You are on page 1of 87

‫اليمان والنذور ‪ ،‬الصيد والذبائح ‪ ،‬العقيقة ‪،‬‬

‫الطعمة والشربة‬
‫اللباس والزينة ‪ ،‬الكفارات‬
‫تأليف‬
‫الدكتور مصطفى الخن‬
‫الدكتور مصطفى البغا‬
‫علي الشربجي‬

‫دار القلم‬
‫دمشق‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫المقـدمة‬
‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬حمدا ً يوافي نعمه ‪ ،‬ويدفع نقمه ‪،‬‬
‫ويكافئ مزيده ‪ ،‬سبحانك يا ربنا‪ ،‬ل نحصي ثناء عليك أنت كما‬
‫أثنيت على نفسك‪ ،‬صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا‬
‫محمد المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬وعلى آله وأصحابه‪ ،‬ومن تبعهم‬
‫بإحسان إلى يوم الدين ‪ .‬وبعد ‪،‬‬
‫فهذا هو الجزء الثالث في سلسلة الفقه المنهجي ‪ ،‬الذي وعدنا ‪،‬‬
‫بعون الله تعالى ـ أن نخرج أجزاءه تباعًا‪.‬‬
‫ولقد وضعنا في هذا الجزء أحكام الْيمان والنذور‪ ،‬وأحكام الصيد‬
‫والذبائح‪ ،‬وأحكام العقيقة‪ ،‬وما يحل وما يحرم من الطعمة‬
‫والشربة‪ ،‬وأحكام اللباس والزينة‪ ،‬وختمناه بأحكام الكفارات‪.‬‬
‫ل على ما وفق به وأنعم‪.‬‬ ‫شاكرين الله عّز وج ّ‬
‫هذا ولقد فاتنا أن ننبه في الجزاء السابقة على أننا قد عزونا‬
‫غالبا ً الحاديث الواردة في هذا الفقه إلى مواضعها في مراجعها‪،‬‬
‫وأشرنا إلى أرقامها في تلك المراجع إن كانت ذات أرقام‪ ،‬وإل‬
‫فإننا نشير إلى الجزء ‪ ،‬والصفحة من تلك المراجع‪.‬‬
‫ولقد اعتمدنا في أحاديث البخاري على طبعة )الــدكتور مصــطفى‬
‫البغا(‪ ،‬وفي أحاديث مسلم على طبعة ) محمد فؤاد عبد البــاقي(‪،‬‬
‫وفــي أحــاديث الترمــذي وأبــي داود علــى طبعــة ) عــزت عبيــد‬
‫الدعاس(‪ ،‬وفي أحاديث ابن ماجه على طبعــة )محمــد فــواد عبــد‬
‫الباقي(‪.‬‬
‫ل نسأل أن يجعل عملنا هذا خالصا ً لوجهه الكريم ‪،‬‬ ‫والله عّز وج ّ‬
‫وأن يتقبله‪ ،‬ويجعله في عداد العمال النافعة المبرورة‪ ،‬وهو‬
‫حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪..‬‬
‫السابع من محرم ‪ 1404‬هـ‬
‫المؤلفون‬

‫‪2‬‬
‫اليمان والنذور‬

‫‪3‬‬
‫اليمان‬
‫تعريف الْيمان ‪:‬‬
‫الْيمان ‪ :‬جمع يمين ‪ ،‬واليمين في اللغة ‪ :‬القوة‪.‬‬
‫ن[ )الحاقة ‪( 45 :‬‬ ‫ه ِبال ْي َ ِ‬
‫مي ِ‬ ‫خذ َْنا ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫ل ‪َ] :‬ل َ َ‬ ‫ومنه قول الله عّز وج ّ‬
‫] أي‪ :‬بالقوة [‪.‬‬
‫وقول الشاعر ‪:‬‬
‫تلقاها عرابة‬ ‫إذا ما راية رفعت لمجد‬
‫باليمين‬
‫] أي ‪ :‬بالقوة [‬
‫وتطلق اليمين على اليد اليمنى ‪ ،‬وذلك لتوفر القوة فيها‪.‬‬
‫حِلف بمعظم‪.‬‬ ‫وتطلق اليمين أيضا ً على ال َ‬
‫وسمى الحلف يمينًا‪ ،‬لن العرب كانوا إذا تحالفوا أخذ كل واحد‬
‫منهم بيمين صاحبه‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما اليمين اصطلحا ‪:‬‬
‫فهي توثيق كلم غير ثابت المضمون بذكر أحد أسماء الله عّز‬
‫ل‪ ،‬أو ذكر صفة من صفاته ‪ ،‬بصياغة مخصوصة‪.‬‬ ‫وج ّ‬
‫فخرج بقيد ـ التوثيق ـ اليمين اللغو ؛ وهي اليمين الدارجة على‬
‫اللسان بدون قصد تحقيق أمر ‪ ،‬ول توثيقه‪:‬‬
‫وذلك كقول الرجل ‪ :‬ل والله ‪ ،‬وبلى والله‪.‬‬
‫فل ُيعد هذا يمينا ً منعقدة شرعًا‪.‬‬
‫َ‬
‫م وََلـ ِ‬
‫كن‬ ‫ه ِبالل ّغْوِ ِفي أي ْ َ‬
‫مان ِك ُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫خذ ُك ُ ُ‬
‫ؤا ِ‬ ‫قال الله تعالى ‪ ] :‬ل َ ي ُ َ‬
‫ن [ ) المائدة ‪ ] .(89 :‬ومعنى عقدتم ‪:‬‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬ ‫خذ ُ ُ‬ ‫يُ َ‬
‫م الي ْ َ‬ ‫قدت ّ ُ‬
‫ما ع َ ّ‬
‫كم ب ِ َ‬ ‫ؤا ِ‬
‫قصدتم[‪.‬‬
‫قالت عائشة رضي الله عنها ‪ :‬نزلت في قوله ‪) :‬ل والله‪ ،‬وبلى‬
‫والله(‪ .‬رواه البخاري في ] اليمان والنذور ـ باب ـ ل يؤاخذكم‬
‫الله ‪ ،..‬رقم ‪ .[6286 :‬وروى أبو داود في ] اليمان والنذور ـ باب‬
‫ـ لغو اليمين‪ ،‬رقم ‪ ،[3254 :‬قال ‪ :‬قالت عائشة رضي الله عنها‪:‬‬
‫م الرجل في بيته ‪ :‬كل والله ‪،‬‬ ‫إن رسول الله ‪ ‬قال ‪ " :‬هو كل ُ‬
‫وبلى والله" ] الحديث صححه ابن حبان‪ .‬انظر ‪ :‬موارد الظمآن‬
‫إلى زوائد ابن حبان رقم ‪.[1187‬‬
‫وخرج بقيد ـ غير ثابت المضمون ـ توثيق كلم ٍ ثابت المضمون‪ ،‬ل‬
‫ن ‪ ،‬أو والله إن الشمس طالعة‪،‬‬ ‫محالة ‪ ،‬كقول القائل‪ :‬والله لموت ّ‬
‫وهي طالعة فع ً‬
‫ل‪.‬‬
‫فهذه ليست يمينا ً شرعية‪ ،‬لتحققها في نفسها‪ ،‬ولنه ل يتصور‬
‫حْنث ‪ :‬أي عدم الوفاء باليمين‪.‬‬ ‫فيها ال ِ‬
‫وتكون اليمين على الماضي‪ ،‬كقول القائل‪ :‬والله ما فعلت كذا‪ ،‬أو‬
‫والله لقد فعلته‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ما َقاُلوْا[‬ ‫ن ِبالل ّهِ َ‬‫فو َ‬ ‫حل ِ ُ‬‫ل ‪] :‬ي ْ‬ ‫ويستدل لذلك بقول الله عّز وج ّ‬
‫)التوبة ‪.(74:‬‬
‫كما تكون اليمين على المستقبل‪ ،‬كقوله‪ :‬والله لفعلن‪.‬‬
‫ومنه قول النبي ‪ ": ‬والله لغزون قريشًا"‪ .‬أخرجه أبو داود في‬
‫] اليمان والنذور ـ باب ـ الستثناء في اليمين بعد السكوت‪،‬‬
‫رقم ‪.[3285:‬‬
‫ً‬
‫حكم اليمين شرعا ‪:‬‬
‫م الحوال‪ ،‬ودليل هذا قول الله عّز‬ ‫يكره التلفظ باليمين في أع ّ‬
‫َ‬
‫م [ ) البقرة ‪ ] ( 224 :‬أي‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫ة ّلي ْ َ‬‫ض ً‬‫ه ع ُْر َ‬ ‫جعَُلوا ْ الل ّ َ‬‫ل ‪] :‬وَل َ ت َ ْ‬ ‫وج ّ‬
‫ل تكثروا الحلف بالله تعالى [‪ .‬وسبب ذلك أنه ربما يعجز الحالف‬
‫عن الوفاء به‪.‬‬
‫قال حرملة رحمه الله تعالى ‪ :‬سمعت الشافعي رحمه الله تعالى‬
‫يقول ‪ ):‬ما حلفت بالله صادقًا‪ ،‬ول كاذبًا(‪.‬‬
‫إل أن أحكاما ً أخرى قد تعرض لليمين‪ ،‬حسب الدوافع والنتائج‪،‬‬
‫فتكون بناًء على ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬حراما ً ‪ :‬وذلك إذا كانت على فعل حرام ‪ ،‬أو ترك واجب ‪ ،‬أو‬
‫على شيء كاذب‪ ،‬ل أصل له‪.‬‬
‫‪ -2‬واجبة ‪ :‬وذلك إذا كانت اليمين هي السبيل التي ل يوجد غيرها‬
‫دعى عليه‪،‬‬ ‫م ّ‬
‫لنصاف مظلوم‪ ،‬أو بيان حق‪ :‬كما لو كان شخص ُ‬
‫فطلب منه اليمين‪ ،‬وعلم أنه لو نكل ] أي امتنع عن الحلف[ حلف‬
‫دعي كذبًا‪ ،‬وظ ُِلم بذلك إنسان بريء‪.‬‬ ‫الم ّ‬
‫ة ‪ :‬وذلك إذا كانت على فعل طاعة‪ ،‬أو تجّنب معصية‪ ،‬أو‬ ‫‪ -3‬مباح ً‬
‫إرشاد إلى حق‪ ،‬أو تحذير من باطل‪.‬‬
‫ه حتى َتملوا"‪ .‬أخرجه‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ومن هذا قول النبي ‪ " :‬فواللهِ ل َيم ّ‬
‫ب الدين إلى الله أدومه‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫البخاري في ]اليمان ـ باب ـ أح ّ‬
‫‪ ] [43‬ومعناه‪ :‬ل يترك الله إثابتكم على العمل‪ ،‬إل إذا انقطعتم‬
‫عنه‪ ،‬بسبب إفراطكم فيه‪ ،‬ومللكم منه[‪.‬‬
‫‪ -4‬مندوبة ‪ :‬وذلك إذا كانت اليمين وسيلة للتأثير على السامعين ‪،‬‬
‫وسببا ً في تصديقهم لموعظة‪ ،‬أو نصيحة‪.‬‬
‫التحذير من اتخاذ اليمين معتمدا ً في المكالمات‬
‫والمعاملت‪:‬‬
‫ل‪ ،‬أن يجعل النسان‬ ‫إن أهم مظاهر سوء الدب مع الله عّز وج ّ‬
‫من اسمه سبحانه وتعالى‪ ،‬تكأة في مكالماته‪ ،‬ووسائل إقناعه‪،‬‬
‫وتأثيراته على الخرين‪ ،‬غير مبال بقوله سبحانه وتعالى ‪ ،‬وهو‬
‫َ‬ ‫ض ً َ‬
‫م أن‬ ‫ة ّلي ْ َ‬
‫مان ِك ُ ْ‬ ‫ه ع ُْر َ‬ ‫جعَُلوا ْ الل ّ َ‬ ‫يحذر من هذه العادة السيئة‪ ]:‬وَل َ ت َ ْ‬
‫م [ ) البقرة ‪:‬‬ ‫ميعٌ ع َِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫س َوالل ّ ُ‬ ‫ن الّنا ِ‬‫حوا ْ ب َي ْ َ‬ ‫قوا ْ وَت ُ ْ‬
‫صل ِ ُ‬ ‫ت َب َّروا ْ وَت َت ّ ُ‬
‫‪.(224‬‬

‫‪5‬‬
‫ل‪ ،‬يفيض‬ ‫ذلك لن من شأن المؤمن أن يكون معظما ً لله عّز وج ّ‬
‫قلبه خشية منه‪ ،‬ومهابة له‪.‬‬
‫والتعظيم والخشية يتنافيان مع هذه الستهانة باسم الله عّز‬
‫مد‬‫ل‪ .‬ومن أخطر نتائج هذه العادة‪ ،‬أن صاحبها قد يستسيغ تع ّ‬ ‫وج ّ‬
‫ل‪ ،‬وهي اليمين الغموس‬ ‫الكذب في الحلف باسم الله عّز وج ّ‬
‫التي من شأنها أن تغمس صاحبها في النار‪ ،‬إن لم يتب منها‪،‬‬
‫وتكون سببا ً في محق البركة والخير‪ ،‬في كسبه وماله‪.‬‬
‫روى البخاري في ]البيوع ـ باب ـ الربا‪ ،‬رقم ‪ [1981‬ومسلم في‬
‫] المساقاة ـ باب ـ النهي عن الحلف في البيع‪ ،‬رقم ‪ [1606‬عن‬
‫ف‬‫أبي هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت رسول الله ‪ ‬يقول ‪ ":‬الحل ُ‬
‫ة للبركة"‪.‬‬‫محق ٌ‬ ‫م ْ‬‫منفقة للسلعةِ َ‬
‫وروى البخاري في ]اليمان والنذور ـ باب ـ اليمين الغموس‪،‬‬
‫رقم‪ [6298 :‬عن عبدالله بن عمرو ‪ ،‬عن النبي ‪ ‬قال ‪" :‬‬
‫س‪،‬‬‫ل النف ِ‬ ‫ن ‪ ،‬وقت ُ‬‫ك باللهِ ‪ ،‬وعقوقُ الوالدي ِ‬ ‫الكبائُر ‪ :‬الشرا ُ‬
‫مد‬
‫س" ] ا[ التي تغمس صاحبها في النار‪ ،‬لتع ّ‬ ‫ن الغمو ُ‬ ‫واليمي ُ‬
‫الكذب فيها[‪.‬‬
‫شروط انعقاد اليمين ‪:‬‬
‫قق المور التالية ‪:‬‬ ‫يشترط لنعقاد اليمين تح ّ‬
‫ً‬
‫‪ -1‬أن يكون الحالف بالغا عاقل ً ‪:‬‬
‫وذلك لرفع القلم والمؤاخذة عن غير البالغ العاقل ‪ ،‬والدليل في‬
‫ذلك ما رواه أبو داود ] في الحدود ـ باب ـ في المجنون يسرق ‪،‬‬
‫أو يصيب حد ًّا‪ ،‬رقم ‪ [4403 :‬وغيره ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬عن النبي ‪‬‬
‫ي‬
‫م عن ثلثة ‪ :‬عن النائم ِ حتى يستيقظ‪ ،‬وعن الصب ّ‬ ‫قال ‪ُ :‬رفعَ القل ُ‬
‫م ‪ ،‬وعن المجنون حتى يعقل "‪.‬‬ ‫حتى يحتل َ‬
‫] يحتلم ‪ :‬يبلغ [‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ل يكون اليمين لغوا ً ‪:‬‬
‫وذلك كقولهم ‪ :‬بلى والله ‪ ،‬ول والله‪ ،‬ونحو ذلك مما يدرج على‬
‫ألسنة الناس‪ ،‬بغير قصد‪ ،‬ويشيع في العُْرف ذلك‪.‬‬
‫وقد سبق دليل من الكتاب والسّنة عند الكلم عن تعريف اليمين‬
‫اصطلحًا‪.‬‬
‫سم بواحد مما يلي‪:‬‬ ‫ق َ‬‫‪ -3‬أن يكون ال َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫أ( ذات الله عّز وج ّ‬
‫كقول الشخص ‪ :‬أقسم بذات الله تعالى‪ ،‬أو أقسم بالله عّز وج ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫ب( أحد أسمائه تعالى الخاصة به ‪:‬‬
‫ب العالمين‪ ،‬أو بمالك يوم الدين‪ ،‬أو أقسم‬ ‫كقول القائل‪ :‬أقسم بر ّ‬
‫بالرحمن‪.‬‬
‫ج( صفة من صفاته تعالى ‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫وذلك مثل قول النسان‪ :‬أقسم بعزة الله ‪ ،‬أو بعلمه ‪ ،‬أو بإرادته‪،‬‬
‫أو بقدرته‪.‬‬
‫والصل في كل ما ذكر ما جاء في السنة الصحيحة على لسان‬
‫رسول الله ‪.‬‬
‫روى البخاري ] في اليمان والنذور ـ باب ـ ل تحلفوا بآبائكم‪ ،‬رقم‬
‫‪ [6270 :‬ومسلم ] في اليمان ـ باب ـ النهي عن الحلف بغير‬
‫الله تعالى‪ ،‬رقم ‪ [1646 :‬عن عبدالله بن عمر ‪ ، ‬أن رسول‬
‫الله ‪ ‬أدرك عمر بن الخطاب‪ ،‬وهو يسير في ركب ‪ ،‬يحلف بأبيه‬
‫ه ينهاكم أن َتحلفوا بآباِئكم‪ ،‬من كان حالفا ً‬ ‫ن الل َ‬‫‪ ،‬فقال " أل إ ّ‬
‫ت"‪.‬‬ ‫م ٍُ‬ ‫ص ُ‬
‫ه‪ ،‬أو لي َ ْ‬‫ف بالل ِ‬ ‫فليحل ْ‬
‫وروى البخاري ] في اليمان النذور ـ باب ـ كيف كان يمين النبي‬
‫‪ ‬رقم ‪ [6253‬عن ابن عمر ‪ ‬قال ‪ :‬كانت يمين النبي ‪ " :‬ل‬
‫ب "‪.‬‬ ‫ب القلو ِ‬ ‫ومقل ّ ِ‬
‫وثبت في أكثر من حديث عند البخاري وغيره ‪ ،‬أنه ‪ ‬قال في‬
‫ه"‪.‬‬‫س محمد ٍ بيد ِ ِ‬ ‫ه"‪ " ،‬والذي نف ُ‬ ‫حِلفه ‪ " :‬والذي نفسي بيد ِ ِ‬ ‫َ‬
‫] البخاري‪ ،‬في كتاب اليمان والنذور ـ باب ـ كيف كانت يمين‬
‫النبي ‪ ، ‬رقم ‪.[6255 ، 6254‬‬
‫فلو أن أحدا ً أقسم بغير ما ذكر لم ينعقد يمينه‪ ،‬لسببين‪:‬‬
‫من كان حالفًا‪،‬‬ ‫أولهما ‪ :‬حديث رسول الله ‪ ‬السابق‪َ " :‬‬
‫ت"‪.‬‬ ‫ف بالله‪ ،‬أو لَيصم ْ‬ ‫فليحل ْ‬
‫ي عن‬ ‫ذكر‪ ،‬والمؤمن منه ّ‬ ‫قد ُ كمال العظمة في غير ما ُ‬ ‫ثانيهما ‪ :‬فَ ْ‬
‫ل تعظيما ً ذاتيًا‪.‬‬ ‫تعظيم غير الله عّز وج ّ‬
‫اليمين صريح وكناية ‪:‬‬
‫ثم إن اليمين ينقسم إلى قسمين‪ :‬صريح‪ ،‬وكناية‪.‬‬
‫‪ -1‬الصريح ‪:‬‬
‫واليمين الصريح‪ :‬هو كل ما أقسم فيه الشخص باسم من أسماء‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الله تعالى الخاصة به‪ ،‬كقول القائل‪ :‬أقسم بالله ‪ ،‬أو أقسم بر ّ‬
‫العالمين‪.‬‬
‫‪ -2‬الكناية ‪:‬‬
‫وهو أن يقسم بما ينصرف إليه ـ سبحانه وتعالى ـ عند الطلق‪،‬‬
‫كقوله‪ُ :‬أقسم بالخالق‪ ،‬أو ُأقسم بالرازق ‪ ،‬أو الرب‪.‬‬
‫سم بما من شأنه أن ُيستعمل في التعبير عن ذات الله‬ ‫أو أن ُيق ِ‬
‫تعالى وعن غيره‪ ،‬على حد ّ سواء‪ ،‬كقول القائل‪ :‬أقسم بالموجود‪،‬‬
‫أو العاِلم ‪ ،‬أو الحي‪.‬‬
‫ل‪ :‬كقدرة الله تعالى‪،‬‬ ‫أو يقسم بصفة من صفات الله عّز وج ّ‬
‫وعلمه ‪ ،‬وكلمه‪.‬‬
‫حكم كل من الصريح والكناية ‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ -1‬حكم اليمين الصريح ‪:‬‬
‫فظ به ‪ ،‬ول ُيقبل قول‬ ‫اليمين الصريح يتم انعقاده بمجّرد التل ّ‬
‫الحالف ‪ :‬لم أ ُِرد به اليمين‪ ،‬لن هذه اللفاظ ل تحتمل غير‬
‫اليمين‪.‬‬
‫فلو قال‪ :‬قصدت بلفظ ) الله( غير ذات الله عّز وج ّ‬
‫ل‪ ،‬لم ُيقبل‬
‫منه قوله‪ ،‬ولكن لبد ّ فيه من إرادة اليمين المنعقدة‪.‬‬
‫فلو سبق هذا اللفظ إلى لسانه من غير أن يقصد اليمين‪ ،‬كان‬
‫لغوًا‪ ،‬كما سبق بيانه‪.‬‬

‫‪ -2‬حكم اليمين الكناية‪:‬‬


‫أما اليمين الكناية‪ ،‬فحكمه أنه ل ينعقد إل بالنّية والقصد‪ ،‬فيقبل‬
‫قول الحالف ‪ :‬لم أقصد اليمين‪.‬‬
‫فإن قال ‪ :‬أقسم بالخالق‪ ،‬أو الرازق ‪ ،‬أو الــرب ‪ ،‬انعقــد يمينــه إل‬
‫ل‪ ،‬فينصــرف إلــى‬ ‫إن أراد بهــذه اللفــاظ غيــر ذات اللــه ع ـّز وج ـ ّ‬
‫المعنى الذي أراده‪ ،‬ول ينعقد كلمه عندئذ يمينًا‪ ،‬لنه قد يســتعمل‬
‫قيدّا‪.‬‬ ‫هذا الكلم في غير الله تعالى م ّ‬
‫ن إ ِْفكًا[ ) العنكبوت ‪ ] .(17:‬أي‬ ‫قو َ‬ ‫خل ُ ُ‬
‫ل ‪] :‬وَت َ ْ‬ ‫قال الله عّز وج ّ‬
‫تقولون كذبًا‪ ،‬وتصنعون أصناما ً بأيديكم‪ ،‬وتسمونها آلهة[‪.‬‬
‫ه [ ) النساء ‪.(8 :‬‬ ‫من ْ ُ‬
‫هم ّ‬ ‫وقال عز من قائل‪َ ] :‬فاْرُزُقو ُ‬
‫ك[ )يوسف ‪.(50 :‬‬ ‫جعْ إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫وقال جل جلله ‪] :‬اْر ِ‬
‫وإن قال ‪ :‬أقسم بالموجود‪ ،‬أو العالم‪ ،‬أو الحي ‪ ،‬لم ينعقــد كلمــه‬
‫يمينا ً بمثل هــذه اللفــاظ‪ ،‬إل بشــرط أن ينــوي بهــا ذات اللــه ع ـّز‬
‫ل‪ ،‬لنها لما كانت تستعمل للدللة على ذات الله تعالى‪ ،‬وعلى‬ ‫وج ّ‬
‫غيره على حد ّ سواء لم يتعين يمينا ً إل بالنية‪.‬‬
‫وإن قال ‪ :‬أقسم بقدرة الله تعالى‪ ،‬أو علمه‪ ،‬أو كلمه انعقد‬
‫كلمه يمينا ً بشرط أن ل يقصد بالعلم ‪ :‬المعلوم‪ ،‬وبالقدرة‪،‬‬
‫المقدور‪ ،‬وبالكلم‪ :‬الحروف والصوات‪.‬‬
‫فإن قصد ذلك لم ينعقد كلمه يمينًا‪ ،‬لن معلوم الله ومقدوره‬
‫والحروف والصوات‪ ،‬ليس شيء منها داخل ً في ذات الله عّز‬
‫ل‪ ،‬أو إحدى صفاته‪.‬‬ ‫وج ّ‬
‫الب ِّر باليمين والحنث بها‪ :‬معناهما وحكمهما ‪:‬‬
‫‪ -1‬معنى الب ِّر باليمين والحنث بها ‪:‬‬
‫سمه‬ ‫ل ‪ ،‬أو بإحدى صفاته‪ ،‬وكان قَ َ‬ ‫إذا أقسم النسان بالله عّز وج ّ‬
‫ؤول‬ ‫معقودا ً ‪ :‬أي مستوفيا ً الشروط الــتي مـّر ذكرهــا‪ ،‬فلبـد ّ أن ي َـ ُ‬
‫حْنث به‪.‬‬‫أمره بالنسبة لهذا القسم إلى الب ِّر بيمينه‪ ،‬أو ال ِ‬
‫قق ما التزمه بيمينه‪ ،‬إن كان وعدًا‪.‬‬ ‫فالب ِّر باليمين‪ :‬هو أن يح ّ‬
‫وأن يكون صادقا ً فيها إن كان إخبارا عن شيء ثابت‪.‬‬
‫ً‬

‫‪8‬‬
‫قق ما قد التزمه‪ ،‬إن كان وعدا ً والتزامًا‪.‬‬ ‫والحنث فيه ‪ :‬أن ل يح ّ‬
‫أو يكون كاذبا ً فيه إن كان إخبارًا‪.‬‬
‫والحنث في الصل ‪ :‬الذنب‪ ،‬وأطلق على ما ذكر‪ ،‬لنه سبب له‪.‬‬
‫‪ -2‬حكم الب ِّر باليمين والحنث فيها ‪:‬‬
‫عهدة المسئولية عن صاحبها‪.‬‬ ‫حكم البر باليمين ‪ :‬أنه يرفع ُ‬
‫وأما حكم الحنث فيها ‪ :‬فهو ذو حالتين ‪ ،‬لكل حالة منهما‬
‫حكم خاص بها ‪:‬‬
‫الحالة الولى ‪:‬‬
‫سم لما‬‫أن يكون الحنث باليمين عبارة عن عدم تحقيق المق ِ‬
‫ن على فقير في يوم‬ ‫التزمه بيمينه؛ كأن أقسم بالله تعالى ليتصدق ّ‬
‫دق في اليوم المحدود‪ .‬وحكم هذا الحنث‪ :‬هو‬ ‫كذا‪ ،‬فلم يتص ّ‬
‫فارة اليمين بعد‬ ‫وجوب تكفير الحانث عن يمينه‪ .‬وسيأتي بيان ك ّ‬
‫قليل‪ ،‬إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪:‬‬
‫أن يكون الحنث باليمين عبارة عن الكذب في إخباره‪ ،‬الذي أبى‬
‫إل أن يوّثقه باليمين‪ ،‬كأن يقول ‪ :‬والله إن هذا المتاع ملكي‪ ،‬وهو‬
‫يعلم أنه ليس ملكه‪ ،‬ويسمى مثل هذا اليمين يمينا ً غموسًا‪ ،‬كما‬
‫سبق بيانه‪.‬‬
‫وحكم هذا الحنث استحقاق صاحبه العقاب الكبير من الله عّز‬
‫ل مع وجوب الكفارة‪ ،‬لنه من اليمين المنعقدة‪.‬‬ ‫وج ّ‬
‫والفرق بين الحالتين ‪ :‬أن صاحب الحالة الثانية أكثر استهتارا ً‬
‫سم بالله في الوقت الذي يعلم أنه‬ ‫ل‪ ،‬إذ هو ُيق ِ‬‫باسم الله عّز وج ّ‬
‫يقسم بالله كذبًا‪.‬‬
‫أما صاحب الحالة الولى‪ ،‬فربما كان عازما ً عند النطق باليمين‬
‫ل بينه وبين الوفاء بها‬ ‫على الب ِّر باليمين‪ ،‬والعمل بموجبها‪ ،‬لكنه حا َ‬
‫حائل‪ ،‬أو أنه تنّبه بعد ذلك إلى شيء هو خير مما التزمه باليمين‪،‬‬
‫ف على يمين‪ ،‬فرأى غيَرها خيرا ً‬ ‫ن حل َ‬ ‫م ْ‬‫فعمل بوصية النبي ‪َ " : ‬‬
‫ٍ‬
‫فْر عن يمينه"‪ .‬أخرجه مسلم‬ ‫ت الذي هو خيٌر‪ ،‬وليك ّ‬ ‫منها‪ ،‬فليأ ِ‬
‫من حلف يمينا ً فرأى غيرها‪ ،..‬رقم ‪:‬‬ ‫] في اليمان ـ باب ـ ندب َ‬
‫‪.[1650‬‬
‫فارة اليمين ‪:‬‬ ‫ك ّ‬
‫ن حنث في يمين غموس ‪ ،‬أو غير غموس ‪ ،‬وجبت عليه كفارة‪.‬‬ ‫م ْ‬‫و َ‬
‫وهو مخّير فيها أول ً بين ثلثة أشياء ‪:‬‬
‫مة‪ .‬وإنما يكون‬ ‫َ‬
‫عتق رقبة مؤمنة‪ ،‬والمراد بالرقبة ‪ :‬عبد أو أ َ‬ ‫‪ِ -1‬‬
‫هذا حيث يوجد الرقيق‪.‬‬
‫ب من غالب قوت‬ ‫ح ّ‬ ‫مد ّ َ‬
‫‪ -2‬إطعام عشرة مساكين‪ ،‬لكل مسكين ُ‬
‫د‪ :‬مكيال معروف يتسع‪ 600 :‬غراما ً تقريبًا‪.‬‬ ‫بلده‪ .‬والم ّ‬

‫‪9‬‬
‫ويجب تمليك كل مسكين ما ذكر‪ ،‬فل يكفي دعوتهم لتناول طعام‬
‫غداء‪ ،‬أو عشاء‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وة عشرة مساكين مما ُيعتاد ل ُْبسه‪ ،‬ويسمى في العُْرف‬ ‫س َ‬‫‪ -3‬ك ِ ْ‬
‫ورب‪ ،‬وغطاء الرأس على‬ ‫ج ْ‬‫كسوة ‪ :‬فالقميص‪ ،‬والسراويل‪ ،‬وال َ‬
‫أي شكل كان ‪ ،‬كله يسمى كسوة‪.‬‬
‫فإن عجز عن تحقيق شيء من هذه المور الثلثة ‪ :‬بأن كان‬
‫سرًا‪ ،‬وجب عليه صيام ثلثة أيام ‪ ،‬ول يشترط فيها التتابع‪ ،‬بل‬ ‫معْ ِ‬ ‫ُ‬
‫يجوز له تفريقها‪.‬‬
‫دليل كفارة اليمين ‪:‬‬
‫و‬ ‫ّ‬
‫ه ِباللغْ ِ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫خذ ُك ُ ُ‬‫ؤا ِ‬ ‫ل‪] :‬ل َ ي ُ َ‬ ‫فارة قول الله عّز وج ّ‬ ‫ودليل هذه الك ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه إ ِط َْعا ُ‬ ‫فاَرت ُ ُ‬ ‫ن فَك َ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫م الي ْ َ‬ ‫قدت ّ ُ‬ ‫ما ع َ ّ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫خذ ُ ُ‬‫ؤا ِ‬‫كن ي ُ َ‬ ‫م وََلـ ِ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬‫ِفي أي ْ َ‬
‫م أ َْو‬ ‫سوَت ُهُ ْ‬ ‫م أوْ ك ِ ْ‬
‫شرة مساكين من أ َوسط ما تط ْعِمون أ َهِْليك ُ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫عَ َ َ ِ َ َ ِ َ ِ ْ ْ َ ِ َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م إِ َ‬
‫ذا‬ ‫مان ِك ُ ْ‬‫فاَرة ُ أي ْ َ‬ ‫ك كَ ّ‬ ‫م ث َل َث َةِ أّيام ٍ ذ َل ِ َ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫جد ْ ف َ ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫ريُر َرقَب َةٍ فَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬
‫م‬‫م آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬ ‫مان َك ُ ْ‬‫ظوا ْ أي ْ َ‬ ‫ف ُ‬‫ح َ‬‫م َوا ْ‬ ‫فت ُ ْ‬‫حل َ ْ‬‫َ‬
‫ن[ ) المائدة ‪.(89 :‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫خاتمة في بعض أحكام اليمين ‪:‬‬
‫ن كذا ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫سم بالله ‪ ،‬لفعل ّ‬ ‫ت بالله ‪ ،‬أو أق ِ‬ ‫‪ -1‬لو قال شخص ‪ :‬أقسم ُ‬
‫فهو يمين ‪ ،‬إن نوى اليمين‪ ،‬أو أطلق‪ ،‬لكثرة استعمال هذا اللفظ‬
‫في اليمان‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م [ )النحل‪: :‬‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫جهْد َ أي ْ َ‬ ‫موا ْ ِبالل ّهِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫قال الله تبارك تعالى‪] :‬وَأقْ َ‬
‫‪ .(38‬وإن لم يقصد اليمين‪ ،‬بل قصد خبرا ً ماضيا ً ‪ ،‬أو مستقبل ً ‪،‬‬
‫فليس بيمين ‪،‬لحتمال اللفظ ما نواه‪.‬‬
‫سم عليك بالله ‪ ،‬أو أسألك بالله ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫‪ -2‬لو قال شخص لغيره ‪ :‬أق ِ‬
‫ن كذا ‪ ،‬فهو يمين إن أراد به يمين نفسه ‪،‬لشتهار ذلك‬ ‫لتفعل ّ‬
‫ن عندئذ للمخاطب إبرار الحالف ‪ ،‬إن لم يكن في‬ ‫شرعا ً ‪ ،‬ويس ّ‬
‫إبراره ارتكاب محّرم ‪ ،‬أو مكروه‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه البخاري في ] الجنائز ـ باب ـ المر بإتباع‬
‫الجنائز‪ ،‬رقم ‪ [1182 :‬عن البراء ‪ ‬قال ‪ ) :‬أمرنا النبي ‪ ‬بسبع‬
‫… وعد ّ منها ‪ :‬إبرار القسم(‪.‬‬
‫أما إن أراد بقوله ‪ُ :‬أقسم عليك بالله ‪ ،‬أو أسألك بالله ‪ ،‬أو أسألك‬
‫فع إليه ‪،‬‬ ‫بالله يمين المخاطب‪ ،‬أو لم يرد ّ يمينًا‪ ،‬وإنما أراد التش ّ‬
‫فإنه ل يكون يمينا ً عندئذ ٍ ‪ ،‬لنه لم يقصد اليمين هو ‪ ،‬ولم يحلف‬
‫ل‪.‬‬‫المخاطب أيضًا‪ ،‬ولذلك قالوا ‪ُ :‬يكره السؤال بوجه الله عّز وج ّ‬
‫ودليل ذلك قول النبي ‪ ) : ‬ل ُيسأل بوجه الله إل الجنة(‪ .‬أخرجه‬
‫أبو داود في ]الزكاة ـ باب ـ كراهية المسألة بوجه الله تعالى ‪،‬‬
‫رقم ‪.[1671:‬‬

‫‪10‬‬
‫من حلف على ترك واجب من الواجبات‪ :‬كترك الصلة‬ ‫‪َ -3‬‬
‫والصيام مثل ً ‪ ،‬أو حلف على فعل محّرم ‪ :‬كالسرقة ‪ ،‬أو القتل ‪،‬‬
‫ل‪ ،‬في الحالتين ‪ ،‬ولزمه الحنث فيهما‪،‬‬ ‫فإنه قد عصى الله عّز وج ّ‬
‫لن القامة على هذه الحالة معصية‪ ،‬كما تلزمه الكفارة أيضًا‪.‬‬
‫كل‬‫‪ -4‬إذا حلف أن ل يفعل شيئا ً ‪ :‬كبيع ‪ ،‬وشراء ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬فو ّ‬
‫غيره بفعله ‪ ،‬فإنه ل يحنث بفعل وكيله ‪ ،‬لن العبرة بما يدل عليه‬
‫اللفظ‪ ،‬فإنه حلف على فعل نفسه‪ ،‬فل يحنث بفعل غيره‪ ،‬والفعل‬
‫إنما ينسب إلى من باشره‪.‬‬
‫فظ باليمين ما يشمل فعله المباشر‪ ،‬وفعل‬ ‫نعم إن أراد عند التل ّ‬
‫الوكيل عنه حنث‪.‬‬
‫كل من يقبل له العقد عليها‬ ‫‪ -5‬إذا حلف أن ل يتزوج فلنة ‪ ،‬فو ّ‬
‫عوضا ً عنه حنث‪ ،‬لن الزواج ل يطلق على العقد وحده ‪ ،‬بل‬
‫يطلق عليه وعلى نتائجه‪ ،‬وهو الوطء ‪ ،‬والحالف وإن لم يكن‬
‫مباشرا ً للعقد ‪ ،‬فهو مباشر لنتائجه‪.‬‬
‫من حلف على ترك أمرين‪ ،‬ففعل أحدهما لم يحنث‪ ،‬كأن‬ ‫‪َ -6‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫قال ‪ :‬والله ل ألبس هذين الثوبين‪ ،‬أو ل أكلم هذين الرجلين‪،‬‬
‫فلبس أحد الثوبين‪ ،‬أو كّلم أحد الرجلين ‪ ،‬فإنه لم يحنث بذلك ‪،‬‬
‫لن يمينه واحدة على مجموع المرين‪.‬‬
‫ُ‬
‫أما لو قال ‪ :‬والله ل ألبس هذا الثوب‪ ،‬ول هذا ‪ ،‬أو ل أكّلم هذا‬
‫الرجل ‪ ،‬ول هذا ‪ ،‬فإنه يحنث بلبس أحد الثوبين‪ ،‬أو تكليم أحد‬
‫الرجلين‪ ،‬لن إعادة حرف النفي جعلت كل ً منهما مقصودا ً باليمين‬
‫على انفراد‪.‬‬
‫ن هذين‬ ‫من حلف على فعل أمرين اثنين‪ ،‬كأن قال ‪ :‬والله لكل ّ‬ ‫‪َ -7‬‬
‫مه بفعل‬ ‫ُ‬
‫س َ‬
‫ن هذين الشخصين لم يب ِّر بق َ‬ ‫الرغيفين‪ ،‬أو لكلم ّ‬
‫أحدهما‪ ،‬بل لبد ّ لكي يبّر بقسمه‪ ،‬وينجو من الحنث من أكل‬
‫كل الشخصين ‪ ،‬والله سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬ ‫الرغيفين‪ ،‬ومكالمة ِ‬

‫الّنـ ُ‬
‫ذور‬
‫تعريف النذور ‪:‬‬
‫النذور ‪ :‬جمع نذر‪ ،‬والنذر في اللغة ‪ :‬الوعد بخير أو شر‪.‬‬
‫وشرعا ً ‪ :‬الوعد بخير خاصة‪.‬‬
‫والنذر في اصطلح الفقهاء ‪ :‬التزام قُْربة غير واجبة في الشرع‪،‬‬
‫مطلقًا‪ ،‬أو معلقا ً على شيء‪.‬‬
‫أدلة تشريع النذر ‪:‬‬
‫ل على مشروعية النذر‪ ،‬ولزوم الوفاء به ‪:‬‬ ‫يد ّ‬
‫سّنة‪.‬‬
‫القرآن وال ُ‬

‫‪11‬‬
‫ل في صفات البرار ‪ُ ] :‬يوُفو َ‬
‫ن‬ ‫أما القرآن‪ ،‬فقول الله عّز وج ّ‬
‫طيرًا[ ) الدهر ‪.(7 :‬‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫شّره ُ ُ‬‫ن َ‬ ‫وما ً َ‬
‫كا َ‬ ‫خاُفو َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ِبالن ّذ ْرِ وَي َ َ‬
‫وقوله تبارك وتعالى ‪ ] :‬وليوفوا نذورهم [ )الحج ‪.(29:‬‬
‫سّنة فقوله ‪ ، ‬فيما رواه البخاري في ] اليمان والنذور ـ‬ ‫وأما ال ُ‬
‫باب ـ النذر في الطاعة ‪ ،‬رقم ‪ [6318 :‬عن عائشة رضي الله‬
‫عنها‪ ،‬عن النبي ‪ " : ‬من نذر أن يطيع الله فليطعه‪ ،‬ومن نذر‬
‫صيه"‪.‬‬ ‫أن يعصيه فل ي َعْ ِ‬
‫دكم قوما ً‬ ‫وقوله ‪ ‬في الذين ل يوّفون بنذورهم ‪ " :‬إن بع َ‬
‫ذرون ول‬ ‫يخونون ول ُيؤتمنون‪ ،‬وَيشهدون ول ُيستشهدون‪ ،‬وَين ُ‬
‫ن"‪ .‬رواه البخاري في ] الشهادات ـ باب‬ ‫سم ُ‬‫فون‪ ،‬ويظهر فيهم ال ّ‬ ‫يَ ُ‬
‫ـ ل يشهد على شهادة جور إذا أشهد‪ ،‬رقم ‪ [2508 :‬ومسلم في‬
‫] فضائل الصحابة ـ باب ـ فضل الصحابة ثم الذين يلونهم‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ [2535‬عن عمران بن حصين رضي الله عنهما‪.‬‬
‫] يظهر فيهم السمن ‪ :‬أي بسبب كثرة المآكل مع الخلود إلى‬
‫الراحة‪ ،‬وترك الجهاد‪ ،‬وقيل‪ :‬هو كناية عن التفاخر بمتاع الدنيا[‪.‬‬
‫حكم النذر ‪:‬‬
‫إن النذر مشروع‪ ،‬وهو من نوع القربات‪ ،‬ولذلك قال الفقهاء ‪ :‬إنه‬
‫ح من الكافر‪.‬‬ ‫ل يص ّ‬
‫إل أن الفضل أن يباشر النسان القربة التي يريدها بدون أن‬
‫يلزم نفسه بها ‪ ،‬ويجعلها عليه نذرًا‪.‬‬
‫فالصدقة التي يتقّرب بها النسان إلى الله تعالى اختيارًا‪ ،‬أفضل‬
‫من الصدقة التي يلتزمها نذرًا‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه البخاري في ] القدر ـ باب ـ إلقاء العبد النذر‬
‫إلى القدر‪ ،‬رقم‪ [6234 :‬ومسلم في ] النذر ـ باب ـ النهي عن‬
‫النذر‪ ،‬وأنه ل يرد ّ شيئا ً ‪ ،‬رقم ‪ [1639‬أنه ‪ ‬نهى عن النذر‪،‬‬
‫وقال‪ " :‬إنه ل يرد ّ شيئا ً ‪ ،‬وإنما ُيستخرج به من النخيل "‪.‬‬
‫أي إن النذور المعّلقة ل تغّير من قضاء الله شيئا ً ‪ ،‬وهو ليس إل‬
‫وسيلة يلزم بها البخيل نفسه بالنفاق والصدقة‪ ،‬لعلمه أنها لو لم‬
‫تصبح واجبة عليه بالنذر واللتزام‪ ،‬فإنه لن يستطيع أن يتغلب‬
‫على نفسه في إخراجها‪.‬‬
‫أنواع النذر ‪:‬‬
‫ينقسم النذر إلى ثلثة أنواع‪:‬‬
‫النوع الول ‪ :‬نذر الّلجاج ‪:‬‬
‫وهو ما يقع حال الخصومة ‪ ،‬بسائق من الغضب‪ ،‬كأن يقول أثناء‬
‫ي صيام شهر‪.‬‬ ‫ت فلنًا‪ ،‬فلله ع َل َ ّ‬ ‫خصومته ‪ :‬إن كلم ُ‬
‫النوع الثاني ‪ :‬نذر المجازاة‪ :‬أي المكافأة ‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫وهو أن يعّلق التزامه بقربةٍ ما على حصول غرض للناذر‪ ،‬دون أن‬
‫يكون مدفوعا ً إلى ذلك بخصومة‪ ،‬أو لجاج‪ ،‬وذلك كأن يقول ‪ :‬إن‬
‫ي أن أتصدق بشاة‪.‬‬ ‫شفي الله مريضي‪ ،‬فلله عل ّ‬
‫النوع الثالث ‪ :‬النذر المطلق ‪:‬‬
‫ة ما لله تعالى دون تعليق على حصول غرض‬ ‫وهو أن يلتزم قرب ً‬
‫ي صيام يوم‬ ‫له‪ ،‬ودون دافع خصومة‪ ،‬أو غضب‪ ،‬كأن يقول‪ :‬لله عل ّ‬
‫الخميس‪.‬‬
‫ل من النوعين‪ :‬الثاني والثالث‪ ،‬نذر التبّرر‪ ،‬وسمي‬ ‫ويسمى ك ّ‬
‫بذلك‪ ،‬لن الناذر طلب به الب ِّر‪ ،‬والتقّرب إلى الله تعالى‪.‬‬
‫أحكام كل نوع من أنواع النذر ‪:‬‬
‫أما النوع الول ‪ :‬وهو نذر اللجاج‪ ،‬فحكمه أن المعّلق عليه إذا وقع‬
‫فارة يمين‪ ،‬يختار‬ ‫وجب على الناذر إنجاز ما التزمه‪ ،‬أو إخراج ك ّ‬
‫واحدا ً منهما‪ ،‬لن هذا النوع يشبه النذر من جانب كونه التزاما ‪،‬‬
‫ً‬
‫ويشبه اليمين من جانب كونه وسيلة امتناع عن أمر‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه مسلم في ] النذر ـ باب ـ كفارة النذر ‪ ،‬رقم‬
‫‪ [1645‬عن عقبة بن عامر ‪ ،‬عن رسول الله ‪ ‬قال ‪ " :‬كفارةُ‬
‫ن "‪.‬‬‫النذرِ كفارة ُ اليمي ِ‬
‫قال المام النووي رحمه الله تعالى ‪ :‬حمله جمهور أصحابنا على‬
‫نذر اللجاج‪.‬‬
‫أما النوع الثاني ‪ :‬وهو نذر المجازاة‪ ،‬فحكمه أن المعلق عليه إذا‬
‫ب على الناذر‬ ‫ج َ‬ ‫دم غائبه‪ ،‬و َ‬ ‫وقع ؛ كأن شفى الله مريضه‪ ،‬أو قَ ِ‬
‫إنجاز ما قد التزمه‪ ،‬ل يغنيه عن ذلك شيء‪.‬‬
‫م[‬ ‫هدت ّ ْ‬
‫عا َ‬
‫ذا َ‬‫ل ‪] :‬وَأ َوُْفوا ْ ب ِعَهْد ِ الل ّهِ إ ِ َ‬‫ودليل ذلك قول الله عّز وج ّ‬
‫) النحل ‪ .(91 :‬وقول النبي ‪ " : ‬من نذر أن يطيع الله‬
‫طعه"‪ .‬رواه البخاري في ] اليمان والنذور ـ باب ـ النذر في‬ ‫فلي ُ ِ‬
‫الطاعة ‪ ،‬رقم ‪ [6318‬عن عائشة رضي الله عنها‪.‬‬
‫وأما النوع الثالث‪ :‬وهو النذر المطلق‪ ،‬وهو القسم الثاني من نذر‬
‫التبّرر‪ ،‬فحكمه أنه يجب على الناذر تحقيق ما التزمه مطلقًا‪ ،‬أي‬
‫دون أيّ تعليق على شيء‪.‬‬
‫خر في الوفاء‬ ‫ودليل ذلك عموم الدلة المتقدمة‪ ،‬إل أن له أن يتأ ّ‬
‫به ما لم يصل إلى زمن يغلب فيه على ظنه أنه لن يتمكن من‬
‫الوفاء‪.‬‬
‫فارة يمين‪ ،‬لن معنى اليمين مفقودة‬ ‫وليس له أن يستبدل به ك ّ‬
‫في هذا النوع من النذور‪.‬‬
‫شروط النذر ‪:‬‬
‫للنذر شروط من حيث هو نذر‪ :‬أي بقطع النظر عن أنواعه‬
‫الثلثة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫وتتلخص هذه الشروط فيما يلي‪:‬‬

‫أول ً ‪:‬من حيث الناذر ‪ :‬ويشترط فيه ثلثة شروط‪:‬‬


‫‪ -1‬السلم ‪:‬‬
‫ح النذر من كافر‪ ،‬لن الكافر ليس أهل ً لكتساب القربات‪،‬‬ ‫فل يص ّ‬
‫إذ ل تصح منه ما دام كافرًا‪.‬‬
‫‪ -2‬التكليف ‪:‬‬
‫فل يصح النذر من الصبي والمجنون‪ ،‬لن كل ً منهما ليس أهل ً‬
‫لللتزام‪ ،‬فمهما ألزم كل واحد منهما نفسه بقربة‪ ،‬أو أوجبها على‬
‫نفسه‪ ،‬فإنها ل تصبح بذلك واجبة عليه‪ ،‬لنه ليس أهل ً لذلك‪ ،‬لكونه‬
‫غير مكلف شرعًا‪.‬‬
‫‪ -3‬الختيار ‪:‬‬
‫مكَره‪ ،‬لقوله ‪ " : ‬رفع عن أمتي الخطأ‬ ‫ح النذر من ال ُ‬ ‫فل يص ّ‬
‫والنسيان وما اسُتكرهوا عليه " رواه ابن ماجه في ] الطلق ـ‬
‫ححه ابن حّبان‬ ‫باب ـ طلق المكره والناسي ‪ ،‬رقم ‪ [2045‬وص ّ‬
‫والحاكم ‪ ،‬عن ابن عباس ‪. ‬‬
‫أي وضع عنهم حكم ذلك ‪ ،‬وما ينتج عنه‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪:‬‬
‫من حيث المنذور ‪ :‬ويشترط فيه الشرطان التاليان ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون المنذور قربه ‪:‬‬
‫فل نذر في المباحات‪ ،‬وهي المور التي ل يترتب على فعلها أو‬
‫مباح‪ ،‬أو تركه‪ :‬كأكل ‪ ،‬ونوم‬ ‫تركها ثواب أو عقاب‪ ،‬فلو نذر فعل ُ‬
‫لم يلزمه الفعل‪ ،‬ول الترك‪ ،‬وليس عليه شيء‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه البخاري في ] اليمان والنذور ـ باب ـ النذر‬
‫فيما ل يملك وفي معصية‪ ،‬رقم ‪ [6326 :‬عن ابن عباس رضي‬
‫الله عنهما قال ‪ :‬بينما النبي‪ ‬يخطب‪ ،‬إذ هو برجل قائم‪ ،‬فسأل‬
‫عنه‪ ،‬فقالوا ‪:‬أبو إسرائيل‪ ،‬نذر أن يقوم ول يقعد ‪ ،‬ول يستظل‪ ،‬ول‬
‫يتكلم‪ ،‬ويصوم‪ ،‬فقال النبي ‪ ": ‬مره فليتكلم ‪ ،‬وليستظل ‪،‬‬
‫م صومه"‪.‬‬ ‫وليقعد‪ ،‬وليت ّ‬
‫وإنما أمره بإتمام الصوم‪ ،‬لن الصوم طاعة‪ ،‬ويلزمه الوفاء بها إذا‬
‫نذرها‪.‬‬
‫وكذلك ل نذر في المحرمات‪ :‬كالقتل ‪ ،‬والزنى‪...‬‬
‫ل‪ ،‬لن‬ ‫سنن الرواتب مث ً‬ ‫ول في المكروهات ‪ :‬كأن نذر أن يترك ال ُ‬
‫فعل المحرم‪ ،‬أو المكروه ليس مما يبتغي به وجه الله عّز وج ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫قال رسول الله ‪ ": ‬ل نذر في معصية الله "‪ .‬رواه مسلم في ]‬
‫النذر ـ باب ـ ل وفاء لنذر في معصية الله ‪ ،‬رقم ‪ [1641 :‬وقد‬
‫سبق ما رواه البخاري في ] اليمان والنذور ـ باب ـ النذر في‬

‫‪14‬‬
‫الطاعة ‪ ،‬رقم‪ [6318 :‬عن عائشة رضي الله عنها‪ … " :‬ومن‬
‫ه"‪.‬‬
‫ص ْ‬
‫صَيه ‪ ،‬فل يع ِ‬ ‫نذر أن َيع ِ‬
‫ي به وجه الله "‪.‬‬ ‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ ":‬ل نذر إل فيما اُبتغِ َ‬
‫رواه أبو داود في ] اليمان والنذور ـ باب ـ اليمين في قطيعة‬
‫الرحم‪ ،‬رقم ‪.[3273 :‬‬
‫‪ -2‬أن ل يكون المنذور من الواجبات العينية ابتداءًا‪:‬‬
‫فلو نذر أن يصلي صلة الظهر‪ ،‬أو أن ُيخرج زكاة ماله‪ ،‬كان ذلك‬
‫ل‪ ،‬إذ ليس له من أثر جديد على المنذور‪ ،‬لكونه واجبا ً‬ ‫النذر باط ً‬
‫في حق الناذر ابتداءا ً دون حاجة إلى النذر‪ ،‬فل معنى ليجابه‪.‬‬
‫وخرج بالواجبات العينية الواجبات الكفائية‪ ،‬فيجوز النذر بها‪ ،‬كما‬
‫م علم ٍ مما يجب على المسلمين‬ ‫لو نذر الصلة على جنازة‪ ،‬أو تعَل ّ َ‬
‫تعّلمه على سبيل الكفاية كالطب‪ ،‬والصناعات‪.‬‬
‫رج هذا المنذور من مستوى الفرض الكفائي‪،‬‬ ‫ذلك لن النذر ُيخ ِ‬
‫إلى الفرض العيني‪ ،‬في حق الناذر‪.‬‬
‫الثار المترتبة على النذر الصحيح ‪:‬‬
‫ح النذر‪ :‬بأن توفرت فيه الشرائط التي ذكرناها‪ ،‬وجب على‬ ‫إذا ص ّ‬
‫الناذر تحقيق ما التزم به ‪ ،‬عند حصول الشيء المعّلق به في‬
‫النذر المعّلق‪ ،‬ومطلقًا‪ ،‬في النذر الناجز‪ ،‬أي المطلق‪.‬‬
‫ويجب عليه من ذلك ما يقع عليه السم شرعًا‪ ،‬سواء كان‬
‫المنذور صلة‪ ،‬أو صيامًا‪ ،‬أو صدقة‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬
‫فلو نذر صلة‪ ،‬ولم يقيدها بكيفية‪ ،‬أو عدد وجب عليه ركعتان من‬
‫قيام إذا كان قادرا ً على القيام‪ ،‬وذلك حمل ً على أقل واجب‬
‫الشرع‪.‬‬
‫أما لو نذر عددا ً من الركعات‪ ،‬أو نذر الصلة من قعود وجب عليه‬
‫ددها‪ ،‬لكن لو صلها من‬ ‫دده‪ ،‬والكيفية التي ح ّ‬ ‫التزام القدر الذي ح ّ‬
‫قيام كان أفضل‪.‬‬
‫ولو نذر صوما ً مطلقًا‪ ،‬فأقل ما يقع عليه السم من ذلك صوم‬
‫يوم واحد‪.‬‬
‫أما إن نذر صوم أيام دون تحديد لعدد هذه اليام‪ ،‬فأقل ما يجب‬
‫عليه الصوم ثلثة أيام‪ ،‬لنها أقل الجمع‪.‬‬
‫ول من ممتلكاته‪،‬‬ ‫م ّ‬
‫مت َ َ‬
‫ولو نذر صدقة‪ ،‬وجب عليه أن يتصدق بأقل ُ‬
‫من هو أهل للزكاة‪ ،‬كالفقراء‪ ،‬والمساكين‪.‬‬ ‫على َ‬
‫أما إن قّيد القربة التي التزمها بحال معينة‪ ،‬أو زمن معين‪ ،‬أو عدد‬
‫معين‪ ،‬فالصل عندئذ ٍ وجوب ما قد التزمه‪ ،‬على الكيفية والحال‬
‫ص عليها‪.‬‬ ‫التي ن ّ‬
‫دق عليهم‬ ‫دق على أهل بلد معينة‪ ،‬وجب عليه التص ّ‬ ‫فإن نذر التص ّ‬
‫جْز له صرف صدقته إلى أهل بلدة أخرى‪.‬‬ ‫بأعيانهم‪ ،‬ولم ي َ ُ‬

‫‪15‬‬
‫أو نذر العتكاف في مسجد معين ‪ ،‬فإن كان أحد المساجد الثلثة‬
‫‪ :‬المسجد الحرام‪ ،‬والمسجد النبوي ‪ ،‬والمسجد القصى ‪ ،‬وجب‬
‫عليه العتكاف في المسجد الذي عّينه منها‪ ،‬وذلك لفضيلة هذه‬
‫المساجد على غيرها‪.‬‬
‫ودليل فضيلتها على غيرها قول النبي ‪ " ‬ل ُتشد ّ الرحال إل إلى‬
‫ثلثة مساجد ‪ :‬المسجد الحرام‪ ،‬ومسجد الرسول ‪ ، ‬ومسجد‬
‫القصى " ‪ .‬أخرجه البخاري في‬
‫وع ـ باب ـ فضل الصلة في مسجد مكة والمدينة‪،‬‬ ‫] أبواب التط ّ‬
‫رقم ‪ [1132‬ومسلم في ] الحج ـ باب ـ فضل الصلة بمسجد‬
‫مكة والمدينة ‪ ،‬رقم ‪.[1394 :‬‬
‫وإن عّين في نذره مسجدا ً غير هذه المساجد الثلثة‪ ،‬وجب عليه‬
‫أن يعتكف في أيّ المساجد شاء‪ ،‬لن أجر العتكاف ل يختلف بين‬
‫بلدة وأخرى‪ ،‬أو مسجد وآخر‪.‬‬
‫وإن نذر حجًا‪ ،‬أو عمرة‪ ،‬لزمه أن يفعل ذلك بنفسه‪ ،‬إن كان قادرا ً‬
‫على ذلك بنفسه‪ ،‬فإن كان عاجزا ً عن الحج أو العمرة بنفسه‬
‫استناب من يحج عنه‪ ،‬أو يعتمر‪ ،‬ولو بأجرة‪ ،‬كما يجب عليه ذلك‬
‫في حجة الفريضة إذا عجز عن أدائها بنفسه‪ ،‬استناب من يحج‬
‫عنه‪.‬‬
‫ويندب تعجيله بالوفاء بما نذره‪ ،‬في أول فرصة تسنح له‪ ،‬مبادرة‬
‫إلى براءة ذمته‪.‬‬
‫ج عنه أو‬
‫ح ّ‬
‫خر أداءها فمات ُ‬‫فإن تمكن من الحج أو العمرة فأ ّ‬
‫اعتمر من ماله ‪ ،‬لتقصيره بعد حصول التم ّ‬
‫كن‪.‬‬
‫كن من الحج أو العمرة فل شيء عليه‪ ،‬لعدم‬ ‫أما إذا مات قبل التم ّ‬
‫ذ‪.‬‬‫تقصيره حينئ ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وإن نذر أن يحج‪ ،‬أو يعتمر ماشيا لزمه المشي إن كان قادرا على‬
‫المشي‪ ،‬لنه التزم جعل المشي وصفا ً للعبادة ‪ ،‬فهو كما لو نذر‬
‫أن يصوم متتابعًا‪.‬‬
‫أما إذا لم يكن قادرا ً على المشي‪ ،‬فإنه ل يلزمه المشي‪ ،‬بل‬
‫يجوز له الركوب‪ ،‬لعجزه عن المشي‪.‬‬
‫عن عقبة بن عامر ‪ ‬قال ‪ :‬نذرت أختي أن تمشي إلى بيت‬
‫الله ‪ ،‬وأمرتني أن أستفتي لها النبي ‪ ، ‬فاستفتيته ‪ ،‬فقال عليه‬
‫ب"‪.‬‬
‫ش ‪ ،‬ولترك ْ‬‫الصلة والسلم‪ " :‬لتم ِ‬
‫أخرجه البخاري في ] الحصار‪ ،‬وجزاء الصيد ـ باب ـ من نذر‬
‫المشي إلى الكعبة‪ ،‬رقم ‪ [1767 :‬ومسلم في ] النذر ـباب ـ من‬
‫نذر أن يمشي إلى الكعبة‪ ،‬رقم ‪.[1644 :‬‬
‫ولو نذر أن يهدي شيئا ً من ن ََعم‪ :‬وهي البل والبقر والغنم وال َ‬
‫مِعز‪،‬‬
‫من بها‬ ‫دق به على َ‬
‫ل إلى مكة لزمه حمله إليه‪ ،‬ولزمه التص ّ‬ ‫أو ما ٍ‬

‫‪16‬‬
‫من الفقراء والمساكين‪ ،‬سواء أكانوا من أهلها‪ ،‬أم من الوافدين‬
‫إليها‪.‬‬
‫ولو نذر أن يذبح شاة في بلد غير مكة ويفرقها فيها‪ ،‬لزمه الذبح‬
‫في تلك البلد‪ ،‬وتفريق لحمها على مساكينها‪ ،‬ما دام قد نوى‬
‫الذبح والتفرقة فيها‪ ،‬لن الذبح وسيلة إلى التفرقة المقصودة‪،‬‬
‫فلما جعل مكان الذبح مكان التفرقة‪ ،‬اقتضى تعيين الذبح فيها‬
‫تبعا ً لتفريق لحمها فيها‪.‬‬
‫ولو نذر شمعًا‪ ،‬لتوقد في المشاهد التي ُبنيت على قبور‬
‫الصالحين والولياء‪ ،‬فإن قصد الناذر بذلك التنوير على من يسكن‬
‫ذره‪ ،‬ولزمه ذلك‪ ،‬وإن قصد‬ ‫ح نَ ْ‬
‫هناك من الناس ‪ ،‬أو يتردد إليها ص ّ‬
‫به اليقاد على القبر‪ ،‬ولو مع قصد التنوير على الناس‪ ،‬فل يصح‬
‫نذره‪.‬‬
‫دفن‬ ‫من ُ‬
‫وإن قصد به تعظيم البقعة‪ ،‬أو القبر‪ ،‬أو التقّرب إلى َ‬
‫فيها‪ ،‬أو نسبت إليه‪ ،‬فهذا نذر باطل غير منعقد‪.‬‬

‫النذر المطلق ل يتحدد بوقت ‪:‬‬


‫إذا كان النذر مطلقا ً عن تحديد الزمان‪ ،‬فإن وجوبه يكون من نوع‬
‫سع‪ ،‬أي فللناذر أن يتأخر في الوفاء بنذره ما دامت‬ ‫الواجب المو ّ‬
‫الفرصة سانحة له ‪ ،‬ولم يغلب على ظنه أن التراخي سيحول‬
‫دون قدرته على الوفاء بالنذر‪.‬‬
‫ن تعجيل الوفاء بالنذر‪ ،‬وإن كانت الفرصة ل تزال‬ ‫إل أن يس ّ‬
‫سانحة ومّتسعة‪ ،‬وذلك مسارعة إلى براءة ذمته من النذر‪ .‬أما إذا‬
‫كان النذر مقيدا ً بزمن مخصوص‪ ،‬وجب التقيد بذلك الزمن‪ ،‬فإن‬
‫خر الوفاء به عن ذلك الزمن بدون عذر أثم‪ ،‬ووجب عليه‬ ‫أ ّ‬
‫خر لعذر‪ ،‬لم يأثم‪ ،‬ووجب عليه القضاء أيضا ً في أ ّ‬
‫ي‬ ‫القضاء‪ ،‬وإن أ ّ‬
‫فرصة ممكنة‪.‬‬
‫والله تعالى اعلم‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫صْيد َوالذ َّباِئح‬
‫ال ّ‬

‫‪18‬‬
‫صْيد‬
‫ال ّ‬
‫تعريف الصيد ‪:‬‬
‫الصيد في الصل ‪ :‬مصدر صاد يصيد صيدا ً ‪ :‬أي قنصه‪ ،‬وأخذه‬
‫ل‪ ،‬أم غير مأكول‪.‬‬ ‫خْلسة‪ ،‬وبحيلة ‪ ،‬سواء أكان مأكو ً‬ ‫ِ‬
‫ثم أريد به اسم المفعول‪ ،‬أي المصيد‪.‬‬
‫َ‬
‫م [ ) المائدة‪:‬‬ ‫حُر ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫صي ْد َ وَأنت ُ ْ‬ ‫قت ُُلوا ْ ال ّ‬ ‫قال الله تبارك وتعالى ‪] :‬ل َ ت َ ْ‬
‫‪ ] .(95‬أي‪ :‬المصيد[‪.‬‬
‫والصيد في اصطلح الفقهاء خاص بما كان مأكو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫مشروعية الصيد ‪:‬‬
‫دال على مشروعيته‪ ،‬قول الله عّز‬ ‫الصيد مشروع‪ ،‬والصل ال ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كم ب َهيم ُ َ‬ ‫ت لَ ُ‬
‫حلي‬ ‫م ِ‬ ‫م غ َي َْر ُ‬ ‫ما ي ُت ْلى ع َلي ْك ُ ْ‬ ‫ة الن َْعام ِ إ ِل ّ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫حل ّ ْ‬ ‫ل‪ِ ]:‬‬ ‫وج ّ‬
‫م [)المائدة ‪.(1:‬‬ ‫َ‬
‫حُر ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫صي ْد ِ وَأنت ُ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫دوا ْ [) المائدة‪.(2:‬‬ ‫طا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫حل َل ْت ُ ْ‬‫ذا َ‬ ‫وقوله سبحانه وتعالى ‪] :‬وَإ ِ َ‬
‫فإن الية الولى حصرت المنع من الصيد في حالة الحرام‪ ،‬والية‬
‫الثانية صّرحت بإباحة الصيد بعد التحّلل من الحرام‪.‬‬
‫م‬‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل أُ ِ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ذا أ ُ ِ‬‫ما َ‬ ‫ك َ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬ ‫وقوله تبارك وتعالى ‪ ]:‬ي َ ْ‬
‫م‬‫مك ُ ُ‬ ‫ّ‬
‫ما ع َل َ‬ ‫م ّ‬‫ن ِ‬ ‫مون َهُ ّ‬ ‫ّ‬
‫ن ت ُعَل ُ‬ ‫ّ‬
‫مك َلِبي َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ما ع َل ّ ْ‬ ‫الط ّي َّبا ُ‬
‫وارِ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫م َ‬ ‫مُتم ّ‬
‫َ‬
‫ت وَ َ‬
‫قوا ْ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م الل ّهِ ع َل َي ْهِ َوات ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫م َواذ ْك ُُروا ْ ا ْ‬ ‫ن ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫سك ْ َ‬ ‫م َ‬‫ما أ ْ‬ ‫ه فَك ُُلوا ْ ِ‬
‫م ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ب [‪.‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫) المائدة ‪ ] .(4 :‬مكلبين ‪ :‬معلمين لها الصيد‪ ،‬وسمي التعليم هنا‬
‫تكليبا ً ‪ ،‬لنه أكثر ما يكون في الكلب[‪.‬‬
‫الحكمة من مشروعية الصيد ‪:‬‬
‫ددها الشارع لحل أكل الحيوانات‪ ،‬من‬ ‫اعلم أن الوسائل التي ح ّ‬
‫تذكية‪ :‬أي ذبح‪ ،‬وصيد ونحوهما داخلة في قسم التعبدات‬
‫المحضة‪ ،‬وليست قائمة على شيء من العلل والمصالح التي‬
‫تقوم على أمثالها أحكام المعاملت‪ .‬غير أن للباحث أن يستجلي‬
‫ل أكل بعض الحيوانات دون بعضها الخر‪ ،‬ومن‬ ‫كم من ح ّ‬ ‫ح َ‬‫بعض ال ِ‬
‫مشروعية الصيد إلى جانب مشروعية التذكية بالذبح‪ ،‬فإن كثيرا ً‬
‫من العبادات يمكن للباحث الوقوف على بعض أسرارها وحكمها‪.‬‬
‫وحكمة مشروعية الصيد تشبه الحكمة من مشروعية ذكاة‬
‫الضرورة‪ ،‬أي التذكية الضطرارية‪ ،‬التي سنتحدث عنها فيما بعد‪.‬‬
‫ما كان في الحيوانات التي استطابتها العرب‪ ،‬وأقّرت‬ ‫إذ ل ّ‬
‫الشريعة السلمية أكلها‪ ،‬ما هو وحشي‪ ،‬وغير أليف‪ ،‬يصعب‬
‫سر الله سبحانه وتعالى على الناس‬ ‫إخضاعه للتذكية العادية ي ّ‬
‫سبيل الحصول على هذه الحيوانات عن طريق القنص والصيد‪،‬‬
‫وأقام ذلك مقام التذكية الصلية‪ ،‬إن لم يتمكن الصائد منها‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫وفي ذلك من التيسير على الناس ما ل يخفى ألطافه وفوائده‬
‫مل وباحث‪.‬‬ ‫على أي متأ ّ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ل من الصيد وما ل يح ّ‬ ‫ما يح ّ‬
‫مصادة‪،‬‬ ‫ل الصيد بأنواعه‪ ،‬مهما كان نوع الحيوانات ال ُ‬ ‫الصل ح ّ‬
‫حل َل ْت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ذا َ‬ ‫ودليل ذلك عموم ما يدل عليه قول الله تعالى‪] :‬وَإ ِ َ‬
‫دوا ْ [ ) المائدة ‪.(2:‬‬
‫طا ُ‬‫ص َ‬
‫َفا ْ‬
‫إل أنه يستثنى من عموم ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫ل أكلها‪ ،‬ول يجوز قتلها‪ ،‬مما ل يعد ّ‬ ‫‪ -1‬صيد الحيوانات التي ل يح ّ‬
‫ضاّرًا‪ ،‬ول مؤذيًا‪ ،‬إذا كانت وسيلة الصيد من شأنها أن تؤذي‬
‫الحيوان‪ ،‬أو تعطبه‪ ،‬أو تقتله‪.‬‬
‫فإن كانت وسيلة الصيد غير مؤذية‪ :‬كشباك ونحوه‪ ،‬لم يحرم‪.‬‬
‫‪ -2‬كل صيد ُيبتغي منه مجرد العبث إذا كان بقتل‪ ،‬أو إعطاب‪،‬‬
‫ل أكله‪ ،‬أو مما يحّرم‪ :‬كمن خرج لصيد‬ ‫سواء كان الحيوان مما يح ّ‬
‫الطيور ل يريد من ذلك إل التسلية والعبث‪ ،‬وليس له في الكل‬
‫منها أيّ غرض‪ ،‬أو قصد‪.‬‬
‫حرم‪ ،‬سواء كان‬ ‫م ِ‬‫‪ -3‬صيد الحيوانات البرية المأكولة بالنسبة لل ُ‬
‫ذلك بالقتل‪ ،‬أو العطاب‪ ،‬أو بمجرد وضع اليد عليه‪.‬‬
‫َ‬
‫م[‬‫حُر ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫قت ُُلوا ْ ال ّ‬
‫صي ْد َ وَأنت ُ ْ‬ ‫ل‪] :‬ل َ ت َ ْ‬ ‫ودليل ذلك قول الله عّز وج ّ‬
‫) المائدة ‪ .(95 :‬كما يحّرم أيضا ً الصيد في الحرم‪ ،‬ولو كان‬
‫حرم‪.‬‬‫م ِ‬‫الصائد غير ُ‬
‫ودليل ذلك ما رواه البخاري في ] كتاب الحج ـ باب ـ فضل‬
‫الحرم‪ ،‬رقم ‪ [1510 :‬وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما‬
‫قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ ‬يوم فتح مكة ‪ " :‬إن هذا البلد حرمه‬
‫الله ‪ ،‬ل يعضد شوكه‪ ،‬ول ينفر صيده‪ ،‬ول يلتقط لقطته إل من‬
‫عرفها"‪.‬‬
‫] هذا البلد‪ :‬مكة المكرمة‪.‬‬
‫حرمه الله ‪ :‬جعله الله حرامًا‪ ،‬يحرم فيه ما ذكر في الحديث‪،‬‬
‫وجعل له أيضا ً حرمة وتعظيمًا‪.‬‬
‫ل يعضد ‪ :‬ل يقطع ويكسر‪.‬‬
‫ل ينفر صيده ‪ :‬ل يزعج من مكانه‪ ،‬ول يحل صيده‪.‬‬
‫ل يلتقط ‪ :‬ل يأخذ‪.‬‬
‫لقطته ‪ :‬ما سقط فيه‪.‬‬
‫عرفها ‪ :‬نادى عليها‪ ،‬حتى يجيء صاحبها‪ ،‬ول يأخذها ليتملكها[‪.‬‬
‫رم إذا كان‬ ‫مح ِ‬‫أما صيد ما ل يؤكل لحمه‪ ،‬فل إثم فيه على ال ُ‬
‫مؤذيًا‪ ،‬أو لم يكن مؤذيًا‪ ،‬وكان صيده مجرد وضع اليد عليه‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫حرمة صيد الحيوان في هذه الحالت الثلث المذكورة‬ ‫والمقصود ب ُ‬
‫استلزامه الثم‪ ،‬بقطع النظر عن أثر ذلك في تحريم أكله‪ ،‬إذ‬
‫ليس بينهما أي تلزم‪.‬‬
‫الوسيلة المشروعة في الصطياد ‪:‬‬
‫ويقصد بالوسيلة المشروعة في الصطياد‪ ،‬ما يترتب على‬
‫اصطياد الحيوان بها جواز أكله‪ ،‬وبالوسيلة غير المشروعة ما ل‬
‫يترتب على الصطياد بها جواز ذلك‪.‬‬
‫ووسيلة الصطياد المشروعة تكون بواحدة من السببين التاليين ‪:‬‬
‫دد ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬كل ما يجرح من مح ّ‬
‫سواء كان حديدا ً ‪ ،‬أو رصاصًا‪ ،‬أو قصبا‪ ،‬أو زجاجا‪ ،‬أو غير ذلك مما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يجرح الحيوان‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه رافع بن خديج ‪ ، ‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪: ‬‬
‫م‪ ،‬وذكر اسم الله عليه فك ُُلوه"‪ .‬أخرجه البخاري في‬ ‫" ما أنهر الد ّ َ‬
‫] الشركة ـ باب ـ قسمة الغنم‪ ،‬رقم ‪ [2356:‬ومسلم في‬
‫] الضاحي ـ باب ـ جواز الذبح بكل ما انهر الدم‪ ،‬رقم‪] .[1968 :‬‬
‫ومعنى أنهر الدم ‪ :‬أي أساله[‪.‬‬
‫فلو كان ما ُيصاد به شيئا ً ل حد ّ له‪ ،‬وإنما يقتل بضغطه‪ ،‬وأو بثقلة‪:‬‬
‫كحجر ل حد ّ فيه‪ ،‬أو كان شيئا ً يقتل بالحرق‪ ،‬ومات الحيوان بسببه‬
‫لم يجز أكله‪.‬‬
‫أما إذا لم يمت الحيوان به ‪ :‬كأن أصاب منه جناحًا‪ ،‬أو قدمًا‪ ،‬ثم‬
‫أدركه الصائد حيًا‪ ،‬فذكاه الذكاة المشروعة‪ ،‬التي سنتحدث عنها‪،‬‬
‫كين وسهم‪ ،‬ونحوهما‪ ،‬فإنه يجوز‬ ‫ده‪:‬كس ّ‬ ‫أو رماه بشيء يقتل بح ّ‬
‫أكله‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬إرسال جارحة من سباع البهائم أو جوارح‬
‫الطير ‪:‬‬
‫فلو أرسل جارحة من سباع البهائم‪ ،‬أو أرسل جارحة من جوارح‬
‫الطير على الحيوان الذي ُيراد اصطياده ـ بالشروط التي‬
‫سنذكرها ـ فجرحته‪ ،‬ومات بجرحه جاز وح ّ‬
‫ل أكله‪.‬‬
‫ومثال سباع البهائم ‪ :‬الكلب‪ ،‬والفهد‪ ،‬والنمر‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫ومثال جوارح الطير ‪ :‬الصقر‪ ،‬والباز‪ ،‬والشاهين‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫شروط الصطياد بسباع البهائم وجوارح الطير‪:‬‬
‫وإنما تعتبر الستعانة بسباع البهائم‪ ،‬وجوارح الطير وسيلة‬
‫مشروعة للصطياد‪ ،‬إذا تحققت فيها الشروط الربعة التالية ‪:‬‬
‫الشرط الول ‪:‬‬
‫أن تندفع إلى الحيوان الذي ُيراد صيده إذا أرسلت إليه‪ ،‬بحيث‬
‫تتجه إليه‪ ،‬ول تقصد شيئا ً غيره‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ولت عن الحيوان الذي أرسلت نحوه‬ ‫فلو هاجت واندفعت‪ ،‬ثم تح ّ‬
‫ل صيدها‬‫إلى شيء آخر‪ ،‬اتجهت إليه بدافع من الغزيرة‪ ،‬لم يح ّ‬
‫لذلك الحيوان الذي لم ترسل إليه إل بالتذكية‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪:‬‬
‫ي‬
‫أن تنزجر إذا زجرت‪ :‬أي تتوقف إذا استوقفها صاحبها في أ ّ‬
‫مرحلة من مراحل ع َد ِْوها‪ ،‬واتجاها نحو الصيد‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪:‬‬
‫أن ل تأكل شيئا ً من الصيد إذا قتلته قبل أن تصل به إلى صاحبها‬
‫الذي أرسلها‪.‬‬
‫فأما إذا أكلت منه بعد أن وضعته بين يديه‪ ،‬وانصرفت عنه‪ ،‬فل‬
‫بأس بذلك‪.‬‬

‫الشرط الرابع ‪:‬‬


‫أن يتكّرر ذلك منها‪ ) :‬أي هذه الشروط الثلثة( مّرتين فأكثر‪،‬‬
‫ودها‪ ،‬وتعلمها ذلك‪.‬‬ ‫بحيث يغلب على الظن تع ّ‬
‫والعبرة في كونها قد اعتادت ذلك‪ ،‬وتعلمته بظن أهل الخبرة في‬
‫الصيد والجوارح‪.‬‬
‫ل الصيد بهذه الجوارح هو‬ ‫والصل في اعتبار هذه الشروط لح ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫مُتم ّ‬ ‫ما ع َل ّ ْ‬
‫ت وَ َ‬ ‫م الط ّي َّبا ُ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬‫ح ّ‬‫ل أُ ِ‬ ‫ل‪]:‬قُ ْ‬ ‫قول الله عّز وج ّ‬
‫َ‬
‫ن‬‫سك ْ َ‬‫م َ‬‫ما أ ْ‬ ‫ه فَك ُُلوا ْ ِ‬
‫م ّ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ما ع َل ّ َ‬
‫مك ُ ُ‬ ‫م ّ‬
‫ن ِ‬ ‫مون َهُ ّ‬‫ن ت ُعَل ّ ُ‬
‫مك َل ِّبي َ‬
‫ح ُ‬
‫وارِ ِ‬ ‫ج َ‬‫ال ْ َ‬
‫م‪ ) [...‬المائدة ‪.(4 :‬‬ ‫ع َل َي ْك ُ ْ‬
‫] مكلبين ‪ :‬من التكليب‪ ،‬وهو تأديب الحيوان وترويضه‪ ،‬وذلك بأن‬
‫يسترسل إذا أغري بالصيد وسّلط عليه[‪.‬‬
‫وقال الشافعي رحمه الله تعالى في بيان معنى " مكلبين"‪ ) :‬إذا‬
‫أمرت الكلب فأتمر‪ ،‬وإذا نهيته فانتهى‪ ،‬فهو كلب مكّلب(‪.‬‬
‫ومعنى‪ ":‬أمسكن عليكم" أي أمسكنه من أجلكم‪ ،‬وإنما يتحقق‬
‫ذلك بالمحافظة على الصيد وعدم الكل منه‪.‬‬
‫ومفهوم المخالفة يقتضي أنه إذا لم يمسك على صاحبه‪ ،‬بأن أكل‬
‫ل‪ ،‬ول يعتبر الصطياد به عندئذ ٍ شرعيًا‪.‬‬ ‫منه‪ ،‬فإنه ل يح ّ‬
‫ويدل على هذا من السّنة ما رواه عديّ بن حاتم ‪ ،‬عن النبي‬
‫ك وقت َ‬
‫ل‬ ‫ميت‪ ،‬فأمس َ‬ ‫‪ ‬قال ‪ ":‬إذا أرسلت كلبك المعّلم‪ ،‬وس ّ‬
‫ل فل تأكل‪ ،‬فإنما أمسك على نفسه"‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬وإن أك َ‬ ‫فك ُ ْ‬
‫أخرجه البخاري في ] الذبائح والصيد ـ باب ـ الصيد إذا غاب عنه‬
‫يومين أو ثلثة‪ ،‬رقم‪ [5167 :‬ومسلم في ] الصيد والذبائح ـ باب‬
‫ـ الصيد بالكلب المعلمة‪ ،‬رقم‪.[1929 :‬‬
‫متى ينزل الصيد وحده منزلة التذكية ومتى ل ينزل؟‬

‫‪22‬‬
‫إذا كانت وسيلة الصيد مشروعة‪ ،‬ووافية بالشروط التي ذكرناها ‪،‬‬
‫وصاد بها الصائد‪:‬‬
‫فإما أن يستطيع الصائد إدراك ما اصطاده‪ ،‬وفيه حياة مستقرة‪،‬‬
‫أو ل‪.‬‬

‫فأما في الحالة الولى ‪:‬‬


‫وهي ما إذا كان في الحيوان المصيد حياة مستقرة‪ ،‬فإن الصيد ل‬
‫ينزل منزلة التذكية‪ ،‬بل لبد ّ من تذكيته بذبح شرعي‪ ،‬على النحو‬
‫الذي سنذكره فيما بعد‪.‬‬
‫فإن أهمل الصائد ذلك‪ ،‬وترك الصيد فلم يذبحه حتى مات‪ ،‬كان‬
‫نجسا ً ولم ي َ ُ‬
‫جْز أكله‪.‬‬
‫وأما في الحالة الثانية ‪:‬‬
‫وهي ما إذا لم يتمكن الصائد من إدراك الصيد حي ًّا‪ ،‬وذلك بأن‬
‫أسرع محاوِل ً الّلحاق به‪ ،‬فمات قبل أن يصل إليه‪ ،‬فإن موته‬
‫بمجرد الصيد في هذه الحالة ينزل منزلة تذكيته‪ ،‬ويجوز أكله‪،‬‬
‫وتسمى تذكية ضرورة‪.‬‬
‫ودليل هذه الحالة الثانية ما رواه البخاري في]الذبائح والصيد ـ‬
‫باب ـ ما ند ّ من البهائم فهو بمنزلة الوحش‪ ،‬رقم ‪[5190 :‬‬
‫ومسلم في ] الضاحي ـ باب ـ جواز الذبح بكل ما أنهر الدم‪ ،‬رقم‬
‫‪ [1968 :‬عن رافع بن خديج ‪ ،‬قال ‪ :‬أصبنا نهب إبل وغنم ـ‬
‫وفي رواية‪ ،‬وفي القوم خيل يسير ـ فند ّ منها بعير ‪ ،‬فرماه رجل‬
‫بسهم فحبسه ـ أي مات ـ فقال رسول الله ‪ ": ‬إن لهذه‬
‫البهائم أوابد كأوابد الوحش‪ ،‬فما فعل منها هكذا‪ ،‬فافعلوا به مثل‬
‫ذلك "‪.‬‬
‫] النهب‪ :‬الغنيمة‪ ،‬وكانت هذه الغنيمة إبل ً وغنمًا‪.‬‬
‫د‪ :‬نفر ‪ ،‬وذهب شاردًا‪.‬‬ ‫ن ّ‬
‫أوابد‪ :‬جمع آبدة‪ ،‬وهي الحيوانات التي تأّبدت‪ ،‬أي نفرت‬
‫وتوحشت[‪.‬‬
‫وروى البخاري في ] الذبائح والصيد ـ باب ـ ما جاء في التصيد‪،‬‬
‫رقم ‪ [5170‬ومسلم في ] الصيد والذبائح ـ باب ـ الصيد بالكلب‬
‫شني ‪ ،‬أن النبي ‪‬‬ ‫خ َ‬‫المعّلمة ‪ ،‬رقم ‪ [1930 :‬عن أبي ثعلبة ال ُ‬
‫ما قال ‪ :‬إني أصيد بكلبي المعّلم‪ ،‬وغيره‪ ":‬ما صدت‬ ‫قال له ‪ ،‬ل ّ‬
‫ل ‪،‬وما صدت بكلبك‬ ‫بكلبك المعّلم‪ ،‬فاذكر اسم الله عليه‪ ،‬ثم ك ُ ْ‬
‫الذي ليس معلمًا‪ ،‬فأدركت ذكاته ف ُ‬
‫كل"‪.‬‬
‫ل على حكم كل ً الحالتين‪.‬‬ ‫ويلحظ أن هذا الحديث الثاني قد د ّ‬

‫‪23‬‬
‫الذَّبـاِئح‬
‫تعريف الذبائح ‪:‬‬
‫الذبائح‪ :‬جمع ذبيحة‪ ،‬بمعنى ‪ :‬مذبوحة‪.‬‬
‫والمقصود به ‪ :‬الحيوان الذي تمت تذكيته على وجه شرعي‪،‬‬
‫بالشروط التي سنذكرها‪ ،‬وكان مما يجوز أكله‪.‬‬
‫الفرق بين الذبح والتذكية ‪:‬‬
‫التذكية ‪ :‬هي ذبح الحيوان في حلقه‪ ،‬أو في ل َّبته‪ ،‬إن كان مقدورا ً‬
‫هق للروح‪ ،‬إن لم يكن مقدورا ً عليه‪ ،‬كصيد‪.‬‬ ‫مذ ِ‬
‫عليه‪ ،‬أو بأيّ عقر ُ‬
‫أما الذبح‪ :‬فهو قطع ما يسبب الموت من العنق‪ ،‬سواء توفرت‬
‫فيه الشروط الشرعية التي سنتحدث عنها‪ ،‬أم ل‪.‬‬
‫إذا ً فالذبح نوع من أنواع التذكية‪ ،‬غير مقّيد بكونه شرعيا ً صحيحا‪ً.‬‬
‫والتذكية‪ :‬تشمل الذبح وغيره‪ ،‬مما تتوفر فيه الشروط الشرعية‬
‫ل أكل الحيوان المذ ّ‬
‫كي‪.‬‬ ‫التي لبد ّ منها لح ّ‬
‫الحكمة من اشتراط التذكية ‪:‬‬
‫ل أكله تقوم على معنى تعّبدي‪ ،‬كما‬ ‫عرفت أن تذكية الحيوان لح ّ‬
‫أوضحنا ذلك في حكمة مشروعية الصيد‪.‬‬
‫كما ً زيادة على المعنى التعبدي‪ ،‬تتعلق باشتراط‬ ‫ح َ‬
‫إل أن هناك ِ‬
‫التذكية نذكر منها ما يلي‪:‬‬
‫ملل كلها بتحريم الميتة من الحيوانات‪،‬‬ ‫‪ -1‬جاءت الشرائع وال ِ‬
‫والحكم بنجاستها‪ ،‬ولبد ّ من تفريق بين الحيوان الميت الذي‬
‫تنجس بالموت‪ ،‬وغيره‪ ،‬فكانت التذكية في حكم الشرع هي‬
‫الفارق الساسي بينهما‪.‬‬
‫‪ -2‬قضت الشريعة السلمية بنجاسة الدم‪ ،‬ووجوب اجتنابه‪ ،‬لما‬
‫فيه من أضرار‪ ،‬والذبح تطهير للحيوان من الدم ـ كما ستعلم ـ‬
‫والموت للحيوان بالخنق ونحوه تضميخ للحيوان بالدم‪.‬‬

‫أنواع التذكية ‪:‬‬


‫والتذكية تنقسم إلى ثلثة أنواع‪:‬‬
‫الذبح ‪ ،‬والنحر ‪ ،‬والعقر‪.‬‬
‫‪ -1‬أما الذبح‪ :‬فهو قطع الحلق من الحيوان‪ ،‬بالشروط التي‬
‫سنذكرها فيما بعد‪] .‬والحلق ‪ :‬أعلى العنق[‪.‬‬
‫والذبح ‪ :‬هو تذكية سائر الحيوانات التي يتمكن النسان من‬
‫تذكيتها؛ بأن كان قادرا ً عليها‪.‬‬
‫‪ -2‬وأما النحر ‪ :‬فهو قطع لّبة الحيوان‪ ،‬وهي أسفل العنق‪.‬‬
‫والنحر‪ :‬هو التذكية المسنونة بالنسبة للبل‪.‬‬
‫حْر[ ) الكوثر ‪.(2 :‬‬ ‫ل ل َِرب ّ َ‬
‫ك َوان ْ َ‬ ‫ل ‪ ]:‬فَ َ‬
‫ص ّ‬ ‫قال الله عّز وج ّ‬

‫‪24‬‬
‫قال الفقهاء‪ :‬والمعنى الملحظ في ذلك أن النحر بالنسبة للبل‬
‫أسرع لخروج الروح‪ ،‬لطول أعناقها‪.‬‬
‫وهذان النوعان ) الذبح‪ ،‬والنحر( يقوم أحدهما مقام الخر بالنسبة‬
‫لصل التذكية‪.‬‬
‫ودليل ذلك قول النبي ‪ " : ‬أل إن الذكاة في الحلق واللّبة" ‪.‬‬
‫رواه الدارقطني ]‪ [4/283‬والبخاري تعليقا ً في ] الذبائح والصيد ـ‬
‫باب ـ النحر والذبائح[ عن ابن عباس رضي الله عنهما‪.‬‬
‫إل أن المسنون نحر البل‪ ،‬وذبح سائر الحيوانات الخرى‪ :‬كالبقر‬
‫والغنم‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫‪ -2‬وأما العقر ‪ :‬ـ وهو ما يسمى بذكاة الضرورة ـ فهو جرح‬
‫هق للروح‪ ،‬في أيّ جهة من جسمه‪.‬‬ ‫مز ِ‬‫الحيوان‪ ،‬أي جرح ُ‬
‫د‪ ،‬ولم يتمكن صاحبه من‬ ‫والعقر ‪ :‬تذكية الحيوان المأكول إذا ن ّ‬
‫القدرة عليه‪ ،‬كما أنه تذكية الحيوان الذي ُيراد اصطياده‪ ،‬كما‬
‫أوضحنا ذلك فيما مضى‪.‬‬
‫ودليل ذلك‪ :‬قول النبي ‪ ‬في بعير ند ّ ‪ ،‬فضربه رجل بسهم‬
‫فحبسه ‪ " :‬إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش‪ ،‬فإذا غلبكم منها‬
‫شيء فاصنعوا به هكذا"‪ .‬رواه البخاري في ] الذبائح والصيد ـ‬
‫باب ـ ما ند ّ من البهائم فهو بمنزلة الوحش‪ ،‬رقم‪[5190 :‬‬
‫ومسلم في ] الضاحي ـ باب ـ جواز الذبح بكل ما أنهر الدم‪ ،‬رقم‬
‫‪ [1968:‬عن رافع بن خديج ‪. ‬‬
‫شروط صحة الذبح ‪:‬‬
‫ونقصد بهذه الشروط ‪ :‬المور التي لبد ّ من توفرها ‪ ،‬ليسمى‬
‫كى‪.‬‬‫الذبح تذكية‪ ،‬وليكون الحيوان المذبوح مذ ّ‬
‫وهذه المور بجملتها تنقسم إلى ثلثة أقسام ‪:‬‬
‫أ‪ -‬شروط تتعلق بالذابح‪.‬‬
‫ب‪ -‬شروط تتعلق بالمذبوح‪.‬‬
‫ج‪ -‬شروط تتعلق بآلة الذبح‪.‬‬
‫أ( الشروط المتعلقة بالذابح ‪:‬‬
‫والشروط التي تتعلق بالذابح نلخصها فيما يلي ‪:‬‬
‫الشرط الول ‪ :‬أن يكون الذابح مسلما ً أو كتابيا ً ‪:‬‬
‫والكتابي ُيقصد به اليهودي والنصراني‪.‬‬
‫فإن كان الذابح غير مسلم‪ ،‬وغير كتابي‪ ،‬وذلك بأن كان مرتدًا‪ ،‬أو‬
‫ل ذبيحته‪.‬‬‫وثنيا ً أو ملحدًا‪ ،‬أو مجوسيًا‪ ،‬لم تح ّ‬
‫م[ )‬‫ما ذ َك ّي ْت ُ ْ‬ ‫ل‪] :‬إ ِل ّ َ‬
‫ل ذبيحة المسلم‪ ،‬فقول الله عّز وج ّ‬ ‫أما دليل ح ّ‬
‫المائدة ‪.(3 :‬‬
‫وهو خطاب للمسلمين‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫م‬‫ل ذبيحة الكتابي‪ ،‬فقول الله تبارك وتعالى ‪] :‬وَط ََعا ُ‬ ‫وأما دليل ح ّ‬
‫ال ّذي ُ‬
‫م[) المائدة ‪.(5:‬‬ ‫ل ل ّك ُ ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬
‫والمراد بالطعام هنا الذبائح‪.‬‬
‫ل ذبيحة الكفار من غير الكتابيين‪ ،‬فما ُروي أنه‬ ‫أما دليل عدم ح ّ‬
‫جر يعرض عليهم السلم‪ ،‬فمن أسلم‬ ‫‪ : ‬كتب إلى مجوس هَ َ‬
‫ضربت عليه الجزية‪ ،‬على أن ل تؤكل لهم‬ ‫ُقبل منه‪ ،‬ومن أبي ُ‬
‫ذبيحة‪ ،‬ول تنكح لهم امرأة"‪.‬‬
‫مرسل‪ ،‬وإجماع أكثر المة‬ ‫رواه البيهقي ] ‪ [9/285‬وقال ‪ :‬هذا ُ‬
‫عليه يؤكده‪.‬‬
‫] مرسل ‪ :‬الحديث المرسل ‪ :‬هو الذي يرفعه التابعي إلى النبي‬
‫‪ ‬دون أن يذكر اسم الصحابي الذي روى عنه الحديث[‪.‬‬
‫فإذا كان هذا هو الحكم بالنسبة للمجوس‪ ،‬فإن المرتدين‬
‫والوثنيين والملحدين أ َْولى بذلك منهم‪ ،‬لنهم أوغل في الكفر‪.‬‬
‫من أصبح هو‪ ،‬أو واحد‬ ‫الشرط الثاني‪ :‬أن ل يكون الكتابي م ّ‬
‫من آبائه‪ ،‬كتابيا ً بعد التحريف أو النسخ‪.‬‬
‫صر اليوم ل تحل ذبيحته‪ .‬وكذلك النصراني‪ ،‬أو‬ ‫فالملحد إذا تن ّ‬
‫ل‪ ،‬ثم‬‫اليهودي الذي عرف أن أجداده القدمين كانوا وثنيين مث ً‬
‫تنصروا بعد التحريف‪ ،‬أو بعد بعثة النبي ‪ ،‬ل تح ّ‬
‫ل ذبيحته‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه شهر بن حوشب ‪ ،‬أنه ‪ " : ‬نهى عن ذبح‬
‫نصارى العرب" وهم‪ :‬بهراء‪ ،‬وتنوخ‪ ،‬وتغلب‪.‬‬
‫وعّلة النهي أنهم إنما دخلوا النصرانية بعد التحريف الذي طرأ‬
‫عليها‪.‬‬
‫ل‪ ،‬أو على غير‬ ‫الشرط الثالث ‪ :‬أن ل يذبح لغير الله عّز وج ّ‬
‫اسمه‪.‬‬
‫ل الذبيحة‪.‬‬‫فلو ذبح لصنم‪ ،‬أو مسلم ‪ ،‬أو نبي‪ ،‬لم تح ّ‬
‫ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى في معرض ذكر ما حرم أكله ‪:‬‬
‫ه[ ) المائدة ‪.( 3 :‬‬ ‫ما أ ُه ِ ّ‬
‫ل ل ِغَي ْرِ الل ّهِ ب ِ ِ‬ ‫]وَ َ‬
‫كر عند ذبحه غير اسم الله تعالى‪.‬‬ ‫أي ما ذبح لغير الله تعالى‪ ،‬أو ذ ُ ِ‬
‫فإذا توّفرت هذه الشروط الثلثة في الذابح حّلت ذبيحته‪ ،‬من غير‬
‫فرق بين أن يكون رجل ً أو امرأة‪ ،‬كبيرا ً أو صغيرًا‪ ،‬بل ل فرق بين‬
‫الممّيز وغيره‪ ،‬والسكران والمجنون‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬ما دامت طاقة‬
‫الذبح موجودة وما دام القصد متوفرا ً في الذابح‪ ،‬ولو في الجملة‪.‬‬
‫ب‪ -‬الشروط المتعلقة بالمذبوح ‪:‬‬
‫ن جملها فيما يلي ‪:‬‬ ‫وهنا أيضا ً شروط ُ‬
‫الشرط الول ‪ :‬أن يدرك الذابح الحيوان قبل الذبح‪ ،‬وفيه حياة‬
‫مستقرة‪ ,‬والمقصود بالحياة المستقرة ‪ :‬أن ل ينتهي الحيوان‬

‫‪26‬‬
‫بسبب مرض‪ ،‬أو جرح‪ ،‬أو نحوهما إلى سياق الموت‪ ،‬بحيث تصبح‬
‫حركته اضطرابا كاضطراب المذبوح‪.‬‬
‫فإن كان الحيوان قبل الذبح قد فقد الحياة المستقرة‪ ،‬فإن ذبحه‬
‫كي قبل ذلك ذكاة‬ ‫عندئذ ٍ ل يعتبر تذكية‪ ،‬ول يح ّ‬
‫ل الذبيحة‪ ،‬إل إذا ذ ُ ِ‬
‫دثنا عنها‪.‬‬ ‫الضرورة التي تح ّ‬
‫ول يعتبر سيلن الدم من عروقه بعد ذبحه دليل وجود الحياة‬
‫المستقرة‪.‬‬
‫ل من الحلقوم ‪ ،‬والمريء‪.‬‬ ‫الشرط الثاني ‪ :‬قطع ك ّ‬
‫فس‪.‬‬ ‫والحلقوم‪ :‬هو مجرى الن ّ َ‬
‫والمريء ‪ :‬هو مجرى الطعام‪.‬‬
‫ل الذبيحة‪.‬‬ ‫فلو بقى شيء من أحدهما‪ ،‬ولو يسيرا ً لم تح ّ‬
‫ودليل ذلك ما رواه البخاري في ] الشركة ـ باب ـ قسمة‬
‫الغنم‪،‬رقم‪ [2356:‬ومسلم في ] الضاحي ـ باب ـ جواز الذبح‬
‫بكل ما أنهر الدم‪ ،‬رقم ‪ [1968:‬عن رافع بن خديج ‪ ، ‬قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله ‪ " : ‬ما أنهر الدم ‪ ،‬وذكر اسم الله عليه ‪،‬‬
‫ن والظفر"‪.‬‬ ‫فك ُُلوه ‪ ،‬ليس الس ّ‬
‫ل من‬ ‫فقد شرط في الذبح ما ينهر الدم‪ ،‬وإنما يكون ذلك بقطع ك ّ‬
‫الحلقوم والمريء ‪ ،‬فإن الحياة تفقد بقطعهما‪ ،‬وتوجد بسلمتهما‬
‫غالبًا‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬السراع بالقطع‪ ،‬وبدفعة واحدة‪ ،‬بحيث لو‬
‫تأّنى‪ ،‬فبلغ الحيوان حركة المذبوح قبل قطع جميع الحلقوم‬
‫والمريء‪ ،‬بطلت التذكية‪ ،‬ولم تحمل الذبيحة‪.‬‬
‫وتعرف الحياة المستقرة في الذبيحة بشدة الحركة بعد الذبح‪.‬‬
‫فلو تأنى بالذبح‪ ،‬وأبطأ في محاولة القطع‪ ،‬فلما انتهى من الذبح‪،‬‬
‫لم يجد حركة في الحيوان‪ ،‬كان ذلك دليل ً على أنه قد فقد الحياة‬
‫ك‪ ،‬ول‬‫المستقرة قبل تمام الذبح‪ ،‬وبذلك يتبين أن الذبيحة لم ت ُذ َ ّ‬
‫يحل أكلها‪.‬‬
‫ج‪ -‬الشروط المتعلقة بآلة الذبح ‪:‬‬
‫وهذه اللة لها شروط نجملها في الشرطين التاليين ‪:‬‬
‫ده‪ ،‬من حديد‬ ‫الشرط الول ‪ :‬أن تكون اللة مما يجرح بح ّ‬
‫ونحاس ورصاص‪ ،‬وقصب وزجاج‪ ،‬وحجر ‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫فل تتم التذكية بما يقتل رضخا ً بثقله‪ ،‬كحجر غير مح ّ‬
‫دد‪.‬‬
‫ودليل ذلك حديث البخاري ومسلم السابق‪ " :‬ما أنهر الدم وذكر‬
‫عليه اسم الله عليه فك ُُلوه"‪.‬‬
‫ده‪ ،‬أمــا مــا يقتــل‬ ‫وإنما ينهر الدم ـ أي يسيله بشدة ـ ما يجرح بح ـ ّ‬
‫رضخا ً بثقله‪ ،‬فليس من شأنه أن ينهر الدم‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬أن تكون آلة الذبح سن ًّا‪ ،‬ول ظفرًا‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ل الذبيحة التي ذبحت بأحدهما‪ ،‬ولو كان جارحًا‪ ،‬بما له من‬ ‫فل تح ّ‬
‫د‪ ،‬واستنزف الدم كله‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫وذلك لن الذبح بأحدهما مستثنى بنص الحديث من عموم ما‬
‫يجوز الذبح به‪ ،‬وهو قول النبي ‪ ‬في آخر حديث رافع بن خديج‬
‫‪ ، ‬عند الشيخين‪ ،‬السابق ذكره‪ …":‬ليس السن والظفر"‪.‬‬
‫ويدخل في حكم السن والظفر سائر أنواع العظام‪ ،‬سواء كانت‬
‫من آدمي ‪ ،‬أو غيره‪.‬‬
‫أما الحكمة من هذا الستثناء‪ ،‬فهي كما قال بعض العلماء‪ :‬التعّبد‬
‫المحض‪ .‬وقد عرفت أن أحكام الذبائح قائمة في جملتها على‬
‫التعّبد‪ ،‬وليست قائمة على شيء من العلل والمصالح‪ ،‬التي ُتدار‬
‫عليها الحكام المصلحية‪.‬‬
‫فالفضل في معرفة سبب الستثناء الوقوف عند هذا القول‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫مـلحـظات‬
‫الولى ‪:‬‬
‫كى‪ :‬أي يعتبر ذبح أمه‬ ‫مه‪ ،‬إل أن يوجد حي ّا ً فيذ ّ‬ ‫ذكاة الجنين بذكاة أ ّ‬
‫ذبحا ً له‪ ،‬إذا خرج من بطنها ميتا ً بعد ذبحها‪.‬‬
‫أما إن خرج حي ًّا‪ ،‬فلبد ّ حينئذ ٍ من ذكاته‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه أبو داود في ] الضاحي ـ باب ـ ما جاء في‬
‫ذكاة الجنين‪ ،‬رقم ‪ [2827 :‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ، ‬قال‪:‬‬
‫سألنا رسول الله ‪ ‬عن الجنين ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ك ُُلوه إن شئتم‪ ،‬فإن‬
‫ذكاته ذكاة أمه"‪.‬‬
‫الثانية ‪:‬‬
‫ما قطع من الحيوان حال حياته‪ ،‬فإن له حكم ميتة ذلك الحيوان‪،‬‬
‫منتفع بها في مفارش والملبس‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬وسيأتي‬ ‫إل الشعور ال ُ‬
‫بيانها‪ .‬أي إن للجزء المنقطع من الحيوان حكم ميتة ذلك‬
‫ل الكل وعدمه‪ ،‬ومن حيث الطهارة‬ ‫الحيوان‪ ،‬من حيث ح ّ‬
‫والنجاسة‪.‬‬
‫ل ميتة‬‫فما قطع من السمك حال حياته‪ ،‬فإنه يؤكل‪ ،‬وذلك لح ّ‬
‫السمك‪.‬‬
‫وما قطع من شاة حال حياتها‪ ،‬فإنه ل يؤكل لنجاسة ميتتها‪.‬‬
‫وما قطع من إنسان حال حياته‪ ،‬فهو طاهر‪ ،‬لطهارة النسان حال‬
‫موته‪.‬‬
‫وما قطع من داّبة حال حياتها‪ ،‬فهو نجس‪ ،‬لنجاسة ميتتها‪.‬‬
‫ححه‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪، ‬‬ ‫ودليل ذلك ما رواه الحاكم وص ّ‬
‫َ‬
‫جباب أسنمة البل‪ ،‬وأل َْيات الغنم‪،‬‬ ‫أن رسول الله ‪ ‬سئل عن ِ‬

‫‪28‬‬
‫ي فهو ميت" ]المستدرك ‪ :‬كتاب الذبائح ـ‬ ‫فقال ‪ ":‬ما قطع من ح ّ‬
‫باب ـ ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت‪.[4/239:‬‬
‫ب‪ ،‬إذا قطع‪.‬‬ ‫ب ُيج ّ‬ ‫ج ّ‬ ‫جباب ‪ :‬مصدر َ‬
‫وروى أبو داود في ] الصيد ـ باب ـ في صيد قطع منه قطعة‪ ،‬رقم‬
‫‪ [2858:‬والترمذي في] الصيد ـ باب ـ ما قطع من الحي فهو‬
‫سنه‪ ،‬عن أبي واقد الليثي ‪‬‬ ‫ميت‪ ،‬رقم‪ [1480 :‬واللفظ له وح ّ‬
‫لبل‪ ،‬ويقطعون‬ ‫قال ‪ :‬قدم النبي ‪ ‬المدينة‪ ،‬وهم يجّبون أسنمة ا ِ‬
‫ة‪ ،‬فهي ميتة"‬ ‫أليات الغنم‪ ،‬فقال ‪ " :‬ما ُقطع من البهيمة وهي حي ّ ٌ‬
‫ححه ] ‪.[4/239‬‬ ‫ورواه الحاكم وص ّ‬
‫ما يستثنى من ذلك ‪:‬‬
‫ذكر سابقا ً الصواف‪ ،‬والشعار والوبار‬ ‫إل أنه استثنى من حكم ما ُ‬
‫ضمن الشروط التالية‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬أن تكون من حيوان مأكول اللحم شرعا‪ً.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن تقص منه حال حياته‪ ،‬أو بعد ذبحه ذبحا ً‬
‫شرعيًا‪.‬‬
‫ي على العضو‬ ‫الشرط الثالث ‪ :‬أن ل تنفصل من الحيوان الح ّ‬
‫انفصل منه‪.‬‬
‫أما شعر الحيوان الميت غير الدمي فهو نجس‪ ،‬ول يطهر‪ ،‬لنه ل‬
‫ل‬‫جعَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل‪َ ]:‬والل ّ ُ‬ ‫ُيدبغ‪ .‬والصل في طهارة ما ذكر قول الله عّز وج ّ‬
‫جُلود ِ ال َن َْعام ب ُُيوتا ً‬ ‫من ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫كنا ً وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫من ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫لَ ُ‬
‫ِ‬
‫وافَِها وَأ َوَْبارِ َ‬
‫ها‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬
‫فونها يوم ظ َعن ِك ُم ويوم إَقامت ِك ُم وم َ‬
‫ْ ْ ََ ْ َ ِ َ ْ َ ِ ْ‬ ‫خ ّ ََ َ ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫وَأ َ ْ‬
‫ن[ ) النحل‪.(80 :‬‬ ‫حي ٍ‬ ‫مَتاعا إ ِلى ِ‬ ‫ها أَثاثا وَ َ‬ ‫شَعارِ َ‬
‫] يوم ظعنكم‪ :‬يوم سيركم في أسفاركم‪.‬‬
‫أثاثا ً ‪ :‬الثاث متاع البيت من الفرش والكسية[‪.‬‬
‫فلقد دّلت الية على جواز استعمال الصواف والوبار والشعار‪،‬‬
‫وذلك دليل طهارتها‪.‬‬
‫والحق فيما ذكر ما يقوم مقام الشعر من كل حيوان مأكول‬
‫اللحم‪ :‬كالريش ونحوه‪ ،‬بالشروط السابق ذكرها‪.‬‬
‫الثالثة ‪:‬‬
‫يحرم أكل الميتة كيفما كان موتها‪ ،‬والميتة‪ :‬هي ما أزهقت روحه‬
‫بغير ذكاة شرعية‪ ،‬سواء ماتت حتف أنفها‪ ،‬أو ماتت بفعل غيرها ‪:‬‬
‫كضرب‪ ،‬وخنق‪ ،‬وغرق‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫كما يحرم أكل الدم المسفوح من أيّ حيوان كان‪.‬‬
‫م‬‫ة َوال ْد ّ ُ‬ ‫مي ْت َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ت ع َل َي ْك ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫ودليل ذلك‪ ،‬قول الله تبارك تعالى‪ُ ]:‬‬
‫موُْقوذ َةُ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫خن ِ َ‬ ‫ل ل ِغَي ْرِ الل ّهِ ب ِهِ َوال ْ ُ‬
‫من ْ َ‬ ‫ما أ ُه ِ ّ‬ ‫زيرِ وَ َ‬ ‫ِ‬ ‫خن ْ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫ح ع ََلى‬ ‫ما ذ ُب ِ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ما ذ َك ّي ْت ُ ْ‬ ‫سب ُعُ إ ِل ّ َ‬‫ل ال ّ‬ ‫ما أ َك َ َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ح ُ‬‫طي َ‬ ‫ة َوالن ّ ِ‬ ‫مت ََرد ّي َ ُ‬‫َوال ْ ُ‬
‫ب[ ) المائدة ‪.(3:‬‬ ‫ص ِ‬ ‫الن ّ ُ‬

‫‪29‬‬
‫] المنخنقة ‪ :‬التي ماتت خنقا ً بحبل ونحوه‪.‬‬
‫الموقوذة ‪ :‬التي ماتت بضرب بعصا ً أو حجر‪ ،‬أو نحوهما‪.‬‬
‫ل‪.‬‬‫المتردية ‪ :‬التي ماتت بالسقوط من مكان عا ٍ‬
‫النطيحة ‪ :‬التي ماتت بالنطح من غيرها من الدواب‪.‬‬
‫ما أكل السبع‪ :‬التي ماتت بافتراس حيوان لها‪.‬‬
‫ل‬‫ذكر فذكيتموه‪ ،‬فإنه يح ّ‬ ‫إل ما ذكيتم ‪ :‬إل ما أدركتموه حيا ً مما ُ‬
‫ويؤكل[‪.‬‬
‫ل من الدم‪ ،‬والميتة‪ ،‬وما ذكر معهما‬ ‫دلت الية على حرمة أكل ك ّ‬
‫ل لغير الله به‪ ،‬وما ذبح على‬ ‫من أكل لحم الخنزير‪ ،‬وما أ ُه ِ ّ‬
‫النصب‪ :‬أي الحجار التي كانوا يذبحون عليها للهتهم‪.‬‬
‫ما يستثنى من الميتة والدم ‪:‬‬
‫لقد استثنى من ميتة الحيوان ‪ :‬السمك والجراد‪.‬‬
‫واستثنى من الدم ‪ :‬الكبد والطحال‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه أحمد ]‪ [2/27‬وغيره عن ابن عمر رضي الله‬
‫عنهما‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ " : ‬أحلت لنا ميتتان ‪ ،‬ودمان‪،‬‬
‫فأما الميتتان‪ :‬فالحوت والجراد‪ ،‬وأما الدمان ‪ :‬فالكبد والطحال"‪.‬‬
‫سنن الذبح ‪:‬‬ ‫خاتمة في بعض ُ‬
‫ن عند الذبح مراعاة المور التالية ‪:‬‬ ‫تس ّ‬
‫ل عند الذبح؛ بأن يقول الذابح‪:‬‬ ‫‪ -1‬ذكر اسم الله عّز وج ّ‬
‫باسم الله‪.‬‬
‫م الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ما ذ ُك َِر ا ْ‬
‫س ُ‬ ‫م ّ‬‫ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى ‪ ]:‬فَك ُُلوا ْ ِ‬
‫ه[ )النعام‪.(118:‬‬ ‫ع َل َي ْ ِ‬
‫ذكر اسم‬ ‫وقول النبي ‪ ‬في الحديث السابق‪ " :‬ما أنهر الدم‪ ،‬و ُ‬
‫الله عليه فكلوا"‪.‬‬
‫ن التسمية عند إرسال السهم‪ ،‬أو بعث الجارحة إلى‬ ‫كما تس ّ‬
‫ل عند الذبح‪ ،‬وكانت‬ ‫الصيد‪ .‬فلو لم يذكر الذابح اسم الله عّز وج ّ‬
‫سائر شروط التذكية متوفرة‪ ،‬لم يضّر ذلك شيئًا‪ ،‬لن التسمية‬
‫في الية والحديث محمولة على الندب عند الشافعية‪.‬‬
‫جْين عند الذبح ‪:‬والودجان عرقان في‬ ‫ود َ‬‫‪ -2‬قطع ال َ‬
‫ي العنق‪ ،‬محيطان بالحلقوم‪ ،‬يسمى كل منهما بالوريد‪،‬‬ ‫صفحت َ ْ‬
‫لن ذلك أدعى لزهوق الروح‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يحد الذابح شفرته‪ :‬لقول النبي ‪ ":‬إن الله كتب‬
‫ة‪ ،‬وإذا‬ ‫قتل َ‬
‫ن على كل شيء‪ ،‬فإذا قتلتم فأحسنوا ال ِ‬ ‫الحسا َ‬
‫ح ذبيحته"‬ ‫دكم شفرَته‪ ،‬فلُير ْ‬ ‫ح‪ ،‬وليحد ّ أح ُ‬ ‫ذبحتم فأحسنوا الذب ِ َ‬
‫رواه مسلم في ] الصيد والذبائح ـ باب ـ المر بإحسان الذبح‬
‫والقتل وتحديد الشفرة‪ ،‬رقم ‪.[1955 :‬‬

‫‪30‬‬
‫جع الداّبة لجنبها اليسر‪ ،‬ويترك رجلها اليمنى‬ ‫‪ -4‬أن ُيض ِ‬
‫لبل‪ ،‬فإن الفضل أن‬ ‫تتحرك بعد الذبح لتستريح يتحريكها‪ ،‬إل ا ِ‬
‫ُتنحر قائمة معقولة ركبتها اليسرى‪ ،‬ودليل ذلك قول الله عّز‬
‫ف[‬
‫وا ّ‬ ‫م الل ّهِ ع َل َي َْها َ‬
‫ص َ‬ ‫ل ] َفاذ ْك ُُروا ا ْ‬
‫س َ‬ ‫وج ّ‬
‫) الحج‪.(36:‬‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهما‪ ) :‬قياما ً على ثلث( رواه الحاكم‬
‫في ] المستدرك‪ ،‬أول كتاب الذبائح‪.[4/233 :‬‬
‫‪ -5‬استقبال القبلة عند الذبح ‪ :‬لن القبلة أشرف الجهات‪.‬‬
‫وإذا اسُتقِبلت القبلة بالذبيحة‪ ،‬استقبلها الذابح أيضًا‪.‬‬

‫قة‬
‫الَعقي َ‬

‫‪31‬‬
‫العَقي َ‬
‫قة‬
‫تعريف العقيقة‪:‬‬
‫ق‪ ،‬وهو القطع‪ ،‬وتطلق في‬ ‫العقيقة في اللغة‪ :‬مشتقة من العَ ّ‬
‫الصل على الشعر الذي يكون على رأس المولود حين ولدته‪،‬‬
‫سمي بذلك‪ ،‬لنه ُيحلق ويقطع‪.‬‬
‫والعقيقة شرعًا‪ :‬ما يذبح للمولود عند حلق شعره‪ ،‬وسميت هذه‬
‫الذبيحة بهذا السم‪ ،‬لنها تقطع مذابحها وتشق‪ ،‬حين الحلق‪.‬‬
‫ب تسمية العقيقة نسيكة‪ ،‬أو ذبيحة‪.‬‬ ‫ويستح ّ‬
‫ودليل ذلك ما رواه أبو داود في ] الضاحي‪ ،‬ـ باب ـ في العقيقة‪،‬‬
‫رقم ‪ [2842:‬أنه سئل رسول الله ‪ ‬عن العقيقة‪ ،‬فقال‪ " :‬ل‬
‫يحب الله العقوق" فكأنه كره السم‪ ،‬وقال‪ ":‬من ُولد له ولد‪،‬‬
‫سك"‪.‬‬‫سك عنه فلي َن ْ ُ‬ ‫ب أن َين ُ‬ ‫فأح ّ‬
‫حكم العقيقة ‪:‬‬
‫ي المولود الذي ينفق عليه‪.‬‬ ‫سّنة مؤكدة‪ ،‬يطالب ول ّ‬ ‫العقيقة ُ‬
‫ودليل استحبابها فعل الرسول ‪ ‬لها‪ ،‬وفعل الصحابة رضي الله‬
‫عنهم‪.‬‬
‫ضّبي ‪ ‬قال ‪ :‬سمعت رسول الله ‪، ‬‬ ‫عن سليمان بن عامر ال ّ‬
‫يقول‪ " :‬مع الغلم عقيقته‪ ،‬فأهريقوا عنه دمًا‪ ،‬وأميطوا عنه‬
‫الذى"‪ ] .‬أي أزيلوا عنه القذارة والنجاسة[‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في ] العقيقة ـ باب ـ إماطة الذى عن الصبي‬
‫في العقيقة‪ ،‬رقم‪.[5154:‬‬
‫وإنما لم يقل العلماء بوجوب العقيقة‪ ،‬لنها إراقة دم بغير جناية‪،‬‬
‫ول نذر‪ ،‬فلم تجب كالضحية‪.‬‬
‫ل على عدم وجوبها أيضا ً حديث أبي داود السابق" من ُولد له‬ ‫ود ّ‬
‫مولود فأحب أن ينسك عنه فلينسك"‪.‬‬
‫وقت العقيقة ‪:‬‬
‫يدخل وقت جواز ذبح العقيقة بانفصال جميع المولود من بطن‬
‫أمه‪ ،‬فلو ذبحت قبل تمام خروجه‪،‬ل تحسب عقيقة‪ ،‬بل تكون‬
‫لحمًا‪ ،‬ليس له حكم سّنة العقيقة‪.‬‬
‫ويستمر وقت استحبابها إلى البلوغ‪ ،‬ثم بعد البلوغ يسقط الطلب‬
‫عن نحو الب‪ ،‬والحسن عندئذ ٍ أن يعقّ عن نفسه تداركا ً لما‬
‫فات‪.‬‬
‫ن أن يعقّ عن المولود في اليوم السابع من ولدته‪.‬‬ ‫لكن يس ّ‬
‫ودليل ذلك ما رواه أبو داود في ] الضاحي ـ باب ـ ما جاء في‬
‫العقيقة‪ ،‬رقم‪ [1522 :‬وغيره عن سمرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله ‪ ":‬الغلم مرتهن بعقيقته‪ ،‬يذبح عنه يوم السابع‪ ،‬ويسمى‬
‫ويحلق رأسه"‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ومعنى مرتهن بعقيقته‪ :‬أي أن تنشئته تنشئة صالحة‪ ،‬وحفظه‬
‫حفظا ً كامل ً مرهون بالذبح عنه‪.‬‬
‫وقيل المعنى‪ :‬ل يشفع بوالديه يوم القيامة إن لم ُيعق عنه‪.‬‬
‫حكمة تشريع العقيقة ‪:‬‬
‫مة‪ ،‬وفوائد كثيرة‬ ‫في تشريع العقيقة أسرار بديعة‪ ،‬ومصالح ج ّ‬
‫نذكر منها ما يلي‪:‬‬
‫سر الوضع‪ ،‬ورزق‬ ‫ل‪ ،‬حيث ي َ ّ‬ ‫‪ -1‬الستبشار بنعمة الله عّز وج ّ‬
‫الوالدين الولد‪ ،‬والولد محّبب للوالدين‪ ،‬فينبغي شكر واهبه‪،‬‬
‫والمنِعم به‪.‬‬
‫م [ ) الزمر ‪.(7:‬‬ ‫َ‬
‫ه لك ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫شك ُُروا ي َْر َ‬ ‫ل‪] :‬وَِإن ت َ ْ‬ ‫قال الله عّز وج ّ‬
‫َ‬ ‫وقال سبحانه وتعالى ]ل َِئن َ‬
‫م [ )إبراهيم ‪.(7:‬‬ ‫م لِزيد َن ّك ُ ْ‬ ‫شك َْرت ُ ْ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا[ ) الكهف ‪:‬‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫ن ِزين َ ُ‬ ‫ل َوال ْب َُنو َ‬ ‫ما ُ‬‫وقال تبارك وتعالى ‪] :‬ل ْ َ‬
‫‪.( 46‬‬
‫ساء‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬‫ت ِ‬‫وا ِ‬ ‫شه َ َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫ح ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ن ِللّنا ِ‬ ‫وقال عز من قائل‪ُ ]:‬زي ّ َ‬
‫ن[)آل عمران‪.(14:‬‬ ‫َوال ْب َِني َ‬
‫‪ -2‬التلطف بإشاعة نسب الولد ونشره‪ ،‬إذ لبد ّ من نشر ذلك‬
‫وإشاعته‪ ،‬لئل يقال فيه ما ل يحب‪ ،‬فكانت العقيقة أحسن وسيلة‬
‫لذلك‪.‬‬
‫مْلكة السخاء والكرم عند النسان‪ ،‬وعصيان داعية‬ ‫‪ -3‬إنماء ُ‬
‫الشح الذي أحضرته النفوس‪.‬‬
‫ح[ ) النساء ‪.(128 :‬‬ ‫س ال ّ‬ ‫تا َ‬ ‫ُ‬
‫ش ّ‬ ‫ُ‬ ‫لن ُ‬
‫ف‬ ‫ضَر ِ‬‫ح ِ‬ ‫قال الله تعالى ‪] :‬وَأ ْ‬
‫ن[‬
‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬‫ك هُ ُ‬‫سهِ فَأ ُوْل َئ ِ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح نَ ْ‬ ‫ش ّ‬ ‫من ُيوقَ ُ‬ ‫وقال جل جلله‪] :‬وَ َ‬
‫) الحشر‪.(9:‬‬
‫‪ -4‬تطيب قلوب الهل والقارب والصدقاء والفقراء‪ ،‬وذلك‬
‫دة والمحبة‬ ‫بجمعهم على الطعام‪ ،‬وبالتقائهم حوله تكون المو ّ‬
‫واللفة‪ ،‬والسلم دين ألفة ومحّبة واجتماع‪.‬‬
‫ما يذبح عن الغلم والجارية ‪:‬‬
‫ي شاة عن الغلم‪ ،‬وشاة‬ ‫تتحقق السنة في العقيقة بأن يذبح الول ّ‬
‫عن الجارية‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه الترمذي في ] الضاحي ـ باب ـ ما جاء في‬
‫العقيقة بشاة‪ ،‬رقم ‪ [1519 :‬عن علي ‪ ،‬قال ‪ ) :‬عق رسول‬
‫الله ‪ ‬عن الحسن بشاة(‪.‬‬
‫ي عن الصبي شاتين ‪ ،‬وعن البنت‬ ‫ولكن الفضل أن يذبح الول ّ‬
‫شاة‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه الترمذي في ] الضاحي ـ باب ـ ما جاء في‬
‫العقيقة‪ ،‬رقم‪ [1513:‬وغيره عن عائشة رضي الله عنها‪ ،‬أن‬

‫‪33‬‬
‫رسول الله ‪):‬أمرهم‪ :‬عن الغلم شاتان متكافئتان‪ ،‬وعن‬
‫الجارية شاة(‪.‬‬
‫] الغلم‪ :‬الذكر‪.‬‬
‫الجارية ‪ :‬النثى‪.‬‬
‫متكافئتان ‪ :‬متساويتان[‪.‬‬
‫دد الولد‪.‬‬ ‫تعدد العقيقة بتع ّ‬
‫هذا ول يكفي في تحصيل سنة العقيقة أن يذبح شاة واحدة عن‬
‫أكثر من مولود واحد‪.‬‬
‫بل السنة تعدادها بتعدد الولد‪ ،‬فللولد شاة وللولدين شاتان‪،‬‬
‫وللثلثة ثلث شياه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫فلو ولد له توأمان كان عليه عقيقتان‪ ،‬ول يكفي واحدة عنهما‪.‬‬
‫روي أبو داود في ] الضاحي ـ باب ـ في العقيقة‪ ،‬رقم‪[2841:‬‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهما)أن رسول الله ‪ ‬عق عن‬
‫الحسن والحسين كبشا ً كبشًا(‪.‬‬
‫وعند الحاكم في المستدرك] كتاب الذبائح ـ باب ـ عقّ النبي ‪‬‬
‫عن الحسن والحسين‪ [4/237 ،‬أن النبي ‪ ‬ع َقّ عن الحسن‬
‫والحسين عن كل واحد منهما‪ ،‬كبشين اثنين مثلين متكافئين‪.‬‬
‫شروط العقيقة ‪:‬‬
‫ويشترط في العقيقة حتى تكون مجزئة‪ ،‬ما يشترط في الضحية‪:‬‬
‫من حيث الجنس‪ ،‬والسن‪ ،‬والسلمة من العيوب التي تسبب‬
‫نقصا ً في اللحم‪ ،‬وذلك‪ :‬لن العقيقة ذبيحة مندوب إليها‪ ،‬فأشبهت‬
‫الضحية‪.‬‬
‫ححه في ] الضاحي ـ باب ـ ما ل يجوز في‬ ‫روى الترمذي وص ّ‬
‫الضاحي‪،‬رقم ‪ [1497 :‬وأبو داود ‪ ،‬واللفظ له‪ ،‬في ] الضحايا ـ‬
‫باب ـ ما يكره من الضحايا‪ ،‬رقم ‪ [2802:‬عن البراء بن عازب ‪‬‬
‫‪ ،‬عن النبي ‪ ، ‬قال ‪ " :‬أربع ل تجوز في الضاحي ‪ :‬العوراء‬
‫البين عورها‪ ،‬والمريضة البين مرضها‪ ،‬والعرجاء البين عرجها‪،‬‬
‫قى"‪.‬‬ ‫والكسير التي ل ت ُن ْ َ‬
‫قي ‪ ،‬وهو المخي[‪.‬‬‫] ل تنقى‪ :‬ل مخ لها‪ ،‬مأخوذة من الن ّ ْ‬
‫ويقاس على هذه العيوب الربعة كل ما يشبهها في التسّبب في‬
‫الهزال‪ ،‬وإنقاص اللحم‪.‬‬
‫انظر الضحية في الجزء الول ] ص ‪.[127‬‬
‫لضحية ‪:‬‬ ‫ما تخالف به العقيقة ا ُ‬
‫لضحية‪ ،‬فليس‬ ‫إذا قلنا ‪ :‬إنه يشترط في العقيقة ما يشترط في ا ُ‬
‫يعني هذا أنها تشبهها من كل الوجوه‪ ،‬بل هناك أوجه اختلف‬
‫بينهما نجملها فيما يلي ‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -1‬يسن أن تطبخ العقيقة‪ ،‬كسائر الولئم‪ ،‬ويتصدق بها مطبوخة‪،‬‬
‫ول يتصدق بلحمها نيئًا‪ ،‬وهذا بخلف الضحية‪.‬‬
‫ب أن تطبخ العقيقة بحلوى‪ ،‬تفاؤل ً بحلوة أخلق المولود‪.‬‬ ‫ويستح ّ‬
‫والفضل أن يتصدق بلحمها ومرقها على المساكين‪ ،‬بالعبث بهما‬
‫إليهم‪ ،‬كما يستحب أن يأكل منها ويهدي‪.‬‬
‫ب أن ل يكسر منها عظمًا‪ ،‬ما أمكن ذلك‪ ،‬بل يقطع كل‬ ‫‪ -2‬يستح ّ‬
‫عظم من مفصله تفاؤل ً بسلمة أعضاء المولود‪.‬‬
‫جل العقيقة ن ِْيئة غير مطبوخة‪ ،‬لن‬ ‫‪ -3‬يستحب أن يهدي القاِبلة رِ ْ‬
‫فاطمة رضي الله عنها فعلت ذلك بأمر النبي ‪ . ‬رواه الحاكم‪.‬‬
‫دق بوزنه‬ ‫تسمية المولود يوم سابعه وحلق شعره والتص ّ‬
‫ذهبا ً أو فضة‪:‬‬
‫ن أن‬‫ن تسمية المولود في اليوم السابع من ولدته‪ ،‬كما يس ّ‬ ‫ُيس ّ‬
‫ُيختار له من السماء ما كان حسنا‪ً.‬‬
‫ون يوم القيامة بأسمائكم‬ ‫ودليل ذلك قول النبي ‪ ": ‬إنكم ت ُد ْع َ ْ‬
‫وأسماء آبائكم‪ ،‬فأحسنوا أسماءكم"‪ .‬أخرجه أبو داود في ] كتاب‬
‫الدب ـ باب ـ في تغيير السماء‪ ،‬رقم ‪.[4948 :‬‬
‫وروى مسلم في ] الدب ـ باب ـ النهي عن التكّنى بأبي القاسم‬
‫ب من السماء‪ ،‬رقم‪ [2132:‬عن ابن عمر رضي‬ ‫وبيان ما يستح ّ‬
‫ب أسمائكم إلى الله‬ ‫الله عنهما‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪ ":‬إن أح ّ‬
‫عبدالله وعبد الرحمن"‪.‬‬
‫كرا ً كان أو أنثى‪ ،‬يوم سابعه بعد‬ ‫ن حلق رأس المولود‪ ،‬ذ َ َ‬ ‫كما يس ّ‬
‫ً‬
‫زنة شعره ذهبا أو فضة‪.‬‬ ‫ذبح العقيقة‪ ،‬ويتصدق ب ِ‬
‫ودليل ذلك ما رواه الترمذي في ] الضاحي ـ باب ـ ما جاء في‬
‫ي ‪ ،‬قال‪ :‬ع ّ‬
‫ق‬ ‫العقيقة بشاة‪ ،‬رقم‪ [1519:‬وغيره عن عل ّ‬
‫رسول الله ‪ ‬عن الحسن بشاة‪ ،‬وقال‪ ":‬يا فاطمة‪ ،‬احلقي‬
‫رأسه‪ ،‬وتصدقي بزنة شعره فضة"‪.‬‬
‫قال‪ :‬فوزنته‪ ،‬فكان وزنه درهمًا‪ ،‬أو بعض درهم‪.‬‬
‫التأذين في أذن المولود ‪:‬‬
‫ذن أذان الصلة في أذن المولود اليمنى‪ ،‬حين يولد‪،‬‬ ‫ن أن ُيؤ ّ‬ ‫وُيس ّ‬
‫وُتقام الصلة في أذنه اليسرى‪ ،‬ليكون إعلمه بالتوحيد أول ما‬
‫يقرع سمعه عند قدومه إلى الدنيا‪.‬‬
‫روى الترمذي في ] الضاحي ـ باب ـ الذان في أذن المولود‪،‬‬
‫رقم‪ [1514 :‬وغيره عن عبيدالله بن أبي رافع عن أبيه قال ‪:‬‬
‫) رأيت رسول الله ‪‬‬
‫ذن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلة (‪.‬‬ ‫ذن في أ ُ ُ‬ ‫أَ ّ‬
‫تحنيك المولود ‪:‬‬
‫ً‬
‫حّنك المولود بتمر‪ ،‬سواء كان ذكرا‪ ،‬أم أنثى‪.‬‬ ‫ب أن ي ُ َ‬ ‫ويستح ّ‬

‫‪35‬‬
‫حَنك المولود‪ ،‬حتى ينزل إلى‬ ‫والتحنيك‪ :‬أن ُيمضغ التمر‪ ،‬وُيدلك به َ‬
‫حّنك بشيء حلو‪.‬‬ ‫جوفه شيء منه‪ ،‬فإن لم يكن هناك تمر ‪ُ ،‬‬
‫ل لستحباب هذا التحنيك بما رواه مسلم في ]الدب ـ باب‬ ‫ويستد ّ‬
‫ـ استحباب تحنيك المولود عند ولدته‪ ،‬رقم‪ [2144 :‬وغيره عن‬
‫أنس بن مالك ‪ ‬قال ‪ :‬ذهبت بعبدالله بن أبي طلحة النصاري‬
‫‪ ‬إلى رسول الله ‪ ،‬حين ولد‪ ،‬ورسول الله ‪ ‬في عباءة يهنأ‬
‫بعيرا ً له‪ ،‬فقال ‪ ":‬هل معك تمر" ؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬فناولته تمرات‪،‬‬
‫جه في فيه‪،‬‬ ‫ن‪ ،‬ثم فَغََر فَا ْ الصبي فم ّ‬
‫ن في فيه‪ ،‬فلكه ّ‬ ‫فألقاه ّ‬
‫ب النصار‬‫ح ّ‬‫ظه‪ ،‬فقال رسول الله ‪ِ " : ‬‬ ‫م ُ‬
‫فجعل الصبي يتل ّ‬
‫التمر"‪ .‬وسماه عبدالله‪.‬‬
‫] يهنأ ‪ :‬يطليه بالقطران‪.‬‬
‫فلكهن ‪:‬مضغهن‪.‬‬
‫فغر فا الصبي‪ :‬فتح فمه‪.‬‬
‫مجه‪ :‬طرحه وألقاه في فمه‪.‬‬
‫يتلمظه ‪ :‬يحرك لسانه به ليبتلع ما فيه من الحلوة‪.‬‬
‫حب النصار التمر ‪ :‬محبوب النصار التمر[‪.‬‬
‫وروى مسلم أيضا ً ] في نفس الباب‪ ،‬رقم‪ [2145 :‬عن أبي‬
‫موسى ‪ ‬قال‪ ) :‬ولد لي غلم‪ ،‬فأتيت به النبي ‪ ، ‬فسماه‬
‫إبراهيم‪ ،‬وحنكه بتمر(‪.‬‬
‫وروى مسلم في ] نفس الباب أيضًا‪ ،‬رقم‪ [2147 :‬عن عائشة‬
‫رضي الله عنها؛ )أن رسول الله ‪ ‬يؤتى بالصبيان‪ ،‬فيبرك عليهم‬
‫ويحنكهم(‪.‬‬
‫ب حمل المولود بعد‬ ‫وبناء على ما ذكرنا‪ ،‬قال العلماء‪ :‬يستح ّ‬
‫ولدته إلى أهل الصلح والتقوى‪ ،‬لتحنيكهم‪ ،‬والدعاء لهم بالخير‬
‫والبركة‪.‬‬
‫ختان الطفل ‪:‬‬
‫الختان ‪ :‬مصدر ختن ‪ :‬أي قطع‪.‬‬
‫والختان ‪ :‬اسم لفعل الخاتن‪ ،‬ولموضع الختان‪.‬‬
‫وختان الذكر‪ :‬قطع الجلدة التي تغطي الحشفة‪.‬‬
‫حكم الختان ‪:‬‬
‫الختان واجب عند الشافعية على الذكور والناث‪.‬‬
‫ثم إن الواجب في حقّ الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة‪.‬‬
‫وفي حقّ الناث قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى‬
‫الفرج‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬الختان واجب على الذكور‪ ،‬دون النساء‪.‬‬
‫دليل مشروعية الختان ‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫ويستدل على وجوب الختان بما رواه أبو هريرة ‪ ،‬عن النبي ‪‬‬
‫قال‪ " :‬الفطرة خمس‪ ،‬أو خمس من الفطرة‪ :‬الختان‪،‬‬
‫ص الشارب"أخرجه‬ ‫والستحداد‪ ،‬ونتف البط‪ ،‬وتقليم الظفار‪ ،‬وق ّ‬
‫البخاري في ] اللباس ـ باب ـ تقليم الظفار‪ ،‬رقم‪[5552:‬‬
‫ومسلم في ] الطهارة ـ باب ـ خصال الفطرة‪ ،‬رقم ‪.[257 :‬‬
‫] الفطرة ‪ :‬الخلقة المبتدأة‪ ،‬والمراد بها هنا‪ :‬السّنة القديمة التي‬
‫اختارها النبياء ‪ ،‬واتفقت عليها الشرائع‪.‬‬
‫الستحداد ‪ :‬حلق العانة‪ ،‬وهي الشعر الذي حول فرج الرجل‬
‫والمرأة‪.‬‬
‫تقليم الظفار‪ :‬قطع رؤوسها المستطيلة عن أصلها[‪.‬‬
‫وقت الختان ‪:‬‬
‫الختان كما قلنا واجب‪ ،‬ولكن ل يشترط أن يكون في حال‬
‫صَغر‪ ،‬بل يجوز في الصغر‪ ،‬والكبر‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ي الطفل أن يختنه في اليوم السابع من ولدته‪،‬‬ ‫ن لول ّ‬‫ولكن يس ّ‬
‫إن رأى الخاتن أن الطفل يطيق ذلك‪ ،‬ولم يكن مريضًا‪.‬‬
‫ولقد كان العرب قبل السلم يختتنون إتباعا لسنة أبيهم إبراهيم‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫حكمة مشروعية الختان ‪:‬‬
‫والحكمة من مشروعية الختان إنما هي المبالغة في الطهارة‪،‬‬
‫قْلفة أضمن لذلك‪ ،‬وأعون عليه‪.‬‬ ‫والنظافة‪ ،‬ول شك أن إزالة ال ُ‬
‫وفي نظافة الظاهر إشعار بالحقّ على نظافة الباطن‪.‬‬
‫ن[‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫مت َطهّ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫ح ّ‬‫ن وَي ُ ِ‬
‫واِبي َ‬
‫ب الت ّ ّ‬
‫ح ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫قال الله عّز وج ّ‬
‫ل ‪ ]:‬إ ِ ّ‬
‫) البقرة‪.(222:‬‬
‫ول شك أن التوبة إنما هي شعار لنظافة الباطن من الذنوب‬
‫والعيوب‪.‬‬
‫التهنئة بالمولود ‪:‬‬
‫ب أن يهنئ الرجال الوالد‪ ،‬والنساء الوالدة بالمولود‪،‬‬ ‫ويستح ّ‬
‫يقولون له‪ :‬بارك الله لك في الموهوب لك‪ ،‬وشكرت الواهب‪،‬‬
‫ده‪ ،‬وُرزقت ب ِّره‪.‬‬ ‫ش ّ‬ ‫وبلغ أ ُ‬
‫ويستحب للوالد أن يجيبهم بقوله ‪ :‬بارك الله لكم‪ ،‬وبارك عليكم‪،‬‬
‫وأجزل ثوابكم‪.‬‬
‫ن‪ ،‬ما يقول الرجل‬ ‫وكذلك يقال للمرأة الوالدة‪ ،‬وتقول هي له ّ‬
‫للرجال‪ .‬والله تعالى أعلم‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫مة والشرَبة‬
‫الطعِ َ‬

‫‪38‬‬
‫مة والشرَبة‬
‫الطعِ َ‬
‫‪ -‬ما يح ّ‬
‫ل من الطعمة وما يحرم ‪-‬‬
‫ل من الطعمة‪ ،‬وما‬ ‫تنطلق القاعدة الشرعية في معرفة ما يح ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ي إ ِل َ ّ‬
‫ي‬ ‫ح َ‬ ‫ما أوْ ِ‬ ‫جد ُ ِفي َ‬ ‫ل‪ُ ]:‬قل ل ّ أ ِ‬ ‫يحرم منها من قول الله عّز وج ّ‬
‫فوحا ً أوَ‬ ‫َ‬ ‫ه إ ِل ّ َأن ي َ ُ‬
‫ْ‬ ‫س ُ‬‫م ْ‬ ‫دما ً ّ‬ ‫ة أوْ َ‬ ‫مي ْت َ ً‬‫ن َ‬ ‫كو َ‬ ‫م ُ‬‫عم ٍ ي َط ْعَ ُ‬ ‫طا ِ‬‫حّرما ً ع ََلى َ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ضطّر غ َي َْر‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ل ل ِغَي ْرِ اللهِ ب ِهِ فَ َ‬ ‫سقا أه ِ ّ‬ ‫س أوْ فِ ْ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ه رِ ْ‬ ‫زيرٍ فَإ ِن ّ ُ‬‫خن ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫لَ ْ‬
‫م [) النعام‪.(145:‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ك غَ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫عاد ٍ فَإ ِ ّ‬‫َباٍغ وَل َ َ‬
‫م ع َل َي ْهِ ُ‬
‫م‬ ‫حّر ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫م الط ّي َّبا ِ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ومن قوله سبحانه وتعالى ‪] :‬وَي ُ ِ‬
‫ث [ )العراف‪.(157 :‬‬ ‫خَبآئ ِ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ل ل َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ح ّ‬ ‫ل أُ ِ‬ ‫م قُ ْ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫ح ّ‬‫ذا أ ُ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ك َ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬‫ومن قوله جل جلله‪] :‬ي َ ْ‬
‫ت[) المائدة‪.(4 :‬‬ ‫الط ّي َّبا ُ‬
‫والمراد بالطيبات‪ :‬ما تستطيبه النفس السليمة وتشتهيه‪.‬‬
‫وانطلقا ً من هذه اليات قام حكم الطعمة حل ّ وحرمة على‬
‫المبادئ الثلثة التالية‪:‬‬
‫المبدأ الول ‪:‬‬
‫كل حيوان استطابته العرب في حال الخصب والرفاهية‪ ،‬وفي‬
‫عصر النبي ‪ ‬فهو حلل‪.‬‬
‫ويدخل في هذا الباب ‪:‬‬
‫ا‪ -‬كل حيوان ل يعيش إل في البحر‪ ،‬وهو السمك بكل أنواعه‪،‬‬
‫وأسمائه‪ ،‬فهو حلل‪ ،‬لنه العرب استطابت كل ذلك‪ ،‬وجاء الشرع‪،‬‬
‫كدا ّ حّله وجواز أكله‪.‬‬ ‫مؤ ّ‬
‫روى الترمذي في ] أبواب الطهارة ـ باب ـ ما جاء في ماء البحر‬
‫أنه طهور‪ ،‬رقم‪ [69:‬وغيره عن أبي هريرة ‪ ‬يقول ‪ :‬سأل رجل‬
‫رسول الله ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إّنا نركب البحر‪ ،‬ونحمل‬
‫معنا القليل من الماء‪ ،‬فإن توضأنا به عطشنا‪ ،‬أفنتوضأ من ماء‬
‫ل ميتته"‪.‬‬ ‫البحر؟ فقال رسول الله ‪ ":‬هو الطهور ماؤه الح ّ‬
‫ر‬
‫ح ِ‬ ‫صي ْد ُ ال ْب َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬‫ل في محكم كتابه العزيز‪ ]:‬أ ُ ِ‬ ‫وقال الله عّز وج ّ‬
‫ه[ )المائدة‪.(96:‬‬ ‫م ُ‬‫وَط ََعا ُ‬
‫صيده‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫]فصيد البحر‪ :‬هو َ‬
‫وطعامه‪ :‬أي مطعومه[‪.‬‬
‫سر جمهور العلماء طعام البحر بما طفا على وجه الماء من‬ ‫وف ّ‬
‫السمك بعد موته‪ ،‬ما لم يفسد‪.‬‬
‫ب – النعام‪ :‬وهي البل ‪ ،‬والبقر‪ ،‬والغنم‪ ،‬والمعز‪ ،‬والخيل‪ ،‬وبقر‬
‫مر الوحش‪ ،‬والظباء والرانب‪ ،‬وغيرها مما استطابه العرب‪،‬‬ ‫ح ُ‬ ‫و ُ‬
‫وقد جاء الشرع بحّلها‪.‬‬
‫لكن يستثنى من عموم ما استطابته العرب ما ورد الشرع‬
‫مر الهلية‪.‬‬ ‫ح ُ‬ ‫بتحريمه‪ ،‬فل يباح أكله‪ :‬كالبغال وال ُ‬

‫‪39‬‬
‫روى البخاري في] كتاب الذبائح والصيد ـ باب ـ لحوم الحمر‬
‫النسية‪ ،‬رقم‪ [5204:‬عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال‬
‫مر‪ ،‬ورخص في لحوم‬ ‫)نهى النبي ‪ ‬يوم خيبر عن لحوم ال ُ‬
‫ح ُ‬
‫الخيل(‪.‬‬
‫وروى الترمذي في] كتاب الطعمة ـ باب ـ ما جاء في أكل لحوم‬
‫الخيل‪ ،‬رقم‪ [1794:‬عن جابر بن عبدالله ‪ ‬قال ‪ ) :‬أطعَ َ‬
‫منا‬
‫مر(‪.‬‬ ‫ل الله ‪ ‬لحوم الخيل‪ ،‬ونهانا عن لحوم ال ُ‬
‫ح ُ‬ ‫رسو ُ‬
‫والبغال ملحقة بالحمر في الحرمة للنهي عن أكلها في خبر أبي‬
‫داود بإسناد على شرط مسلم‪ ،‬ولنها متوّلدة بين حلل‪ ،‬وحرام‪،‬‬
‫فهي متوّلدة بين الخيل ‪،‬و الحمير‪ ،‬فغُّلب جانب الحرمة على‬
‫جانب الح ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫وكل حيوان استخبثه العرب في عصر النبي ‪ ‬كالحشرات‬
‫ونحوها‪ ،‬فهو حرام إل ما ورد الشرع بإباحته خصوصًا‪ :‬كاليربوع‪،‬‬
‫مور‪ ،‬والقنفذ‪ ،‬والوبر‪ ،‬وابن عرس‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫ب‪ ،‬والس ّ‬‫ض ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ذناه‪ ،‬ورجله‬ ‫ُ‬
‫اليربوع ‪ :‬داّبة نحو الفأرة‪ ،‬لكن ذنبه أطول‪ ،‬وكذلك أ ُ‬
‫أطول من يديه‪.‬‬
‫ب‪ :‬داّبة تشبه الجرذون‪ ،‬ولكنه أكبر منه قلي ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫ض ّ‬ ‫ال ّ‬
‫مور‪ :‬وهو حيوان يشبه السنور‪ ،‬وهو من ثعالب الترك‪.‬‬ ‫الس ّ‬
‫الوَْبر ‪ :‬دابة أصغر من الهر كحلء العين ل ذنب لها‪.‬‬
‫ابن عرس ‪ :‬داّبة رقيقة تعادي الفأر‪ ،‬وتدخل حجره وتخرجه‪.‬‬
‫ل الضب في] الصيد والذبائح ـ‬ ‫وقد روى البخاري ما جاء في ح ّ‬
‫ب‪ ،‬رقم‪ [5216:‬عن ابن عمر رضي الله عنهما‪ :‬قال‬ ‫باب ـ الض ّ‬
‫ُ‬
‫ب لست آكله ول أحرمه"‪.‬‬ ‫النبي ‪ " : ‬الض ّ‬
‫وإنما اعتبر ع ُْرف العرب في هذا التحليل والتحريم‪ ،‬لنهم الذين‬
‫ل‪ ،‬وفيهم بعث النبي ‪ ،‬ونزل القرآن الكريم‪.‬‬ ‫خوطبوا بالشرع أو ً‬
‫المبدأ الثاني ‪:‬‬
‫يحّرم من السباع كل ما له ناب قويّ يفترس به‪ :‬كالكلب‪،‬‬
‫والخنزير‪ ،‬والذئب‪ ،‬والدب‪ ،‬والهّرة‪ ،‬وابن آوى ـ وهو حيوان فوق‬
‫الثعلب ودون الكلب‪ ،‬طويل المخالب ـ والفيل ‪،‬و السبع‪ ،‬والنمر‪،‬‬
‫والفهد‪ ،‬والقرد‪ ،‬وأمثالها مما ناب قوي يفترس به‪.‬‬
‫فإن كان نابه ضعيفًا‪ ،‬ل يبلغ أن يفترس به‪ ،‬لم يحّرم أكله؛ كالضبع‬
‫والثعلب‪.‬‬
‫روى الترمذي في ] الطعمة ـ باب ـ ما جاء في أكل الضبع‪،‬‬
‫مار‪ ،‬قال‪ :‬قلت لجابر ‪:‬‬ ‫رقم ‪ [1792:‬وغيره عن ابن أبي ع ّ‬
‫ضُبع صيد هي ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬آكله؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬ ‫)ال ّ‬
‫قلت له ‪ :‬أقاله رسول الله ‪ ‬؟ قال ‪:‬نعم(‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫ويحّرم من الطيور كل ما له مخلب؛ أي ظفر قوي يجرح به‬
‫‪:‬كالنسر‪ ،‬والصقر ‪ ،‬والباز‪ ،‬والشاهين‪ ،‬والعقاب‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه البخاري في] الذبائح والصيد ـ باب ـ أكل كل‬
‫ذي ناب من السباع‪ ،‬رقم‪ [5210:‬ومسلم في ] الصيد والذبائح ـ‬
‫باب ـ تحريم أكل كل ذي ناب‪ ،‬رقم ‪ [1932:‬عن أبي ثعلبة‬
‫الخشني ‪ ، ‬أن رسول الله ‪ ) : ‬نهى عن كل ذي ناب من‬
‫السباع(‪.‬‬
‫وروى مسلم في ] الصيد والذبائح ـ باب ـ تحريم أكل كل ذي‬
‫ناب‪ ،‬رقم‪ [1934:‬وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ‪) :‬‬
‫نهى رسول الله ‪ ‬عن كل ذي ناب من السباع‪ ،‬وعن كل ذي‬
‫مخلب من الطيور(‪.‬‬
‫ولن هذه الحيوانات من السباع‪ ،‬والطيور من شأنها أن تأكل‬
‫الجيف‪ ،‬بسبب طبيعة الفتراس التي فيها‪ ،‬فتكون بسبب ذلك من‬
‫الحيوانات المتخبثة‪.‬‬
‫المبدأ الثالث ‪:‬‬
‫يحّرم كل حيوان ندب قتله ‪ :‬كحية‪ ،‬وعقرب‪ ،‬وغراب‪ ،‬وحدأة‪،‬‬
‫وفأر‪ ،‬وكل ما ثبت ضرره‪.‬‬
‫فهذه الحيوانات ونحوها يحرم أكلها سواء استطابتها العرب‪ ،‬أم ل‬
‫‪ ،‬لنه ثبت ندب قتلها بالسّنة‪ ،‬على أن معظمها مما تعافه العرب‪.‬‬
‫عن عائشة رضي الله عنها‪ ،‬أن رسول الله ‪ ‬قال ‪ " :‬خمس من‬
‫ن فاسق‪ ،‬يقتلن في الحرم‪ :‬الغراب‪ ،‬والحدأة‪،‬‬ ‫الدواب كله ّ‬
‫والعقرب‪ ،‬والفأرة‪ ،‬والكلب العقور"‪ .‬أخرجه البخاري في‬
‫] الحصار وجزاء الصيد ـ باب ـ ما يقتل المحرم من الدواب‪ ،‬رقم‬
‫‪ [1732 :‬ومسلم في] الحج ـ باب ـ ما يندب للمحرم وغيره قتله‬
‫من الدواب‪ ،‬رقم ‪.[1198:‬‬
‫] فاسق‪ :‬من الفسق‪ ،‬وهو الخروج‪ ،‬ووصفت هذه الدواب بذلك‪،‬‬
‫لخروجها عن حكم غيرها باليذاء والفساد‪ ،‬وعدم النتفاع‪.‬‬
‫ضهم[‪.‬‬ ‫العقور‪ :‬الجارح الذي يتعرض للناس‪ ،‬ويع ّ‬
‫حالة الضرورة ‪:‬‬
‫يستثنى من عموم الحكم الذي اقتضته هذه المبادئ الثلثة حال‬
‫ل له إذا اضطر أن يأكل من الميتة‬ ‫ضرورة تلّبست بإنسان‪ ،‬فيح ّ‬
‫حرمة أكلها‪ ،‬يأكل ما يسد ّ‬ ‫المحرمة‪ ،‬ومن الحيوانات التي ثبتت ُ‬
‫ل ‪] :‬وَل َ‬ ‫رمقه‪ ،‬ويبقى عليه حياته‪ ،‬وذلك عمل ً بقول الله عّز وج ّ‬
‫حيما ً [) النساء ‪.(29:‬‬ ‫م َر ِ‬‫ن ب ِك ُ ْ‬‫كا َ‬‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬
‫م إِ ّ‬‫سك ُ ْ‬ ‫قت ُُلوا ْ َأن ُ‬
‫ف َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ف‬ ‫جان ِ ٍ‬ ‫صةٍ غ َي َْر ُ‬
‫مت َ َ‬ ‫م َ‬‫خ َ‬ ‫ضط ُّر ِفي َ‬
‫م ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وقوله سبحانه وتعالى ‪] :‬فَ َ‬
‫م[ ) المائدة‪.(3 :‬‬ ‫حي ٌ‬
‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ّل ِث ْم ٍ فَإ ِ ّ‬
‫] المخمصة ‪ :‬الجوع الشديد‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫متجانف لثم ‪ :‬مائل إليه[‪.‬‬
‫م ع َل َي ْهِ إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫ضط ُّر غ َي َْر َباٍغ وَل َ َ‬
‫عاد ٍ َفل إ ِث ْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ل وشأنه ‪] :‬فَ َ‬
‫م ِ‬ ‫وبقوله ج ّ‬
‫م [ ) البقرة‪.(173:‬‬ ‫حي ٌ‬
‫فوٌر ّر ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه غَ ُ‬
‫] غير باغ‪ :‬غير طالب الكل تشهيًا‪.‬‬
‫ول عاد‪ :‬ول معتد؛ أي متجاوز القدر المسموح به‪ ،‬وهو ما يسد ّ‬
‫الرمق‪ ،‬ويحفظ الحياة[‪.‬‬

‫ل وما يحرم ‪:‬‬ ‫خاتمة في بعض ما يح ّ‬


‫نذكر‪ ،‬ـ إتماما ً للفائدة‪ ،‬وإضافة لما ذكرنا سابقا ً ـ بعض ما يحرم‬
‫ل على سبيل التعداد فقط‪.‬‬ ‫أكله‪ ،‬وما يح ّ‬
‫‪ -1‬ما يحرم ‪:‬‬
‫ا‪ -‬تحّرم الحشرات كلها؛ وهي صغار دواب الرض‪ ،‬وصغار‬
‫ق‪،‬‬
‫مها ‪:‬كالنمل والذباب‪ ،‬والخنافس‪ ،‬والحيات‪ ،‬والدود‪ ،‬والب ّ‬ ‫هوا ّ‬
‫ص‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫م أبر َ‬ ‫صر‪ ،‬والوزغ‪ :‬وهو سا ّ‬‫صر ُ‬‫والقمل‪ ،‬وال ّ‬
‫وذوات البر والسموم‪ :‬كالنحل‪ ،‬والزنبور‪ ،‬والعقرب‪ ،‬وغيرها‪ .‬إل‬
‫ب‪ ،‬واليربوع‪ .‬ويعفى‬ ‫ض ّ‬‫ما استثنى من ذلك‪ :‬كالجراد‪ ،‬والقنفذ‪ ،‬وال ّ‬
‫ل‪ ،‬والفاكهة إذا أكل معهما‪.‬‬ ‫عن دود الخ ّ‬
‫ب‪ -‬يحرم من الطيور ‪:‬‬
‫البّبغا‪ :‬وهو طائر أخضر‪ ،‬له قوة حكاية الصوات‪ ،‬وقبول التلقين‪.‬‬
‫ب الزهو بنفسه‪ ،‬والخيلء‪ ،‬والعجاب‬ ‫والطاووس ‪ :‬وهو طائر‪ :‬يح ّ‬
‫بريشه‪.‬‬
‫مة‪ :‬وهي طائر يشبه النسر في الخلقة‪.‬‬ ‫خ َ‬‫والّر َ‬
‫والب َُغاثة ‪ :‬طائر أبيض بطئ الطيران أصغر من الحدأة‪ ،‬له مخلب‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫طاف ‪ :‬وهو طائر أسود الظهر‪ ،‬أبيض البطن يأوي إلى‬ ‫خ ّ‬ ‫وال ُ‬
‫البيوت في الربيع‪.‬‬
‫فاش‪ ،‬ويقال له الوطواط‪ :‬وهو طائر صغير‪ ،‬ل ريش له‪،‬‬ ‫خ ّ‬ ‫وال ُ‬
‫يشبه الفأرة‪ ،‬يطير بين المغرب والعشاء‪.‬‬
‫ج‪ -‬كل متنجس ل يمكن تطهيره‪ :‬وهو كل مائع وقعت فيه نجاسة‪:‬‬
‫كخل‪ ،‬وزيت‪ ،‬ودبس‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫د‪ -‬ما يضّر البدن ‪ :‬كالحجار‪ ،‬والتراب‪ ،‬والزجاج‪ ،‬والسم‪ ،‬والفيون‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫ل‪:‬‬ ‫‪ -2‬ما يح ّ‬
‫ل‪ :‬النعامة‪ ،‬والبط‪ ،‬والَوز‪ ،‬والدجاج‪ ،‬وغراب الزرع‪،‬‬ ‫ا‪ -‬ويح ّ‬
‫در ـ وما على‬‫ب وهَ َ‬ ‫والقطا‪ ،‬والحجل‪ ،‬والحمام ـ وهو كل ما ع َ ّ‬

‫‪42‬‬
‫شكل عصفور‪ ،‬وإن اختلف لونه ونوعه‪ :‬كعندليب‪ ،‬وزرزور‪ ،‬وبلبل‪،‬‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫ب ‪ :‬شرب الماء من غير تنفس‪ ،‬بأن شرب جرعة بعد‬ ‫] معنى ع َ ّ‬
‫جرعة من غير مص‪.‬‬
‫وهدر ‪ :‬رجع الصوت[‪.‬‬
‫ب‪ -‬كل طاهر ل ضرر فيه‪ ،‬ول هو مما تعافه النفس‪ ،‬وتستقذره‪:‬‬
‫كالزهور‪ ،‬والثمار‪ ،‬والحبوب‪ ،‬والبيض‪ ،‬والجبن‪ ،‬وغيرها‪ .‬أما ما‬
‫مني وغيرهما‪.‬‬ ‫تعافه النفس‪ ،‬وتستقذره فحرام‪ ،‬كالمخاط‪ ،‬وال ِ‬
‫ج‪ -‬ألبان الحيوانات المأكولة اللحم‪ ،‬أما ألبان غير مأكول اللحم‬
‫فحرام‪ ،‬إل لبن النسان فطاهر‪ ،‬ويح ّ‬
‫ل أكله‪ ،‬وشربه‪,‬‬
‫والله تعالى أعلم‪.‬‬
‫الشربة المحّرمة والمخدرات‬
‫ل‪:‬‬ ‫الصل في الشربة الح ّ‬
‫لباحة‬ ‫ل المأكولت والطعمة – الصل فيها ا ِ‬ ‫الشربة – مثلها مث ُ‬
‫ما ِفي‬ ‫كم ّ‬ ‫خل َقَ ل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ‪ ]:‬هُوَ ال ّ ِ‬ ‫ل‪ :‬لعموم قول الله عّز وج ّ‬ ‫والح ّ‬
‫ميعًا[ ) البقرة ‪.(29:‬‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫َ‬
‫الْر ِ‬
‫عصر من ثمر‪،‬‬ ‫فكل ما نزل من السماء‪ ،‬أو نبع من الرض‪ ،‬وكلما ُ‬
‫أو زهر‪ ،‬أو غير ذلك فهو حلل‪.‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ي بِ ِ‬
‫حي ِ َ‬ ‫ماًء ط َُهورا ً ل ِن ُ ْ‬ ‫ماِء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫قال الله تبارك وتعالى‪ ]:‬وَأنَزل َْنا ِ‬
‫ي ك َِثيرا ً [ )الفرقان ‪-48:‬‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ َ‬
‫س ّ‬ ‫قَنا أن َْعاما ً وَأَنا ِ‬ ‫ما َ‬
‫م ّ‬‫ه ِ‬‫قي َ ُ‬
‫س ِ‬‫مْيتا ً وَن ُ ْ‬
‫ب َل ْد َة ً ّ‬
‫‪.(49‬‬
‫ل الدليل على حرمته‪.‬‬ ‫لكن يستثنى من عموم ما ذكر‪ ،‬ما د ّ‬
‫ما يحرم من الشربة ‪:‬‬
‫وإنما يحرم من الشربة ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما كان منها ضارا ً ‪ ،‬كالسم ‪ ،‬وغيره‪ ،‬لن ذلك يفسد‬
‫الجسم‪ ،‬وُيتلفه‪.‬‬
‫َ‬
‫ة[ )البقرة ‪:‬‬ ‫م إ َِلى الت ّهْل ُك َ ِ‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫قوا ْ ب ِأي ْ ِ‬ ‫ل يقول ‪ ]:‬وَل َ ت ُل ْ ُ‬ ‫والله عّز وج ّ‬
‫‪.(195‬‬
‫َ‬
‫ن ب ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫قت ُُلوا ْ أن ُ‬ ‫ويقول سبحانه وتعالى ‪ ]:‬وَل َ ت َ ْ‬
‫حيمًا[ )النساء ‪.(29:‬‬ ‫َر ِ‬
‫‪ -2‬ما كان نجسا ً كالدم المسفوح‪ ،‬والبول‪ ،‬أو لبن ما ل يؤكل‬
‫لحمه من الحيوانات‪ ،‬غير النسان‪ ،‬أو كان متنجسا ً كالمائع إذا‬
‫وقعت فيه نجاسة‪ ،‬لما في ذلك من الضرر على الجسم‪ ،‬ولنه‬
‫مما تعافه النفس وتستقذره‪.‬‬
‫فوحا[ )النعام‬ ‫ً‬ ‫س ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫قال الله عّز وج ّ‬
‫م ْ‬ ‫دما ّ‬ ‫ل في ذكر المحرمات ‪ ]:‬أوْ َ‬
‫‪.(145 :‬‬

‫‪43‬‬
‫وروى البخاري في ] الوضوء ـ باب ـ ترك النبي ‪ ‬والناس‬
‫العرابي حتى فرغ من بوله في المسجد ‪ ،‬رقم ‪ [216:‬ومسلم‬
‫في ] الطهارة ـ باب ـ وجوب غسل البول وغيره من النجاسات‬
‫إذا حصلت في المسجد وأن الرض تطهر بالماء من غير حاجة‬
‫إلى حفرها‪ ،‬رقم ‪ [484 :‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬أن النبي ‪ ‬رأى‬
‫أعرابيا ً يبول في المسجد‪ ،‬فقال ‪ " :‬دعوه حتى إذا فرغ دعا بماء‬
‫فصّبه عليه"‪.‬‬
‫ذنوب فصب على بوله(‪.‬‬ ‫وفي رواية مسلم ‪ ) :‬أمر رسول الله ب َ‬
‫ب الماء على بوله دليل نجاسته‪.‬‬ ‫والمر بص ّ‬
‫والذنوب‪ :‬الدلو المملوءة ماء‪.‬‬
‫كرا ً‪ ،‬سواء كان خمرًا‪ ،‬وهو المتخذ من العنب‪ ،‬أو‬ ‫مس ِ‬ ‫‪ -3‬ما كان ُ‬
‫كان غير خمر‪ ،‬وهو المتخذ مما سوى ذلك‪.‬‬
‫كر‪.‬‬‫مس ِ‬ ‫وذلك لما ورد من نصوص ثابتة في تحريم كل ُ‬
‫كر ‪:‬‬ ‫مس ِ‬ ‫دليل تحريم ال ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ل ‪َ] :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫كرات قول الله عّز وج ّ‬ ‫مس ِ‬ ‫والصل في تحريم ال ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬
‫م ِ‬
‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬‫س ّ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ب َوالْزل َ ُ‬
‫م رِ ْ‬ ‫صا ُ‬‫سُر َوالن َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫مُر َوال ْ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ما ال ْ َ‬‫مُنوا ْ إ ِن ّ َ‬
‫آ َ‬
‫ن[)المائدة‪.(90:‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫جت َن ُِبوه ُ ل َعَل ّك ُ ْ‬‫ن َفا ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫فالتعبير بالجتناب أبلغ في النهي والتحريم من التعبير بتحريم‬
‫الشرب‪ ،‬لن تحريم الشرب‪ ،‬ل يتناول النهي عن التعامل به‬
‫تحضيرا ً وشراًء وبيعًا‪ .‬أما المر بالجتناب‪ ،‬فهو تحذير من جميع‬
‫وجوه التعامل به‪ ،‬بما في ذلك الشرب وغيره‪.‬‬
‫كر حرام ‪:‬‬ ‫مس ِ‬ ‫كل ُ‬
‫والية وإن كانت نصا ً على الخمرة وحدها‪ ،‬وهي ما كانت متخذة‬
‫كرات الخرى‪ ،‬داخلة في مضمون‬ ‫مس ِ‬ ‫من العنب‪ ،‬إل أن سائر ال ُ‬
‫النص‪ ،‬وذلك لما يلي ‪:‬‬
‫ل شراب أسكر فهو حرام"‪ .‬رواه البخاري‬ ‫‪ -1‬لقول النبي ‪ " : ‬ك ّ‬
‫في ] الشربة ـ باب ـ الخمر من العسل‪ ،‬وهو البتع‪ ،‬رقم ‪[5263:‬‬
‫كر خمر‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫مس ِ‬ ‫ومسلم في ] الشربة ـ باب ـ بيان أن كل ُ‬
‫‪.[2001‬‬
‫‪ -2‬ولقوله عليه الصلة والسلم ‪ ،‬شارحا ً المعنى المراد بكلمة‬
‫كر خمر‪ ،‬وكل خمر حرام"‪ .‬رواه‬ ‫مس ِ‬ ‫)الخمر( في الية‪" :‬كل ُ‬
‫كر خمر[‪.‬‬ ‫مس ِ‬ ‫مسلم في ] الشربة ـ باب ـ بيان أن كل ُ‬
‫كرات عن حكم الخمر‪ ،‬وهو‬ ‫مس ِ‬ ‫رج ال ُ‬ ‫فاختلف السماء ل ُيخ ِ‬
‫التحريم‪.‬‬
‫‪ -3‬لن المعنى المسّبب لتحريم الخمر‪ ،‬إنما هو وصف بالسكار‬
‫فيها‪ ،‬بإجماع المسلمين‪ .‬فوجب أن يشترك معها في التحريم كل‬
‫كرة‪ ،‬أي ّا ً كان أصلها دون أيّ تفريق‪.‬‬ ‫مس ِ‬ ‫الشربة ال ُ‬

‫‪44‬‬
‫روى أبو داود في ] الشربة ـ باب ـ في الداذي‪ ،‬رقم ‪[3688:‬‬
‫وابن ماجه في‬
‫] الفتن ـ باب ـ العقوبات رقم ‪ [4020 :‬عن أبي مالك الشعري‬
‫ن ناس من أمتي‬ ‫‪ ، ‬أنه سمع رسول الله ‪ ‬يقول ‪ ":‬ليشرب َ ّ‬
‫الخمر يسمونها بغير اسمها"‪.‬‬
‫ب يلقى في العصير فيشتد ّ وُيسرع إسكاره[‪.‬‬ ‫] الداذي ‪ :‬ح ّ‬
‫تحديد معنى السكر ‪:‬‬
‫طربة‪ ،‬تستر فاعلّية العقل‪ ،‬بنشوة تبعث‬ ‫م ْ‬ ‫دة ُ‬‫كر ‪ :‬ش ّ‬ ‫س ْ‬‫المراد بال ُ‬
‫على عدم النضباط بمقتضيات الرشد واللياقة‪.‬‬
‫كر‪ :‬ما ثبت أن جنسه يسّبب السكار‪ ،‬بقطع النظر‬ ‫مس ِ‬ ‫والمراد ال ُ‬
‫عن الكمية المشروطة لذلك‪.‬‬
‫كر‪ ،‬فل يجوز تناول‬ ‫س ْ‬ ‫فكل ما ثبت أن شرب كمية منه يورث ال ُ‬
‫شيء منه مطلقًا‪ ،‬أي سواء كان القدر المتناَول منه داخل ً في‬
‫ل‪ ،‬أو أقل منها‪ .‬ول عبرة أيضا ً‬ ‫كرة فع ً‬ ‫مس ِ‬ ‫حدود الكمية ال ُ‬
‫بالشارب‪ ،‬سواء سكر بذلك‪ ،‬أم ل‪.‬‬
‫ويعّبر الفقهاء عن هذا المعنى ‪ ،‬بالقاعدة المشهورة‪ ) :‬ما أسكر‬
‫كثيره فقليله حرام(؛ وهي نص حديث‪ ،‬رواه أبو داود في‬
‫كر‪ ،‬رقم‪ [3681:‬والترمذي في‬ ‫مس ِ‬ ‫] الشربة ـ باب ـ النهي عن ال ُ‬
‫] الشربة ـ باب ـ ما أسكر كثيره فقليله حرام‪ ،‬رقم‪ [1866:‬وابن‬
‫ماجه في ] الشربة ـ باب ـ ما أسكر كثيره فقليله حرام‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫‪ [3393‬عن جابر ‪.‬‬
‫وروى الترمذي في ] الشربة ـ باب ـ ما أسكر كثيره‪ ،‬فقليله‬
‫حرام‪،‬رقم‪ [1867:‬وأبو داود في ] الشربة ـ باب ـ النهي عن‬
‫كر ‪ ،‬رقم‪ [3687:‬عن عائشة رضي الله عنها‪ ،‬قالت‪ :‬قال‬ ‫مس ِ‬ ‫ال ُ‬
‫م ْ‬
‫لُء‬ ‫فَرق منه‪ ،‬فَ َ‬ ‫كر ال َ‬ ‫كر حرام‪ ،‬ما أس َ‬ ‫مس ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫رسول الله ‪ " : ‬ك ّ‬
‫ف منه حرام"‪.‬‬ ‫الك ّ‬
‫ل[‪.‬‬‫] والفرق ‪ :‬مكيال كان معروفا ً لديهم يسع ستة عشر رِط ْ ً‬
‫كر ‪:‬‬ ‫مس ِ‬ ‫نجاسة ال ُ‬
‫كر‪ ،‬نجس في مذهب الشافعية‪.‬‬ ‫مس ِ‬ ‫الخمر ‪ ،‬وكل مائع ُ‬
‫َ‬
‫ب‬
‫صا ُ‬ ‫سُر َوالن َ‬ ‫مُر َوال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬
‫خ ْ‬ ‫ل‪] :‬إ ِن ّ َ‬‫ودليل ذلك قول الله عّز وج ّ‬
‫َ‬
‫س[‬‫ج ٌ‬ ‫َوالْزل َ ُ‬
‫م رِ ْ‬
‫) المائدة ‪.(90 :‬‬
‫] والرجس في اللغة ‪ :‬القذر والنجس[‪.‬‬
‫الحكمة من تحريم المسكرات ‪:‬‬
‫ل على النسان بنعم كثيرة‪ ،‬في مقدمتها‪ :‬نعمة‬ ‫أنعم الله عّز وج ّ‬
‫العقل التي مّيزه‪ ،‬بل شّرفه بها على سائر الحيوانات الخرى‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫وإنما تستقيم حياة النسان في معناها الشخصي‪ ،‬وصورتها‬
‫الجتماعية بواسطة العقل‪ ،‬وتكامله وسلطانه‪.‬‬
‫كرات ـ كما قد علمت ـ من شأنها أن ُتؤدي بهذه النعمة‪،‬‬ ‫مس ِ‬ ‫وال ُ‬
‫قد النسان الكثير من فوائدها وثمراتها‪.‬‬ ‫وُتف ِ‬
‫فإذا غابت ضوابط العقل‪ ،‬ظهرت من ورائه رعونة النفس‪ ،‬وساد‬
‫طيش الشهوات والهواء‪ ،‬فثارت الشحناء والبغضاء‪ ،‬وانتشرت‬
‫أسباب العداوة بين المسلمين‪ ،‬وتقطعت روابط الخوة والمحبة‬
‫بينهم‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك ما في الخمر من صد ّ عن ذكر الله تعالى‪ ،‬وابتعاد‬
‫عن أبواب رحمته‪ ،‬ومواطن فضله وإحسانه‪.‬‬
‫ما‬ ‫ل في كتابه العزيز‪] :‬إ ِن ّ َ‬ ‫وإلى هذا وذاك يشير قول الله عّز وج ّ‬
‫ضاء ِفي ال ْ َ‬ ‫طا َ‬
‫ر‬
‫م ِ‬
‫خ ْ‬ ‫داوَة َ َوال ْب َغْ َ‬ ‫م ال ْعَ َ‬ ‫ن أن ُيوقِعَ ب َي ْن َك ُ ُ‬ ‫شي ْ َ ُ‬ ‫ريد ُ ال ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن[‬ ‫منت َُهو َ‬ ‫ل أنُتم ّ‬ ‫صل َةِ فَهَ ْ‬‫ن ال ّ‬ ‫عن ذ ِك ْرِ اللهِ وَع َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫صد ّك ُ ْ‬ ‫سرِ وَي َ ُ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫َوال َ‬
‫) المائدة ‪.(91:‬‬
‫وهذا ما أكده رسول الله ‪ ‬حين قال ‪ " :‬اجتنبوا الخمر‪ ،‬فإنها‬
‫مفتاح كل شر"‪ .‬أخرجه الحاكم في المستدرك ]كتاب الشربة ـ‬
‫باب ـ اجتنبوا الخمر‪.[4/145،‬‬
‫وروى النسائي في ] الشربة ـ باب ـ ذكر الثام المتولدة عن‬
‫شرب الخمر ‪ [8/315 ،‬عن عثمان ‪ ‬موقوفا ً ‪ " :‬اجتنبوا الخمر ‪،‬‬
‫م الخبائث"‪ .‬أي أصل كل شر‪ ،‬ومنبع كل فساد‪.‬‬ ‫فإنها أ ّ‬
‫كرات‪.‬‬ ‫مس ِ‬ ‫فتلك هي بعض الحكم من تحريم وسائر أنواع ال ُ‬
‫كر ‪:‬‬ ‫مس ِ‬ ‫ما يترتب على شرب ال ُ‬
‫كر‪ ،‬وعرفت حكم‬ ‫مس ِ‬ ‫بعدما تبّين لك المعنى المقصود بال ُ‬
‫كرات على اختلفها‪ ،‬ودليل ذلك‪ ،‬والحكمة منه‪ ،‬فما هي‬ ‫مس ِ‬ ‫ال ُ‬
‫الحكام التي تترتب على شرب المسكر؟‬
‫كر حكمان اثنان ‪:‬‬ ‫مس ِ‬ ‫يترتب على شرب ال ُ‬
‫أحدهما ‪ :‬قضائي ‪ ،‬يتحقق أثره في دار الدنيا‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬دياني ‪ ،‬ل يظهر أثره إل يوم القيامة‪.‬‬
‫كر قضاء ‪ :‬فهو استحقاق‬ ‫مس ِ‬ ‫فأما الول ‪ :‬وهو حكم شرب ال ُ‬
‫د‪.‬‬‫الشارب للح ّ‬
‫وأما الثاني ‪ :‬وهو حكمه ديانة‪ :‬فهو الثم الذي يستوجبه على‬
‫ذلك‪ .‬ول نطيل في الحديث عن هذا الحكم الثاني‪ ،‬وهو الثم‪ ،‬فإنه‬
‫ل جلله‪ ،‬ول يعود المر في ذلك إلى‬ ‫عائد إلى ما بين العبد ورّبه ج ّ‬
‫شيء من أقضية الدنيا وأحكامها‪ ،‬وإنما هو مرهون بقضاء أمر‬
‫كر عمدا ً‬ ‫مس ِ‬ ‫الله وحكمه‪ .‬غير أنه من المّتفق عليه أن شرب ال ُ‬
‫لثم‪ ،‬وعقوبته يوم القيامة عقوبة شديدة‪ ،‬ما لم يتدارك‬ ‫من كبائر ا ِ‬
‫الله عبده بالمغفرة والصفح‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ل عهدا ً لمن شرب‬ ‫قال رسول الله ‪ " : ‬إن على الله عّز وج ّ‬
‫كر أن يسقيه من طينة الخبال" قالوا يا رسول الله‪ ،‬وما‬ ‫مس ِ‬ ‫ال ُ‬
‫طينة الخبال؟ قال ‪ " :‬عرق أهل النار‪ ،‬أو عصارة أهل النار" رواه‬
‫مسلم عن جابر ‪ ‬في ] كتاب الشربة ـ باب ـ بيان أن كل‬
‫كر خمر وأن كل خمر حرام‪ ،‬رقم ‪.[2002 :‬‬ ‫مس ِ‬ ‫ُ‬
‫كر ‪:‬‬
‫مس ِ‬ ‫حدّ شرب ال ُ‬
‫كر ‪ ،‬خمرا كان أو غيره‪ ،‬أربعون جلدة‪ ،‬بالشروط‬ ‫ً‬ ‫مس ِ‬‫حد ّ شرب ال ُ‬
‫التي سنذكرها‪ .‬ويجوز أن يزيد المام إذا رأى ذلك‪ ،‬إلى أن يبلغ به‬
‫ثمانين جلدة‪ ،‬ويكون ما زاد على الربعين تعزيرًا‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه مسلم في ] الحدود ـ باب ـ حد ّ الخمر ‪،‬‬
‫رقم ‪ [1706:‬عن أنس ‪ ‬أن النبي ‪ ( ‬كان يضرب في الخمر‬
‫بالجريدة والنعال أربعين(‪.‬‬
‫جّردت من الورق[‪.‬‬ ‫] والجريد ‪ :‬أغضان النخيل إذا ُ‬
‫وروى مسلم أيضا ً في ] نفس الموضع الذي سبق[ عن أنس ‪: ‬‬
‫أن نبي الله ‪ ‬جلد في الخمر بالجريد والنعال أربعين‪ ،‬ثم جلد‬
‫أبو بكر ‪ ‬أربعين‪ ،‬فلما كان عمر ‪ ،‬ودنا الناس من الريف‬
‫والقرى‪ ،‬قال‪ :‬ما ت ََرْون في جلد الخمر؟ فقال عبدالرحمن بن‬
‫ف الحدود‪ ،‬قال‪ :‬فجلد عمر ثمانين‪.‬‬ ‫عوف ‪ :‬أرى أن تجعلها كأخ ّ‬
‫د‪ :‬ما رواه‬ ‫ودل على أن الزيادة على الربعين تعزيز‪ ،‬وليس بح ّ‬
‫مسلم في‬
‫] الشربة ـ باب ـ حد ّ الخمر‪ ،‬رقم‪ [1707:‬أن عثمان ‪) : ‬أمر‬
‫معَْيط‪ ،‬فجلده عبدالله بن جعفر‬ ‫بجلد الوليد بن عقبة بن أبي ُ‬
‫د‪ ،‬حتى إذا بلغ أربعين ‪،‬فقال‬ ‫رضي الله عنهما‪ ،‬وعلي ‪ ‬يع ّ‬
‫أمسك‪ ،‬ثم قال‪ :‬جلد النبي ‪ ‬أربعين‪ ،‬وجلد أبو بكر أربعين ‪،‬‬
‫ب إلي( أي الكتفاء بالربعين‪،‬‬ ‫سّنة‪ ،‬وهذا أح ّ‬ ‫ل ُ‬ ‫وعمر ثمانين ‪ ،‬وك ّ‬
‫لنه الذي فعله رسول الله ‪ ،‬وهو أحوط في باب العقوبة‪ ،‬من‬
‫أن يزيد فيها عن القدر المستحق ‪ ،‬فيكون ظلمًا‪.‬‬
‫قال الفقهاء‪ :‬فأما الربعون الواردة عن النبي ‪ ، ‬فهي الحد ّ‬
‫الساسي‪ ،‬وأما خبر أن عمر ‪ ‬جلد ثمانين‪ ،‬فوجهه كما قال علي‬
‫لعمر رضي الله عنهما‪ ) :‬نرى أن تجلد ثمانين‪ ،‬فإنه إذا شرب‬
‫سكر‪ ،‬وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى(‪ .‬رواه مالك في‬
‫] الموطأ‪ ،‬كتاب الشربة ـ باب ـ الحد ّ في الخمر[‪.‬‬
‫] وحد ّ افتراء ثمانون‪ ،‬ومثل هذا الحكم إنما يتم تعزيرًا‪.‬‬
‫هذي‪ :‬تكلم بما ل ينبغي‪.‬‬
‫افترى ‪ :‬كذب واتهم غيره بالزنى[‪.‬‬
‫لذلك كان المذهب على أن الفضل القتصار على الربعين‪ ،‬إذ هو‬
‫الوارد عن النبي ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫من شرب الخمر حال سكره‪ ،‬لنه ل يحصل به‬ ‫ول يقام الحد ّ على َ‬
‫د‪ ،‬ليحصل‬ ‫عندئذ المزجر‪ ،‬وإنما ينتظر ليستفيق من سكره‪ ،‬فيح ّ‬
‫كر مرة أخرى‪.‬‬ ‫مس ِ‬ ‫به النزجار عن تعاطي ال ُ‬
‫كر ‪:‬‬ ‫مس ِ‬ ‫شروط ثبوت حدّ شرب ال ُ‬
‫كر إل بأحد أمرين اثنين‪:‬‬ ‫مس ِ‬ ‫ل يثبت الحد ّ على المتهم بشرب ال ُ‬
‫الول‪ :‬البينة الكاملة ‪:‬‬
‫وهي شهادة رجلين عدلين‪ ،‬فل يثبت الحد بشهادة رجل وامرأتين‪،‬‬
‫ول بعلم الحاكم‪.‬‬
‫بل لبد من شهادة رجلين اثنين عدلين‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما جاء في حديث مسلم في جلد عثمان ‪ ‬للوليد بن‬
‫عقبة‪ ) :‬فشهد عليه رجلن( ] الشربة ـ باب ـ حد الخمر ‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫‪.[1707‬‬
‫الثاني ‪ :‬القرار ‪:‬‬
‫كرا ً أو خمرًا‪ .‬والقرار حجة تقوم‬ ‫مس ِ‬ ‫وذلك بأن يعترف أنه شرب ُ‬
‫مقام البينة‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويكفي الطلق في كل من القرار والشهادة‪ ،‬أي فيكفي‬
‫في إقراره أن يقول ‪ :‬شربت مسكرًا‪.‬‬
‫ويكفي في الشهادة‪ ،‬أن يقول الشاهدان ‪ :‬إنه شرب مسكرًا‪.‬‬
‫فل يشترط أن يقول هو ‪ :‬شربته عالما ً مختارًا‪ ،‬أو يقول‬
‫الشاهدان شربه عالما ً مختارًا‪.‬‬
‫إذ الصل أنه لم يشربه إل وهو عالم بكونه مسكرًا‪ ،‬ومختارًا‪ ،‬فإن‬
‫تبين أنه ُأكره على شربه بتهديد أو جرت الخمر في حلقه‪ ،‬وتبين‬
‫أنه لم يعلم أنها خمر‪ ،‬لم يجز حده‪.‬‬
‫ودليل ذلك عموم قوله ‪ ": ‬إن الله وضع عن أمتي الخطأ‬
‫والنسيان‪ ،‬وما استكرهوا عليه" رواه ابن ماجه في ] الطلق ـ‬
‫مكره‪ ،‬والناسي‪،‬رقم‪ [2045 :‬عن ابن عباس رضي‬ ‫باب ـ طلق ال ُ‬
‫الله عنهما‪.‬‬
‫ول يدخل في حكم شيء من البّينات‪ ،‬أو القرار ‪ :‬القيء ‪ ،‬ول‬
‫الستكناه؛ وهو شم رائحة المسكر من الفم‪ ،‬لحتمال عذر‪ ،‬من‬
‫نحو غلط‪ ،‬أو إكراه‪ .‬وإذا وقع الحتمال‪ ،‬لم يجز الحد‪.‬‬
‫لقول النبي ‪ ": ‬ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم‪ ،‬فإن‬
‫كان له مخرج فخّلوا سبيله‪ ،‬فإن المام أن يخطئ في العفو خير‬
‫من أن يخطئ في العقوبة"‪.‬‬
‫أخرجه أبو داود في ] الحدود ـ باب ـ ما جاء في درء الحدود ‪،‬‬
‫رقم‪.[1424:‬‬
‫من يتولى تنفيذ الحدّ ‪:‬‬
‫حد الشرب ـ كغيره من الحدود ـ إنما يتولى تنفيذه الحاكم‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫جْز‬
‫فلو لم يعلم الحاكم بالمر‪ ،‬أو لم يثبت عنده موجب الحد‪ ،‬لم ي ُ‬
‫مة الناس أن يتولى عنه إقامة الحد ّ ‪ ،‬درءا ً للفتنة‪.‬‬ ‫لغيره من عا ّ‬
‫د‪ ،‬أيا ً كان أن يعرض‬ ‫ول يكلف شارب الخمر ‪ ،‬أو مستحق الح ّ‬
‫نفسه للحد ّ أمام القضاء‪ .‬بل يكفيه أن يتوب توبة صادقة بينه‬
‫وبين ربه سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫روى البخاري في ] المحاربين ـ باب ـ إذا أقّر بالحد ّ ولم يبين‪،‬‬
‫رقم‪ [6437:‬ومسلم في ] التوبة ـ باب ـ قوله إن الحسنات‬
‫يذهبن السيئات‪ ،‬رقم ‪ [2764:‬عن أنس ‪ ‬قال‪ :‬كنت عند النبي‬
‫‪ ، ‬فجاءه رجل‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إني أصبت حدًا‪ ،‬فأقمه‬
‫ي‪ ،‬قال‪ :‬ولم يسأل عنه‪ ،‬قال ‪:‬وحضرت الصلة‪ ،‬فصلى مع‬ ‫عل ّ‬
‫النبي ‪ ، ‬فلما قضى النبي ‪ ‬الصلة‪ ،‬قام إليه الرجل‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫ي كتاب الله‪ ،‬قال ‪ :‬قال‪" :‬‬ ‫رسول الله‪ ،‬إني أصبت حدا ً فأقم ف ّ‬
‫أليس قد صّليت معنا"؟ قال ‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ " :‬فإن الله قد غفر لك‬
‫دك"‪.‬‬‫ذنبك‪ ،‬أو قال‪ :‬ح ّ‬
‫وفي حديث مشابه عند مسلم‪ ] ،‬رقم ‪ [2763:‬قال عمر ‪‬‬
‫للرجل‪ ) :‬لقد سترك الله لو سترت نفسك(‪ ،‬قال ذلك على‬
‫مسمع من النبي ‪ ،‬ولم ينكره عليه‪.‬‬
‫ل‪ ،‬أن يستر‬ ‫فدل على أن هذا هو المطلوب في شرع الله عّز وج ّ‬
‫النسان على نفسه‪ ،‬ويتوب بينه وبين ربه تبارك وتعالى‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫المخدرات المختلفة‬
‫معنى التخدير ‪:‬‬
‫ستر من بيت ونحوه‪.‬‬ ‫در‪ ،‬وهو ال ّ‬ ‫خ ْ‬ ‫خد َُر ‪ :‬مأخوذ من ال ِ‬ ‫ال َ‬
‫والمراد بالتخدير هنا‪ :‬الحالة التي تغشي العقل والفكر من‬
‫الكسل والثقل والفتور‪ ،‬فكأنه يستتر بشيء‪.‬‬
‫والمخدرات ‪ :‬كل ما يسبب هذه الحالة للعقل‪ :‬من بنج ‪ ،‬وأفيون‬
‫وحشيشة‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫حكم المخدرات ‪:‬‬
‫يحّرم تعاطي المخدرات على اختلفها‪ ،‬كيفما كان تعاطيها‪ ،‬لما‬
‫فيها من الضرار بالعقل والجسم‪ ،‬ولما تستلزم من المراض‬
‫والنتائج الضاّرة المختلفة‪ ،‬التي لم تعد خافية على أحد‪ ،‬فهي‬
‫كرات التي مّر ذكرها‪.‬‬ ‫مس ِ‬ ‫داخلة ـ من حيث التحريم ـ في حكم ال ُ‬
‫كر‪ ،‬رقم ‪:‬‬ ‫مس ِ‬ ‫روى أبو داود في ] الشربة ـ باب ـ النهي عن ال ُ‬
‫‪ 3686‬عن أم سلمة رضي الله عنها‪ ،‬قالت ‪ ) :‬نهى رسول الله‬
‫كر‪ ،‬ومفتر( وأخرجه أحمد في المسند ] ‪.[6/309‬‬ ‫مس ِ‬ ‫‪ ‬عن كل ُ‬
‫عقوبة تناول المخدرات ‪:‬‬
‫إن عقوبة المخدرات الدنيوية ل تتجاوز التعزير‪.‬‬
‫وضة من حيث نوعها وشدتها‪ ،‬إلى ما يراه‬ ‫وعقوبة التعزير مف ّ‬
‫القضاء السلمي العادل؛ من سجن أو ضرب‪ ،‬أو تقريع أو نحو‬
‫ذلك‪ ،‬بشرط أن ل يبلغ به الضرب أدنى حد ّ من الحدود الشرعية‪.‬‬
‫حالت استثنائية‪:‬‬
‫هناك حالت استثنائية تخرج من عموم حكم الخمر والمخدر‪،‬‬
‫نذكرها فيما يلي ‪:‬‬
‫الحالة الولى ‪ :‬حالة الضرورة‪:‬‬
‫ص بلقمة طعام‪ ،‬وليس حوله ما يسيغها به إل جرعة خمر‪ ،‬أو‬ ‫غ ّ‬
‫نحوها من المسكرات‪ ،‬جاز له أن يسيغ لقمته تلك‪ ،‬بجرعة‬
‫الخمر‪ ،‬اتقاء الهلك‪.‬‬
‫فوٌر‬‫ك غَ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬‫عاد ٍ فَإ ِ ّ‬‫ضط ُّر غ َي َْر َباٍغ وَل َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫م ِ‬‫ل ‪] :‬فَ َ‬ ‫قال الله عّز وج ّ‬
‫م[ )النعام‪.(145:‬‬ ‫حي ٌ‬‫ّر ِ‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬التداوي‪:‬‬
‫كر مزجا ً‬ ‫مس ِ‬ ‫وصف الطبيب دواء للمريض‪ ،‬وكان ممزوجا ً ب ُ‬
‫استهلك صفات المسكر‪ ،‬وخصائصه‪ ،‬وليس في الظاهر دواء آخر‬
‫يقوم مقامه‪ ،‬جاز للمريض تناوله للضرورة‪ ،‬والحاجة لذلك‪.‬‬
‫كر الذي لم يستهلك في غيره من الدوية‪ ،‬فل يجوز‬ ‫مس ِ‬
‫أما ال ُ‬
‫تناوله للستشفاء‪ ،‬وإن أشار به الطبيب‪ ،‬أو أمر بذلك‪.‬‬
‫كر الصافي ل يمكن أن يكون الدواَء الذي ل‬ ‫مس ِ‬ ‫وقد ثبت أن ال ُ‬
‫يقوم مقامه غيره لمرض ما‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫بل إن الضرار الكامنة فيه تزيد على ما قد ُيظن فيه من فائدة‬
‫وخير‪.‬‬
‫روى ابن ماجه في ] الطب ـ باب ـ النهي أن يتداوى بالخمر‪،‬‬
‫رقم‪ [3500:‬عن طارق بن سويد الحضرمي ‪ ‬قال ‪ :‬قلت يا‬
‫رسول الله‪ ،‬إن بأرضنا أعنابا ً نعتصرها‪ ،‬فنشرب منها؟ قال ‪ " :‬ل‬
‫" فراجعته‪ ،‬قلت إنا نستشفي به للمريض؟ قال ‪ ":‬إن ذلك ليس‬
‫بشفاء‪ ،‬ولكنه داء"‪.‬‬
‫وأخرجه أيضا ً أحمد في مسنده‪.[5/293 ، 4/311 ] :‬‬
‫وروى البخاري تعليقا ً عن ابن مسعود ‪ ‬قال ‪ ) :‬إن الله لم‬
‫يجعل شفاءكم فيما حّرم عليكم(‪ ] .‬الشربة ـ باب ـ شراب‬
‫الحلوى والعسل[‪.‬‬
‫الحالة الثالثة ‪ :‬العمليات الجراحية ‪:‬‬
‫اضطر الطبيب إلى الستعانة بمخدر من أجل إجراء عملية‬
‫مل ألم‬ ‫جراحية‪ ،‬ونحوها للمريض‪ ،‬بمعنى أن المريض ل يكاد يتح ّ‬
‫الجراحة بدون مخدر ‪ ) :‬واللم الشديدة تنزل منزلة الضرورة (‬
‫فل مانع في مثل هذه الحالة من الستعانة بالمخدر سواء كان‬
‫على كيفية حقنة‪ ،‬أو شرب‪ ،‬أو ابتلع‪.‬‬

‫والله تعــالى أعـلم‪.‬‬

‫س والّزيَنة‬ ‫ّ‬
‫الل َ ُ‬
‫با‬

‫‪51‬‬
‫الل َّبـا ُ‬
‫س والّزيَنة‬
‫ل‪:‬‬ ‫الصل في أحكام اللباس والزينة الح ّ‬
‫إن الصل في أحكام اللباس والزينة ‪ ،‬سواء كان في البدن‪ ،‬أو‬
‫ل والباحة‪.‬‬ ‫في الثياب‪ ،‬أو المكان‪ ،‬إنما هو الح ّ‬
‫وذلك عمل ً بعموم الدلة التي تحمل مّنة الله تعالى على عباده‪،‬‬
‫فيما خلق لهم‪ ،‬وأنعم به عليهم‪ ،‬لينتفعوا به في حياتهم الدنيا‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وتنعمًا‪.‬‬ ‫لباسًا‪ ،‬وتزينا ً واستعما ً‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫خل َقَ ل َ ُ‬ ‫قال الله تبارك وتعالى ‪ ]:‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫ذي َ‬
‫ميعًا[ ) البقرة‪.(29 :‬‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫من ك ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وقال عّز وج ّ‬
‫م َ‬ ‫دوا ن ِعْ َ‬ ‫موه ُ وَِإن ت َعُ ّ‬ ‫سألت ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ‪َ] :‬وآَتاكم ّ‬
‫ها[ )إبراهيم ‪.(34:‬‬ ‫صو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫الل ّهِ ل َ ت ُ ْ‬
‫َ‬
‫ج‬
‫خَر َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ة الل ّهِ ال ّت ِ َ‬ ‫م ِزين َ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وقال الله سبحانه وتعالى ‪ ]:‬قُ ْ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا‬ ‫مُنوا ْ ِفي ال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هي ل ِل ّ ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫ق قُ ْ‬ ‫ن الّرْز ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل ِعَِباد ِهِ َوال ْط ّي َّبا ِ‬
‫ن[‬ ‫مو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ل الَيا ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫ك نُ َ‬ ‫مةِ ك َذ َل ِ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ة ي َوْ َ‬ ‫ص ً‬ ‫خال ِ َ‬ ‫َ‬
‫) العراف ‪.(32:‬‬
‫َ‬
‫واِري‬ ‫م ل َِباسا ً ي ُ َ‬ ‫م قَد ْ أنَزل َْنا ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫وقال عّز من قائل‪َ] :‬يا ب َِني آد َ َ‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫خي ٌْر ذ َل ِ َ‬ ‫ك َ‬ ‫قوَىَ ذ َل ِ َ‬ ‫س الت ّ ْ‬ ‫م وَِريشا ً وَل َِبا ُ‬ ‫سوَْءات ِك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن[ ) العراف ‪.(26 :‬‬ ‫ّ‬
‫م ي َذ ّكُرو َ‬ ‫ل َعَلهُ ْ‬
‫ّ‬
‫] يواري سوآتكم ‪ :‬يستر عوراتكم‪.‬‬
‫وريشا ً ‪ :‬قال ابن عباس رضي الله عنهما‪ :‬كل ما ظهر من الثياب‬
‫والمتاع مما يلبس ويفرش[‪.‬‬
‫كم‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫وقال جل جلله‪ ،‬ممتنا ً على عباده بما خلق لهم‪َ] :‬والل ّ ُ‬
‫َ‬
‫م‬
‫فون ََها ي َوْ َ‬ ‫خ ّ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫جُلود ِ الن َْعام ِ ب ُُيوتا ً ت َ ْ‬ ‫من ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫كنا ً وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫من ب ُُيوت ِك ُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ها أَثاثا ً‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫شَعارِ َ‬ ‫ها وَأ ْ‬ ‫وافَِها وَأوَْبارِ َ‬ ‫ص َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫مت ِك ْ‬ ‫م إ َِقا َ‬ ‫م وَي َوْ َ‬ ‫ظعْن ِك ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫خل َقَ ظ ِل َل ً وَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن * َوالل ّ ُ‬ ‫حي ٍ‬ ‫مَتاعا ً إ َِلى ِ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫كم‬ ‫قي ُ‬ ‫ل تَ ِ‬ ‫سَراِبي َ‬ ‫حّر وَ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قيك ُ ُ‬ ‫ل تَ ِ‬ ‫سَراِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ل أك َْنانا ً وَ َ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫ْ‬
‫ن[ ) النحل ‪-80 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫م ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ه ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫مت َ ُ‬‫م ن ِعْ َ‬ ‫ك ي ُت ِ ّ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ب َأ َ‬
‫‪.(81‬‬
‫] سكنا ً ‪ :‬بيوتا ً تسكنون إليها‪.‬‬
‫يوم ظعنكم ‪ :‬يوم سيركم في أسفاركم‪.‬‬
‫أثاثا ً ‪ :‬الثاث متاع البيت من الفرش والكسية‪.‬‬
‫ن فيه من شدة الحر والبرد ‪:‬‬ ‫ن ‪ :‬وهو ما يستك ّ‬ ‫أكنانا ً ‪ :‬جمع ك ِ ّ‬
‫كالكهوف والسراب‪.‬‬
‫مص والثياب‪.‬‬ ‫ق ُ‬ ‫سرابيل ‪ :‬جمع سربال‪ ،‬وهي ال ُ‬
‫وسرابيل تقيكم بأسكم ‪ :‬هي الدروع ترد ّ عنكم سلح عدوكم‬
‫وتقيكم الجراح[‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫من هذه الدلة وغيرها نعلم أن الصل في كل ما كان من قبيل‬
‫ل والباحة‪ ،‬إل ما استثنى من ذلك‬ ‫اللباس والزينة إنما هو الح ّ‬
‫بنصوص خاصة‪.‬‬
‫ما استثنى من عموم الحل ‪:‬‬
‫لقد استثنى من هذا العموم ما قامت الدلة على تحريمه‪ ،‬ومنعت‬
‫من استعماله‪.‬‬
‫ً‬
‫خذ حكما آخر‬ ‫َ‬
‫وسنقتصر على بعض ما استثنى من عموم الحل‪ ،‬وأ َ‬
‫وهو الحرمة ‪ ،‬والمنع‪.‬‬
‫‪ -1‬تحريم الذهب والفضة في غير البيع والشراء‬
‫ونحوهما‬
‫ل يجوز استعمال الذهب والفضة في أي نوع من أنواع‬
‫الستعمال‪ ،‬ما عدا البيع والشراء‪ ،‬ونحوهما‪ ،‬فل يجوز أن يتخذ‬
‫منهما أواني للكل والشرب‪ ،‬ول أن يجعل منهما أدوات الكتابة‪ ،‬أو‬
‫الكتحال‪ ،‬أو تزيين البيوت‪ ،‬والمجالس‪ ،‬والمساجد‪ ،‬والحوانيت‬
‫وغيرها‪ ،‬سواء كانت هذه الشياء المستعملة من الذهب والفضة‬
‫صغيرة أو كبيرة‪.‬‬
‫وكما يحّرم استعمال الذهب والفضة فيما ذكر‪ ،‬يحرم اتخاذهما‬
‫أيضا ً في ذلك‪ ،‬ولو من غير استعمال‪ ،‬لن ما حرم استعماله حرم‬
‫اتخاذه‪.‬‬
‫أدلة تحريم استعمال الذهب والفضة ‪:‬‬
‫وأدلة هذا التحريم كثيرة في صحاح السّنة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ما رواه مسلم في ] اللباس والزينة ـ باب ـ تحريم استعمال‬
‫أواني الذهب‪ ،‬رقم‪ [2065:‬عن أم سلمة رضي الله عنها قالت ‪:‬‬
‫قال رسول الله ‪ ":‬من شرب في إناء من ذهب أو فضة‪ ،‬فإنما‬
‫يجرجر في بطنه نار جهنم"‪.‬‬
‫وروى مسلم في ] اللباس والزينة ـ باب ـ تحريم استعمال إناء‬
‫الذهب‪ ،‬رقم‪ [2067:‬عن حذيفة ‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول الله ‪‬‬
‫يقول ‪ " :‬ل تشربوا في آنية الذهب والفضة‪ ،‬ول تأكلوا في‬
‫صحافها‪ ،‬فإنها لهم في الدنيا" أي للكفار‪.‬‬‫ِ‬
‫حكم استعمال الواني المضببة بالذهب والفضة‪:‬‬
‫يحرم استعمال ما ضبب من الواني بالذهب مطلقًا‪ ،‬سواء كانت‬
‫الضبة كبيرة‪ ،‬أم صغيرة‪ .‬وسواء ضبب في موضع الستعمال‪ ،‬أو‬
‫غيره‪.‬‬
‫وأما التضبيب بالفضة‪ ،‬فإن كانت الضبة كبيرة لغير حاجة‬
‫حرمت‪،‬وإن كانت صغيرة‪ ،‬أو كبيرة لحاجة جازت‪ ،‬سواء كانت‬
‫الضبة في موضع الستعمال‪ ،‬أو في غيره‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫ودليل هذا الجواز ما رواه البخاري في ]الشربة ـ باب ـ الشرب‬
‫من قدح النبي ‪ ‬وآنيته[ عن عاصم الحول قال‪ :‬رأيت قدح‬
‫النبي ‪ ‬عند أنس بن مالك ‪ ، ‬وكان قد انصدع‪ ،‬فسلسله‬
‫ضار‪ ،‬قال‪ :‬قال أنس ‪: ‬‬ ‫بفضة‪ ،‬قال ‪ :‬وهو قدح جيد عريض من ن ُ َ‬
‫) لقد سقيت رسول الله ‪ ‬في هذا القدح أكثر من كذا وكذا(‪.‬‬
‫] نضار ‪ :‬خشب جيد للنية[‪.‬‬
‫وهة بالذهب والفضة ‪:‬‬ ‫حكم استعمال الواني المم ّ‬
‫التمويه ـ وهو الطلي ـ بالذهب والفضة‪ ،‬إن كان قليل ً بحيث إذا‬
‫ل وإن كان كثيرًا‪ ،‬بحيث‬ ‫صل منه شيء‪ ،‬ح ّ‬ ‫رض على النار لم يتح ّ‬ ‫عُ ِ‬
‫جز عندئذٍ‬‫صل منه شيء إذا عرض على النار حرم‪ ،‬ولم ي ُ‬ ‫يتح ّ‬
‫وه‪ ،‬ول اتخاذه‪.‬‬ ‫استعمال الناء المم ّ‬
‫سقف البيوت‪ ،‬وجدرانها بالذهب والفضة‪،‬‬ ‫ويحرم تمويه وطلي ُ‬
‫صل منه شيء إذا عرض على النار‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬ل يتح ّ‬ ‫ولو كان ذلك قلي ً‬
‫حكم استعمال الواني المتخذة من المعدان النفيسة ‪:‬‬
‫يجوز استعمال الواني المتخذة من المعادن النفيسة‪ ،‬غير‬
‫النقدين – كالماس واللؤلؤ‪ ،‬والمرجان‪ ،‬والياقوت‪ ،‬والزمرد‪،‬‬
‫والزجاج وغيرها – لعدم ورود نص بالنهي عنها‪ ،‬والصل في هذه‬
‫الشياء الباحة‪ ،‬ما لم يرد دليل التحريم‪ ،‬وليس ثمة من دليل‪.‬‬
‫وقياسها على الذهب والفضة غير صحيح‪.‬‬
‫الحكمة من تحريم أواني الذهب والفضة ‪:‬‬
‫قلنا سابقا ً ‪ :‬إن من أعظم الحكم في هذا الموضوع‪ ،‬وأمثاله‬
‫محض التعّبد والختبار للناس‪ .‬ومع هذا فقد يجد الباحث وراء ذلك‬
‫كما ً أخرى نذكر منها‪:‬‬ ‫ح َ‬ ‫ِ‬
‫ل جعل النقدين أثمانا ً للناس‪ ،‬وربط بهما سهولة‬ ‫أ‪ -‬إن الله عّز وج ّ‬
‫ح لذلك تعطيلهما عن هذه الوظيفة‪،‬‬ ‫التعامل بينهم‪ ،‬فلم ي ُب ِ ْ‬
‫واتخاذهما أواني وتحفا ً تجمد في المنازل والبيوت‪ ،‬وتضّيق أوجه‬
‫التعامل بهما‪.‬‬
‫ب‪ -‬ما في ذلك من جرح لشعور الفقراء‪ ،‬وكسر لقلوبهم‪ ،‬حين‬
‫يرون الغنياء –من دونهم – يتخذون الذهب والفضة حليا ً وزينة‪،‬‬
‫يفخرون بهما ويتكبرون‪ ،‬ويختالون بهما‪ ،‬ويزهون‪.‬‬
‫ج‪ -‬منع الناس من النكباب على هذه المعادن النفيسة‪ ،‬واتخاذها‬
‫غاية يتنافسون في تكديسها‪ ،‬والتزين بها‪ ،‬ورصفها في بيوتهم‪،‬‬
‫ومجالسهم وينسون أنها وسيلة وضعت في أيديهم‪ ،‬لقضاء‬
‫حوائجهم‪ ،‬ومصالحهم الدنيوية‪.‬‬
‫د‪ -‬معارضة الكفار‪ ،‬ومخالفتهم‪ ،‬فيما هو من شأنهم‪ ،‬فإن من‬
‫شأن الكفار العراض عن الخرة‪ ،‬والنكباب على الدنيا ونعيمها‪.‬‬
‫وقد جاء في الحديث‪ ":‬وإياكم والتنعم‪ ،‬وزِيّ أهل الشرك" رواه‬

‫‪54‬‬
‫مسلم في ] اللباس والزينة – باب – تحريم استعمال إناء الذهب‪،‬‬
‫رقم ‪ [2069:‬عن عمر ‪.‬‬
‫وقد ذكرنا حديث مسلم السابق ‪ ... ":‬فإنها لهم في الدنيا" أي‬
‫للكفار‪.‬‬
‫ما يستثنى من هذا التحريم ‪:‬‬
‫يستثنى من هذا التحريم أمور ثلثة ‪:‬‬
‫الول ‪:‬‬
‫اتخاذ النساء من الذهب والفضة حليا ً للزينة‪ ،‬بالقدر المعتاد‪ ،‬من‬
‫غير سرف ول شطط‪ .‬سواء كانت المرأة متزوجة‪ ،‬أم غير‬
‫متزوجة‪ ،‬وسواء كانت صغيرة أم كبيرة‪ ،‬غنية أم فقيرة‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه الترمذي في أول ] كتاب اللباس –باب – ما‬
‫جاء في الحرير والذهب‪ ،‬رقم ‪ [1720 :‬بسند حسن صحيح‪ ،‬عن‬
‫حّرم لباس‬ ‫أبي موسى الشعري ‪ ، ‬أن رسول الله ‪ ، ‬قال‪ُ ":‬‬
‫ح ّ‬
‫ل لناثهم"‪.‬‬ ‫الحرير والذهب على ذكور أمتي‪ ،‬وأ ُ ِ‬
‫وقد أجاز العلماء أيضا ً إلباس الصبيان الصغار الحلي والحرير في‬
‫العياد وغيرها‪ ،‬لنه ل تكليف عليهم‪.‬‬

‫الثاني ‪:‬‬
‫ح أن النبي ‪ ‬اتخذ خاتما ً من فضة‪.‬‬ ‫اتخاذ خاتم من فضة‪ ،‬فقد ص ّ‬
‫روى مسلم في ] اللباس والزينة –باب‪ -‬في خاتم الورق فصه‬
‫حبشي‪ ،‬رقم ‪ [2094:‬والترمذي في ] اللباس –باب‪ -‬ما جاء في‬
‫خاتم الفضة‪ ،‬رقم ‪ [1739:‬عن أنس ‪ ،‬قال ‪ ):‬كان خاتم رسول‬
‫صه حبشيًا(‪.‬‬‫الله ‪ ‬من وِرق‪ ،‬وكان ف ّ‬
‫] ورق ‪ :‬فضة‪.‬‬
‫فصه حبشيا ً ‪ :‬حجرا ً من خرز في بياض وسواد‪ ،‬أو من عقيق‬
‫ي[‪.‬‬‫معدنه من الحبشة‪ ،‬وقيل لونه حبش ّ‬
‫وروى البخاري ومسلم عن أنس ‪ ): ‬أن النبي ‪ ‬كان خاتمه‬
‫من فضة ‪ ،‬وكان فصه منه(‪.‬‬
‫ورويا عنه أيضًا‪ ):‬أن رسول الله ‪ ‬اتخذ خاتما ً من فضة‪ ،‬ونقش‬
‫فيه‪ :‬محمد رسول الله‪ ،‬وقال ‪ ":‬إني اتخذت خاتما ً من وَِرق‪،‬‬
‫ن أحد على نقشه"‪.‬‬ ‫قش ّ‬
‫ونقشت فيه‪ :‬محمد رسول الله‪ ،‬فل ين ُ‬
‫وعند البخاري‪ ):‬وكان نقش الخاتم ثلثة أسطر ‪ :‬محمد سطر‪،‬‬
‫ورسول سطر‪ ،‬والله سطر(‪ .‬البخاري في ] اللباس‪ -‬باب‪ -‬قول‬
‫النبي ‪ ‬ل ينقش على نقش خاتمه‪،‬‬
‫و‪-‬باب‪ -‬هل يجعل نقش الخاتم ثلثة أسطر‪ ،‬رقم ‪[5539،5540:‬‬
‫ومسلم في ]اللباس والزينة –باب‪ -‬تحريم خاتم الذهب على‬

‫‪55‬‬
‫الرجال‪ ،‬رقم‪ [2092:‬والترمذي في ]اللباس –باب‪ -‬ما جاء في‬
‫نقش الخاتم‪ ،‬رقم ‪.[1748:‬‬
‫أما خاتم الذهب للرجال فحرام مطلقًا‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه مسلم في ]نفس الموضع السابق‪[2090 :‬‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهما‪ ،‬أن رسول الله ‪ ‬رأى خاتما ً‬
‫من ذهب في يد رجل ‪ ،‬فنزعه فطرحه‪ ،‬وقال‪ ":‬يعمد أحدكم إلى‬
‫جمرة من نار‪ ،‬فيجعلها في يده" فقيل للرجل بعدما ذهب رسول‬
‫الله‪ :‬خذ خاتمك انتفع به‪ ،‬قال ‪ :‬ل آخذه أبدا ً وقد حّرمة رسول‬
‫الله ‪.‬‬
‫الثالث ‪:‬‬
‫حالة الضرورة‪ ،‬وذلك إذا لم يجد غير آنية من ذهب أو فضة فإنه‬
‫يباح له عندئذ ٍ استعمالها للضرورة‪.‬‬
‫ً‬
‫ومثل هذا ما لو جدع أنفه‪ ،‬فاستعاض عنه أنفا من ذهب‪ ،‬أو احتاج‬
‫أن يشد أسنانه بالذهب‪ ،‬فإنه يباح في هذا وأمثاله من حالت‬
‫الضرورة استعمال الذهب‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه الترمذي‪ ،‬بسند حسن غريب في ] أبواب‬
‫اللباس –باب‪ -‬ما جاء في شد ّ السنان بالذهب‪ ،‬رقم‪[1770 :‬عن‬
‫كلب في‬ ‫جة بن أسعد ‪ ، ‬قال‪ ):‬أصيب أنفي يوم ال ُ‬ ‫ع َْرفَ َ‬
‫ي‪ ،‬فأمرني رسول الله‬ ‫الجاهلية‪ ،‬فاتخذت أنفا ً من وَِرق فأنتن عل ّ‬
‫‪ ‬أن اتخذ أنفا ً من ذهب(‪ .‬وأخرجه أبو داود أيضا ً في ] كتاب‬
‫الخاتم –باب‪ -‬ربط السنان بالذهب‪ ،‬رقم ‪.[4232:‬‬
‫تهاون في حكم الله عّز وج ّ‬
‫ل‪:‬‬
‫ل في تحريم‬ ‫لقد تهاون كثير من المسلمين في حكم الله عّز وج ّ‬
‫الذهب والفضة‪.‬‬
‫فاستباحوا لنفسهم هذه المخالفة لحكم الدين‪ ،‬ولم يروا حرجا ً‬
‫في اقتحامهم جدران هذه المحرمات فلبس كثير منهم الذهب‬
‫في أيديهم‪ ،‬ووضعوا سلسل الذهب في أعناقهم‪ ،‬ولم يستشعروا‬
‫أنهم إنما يضعون جمرا ً من النار في أيديهم وأعناقهم‪.‬‬
‫ويستمطرون غضب الله تبارك وتعالى بأعمالهم هذه‪ ،‬ولم يدركوا‬
‫أنهم ضحية التقليد العمى للكافرين والمشركين‪ .‬إن لبس خاتم‬
‫الذهب بدعوى إظهار الخطبة‪ ،‬أو إعلن الزواج أمر باطل ل يقّره‬
‫الدين‪ ،‬ول دليل‪ ،‬وليس لهؤلء من سند إل التقليد السخيف‪،‬‬
‫والتبعية العمياء‪ ،‬كما أن كثيرا ً من الغنياء والمترفين أبوا إل أن‬
‫يكونوا أرقاء للمظاهر الفارغة‪ ،‬والسرف الممقوت‪ ،‬فاستعملوا‬
‫أواني الذهب والفضة في مطاعمهم ومشاربهم وموائدهم‪،‬‬
‫ل قد حّرم هذا‪ ،‬وتوعدهم عليه‪،‬‬ ‫وحفلتهم‪ ،‬ونسوا أن الله عّز وج ّ‬
‫ول حول ول قوة إل بالله‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪ -2‬تحريم لبس الحرير للرجال‬
‫والحرير أيضا ً حرام على الرجال لبسًا‪ ،‬واستعمال ً في أي وجه من‬
‫وجوه الستعمال‪ :‬كالجلوس عليه‪ ،‬والتستر‪ ،‬والتدثر به‪ ،‬لكنه ح ّ‬
‫ل‬
‫للنساء والصغار‪ ،‬ودليل ذلك ما رواه أبو داود في ] اللباس –باب‪-‬‬
‫في الحرير للنساء‪ ،‬رقم ‪ [4057:‬وابن ماجه في ] اللباس –باب‬
‫– لبس الحرير والذهب للنساء‪ ،‬رقم ‪ [3595:‬وغيرهما عن علي‬
‫‪ ، ‬قال‪ :‬أخذ النبي ‪ ‬حريرا ً فجعله في يمينه‪ ،‬وأخذ ذهبا ً فجعله‬
‫في شماله‪ ،‬ثم قال "إن هذين حرام على ذكور أمتي"‪.‬‬
‫وروى الترمذي بسند حسن صحيح في أول ] كتاب اللباس –باب‪-‬‬
‫ما جاء في الحرير والذهب‪ ،‬رقم ‪ [1720:‬عن أبي موسى‬
‫حّرم لباس الحرير والذهب‬ ‫الشعري ‪ ‬أن رسول الله ‪ ‬قال‪ُ ":‬‬
‫على ذكور أمتي‪ ،‬وُأح ّ‬
‫ل لناثهم"‪.‬‬
‫الحكمة من تحريم الحرير على الرجال ‪:‬‬
‫ل الحكمة من هذا التحريم‪ -‬عدا التعّبد – ما في لبس الحرير‬ ‫ولع ّ‬
‫من الخيلء والك َِبر‪ ،‬وما فيه من التأّنث والتخّنث‪ ،‬والبعد عن‬
‫صفات الرجولة‪ ،‬فإن الرجل لم يخلق لينشأ في الحلية‪ ،‬ويختال‬
‫فضية إلى‬ ‫م ْ‬‫بأثواب الزينة‪ ،‬ويظهر بمظهر النعومة والليونة‪ ،‬ال ُ‬
‫خِلق للحياة‪،‬‬ ‫التشّبه بالنساء‪ ،‬والقعود عن عظائم المور‪،‬وإنما ُ‬
‫مات‪ ،‬وهذا‬ ‫يعارك الصعاب‪ ،‬ويقوم بالمهمات‪ ،‬ويصبر في المل ّ‬
‫يتطلب نوعا ً من الخشونة‪ ،‬والبعد عن الليونة‪ ،‬والترف والتخنث‬
‫والميوعة‪.‬‬
‫ما استثنى من هذا التحريم ‪:‬‬
‫يستثنى من هذا التحريم للحرير على الرجال حالتان ‪:‬‬
‫الحالة الولى ‪:‬‬
‫حالة الضرورة‪ ،‬وهي ما إذا كان لم يجد غيره‪ ،‬لستر عورته‪ ،‬أو‬
‫وقاية جسمه من الحر‪ ،‬أو البرد‪ ،‬فإنه عندئذ ٍ ُيباح لبس الحرير‪،‬‬
‫ريثما يجد غيره‪ ،‬لن الضرورات ُتبيح المحظورات‪ ،‬والضرورة‬
‫تقدر بقدرها‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪:‬‬
‫الحاجة إلى لبسه‪ ،‬لدفع ضرر‪ ،‬كما إذا كان في النسان مرض‪،‬‬
‫وكان لبس الحرير ُيسارع في شفائه‪ ،‬أو يخفف من آلمه‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه البخاري في ] اللباس‪ -‬باب – ما يرخص‬
‫كة‪ ،‬رقم‪ [5501:‬ومسلم في ] اللباس‬ ‫للرجال من الحرير للح ّ‬
‫والزينة –باب – إباحة لبس الحرير للرجل إذا كان به ح ّ‬
‫كة أو‬
‫نحوها‪ ،‬رقم‪ [2076:‬واللفظ له‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪، ‬أن رسول‬
‫وام رضي‬ ‫خص لعبدالرحمن بن عوف‪ ،‬والزبير بن الع ّ‬ ‫الله ‪) ‬ر ّ‬

‫‪57‬‬
‫مص الحرير في السفر من ح ّ‬
‫كة كانت بهما‪ ،‬أو‬ ‫ق ُ‬
‫الله عنهما في ال ُ‬
‫وجع كان بهما(‪.‬‬

‫حكم لبس الحرير إذا كان مخلوطا ً بغيره ‪:‬‬


‫كب ثوب أو لباس من حرير وغيره‪ ،‬فإنه ينظر عندئذ ٍ للوزن‬ ‫إذا ُر ّ‬
‫بين الحرير وغيره‪.‬‬
‫ً‬
‫فإن كان الحرير في الثوب أكثر وزنا من غيره حرم لبس هذا‬
‫الثوب واستعماله على الرجال‪ ،‬وإن كان وزن غير الحرير أكثر‬
‫ل لبسه واستعماله‪ .‬لن الحكم إنما يدار على الكثر منهما‪،‬‬ ‫ح ّ‬
‫فُيسمى باسمه‪ ،‬ويعطى حكمه‪ .‬فإن استوى وزن الحرير وغيره‪،‬‬
‫ل لبسه واستعماله‪ ،‬ترجيحا ً لجانب الحل ‪ ،‬لنه الصل‪.‬‬ ‫ح ّ‬‫َ‬
‫ل تطريف الثوب بالحرير‪ ،‬أي جعل طرفه‬ ‫وبناًء على هذا‪ ،‬فإنه يح ّ‬
‫مسجفا ً بالحرير‪ ،‬بالقدر المعتاد‪ ،‬كما يجوز ترقيع الثوب‪ ،‬وتطريزه‬
‫بحرير شريطة أن ل يجاوز ذلك قدر أربع أصابع مضمومة‪ ،‬أما إذا‬
‫جاوزها فإنه ل يحل‪ .‬ودليل ذلك ما جاء في مسلم في ] اللباس‬
‫والزينة – باب – تحريم إناء الذهب والفضة‪ ،...‬رقم‪ [2069:‬أن‬
‫سة‬‫جّبة ط ََيال ِ َ‬
‫أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أخرجت ُ‬
‫سَروانّية‪ ،‬لها لبنة ديباج‪ ،‬وفرجيها مكفوفين بالديباج‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫كِ ْ‬
‫هذه كانت عند عائشة رضي الله عنها‪ ،‬حتى قبضت‪ ،‬فلما قبضت‪،‬‬
‫ضُتها‪ ،‬وكان النبي ‪ ‬يلبسها‪ ،‬فنحن نغسلها للمرضى يستشفى‬ ‫قب ْ‬
‫بها(‪.‬‬
‫] كسروانية ‪ :‬نسبة إلى كسرى ملك الفرس‪.‬‬
‫لبنة ديباج‪ :‬رقعة حرير في جيبها‪.‬‬
‫ف به جوانبها‪،‬‬ ‫وفرجيها مكفوفين ‪ :‬أي جعل لهما كفة‪ ،‬وهي ما يك ّ‬
‫ويعطف عليها‪،‬ويكون ذلك في الذل‪ ،‬وفي الفرجين‪ ،‬وفي‬
‫الكمين[‪.‬‬
‫وروى مسلم عن سويد بن غفلة‪ ،‬أن عمر بن الخطاب ‪ ،‬خطب‬
‫بالجابية‪ ،‬فقال‪):‬نهى رسول الله ‪ ‬عن لبس الحرير‪ ،‬إل موضع‬
‫إصبعين أو ثلث‪ ،‬أو أربع(‪.‬‬
‫تعليق ستائر الحرير على البواب والجدران ‪:‬‬
‫يحرم تعليق ستائر الحرير على البواب‪ ،‬والجدران‪ ،‬وغيرهما‬
‫ويستوي في هذا التحريم الرجال والنساء‪ ،‬لما في ذلك من الكبر‬
‫والخيلء‪.‬‬
‫ولكن العلماء استثنوا من ذلك الكعبة المشرفة‪ ،‬فأجازوا كسوتها‬
‫بالحرير‪ ،‬لفعل السلف والخلف لذلك من غير نكير‪ .‬ول يلحق بها‬
‫غيرها من سائر المساجد والبيوت‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪ -3‬تحريم الخضاب بالسواد‬
‫يرحم صبغ شعر الرأس واللحية بالسواد للرجال والنساء‪.‬‬
‫ويستحب خضاب الشيب‪ ،‬وصبغ الشعر بغير السواد للرجال‬
‫والنساء‪ ،‬بصفرة‪ ،‬أو حمرة‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه مسلم في ]اللباس والزينة – باب – استحباب‬
‫خضاب الشيب بصفرة أو حمرة‪ ،‬وتحريمه بالسواد‪ ،‬رقم ‪[2102‬‬
‫وغيره عن جابر ‪ ،‬قال ‪ :‬أتي بأبي قحافة يوم الفتح‪ ،‬ورأسه‬
‫ولحيته كالثغامة بياضًا‪ ،‬فقال رسول الله ‪ ": ‬غيروا هذا بشيء‬
‫واجتنبوا السواد"‪.‬‬
‫] الثغامة ‪ :‬نبت له زهر أبيض‪ ،‬شبه بياض الشيب به‪.‬‬
‫أبو قحافة ‪:‬والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما‪ ،‬واسمه عثمان‬
‫أسلم عام الفتح[‪.‬‬
‫وروى الترمذي في ] اللباس –باب – ما جاء في الخضاب‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ [1752‬عن أبي هريرة ‪ ، ‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ ": ‬غيروا‬
‫الشيب ‪ ،‬ول تشبهوا باليهود"‪.‬‬
‫وروى البخاري في ] اللباس – باب – الخضاب‪ ،‬رقم‪[5559 :‬‬
‫ومسلم في ] اللباس والزينة –باب – في مخالفة اليهود في‬
‫الصبغ‪ ،‬رقم ‪ [2103:‬عن أبي هريرة ‪ ، ‬أن النبي ‪ ‬قال ‪ ":‬إن‬
‫اليهود والنصارى ل يصبغون فخالفوهم"‪.‬‬
‫] الخضاب ‪ :‬الصبغ[‪.‬‬
‫حكمة تحريم الخضاب بالسواد ‪:‬‬
‫ولعل الحكمة من تحريم الصبغ بالسواد إنما تعود ِلما في‬
‫الخضاب به من التزوير‪ ،‬وتغيير الواقع‪ ،‬فإن السواد يجعل من‬
‫الكبير صغيرًا‪ ،‬ومن المسّنة شابة‪ ،‬في أعين الناس‪ ،‬فيظنون‬
‫أمرهما على خلف ما هو عليه في الواقع‪.‬‬
‫أما ما عدا السواد‪ ،‬فقد ل يصل إلى هذا الحد من التغير‪،‬‬
‫والتغرير‪ ،‬والتزوير‪.‬‬
‫ونقول بعد هذا‪ :‬إن عامة هذه الموضوعات‪ ،‬إنما تقوم أحكامها‬
‫على محض التعبد‪ ،‬وعلى المتثال‪ ،‬والختبار الخالصين‪.‬‬

‫‪ -4‬تحريم مواصلة الشعر‬


‫وصل الشعر بشعر آخر حرام على الرجال والنساء‪ ،‬أيامى أو‬
‫مل أو غيره‪ ،‬وهو كبيرة من الكبائر‪ ،‬لورود اللعن‬ ‫متزوجين‪ ،‬للتج ّ‬
‫عله‪ ،‬والمعاون فيه‪.‬‬ ‫لفا ِ‬
‫لذلك قال الفقهاء ‪ :‬إن وصلت المرأة شعرها بشعر آدمي‪ ،‬امرأة‬
‫ل‪ ،‬محرما ً أو زوجًا‪ ،‬فهو حرام‪ ،‬لعموم الدلة‪ ،‬ولنه‬
‫كان أو رج ً‬
‫يحرم النتفاع بشعر الدمي وسائر أجزائه لكرامته‪ ،‬بل يدفن‬

‫‪59‬‬
‫شعره وظفره‪ ،‬وسائر أجزائه إن فصلت منه حال الحياة‪ .‬وإن‬
‫وصلته بشعر غير الدمي‪ ،‬فإن كان شعرا ً نجسًا‪ ،‬وهو شعر الميتة‪،‬‬
‫أو شعر ما ل يؤكل لحمه إذا انفصل في حال حياته‪ ،‬فهو حرام‬
‫أيضا ً لعموم النهي عن ذلك‪ ،‬ولنه حمل نجاسة في الصلة ‪،‬‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫وأما الشعر الطاهر من غير الدمي‪ ،‬فإن لم يكن لها زوج فهو‬
‫حرام‪ ،‬وإن كان لها زوج‪ ،‬فإن فعلته بإذنه جاز‪ ،‬وإن فعلته بغير‬
‫إذنه لم يجز‪.‬‬
‫أما تحمير الوجه‪ ،‬وتطريف الصابع‪ ،‬فإن أذن به الزوج جاز‪ ،‬وإن‬
‫لم يأذن لم يجز‪.‬‬
‫أما وصل الشعر بخيوط من الحرير‪ ،‬ونحوه‪ ،‬مما ل يشبه الشعر‬
‫فجائز‪ ،‬وليس منهيا ً عنه‪ ،‬لنه ليس له حكم الوصل‪ ،‬إنما هو مجرد‬
‫الزينة‪.‬‬
‫دليل تحريم الوصل ‪:‬‬
‫ويدل على حرمة الوصل ما رواه البخاري في ] اللباس –باب –‬
‫الوصل في الشعر‪ ،‬رقم ‪ [5591:‬ومسلم في ]اللباس والزينة –‬
‫باب – تحريم فعل الواصلة والمستوصلة‪ ،‬رقم‪ [2122:‬عن أسماء‬
‫بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما‪ ،‬قالت‪ :‬جاءت امرأة إلى‬
‫النبي ‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إن لي ابنة ع َُرّيسًا‪ ،‬أصابتها‬
‫صله؟ فقال ‪ ":‬لعن الله الواصلة‬ ‫صبة فتمّرق شعرها‪ ،‬أفأ ِ‬‫ح ْ‬
‫َ‬
‫والمستوصلة"‪.‬‬
‫] عريسا ً ‪ :‬تصغير عروس‪.‬‬
‫حصبة‪ :‬مرض‪.‬‬
‫تمرق شعرها‪ :‬تساقط من مرض الحصبة‪.‬‬
‫الواصلة ‪ :‬التي تصل الشعر بشعر آخر‪.‬‬
‫المستوصلة ‪:‬التي تطلب أن يفعل بها ذلك[‪.‬‬
‫حكمة تحريم الوصل ‪:‬‬
‫ولعل الحكمة في تحريم الوصل في الشعر إنما هي التزوير في‬
‫الحقيقة‪ ،‬والتغير للخلقة‪ ،‬والتظاهر بغير ما عليه الحل في الواقع‪.‬‬
‫روى البخاري في ] اللباس – باب‪ -‬الوصل في الشعر‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ [5594‬ومسلم في ]اللباس والزينة – باب – تحريم فعل الواصلة‬
‫والمستوصلة‪ ،‬رقم ‪ [2127:‬عن سعيد بن المسيب ‪ ، ‬قال ‪:‬‬
‫قدم معاوية‪ ‬آخر قدمة قدمها‪ ،‬فخطبنا‪ ،‬فأخرج كبة من شعر‪،‬‬
‫قال ‪:‬ما كنت أرى أحدا ً يفعل هذا غير اليهود‪ ) ،‬إن النبي ‪ ‬سماه‬
‫الزور(‪ .‬يعني الواصلة في الشعر‪ .‬فالحديث واضح في علة‬
‫التحريم‪ ،‬وهي التزوير والتغرير‪ ،‬وتغير الحقيقة‪.‬‬
‫‪ -5‬تحريم الوشم‪ ،‬والنمص‪ ،‬والتفليج‬

‫‪60‬‬
‫الوشم‪ :‬هو أن تغرز إبرة‪ ،‬أو نحوها في ظهر الكف‪ ،‬أو المعصم‪،‬‬
‫أو الوجه‪ ،‬أو الشفة‪ ،‬أو غير ذلك من البدن‪ ،‬حتى يسيل الدم‪ ،‬ثم‬
‫يحشى محل الغرز بكحل‪ ،‬ونحوه‪ ،‬فيخضّر‪.‬‬
‫النمص ‪ :‬نتف الشعر من الوجه‪.‬‬
‫التفليج ‪ :‬تفريق ما بين الثنايا والرباعيات من السنان بالمبرد‪،‬‬
‫ونحوه‪.‬‬
‫وهذه الثلثة – الوشم ‪ ،‬والنمص ‪ ،‬والتفليج – حرام على الرجال‬
‫والنساء‪ ،‬ل فرق بين الفاعل والمفعول به‪ ،‬ذلك لورود اللعن‬
‫عليه‪ ،‬ول يلعن إل على فعل محّرم‪ ،‬بل على كبيرة من الكبائر‪.‬‬
‫قال الفقهاء‪ :‬والموضع الذي وشم يصير متنجسًا‪ ،‬لنحباس الدم‬
‫فيه‪ .‬فإن أمكن إزالته بالعلج‪ ،‬وجب‪ ،‬وإن لم يمكن إل بالجرح‪،‬‬
‫فإن خيف منه حدوث ضرر‪ ،‬أو عيب فاحش في عضو ظاهر‪،‬‬
‫جب إزالته وتكفي التوبة في‬ ‫كالوجه‪ ،‬والكفين‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬لم ت ِ‬
‫سقوط الثم‪ ،‬وإن لم يخف شيء من ذلك‪ ،‬لزم إزالته‪ ،‬ويعصي‬
‫بتأخيره‪.‬‬
‫دليل تحريم الوشم‪ ،‬والنمص‪ ،‬والتفليج ‪:‬‬
‫ل من الوشم‪ ،‬والنمص‪ ،‬والتفليج بما رواه‬ ‫ويستدل على تحريم ك ّ‬
‫البخاري في ]اللباس – باب – المتفلجات للحسن‪ ،‬رقم ‪[5587:‬‬
‫ومسلم في ]اللباس والزينة – باب –تحريم فعل الواصلة‬
‫والمتوصلة ‪ ،‬رقم‪ [2122:‬عن عبدالله بن مسعود ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫مصات والمتفلجات‬ ‫مستوشمات‪ ،‬والمتن ّ‬ ‫) لعن الله الواشمات وال ُ‬
‫ل الله‬ ‫للحسن‪ ،‬المغيرات خلق الله‪ ،‬ما لي ل ألعن من لعنه رسو ُ‬
‫ما ن ََهاك ُ ْ‬
‫م‬ ‫خ ُ‬
‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫ل فَ ُ‬
‫سو ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬
‫م الّر ُ‬ ‫‪ ‬وهو في كتاب الله "] وَ َ‬
‫ه َفانت َُهوا[‪.‬‬
‫ع َن ْ ُ‬
‫وروى البخاري في ]اللباس – باب – الوصل في الشعر‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫‪ [5593‬ومسلم في ]اللباس والزينة – باب – تحريم فعل الواصلة‬
‫والمستوصلة‪ ،‬رقم ‪ [2124:‬عن عبدالله بن عمر رضي الله‬
‫عنهما‪ ،‬أن رسول الله ‪ ‬قال‪ " :‬لعن الله الواصلة والمستوصلة‪،‬‬
‫والواشمة والمستوشمة"‪.‬‬
‫ما يستثنى من تحريم ما سبق‪:‬‬
‫يستثنى من تحريم النمص‪ ،‬إزالة ما نبت في وجه المرأة‪ ،‬من‬
‫لحية‪ ،‬وشارب‪ ،‬فل يحرم إزالتهما‪ ،‬بل يستحب‪ ،‬لن النهي إنما هو‬
‫لما في الحواجب‪ ،‬وما في أطراف الوجه‪.‬‬
‫وكذلك إذا احتيج إليه لعلج‪ ،‬أو عيب في السن‪ ،‬فل بأس به‪ ،‬لن‬
‫المحّرم إنما هو المفعول لطلب الحسن‪ ،‬والتجميل‪ ،‬والتغيير‬
‫لخلق الله عّز وج ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫حكمة تحريم الوشم والنمص والتفليج ‪:‬‬

‫‪61‬‬
‫ل من الوشم‪ ،‬والنمص والتفليج‪ ،‬إنما‬ ‫والحكمة من هذا التحريم لك ّ‬
‫هي ما جاء مصّرحا ً به في الحديث السابق‪ ،‬وهو تغيير خلق الله‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬ولنه تزوير‪ ،‬وتدليس‪ ،‬وإبهام بغير ما عليه المر‬
‫في واقع الحال‪.‬‬
‫‪ -6‬تشبه الرجال بالنساء‪ ،‬والنساء بالرجال‪:‬‬
‫تشّبه الرجال بالنساء إنما يكون في اللباس والزينة‪ ،‬مثل لبس‬
‫الساور والقراط‪ ،‬والطواق‪.‬‬
‫وكذلك في الكلم والمشي‪ :‬كتكّلف التثني والتكسر‪ ،‬وترقيق‬
‫الصوت‪ ،‬وتليين الكلم‪ ،‬وغير ذلك مما تكون عليه النساء في‬
‫العادة‪.‬‬
‫وتشّبه النساء في الرجال إنما يكون بالزي‪ ،‬وبعض الصفات‪:‬‬
‫كتكلف الخشونة والرجولة‪ ،‬وحلق الشعر‪ ،‬ونحو ذلك مما عليه‬
‫الرجال في العادة‪.‬‬

‫حكم هذا التشّبه‪:‬‬


‫ل من الجنسين بالخر حرام‪ ،‬بل هو كبيرة من‬ ‫وهذا التشّبه من ك ّ‬
‫الكبائر‪ ،‬لورود اللعن لفاعله‪.‬‬
‫وهو أيضا ً من المنكرات التي انتشرت وشاعت بين المسلمين –‬
‫ول حول ول قوة إل بالله ‪.-‬‬
‫ما تقتضيه‬‫وهو في الحقيقة مسخ لحقيقة المة‪ ،‬وانحطاط ع ّ‬
‫حياته‪ ،‬من العّزة والكرامة‪ ،‬ولسيما أيام محنة المة‪ ،‬وتكالب‬
‫العداء عليها‪ ،‬وتربصهم بها‪.‬‬
‫دليل تحريم هذا التشّبه ‪:‬‬
‫ل من الرجال بالنساء‪ ،‬والنساء بالرجال‪،‬‬ ‫ل على حرمة تشّبه ك ّ‬ ‫ويد ّ‬
‫ما رواه البخاري في ] اللباس – باب – المتشبهين بالنساء‬
‫والمتشبهات بالرجال‪،‬رقم ‪ [5546 :‬عن ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما‪ ،‬قال ‪ ) :‬لعن رسول الله ‪ ‬المتشبهين من الرجال‬
‫بالنساء‪ ،‬والمتشبهات من النساء بالرجال(‪.‬‬
‫وروى البخاري أيضا ًُ في ] اللباس – باب – إخراج المتشبهين‬
‫بالنساء من البيوت‪ ،‬رقم ‪ [5547:‬عن ابن عباس رضي الله‬
‫جلت‬‫عنهما‪ ،‬قال ‪ ) :‬لعن النبي ‪ :‬المخنثين من الرجال‪ ،‬والمتر ّ‬
‫من النساء‪ ،‬وقال أخرجوهم من بيوتكم(‪.‬‬
‫سر‪ ،‬وفي‬ ‫ن وتك ّ‬ ‫م ْ‬
‫شيته تث ّ‬ ‫] المخنثين ‪ :‬جمع مخنث‪ ،‬وهو الذي في ِ‬
‫كلمه رقة ولين‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫وإن كان ذلك خلقة‪ ،‬من غير تصّنع ول تكّلف‪ ،‬فل يلم عليه‪ ،‬ولكن‬
‫عليه أن يتكلف إزالة ذلك عن نفسه‪ .‬وإن كان بقصد‪ ،‬وتكّلف‪،‬‬
‫فهو المحّرم المذموم‪.‬‬
‫المترجلت‪ :‬النساء المتكلفات التشّبه بالرجال[‪.‬‬
‫‪ -7‬تحريم التصوير‬
‫ل ما فيه روح حرام‪ ،‬وهو من كبائر‬ ‫تصوير النسان والحيوان‪ ،‬وك ّ‬
‫عد عليه بوعيد شديد في صريح السّنة الشريفة‪.‬‬ ‫الثم‪ ،‬لنه متو ّ‬
‫ل فرق في هذا التحريم بين ما إذا كان هذا التصوير على ما‬
‫يمتهن وُيهان أو على ما يعظم ويكرم‪.‬‬
‫ول فرق بين ما كان منه على بساط‪ ،‬أو ثوب‪ ،‬أو درهم‪ ،‬أو دينار‪،‬‬
‫أو ورق‪ ،‬أو إناء‪ ،‬أو حائط‪،‬أو على غير ذلك‪.‬‬
‫ول فرق بين ما له ظل وما ل ظل له‪ .‬فتصوير كل ما فيه روح‬
‫حرام‪ ،‬كيفما كان‪ ،‬وعلى أي شيء كان‪.‬‬
‫ور ليصوره‪،‬‬ ‫ور‪ ،‬ومن تقدم إلى المص ّ‬ ‫ويستوي في الحرمة المص ّ‬
‫لنه معاون له على المعصية‪ ،‬وإن كان عذاب المصور أكبر‪ ،‬وإثمه‬
‫أعظم‪.‬‬
‫أما تصوير ما ل روح فيه‪ ،‬كالشجر‪ ،‬والنبات‪ ،‬والجماد‪ ،‬فليس‬
‫بحرام‪ ،‬ول إثم في فعله‪.‬‬
‫هذا حكم نفس التصوير‪.‬‬
‫وأما اتخاذ ما فيه صورة حيوان‪ ،‬أو إنسان واقتناؤه‪ ،‬فنقول‪ :‬إن‬
‫كانت هذه الصور معّلقة على حائط‪ ،‬أو منقوشة في ثوب مما ل‬
‫يعد ّ ممتهنًا‪ ،‬فاتخاذها حرام‪ ،‬ول يجوز إبقاؤها‪ ،‬بل يجب نزعها‪،‬‬
‫وإزالتها من مكانها‪.‬‬
‫دة ي ُّتكأ وُيجلس‬
‫وإن كانت في بساط يداس‪ ،‬أو وسادة ومخ ّ‬
‫عليهما‪ ،‬ونحوهما مما ُيمتهن‪ ،‬فليس بحرام‪.‬‬
‫ما يستثنى من تحريم اتخاذ الصور‪:‬‬
‫يستثنى من عموم تحريم اتخاذ الصور أمران‪:‬‬
‫الول ‪ :‬الترخيص لصغار البنات والصبيان في ل َِعب الولد‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه مسلم في ] كتاب فضائل الصحابة – باب –‬
‫في فضل عائشة رضي الله عنها‪ ،‬رقم‪ [2440:‬عن عائشة رضي‬
‫الله عنها‪ ،‬أنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله ‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫ن من رسول الله ‪ ،‬قالت‪:‬‬ ‫معْ َ‬‫ق ِ‬
‫وكانت تأتيني صواحبي‪ ،‬فكن ي َن ْ َ‬
‫ي‪.‬‬
‫ن إل ّ‬ ‫فكان رسول الله ‪ُ ‬يسّرُبه ّ‬
‫] ينقمعن ‪ :‬يتغيبن حياء من رسول الله ‪ ‬وهيبة‪.‬‬
‫يسربهن ‪ :‬يرسلهن[‪.‬‬
‫أي إن عائشة رضي الله عنها كانت تلعب بصور البنات‪ ،‬ومعها‬
‫صواحبها‪ ،‬فإذا دخل رسول الله ‪ ‬استترن واختفين حياًء منه‬

‫‪63‬‬
‫ن بالذهاب لعائشة رضي الله عنها يعلبن‬ ‫وهيبة‪ ،‬فكان ‪ ‬يأمره ّ‬
‫معها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬حالة الضرورة‪ ،‬فإذا دعت ضرورة‪ ،‬أو حاجة أمنية إلى‬
‫اتخاذ صورة‪ ،‬جاز اتخاذها‪ ،‬ولكن بقدر الضرورة‪ ،‬والحاجة‪ ،‬لن‬
‫در بقدرها‪.‬‬‫الضرورة‪ ،‬أو الحاجة تق ّ‬
‫أدلة تحريم التصوير ‪:‬‬
‫ً‬
‫ويستدل لحرمة تصوير الحيوان مطلقا‪ ،‬بأدلة كثيرة من السنة‬
‫الشريفة نذكر منها‪:‬‬
‫ما رواه الترمذي في ] اللباس –باب – ما جاء في الصورة‪ ،‬رقم‪:‬‬
‫‪ [1749‬عن جابر بن عبدالله ‪ ،‬قال ‪ ) :‬نهى رسول الله ‪ ‬عن‬
‫الصورة في البيت‪ ،‬ونهى أن يصنع ذلك(‪.‬‬
‫وروى البخاري في ] اللباس –باب – عذاب المصورين يوم‬
‫القيامة‪ ،‬رقم ‪ [5606‬ومسلم في ] اللباس والزينة – باب‪ -‬ل‬
‫تدخل الملئكة بيتا ً فيه كلب ول صورة‪ ،‬رقم ‪ [2109‬عن عبدالله‬
‫بن مسعود ‪ ‬قال ‪ :‬قال ‪ ‬رسول الله ‪ ": ‬إن أشد ّ الناس‬
‫عذابا ً يوم القيامة المصورون"‪.‬‬
‫وقال رسول الله ‪ ":‬إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم‬
‫القيامة يقال لهم‪ :‬أحيوا ما خلقتم"‪.‬‬
‫رواه البخاري في ] اللباس – باب – عذاب المصورين يوم‬
‫القيامة‪ ،‬رقم‪ [5607:‬ومسلم في ]اللباس والزينة – باب – ل‬
‫تدخل الملئكة بيتا ً فيه كلب ول صورة‪،‬رقم‪ [2108:‬عن ابن عمر‬
‫رضي الله عنهما‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الله عنهما‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت محمدا ً ‪ ‬يقول‪:‬‬
‫ور صورة في الدنيا‪ ،‬ك ُّلف يوم القيامة أن ينفخ فيها‬ ‫ص ّ‬
‫" من َ‬
‫الروح‪ ،‬وليس بنافخ"‪.‬‬
‫ور صورة ك ُّلف يوم‬ ‫رواه البخاري في ] اللباس – باب – من ص ّ‬
‫القيامة أن ينفخ فيها الروح‪ ،‬رقم‪ [5618:‬ومسلم في ] اللباس‬
‫والزينة – باب ل تدخل الملئكة بيتا ً فيه كلب ول صورة‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪.[2110‬‬
‫وروى البخاري ومسلم في ] نفس الموضع السابق[ عن سعيد‬
‫بن أبي الحسن‪ ،‬قال‪ :‬جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما‪،‬‬
‫ن مني‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬إني رجل أصور هذه الصور‪ ،‬فأفتني فيها‪ ،‬فقال‪ :‬اد ْ ُ‬
‫ن مني‪ ،‬فدنا منه حتى وضع يده على‬ ‫فدنا منه‪ ،‬ثم قال له اد ْ ُ‬
‫رأسه‪ ،‬قال‪ :‬أنبئك بما سمعت من رسول الله ‪ ، ‬سمعت رسول‬
‫ورها‬‫ور في النار يجعل له بكل صورة ص ّ‬ ‫الله ‪ ‬يقول‪ " :‬كل مص ّ‬
‫ل‪ ،‬فاصنع‬ ‫نفسًا‪ ،‬فتعذبه في جهنم"‪ .‬وقال إن كنت لبد فاع ً‬
‫الشجر‪ ،‬وما ل نفس له‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫وعن أبي طلحة ‪ ،‬صاحب رسول الله ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬إن رسول‬
‫الله ‪ ، ‬قال ‪ " :‬إن الملئكة ل تدخل بيتا ً فيه كلب ول صورة‬
‫تماثيل"‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في ] بدء الخلق – باب – إذا قال أحدكم آمين‪،‬‬
‫رقم ‪ [3053 :‬ومسلم في ] اللباس والزينة – باب – ل تدخل‬
‫الملئكة بيتا ً فيه كلب ول صورة‪ ،‬رقم ‪.[2106 :‬‬
‫حكمة تحريم الصور ‪:‬‬
‫إن تحريم التصوير‪ ،‬والنهي عنه أمر تعبدي في جملته‪ ،‬تعبد الله‬
‫ل به عباده‪ ،‬فليس لهم – إن أرادوا الخير لنفسهم – إل أن‬ ‫عّز وج ّ‬
‫يقولوا ‪ :‬سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير‪.‬‬
‫كم لهذا التحريم ‪:‬‬‫ح َ‬
‫ومع ذلك فقد نجد بعض ال ِ‬
‫ور يضاهي‬ ‫‪ -1‬ذكر النبي ‪ ‬أن الحكمة من النهي أن المص ّ‬
‫ل من حيث الشكل والصورة‪ ،‬لذلك‬ ‫بعمله هذا خلق الله عّز وج ّ‬
‫ي ما خلقت‪ ،‬وليس بقادر على ذلك‪.‬‬ ‫ح ِ‬‫يقال له ‪ :‬أ ْ‬
‫‪ -2‬إن هذه الصور والصنام والتماثيل كانت تعبد من دون الله‬
‫ل‪ ،‬فلما جاء السلم بعقيدة التوحيد‪ ،‬وحّرم الشرك‬ ‫عّز وج ّ‬
‫وحاربه‪ ،‬أغلق كل البواب التي قد يتسرب منها شيء من‬
‫الشرك‪ ،‬وتعظيم غير الله سبحانه وتعالى إلى نفوس‬
‫المؤمنين‪ ،‬ومن ذلك التصوير‪ ،‬سدا ً للذرائع‪ ،‬وعمل ً بالحوط‪.‬‬
‫ل ل يدخلون بيتا ً فيه تلك الصور‬ ‫ج‪ -‬إن ملئكة الله عّز وج ّ‬
‫والتماثيل‪ ،‬فيحرم بهذا من يتخذ هذه الصور من بركة دخول‬
‫الملئكة إلى بيته‪ ،‬ومن دعائهم واستغفارهم له‪ ،‬وصلتهم عليه‪.‬‬
‫وكفى بهذا الخسران حكمة موجبة‪ ،‬لتحريم هذه الصور‪ ،‬واتخاذها‪.‬‬
‫حسرة وأسف ‪:‬‬
‫بعد هذا الذي ذكرناه‪ ،‬ونقلناه عن النبي المصطفى ‪ ، ‬من‬
‫تحريم التصوير‪ ،‬والنهي عن اتخاذ الصور‪ ،‬نجد المسلمين – بكل‬
‫حسرة وأسف – منغمسين في هذا الحرام‪ ،‬ومسترسلين في هذا‬
‫المنكر‪ ،‬غير مبالين بصرخات الدين‪ ،‬ول مهتمين بذلك الوعيد‬
‫الشديد‪.‬‬
‫فقلما تدخل بيتا ً ‪ ،‬أو حانوتا ً إل وتجد فيه صنما ً مزخرفًا‪ ،‬أو صورة‬
‫منمقة‪ ،‬معلقة‪ ،‬إما لب أو لجد ‪ ،‬أو لصاحب وصديق قد علقت‬
‫في صدور المجالس‪ ،‬وأعالي الجدران‪.‬‬
‫تجد هذا عند الرجال‪ ،‬وعند النساء‪ ،‬وعند الغنياء‪ ،‬وعند الفقراء‪،‬‬
‫عند من يسمون‪ :‬بالمحافظين‪ ،‬وعند من ل يسمون بذلك‪ ،‬إل من‬
‫رحم ربك وقليل ما هم‪.‬‬
‫يحتالون لذلك بفتاوى من هنا وهناك‪ .‬وبأعذار‪ ،‬ما أنزل الله بها‬
‫من سلطان‪ ،‬باسم الفن تارة‪ ،‬وباسم الذكرى تارة أخرى‪ ،‬وباسم‬

‫‪65‬‬
‫الحب والتعظيم حينا ً آخر‪ ،‬كأن الدين حينما حرم ذلك كان غافل ً‬
‫عن هذه العذار والوهام نسأل الله اللطف والسلمة ول حول‬
‫ول قوة إل بالله‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫الك َ ّ‬
‫فاَرات‬

‫‪67‬‬
‫فاَرات‬
‫الكَ ّ‬
‫تعريف الكفارات ‪:‬‬
‫فر‪ ،‬وهو‬ ‫الكفارات لغة ‪ :‬جمع كفارة‪ ،‬والكفارة مأخوذة من الك َ ْ‬
‫الستر‪ ،‬وسميت الكفارة‪ ،‬بهذا السم لسترها الذنب‪ ،‬تخفيفا ً من‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫والكفارة اصطلحا ً ‪ :‬فعل ما من شأنه أن يمحو الذنب ‪ :‬من عتق‪،‬‬
‫وصدقة‪ ،‬وصيام‪ ،‬بشرائط مخصوصة‪.‬‬
‫أدلة تشريع الكفارات ‪:‬‬
‫الكفارات مشروعة‪ ،‬وأدلة تشريعها من القرآن والسنة كثيرة‪:‬‬
‫ل في كفارة اليمين‪]:‬‬ ‫ففي القرآن الكريم‪ ،‬قال الله عّز وج ّ‬
‫ن‪) [..‬المائدة‪.(89:‬‬ ‫كي َ‬‫سا ِ‬‫م َ‬‫شَرةِ َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ه إ ِط َْعا ُ‬‫فاَرت ُ ُ‬‫فَك َ ّ‬
‫ُ‬
‫ما‬‫م فَ َ‬ ‫صْرت ُ ْ‬‫ح ِ‬ ‫وقال تبارك وتعالى في شأن الحصار في الحج‪] :‬أ ْ‬
‫ي‪) [..‬البقرة‪.(196 :‬‬ ‫ن ال ْهَد ْ ِ‬‫م َ‬ ‫سَر ِ‬ ‫ست َي ْ َ‬‫ا ْ‬
‫طئا ً‬‫خ َ‬ ‫منا ً َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ل ُ‬‫من قَت َ َ‬‫ل ]وَ َ‬ ‫وفي القتل الخطأ‪ ،‬قال الله عّز وج ّ‬
‫ة‪[..‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫من َ ٍ‬ ‫ريُر َرقَب َةٍ ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫فَت َ ْ‬
‫) النساء‪.(92 :‬‬
‫م‬
‫سائ ِهِ ْ‬ ‫من ن ّ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ظاه ُِرو َ‬ ‫ن يُ َ‬
‫ذي َ‬‫وقال سبحانه وتعالى في الظهار‪َ] :‬وال ّ ِ‬
‫ة‪) [..‬النساء ‪.(92:‬‬ ‫ريُر َرقَب َ ٍ‬‫ح ِ‬‫ما َقاُلوا فَت َ ْ‬ ‫ن لِ َ‬‫دو َ‬ ‫م ي َُعو ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫وأما في السنة‪ ،‬فقد روى مسلم في ] النذر – باب – في كفارة‬
‫النذر‪،‬رقم ‪ [1645:‬عن عقبة بن عامر ‪ ،‬عن النبي ‪ ‬قال ‪" :‬‬
‫كفارة النذر‪ ،‬كفارة اليمين"‪.‬‬
‫وقال النبي ‪ ": ‬من حلف على يمين‪ ،‬فرأى غيرها خيرا ً منها‬
‫فليأت الذي هو خير‪ ،‬وليكفر عن يمينه"‪.‬‬
‫رواه مسلم في ] اليمان – باب – ندب من حلف يمينًا‪ ،..‬رقم‪:‬‬
‫‪ [165‬عن أبي هريرة ‪.‬‬
‫وسيأتي مزيد من الدلة عند البحث عن الكفارات إن شاء الله‬
‫تعالى‪.‬‬

‫حكمة تشريع الكفارات ‪:‬‬


‫الكفارات شرعا ً هي جوابر للخلل الذي أوقعه النسان في‬
‫تصرفاته‪ .‬فهي ترميم لما قد أفسده وإصلح لما قد أخطأ به‪،‬‬
‫وإزالة لثار ما قد ترتب على فعله‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فيها تعويض على المجتمع عما أزهق‬ ‫فكفارة القتل الخطأ مث ً‬
‫ق‪ ،‬إذ‬
‫النسان من النفس‪ ،‬بإحياء نفس غيرها‪ ،‬وتخليصها من الر ّ‬
‫الرقّ أشبه ما يكون حكما ً بالموت‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫وفي الطعام تخليص نفوس من الجوع والعوز والحرمات‪.‬‬
‫والصيام تخليص للنفس من أدران السيئات‪ ،‬وسموّ بها إلى درجة‬
‫التقوى‪ ،‬والبعد عن المنكرات‪.‬‬
‫مظاهر حين شّبه‬ ‫وكفارة الظهار مثل ً إحباط للزور الذي ارتكبه ال ُ‬
‫زوجته بأمه‪ ،‬واعتدى على حرمة خليلته‪.‬‬
‫وكفارة اليمين محو لثارها المترتبة على الحنث من لحوق الذنب‬
‫به‪ ،‬وحصول الثم منه‪.‬‬
‫ما فات‪ ،‬وإحداث‬ ‫وهكذا نجد أن الكفارات فيها بعض التعويض ع ّ‬
‫قْرب إلى‬
‫ترميم لما وقع من المفاسد والخطيئات‪ ،‬وفتح باب ال ُ‬
‫ل‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫الله عّز وج ّ‬
‫أنواع الكفارات ‪:‬‬
‫والكفارات شرعا ً متعددة‪ ،‬ومتنوعة‪ ،‬وسنتناولها هنا بالتفصيل‪،‬‬
‫وإن كان قد ذكر بعضها في بابه‪ ،‬وسيأتي ذكر بعضها الخر في‬
‫بابه أيضًا‪.‬‬
‫ولقد رأينا أن نجمعها جميعا ً هنا في بحث مستقل‪ ،‬تحت عنوان‬
‫) الكفارات( تيسيرا ً على القارئ إذا أراد معرفتها‪ ،‬والوقوف على‬
‫أحاكمها في مكان واحد‪ ،‬والله الموفق‪.‬‬
‫‪ -1‬كفارة إفساد الصوم بالجماع في رمضان‬
‫جب بإفساد الصوم هي‪:‬‬ ‫الكفارة التي ت َ ِ‬
‫‪ -1‬عتق رقبة مؤمنة‪ ،‬أي نفس رقيقة‪ ،‬ذكرا ً كانت‪ ،‬أم أنثى‪ ،‬وهذا‬
‫إنما يكون حيث يوجد الرقيق‪.‬‬
‫وشرط هذه الرقبة – لتصح كفارة ‪:-‬‬
‫أ‪ -‬أن تكون مؤمنة‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن تكون خالية من العيوب التي تخل بالعمل والكسب‪:‬‬
‫كالعمى والشلل‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬
‫‪ -2‬الصوم إن لم يجد الرقبة‪ ،‬أو لم يقدر عليها‪ ،‬لنحو فقر‪ ،‬وغيره‪.‬‬
‫ويجب صوم شهرين متتابعين‪.‬‬
‫‪ -3‬الطعام إن لم يستطع الصوم‪ ،‬فيجب أن ُيطِعم ستين‬
‫مسكينًا‪ ،‬لكل مسكين مد ّ من غالب قوت البلد‪.‬‬
‫وهذه الكفارة مرتبة على الشكل الذي ذكرناه‪ ،‬فل ينتقل إلى‬
‫خصلة منها حتى يعجز عن التي قبلها‪.‬‬
‫فإن عجز عن الكل‪ ،‬ثبتت الكفارة في ذمته حتى يقدر على‬
‫خصلة منها‪.‬‬
‫على من تجب كفارة إفساد الصوم ‪:‬‬
‫إنما تجب كفارة إفساد الصوم بالجماع في رمضان على الزوج‬
‫المجامع‪ ،‬ول تجب على الزوجة الموطوءة‪ ،‬وإن كانت صائمة‪ ،‬لن‬

‫‪69‬‬
‫جناية الواطئ أغلظ وأفحش‪ ،‬فناسب أن يكون الزوج هو المكلف‬
‫بالكفارة‪.‬‬
‫موجب هذه الكفارة ‪:‬‬
‫وموجب هذه الكفارة‪ :‬هو إفساد صوم يوم من أيام رمضان‬
‫بجماع بشرط أن يكون المجامع‪:‬‬
‫أ‪ -‬ذاكرا ً لصومه‪.‬‬
‫ب‪ -‬عالما ً بالحرمة‪.‬‬
‫ج‪ -‬غير مترخص بسفر أو مرض‪.‬‬
‫فمن فعل ذلك ناسيًا‪ ،‬أو جاهل ً بالحرمة‪ ،‬أو أفسد صوما ً غير صوم‬
‫رمضان‪ ،‬أو أفطر متعمدًا‪ ،‬ولكن بغير الجماع‪ ،‬أو كان مسافرا ً‬
‫سفرا ً يخوله الفطار فجامع فل كفارة عليه في كل ذلك‪ ،‬وإنما‬
‫يجب عليه القضاء فقط‪.‬‬
‫النية عند أداء الكفارة ‪:‬‬
‫ويشترط عند أداء الكفارة النية‪ ،‬وذلك بأن ينوي العتق‪ ،‬أو‬
‫الصوم‪ ،‬أو الطعام عن الكفارة‪ ،‬لنها حقّ مالي‪ ،‬أو بدني‪ ،‬يجب‬
‫تطهيرًا‪ ،‬كالزكاة والصيام‪ ،‬فلبد ّ لصحتها من النية‪ ،‬لن العمال‬
‫بالنيات‪.‬‬
‫مطَلق العتق‪ ،‬أو الصوم‪ ،‬أو الطعام‬ ‫فل يكفي عند الداء أن ينوي ُ‬
‫الواجب‪ ،‬لن هذه الشياء قد تجب عليه بالنذر‪ ،‬فلبد من تعينها‪.‬‬
‫وجوب القضاء مع الكفارة ‪:‬‬
‫ومما ينبغي أن يعلم أنه يجب على المجامع في رمضان مع‬
‫الكفارة القضاء لليوم الذي أفطره بالجماع‪.‬‬
‫وكذلك يجب القضاء على الزوجة الموطوءة‪ ،‬وإن كانت ل تجب‬
‫عليها الكفارة‪.‬‬
‫تعدد الكفارة ‪:‬‬
‫وكذلك يجب أن يعلم أن الكفارة‪ ،‬تتعدد‪ ،‬وتتكرر بتكرر اليام التي‬
‫أفطرها في رمضان بالجماع‪.‬‬
‫فإذا جامع في يومين من رمضان لزمه – مع القضاء –‬
‫كفارتان‪،‬وإذا جامع في ثلثة أيام‪ ،‬لزمه‪ ،‬مع القضاء‪ ،‬ثلث‬
‫كفارات‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫دليل وجوب كفارة إفساد الصوم بالجماع في رمضان ‪:‬‬
‫ودليل وجوب هذه الكفارة ما رواه مسلم في ] الصيام – باب –‬
‫تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان‪ ،‬رقم‪ [1111:‬والبخاري في‬
‫] الصوم‪ ،‬باب – إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء‪ ،‬رقم‬
‫‪ [1834‬وغيرهما‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬بينما نحن‬
‫جلوس عند النبي ‪ ، ‬إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫قال‪ ":‬ما لك؟" قال ‪ :‬وقعت على امرأتي وأنا صائم‪ ،‬في رواية‬
‫في رمضان‪.‬‬
‫فقال رسول الله ‪ " : ‬هل تجد رقبة تعتقها؟ قال ‪ :‬ل‪ ،‬قال فهل‬
‫تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال ل ‪ .‬قال‪ :‬فهل تجد‬
‫إطعام ستين مسكينًا؟ قال ‪ :‬ل فمكث النبي ‪ ،‬فبينما نحن على‬
‫فْرق من تمر‪ .‬قال أين السائل؟ فقال أنا‪،‬‬ ‫ي النبي ‪ ‬ب َ‬ ‫ُ‬
‫ذلك‪ ،‬أت َ‬
‫قال‪ :‬فخذ هذا فتصدق به‪ .‬فقال الرجل‪ :‬أعلى أفقر مني يا رسول‬
‫الله‪ ،‬فوالله ما بين لبتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي‪ ،‬فضحك‬
‫النبي ‪ ‬حتى بدت أنيابه‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أطعمه أهلك"‪.‬‬
‫] الفرق‪ :‬وعاء ينسج من ورق النخل‪ ،‬وهو المكتل‪.‬‬
‫لبتيها‪ :‬حرتيها‪ ،‬وفي المدينة حرتان‪ :‬شرقية‪ ،‬وغربية‪ ،‬والحرة‬
‫الرض ذات الحجارة[‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬ول يجوز للفقير الذي قدر على الطعام‪ ،‬صرف ذلك‬
‫الطعام إلى عياله‪ ،‬وكذلك غيرها من الكفارات‪.‬‬
‫وما ذكر في هذا الحديث‪ ،‬فإنما هو خصوصية لذلك الرجل‪.‬‬
‫‪ -2‬كفارة المسافر والمريض إذا لم يقضيا الصوم من‬
‫عامهما‬
‫من فاته شيء من رمضان بسبب سفر‪ ،‬أو مرض‪ ،‬وجب عليه‬
‫قضاؤه‪ ،‬في نفس العام الذي أفطر فيه‪ ،‬قبل حلول شهر رمضان‬
‫من العام الذي يليه‪.‬‬
‫َ‬
‫فرٍ فَعِد ّةٌ‬ ‫ريضا ً أوْ ع ََلى َ‬
‫س َ‬ ‫م ِ‬‫كم ّ‬‫من ُ‬
‫ن ِ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫ل‪ ]:‬فَ َ‬ ‫قال الله عّز وج ّ‬
‫خَر[ )البقرة‪.(184:‬‬ ‫ن أ َّيام ٍ أ ُ َ‬
‫م ْ‬
‫ّ‬
‫] أي فعليه صيام أيام أخر بعدد ما أفطر[‪.‬‬
‫ل‪ ،‬حتى دخل عليه رمضان آخر‪ ،‬أثم‬ ‫فإن لم يقض ما أفطر تساه ً‬
‫ولزمه مع ذلك كفارة‪ .‬وهذه الكفارة‪ :‬هي ‪ :‬أن ُيطِعم عن كل يوم‬
‫مدا ً من غالب قوت البلد‪ ،‬يتصدق به على الفقراء‪.‬‬
‫خر القضاء حتى دخل‬ ‫وتتكرر الكفارة بتكّرر السنين‪ ،‬فإذا أ ّ‬
‫دان عن كل يوم مع القضاء‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫م ّ‬ ‫ن لزمه ُ‬‫رمضان ثا ٍ‬
‫أما إن استمر عذره حتى دخل رمضان آخر‪ ،‬فل شيء عليه إل‬
‫القضاء‪.‬‬
‫فإن مات قبل أن يتمكن من القضاء‪ ،‬فل شيء عليه‪.‬‬
‫كن من القضاء‪ ،‬ولم يقض صام عنه ولّيه ندبا ً‬ ‫وإن مات بعد التم ّ‬
‫ِ‬
‫اليام الباقية في ذمته‪ ،‬فإن لم يصم عنه وليه‪ ،‬أطعم من تركته‬
‫وجوبا ً كل يوم مدا ً من غالب قوت البلد‪ ،‬وتبرأ ذمته عند الله عّز‬
‫ل‪.‬‬ ‫وج ّ‬
‫ودليل ذلك ما رواه الترمذي في ] أبواب الزكاة – باب – ما جاء‬
‫في الكفارة ‪ ،‬رقم‪ [718:‬عن ابن عمر رضي الله عنهما‪ ،‬قال ‪:‬‬

‫‪71‬‬
‫) من مات وعليه صيام شهر‪ ،‬فليطعم عنه مكان كل يوم‬
‫مسكينًا(‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي الله عنها‪ ،‬أن رسول الله ‪ ‬قال ‪ " :‬من مات‬
‫وعليه صيام صام عنه وليه"‪.‬‬
‫رواه البخاري في ] الصوم – باب –من مات وعليه صوم‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ [1851‬ومسلم في ] الصيام – باب – قضاء الصوم عن الميت‪،‬‬
‫رقم‪.[1147:‬‬
‫‪ -3‬كفارة الكبير العاجز عن الصوم‬
‫إذا اضطر الكبير العاجز عن الصوم إلى الفطر‪ ،‬كان له ذلك‪،‬‬
‫ووجب عليه أن يتصدق عن كل يوم بمد من غالب قوت البلد‪ ،‬ول‬
‫يجب عليه ول على أحد من أوليائه غير ذلك‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه البخاري في ] تفسير سورة البقرة – باب –‬
‫قوله أياما ً معدودات‪ ،..‬رقم ‪ [4235:‬عن عطاء‪ ،‬أنه سمع ابن‬
‫ة ط ََعا ُ‬
‫م‬ ‫ه فِد ْي َ ٌ‬
‫قون َ ُ‬
‫طي ُ‬
‫ن يُ ِ‬
‫ذي َ‬‫عباس رضي الله عنهما يقرأ‪]:‬وَع ََلى ال ّ ِ‬
‫ن[ ) البقرة ‪.(184 :‬‬ ‫كي ٍ‬
‫س ِ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهما‪ ) :‬ليست بمنسوخه‪ ،‬هو الشيخ‬
‫الكبير‪ ،‬والمرأة الكبيرة‪ ،‬ل يستطيعان الصوم‪ ،‬فيطعمان مكان كل‬
‫يوم مسكينًا(‪.‬‬
‫ضع إذا أفطرتا خوفا ً على‬ ‫مر ِ‬ ‫فارة الحامل وال ُ‬ ‫‪ -4‬ك ّ‬
‫طفلهما‬
‫ضع خوفا ً على طفلهما‪ ،‬وذلك بأن تخاف‬ ‫مر ِ‬
‫إذا أفطرتا الحامل وال ُ‬
‫الحامل من إسقاط الحمل إن هي صامت‪ ،‬أو تخاف المرضع أن‬
‫يقل لبنها‪ ،‬فيهلك الولد إن هي صامت‪ ،‬وجب عليها القضاء‬
‫والكفارة‪:‬‬
‫وهي أن تتصدق بمد من غالب قوت البلد عن كل يوم أفطرته‪،‬‬
‫تعطيه للفقراء‪.‬‬
‫أما إذا أفطرتا خوفا ً على نفسيهما‪ ،‬سواء خافتا مع ذلك على‬
‫الولد أم ل‪ ،‬فل يلزمهما إل القضاء فقط‪ ،‬ول كفارة حينئذ ٍ عليهما‪.‬‬
‫‪ -5‬كفارات الحج‬
‫الكفارات في الحج على خمسة أقسام‪.‬‬
‫وهي عبارة عن دماء واجبة‪ ،‬أو ما يقوم مقامها‪.‬‬
‫وإليك هذه الكفارات بأقسامها الخمسة‪:‬‬
‫القسم الول ‪ :‬الدم المترتب المقدر‪:‬‬
‫وهذا الدم إنما يجب بترك واجب من واجبات الحج‪ :‬كالحرام من‬
‫الميقات‪ ،‬أو رمي الجمار‪ ،‬وغيرهما من واجبات الحج المعروفة‪.‬‬
‫فإذا ترك واجبا ً مما ذكر‪ ،‬وجب عليه أو ً‬
‫ل‪:‬‬
‫ذبح شاة مجزئة في الضحية‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫سبع بدنة‪.‬‬ ‫سبع بقرة‪ ،‬أو ُ‬ ‫أو ُ‬
‫فإن لم يجد شيئا ً من ذلك‪ ،‬وجب عليه أن يصوم عشرة أيام‪:‬ثلثة‬
‫في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله‪.‬‬
‫در – دم التمّتع‪،‬‬ ‫ويدخل في هذا القسم – وهو الدم المرتب المق ّ‬
‫ودم الفوات للوقوف بعرفة‪ ،‬بعد التحلل بعمرة‪.‬‬
‫ما‬ ‫ج فَ َ‬ ‫ح ّ‬‫مَرةِ إ َِلى ال ْ َ‬ ‫مت ّعَ ِبال ْعُ ْ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫قال الله تبارك وتعالى‪] :‬فَ َ‬
‫َ‬
‫ج‬‫ح ّ‬ ‫م َثلث َةِ أّيام ٍ ِفي ال ْ َ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫جد ْ ف َ ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫من ل ّ ْ‬‫ي فَ َ‬ ‫ن ال ْهَد ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫سَر ِ‬ ‫ست َي ْ َ‬‫ا ْ‬
‫م [)البقرة ‪.(196:‬‬ ‫جعْت ُ ْ‬ ‫سب ْعَةٍ إ ِ َ‬
‫ذا َر َ‬ ‫وَ َ‬
‫رم أول ً بالعمرة‪ ،‬ثم إذا أداها تحلل منها‪ ،‬ومكث‬ ‫والتمتع‪ :‬أن ُيح ِ‬
‫ل‪ ،‬فإذا أحرم بالحج أحرم به من مكة‪.‬‬ ‫حل ً‬
‫در‪:‬‬ ‫القسم الثاني ‪ :‬الدم المخير المق ّ‬
‫وهذا يجب عند فعل محظور من محظورات الحج‪ :‬كحلق شعر‪،‬‬
‫وتقليم ظفر‪ ،‬ولبس مخيط‪ ،‬وغير ذلك من محظورات الحرام‪.‬‬
‫ويجب على من فعل شيئا ً من ذلك‪:‬‬
‫ذبح شاة‪ ،‬أو صيام ثلثة أيام‪ ،‬أو التصدق بثلثة آصع على ستة من‬
‫مساكين الحرم‪ ،‬لكل مسكين نصف صاع من ُبر ‪ ،‬أو شعير‪.‬‬
‫ويكفي لوجوب هذه الكفارة‪ ،‬إزالة ثلث شعرات‪ ،‬أو تقليم ثلثة‬
‫أظفار‪.‬‬
‫حّتى‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ؤو َ‬ ‫قوا ْ ُر ُ‬ ‫ل‪] :‬وَل َ ت َ ْ‬
‫حل ِ ُ‬ ‫ودليل هذا الدم قول الله عّز وج ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ريضا ً أوْ ب ِهِ أ ً‬
‫ه‬
‫س ِ‬‫من ّرأ ِ‬ ‫ذى ّ‬ ‫م ِ‬‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫من َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫حل ّ ُ‬
‫م ِ‬‫ي َب ْل ُغَ ال ْهَد ْيُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ك[ )البقرة ‪.(196:‬‬ ‫س ٍ‬ ‫صد َقَةٍ أوْ ن ُ ُ‬ ‫صَيام ٍ أوْ َ‬ ‫من ِ‬ ‫ة ّ‬ ‫فد ْي َ ٌ‬‫فَ ِ‬
‫د‪.‬‬
‫ف ِ‬‫] أي‪ :‬فليحلق‪ ،‬ولي َ ْ‬
‫محله‪ :‬مكان ذبحه‪ ،‬وهو منى‪ ،‬ووقته العاشر من ذي الحجة[‪.‬‬
‫عجرة ‪ ، ‬قال ‪ :‬رآني رسول‬ ‫والية السابقة نزلت في كعب بن ُ‬
‫الله ‪ ‬في الحديبية‪ ،‬وقد تناثر القمل على وجهي‪ ،‬فقال‪" :‬‬
‫أيؤذيك هوام رأسك"؟ قال نعم‪ .‬قال‪ ":.‬احلق رأسك‪ ،‬وانسك‬
‫شاة‪ ،‬أو صم ثلثة أيام‪ ،‬أو أطعم فََرقا ً من الطعام على ستة‬
‫مساكين"‪.‬‬
‫رواه البخاري في ] الحصار وجزاء الصيد – باب – قول الله‬
‫تعالى فمن كان منكم مريضا ً ‪ ،‬رقم ‪ [1719:‬ومسلم في ] الحج‪،‬‬
‫رم إن كان به أذى‪ ،‬رقم ‪.[1201 :‬‬ ‫مح ِ‬ ‫‪ -‬باب‪ -‬جواز حلق الرأس لل ُ‬
‫فَرق ‪ :‬ثلثة آصع‪ .‬والصاع ‪ (2400 ) :‬غراما ً تقريبًا‪.‬‬ ‫] وال َ‬
‫انسك شاة ‪ :‬اذبح شاة[‪.‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬الدم المخير المعدل ‪:‬‬
‫وهو الدم الواجب بقتل صيد حالة الحرام بحج أو عمرة‪ ،‬أو في‬
‫الحرم‪ ،‬ولو من حلل‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫مْثل‪ ،‬أو‬ ‫فمن فعل شيئا ً من ذلك‪ ،‬وجب في حقه – إن كان للصيد ِ‬
‫شبه صوري‪:-‬‬
‫أن يذبح المثل في الحرم من النعم‪.‬‬
‫أو يشتري لهل الحرم حبا ً بقدر قيمته‪ ،‬يوزعه على فقرائهم‪.‬‬
‫أو يصوم عن كل مد يومًا‪.‬‬
‫وإن لم يكن للصيد مثل‪ ،‬فهو مخير بين أمرين‪:‬‬
‫الطعام‪،‬‬
‫أو الصيام‪.‬‬
‫إل الحمام‪ ،‬فيجب في الحمامة شاة‪.‬‬
‫قت ُُلوا ْ‬ ‫ْ‬
‫مُنوا ل َ ت َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ودليل هذا القسم قول الله عّز وج ّ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل‪َ] :‬يا أي َّها ال ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما قَت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫جَزاء ّ‬ ‫مدا ً فَ َ‬ ‫مت َعَ ّ‬‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫من قَت َل َ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫حُر ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫صي ْد َ وَأنت ُ ْ‬‫ال ّ‬
‫َ‬
‫م‬‫فاَرة ٌ ط ََعا ُ‬ ‫ديا ً َبال ِغَ ال ْك َعْب َةِ أوْ ك َ ّ‬ ‫م هَ ْ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫م ب ِهِ ذ ََوا ع َد ْ ٍ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫الن ّعَم ِ ي َ ْ‬
‫سلف‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ذوقَ وََبا َ‬ ‫ّ‬
‫صَياما لي َ ُ‬‫ً‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫ن أو ع َد ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ما َ‬ ‫ه عَ ّ‬ ‫فا الل ُ‬ ‫مرِهِ ع َ َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫كي َ‬ ‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫َ‬
‫م[) المائدة‪.(95:‬‬ ‫زيٌز ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عاد َ فََينت َ ِ‬
‫قا ٍ‬ ‫ذو ان ْت ِ َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ه َوالل ُ‬ ‫من ْ ُ‬‫ه ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫القسم الرابع ‪ :‬الدم المرتب المعدل ‪:‬‬
‫منع من الحج بعد إحرامه‪ ،‬تحلل‬ ‫وهو الدم الواجب بالحصار‪ ،‬فمن ُ‬
‫بذبح شاة في مكانه الذي أحصر فيه مع نية التحلل‪ ،‬ثم يحلق‬
‫رأسه‪ ،‬أو يقصر شعره‪.‬‬
‫فإن لم يستطع‪ ،‬فليطعم بقدر ثمن الدم يوزعه على الفقراء‪.‬‬
‫فإن عجز عن الطعام صام عن كل مد يومًا‪.‬‬
‫م‬ ‫قال الله تبارك وتعالى ‪] :‬وأ َت ِموا ْ ال ْحج وال ْعمرة َ ل ِل ّه فَإ ُ‬
‫صْرت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫َ ّ َ ُ ْ َ‬ ‫َ ّ‬
‫ي[ ) البقرة ‪.(196:‬‬ ‫ن ال ْهَد ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سَر ِ‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫فَ َ‬
‫ما صده‬ ‫وفي الصحيحين ‪ ) :‬إن النبي ‪ ‬تحلل في الحديبية ل ّ‬
‫المشركون‪ ،‬وكان محرما ً بالعمرة(‪.‬رواه البخاري في ] كتاب‬
‫الحج – باب – طواف القارن‪ ،‬رقم ‪ [1558‬ومسلم في ] الحج –‬
‫باب – بيان جواز التحلل بالحصار‪ ،‬رقم ‪.[1230 :‬‬
‫ل في نفس الية‬ ‫ولبد من تقديم الذبح على الحلق‪ ،‬لقوله عّز وج ّ‬
‫ه[‪.‬‬ ‫حل ّ ُ‬‫م ِ‬ ‫حّتى ي َب ْل ُغَ ال ْهَد ْيُ َ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ؤو َ‬ ‫قوا ْ ُر ُ‬ ‫حل ِ ُ‬‫السابقة‪] :‬وَل َ ت َ ْ‬
‫لكنه ل ينتظر إلى انتهاء الصيام إن عجز عن ذبح الشاة ‪ ،‬وعن‬
‫الطعام‪.‬‬
‫القسم الخامس ‪ :‬الدم المرتب المعدل أيضا ً ‪:‬‬
‫وهذا الدم هو الواجب بالوطء قبل الحلل الول‪ ،‬ويجب عليه‬
‫أن ‪ :‬يذبح بعيرًا‪،‬‬
‫فإن عجز ذبح بقرة‪،‬‬
‫فإن عجز ذبح سبع شياه‪،‬‬
‫وم البعير‪ ،‬واشترى بقيمته طعامًا‪،‬‬ ‫فإن عجز عن ذلك كله‪ ،‬قُ ّ‬
‫وتصدق به على فقراء الحرم‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫فإن عجز عن الطعام صام عن كل مد يومًا‪.‬‬
‫هذا ول يجزئ الذبح والطعام إل في الحرم‪ ،‬وأما الصيام فيصوم‬
‫حيث شاء‪.‬‬
‫والمراد بالترتيب في هذه الدماء‪ :‬أنه ل يجوز أن ينتقل إلى الثاني‬
‫وض إليه‪ ،‬أن‬ ‫إل عند عجزه عن الول‪ ،‬وهو ضد التخيير‪ ،‬فهو مف ّ‬
‫يفعل ما يختاره والمراد بالتقدير فيها‪ :‬أن الشرع قد قدر البدل‬
‫المعدول إليه سواء كان ترتيبا ً أو تخييرًا‪.‬‬
‫ويقابله التعديل‪ ،‬ومعناه‪ ،‬أنه أمر فيه بالتقويم‪ ،‬والعدول إلى الغير‬
‫بحسب القيمة‪.‬‬
‫وإن أردت المزيد في هذا الموضوع‪ ،‬فارجع إلى الجزء الثاني‪،‬‬
‫موضوع‪) :‬الخلل بالحج( صفحة ‪. 160:‬‬
‫‪ -6‬كفارة اليمين‬
‫ومن حنث في يمين غموس‪ ،‬أو غير غموس‪ ،‬وجب عليه كفارة‪،‬‬
‫وهو مخير فيها أول ً بين ثلثة أشياء‪:‬‬
‫‪ -1‬عتق رقبة مؤمنة‪ ،‬ويكون هذا حيث يوجد الرقيق‪.‬‬
‫‪ -2‬إطعام عشرة مساكين طعاما ً مشبعًا‪ ،‬من أوسط ما يطعم‬
‫النسان أهله‪.‬‬
‫‪ -3‬كسوة عشرة مساكين‪ ،‬بما يسمى في العُْرف كسوة‪،‬‬
‫فالمئزر‪ ،‬والجورب‪ ،‬وغطاء الرأس على أي شكل كان‪ ،‬كله‬
‫يسمى كسوة‪.‬‬
‫فإن عجز عن واحدة من هذه الشياء الثلثة التي هو مخير فيها‪،‬‬
‫وجب عليه صيام ثلثة أيام‪ ،‬ول يشترط تتابعها‪.‬‬
‫ه ِبالل ّغْ ِ‬
‫و‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫خذ ُك ُ ُ‬‫ؤا ِ‬ ‫ل ‪] :‬ل َ ي ُ َ‬ ‫ودليل هذه الكفارة قول الله عّز وج ّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ه إ ِط َْعا ُ‬
‫م‬ ‫فاَرت ُ ُ‬‫ن فَك َ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫م الي ْ َ‬ ‫قدت ّ ُ‬‫ما ع َ ّ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫خذ ُ ُ‬‫ؤا ِ‬‫كن ي ُ َ‬ ‫م وََلـ ِ‬‫مان ِك ُ ْ‬
‫ِفي أي ْ َ‬
‫م أ َْو‬‫سوَت ُهُ ْ‬ ‫م أوْ ك ِ ْ‬
‫شرة مساكين من أ َوسط ما تط ْعِمون أ َهِْليك ُ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫عَ َ َ ِ َ َ ِ َ ِ ْ ْ َ ِ َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م إِ َ‬
‫ذا‬ ‫مان ِك ُ ْ‬‫فاَرة ُ أي ْ َ‬ ‫ك كَ ّ‬ ‫م ث َل َث َةِ أّيام ٍ ذ َل ِ َ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫جد ْ ف َ ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫ريُر َرقَب َةٍ فَ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬
‫م آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ن الل ّ ُ‬‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫م ك َذ َل ِ َ‬ ‫مان َك ُ ْ‬‫ظوا ْ أي ْ َ‬‫ف ُ‬‫ح َ‬‫م َوا ْ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫حل َ ْ‬‫َ‬
‫ن[ ) المائدة ‪.(89:‬‬ ‫شكُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫‪ -7‬كفارة النذر‬
‫والنذر الذي تجب فيه الكفارة‪ ،‬إنما هو نذر اللجاج‪ ،‬وهو النذر‬
‫الذي يقع حال الخصومة‪ ،‬وذلك أن يقول شخص‪ ،‬يريد المتناع‬
‫من كلم أحد من الناس‪ ،‬أثناء خصومة بينهما‪.‬‬
‫يقول ‪ :‬إن كلمته فلله علي حجة‪.‬‬
‫وحكم هذا النذر أن المعلق عليه إذا وقع‪ ،‬وجب على الناذر إنجاز‬
‫ل‪ ،‬أو إخراج كفارة يمين‪ ،‬يختار‬ ‫ما نذره والتزمه‪ ،‬وهو الحج مث ً‬
‫واحدا ً منهما‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫وكفارة اليمين‪ :‬عتق رقبة مؤمنة‪ ،‬أو إطعام عشرة مساكين‪ ،‬أو‬
‫كسوتهم بما يسمى في العرف كسوة‪ ،‬فإن لم يجد فصيام ثلثة‬
‫أيام‪ ،‬ول يشترط فيها التتابع‪ ،‬وقد مر دليل ذلك في كفارة‬
‫اليمين‪.‬‬
‫أما ما عدا ذلك من أنواع النذر‪ ،‬فالواجب على الناذر تحقيق ما‬
‫التزمه‪ ،‬ل يغنيه عن ذلك شيء‪.‬‬
‫دليل كفارة نذر اللجاج‪:‬‬
‫ودليل كفارة هذا النذر‪ ،‬وهو نذر اللجاج‪ ،‬ما رواه مسلم في‬
‫] النذر – باب – كفارة النذر‪ ،‬رقم ‪ [1645:‬عن عقبة بن عامر ‪‬‬
‫‪ ،‬عن رسول الله ‪ ‬قال ‪ " :‬كفارة النذر كفارة اليمين"‪.‬‬

‫‪ -8‬كفارة الظهار‬
‫والظهار‪ :‬لغة ‪ ،‬مأخوذة من الظهر‪.‬‬
‫واصطلحا ً ‪ :‬أن يشبه الزوج زوجته في الحرمة بإحدى محارمه‪:‬‬
‫كأمه وأخته‪ ،‬فيقول لزوجته‪ :‬أنت علي كظهر أمي‪.‬‬
‫وقد كان العرب في الجاهلية يعتبرون الظهار أسلوبا ً من أساليب‬
‫الطلق‪.‬‬
‫ً‬
‫لكن الشريعة السلمية أعطت الظهار حكما آخر‪ ،‬وبنت عليه‬
‫أحكاما ً أخرى غير الطلق‪.‬‬
‫والذي يعنينا في هذا المكان‪ ،‬إنما هو كفارة الظهار‪ ،‬أما أحكامه‬
‫الخرى‪ ،‬فستجدها في مكانها من بحث الظهار‪ ،‬في باب الطلق‪.‬‬
‫موجب كفارة الظهار‪:‬‬
‫إذا نطق الزوج بلفظ الظهار‪ ،‬وهو تشبيهه زوجته بأحد محارمه‪،‬‬
‫فإنه ُينظر‪:‬‬
‫فإن اتبع كلمه هذا بالطلق‪ ،‬فإن حكم الظهار يندرج في الطلق‪،‬‬
‫ول يبقى للظهار أثر‪.‬‬
‫أما إن لم يتبع الظهار بالطلق‪ ،‬ولم يحصل منه ما يقطع النكاح‪،‬‬
‫فإنه يعتبر عائدا ً في كلمه‪ ،‬مخالفا ً لمقتضاه‪ ،‬وعندئذ ٍ تلزمه‬
‫كفارة‪ ،‬يكلف بإخراجها على الفور‪.‬‬
‫كفارة الظهار‪:‬‬
‫وهي حسب المكان وفق ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب التي تمنع من الكسب‬
‫والعمل‪.‬‬
‫‪ -2‬صيام شهرين متتابعين‪،‬وذلك إن لم يكن هناك رقيق كعصرنا‬
‫اليوم‪ ،‬أو كان ولم يستطع ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬إطعام ستين مسكينًا‪ ،‬وذلك إذا لم يستطع الصوم‪ ،‬أو لم‬
‫يستطع الصبر على تتابع الصوم؛ لهرم أو مرض‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫وهذه الخصال الثلثة مرتبة على نحو ما ذكرنا‪ ،‬فل ينتقل إلى‬
‫واحدة منها‪ ،‬حتى يعجز عن التي قبلها‪.‬‬
‫ل له‬ ‫ومعنى كون المظاهر مطالبا ً بالكفارة على الفور‪ ،‬أنه ل يح ّ‬
‫وطء زوجته قبل التكفير بأي النواع الثلثة المذكورة‪.‬‬
‫دليل وجوب كفارة الظهار ‪:‬‬
‫ودليل وجوب هذه الكفارة‪ ،‬ما رواه أبو داود في ] كتاب الطلق –‬
‫باب –في الظهار[ وابن ماجه في ] كتاب الطلق – باب –‬
‫الظهار[ وغيرهما أن امرأة أوس بن الصامت ‪ ، ‬جاءت إلى‬
‫النبي ‪ ، ‬تشكو إليه أن زوجها ظاهر منها‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫‪ " : ‬ما أراك إل طلقت منه"‪ ،‬فقالت له ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن‬
‫لي منه صبية‪ ،‬إن ضممتهم إلي جاعوا‪ ،‬وإن تركتهم إليه ضاعوا‪،‬‬
‫وأخذت تجادله في المر‪ ،‬ول يزيد على قوله ‪ ":‬ما أراك إل قد‬
‫ل أوائل سورة المجادلة‪:‬‬ ‫طلقت"‪ ،‬فأنزل الله عّز وج ّ‬
‫كي إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫شت َ ِ‬‫جَها وَت َ ْ‬ ‫ك ِفي َزوْ ِ‬ ‫جاد ِل ُ َ‬ ‫ل ال ِّتي ت ُ َ‬ ‫ه قَوْ َ‬ ‫معَ الل ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫]قَد ْ َ‬
‫ن‬‫ظاه ُِرو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صيٌر * ال ّ ِ‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫حاوَُرك ُ َ‬ ‫معُ ت َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫كم من نسائ ِهم ما هُن أ ُمهات ِهم إ ُ‬
‫م إ ِّل الّلِئي وَل َد ْن َهُ ْ‬
‫م‬ ‫مَهات ُهُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ّ ّ َ ِ ْ ِ ْ‬ ‫ّ‬ ‫من ُ ّ ّ َ ِ‬ ‫ِ‬
‫فوٌر *‬ ‫فوّ غ َ ُ‬ ‫ه لعَ ُ‬‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫ً‬
‫ل وَُزورا وَإ ِ ّ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ً‬
‫منكرا ّ‬ ‫َ‬ ‫ن ُ‬ ‫قولو َ‬ ‫ُ‬ ‫م لي َ ُ‬‫َ‬ ‫وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫ريُر َرقَب َ ٍ‬
‫ة‬ ‫ح ِ‬ ‫ما َقاُلوا فَت َ ْ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫دو َ‬ ‫م ي َُعو ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫سائ ِهِ ْ‬ ‫من ن ّ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ظاه ُِرو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫من قَب َ‬
‫خِبيٌر *‬ ‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ن ب ِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ظو َ‬ ‫م ُتوع َ ُ‬ ‫سا ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ما ّ‬ ‫ل أن ي َت َ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م‬
‫من ل ْ‬ ‫سا فَ َ‬ ‫ما ّ‬ ‫ل أن ي َت َ َ‬ ‫من قَب ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫مت ََتاب ِعَي ْ ِ‬‫ن ُ‬ ‫شهَْري ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫جد ْ ف َ ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫من ل ْ‬ ‫فَ َ‬
‫سول ِهِ وَت ِل ْ َ‬
‫ك‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ك ل ِت ُؤ ْ ِ‬ ‫كينا ً ذ َل ِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سّتي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط ِعْ فَإ ِط َْعا ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫م[ ) المجادلة ‪.(4-1 :‬‬ ‫َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫دود ُ اللهِ وَل ِل َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ -9‬كفارة القتل‬
‫ل‪ ،‬سواء‬ ‫يجب على قاتل النفس المحرمة كفارة لحق الله عّز وج ّ‬
‫كان القتل عمدًا‪ ،‬أو شبه عمد‪ ،‬أو خطأ‪ ،‬وسواء عفي أولياء‬
‫المقتول عن الدية المستحقة‪ ،‬أو لم يعفوا‪ ،‬وسواء كان القاتل‬
‫رشيدًا‪ ،‬أو صبيا ً أو مجنونًا‪.‬‬
‫وهذه الكفارة هي‪:‬‬
‫‪ -1‬عتق رقبة مؤمنة ‪ ،‬سليمة من العيوب التي تضّر بالعمل ‪ ،‬أو‬
‫الكسب‪.‬‬
‫‪ -2‬فإن لم يتمكن من عتق الرقبة‪ ،‬لعدم وجود الرقيق‪ ،‬أو لعدم‬
‫قدرته على العتاق‪ ،‬فصيام شهرين متتابعين‪.‬‬
‫فإن عجز عن الصيام‪ ،‬فإنه ل يجب عليه الطعام لعدم وروده‪ ،‬بل‬
‫تبقى الكفارة في ذمته حتى يقدر عليها‪.‬‬

‫دليل وجوب ك ّ‬
‫فارة القتل ‪:‬‬

‫‪77‬‬
‫ن‬‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ودليل وجوب هذه الكفارة قول الله تبارك وتعالى ‪] :‬وَ َ‬
‫ريُر‬ ‫ح ِ‬‫طئا ً فَت َ ْ‬ ‫خ َ‬‫منا ً َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ل ُ‬ ‫من قَت َ َ‬ ‫طئا ً وَ َ‬ ‫خ َ‬ ‫منا ً إ ِل ّ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ل ُ‬ ‫قت ُ َ‬‫ن َأن ي َ ْ‬ ‫م ٍ‬‫مؤ ْ ِ‬‫لِ ُ‬
‫صد ُّقوا ْ فَِإن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ة إ َِلى أهْل ِهِ إ ِل ّ أن ي َ ّ‬ ‫م ٌ‬‫سل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬‫من َةٍ وَد ِي َ ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫َرقَب َةٍ ّ‬
‫من قَوْم ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫من َةٍ وَِإن َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ريُر َرقَب َةٍ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ن فَت َ ْ‬
‫ح‬ ‫م ٌ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫م وَهُوَ ْ‬ ‫قَوْم ٍ ع َد ُوّ ل ّك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ة‬‫من َ ً‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ريُر َرقَب َةٍ ّ‬ ‫ة إ َِلى أهْل ِهِ وَت َ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫م ٌ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫ميَثاقٌ فَد ِي َ ٌ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ب َي ْن َك ُ ْ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫كا َ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ّ‬ ‫ن ت َوْب َ ً‬
‫مت ََتاب ِعَي ْ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫شهَْري ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫صَيا ُ‬‫جد ْ ف َ ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫فَ َ‬
‫كيمًا[ ) النساء ‪.(92 :‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ع َِليما ً َ‬
‫فإذا وجبت الكفارة في القتل الخطأ‪ ،‬فوجوبها بالقتل العمد وشبه‬
‫العمد أولى‪.‬‬
‫وروى أبو داود في ] كتاب العتق – باب – في ثواب العتق‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ [3964‬وغيره‪ ،‬عن واثلة بن السقع ‪ ‬قال ‪ :‬أتينا رسول الله ‪‬‬
‫‪ ،‬في صاحب لنا أوجب – يعني النار – بالقتل‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫‪ " : ‬أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منه عضوا ً منه من‬
‫النار"‪.‬‬
‫‪ -10‬الكفارة بإقامة الحد‬
‫من ارتكب ذنبا ً من الذنوب التي قدرت في الدين عقوباتها‬
‫وحدودها‪ :‬كالقتل والسرقة‪ ،‬والقذف‪ ،‬والزنى‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬ثم‬
‫أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا‪ ،‬فإن إقامة هذا الحد عليه‬
‫يكون كفارة لذلك الذنب‪ ،‬ولو لم يتب منه‪ ،‬ول يعاتب الله عّز‬
‫ل عليه في الخرة‪.‬‬ ‫وج ّ‬
‫دليل هذه الكفارة ‪:‬‬
‫ويستدل للتكفير بإقامة الحد على مرتكب الذنب بما رواه‬
‫البخاري في ] اليمان – باب – علمة اليمان حب النصار‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ [18‬ومسلم في ] الحدود – باب – الحدود كفارات لهلها‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ [1709‬عن عبادة بن الصامت ‪ ، ‬أن رسول الله ‪ ، ‬قال –‬
‫وحوله عصابة من أصحابه‪ ": -‬بايعوني على أن ل تشركوا بالله‬
‫شيئًا‪ ،‬ول تسرقوا‪ ،‬ول تزنوا‪ ،‬ول تقتلوا أولدكم‪ ،‬ول تأتوا ببهتان‬
‫تفترونه بين أيديكم وأرجلكم‪ ،‬ول تعصوا في معروف‪ ،‬فمن وفى‬
‫منكم‪ ،‬فأجره على الله‪ ،‬ومن أصاب من ذلك شيئا ً فعوقب به في‬
‫الدنيا‪ ،‬فهو كفارة له‪ ،‬ومن أصاب من ذلك شيئًا‪ ،‬ثم ستره الله‪،‬‬
‫فهو إلى الله‪ ،‬إن شاء عفا عنه‪ ،‬وإن شاء عاقبه‪ ،‬فبايعناه على‬
‫ذلك"‪.‬‬
‫وروى الترمذي في ] اليمان – باب – ما جاء ل يزني الزاني وهو‬
‫مؤمن‪ ،‬رقم‪ [2628:‬عن علي ‪ ، ‬عن النبي ‪ ، ‬قال ‪ " :‬من‬
‫أصاب حدا ً فعجل عقوبته في الدنيا‪ ،‬فالله أعدل من أن يثني على‬
‫عبده العقوبة في الخرة‪ ،‬ومن أصاب حدا ً فستره الله عليه‪ ،‬وعفا‬
‫عنه‪ ،‬فالله أكرم من أن يعود إلى شيء قد عفا عنه"‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫والله سبحانه وتعالى أعلم‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬

‫‪79‬‬
‫فهرس‬
‫المقدمة‬
‫‪2‬‬
‫اليمان والنذور‬
‫‪3‬‬
‫اليمان‬
‫‪4‬‬
‫تعريف اليمان‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬ ‫حكم اليمين شرعا ً‬
‫التحذير من اتخاذ اليمين معتمدا ً في المكالمات والمعاملت‬
‫‪6‬‬
‫شروط انعقاد اليمين‬
‫‪6‬‬
‫ً‬
‫‪ -1‬أن يكون الحالف بالغا عاقل ً‬
‫‪6‬‬
‫‪ -2‬أن ل يكون اليمين لغوا ً‬
‫‪7‬‬
‫‪ -3‬أن يكون القسم بواحد مما يلي‪:‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -1‬ذات الله عّز وجل‪ّ.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -2‬أحد أسمائه تعالى الخاصة به‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪7‬‬ ‫ج‪ -‬صفة من صفاته تعالى‬
‫اليمين صريح وكناية‬
‫‪8‬‬
‫حكم كل من الصريح والكناية‬
‫‪8‬‬
‫‪ -1‬حكم اليمين الصريح‬
‫‪8‬‬
‫‪ -2‬حكم اليمين الكناية‬
‫‪9‬‬
‫البر باليمين والحنث بها‪ :‬معناهما وحكمهما‬
‫‪9‬‬
‫‪10‬‬ ‫كفارة اليمين‬
‫‪11‬‬ ‫دليل كفارة اليمين‬
‫خاتمة في بعض أحكام اليمين‬
‫‪11‬‬

‫‪80‬‬
‫‪13‬‬ ‫النذور‬
‫تعريف النذور‬
‫‪13‬‬
‫‪13‬‬ ‫أدلة تشريع النذر‬
‫‪14‬‬ ‫حكم النذر‬
‫‪14‬‬ ‫أنواع النذر‬
‫النوع الول ‪ :‬نذر اللجاج‬
‫‪14‬‬
‫النوع الثاني ‪ :‬نذر المجازاة‪ :‬أي المكافأة‬
‫‪14‬‬
‫النوع الثالث ‪ :‬النذر المطلق‬
‫‪14‬‬
‫أحكام كل نوع من أنواع النذر‬
‫‪15‬‬
‫‪15‬‬ ‫شروط النذر‬
‫أول ً ‪ :‬من حيث الناذر‬
‫‪16‬‬
‫ثانيًا‪ :‬من حيث المنذور‬
‫‪16‬‬
‫الثار المترتبة على النذر الصحيح‬
‫‪17‬‬
‫النذر المطلق ل يتحدد بوقت‬
‫‪20‬‬
‫الصيد والذبائح‬
‫‪21‬‬
‫الصيد‬
‫‪22‬‬
‫تعريف الصيد‬
‫‪22‬‬
‫‪22‬‬ ‫مشروعية الصيد‬
‫الحكمة من مشروعية الصيد‬
‫‪22‬‬
‫ما يحل من الصيد وما ل يحل‬
‫‪23‬‬
‫الوسيلة المشروعة في الصطياد‬
‫‪24‬‬
‫شروط الصطياد بسباع البهائم وجوارح الطير‬
‫‪25‬‬
‫متى ينزل الصيد وحده منزلة التذكية ومتى ل ينزل؟‬
‫‪26‬‬
‫الذبائح‬
‫‪28‬‬

‫‪81‬‬
‫تعريف الذبائح‬
‫‪28‬‬
‫الفرق بين الذبح والتذكية‬
‫‪28‬‬
‫الحكمة من اشتراط التذكية‬
‫‪28‬‬
‫أنواع التذكية ‪ :‬الذبح‪ ،‬والنحر ‪ ،‬والعقر‬
‫‪29‬‬
‫‪30‬‬ ‫شروط صحة الذبح‬
‫‪ -1‬الشروط المتعلقة بالذابح‬
‫‪30‬‬
‫‪ -2‬الشروط المتعلقة بالمذبوح‬
‫‪31‬‬
‫‪ -3‬الشروط المتعلقة بآلة الذبح‬
‫‪32‬‬
‫ملحظات‬
‫‪33‬‬
‫ما يستثنى من الميتة والدم‬
‫‪35‬‬
‫خاتمة في بعض سنن الذبح‬
‫‪36‬‬
‫ل عند الذبح‬‫‪ -1‬ذكر اسم الله عّز وج ّ‬
‫‪36‬‬
‫‪ -2‬قطع الودجين عند الذبح‬
‫‪36‬‬
‫‪ -3‬أن يحد الذابح شفرته‬
‫‪36‬‬
‫‪ -4‬أن يضجع الدابة لجنبها اليسر‬
‫‪36‬‬
‫‪ -5‬استقبال القبلة عند الذبح‬
‫‪36‬‬
‫العقيقة‬
‫‪37‬‬
‫تعريف العقيقة‬
‫‪38‬‬
‫‪38‬‬ ‫حكم العقيقة‬
‫وقت العقيقة‬
‫‪38‬‬
‫حكمة تشريع العقيقة‬
‫‪39‬‬
‫ما يذبح عن الغلم والجارية‬
‫‪39‬‬

‫‪82‬‬
‫‪40‬‬ ‫تعدد العقيقة بتعدد الولد‬
‫شروط العقيقة‬
‫‪40‬‬
‫ما تخالف به العقيقة الضحية‬
‫‪41‬‬
‫ً‬
‫تسمية المولود يوم سابعه وحلق شعره والتصدق بوزنه ذهبا أو فضة‬
‫‪41‬‬
‫التأذين في أذن المولود‬
‫‪42‬‬
‫تحنيك المولود‬
‫‪42‬‬
‫‪43‬‬ ‫ختان الطفل‬
‫‪43‬‬ ‫حكم الختان‬
‫دليل مشروعية الختان‬
‫‪43‬‬
‫‪44‬‬ ‫وقت الختان‬
‫حكمة مشروعية الختان‬
‫‪44‬‬
‫التهنئة بالمولود‬
‫‪44‬‬
‫الطعمة والشربة‬
‫‪45‬‬
‫ما يحل من الطعمة وما يحرم‬
‫‪46‬‬
‫حالة الضرورة‬
‫‪49‬‬
‫خاتمة في بعض ما يحل وما يحرم‬
‫‪50‬‬
‫الشربة المحرمة والمخدرات‬
‫‪51‬‬
‫‪51‬‬ ‫الصل في الشربة الحل‬
‫ما يحل من الشربة‬
‫‪51‬‬
‫‪51‬‬ ‫ما كان منها ضارا ً‬
‫ما كان نجسا ً‬
‫‪51‬‬
‫ما كان مسكرا ً‬
‫‪52‬‬
‫دليل تحريم المسكر‬
‫‪52‬‬
‫كل مسكر حرام‬
‫‪52‬‬

‫‪83‬‬
‫‪53‬‬ ‫تحديد معنى السكر‬
‫نجاسة السكر‬
‫‪54‬‬
‫الحكمة من تحريم المسكرات‬
‫‪54‬‬
‫ما يترتب على شرب المسكر‬
‫‪55‬‬
‫‪55‬‬ ‫حد شرب المسكر‬
‫شروط ثبوت حد شرب المسكر‬
‫‪57‬‬
‫من يتولى تنفيذ الحد‬
‫‪58‬‬
‫المخدرات المختلفة‬
‫‪59‬‬
‫معنى التخدير‬
‫‪59‬‬
‫حكم المخدرات‬
‫‪59‬‬
‫عقوبة تناول المخدرات‬
‫‪59‬‬
‫حالت استثنائية‬
‫‪59‬‬
‫الحالة الولى ‪ :‬حالة الضرورة‬
‫‪59‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬التداوى‬
‫‪60‬‬
‫الحالة الثالثة ‪ :‬العمليات الجراحية‬
‫‪60‬‬
‫اللباس والزينة‬
‫‪61‬‬
‫الصل في أحكام اللباس والزينة الحل‬
‫‪62‬‬
‫ما استثنى من عموم الحل‬
‫‪63‬‬
‫‪ -1‬تحريم الذهب والفضة في غير البيع والشراء ونحوهما‬
‫‪63‬‬
‫أدلة تحريم استعمال الذهب والفضة‬
‫‪63‬‬
‫حكم استعمال الواني المضببة بالذهب والفضة‬
‫‪64‬‬
‫حكم استعمال الواني المموهة بالذهب والفضة‬
‫‪64‬‬

‫‪84‬‬
‫حكم استعمال الواني المتخذة من المعادن النفيسة‬
‫‪64‬‬
‫الحكمة من تحريم أواني الذهب والفضة‬
‫‪64‬‬
‫ما يستثنى من هذا التحريم‬
‫‪65‬‬
‫ل‬‫تهاون في حكم الله عّز وج ّ‬
‫‪67‬‬
‫‪ -2‬تحريم لبس الحرير للرجال‬
‫‪67‬‬
‫الحكمة من تحريم الحرير على الرجال‬
‫‪68‬‬
‫ما استثنى من هذا التحريم‬
‫‪68‬‬
‫ً‬
‫حكم لبس الحرير إذا كان مخلوطا بغيره‬
‫‪69‬‬
‫تعليق ستائر الحرير على البواب والجدران‬
‫‪69‬‬
‫‪ -3‬تحريم الخضاب بالسواد‬
‫‪70‬‬
‫حكمة تحريم الخضاب بالسواد‬
‫‪70‬‬
‫‪ -4‬تحريم مواصلة الشعر‬
‫‪71‬‬
‫‪71‬‬ ‫دليل تحريم الوصل‬
‫حكمة تحريم الوصل‬
‫‪72‬‬
‫‪ -5‬تحريم الوشم‪ ،‬والنمص والتفليج‬
‫‪72‬‬
‫دليل تحريم الوشم‪ ،‬والنمص ‪ ،‬والتفليج‬
‫‪72‬‬
‫ما يستثنى من تحريم ما سبق‬
‫‪73‬‬
‫حكمة تحريم الوشم والنمص والتفليج‬
‫‪73‬‬
‫‪-6‬تشبه الرجال بالنساء‪ ،‬والنساء بالرجال‬
‫‪73‬‬
‫حكم هذا التشبه‬
‫‪74‬‬
‫دليل تحريم هذا التشبه‬
‫‪74‬‬

‫‪85‬‬
‫‪ -7‬تحريم التصوير‬
‫‪74‬‬
‫ما يستثنى من تحريم اتخاذ الصور‬
‫‪75‬‬
‫أدلة تحريم التصوير‬
‫‪76‬‬
‫حكمة تحريم الصور‬
‫‪77‬‬
‫حسرة وأسف‬
‫‪77‬‬
‫الكفارات‬
‫‪79‬‬
‫‪80‬‬ ‫تعريف الكفارات‬
‫أدلة تشريع الكفارات‬
‫‪80‬‬
‫حكمة تشريع الكفارات‬
‫‪81‬‬
‫أنواع الكفارات‬
‫‪81‬‬
‫‪ -1‬كفارة إفساد الصوم بالجماع في رمضان‬
‫‪81‬‬
‫على من تجب كفارة إفساد الصوم‬
‫‪82‬‬
‫موجب هذه الكفارة‬
‫‪82‬‬
‫النية عند أداء الكفارة‬
‫‪82‬‬
‫‪83‬‬ ‫وجوب القضاء مع الكفارة‬
‫‪83‬‬ ‫تعدد الكفارة‬
‫دليل وجوب كفارة إفساد الصوم بالجماع في رمضان‬
‫‪83‬‬
‫‪ -2‬كفارة المسافر والمريض إذا لم يقضيا الصوم من عامهما‬
‫‪84‬‬
‫‪ -3‬كفارة الكبير العاجز عن الصوم‬
‫‪85‬‬
‫‪ -4‬كفارة الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا ً على طفلهما‬
‫‪85‬‬
‫‪85‬‬ ‫‪ -5‬كفارات الحج‬
‫القسم الول ‪ :‬الدم المرتب المقدر‬
‫‪85‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬الدم المخير المقدر‬
‫‪86‬‬

‫‪86‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬الدم المخير المعدل‬
‫‪87‬‬
‫القسم الرابع ‪ :‬الدم المرتب المعدل‬
‫‪87‬‬
‫القسم الخامس ‪ :‬الدم المرتب المعدل أيضا ً‬
‫‪88‬‬
‫‪ -6‬كفارة اليمين‬
‫‪88‬‬
‫‪ -7‬كفارة النذر‬
‫‪89‬‬
‫دليل كفارة نذر اللجاج‬
‫‪89‬‬
‫‪ -8‬كفارة الظهار‬
‫‪90‬‬
‫موجب كفارة الظهار‬
‫‪90‬‬
‫كفارة الظهار‬
‫‪90‬‬
‫‪91‬‬ ‫دليل وجوب كفارة الظهار‬
‫‪ -9‬كفارة القتل‬
‫‪91‬‬
‫دليل وجوب كفارة القتل‬
‫‪92‬‬
‫‪ -10‬الكفارة بإقامة الحد‬
‫‪92‬‬
‫دليل هذه الكفارة‬
‫‪92‬‬

‫‪87‬‬

You might also like