Professional Documents
Culture Documents
تاكيو أوساهيرا
الجزء الول
ابتعثتني حكومتي للدراسة في جامعة هامبورغ بألمانيا ،لدرس أصول الميكانيكا العلمية ،ذهبت إلى هناك و أنا أحمل
حلمي الخاص الذي ل ينفك عني أبداً ،والذي خالج روحي وعقلي وسمعي وبصري وحسي ،كنت أحلم بأن أتعلم كيف
أصنع محركاً صغيراً.
كنت أعرف أن لكل صناعة وحدة أساسية أو ما يسمى موديلً وهو أساس الصناعة كلها ،فإذا عرفت كيف تصنعه
وضعت يدك على سر هذه الصناعة كلها .
وبدلً من أن يأخذني الساتذة إلى المعمل أو مركز تدريب عملي ،أخذوا يعطونني كتباً لقرأها ،وقرأت حتى عرفت
نظريات الميكانيكا كلها ،ولكنني ظللت أمام المحرك ،أياً كان قوته ،وكأنني أقف أمام لغز ل يحل ،كأني طفل أمام لعبة
جميلة لكنها شديدة التعقيد ل أجرؤ على العبث بها .
كم تمنيت أن أداعب هذا المحرك بيدي ،كم أشتاق إلى لمسه والتعرف على مفرداته وأجزائه ،كم تمنيت لمه وضمه
وقربه وشمه ،كم تمنيت أن أعطر يدي بزيته ،وأصبغ ثيابي بمخاليطه ،كم تمنيت وصاله ومحاورته والتقرب إليه ،
لكنها ظلت أمنيات ..أمنيات حية تلزمني وتراودني أياماً وأياماً .
وفي ذات يوم قرأت عن معرض محركات إيطالية الصنع ،كان ذلك أول الشهر وكان معي راتبي ،وجدت في المعرض
محركاً بقوة حصانين ،ثمنه يعادل مرتبي كله ،فأخرجت الراتب ودفعته ،وحملت المحرك وكان ثقيل جداً ،وذهبت إلى
حجرتي ووضعته على المنضدة ،وجعلت أنظر إليه كأنني أنظر إلى تاج من الجواهر ،وقلت لنفسي :هذا هو سر قوة
أوروبا ..لو استطعت أن اصنع محركاً كهذا لغيرت اتجاه تاريخ اليابان ،وطاف بذهني خاطر إن هذا المحرك يتألف من
قطع ذات أشكال وطبائع شتى ،مغناطيس كحدوة الحصان ،وأسلك وأذرع دافعة ،وعجلت وتروس وما إلى ذلك ،لو
أنني استطعت أن أفكك قطع هذا المحرك وأعيد تركيبها بالطريقه نفسها التى ركبوها بها ثم شغلته فاشتغل ..أكون قد
خطوت خطوة نحو سر موديل الصناعة الوروبيه .
بحثت في رفوف الكتب التى عندي ،حتى عثرت على الرسوم الخاصة بالمحركات ،وأخذت ورقاً كثيراً ،وأتيت
بصندوق أدوات العمل ،ومضيت أعمل ..رسمت منظر المحرك بعد أن رفعت الغطاء الذي يحمي أجزاءه ،ثم جعلت
أفكك أجزاءه ،قطعة قطعة ،وكلما فككت قطعة رسمتها على الورق بغاية الدقه وأعطيتها رقماً ،وشيئاً فشيئاُ فككته كله
،ثم أعدت تركبيه وشغلته فاشتغل ،كاد قلبي يقف من الفرح ،واستغرقت العمليه ثلثة أيام ،كنت آكل في اليوم وجبة
واحدة ،ول أصيب من النوم إل ما يمكنني من مواصلة العمل .
وحملت النبأ إلى رئيس بعثتنا فقال :حسناً ما فعلت ،الن لبد ان أختبرك سآتيك بمحرك متعطل ،وعليك أن تفككه
وتكتشف موضع الخطأ وتصححه وتجعل هذا المحرك العاطل يعمل ،وكلفتني هذه العمليه عشرة أيام ،عرفت أثناءها
مواضع الخلل ،فقد كانت ثلث من قطع المحرك بالية متآكلة صنعت غيرها بيدي ..صنعتها بالمطرقة والمبرد ،لقد
كانت هذه اللحظات من أسعد لحظات حياتي ،فأنا مع المحرك جنباً إلى جنب ،ووجهاً إلى وجه ،لقد كنت سعيداً جداً
رغم المجهود الكبير الذي بذلته في إصلح هذا المحرك ..قربي من هذا المحرك أنساني الجوع والعطش ..ل أأكل في
اليوم إل وجبة واحده ،ول أصيب من النوم إل القليل ،ثم تأتي اللحظات الحاسمة لختبار أداء عملي لصلح هذا
المحرك بعدما جمعت أجزاء المحرك من جديد ..وبعد قضاء عشرة أيام من العمل الشاق ،أخذت يدي تقترب لداء
المحرك ..وكم كنت أحمل من القلق والهم في تلك اللحظات العصيبة ..هل سيعمل هذا المحرك؟ هل سأنجح بعدما أدخلت
فيه بعض القطع التى صنعتها ؟! وكم كانت سعادتي واعتزازي بعدما سمعت صوت المحرك وهو يعمل ..لقد أصلحته ..
لقد نجحت .
بعد ذلك قال رئيس البعثة عليك الن أن تصنع قطع المحرك بنفسك ،ثم تركبها محركاً ،ولكي أستطيع أن أفعل ذلك
التحقت بمصانع صهر الحديد وصهر النحاس واللمونيوم ،بدلً من أن أعد رسالة الدكتوراه كما أراد أستاذي اللمان ،
تحولت إلى عامل ألبس بدلة زرقاء وأقف صاغراً إلى جانب عامل صهر معادن ،كنت أطيع أوامره كأنه سيد عظيم حتى
كنت أخدمه وقت الكل ،مع أنني من أسرة ساموراي ..والسرة السامورائية هي من أشرف وأعرق السر في
اليابان ،لكنني كنت أخدم اليابان ،وفي سبيل اليابان يهون كل شيء .
قضيت في هذه الدراسة والتدريبات ثماني سنوات كنت أعمل خللها ما بين عشر وخمس عشر ساعة في اليوم ،بعد
انتهاء يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة ،وخلل الليل كنت أراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة .
وعلم الميكادو ( إمبراطور اليابان ) بأمري ،فأرسل لي من ماله الخاص خمسة آلف جنيه إنجليزي ذهباً ،اشتريت بها
أدوات مصنع محركات كاملة وأدوات وآلت وعندها أردت شحنها إلى اليابان كانت النقود قد نفذت ،فوضعت راتبي
وكل ما ادخرته خلل تلك السنوات الماضيه لستكمال إجراءات الشحن .
وعندما وصلنا إلى ناجازاكي قيل لي إن الميكادو يريد أن يراني ،قلت لن أستحق مقابلة إل بعد أن أنشئ مصنع
محركات كاملً استغرق ذلك تسع سنوات ..تسع سنوات من العمل الشاق والجهد المتواصل.
وفي يوم من اليام حملت مع مساعدي عشرة محركات " صُنعت في اليابان " قطعة قطعة ،حملناها إلى القصر ،
ووضعناها في قاعدة خاصة بنوها لنا قريباً منه ،ثم أدرنا جميع المحركات العشرة ،دخل الميكادو وانحنينا نحييه
وابتسم ،وقال :هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي ،صوت محركات يابانيه خالصة ..هكذا ملكنا الموديل وهو سر
قوة الغرب ،نقلناه إلى اليابان ،نقلنا قوة أوربا إلى اليابان ،ونقلنا اليابان إلى الغرب ،وبعد ذلك الحدث السعيد ذهبت
إلى البيت فنمت عشر ساعات كامله لول مرة في حياتي منذ خمس عشر سنة .
كانت لتاكيو رؤية واضحة وأهداف محددة عما يريد ،وذلك منذ اللحظه التى اغترب عن بلده إلى ألمانيا ،أكثر من
ثماني عشر سنه وهذه الرؤية واضحة لديه ل لبس فيها ،عاشت معه تلزمه كأنفاسه التى تتردد بين جنبيه ،قلّ لها
نومه ،وكثر معها سهره ،و زَ َهدَ في أكله وشرابه ،وترك من أجلها شهادة الدكتوراه ..ترك كلمات التفخيم والجلل .
تضحيات وقراءة وعمل مستمر لكثر من ثماني عشر سنة ،إل أنه مطمئن لقراراته ،مستمتع بما يفعل ،إنه يرى دنو
أحلمه ..أحلمه التى نسجت في خياله بدأت تظهر في واقعة ،إنه يراها ..فأسرع لها الخطي وهانت من أجلها كل
العقبات ..إن مضمار سابق الجري ليشهد بصحة ما أقول ،فمجرد أن تقع عيني اللعب على خط النهاية إل وتراه قد
نسي تعبة وانطلق سريعا كالسهم .
كنت أحد المشاركين في دورة بناء الذات الوالدية التي نظمتها مدرسة التكامل العالمية لولياء المور ،والتى قدمها
الدكتور إبراهيم محمد الخليفي ،لقد قسم الدكتور إبراهيم المشاركين المائة على أربع وعشرين طاولة ،فأصبح تقريبا
كل أربعة مشاركين يشكلون فريقاً واحداً ..وفي بداية الدورة وزع الدكتور على المجاميع نوع من ألعاب التركيب ،
وهي عبارة عن صورة مفككة إلى أجزاء كرتونية سميكة يقوم المتدربون بإعادة تشكيل الصورة بناءاً على الصورة
الورقية المرقفة مع اللعبة ،لكن لم يكن هذا هو الحال عند كل المجاميع ،لقد قام الدكتور بسجب الصورة الورقية من
اثنى عشر مجموعة وأبقى الصورة الورقية عند المجاميع الخرى ،حدد الدكتور زمن النطلق ثم أطلق صافرة البداية
فهبت المجاميع للعمل لتركيب الصورة المطلوبة ..فماذا تتوقع أن يحدث ؟
لقد أصبح المشاركون على حالين ،المشاركون الذين يملكون الصورة الورقية والتى تمثل ورقة الحل ،وكان عملهم
منظماً وسريعاً ومثمراً ،أما المجاميع التى حرمت من ورقة الحل ،كان عملهم متخبطاً فوضوياً وبطيئاً ..ولعلك الن
أن أدركت ماذا حدث .
المجاميع التى تملك ورقة الحل ترى الصورة المطلوب تنفيذها ،إنها تراها بوضوح ،فأصبح عملهم سريعاً منظماً هادئاً
قلتّ فيه التساؤلت والعتراضات ،أما المجاميع التى حرمت ورقة الحل فقد رأيتها في حيص بيص ،هذا يقترح وهذا
يعترض وهذا يسأل ،وهذا ملّ واكتفى بالمراقبة وشرب الشاي ،إنهم مجتهدون في العمل ولكن ل يعرفون ماذا يريدون
،لقد فقدوا الرؤية الواضحة ،لقد فقدوا سر النجاح .
كل العظماء والناجحين كانت لديهم رؤية واضحة عمّا يريدون ،كانت لديهم أهداف واضحة ومحددة بِ َكمّ وزمن ..ما
المنصب الذي أسعى إليه ؟ ما مقدار المال الذي سوف أجمعه ؟ متى يقع ما أخطط له بعد سنه ،أم بعد خمس ،أم بعد
عشرين سنه ؟
اجتمع عبدال بن عمر ،وعروة بن الزبير ،ومصعب بن الزبير ،وعبدالملك بن مروان بفناء الكعبة ،فقال لهم مصعب
تمنوا .
العجيب أنهم كانوا يجدون ما تمنوا وزيادة ،يقول ستيفن كوفي في كتابة إدارة الوليات :
ويمكن القول ان الواقع أثبت أن الفراد والمنظمات التى تضع أهدافاً واضحة للوصول إليها تحقق نتائج أفضل ،وأن
الواقع يثبت أيضاً أن القادرين على وضع الهداف ،والقادرين على الوصول إليها ،يحققون ما يحلمون بالوصول إليه
".
حدثني الدكتور بشير الرشيدي -أستاذ علم النفس بجامعة الكويت -بقصة رجل إنجلزي اسمه جراهام ،كان المستر
جراهام مديراً لحدى الجامعات البريطانيه ،في عام 1978م كان المستر جراهام قد بلغ الستين من عمره ،ولذلك لبد
أن يحال إلى التقاعد ويترك العمل في الجامعة ،وبهدذه المناسبة فإن الجامعة نظمت لمديرها السابق المستر جراهام
حفلً وداعياً دُعي له العمداء وأساتذه الجامعة والشخصيات التربوية ،وفي يوم الحفل والذي كان مكتظاً بالساتذه
الكاديميين ،وبعض الشخصيات التربوية البارزة ،دُعي المستر جراهام للقاء كلمة ،كعادة مثل هذه الحتفالت.
صعد المستر جراهام إلى الخشبة المسرح الكبير ،ووقف أمام اليكروفون بكل ثقة الدنيا فقال :وضعت لنفسي عشرين
هدفاً لبد أن أحققها خلل العشر سنوات القادمة -ما أن قال ذلك حتى كثر الهمس والبتسامات الساخرة من بعض
الحضور .. -أكلم المستر جراهام حديثه بكل ثقة فقال :الهدف الول :أريد بيتاً مساحتة عشرة آلف متر مربع ،
والهدف الثاني :أريد تذاكر سفر لمدة عشر سنوات قادمة ..أريدها لبناتي الثلث وأزواجهن وأطفالهم ،لكي تزورني
كل بنت منهم مع زوجها وأطفالها ثلثة أشهر بالسنه ..الهدف الثالث ..ثم عد المستر جراهام ثمانيه عشر هدفا أخرى
يسعى لتحقيقها .
وبعد عام واحد فقط ،عام 1979م تولد تاتشر رئاسة الوزراء في بريطانيا ،فشكلت وزارة جديدة كعادة الساسة الذين
يتولون هذا المنصب ،يأمل بهم رئيس الوزراء تطوير البلد وإصلح الفساد ،وإرضاء العباد ،وكان من ضمن الناس
الذين استدعتهم تاتشر بعد توليها لمنصبها هو المستر جراهام ،وذلك لتعيينه مستشاراً لسياسة الجامعات البريطانبه ،
آملةً أن يقول بإصلح التعليم وتطويره .
رفض المستر جراهام العرض المغري معتذراً بأهداف العشرين التى لم يحققها ..هذا المنصب سيمنعه عن تحقيق
أهدافة ،هذا العمل سيأخذ الكثير من وقتي ،ولبد أن أفكر بتحقيق أهدافي قبل أن أفكر بتحقيق أهداف الخرين ،إنك يا
سيدة تاتشر إن حققتي لي هذه الهداف فأنا ل أمانع من أن أتولى هذا المنصب.
فقال المستر جراهام :الهدف الول :بيت مساحته عشرة آلف متر مربع ،والهدف الثاني ..والهدف الثالث ....وهكذا
حتى استعرض أهدافه العشرين كلها .
قالت تاتشر :ل مانع عندي أن أحقق جميع أهدافك العشرين ،ولكن على شرط واحد ،أن ترجع مليكه البيت بعد موتك
إلى الدولة البريطانيه .
وافق المستر جراهام على هذا ،وتولى منصبة الجديد ،مستشاراً لسياسة الجامعات البريطانيه ،حقق أهدافه العشرين
وأصبح يتملك بيتا في قلسكو في أسكتلندا مساحته أثنى عشر ألف متر ،لقد طلب بيتاً بمساحة عشرة آلف متر ،
ولكنه نال أكثر وهو شأن الحالمين أصحاب الرؤى الواضحة .
إن اختيار السيدة تاتشر كان موفقاً ،كانت وزارة التربيه في بريطانيا تتحمل كل التكاليف الدراسية للطالب الجامعي ،
وبعد تولى المستر جراهام لمنصبه ،أصبح الطالب يتحمل ثلثة أرباع التكلفة وتتحمل الدولة عنه الربع الباقي ،لقد
وفر المستر جراهام مليارات الجنيهات للدولة .
ويأتي عام 1991م وتُقال وزارة تاتشر ،ويُقال مستشاريها ليخلو المكان لرئيس وزارء جديد بوزراء واستشاريين
جدد ،لقد كان المستر جراهام أحد المقالين من منصبهم .
قرر مدراء الجامعات البريطانيه عمل احتفال لتوديع المستر جراهام الذي بلغ الثانية والسبعين من عمره ،كانت هناك
كلمة للمستر جراهام في هذه الحفلة الوداعية قال فيها :
وضعت لنفسي عشرين هدفاً أسعى لتحقيقها في السنوات العشر القادمة -الناس في القاعه ما بين منبهر وساخر
ومبتسم -أكمل المستر جراهام حديثه كالعادة بثقة ملحوظة ،الهدف الول :أسعى لتأسيس مركز اتصالت سيكون
الول والقوى في العالم ،والهدف الثاني ...والهدف الثالث ......
يقول المستر جراهام للدكتور بشير الرشيدي :في القرن التاسع عشر من يسيطر على التوابل سيكون القوى في العالم
،وعام 1857م استعمرت بريطانيا الهند فامتلكت توابل الهند وصارت الدولة التى ل تغيب عنها الشمس ،وفي قرن
العشرين من يسيطر على النفط سيكون القوى في العالم ،فسيطرت أمريكا على منابع النفط في الخليج ،أما القرن
الواحد والعشرين من يسيطر على التصالت فسيكون هو القوى يا دكتور ،لبد أن نملك قوة التصالت حتى تعود
لبريطانيا صدارتها على العالم .
لقد أعلن المستر جراهام مخططاته لهذا المركز عام 1991م ثم مضى زمن لم يلتفت أحدٌ له ول لمخططاته ،وبعد بضع
سنوات من حفلته تلك خصصت بريطانيا للمستر جراهام جزيرة يبنفذ بها حلمه ويقيم بها مركزه ،لقد خرجت الحلم
شيّد المبنى وأصبح الحلم حقيقة لمراء فيها .
من رأس حاملها إلى أرض الواقعه ،لقد ُ
توقعك هو واقعك ،نطلب منك فقط أن تحلم وترى شيئاً لنفسك ،كن كعمر بن عبدالعزيز الذي
يقول ":إنّ لي نفساً تواقة ،تافت إلى فاطمة بنت عبد الملك فتزوجها ،وتاقت إلى المارة
فَوُلّيتُها ،وتافت نفسي إلى الخلفة فأدركتها ،وقد تاقت إلى جنه ،فأرجو أن أدركها ،إن شاء
ال عز وجل "
كان الشيخ أقشمس الدين الذي تولى تربيه السلطان محمد الفاتح العثماني -رحمه ال -يأخذ السلطان محمد بيده ،
ويمر به على الساحل ويشير إلى أسوار القسطنطينية التى تلوح في الفق من بعيد شاهقة حصينة ،ثم يقول له :أترى
إلى هذه المدينه التى تلوح في الفق ؟ إنها القسطنطينية ،وقد أخبرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن رجل من أمته
حنّ القسطنطينية ،
سيفتحها بحيشه ،ويضمها إلى أمة النوحيد ،فقل عليه الصلة والسلم فيما رُوي عنه " :لَ َتفْتَ ُ
ولنعِم المير أميرها ،ولنعم الجيش ذلك الجيش ".
ومازال الشيخ بالصبي ،يريه المدينة ،يكرر على مسامعة ذلك الحديث الشريف ،يشعره ببهجة النصر وعزة الفتح ..
الحلم تتحقق عندما تراها ،تسمعها ،تشعر بها ..انظر إلى جيشك وهو يدك القسطنطينيه ،اسمع هتافات التكبير ،
تذكر شعورك السعيد حينئذ .
إن المُعلم يرسم صورة واضحة ورؤية جلية لتلميذه ،صورة يعيش معها ولها ،ياله من حلم جميل ،وهدف كريم .
دعونا نكمل ما حصل لذلك التلميذ من تشجيع ذلك المعلم وتلك الرؤية المبكرة .
لقد نمت همة المير الصبي وترعرعت في قلبه ،فعقد العزم عى أن يجتهد ليكون هو ذلك الفاتح الذي بَشّر به الصادق
المصدوق صلى ال عليه وسلم .
كان والده السلطان مراد الثاني يستصحبه معه وهو صغير إلى بعض المعارك ،ليعتاد مشاهدة الحرب والطعان ،
ومناظر الجنود في حركاتهم واستعداداتهم ونزالهم ،وليتعلم قيادة الجيش وفنون القتال عملياً ،حتى إذا ما ولي
السلطنة ،وخاض غمار المعارك خاضها عن دراية وخبرة.
ولما جاء اليوم الموعود شرع السلطان محمد الفاتح في مفاوضة المبراطور قسطنطين ليسلمه القسطنطينية ،فلما
بلغة رفض المبراطور تسليم المدينة ،قال -رحمة ال : -حسناً عن قريب سيكون لي في القسطنطينية عرش أو يكون
لي فيها قبر.
حاصر السلطان محمد القسطنطينية واحداً و خمسين يوماً ،تعددت خللها المعارك العنيفة ،وبعدها سقطت المدينة
الحصينة التى استعصت على الفاتحين قبله ،على يد بطل شاب له من العمر ثلث وعشرون سنه ..بتأييد سماوي
ورؤية واضحة مبكرة وعمل دؤؤب سقطت القسطنطينية .
في الدراسه التى أجريت على جامعة " ييل " في عام 1953فقد سُئل الخريجون عمّا إذا كانت لديهم أهداف واضحة
محددة ومدونة في تخطيط لتحقيق هذه الهداف ـ أظهر %3فقد أن لديهم هذه الهداف ،وأن %97منهم ليس ليهم
أي أهداف واضحة أو محددة ،وبعد عشرين عاماً أي في عام 1973م اكتشف الباحثون من الفراد الذين بقوا على
قيد الحياة من خرجي دفعة ، 1953أن الـ %3الذين كانت لديهم أهداف محددة ،كانوا يمتلكون من المال أكثر مما
كان يملكه مجموعة النسبة الباقية منهم مجتمعين ،والذين يبلغون %97
أندرية أجاسي الحائز على بطولة ويمبلدون للتنس في عام 1992م يقول إنه فاز ببطولة ويمبلدون للتنس آلف المرات
عندما كان عمره 10سنوات !! فقط في خياله ..هذه الرؤية واضحة والمستمرة منحته ثقة داخلية أدت به في النهاية
إلى تلك الحقيقة التى حدثت في صيف 1992م عندما فاز بالبطولة .
واكتشف فيكتور فرانكل عالم النفس النمساوي اكتشافاً مهماً خلل فترة اعتقاله في معسكرات النازية بهذا السؤال المهم
:ما الذي جعل بعض الناس يعيشون هذه الخبرة المريرة " العتقال " بينما مات الغلبيه ؟!.
السبب الرئيس الذي اكتشفه داخل الناجين من هذه المأساة هو وجود الحساس بالرؤية المستقبليه ،لقد سيطر على كل
من نجح في البقاء يقيناً بأن لهم مهمة في الحياة يجب استكمالها ،وأن لهم مهام حيوية مازالوا في حاجة إلى النتهاء
منها .
-3أكثر تركيزاً وتوجيهًا ..إنهم يعلمون ماذا يطلبون وماذا يتركون :
رحل يحيى بن يحيى إلى المام مالك وهو صغير ،وسمع منه وتفقه ،وكان مالك يعجبه سمته وعقله ،رُوي أنه كان
يوماً عند مالك في جملة أصحابه ،إذ قال قائل ":قد حضر الفيل " فخرج أصحاب مالك لينظروا إليه ،وبق يحيى مكانه
ولم يخرج فقال له مالك :لِمَ ل تخرج فترى الفيل لنه ل يكون بالندلس ؟ فقال له يحيى :إنما جئتٌ من بلدي لنظر إليك
وأتعلم من هديك وعلمك ولم أجيء لنظر إلى الفيل ،فأعجب به مالك وسماه :عاقل أهل الندلس.
لم يستكمل تاكيو أوساهيرا دراساته العليا ،لقد ترك الدكتوراره والمركز والجه وذهب إلى مصنع صهير الحديد ،وذهب
إليه عاملً ببدلة زرقاء ،ثماني سنوات وحالة كحال مئات العمال في هذا المصنع ،ول يعرفه أحد ،ول يأبه به ،يخدم
رئيسه حتى في وقت راحته .
اختار المصنع لنه طريقه إلى أحلمه ومراده ،الحالم يعرف ماذا يمسك وماذا يترك .
جان رجل من العراب إلى النبى صلى ال عليه وسلم ،فآمن به واتبعه ،ثم قال :أهاجر معك ،فأوصى به النبي صلى
سمَ له ،فأعطى
غنِمَ النبي صلى ال عليه وسلم شيئاً ،فقسّمَ وقَ َ
ال عليه وسلم بعض أصحابه ،فلما كانت غزاة َ ،
أصحابه ما قسم له ،وكان يرعى ظهرهم ،فلما جاء دفعوا إليه ،فقال :ما هذا ؟ قالوا :قِسْمٌ قسمه لك النبى صلى ال
عليه وسلم ،فأخذه ،فجاء إلى النبى صلى ال عليه وسلم فقال :ماهذا قال :قسمته لك ،قال ما على هذا اتبعتك ،
ولكم اتبعتك على أن اُرمَى ها هنا -وأشار إلى حلقة -بسهم فأموت فأدخل الجنه ،فقال صلى ال عليه وسلم ":إن
صدق ال يصدقك ".
فلبثوا قليلً ،ثم نهضوا في قتال العدو ،فأتي به النبي صلى ال عليه وسلم يحمل قد أصابة سهم حيث أشار ،فقال
النبى صلى ال عليه وسلم :أهوا هو ؟ قالوا :نعم ،قال صدق ال فصدقه ،ثم كفنه النبي صلي ال عليه وسلم في
جبته ،ثم مهاجراً في سبيلك ،فقتل شيهداً ،وآنا شهيد على ذلك .
أذكر أني كنت أستاذاً للعلوم والحياء في مدرسة يوسف بن عيسى القناعي ،وقد جاءني الستاذ القدير والمربى
الفاضل أستاذ الكيمياء الستاذ علي فراج المدرس الول يزف لي بشرى سارة ،قال لي :عندي خبر سعيد ،ولكن قبل
أن أقول لك هذا الخبر ،يجب أن توعدنا بإفطار محترم لقسم العلوم ،فوعدته بالفطار إن كان الخبر -كما يقول -خبرا ً
سعيداً.
أعطاني الورقة التي كان يخبئها في جبيه ،قرأت الورقه ،وإذا هي كتاب ترشيح لوظيفة مدرس أول لمادة الحياء ،
كتب في أسفل الورقه كلمتين :مواقف ،وغير مواقف ،ول بد أن أشير إلى أحدهما ،أخذت الورقه وبدون تردد
وأشرت بعدم المواقفه .
لم يصدق الستاذ علي قراري هذا ،فأجذ ينصح ويلوم ،امسح ما كتبت ..واقف على الترشيح ول تضيع الفرصة على
نفسك ..ولم أزد على قولي له :إني أعرف ماذا أفعل ،إني أطلب شيئاً آخر .
احلم بأهدافك وهي تتحقق ،تخيل وانظر إلى نفسك وأنت تحقق أحلمك ،انظر إلى نفسك وأنت
تبتسم وقد أصبحت رئيس شركة الكمبيوتر التى حلمت بها ،انظر إلى نفسك في مكتبك العظيم
تجلس على كرسيك الوفير ،تخيل أنك تسمع ثناء الناس عليك اسمع التهنئات و التبريكات ،تخيل
شعورك السعيد ،وأنت الن في أحلى اللحظات وأسعدها ،ياله من شعور عظيم .
الجزء الثاني()1
رحلتُ ماشياً على قدمي من بلدي الندلس ( تدعى اليوم أسبانيا ) فذهبتُ إلى مكة ثم إلى بغداد -
الطائرة تحتاج إلى ست ساعات حتى تقطع هذه المسافة ،فكم من الشهور مشى بقي بن مخلد
حتى يقطع هذه المسافة ؟!
كان همي و بغيتي ملقاة أحمد بن حنبل ،فلما دخلتُ بغداد بلغتني محنة المام أحمد ،وما حلّ
به ،وأنه ممنوع من ملقاة الناس ،فاغتممت غماً شديداً .
لقد سُجن المام أحمد سنتين وأربعة أشهر في مسألة خلق القرآن ،ورفض موافقة الخليفة
المأمون ومن بعده الخليفة المعتصم على القول بأن القرآن مخلوق ،فسجنه وعذبه.
وفي هذا يقول المام أحمد بن حنبل ":لما جيء بالسياط نظر إليها المعتصم ،وقال :ائتوني
بغيرها ،ثم قال للجلدين :تقدموا ،فجعل يتقدم إليّ الرجل فيضربني سوطين ،فيقول له :شد
قطع ال يدك ،ثم يتنحى ،ويقوم آخر ،فيضربني سوطين ،وهو يقول في كل لك ":شد ،قطع
ال يدك " ،فلما ضُرِبتُ تسعة عشر سوطاً قام إليّ ،وقال :يا أحمد علمَ تقتل نفسكَ؟ إني وال
عليك لشفيق ،أتريد أن تغلب هؤلء؟
ثم قام المعتصم الثانية ،فجعل يقول :ويحك يا أحمد أجبني .
فجعل الناس يقبلون عليّ ويقولون :يا أحمد ،إمامك على رأسك قائم.
وجعل المعتصم يقول :ويحك أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك يدي.
قال أحمد بن داود أبو سعيد الواسطي :دخلت على أحمد الحبس قبل الضرب ،فقلت له في بعض
كلمي :يا أبا عبدال ،عليك عيال ولك صبيان ،وأنت معذور -كأني أسهل عليه الجابة -فقال
لي أحمد :إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد ،فقد استرحتَ.
وبعد الضرب الشديد والسجن ،خاف المعتصم أن يموت المام أحمد ،فيثور الناس عليه ،فرفع
عنه الضرب وسلمه إلى أهله ،فبقي نختفياً طوال مدة خلفة المعتصم والواثق .
اشتد الواثق في مسألة خلق القرآن كثيراً ،وساعده على ذلك وزيره أحمد بن أبي دؤاد ،الذي
استولى على الواثق وحمله على التشدد في المحنة ،ودعا الناس إلى القول بخلق القرآن ،
استمر الواثق على ذلك حتى ملّ المحنة وسئمتها نفسه فرجع عنها في آخر عمره .
هذا أبو عبدالرحمن بن محمد الذرمي شيخ أبو داود والنسائي يحمل مكبلً بالحديد من بلده إلى
الواثق ،فسأله ابن ابي دؤاد في مجلس الواثق عن قوله في القرآن .
فقال له الشيخ :هذا الذي تقلوله يابن دؤاد من خلق القرآن شيء علمه رسول ال صلى ال عليه
وسلم .وأبوبكر وعمر وعثمان وعلي أم جهلوه ؟
قال ابن أبي دؤاد :بل علموه .
قال الشيخ :فهل دعوا الناس إليه كما دعوتهم أنت أو سكتوا ؟
فقال :بل سكتوا .
قال الشيخ :فهل وسعك ما وسعهم من السكوت ؟
فبهتوا وضحك الواثق ،وقام قابضاً على فمه وهو يقول :هل وسعك ما وسعهم ويكررها ،ثم
أمر أن يُعطى الرجل ثلثمائة دينار ويُرد إلى بلده ،ولم يمتحن أحد بعدها ،وسخط على ابن أبي
دؤاد من يومئذ .
ويتابع بقي حديثه فيقول :
أجّرتُ بيتاً أنام فيه تلك الليلة ،وفي فجر اليوم التالي دخلتُ المسجد فإذا برجل يتكلم في الرجال -
أن أنه يتكلم عن علم الرجال ،وهو العلم الذي يهتم بحال الرجال ،ويحدد أمانتهم وصدقهم وقوة
حفظهم ،فقول عن هذا ثقة ،وعن آخر ضعيف ،وآخر كذاب ،وهذا صدوق ،وهذا ينسى ..
وهكذا .
فقيل لي عن الرجل الذي يتحدث في المسجد ويتكلم عن حال الرجال :أنه يحيى بن معين ،
صاحب المام أحمد ورفيقه في طلب العلم ،فأحببتُ أن أسأله عن بعض الرجال فحاولت أن أقترب
منه ففرجت لي فرجة ،فدنوتُ منه وقمت إليه ،فقلت له :يا أبا زكريا ،رحمك ال رجلٌ غريبٌ
بعيدٌ عن وطنه ،يحب السؤال ولدي أسئلة كثيرة فاصبر عليّ .
فقال :قل ،فسألت عن بعض من لقيته من الرجال ،فبعضاً زكى وأثنى عليهم وبعضاً جرح وبيّن
سوء حالهم في حديث ،فسألته عن هشام بن عمار ،فقال لي :أبو الوليد صاحب الصلة دمش ،
ثقة ،وفوق الثقة ،لو كان تحت رادئه كبرٌ أو متقلداً كبر اما ضره شيءٌ لخيرة وفضله .
فصاح أصحاب الحلقة تلميذ يحيى بن معين :يكفيك -رحمك ال -غيرك له سؤال ،فقلت :لم
يبق لي إل سؤال عن ورجل واحد ،أحمد بن حنبل ،فنظر إليّ يحيى كالمتعجب ،فقال لي :
ومثلنا نحن نكشف عن أحمد ؟ ذاك إمام المسلمين وخيرهم وفاضلهم .
فخرجت من المسجد من فوري أستدل على منزل أحمد بن حنبل ،فدُللت عليه ،فقرعت بابه ،
فخرج إليّ.
فقلت :يا أبا عبدال ،رجل غريب بعيد عن بلده ،هذا أول دخولي هذا البلد ،وآنا طالب حديث
ومقيّد سُنّة ،ولم تكن رحلتي إل إليك لتعلم منك .
فقال لي :وأين موضوعك؟
قلت :المغرب القصى .
فقال :إفريقية ؟
قلت :أبعد من إفريقيه ،أجور من بلدي البحر إلى أفريقيه ،بدلي الندلس.
قال :إن موضوعك لبعيد ،وما كان شي أحب إليّ من أن أحسن عون مثلك وأبذل لك كل ما
أستطيع ،غير أني ممتحن بما لعله قد بلغك ،وآنا الن ل يُسمح لي بملقاة الناس والتحدث إليهم
،إني مسجون في بيتي .
فقلت :لقد بلغني ما أنت فيه ،وهذا أول دخولي بلدكم ،وآنا مجهول العين عندكم ،ل يعرفني
أحد ،فإذا أذنت لي أن آتي كل يوم في ثياب الفقراء ،فأقول عند بابك ما يقوله الفقراء
والشحاذون ،
فتخرج إليّ عند بابك ،فلو لم تحدثني كل يوم إل حديث واحد لكان لي فيه كفايه .
فقال لي :نعم على شرط ال تظهر في الناس ول يتعرف عليك أحد ول تذهب إلى مجالس
المُحدثين .
فقلت :لك شرطك ،فكنت آخذ عصاً بيدي ،وألف رأسي بخرقة متسخة وأجعل أوراقي في كمي ،
وآتي بابه ،فأصيح :الجر – رحمك ال – وهذا ما ينادي به الشحاذون في بغداد ،فيخرج أحمد
إليّ ويدخلني بيته ويغلق بابه دوني ،ويحدثني بالحديثين والثلثة والكثر ،فالتزمت ذلك حتى
مات الخليفة الممتحنِ له الخليفة الواثق .
وَوُليّ بعده من كان على مذهب السنه الخليفة المتوكل ،فقد أظهر ميلً عظيماً إلى السنه ،فرفع
المحنه وكتب بذلك إلى الفاق واستقدم المحدثين إلى " سامرا " وأجزل عطاياهم وأكرمهم ،
وتوفر دعاء الخلق للمتوكل وبالغوا في الثناء عليه وتعظيمه ،حتى قيل الخلفة ثلثة أبو بكر
الصديق في قتل أهل رده ،وعمر بن عبد العزيز في رد الظالم ،والمتوكل في إحياء السنه .
فقد نصر أحمد ونكّل بأعدائه ،فظهر أحمد وعلت إمامته ،وكانت تُضرب إليه آباط البل ،حتى
بلغ منزلة لم يبلغها ملك ول قائد ول أمير.
لم ينس المام أحمد معناتي معه في طلب العلم فكان يعرف لي حق صبري ،فكنت إذا أتيت حلقته
العظيمة ،وهو بين تلميذه ،فسّح لي وأوسع لبي مجلسه ،ويقص على أصحاب الحديث قصتي
معه ،فكان يقرأ عليّ الحديث وأقرأه عليه .
ومرت اليام وآنا على تلك المكانه عند أحمد ،حتى أصابني مرض فأرقدني في سريري ،ففقدني
من مجلسه فسأل عني ،فأُعلم بعلتي ،فقام من فوره مقبلً عليّ عائداَ لي بمن معه ،وآنا
مضطبجع في البيت الذي كنت قدّ أجّرت ،وكسائي عليّ وكتبي عند رأسي ،فسمعت الفندق قد
ارتج بأهله ،وآنا أسمعهم :هو ذاك أبصروه ،وهذا إمام المسلمين مقبلً .
فأسرع إليّ صاحب الفندق قائلً :يا بقي هذا أحمد بن حنبل إمام المسلمين مقبلً عليك ،عائداً لك
،فدخل فجلس عند رأسي ،وقد امتل الفندق من أصحابه فلم يسعهم ،حتى صارت فرقة منهم في
دار وقوفاً وأقلمهم بأيديهم ،فما زادني على هذه الكلمات .
فقال لي :يا أبا عبدالرحمن أبشر بثواب ال ،أيام الصحة ل سقم فيها ،وأيام السقم ل صحة فيها
،أعلك ال إلى العافيه ،ومسح عنك بيمينه الشافيه ،فرأيت القلم تكتب لفظه ،ثم خرج عني ،
فأتاني أهل الفندق يلطفون بس ويخدمونني ،فواحد يأتي بفراش ،وآخر بلحاف ،وبأطايب
الغذيه ،وكانوا في تمريضي أكثر من تمريض أهلي لو كنتُ بين أظهرهم .
قام بقي بن مخلد القرطبي الندلسي برحلتين إلى مصر والشام والحجاز وبغداد طلباً للعلم ،أمتدت
الرحله الولى أربعة عشر عاماً ،والثانيه عشرين عاماً .
الجزء الثاني()2
لعل الكثيرين من متسلقي الجبال تمنوا تسلق قمة إفرست في جمال الهمليا ،ول أدري كم واحد منهم
نهض لهذه المنيه وباشر العمل ،كم واحد منهم كانت له هذه المنيات أحلم ليل وانتهت .
وما نيل المطالب بالتمني * *-*-ولكن تُؤخذ الدنيا غلبا
وما استعصى على قومٍ منالٌ * *-*-إذا القدام كان لهم ركابا
في عام 1988م شاهدت في سينما الي ماكس في مدينة دينفر المريكية فيلماً وثائقياً عن تسلق قمة
إفرست – قمة جبل عظيمة ارتفاعها عن الرض 8848م – إن مخاطر تسلقها عظيمة جدًا ،مات
الكثيرون من المتسلقين دونها أو بين صخورها ،والقبور الكثيرة بين حنباتها تشد بذلك ،ومع هذا صمم
ذلك المتسلق أن يصعد الجبل هي أمنبية وهذف حياته ،والماني ل تتحقق إل بالعمل الجاد والمثابره
الدائمة :
شرع المتسلق في صعود الجبل الشم ،والذي لم أعتقد وآنا أشاهد الفيلم أن يصرع هذا الجبل أحد من
الناس ،هل يستطيع النسان أن يقهر كل هذا الرتفاع الشاهق ؟! .كثيراً ما توقعت سقوط هذا المتسلق ،
لكنه ظل يتسلق ويتسلق ،وفي النهاية وبعد صراع مع الموت ولدة عشرات اليام بلغ ذلك المتسلق
مراده ،لقد بلغ قمة إفرست ،ما إن حط المتسلق رجله على القمة ووضع علم بلده عليها حتى دمعت
عيناي ...النسان قهر الجبل ...لقد أدركتُ أن عملنا الجاد يصنع المستحيل .
لم يبلغ بقي بن مخلد شهرته بين أهل الحديث إل بمثابرته لتك ،تمنى بقى أن يكون من أهل الحديث ،تمنى
أن يلقي أحمد بن حنبل في العراق ،أمنيات جمليه ،لكن من يفكر أن يرحل إلى هناك ؟
أرحل من أسبانيا إلى العراق ؟ كم من الوقت سأظل أمشي؟ سينتهي زادي ومائي في الطريق ؟ كم من
الوحوش ستتجاذب لحمي ؟
كم من ليل أدهم سأسير فيه ؟ إنه الهلك الكيد..
لكنها أمنيات العظماء أصحاب الهمم العاليه ،الذين يصدقون أحلمهم بالعمل.
هذا أبو أيوب النصاري يرحل من المدينة إلى عبقة بن عامر بمصر يسأله عن حديث سمعه من النبى
صلى ال عليه وسلم ،فلما قدم إلى منزل مسلمه بن مخلد النصاري أمير مصر ،خرج إليه فعانقه ،وثم
قال له :ما جاء بك يا أبا أيوب ؟ قال :حديث سمعته من النبى صلى ال عليه وسلم لم يبق أحد سمعه من
غيري وغير عقبه ،فابعث من يدلني على منزله ،فبعث معه من يدله على منزل عقبة ،فخرج إليه عقبة
فعانقه ،وقال :ما جاء بك يا با أيوب ؟ فقال :حديث سمعته من رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يبق
أحد سمعه منه غيري وغيرك في ستر المؤمن ،قال عقبة :نعم سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم
يقول ":من ستر مؤمناً في الدنيا على خزية ستره ال يوم القيامه " ،فقال أبو أيوب صدقت ،ثم انصرف
أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعاً إلى المدينة وما حلّ رحله وما مجلس ..حديث واحد أراد أن يتأكد من
لفظة فيرحل إليه من المدينة المنورة إلى مصر.
هذا عمرو بن أبي سلمة يقول لوزاعي :يا أبا عمرو أنا ألزمك منذ أربعة أيام ولم أسمع منك إل ثلثين
حديثاً ،قال :وتستقل ثلثين حديثاً في أربعة أيام ؟ لقد سار جابر بن عبدال إلى مصر واشترى راحلة
فركبها حتى سأل عقبة بن عامر عن حديث واحد وانصرف إلى المدينة ،وأنت تستقل ثلثين حديثاً في
أربعة أيام .
هذا المام سعيد بن المسيب يقول :إني كنتُ لسافر اليام والليالي في الحديث الواحد.
وهذا المام أحمد بن حنبل يقول :رحلتُ في طلب العلم والسُنة إلى الثغور والشامات والسواحل والمغرب
والجزائر ومكة والمدينة والحجاز واليمن والعراقين جميعاً وفارس و خراسان والجبال والطراف ثم عدتُ
إلى بغداد.
قال الحافظ أبو حاتم الرازي :أحصيتُ ما مشيتُ على قدمي زيادة على ألف فرسخ (يساوي خمسة آلف
كيلومتر ) لم أزل أحصي حتى لما زاد على ألف فرسخ تركته ..ل أحصي كم مرة سرت من الزفة إلى بغداد
،ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة ،وخرجت من البحر من قرب مدينة سل إلى مصر ماشي ًا ،ومن مصر
إلى الرملة ماشياً ،ومن الرملة إلى بنت المقدس ،ومن الرملة إلى عسقلن ،ومن الرملة إلى طبرية ،
ومن طبرية إلى دمشق ،ومن دمشق إلى حمص ،ومن حمص إلى أنطاكية ،ون أنطاكية إلى طرسوس ،
ثم رجعت من طرسوس إلى حمص ،خرجت قبل خروجي إلى الشام من واسط إلى النيل ،ومن النيل إلى
الكوفه ،كل ذلك ماشياً ،كل ذلك ماشي ًا ،هذا في سفري الول وأنا ابن عشرين سنه ،أجول سبع سنين
ت من الري سنة 213هـ ورجعت سنة 221هـ . خرج ُ
رحل الحافظ ابن منده في طلب الحديث وعمره 20سنه ،ورجع وعمره 65سنه ،كانت رحلته 45سنه ،
عاد إلى وطنه شيخاً فتزوج وهو ابن 65سنه .
ت الدمَ في طلب
قال الحافظ محمد بن طاهر المقدسي :سمعتُ الحديث في أكثر من 40مدينة : -وبُل ُ
ت قط في
الحديث مرتين ،مرة ببغداد ،وأخرى بمكة ،كنتُ أمشي حافياً في الحر فلحقني ذلك ،وما ركب ُ
طلب الحديث ،وكنت أحمل كتبي على ظهري.
زإليك أعجب من هذا ..قال المام ابن القاسم :رحلتُ من بلدي مصر إلى مالك في المدنية ،وجلست عنده
ت فيها ول اشتريت ،فبينما أنا عنده ،دخل علينا شاب ملثم ،فسلّم على مالك وقال أتعلم 17سنه ،ما بع ُ
ت منه ويحاً طيبة ،فإذا هي رائحة الولد ،وإذا
:أفيكم ابن القاسم ؟ فأشير إليّ ،فأقبل يُقّبل عيني ،ووجد ُ
هو ابني .
وكان ابن القاسم ترك زوجته حاملً به وكانت ابنة عمه ،وقد خيّرها عنده سفره لطول إقامته ،فاختارت
البقاء.
إنّ الذين سمع منهم الحافظ ابن عساكر وتعلم منهم 1300شيخ ،ومن النساء بضع وثمانون امرأة ،وبلغ
شيوخ ابن منده 1700شيخ ،وبلغ شيخوخ أبي الفتيان عمر الرواسي 3600شيخ ،أما المام السمعاني
فقد رحل إلى 162مدينة وسمع من 7000رجل .
أيها العضو /أيتها العضوه ( القارئ ) ..كم من العمر والجهد بذل هؤلء العلماء حتى يسمعوا من كل
هؤلء الرجال ؟ كم من المسافات قطعوا حتى تتحقق تلك المنيات ؟ لعللك الن أدركت لماذا لمعت أسماء
هؤلء العلماء العظماء بين أهل الحديث ..إنه العمل والجهد المتواصل .
كان المام البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطره ،ثم
يطفئ السراج ،يقوم مرة أخرى وأخرى ،حتى كان يتعدد منه ذلك قريباً من عشرين مرة .
المام أحمد ابن عبدوس صلى الصبح بوضوء العشاء ثلثين سنة ،خمس عشر سنة في دراسة وخمس
عشر سنة في عبادة .
ستُويه قال :كنا نأخذ المجلس في مجلس علي بن المديني وقت العصر اليوم لمجلس
وعن جعفر بن دُرُ ْ
غذٍ ،فنقعد طول الليل مخالفة أن ل نلحق من الغد موضعاً نسمع فيه .
قال ابن أي حاتم :كنا بمصر سبعة أشهر لم نأكل فيها مرقة ،نهارنا ندور على الشيوخ ،وبالليل ننسخ
ونقابل ،وفي طريقنا مرة رأيت سمكة أعجبتنا فاشتريناها ،فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس
الشيوخ فمضينا ،فلم تزل السمكة ثلث أيام وكادت أن تنتن ،فأكلناها نيئة لم نتفرغ نشويها ،ثم قال :ل
يستطاع العلم براحة الجسد .
ب عنا ِ
ق سهري لتنقيح العلوم ألذ ُ لي * *-*-من وصل غانيةٍ وطي ِ
وتمايلي طرب ًا لحل عويصة * *-*-أشتهى وأحلى من مُدام ِة ساقِ
وصرير أقلمي على أوراقها * *-*-أحلى من ال ّدكَاهِ( )2والعشاقِ
وألذُ من نقر الفتاة لدفها * *-*-نقري للقي الرمل عن أوراقي
يا من يحاول بالزمان رتبتي * *-*-كم بين مُسْتفلٍ وآخر راقي
أأبيتُ سهران الدجى وتبيته * *-*-نوم ًا وتبغي بعد ذاك لحاقي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( )2الدّكاه :نوع من أنواع النغم المطرب عندهم .
يقول إبراهيم الحربي :أفنيتُ من عمري ثلثين سنة برغيفين ،عن جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت ،وإل
بقيتُ جائعاً عطشان إلى الليلة الثانية ،وأفنيت ثلثين سنة من عمري برغيف في يوم والليلة ،وإن
جاءتني امرأتي أو إحدى بناتي به أكلته وإل بقيتُ جائعاً عطشاناً إلى الليلة الخرى .
يقول عبيد بن يعيش :أقمتُ ثلثين سنة ما أكلتُ بيدي بالليل ،وكانت أختي تلقمني وآنا أكتب الحديث.
أيتها العضوه /أيها العضو ( القارئ) ..ل يحق لك أن تتساءل عن سر عظمة هؤلء العظماء ،لقد كشفت
لك السر ..دعني أهمس لك به مرة أخرى ،قرب أذنيك مني ..اسمع ..إن سر العظمة هو العمل بل
يأس ،والمثابرة بل فتور ،قال ابن الجوزي " :البكاء يبغي أن يكون على خساسة الهمم ".
عندما تمشى في شارع جيرارد الواقع في مدينة لهويا في سان ديغو ،سترى محلً جميلً صور طبيعية ل
أقول عنها جميلة بل شديدة الجمال ،ستعجب وأنت تدخل المحل الرائع من جسمك الذي يتوقف فجأة !!
وعيناك التي بدأت وكأنهما مسحورتان!! ولسانك الذي بدأ يردد سبحانه ال ،سبحان ال !! ما الذي
جرى ؟ ..إنك بل شك تقف عند صورة كتب تحتها catch of the dayإنها صورة دب عند مصب
النهر تفتح فمه لبتلع سمكة قفزت فوق الموج.
سألت مشرفة هذا المحل الجميل عن هذه الصورة ،فقالت أولً إني أرحب بك في أحد فروع المصور
المريكي المشهور توماس مانجلسن ..هذه الصوره كان توماس يخطط للتقاطها مدة أربع سنوات ،
وعندما قرر التقاط هذه الصورة ومباشرة العمل ذهب بعدته إلى مصب النهر ونصب خيمته هناك ،ثم جلس
ل حتى ينجح في التقاط أسبوع ًا كاملً حتى ينجح في التقاط صورة واحدة هناك ،ثم جلس أسبوعا كام ً
صورة واحدة فقط لمنظر تكرره الدببة عشرات المرات كل يوم .منظرها وهي تقف عند منصب النهر
بانتظار ابتلع السمك الذي يقفز فوق المواج .المشكلة كانت عند توماس في سرعة الحدث ،كيف ينجح
في التقاط صورة تحدث بوقت هو أقل من الثانية ،قد تعجز يد النسان عن مجاراته .
قرر توماس أن يخرج كل يوم من الفجر وحتى الغروب لمدة سبعة أيام كاملة لعله ينجح في التقاط صورة
واحدة فقط لذلك النظر الرائع .نصب كاميرته قريباً من مصب النهر وأخذ يلتقط لهذه الدببة كل يوم ليوم
عشرات الصور ،حتى إذا انتهى من اليوم الخير لرجع إلى المعمل تحميضه ومعه عشرات الفلم ،وهو
ل يدري أنجح فيما يبغي أم ل ..وكم كانت فرحته عندما فاز بصورة واحده فقط من بين مئات الصور لتلك
اللقطة الجميلة . Catch of the Dady :
تفكير مستمر ،وانقطاع عن ملهيات كثيرة ،وصبر على خلوة موحشة ،وعمل جاد ولمدة سبعة أيام من
فجرها وحتى غروبها للتقاط صورة واحده فقط ..ويتساءل البعض :لماذا اشتهر توماس مانجلس من
بين آلف المصورين وتعددت فروعه ؟!
أيها العضو /أيتها العضوه ( القارئ ) ...حدد أهدافك ثم اغمض لها كما مضى إليها هؤلء ،استرخص
لها كل غال وعزيز ،أعطها أفضل أوقاتك ،أترك لها ساعة من نومك ،أترك مجالس الكلم والعبث ،
واسأل ال التوفيق وتوكل عليه فإنه لن يضيعك .
هل تعرف مندل ؟ إنه العالم النمساوي مؤسس علم الوراثة ،لقد توصل إلى قوانينه الوراثية المشهورة بعد
مثابرة دائمة وصبر جميل ،حيث استمر يزاوج في سبع سنين بين أكثر من 21ألف نبات .
قد تكون إلى هذه اللحظة غير مقتنع بما سقته لك من الدلة عن هذا السر ،سر الجتهاد والعمل
والمثابرة ،إذن فسأزيد فتابع وترقب .
قرأ الفيلسوف العالم محمد الفارابي كتاب " النفس " لرسطو مائة مرة! حتى تفهمه ن وقرا كتاب "
السماع الطبيعي !" لرسطو أيضاً أربعين مرة .
وقرأ ابن سينا كتاب " ما وراء الطبيعة " لرسطو فلم يفهم ما فيه ،فقرأه أربعين مره فحفظه ولم يفهم
أيضا ما فيه ،حتى وقع بيده من دون قصد كتاب للفارابي اشتراه من دلل بسوق الورّاقين بثلثة دراهم
فإذا بهذا الكتاب يشرح ما سطره أرسطو في كتابه ما وراء الطبيعة ..وبعدها فهم ما كان يقصده أرسطو
حرفاً حرفاً.
وابن التبان عبدال بن إسحاق يدرس المدونة في الفقه المالكي نحو اللف مرة .
إذا استعصب عليك أمر ما ،فحاول مرة بعد مرة حتى تنجح ..ول تنس أن قطرة الماء المتتابعة تحفر
أخدوداً في الصخر الصم.
ت متحف القاهرة ،فسوف تشاهد قطعاً مبهرة تماما مأخوذة من قبر توت عنخ آمون ،جزء كبير إذا زر َ
من الطابق الثاني من تلك العماره الهائلة مملوءة بكنوز تتلل ،مجوهرات من الذهب والحجارة الثمينة ،
قلئد ،آنية من الذهب والرمر ،وعربات خيل مذهبة ،توابيت من العاج والذهب مصنعة ببراعه ليمكن
تجاوزها اليوم ،كان يمكن أن يبقى هذا الكنز الذي ل يصدق أحد قيمته تحت الرض لول ..لول هذا
المثابر.
هوارد كارتر خبير الثار والتاريخ يجرى دراساته للبحث عن كنزتوت عنج آمون المدفون في مكان ما في
الرض مصر ..وبعد الدراسات المكثفة والطلع على مئات البجاث ،يحدد هوارد مكان الكنز.
عملية التنقيب هذه مكلفة جداً لبد لها من ممول يتحمل كل التكاليف المتعلقة بعملية التنقيب ..لقد وجد
هوارد ضالته وأقنع أحد المهمتمين الثرياء في دعم مشروعه وتموليه .
بدأ فريق هوارد وفريق العمل وبدأت تدق الفؤوس على المكان الذي حدده هوارد ،وبعد مضى أيام على
حفر هذا المكان تبين أنهم في مكان خطأ.
دخل هوارد خيمته وأخذ يعيد حساباته وقياساته ..هذه المرة لبد أن تكون قياساتي دقيقة ..عرف هوارد
خطأه وحدد مكان آخر دلت الحسابات على صحته .
انتقل العمال إلى الموضع الجديد وبدأوا الحفر ..وبعد أيام تبين أنهم أيضاً في مكان خاطئ.
لقد بدأت الشكوك تساور ممول المشروع عن كفاءة وخبرة هوارد في البحث والتنقيب ..لقد ضيع وقته
وأمواله في عمل لطائل من ورائه ضاعت الموال والجهود في هذا الوادي الموحش..
طلب هوارد الصبر والتريث من ممول المشروع..
إنك يا سيدي ستجني الكثير من الموال إن ربحنا ..حسناً ياهوارد سأعطيك فرصاً أخرى ،هيا استمر.
أعاد هوارد حساباته وقياساته وحدد الماكن التى لن يتجاوزها هذا الكنز بحال من الحوال ..وبدأ الحفر
في كل من هذه الماكن ،وبعد العمل الجاد والحفر الدائم المستميت ..تبينّ أن كل الماكن التى رسمها
هوارد لعماله كانت خاطئة .
وهناء يصرخ ممول المشروع الثري :هيا يا هوارد لنرحل من هنا ..لنرحل عن هذا الوادي ..إنك حقاً قد
ضّيعت وقتي ومالي .
وبينما يجهز العمال أنفسهم للرحيل أخذ هوارد الخريطه الوادي بسرعه وبدأ ينظر لها من جديد ..لبد أنه
هنا ..سأجري آخر حساباتي لن أيأس ..وبسرعه يرسم هوارد آخر موضع للحفر ويحدد للعمال موضع
الحفر.
يسمع ممول المشروع بأمر هوارد لعماله بالحفر رغم كل تلك المحاولت الفاشلة التى أجراها هوارد في
هذا الوادي ،يصرخ هذه الممول بوجه هوارد ويطلب منه الرحيل وعدم هدر المزيد من الجهد والمال.
سيدي أعطني آخر فرصة ..فرصة واحده فقط أرجوك ..فقط واحدة ..حسناً ياهوارد.
ثم يقول هوارد في هذه اللحظه المبكية :وم كدنا نضرب معولً واحداً في الرض في آخر جهد يائس حتى
حققنا اكتشاف ًا فاق أكثر أحلمنا شططاً بكثير ..إنه كنز توت عنخ آمون .
قال العالم باستور :دني أطلعلك على السر الذي أوصلني إلى هدفي ،إن فوتي الوحيده تكمن في صلبتي
وإصراري .
وقال العالم وهامتون " من علماء الرياضة " :إن كشف الوقائع الجديدة في العولم الطبيعية مفتوح على
مصراعية لكل غبي يتمتع بالصبر والمهارة اليدوية والحواس المرهفة .
ويقول المشير مونتكوموي " أبرز القادة العسكريين البريطانيين " :لقد تعلمت في حياتي الخاصة ،أن
صفات ثلثة للنجاح :العمل الشاق ،والستقامة المظلقة ،والشجاعة الدبية .
وكذلك يقول وليم جميس :أبو علم النفس الحديث " :إن الفرق بين العباقرة وغيرهم من الناس العاديين
ليس مرجعه إلى صفة أو موهبة فطريه بالعقل ،بل إلى الموضوعات والغايات التى يوجهون إليها هممهم
وإلى درجه التركيز التى يسعهم أن يبلغوها.
اديسون يقول :إن العبقريه هي % 1إلهام ،و %99عرق جبين ..أديسون الذي ظل يحاول أكثر من
10000محاولة لكتشاف مصباحه الكهربائي.
تاكيو أوساهيرا الذي ظل يشتغل للوصول إلى هدفه أكثل من 17سنه ،لم يصيب من النوم إل القليل .
ومحمد الفاتح الذي يُروى عنه أنه كان ينام على خرائط الحرب وهو يحطط لغزو القسطنطينية.
هل سمعتَ بكتاب اسمه " الكهرباء " إنه للمؤلف وعالم الكهربائ المريكي " بنيامين فرانكلين " ،هذا
الكتاب ولجلة قدره وقدر مؤلفه تُرجم إلى لغات كثيرة منها النجليزية والفرنسية واللمانية واليطالية .
ُو ِلدَ فرانكلين لوالدين عيالهم كثير :سبعة عشر طفلً ،ترتيبه بينهم الخامس عشر ،ولما بلغ الثامنه من
عمره أرسل إلى المدرسة ،ثم أوقفه أبوه عن الدراسه بعد عاميين فقط ،ولذلك لعجزه عن سداد رسوم
المدرسة ،ثم اضطر للعمل مع والده في محل للشموع يلكه ،وسرعان ما تعلم فنون الطباعه في مطبعة
أخيه " جميس " الذي كان يصدر جريدة أسبوعية.
كان فرانكلين يقرأ جميع الكتب التى تقع في يده ،وغالباً ما كان يدفع من قوته ثمناً لها ،لقد علم هذا الطفل
الفذ نفسه بنفسه ،ومن غير أن يذهب إلى أي مدرسه أو أن يجلس إلى أي أستاذ ..لقد برع فرانكلين في
علوم الحساب والجبر والهندسه والملحة وقواعد اللغة والنطق ..إنها المثابرة والعمل الجاد الذي حصل
بهما فرانكلين على لقب " نيوتن عصره ".
إنه ذلك الشيخ الكهل الملتصقة صوره بعلب الكنتاكي ،إنه صاحب خلطة الدجاج السريه ،الذي عَمل
مزارعاً في ولية أنديانا وهو في سن العاشرة بأجر شهري يعادلَ دولرين ،ثم قاطع تذاكر على إحدى
باصات النقل ،ثم جندياً لمدة سته شهور في كوبا ،ثم إطفائياً في السكك الحديدية ،درس القانون
بالمراسلة ،وعمل في القضاء ،وأدار شركة عبّارات نهرية ،كما عمل في مجال التأمين وبيع الطارات ،
ثم أدار محطات استراحة الركاب على الطرق ،وبعد أن بلغ الربعين راح يعد وجبات للمسافرين على
الطرق في محطات الستراحه ،لم يكن لديه مطعم يومها إل أنه كان يبيع وجباته من فوق مائدة طعامه
الخاصة وفي غرفته الصغيرة المتواضعة الملتحقة بمحطه الستراحة تلك ..ولما راحت أعداد الناس تتزايد
طلباً لطعامه ،انتقل إلى فندق صغير عبر الشارع من المحطة حيث افتتح مطعماً يتسع لــ 142زبون ًا ،ثم
راح يطور خلطته السرية تلك على مدى تسع سنوات ،تلك الخلطة المكونه من أحد عشر عشبة طبيعية
وأنواع مختلفه من البهارات.
وفي بداية الخمسينيات توقف السفر على الطريق الذي كان عليه مطعمه مع انتقال طريق السفر إلى طريق
سريع ،وشهد نجاحه وعمله توقفاً تام ًا ،مما اضطره إلى التخلى عن مطعمه ذلك والكتفاء براتب شهري
مقداره 105دولرات من الضمان الجتماعي وعمره إذا ذاك 63عامًا ،ثم راح يحاول بيع حقوق استثمار
طريقته في صنع الدجاج وسافر بين الوليات يجوبها من مطعم إلى مطعم ..هل تعرفون عدد المطاع التى
رفضت التعامل مع ساندرز وسخرت منه ،خَمّن كم حاول هذا الشيخ الكبير أن ينجح ،عدد المطاعم التى
رفضت طلبه 1008مطعم ،وعند محاولته رقم 1009نحج في بيع أو حق استثمار.
كان يعطي حق الستثمار مقابل كلمة شرف ووعد أن ُيدْفع له مبلغ زهيد جدًا مقابل كل دجاجه مقليه تطبخ
على طريقته يبيعهما المطعم .
ومع حلول عام 1964م أصبح لدى الكولونيل ساندرس أكثر من ستمائة فرع لبيع الدجاج يعمي بموجب
ترخيصه في الوليات المتحده وكندا.
وفي عام 1971م باع حقوق الستثمار في شركته إلى مستثمرين جدد ،فراح اسم " كنتاكي فرايد جكن "
ينتشر بسرعه وتزاد شهريه ،فبلغ عدد فروع الشركه 3500فرعاً في كافه أنحاء العالم.
عظماء خلدت أعالُهم اسماءهم ،عرفوا ما يطلبةت فما زالوا في عمل وصبر حتى نالوا ما طلبوا.
وإليك قصة أخرى أضيف بها دليلً أكبر على صدق ما أقول...
كان يحي النحوي ملحاً يعبر الناس في سفينته ،وكان يحب العلم كثيرًا ،فإذا عبر معه قوم من دار العلم
والدرس التى كانت بجزيرة السكندرية ،أخذوا يتحاورون فيما مضى لهم من النظر ويتفاوضون ،فكان
يسمع كلمهم فتهش نفسه للعلم ،فما قوي رأيه في طلب العلم فكر نفسه ،وقال :قد بلغت نيفاً وأربعين
سنه ،فما ارتضيت بشيء ،ول أعرف غير صناعة الملحة ،فكيف يمكنني أن أتعرض لشيء من العلوم.
وفيما هو يفكر إذا رأى نملة قد حلمت نواه تمرة وهي دائبة تصعد بها ،فوقعت وأخذتها ،ولم تزل تجاهد
مراراً حتى بلغت بالمجاهد غرضها ،فقال :إذا كان هذا الحيوان الضعيف قد بلغ غرضه بالمجاهدة
والناصبة فالحرى أن بلغ غرضي بالمجاهدة .
فخرج من وقته وباع سفينته ولزم دار العلم وبدأ يتعلم النحو واللغة والمنطق ،فبرع بهذه المور ،لنه
أول ما ابتدأ به ،فنسب إليها واشتهر بها.
إنك لو استوقفت أماً أمريكية وسألتها عن سبب نجاح أو ضعف أداء ابنها في المدرسه ،لرجعت ذلك إلى
القدرات الفطرية ،ابني ذكي ،ابني متوسط الذكاء ،ابني غبي ...وهكذا.
ولكن ماذا لو استوقفت أماً يابانية وسألتها نفس السؤال ،ماذا ستكون الجابة .إنها ستكون وبالتفاق عند
كل المهات اليابانيات إنه يرجع إلى حجم المجهود المبذول ،ابني أخذ درجة عالية لنه بذل مجهوداً
كبيرًا ،ابنى أخذ درجه ضعيفة لنه بذل مجهوداً متواضعاً .
إنه وبرغم إقرار المعلمين اليابانيين بوجود فوارق في القدرات إل إنهم ل يجوز لهم تصنيف الطلب إلى
فئات بناءً على قدراتهم وكأنها رساله واضحة من المعلمين إلى الطلب تقول :إن الفروق التي تشاهدونها
في درجاتكم ترجع إلى حجم ما بذلتموه من مجهود وعمل مركز .
ولذلك فإن " بريسيل بلنكو " الباحثة بجامعة ستانفورد المريكية تؤكد أن المعلمين اليابانيين بأن الطلب
مافة يمكنهم النجاز إن هم ثابروا وتحملوا المصاعب.
إن اليابانيين يعشقون كلمة " قامبارو" ، Gambaruلنها تعني عندهم المثابرة والستمرار أو بذل
المرء قصاري جهده .
يقول الطبيب الكيمائي الفرنسي باستور :إن أهم ثلث كلمات في القاموس هي :العزيمة ،والعمل ،
والصبر.