينية والدنيوية؛ تلك الكبيرة مللن الللذنوب الللتي‬
‫عمت وطمت في العصر الرأسمالي‪ ،‬وتمت عولمتها قبللل‬
‫عولمة أي شيء آخر؛ إذ إن الربا انتشر في كل بلد العالم‬
‫انتشار النار في الهشيم منذ عشرات السنين‪ ،‬أي قبللل أن‬
‫يتحدث الناس عن العولمة‪.‬‬
‫ون‬ ‫ومع بالغ السف فإن انتشللار هللذه الجريمللة النكللراء هُل ّ‬
‫وقعها على القلوب؛ حتى ألفتها فلم تعد تنكرها؛ بللل صللار‬
‫النكار على من ينكرها في عصر أصبح الباطللل فيلله حق لا ً‬
‫ول حول ول قوة إل بالله‪ .‬ومن كان يظن أن هللذه الكللبيرة‬
‫المقيتللة سللتوجد لهللا المسللوغات وتوضللع لهللا المللبررات؟‬
‫وممللن؟! مللن شلليوخ معمميللن يحملللون أعلللى الجللازات‬
‫العلمية فللي الدراسللات السلللمية‪ ،‬ويللتربعون علللى سللدة‬
‫مناصب الفتاء في بلدهم‪.‬‬
‫وأضحت اليوم كثير من المعاملت المحرمة بالمس تصنع‬
‫لها المخارج الشرعية‪ ،‬وتتحول تدريجيا ً مللن دائرة الحرمللة‬
‫المغلظة إلى الخللف إلللى المشللتبه‪ ،‬إلللى مسللائل خلفيللة‬

‫‪735‬‬
‫يجيزها بعض ويحرمهللا الكللثر‪ ،‬ثللم العكللس يجيزهللا الكللثر‬
‫محّرم لها شيئا ً فشلليئا ً‬ ‫ويحرمها بعض‪ ،‬حتى يخفت صوت ال ُ‬
‫فتصبح حل ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ولقناع جمهور المة التائه في غابللة تلللك التعللاملت الللتي‬
‫تخرج لنا اللة الرأسمالية كل يللوم منهللا عشللرات الصللور‪،‬‬
‫عمدت كثير من صللروح الربللا المشللهورة الللتي تحللاد الللله‬
‫ورسوله وتعلللن الربللا صللراحة إلللى إقنللاع الللواقفين علللى‬
‫عتباتها مترددين بفتاوى تجيز بعللض أسللاليبهم وتعللاملتهم‪.‬‬
‫تصللورها وتوزعهللا وتعلقهللا علللى جللدران الصللرح الربللوي‬
‫الشامخ؛ وإنها لمهزلة أن يكون سند من يجاهر بحرب الله‬
‫ورسوله فتوى خطتها أنامل من يدعو إلى الله تعالى وإلى‬
‫سنة رسوله صلى الله عليه وسلم !!‬
‫أضرار الربا الشرعية‪:‬‬
‫‪ 1‬الربا من معاملت اليهود والمشركين‪:‬‬
‫كان من أعظم أمور الجاهلية‪ ،‬وتعاملتهم المالية ممارسللة‬
‫الربا وكسب الموال عن طريقلله؛ ولللذا فللإن النللبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم أعلن إلغاءه على مسمع مللن النللاس فللي‬
‫حجة الوداع حينما خطبهم فقال‪" :‬أل كللل شلليء مللن أمللر‬
‫الجاهليللة تحللت قللدمي موضللوع‪ .‬ثللم قللال‪ :‬وربللا الجاهليللة‬
‫موضوع‪ ،‬وأول ربا أضع ربانا ربا العباس ابن عبد المطلللب‬
‫فإنه موضوع كله")‪.(1‬‬
‫واليهللود يتعللاملون بالربللا حللتى كللان أكلهللم للله سللببا ً مللن‬
‫أسباب عقوبتهم كما قال الله تعللالى ‪ :‬فبظلللم مللن الللذين‬
‫هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عللن سللبيل‬
‫الللله كللثيرا )‪ (160‬وأخللذهم الربللا وقللد نهللوا عنلله وأكلهللم‬
‫أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما‪.‬‬
‫}النساء‪.{161 ،160 :‬‬
‫قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعللالى ‪" :‬أي أن الللله قللد‬
‫نهاهم عللن الربللا فتنللاولوه وأخللذوه واحتللالوا عليلله بللأنواع‬
‫الحيل وصنوف من الشبه")‪.(2‬‬
‫ولم يفارق اليهود عادتهم القديمة؛ فأباطرة الربا فللي هللذا‬
‫العصر وملك كبريات مؤسساته ومصارفه هم من اليهللود‪،‬‬
‫وهلم اللذين أفسلدوا اقتصلاد العلالم‪ ،‬ونشلروا المعللاملت‬

‫‪736‬‬
‫المحرمة‪ ،‬وحطموا أسعار كثير من العملت‪ ،‬وأفقروا كثيرا ً‬
‫من الشعوب‪.‬‬
‫فمللن تعامللل بالربللا فقللد تشللبه بأعللداء الللله تعللالى مللن‬
‫المشركين واليهود‪ ،‬وكفى بذلك إثما ً وخسرانًا‪.‬‬
‫‪ 2‬أنه محاربة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫جاء الزجر عن الربا في كتاب الله تعالى عنيفلا ً شللديدًا؛ إذ‬
‫هو من الذنوب العظائم القلئل)‪ (3‬الللتي وصللف اقترافهللا‬
‫بمحاربة الله ورسوله‪.‬‬
‫وإذا كللان قطللاع الطريللق يحللاربون الللله تعللالى بإشللهار‬
‫السللللح‪ ،‬وإزهلللاق الرواح‪ ،‬واغتصلللاب الملللوال‪ ،‬وترويلللع‬
‫المنين‪ ،‬وقطع السبيل؛ فإن أكلة الربا يحاربون الله تعالى‬
‫بدمار المجتمعات‪ ،‬والفساد في المللوال ممللا يللؤدي إلللى‬
‫الفساد في الرض‪ ،‬وتوسيع الهوة بين الطبقات مملا يللزم‬
‫منه حدوث الجرائم وكثرة الخوف‪ ،‬وقلة المن‪.‬‬
‫ة الربا ل يرفعون السلح كما يرفعه قطاع الطريق‪،‬‬ ‫إن أ َك َل َ َ‬
‫ول يأخذون المال عنللوة؛ ولكنهللم يمتصللون دمللاء الفقللراء‬
‫وهم يبتسمون لهم!! وينتهبون أموال الناس وهللم يربتللون‬
‫على أكتافهم!!‬
‫إنها محاربة ماثلت فلي بشلاعتها محاربللة قطلاع الطريللق؛‬
‫ولكنها أوسع نطاقًا‪ ،‬وأكثر تنظيملا ً ومخادعللة؛ ففلاقت فللي‬
‫انتشارها وقبحها رفع السلح وانتهاب الموال بالقوة؛ وقللد‬
‫قال الله تعالى محذرا ً منها‪ :‬يا أيها الذين آمنللوا \تقللوا الللله‬
‫وذروا ما بقللي مللن الربللا إن كنتللم مللؤمنين ‪ 278‬فللإن لللم‬
‫تفعلللوا فللأذنوا بحللرب مللن الللله ورسللوله وإن تبتللم فلكللم‬
‫رءوس أمللوالكم ل تظلمللون ول تظلمللون }البقللرة‪،278 :‬‬
‫‪.{279‬‬
‫وويل ثم ويل لمللن حللارب الللله تعللالى وهللو يمشللي علللى‬
‫أرضه‪ ،‬ويأكل رزقه‪ ،‬وينعم بفضله‪ .‬قال ابللن عبللاس رضللي‬
‫الله عنهما ‪" :‬يقال يللوم القيامللة لكللل الربللا‪ :‬خللذ سلللحك‬
‫للحرب")‪ .(1‬وعنه رضي الله عنه قللوله فللي معنللى اليللة‪:‬‬
‫"فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله")‪.(2‬‬
‫وقال قتادة السدوسي رحمه الله تعللالى ‪" :‬أوعللدهم الللله‬
‫بالقتل كما تسمعون؛ فجعلهم بهرجا ً أينما ثقفوا")‪ (3‬ويرى‬

‫‪737‬‬
‫بعض المفسرين أن هذه الية قد أومأت إلى سللوء خاتمللة‬
‫أكلة الربا)‪.(4‬‬
‫‪ 3‬أن فيه كفرا ً لنعمة المال‪:‬‬
‫لم يكتف المتعامل بالربللا بمللا رزقلله الللله مللن مللال‪ ،‬ولللم‬
‫يشكر نعمة الله تعالى به عليله؛ فللأراد الزيلادة ولللو كلانت‬
‫إثمًا‪ ،‬فكان كافرا ً لنعمة ربه عليه؛ فمآل ماله إلللى المحللق‬
‫ونزع البركة‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪ :‬يمحق الله الربا ويربللي‬
‫الصدقات والله ل يحللب كللل كفللار أثيللم }البقللرة‪.{276 :‬‬
‫قال ابن كثير رحمه الله تعالى ‪" :‬أي ل يحب كفور القلب‪،‬‬
‫أثيم القول والفعل‪ ،‬ول بد من مناسبة في ختم هللذه اليللة‬
‫بهذه الصفة وهي أن المرابي ل يرضى بما قسللم الللله للله‬
‫من الحلل‪ ،‬ول يكتفي بما شلرع لله مللن الكسلب المبللاح‪،‬‬
‫فهللو يسللعى فللي أكللل أمللوال النللاس بالباطللل بللأنواع‬
‫المكاسب الخبيثة فهو جحود لما عليه مللن النعمللة‪ ،‬ظلللوم‬
‫آثم بآكل أموال الناس بالباطل")‪.(1‬‬
‫‪ 4‬أن الربا مخل باليمان‪:‬‬
‫كل معصية تخل بإيمان العبد‪ ،‬وعلى قللدر المعصللية يكللون‬
‫اختلل اليملللان؛ إذ إن اليملللان يزيلللد بالطاعلللة وينقلللص‬
‫بالمعصللية كمللا هللو مللذهب السلللف الصللالح وأتبللاعهم‬
‫بإحسان‪ ،‬وقد قال الللله تعللالى فللي شللأن الربللا‪ :‬وذروا مللا‬
‫بقللي مللن الربللا إن كنتللم مللؤمنين }البقللرة‪ ،{278 :‬قللال‬
‫القاسمي رحمه الللله تعللالى ‪" :‬فللبّين أن الربللا واليمللان ل‬
‫يجتمعان")‪.(2‬‬
‫ولذا كان المتعامل حقيقا ً باللعن والطللرد مللن رحمللة الللله‬
‫تبارك وتعالى‪ .‬قال جابر رضي الله عنه ‪" :‬لعن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومللوكله وكللاتبه وشللاهديه‬
‫وقال‪ :‬هم سواء")‪.(3‬‬
‫‪ 5‬أنه من المهلكات للفراد والمم‪:‬‬
‫أما الفراد فقد عد ّ النبي صلى الله عليه وسلللم الربللا مللن‬
‫التسع الموبقات)‪ ،(4‬ثم عده في السبع الموبقات)‪ (5‬التي‬
‫ذر منها وأمر باجتنابها‪.‬‬‫ح ّ‬
‫وأما على مستوى المم فقد أخبر صلى الللله عليلله وسلللم‬
‫أنه‪" :‬مللا ظهللر فللي قللوم الربللا والزنللا إل أحلللوا بأنفسللهم‬

‫‪738‬‬
‫عقاب الله")‪ (6‬وكفى بللذلك زاجللرا ً عنلله للمللم الللتي تللود‬
‫المحافظة على اقتصادها‪ ،‬وتخشى الكوارث والنوازل‪.‬‬
‫‪ 6‬الربا أعظم إثما ً من الزنا‪:‬‬
‫ورد في السنة النبوية أحاديث كشفت حقيقة تلك الجريمة‬
‫النكراء‪ ،‬وأبانت بشاعتها وقبحها بما يردع كل مللؤمن بللالله‬
‫ه مقارفتهللا؛ ومنهللا‬ ‫تعالى والللدار الخللرة عللن مقاربتهللا ب َل ْل َ‬
‫حديث ابن مسعود رضي الله عنلله عللن النللبي صلللى الللله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬الربا ثلثة وسبعون بابا ً أيسرها مثللل أن‬
‫ينكح الرجل أمه‪ ،‬وإن أربى الربا عرض الرجللل المسلللم")‬
‫‪.(7‬‬
‫وكذا حديث عبد الله بللن حنظلللة رضللي الللله عنهمللا قللال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬درهللم ربلا ً يللأكله‬
‫الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلثين زنية")‪.(1‬‬
‫قال الشوكاني رحمه الله تعالى ‪" :‬قللوله‪ :‬أشللد مللن سللت‬
‫وثلثيللن‪ ...‬إلللخ" يللدل علللى أن معصللية الربللا مللن أشللد‬
‫المعاصي؛ لن المعصية التي تعدل معصية الزنا الللتي هللي‬
‫في غاية الفظاعة والشللناعة بمقللدار العللدد المللذكور‪ ،‬بللل‬
‫أشد منها؛ ل شك أنها قد تجاوزت الحد في القبح")‪.(2‬‬
‫ومن نظر في هذين النصين وشواهدهما من السنة النبوية‬
‫تبين له أن قليل الربا أعظم مللن كللثير الزنللا‪ ،‬مللع مللا فللي‬
‫الزنلا ملن فسلاد اللدين واللدنيا؛ حيلث سلماه اللله تعلالى‬
‫ل‪ ،‬ونهللى عللن القللتراب منلله كمللا قللال‬ ‫فاحشة وساء سللبي ً‬
‫تعالى ‪ :‬ول تقربوا الزنللى" إنلله كللان فاحشللة وسللاء سللبيل‬
‫}السراء‪ ،{32 :‬وحرمت الشريعة الطرق المفضللية إليلله‪،‬‬
‫وسللدت الللذرائع الموصلللة للله‪ .‬وفيلله خيانللة كللبرى لللزوج‬
‫المزني بها ووالديها وأسرتها‪ .‬ويللؤدي إلللى فسللاد الخلق‪،‬‬
‫وارتفلللاع الحيلللاء‪ ،‬واختلط النسلللاب‪ ،‬وفشلللو الملللراض‪،‬‬
‫وحصللول الشللكوك‪ ،‬وتللبرؤ الللزوج مللن نسللبة ابللن زوجتلله‬
‫الزانية وملعنتها على ذلك‪ ،‬وربما حصللل عنللده شللك فللي‬
‫أولده من زوجته قبل زناها إلللى غيللر ذلللك مللن المفاسللد‬
‫العظيمة التي اسلتوجبت أن يكلون حلد الزنلاة المحصلنين‬
‫الرجم بالحجارة حتى الموت‪ .‬وحد غيللر المحصللنين الجلللد‬
‫والتغريب‪ ،‬ورد شهادتهم ووصللفهم بالفسللق إل أن يتوبللوا‪،‬‬

‫‪739‬‬
‫ومصلليرهم فللي الللبرزخ إلللى تنللور مسللجور تشللوى فيلله‬
‫أجسادهم‪.‬‬
‫رغم ما تقدم كله فإن الدرهم من الربللا أعظللم مللن سللت‬
‫وثلثين زنية؛ فإذا كان هذا فللي درهللم واحللد فكيللف بحللال‬
‫من يأكلون اللوف من الربا بل المليين والمليارات؟!‬
‫وكم هي خسارة من أسس تجارته على الربللا‪ ،‬ومللن كللان‬
‫كسبه من فوائد الربا الخبيثللة‪ ،‬ومللن كللانت وظيفتلله كتابللة‬
‫الربا‪ ،‬أو الدعاية له‪ ،‬أو حراسة مؤسسته؟!‬
‫وما هو مصير جسد ما نبت إل من ربللا‪ ،‬وأولدٍ مللا أطعمللوا‬
‫ذيت أجسللادهم إل عليلله‪ ،‬فمللا‬ ‫إل من كسبه الخبيث وما غُل ّ‬
‫ذنبهم أن تبنى أجسادهم بالسحت؟‬
‫الصلة بين الربا والزنا‪:‬‬
‫إن المتأمل للحديثين السابقين ومللا فللي معناهمللا يجللد أن‬
‫ثمة علقة وثيقة بين جريمتي الربا والزنللا‪ ،‬وأن الربللا أشللد‬
‫جرما ً من الزنا؛ فما هو السر في ذلك يا ترى؟!‬
‫إن الذي يظهر لللي والعلللم عنللد الللله تعللالى أن مللن أهللم‬
‫أسباب انتشار الزنا في المم تعامل أفرادها بالربا‪ ،‬ودرهم‬
‫الربا ضرره على المة كلها‪ ،‬أما الزنا فضرره مقصور على‬
‫الزاني والزانية وأسرتها وولدها ول يتعدى ذلك في الغالب‬
‫إذا لم يكن ثمة مجاهرة به‪ ،‬وإقرار له)‪.(1‬‬
‫إن الطبقية اللتي يصلنعها الربلا بيلن أبنلاء الملة الواحلدة‪،‬‬
‫والفجوة بين الفقراء والغنياء التي تزداد اتساعا ً وانتشللارا ً‬
‫كلمللا تعامللل النللاس بالربللا تجعللل الفقيللر كلمللا اقللترض‬
‫ف‬‫ض لع ِ َ‬
‫تضاعفت ديونه‪ ،‬وازداد فقره واشتد جللوعه؛ حللتى ي ُ ْ‬
‫الفقر والجوع والحاجة غيرته على عرضه‪ ،‬فل يأبه إن زنت‬
‫محللارمه إذا كللان مللن وراء ذلللك عللائد مللالي يقلللل فقللره‬
‫ويشبع بطنه‪ .‬وما زنت الزانيللة المحتاجللة أول مللا زنللت إل‬
‫لما جاع بطنها‪ ،‬وصاح رضيعها واحتاج أهلها‪ ،‬ولربمللا أمرهللا‬
‫وليها بالزنا عللوذا ً بللالله مللن أجللل أن تطعللم أسللرتها‪ .‬وإذا‬
‫انكسر حياؤها مرة فلن ينجبر أبدا ً حتى تتخذ الزنا مهنة لها‬
‫إل أن يشاء الله تعالى؛ والواقع يشهد ذلللك فللي كللل البلد‬
‫م فيهلا الربلا‪ ،‬وزال ملن أفرادهلا الحسلان؛ حلتى‬ ‫اللتي عل ّ‬
‫أصبح المال في أيدي عدد قليللل مللن عصللابات المرابيللن‪،‬‬

‫‪740‬‬
‫وأما بقية النللاس فيغرقللون فللي ديللونهم‪ ،‬ويموتللون جوعلا ً‬
‫وفقرًا‪ .‬فالربا ليس سببا ً في وقوع الزنللا فحسللب؛ بللل هللو‬
‫سبب لنتشاره في المم‪ ،‬وإذا كان الزنللا جريمللة أخلقيللة؛‬
‫فإن الربا جريمة أخلقية مالية تجر إلى كللوارث عللدة مللن‬
‫انتشار البطالة والفقللر والجللوع والحقللاد بيللن أبنللاء المللة‬
‫الواحدة‪.‬‬
‫ذب في قبره وعند نشره‪:‬‬ ‫‪ 7‬المتعامل بالربا ُيع ّ‬
‫الربا من المعاملت التي أجمعت الشرائع السللماوية كلهللا‬
‫على تحريمه‪ ،‬الخذ والمعطي فيه سواء‪.‬‬
‫وآكل الربا ُيبَعث يوم القيامة وهو يتخبللط فللي جنللونه كمللا‬
‫قال تعالى ‪ :‬الذين يللأكلون الربللا ل يقومللون إل كمللا يقللوم‬
‫الذي يتخبطه الشيطان من المس‪.‬‬
‫}البقرة‪.{275 :‬‬
‫قال سعيد بن جبير رحمه اللله تعلالى ‪" :‬يبعلث آكلل الربلا‬
‫يوم القيامة مجنونا ً يخنق")‪ ،(2‬وقال وهب ابن منبه‪" :‬يريد‬
‫ث الناس من قبورهم خرجوا مسللرعين لقللوله‪ :‬يللوم‬ ‫إذا ب ُعِ َ‬
‫يخرجون من الجداث سراعا كأنهم إلى" نصللب يوفضللون‬
‫}المعارج‪ {43 :‬إل أكلة الربلا فلإنهم يقومللون ويسللقطون‬
‫كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس؛ وذلللك لنهللم‬
‫آكلوا الربا في الدنيا‪ ،‬فأرباه الله في بطونهم يللوم القيامللة‬
‫حتى أثقلهم؛ فهم ينهضون ويسللقطون ويريللدون السللراع‬
‫ول يقدرون")‪.(2‬‬
‫ويشهد لهذا المعنى حللديث مرفللوع فيلله ضللعف عللن أبللي‬
‫هريرة رضي الله عنه قللال‪ :‬قللال رسللول الللله صلللى الللله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أتيت ليلللة أسللري بللي علللى قللوم بطللونهم‬
‫كالبيوت فيها حيات ُترى من خللارج بطللونهم؛ فقلللت‪ :‬مللن‬
‫ة الربا")‪.(1‬‬‫هؤلء يا جبريل؟ قال‪ :‬هؤلء أ َك َل َ ُ‬
‫وأما عذابه في البرزخ فكما جللاء فللي حللديث المنللام عللن‬
‫سمرة بن جندب رضي الله عنلله وفيلله‪ :‬قللال النللبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬فأتينا على نهر حسبت أنه كللان يقللول‪:‬‬
‫أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح‪ ،‬وإذا على‬
‫شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كللثيرة‪ ،‬فيللأتي ذلللك‬
‫السابح إلى ذلك الذي جمع الحجارة عنده‪ ،‬فيفغللر للله فللاه‬

‫‪741‬‬
‫فيلقمه حجرا ً حتى يذهب بلله سللباحة إلللى الجللانب الخللر"‬
‫وذكر في تفسيره في آخر الحديث أن ذلك السابح الناقللل‬
‫للحجارة آكل الربا)‪.(2‬‬
‫قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى ‪" :‬إنما عللوقب آكللل الربللا‬
‫بسباحته في النهر الحمر وإلقامه الحجارة؛ لن أصل الربا‬
‫يجري في الذهب‪ ،‬والللذهب أحمللر‪ .‬وأملا إلقلام الملللك لله‬
‫الحجر فإنه إشارة إلى أنه ل يغني عنه شيئًا‪ ،‬وكللذلك الربللا‬
‫فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد والله من ورائه يمحقلله")‬
‫‪.(3‬‬
‫‪ 8‬أن المتعامل به ملعون علللى لسللان رسللول الللله صلللى‬
‫الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪" :‬لعلن رسلول‬
‫الللله صلللى الللله عليلله وسلللم آكللل الربللا ومللوكله وكللاتبه‬
‫وشاهديه‪ ،‬وقال‪ :‬هم سواء")‪.(4‬‬
‫قال النووي رحمه الله تعالى ‪" :‬هذا تصريح بتحريللم كتابللة‬
‫المبايعة بيللن المللترابين‪ ،‬والشللهادة عليهمللا‪ ،‬وفيلله تحريللم‬
‫العانة على الباطل")‪.(5‬‬
‫وقال الصللنعاني‪" :‬أي دعللا علللى المللذكورين بالبعللاد عللن‬
‫الرحمة‪ ،‬وهو دليل على إثم من ذكر وتحريللم مللا تعللاطوه‪،‬‬
‫وخص الكل؛ لنه الغلب في النتفاع‪ ،‬وغيره مثله")‪.(6‬‬
‫أضرار الربا الدنيوية‪:‬‬
‫ب مللن‬ ‫ل من يتنفس الهواء نصي ٌ‬ ‫إذا تلوثت الجواء أصاب ك ّ‬
‫هذا التلوث‪ ،‬وإذا تكللدرت الميللاه دخللل شلليء مللن كللدرتها‬
‫جوف كل شارب منها‪ ،‬وهكذا يقال في كل شلليء متلللوث‬
‫يباشره الناس‪ ،‬حتى المللوال إذا داخلهللا الكسللب الخللبيث‬
‫أصاب المتعاملين بها بيعا ً وشراًء‪ ،‬وأخذا ً وعطاًء شيء مللن‬
‫خبثها وسحتها؛ فكيف إذا كانت بنية القتصاد العالمي على‬
‫الكسب الخبيث؛ وفقلا ً للنظريللة الرأسلمالية المبنيلة علللى‬
‫وغ‬ ‫الحرية المطلقة في الموال‪ ،‬والمقللررة أن الغايللة تس ل ّ‬
‫الوسيلة؟ فل شك والحال ما ذكر أن تتلوث الموال عالميا ً‬
‫بالكسب الخللبيث؛ حللتى إن مللن حللاول الحللتراز والتللوقي‬
‫يصلليبه رذاذ خبللث المللوال‪ ،‬وغبللار الربللا المتصللاعد منهللا‪،‬‬
‫مصداقا ً لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلللى‬

‫‪742‬‬
‫الله عليه وسلم قال‪" :‬ليأتين علللى النللاس زمللان ل يبقللى‬
‫فيه أحد إل أكل الربا‪ ،‬فإن لم يأكله أصابه من غباره")‪.(1‬‬
‫وإذا كان المر كذلك فإن حصول أضللرار دنيويللة اقتصللادية‬
‫واجتماعية وغيرها متحقق ول مفر منه في كل أمة انتشللر‬
‫فيها الربا وما يتبعه من كسب خبيث كما دلللت علللى ذلللك‬
‫النصوص والعقل وواقع حال البشر في هللذا العصللر الللذي‬
‫عل فيها شأن القتصاد المبنللي علللى الربللا علللى الشللؤون‬
‫الخرى‪.‬‬
‫ومن تلكم الضرار الدنيوية ما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬أن الربا سبب للعقوبات ومحق البركات‪:‬‬
‫قال الله تعالى ‪ :‬يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله ل‬
‫يحب كللل كفلار أثيللم }البقللرة‪ ،{276 :‬ونظيللر هللذه اليللة‬
‫قوله تعالى ‪ :‬وما آتيتم من ربا ليربو في أمللوال النللاس فل‬
‫يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فللأولئك‬
‫هم المضعفون }الروم‪.{39 :‬‬
‫واليتان دالتان على مباركة المال بالصدقة لترغيبهم فيهللا‪،‬‬
‫ومحقه بالربا لترهيبهم وتنفيرهم منه‪ ،‬ل سيما أن النفللوس‬
‫البشرية تحب تملك المال وتنميته وتمللوله؛ فقللد تتقللاعس‬
‫عن الصدقة شحا ً به‪ ،‬وتتعامل بالربا تنميللة للله؛ فللبين الللله‬
‫تعالى أن البركة تحصل بالصدقة‪ ،‬والمحق يحصل بالربا‪.‬‬
‫قال الرازي‪" :‬لما بالغ في الزجر عن الربلا وكللان قلد بللالغ‬
‫في اليات المتقدمللة فللي المللر بالصللدقات ذكللر ههنللا مللا‬
‫يجري مجللرى الللداعي إلللى تللرك الصللدقات وفعللل الربللا‪،‬‬
‫وكشف عللن فسللاده؛ وذلللك لن الللداعي إلللى فعللل الربللا‬
‫تحصيل المزيللد فللي الخيللرات‪ ،‬والصللارف عللن الصللدقات‬
‫الحتراز عن نقصان الخير؛ فبين تعللالى أن الربلا وإن كلان‬
‫فللي زيللادة فللي الحللال إل أنلله نقصللان فللي الحقيقللة‪ ،‬وأن‬
‫الصدقة وإن كانت نقصانا ً في الصللورة إل أنهللا زيللادة فللي‬
‫المعنللى‪ ،‬ولمللا كللان المللر كللذلك كللان اللئق بالعاقللل أل‬
‫يلتفللت إلللى مللا يقضللي بلله الطبللع والحللس مللن الللدواعي‬
‫والصوارف؛ بل يعول على ندبه الشرع إليله مللن الللدواعي‬
‫والصوارف")‪.(2‬‬

‫‪743‬‬
‫والظاهر أن محق الربا للمللال يكللون فللي الللدنيا والخللرة؛‬
‫لعموم النصوص وعدم تخصيصها المحق بدار دون أخرى‪:‬‬
‫ومن صور محقه في الدنيا‪ :‬عللدم بركتلله‪ ،‬وإنفللاقه فيمللا ل‬
‫يعود على صاحبه بالنفع بل فيما يضره؛ ليقينلله أنلله كسللب‬
‫خبيث فينفقه في خبيث أيضًا‪ ،‬فيكتسب به إثمين‪ :‬إثما ً في‬
‫الكتساب‪ ،‬وإثما ً في النفللاق؛ ذلللك أن كسللب المللال مللن‬
‫حللرام ل يجيللز إنفللاقه فللي الحللرام كملا يظللن كللثير ممللن‬
‫وضون في الحرام‪ .‬ثلم إن ملن اسلتغل حاجلة الفقللراء‬ ‫يتخ ّ‬
‫وأكل أموال الناس بالربا فإنهم يبغضونه ويلعنونه ويلدعون‬
‫عليه؛ مما يكون سببا ً لزوال الخير والبركة عنه في نفسلله‬
‫وماله‪ ،‬وإذا جمع مال ً عظيما ً بالباطل تللوجهت إليلله أطمللاع‬
‫الظلمة والغاصللبين‪ ،‬ويشللجعهم علللى ذلللك أنهللم ل يللرون‬
‫وغون لنفسهم أخذه منه أو مشللاركته‬ ‫أحقيته بالمال‪ ،‬فيس ّ‬
‫فيه‪.‬‬
‫ومن صور محقه في الخرة‪ :‬عللدم تسللخيره فللي الطاعللة‬
‫لعلمه أنه محرم‪ ،‬ولو تصدق به أو حج أو أنفق فللي وجللوه‬
‫البر لكان حريا ً بالرد وعدم القبول؛ لن الله تعالى طيب ل‬
‫يقبل إل طيبلًا‪ ،‬ثللم إن مللا يحصللل للله مللن شللدة الحسللاب‬
‫والعذاب المرتب على الربا في الللبرزخ وعنللد النشللر مللن‬
‫أعظللم المحللق؛ ذلللك أن الصللل فللي المللال منفعللة ينفللع‬
‫صاحبه‪ ،‬والمرابي عاد عليه ماله بالضرر‪.‬‬
‫وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬الربللا وإن‬
‫ل")‪.(1‬‬‫كثر فإن عاقبته تصير إلى ق ّ‬
‫قللال المنلاوي رحملله اللله ‪" :‬أي أنلله وإن كلان زيلادة فلي‬
‫ق آجل ً بمللا يفتللح علللى‬
‫المال عاجل ً يؤول إلللى نقللص ومحل ٍ‬
‫المرابللي مللن المغللارم والمهالللك؛ فهللو ممللا يكللون هبللاًء‬
‫منثورًا‪ .‬قال الطيبي‪ :‬والكثرة والقلة صفتان للمال ل للربا؛‬
‫فيجب أن يقدر‪ :‬مال الربا؛ لن مال الربا ربا")‪.(2‬‬
‫ول يشك مؤمن أن القليللل المبللارك مللن المللال خيللر مللن‬
‫الكللثير الممحللوق البركللة ولللو كللان الكللثير محللل إعجللاب‬
‫الناس وتطلعاتهم ورغباتهم؛ ولذا قال الللله تعللالى ‪ :‬قللل ل‬
‫يسللتوي الخللبيث والطيللب ولللو أعجبللك كللثرة الخللبيث‬
‫}المائدة‪.{100 :‬‬

‫‪744‬‬
‫والواقع المشاهد يؤكد هذه الحقيقة الللتي قررتهللا نصللوص‬
‫الشللريعة سللواء علللى المسللتوى الفللردي أو الجمللاعي‬
‫والممي‪.‬‬
‫أما على المستوى الفردي فإن أكثر الناس في هذا العصر‬
‫عصللر الربللا يشللكون مللن قلللة بركللة أمللوالهم رغللم كللثرة‬
‫دخولتهم وتعدد سبل كسبها‪.‬‬
‫أما على المستوى الممللي العللالمي فرغللم اخللتراع اللللة‪،‬‬
‫واسلللتغلل ثلللروات الرض‪ ،‬وتنلللوع الصلللناعات‪ ،‬وتعلللدد‬
‫الزراعات التي أصبح النسان المعاصر ينتج منها في اليوم‬
‫ما لم يستطع إنتاجه من قبللل فللي سللنوات؛ حللتى صللارت‬
‫أرقام النتاج الزراعي والصناعي أرقاما ً عاليللة جللدًا؛ رغللم‬
‫ذلك كله فإن أكثر سكان الرض يعيشون فقرًا‪ ،‬ول يجدون‬
‫كفاف لًا‪ ،‬وفللي كللل يللوم يمللوت منهللم جمللوع مللن الجللوع‬
‫م‬
‫م للل ْ‬‫والمرض؛ فأين هي المنتجات الزراعية والصناعية؟ ل ِ َ‬
‫تسد ّ جوع المليين من البشللر وهللي تبلللغ ملييللن الملييللن‬
‫من الطنان؟ فما كانت إذن قللة إنتلاج؛ ولكنهلا قللة بركلة‬
‫فيما ينتجون ويزرعون ويصنعون!!‬
‫وأما حلول العقوبات‪ ،‬فإن المحسوس المشاهد منها الذي‬
‫يعاني منه البشر في عصر الربا من التنوع والكللثرة بمللا ل‬
‫يعد‪ .‬وهناك عقوبات معنوية يعاني منهللا أكللثر النللاس ولللم‬
‫يكتشفوا سر تلك المعاناة ومنها‪ :‬استعباد المللادة للنسللان‬
‫بحيث تحولت من كونها وسلليلة لراحتلله وهنللائه إلللى غايللة‬
‫ينصب في تحصيلها‪ ،‬ثم يشقى بحفظهللا‪ ،‬ويخشللى فواتهللا‪.‬‬
‫وتلك عقوبة أيّ عقوبة!!‬
‫إن النسان في العصر الرأسمالي الذي أساسه الربا يريللد‬
‫الستغناء بالشياء‪ ،‬فإذا ما استغنى بها سيطر عليه هاجس‬
‫زوالها فيظل شقيا ً في تحصيلها‪ ،‬شقيا ً في الحفاظ عليهللا‪.‬‬
‫ذب قلبلله‪ ،‬وأي‬ ‫وهل يجد لذة الحياة مللن نعّللم جسللده‪ ،‬وعل ّ‬
‫عذاب أعظم من عذاب القلب؟!‬
‫وقد كان النسان قبل العصر الرأسللمالي يسللتغني عمللا ل‬
‫يستطيع تحصيله‪ ،‬ويقنع بما كتب له؛ فيرتاح بللاله‪ ،‬ويطمئن‬
‫قلبه‪.‬‬
‫‪ 2‬الربا سبب لزدياد الفقر‪:‬‬

‫‪745‬‬
‫سيطرة المادة على الناس‪ ،‬وخوفهم من الفقللر والحاجللة‪،‬‬
‫وانعدام قنللاعتهم بالضللروري مللن العيللش‪ ،‬وتطلعهللم إلللى‬
‫كماليللات ل يحتاجونهللا‪ ،‬إلللى غيللر ذلللك انتشللر وسللاد فللي‬
‫العصر الرأسمالي الربوي‪ .‬وكل ذلك وتوابعه ليست أخلقا ً‬
‫ذميمة فحسب؛ بل هو عقوبات وعللذاب يتللألم النللاس مللن‬
‫جرائها فللي زمللن انتشللار الربللا؛ حللتى أصللبح الفقيللر يريللد‬
‫الغنى‪ ،‬والغني يريد أن يكللون أكللثر ثللراء‪ ،‬وصللاحب الللثراء‬
‫الفاحش يريد السيطرة على أسواق المال في سلسلللة ل‬
‫تنتهي من الجشع وحب الذات وكراهية المتنافسين‪ ،‬وغيللر‬
‫ذلك من الخلق الرديئة‪ ،‬وصللار فللي النللاس مسللتورون ل‬
‫يقنعون‪ ،‬وأغنياء ل يحسنون ول يتصدقون إل من رحم الللله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وإذا ما استمر العالم علللى هللذا النحللو مللن تفشللي الربللا‪،‬‬
‫وارتباط المعاملت المالية به فإن النهاية المحتومة ازديللاد‬
‫الفقر والجوع حتى يهلك أكثر البشر‪ ،‬واجتمللاع المللال فللي‬
‫خزائن فئة معدودة من كبار المرابين‪ ،‬وهذا مللا جعللل أحللد‬
‫كبللار القتصللاديين الوروبييللن يطلللق علللى الربللا‪ :‬تجللارة‬
‫الموت؛ فيقول‪" :‬الربا تجارة الموت‪ ،‬ومن شأنه أن يشعل‬
‫الرأسللماليون الحللرب وإن أكلللت أكبللادهم فللي سللبيل‬
‫مضاعفة رأس المال ببيع السلح")‪.(1‬‬
‫ومللا حطللم قيمللة الوراق النقديللة‪ ،‬وقضللى علللى أسللعار‬
‫العملت إل الربا الللذي يقللوم علبره عصلابة ملن المرابيلن‬
‫بضخ المال في عملة من العملت ثم سحبه مللن رصلليدها‬
‫لتقع قيمتها من القمة إلى الحضيض‪ ،‬فيصيب الفقر شعوبا ً‬
‫وأمما ً ل تملك سوى عملتها التي ما عللادت تسللاوي شلليئًا‪،‬‬
‫وليس ببعيد عن الذهان ما حصل لبعض دول شرق آسيا‪.‬‬
‫‪ 3‬الربا سبب لرداءة النقود وضعفها‪:‬‬
‫المتخصصون في القتصللاد يقللررون أن النقللود هللي دمللاء‬
‫القتصاد‪ ،‬والنقود السليمة هي التي تجعل القتصاد سليمًا؛‬
‫ولكن نقود العالم الحالية مريضة بالتضخم الناتج عن الربا‪،‬‬
‫ول يمكن علجها إل بمعالجة التضخم‪ ،‬ولللن يتللم علجلله إل‬
‫خص هللذه الحقيقللة القتصللادي‬ ‫بإلغللاء فللوائد الربللا‪ .‬ويش ل ّ‬
‫اللمللاني‪) :‬جوهللان فيليللب بتمللان( مللدير البنللك اللمللاني‬

‫‪746‬‬
‫)فرانكفورت( فيقول‪" :‬كلما ارتفعت الفائدة تدهور النقللد‪،‬‬
‫فكما يؤدي الماء إلى رداءة عصير البرتقال أو الحليب فإن‬
‫الفائدة تؤدي إلى رداءة النقود‪ .‬قد يبدو المللر أننللا نسللوق‬
‫تعبيرات أدبية‪ ،‬أو أننللا نبسللط المسللألة ونسللطحها؛ ولكللن‬
‫الحقيقة أن هذه العبارة السهلة البسيطة هلي فلي الواقلع‬
‫معادلة سليمة وصحيحة تدل عليها التجربة‪ ،‬ويمكن إثباتها؛‬
‫مر قيمة النقود‪ ،‬وتنسف أي نظام نقدي‬ ‫فالفائدة العالية تد ّ‬
‫ما دامت تزيد كل يللوم‪ ،‬وتتوقللف سللرعة التللدمير وحجملله‬
‫على مقدار الفائدة ومدتها")‪.(1‬‬
‫ل‪ .‬وهللذه صللورة‬ ‫وهكذا صارت عاقبة الربا وإن كثر إلى قِ ل ّ‬
‫من صور المحق التي يسببها الربا للموال المتعاملين به‪.‬‬
‫وبسللبب انتشللار الربللا فللي المعللاملت الماليللة أضللحت‬
‫البورصات العالمية وكأنها صالة قمار واسعة‪ ،‬ليللس المللر‬
‫فيها يتصل بالمقللامرات غيللر المحسللوبة فحسللب؛ بللل إن‬
‫هناك من يبيع دائما ً ما ل يملك‪ ،‬ومن يشللتري مللن دون أن‬
‫يدفع ثمنًا‪ .‬ومن يتظاهر بأن هناك أسهما ً لشركات وما هي‬
‫في الواقع بشركات‪ ،‬ومللن يقيللد بالللدفاتر مليللارات كللبيرة‬
‫دون أن يراهلا‪ ،‬ودون أن يقابلهلا رصليد ملن أي نلوع‪ ،‬إنهلا‬
‫الفللائدة الملعونللة المسللؤولة عللن المصللائب الكللبرى فللي‬
‫النظام النقللدي العللالمي‪ ،‬وهللي المسللؤولة عللن التضللخم‪،‬‬
‫وعن ضياع الموال‪ ،‬وعن عجز دفع المدينين ديللونهم‪ ،‬كمللا‬
‫قرر حقيقة ذلك القتصادي الغربي )موريس آليلله( الحللائز‬
‫على جائزة نوبل في القتصاد)‪.(2‬‬
‫‪ 4‬الربا سبب لرفع المن وانتشار الخوف‪:‬‬
‫تسود النانية وحب الذات وانعدام الرحمة كل المجتمعللات‬
‫التي ينتشلر فيهللا الربلا؛ فالموسلرون المرابلون يقرضللون‬
‫الفقراء المحتاجين بفوائد الربا التي تزداد مع طول المللدة‬
‫وشدة الحاجة‪ ،‬مما يجعلهم عاجزين عن السداد‪ .‬والنتيجللة‬
‫النهائية‪ :‬إما أن يسرقوا لسداد القروض الربويللة‪ ،‬وإمللا أن‬
‫تصادر أملكهم وتباع للمقرضللين؛ ليعيشللوا وأسللرهم بقيللة‬
‫أعمارهم علللى قارعللة الطريللق يتكففللون النللاس‪ ،‬أو فللي‬
‫الملجللئ والللدور الجتماعيللة ممللا يكللون سللببا ً فللي قتللل‬
‫كرامتهم‪ ،‬وحرمان المجتمع من عملهم وإنتاجهم‪.‬‬

‫‪747‬‬
‫إن الربا هو السبب الرئيس في انتشار الجريمللة والنتقللام‬
‫بين أصحاب رؤوس المللوال وكبللار المرابيللن‪ ،‬ممللا يكللون‬
‫سللببا ً فللي رفللع المللن‪ ،‬وبسللط الخللوف والللذعر فللي‬
‫المجتمعات‪.‬‬
‫وواقع كثير من البلدان التي ينتشر فيها الربللا شللاهد علللى‬
‫شلّرد َ هللو وأولده‬ ‫ذلك‪ ،‬وهللل يسللتطيع إنسللان ِبيلعَ بيت ُلله‪ ،‬و ُ‬
‫لسداد ما عليه من قللروض الربللا أن يصللبر عللن النتقللام؟‬
‫وماذا يبقى له في الدنيا إذا كللان يريللد العيللش لهللا إل ّ أنلله‬
‫فقدها فجأة؟!‬
‫وأخيرًا‪ ..‬اجتناب الربا أهون من التخلص منه‪:‬‬
‫إن المتعامل بالربا يعز عليه الخلص منه بعد الغللرق فيلله؛‬
‫ول سيما إذا كانت تجارته كلها مؤسسة عليه‪ .‬ول ينجو من‬
‫ذلك بعد النغماس فيه‪ ،‬ويبادر بالتوبة والخلص منه إل من‬
‫هدي للرشاد ووفق للخير‪.‬‬
‫قد يغتر المبتدئ في حياته الوظيفية أو التجارية بللالقروض‬
‫الربوية الميسرة أو بالفوائد المركبة والبسيطة التي تعلللن‬
‫عنها بين حيللن وآخللر البنللوك الربويللة؛ بقصللد أكللل أمللوال‬
‫الناس بالباطللل‪ ،‬ويتللولى إثللم العلن عنهللا‪ ،‬والدعايللة لهللا‬
‫المؤسسللات العلميللة المختلفللة مللن مشللاهد ومسللموع‬
‫ومقروء؛ ولكن ذلك المسكين الذي اغللتر بهللا حيللن يفللرق‬
‫في الربا ربحا ً أو خسارة فلن ينجو بسهولة‪ ،‬وكان السللهل‬
‫عليه أن يجتنب طريقها أو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫إنه قد يربح الفوائد من اليداع ولكنه سيخسر بركللة مللاله‪،‬‬
‫ولقمة الحلل ودينه وآخرتلله‪ ،‬وإن كللان مقترضلا ً فسلليجني‬
‫أغلل الديون مع الثم والفقر‪.‬‬
‫والشللاب الللذي يغريلله راتللب الوظيفللة الربويللة وسلليارتها‬
‫وبعثاتها وميزاتها عليه أن يتذكر أن عاقبة ذلك خسران في‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬والرضى بالقليل الحلل خير وأعظللم بركللة‬
‫من الكثير الحرام‪ ،‬ولن يندم عبد تحرى الحلل فللي كسللبه‬
‫وإن فاته الكثير مللن المللال؛ لكنلله سلليندم أشللد النللدم إن‬
‫أدخل في جوفه حرامًا‪ ،‬وقد يكون ندمه متأخرا ً ل ينفعه‪.‬‬

‫‪748‬‬
‫والله تعالى قال‪ :‬فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى" فللله‬
‫ما سلف وأمره إلى الله ومن عللاد فللأولئك أصللحاب النللار‬
‫هم فيها خالدون }البقرة‪.{275 :‬‬
‫)‪ (1‬أخرجه مسلم في الحج‪ ،‬باب حجللة النللبي صلللى الللله‬
‫عليه وسلم من حديث جابر رضي الله عنه )‪.(147‬‬
‫)‪ (2‬تفسير ابن كثير )‪.(890 889-1‬‬
‫)‪ (3‬لم يللأت إطلق لفللظ المحاربللة فللي الشللريعة حسللب‬
‫علمي إل على ثلث من الكبائر‪= :‬‬
‫= أ ‪ -‬أكل الربا وفيه قول الله تعالى ‪ :‬فللأذنوا بحللرب مللن‬
‫الله ورسوله }البقرة‪.{279 :‬‬
‫ب ‪ -‬قطع الطريق وفيلله قللوله تعللالى ‪ :‬إنمللا جللزاء الللذين‬
‫يحللاربون الللله ورسللوله ويسللعون فللي الرض فسللادا أن‬
‫يقتلوا ‪} ....‬المائدة‪.{33 :‬‬
‫ج ‪ -‬معاداة أولياء الله تعالى وفيه الحديث القدسللي‪" :‬مللن‬
‫عادى لي ولي لا ً فقللد آذنتلله بللالحرب‪ "...‬أخرجلله البخللاري )‬
‫‪ (6502‬من حللديث أبللي هريللرة رضللي الللله عنلله ‪ ،‬وجمللع‬
‫الذنوب والمعاصي فيها نوع محاربة لله ورسوله؛ لكن نص‬
‫الشارع على هذه الثلث من الكبائر لعظيم جرم مرتكبهللا‪،‬‬
‫فهو مستحق لسخط الله ومقته‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر‪ :‬هذه الثار في جامع البيان‪ ،‬للطبري ‪.108-3‬‬
‫)‪،2‬ل ‪ (3‬انظر‪ :‬هذه الثللار فللي جللامع البيللان‪ ،‬للطللبري‪-3 ،‬‬
‫‪.108‬‬
‫)‪ (4‬انظر‪ :‬محاسن التأويل‪ ،‬للقاسمي‪.631-1 ،‬‬
‫)‪ (1‬تفسير ابللن كللثير‪ (2) .493-1 ،‬محاسللن التأويللل‪-1 ،‬‬
‫‪.631‬‬
‫)‪ (3‬أخرجلله مسلللم فللي المسللاقاة‪ ،‬بللاب لعللن آكللل الربللا‬
‫وموكله )‪.(1598‬‬
‫)‪ (4‬كما في حديث عبيد بن عمير الليثي عللن أبيلله أخرجلله‬
‫أبو داود في الوصايا )‪ (2875‬وفيه‪) :‬هن تسع( وذكر زيادة‬
‫على السبع المذكورة في حللديث أبللي هريللرة رضللي الللله‬
‫عنللله عنلللد الشللليخين‪) :‬وعقلللوق الواللللدين المسللللمين‪،‬‬
‫واستحلل البيت الحرام قبلتكم أحياًء وأموات لًا( والطحللاوي‬

‫‪749‬‬
‫في شرح مشكل الثار )‪ (898‬والحللاكم وصللححه ووافقلله‬
‫الذهبي ‪.95-1‬‬
‫)‪ (5‬أخرجلله الشلليخان البخللاري فللي الوصللايا )‪،(2766‬‬
‫ومسلم في اليمان )‪ (89‬من حديث أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫)‪ (6‬أخرجه أحمد‪ ،402-1 ،‬وأبللو يعلللى كمللا فللي المقصللد‬
‫العلي )‪ (1859‬من حللديث ابللن مسللعود رضللي الللله عنلله‬
‫ود إسناده الهيثمي في الزوائد ‪ ،118-4‬والمنللذري فللي‬ ‫وج ّ‬
‫الترغيب ‪ ،194-3‬وأخرجه الحاكم من حللديث ابللن عبللاس‬
‫رضي الله عنهمللا مرفوع لًا‪ ،‬وصللححه ووافقلله الللذهبي‪-2 ،‬‬
‫‪.37‬‬
‫)‪ (7‬أخرجللله الحلللاكم وصلللححه ووافقللله اللللذهبي ‪،37-2‬‬
‫وأخرجه ابن ماجة فللي التجللارات بللاب التغليللظ فللي الربلا‬
‫مختصللرا ً بلفللظ‪" :‬الربللا ثلثللة وسللبعون بابللًا" )‪(2275‬‬
‫وصححه البوصيري في الللزوائد ‪ ،198 -2‬وأخرجلله الللبزار‬
‫في البحر الزخار )‪ (1935‬وقال الهيثمي في الزوائد‪ :‬رواه‬
‫الللبزار ورجللاله رجللال الصللحيح ‪ ،117 116 -4‬وصللححه‬
‫اللبللاني فللي صللحيح الللترغيب )‪ ،(1851‬وللله شللاهد عنللد‬
‫البيهقي في الشعب )‪ (2761‬من حديث أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه وفي سنده عبد الله بن زياد‪ ،‬قال البخاري‪ :‬منكللر‬
‫الحديث كما في ميزان العتدال ‪ ،424-2‬وللله شللاهد آخللر‬
‫من حديث عبد الله بن سلم رضي الله عنه عزاه اللبللاني‬
‫للطبراني وصححه في صحيح الجامع )‪.(1531‬‬
‫)‪ (1‬أخرجلله أحمللد ‪ ،225-5‬والطللبراني فللي الوسللط )‬
‫‪ ،(2682‬والدارقطني )‪ ،(92819‬قال الهيثمي‪ :‬رواه أحمد‬
‫والطللبراني فللي الكللبير والوسللط ورجللال أحمللد رجللال‬
‫الصحيح ‪ ،117- 4‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة‬
‫)‪.(1033‬‬
‫)‪ (2‬نيل الوطار‪.278-6 ،‬‬
‫)‪ (1‬هذا إذا لم ينتشر الزنلا فلي المجتملع‪ ،‬والغلالب أنله ل‬
‫يخلو مجتمع كبير من حالت زنا‪ ،‬وقد وقع ذلك في الزمللن‬
‫الول من السلم وهو أفضل العصور‪ .‬ورجم رسللول الللله‬
‫صلى الله عليه وسلم ماعزا ً والغامدية رضي الللله عنهمللا‪،‬‬

‫‪750‬‬
‫ولعن هلل بن أمية زوجته رضي الله عنهما ولعل السبب‬
‫في ذلك أن الزنا تدفع إليه غريزة قد يضعف العبللد حيالهللا‬
‫في وقللت مللن الوقللات‪ ،‬وتحجللب عقللله فيقللع المحظللور‪.‬‬
‫بخلف الربا فإنه متعلق بغريزة حب المال وهي أقل تمكنا ً‬
‫من غريزة الشهوة الفطرية‪ .‬ولذلك لم تقع حالت ربا ً فللي‬
‫عصر النبي صلى الللله عليلله وسلللم فيمللا أعلللم بعللد ورود‬
‫النهي عنه رغللم أنلله كللان مللن معللاملتهم المشللهورة فللي‬
‫الجاهلية‪.‬‬
‫)‪ (2‬وجاء نحوه عن قتادة والربيع والضحاك والسدي وابللن‬
‫زيد‪ ،‬وروي عن ابن عبللاس رضللي الللله عنهمللا مثللله‪ ،‬وهللو‬
‫قول جمهور المفسرين‪ ،‬وانظر آثللارهم فلي جلامع البيلان‪،‬‬
‫‪ ،103-3‬وتفسير ابن كثير ‪.488 ،487-1‬‬
‫)‪ (3‬التفسير الكبير للرازي‪.79-7 ،‬‬
‫)‪ (1‬أخرجه ابن ماجه )‪ ،(2273‬والبيهقي مطول ً وابن أبللي‬
‫حاتم وأحملد كملا فلي تفسلير ابلن كلثير‪ ،488 -1 ،‬وفلي‬
‫سنده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري‪ ،‬ح‪.7047 -‬‬
‫)‪ (3‬فتح البللاري‪ ،‬لبلن حجلر ‪ ،365-12‬وفيله‪" :‬واللله مللن‬
‫ورائه محقه" ولعله خطأ مطبعي‪.‬‬
‫)‪ (4‬أخرجه مسلم )‪.(1598‬‬
‫)‪ (5‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.37-11 ،‬‬
‫)‪ (6‬سبل السلم‪.109 -5 ،‬‬
‫)‪ (1‬أخرجلله أبللو داود )‪ ،(3331‬والنسللائي ‪ ،243-7‬وابللن‬
‫ماجه )‪ ،(2278‬والحللاكم ‪ 11-2‬كلهللم مللن روايللة الحسللن‬
‫عن أبي هريرة‪ .‬وسماع الحسن رحمه الله من أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه مختلف فيه؛ ولذا قال الحللاكم بعللد روايتلله‪:‬‬
‫"قد اختلف أئمتنا في سماع الحسن عن أبي هريللرة؛ فللإن‬
‫صح سماعه منه فهذا الحديث صحيح" ا ه‪ .‬والللذهبي يللرى‬
‫سماع الحسن لهذا الحديث مللن أبللي هريللرة؛ حيللث قللال‪:‬‬
‫"سللماع الحسللن مللن أبللي هريللرة بهللذا صللحيح" انظللر‬
‫التلخيللص )‪ .(2162‬وتبللع الللذهبي فللي تصللحيح الحللديث‬
‫السيوطي في الجامع الصغير فرمللز للله بالصللحة ‪.444-2‬‬
‫والظاهر أن اللباني رحمه الله ل يرى سماع الحسللن هللذا‬

‫‪751‬‬
‫الحديث من أبي هريرة ولذا ضعفه فللي ضللعيف الجللامع )‬
‫‪ .(4874‬وبكل حال فإن وقوع ذلللك فللي هللذا الزمللن ممللا‬
‫يشهد للحديث ويقويه وهو من أعلم نبوة محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫)‪ (2‬التفسللير الكللبير‪ ،83-7 ،‬وانظللر‪ :‬محاسللن التأويللل‬
‫للقاسمي‪.630-1 ،‬‬
‫)‪ (1‬أخرجلله أحمللد ‪ ،395-1‬والحللاكم‪ ،‬وصللححه ووافقلله‬
‫الذهبي‪ ،37-2 ،‬وصححه السيوطي في الجامع الصغير‪-2 ،‬‬
‫‪ ،22‬وأحمللد شللاكر فللي شللرحه علللى المسللند )‪،(3754‬‬
‫واللباني في صحيح الجامع )‪ (3542‬من حللديث عبللد الللله‬
‫بن مسعود رضي الله عنه‪.‬‬
‫)‪ (2‬فيض القدير‪.50-4 ،‬‬
‫)‪ (1‬مجلة القتصاد السلمي‪ ،‬عدد )‪ ،(91‬جمللادى الخللرة‪،‬‬
‫‪1409‬ه‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫)‪ (1‬ذكر ذلك في دراسة له عنوانها‪ :‬كارثة الفائدة‪ ،‬ترجمها‬
‫الللدكتور أحمللد النجللار‪ ،‬ونشللرت فللي مجلللة القتصللاد‬
‫السلمي‪ ،‬عدد )‪ ،(194‬ص ‪.54‬‬
‫)‪ (2‬مجلة القتصاد السلمي‪ ،‬عدد )‪ ،(184‬ص ‪.68‬‬
‫=============‬
‫‪ #‬من المعاملت المحرمة في السلم‬
‫‪-1‬الربا‬
‫‪-2‬الميسر‬
‫‪-3‬الحتكار‬
‫أول‪:‬الربا‬
‫تعريف الربا لغة‪:‬الزيادة‪،‬وشرعًا‪:‬الزيادة في المللال مقابللل‬
‫الجل‪.‬‬
‫* والدليل على حرمة الربا قال تعالى))يأيها الللذين ءامنللوا‬
‫اتقوا الله وذروا ما بقى من الربوا إن كنتم مؤمنين((‬
‫أضرار الربا و آثاره‪:‬‬
‫* يؤدي إلى تضخم المال بطريقة غير مشروعه‪.‬‬
‫* داء فتلللاك فلللي المجتملللع‪،‬وسلللبب فلللي الخصلللومات‬
‫والعداوات‪.‬‬

‫‪752‬‬
‫* المرابللي يكسللب المللال دون جهللد أو تعللب ممللا يجعللله‬
‫كسول ً مترفا ً فاسد الخلق‪...‬‬
‫أنواع الربا‪:‬‬
‫* ربا الفضل‪:‬‬
‫وهو الزيادة الللتي تحصللل عنللد تبللادل النقللد بنقللد‪،‬وطعللام‬
‫بطعام‪،‬وقد حرم السلم أخذها‪.‬‬
‫وصورته ‪:‬أن يبيع‪،‬أو يقرض نقدا ً أو غيرها على أن يرد مللن‬
‫جنسه‪،‬ذهبا بذهب‪،‬أو حبا بحب‪،‬مللع الزيللادة علللى المثللل‪،‬أو‬
‫منفعة تعود عليه‪...‬‬
‫* ربا النسيئة‪:‬‬
‫هو الزيللادة اللتي يأخلذها اللدائن مللن المللدين فللي مقابللل‬
‫الجل‪.‬‬
‫وصورته‪:‬ان يكون لواحد دين على آخر‪-‬سواء أكللان قرض لا ً‬
‫أم ثمن شلليء فلإذا حللل الجللل‪،‬وللم يسلتطع الداء‪،‬يقلول‬
‫المدين للدائن‪:‬آخر في الجل وأزيدك في الثمن‪..‬‬
‫* قال))ل تللبيعوا الللدرهم بالللدرهمين‪،‬فللإني أخللاف عليكللم‬
‫رما((‬‫ال ِ‬
‫رما‪:‬الربا‪..‬‬
‫ما المقصود بال ِ‬
‫حديث عن الرسول))ص((‬
‫ثانيا‪:‬الميسر‬
‫تعريف الميسر‪:‬هو القمار‪،‬وهللو كسللب محللرم‪،‬وكللل لعللب‬
‫يعتمد على المصادفة وليس على الجهد‪،‬ويشللترط فيلله أن‬
‫يأخذ الغالب من المغلوب ما ً‬
‫ل‪..‬‬
‫تعريللف الزلم‪:‬قطلع خشلب كالسلهام كتلب علللى بعضلها‬
‫افعل وعلى بعضها ل تفعل‪....‬‬
‫تعريف النصاب‪:‬حجارة كان العرب في الجاهلية ينصللبونها‬
‫ويذبحون عندها قرابينهم‪...‬‬
‫كثر في هذه اليام التعاطي بما يسمى اليانصيب‪،‬فمللا هللو‬
‫حكمه؟‬
‫حكمه هو حرام‪.‬‬
‫أضرار الميسر كثيرة هذه بعض منها‪:‬‬
‫الية التي حرمت الميسر هي‪:‬‬

‫‪753‬‬
‫قللال تعللالى‪)):‬يأيهللا الللذين امنللوا إنمللا الخمللر والميسللر‬
‫س مللن عمللل الشلليطن فللاجتنبوه‬ ‫والنصاب و الزلللم رج ل ٌ‬
‫لعلكم تفلحون((‬
‫* إنفاق المال في طرق الشر والفساد‪.‬‬
‫* ارتكاب المعاصي والثام‪.‬‬
‫* نشر الكراهية بين الناس وإثارة العداوة بينهم‪.‬‬
‫* العتملللاد عللللى المصلللادفة‪،‬والقعلللود علللن العملللل‬
‫والكسب‪،‬وانتظار المال‪.‬‬
‫الحتكار‪:‬هو كسب غير مشروع‪،‬وهو حبللس أقللوات النللاس‬
‫في أوقات الشدائد والزمات طمعا ً في زيادة السعر‪.‬‬
‫لماذا يتعامل بعض الناس بالحتكار؟‬
‫لقسللاوةٍ فللي قلللوبهم‪،‬وضللعف فللي نفوسللهم فيللدفعهم‬
‫طمُعهللم وأنللانيُتهم إلللى اسللتغلل حاجللة الخريللن للسلللع‬
‫الضرورية‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬الحتكار‬
‫ما حكم الحتكار مع ذكر الدليل؟‬
‫ما العقوبة التي رتبها السلم للمحتكر في الدنيا والخرة؟‬
‫العقوبة الدنيوية‪:‬مصادرة البضاعة وبيعها لحسللاب صللاحبها‬
‫بسعر المثل‪.‬‬
‫والعقوبة الخروية‪:‬الوعيد بالعللذاب يللوم القيامللة وانقطللاع‬
‫عهد الطاعة بينه وبين الله تعالى‪.‬‬
‫* الحتكار حرام وهو خطيئة ومعصية قال الرسول)‪:( e‬‬
‫))ل يحتكر إل خاطىء(()مسلم(‪.‬‬
‫والخاطىء‪:‬الثم‪،‬هو الذي تعمد الوقوع في الخطأ‪.‬‬
‫ما أضرار الحتكار وآثاره؟‬
‫* يثقل على الناس تكاليف الحياة‪.‬‬
‫* يؤدي إلى بغض المحتكر وكراهيته‪.‬‬
‫* يقطع الصلة بين المحتكر وربه جل وعل‪.‬‬
‫* ينشر الحقد والضغينة‪.‬‬
‫ما واجب الحاكم اتجاه المحتكر؟‬
‫للحاكم أن يجبر المحتكر علللى بيللع السلللع الللتي يحتكرهللا‬
‫بسعر المثل‪،‬فإذا امتنع عللن ذلللك باعهللا جللبرا ً عنلله بسللعر‬
‫المثل‪.‬‬

‫‪754‬‬
‫عمل الطالب‪:‬‬
‫محمد حسن كامل أبو سكر‬
‫بإشراف‪:‬‬
‫الستاذ عصام فرغلي‬
‫==============‬
‫‪#‬الربا وأثره على المجتمع السلمي‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫‪http://www.ibtesama.com/vb/showthread-t_13241.html‬‬
‫الجامعة السلمية ‪ -‬غزة‬
‫عمادة الدراسات العليا‬
‫كلية التجارة‬
‫الربا وأثره على المجتمع السلمي‬
‫إعداد‬
‫الطالبة‪ /‬سيرين سميح أبو رحمة‬
‫مايو ‪2007‬م‬
‫المقدمة ‪:‬‬
‫إن الحمد لللله أحمللده وأسللتعينه واسللتغفره‪ ,‬وأعللوذ بللالله‬
‫العظيم من شر نفسي وسيء عملي‪ ,‬وأشهد أن ل إللله إل‬
‫الللله ولللي الصللالحين وأشللهد أن سلليدنا ورسللولنا وحبيبنللا‬
‫محمدا ً "صلى الله عليه وسلم" إمام المتقين‪ ,‬أما بعد‪:‬‬
‫إن الربا محرم في جميع الرسالت السماوية‪ ,‬والله تبارك‬
‫وتعالى ل يحرم إل خبيثًا‪ ,‬وقد استباحه اليهود وحللدهم فللي‬
‫معاملة غيرهم كما قال تعالىوأخذهم الربا وقد نهوا عنه( [‬
‫النساء‪.]116 :‬‬
‫وقد ورث هذه الرذيلة عنهللم العللرب قبللل السلللم‪ ,‬وجللاء‬
‫السلم ليؤكد حرمة الربا ويشدد في تحريمه بنصوص بينة‬
‫قاطعة في القرآن والسنة‪.‬‬
‫ول شك أن موضوع الربا‪ ,‬وأضراره وآثاره الخطيرة جديرة‬
‫بالعنايللة‪ ,‬وممللا يجللب علللى كللل مسلللم أن يعلللم أحكللامه‬
‫وأنواعه ليبتعد عنه‪ ,‬لن من تعامل بالربا فهو محارب الللله‬
‫وللرسول "صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬

‫‪755‬‬
‫ولهمية هلذا الموضلوع جمعلت لنفسلي ولملن أراد مثللي‬
‫الدلة من الكتاب والسنة في أحكام الربا وبينلت أضلراره‪,‬‬
‫وآثاره على الفرد والمجتمع‪.‬‬
‫وقد قسمت البحث إلى مقدمة وثلث أبواب وخاتمة علللى‬
‫النحو التالي‪:‬‬
‫الباب الول‪ :‬الربا قبل السلم واشتمل على فصول‬
‫ة وشرعًا‪.‬‬ ‫الفصل الول‪ :‬تعريف الربا لغ ً‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الربا عند اليهود‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الربا في الجاهلية‪.‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬موقف السلم من الربا ويشمل ‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬تحريم الربا‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ربا الفضل‪.‬‬
‫أ‪ -‬تعريفه وحكمه‪.‬‬
‫ب‪ -‬أسرار تحريم ربا الفضل‪.‬‬
‫ج‪ -‬أسباب تحريم الربا وحكمه‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬ربا النسيئة‪.‬‬
‫أ ‪ -‬تعريفه‬
‫ب ‪ -‬بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص‬
‫الفصل الرابع‪ :‬ربا اليد‪.‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬ربا القرض‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬ما يجوز فيه التفاضل والنسيئة‬
‫الفصل الول‪ :‬جواز التفاضل في غيللر المكيللل والمللوزون‪.‬‬
‫وبيع الحيوان بالحيوان نسيئة‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الصرف وأحكامه‪.‬‬
‫ث على البتعاد عن الشبهات‪.‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬الح ّ‬
‫الباب الرابع‪ :‬فتاوى في مسائل من الربا المعاصر‪.‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬مضار الربا‪ ،‬ومفاسده‪ ،‬وآثاره‪.‬‬
‫الباب السادس‪ :‬عقوبات المتعاملين بالربا‪.‬‬
‫الخاتمة‪.‬‬
‫___________‬
‫_____‬
‫الباب الول‬
‫الربا قبل السلم‬

‫‪756‬‬
‫الفصل الول‪ :‬تعريف الربا‪ :‬لغة‪ ،‬وشرعًا‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الربا عند اليهود‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الربا في الجاهلية‪.‬‬
‫الفصل الول‪ :‬تعريف الربا لغة وشرعا ً‬
‫أ ‪ -‬الربا في اللغة‪:‬‬
‫معناه الزيادة والنمو قال الله تبارك وتعالى‪) :‬وترى الرض‬
‫هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت( [الحللج‪ .]5:‬أي‬
‫زادت ونمت‪.‬‬
‫وقال تعالى أنت تكون أمة هللي أربللى مللن أمللة( [النحللل‪:‬‬
‫‪ .]92‬أي أكثر عددًا‪.‬‬
‫وأصل الربللا الزيللادة إملا فلي نفلس الشلليء وإملا مقابللة‬
‫كدرهم بدرهمين‪ ,‬ويطلق الربا على كل بيع محرم أيضًا‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تعريف الربا شرعًا‪:‬‬
‫هي الزيادة في أشياء مخصوصة‪.‬‬
‫وهللو يطلللق علللى شلليئين‪ :‬يطلللق علللى ربللا الفضللل وربللا‬
‫النسيئة‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الربا عند اليهود‬
‫ل شك أن اليهود لهم حيل‪ ،‬وأباطيل كللثيرة كللانوا يحتللالون‬
‫بها‪ ،‬ويخادعون بها أنبياءهم عليهم الصلللة والسلللم‪ .‬ومللن‬
‫تلك الحيل الباطلة‪ ،‬احتيالهم لكللل الربللا وقللد نهللاهم الللله‬
‫عنه وحّرمه عليهم‪.‬‬
‫م‬‫من َللا عَل َي ْهِل ْ‬ ‫دوا ْ َ‬
‫حّر ْ‬ ‫ن هَللا ُ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّل ِ‬ ‫قال الله تعالى‪) :‬فَب ِظ ُل ْلم ٍ ِ‬
‫مل َ‬
‫م‬
‫خللذِهِ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ك َِثيرًا‪ ،‬وَأ َ ْ‬ ‫سِبي ِ‬‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬‫صد ّهِ ْ‬
‫م وَب ِ َ‬ ‫ت ل َهُ ْ‬‫حل ّ ْ‬‫ت أُ ِ‬ ‫ط َي َّبا ٍ‬
‫ه( [النساء ‪.]161,160‬‬ ‫الّربا وَقَد ْ ن ُُهوا ْ عَن ْ ُ‬
‫قال المام الحافظ ابن كثير رحملله الللله تعللالى‪” :‬إن الللله‬
‫قللد نهللاهم – أي اليهللود – عللن الربللا‪ ،‬فتنللاولوه‪ ،‬وأخللذوه‪،‬‬
‫واحتالوا عليه بأنواع الحيللل‪ ،‬وصللنوف مللن الشللبه‪ ،‬وأكلللوا‬
‫أموال الناس بالباطل“ [تفسير ابن كثير ‪.]1/584‬‬
‫وقللد صللرف اليهللود النللص المحللّرم للربللا حيللث قصللروا‬
‫التحريم فيه على التعامل بين اليهود‪ ،‬أما معاملة اليهللودي‬
‫لغير اليهودي بالربا؛ فجعلوه جائزا ً ل بأس به‪.‬‬
‫يقول أحد ربانييهم واسمه راب‪” :‬عنللدما يحتللاج النصللراني‬
‫إلى درهم فعلى اليهودي أن يستولي عليه مللن كللل جهللة‪،‬‬

‫‪757‬‬
‫ويضيف الربا الفاحش إلللى الربللا الفللاحش‪ ،‬حللتى يرهقلله‪،‬‬
‫ل عن أملكلله أو حللتى يضللاهي‬ ‫ويعجز عن إيفائه ما لم يتخ ّ‬
‫المال مع فلائدة أملك النصللراني‪ ،‬وعنللدئذ يقللوم اليهللودي‬
‫علللى مللدينه – غريملله – وبمعاونللة الحللاكم يسللتولي علللى‬
‫أملكه“ [الربا وأثره على المجتمع النساني للدكتور‪ /‬عمر‬
‫بن سليمان الشقر ص ‪].31‬‬
‫فاّتضح ملن كلم اللله تعللالى أن اللله قلد حلّرم الربلا فلي‬
‫التوراة على اليهود‪ ،‬فخالفوا أمر الللله‪ ،‬واحتللالوا‪ ،‬وحّرفللوا‪،‬‬
‫دلوا‪ ،‬واعتبروا أن التحريم إنما يكون بيللن اليهللود فقللط‪،‬‬ ‫وب ّ‬
‫أما مع غيرهم فل يكون ذلك محرما ً فللي زعمهللم الباطللل؛‬
‫مهم الله في كتابه العزيز كما بّينت ذلك آنفًا‪.‬‬ ‫ولذلك ذ ّ‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الربا في الجاهلية‬
‫لقد كان الربا منتشرا ً في عصر الجاهلية انتشارا ً كبيرا ً وقد‬
‫عللدوه مللن الربلاح العظيمللة – فللي زعمهلم – اللتي تعلود‬
‫عليهم بالموال الطائلة‪ ،‬فقد روى المام الطبري – رحملله‬
‫الله– بسنده في تفسيره عن مجاهد أنه قال‪” :‬كللانوا فللي‬
‫الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقللول‪ :‬لللك كللذا‬
‫وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه“ [جامع البيان في تفسللير آي‬
‫القرآن ‪.]3/67‬‬
‫ل أجل الدين قال‬ ‫وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا ح ّ‬
‫من هو له لمن هو عليه‪ :‬أتقضي أم تربي؟ فللإذا لللم يقللض‬
‫خر له الجل إلى حين‪،‬‬ ‫زاد مقدارا ً في المال الذي عليه‪ ،‬وأ ّ‬
‫وقد كللان الربللا فللي الجاهليللة فللي التضللعيف أيضلًا‪ .‬وفللي‬
‫ن كذلك‪ ،‬فإذا كان للرجل فضللل ديللن علللى آخللر فللإنه‬ ‫س ّ‬‫ال ّ‬
‫ل الجل‪ .‬فيقول للله‪ :‬تقضلليني أو تزيللدني؟ فللإن‬ ‫يأتيه إذا ح ّ‬
‫ن الللتي‬ ‫سل ّ‬
‫كان عنده شيء يقضيه قضاه‪ ،‬وإل حوله إلللى ال ّ‬
‫فوق سنه من تلك النعام التي هلي ديلن عليله‪ ،‬فلإن كلان‬
‫عليه بنت مخاض‪ ،‬جعلها بنت لبون في السنة الثانية‪ ،‬فللإذا‬
‫ضى‪ ،‬جعلها حّقة فللي‬ ‫أتاه في السنة الثانية ولم يستطع الق َ‬
‫السنة الثالثة‪ ،‬ثم يأتيه في نهاية الجل فيجعلها جذعللة‪ ،‬ثللم‬
‫رباعي ّا ً وهكذا حتى يتراكم على المدين أموال طائلة‪ .‬وفللي‬
‫الثمان يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه فللي العللام القابللل‪،‬‬
‫فإن لم يكن عنللده فللي العللام القابللل أضللعفه أيضلًا‪ ،‬فللإذا‬

‫‪758‬‬
‫كانت مائة جعلها إلى قابل مائتين‪ ،‬فإن لم يكن عنللده مللن‬
‫قابل جعلها أربعمائة يضعفها له كل سنة أو يقضيه [ انظللر‬
‫جامع البيللان فللي تفسللير آي القللرآن ‪ ،4/59‬وفتللح القللدير‬
‫للشوكاني ‪ ،1/294‬وموطأ المام مالللك ‪ ،2/672‬وشللرحه‬
‫للزرقاني ‪.]3/324‬‬
‫ضَعافا ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ْ ل ت َأك ُُلوا ْ الّربا أ ْ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫فهذا قوله تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن{[ آل عمران‪.]130 :‬‬ ‫حو َ‬‫م ت ُْفل ِ ُ‬‫ه ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ة َوات ُّقوا ْ الل ّ َ‬
‫ضاعََف ً‬
‫م َ‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫فالربا في الجاهلية كان ُيعد ّ – كما ذكرت آنفا – من الرباح‬
‫ب المال‪ ،‬ول يهمه ضرر أخيه النسللان‬ ‫التي يحصل عليها ر ّ‬
‫سواء ربح‪ ،‬أم خسر‪ ،‬أصابه الفقر‪ ،‬أم غير ذلك؟ المهم أنه‬
‫يحصللل علللى المللال الطللائل‪ ،‬ولللو أّدى ذلللك إلللى إهلك‬
‫الخرين‪ ،‬وما ذلك إل لقبح أفعال الجاهلية وفساد أخلقهم‪،‬‬
‫وتغّير فطرهم التي فطرهم الله عليها‪ ،‬فهم في مجتمع قد‬
‫انتشرت فيه الفوضى‪ ،‬والرذائل‪ ،‬وعللدم احللترام الخريللن‪،‬‬
‫فالصغير ل يللوّقر الكللبير‪ ،‬والغنللي ل يعطللف علللى الفقيللر‪،‬‬
‫والكبير ل يرحم الصللغير‪ ،‬فللالقوم فللي سللكرتهم يعمهللون‪.‬‬
‫ومما يؤسف له أن الربا لللم يقتصللر علللى عصللر الجاهليللة‬
‫الولى فحسب‪ ،‬بل إنه انتشر في المجتمعات الللتي تللدعي‬
‫السلللم‪ ،‬وتللدعي تطللبيق أحكللام الللله تعللالى فللي أرض‬
‫الله‪ !...‬فيجب على كل مسلم أن يطبق أوامر الللله وينفللذ‬
‫أحكامه‪ ،‬أما من تعامل بالربا ممن يللدعي السلللم فنقللول‬
‫له بعللد أن نللوجه إليلله النصلليحة ونحللذره مللن هللذا الجللرم‬
‫الكبير‪ :‬إنه قد عاد إلى ما كانت عليه الجاهلية الولى قبللل‬
‫نزول القرآن الكريم بل قبل مبعث النبي محمد صّلى الله‬
‫عليه وسّلم‪.‬‬
‫الباب الثاني‬
‫موقف السلم من الربا‬
‫الفصل الول‪ :‬تحريم الربا‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ربا الفضل‪.‬‬
‫أ‪ -‬تعريفه وحكمه‪.‬‬
‫ب‪ -‬أسرار تحريم ربا الفضل‪.‬‬
‫ج‪ -‬أسباب تحريم الربا وحكمه‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬ربا النسيئة‪.‬‬

‫‪759‬‬
‫أ ‪ -‬تعريفه‪.‬‬
‫ب ‪ -‬بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬ربا اليد‪.‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬ربا القرض‪.‬‬
‫الفصل الول‪ :‬تحريم الربا‬
‫لقد بدت رحمة الله تعالى لعباده في رسللالة السلللم فللي‬
‫وجوه عدة‪ ,‬منها التدرج فللي التشللريع‪ ,‬فقللد جللاء السلللم‬
‫والعرب الذين اختارهم الله تعالى لحمل رسللالته يكرهللون‬
‫كل ما يقيد حريتهم ويحدد من شهواتهم‪ ,‬وقد تمكنللت مللن‬
‫نفوسهم عادات كثيرة سيئة‪ ,‬وغرائز متنوعة ل يستطيعون‬
‫التحول عنهللا دفعللة واحللدة‪ ,‬فاقتضللت حكمللة الللله العليللم‬
‫الخللبير أل يفاجللأوا بالتكللاليف‪ ,‬وفللي التحريللم وفللي المنللع‬
‫جملة‪ ,‬فتثقل بها كللواهلهم‪ ,‬وتنفللر منهللا نفوسللهم‪ ,‬فلللذلك‬
‫سلك بهم مسلك النللاة والتللدرج ليهيللئ النفللوس للقبللول‪,‬‬
‫فأنزل القرآن منجما ً مللدة ثلث وعشللرين عام لًا‪ ,‬فبعللد أن‬
‫سخ العقيدة في النفللوس للقبللول‪ ,‬وردت الحكللام شلليئا ً‬ ‫ر ّ‬
‫فشيئًا‪ ,‬ليكون السابق مللن الحكللام معللدا ً للنفللوس ومهيلأ ً‬
‫صة حينمللا يكللون المللر بصللدد محاربللة‬ ‫لقبول اللحق‪ ,‬وخا ّ‬
‫صلت في النفوس‪ ,‬وتوارثتها الجيللال‬ ‫بعض الرذائل التي تأ ّ‬
‫خلفا ً عن سلف‪ ,‬في أحقاب متطاولة‪.‬‬
‫فالسلم في معللالجته لهللذه المللراض المزمنللة ل يأخللذها‬
‫طف بالسير بها إلى الصلح على‬ ‫بالعنف والمفاجأة‪ ,‬بل يتل ّ‬
‫مراحللل مترتبللة‪ ,‬متصللاعدة‪ ,‬حللتى يصللل بهللا إلللى الغايللة‬
‫المنشودة‪.‬‬
‫ومللن هللذه الللرذائل والعللادات الللتي كللانت متأصلللة فللي‬
‫النفوس‪ ,‬وحاربها السلللم وقضللى عليهللا تللدريجيًا‪ ,‬شللرب‬
‫الخمر‪ ,‬وأكل الربا‪.‬‬
‫فلم يكن تحريللم الربللا فللي القللرآن الكريللم مفاجللأة علللى‬
‫دفعة واحدة‪ ,‬ولكّنه كان تللدريجيا ً علللى مراحللل أربللع‪ ,‬كمللا‬
‫حصل بالنسبة لتحريم الخمر‪.‬‬
‫فلقد ورد فللي الكتللاب والسللنة نصللوص كللثيرة فللي شللأن‬
‫الربا‪:‬‬

‫‪760‬‬
‫ْ‬
‫مللا‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن الّربا ل ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫‪ .1‬قال الله تعالى‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫م َقلاُلوا ْ‬ ‫طان من ال ْمس ذ َلل َ َ‬
‫ك ب ِلأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ي َُقو ُ‬
‫َ‬
‫جللاَءهُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫م الّربا فَ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّربا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َرب ّهِ َفان ْت ََهى فَل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫عظ َ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن{ [البقللرة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عَللاد َ فَلأول َئ ِ َ‬
‫دو َ‬ ‫خال ِل ُ‬ ‫م ِفيهَللا َ‬ ‫ب الن ّللارِ هُل ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫صل َ‬ ‫كأ ْ‬
‫‪.]275‬‬
‫َ‬
‫مللا‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫‪ .2‬وقال عز وجل‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م ت َْفعَل ُللوا ْ فَلأ ْذ َُنوا ْ‬ ‫ن ل َل ْ‬ ‫ن‪ ،‬فَلإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫م لؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُل ْ‬ ‫ن الّربللا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ب َِق َ‬
‫َ‬
‫مل‬ ‫وال ِك ُ ْ‬ ‫ملل َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫سول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫ن{ [البقرة‪.]278/279:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن َول ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫وا ِ‬ ‫مل َ‬‫ن ِربلا ً ل ِي َْرب ُلوَا ْ فِللي أ ْ‬ ‫مل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬ ‫‪ .3‬وقال عز وجل‪} :‬وَ َ‬
‫ه‬ ‫جل َ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ريل ُ‬ ‫ن َزك َللاةٍ ت ُ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَ َ‬ ‫س َفل ي َْرُبوا ْ ِ‬ ‫الّنا ِ‬
‫ُ‬
‫ن{ [الروم‪.]39:‬‬ ‫ضعُِفو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫الل ّهِ فَأول َئ ِ َ‬
‫‪ .4‬وعن جابر رضي الله عنه قال‪” :‬لعن رسول الله ص لّلى‬
‫الله عليه وسّلم‪ :‬آكل الربلا‪ ،‬وملوكله‪ ،‬وكللاتبه‪ ،‬وشلاهديه“‪،‬‬
‫وقال‪” :‬هم سواء“ [مسلم ‪ 3/1218‬برقم ‪.]1597‬‬
‫‪ .5‬وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال‪ :‬قللال النللبي‬
‫صللّلى الللله عليلله وسللّلم‪” :‬رأيللت الليلللة رجليللن أتيللاني‬
‫فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا علللى نهللر‬
‫من دم فيه رجل قائم‪ ،‬وعلى وسط النهر رجللل بيللن يللديه‬
‫حجارة‪ ،‬فأقبل الرجل الذي فللي النهللر فللإذا أراد أن يخللرج‬
‫رمى الرجل بحجر في فيه فَُرد ّ حيث كان فجعل كلما جللاء‬
‫ليخرج رمى في فيه بحجللر فيرجللع كمللا كللان‪ ،‬فقلللت‪ :‬مللا‬
‫هذا؟ فقللال‪ :‬الللذي رأيتلله فللي النهللر آكللل الربللا“[البخللاري‬
‫‪ 3/11‬برقللم ‪ ،2085‬وانظللر‪ :‬فتللح البللاري بشللرح صللحيح‬
‫البخاري ‪].4/313‬‬
‫‪ .6‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه عللن النللبي ص لّلى الللله‬
‫عليلله وسلّلم قللال‪” :‬اجتنبللوا السللبع الموبقللات“ قللالوا‪ :‬يللا‬
‫رسول الللله‪ ،‬ومللا هللن؟ قللال‪” :‬الشللرك‪ ،‬والسللحر‪ ،‬وقتللل‬
‫النفس التي حّرم الله إل بالحق‪ ،‬وأكللل الربللا‪ ،‬وأكللل مللال‬
‫اليتيم‪ ،‬والّتوّلي يوم الّزحف‪ ،‬وقللذف المحصللنات الغللافلت‬
‫المؤمنللات“[البخللاري مللع الفتللح ‪ 5/393‬برقللم ‪،2015‬‬
‫ومسلم برقم ‪.]89‬‬

‫‪761‬‬
‫‪ .7‬عن سلمان بن عمرو عن أبيه قال‪ :‬سمعت رسول الله‬
‫صّلى الله عليه وسّلم في حجة الوداع يقللول‪” :‬أل إن كللل‬
‫ربللا مللن ربللا الجاهليللة موضللوع‪ ،‬لكللم رؤوس أمللوالكم ل‬
‫َتظلمللون ول ُتظلمللون‪ ،‬أل وإن كللل دم مللن دم الجاهليللة‬
‫موضوع‪ ،‬وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبللد المطلللب‬
‫كان مسترضعا ً في بني ليث فقتلته هذيل‪ ،‬قال‪ :‬اللهم هللل‬
‫بّلغت؟ قالوا‪ :‬نعللم‪ ،‬ثلث مللرات‪ .‬قللال‪ :‬اللهللم اشللهد ثلث‬
‫مّرات“[سنن أبي داود ‪ 3/244‬برقم ‪.]3334‬‬
‫‪ .8‬وعن أبي جحيفة عن أبيلله رضللي الللله عنلله أن رسللول‬
‫الله صّلى الله عليه وس لّلم ”نهللى عللن ثمللن الللدم‪ ،‬وثمللن‬
‫الكلب‪ ،‬وكسب المة‪ ،‬ولعن الواشمة‪ ،‬والمستوشمة‪ ،‬وآكل‬
‫ور“[البخاري مللع الفتللح ‪4/426‬‬ ‫الربا‪ ،‬وموكله‪ ،‬ولعن المص ّ‬
‫برقم ‪.]2228‬‬
‫‪ .9‬وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‪ :‬نهى رسول الله‬
‫صّلى الللله عليلله وس لّلم أن تشللترى الثمللرة حللتى تطعللم‪،‬‬
‫وقال‪” :‬إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحّلوا بأنفسللهم‬
‫عللذاب الللله“[أخرجلله الحللاكم وصللححه ووافقلله الللذهبي‬
‫‪.]2/37‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ربا الفضل‬
‫أ‪ -‬تعريفه وحكمه‪:‬‬
‫هو بيع أو مبادلة ربوي بجنسه مع زيادة في أحد العوضللين‬
‫على الخر‪ .‬كمبادلة صاع تمر جيد بصاعين من الرديء‪ .‬أو‬
‫بيع درهم بدرهمين‪.‬‬
‫وقد ثبتت حرمته في السنة النبوية بقوله صلى الللله عليلله‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫"الذهب بالذهب‪ ,‬والفضة بالفضة‪ ,‬والللبر بللالبر ‪ ،‬والشللعير‬
‫بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬والملللح بالملللح‪ ،‬مثل ً بمثللل سللواء‬
‫بسواء‪ ,‬يدا ً بيد فللإذا اختلفللت هللذه الصللناف فللبيعوا كيللف‬
‫شئتم إذا كان يدا ً بيد"‪.‬‬
‫"ل تبيعوا الدينار بالدينارين ول الدرهم بالدرهمين"‪.‬‬
‫والحكمة من تحريمه هي‪ :‬اشتماله على زيادة بغير عوض‪.‬‬
‫والتعامل بمثل هذا النوع من الربا نادر الحصول في أيامنا‪.‬‬
‫ب‪ -‬أسرار تحريم ربا البيوع )ربا الفضل(‪:‬‬

‫‪762‬‬
‫أبرز العلماء في بحثهم تحريم ربا البيوع )الذي أسموه ربللا‬
‫الفضل( حكمة هامة ترجع إلى سد ذرائع ربا الديون‪ ,‬لكللن‬
‫جاءت البحاث القتصادية تبين لتحريم هذا النوع من الربللا‬
‫حكما ً وهي حكم جليلة تلفت النظر لعجاز هللذه الشللريعة‬
‫ودقة أحكامها ونلخص أهم هذه السرار فيما يلي‪:‬‬

‫•سد ذرائع الربا‪ ,‬وأحكام الغلق أمللا كللل حيلللة قللد تسلللك‬
‫للتوصل إلى الربا‪ ,‬تطبيقا ً للقاعدة الشرعية الجليلللة )سللد‬
‫الذرائع( وهي مما امتازت به هذه الشللريعة‪ ,‬حيللث جللاءت‬
‫كاملة محكمة في تشريعها فل تحرم شيئا ً إل وتسد منافللذ‬
‫الوصول إليه‪.‬‬
‫وبهذا العتبار فإن تحريم هذا الربللا )ربللا الفضللل( يشللتمل‬
‫على الحكم السللابقة لتحريللم الربللا‪ ,‬إضللافة لمللور أخللرى‬
‫نذكر منها بعضا ً فيما يلي‪.‬‬
‫•حماية عامة المسلمين الللذين يللذهب ربللا الفضللل بقيمللة‬
‫سلعهم الحقيقية‪ ,‬بسبب جهلهم بقيم السلع السوقية لكللل‬
‫نوع‪ ,‬وبسبب تفضيل كل واحد من المستهلكين نوعا ً معينًا‪.‬‬
‫•إذا بللاع شللخص شلليئا ً بجنسلله مللؤجل ً فهللو بمثابللة ديللن‬
‫للمشتري‪ ,‬ويجب عليلله مراعللاة أحكللام الللديون فللي هللذه‬
‫الصورة‪,‬حتى ل يظلم أحد الطرفين الخر‪ ,‬مثل أن يعطيلله‬
‫رديئا ً ويشترط عليه أن يرد إليه جيدًا‪ ,‬أو يعطي فلي زملان‬
‫رخصه ويشترط أن يرد إليه في زمن غلئه‪.‬‬
‫•إذا بيع جنس بآخر نساًء أي مللؤج ً‬
‫ل‪ ,‬فللإنه قللد يلحللق أحللد‬
‫الطرفين غبن كبير نتيجللة للتقلبللات المفللاجئة فللي أسللعار‬
‫هللذه السلللع‪ ,‬أم الللبيع بالللذهب أو الفضللة مللؤجل ً فيرجللع‬
‫أساسا ً إلى ثبات قيمتها وقيمة النقود وبهذا العتبللار أصللبح‬
‫النقد قادرا ً على قياس الدفع المؤجل‪.‬‬
‫•القصد من منع التفللرق قبللل التقللابض هللو إنجللاز عمليللة‬
‫التبللادل بالسلرعة الللتي تلؤمن الطرفيللن ملن التقلبلات أو‬
‫المفاجئات‪ ,‬ومن خبر السللوق بصللفة عامللة وسللوق أوراق‬
‫النقد بصفة خاصة أدرك لذلك حكما ً كثيرة‪.‬‬
‫•إصباغ صفة التجانس على الللذهب والفضللة‪ ,‬وهللي صللفة‬
‫يللزم توفرهلا فلي النقلود واللذهب والفضلة خلقلا ً ثمنيلن‪,‬‬

‫‪763‬‬
‫فلذلك جعل كل واحد منهمللا مللع جنسلله شلليئا ً واحللدا ً فللي‬
‫القيمة إذا تساوت الكمية‪ ,‬ولذلك ساوى النللبي صلللى الللله‬
‫عليه وسلم بين جميع أحوال أي منهما عندما يبادل بجنسه‬
‫ملللن مضلللروب‪ ,‬ومنقلللوش‪ ,‬وجيلللد ورديلللء‪ ,‬وصلللحيح‬
‫ومكسر‪,‬وحلي وتبر‪ .......‬فتحقق ببذلك التجانس‪.‬‬
‫ج‪ -‬أسباب تحريم الربا وحكمه‪:‬‬
‫ل يشك المسلم في أن الله عز وجل ل يأمر بأمر ول ينهى‬
‫عن شيء‪ ،‬إل وله فيه حكمة عظيمة‪ ،‬فإن علمنا بالحكمللة‪،‬‬
‫فهذا زيادة علم ولله الحمللد‪ ،‬وإذا لللم نعلللم بتلللك الحكمللة‬
‫فليس علينا جناح في ذلك‪ ،‬إنمللا الللذي يطلللب منللا هللو أن‬
‫ننفذ ما أمر الله به‪ ،‬وننتهي عمللا نهللى الللله عنلله ورسللوله‬
‫صّلى الله عليه وسّلم‪.‬‬
‫ومن هذه السباب ما يأتي‪:‬‬
‫‪ .1‬الربا ظلم والله حرم الظلم‪.‬‬
‫‪ .2‬قطع الطريق على أصحاب النفوس المريضة‪.‬‬
‫‪ .3‬الربا فيه غبن‪.‬‬
‫‪ .4‬المحافظة على المعيار الذي تقوم به السلع‪.‬‬
‫‪ .5‬الربا مضاد لمنهج الله تعالى‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬ربا النسيئة‬
‫أ‪ -‬تعريفه‪ :‬هو بيع أو مبادلة ربوي بجنسه مؤجل ً مللع زيللادة‬
‫في أحد العوضين بسبب الجل‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬إعطاء شخص لخر ألف دينللا ليللرده بعللد عللام ألفلا ً‬
‫ومائة‪.‬‬
‫وهذا النوع من الربا هو أشهر أنواعه وأكثرها شيوعا ً قديما ً‬
‫وحديثًا‪ .‬فهو الربا الذي كان العرب في الجاهلية يتعللاملون‬
‫به‪ ,‬وهو الربا الذي أنشئت على أساسه المصارف الربويللة‬
‫ويمثل المحور الرئيس لمعاملتها‪.‬‬
‫فجميع السلف‪ ,‬أو القروض التي تقدمها المصارف الربوية‬
‫إلى أجل مقابل الفائدة السنوية كسبعة في المائة أو نحللو‬
‫ذلك تمثل صورة من صور ربا النسيئة المحرم‪.‬‬
‫وهللو محللرم بنللص القللرآن‪ ,‬فجميللع اليللات القرآنيللة الللتي‬
‫تحدثت عن تحريم الربا المراد بذلك هو ربللا النسلليئة وهللو‬
‫ربا الجاهلية‪.‬‬

‫‪764‬‬
‫والحكمة من تحريمه‪ :‬هي ما فيه من استغلل للمحتللاجين‬
‫وإرهاق لهم وقطع لعوامللل الرفللق والرحمللة بيللن النللاس‪,‬‬
‫ونزع لفضيلة التعاون والتناصر بينهم‪.‬‬
‫ب‪ -‬بعض ما ورد في ربا النسيئة من نصوص‪:‬‬
‫ل شللك أن ربللا النسلليئة ل خلف فللي تحريملله بيللن المللة‬
‫جمعاء‪ ،‬إنما الخلف فللي ربللا الفضللل بيللن الصللحابة وابللن‬
‫عباس رضي الله عنهم أجمعين‪ ،‬وقد ثبت عن ابللن عبللاس‬
‫م إلى الصحابة في القللول بتحريللم‬ ‫أنه رجع عن قوله وانض ّ‬
‫ربا الفضل‪.‬‬
‫أما بالنسبة لربا النسيئة فتحريمه ثابت بالكتللاب‪ ،‬والسللنة‪،‬‬
‫والجماع‪.‬‬
‫عن أبي صالح قال‪ :‬سمعت أبا سعيد الخللدري رضللي الللله‬
‫عنه يقول‪) :‬الدينار بالدينار‪ ،‬والدرهم بالللدرهم‪ ،‬مثل ً بمثللل‪.‬‬
‫فمن زاد أو استزاد فقد أربى( فقلللت للله‪ :‬إن ابللن عبللاس‬
‫يقول غير هذا‪ .‬فقللال‪ :‬لقللد لقيللت ابللن عبللاس فقلللت للله‪:‬‬
‫أرأيت هذا الذي تقول أشيء سمعته من رسول الله صّلى‬
‫الله عليه وسّلم‪ ،‬أو وجدته في كتاب الله عز وجل؟ فقال‪:‬‬
‫لم أسمعه من رسول الللله صلّلى الللله عليلله وسلّلم‪ ،‬ولللم‬
‫أجده في كتاب الله‪ ،‬ولكن حدثني أسامة بن زيد أن النللبي‬
‫صّلى الله عليه وسّلم قال‪” :‬الربللا فللي النسلليئة“‪[.‬مسلللم‬
‫‪ 3/1217‬برقم ‪ ،1596‬وانظر‪ :‬شرح النووي ‪.]11/25‬‬
‫وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهمللا قللال‪ :‬حللدثني‬
‫أسامة بن زيد أن رسول الله صّلى الله عليه وس لّلم قللال‪:‬‬
‫”أل إنما الربا في النسلليئة“‪[.‬البخللاري ‪ 3/31‬برقللم ‪2178‬‬
‫ورقللم ‪ ،2179‬ولفللظ البخللاري )ل ربللا إل فللي النسلليئة(‬
‫وانظللر الفتللح ‪ ،4/381‬ومسلللم ‪ ،3/1218‬وشللرح النللووي‬
‫‪].11/24‬‬
‫قال المام النلووي رحمله اللله تعلالى‪” :‬كلان معتملد ابلن‬
‫عباس وابن عمر حديث أسلامة ابلن زيلد ”إنملا الربلا فلي‬
‫النسيئة“ ثم رجع ابن عمللر وابللن عبللاس عللن ذلللك‪ ،‬وقللال‬
‫بتحريم بيللع الجنللس بعضلله ببعللض‪ ،‬متفاضللل حيللن بلغهمللا‬
‫حديث أبي سعيد كما ذكره مسلم مللن رجوعهمللا صللريحًا‪،‬‬
‫ل على أن ابللن عمللر‬ ‫وهذه الحاديث التي ذكرها مسلم تد ّ‬

‫‪765‬‬
‫وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفاضل فللي‬
‫غير النسيئة‪ ،‬فلما بلغهما رجعا إليه‪.‬‬
‫وأما حديث أسامة ”ل ربا إل في النسلليئة“ فقللال قللائلون‪:‬‬
‫بأنه منسوخ بهذه الحللاديث‪ ،‬وقللد أجمللع المسللمون علللى‬
‫ترك العمل بظاهره وهذا يدل على نسخه“‪[.‬شرح النللووي‬
‫‪.]11/25‬‬
‫قللال الحللافظ ابللن حجللر العسللقلني رحملله الللله‪” :‬اتفللق‬
‫العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمللع بينلله‬
‫وبين حديث أبي سعيد‪ .‬فقيل‪ :‬منسوخ‪ .‬لكن النسخ ل يثبت‬
‫بالحتمال‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المعنللى فللي قللوله‪) :‬ل ربللا( الربللا الغلللظ الشللديد‬
‫المتوعد عليه بالعقاب الشديد‪ ،‬كما تقول العللرب‪ :‬ل عللالم‬
‫في البلد إل زيد‪ ،‬مللع أن فيهللا علمللاء غيللره‪ ،‬وإنمللا القصللد‬
‫نفي الكمل ل نفي الصل‪ .‬وأيضا ً نفي تحريللم ربللا الفضللل‬
‫من حديث أسامة إنما هللو بللالمفهوم فيقللدم عليلله حللديث‬
‫أبي سللعيد؛ لن دللتلله بللالمنطوق ويحمللل حللديث أسللامة‬
‫دم‪ .‬واللله أعللم“‪[.‬فتلح البلاري‬ ‫علللى الربلا الكللبر كمللا تقل ّ‬
‫بشرح صحيح البخاري ‪.]4/382‬‬
‫دم تحريللم‪ :‬ربللا الفضللل‪ ،‬وربللا النسلليئة فل‬ ‫فاّتضح ممللا تقل ّ‬
‫إشكال في ذلك ولله الحمد‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬ربا اليد‬
‫تعريفه‪ :‬هو بيع أو مبادلة الربوي بجنسه أو بغير جنسه مللع‬
‫تأخير قبض أحد البدلين أو كليهما عن مجلس العقد‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬مبادلة القمح أو الشعير بالتمر مع تأخير قبللض أحللد‬
‫البدلين أو كليهما‪.‬‬
‫ومنه أيضا ً صرف النقود بجنسها أو بغير جنسها مللع تللأخير‬
‫التقللابض لحللدهما أو كليهمللا كصللرف عللدد مللن الللدنانير‬
‫بالدولر أو قطعة نقللد مللن فئة العشللرين بللدنانير مللن فئة‬
‫الدينار الواحد ففي جميع هللذه الحللالت يشللترط التقللابض‬
‫في مجلس العقد فإذا تأخر القبض لحدهما أو كليهما وقللع‬
‫المتبادلن في الربا‪.‬‬

‫‪766‬‬
‫والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث‬
‫المتقدم‪) :‬الذهب بالللذهب ‪...‬يللدا ً بيللد‪ ,‬فللإذا اختلفللت هللذه‬
‫الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا ً بيد(‪.‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬ل تبتاعوا الذهب بالذهب إل‬
‫مثل ً بمثل ول زيادة بينهمللا ول نظللرة(‪ .‬فقللوله )ول نظللرة(‬
‫يدل على اشتراط التقابض في المجلس‪.‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم‪) :‬ل تبيعوا الذهب بالللذهب إل‬
‫مثل ً بمثل ول تشّفوا بعضها علللى بعللض‪ ,‬ول تللبيعوا الللورق‬
‫بالورق إل مثل ً بمثل ول تشّفوا بعضها على بعض ول تبيعوا‬
‫منها غائبا ً بناجز(‪ .‬فقوله )ول تبيعوا منها غائبلا ً بنلاجز( يلدل‬
‫على اشتراط التقابض في المجلس‪.‬‬
‫ويتعلق بهذا النوع من الربا مسللألة نفيسللة هللي حكللم بيللع‬
‫ة وهو ما يعرف عند النللاس بللبيع وشللراء‬ ‫حلي الذهب نسيئ ً‬
‫الذهب بالتقسيط‪.‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬ربا القرض‬
‫تعريفه‪ :‬هو كل قللرض جللر نفع لا ً مشللروطًا‪ ,‬كمللن يقللرض‬
‫شخصا ً ألفا ً لطباعة كتابه بشرط أن يللرد اللللف وخمسللين‬
‫نسخة من الكتاب زيادة‪.‬‬
‫والصللل فللي ذلللك تحريملله المللأثور والمعقللول‪ :‬أمللا مللن‬
‫المأثور فمللا أخرجلله عبللد الللرزاق فللي مصللنفه فللي بللاب‪:‬‬
‫قرض جر نفعا‪ .‬عن ابن سيرين قال‪ :‬استقرض رجللل مللن‬
‫رجللل خمسللمائة دينللار علللى أن يفقللره ظهللر فرسلله )أي‬
‫ة( فقللال ابللن‬‫بشرط رد المبلغ وركوب ظهر الفللرس زيللاد ً‬
‫مسعود رضي الله عنه‪ :‬ما أصبت من ظهر فرس فهو ربا‪.‬‬
‫والثر أخرجه البهيقي بطرق مختلفة‪.‬‬
‫وعن أبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهم أنهللم نهللوا‬
‫عن قرض جر نفعًا‪.‬‬
‫ومثل هذه الثار قد يكللون لهللا حكللم المرفللوع إلللى النللبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وأمللا مللن المعقللول‪ :‬فلن عقللد القللرض عقللد إرفللاق )أي‬
‫إحسان( وقربة فإذا شرط فيه منفعة كان الشرط مخالفلا ً‬
‫لمقتضى العقللد‪ ,‬ومعلللوم أن الشللرط المخللالف لمقتضللى‬
‫العقد شرط باطل‪ ,‬فيبطلل الشلرط ويصللح العقلد‪ ,‬ولنله‬

‫‪767‬‬
‫لما شرط فيه نفع للمقرض كان بمنزلة أنه باع ما اقرضلله‬
‫بما يزيللد عليلله مللن جنسلله ولللذلك اعتللبره بعللض الفقهللاء‬
‫كالرملي من الشافعية من ربا الفضل‪.‬‬
‫ول يستدل على حرم ربا القرض بخبر‪ :‬كل قرض جر نفعللا‬
‫فهو ربللا لن هللذا الخللبر ليللس للله إسللناد صللحيح ول تصللح‬
‫نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫جاء في المغني لبن قدامة رحمه الله‪) :‬كل قرض شللرط‬
‫فيلله أن يزيللده فهللو حللرام بغيلر خلف‪ ,‬قللال ابلن المنللذر‪:‬‬
‫أجمعللوا علللى أن المسلللف إذا شللرط علللى المستسلللف‬
‫زيادةً أو هدية فاسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلللك‬
‫يكون ربا(‪.‬‬
‫أم المنفعة التي تجعل عقد القلرض المشلتمل عليهلا أحلد‬
‫أنواع الربا فيشترط فيها ما يلي‪:‬‬
‫• أن تكون مادية‪ :‬كما في المثال السللابق فللي التعريللف‪,‬‬
‫أم المنفعللة المعنويللة كالشللكر والللذكر الحسللن فللي عقللد‬
‫القرض فل تجعله الربا‪.‬‬
‫• أن تكون مشروطة‪ :‬فالمنفعة الغير مشروطة التي هللي‬
‫من باب حسن القضاء فل تخرجه من القرض إلى الربا‪.‬‬
‫• أن تكللون خاصللة‪ :‬فالمنفعللة المشللتركة فللي جمعيللات‬
‫القللروض الحسللنة ل تللؤثر فللي مشللروعية عقللد القللرض‬
‫وتبقى المعاملة في دائرة القرض الحسن‪.‬‬
‫والمراد بجمعيات القروض الحسنة هي أن يتفق مجموعللة‬
‫من الشخاص على تشكيل جمعيلة تعاونيلة يلدفع بملوجب‬
‫هذا التفاق كل مشللترك مبلغلا ً متسللاويا ً مللن المللال علللى‬
‫أساس القرض الحسللن‪ ,‬بحيللث يعطللى مجمللوع القللروض‬
‫لحدهم كل شهر‪ .‬فمثل هذه الجمعيات مباحللة شللرعا ً لن‬
‫منفعة الستقراض فيها عامة وليس خاصة‪.‬‬
‫الباب الثالث‬
‫ما يجوز فيه التفاضل والنسيئة‬
‫الفصل الول‪ :‬ما يجوز فيه التفاضل والنساء‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الصرف وأحكامه‪.‬‬
‫ث على البتعاد عن الشبهات‪.‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬الح ّ‬
‫الفصل الول‪ :‬ما يجوز فيه التفاضل والنساء‬

‫‪768‬‬
‫أ جواز التفاضل إذا انتفت العلة‪:‬‬
‫قال المام النووي رحمه الله تعالى‪” :‬أجمع العلمللاء علللى‬
‫جللواز بيللع ربللوي بربللوي ل يشللاركه فللي العلللة متفاض ل ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ل؛ وذلك كبيع الذهب بالحنطة‪ ،‬وبيع الفضة بالشللعير‪،‬‬ ‫ومؤج ً‬
‫وغيره من المكيل‪.‬‬
‫وأجمعوا كذلك على أنه يجوز التفاضل عند اختلف الجنس‬
‫إذا كان يدا ً بيد؛ كصاع حنطة بصاعي شعير‪ ،‬ول خلف بيللن‬
‫العلماء في شيء من هذا“‪[.‬شرح النووي ببعض التصللرف‬
‫‪.]11/9‬‬
‫ب جواز التفاضل في غير المكيلت‪ ،‬والموزونات‪:‬‬
‫قال المام البخللاري رحملله الللله تعللالى‪) :‬بللاب بيللع العبللد‪،‬‬
‫والحيوان بالحيوان نسيئة(‪ [.‬البخاري ‪ ،3/41‬وانظر‪ :‬الفتللح‬
‫‪.]4/419‬‬
‫قلت‪ :‬اختلف العلمللاء رحمهللم الللله تعللالى فللي جللواز بيللع‬
‫الحيوان بالحيوان نسيئة؛ فذهب الجمهور من علماء المللة‬
‫إلى الجواز واحتجوا بحديث عبد الله بن عمرو ابن العاص‪،‬‬
‫فعنه رضي الله عنه قال‪ :‬أمرنللي رسللول الللله صلّلى الللله‬
‫عليه وسّلم أن أبعث جيشا ً علللى إبللل كلانت عنللدي‪ ،‬قللال‪:‬‬
‫فحملت الناس عليها حتى نفدت البللل‪ ،‬وبقيللت بقيللة مللن‬
‫الناس ل ظهر لهم قال‪ :‬فقال لي رسللول اللله صلّلى اللله‬
‫عليلله وسلّلم‪” :‬ابتللع علينللا بقلئص مللن إبللل الصللدقة إلللى‬
‫محلهللا حللتى نفللذ هللذا البعللث“ قللال‪ :‬فكنللت أبتللاع البعيللر‬
‫بالقلوصين والثلث من إبل الصدقة إلى محلها‪ .‬حللتى نفللذ‬
‫ذلك البعث قللال‪ :‬فلمللا حلللت الصللدقة أداهللا رسللول الللله‬
‫صّلى الله عليه وسّلم‪ [.‬مسند المام أحمد ‪ ،2/216‬وانظر‬
‫سنن أبي داود ‪ 3/250‬برقم ‪.]3357‬‬
‫وعن جابر رضي الله عنه قال‪ :‬جاء عبد فبايع النللبي ص لّلى‬
‫الله عليه وسّلم على الهجرة‪ ،‬ولم يشللعر أنلله عبللد‪ ،‬فجللاء‬
‫سيده يريده فقال له النبي صّلى الله عليه وسّلم‪” :‬بعنيه“‬
‫فاشتراه بعبللدين أسللودين‪ ،‬ثللم لللم يبللايع أحللدا ً بعللد‪ ،‬حللتى‬
‫يسأله )أعبد هو(؟ [مسلم ‪ 3/1225‬برقم ‪ ،1602‬وانظللر‪:‬‬
‫شرح النووي ‪.]11/39‬‬

‫‪769‬‬
‫وهذا فيه جواز بيع عبد بعبدين سواء كللانت القيمللة متفقللة‬
‫أو مختلفة‪ ،‬وهذا مجمع عليه إذا بيع نقدًا‪ ،‬وكذا حكم سللائر‬
‫الحيوانات‪ [.‬انظر‪ :‬شرح النووي ‪.]11/39‬‬
‫فإن باع عبدا ً بعبدين‪ ،‬أو بعيرا ً ببعيرين إلللى أجللل فالراجللح‬
‫الجواز كما سبق‪ .‬وهذا هللو مللذهب الشللافعي والجمهللور‪[.‬‬
‫انظر‪ :‬شرح النووي ‪.]11/39‬‬
‫فظهر ممللا تقللدم أن الراجللح فللي بيللع الحيللوان بللالحيوان‬
‫ل‪ ،‬ونسيئة هلو الجللواز‪ .‬والثللار عللن بعللض الصللحابة‬ ‫متفاض ً‬
‫ل على جواز ذلك‪ .‬قال البخاري – رحمه الله –‬ ‫والتابعين تد ّ‬
‫في صحيحه‪:‬‬
‫‪” 1‬اشترى ابن عمر راحلة بأربعللة أبعللرة مضللمونة عليلله‪،‬‬
‫يوفيها صاحبها بالربذة“ [مكان بين مكة والمدينة معللروف‬
‫بالربذة]‪.‬‬
‫‪ 2‬واشترى رافع بن خديج بعيللرا ً ببعيريللن‪ ،‬أعطللاه أحللدهما‬
‫وقال‪ :‬آتيك بالخر غدا ً رهوا ً إن شاء الله‪.‬‬
‫‪ 3‬وقال ابن عباس‪” :‬قد يكون البعير خير من البعيرين“‪.‬‬
‫‪ 4‬وقال ابن المسيب‪” :‬ل ربا في البعير بالبعيرين‪ ،‬والشاة‬
‫بالشاتين إلى أجل“ [انظر صلحيح البخلاري ‪ ،3/41‬والفتلح‬
‫‪ 4/419‬فكل هذه الثار هناك]‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الصرف وأحكامه‬
‫أ المراطلة‪:‬‬
‫المراطلة‪ :‬مفاعلة من الرطل‪.‬‬
‫وهللي عرفللًا‪ :‬بيللع الللذهب بالللذهب‪ ،‬والفضللة بالفضلللة‬
‫وزنللًا‪[.‬انظللر شللرح الزرقللاني علللى موطللأ المللام مالللك‬
‫‪.]3/284‬‬
‫قال المام مالك رحمه الله تعالى‪” :‬المللر عنللدنا فللي بيللع‬
‫الذهب بالذهب‪ ،‬والورق بالورق مراطلة‪.‬‬
‫إنه ل بأس بذلك؛ أن يأخذ أحد عشر دينارا ً بعشللرة دنللانير‪،‬‬
‫يدا ً بيد؛ إذا كان وزن الذهبين سواء عينا ً بعين‪ ،‬وإن تفاضل‬
‫العدد‪ ،‬والدراهم أيضلا ً فللي ذلللك بمنزلللة الللدنانير“‪[.‬موطللأ‬
‫المام مالك ‪.]2/638‬‬
‫فعلى هذا فالمعتبر في بيللع الللذهب بالللذهب‪ ،‬وبيللع الللورق‬
‫بالورق هو الوزن ل العدد‪ .‬فلو كان عند رجللل عشللر قطللع‬

‫‪770‬‬
‫من الذهب ثللم باعهلا بخملس قطلع ملن اللذهب‪ ،‬والللوزن‬
‫لعشر القطع يساوي وزن خمس القطع‪ ،‬فهذا جللائز وهللذا‬
‫ما قصده المام مالك بالمراطلة‪.‬‬
‫ب الصرف‪:‬‬
‫ل شك أن الصرف مما يحتاج إليه الناس‪ ،‬لتحويل العملت‬
‫من عملة إلى عملة أخرى‪ ،‬فلما كان المر كذلك لم يغفله‬
‫السلم؛ بل أوضحه للناس‪ ،‬الجائز منه وغير الجائز‪.‬‬
‫عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه قال‪ :‬أقبلت أقول‪ :‬مللن‬
‫يصطرف الدراهم‪ .‬قال طلحلة بلن عبيلد اللله – وهلو عنلد‬
‫عمر بن الخطللاب – أرنللا ذهبللك‪ ،‬ثللم ائتنللا إذا جللاء خادمنللا‬
‫نعطيك ورقك‪ ،‬فقال عمر ابن الخطاب‪ :‬كل والله لتعطينلله‬
‫ورقه أو لتردن إليه ذهبه‪ ،‬فإن رسول الله صّلى الله عليلله‬
‫وسّلم قال‪” :‬الورق بالذهب ربا إل هاء‪ ،‬وهللاء‪ ،‬والللبر بللالبر‬
‫ربا إل هاء وهاء‪ ،‬والشعير بالشعير ربا إل هاء‪ ،‬وهاء‪ ،‬والتمر‬
‫بللالتمر ربلا إل هلاء‪ ،‬وهلاء“‪[.‬البخللاري ‪ 3/30‬برقلم ‪،2174‬‬
‫والموطأ ‪ ،3/636‬ومسلم ‪ 3/1210‬برقم ‪.]1586‬‬
‫قللال المللام النللووي رحملله الللله‪” :‬قللال العلمللاء‪ :‬ومعنللاه‬
‫التقابض ففيه اشتراط التقابض فللي بيللع الربللوي بللالربوي‬
‫إذا اتفقا في علة الربا‪ .‬سواء اتفق جنسهما كذهب بذهب‪،‬‬
‫أم اختلللف كللذهب بفضللة‪ ،‬ونب ّلله ص لّلى الللله عليلله وس لّلم‬
‫بمختلف الجنس على متفقه‪ ...‬وأما طلحللة بللن عبيللد الللله‬
‫رضي الللله عنلله عنللدما أراد أن يصللارف صللاحب الللذهب‪،‬‬
‫خر دفللع الللدراهم إلللى مجيللء الخللادم‪،‬‬ ‫فيأخذ الللذهب ويللؤ ّ‬
‫فإنما قاله؛ لنه ظن جوازه كسائر المبيعات وما كان بلغلله‬
‫حكم المسللألة‪ ،‬فللأبلغه إيللاه عمللر رضللي الللله عنلله فللترك‬
‫المصارفة“‪[.‬شرح النووي ‪.]11/13‬‬
‫وعن سفيان بن عيينة عن عملرو عللن أبللي المنهلال قلال‪:‬‬
‫باع شريك لي ورقا ً بنسلليئة إلللى الموسللم‪ ،‬أو إلللى الحللج‪،‬‬
‫فجاء إلي فأخبرني فقلت‪ :‬هذا أمر ل يصلح قال‪ :‬قللد بعتلله‬
‫ي أحللد‪ .‬فللأتيت الللبراء بللن‬ ‫في السوق فلم ينكللر ذلللك عل ل ّ‬
‫عازب فسألته‪ .‬فقال‪ :‬قدم النللبي صلّلى الللله عليلله وسلّلم‬
‫المدينة‪ ،‬ونحن نبيع هذا البيع‪ ،‬فقال‪” :‬مللا كللان يللدا ً بيللد فل‬
‫بأس به‪ ،‬وما كان نسيئة فهو ربا“ وائت زيد بن أرقللم فلإنه‬

‫‪771‬‬
‫كللان أعظللم تجللارة منللي‪ ،‬فللأتيته‪ ،‬فسللألته‪ ،‬فقللال مثللل‬
‫ذللللك‪[.‬البخلللاري ‪ 3/31‬برقلللم ‪،2180‬للل ‪ ،2181‬ومسللللم‬
‫‪ 3/1212‬برقم ‪.]1589‬‬
‫قال البخاري رحمه الله )باب بيع الذهب بللالورق يللدا ً بيللد(‬
‫ثم ذكر حديث أبي بكرة رضي الله عنه ”نهى النللبي صلّلى‬
‫الله عليه وسّلم علن الفضلة بالفضلة واللذهب باللذهب إل‬
‫سواء بسواء‪ .‬وأمرنا أن نبتاع الذهب بالفضللة كيللف شللئنا‪،‬‬
‫والفضللة بالللذهب كيللف شللئنا“‪[.‬البخللاري ‪ 3/31‬برقللم‬
‫‪.]2182‬‬
‫وروى البخاري رحمه الله تعالى عن البراء بن عازب وزيللد‬
‫بن أرقم رضي الله عنهما أن النبي صّلى الله عليه وسّلم‪:‬‬
‫”نهى عن بيع الذهب بالورق دين لًا“‪[.‬البخللاري ‪ 3/31‬برقللم‬
‫‪ ،2181 ،2180‬وانظر شرح الموطأ للزرقاني ‪.]3/282‬‬
‫ومن الحاديث السابقة اتضح لنا ما يأتي‪:‬‬
‫‪ 1‬أن صرف الفضة بالفضة‪ ،‬والذهب بالللذهب جللائز‪ .‬علللى‬
‫أن يكون الصرف مثل ً بمثل‪ ،‬وسللواءً بسللواء‪ ،‬ويكللون ذلللك‬
‫يدا ً بيد أثناء وقت المصارفة‪.‬‬
‫‪ 2‬أن صرف الذهب بالفضة‪ ،‬والفضة بالللذهب جللائز‪ ،‬علللى‬
‫أن يكللون الصللرف يللدا ً بيللد فللي وقللت المصللارفة‪ ،‬أمللا‬
‫المفاضلة بين الذهب والفضة بحيث يكون الذهب أكثر من‬
‫الفضة وزنًا‪ ،‬أو الفضة أكثر من اللذهب وزنلا ً فل ملانع ملن‬
‫ذلك‪ ،‬لكن بشرط أن يكون يدا ً بيد في لحظة المصارفة‪.‬‬
‫‪ 3‬أن شللراء وبيللع الللذهب بالللذهب‪ ،‬أو الفضللة بالفضللة‪ ،‬أو‬
‫الذهب بالفضة‪ ،‬أو الفضة بالذهب‪ ،‬ل يجوز الدين في ذلللك‬
‫مطلقًا‪ ،‬فلو أراد شللخص أن يصللرف ملن المصلرف عمللة‬
‫من الذهب بعملة من الذهب‪ ،‬وسّلم أحدهما عملته والخر‬
‫أجل تسليم عملته إلى أجل فهذا ل يجوز‪ ،‬لنه فقلد شلرط‬
‫المقابضة يدا ً بيد‪ .‬وكذلك الفضة بالفضة والللذهب بالفضللة‬
‫والعكس كل ذلك ل يجوز فيه الدين مطلقًا‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحث عن البتعاد عن الشبهات‬
‫ل شللك أن المسلللم دائم لا ً ينبغللي أن يكللون حريص لا ً علللى‬
‫الللتزام أمللور الشللرع كلهللا‪ ،‬فيعمللل الواجبللات‪ ،‬ويللترك‬
‫المحرمللات‪ ،‬والمكروهللات‪ ،‬ويأخللذ بالمسللتحبات‪ ،‬ويأخللذ‬

‫‪772‬‬
‫ويترك من المباحات علللى حسللب حللاله‪ ،‬وحللاجته‪ ،‬ويبتعللد‬
‫عن الشبهات‪ ،‬لعلمه بأن الشبهات تؤدي إلى المحرمات‪.‬‬
‫عن النعمان بن بشير قال‪) :‬سمعت رسول الله صّلى الله‬
‫عليه وسّلم يقول – وأهوى النعمللان بإصللبعه إلللى أذنيلله ‪:-‬‬
‫”إن الحلل بي ّللن وإن الحللرام بي ّللن‪ ،‬وبينهمللا مشللتبهات‪ ،‬ل‬
‫يعلمهللن كللثير مللن النللاس‪ ،‬فمللن اتقللى الشللبهات اسللتبرأ‬
‫لدينه‪ ،‬وعرضه‪ ،‬ومن وقع في الشبهات وقللع فللي الحللرام‪،‬‬
‫كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتللع فيهللا‪ ،‬أل وإن‬
‫لكل ملك حمى‪ ،‬أل وإن حمللى الللله محللارمه‪ ،‬أل وإن فللي‬
‫الجسد مضغة إذا صلحت صللح الجسلد كلله‪ ،‬وإذا فسللدت‬
‫فسد الجسد كله‪ ،‬أل وهي القلللب“‪[.‬البخللاري ‪ 1/19‬برقللم‬
‫‪ ،52‬ومسلم ‪ 3/1219‬برقم ‪.]1599‬‬
‫قال المام النووي رحمه الله‪” :‬أجمع العلمللاء علللى عظللم‬
‫وقع هذا الحديث‪ ،‬وكثرة فوائده‪ ،‬وأنه أحللد الحللاديث الللتي‬
‫عليها مدار السلم‪ .‬قللال جماعللة‪ :‬هللو ثلللث السلللم‪ ،‬وإن‬
‫السلم يدور عليه‪ ،‬وعلى حديث‪” :‬العمال بالنية“‪,‬وحديث‬
‫”من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيلله“‪[.‬موطللأ المللام‬
‫مالك ‪.]3/903‬‬
‫وقال أبللو داود‪ :‬السلللم يللدور علللى أربعللة أحللاديث‪ :‬هللذه‬
‫الثلثة‪ ،‬وحديث‪” :‬ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب‬
‫لنفسلله“‪[.‬البخللاري ‪ 1/9‬برقللم ‪ ،13‬ومسلللم ‪ 1/67‬برقللم‬
‫‪.]45‬‬
‫وقيل حديث‪” :‬ازهد في الدنيا يحبك الله‪ ،‬وازهد فيمللا فللي‬
‫أيدي الناس يحبك الناس“‪[.‬سنن ابن ماجه ‪ 2/1374‬برقم‬
‫‪ ،4102‬قال النووي‪ :‬رواه ابن ماجه بأسانيد حسللنة‪ ،‬انظللر‬
‫شرح النووي ‪.]11/28‬‬
‫قال العلملاء‪ :‬وسلبب عظلم ملوقعه أنله صلّلى اللله عليله‬
‫وسّلم نبه فيه على إصلح المطعم‪ ،‬والمشرب‪ ،‬والملبس‪،‬‬
‫وغيرها‪ ،‬وأنه ينبغي ترك المشللتبهات‪ ،‬فللإنه سللبب لحمايللة‬
‫دينه‪ ،‬وعرضه‪ ،‬وحذر من مواقعللة الشللبهات‪ ،‬وأوضللح ذلللك‬
‫م المللور وهللو مراعللاة‬ ‫بضرب المثل‪ :‬بالحمى‪ .‬ثم بي ّللن أهل ّ‬
‫القلب‪ ...‬فبّين صلّلى الللله عليلله وس لّلم أن بصلللح القلللب‬
‫يصلح باقي الجسد‪ ،‬وبفساده يفسد باقيه‪.‬‬

‫‪773‬‬
‫وأما قوله صّلى الللله عليلله وس لّلم‪” :‬الحلل بي ّللن والحللرام‬
‫بّين“ فمعناه أن الشياء ثلثة أقسام‪:‬‬
‫حلل بّين واضح‪ .‬ل يخفى حله كالخبز‪ ،‬والعسل‪...‬‬
‫وأما الحرام البّين فكالخمر‪ ،‬والخنزير‪ ،‬والكذب‪...‬‬
‫وأما المشتبهات‪ :‬فمعنللاه أنهللا ليسللت بواضللحة الحللل‪ ،‬ول‬
‫الحرمللة فلهللذا ل يعرفهللا كللثير مللن النللاس‪ ،‬ول يعلمللون‬
‫ص أو قيللاس‪ ،‬أو‬ ‫حكمها‪ ،‬وأما العلماء فيعرفون حكمهللا‪ ،‬بن ل ّ‬
‫استصحاب‪ ،‬أو غير ذلك‪ [.(...‬شرح النووي ببعض التصرف‬
‫‪.]11/28‬‬
‫وقد نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله قول بعضهم‪:‬‬
‫عمدة الدين عندنا كلمات‬
‫مسندات من قول خير البرية‬
‫اترك الشبهات‪ ،‬وازهد‪ ،‬ودع‬
‫ما ليس يعنيك‪ ،‬واعملن بنية‬
‫نسأل الله أن يعصمنا ممللا يغضللبه‪ ،‬وأن يوفقنللا لمللا يحللب‬
‫ي ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫ويرضى إنه ول ّ‬
‫الباب الرابع‬
‫فتاوى في مسائل من الربا المعاصر‬
‫المسللألة الولللى‪ :‬العملللة الورقيللة وأحكامهللا مللن الناحيللة‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬مسألة الحيلة الثلثية‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضللائع‬
‫وهي مكانها‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬صرف العملة إلى عملة أخرى‪.‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬بيع الذهب المستعمل بذهب جديد مللع‬
‫دفع الفرق‪.‬‬
‫المسألة السادسة‪ :‬بيع الذهب أو الفضة دينًا‪.‬‬
‫المسألة السابعة‪ :‬المساهمة في شركات التأمين‪.‬‬
‫المسألة الثامنة‪ :‬التعامل مع المصارف الربوية‪.‬‬
‫المسألة التاسعة‪ :‬التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها‪.‬‬
‫المسألة العاشرة‪ :‬التأمين في البنوك الربوية‪.‬‬
‫المسألة الحادية عشرة‪ :‬شراء أسهم البنوك‪.‬‬
‫المسألة الثانية عشرة‪ :‬العمل في المؤسسات الربوية‪.‬‬

‫‪774‬‬
‫المسألة الثالثة عشرة‪ :‬فوائد البنوك الربوية‪.‬‬
‫المسألة الرابعة عشرة‪ :‬قرض البنك بفوائد سنوية‪.‬‬
‫المسألة الخامسة عشرة‪ :‬القرض بعملة والتسديد بأخرى‪.‬‬
‫المسألة السادسة عشرة‪ :‬القرض الذي يجّر منفعة‪.‬‬
‫المسللألة السللابعة عشللرة‪ :‬التللأمين التجللاري والضللمان‬
‫البنكي‪.‬‬
‫المسللألة الولللى‪ :‬العملللة الورقيللة وأحكامهللا مللن الناحيللة‬
‫الشرعية‪:‬‬
‫صدر في هذه المسألة قرار المجمللع الفقهللي الللذي نصلله‬
‫على النحو التي‪:‬‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نللبي بعللده‪،‬‬
‫سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلللم تسللليما ً كللثيرًا‪ .‬أمللا‬
‫بعد‪:‬‬
‫فللإن مجلللس المجمللع الفقهللي السللمي قللد اطلللع عللى‬
‫دم إليه في موضوع العملة الورقية‪ ،‬وأحكامهللا‬ ‫البحث المق ّ‬
‫مللن الناحيللة الشللرعية‪ ،‬وبعللد المناقشللة والمداولللة بيللن‬
‫أعضائه‪ ،‬قّرر ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬إنه بناء على أن الصل في النقد هو الللذهب والفضللة‬ ‫أو ً‬
‫وبناء على أن علة جريان الربا فيهمللا هللي مطلللق الثمنيللة‬
‫في أصح القوال عند فقهاء الشريعة‪.‬‬
‫وبمللا أن الثمنيللة ل تقتصللر عنللد الفقهللاء علللى الللذهب‬
‫والفضة‪ ،‬وإن كان معدنهما هو الصل‪.‬‬
‫وبما أن العملة الورقيللة قللد أصللبحت ثمنلًا‪ ،‬وقللامت مقللام‬
‫الذهب والفضة في التعامل بها‪ ،‬وبها تقوم الشياء في هذا‬
‫العصر‪ ،‬لختفاء التعامل بالذهب والفضة‪ ،‬وتطمئن النفوس‬
‫بتمولها وادخارها ويحصل الوفاء والبراء العام بها‪ ،‬رغم أن‬
‫قيمتها ليست في ذاتها‪ ،‬وإنما فللي أمللر خللارج عنهللا‪ ،‬وهللو‬
‫حصول الثقة بها‪ ،‬كوسيط في التداول والتبادل‪ ،‬وذلللك هللو‬
‫سّر مناطها بالثمنية‪.‬‬
‫وحيللث إن التحقيللق فللي علللة جريللان الربللا فللي الللذهب‬
‫والفضللة هللو مطلللق الثمنيللة‪ ،‬وهللي متحققللة فللي العملللة‬
‫الورقيلللة‪ ،‬للللذلك كلللله‪ ،‬فلللإن مجللللس المجملللع الفقهلللي‬
‫السلمي‪ ،‬يقّرر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته‪ ،‬له حكم‬

‫‪775‬‬
‫النقدين من الذهب والفضة‪ ،‬فتجللب الزكللاة فيهللا‪ ،‬ويجللري‬
‫الربللا عليهللا بنللوعيه‪ ،‬فضلل ً ونسلليًا‪ ،‬كمللا يجللري ذلللك فللي‬
‫النقدين مللن الللذهب والفضللة تماملًا‪ ،‬باعتبللار الثمنيللة فللي‬
‫العملة الورقية قياسا ً عليهما‪ ،‬وبذلك تأخذ العملللة الورقيللة‬
‫أحكام النقود في كللل اللتزامللات الللتي تفرضللها الشللريعة‬
‫فيها‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يعتبر الورق النقدي نقدا ً قائم لا ً بللذاته كقيللام النقديللة‬
‫في الذهب والفضة وغيرهما من الثمان‪ ،‬كما يعتبر الللورق‬
‫النقدي أجناسا ً مختلفة‪ ،‬تتعللدد بتعللدد جهللات الصللدار فللي‬
‫البلللدان المختلفللة‪ ،‬بمعنللى أن الللورق النقللدي السللعودي‬
‫جنلس‪ ،‬وأن اللورق النقلدي المريكلي جنلس‪ ،‬وهكلذا كلل‬
‫عملة ورقية جنس مستقل بذاته‪ ،‬وبذلك يجري فيهللا الربللا‬
‫بنوعيه فضل ً ونسيا ً كما يجللري الربللا بنللوعيه فللي النقللدين‬
‫الذهب والفضة وفي غيرها من الثمان‪.‬‬
‫وهذا كله يقتضي ما يلي‪:‬‬
‫) أ ( ل يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعلض أو بغيلره ملن‬
‫الجناس النقديللة الخللرى مللن ذهللب أو فضللة أو غيرهمللا‪،‬‬
‫نسيئة مطلقًا‪ ،‬فل يجوز مثل ً بيع ريال سعودي بعملة أخرى‬
‫متفاضل ً نسيئة بدون تقابض‪.‬‬
‫)ب( ل يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقيللة بعضلله‬
‫ل‪ ،‬سواء كان ذلك نسيئة أو يدا ً بيد‪ ،‬فل يجللوز‬ ‫ببعض متفاض ً‬
‫مثل ً بيع عشللرة ريلالت سلعودية ورقلًا‪ ،‬بأحلد عشللر ريلال ً‬
‫سعودية ورقًا‪ ،‬نسيئة أو يدا ً بيد‪.‬‬
‫)ج( يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقلًا‪ ،‬إذا كللان‬
‫ذلك يدا ً بيد‪ ،‬فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانيللة‪ ،‬بريللال‬
‫سعودي ورقا ً كان أو فضة‪ ،‬أو أقل من ذلك أو أكللثر‪ ،‬وبيللع‬
‫الدولر المريكي بثلث ريالت سعودية أو أقل من ذلك أو‬
‫أكثر إذا كان ذلك يدا ً بيد‪ ،‬ومثل ذلك في الجواز بيع الريللال‬
‫السعودي الفضة‪ ،‬بثلثة ريالت سعودية ورق‪ ،‬أو أقللل مللن‬
‫ذلك أو أكثر‪ ،‬يدا ً بيد‪ ،‬لن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسلله‪،‬‬
‫ول أثللر لمجللرد الشللتراك فللي السللم مللع الختلف فللي‬
‫الحقيقة‪.‬‬

‫‪776‬‬
‫ثالثًا‪ :‬وجوب زكاة الوراق النقديللة إذا بلغللت قيمتهللا أدنللى‬
‫النصابين من ذهب أو فضللة‪ ،‬أو كللانت تكمللل النصللاب مللع‬
‫غيرها من الثمان والعروض المعدة للتجارة‪.‬‬
‫رابعللًا‪ :‬جللواز جعللل الوراق النقديللة رأس مللال فللي بيللع‬
‫السلم‪ ،‬والشركات‪.‬‬
‫والله أعلم‪ :‬وبالله التوفيق‪ ،‬وصلى الله على سيدنا محمللد‬
‫وعلللى آللله وصللحبه وسلللم‪ [.‬فتللاوى إسلللمية لصللحاب‬
‫الفضيلة العلماء‪ ،‬جمع محمد المسند‪].380-2/379 ،‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬مسألة الحيلة الثلثية‪:‬‬
‫س‪ :‬عندي كمية من أكياس الرز وهو بمستودع لنللا ويللأتي‬
‫ي أناس يشترونه مني بقيمته في السوق ويدينونه علللى‬ ‫إل ّ‬
‫أناس آخرين فإذا صار على حظ المدين أخذته منلله بنللازل‬
‫ريال واحد من مشتراه مني ثم يللأتي أنللاس مثلهللم بعللدما‬
‫يصير على حظي ويشترونه منللي وهكللذا وهللو فللي مكللان‬
‫واحللد إل أنهللم يسللتلمونه عللدا ً فللي محللله فهللل فللي هللذه‬
‫الطريقة إثم أم ل؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا‪.‬‬
‫ج‪ :‬نعم هذه الطريقة حيلة على الربا‪ .‬الربا المغلظ الجامع‬
‫بين التأخير والفضللل‪ ،‬أي بيللن ربللا الفضللل وربللا النسلليئة‪،‬‬
‫وذلك لن الدائن يتوصل بها إلى حصللول اثنللي عشللر مثل ً‬
‫بعشرة‪ .‬وأحيانا ً يتفق الللدائن والمللدين علللى هللذا قبللل أن‬
‫يأتيا إلللى صللاحب الللدكان علللى أنلله يللدينه كللذا وكللذا مللن‬
‫الدراهم‪ ،‬العشرة اثنللي عشللر أو أكللثر أو أقللل‪ ،‬ثللم يأتيللان‬
‫على هذا ليجريا معه هذه الحيلة وقد سماها شيخ السلللم‬
‫ابن تيمية‪ :‬الحيلة الثلثية‪ ،‬وهي بل شللك حيلللة علللى الربللا‪،‬‬
‫ربا النسيئة وربا الفضل‪ ،‬فهي حللرام ومللن كبللائر الللذنوب‪،‬‬
‫وذلك لن المحرم ل ينقلللب مباحلا ً بالتحايللل عليلله‪ ،‬بللل إن‬
‫التحايل عليه يزيده خبثا ً ويزيده إثمًا‪ ،‬ولهذا ذ ُك َِر علن أيلوب‬
‫السختياني رحمه الله أنه قال في هؤلء المتحللايلين قللال‪:‬‬
‫إنهم يخادعون الله كما يخللادعون الصللبيان فلللو أنهللم أتللوا‬
‫المر على وجهلله لكللان أهللون‪ ،‬وصللدق رحملله الللله‪ ،‬فللإن‬
‫المتحيل بمنزلة المنافق يظهر أنه مؤمن وهللو كللافر وهللذا‬
‫متحيللل علللى الربللا ويظهللر أن بيعلله بيللع صللحيح وحلل‪[ .‬‬
‫فتاوى إسلمية لصحاب الفضيلة العلماء‪.]2/382 ،‬‬

‫‪777‬‬
‫فضيلة العلمة ابن عثيمين‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬بيع المداينات بطريقة بيع وشراء البضللائع‬
‫وهي مكانها‬
‫س‪ :‬ما حكم بيللع المللداينات بطريقللة بيللع وشللراء البضللائع‬
‫وهي في مكانها وهذه الطريقة هللي المتبعللة عنللد البعللض‬
‫في مدايناتهم في الوقت الحاضر؟‬
‫ج‪ :‬ل يجوز للمسلم أن يبيع سلعة بنقد أو نسيئة إل إذا كان‬
‫مالكا ً لها وقد قبضها لقول النبي صلّلى الللله عليلله وس لّلم‪،‬‬
‫لحكيم بن حزام‪” :‬ل تبع ما ليس عندك“‪ ،‬وقوله صّلى الله‬
‫عليه وسّلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي‬
‫الله عنهما‪” :‬ل يحل سلف وبيللع ول بيللع مللا ليللس عنللدك“‬
‫رواه الخمسة بإسناد صحيح‪ ،‬وهكذا الللذي يشللتريها‪ ،‬ليللس‬
‫له بيعها حتى يقبضها أيضا ً للحديثين المذكورين‪.‬‬
‫مللا رواه المللام أحمللد وأبللو داود‪ ،‬وصللححه ابللن حبللان‬ ‫ول ِ َ‬
‫والحاكم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال‪ :‬نهى رسول‬
‫الله صّلى الله عليه وسّلم أن تباع السلع حيث تبتللاع حللتى‬
‫يحوزهللا التجللار إلللى رحللالهم‪ [.‬أبللو داود ‪ ،3/282‬برقللم‬
‫‪ ،3499‬وحسلللنه اللبلللاني فلللي صلللحيح سلللنن أبلللي داود‬
‫‪.]2/668‬‬
‫وكما روى البخاري في صحيحه عن ابللن عمللر رضللي الللله‬
‫عنهما قال‪” :‬لقد رأيت الناس في عهد رسللول الللله صلّلى‬
‫ضللَربون‬‫الله عليه وسّلم يبتاعون جزافا ً – يعني الطعام – ي ُ ْ‬
‫أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم“ [ البخللاري‬
‫‪ ،3/30‬برقم ‪ ،]2131‬والحاديث في هذا المعنللى كللثيرة‪[.‬‬
‫فتاوى إسلمية ‪.]384-2/383‬‬
‫سماحة العلمة عبد العزيز ابن باز‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬صرف العملة إلى عملة أخرى‪:‬‬
‫س‪ :‬أريللد أن أشللتري عشللرة آلف دولر أمريكللي مللن‬
‫شللخص معيللن بسللعر ‪ 40‬ألللف ريللال سللعودي‪ ،‬وسلليكون‬
‫التسديد على أقساط شهرية‪ ،‬كل قسط ألف ريال‪ ،‬وأريللد‬
‫أن أبيع هذه الدولرات فللي السللوق بسللعر ‪ 37.500‬ألللف‬
‫ريال‪ ،‬فما الحكم في ذلك علما ً بأنني محتاج لهذه النقود؟‬

‫‪778‬‬
‫ج‪ :‬الحكم في هذا هو التحريللم‪ ،‬فيحللرم علللى النسللان إذا‬
‫صرف عملة أن يتفرق هو والبائع من مجلس العقد إل بعد‬
‫قبض العوضللين‪ ،‬وهللذا السللؤال ليللس فيلله قبللض العللوض‬
‫الثاني الذي هو قيمة الدولرات‪ ،‬وعلى هذا فيكون فاسللدا ً‬
‫ل‪ ،‬فإذا كان قد نفذ الن فإن الواجب على هللذا الللذي‬ ‫وباط ً‬
‫أخللذ الللدولرات أن يسللددها دولرات‪ ،‬ول يجللوز أن يبنللي‬
‫على العقد الول‪ ،‬لنه فاسد‪ ،‬وقللد ثبللت عللن النللبي ص لّلى‬
‫الله عليه وسّلم أنه قال‪” :‬كل شرط ليس في كتللاب الللله‬
‫فهو باطل وإن كان مائة شرط‪ ،‬قضللاء الللله أحللق وشللرط‬
‫الللله أوثللق“‪[.‬فتللاوى إسلللمية لصللحاب الفضلليلة العلمللاء‬
‫‪ ،2/386‬والحديث أخرجه البخاري برقم ‪.]456‬‬
‫فضيلة العلمة ابن عثيمين‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬بيع الذهب المستعمل بذهب جديد مللع‬
‫دفع الفرق‬
‫س‪ :‬رجللل يعمللل بللبيع وشللراء المجللوهرات‪ ،‬فيللأتي إليلله‬
‫شخص معه ذهب مستعمل فيشللتريه منلله وتعللرف قيمتلله‬
‫بالريالت‪ ،‬وقبل دفع القيمة في المكان والزمللان‪ ،‬يشللتري‬
‫منه الذي باع له الللذهب المسلتعمل ذهبلا ً جديللدًا‪ ،‬وتعللرف‬
‫قيمته‪ ،‬ويدفع المشتري الباقي عليه‪ ،‬فهل هذا جائز أم أنلله‬
‫ل بد من تسلليم قيملة الول كامللة إللى البللائع ثللم يسللم‬
‫البائع قيمة ما اشتراه من ذهب جديللد مللن تلللك النقللود أو‬
‫من غيرها؟‬
‫ج‪ :‬في مثل هذه الحالة يجب دفع قيمة الذهب المستعمل‪،‬‬
‫ثم البائع بعد قبض القيمة بالخيار إن شاء يشتري ممن باع‬
‫عليه ذهبا ً جديدا ً أو من غيره‪ ،‬وإن اشترى منلله أعللاد عليلله‬
‫نقوده أو غيرها قيمة للجديد حتى ل يقع المسلم في الربللا‬
‫ل‪ ،‬لمللا‬‫المحرم من بيع رديء الجنس الربوي بجيده متفاض ً‬
‫روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعللالى أن رسللول الللله‬
‫صّلى الله عليه وسّلم استعمل رجل ً على خيبر فجاءه بتمر‬
‫ل تمر خيبر هكذا؟ قال‪ :‬ل‪ ،‬إنا لنأخللذ‬ ‫جنيب )جيد( فقال‪ :‬أك ّ‬
‫الصاع من هللذا بالصللاعين‪ ،‬والصللاعين بالثلثللة‪ ،‬فقللال‪” :‬ل‬
‫تفعل بع الجمع بالللدراهم‪ ،‬ثللم ابتللع بالللدراهم جنيبلًا“‪ ،‬ولن‬
‫المقاصة في مثل هذا البيع ولللو كللانت فللي زمللان ومكللان‬

‫‪779‬‬
‫ل‪ ،‬وذلللك‬ ‫البيع‪ ،‬قد تؤدي إلللى بيللع الللذهب بالللذهب متفاضل ً‬
‫محرم‪ ،‬لما روى مسلم رحمه الله تعللالى عللن عبللادة ابللن‬
‫الصامت رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله ص لّلى الللله‬
‫عليلله وس لّلم‪” :‬الللذهب بالللذهب‪ ،‬والفضللة بالفضللة‪ ،‬والللبر‬
‫بالبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪ ،‬مثل ً‬
‫بمثل‪ ،‬سواء بسواء‪ ،‬يدا ً بيلد‪ ،‬فلإذا اختلفلت هلذه الصلناف‬
‫فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا ً بيللد“‪ .‬وفللي روايللة عللن ابللن‬
‫سللعيد‪” :‬فمللن زاد أو اسللتزاد فقللد أربللا‪ ،‬الخللذ والمعطللي‬
‫سواء“‪[.‬فتاوى إسلمية ‪ ،2/389‬والحللديث تقللدم تخريجلله‬
‫ص ‪.]34‬‬
‫اللجنة الدائمة‬
‫س‪ :‬ذهبت إلى بائع الذهب بمجموعة من الحلللي القديمللة‬
‫ثم وََزَنها وقال إن ثمنها ‪ 1500‬ريال واشللتريت منلله حلللي‬
‫جديد بمبلغ ‪ 1800‬ريال هل يجوز أن أدفللع للله ‪ 300‬ريللال‬
‫فقط )الفرق( أم آخذ ‪ 1500‬ريال ثم أعطيلله ‪ 1800‬ريللال‬
‫مجتمعة؟‬
‫ج‪ :‬ل يجوز بيع الذهب بالذهب إل مثل ً بمثللل سللواء بسللواء‬
‫وزنا ً بوزن يدا ً بيد بنص النبي صّلى الله عليلله وس لّلم‪ ،‬كمللا‬
‫ورد ذلك في الحاديث الصحيحة ولللو اختلللف نللوع الللذهب‬
‫بالجللدة والقللدم أو غيللر ذلللك مللن أنللواع الختلف وهكللذا‬
‫الفضة بالفضة‪.‬‬
‫والطريقة الجائزة أن يبيع الراغب في شراء ذهب بللذهب‪،‬‬
‫ما لديه من الللذهب بفضللة أو بغيرهللا مللن العمللل الورقيللة‬
‫ويقبض الثمن ثم يشتري حاجته مللن الللذهب بسللعره مللن‬
‫الفضة أو العملة الورقية يدا ً بيد؛ لن العملة الورقية منّزلة‬
‫منزلة اللذهب والفضلة فلي جريلان الربلا فلي بيلع بعضلها‬
‫ببعض وفي بيع الذهب والفضة بها‪.‬‬
‫أمللا إن بللاع الللذهب أو الفضللة بغيللر النقللود كالسلليارات‬
‫والمتعة والسللكر ونحللو ذلللك فل حللرج فللي التفللرق قبللل‬
‫القبض لعللدم جريللان الربللا بيللن العملللة الذهبيللة والفضللية‬
‫والورقية وبين هذه الشياء المذكورة وأشباهها‪.‬‬

‫‪780‬‬
‫ول بلد ملن إيضلاح الجلل إذا كلان اللبيع إللى أجلل لقلوله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫جل ٍ‬‫ن إ ِل َللى أ َ‬
‫م ب ِلد َي ْ ٍ‬
‫داي َن ْت ُ ْ‬ ‫من ُللوا ْ إ ِ َ‬
‫ذا ت َل َ‬ ‫نآ َ‬ ‫سبحانه‪َ} :‬يا أي َّها ال ّل ِ‬
‫ذي َ‬
‫ه{‪ [.‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪.]282 :‬‬ ‫ى َفاك ْت ُُبو ُ‬‫م ً‬
‫س ّ‬
‫م َ‬
‫ُ‬
‫سماحة العلمة عبد العزيز ابن باز‬
‫المسألة السادسة‪ :‬بيع الذهب أو الفضة دينًا‪:‬‬
‫س‪ :‬إنسان أخللذ منللي مصللاغ ذهللب‪ ،‬وثمللن المصللاغ ألللف‬
‫ريال‪ ،‬وقلت له ل يجوز إل نقدًا‪ ،‬وقال سلفني ألللف ريللال‪،‬‬
‫وسلفته اللف وأعطاني إياه هل هذا يجوز؟‬
‫ج‪ :‬ل يجوز لنه احتيال على الربا؛ وجمع بين عقدين‪ ،‬عقللد‬
‫سلللف وعقللد بيللع‪ ،‬وهللو ممنللوع أيضللًا‪ [.‬فتللاوى إسلللمية‬
‫‪.]2/390‬‬
‫اللجنة الدائمة‬
‫س‪ :‬إذا حضر شخص يريد أن يشللتري بعللض المجللوهرات‬
‫ما وزنت له ما يريد وجد أن المبلغ الذي معه‬ ‫من الذهب ول َ ّ‬
‫ل يكفي قيمة للذهب فمعلوم في هذه الحالة أنلله ل يجللوز‬
‫لي بيعه الذهب وتسليمه له وهو لم يسلمني إل جللزء مللن‬
‫القيمة لكن إذا كنا في وقت الصللباح مثل ً وقللال لللي أتللرك‬
‫الذهب عنللدك حللتى وقللت العصللر كللي أحضللر لللك كامللل‬
‫الدراهم وأسللتلم الللذهب الللذي اشللتريته منللك ففللي هللذه‬
‫الحالة هل يجوز لي أن أترك الذهب على كيسلله وحسللابه‬
‫حتى يحضر لستلمه أم يلزمني أن ألغنللي العقللد وهللو إن‬
‫حضر فهو كسائر المشترين وإل فل شيء بيننا؟‬
‫ج‪ :‬ل يجوز أن يبقى الذهب الذي اشتراه منك على حسابه‬
‫حتى يللأتي بالللدراهم‪ ،‬بللل لللم يتللم العقللد تخلصلا ً مللن ربللا‬
‫النسيئة ويبقى الذهب لديك فللي ملكللك فللإذا حضللر ببقيللة‬
‫الدراهم ابتللدأتما عقللدا ً جديللدا ً يتللم فللي مجلسلله التقللابض‬
‫بينكما‪ [.‬فتاوى إسلمية ‪.]2/353‬‬
‫اللجنة الدائمة‬
‫المسألة السابعة‪ :‬المساهمة في شركات التأمين‪:‬‬
‫س‪ :‬أنللا مللن سللكان الكللويت‪ ،‬وعنللدنا شللركات مسللاهمة‬
‫خاصللة بالعمللال التجاريللة والزراعيللة والبنللوك وشللركات‬
‫التأمين والبترول‪ ،‬ويحق للمللواطن المسللاهمة هللو وأفللراد‬

‫‪781‬‬
‫عللائلته‪ ،‬فنرجللو إفادتنللا عللن حكللم الشللرع فللي مثللل هللذه‬
‫الشركات‪.‬‬
‫ج‪ :‬يجوز للنسان أن يساهم في هذه الشللركات إذا كللانت‬
‫ل تتعامل بالربا‪ ،‬فإن كلان تعاملهلا بالربللا فل يجللوز‪ ،‬وذللك‬
‫لثبوت تحريم التعامل بالربا في الكتاب والسنة والجمللاع‪،‬‬
‫وكذلك ل يجوز للنسان أن يسللاهم فللي شللركات التللأمين‬
‫التجاري؛ لن عقود التأمين مشتملة علللى الغللرر والجهالللة‬
‫والربللا‪ ،‬والعقللود المشللتملة علللى الغللرر والجهالللة والربللا‬
‫محرمة في الشريعة السلمية‪ [.‬فتاوى إسلللمية لصللحاب‬
‫الفضيلة العلماء ‪.]2/392‬‬
‫اللجنة الدائمة‬
‫المسألة الثامنة‪ :‬التعامل مع المصارف الربوية‪:‬‬
‫صدر في ذلك قرار المجمع الفقهي السلمي التي نصه‪:‬‬
‫إن مجلس المجمع الفقهي السلمي فللي دورتلله التاسللعة‬
‫المنعقدة بمبنى رابطة العالم السلمي بمكة المكرمة في‬
‫الفترة من يوم السللبت ‪ 12‬رجللب عللام ‪1406‬ه إلللى يللوم‬
‫السبت ‪ 29‬رجللب ‪1406‬ه قللد نظللر فللي موضللوع تفشللي‬
‫المصارف الربوية وتعامل الناس معها وعدم توافر البدائل‬
‫عنها‪ ،‬وهو الذي أحاله إلى المجلس معالي الدكتور الميللن‬
‫العام نائب رئيسي المجلس‪.‬‬
‫وقد استمع المجلس إلى كلم السادة العضاء حللول هللذه‬
‫القضية الخطيرة التي يقترف فيها محرم بين ثبت تحريمه‬
‫بالكتاب والسنة والجماع‪.‬‬
‫وقد أثبتت البحوث القتصادية الحديثة أن الربا خطر علللى‬
‫اقتصلاد العلالم وسياسلته وأخلقيلاته وسللمته‪ ،‬وأنله وراء‬
‫كثير من الزمات التي يعانيها العالم‪ ،‬وأنه ل نجاة من ذلك‬
‫إل باستئصال هذا الداء الخبيث الذي نهى السلم عنه منذ‬
‫أربعة عشر قرنًا‪.‬‬
‫ثم كانت الخطوة العمليلة المباركلة وهلي إقاملة مصللارف‬
‫إسلمية خالية من الربا والمعاملت المحظورة شرعًا‪.‬‬
‫وبهذا كذبت دعوة العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي الللذين‬
‫زعمللوا يوملا ً أن تطلبيق الشلريعة السللمية فللي المجلال‬

‫‪782‬‬
‫القتصادي مستحيل؛ لنه ل اقتصللاد بغيللر بنللوك‪ ،‬ول بنللوك‬
‫بغير فوائد‪ ،‬ومما جاء في القرار كذلك أنه‪:‬‬
‫ل‪ :‬يجب على المسلمين كافة أن ينتهللوا عمللا نهللى الللله‬ ‫أو ً‬
‫عنه من التعامل بالربا أخذا ً وعطللاء‪ ،‬والمعاونللة عليلله بللأي‬
‫صورة من الصور‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬ينظر المجلللس بعيللن الرتيللاح إلللى قيللام المصللارف‬
‫السلمية بديل ً شرعيا ً للمصارف الربوية‪ .‬ويللرى المجلللس‬
‫ضرورة التوسع في إنشاء هذه المصارف في كل القطللار‬
‫السلمية وحيثمللا وجللد للمسلللمين تجمللع خللارج أقطللاره‪،‬‬
‫حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية تهيللئ لقتصللاد‬
‫إسلمي متكامل‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مللع مصللرف‬
‫إسلللمي أن يتعامللل مللع المصللارف الربويللة فللي الللداخل‬
‫والخارج‪ ،‬إذ ل عذر له في التعامل معها بعد وجللود البللديل‬
‫السلمي‪ ،‬ويجب عليه أن يستعيض عن الخللبيث بللالطيب‪،‬‬
‫ويستغني بالحلل عن الحرام‪.‬‬
‫رابع لًا‪ :‬يللدعو المجلللس المسللؤولين فللي البلد السلللمية‬
‫والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة‬
‫لتطهيرها من رجس الربا‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬كل مال جاء عن طريق الفوائد الربويللة هللو مللال‬
‫حرام شرعًا‪ ،‬ل يجوز أن ينتفع به المسلللم )مللودع المللال(‬
‫لنفسه أو لحد مما يعوله في أي شأن من شؤونه‪ ،‬ويجللب‬
‫أن يصرف في المصللالح العامللة للمسلللمين مللن مللدارس‬
‫ومستشفيات وغيرها‪ ،‬وليس هذا مللن بللاب الصللدقة وإنمللا‬
‫من باب التطهر من الحرام‪.‬‬
‫ول يجوز بحال ترك هللذه الفللوائد للبنللوك الربويللة لتتقللوى‬
‫بها‪ ،‬ويزداد الثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج‪ ،‬فإنها‬
‫في العادة تصرفها إلى المؤسسات التنصلليرية واليهوديللة‪،‬‬
‫وبهذا تغللدو أمللوال المسلللمين أسلللحة لحللرب المسلللمين‬
‫وإضلل أبنائهم عن عقيدتهم‪ ،‬علما ً بأنه ل يجوز السللتمرار‬
‫في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة‪.‬‬
‫كما يطالب المجلس القائمين علللى المصللارف السلللمية‬
‫أن ينتقللوا لهللا العناصللر المسلللمة الصللالحة‪ ،‬وأن يوالوهللا‬

‫‪783‬‬
‫بالتوعيللة والتفقيلله بأحكللام السلللم وآدابلله حللتى تكللون‬
‫معاملتهم وتصرفاتهم موافقة لها‪.‬‬
‫والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل‪ [.‬فتاوى إسلللمية‬
‫لصحاب الفضيلة العلماء ‪.]2/393‬‬
‫مجلة الدعوة‪1037 ،‬‬
‫المسألة التاسعة‪ :‬التعامل مع البنوك الربوية والعمل فيها‬
‫س‪ :‬ما الحكم الشرعي في كل من‪:‬‬
‫‪ 1‬الذي يضع ماله في البنللك فللإذا حللال عليلله الحللول أخللذ‬
‫الفائدة‪.‬‬
‫‪ 2‬المستقرض من البنك بفائدة إلى أجل؟‬
‫‪ 3‬الذي يودع ماله في تلك البنوك ول يأخذ فائدة؟‬
‫‪ 4‬الموظف العامل في تلللك البنللوك سللواء كللان مللديرا ً أو‬
‫غيره؟‬
‫‪ 5‬صاحب العقار الذي يؤجر محلته إلى تلك البنوك؟‬
‫ج‪ :‬ل يجوز اليداع في البنوك للفائدة‪ ،‬ول القرض بالفائدة؛‬
‫لن كل ذلك من الربا الصريح‪.‬‬
‫ول يجوز أيضا ً اليداع فلي غيلر البنلوك بالفلائدة‪ ،‬وهكلذا ل‬
‫يجوز القرض مللن أي أحللد بالفللائدة بللل ذلللك محللرم عنللد‬
‫َ‬
‫ه ال ْب َي ْ َ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬‫جميع أهل العلم‪ ،‬لن الله سبحانه يقول‪} :‬وَأ َ‬
‫ه‬ ‫حقُ الل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م الّربا{ [البقرة‪ .]275 :‬ويقول سبحانه‪} :‬ي َ ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫وَ َ‬
‫صد ََقات{ [ البقرة‪ .]276 :‬ويقللول سللبحانه‪:‬‬ ‫الّربا وَي ُْرِبي ال ّ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ن الّربللا إ ِ ْ‬ ‫مل َ‬ ‫ي ِ‬‫ما ب َِق ل َ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬‫مُنوا ْ ات ُّقوا ْ الل ّ َ‬‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫}َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ْ‬
‫ن الل ّل ِ‬
‫ه‬ ‫مل َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ح لْر ٍ‬‫م ت َْفعَل ُللوا ْ فَ لأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬‫ن ل َل ْ‬‫ن‪ ،‬فَ لإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫م لؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ك ُن ْت ُل ْ‬
‫َ‬
‫ن َول‬ ‫مللو َ‬ ‫م ل ت َظ ْل ِ ُ‬ ‫وال ِك ُ ْ‬
‫مل َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُل ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُل ْ‬ ‫سللول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫وََر ُ‬
‫ن{ [ البقرة‪ .]278 :‬ثم يقول سبحانه بعد هذا كللله‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت ُظ ْل َ ُ‬
‫ة{ [البقرة‪.]280 :‬‬ ‫سَر ٍ‬ ‫مي ْ َ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرةٌ إ َِلى َ‬ ‫ذو عُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫}وَإ ِ ْ‬
‫ينبه عباده بذلك على أنه ل يجوز مطالبة المعسر بما عليه‬
‫من الدين ول تحميله مزيدا ً من المال من أجل النظار بللل‬
‫يجب إنظللاره إلللى الميسللرة بللدون أي زيلادة لعجللزه عللن‬
‫التسديد‪ ،‬وذلك من رحمة الله سبحانه لعباده‪ ،‬ولطفه بهم‪،‬‬
‫وحمايته لهم من الظلم والجشع الذي يضرهم ول ينفعهم‪.‬‬
‫أما اليداع في البنوك بدون فائدة فل حرج منه إذا اضللطر‬
‫المسلم إليلله‪ ،‬وأمللا العمللل فللي البنللوك الربويللة فل يجللوز‬

‫‪784‬‬
‫سواء كان مديرا ً أو كاتبا ً أو محاسبا ً أو غير ذلك لقول الللله‬
‫وى َول ت َعَللاوَُنوا ْ‬ ‫سبحانه وتعالى‪} :‬وَت ََعاوَُنوا ْ عََلى ال ْب ِلّر َوالت ّْق ل َ‬
‫ب{ [‬ ‫ديد ُ ال ْعَِقللا ِ‬‫شلل ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ه إِ ّ‬ ‫ن َوات ُّقوا ْ الل ّ َ‬‫عََلى اْل ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫المائدة‪.]2 :‬‬
‫ما ثبت عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنلله ”لعللن آكللل‬ ‫ول ِ َ‬
‫الربللا ومللوكله وكللاتبه وشللاهديه“‪ .‬وقللال‪” :‬هللم سللواء“‪.‬‬
‫أخرجه المام مسلم في صحيحه‪.‬‬
‫واليللات والحللاديث الدالللة علللى تحريللم التعللاون علللى‬
‫المعاصي كثيرة‪ ،‬وهكذا تللأجير العقللارات لصللحاب البنللوك‬
‫الربوية ل يجوز للدلة المذكورة‪ ،‬ولما في ذلك من إعانتهم‬
‫على أعمالهم الربوية‪.‬‬
‫ن علللى الجميللع بالهدايللة وأن يوفللق‬ ‫نسللأل الللله أن يملل ّ‬
‫المسلمين جميعا ً حكاما ً ومحكومين لمحاربة الربللا والحللذر‬
‫منلله والكتفللاء بمللا أبللاح الللله ورسللوله مللن المعللاملت‬
‫الشرعية إنه ولللي ذلللك والقللادر عليلله‪ [.‬فتللاوى إسلللمية‪،‬‬
‫‪.]2/397‬‬
‫سماحة العلمة عبد العزيز ابن باز‬
‫المسألة العاشرة‪ :‬التأمين في البنوك الربوية‪:‬‬
‫س‪ :‬الذي عنده مبلغ من النقود ووضعها فللي أحللد البنللوك‬
‫لقصد حفظها أمانللة ويزكيهللا إذا حللال عليهللا الحللول فهللل‬
‫يجوز ذلك أم ل؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا‪.‬‬
‫ج‪ :‬ل يجوز التأمين في البنوك الربوية ولو لم يأخللذ فللائدة؛‬
‫ما في ذلك من إعانتها على الثم والعدوان‪ ،‬والله سبحانه‬ ‫لِ َ‬
‫قد نهى عن ذلك‪ ،‬لكن إن اضللطر إلللى ذلللك ولللم يجللد مللا‬
‫يحفظ ماله فيه سللوى البنللوك الربويللة‪ ،‬فل حللرج إن شللاء‬
‫مللا‬‫م َ‬ ‫ل ل َك ُل ْ‬ ‫الله للضرورة‪ ،‬والله سبحانه يقول‪} :‬وَقَ لد ْ فَ ّ‬
‫صل َ‬
‫ه[النعللام‪ ،]119 :‬ومللتى‬ ‫م إ ِل َي ْل ِ‬ ‫ضلط ُرِْرت ُ ْ‬‫مللا ا ْ‬‫م إ ِل ّ َ‬ ‫م عَل َي ْك ُ ْ‬
‫حّر َ‬ ‫َ‬
‫وجد بنكا ً إسلمي ّا ً أو محل ّ أمينا ً ليس فيه تعاون علللى الثللم‬
‫والعدوان يلودع ملاله فيله للم يجلز لله اليلداع فلي البنلك‬
‫الربوي‪ [.‬فتاوى إسلمية‪.]2/397 ،‬‬
‫سماحة العلمة عبد العزيز ابن باز‬
‫المسألة الحادية عشرة‪ :‬شراء أسهم البنوك‪:‬‬

‫‪785‬‬
‫س‪ :‬ما حكم شراء أسهم البنللوك وبيعهللا بعللد مللدة بحيللث‬
‫ل؟ وهل يعتبر ذلك من الربا؟‬ ‫يصبح اللف بثلثة آلف مث ً‬
‫ج‪ :‬ل يجوز بيع أسهم البنوك ول شللراؤها لكونهللا بيللع نقللود‬
‫بنقود بغير اشتراط التساوي والتقابض؛ ولنهللا مؤسسللات‬
‫ربوية ل يجوز التعللاون معهللا ل بللبيع ول شللراء لقللول الللله‬
‫وى َول ت َعَللاوَُنوا ْ عَل َللى‬ ‫سبحانه‪} :‬وَت َعَللاوَُنوا ْ عَل َللى ال ْب ِلّر َوالت ّْق ل َ‬
‫ن{[المائدة‪.]2 :‬‬ ‫ال ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫ما ثبت عن النبي صّلى الله عليه وسّلم أنلله ”لعللن آكللل‬ ‫ول ِ َ‬
‫الربا وموكله وكاتبه وشاهديه“‪ ،‬وقللال‪” :‬هللم سللواء“ رواه‬
‫المللام مسلللم فللي صللحيحه [ مسلللم ‪ 3/1218‬برقللم‬
‫‪ ،]1597‬وليس لك إل رأس مالك‪.‬‬
‫ووصيتي لك ولغيرك من المسلمين هي الحللذر مللن جميللع‬
‫المعللاملت الربويللة‪ ،‬والتحللذير منهللا‪ ،‬والتوبللة إلللى الللله‬
‫سللبحانه ممللا سلللف مللن ذلللك‪ ،‬لن المعللاملت الربويللة‬
‫محاربة لله سبحانه ولرسوله صّلى الله عليه وسّلم‪ ،‬ومللن‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫أسباب غضب الله وعقابه كما قال الله عز وجل‪} :‬اّللل ِ‬
‫خب ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ه‬ ‫طلل ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م اّللل ِ‬ ‫مللا ي َُقللو ُ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬ ‫مللو َ‬ ‫ن الّربللا ل ي َُقو ُ‬ ‫َيللأك ُُلو َ‬
‫طان من ال ْمس ذ َل َ َ‬
‫ل الّربللا‬ ‫مث ْل ُ‬ ‫ما ال ْب َي ْلعُ ِ‬ ‫م َقاُلوا ْ إ ِن ّ َ‬ ‫ك ب ِأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ال ّ‬
‫عظ َل ٌ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن َرب ّل ِ‬ ‫مل ُْ‬ ‫ة ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جللاَءهُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مل ْ‬ ‫م الّربا فَ َ‬ ‫حّر َ‬‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫وَأ َ‬
‫ن عَللاد َ َفلأول َئ ِ َ‬ ‫َفانتهى فَل َه ما سلل َ َ َ‬
‫ك‬ ‫مل ْ‬ ‫ملُرهُ إ َِللى الّللهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََْ‬
‫ه الّربللا وَي ُْرب ِللي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حلقُ اللل ُ‬ ‫م َ‬‫ن‪ ،‬ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِل ُ‬ ‫م ِفيهَللا َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫م{ [البقللرة‪،275 :‬‬ ‫ل َ ك َّفللارٍ أِثيل ٍ‬ ‫ب ك ُل ّ‬ ‫حل ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ت َوالل ّل ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ه‬‫من ُللوا ْ ات ُّقللوا ْ الل ّل َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ .]276‬وقال عز وجللل‪} :‬ي َللا أي ّهَللا ال ّل ِ‬
‫ن{[البقللرة‪،278 :‬‬ ‫مِني َ‬ ‫م لؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُل ْ‬ ‫ن الّربا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ما ب َِق َ‬ ‫وَذ َُروا ْ َ‬
‫دم من الحديث الشللريف [فتللاوى إسلللمية‪،‬‬ ‫ما تق ّ‬ ‫‪.]279‬ول ِ َ‬
‫‪.]400-2/399‬‬
‫سماحة العلمة عبد العزيز ابن باز‬
‫المسألة الثانية عشرة‪ :‬العمل في المؤسسات الربوية‪:‬‬
‫س‪ :‬هللل يجللوز العمللل فللي مؤسسللة ربويللة كسللائق أو‬
‫حارس؟‬
‫ج‪ :‬ل يجوز العمل بالمؤسسات الربوية ولللو كللان النسللان‬
‫سللائقا ً أو حارسللًا‪ ،‬وذلللك لن دخللوله فللي وظيفللة عنللد‬
‫مؤسسات ربوية يستلزم الرضى بها؛ لن من ينكر الشيء‬

‫‪786‬‬
‫ل يمكللن أن يعمللل لمصلللحته‪ ،‬فللإذا عمللل لمصلللحته فللإنه‬
‫يكون راضيا ً به‪ ،‬والراضي بالشيء المحرم يناله من إثملله‪،‬‬
‫أما من كان يباشر القيد والكتابللة والرسللال واليللداع ومللا‬
‫أشبه ذلك فهو ل شك أنه مباشللر للحللرام‪ ،‬وقللد ثبللت عللن‬
‫النبي صّلى الله عليه وسّلم أنه قال بللل ثبللت مللن حللديث‬
‫جابر رضي الله عنه أن النبي صّلى الله عليه وسّلم ”لعللن‬
‫آكل الربا وموكله وشاهديه“ وكاتبه وقللال‪” :‬هللم سللواء“ [‬
‫مسلم ‪ 3/1218‬برقم ‪ []1597‬فتاوى إسلمية ‪.]2/401‬‬
‫فضيلة العلمة ابن عثيمين‬
‫المسألة الثالثة عشرة‪ :‬فوائد البنوك الربوية‪:‬‬
‫س‪ :‬بعض البنوك تعطي أرباحا ً بالمبالغ الللتي توضللع لللديها‬
‫من قبل المودعين‪ ،‬ونحن ل ندري حكم هللذه الفللوائد هللل‬
‫هي ربا أم هي ربح جائز يجوز للمسلم أخذه؟ وهللل يوجللد‬
‫في العالم العربي بنوك تتعامل مع الناس حسب الشريعة‬
‫السلمية؟‬
‫ل‪ :‬الرباح التي يدفعها البنك للمودعين علللى المبللالغ‬ ‫ج‪ :‬أو ً‬
‫ل لله أن ينتفللع بهللذه‬‫التي أودعوها فيلله تعتللبر ربلا‪ .‬ول يحل ّ‬
‫الرباح‪ ،‬وعليه أن يتوب إلى الللله مللن اليللداع فللي البنللوك‬
‫الربوية‪ ،‬وأن يسحب المبلغ الللذي أودعلله وربحلله فيحتفللظ‬
‫بأصل المبلغ وينفق ما زاد عليه في وجوه البر مللن فقللراء‬
‫ومساكين وإصلح مرافق عامة ونحو ذلك‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬يبحث عن محللل ل يتعامللل بالربللا ولللو دكانلا ً ويوضللع‬
‫المبلغ فيه على طريق التجللارة‪ ،‬مضللاربة‪ ،‬علللى أن يكللون‬
‫ل‪ ،‬أو بوضللع‬‫ذلك جزءا ً مشاعا ً معلوما ً من الربح كللالثلث مث ً‬
‫المبلغ فيه أمانة بدون فائدة‪ ،‬وصلى الله على نبينللا محمللد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪[.‬فتاوى إسلمية ‪.]2/404‬‬

‫اللجنة الدائمة‬
‫المسألة الرابعة عشرة‪ :‬قرض البنك بفوائد سنوية‪:‬‬
‫س‪ :‬المعاملة مع البنللك هللل هللي ربللا أم جللائزة؟ لن فيلله‬
‫كثيرا ً من المواطنين يقترضون منها؟‬
‫ج‪ :‬يحرم على المسلم أن يقترض من أحد ذهبا ً أو فضة أو‬
‫ورقا ً نقديا ً على أن يرد أكثر منه‪ ،‬سواء كان المقرض بنكلا ً‬

‫‪787‬‬
‫أم غيره‪ ،‬لنه ربا وهو من أكللبر الكبللائر‪ ،‬ومللن تعامللل هللذا‬
‫التعامل من البنوك فهو بنك ربوي‪.‬‬
‫وصللللى اللللله عللللى نبينلللا محملللد وعللللى آلللله وصلللحبه‬
‫وسلم‪[.‬فتاوى إسلمية ‪.]2/412‬‬
‫اللجنة الدائمة‬
‫المسألة الخامسة عشرة‪ :‬القرض بعملة والتسديد بأخرى‪:‬‬
‫س‪ :‬أقرضني أخي في الله )حسن‪ .‬م( ألفي دينار تونسي‪،‬‬
‫وكتبنا عقدا ً بذلك ذكرنا فيه قيمللة المبلللغ بالنقللد اللمللاني‪،‬‬
‫وبعد مرور مدة القرض – وهللي سللنة – ارتفللع ثمللن النقللد‬
‫اللماني‪ ،‬فأصبح إذا سلمته ما هو في العقد أكون أعطيتلله‬
‫ثلثمائة دينار تونسي زيادة على ما اقترضته‪.‬‬
‫فهل يجوز لمقرضي أن يأخذ الزيادة‪ ،‬أم أنها تعتللبر ربللا؟ ل‬
‫سيما وأنه يرغب السداد بالنقد اللماني ليتمكن من شراء‬
‫سيارة من ألمانيا؟‬
‫ج‪ :‬ليس للمقرض )حسن‪ .‬م( سوى المبلغ الللذي أقرضللك‬
‫وهو ألفللا دينللار تونسللي‪ ،‬إل أن تسللمح بالزيللادة فل بللأس‪،‬‬
‫لقللول النللبي ص لّلى الللله عليلله وس لّلم‪” :‬إن خيللار النللاس‬
‫أحسنهم قضاء“‪ .‬رواه مسلم فللي صللحيحه [مسلللم برقللم‬
‫‪ ،]1600‬وأخرجلله البخللاري بلفللظ‪” :‬إن مللن خيللار النللاس‬
‫أحسنهم قضاء“‪[.‬البخاري برقم ‪.]2306‬‬
‫أما العقد المذكور فل عمل عليه ول يلزم به شلليء لكللونه‬
‫عقدا ً غير شرعي‪ ،‬وقد دّلت النصوص الشرعية على أنه ل‬
‫يجوز بيللع القللرض إل بسللعر المثللل وقللت التقاضللي إل أن‬
‫يسللمح مللن عليلله القللرض بالزيللادة مللن بللاب الحسللان‬
‫والمكافأة للحديث الصحيح المذكور آنفلًا‪[.‬فتلاوى إسللمية‬
‫‪.]2/414‬‬
‫سماحة العلمة عبد العزيز ابن باز‬
‫س‪ :‬طلللب منللي أحللد أقللاربي المقيميللن بالقللاهرة قرضلا ً‬
‫وقدره ‪ 2500‬جنيه مصري‪ ،‬وقللد أرسللت لله مبلللغ ‪2000‬‬
‫دولر بللاعهم وحصللل علللى مبلللغ ‪ 2490‬جنيهللا ً مصللريًا‪،‬‬
‫ويرغب حاليا ً في سداد الدين‪ ،‬علم لا ً بأننللا لللم نتفللق علللى‬
‫موعد وكيفية السداد‪ ،‬والسؤال هل أحصل منه على مبلللغ‬
‫‪ 2490‬جنيهلللا ً مصلللريا ً وهلللو يسلللاوي حاليلللا ً ‪ 1800‬دولر‬

‫‪788‬‬
‫أمريكللي )أقللل مللن المبلللغ الللذي دفعتلله للله بالللدولر( أم‬
‫أحصل علللى مبلللغ ‪ 2000‬دولر علم لا ً بللأنه سللوف يللترتب‬
‫على ذلك أن يقوم هو بشراء )الللدولرات( بحللوالي ‪2800‬‬
‫جنيه مصري )أي أكثر من المبلللغ الللذي حصللل عليلله فعل ً‬
‫بأكثر من ‪ 300‬جنيه مصري(؟‬
‫ج‪ :‬الواجب أن يرد ّ عليك ما اقترضته دولرات‪ ،‬لن هذا هو‬
‫القرض الذي حصل منك له‪ ،‬ولكن مع ذلك إذا اصللطلحتما‬
‫أن يسلم إليك جنيهللات مصللرية فل حللرج‪ ،‬قللال ابللن عمللر‬
‫رضي الله عنهما‪ :‬كنا نبيع البل بالبقيع أو بالنقيع بالللدراهم‬
‫فنأخذ عنها الدنانير‪ ،‬ونللبيع بالللدنانير فنأخللذ عنهللا الللدراهم‪،‬‬
‫فقال النبي صلّلى الللله عليلله وسلّلم‪” :‬ل بللأس أن تأخللذها‬
‫بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء“[أبو داود ‪،3/250‬‬
‫برقم ‪ ،3345‬والنسائي في كتاب البيوع‪ ،‬البللاب رقللم ‪،50‬‬
‫‪ ،]52‬فهذا بيع نقد من غير جنسه فهو أشبه ما يكللون بللبيع‬
‫الذهب بالفضة‪ ،‬فللإذا اتفقللت أنللت وإيللاه علللى أن يعطيللك‬
‫عوضا ً عن هذه الدولرات من الجنيهللات المصللرية بشللرط‬
‫أل تأخللذ منلله جنيهللات أكللثر ممللا يسللاوي وقللت اتفاقيللة‬
‫التبديل‪ ،‬فإن هذا ل بللأس بلله‪ ،‬فمثل ً إذا كللانت ‪ 2000‬دولر‬
‫تساوي الن ‪ 2800‬جنيه ل يجوز أن تأخللذ منلله ثلثللة آلف‬
‫جنيه ولكن يجوز أن تأخذ ‪ 2800‬جنيه‪ ،‬ويجوز أن تأخذ منه‬
‫‪ 2000‬دولر فقط يعني إنك تأخللذ بسللعر اليللوم أو بللأنزل‪،‬‬
‫أي ل تأخذ أكثر لنك إذا أخذت أكثر فقللد ربحللت فيمللا لللم‬
‫يدخل في ضمانك‪ ،‬وقد نهى النللبي عليلله الصلللة والسلللم‬
‫عن ربح ما لم يضمن‪ ،‬وأما إذا أخذت بأقل فإن هذا يكللون‬
‫أخللذا ً ببعللض حقللك‪ ،‬وإبللراء عللن البللاقي‪ ،‬وهللذا ل بللأس‬
‫به‪[.‬فتاوي إسلمية ‪.]415-2/414‬‬
‫فضيلة العلمة ابن عثيمين‬
‫المسألة السادسة عشرة‪ :‬القرض الذي يجّر منفعة‪:‬‬
‫س‪ :‬رجل اقترض مال ً من رجل لكن المقرض اشللترط أن‬
‫يأخذ قطعة أرض زراعية من المقترض رهن بالمبلغ‪ ،‬يقوم‬
‫بزراعتهللا وأخللذ غلتهللا كاملللة أو نصللفها‪ ،‬والنصللف الخللر‬
‫لصاحب الرض حتى يرجع المدين المال كللامل ً كمللا أخللذه‬

‫‪789‬‬
‫فيرجع له الدائن الرض الللتي كللانت تحللت يللده‪ ،‬مللا حكللم‬
‫الشرع في نظركم في هذا القرض المشروط؟‬
‫ج‪ :‬إن القرض من عقود الرفللاق الللتي يقصللد بهللا الرفللق‬
‫بللالمقترض والحسللان إليلله‪ ،‬وهللو مللن المللور المطلوبللة‬
‫المحبوبة إلى الله عز وجل لنه إحسان إلى عباد الله وقللد‬
‫َ‬
‫ب‬‫حللللل ّ‬ ‫ن الل ّللللل َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫سلللللُنوا ْ إ ِ ّ‬
‫ح ِ‬
‫قلللللال اللللللله تعلللللالى‪} :‬وَأ ْ‬
‫ن{[البقرة‪ .]195 :‬فهو بالنسبة للمقرض مشروع‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫مستحب‪ ،‬وبالنسبة للمقترض جائز مباح‪.‬‬
‫وقد ثبت عن النبي صّلى الله عليلله وس لّلم أنلله استسلللف‬
‫مللن رجللل َبكللرا ً ورد ّ خيللرا ً منلله‪ ،‬وإذا كللان هللذا العقللد أي‬
‫القللرض مللن عقللود الرفللاق والحسللان فللإنه ل يجللوز أن‬
‫يحللول إلللى عقللد معاوضللة وربللح‪ ،‬أعنللي الربللح المللادي‬
‫الدنيوي؛ لنه بذلك يخرج من موضوعه إلى موضللوع الللبيع‬
‫والمعاوضات‪ ،‬ولهذا تجد الفرق بين أن يقللول رجللل لخللر‪:‬‬
‫بعتك هذا الدينار بدينار آخر إلى سنة‪ ،‬أو بعتك هللذا الللدينار‬
‫بدينار آخلر ثلم يتفرقلا قبلل القبلض‪ ،‬فلإنه فلي الصلورتين‬
‫يكون بيعا ً حراما ً وربًا‪ ،‬لكن لو أقرضه دينارا ً قرضلا ً وأوفللاه‬
‫بعد شهر أو سنة كان ذلك جائزا ً مع أن المقرض لللم يأخللذ‬
‫العوض إل بعد سللنة أو أقللل أو أكللثر نظللرا ً لتغليللب جللانب‬
‫الرفاق‪.‬‬
‫وبناء على ذلك فإن المقرض إذا اشللترط علللى المقللترض‬
‫نفعا ً ماديا ً فقد خرج بالقرض عن موضوع الرفللاق فيكللون‬
‫حرامًا‪.‬‬
‫والقاعللدة المعروفللة عنللد أهللل العلللم أن كللل قللرض ج لّر‬
‫منفعة فهو ربا‪ ،‬وعلى هذا فل يجللوز للمقللرض أن يشللترط‬
‫على المقترض أن يمنحه أرضا ً ليزرعهلا حلتى وللو أعطلى‬
‫المقللترض سللهما ً مللن الللزرع؛ لن ذلللك جللر منفعللة إلللى‬
‫المقللرض تخللرج القللرض عللن موضللوعه وهللو الرفللاق‬
‫والحسان‪[.‬فتاوى إسلمية ‪.]416-2/415‬‬
‫فضيلة العلمة ابن عثيمين‬
‫المسللألة السللابعة عشللرة‪ :‬التللأمين التجللاري والضللمان‬
‫البنكي‪:‬‬

‫‪790‬‬
‫الحمد لللله وحللده والصلللة والسلللم علللى رسللوله محمللد‬
‫وعلى آله وصحبه وبعد‪..‬‬
‫فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتللاء علللى‬
‫الستفتاء المقدم لسماحة الرئيللس العللام‪ ،‬والمقيللد برقللم‬
‫صه‪:‬‬‫‪ 1100‬في ‪28/7/1400‬ه ون ّ‬
‫لقد عرض لنا أمر فل بد فيه من التعامل مع البنللك‪ ،‬حيللث‬
‫نحتاج إلى كفالة بنكية اسللمها كفالللة حسللن تنفيللذ )أي أن‬
‫يكون البنك ضامنا ً حسللن تنفيللذ التفاقيللة حسللب نصللوص‬
‫العقللد( وقللد فوجئنللا بللأن البنللك يأخللذ أجللرة مقابللل هللذه‬
‫الكفالة )خطاب الضمان( الذي يقدمه‪ ،‬ورجعنللا لمللا تيسللر‬
‫لللدينا مللن كتللب الفقلله البسلليطة فوجللدنا أن الضللمان أو‬
‫الكفالللة )تللبرع(‪ ،‬فوقعنللا فللي حيللرة مللن أمرنللا‪ ،‬وأوقفنللا‬
‫المشللروع حللتى نصللل للحكللم الشللرعي الصللحيح مقترنلا ً‬
‫ما بلغنا عنكم‬ ‫بالدلة الشرعية‪ ،‬فرأينا أن نبعث لفضيلتكم ل ِ َ‬
‫من العلللم والتقللوى والللورع‪ ،‬لللذا نرجللو مللن فضلليلتكم أن‬
‫تعلمونا رأيكم مقترنا ً بالدلة الشرعية‪ ،‬هل يجوز أخذ أجرة‬
‫على الكفالة أو الضمان؟‬
‫وكللذلك عمليللات التللأمين علللى البضللائع ضللد ّ الحللوادث‪،‬‬
‫والتللأمين علللى الحيللاة‪ ،‬ومللا رأي الشللرع فللي مثللل هللذه‬
‫العقود؟‬
‫وأجابت بما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬ضمان البنك لكم بربح على المبلغ الذي يضمنكم فيه‬ ‫أو ً‬
‫لمن تلتزمون له بتنفيذ أي عقللد ل يجلوز؛ لن الربللح الللذي‬
‫يأخذه زيادة ربوية محرمة‪ ،‬والربا كما هللو معللروف محللرم‬
‫بالكتاب والسنة وإجماع المة‪.‬‬
‫ما يأتي‪:‬‬‫ثانيًا‪ :‬التأمين التجاري حرام ل ِ َ‬
‫‪ 1‬عقللد التللأمين التجللاري مللن عقللود المعاوضللات الماليللة‬
‫الحتمالية المشتملة على الغرر الفللاحش‪ ،‬لن المسللتأمن‬
‫ل يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما ُيعطي أو يأخللذ‪،‬‬
‫فقد يدفع قسطا ً أو قسطين ثم تقع الكارثة‪ ،‬فيسللتحق مللا‬
‫من‪ ،‬وقد ل تقع الكارثة فيدفع جميع القساط‬ ‫التزم به المؤ ّ‬
‫من ل يستطيع أن يحدد ما يعطي‬ ‫ول يأخذ شيئًا‪ ،‬وذلك المؤ ّ‬
‫ويأخذ بالنسبة لكل عقللد بمفللرده‪ ،‬وقللد ورد فللي الحللديث‬

‫‪791‬‬
‫الصحيح عن النبي صّلى الله عليلله وسلّلم النهللي عللن بيللع‬
‫الغرر [أخرجه مسلم برقم )‪ (1513‬عن أبي هريرة رضللي‬
‫الله عنه]‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫مللا‬ ‫‪ 2‬عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقللامرة‪ ،‬ل ِ َ‬
‫فيه من المخاطرة فللي معاوضللات ماليللة‪ ،‬ومللن الغللرم بل‬
‫جناية أو تسبب فيها‪ ،‬ومن الغنلم بل مقابلل أو مقابلل غيلر‬
‫مكافئ‪ ،‬فإن المستأمن قد يدفع قسطا ً من التأمين ثم يقع‬
‫من كللل مبلللغ التللأمين‪ ،‬وقللد ل يقللع‬ ‫الحللادث فيغللرم المللؤ ّ‬
‫من أقساط التللأمين بل مقابللل‪،‬‬ ‫الخطر ومع ذلك يغنم المؤ ّ‬
‫وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمارًا‪ ،‬ودخل فللي عمللوم‬
‫من ُللوا ْ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫النهي عن الميسر في قوله تعالى‪} :‬ي َللا أي ّهَللا ال ّل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫مل ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫مل ْ‬‫س ِ‬ ‫جل ٌ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫ب َواْلْزل ُ‬ ‫صللا ُ‬ ‫سُر َواْلن ْ َ‬ ‫مي ْ ِ‬‫مُر َوال ْ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ن{[المائدة‪.]90:‬‬ ‫حو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬ ‫جت َن ُِبوهُ ل َعَل ّك ُ ْ‬‫ن َفا ْ‬ ‫طا ِ‬‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ 3‬عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضللل والنسللاء‪،‬‬
‫فإن الشركة إذا دفعت للمسللتأمن أو للورثته أو للمسلتفيد‬
‫من‬ ‫أكثر مما دفعه مللن النقللود لهللا فهللو ربللا فضللل‪ ،‬والمللؤ ّ‬
‫يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة العقد فيكون ربا نسللاء‪ ،‬وإذا‬
‫دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نساء‬
‫ص والجماع‪.‬‬ ‫فقط‪ ،‬وكلهما محّرم بالن ّ ّ‬
‫‪ 4‬عقد التللأمين التجللاري مللن الرهللان؛ لن كل ّ منهمللا فيلله‬
‫جهالة وغرر ومقامرة‪ ،‬ولم يبح الشللرع ملن الرهلان إل ملا‬
‫فيه نصرة للسلم وظهور لعلمه بالحجللة والسللنان‪ ،‬وقللد‬
‫حصر النبي صّلى الله عليه وسلّلم رخصللة الرهللان بعللوض‬
‫في ثلث بقوله صّلى الللله عليلله وسلّلم‪” :‬ل سللبق إل فللي‬
‫خف أو حللافر أو نصللل“‪ .‬رواه أحمللد وأبللو داود والنسللائي‬
‫والترمذي وصححه ابن حبان‪.‬‬
‫وليس التأمين من ذلك ول شبيها ً به فكان محرمًا‪.‬‬
‫‪ 5‬عقد التأمين في أخذ مللال الغيللر بل مقابللل هللو أخللذ بل‬
‫مقابل في عقود المعاوضات التجارية محّرم؛ لللدخوله فللي‬
‫مُنوا ْ ل ت َأ ْك ُُلوا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫عموم النهي في قوله تعالى‪َ} :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ض ِ‬ ‫ن ت ََرا ٍ‬ ‫جاَرةً عَ ْ‬ ‫ن تِ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫ل إ ِل ّ أ ْ‬ ‫م ِبال َْباط ِ ِ‬ ‫م ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫وال َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫حيمًا{‪.‬‬ ‫َ‬
‫م َر ِ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫َول ت َْقت ُُلوا ْ أن ُْف َ‬

‫‪792‬‬
‫‪ 6‬في عقد التأمين التجاري اللزام بما ل يلزم شرعًا‪ ،‬فإن‬
‫من لم يحدث الخطر منلله‪ ،‬ولللم يتسللبب فللي حللدوثه‪،‬‬ ‫المؤ ّ‬
‫وإنما كان منه مجرد التعاقد مللع المسللتأمن‪ ،‬علللى ضللمان‬
‫الخطر على تقدير وقوعه مقابللل مبلللغ يللدفعه المسللتأمن‬
‫من لن يبذل عمل ً للمستأمن فكان حرامًا‪.‬‬ ‫له‪ ،‬والمؤ ّ‬
‫نرجو أن يكون فيما ذكرناه نفع للسائل وكفاية‪ ،‬مللع العلللم‬
‫بأنه ليس لدينا كتب في هلذا الموضلوع حلتى نرسلل لكلم‬
‫نسخة منها‪ ،‬ول نعلم كتابا ً مناسبا ً فللي الموضللوع نرشللدكم‬
‫إليه‪.‬‬
‫وبالله التوفيللق‪ .‬وصلللى الللله وسلللم علللى عبللده ورسللوله‬
‫محمد وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫وقللد اتضللح أن التللأمين التجللاري والتللأمين علللى الحيللاة ل‬
‫يجوز لدلة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ 1‬فيه ربللا؛ لن الفللائدة تعطللى فللي بعللض أنللواعه – وهللو‬
‫التأمين علللى الحيلاة – لنهللا تتضلمن الللتزام الملؤمن بلأن‬
‫يدفع إلى المستأمن ما قدمه إلى المؤمن مضافا ً إلى ذلك‬
‫فائدته الربوية‪ ،‬فالمستأمن يعطي القليل من النقود ويأخذ‬
‫الكثير‪.‬‬
‫‪ 2‬التأمين يستلزم أكل أموال الناس بالباطل‪.‬‬
‫‪ 3‬يقوم التأمين على المقامرة والمراهنة؛ لنه عقد معلللق‬
‫ى‪.‬‬
‫على خطر‪ ،‬فتارة يقع‪ ،‬وتارة ل يقع‪ ،‬فهو قمار معن ً‬
‫‪ 4‬التأمين فيه غرر وجهالة‪.‬‬
‫‪ 5‬التأمين يوقع بين المتعاقللدين العللداوة والخصللام‪ ،‬وذلللك‬
‫أنه متى وقع الخطر حاول كل من الطرفين تحميللل الخللر‬
‫الخسائر التي حصلت‪ ،‬ويترتب على ذلللك نللزاع ومشللاكل‪،‬‬
‫ومرافعات قضائية‪.‬‬
‫‪ 6‬ل ضرورة تدعو إلى التأمين‪ ،‬فقد شللرع الللله الصللدقات‬
‫فلللي السللللم‪ ،‬وأوجلللب الزكلللاة للفقلللراء والمسلللاكين‬
‫والغارمين‪ ،‬والحكومة السلمية مسؤولة عن رعاياها‪.‬‬
‫الباب الخامس‬
‫أضرار الربا‬
‫إن السلم الحنيف لم يحرم شلليئا ً علللى المسلللمين إل إذا‬
‫غلب ضرره على نفعه‪ ,‬بللل إذا تسللاوى ضللرر الشلليء مللع‬

‫‪793‬‬
‫نفعه حرمته‪ ,‬لن درء المفاسللد أولللى مللن جلللب المنللافع‪.‬‬
‫وإن للربا أضرار كثيرة تغللب علللى منفعتلله‪ ,‬وهللي تشللمل‬
‫سائر نواحي الحياة‪.‬‬
‫أ‪ -‬من أضرار الربا الخلقية والجتماعية‪:‬‬
‫• ظلم صاحب المال المقرض للمقترض‪ ,‬فللإن أخللذ الربللا‬
‫ظلم بنص القرآن الكريم‪ ,‬مهما كللانت حالللة المقللترض أو‬
‫جنسه أو دينه‪ ,‬قللال الللله تعللالى‪) :‬وإن تبتللم فلكللم رؤوس‬
‫أموالكم ل تظلمون ول تظلمون(‪.‬‬
‫• إن الربا يطبع نفللوس المرابيللن بطللابع الثللرة والنانيللة‪,‬‬
‫وعبادة المال والتكالب على جمعلله‪ ,‬ويقتللل فللي نفوسللهم‬
‫الشفقة والرحمة للفقراء والمحتاجين‪.‬‬
‫• إن الربا يؤدي إلى عدم وجود القرض الحسن بين أفراد‬
‫المجتمللع‪ ,‬ممللا يسلليء إلللى روح التعللاون بيللن أفللراده‪,‬‬
‫وبالتلللالي يسللليء إللللى الروابلللط والعلقلللات العائليلللة‬
‫والجتماعية‪ ,‬فتصبح العلقة بين الناس علقة مادية بحتللة‪,‬‬
‫وليست علقة إنسانية تعاونية‪.‬‬
‫ب – من أضرار الربا القتصادية‪:‬‬
‫• يزيد فقر المقترضين الفقراء فقرا ً إلى فقرهللم‪ ,‬وهلك لا ً‬
‫إلى هلكهم‪ ,‬فكل فقيلر يقللع فللي شلرك المرابيللن ل يكلاد‬
‫يتخلص مللن الللدين طللوال حيللاته‪ ,‬وقللد ينتقللل الللدين إلللى‬
‫ورثته‪ ,‬وقد يؤدي به الدين إلللى بيللع بيتلله الللذي يللؤويه مللع‬
‫عياله ‪ ,‬فتصبح حالته الماديلة أسللوأ ممللا كلانت عليلله قبلل‬
‫القرض‪.‬‬
‫• يجعل المال متللداول بيللن طائفللة خاصللة مللن المجتمللع‪,‬‬
‫ويقسللم المجتمللع إلللى طبقللات‪ ,‬طبقللة أغنيللاء مرفهيللن‬
‫منعمين‪ ,‬وطبقة عاملين كللادحين منتجيللن‪ ,‬وطبقللة فقللراء‬
‫محرومين‪.‬‬
‫• إن تسهيل القروض الستهلكية بفائدة من قبللل البنللوك‬
‫شلللجع الكلللثيرين عللللى السلللراف وعلللدم الدخلللار‪ ,‬لن‬
‫المسرف إذا كان يرى من يقرضه بالفللائدة فللي أي وقللت‬
‫فللإنه ل يراعللي عللن النفللاق علللى شللهواته ورفللاهيته ول‬
‫يحسب حساب المستقبل ليدخر في حاضره ما يحتاج إليه‬
‫في قابله‪.‬‬

‫‪794‬‬
‫ج ‪ -‬أضرار الربا النتاجي‪:‬‬
‫• غلء أسللعار السلللع الللتي ينتجهللا المقللرض‪ ,‬إذ يضلليف‬
‫المنتج أو المستورد فائدة القرض إلى رأس مللال السلللعة‬
‫التي يشتريها المسللتهلكون‪ ,‬فكللأن المجتمللع ل المنتللج ول‬
‫المستورد هللو الللذي يللدفع الفللائدة الربويللة‪ ,‬فللالظلم فللي‬
‫القرض النتاجي أشمل وأعم من القرض الستهلكي‪.‬‬
‫• إذا تقلصللت دورة الرخللاء‪ ,‬أو إذا نقللص الطلللب علللى‬
‫السلعة المنتجة بسبب ارتفاع ثمنها نتيجة لضللافة الفللائدة‬
‫الربوية يبقللى فللائض مللن المنتجللات بغيللر تصللريف‪ ,‬وهللذا‬
‫الفائض له عواقبه الوخيمة‪ ,‬إذ قد يؤدي إلى تخفيللض أجللر‬
‫العمال أو الستغناء عن بعضهم‪.‬‬
‫• يمنع الغنياء من الشتغال بالمكاسب‪ ,‬وذلك لن صاحب‬
‫المللال إذا تمكللن بواسللطة وضللع مللاله فللي البنللوك مللن‬
‫الحصول علللى الفللائدة الربويللة‪ ,‬لللم يغللامر فللي تجللارة أو‬
‫صناعة‪ ,‬فيعيش عالة على غيره‪.‬‬
‫والمجتمع الصللالح هللو الللذي يكللون كللل فللرد مللن أفللراده‬
‫عضوا ً عامل ً منتجا ً فيه‪.‬‬
‫الباب السادس‬
‫عقوبات المتعاملين بالربا‬
‫العقوبات الناتجة عن التعامل بالربا منها ما يكون جماعيللا ً‬
‫ومنها ما يكون فرديًا‪.‬‬
‫والعقوبات الفردية منها ما يكون في الدنيا ومنها ما يكللون‬
‫في الخرة‪.‬‬
‫أما العقوبات الجماعيللة‪ ,‬فللإن انتشللار التعامللل بالربللا يللف‬
‫المجتمع بين أعداد كبيرة مللن أفللراده وبنللاء اقتصللاد البلللد‬
‫على الربا يجر على المجتمع الويلت لن أهله قلد عرضلوا‬
‫أنفسهم لحللرب مللن الللله ورسللوله‪ ,‬قللال تعللالى‪) :‬ي َللا أ َي ّهَللا‬
‫م‬‫ن ك ُن ْت ُل ْ‬‫ن الّربللا إ ِ ْ‬
‫مل َ‬
‫ي ِ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬
‫مللا ب َِقل َ‬ ‫مُنوا ْ ات ُّقللوا ْ الل ّل َ‬
‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن([البقرة‪.]279 ،278 :‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ُ‬
‫فالمجتمع الذي يتعامل أهله بالربا مجتمللع مغضللوب عليلله‬
‫من قبل الله عز وجل وتظهللر ثمللار الغضللب الربللاني فيلله‬
‫بصللور متعللددة كارتفللاع السللعار‪ ,‬وانتشللار الفقللر ومحللق‬
‫البركللة مللن المللال‪,‬وتسللليط العللداء‪ ,‬وتفشللي الجللرائم‬

‫‪795‬‬
‫كالسللرقة والقتللل‪ ,‬وضللعف الثقللة والضللطراب‪,‬وعللدم‬
‫السللتقرار المعيشللي والنفسللي وانقطللاع المعللروف بيللن‬
‫الناس فل يقرض أحد أحدا ً ول يواسيه إل بالربا وغير ذلك‪.‬‬
‫أما العقوبات الفردية‪ ,‬فبالضافة إلى ما يلحللق الفللرد مللن‬
‫آثار العقوبات الجماعية بصفته أحد أفراد المجتمع فإن من‬
‫يتعامل بالربا يعلاقب عقوبلات خاصلة وهلي علللى نللوعين‪:‬‬
‫عقوبات دنيوية وعقوبات أخروية‪.‬‬
‫أما العقوبات الدنيوية فأهمها‪:‬‬
‫• محق المال ‪ :‬فإن المال الربللوي وإن كللثر فللإن مصلليره‬
‫إلى الزوال والفناء‪ ,‬وإن مآل أصحابه الفقر والللذل‪ .‬لقللوله‬
‫تبارك وتعالى‪) :‬يمحق الله الربا(‪.‬‬
‫• نكلللد العيلللش المتمثلللل بعلللدم السلللتقرار النفسلللي‬
‫والضطراب السري وتعثر أسباب الكسب من التجللارة أو‬
‫الصناعة أو الزراعة‪.‬‬
‫• إن من يتعامل بالربا مرتكب كبير وهو في نظللر الشللرع‬
‫الشللريف فاسللق‪ ,‬سللاقط العداللة‪ ,‬وقللد يللؤدي أكللل الربللا‬
‫والتعامل به إلى كفر صاحبه إن اسللتحله أو سللوء الخاتمللة‬
‫إن هو واظب على أكله ولم يتب‪.‬‬
‫وأما العقوبات الخروية فأهمها‪:‬‬
‫• الفضيحة والخزي يوم القيامة‪ ,‬فإن من يأكل الربا يبعث‬
‫يوم القيامللة وقللد انتفللخ بطنلله ل يسللتطيع أن يمشللي مللع‬
‫الناس إلى أرض المحشللر لثقللل بطنلله فهللو يمشللي لكنلله‬
‫كلما قام سقط‪ .‬فيجمع الله عليه عذابين عذاب السللقوط‬
‫على الرض‪ ,‬وعذاب لفللح النللار الللتي تسللوق النللاس إلللى‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫مللو َ‬ ‫ن الّربا ل ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫أرض المحشر‪ .‬قال تعالى‪) :‬ال ّ ِ‬
‫طان من ال ْمس ذ َل َ َ‬
‫م‬ ‫ك ب ِلأن ّهُ ْ‬ ‫َ ّ ِ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫ما ي َُقو ُ‬ ‫إ ِّل ك َ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ملل ْ‬‫م الّربا فَ َ‬ ‫حّر َ‬‫ه ال ْب َي ْعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل الّربا وَأ َ‬ ‫ما ال ْب َي ْعُ ِ‬
‫مث ْ ُ‬ ‫َقاُلوا ْ إ ِن ّ َ‬
‫ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫مُرهُ إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ظَ ٌ ِ ْ َ ّ ِ ْ َ َ‬ ‫ع‬
‫مو ْ ِ‬‫جاَءهُ َ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عاد َ فَأولئ ِ َ‬
‫حل ُ‬ ‫م َ‬‫ن‪ ،‬ي َ ْ‬
‫دو َ‬
‫خال ِل ُ‬‫م ِفيهَللا َ‬ ‫ب الن ّللارِ هُل ْ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫م( [‬ ‫ل ك َّفلارٍ أِثيل ٍ‬ ‫كل ّ‬‫ب ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه الّربا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫البقرة‪.]276 ،275 :‬‬
‫• العذاب في جنهم‪ ,‬لن من يتعامللل بالربللا مرتكللب كللبير‬
‫من الكبائر وعليه من الثم ما يستحق بسببه الللدخول فللي‬

‫‪796‬‬
‫جهنم وأخذ نصيبه مللن العللذاب‪) .‬وذلللك إن لللم يتللب قبللل‬
‫موته وتحسن توبته(‪.‬قللال تعللالى‪) :‬يللا أيهللا الللذين آمنللوا ل‬
‫تأكلوا الربا أضعافا ً مضاعفة واتقللوا الللله لعلكللم تفلحللون‪,‬‬
‫واتقوا النار التي أعدت للكافرين(‪.‬‬
‫وهو من السبع الموبقات‪ ,‬والمتعامل به ملعللون مللن قبللل‬
‫الله تبارك وتعالى كما تقدم‪.‬‬
‫ولما روي‪) :‬الربا ثلثة وسبعون بابا ً أيسللرها مثللل أن ينكللح‬
‫الرجل أمه(‪) ,‬الدرهم يصيبه الرجل مللن الربللا أعظلم عنلد‬
‫الله من ثلثة وثلثين زنية يزنيها في السلم(‪.‬‬
‫الخاتمة والنتائج‬
‫أعللد هللذا البحللث بعللد الّتحللّري‪ ،‬والعنايللة‪ ،‬علللى قللدر‬
‫المستطاع‪ ،‬والموضوع له أهمية كبيرة‪ ،‬وجدير بالعناية من‬
‫الباحثين والعلماء المخلصللين‪ ،‬ومللا ذلللك إل لن الربللا آفللة‬
‫خطيرة على المة السلمية؛ لن الربا مضللاد لمنهللج الللله‬
‫تعالى فيجب على جميع المسلمين التمسللك بكتللاب الللله‪،‬‬
‫وسنة رسوله صّلى اللله عليله وسلّلم ففيهملا الخيلر كلله‪،‬‬
‫سللك بهمللا وعمللل بمللا‬ ‫وفيهما سللعادة البشللرية – لمللن تم ّ‬
‫فيهما من أحكام وتوجيهات – في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫أما بالنسبة لهذا البحللث المتواضللع فقللد بللذلت فيلله جهللدا ً‬
‫طيبا ً إن شاء الله تعالى‪ ،‬ومن نتائج هذا البحث اسللتعراض‬
‫بعلض المسلائل المهملة اللتي يجلب عللى كلل مسللم أن‬
‫يعرفها؛ ليجتنب الوقوع فيما حّرم الله تعالى عليه ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬الوقوف على الدلة القطعية في تحريم الربللا‪ ،‬وأن مللن‬
‫خللالف هللذه النصللوص فقللد أذن الللله بمحللاربته سللبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬ومن يستطع أن يقف لمحاربة الله تعالى؟‬
‫‪ 2‬ذكر موقف اليهود من الربللا عنللدما حرملله الللله عليهللم‪،‬‬
‫فاحتالوا بشتى الحيل‪ ،‬حتى أكلوا الربللا مجللاهرة‪ ،‬وخللداعا ً‬
‫لله‪ ،‬ولرسوله صّلى الله عليه وسّلم‪.‬‬
‫‪ 3‬الوقوف على عادات الجاهلية قبل السلم‪ ،‬وأنهم كللانوا‬
‫فللي حاللة يرثللى لهللا‪ ،‬مللن تكللالب عللى المللال‪ ،‬وللو كلان‬
‫طريقه محرملا ً وضللاّرًا‪ .‬كمللا وقفنللا علللى فسللاد عقللولهم‪،‬‬
‫وانتكاس فطرهم التي فطر الله الناس عليها‪.‬‬

‫‪797‬‬
‫‪ 4‬إن السلم عنللدما حلّرم الربللا فللإنه لللم يللترك البشللرية‬
‫ل البيع‪ ،‬وجميع أنواع المضللاربات‬ ‫بدون تعويض عنه‪ ،‬بل أح ّ‬
‫المشللروعة‪ ،‬الللتي تعللود علللى الفللرد والمجتمللع بللالخير‪،‬‬
‫والبركة‪ ،‬والسعادة‪.‬‬
‫‪ 5‬إن آكل الربا ملعون‪ ،‬ومطرود من رحمة ربه تعالى‪ ،‬كما‬
‫دّلت على ذلك السنة الصحيحة‪.‬‬
‫‪ 6‬الوقوف على أنواع الربا‪ ،‬وأنه ينقسم إلى قسللمين‪ :‬ربللا‬
‫الفضللل‪ ،‬وربللا النسلليئة‪ ،‬وكلهمللا محلّرم بالكتللاب والسللنة‬
‫والجماع‪.‬‬
‫‪ 7‬جواز بيع الحيوان بللالحيوان‪ ،‬وجللواز التفاضللل‪ ،‬والنسللاء‬
‫في الطعام غير المكيل‪ ،‬والموزون‪ ،‬وغير الذهب والفضة‪.‬‬
‫‪ 8‬عدم جواز الدين في الصرف‪ ،‬بللل ل بللد مللن المقابضللة‬
‫الحالة بين المتصارفين‪ ،‬وكذلك بيع الذهب بالفضة دينللا ً أو‬
‫الفضة بالذهب دينا ً إلى أجللل‪ ..‬وهللذا أمللر ل يجللوز لوجللود‬
‫الدلة الصحيحة من السنة على تحريم ذلك‪.‬‬
‫‪ 9‬عللدم جللواز بيللع مللا يسللمى )بمللد عجللوة( وهللذا السللم‬
‫معروف عند الفقهاء‪.‬‬
‫‪ 10‬بيع العينة محرم بنص السنة الصحيحة‪ ،‬وقللد وقللع فيلله‬
‫أكثر أهل هذا العصر‪ ،‬إل من عصم الله‪.‬‬
‫‪ 11‬اسللتعراض بعللض النصللوص الللتي تللأمر بالبتعللاد عللن‬
‫الشبهات فإن من وقع في الشبهات وقع في الحللرام‪ ،‬وأن‬
‫الجسللد كللله تللابع للقلللب؛ فبصلللح القلللب تصلللح جميللع‬
‫العضاء وبفساده تفسد كلها‪.‬‬
‫‪ 12‬الوقوف على مضللار الربللا وآثللاره‪ ،‬ومفاسللده‪ ،‬وأنلله ل‬
‫صللللح ول سلللعادة ونجلللاة ول خلص إل باتبلللاع المنهلللج‬
‫السلمي في جميع شئون الحياة‪.‬‬
‫‪ 13‬تحذير المسلمين من المعاملة بالربا‪ ،‬أو إيداع الفللائض‬
‫من أموالهم في بنوك دول الكفر‪ ،‬الللتي تسللتفيد مللن هللذا‬
‫الفائض‪ ،‬أو تستخدمه ضد ّ المسلمين‪.‬‬
‫‪ 14‬تللبيين بعللض محاسللن السلللم‪ ،‬وأنلله ديللن السللعادة‪،‬‬
‫والهداية ودين الرحمة والعطف‪ ،‬والتراحم بين المسلمين‪،‬‬
‫وقد مثلتهم السنة في قول النبي صّلى الله عليلله وسللّلم‪:‬‬
‫”إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد ّ بعضه بعضللًا“[البخللاري‬

‫‪798‬‬
‫‪ ،1/122‬برقم ‪ ،481‬ومسلم ‪ ،4/1999‬برقم ‪]2585‬فهللذا‬
‫فضلل عظيلم امتلن اللله بله عللى المسللمين المخلصلين‬
‫الصادقين في إسلمهم‪.‬‬
‫‪ 15‬ذكر أسباب تحريم الربا‪ ،‬وأن الله عز وجل له الحكمللة‬
‫البالغللة‪ ،‬ومعرفللة الحكمللة مللن الحكللام الشللرعية لسللنا‬
‫ملزمين بمعرفتهللا ولللله الحمللد‪ .‬فللإن عرفنللا الحكمللة فللي‬
‫بعض المور فزيادة علم وخير‪ ،‬وإن لللم نعللرف عملنللا بمللا‬
‫مللا نهانللا سللبحانه ونقللول‪ :‬سللمعنا‬ ‫أمرنللا ربنللا‪ ،‬وانتهينللا ع ّ‬
‫وأطعنا‪ ،‬وربنا هو الحكيم فيما شرع‪ ،‬الخبير بللذلك سللبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫‪ 16‬بيان حكم العملة الورقية من الناحية الشرعية‪.‬‬
‫‪ 17‬عدم جواز بيع السلع وهي في مكانها حتى تنقل‪.‬‬
‫‪ 18‬بيان حكم بيع الللذهب المسللتعمل بللذهب جديللد ودفللع‬
‫الفرق وأنه ل يجوز‪.‬‬
‫‪ 19‬عدم جواز التعامل مللع البنللوك الربويللة والعمللل فيهللا؛‬
‫لن ذلك من التعاون على الثم والعدوان‪.‬‬
‫‪ 20‬عدم جواز بيع أسهم البنوك ول شرائها‪ ،‬لنها بيع نقللود‬
‫بنقود‪.‬‬
‫‪ 21‬عدم جواز عقد القرض الذي يجر منفعة‪.‬‬
‫‪ 22‬تحريم التأمين التجاري والتأمين على الحياة‪ ،‬لمللا فللي‬
‫ذلك من الغرر‪ ،‬والجهالة‪ ،‬وأكل أموال الناس بالباطل‪.‬‬
‫وختاما ً أسأل الله العلي العظيللم أن يجعللل عملللي خالصلا ً‬
‫لوجهه الكريم‪ ،‬وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي‪ ،‬وأن‬
‫يزيد من قرأ هذا الكتاب‪ ،‬أو نشره‪ ،‬أو طبعه‪ ،‬علما ً وهللدى‪،‬‬
‫وتوفيقا ً إنه ولي ذلك والقادر عليه‪ ،‬وهذا جهللد المقللل فمللا‬
‫كان فيه من صواب فمن الله الواحد المّنان‪ ،‬وما كان مللن‬
‫خطأ فمني ومن الشيطان‪ ،‬والله بريء منه ورسوله صّلى‬
‫الله عليه وسّلم‪ ،‬وأستغفر الله العظيم‪ ،‬وصلى الله وسلللم‬
‫على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا محمللد بللن عبللد‬
‫الله وعلللى آللله وأصللحابه ومللن تبعهللم بإحسللان إلللى يللوم‬
‫الدين‪.‬‬
‫==============‬
‫‪#‬أضرار الربا الشرعية‪:‬‬

‫‪799‬‬
‫‪ 1‬الربا من معاملت اليهود والمشركين‪:‬‬
‫كان من أعظم أمور الجاهلية‪ ،‬وتعاملتهم المالية ممارسللة‬
‫الربا وكسب الموال عن طريقلله؛ ولللذا فللإن النللبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم أعلن إلغاءه على مسمع مللن النللاس فللي‬
‫حجة الوداع حينما خطبهم فقال‪" :‬أل كللل شلليء مللن أمللر‬
‫الجاهليللة تحللت قللدمي موضللوع‪ .‬ثللم قللال‪ :‬وربللا الجاهليللة‬
‫موضوع‪ ،‬وأول ربا أضع ربانا ربا العباس ابن عبد المطلللب‬
‫فإنه موضوع كله")‪.(1‬‬
‫واليهللود يتعللاملون بالربللا حللتى كللان أكلهللم للله سللببا ً مللن‬
‫أسباب عقوبتهم كما قال الله تعللالى ‪ :‬فبظلللم مللن الللذين‬
‫هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عللن سللبيل‬
‫الللله كللثيرا )‪ (160‬وأخللذهم الربللا وقللد نهللوا عنلله وأكلهللم‬
‫أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما‪.‬‬
‫}النساء‪.{161 ،160 :‬‬
‫قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعللالى ‪" :‬أي أن الللله قللد‬
‫نهاهم عللن الربللا فتنللاولوه وأخللذوه واحتللالوا عليلله بللأنواع‬
‫الحيل وصنوف من الشبه")‪.(2‬‬
‫ولم يفارق اليهود عادتهم القديمة؛ فأباطرة الربا فللي هللذا‬
‫العصر وملك كبريات مؤسساته ومصارفه هم من اليهللود‪،‬‬
‫وهلم اللذين أفسلدوا اقتصلاد العلالم‪ ،‬ونشلروا المعللاملت‬
‫المحرمة‪ ،‬وحطموا أسعار كثير من العملت‪ ،‬وأفقروا كثيرا ً‬
‫من الشعوب‪.‬‬
‫فمللن تعامللل بالربللا فقللد تشللبه بأعللداء الللله تعللالى مللن‬
‫المشركين واليهود‪ ،‬وكفى بذلك إثما ً وخسرانًا‪.‬‬
‫‪-------------------------‬‬
‫‪ 2‬أنه محاربة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪---------------------------------------‬‬
‫جاء الزجر عن الربا في كتاب الله تعالى عنيفلا ً شللديدًا؛ إذ‬
‫هو من الذنوب العظائم القلئل)‪ (3‬الللتي وصللف اقترافهللا‬
‫بمحاربة الله ورسوله‪.‬‬
‫وإذا كللان قطللاع الطريللق يحللاربون الللله تعللالى بإشللهار‬
‫السللللح‪ ،‬وإزهلللاق الرواح‪ ،‬واغتصلللاب الملللوال‪ ،‬وترويلللع‬
‫المنين‪ ،‬وقطع السبيل؛ فإن أكلة الربا يحاربون الله تعالى‬

‫‪800‬‬
‫بدمار المجتمعات‪ ،‬والفساد في المللوال ممللا يللؤدي إلللى‬
‫الفساد في الرض‪ ،‬وتوسيع الهوة بين الطبقات مملا يللزم‬
‫منه حدوث الجرائم وكثرة الخوف‪ ،‬وقلة المن‪.‬‬
‫ة الربا ل يرفعون السلح كما يرفعه قطاع الطريق‪،‬‬ ‫إن أ َك َل َ َ‬
‫ول يأخذون المال عنللوة؛ ولكنهللم يمتصللون دمللاء الفقللراء‬
‫وهم يبتسمون لهم!! وينتهبون أموال الناس وهللم يربتللون‬
‫على أكتافهم!!‬
‫إنها محاربة ماثلت فلي بشلاعتها محاربللة قطلاع الطريللق؛‬
‫ولكنها أوسع نطاقًا‪ ،‬وأكثر تنظيملا ً ومخادعللة؛ ففلاقت فللي‬
‫انتشارها وقبحها رفع السلح وانتهاب الموال بالقوة؛ وقللد‬
‫قال الله تعالى محذرا ً منها‪ :‬يا أيها الذين آمنللوا \تقللوا الللله‬
‫وذروا ما بقللي مللن الربللا إن كنتللم مللؤمنين ‪ 278‬فللإن لللم‬
‫تفعلللوا فللأذنوا بحللرب مللن الللله ورسللوله وإن تبتللم فلكللم‬
‫رءوس أمللوالكم ل تظلمللون ول تظلمللون }البقللرة‪،278 :‬‬
‫‪.{279‬‬
‫وويل ثم ويل لمللن حللارب الللله تعللالى وهللو يمشللي علللى‬
‫أرضه‪ ،‬ويأكل رزقه‪ ،‬وينعم بفضله‪ .‬قال ابللن عبللاس رضللي‬
‫الله عنهما ‪" :‬يقال يللوم القيامللة لكللل الربللا‪ :‬خللذ سلللحك‬
‫للحرب")‪ .(1‬وعنه رضي الله عنه قللوله فللي معنللى اليللة‪:‬‬
‫"فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله")‪.(2‬‬
‫وقال قتادة السدوسي رحمه الله تعللالى ‪" :‬أوعللدهم الللله‬
‫بالقتل كما تسمعون؛ فجعلهم بهرجا ً أينما ثقفوا")‪ (3‬ويرى‬
‫بعض المفسرين أن هذه الية قد أومأت إلى سللوء خاتمللة‬
‫أكلة الربا)‪.(4‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫‪ 3‬أن فيه كفرا ً لنعمة المال‪:‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫لم يكتف المتعامل بالربللا بمللا رزقلله الللله مللن مللال‪ ،‬ولللم‬
‫يشكر نعمة الله تعالى به عليله؛ فللأراد الزيلادة ولللو كلانت‬
‫إثمًا‪ ،‬فكان كافرا ً لنعمة ربه عليه؛ فمآل ماله إلللى المحللق‬
‫ونزع البركة‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪ :‬يمحق الله الربا ويربللي‬
‫الصدقات والله ل يحللب كللل كفللار أثيللم }البقللرة‪.{276 :‬‬
‫قال ابن كثير رحمه الله تعالى ‪" :‬أي ل يحب كفور القلب‪،‬‬

‫‪801‬‬
‫أثيم القول والفعل‪ ،‬ول بد من مناسبة في ختم هللذه اليللة‬
‫بهذه الصفة وهي أن المرابي ل يرضى بما قسللم الللله للله‬
‫من الحلل‪ ،‬ول يكتفي بما شلرع لله مللن الكسلب المبللاح‪،‬‬
‫فهللو يسللعى فللي أكللل أمللوال النللاس بالباطللل بللأنواع‬
‫المكاسب الخبيثة فهو جحود لما عليه مللن النعمللة‪ ،‬ظلللوم‬
‫آثم بآكل أموال الناس بالباطل")‪.(1‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫‪ 4‬أن الربا مخل باليمان‪:‬‬
‫‪---------------------‬‬
‫كل معصية تخل بإيمان العبد‪ ،‬وعلى قللدر المعصللية يكللون‬
‫اختلل اليملللان؛ إذ إن اليملللان يزيلللد بالطاعلللة وينقلللص‬
‫بالمعصللية كمللا هللو مللذهب السلللف الصللالح وأتبللاعهم‬
‫بإحسان‪ ،‬وقد قال الللله تعللالى فللي شللأن الربللا‪ :‬وذروا مللا‬
‫بقللي مللن الربللا إن كنتللم مللؤمنين }البقللرة‪ ،{278 :‬قللال‬
‫القاسمي رحمه الللله تعللالى ‪" :‬فللبّين أن الربللا واليمللان ل‬
‫يجتمعان")‪.(2‬‬
‫ولذا كان المتعامل حقيقا ً باللعن والطللرد مللن رحمللة الللله‬
‫تبارك وتعالى‪ .‬قال جابر رضي الله عنه ‪" :‬لعن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومللوكله وكللاتبه وشللاهديه‬
‫وقال‪ :‬هم سواء")‪.(3‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫‪ 5‬أنه من المهلكات للفراد والمم‪:‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫أما الفراد فقد عد ّ النبي صلى الله عليه وسلللم الربللا مللن‬
‫التسع الموبقات)‪ ،(4‬ثم عده في السبع الموبقات)‪ (5‬التي‬
‫ذر منها وأمر باجتنابها‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫وأما على مستوى المم فقد أخبر صلى الللله عليلله وسلللم‬
‫أنه‪" :‬مللا ظهللر فللي قللوم الربللا والزنللا إل أحلللوا بأنفسللهم‬
‫عقاب الله"‬
‫وكفى بذلك زاجرا ً عنلله للمللم الللتي تللود المحافظللة علللى‬
‫اقتصادها‪ ،‬وتخشى الكوارث والنوازل‪.‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫‪ 6‬الربا أعظم إثما ً من الزنا‪:‬‬

‫‪802‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫ورد في السنة النبوية أحاديث كشفت حقيقة تلك الجريمة‬
‫النكراء‪ ،‬وأبانت بشاعتها وقبحها بما يردع كل مللؤمن بللالله‬
‫ه مقارفتهللا؛ ومنهللا‬ ‫تعالى والللدار الخللرة عللن مقاربتهللا ب َل ْل َ‬
‫حديث ابن مسعود رضي الله عنلله عللن النللبي صلللى الللله‬
‫عليه وسلم قال‪" :‬الربا ثلثة وسبعون بابا ً أيسرها مثللل أن‬
‫ينكح الرجل أمه‪ ،‬وإن أربى الربا عرض الرجللل المسلللم")‬
‫‪.(7‬‬
‫وكذا حديث عبد الله بللن حنظلللة رضللي الللله عنهمللا قللال‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬درهللم ربلا ً يللأكله‬
‫الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلثين زنية")‪.(1‬‬
‫قال الشوكاني رحمه الله تعالى ‪" :‬قللوله‪ :‬أشللد مللن سللت‬
‫وثلثيللن‪ ...‬إلللخ" يللدل علللى أن معصللية الربللا مللن أشللد‬
‫المعاصي؛ لن المعصية التي تعدل معصية الزنا الللتي هللي‬
‫في غاية الفظاعة والشللناعة بمقللدار العللدد المللذكور‪ ،‬بللل‬
‫أشد منها؛ ل شك أنها قد تجاوزت الحد في القبح")‪.(2‬‬
‫ومن نظر في هذين النصين وشواهدهما من السنة النبوية‬
‫تبين له أن قليل الربا أعظم مللن كللثير الزنللا‪ ،‬مللع مللا فللي‬
‫الزنلا ملن فسلاد اللدين واللدنيا؛ حيلث سلماه اللله تعلالى‬
‫ل‪ ،‬ونهللى عللن القللتراب منلله كمللا قللال‬ ‫فاحشة وساء سللبي ً‬
‫تعالى ‪ :‬ول تقربوا الزنللى" إنلله كللان فاحشللة وسللاء سللبيل‬
‫}السراء‪ ،{32 :‬وحرمت الشريعة الطرق المفضللية إليلله‪،‬‬
‫وسللدت الللذرائع الموصلللة للله‪ .‬وفيلله خيانللة كللبرى لللزوج‬
‫المزني بها ووالديها وأسرتها‪ .‬ويللؤدي إلللى فسللاد الخلق‪،‬‬
‫وارتفلللاع الحيلللاء‪ ،‬واختلط النسلللاب‪ ،‬وفشلللو الملللراض‪،‬‬
‫وحصللول الشللكوك‪ ،‬وتللبرؤ الللزوج مللن نسللبة ابللن زوجتلله‬
‫الزانية وملعنتها على ذلك‪ ،‬وربما حصللل عنللده شللك فللي‬
‫أولده من زوجته قبل زناها إلللى غيللر ذلللك مللن المفاسللد‬
‫العظيمة التي اسلتوجبت أن يكلون حلد الزنلاة المحصلنين‬
‫الرجم بالحجارة حتى الموت‪ .‬وحد غيللر المحصللنين الجلللد‬
‫والتغريب‪ ،‬ورد شهادتهم ووصللفهم بالفسللق إل أن يتوبللوا‪،‬‬
‫ومصلليرهم فللي الللبرزخ إلللى تنللور مسللجور تشللوى فيلله‬
‫أجسادهم‪.‬‬

‫‪803‬‬
‫رغم ما تقدم كله فإن الدرهم من الربللا أعظللم مللن سللت‬
‫وثلثين زنية؛ فإذا كان هذا فللي درهللم واحللد فكيللف بحللال‬
‫من يأكلون اللوف من الربا بل المليين والمليارات؟!‬
‫وكم هي خسارة من أسس تجارته على الربللا‪ ،‬ومللن كللان‬
‫كسبه من فوائد الربا الخبيثللة‪ ،‬ومللن كللانت وظيفتلله كتابللة‬
‫الربا‪ ،‬أو الدعاية له‪ ،‬أو حراسة مؤسسته؟!‬
‫وما هو مصير جسد ما نبت إل من ربللا‪ ،‬وأولدٍ مللا أطعمللوا‬
‫ذيت أجسللادهم إل عليلله‪ ،‬فمللا‬ ‫إل من كسبه الخبيث وما غُل ّ‬
‫ذنبهم أن تبنى أجسادهم بالسحت؟‬
‫الصلة بين الربا والزنا‪----------------------:‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫إن المتأمل للحديثين السابقين ومللا فللي معناهمللا يجللد أن‬
‫ثمة علقة وثيقة بين جريمتي الربا والزنللا‪ ،‬وأن الربللا أشللد‬
‫جرما ً من الزنا؛ فما هو السر في ذلك يا ترى؟!‬
‫إن الذي يظهر لللي والعلللم عنللد الللله تعللالى أن مللن أهللم‬
‫أسباب انتشار الزنا في المم تعامل أفرادها بالربا‪ ،‬ودرهم‬
‫الربا ضرره على المة كلها‪ ،‬أما الزنا فضرره مقصور على‬
‫الزاني والزانية وأسرتها وولدها ول يتعدى ذلك في الغالب‬
‫إذا لم يكن ثمة مجاهرة به‪ ،‬وإقرار له)‪.(1‬‬
‫إن الطبقية اللتي يصلنعها الربلا بيلن أبنلاء الملة الواحلدة‪،‬‬
‫والفجوة بين الفقراء والغنياء التي تزداد اتساعا ً وانتشللارا ً‬
‫كلمللا تعامللل النللاس بالربللا تجعللل الفقيللر كلمللا اقللترض‬
‫ف‬ ‫ض لع ِ َ‬
‫تضاعفت ديونه‪ ،‬وازداد فقره واشتد جللوعه؛ حللتى ي ُ ْ‬
‫الفقر والجوع والحاجة غيرته على عرضه‪ ،‬فل يأبه إن زنت‬
‫محللارمه إذا كللان مللن وراء ذلللك عللائد مللالي يقلللل فقللره‬
‫ويشبع بطنه‪ .‬وما زنت الزانيللة المحتاجللة أول مللا زنللت إل‬
‫لما جاع بطنها‪ ،‬وصاح رضيعها واحتاج أهلها‪ ،‬ولربمللا أمرهللا‬
‫وليها بالزنا عللوذا ً بللالله مللن أجللل أن تطعللم أسللرتها‪ .‬وإذا‬
‫انكسر حياؤها مرة فلن ينجبر أبدا ً حتى تتخذ الزنا مهنة لها‬
‫إل أن يشاء الله تعالى؛ والواقع يشهد ذلللك فللي كللل البلد‬
‫م فيهلا الربلا‪ ،‬وزال ملن أفرادهلا الحسلان؛ حلتى‬ ‫اللتي عل ّ‬
‫أصبح المال في أيدي عدد قليللل مللن عصللابات المرابيللن‪،‬‬
‫وأما بقية النللاس فيغرقللون فللي ديللونهم‪ ،‬ويموتللون جوعلا ً‬

‫‪804‬‬
‫وفقرًا‪ .‬فالربا ليس سببا ً في وقوع الزنللا فحسللب؛ بللل هللو‬
‫سبب لنتشاره في المم‪ ،‬وإذا كان الزنللا جريمللة أخلقيللة؛‬
‫فإن الربا جريمة أخلقية مالية تجر إلى كللوارث عللدة مللن‬
‫انتشار البطالة والفقللر والجللوع والحقللاد بيللن أبنللاء المللة‬
‫الواحدة‪.‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫ذب في قبره وعند نشره‪:‬‬ ‫‪ 7‬المتعامل بالربا ُيع ّ‬
‫‪----------------------‬‬
‫الربا من المعاملت التي أجمعت الشرائع السللماوية كلهللا‬
‫على تحريمه‪ ،‬الخذ والمعطي فيه سواء‪.‬‬
‫وآكل الربا ُيبَعث يوم القيامة وهو يتخبللط فللي جنللونه كمللا‬
‫قال تعالى ‪ :‬الذين يللأكلون الربللا ل يقومللون إل كمللا يقللوم‬
‫الذي يتخبطه الشيطان من المس‪.‬‬
‫}البقرة‪.{275 :‬‬
‫قال سعيد بن جبير رحمه اللله تعلالى ‪" :‬يبعلث آكلل الربلا‬
‫يوم القيامة مجنونا ً يخنق")‪ ،(2‬وقال وهب ابن منبه‪" :‬يريد‬
‫ث الناس من قبورهم خرجوا مسللرعين لقللوله‪ :‬يللوم‬ ‫إذا ب ُعِ َ‬
‫يخرجون من الجداث سراعا كأنهم إلى" نصللب يوفضللون‬
‫}المعارج‪ {43 :‬إل أكلة الربلا فلإنهم يقومللون ويسللقطون‬
‫كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس؛ وذلللك لنهللم‬
‫آكلوا الربا في الدنيا‪ ،‬فأرباه الله في بطونهم يللوم القيامللة‬
‫حتى أثقلهم؛ فهم ينهضون ويسللقطون ويريللدون السللراع‬
‫ول يقدرون")‪.(2‬‬
‫ويشهد لهذا المعنى حللديث مرفللوع فيلله ضللعف عللن أبللي‬
‫هريرة رضي الله عنه قللال‪ :‬قللال رسللول الللله صلللى الللله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أتيت ليلللة أسللري بللي علللى قللوم بطللونهم‬
‫كالبيوت فيها حيات ُترى من خللارج بطللونهم؛ فقلللت‪ :‬مللن‬
‫ة الربا")‪.(1‬‬‫هؤلء يا جبريل؟ قال‪ :‬هؤلء أ َك َل َ ُ‬
‫وأما عذابه في البرزخ فكما جللاء فللي حللديث المنللام عللن‬
‫سمرة بن جندب رضي الله عنلله وفيلله‪ :‬قللال النللبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬فأتينا على نهر حسبت أنه كللان يقللول‪:‬‬
‫أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح‪ ،‬وإذا على‬
‫شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كللثيرة‪ ،‬فيللأتي ذلللك‬

‫‪805‬‬
‫السابح إلى ذلك الذي جمع الحجارة عنده‪ ،‬فيفغللر للله فللاه‬
‫فيلقمه حجرا ً حتى يذهب بلله سللباحة إلللى الجللانب الخللر"‬
‫وذكر في تفسيره في آخر الحديث أن ذلك السابح الناقللل‬
‫للحجارة آكل الربا)‪.(2‬‬
‫قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى ‪" :‬إنما عللوقب آكللل الربللا‬
‫بسباحته في النهر الحمر وإلقامه الحجارة؛ لن أصل الربا‬
‫يجري في الذهب‪ ،‬والللذهب أحمللر‪ .‬وأملا إلقلام الملللك لله‬
‫الحجر فإنه إشارة إلى أنه ل يغني عنه شيئًا‪ ،‬وكللذلك الربللا‬
‫فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد والله من ورائه يمحقلله")‬
‫‪.(3‬‬
‫‪ 8‬أن المتعامل به ملعون علللى لسللان رسللول الللله صلللى‬
‫الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪" :‬لعلن رسلول‬
‫الللله صلللى الللله عليلله وسلللم آكللل الربللا ومللوكله وكللاتبه‬
‫وشاهديه‪ ،‬وقال‪ :‬هم سواء")‪.(4‬‬
‫قال النووي رحمه الله تعالى ‪" :‬هذا تصريح بتحريللم كتابللة‬
‫المبايعة بيللن المللترابين‪ ،‬والشللهادة عليهمللا‪ ،‬وفيلله تحريللم‬
‫العانة على الباطل")‪.(5‬‬
‫وقال الصللنعاني‪" :‬أي دعللا علللى المللذكورين بالبعللاد عللن‬
‫الرحمة‪ ،‬وهو دليل على إثم من ذكر وتحريللم مللا تعللاطوه‪،‬‬
‫وخص الكل؛ لنه الغلب في النتفاع‪ ،‬وغيره مثله")‪.(6‬‬
‫أضرار الربا الدنيوية‪:‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫ب مللن‬ ‫ل من يتنفس الهواء نصي ٌ‬ ‫إذا تلوثت الجواء أصاب ك ّ‬
‫هذا التلوث‪ ،‬وإذا تكللدرت الميللاه دخللل شلليء مللن كللدرتها‬
‫جوف كل شارب منها‪ ،‬وهكذا يقال في كل شلليء متلللوث‬
‫يباشره الناس‪ ،‬حتى المللوال إذا داخلهللا الكسللب الخللبيث‬
‫أصاب المتعاملين بها بيعا ً وشراًء‪ ،‬وأخذا ً وعطاًء شيء مللن‬
‫خبثها وسحتها؛ فكيف إذا كانت بنية القتصاد العالمي على‬
‫الكسب الخبيث؛ وفقلا ً للنظريللة الرأسلمالية المبنيلة علللى‬
‫وغ‬ ‫الحرية المطلقة في الموال‪ ،‬والمقللررة أن الغايللة تس ل ّ‬
‫الوسيلة؟ فل شك والحال ما ذكر أن تتلوث الموال عالميا ً‬
‫بالكسب الخللبيث؛ حللتى إن مللن حللاول الحللتراز والتللوقي‬

‫‪806‬‬
‫يصلليبه رذاذ خبللث المللوال‪ ،‬وغبللار الربللا المتصللاعد منهللا‪،‬‬
‫مصداقا ً لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلللى‬
‫الله عليه وسلم قال‪" :‬ليأتين علللى النللاس زمللان ل يبقللى‬
‫فيه أحد إل أكل الربا‪ ،‬فإن لم يأكله أصابه من غباره")‪.(1‬‬
‫وإذا كان المر كذلك فإن حصول أضللرار دنيويللة اقتصللادية‬
‫واجتماعية وغيرها متحقق ول مفر منه في كل أمة انتشللر‬
‫فيها الربا وما يتبعه من كسب خبيث كما دلللت علللى ذلللك‬
‫النصوص والعقل وواقع حال البشر في هللذا العصللر الللذي‬
‫عل فيها شأن القتصاد المبنللي علللى الربللا علللى الشللؤون‬
‫الخرى‪.‬‬
‫ومن تلكم الضرار الدنيوية ما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬أن الربا سبب للعقوبات ومحق البركات‪:‬‬
‫قال الله تعالى ‪ :‬يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله ل‬
‫يحب كللل كفلار أثيللم }البقللرة‪ ،{276 :‬ونظيللر هللذه اليللة‬
‫قوله تعالى ‪ :‬وما آتيتم من ربا ليربو في أمللوال النللاس فل‬
‫يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فللأولئك‬
‫هم المضعفون }الروم‪.{39 :‬‬
‫واليتان دالتان على مباركة المال بالصدقة لترغيبهم فيهللا‪،‬‬
‫ومحقه بالربا لترهيبهم وتنفيرهم منه‪ ،‬ل سيما أن النفللوس‬
‫البشرية تحب تملك المال وتنميته وتمللوله؛ فقللد تتقللاعس‬
‫عن الصدقة شحا ً به‪ ،‬وتتعامل بالربا تنميللة للله؛ فللبين الللله‬
‫تعالى أن البركة تحصل بالصدقة‪ ،‬والمحق يحصل بالربا‪.‬‬
‫قال الرازي‪" :‬لما بالغ في الزجر عن الربلا وكللان قلد بللالغ‬
‫في اليات المتقدمللة فللي المللر بالصللدقات ذكللر ههنللا مللا‬
‫يجري مجللرى الللداعي إلللى تللرك الصللدقات وفعللل الربللا‪،‬‬
‫وكشف عللن فسللاده؛ وذلللك لن الللداعي إلللى فعللل الربللا‬
‫تحصيل المزيللد فللي الخيللرات‪ ،‬والصللارف عللن الصللدقات‬
‫الحتراز عن نقصان الخير؛ فبين تعللالى أن الربلا وإن كلان‬
‫فللي زيللادة فللي الحللال إل أنلله نقصللان فللي الحقيقللة‪ ،‬وأن‬
‫الصدقة وإن كانت نقصانا ً في الصللورة إل أنهللا زيللادة فللي‬
‫المعنللى‪ ،‬ولمللا كللان المللر كللذلك كللان اللئق بالعاقللل أل‬
‫يلتفللت إلللى مللا يقضللي بلله الطبللع والحللس مللن الللدواعي‬

‫‪807‬‬
‫والصوارف؛ بل يعول على ندبه الشرع إليله مللن الللدواعي‬
‫والصوارف")‪.(2‬‬
‫والظاهر أن محق الربا للمللال يكللون فللي الللدنيا والخللرة؛‬
‫لعموم النصوص وعدم تخصيصها المحق بدار دون أخرى‪:‬‬
‫ومن صور محقه في الدنيا‪ :‬عللدم بركتلله‪ ،‬وإنفللاقه فيمللا ل‬
‫يعود على صاحبه بالنفع بل فيما يضره؛ ليقينلله أنلله كسللب‬
‫خبيث فينفقه في خبيث أيضًا‪ ،‬فيكتسب به إثمين‪ :‬إثما ً في‬
‫الكتساب‪ ،‬وإثما ً في النفللاق؛ ذلللك أن كسللب المللال مللن‬
‫حللرام ل يجيللز إنفللاقه فللي الحللرام كملا يظللن كللثير ممللن‬
‫وضون في الحرام‪ .‬ثلم إن ملن اسلتغل حاجلة الفقللراء‬ ‫يتخ ّ‬
‫وأكل أموال الناس بالربا فإنهم يبغضونه ويلعنونه ويلدعون‬
‫عليه؛ مما يكون سببا ً لزوال الخير والبركة عنه في نفسلله‬
‫وماله‪ ،‬وإذا جمع مال ً عظيما ً بالباطل تللوجهت إليلله أطمللاع‬
‫الظلمة والغاصللبين‪ ،‬ويشللجعهم علللى ذلللك أنهللم ل يللرون‬
‫وغون لنفسهم أخذه منه أو مشللاركته‬ ‫أحقيته بالمال‪ ،‬فيس ّ‬
‫فيه‪.‬‬
‫ومن صور محقه في الخرة‪ :‬عللدم تسللخيره فللي الطاعللة‬
‫لعلمه أنه محرم‪ ،‬ولو تصدق به أو حج أو أنفق فللي وجللوه‬
‫البر لكان حريا ً بالرد وعدم القبول؛ لن الله تعالى طيب ل‬
‫يقبل إل طيبلًا‪ ،‬ثللم إن مللا يحصللل للله مللن شللدة الحسللاب‬
‫والعذاب المرتب على الربا في الللبرزخ وعنللد النشللر مللن‬
‫أعظللم المحللق؛ ذلللك أن الصللل فللي المللال منفعللة ينفللع‬
‫صاحبه‪ ،‬والمرابي عاد عليه ماله بالضرر‪.‬‬
‫وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪" :‬الربللا وإن‬
‫ل")‪.(1‬‬‫كثر فإن عاقبته تصير إلى ق ّ‬
‫قللال المنلاوي رحملله اللله ‪" :‬أي أنلله وإن كلان زيلادة فلي‬
‫ق آجل ً بمللا يفتللح علللى‬
‫المال عاجل ً يؤول إلللى نقللص ومحل ٍ‬
‫المرابللي مللن المغللارم والمهالللك؛ فهللو ممللا يكللون هبللاًء‬
‫منثورًا‪ .‬قال الطيبي‪ :‬والكثرة والقلة صفتان للمال ل للربا؛‬
‫فيجب أن يقدر‪ :‬مال الربا؛ لن مال الربا ربا")‪.(2‬‬
‫ول يشك مؤمن أن القليللل المبللارك مللن المللال خيللر مللن‬
‫الكللثير الممحللوق البركللة ولللو كللان الكللثير محللل إعجللاب‬
‫الناس وتطلعاتهم ورغباتهم؛ ولذا قال الللله تعللالى ‪ :‬قللل ل‬

‫‪808‬‬
‫يسللتوي الخللبيث والطيللب ولللو أعجبللك كللثرة الخللبيث‬
‫}المائدة‪.{100 :‬‬
‫والواقع المشاهد يؤكد هذه الحقيقة الللتي قررتهللا نصللوص‬
‫الشللريعة سللواء علللى المسللتوى الفللردي أو الجمللاعي‬
‫والممي‪.‬‬
‫أما على المستوى الفردي فإن أكثر الناس في هذا العصر‬
‫عصللر الربللا يشللكون مللن قلللة بركللة أمللوالهم رغللم كللثرة‬
‫دخولتهم وتعدد سبل كسبها‪.‬‬
‫أما على المستوى الممللي العللالمي فرغللم اخللتراع اللللة‪،‬‬
‫واسلللتغلل ثلللروات الرض‪ ،‬وتنلللوع الصلللناعات‪ ،‬وتعلللدد‬
‫الزراعات التي أصبح النسان المعاصر ينتج منها في اليوم‬
‫ما لم يستطع إنتاجه من قبللل فللي سللنوات؛ حللتى صللارت‬
‫أرقام النتاج الزراعي والصناعي أرقاما ً عاليللة جللدًا؛ رغللم‬
‫ذلك كله فإن أكثر سكان الرض يعيشون فقرًا‪ ،‬ول يجدون‬
‫كفاف لًا‪ ،‬وفللي كللل يللوم يمللوت منهللم جمللوع مللن الجللوع‬
‫م‬
‫م للل ْ‬‫والمرض؛ فأين هي المنتجات الزراعية والصناعية؟ ل ِ َ‬
‫تسد ّ جوع المليين من البشللر وهللي تبلللغ ملييللن الملييللن‬
‫من الطنان؟ فما كانت إذن قللة إنتلاج؛ ولكنهلا قللة بركلة‬
‫فيما ينتجون ويزرعون ويصنعون!!‬
‫وأما حلول العقوبات‪ ،‬فإن المحسوس المشاهد منها الذي‬
‫يعاني منه البشر في عصر الربا من التنوع والكللثرة بمللا ل‬
‫يعد‪ .‬وهناك عقوبات معنوية يعاني منهللا أكللثر النللاس ولللم‬
‫يكتشفوا سر تلك المعاناة ومنها‪ :‬استعباد المللادة للنسللان‬
‫بحيث تحولت من كونها وسلليلة لراحتلله وهنللائه إلللى غايللة‬
‫ينصب في تحصيلها‪ ،‬ثم يشقى بحفظهللا‪ ،‬ويخشللى فواتهللا‪.‬‬
‫وتلك عقوبة أيّ عقوبة!!‬
‫إن النسان في العصر الرأسمالي الذي أساسه الربا يريللد‬
‫الستغناء بالشياء‪ ،‬فإذا ما استغنى بها سيطر عليه هاجس‬
‫زوالها فيظل شقيا ً في تحصيلها‪ ،‬شقيا ً في الحفاظ عليهللا‪.‬‬
‫ذب قلبلله‪ ،‬وأي‬ ‫وهل يجد لذة الحياة مللن نعّللم جسللده‪ ،‬وعل ّ‬
‫عذاب أعظم من عذاب القلب؟!‬

‫‪809‬‬
‫وقد كان النسان قبل العصر الرأسللمالي يسللتغني عمللا ل‬
‫يستطيع تحصيله‪ ،‬ويقنع بما كتب له؛ فيرتاح بللاله‪ ،‬ويطمئن‬
‫قلبه‪.‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫‪ 2‬الربا سبب لزدياد الفقر‪:‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫سيطرة المادة على الناس‪ ،‬وخوفهم من الفقللر والحاجللة‪،‬‬
‫وانعدام قنللاعتهم بالضللروري مللن العيللش‪ ،‬وتطلعهللم إلللى‬
‫كماليللات ل يحتاجونهللا‪ ،‬إلللى غيللر ذلللك انتشللر وسللاد فللي‬
‫العصر الرأسمالي الربوي‪ .‬وكل ذلك وتوابعه ليست أخلقا ً‬
‫ذميمة فحسب؛ بل هو عقوبات وعللذاب يتللألم النللاس مللن‬
‫جرائها فللي زمللن انتشللار الربللا؛ حللتى أصللبح الفقيللر يريللد‬
‫الغنى‪ ،‬والغني يريد أن يكللون أكللثر ثللراء‪ ،‬وصللاحب الللثراء‬
‫الفاحش يريد السيطرة على أسواق المال في سلسلللة ل‬
‫تنتهي من الجشع وحب الذات وكراهية المتنافسين‪ ،‬وغيللر‬
‫ذلك من الخلق الرديئة‪ ،‬وصللار فللي النللاس مسللتورون ل‬
‫يقنعون‪ ،‬وأغنياء ل يحسنون ول يتصدقون إل من رحم الللله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫وإذا ما استمر العالم علللى هللذا النحللو مللن تفشللي الربللا‪،‬‬
‫وارتباط المعاملت المالية به فإن النهاية المحتومة ازديللاد‬
‫الفقر والجوع حتى يهلك أكثر البشر‪ ،‬واجتمللاع المللال فللي‬
‫خزائن فئة معدودة من كبار المرابين‪ ،‬وهذا مللا جعللل أحللد‬
‫كبللار القتصللاديين الوروبييللن يطلللق علللى الربللا‪ :‬تجللارة‬
‫الموت؛ فيقول‪" :‬الربا تجارة الموت‪ ،‬ومن شأنه أن يشعل‬
‫الرأسللماليون الحللرب وإن أكلللت أكبللادهم فللي سللبيل‬
‫مضاعفة رأس المال ببيع السلح")‪.(1‬‬
‫ومللا حطللم قيمللة الوراق النقديللة‪ ،‬وقضللى علللى أسللعار‬
‫العملت إل الربا الللذي يقللوم علبره عصلابة ملن المرابيلن‬
‫بضخ المال في عملة من العملت ثم سحبه مللن رصلليدها‬
‫لتقع قيمتها من القمة إلى الحضيض‪ ،‬فيصيب الفقر شعوبا ً‬
‫وأمما ً ل تملك سوى عملتها التي ما عللادت تسللاوي شلليئًا‪،‬‬
‫وليس ببعيد عن الذهان ما حصل لبعض دول شرق آسيا‪.‬‬
‫الربا سبب لرداءة النقود وضعفها‪:‬‬

‫‪810‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫المتخصصون في القتصللاد يقللررون أن النقللود هللي دمللاء‬
‫القتصاد‪ ،‬والنقود السليمة هي التي تجعل القتصاد سليمًا؛‬
‫ولكن نقود العالم الحالية مريضة بالتضخم الناتج عن الربا‪،‬‬
‫ول يمكن علجها إل بمعالجة التضخم‪ ،‬ولللن يتللم علجلله إل‬
‫خص هللذه الحقيقللة القتصللادي‬ ‫بإلغللاء فللوائد الربللا‪ .‬ويش ل ّ‬
‫اللمللاني‪) :‬جوهللان فيليللب بتمللان( مللدير البنللك اللمللاني‬
‫)فرانكفورت( فيقول‪" :‬كلما ارتفعت الفائدة تدهور النقللد‪،‬‬
‫فكما يؤدي الماء إلى رداءة عصير البرتقال أو الحليب فإن‬
‫الفائدة تؤدي إلى رداءة النقود‪ .‬قد يبدو المللر أننللا نسللوق‬
‫تعبيرات أدبية‪ ،‬أو أننللا نبسللط المسللألة ونسللطحها؛ ولكللن‬
‫الحقيقة أن هذه العبارة السهلة البسيطة هلي فلي الواقلع‬
‫معادلة سليمة وصحيحة تدل عليها التجربة‪ ،‬ويمكن إثباتها؛‬
‫مر قيمة النقود‪ ،‬وتنسف أي نظام نقدي‬ ‫فالفائدة العالية تد ّ‬
‫ما دامت تزيد كل يللوم‪ ،‬وتتوقللف سللرعة التللدمير وحجملله‬
‫على مقدار الفائدة ومدتها")‪.(1‬‬
‫ل‪ .‬وهللذه صللورة‬ ‫وهكذا صارت عاقبة الربا وإن كثر إلى قِ ل ّ‬
‫من صور المحق التي يسببها الربا للموال المتعاملين به‪.‬‬
‫وبسللبب انتشللار الربللا فللي المعللاملت الماليللة أضللحت‬
‫البورصات العالمية وكأنها صالة قمار واسعة‪ ،‬ليللس المللر‬
‫فيها يتصل بالمقللامرات غيللر المحسللوبة فحسللب؛ بللل إن‬
‫هناك من يبيع دائما ً ما ل يملك‪ ،‬ومن يشللتري مللن دون أن‬
‫يدفع ثمنًا‪ .‬ومن يتظاهر بأن هناك أسهما ً لشركات وما هي‬
‫في الواقع بشركات‪ ،‬ومللن يقيللد بالللدفاتر مليللارات كللبيرة‬
‫دون أن يراهلا‪ ،‬ودون أن يقابلهلا رصليد ملن أي نلوع‪ ،‬إنهلا‬
‫الفللائدة الملعونللة المسللؤولة عللن المصللائب الكللبرى فللي‬
‫النظام النقللدي العللالمي‪ ،‬وهللي المسللؤولة عللن التضللخم‪،‬‬
‫وعن ضياع الموال‪ ،‬وعن عجز دفع المدينين ديللونهم‪ ،‬كمللا‬
‫قرر حقيقة ذلك القتصادي الغربي )موريس آليلله( الحللائز‬
‫على جائزة نوبل في القتصاد)‪.(2‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫‪ 4‬الربللا سللبب ‪----------------------‬لرفللع المللن وانتشللار‬
‫الخوف‪:‬‬

‫‪811‬‬
‫تسود النانية وحب الذات وانعدام الرحمة كل المجتمعللات‬
‫التي ينتشلر فيهللا الربلا؛ فالموسلرون المرابلون يقرضللون‬
‫الفقراء المحتاجين بفوائد الربا التي تزداد مع طول المللدة‬
‫وشدة الحاجة‪ ،‬مما يجعلهم عاجزين عن السداد‪ .‬والنتيجللة‬
‫النهائية‪ :‬إما أن يسرقوا لسداد القروض الربويللة‪ ،‬وإمللا أن‬
‫تصادر أملكهم وتباع للمقرضللين؛ ليعيشللوا وأسللرهم بقيللة‬
‫أعمارهم علللى قارعللة الطريللق يتكففللون النللاس‪ ،‬أو فللي‬
‫الملجللئ والللدور الجتماعيللة ممللا يكللون سللببا ً فللي قتللل‬
‫كرامتهم‪ ،‬وحرمان المجتمع من عملهم وإنتاجهم‪.‬‬
‫إن الربا هو السبب الرئيس في انتشار الجريمللة والنتقللام‬
‫بين أصحاب رؤوس المللوال وكبللار المرابيللن‪ ،‬ممللا يكللون‬
‫سللببا ً فللي رفللع المللن‪ ،‬وبسللط الخللوف والللذعر فللي‬
‫المجتمعات‪.‬‬
‫وواقع كثير من البلدان التي ينتشر فيها الربللا شللاهد علللى‬
‫شلّرد َ هللو وأولده‬ ‫ذلك‪ ،‬وهللل يسللتطيع إنسللان ِبيلعَ بيت ُلله‪ ،‬و ُ‬
‫لسداد ما عليه من قللروض الربللا أن يصللبر عللن النتقللام؟‬
‫وماذا يبقى له في الدنيا إذا كللان يريللد العيللش لهللا إل ّ أنلله‬
‫فقدها فجأة؟!‬
‫‪----------------------‬‬
‫وأخيرًا‪ ..‬اجتناب الربا أهون من التخلص منه‪:‬‬
‫إن المتعامل بالربا يعز عليه الخلص منه بعد الغللرق فيلله؛‬
‫ول سيما إذا كانت تجارته كلها مؤسسة عليه‪ .‬ول ينجو من‬
‫ذلك بعد النغماس فيه‪ ،‬ويبادر بالتوبة والخلص منه إل من‬
‫هدي للرشاد ووفق للخير‪.‬‬
‫قد يغتر المبتدئ في حياته الوظيفية أو التجارية بللالقروض‬
‫الربوية الميسرة أو بالفوائد المركبة والبسيطة التي تعلللن‬
‫عنها بين حيللن وآخللر البنللوك الربويللة؛ بقصللد أكللل أمللوال‬
‫الناس بالباطللل‪ ،‬ويتللولى إثللم العلن عنهللا‪ ،‬والدعايللة لهللا‬
‫المؤسسللات العلميللة المختلفللة مللن مشللاهد ومسللموع‬
‫ومقروء؛ ولكن ذلك المسكين الذي اغللتر بهللا حيللن يفللرق‬
‫في الربا ربحا ً أو خسارة فلن ينجو بسهولة‪ ،‬وكان السللهل‬
‫عليه أن يجتنب طريقها أو ً‬
‫ل‪.‬‬

‫‪812‬‬
‫إنه قد يربح الفوائد من اليداع ولكنه سيخسر بركللة مللاله‪،‬‬
‫ولقمة الحلل ودينه وآخرتلله‪ ،‬وإن كللان مقترضلا ً فسلليجني‬
‫أغلل الديون مع الثم والفقر‪.‬‬
‫والشللاب الللذي يغريلله راتللب الوظيفللة الربويللة وسلليارتها‬
‫وبعثاتها وميزاتها عليه أن يتذكر أن عاقبة ذلك خسران في‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬والرضى بالقليل الحلل خير وأعظللم بركللة‬
‫من الكثير الحرام‪ ،‬ولن يندم عبد تحرى الحلل فللي كسللبه‬
‫وإن فاته الكثير مللن المللال؛ لكنلله سلليندم أشللد النللدم إن‬
‫أدخل في جوفه حرامًا‪ ،‬وقد يكون ندمه متأخرا ً ل ينفعه‪.‬‬
‫والله تعالى قال‪ :‬فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى" فللله‬
‫ما سلف وأمره إلى الله ومن عللاد فللأولئك أصللحاب النللار‬
‫هم فيها خالدون }البقرة‪{275 :‬‬
‫============‬
‫‪#‬يمحق الله الربا‬
‫د‪ .‬أحمد بلوافي‬
‫"إننا خسرنا فللي ليلللة واحللدة أتعللاب وتضللحيات عشللرات‬
‫السنين"‪] .‬الرئيس الندونيسي سوهارتو[‬
‫"ل يمكننا منافسة العالم على أساس نظامنا الحالي الذي‬
‫يعتمد على الفراط فللي القللتراض ويللتركز علللى التوسللع‬
‫الخارجي"‪] .‬كيم يونغ سام ‪ -‬رئيس كوريا الجنوبية[‪.‬‬
‫عند تصفح كتاب الله وبعض أحاديث الرسول ‪ -‬صلللى الللله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬الللتي ذكللرت العقوبللات أو الوعيللد المتعلقللة‬
‫بكبائر الذنوب بعد الشرك بالله ل نجد كللبيرة تحللدث عنهللا‬
‫المولى ‪ -‬جل وعل ‪ -‬بمثل هذه اللفاظ القوية وهذا الوعيد‬
‫الشللديد‪" ،‬المحللق")‪" ،(1‬حللرب مللن الللله ورسللوله")‪،(2‬‬
‫"الخلود في النار")‪ ،(3‬إل جرم الربا‪ .‬وحديث المللولى عللن‬
‫هذا الثللم المللبين بهللذه الصللفة‪ ،‬قصللد منلله ‪ -‬والللله أعلللم‬
‫‪-‬تنفير النفوس المؤمنة منه لكي تحترز أشد الحللتراز فللي‬
‫القتراب منه أو تعاطيه؛ كما أريد منلله تحللذير النللاس مللن‬
‫العواقب الوخيمة للوقوع في حمأته‪.‬‬
‫وقد كان لهذه القوة في السلللوب والتشللديد فللي الوعيللد‬
‫تللأثير علللى اسللتنباطات علمائنللا الجلء وتشللديدهم فللي‬
‫مسألة التعاطي بالربا‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬نقل القرطللبي‬

‫‪813‬‬
‫في تفسيره)‪ (4‬عن ابن بكير قوله‪" :‬جاء رجل إلللى مالللك‬
‫بن أنس‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا عبللد الللله‪ ،‬إنللي رأيللت رجل ً سللكران‬
‫يتعاقر يريد أن يأخذ القمر‪ .‬فقلت‪ :‬امرأتي طللالق إن كللان‬
‫يدخل جوف ابن آدم أشر مللن الخمللر‪ .‬فقللال‪ :‬ارجللع حللتى‬
‫أنظر في مسألتك‪ ،‬فأتاه مللن الغللد فقللال للله‪ :‬ارجللع حللتى‬
‫أنظر في مسألتك‪ ،‬فأتاه من الغد فقال له‪ :‬امرأتك طالق‪،‬‬
‫إني تصفحت كتاب الله وسنة نبيه فلللم أر شلليئا ً أشللر مللن‬
‫الربا؛ لن الله أذن فيه بالحرب" اهل‪.‬‬
‫نعم إن الله أذن فيه بالحرب‪ ،‬وتوعد ما يحقق عن طريقلله‬
‫من كسب بالستئصال وذهاب البركة‪ ،‬وأوردنا أثللرا ً يوضللح‬
‫أن عاقبته إلى قل وإن ظهر أنه نما وترعللرع‪ ،‬ويعلللل ابللن‬
‫ل)‪" :(5‬فأمللا الجلللي ]مللن‬ ‫القيم ‪ -‬رحمه الله ‪-‬هذا المر قائ ً‬
‫أنواع الربا[‪ ،‬فربللا النسلليئة وهللو الللذي كللانوا يفعلللونه فللي‬
‫الجاهلية‪ ،‬مثل أن يؤخر دينه ويزيده في المال‪ ،‬كلما أخللره‬
‫زاد في المال‪ ،‬حتى تصير المائة عنده آلف لا ً مؤلفللة؛ وفللي‬
‫الغللالب ل يفعللل ذلللك إل معللدم محتللاج؛ فللإذا رأى أن‬
‫المستحق يللؤخر مطللالبته ويصللبر عليلله بزيللادة يبللذلها للله‬
‫تكلف بذلها ليفتدي ملن أسلر المطالبلة والحبلس‪ ،‬ويلدافع‬
‫مللن وقللت إلللى وقللت‪ ،‬فيشللتد ضللرره‪ ،‬وتعظللم مصلليبته‪،‬‬
‫ويعلوه الدين حتى يستغرق جميللع موجللوده‪ ،‬فيربللو المللال‬
‫على المحتاج من غير نفع يحصل له‪ ،‬ويزيللد مللال المرابللي‬
‫ملن غيلر نفلع يحصلل لخيله‪ ،‬فيأكلل ملال أخيله بالباطلل‪،‬‬
‫ويحصللل أخللوه علللى غايللة الضللرر‪ ،‬فمللن رحمللة أرحللم‬
‫الراحمين وحكمته وإحسانه إلى خلقه أن حرم الربا ولعللن‬
‫آكله وموكله وكاتبه وشاهديه‪ ،‬وآذن مللن لللم يللدعه بحربلله‬
‫وحرب رسوله‪ ،‬ولم يجئ مثل هذا الوعيد في كبيرة غيره‪،‬‬
‫ولهذا كان من أكبر الكبائر" اهل‪.‬‬
‫إن الذي ذكره ابن القيللم ‪ -‬رحملله الللله ‪-‬مللن مضللار الربللا‬
‫يمثل قمة التحليل القتصادي لمخاطر بناء القتصللاد علللى‬
‫هذا الساس المعوج‪ ،‬وإن كللان المثللال الللذي ذكللره يللدور‬
‫حول آثار ذلك على الفللرد‪ ،‬وهللو مللا يعللرف فللي القتصللاد‬
‫بالتحليل الجزئي‪ ،‬فإن الصورة تكون أكثر وضوحا ً لو طبقنا‬
‫ذلك على مستوى الدول أو الشركات الكبيرة أي التحليللل‬

‫‪814‬‬
‫الكلي‪ ،‬وهذا ما سنقوم به من أجللل تسللليط الضللوء علللى‬
‫الضطرابات المالية التي شهدتها اليابلان وكوريلا الجنوبيلة‬
‫وقبلهما دول جنوب شرق آسيا الخرى)‪.(6‬‬
‫فمن خلل النظر في الكلم الذي ساقه ابللن القيللم يمكللن‬
‫الخروج بنتيجتين منطقيتين لثار الربللا‪ ،‬وهمللا‪ :‬دفللع المللال‬
‫من وقت إلى آخر واستغراق أموال الربا لجميع موجودات‬
‫المدين‪.‬‬
‫الثر الول‪ :‬دفع المال من وقت إلى آخر‪.‬‬
‫ب"‪ ،‬أي‬ ‫وهو ما كان يعرف في الجاهلية بعبارة "زدنللي وأر ِ‬
‫زدني في أجل الدين وارفع من سللعره؛ فيسللتفيد المللدين‬
‫من الوقت والدائن مللن زيللادة المللال‪ ،‬وهللذا الصللنف مللن‬
‫المعاملللة ومللا يللدور فللي فلكلله يطلللق عليلله اسللم "ربللا‬
‫النسيئة" حسب تصنيف الفقهاء‪ ،‬وهو محرم بالجمللاع)‪.(7‬‬
‫وهو نفس التقنية التي تطبق اليوم وعلى نطاق واسع في‬
‫جميع القتصاديات سواء على مستوى الفراد أو الشركات‬
‫بل وحللتى الحكومللات والللدول‪ .‬ومللا إعللادة الجدولللة الللتي‬
‫تطلبها دول العللالم الثللالث مللن نللادي بللاريس للحكومللات‬
‫الدائنة أو نادي لنللدن للبنللوك التجاريللة العالميللة إل إحللدى‬
‫أساليبها‪ .‬فعندما تعجز هلذه الللدول علن الوفلاء بالقسلاط‬
‫المطلوبة منها كل سنة فإنه يمنح لها زيادة في الوقت مع‬
‫تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي للصلحات القتصادية‬
‫ويزاد في أسعار الفوائد )الربا( ثم تمنح لها قللروض ربويللة‬
‫لتسللديد مللا اقترضللته مللن قبللل‪ .‬وهكللذا الحللال بالنسللبة‬
‫للشركات الكبيرة أو الحكومات بشللكل عللام؛ فللإن طللرق‬
‫تمويل نفقاتها أو مشروعاتها ل يخرج عن نطللاق الشللراكة‬
‫أو القتراض الربوي‪ .‬ويمثل الطريق الول السهم والثاني‬
‫السندات الربوية بمختلف أشكالها‪ .‬ومللا يلحظلله الللدارس‬
‫لوضاع الدول المتقدمة والشركات فيها بل وحتى الفللراد‬
‫هو العتماد على الطريلق الثللاني بللدل الول‪ ،‬وهلذا نتيجلة‬
‫لعوامل عدة ليس هذا مجال بحثها‪.‬‬
‫هللذا الوضللع بالنسللبة لليابللان فللي الثمانينيللات والللدول‬
‫السيوية الخرى في التسعينيات أدى إلى انتشللار ظللاهرة‬
‫اقتصاد الفقاعة ويقصد بها المبالغة في التفاؤل باسللتمرار‬

‫‪815‬‬
‫أيام الزدهار وما صللاحبها مللن إقللدام النللاس علللى شللراء‬
‫البيوت وغيرها من العقارات أو المنقولت بأسعار مرتفعللة‬
‫وتمويل ذلك عن طريق القراض الربوي‪ .‬فبللدأت المللوال‬
‫الربويللة تللتراكم سللنة بعللد أخللرى حللتى تعللرض قطللاع‬
‫العقارات في اليابان وأسواقها المالية إلى هزة عنيفة عام‬
‫‪ 1990‬بسبب كبر حجم القروض التي ل يستطيع أصللحابها‬
‫سللدادها ممللا أثللر علللى النظللام المللالي‪ ،‬وخاصللة البنللوك‪،‬‬
‫وظهر ما كان مخفيا ً لعدة سنوات مللن أن النظللام المللالي‬
‫في اليابان يعللاني مللن مشللكلت ولبللد للله مللن إصلللحات‬
‫لتجاوزها‪.‬‬
‫وكان من بين الحلول المطروحة أن تدع الحكومة اليابانية‬
‫المؤسسللات المعسللرة تلقللي مصلليرها المحتللوم ‪ -‬وهللو‬
‫الفلس وإغلق البللواب ‪ -‬غيللر أنهللا لللم تللر العمللل بتلللك‬
‫السياسة وأن لللديها مللن المللوال مللا يكفللي لتغطيللة تلللك‬
‫الديون المعدومة وإنقاذ المؤسسات التي سلليؤثر انهيارهللا‬
‫على عملية استقرار النظام المالي برمته‪.‬‬
‫استمر الوضع على هذا المنوال حتى جاءت عمليللة إفلس‬
‫شللركة ياماييشللي فللي النصللف الثللاني مللن شللهر تشللرين‬
‫الثاني )نوفمبر( ‪ ،1997‬وهي رابللع أكللبر شللركة سمسللرة‬
‫مالية في اليابان ويعد سقوطها أكلبر حللدث سللبي شللهده‬
‫القتصاد الياباني منذ نهايللة الحللرب العالميللة الثانيللة‪ ،‬وقللد‬
‫تزامللن سللقوط ياماييشللي مللع انهيللار مؤسسللتين مللاليتين‬
‫أخرييللن وهمللا‪ :‬شللركة سللانيو للسمسللرة الماليللة وبنللك‬
‫هوكايللدو طاكوشللوكو)‪ .(8‬وقللد قللدرت المسللتحقات الللتي‬
‫على هذه الشللركة عنللد إغلقهللا)‪ (9‬بلل ‪ 3509‬مليللار يللن )‬
‫‪ 27.8‬مليللار دولر( مللع تسللريح آلف العمللال فللي اليابللان‬
‫وخارجها‪.‬‬
‫وإذا كللان سللقوط ياماييشللي لللن يللؤثر كللثيرا ً علللى أداء‬
‫القتصاد الياباني الللذي لللديه مللن الحتياطللات الماليللة مللا‬
‫يغطي مثللل تلللك المبللالغ المسللتحقة عليهللا؛ غيللر أن هللذه‬
‫الجزئية ل يجب فصلها عن وضع النظام المالي في اليابان‬
‫الللذي أظهللرت التقللارير والتحاليللل الرسللمية وغيرهللا عللن‬
‫وضعه المور التالية‪:‬‬

‫‪816‬‬
‫‪ - 1‬من المتوقع أن يعلن ‪ 13‬مصرفا ً مللن مجمللوع الل ل ‪19‬‬
‫مصرفا ً كبيرا ً عن خسائر في تقاريرها الماليللة هللذا العللام‪،‬‬
‫وذلللك نتيجللة إسللقاط القللروض المعدومللة الكللبيرة مللن‬
‫ميزانيتها‪ .‬وإذا كان بنك اليابان – البنك المركزي – مستعدا ً‬
‫لللدفع مبللالغ ليللة مصللرف يمكللن أن يللؤثر سللقوطه علللى‬
‫اسللتقرار النظللام المللالي فللإن حللل مشللكلة القللروض‬
‫المعدومة في التسعة عشللر بنك لا ً الكللبيرة سلليكلف مبللالغ‬
‫تتجاوز قيمتها ‪ 8‬تريليون ين )‪ 62.5‬مليار دولر()‪.(1‬‬
‫‪ - 2‬مجمللوع القللروض الللتي قللدمها بنللك اليابللان للنظللام‬
‫المصرفي ازدادت من مستوى ‪ 373‬مليار يللن )‪ 2.8‬مليللار‬
‫دولر( إلى مستوى ‪ 3.6‬تريليللون يللن )‪ 27.3‬مليللار دولر(‬
‫مع نهاية شهر ‪ 11‬عام ‪.(2) 1997‬‬
‫‪ – 3‬ول يقتصللر تللأثير القللروض المعدومللة علللى البنللوك‬
‫لوحدها بل يتعداه إلى شركات التأمين علللى الحيللاة الللتي‬
‫قدمت ما مجموعه ‪ 434‬مليار يللن )‪ 3.4‬مليللار دولر( مللن‬
‫القلللروض غيلللر المضلللمونة ملللن قبلللل وزارة الماليلللة )‬
‫‪ (Subordinated Loans‬لشللركات السمسللرة الماليللة‪ ،‬ومللا‬
‫مقلللداره ‪ 14‬تريليلللون يلللن )‪ 111‬مليلللار دولر( للبنلللوك‬
‫التجارية‪ ،‬فإذا مللا أفلسللت البنللوك أو شللركات السمسللرة‬
‫معنى هذا أن شركات التللأمين علللى الحيللاة سللتتبعها فللي‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ - 4‬نظللرا ً للحصللة الكللبيرة‪ 320 ،‬مليللار دولر حللتى نهايللة‬
‫‪ ،8/1997‬التي تملكها البنوك اليابانية في سوق السللندات‬
‫المريكية‪ ،‬فإن تعرضها لزمة قللد يضللطرها إلللى بيللع تلللك‬
‫السندات‪ ،‬مما قد يؤدي إلى حللدوث انخفللاض فللي أسللعار‬
‫السندات والسهم في سوق نيويللورك ثللم بللاقي السللواق‬
‫العالمية الكبرى‪.‬‬
‫وإذا انتقلنا إلى كوريا الجنوبية التي يحتل اقتصادها المركز‬
‫الحادي عشر على المستوى العالمي‪ ،‬فللإن الصللورة أكللثر‬
‫وضوحا ً وجلء ممللا عليلله وضللع اليابللان‪ ،‬وذلللك لن قاعللدة‬
‫القتصاد وهذا الزدهار الللذي شللهده بنللي علللى القللتراض‬
‫الربوي‪ ،‬بل الفراط فيه وفي الستثمارات الخارجية‪ ،‬وقللد‬
‫ذكرنا مقولة رئيسها في بداية المقال‪ ،‬هذه التركيبة جعلت‬

‫‪817‬‬
‫وضعها القتصادي يخضللع لرحمللة مسللتوى أسللعار الفللائدة‬
‫العالميلللة‪ .‬وعللللى المسلللتوى اللللداخلي فلللإن الحكوملللة‬
‫المركزيللة)‪ (3‬ألزمللت البنللوك التجاريللة بإعطللاء قللروض‬
‫للشركات الصلناعية الكلبيرة ‪ -‬وهللي ل تسلتحق ذللك فللي‬
‫كثير من الحيان عند تطبيق المعايير المالية والقتصادية ‪-‬‬
‫ومع مرور اليللام بللدأت بعللض هللذه الشللركات تعجللز عللن‬
‫سللداد مللا عليهللا ممللا اضللطرها إلللى إعلن إفلسللها مثللل‬
‫شللركة هللانبو)‪) (HANBO‬صللناعة الحديللد(‪ ،‬وكيللا ‪((KIA‬‬
‫)قطاع السيارات( تاركتين البنوك بقروض ربويللة معدومللة‬
‫كبيرة‪ ،‬مما أثر على وضع هذه الخيللرة الللتي كللان يتطلللب‬
‫الوضع الذي آلت إليه في نهايللة ‪ 1996‬إلللى إغلق العديللد‬
‫منها بسبب حجم القللروض المعدومللة وخسللائر الشللركات‬
‫الكللبيرة الللتي تسللتحوذ علللى النصلليب الكللبر فللي قطللاع‬
‫القتصاد‪ ،‬لكن هذا لم يحدث‪.‬‬
‫فبدأ الوضع يزداد سوءا ً حتى وصلت نسبة القروض التي ل‬
‫يمكن استردادها إلى مستوى ‪ %18‬من مجموع القللروض‬
‫التي قدمتها تلك البنوك‪ ،‬ومع انهيار قيمللة الللوون )العملللة‬
‫الكورية( لم تجد الدولة بدا ً من التوجه إلى صللندوق النقللد‬
‫الدولي وأخذ قللرض مشللروط بقيمللة ‪ 20‬مليللار دولر مللن‬
‫أجل عدم ترك المور تصل إلى وضع أسوأ مما هللي عليلله‬
‫الن‪ ،‬أما عملية إصلح النظام المللالي المتعفللن علللى حللد‬
‫قول مجلة الكونوميست فإنها تكلف ما بين ‪ 60‬إلى ‪100‬‬
‫مليار دولر‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن الديون الخارجية لكوريللا‬
‫تقدر الن بل ‪ 122‬مليار دولر معظمها قصيرة الجللل ‪ -‬أي‬
‫تستحق السداد في أجل ل يزيد عن السنة‪.‬‬
‫وما يدهش حقا ً في مسألة كوريا الجنوبية هو أن اقتصادها‬
‫نمللا بمعللدل ‪ %8.6‬خلل العقللود الثلثللة الماضللية‪ ،‬وأن‬
‫صادراتها نمت مللن مسللتوى ‪ 33‬مليللون دولر عللام ‪1960‬‬
‫إلى مستوى ‪ 130‬مليار دولر العام الماضي‪ ،‬أي أن قطاع‬
‫الصللادرات نمللا بمعللدل ‪ %3939‬مللن عللام ‪ 1960‬إلللى‬
‫‪ .1996‬ومع كل هذا فإن هللذه التطللورات لللم تصللمد فللي‬
‫وجه حقيقة الربا؛ لن أصللل البنللاء أقيللم علللى جللرف هللار‬
‫توعد الله بمحقه واستئصال بركته‪.‬‬

‫‪818‬‬
‫وبشكل عام فإن النظمللة الماليللة ‪ -‬خاصللة البنللوك ‪ -‬فللي‬
‫الللدول السلليوية تعللاني مللن مشللاكل جمللة لعللل أبرزهللا‬
‫مشكلة القروض المعدومة التي تتراوح نسبها بالنسبة إلى‬
‫مجموع القروض التي قللدمتها بيللن ‪ 10‬و ‪ %20‬بينمللا فللي‬
‫أمريكا ل تتعدى هذه النسبة مستوى ‪.%1‬‬
‫هللذه هللي النتيجللة الحتميللة والعاقبللة المنطقيللة بالنسللبة‬
‫لمعالجللة مشللاكل الربللا عنللدما تتفللاقم كمللا يراهللا الللذين‬
‫يللدافعون عنهللا والللذين يقعللون فللي حمأتهللا‪ ،‬وذلللك بللدفع‬
‫الموال المتراكمة من وقت إلى آخر حللتى تحيللن اللحظللة‬
‫التي يتضح فيها أن عملية التلأخير ل تسلمن ول تغنلي ملن‬
‫جوع‪ ،‬فتحدث الضللطرابات والهللزات كتلللك الللتي شللهدها‬
‫العالم عام ‪ 1982‬في ما عرف بأزمة ديون العالم الثالث‪،‬‬
‫وشللللهدتها أمريكللللا فللللي الثمانينيللللات بسللللقوط مئات‬
‫المؤسسات المالية للقروض والمللدخرات)‪ ،(4‬والمكسلليك‬
‫عام ‪ ،1994‬وغيرها من الدول الخرى‪.‬‬
‫الثر الثاني‪ :‬استغراق أموال الربا جميع الموجود‪.‬‬
‫وهذا أمر بدهي؛ لن المرابي يطللالب بللدفع أمللواله كاملللة‬
‫غير منقوصة‪ ،‬وتحميها القوانين الن‪ ،‬بينما الحقيقة التي ل‬
‫فكللاك منهللا هللي أنلله فللي الواقللع العملللي وفللي الجللانب‬
‫الحقيقي من القتصاد هناك ربح وخسللارة‪ ،‬فكيللف نضللمن‬
‫دفللع أمللوال مللع زيللادة تحللت مسللمى القللرض أو السللند؟‬
‫ونفصلها عن الموال التي تدفع تحت مسللمى الشللراكة أو‬
‫السهم ونفرق بينهما في المعاملللة فنضللمن الول ونخضللع‬
‫الثاني لمبدأ الغنم بالغرم‪ ،‬من شأن هللذا الوضللع المقلللوب‬
‫أن يعطي السلطة للمقرضين للسللتحواذ علللى ممتلكللات‬
‫الدائن العقارية وغيرها حتى يتمكنوا من تسللديد جللزء مللن‬
‫الموال وليس كلها‪ ،‬فيتعرض أصللحاب المهللن والمهللارات‬
‫والفكار إلى الظلم والحيف الشديد نتيجللة هللذه القللوانين‬
‫الجائرة ويتعرض القتصاد إلى الضللطراب والهللزات علللى‬
‫الدوام‪ ،‬وهذا أمر ملحظ ومشهود‪.‬‬
‫فالجللانب المللالي ‪ -‬أي قطللاع المللال ‪ -‬مللن القتصللاد الن‬
‫طغى ونما بمعزل عن الجانب الحقيقي‪ :‬أي قطللاع السلللع‬
‫والخللدمات‪ ،‬فجميللع السللواق الماليللة مقومللة بللأكثر مللن‬

‫‪819‬‬
‫الواقع الذي يجب أن تكون عليه‪ .‬أي ما هللو مسللجل علللى‬
‫الوراق أو بواسطة الجهزة اللكترونية يفللوق كللثيرا ً قيمللة‬
‫السلع والخللدمات الحقيقيللة الللتي كللان يفللترض أن يكللون‬
‫عمل الجانب المالي مثللل المللرآة يعكللس صللورة الحركللة‬
‫والمعاملت فيها‪ .‬ولهذا يعللزو كللثير مللن المحلليللن حللدوث‬
‫الهللزات المفللاجئة إلللى هللذا المللر ويقولللون أن‪ :‬قيمللة‬
‫السواق مرتفعة ‪ ((Overvalued Markets‬ولبللد أن يصللحح‬
‫وضعها‪ ،‬إل أن عمليللة التصللحيح هللذه ل يمكللن التأكللد مللن‬
‫مفعولها وأثرها اليجللابي وذلللك بسللبب وجللود العلللة الللتي‬
‫توجدها وتساهم في تفاقمها وهي الربا‪.‬‬
‫ونتيجة لتعارض الفلسفة التي يقوم عليها الربللا مللع بدهيللة‬
‫الربح والخسارة فمن شأن ذلك مللع وجللود القللوانين الللتي‬
‫تحمي أموال الدائنين أن يؤدي إلى أن الموال التي يجللب‬
‫سدادها للمرابين تفوق الممتلكات التي لدى المقترضللين‪.‬‬
‫فللإذا كلان المللر شللديد الوضللوح بالنسللبة للشللخص الللذي‬
‫يقترض لغرض الستهلك ‪ -‬أي الستخدام النهائي ‪ -‬فإنه ل‬
‫يصعب إدراكه بالنسللبة للللذي يقللترض لغللراض السللتثمار‬
‫والتجار‪ .‬فلللو افترضلنا أن المسللتثمر اللذي يقللترض علللى‬
‫أساس الربا ناجح وشديد الحذر والحيطة في عدم الوقللوع‬
‫في مشكلة تأخير سداد الدين‪ ،‬فإنه يستطيع أن يفعل ذلك‬
‫لمدة سنة أو عشر سلنوات‪ ،‬لكللن ل بللد أن يحيللن الموعللد‬
‫الذي يعجز فيه عن الوفاء بجميع ما عليه مللن أمللوال دون‬
‫اللجللوء إلللى القللتراض مللرة أخللرى‪ .‬لن المللوال الربويللة‬
‫تلزداد وبأضلعاف مضلاعفة عللى اللدوام‪ ،‬بينملا المشلروع‬
‫الستثماري ليس كللذلك‪ .‬فحللتى فللي حللال تحقللق الربللاح‬
‫بصفة مستمرة إل أن نموها ليس مطردا ً على الدوام‪ .‬وما‬
‫عدم قدرة الحكومات في دول العالم الثالث علللى الوفللاء‬
‫بديونها في الوقات والتواريخ المحددة وسقوط كللثير مللن‬
‫الشركات الماليللة وغيرهللا فللي البلد المتقدمللة مللع تطللور‬
‫مستويات ديونها بصللورة مرعبللة إل دليللل علللى ذلللك‪ ،‬ثللم‬
‫جاءت هذه الحداث التي تعصف بنمللور آسلليا لتعضللد هللذا‬
‫القانون البدهي‪.‬‬

‫‪820‬‬
‫وكما ذكرت في غير هللذه المناسللبة)‪ (5‬فللإن فللرض سللعر‬
‫الفائدة )الربا( على النقود التي هي معيللار لتقللويم السلللع‬
‫والخدمات ابتداء يؤدي إلى كللل هللذه الضللطرابات وعللدم‬
‫الستقرار الذي تشهده القتصاديات المعاصرة وما سللبقها‬
‫من اقتصاد دول وإمبراطوريللات بنللي علللى أسللاس الربللا‪.‬‬
‫وقد وقعت على كلم نفيس لبن القيم ‪ -‬رحمه الللله ‪،(6)-‬‬
‫يؤكد هذه المسألة‪ ،‬فيقول مرجحا ً سبب ذكر النبي ‪ -‬صلى‬
‫الللله عليلله وسلللم ‪ -‬للللذهب والفضللة مللع بللاقي الصللناف‬
‫الربعة التي تحدثت عن ربللا الفضللل)‪ (7‬بعلللة الثمنيللة‪ ،‬أي‬
‫أنهللا أثمللان للمبيعللات‪ .." :‬فللإن الللدراهم والللدنانير أثمللان‬
‫المبيعللات‪ ،‬والثمللن هللو المعيللار الللذي بلله يعللرف تقللويم‬
‫المللوال‪ ،‬فيجللب أن يكللون محللددا ً مضللبوطا ً ل يرتفللع ول‬
‫ينخفض‪ ،‬إذ لو كان الثمن يرتفع وينخفض كالسلع لللم يكللن‬
‫لنا ثمن نعتبر به المبيعات‪ ،‬بل الجميع سلع‪ ،‬وحاجة النللاس‬
‫إلى ثمن يعتبرون به المبيعات حاجة ضرورية عامة‪ ،‬وذلللك‬
‫ل يمكن إل بسعر تعرف به القيمة‪ ،‬وذلك ل يكون إل بثملن‬
‫تقوم به الشياء‪ ،‬ويستمر على حالة واحللدة‪ ،‬ول يقللوم هللو‬
‫بغيره؛ إذ يصير سللعة يرتفلع وينخفلض‪ ،‬فتفسلد معلاملت‬
‫الناس‪ ،‬ويقع الخلف‪ ،‬ويشتد الضرر كمللا رأيللت مللن فسللاد‬
‫معاملتهم والضرر اللحق حين اتخذت الفلوس سلعة تعللد‬
‫للربح فعم الضرر وحصل الظلم ]وكما هو واقع في عالمنا‬
‫اليوم تحت مسمى المضاربات المالية[‪ ،‬ولللو جعلللت ثمن لا ً‬
‫واحدا ً ل يزداد ول ينقص بل تقوم به الشياء ول تقلوم هلي‬
‫بغيرها لصلح أمر الناس‪ ..‬فالثمللان ل تقصللد لعيانهللا‪ ،‬بللل‬
‫يقصد التوصل بهللا إلللى السللع‪ ،‬فللإذا صلارت فللي أنفسللها‬
‫سلعا ً تقصد لعيانها فسد أمر الناس‪ ،‬وهذا معنللى معقللول‬
‫يختص بالنقود ل يتعدى إلى سائر الموزونات" اهل‪.‬‬
‫هذه بعض أضرار الربا وآثاره كما نشاهدها ونعايشها‪ ،‬فمللا‬
‫بال أناس من بني جلللدتنا يفرضلون علينللا الربللا فللي عقلر‬
‫دارنا ويجعلونه ركنا ً أساسيا ً ل يتصللورون قيللام اقتصللاد ول‬
‫إحداث نهضة تنموية من غير العتماد عليه‪ ،‬وما بال بعللض‬
‫المشايخ يبيح الربا لولي أمره أو ل ينكر عليلله ذلللك لنلله –‬
‫حسللب تصللوره ‪ -‬ليللس هللو الربللا الللذي كللان سللائدا ً أيللام‬

‫‪821‬‬
‫جاهلية العرب عند بعثة النبي ‪ -‬صلى الللله عليلله وسلللم ‪،-‬‬
‫فاعتبر البنوك الربوية وأعمالها حلل ً مائة بالمللائة‪ ،‬وتهللاون‬
‫في القيام بفريضة المللر بللالمعروف والنهللي عللن المنكللر‬
‫حيال هذا الجرثوم العظيم الذي أضاع الكثير من مقللدرات‬
‫المة وثرواتها وكبل نمو اقتصادياتها‪ .‬ولن نقف طويل ً عنللد‬
‫ترهللات الللذين قللدموا تجللارب الغللرب والللدول السلليوية‬
‫ونهضتها القتصادية بحلوها ومرها نموذجا ً يجب تتبع خطلاه‬
‫في كل صغيرة وكبيرة دون النظر إلى ملا عنلد الملة ملن‬
‫ثوابت ثم عواقب ومآلت الضرار التي يحدثها تطبيق الربا‬
‫في اقتصاديات هذه الدول‪ ،‬فهذا الصنف من الناس لشللدة‬
‫ولللوعهم وتقليللدهم لنمللوذجهم المفضللل ل نظللن أنهللم‬
‫سيستخدمون عقولهم لدراك مللا نكتبلله أو يكتبلله غيرنللا إل‬
‫إذا حدث تغيير جذري في طريقة تفكيرهللم وتعللاملهم مللع‬
‫مثلهم العلى‪.‬‬
‫وأخيرا ً ما بال آخرين بدأوا يتسللاهلون فللي مسللألة الفتللاء‬
‫بجواز بعض صور الربا المحرمة‪ ،‬مثل القروض العقاريللة )‬
‫‪ (Mortgage‬أو "المورغج" اللعين علللى حللد تعللبير الللدكتور‬
‫علي السالوس ‪ -‬حفظلله الللله ‪ ،-‬وخاصللة فللي بلد الغللرب‬
‫بحجة الضرورة أو أن أبا حنيفة ‪ -‬رحمه الله ‪-‬أباح التعامللل‬
‫بالعقود الفاسدة في غير دار السلم‪.‬‬
‫لهؤلء وأولئك نقول‪ :‬اتقوا الله في هذه المة وفي ثوابتهللا‬
‫فللي مسللألة الربللا وغيرهللا مللن المسللائل العظللام فللإن‬
‫طريقكللم هللذا أحللدث بلبلللة عظيمللة وهللز كللثيرا ً مللن‬
‫المسلمات والقناعات لدى فئات كللثيرة مللن النللاس‪ .‬فللإن‬
‫كنتللم تتصللورون أن فللي المللر تيسلليرا ً وتسللهيل ً لحللل‬
‫المشاكل التي تعاني منها الجالية فللي بلد المهجللر نقللول‪:‬‬
‫ما هكذا يا سعد تورد البل‪ ،‬فإن كان ظاهر المللر مثللل مللا‬
‫تتصورون فإن حقيقته وعاقبته ومآله غير ذلك‪ ،‬لن مصللير‬
‫الربا إلى قل ومحق وإن عل وانتفش‪ .‬فل يزال فللي المللر‬
‫متسع وبدائل وإن كان كثير منهللا فيلله مشللقة وعنللت كمللا‬
‫يظهر لنا بتقديرنا نحن البشر المتأثرين بضغوط الواقع من‬
‫حولنا‪ ،‬فهذا أقل ما يمكن أن نصللبر علللى مشللاقة وتبعللاته‬
‫في زمن أصبح المتمسك فيه بدينه كالقابض على الجمللر‪.‬‬

‫‪822‬‬
‫وعلللى أيللة حللال لللي عللودة إن شللاء الللله لهللذا الموضللوع‬
‫لزيادة بيانه وتفصيله‪ ،‬فلعل الله ييسر أمر تنقيح ما عنللدي‬
‫من مادة وإخراجها في كتيب تعميما ً للفائدة وإبراء للذمة‪،‬‬
‫ول أملك إل أن أختم هذا الموضوع بما ختم الله به اليللات‬
‫التي تحدثت عن الربا في سورة البقللرة‪ ،‬فيقللول عللز مللن‬
‫قائل‪[ :‬واتقوا يوما ً ترجعون فيلله إلللى الللله ثللم تللوفى كللل‬
‫نفس ما كسبت وهم ل يظلمون] ]البقرة‪...[280:‬‬
‫‪----------------------------------------‬‬
‫)‪ – (1‬المحق‪ :‬النقص وذهاب البركللة‪ ،‬ومنلله محللاق القمللر‬
‫وهو انتقاصه‪ ،‬و [ يمحق الله الربا]‪ ،‬أي يستأصل الله الربا‬
‫فيذهب ريعه وبركته‪ ،‬وعن ابن عباس قال عند هذه اليللة‪:‬‬
‫"ل يقبللل الللله منلله صللدقة ول حج لا ً ول جهللادا ً ول صلللة"‪،‬‬
‫وروى ابن مسعود عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنلله‬
‫قللال‪" :‬إن الربللا وإن كللثر فعللاقبته إلللى قُللل" اهل ل ]لسللان‬
‫العرب‪ ،10/338 :‬القرطبي‪.[2/364 :‬‬
‫خللويز منللداد قللوله‪:‬‬‫)‪ – (2‬نقل القرطبي في تفسيره عللن ُ‬
‫"ولللو أن أهللل بلللد اصللطلحوا علللى الربللا اسللتحلل ً كللانوا‬
‫مرتدين‪ ،‬والحكم فيهم كللالحكم فللي أهللل الللردة‪ ،‬وإن لللم‬
‫يكن ذلك منهم استحلل ً جاز للمام محلاربتهم‪ ،‬أل تللرى أن‬
‫الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬قد أذن في ذلك فقال‪[ :‬فللأذنوا بحللرب مللن‬
‫الله ورسوله]‪ "..‬اهل ]القرطبي‪[2/364 :‬‬
‫)‪ – (3‬قال ‪ -‬تعالى ‪] :-‬فمن جاءه موعظة من ربه فللانتهى‬
‫فله ما سلف وأمره إلى الله‪ ،‬ومللن عللاد فللأولئك أصللحاب‬
‫النار هم فيها خالدون[ ]البقرة‪.[274 :‬‬
‫)‪ – (4‬الجامع لحكام القرآن‪ ،‬المجلد الثاني‪ ،‬الجزء الثالث‪،‬‬
‫ص ‪.364‬‬
‫)‪ – (5‬إعلم الموقعين‪ ،2/154 ،‬طبعة دار الجيل ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫)‪ – (6‬حول اضطرابات هذه الدول يراجللع مقالنللا‪" :‬وجهللة‬
‫نظر"‪ ،‬السنة‪ ،‬العدد ‪ ،70‬ص‪.47 – 42 :‬‬
‫)‪ – (7‬نقل ابن القيم عن المللام أحمللد ‪ -‬رحملله الللله ‪-‬أنلله‬
‫سئل عن الربا الذي لشك فيلله فقللال‪" :‬هللو أن يكللون للله‬
‫دين فيقول له‪ :‬أتقضي أم تربي؟ فإن لم يقضلله زاده فللي‬

‫‪823‬‬
‫المللال وزاده هللذا فللي الجللل" اهللل ]إعلم المللوقعين‪:‬‬
‫‪.[2/154‬‬
‫)‪ – (8‬يحتل هذا البنك المركز العاشر ضمن التسعة عشللر‬
‫بنكا ً الكبرى في اليابان‪ ،‬وقد أظهرت سجلته المالية حللتى‬
‫مارس ‪ 1997‬أن مجموع المبالغ المودعة عنده تصل إلللى‬
‫‪ 6.8‬تريليون ين )‪ 52.3‬مليار دولر(‪ ،‬أما مجموع القللروض‬
‫المشكوك فللي تحصلليلها فقللد بلللغ ‪ 934‬مليللار يللن )‪7،18‬‬
‫مليار دولر(‪.‬‬
‫)‪ – (9‬الفايننشيال تايمز ]‪.FT]، 25/11/1997‬‬
‫)‪ - (1‬مجلللة الكونوميسللت ‪ ،22/11/1997‬وقللد ذكللرت‬
‫الفايننشللال تللايمز بتاريللخ ‪ ،25/11/1997‬أن نتللائج نصللف‬
‫السنة المالية لثمانية مصارف قد تظهر أن قيمة القللروض‬
‫المشكوك في تحصيلها تصللل إلللى ‪ 9862‬مليللارين )‪75.9‬‬
‫مليار دولر(‪.‬‬
‫)‪ - (2‬نفس المرجع‪.29/11/1997 ،‬‬
‫)‪ – (3‬الكونوميست‪.29/11/1997 ،‬‬
‫)‪ - (4‬هذه العملية أدت إلى إغلق ‪ 747‬مؤسسللة قللروض‬
‫ومدخرات )‪ ،(Savings & Loans‬وقد كلفت هللذه العمليللة‬
‫دافعي الضرائب ‪ 91‬مليار دولر‪ ،‬وهو مبلغ أقل بكثير ممللا‬
‫كان يتوقعه المسؤولون الماليون‪.‬‬
‫)‪ – (5‬السنة‪ ،‬العداد‪.32 ،31 ،29 :‬‬
‫)‪ – (6‬إعلم الموقعين‪.2/156 :‬‬
‫)‪ – (7‬هو أحد أنواع الربا كمللا قسللمها الفقهللاء فللي غللالب‬
‫تصنيفاتهم‪.‬‬
‫================‬
‫‪ #‬البنوك السلمية ‪ V.s‬البنوك الربوية‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫الحمللد لللله رب العللالمين والصلللة ولسلللم علللى أشللرف‬
‫المرسلين محمد وعلى آله وصللحبه ومللن تبعهللم بإحسللان‬
‫إلى يوم الدين‬
‫وبعد‬

‫‪824‬‬
‫فإن في هذه الدراسة البسيطة ردود على تساؤلت بعللض‬
‫الخوة الفاضل حول الفرق بين البنوك السلمية والربوية‬
‫بالضللافة إلللى شللرح لبعللض المفللاهيم فللي فقلله الللبيوع‬
‫لنتعرف على أسباب التحريم في بعض المعاملت الماليللة‬
‫المعاصرة‬
‫لذلك سنقسم الموضوع كالتالي‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬الربا‬
‫*الربا في الفقه السلمي‬
‫*الربا في الدراسات القتصادية‬
‫*المضاربة‬
‫المبحث الثاني‪ :‬معاملت البنوك‬
‫*طبيعة عمل البنك‬
‫*هل تتدخل البنوك التجارية في العملية النتاجية؟‬
‫*ودائع البنوك عقد قرض )شرعا ً وقانونًا( مهم جدا ً‬
‫المبحث الثالث‪ :‬بعض العقود البديلة للقروض الربوية‬
‫*المضاربة‬
‫*الستصناع‬
‫*صكوك المقارضة‬
‫*المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك‬
‫المبحث الول‪ :‬الربا‬
‫الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات وأصلي وأسلللم علللى‬
‫نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬
‫وبعد ‪...‬‬
‫سوف نناقش في هذا المبحث مفهوم الربللا والدلللة عليلله‬
‫وبعض أضراره القتصادية‪ ،‬بالضافة إلى مفهوم المضللاربة‬
‫في الفقه السلللمي )وليللس مضللاربة البورصللة( والفللرق‬
‫بينها وبين القرض النتاجي الربوي‬
‫نبدأ على بركة الله‬
‫الربا في الفقه السلمي‬
‫ل‪ :‬في الكتاب الكريم‬ ‫أو ً‬
‫من المعلوم أن الربا لم يحرم إل في العهد المدني‪ ،‬إل أن‬
‫اليات في الكاتب الكريم منها ماهو مكي‪.‬‬

‫‪825‬‬
‫فقد جللاء ذكلر الربللا فللي سللورة اللروم )مكيللة( مللن بللاب‬
‫التدرج في تحريم الربا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬ ‫ل الن ّللا ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫مل َ‬ ‫ن رًِبا ل ِي َْرب ُوَا ْ فِللي أ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬ ‫يقول تعالى‪)) :‬وَ َ‬
‫ه الل ّل ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫جل َ‬ ‫ن وَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ريل ُ‬ ‫ن َزك َللاةٍ ت ُ ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُل ْ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ وَ َ‬ ‫فََل ي َْرُبوا ْ ِ‬
‫ن(( ]سورة الروم‪[39:‬‬ ‫ضعُِفو َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫فَُأول َئ ِ َ‬
‫من ُللوا َل‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ثم جاء التحريم في قوله تعللالى‪)) :‬ي َللا أي ّهَللا ال ّل ِ َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ن((‬ ‫حللو َ‬ ‫م ت ُْفل ِ ُ‬ ‫ه ل َعَل ّك ُل ْ‬ ‫ة َوات ُّقوا الل ّل َ‬ ‫ضاعََف ً‬ ‫م َ‬ ‫ضَعاًفا ُ‬ ‫ت َأك ُُلوا الّرَبا أ ْ‬
‫]سورة آل عمران‪[130:‬‬
‫وجاءت ئسلورة البقلرة بختلام هلذا التشلريع وبينلت سلوء‬
‫المنقلب لمن يتعامل بالربا واعتللبرته عللدوا ً لللله ولرسللوله‬
‫الكريم صلى الله عليه وسلم‬
‫ْ‬
‫م‬ ‫ما ي َُقللو ُ‬ ‫ن إ ِّل ك َ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن الّرَبا َل ي َُقو ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫يقول تعالى‪)) :‬ال ّ ِ‬
‫طان من ال ْملس ذ َلل َ َ‬
‫ملا‬ ‫م َقلاُلوا إ ِن ّ َ‬ ‫ك ِبلأن ّهُ ْ‬ ‫ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫شي ْ َ ُ ِ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬ ‫ذي ي َت َ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫جللاَءهُ‬ ‫ن َ‬ ‫مل ْ‬ ‫م الّرب َللا فَ َ‬ ‫حلّر َ‬ ‫ه ال ْب َي ْلعَ وَ َ‬ ‫ل الل ّل ُ‬ ‫حل ّ‬ ‫ل الّرَبا وَأ َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ال ْب َي ْعُ ِ‬
‫ة من ربه َفانتهى فَل َه ما سل َ َ َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬‫مُرهُ إ َِلى الل ّهِ وَ َ‬ ‫ف وَأ ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ََْ‬ ‫عظ َ ٌ ِ ْ َ ّ ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عاد َ فَأولئ ِ َ‬‫ُ‬
‫حل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن )‪ (275‬ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِل ُ‬ ‫م ِفيهَللا َ‬ ‫ب الّنارِ هُ ْ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫َ‬
‫ل ك َّفللارٍ أ َِثي لم ٍ )‬ ‫ب ك ُل ّ‬ ‫حل ّ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬ ‫ت َوالل ّ ُ‬ ‫صد ََقا ِ‬ ‫ه الّرَبا وَي ُْرِبي ال ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫صلَلةَ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬
‫موا ال ّ‬ ‫ت وَأقَللا ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صللال ِ َ‬ ‫مل ُللوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن ال ّ ِ َ‬ ‫‪ (276‬إ ِ ّ‬
‫م وََل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هلل ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫م وََل َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جُرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫كاةَ ل َهُ ْ‬ ‫وا الّز َ‬ ‫وَآت َ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ما ب َ ِْقل َ‬ ‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ن )‪َ (277‬يا أي َّها ال ّ ِ َ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫م ت َْفعَل ُللوا فَلأذ َُنوا‬ ‫ن ل َل ْ‬ ‫ن )‪ (278‬فَلإ ِ ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫م لؤ ْ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ن الّرَبا إ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م َل‬ ‫َ‬
‫وال ِك ُ ْ‬ ‫ملل َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫م ُرُءو ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫ن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫سول ِهِ وَإ ِ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫بِ َ‬
‫ن(( ]سورة البقرة‪[279-275:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن وََل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ت َظ ْل ِ ُ‬
‫وكما رأينا فإن في هذه اليلات الشللريفات ملا يقشلعر لله‬
‫البدن من سوء العاقبة لمن يأكل الربا‬
‫م‬ ‫ن َلل ْ‬ ‫تدبر أخي الكريم مرة أخرى في قوله عز وجل‪)) :‬فَإ ِ ْ‬
‫ْ‬
‫ه((‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫ت َْفعَُلوا فَأذ َُنوا ب ِ َ‬
‫لم يؤذن بحرب من الله ورسوله ل في الزنا ول في شرب‬
‫الخمر ول في القتل ول في السرقة‬
‫لم يأتي ذكر ذلك إل في الربا‬
‫وبعد ذلك‬
‫يا عبد الله أتجرؤ على محاربة الله ورسوله؟‬
‫يا عبد الله أل زلت تحل الربا بحجة أن مثله مثل البيع؟‬

‫‪826‬‬
‫ثانيًا‪ :‬في السنة الشريفة‬
‫جاءت السنة النبوية الشريفة لتؤكللد أن الربللا مللن الكبللائر‬
‫ومن الجرائم التي تهلك صاحبها‬
‫نجد في كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنللذري ثلثيللن‬
‫حديثا ً في الترهيب من الربا‬
‫منها ما رواه الشيخان وغيرهما أن رسول الله صلللى الللله‬
‫عليلله وسلللم قللال‪)) :‬اجتنبللوا السللبع الموبقللات‪ .‬قللالوا‪ :‬يللا‬
‫رسول الله وما هن؟ قال‪ :‬الشرك بللالله‪ ،‬والسللحر‪ ،‬وقتللل‬
‫النفس التي حرم الله إل بالحق‪ ،‬وأكللل الربللا‪ ،‬وأكللل مللال‬
‫اليتيم‪ ،‬والتولي يوم الزحف‪ ،‬وقللذف المحصللنات الغللافلت‬
‫المؤمنات((‬
‫وما رواه مسلم وغيره عن جابر بن عبد الله قللال‪)) :‬لعللن‬
‫رسول الله صلللى الللله عليلله وسلللم آكللل الربللا‪ ،‬ومللؤكله‪،‬‬
‫وكاتبه‪ ،‬وشاهديه‪ ،‬وقال‪ :‬هم سواء((‬
‫ومن هنا يتوجب علينا كمسلمين أن نجتنب الربللا وكللل مللا‬
‫يتعلق به ‪ ...‬ليس هذا فحسللب بللل كللل مللافيه شللبهة ربللا‬
‫لعظم عقوبته عند الله تعالى وخصوصا ً في زمننا هذا‬
‫تأمللل أخللي الكريللم أخللتي الكريمللة فللي هللذين الحللديثين‬
‫الشريفين والذان يصفان حال المة اليوم‬
‫يقول صلى الله عليه وسلم‪)) :‬ليأتين على الناس زمللان ل‬
‫يبالي المرء يما أخذ المللال أمللن الحلل أم مللن الحللرام((‬
‫رواه البخاري وأحمد وغيرهما‬
‫وتدبر معي هذا الحديث الذي يصف مللا فعلتلله بنللا البنللوك‬
‫الربوية في هذا الزمان‬
‫يقول صلى الله عليلله وسلللم‪)) :‬يللأتي علللى النللاس زمللان‬
‫يأكلون الربا‪ ،‬فمن لم يأكله أصابه من غباره(( وفي روايللة‬
‫))من بخاره(( أخرجه أحمد والنسائي‬
‫وبعد ذلك ‪ ...‬هل من مجال لكل الربا؟‬
‫مفهوم الربا المحرم‬
‫وهنا نأتي على مفهوم الربا المحرم من المصادر التالية‪:‬‬
‫في الكتاب‬
‫في السنة‬
‫في الجماع‬

‫‪827‬‬
‫لنكللون صللورة واضللحة عللن مفهللوم الربللا لمللن يحهللله أو‬
‫يحاجج بغير علم بأن الربا المحرم هو خلف ما عند البنوك‬
‫الربوية‬
‫وسنتناول ذلك بصورة سريعة‬
‫الربا في الكتاب‬
‫يقول الجصللاص فللي أحكللام القللرآن )‪ (465\1‬عنللد قللوله‬
‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مل َ‬‫ي ِ‬
‫مللا ب َِق ل َ‬ ‫مُنوا ات ُّقوا الل ّل َ‬
‫ه وَذ َُروا َ‬ ‫نآ َ‬‫تعالى‪َ)) :‬يا أي َّها ال ّ ِ َ‬
‫ن(( ]سورة البقرة‪[278:‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫الّرَبا إ ِ ْ‬
‫الربا الذي كللانت العللرب تعرفلله وتفعللله إنمللا كللان قللرض‬
‫الللدراهم والللدنانير إلللى أجللل‪ ،‬بزيللادة علللى مقللدار مللا‬
‫استقرض‪ ،‬على ما يتراضون له‪.‬‬
‫الربا في السنة‬
‫جللاءت السللنة المطهللرة لتؤكللد تحريللم ربللا الللديون الللذي‬
‫حرملله القللرآن الكريللم وتللبين أنلله مللن أكللبر الكبللائر‪ ،‬وأن‬
‫اللعنة تنزل على كل من اشترك في ارتكابه‬
‫طبعا ً كل ما سبق كان عن ربا النسيئة أي التأجيللل بالللدفع‬
‫كما يحصل في القروض الربوية في البنوك اليوم )تسللديد‬
‫القرض بالقساط وخلفه(‬
‫كما أن السنة بينت تحريم ربا الفضل أي الزيادة‬
‫يقول صلى الله عليه وسلللم‪)) :‬الللذهب بالللذهب‪ ،‬والفضللة‬
‫بالفضللة‪ ،‬والللبر بللالبر‪ ،‬والشللعير بالشللعير‪ ،‬والتمللر بللالتمر‪،‬‬
‫والملح بالملح‪ ،‬مثل ً بمثل‪ ،‬يدا ً بيد((‬
‫مثال‪:‬‬
‫شخص عنده دينار ورق ويبي خردة من فئة ‪ 100‬فلس‬
‫أعطيه الخردة وآخذ منه الدينار ولكنني أعطيه ‪ 900‬فلس‬
‫بحجة أن المئة الفلس الخرى فائدة لي‬
‫وقس على ذلك الذهب والفضة والتمللر والصللناف السللتة‬
‫الموجودة في الحديث‬
‫الربا في الجماع‬
‫أقوال العلماء كثيرة بهذا الصدد سللواء مللن المتقللدمين أو‬
‫المتأخرين‬
‫ويكفيني أن أذكر لكم قرار المجمع الفقهي سنة ‪ 1965‬م‬
‫‪:‬‬

‫‪828‬‬
‫))الفائدة على أنواع القروض كلها ربا ً محللرم ل فللرق فللي‬
‫ذلللك بيللن مللا يسللمى بللالقرض السللتهلكي ومللا يسللمى‬
‫بالقرض النتاجي((‬
‫و أقتبس من شيخي الدكتور علي السالوس هللذه العبللارة‬
‫تعليقا ً على قرار المجمع أعله‪:‬‬
‫وبعللد هللذه الفتللوى الجماعيللة يجللب أن تتوقللف الفتللاوى‬
‫الفرديللة‪ ،‬وأل نللبرر لنفسللنا التعامللل بالربللا لن فلنلا ً مللن‬
‫الناس قال‪ :‬إنه ليس ربا وإنه حلل!‬
‫الربا في الدراسات القتصادية‬
‫" أشللار بعللض مللن كتللب عللن فللوائد البنللوك وشللهادات‬
‫الستثمار إلى ضرورة الخذ برأي رجال القتصاد ‪-‬ما دمنللا‬
‫نبحللث فللي مسللألة إقتصللادية‪ -‬فل يكفللي أن نسللمع الراء‬
‫الفقهية‪ .‬والواقع أن هذه المسألة فيها جانبان‪:‬‬
‫*جللانب الحكللم الشللرعي؛ وهللذا مللن اختصللاص فقهللاء‬
‫الشريعة‪ ،‬سواء أوافقهم رجال القتصاد أم لم يوافقهم‪.‬‬
‫*والجللانب الخللر إقتصللادي؛ فهللو مللن اختصللاص علمللاء‬
‫القتصاد‪ ،‬يؤخذ برأيهللم مللادام ل يخللرج عللن دائرة الحلل‪.‬‬
‫فإذا ثبت من الحكم الشرعي أن نظاما ً اقتصاديا ً مللا يعتللبر‬
‫حرامًا‪ ،‬فعلللى علمللاء القتصللاد المسلللمين أن يبحثللوا عللن‬
‫البديل السلمي حتى ولو رأوا صلح هذا النظام المحرم‪".‬‬
‫وفي هذا الجزء من المبحلث الول )الربلا( نتنلاول مفهلوم‬
‫الربا عند القتصاديين‬
‫من المعروف أن الربا عند القتصاديين يسمى بالفائدة )أو‬
‫بسعر الفائدة(‬
‫وياللعجب !! فإن هذا المصطلح والللذي هللو جللزء ل يتجللزأ‬
‫من أي إقتصاد وضعي لطالما ارتبط بالمخاطر والسلبيات‪.‬‬
‫إليك مللا يقللوله الللدكتور محللروس أحمللد حسللن والللدكتور‬
‫رمضللان علللي الشللراح فللي كتللابهم )السللتثمار‪ :‬النظريللة‬
‫والتطبيق( بخصوص مخاطر سعر الفائدة‪:‬‬
‫تشير مخاطر سعر الفائدة إلللى إمكانيللة انخفللاض القيمللة‬
‫السوقية للوراق المالية كنتيجة لتغير أسللعار الفللائدة فللي‬
‫السوق‪.‬‬

‫‪829‬‬
‫نللاهيكم عمللا تسللببه الفللائدة مللن تضللخم ومللن سلللبيات‬
‫ومخاطر إقتصادية مترتبة عن هذا التضخم‪.‬‬
‫وهنللا سللنتناول وبشللكل مختصللر جللدا ً خلصللة دراسللتين‬
‫إقتصلللاديتين بخصلللوص الربلللا )الفلللائدة(‪ ،‬إحلللدى هلللذه‬
‫الدراستين للدكتور رفعت العوضي ‪-‬الستاذ بكلية التجللارة‬
‫بجامعة الزهر‪ -‬والخرى هي لجوهللان فيليللب مزايهرفللون‬
‫بتمللان ‪-‬مللدير بنللك ألمللاني فللي فرانكفللورت‪ -‬وقللد رشللح‬
‫لجائزة نوبل في القتصاد‪.‬‬
‫رؤية إقتصادية لتحريم الربا )د‪ .‬رفعت العوضي(‬
‫يري الللدكتور رفعللت العوضللي أنلله لبللد مللن تقللديم بللديل‬
‫للقتصاد الربوي بدل ً من مجرد تسللجيل النتقللادات عليلله‪،‬‬
‫كما أنه يرى بأن القتصاديين الذين انتقدوا فعاليللة الفللائدة‬
‫كان انتقادهم به ثغرتين‪:‬‬
‫الثغرة الولى‪ :‬أنهم ساقوا هذه النتقادات مبعثرة ومفرقة‬
‫وغير مربوطة معًا‪.‬‬
‫وقد عالج ذلك في دراسته وبشكل شمولي‪.‬‬
‫الثغرة الثانية‪ :‬التي كانت في عمل القتصاديين هللي أنهللم‬
‫‪-‬مع تسجيلهم للنتقادات على الفائدة‪ -‬لم يضعوا القتصللاد‬
‫الربوي كله موضع تساؤل ولهذا لم يقدموا البديل‪.‬‬
‫أما في دراسللته فقلد أتلاحت لهلا النظلرة الكليللة أن تضللع‬
‫القتصاد الربوي كله موضع تساؤل‪.‬‬
‫وهنا نلخص دراسة الدكتور العوضي في خمس نقاط‪:‬‬
‫‪ -1‬أن التحليل القتصادي قللد تخلللى عللن الفللائدة‪ .‬ويعنللي‬
‫ذلك أننا في مجال التحليللل القتصللادي النظللري ل نرتبللط‬
‫بالفائدة‪ .‬وإذا أشرنا إليها فإن ذلك إنمللا يجيللء فللي تعليللم‬
‫المعلومة القتصادية‪.‬‬
‫‪ -2‬أن القتصللاديات حيللن تللواجه أزمللة إقتصللادية‪ ،‬فللإن‬
‫القتصاديين ل يزيللدون فللي المطالبللة بإلغلاء دور الفللائدة‪،‬‬
‫وقد حدث هذا لمواجهة أكبر أزمة إقتصادية مللرت بالعللالم‬
‫الرأسمالي وكان ذلك في عام ‪ 1930‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬أنللله ثبلللت أن إقتصلللاديات البلد ل تسلللتجيب فيهلللا‬
‫المتغيرات القتصادية للمتغيرات في الفائدة‪ ،‬ويعنللي ذلللك‬
‫عدم فعالية الفائدة في هذه القتصاديات‪.‬‬

‫‪830‬‬
‫‪ -4‬أثبتللت الدراسللات التطبيقيللة أن رؤوس المللوال الللتي‬
‫تتعامللل بالربللا تنقللص قيمتهللا الحقيقيللة‪ .‬وثبللت ذلللك فللي‬
‫الدراسات التي عملت عن الدخارات النفطية‪ .‬وقد اقللترح‬
‫القتصللاديون أنفسللهم أنلله لضللمان عللدم تنللاقص القيمللة‬
‫الحقيقية لرؤوس الموال هذه أن يكون أسلوب استثمارها‬
‫هو المشاركة‪ .‬وهم ‪-‬بذلك‪ -‬وصلوا إلى ما قال بلله السلللم‬
‫منذ خمسة عشر قرنًا‪.‬‬
‫‪ -5‬اسلللتنتجنا فلللي الدراسلللة عناصلللر إقتصلللادية للمنهلللج‬
‫السللمي فلي تشلغيل رأس الملال‪ ،‬وهلي عناصلر تجعلل‬
‫القتصاديات التي تدار وفق المنهج السلمي فللي تشللغيل‬
‫رأس المال تتقدم تقدما ً إقتصاديا ً حقيقيًا‪.‬‬
‫كارثة الفائدة )جوهان فليب بتمان(‬
‫قدم جوهان فليب بتمان دراسة متكاملة عن كارثة الفائدة‬
‫في كتاب يحمل السم ذاته‪ ،‬وقد شرح في البواب السللتة‬
‫لهللذا الكتللاب شللرحا ً علمي لا ً مفص لل ً عمللا سللببه القتصللاد‬
‫المرتبط بالفائدة مللن كللوارث لللن نلحظهللا إل فللي وقللت‬
‫يكون قد فات فيه الوان‪.‬‬
‫أقتبللس وباختصللار ماجللاء علللى لسللانه وبترجمللة السللتاذ‬
‫الدكتور أحمللد النجللار رحملله الللله تعللالى بتصللرف بسلليط‬
‫مني‪:‬‬
‫كارثة الفائدة‪ :‬ماهيتها‬
‫على غرابة التشبيه فإنني أقول أنه كمللا تقلللل الميللاه مللن‬
‫صفاء وقوة وتركيز عصير البرتقال أو الحليب‪ ،‬فإن ارتفلاع‬
‫الفائدة يقلل من قيمة العملة‪.‬‬
‫كلما ارتفعت الفائدة كلما تدهور النقد‪ ،‬فكمللا يللؤدي المللاء‬
‫إلى رداءة عصير البرتقال أو الحليللب‪ ،‬تللؤدي الفللائدة إلللى‬
‫رداءة النقود‪.‬‬
‫قد يبللدو المللر أننللا نسللوق تعللبيرات أدبيللة أو أنللن نبسللط‬
‫المسألة ونسطحها‪ ،‬ولكن الحقيقة أن هذه العبارة السهلة‬
‫البسيطة هللي فللي الواقللع معادلللة سللليمة وصللحيحة تللدل‬
‫عليها التجربة ويمكن إثباتها‪ ،‬وهذا هو موضوع الدراسة‪.‬‬

‫‪831‬‬
‫الفائدة العالية تدمر قيمة النقود وتنسللف أي نظللام نقللدي‬
‫ما دامت تزيد كل يللوم‪ ،‬وتتوقللف سللرعة التللدمير وحجملله‬
‫على مقدار الفائدة ومدتها‪.‬‬
‫ولكن ما هي الفائدة العالية؟ ومتى يمكن اعتبارها عالية؟‬
‫من البديهي أن ‪ %12‬أعلى من ‪ %10‬ولكن هل الللل ‪%10‬‬
‫رقم عال؟ أم أنه عال جدًا؟ أم أنه يتجاوز المعقول؟‬
‫سؤال ل يمكن الجابة عليه إل إذا وجلدنا مقياسلا ً فمللا هلو‬
‫المقياس لمقدار الفائدة المناسب؟‬
‫المقيللاس هللو إنتاجيللة القتصللاد القللومي‪ ،‬أي‪ :‬هللو القيمللة‬
‫المضافة‪ ،‬أو الزيادة في النتاج‪ ،‬أو قيمة الصول الموجودة‬
‫في المجتمع‪ ،‬والناشللئة عللن تشللغيل رأس المللال النقللدي‬
‫)النقود( في هذا المجتمع‪ .‬أي الربح الناشئ عن اسللتخدام‬
‫النقود في نشاط منتج‪.‬‬
‫فكل الفوائد تعتبر عالية إذا زادت عن معدل النتاجية فللي‬
‫المجتمع‪ ،‬أي إذا زادت عن القيمة المضافة أو عما أضللافه‬
‫استخدام النقود من زيادة حقيقة في النتاج‪.‬‬
‫فحيثما يحدث ذلك؛ فمقدار الفائدة يعتبر مرتفعللًا‪ ،‬ومعنللى‬
‫ذللللك أن النقلللود تتكللللف أكلللثر مملللا تحققللله ملللن ناتلللج‬
‫إستخدامها‪.‬‬
‫من المسؤول؟‬
‫المسؤول هو السياسة‪ ،‬وصانعو السياسللة بقراراتهللم غيللر‬
‫المسؤولة التي أساءوا من خللها إلى النقود واستعمالتها‪،‬‬
‫هم السبب وهم الللذين يتحملللون المسللؤولية‪ .‬ولكللن آثللار‬
‫الكارثة التي سببوها غير موزعة بالتساوي‪.‬‬
‫لقد تعب القتصاديون من محاولت امتصاص وتقليل كمية‬
‫النقود‪ .‬فالكمية تزداد بللالرغم مللن المحللاولت المسللتمرة‬
‫للحد منها وعلى الخص مع استمرار زيادة الفائدة‪.‬‬
‫إن ارتفللاع الفللائدة مثللل تللدفق المللاء الللذي يعقللب انهيللار‬
‫السد‪ ،‬والذي يزيد من آثار الفيضان الناشللئ عللن انهيللاره‪،‬‬
‫والذي نعنيه اليوم هو فيضان نقدي وكارثة غرق في النقود‬
‫الرديئة‪.‬‬
‫والسبب هلو الفلائدة‪ ،‬فهلي أساسلا النهيلار‪ ،‬إنهيلار السلد‬
‫وزيادة كارثة الغرق‪ .‬فالكارثة كان من الممكن تفاديهللا لللو‬

‫‪832‬‬
‫اتبعنللا سياسللة إقتصللادية أخللرى‪ .‬سياسللة نقديللة أسلللم‬
‫وأصوب‪.‬‬
‫المضاربة‬
‫للمضاربة في الفقه السلللمي معنللى مختلللف تمام لا ً عللن‬
‫معناها الدارج عند المضاربين في أسواق المال‪.‬‬
‫وتسللمى أيضلا ً بللالِقراض )بكسللر القللاف(‪ ،‬وتسللمى أيضلا ً‬
‫بمعاملة‪.‬‬
‫وجاءت تسللمية المضللاربة مللن الضللرب فللي الرض )وهللو‬
‫السفر للتجارة(‬
‫مللن‬‫ن ِ‬‫ض ي َب ْت َغُللو َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن فِللي الْر ِ‬‫ض لرُِبو َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫خُرو َ‬ ‫يقول تعالى‪َ)) :‬وآ َ‬
‫ه(( ]المزمل‪[20:‬‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫فَ ْ‬
‫ض ِ‬
‫والمضاربة أحلها السلم وجاء فيها إجماع السلف وإجمللاع‬
‫المجامع الفقهية ويتجلللى ذلللك بقرارهللم الخللاص بصللكوك‬
‫المقارضة بديل ً عن السندات الربوية‪.‬‬
‫يقول ابن حزم عن الجماع حول المضاربة‪:‬‬
‫"إجماع صحيح مجرد‪ ،‬والذي يقطع به أنه كللان فللي عصللر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فعلم به وأقره ولول ذلك لمللا‬
‫جاز‪".‬‬
‫كما أكد على ذلك شلليخ السلللم ابللن تيميللة فللي مجمللوع‬
‫الفتاوى )‪(192\19‬‬
‫مفهوم المضاربة‬
‫تعريف المضاربة باختصار كمللا جللاء فللي )الللروض المربللع‬
‫‪-‬شرح زاد المستقنع( هو كالتالي‪:‬‬
‫جر( أي لمن يتجللر بلله )ببعللض ربحلله(‬ ‫مت َ ِ‬
‫دفع مال معلوم )ل ُ‬
‫أي بجزء معلوم مشاع منه كما تقدم‪.‬‬
‫وبصورة أبسط‪:‬‬
‫ل‪ ،‬وتعطللي هللذا المللال لمللن يتللاجر بلله‬ ‫تصور أنك تملك ما ً‬
‫وتقتسمون الربح بينكم بنسبة متفق عليها‪.‬‬
‫فإذا كانت نتيجة هذه التجارة هي الخسارة أو عدم الربللح‪،‬‬
‫فإن المضارب )الذي يتاجر بالمال( ل يأخذ أجللرًا‪ ،‬ولكنلله ل‬
‫يعوض صاحب رأس المال أيضًا‪.‬‬

‫‪833‬‬
‫أي أن صاحب رأس المال هو الضامن طالما أن المضارب‬
‫لم يقصر ولم يفرط ولم يخن المانة ولم يخالف الشروط‬
‫)إن كانت هنالك شروط(‪.‬‬
‫القرض النتاجي الربوي وشركة المضاربة‬
‫وأقتبللس هنللا مللا جللاء فللي )موسللوعة القضللايا الفقهيللة‬
‫المعاصرة والقتصاد السلمي(‬
‫"الفرق بين القرض النتاجي الربوي وشركة المضاربة‪ ،‬أن‬
‫القرض يحدد له فللائدة ربويللة للمبلللغ المقللترض‪ ،‬والزمللن‬
‫الذي يستغرقه القرض‪ ،‬كأن يكون ‪ %10‬مللن رأس المللال‬
‫سنويا ً بغض النظر عما ينتج عللن هللذا القللرض مللن كسللب‬
‫كثير أو قليل أو خسارة‪.‬‬
‫أما في المضاربة فالربح الفعلي يقسم بيللن صللاحب رأس‬
‫المال والمضارب بنسبة متفق عليها‪ ،‬والخسارة مللن رأس‬
‫المال وحده‪ ،‬ول يأخذ العامل شيئا ً في حالة الخسللارة‪ ،‬ول‬
‫في حالة عدم وجود ربح‪.‬‬
‫والعلقللة بيللن صللاحب القللرض وآخللذه ليسللت مللن بللاب‬
‫الشراكة‪ ،‬فصاحب القرض له مبلغ معين محللدد‪ ،‬ول شللأن‬
‫له بعمل مللن أخللذ القللرض‪ ،‬ومللن أخللذ القللرض يسللتثمره‬
‫لنفسلله فقللط‪ ،‬حيللث يملللك المللال ويضللمن رد مثللله مللع‬
‫الزيللادة الربويللة‪ ،‬فللإن كسللب كللثيرا ً فلنفسلله‪ ،‬وإن خسللر‬
‫تحمل وحده الخسارة‪.‬‬
‫أما المضاربة فهللي شللركة فيهللا المغنللم والمغللرم للثنيللن‬
‫معًا‪ .‬فالمضارب ل يملك المال الللذي بيللده وإنمللا يتصللرف‬
‫فيه كوكيل عن صاحب رأس المال‪ ،‬والكسب ‪-‬مهما قل أو‬
‫كثر‪ -‬يقسم بينهما بالنسبة المتفللق عليهللا‪ ،‬وعنللد الخسللارة‬
‫يتحمللل صللاحب رأس المللال الخسللارة الماليللة‪ ،‬ويتحمللل‬
‫العامل ضياع جهده وعمله‪ ،‬ول ضمان على المضارب كمللا‬
‫ذكرنا‪".‬‬
‫المضاربة أساس العمل المصرفي السلمي‬
‫فجميللع العقللود الخاصللة بللالودائع وحسللابات التللوفير هللي‬
‫عقود مضاربة‪ ،‬وما هذه الرباح المحققة مللن قبللل البنللوك‬
‫السلمية على الودائع )كبيت التمويل مثل ً ‪ (%8.4‬إل نتاج‬
‫المضاربة‬

‫‪834‬‬
‫فالعقد هنا يتللم بيللن طرفيللن‪ ،‬الطللرف الول هللو العميللل‪،‬‬
‫والطللرف الثللاني هللو البنللك السلللمي بصللفته شخصللية‬
‫إعتبارية‪.‬‬
‫وقد جاء تعريف الشخصية العتبارية فللي كتللاب‪ :‬المللدخل‬
‫إلى فقه المعاملت المالية للسللتاذ دكتللور محمللد عثمللان‬
‫شبير‪ ،‬كما يلي‪:‬‬
‫"الشخصية العتبارية تعني اعتبار المنشأة التي ترمي إلى‬
‫هدف معين شخصا ً مستقل ً عن أشخاص المكللونين لهللا أو‬
‫القائمين عليها‪ .‬بحيث تكون لها ذمة مالية خاصة ومستقلة‬
‫عللن هللؤلء الشللخاص‪ ،‬تسللتطيع بواسللطتها أن تتملللك‬
‫وتتعاقللد‪ ،‬وأن تكللون دائنللة ومدينللة‪ ،‬وأن تلللتزم بللالحقوق‪،‬‬
‫وتلتزم بالواجبات مثل الشخص الطبيعي‪".‬‬
‫فتوى مجمع البحوث السلمية بإباحة فوائد المصارف‬
‫الصادرة في ‪ 23‬من رمضللان ‪1423‬هل ل الموافللق ‪ 28‬مللن‬
‫نوفمبر ‪2002‬م‬
‫الذين يتعاملون مع بنك الشركة المصرفية العربية الدوليللة‬
‫أو مللع غيللره مللن البنللوك‪ ،‬ويقومللون بتقللديم أمللوالهم‬
‫ومدخراتهم إلى البنلك ليكلون وكيل عنهلم فلي اسلتثمارها‬
‫في معاملته المشروعة مقابللل ربللح يصللرف لهللم ويحللدد‬
‫مقللدما فللي مللدد يتفلق مللع المتعللاملين معلله عليهلا؛ هلذه‬
‫المعاملة بتلك الصورة حلل ول شللبهة فيهللا؛ لنله للم يللرد‬
‫نص في كتاب الله أو من السنة النبوية بمنع هذه المعاملة‬
‫الللتي يتللم فيهللا تحديللد الربللح أو العللائد مقللدما‪ ،‬مللا دام‬
‫الطرفان يرتضيان هذا النوع من المعاملة‪.‬‬
‫قال الله تعالى‪":‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكللم‬
‫بالباطللل إل أن تكللون تجللارة عللن تللراض منكللم" سللورة‬
‫النساء‪ :‬الية ‪.29‬‬
‫أي‪ :‬يا من آمنتم بالله حللق اليمللان ل يحللل لكللم ول يليللق‬
‫بكم‪ ،‬أن يأكل بعضللكم مللال غيللره بللالطرق الباطلللة الللتي‬
‫حركها الله – تعللالى – كالسللرقة‪ ،‬أو الغصللب‪ ،‬أو الربللا‪ ،‬أو‬
‫غير ذلللك ممللا حرملله الللله – تعللالى – لكللن يبللاح لكللم أن‬
‫تتبادلوا المنافع فيما بينكم عن طريق المعللاملت الناشللئة‬
‫عن التراضي الللذي ل يحللل حرامللا ول يحللرم حلل‪ ،‬سللواء‬

‫‪835‬‬
‫كان هذا التراضي فيما بينكم عن طريق التلفظ أم الكتابة‬
‫أم الشارة أم بغير ذلك مما يدل علللى الموافقللة والقبللول‬
‫بين الطرفين‪.‬‬
‫ومما ل شك فيه أن تراضي الطرفيللن علللى تحديللد الربللح‬
‫مقدما من المور المقبولة شللرعا وعقل حللتى يعللرف كللل‬
‫طرف حقه‪.‬‬
‫ومن المعروف أن البنللوك عنللدما تحللدد للمتعللاملين معهللا‬
‫هذه الربللاح أو العللوائد مقللدما‪ ،‬إنمللا تحللددها بعللد دراسللة‬
‫دقيقللة لحللوال السللواق العالميللة والمحليللة وللوضللاع‬
‫القتصادية فللي المجتمللع ولظللروف كللل معاملللة ولنوعهللا‬
‫ولمتوسط أرباحها‪.‬‬
‫ومللن المعللروف كللذلك أن هللذا التحديللد قابللل للزيللادة‬
‫والنقص‪ ،‬بدليل أن شهادات الستثمار بدأت بتحديد العللائد‬
‫‪ %4‬ثم ارتفع هذا العائد إلى أكثر من ‪ %15‬ثم انحف الن‬
‫إلى ما يقرب من ‪.%10‬‬
‫والذي يقوم بهذا التحديد القابللل للزيللادة أو النقصللان‪ ،‬هللو‬
‫المسئول عن هذا الشللأن طبقللا للتعليمللات الللتي تصللدرها‬
‫الجهة المختصة في الدولة‪.‬‬
‫ومن فوائد هذا التحديد – لسيما في زماننا هذا الللذي كللثر‬
‫فيه النحراف عن الحللق والصللدق – أن فللي هللذا التحديللد‬
‫منفعللة لصللاحب المللال ومنفعللة – أيضللا – للقللائمين علللى‬
‫إدارة هذه البنوك المستثمرة للموال‪ ،‬فيه منفعة لصللاحب‬
‫المللال‪ ،‬لنلله يعرفلله حقلله معرفللة خاليللة عللن الجهالللة‪،‬‬
‫وبمقتضى هذه المعرفة ينظم حياته‪.‬‬
‫وفيلله منفعللة للقللائمين علللى إدارة هللذه البنللوك‪ ،‬لن هللذا‬
‫التحديد يجعلهم يجتهدون في عملهم وفي نشللاطهم حللتى‬
‫يحققوا ما يزيد على الربح الللذي حللددوه لصللاحب المللال‪،‬‬
‫وحللتى يكللون الفللائض بعللد صللرفهم لصللحاب المللوال‬
‫حقوقهم‪ ،‬حقا خالصا لهم في مقابل جدهم ونشاطهم‪.‬‬
‫وقد يقال‪ :‬إن البنوك قد تخسر فكيللف تحللدد هللذه البنللوك‬
‫للمستثمرين أموالهم عندها الرباح مقدما؟‬
‫والجواب‪ :‬إذا خسرت البنوك في صفقة ما فإنها تربح فللي‬
‫صفقات أخرى‪ ،‬وبذلك تغطي الرباح الخسائر‪.‬‬

‫‪836‬‬
‫ومع ذلك فإنه في حالة حدوث خسارة فإن المر مره إلى‬
‫القضاء‪.‬‬
‫والخلصة أن تحديد الربح مقدما للذين يستثمرون أموالهم‬
‫عن طريق الوكالة الستثمارية في البنللوك أو غيرهللا حلل‬
‫ول شللبهة فللي هللذه المعاملللة فهللي مللن قبيللل المصللالح‬
‫المرسلة وليسللت مللن العقللائد أو العبللادات الللتي ل يجللوز‬
‫التغيير أو التبديل فيها‪ .‬وبناء على مللا سللبق فللإن اسللتثمار‬
‫الموال لدى البنوك التي تحدد الربح أو العائد مقدما حلل‬
‫شرعا ول بأس به والله أعلم‪.‬‬
‫أول ً إليك أخي الفاضل أسماء الذين كانوا أعضللاء المجمللع‬
‫في اجتماعهم الذي أقروا فيه بالربا‪:‬‬
‫اقتباس‪:‬‬
‫‪ 1‬ل الدكتور محمد سيد طنطاوي‪ ،‬أستاذ التفسللير بجامعللة‬
‫الزهر‪ ،‬وشيخ الزهر الحالي‪.‬‬
‫‪ 2‬ل الدكتور محمود حمدي زقزوق‪ ،‬أستاذ الفلسفة‪ ،‬خريللج‬
‫ألمانيا‪ ،‬ووزير الوقاف‪.‬‬
‫‪ 3‬ل الدكتور عمر هاشم‪ ،‬أسللتاذ الحللديث بللالزهر‪ ،‬ورئيللس‬
‫جامعة الزهر‪.‬‬
‫‪ 4‬ل الدكتور أحمد الطيب‪ ،‬أستاذ الفلسللفة وخريللج جامعللة‬
‫سوربون‪ ،‬مفتي مصر‪.‬‬
‫‪ 5‬ل الدكتور محمد الراوي‪ ،‬أستاذ التفسير والحديث‪.‬‬
‫‪ 6‬ل الدكتور عبدالمعطي بيللومي‪ ،‬أسلتاذ الفلسللفة‪ ،‬وعميلد‬
‫كلية أصول الدين بجامعة الزهر‪.‬‬
‫‪ 7‬ل الدكتور طه أبو كريشة‪ ،‬نائب رئيس جامعة الزهر‪.‬‬
‫‪ 8‬ل الدكتور عبدالرحمن العدوي‪ ،‬عميد كلية أصللول الللدين‬
‫السابق وعضو مجلس الشعب‪.‬‬
‫‪ 9‬للل المستشللار بللدر المنيللاوي‪ ،‬عضللو مجمللع البحللوث‬
‫السلمية‪.‬‬
‫‪ 10‬ل الدكتور محمد إبراهيم الفيومي‪ ،‬عضو مجمع البحوث‬
‫السلمية‪.‬‬
‫‪ 11‬ل الدكتور محمد رجب الفيومي‪ ،‬عضو مجمللع البحللوث‬
‫السلمية‪.‬‬

‫‪837‬‬
‫‪ 12‬ل الدكتور محمد رأفت عثمان‪ ،‬أسللتاذ الفقلله المقللارن‪،‬‬
‫وعميللد كليللة الشللريعة والقللانون بللالزهر سللابقا ً )عللارض‬
‫الفتوى ورفضها(‪.‬‬
‫‪ 13‬لل الللدكتور عبللدالفتاح الشلليخ‪ ،‬أسللتاذ الفقلله والصللول‬
‫وعميللد كليللة الشللريعة والقللانون بللالزهر سللابقا ً )عللارض‬
‫الفتوى ورفضها(‪.‬‬
‫‪ 14‬ل الدكتور حسن عباس زكي‪ ،‬رئيس مجلس إدارة بنللك‬
‫الشركة المصرفية العربية الدولية‪ ،‬والمستفتي‪.‬‬
‫ولحظ آخر إسم ‪....‬‬
‫رئيس مجلس إدارة بنك ربوي والهم من ذلللك هللو نفسلله‬
‫المستفتي‬
‫هذا أول‬
‫ثانيا ً‬
‫جميللع أعضللاء المجمللع فللي تاريللخ القللرار والمللذكورة‬
‫أسللماؤهم أعله مللن دولللة واحللدة ممللا يفتللح المجللال‬
‫لتسييس قرار المجمع‪.‬‬
‫والصل في المجامع الفقهية أنها تجمع الفقهاء مللن شللتى‬
‫القطللار السلللمية وهللم بالفعللل أعضللاء ‪ ...‬فلمللاذا تللم‬
‫استبعادهم عن هذا القرار‬
‫ثالثا ً ‪:‬‬
‫لتجد في قرار المجمع أي نص من الكتاب والسنة ما يبيح‬
‫الربا‬
‫النص الوحيد المذكور من القرآن الكريم هي الية ‪ 29‬من‬
‫سورة النساء ول علقة لها بالربا‬
‫بينما اليات التي تكلمت عللن الربللا كللانت واضللحة لتقبللل‬
‫الجدال‬
‫رابعًا‪ :‬وهذي مهمة جدا ً‬
‫قرار المجمع الفقهي استند بالكامللل علللى كتللاب الللدكتور‬
‫سيد محمد طنطاوي الذي ترأس المجمع آنذاك‬
‫وقد احتج بكتابه على تسعة أدلة رد عليهللا السللتاذ محمللد‬
‫عبد اللطيف البنا مشكورا ً ردا ً علميا ً بحجة دامغة‬
‫اقتباس‪:‬‬
‫الربا‪ ..‬سجالت التحريم والباحة‬

‫‪838‬‬
‫مناقشة أدلة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي‬
‫محمد البنا‬
‫‪20/12/2002‬‬
‫سبق أن ذكرنا الظللروف الللتي دعتنللا إلللى الوقللوف علللى‬
‫ورقة شيخ الزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي‪ ..‬حيث إنها‬
‫وفرت السلاس اللذي اسلتندت إليله جلسلة المجملع فلي‬
‫الخروج بفتواها المنصوص عليها سالًفا‪.‬‬
‫ولما كانت معالجة الللدكتور محمللد سلليد طنطللاوي أشللمل‬
‫ل‪ ،‬كان من الفضل التعللاطي معهللا هللي؛ إذ فللي‬ ‫وأوفر دلي ً‬
‫تناولها تنللاول لفتللوى الجلسللة المللذكورة لمجمللع البحللوث‬
‫السلمية‪ .‬ولنبدأ بفحص الدلة التي وفرها الللدكتور محمللد‬
‫سيد طنطاوي‪.‬‬
‫الدليل الول‪:‬‬
‫المقولة الولى لفضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي هللي‪:‬‬
‫ما أو عدم التحديد ليسللت مللن‬ ‫إن مسألة تحديد الربح مقد ً‬
‫العقائد أو العبادات التي ل يجللوز التغييللر أو التبللديل فيهللا‪،‬‬
‫وإنما هللي مللن المعلاملت القتصلادية الللتي تتوقللف عللى‬
‫تراضي الطرفين‪.‬‬
‫ما مللن المعللاملت الللتي‬ ‫إذا كانت مسألة تحديد الربح مقد ً‬
‫يجوز فيها التغيير والتبديل؛ فل بد من تحديد بعللض النقللاط‬
‫أول من خلل هذا الدليل‪:‬‬
‫ما‪.‬‬
‫* المقصود بتحديد الربح مقد ً‬
‫* المعاملت التي يجوز فيها التغيير والتبديل‪.‬‬
‫* تراضي الطرفين‪.‬‬
‫ما‪:‬‬
‫)أ( المقصود بتحديد الربح مقد ً‬
‫إذا كللان فضلليلته يقصللد بلله التحديللد الللذي يتللم فللي عقللد‬
‫المضاربة أو القراض؛ بمعنى أن يحللدد للله مللن الربللح مثل‬
‫النصف أو الثلث أو على ما يتراضون به فنعم‪.‬‬
‫وإن كان يقصللد بلله تحديللد نسللبة قللدرها مثل )‪ (%10‬أو )‬
‫‪ (%15‬أو أكثر أو أقل‪ ،‬يأخللذها مللن إنسللان أو مصللرف أو‬
‫دولة أو أي أحد مع ضمان رأس المال‪ ،‬فهذه الزيادة علللى‬
‫رأس المللال جللاءت دون مقابللل ودون ضللمان‪ (1).‬فهللذا‬
‫المبلغ قرض جر نفعا بشرط مسبق‪ ،‬فهو ربللا‪ ،‬ويؤكللد هللذا‬

‫‪839‬‬
‫أن المقرض ل يعنيه فيم يسللتثمر المصللرف مللاله؟ ولكللن‬
‫الذي يعنيه أنه سيأخذ في السنة‪ ،‬أو في مدة معينللة زيللادة‬
‫قدرها كذا‪ ،‬خسر ماله أم ربح‪ ،‬وتحديد الربح بهذه الكيفيللة‬
‫ربا‪.‬‬
‫ما‪ -‬شللرط بيللن‬ ‫وهذه الزيادة ‪-‬الناتجة عن تحديد الربح مقد ً‬
‫المقرض والمستقرض‪ ،‬وهو ربا‪ ،‬والدلة على ذلللك كللثيرة؛‬
‫فالله تعالى يقول في كتابه‪} :‬فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب‬
‫مللن الللله ورسللوله وإن تبتللم فلكللم رءوس أمللوالكم ل‬
‫تظلمون ول تظلمون{‪ (2).‬أي لكللم رءوس أمللوالكم دون‬
‫زيادة مشروطة أو غير مشروطة‪.‬‬
‫وهذا ما قاله الجصاص في أحكام القرآن‪" :‬معلللوم أن ربللا‬
‫الجاهلية إنما كان قرضا مؤجل بزيللادة مشللروطة؛ فكللانت‬
‫الزيلادة بلدل ملن الجلل‪ ،‬فلأبطله اللله تعلالى"‪ (3).‬وقلال‬
‫ضللا‪" :‬ربللا الجاهليللة هللو القللرض المشللروط فيلله الجللل‬ ‫أي ً‬
‫وزيادة المال على المستقرض"‪(4).‬‬
‫وحكللى ابللن قدامللة فللي "المغنللي" الجمللاع علللى تحريللم‬
‫الزيادة المشللروطة‪ ،‬فقللال‪" :‬وكللل قللرض شللرط فيلله أن‬
‫يزيده فهو حرام بغير خلف"‪.‬‬
‫وقال ابن المنللذر‪" :‬أجمعللوا علللى أن المسلللف إذا شللرط‬
‫على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك‪ ،‬إن أخذ‬
‫الزيادة على ذلك ربا"‪(5).‬‬
‫ما يعنللي اشللتراط‬ ‫وهللذا يللدل علللى أن تحديللد الربللح مقللد ً‬
‫المسلف "المقرض" على المستسلف "المقللترض" زيللادة‬
‫على رأس المال في مدة معينة قللدرها كللذا مللن اليللام أو‬
‫السنوات بنسبة كذا‪ ،‬وهذا هو عين الربا المحرم شرعا‪.‬‬
‫)ب( المعاملت التي يجوز فيها التغيير والتبديل‪:‬‬
‫وهللي كللل معاملللة لللم يللرد فيهللا نللص شللرعي بإلغائهللا أو‬
‫تحريمها‪ ،‬ونحن مع فضيلة الدكتور طنطاوي تماما في هللذا‬
‫طالما أنها لم تخرج عن روح الشريعة؛ بمعنللى أل يشللوبها‬
‫غش ول ظلم ول سرقة ول ربا‪ ،‬ول غيللر ذلللك ممللا حرملله‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫)ج( تراضي الطرفين‪:‬‬

‫‪840‬‬
‫وهللو القيللد الللذي وضللعه فضلليلته لكللي تصللح المعللاملت‬
‫القتصادية بين الناس‪ ،‬ولنا أن نتسللاءل‪ :‬هللل كللل معاملللة‬
‫يتراضى بها الطرفان يبيحهللا الشللرع؟ هللل كللل عقللد مللن‬
‫العقود يرضى به الطرفللان يعتللبر جللائزا‪ ،‬طالمللا أن المللر‬
‫ليس عقيدة أو عبادة؟ الجابة بالطبع ل‪.‬‬
‫إن الشريعة تهتم بالصيغة أو الصورة الللتي يتللم بهللا العقللد‬
‫وتحكم عليه‪ ،‬وللدكتور يوسف القرضاوي مثل يوضح ذلللك‬
‫جيدا‪ ،‬وهو‪ :‬أن صورة التفاق مهمة جدا فللي حكللم الشللرع‬
‫فيقول‪" :‬لو قال رجل لخر أمام مل مللن النللاس‪ :‬خللذ هللذا‬
‫المبلغ‪ ،‬واسمح لي أن آخذ ابنتك لزني بها –والعيللاذ بللالله‪-‬‬
‫فقبل‪ ،‬وقبلت البنلت لكلان كلل منهملا مرتكبلا منكلرا ملن‬
‫أشنع المنكرات‪ ،‬ولو قال له‪ :‬زوجنيها وخذ هذا المبلغ مهرا‬
‫فقبل‪ ،‬وقبلت البنت لكان كل من الثلثة محسنا"‪(6).‬‬
‫والللذي يتللدبر تعريفللات الفقهللاء والعلمللاء للربللا يللوقن أن‬
‫التراضي بالزيادة على رأس المال ل يغير في حقيقللة أنلله‬
‫ربا‪ ،‬فيقول الجصاص‪" :‬والربللا الللذي كلانت العللرب تعرفلله‬
‫وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلللى أجللل بزيللادة‬
‫على مقدار ما استقرض على ما يتراضللون بلله"‪ (7).‬فهللل‬
‫التراضي مع مصرف من البنللوك بوضللع مبلللغ معيللن لللديه‬
‫مقابل فائدة أو عائد معين في الشهر أو العام زيادة علللى‬
‫رأس المال يخرج عن هذا؟‬
‫وإذا كان فضيلته يخصللص هللذا التراضللي "بحللدود شللريعة‬
‫الله تعالى التي شرعها سبحانه لرعاية مصالح النللاس")‪(8‬‬
‫فهللل الشللريعة تبيللح هللذا النللوع مللن التعامللل حللتى مللع‬
‫التراضي؟ ويجللدر بنللا أن نللذكر هنللا أن فضلليلته ذكللر نللص‬
‫المام الجصاص في كتابه معاملت البنوك‪ (9).‬كنللص مللن‬
‫النصللوص الللتي نقلهللا مللن كتللاب "الربللا والمعللاملت فللي‬
‫السلم" للشيخ محمد رشيد رضا كدليل على أن هللذا هللو‬
‫ربا الجاهلية‪.‬‬
‫أليس معنى هذا النص هو القرض أو القللتراض إلللى أجللل‬
‫معين بزيادة معينة علللى رأس المللال المقللترض بتراضللي‬
‫الطرفين؟ وهذا هو ما تفعله البنوك الربوية‪.‬‬
‫الدليل الثاني‪:‬‬

‫‪841‬‬
‫ما بأمر من ولي المر علللى‬ ‫قياسه بجواز تحديد الربح مقد ً‬
‫ما قاله الفقهاء فللي التسللعير‪ ،‬وذلللك إذا اقتضللت مصلللحة‬
‫الناس هذا؛ وذلك رعاية لمصالح الناس‪ ،‬وحفظللا لمللوالهم‬
‫وحقوقهم‪ ،‬ومنعا للنزاع والخصام بين البنللوك والمتعللاملين‬
‫معها‪(10).‬‬
‫لقد بدأ فضيلته هذا الدليل بمقولة ل يجادل فيها أحد‪ ،‬وهي‬
‫أن الشريعة السلمية تقوم على رعاية مصالح الناس في‬
‫كل زمان ومكان‪ (11).‬وقد تبدو هذه الرعاية في ظاهرهللا‬
‫مخالفة لبعض النصوص الواردة عن النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬واستشللهد فللي ذلللك بحللديث التسللعير‪ ،‬حيللث لللم‬
‫يسللعر الرسللول ‪-‬صلللى الللله عليلله وسلللم‪ -‬ولكللن بعللض‬
‫الفقهللاء رعايللة لمصللالح النللاس ودرًءا لمفسللدة )جشللع(‬
‫التجار أباحوا التسعير‪ ،‬وهذا كلم جيد‪ ،‬ولكن أن يصل إلللى‬
‫فللرض نسلبة معينللة مللن الربللح كعللائد علللى الملوال علن‬
‫طريق الحاكم قياسا علللى كلم الفقهللاء هللذا درءا للظلللم‬
‫والمفسللدة‪ ،‬فالقيللاس هللذا ل ينقللاس‪ ،‬لن المقيللس عليلله‬
‫ليس نصا من القرآن والسللنة‪ ،‬فالقيللاس الللذي يتوسللعون‬
‫فيه أحيانا مقيد بأن يكون المقيس عليه نصا مللن الشللارع‪،‬‬
‫أي من الوحي كتابا أو سنة‪ ،‬أمللا أن يقللاس علللى مقيللس؛‬
‫يعني أن تأتي على أمر أجزناه قياسللا علللى شللبيهه بجللامع‬
‫العلة بينهمللا‪ ،‬فتللأتي علللى أمللر آخللر ل يجتمللع مللع الصللل‬
‫المقيس عليه فللي علتلله‪ (12).‬ولكللن للله شللبه مللن بعللض‬
‫الوجوه بالمقيس فنجعل هذا المقيس أصل‪ ،‬ونقيللس عليلله‬
‫سا آخللر لللوجه شللبه بينهمللا‪ ،‬ول يكفللي ول يرقللى إلللى‬‫مقي ً‬
‫مستوى العلة الجامعة بين المقيس الثاني وبيللن المقيللس‬
‫عليه الول‪(13).‬‬
‫ولو أجرينا أركان القياس على موضوعنا لوجدنا أن الصللل‬
‫الذي اعتمد عليه فضيلته هللو كلم كللثير مللن الفقهللاء فللي‬
‫إباحة تحديد السعر رفعا للظلم‪ ،‬والفرع هو إباحة أن يحدد‬
‫الحاكم أرباح البنوك‪ ،‬والعلة ‪-‬كما يقول‪ -‬هللي رفللع الظلللم‪،‬‬
‫والحكم هو الباحة‪.‬‬
‫وإذا نظرنللا إلللى الركللن الثللالث‪ ،‬وهللو العلللة‪ ،‬لوجللدناها‬
‫مختلفة‪ ،‬يقول أستاذنا الدكتور‪ /‬محمد بلتاجي حسن‪" :‬إننللا‬

‫‪842‬‬
‫مهما تأملنا آيات القللرآن الكريللم الللواردة فللي الربللا‪ ،‬ومللا‬
‫يتصل بها من أحاديث السنة‪ ،‬وأسللباب النللزول؛ فلللن نجللد‬
‫فيها ما يشير من قرب أو بعد إلى ما قام في أذهانهم مللن‬
‫أن الله حلرم ربلا الجاهليلة لمحلض مللا كلان يتضلمنه مللن‬
‫استغلل الفقير وظلمه‪ .‬وقد يرى العقللل البشللري أن هللذا‬
‫كان من جملة الحكم التي روعيت فللي التحريللم‪ ،‬ولكللن ل‬
‫يسللتطيع أحللد الجللزم بللأن منللاط علللة التحريللم فللي منللع‬
‫استغلل حاجة الفقير وظلمه‪ .‬ومن يراجللع كتللب التفسللير‬
‫سيجد أن الظلم الوارد في اليات إنما هو مطلللق الزيللادة‬
‫على الحق بصرف النظر عن حال الدائن والمدين‪ ،‬ورغبللة‬
‫كل منهما ومصلحته في الصفقة الربوية‪) ،‬ويحدد ما سللبق‬
‫مؤكدا( أن الظلم يكمللن فللي مطلللق الزيللادة علللى الحللق‬
‫مقابل تأجيل الزمن‪(14).‬‬
‫ويقول الدكتور فتحللي لشللين )المستشللار بمحللاكم مصللر‬
‫سابقا(‪" :‬إذن فعلة الربا أنه زيادة متولدة من دين‪ ،‬ويتميللز‬
‫الدين أنه ثابت في الذمة مضمون الرد بمثله"‪(15).‬‬
‫يثبت بهذا اختلف العلة التي قاس عليها الدكتور طنطاوي‬
‫تحديلد الفلوائد بفعلل وللي الملر‪ ،‬بإجلازة التسلعير بفعلل‬
‫الفقهاء‪ ،‬وذلك بعلة الستغلل والظلم‪ ،‬وإذا ثبت أنلله ل بللد‬
‫من اتحاد العلة في الصل والفرع حتى يصللح القيللاس وإل‬
‫فل ‪-‬وهذا ثابت‪ ،-‬فمن شروط العلللة المقبولللة‪" :‬أل تكللون‬
‫علة الحكم في الصل المقيس عليه غير العلة الللتي علللق‬
‫عليها الحكم فلي الفلرع؛ فل بلد ملن أن تكلون العللة فلي‬
‫الصل الذي ثبلت حكمله بنلص أو إجملاع هلي العللة اللتي‬
‫علق عليها الحكم في الفرع حتى يتحقق الوصللف الجللامع‬
‫بين الصل والفرع‪ ،‬فإذا كانت علة حكم الفرع لم يعلل بها‬
‫الحكم في الصل‪ ،‬ولم يتعلق بها فل يجللوز القيللاس‪ ،‬وهللذا‬
‫هو رأي الجمهور‪ ،‬وحتى أصحاب اللرأي يشلترطون تحقلق‬
‫المماثلة في العلة)‪.(16‬‬
‫وإذا ثبت هللذا ‪-‬وهللو ثللابت‪ -‬اسللتطعنا أن نحكللم أن قيللاس‬
‫الدكتور طنطللاوي هنللا ل يجللوز‪ ،‬أو كمللا يقللول الصللوليون‬
‫قياس ل ينقاس‪.‬‬

‫‪843‬‬
‫ولن الضرورة في مسألة التسللعير تبللدو واضللحة وملحللة؛‬
‫حيث إن الحتكار وغلء السلع أمللر يتعلللق بللأقوات النللاس‬
‫ومعاشهم‪ ،‬أباح الفقهللاء التسللعير رفعللا للضللرر الللذي يقللع‬
‫على الناس‪ ،‬ولكن أين الضرورة في أن يضع النسان ماله‬
‫فللي مصللرف مللن البنللوك ليللزداد دون تعرضلله لضللمان‬
‫النقصان أو لمخاطر الخسارة؟‬
‫رعاية مصالح الناس‪:‬‬
‫في قوله‪" :‬فإن للولي الملر إذا رأى ‪-‬بعلد استشلارة أهلل‬
‫الخبرة‪ -‬أن مصلحة الناس تقتضي أن تحدد البنوك الربللاح‬
‫ما لمن يتعللاملون معهللا‪ ،‬فللله أن يكلفهللا بللذلك رعايللة‬
‫مقد ً‬
‫لمصالح الناس‪(17)." ...‬‬
‫فنرى هنا نظرة تتجلله نحللو المعتزلللة وفكرهللا الللذي يقللدم‬
‫العقللل علللى الشللرع‪ ،‬فل يصللح مطلقللا أن تحكللم خللبرات‬
‫الناس والعلمللاء فللي الشللريعة أو الحكللام‪ ،‬بللل هللي الللتي‬
‫تتحكم فيما يصلون إليه‪ ،‬وتحكم بصحته وفساده "فل يجوز‬
‫العتماد على ما قد يراه علماء القتصللاد وخللبراء التجللارة‬
‫من أن الربا ل بد منه لتنشيط الحركللة التجاريللة والنهللوض‬
‫بهللا‪ ،‬إذ لللو صللح ذلللك لكللانت الشللريعة محكومللة بخللبرات‬
‫النللاس وأفكللارهم وتجللاربهم الشخصللية‪ ،‬ولمللا صللح أن‬
‫المصلحة فللرع عللن الللدين فهللي محكومللة بلله ضللبطا بللل‬
‫متوقفة عليه وجودا"‪(18).‬‬
‫فمهما ظن إنسان أن مصلحته في أمر من المللور‪ ،‬فل بللد‬
‫أن يقيس هذا المر على نصوص الشريعة ومقاصدها‪ ،‬فإن‬
‫وافقها فيقدم وإل فل‪.‬‬
‫وليللس معنللى هللذا أن الشللريعة تقللف حللائل دون خللبرات‬
‫الناس وتجاربهم فيمللا يظنللون فيلله مصلللحة البشللرية‪ ،‬بللل‬
‫كثير من نصللوص الشللريعة تللدعو النللاس للعلللم والتفكللر‪،‬‬
‫ولكن الشارع سبحانه يعلم ما ل نعلم؛ فقللد يظللن العلمللاء‬
‫أن مصلللحة النللاس سللوف تتحقللق فللي أمللر مللن المللور‪،‬‬
‫يختلفون في إثباته ويتفقون‪ ،‬ويعلم الللله تعللالى غيللر ذلللك‬
‫فجعل –سبحانه‪ -‬من قواعد الشريعة ما ينهللى عنلله رعايللة‬
‫للمصالح وإصلحا للنفوس‪ ،‬فنحن ل نتهم نصوص الشريعة‬

‫‪844‬‬
‫بل نتهللم إفهللام النللاس الللتي كللثيرا مللا تتعللرض للهللوى أو‬
‫النظرات الجانبية‪ ،‬وليست الكلية‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫يقول الدكتور طنطاوي ل يوجد نص شللرعي يمنللع مللن أن‬
‫ما‪،‬‬‫يقوم أحد المتعاقدين فللي المضللاربة بتحديللد ربللح مقللد ً‬
‫وبناء على ذلك ل مانع من أن يقللوم المصللرف المسللتثمر‬
‫للمال بتحديد ربح معين في عقللد المضللاربة‪ ،‬الللذي يكللون‬
‫بينه وبين صاحب المللال الللذي يضللعه فللي المصللرف بنيللة‬
‫وبقصد الستثمار فيما أحله الله تعالى‪(19).‬‬
‫نوضح أول أن ما يحدث بين المصرف وصاحب المال ليس‬
‫عقد مضاربة؛ لن حقيقللة المضللاربة تختلللف عللن القللرض‬
‫الذي يحدث بين المصرف كجهة وغيللره مللن جهللة أخللرى؛‬
‫فالمصللرف يتعامللل بالربللا علللى القللرض الللذي يأخللذه أو‬
‫يمنحه‪ ،‬والمضاربة تختلف عن ذلك‪ ،‬ولكي تتضللح المسللألة‬
‫جيلللدا ينبغلللي أن أوضلللح طبيعلللة الفلللرق بيلللن القلللرض‬
‫والمضاربة‪.‬‬
‫فمن حيث الطبيعة‪:‬‬
‫نجد أن القرض ُيحدد له فائدة ربوية تبعا للمبلغ المقللترض‬
‫والزمن الذي يستغرق القرض‪ ،‬كأن يكون )‪ (%10‬أو أكللثر‬
‫أو أقل من رأس المال سنويا‪ ،‬بغض النظر عمللا ينتللج عللن‬
‫هذا القرض من كسب كللثير أو قليللل أو خسللارة‪ ،‬وهللو مللا‬
‫يفعله المصرف‪.‬‬
‫أما في المضاربة‪ ،‬فالربح الفعلي يقسم بين صللاحب رأس‬
‫المال والمضاِرب بنسبة متفق عليها‪ ،‬والخسارة مللن رأس‬
‫المال وحده‪ ،‬ول يأخذ العامل شيئا في حالللة الخسللارة ول‬
‫في حالة عدم وجود ربح‪ ،‬هذا من ناحية طبيعة العقد‪.‬‬
‫ومن حيث العلقة بين طرفي العملية القتصادية‪:‬‬
‫في القرض نجد العلقة بين صاحب القرض وآخذه ليسللت‬
‫من باب الشركة؛ فصاحب القرض له مبلللغ معيللن محللدد‪،‬‬
‫ول شأن للله بعمللل مللن أخللذ القللرض‪ ،‬ومللن أخللذ القللرض‬
‫يستثمره لنفسه فقط؛ حيث يملك المال‪ ،‬ويضمن رد مثله‬
‫مع الزيادة الربوية‪ ،‬فإن كسب كللثيرا فلنفسلله‪ ،‬وإن خسللر‬
‫فيتحمل وحده الخسارة‪.‬‬

‫‪845‬‬
‫أما المضاربة فهي شركة فيها الغُْنم والغللرم للثنيللن معللا؛‬
‫فالمضارب ل يملك المال الذي بيللده‪ ،‬وإنمللا يتصللرف فيلله‬
‫كوكيل عن صاحب رأس المال والكسب مهما قل أو كث ُللر‪،‬‬
‫يقسم بينهما بالنسبة المتفق عليها‪ ،‬وعند الخسارة يتحمللل‬
‫صلاحب الملال الخسلارة الماليلة‪ ،‬ويتحملل العاملل ضللياع‬
‫جهده وعمله‪ ،‬ول ضمان علللى المضللارب)‪ (20‬إل إذا ثبللت‬
‫إهماله وتسببه في هلك ما بيده‪.‬‬
‫ويمكن مناقشة هذا الدليل من خلل نقطتين‪:‬‬
‫ما في عقد‬ ‫الولى‪ :‬أن الشرع ل يمنع من تحديد الربح مقد ً‬
‫المضاربة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يضع النسان ماله في المصرف‪ ،‬ويقصلد بللذلك‬
‫الستثمار‪.‬‬
‫مناقشة النقطة الولى‪:‬‬
‫ما في عقد المضللاربة‪:‬‬ ‫الشرع ل يمنع من تحديد الربح مقد ً‬
‫نص كثير من الفقهللاء علللى عللدم جللواز المضللاربة إذا تللم‬
‫تحديد أو اشتراط جزء معيلن مللن الربللح‪ ،‬بلل وحكلى ابللن‬
‫المنذر الجماع على بطلن المضاربة إذا اشترط كل واحد‬
‫منهما لنفسه أو أحدهما شيئا دون الخر‪ ،‬فقال‪" :‬أجمع كل‬
‫من نحفظ عنه على إبطللال القللراض إذا جعللل أحللدهما أو‬
‫كلهما لنفسه دراهم معلومللة"‪ (21).‬وهللذا الجمللاع نجللده‬
‫فلللي كلم الفقهلللاء كملللا يقلللول الماملللان ماللللك)‪(22‬‬
‫والشافعي)‪.(23‬‬
‫النقطة الثانية‪:‬‬
‫أن يضع النسان ماله ويقصد الستثمار‪ :‬إن ما يحدث بيللن‬
‫المصللرف وصللاحب المللال تحللت أي مسللمى طالمللا أنلله‬
‫بفائدة محددة سلفا مقابل أجل محدد فهو ربا؛ وذلللك لن‪:‬‬
‫"علة التحريم منصبة على كونها زيادة محددة سلفا مقابل‬
‫أجل محدد سواء كان أصل المعاملة قرضا أو دينا أو بيعللا؛‬
‫فمتى وجدت الزيادة المحددة مقابل الجل المحدد‪ ،‬فذلك‬
‫هو الربا بصرف النظر عللن أصللل هللذه المعاملللة ول تللأثير‬
‫لمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬كون أصل هذه المعاملة قرضا أو دينا أو استثمارا‪.‬‬

‫‪846‬‬
‫الثاني‪ :‬كون الزيادة مقابل الجل شيئا متفقا عليه من أول‬
‫المعاملة‪ ،‬أو هو شيء يستحدث بيللن الطرفيللن عنللد عللدم‬
‫الدفع حين يأتي أجله‪(24).‬‬
‫فل ينفع هنا تغير النية طالما أن العلة وهي الزيادة مقابللل‬
‫الجل موجودة‪.‬‬
‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫يللرى الللدكتور محمللد سلليد طنطللاوي ضللمن أدلتلله أن‬
‫المصرف ‪-‬وهو الطللرف الللذي يللدفع الفللائدة‪ ،‬ويقللع عبئهللا‬
‫ما إل بعللد دراسللة‬ ‫علللى عللاتقه‪ -‬لللم يحللدد الربللح مقللد ً‬
‫مستفيضللة ودقيقللة لحللوال السللواق العالميللة والمحليللة‬
‫وللوضاع القتصادية في المجتمع‪ ،‬ولظللروف كللل معاملللة‬
‫ولنوعها ولمتوسط أرباحها‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وهذا التحديد فضل عن كل ذلك‪ ،‬يتم بتعليمللات وتوجيهللات‬
‫من المصرف المركزي الذي يعد بمنزلة الحكم بين البنوك‬
‫وبين المتعاملين معها‪(25).‬‬
‫ما‪،‬‬‫إن هذه الدراسللة المستفيضللة الللتي تحللدد الربللح مقللد ً‬
‫حيث يأخذ صاحب المال المكسب ول يخسر شليئا قلول ل‬
‫تسللنده الحقللائق؛ فللالبنوك المركزيللة نفسللها‪ ،‬وهللي الللتي‬
‫تعطي تعليمات وتوجيهات بنسبة الفللائدة ل تسللتطيع دفللع‬
‫ودائع مصرف بأكمله إذا مللا تعللرض للفلس‪ .‬فمعلللوم أن‬
‫قوانين البنوك المركزية تمنعها من السللتثمار المباشللر إل‬
‫دا في بعض البلدان‪ .‬وهي تأخذ من البنوك‬ ‫بنسب ضئيلة ج ّ‬
‫الخرى نسبة احتياطي للودائع ل تزيد فللي غللالب الحللوال‬
‫عللن )‪ .(%25‬فمللن أيللن تللدفع البنللوك المركزيللة ودائع‬
‫مصرف بلأكمله إذا ملا تعلرض للفلس‪ ،‬وإن الواقلع يؤكلد‬
‫ذلك حتى في أمريكا ذاتها معقل النظام الرأسمالي القائم‬
‫علللى الربللا‪ .‬فالمصللرف المركللزي يضللع الخطللط ويحللدد‬
‫الفوائد‪ ،‬ول يستطيع جبر خسارة مصرف واحد من البنللوك‬
‫الخرى؛ لنه ‪-‬قانوًنا‪ -‬ممنوع من السللتثمار المباشللر‪ ،‬كمللا‬
‫أنه يعتمد على الوساطة المالية وعلى نسللبة )‪ (%25‬مللن‬
‫احتياطي الودائع في البنوك الخرى‪ ،‬فإن كللان ل يسللتطيع‬
‫جللبر خسللارة مصللرف واحللد فكيللف نثللق فللي قللدراته‬
‫وتعليماته؟‬

‫‪847‬‬
‫ثم هل هذه التعليمللات والتوجيهللات والدراسللات الدقيقللة‪،‬‬
‫التي تتعهد بوجود الربح ل الخسارة‪ ..‬هللل هللذه التعليمللات‬
‫وهذا الربح يغير من حقيقة المعاملة وحقيقتهللا فللي كونهللا‬
‫من الربا؟‬
‫ثم إن هذه الدراسة المستفيضة الدقيقة الللتي يتحللدد فللي‬
‫ما دقيقة؛ فكثير من البنوك الربوية‬ ‫إطارها الربح ليست دائ ً‬
‫لم تستطع ضمان الودائع مللع أرباحهللا‪ ،‬ونضللرب مثل علللى‬
‫عدد من البنوك الربوية التي أغلقت وأشهرت إفلسها في‬
‫أمريكا وحدها‪.‬‬
‫عدد البنوك التي أغلقت وأشهرت إفلسها‬
‫العام‬
‫أربعة آلف مصرف‬
‫سبعة وسبعون مصرفا‬
‫تسعة عشر مصرفا‬
‫مائة وعشرون مصرفا‬
‫مائة وواحد وثلثون مصرفا‬
‫مائة وواحد وأربعون مصرفا‬
‫‪1933‬م‬
‫‪1983‬م‬
‫‪1984‬م‬
‫‪1985‬م‬
‫‪1986‬م‬
‫‪1987‬م‬
‫وعللن الخسللائر فللي بعللض البنللوك المريكيللة وحللدها فللي‬
‫‪1987‬م وحده ما يلي‪:‬‬
‫اسم المصرف أو المؤسسة‬
‫احتياطي الديون المعدومة‬
‫ستيركوربوريشن‬
‫مصرف أمريكا‬
‫تشيس مانهاتن‬
‫مانوفكتشرهانوفر‬
‫ستيكورب )أكبر مؤسسة مصرفية أمريكية(‬
‫‪ 3‬مليارات دولر‬

‫‪848‬‬
‫‪ 1.1‬مليار دولر‬
‫‪ 1.6‬مليار دولر‬
‫‪ 1.7‬مليارات دولر‬
‫‪ 3‬مليللارات دولر‪ 3 ،‬مليللارات دولر‪ ،‬وذلللك فللي النصللف‬
‫الول من عام ‪(26).1987‬‬
‫وفللي مصللر الكللثير والكللثير مللن الخسللائر المصللرفية‪،‬‬
‫وأشللهرها مللا حللدث فللي مصللرف التنميللة والتجللارة عللام‬
‫‪1995‬م‪ ،‬ومن هنا يتبين أن هللذا الللدليل الللذي أقللام عليلله‬
‫فضيلته وجهة نظره من ناحية أن البنوك أرباحها مضمونة‪،‬‬
‫وأنها ل تفلس لنها تقوم على دراسات مستفيضة‪ ،‬دعللوى‬
‫يسقطها الواقع بل ويثبت نقيضها‪.‬‬
‫هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإننا نرى في أدلة الدكتور‬
‫طنطاوي ما يثير العجب؛ إذ يبدو التناقض واضحا بيللن هللذا‬
‫الللدليل والللدليل السللادس؛ فهنللا يقللول‪ :‬إن الدراسللات‬
‫المستفيضللة والدقيقللة تحقللق الربللح الكللبر؛ حيللث تنتفللي‬
‫الخسارة‪ ،‬وهذا ما يفهم من كلمه‪ ،‬وفي الللدليل السللادس‬
‫يقللول‪ :‬إن هللذا التحديللد للربللح ل يتعللارض مللع احتمللال‬
‫الخسارة‪.‬‬
‫الدليل الخامس‪:‬‬
‫ما‬
‫يرى الدكتور محمد سيد طنطاوي أن تحديد الربللح مقللد ً‬
‫في زمننا هذا فيه منفعللة لصللاحب المللال‪ ،‬وفيلله منفعللة –‬
‫ضا‪ -‬لصاحب العمل المستثمر لهذا المال‪.‬‬ ‫أي ً‬
‫ففيه منفعة لصاحب المال؛ لنه يعرفه حقه معرفللة خاليللة‬
‫من الجهالة‪ ،‬وبمقتضى هذه المعرفة ينظم أمور حياته‪.‬‬
‫وفيلله منفعللة لصللاحب العمللل؛ لنلله يحمللله علللى أن يجللد‬
‫ويجتهد في عمله وفي نشاطه حتى يحقللق مللا يزيللد علللى‬
‫الربح الذي قللرره لصللاحب المللال‪ ،‬وحللتى يكللون الفللائض‬
‫على نصيب صاحب المال حقا خالصا لصاحب العمللل فللي‬
‫مقابل جده ونشاطه واجتهاده مهما بلغ هذا الفائض‪(27).‬‬
‫فإذا كان فضيلة د‪ .‬طنطللاوي يقصللد بالتحديللد مللا هللو وارد‬
‫في عقد المضاربة من تحديد نسبة الربح من صافي الربح‬
‫فنعم‪ ،‬ولكن الواضح أن فضيلته يقصللد بلله مللا يحللدث بيللن‬
‫البنوك والفللراد مللن تحديللد نسللبة معينللة يأخللذها صللاحب‬

‫‪849‬‬
‫المال بعد مدة معينة زيادة على رأس ماله‪ ،‬وهذا هو عيللن‬
‫الربا‪.‬‬
‫ثم يقول هذا التحديد فيه منفعة لصاحب المللال ولصللاحب‬
‫العمل؛ فهللل كللل مصلللحة يللرى فيهللا النللاس منفعللة لهللم‬
‫يبيحها الشرع؟‬
‫الواقع أن هناك كثيرا من الشياء التي نللص الشللارع علللى‬
‫أن فيها منافع للناس‪ ،‬ومع ذلللك نللص علللى تحريمهللا مثللل‬
‫الخمللر والميسللر‪ ،‬قللال تعللالى‪" :‬يسللألونك عللن الخمللر‬
‫والميسر قل فيهما إثم كبير ومنللافع للنللاس وإثمهمللا أكللبر‬
‫مللن نفعهمللا" )البقللرة‪ .(219 :‬فقللوله تعللالى‪" :‬ومنللافع‬
‫للناس" يدل على تحقق المنفعة لهم‪ ،‬ومع هذا ل يسللتطيع‬
‫أحد أن يقول‪ :‬إنها حلل‪.‬‬
‫ثم يقول‪ :‬هلذا التحديلد يعلرف صلاحب الملال حقله؛ فهلل‬
‫يصير الربللا حًقللا يبنللي عليلله النسللان حيللاته ويرتللب عليلله‬
‫معايشه؟ فما إن يأخذ المال يجعل نصب عينه الدين اللذي‬
‫عليه‪ ،‬بالضافة للزيادة التي اشترطت عليه؛ فهي كلها من‬
‫الدين‪ ،‬وعليه سدادها فلي ملدة معينلة‪ ،‬ثلم يجتهلد ويعملل‬
‫ضللا‪ ،‬وهللو وحللده‬
‫مرة أخرى في المال ليحقق مكسًبا له أي ً‬
‫يضمن المال إن خسر؛ لنه ل شأن لصاحب المال به؛ لنه‬
‫يأخذ الربح ول يتحمل الخسارة‪ ،‬وذلك هو الربا‪.‬‬
‫الدليل السادس‪:‬‬
‫يرى الدكتور محمد سيد طنطللاوي أن هللذا التحديللد للربللح‬
‫ما‪ ،‬ل يتعللارض مللع احتمللال الخسللارة مللن جللانب‬ ‫مقللد ً‬
‫المستثمر وهو المصرف أو غيللره؛ لنلله مللن المعللروف أن‬
‫ب َرِبح‬
‫العمال التجارية المتنوعة إن خسر صاحبها في جان ٍ‬
‫فللي جللوانب أخللرى‪ ،‬وبللذلك تغطللي الربللاح الخسللائر‪.‬‬
‫واستشهد بقول ابن قدامللة فللي المغنللي‪ :‬إن العامللل فللي‬
‫المضاربة إذا اشترى سلعتين فربح في أحدهما وخسر في‬
‫جبرت الوضيعة )أي الخسارة( من الربح‪(28).‬‬ ‫الخرى‪ُ ،‬‬
‫هذا الدليل ‪-‬كما وضحنا‪ -‬يتناقض مع الللدليل الرابللع‪ ،‬ونحللن‬
‫الن بصدد مناقشته في قوله‪ :‬إن خسر صاحبها في جانب‬
‫ربح في جللوانب أخللرى‪ ،‬وبللذلك تغطللي الربللاح الخسللائر‪.‬‬
‫فمعنى هذا أن النقود في المصللرف مختلطللة؛ فمللن دفللع‬

‫‪850‬‬
‫كثيًرا يتساوى مع من دفللع قليل ً فللي مقللدار النسللبة علللى‬
‫رأس المال؛ فما ذنب من ربحللت أمللواله حللتى يؤخللذ مللن‬
‫ربحه لتغطية خسارة غيره؟‬
‫ثم إن المقطوع به في الدراسات القتصادية‪" :‬أنه ل صلللة‬
‫بين سعر الفائدة وربح المللدين أو خسللارته‪ ،‬ول بيللن سللعر‬
‫الفللائدة والتضللخم‪ ،‬بللل إن الفللائدة مللن أهللم عوامللل‬
‫التضللخم"‪ (29).‬وهللذه الفللائدة ل تتحللدد بنسللبة الربللح‬
‫والخسارة بل يتأثر تحديدها بعدة عوامل‪ ،‬منهللا‪" :‬القللوانين‬
‫اللللتي تضلللعها الدوللللة‪ ،‬والمصلللالح الشخصلللية لصلللحاب‬
‫المصارف‪ ،‬والمؤسسات المالية‪ ،‬والمضللاربون فللي سللوق‬
‫الوراق الماليللة الللذين يخلقللون تغييللرات مفتعلللة فللي‬
‫السلللوق‪ ،‬وحلللالت اللللرواج والكسلللاد‪ ،‬وكميلللة العلللرض‬
‫والطلب"‪(30).‬‬
‫فالفائدة التي ُتحدد ل شأن للمقللرض خسللر مللاله أم ربللح‬
‫فيهللا‪ ،‬إذن هللي ل تخضللع لمعيللار الربللح والخسللارة‪ ،‬وإنمللا‬
‫تخضع للقوانين والمصالح الشخصية وغيرها‪ ،‬فربمللا تكللون‬
‫نسبة شخص مرتفعة ونسبة الخر منخفضة‪ ،‬وهللذا تحللدده‬
‫العوامل السابقة‪.‬‬
‫وإذا قلنا‪ :‬إن الموال كلها تصللب فللي مصللرف واحللد مثل‪،‬‬
‫يضللع فلن مبلغللا يختلللف عللن مبلللغ الخللر؛ فهللل يميللز‬
‫المصرف مبلغ كل منهما أم أنه ل شللأن لله بهللذا التمييللز؟‬
‫الحقيقلة أن المصلرف توضلع للديه المبلالغ فيخلطهلا فلي‬
‫مشروع أو في إقراض آخر دون تمييز‪.‬‬
‫وهنا يأتي السؤال‪ :‬هل يجوز عدم التمييز في المللال الللذي‬
‫دا بنسللبة مللن الربللح متفاوتللة؟ يللرى‬ ‫يقارض فيه اثنان واح ً‬
‫الفقهاء أن هللذه المعاملللة غيللر جللائزة إل بتعييللن المللوال‬
‫المحللددة لشلخاص محلددين وبتعييللن ومعلوميللة النشلاط‬
‫الذي اشتغلت به الموال)‪.(31‬‬
‫فقوله "وإن عينا"‪ :‬يعني أن يعلم أن هذا المال الذي تللاجر‬
‫به في كذا هو مال فلن‪ ،‬وأن ربحه كذا وله فيه ما يتفقان‬
‫عليه‪ ،‬وأن المال الخللر الللذي تللاجر بلله فللي كللذا هللو مللال‬
‫فلن‪ ،‬وله من ربحه ما يتفقان عليه‪.‬‬

‫‪851‬‬
‫وينبغللي التميللز فللي الشللركتين‪ ،‬كمللا أنلله إن خلللط مللال‬
‫المضاربة بماله فإن فعل ولم يتميز ضمنه لنه أمانة‪(32).‬‬
‫واستشهاد د‪ .‬طنطاوي بابن قدامة الواضللح أنلله فللي حالللة‬
‫المضاربة من فرد واحد إلى العامل‪ ،‬أمللا فللي حالتنللا هللذه‬
‫فيقول "ابن قدامللة" تحللت عنللوان "والوضلليعة علللى قللدر‬
‫المال"‪" :‬يعني الخسران على كل واحد منهما بقللدر مللاله‪،‬‬
‫فإن كلان مالهمللا متسلاويا فلي القللدر‪ ،‬فالخسللران بينهمللا‬
‫نصفين‪ ،‬وإن كان أثلثللا فالوضلليعة أثلث ل نعلللم فللي هللذا‬
‫خلفا بين أهل العلم"‪ (33).‬وهذا النص أولى بالصواب في‬
‫حالة البنوك؛ فإذا ما ثبت أن المال فيها مبهم فهللي تجمللع‬
‫الملوال كلهلا‪ ،‬ول نلدري فلي أي تجلارة أو اسلتثمار‪(34).‬‬
‫وضع مال هذا أو ذاك؛ لنها ل تقسم الربح بين الفللراد بللل‬
‫تحدد نسبا معينة لهم يأخذونها في حال الربح أو الخسارة‪،‬‬
‫فإذا ما ثبت هذا ثبت فساد هذا النوع من المضاربة؛ لعللدم‬
‫تعيين مال كل واحد من المضاربين‪.‬‬
‫الدليل السابع‪:‬‬
‫يقول الدكتور محمللد سلليد طنطللاوي‪ :‬خللراب الللذمم ممللا‬
‫يجعل صاحب المال تحت رحمة صاحب العمللل المسللتثمر‬
‫للمال‪ ،‬وهو المصرف أو غيره‪ ،‬والذي قد يكون غير أميللن‪،‬‬
‫فيقول مثل‪" :‬ما ربحت شيئا"‪ ،‬وقد ربللح الكللثير ممللا يوقللع‬
‫فللي الظلللم الللذي تنهللي عنلله الشللريعة‪ (35).‬ولللدينا هنللا‬
‫تعليقان‪:‬‬
‫وتقرر القواعد الفقهية أن الصل براءة الذمة‪ (36).‬فلماذا‬
‫نفترض عدم الصل؟‬
‫وإذا افترضنا جدل أن المصللرف غيللر أميللن‪ ،‬فأيهمللا أولللى‬
‫المتناع عن الللذهاب إليلله والمخللاطرة بالمللال أم الللذهاب‬
‫إليه؟‬
‫الدليل الثامن‪:‬‬
‫يقول الدكتور محمللد سلليد طنطللاوي‪ :‬كمللا تللدخل الحكللام‬
‫والفقهاء في تضمين الصناع لما يهلك تحت أيديهم بسللبب‬
‫إهمللالهم؛ فلللولي المللر أن يتللدخل فللي عقللود المضللاربة‬
‫ما‪ ،‬وأن يكون رأس المال مضموًنا‪،‬‬ ‫بتحديد نسبة الربح مقد ً‬
‫وهذا اللون يندرج تحت باب المصالح المرسلة‪(37).‬‬

‫‪852‬‬
‫نقول‪ :‬لقد تدخل الفقهاء فعل ً في تضمين الصناع لما تحت‬
‫أيديهم‪ ،‬وجعلوا علة ذلللك الهمللال‪ ،‬فللأوجبوا عليلله بسللبب‬
‫إهماله ضمان المال‪ .‬وهذا ضمان لصاحب المال من عبللث‬
‫العابثين من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى يجعللل الصللانع يعمللل‬
‫بجد‪ ،‬ويحافظ على ما في يده دون ظلم‪ .‬فإن كللان الهلك‬
‫بسبب خارج عن إرادته دون إهمال منلله فل شلليء عليلله‪).‬‬
‫‪(38‬‬
‫ومسألة وضع المال في المصللرف وغيللره بعيللدا عللن هللذا‬
‫ما‪ ،‬ويضمن رأس مللاله كللام ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫الوضع؛ فهو يحدد الربح مقد ً‬
‫ل يعرضلله للهلك؛ فهللو يضللعه فللي مصللرف‪ ،‬ويعلللم علللم‬
‫اليقين أنه سوف يأخذ أصل ماله مع زيادة متفق عليه‪.‬‬
‫فهذا الكلم وإن ظن أن فيه مصلحة لبعض النللاس إل أنلله‬
‫يتعارض بنص قطعي الثبوت والدللة من كتاب الله تعللالى‬
‫وهللو قللوله تعللالى‪" :‬وإن تبتللم فلكللم رءوس أمللوالكم ل‬
‫َتظلمون ول ُتظلمون"‪ (39).‬فالله سبحانه وتعللالى يقللول‪:‬‬
‫"فلكم رءوس أموالكم ل َتظلمون" أي بأخللذ الزيللادة‪" ،‬ول‬
‫ضا‪ ،‬بل لكم ما بذلتم‬ ‫ُتظلمون" أي بوضع رءوس الموال أي ً‬
‫من غير زيادة عليه ول نقص منه‪ (40).‬د‪ .‬طنطللاوي يقللول‬
‫ما تكللون زيللادة علللى رأس‬ ‫بتحديد نسللبة مللن الربللح مقللد ً‬
‫المال مع ضمان رأس المللال؛ فبللأي القللولين نأخللذ؟ بللأمر‬
‫الله وكلمه أم بأمر الدكتور محمد سيد طنطاوي؟‬
‫ثم يقول هذا من باب المصلحة المرسلة‪ ،‬ومعلوم أنه "إذا‬
‫اتضللحت قطعيللة دللللة النللص مللن كتللاب أو سللنة؛ اتضللح‬
‫سقوط احتمال المصلحة المظنونة في مقللابله‪ ،‬حللتى ولللو‬
‫كان لها شاهد من أصل تقاس عليه"‪ (41).‬فهذه المصلحة‬
‫مصطدمة بنص قطعي الثبوت والدللة فاحتمالها أصل ً غير‬
‫قائم‪.‬‬
‫والصل الذي قيست عليه هللو تضللمين الصللناع لمللا يهلللك‬
‫تحت أيديهم بسبب الهمال‪ ،‬ثم يقيس "خراب الذمم" في‬
‫هذا الزمان على الهمال؛ فهل هذه العلة )خللراب الللذمم(‬
‫تتفق مع علة الهمال من كل الوجوه؟ بالطبع ل‪ .‬ونضلليف‬
‫إلى ذلك أن الصل في الذمة البراءة ل غيرها‪.‬‬

‫‪853‬‬
‫وإذا جئنا لشروط العلللة نجللد أنهللا تختلللف هنللا عمللا أورده‬
‫العلماء من شروط للعلة الصللحيحة؛ فمثل مللن الشللروط‪:‬‬
‫سلمة العلة عن الللرد والمعللارض الراجللح "والللذي يبطللل‬
‫الوصف الذي هو علة ويرده هللو النللص أو الجمللاع"‪(42).‬‬
‫وليس هناك نص أوضح مما ذكرناه مللن كتللاب ربنللا‪ ،‬حيللث‬
‫يقللول‪" :‬وإن تبتللم فلكللم رءوس أمللوالكم ل َتظلمللون ول‬
‫ُتظلمللون" )‪ ،(43‬بالضللافة إلللى إجمللاع مللن المجللامع‬
‫والبحوث الفقهية‪.‬‬
‫ضا التي ينتفي معهللا هللذا القيللاس أل‬ ‫ومن شروط العلة أي ً‬
‫تكون علة الحكم في الصل المقيس عليه غير العلة الللتي‬
‫علق عليها الحكم في الفرع‪(44).‬‬
‫وكذلك مللن الشلروط الللتي ينتفللي معهلا القيللاس هنللا "أل‬
‫ما آخر غير حكللم الصللل"‪(45).‬‬ ‫توجب العلة في الفرع حك ً‬
‫فخراب ذمة المصرف يوجب البتعاد عنلله والنتظللار حللتى‬
‫تبرأ ذمته وينصلللح حللاله بمللا يوافللق الشللرع‪ ،‬أمللا تضللمين‬
‫الصناع بسبب الهمال ل يوجب البتعاد عنهللم بللل القللرب‬
‫منهللم لخللذ الضللمان علللى القللل بللوجه حسللن‪ ،‬أمللا فللي‬
‫المصرف فأخذ المال بدون وجه حق بل وزيادة عليه‪.‬‬
‫وكذلك ل بد مللن وضللوح العلللة‪ ،‬وهللو مللا يتنللافى هنللا؛ لن‬
‫خراب الذمم شيء عللام ليللس محللددا ول معينللا‪ ،‬والصللل‬
‫في العلة أن يكون الوصف المعلل به معينا )‪.(46‬‬
‫الدليل التاسع‪:‬‬
‫قال الشيخ محمد سيد طنطاوي‪ :‬لم يقل أحد مللن الئمللة‪:‬‬
‫ما في عقللد المضللاربة يجعللله معاملللة‬ ‫إن تحديد الربح مقد ً‬
‫ربوية يحللرم فيهللا الربللح الناشللئ عللن العمللل فللي المللال‬
‫المستثمر؛ فالفقهللاء أجمعللوا علللى فسللاد عقللد المضللاربة‬
‫بسبب تحديد الربح‪(47).‬‬
‫ونقللول‪ :‬إذا كللان الفقهللاء قللد أجمعللوا علللى فسللاد عقللد‬
‫المضللاربة‪ ..‬فهللل المقصللود أن يسللتمر ذلللك العقللد مللع‬
‫فساده؟ ففساد العقد دليل على انتهائه‪ ،‬ومن ثللم ل يكللون‬
‫هناك ربللا أو غيللره؛ لن العقللد قللد انتهللى‪ ،‬ولللذلك حكمللوا‬
‫بفساد كل عقللد للمضللاربة اشللترط فيلله أحللد المتعاقللدين‬
‫زيادة معينة‪.‬‬

‫‪854‬‬
‫ولم يتعرض أحد من الفقهاء ‪-‬فيما نعلم‪ -‬لسللتمرار العقللد‬
‫على هذا النحو؛ لنه من المعروف أن آراءهم أحكام يعمل‬
‫بها‪ ،‬فليس من المعقللول أن يخالفهللا أحللد؛ لنهللا مسللتمدة‬
‫من الشريعة‪.‬‬
‫دا فهلل نلبيحه‪ ،‬ثلم نجعلل منله أصلل‬ ‫فإذا كان العقللد فاسل ً‬
‫نقيس عليه فرعا ‪-‬وهللو أربللاح البنللوك مللع ضللمان سلللمة‬
‫ضا؟! كان مللن الولللى علللى‬ ‫رأس المال‪ -‬ونحكم بصحته أي ً‬
‫أقل تقلدير أن نحكللم بفسللاده وإلغلائه وتحريملله بلدل ً ملن‬
‫الحكم باستمراره والقياس عليه‪.‬‬
‫وهذا هو المصدر‬
‫‪http://www.islamonline.net/Arabic/co...ticle05a.shtml‬‬
‫خامسًا‪:‬‬
‫بيللن الللدكتور حسللين حامللد مشللكورا ً الشللكال المتعلللق‬
‫بسؤال المستفتي وبالشكال المتعلق بمجمع البحوث‪:‬‬
‫اقتباس‪:‬‬
‫إباحة الربا‪ ..‬السؤال الملغوم والفتوى المغلوطة‬
‫د‪ .‬حسين حامد‬
‫‪25/12/2002‬‬
‫في الثاني والعشللرين مللن شللهر أكتللوبر مللن عللام ‪2002‬‬
‫أرسل السللتاذ الللدكتور حسللن عبللاس زكللي عضللو مجمللع‬
‫البحوث السلمية‪ ،‬وزير القتصاد السلبق‪ ،‬رئيلس مجللس‬
‫إدارة بنك الشللركة المصللرفية العربيللة الدوليللة كتاب ًللا إلللى‬
‫فضيلة المام الكبر الللدكتور محمللد سلليد طنطللاوي شلليخ‬
‫الزهر )اضللغط هنللا لتطللالع نللص الستفسللار( ‪ ،‬يعيللد فيلله‬
‫السؤال عن حكللم اسللتثمار المللوال فللي المصلارف الللتي‬
‫ما‪ .‬وقللد أحللال فضلليلة المللام‬ ‫تقوم على تحديد الربح مقللد ً‬
‫الكللبر الكتللاب للعللرض علللى مجلللس مجمللع البحللوث‬
‫السلللمية‪ .‬وانعقللدت جلسللة مجلللس المجمللع فللي يللوم‬
‫الخميس ‪ 25‬من شعبان سنة ‪ 1423‬هل الموافللق ‪ 31‬مللن‬
‫أكتوبر سنة ‪2002‬م )اضغط هنللا لمطالعلة أسللماء أعضللاء‬
‫مجلس المجمع في هذه الونة( ‪ ،‬وعرض عليلله الموضللوع‬
‫المذكور‪ .‬وبعد مناقشات العضاء ودراستهم قللرر مجلللس‬
‫المجمع فللي جلسللة الخميللس ‪ 23‬مللن رمضللان ‪1423‬هل ل‬

‫‪855‬‬
‫الموافللق ‪ 28‬مللن نوفمللبر ‪2002‬م‪ ..‬الموافقللة علللى أن‬
‫ما حلل‬ ‫استثمار الموال في البنوك التي تحدد الربللح مقللد ً‬
‫عا ول بأس به‪ .‬وقد صدرت الفتوى ممهورة بتوقيع‪.‬‬ ‫شر ً‬
‫فضيلة الستاذ الدكتور محمد سلليد طنطلاوي )اضللغط هنلا‬
‫لمطالعة نص الفتوى(‬
‫غير أن هناك عدة محاذير تطال كل من السللؤال والفتللوى‬
‫دة عليه؛ بحيث يمكن القول بوجود تجاوز في السؤال‪،‬‬ ‫الرا ّ‬
‫جعله يخالف حقيقة الوضع؛ مما هيأ الفرصة لحدوث لبللس‬
‫أو سوء فهم حيال السؤال المقدم‪ ..‬وبالتالي فللي الفتللوى‬
‫المجيبة على هذا السللتفتاء‪ .‬وهللذا مللا جعللل هللذه الورقللة‬
‫تتطلع لفحص كل من السؤال والجابة‪.‬‬
‫سؤال مخالف للطار القانوني للمعاملت المصرفية‬
‫حين بدأنا بمطالعة السؤال محل التناول‪ ،‬وهو طلب الفتيا‬
‫المقدم من الستاذ الدكتور حسن عباس زكي‪ ،‬وهو عضللو‬
‫مجمع البحوث السلللمية قبللل أن يكللون مقللدم السللتفتاء‬
‫محل التناول‪ ،‬وجللدنا أن هللذا السللؤال ل ينطبللق علللى مللا‬
‫يجلللري عليللله العملللل فلللي البنلللوك التجاريلللة والبنلللوك‬
‫المتخصصة‪ .‬ولنلق نظرة علللى مللا يللدعونا للتنللادي للنظللر‬
‫إلى السؤال قبل الفتللوى‪ .‬والعتبللارات الللتي لللدينا يمكللن‬
‫تناولها وفق الطرح التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬هذه المعاملة بهذه الصورة ل يجري عليهللا العمللل فللي‬
‫البنوك التجارية ول المتخصصة‪ ،‬ل في مصر‪ ،‬ول فللي البلد‬
‫العربيللة‪ ،‬بللل تنللاقض مللا نصللت عليلله القللوانين المدنيللة‬
‫وقوانين التجارة وقوانين الجهاز المصرفي في هللذه البلد‪.‬‬
‫فإن هذه الفتوى ل تطبق على ودائع البنوك‪.‬‬
‫‪ -2‬قد يكللون البنللك مقللدم السللؤال يطبللق هللذه الصلليغة‪،‬‬
‫ويتلقى الودائع بصللفته وكيل ً عللن المللودعين فللي اسللتثمار‬
‫هذه الودائع في معاملته المشروعة‪ ،‬وهذه مسللألة ادعللاء‬
‫على واقع‪ ،‬وتحتاج إلى إثبات‪ .‬ومع ذلك فللإن هللذه الوكاللة‬
‫باطلة بالجماع؛ لن جميع عوائد وأربللاح المللال المسللتثمر‬
‫بعقد الوكالة تكون للموكل؛ لنه المالك للمللال المسللتثمر‪،‬‬
‫كما أنه يتحملل جميلع خسلائره اللتي تحلدث بسلبب ل يلد‬
‫للوكيللل فيلله ول قللدرة للله علللى دفعلله ول تلفللي آثللاره‪،‬‬

‫‪856‬‬
‫وللوكيل أجر معلوم يجب النللص عليلله فللي عقللد الوكالللة‪،‬‬
‫وهو يحدد بمبلغ مقطللوع أو نسللبة مللن المللال المسللتثمر‪،‬‬
‫وهو مللا لللم يتحقلق فللي الصلورة المسلئول عنهللا‪ ،‬بلل إن‬
‫الوكيل هو الذي يستحق أرباح اسللتثمار الوديعللة‪ ،‬ويتحمللل‬
‫خسائرها‪ ،‬ويحدد للموكل مالك الوديعة قدًرا أو نسللبة مللن‬
‫حا‪.‬‬
‫رأس المال‪ ،‬ويسميها رب ً‬
‫والبنوك السلمية تمارس هذه الصللورة بمقتضللى قللوانين‬
‫ونظم إنشللائها؛ فهللي تتلقللى الللودائع وتسللتثمرها لحسللاب‬
‫أصلللحابها وعللللى مسلللئوليتهم؛ فلهلللم أربلللاح ويتحمللللون‬
‫خسللائرها الللتي تحللدث بسللبب ل يللد للبنللك فيلله‪ ،‬وهللو مللا‬
‫يسللمى فللي القللانون بللالقوة القللاهرة والسللبب الجنللبي‪.‬‬
‫دا فللي عقللد الوكالللة فللي‬ ‫ويسللتحق البنللك أجللًرا محللد ً‬
‫الستثمار‪ ،‬بمبلغ مقطوع أو نسبة من الوديعة المسللتثمرة‪.‬‬
‫ضللا‬
‫وبالقطع فإن هذه الودائع مملوكة لصحابها وليست قر ً‬
‫للبنك ول ديًنا في ذمته‪.‬‬
‫‪ -3‬والدليل على أن المعاملة موضوع السللؤال والفتللوى ل‬
‫يجري عليها العمل‪ ،‬ول تسمح بهللا القللوانين المطبقللة فللي‬
‫البنوك‪ ،‬وأن المطبق إنما معاملة أخرى مختلفة عنها جملة‬
‫وتفصيل‪ ،‬يأتي وفق عدة اعتبارات‪ ،‬هي‪:‬‬
‫العتبار الول‪ :‬الفتوى تفللترض وجللود بنللك يتلقللى الللودائع‬
‫والمدخرات من المتعاملين معه؛ "ليكون وكيل ً عنهللم فللي‬
‫ف‬
‫اسللتثمارها؛ وهللو مللا يعنللي وجللود عقللد وكالللة مسللتو ٍ‬
‫لشروطه‪ ،‬وتترتب عليه أحكام الشريعة‪ ،‬ينظم العلقة بين‬
‫البنللك والمللودع‪ .‬وهللذا القللول منللاقض لحكللم القللوانين‬
‫المطبقة‪ ،‬ول وجود له في واقع البنوك‪.‬‬
‫إن الذي ينظم علقة البنك بمودعيه هو عقد وديعة النقود‪،‬‬
‫أو الوديعة الناقصللة بلغللة القللانون‪ .‬وحكللم هللذا العقللد أنلله‬
‫ينقل ملكية الوديعة إلى البنك‪ ،‬ويخوله استخدامها لحسابه‬
‫وعلى مسئوليته؛ فله وحلده ربحهللا وعليله خسلارتها‪ ،‬وهلو‬
‫يدفع للمودع فائدة وهللي نسلبة مللن رأس المللال مرتبطلة‬
‫حا"‪ .‬والبنللك يلللتزم بللرد الوديعللة؛ لنلله‬ ‫بالمدة ويسميها "رب ً‬
‫مدين بها‪ ،‬وهذه المعاملللة قللرض بللالقطع‪ ،‬وفًقللا لنصللوص‬
‫القانون وحكم الشريعة؛ وهو ما يجعل الزيادة المشللروطة‬

‫‪857‬‬
‫عليهللا ربللا بالجمللاع؛ لقللوله عليلله الصلللة والسلللم‪" :‬كللل‬
‫قرض جر نفًعا فهو ربا"‪ ،‬وكان الللواجب أن تصللدر الفتللوى‬
‫على المعاملة حسبما يقررها القانون ويجري عليها العمللل‬
‫دون افتراض صورة خيالية غير واقعة‪ ،‬حتى ل يقللع اللبللس‬
‫لدى العامة بأن حكم هذه الصورة المتخيلة ينطبق على ما‬
‫يجري عليه العمل في البنوك‪.‬‬
‫فالمادة رقم ‪ 726‬من القانون المدني الجديللد تنللص علللى‬
‫أنه "إذا كانت الوديعة مبلًغا من النقللود‪ ،‬أو أي شلليء آخللر‬
‫مما يهلك بالستعمال‪ ،‬وكان المودع عنللده مأذون ًللا للله فللي‬
‫ضا"‪ .‬وهذا هللو الحكللم فللي بقيللة‬ ‫استعماله؛ اعتبر العقد قر ً‬
‫القوانين العربية]‪.[1‬‬
‫ويقول الدكتور السنهوري‪" :‬وأكثر ما ترد الوديعة الناقصللة‬
‫على ودائع النقود في المصارف؛ حيث تنتقل ملكية النقود‬
‫إلى المصرف‪ ،‬ويللرد مثلهللا بعللد الطللب أو بعللد أجللل‪ ،‬بللل‬
‫ويدفع المصللرف فللي بعللض الحيللان فللائدة عنهللا؛ فيكللون‬
‫ضا‪ ،‬وقد أحسن المشرع المصري‬ ‫العقد في هذه الحالة قر ً‬
‫ضا"]‪ ،[2‬ثم يقول‪" :‬ل محللل‬ ‫في اعتبار الوديعة الناقصة قر ً‬
‫للتمييز بين الوديعة الناقصة )وديعة النقود( والقرض؛ حيث‬
‫إن المللودع فللي الوديعللة الناقصللة ينقللل ملكيللة الشلليء‬
‫المودع إلى المودع عنده‪ ،‬ويصبح هذا مديًنا برد مثله"]‪.[3‬‬
‫وتنللص المللادة ‪ 301‬مللن القللانون رقللم ‪ 17‬لسللنة ‪1999‬‬
‫بإصدار قللانون التجللارة المصللري علللى أن "وديعلة النقللود‬
‫عقد يخول البنك ملكية النقللود المودعللة‪ ،‬والتصللرف فيهللا‬
‫بما يتفق ونشللاطه‪ ،‬مللع الللتزام بللرد مثلهللا للمللودع‪ ،‬طبًقللا‬
‫لشروط العقد"‪.‬‬
‫وتنص المادة ‪ 300‬من نفس القانون على أن أحكام الباب‬
‫الثالث منه‪ ،‬الخللاص بعمليللات البنللوك‪ ،‬ومنلله المللادة ‪301‬‬
‫"تسري على العمليات الللتي تعقللدها البنللوك مللع عملئهللا‪،‬‬
‫تجاًرا كانوا أم غير تجار‪ ،‬وأًيا كانت طبيعة هذه العمليات"‪.‬‬
‫فهللذه النصللوص القانونيللة تقطللع بللأن وديعللة النقللود فللي‬
‫البنوك قرض‪ .‬وقد أكد فقهاء القانون هذا بما ل يدع مجال ً‬
‫للشك‪ .‬وحيث إن هناك إجماعًللا علللى أن "كللل قللرض جللر‬

‫‪858‬‬
‫نفًعا فهو ربللا" كمللا جللاء فللي الحللديث الشللريف‪ ،‬فللإن مللا‬
‫دا‪.‬‬‫حا أو عائ ً‬
‫ي رب ً‬‫سم َ‬
‫يصرف للمودع يعد ربا وإن ُ‬
‫شرط فيه أن‬ ‫يقول ابن قدامة المقدسي]‪" :[4‬وكل قرض ُ‬
‫يزيد فهو حرام بغير خلف‪ ،‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمعللوا علللى‬
‫أن المسلف إذا شرط علللى المستسلللف زيللادة‪ ،‬أو هديللة‬
‫فأسلف على ذلك؛ فإن أخذ الزيادة على ذلك فهو ربا"‪.‬‬
‫وقد روى البخللاري فللي صللحيحه عللن أبللي بللردة بللن أبللي‬
‫موسى‪ ،‬قال‪" :‬قدمت المدينة‪ ،‬فلقيت عبد الله بللن سلللم‪،‬‬
‫ش‪ ،‬فلإذا كلان للك علللى‬ ‫فقال لي‪ :‬إنك بأرض فيها الربا فا ٍ‬
‫رجل حق فأهدى إليك حمل تبللن أو حمللل شللعير أو حمللل‬
‫قت فل تأخذه فإنه ربا"‪ .‬وروى البخللاري فللي تللاريخه عللن‬
‫أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪" :‬إذا أقرض فل‬
‫يأخذ هدية"‪.‬‬
‫وإنللي لعجللب كيللف غللاب عللن العلمللاء الفاضللل أعضللاء‬
‫المجمع هذه الحقائق مع سعة علمهم وغللزارة اطلعهللم؟‬
‫غير أن عذرهم هو أنهم يجيبون على سؤال يعرض صللورة‬
‫محللددة‪ ،‬هللي "تلقللي البنللك للللودائع لسللتثمارها بطريللق‬
‫الوكالة في صيغ استثمار مشروعة"‪ ،‬وكللان الجللواب علللى‬
‫قللدر السللؤال وإن بصللورة افتراضللية غيللر متحققللة فللي‬
‫الواقع‪.‬‬
‫ما للمودع بصفته موكل ً‬ ‫وإن كنا سنرى أن تحديد مبلغ مقد ً‬
‫حا؛ لنه يناقض أحكام الوكالللة‬ ‫عا‪ ،‬ولو سمي رب ً‬
‫ل يجوز شر ً‬
‫في السللتثمار الللتي أجمللع عليهللا الفقهلاء‪ ،‬وهللي‪ :‬أن ربللح‬
‫الوديعة المستثمرة كله للمودع‪ ،‬وأن خسللارتها الللتي ل يللد‬
‫للوكيل فيها عليه‪ .‬وأن أجر الوكيل يجب تحديده عند توقيع‬
‫عقلللد الوكاللللة بمبللللغ مقطلللوع أو نسلللبة ملللن الوديعلللة‬
‫المستثمرة‪ .‬وهذا كله يقتضللي أن يمسللك الوكيللل )البنللك(‬
‫حسللاًبا مسللتقل ً للوديعللة أو مجمللوع الللودائع‪ ،‬يقيللد فيلله‬
‫اليرادات والمصروفات حتى يتحللدد الربللح الللذي يسللتحقه‬
‫الملودع أو مجموعلة الملودعين‪ ،‬وذللك عللى النحلو اللذي‬
‫تمارسه البنوك السلمية فلي عمليلات السلتثمار بطريلق‬
‫الوكالة‪.‬‬

‫‪859‬‬
‫العتبار الثاني‪ :‬أنه على فرض أن العقد الذي ينظم علقللة‬
‫البنك والمودعين فيه هو عقد وكالللة فللي السللتثمار‪ ،‬وهللو‬
‫فرض يناقض حكم القوانين وينللافي الواقللع العملللي؛ فللإن‬
‫البنللوك التجاريللة والمتخصصللة ل تملللك اسللتثمار الللودائع‬
‫بنفسها استثماًرا مباشلًرا؛ بمعنللى التجللار فيلله‪ ،‬بللل تملللك‬
‫إقراضه للغير بفائدة‪ .‬فالقانون المصري رقللم ‪ 163‬لسللنة‬
‫‪ 1957‬والقوانين المعدلة له تنص على ما يأتي‪:‬‬
‫المادة رقم ‪ 26‬مكللرًرا]‪ [5‬تنللص علللى أنلله "تخضللع جميللع‬
‫البنوك التي تمارس عملياتها داخل جمهورية مصر العربيللة‬
‫لحكام هذا القانون"‪.‬‬
‫والمادة رقم ‪ 38‬من نفس القانون تنص علللى أنلله "ُيعتللبر‬
‫كا تجارًيا كللل منشللأة تقللوم بصللفة معتللادة بقبللول ودائع‬ ‫بن ً‬
‫تدفع عند الطلب أو بعد أجل ل يجاوز سللنة" )عللدلت مللدة‬
‫الوديعة بالزيادة(‪.‬‬
‫والمادة رقم ‪ 39‬من نفس القانون تنص على أنلله "يحظللر‬
‫على البنك التجاري أن يباشر العمليات التية‪:‬‬
‫) أ( التعامللل فللي المنقللول أو العقللار بالشللراء أو الللبيع أو‬
‫المقايضة فيما عدا‪:‬‬
‫‪ -1‬العقار المخصللص لدارة أعمللال البنللك أو للترقيللة عللن‬
‫موظفيه‪.‬‬
‫‪ -2‬المنقول أو العقار الذي تئول ملكيتلله إلللى البنللك وفللاء‬
‫لدين له قبل الغير قبل أن يقوم البنك بتصفيته خلل سللنة‬
‫من تاريخ أيلولة الملكية بالنسبة للمنقللول وحللتى سللنوات‬
‫بالنسبة للعقار‪ ،‬ويجوز لمجلس إدارة البنللك المركللزي مللد‬
‫هذه المدة عند القتضاء‪.‬‬
‫)ب( امتلك أسللهم الشللركات المسللاهمة‪ ،‬ويشللترط "أل‬
‫تجللاوز القيمللة السللمية للسللهم الللتي يملكهللا البنللك فللي‬
‫الشركة مقدار رأسماله المصدر واحتياطياته"‪.‬‬
‫والمادة رقم ‪ [6]45‬تنص علللى أنلله "يحظللر علللى البنللوك‬
‫العقارية والبنوك الصناعية وبنوك الستثمار نفس العمللال‬
‫المحظورة على البنوك التجارية"‪.‬‬
‫فهذه النصللوص تقطللع بللأنه يحظللر علللى البنللوك التجاريللة‬
‫وغير التجاريللة العاملللة فللي مصللر السللتثمار عللن طريللق‬

‫‪860‬‬
‫التجار بالشراء والبيع بصللفة مطلقللة‪ ،‬إل إذا كللان التملللك‬
‫وفاء لدين‪ ،‬وبشرط التصرف في العقار أو المنقللول خلل‬
‫ما لدارة البنللك أو‬ ‫مللدة محللددة‪ ،‬أو كللان العقللار مسللتخد ً‬
‫لماكن ترقيلة ملوظفيه‪ .‬وحلتى فلي حاللة المشلاركة فلي‬
‫تأسيس الشللركات وشللراء أسللهم‪ ،‬يحظللر علللى البنللك أن‬
‫يمس الللودائع مطلًقللا‪ ،‬بللل إن للله أن يتصللرف فللي حللدود‬
‫حقوق المساهمين‪.‬‬
‫فافتراض الفتوى محللل النظللر أن البنللوك تقللوم باسللتثمار‬
‫الودائع بالتجار فيها بالبيع والشراء بصفة مباشرة‪ ،‬أو حتى‬
‫شراء أسهم الشركات افتراض غير صللحيح‪ ،‬وبنللاء الفتللوى‬
‫عليه باطل‪ .‬وإذا كنا نتكلم عن أمر واقللع‪ ..‬فلأين هللو؟ وأي‬
‫بنك يقوم باستثمار الودائع بنفسه استثماًرا مباشًرا؟ وأيللن‬
‫يعمل؟ أيعمل في مصر أم في الخارج؟؟‬
‫ول أدري كيف غاب عن أعضاء المجمع ‪-‬مع سعة علمهللم‪،‬‬
‫وكللثرة اطلعهللم‪ ،‬ومعرفتهللم بواقللع الجهللاز المصللرفي‬
‫المصري والعربي والعالمي وطريقة عمله‪ ،‬وفًقا للقللوانين‬
‫المنظمة له‪ -‬أن البنوك في مصر ليست حللرة فللي القيللام‬
‫باستثمار الودائع بنفسها استثماًرا مباشًرا في التجار بالبيع‬
‫والشلللراء للعقلللارات والمنقلللولت‪ ،‬أو المسلللاهمة فلللي‬
‫الشركات‪ ،‬وإنما الصل أنهللا ُتقللرض الللودائع بسللعر فللائدة‬
‫أعلى من سعر الفائدة الذي تدفعه علللى الللودائع‪ ،‬ويكللون‬
‫الفرق بين الفوائد الدائنة والمدينللة هللو ربللح المسللاهمين‪،‬‬
‫بعد خصم المصروفات العمومية والدارية‪ ،‬وذلك بالضللافة‬
‫إلى مقابل الخدمات المصرفية‪.‬‬
‫وعلى كل حال فإن الفتوى ل يتحقللق منللاط تطبيقهللا فللي‬
‫البنوك التجارية أو المتخصصلة؛ لن الفتلوى تفلترض قيلام‬
‫البنوك التي تتلقى الودائع بصفتها وكيل استثمار‪ ،‬باستثمار‬
‫هذه الودائع بنفسها استثماًرا مباشلًرا بالتجللار فيهللا بللالبيع‬
‫والشراء وغيرهما‪ ،‬وهذا محظور على هذه البنوك‪.‬‬
‫والللذي يقللوم باسللتثمار الللودائع بصلليغ وعقللود اسللتثمار‬
‫شرعية‪ ،‬وبطريقة مباشللرة علللى أسللاس عقللد الوكالللة أو‬
‫المضللللاربة أو المشللللاركة‪ ،‬أو المرابحللللة أو السلللللم أو‬
‫الستصناع‪ ..‬هي البنوك السلمية‪ .‬فإذا استثمرت بطريللق‬

‫‪861‬‬
‫الوكالة فإن الربح كله لمالك الوديعة والخسارة التي ل يللد‬
‫للبنك فيها عليه؛ لنه المالك للوديعة‪ ،‬ويستحق البنك أجللًرا‬
‫دا بمبلغ مقطوع أو نسبة من الوديعة المستثمرة‪.‬‬ ‫محد ً‬
‫وإذا كان الستثمار بطريق المضاربة؛ فللإن البنللك يسللتحق‬
‫النسبة المتفق عليها مللن ربللح اسللتثمار الللودائع‪ ،‬والبللاقي‬
‫يوزع علللى أصللحاب الللودائع؛ وذلللك وفللق نسللبة ودائعهللم‬
‫ومللدد اسللتثمار هللذه الللودائع‪ ،‬وذلللك بحكللم أن المللودعين‬
‫يملكون هذه الودائع‪ ،‬ول يقرضونها للبنك‪.‬‬
‫وإذا كان البنللك يسللتثمر الللودائع بطريللق المشللاركة؛ فللإن‬
‫البنك يستحق حصة في الربللح بنسللبة مشللاركته‪ ،‬والبللاقي‬
‫للمودعين مقابل استثمار ودائعهم‪ .‬والشريك المودع يملك‬
‫حصة في المشاركة وهي الوديعة‪.‬‬
‫العتبللار الثللالث‪ :‬وعلللى فللرض أن البنللوك تتلقللى الللودائع‬
‫بصفتها وكيل اسلتثمار‪ ،‬وعللى فلرض أنهلا تمللك اسلتثمار‬
‫الللودائع بنفسللها اسللتثماًرا مباشللًرا بالتجللار فيهللا بللالبيع‬
‫والشراء وشراء السهم‪ ،‬وهو فرض غير جائز قانوًنلا وغيللر‬
‫واقع عمل ً وممارسة‪ ،‬على فرض ذلك كللله‪ ..‬فللإن الفتللوى‬
‫تنص على أن استثمار الودائع يكون في "عمليللات البنللوك‬
‫المشروعة"‪ .‬وهذا الفرض غير واقع؛ ذلك أن البنوك تملك‬
‫استخدام الودائع في عمليات القللراض بفللائدة‪ ،‬وهللي ربللا‬
‫محرم باتفاق‪ .‬والفتوى نفسها لم تتعرض لحكللم اسللتخدام‬
‫البنك لودائعه في إقراضها بفائدة برغللم كللونه ربللا محّرمللا‬
‫باتفاق‪.‬‬
‫وتنص المادة الرابعة مللن القللانون رقللم ‪ 37‬لسللنة ‪1992‬‬
‫دل بكلمة "الفائدة" أينما وردت في القللانون‬ ‫على أن ُتستب َ‬
‫رقم ‪ 163‬لسنة ‪ 1957‬أو القانون رقم ‪ 120‬لسلنة ‪1975‬‬
‫كلمللة "العللائد"‪ ،‬وهللو ل يغيللر مللن الحكللم الشللرعي‪ ،‬وهللو‬
‫حرمللة كللل زيللادة عللن مبلللغ القللرض؛ ذلللك أن الحكللم‬
‫الشرعي مرتبط بكلمة "النفع" بكل صوره وجميع أشكاله‪،‬‬
‫حا كانت أو‬ ‫بصرف النظر عن التسمية التي ُتطلق عليه‪ ،‬رب ً‬
‫دا أو هدية أو منحة أو مكافأة أو جائزة؛ فالرسول عليه‬ ‫عائ ً‬
‫الصلة والسلللم يقللول‪" :‬كللل قللرض جللر نفعًللا فهللو ربللا"‪.‬‬

‫‪862‬‬
‫فللالعبرة هنللا بكللون المللدفوع نفعًللا‪ ،‬بصللرف النظللر عللن‬
‫تسميته‪.‬‬
‫وإذا ثبت أن الودائع تسللتخدم بطريللق القللراض بفللائدة أو‬
‫عائد ‪-‬كما يسميه القانون‪ ،-‬كان افتراض الفتوى أن البنللك‬
‫"يستثمر الودائع فللي معللاملته المشلروعة" افتراضلا غيلر‬
‫واقع وغير صحيح‪ ،‬وبناء الفتوى عليه باطل‪ ،‬ولو فللرض أن‬
‫كا يتلقى الودائع بصفته وكيل استثمار‪ ،‬ويسللتثمرها‬ ‫هناك بن ً‬
‫في معاملته المشللروعة اسللتثماًرا مباش لًرا بصلليغ وعقللود‬
‫استثمار مشروعة ول يقرضها للغير بفائدة؛ لكانت الفتللوى‬
‫منطبقة على هذا البنك )أي يتحقق فيه مناط الفتوى(‪.‬‬
‫فالفتوى التي بين أيللدينا ُأنيطللت وارتبطللت وتعلقللت ببنللك‬
‫يتلقى الودائع وفق عقد وكالة في الستثمار‪ ،‬وليللس وفللق‬
‫عقللد وديعللة تأخللذ حكللم القللرض‪ ،‬ويقللوم باسللتثمار هللذه‬
‫الودائع‪ ،‬والتجار فيها بنفسه )وهللذا محظللور علللى البنللوك‬
‫القائمة(‪ ،‬ويتم التعامل فيها بصيغ وعقود استثمار شللرعية‪،‬‬
‫وليس بإقراضها بفائدة كما هو الوضع في البنوك العاديللة‪.‬‬
‫فإذا ما اختل أو انعدم أحد هذه العناصر التي تشكل منللاط‬
‫الفتوى فإن الفتوى ل تطبق‪.‬‬
‫ولقد ذكرنا أن الفتوى تنطبق على البنللوك السلللمية‪ ،‬مللع‬
‫ملحظللة أن البنللوك السلللمية تلللتزم بشللروط وأحكللام‬
‫الوكالللة الشللرعية‪ ،‬وأهمهللا حرمللة اشللتراط ربللح محللدد‬
‫ل؛ لن هللذا باطللل بالجمللاع‪ ،‬وصللرف‬ ‫للمودع بصللفته مللوك ً‬
‫الربح كله للمودع بعد خصم أجرة البنك المحددة في عقللد‬
‫الوكالللة‪ ،‬وتحميللل المللودع بصللفته مللوكل ً جميللع مخللاطر‬
‫اسللتثمار الوديعللة‪ ،‬وخسللائرها الللتي ل يللد للبنللك فيهللا‪ ،‬ول‬
‫قدرة له على توقعها أو تلفي آثارها )أي‪ :‬إذا كانت بسللبب‬
‫قوة قاهرة‪ ،‬أو بسبب أجنبي بلغة القانون(‪.‬‬
‫ولللو ُوجللد بنللك يتلقللى الللودائع بعقللد وكالللة مسللتوفية‬
‫لشللروطها‪ ،‬وتللترتب عليهللا أحكامهللا الشللرعية؛ لكللانت‬
‫معاملته صلحيحة‪ .‬ولكلن الوكاللة الملذكورة فلي الفتلوى‪،‬‬
‫على الرغم من أنها مجللرد اخللتراع وخيللال ينللاقض أحكللام‬
‫القوانين وواقع العمللل؛ فإنهللا وكالللة باطلللة بالجمللاع؛ لن‬
‫الوكيل )البنك( يأخذ أرباح الوديعة‪ ،‬وليس أجًرا محدًدا فللي‬

‫‪863‬‬
‫عقلللد الوكاللللة‪ ،‬ويتحملللل خسلللائرها‪ ،‬ويشلللترط للملللودع‬
‫حللا‪ ،‬وهللذه وكالللة‬
‫ما أسللماه رب ً‬ ‫دا مقللد ً‬‫)الموكل( مبلًغا محد ً‬
‫باطلة بإجماع الفقهاء طوال ‪ 14‬قرًنا من الزمان‪ ،‬ول أظن‬
‫أن هذا يغيب عن علم أصللحاب الفضلليلة أعضللاء المجمللع‪،‬‬
‫وهم من المشهود لهم بالعلم والفضل والورع‪.‬‬
‫وخلصة الرد على هذا الجزء مللن الفتللوى أنهللا فتللوى فللي‬
‫معاملة افتراضية؛ حيث هذه المعاملة المستفتى فيها غيللر‬
‫ل‪ ،‬بالنسللبة للبنللوك العاملللة‬ ‫جائزة قانوًنا‪ ،‬وغيللر واقعللة عم ً‬
‫في مصر‪ ،‬بل وفي غيرها من البلد العربية وغيرهللا‪ .‬وهللي‬
‫صورة بنك يتلقى الودائع بصفة وكيللل اسللتثمار‪ ،‬ويسللتثمر‬
‫هذه الودائع بنفسه في معللاملت وبصلليغ وعقللود اسللتثمار‬
‫مباشرة‪ ،‬وهذه المعللاملت وتلللك الصلليغ تتفللق مللع أحكللام‬
‫الشريعة السلمية‪.‬‬
‫وإذا فرضنا جدل ً أن البنوك تقبل الودائع بصفتها وكيل ً عللن‬
‫المللودعين لسللتثمارها بنفسللها والتجللار فيهللا اسللتثماًرا‬
‫مباشًرا؛ فإن هذا الستثمار يجب أن يكون بصلليغ اسللتثمار‬
‫شرعية كللالبيع والشللراء والستصللناع والمرابحللة والسلللم‬
‫والمشاركة وغيرها من الصلليغ والعقللود الشللرعية‪ ،‬وليللس‬
‫بصيغة القراض بفائدة‪ ،‬كما أنه يجب أن تكون الوكالة في‬
‫السللتثمار مسللتوفية لشللروطها الشللرعية‪ ،‬وتللترتب عليهللا‬
‫الحكام والثار التي ترتبها الشللريعة السلللمية؛ مللن كللون‬
‫الربح كله للمودعين‪ ،‬وللبنك الجللر المحللدد المتفللق عليلله‬
‫في عقد الوكالة‪ ،‬على أن تكون خسارة الودائع التي ل يللد‬
‫للبنك فيها على أصحابها؛ لنهم المالكون لها‪.‬‬
‫فرد البنك للودائع التي يستثمرها بطريق‬ ‫وهذا يقتضي أن ي ُ ِ‬
‫مللدقًّقا‪ ،‬تقيللد فيلله إيللرادات‬‫ما ُ‬‫الوكالة حساًبا مستقل ً منتظ ً‬
‫ومصللروفات جميللع المعللاملت الشللرعية الللتي يقللوم بهللا‬
‫البنللك‪ ،‬حللتى يتحللدد الربللح المسللتحق للمللودعين‪ ،‬بعللد أن‬
‫يخصم البنك الجرة المتفق عليها عند اليداع‪.‬‬
‫والبنوك السلمية تقوم بهذا العمل علللى الللوجه السللابق‪،‬‬
‫وذلك بجانب قيامها باستثمار الودائع بصيغة المضاربة التي‬
‫يستحق فيها البنك نسبة محددة من الربح بدل ً من الجللرة‬
‫المحددة بمبلغ مقطوع أو نسللبة مللن الللودائع المسللتثمرة‪،‬‬

‫‪864‬‬
‫وقد تستثمر البنوك السلللمية الللودائع بصلليغة المشللاركة؛‬
‫فيستحق البنللك حصللة مللن الربللح تناسللب مسللاهمته فللي‬
‫المشللاركة‪ ،‬ويأخللذ المودعللون نسللبة مللن الربللح تناسللب‬
‫مساهماتهم‪.‬‬
‫وأمللا اسللتخدام الللودائع فللالبنوك السلللمية تسللتثمرها‬
‫استثماًرا مباشًرا بعقللود وصلليغ شللرعية كالمرابحللة والللبيع‬
‫المؤجل وبيع السلللم والستصللناع والمشللاركات‪ ،‬ول تللدفع‬
‫البنوك السلمية هذه الللودائع بصلليغة القللرض لمللن يقللوم‬
‫باستثمارها؛ فالبنوك السلمية ل تقوم بالقراض والتمويل‬
‫النقدي ومنح التسهيلت الئتمانية‪ ،‬بل إنهللا بنللوك اسللتثمار‬
‫منتللج للسلللع والخللدمات‪ ،‬وبنللوك تنميللة حقيقيللة‪ ،‬وتلللك‬
‫رسالتها‪ ،‬حسب قواعد الشريعة‪ ،‬وقوانين ونظللم إنشللائها‪،‬‬
‫والتراخيص التي منحتها الدول التي توجد فيها هذه البنلوك‬
‫لها؛ فإن قصرت أو أخطأت كانت مسئولة أمللام الللله‪ ،‬ثللم‬
‫الدولة التي منحتها هذه التراخيص‪ ،‬والمجتمع الذي منحهللا‬
‫ثقته‪.‬‬
‫وقللد يحللدث هللذا التقصللير بسللبب عللدم كفايللة العناصللر‬
‫المؤهلة‪ ،‬أو عدم العناية بتدريبها‪ ،‬ولكنها في جميع الحوال‬
‫يجب أن تجمع المدخرات‪ ،‬وتوجهها للستثمار المنتج بصيغ‬
‫شرعية مساهمة في خطط التنميللة‪ .‬ويجللب علللى الدولللة‬
‫والمجتمع أن يعيناها على ذلك‪ ،‬ويحكمللا الرقابللة عليهللا؛ إذ‬
‫إن الذين يتعللاملون مللع هللذه البنللوك يعتمللدون علللى أنهللا‬
‫تلتزم بأحكام الشريعة في تلرك الربلا اللذي يلؤذن بحلرب‬
‫الله ورسوله ويمحق البركة في المجتمع‪ ،‬وأن هذه البنوك‬
‫تسهم في نفس الوقت في تمويل خطط التنمية‪ .‬ذلللك أن‬
‫البنللك السلللمي ل يتقاضللى فللائدة علللى قللرض؛ لنلله ل‬
‫ُيقرض الودائع‪ ،‬وإنمللا يسللتحق حصللة مللن ربللح العمليللة أو‬
‫المشروع‪ ،‬ول يتحقق الربح إل إذا كان ثمللة مشللروع منتللج‬
‫ومحقق للربح وفللق دراسللة الجللدوى‪ ،‬وبللذلك يللواكب كللل‬
‫تمويللل لعمليلة إنتلاج ينتلج عنهللا ربلح‪ ،‬وهلذا يسللاعد عللى‬
‫تخفيلف حلدة التضلخم‪ ،‬ويلوجه اسلتخدامات الملوارد فلي‬
‫حا‪.‬‬
‫المجتمع توجيًها صحي ً‬

‫‪865‬‬
‫إن دعم ومساندة البنوك السلمية تلللبي أشللواق ورغبللات‬
‫شللريحة كللبيرة مللن المجتمللع الللتي آمنللت بحرمللة الربللا‪،‬‬
‫وبكونه يمحق البركة من الرزق‪ ،‬ويعرض المرابللي لحللرب‬
‫من الله ورسوله ل قبل له بها‪ ،‬ولهم حق ممارسللة أحكللام‬
‫دينهم‪ ،‬ويفيد الجهلاز المصلرفي ملن ودائع يمتنلع أصلحابها‬
‫عن إيداعها في البنوك الربوية‪ ،‬بدل ً مللن أن تتسللرب هللذه‬
‫الودائع‪ ،‬وُيحرم منها المجتمع‪.‬‬
‫ول يضللير البنللوك التقليديللة وجللود بنللوك إسلللمية؛ لن‬
‫الملللتزمين بأحكللام دينهللم إذا لللم توجللد بنللوك إسلللمية ل‬
‫يودعون في البنوك التقليدية‪ .‬لذا فإن إثارة هذا الموضللوع‬
‫ل يفيد المجتمع بحال‪.‬‬
‫إشكاليات تتعلق بفتوى مجمع البحوث السلمية‬
‫إن كللان التنللاول النقللدي السللابق يتعلللق بالشللكال الللذي‬
‫انطوى عليلله السللؤال مللن توصلليف غيللر حقيقللي لطبيعللة‬
‫النشاط القتصادي الذي تمارسه المصارف‪ ،‬ومن ثم سوء‬
‫الفهم المترتب على هذا التوصلليف الخللاطئ؛ فللإن الجللزء‬
‫الذي بين أيدينا يتناول تجاوزات في فتوى مجمللع البحللوث‬
‫نفسها ) اضغط هنا لمطالعة نص الفتوى(‪.‬‬
‫لقد ذكرت الفتوى بعض الدلة على مللا توصلللت إليلله مللن‬
‫ما لصحاب الودائع في البنللوك‬ ‫حكم بأن تحديد الرباح مقد ً‬
‫حلل ل شللبهة فيلله‪ .‬واسللتكمال ً للبحللث فللإني أذكللر هللذه‬
‫الدلة‪ ،‬أو بالحرى التعليلت والمناسبات التي ذكرت لتأكيد‬
‫هذه الفتوى‪:‬‬
‫ل‪ :‬جاء في الفتوى أنه "من المعروف أن البنللوك عنللدما‬ ‫أو ً‬
‫ما‪ ،‬إنملا‬‫تحدد للمتعاملين معها هذه الرباح أو العلوائد مقلد ً‬
‫تحللددها بعللد دراسللة دقيقللة للسللواق الماليللة أو المحليللة‬
‫وللوضاع القتصادية في المجتمع‪ ،‬ولظللروف كللل معاملللة‬
‫أو نوعها ومتوسط أرباحها"‪.‬‬
‫وهذا التعليل أو التدليل ليس في محل النزاع؛ لن الخلف‬
‫ليس في طريقة تحديد ما ُيعطى للمودع‪ ،‬بللل فللي الحكللم‬
‫الشرعي لما ُيعطى‪ ،‬بصرف النظر عللن مقللداره وطريقللة‬
‫ضللا بنللص القللوانين‬‫تحديده‪ .‬وقد تقدم أن الوديعللة ُتعللد قر ً‬
‫وبإجماع الفقهاء‪ ،‬و"كللل قللرض جللر نفعًللا فهللو ربللا" بنللص‬

‫‪866‬‬
‫الحديث الشريف؛ ذلك أن واقع البنوك أنها تتلقللى الللودائع‬
‫وتملكها‪ ،‬وتستقل باستخدامها في إقراض الغير بفائدة‪ ،‬مع‬
‫التزامها بردها مع الفللائدة‪ ،‬وهللذا هللو حكللم القللرض بنللص‬
‫القانون‪ ،‬ول دخل بعد ذلك في كيفية أو طريقة تحديد هللذا‬
‫النفع أو مقداره أو مسماه؛ فقد ُتسمى هذه النتيجللة نفًعللا‬
‫دا أو فللائدة أو مكافللأة أو هديللة؛ لن العللبرة‬
‫حا أو عائ ً‬
‫أو رب ً‬
‫بما يرتبه العقد من آثار بين عاقديه‪ .‬والحكللام ُتبنللى علللى‬
‫الواقع ل على الخيللال‪ .‬ودعللوى أن البنللك وكيللل اسللتثمار‪،‬‬
‫وأنه يستثمر الودائع بنفسه في معاملت مشللروعة‪ ،‬تقللدم‬
‫تفنيللده وإبطللاله‪ ،‬وتوضلليح مخللالفته للقللانون والشللرع‬
‫والواقع‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬جاء في الفتوى أنه "مللن المعللروف أن هللذا التحديللد‬
‫)للربح الذي يعطى للمودع( قابل للزيادة أو النقص؛ بدليل‬
‫أن شهادات الستثمار بدأت بتحديد العائد‪ ،‬ثللم ارتفللع إلللى‬
‫أكثر من ‪ ،%15‬ثم انخفض الن إلى ما يقارب ‪.%10‬‬
‫وهذا التعليل أو التعديل في غيللر الموضللوع الللذي نتحللدث‬
‫عنه؛ إذ الحللديث علن الصلفة الشللرعية لملا يعطيله البنللك‬
‫للموِدع؛ وقد تقدم أنه ربللا؛ لنله منفعللة يمنحهللا المقللترض‬
‫رض )زيادة عن الللدين؛ لنهللا نسللبة مللن رأس المللال‬ ‫للمق ِ‬
‫مقابل الجل(‪ .‬ول يجادل أحد في أن هذا هو حقيقة الربللا؛‬
‫لقوله عليه الصلة والسلم‪" :‬كل قرض جر نفًعا فهو ربا"‪،‬‬
‫ولجملاع الملة عللى أن الزيلادة علللى اللدين فلي مقابلل‬
‫ما كمللا جللاء‬‫شرطت مقللد ً‬ ‫الجل هي الربا‪ ،‬سواء تحددت و ُ‬
‫في السؤال والفتوى‪ ،‬أو كللانت العللادة جاريللة فللي البنللوك‬
‫بذلك‪.‬‬
‫وإذا ثبللت أن الوديعللة النقديللة قللرض يفيللد ملللك البنللك‬
‫للوديعللة‪ ،‬وحقلله فللي اسللتخدامها مللع رد مثلهللا‪ ،‬وأن ذلللك‬
‫قرض بحكم القانون والشرع؛ فإن كل زيادة على القللرض‬
‫ُتعطللى للمللودع تكللون ربللا مهمللا كللان قللدرها‪ ،‬أو طريقللة‬
‫تحديدها‪ ،‬أو التسمية التي ُتطلق عليها‪ ،‬أو تغييرها بالزيللادة‬
‫والنقصان‪ .‬ودعوى أن البنلك يتلقللى اللودائع بصلفته وكيلل‬
‫استثمار‪ ،‬وأنه يستثمرها بنفسه فللي معللاملته المشللروعة‬
‫بالتجللار والللبيع والشللراء وغيللر ذلللك مللن عقللود وصلليغ‬

‫‪867‬‬
‫السللتثمار الشللرعية‪ ،‬دعللوى يكللذبها الواقللع‪ ،‬ويحظرهللا‬
‫القانون‪ ،‬كما سبق شرحه وإثباته‪..‬‬
‫ثالًثا‪ :‬جاء في الفتوى أن "الخلصة أن تحديد الربح مقللد ً‬
‫ما‬
‫للذين يستثمرون أموالهم عن طريق الوكالللة السللتثمارية‬
‫في البنوك أو غيرها حلل‪ ،‬ول شللبهة فللي هللذه المعاملللة؛‬
‫فهي من قبيل المصالح المرسلة‪ ،‬وليسلت مللن العقللائد أو‬
‫العبادات التي ل يجوز فيها التغيير أو التبديل"‪.‬‬
‫والرد على ذلللك يكللون بتنللاول عللدة جزئيللات علللى النحللو‬
‫التالي‪:‬‬
‫ل‪ :‬الحكم الشرعي إذا ثبت بالدليل‪ ،‬وعُللرف منللاطه؛ فل‬ ‫أو ً‬
‫يجوز تغييللره ول تبللديله بحللال‪ ،‬يسللتوي فللي ذلللك العقللائد‬
‫والعبادات وغيرها من المعاملت‪ .‬غير أن تفسير النصللوص‬
‫الشرعية‪ ،‬وتحديد مجال إعمالها‪ُ ،‬يرجع فيه إلللى المصلللحة‬
‫شرع الحكم لتحقيقها‪ ،‬وذلللك فللي المعللاملت بخلف‬ ‫التي ُ‬
‫العبادات التي يقف فيها المجتهد عند النص ول يتوسع فللي‬
‫تفسيره‪ .‬وهذا أصل أكده المام الشاطبي وغيره‪ ،‬غير أنلله‬
‫في جميللع الحللالت إذا توصللل المجتهللد بهللذا المنهللج إلللى‬
‫حكم شرعي فإنه ل يحل تغييره أو تبديله‪.‬‬
‫وثمة فللرق بيللن العبللارتين؛ إذ إن عبللارة التغييللر والتبللديل‬
‫لحكام الشريعة ُتوهم أنها غير ملزمة للمكلف‪ ،‬وهللذا رأي‬
‫نسب إلى الطوفي الحنبلي‪ ،‬وهو منه بريء )راجللع نظريللة‬
‫المصلللحة فللي الفقلله السلللمي – ص‪ ،533 :‬ومللا بعللدها‬
‫لكاتب التعليق(‪ ،‬إذ لم يقل بذلك أحللد فللي تاريللخ الجتهللاد‬
‫السلمي‪ .‬فقد نسللب بعللض المحللدثين إلللى الطللوفي أنلله‬
‫يقللدم المصلللحة علللى النللص والجمللاع فللي المعللاملت‪،‬‬
‫ورموه بأنه أول من فتح باب الشر‪ ،‬وأن ما قللاله "باطللل"‬
‫صادر عن "مضل" "فللاجر" "سللاقط"‪ ،‬ول يقللول بقللوله إل‬
‫مللن هللو "أسللقط منلله"‪ ،‬وأن رأيلله فللي المصلللحة "إلحللاد‬
‫مكشوف"‪ ،‬من أعار له سمًعا لم يكن له نصيب من العلللم‬
‫ول مللن الللدين‪ ،‬وأن مللذهبه ليللس غلط ًللا فقللط مللن عللالم‬
‫حسن النية يحتمل التأويل‪ ،‬بل فتنة فتللح بابهللا قاصللد شللر‬
‫ومثير فتن‪ .‬ويقللول الغمللام أبللو زهللرة عللن الطللوفي‪" :‬إن‬
‫مهللاجمته للنصللوص وفكللرة نسللخها بالمصللالح أسلللوب‬

‫‪868‬‬
‫شلليعي"]‪ ،[7‬ويللدافع الللدكتور مصللطفى زيللد عللن العلمللة‬
‫الطوفي‪ ،‬ويقول‪" :‬إن خطأه في الجتهاد ل يعني أنلله كللان‬
‫متلعًبا بالمذاهب والعقائد"]‪.[8‬‬
‫ثانًيا‪ :‬هذه المعامللة ليسلت مللن بلاب المصلالح المرسللة؛‬
‫لنها وكالة في الستثمار كما جاء في الفتللوى‪ .‬وقللد بينللت‬
‫الشريعة السلمية شروط الوكالة وأحكامها‪ .‬فليست ممللا‬
‫سللكتت عنلله النصللوص الشللرعية‪ ،‬وهللذه الحكللام باتفللاق‬
‫الفقهاء‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ -1‬وجوب النص على أجر الوكيل في عقد الوكالللة‪ ،‬سللواء‬
‫عا أو نسبة من المال المستثمر‪.‬‬ ‫كان مبلًغا مقطو ً‬
‫‪ -2‬أن أرباح المال المستثمر كلها للموكل‪ ،‬وخسارته عليلله‬
‫بحكم أنه المالك للمال‪.‬‬
‫‪ -3‬وجللوب إمسللاك الوكيللل حسللاًبا مسللتقل ً عللن عمليللات‬
‫الوكالللة تقيللد فيلله إيللرادات العمليللات ومصللروفاتها؛ حللتى‬
‫تتحللدد الربللاح الللتي يسللتحقها الموكللل بعللد خصللم أجللرة‬
‫الوكيل‪.‬‬
‫دعاة في الفتوى‪ ،‬رغم أنهللا مجللرد خيللال غيللر‬ ‫م ّ‬
‫والوكالة ال ُ‬
‫ف شللروطها‬ ‫واقللع‪ ،‬فهللي وكالللة باطلللة؛ لنهللا لللم تسللتو ِ‬
‫الشرعية‪ ،‬ولم يللترتب عليهللا الحكللام الللتي رتبهللا الشللارع‬
‫عليها‪.‬‬
‫وخلصة ردنا على الفتوى أنها ل تطبق علللى البنللوك الللتي‬
‫تعمللل فللي مصللر‪ ،‬ول فللي غيرهللا مللن البلد العربيللة؛ لن‬
‫مناط الفتوى غير متحقق فللي هللذه البنللوك؛ فهللي ليسللت‬
‫وكيلللة فللي السللتثمار‪ ،‬ول تملللك السللتثمار والتجللار فللي‬
‫الودائع بطريقة مباشرة بحكم القوانين المنشئة لهللا‪ ،‬كمللا‬
‫أن توظيفهللا للمللال غيللر مشللروع؛ لنهللا تقرضللها بفللائدة‬
‫محرمة‪.‬‬
‫وإذا ُفرض وجود نظام مصرفي يقوم على أساس الوكالللة‬
‫في الستثمار؛ فإن هذه الوكالة يجب أن تتللوافر شللروطها‬
‫الشلللرعية‪ ،‬وأن تلللترتب عليهلللا أحكامهلللا اللللتي ل ُتنلللافي‬
‫مقتضاها‪.‬‬

‫‪869‬‬
‫إن البنللوك السلللمية تقللوم بتلقللي الللودائع‪ ،‬واسللتثمارها‬
‫بطريق مباشر‪ ،‬وبصيغ وعقود شرعية في عقد الوكالة في‬
‫الستثمار بجانب صيغ أخرى‪.‬‬
‫المصدر‪:‬‬
‫‪http://www.islamonline.net/Arabic/co...rticle06.shtml‬‬
‫سادسًا‪:‬‬
‫فإنه من المعلوم أن قرار مجمللع البحللوث المتللأخر )سللنة‬
‫‪ (2002‬قرار شاذ‬
‫فقد أجمع الكل في مجمع رابطللة العللالم السلللمي علللى‬
‫تحريم فوائد البنوك‬
‫وأجمع الكل في مجمللع منظمللة المللؤتمر السلللمي علللى‬
‫تحريم فوائد البنوك‬
‫بل أن مجمع البحوث أقر بالجماع بأن فللوائد البنللوك هللي‬
‫عيللن الربللا المقطللوع بتحريملله عللام ‪ 1965‬وبحضللور ‪85‬‬
‫عضو من ‪ 35‬دولة‬
‫وليس ‪ 14‬عضوا مللن دولللة واحللدة بينهللم رئيللس مجلللس‬
‫إدارة بنك ربوي‬
‫يرأسهم الدكتور سيد طنطاوي المعروف توجهه ول يحتللاج‬
‫أن أزيد‬
‫المشاركة الصلية كتبت بواسطة الشامري‬
‫مشاهدة المشاركة‬
‫من أجابك بأنه ليس بالضرورة أن تعرف لماذا تم التحريم‬
‫قد أصدقك القول‬
‫فتسمية الواحد منا بمسلللم؛ أي أنلله أسلللم أمللره لللله عللز‬
‫وجل‬
‫بمعنى إذا حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلللم أمللرًا‪،‬‬
‫فإننا نسلم بالمر دون جدال‪.‬‬
‫من الممكن أن أكتب لك مقال ً مطول ً أو بحثا ً مفصللل ً فيلله‬
‫الكثير من النظريللات القتصللادية لنسللتخلص أضللرار الربللا‬
‫من وجهة نظري الشخصية‬
‫إل أن كلمللي لللن يكللون إل كلم لا ً قلتلله بنللاًء علللى بحللث‬
‫واجتهللاد لمعرفللة سللبب التحريللم ومللع ذلللك لللن يكللون‬

‫‪870‬‬
‫بالضرورة كلما ً حاسمًا‪" ،‬فكللل قللول يللرد إل صللاحب هللذا‬
‫القبر"‬
‫لذلك لن تجد أفضل من التسليم بأمر الله تعالى‪.‬‬
‫تقول ليس بالضروره أن نعرف لماذا تم التحريم ‪ ..‬طيللب‬
‫كيف سنفصللل فللي موضللوع معللاملت البنللوك الللدينيه إن‬
‫كللانت ربللا أم ل ؟؟ أل يفللترض أن نأخللذ النتللائج المللترتبه‬
‫عليها بعيللن العتبللار ؟ و إل مللا هللو المقيللاس برأيللك ؟ إذا‬
‫كنت تقصد الطريقه ‪ ..‬فأعطيتك مثال على ‪-‬أهل السللبت‪-‬‬
‫حين تحايلوا على أوامر الله في طريقة صيد السللمك فللي‬
‫اليوم المحرم عليهم ‪ ,‬و في ذلك نسخه مطابقه ‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك حديث الرسللول عليلله الصلللة و السلللم "‬
‫إنما العمال بالنيات و ان لكل إمرئ ما نوى "‬
‫ثم أننا لسنا معترضين حتى تقول ‪ :‬نسلم !‬
‫لحظ أنك تريدنا ان نسلم بللرأي الفقهللاء المختلفيللن فيمللا‬
‫بينهم أصل ‪ ..‬و ليس برأي الدين ‪.‬‬
‫و قلت في موضع سابق ‪-‬فيما معناه‪ -‬أن على القتصاديين‬
‫إتباع راي الفقهاء حتى لو رأوا ‪ :‬عدم الصلح !‬
‫أعرف أن لديك إجابه كافيه و وافيه عن سؤالي لكنللك لللم‬
‫تفعل ‪ ..‬و ل أريد إجابه حاسمه ‪.‬‬
‫المشاركة الصلية كتبت بواسطة ‪sprite‬‬
‫مشاهدة المشاركة‬
‫تقول ليس بالضروره أن نعرف لماذا تم التحريم ‪ ..‬طيللب‬
‫كيف سنفصللل فللي موضللوع معللاملت البنللوك الللدينيه إن‬
‫كانت ربا أم ل ؟؟‬
‫ٌ‬
‫نعم ليس بالضرورة أن تعرف لماذا حرم هذا ولمللاذا أبيللح‬
‫ذاك وهذا هو الصل في السلم‬
‫أن نسلم بما قال الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫عدا ذلك فإنه يترتب علينا أن نتجه فيمللا ُأبيللح وأن نمضللي‬
‫به‬
‫أملللا موضلللوع معلللاملت البنلللوك السللللمية ))وليسلللت‬
‫الدينيللة ‪ ...‬لننللي لللم أسللمع بللأي بنللك دينللي(( فهللذا مللا‬
‫سيوضحه لك المبحث الثاني والثالث من هذا البحث‬
‫اقتباس‪:‬‬

‫‪871‬‬
‫المشاركة الصلية كتبت بواسطة ‪sprite‬‬
‫مشاهدة المشاركة‬
‫أل يفترض أن نأخذ النتائج المترتبه عليها بعين العتبار ؟ و‬
‫إل ما هو المقياس برأيك ؟‬
‫ل طبعا ً ‪ ...‬ليفترض أن نأخذ النتائج المترتبة على ذلللك إل‬
‫إذا أردنا نناقش بها من هم على غير دين السلم لنهللم ل‬
‫يقرون بما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫أما المقياس؛ فالصل فيه أن نبتعللد عللن الللبيوع المحرمللة‬
‫أو ً‬
‫ل‪:‬‬
‫كالبيوع المنهي عنها باعتبر وصف الغرر‪:‬‬
‫كبيع الحصاة‬
‫وبيع الملمسة والمنابذة‬
‫والبيعتان في بيعة‬
‫وبيع ماليس عند البائع‬
‫وبيع المجهول‬
‫وبيع الولء‬
‫وغيرها‬
‫والبيوع المنهي عنها باعتبار الضرر‪:‬‬
‫كبيع المضطر‬
‫والبيع على البيع‬
‫وبيع المعيب والمغشوش‬
‫وبيع المحرمات‬
‫وغيرها‬
‫والبيوع المنهي عنها باعتبار عينها‪:‬‬
‫كبيع الميتة والخنزير والصنام‬
‫وبيع الخمر‬
‫وبيع الدم‬
‫وغيرها‬
‫والبيوع المنهي عنها باعتبار المكان والزمان‪:‬‬
‫كالبيع داخل المسجد‬
‫وبيع السلح في الفتنة‬
‫وغيرها‬

‫‪872‬‬
‫بعد ذلك إذا ما استشكل أمللر فللي المعللاملت المعاصللرة‪،‬‬
‫فإن القاعدة الفقهية واضحة‪:‬‬
‫"فساد العقللود مللرده إلللى أمللران‪ :‬الربللا ومللا يللؤدي إليله‪،‬‬
‫والميسر وما هو في معناه كالغرر الفاحش"‬
‫وما يحتاج أقول لك إن الربا والميسر حرام لن هذا المللر‬
‫معلوم ‪ ...‬بل وقد فصلت الدلة على تحريم الربا‬
‫اقتباس‪:‬‬
‫المشاركة الصلية كتبت بواسطة ‪sprite‬‬
‫مشاهدة المشاركة‬
‫إذا كنللت تقصللد الطريقلله ‪ ..‬فأعطيتللك مثللال علللى ‪-‬أهللل‬
‫السبت‪ -‬حين تحللايلوا علللى أوامللر الللله فللي طريقللة صلليد‬
‫السللمك فللي اليللوم المحللرم عليهللم ‪ ,‬و فللي ذلللك نسللخه‬
‫مطابقه ‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك حديث الرسللول عليلله الصلللة و السلللم "‬
‫إنما العمال بالنيات و ان لكل إمرئ ما نوى "‬
‫سامحك الله أخللي الفاضللل علللى مللا كتبللت ‪ ...‬ففللي هللذا‬
‫اتهام مبطن للبنوك السلللمية بهيئاتهللا الشللرعية المكونللة‬
‫من علماء أفاضل‬
‫ل أقللول لللك بللأن جميللع البنللوك السلللمية تطبللق تطبيقلا ً‬
‫صحيحا ً ول أقول أنها أخفقت بمجملها‬
‫فنحن هنا نتكلم عن الصول وللم نتطللرق إلللى الفلروع ‪...‬‬
‫وإل لحتجنا إلى مجلدات من البحوث لتغطية هذا الجانب‬
‫وحللتى لللو تناولنللا الفللروع فللإن ذلللك ليتعللارض أبللدا ً مللع‬
‫الحقيقة التي تقول بأن نظام البنوك السلمية هو النظللام‬
‫الصحيح والجدر بالتطبيق‬
‫اقتباس‪:‬‬
‫المشاركة الصلية كتبت بواسطة ‪sprite‬‬
‫مشاهدة المشاركة‬
‫ثم أننا لسنا معترضين حتى تقول ‪ :‬نسلم !‬
‫وهذا جيد ‪ ...‬إذا ما المشكلة؟‬
‫اقتباس‪:‬‬
‫المشاركة الصلية كتبت بواسطة ‪sprite‬‬
‫مشاهدة المشاركة‬

‫‪873‬‬
‫لحظ أنك تريدنا ان نسلم بللرأي الفقهللاء المختلفيللن فيمللا‬
‫بينهم أصل ‪ ..‬و ليس برأي الدين ‪.‬‬
‫أول أقتبس من كلمي لبين لك ما قلته بدقة‬
‫اقتباس‪:‬‬
‫المشاركة الصلية كتبت بواسطة الشامري‬
‫لذلك لن تجد أفضل من التسليم بأمر الله تعالى‪.‬‬
‫ثانيا ً بينت لك فيما سبق أنلله ل اختلف بيللن الفقهللاء حللول‬
‫هذه المسألة‬
‫أما قرار مجمع البحوث السلمية فقد أثبت لك بللأنه قللرار‬
‫شاذ وأعيد لك السباب‪:‬‬
‫ل‪:‬‬‫أو ً‬
‫مجمع البحللوث السلللمية أصللدر قللرارا ً فللي وقللت سللابق‬
‫يحرم الربا ويبين أن معاملت البنوك الربوية هي من الربا‬
‫المقطوع بتحريمه‪ ،‬وقد صللادق علللى ذلللك ‪ 85‬عالملا ً مللن‬
‫‪ 35‬دولة‬
‫ثانيًا‪:‬‬
‫القرار الشاذ الذي أتي لحقا ً في ‪ 2002‬أقللره ‪ 14‬شللخص‬
‫من ‪ 6‬فلسفة ورئيس مجلس إدارة بنك ربوي‬
‫وكلهم من بلد واحد ‪ ...‬وهذا ما لللم نعهللده مللن أي مجمللع‬
‫فقهللي ‪ ...‬فالصللل فللي النتسللاب فللي المجللامع الفقهيللة‬
‫لجميع الدول السلمية حللتى ل تسلليس قللرارات المجللامع‬
‫الفقهية‬
‫وإل فإنه في تونس قد منعوا تعللدد الزوجللات وضللغط أبللو‬
‫رقيبة على مشايخ تونس ليفتوا بللأن صلليام رمضللان ليللس‬
‫بالمر الواجب‬
‫ثالثًا‪:‬‬
‫لم يسبق بأن أقر بمثل هذا القرار أي مجمع فقهي‬
‫فكما قلللت فللإن مجمللع البحللوث السلللمية كللان قللد أقللر‬
‫بنفسلله سللابقا ً وبحضللور ‪ 85‬عللالم مللن ‪ 35‬دولللة بحرمللة‬
‫معاملت البنوك الربوية‬
‫كمللا أن فتللوى جبهللة علمللاء الزهللر الشللريف الللتي تضللم‬
‫العشرات من العلماء الفاضل أدانت هذا القرار‬

‫‪874‬‬
‫كما أن المجامع الفقهية التاليللة حرمللت معللاملت البنللوك‬
‫الربوية‪:‬‬
‫المجمع الفقهي لمنظمة المللؤتمر السلللمي )وقللد ذكللرت‬
‫لك ذلك من قبل(‬
‫المجمع الفقهي لرابطة العالم السلمي )وقد ذكللرت لللك‬
‫ذلك من قبل(‬
‫وأزيد عليهم‪:‬‬
‫المجمع الفقهي في السودان‬
‫المجمع الفقهي في الهند‬
‫والمجلس الوربي للفتاء والبحوث‬
‫هيئة كبار العلماء في السعودية‬
‫وقللرارات عللدد مللن مللؤتمرات القتصللاد السلللمي الللتي‬
‫ضمت عددا ً كبيرا ً من الفقهاء والقتصاديين علللى مسللتوى‬
‫العالم السلمي‬
‫وغيرهم الكثير‬
‫أوليس ذلك إجماعًا؟‬
‫اقتباس‪:‬‬
‫المشاركة الصلية كتبت بواسطة ‪sprite‬‬
‫مشاهدة المشاركة‬
‫و قلت في موضع سابق ‪-‬فيما معناه‪ -‬أن على القتصاديين‬
‫إتباع راي الفقهاء حتى لو رأوا ‪ :‬عدم الصلح !‬
‫نعللم هللذا صللحيح ‪ ...‬فللالفتوى لهللل الفتللوى وليسللت‬
‫للقتصاديين أو الفلسفة‬
‫اقتباس‪:‬‬
‫المشاركة الصلية كتبت بواسطة ‪sprite‬‬
‫مشاهدة المشاركة‬
‫أعرف أن لديك إجابه كافيه و وافيه عن سؤالي لكنللك لللم‬
‫تفعل ‪ ..‬و ل أريد إجابه حاسمه ‪.‬‬
‫إن كنت محتاج لهذه الدرجة أن تعرف أضللرار الربللا )وقللد‬
‫أقررت بنفسك ضللمنيا بللأن للربللا أضللرار حيللن قلللت أنللك‬
‫لست معترضًا( فتستطيع أن تطلع بنفسللك علللى البحللوث‬
‫والدراسات التي بينت مضار الربا‬

‫‪875‬‬
‫قد جئتك بخلصلة دراسلتين حلول هلذا الموضلوع‪ ،‬إحلداها‬
‫للدكتور رفعت العوضي‪ ،‬والخرى لجوهان فليب بتمان‬
‫فإن لم يكفك هذا فبإمكانك أن تبحث ‪ ...‬وسوف أساعدك‬
‫على هذا بأن أبين لك منهجية البحث‪:‬‬
‫الصل هو أن تثبت الحقائق )وفي حالتنا هذه تحريم الربا(‬
‫ومن ثم أن تكللون النتللائج والسللتنتاجات تللدور حللول هللذه‬
‫الحقائق‬
‫المبحث الثاني‪ :‬معاملت البنوك‬
‫إن الحمد لللله‪ ،‬نحمللده ونسللتغفره ونسللتعين بلله‪ ،‬ونصلللى‬
‫ونسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين‬
‫وبعد ‪...‬‬
‫سللوف ننللاقش فللي هللذا المبحللث طبيعللة عمللل البنللوك‬
‫الربويللة‪ ،‬وإذا مللا كللانت تسللاهم فللي العمليللة النتاجيللة‪،‬‬
‫بالضافة إلى ماهية ودائع البنوك مللن وجهللة نظللر الشللرع‬
‫والقانون‪.‬‬
‫نبدأ على بركة الله‬
‫طبيعة عمل البنك‬
‫"جللاء فللي المعجللم الوسلليط لمجمللع اللغللة العربيللة هللذا‬
‫التعريف للبنك‪:‬‬
‫البنلللك‪ :‬مؤسسلللة تقلللوم بعمليلللات الئتملللان بلللالقراض‬
‫والقتراض‪.‬‬
‫وفي الموسوعة العربية الميسرة‪:‬‬
‫مصللرف أو بنللك‪ :‬تطلللق هللذه الكلمللة بصللفة عامللة علللى‬
‫المؤسسات التي تتخصص في إقراض واقتراض النقود‪".‬‬
‫أملللللا تعريلللللف البنلللللك كملللللا جلللللاء فلللللي موقلللللع‬
‫‪) www.investopedia.com‬أشهر موسللوعة إقتصللادية علللى‬
‫الشبكة(‪:‬‬
‫"‪A commercial institution licensed as a receiver of‬‬
‫‪deposits. Banks are mainly concerned with making and‬‬
‫‪receiving payments as well as supplying short-term loans‬‬
‫‪".to individuals‬‬
‫أي‪:‬‬

‫‪876‬‬
‫"مؤسسللة تجاريللة مسللجلة كمسللتقبلة للللودائع‪ .‬وظيفللة‬
‫البنوك الرئيسية تعنللى بخلللق واسللتقبال المللدفوعات كمللا‬
‫أنها توفر القروض قصيرة الجل للفراد"‬
‫هذه التعريفات السابقة تلخص طبيعة عمل البنك‪.‬‬
‫ما ذكر أعله هو التعريف الصطلحي‪ ،‬فمللاذا عللن مفهللوم‬
‫البنك عند أساتذة القتصاد؟‬
‫مفهوم البنك عند القتصاديين‬
‫"يقول الدكتور إسماعيل محمد هاشم في كتللابه مللذكرات‬
‫في النقود والبنوك )ص ‪:(43‬‬
‫))يمكن تعريف البنك بأنه المنشأة التي تقبل الللودائع مللن‬
‫الفراد والهيئات تحت الطلب أو لجل‪ ،‬ثللم تسللتخدم هللذه‬
‫الودائع في منح القروض والسلف((‪.‬‬
‫ويقول الدكتور محمد زكي شافعي في كتللابه مقدمللة فللي‬
‫النقود والبنوك )ص ‪:(197‬‬
‫))يمكن تلخيص أعمال البنوك التجارية فللي عبللارة واحللدة‬
‫هي‪ :‬التعامل في الئتمان أو التجار في الديون؛ إذ ينحصر‬
‫النشاط الجوهري للبنوك في السللتعداد لمبادلللة تعهللداتها‬
‫بالدفع لدى الطلب بديون الخرين‪ ،‬سللواء أكللانوا أفللراد أم‬
‫مشللروعات أم حكومللات‪ ،‬ويقبللل الفللراد هللذه التعهللدات‬
‫المصرفية ‪-‬وهي التي تعرف باسللم الللودائع الجاريللة‪ -‬فللي‬
‫الوفاء بما تزودهم به البنوك من اعتمادات وسلللف؛ نظللرا ً‬
‫لما يتمتع بلله التعهللد المصللرفي بالللدفع لللدى الطلللب مللن‬
‫قبللول عللام فللي تسللوية الللديون‪ .‬وهكللذا تتوسللل البنللوك‬
‫التجاريللة إلللى مزاولللة نشللاطها الللذي تللبرز بلله وجودهللا‪،‬‬
‫وتستمد مللن القيللام بلله أرباحهللا‪ ،‬بالضللطلع تللارة بمركللز‬
‫الدائن‪ ،‬وتارة بمركز المدين((‪.‬‬
‫ويقول الدكتور محمد يحيى عويس فللي كتللابه محاضللرات‬
‫في النقود والبنوك )ص ‪:(233‬‬
‫))تتلخللص الوظيفللة الرئيسللية للبنللوك فللي المجتمعللات‬
‫الحديثلللة فلللي الجمللللة التقليديلللة‪ :‬أن البنلللوك تقلللترض‬
‫لُتقرض((‪.‬‬
‫ويقول الدكتور محمد عبدالعزيز عجمية فللي كتللابه مبللادئ‬
‫علم القتصاد )ص ‪:(271‬‬

‫‪877‬‬
‫))يعرف البنك التجاري أو بنك الودائع عموما ً بأنه المنشللأة‬
‫التي تتعامل في الئتمان أو الدين((‪.‬‬
‫دين مظهران لشلليء واحللد‬ ‫ومن المعروف أن الئتمان وال َ‬
‫وهو‪ :‬القللرض؛ فالللدين هللو إلللتزام بللدفع مبلللغ معيللن مللن‬
‫النقود‪ ،‬والئتمان هو حللق تسلللم مبلللغ معيللن مللن النقللود‪،‬‬
‫ولذلك فالمبلغ المتداول بين متعاملين يعد دينا ً مللن وجهللة‬
‫نظر المدين أو المقترض‪ ،‬وائتمانا ً أو حقا ً مللن وجهللة نظللر‬
‫مقرض‪".‬‬ ‫الدائن أو ال ُ‬
‫بعد أن استعرضنا مفهوم البنوك مللن الناحيللة الصللطلحية‬
‫ومن الناحية القتصادية‪ ،‬أصبحت مهمة شرح طبيعة عمللل‬
‫البنك من خلل تبيان وظائفه الرئيسية أسهل‪.‬‬
‫وظيفتا البنك‬
‫للبنك وظيفتين رئيسيتين‬
‫الولى‪ :‬تتمثل في المتاجرة في الديون )القللتراض بهللدف‬
‫القراض(‬
‫وقللد استعرضللنا ذلللك مللن خلل التعريفللات الصللطلحية‬
‫والقتصادية للبنك على حد سواء‬
‫والثانيللة‪ :‬تتمثللل فللي خلللق الئتمللان )أو مللا يعللرف بخلللق‬
‫النقود(‬
‫"وهي وظيفة يمارسها النظللام المصللرفي فللي مجمللوعه‪،‬‬
‫وتعنللي باختصللار وتبسلليط أن تللك البنللوك تقللوم بلإقراض‬
‫لمن أحد أو تحزه"‬ ‫مالم تقترضه فع ً‬
‫وهنا نتيقن بخصوص البنوك الربوية‪:‬‬
‫"إننللا بصللدد مؤسسللة محللل نشللاطها وتعاملتهللا النقللود‪:‬‬
‫تحصلللها أو تللدفعها‪ ،‬والللديون‪ :‬تلللتزم بهللا أو تلللزم بهللا‪،‬‬
‫والقللروض‪ :‬تقترضللها‪ ،‬وهلذا هلو محللل نشلاطها ومحللوره‪،‬‬
‫وتلك هي بضاعتها‪ ،‬ول نظن نزاعا ً في ذلك بين المفكرين"‬
‫وهنا يفسر موقع ‪ www.howstuffworks.com‬الشللهير )مللن‬
‫أكبر المراجع على الشبكة( كيف تحقللق البنللوك التقليديللة‬
‫)الربوية( أرباحها‪:‬‬
‫"‪Banks are just like other businesses. Their product just‬‬
‫‪happens to be money. Other businesses sell widgets or‬‬
‫‪"services; banks sell money‬‬

‫‪878‬‬
‫"البنوك حالها حال أي مشروع تجاري‪ .‬إل أن بضاعتها هللي‬
‫النقللود‪ .‬المشللاريع التجاريللة الخللرى تللبيع التطبيقللات أو‬
‫الخدمات؛ البنوك تبيع النقود"‬
‫خلق النقود‬
‫أيمكللن أن نتصللور أن شخص لا ً يقللترض ألف لًا‪ ،‬ومللن اللللف‬
‫يقرض بضعة آلف ويبقى في رصيده نقود؟‬
‫"هذا ما تفعله الربوية تخلق النقللود وُتقرضللها! تقللرض مللا‬
‫ليس عندها‪ ،‬وما لتملكه‪ ،‬وتأخذ ربا!"‬
‫وهنللا مثللال لخصللته دراسللة اقتصللادية بعنللوان "مللاهي‬
‫المصللارف" قللدمت مللن قبللل "المعهللد الللوطني للدارة‬
‫العامة" في الجمهورية العربية السورية‪:‬‬
‫"ويمكن تفسير عملية خلق الئتمان بالمثال التالي‪:‬‬
‫لنفرض أن مودعا ً أودع مئة وخمسللون ألللف ليللرة سللورية‬
‫في المصرف التجاري السوري‪ ،‬وأن هذا المصرف يرغللب‬
‫بالستفادة من هذه الوديعة بإقراضها للغيللر مقابللل فللائدة‬
‫لتعظيم ربحه فإنه سيقوم بفتلح حسللاب جللاري للمقللترض‬
‫ولن يقدم له القرض مبلغا ً كدفعة واحدة وهو بللذلك كأنمللا‬
‫خلق وديعة للمقترض يسحب منهللا المبللالغ الللتي يحتاجهللا‬
‫وهكذا يكون قد تولللدت وديعللة جديللدة زادت مللن أصللوله‪،‬‬
‫فإذا كانت الخبرة العملية والشروط التي تفرضها السلطة‬
‫النقديللة }نسللب الحتيللاطي القللانوني{ جعلللت المصللرف‬
‫التجللاري السللوري يقللدر أن نسللبة الحتياطيللات السللائلة‬
‫المتللوجب الحتفللاظ بهللا تقللدر بللل ‪ % 30‬مللن مجمللوع‬
‫التزامللاته فللإن السياسللة الئتمانيللة تقتضللي منللح قللروض‬
‫جديللدة تسللتند إلللى هللذه الوديعللة موضللوع المثللال تبلللغ‬
‫خمسمائة ألف ليرة سورية"‬
‫ويجدر بالذكر بأن عملية خلق النقود تتم تحت مظلة البنك‬
‫المركزي مع وجود القوانين التي تسمح بهذا المر‪.‬‬
‫‪.................... ..................................................‬‬
‫أحبتي في الله ‪...‬‬
‫ل زلنا في المبحث الثاني )معاملت البنوك( وسوف نكمل‬
‫غللدا ً بللإذن الللله الجللزء الثللاني مللن المبحللث الثللاني إذامللا‬
‫سمحت الظروف‬

‫‪879‬‬
‫لذلك أرجو أن يؤجل النقاش بما يخص هذا المبحث لحيللن‬
‫النتهاء منه‬
‫علما ً بأن باب النقاش لزال مفتوحا ً فيما يتعلللق بللالمبحث‬
‫الول )الربا(‬
‫هل تتدخل البنوك التجارية في العملية النتاجية؟‬
‫في نلدوة جمعيللة القتصلاد السلللمي قلدم أحلد البللاحثين‬
‫القتصللاديين بحث لا ً فللي موضللوع طبيعللة البنللوك التقليديللة‬
‫والوظلللائف اللللتي تؤديهلللا ومصلللادر أموالهلللا و وجلللوه‬
‫استخدامها‪.‬‬
‫أنقل ما لخصله السللتاذ دكتللور علللى السللالوس ملن هلذه‬
‫الدراسة للباحث القتصادي سمير عبدالحميد رضوان حين‬
‫تسائل بعد أن قدم دراسته بشكل تفصلليلي بهللذا السللؤال‬
‫الذي يلخص الدراسة‪:‬‬
‫هل تتدخل البنوك التجارية في العملية النتاجية؟‬
‫"نلخص مما تقدم‪ ،‬ومللن دراسللتنا لطبيعللة أعمللال البنللوك‬
‫التقليدية‪ ،‬إلللى أن البنللوك التجاريللة مؤسسللات للوسللاطة‬
‫المالية‪ ،‬ل تتدخل بطريقة مباشللرة فللي العمليللة النتاجيللة‪،‬‬
‫وإنما تتوسط بين المقرضين والمقترضين‪ ،‬فتقوم بتحويللل‬
‫الفللوائض الماليللة مللن القطاعللات ذات الطاقللة التمويليللة‬
‫الفائضللية ‪-‬المقرضللين و المللودعين‪ -‬إلللى القطاعللات ذات‬
‫العجز في الموارد المالية )المقترضين(‪.‬‬
‫ويتمثل دخل هذه البنوك في الفرق بيللن مللا تحصللل عليلله‬
‫مللن فللوائد مللن المقترضللين‪ ،‬ومللا تللدفعه مللن فللوائد‬
‫للمقرضين‪ .‬أما العمولت التي تتقاضاها مقابللل الخللدمات‬
‫التي تقدمها فتمثل جزءا ً يسيرا ً نسبيًا‪ .‬أ‪.‬هل‪.‬‬
‫ثللم قللدم البللاحث بعللض النمللاذج التطبيقيللة مللن الواقللع‬
‫العملي‪ ،‬وقام بتحليلها‪ ،‬مؤكدا ً ما انتهى إليه من الدراسة‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال عرض المركز المالي الجمالي للبنوك‬
‫التجارية في مصر قللي مللارس سللنة ‪1987‬م‪ ،‬وتللبين مللن‬
‫وجوه الستخدام أن نسللبة ملا تقرضله بللغ ‪ %81.78‬مللن‬
‫جملللة السللتخدامات‪ ،‬و أن ‪ %9.37‬كللان للسللتثمار فللي‬
‫السهم والسندات‪ ،‬ومعلوم أن السندات قروض ربوية‪ ،‬أي‬
‫أن الستخدامات كانت أساسا ً في القراض بفائدة‪.‬‬

‫‪880‬‬
‫وختللم البللاحث دراسللته بعللرض صللورة لميزانيللة بنللك‬
‫السكندرية التجاري والبحري‪.‬‬
‫مللن اسللتقراء المركللز المللالي لبنلك السللكندرية التجلاري‬
‫والبحلللري فلللي ‪30/12/1987‬م وكلللذا حسلللاب الربلللاح‬
‫والخسائر عن السنةالمنتهية في ‪31/12/1987‬م اسللتبان‬
‫لنا التي‪:‬‬
‫نسبة إجمالي الودائع إلى إجمالي الموارد ‪.%67‬‬
‫‪ .1‬نسبة حقوق المساهمين إلى إجمالي الموارد ‪.%18.3‬‬
‫‪ .2‬نسبة حقوق المساهمين إلى إجمالي الودائع ‪%27.1‬‬
‫‪ .3‬نسبة الستثمارات المالية إلللى إجمللالي السللتخدامات‬
‫‪.%0.5‬‬
‫‪ .4‬نسبة القروض )والسلفيات( إلى إجمللالي ودائع العملء‬
‫‪.%146‬‬
‫حساب الرباح والخسائر‪:‬‬
‫‪ .1‬نسبة الفوائد المحصلة إلى جملة اليرادات ‪.%85.8‬‬
‫‪ .2‬نسبة عائد الخدمات المصرفية واليرادات الخري إلللى‬
‫إجمالي اليرادات ‪.%14.2‬‬
‫‪ .3‬نسبة الفوائد المدفوعة إلى الفوائد المحصلة ‪.%55‬‬
‫والمؤشرات على الوجه المتقللدم ليسللت فللي حاجللة إلللى‬
‫مزيد من التعليق‪ .‬بهذا أنهى الباحث دراسته‪".‬‬
‫اليضلاحات اللتي أضلافها السلتاذ دكتلور عللي السلالوس‬
‫لهذه الخلصة‬
‫"‬
‫‪ .1‬حقوق المساهمين ل تعنللي رأس المللال‪ ،‬وإنمللا يضللاف‬
‫إليه ما حصلوه من إيرادات العام‪ ،‬وما بقللي مللن إيللرادات‬
‫العوام السابقة؛ ولذلك فإن من ملللك أسللهم بنللك ربللوي‪،‬‬
‫وأراد التوبة‪ ،‬فليس له ‪ -‬بعد التخلص من هذه السللهم‪ -‬إل‬
‫رأس ماله واليرادات غير الربوية‪ ،‬وهي نسللبة قليلللة كمللا‬
‫نرى؛ أما نصلليب أسللهمه مللن الفللوائد الربويللة فهللي مللال‬
‫خبيث حرام‪ .‬وعند بيان حكم التعامل فللي الوراق الماليللة‬
‫‪-‬وهي السهم والسللندات‪ -‬ل يكفللي القللول بللأن السللندات‬
‫قروض ربوية فهي حرام‪ ،‬وأن السهم هي حصللص شللائعة‬
‫في شركة فهللي حلل؛ فنشللاط الشللركة إذا كللان محرم لا ً‬

‫‪881‬‬
‫فأسللهمها حللرام بل شللك‪ ،‬وإن لللم تكللن قروضللا ً ربويللة‬
‫كالسندات‪ .‬فمن اشترى أسهما ً فللي بنللك ربللوي فهللو مللن‬
‫الذين يأكلون الربا‪ ،‬ويأذنون بحرب من الله ورسوله صلللى‬
‫الللله عليلله وسلللم‪ ،‬ومللن اشللترى أسللهما ً لشللركة صللناعة‬
‫الخمور فهو ملعون مطرود من رحمة الله تعالى‪.‬‬
‫‪ .2‬نسبة الستثمارات المالية )‪ ،(%0.5‬وهللي أساس لا ً فللي‬
‫السللندات‪ ،‬وقللل أن تكللون فللي السللهم‪ .‬وهللذا يعنللي أن‬
‫الستثمار ليس من طبيعة عمل البنك‪.‬‬
‫‪ .3‬الودائع الللتي اقترضللها البنللك أقرضللها كاملللة )‪(%100‬‬
‫وأقرض أيضلا ً ‪ %46‬زيللادة علللى هللذه الللودائع‪ ،‬فمللن أيللن‬
‫جاءت هذه الزيللادة؟! تللذكر مللا قيللل عللن خلللق النقللود أو‬
‫الئتمان!‬
‫‪ .4‬في حساب الرباح والخسائر نلحظ ضخامة الفرق بين‬
‫الفوائد التي أخذها من المقترضين‪ ،‬والفوائد التي أعطاهللا‬
‫المودعين المقرضين‪ ،‬فلم يعط إل ‪ %55‬من الفوائد الللتي‬
‫حصلللها‪ ،‬وأخللذ البنللك لنفسلله ‪ ،%45‬وهللذا هللو الللدخل‬
‫الساسللي للبنللك حيللث أنلله يمثللل ‪ %85.8‬مللن جملللة‬
‫اليرادات‪.‬‬
‫وبعد‬
‫كنللت مللن قبللل احتفظللت ببعللض مللا نشللر مللن ميزانيللات‬
‫البنوك الربوية لبين طبيعة عمل هذه البنوك‪ ،‬ولكن بعد ما‬
‫سبق من عرض ودراسة أظن أن المر أصبح واضحا ً جليًا‪،‬‬
‫ل يحتاج إلى المزيد‪.‬‬
‫"‬
‫‪............ ..................................................‬‬
‫وهنا أوجه دعوة لخواني في المنتدى‪:‬‬
‫مللن أراد أن يسللاهم فللي هللذا البحللث عللن طريللق عمللل‬
‫دراسة مماثلة للدراسة النفة أعله حللول البنللوك الربويللة‬
‫في الكويت فليفعل وله الجر من رب العزة والجللة‪.‬‬
‫‪............ ..................................................‬‬
‫أحبتي في الله‬

‫‪882‬‬
‫لزلنا في المبحث الثللاني )طبيعللة عمللل البنللوك( وسللوف‬
‫نكمللل الجللزء الثللالث مللن المبحللث مللتى مللا سللمحت‬
‫الظروف‪.‬‬
‫لذلك أرجوا أن يؤجل النقاش في هذا المبحث‪ ،‬علم لا ً بللأن‬
‫باب النقاش مفتوح فيما يتعلق بالمبحث الول )الربا(‬
‫ودائع البنوك الربوية عقد قرض )شرعا ً وقانونًا( مهم جدا ً‬
‫أكثر من تكلم عن ودائع البنللوك اعتبرهللا قرض لًا‪ ،‬والبعللض‬
‫يقول عن فوائد هذه الودائع بأنهللا أجللرا ً لسللتعمال النقللود‬
‫أي أنهللا ببسللاطة إجللارة! بينمللا الشللائع عنللد المتعللاملين‬
‫العاديين مع البنوك الربوية أنها وديعللة "حيللث يقللال‪ :‬نحللن‬
‫لنقرض البنك وإنما نودع لديه‪".‬‬
‫ما هي حقيقة ودائع البنوك الربوية؟‬
‫هل هي قرض؟ أم وديعة؟ أم هي عقد إجارة؟‬
‫قبل أن نبين ذلللك‪ ،‬فلنسللتعرض الفللرق بيللن هللذه العقللود‬
‫الثلثة في الفقه السلمي‪ ،‬من حيلث الحقلوق والواجبلات‬
‫والضمان‪.‬‬
‫عقد القرض‬
‫عقللد القلرض ينقلل الملكيلة للمقللترض‪ ،‬ولله أن يسللتهلك‬
‫العين‪ ،‬ويتعهد برد المثل ل العين‪.‬‬
‫والمقللترض ضللامن للقللرض إذا تلللف أو هلللك أو ضللاع‪،‬‬
‫يستوي في هذا تفريطه وعدم تفريطه‪.‬‬
‫الوديعة‬
‫الوديعة هي أمانة تحفظ عند المسللتودع‪ .‬وإذا هلكللت إنمللا‬
‫تهلك على صللاحبها لن الملكيللة ل تنقللل إلللى المسللتودع‪،‬‬
‫وليس له حق النتفاع بها‪ ،‬ولذلك فهو غيللر ضللامن لهللا؛ إل‬
‫إذا كان الهلك أو الضياع بسبب منه‪.‬‬
‫الجارة‬
‫عقد الجارة ل ينقل الملكية للمستأجر وإنمللا يعطيلله حللق‬
‫النتفاع مع بقاء العين لصللاحبها‪ ،‬ويللدفع أجللرا ً مقابللل هللذا‬
‫النتفاع‪ ،‬ولذلك يطللق عللى الجلارة‪ :‬بيلع المنلافع فتجلوز‬
‫إجارة كل عين يمكن أن ينتفع بها منفعللة مباحللة مللع بقللاء‬
‫العين بحكم الصل‪ ،‬ول تجوز إجارة ما ل يمكن النتفاع بلله‬
‫مع بقاء عينه كالطعام‪ ،‬فل ينتفع به إل باستهلكه‪.‬‬

‫‪883‬‬
‫والجللارة عقللد علللى المنللافع‪ ،‬فل تجللوز لسللتيفاء عيللن‬
‫واستهلكها‪ ،‬ومثل الطعام النقود‪ ،‬فل يمكن النتفاع بهللا إل‬
‫بإنفاقها في الشراء أو غيره‪ ،‬أي باستهلك العيللن‪ .‬والعيللن‬
‫المستأجرة أمانة في يد المستأجر‪ ،‬إن تلفت بغيللر تفريللط‬
‫لم يضمنها‪.‬‬
‫تسمية بغير حقيقتها‬
‫وهنا بعد أن عرفنا العقللود الثلثللة آنفللة الللذكر فللي الفقلله‬
‫السلمي‪ ،‬فإنه يتوجب علينا أن نسأل‪:‬‬
‫من هو الضامن في عقد الوديعة مع البنك الربوي؟‬
‫إنه البنك‪ ،‬سواء بتفريط منه أو بغير تفريط‪.‬‬
‫هل يستهلك البنك الربوي العين )الموال(؟‬
‫نعم‬
‫هل يتعهد البنك ب َِرد العين أم ب َِرد المثل؟‬
‫إنه يتعهد برد المثلل ل العيلن‪ ،‬حيللث أنله ل يرجللع المللوال‬
‫عينها إلى العميل بنفس الرقام التسلسلية‪ ،‬بللل يرجللع مللا‬
‫يماثلها من أموال‪.‬‬
‫والن ‪ ...‬أي العقود السابقة ينطبق على عقد ودائع البنوك‬
‫الربوية على ضوء الجابات السابقة؟‬
‫إنه قطعا ً عقد القرض‪.‬‬
‫فمن يودع لدى البنوك الربوية ودائع ذات فللائدة‪ ،‬إنمللا هللو‬
‫ُيقرض البنك الربوي قرضا ً ربويًا‪.‬‬
‫ومن يللودع لللدى البنللك الربللوي وديعللة دون فللائدة )أو أي‬
‫حساب بدون فوائد( إنما هو يقللرض البنللك الربللوي قرضلا ً‬
‫مرابي لا ً قرض لا ً حسللنا ً ليرابللي بهللذه‬‫حسنًا‪ ،‬أي كأنما يقرض ُ‬
‫الموال‪.‬‬
‫وهنا يتبين لنا أن الودائع البنكية في البنوك الربوية سميت‬
‫بغير حقيقتها‪ ،‬وهذا ما يقطع الشك باليقين عن حكللم هللذه‬
‫الودائع وخصوصا ً إذا ما ربطنا هذه الحقيقة بالجزء السابق‬
‫والذي أثبت لنا قطعا ً أن مصللدر الللدخل الرئيسللي للبنللوك‬
‫الربوية هو القراض بالربا‪.‬‬
‫ودائع البنوك الربوية في القانون‬
‫بعد أن عرفنا حقيقة الودائع البنكيللة لللدى البنللوك الربويللة‬
‫في الشرع‪ ،‬فإننا سنبين حقيقتها في القانون‪.‬‬

‫‪884‬‬
‫علما ً بأننا لنحتاج إلى القللانون الوضللعي ليفللتي لنللا‪ ،‬إل أن‬
‫ذلك جاء من بللاب زيللادة الحجللة علللى مللن يسللتحل ودائع‬
‫البنوك الربوية أو فتح حساب لديها‪.‬‬
‫"يقول الستاذ دكتور عبللد الللرزاق السللنهوري فللي كتللابه‪:‬‬
‫الوسيط في شرح القانون المدني‪:‬‬
‫))ويتميز القرض عن الوديعة في أن القللرض ينقللل ملكيللة‬
‫الشيء المقت َللرض إلللى المقللرض علللى أن يللرد مثللله فللي‬
‫مقللرض‪ ،‬أمللا الوديعللة فل تنقللل ملكيللة‬ ‫نهاية القرض إلى ال ُ‬
‫دع عنده‪ ،‬بللل يبقللى ملللك المللوٍدع‬ ‫دع إلى المو َ‬ ‫الشيء المو َ‬
‫ويسترده بالذات‪ .‬هذا إل أن المقترض ينتفع بمبلغ القللرض‬
‫بعد أن أصبح ملكا ً له‪ ،‬أما الموَدع عنده فل ينتفللع بالشلليء‬
‫دع بل يلتزم بحفظه حتى يرده إلى صاحبه‪.‬‬ ‫المو َ‬
‫ومع ذلك فقد يودع شخص عند آخللر مبلغ لا ً مللن النقللود أو‬
‫شيئا ً آخر مما يهلك بالستعمال ويأذن له باستعماله‪ ،‬وهللذا‬
‫ما يسمى بالوديعة الناقصة‪.‬‬
‫وقللد حسللم التقنيللن المللدني الجديللد الخلف فللي طبيهللة‬
‫الوديعة الناقصة‪ ،‬فكيفها بأنها قللرض‪ .‬وتقللول المللادة ‪726‬‬
‫مدني في هذا المعنى‪ :‬إذا كانت الوديعة مبلغا ً مللن النقللود‬
‫دع عنده‬ ‫أو أي شيء آخر مما يهلك بالستعمال‪ ،‬وكان المو َ‬
‫مأذونا ً له في استعماله اعتبر العقد قرضًا‪.‬‬
‫أما في فرنسا فالفقه مختلف في تكييف الودائع الناقصللة‪.‬‬
‫والرأي الغالب هو الرجوع إلى نية المتعاقدين؛ فللإذا قصللد‬
‫صاحب النقود أن يتخلص مللن عنللاء حفظهللا بإيلداعها عنللد‬
‫الخر فالعقللد وديعللة‪ .‬أمللا إن قصللد الطرفللان منفعللة مللن‬
‫تسلللم النقللود عللن طريللق اسللتعمالها لمصلللحته فالعقللد‬
‫قرض‪ .‬ويكون العقد قرضا ً بوجه خاص إذا كان مللن تسلللم‬
‫النقود مصرفًا‪" ((.‬‬
‫وهنا تتجلى الحقيقة‪ ،‬فتسللمية المللور بغيللر مسللمياتها قللد‬
‫تخدع البعض‪ ،‬إل أنها ليمكن أن تمحو الحقيقة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬معاملت البنوك‬
‫إن الحمد لللله‪ ،‬نحمللده ونسللتغفره ونسللتعين بلله‪ ،‬ونصلللى‬
‫ونسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين‬
‫وبعد ‪...‬‬

‫‪885‬‬
‫سللوف ننللاقش فللي هللذا المبحللث طبيعللة عمللل البنللوك‬
‫الربويللة‪ ،‬وإذا مللا كللانت تسللاهم فللي العمليللة النتاجيللة‪،‬‬
‫بالضافة إلى ماهية ودائع البنوك مللن وجهللة نظللر الشللرع‬
‫والقانون‪.‬‬
‫نبدأ على بركة الله‬
‫طبيعة عمل البنك‬
‫"جللاء فللي المعجللم الوسلليط لمجمللع اللغللة العربيللة هللذا‬
‫التعريف للبنك‪:‬‬
‫البنلللك‪ :‬مؤسسلللة تقلللوم بعمليلللات الئتملللان بلللالقراض‬
‫والقتراض‪.‬‬
‫وفي الموسوعة العربية الميسرة‪:‬‬
‫مصللرف أو بنللك‪ :‬تطلللق هللذه الكلمللة بصللفة عامللة علللى‬
‫المؤسسات التي تتخصص في إقراض واقتراض النقود‪".‬‬
‫أملللللا تعريلللللف البنلللللك كملللللا جلللللاء فلللللي موقلللللع‬
‫‪) www.investopedia.com‬أشهر موسللوعة إقتصللادية علللى‬
‫الشبكة(‪:‬‬
‫"‪A commercial institution licensed as a receiver of‬‬
‫‪deposits. Banks are mainly concerned with making and‬‬
‫‪receiving payments as well as supplying short-term loans‬‬
‫‪".to individuals‬‬
‫أي‪:‬‬
‫"مؤسسللة تجاريللة مسللجلة كمسللتقبلة للللودائع‪ .‬وظيفللة‬
‫البنوك الرئيسية تعنللى بخلللق واسللتقبال المللدفوعات كمللا‬
‫أنها توفر القروض قصيرة الجل للفراد"‬
‫هذه التعريفات السابقة تلخص طبيعة عمل البنك‪.‬‬
‫ما ذكر أعله هو التعريف الصطلحي‪ ،‬فمللاذا عللن مفهللوم‬
‫البنك عند أساتذة القتصاد؟‬
‫مفهوم البنك عند القتصاديين‬
‫"يقول الدكتور إسماعيل محمد هاشم في كتللابه مللذكرات‬
‫في النقود والبنوك )ص ‪:(43‬‬
‫))يمكن تعريف البنك بأنه المنشأة التي تقبل الللودائع مللن‬
‫الفراد والهيئات تحت الطلب أو لجل‪ ،‬ثللم تسللتخدم هللذه‬
‫الودائع في منح القروض والسلف((‪.‬‬

‫‪886‬‬
‫ويقول الدكتور محمد زكي شافعي في كتللابه مقدمللة فللي‬
‫النقود والبنوك )ص ‪:(197‬‬
‫))يمكن تلخيص أعمال البنوك التجارية فللي عبللارة واحللدة‬
‫هي‪ :‬التعامل في الئتمان أو التجار في الديون؛ إذ ينحصر‬
‫النشاط الجوهري للبنوك في السللتعداد لمبادلللة تعهللداتها‬
‫بالدفع لدى الطلب بديون الخرين‪ ،‬سللواء أكللانوا أفللراد أم‬
‫مشللروعات أم حكومللات‪ ،‬ويقبللل الفللراد هللذه التعهللدات‬
‫المصرفية ‪-‬وهي التي تعرف باسللم الللودائع الجاريللة‪ -‬فللي‬
‫الوفاء بما تزودهم به البنوك من اعتمادات وسلللف؛ نظللرا ً‬
‫لما يتمتع بلله التعهللد المصللرفي بالللدفع لللدى الطلللب مللن‬
‫قبللول عللام فللي تسللوية الللديون‪ .‬وهكللذا تتوسللل البنللوك‬
‫التجاريللة إلللى مزاولللة نشللاطها الللذي تللبرز بلله وجودهللا‪،‬‬
‫وتستمد مللن القيللام بلله أرباحهللا‪ ،‬بالضللطلع تللارة بمركللز‬
‫الدائن‪ ،‬وتارة بمركز المدين((‪.‬‬
‫ويقول الدكتور محمد يحيى عويس فللي كتللابه محاضللرات‬
‫في النقود والبنوك )ص ‪:(233‬‬
‫))تتلخللص الوظيفللة الرئيسللية للبنللوك فللي المجتمعللات‬
‫الحديثلللة فلللي الجمللللة التقليديلللة‪ :‬أن البنلللوك تقلللترض‬
‫لُتقرض((‪.‬‬
‫ويقول الدكتور محمد عبدالعزيز عجمية فللي كتللابه مبللادئ‬
‫علم القتصاد )ص ‪:(271‬‬
‫))يعرف البنك التجاري أو بنك الودائع عموما ً بأنه المنشللأة‬
‫التي تتعامل في الئتمان أو الدين((‪.‬‬
‫دين مظهران لشلليء واحللد‬ ‫ومن المعروف أن الئتمان وال َ‬
‫وهو‪ :‬القللرض؛ فالللدين هللو إلللتزام بللدفع مبلللغ معيللن مللن‬
‫النقود‪ ،‬والئتمان هو حللق تسلللم مبلللغ معيللن مللن النقللود‪،‬‬
‫ولذلك فالمبلغ المتداول بين متعاملين يعد دينا ً مللن وجهللة‬
‫نظر المدين أو المقترض‪ ،‬وائتمانا ً أو حقا ً مللن وجهللة نظللر‬
‫مقرض‪".‬‬‫الدائن أو ال ُ‬
‫بعد أن استعرضنا مفهوم البنوك مللن الناحيللة الصللطلحية‬
‫ومن الناحية القتصادية‪ ،‬أصبحت مهمة شرح طبيعة عمللل‬
‫البنك من خلل تبيان وظائفه الرئيسية أسهل‪.‬‬
‫وظيفتا البنك‬

‫‪887‬‬
‫للبنك وظيفتين رئيسيتين‬
‫الولى‪ :‬تتمثل في المتاجرة في الديون )القللتراض بهللدف‬
‫القراض(‬
‫وقللد استعرضللنا ذلللك مللن خلل التعريفللات الصللطلحية‬
‫والقتصادية للبنك على حد سواء‬
‫والثانيللة‪ :‬تتمثللل فللي خلللق الئتمللان )أو مللا يعللرف بخلللق‬
‫النقود(‬
‫"وهي وظيفة يمارسها النظللام المصللرفي فللي مجمللوعه‪،‬‬
‫وتعنللي باختصللار وتبسلليط أن تللك البنللوك تقللوم بلإقراض‬
‫لمن أحد أو تحزه"‬ ‫مالم تقترضه فع ً‬
‫وهنا نتيقن بخصوص البنوك الربوية‪:‬‬
‫"إننللا بصللدد مؤسسللة محللل نشللاطها وتعاملتهللا النقللود‪:‬‬
‫تحصلللها أو تللدفعها‪ ،‬والللديون‪ :‬تلللتزم بهللا أو تلللزم بهللا‪،‬‬
‫والقللروض‪ :‬تقترضللها‪ ،‬وهلذا هلو محللل نشلاطها ومحللوره‪،‬‬
‫وتلك هي بضاعتها‪ ،‬ول نظن نزاعا ً في ذلك بين المفكرين"‬
‫وهنا يفسر موقع ‪ www.howstuffworks.com‬الشللهير )مللن‬
‫أكبر المراجع على الشبكة( كيف تحقللق البنللوك التقليديللة‬
‫)الربوية( أرباحها‪:‬‬
‫"‪Banks are just like other businesses. Their product just‬‬
‫‪happens to be money. Other businesses sell widgets or‬‬
‫‪"services; banks sell money‬‬
‫"البنوك حالها حال أي مشروع تجاري‪ .‬إل أن بضاعتها هللي‬
‫النقللود‪ .‬المشللاريع التجاريللة الخللرى تللبيع التطبيقللات أو‬
‫الخدمات؛ البنوك تبيع النقود"‬
‫خلق النقود‬
‫أيمكللن أن نتصللور أن شخص لا ً يقللترض ألف لًا‪ ،‬ومللن اللللف‬
‫يقرض بضعة آلف ويبقى في رصيده نقود؟‬
‫"هذا ما تفعله الربوية تخلق النقللود وُتقرضللها! تقللرض مللا‬
‫ليس عندها‪ ،‬وما لتملكه‪ ،‬وتأخذ ربا!"‬
‫وهنللا مثللال لخصللته دراسللة اقتصللادية بعنللوان "مللاهي‬
‫المصللارف" قللدمت مللن قبللل "المعهللد الللوطني للدارة‬
‫العامة" في الجمهورية العربية السورية‪:‬‬
‫"ويمكن تفسير عملية خلق الئتمان بالمثال التالي‪:‬‬

‫‪888‬‬
‫لنفرض أن مودعا ً أودع مئة وخمسللون ألللف ليللرة سللورية‬
‫في المصرف التجاري السوري‪ ،‬وأن هذا المصرف يرغللب‬
‫بالستفادة من هذه الوديعة بإقراضها للغيللر مقابللل فللائدة‬
‫لتعظيم ربحه فإنه سيقوم بفتلح حسللاب جللاري للمقللترض‬
‫ولن يقدم له القرض مبلغا ً كدفعة واحدة وهو بللذلك كأنمللا‬
‫خلق وديعة للمقترض يسحب منهللا المبللالغ الللتي يحتاجهللا‬
‫وهكذا يكون قد تولللدت وديعللة جديللدة زادت مللن أصللوله‪،‬‬
‫فإذا كانت الخبرة العملية والشروط التي تفرضها السلطة‬
‫النقديللة }نسللب الحتيللاطي القللانوني{ جعلللت المصللرف‬
‫التجللاري السللوري يقللدر أن نسللبة الحتياطيللات السللائلة‬
‫المتللوجب الحتفللاظ بهللا تقللدر بللل ‪ % 30‬مللن مجمللوع‬
‫التزامللاته فللإن السياسللة الئتمانيللة تقتضللي منللح قللروض‬
‫جديللدة تسللتند إلللى هللذه الوديعللة موضللوع المثللال تبلللغ‬
‫خمسمائة ألف ليرة سورية"‬
‫ويجدر بالذكر بأن عملية خلق النقود تتم تحت مظلة البنك‬
‫المركزي مع وجود القوانين التي تسمح بهذا المر‪.‬‬
‫‪.................... ..................................................‬‬
‫أحبتي في الله ‪...‬‬
‫ل زلنا في المبحث الثاني )معاملت البنوك( وسوف نكمل‬
‫غللدا ً بللإذن الللله الجللزء الثللاني مللن المبحللث الثللاني إذامللا‬
‫سمحت الظروف‬
‫لذلك أرجو أن يؤجل النقاش بما يخص هذا المبحث لحيللن‬
‫النتهاء منه‬
‫علما ً بأن باب النقاش لزال مفتوحا ً فيما يتعلللق بللالمبحث‬
‫الول )الربا(‬
‫ودائع البنوك الربوية عقد قرض )شرعا ً وقانونًا( مهم جدا ً‬
‫أكثر من تكلم عن ودائع البنللوك اعتبرهللا قرض لًا‪ ،‬والبعللض‬
‫يقول عن فوائد هذه الودائع بأنهللا أجللرا ً لسللتعمال النقللود‬
‫أي أنهللا ببسللاطة إجللارة! بينمللا الشللائع عنللد المتعللاملين‬
‫العاديين مع البنوك الربوية أنها وديعللة "حيللث يقللال‪ :‬نحللن‬
‫لنقرض البنك وإنما نودع لديه‪".‬‬
‫ما هي حقيقة ودائع البنوك الربوية؟‬
‫هل هي قرض؟ أم وديعة؟ أم هي عقد إجارة؟‬

‫‪889‬‬
‫قبل أن نبين ذلللك‪ ،‬فلنسللتعرض الفللرق بيللن هللذه العقللود‬
‫الثلثة في الفقه السلمي‪ ،‬من حيلث الحقلوق والواجبلات‬
‫والضمان‪.‬‬
‫عقد القرض‬
‫عقللد القلرض ينقلل الملكيلة للمقللترض‪ ،‬ولله أن يسللتهلك‬
‫العين‪ ،‬ويتعهد برد المثل ل العين‪.‬‬
‫والمقللترض ضللامن للقللرض إذا تلللف أو هلللك أو ضللاع‪،‬‬
‫يستوي في هذا تفريطه وعدم تفريطه‪.‬‬
‫الوديعة‬
‫الوديعة هي أمانة تحفظ عند المسللتودع‪ .‬وإذا هلكللت إنمللا‬
‫تهلك على صللاحبها لن الملكيللة ل تنقللل إلللى المسللتودع‪،‬‬
‫وليس له حق النتفاع بها‪ ،‬ولذلك فهو غيللر ضللامن لهللا؛ إل‬
‫إذا كان الهلك أو الضياع بسبب منه‪.‬‬
‫الجارة‬
‫عقد الجارة ل ينقل الملكية للمستأجر وإنمللا يعطيلله حللق‬
‫النتفاع مع بقاء العين لصللاحبها‪ ،‬ويللدفع أجللرا ً مقابللل هللذا‬
‫النتفاع‪ ،‬ولذلك يطللق عللى الجلارة‪ :‬بيلع المنلافع فتجلوز‬
‫إجارة كل عين يمكن أن ينتفع بها منفعللة مباحللة مللع بقللاء‬
‫العين بحكم الصل‪ ،‬ول تجوز إجارة ما ل يمكن النتفاع بلله‬
‫مع بقاء عينه كالطعام‪ ،‬فل ينتفع به إل باستهلكه‪.‬‬
‫والجللارة عقللد علللى المنللافع‪ ،‬فل تجللوز لسللتيفاء عيللن‬
‫واستهلكها‪ ،‬ومثل الطعام النقود‪ ،‬فل يمكن النتفاع بهللا إل‬
‫بإنفاقها في الشراء أو غيره‪ ،‬أي باستهلك العيللن‪ .‬والعيللن‬
‫المستأجرة أمانة في يد المستأجر‪ ،‬إن تلفت بغيللر تفريللط‬
‫لم يضمنها‪.‬‬
‫تسمية بغير حقيقتها‬
‫وهنا بعد أن عرفنا العقللود الثلثللة آنفللة الللذكر فللي الفقلله‬
‫السلمي‪ ،‬فإنه يتوجب علينا أن نسأل‪:‬‬
‫من هو الضامن في عقد الوديعة مع البنك الربوي؟‬
‫إنه البنك‪ ،‬سواء بتفريط منه أو بغير تفريط‪.‬‬
‫هل يستهلك البنك الربوي العين )الموال(؟‬
‫نعم‬
‫هل يتعهد البنك ب َِرد العين أم ب َِرد المثل؟‬

‫‪890‬‬
‫إنه يتعهد برد المثلل ل العيلن‪ ،‬حيللث أنله ل يرجللع المللوال‬
‫عينها إلى العميل بنفس الرقام التسلسلية‪ ،‬بللل يرجللع مللا‬
‫يماثلها من أموال‪.‬‬
‫والن ‪ ...‬أي العقود السابقة ينطبق على عقد ودائع البنوك‬
‫الربوية على ضوء الجابات السابقة؟‬
‫إنه قطعا ً عقد القرض‪.‬‬
‫فمن يودع لدى البنوك الربوية ودائع ذات فللائدة‪ ،‬إنمللا هللو‬
‫ُيقرض البنك الربوي قرضا ً ربويًا‪.‬‬
‫ومن يللودع لللدى البنللك الربللوي وديعللة دون فللائدة )أو أي‬
‫حساب بدون فوائد( إنما هو يقللرض البنللك الربللوي قرضلا ً‬
‫مرابي لا ً قرض لا ً حسللنا ً ليرابللي بهللذه‬ ‫حسنًا‪ ،‬أي كأنما يقرض ُ‬
‫الموال‪.‬‬
‫وهنا يتبين لنا أن الودائع البنكية في البنوك الربوية سميت‬
‫بغير حقيقتها‪ ،‬وهذا ما يقطع الشك باليقين عن حكللم هللذه‬
‫الودائع وخصوصا ً إذا ما ربطنا هذه الحقيقة بالجزء السابق‬
‫والذي أثبت لنا قطعا ً أن مصللدر الللدخل الرئيسللي للبنللوك‬
‫الربوية هو القراض بالربا‪.‬‬
‫ودائع البنوك الربوية في القانون‬
‫بعد أن عرفنا حقيقة الودائع البنكيللة لللدى البنللوك الربويللة‬
‫في الشرع‪ ،‬فإننا سنبين حقيقتها في القانون‪.‬‬
‫علما ً بأننا لنحتاج إلى القللانون الوضللعي ليفللتي لنللا‪ ،‬إل أن‬
‫ذلك جاء من بللاب زيللادة الحجللة علللى مللن يسللتحل ودائع‬
‫البنوك الربوية أو فتح حساب لديها‪.‬‬
‫"يقول الستاذ دكتور عبللد الللرزاق السللنهوري فللي كتللابه‪:‬‬
‫الوسيط في شرح القانون المدني‪:‬‬
‫))ويتميز القرض عن الوديعة في أن القللرض ينقللل ملكيللة‬
‫الشيء المقت َللرض إلللى المقللرض علللى أن يللرد مثللله فللي‬
‫مقللرض‪ ،‬أمللا الوديعللة فل تنقللل ملكيللة‬ ‫نهاية القرض إلى ال ُ‬
‫دع عنده‪ ،‬بللل يبقللى ملللك المللوٍدع‬ ‫دع إلى المو َ‬ ‫الشيء المو َ‬
‫ويسترده بالذات‪ .‬هذا إل أن المقترض ينتفع بمبلغ القللرض‬
‫بعد أن أصبح ملكا ً له‪ ،‬أما الموَدع عنده فل ينتفللع بالشلليء‬
‫دع بل يلتزم بحفظه حتى يرده إلى صاحبه‪.‬‬ ‫المو َ‬

‫‪891‬‬
‫ومع ذلك فقد يودع شخص عند آخللر مبلغ لا ً مللن النقللود أو‬
‫شيئا ً آخر مما يهلك بالستعمال ويأذن له باستعماله‪ ،‬وهللذا‬
‫ما يسمى بالوديعة الناقصة‪.‬‬
‫وقللد حسللم التقنيللن المللدني الجديللد الخلف فللي طبيهللة‬
‫الوديعة الناقصة‪ ،‬فكيفها بأنها قللرض‪ .‬وتقللول المللادة ‪726‬‬
‫مدني في هذا المعنى‪ :‬إذا كانت الوديعة مبلغا ً مللن النقللود‬
‫دع عنده‬ ‫أو أي شيء آخر مما يهلك بالستعمال‪ ،‬وكان المو َ‬
‫مأذونا ً له في استعماله اعتبر العقد قرضًا‪.‬‬
‫أما في فرنسا فالفقه مختلف في تكييف الودائع الناقصللة‪.‬‬
‫والرأي الغالب هو الرجوع إلى نية المتعاقدين؛ فللإذا قصللد‬
‫صاحب النقود أن يتخلص مللن عنللاء حفظهللا بإيلداعها عنللد‬
‫الخر فالعقللد وديعللة‪ .‬أمللا إن قصللد الطرفللان منفعللة مللن‬
‫تسلللم النقللود عللن طريللق اسللتعمالها لمصلللحته فالعقللد‬
‫قرض‪ .‬ويكون العقد قرضا ً بوجه خاص إذا كان مللن تسلللم‬
‫النقود مصرفًا‪" ((.‬‬
‫وهنا تتجلى الحقيقة‪ ،‬فتسللمية المللور بغيللر مسللمياتها قللد‬
‫تخدع البعض‪ ،‬إل أنها ليمكن أن تمحو الحقيقة‪.‬‬
‫هل تتدخل البنوك التجارية في العملية النتاجية؟‬
‫في نلدوة جمعيللة القتصلاد السلللمي قلدم أحلد البللاحثين‬
‫القتصللاديين بحث لا ً فللي موضللوع طبيعللة البنللوك التقليديللة‬
‫والوظلللائف اللللتي تؤديهلللا ومصلللادر أموالهلللا و وجلللوه‬
‫استخدامها‪.‬‬
‫أنقل ما لخصله السللتاذ دكتللور علللى السللالوس ملن هلذه‬
‫الدراسة للباحث القتصادي سمير عبدالحميد رضوان حين‬
‫تسائل بعد أن قدم دراسته بشكل تفصلليلي بهللذا السللؤال‬
‫الذي يلخص الدراسة‪:‬‬
‫هل تتدخل البنوك التجارية في العملية النتاجية؟‬
‫"نلخص مما تقدم‪ ،‬ومللن دراسللتنا لطبيعللة أعمللال البنللوك‬
‫التقليدية‪ ،‬إلللى أن البنللوك التجاريللة مؤسسللات للوسللاطة‬
‫المالية‪ ،‬ل تتدخل بطريقة مباشللرة فللي العمليللة النتاجيللة‪،‬‬
‫وإنما تتوسط بين المقرضين والمقترضين‪ ،‬فتقوم بتحويللل‬
‫الفللوائض الماليللة مللن القطاعللات ذات الطاقللة التمويليللة‬

‫‪892‬‬
‫الفائضللية ‪-‬المقرضللين و المللودعين‪ -‬إلللى القطاعللات ذات‬
‫العجز في الموارد المالية )المقترضين(‪.‬‬
‫ويتمثل دخل هذه البنوك في الفرق بيللن مللا تحصللل عليلله‬
‫مللن فللوائد مللن المقترضللين‪ ،‬ومللا تللدفعه مللن فللوائد‬
‫للمقرضين‪ .‬أما العمولت التي تتقاضاها مقابللل الخللدمات‬
‫التي تقدمها فتمثل جزءا ً يسيرا ً نسبيًا‪ .‬أ‪.‬هل‪.‬‬
‫ثللم قللدم البللاحث بعللض النمللاذج التطبيقيللة مللن الواقللع‬
‫العملي‪ ،‬وقام بتحليلها‪ ،‬مؤكدا ً ما انتهى إليه من الدراسة‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال عرض المركز المالي الجمالي للبنوك‬
‫التجارية في مصر قللي مللارس سللنة ‪1987‬م‪ ،‬وتللبين مللن‬
‫وجوه الستخدام أن نسللبة ملا تقرضله بللغ ‪ %81.78‬مللن‬
‫جملللة السللتخدامات‪ ،‬و أن ‪ %9.37‬كللان للسللتثمار فللي‬
‫السهم والسندات‪ ،‬ومعلوم أن السندات قروض ربوية‪ ،‬أي‬
‫أن الستخدامات كانت أساسا ً في القراض بفائدة‪.‬‬
‫وختللم البللاحث دراسللته بعللرض صللورة لميزانيللة بنللك‬
‫السكندرية التجاري والبحري‪.‬‬
‫مللن اسللتقراء المركللز المللالي لبنلك السللكندرية التجلاري‬
‫والبحلللري فلللي ‪30/12/1987‬م وكلللذا حسلللاب الربلللاح‬
‫والخسائر عن السنةالمنتهية في ‪31/12/1987‬م اسللتبان‬
‫لنا التي‪:‬‬
‫نسبة إجمالي الودائع إلى إجمالي الموارد ‪.%67‬‬
‫‪ .1‬نسبة حقوق المساهمين إلى إجمالي الموارد ‪.%18.3‬‬
‫‪ .2‬نسبة حقوق المساهمين إلى إجمالي الودائع ‪%27.1‬‬
‫‪ .3‬نسبة الستثمارات المالية إلللى إجمللالي السللتخدامات‬
‫‪.%0.5‬‬
‫‪ .4‬نسبة القروض )والسلفيات( إلى إجمللالي ودائع العملء‬
‫‪.%146‬‬
‫حساب الرباح والخسائر‪:‬‬
‫‪ .1‬نسبة الفوائد المحصلة إلى جملة اليرادات ‪.%85.8‬‬
‫‪ .2‬نسبة عائد الخدمات المصرفية واليرادات الخري إلللى‬
‫إجمالي اليرادات ‪.%14.2‬‬
‫‪ .3‬نسبة الفوائد المدفوعة إلى الفوائد المحصلة ‪.%55‬‬

‫‪893‬‬
‫والمؤشرات على الوجه المتقللدم ليسللت فللي حاجللة إلللى‬
‫مزيد من التعليق‪ .‬بهذا أنهى الباحث دراسته‪".‬‬
‫اليضلاحات اللتي أضلافها السلتاذ دكتلور عللي السلالوس‬
‫لهذه الخلصة‬
‫"‬
‫‪ .1‬حقوق المساهمين ل تعنللي رأس المللال‪ ،‬وإنمللا يضللاف‬
‫إليه ما حصلوه من إيرادات العام‪ ،‬وما بقللي مللن إيللرادات‬
‫العوام السابقة؛ ولذلك فإن من ملللك أسللهم بنللك ربللوي‪،‬‬
‫وأراد التوبة‪ ،‬فليس له ‪ -‬بعد التخلص من هذه السللهم‪ -‬إل‬
‫رأس ماله واليرادات غير الربوية‪ ،‬وهي نسللبة قليلللة كمللا‬
‫نرى؛ أما نصلليب أسللهمه مللن الفللوائد الربويللة فهللي مللال‬
‫خبيث حرام‪ .‬وعند بيان حكم التعامل فللي الوراق الماليللة‬
‫‪-‬وهي السهم والسللندات‪ -‬ل يكفللي القللول بللأن السللندات‬
‫قروض ربوية فهي حرام‪ ،‬وأن السهم هي حصللص شللائعة‬
‫في شركة فهللي حلل؛ فنشللاط الشللركة إذا كللان محرم لا ً‬
‫فأسللهمها حللرام بل شللك‪ ،‬وإن لللم تكللن قروضللا ً ربويللة‬
‫كالسندات‪ .‬فمن اشترى أسهما ً فللي بنللك ربللوي فهللو مللن‬
‫الذين يأكلون الربا‪ ،‬ويأذنون بحرب من الله ورسوله صلللى‬
‫الللله عليلله وسلللم‪ ،‬ومللن اشللترى أسللهما ً لشللركة صللناعة‬
‫الخمور فهو ملعون مطرود من رحمة الله تعالى‪.‬‬
‫‪ .2‬نسبة الستثمارات المالية )‪ ،(%0.5‬وهللي أساس لا ً فللي‬
‫السللندات‪ ،‬وقللل أن تكللون فللي السللهم‪ .‬وهللذا يعنللي أن‬
‫الستثمار ليس من طبيعة عمل البنك‪.‬‬
‫‪ .3‬الودائع الللتي اقترضللها البنللك أقرضللها كاملللة )‪(%100‬‬
‫وأقرض أيضلا ً ‪ %46‬زيللادة علللى هللذه الللودائع‪ ،‬فمللن أيللن‬
‫جاءت هذه الزيللادة؟! تللذكر مللا قيللل عللن خلللق النقللود أو‬
‫الئتمان!‬
‫‪ .4‬في حساب الرباح والخسائر نلحظ ضخامة الفرق بين‬
‫الفوائد التي أخذها من المقترضين‪ ،‬والفوائد التي أعطاهللا‬
‫المودعين المقرضين‪ ،‬فلم يعط إل ‪ %55‬من الفوائد الللتي‬
‫حصلللها‪ ،‬وأخللذ البنللك لنفسلله ‪ ،%45‬وهللذا هللو الللدخل‬
‫الساسللي للبنللك حيللث أنلله يمثللل ‪ %85.8‬مللن جملللة‬
‫اليرادات‪.‬‬

‫‪894‬‬
‫وبعد‬
‫كنللت مللن قبللل احتفظللت ببعللض مللا نشللر مللن ميزانيللات‬
‫البنوك الربوية لبين طبيعة عمل هذه البنوك‪ ،‬ولكن بعد ما‬
‫سبق من عرض ودراسة أظن أن المر أصبح واضحا ً جليًا‪،‬‬
‫ل يحتاج إلى المزيد‪.‬‬
‫"‬
‫‪............ ..................................................‬‬
‫وهنا أوجه دعوة لخواني في المنتدى‪:‬‬
‫مللن أراد أن يسللاهم فللي هللذا البحللث عللن طريللق عمللل‬
‫دراسة مماثلة للدراسة النفة أعله حللول البنللوك الربويللة‬
‫في الكويت فليفعل وله الجر من رب العزة والجللة‪.‬‬
‫‪............ ..................................................‬‬
‫أحبتي في الله‬
‫لزلنا في المبحث الثللاني )طبيعللة عمللل البنللوك( وسللوف‬
‫نكمللل الجللزء الثللالث مللن المبحللث مللتى مللا سللمحت‬
‫الظروف‪.‬‬
‫لذلك أرجوا أن يؤجل النقاش في هذا المبحث‪ ،‬علم لا ً بللأن‬
‫باب النقاش مفتوح فيما يتعلق بالمبحث الول )الربا(‬

‫‪‬‬

‫الفهرس العام‬

‫‪895‬‬
896

You might also like