You are on page 1of 36

‫المقدمة‬

‫الحمدهلل رب العالمين ‪ ،‬وأشرف الصالة وأتم التسليم على سيدنا‬


‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪ .‬رضينا باهلل ربا وباإلسالم دينا‬
‫وبمحمد نبيا ورسوال‪.‬‬

‫ه‪22 2 2‬ا نحن في إطالل‪22 2 2‬ة جدي‪22 2 2‬دة ‪ ،‬نحم‪22 2 2‬ل أفكارن‪22 2 2‬ا على متن ه‪22 2 2‬ذه‬
‫السفينة ‪ ،‬وجهتها جزي‪2‬رة اإلب‪2‬داع‪ ،‬وربانه‪2‬ا أفكارن‪2‬ا ‪ ،‬وركابه‪2‬ا طالبن‪2‬ا ‪،‬‬
‫ووقوده‪22‬ا عملن‪22‬ا وجه‪22‬دنا ‪ ،‬ونحم‪22‬ل معن‪22‬ا أه‪22‬دافنا‪ ،‬نرف‪22‬ع راي‪22‬ة التح‪22‬دي ‪،‬‬
‫ألنجاز بحث إسالمي ‪.‬‬

‫ففي بحثنا هذا سوف نقدم لكم بعض وجوه اإلعجاز العلمي‬
‫والقرآني في الحشرات ‪ ،‬وإن هدفنا األساسي من هذا هو النظر إلى‬
‫قدرة اهلل ‪ ،‬فما سوف نعرف هو من العجائب والغرائب ‪ ،‬فسبحانك‬
‫ال علم لنا إلى ما علمتنا ‪ ،‬فالقرآن هو المعجزة الخالدة ‪ ،‬فهلموا‬
‫نسبح في بحر معجزات هذا الكتاب ‪.‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬وجوه اإلعجاز يف النحل ‪:‬‬
‫َّج ِر َومِم َّا‬ ‫ِ‬ ‫ِ خَّتِ ِ ِ ِ ِ‬
‫َّح ِل أَن ا ذي م َن اجْل بَال بُيُوتًا َوم َن الش َ‬
‫ك إىل الن ْ‬ ‫أوحى َربُّ َ‬
‫(و َ‬ ‫يقول اهلل تعاىل ‪َ :‬‬
‫ك ذُلُالً خَي ُْر ُج ِمن بُطُوهِنَا‬ ‫ُُ َ َ‬ ‫ْ‬
‫يع ِر ُشو َن {‪ }68‬مُثَّ ُكلِي ِمن ُك ِّل الثَّمر ِ‬
‫ات فَاسلُ ِكي سبل ربِّ ِ‬
‫ََ‬ ‫َْ‬
‫ك آليَةً لَِّق ْوٍم َيَت َف َّك ُرو َن {‪[ )}69‬سورة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ف أَلْ َوانُهُ فِ ِيه ِش َفاء لِلن ِ‬
‫َّاس إِ َّن يِف َذل َ‬
‫ِ‬
‫اب خُّمْتَل ٌ‬
‫َشَر ٌ‬
‫النحل ] ‪.‬‬

‫تفسير اآلية ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬تفسير ابن كثير‬

‫املراد بالوحي هنا‪ :‬اإلهلام واهلداية‪ ،‬واإلرشاد للنحل أن تتخذ من اجلبال بيوتاً‬
‫تأوي إليها‪ ،‬ومن الشجر( ومما يعرشون‪ ,‬مث هي حمكمة يف غاية اإلتقان يف‬
‫تسديسها ورصها حبيث ال يكون يف بيتها خلل‪ ,‬مث أذن هلا تعإىل إذناً قدرياً‬
‫تسخريياً أن تأكل من كل الثمرات‪ ,‬وأن تسلك الطرق اليت جعلها اهلل تعإىل‬
‫مذللة هلا‪ ,‬أي مسهلة عليها حيث شاءت من هذا اجلو العظيم‪ ,‬والرباري‬
‫الشاسعة‪ ,‬واألودية واجلبال الشاهقة‪ ,‬مث تعود كل واحدة منها إىل بيتها ال حتيد‬
‫عنه مينة وال يسرة‪ ,‬بل إىل بيتها وما هلا فيه من فراخ وعسل‪,‬‬
‫فتبين الشمع من أجنحتها وتقيء العسل من فيها‪ ,‬وتبيض الفراخ من دبرها‪ ,‬مث‬
‫تصبح إىل مراعيها‪.‬‬

‫وقال قتادة وعبد الرمحن بن زيد بن أسلم‪( :‬فاسلكي سبل ربك ذلالً) أي مطيعة‪,‬‬
‫فجعاله حاالً من السالكة‪ ,‬قال ابن زيد‪ :‬وهو كقول اهلل تعإىل‪( :‬وذللناها هلم‬
‫فمنها ركوهبم( ومنها يأكلون) قال‪ :‬أال ترى أهنم ينقلون النحل ببيوته من بلد إىل‬
‫بلد وهو يصحبهم‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تفسير الطبرى‬

‫ك إىل النّ ْح ِل أ َِن اخّتِ ِذي( ِم َن اجْلِبَ ِال بُيُوتاً‬


‫أوح َى َربّ َ‬
‫(و َ‬‫القول فـي تأويـل قوله تعإىل‪َ :‬‬
‫الش َج ِر َومِم ّا َي ْع ِر ُشو َن )‪.‬‬
‫َو ِم َن ّ‬
‫يقول تعإىل ذكره‪ :‬وأهلم ربك يا مـحمد النـحل إحياء إلـيها ِأن أتّ ِـخ ِذي ِمن الـجبِ ِ‬
‫ـال‬ ‫َ‬
‫بُـيُوتا َو ِم َن ّ‬
‫الش َج ِر وم ّـما َي ْع ِر ُشو َن يعنـي‪ :‬مـما يبنون من السقوف‪ ،‬فرفعوها بـالبناء‪.‬‬

‫ـاسلُ ِكي ُسبُ َل‬ ‫فـاسلكي سبل ربك ذُلُالً‪ :‬يقول‪ُ :‬م َذلّلَةً لك‪ ،‬وال ّذلُل‪ :‬مجع ‪ :‬ذلول ‪,‬ف ْ‬
‫يتوعر علـيها مكان سلكته‪ .‬حدثنا بشر‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا يزيد‪،‬‬ ‫ك ذُلُالً قال‪ :‬ال ّ‬‫رب ِ‬
‫َّ‬
‫ك ذُلُالً قال‪ :‬الذلول‪ :‬الذي( يُقاد‬ ‫قال‪ :‬حدثنا سعيد‪ ،‬عن ‪ :‬فـاسلُ ِكي سبل رب ِ‬
‫ُُ َ َ ّ‬ ‫ْ‬
‫ويُذهب به حيث أراد صاحبه‪ ،‬قال‪ :‬فهم خيرجون بـالنـحل ينتـجعون هبا ويذهبون‬
‫ت أيْ ِدينا أنْعاما َف ُه ْم هَلَا‬ ‫ِ‬
‫وهي تتبعهم‪ .‬وقرأ‪ :‬أول ْـم َيَر ْوا أنّا َخـلَ ْقنا هَلُ ْم م ّـما َع ِملَ ْ‬
‫ك ذُلُالً‪ :‬أي‬ ‫مالِ ُكو َن وذلّْلناها هَل م‪ ....‬االَية‪.‬قتادة‪ ،‬قوله‪ :‬فـاسلُ ِكي سبل رب ِ‬
‫ُُ َ َ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬
‫مطيعة ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬اإلعجاز العلمي في النحل ‪:‬‬


‫َّج ِر َومِم َّا َي ْع ِر ُشو َن (‬ ‫ِ‬ ‫ِ خَّتِ ِ ِ ِ ِ‬
‫َّح ِل أَن ا ذي م َن اجْل بَال بُيُوتًا َوم َن الش َ‬ ‫ك إِىَل الن ْ‬ ‫َوأ َْو َحى َربُّ َ‬
‫اب‬ ‫هِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات فَ ِ‬ ‫‪ )68‬مُثَّ ُكلِي ِمن ُك ِّل الثَّمر ِ‬
‫اسلُكي ُسبُ َل َربِّك ذُلُال خَي ُْر ُج م ْن بُطُو َا َشَر ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬
‫ك آليَةً لَِق ْوٍم َيَت َف َّك ُرو َن (‪ """")69‬سورة‬ ‫ِ‬ ‫ف أَلْ َوانُهُ فِ ِيه ِش َفاءٌ لِلن ِ‬
‫َّاس إِ َّن يِف َذل َ‬
‫ِ‬
‫خُمْتَل ٌ‬
‫النحل األيتان ‪.69-68‬‬
‫هاتان اآليتان الكرميتان تبني لنا أدق التفاصيل العلمية اليت أكتشفها العلم احلديث‬
‫يف أسلوب حياة هذا النوع من احلشرات ذات النظام الرائع‪ ،‬نظام ال منلك جتاهه‬
‫إال أن نقول "تبارك اهلل أحسن اخلالقني" وفيما يلي جانب من التعبريات القرآنية‬
‫الرائعة اليت جاءت يف تناسق واتفاق تام مع ما أثبته العلم احلديث القائم على‬
‫املالحظات الدقيقة بالتقنيات واألدوات احلديثة‪.‬‬
‫اسلُ ِكي‪ ،‬بُطُوهِنَا) َبْيد‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫‪ -‬ورد لفظ النحل يف اآليات الكرمية مؤنثاً (اخَّت ذي‪ُ ،‬كلي‪ ،‬فَ ْ‬
‫أنه يف اللغة العربية مذكر‪,‬حيث نقول هذا النحل وليس هذه النحل‪،‬ومثله متاما‬
‫لفظ النمل‪ ،‬وىف قوله تعاىل " يَا أَيُّ َها الن َّْم ُل ْاد ُخلُوا َم َساكِنَ ُك ْم" جاء لفظ النمل‬
‫مذكراً‪,‬ومل يأيت مؤنثاً مثل احلال مع النحل‪ ,‬ولكنه كالم اهلل بلسان عريب مبني ‪،‬‬
‫فكيف يصح ذلك ؟؟؟؟‬
‫‪  ‬هذا الوحي الرباين موجه جملموعة من النحل داخل اخللية النحلية مهمتها‬
‫الكشف والبحث عما حتتاجه اخللية‪ ،‬تسمى هذه اجملموعة بالنحل الكاشف‪ ،‬وهى‬
‫إناث وليست ذكور‪,‬بل إن كل األعمال داخل اخللية وخارجها يقتصر فقط على‬
‫اإلناث دون الذكور وينحصر دور الذكور فقط يف تلقيح ملكة النحل‪،‬بل قد‬
‫تلجأ اخللية إىل طرد الذكور خارجها بعد متزيق أجنحتها لضمان عدم العودة إىل‬
‫اخللية‪ ,‬وذلك ىف حاالت ندرة الغذاء توفريا لطاقة اخللية‪ ،‬وهلذا وردت األلفاظ‬
‫مؤنثة مطابقةً ملا أثبته العلم احلديث‪ ،‬منافيةً ملا اعتادت عليه ألسنة العرب‪ ،‬حىت‬
‫ندرك أن كالم اهلل صاحل لكل مكان وزمان ‪.‬‬
‫َّج ِر َومِم َّا َي ْع ِر ُشو َن‪ ,‬حرف اجلر "من" أفضل وأدق من‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫‪ -‬م َن اجْل بَال بُيُوتًا َوم َن الش َ‬
‫حرف اجلر" يف" محل معىن اجلزئية والكيفية واملكانية‪ ,‬فحشرات النحل تستخدم‬
‫كدعمات له‪،‬تقيها قسوة الظروف املناخية‪ ،‬وتبين عليه‬ ‫األجزاء احمليطة بالعش ُ‬
‫أقراص العسل‪ ،‬فمثال ىف حال اجلبال‪،‬أفاد لفظ "من اجلبال" أن مكان السكن هو‬
‫اجلبال وجزءً من املسكن مشتق من اجلبال‪ ,‬وهو ما يفعله النحل فعالً‪ ,‬لكن‬
‫يفيد املكانية فقط (مكان السكن) ‪.‬‬ ‫حرف اجلر "يف"‬

‫وهو يفحص أحد خاليا النحل‬ ‫صورة ملريب حنل‬

‫َومِم َّا َي ْع ِر ُشو َن‪ ،‬معىن يشمل جذوع األشجار املفرغة‬ ‫‪-‬‬
‫واالسطوانات الطينية‪ ،‬اليت كانت معروفة يف زمن‬
‫نزول القران وحىت وقتنا القريب( وهى السكن‬
‫الوحيد الذي( أخرتعه اإلنسان( للنحل حىت ذلك‬
‫احلني‪ ,‬باإلضافة للخاليا اخلشبية احلديثة املختلفة يف‬ ‫صورة لعش نحل على‬
‫جذع أحد األشجار‬
‫الشكل واحملتوى( الداخلي من جتهيزات) اليت ظهرت حديثاً بعد اكتشاف املسافة‬
‫النحلية ( املسافة‬
‫الالزمة للمرور النحل بني أقراص العسل)‪ .‬فكلمة يعرشون مشلت كل أنواع‬
‫املساكن احلديثة والقدمية‪ ,‬ولو كان الكالم من عند غري اهلل جلاء على غري هذا‬
‫النحو‪ ،‬مثال" مما يكورون" كما كان معروف آنذاك من تكوير السطوانات‬
‫الطني‪.‬‬
‫‪ -‬مُثَّ ُكلِي ِمن ُك ِّل الثَّمر ِ‬
‫ات‪ ،‬حرف اجلر "مث" يفيد الرتتيب والتعقيب( مع الرتاخي‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬
‫يف تسلسل األحداث‪ ،‬ما سبق "مث " هو اختاذ السكن و ما تلها هو النشاط وأكل‬
‫الثمار‪ ,‬وهذا ما حيدث متاماً‪ ،‬فبعد اسقرار جمموعة النحل يف املسكن اجلديد‬
‫ميكث النحل مدة قد تطول أو تقصر ال يزاول فيها نشاطه املعتاد حىت يتأكد من‬
‫آمان مكان السكن مث يبدأ ىف مزاولة حياته طبيعيا من مجع للرحيق وصناعة‬
‫العسل‪.‬‬
‫‪ -‬لفظ " ُكلِي " يبدو غريبا‪ ,‬ألن احلاضر يف الذهن عند ذكر النحل هو العسل‪،‬‬
‫شرب‪ ،‬وتصنعه النحلة من الرحيق وهو سائل ؟؟!!‬
‫والعسل يُ َ‬
‫ولكن املعىن ليس لذلك‪ ،‬بل املعىن ملا أثبته العلم احلديث‪ ,‬أن النحل يأكل ويشرب‬
‫( ذو أجزاء فم قارض ماص) واألكل يكون حلبوب اللقاح (املصدر الربوتيىن‬
‫للنحل) اليت جيمعها من األزهار‪ ،‬والشرب يكون للرحيق (املصدر الكربوهيدرايت)‬
‫وهلذا اقرتنت( كلمة (كلي) بكلمة الثمرات و الثمرة أصلها حبة اللقاح وهو ما‬
‫النحل !!!!!!‬ ‫يأكله‬

‫صورة لنحلة وهي متتص رحيق أحد‬


‫الزهور‬

‫ات ) أفاد عموم الثمر( دون استثناء‪،‬وما من مثرة إال‬‫‪ -‬وقوله تعاىل ( ُك ِّل الثَّمر ِ‬
‫ََ‬
‫وكانت حبة لقاح‪،‬وما من حبة لقاح إال ويأكلها النحل‪ ،‬ولو كان القرآن من‬
‫عند غري اهلل لقيل الثمرات( احللوة مثال أو مل تُذ َكر كلمة الثمرات أصال‪،‬ألهنا‬
‫حقيقة مكتشفة حديثا بعد تطور امليكرسكوبات وأجهزة الرؤية الدقيقة ً‪...‬‬
‫ولكنه هو اخلالق وهو القائل‪ ،‬وجاءت شبه اجلملة " ِم ْن ُك ِّل " للتبعيض على‬
‫مستوى النوع الواحد( ( نوع الثمرة) إلن النحل ال يأكل كل الثمرة‪ ،‬بل جزءً من‬
‫أصل الثمرة‪ ،‬يف حني انه يأكل مجيع أنواع الثمار وليست الثمار( احللوة فقط‪.‬‬
‫ك ذُلُال‪،‬الفاء للرتتيب والسرعة‪ ،‬ألن النحل يف هذه اللحظة‬ ‫‪ -‬فَاسلُ ِكي سبل ربِّ ِ‬
‫ُُ َ َ‬ ‫ْ‬
‫اليت تصفها اآلية (بعد األكل من كل الثمرات) ال يتلكأ يف العودة إىل اخللية بل‬
‫ليفرغ ما مجعه ىف خليته ليعود ثانيةً للجمع( وهكذا حىت‬ ‫يعود بسرعة وىف نشاط ّ‬
‫ينتهي النهار‪.‬‬
‫اسلُ ِكي ُسبُ َل " هذه اجلملة تدل على أن النحل له مسالك حمددة ىف اهلواء‬ ‫‪ " -‬فَ ْ‬
‫كتلك اخلاصة بالطائرات‪ ،‬وهذا ما دل عليه العلم( احلديث‪ ،‬أن النحل قد يبعد عن‬
‫خليته مسافات طويله تصل إىل ثالت كيلو مرتات وحىت ال يتوه يف العودة (ألن‬
‫صغر حجم النحلة‪ ,‬مع كرب حجم النباتات‪ ،‬وطول املسافة‪،‬قد يزيد فرص توهان‬
‫النحل عن مقصده) ولذلك يستخدم( الشمس (عالمات جوية) يف حتديد اجتاهاته‬
‫باإلضافة ألنواع معينة من الروائح يفرزها على النباتات (عالمات أرضية) وبذلك‬
‫تكون عنده طرق ومسالك خاصة به‪ ،‬بني اخللية وموقع النشاط‪ ،‬فال خيطئ‬
‫مقصده أبداً ‪.‬‬
‫ف أَلْ َوانُهُ فِ ِيه ِش َفاءٌ لِلن ِ‬
‫َّاس‪،‬هذه اآلية ال تشري إىل‬ ‫ِ‬
‫اب خُمْتَل ٌ‬
‫هِن‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬خَي ُْر ُج م ْن بُطُو َا َشَر ٌ‬
‫العسل فقط كما يعتقد البعض‪ ,‬بل لكل منتجات النحل النافعة الشافية بإذن اهلل‬
‫وكل هذه املنتجات سائلة (شراب) كما عربت عنه اآلية الكرمية‪ ،‬فمثال العسل‬
‫سائل‪ ،‬و سم النحل سائل‪ ،‬والغذاء امللكي (الرويال جلى) سائل‪ ،‬ومشع النحل‬
‫أصله عند اخلروج من احللقات البطنية لشغاالت النحل سائال‪ ،‬مث يتصلب عن‬
‫مالمسة اهلواء)‪ ،‬وكلها سوائل ذات منافع طبية منها ما ع ِرفت فائدته منذ ِ‬
‫الق َدم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫( مثل العسل ) ومنها ما هو عُ ِرف حديثا ( مثل الغذاء امللكي)‪،‬ومنها ما عُ ِرفت‬
‫فائدته قدمياً وازدادت املعرفة بقيمته الطبية حديثاً مثل سم النحل‪ ،‬وكلمة ألوانه‬
‫تصف الشراب فكل هذه األشربة (السوائل) يف جمملها خمتلفة يف األلوان( ( مبعىن‬
‫األنواع‪ ,‬فهي عسل‪ ،‬وغذاء ملكات‪ ،‬و سم حنل ‪ ) ......‬وكل نوع منها خمتلف‬
‫ىف األلوان( (مبعىن الشكل‪،‬فهو( فاتح‪ ،‬أو قامت‪ ،‬أو أبيض‪ ،‬عدمي اللون ‪ )....‬على‬
‫ف أَلْ َوانُهُ " مشلت ما‬ ‫ِ‬
‫اب خُمْتَل ٌ‬
‫حسب مصدر الرحيق وساللة النحل‪ ،‬فجملة " َشَر ٌ‬
‫هو معروف قدميا وحديثا‪ ،‬فاملعىن مستقيم على مر العصور‪(.‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬وجوه اإلعجاز في الذباب ‪:‬‬


‫ض ِرب مثَل فَاستَ ِمعوا لَه إِ َّن الَّ ِذين تَ ْدعو َن ِمن د ِ‬
‫ون اللَّ ِه‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّاس ُ َ َ ٌ ْ ُ ُ‬ ‫قال تعاىل ‪( :‬يَا أَيُّ َها الن ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫اجتَ َمعُوا لَهُ َوإِ ْن يَ ْسلُْب ُهم ُّ‬
‫ف‬‫ضعُ َ‬ ‫اب َشْيئاً ال يَ ْسَتْنق ُذوهُ مْنهُ َ‬
‫الذبَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫لَ ْن خَي ْلُ ُقوا ذُبَاباً َولَ ِو ْ‬
‫ِ‬
‫وب) (احلج‪. )73:‬‬ ‫ب َوالْ َمطْلُ ُ‬ ‫الطَّال ُ‬

‫أوال ‪ :‬تفسير ابن كثير ‪:‬‬

‫يقول تعاىل منبها على حقارة األصنام وسخافة عقول عابديها « يا أيها الناس‬
‫ضرب مثل » أي ملا يعبده اجلاهلون باهلل املشركون به « فاستمعوا له » أي‬
‫أنصتوا وتفهموا( « إن الذين تدعون من دون اهلل لن خيلقوا ذبابا ولو اجتمعوا( له‬
‫» أي لو اجتمع مجيع ما تعبدون من األصنام( واألنداد على أن يقدروا على خلق‬
‫ذباب واحد ما قدروا على ذلك كما قال اإلمام أمحد « ‪ » 2/391‬حدثنا أسود‬
‫بن عامر حدثنا شريك عن عمارة بن القعقاع عن أيب زرعة عن أيب هريرة‬
‫مرفوعا قال ومن أظلم ممن ذهب خلق خلقا كخلقي فليخلقوا مثل خلقي ذرة أو‬
‫ذبابة أو حبة وأخرجه صاحبا الصحيح « خ‪ 5953‬م‪ » 2111‬من طريق عمارة‬
‫عن أيب زرعة عن أيب هريرة عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال قال اهلل عز وجل‬
‫ومن أظلم ممن ذهب خيلق كخلقي فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعرية مث قال تعاىل‬
‫أيضا « وإن يسلبهم الذباب شيئا ال يستنقذوه منه » أي هم عاجزون عن خلق‬
‫ذباب واحد بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته واإلنتصار منه لو سلبها شيئا‬
‫من الذي( عليها من الطيب مث أرادت أن تستنقذه منه ملا قدرت على ذلك هذا‬
‫والذباب من أضعف خملوقات اهلل وأحقرها وهلذا قال « ضعف الطالب واملطلوب‬
‫» قال ابن عباس الطالب( الصنم( واملطلوب الذباب وأختاره ابن جرير وهو ظاهر‬
‫السياق وقال السدي وغريه « الطالب » العابد « واملطلوب » الصنم مث قال «‬
‫ما قدروا( اهلل حق قدره » أي ما عرفوا قدر اهلل وعظمته حني عبدوا معه غريه من‬
‫هذه اليت ال تقاوم الذباب لضعفها وعجزها « إن اهلل لقوي عزيز » أي هو‬
‫القوي الذي( بقدرته وقوته خلق كل شيء « وهو الذي يبدأ اخللق مث يعيده وهو‬
‫أهون عليه » « إن بطش ربك لشديد( إنه يبدئ ويعيد » « إن اهلل هو الرزاق ذو‬
‫القوة املتني » وقوله « عزيز » أي قد عز كل شيء فقهره وغلبه فال ميانع وال‬
‫يغالب لعظمته وسلطانه وهو الواحد القهار( ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬اإلعجاز العلمي في الذباب ‪:‬‬

‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ ( :‬إذا‬
‫وقع الذباب يف إناء أحدكم فليغمسه كله مث ليطرحه ‪ ،‬فإن يف أحد جناحيه شفاء‬
‫ويف اآلخر داء ) رواه البخاري( ‪ ،‬ويف رواية أليب داود ( وإنه يتقي جبناحه الذي‬
‫فيه الداء )‬
‫على الرغم من الضجة اليت أثارها هذا احلديث بني الناس إال أن هناك ما يثبت‬
‫صحته من قبل الدوائر العلمية الغربية مما ال يدع أدىن شك يف صحته وصدق‬
‫مصدر احلديث وصدق ألوهية مصدر اإلسالم‪.‬‬

‫‪  ‬ففي خرب طيب عاجل مؤخراً بعنوان (‪The new buzz on ‬‬
‫‪ ) antibiotics‬جاء فيه " ما كان خيطر ببال احد أن جيد يف الذباب مضادا‬
‫حيويا ولكن ال نستغرب فهذا ما قام به فريق طيب اسرتايل حيث قاموا( برتكيز‬
‫جهودهم العلمية على تلك النقطة واعتقادا من تلك النخبة من العلماء حبتمية‬
‫وجود مواد مضادة للبكرتيا يف جسد الذبابة حىت ميكن للذبابة أن تنجوا من‬
‫اإلصابات البكرتية املباشرة من جراء املواد املتعفنة اليت تقف عليها قامت تلك‬
‫النخبة من العلماء العاملني بقسم العلوم البيولوجية جبامعة ماكريى بتحديد‬
‫خصائص وأسلوب عمل مضادات‬
‫البكرتيا يف املراحل املختلفة يف حياة‬
‫الذبابة‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫صورة لرأس ذبابة تأمل قدرة اهلل‬

‫وتعليقا على هذا املوضوع‪  ‬تقول‬


‫جوان كالرك‪Ms Joanne(  ‬‬
‫‪  )Clarke‬أن البحث( الذي( قمنا به هو جزء صغري من جهود عاملية يف هذا‬
‫اجملال حبثا عن مضادات بكرتية جديدة ولكن حنن‪ -‬ولنا‪  ‬السبق يف ذلك‪ -‬نبحث‬
‫يف مكان مل يسقنا احد يف البحث فيه واجلدير بالذكر هنا أن هذه العاملة قامت‬
‫بتقدمي نتائج هذه الدراسة‪  ‬يف مؤمتر طيب‪  ‬يف اجلمعية االسرتالية لعلوم البكرتيا يف‬
‫مدينة مالبورن هذا األسبوع ‪ ,‬وهذه الدراسة كانت جزء من رسالة دكتوراه‬
‫تقدمت هبا‪.‬‬

‫وتضمنت نتائج التجربة أربعة فصائل من الذباب املعروفة وهى الذبابة املنزلية (‬
‫‪ )house fly‬وذبابة األغنام (‪ )a sheep blowfly‬وذبابة خل الفاكهة (‬
‫‪ ) vinegar fruit fly‬ونوع آخر من الذباب يعرف بذباب الفاكهة الذي‬
‫يضع بيضة على الفاكهة الطازجة وبطبيعة احلال فان الريقات اخلارجة لن تكون‬
‫حباجة إىل مضاد بكرتيا حيث أهنا مل يكن هلا اتصال بعد بعدد كبري من البكرتيا‪.‬‬

‫وتقول (مسز كالرك ) أن الذبابة متر يف دورة حياهتا مبرحلة الريقة( مث مرحلة‬
‫الفراشة قبل أن‪  ‬تصل إىل الطور النهائي وعندما متر بطور الفراشة فإهنا حتيط‪ ‬‬
‫نفسه أو تتكيس‪    ‬وحنن ال نتوقع –والكالم هلذه العاملة – أن الذبابة يف هذه‬
‫املرحلة تنتج الكثري من املضدات احليوية وعلى اى حال فان الدراسة أظهرت أن‬
‫الذبابة يف طور الريقة قد أظهرت خصائص مضادة للبكرتيا فيما عدا النوع‬
‫املعروف (‪  ) Queensland fruit fly‬وعندما تصل فصائل الذباب مبا فيها‬
‫النوع سالف الذكر(‪ )Queensland fruit fly‬إىل الطور الكامل (طور‬
‫البلوغ )فإهنا ستكون اى (‪  )Queensland fruit fly‬قد وصلت إىل‬
‫مرحلة تكون فيا حباجة إىل محاية ضد البكرتيا نظرا ألهنا أصبحت لديها‪  ‬القدرة‬
‫للتحول‪  ‬من مكان إىل آخر عالوة على معايشتها لسائر األنواع( األخرى‪ ‬وتكمل‬
‫هذه العاملة كالمها قائلة أن هذه اخلاصية الفريدة املتعلقة مبضمدات( البكرتيا(‪ ‬‬
‫تتواجد على جسد الذبابة عالوة على وجود نفس اخلاصية يف أحشاء الذبابة‬
‫أيضا وتستطرد يف كالمها قائلة " أمنا كان اهتمامنا األكرب جبسد الذبابة اخلارجي‬
‫ألنة من السهل استخراج مضادات البكرتيا‪  ‬منة‪.‬‬
‫واجلدير بالذكر أن‪  ‬مضادات البكرتية تستخرج بوضع الذبابة يف مادة االسينول‪ ‬‬
‫(‪)ethanol‬مث بتمرير اخلليط ليمر مبرشح حىت حنصل على مستخرج خام‪.‬‬

‫وعند وضع هذا املستخرج على حملول حيتوى على أنواع خمتلفة من البكرتيا(‬
‫لوحظ أن هناك نشاط وتأثريا للمضاد احليوي اجلديد على هذه البكرتيا‬

‫وحنن اآلن حناول حتديد املركب الذي( يعمل كمضاد للبكرتيا والذي( يف هناية‬
‫األمر سيتم ختليقه كيمائيا‪ .‬وىف هناية حبثها تتمىن هذه العاملة أن يكون هذا اجليل‬
‫من املضادات احليوية هلا مدة عالجية مؤثرة أطول‪.‬‬

‫وبعد أن استعرضنا التقرير والذي( تقدمت به باحثة غربية‪  ‬أمام‪  ‬جلنة غربية وال‬
‫عالقة هلا‪  ‬بالدين االسالمى‪  ‬بل وليس من احملتمل أن تكون قد‪  ‬عرفت بان نيب‬
‫اإلسالم حممد صلى اهلل علية وسلم الذي ال ينطق عن اهلوى( قد قال هبذا منذ‬
‫أكثر من ‪ 1400‬عام بقى سؤال ؟ من الذي علم حممد هذا ؟ أنة بال شك أنة‬
‫كان يتلقى من رب العاملني وهذا احلديث يثبت إلوهية مصادر اإلسالم‪    ‬‬

‫وىف دراسة أخرى ‪ ‬أثبتت الدراسات واألحباث( أن الذبابة املنزلية مصابة بطفيلي‬
‫من جنس الفطريات‪ ،‬وهذا الطفيلي يالزم الذبابة على الدوام‪ ،‬وهو يقضي حياته‬
‫يف الطبقة الدهنية املوجودة داخل بطن الذبابة بشكل خاليا مستديرة فيها إنزمي‬
‫خاص‪ ،‬مث ال تلبث هذه اخلاليا املستديرة أن تستطيل فتخرج من الفتحات أو من‬
‫بني مفاصل حلقات بطن الذبابة‪ ،‬فتصبح خارج جسم الذبابة‪ ،‬ودور اخلروج هذا‬
‫ميثل الدور( التناسلي هلذا الفطر‪ ،‬ويف هذا الدور تتجمع بذور الفطر داخل اخللية‪،‬‬
‫فيزداد الضغط( الداخلي للخلية من جراء ذلك‪ ،‬حىت إذا وصل الضغط( إىل قوة‬
‫معينة ال حتتملها جدر اخللية‪ ،‬انفجرت اخللية وأطلقت البذور( إىل خارجها بقوة‬
‫دفع شديدة إىل مسافة ‪2‬سم خارج اخللية‪ ،‬على هيئة رشاش مصحوباً بالسائل‬
‫اخللوي‪ ،‬وهلذا اإلنزمي الذي( يعيش يف بطن الذبابة خاصية قوية يف حتليل وإذابة‬
‫اجلراثيم‪. ‬‬

‫‪ ‬أدلة أخرى تثبت صدق هذه املعجزة‪  ‬‬

‫‪ ·  ‬ويف سنة ‪1949‬م‪ ،‬عزل‪( ‬كوماس)‪( ،‬فارمر) ـ من إجنلرتا‪( ،‬جريان)‪،‬‬


‫(روث)‪( ،‬اتلنجر)‪( ،‬بالنرت) ـ من سويسرا ـ‪ ‬مادة مضادة للحيوية تسمى (انياتني)‪،‬‬
‫وذلك من فطور تعيش يف الذبابة‪ .‬وتؤثر هذه‪ ‬املادة بقوة يف جراثيم سالبة‬
‫وجراثيم موجبة لصبغة جرام‪ ،‬ويف بعض الفطور األخرى‪ ،‬مثل‪ ‬جراثيم‬
‫الدوسنتاريا( والتيفويد والكولريا‪ .‬وتكفي كمية قليلة من هذه املادة املعزولة‪ ‬من‬
‫جسم الذبابة لقتل أو إيقاف منو هذه اجلراثيم املرضية‪.‬‬

‫وكذلك نشر العاملان‪ ‬املصريان د‪/‬حممود كامل ‪ ،‬د‪/‬حممد عبد املنعم حسني‪ ،‬مقالة‬
‫يف جملة األزهر (القاهرة) ـ‪ ‬عدد شهر رجب ‪1378‬هـ حتت عنوان ‪ " :‬كلمة‬
‫الطب يف حديث الذبابة"‪ ،‬ضمناها كثري من‪ ‬األخبار واملعلومات‪ .‬وذكرا أن‬
‫الذباب ينقل أمراضاً كثرية‪ ،‬وذلك بواسطة أطراف أرجله‪ ،‬أو يف برازه‪ .‬وإذا‬
‫وقعت الذبابة على األكل‪ ،‬فإهنا تلمسه بأرجلها احلاملة للميكروبات‪ ‬املمرضة‪،‬‬
‫وإذا تربزت على طعام اإلنسان‪ ،‬فإهنا ستلوثه أيضاً بأرجلها‪ .‬أما‬
‫الفطور(الفطريات) اليت تفرز املواد احليوية املضادة‪ ،‬فإهنا توجد على بطن الذبابة‪،‬‬
‫وال‪ ‬تنطلق مع سوائل اخلاليا املستطيلة هلذه الفطور (واليت حتتوي املواد‬
‫احليوية‪ ‬املضادة) إال بعد أن يلمسها السائل الذي يزيد الضغط( الداخلي لسائل‬
‫اخللية‪ ،‬ويسبب‪ ‬انفجار اخلاليا املستطيلة‪ ،‬واندفاع البذور( والسائل إىل خارج‬
‫جسم الذبابة‪.‬‬
‫اللقطات الرائعة اليت التقطت لعني الذبابة‬
‫باجملهر اإللكرتوين‬

‫نشرت جريدة " األهرام " بالقاهرة يف عددها‬ ‫·‬


‫الصادر يوم ‪2‬يوليو ‪1952‬م‪،‬‬
‫مقالة‪ ‬لألستاذ‪/‬جمدي كريلس جرجس(وهو مسيحي مصري)‪ ،‬ورد فيها ‪ :‬وهناك‬
‫حشرات ذات منافع طبية‪ ،‬ففي احلرب العاملية األوىل‪ ،‬الحظ األطباء أن اجلنود‬
‫ذوي اجلروح العميقة( الذين تركوا‪ ‬بامليدان ملدة ما‪ ،‬حىت ينقلوا إىل املستشفى‪ ،‬قد‬
‫شفيت جروحهم والتأمت بسرعة عجيبة‪ ،‬ويف مدة أقل من تلك اليت استلزمتها‬
‫جروح من نقلوا إىل املستشفى مباشرة‪.‬‬
‫وقد‪ ‬وجد األطباء أن جروح اجلنود الذين تركوا بامليدان حتتوي على " يرقات "‬
‫بعض أنواع" الذباب األزرق" وقد وجد أن هذه " الريقات " تأكل النسيج‬
‫املتقيح يف اجلروح‪ ،‬وتقتل" البكرتيا" املتسببة يف القيح والصديد‪.‬‬

‫وقد استخرجت مادة (االنثوين) من" الريقان" السالفة( الذكر‪ ،‬واستخدمت‬


‫كمرهم رخيص‪ ،‬ملطف للخراريج والقروح( واحلروق‪ ‬واألورام‪ .‬وأخرياً ُعرف‬
‫الرتاكيب الكيميائي ملادة (االنثوين) وحضرت صناعياً‪ ،‬وهي‪ ‬اآلن تباع مبخازن‬
‫األدوية‪.‬‬

‫ويف العصر احلديث‪ ،‬فجميع( اجلراحني الذين عاشوا يف‪ ‬السنوات اليت سبقت‬
‫اكتشاف مركبات السلفا ـ أي يف السنوات العشر الثالثة من القرن‪ ‬العشرين ـ رأوا‬
‫بأعينهم عالج الكسور املضاعفة والقرحات املزمنة بالذباب‪ ،‬وكان‪ ‬الذباب يرىب‬
‫لذلك خصيصاً‪ .‬وكان هذا العالج مبنياً على اكتشاف (باكرتيوفاج)‬
‫القاتل‪ ‬للجراثيم‪ ،‬على أساس أن الذباب حيمل يف آن واحد اجلراثيم اليت تسبب‬
‫املرض‪ ،‬وكذلك(‪ ‬الباكرتيوفاج الذي( يهاجم هذه‪.‬‬

‫هل ذكر األجنحة يف احلديث‪ ‬النبوي( يفيد التخصيص‪ ،‬أم انه أمر اعتباري؟‪ ‬‬

‫خلرطوم الذبابة‬ ‫صورة‬

‫مناقشته هلذا املوضوع‪ ،‬أجاب د‪/‬حممد‪ ‬سعيد‬ ‫يف‬


‫السيوطي[‪]19‬عن هذا السؤال بقوله ‪:‬‬
‫(وأما ما ورد يف صدر احلديث الشريف (إذا وقع‪ ‬الذباب يف شراب أحدكم‬
‫فليغمسه مث لينزعه)‪ ،‬فالغمس هو ألجل أن يدخل الباكرتيوفاج‪ ‬الشراب (أو‬
‫الطعام)‪ ،‬وقد ثبت أن أثراً زهيداً منه يكفي لقتل مجيع اجلراثيم‪ ‬املماثلة‪ ،‬أي اليت‬
‫نشأ عنها الباكرتيوفاج واجلراثيم القريبة منها‪ .‬وحيث ورد يف نص‪ ‬احلديث‬
‫(فليغمسه)‪ ،‬أي ‪ :‬فليغمس الذبابة كلها‪ ،‬فقد دخل يف الغمس جسمها مع‬
‫جناحيها‪ ،‬ومل يرد يف احلديث غمس اجلناحني فقط‪ ،‬مما دل على أن الداء( والشفاء‬
‫يف اجلناحني أمر‪ ‬اعتباري ال يفيد التخصيص‪ ،‬واألمر بغمسها يؤكد ذلك‪ ،‬وهو‬
‫ألجل تطهري الشراب من‪ ‬اجلراثيم‪ ،‬وذلك بإدخال الباكرتيوفاج(عامل الشفاء)‬
‫واجلراثيم‪ ،‬وحتقق وظيفتهما( على‪ ‬محل ونقل اجلراثيم والباكرتيوفاج( فقط‪.‬‬

‫معجزتني وليست واحدة ‪:‬‬

‫أوضح الدكتور( معتز املرزوقي(‪ ‬أن‪ ‬حديث الذباب ـ الذي حنن يصدده ـ يتضمن‬


‫معجزتني علميتني لرسول اهلل صلى اهلل عليه‪ ‬وسلم أحدامها وجود امليكروب يف‬
‫جانب من الذبابة ووجود املضاد احليوي(‪ )antibiotic‬يف اجلانب اآلخر‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن اجلناح يف اللغة يدل على امليل أو اجلانب‪ ،‬ويؤيده‪ ‬قول اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫(واضمم يدك إىل جناحك خترج بيضاء من غري سوء )[سورة طه]‪ .‬وأما‪ ‬املعجزة‬
‫الثانية فهي يف كلمة (فليغمسه)‪ ،‬ألن الغمس يتضمن ولوج املنطقة اليت‬
‫هبا‪ ‬فطريات (فطور) حاملة للمضادات احليوية وللميكروبات وألن عملية الغمس‬
‫تسمح للسائل أن‪ ‬ينتشر إىل الغشاء باالنتشار الغشائي حىت ينفجر هذا الغشاء(‬
‫وخيرج السيتوبالزم( الذي‪ ‬حيتوي مضادات امليكروبات اليت يكفي (‪ )2‬مللي جرام‬
‫منها لتطهري ألف لرت من اللنب‪ ‬امللوث جبميع امليكروبات‪.‬‬

‫المبحث الرابع ‪ :‬وجوه اإلعجاز في العنكبوت‬


‫ِ‬ ‫يقول اهلل تعاىل ‪( :‬مثل الَّ ِذين اخَّت ُذوا( ِمن د ِ ِ ِ‬
‫ون اللَّه أ َْوليَاءَ َك َمثَ ِل الْ َعْن َكبُوت اخَّتَ َذ ْ‬
‫ت‬ ‫ْ ُ‬ ‫ََ ُ َ َ‬
‫وت لَبيت الْعْن َكب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وت لَ ْو َكانُوا َي ْعلَ ُمو َن) (العنكبوت‪  )41:‬‬ ‫َبْيتاً َوإ َّن أ َْو َه َن الُْبيُ َ ْ ُ َ ُ‬
‫من اإلشارات الكونية هذه اآليات‪:‬‬

‫(‪ )1‬تأكيد أن بيت العنكبوت هو أوهن البيوت على اإلطالق من الناحيتني‬


‫املادية واملعنوية‪ ,‬وهو ما أثبتته الدراسات املتأخرة يف علم دراسة حيوانات‬
‫األرض‪.‬‬

‫من أقوال املفسرين يف تفسري اآليات السابقة ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬تفسير ابن كثير ‪:‬‬

‫* ذكر ابن كثري( رمحه اهلل) ما خمتصره‪ :‬هذا مثل ضربه اهلل تعاىل ‪ ‬للمشركني يف‬
‫اختاذهم آهلة من دون اهلل‪ ,‬يرجون نصرهم ورزقهم ويتمسكون( هبم يف الشدائد‪,‬‬
‫فهم يف ذلك كبيت العنكبوت يف ضعفه ووهنه‪ ,‬فليس يف أيدي هؤالء من آهلتهم‬
‫إال كمن يتمسك ببيت العنكبوت‪ ,‬فإنه ال جيدي عنه شيئاً‪ ,‬فلو علموا هذا احلال‬
‫ملا اختذوا من دون اهلل أولياء‪ ,‬وهذا خبالف املسلم املؤمن قلبه هلل‪ ,‬وهو مع ذلك‬
‫حيسن العمل يف إتباع الشرع‪ ,‬فهو متمسك بالعروة الو ثقى ال انفصام هلا لقوهتا‬
‫وثباهتا‪....‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تفسير الجاللين ‪:‬‬

‫* وجاء يف تفسري اجلاللني( رمحهم اهلل) بتحقيق وتعليق الشيخ حممد كنعان( جزاه‬
‫اهلل خرياً) ما نصه‪ (:‬مثل الذين اختذوا من دون اهلل أولياء) أصناما يرجون‬
‫نفعها( كمثل العنكبوت اختذت بيتا) لنفسها تأوي إليه( وإن أوهن)‬
‫أضعف( البيوت لبيت العنكبوت) ال يدفع عنها حراً وال برداً‪ ,‬كذلك األصنام ال‬
‫تنفع عابديها( لو كانوا يعلمون) ذلك ما عبدوها‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬تفسير صفوة البيان لمعاني القرآن ‪:‬‬

‫* وجاء يف صفوة البيان ملعاين القرآن ما نصه‪(:‬مثل الذين اختذوا من دونه‬


‫أولياء‪ )...‬أي مثل هؤالء يف اختاذهم األصنام( آهلة يعبدوهنا ويعتمدون( عليها‪,‬‬
‫ويرجون نفعها وشفاعتها‪ ,‬كمثل العنكبوت يف اختاذها بيتا واهيا من نسجها ال‬
‫يغين عنها يف حر وال قر‪ ,‬وال يف مطر وال أذي‪.‬‬

‫العنكبوت في منظور العلم ‪:‬‬

‫العنكبوت حيوان من مفصليات األقدام(‪ ,)Arthropoda‬يصنف يف طائفة‬


‫العنكبيات(‪ )ClassArachnida‬اليت جتمع رتبة العناكب أو العنكبوتيات(‬
‫‪ )OrderAraneida‬مع عدد من الرتب األخرى اليت تشمل جمموعات‬
‫العقارب‪ ,‬والقراد‪.‬‬
‫والعنكبوت(‪ )Spider‬ينقسم فيه اجلسم إيل مقدمة يلتحم فيها الرأس مع‬
‫الصدر‪ ,‬ومؤخرة غري مقسمة تشمل البطن‪ .‬وحتمل املقدمة أربعة أزواج من‬
‫األقدام‪ ,‬وزوجني من اللوامس‪ ,‬وزوجا من القرون الكالبية(‪)Chelicerae‬‬
‫على هيئة الكماشة أو املخالب اليت حتتوي على غدد السم‪ ,‬ويفصل مقدمة اجلسم‬
‫عن مؤخرته خصر حنيل‪.‬‬

‫تشرحيية للغدد املنتجة خليوط العنكبوت‬ ‫صورة‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫وللعنكبوت عيون بسيطة يصل عددها إيل الثماين‪ ,‬وقد يكون أقل من ذلك‪ ,‬وهو‬
‫حيوان مفرتس يعيش على أكل احلشرات‪ ,‬وله جلد مسيك مغطي بالشعر‪ ,‬ينسلخ‬
‫عنه من سبع إيل مثاين مرات حيت يصل إيل اكتمال النضج‪ .‬وعلماء احليوان‬
‫يعرفون اليوم( أكثر من ثالثني ألف نوع من العناكب اليت تتباين يف أحجامها( بني‬
‫أقل من امللليمرت والتسعني ملليمرتا) ويف أشكاهلا‪ ,‬وألواهنا‪ ,‬ومعظمها حييا حياة‬
‫برية‪ ,‬فردية يف الغالب إال يف حاالت التزاوج( وفقس البيض عن الذرية‪ ,‬ومتتد بيئة‬
‫العناكب( من مستوي سطح البحر إيل ارتفاع مخسة آالف مرت‪ ,‬وللعنكبوت ثالثة‬
‫أزواج من نتوءات بارزة ومتحركة يف أسفل البطن هلا ثقوب دقيقة خيرج منها‬
‫السائل الذي( تصنع منه خيوط نسيج البيت الذي( يسكنه‪ ,‬ولذلك تعرف باسم‬
‫املغازل‪ ,‬وهذه املادة السائلة اليت خترج من عدد من الغدد اخلاصة إيل خارج‬
‫جسم العنكبوت عرب مغازل املؤخرة جتف مبجرد تعرضها للجو‪ ,‬وينشأ عن‬
‫جفافها خيوط متعددة األنواع واألطوال والشدة‪ ,‬ختتلف باختالف الغدد اليت‬
‫أفرزهتا‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫صورة خليوط العنكبوت وهي تنتج من غدد احلرير‬


‫كأنه معمل إلنتاج اخليوط‬

‫وقد ميكث العنكبوت يف بيته الذي( يزاول فيه مجيع أنشطته احلياتية‪ ,‬وقد يتخذ له‬
‫عشا أو خمبأ غري البيت يرتبط به خبيط يعرف باسم خيط املصيدة‪ .‬ويهرب إيل‬
‫هذا املخبأ يف حاالت اخلطر‪.‬‬

‫من الدالالت العلمية للنص الكرمي‬

‫أوال‪ :‬اإلشارة إيل العنكبوت باإلفراد‪:‬‬

‫جاء يف لسان العرب حتت مادة( عنكب) أن( العنكبوت) دويبة تنسج يف اهلواء‬
‫وعلى رأس البئر نسجا رقيقا مهلهال‪ ,‬مؤنثة‪ ,‬ورمبا ذكرت يف الشعر‪ .‬ويقال لبيت‬
‫العنكبوت‪ (:‬العكدبة)‪ .‬وقال الفراء‪ :‬العنكبوت أنثي‪ ,‬وقد يذكرها بعض العرب‪,‬‬
‫واجلمع( العنكبوتات)‪ ,‬و(العناكب)‪ ,‬و(العناكيب)‪ ,‬وتصغريها( عنيكب)‪ ,‬وهي‬
‫بلغة اليمن( عكنباه) ويقال هلا أيضا( عنكباء)‪ ,‬وعنكبوه‪ ,‬وحكي‬
‫سيبويه( عنكباء) مستشهدا( على زيادة التاء يف( عنكبوت)‪ ,‬فال أدري أهو اسم‬
‫للواحد أم للجمع‪ .‬وقال ابن االعرايب‪ (:‬العنكب) الذكر منها‪ ,‬و(العنكبة) األنثي‪.‬‬
‫وقيل‪ (:‬العنكب جنس العنكبوت‪ ,‬وهو يذكر ويؤنث‪ ,‬أعين العنكبوت‪ .‬قال‬
‫املربد‪ :‬العنكبوت أنثي ويذكر‪.‬‬
‫والغالب( أن لفظة( العنكبوت) اسم للواحدة املؤنثة املفردة‪ ,‬واجلمع( العناكب)‪.‬‬

‫وتسمية السورة الكرمية بصياغة اإلفراد( العنكبوت) يشري إيل احلياة الفردية هلذه‬
‫الدويبة فيما عدا حلظات التزاوج‪ ,‬وأوقات فقس البيض‪ ,‬وذلك يف مقابلة كل من‬
‫سوريت النحل والنمل واليت جاءت التسمية فيها باجلمع للحياة اجلماعية لتلك‬
‫احلشرات‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬يف قوله تعاىل ‪ (:‬اختذت بيتاً)‪:‬‬

‫يف هذا النص القرآين الكرمي إشارة واضحة إيل أن الذي( يقوم ببناء البيت أساساً‬
‫هي أنثي العنكبوت‪ ,‬وعلى ذلك فإن مهمة بناء بيت العنكبوت هي مهمة تضطلع‬
‫هبا إناث العناكب( اليت حتمل يف جسدها غدد إفراز املادة احلريرية اليت ينسج منها‬
‫بيت العنكبوت‪ .‬وإن اشرتك الذكر يف بعض األوقات باملساعدة يف عمليات‬
‫التشييد‪ ,‬أو الرتميم‪ ,‬أو التوسعة‪ ,‬فإن العملية تبقي عملية أنثوية حمضة‪ ,‬ومن هنا‬
‫كان اإلعجاز العلمي يف قول احلق( تبارك وتعاىل )‪ :‬اختذت بيتا‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬يف قوله تعاىل ‪ (:‬إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت‪)...‬‬

‫هذا النص القرآين املعجز يشري إيل عدد من احلقائق املهمة اليت منها‪:‬‬

‫(‪)1‬الوهن املادي‪ :‬أن بيت العنكبوت هو من الناحية املادية البحتة أضعف بيت‬


‫على اإلطالق‪ ,‬ألنه مكون من جمموعة خيوط حريرية غاية يف الدقة( تتشابك‪ ,‬مع‬
‫بعضها البعض تاركة مسافات بينية كبرية يف أغلب األحيان‪ ,‬ولذلك فهي ال تقي‬
‫حرارة مشس‪ ,‬وال زمهرير برد‪ ,‬وال حتدث ظالً كافياً‪ ,‬وال تقي من مطر هاطل‪,‬‬
‫وال من رياح عاصفة‪ ,‬وال من أخطار املهامجني‪ ,‬وذلك على الرغم من اإلعجاز(‬
‫يف بنائها‪.‬‬
‫(‪)2‬الوهن يف بيت العنكبوت وليس يف اخليوط‪ :‬قوله تعاىل ( إن أوهن البيوت )‬
‫وهنا إشارة صرحية إىل أن الوهن والضعف يف بيت العنكبوت وليس يف خيوط‬
‫العنكبوت وهي إشارة دقيقة جداً فخيوط بيت العنكبوت حريرية دقيقة جداً‪,‬‬
‫يبلغ مسك الواحدة منها يف املتوسط واحداً من املليون من البوصة املربعة‪ ,‬أو جزءاً‬
‫من أربعة آالف جزء من مسك الشعرة العادية يف رأس اإلنسان‪ ,‬وهي على الرغم‬
‫من دقتها الشديدة فهي أقوى مادة بيولوجية عرفها اإلنسان حىت اآلن‪ ،‬وتعترب‬
‫اخلصالت احلريرية اليت تكون نسيج العنكبوت أقوى من الفوالذ‪ ،‬وال يفوقها قوة‬
‫سوى الكوارتز( املصهور‪ ،‬ويتمدد اخليط الرفيع( منه إىل مخسة أضعاف طوله قبل‬
‫أن ينقطع‪ ،‬ولذلك أطلق العلماء عليه اسم "الفوالذ احليوي" أو "الفوالذ‬
‫البيولوجي" أو "البيوصلب"‪ ،‬وهو أقوى من الفوالذ املعدين العادي بعشرين مرة‪،‬‬
‫وتبلغ قوة احتماله ‪ 300.000‬رطال للبوصة املربعة‪ ،‬فإذا قدر جدال وجود حبل‬
‫مسيك حبجم( إصبع اإلهبام من خيوط العنكبوت فيُ ْم ِكنه مَح ل طائرة "جامبو" بكل‬
‫سهولة‪.‬‬

‫(‪)3‬الوهن املعنوي ‪ :‬أن بيت العنكبوت من الناحية املعنوية هو أوهن بيت على‬
‫اإلطالق ألنه بيت حمروم من معاين املودة والرمحة اليت يقوم على أساسها كل‬
‫بيت سعيد‪ ,‬وذلك ألن األنثي يف بعض أنواع العنكبوت تقضي على ذكرها‬
‫مبجرد إمتام عملية اإلخصاب وذلك بقتله وافرتاس جسده ألهنا أكرب حجما وأكثر‬
‫شراسة منه‪ ,‬ويف بعض احلاالت تلتهم األنثي صغارها دون أدين رمحة‪ ,‬ويف بعض‬
‫األنواع متوت األنثي بعد إمتام إخصاب بيضها الذي عادة ما حتتضنه يف كيس من‬
‫احلرير‪ ,‬وعندما يفقس البيض خترج‪ ))Spiderlings‬فتجد( نفسها يف مكان‬
‫شديد االزدحام باألفراد داخل كيس البيض‪ ,‬فيبدأ اإلخوة األشقاء يف االقتتال من‬
‫أجل الطعام أو من أجل املكان أو من أجلهما معا فيقتل األخ أخاه وأخته‪ ,‬وتقتل‬
‫األخت أختها وأخاها حيت تنتهي املعركة ببقاء عدد قليل من العنيكبات اليت‬
‫تنسلخ من جلدها‪ ,‬ومتزق جدار كيس البيض لتخرج الواحدة تلو األخرى‪,‬‬
‫والواحد( تلو اآلخر بذكريات تعيسه‪ ,‬لينتشر اجلميع يف البيئة احمليطة وتبدأ كل‬
‫أنثي يف بناء بيتها‪ ,‬ويهلك يف الطريق إيل ذلك من يهلك من هذه العنيكبات‪.‬‬
‫ويكرر من ينجو منها نفس املأساة اليت جتعل من بيت العنكبوت أكثر البيوت‬
‫شراسة ووحشية‪ ,‬وانعداما( ألواصر( القرىب‪ ,‬ومن هنا ضرب اهلل تعاىل ‪ ‬به املثل يف‬
‫الوهن والضعف الفتقاره إيل أبسط معاين الرتاحم( بني الزوج وزوجه‪ ,‬واألم‬
‫وصغارها‪ ,‬واألخ( وشقيقه وشقيقته‪ ,‬واألخت وأختها وأخيها‪!!..‬‬

‫رابعا‪ :‬يف قوله تعاىل ‪ (:‬لو كانوا يعلمون*)‪:‬هذه احلقائق مل تكن معروفة ألحد من‬
‫اخللق يف زمن الوحي‪ ,‬وال لقرون متطاولة من بعده‪ ,‬حيث مل تكتشف إال بعد‬
‫دراسات مكثفة يف علم سلوك حيوان العنكبوت استغرقت مئات من العلماء‬
‫لعشرات من السنني حىت تبلورت يف العقود املتأخرة من القرن العشرين‪ ,‬ولذلك‬
‫ختم ربنا( تبارك وتعاىل ) اآلية الكرمية بقوله( لو كانوا يعلمون)‪.‬‬

‫وعلى ذلك فإن الوصف القرآين لبيت العنكبوت بأنه أوهن البيوت‪ ,‬هذا الوصف‬
‫الذي أنزل على نيب أمي( صلي اهلل عليه وسلم)‪ ,‬يف أمة كانت غالبيتها الساحقة‬
‫من األميني من قبل ألف وأربعمائة سنة يعترب سبقا علميا ال ميكن لعاقل أن يتصور‬
‫له مصدرا غري اهلل اخلالق الذي أنزل القرآن الكرمي بعلمه على خامت أنبيائه ورسله‪,‬‬
‫وحفظه بعهده يف نفس لغة وحيه( اللغة العربية) على مدي أربعة عشر قرنا أو‬
‫يزيد‪ ,‬وإيل أن يرث اهلل األرض ومن عليها حىت يبقي هذا الكتاب العزيز حجة‬
‫على الناس كافة إيل يوم الدين‪ ,‬ويبقي ما فيه من احلق شاهدا على أن القرآن‬
‫الكرمي هو كالم اهلل اخلالق‪ ,‬وشاهدا كذلك بالنبوة وبالرسالة للنيب اخلامت‬
‫وللرسول الذي تلقاه( صلي اهلل عليه وسلم) اخلامتي والذي بلغ الرسالة‪ ,‬وأدي‬
‫األمانة‪ ,‬ونصح األمة‪ ,‬وجاهد يف سبيل اهلل حيت آتاه اليقني‪ !!...‬فنسأل‬
‫اهلل( سبحانه وتعاىل ) أن جيزيه خري ما جازي به نبيا عن أمته‪ ,‬ورسوله على‬
‫حسن أداء رسالته‪ ,‬وأن يؤتيه الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة‪ ,‬وأن يبعثه‬
‫املقام احملمود الذي وعده إن ريب ال خيلف امليعاد‪ ,‬وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب‬
‫العاملني وصلي اهلل وسلم وبارك على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه ومن تبع‬
‫هداه ودعا بدعوته إيل يوم الدين‪.‬‬

‫بعض اإلشارات القرآنية اخلفية ‪:‬‬

‫أ‌‪         -‬وال يقتصر بيت العنكبوت على أنه مأوى يسكن فيه‪ ،‬بل هو يف‬
‫نفس الوقت مصيدة تقع يف بعض حبائلها اللزجة احلشرات الطائرة مثل الذباب و‬
‫غريها ‪ ..‬لتكون فريسة يتغذى عليها كذلك فإن هؤالء املشركني الذين اختذوا‬
‫أنداداً من دون اهلل تعاىل ودعوا الناس إىل أندادهم إمنا يدعوهنم إىل مصيدة متقنة‬
‫يكون يف دخوهلا حتفهم وهالكهم يف الدنيا واآلخرة قال اهلل تعاىل ‪(:‬إِ َّن اللَّهَ ال‬
‫ك لِ َم ْن يَ َشاءُ َو َم ْن يُ ْش ِر ْك بِاللَّ ِه َف َق ِد ا ْفَتَرى إِمْث اً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْغف ُر أَ ْن يُ ْشَر َك بِِه َو َي ْغف ُر َما ُدو َن َذل َ‬
‫َع ِظيماً) (النساء‪. )48:‬‬

‫‪       ‬ب‌‪       -‬التحذير من أصحاب الدعوات الفاسدة الذين اختذوا من دون‬


‫اهلل أنداداً سواء كان هذا الن ّد هو املال أو اهلوى وذلك من خالل اإلشارة إىل‬
‫خيوطهم اخلفية اليت يصطادون من خالهلا ضحاياهم سواء كانت هذه اخليوط‬
‫هي املال أو اجلنس أو املناصب أو غريها من اخليوط اخلفية واليت ما إن متسك‬
‫بالضحية حىت تقضي عليها وهتلكها ‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫هذا وقد تطرقنا إىل أربع أنواع من احلشرات ‪ ،‬ورأينا تفاسريها وأوجه‬
‫اإلعجاز فيها ‪ ،‬فسبحان كيف هو إبداع خلقه ‪ ،‬فسبحان اهلل ‪ ،‬ورأينا كيف‬
‫جتلت قدرة اهلل فيما خلق ‪ ،‬ونسأل املوىل عز وجل أنكم قد استفدمت من هذا‬
‫البحث ‪ ،‬وأن تعيدوا التفكري يف خملوقات اهلل ‪ ،‬وأن تسبحوا( له ‪ ،‬كما نتمىن أن‬
‫يكون هذا البحث( دافعا لتقوية إميانكم ‪ ،‬ونأمل أن البحث كان خري درس لكم‬
‫ونشكر جزيل الشكر والسالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته ‪.‬‬

‫المصادر والمراجع‬

‫تفسري ابن كثري ‪ ،‬إمساعيل بن عمر بن كثري ‪ ،‬موقع أم الكتاب ‪.‬‬ ‫‪)1‬‬
‫تفسري اجلاللني ‪ ،‬العالمة جالل الدين احمللي والعالمة جالل الدين‬ ‫‪)2‬‬
‫السيوطي ‪.‬‬
‫تفسري الطربي( ‪ ،‬اإلمام أبوجعفر حممد بن جرير الطربي ‪ ،‬مكتبة ابن متية ‪،‬‬ ‫‪)3‬‬
‫الطبعة الثانية ‪.‬‬
‫صفوة البيان ملعاين القرآن ‪ ،‬حسنني حممد خملوف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار الكتاب‬ ‫‪)4‬‬
‫العريب ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪. 1957 -1956 ،‬‬
‫اإلعجاز يف الكائنات احلية يف القرآن والسنة ‪ ،‬عدة مؤلفني‪ ،‬إعداد عادل‬ ‫‪)5‬‬
‫حممد ‪.‬‬

You might also like