Professional Documents
Culture Documents
المقدمـــة
ب العالمين ،حمدا ً يوافي نعمه ،ويكافئ مزيده ،سبحانك
الحمد لله ر ّ
يا رّبنا ل ُنحصي ثناء عليك أَنت كما أثنيت على نفسك .
صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك سيدنا محمد صلة ُترضيك
وترضيه وترضى لها عنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
ض الل َّهم عن أصحاب نبّيك الذين اخترتهم لحمل هذه الشريعة ، وار َ
واصطفيتهم لتبليغ هذه الرسالة ،فكانوا لذلك أهل ً ،وغدوا لمن بعدهم قدوة
صالحة ،ونبراسا ً ُيهتدى بنوره ،وُيستضاء به .وارحم يا إَلهنا كل من سار
ن بسنتهم . على هداهم ،واست ّ
الل َّهم وّفقنا للقتداء ،بنبيك والتمسك بسّنته ،واحفظنا يا ربنا من
الزلل ،والعلل ،والرياء ،واجعل عملنا هذا خالصا ً لوجهك الكريم ،وأ ُ
جرنا
عليه بما أنت له أهل ،برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين .
وبعد ،فهذا هو الجزء الرابع في سلسة ) الفقه المنهجي ( على
مذهب المام الشافعي ،أودعنا فيه ما يتعلق بأحكام ا ُ
لسرة .
وجعلناه سبعة أقسام :
النكاح ،وما يتعلق به . -1
الطلق وما يتعلق به ،وما يشبهه من ظهار وإيلء ولعان . -2
النفقات وما يتعلق بها . -3
الحضانة وأحكامها . -4
الرضاع وأحكامه . -5
-7اللقيط النسب وأحكامه . -6
وأحكامه .
والله نسأل أن نكون قد وُّفقنا للصواب ،وتقريب هذا التراث
العظيم من الفقه السلمي للقّراء الكارم وعلى الله توكلنا ،وهو حسبنا
ون َِعم الوكيل .
2
المؤلفــون
3
أول ً :النكاح وما يتعلق به وما يشبهه .
تمهيد :
معنى الحوال الشخصية :
يقصد بالحوال الشخصية :الوضاع التي تكون بين النسان وُأسرته ،
وما يترتب عليه هذه الوضاع من آثار حقوقية ،والتزامات مادية أو أدبية .
وإطلق هذا الصطلح على هذا المعنى إطلق حديث ُ ،أطلق في
مقابلة الحوال المدنية ،التي تن ّ
ظم علقات النسان بأفراد المجتمع خارج
حدود ا ُ
لسرة .
أما الفقهاء قديما ً ،فلم يكونوا يطلقون هذا السم ) الحوال
الشخصية ( على المبادئ والحكام الشاملة للسرة ومتعلقاتها ،وإنما كانوا
يطلقون على كل باب اسما ً خاصا ً :مثل :كتاب النكاح .كتاب الصداق .
كتاب النفقات .كتاب الطلق .كتاب الفرائض .وهكذا .
4
النكـــــاح
تعريف النكاح :
النكاح لغة :الضم والجمع .يقال :تناكحت الشجار ،إذا تمايلت
وانضم بعضها إلى بعض .
والنكاح شرعا ً :عقد يتضمن إباحة استمتاع كل من الزوجين بالخر
على الوجه المشروع .
م أحدهما إلى الخر .
سمي بذلك لنه يجمع بين شخصين ،ويض ّ
و ُ
والعرب تستعمل لفظ النكاح بمعنى العقد ،وبمعنى الوطء
والستمتاع .
لكن النكاح حقيقة يطلق علي العقد ،ويستعمل مجازا ً في الوطء .
وعامة استعمال القرآن للفظ النكاح إنما هو في العقد ،ل في الوطء
.
َ
ت ثُ ّ
م مَنا ِ مؤ ْ ِم ال ْ ُ ذا ن َك َ ْ
حت ُ ُ مُنوا إ ِ َ نآ َ ذي َ ومنه قوله تعالى َ :يا أي َّها ال ّ ِ
قتموهُن من قَب َ
دون ََها ..
عد ّةٍ ت َعْت َ ّن ِ م ْ ن ِ م ع َل َي ْهِ ّما ل َك ُ ْن فَ َ سوهُ ّ م ّ
ل أن ت َ َ
ْ ِ ّ ِ ط َل ّ ْ ُ ُ
) الحزاب . ( 49 :
7
الفطرة ونظمها ،بحيث تؤدي دورها النافع البّناء في إيجاد هذا النوع ،
واستمرار بقائه .
2ـ إمداد المجتمع السلمي بنسل صالح ،ونشء مهذب :
سل ،وجعله من بين أهدافه ،في إنشاء لقد دعا السلم إلى كثره الن َ ْ
مهيب المرهوب ،قال رسول الله " : تزّوجوا الوَل ُ َ
ود المجتمع السلمي ال ُ
مكاثر بكـم المـم يـوم القيامـة " ) .أخرجه أبو داود في
الودود فإني ُ
سننه :كتاب النكاح ،باب :النهي عن تزويج من لم يلد من النساء ،رقم :
. 2050
والنسائي في النكاح أيضا ً ،باب :كراهية تزويج العقيم . [ 65 / 6 :
جه نظر الولياء إلى تزويج أبنائهم
ولذلك دعا القرآن إلى الزواج ،وو ّ
وبناتهم .
َ َ
مائ ِك ُ ْ
م عَباد ِك ُ ْ
م وَإ ِ َ ن ِ
م ْ
ن ِحي َ
صال ِ ِ منك ُ ْ
م َوال ّ حوا اْلَيا َ
مى ِ قال تعالى :وَأنك ِ ُ
ضل ِهِ ) النور . ( 23 : من فَ ْ ه ِم الل ّ ُ ِإن ي َ ُ
كوُنوا فُ َ
قَراء ي ُغْن ِهِ ُ
وإمداد المجتمع بنشئ يولدون في ظلل أبوين حانيين عطوفين ،
يعرفان كيف ُتصاغ عقول هذا النشئ ،وكيف ُتربى مواهبه ،أفضل النزوات
حرمة الطائشة من السفاح والزنى ،فهؤلء ل يعرفون أبا يرعاهم ،ول
الم ّ
ما ً تحنو عليهم ،فينشؤون وفي أنفسهم عقد الكراهية والحقد على أمتهم ُ
أ َ
ومجتمعهم ،وعلى الناس جميعا ً .
3ـ إيجاد السكن النفسي والستقرار الروحي :
وفي هذا الزواج الشرعي الشريف تحصل هذه الطمأنينة ،و السكينة
والهدوء النفسي .
فسك ُ َ كم م َ َ
م أْزَواجا ً ل ّت َ ْ
سك ُُنوا ن أن ُ ِ ْ خل َقَ ل َ ُ ّ ْ ن َن آَيات ِهِ أ ْم ْقال تعالى :وَ ِ
ن فك ُّرو َ ت لّ َ
قوْم ٍ ي َت َ َ ك َلَيا ٍ
ن ِفي ذ َل ِ َة إِ ّ
م ًح َموَد ّة ً وََر ْ ل ب َي ْن َ ُ
كم ّ إ ِل َي َْها وَ َ
جعَ َ
) الروم . ( 21 :
وانظر إلى التعبير القرآني ما أروعه في إبراز معنى الحاجة للزواج ،
وحصول الستر والسعادة والستقرار فيه .
8
َ
ن ) البقرة . ( 117 :س ل ّهُ ّ
م ل َِبا ٌ س ل ّك ُ ْ
م وَأنت ُ ْ قال تعالى :هُ ّ
ن ل َِبا ٌ
فالية شبهت كل من الزوجين باللباس للخر ،لن كل ً منهما يستر
الخر.
فحاجة ك ّ
ل من الزوجين للخر كحاجته إلى اللباس ،فإذا كان اللباس
يستر معايب الجسد ،وبقية عاديات الذى ،فإن كل ً من الزوجين يحفظ
على صاحبه شرفه ،ويصون عرضه ،ويوّفر له راحته وُأنسه .
4ـ الحفاظ على الخلق من الهبوط والنهيار :
فالنسان إذا منع من الزواج المشروع تاقت نفسه إلى تحصيل حاجته
من الطريق الممنوع ،ول يخفى على عاقل ما في السفاح والزنى من
فساد الخلق ،وخراب ا ُ
لسر ،وهتك العراض ،وانتشار المراض ،وقلق
النفوس والرواح .
وللمحافظة على الخلق ،وللوقاية من الفساد قال رسول الله :
حوه ،إل ّ تفعلوا تكن فتنة في خل ُ َ
قه فأْنك ُ ن ديَنه و ُ
ضو ْ َ
" إذا جاءكم من ت َْر َ
ساد ُ " رواه الترمذي ) في النكاح ،باب :ما جاء إذا جاءكم من الرض وفَ َ
ترضون دينه فزوجوه ،رقم ( 1085 :عن أبي حاتم المزني .
9
5ـ المحافظة على النوع البشري سويا ً سليما ً :
لقد جرت عادة الله سبحانه وتعالى أن ل يكون إنسان إل من أبوين :
رجل و امرأة ،فإذا علمنا أن السلم قد حّرم اقتران رجل بامرأة إل على
أساس زواج شرعي ،فإن ذلك يعنى أن ا لسلم قد حصر حفظ النوع
البشري بالزواج ،فلو حرم الزواج لنقرض البشر ،ولو أباح السفاح لكان
هذا البشر شقي ّا ً مريضا ً ،والله سبحانه وتعالى يريد بعباده الخير ،ول يحب
م ) البقرة :
حي ٌ
ف ّر ِ س ل ََر ُ
ؤو ٌ ن الل ّ َ
ه ِبالّنا ِ لهم الشـر .قال تعـالى :إ ِ ّ
. ( 114
6ـ توسيع دائرة القرابة وبناء دعائم التعاون :
ففي الزواج تمتد رقعة القرابة ،فتلقي عائلتان ،ويجمع شمل
أسرتين ،وتنشأ بينهما بسبب المصاهرة روابط جديدة ،ومحبة متبادلة .
وبالزواج يتم التعاون بين الزوجين ،فالزوجة ُتعين زوجها في شؤونه :
في مأكله وملبسه ومسكنه ،وتربية أولدة ،ورعاية بيته .والزوج يعاونها
في تأمين حاجاتها ،وتحصيل نفقتها ،والدفاع عنها ،وحمايتها ،والمحافظة
على عرضها .
والسلم دين التعاون والتكافل ،ولقد شرع الزواج لتحقيق هذه
المصالح كلها .
10
عــــــا ح َ
شْر ُ حكــــــم الن ِ َ
كـــــا ِ ُ
للنكاح أحكام متعددة ،وليس حكما ً واحدا ً ،وذلك تبعا ً للحالة التي
يكون عليها الشخص ،وإليك بيان ذلك :
1ـ مستحب :
وذلك إذا كان الشخص محتاجا ً إلى الزواج :بمعنى أن نفسه تتوق إليه
،وترغب فيه ،وكان يملك مؤنته ونفقته ،من مهر ،ونفقة معيشة له
ولزوجته ،وهو في نفس الوقت ل يخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة
إن لم يتزوج .
ففي هذه الحالة يكون النكاح مستحب ّا ً ،لما فيه من بقاء الن َ ْ
سل وحفظ
النسب ،و الستعانة على قضاء المصالح.
ويستدل لذلك بحديث البخاري ومسلم :عن عبدالله بن مسعود
قال :كنا مع النبي شبابا ً ل نجد شيئا ً ،فقال لنا رسول الله " : يا
ض للبصر وأحصن
من استطاع منكم الباءة فليتزوج ،فإنه أغ ّ
معشر الشباب َ
من لم يستطع فعليه بالصوم ،فإنه له ِوجاء ". 1
لفرج ،و َ
والزواج في هذه الحالة أفضل من التفرغ للعبادة ،والنقطاع لها .
وعلى هذا يحمل توجيه الرسول لولئك النفر من أصحابه الذين
تعاهدوا على النقطاع للعبادة ،وترك الزواج .
روى مسلم ) في النكاح ،باب :استحباب لمن تاقت نفسه إليه …،
رقم ( 1401وغيره عن أنس : أن نفرا ً من أصحاب النبي سألوا
أزواج النبي عن عمله في السّر ،فقال بعضهم :ل أتزوج النساء ،وقال
بعضهم :ل آكل اللحم ،وقال بعضهم :ل أنام على فراش ،فحمد الله
11
وأثنى عليه ،فقال " :ما با ُ
ل أقوام ٍ قالوا :كذا وكذا ،لكني أصلي وأنام ،
س مّني " .
سّنتي فلي َ
وأصوم وأفطر ،وأتزوج النساَء فم رغب عن ُ
سنتي فليس مني " أي من تركها إعراضا ً
ومعنى " فمن رغب عن ُ
عنها ،غير معتقد لها على ما هي عليه .
والمرأة في هذا الحكم مثل الرجل ،فإذا كانت محتاجة للزواج لصيانة
ب لها الزواج أيضا ً .
نفسها ،وحفظ دينها ،وتحصيل نفقتها ،استح ّ
2ـ مستحب تركه ) أي مكروه وفعله خلف الولى ( :
وذلك إذا كان محتاجا ً للزواج ،لكنه ل يملك ُأهبة النكاح ونفقاته .
ف ويستعين على ذلك بالعبادة والصوم ،
وعليه في هذه الحالة أن يع ّ
لن النشغال بالعبادة والصوم ،يشغله عن التفكير في الزواج ،واستشارة
الرغبة فيه ،ريثما يغنيه الله من فضله .
م كاحا ً َ
حّتى ي ُغْن ِي َهُ ْ ن نِ َ
دو َ ن َل ي َ ِ
ج ُ ف ال ّ ِ
ذي َ ف ِ ودليل ذلك قوله تعالى :وَل ْي َ ْ
ست َعْ ِ
ضِله ِ ) النور . ( 33 : من فَ ْ الل ّ ُ
ه ِ
وُيفهم هذا الحكم أيضا ً من مفهوم قول النبي َ " :
من استطاع
حبا ً له .
منكم الباءة فليتزوج " فإنه إذا لم يملك الباءة كان ترك الزواج مست ّ
3ـ مكروه :
وذلك إذا كان غير محتاج إلى الزواج :كأن ل يجد الرغبة فيه ،أما
فطرة ،أو لمرض ،أو عّلة ،ول يجد ُأهبه له ،وذلك لما فيه من التزام مال
يقدر على القيام به ،لن النكاح يترتب عليه المهر ،والنفقة ،وهو ل يقدر
على ذلك ،فُيكره النكاح له .
4ـ الفضل تركه :
وذلك إذا كان يجد ا ُ
لهبة ،ولكنه ليس محتاجا ً إلى النكاح ،لن نفسه
ل تتوق إليه ،وكان منشغل ً بالعبادة ،أو منقطعا ً لطلب العلم ،فإن التفرغ
للعبادة وطلب العلم أفضل من النكاح في هذه الحالة ،لن النكاح ربما
يشغله عن ذلك .
5ـ الفضل فعله :
12
فإذا كان ليس منشغل ً بالعبادة ،ول متفرغا ً لطلب العلم ،وهو يجد
ا ُ
لهبة للنكاح ،لكنه غير محتاج إليه ،فالنكاح في هذه الحالة أفضل ،حتى
ل تقضي به البطالة والفراغ إلى الفواحش ،وبالزواج يحصل له الستعانة
على قضاء المصالح ،وإنجا
مكاَنة ال ُ
ه لَ َ
ها عايت َ ِ
ور َ
َ َ
لم الس في رة
َ س
ْ َ
تعريف السرة :
هط ـ أي الشخاص ـ الد َْنون من الرجل . السرة لغة :الّر ْ
لسلم اصطلحا ً في نظام السلم :تلك الخلّية التي تضم ويقصد با ُ
13
جدعاء :مقطوعة ا ُ
لذن .أي إنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد
ولدتها ،بتأثير من البيئة المحيطة بها من إنسان وغيره .وكذلك حال
النسان ،تكون استقامته أو انحرافه رهن البيئة التي ينشأ ويترعرع فيها .
لسرة ،والسرة جزء وبناًء على ما سبق نقول :إن الفرد جزء من ا ُ
صُلح الفرد ،وإذا ُ من المجتمع ،ودعامة أساسية فيه ،فإذا صل ُ َ
ت السرة َ
ح َ
لسرة ،وصلح المجتمع . صُلح الفرد صلحت ا ُ
14
مظاهر عناية السلم بالسرة :
لسرة من تلك التشريعات والحكاموتتبدى مظاهر عناية السلم با ُ
لسرة ،وترتيب شؤونها .ومن ذلك على سبيل المثالالتي صاغها لتنظيم ا ُ
ل الحصر :
أ ـ المر بالزواج :
لسرة ،لنه ل ُأسرة بغير زواج ،وكل علقة جنسية
لتشييد دعائم ا ُ
بين رجل وامرأة ل تقوم على أساس الزواج ،فهي زنى وسفاح .
سِبيل ً
ساء َ ة وَ َ ش ًح َ ن َفا ِ ه َ
كا َ قَرُبوا ْ الّزَنى إ ِن ّ ُ
والله تعالى يقول :وَل َ ت َ ْ
) السراء (32 :
ن دا ٍ
خ َذي أ َ ْخ ِ ن وَل َ ُ
مت ّ ِ حي َ سافِ ِ م َن غ َي َْر ُ
صِني َ ح ِ ويقول عز وجل ُ :
م ْ
) المائدة ( 5 :
ب ـ تشريع حقوق الزوجين وواجباتهما :
فقد أوجب السلم على الزوج لزوجته :
حل َ ً
ة ) النساء : صد َُقات ِهِ ّ
ن نِ ْ 1ـ المهر :قال تعالى َ :وآُتوا ْ الن ّ َ
ساء َ
(4
ن
سوَت ُهُ ّ
ن وَك ِ ْ موُْلود ِ ل َ ُ
ه رِْزقُهُ ّ 2ـ النفقة :قال تعالى َ :وعَلى ال ْ َ
ف ) البقرة . ( 233 : ِبال ْ َ
معُْرو ِ
ف".
ن بالمعرو ِ ن عليكم رزُقه ّ
ن وكسوت ُهُ ّ وقال رسول الله " : وله ّ
جه النبي رقم ( 1218 :في حديث
رواه مسلم ) كتاب الحج ،باب ح ّ
طويل .
ن ِبال ْ َ
معُْروف شُروهُ ّ 3ـ المعاشرة بالمعروف :قال الله تعالى :وَ َ
عا ِ
) النساء ( 19 :
كما أوجب السلم على الزوجة لزوجها :
ن ع ََلى
مو َ ل قَ ّ
وا ُ 1ـ الطاعة في غير معصية :قال تعالى :الّر َ
جا ُ
ساء ) النساء . ( 34 :
الن ّ َ
والقوامة إنما هي :القيادة ،وحقّ الطاعة .
15
2ـ أن ل ُتدخل بيته أحدا ً بغير إذنه ورضاه :قال رسول الله " :
ن أن ل يوطئن فُُرشكم أحدا ً تكرهونه " رواه مسلم )
ولكم عليه ّ
(1218من حديث طويل .
ن لحد تكرهونه في دخول
قال المام النووي رحمه الله تعالى :ل يأذ ّ
بيوتكم ،والجلوس في منازلكم .
3ـ أن تحفظ شرفه ،وتصون عرضه ،وتحافظ على ماله :قال
ة، دلكم على خير ما ي ّك ْن ُِز الّر ُُ
ج ُ
ل ؟ المرأة ُ الصالح ُ رسول الله ": أل أ ُ
التي إذا نظر إليها سّرْته ،وإذا أمرها أطاعته ،وإذا غاب عنها حف ْ
ظته
مال ِهِ " .رواه أبو داود ) الزكاة ،باب :في حقوق المال ،
في نفسها و َ
رقـم ( 1664 :وصححه الحاكم في مستدركه .
ج ـ تشريع حقوق الولد والوالدين :
فقد أوجب السلم على الباء لولدهم :
ن -1النفقة :قال الله تعالى :فَإن أ َرضعن ل َك ُم َفآتوهُ ُ
جوَرهُ ّ
نأ ُّ ُ ْ ِ ْ ْ َ ْ َ
مرضع لنفقة الولد . ) الطلق ( 6 :فقد أوجب الله عز وج ّ ُ
ل أجره ال ُ ّ
حسن التربية والتأديب على العبادات والخلق :قال رسول الله " : أ ّ
دبوا 2ـ ُ
حب نبّيكم ،وآل بيته ،وقراءة القرآن " رواه
لُ :
دكم على ثلث خصا ٍ
أول َ
الديلمي ] انظر الجامع الصغير للسيوطي [ .
وقال عليه الصلة والسلم " :أل ك ُّلكم راع ومسؤول عن
عيته ،والرج ُ
ل رعيته ،فالميُر الذي على الناس راع ومسؤول عن ر ّ
راع على أهل بيته ،وهو مسئو ّ
ل عنهم ،والمرأة راعية على بيت بعلها
وولده هي مسؤولة عنهم ،والعبد راٍع على مال سيده وهو مسؤول
كلكم راٍع ،وكّلكم مسؤول عن رعّيته " .
عنه ،أل ف ُ
] أخرجه البخاري في الجمعة ،باب :الجمة في القرى والمدن ،
رقم . 853 :ومسلم في المارة ،باب :فضيلة المام العادل … ،رقم :
[ 1829وغيرهما .
كما أوجب السلم على الولد :
16
1ـ طاعة الوالدين في غير معصية الله تعالى ،والحسان إليهما :
قال الله تعالى :وقَضى رب َ َ
ن دوا ْ إ ِل ّ إ ِّياه ُ وَِبال ْ َ
وال ِد َي ْ ِ ك أل ّ ت َعْب ُ ُ َ ّ َ َ
سانا ً ] السراء . [ 23 :
ح َ
إِ ْ
معُْروفا ً ] لقمان [ 15 :
ما ِفي الد ّن َْيا َ
حب ْهُ َ وقال تعالى :وَ َ
صا ِ
.
2ـ النفقة للوالدين إن كانا فقيرين ،والولد موسرا ً ،قال رسول الله
سَبه " .وقال : سبه ،وول َد ُه ُ ْ
من ك َ ْ إن من أطيب ما أكل الرج ُ
ل من ك ْ
ماُلك لوالدك ،إن أولدكم من أطيب كسبكم ،فكلوا من كسب " أنت و َ
أولدكم " ] أبو داود :البيوت والجازات ،باب :في الرجل يأكل من مال
والده ،رقم . 3530 ، 3528 :الترمذي :أبواب الحكام ،باب :ما جاء أن
الوالد يأخذ من مال ولده رقم . [ 1358 :
وهناك أحكام أخرى كثيرة تتعلق بتنظيم حياة ا ُ
لسرة ،وترتيب أمورها
،ومن هذه الحكام والتشريعات يتبين مدى اهتمام السلم با ُ
لسرة ورعايته
لها .
17
النساء اللتي يحرم نكاحهن
تمهيد :
ث عليه ،حّرم على النسان نكاح بعض
لما شرع السلم الزواج ،وح ّ
النساء :
أما لفرض الحترام والتقدير :كتحريم نكاح ا ُ
لم .
وإما لن الطبع السليم ل يستسيغ ذلك :كنكاح البنت وا ُ
لخت .
م وجه في أو لن غرض الزواج ـ وهو الحصان ـ قد ل يتحقق على أت ّ
نكاح القريبات جدا ً :كنكاح بنات الخوة والخوات ،وبنات البناء والبنات ،
وذلك لكثرة الخلطة بينهم ،وظهور بعضهم على بعض .
وأما لغرض تنظيمي ترتيبي في بناء ا ُ
لسرة :كنكاح الخت وبنات
الخ من الرضاع .
فلهذه الغراض وغيرها من الحكم حرم السلم نكاح بعض النساء
على بعض الرجال ،كما حرم بعض الرجال على بعض النساء ،وإليك بيان
ذلك .
أقسام الحرمة في النكاح :
والحرمة في نكاح بعض النساء على قسمين :
حرمة مؤبدة .
ُ
حرمة مؤقتة .
و ُ
حرمة المؤبدة :
ال ُ
ن أبدا ً ،
ويقصد بها النساء اللتي ل يجوز للرجل أن يتزوج بواحدة منه ّ
مهما كانت الظروف والحوال .
حرمة المؤبدة :
أسباب ال ُ
والحرمة المؤبدة لها ثلثة أسباب ،وهي :
القرابة .
المصاهرة .
الرضاع .
18
محّرمات بالقرابة :
ال ُ
ن:محّرمات بسبب القرابة سبع ،وه ّ وال ُ
ن بُأصول النسان ،فل يجوز نكاح ُ ُ ُ ُ
1ـ الم ،وأم الم ،وأم الب ،ويعّبر عنه ّ
واحدة منُهن .
لنسان ،فل يجوز
ن بفروع ا ِ
2ـ البنت ،وبنت البن ،وبنت البنت ،ويعّبر عنه ّ
نكاح واحدة منهن .
ن بفروع البوين ،فل
3ـ الخت ،شقيقة كانت ،أو لب ،أو لم ،ويعّبر عنه ّ
ن أبدا ً .
يجوز نكاح واحدة منه ّ
ن.
4ـ بنت الخ الشقيق ،وبنت الخ لب ،أو لم ،فل يجوز نكاحه ّ
ن
ن حرام ل يجوز نكاحه ّ
5ـ بنت الخت ،شقيقة كانت ،أو لب ،أو لم ،فه ّ
أبدا ً .
ن ُ
مة الم ،ويعّبر عنه ّ
مة الب ،وع ّ
مة ،وهي أخت الب ،ومثلها ع ّ
6ـ الع ّ
ن بحال .
بفروع الجدين من جهة الب ،فل يجوز نكاحه ّ
ن بفروع
7ـ الخالة ،وهي أخت الم ،ومثلها خالة الم وخالة الب ويعّبر عنه ّ
ن أبدا ً .
دين من جهة الم ،فل يجوز نكاحه ّ
الج ّ
وفي حرمة هؤلء كلهن نزل قوله تعالى :حرمت ع َل َيك ُ ُ
مَهات ُك ُ ْ
م مأ ّْ ْ ُ ّ َ ْ ّ ُ
ت …….. خ ِ ت ال ُ ْخ وَب ََنا ُ
َ
ت ال ِ خال َت ُك ُ ْ
م وَب ََنا ُ م وَ َمات ُك ُ ْ وات ُك ُ ْ
م وَع َ ّ م وَأ َ َ
خ َ وَب ََنات ُك ُ ْ
] النساء [ 23 :
ن كان العقد باطل ً ،فإن استح ّ
ل ذلك كان فإذا عقد على واحدة منه ّ
كافرا ً .
هذا ،ويحرم على المرأة أبوها ،وأبو أبيها ،وأبو ُأمها ،وجميع ُأصولها .
ويحرم عليها ابنها وابن ابنها وابن بنتها ،وجميع فروعها .ويحُرم عليها أخوها
شقيقا ً كان أو لب أو لم ،وكذلك يحُرم عليها أبناء إخوتها ،وأبناء أخواتها ،
كما يحرم عليها أعمامها ،وأخوالها ،وأعمال أبيها ،وأعمام أمها ،وأخوال
أبيها وأخوال أمها .
19
المحرمات بالمصاهرة:
ن:
محرمات بالمصاهرة أربع ،وه ّ
وال ُ
1ـ زوجة الب ،ومثلها زوجة الجد أب الب ،وزوجة الجد أب الم ،ويعّبر
عن ذلك بزوجات الصول ،فل يجوز نكاح واحدة منهن أبدا ً .
سل َ َ
ف ساء إ ِل ّ َ
ما قَد ْ َ ن الن ّ َ
م َ ح آَباؤ ُ ُ
كم ّ حوا ْ َ
ما ن َك َ َ قال تعالى :وَل َ َتنك ِ ُ
سِبيل ً ] النساء [ 22 : ساء َ قتا ً وَ َ م ْ
ة وَ َ
ش ً ن َفا ِ
ح َ ه َ
كا َ إ ِن ّ ُ
2ـ زوجة البن ،وزوجة ابن البن ،وابن البنت ،وهكذا زوجات الفروع ،فل
ن بحال . يجوز نكاحه ّ
ل أ َبنائ ِك ُم ال ّذين م َ
صل َب ِك ُ ْ
م ] النساء [ 23 : نأ ِْ َ ِ ْ ُ حل َئ ِ ُ ْ َ
قال تعالى :وَ َ
.
وخرج بقوله تعالى :ال ّذين م َ
صل َب ِك ُ ْ
م زوجة البن المتبّنى ، نأ ِْ َ ِ ْ
فإنهم كانوا في الجاهلية يتبّنون ،ويحرمون زوجة المتبنى ،فأبطل
ل الزواج من زوجة المتبّنى . السلم التبني ،وأح ّ
َ م قَوْل ُ ُ عياءك ُ َ قال تعالى :وما جع َ َ
واه ِك ُ ْ
م كم ب ِأفْ َ م ذ َل ِك ُ ْ
م أب َْناءك ُ ْْ ل أد ْ ِ َ َ َ َ َ
ل ] الحزاب . [ 4 : سِبي َ
دي ال ّ ل ال ْ َ
حقّ وَهُوَ ي َهْ ِ قو ُ َوالل ّ ُ
ه يَ ُ
م
عَيائ ِهِ ْج أ َد ْ ِ َ
ج ِفي أْزَوا ِ
حَر ٌ
ن َ مؤ ْ ِ
مِني َ ن ع ََلى ال ْ ُ
كو َي َل ي َ ُ
وقال تعالى :ل ِك َ ْ
كا َ
فُعول ً ] الحزاب [ 37 : م ْمُر الل ّهِ َنأ ْطرا ً وَ َ َن وَ َمن ْهُ ّ
وا ِ ذا قَ َ
ض ْ إِ َ
طرا ً :أي انتهت حاجتهم منه ّ
ن ولم يبق لهم رغبة ن وَ َ
من ْهُ ّ
وا ِ ]قَ َ
ض ْ
ن[.
فيه ّ
ُ
سآئ ِك ُ ْ
م ت نِ َ 3ـ أم الزوجة ،فل يجوز نكاحها ،قال الله تعالى :وَأ ّ
مَها ُ
] النساء [ 23 :ومثل أمها جميع أصولها من النساء .
وهؤلء الثلثة يحرمن بمجرد العقد ،سواء تبع ذلك دخول ،أو لم يتبعه
،وإذا عقد على واحدة منهن كان العقد باطل ً .
4ـ بنت الزوجة ،وهي الربيبة ،فهي حرام على زوج ُأمها ،ولكن ليس
حرمة إل بالدخول على ُأمها .
بمجرد العقد ،بل ل تنشأ ال ُ
20
سآئ ِك ُ ُ
م الل ِّتي من ن ّ َكم ّ جورِ ُ ح ُم الل ِّتي ِفي ُ قال تعالى :وََرَبائ ِب ُك ُ ُ
م ] النساء : ح ع َل َي ْك ُ ْ
جَنا َ خل ُْتم ب ِهِ ّ
ن فَل َ ُ كوُنوا ْ د َ َ ن فَِإن ل ّ ْ
م تَ ُ خل ُْتم ب ِهِ ّ
دَ َ
. [ 23
هذا ول يشترط لحرمة الربيبة أن تكون في حجر زوج ُأمها ،بل هي
حرام عليه ،سواء كانت في حجره أو كانت تعيش بعيدة عنه .
وإنما ذكر القيد في الية لبيان الحالة الغالبة ،فإن الغالب على
الربيبة أن تكون في رعاية زوج أمها وحجره وكنفه .وكذلك يحرم
على المرأة زوج أمها ،وزوج بنتها ،وابن زوجها ،وأبو زوجها .
المحرمات بالرضاع :
ويحرم بسبب الرضاع أيضا َ سبع من النسوة ،ذكر القرآن
هن
الكريم منّهن اثنين وألحقت السنة بقية السبع بهما ،وهؤلء السبع ّ
:
لم بالرضاع ،وهي المرأة التي أرضعتك ،ويلحق بها ُأمها ،وُأم ُأمها 1ـ ا ُ
ن. ُ ُ
وأم أبيها ،فل يجوز نكاح واحدة منه ّ
2ـ الخت بالرضاع ،وهي التي رضعت من ُأمك ،أو رضعت من ُأمها ،أو
رضعت أنت وهي من امرأة واحدة .
فإذا رضعت من ُأمك صارت حراما ً عليك ،وعلى جميع إخوتك .ويح ّ
ل
ن لم يرضعن من ُأمك . لك أخواتها ،لنه ّ
وإذا رضعت أنت من ُأمها صرت حراما ً عليها ،وعلى جميع أخواتها ،
وحّلت هي وأخواتها لخوتك ،لنها لم ترضع من أمك ،ول رضع
أخواتك من أمها .
ُ
مَهات ُك ُ ُ
م وفي تحرم الم والخت من الرضاع نزل قوله تعالى :أ ّ
ضاع َةِ ] النساء [ 23 :
ن الّر َ
م َ وات ُ ُ
كم ّ م وَأ َ َ
خ َ ضعْن َك ُ ْ
َ
الل ِّتي أْر َ
3ـ بنت الخ من الرضاع .
4ـ بنت الخت من الرضاع .
مة من الرضاع :وهي التي رضعت مع أبيك .
5ـ الع ّ
21
6ـ الخالة من الرضاع :وهي التي رضعت مع أمك .
7ـ البنت من الرضاع :وهي التي رضعت من زوجتك ،فتكون أنت أباها من
الرضاع .
وفي هؤلء يقول الرسول " : إن الّرضاعة ُتحّر ُ
م ما َيحُرم من
الولدة " رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها .
وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ،قال :قال
حُرم من الرضاع
ل لي ،ي ْ النبي في بنت حمزة رضي الله عنها " :ل ت َ ِ
ح ّ
ما يحُرم من النسب ،هي بنت أخي من الرضاعة " .
) البخاري :الشهادات ،باب :الشهادة على النساب والرضاع ،.رقم
2503 ، 2502:مسلم :الرضاع ،باب :يحرم من الرضاعة ما يحرم من
الولدة ،وباب :تحريم ابنة الخ من الرضاعة ،رقم . ( 1447 ،1444 :
وكذلك يحرم على المرأة أبوها بالرضاع ،وابنها من الرضاع ،وأخوها
مها وخالها من الرضاع .
وابن أخيها من الرضاع ،وع ّ
وكذلك يحرم بالمصاهرة من الرضاع :
1ـ أم الزوجة من الرضاع ،وهي التي أرضعت زوجتك .
2ـ بنبت الزوجة من الرضاع ،وهي التي رضعت من زوجتك ،لكن من لبن
زوج غيرك .
3ـ زوجة الب من الرضاع ،وهي زوجة الب التي رضعت من زوجته الثانية
.
4ـ زوجة البن من الرضاع ،وهي زوجة من رضع من زوجتك .
الحرمة المؤقتة :
حّرمن على النسان
والنساء المحرمات حرمة مؤقتة :هن اللتي ُ
لسبب من السباب ،
حرمة ،وعاد الحل ،فإذا عقد على واحدة
فإذا زال هذا السبب زالت ال ُ
ن قبل زوال سبب منه ّ
الحرمة كان العقد باطل ً .
22
ن:
وهؤلء النساء ه ّ
1ـ الجمع بين الختين :
سواء كانتا من النسب ،أو من الرضاع .وسواء عقد عليهما معا ً أو
في وقتين .
فإذا عقد عليهما معا ً بطل العقد فيهما ،وإذا عقد عليهما واحده بعد
الخرى بطل عقد الثانية .
فإذا ماتت الولى ،أو ط ُّلقت ،وانقضت ع ّ
دتها ح ّ
ل له أن يعقد على
ل: أختها .قال الله عّز وج ّ
حيما ً
فورا ً ّر ِ ن ال ُ ْ َ
ن غَ ُ
كا َ ن الل ّ َ
ه َ سل َ َ
ف إِ ّ ن إ َل ّ َ
ما قَد ْ َ خت َي ْ ِ مُعوا ْ ب َي ْ َ وَأن ت َ ْ
ج َ
] النساء [ 23 :
متها ،وبين المرأة وخالتها ،وبين المرأة وبنت أختها
2ـ الجمع بين المرأة وع ّ
،أو بنت أخيها ،أو بنت ابنها ،أو بنت بنتها :
ن ،فقالوا
وقد وضع الفقهاء قاعدة بضبط من يحرم الجمع بينه ّ
) يحرم الجمع بين كل امرأتين لو فرضت إحداهما ذكرا ً لما جاز له أن
يتزوج الخرى ( .وهي تشمل جميع من ذكرنا .
ودليل ذلك :ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ، أن
رسول الله قال " :ل ُيجمعُ بين المرأة وع َ ّ
متها ،ول بين المرأة وخالتها "
.
متها ،رقم . 4820 :
) البخاري :النكاح ،باب :ل تنكح المرأة على ع ّ
متها … ،رقم . 1408 :
مسلم :النكاح ،باب :تحريم الجمع بين المرأة وع ّ
الحكمة من هذا التحريم :
ن ما في هذا الجمع من إيقاع
من ذكر َ
والحكمة من تحريم الجمع بين َ
الضغائن بين الرحام ،بسبب ما يحدث بين الضرائر من الغيرة .
روى ابن حبان ) :أن النبي نهى أن ُتزّوج المرأة على الع ّ
مة
ن أرحامكم ( .
ن ذلك قطعت ّ
ن إذا فعلت ّ
والخالة ،وقال :إّنك ّ
23
وأخرج أبو داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة قال ) :نهى
رسول الله أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة ( ] .نيل
ن أو ط ٌّلقت ،وانقضت ع ّ
دتها الوطار . [ 6/157 :فإذا ماتت واحدة منه ّ
حّلت الخرى .
3ـ الزائدة على أربع نسوة :
فل يجوز أن يضم زوجة خامسة إلى نسائه الربع الموجودات عنده
دتها ،أو تموت ،فإذا ماتت ،أو ط ُّلقت ن ،وتنقضي ع ّ
حتى يطلق واحدة منه ّ
ن
م َ ب لَ ُ
كم ّ ما َ
طا َ حوا ْ َ
ل َ :فانك ِ ُ
،حلت له الخامسة .قال الله عز وج ّ
مث َْنى وَث ُل َ َ
ث وَُرَباع َ ] النساء . [ 3 : ساء َ
الن ّ َ
وروى أبو داود وغيره عن قيس بن الحارث قال :أسلمت وعندي
ن أربعا ً " . ثمان نسوة فذكرت ذلك للنبي ، فقال النبي " : ا ْ
خَتر منه ّ
من أسلم وعنده نساء أكثر من
سنن أبي داود :الطلق ،باب :في َ) ُ
أربع أو ُأختان ( .
4ـ المشركة الوثنية :
وهي التي ليس لها كتاب سماوي ،فإذا أسلمت حّلت ،وجاز الزواج
بها ،قال الله تعالى :
َ
شرِك َةٍ وَل َ ْ
و م ْ
من ّ
خي ٌْر ّ
ة َ مؤ ْ ِ
من َ ٌ ة ّ
م ٌ
ن وَل َ حّتى ي ُؤ ْ ِ
م ّ ت َ شرِ َ
كا ِ حوا ْ ال ْ ُ
م ْ وَل َ َتنك ِ ُ
َ
م ] البقرة " [ 221 جب َت ْك ُ ْ
أع ْ َ
تنبيهان :
الول :ل يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج برجل غير مسلم ،مهما
كانت ديانته ،لن للزوج ولية على الزوجة ،ول ولية لكافر على مسلم ،
ولنها ل تأمن عنده على دينها ،لنه ل يؤمن به ؟ قال الله عز وجل :
سِبيل ً ] النساء [ 141 :وقال ن َ مِني َمؤ ْ ِن ع ََلى ال ْ ُ ري َ ه ل ِل ْ َ
كافِ ِ ل الل ّ ُ وََلن ي َ ْ
جعَ َ
من
خي ٌْر ّ
ن َ
م ٌ مُنوا ْ وَل َعَب ْد ٌ ّ
مؤ ْ ِ حّتى ي ُؤ ْ ِ
ن َكي َ
شرِ ِ م ِ حوا ْ ال ْ ُ
سبحانه وتعالى :وَل َ ُتنك ِ ُ
ة
فَر ِ جن ّةِ َوال ْ َ
مغْ ِ ه ي َد ْع ُوَ إ َِلى ال ْ َ
ن إ َِلى الّنارِ َوالل ّ ُ
عو َ ك ي َد ْ ُم أ ُوَْلـئ ِ َ َ
ك وَل َوْ أع ْ َ
جب َك ُ ْ شرِ ٍ م ْ ّ
ن ] البقرة. [ 221 : س ل َعَل ّهُ ْ
م ي َت َذ َك ُّرو َ ن آَيات ِهِ ِللّنا ِ ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَي ُب َي ّ ُ
24
فإذا أسلم حلت له ،وإذا عقد عليها قبل إسلمه كان العقد باطل ً ،
ووجب التفريق بينهما فورا ً فإذا حصل وطء كان ذلك زنا ً .
الثاني :يجوز للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية ،لنه ربما يكون
ذلك سببا ً لسلمها ،وإسلم أهلها ،وإ ّ
طلعهم على السلم ،وترغيبهم
فيه .
ول يجوز لزوجها المسلم أن ٌُيكرهها على تغيير دينها ،أو يضايقها في
أداء عبادتها .قال الله تعالى :وط َعام ال ّذي ُ
ل ل ّك ُ ْ
م ح ّب ِ ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ ِ َ َ َ ُ
ن ُأوُتوا ْ ذي َ ن ال ّ ِم َ
ت ِصَنا ُ ح َ م ْت َوال ْ ُمَنا ِ ن ال ْ ُ
مؤ ْ ِ م َ
ت ِ
صَنا ُ
ح َ م َوال ْ ُ
م ْ ل ل ّهُ ْ
ح ّ
م ِ وَط ََعا ُ
مك ُ ْ
ذا آتيتموهُ ُ
ذي
خ ِ ن وَل َ ُ
مت ّ ِ حي َ
سافِ ِ ن غ َي َْر ُ
م َ صِني َ
ح ِ
م ْ
ن ُ
جوَرهُ ّ
نأ ُّ من قَب ْل ِك ُ ْ
م إِ َ َ ْ ُ ُ ال ْك َِتا َ
ب ِ
ن ] المائدة . [ 5 : دا ٍ
خ َ أَ ْ
ن .محصنين :
مهوره ّ
نُ :
] المحصنات :العفيفات ،أو الحرائر .أجوره ّ
مسافحين :غير مجاهرين بالزنى . ن عن الزنى .غير ُ
متعففين بالزواج به ّ
مصاحبي خليلت للزنى سرا ً [ . متخذي آخذان ُ :
25
دتها
أي ل تقصدوا إلى عقد النكاح لتعقدوه حتى تبلغ المرأة تمام ع ّ
المكتوبة لها في كتاب الله عّز وجل .
7ـ المرأة المطلقة ثلثا ً :
فل يجوز لزوجها أن يعود إليها حتى تنكح زوجا ً غيره ،نكاحا ً شرعيا ً
26
طوا ْ
س ُ م أ َل ّ ت ُ ْ
ق ِ فت ُ ْ
خ ْ مباح في أصله ،قال تعالى :وَإ ِ ْ
ن ِ دد الزوجات ُ تع ّ
ث وَُرَباع َ ] النساء مث َْنى وَث ُل َ َ
ساء َ
ن الن ّ َ
م َ ب لَ ُ
كم ّ ما َ
طا َ حوا ْ َ ِفي ال ْي ََتا َ
مى َفانك ِ ُ
. [ 3:
ومعنى الية :إن خفتم إذا نكحتم اليتيمات أن ل تعدلوا في
ن ،فقد ُأبيح لكم أن تنكحوا غيرهن ،مثنى وثلث وُرباع . معاملته ّ
دد ما يجعله مندوبا ً ،أو مكروها ً ،أو محرما ً ،
ولكن قد يطرأ على التع ّ
وذلك تبعا ً لعتبارات وأحوال تتعلق بالشخص الذي يريد تعدد الزوجات :
فه زوجة واحدة ،أو
أ ـ فإذا كان الرجل بحاجة لزوجة أخرى :كأن كان ل تع ّ
كانت زوجته الولى مريضة ،أو عقيما ً ،وهو يرغب بالولد ،وغلب
على ظنه أن يقدر على العدل بينهما ،كان هذا التعدد مندوبا ً ،لن فيه
مصلحة مشروعة ،وقد تزوج كثير من الصحابة رضي الله عنهم بأكثر
من زوجة واحدة .
دد لغير حاجة ،وإنما لزيادة التنّعم والترفيه ،وشك في
ب ـ إذا كان التع ّ
قدرته على إقامة العدل بين زوجاته ،فإن هذا التعدد يكون مكروها ً ،
لنه لغير حاجة ،ولنه ربما لحق بسببه ضرر في الزوجات من عدم
ن.
قدرته على العدل بينه ّ
والنبي يقول ْ " :
دع ما يريُبك إلى ما ل َيريُبك " ،أي دع ما تشك
فيه إلى ما ل تشك فيه .
رواه الترمذي ) أبواب صفة القيامة ،باب :أعقلها وتوكل ،رقم :
( 2520عن حسن بن علي رضي الله عنهما .
ج ـ وإذا غلب على ظنه ،أو تأكد أنه ل يستطيع إن تزوج أكثر من واحدة أن
ن :إما لفقره ،أو لضعفه ،أو لعدم الوثوق من نفسه في يعدل بينه ّ
الميل والحيف ،فإن التعدد عندئذ يكون حراما ً ،لن فيه إضرارا ً بغيره
،والنبي يقول " :ل ضرر ول ضَراَر " .
) ابن ماجه :كتاب الحكام ،باب :من بني في حقه ما يضّر جاره .
موطأ مالك :القضية ،باب :القضاء في المرفق ( .
27
َ فت َ
مل َك َ ْ
ت ما َ
حد َة ً أوْ َ م أل ّ ت َعْد ُِلوا ْ فَ َ
وا ِ خ ْ ُ ْ وقال الله عز وجل :فَإ ِ ْ
ن ِ
ك أ َد َْنى أ َل ّ ت َُعوُلوا ْ ] النساء . [ 3 : مان ُك ُ ْ
م ذ َل ِ َ َ
أي ْ َ
] فواحدة :أي فانكحوا واحدة فقط .ذلك أدنى أن ل تعولوا :أي
أقرب إلى عدم الميل والجور ،لن أصل العول :الميل [ .
دد الزوج في الحالتين الخيرتين ،وعقد علىويجب أن يعلم أنه لو ع ّ
ثانية ،أو ثالثة ،كان العقد صحيحا ً ،وترتبت على آثاره :من ح ّ
ل
المعاشرة ،ووجوب المهر ،والنفقة وغيرها ،وإن كان مكروها ً في
الثانية ،وحراما ً في الثالثة ،فال ُ
حرمة توجب الثم ،ول تبطل العقد .
ما هو العدل المطلوب حصوله بين الزوجات ؟
والعدل الذي أوجبه السلم على الرجل الذي يجمع بين أكثر من زوجة
حسن
،إنما هو العدل والمساواة في النفاق ،والسكان ،والمبيت ،و ُ
المعاشرة ،والقيام بواجبات الزوجة .
أما المحبة القلبية التي ل توّلد ظلما ً عمليا ً لحداه ّ
ن فليست من
ومات العدالة المفروض تحصيلها بين الزوجات ،لنه ل سلطان للنسان مق ّ
على قلبه في موضوع المحبة ،ولع ّ
ل هذا هو الذي عناه القرآن الكريم
َ
م.
صت ُ ْ ساء وَل َوْ َ
حَر ْ طيُعوا ْ أن ت َعْد ُِلوا ْ ب َي ْ َ
ن الن ّ َ بقوله تعالى :وََلن ت َ ْ
ست َ ِ
] النساء . [ 129 :أي ل تستطيعون أن تمسكوا بزمام قلوبكم في تحقيق
المساواة في المحبة ،فل يحملنكم الميل القلبي إلى إحداهما أكثر من
الخرى على الظلم والضرار .
حسن
أما العدل فيما ذكرنا من النفقة والسكان ،والمبيت و ُ
المعاشرة ،فهذا أمر ممكن لكثير من الناس .
وكان النبي يقول ـ بعد عدله في القسمة والمعاملة بين نسائه ـ :
" اللهم هذا قسمي فيما أملك فل تلمني فيما تملك ول أملك " .
رواه أبو داود ) في النكـاح ،بـاب :في القسـم بين النسـاء ،رقـم :
( 2134والترمـذي ) في النكـاح ،باب :التسوية بين الضرائر ،رقم :
( 1140وغيرهما عن عائشة رضي الله عنهما .
28
وذلك فيما يتعلق بأمر الحب وميل القلب ،فقد كان يحب عائشة أكثر
من بقية نسائه .
29
دد .
2ـ الحكمة من مشروعية التع ّ
إن السلم أباح تعدد الزوجات من حيث الصل ،ولم يجعله
فرضا ً لزما ً ،ولقد أباح السلم هذا التع ّ
دد ،لنه يرمي إلى أهداف
بعيدة الغور في الصلح الجتماعي ،ل يدركها إل نافذ البصيرة .وإليك
بعض هذه الحكم :
فهم زوجة واحدة ،وهذا أمر فطري ،فيمكن
أ ـ ليحمي من ل يمكن أن تع ّ
أن يجرهم ذلك إلى ما ليس بمشروع .
فخير لهم وللمجتمع أن يتزوجوا امرأة أخرى في ظل سياج من
الرعاية ،وتشريع من الحقوق الملزمة ،والكرامة اللئقة ،من أن
يقعوا في الزنى .
ب ـ وشرعه أيضا ً ليحمي المرأة من أن يلهث وراءها أصحاب الشهوات ،ل
بعقد يضمن ويحمي أبناءها ،وإنما عن طريق المسافحة والمخادنة ،
عرضة للطرد والحرمان من كل حق ،ويجعل
مما يجعل تلك المرأة ُ
أولدها محرومين من حقوق النسب ،وعطف البوة .
فلن تكون زوجة ثانية محفوظة الحقوق والكرامة خير لها ألف
مرة من أن تظل أّيما ،أو تعيش خدينة أو عشيقة ،مما يعرضها في
النتيجة للبؤس والشقاء ،وحماية المجتمع من النحلل والفساد
،والفوضى الخلقية .
مبررات تعدد الزواج :
دد الزواج أمرا ً بادي الحكمة ،واضح
وهناك مبررات تجعل تشريع تع ّ
الفائدة ،وسنضرب لذلك بعض المثلة :
1ـ رجل عنده نهم في النساء ،وعنده امرأة عزوف عن الرجال ،إما فطرة
،أو لمرض .
فهل الفضل أن يزني هذا الرجل ،فيضيع الدين والمال والصحة ؟ أو
يبقى منطويا ً على حاجته ،معذبا ً نفسه ،أو أن يتزوج امرأة أخرى ،
بشرط القدرة على العالة والعدالة ،وعدم الظلم في المعاملة ؟
30
ول شك أن الحل الثالث هو الفضل لهذا الرجل ،وأنفع للمجتمع
وأطهر .
2ـ اندلعت نار الحروب ـ والحروب أصبحت اليوم سّنة الحياة ـ فأبادت
وهتهم ،وأصبح عدد النساء وافرا ً يزيد على
الكثير من الرجال ،أو ش ّ
عدد الرجال كثيرا ً .فهل من الخير للنساء أن يقتصر كل رجل على
زوجة واحدة ،وتبقى كثرة كاثرة من النساء محرومة من عطف
معيل ،ومحرومة من إنجاب الولد الذي ل تجد غيره معينا ًالرجل ال ُ
ومعيل ً عند كبرها ،مما قد يضطرها ـ إرواء لحاجتها ـ إلى ارتكاب الثم
والفواحش ؟ .
م إليه أكثر من زوجة في ظل رعاية
أم الفضل أن نبيح للرجل أن يض ّ
شرعية كاملة ؟ .
إننا ل نظلم المنطق والحق في شيء إذا قلنا :إن التعدد في مثل
هذه الظروف يعتبر عمل ً إنسانيا ً تفرضه المروءة والغيرة .
ول نخالف الواقع إذا قلنا :إن زواج الرسول بأكثر من واحدة من
نسائه كان معظمه من هذا النوع النساني الشريف .
ن وحيدة ،و تركت أهلها ،أو مات عنها زوجها شهيدا ً ،
لقد هاجر بعضه ّ
ف رسول الله إلى نجدتها ،وض ّ
مها إلى معيل ،فخ ّ
وتركها أرملة من غير ُ
معيل ،و كان لها شرف أمومة المؤمنين ،وفضيلة
بيته ،فكان لها خير ُ
القتران بسيد المرسلين عليه أفضل الصلة والتسليم .ولما حرمت أوربه
دد ،فماذا جنت غير الخيانات الزوجية ،أو العذاب النفسي ،
المسيحية التع ّ
أو الحرمـان لكثير من الزواج ؟
3ـ إنسان متزوج من امرأة تحبه ويحبها ،لكنها عقيم ل تنجب ،وهو يتوق
ن إليه .
إلى الولد ،و يح ّ
فهل من الفضل أن نحرم هذا النسان الزواج من ثانية ،وندعه
مظلوم الفؤاد محروم الولد ؟
31
أم نأمره بأن يطلق زوجته التي يحبها ،أم نبيح له الزواج بامرأة أخرى ،
مع حماية الولى من الظلم ؟
إن هذا الحل هو الفضل من كل ما سبق ،فقد راعى مصالح الرجل
والمرأة على السواء .
مت تعدد الزوجات وقعت بما هو أشد ّ خطرا ً ،وأكثر 4ـ إن الشعوب التي حر ّ
دد المزعوم .لقد كثر فيهم الفساد ،وانتشرت ضررا ً من ضرر التع ّ
عقلءهم
فيهم الخيانات الزوجية ،والمخادنات السرّية ،مما يجعل ُ
دد ،و يقضي على تلك المفاسد
مطالبين بتشريع يحل التع ّ
يصرخون ُ
المدمرة لحياتهم الجتماعية .
32
تنبيه :
ض من حكمة
دد ل يغ ّ
جَهلة لحق التع ّ
إن إساءة استعمال بعض ال َ
مله تبعة رعونة وسفاهة أولئك الجاهلين ،وسوء تصرفهم . السلم ،ول يح ّ
دد ليكون سلحا ً للجرح ،أو الذبح ،أو سوء
فالسلم ،ما أباح التع ّ
المعاملة ،وإنما شرعة تلبية للحاجة ،ووقاية للمجتمع ،ورعاية للفراد ،
وقضاء على الرزيلة .
دد ،
لكن تلك المبررات ،وبتلك الشروط الشرعية أباح السلم التع ّ
ولم يوجبه ،وأحاطه بسياج من الضمانات الخلقية الحقوقية .
عت جميع الدوية التي تفي بحاجة
فالسلم أشبه ) بصيدلية ( وَ َ
الناس جميعهم ،يأخذ كل فرد الدواء الذي يتفق وحاجته ومرضه ،ليس
معقول ً أن نقّلل من أهمية هذه ) الصيدلية ( أو نقّلص من موادها بحيث ل
تفي بالحاجة العامة لجميع الفراد ،أو ُنبيح جميع ما فيها لكل فرد ،ولو
بغير حاجة .
هذا وإذا كان أعداد السلم ل يعجبهم هذا التشريع ،لنه ل يتفق
وأمزجتهم المنحرفة ،وأذواقهم الفاسدة ،وشهواتهم الرخيصة ،فليموتوا
بغيظهم ،والله من ورائهم محيط .
33
مقدمات الزواج
تمهيد :
إن سعادة السرة ،ونجابة الولد ،واستمرار الحياة الزوجية تتوقف
على حسن اختيار كل من الزوجين للخر ،اختيارا ً واعيا ً ،غير متأثر بعاطفة
هوجاء ،أو مصلحة مؤقتة ،وإنما يكون قائما على أساس يبقى ،ويقوى مع
مرور الزمن ؛ ولما كان عقد الزواج عقدا ً خطير الثر ،طويل المد ،كثير
التكاليف ،كان لبد ّ قبل إجراء هذا العقد من خطوات تتخذ من قَِبل كل من
الخاطب والمخطوبة ،حتى إذا أقدما على عقد الزواج كانا قد أقدما عليه ،
وقد اطمأن كل منهما إلى الصفات والمؤهلت التي تحقق أغراضه ،
وتطمئن نفسه إلى مستقبل ارتباطه مع زوجه .
وهذه الخطوات هي :
أول ً :البحث عن الصفات التي تطلب في كل من الزوجين .
ثانيا :رؤية المخطوبة والنظر إليها .
ثالثا ً :الخطبة .
أول ً :البحث عن الصفات التي ينبغي أن تطلب في كل من الزوجين :
لقد أرشد السلم إلى عدة من الصفات تكون في المخطوبة ،كما
تكون في الخاطب ،و حث على تلمسها ،والبحث عنه ،وهذه
الصفات هي :
1ـ الدين الصحيح والخلق القويم :
ُيطلب في الزوج ُيختار أن يكون دينا ً ،ذا خلق حسن ،كما يطلب في
الزوجة أن تكون دينة ،وذات خلق حسن ،و إلى ذلك أرشد النبي العظم
عليه الصلة والسلم حين قال " :إذا خطب إليكم من تْرضون دينه وخلقه
فزوجوه ،إل تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد عريض "
34
من ترضون دينه
) رواه الترمذي في النكاح ،باب :ما جاء إذا جاءكم َ
فزّوجوه ،رقم ( 1084 :
وقال " : تنكح المرأة لربع :لمالها ،ولحسبها ،ولجمالها ،ولدينها ،
ت يداك " .
فاظفر بذات الدين ت َرِب َ ْ
رواه البخاري ) النكاح ،باب :الكفاء في الدين ،رقم ( 4802 :
ومسلم ) الرضاع ،باب :استحباب نكاح ذات الدين رقم ( 1466 :
] تربت يداك :افتقرت ،وهذه كلمة جارية على ألسنة العرب ل
ث والتحريض ،
يريدون بها الدعاء على المخاطب ،و لكن يريدون بها الح ّ
فة عن
والمراد بالدين والخلق :فعل الطاعات ،والعمال الصالحات ،والع ّ
المحرمات ،والقيام بحقوق الزوجية [ .
2ـ الحكمة من تفصيل ذات الدين والخلق :
إن الحكمة من ذلك هي أن الدين يقوى على مرور الزمن ،والخلق
يستقيم مع توالي اليام وتجارب الحياة .
فإذا اختار ك ّ
ل من الزوجين الخر لدينه وخلقه ،كان ذلك أضمن
دة .
لستمرار الحب ،ودوام المو ّ
سب والجمال ،
ح َ
ول ُيفهم مما ذكرنا أن على النسان أن يعزف عن ال َ
ن هذه الصفات إذا انفردت في المخطوبة ،كان الدين وإنما يجب أن يفهم أ ّ
أفضلها ،وإذا اجتمعت كانت نورا ً على نور .
3ـ النسب في كل من الزوجين :
ومعنى النسب :طيب الصل ،وكرم المنبت ،ودليل ذلك ما جاء في
حديث الصحيحين السابق تنكح المرأة لربع ،وذكر منها ) :ولحسبها ( .
ن في الزوج أن يكون ذا حسب ،وأصل طيب ،لن ذلك
كذلك يس ّ
أعون على استدامة الحياة الزوجية ،وأقرب إلى طيب العشرة ،لن
ب أكرم ، صاحب الصل الطيب ل يصدر عنه إل العِ ْ
شرة الكريمة ،إذا أح ّ
وإذا أبغض ل يظلم .
4ـ أن ل يكون بين الزوجين قرابة قريبة :
35
ص الشافعي رحمة الله تعالى على أنه ل يتزوج الرجل من
وقد ن ّ
عشيرتيه :أي القربين .
وقد علل الزنجاني ذلك بقوله :إن من مقاصد النكاح اتصال القبائل ،
لجل التعاضد والمعاونة ،وهذا حاصل في القرابة القريبة من غير زواج .
وقد روى ) :ل تنكحوا القرابة القريبة ،فإن الولد ُيخلق ضاويا ً ( أي
نحيفا ً ،وذلك لضعف الشهوة بين القرابة .ذكر هذا الشربيني في شرحه
لمنهاج النووي .
لكن ذكر ابن الصلح أنه لم يجد لهذا الحديث أصل ً معتمدا ّ ،وقد ذكره
ابن الثير في كتابه ] النهاية في غريب الحديث والثر [ .
ول يطعن في هذا الحكم أن النبي قد زّوج فاطمة من على رضي
الله عنهما ،لنه فعل ذلك لبيان الجواز ،أو لنه ليس بينهما قرابة قريبة
جدا ً ،ففاطمة هي بنت ابن عم علي ،فهي بعيده عنه بالجملة .
5ـ الكفاءة :
ويقصد بالكفاءة :مساواة حال الرجل لحال المرأة اليوم في عدة
وجوه :
أ ـ الدين والصلح ،فليس الفاسق كفؤا ً لعفيفة صالحة ،قال تعالى { :
َ
ن } ] السجدة . [ 18 : وو َ سقا ً ّل ي َ ْ
ست َ ُ ن َفا ِ
كا َ منا ً ك َ َ
من َ مؤ ْ ِ
ن ُ من َ
كا َ أفَ َ
جام وراع وقّيم حمام ،ليس
ب ـ الحرفة ،فصاحب حرفه دنيئة ،ككّناس وح ّ
كفؤا لبت عالم وقاض وتاجر .
من به جنون أو
ج ـ السلمة من العيوب المثبتة للخيار في فسخ النكاح ،ف َ
برص ليس كفؤا ً للسليمة منها .
والكفاءة في الزواج من حق الزوجة وأوليائها ،وهي وإن لم تكن
شرطا ً في صحة النكاح ،لكن مطلوبة ومقررة دفعا ً للعار عن الزوجة
وأوليائهما ،وضمانا ً لستقامة الحياة بين الزوجين ،وذلك لن أسلوب
حياتهما ،ونوع معيشتهما يكونان متقاربين ،ومألوفين لهما ،فل يضطر
أحدهما لتغيير مألوفة .
36
فللزوجة وأوليائها إسقاط حق الكفاءة ،فلو زّوجها وليها غير كفء
ح الزواج ،لن الكفاءة حقها وحق الولياء ،فإن رضوا
برضاها ص ّ
بإسقاطها ،فل اعتراض عليهم .ويشير إلى مراعاة الكفاءة ،قول النبي
" : rتخيروا لنطفكم وانكحوا الكفاَء وانكحوا إليهم " .
رواه الحاكم ) النكاح ،باب :تخيروا لنطفكم ،..رقم ( 2/163 :
وصححه .
-6البكارة :
والبكر :هي التي لم يسبق لها أن تزوجت ،وقد بّين النبي rسبب
ب أفواها ً ،
ن أع ْذ َُ ُ
اختيار الزوجة البكر ،حين قال " :عليكم بالبكاَر ،فإنه ّ
وأنتقُ أرحاما ً ،وأرضى باليسير " .
رواه ابن ماجه في ) النكاح ،باب :تزوج البكار ،رقم . ( 1860 :
حسن كلمها وقّله بذائها ] أعذب أفواها ً :ألين كلما ً ،فهو كناية عن ُ
وفحشها مع زوجها ،لبقاء حيائها ،لنها لم ُتخالط زوجا ً قبله .أنتق أرحاما ً :
أكثر أولدا ً [ .
وروى البخاري ومسلم واللفظ له :
عن جابر tقال :تزوجت امرأة في عهد رسول الله rفقلت النبي r
فقال " :يا جابر ،تزوجت ؟ قلت :نعم .قال :بكر أم ّثيب ؟ قلت ّ :ثيب .
ت :يا رسول الله :إن لي أخوات ،فخشيت أن قال :فهل ّ بكرا ً تلعبها ؟ قل ْ
ن .قال فذاك إذا ً ،إن المرأة تنكح على دينها ومالها
تدخل بيني وبينه ّ
وجمالها ،فعليك بذات الدين تربت يداك " .
) البخاري:النكاح ،باب :تزويج الثّيبات .ومسلم :الرضاع ،باب :
استحباب نكاح ذات نكاح ذات اليدين ( .
ب أن يكون الزوج بكرا ً ،لم يسبق له أن تزوج ،لن
وكذلك يستح ّ
جِبلت على الستئناس بأول مألوف .
النفوس ُ
الولود :وُتعرف البكر الولود بأقاربها ،كأختها ،وعمتها ،وخالتها ,
وُيعرف الرجل الولود أيضا ً بأقربائه .
37
قال رسول الله " - -تزوجوا الولود الودود فإني ُ
مكاثر بكم المم
يوم القيامة " .
حح إسناده ) .المستدرك :
رواه أحمد ،وابن حّبان ،والحاكم ،وص ّ
النكاح ،باب ،تزّوجوا الودود الولود ( 2/162 :
ثانيا ً :رؤية المخطوبة والنظر إليها :
غب فيها السلم أن ينظر الخاطب إلى ومن المور المستحّبة التي ر ّ
المخطوبة قبل الخطبة ،إذا قصد نكاحها ،ورجا رجاء طاهرا ً أن يجاب إلى
طلبه ،وإن لم تأذن له ،أو لم تعلم بنظره ،اكتفاء بإذن الشرع له ،ولئل
تتزين له ،فيفوت غرضه .
وله تكرير النظر ثانيا ً وثالثا ً إن احتاج إليه ،ليتبين هيئتها ،فل يندم بعد
النكاح ،إذ ل يحصل الغرض غالبا ً بأول نظرة .
سنه ) النكاح ،باب :ما جاء في النظر إلى
روى المام الترمذي وح ّ
المخطوبة ،رقم ، ( 1087 :وابن ماجه ) النكاح ،باب :النظر إلى المرأة
إذا أراد أن يتزوجها ،رق ( 1865 :وغيرهما :أن النبي قال للمغيرة بن
شعبة وقد خطب امرأة ـ أي عزم على خطبتها ـ " :انظر إليها فإنه
م بينكما " .
ن يؤد َ َ
أحرى أ ْ
دة واللفة بينكما .
ومعنى يؤدم بينكما :أن تدوم المو ّ
وروى البخاري ) النكاح ،باب :النظر إلى المرأة قبل التزويج ،رقم :
، ( 4833ومسلم ) النكاح ،باب :الصداق وجواز كونه تعليم قرآن ، ..رقم
( 1524 :عن سهل بن سعد : أن امرأة جاءت رسول الله فقالت :
صوبه ،ثم طأطأ
ب لك نفسي ،فصّعد النظر إليها و ّ
يا رسول الله ،جئت له َ
رأسه .
] لهب لك :أجعل أمري لك :تتزوجني بدون مهر ،أو تزّوجني لمن
ترى .فصعد النظر إليها وصوبه :نظر إلى أعلها وأسفلها وتأملها .طأطأ
رأسه :خفض رأسه ،ولم ُيعد النظر إليها [ .
38
فيها لمن
وروى مسلم ) النكاح ،باب :ندب النظر إلى وجه المرأة وك ّ
يريد تزوجها ،رقم ( 1434 :عن أبي هريرة قال :كنت عند النبي
فأتاه رجل ،فأخبره أن تزوج امرأة من النصار فقال له رسول الله ":
ن في أعين
ت إليها ؟ " قال :ل .قال " :فاذهب فانظر إليها ،فإ ّ
أنظر َ
ن ربما ل يعجبك .النصار شيئا ً " أي يختلفن عن أعين غيره ّ
حميد الساعدي قال :قال رسول الله " : إذا خطب
وعن أبي ُ
جناح عليه أن ينظر منها ،إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته ،
أحدكم امرأة فل ُ
وإن كانت ل تعلم " .رواه أحمد ) (5/424
هذا ويحق لها أيضا ً أن تراه ،إذا أرادت الزواج منه ،لتتبين هيئته ،ول
تندم بعد النكاح ،فإنها يعجبها منه ما يعجبه منها .
حدود النظر :
فيها ظهرا ً
ول يجوز للخاطب أن ينظر من المخطوبة إل ّ وجهها وك ّ
39
ويحرم نظر رجل بالغ عاقل مختار ـ ولو شيخا ً ،أو عاجزا ً ،وكذلك
من قارب البلوغ ـ إلى أيّ جزء من جسم المرأة أجنبية كبيرة . المراهق وهو َ
والكبيرة هي من بلغت حد ّا ً تشتهى فيه ،ولو كانت غير بالغة ،ولو كان ذلك
فين ،ولو لم تكن هناك فتنة على الصحيح في المذهب .
الجزء الوجه والك ّ
وكذلك يحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل لغير حاجة .قال الله
تعالى :
ن م إِ ّكى ل َهُ ْ ك أ َْز َ
م ذ َل ِ َجه ُ ْ ف ُ
ظوا فُُرو َ ح َ
م وَي َ ْ
صارِه ِ ْ
ُ قل ل ّل ْمؤ ْمِنين يغُضوا م َ
ن أب ْ َ
ِ ْ ُ ِ َ َ ّ
خبير بما يصنعون} {30وُقل ل ّل ْمؤ ْمنات يغْضضن م َ
فظ ْ َ
ن ح َن وَي َ ْ
صارِه ِ ّن أب ْ َ ُ ِ َ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ َ ه َ ِ ٌ ِ َ َ ْ َُ َ الل ّ َ
ن ] النور. [ 31- 3 : فُُرو َ
جه ُ ّ
وروي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت :كنت عند ميمونة رضي
م مكتوم فقال النبي " :
الله عنها ـ عند رسول الله ـ إذ أقبل ابن أ ّ
احتجبا منه ،فقلت :يا رسول الله :أليس هو أعمى ل يبصر ول يعرفنا ؟
فقال :رسول الله أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه "
رواه الترمذي ) الب ،باب :ما جاء في احتجاب النساء من الرجال ،
رقم ( 2779 :وقال :حديث حسن صحيح .
س ،لنه أبلغ منه في
هذا ،وحيث حّرم النظر فيما ذكر حّرم الم ّ
التلذذ وإثارة الشهوة .
أما النظر إلى الصغيرة التي ل ُتشتهى ،والصغير الذي هو دون
المراهقة ،فإنه ل يحرم النظر إل إلى الفرج منهما .لن النظر إليهما ليس
في مظنة شهوة ،فل يحرم ذلك .
النظر إلى المحارم :
ويجوز نظر الرجل إلى محارمه من النساء إل ما بين السّرة والركبة .
وكذلك المرأة تنظر إلى محارمها من الرجال ما عدا ما بين السّرة
إلى الركبة .
متى يباح النظر إلى الجنبية ؟
40
س
حرمة النظر إلى المرأة الجنبية ،والم ّ
واعلم أن ما تقدم من ُ
لهما ،إنما هو حيث ل تدعوا الحاجة إليهما ،وأما إذا دعت الحاجة إلى النظر
س ،فإن ذلك ُيباح ،وليس فيه حرج .
،أو الم ّ
والحاجة تظهر في المور التية :
1ـ عند المداواة ،لن في التحريم حرجا ً ،والسلم دين الي ُ ْ
سر ورفع
الحرج .قال تعالى :
ج ] الحرج . [ 78 :فُينظر إلى
حَر ٍ
ن َ
م ْ
ن ِ
دي ِ
م ِفي ال ّل ع َل َي ْك ُ ْ
جعَ َ وَ َ
ما َ
المواضع التي يحتاج إليها .
روى مسلم ) السلم ،باب :لكل داء ودواء واستحباب التداوي ،
رقم ( 2206 :عن جابر ) : أن أم سلمة رضي الله عنهما استأذنت
رسول الله في الحجامة ،فأمر النبي أبا طيبة أن يحجمها ( .فللرجل
مداواة المرأة إذا كانت الضرورة تتطلب ذلك ،ولم توجد امرأة تعالجها ،
وكذلك للمرأة مداواة الرجل إذا لم يوجد رجل يعالجه ،ودعت الضرورة
محَرم ،أو زوج ،أ ,امرأة
إلى ذلك ،لكن ل يعالج الرجل المرأة إل بحضرة َ
ثقة .
وإذا وجد الطبيب المسلم ،ل يعدل إلى غيره .
2ـ عند المعاملة من بيع وشراء ،إذا كانت هناك حاجة لمعرفة تلك المرأة ،
ولم تعرف دون النظر إليها .
3ـ عند الشهادة تحمل ً وأداء ،لن الحاجة تدعوا إلى النظر إلى المشهود
عليه ،أو المشهود له
4ـ عند التعليم :وذلك فيما ذكر ،فإنما ُيباح بقدر الحاجة فقط ،لن النظر
در ما يرفع
إنما أبيح للضرورة أو الحاجة ،والضرورة والحاجة تقدر بق ّ
الحرج ويحقق الغرض .
ثالثا ً :الخطبة :
م الوثوق من الصفات الحسنة ،وتحقق بالرؤية والنظر الرضا
فإذا ت ّ
والرغبة ،جاء دور الخطبة .
41
والخطبة ـ بكسر الخاء ـ هي التماس الخاطب النكاح من جهة
المخطوبة .
متى تحل الخطبة ،ومتى تحرم :
1ـ تحل الخطبة تصريحا ً وتعرضا ً ،إذا كانت المخطوبة خلّية من نكاح ،
وعدة ،ومن كل موانع النكاح التي مر ذكرها في المحرمات .
2ـ تحل الخطبة تعريضا ً فقط ل تصريحا ً ،إذ كانت المرأة معت ّ
دة من وفاة ،أو
ن
م ْضُتم ب ِهِ ِ ما ع َّر ْ م ِفي َ ح ع َل َي ْك ُ ْ طلق بائن .قال الله تعالى :وَل َ ُ
جَنا َ
فسك ُم ع َل ِم الل ّ َ َ َ َ
كن ل ّ ن وََلـ ِ ست َذ ْك ُُرون َهُ ّم َ ه أن ّك ُ ْ ُ َ م ِفي أن ُ ِ ْ ساء أوْ أك َْننت ُ ْ خط ْب َةِ الن ّ َ ِ
ى ي َب ْل ُ َ
غ حت ّ َ
ح َ كا ِ موا ْ ع ُ ْ
قد َة َ الن ّ َ معُْروفا ً وَل َ ت َعْزِ ُ قوُلوا ْ قَوْل ً ّ سّرا ً إ ِل ّ َأن ت َ ُ ن ِ دوهُ ّ ع ُ وا ِ
تُ َ
َ ما ِفي َأن ُ َ َ
موا ْ أ ّ
ن حذ َُروه ُ َواع ْل َ ُ م َفا ْ سك ُ ْ ف ِ م َ ه ي َعْل َ ُ
ن الل ّ َموا ْ أ ّ ه َواع ْل َ ُجل َ ُبأ َال ْك َِتا ُ
م ] البقرة " [ 235
حِلي ٌ
فوٌر َ الل ّ َ
ه غَ ُ
ن سّرا ً :ل
جناح :ل إثم ول حرج .أكننتم :أخفيتم .ل تواعدوه ّ
]ل ُ
تعدوهن بالنكاح خفية .قول ً معروفا ً :موافقا ً للشرع ،وهو التعريض .ول
تعزموا عقدة النكاح :ل تحققوا العزم على عقد الزواج .حتى يبلغ الكتاب
دة في جَله :حتى تنقضي الع ّ
دة ،وهي المدة التي فرضها الله على المعت ّ أ َ
كتابه أن ل تتزوج خللها [ .
3ـ وتحرم الخطبة تعريضا ً وتصريحا ً فيما عدا ما ذكر ،في الفقرة الولى
والثانية .
فتحرم خطبة امرأة ما تزال على عصمة زوجها .كما تحرم خطبة كل
امرأة ذكرت في محرمات النكاح ،سواء كانت محرمة مؤبدة أم محرمة
مؤقتة .
دة من طلق رجعي ،سواء كان ذلك
وتحرم خطبة المرأة المعت ّ
بالتعريض أم بالتصريح ،لنها زوجة ،أو في معنى الزوجة ،لن لزوجها
الحق في مراجعتها ،قال تعالى :
لحا ً ] البقرة . [ 228 : كإ َ وبعول َته َ
دوا ْ إ ِ ْ
ص َ ن ِفي ذ َل ِ َ ِ ْ
ن أَرا ُ حقّ ب َِرد ّه ِ ّ
نأ ََُُ ُُ ّ
معنى التصريح بالخطبة :
42
والتصريح في الخطبة معناه :كل لفظ يقطع بالرغبة في النكاح :
كُأريد أن أنكحك ،أو :إذا انقضت عدتك تزوجتك .
معنى التعريض بالخطبة :
والتعريض بالخطبة معناه :أن يستعمل لفظا ً يحتمل الرغبة في النكاح
من يجد
ب راغب فيك َ ،
دة :أنت جميلة ،أو :ر ّ
،وعدمها ،كأن يقول للمعت ّ
مثلك ،أو نحو ذلك .
الخطبة على الخطبة :
وتحرم خطبة إنسان على خطبة أخيه ،إذا كان قد صرح له بالجابة ،
إل بإذنه .
فإن لم يجب ولم يرد لم تحرم الخطبة .
وهذه الحرمة حرمة توجب الثم ،ول توجب بطلن العقد ،فيما إذا
خطب على خطبة أخيه ،وعقد عقد الزواج .
ودليل هذا التحريم :قول النبي " : ل يخطب الرجل على خطبة
أخيه حتى يترك الخاطب قبله ،أو يأذن له الخاطب " .
رواه البخاري ) النكاح ،باب :ل يخطب على خطبة أخيـه ،…..رقـم :
، ( 4848ومسـلم ) النكاح ،باب :تحريم الخطبة على خطبة أخيه ،..رقم
( 1412 :عن ابن عمر
حكم الستشارة في خاطب أو مخطوبة :
من اسُتشير في خاطب أو مخطوبة وجب عليه أن يذكر من العيوب َ
والمساوئ ما يعرف بصدق ،ليحـذر ،وذلك بذل ً للنصيحة ،ول يعد ّ ذلك من
الغيبة المحّرمة .هذا إذا احتيج إلى ذكر العيوب ،أما إذا اندفع بدون ذكر
ذلك ،كقوله مثل ُ :هذا ل يصلح لك ،أو هذه ل تصلح لك ،وجب القتصار
على ذلك .دليل هذا الحكم حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنهما عند
مسلم ) الطلق ،باب :المطّلقة ثلثا ً ل نفقة لها ،رقم ، ( 1480 :
والترمذي ) النكاح ،بباب :ما جاء في أن الرجل ل يخطب على خطبة أخيه
،رقم ( 1135 :أنها قالت للنبي : إن معاوية بن أبي سفيان ،و أبا جهم
43
خطباني ،فقال رسول الله ": أما أبو جهم فل ي َ َ
ضعُ عصاه عن عاتقه ،
ك ل مال له ،انكحي أسامة بن زيد ،فكرهته ،ثم قال : ة فصعلو ّوأما معاوي ُ
ت". انكحي أسامة ،فنكحته ،فجل الله فيه خيرا ً ،واغتبط ْ
ي موليته على ذوي الصلح والتقوى :
عرض الول ّ
ويسن لولي المرأة التي يرغب في تزويجها أن يعرض زواجها على
أهل الصلح والتقوى ،تأسيا ً بما فعل شعيب عليه الصلة والسلم مع
رف من أمانته وعفافه .قال تعالى موسى حين عرض بنته عليه ،لما ع ُ ِ
حاكيا ً قصتهما :
ت ال ْ َ ْ ْ َ
ي
قو ِ ّ جْر َ
ست َأ َ نا ْ م ِخي َْر َ ن َ جْره ُ إ ِ ّ ست َأ ِ تا ْ ما َيا أب َ ِ داهُ َ ح َ ت إِ ْ َ قال َ ْ
ْ َ ل إني أ ُريد أ َ ُ
جَرِني ن ع ََلى أن ت َأ ُ هات َي ْ ِي َ دى اب ْن َت َ ّ ح َ ك إِ ْح َ ن أنك ِ َ ِ ُ ْ ن}َ {26قا َ ِ ّ مي ُ اْل َ ِ
جد ُِني
ست َ ِ
ك َ شقّ ع َل َي ْ َ ن أَ ُ َ
ما أِريد ُ أ ْ
ُ
ك وَ َ عند ِ َ ن ِ م ْ شرا ً فَ ِ ت عَ ْ م َ م ْ
حجج فَإ َ
ن أت ْ َ ي ِ َ ٍ ِ ْ مان ِ َ ثَ َ
ما اْل َ َ َ ك بيِني وبين َ َ
ت ن قَ َ
ضي ْ ُ جلي ْ ِ ك أي ّ َ َََْ ل ذ َل ِ َ َ ْ ن}َ {27قا َ حي َصال ِ ِن ال ّ م َ
ه ِ شاء الل ّ ُِإن َ
ل ] القصص 26 :ـ .. [ 28
كي ٌ قو ُ
ل وَ ِ ه ع ََلى َ
ما ن َ ُ ي َوالل ّ ُ
ن ع َل َ ّ
فََل ع ُد َْوا َ
وتأسيا ً أيضا ً بما فعل عمر بن الخطاب عندما عرض ابنته حفصة رضي
الله عنها على عثمان ،ثم على أبي بكر ،وتزوجها النبي .
) البخاري :النكاح ،باب :عرض النسان ابنته أو ُأخته على أهل الخير
(.
سنن الخطبة :
خطبة ـ بضم الخاء ـ قبل
ب للخاطب ،أو وكيله ،تقديم ُ
ويستح ّ
الخطبة ـ بكسر الخاء ـ وقبل العقد ،يبدؤها بحمد الله والصلة والسلم
على النبي لحديث " :كل أمر ذي بال ل يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر " .
) ابن ماجه :النكاح ،باب :خطبة النكاح ،رقم . ( 1849 :
ثم يوصي بتقوى الله عز وجل ،ثم يظهر رغبته ،فيقول :جئتكم
خاطبا ً كريمتكم .
44
ي المخطوبة أن يخطب ،ويقول :بعد حمد الله
ويستحب أيضا لول ّ
والصلة والسلم على النبي وآله والوصية بقوى الله عز وجل :ليس
بمرغوب عنك .
خطبة ،لورود ذلك عن
خطبة قبل ال ِ
خطبة قبل العقد آكد من ال ُ
وال ُ
السلف الصالح .
وقد تبرك الئمة رضي الله عنهم بما روي عن ابن مسعود موقوفا ً
ومرفوعا ً قال :إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من نكاح وغيره ،فليقل :
) إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ل له ومن يضلل فل هادي له ، مض ّ
وسيئات أعمالنا ،من يهده الله فل ُ
وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ،وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله
َ َ
ن مو َ سل ِ ُم ْ ن إ ِل ّ وَأنُتم ّ موت ُ ّ قات ِهِ وَل َ ت َ ُ حقّ ت ُ َ ه َ قوا ْ الل ّ َ مُنوا ْ ات ّ ُ نآ َ ذي َ َ يا أي َّها ال ّ ِ
خل َ َ َ
س
ف ٍ من ن ّ ْ كم ّ ق ُ ذي َ م ال ّ ِ قوا ْ َرب ّك ُ ُ س ات ّ ُ] آل عمران َ . [ 102 :يا أي َّها الّنا ُ
ذي ه ال ّ ِ قوا ْ الل ّ َ ساء َوات ّ ُ جال ً ك َِثيرا ً وَن ِ َ ما رِ َ من ْهُ َ
ث ِ جَها وَب َ ّ من َْها َزوْ َ خل َقَ ِ حد َةٍ وَ َ َوا ِ
م َرِقيبا ً ] النساء[ 1: ن ع َل َي ْك ُ ْ كا َ ه َ ن الل ّ َ م إِ ّ حا َن ب ِهِ َوال َْر َ ساءُلو َ تَ َ
َ
ح ل َك ُ ْ
م صل ِ ْديدًا} {70ي ُ ْ س ِه وَُقوُلوا قَوْل ً َ قوا الل ّ َ مُنوا ات ّ ُ نآ َ ذي َ َ يا أي َّها ال ّ ِ
ظيما ً َ
وزا ً ع َ ِ قد ْ َفاَز فَ ْ ه فَ َ سول َ ُ ه وََر ُ من ي ُط ِعْ الل ّ َ م وَ َ م ذ ُُنوب َك ُ ْ فْر ل َك ُ ْ م وَي َغْ ِ مال َك ُ ْ
أع ْ َ
] الحزاب 70 :ـ [ 71
) انظر شرح الشربيني على المنهاج :كتاب النكاح . ( 3/138 :
حكم الخلوة بالمخطوبة والختلط بها قبل العقد :
لقد شاع وانتشر في بعض الوساط المسلمة ،البعيدة عن روح
السلم في الزواج ،أن الخاطب بمجرد أن يعلن خطبته يبدأ بالختلط
بخطيبته ،والخلوة بها ،مدعيا ً أنه يفعل ذلك ليتعرف أخلقها وطباعها ،وهو
مقتنع في قرارة نفسه أنه لن يستطيع أن يكشف من حقيقة أخلقها شيئا ً ،
لنه كان يفكر هو بأن أمامها ـ تصنعا ً ـ بأنه فارس أحلمها المنشود في
كرمه ،وتسامحه ،وكياسته ،فإنها هي أيضا ً تتصنع له أكثر مما يتصنع لها ،
45
وتحاول أن تفهمه أنها هي الفتاة التي رسمها في خيالها رقة وأنوثة ،
وذوقا ً ،وأدبا ً وأخلقا ً وسلوكا ً .
إن اختلط الخاطب بالمخطوبة وخلوته بها قبل عقد الزواج أمر حرام
ل يقره شرع الله عز وجل ،ول يرضى به .قال رسول الله ول يخلون
رجل بامرأة إل ومعهما ذو محرم " .
رواه البخاري ) النكاح ،باب :ل يخلون رجل بامرأة … ،رقم :
( 4935ومسلم ) الحج ،باب :فرض الحج والعمرة مرة في العمر ،رقم :
. ( 1314
عن ابن عباس رضي الله عنهما .والخطيبة قبل العقد تعتبر امرأة أجنبية .
إن الفتاة العاقلة هي التي تمتنع عن الظهور أما خطيبها بعد أن رآها
رؤية الخطبة حتى يتم العقد ،لن من الواجب عليها أن تفكر في
مستقبلها ،وتحسب الحساب للعواقب التي يمكن أن تواجهها ،وتفكر بأن
هذا الخاطب إذا فسخ خطبته لها فلن يتقدم شاب آخر لخطبتها ،وهو يعلم
علقتها بخطيبها السابق .
أما إذا تم العقد ،فقد حّلت الخلوة والخلطة لنها أصبحت زوجة له ،
يرى منها وترى منه ما بدا لهما ،من غير إثم ول حرج .
46
ي الزوجة ،كقوله :زوجتك ،أو :
والصيغة :هي اليجاب من ول ّ
أنكحتك ابنتي .
دم
ح تق ّ
والقبول من الزوج كقوله :تزوجت ،أو نكحت ابنتك ،ويص ّ
ي ،لن التقدم والتأخر سواء في إفادة
لفظ الزوج على لفظ الول ّ
المقصود .
47
ي :زوجتك ابني ،فقال الزوج :قبلت ،لم ينعقد
فلو قال الول ّ
ي :قبلت ،لم ينعقد
النكاح .ولو قال الزوج :زّوجني ابنتك ،فقال الول ّ
النكاح أيضا َ ،لنهما لم يصرحا ً بلفظ الزواج ،أو النكاح .
48
3ـ اتصال اليجاب بالقبول:
ومن شروط الصيغة أيضا أن يتصل اليجاب من الولي بالقبول من
الزوج ،فلو قال ولي الزوجة :زّوجتك ابنتي ،فسكت الزوج مدة طويلة ،
ثم قال :قبلت زواجها ،لم يصح العقد ،لوجود الفاصل الطويل بين
ي في هذه المدة عن الزواج
اليجاب والقبول ،مما يجعل أمر رجوع الول ّ
أمرا ً محتمل ً ،أما السكوت اليسير :كتنفس ،وعطاس ،فإنه ل يضّر في
صحة العقد .
4ـ بقاء أهلية العاقدين إلى أن يتم القبول:
ي الزوجة :زّوجتك ابنتي ولكن قبل أن يصدر القبول من
فلو قال ول ّ
ن الولي ،أو أغمي عليه ،فقبل الزوج ،لم يصح النكاح .
الزوج ج ّ
ي
وكذلك لو قال الزوج :زّوجني ابنتك ،ثم أغمي عليه قبل أن يقول ول ّ
ح العقد ولو وجد القبول ،لفقدان
الزوجة :زّوجتك ،بطل اليجاب ،ولم يص ّ
أهلّية أحد العاقدين قبل تمام العقد .
5ـ أن تكون الصيغة منجزة :
فل تصح إضافة عقد الزواج إلى المستقبل ،ول تعليقه على شروط .
فلو قال ولي الزوجة :إذا جاء رمضان فقد زّوجتك ابنتي ،فقال الزوج
:تزوجتها ،لم يصح العقد .
ي الزوجة :إن كانت ابنتي قد نجحت في المتحان فقد ولو قال ول ّ
زّوجتك إياها ،فقال الزوج :قبلت زواجها ،لم يصح الزواج أيضا ً ،لن عقد
الزواج يجب أن يكون منجزا ً ،تترتب عليه آثاره من حين إنشائه ،فإضافته
إلى المستقبل ،أو تعليقه على شروط يقتضي تأخير أحكام العقد إلى
المستقبل ،أو إلى وجود الشرط ،وهذا ُينافي مقتضى العقد .
49
6ـ أن تكون الصيغة مطلقة :
ح توقيت النكاح بمدة معلومة :كشهر ،أو سنة ،أو مجهولة :
فل يص ّ
ي الزوجة :زّوجتك ابنتي شهرا ً ،أو سنة ،أو إلى
كقدوم غائب ،فلو قال ول ّ
قدوم فلن ،فقال الزوج :قبلت زواجها ،لم ينعقد الزواج في هذه الصور ،
لن هذا من نكاح المتعة المحّرمة .
روى مسلم ) النكاح ،باب :نكاح المتعة وبيان أنه ُأبيح ثم نسخ …،.
سب َْرة الجهني أنه كان مع رسول الله
رقم ( 1406 :وغيره عن َ
فقال " :يا أّيها الناس ،إني قد كنت أذنت لكم في الستمتاع من النساء ،
ن شيء فليخ ّ
ل وإن الله قد حّرم ذلك إلى يوم القيامة ،فمن كان عنده منه ّ
ن شيئا ً " .
سبيله ،ول تأخذوا مما آتيتموه ّ
نكاح الشغار :
ي الزوجة لرجل :زّوجتك
ح نكاح الشغار ،وهو :أن يقول ول ّ
ل يص ّ
لخرى .ابنتي على أن ُتزوجني ابنتك ،ويضع كل واحدة منهما صداق ل ُ
ّ
فيقول الخر :تزوجت ابنتك ،وزوجتك ابنتي على ما ذكرت .
وسبب بطلن هذا الزواج هو تعليق زواج ك ّ
ل من الزوجين على
الخرى ،والتعليق مفسد للعقد كما سبق .
وأيضا ً ،فإن النبي نهى عن نكاح الشغار .
روى البخاري ) النكاح ،باب :الشغار ،رقم (4822 :ومسلم
) النكاح ،باب :تحريم نكاح الشغار وبطلنه ،رقم (1415 :وغيرهما عن
ابن عمر ) : أن رسول الله نهي عن ال ّ
شغار ،والشغار :أن يزّوج
الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته ،وليس بينهما صداق .
وسمي هذا الزواج شغارا ً أخذا ً من قولهم :شغر البلد من السلطان :
إذا خل عنه .
وهذا الزواج قد خل هو أيضا ً من المهر ،فأشبه البلد الشاغر من
السلطان .
50
الركن الثاني :الزوجة :
ح نكاحها الشروط التالية :
ويشترط في الزوجة ليص ّ
وها من موانع النكاح التي مر ذكرها في محرمات النكاح والخطبة .
1ـ خل ّ
ي الزوجة لرجل :زّوجتك إحدى
2ـ أن تكون الزوجة معينة ،فلو قال ول ّ
ح العقد ،لعدم تعيين البنت التي يزوجها .
بناتي ،لم يص ّ
ة بحج أو عمرة .
م ً
حرِ َم ْ 3ـ أن ل تكون الزوجة ُ
روى مسلم ) النكاح ،باب :تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته ،رقم
( 1409 :وغيره عن عثمان قال :قال رسول الله " : ل ُين َ
كح
مة ،ول
خطب " أي ل يتزوج المحرم ،ومثله المحَر َ المحرم ،ول ُين َ
كح ،ول ي َ ْ
يزّوجه غيره امرأة محرمة ،أو غير محرمة ،سواء كان بولية ،أو وكالة ،
ول يطلب امرأة للتزويج .
الركن الرابع :الزوج :
ويشترط فيه الشروط التالية :
من يحل للزوجة التزّوج به ،وذلك بأن ل يكون من المحرمين
1ـ أن يكون م ّ
عليها .
2ـ أن يكون الزوج معينا ً ،فلو قال الول ّ
ي :زّوجت ابنتي إلى أحدكما ،لم
ح الزواج ،لعدم تعيين الزوج .
يص ّ
3ـ أن يكون الزوج حلل ً ،أي ليس محرما ً بحج أو عمرة ،للحديث السابق "
كح ،ول يخطب " .كح المحرم ،ول ُين َ
ل ي َن ْ ِ
الركن الرابع :الوالي :
معنى الولية :
الولية في اللغة :تأتي بمعنى المحبة والنصرة .وعليه قوله تعالى :
م ال َْغال ُِبو َ
ن ب الل ّهِ هُ ُ
حْز َ مُنوا ْ فَإ ِ ّ
ن ِ نآ َ ه َوال ّ ِ
ذي َ سول َ ُ ل الل ّ َ
ه وََر ُ وَ َ
من ي َت َوَ ّ
] المائدة . [ 56 :
والولية في الشرع :هي تنفيذ القول على الغير ،والشراف على
شؤونه .
والمراد بالغير :القاصر والمجنون ،والبالغة في ولية الختبار .
51
ويعّرفها بعضهم :بأنها تنفيذ القول على الغير ،شاء أو أبى ،فتشمل
على هذا ولية الجبار .
من أعطته الشريعة حق الولية :وليا ً . ويسمى َ
ضِعيفا ً أ َوْ ل َ َ
فيها ً أوْ َ
س ِ
حقّ َ ذي ع َل َي ْهِ ال ْ َن ال ّ ِكا َقال الله تعالى َ :فإن َ
َ
ل ] البقرة . [ 282 : ه ِبال ْعَد ْ ِل وَل ِي ّ ُ ل هُوَ فَل ْي ُ ْ
مل ِ ْ م ّطيعُ أن ي ُ ِ
ست َ ِ
يَ ْ
حكمة مشروعية الولية :
والحكمة من مشروعية الولية على الصغار والقاصرين إنما هي رعاية
مصالحهم ،حتى ل تضيع هدرا ً ،وحفظ حقوقهم ،وتدبير شؤونهم .
53
ثم الخ من الب .
ثم ابن الخ الشقيق .
ثم ابن الخ من الب .
ثم العم الشقيق .
ثم العم من الب .
ثم ابن العم الشقيق .
ثم ابن العم من الب .
عدمت العصبات فالقاضي ،لما سبق من
وهكذا سائر العصبات ،فإن ُ
قوله :
ي له " .
ي من ل ول ّ
" فالسلطان ول ّ
8ـ ولية البن في الزواج :
هذا ول ولية للبن ،ول لبن البن في الزواج ،فل يزوج ابن أمه
بولية البنوة ،لنها ل مشاركة بينه وبينها في النسب ،إذ انتسابها إلى أبيها ،
لمه ،فإن كان ابن وانتساب البن إلى أبيه .إل أن يكون من أبناء العمومة ُ
ي أقرب منها جاز له أن يزّوجها .
مها ،ولم يوجد ول ّ
ابن ع ّ
9ـ شروط الولي :
ي ،أبا كان أو غيره ،الشروط التالية :
ويشترط في الول ّ
أ ـ السلم :
فل يزّوج الكافر المسلمة ،لنه ل ولية لكافر على مسلم .قال الله
سِبيل ً ] النساء :
ن َ ن ع ََلى ال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مِني َ ري َ ه ل ِل ْ َ
كافِ ِ ل الل ّ ُ تعالى :وََلن ي َ ْ
جعَ َ
. [1401
ولن ولية الزوج مبنية على التعصب في الرث ،ول توارث بين
مسلم وكافر .
ويزوج كافر كافرة ،ولو اختلف اعتقادها ،فيزوج اليهودي نصرانية ،
والنصراني يهودية ،لن الكفر كله ملة واحدة .قال الله تعالى َ :واّلذي َ
ن
فروا ْ بعضه َ
ض ] النفال . [ 73 :
م أوْل َِياء ب َعْ ٍَْ ُ ُ ْ كَ َ ُ
ب ـ العدالة :
54
والمقصود بالعدالة :عدم ارتكاب الكبائر من الذنوب ،وعدم الصرار
على الصغائر ،وعدم فعل ما يخ ّ
ل بالمروءة :كالبول في الطرقات ،
والمشي حافيا ،وغير ذلك .
ي الذي
فل ُيزّوج الفاسق مؤمنة ،بل ينتقل حق تزويجها إلى الول ّ
يليه ،إن كان عدل ً .
شد " رواه الشافعي في
مْر ِ
ي ُ
ول ّ قال رسول الله " : ل نكا َ
ح إل ب َ
مسنده بسند صحيح .
وقال الشافعي رحمه الله تعالى :المراد بالمرشد في الحديث :
العدل .
ولن الفسق نقص يقدح في الشهادة ،فيمنع الولية في الزواج .
وفي قول :ل تشترط العدالة في الزواج ،لن الولية في الزواج
مبنية على التعصب ،والعصبة تحمله وفرة الشفقة على تحّري مصلحة
موليته ،و هذه الشفقة ل تختلف بين العدل وغيره .
ولن اشتراط العدالة قد يؤدي إلى حرج كبير لقّلة العدول ،ولسيما
في هذه اليام ،ولم يعرف أن الفسقة كانوا ُيمنعون من تزويج بناتهم في
أيّ عصر من العصور .
ج ـ البلوغ :
فل ولية لصبي على غيره من الزواج ،لنه ل ولية له على نفسه ،
فل ولية له على غيره من باب أولى .
د ـ العقل:
فل ولية لمجنون ،لنه ل ولية له على نفسه ،فأولى أن ل يكون له
ولية على غيره
مخّلة بالنظر :هـ ـ السلمة من الفاق ال ُ
فل ولية لمخت ّ
ل النظر بسبب هرم ،أو خبل ،لعجز هؤلء عن اختيار
فاء ،فإن كان مريضا ً يغمى عليه انتظرت إفاقته ،لن الغماء قريب
الك ّ
الزوال كالنوم .
وـ أن ل يكون محجورا ً عليه بسفه :
55
والمحجور عليه بسفه :هو الذي يبذر ماله ،لن السفيه ل ولية له
على نفسه ،فأولى أن ل يكون له ولية على غيره .
زـ أن يكون حلل ً :
م بحج أو عمرة غيره ،وهو محرم ،لما سبق من قوله
حر ُ
م ْ
فل يزّوج ال ُ
" :ل ينكح المحرم ول ينكح " .
رواه مسلم ) النكاح ،باب :تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته ،رقم
. ( 1409 :
تنبيـه :
ي قريب من الولياء ،
إذا فقدت هذه الشروط التي ذكرت في ول ّ
من توفرت فيه شروط الولية ي الذي يليه ،م ّ
انتقل حق الولية إلى الول ّ
محرم ،فإنه ل تنتقل الولية عنه إلى البعد منه ،لن الحرام ل كاملة ،إل ال ُ
يسلب الولية ،لبقاء الرشد والنظر ،وإنما يمنع النكاح ،ولكن ينتقل حق
ي القريب .
التزويج إلى السلطان عند إحرام الول ّ
10ـ أقسام الولية :
تنقسم الولية في الزواج إلى قسمين :
الول :ولية إجبار .
والثاني :ولية اختيار .
لجبار:ولية ا َ
وولية الجبار ثابتة للب ،والجد أبي فقط ،ول ولية إجبار لغيرهما .
وولية الجبار إنما تكون في تزويج البنت البكر ،صغيرة كانت أو
كبيرة ،عاقلة أو مجنونة .
فلبيها ـ وكذلك لجدها أبي أبيها ـ أن يزّوجها بغير إذنها ورضاها ،لنه
أدرى بمصلحتها ،ولوفرة شفقته عليها ل يختار لها إل ما فيه مصلحة لها .
جوا لهذا بقوله " : الّيم أحقّ بنفسها من ولّيها …" وسيأتي
واحت ّ
بعد قليل ـ فإنه يدل بمفهومه أن البكر ولّيها أحق بها من نفسها ،لن اليم
هي الثيب ،وهي غير البكر .
لكن شرطوا لصحة هذا الجبار ثلثة شروط :
أ ـ أن ل يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة .
ب ـ أن يكون الزوج كفؤا ً .
56
ج ـ أن يكون الزوج موسرا ً بمعجل المهر .
الترغيب في استئذان البكر في الزواج :
إذا قلنا إن ولية الب ـ ومثله أبو الب ـ هي ولية إجبار ،فليس معنى
ذلك أن الفضل أن يجبرها على الزواج ،ويمهل رأيها ،بل الفضل
والمستحب أن يستأذنها في تزويجها ،تقديرا ً لها ،وتطبيقا ً لقلبها .
ح ودليل ذلك قول النبي " : ل ت ٌُْنك ٌ
ح اليم حتى تستأمر ،ول تنك ُ
ن ،قالـوا :يا رسول الله ،وكيف إذُنها ؟ قال :أن تس ُ
كت البكُر حتى تستأذ ُ
".
رواه مسلم ) النكاح ،باب :استئذان الّثيب في النكاح بالنطق والبكر
بالسكوت ،رقم ( 1419 :والترمذي ) النكاح ،باب :ما جاء في استئذان
البكر والثيب ،رقم ( 2107 :وروى مسلم ) النكاح ،باب استئذان الّثيب
في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت ،رقم ( 1421 :عن ابن عباس :
ن النبي قال " :اليم أحق بنفسها من وليها ،والبكُر تستأذ ُ
ن في نفسها أ ّ
صماُتها " .ورواه الترمذي أيضا ً ) النكاح ،باب :ما جاء في استئذان
،وإذُنها ُ
البكر والثّيب ،رقم . ( 1108 :
] والّيم في الحديثين :هي الثّيب [ .
والحديثان محمولن على الندب في حق البكر .
ولية الختيار :
ولية الختيار :فهي ثابتة لكل الولياء الذين ذكرناهم ،وعلى الترتيب
دمناه .
الذي ق ّ
وولية الختيار إنما تكون في تزويج المرأة الثيب ،فل يصح تزويجها
من قبل أي من أوليائها ـ ولو كان أبا ً ـ إل بإذنها ورضاها .
ودليل ذلك حديث مسلم والترمذي السابق ) :ل تنكح اليم حتى
تستأمر ( .
وحديث مسلم والترمذي أيضا ً ) :اليم أحق بنفسها من وليها ( .
والثّيب :هي التي زالت بكارتها بوطء حلل أو حرام ،ول بمرض أو
سقطة ،أو غير ذلك .
57
الحكمة من استئمار الّثيب:
والحكمة من استئمار الثيب ،وعدم تزويجها إل برضاها هي أنها
عرفت مقصود النكاح ،فل يجبر عليه ،ولنها لممارستها الزواج ل تستحي
من التصريح به ،بخلف البكر فإنها تستحي من التصريح به .
تزويج الثيب الصغيرة :
الّثيب الصغيرة التي هي دون البلوغ ،ل يجوز لبيها ،ول لي ولي من
أوليائها تزويجها حتى تبلغ ،لن إذن الصغيرة غير معتبر ،فامتنع تزويجها
حتى تبلغ ،فيكون إذنها معتبرا ً .
عضل الوّلي :
العضل :منع المرأة من الزواج .
فإذا طلبت امرأة بالغة عاقلة الزواج من كفء ،وجب علي ولّيها أن
يزوجها ،فإذا امتنع الولي ـ ولو أبا ـ من تزويجها ،زّوجها السلطان ،لن
تزويجها حق على أوليائها إذا طلبها الكفؤ ،فإذا امتنعوا من وفاته لها ،وّفاه
الحاكم .
ذلك :مـا رواه أبو داود ) النكـاح ،بـاب :في الولي ،رقـم ودليل
، ( 2038والترمـذي ) النكاح ،باب :ما جاء ل نكاح إل بولي ،رقم
( 1102أن النبي قال " :السلطان ولي من ل ولي له " .
عين الولي كفؤا ً غيره ،كان له أن يمنعها
لكن إذا عّينت هو كفؤا ً ،و ّ
من الكفء الذي عّينته ،ويزوجها من الكفء الذي عّينه ،إذا كانت بكرا ً ،
لنه أكمل نظرا ً منها .
غيبة الوّلي :
ي القرب ،فإن كان مكان غيبته بعيدا ً ـ
إذا تعدد الولياء ،وغاب الول ّ
مرحلتين فأكثر ،والمرحلتان مسيرة يوم وليلة ـ فإنه ل ينتقل حق الولية
ي،
إلى الولي البعد منه ،وإنما يزوجها سلطان بلده ،لن الغائب ول ّ
والتزويج حق له ،فإن تعذر استيفاء حق الزوجة منه لغيبته ،ناب عنه الحاكم
.
58
أما إذا كان مكان غيبته قريبا ً ـ أي أقل من مرحلتين ـ فل يزوج
السلطان إل بإذنه ،لقصر المسافة ،وإمكان مراجعته ،فإما أن يحضر ،أو
كل ،كما لو كان مقيما ً .
يو ّ
اجتماع أولياء في درجة واحدة .
إذا اجتمع أولياء المرأة وكانوا في درجة واحدة من النسب ،كإخوة
أشقاء أو لب ،استحب أن يزّوجها أفقههم بباب النكاح ،لنه أعلم
بشرائطه .
وبعده يزوجها أورعهم ،لنه أشق وأحرص على طلب الغبط لها .
ثم أسّنهم لزيادة تجربته .
ويزّوجها كل واحد من هؤلء برضا الخرين ،لتجتمع الراء ،ول
بتشوش بعضهم باستئثار بعض بالعقد .فإن اختلف الولياء ،وقال كل واحد
منهم أنا أزّوج ،أقرع بينهم وجوبا ً قطعا ً للنزاع ،فمن خرجت قرعته زّوجها .
من خرجت قرعته ،وكانت قد أذنت
فلو زوجها المفضول ،أو غير َ
لكل منهم أن يزوجها ،صح تزويجه لها للذن فيه ،أما لو كانت أذنت لواحد
ح لعدم إذنها ورضاها .
منهم ،فزّوجها غيره ،فإنه ل يص ّ
فقدان الولياء :
إذا انعدم الولياء انتقلت الولية إلى القاضي ،لنه منصوب لتحقيق
مصالح المسلمين .
من ل ولي لها مصلحة يجب تحقيقها ،وقد تقدم قول
وفي تزويج َ
النبي ": السلطان ولي من ل ولي له " .
رواه الترمذي ) النكاح ،باب :ما جاء ل نكاح إل بولي ،رقم :
. ( 1102
الوكالة في الزواج :
ي المجبرـ وهو الب والجد أبو الب ـ في تزويج البكر ،
ح للول ّ
يص ّ
التوكيل في تزويجها بغير إذنها.
59
ول يشترط في صحة هذه الوكالة أن يعين الولي للوكيل الزوج ،لن
الولي يملك التعيين في التوكيل ،فيملك الطلق به ،وإذا أطلق الولي
الوكالة ،وجب على الوكيل أن يحتاط لمصلحة الزوجة ،فل يزّوجها من غير
كفء ،لن التوكل عند الطلق يحمل على الكفء .
أما غير المجبر من الولياء ـ وهو غير الب والجد أبي الب ـ فل يجوز
له التوكيل في التزويج إل بإذن المرأة ،لنه ل يملك تزويجها بغير إذنها ،
فأولى أن ل يملك أن يوكل من يزّوجها بغير إذنها .
الركن الخامس :الشاهدان :
تمهيـد :
إن عقد الزواج ،وإن كان كغيره من العقود التي يشترط فيها الرضا
واليجاب والقبول ،لكن السلم أحاط هذا العقد بهالة من التعظيم
والتفخيم ،وطبعه بطابع ديني ،وصبغه صبغة تعبدية ،فجعل القدام عليه
طاعة لله عز وجل ،وقربة من القربات التي يثاب عليها.
ولما كان لعقد النكاح نتائج خطيرة تترتب عليه ـ من حل المعاشرة
بين الزوجين ،ووجوب المهر والنفقة ،وثبوت نسب الولد ،واستحقاق
الرث ،ووجوب المتابعة ،ولزوم الطاعة ،وكانت هذه النتائج عرضة
للجحود والكنود من كل من الزوجين ـ احتاط الدين لها ،وأوجب حضور
شاهدين ـ على القل ـ يشهدان عقد الزواج ،وشرط فيهما شروطا ً تجعلهما
مكان الثقة والطمئنان لثبات تلك النتائج ،إذا ما دعت الحاجة إلى
ب شقاق بين الزوجين ،أو تنكر منهما أحد لحقوق هذا
شهادتهما ،فيما إذا د ّ
العقد ونتائجه .
دليل وجوب الشاهدين في عقد النكاح :
والدليل على وجوب شاهدين في عقد النكاح قوله ": ل نكاح إل
بولي وشاهدي عدل ،وما كان غير ذلك فهو باطل ".
رواه ابن حبان في صحيحه .انظر موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان
) النكاح ،باب :ما جاء في الولي والشهود ،رقم . ( 1247 :
60
شروط الشاهدين :
يشترط في الشاهدين الشروط التالية :
أ ـ السلم :
فل يصح عقد النساء بشهادة غير المسلمين ،لن لعقد الزواج اعتبارا ً
دينيا ً ،فلبد ّ أن يشهده من يدين بدين السلم ،ولن غير المسلم ل يوّفق
بشهادته على المسلمين .
أضف إلى ذلك أن الشهادة ولية ،فل تقبل شهادة غير المسلم على
تمَنا ُمؤ ْ ِن َوال ْ ُ المسلم ،لنه ل ولية له عليه .قال تعالى َ :وال ْ ُ
مؤ ْ ِ
مُنو َ
بعضه َ
ل الل ّ ُ
ه جعَ َ ض ] التوبة [ 71 :وقال تعالى :وََلن ي َ ْ م أوْل َِياء ب َعْ ٍَْ ُ ُ ْ
سِبيل ً ] النساء . [ 141 : ن َ
مِني َ ن ع ََلى ال ْ ُ
مؤ ْ ِ ري َ ل ِل ْ َ
كافِ ِ
ب ـ الذكورة :
فل ينعقد عقد الزواج بشهادة النساء ،ول برجل وامرأتين .قال
الزهري رحمه الله :
) مضت السّنة عن الرسول : أنه ل تجوز شهادة النساء في الحدود ،
والنكاح والطلق ( والزهري تابعي ،ومثل هذا القول من التابعي في حكم
الحديث المرفوع إلى رسول الله على ما قرره العلماء .
ج ـ العقل والبلوغ :
فل ينعقد عقد الزواج بحضور المجانين والصبيان فحسب ،لن عقد
الزواج له مكانته الخطيرة ،فالقتصار على حضور المجانين والصبيان
استخفاف به .
د ـ العدالة ولو ظاهرا ً :
يجب أن يكون الشاهدان عدلين ،ولو من حيث الظاهر ،أي بأن يكونا
مستوري الحال ،غير ظاهري الفسق .
مجاهرين بفسقهم لعدم الوثوق
فل ينعقد الزواج بشهادة الفاسقين ال ُ
بشهادتهم .
هـ ـ السمع :
61
مين ،أو نائمين ،لن الغرض من الشهادة
فل ينعقد الزواج بشهادة أص ّ
ل يتحقق بأمثالها ،ولن المشهود عليه قول ،فلبد ّ من سماعه .
و ـ البصر :
فل ينعقد بشهادة العميان ،لن القوال ل تثبت إل بالمعاينة والسماع .
الشهاد على رضا الزوجة :
ب الشهاد على رضا الزوجة بعقد النكاح ،وذلك بأن يسمع
يستح ّ
ن المرأة ورضاها : شاهدان ـ الشروط المذكورة في شروط الشاهدين ـ إذ َ
بأن تقول :رضيت بهذا العقد ،أو أذنت فيه ،وذلك احتياطا ً ،ليؤمن إنكارها
بعد ذلك .
إعفاف الب أو الجد :
يجب على الولد ،سواء كان ذكرا ً أم أنثى ،مسلما ً أم كافرا ً ،إعفاف
الب ،ومثله الجد ،سواء كان من جهة الب ،أو من جهة الم ،وسواء كان
مسلما ً أم كافرا ً :وذلك بأن يعطيه مهر امرأة حّرة ،أو يقول له :تزوج وأنا
ُأعطيك المهر .
62
أنكحة الكفار :
من
نكاح الكفار فيما بينهم صحيح ،ودليل ذلك حديث غيلن وغيره ،م ّ
أسلم وعنده أكثر من أربعة نسوة ،فإن النبي أمره أن يمسك أربعا ً
ن.
ويفارق سائره ّ
فلم يسأله عن شرائط نكاحه ّ
ن ،فل يجب البحث عن ذلك .
ولو ترافعوا إلينا لم نبطل أنكحتهم ،ولو أسلموا أقررنا نكاحهم .
إسلم الك ّ
فار بعد زواجهم:
إذا كان الرجل كافرا ً ،وكان عنده امرأة كافرة ،فأسلما معا ً ،دام
نكاحهما .وذلك لن الفرقة إنما تقع باختلف الدين ،ولم يختلف دينهما في
الكفر ول في السلم .
روى الترمذي ) النكاح ،باب :ما جاء في الزوجين المشركين يسلم
أحدهما ،رقم ، ( 1144 :وأبو داود ) الطلق ،باب :إذا أسلم أحد الزوجين
،رقم ( 2283 :عن ابن عباس رضي الله عنهما :أن رجل ً جاء مسلما ً على
عهد النبي ، ثم جاءت امرأته مسلمة ،فقال :يا رسول الله ،إنها كانت
ي ،فردها عليه .
دها عل ّ
أسلمت معي فُر ّ
أما إذا أسلم هو ،وأصّرت هي على الكفر :
فإن كانت الزوجة كتابية دام نكاحه لها ،لجواز نكاح المسلم الكتابية .
دتها ،تنجزت الفرقة
وإن كانت وثنية ،أو ملحدة ،ولم تسلم أثناء ع ّ
بينهما من حين إسلم زوجها .
دة ،فإنه يبقى النكاح بينهما .
أما إذا أسلمت في الع ّ
ولو أسلمت المرأة ،وأصّر الزوج على الكفر ،فإنه يفّرق بينهما من
دة ،فإنها تُرد ّ إليه بنفس
حين إسلمها ،إل أن يسـلم ،وهي ما تزال في الع ّ
النكاح السابق .
دتها ،فإنها ل ترجع إليه إل بعقد
أما إن عاد وأسلم بعد انقضاء ع ّ
جديد .
63
روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده :أن رسول الله رد ّ
بنته زينب على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد .
أخرجه الترمذي ) النكاح ،باب :ما جاء في الزوجين المشركين يسلم
أحدهما ،رقم . ( 1142 :
قال الترمذي :هذا حديث في إسناده مقال ،والعمل على هذا
الحديث عند أهل العلم :أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم ز وجها
دة .
دة ،أن زوجها أحقّ بها ما كانت في الع ّ
وهي في الع ّ
داقصــ َ
ال ّ
أحكامه ـ المغالة في المهور
تعريف الصداق :
الصداق هو المال الذي وجب على الزوج دفعه لزوجته بسبب عقد
النكاح .
وسمي صداقا ً ،لشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح .
أحكام الصداق :
للصداق عدة أحكام نذكرها فيما يلي :
أ ـ حكمه :
الصداق واجب على الزوج بمجرد تمام عقد الزواج ،سواء سمي في
العقد بمقدار معين من المال :كألف ليرة سورية مثل ُ ،أو لم يس ّ
م ،حتى
لو اتفق على نفيه ،أو عدم تسميته ،فالتفاق باطل ،والمهر لزم .
ب ـ دليل وجوبه :
ودليل وجوب الصداق القرآن ،والسّنة ،والجماع .
ة حل َ ً صد َُقات ِهِ ّ
ن نِ ْ ساء َ أما القرآن :فقوله تعالى َ :وآُتوا ْ الن ّ َ
] النساء [ 4 :أي عطية ،والمخاطب بذلك هم الزواج .وقوله عّز وج ّ
ل:
فَما استمتعتم به منهن َفآتوهُ ُ
ة ] النساء [ 24 :أي ض ً
ري َن فَ ِ
جوَرهُ ّ نأ ُّ ُ ْ َ ْ َْ ُ ِ ِ ِ ُْ ّ َ
64
ن
سوهُ ّ
م ّ ما ل َ ْ
م تَ َ ساء َ
م الن ّ َ م ِإن ط َل ّ ْ
قت ُ ُ ح ع َل َي ْك ُ ْ مهورهن .وقال تعالى :ل ّ ُ
جَنا َ
ة ] البقرة [ 236 :أي تعينوا لهن مهرا ً . ض ً ضوا ْ ل َهُ ّ
ن فَ ِ
ري َ أ َوْ ت َ ْ
فرِ ُ
من
وأما السّنة :فما رواه البخاري ) فضائل القرآن ،باب :خيركم َ
تعلم القرآن وعلمـه ،رقـم ، ( 4741 :ومسلم ) النكاح ،باب :الصداق
وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثيـر واستحباب
كونه خمسمائة درهم لمن ل يجحف بــه ،رقم ( 1425 :عن سهل بن
سعد قالت " :ما لي في النساء من حاجة " فقال رجل :زّوجنيها ،
قال " :أعطها ثوبا ً " قال :ل أجد ْ .قال " :أعطها ولو خاتما ً من حديد " ،
فاع ْت َ ّ
ل له .فقال " :ما معك من القرآن ؟ " قال :كذا وكذا .قال " :فقد
زّوجت ُ َ
كها بما معك من القرآن ".
] وهبت نفسها :جعلت له أمرها .فاعت ّ
ل له :تعلل أنه ل يجده [ .
وأما الجماع :فقد اتفقت كلمة العلماء على وجوبه من غير نكير من
أحد .
ج ـ حكمة تشريع الصداق :
والحكمة من تشريع المهر إنما هي إظهار صدق رغبة الزوج في
معاشرة زوجته معاشرة شريفة ،وبناًء على حياة زوجية كريمة .
كما أنه فيه تمكين للمرأة من أن تتهيأ للزواج بما تحتاجه من لباس ،
ونفقات .
وإنما جعل السلم الصداق على الزوج ،رغبة منه في صيانة المرأة ،
من أن تمتهن كرامتها في سبيل جمع المال ،الذي تقدمه مهرا ً للرجل .
د ـ تسمية الصداق في العقد :
ن تسمية المهر ـ أي تحديد مقداره ـ في عقد الزواج ،لن النبييس ّ
ل نكاحا ً من تسمية المهر فيه ،ولن في تسميه دفعا ً للخصومة
لم ُيخ ِ
بين الزوجين .
65
وإنما لم يحملوا فعله على الوجوب ،للجتماع على جواز إخلء
عقد الزواج من تسمية المـهر ،وإن كان مع الكراهة ،لمخالفة فعل النبي
.
هـ ـ ملكية المهر :
والمهر ملك الزوجة وحدها ،ل حق لحد فيه من أوليائها ،وإن كان
لهم حق قبضه ،لكنهم يقبضونه لحسابهم وملكها .قال الله تعالى :فَل َ
ْ ْ
مِبينا ً ] النساء [ 20 :وقال عز
ه ب ُهَْتانا ً وَإ ِْثما ً ّ
ذون َ ُ شْيئا ً أ َت َأ ُ
خ ُ ه َ ذوا ْ ِ
من ْ ُ خ ُ
ت َأ ُ
ريئا ً فسا ً فَك ُُلوه ُ هَِنيئا ً ّ
م ِ ه نَ ْ
من ْ ُ
يٍء ّ عن َ
ش ْ ن ل َك ُ ْ
م َ وجل :فَِإن ط ِب ْ َ
] النساء . [ 4 :
و ـ حدّ المهر :
ح عليه اسم المال ،أو كان ل حد ّ لقل المهر ،ول لكثره ،فك ّ
ل ما ص ّ
مقابل ً بمال ،جاز أن يكون مهرا ً ،قليل ً كان أو كثيرا ً ،عينا ً أو دينا ً ،أو منفعة
:كسجادة ،أو ألف ليرة ،أو سكنى دار ،أو تعليم حرفة .
م َأن ت َب ْت َُغوا ْ
ما وََراء ذ َل ِك ُ ْ ل لَ ُ
كم ّ ودليل ذلك قول الله تعالى :وَأ ُ ِ
ح ّ
كم… ] النساء . [ 24 :وال ِ ُ َ
م َ
ب ِأ ْ
فإنه أطلق المال ،ولم يقدره بحد ّ معين .
وقال " : أعطها ولو خاتما ً من َ
حديد " .
من تعلم القرآن
رواه البخاري ) فضائل القرآن ،باب :خيركم َ
وعلمه ،رقم ، ( 4741 :ومسـلم ) النكاح ،باب :الصداق وجواز كونه
تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب كونه
خمسمائة درهم لمن ل يجحف به ،رقم ، ( 1425 :وروى الترمذي
) النكاح ،باب :ما جاء في مهور النساء ،رقم ( 113 :عن عامر بن ربيعة
": أرضيت من نفسك ومالك بنعلين " ؟ قالت :نعم ،فأجازه .وقال
طارا ً فَل َ
ن ِقن َ م َ دا َ تعالى :وإ َ
داهُ ّ
ح َ
م إِ ْ
ج َوآت َي ْت ُ ْ
ن َزوْ ٍ
كا َ ج ّ
ل َزوْ ٍ ست ِب ْ َ
ما ْ
ن أَردت ّ ُ
َِ ْ
شْيئا ًً ] النساء . [ 20 :فقد أباح أن يقدم الزوج لزوجته ْ
ه َ ذوا ْ ِ
من ْ ُ خ ُ
ت َأ ُ
ل على أنه ل حد ّ للمهر في الكثرة . قنطارا ً .والقنطار :المال الكثير فد ّ
66
لكن يستحب أن ل يقل المهر عن عشرة دراهم ،خروجا ً من خلف
من أوجب ذلك ،وهم الحنفية .
وكذلك يستحب أن ل يزيد عن خمسمائة درهم ،لنه الوارد في مهور
بناته وزوجاته ،عليه الصلة والسلم .
روى أحمد وأصحاب السنن ـ وصححه الترمذي ) النكاح ،باب :ما جاء
في مهور النساء ،رقم ( 1114 :ـ عن عمر بن الخطاب قال ) :ل
تغلوا صدق النساء ،فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا ،أو تقوى في الخرة ،
لكان أولكم بها رسول الله ، ما أصدق رسول الله امرأة من نسائه ،
ول أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثني عشرة أوقية ( .
والوقية :أربعون درهما ً ،فيكون مجموع المهر :أربعمائة وثمانين
درهما ً .وهذا المقدار يساوي نصابين ونصف للزكاة تقريبا ً كما هو معلوم
في نصاب الزكاة الذي تجب فيه الزكاة من الفضة ،وذلك يختلف حسب
نقد البلد وتقويم هذا المقدار من الفضة .
ز ـ تعجيل المهر وتأجيله :
ح
ح تعجيله كله قبل الدخول ،ويص ّ
ل يشترط تعجيل المهر ،بل يص ّ
تأجيله كله ،أو تأجيل بعضه إلى ما بعد الدخول ،ولكن يشترط أن يكون
الجل محددا ً ،وذلك لن المهر مْلك الزوجة ،فلها الحق في تعجيل وتأجيل
ما شاءت منه .
جل ً ،كان للزوجة الحق في حبس نفسها عن زوجها
وإذا كان المهر مع ّ
جل مهرها .
حتى تقبض مع ّ
أما إذا كان المهر مؤجل ً ،فل حق لها في حبس نفسها عن زوجها ،
لنها رضيت بالتأجيل ،فسقط حقها في حبس نفسها .
ح ـ استقرار المهر ،أو نصفه ،وسقوطه :
تبين مما ذكرنا سابقا ً أن المهر يجب للزوجة على لزوج بالعقد
الصحيح .
67
وسنذكر الن الحالت التي يستقر بها المهر على الزوج كله ،أو نصفه
،والحالت التي يسقط فيها المهر :
1ـ استقرار كل المهر :
ويستقر المهر كله في حالتين :
الولى :فيما دخل الزوج بزوجته ،سواء كان ذلك الدخول في حال
حرمه :كما
حل :كما إذا كانت المرأة طاهرة من حيض ،أو كان في حال ُ
إذا كانت حائضا ً .فإذا دخل بها لزمه المهر كله ،لنه استوفى المعقود عليه
وض .
وهو الستمتاع ،فلزمه العَ َ
ن َفآُتوهُ ّ
ن من ْهُ ّ
مت َعُْتم ب ِهِ ِ
ست َ ْ ل على ذلك قوله تعالى :فَ َ
ما ا ْ د ّ
ُ
ة
ض ً ن فَ ِ
ري َ جوَرهُ ّ
أ ُ
] النساء [ 24 :والمراد بالستمتاع هنا الدخول والتل ّ
ذذ بالجماع ،والمراد
بالجور المهور ،وسمي المهر أجرا ً لنه استحقّ بمقابل المنفعة ،وهي ما
ذكر من التل ّ
ذذ والستمتاع .
وروى مالك في الموطأ ) النكاح ،باب :ما جاء في الصداق والحيـاء :
( 2/526عـن عمـر ) : أّيما رجل تزوج امرأة ….فم ّ
سها فلها صداقها
كامل ً ( .فم ّ
سها أي دخل بها ووطئها .
الثانية :موت أحد الزوجين ،سواء حصل الموت قبل الدخول ،أو
بعده .
ودليل ذلك إجماع الصحابة رضي الله عنهم .
2ـاستقرار نصف المهر :
ويستقر على الزوج نصف مهر زوجته في حالة واحدة ،وهي :
ما إذا طلقها بعد عقد صحيح ،سمي المهر فيه تسمية صحيحة ،وكان
هذا الطلق قبل أن يدخل بها .
ل َأن
من قَب ْ ِ
ن ِ
موهُ ّ ل :وَِإن ط َل ّ ْ
قت ُ ُ ودليل هذا الحكم قول الله عّز وج ّ
م ] البقرة . [ 237 : ما فََر ْ
ضت ُ ْ ف َ ة فَن ِ ْ
ص ُ ض ً
ري َ م ل َهُ ّ
ن فَ ِ ن وَقَد ْ فََر ْ
ضت ُ ْ سوهُ ّ
م ّ
تَ َ
68
ن .ومعنى
سوهن :أي من قبل أن تدخلوا به ّ ومعنى من قبل أن تم ّ
ميتم لهن مهرا ً .فرضتم :أي س ّ
69
3ـ سقوط المهر كله :
ويسقط المهر كله عن الزوج إذا فارقت الزوجة زوجها قبل الدخول
بها ،وكان هذا الفراق ناشئا ً بسبب منها ،كما إذا أسلمت ،فانفسخ النكاح ،
دت ،أو فسخت النكاح لعيب في الزوج ،أو فسخ الزوج النكاح لعيب
أو ارت ّ
فيه ،فإنه يسقط المهر في هذه الحالت كلها ،لنها هي السبب في هذه
وض قبل التسليم ،فسقط
الفرقة ،وهي المختارة لها ،فكأنها أتلفت المع ّ
وض .
الع َ
والمعرض :هنا :هو تمكينها زوجها من نفسها .والعوض :هو المهر .
ط ـ مهر المثل :
تعريف مهر المثل :
ومهر المثل :هو المال الذي يطلب في الزواج لمثل الزوجة عادة .
تقـــديره :
در مهر المثل بالنظر لقرباء المرأة بالنسب من جهة أبيها .
ويق ّ
من تنتسب إليه من
فيراعي في المرأة المطلوب مهر مثلها أقرب َ
نساء العصبة .
مات .
ن :أخت لبوين ،ثم لب ،ثم بنات أخ ،ثم ع ّ
وأقربه ّ
ن مساويات لها في الصفات التي سيأتي ذكرها .
كما يراعى كونه ّ
فإن فقد َ نساء العصبة ،أو لم ينكحن ،اعتبر مهر القرب فالقرب من
دة ،وخالة ،وبنات أخوات ،
ن أقرباؤها من جهة أمها ،كأم ،وج ّ
أرحامها ،وه ّ
ن أولى من الجنبيات .
لنه ّ
فإن فقدت القريبات من جهة الم أعتبر مثلها من الجنبيات في
من يساويها في الصفات التية .
بلدها ،م ّ
الصفات المعتبرة في تقدير مهر المثل :
ثم يعتبر في تقدير مهر المثل مع النسب المساواة في الصفات
التالية :
70
فة ،والدين ،والتقوى ،
السن ،والعقل ،والجمال ،واليسار ،والع ّ
والعلم ،والبكارة ،والثيوبة ،وكل ما اختلف به غرض صحيح ،لن المهور
تختلف باختلف هذه الصفات .
دليل مشروعية مهر المثل :
ويستدل لثبوت مهر المثل وتقريره :بما رواه أبو داود ) النكاح ،باب :
م صداقا ً حتى مات ،رقم ، ( 2114 :والترمذي ) النكاح ،
فيمن تزوج ولم يس ّ
باب :ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنه قبل أن يفرض لها ،رقم :
( 1145بسند حسن صحيح ،وغيرهما :عن عبدالله بن مسعود أنه سئل
عن رجل تزوج امرأة ،ولم يفرض لها مثل صداقا ً ولم نسائها ،ول وَك ْ َ
س ،ول
ث ،فقام معقل بن مّنا ،مثل الذي شط َ َ
ط ،وعليها العد ّة ُ ،ولها الميرا ُ َ
ت ،ففرح بها ابن مسعود .
قضي َ
موجبات مهر المثل :
ويجب مهر المثل للسباب التالية :
قد َ العقد شرطا ً من شروط
أ ـ إذا كان عقد النكاح فاسدا ً ،وذلك كأن فَ َ
ي .ثم تبع ذلك العقد
صحته ،كأن تزوجت من غير شهود ،أو من غير ول ّ
الفاسد دخول بالزوجة .فإنه يجب لها مهر المثل ،لفساد العقد
والمسمى ،مع وجوب التفريق بينهما .
در مهر المثل وقت الدخول بها ،ل وقت العقد عليها ،لن العقد
ويق ّ
الفاسد ل اعتبار له
ب ـ إذا فسخ المهر بسبب الخلف بين الزوجين في تسميته ،أو مقداره .
ميتفإذا اختلف الزوج والزوجة في تسمية المهر ،فقالت الزوجة :س ّ
سم مهرا ً ،حلفت الزوجة على ما
لي مهرا ً في العقد ،وقال الزوج :لم أ َ
دعي ،ثم يفسخ المهر ،ويجب مهر
دعي ،وحلف الزوج على ما ي ّ
ت ّ
المثل .
كذلك إذا اختلفا في مقدار المهر ،فقالت الزوجة :إن ألفان ،وقال
الزوج :إنه ألف ،فإنهما يتحالفان ،ويفسخ المهر ،ويجب مهر المثل .
71
ج ـ إذا سمي المهر تسمية فاسدة :
ويكون فساد في مسائل نذكر منها ما يلي :
المسألة الولى :أن يكون المهر المسمى غير مال شرعا ً :كخمر ،
وخنزير ،وآلة لهو ،و نحو ذلك مما ل ُيعد ّ مال ً في ُ
عرف الشرع ،لن
الشرع أوجب أن يكون المهر مال ً ،أو مقابل ً بمال ،وهذه ليست مال ً شرعا ً
.
ماه مهرا ً غير مملوك له :كأن
المسألة الثانية :أن يكون المال الذي س ّ
أصدقها سجادة مغصوبة
المسألة الثالثة :أن ينكح امرأتين أو أكثر بمهر واحد ،فإن النكاح صحيح
ص كل
،والمهر فاسد ،ويجب مهر المثل لكل واحدة ،للجهل بما يخ ّ
واحدة من المهر عند العقد .
ي صغيرا ً بأكثر من مهر المثل من مال المسألة الرابعة :أن يزّوج الول ّ
الصبي ،أو أن يزّوج صغيرة ،أو بكرا ً كبيرة بغير إذنها بأقل من مهل
ي
المثل ،فإن المهر يفسد في ذلك ،ويجب مهر المثل ،لن الول ّ
مأمور بفعل ما فيه المصلحة لهما ،والمصلحة منتقية هنا .
فوضة :وهي أن تقول امرأة رشيدة ـ بكرا ً كانت
المسألة الخامسة :الم ّ
أو ثيبا ً ـ لولّيها :زّوجني بل مهر ،فزوجها وليها ونفي المهر ،أو زوجها
وسكت عن المهر ،فإنه يجب لها مهر المثل ،ولكن ل بنفس العقد ،
وإنما بالدخول بها ،لن الدخول بها ل ُيباح بالباحة ،لما فيه من حق
الله عز وجل ،ويعتبر مهر المثل عند العقد ،ل عند الدخول .
ولها أن تطالب الزوج أن يفرض لها مهرا ً قبل الدخول ،وأن تحبس
نفسها عنه حتى يفرض لها مهر مثلها .
المسألة السادسة :أن يشترط في عقد الزواج أن يكون جزء من المهر
لغير الزوجـة :كأبيها ،أو أخيها ،فإن النكاح صحيح ،والمهر فاسد ،
ويجب لها مهر المثل .
تنبيـــه:
72
الشروط في عقد النكاح على ثلثة أقسام :
القسم الول :أن يكون الشرط موافقا ً لمقتضى النكاح :كأن
شرطت عليه أن ينفق عليها ،وأن يقسم لها .
فهذا الشرط لغو ،وعقد النكاح والمهر المسمى صحيحان .
القسم الثاني :أن يكون الشرط مخالفا ً لمقتضى النكاح ،لكنه غير
مخ ّ
ل بمقصود النكاح الصلي وهو الوطء ،كأن تشترط عليه في عقد الزواج ُ
أن ل يتزوج عليها ،أو يشترط عليها أن ل ينفق عليها .
فإن عقد النكاح صحيح لعدم الخلل بمقصوده الصلي ،والشرط
فاسد ،سواء كان له ،أو لها .لقوله " : كل شرط ليس في كتاب الله
فهو باطل .
رواه البخاري ) المساجد ،باب :ذكر البيع والشراء على المنبر في
المسجد ،رقم . ( 444 :
ويفسد المهر أيضا ً تبعا ً لفساد الشرط ،لن الرضا بالمهر قد عّلق
على شرط ،فلما فسد الشرط فسد المهر ،لنتقاء الرضا بالمهر بغير ما
ُ
شرط فيه .
القسم الثالث :أن يكون الشرط مخل ً بمقصود النكاح الصلي ،
وهو الوطء :كأن شرطت عليه في العقد أن ل يطأها ،أو أن يطلقها بعد
النكاح .
فالنكاح باطل ،لن هذا الشرط ينافي مقصود النكاح ،فيبطله .
المتــعة
تعريف المتعة :
المتعة ـ بضم الميم ـ مشتقة من المتاع ،وهو ما يستمتع به وينتفع
به .
مفاِرقة له
والمراد بها هنا :مال يجب على الزوج دفعه لمرأته ال ُ
بطلق ،أو فراق .
73
لمن تجب المتعة :
المتعة واجبة للمرأة في الحالت التالية :
ٌ
أ ـ إذا ط ُّلقت بعد الدخول بها .
ب ـ إذا ط ُّلقت قبل الدخول بها ،ولم يكن س ّ
مي لها مهر في عقد
الزواج .
دته ،
ج ـ إذا حكم بفراقها لزوجها ،وكان الفراق بسبب منه ،كر ّ
ولعانه ،وكان هذا الفراق قد وقع بعد الدخول ولكن بشرط أن ل
يكون قد سمي لها مهر في عقد الزواج .
أما المرأة المطّلقة قبل الدخول ،وقد سمي لها مهر في عقد
الزواج ،فل متعة لها ،لنها قد نالت نصف المهر ،وهي لم تبذل لزوجها
شيئا ً بعد .
دليل وجوب المتعة :
م م ِإن ط َل ّ ْ
قت ُ ُ ح ع َل َي ْك ُ ْ ل :لّ ُ
جَنا َ أما دليل المتعة ذكرنا فهو قوله عّز وج ّ
سِع قَد َُرهُمو ِ ن ع ََلى ال ْ ُ مت ُّعوهُ ّ
ة وَ َض ً
ري َ ضوا ْ ل َهُ ّ
ن فَ ِ ن أ َوْ ت َ ْ
فرِ ُ سوهُ ّ
م ّ ما ل َ ْ
م تَ َ ساء َ
الن ّ َ
ن ] البقرة : سِني َ
ح ِ قا ً ع ََلى ال ْ ُ
م ْ ح ّف َمعُْرو ِ مَتاعا ً ِبال ْ َ
قت ِرِ قَد ُْره ُ َ وَع ََلى ال ْ ُ
م ْ
ن قي َ قا ً ع ََلى ال ْ ُ
مت ّ ِ ح ّ
ف َمعُْرو ِ مَتاع ٌ ِبال ْ َ
ت َ مط َل ّ َ
قا ِ [ 236وقال تعالى :وَل ِل ْ ُ
] البقرة . [ 241 :
مقدار المتعة :
عند تقدر المتعة إما أن يتفق الزوجان على مقدارها ،وإما أن يختلفا ً :
فإن اتفقنا على مقدار معين من المال ـ قل ذلك المال أو كثر ـ كان
حت المتعة على ما اتفقنا عليه .
ذلك لها ،وص ّ
وإن اختلفا في تقديرها ،فإن القاضي هو الذي يتولى تقديرها ،معتبرا ً
حالهما :من يسار الزوج وإعساره ،ونسب الزوجة وصفاتها .قال الله
قت ِرِ قَد ُْره ُ ] البقرة : سِع قَد َُره ُ وَع ََلى ال ْ ُ
م ْ مو ِ ن ع ََلى ال ْ ُ تعالى :وَ َ
مت ُّعوهُ ّ
ف] البقرة [ 241 : معُْرو ِ مَتاع ٌ ِبال ْ َ
ت َ
قا ِمط َل ّ َ [ 236وقال عّز وجل :وَل ِل ْ ُ
74
ب في المتعة أن ل تنقص علن ثلثين درهما ً ،أو ما قيمته
لكن يستح ّ
ذلك ،وأن ل تلغ نصف مهر المثل .
75
الشيطان ،ويلجؤون إلى الفاحشة ،ويبحثون عن الرذيلة ،فيتبدل الصلح
فسادا ً ،والطمأنينة ثورة ،فتتل ّ
وث الغراض ،وتختلط النساب ،وتكثر
المراض .
صنوا دينهم ،
ولو كان للشباب أزواج يعففنهم لحفظوا أخلقهم ،وح ّ
وضمنوا لمجتمعهم السلمة من الثم والفجور .
ـ وأما المفاسد التي تصيب المرأة نفسها كنتيجة للمغالة فيكفي أن
نذكر منها :
إن كثيرا ً من النساء سوف يبقين عوانس محرومات من أخص ما
ن ،وسيظللن يشعر بفراغ مؤرق
ن ،وتهفوا نحوه نفوسه ّ
تتطلبه فطرته ّ
ن،
ن ،ويشتقن إلى البيت الذي يقضي على وساوسه ّ
يقض مضاجعه ّ
ن بنعمة الهدوء والستقرار ،فل يجدنه ،ول يظفرن به ،لن آباءهن وُيشعره ّ
ن.
خطابه ّطلبوا مهورا ً أعجز الكثير من ّ
ن ،ويفسدن
هذا إذا لم يخرجن إلى الطرقات يعرضن فتنته ّ
ن.
مجتمعه ّ
ن
أما إذا خرجن ـ كما هو الغالب على هؤلء العوانس ـ فالضرر عليه ّ
م وأفدح .
أبلغ ،والكارثة أع ّ
ـ أما مخالفة السّنة النبوية ،فلنستمع إلى ما يقوله النبي في
المهر :
روى أحمد ) ( 6/82عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت :قال
ة". رسول الله ": إن أعظم النكاح بركة أيسره َ
مؤون ً
وروى عمر بن الخطاب قال :قال رسول الله " خيُر النكاح
سُره " رواه أبو داود ) النكاح ،باب :في التزويج على العمل يعمل ،رقم
أي َ
( 2117 :والحاكم وصححه .
فل بركة إذا ً ول خير إذا أصبح المهر تجارة يطلب من ورائها الثراء ،
ووسيلة للمكاثرة والمفاخرة بين القران .
76
وروى البخاري ) النكاح ،باب :كيف يدعى للمتزوج ،رقم ( 4860 :
ومسلم ) النكاح ،باب :الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير
ذلك من قليل وكثير واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن ل يجحف به ،
رقم ( 1427 :عن أنس بن مالك أثر ُ
صفوة ،فقال " :ما هذا " ؟
قال :تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب ،قال " :بارك الله لك ،
م ولو بشاة " .
أول ِ ْ
] أثر صفوة :أي صبغ على ثوبه .نواة :بزرة التمر [.
لقد دعا له بالبركة كثرة الخير ـ والبركة كثرة الخير -في هذا الزواج
وما كان المهر فيه إل وزن نواة من التمر .
مغالين من هذه البركة ؟
فما هو نصيب هؤلء ال ُ
وعن أبي العوجاء قال :سمعت عمر بن الخطاب يقول :ل تغلو
صد ُقَ النساء ،فإنها لو كانت مكُرمة في الدنيا ،أو تقوى في الخرة ،لكان
ُ
دقت أولكم بها النبي ما أصدق رسول الله امرأة من نسائه ،ول أ ْ
ص ِ
امرأة من بناته ،أكثر من ثنتي عشرة ُأوقية .
رواه الخمسة ،وصححه الترمذي ) النكاح ،باب :ما جاء في مهور
النساء ،رقم . ( 1114 :
والخلصة :أن المغالة في المهور مكروهة شرعا ً ،وأن الي ُ ْ
سر في المهور
مندوب ،ومن أسباب البركة والخير للرجال والنساء ،والمجتمع .
78
ث ل ّك ُم فَأ ْتوا ْ حرث َك ُ َ
شئ ْت ُ ْ
م ] البقرة . [ 223 : م أّنى ِ
ْ َ ْ ُ ْ حْر ٌ سآؤ ُك ُ ْ
م َ نِ َ
ب ـ وجوب متابعة المرأة لزوجها ،وطاعتها له ،وتمكينها له
من نفسها ،ومحافظتها على بيته .
روى مسلم ) النكاح ،باب :تحريم امتناعها من فراش زوجها ،رقم
، ( 1436والبخــاري ) النكاح باب :إذا باتت المرأة مهاجرة فراش
زوجها ،رقم (4879 :عن أبي هريرة عن النبي قال " :إذا باتت
المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملئكة حتى تصبح ( .
وفي رواية أخرى ) :إذا دعا الرجل امرأَته إلى فراشه ،فلم تأته ،
ة حتى ُتصِبح ( .
فبات غضبان عليها ،لعنتها الملئك ُ
ن أل يوطئن فُُرشكم
وقال في خطبة حجة الوداع " :ولكم عليه ّ
أحدا ً تكرهونه " .
رواه مسلم من حديث طويل ) الحج ،باب :حجة النبي رقم :
( 1218وغيره .
ج ـ المهر ،وهو حق للزوجة على زوجها .قال الله تعالى َ :وآُتوا ْ الن ّ َ
ساء
ة حل َ ً صد َُقات ِهِ ّ
ن نِ ْ َ
] النساء . [ 4 :
د ـ النفقة ،وقد أجمع المسلمون على أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها .
قال الله عز جل :
ف ] البقرة [ 223 : ن ِبال ْ َ
معُْرو ِ سوَت ُهُ ّ
ن وَك ِ ْ موُْلود ِ ل َ ُ
ه رِْزقُهُ ّ َ وعَلى ال ْ َ
.وقال تعالى :
َ
قوا
ضي ّ ُ
ن ل ِت ُ َ م وََل ت ُ َ
ضاّروهُ ّ جد ِك ُ ْ
من وُ ْ س َ
كنُتم ّ ث َ حي ْ ُ
ن َ
م ْ
ن ِسك ُِنوهُ ّأ ْ
ن ] الطلق [ 6 : ع َل َي ْهِ ّ
ن
ن عليكم رزقه ّ وقال رسول الله في خطبة حجة الوداع " :وله ّ
ن بالمعروف " .رواه مسلم ( 1218وغيره والنفقة تشمل
وكسوته ّ
الطعام والشـراب ،والكسوة والمسكن ،وسيـأتي تفصـيل ذلك إن شاء
الله تعالى :
79
هـ ـ القسم بين الزوجات ،إن كان للزوج أكثر من زوجة واحدة ،كما
سيأتي .
قال رسول الله ": إذا كان الرجل امرأتان ،فلم يعدل بينهما ،جاء
يوم القيامة وشقه ساقط " .
رواه الترمذي ) النكاح ،باب :ما جاء في التسوية بين الضرائر ،
رقم ، (1141 :وابن ماجه ) النكاح ،باب :القسمة بين النساء ،رقم :
، ( 1969وأبو داود ) النكاح ،باب :في القسم بين النساء ،رقم :
، ( 2123عن أبي هريرة .
وروى الترمذي ) النكاح ،باب :ما جاء في التسوية بين الضرائر ،
رقم (1140 :وأبو داود ) النكاح ،باب :في القسم بين النساء ،رقم :
( 2134وغيرهما :عن عائشة رضي الله عنها :أن النبي كان يقسم
م هذه قسمتي فيما أملك ،فل تلمني
بين نسائه ،فيعدل ،ويقول " :الله ّ
فيما تملك ول أملك ".
] هذه قسمتي :أي في المبيت والنفقة .فل تلمني فيما تملك ول
دة [ .
أملك :أي في الحب والمو ّ
و ـ النسب ،ويثبت بالزواج بعد الدخول تسب الولد إلى أبيهم ،إذا جاءت
بهم الزوجة ضمن مدة الحمل المعروفة :وأقلها ستة أشهر ،وأكثرها
أربع سنين .كما مّر .فولد كل زوجة في زواج صحيح ينسب إلى
زوجها .قال رسول الله " : الولد للفراش ،وللعاهر الحجر"
رواه مسلم ) الرضاع ،باب :الولد للفراش وتوقي الشبهات ،رقم :
. (1457
] والمراد بالفراش :حالة قيام الزوجية .وللعاهر الحجر :أي الزاني له
الخيبة ،ول حقّ له في الولد [ .
ز ـ التوارث بين الزوجين بشروطه المعروفة في باب الرث ،
قال الله تعالى :
80
ف ما تر َ َ
ن وَل َد ٌ
ن ل َهُ ّ
كا َن وَل َد ٌ فَِإن َ كن ل ّهُ ّ م يَ ُ م ِإن ل ّ ْ جك ُ ْ
ك أْزَوا ُ ص ُ َ ََ م نِ ْ وَل َك ُ ْ
َ
مام ّن الّرب ُعُ ِن وَل َهُ ّ ن ب َِها أوْ د َي ْ ٍ صي َ صي ّةٍ ُيو ِ من ب َعْد ِ وَ ِ ن ِ ما ت ََرك ْ َ م ّ
م الّرب ُعُ ِ فَل َك ُ ُ
من ما ت ََرك ُْتم ّم ّن ِ م ُن الث ّ ُ م وَل َد ٌ فَل َهُ ّ ن ل َك ُ ْكا َم وَل َد ٌ فَِإن َ كن ل ّك ُ ْ م يَ ُم ِإن ل ّ ْ ت ََرك ْت ُ ْ
ن ] النساء . [ 12 : َ
ن ب َِها أوْ د َي ْ ٍ صو َ صي ّةٍ ُتو ُ ب َعْد ِ وَ ِ
سنن عقد النكاح :
ب التيان بها تعظيما ً لهذا العقد ،وإظهارا ً
ولعقد الزواج سنن يستح ّ
له .
ومن هذه السنن ما يلي :
أ ـ الخطبة ُ
قبيل عقد الزواج ،وهذه الخطبة مستحبة من قبل الزوج أو
نائبه ،وذلك لما روي عن عبدالله بن مسعود موقوفا ً ومرفوعا ً قال
دكم أن يخ ُ
طب لحاجة من نكاح وغيره فليقل …( إلى ) :إذا أراد أح ُ
آخر الحديث ،وقد مّر في بحث الخطبة ،فارجع إليه هناك
ن الدعاء للزوجين عند الزواج ،وذلك لما ب ـ الدعاء للزوجين ،ويس ّ
روى أبو هريرة : أن النبي كان إذا رّفأ إنسانا ً إذا تزوج قال " :
بارك الله لك ،وبارك عليك ،وجمع بينكما في الخير " .
رواه الترمذي ) النكاح ،باب :ما جاء فيما ُيقال للمتزوج ،رقم :
( 1091وأبو داود
) النكاح ،باب :ما ُيقال للمتزوج ،رقم ( 2130 :وابن ماجه ) النكاح ،
باب :تهنئة النكاح ،رقم . ( 1905 :
] ومعنى رّفأ :دعا له بالّرفاء ،أي اللتئام وجمع الشمل [ .
ج ـ إعلن عقد الزواج ،وإظهار الفرح فيه بضرب الدف ،ويستحب
إعلن عقد الزواج ،واجتماع الناس عليه ،ويكره إسراره .
كما يستحب إظهار الفرح ،وضرب الدف ،والغناء الطيب الذي
يتضمن المعنى الحسن الكريم .
81
روى ابن ماجه ) النكاح ،باب :إعلن النكاح ،رقم ( 1895 :عن
عائشة رضي الله عنها قالت :قال رسول الله " : أعلنوا هذا النكاح ،
واضربوا عليه بالُغربال " أي الدف .
وروى الترمذي ) النكاح ،باب :ما جاء في إعلن النكاح ،رقم :
( 1088وغيره :أن النبي قال " :فصل ما بين الحرام والحلل
ف والصوت " .
الد ّ
وقال ": أعلنوا هذا النكاح ،واجعلوه في المساجد واضربوا
عليه بالدفوف " .
رواه الترمذي ) الموضع السابق ،رقم . ( 1089 :
ن الفرح ،وإظهار البهجة ،واللهو الشريف البريء .
وكذلك يس ّ
روى البخاري ) النكاح ،باب :النسوة اللتي يهدين المرأة إلى
زوجها ،رقم ( 4867 :عن عائشة رضي الله عنهما :أنها َزّفت امرأة إلى
رجل من النصار ،فقال النبي " : يا عائشة ،ما كان معكم من لهو ؟
فإن النصار يعجبهم اللهو " .
أما الغناء الذي فيه مجون ،وفجور وشرور ،ووصف للمحاسن
والفاتن ،وإثارة للشهوات والغرائز ،فإنه حرام بل شك ،في العراس
وغيرها .
د ـ الدعاء عند الدخول على الزوجة ،ويستحب عند الدخول على الزوجة ،
والعزم على جماعها ،بأن يقول :بسم الله ،اللهم جنبنا الشيطان
وجنب الشيطان ما رزقتنا .
روى البخاري ) الوضوء ،باب :التسمية على كل حال وعند الوقاع ،
رقم ( 141 :مسلم ) النكاح ،باب :ما يستحب أن يقول عند الجماع ،رقم
( 1434 :عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :قال رسول الله " : لو
ي أهَله قال :بسم الله ،الّلهم جّنبنا الشيطان ،
ن يأت َ
أن أحدهم إذا أراد أ ْ
در بينهما ولد في ذلك لم يضرهّ
ق ّ
وجنب الشيطان ما رزقتنا ،فإنه إن ي ُ َ
شيطان أبدا ً " .
82
دث عنها بشيء من التفصيل . هـ ـ الوليمة ،وهي مسنونة ،وسنتح ّ
معنى الوليمة :الوليمة مشتقة من الوَْلم ،وهو الجتماع ،وس ّ
ميت
بذلك لن الزوجين يجتمعان فيها .
قال في القاموس :الوليمة طعام العرس ،أو كل طعام صنع لدعوة
وغيرها ،وأولم :صنع الوليمة .
حكم الوليمة :الوليمة للعرس سّنة مؤكدة ،لثبوتها عن النبي
قول ً وفعل ً .
فقد روى البخاري ) النكاح ،باب :من أولم بأقل من شاة ،رقم 4877 :
( أن النبي أولم على بعض نسائه بمدين من شعير .
وروى الترمذي ) النكاح ،باب :ما جاء في الوليمة ،رقم ( 1095 :أن
حيي رضي الله عنها بسويق وتمر .رواه داود النبي أول َ َ
م على صفية بنت ُ
) الطعمة ،باب :في استحباب الوليمة عند النكاح ،رقم ، ( 3744 :وابن
ماجه ) النكاح ،باب :الوليمة ،رقم . ( 1909 :
وروى مسلم ) النكاح ،باب :زواج زينب ..وإثبات وليمة العرس ،رقم :
( 1428أن النبي أولم على زينب رضي الله عنها بخبز ولحم .وأنه قال
لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه " :أولم ولو بشاة " ،رواه البخاري
) النكاح ،باب :الوليمة ولو بشاة ،رقم ، ( 4872 :ومسلم ) النكاح ،باب:
الصداق وجواز كونه تصليح قرآن … ،رقم . ( 1472
وقد حمل العلماء فعله وقوله على الندب .
مقدار الوليمة :وأقل الوليمة للموسر شاة ،ول حد ّ لكثرها ،
ولغيره ما قدر عليه من الطعام .
سع من حين العقد إلى ما بعد وقت الوليمة :ووقت وليمة العرس مو ّ
الدخول ،وإن كان الفضل فعلها بعد الدخول ،لن النبي لم يوِْلم على
نسائه إل بعد الدخول ،فقد جاء في أحاديث زواجه : أصبح النبي بها
عروسا ً ،فدعا القوم ..وهكذا .
83
انظر البخاري ) النكاح ،باب :الوليمة حق ( ،ومسلم ) النكاح ،
باب :فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها( .
حكمة تشريع الوليمة :وحكمة تشريع وليمة العرس شكر الله عّز
وجل على ما وُّفق به من الزواج .واجتماع الناس عليه ،حيث إن هذا
الجتماع يدعو إلى التحابب والتآلف .وإظهار الزواج من السّرية إلى العلنية
،ليظهر الفرق بين النكاح المشروع ،والسفاح الممنوع.
حكم إجابة الدعوة إلى وليمة العرس :وإجابة دعوة وليمة العرس
من دعي إليها .
فرض عين على َ
ودليل ذلك ما رواه البخاري ) النكاح ،باب :حق إجابة الوليمة
والدعوة … ،..رقم ( 4878 :ومسلم ) النكاح ،باب :المر بإجابة الداعي
إلى دعوة ،رقم ( 1429 :عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :قال رسول
الله " : إذا ُ
دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " .
وفي رواية عند مسلم ) النكاح ،باب :المر بإجابة الداعي إلى
دعوة ،رقم ( 1432 :عن أبي هريرة ) و َ
من لم يجب الدعوة فقد
عصى الله ورسوله ( .
شروط وجوب إجابة دعوة وليمة العرس :لقد شرط العلماء
لوجوب إجابة دعوة وليمة العرس شروطا ً منها:
جب
صهم ل ت ِ
ص صاحب الدعوة بها الغنياء وحدهم ،فإذا خ ّ
أ ـ أن ل يخ ّ
إجابتها .
روى مسلم ) النكاح ،باب :المر بإجابة الداعي إلى دعوة ،رقم :
( 1432عن أبي هريرة أنه كان يقول ) :بئس الطعام طعام الوليمة ،
من لم يأت الدعوة فقد عصى الله
ُيدعى إليه الغنياء ،وُيترك المساكين ،ف َ
ورسوله ( .
ومعنى الحديث الخبار بما يقع من الناس بعده من مراعاة الغنياء
في الولئم ،وتخصيصهم بالدعوة ،وإيثارهم بطيب الطعام مما هو غالب
في الولئم اليوم .
84
ب ـ أن يكون الداعي مسلما ً ،والمدعو مسلما ً ،فإن كان غير ذلك فل تجب
إجابة الدعوة إليها
ج ـ أن يدعوه في اليوم الول ،إذا أولم في أكثر من يوم ،فإذا دعاه في
اليوم الثاني استحبت الجابة ،وفي اليوم الثالث ُتكره إجابتها .
روى الترمذي ) النكاح ،باب :ما جاء في الوليمة ،رقم ( 1079 :
عن ابن مسعود قال :قال رسول الله " طعام أول يوم حق ،وطعام
مع الله به " أي
مع س ّ
سمعة ،ومن س ّ
يوم الثاني سنة ،وطعام يوم الثالث ُ
تفاخر وليسمع الناس به .
وروى أحمد ) ( 5/28وغيره :أن رسول الله قال " :الوليمة في
سمعة " .
اليوم الول حق ،وفي الثاني معروف ،وفي الثالث ريا ء و ُ
دد والتقّرب ،فإن دعاه لخوف منه ،أو طمع في جاهه ل
د ـ أن يدعوا للتو ّ
تجب إجابتها .
هـ ـ أن ل يكون الداعي ظالما ً أو شريرا ً ،أو صاحب مال حرام ،فإن كان
جب إجابتها .
كذلك ل ت َ ِ
و ـ أن ل يكون هناك منكر :كخمر ،واختلط بين الرجال والنساء ،أو صور
إنسان ،أو حيوان معلقة على الجدران .
قال رسول الله " : من كان يؤمن بالله واليوم الخر فل يقعدن
على مائدة ُيدار عليها الخمر " أخرجه الحاكم وصححه .
) المستدرك :الدب ،باب :ل تجلسوا على مائدة ُيدار عليها الخمر :
. (4/288
فإن كان يزول المنكر بحضوره ،وجب حضوره ،وإجابة الدعوة ،
وإزالة المنكر .
مجيب دعوة الوليمة أن يأكل
الكل من طعام الوليمة :ل يجب على ُ
منها ،بل الواجب عليه أن يحضـر ،ثم إن شاء أكل ،وإن شاء ترك .
85
روى مسلم ) النكاح ،باب :المر بإجابة الداعي إلى دعوة ،رقم :
( 1430عن جابر قال :قال رسول الله " إذا ُ
دعي أحدكم إلى طعام
فُليجب ،فإن شاء ط َِعم ،وإن شاء ترك
وقيل :يجب أن يأكل إل إذا كان صائما ً .
ودليل ذلك ،ما رواه مسلم ) الموضع السابق ،رقم ( 1431 :عن
أبي هريرة قال :قال رسول الله " : إذا ُ
دعي أحدكم فلُيجب ،فإن
كان صائما َ فلُيصل ،وإن كان مفطرا ً فليطعم " .
ومعنى ) فل ُْيصل ( فل ْي َ ْ
دع لهل الطعام بالمغفرة والبركة .والصلة في
ن ل ّهُ ْ
م ] التوبة : سك َ ٌ صل َت َ َ
ك َ ن َ ل ع َل َي ْهِ ْ
م إِ ّ اللغة :الدعاء .قال تعالى :وَ َ
ص ّ
[ 103أي ادع لهم .
مجيب الدعوة أن يأكل مما قُ ّ
دم له ،ول يتصرف فيه إل حب ل ُ
ويست ّ
بالكل .
وله أن يأخذ منه إن علم رضا صاحب الدعوة.
ويحل ن َْثر سكر وغيره :كجوز ولوز ودنانير ودراهم على المرأة في
النكاح ،ويح ّ
ل التقاطه ،وتركه أولى .
86
بقرعة ،أو غيرها ،لزمه المبيت عند الباقيات ،وأصبح القسم لّهن واجبا ً
ن.تحقيقا ً للعدل بينه ّ
دليل وجوب العدل في القسم وغيره :
سم وغيره بين النساء :القرآن والسّنة . ق ْودليل وجوب العدل في ال َ
حد َة ً أ َْو
وا ِ فت َ
م أل ّ ت َعْد ُِلوا ْ فَ َ
خ ْ ُ ْ أما القرآن :فقول الله عّز وجل :إ ِ ْ
ن ِ
َ
م مان ُك ُ ْ مل َك َ ْ
ت أي ْ َ ما َ
َ
سم والنفاق فاقتصروا على
ق ْ
] النساء [ 3:أي إن خفتم أن ل تعدلوا في ال َ
تزّوجكم واحدة .
ن.
سم بينه ّ
ق ْ
فلقد أشعرت الية بوجوب العدل في ال َ
وأما السنة :فما رواه أبو داود ) ( 2133والترمذي ) ( 1141
وغيرهما عن أبي هريرة : أن النبي قال َ ) :
من كانت له امرأتان
فمال إلى إحداهما ـ وعند الترمذي :فلم يعدل بينهما ـ جاء يوم القيامة
قه ساقط ( .وهذه عقوبة ل تكون إل
قه مائل ـ وعند الترمذي :وش ّ
وش ّ
على ترك واجب .
وروى أبو داود ) ، ( 2134والترمذي ) ( 1140عن عائشة رضي الله
عنها قالت :كان رسول الله يقسم فيعدل ،ويقول ) :الّله ّ
م هذا قسمي
فيما أملك ،فل تلمني فيما تملك ول أملك ( .
سم بين النساء ( ،والترمذي ) النكاح
ق ْ
أبو داود ) النكاح ،باب :في ال َ
،باب :ما جاء في التسوية بين الضرائر ( .
سم : من يستحق ال َ
ق ْ
ن مريضة ،أو حائضا ً أو
سم الزوجات ،ولو كانت إحداه َ
ق ْ
ويختص بال َ
ن.نفساء ،ما دمن من طائعات لزوجه ّ
أما إذا كانت المرأة ناشزا ً فل تستحق القَ ْ
سم ،لسقاطها حقها
بنشوزها ،وسيأتي بيان النشوز وحكمه .
سم بين الزوجات : كيفية ال َ
ق ْ
ويجوز للزوج أن يجعل لكل زوجة ليلة ويوما ً قبلها ،أو بعدها .
87
والصل الليل ،والنهار تبع له ،إل إذا كان الزوج يعمل ليل ً :كحارس ،فإن
الصل النهار ،والليل تبع له .
ن إليه ،كل
ثم إذا كان الزوج يبيت في بيت وحده جاز له أن يدعوه ّ
واحدة في ليلتها ويومها .
ن.
ن في بيوته ّ
والفضل أن يدور عليه ّ
ن في
ن ،وجب عليه أن يدور عليه ّ
وإن كان يبيت عند واحدة منه ّ
ن ،كل واحدة في ليلتها ويومها .
بيوته ّ
ن ،ثم يدعوا الباقيات إليه ،
ويحرم عليه أن يبيت عند واحدة منه ّ
لن إتيان بيت الضرائر شاق على النفس .
ن ،لما
ن في مسكن واحد بغير رضاه ّ
كما يحرم عليه أن يجمعه ّ
ن.
يسّببه ذلك من التباغض بينه ّ
سم يومين ،أو ثلثة أيام .
ق ْ
ويجوز أن يجعل مدة ال َ
ن،ويحرم أكثر من ذلك ،لما في طول المدة من الوحشة عليه ّ
وتجب القرعة للبدء بالمبيت عند واحدة منهن ،تجنبا ً لترجيح إحداه ّ
ن على
الخرى ،ثم يقرع بين الباقيات .
ويجوز أن يدخل نهارا ً على غير َ
من لها النوبة إذا كان دخوله لحاجة ،
وينبغي أل ّ يطول مكثه .
سم بين النساء ،رقم :ك 2135
ق ْ
روى أبو داود ) النكاح ،باب :في ال َ
( ،والحاكم
) النكاح ،باب :التشديد في العدل بين النساء رقم ( 2/186 :وقال صحيح
السناد :عن عائشة رضي الله عنها قالت :وكان ـ أي رسول الله قال
يوم إل وهو يطوف علينا جميعا ً ،فيدنوا من كل امرأة من غير مسيس حتى
يبلغ إلى التي هو يومها ،فيبيت عندها .
ول يجوز أن يدخل ليل ً إلى غير َ
من لها النوبة إل لضرورة :كمرض
مخوف ،أو حريق ،أو نحو ذلك .
ص بكر جديدة بسبع ليال متواليات وجوبًا.
وتخت ّ
88
كما تختص ثّيب جديدة بثلث ليال متواليات وجوبا ً أيضا ً .
روى البخاري ) النكاح ،باب :إذا تزوج الّثيب على البكر ،رقم :
( 4916ومسلم
) الرضاع ،باب :قدر ما تستحقه البكر والّثيب من إقامة الزوج … ،رقم :
( 1461عن أنس قال :من السّنة إذا تزوج البكر على الّثيب أقام
عندها سبعا ً ثم قسم ،وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلثا ً ثم قسم .قال :أبو
قلبة ـ أحد رواة الحديث ـ لو شئت لقلت :إن أنسا ً رضي الله رفعه إلى
النبي .
وروى مسلم ) الموضع السابق ،رقم ( 1460 :عن أم سلمة رضي
الله عنها قالت :قال رسول الله " : للبكر سبع ،وللثّيب ثلث " .
ن ليلتها لضّرتها بات عند الموهوب لها ليلتيهما ،كل
ولو وهبت إحداه ّ
ليلة في وقتها الذي كان لها ،فإن كانت متتابعين تابع بينهما ،وإن كانتا
ودة بنت زمعة متفرقين ،فرق بينهما فعل رسول الله لما وهبت َ
س ْ
نوبتها لعائشة رضي الله عنهما .
روى البخاري ) النكاح ،باب :المرأة الثّيب َتهب يومها من زوجها
لضّرتها ،رقم ( 4941 :ومسلم ) الرضاع ،باب :جواز هبتها نوبتها لضرتها
،رقم – ( 1463 :واللفظ لمسلم – عن عائشة رضي الله عنها قالت :ما
خها من سودة بنت زمعة من امرأةسل ِ
ى أن أكون في م ْ
ب إل ّ
رأيت امرأة أح ّ
فيها حدة ،قالت :فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله لعائشة ،
قالت :يا رسول الله :قد جعلت يومي منك لعائشة ،فكان رسول الله
، يقسم لعائشة يومين :يومها ،ويوم سودة .
دة :أي
] مسلخها :المسلخ :هو الجلد ،ومعناه أن أكون أن هي .فيها ح ّ
شدة ولم ترد عائشة بذلك عيب سودة ،بل وضفتها بقوة النفس ،وجودة
دة [ .القريحة ،وهي الح ّ
وإذا أراد سفرا ً أقرع بين نسائه ،واستصحب معه من خرجت قرعتها ،
لنه كان يفعل ذلك .
89
روى البخاري ) المغازي ،باب :حديث الفك ،رقم ، ( 3910 :
ومسلم ) التوبة ،باب :في حديث الفك وقبول توبة القاذف ،رقم :
( 2770عن عائشة رضي الله عنهما أنها قالت :كان رسول الله إذا
ن خرج سهمها خرج بها .
أراد السفر أقرع بين نسائه ،فأتيته ّ
النشــــوز
تعريف النشوز :
النشوز :العصيان ،وهو مأخوذ من الن ّ ْ
شز ،بسكون الشين ،وفتحها .
ما أوجب الله عليها من
ونشوز المرأة :عصيانها زوجها ،وتعاليها ع ّ
طاعته .
قال ابن فارس :نشزت المرأة :استعصت على بعلها .قال تعالى :
90
رواه أحمد ) ، ( 4/381وابن ماجه ) النكاح ،باب :حق الزواج على
المرأة ،رقم . (1853 :
بم يكون النشوز :
ويكون نشوز المرأة بخروجها عن طاعة زوجها ،وعصيانها له ،وذلك
كأن خرجت من بيته بغير عذر من غير إذنه ،أو سافرت بغير إذنه ورضاه ،
أو لم تفتح له الباب ليدخل ،أو لم تم ّ
كنه من نفسها بل عذر :كمرض ،أو
دعاها فاشتغلت بحاجاتها ،وغير ذلك .
معالجة النشوز :
إذا ظهرت من المرأة علمات النشوز :كأن وجد منها زوجها إعراضا ً
وعبوسا ً ،بعد ُلطف وطلقة وجه ،أو سمع منها كلما ً خشنا ً على خلف
عادتها استحب له أن يعظها بكتاب الله عز وجل ،ويذ ّ
كرها بما أوجب الله
ب أن يقول لها
عليها .ويحذرها غضب الله سبحانه وتعالى وعقوبته .ويستح ّ
:إن الرسول قال ":أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة
رواه الترمذي ) الرضاع ،باب :ما جاء في حق الزواج على المرأة ،
رقم ، ( 1161 :وابن ماجه ) النكاح ،باب :حق الزوج على المرأة ،رقم :
. ( 1854
ويقول لها :قال رسول الله ": إذا باتت المرأة هاجرة فراش
زوجها لعنتها الملئكة حتى ُتصِبح ".
مهاجرة فراش زوجها (
رواه البخاري ) النكاح ،باب :إذا باتت المرأة ُ
،ومسلم
) النكاح ،باب :تحريم امتناعها من فراش زوجها ( .فإن استقامت فبها
ونعمت .
قق نشوزها ،وأصّرت على إعراضها ،هجرها في المضجع ، وإن تح ّ
لن في الهجر أثرا ً ظاهرا ً في تأديبها .
صُلحت
والمراد بالهجر :أن يهجر فراشها ،فل يضاجعها فيه .فإن َ
فذاك ،وإن تكرر نشوزها ،وأصّرت على عصيانها ،كان له أن يضربها
91
ضرب تأديب غير مبرح ،ل يجرح لحما ً ،و يكسر عظما ً ،ول يضرب وجها ً
ول موضع مهلكة .
وهذا الضرب إنما ُيصار إليه إذا رجا صلحها به ،وغلب على ظنه أن
تعود إلى رشدها .
فإن علم أن الضرب ل يصلحها ،بل يزيد في نفرتها ،فإنه ينبغي أل
يضربها .
ودليل هذه الحكام التي ذكرناها قول الله عز وجل :
ن
ضرُِبوهُ ّ
جِع َوا ْ
ضا ِ ن ِفي ال ْ َ
م َ جُروهُ ّن َواهْ ُ ظوهُ ّ ن فَعِ ُشوَزهُ ّ ن نُ ُ خاُفو َ َ والل ِّتي ت َ َ
ن ع َل ِي ّا ً ك َِبيرا ً ] النساء : فَإ َ
ه َ
كا َ ن الل ّ َسِبيل ً إ ِ ّ
ن َم فَل َ ت َب ُْغوا ْ ع َل َي ْهِ ّن أط َعْن َك ُ ْ
ِ ْ
. [ 34
ع
فإن استحكم الخلف بينهما ،وتعذرت إزالته بواسطة الزوجين ،وُرف َ
سط للصلح بينهما حكمين مسلمين
المر إلى الحاكم ،وجب عليه أن يو ّ
عدلين عارفين بطرق الصلح .
ويندب أن يكون أحدهما من أهل الزوج ،والخر من أهل الزوجة .
كمان وكيلن للزوجين ،فيشترط رضا كل من الزوجين ح َوهذان ال َ
ح َ
كمان في الصلح بين الزوجين ،ويبذلن وسعهما بوكيله .فيشرع ال َ
للوصول إليه ،فإن أفلحا فبها ونعمت ،وإن أخفقا ،و ّ
كل الزوج حكمه
ض الخلع منها .
بطلقها ،وقبول عوَ َ
وض ،إن كانت رشيدة ،وقبول
كمها ببذل الع َ كلت هي أيضا ً َ
ح َ وو ّ
الطلق به .
ويفّرق الحكمان بينهما إن رأياه صوابا ً .
كمان ،ولم يتوصل إلى رأي واحد ،بعث القاضي ح َ
وإذا اختلف ال َ
ض الزوجان ببعث ح َ
كمين غيرهما حتى تجتمعا على شيء واحد .فإن لم ير َ َ
دب القاضي الظالم منهما ،واستوفى
الحكمين ،ولم يتفقا على شيء أ ّ
للمظلوم حقه ،وعمل بشهادة الحكمين ,قال الله تعالى :
92
كما ً م َ كما ً م َ
دا
ري َ
ن أهْل َِها ِإن ي ُ ِ
ّ ْ ح َ
ن أهْل ِهِ وَ َ
ّ ْ ما َفاب ْعَُثوا ْ َ
ح َ قاقَ ب َي ْن ِهِ َ ش َ م ِ فت ُ ْ
خ ْ
ن ِ وَإ ِ ْ
خِبيرا ً ] النساء . [ 34 : ن ع َِليما ً َ ه َ
كا َ ن الل ّ َما إ ِ ّ ه ب َي ْن َهُ َق الل ّ ُ ص َ ً
لحا ي ُوَفّ ِ إِ ْ
نشوز المرأة :
وإذا كان الجحاف والعراض من َقبل الزوج :وذلك كأن منعها حقها
في القسم ،أو النفقة ،أو أغلظ عليها بالقول ،أو الفعل ،وعظته وذ ّ
كرته
بحقها عليه ،بمثل قول الله عز وجل
شْيئا ً وَي َ ْ
جعَ َ
ل سى َأن ت َك َْر ُ
هوا ْ َ ن فَعَ َ ف فَِإن ك َرِهْت ُ ُ
موهُ ّ ن ِبال ْ َ
معُْرو ِ شُروهُ ّ وَ َ
عا ِ
خْيرا ً ك َِثيرا ً
ه ِفيهِ َالل ّ ُ
] النساء . [ 19 :
وذ ّ
كرته بقول النبي " خيُركم خيركم لهله وأنا خيُركم لهلي " .
رواه الترمذي ) المناقب ،باب :في فضل أزواج النبي ، رقم :
( 3829عن عائشة رضي الله عنهما .
وقوله " : استوصوا بالنساء خيرا ً " .
رواه البخاري ) النكاح ،باب :الوصاة بالنساء ،رقم ، 4890 :
ومسلم ) الرضاع ،باب :الوصية بالنساء ،رقم ( 1468عن أبي هريرة
.
وح ّ
ذرته من عواقب ظلمها ،فإن صلح فذاك ،وإن لم يصلح رفعت
أمرها إلى القاضي ليستخلص لها حقها لنه منصوب لرد ّ الحقوق إلى
أصحابها ،ولنها ل يمكنها أن تأخذ حقها بنفسها .
ف
ويجب على القاضي أن يلزمه بالقسم لها ،وأداء حقوقها ،وك ّ
الظلم عنها.
فإن ساء خلقه ،وآذاها بضربها ،أو بسبها بغير سبب نهاه القاضي عن
ذلك ،فإن عاد إليه ،وطلبت الزوجة من القاضي تعزيره ،عزره بما يراه
سبيل ً إلى إصلحه .
فإن اشتد الخلف أرسل حكمين كما سبق ليصلحا بينهما ،أو يفرقا
من ت ِ مَرأ َة ٌ َ
خافَ ْ بينهما بطلقة إن عسر الصلح .قال الله تعالى :وَإ ِ ِ
نا ْ
93
َ َ
خي ٌْر صل ْ ُ
ح َ صْلحا ً َوال ّ
ما ُ
حا ب َي ْن َهُ َ
صل ِ َ ح ع َل َي ْهِ َ
ما أن ي ُ ْ جن َا ْ َ
شوزا ً أوْ إ ِع َْراضا ً فَل َ ُ
ب َعْل َِها ن ُ ُ
] النساء . [ 127 :
94
العيوب التي يترتب عليها فسخ النكاح
والثار المترتبة على ذلك
أول ً :العيوب :
العيوب التي يثبت فيها فسخ الزواج قسمان :
القسم الول :عيوب تمنع من الدخول :كالجب ،والعّنة في الزواج .
والقرن ،والرتق في الزوجة .
والجب :قطع عضو التناسل عند الرجل .والعّنة :العجز عن الوطء
قُبل خاصة ،لعدم انتشار الذكر .والقرن :انسداد محل الجماع لدى
في ال ُ
المرأة بعظم .والرتق :انسداد محل الجماع لدى المرأة بلحم .
منفرة ،أو
القسم الثاني :عيوب ل تمنع الدخول ،ولكنها أمراض ُ
ضاّره ،بحيث ل يمكن ل مقام معها إل بضرر :كالجذام ،والبرص ،والجنون
.
والجذام :عّلة يحمّر منها العضو ،ثم يسود ّ ،ثم ينقطع ويتناثر .
والبرص :بياض شديد يبقع الجلد ،ويذهب بدمويته .
أقسام هذه العيوب بالنسبة للزوجين :
هذه العيوب بالنسبة للزوجين على ثلثة أقسام :
1ـ قسم مشترك بين الزوجين :وهو الجذام ،والبرص ،والجنون .
2ـ قسم خاص في الزوجة :كالرتق والقرن .
ب والعّنة .
3ـ قسم خاص في الزواج :كالج ّ
العيوب المشتركة :
إذا وجد أحد الزوجين في الخر جنونا ً ،أو جذاما ً ،أو برصا ً ،ثبت له
الخيار في فسخ الزواج .سواء كان هو الخر مصابا ً به ،أو لم يكن ،لن
النسان يعاف من غيره ما ل يعاف من نفسه .
دليل ثبوت الخيار بهذه العيوب :
95
ودليل ثبوت الخيار بهذه العيوب ما رواه والبيهقي ) ( 7/214من
رواية ابن عمر رضي الله عنهما :أن النبي تزوج امرأة من غفار ،فلما
ُأدخلت عليه رأى بكشحها بياضا ً ،فقال ) :البسي ثيابك ،والحقي بأهلك ( .
وقال لهلها ) :دلستم علي ( .
] الكشح :الجنب .والمراد بالبياض :البرص .دلستم :أخفيتم العيب [
.
وروى الشافعي رحمه الله عن عمر بن الخطاب : أنه فّرق بين
الزوجين للجذام ،والبرص ،والجنون .
ومثل هذا ل يكون إل عن توقيف عن رسول الله وقد ثبت في
الحديث الصحيح ":فِّر من المجذوم كما تفّر من ا لسد ".
البخاري ) الطب ،باب :الجذام ،رقم . (5380 :
قال الشافعي رحمة الله تعالى في كتابه الم :وأما الجذام والبرص ،
فإن كل منهما ُيعدي الزوج ،ول تكاد النفس أحد تطيب أن تجامع من هو
فيه .
96
العيوب في الزوجة :
إذا وجد الزوج زوجته رتقاء ،أو قرناء ،ثبت له فسخ الزواج ،لن هذه
العلة مانعة من مقصود الزواج ،وهو الدخول بالزوجة .
العيوب في الزوج :
إذا وجدت الزوجة زوجها مجبوبا ً ،أو عنينا ً ثبت لها حق فسخ الزواج .
وقد حكى المارودي الجماع على ثبوت الخيار بالجب والعّنة ،لنه
يفوت بهما مقصود النكاح ،كما قلنا بالرتق والقرن .
حدوث العيب بعد عقد النكاح :
إذا حدث شيء من العيوب السابقة بعد عقد النكاح في أيّ من
الزوجين ،سواء كان ذلك بعد الدخول ،أو قبله ،وسواء أكان العيب مانعا ً
ب والعّنة في الزوج ،والرتق والقرن في الزوجة ،أو غير
من الدخول كالج ّ
مانع ،كالجذام والبرص والجنون ،فإنه يثبت حق الخيار في فسخ الزواج ،
كما لو كان العيب قديما ً .
لكن يستثنى من ذلك العّنة فقط ،فإنها إذا حدثت بعد الدخول ،فإنه
يسقط حق الزوجة في فسخ الزواج ،لحصول مقصود الزواج بالنسبة لها ،
وهو المهر ،والوطء ،وقد يتم ذلك قبل حدوث العّنة .
97
إزالة العيب :
إذا أمكن إزالة الرتق والقرن بنحو عملية جراحية ،ورضيت بها الزوجة
،فل خيار للزوج حينئذ ،لعدم وجود المقتضي للفسخ .
وكذلك إذا زال الجنون والبرص والجذام بالتداوي ،فإن حقّ الفسخ
يسقط ،لزوال ما يدعوا إليه .
حق ولي الزوجة في فسخ النكاح :
ي المرأة حق فسخ نكاحها بكل عيب وجد في الزوج قبل عقد
ولول ّ
ض ،وذلك لما يلحق
النكاح ،سواء رضيت الزوجة بهذا الفسخ أو لم تر َ
ي من العار من ذلك العيب .
الول ّ
ي الزوجة حق الفسخ بعيب حادث بعد الدخول إذ ل عار
وليس لول ّ
عليه في العُْرف ،بخلف ذلك في البتداء .
وكذلك ل خيار للولي بعيب جب وعّنة حدثا مقارنين للعقد ،لختصاص
الزوجة بالضرر ،ورضاها به ،ول عار عليه في العُْرف .
الفسخ على الفور :
والخيار في فسخ النكاح بهذه العيوب إذا ثبتت إنما يكون على الفور ،
لنه خيار عيب ،يجب المسارعة إلى العراب عن عدم الرضا به .
فتسرع الزوجة فورا ً ،ويسرع الزوج أيضا ً ,إلي الرفع إلى الحاكم ،
والمطالبة بفسخ النكاح .فلو علم أحدهما العيب بصاحبه ،ثم سكت عنه
سقط حقه في الفسخ ،إل إذا كان جاهل ً أن له حق الفسخ ،فإنه ل يسقط
حقه في الفسخ .
الفسخ يحتاج إلى الرفع إلى القاضي :
ل يستقل الزوج ،أو الزوجة في فسخ النكاح بسبب عيب من العيوب
المذكورة ،بل ل بد ّ من الرفع إلى القاضي ،وطلب الفسخ عنده ،فإذا
تحقق العيب عنده حكم القاضي بفسخ الزواج .
ضرب الجل في العّنة :
98
وإذا ثبت عند القاضي العنة في الزوج ،ضرب له القاضي سنة
قمرية ،لحتمال زوال العنة باختلف الفصول ،فإذا زال عيبه فذاك ،وإل
فسخ النكاح .
ودليل ذلك ما رواه والبيهقي ) النكاح ،باب :أجل العنين ،رقم :
(7/226عن عمر بن الخطاب : أنه قال في العنين :يؤ ّ
جل سنة ،فإن
دة .
قدر عليها ،وإل فّرق بينهما ،ولها المهر ،وعليها الع ّ
كيف تثبت العّنة ؟
سائر العيوب تثبت بالقرار ،أو إخبار الطبيب ،أما العّنة ،فل تثبت إل
بإقرار الزوج عند الحاكم .أو يمين الزوجة عند نكول الزوج عن اليمين ،
إذا طلب منه القاضي أن يحلف على عدم العّنة .
ثانيا :ما يترتب على فسخ النكاح بهذه العيوب من الثار :
إذا تم فسخ الزواج من قبل الزوج ،أو من قَِبل الزوجة ،بسبب عيب
من العيوب السابقة
فل يخلو أن يكون الفسخ قبل الدخول ،أو بعده .ول يخلو أن يكون
العيب قد حدث قبل الدخـول ،أو بعده .
أ ـ فإن كان الفسخ قبل الدخول سقط المهر ،ول متعة للزوجة ،لنه إن
كان العيب بالزوج فهي الفاسخة ،وعليه فل شيء لها .
وإن كان العيب بها فل شيء أيضا ً ،لن الفسخ إنما كان لسبب فيها ،
فكانت كأنها هي الفاسخة .
ب ـ وإن كان الفسخ قد حصل بعد الدخول ،لكن بعيب قارن للعقد ،أو
بعيب حادث بين العقد والدخول جهله الواطئ ،فإنه يجب لها مهر
المثل .
ج ـ وإن كان الفسخ قد حصل بعد الدخول ،والعيب إنما حدث أيضا ً بعده ،
فإنه يجب للزوجة كامل المهر المسمى ،لن المهر قد استقر
بالدخول قبل وجود سبب الخيار في الفسخ ،فل يغير .
99
عدم رجوع الزوج بالمهر على من غره :
ي أو زوجة ،لستيفاء
ول يرجع الزوج بالمهر على من غّره من ول ّ
منفعة البضع المتقوم عليه بالعقد .وصورة التغرير :أن تسكت هي أو وليها
عن بيان عيبها للزواج ،ما دام العيب قد حدث قبل الدخول .
والله عز وجل أعلم
100
عنهما قال :كانت تحتي امرأة أحّبها ،وكان أبي يكرهها ،فأمرني أبي أن
ُأطلقها ،فأبيت ،فذكر ذلك للنبي فقال " :يا عبد الله بن عمر ،طّلق
امرأتك
أما الجماع :فقد اتفقت كلمة العلماء على مشروعيته ،ولم يخالف
منهم أحد .
حكمة مشروعية الطلق :
الصل في الزواج هو استمرار الحياة الزوجية بين الزوجين .وقد
شرع الله سبحانه وتعالى أحكاما ً كثيرة ،وآدابا ً جمة للزواج ،لستمرار
وضمان بقائه ،ونمو العلقة الزوجية بين الزوجين .غير أن هذه الداب
والحكام قد ل تكون مرعّية من قبل الزوجين أو احدهما :كأن ل يهتم
سن الختيار ،أو بأن ل يلتزم الزوجان أو أحدهما آداب الع ْ
شرة ح ْ
الزوج ب ُ
حتى ل يبقى مجال لصلح ،ول وسيلة لتفاهم وتعايش بين الزوجين .فكن
ل بد ّ ـ والحالة هذه -من تشريع قانون احتياطي ،يهرع إليه في مثل هذه
الحالة ،لح ّ
ل عقدة الزواج على نحو ل ُتهدر فيه حقوق أحد الطرفين ،ما
دامت أسباب التعايش قد باتت معدومة فيما بينهما .وقد قال الله عّز وج ّ
ل
كيما ً ً سعا ً َ
ح ِ ن الل ّ ُ
ه َوا ِ سعَت ِهِ وَ َ
كا َ من َ ن الل ّ ُ
ه ك ُل ّ ّ فّرَقا ي ُغْ ِ
:وَِإن ي َت َ َ
] النساء . [130 :
فإن استعلمه الزوج وسيلة أخيرة عند مثل هذه الضرورة فذلك علج
مّرا ً في كثير من الحيان .وأما إن استعمله
ضروري ،ل ِغنى عنه ،وإن جاء ُ
لتحقيق رعوناته ،وتنفيذ أهوائه ،فهو بالنسبة له أبغض الحلل إلى الله عّز
وج ّ
ل.
مصلح من المفسد ،وإليه مرجع هذا وذاك .
والله تعالى يعلم ال ُ
101
شرعة الطلق من مفاخر الشريعة السلمية :
ومن خلل ما ذكرنا يتأكد لنا أن مشروعية الطلق على النحو الذي
نظمت الشريعة السلمية أحكامه ونتائجه ُ ،تعد ّ من مفاخر الشريعة
السلمية ،وُيعد ّ من أكبر الدلة على أن أحكام هذه الشريعة متسقة تمام
الّتساق مع الفطرة النسانية ،والحاجات الطبيعية عند النسان .
وقد تجّلت هذه الحقيقة عندما رأينا المم المختلفة ،وهي تتراجع ع ّ
ما
حرمة الطلق ،واعتبار عقد الزواج سجنا ً أبديا ً ، كانت تلزم نفسها به من ّ
يقرن فيه الزوجان إلى بعضهما ،كرها ذلك أو رضيـا ،وذلك بعد أن رأت
دم للمجتمع إل أسوأ النتائج ،وأخطر مظاهر هذه ا ُ
لمم أن هذا الحظر ل يق ّ
الجـرام ،وبعد أن تنبهت إلى أن اقتران اثنين ببعضهما ل يمكن أن يتم
بالكراه ،إل إذا ُأريد أن يكون الكراه ينبوع تعاسة وشقاء ل ُ
لسرة كلها ،أو
بركان دمار وقتل وفتك .
ولقد اهتمت الشريعة السلمية بإيجاد أسباب التفاهم ،والوداد
والتعايش المستمر بين الزوجين .
ولكنها لم تعالج ذلك بربط جسد كل ّمنهما بالخر ،وإنما عالجته
بالتنبيه والرشاد إلى الضمانات اليجابية المختلفة التي تغذي الوداد بينهما ،
وتشبع أسباب التفاهم ،وتطرد من بينهما موجبات المشاكسة والتنافر ،
ولقد كان من أهم هذه الضمانات التي أرشد إليها توفر الدين الصحيح في
ل منهما بالواجبات المنوطة به ،والتزام ك ّ
ل من الزوجين الزوجين ،وقيام ك ّ
بالسلوك الخلقي السليم ،على النحو الذي نظمته شرعة الله عّز وج ّ
ل.
هذه الضمانات هي التي تحمي بيت الزوجية عن أن يتهدم ،وهي التي
تجعل من شرعة الطلق قانونا ً موضوعا ً على الرف ،يستنجد به عند
الضرورة ،أي عندما يقصر أحد الزوجين عن تحقيق الضمانات والداب التي
شرعها الله تعالى حفاظا ً على الحياة الزوجية ،ورعاية للمو ّ
دة واللفة بين
الزوجين .
102
والدليل على هذا الذي نقول :أن حوادث الطلق ل تكاد ترى لها
وجودا ً في البيوت وا ُ
لسر الصالحة يتقيد أهلها بأحكام السلم وآدابه .
وإنما تبصر ،أو تسمع بأكثر هذه الحوادث في ا ُ
لسر المتحّللة من
قيود السلم ،الخارجة على ن ُ ُ
ظمه وآدابه .
أنواع الطلق :
الطلق له ثلث تقسيمات ،باعتبارات مختلفة :
فباعتبار وضوح اللفظ في الدللة عليه ،وعدم وضوحه ينقسم إلى :
صريح وكناية .
وباعتبار حال الزوجة ،من ُ
طهر وحيض ،وكبر وصغر ،ينقسم إلى :
سّني ،وإلى ما ل يوصف بسّني ،ول ِبدعي .
دعي ،و ُ
ب ْ
وباعتبار كونه على بدل من المال ،وبدون بدل :ينقسم إلى خلع ،
وطلق عادي .
فلنشرح كل ًُ من هذه التقسيمات الثلثة على حدة :
التقسيم الول ) :الصريح ،والكناية ( :
إذا لحظت اللفاظ التي تستعمل للدللة على الطلق وجدت أن هذه
اللفاظ :
إما أن تكون ذات دللة قاطعة على الطلق ،بحيث ل تحتمل غيره ،
فهذه اللفاظ تسمى :صريحة .
وإما أن تكون قاطعة في دللتها ،بحيث تحتمل غير الطلق ،فهذه
اللفاظ تسمى :كناية .
إذا ً فالطلق ينقسم إلى القسمين التاليين -1 :صريح -2 .كناية .
1ـ فالطلق الصريح :هو ما ل يحتمل ظاهر اللفظ إل الطلق ،وألفاظه
ثلثة :هي :الطلق ،والسراح ،والفراق ،وما اشتق من هذه اللفاظ .
ت طالق ،أو مسّرحة ،أو طّلقتك ،أو فارقتك ،أو سّرحتك .
كقوله :أن ِ
وإنما كانت هذه اللفاظ صريحة في دللتها على الطلق لورودها في
الشرع كثيرا ً ،وتكرارها في القرآن الكريم بمعنى الطلق .قال الله تعالى :
103
ن ] الطلق . [ 1 : ساء فَط َل ّ ُ ذا ط َل ّ ْ َ
ن ل ِعِد ّت ِهِ ّ
قوهُ ّ م الن ّ َ
قت ُ ُ َ يا أي َّها الن ّب ِ ّ
ي إِ َ
ُ
ميل ً ] الحزاب . [ 28 :وقال سَراحا ً َ
ج ِ ن َحك ُ ّ
سّر ْ وقال عز وجل :وَأ َ
سبحانه وتعالى :
َ
ف ] الطلق . [ 2 :
معُْرو ٍ أوْ َفارُِقوهُ ّ
ن بِ َ
ومن الصريح :ترجمة لفظ الطلق بالعجمية ـ أي غير اللغة العربية ـ
ل ُ
شهرة استعمال هذه اللغات عند أهلها ،كشهوة استعمال العربية عند أهلها
.
2ـ والكناية :وهي كل لفظ يحتمل الطلق وغيره .وألفاظها كثيرة :
كقوله :
ـ أنت خلية :أي خالية مني .
ـ أنت برّية :أي منفصلة عني .
ـ أنت بّتة :أي مقطوعة الوصلة عني .
ـ الحقي بأهلك .
ـ اذهبي حيث شئت .
ـ اعُزبي :أي تباعدي عني .
ـ اغُربي :أي صيري غريبة عني .
ـ حبلك على غاربك :أي خّليت سبيلك ،كما يخّلى البعير .
والغارب :ما تقدم من الظهر ،وارتفع من العنق .
ي حرام.
ـ أنت عل ّ
فك ّ
ل هذه اللفاظ ـ وغيرها كثير ـ تعتبر كناية في دللتها على الطلق ،
لحتمالها الطلق وغيره .
دليل استعمال ألفاظ الكناية في الطلق :
ودليل استعمال ألفاظ الكناية في الطلق :
ما رواه البخاري ) في الطلق ،بـاب :من طّلق وهل يواجه الرجل
امـرأته بالطلق ،رقـم ( 4955 :عن عائشة ،رضي الله عنهما أن ابنه
104
الجون ،لما ُأدخلت على رسول الله ودنا منها ،قالت :أعوذ بالله منك
،فقال " :لقد عذت بعظيم ،الحقي بأهلك " .
105
مك ّ
ل من ألفاظ الصريح والكناية : حك ُ
إذا عرفت ما ذكر ،فاعلم أن الطلق باللفاظ الصريحة يقع ،سواء
توفرت فيه نّيه الطلق أم ل .لن صراحة اللفظ ،وقطعية دللته على
المعنى ،يغنيان عن اشتراط النّية ،عند التلفظ به .
ي
أما ألفاظ الكناية ـ ولو اشتهرت على ألسنة الناس في الطلق :كعل ّ
ي حرام ،فل يقع الطلق بها إل إذا قصد بها الزوج الطلق
الحرام ،وأنت عل ّ
.
فإذا قصد بها شيئا ً آخر غير الطلق ،أو لم يقصد بها شيئا ً ،لم يقع بها
شيء .
ودليل ذلك ما رواه البخاري ) في المغازي ،باب :حديث كعب بن
مالك رضي الله عنه … رقم (4156 :ومسلم ) في التوبة ،باب :حديث
توبة كعب بن مالك وصاحبيه ،رقم ( 2769 :في توبة كعب بن مالك
حينما تخّلف عن غزوة تبوك ،فإن رسول الله أمره أن يعتزل امرأته ،
فقال ُأطلقها ،أم ماذا ؟ قال :بل اعتزلها ،فل تقربّنها ،قال :فقلت
لمرأتي :الحق بأهلك .
فلما نزلت توبته رجعت زوجته إليه ،ولم يؤمر بأن يعقد عليها من
جـديد .فـد ّ
ل ذلك علـى أن ) الحقي بأهلك ( ل يقع به الطلق إل بالنّية
وحيث إن كعبا ً لم ينو به الطلق ،فإنه لم يقع به شيء ،ورجعت زوجته
إليه .
التقسيم الثاني ) السّني البدعي ,غيرهما ( :
المرأة التي يقع عليها الطلق ل تخلو من واحد من أحوال ثلثة :
الحالة الولى :أن تكون المرأة طاهرة عن الحيض والنفاس ،ولم
يقربها زوجها في ذلك الطهر بعد .
الحالة الثانية :أن تكون متلبسة ـ بعد دخول الزوج بها ـ بحيض أو
نفاس ،أو تكون في ُ
طهر جامعها فيه زوجها .
106
ض بعد ،أو آيسة تجاوزت
ح ْالحالة الثالثة :أن تكون صغيرة لم ت َ ِ
سن المحيض ،أو حامل ً ظهـر حملها ،أو غير مدخول بها بعد ،أو طالبة
للخلع .
فإن وقع الطلق في الحالة الولى ،سمي ) :طلقا ً سّنيا ً ( .
وإن وقع في الحالة الثانية سمي ) :طلقا ً بدعيا ً ( .
وإن وقع في الحالة الثالثة لم يكن ) :سنيا ً ،ول بدعيا ً ( .
فأقسام الطلق بهذا العتبار إذا ً ثلثة :
1ـ طلق سني .
2ـ طلق بدعي .
3ـ طلق ل يوصف بسّني ،ول بدعي .
حكم كل نوع من هذه النواع الثلثة :
1ـ الطلق السني :إن الطلق السني جائز وواقع ،وهو الشكل
المطابق للتعاليم الشرعية في كيفية الطلق ،إذا كان الزواج ،ولبد ّ
مطلقا ً ،سواء أوَْقع الزوج طلقة واحدة ،أم أوقع ثلث طلقات
مجتمعات .
ن أن يقتصر على طلقة ،أو طلقتين في الطهر الواحد كي
ولكن يس ّ
يتمكن من إرجاعها إذا ندم .
ذا ط َل ّ ْ َ
م
قت ُ ُ ودليل الطلق السني :قوله عز وجل َ يا أي َّها الن ّب ِ ّ
ي إِ َ
نن ل ِعِد ّت ِهِ ّ ساء فَط َل ّ ُ
قوهُ ّ الن ّ َ
دة ،وهو الطهر ،
] الطلق . [ 1 :أي في الوقت الذي يشرعن فيه في الع ّ
إذ زمن الحيض ل يحسب من العدة .
2ـ الطلق البدعي :إن الطلق البدعي محرم ،ولكنه واقع ،ويلزم
وقوعه الثم ،لمخالفته للصورة المشروعة للطلق التي وردت في قوله
] الطلق [ 1 : ن
ن ل ِعِد ّت ِهِ ّ ساء فَط َل ّ ُ
قوهُ ّ م الن ّ َ ذا ط َل ّ ْ
قت ُ ُ تعالى :إ ِ َ
ن له الرجعة ،فقد روي البخاري ) في أول كتاب الطلق ،رقم
ويس ّ
، (4953ومسلم
107
) في الطلق ،باب :تحريم طلق الحائض بغير رضاها ،رقم ( 1471 :عن
عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه طّلق امرأته ،هي حائض ،على عهد
رسول الله فسأل عمر بن الخطاب رسول الله عن ذلك ،فقال
رسول الله ُ " :
مْره ُ فليراجعها ،ثم ليمسكها حتى تطهر ،ثم تحيض ،ثم
دة التي تطهر ،ثم إن شاء أمسك بعد ،وإن شاء طّلق قبل يم ّ
س ،فتلك الع ّ
م ذا ط َل ّ ْ
ي إِ َ َ
قت ُ ُ أمر اله أن تطلقّ لها النساء " .أي بقوله تعالى َ :يا أي َّها الن ّب ِ ّ
دتهن . ن ] الطلق [ 1 :أي لستقبال ع ّ ن ل ِعِد ّت ِهِ ّ ساء فَط َل ّ ُ
قوهُ ّ الن ّ َ
والمعنى :ليتركها بعد الرجعة حتى تطهر ،وعندئذ يوقع طلقة واحدة
إذا شاء ،فإذا حاضت ثم طهرت أوقع طلقه ُأخرى إذا شاء ،فإذا طهرت
للمرة الثالثة فلينظر :إن شاء أمسكها بعد الرجعة ،وإن شاء أوقع طلقة
ثالثة ،وتكون قد بانت بذلك منه .
سبب تحريم الطلق البدعي :
وسبب تحريم الطلق البدعي ما يستلزمه من الضرار بالمرأة ،إذ
دة .
دتها ،لن حيضتها ل تحسب من الع ّ
يطول بذلك أجل ع ّ
قال رسول الله " : ل ضرر ول ضرار " .
أخرجه مالك في الموطأ ) القضية ،باب :القضاء في المرفق ،
من بني في حقه
رقم ، ( 2/745 :وابن ماجه في سننه ) الحكام ،باب َ :
ما يضّر بجاره ،رقم . ( 2341 ، 2340 ،188 :
أما حرمة الطلق في طهر جامع زوجته فيه :فلحتمال الحمل فيه ،
وهو ل يرغب في تطليق الحامل ،فيكون في ذلك الندم .
3ـ الطلق الذي ل يوصف بسّنة ول بدعة :إن الطلق الذي ل
يوصف بسّنة ول بدعة جائز ،وواقع ،وليس حراما ً ،إذ ل ضرر يلحق
دان بالشهر ،فل يلحقهما
الزوجة بسببه ،إذ الصغيرة واليسة تعت ّ
دتها على كل حال بوضع
دة ،وكذلك الحامل ،فإن ع ّ
ضرر إطالة الع ّ
الحمل ،وكذلك طالبة الخلع ،لن افتدائها نفسها من الزوج بالمال
دليل على حاجتها إلى الخلص منه ،ورضاها بطول التربص .
108
التقسيم الثالث ) :الطلق العادي والخلع ( .
1ـ الطلق العادي :وهو الطلق الذي يقع برغبة من الزوج ،وهذا الطلق
ينطبق عليه الحكام التي ذكرناها قبل .
2ـ الخلع :وهو الطلق الذي يقع برغبة من الزوجة وإصرار منها على ذلك ،
وقد شرع لذلك سبيل الخلع ،وهو أن تفتدي نفسها من زوجها بشئ
يتفقان عليه من مهرها تعطيه إياه .
فالخلع إذا قسم من الطلق :وهو كل فُْرقةٍ جرت على عوض
تدفعه الزوجة للزوج .
دليل مشروعية الخلع :
ويستدل لمشروعية الخلع :بالكتاب ،والسّنة .
دود َ الل ّهِ فَل َ فت َ
ح ُ
ما ُ م أل ّ ي ُ ِ
قي َ خ ْ ُ ْ أما الكتاب :فقول الله عّز وجل :فَإ ِ ْ
ن ِ
ت ب ِهِ البقرة . [ 229 :ما افْت َد َ ْ ح ع َل َي ْهِ َ
ما ِفي َ جَنا َ
ُ
وأما السّنة :فما رواه البخاري ) في الطلق ،باب :الخلع وكيف
الطلق ،رقم (4971 :عن ابن عباس رضي الله عنهما :أن امرأة ثابت
بن قس أتت النبي فقالت :يا رسول الله ،ثابت بن قيس ،ما أعتب
عليه في خلق ول دين ،ولكني أكره الكفر في السلم ،فقال النبي " :
دين عليه حديقته " قالت :نعم .فقال رسول الله " : اقبل الحديقة ، أتر ّ
وطّلقها تطليقة " .
] ل أعتب عليه :ل أعيب عليه .أكره الكفر في السلم :أكره جحود
حقوق الزوج وأنا مسلمة [
109
أحكام الخلع :
للخلع أحكام نلخصها فيما يلي :
وض مالي تفرضه الزوجة للزوج .ثم إن كان 1ـ الخلع جائز ،ول يقع إل بع َ
وض وض في الخلع معلوما ً مذكورا ً في الخلع وجب ذلك العَ َ العَ َ
المعَلوم ،وإن لم يكن مذكورا ً على وجه التحديد ص ّ
ح الخلع ،ووجب
مهر المثل للزوج .
وض ،ولم أما إن استعمل الزوج لفظ الخلع ،ولم ينص علي ع َ
يخطر بباله العوض أيضا َ ،فهو طلق عاديّ جرى بلفظ الخلع كناية .أي فهو
كنايات الطلق ،ويقع به الطلق رجعيًا.
2ـ ل يقع الخلع من غير الزوجة الرشيدة ،لن غير الرشيدة ل تتمتع بأهلية
اللتزام ،فل تملك التصّرف ،فإن خالعها الزوج وقع طلقا ً رجعيا ً عاديا ً
،ول يثبت له به شيء من مهرها .
3ـ إذا خالع الرجل امرأته ،ملكت المرأة بذلك أمر نفسها ،ولم يبق للزوج
دة ،كما هو الشأن ف
عليها من سلطان ،فل رجعة له عليها أثناء الع ّ
الطلق العادي ،لن الخلع طلق بائن ،إنما السبيل إلى ذلك عقد
جديد تملك فيه المرأة كامل اختيارها ،وبمهر جديد أيضا ً .
دة ـ من
مخالعة أي طلق ،أو ظهار ،أو إيلء ـ أثناء الع ّ
4ـ ل يلحق المرأة ال ُ
زوجها الذي خالعها ،أي ل أثر لشيء من ذلك عليها ،لنها أصبحت
بالخلع أجنبية عن الزوج ،فل يسرى إليها تطليق ،ول ظهار ،ول
إيلء .بخلف المطّلقة طلقا ً عاديا ً رجعيا ً ،فإن الزوج يملك أن يطّلقها
طاقة ثانية ،أو يظاهر منها أثناء العدة ،ويسري أثر ذلك عليها .
5ـ يجوز أن ُيخالع الرجل زوجته في الحيض والطهر الذي جامعها فيه ،ما
دامت رشيدة .ذلك لنها ل تتضرر بذلك ،إذ الخلع إنما هو تحقيق
لرغبتها في التخّلص من الزوج ،فل ي ِ
رد فيه ما يمكن إيراده على
الطلق العادي الذي يكون برغبة من الزوج ،من الضرار بالزوجة .
ما يملكه الزوج من الطلقات :
110
من المعلوم أن الطلق حقُ للزوج في الصل .ودليل ذلك قول الله
عز وجل :
ح ] البقرة . [ 237 :والذي بيده عقدة ذي ب ِي َد ِهِ ع ُقْد َة ُ الن ّ َ
كا ِ أ َوْ ي َعْ ُ
فو َ ال ّ ِ
النكاح إنما هو الزوج .
غير أن الزوجة أيضا ً تصبح صاحبة حق في ذلك ،في حالت خاصة ،
من أهمها :
ـ أن ينالها ضرر من الزوج .
ـ أن يقصر في أداء شيء من حقوقها ،ثم تع ّ
ذر إصلح المر بينهما .
فعندئذ ُيوقع عنها القاضي طلقة بناًء على رغبتها .
بعد هذا نقول :
َ
كم هي الطلقات التي يملكها الزوج ،ما دام هو صاحب هذا الحق في
الصل ؟
لقد أجاب القرآن على ذلك ،وقرر عدد الطلقات التي يملكها الزوج :
قال الله عز وجل :
َ
ن ] . البقرة 229 : سا ٍ ح َح ب ِإ ِ ْري ٌ
س ِ
ف أوْ ت َ ْمعُْرو ٍ سا ٌ
ك بِ َ ن فَإ ِ ْ
م َ الط ّل َقُ َ
مّرَتا ِ
ح
ى َتنك ِ َ
حت ّ َ
من ب َعْد ُ َ
ه ِل لَ ُ
ح ّ [ .ثم قال سبحانه وتعالى :فَِإن ط َل ّ َ
قَها فَل َ ت َ ِ
َزْوجا ً غ َي َْرهُ ] البقرة . [230 :
أي إن الزوج يملك أن يطّلق زوجته ثلث تطليقات ،اثنتان منهما
رجعيتان ،والثالثة تسريح ل رجعة بعده ،إل بشرط سنذكرها في موضعها
إن شاء الله تعالى .
روى أبو داود ) في الطلق ،باب :نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلث ،
رقم ، ( 2159 :والنسائي ) في الطلق ،باب :نسخ المراجعة بعد
التطليقات الثلث :رقم (6/212 :عن ابن عباس قال :إن الرجل كان
إذا طلق امرأته ،فهو أحقّ برجعتها ،وإن طّلقها ثلثا ً ،فََنسخ ذلك ،وقال :
ن ] البقرة [ 229 :أي الطلق الذي يملك الزوج فيه الط ّل َقُ َ
مّرَتا ِ
الرجعة مرتان فقط .ومن ثم فقد انعقد الجماع على أن الزوج يملك ثلث
111
تطليقات ،ثالثتها بائنة ل رجعة بعدها ،إل بما سنذكره من الشروط إن شاء
الله تعالى .
شروط صحة الطلق ووقوعه :
لبد ّ لكي يملك الزوج ما ذكرنا من الطلقات ،ولبد لكي يقع ذلك
منه ،من أن تتوفر في الزوج المطّلق الشروط التالية :
الشرط الول :ثبوت عقد النكاح :
فل يقع طلق الرجل من المرأة التي لم يعقد نكاحه عليها ،ول من
التي سيعقد نكاحه عليها ،سواء كان ذلك بأسلوب التنجيز ،أو التعليق :
كأن يقول لمرأة لم يعقد عليها :أنت طالق ،أو يقول :إن تزوجتك فأنت
طالق .
َ
ن
ذي َ ل َ :يا أي َّها ال ّ ِ ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله عّز وج ّ
قتموهُن من قَب َ
ما ل َك ُ ْ
م ن فَ َ سوهُ ّ
م ّ
ل أن ت َ َ
ْ ِ ّ ِ م ط َل ّ ْ ُ ُ
ت ثُ ّ مؤ ْ ِ
مَنا ِ م ال ْ ُ ذا ن َك َ ْ
حت ُ ُ مُنوا إ ِ َ آ َ
دون ََها ] الحزاب. [49: عد ّةٍ ت َعْت َ ّ ن ِ م ْ ن ِ ع َل َي ْهِ ّ
فقد عّلق سبحانه وتعالى نتائج الطلق وأحكامه على ثبوت النكاح
أول ً .
والدليل من السنة أيضا ً :قول النبي " ل طلق قب َ
ل نكاح " .
رواه الحاكم ) في الطلق ،باب :ل طلق لمن لم يملك ،رقم :
( 2/205وصححه .
وروى أبو داود ) الطلق ،باب :في الطلق قبل النكاح ،رقم :
، (2190والترمذي
) الطلق ،باب :ما جاء ل طلق قبل نكاح ،رقم ( 1181 :عن عبدالله بن
عت ْقَ عمرو قال :قال رسول الله " : ل نذر لبن آدم فيما يمل ُ
ك ،ول ِ
ك ،ول طلقَ له فيما ل يمل ُ
ك ". له فيما ل يمل ُ
الشرط الثاني :تكامل الرشد :
فالصبي والمجنون والنائم ل يقع طلقهم .
112
ودليل ذلك :ما رواه أبو داود ) في الحدود ،باب :في المجنون
دا ،رقــم ( 4403 :وغيره عن على قال :قال
يسـرق أو يصيب ح ّ
م عن ثلثة :عن النائم حتى يستيقظ ،وعن رسول الله ُ " : رِفع القل ُ
ق َ
ل " والحتلم هو البلوغ والكبر . ي حتى يحِتلم ،وعن المجنون حتى ْيع ِ الصب ّ
ويدخل في حكم هؤلء الثلثة :الساهي ،والجاهل بمعنى الكلم الذي
يقوله :ولكن ل تقبل دعواه أنه ساهٍ ،أو جاهل بمعنى ما يقول إل بقرينة أو
بّينة .
113
طلق السكران :
أما السكران ،فإن سكر بدواء ل مندوحة له عن استعماله ،وغاب
سكر ُ
م ِ
ب ال ُ
ص ّ
كر ،بالتهديد ،أو ُ
مس ِ
من جّرائه عقله ،أو أكره على شرب ُ
في جوفه ،فإن حكمه كالصبي والنائم والساهي ،بجامع العذر في ك ّ
ل.
أما إن سكر متعديا ً ـ أي عن قصد واختيار وبدون عذر ـ فإن طلقه
مسكر ،لن
ديه بشرب ال ُيقع ،ويعتبر كالرشيد حكما ً ،وعقوبة له على تع ّ
السكران مكّلف ،ولنه بإجماع الصحابة مؤاخذ بما يتلفظ به حال سكره ،
من عبارات القذف ،ونحوه .
الشرط الثالث تكامل الختيار :
فل يقع طلق المكره .لكن مع مراعاة الشروط التالية في الكراه :
1ـ أن يكون الكراه بغير حق ،فإن ُأكره على الطلق بحق ـ كأن كان
مضارا ً لزوجته ،فأكرهه الحاكم على تطليقها ـ فإن الطلق يقع .
ُ
2ـ أن يكون الكراه معتمدا ً على التهديد له مباشرة ،بما يحصل منه ضرر
شديد :كالقتل ،والقطع ،والضرب المبرح ،ومثله الضرب القليل
واليذاء البسيط بالنسبة لمن هو من ذوي القدار .
3ـ وأن يكون المكره قادرا ً على تنفيذ ما هدد به .
114
طلق الهازل واللعب :
إذا تأملت في الشروط التي ذكرناها لوقوع المكره علمت أن طلق
الهازل واللعب واقع ،إذا كان رشيدا ً بالغا ً عاقل ً مختارا ً ،ول ُيعد ّ لعبه
وهزله عذرا ً في عدم وقوع الطلق .
ودليل ذلك :ما رواه الترمذي ) في الطلق ،باب :ما جاء في الجد ّ
والهزل في الطــلق ،رقم ، ( 1184 :وأبو داود ) في الطلق ،باب :في
الطلق على الهزل ،رقم ، ( 2149 :وابن ماجه ) في الطلق ،باب :من
طّلق أو نكح أو راجع لعبا ً ،رقم ( 2039 :عن أبي هريرة قال :قال
ن جد :النكاح ،والطلق ،
ن جد ،وهزله ّ رسول الله " : ثلث ج ّ
ده ّ
والرجعة " .
الكيفيات المشروعة للطلق :
يمكن إيقاع الطلق على كيفيات مختلفة :
ـ كالجمع بين الطلقات بلفظ واحد ،أو التفريق بينها .
ـ أو إيقاع الطلق منجزا ً ،أو معلقا ً على شرط ،أو مع استثناء .
الكيفية الولي للطلق :
واعلم أن الكيفية التي هي أفضل في الطلق شرعا ً ،والمتفقة مع
شارع طلق الرجل زوجته موزعا ً على ثلث مراحل ،
الحكمة من جعل ال ّ
هي :أن يطّلق طلقة واحدة في طهر لم يجامع الرجل زوجته فيه ،فإذا بدا
دة .
له وندم أرجعها إليه أثناء الع ّ
فإن عاودته الرغبة في الطلق طلقها طّلقة ثانية ،وكان في يده بعد
ذلك طلقة واحدة ،تبين بها زوجته عنه بينونة كبرى ،ول ترجع إليه إل بعد
أن تنكح زوجا ً غيره نكاحا ً شرعيا ً كامل ً ،وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله
تعالى .
ل :الط ّل َقُ
وهذه الكيفية هي المفهومة من صريح قول الله عّز وج ّ
َ سا ٌ
ن ] البقرة . [ 229 :سا ٍ
ح َ
ح ب ِإ ِ ْ
ري ٌ
س ِ
ف أوْ ت َ ْ
معُْرو ٍ
ك بِ َ ن فَإ ِ ْ
م َ مّرَتا ِ
َ
حكم الطلق الثلث بلفظ واحد :
115
إذا لم يلتزم بالكيفية المفضلة للطلق ،فل يعني أن الطلق ل يقع ،
دثنا عنها مجتمعة في
بل يقع كيفما كان ،ما دامت الشروط التي تح ّ
الشخص المطلق .
وعلى ذلك ،فلو جمع الطلقات الثلث بلفظ واحد في وقت واحد ،
ت طالق ثلثا ً ،بانت منه بثلث طلقات ،كما لو نطق به ّ
ن فقال :أن ِ
متفرقات .
ول يعتبر ذلك محرما ً ،بل هو خلف السنة ،وجنوح عن الطريقة
المفضلة .
ودليل ذلك ما رواه الترمذي ) الطلق ،باب :ما جاء في الرجل يطلق
امرأته البّتة ،رقم ، ( 1177 :وأبو داود ) في الطلق ،باب :في البّتة ،رقم
، ( 2208 :وابن ماجه ) في الطلق ،باب :طلق البتة رقم ( 20511 :أن
ركانة طّلق زوجته البّتة ـ أي قال لها أنت طالق البّتة ـ فقال له النبي : ـ
وقد سأله ركانة عن سبيل لرجعتها ـ ) آلله ما أردت إل واحدة ( .
دها إليه .
قال :الله ما أردت إل واحدة فر ّ
فالحديث دليل على أن ركانة لو أراد بقوله ) البّتة ( ثلثا ً لوقعن ،ولما
أذن له النبي بردها ،وإل لم يكن لسؤاله وتحليفه له أيّ معنى .
تعليق الطلق بصفة أو شرط :
ح معلقا ً .
كما يصح الطلق ويقع منجزا ً ،فإنه يص ّ
ومعنى تعليق الطلق :أن يعّلق الزوج وقوع الطلق على حدوث
صفة ،أو شرط ،سواء مما قد تتلبس به الزوجة أو غيرها ،كتعليقه طلقها
على قدوم غائب ،أو على تصّرف معين قد تقوم به الزوجة أو غيرها .
مثال تعليق طلقها على صفة :أن يقول :أنت طالق عند قدوم أبيك ،
أو أنت طالق في شهر رمضان فتطلق إذا قَ ِ
دم أبوها أو إذا دخل شهر
رمضان .
116
ومثال تعليقه بالشرط أن يقول لها :أنت طالق إن خرجت من الدار ،
أو أنت طالق إن دخل أخوك الدار ،فتطلق إن هي خرجت من الدار ،أو إن
دخل أخوها الدار .
ودليل صحة تعليق الطلق على صفة أو شرط ،و وقوعه إذا تحقق
ذلك الشرط ،أو تلك الصفة ،قول النبي " : المسلمون عند شروطهم
".
رواه الحاكم ) البيوع ،باب :المسلمون على شروطهم والصلح جائز 2/49 :
.
إذ ُيفهم من الحديث أن الشروط التي يعّلق النسان عليها إبرام شيء
ل حراما ً
تكون محل اعتبار وتقدير من الشارع ،ما لم تكن تحرم حلل ً ،أو تح ّ
.
الثار التي يترتب على الطلق المعلق :
ويترتب على الطلق المعّلق ما يلي :
علق الطلق به لم يحصل بعد .
1ـ عدم وقوع الطلق ما دام الشيء الذي ُ
2ـ تظل الحياة الزوجية مستمرة بكامل أحكامها ومستلزماتها ،ما دام
الشرط المعّلق عليه لم يتحقق بعد ،وإن كان حصوله على حكم
قق .كقوله :إذا جاء شهر رمضان فأنت طالق .
المح ّ
3ـ يقع الطلق بمجرد حصول الشرط الذي عّلق الزوج الطلق به ،دون
حاجة إلى أن ينطق نطقا ً جديدا ً بالطلق .
الستثناء في الطلق :
ح الطلق المعّلق بصفة ،أو شرط ،كما ذكرنا يص ّ
ح الطلق وكما يص ّ
الذي دخله الستثناء .
والمقصود بالستثناء في الطلق :أن يجمع بلفظ واحد أكثر من طلقة
واحدة ،ثم يطرح بعضا ً منها بأداة الستثناء ،وهي ) إل ّ ( بأن يقول :أنت
طالق ثلثا ً ،إل طلقة واحدة ،أو إل طلقتين .
117
وذلك لن الستثناء من المعدود أسلوب عربي مّتبع ،ومستعمل في
ل من الكتاب والسنة ،للتعبير عن المعاني ،وضبط الكميات والعداد . ك ّ
ة
سن َ ٍ
ف َ م أ َل ْ َ قال الله تعالى حكاية عن نوح عليه السلم :فَل َب ِ َ
ث ِفيهِ ْ
عاما ً ] العنكبوت [ 14 :
ن َ
سي َ
م ِ إ ِّل َ
خ ْ
لذلك جاز استعمال الستثناء في التعبير عن الطلق ،وضبط عدد
الطلقات المراد إيقاعها
شروط صحة الستثناء في الطلق :
يشترط لصحة الستثناء في الطلق مراعاة الشروط التالية :
1ـأن ينوي المطّلق إلحاق الستثناء بكلمه قبل فراغه من النطق بالكلم
م كلمه الصلي ،ثم طرأ على باله أنالصلي المستثنى منه .فلو أت ّ
يستثني منه شيئا ً ،لم يصح الستثناء ،ووقع الطلق كما يقتضيه كلمه
الصلي قبل تعليق الستثناء به .
عرفا ً .
2ـ أن يتصل لفظ الستثناء بلفظ المستثنى منه ُ
فلو فصل بينهما بفاصل زمني يعتبره العُْرف فاصل ً :كدقيقة مثل ً ،
بطل استثناؤه ،ووقع الطلق كما يقتضيه لفظ المستثنى منه .
3ـ أن ل يكون الستثناء مستغرقا ً لكمية المستثنى منه :كأن يقول :أنت
طالق ثلثا ً إل ثلث طلقات ،فمثل هذا الستثناء يعتبر لغيا ً ،ويستقر
الحكم على ما يقتضيه لفظ المستثنى منه .
وينبغي أن تعلم بعد هذا أن الستثناء من الكلم المثبت يعتبر نفيا ً ،
وأن الستثناء من الكلم المنفي يعتبر إثباتا ً ،لن الستثناء يعطي نقيض
الحكم الصلي للمستثنى ،فلو قال :ما طّلقتك إل طلقتين ،وقعت
طلقتان .
119
ك طالق ,فإن نوى تطليقها طلقت ,وإن لم
2ـ قال رجل لزوجته :أنا من ِ
ينو لم تطلق ,لن اللفظ خرج عن الصراحة إلى الكناية ,بإضافته إلى
غير محله ,فشرط فيه ما شرط في الكناية من قصد إيقاع الطلق.
3ـ قال رجل لزوجته :أنت طالق ،أنت طالق ،أنت طالق .
فإن تخلل سكوت بين هذه الجمل بما يعد فاصل عرفا ،وقعت ثلث
طلقات ،ول يقبل قضاء قوله أردت التأكيد ،لنه خلف الظاهر ،وإن
لم يتخلل هذه الجمل فاصل ،فإن نوى التأكيد وقعت طلقة واحدة ،
فإن نوى الثلث وقعت ثلثا ُ ،وإن أطلق ،ولم ينو شيئا ً ،وقعت أيضا ً
ثلثا ً .عمل ً بظاهر اللفظ .
4ـ إذا قال لزوجته :إن شاء الله فأنت طالق :لم تطلق إن قصد التعليق
بمشيئة الله عز وجل ،لن المعلق عليه من مشيئة الله تعالى غير
معلوم .فإن لم يقصد بالمشيئة التعليق ،وإنما قصد بها التبرك ،أو
لم يقصد شيئا ً ،فإن الطلق يقع .
5ـ لو خاطبت الزوجة زوجها بمكروه ،فقالت له يا سفيه ،أو يا خسيس ،
ت كما تقولين فأنت طالق .
فقال لها :إن كن ُ
فإن قصد بذلك مكافأتها بإسماعها ما تكره ،وإغاظتها بالطلق كما
أغاظته بالشتم ،فإن الطلق يقع ،وإن لم يكن سفيها ً ،ول خسيسا ً .
وكأنه قال :إن كنت بزعمك كذلك فأنت طالق .
سة ،أو أطلق ،ولم
أما إذا أراد تعليق الطلق على وجود السفه والخ ّ
يرد شيئا ً اعتبرت الصفة المعّلق عليها كما هو سبيل التعليقات ،فإن لم
يكن سفيها ً أو خسيسا ً ،لم يقع الطلق ،وإن كانت كذلك ،وقع .
جر عليه لسوء تصرفه بأمواله .
ح ْ
والسفيه :هو من يستحق ال َ
من يتعاطى غير
من باع دينه بدنياه .وقيل :هو َ
والخسيس :قيل هو َ :
لئق به بخل ً .
أحكام الرجعة
120
اعلم أن الرجل إذا طلق زوجته ،فلبد ّ أن يقع الطلق على واحد من
الحوال التالية :
أول ً :أن يطّلقها قبل الدخول .
ثانيا ً :أن يطّلقها على وجه المخالفة ،سواء كان ذلك قبل الدخول أم بعده
.
ثالثا ً :أن يطّلقها طلقا ً عاديا ً بعد الدخول طلقه ،أو طلقتين .
رابعا ً :أن يطّلقها طلقا ً عاديا ً ثلث تطليقات .
هذه هي الكيفيات التي يمكن أن يقع عليها الطلق ،فلنشرح ما
يترتب على كل حالة من أحكام الرجعة إذا أراد الزوج أن يراجع زوجته
بعدها
أول ً :إذا طلقها قبل أن يدخل بها :
إذا طّلق الرجل زوجته قبل أن يدخل بها ،بانت منه ،ولم يجز له أن
يراجعا ،إذا ل يجب عليها أن تعتد ّ منه ،لصريح قول الله عز وجل َ :يا
قتموهُن من قَب َ َ
ن
سوهُ ّم ّ
ل أن ت َ َ
ْ ِ ّ ِ م ط َل ّ ْ ُ ُ
ت ثُ ّ
مَنا ِ م ال ْ ُ
مؤ ْ ِ ذا ن َك َ ْ
حت ُ ُ مُنوا إ ِ َ
نآ َ ذي َأي َّها ال ّ ِ
دون ََها ] الحزاب [ 49 :لذلك ينتهي بها عد ّةٍ ت َعْت َ ّ ن ِ م ْ ن ِ م ع َل َي ْهِ ّما ل َك ُ ْ
فَ َ
الطلق إلى البينونة رأسا ً .
ثم إذا كان طّلقها في هذه الحالة طلقة واحدة ،أو طلقتين ،لم تح ّ
ل
له إل بعقد ومهر جديدين ،بناء على اختيارها ورضاها .
ل له إل بعد أن تنكح زوجا ً
وإن كان قد طّلقها ثلث تطليقات ،لم تح ّ
غيره ،ويدخل بها الزوج الثاني ،ثم يطّلقها ،ثم تعتد ّ منه ،ثم يتزوجها هو
بعقد ومهر جديدين .
ثانيا ً :إذا خالعها على مال :
إذا خالع الزوج زوجته ) وقد مّر بك بيان الخلع ( بانت منه ،ولم يجز
له أن يراجعها بموجب العقد والمهر جديدين ،كزوج جديد ،سواء كان ذلك
الخلع قبل الدخول بها ،أو بعده .
ثالثا ً :إذا طّلقها بعد الدخول طلقة أو طلقتين :
121
إذا طّلق الزوج زوجته بعد الدخول بها طلقة واحدة ،أو طلقتين ،جاز
له أن يراجعها بموجب العقد والمهر الثابتين ،بناًء على رغبته المنفردة ،إذا
ل: دتها لم تنقض بعد .ودليل ذلك صريح قول الله عّز وج ّ كانت ع ّ
لحا ً ] البقرة . [ 228 : كإ َ وبعول َته َ
دوا ْ إ ِ ْ
ص َ ن ِفي ذ َل ِ َ ِ ْ
ن أَرا ُ حقّ ب َِرد ّه ِ ّ
نأ َ َُُ ُُ ّ
سا ٌ
ك ن فَإ ِ ْ
م َ والمراد بالرد ّ :الرجعة .وقال الله تعالى :الط ّل َقُ َ
مّرَتا ِ
ن ] البقرة . [ 229 : َ
سا ٍ
ح َ
ح ب ِإ ِ ْ
ري ٌ
س ِ
ف أوْ ت َ ْ
معُْرو ٍ
بِ َ
فإن المساك بمعروف بعد الطلق ل يكون إل بناًء على الرجعة .
ودليل ذلك من السّنة :ما رواه أبو داود ) الطلق ،باب :في
المراجعة ،رقم ( 2283 :عن عمر : أن رسول الله طلق حفصة
رضي الله عنها ،ثم راجعها .
كيفية الرجعة :
ويكفي لرجاعها إلى عصمة نكاحه أن يقول :أرجعتك إلى عصمتي ،
و عقد نكاحي .
ن أن يشهد على كلمه هذا شاهدين .واستد ّ
ل لهذا بقوله تعالى : ويس ّ
منك ُ ْ
م ] الطلق . [ 2 : دوا ذ َوَيْ ع َد ْ ٍ
ل ّ وَأ َ ْ
شه ِ ُ
فإن أرجعها عادت إليه بما بقي له من الطلق ،فإن كان قد طّلقها
طلقة ،بقيت له اثنان ،وإن كان قد طلقها طلقتين ،بقيت له طلقة واحدة
فقط .
دتها ،فإنها تصبح بذلك بائنة منه ،
فأما إذا لم يراجعها حتى انقضت ع ّ
وعندئذ سبيل إليها إل بعقد ومهر جديدين ،باختيار منها ،كزوج جديد .
قتم النساء فَبل َغْ َ
جل َهُ ّ
ن نأ ََ َ ذا ط َل ّ ْ ُ ُ ّ َ ل وَإ ِ َ ودليل ذلك :قول الله عّز وج ّ
فَل َ تعضُلوهُن َأن ينكح َ
ف ] البقرة : ضوْا ْ ب َي ْن َُهم ِبال ْ َ
معُْرو ِ ذا ت ََرا َن إِ َ
جه ُ ّ
ن أْزَوا َ
َ ِ ْ َ ّ َْ ُ
. [ 232
فلو كان حق الرجعة ثابتا ً لزوجها الول ،لما أباح لها النكاح ممن تشاء
من الزواج .
رابعا ً :إذا طلقها ثلث تطليقات :
122
ن متفرقات ،أم
إذا طلق الزوج زوجته ثلث تطليقات ،سواء ك ّ
مجتمعات بلفظ واحد ،وسواء كان الطلق قبل الدخول ،أو بعد الدخول ،
دة أو بعدها ،
بانت منه الزوجة ،ولم يعد له من سبيل إليها ،سواء أثناء الع ّ
إل بعد اجتيازها خمس مراحل من الشروط :
دتها من زوجها .
1ـ أن تنقضي ع ّ
دتها على زوج غير الول عقدا ً طبيعيا ً
2ـ أن يعقد نكاحها بعد انقضاء ع ّ
صحيحا ً .
3ـ أن يدخل بها هذا الزواج الثاني دخول ً حقيقيا ً .
4ـ أن يطّلقها بعد ذلك .
دتها منه .
5ـ أن تنقضي ع ّ
ثم إذا أراد بعد ذلك زوجها الول أن يعود إليها كان له ذلك ،لكن بناًء
ح ّ
ل قَها فَل َ ت َ ِ على رضاها ،وبعقد ومهر جديدين .قال الله تعالى ِ :إن ط َل ّ َ
َ
جَعا ِإن ما أن ي َت ََرا َ ح ع َل َي ْهِ َ
جَنا َ ح َزْوجا ً غ َي َْره ُ فَِإن ط َل ّ َ
قَها فَل َ ُ ى َتنك ِ َحت ّ َ
من ب َعْد ُ َه ِ لَ ُ
دود َ الل ّهِ ] البقرة [ 230 : َ
ح ُما ُ ظ َّنا أن ي ُ ِ
قي َ
وروى البخاري ) الشهادات ،باب :شهادة المختبي ،رقم ، ( 2496 :
ومسلم ) في النكاح ،باب :ل تحل المطلقة ثلثا ً لمطّلقها حتى تنكح …،.
رقم ( 1433 :عن عائشة رضي الله عنها قالت :جاءت امرأة رفاعة
القرظي النبي فقالت :كنت عند رفاعة ،فطلقني فأب ّ
ت طلقي ،
دبة الثوب ،فقال :
فتزوجت عبد الرحمن بن الّزبير ،إنما معه مثل هُ ْ
) أتريدين أن ترجعي إل ّ رفاعة ؟ ،حتى تذوقي عسيلته ،ويذوق
عسيلتك ( .
ت طلقها :طّلقها ثلثا ً .هدبة الثوب :حاشيته ،شّبهت به
] أب ّ
استرخاء ذكره ،وأنه ل يقدر على الوطء .تذوقي عسيلته :هذا كناية عن
الجماع .وعسيلة :قطعة صغيرة من العسل ،شّبه لذة الجماع بلذة ذوق
العسل [ .
الحكمة من توقف حل المطلقة ثلثا ً على هذه الشروط :
123
ل الحكمة في إلزام المطّلقة بكل هذه الشروط التي ذكرنا لتح ّ
ل ولع ّ
لزوجها الول هي :
التنفير من الطلق الثلث ،وحمل الزواج بذلك على أن ل يتورطوا في
الطلق الثلث .
الخلصة في الرجعة :
اعلم أن المطّلقة بالنسبة لمكان رجوعها إلى زوجها تسمى :
) رجعية ( إن طّلقت طلقة واحدة أو طلقتين ،بعد الدخول بها ،
ض بعد .
دتها لم تنق ِ
وع ّ
وحكمها :جواز مراجعة زوجها لها ،بعقدها ومهرها السابقين
وبموجب إرادته المنفردة
) بائنة بينونة صغرى ( :وهي :
1ـ المطّلقة طلقة واحدة أو طلقتين قبل الدخول بها .
2ـ المطّلقة طلقة واحدة أو طلقتين بعد الدخول بها ،وقد انقضت
دتها .
ع ّ
3ـ المخالعة على ب َد َ َ
ل مالي ،كما سبق بيانه .
وحكمها :ل سبيل للزوج إليها إل بعقد ومهر جديدين ،وباختيارها
ورضاها .
) بائنة بينونة كبرى ( :وهي التي طّلقها زوجها ثلث تطليقات ،
سواء قبل الدخول بها ،أو بعده .
ل له إل بعد أن تنكح زوجا ً غيره ،على نحو ما قد
وحكمها :ل تح ّ
سبق إيضاحه .
مشبهات الطلق
هنا ثلث مسائل ،تشبه في نتائجها الطلق ،أو هي قد تؤول إلى
الطلق .وهذه المسائل هي :اليلء ،الظهار ،اللعان .لذلك جمعناها إلى
بعضها تحت هذا العنوان :
) مشّبهات الطلق ( ثم لنشرح كل ً منها على حدة :
124
أول ً ـ اليلء
تعريف اليلء :
اليلء في اللغة من اللّية ،بمعنى اليمين .يقال :آلى فلن :أي
ل أ ُوُْلوا ال ْ َ ْ
ة
سعَ ِ منك ُ ْ
م َوال ّ ل ِ
ض ِ
ف ْ ل :وََل ي َأت َ ِأقسم ،وعليه قول الله عّز وج ّ
ن … ] النور [ 22 :أي ل يحلف . كي َ
سا ِ
م َ َأن ي ُؤ ُْتوا أ ُوِْلي ال ْ ُ
قْرَبى َوال ْ َ
واليلء اصطلحا ً :فهو أن يقسم الزوج المالك لحق الطلق أل ّ يجامع
زوجته مطلقا ً ،أو مدة تزيد على أربعة أشهر .
حكم اليلء :
إذا أقسم الزوج على أن يجامع زوجته مطلقا ً ،أو مدة تزيد على أربعة
ل بذلك من زوجته .ويترتب على الزوج من الحكام
أشهر ،فهو مو ٍ
الشرعية ما يلي :
يمهله الحاكم أربعة بدءا ً من اليوم الذي أقسم فيه أن ل يطأ زوجته ،
كفرصة يمكنه من الرجوع والتكفير عنها ،أو من تطليقها إن لم يرد الرجوع
والتفكير .
فإذا انتهت الشهر الربعة ،وهو ملتزم يمينه ،فهو عندئذ مضار
لزوجته ،ويلزمه الحاكم بسبب ذلك ـ بناًء على طلب الزوجة ـ بأحد أمرين :
فر عن يمينه ،إن كان قد
1ـ الرجوع عن يمينه ،والتصال بزوجته ،ويك ّ
أقسم بالله ،أو بعض صفاته ،أو يأتي بما أقسم به إن كان قد حلف
على أن يفعل عمل ً ،أو يتصدق بصدقة .
2ـ أو الطلق إن أبى إل التمسك بيمينه .
فإن أبى الزوج ،ورفض سلوك أحد هذين السبيلين ،أوقع القاضي
عنه طلقة واحدة ،لنه حق توجه عليه لرفع الضرر عن الغير ،ول
سبيل إلى ذلك إل بالتطليق عليه .وتقع النيابة فيه ،كقضاء الدين ،
وأداء الحقوق العينية .
125
هذا إذا لم يكن بالزوج عذر يمنعه من الوطء ،فأما إن كان عذر
من مرض ونحوه ،طولب بالرجوع عن إيلئه بلسانه ،بأن يقول :إذا قدرت
رجعت عن التزامي ويميني
دليل أحكام اليلء :
ن ي ُؤ ُْلو َ
ن ودليل أحكام اليلء التي ذكرناها قول الله عز وجل :ل ّل ّ ِ
ذي َ
ن
م} {226وَإ ِ ْ حي ٌ
فوٌر ّر ِ ن الل ّ َ
ه غَ ُ ؤوا فَإ ِ ّ
ن َفآ ُشهُرٍ فَإ ِ ْص أ َْرب َعَةِ أ َ ْ
م ت ََرب ّ ُسآئ ِهِ ْ
من ن ّ َ ِ
م ميعٌ ع َِلي ٌس ِه َ ن الل ّ َ موا ْ الط ّل َقَ فَإ ِ ّ ع ََز ُ
] البقرة 226 :ـ . [ 227
] يؤلون :يحلفون .تربص :انتظار .فاؤوا :رجعوا عن الحلف إلى
الوطء .عزموا الطلق :أوقعوه [ .
وروى مالك رحمه الله تعالى في كتابه المؤطأ ) الطلق ،باب :اليلء
( 2/556عن علي أنه كان يقول :إذا آلى الرجل من امرأته ،لم يقع
عليه طلق ،وإن مضت الربعة أشهر ،حتى يوقف :فإما أن يطّلق ،وإما
أن يفيء.
وروى مثل ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما .
ومثل هذا الحكم ل يقال من قبل الرأي ،لذلك كان لهذا الحديث حكم
المرفوع إلى رسول الله .
126
حكم الظهار من حيث الح ّ
ل والحرمة :
الظهار حرام بإجماع المسلمين ،وهو كبيرة من الكبائر ،بدليل أن
قوُلو َ
ن م ل َي َ ُ
الله عز وجل سماه منكرا ً من القول وزورا ً ،قال تعالى :وَإ ِن ّهُ ْ
ل وَُزورا ً] المجادلة[ 2: ن ال ْ َ
قو ْ ِ كرا ً ّ
م َ من َ
ُ
ألفاظ الظهار :
تنقسم اللفاظ التي تعتبر داّلة على الظهار إلى قسمين :صريح ،
وكناية .
أما اللفظ الصريح :وهو الذي ل يحتمل غير الظهار ـ فهو أن يقول
ي كظهر أمي .أو أنت عندي – كظهر ُأمي .فإذا تلفظلزوجته :أنت عل ّ
بهذا الكلم ،فهو مظاهر من زوجته ،سواء وجت نّية ذلك لديه أم لم
ح منهم الطلق ،أ ما دام رشيدا ً واعيا ً لمعنى ما
من يص ّ
توجد ،مادام م ّ
يقول .
أما اللفظ الكنائي ـ وهو ما يحتمل الظهار وغيره ـ فهو مثل أن يقول
ي كأمي وأختي ،أو :أنت عندي مثل أمي وأختي .
لزوجته :أنت عل ّ
فإذا نطق بمثل هذه اللفاظ ،فإنها تنصرف إلى المعنى الذي أراده
فظ بها .
عند التل ّ
فإن كان قصد بها الظهار كان مظاهرا ً ،وإن كان قصد بها تشبيه
زوجته بأمه أو أخته في الكرامة والتقدير لم يكن مظاهرا ً ،وليس عليه شئ
أبدا ً .
أحكام الظهار :
إذا نطق الزوج بلفظ الظهار الصريح ،أو بشيء من ألفاظه الكنائية ،
وأراد بذلك معنى الظهار ،وهو تشبه الزوجة بمحارمه في الحرمة عليه ،
فإنه ينظر :
ـ فإن أتبع كلمه هذا بالطلق ،فإن حكم الظهار يندرج في الطلق ،
ول يبقى له من أثر ،إذ يأتي الطلق بمثابة تفسير للفظ الظهار ،فيلغو
حكم الظهار ،ويستقر الطلق .
127
ـ أما إن لم يتبع ذلك بالطلق ،ولم يحصل ما يقطع النكاح ،فإنه يعتبر
عائدا ً في كلمه ،مخالفا ً لما قاله ،فإن عدم انفصاله عن زوجته ،و قد
شّبهها في الحرمة بمحاربة ـ يعتبر نقضا ً منه لهذا التشبيه ،ومخالفة
فارة ُ ،يكلف بإخراجها على الفور .
لمقتضاه .وعندئذ تلزمه ك ّ
كفارة الظهار :
فارة الظهار مرتبة ـ حسب المكان ـ وفق ما يلي :
وك ّ
مخّلة بالكسب والعمل ،كالزمانة ،
1ـ عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب ال ُ
جل مثل ً . أو فَ ْ
قد عضو ،كر ْ
2ـ فإن لم يكن رقيق كعصرنا اليوم ،أو كان ،ولكنه عجز عنه ،فصيام
شهرين قمريين متتابعين .
3ـ فإن لم يستطيع الصوم ،أو لم يستطيع الصبر على تتابع الصوم ،لمرض
،أو هرم ،فإطعام ستين مسكينا ً ،لكل مسكين مد ّ من غالب قوت
البلد .
دليل ترتيب الك ّ
فارة :
فارة الظهار ـ ما سيأتي في أحكام
والدليل على هذا الترتيب في ك ّ
الظهار عامة ـ وما رواه الترمذي ) الطلق ،باب :ما جاء في كفارة الظهار
،رقم (1200 :وغيره :أن سلمان بن صخر النصاري ،أحد بني بياضة ،
جعل امرأته عليه كظهر ُأمه ،حتى يمضي رمضان ،فلما مضى نصف من
رمضان ،وقع عليها ليل ً ،فأتى رسول الله ، فذكر ذلك له ،فقال رسول
الله " : أعتق رقبة " .قال :ل أجدها ،قال " :فصم شهرين متتابعين ".
قال :ل أجد .فقال رسول الله لفروة بن عمرو " :أعطه ذلك العرق "
وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعا ً ،أو ستة عشر ،إطعام ستين مسكينا ً .
كفارة الظهار تخرج فورا ً :
فارة الظهار ُيطالب بها الزوج على الفور ،أي إنه ل يح ّ
ل له وطء إن ك ّ
زوجته قبل التفكير بأيّ النواع الثلثة التي سبق ذكرها ،فإذا وطىء زوجته
فارة ،لن الوطء قبل التفكير حرام .
قبل التفكير ،فقد عصى ،ولزمته الك ّ
128
سا لقول الله عز وجل :من قَب َ
ما ّ
ل أن ي َت َ َ
ْ ِ ّ ّ
] المجادلة . [ 3 :
روى الترمذي ) الطلق ،باب :ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن
يكفر ،رقم ، ( 1199 :وابن ماجه ) الطلق ،باب :المظاهر يجامع قبل
أن يكفر ،رقم ( 2065 :وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما :أن
رجل ً أتى النبي قد ظاهر من امرأته ،فوقع عليها ،فقال :يا رسول
الله ،إني قد ظاهرت من زوجتي ،فوقعت عليها قبل أن ُأك ّ
فر ،فقال " :
وما حملك على ذلك ،يرحمك الله "؟ يرحمك الله " ؟ قال :رأيت خلخالها
في ضوء القمر ،قال " :فل تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به " .
دليل أحكام الظهار عامة :
ويستدل لحكام الظهار جملة :بما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن
امرأة أوس بن الصامت ـ رضي الله عنها ـ جاءت تشتكي زوجها إلى رسول
الله وهي تقول :يا رسول الله ،أكل شبابي ونثرت له بطني ،حتى إذا
كبرت سّني وانقطع ولدي ظاهر مني ،الّله ّ
م إني أشكو إليك ،فما برحت
معَ … حتى نزل جبرائيل بهؤلء اليات :قَد ْ َ
س ِ
رواه ابن ماجه ) الطلق ،باب :الظهار ،رقم ، ( 2063 :وأبو داود
) الطلق ،باب :في الظهار ،رقم ، ( 2214 :والحاكم ) في المستدرك :
التفسير ،تفسير سورة المجادلة .. ( 2/481 :
واليات هي :
129
دود ُ الل ّ ِ
ه ح ُ سول ِهِ وَت ِل ْ َ
ك ُ مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ كينا ً ذ َل ِ َ
ك ل ِت ُؤ ْ ِ س ِ
م ْ
ن ِ
سّتي َ م ِ ست َط ِعْ فَإ ِط َْعا ُيَ ْ
م ] المجادلة . [ 4-1 : َ ن عَ َ وَل ِل ْ َ
ب أِلي ٌ ذا ٌ ري َ
كافِ ِ
ثالثا ً ـ اللعان
تعريف اللعان :
اللعان ـ لغة ـ مصدر لعن ،وهو الطرد ،والبعاد .
منه :لعنه الله ،أي طرده وأبعده .
وسمي بذلك لبعد الزوجين ك ّ
ل منهما عن الخر .
وأما اللعان شرعا ً :فهو كلمات معينة ،جعلت حجة للمضطر إلى
قذف من ل ّ
طخ فراشة ،وألحق العار به .
وسمي لعانا ً ،لشتمال هذه الكلمات على لفظ اللعن ،ولن كل من
المتلعنين يبتعد عن الخر باللعان .
130
الحكمة من مشروعية اللعان :
أعلم أن حكم اللعان جاء مخالفا ً لما يقتضيه عموم حكم القذف ،من
استحقاق القاذف الحد ّ ،وبراءة المقذوف حكما ً مما قد رماه به القاذف .
فما هي حكمة هذه المخالفة ؟ ولماذا لم تنطبق أحكام القذف على
من جاء بقذف زوجته بالفاحشة ؟
َ
والجواب :أن غير الزوج بالنسبة لزوجته غير مضطر إلى أن يرمي
أحدا ً من الناس بالفاحشة ،صادقا ً كان في ذلك أم كاذبا ً .
بل الدب السلمي يقضي بأن يستر المسلم ما قد ينكشف له من
جوة من الناس .
عيوب الخرين ،ويكتفي بالنصح لهم ،في ستر ون َ ْ
أما الزوج بالنسبة لزوجته ،فإنه يشبه أن يكون مضطرا ً إلى الكشف
عن حقيقتها ،وواقع أمرها في ارتكاب الفاحشة ،لن ارتكابها ذلك تلطيخ
لفراشه ،وإلحاق للعار به .وهو عذر شرعي يعطيه حق النفصال عنها .
ولو انفصل عنها بطلق لستلزم ذلك أن يقع في ظلم آخر يلحقه
بنفسه ،وهو الحكم لها بكامل المهر ،دون أن تستحق شيئا ً منه بسبب
سوء سلوكها .
لذلك كان لبد ّ ـ لنصافه ـ من أن يشرع حكم خاص بهذه الحالة ،
يضمن بقاء كل من الزوجين في كنف العدالة ،دون أن يذهب واحد منهما
حية لظلم الخر .
ض ّ
وكان هذا الحكم هو :حكم اللعان ،الذي سنقف على موجز لتفاصيله
.
وبهذا تدرك الحكمة من أن قذف الزوج لزوجته ،إذا جاء على
النحو الذي رسمته الشريعة السلمية ،ل يستوجب حد ّا ً أبد له ،فإن
القاذف إنما ُيحد ّ لتهامه بالكذب من جانب ،ولعدم اهتمامه بستر حال
المسلمين من جانب آخر .
131
أما الزوج فإنه يبعد جدا ً أ ،يقذف زوجته كاذبا ً ،لم يلحقه بسبب هذا
الكذب من العار ،وسوء السمعة ،وهو معذور في أن ل يستر حال زوجته ،
حسن سيرته بين
لن ستره لها إلحاق للعار به ،وهو إسقاط لمروءته و ُ
الناس .
حكم قذف الزوجة :
القذف :هو أن يرمي زوجته بالزنى ،وللزوج الحق في أن يرميها
بذلك إذا علم زناها ،أو ظنه ظنا ً مؤكدا ً :كظهور زناها بفلن من الناس ،
مع رؤيتهما في خلوة منفردين .هذا الحكم ـ وهو إباحة رمي الزوجة بالزنى
ـ إذا لم يكن هناك ولد ،أما إذا كان هناك ولد ،والزوج يعلم أنه ليس منه ،
فإنه والحالة هذه يجب عليه أن يرمي زوجته ،وينفي الولد عن نفسه ،لن
ترك نفسي الولد عن نفسه يتضمن استلحاقه ،واستلحاق من ليس منه
من هو منه ،لكن كيف يعلم أن هذا الولد ليس منه .
حرام ،كحرمة نفي َ
طريق العلم بذلك أن يكون لم يطأ زوجته ،أو أن زوجته قد أتت
بالولد لدون ستة أشهر من الوطء ،التي هي أقل مدة الحمل ،أو ولدته
لكثر من أربع سنين من الوطء ،التي هي أكثر مدة الحمل ،ففي هذه
الحالت يثبت أن الولد ليس من هذا الزوج ،وعندئذ يجب نفيه عن نفسه ،
لئل يلحق به .
132
وقد نزل حكم اللعان ،فكان السبيل الذي يدرأ به الزوج عن نفسه
حد ّ القذف ،إذا قذف زوجته بالزنى ،فكيف تكون الملعنة إذا ً ؟
ن
مع من الناس ،يس ّ
ج ْ
الملعنة :أن يقول الزوج عند الحاكم أمام َ
أن يكونوا من ُوجهائهم ،وصالحيهم ،وأن يكون ذلك في المسجد ،فوق
مكان مرتفع ،كمنبر وغيره ،يقول
أشهد بالله إنني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلنة من
الزنى ،وأن هذا الولد
) إن كان لها ولد ،أو حمل ( من الزنى وليس مّني .
يقول ذلك أربع مرات ،يشير في كل مرة بيده إلى زوجته ،إن كانت
حاضرة .
ثم يقول في المرة الخامسة :بعد أن يعظه الحاكم ،ويح ّ
ذره من
ى لعنة الله إن كنت من الكاذبين .
الكذب ،يقول :وعل ّ
دليل هذا اللعان :
ل: ل على تشريع اللعان بالنسبة للزوج يقول الله عّز وج ّ ويستد ّ
شَهاد َةُم فَ َ سهُ ْ داء إ ِّل َأن ُ
ف ُ شه َ َ كن ل ّهُ ْ
م ُ م وَل َ ْ
م يَ ُ جه ُ ْن أْزَوا َ
وال ّذين يرمو َ
َ ِ َ َْ ُ َ
خامس ُ َ م أ َْرب َعُ َ َ
ت الل ّهِ ن ل َعْن َ َةأ ّ ن}َ {6وال ْ َ ِ َ صاد ِِقي َن ال ّ ه لَ ِ
م َ ت ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ
دا ٍ
شَها َ حد ِه ِ ْ
أ َ
ن ] النور[ 7 -6 : ن ال ْ َ
كاذ ِِبي َ م َ
ن ِ ع َل َي ْهِ ِإن َ
كا َ
ويستدل من السنة بما رواه البخاري ) الطلق ،باب :التلعن في
المسجد ،رقم ( 5003 :ومسلم ) أول كتاب اللعان ،رقم ( 1429 :عن
سهل بن سعد : أن رجل ً من النصار جاء إلى رسول الله فقال :يا
ت رجل ً وجد من امرأته رجل ً ،أيقتله ،أم كيف يفعل ؟
رسول الله .أرأي َ
ذكَر في القرآن من أمر المتلعنين ،فقال النبي
فأنزل الله في شأنه ما ُ
":قد قضى الله فيك وفي امرأتك " .قال فتلعنا في المسجد وأنا شاهد .
وفي رواية :فتلعنا وأنا مع الناس عند رسول الله .
الحكام التي تترتب على لعان الزوج :
133
ن الزوج زوجته ،على الكيفية التي ذكرناها ،ترتب على ذلك
إذا لع َ َ
خمسة أحكام :
1ـ سقوط حد ّ القذف عن الزوج .
2ـ وجوب حد ّ الزنى على الزوجة ،إل أن تلعن هي أيضا ً .
3ـ زوال الفراش ،أي انقطاع النكاح بينهما .
4ـ نفي الولد ،وانقطاع نسبه عن الزوج إن نفاه في لعانه ،وإلحاقه
بالزوجة .
حرمة ك ّ
ل من الزوجين على الخر إلى البد . 5ـ ُ
روى البخاري ) الطلق ،باب :يلحق الولد بالملعنة ،رقم :
، (5559ومسلم ) في اللعان ،رقم (1494 :عن ابن عمر رضي الله
من ولدها ،ففرق عنهما :أن النبي لع َ َ
ن بين رجل وامرأته ،فانتفى َ
بينهما ،وألحق الولد بالمرأة .
وروى أبو داود ) الطلق ،باب :في اللعان ،رقم ( 2250 :عن سهل
بن سعد قال :مضت السّنة بعد ُ في المتلعنين أن يفّرق بينهما ،ثم ل
يجتمعان أبدا ً .
كيفية لعان الزوجة :
كما أن لعان الزوج هو السبيل الذي يدرأ عنه حد ّ القذف ،فإن لعان
الزوجة هو السبيل الذي يدرأ عنها حد ّ الزنى ،الذي يتعلق بها بسبب لعان
الزوج .
إما كيفية لعان الزوجة ،فهو أن تقول :
أشهد بالله أن فلنا ً من الكاذبين فيما رماني به من الزنى .تقول ذلك
ى غضب الله إن كان من
أربع مرات ،ثم تقول في المرة الخامسة :وعل ّ
الصادقين .فإذا قالت ذلك سقط عنها حد ّ الزنى
دليل لعان الزوجة :
134
ن َ ل :وَي َد َْرُأ} {7ع َن َْها ال ْعَ َ والدليل على ذلك قول الله عز وج ّ
بأ ْ ذا َ
خامس َ َ شهَد َ أ َْرب َعَ َ
ب الل ّ ِ
ه ض َ ن غَ َ ةأ ّ ن}َ {8وال ْ َ ِ َ ن ال ْ َ
كاذ ِِبي َ ه لَ ِ
م َ ت ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ
دا ٍ
شَها َ تَ ْ
ن ] النور 8 :ـ . [9 صاد ِِقي َ ن ال ّم َن ِ ع َل َي َْها ِإن َ
كا َ
من أهم شرائط اللعان :
1ـ أن يتقدم القذف على اللعان .
2ـ أن يتقدم لعان الزوج على لعان الزوجة .
ص الكلمات التي ذكرناها ،فلو أبدل
3ـ أن يلتزم كل من الزوج والزوجة ن ّ
أحد الزوجين لفظ الشهادة بغيرها :كالحلف ،أو القسم ،أو أبدل
ح اللعان .لن ألفاظ اللعان
لفظ الغضب باللعن ،أو العكس ،لم يص ّ
صها في صريح كتاب الله عّز وج ّ
ل ،فيجب المحافظة عليها وردت بن ّ
في صيغة الملعنة .
4ـ أن يكون بين الشهادات الخمس التي يشهدها كل من الزوجين موالة
وتتابع ،فل يجوز أن يقع ما يعد ّ في الُعرف فاصل ً بينهما .
5ـ يجب على الحاكم أن ينصح كل ً من الزوجين ،ويحذره الكذب ومغّبته ،
وأن يقول لهما :حسابكما على الله ،أحدكما كاذب ،فهل منكما من
تائب .
روى الترمذي ) الطلق ،باب :ما جاء في اللعان ،رقم :
( 1202عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي دعا الرجل ،فتل عليه
اليات ،ووعظه وذكره ،وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة ،
فقال :ل والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها .
ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها ،وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من
عذاب الخرة ،فقالت :ل والذي بعثك بالحق ما صدق .
قال فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات إنه لمن الصادقين ،والخامسة
إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين .
ثم ثنى بالمرأة ،فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ،
والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين .ثم فّرق بينهما .
135
وفي رواية عند البخاري ) الطلق ،باب :قول المام للمتلعنين :
أحدكما كاذب … ،.رقم ( 5006 :قال النبي لهما " حسابكما على الله ،
أحدكما كاذب ،ل سبيل لك عليها " .
وروى البخاري ) الطلق ،باب :يبدأ الرجل بالتلعن ،رقم ( 5001 :
مية قذف امرأته ،فجاء
عن ابن عباس رضي الله عنهما :أن هلل بن أ ّ
فشهد ،والنبي يقول " :إن الله أن أحدكما كاذب ،فهل منكما تائب " .
وروى أبو داود ) الطلق ،باب :التغليظ في النتفاء ،رقم ( 2263
وغيره عن أبي هريرة : أنه سمع رسول الله يقول حين نزلت آية
من ليس منهم ،فليست من الله
المتلعبين ":أّيما امرأة أدخلت على قوم َ
في شيء ولن يدخلها الله جنته .وأيما رجل جحد ولده ،وهو ينظر إليه
احتجب الله منه ،وفضحه على رؤوس الولين والخرين ".
نسأل الله تعالى اللطف في الدنيا والخرة .
دة
العــــ ّ
تعريف العدة :
دة ـ لغة ـ اسم مصدر عد ّ يعد ّ ،أما المصدر :فهو ) عد ّ (
الع ّ
دة :مأخوذة من العدد ،لشتمالها عليه ،من القراء ،والشهر . والع ّ
والعدة اصطلحًا :اسم لمدة معينة تتربصها المرأة ،تعبدا ً لله عّز
ل ،أو تفجعا ً على زوج ،أو تأكدا ّ من براءة الرحم .وج ّ
دليل مشروعية العدة :
دة بعدد من آيات القرآن الكريم ،وبكثير من
لقد ثبتت مشروعية الع ّ
أحاديث النبي وانعقد إجماع المة على مشروعيتها .
وسيأتي ـ أثناء البحث ـ الكثير من أدلة الكتاب والسّنة التي تفصل
دة وتبّينها ،وتدل على مشروعيتها .
أحكام الع ّ
الحكمة من مشروعية العدة :
136
ـ أما المتوفى عنها زوجها ،فقد شرعت العدة في حقها ،
للمعاني التالية :
أول ً :للوفاء بحق زوجها الراحل ،فإن ما قد فرضه الله عليها من التقدير
حسن المعاملة له ،ل يتناسب مع إعراضها عنه بمجرد وفاته
والوفاء و ُ
،ورحيله عنها .
ثانيا ً :للتعويض عن العُْرف الجاهلي ،الذي كان يفرض على الزوجة إذا
مات زوجها أن تحبس نفسها في وكر مظلم عاما ً كامل ً ،وأن تضمخ
نفسها خلل ذلك بالسواد ،وتلبس البشع المستقذر من ثيابها .
ذلك لن القضاء على عادة متطرفة في المجتمع ،ل يتم إل إذا ملىء
قق محاسن العادة الولى دون أن
مكان تلك العادة بمبدأ معتدل سليم ،يح ّ
يجّر على الناس شيئا ً من مساوئها .
ـ وأما المفارقة بفسخ أو طلق :
فإن كانت الزوجة من ذوات الحيض ،أو كانت حامل ً :فإن الحكمة
دة في حقها :ضبط النساب ،وحفظ المسؤوليات ،والتأكد
من وجوب الع ّ
من براءة الرحم ،والمر في ذلك واضح .
أما إن كانت الزوجة صغيرة ،أو آيسة ل تحيض ،فالحكمة من وجوب
دة عليها تظهر فيما يلي .
الع ّ
1ـ المعنى التعبدي ،الذي يتضمن النصياع لمر الله عّز وج ّ
ل ،وهذا في
دة بكل أنواعها .
الحقيقة معنى جدير بالوقوف عنده ،وهو يتناول الع ّ
2ـ تفخيم أمر النكاح ،وإعطاؤه الهمية الشرعية التي تناسبه .وواضح أنه
ل يتناسب مع شيء من هذا التفخيم والهمية أن تتحول الزوجة في
اليوم التالي من فراقها إلى زوج آخر ،وإن كانت صغيرة ،أو آيسة
مقطوعا ً ببراءة رحمها من الحمل من زوجها .إن هذه السرعة في
التنقل ُتذيب أهمية النكاح ،وهيبته أمام النظار ،وتثير في النفس
والخيال شأن السفاح وصورته ،وكيف تنتقل البغي من شخص إلى
آخر دون أي انتظار
137
3ـ مزيد من الحيطة للتأكد من براءة الرحم ،إذ ل يؤمن عدم وقوع أحوال
ووقائع شاذة عن القانون والعُْرف الطبيعي ،بين كل حين وآخر من
الزمن .
دة :
أنواع الع ّ
دة التي تلزم بها المرأة إلى قسمين :
تنقسم الع ّ
1ـ عدة وفاة .
2ـ وعدة فراق .
أول ً :ع ّ
دة الوفاة :
دة الوفاة ،فهي التي تجب على من مات عنها زوجها :
أما ع ّ
أ ـ فإن كانت حامل ً منه أثناء الوفاة فع ّ
دتها تنتهي بوضع الحمل ،طالت
المدة أو قصرت .
ب ـ وإن كانت المرأة غير حامل ،أو كانت حامل ً بحمل ل يمكن أن يكون
من زوجها المتوفى عنها ،كأن يكون زوجها غير بالغ ،أو ثبت غيابه
دتها تنتهي بنهاية أربعة أشهر
عنها منذ أكثر من أربع سنوات ،فع ّ
وعشرة أيام ،سوا ء دخل بها الزوج ،أو لم يدخل .
دليل ذلك :
والدليل على ما ذكر قول الله عز وجل :وأ ُوَلت اْل َحما َ
جل ُهُ ّ
ن لأ َ ْ َ ِ َ ْ ُ
َ
نذي َ ن ] الطلق . [4 :وقوله سبحانه وتعالى َ :وال ّ ِ مل َهُ ّ
ح ْ
ن َ ضعْ َ أن ي َ َ
شرا ً فَإ ِ َ
ذا شهُرٍ وَع َ ْة أَ ْ ن أ َْرب َعَ َ
سهِ ّ ن ب َِأن ُ
ف ِ ص َن أْزَواجا ً ي َت ََرب ّ ْ
يتوفّون منك ُم ويذ َرو َ
َُ َ ْ َ ِ ْ ََ ُ َ
ما
ه بِ َ ف َوالل ّ ُ معُْرو ِن ِبال ْ َ سه ِ ّ ف ِ ن ِفي َأن ُ ما فَعَل ْ َ م ِفي َ ح ع َل َي ْك ُ ْ ن فَل َ ُ
جَنا َ جل َهُ ّ
بل َغْ َ
نأ َ َ َ
خِبيٌر ] البقرة . [ 234 : مُلو َ
ن َ ت َعْ َ
ن
دته ّ
ن وم ّ
دته ّ
ن :انقضت ع ّ
] يتربصن :ينتظرن .بلغن أجله ّ
ن :أي من
المذكورة .فل جناح :ل خرج ول إثم .فيما فعلن في أنفسه ّ
التزين ،والتعّرض للخطاب ،وللزواج .بالمعروف :بالوجه الذي يقّره
الشرع ،ول ينكره[ .
138
مة تشمل المرأة الحامل وغيرها ،أما
فالية الثانية من اليتين عا ّ
ن
الولى منهما فقد أخرجت من ذلك العموم النساء الحوامل ،وجعلت له ّ
دة المرأة التي توفي حكما ً خاصا ً به ّ
ن ،فكان هذا هو دليل التفريق بين ع ّ
دة المرأة التي توفي عنها زوجها وهي
عنها زوجها وهي حامل منه ،وبين ع ّ
غير حامل .
دتها بوضع الحمل :ما رواه
والدليل من السنة أن الحامل تنتهي ع ّ
ُ
ل … ، .رقم ( 5014 :عن ما ِ ت اْل َ ْ
ح َ البخاري ) الطلق ،باب :وَأوَْل ُ
ت بعد وفاة
س ْ المسور بن مخرمة : أن ُ
سبْيعة السلمية رضي الله عنها ُنف َ
زوجها بليال ،فجاءت النبي فاستأذنه أن تنكح ،فأذن لها ،فنكحت .
] نفست :ولدت [ .
ثانيا ً :عدة الفراق :
دة الفراق فهي التي تجب على المرأة التي فارقت زوجها ،
وأما ع ّ
بفسخ أو طلق ،بعد وطئها :
أ ـ فإن كانت حامل ً فع ّ
دتها تنتهي بوضع الحمل .ودليل ذلك عموم قول الله
عّز وجل :
وأ ُوَلت اْل َحمال أ َجل ُه َ
مل َهُ ّ
ن ] الطلق .[4 : ح ْ
ن َ
ضعْ َ
ن أن ي َ َ
ْ َ ِ َ ُ ّ َ ْ ُ
دتها بمرور ثلثة أطهار
ب ـ وإن كانت حامل ،وهي من ذوات الحيض ،فع ّ
من بعد الفراق .
ن
سه ِ ّ
ف ِن ب َِأن ُ
ص َت ي َت ََرب ّ ْ مط َل ّ َ
قا ُ ودليل ذلك قول الله سبحانه وتعالى َ :وال ْ ُ
َ ل ل َه َ
ن ِإن ك ُ ّ
ن مه ِ ّحا ِ ه ِفي أْر َ خل َقَ الل ّ ُ
ما َ
ن َ ن أن ي َك ْت ُ ْ
م َ ح ّ ُ ّة قُُروٍَء وَل َ ي َ ِ
ث َل َث َ َ
خرِ ] البقرة[ 228 :ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ ي ُؤ ْ ِ
م ّ
ج ـ وإن كانت ل ترى حيضا ً :بأن كانت صغيرة ،أو آيسة ،أي متجاوزة سن
سائ ِك ُ ْ
م من ن ّ َ
ض ِ
حي ِ ن ال ْ َ
م ِ م َ
ن ِس َالحيض ذلك قول الله تعالى َ :والّلِئي ي َئ ِ ْ
ن ] الطلق . [ 4 : ض َح ْ م يَ ِ ة أَ ْ
شهُرٍ َوالّلِئي ل َ ْ ن ث ََلث َ ُ
م فَعِد ّت ُهُ ّ
ن اْرت َب ْت ُ ْ
إِ ِ
ن أيضا ً ثلثة أشهر .إن ارتبتم :
] واللئي لم يحضن :الصغيرات ،فعد ُّته ّ
ن ،ولم تعرفوا كيف يعتدن [ .
شككتم في حكمه ّ
139
المطّلقة قبل الدخول بها :
أما المرأة التي فارقها زوجها بفسخ ،أو طلق ،قبل الدخول بها ،فل
دة .
يجب عليها أن تلتزم بأيّ ع ّ
َ
ت مؤ ْ ِ
مَنا ِ م ال ْ ُ ذا ن َك َ ْ
حت ُ ُ مُنوا إ ِ َ
نآ َ ذي َودليل ذلك قول الله عّز وجل َ :يا أي َّها ال ّ ِ
قتموهُن من قَب َ
دون ََها عد ّةٍ ت َعْت َ ّ ن ِ م ْ ن ِم ع َل َي ْهِ ّما ل َك ُ ْن فَ َ سوهُ ّ
م ّ
ل أن ت َ َ
ْ ِ ّ ِ م ط َل ّ ْ ُ ُ
ثُ ّ
ميل ً ] الحزاب . [ 49 : سَراحا ً َ
ج ِ ن َ
حوهُ ّ
سّر ُ
ن وَ َ فَ َ
مت ُّعوهُ ّ
أحكام العدة وما تفرضه من التزامات :
دة ،وسنبّينها فيما يلي :
هناك أحكام والتزامات تفرضها الع ّ
أول ً ع ّ
دة الطلق :
دة طلق ،فإما أن يكون طلقها :
دة من زوجها ع ّ
إذا كانت المرأة معت ّ
رجعيا ً ،أو بائنا ً
دتها الحكام التالية
دة من طلق رجعي ترتب على ع ّ
الول :فإن كانت معت ّ
:
أ ـ وجوب المسكن لها مع الزوج ،والفضل أن يكون مسكن طلقها ،إن
كان لئقا ً بها ،ولم يمنع منه مانع شرعي ،ونحوه .
ب ـ وجوب النفقة لها بسائر أصنافها :من مؤنة ،وكسوة ،وغير ذلك ،
سواء كانت حامل ً ،أو حـائل ً ،وذلك لبقاء سلطان الزوج عليها ،
دة .
وانحباسها تحت حكمه ،حيث يمكنه أن يرجعها ما دامت في الع ّ
ج ـ يجب عليها ملزمة مسكنها ،فل تفارقه إل لضرورة .ودليل هذه
س َ َ
من
كنُتم ّ ث َ حي ْ ُ
ن َم ْن ِ ل:أ ْ
سك ُِنوهُ ّ الحكام الثلثة قول الله عّز وج ّ
قوال فََأنفِ ُم ٍح ْ
ت َ
قوا ع َل َيهن وإن ك ُ ُ
ن أوَل ِ
ّ ِْ ّ َِ ضي ّ ُ
ن ل ِت ُ َ م وََل ت ُ َ
ضاّروهُ ّ جد ِك ُ ْ
وُ ْ
] الطلق [ 6 :وقال الله تعالى : مل َهُ ّ
ن ح ْ
ن َ
ضعْ َ
حّتى ي َ َ ع َل َي ْهِ ّ
ن َ
ْ َ
مب َي ّن َةٍ ح َ
شة ٍ ّ فا ِ ن إ ِّل أن ي َأِتي َ
ن بِ َ ج َ وََل ي َ ْ
خُر ْ ن
من ب ُُيوت ِهِ ّ
ن ِجوهُ ّ ا تُ ْ
خرِ ُ
] الطلق . [ 1 :
د ـ يحّرم عليها التعّرض لخطبة الرجال ،إذ هي ل تزال حبيسة على زوجها ،
وهو الحقّ والولى من سائر الرجال .قال الله عز وجل :
140
لحا ً ] البقرة : كإ َ وبعول َته َ
دوا ْ إ ِ ْ
ص َ ن ِفي ذ َل ِ َ ِ ْ
ن أَرا ُ حقّ ب َِرد ّه ِ ّ
نأ ََُُ ُُ ّ
. [ 228
الثاني :
دة بفراق بائن ،وهي عندئذ :إما أن تكون حامل ً ،وإما
إن كانت معت ّ
أن تكون حائل ً ،أي غير حامل :
فإن كانت حامل ً :ترتب على ذلك الحكام التالية :
أ ـ وجوب المسكن لها على الزوج ،ودليل ذلك قوله تعالى في الية
َ ساء فَط َل ّ ُ ذا ط َل ّ ْ َ
صوا
ح ُ ن وَأ ْن ل ِعِد ّت ِهِ ّ
قوهُ ّ م الن ّ َ
قت ُ ُ ي إِ َالسابقة َ :يا أي َّها الن ّب ِ ّ
ْ َ
ن إ ِّل أن ي َأِتي َ
ن ج َخُر ْن وََل ي َ ْ من ب ُُيوت ِهِ ّ ن ِجوهُ ّ خرِ ُم َل ت ُ ْ ه َرب ّك ُ ْ قوا الل ّ َ
ال ْعِد ّة َ َوات ّ ُ
مة في المطّلقة الرجعية
ة ] الطلق . [1:والية هذه عا ّ
مب َي ّن َ ٍ ح َ
شة ٍ ّ فا ِ
بِ َ
والبائنة.
141
وإن كانت حائل ً :ترتب كل ما ذكر في الفقرة السابقة ،إل النفقة
بأنواعها المختلفة من مؤنة ،وملبس ،وغير ذلك .فل تثبت لها ،وإنما يجب
لها المسكن ،وتجب عليها ملزمته .
ودليل ذلك :ما رواه أبو داود ) الطلق ،باب :في نفقة المبتوتة ،رقم ) :
( 229في قصة فاطمة بنت قيس ،حين طّلقها زوجها تطليقة كانت بقيت
لها :أن النبي قال لها " :ل نفقة لك إل أن تكوي حامل ً
ثانيا ً :ع ّ
دة الوفاة :
قها الحكام التالية :
دة من وفاة ،وجبت في ح ّ
وإن كانت المرأة معت ّ
أ ـ الحداد على الزوج :بأن تمتنع عن مظاهر الزينة والطيب ،فل تلبس
ثيابا ً ذات ألوان زاهية ،ول تكتحل ،ول تستعمل شيئا ً من الصباغ ،ول
تتزين بشيء من الحلي :ذهبا ً أو فضة ،أو غيرهما ،فإن فعلت شيئا ً
من ذلك فهي آثمة .
ودليل ذلك :قول النبي ": ل يح ّ
ل لمرأة تؤمن بالله واليوم الخر
أن ُتحد ّ على ميت فوق ثلث ليال ،إل على زوج أربعة أشهر وعشرا ً ".
رواه البخاري ) الطلق ،باب :تحد ُ المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر
وعشرا ً ،رقم ، ( 5024 :ومسلم ) الطلق ،باب :وجوب الحداد في ع ّ
دة
الوفاة رقم 1486 :ـ ( 1489عن ُأم حبيبة رضي الله عنها .
د ّ
ل هذا الحديث على حرمة إحداد المرأة على غير الزوج ،ووجوبها على
خص في إظهار الحزن ،وأمر
الزوج أربعة أشهر وعشرة أيام .ور ّ
بالتعزية خلل ثلثة أيام فقط ،لن النفوس ل تستطيع فيها الصبر ،وإخفاء
الحزن .
وروى البخاري ) الحيض ،باب :الطيب للمرأة عند غسلها من
المحيض ،رقم ( 307ومسلم )الجنائز ،باب :نهي النساء عن اتباع
الجنائز ،رقم ( 938 :عن ُأم عطية النصارية ،رضي الله عنها قالت :كنا
ُننهى أن نحد ّ على ميت فوق ثلث ،إل على زوج أربعة أشهر وعشرا ً ،ول
صب ،وقد رخص لنا نكتحل ،ول نتطيب ،ول نلبس ثوبا ً مصبوغا ً ،إل ثوب ع َ ْ
142
عند الطهر ،إذا اغتسلت إحدانا من محيضها ،في ن ُْبذة من كست أظفار ،
وكنا ننهى عن اّتباع الجنائز .
صب :نوع من ] ثوبا ً مصبوغا ً :مما يعد ّ لبسه زينة في العادة .ثوب ع َ ْ
ستالثياب ،تشد ّ خيوطها ،وتصبغ قبل نسجها .نبذة :قطعة صغيرة ك ُ ْ
أظفار :نوع من الطيب [ .
ب ـ يجب عليها ملزمة بيتها الذي تعتد ّ فيه ،فل تخرج إل لحاجة ،كالتي
دة من الطلق .
ذكرناها بالنسبة للمعت ّ
روى الترمذي ) الطلق ،باب :أين تعتد ّ المتوفى عنها زوجها ،رقم :
(1204وأبـو داود ) الطـلق ،باب :في المتوفى عنها تنتقل ،رقم :
فرْيعة بنت مالك
( 2300وغيرهما ،عن زينب بنت كعب بن عجرة :أن ال ُ
بن سنان ـ وهي ُأخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت رسول الله
درة ،وأن زوجها خرج في طلب تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني ُ
خ ْ
قوا ،حتى إذا كان بطوف القدوم لحقهم ،فقتلوه .قالت :
أعبد له أب َ ُ
فسألت رسول الله أن أرجع إلى أهلي ،فإن زوجي لم يترك لي مسكنا ً
يملكه ،ول نفقة .قالت :فقال رسول الله ": نعم " .قالت :فانصرفت
حتى إذا كنت في الحجرة ) أو في المسجد ( ناداني رسول الله ـ أو أمر بي
فنوديت له ـ فقال :زوجني .قال :فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ً .
قالت :فلما كان عثمان ، أرسل إلي فسألن ّ
ي عن ذلك ،فأخبرته ،
فاتبعه وقضى به .
دة أن تكلم أحدا ً ،
وام من أنه ل يجوز للمعت ّ
أما ما يتصوره كثير من الع ّ
وأن أحدا ً من الناس ل يجوز أن يسمع صوتها ،فل أصل له ،وإنما حكمه
أثناء العدة وخارج العدة سواء .
خلصة في أحكام العدة :
دة تخضع لقدر مشترك من الحكم ،وهو :
والحاصل أن جميع أنواع الع ّ
143
حرمة الخروج من المسكن الذي تعتد ّ فيه المرأة إل لحاجة .ثم
ـ ُ
دة بالوفاة بحكم مستقل ،وهو :وجوب الحداد على الزوج ،
ص المعت ّ
تخت ّ
دمنا .
وذلك بأن تمتنع عن الطيب والزينة ،على نحو ما ق ّ
دة بالطلق الرجعي مطلقا ً ،والطلق البائن إن كانتص المعت ّ
كما تخت ّ
حامل ً بوجوب المسكن ،وجميع أنواع النفقة لها .
دة بالطلق البائن – إن لم تكن حامل ً – بوجوب المسكن
ص المعت ّ
وتخت ّ
فقط ،دون سائر أنواع النفقات ..
خاتمة :
من
حرمة إحداد النساء على َ
ونختم هذا البحث ببيان أمر هام ،أل وهو ُ
ن ،نساًء وذكورا ً ،وهو إحداد بشع يتخذ شكل ً من
عدا الزوج من أقاربه ّ
أشكال الجاهلية العتيقة ،حيث تلزم المرأة التي توفي لها قريب أو قريبة
لبس السواد ،أو ما يشبهه ،إعلنا ً عن حزنها ،وتتجنب حضور الماكن
العامة ،والظهور في مواسم الفراح ومناسباتها ،وتظل على ذلك عاما ً ،
أو يزيد ،وربما كانت نفسها خلل أكثر العام ل تنطوي على أيّ حزن أو
كرب ،ولكنها تتصنع ذلك أمام أبصار الناس ،وتتكلفه ،وتتباهى به أمامهم .
إن هذا اللتزام ليس إل معارضة صريحة وحادة لمر رسول الله
في حديثة الواضح الصحيح ":ل يح ّ
ل لمرأة تؤمن بالله وباليوم الخر أن
ُتحد ّ على ميت فوق ثلث ليال ،إل على زوج أربعة أشهر وعشرا ً ".
رواه البخاري ) الطلق ،باب :تحد ّ المتوف عنها زوجها ،.رقم :
( 5024ومسلم
دة الوفاة ،رقم 1486 ) :ـ ( 1498
) الطلق ،باب :وجوب الحداد في ع ّ
عن أم حبيبة رضي الله عنها .
وقد روى البخاري ومسلم ،عن زينب بنت أبي سلمة قالت :دخلت
على زينب بنت جحش رضي الله عنهما حين توفي أخوها ،فدعت بطيب
فمست منه ثم قالت :والله ما لي في الطيب من حاجة غير أني سمعت
رسول الله يقول " :ل يحل لمرأة تؤمن بالله واليوم الخر أن تحد على
144
ميت فوق ثلث ليال إل على زوج أربعة أشهر وعشرا ً " ) البخاري ومسلم
المواضع السابقة ( .
ول فرق في هذا الحكم بين هذا التصّنع المتكّلف الممجوج الذي
ن ،وما يفعله الرجال من التزام شعارات الحزن ،
تلتزمه النساء فيما بينه ّ
حرمة
في ربطة العنق ،ونحوها ،وهو تقليد أجنبي بشع مغموس في ال ُ
والثم .
ققنا بمعنى العبودية الخالصة له ،وأن يلبسنا
نسأل الله تعالى أن يح ّ
مل بشرعه ،وهدي نبّيه ،عليه الصلة والسلم
كسوة الرضى بحكمه ،والتج ّ
.
145
ولنبدأ بشرح أحكام كل نوع من هذه النواع على هذا الترتيب .
1ـ نفقة النسان على نفسه :
إن أدنى ما يجب على النسان من النفاق أن يبدأ بنفسه ،إذا قدر
على ذلك ،وهي مقدمة على نفقة غيرة .
وتشمل هذه النفقة كل ما يحتاجه المرء من مسكن ،ولباس ،وطعام
،وشراب ،وغير ذلك .
ودليل ذلك ما رواه البخاري ) الحكام ،باب :بيع المام على الناس
أموالهم وضياعهم ،رقم ، ( 6763 :ومسلم ) الزكاة ،باب :البتداء في
النفقة بالنفس … ،.رقم ( 997 :وغيره عن جابر قال :أعتق رجل من
بني ع ُذ َْرة عبد ّ له عن د ُُبر ،فبلغ ذلك رسول الله . فقال " :ألك ما
147
ثانيا ً :أن يكون الفرع فقيرا ً ،ويشترط مع فقره ،واحد من الوصاف
الثلثة :
1ـ فقر ،وصغر .
2ـ فقر ،وزمانة .
3ـ فقر ،وجنون .
فالصغير الفقير يكّلف أبوه ،بالنفاق عليه ،فإن لم يكن أبوه فجده .
وكذلك الفقير الزمن ،وهو العاجز عن العمل .
وكذلك الفقير المجنون .
والمقصود بالفقر :العجز عن الكتساب .
فلو كان الولد صحيحا ً بالغا ً ،قادرا ً على الكتساب ،لم تجب نفقته
على أبيه ،وإن لم يكن مكتسبا ً بالفعل .
فإن عاقه عن الكتساب اشتغال بالعلم مثل ُ ،فإنه ينظر :
فإن كان العلم متعلقا ً بواجباته الشخصية :كأمور العقيدة ،والعبادة ،
فذلك ُيعد ّ عجزا ً عن الكسب ،وتجب نفقته على أبيه .
أما إن كان العلم الذي يشتغل به من العلوم الكفائية التي يحتاج إليها
المجتمع ،كالطب ،والصناعة ،وغيرهما ،فل يخرج الولد بالشتغال بها عن
كونه قادرا ً على الكسب ،والب عندئذ مخّير :بين أن يم ّ
كنه من العكوف
على ذلك العلم الذي يشتغل به وينفق عليه ،وبين أن يقطع عنه النفقة ،
ويلجئه بذلك إلى الكسب والعمل :
مقدار النفقة:
در به إل الكفاية ،والكفاية تكون حسب
ليس لهذه النفقة حد ّ تق ّ
منسعَةٍ ّ ذو َفقْ ُ العُْرف ،ضمن طاقة المنفق ،قال الله عّز وجل :ل ُِين ِ
فسا ً إ ِّل َ
ما ف الل ّ ُ
ه نَ ْ ه َل ي ُك َل ّ ُ
ما آَتاه ُ الل ّ ُ
م ّ ه فَل ُْين ِ
فقْ ِ من قُد َِر ع َل َي ْهِ رِْزقُ ُ
سعَت ِهِ وَ َ
َ
سرا ً ] الطلق [7 :
سرٍ ي ُ ْ ل الل ّ ُ
ه ب َعْد َ ع ُ ْ جعَ ُ
سي َ ْ
ها َ
آَتا َ
هل تصير هذه النفقة دينا ً على الصل إذا فات وقتها :
148
ل تصير نفقة الفروع بمضي الزمان دينا ً على المنفق ،لنها مواساة
من الصل لفرعه ،فهي ليست تمليكا ً لحق معين ،ولكنها تمكين له بدافع
صلة القربى .
سدها
أي يتناول حاجته من النفقة ،فإذا مّرت الحاجة ،ولم يشأ أن ي ّ
كنة الصل منه ،تعففا ً ،أو نسيانا ً ،أو غير ذلك ،فإن ذ ّ
مة أبيه ل بما قد م ّ
فف ولده عنها ،أو شغل
يعقل أن تنشغل بدين لولده مقابل الحاجة التي تع ّ
عنها ،أو نسيها حتى فات وقتها .
هذا هو الصل ،وهو الحكم ،عندما تكون المور بين الولد وأبيهم
سننها الطبيعي .
جارية على َ
فأما إذا وقع خلف ،تدخل القاضي بسببه فيما بينهم ،وفرض القاضي
مة أبيهم دينا ً
ن للولد أن يستقرضوا على ذ ّ
على الب نفقة معينة ،أو أذ ِ َ
معينا ً من المال ،أو القدر الذي يحتاجون إليه ،فإن هذه النفقة تصبح دينا ً
بذمة الوالد ،إذا فات وقتها ،ول تسقط بمضي الزمن ،لنها قد آلت ،
بحكم القاضي ،إلى تمليك ،بعد أن كانت مجرد مواساة وتمكين .
3ـ نفقة الصول على الفروع :
كما تجب نفقة الفروع على أصولهم بالدلة والشروط التي أوضحناها .
دة ،وإن عل َ كل
كذلك تجب نفقة الصول ـ أي الب والم ،والجد ّ والج ّ
منهما ـ على فروعهـم ،بناًء على الدلة التالية ،وطبقا ً للشروط التي
سنذكرها .
الدلة على وجوب هذه النفقة :
ويستدل لوجوب النفقة على الصول ،بأدلة من الكتاب والسّنة ،
والقياس :
ما ِفي الد ّن َْيا
حب ْهُ َ ل :وَ َ
صا ِ ـ أما من الكتاب :فقول الله عّز وج ّ
دوا ْ معروفا ً ] لقمان [15 :وقوله سبحانه وتعالى :وقَضى رب َ َ
ك أل ّ ت َعْب ُ ُ َ ّ َ َ َ ْ ُ
سانا ً ] السراء. [23 :ح َ
ن إِ ْ إ ِل ّ إ ِّياه ُ وَِبال ْ َ
وال ِد َي ْ ِ
149
دمه الولد لوالديه ،والحسان الذي يحسنه إليهما ،
والمعروف الذي يق ّ
ل يكون إل ّ بنهوض الولد بمسؤولية نفقتهما عند الحتياج.
ـ وأما من السّنة :فما رواه أبو داود ) البيوع والجارات ،باب :في
الرجل يأكل من مال ولده ،رقم ( 3528 ) :والترمذي ) الحكام ،باب :
الوالد يأخذ من مال ولده ،رقم :
) ( 1358وغيرهما ،عن عائشة رضي الله عنها قالت :قال رسول الله
":إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه ،وولده من كسبه " .وقال ":
أنت ومالك لوالدك ،إن أولدكم من أطيب كسبكم ،فكلوا من كسب
أولدكم ".
رواه أبو داود ) البيوع والجازات ،باب :في الرجل يأكل من مال
ولده ،رقم . ( 3530 :
وروى النسائي ) الزكاة ،باب :أّيتهما اليد العليا (5/61 :عن طارق
دمت المدينة ،فإذا رسول الله قائم على المنبر المحاربي قال :قَ ِ
معطي العليا ،وابدأ بمن تعول ُ ،أمكيخطب الناس ،وهو يقول " :يد ال ُ
وأباك ،وُأختك وأخاك ،ثم أدناك أدناك ".
وروى أبو داود ) الدب ،باب :في بّر الوالدين ،رقم ( 5140 :عن
كليب بن منفعة عن جده : أنه أتى النبي فقال :يا رسول الله َ ،
من
أبر ؟ قال ُ " :أمك وأباك ،وأختك وأخاك ،ومولك الذي يلي ذاك ،حق
واجب ،ورحم موصولة ".
ـ أما دليل القياس والجتهاد :فقياس الصول على الفروع ،إذ كما
وجبت نفقة الفروع ـ عند العجز ـ على الصول كذلك تجب نفقة الصول
عند العجز على الفروع ،بجامع شيوع البعضية بينهما ،وهي أساس القرابة
التي هي ثابتة الصول والفروع.
150
شروط وجوب نفقة الصول على الفروع :
أول ً :أن يكون الفرع موسرا ً بما يزيد عن الضروري من نفقته ،و نفقة
زوجته ،يومه وليلته ،فلو كان الذي عنده من النفقة ل يكفي لكثر
من حاجته ،وحاجة زوجته ،مدة يوم وليلة ،لم يكّلف النفاق على
أبيه وُأمه ،لن نفقة الفقير ل تجب على فقير مثله ،فإن أيسر بجزء
دم أمه
من نفقتهما الضرورية تقدم بها إليهما ،فإن ضاقت عنهما ق ّ
على أبيه ،ذلك لن ما ل يدرك كله ل ينبغي أن يترك كله .
ثانيا ً :أن يكون الصل فقيرا ً ،والمراد بالفقر هنا :أن ل يكتسب ما يسد ّ
حاجته الضرورية ،سواء كان قادرا ً على الكسب ،أم ل .بخلف ما
مّر الزمانة ،أو الجنون ،أي مع صفة العجز .
والفرق بينهما :أن الصل ل يقبح منه تكليف الفرع القادر على
الكتساب .
ولكن الفرع يقبح منه أن يكلف أصله ـ الذي طالما اكتسب وجد ّ من
أجله ـ بالكتساب ،ول سيما مع كبر السن .
ثالثا ً :أن ل تكون الم مكفّية بنفقة زوجها فعل ً ،أو حكما ً .ومعنى هذا
لم تجب على ولدها في حالتين : الشرط :أن نفقة ا ُ
151
فإذا طالبت الم في حالة إعسار زوجها بالفسخ ،وفسخ النكاح ،
وجب حينئذ أن ينفق عليها ابنها .
ل تتأثر نفقة الفروع والصول باختلف الدين :
إذا لحظت هذه الشروط ،سواء ما شرط منها لنفقة الصول على
الفروع ،وما شرط منها لنفقة الفروع على الصول ،أدركت أن وحدة الدين
بين الصول والفروع ل تعتبر شرطا ً لوجوب هذه النفقة .
إذا ً فإن وجوب هذه النفقة من الصل والفرع ،ومن الفرع للصل ل
يتأثر باختلف الدين [ .
فيكلف الولد المسلم بالنفاق على والديه غير المسلمين ،ويكُلف
الوالد المسلم بالنفاق على أولده غير المسلمين ،إذا تحققت باقي
الشروط التي ذكرناها.
ولكن يستثنى من ذلك المرتد ،فل تجري النفقة عليه ،سواء كان
أصل ً للمنفق ،أو فرعا ً له .
ودليل جواز النفقة على الصل ،ولو كان مشركا ً :ما رواه البخاري
) الب ،باب :صلة الوالد المشرك ،رقم ، (5633 :ومسلم ) الزكاة ،
باب :فضل النفقة والصدقة على القربين … ،رقم (1003 :وغيره عن
ي ُأمي ،وهي
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ،قالت :قدمت عل ّ
هم ،فاستفتيت رسول الله فقلت :يا
مشركة ،في عهد قريش إذ عاهَد َ ُ
ي أمي ،وهي راغبة ،أفأص ُ
ل أمي ؟ قال " :نعم ، رسول الله ،قدمت عل ّ
صِلي ُأمك ".
ِ
] وهي راغبة :أي راغبة بالصلة ،أو راغبة عن السلم .في عهد
قريش :أي ما بين صلح الحديبية وفتح مكة [ .
مقدار نفقة الصول على الفروع :
قدرة بحد معين ،وإنما هي مقدرة بالعرف
هذه النفقة أيضا ليست م ّ
المتبع .
152
وهي أيضا ً ل تصبح دينا ً في ذمة الفرع إذا مّر وقتها ،ولم يتمتع الصل
بها .إل إذا وقع خلف بين الصل والفرع ،ففرض القاضي بموجبه جراية
معينة على الفرع ،فإنها تصبح حينئذ ـ كما قلنا سالفا ً ـ دينا ً في ذمته بمرور
الوقت .
ترتيب الصول والفروع في النفاق :
قرب ، إذا كان الوالدين فقيرين ،وكان لهما فروع ،واستووا في ال ُ
علة إيجاب النفقة تشملهم جميعا ً .وتكون حصة ا ُ
لنثى أنفقوا عليهما ،لن ّ
قرب ،
من النفقة كنصف حصة الذكر ،كالرث .وإن اختلفوا في درجة ال ُ
كابن ،وابن ابن ،فإن النفقة إنما تجب على القرب ،وارثا ً كان أو غير
كرا ً كان أو ُأنثى ،لن ال ُ
قْرب أولى بالعتبار . وارث ،ذ َ َ
من كان فقيرا ً ،وله أبوان موسران فنفقته على الب ،لنه هو و َ
ن المكلف بالنفاق على ولده الصغير ،بدليل قوله تعالى :فَإ َ
ضعْ َ
ن أْر َ
ِ ْ
ن ] الطلق . [6 : ل َك ُم َفآتوهُ ُ
جوَرهُ ّ
نأ ُّ ُ ْ
وأما نفقة على الكبير الفقير ،فاستصحابا ً لما كان في الصغر .ومن
كان فقيرا ً ،وله ًأصل وفرع غنّيان ،قدم الفرع في وجوب النفقة ،وإن
بعد ،لن عصوبة الفرع أقوى من عصوبة الصل ،وهو أولى بالقيام بشأن
أبيه ،لعظم حرمته .
دد المحتاجون من ُأصول وفروع وغيرهم ،وكان ما يفضل عن
وإذا تع ّ
دم بعضهم على بعض وفق الترتيب
حاجته ل يتسع لنفقة جميعهم ،فإنه يق ّ
التالي :
يقدم بعد نفسه :
أ ـ زوجته ،لن نفقتها آكد ،فإنها ل تسقط بمضي الزمان ،بخلف نفقة
الصول والفروع ،فإنها تسقط بمضي الوقت ،كما ذكرنا سابقا ً .
دة عجزهما عن الكسب
ب ـ ولده الصغير ،ومثله البالغ المجنون ،وذلك لش ّ
.
جـا ُ
لم ،لعجزها أيضا ً ،ولتأكيد حقها بالحمل والوضع ،والرضاع والتربية .
153
د ـ الب ،لعظيم فضله أيضا ً .
هـ ـ البن الكبير الفقير ،لقربه من أبيه ،وللقرب مزية فضيلة .
و ـ الجد وإن عل ،لن حرمته من حرمة الب ،وهو أصل تجب رعاية
حقوقه .
154
عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ،وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن
اعتصمتم به ،كتاب الله ".
الحكمة من إيجاب نفقة الزوجة على الزوج :
إن الحياة الزوجية لب ُد ّ أن تنهض على أحد ُأسس ثلثة :
الساس الول :أن يتولى الزوج الشراف على بيت الزوجية ،وأن يكون
هو المسئول عن النفقة على الزوجة والولد.
الساس الثاني :أن تتولى الزوجة ذلك كله بدل ً من الزوج .
الساس الثالث :أن يتعاون الزوجان في النهوض بالمسئوليات المادية ،
وتقديم النفقة .
فما الذي يحدث لو استبعدنا الساس الول :الذي هو حكم الشريعة
السلمية ،واستعضنا عنه بأحد الساسين الثاني ،أو الثالث ؟.
تحدث عندئذ مجموعة النتائج التالية :
الول :لبد أن ينعكس ذلك على المهر أيضا ً .
فأما أن تتقدم المرأة بالمهر كله إلى الرجل ،أو أن يلزما بالشتراك
في تقديمه .
ومن النتائج الحتمية لهذا الواقع أن تتحول المرأة ،فتصبح طالبة
للزوج بعد أن شّرفها الله عز وجل ،فجعلها مطلوبة .ذلك لن الذي يتقدم
بالمال يكون هو الطالب لمن يأخذ المال .وإذا أصبحت الزوجة هي
الساعية بحثا ً عن زوجها ،فإنها لن تعثر على الزوج الذي تستطيع أن تركن
خداع الرجال ،وأكاذيبهم عليها .
إليه ،حتى تسقط السقطات المتتالية ،ب ِ
ثانيا ً :لبد ّ أن تتجه المرأة هي الخرى إلى سبل الكدح ،والعمل من أجل
الرزق ،وأن تناكب الرجال سعيا ً وراء العمال المختلفة .
وإذا فعلت المرأة ذلك ،أصبحت ـ ل محالة ـ عرضة للسوء
والنحراف .
والواقع المشاهد أكبر دليل على ذلك .
155
من يدبر شأنه ،ويرعى حاله ،ويربيكما أن البيت يعوزه عندئذ َ
صغاره ،إذ يصبح عندئذ فارغا ً موحشا ً ،ومصدرا ً للفوضى ،والقلق
والضطراب بدل ً من أن يكون موئل للسعادة ،ومنبعا ً للنس وملجأ للراحة
والستجمام .
والواقع المشاهد أيضا ً أكبر دليل على ذلك .
ثالثا ً :إذا قامت الحياة الزوجية على أحد من الساسين المذكورين ،فل بد
أن يكون حق الطلق بيدها ،على سبيل المشاركة ،أو الستقلل .
من ينفق
ذلك لن القــــانون القتصادي والجتماعي يقــول َ ) :
يشرف (.
وقد علمت في باب الطلق الحكمة الباهرة من كون الطلق ـ في
أعم الحوال ـ حقا للزوج .
فمن أجل أن يكون كل من الزوجين عنصر إسعاد للخر ،ومن أجل
أن يكون بيت الزوجية عامرا ً بالرعاية والتهذيب والنس ،ومن أجل أن تظل
المرأة عزيزة يطلبها الرجال ،ول تصبح مهينة تلحق الرجال ،وهو عنها
مخادع .من أجل ذلك كله كان النفاق على بيت الزوجية
معرض ،أو لها ُ ُ
واجبا ً على الزوج دون الزوجة .
شروط وجوب نفقة الزوجة على الزوج :
إنما تجب نفقة الزوجة على الزوج بالشروط التالية :
أول ً :تمكين الزوجة نفسها من الزوج ،بأن ل تمنعه من وجوه الستمتاع
المشروع بها .فلو منعته ،ولو عن بعض ذلك فقط ،لم تجب نفقتها
على الزوج .
محّرم من الستمتاع ،كأن أراد أن يأتيها وهي
أما إن أرادها على وجه ُ
قها في النفقة عليها .
في المحيض ،فإن امتناعها ل يسقط ح ّ
ثانيا ً :أن تتبعه في المكان والبيت الذي يختاره ،ويستقر فيه ،ما لم يكن
المكان أو البيت غير صالح للسكن ،أو البقاء فيه شرعا ً .فلو كان
يقيم في بلدة ل يلحقها ضرر شرعي صحيح بالقامة معه فيها ،أو في
156
بيت مستوف للشروط الشرعية المعتبرة ،ولم تقبل بالقامة معه
فيها ،أو في بيت مستوف للشروط الشرعية المعتبرة ،ولم تقبل
بالقامة معه في تلك البلدة ،أو ذلك المنزل ،لم يكّلف بالنفاق عليها
،لنها ُتعد ّ ناشزة حينئذ .
دم للزوجة جميع
إذا توفرت هذه الشروط وجب على الزوج أن يق ّ
النفقات التي تحتاجها ،مما سيأتي تفصيله .وبذلك تعلم أن النفقة ل تجب
على الزوج لمجرد العقد وحده .
در حسب حال الزوج :
النفقة على الزوجة تق ّ
كما ّ ونوعا ً ،حسب
درة ،ولكنها تتفاوت ّاعلم أن النفقة على الزوجة مق ّ
تفاوت حال الزوج ،في العسر واُليسر .
أما اختلف حال الزوجة في ذلك فل أثر له في هذا التفاوت .
ذلك لن التفاوت إنما يخضع لنسبة الستطاعة ،وهي عائدة إلى حال
المنفق ،ل إلى حال المنفق عليه .
ه
سعَت ِ ِمن َ سعَةٍ ّ ذو َ فقْ ُ ل :ل ُِين ِ والدليل على هذا :قول الله عّز وج ّ
ها فسا ً إ ِّل َ
ما آَتا َ ف الل ّ ُ
ه نَ ْ ه َل ي ُك َل ّ ُ
ما آَتاه ُ الل ّ ُ
م ّ ه فَل ُْين ِ
فقْ ِ من قُد َِر ع َل َي ْهِ رِْزقُ ُ وَ َ
سرا ً ] الطلق [ 7 : سرٍ ي ُ ْه ب َعْد َ ع ُ ْ ل الل ّ ُجعَ ُ
سي َ ْ
َ
فقد جعل ميزان النفاق تابعا ً إلى حالة الزوج سعة وضيقا ً ،ل
إلى مستوى الزوجة ومكانتها .إذا عرفت هذا ،فاعلم أن حالة الزوج تصّنف
شرعا ً ضمن ثلث درجات :
سر ) :الغنى ( 2 .ـ درجة التوسط 3 .ـ درجة الفقر .
1ـ درجة الي ُ ْ
والُعرف العام هو المحكم في تحديد ما يكون النسان به موسرا ً ،أو
متوسط الحال ،أو فقيرا ً .
أ ـ فأما الزوج الموسر ،فيكلف من النفقة ما يلي :
أول ً :ما يساوي مد ) حفنتين كبيرتين ( كل يوم غالب قوت البلد
التي هي فيها ،مع تكلفة طحنه وخبزه ،وما يتبع ذلك ،أو يقدم ذلك
خبزا ً جاهزا ً .
157
ثانيا ً :يقدم من الدم ما اعتاده أهل تلك البلدة ،وما يق ّ
دمه عادة أمثاله
سر والغنى .
من أهل الي ُ ْ
وقد أطال الفقهاء في تفصيل ذلك ،ولكن المدار فيه على كل حال
إنما هو عرف أهل البلدة .
ثالثا ً :الكسوة اللئقة بزوجات الموسرين في تلك البلدة ،ويظهر أثر
الُعرف في الكسوة ،في نوعها جودة ورداءة ،أما العدد والكمية ،
فإنما يتبع ذلك الحاجة ل العُْرف .ويدخل في حكم الكسوة ما يتبعها
من أثاث وفراش ،وأدوات مطبخ ونحو ذلك .
ل:
واعلم أن دليل العُْرف في ذلك كله ،هو قول الله عّز وج ّ
ف ] البقرة . [ 233: ن ِبال ْ َ
معُْرو ِ سوَت ُهُ ّ
ن وَك ِ ْ موُْلود ِ ل َ ُ
ه رِْزقُهُ ّ َوعَلى ال ْ َ
ب ـ أما الزوج المتوسط فيكلف من النفقة بما يلي :
أول ً :ما يساوي مد ّا ً ونصف مد ّ من غالب قوت البلد التي هي فيه
كل يوم .
مع مراعاة ما ذكرنا بالنسبة لحال الموسر .
ثانيا ً :الدم الذي جرت به عادة أهل تلك البلدة بالنسبة لوساط الناس ،
نوعا ً وكما ً .
ثالثا ً :الكسوة اللئقة لزوجات أمثاله في ذلك المكان ،وما يتبعها من بقية
حاجات المنزل المختلفة .
ج ـ أما الزوج الفقير فيكّلف من النفقة بما يلي :
أول ً :ما يساوي مد ّا ً واحدا ً من غالب قوت البلد كل يوم .
ثانيا ً :الدم الذي جرت به عادة الفقراء على اختلفه في تلك البلدة .
ثالثا ً :الكسوة اللئقة لزوجات أمثاله في ذلك المكان .
ويستدل لمراعاة حال الزوج في كل ما سبق بما رواه أبو داود
) النكاح ،باب :في حق المرأة على زوجها ،رقم (2144عن
معاوية القشيري قال :أتيت رسول الله فقلت :ما تقول في
158
ن مما تكتسون ،ول
ن مما تأكلون ،واكسوه ّ
نسائنا .قال ": :أطعموه ّ
ن.
ن ،ول تقّبحوه ّ
تضربوه ّ
مما يدخل في نفقة الزوجة إضافة لما سبق :
ويدخل في نفقة الزوجة على اختلف حال الزوج إضافة لما سبق ما
يلي :
أول ً :منزل مناسب لحال الزوج يسكن في زوجته ،على أن تتوفر فيه
الضرورات التي لبد ّ منها .
ثانيا ً :ك ّ
ل ما لبد ّ منه للنظافة والتنزه من الدران والوساخ ،وأدوات
الزينة ،إذا كان الزوج طالبا ً منها أو تتزين له .
من يخدم مثلها في بيت أبيها ،سواء كان ثالثا ً :الخادم إذا كانت الزوجة م ّ
الزوج موسرًا ،أو متوسط الحال ،أ ,كان فقيرا ً ،فيجب عليه أن يقدم
من يخدمها بالقدر الذي تندفع به الحاجة .لها َ
وينبغي أن يكون هذا الخادم ُأنثى ،أو طفل ً مميزا ً غير بالغ ،أو محرما ً
لها .وُأجره هذا الخادم إنما هي على الزوج .
هل نفقة الزوجة تمليك أم تمكين ؟
لقد عرفت الفرق بين التمليك والتمكين ،عند حديثنا عن نفقة
الصول على الفروع ،ونفقة الفروع على الصول .
ونقول الن :
إذا كانت الزوجة تأكل مع زوجها ـ كما هي الغالبة في أيامنا ـ وتسكن
معه دون أن يتفقا على قدر معين من القوت والدم ،يلتزم به الزوج ،
فهذه النفقة ُ ،تعد من قبيل التمكين ،ل التمليك ،وتسقط بمضي الزمن .
ـ أما إذا كانت الزوجة قد اتفقت مع زوجها على قدر معين من النفقة
ُيجريه عليها ،أو كان القاضي قد ألزمه بقدر معين من النفقة لها ،فهي
درة ،تطالب بها ،حتى بعد مرور وقتها ،لنها ُتعد ّ ـ والحالة هذه ـ
عندئذ مق ّ
من قبيل التمليك ،ل التمكين ،ولها أن تعتاض عنها بما تحب .
159
عْرف في تقدير النفقة :
أثر ال ُ
مما سبق تعلم أن القوت الساسي الذي لبد ّ منه في الطعام ،ل أثر
للْعرف في تقدير كميته .
دد ـ كما علمت ـ في سائر الظروف والحوال :
وإنما هو مح ّ
دين ،للموسر .
بم ّ
ومد ّ ونصف المد ّ ،للمتوسط .
ومد ّ واحد ،للفقير .
دمه كل منهم لزوجته خبزا ً ،أو حب ّا ً مع تقديم كلفة طحنه وخبزه .
يق ّ
وذلك لن قوت ضروري ل يتأثر باختلف العُْرف .
أما ما زاد عليه من الدم والكساء ونحوهما ،فإنما يحدده العرف ،أي
الُعرف السائد في تلك البلدة ،في ذلك العصر ،بشرط أن ل يكون الُعرف
مخالفا ً لشيء من الحكام الشرعية .
فل أثر لُعرف يقضي بالبذخ والتبذير بالنسبة لبعض النفقات ،أو
بالنظر لبعض المناسبات ،كما هو واقع ،وكثير ،ومرهق في هذه الزمان .
ما يترتب على إعسار الزوج بالنفقة :
إذا أعسر الزوج ،فإن كان إعبساره نزول ً عن درجة الي ُ ْ
سر إلى
الدرجة الوسطى ،أو إلى الدرجة الدنيا ،وهي درجة الفقر ،فل يترتب على
هذا العسار شيء ،وتلزم بمتابعته ،والرضا بحالته التي آل إليها أمره .
أما إذا أعسر الزوج حتى عن نفقة الدرجة الثالثة بكاملها ،فللزوجة
عندئذ أن ُتطالب بفسخ النكاح .
وإذا طلبت ذلك وجب على القاضي أن يلّبي طلبها ويفّرق بينهما ،
ولكن يجب أن يكون ذلك ،بعد عجز الزوج عن النفقة بثلثة أيام على أقل
تقدير ،لكي يتحقق عجزه ،إذ قد يكون العجز لعارض ،ثم يزول .
160
روى الدارقطني ) في النكاح ،باب :المهر (3/297 :عن أبي هريرة
أن النبي قال في الرجل ل يجد ما ينفق على امرأته " :يفّرق
بينهما ".
وإذا رضيت بالبقاء مع زوجها على عجزه ،فلها أن تطلب فسخ
دد كل يوم ،ولكل
النكاح بعد ذلك ،لن الضرر بعجز الزوج عن النفقة بتج ّ
يوم حكم مستقل .
ولكن ل يجوز لها الفسخ إذا أعسر ببعض نفقة الدرجة الثالثة ،كأن
أعسر عن تقديم الدم ،لنه تابع ،وبالمكان أن تقوم النفس بدونه ،أو
ملت التي يمكن للبدن أن
كأن عجز عن نفقة الخادم ،لن الخدمة من المك ّ
يقوم بدونها.
أما إذا أعسر بمجموع نفقة هذه الدرجة ،فعندئذ يحقّ لها أن تطلب
الفسخ .
5ـ نفقات أخرى :
هذا ويكّلف النسان بنفقات أخرى ـ غير ما ذكر ـ وذلك نحو ممتلكاته ،
التي يملكها :
أول ً نفقة البهائم :
تنقسم البهائم إلى الصناف الثلثة التالية :
1ـ بهائم مأكولة .
2ـ بهائم محترمة غير مأكولة .
3ـ بهائم غير محترمة .
الصنف الول ) البهائم المأكولة ( :
وهذا الصنف ،كالنعام ونحوها من كل ما هو مأكول ،يخّير مالكها بين
أن يعلفها ،ويسقيها ،بما يحفظ عليها حياتها بشكل سوي ،وبين أن يذبحها
للكل ،أو أن يبيعها ،أو يهبها للخرين ،فإن لم يذبح ،أو لم يفعل شيئا ً غير
الذبح مما ذكر ،فإنه يجبر على نفقتها من علف وسقي ،بالقدر الكافي
161
لحفظ حياتها ،فإن لم يفعل ُأجبر على بيعها ،فإن لم يفعل ِبيعت عليه
غضبا ً .
الصنف الثاني ) البهائم المحترمة غير المأكولة ( :
وهذه البهائم المحترمة ،ككلب صيد غير عقور ،وهّرة ،وصقر ،
ونحل ،ودود قز ،ونحو ذلك ،فإن مالكها يلزم ببيعها ،فإن لم يفعل ،أو لم
من يشتريها ،وجب عليه أن يدفعها لمن قد ينتفع بها ،صونا ً لها عن
يوجد َ
الهلك .
الصنف الثالث ) البهائم غير المحترمة ( :
وهذه البهائم غير المحترمة ،كالكلب العقور ،ومختلف الحيوانات
حَرج في قتلها ما
المؤذية ،فل يلزم النسان بشيء مما ذكرنا نحوها ،إذ ل َ
دامت كذلك .
الدليل على نفقة الحيوانات المحترمة ،والمأكولة :
ويستدل لذلك كله بحديث مسلم ) البَر والصلة والدب ،باب :تحريم
تعذيب الهرة ونحوها … ،رقم (2619 :عن أبي هريرة عن رسول الله
قال ":دخلت امرأة النار في هّرة ،ربطتها ،فل هي أطعمتها ،ول هي
شاش الرض ،حتى ماتت هزل ً " وأخـرجـه البخـاري خ َ
أرسلتها تأكل مـن َ
) المساقاة ،باب سقي الماء ،رقم ، (2236 :ومسلم ) السلم ،باب :
تحريم قتل الهرة ،رقم (2242 :والهّرة مثال لكل حيوان محترم ،مأكول ً
كان أو غير مأكول ،ويخرج بذلك ما هو غير محترم ،كالفواسق الخمس
التي ذكرت في الحديث .
روى البخاري ) الحصار وجزاء الصيد ،باب :ما يقتل المحرم من
الدواب ،رقم ، (1732 :ومسلم ) الحج ،باب :ما يندب للمحرم وغيره
قتله من الدواب … ،رقم (1198 :وغيرها عن عائشة رضي الله عنها ،عن
النبي أنه قال ":خمس فواسق ،يقتلن في الح ّ
ل والحرم :الحّية ،
حدّيا ".
والغراب البقع ،و الفأرة ،والكلب العقور ،وال ُ
162
] فواسق :الفاسق :الخارج عن الطاعة ،وسميت هذه الدواب
الخمس فواسق ،لخروجها باليذاء والفساد عن طريق معظم الدواب .
حدّيا :تصغير :
الغراب البقع :هو الذي في ظهره وبطنه بياض .ال ُ
الحدأة ،وهو طائر خبيث ،بله هو أخس الطير ،يخطف الفراخ ،وصغار
أولد الكلب [ .
ثانيا ً :نفقة الزروع والشجار:
والمقصود بنفقة الزروع والشجار ،سقيها ورعايتها ،فإن لم يكن
بصاحبها رغبـة في اقتلعها ،لعمارة ،ونحوها ،فإنه ينبغي عليه سقيها
وغ شرعي ،
ورعايتها ،لن إهمالها يدخل في دائرة إضاعة المال ،بدون مس ّ
وهو ل يجوز .
أما إذا كان يريد اقتلع الشجر أو الزرع ليستفيد منهما ،أو ليستفيد من
الرض في عمارة ،أو نحوها ،فإن له قطع الشجار والزرع ،أو إهمالها إلى
أن ييبسا ،لن له في ذلك غرضا ً شرعيا ً سليما ً .
والله سبحانه وتعالى أعلم ..
163
ها م َ
كا ح رابعا ً :الحصَانة وأ َ
ُ َ ْ َ َ َ َ
ضَانة :
ح َال َ
تعريف الحصانة :
ضن ،وهو الجنب ،لن الحاضنة من
ح ْ
الحصانة لغة :مأخوذة من ال ِ
شأنها أن ترد ّ المحضون إلى جنبها .
من ل
والحضانة في اصطلح الشريعة السلمية :هي حفظ َ
وتربيته بمختلف وجوه التنمية والصلح ،وتنتهي يستقل بأمر نفسه ،
بالنسبة للصغير إلى سن التمييز .
أما رعايته بعد ذلك إلى سن البلوغ ،فتسمى :كفالة ،ل حضانة
.
حكمة مشروعية الحضانة :
إن الحكمة من مشروعية الحضانة ،إنما هي تنظيم المسؤوليات
المتعلقة برعاية الصغار ،وتربيتهم .
إذ ربما تفارق الزوجان ،أو اختلفا ً ،أو تعاسرا فيما يتعلق بالنظر
لتربية صغارهما .
فلو ترك المر لما ينتهي إليه شقاقهما ،أو لما يقرره المتغلب من
الطرفين في الخصومة ،كان في ذلك ظلم كبير للصغار ،وإهدار لمصلحتهم .
وربما كان في ذلك رج بهم في أسباب الشقاء والهلك .
لذلك كان لبد ّ من وضع ضوابط تحدد أصناف المسؤولين عن حضانة
الصغار ،ورعايتهم ،وتصنفهم حسب الولوية ،بحيث ل تتأثر مصلحة
الصغار ،بأيّ شقاق ،أو خلف يقع بين أولياء ُأمورهم .
من هو الحق بالحضانة ؟
إذا فارق الرجل زوجته ،وكان له منها ولد ،ذكر أو أنثى ،وكان دون
سن التمييز ،فإن الم أحق من الدب بحضانته .
164
أسباب تقديم الم في الحضانة على الب :
إن الم أحق بالحضانة من الب ،للسباب التالية :
1ـ لوفور شفقتها ،وصبرها على أعباء الرعاية والتربية .
2ـ لنها ألين بحضانة الطفال ،ورعايتهم ،وأقدر على بذل ما يحتاجون إليه
من العاطفة والحنو.
الدليل على حق ا ُ
لم في الحضانة :
دم على حق والدليل على أن الحضانة من حق ا ُ
لم ،وأن حقها مق ّ
من أحقّ بالولد ،رقم :
الب في ذلك :ما رواه أبو داود ) الطلق ،باب َ :
(2276عن عبدالله بن عمرو : أن رسول الله ، جاءته امرأة ،
فقالت :يا رسول الله ،إن ابني هذا ،كان بطني له وعاًء ،وثديي له
سقاًء ،وحجري له حواًء ،وإن أباه طّلقني ،وأراد أن ينزعه مّني ،فقال لها
رسول الله ": أنت أحق به ما لم تنكحي ".
] حواء :الحواء اسم للمكان الذي يحوي الشيء ويضمه [ .
ق بالحضانة بعد الم ؟
من أح ّ
َ
إذا لم توجد أم الطفل ،أو وجدت ،ولكنها رفضت أن تحضنه ،كان
الحق في الحضانة لمن بعد ا ُ
لم ،وكانت الفضلية لم الم .والمقصود بها :
دم القربى ،فالقربى .دة تدلي إلى الطفل بأنثى ،تق ّ
ج ّ
ثم لم الب .ثم ُأمهاتها ،تقدم القربى فالقربى .
ثم للخت الشقيقة .ثم للخت من الب .ثم للخت من الم .
مة .
ثم الخالة .ثم الع ّ
ثم بنات الخ ،ثم بنات ا ُ
لخت .
الحكمة في تقديم الناث في الحضانة :
والحكمة في هذا التقديم للناث في حق الحضانة هي ما قلناه في
ا ُ
لم ،فإن الناث غالبا ً ما يكن ألين بحضانة الطفال ،ورعايتهم ،وأصبر
على مشاكلهم ،وأقدر على بذل ما يحتاجون إليه من الحنو والعاطفة .
حضانة الرجال :
165
دم ،لنهن أليق بها ،ولكن إذا لم
قلنا إن حق النساء في الحضانة مق ّ
يكن هناك امرأة قريبة للطفل ،أو كانت ،وأبت أن تحضنه ،فهل ينتقل هذا
دم منهم
الحق إلى الرجال ؟ نعم ينتقل حق الحضانة إلى الرجال ،فيق ّ
دم على الخوة ،ثم
المحرم الوارث ،على ترتيب الرث ،إل الجد فإنه يق ّ
الوارث غير المحرم ،على ترتيب الرث أيضا ً .فيقدم :
الب ،ثم الجد ،وإن عل .
ثم الخ الشقيق ،ثم الخ لب ،ثم ابن الخ الشقيق ،فابن الخ لب ،
م الشقيق ،ثم العم لب .ثم ابن العم الشقيق ،ثم ابن العم لب .
ثم الع ّ
دم القرب فالقرب في حق الحضانة ،لن القرب أوفر شفقة وإنما ق ّ
على الغالب من البعد ،وأكثر حرصا ً على حق الرعاية ،و ُ
حسن التربية ؛
ومصلحة الصغار .
اجتماع الرجال والنساء من أقرباء الطفال :
إذا اجتمع ذكور وإناث من أقارب الطفل ،وتنازعوا في الحضانة ،
دمت :
ق ّ
الم ،لحديث أبي داود السابق ،ولنها ـ كما قلنا ـ أوفرهم شفقة على
الطفل .
ن في معنى ُ
ثم أمهات الم ،المدليات بإناث ،كما ذكرنا ،لنه ّ
الم في الشفقة ،تقدم القربى ،فالقربى .
دم الب ،لنه الصل . ثم يق ّ
دة ُأم الب ،ثم الجد أبو الب .
ثم الج ّ
ثم الخت الشقيقة ،ثم الخ الشقيق ،وهكذا .
فإذا استووا في القرب ،وكانوا ذكورا ً وإناثا ً :كإخوة أشقاء وأخوات
ن أليق ،
دم الناث على الذكور ،لما قلنا ،من أن الحضانة به ّ
شقيقات ،ق ّ
ن لها أفضل .
وه ّ
ن إناثا ً فقط ،وتنازعوا في الحضانة ،
وإن كانوا ذكورا ً فقط ،أو ك ّ
سّلم إليه الطفل . أقرع بينهم ،فأّيهم خرجت قرعته ُ ،
166
إلى متى تستمر الحضانة للطفل :
تستمر فترة الحضانة شرعا ً إلى أن تتكامل في الطفل التمييز ،
والمقصود بالتمييز أن يستقل الطفل بشؤونه الخاصة ،دون الحاجة إلى
معونة أحد .
والمراد بشؤونه الخاصة :تناول الطعام والشراب ،وقضاء
الحاجة ،والتنّزه من الدران ،والقيام بأعمال الطهارة ،من وضوء ونحوه .
دد سن التمييز بسبع سنين ،إذ يتكامل التمييز عنده غالبا ً .فإذا أت ّ
م وقد ح ّ
الطفل السابعة من عمره ،وكان مميزا ً ،فإن م ّ
دة الحضانة تنتهي عند ذلك
.
وتبدأ مرحلة أخرى من الرعاية تسمي :كفالة .
م الطفل ،سن السابعة ،وكان مميزا ً ،فإنه يخّير إذ ذاك بين فإذا أت ّ
أبويه ،فأّيهما اختار سّلم إليه .
ودليل ذلك :ما رواه الترمذي ) الحكام ،باب :ما جاء في تخيير
الغلم بين أبويه إذا اقترفا ،رقم (1357عن أبي هريرة : أن النبي
خير غلما ً بين أبيه وأمه .
من أحق بالولد ،رقم (2277 :
وفي رواية عند أبي داود ) الطلق ،باب َ :
وغيره :أن امرأة جاءت ،فقالت :يا رسول الله ،إن زوجي يريد أن يذهب
بابني ،وقد سقاني من بئر أبي عنبة ،وقد نفعني .فقال رسول الله " :
استهما عليه " فقال زوجها :من يحاقني في ولدي ،
فقال النبي " هذا أبوك ،وهذه ُأمك ،فخذ بيد أّيهما شئت " فأخذ بيد ُأمه
،فانطلقت به .
] بئر أبي عنبة :بئر معين ،والظاهر أنه كان في مكان بعيد .وهي
تغني :أن ولدها قد كبر ،وأصبح يستطيع القيام بما ينفعها ،بعد أن قامت
بتربيته ،حيث كان صغيرا ً ،ل ينفعها بشيء .استهما :أي اقترعا .يحاقني :
يخاصمني [ .
167
ثم إن اختار المميز أباه ،ففقد الب ،أو سقطت أهليته ،نزل الجد
منزلته ،وإن عل ،ومثله الخ والعم ،ومثلهما ابن العم عند فَ ْ
قد الخ
والعم ،على الترتيب الذي ذكرناه سابقا ً .
مشتهاة ،أو في سن المراهقة ،فل يجوز بقاؤها في
إل أن تكون فتاة ُ
مها ،فإن لم يكن غيره ،وجي أن تكون عند امرأة موثوقة
كفالة ابن ع ّ
يعينها ابن العم .
حكمة تخيير الطفل بين أبويه عند بلوغه التمييز :
علمنا سبب تقديم حق الم في الحضانة على الب ،كما علمنا السبب
في انتهاء مدة الحضانة بتكامل التمييز عند الطفل ،أو الطفلة ،وذلك ،لن
فترة ما قبل التمييز عند الطفل ،أو الطفلة ،وذلك ،لن فترة ما قبل
التمييز ،ل يستغني فيها الصغير عن رعاية الم ،ول يكاد يقوم مقامها
الب ،أو غيره من الرجال .
غير أن الكفالة ،إنما هي رعاية عامة ،قد يستوي في القدرة عليها
ك ّ
ل من الب والم ،وذلك بسبب قدرة الطفل على أن يستقل بالكثير من
شؤونه ،وبسبب توفر الطاقة العقلية عنده في الجملة .
من
فناسب بعد هذا كله ،أن يعطى الطفل الخيار بين أبويه ،أو َ
يقوم مقامهما ،يختار أّيهما شاء .
168
وذلك إذا كان المحضون مسلما ً ،ولو حكما ً ،بأن كان أحد أبويه
مسلما ً ،فإنه يتبع أشرف البوين في الدين .
فل تجوز حضانة الكافر للمسلم ،ذلك لن الحضانة ،ولية ـ كما
قلنا ـ ول ولية للكافر على المسلم .
ولن الكافر ،ربما يفتن الصغير عن دينه ،بشتى الوسائل
والساليب .
لكن إذا كان المحضون كافرا ً ،كان لك ّ
ل من المسلم والكافر
حضانته .
ثالثا ً :العفة والمانة :
والمراد بالعفة والمانة :أن ل يكون الحاضن فاسقا ً ،إذ الفاسق ل
يلي ،ول يؤتمن على شيء ،وإنما ينبغي أن يكون عدل ً ذا ع ّ
فة ودين .
ثم إن العدالة تثبت بالظاهر المشاهد ،ول يشترط لثبوتها شهادة
وبّينات ،إل إذا وقع نزاع في أهلية الحاضن ،وعدالته ،فل بد ّ عندئذ من
ثبوت عدالته عند القاضي بناًء على الدلة والبّينات .
رابعا ً :القامة :
وذلك بأن يكون صاحب الحق في الحضانة مقيما ً في بلد الطفل .
فلو سافرت الم ـ وهي صاحبة الحق في حضانة طفلها ـ سفر
حاجة :
كحج ،وتجارة ونزهة ونحوها ،لم تمكن من أخذ الطفل معها ،وكان
المقيم عنده أولى منها إلى أن تعود من السفر ،فيسّلم الولد إلى جدته
إلى أن تعود الم .
أما السفر الذي يكون انتقال ً إلى بلدة أخرى ،بدون قصد العودة ،
فإنه ل يستوجب سقوط حق الحضانة ،إذا كان الطريق آمنا ً ،وكانت البلدة
التي تقصد الحاضن الستيطان فيها آمنة أيضا ً :
فإذا اضطر كل من البوين إلى السفر لحاجة ،بقي حق ا ُ
لم ،
ولم يعد السفر عندئذ مانعا ً من الحضانة :
169
خامسا ً :الخلو من زوج أجنبي :
فإذا تزوجت الم سقط حقها في الحضانة ،وإن لم يدخل بها الزوج
بعد ،أو رضي زوجها أن يدخل الولد داره .
والدليل على ذلك من السنة :فما رواه أبو داود ) ( 2276وذكرناه
. 1
سابقا ً " أنت أحقّ به ما لم تنكحي "
والدليل من المعقول على سقوط حق الم في الحضانة إذا تزوجت ،
هو أن الم إذا تزوجت شغلت عن ولدها بحق الزوج ،فل توجد ضمانة
لرعاية شأن الطفل ،والنظر في أمره
لكن يستثنى من ذلك حالتان :
الحالة الولى :أن يتراضى والد الطفل مع زوج الم أن يبقى الولد
دة .
قها في الحضانة ،ويسقط حق الج ّ عند أمه ،فإن ذلك يبقي ح ّ
ُ
الحالة الثانية :أن يكون زوج الم الجديد قريبا ً للطفل ،م ّ
من له
حق حضانته ،وإن كانت درجته بعيدة ،فإن الم في حضانة ولدها ل يسقط
حينئذ إذا رضي زوجها بحضانته .
ذلك لن له حقا ً في رعايته ،ولن له من الشفقة عليه ما يحمله
على التعاون مع ُأمه على كفالته ،والهتمام بشأنه .
سادسا ً :الخلو من المراض الدائمة والعادات المؤثرة :
فلو كانت ا ُ
لم تعاني من مرض عضال :كالسل ،والفالج ،أو كانت
صماء ،لم يكن لها حق في حضانته ،لن من شأنها ما يشغلها
عمياء ،أو ّ
عن القيام بحق الطفل .
ف ْ
قد شيء من شروط الحضانة : ما يترتب على َ
إذا فُ ِ
قد َ شرط من هذه الشروط الستة التي ذكرناها لستحقاق
من جدة ،ثم
الحضانة ،سقط حق الحاضنة ،وانتقل هذا الحق من يليها َ ،
أخت ،ثم خالة ،وهكذا .
كيف يتم التأكد من فوات شرط من شروط الحضانة :
170
يعتمد في التأكد من فوات شرط من شروط الحضانة على
واحد من المور الثلثة التالية
المر الول :إقرار الحاضنة :
فإذا أقّرت الم بأنها متزوجة ،أو أنها تعاني من مرض عضال دائم
العّلة ،سقط حقها في الحضانة .
المر الثاني :دعوى المعارض :
إذا اّدعى المعارض في الحضانة :أن الحاضنة فقدت شرطا ً من
شروط الحضانة ،وكانت دعواه تلك مصحوبة بالبّينات المعتمدة ،فإن حقها
في الحضانة يسقط عندئذ .
ثالثا ً :تحقيق القاضي :
تحقيق القاضي ،أو الحاكم ،وذلك عندما يرتاب ويش ّ
ك في توفر
الشروط عند الحاضنة ،فإذا ثبت لديه بموجب تحرياته فقدان شرط من
شروط الحضانة ،فإنه يسقط الحضانة عندئذ في الحضانة .
والله سبحانه وتعالى أعلم ….
171
دليل تشريع الرضاع :
إرضاع الولد من غير ُأمه التي ولدته جائز شرعا ً ،ولقد كان أمرا ً
معروفا ً قبل السلم .ولما جاء في السلم أقّره ولم يحرمه ،لما فيه أحيانا ً
من المصلحة ،والحاجة الملجئة ؛ كأن تموت ُأم الطفل ،مثل ً ،أو يكون بها
عّلة تمنعها الرضاع ،فل بد ّ والحالة هذه من امرأة أخرى ترضعه حفاظا ً
على حياته .
دليل هذا الجواز :
م ويستدل على جواز الرضاع بقول الله عز وجل :وَِإن ت ََعا َ
سْرت ُ ْ
ه أُ ْ
خَرى ضعُ ل َ ُ فَ َ
ست ُْر ِ
] الطلق . [ 6 :
تعاسرتم :اختلفتم في إرضاع الولد ،فسترضع الولد امرأة أخرى
غير أمه .
َ وقوله سبحانه وتعالى :وإن أ َردت َ
ح
جَنا َ ضُعوا ْ أوْل َد َك ُ ْ
م فَل َ ُ ست َْر ِ
م أن ت َ ْ
َِ ْ َ ّ ْ
م ] البقرة . [233:ع َل َي ْك ُ ْ
173
والخلصة :
أن الرضاع حق للم تجاب إليها ،إن طالبت به .وليس واجبا ً عليها ،
فل تلزم به إن رفضته ،إل إن تعينت له ،فعندئذ يجب عليها للضرورة .
ما يترتب على كون الرضاع حقا ً ل واجبا ً :
لعلك أدركت مما أوضحنا ،المور التي تترتب على كون الرضاع مجرد
حق للم ،وأنه ليس واجبا ً عليها .
وهذه المور ،تتلخص فيما يلي :
أول ً :ل يجوز للزوج إجبار زوجته على إرضاع طفلها ،فإن أجبرها ،فلم
تستجب لجباره وأمره ،فهي ليست بعاصية ،ول ُتعد ّ ناشزة .
يستثنى من ذلك ،ما لو لم يكن َثمة من يصلح لرضاع الطفل غيرها .
فإن الضرورة عندئذ تقضي بقسرها على الرضاع ،وهي المحافظة
على حياة الطفل .
ثانيا ً :
يجب على الزوج أن يعطي زوجته الجر حسب الُعرف ،على ما تقوم
من إرضاع الطفل ،إذا طلبت على ذلك أجرا ً .
فإن لم تطالب بالجر ـ كما هو السائد في أعراف الناس اليوم ـ لم
يلزم الزوج بدفع الجر ،وسقط حقها في المطالبة ،إن كانت تبرعت به
وأظهرت له عدم الرغبة فيه .
ما يترتب على الرضاع من القرابة :
إذا أرضعت المرأة طفل ً أجنبيا ً عنها ،صار الطفل ابنها بالرضاع ،
وصار زوجها صاحب اللبن أبا ً لذلك الطفل ،وترتب على هذا الرضاع المور
التالية :
من أرضعته ،ومن كل أنسبائهاأول ً :يحرم على الرضيع التزوج م ّ
ن لو كانت ُأمه من النسب .
اللئي يحرم عليه التزوج منه ّ
فيدخل في هذا التحريم :
ُ-أخت مرضعته ،لنها خالته من الرضاعة .
174
-وبنت مرضعته ،لنها ُأخته من الرضاعة .
ذكورا ً كانوا أو إناثا ً ،لنه ّ
ن بنات إخوته ،أو بنات -وبنات أولد مرضعته ُ ،
أخواته من الرضاعة .
دته من الرضاعة .
-أم مرضعته ،لنها ج ّ
وكذلك يحرم على هذا الرضيع التزويج من هؤلء أنفسهم ،إذا كانوا
أنسباء والده من الرضاعة ،وهو زوج المرضعة ،صاحب اللبن .
فتحرم عليه :
مة الرضيع . ُ
-أخت والده من الرضاعة ،لنها ع ّ
-وبنت والده من الرضاعة ،ولو من زوجة أخرى ،لنها ُأخت هذا
الرضيع .
-وبنات أولد أبيه من الرضاعة ،ذكورا ً كانوا أم إناثا ً ،لنه ّ
ن بنات أخوة
الرضيع أو بنات أخواته .
دة الرضيع .
-وأم أبيه من الرضاعة ،لنها ج ّ
ثانيا ً :يحرم على المرضع ،وعلى هؤلء النسباء للمرضع جميعا ً التزويج
درت من الرضيع ،كما أوضـحنا ،والتزويج من فروعه ،لنك لو ق ّ
أمومة المرضعة للطفل ُأمومة نسب ،كان هؤلء النسباء محّرمات
عليه فكذلك ُأمومة الرضاع .
فكما ل يتزوج الرضيع من بنت مرضعته ،لنها أخته من الرضاع ،
مته من الرضاعة .وهكذا إلى آخرة
فكذلك ل يتزوج ابن الرضيع منها لنها ع ّ
.
ن التزوج من حواشي ثالثا ً :يجوز للمرضع ،وأنسبائها اللئي ع ّ
ددنا أسماءه ّ
مه ،لنهم أجانب عن
الرضيع :كأخيه ،ومن أصوله ،كأبيه ،وكع ّ
المرضع وأنسبائها .
الدليل على حرمة الرضاع :
الصل في كل ما ذكرنا :القرآن ،والسّنة :
175
َ ُ
ضعْن َك ُ ْ
م مَهات ُك ُ ُ
م الل ِّتي أْر َ أما القرآن الكريم :فقول الله عز وجل :وَأ ّ
ضاع َةِ
ن الّر َ
م َ وات ُ ُ
كم ّ وَأ َ َ
خ َ
] النساء [ 23 :
وأما السّنة :فقول النبي : فيما رواه البخاري ) ( 2553ومسلم )
( 4144عن عائشة رضي الله عنها :قال رسول الله " : إن الرضاعة
ُتحّرم ما َيحُرم من الولدة ".
وفي رواية عند البخاري ) الشهادات ،باب :الشهادة على النساب
… ،رقم ( 2502 :ومسلم ) الرضاع ،باب :تحريم ابنة الخ من الرضاعة ،
رقم ( 1447 :عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :قال النبي في
بنت حمزة رضي الله عنه " :ل تح ّ
ل لي ،يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب ،هي بنت أخي من الرضاعة ".
ما ً للرضيع ،وأن ُ
فقد دّلت الية على أن المرضع تصبح بسبب الرضاعة أ ّ
ابنتها ،تصبح ُأختا ً له .
وأما الحديثان فقد أوضحنا النتائج المترتبة على ذلك ،وهي :أن
ُأمومة الرضاع بمنزلة ُأمومة النسب .
من تحرم على الولد من أقارب أمه وأخته نسبيا ً ،تحرم عليه فك ّ
ل َ
من أقارب أمه أو أخته رضاعا ً .
176
ن َ َ ل :وال ْوال ِدات يرضع َ
ن
حوْلي ْ ِ ن أوْل َد َهُ ّ
َ َ َ ُ ُْ ِ ْ َ ودليل ذلك قول الله عّز وج ّ
َ كامل َين ل ِم َ
ة ] البقرة . [ 233 :وقول الله عّز وج ّ
ل ضاع َ َ
م الّر َ َ ِ ْ ِ َ ْ
ن أَراد َ أن ي ُت ِ ّ
ن ] لقمان . [ 14 :
مي ْ ِ
عا َ صال ُ ُ
ه ِفي َ :وَفِ َ
] والفصال :هو الفطام ،لنه يفصل فيه الرضيع عن ُأمه [ .
ويستدل لذلك من السّنة أيضا ً :بما رواه الدارقطني ) الرضاع
ولْين " . (4/174قال رسول الله ": ل رضاع َ إل ما كان في ال َ
ح ْ
وروى الترمذي ) الرضاع ،باب :ما جاء ] ما ذكر [ أن الرضاعة ل
تحرم إل في الصغر … ،.رقم (1152 :عن أم سلمة رضي الله عنها
قالت :قال رسول الله ": ل ُيحّرم من الرضاعة إل فتقَ المعاء في
الثدي ،وكان قبل الفطام ".
فتق المعاء :شقها وسلك فيها .في الثدي :في الثدي ،في زمن
الرضاع ،قبل الفطام .والفطام يكون في تمام الحولين ،كما في قوله
ن ] لقمان [ 14:
مي ْ ِ
عا َ صال ُ ُ
ه ِفي َ تعالى :وَفِ َ
من قال ل رضـاع بعـد حوليـن
وروى البخاري ) النكاح ،باب َ :
… ،.رقم ، (4814 :ومسـلم ) الرضاع ،باب :إن الرضاعة من المجاعة ،
رقم (1455 :عـن عائشة رضي الله عنها :أن النبي دخل عليها وعندها
رجل ،فكأنه تغير وجهه ،كأنه كره ذلك ،فقالت :أنه أخي ،فقال :
) انظرن من إ خوانكن ،إنما الراضعة من المجاعة ( .
أي تحرم الرضاعة إذا كانت في الزمن الذي يجوع فيه الطفل
لفقدها ،ويشبع بها ،وهذا ل يكون إل للصغير .
الشرط الثاني :أن ترضعه خمس رضعات متفرقات .
177
دليل هذا الحكم :والدليل على ذلك :ما رواه مسلم ) الرضاع ،باب :
التحريم بخمس رضـعات ،رقم (1452 :عن عائشة رضي الله عنها :كان
فيما نزل من القرآن :عشر رضعات معلومات يحرمن .ثم نسخن بخمس
معلومات ،فتوفي رسول الله وه ّ
ن فيما يقرأ من القرآن .
أي إن نسخها كان متأخرا ً ،حتى إنه توفي ، وبعض الناس
مازال يتلوها قرآنا ً ،لنه لم يبلغه النسخ بعد .
صتان ،رقم (1451 :
صة والم ّ
وروى مسلم ) الرضاع ،باب :في الم ّ
عن أم الفضل رضي الله عنها :أن نبي الله قال " :ل تحرم الرضعة أو
صتان ".
صة أو الم ّ
الرضعتان ،أو الم ّ
178
وكذلك بنت الزوجة نسبا ً ،وزوجة الب نسبا ً ،وزوجة البن نسبا ً .
ن يحرمن على الزوج في المثال الول ،وعلى البن في المثال
كله ّ
الثاني ،وعلى الب في المثال الثالث .والسبب هو المصاهرة .
فإذا نشأت هذه القرابات نفسها من رضاع ،أورثت الحكم ذاته ،
بالنسبة للمصاهرة .
أي فأم الزوجة من رضاع تحرم على الزوج .
وبنتها من رضاع تحرم عليه أيضا ً .
وزوجة أبيك من رضاع ،وزوجة ابنك من رضاع محّرمتان عليك .
والسبب المصاهرة التي ترتبت على قرابة الرضاع .واعلم أن دليل
ذلك كله :هو قول النبي السابق " :1يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب ".
رواه البخاري ) ، (2502ومسلم ) (1447عن ابن عباس رضي الله
عنهما .
هذا ما يتعلق بأثر التحريم المترتب على قرابة الرضاع .
أما ما يتعلق بأثر الحل :
حل بينك وبين قريبة لك نسبا ً م ّ
من مضى فبيان ذلك :أن كل ما ي ّ
من بينك وبينها رضاعة :فيح ّ
ل بينهما النظر ،كما ذكرهم ،يح ّ
ل بينك وبين َ
حرمة بين ل ذلك بين الخ والخت من النسب ،وتح ّ
ل بينهما الخلوة الم ّ يح ّ
ل. الجنبيين ،ويح ّ
ل لها أن تسافر معه فوق ثلث ليا ٍ
غير أن هذا الحكم ل يسوغ نظر القريب رضاعة إليها بشهوة ،أو
نظرها إليه كذلك .
حرم حتى بين أقارب النسب .
لن هذا النظر م ّ
ولذلك فقد كره متأخرو الفقهاء إرضاع المرأة لغير طفلها بدون
ضرورة وحاجة .
179
كما أنهم كرهوا اختلط الذكور والناث الذي جمعتهم قرابة الرضاع ،
حرمات مختلفة ،لضعف الوازع
وذلك بسبب ما قد يتوصل به إلى شرور وم ّ
الديني ،ولعدم وجود الوازع الفطري الذي يكون بين القريب والقريبة .
180
فلو كان في سن ل يتصور أن يكون منه ،كأن كان مساويا ً له في
سن له .
ح هذا القرار ،ولم يثبت به نسب ،لتكذيب الح ّ
السن لم يص ّ
2ـ أن ل يكذب هذا القرار الشرع ُ .وتكذيب الشرع له :أن الولد
قر ،لن النسب الثابت
المستلحق بالقرار معروف النسب من غير الم ّ
دقة المستلحق أم
من شخص ل ينقل إلى غيره بالقرار ،سواء ص ّ
غيره .
دق المستحلقُ المق ٌَر ،إن كان هذا المستلحق أهل ً للتصديق ،بأن
3ـ أن يص ّ
يكون مكلفا ً ،لن له حقا ً في نسبه ،وهو أعرف به من غيره .
جر المقر بهذا القرار نفعا ً إلى نفسه ،أو يدفع عنها به ضررا ً ،
4ـ أن ل ي ّ
دعاء ،فإن استلزم واحدا ً منهما ،لم ُيعد يسمى كلمه إقرارا ً ،بل هو ا ّ
ول يقبل الدعاء إل إذا ثبت ببينه من شهادة ونحوها .
مثال ذلك :
أن يقول عن شاب مات عن ثروة من المال :إنه ابني ،فل يقبل
مْغرما ً ،
كلمه ،ول يعتبر إقرارا ً ،ول شهادة ،لن القرار من شأنه أن يجّر َ
أو مسؤولية على المقّر .
ولن الشهادة إنما تعتبر حيث ل تستلزم نفعا ً للشاهد ،ول تدفع عنه
ضررا ً .
ودليل ذلك ما جاء عن رسول الله أنه ل تجوز شهادة ال ّ
ظنين .
الترمذي ) الشهادات ،باب :ما جاء فيمن ل تجوز شهادته ،رقم :
. (2299
والظّنين :المتهم .والجاّر إلى نفسه نفعا ً ،والدافع عنها ضررا ً
متهمان .
لدعاء ،وا ّ
لدعاء ل يقبل إل إذا عّزرته وإنما يدخل هذا الكلم عندئذ في ا ّ
البّينة المعتبرة شرعا ً .
ومنها :أن يشهد شاهدان عدلن بصدق كلمه .
181
الثالث :الستفاضة :وصورة الستفاضة :أن ينتسب الشخص إلى رجل ،
أو قبيلة ،والناس في تلك البلدة ينسبونه إلى ذلك الشخص ،أو تلك القبيلة
،دون وجود مخالف ،ودون أن ُيحد ّ ذلك في فترة قصيرة من الزمن .
فهذه الستفاضة تنزل منزلة الشهادة الصحيحة ،وتعتبر دليل ً شرعيا ً
على صحة المر .
بشرط أن يكون الناس ـ الذين استفاض عنهم وبينهم ذلك ـ قد بلغوا
من الكثرة مبلغا ً ،يحيل العقل اتفاقهم على الكذب .
والسبب في تنزيل الستفاضة في ثبوت النسب منزلة الشهادة
الصحيحة :أن النسب من المور الثابتة المستمرة مع توالي الجيال ،فإذا
ست الحاجة إلى إثباتها
سَر إقامة البّينة على ابتدائها ،فم ّ
طالت مدتها ع َ ُ
بالستفاضة .
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم ينتسبون عند رسول الله إلى
قبائلهم ،وأجدادهم ،فما كان ـ ـ يطالبهم بالشهود الذي يثبتون
النكاح رؤية بالعين .بل كان يكتفي باستفاضة الخير بين الناس ،دون
وجود مخالف .وكانت الحكام تبنى على ذلك .
ثبوت الرضاعة :
لقد علمت سابقا ً أن الرضاعة لها حكم النسب في التحريم .فكذلك
لها حكم النسب في طرق الثبوت .فتثبت الرضاعة من المثبتات الثلثة
السابقة :
الشهادة ،القرار ،الستفاضة .
غير أن شهود الرضاعة ،ل يشترط فيهم أن يكونوا ذكورا ً ،كشهود
النسب .
بل تجوز في الرضاع شهادة النساء فقط ،لن الرضاعة مما يغلب أن
تطلع عليها النساء
وبناءً على ذلك ،فالشهادة المقبولة في ثبوت الرضاع هي :
أ ـ شهادة رجلين عدلين .
182
ب ـ شهادة رجل عدل ،وامرأتين عادلتين .
ج ـ شهادة أربع نسوة عادلت .
الحكام المتعلقة بالنسب :
إذا عرفت ما تقدم ،فاعلم أن هناك أحكاما ً كثيرة تترتب على ثبوت
النسب بين شخصين
نذكر منها ما يلي :
أول ً :أحكام النكاح حل ّ وحرمة
ثانيا ً :أحكام الفقه ،وتنسيق المسؤوليات المتعلقة بها .
ثالثا ً :الولية ودرجاتها .
رابعا ً :الميراث ،وتوزيع النصباء ،وتنسيق درجات الوارثين .
خامسا ً :الوصية وأحكامها من صحة وبطلن ،فإن كثيرا ً من أسباب
ذلك إنما يعود إلى النسب ،وإلى معرفة :هل الموصى له وارث ،أو
غير موروث .
هذا عرض مختصر لهم الحكام المترتبة على ثبوت النسب .ومثل
النسب في بعض هذه الحكام الرضاع .
ل منا بابا ً خاصا ً به ،بعض هذه
أما مجال تفصيل هذه الحكام ،فإن لك ّ
البواب قد مّر ذكرها ،وبعضها يأتي بحثه إن شاء الله تعالى ،وإننا نحيل
إليه تفصيل القول في ذلك ،والله سبحانه وتعالى أعلم .
م الل ّ ِ
قيط . ح َ َ
كا ُ عا :أ ْ
ساب ً
َ
قي ُ
ط الل ّ ِ
تعريف اللقيط :
اللقيط :على وزن فعيل ،بمعنى مفعول :كقتيل بمعنى مقتول .
واللقيط ،والملقوط ،والمنبوذ :أسماء تطلق على الطفل الموجود
دعيه . مطروحا ً في شارع ونحوه ،وليس ث َ ّ
مة من ي َ ّ
الدلة على تشريع أخذ اللقيط :
183
الصل في التقاطه وأخذه ،وتشريع أحكامه دلئل عامة كثيرة في
القرآن والسنة :
نحو َ فل ِ ُ م تُ ْخي َْر ل َعَل ّك ُ ْ
ل َ :وافْعَُلوا ال ْ َ
أما القرآن :فقول اله عّز وج ّ
وى ق َ ] الحج . [77 :وقوله سبحانه وتعالى :وَت ََعاوَُنوا ْ ع ََلى اْلبّر َوالت ّ ْ
ها
حَيا َ ل جلله في النفس البشرية :وم َ ] المائدة [ 2 :وقوله ج ّ
نأ ْ َ َ ْ
ميعا ً ] المائدة . [ 32 : َ َ
ج ِ
س َ
حَيا الّنا َ فَك َأن ّ َ
ما أ ْ
وأما السّنة :فما رواه مسلم ) الذ ِ ْ
كر والدعاء والتوبة ،باب :فضل
الجتماع على تلوة القرآن ،..رقم ( 2699 :وغيره عن أبي هريرة قال
فس :قال رسول الله " : من ن ّ
فس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ،ن ّ
سر الله عليه
سر على مُعسر ي ّ من ي ّ
الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ،و َ
من ستر مسلما ً ،ستره الله في الدنيا والخرة ،والله في الدنيا والخرة ،و َ
في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ".
من يعول يتيما ً ،رقم (5679 :
وروى البخاري ) الدب ،باب :فضل َ
عن سهل بن سعد قال :قال رسول الله ": أنا وكافل اليتيم في
دة القرب
الجنة هكذا " وأشار بإصبعيه :السّبابة والوسطى إشارة إلى ش ّ
بينهما .
وروى الترمذي ) الّبر والصلة ،باب :ما جاء في رحمة الناس ،رقم :
( 1923وغيره عن جرير بن عبدالله قال :قال رسول الله َ ":
من ل
مه الله ".
يرحم ِ الناس ل يرح ْ
حكم أخذ اللقيط :
إذا وجد لقيط بقارعة الطريق ،ول كافل معلوم له ،فأخذه وتربيته
من وجده . وكفالته ،فرض على الكفاية ،على ك ّ
ل َ
فإذا أهمل ،وبقي في مكانه الذي وجد فيه ،أثم جميع أهل تلك البلدة
،أو المنطقة ،أو القرية الذي عملوا بوجوده .
وإذا التقطه أحدهم ،واهتم بتربيته ،والنظر في شأنه ،ارتفع الثم
عن الجميع .
184
س أ َْو فسا ً ب ِغَي ْرِ ن َ ْ
ف ٍ من قَت َ َ
ل نَ ْ ه َ
َ
ل :أن ّ ُودليل ذلك قول الله عّز وج ّ
َ َ ل الناس جميعا ً وم َ َ َ
س
حَيا الّنا َما أ ْ ها فَك َأن ّ َحَيا َ
نأ ْ َ َ ْ ض فَك َأن ّ َ
ما قَت َ َ ّ َ َ ِ فَ َ
ساد ٍ ِفي الْر ِ
ميعا ً ] المائدة [ 32 :وقتل النفس كما يكون بالعتداء اليجابي على
ج ِ
َ
حياتها ،فإنه يكون بمنع المسعفات عنها ،مع قدرته على ذلك .
الشهاد على أخذ اللقيط :
من وجد طفل ً مطروحا ً في مكان ،وأخذه ليكفله ويربّيه ،وجب عليه
و َ
أن يشهد على التقاطه ،وأخذه ،حفاظا ً على حريته ،ونسبه ،ويجب
الشهاد أيضا ً على ما معه من مال ،إن وجد الملتقط معه مال ً .دفعا ً
للتهمة ،وضمانا ً لحقّ اللقيط في ماله ،ولو كان الملتقط عدل ً أمينا ً
شروط بقاء اللقيط مع ملتقطه :
كان ما ذكرنا سابقا ً هو حكم أخذ اللقيط ،وقد علمت أنه فرض كفاية
على جميع المسلمين حيث وجد اللقيط ،دون قيد أو شرط .
فإذا أخذ اللقيط واحد من الناس أيا ً كان ،فقد ارتفع بذلك الفرض
الكفائي عن سائرهم .
إل أنه ل يجوز إبقاء اللقيط عند هذا الذي التقطه إل بشروط أربعة :
قر اللقيط عند الكافر ،إل إذا كان اللقيط
الشرط الول :السلم :فل ي ّ
محكوما ً بكفره ،كأن عرف بطريقة ما أن أبويه كافران ،فل مانع
عندئذ من إبقائه عنده .
عرف بالفسق ،
من ُ
الشرط الثاني :العدالة :فل يجوز إبقاء اللقيط عند َ
ويعطى لمن ثبتت عدالته وأمانته .
الشرط الثالث :الرشد :فلو التقطه غير رشيد ،بأن كان دون سن
الرشد ،انتزع منه .ومنه السفيه الذي طرأ عليه السفه بعد الرشد ،
إذا كان محجورا ً عليه ،فل يجوز إقرار اللقيط عنده .
الشرط الرابع :القامة :فلو عزم الملتقط على السفر به إلى مكان
ما ،وجب انتزاعه منه ،إذ ل يؤمن أن يسترّقه ،أو يغدر به .
185
وإنما يراعي هذه الشروط ،وُيبقى أو ينتزع اللقيط على أساسها
ي له .
القاضي أو الحاكم ول ّ
مح ّ
كم في ولية الملتقط ،والنظر في صلحيته فلبد ّ أن يكون هو ال ُ
لذلك .
نفقات اللقيط :
إذا أخذ أحد اللقيط ،وُأقر في يده ،لتوفر الشروط التي ذكرناها
فيه ،فإنه ينظر :
1ـ فإما أن يكون في حوزة اللقيط مال .
2ـ أو ليس في حوزته مال .
فإن وجد في حوزته مال ،اعتبر هذا المال ملكا ً له ،لنه صاحب اليد
عليه ،ول يوجد منازع فيه ،وأنفق عليه من ماله .وعندئذ ينفق الحاكم
عليه من ذلك المال ،وذلك بأن يأذن للملتقط الذي يرعى شأنه ،بأن
يصرف منه على مصالحه ،واحتياجاته .فلو استقل الملتقط بالنفاق على
اللقيط من ذلك المال ،دون إذن للحاكم ،أو القاضي ،ضمن ذلك المال ،
وكّلف برد قدره إلى حوزة الطفل .
ي الوديعة عليه
كما لو كان لليتيم وديعة عند الولي ،فصرف الول ّ
بدون إذن الحاكم ،فإنه يضمنها ،ويكّلف بإعادة مثلها ،أو قيمتها إلى حوزة
اليتيم .
وإنما توقف صرف هذا المال على إذن الحاكم ،لن ولية المال ل
تثبت لقريب ،غير الب والجد ،فضل ً عن الجنبي الذي ل تربطه بالطفل
أي قرابة .
ي له ،كان هو
من ل ول ّ
ي المطلق لكل َ
ولما كان الحاكم هو الول ّ
المرجع في التصرفات المختلفة بماله .
فإما أن ينفق هو عليه مباشرة ،أو يأذن بالنفاق منه للملتقط الذي
استحق الولية عليه .
نفقة اللقيط في بيت المال إن لم يكن لديه مال :
186
وإن لم يوجد في حوزة اللقيط مال ،فنفقة ،وجوبا ً في بيت مال
المسلمين ،من سهم المصالح العامة ،لن بيت المال مرصود لذلك .
وقد روي :أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار الصحابة في
نفقة اللقيط ،فأجمعوا على أنها في بيت المال .
ويدخل اللقيط ـ إذا لم يكن له مال ـ في عموم قول النبي ": من
ترك مال ً فلورثته ،ومن ترك كل فإلي " .وفي رواية ":ومن ترك دينا ً أو
ضياعا ً فليأتني ،فأنا موله ".
من ترك دينا ً ،رقم :
رواه البخاري ) الستقراض ،باب :الصلة على َ
2268ـ ، (2269ومسلم ) الفرائض ،باب :من ترك مال ً فلورثته ،رقم :
( 1619عن أبي هريرة .
] والمراد بالكل :العيال الفقراء .ضياعا ً :ضائعا ً ليس له شيء .فإّلي :أنا
أعوله وُأنفق عليه [ .
هل يرجع الحاكم بالنفقة على اللقيط إذا كبر ؟
هذا ،ول يرجع الحاكم بهذه النفقة التي أنفقها على اللقيط من بيت
مال المسلمين ،عند كبر اللقيط وغناه ،لنه هذه النفق ل ُتصرف عليه دينا ً
،بل استحقاقا ً ،كما ينفق الزوج على زوجته ،والوالد على أولده ".
حكم النفقة على اللقيط إذا لم يكن في بيت المال مال :
وإذا لم يكن في بيت مال المسلمين ما يكفي لنفقات اللقيط ،لكثرة
اللقطاء مثل ً ،أو لوجود مصارف أهم من النفاق على اللقطاء ،وجب على
الحاكم أن يستقرض من الغنياء ،على ذمة الدولة ،ما يكفي لسد ّ حاجات
دد القرض لصحابه عند اليسر .
اللقيط ،ويس ّ
الهتمام باللقيط :
شارع ج ّ
ل جلله ،يضع لحظت من خلل الحكام التي ذكرناها ،أن ال ّ
مسؤولية رعاية اللقطاء ،وتربيتهم والعناية بهم في أعلى درجات الخطورة
والهمية .
ضيع بينهم لقيط واحد .
فالمسلمون كلهم آثمون إن ُ
187
والدولة آثمة أيضا ً ،إن هي أهملت النظر في أمره ،ولم تعو ّ
ضه عن
دين على
رعاية الوالد ،وحنان الم ،بالقدر الممكن ،ويفرض ال ّ
الدولة أن تستقرض من أغنياء المسلمين ،إن هي أعسرت ،ولم تجد
سبيل ً للنفاق عليه .
وغ تبَنيه :
تربية اللقيط ل تس ّ
ق
وغ تبّنيه ،واختل َ
هذا الترغيب في تربية اللقيط ،والهتمام به ل يس ّ
نسب بين اللقيط ،وأي رجل أو امرأة من الناس ،مربيا ً كان أو غيره .
شارع بين المرين فصل ً حاسما ً :
لقد فصل ال ّ
أما الرعاية ،والعناية ،والتربية ،فكل ذلك واجب ،ومصدر ذلك
الخوة السلمية ،والرحم النساني .وأما التبني ،وهو ما نعبر عنه :
باختلق النسب ،فمحرم باطل .لن مصدر النسب ولدة أو نكاح ،وليس
بين اللقيط ومن يريد أن يتبناه شيء من ذلك .
ولن البّنوة لها حق في الميراث ،وعليها واجب في ذلك ،ولها حق
في النفاق ،وعليها واجب في ذلك .
ولنها أساس في تحريم النكاح ،وح ّ
ل النظر والخلوة والختلط .فإذا
قيس التبني عليها ،وجاز اعتبار اللقيط ابنا ً لمن تبناه ،كان في ذلك ظلم
لمن سيشركهم في ميراثهم ،وظلم له ولورثته الحقيقيين عندما يتقاسم
أقاربه المزيفون ميراثه من دونهم ،أو يشاركونهم فيه .
خلق والفضيلة عندما يفرض قانون الخوة بينه
وكان في ذلك ظلم لل ُ
وبين من ليست أختا ً له بحال ،أن يخالطها مخالطة الشقيق ،وهو أجنبي
حرمة عليه .
قه في الزواج منها ،وهي غير م ّ
عنها ،ويمنع ح ّ
من أجل ذلك كله حّرم الله تعالى التبّني ،الذي هو اختلق نسب غير
موجود ،ثم إعطاؤه جميع الحقوق والحكام الثابتة لرابطة النسب .
قق مصلحة اللقيط ،وهو
وشّرع الدين ما ُيعني عن التبّني ,ويح ّ
مبدأ الرعاية والعناية ،والتربية له .وحمل المسلمين في ذلك أخطر
المسؤوليات ،وأهمها .
188
حرمة التبّني :
دليل ُ
ل
ج ٍ ه ل َِر ُ ل الل ّ ُجعَ َ ما َ لّ : حرمة التبّني ،قول الله عّز وج ّ دل على ُ وي ّ
ظاهرون منه ُ من قَل ْبين في جوفه وما جع َ َ
مام وَ َ مَهات ِك ُ ْنأ ّ م الّلِئي ت ُ َ ِ ُ َ ِ ْ ُ ّ جك ُ ُ ل أْزَوا َ َ ْ ِ ِ َ َ َ َ َْ ِ ِ ّ
َ عياءك ُ َ جع َ َ
دي حقّ وَهُوَ ي َهْ ِ ل ال ْ َ قو ُ ه يَ ُم َوالل ّ ُواه ِك ُ ْ كم ب ِأفْ َ م قَوْل ُ ُ م ذ َل ِك ُ ْ م أب َْناءك ُ ْ ْ ل أد ْ ِ َ َ َ
َ
م
موا آَباءهُ ْ م ت َعْل َ ُ عند َ الل ّهِ فَِإن ل ّ ْ ط ِ س ُ م هُوَ أقْ َ م ِلَبائ ِهِ ْ عوهُ ْ ل} {4اد ْ ُ سِبي َال ّ
ْ
ما كن ّ خط َأُتم ب ِهِ وَل َ ِ ما أ َ ْ ح ِفي َ جَنا ٌ
م ُ س ع َل َي ْك ُ ْ م وَل َي ْ َ واِليك ُ ْ م َن وَ َ دي ِم ِفي ال ّ وان ُك ُ ْ
خ َفَإ ِ ْ
حيما ً ] الحزاب 4 :ـ . [5 فورا ً ّر ِ ه غَ ُ ن الل ّ ُ كا َ م وَ َ ت قُُلوب ُك ُ ْ مد َ ْ ت َعَ ّ
انحراف وعود إلى الجاهلية :
هذا ولقد عاد الناس أدراجهم إلى الجاهلية ،فنجد بعض أولئك الذين
لم يولد لهم يذهبون إلى دور اللقطاء ،فيختارون لقيطا ً يدعونه ولدا ً ،
ويثبتون نسبه لهم في السجلت المدنية ،فيقعون في معصية الله عّز وج ّ
ل
ويرتكبون أسوء ما نهى الله عنه من تحليل الحرام وتحريم الحلل ،إذ
يخالفون صريح القرآن وصحيح السّنة في تحريم التبني ومنعه ،بل إن ما
يفعله هؤلء أشد مما كان يفعله أهل الجاهلية لن أولئك كانا يعلنون أن هذا
دعون
متبنى وليس بولد حقيقي ،بينما هؤلء الناس يطمسون الحقيقة وي ّ
أنه ولد حقيقي لهم ،وبهذا ُيدخلون على ا لسرة من ليس منها ،فيخالط
ن محارم له ،
هذا الدعي النساء الجنبيات في السرة المدعية على أنه ّ
ن حلل له ،وإنما يحرم
ن على أساس ذلك ،ينما ه ّ
ويمنع من الزواج منه ّ
ن كمحارم .
ن العيش معه ّعليه مخالطته ّ
وأيضا ً بسببه ُيحرم من الميراث مستح ّ
قه ،ويأخذ هو مال غيره
بالباطل ،وما إلى ذلك من مفاسد يقع فيا هؤلء الجّهال العصاة ،عن سوء
قصد أو بدون قصد ،فيقعون في غضب الله تعالى ،ويستحقون شديد
عقابه يوم القيامة ،وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ً .
دد خطانا لما فيه مرضاته ،والحمد
والله تعالى المسؤول أن يس ّ
ب العالمين .
لله ر ّ
*************
189
فهــــــــرس
الصفحــة
1 مقدمة --------------------------------------- :
2 أول ً :النكاح وما يتعلق به وما يشبهه ------------------- :
2 تمهيد --------------------------------------- :
3 النكاح :تعريفه ،مشروعيته و حكمه والترغيب به ------------ :
8 حكم النكاح شرعا ً -------------------------------- .
مكانة السرة في السلم ورعايته لها --------------------.
10
14 النساء اللتي يحرم نكاحهن -------------------------- .
حكم تعدد الزوجات والحكمة من مشروعيته ---------------- .
22
مقدمات الزواج :صفات الزوجين ،الخطبة ---------------- .
27
أركان عقد النكاح والتعريف بكل ركن ،وبيان شروطه --------- .
41
الصداق :أحكامه ـ المتعة ـ المغالة في المهور ----------- .
63
78 عقد الزواج ،وما يترتب عليه ----------------------- .
81 سنن عقد الزواج -------------------------------- .
83 الوليمة -------------------------------------- .
القسم بين الزوجات وما يتعلق بذلك --------------------- .
88
92 النشوز ------------------------------------- .
190
العيوب التي يترتب عليها فسخ النكاح والثار المترتبة على ذلك
97 ----- .
ثانيا ً :الطلق وما يتعلق به ويشبهه --------------------- .
103
الطلق :تعريفه ومشروعيته وأنواعه -------------------- .
103
114 الخلع و أحكامه ---------------------------------- .
116 شروط صحة الطلق ووقوعه ------------------------ .
126 أحكام الرجعة ----------------------------------- .
130 مشبهات الطلق ---------------------------------- .
131 اليلء ---------------------------------------- .
133 الظهار --------------------------------------- .
137 اللعان --------------------------------------- .
144 العدة ---------------------------------------- :
155 ثالثا ً :النفقات وما يتعلق بها ------------------------- .
155 النفقات -------------------------------------- .
178 رابعا ً :الحضانة --------------------------------- .
188 خامسا ً :الرضاع وأحكامه --------------------------- .
188 الرضاع -------------------------------------- .
198 سادسا ً :ثبوت النسب ------------------------------ .
202 سابعا ً :أحكام اللقيط -------------------------------- .
202 اللقيط --------------------------------------- .
213 الفهرس ---------------------------------------
191