You are on page 1of 191

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫المقدمـــة‬
‫ب العالمين ‪ ،‬حمدا ً يوافي نعمه ‪ ،‬ويكافئ مزيده ‪ ،‬سبحانك‬
‫الحمد لله ر ّ‬
‫يا رّبنا ل ُنحصي ثناء عليك أَنت كما أثنيت على نفسك ‪.‬‬
‫صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك سيدنا محمد صلة ُترضيك‬
‫وترضيه وترضى لها عنا برحمتك يا أرحم الراحمين ‪.‬‬
‫ض الل َّهم عن أصحاب نبّيك الذين اخترتهم لحمل هذه الشريعة ‪،‬‬ ‫وار َ‬
‫واصطفيتهم لتبليغ هذه الرسالة ‪ ،‬فكانوا لذلك أهل ً ‪ ،‬وغدوا لمن بعدهم قدوة‬
‫صالحة ‪ ،‬ونبراسا ً ُيهتدى بنوره ‪ ،‬وُيستضاء به ‪ .‬وارحم يا إَلهنا كل من سار‬
‫ن بسنتهم ‪.‬‬ ‫على هداهم ‪ ،‬واست ّ‬
‫الل َّهم وّفقنا للقتداء ‪ ،‬بنبيك ‪ ‬والتمسك بسّنته ‪،‬واحفظنا يا ربنا من‬
‫الزلل ‪ ،‬والعلل ‪ ،‬والرياء ‪ ،‬واجعل عملنا هذا خالصا ً لوجهك الكريم ‪ ،‬وأ ُ‬
‫جرنا‬
‫عليه بما أنت له أهل ‪ ،‬برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين ‪.‬‬
‫وبعد ‪ ،‬فهذا هو الجزء الرابع في سلسة ) الفقه المنهجي ( على‬
‫مذهب المام الشافعي ‪ ،‬أودعنا فيه ما يتعلق بأحكام ا ُ‬
‫لسرة ‪.‬‬
‫وجعلناه سبعة أقسام ‪:‬‬
‫النكاح ‪ ،‬وما يتعلق به ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الطلق وما يتعلق به ‪ ،‬وما يشبهه من ظهار وإيلء ولعان ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫النفقات وما يتعلق بها ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الحضانة وأحكامها ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫الرضاع وأحكامه ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫‪ -7‬اللقيط‬ ‫النسب وأحكامه ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫وأحكامه ‪.‬‬
‫والله نسأل أن نكون قد وُّفقنا للصواب ‪ ،‬وتقريب هذا التراث‬
‫العظيم من الفقه السلمي للقّراء الكارم وعلى الله توكلنا ‪ ،‬وهو حسبنا‬
‫ون َِعم الوكيل ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫المؤلفــون‬

‫‪3‬‬
‫أول ً ‪ :‬النكاح وما يتعلق به وما يشبهه ‪.‬‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫معنى الحوال الشخصية ‪:‬‬
‫يقصد بالحوال الشخصية ‪ :‬الوضاع التي تكون بين النسان وُأسرته ‪،‬‬
‫وما يترتب عليه هذه الوضاع من آثار حقوقية ‪ ،‬والتزامات مادية أو أدبية ‪.‬‬
‫وإطلق هذا الصطلح على هذا المعنى إطلق حديث ‪ُ ،‬أطلق في‬
‫مقابلة الحوال المدنية ‪ ،‬التي تن ّ‬
‫ظم علقات النسان بأفراد المجتمع خارج‬
‫حدود ا ُ‬
‫لسرة ‪.‬‬
‫أما الفقهاء قديما ً ‪ ،‬فلم يكونوا يطلقون هذا السم ) الحوال‬
‫الشخصية ( على المبادئ والحكام الشاملة للسرة ومتعلقاتها ‪ ،‬وإنما كانوا‬
‫يطلقون على كل باب اسما ً خاصا ً ‪ :‬مثل ‪ :‬كتاب النكاح ‪ .‬كتاب الصداق ‪.‬‬
‫كتاب النفقات ‪ .‬كتاب الطلق ‪ .‬كتاب الفرائض ‪ .‬وهكذا ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫النكـــــاح‬
‫تعريف النكاح ‪:‬‬
‫النكاح لغة ‪ :‬الضم والجمع ‪ .‬يقال ‪ :‬تناكحت الشجار ‪ ،‬إذا تمايلت‬
‫وانضم بعضها إلى بعض ‪.‬‬
‫والنكاح شرعا ً ‪ :‬عقد يتضمن إباحة استمتاع كل من الزوجين بالخر‬
‫على الوجه المشروع ‪.‬‬
‫م أحدهما إلى الخر ‪.‬‬
‫سمي بذلك لنه يجمع بين شخصين ‪ ،‬ويض ّ‬
‫و ُ‬
‫والعرب تستعمل لفظ النكاح بمعنى العقد ‪ ،‬وبمعنى الوطء‬
‫والستمتاع ‪.‬‬
‫لكن النكاح حقيقة يطلق علي العقد ‪،‬ويستعمل مجازا ً في الوطء ‪.‬‬
‫وعامة استعمال القرآن للفظ النكاح إنما هو في العقد ‪ ،‬ل في الوطء‬
‫‪.‬‬
‫َ‬
‫ت ثُ ّ‬
‫م‬ ‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ذا ن َك َ ْ‬
‫حت ُ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ومنه قوله تعالى ‪َ  :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫قتموهُن من قَب َ‬
‫دون ََها ‪..‬‬
‫عد ّةٍ ت َعْت َ ّ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ع َل َي ْهِ ّ‬‫ما ل َك ُ ْ‬‫ن فَ َ‬ ‫سوهُ ّ‬ ‫م ّ‬
‫ل أن ت َ َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ط َل ّ ْ ُ ُ‬
‫) الحزاب ‪. ( 49 :‬‬

‫ت ‪ ‬عقدتم عليهن ‪ .‬بدليل قوله ‪  :‬ث ُ ّ‬


‫م‬ ‫مَنا ِ‬‫مؤ ْ ِ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫ومعنى ‪ ‬ن َك َ ْ‬
‫حت ُ ُ‬
‫قتموهُن من قَب َ‬
‫ن ‪ ‬فمعناه ‪ :‬طلقتموهن قبل المسيس‬ ‫سوهُ ّ‬ ‫م ّ‬ ‫ل أن ت َ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ّ ِ‬ ‫ط َل ّ ْ ُ ُ‬
‫وهو الوطء والدخول ‪.‬‬
‫مشروعية النكاح ‪:‬‬
‫لقد شرع السلم الزواج ‪ ،‬وضع له نظاما ً محكما ً يقوم على أقوى‬
‫المبادئ وأضمنها لصيانة المجتمع ‪ ،‬وسعادة السرة ‪ ،‬وانتشار الفضيلة ‪،‬‬
‫وحفظ الخلق ‪ ،‬وبقاء النوع النساني ‪.‬‬
‫دليل مشروعية النكاح ‪:‬‬
‫ويستدل لمشروعية النكاح بالقرآن الكريم ‪ ،‬والسّنة النبوية ‪ ،‬وإجماع‬
‫المة ‪.‬‬
‫أما القرآن ‪ :‬فآيات كثيرة منها ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫مث َْنى وَث ُل َ َ‬
‫ث وَُرَباعَ‬ ‫ساء َ‬
‫ن الن ّ َ‬
‫م َ‬ ‫ب لَ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫ما َ‬
‫طا َ‬ ‫حوا ْ َ‬
‫قوله تعالى ‪َ  :‬فانك ِ ُ‬
‫‪ ) ‬النساء ‪( 4 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عَباد ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬ ‫منك ُ ْ‬
‫م َوال ّ‬ ‫حوا اْلَيا َ‬
‫مى ِ‬ ‫وقوله تعالى ‪  :‬وَأنك ِ ُ‬
‫م …‪ ‬النور ‪32 :‬‬‫مائ ِك ُ ْ‬
‫وَإ ِ َ‬
‫من ل زوج لها‬
‫اليامى ‪ :‬جمع أّيم ‪ ،‬وهو من ل زوج له من الرجال ‪ ،‬و َ‬
‫من النساء ‪.‬‬
‫عبادكم ‪ :‬الرجال المملوكين ‪.‬‬
‫إمائكم ‪ :‬النساء المملوكات ‪.‬‬
‫وأما السنة ‪ :‬فأحاديث كثيرة أيضا ‪ ،‬منها ‪.‬‬
‫قوله ‪" : ‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ‪ ،‬فإنه‬
‫أغض للبصر وأحصن للفرج ‪،‬ومن ثم يستطع فعليه بالصوم ‪ ،‬فإنه له وجاٌء "‬
‫‪.‬‬
‫رواه البخاري ) في كتاب النكـاح ‪ ،‬بـاب ‪ :‬الترغيب في النكـاح ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 4779‬ومســلم ) في النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬استحباب الترغيب في النكاح لمن‬
‫تاقت نفسه إليه … ‪ ،‬رقم ‪ ( 1400 :‬عن عبدالله بن مسعود ‪. ‬‬
‫الباءة ‪ :‬القدرة على الجماع بتوفر القدرة على مؤن الزواج ‪.‬‬
‫وجاء ‪ :‬قاطع لشهوة الجماع ‪.‬‬
‫وأما الجماع ‪ :‬فقد اتفقت كلمة العلماء في كل العصور على‬
‫مشروعيه ‪.‬‬
‫الترغيب بالزواج ‪:‬‬
‫ض عليه ‪ ،‬لما فيه من المصالح‬
‫لقد رغب السلم في الزواج ‪ ،‬وح ّ‬
‫والفوائد ‪ ،‬التي تعود على الفرد والمجتمع ‪.‬‬
‫قال رسول الله ‪ " : ‬الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة "‬
‫رواه مسلم في كتاب الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ‪،‬‬
‫‪ ( 1467‬عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫) متاع ‪ :‬شيء ينتفع به ويتمتع به إلى أمد ٍ قليل ( ‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫ث‬
‫وروى الترمذي ) كتاب النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في فضل التزويج والح ّ‬
‫عليه ‪ ،‬رقم ‪ ( 1080 :‬عن أبي أيوب ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ ": ‬أربع‬
‫سوا ُ‬
‫ك ‪ ،‬والنكاح " ‪.‬‬ ‫من سنن المرسلين ‪ :‬الحياُء ‪ ،‬والت ّعَ ُ‬
‫طر ‪ ،‬وال ّ‬
‫الحكمة من مشروعية النكاح ‪:‬‬
‫مة ‪ ،‬وفوائد كثيرة ‪ ،‬نذكر بعضا ً منها ‪:‬‬
‫إن لتسريع الزواج حكما ً ج ّ‬
‫‪ -1‬الستجابة لنداء الفطرة التي فطر الله النسان عليها ‪:‬‬
‫فلقد خلق الله هذا النسان ‪ ،‬وغرز في كيانه الغريزة الجنسية ‪ ،‬ور ّ‬
‫كز‬
‫فيه ذلك التطّلع إلى المرأة ‪ ،‬والرغبة فيها ‪ ،‬كما جعل مثل ذلك في كيان‬
‫المرأة وفطرتها ‪.‬‬
‫شرع‬ ‫ما كان السلم دين الفطرة يستجيب لها ‪ ،‬وين ّ‬
‫ظم مجراها ‪َ ،‬‬ ‫ول ّ‬
‫الزواج تلبية لهذا النداء العميق المستقر في أعماق هذا النسان وكيانه ‪،‬‬
‫وجعل الزواج هو الطريق الوحيد الذي يعّبر عن إشباع هذه الرغبة‬
‫وإروائها ‪.‬‬
‫فلم يكبت السلم هذه الغريزة ‪ ،‬ويحطم كيان هذا النسان بتشريع‬
‫الحرمان من الزواج ‪ ،‬والدعوة إلى الرهبنة والتبتل ‪.‬‬
‫روى الترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في النهي عن التبّتل ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 1082‬عن سمرة ‪ ) : ‬أن النبي ‪ ‬نهى عن التبّتل ( ‪.‬‬
‫والتبّتل ‪ :‬النقطاع عن النساء ‪ ،‬وترك الزواج انصرافا ً إلى العبادة ‪.‬‬
‫وروى مسلم ) النكاح باب ‪ :‬استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ‪، ..‬‬
‫رقم ‪ ( 1402 :‬والترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في النهي عن التبتل‬
‫‪،‬رقم ‪ ( 1083 :‬عن سعد بن أبي وقاص ‪ ‬قال ‪ ) :‬رد ّ رسول الله ‪ ‬على‬
‫عثمان بن مظعون التبّتل ‪ ،‬ولو أذن له لختصينا ( ‪.‬‬
‫لكن السلم لم ي ُْلق حبل هذه الغريزة على غاربها ‪ ،‬ولم يترك النسان حرا ً‬
‫طليقا ً في إشباع نهمه الجنسي ‪ ،‬بحيث يفسد نفسه وغيره ‪ ،‬ويضّر‬
‫بالخلق ‪ ،‬ويهدم البيوت وا ُ‬
‫لسر ‪ ،‬ويفتح الباب واسعا ً لغواية الشيطان‬
‫ووساوسه ‪ .‬وإنما وقف الموقف المتوسط المعتدل ‪ ،‬فاستجاب لنداء‬

‫‪7‬‬
‫الفطرة ونظمها ‪ ،‬بحيث تؤدي دورها النافع البّناء في إيجاد هذا النوع ‪،‬‬
‫واستمرار بقائه ‪.‬‬
‫‪2‬ـ إمداد المجتمع السلمي بنسل صالح ‪ ،‬ونشء مهذب ‪:‬‬
‫سل ‪ ،‬وجعله من بين أهدافه ‪ ،‬في إنشاء‬ ‫لقد دعا السلم إلى كثره الن َ ْ‬
‫مهيب المرهوب ‪ ،‬قال رسول الله ‪ " : ‬تزّوجوا الوَل ُ َ‬
‫ود‬ ‫المجتمع السلمي ال ُ‬
‫مكاثر بكـم المـم يـوم القيامـة " ‪ ) .‬أخرجه أبو داود في‬
‫الودود فإني ُ‬
‫سننه ‪ :‬كتاب النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬النهي عن تزويج من لم يلد من النساء ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪. 2050‬‬
‫والنسائي في النكاح أيضا ً ‪ ،‬باب ‪ :‬كراهية تزويج العقيم ‪. [ 65 / 6 :‬‬
‫جه نظر الولياء إلى تزويج أبنائهم‬
‫ولذلك دعا القرآن إلى الزواج ‪ ،‬وو ّ‬
‫وبناتهم ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مائ ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫عَباد ِك ُ ْ‬
‫م وَإ ِ َ‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫حي َ‬
‫صال ِ ِ‬ ‫منك ُ ْ‬
‫م َوال ّ‬ ‫حوا اْلَيا َ‬
‫مى ِ‬ ‫قال تعالى ‪  :‬وَأنك ِ ُ‬
‫ضل ِهِ ‪ ) ‬النور ‪. ( 23 :‬‬ ‫من فَ ْ‬ ‫ه ِ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫ِإن ي َ ُ‬
‫كوُنوا فُ َ‬
‫قَراء ي ُغْن ِهِ ُ‬
‫وإمداد المجتمع بنشئ يولدون في ظلل أبوين حانيين عطوفين ‪،‬‬
‫يعرفان كيف ُتصاغ عقول هذا النشئ ‪ ،‬وكيف ُتربى مواهبه ‪ ،‬أفضل النزوات‬
‫حرمة الطائشة من السفاح والزنى ‪ ،‬فهؤلء ل يعرفون أبا يرعاهم ‪ ،‬ول‬
‫الم ّ‬
‫ما ً تحنو عليهم ‪ ،‬فينشؤون وفي أنفسهم عقد الكراهية والحقد على أمتهم‬ ‫ُ‬
‫أ َ‬
‫ومجتمعهم ‪ ،‬وعلى الناس جميعا ً ‪.‬‬
‫‪3‬ـ إيجاد السكن النفسي والستقرار الروحي ‪:‬‬
‫وفي هذا الزواج الشرعي الشريف تحصل هذه الطمأنينة ‪ ،‬و السكينة‬
‫والهدوء النفسي ‪.‬‬
‫فسك ُ َ‬ ‫كم م َ‬ ‫َ‬
‫م أْزَواجا ً ل ّت َ ْ‬
‫سك ُُنوا‬ ‫ن أن ُ ِ ْ‬ ‫خل َقَ ل َ ُ ّ ْ‬ ‫ن َ‬‫ن آَيات ِهِ أ ْ‬‫م ْ‬‫قال تعالى ‪  :‬وَ ِ‬
‫ن ‪‬‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫ت لّ َ‬
‫قوْم ٍ ي َت َ َ‬ ‫ك َلَيا ٍ‬
‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬‫ة إِ ّ‬
‫م ً‬‫ح َ‬‫موَد ّة ً وََر ْ‬ ‫ل ب َي ْن َ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫إ ِل َي َْها وَ َ‬
‫جعَ َ‬
‫) الروم ‪. ( 21 :‬‬
‫وانظر إلى التعبير القرآني ما أروعه في إبراز معنى الحاجة للزواج ‪،‬‬
‫وحصول الستر والسعادة والستقرار فيه ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫َ‬
‫ن ‪ ) ‬البقرة ‪. ( 117 :‬‬‫س ل ّهُ ّ‬
‫م ل َِبا ٌ‬ ‫س ل ّك ُ ْ‬
‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫قال تعالى ‪  :‬هُ ّ‬
‫ن ل َِبا ٌ‬
‫فالية شبهت كل من الزوجين باللباس للخر ‪ ،‬لن كل ً منهما يستر‬
‫الخر‪.‬‬
‫فحاجة ك ّ‬
‫ل من الزوجين للخر كحاجته إلى اللباس ‪ ،‬فإذا كان اللباس‬
‫يستر معايب الجسد ‪ ،‬وبقية عاديات الذى ‪ ،‬فإن كل ً من الزوجين يحفظ‬
‫على صاحبه شرفه ‪ ،‬ويصون عرضه ‪ ،‬ويوّفر له راحته وُأنسه ‪.‬‬
‫‪4‬ـ الحفاظ على الخلق من الهبوط والنهيار ‪:‬‬
‫فالنسان إذا منع من الزواج المشروع تاقت نفسه إلى تحصيل حاجته‬
‫من الطريق الممنوع ‪ ،‬ول يخفى على عاقل ما في السفاح والزنى من‬
‫فساد الخلق ‪ ،‬وخراب ا ُ‬
‫لسر ‪ ،‬وهتك العراض ‪ ،‬وانتشار المراض ‪ ،‬وقلق‬
‫النفوس والرواح ‪.‬‬
‫وللمحافظة على الخلق ‪ ،‬وللوقاية من الفساد قال رسول الله ‪: ‬‬
‫حوه ‪ ،‬إل ّ تفعلوا تكن فتنة في‬ ‫خل ُ َ‬
‫قه فأْنك ُ‬ ‫ن ديَنه و ُ‬
‫ضو ْ َ‬
‫" إذا جاءكم من ت َْر َ‬
‫ساد ُ " رواه الترمذي ) في النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء إذا جاءكم من‬ ‫الرض وفَ َ‬
‫ترضون دينه فزوجوه ‪ ،‬رقم ‪ ( 1085 :‬عن أبي حاتم المزني ‪. ‬‬

‫‪9‬‬
‫‪5‬ـ المحافظة على النوع البشري سويا ً سليما ً ‪:‬‬
‫لقد جرت عادة الله سبحانه وتعالى أن ل يكون إنسان إل من أبوين ‪:‬‬
‫رجل و امرأة ‪ ،‬فإذا علمنا أن السلم قد حّرم اقتران رجل بامرأة إل على‬
‫أساس زواج شرعي ‪ ،‬فإن ذلك يعنى أن ا لسلم قد حصر حفظ النوع‬
‫البشري بالزواج ‪ ،‬فلو حرم الزواج لنقرض البشر ‪ ،‬ولو أباح السفاح لكان‬
‫هذا البشر شقي ّا ً مريضا ً ‪ ،‬والله سبحانه وتعالى يريد بعباده الخير ‪ ،‬ول يحب‬
‫م ‪ ) ‬البقرة ‪:‬‬
‫حي ٌ‬
‫ف ّر ِ‬ ‫س ل ََر ُ‬
‫ؤو ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ِبالّنا ِ‬ ‫لهم الشـر ‪ .‬قال تعـالى ‪  :‬إ ِ ّ‬
‫‪. ( 114‬‬
‫‪6‬ـ توسيع دائرة القرابة وبناء دعائم التعاون ‪:‬‬
‫ففي الزواج تمتد رقعة القرابة ‪ ،‬فتلقي عائلتان ‪ ،‬ويجمع شمل‬
‫أسرتين ‪ ،‬وتنشأ بينهما بسبب المصاهرة روابط جديدة ‪ ،‬ومحبة متبادلة ‪.‬‬
‫وبالزواج يتم التعاون بين الزوجين ‪ ،‬فالزوجة ُتعين زوجها في شؤونه ‪:‬‬
‫في مأكله وملبسه ومسكنه ‪ ،‬وتربية أولدة ‪ ،‬ورعاية بيته ‪ .‬والزوج يعاونها‬
‫في تأمين حاجاتها ‪ ،‬وتحصيل نفقتها ‪ ،‬والدفاع عنها ‪ ،‬وحمايتها ‪ ،‬والمحافظة‬
‫على عرضها ‪.‬‬
‫والسلم دين التعاون والتكافل ‪ ،‬ولقد شرع الزواج لتحقيق هذه‬
‫المصالح كلها ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫عــــــا‬ ‫ح َ‬
‫شْر ُ‬ ‫حكــــــم الن ِ َ‬
‫كـــــا ِ‬ ‫ُ‬
‫للنكاح أحكام متعددة ‪ ،‬وليس حكما ً واحدا ً ‪ ،‬وذلك تبعا ً للحالة التي‬
‫يكون عليها الشخص ‪ ،‬وإليك بيان ذلك ‪:‬‬
‫‪1‬ـ مستحب ‪:‬‬
‫وذلك إذا كان الشخص محتاجا ً إلى الزواج ‪ :‬بمعنى أن نفسه تتوق إليه‬
‫‪ ،‬وترغب فيه ‪ ،‬وكان يملك مؤنته ونفقته ‪ ،‬من مهر ‪ ،‬ونفقة معيشة له‬
‫ولزوجته ‪ ،‬وهو في نفس الوقت ل يخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة‬
‫إن لم يتزوج ‪.‬‬
‫ففي هذه الحالة يكون النكاح مستحب ّا ً ‪ ،‬لما فيه من بقاء الن َ ْ‬
‫سل وحفظ‬
‫النسب ‪ ،‬و الستعانة على قضاء المصالح‪.‬‬
‫ويستدل لذلك بحديث البخاري ومسلم ‪ :‬عن عبدالله بن مسعود ‪‬‬
‫قال ‪ :‬كنا مع النبي ‪ ‬شبابا ً ل نجد شيئا ً ‪ ،‬فقال لنا رسول الله ‪ " : ‬يا‬
‫ض للبصر وأحصن‬
‫من استطاع منكم الباءة فليتزوج ‪ ،‬فإنه أغ ّ‬
‫معشر الشباب َ‬
‫من لم يستطع فعليه بالصوم ‪ ،‬فإنه له ِوجاء "‪. 1‬‬
‫لفرج ‪ ،‬و َ‬
‫والزواج في هذه الحالة أفضل من التفرغ للعبادة ‪ ،‬والنقطاع لها ‪.‬‬
‫وعلى هذا يحمل توجيه الرسول ‪ ‬لولئك النفر من أصحابه الذين‬
‫تعاهدوا على النقطاع للعبادة ‪ ،‬وترك الزواج ‪.‬‬
‫روى مسلم ) في النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬استحباب لمن تاقت نفسه إليه …‪،‬‬
‫رقم ‪ ( 1401‬وغيره عن أنس‪ : ‬أن نفرا ً من أصحاب النبي ‪ ‬سألوا‬
‫أزواج النبي ‪ ‬عن عمله في السّر ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬ل أتزوج النساء ‪ ،‬وقال‬
‫بعضهم ‪ :‬ل آكل اللحم ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬ل أنام على فراش ‪ ،‬فحمد الله‬

‫انظر تخريجه وشرح ألفاظه ) ص ‪ 12 :‬عند الكلم عن مشروعية النكاح (‬ ‫‪1‬‬

‫‪11‬‬
‫وأثنى عليه ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ما با ُ‬
‫ل أقوام ٍ قالوا ‪ :‬كذا وكذا ‪ ،‬لكني أصلي وأنام ‪،‬‬
‫س مّني " ‪.‬‬
‫سّنتي فلي َ‬
‫وأصوم وأفطر ‪ ،‬وأتزوج النساَء فم رغب عن ُ‬
‫سنتي فليس مني " أي من تركها إعراضا ً‬
‫ومعنى " فمن رغب عن ُ‬
‫عنها ‪ ،‬غير معتقد لها على ما هي عليه ‪.‬‬
‫والمرأة في هذا الحكم مثل الرجل ‪ ،‬فإذا كانت محتاجة للزواج لصيانة‬
‫ب لها الزواج أيضا ً ‪.‬‬
‫نفسها ‪ ،‬وحفظ دينها ‪ ،‬وتحصيل نفقتها ‪ ،‬استح ّ‬
‫‪2‬ـ مستحب تركه ) أي مكروه وفعله خلف الولى ( ‪:‬‬
‫وذلك إذا كان محتاجا ً للزواج ‪ ،‬لكنه ل يملك ُأهبة النكاح ونفقاته ‪.‬‬
‫ف ويستعين على ذلك بالعبادة والصوم ‪،‬‬
‫وعليه في هذه الحالة أن يع ّ‬
‫لن النشغال بالعبادة والصوم ‪ ،‬يشغله عن التفكير في الزواج ‪ ،‬واستشارة‬
‫الرغبة فيه ‪ ،‬ريثما يغنيه الله من فضله ‪.‬‬
‫م‬ ‫كاحا ً َ‬
‫حّتى ي ُغْن ِي َهُ ْ‬ ‫ن نِ َ‬
‫دو َ‬ ‫ن َل ي َ ِ‬
‫ج ُ‬ ‫ف ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ودليل ذلك قوله تعالى ‪ :‬وَل ْي َ ْ‬
‫ست َعْ ِ‬
‫ضِله ِ‪ ) ‬النور ‪. ( 33 :‬‬ ‫من فَ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬
‫وُيفهم هذا الحكم أيضا ً من مفهوم قول النبي ‪َ " : ‬‬
‫من استطاع‬
‫حبا ً له ‪.‬‬
‫منكم الباءة فليتزوج " فإنه إذا لم يملك الباءة كان ترك الزواج مست ّ‬
‫‪3‬ـ مكروه ‪:‬‬
‫وذلك إذا كان غير محتاج إلى الزواج ‪ :‬كأن ل يجد الرغبة فيه ‪ ،‬أما‬
‫فطرة ‪ ،‬أو لمرض ‪ ،‬أو عّلة ‪ ،‬ول يجد ُأهبه له ‪ ،‬وذلك لما فيه من التزام مال‬
‫يقدر على القيام به ‪ ،‬لن النكاح يترتب عليه المهر ‪ ،‬والنفقة ‪ ،‬وهو ل يقدر‬
‫على ذلك‪ ،‬فُيكره النكاح له ‪.‬‬
‫‪4‬ـ الفضل تركه ‪:‬‬
‫وذلك إذا كان يجد ا ُ‬
‫لهبة ‪ ،‬ولكنه ليس محتاجا ً إلى النكاح ‪ ،‬لن نفسه‬
‫ل تتوق إليه ‪ ،‬وكان منشغل ً بالعبادة ‪ ،‬أو منقطعا ً لطلب العلم ‪ ،‬فإن التفرغ‬
‫للعبادة وطلب العلم أفضل من النكاح في هذه الحالة ‪ ،‬لن النكاح ربما‬
‫يشغله عن ذلك ‪.‬‬
‫‪5‬ـ الفضل فعله ‪:‬‬
‫‪12‬‬
‫فإذا كان ليس منشغل ً بالعبادة ‪ ،‬ول متفرغا ً لطلب العلم ‪ ،‬وهو يجد‬
‫ا ُ‬
‫لهبة للنكاح ‪ ،‬لكنه غير محتاج إليه ‪ ،‬فالنكاح في هذه الحالة أفضل ‪ ،‬حتى‬
‫ل تقضي به البطالة والفراغ إلى الفواحش ‪ ،‬وبالزواج يحصل له الستعانة‬
‫على قضاء المصالح ‪ ،‬وإنجا‬

‫مكاَنة ال ُ‬
‫ه لَ َ‬
‫ها‬ ‫عايت َ ِ‬
‫ور َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لم‬ ‫الس‬ ‫في‬ ‫رة‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫تعريف السرة ‪:‬‬
‫هط ـ أي الشخاص ـ الد َْنون من الرجل ‪.‬‬ ‫السرة لغة ‪ :‬الّر ْ‬
‫لسلم اصطلحا ً في نظام السلم ‪ :‬تلك الخلّية التي تضم‬ ‫ويقصد با ُ‬

‫دات ‪ ،‬والبنات والبناء ‪ ،‬وأبناء البناء ‪.‬‬


‫لمهات ‪ ،‬والجداد والج ّ‬ ‫الباء وا ُ‬

‫السرة دعامة أساسية في المجتمع ‪:‬‬


‫إذا كان الفرد هو اللبنة الساسية في بناء المجتمع ‪ ،‬فإن ا ُ‬
‫لسرة هي‬
‫الخلّية الحّية في كيانه ‪.‬‬
‫لسرة يأخذ خصائصه ا ُ‬
‫لولى منها ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬ ‫والفرد جزء من ا ُ‬

‫ض ‪ ) ‬آل عمران ‪ ( 34 :‬وينطبع بطابعها ‪ ،‬ويتأثر‬


‫من ب َعْ ٍ‬
‫ضَها ِ‬ ‫‪ ‬ذ ُّري ّ ً‬
‫ة ب َعْ ُ‬
‫بتربيتها ‪.‬‬
‫قال رسول الله ‪ " : ‬ما من مولود إل يولد على الفطرة ‪ ،‬فأبواه‬
‫يهودانه ‪ ،‬وينصرانه ‪ ،‬ويمجسانه ‪ ،‬كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ‪ ،‬هل‬
‫تحسون فيها من جدعاء ؟ " رواه مسلم ) في كتاب القدر ‪ ،‬باب ‪ :‬معنى‬
‫كل مولود يولد على الفطرة ‪ ،..‬رقم ‪ ( 2658 :‬عن أبي هريرة ‪‬‬
‫الفطرة ‪ :‬الحالة المتهيئة للخير ‪ ،‬وهي حالة أصل الخلقة البشرية ‪.‬‬
‫كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ‪ :‬أي كما تلد البهيمة بهيمة كاملة العضاء ل‬
‫نقص فيها ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫جدعاء ‪ :‬مقطوعة ا ُ‬
‫لذن ‪ .‬أي إنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد‬
‫ولدتها ‪ ،‬بتأثير من البيئة المحيطة بها من إنسان وغيره ‪ .‬وكذلك حال‬
‫النسان ‪ ،‬تكون استقامته أو انحرافه رهن البيئة التي ينشأ ويترعرع فيها ‪.‬‬
‫لسرة ‪ ،‬والسرة جزء‬ ‫وبناًء على ما سبق نقول ‪ :‬إن الفرد جزء من ا ُ‬

‫صُلح الفرد ‪ ،‬وإذا‬ ‫ُ‬ ‫من المجتمع ‪ ،‬ودعامة أساسية فيه ‪ ،‬فإذا صل ُ َ‬
‫ت السرة َ‬
‫ح َ‬
‫لسرة ‪ ،‬وصلح المجتمع ‪.‬‬ ‫صُلح الفرد صلحت ا ُ‬

‫ولذلك أولى السلم السرة رعاية بالغة ‪ ،‬وعناية فائقة ‪ ،‬وشغلت‬


‫حيزا ً كبيرا ً من أحكام القرآن والسّنة ‪.‬‬ ‫ا ُ‬
‫لسرة ّ‬

‫‪14‬‬
‫مظاهر عناية السلم بالسرة ‪:‬‬
‫لسرة من تلك التشريعات والحكام‬‫وتتبدى مظاهر عناية السلم با ُ‬

‫لسرة ‪ ،‬وترتيب شؤونها ‪ .‬ومن ذلك على سبيل المثال‬‫التي صاغها لتنظيم ا ُ‬

‫ل الحصر ‪:‬‬
‫أ ـ المر بالزواج ‪:‬‬
‫لسرة ‪ ،‬لنه ل ُأسرة بغير زواج ‪ ،‬وكل علقة جنسية‬
‫لتشييد دعائم ا ُ‬

‫بين رجل وامرأة ل تقوم على أساس الزواج ‪ ،‬فهي زنى وسفاح ‪.‬‬
‫سِبيل ً‬
‫ساء َ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ش ً‬‫ح َ‬ ‫ن َفا ِ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫قَرُبوا ْ الّزَنى إ ِن ّ ُ‬
‫والله تعالى يقول ‪  :‬وَل َ ت َ ْ‬
‫‪ ) ‬السراء ‪(32 :‬‬
‫ن‪‬‬ ‫دا ٍ‬
‫خ َ‬‫ذي أ َ ْ‬‫خ ِ‬ ‫ن وَل َ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫حي َ‬ ‫سافِ ِ‬ ‫م َ‬‫ن غ َي َْر ُ‬
‫صِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ويقول عز وجل ‪ُ  :‬‬
‫م ْ‬
‫) المائدة ‪( 5 :‬‬
‫ب ـ تشريع حقوق الزوجين وواجباتهما ‪:‬‬
‫فقد أوجب السلم على الزوج لزوجته ‪:‬‬
‫حل َ ً‬
‫ة‪ ) ‬النساء ‪:‬‬ ‫صد َُقات ِهِ ّ‬
‫ن نِ ْ‬ ‫‪1‬ـ المهر‪ :‬قال تعالى ‪َ  :‬وآُتوا ْ الن ّ َ‬
‫ساء َ‬
‫‪(4‬‬
‫ن‬
‫سوَت ُهُ ّ‬
‫ن وَك ِ ْ‬ ‫موُْلود ِ ل َ ُ‬
‫ه رِْزقُهُ ّ‬ ‫‪2‬ـ النفقة ‪ :‬قال تعالى ‪َ  :‬وعَلى ال ْ َ‬
‫ف ‪ ) ‬البقرة ‪. ( 233 :‬‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬
‫ف"‪.‬‬
‫ن بالمعرو ِ‬ ‫ن عليكم رزُقه ّ‬
‫ن وكسوت ُهُ ّ‬ ‫وقال رسول الله ‪ " : ‬وله ّ‬
‫جه النبي ‪ ‬رقم ‪ ( 1218 :‬في حديث‬
‫رواه مسلم ) كتاب الحج ‪ ،‬باب ح ّ‬
‫طويل ‪.‬‬

‫ن ِبال ْ َ‬
‫معُْروف‬ ‫شُروهُ ّ‬ ‫‪3‬ـ المعاشرة بالمعروف ‪ :‬قال الله تعالى ‪  :‬وَ َ‬
‫عا ِ‬
‫‪ ) ‬النساء ‪( 19 :‬‬
‫كما أوجب السلم على الزوجة لزوجها ‪:‬‬
‫ن ع ََلى‬
‫مو َ‬ ‫ل قَ ّ‬
‫وا ُ‬ ‫‪1‬ـ الطاعة في غير معصية ‪ :‬قال تعالى ‪  :‬الّر َ‬
‫جا ُ‬
‫ساء ‪ ) ‬النساء ‪. ( 34 :‬‬
‫الن ّ َ‬
‫والقوامة إنما هي ‪ :‬القيادة ‪ ،‬وحقّ الطاعة ‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪2‬ـ أن ل ُتدخل بيته أحدا ً بغير إذنه ورضاه ‪ :‬قال رسول الله ‪" : ‬‬
‫ن أن ل يوطئن فُُرشكم أحدا ً تكرهونه " رواه مسلم )‬
‫ولكم عليه ّ‬
‫‪ (1218‬من حديث طويل ‪.‬‬
‫ن لحد تكرهونه في دخول‬
‫قال المام النووي رحمه الله تعالى ‪ :‬ل يأذ ّ‬
‫بيوتكم ‪ ،‬والجلوس في منازلكم ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن تحفظ شرفه ‪ ،‬وتصون عرضه ‪ ،‬وتحافظ على ماله ‪ :‬قال‬
‫ة‪،‬‬ ‫دلكم على خير ما ي ّك ْن ُِز الّر ُُ‬
‫ج ُ‬
‫ل ؟ المرأة ُ الصالح ُ‬ ‫رسول الله ‪ ": ‬أل أ ُ‬
‫التي إذا نظر إليها سّرْته ‪ ،‬وإذا أمرها أطاعته ‪ ،‬وإذا غاب عنها حف ْ‬
‫ظته‬
‫مال ِهِ " ‪ .‬رواه أبو داود ) الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬في حقوق المال ‪،‬‬
‫في نفسها و َ‬
‫رقـم ‪ ( 1664 :‬وصححه الحاكم في مستدركه ‪.‬‬
‫ج ـ تشريع حقوق الولد والوالدين ‪:‬‬
‫فقد أوجب السلم على الباء لولدهم ‪:‬‬
‫ن‪‬‬ ‫‪ -1‬النفقة ‪ :‬قال الله تعالى ‪  :‬فَإن أ َرضعن ل َك ُم َفآتوهُ ُ‬
‫جوَرهُ ّ‬
‫نأ ُ‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ْ ْ َ ْ َ‬
‫مرضع لنفقة الولد ‪.‬‬ ‫) الطلق ‪ ( 6 :‬فقد أوجب الله عز وج ّ ُ‬
‫ل أجره ال ُ‬ ‫ّ‬
‫حسن التربية والتأديب على العبادات والخلق ‪ :‬قال رسول الله ‪ " : ‬أ ّ‬
‫دبوا‬ ‫‪2‬ـ ُ‬
‫حب نبّيكم ‪،‬وآل بيته ‪ ،‬وقراءة القرآن " رواه‬
‫ل‪ُ :‬‬
‫دكم على ثلث خصا ٍ‬
‫أول َ‬
‫الديلمي ] انظر الجامع الصغير للسيوطي [ ‪.‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬أل ك ُّلكم راع ومسؤول عن‬
‫عيته ‪ ،‬والرج ُ‬
‫ل‬ ‫رعيته ‪ ،‬فالميُر الذي على الناس راع ومسؤول عن ر ّ‬
‫راع على أهل بيته ‪ ،‬وهو مسئو ّ‬
‫ل عنهم ‪ ،‬والمرأة راعية على بيت بعلها‬
‫وولده هي مسؤولة عنهم ‪ ،‬والعبد راٍع على مال سيده وهو مسؤول‬
‫كلكم راٍع ‪ ،‬وكّلكم مسؤول عن رعّيته " ‪.‬‬
‫عنه ‪ ،‬أل ف ُ‬
‫] أخرجه البخاري في الجمعة ‪ ،‬باب ‪ :‬الجمة في القرى والمدن ‪،‬‬
‫رقم ‪ . 853 :‬ومسلم في المارة ‪ ،‬باب ‪ :‬فضيلة المام العادل …‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ [ 1829‬وغيرهما ‪.‬‬
‫كما أوجب السلم على الولد ‪:‬‬
‫‪16‬‬
‫‪1‬ـ طاعة الوالدين في غير معصية الله تعالى ‪ ،‬والحسان إليهما ‪:‬‬
‫قال الله تعالى ‪  :‬وقَضى رب َ َ‬
‫ن‬ ‫دوا ْ إ ِل ّ إ ِّياه ُ وَِبال ْ َ‬
‫وال ِد َي ْ ِ‬ ‫ك أل ّ ت َعْب ُ ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬
‫سانا ً ‪ ] ‬السراء ‪. [ 23 :‬‬
‫ح َ‬
‫إِ ْ‬
‫معُْروفا ً ‪ ] ‬لقمان ‪[ 15 :‬‬
‫ما ِفي الد ّن َْيا َ‬
‫حب ْهُ َ‬ ‫وقال تعالى ‪  :‬وَ َ‬
‫صا ِ‬
‫‪.‬‬
‫‪2‬ـ النفقة للوالدين إن كانا فقيرين ‪ ،‬والولد موسرا ً ‪ ،‬قال رسول الله‬
‫سَبه " ‪ .‬وقال ‪: ‬‬ ‫سبه ‪ ،‬وول َد ُه ُ ْ‬
‫من ك َ ْ‬ ‫‪ ‬إن من أطيب ما أكل الرج ُ‬
‫ل من ك ْ‬
‫ماُلك لوالدك ‪ ،‬إن أولدكم من أطيب كسبكم ‪ ،‬فكلوا من كسب‬ ‫" أنت و َ‬
‫أولدكم " ] أبو داود ‪ :‬البيوت والجازات ‪ ،‬باب ‪ :‬في الرجل يأكل من مال‬
‫والده ‪ ،‬رقم ‪ . 3530 ، 3528 :‬الترمذي ‪ :‬أبواب الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء أن‬
‫الوالد يأخذ من مال ولده رقم ‪. [ 1358 :‬‬
‫وهناك أحكام أخرى كثيرة تتعلق بتنظيم حياة ا ُ‬
‫لسرة ‪ ،‬وترتيب أمورها‬
‫‪ ،‬ومن هذه الحكام والتشريعات يتبين مدى اهتمام السلم با ُ‬
‫لسرة ورعايته‬
‫لها ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫النساء اللتي يحرم نكاحهن‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫ث عليه ‪ ،‬حّرم على النسان نكاح بعض‬
‫لما شرع السلم الزواج ‪ ،‬وح ّ‬
‫النساء ‪:‬‬
‫أما لفرض الحترام والتقدير ‪ :‬كتحريم نكاح ا ُ‬
‫لم ‪.‬‬
‫وإما لن الطبع السليم ل يستسيغ ذلك ‪ :‬كنكاح البنت وا ُ‬
‫لخت ‪.‬‬
‫م وجه في‬ ‫أو لن غرض الزواج ـ وهو الحصان ـ قد ل يتحقق على أت ّ‬
‫نكاح القريبات جدا ً ‪ :‬كنكاح بنات الخوة والخوات ‪ ،‬وبنات البناء والبنات ‪،‬‬
‫وذلك لكثرة الخلطة بينهم ‪ ،‬وظهور بعضهم على بعض ‪.‬‬
‫وأما لغرض تنظيمي ترتيبي في بناء ا ُ‬
‫لسرة ‪ :‬كنكاح الخت وبنات‬
‫الخ من الرضاع ‪.‬‬
‫فلهذه الغراض وغيرها من الحكم حرم السلم نكاح بعض النساء‬
‫على بعض الرجال ‪ ،‬كما حرم بعض الرجال على بعض النساء ‪ ،‬وإليك بيان‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫أقسام الحرمة في النكاح ‪:‬‬
‫والحرمة في نكاح بعض النساء على قسمين ‪:‬‬
‫حرمة مؤبدة ‪.‬‬
‫ُ‬
‫حرمة مؤقتة ‪.‬‬
‫و ُ‬
‫حرمة المؤبدة ‪:‬‬
‫ال ُ‬
‫ن أبدا ً ‪،‬‬
‫ويقصد بها النساء اللتي ل يجوز للرجل أن يتزوج بواحدة منه ّ‬
‫مهما كانت الظروف والحوال ‪.‬‬
‫حرمة المؤبدة ‪:‬‬
‫أسباب ال ُ‬
‫والحرمة المؤبدة لها ثلثة أسباب ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫القرابة ‪.‬‬
‫المصاهرة ‪.‬‬
‫الرضاع ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫محّرمات بالقرابة ‪:‬‬
‫ال ُ‬
‫ن‪:‬‬‫محّرمات بسبب القرابة سبع ‪ ،‬وه ّ‬ ‫وال ُ‬
‫ن بُأصول النسان ‪ ،‬فل يجوز نكاح‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪1‬ـ الم ‪ ،‬وأم الم ‪ ،‬وأم الب ‪ ،‬ويعّبر عنه ّ‬
‫واحدة منُهن ‪.‬‬
‫لنسان ‪ ،‬فل يجوز‬
‫ن بفروع ا ِ‬
‫‪2‬ـ البنت ‪ ،‬وبنت البن ‪ ،‬وبنت البنت ‪ ،‬ويعّبر عنه ّ‬
‫نكاح واحدة منهن ‪.‬‬
‫ن بفروع البوين ‪ ،‬فل‬
‫‪3‬ـ الخت ‪ ،‬شقيقة كانت ‪ ،‬أو لب ‪ ،‬أو لم ‪ ،‬ويعّبر عنه ّ‬
‫ن أبدا ً ‪.‬‬
‫يجوز نكاح واحدة منه ّ‬
‫ن‪.‬‬
‫‪4‬ـ بنت الخ الشقيق ‪ ،‬وبنت الخ لب ‪ ،‬أو لم ‪ ،‬فل يجوز نكاحه ّ‬
‫ن‬
‫ن حرام ل يجوز نكاحه ّ‬
‫‪5‬ـ بنت الخت ‪ ،‬شقيقة كانت ‪ ،‬أو لب ‪ ،‬أو لم ‪ ،‬فه ّ‬
‫أبدا ً ‪.‬‬
‫ن‬ ‫ُ‬
‫مة الم ‪ ،‬ويعّبر عنه ّ‬
‫مة الب ‪ ،‬وع ّ‬
‫مة ‪ ،‬وهي أخت الب ‪ ،‬ومثلها ع ّ‬
‫‪6‬ـ الع ّ‬
‫ن بحال ‪.‬‬
‫بفروع الجدين من جهة الب ‪ ،‬فل يجوز نكاحه ّ‬
‫ن بفروع‬
‫‪7‬ـ الخالة ‪ ،‬وهي أخت الم ‪ ،‬ومثلها خالة الم وخالة الب ويعّبر عنه ّ‬
‫ن أبدا ً ‪.‬‬
‫دين من جهة الم ‪ ،‬فل يجوز نكاحه ّ‬
‫الج ّ‬
‫وفي حرمة هؤلء كلهن نزل قوله تعالى ‪  :‬حرمت ع َل َيك ُ ُ‬
‫مَهات ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مأ ّ‬‫ْ ْ‬ ‫ُ ّ َ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ت ……‪..‬‬ ‫خ ِ‬ ‫ت ال ُ ْ‬‫خ وَب ََنا ُ‬
‫َ‬
‫ت ال ِ‬ ‫خال َت ُك ُ ْ‬
‫م وَب ََنا ُ‬ ‫م وَ َ‬‫مات ُك ُ ْ‬ ‫وات ُك ُ ْ‬
‫م وَع َ ّ‬ ‫م وَأ َ َ‬
‫خ َ‬ ‫وَب ََنات ُك ُ ْ‬
‫] النساء ‪[ 23 :‬‬
‫ن كان العقد باطل ً ‪ ،‬فإن استح ّ‬
‫ل ذلك كان‬ ‫فإذا عقد على واحدة منه ّ‬
‫كافرا ً ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬ويحرم على المرأة أبوها ‪ ،‬وأبو أبيها ‪ ،‬وأبو ُأمها ‪ ،‬وجميع ُأصولها ‪.‬‬
‫ويحرم عليها ابنها وابن ابنها وابن بنتها ‪ ،‬وجميع فروعها ‪ .‬ويحُرم عليها أخوها‬
‫شقيقا ً كان أو لب أو لم ‪ ،‬وكذلك يحُرم عليها أبناء إخوتها ‪ ،‬وأبناء أخواتها ‪،‬‬
‫كما يحرم عليها أعمامها ‪ ،‬وأخوالها ‪ ،‬وأعمال أبيها ‪ ،‬وأعمام أمها ‪ ،‬وأخوال‬
‫أبيها وأخوال أمها ‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫المحرمات بالمصاهرة‪:‬‬
‫ن‪:‬‬
‫محرمات بالمصاهرة أربع ‪ ،‬وه ّ‬
‫وال ُ‬
‫‪1‬ـ زوجة الب ‪ ،‬ومثلها زوجة الجد أب الب ‪ ،‬وزوجة الجد أب الم ‪ ،‬ويعّبر‬
‫عن ذلك بزوجات الصول ‪ ،‬فل يجوز نكاح واحدة منهن أبدا ً ‪.‬‬
‫سل َ َ‬
‫ف‬ ‫ساء إ ِل ّ َ‬
‫ما قَد ْ َ‬ ‫ن الن ّ َ‬
‫م َ‬ ‫ح آَباؤ ُ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫حوا ْ َ‬
‫ما ن َك َ َ‬ ‫قال تعالى ‪  :‬وَل َ َتنك ِ ُ‬
‫سِبيل ً‪ ] ‬النساء ‪[ 22 :‬‬ ‫ساء َ‬ ‫قتا ً وَ َ‬ ‫م ْ‬
‫ة وَ َ‬
‫ش ً‬ ‫ن َفا ِ‬
‫ح َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫‪2‬ـ زوجة البن ‪ ،‬وزوجة ابن البن ‪ ،‬وابن البنت ‪ ،‬وهكذا زوجات الفروع ‪ ،‬فل‬
‫ن بحال ‪.‬‬ ‫يجوز نكاحه ّ‬
‫ل أ َبنائ ِك ُم ال ّذين م َ‬
‫صل َب ِك ُ ْ‬
‫م ‪ ] ‬النساء ‪[ 23 :‬‬ ‫نأ ْ‬‫ِ َ ِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫حل َئ ِ ُ ْ َ‬
‫قال تعالى ‪  :‬وَ َ‬
‫‪.‬‬
‫وخرج بقوله تعالى ‪  :‬ال ّذين م َ‬
‫صل َب ِك ُ ْ‬
‫م‪ ‬زوجة البن المتبّنى ‪،‬‬ ‫نأ ْ‬‫ِ َ ِ ْ‬
‫فإنهم كانوا في الجاهلية يتبّنون ‪ ،‬ويحرمون زوجة المتبنى ‪ ،‬فأبطل‬
‫ل الزواج من زوجة المتبّنى ‪.‬‬ ‫السلم التبني ‪ ،‬وأح ّ‬
‫َ‬ ‫م قَوْل ُ ُ‬ ‫عياءك ُ َ‬ ‫قال تعالى ‪  :‬وما جع َ َ‬
‫واه ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫كم ب ِأفْ َ‬ ‫م ذ َل ِك ُ ْ‬
‫م أب َْناءك ُ ْ‬‫ْ‬ ‫ل أد ْ ِ َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ل ‪ ] ‬الحزاب ‪. [ 4 :‬‬ ‫سِبي َ‬
‫دي ال ّ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫حقّ وَهُوَ ي َهْ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ه يَ ُ‬
‫م‬
‫عَيائ ِهِ ْ‬‫ج أ َد ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ج ِفي أْزَوا ِ‬
‫حَر ٌ‬
‫ن َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ع ََلى ال ْ ُ‬
‫كو َ‬‫ي َل ي َ ُ‬
‫وقال تعالى ‪  :‬ل ِك َ ْ‬
‫كا َ‬
‫فُعول ً ‪ ] ‬الحزاب ‪[ 37 :‬‬ ‫م ْ‬‫مُر الل ّهِ َ‬‫نأ ْ‬‫طرا ً وَ َ َ‬‫ن وَ َ‬‫من ْهُ ّ‬
‫وا ِ‬ ‫ذا قَ َ‬
‫ض ْ‬ ‫إِ َ‬
‫طرا ً‪ :‬أي انتهت حاجتهم منه ّ‬
‫ن ولم يبق لهم رغبة‬ ‫ن وَ َ‬
‫من ْهُ ّ‬
‫وا ِ‬ ‫]قَ َ‬
‫ض ْ‬
‫ن[‪.‬‬
‫فيه ّ‬
‫ُ‬
‫سآئ ِك ُ ْ‬
‫م‪‬‬ ‫ت نِ َ‬ ‫‪3‬ـ أم الزوجة ‪ ،‬فل يجوز نكاحها ‪ ،‬قال الله تعالى ‪  :‬وَأ ّ‬
‫مَها ُ‬
‫] النساء ‪ [ 23 :‬ومثل أمها جميع أصولها من النساء ‪.‬‬
‫وهؤلء الثلثة يحرمن بمجرد العقد ‪ ،‬سواء تبع ذلك دخول ‪ ،‬أو لم يتبعه‬
‫‪ ،‬وإذا عقد على واحدة منهن كان العقد باطل ً ‪.‬‬
‫‪4‬ـ بنت الزوجة ‪ ،‬وهي الربيبة ‪ ،‬فهي حرام على زوج ُأمها ‪ ،‬ولكن ليس‬
‫حرمة إل بالدخول على ُأمها ‪.‬‬
‫بمجرد العقد ‪ ،‬بل ل تنشأ ال ُ‬

‫‪20‬‬
‫سآئ ِك ُ ُ‬
‫م الل ِّتي‬ ‫من ن ّ َ‬‫كم ّ‬ ‫جورِ ُ‬ ‫ح ُ‬‫م الل ِّتي ِفي ُ‬ ‫قال تعالى ‪  :‬وََرَبائ ِب ُك ُ ُ‬
‫م ‪ ] ‬النساء ‪:‬‬ ‫ح ع َل َي ْك ُ ْ‬
‫جَنا َ‬ ‫خل ُْتم ب ِهِ ّ‬
‫ن فَل َ ُ‬ ‫كوُنوا ْ د َ َ‬ ‫ن فَِإن ل ّ ْ‬
‫م تَ ُ‬ ‫خل ُْتم ب ِهِ ّ‬
‫دَ َ‬
‫‪. [ 23‬‬
‫هذا ول يشترط لحرمة الربيبة أن تكون في حجر زوج ُأمها ‪ ،‬بل هي‬
‫حرام عليه ‪ ،‬سواء كانت في حجره أو كانت تعيش بعيدة عنه ‪.‬‬
‫وإنما ذكر القيد في الية لبيان الحالة الغالبة ‪ ،‬فإن الغالب على‬
‫الربيبة أن تكون في رعاية زوج أمها وحجره وكنفه ‪ .‬وكذلك يحرم‬
‫على المرأة زوج أمها ‪ ،‬وزوج بنتها ‪ ،‬وابن زوجها ‪ ،‬وأبو زوجها ‪.‬‬
‫المحرمات بالرضاع ‪:‬‬
‫ويحرم بسبب الرضاع أيضا َ سبع من النسوة ‪ ،‬ذكر القرآن‬
‫هن‬
‫الكريم منّهن اثنين وألحقت السنة بقية السبع بهما ‪ ،‬وهؤلء السبع ّ‬
‫‪:‬‬
‫لم بالرضاع ‪ ،‬وهي المرأة التي أرضعتك ‪ ،‬ويلحق بها ُأمها ‪ ،‬وُأم ُأمها‬ ‫‪1‬ـ ا ُ‬

‫ن‪.‬‬ ‫ُ ُ‬
‫وأم أبيها ‪ ،‬فل يجوز نكاح واحدة منه ّ‬
‫‪2‬ـ الخت بالرضاع ‪ ،‬وهي التي رضعت من ُأمك ‪ ،‬أو رضعت من ُأمها ‪ ،‬أو‬
‫رضعت أنت وهي من امرأة واحدة ‪.‬‬
‫فإذا رضعت من ُأمك صارت حراما ً عليك ‪ ،‬وعلى جميع إخوتك ‪ .‬ويح ّ‬
‫ل‬
‫ن لم يرضعن من ُأمك ‪.‬‬ ‫لك أخواتها ‪ ،‬لنه ّ‬
‫وإذا رضعت أنت من ُأمها صرت حراما ً عليها ‪ ،‬وعلى جميع أخواتها ‪،‬‬
‫وحّلت هي وأخواتها لخوتك ‪ ،‬لنها لم ترضع من أمك ‪ ،‬ول رضع‬
‫أخواتك من أمها ‪.‬‬
‫ُ‬
‫مَهات ُك ُ ُ‬
‫م‬ ‫وفي تحرم الم والخت من الرضاع نزل قوله تعالى ‪  :‬أ ّ‬
‫ضاع َةِ ‪ ] ‬النساء ‪[ 23 :‬‬
‫ن الّر َ‬
‫م َ‬ ‫وات ُ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫م وَأ َ َ‬
‫خ َ‬ ‫ضعْن َك ُ ْ‬
‫َ‬
‫الل ِّتي أْر َ‬
‫‪3‬ـ بنت الخ من الرضاع ‪.‬‬
‫‪4‬ـ بنت الخت من الرضاع ‪.‬‬
‫مة من الرضاع ‪ :‬وهي التي رضعت مع أبيك ‪.‬‬
‫‪5‬ـ الع ّ‬
‫‪21‬‬
‫‪6‬ـ الخالة من الرضاع ‪ :‬وهي التي رضعت مع أمك ‪.‬‬
‫‪7‬ـ البنت من الرضاع ‪ :‬وهي التي رضعت من زوجتك ‪ ،‬فتكون أنت أباها من‬
‫الرضاع ‪.‬‬
‫وفي هؤلء يقول الرسول ‪ " : ‬إن الّرضاعة ُتحّر ُ‬
‫م ما َيحُرم من‬
‫الولدة " رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها ‪.‬‬
‫وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫حُرم من الرضاع‬
‫ل لي ‪ ،‬ي ْ‬ ‫النبي ‪ ‬في بنت حمزة رضي الله عنها ‪ " :‬ل ت َ ِ‬
‫ح ّ‬
‫ما يحُرم من النسب ‪ ،‬هي بنت أخي من الرضاعة " ‪.‬‬
‫) البخاري ‪ :‬الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬الشهادة على النساب والرضاع ‪ ،.‬رقم‬
‫‪ 2503 ، 2502:‬مسلم ‪ :‬الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬يحرم من الرضاعة ما يحرم من‬
‫الولدة ‪ ،‬وباب ‪ :‬تحريم ابنة الخ من الرضاعة ‪ ،‬رقم ‪. ( 1447 ،1444 :‬‬
‫وكذلك يحرم على المرأة أبوها بالرضاع ‪ ،‬وابنها من الرضاع ‪ ،‬وأخوها‬
‫مها وخالها من الرضاع ‪.‬‬
‫وابن أخيها من الرضاع ‪ ،‬وع ّ‬
‫وكذلك يحرم بالمصاهرة من الرضاع ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أم الزوجة من الرضاع ‪ ،‬وهي التي أرضعت زوجتك ‪.‬‬
‫‪2‬ـ بنبت الزوجة من الرضاع ‪ ،‬وهي التي رضعت من زوجتك ‪ ،‬لكن من لبن‬
‫زوج غيرك ‪.‬‬
‫‪3‬ـ زوجة الب من الرضاع ‪ ،‬وهي زوجة الب التي رضعت من زوجته الثانية‬
‫‪.‬‬
‫‪4‬ـ زوجة البن من الرضاع ‪ ،‬وهي زوجة من رضع من زوجتك ‪.‬‬
‫الحرمة المؤقتة ‪:‬‬
‫حّرمن على النسان‬
‫والنساء المحرمات حرمة مؤقتة ‪ :‬هن اللتي ُ‬
‫لسبب من السباب ‪،‬‬
‫حرمة ‪ ،‬وعاد الحل ‪ ،‬فإذا عقد على واحدة‬
‫فإذا زال هذا السبب زالت ال ُ‬
‫ن قبل زوال سبب‬ ‫منه ّ‬
‫الحرمة كان العقد باطل ً ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ن‪:‬‬
‫وهؤلء النساء ه ّ‬
‫‪1‬ـ الجمع بين الختين ‪:‬‬
‫سواء كانتا من النسب ‪ ،‬أو من الرضاع ‪ .‬وسواء عقد عليهما معا ً أو‬
‫في وقتين ‪.‬‬
‫فإذا عقد عليهما معا ً بطل العقد فيهما ‪ ،‬وإذا عقد عليهما واحده بعد‬
‫الخرى بطل عقد الثانية ‪.‬‬
‫فإذا ماتت الولى ‪ ،‬أو ط ُّلقت ‪ ،‬وانقضت ع ّ‬
‫دتها ح ّ‬
‫ل له أن يعقد على‬
‫ل‪:‬‬ ‫أختها ‪ .‬قال الله عّز وج ّ‬
‫حيما ً‬
‫فورا ً ّر ِ‬ ‫ن ال ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن غَ ُ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫سل َ َ‬
‫ف إِ ّ‬ ‫ن إ َل ّ َ‬
‫ما قَد ْ َ‬ ‫خت َي ْ ِ‬ ‫مُعوا ْ ب َي ْ َ‬ ‫‪ ‬وَأن ت َ ْ‬
‫ج َ‬
‫‪ ] ‬النساء ‪[ 23 :‬‬
‫متها ‪ ،‬وبين المرأة وخالتها ‪ ،‬وبين المرأة وبنت أختها‬
‫‪2‬ـ الجمع بين المرأة وع ّ‬
‫‪ ،‬أو بنت أخيها ‪ ،‬أو بنت ابنها ‪ ،‬أو بنت بنتها ‪:‬‬
‫ن ‪ ،‬فقالوا‬
‫وقد وضع الفقهاء قاعدة بضبط من يحرم الجمع بينه ّ‬
‫) يحرم الجمع بين كل امرأتين لو فرضت إحداهما ذكرا ً لما جاز له أن‬
‫يتزوج الخرى ( ‪ .‬وهي تشمل جميع من ذكرنا ‪.‬‬
‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة ‪ ، ‬أن‬
‫رسول الله ‪ ‬قال ‪ " :‬ل ُيجمعُ بين المرأة وع َ ّ‬
‫متها ‪ ،‬ول بين المرأة وخالتها "‬
‫‪.‬‬
‫متها ‪ ،‬رقم ‪. 4820 :‬‬
‫) البخاري ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل تنكح المرأة على ع ّ‬
‫متها …‪ ،‬رقم ‪. 1408 :‬‬
‫مسلم ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم الجمع بين المرأة وع ّ‬
‫الحكمة من هذا التحريم ‪:‬‬
‫ن ما في هذا الجمع من إيقاع‬
‫من ذكر َ‬
‫والحكمة من تحريم الجمع بين َ‬
‫الضغائن بين الرحام ‪ ،‬بسبب ما يحدث بين الضرائر من الغيرة ‪.‬‬
‫روى ابن حبان ‪ ) :‬أن النبي ‪ ‬نهى أن ُتزّوج المرأة على الع ّ‬
‫مة‬
‫ن أرحامكم ( ‪.‬‬
‫ن ذلك قطعت ّ‬
‫ن إذا فعلت ّ‬
‫والخالة ‪ ،‬وقال ‪ :‬إّنك ّ‬

‫‪23‬‬
‫وأخرج أبو داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة قال ‪ ) :‬نهى‬
‫رسول الله ‪ ‬أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة ( ‪ ] .‬نيل‬
‫ن أو ط ٌّلقت ‪ ،‬وانقضت ع ّ‬
‫دتها‬ ‫الوطار ‪ . [ 6/157 :‬فإذا ماتت واحدة منه ّ‬
‫حّلت الخرى ‪.‬‬
‫‪3‬ـ الزائدة على أربع نسوة ‪:‬‬
‫فل يجوز أن يضم زوجة خامسة إلى نسائه الربع الموجودات عنده‬
‫دتها ‪ ،‬أو تموت ‪ ،‬فإذا ماتت ‪ ،‬أو ط ُّلقت‬ ‫ن ‪ ،‬وتنقضي ع ّ‬
‫حتى يطلق واحدة منه ّ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ب لَ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫ما َ‬
‫طا َ‬ ‫حوا ْ َ‬
‫ل ‪َ  :‬فانك ِ ُ‬
‫‪ ،‬حلت له الخامسة ‪ .‬قال الله عز وج ّ‬
‫مث َْنى وَث ُل َ َ‬
‫ث وَُرَباع َ ‪ ] ‬النساء ‪. [ 3 :‬‬ ‫ساء َ‬
‫الن ّ َ‬
‫وروى أبو داود وغيره عن قيس بن الحارث ‪ ‬قال ‪ :‬أسلمت وعندي‬
‫ن أربعا ً " ‪.‬‬ ‫ثمان نسوة فذكرت ذلك للنبي ‪ ، ‬فقال النبي ‪ " : ‬ا ْ‬
‫خَتر منه ّ‬
‫من أسلم وعنده نساء أكثر من‬
‫سنن أبي داود ‪ :‬الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في َ‬‫) ُ‬
‫أربع أو ُأختان ( ‪.‬‬
‫‪4‬ـ المشركة الوثنية ‪:‬‬
‫وهي التي ليس لها كتاب سماوي ‪ ،‬فإذا أسلمت حّلت ‪ ،‬وجاز الزواج‬
‫بها ‪ ،‬قال الله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫شرِك َةٍ وَل َ ْ‬
‫و‬ ‫م ْ‬
‫من ّ‬
‫خي ٌْر ّ‬
‫ة َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫من َ ٌ‬ ‫ة ّ‬
‫م ٌ‬
‫ن وَل َ‬ ‫حّتى ي ُؤ ْ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ت َ‬ ‫شرِ َ‬
‫كا ِ‬ ‫حوا ْ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫‪ ‬وَل َ َتنك ِ ُ‬
‫َ‬
‫م ‪ ] ‬البقرة " ‪[ 221‬‬ ‫جب َت ْك ُ ْ‬
‫أع ْ َ‬
‫تنبيهان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ل يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج برجل غير مسلم ‪ ،‬مهما‬
‫كانت ديانته ‪ ،‬لن للزوج ولية على الزوجة ‪ ،‬ول ولية لكافر على مسلم ‪،‬‬
‫ولنها ل تأمن عنده على دينها ‪ ،‬لنه ل يؤمن به ؟ قال الله عز وجل ‪ :‬‬
‫سِبيل ً ‪ ] ‬النساء ‪ [ 141 :‬وقال‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن ع ََلى ال ْ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫وََلن ي َ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫من‬
‫خي ٌْر ّ‬
‫ن َ‬
‫م ٌ‬ ‫مُنوا ْ وَل َعَب ْد ٌ ّ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫حّتى ي ُؤ ْ ِ‬
‫ن َ‬‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫حوا ْ ال ْ ُ‬
‫سبحانه وتعالى ‪  :‬وَل َ ُتنك ِ ُ‬
‫ة‬
‫فَر ِ‬ ‫جن ّةِ َوال ْ َ‬
‫مغْ ِ‬ ‫ه ي َد ْع ُوَ إ َِلى ال ْ َ‬
‫ن إ َِلى الّنارِ َوالل ّ ُ‬
‫عو َ‬ ‫ك ي َد ْ ُ‬‫م أ ُوَْلـئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك وَل َوْ أع ْ َ‬
‫جب َك ُ ْ‬ ‫شرِ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫ن ‪ ] ‬البقرة‪. [ 221 :‬‬ ‫س ل َعَل ّهُ ْ‬
‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ن آَيات ِهِ ِللّنا ِ‬ ‫ب ِإ ِذ ْن ِهِ وَي ُب َي ّ ُ‬
‫‪24‬‬
‫فإذا أسلم حلت له ‪ ،‬وإذا عقد عليها قبل إسلمه كان العقد باطل ً ‪،‬‬
‫ووجب التفريق بينهما فورا ً فإذا حصل وطء كان ذلك زنا ً ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬يجوز للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية ‪ ،‬لنه ربما يكون‬
‫ذلك سببا ً لسلمها ‪ ،‬وإسلم أهلها ‪ ،‬وإ ّ‬
‫طلعهم على السلم ‪ ،‬وترغيبهم‬
‫فيه ‪.‬‬
‫ول يجوز لزوجها المسلم أن ٌُيكرهها على تغيير دينها ‪ ،‬أو يضايقها في‬
‫أداء عبادتها ‪ .‬قال الله تعالى ‪  :‬وط َعام ال ّذي ُ‬
‫ل ل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ح ّ‬‫ب ِ‬ ‫ن أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ن ُأوُتوا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫م َ‬
‫ت ِ‬‫صَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬‫ت َوال ْ ُ‬‫مَنا ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬
‫ت ِ‬
‫صَنا ُ‬
‫ح َ‬ ‫م َوال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل ل ّهُ ْ‬
‫ح ّ‬
‫م ِ‬ ‫وَط ََعا ُ‬
‫مك ُ ْ‬
‫ذا آتيتموهُ ُ‬
‫ذي‬
‫خ ِ‬ ‫ن وَل َ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫حي َ‬
‫سافِ ِ‬ ‫ن غ َي َْر ُ‬
‫م َ‬ ‫صِني َ‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ُ‬
‫جوَرهُ ّ‬
‫نأ ُ‬‫ّ‬ ‫من قَب ْل ِك ُ ْ‬
‫م إِ َ َ ْ ُ ُ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫ب ِ‬
‫ن ‪ ] ‬المائدة ‪. [ 5 :‬‬ ‫دا ٍ‬
‫خ َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ن ‪ .‬محصنين ‪:‬‬
‫مهوره ّ‬
‫ن‪ُ :‬‬
‫] المحصنات ‪ :‬العفيفات ‪ ،‬أو الحرائر‪ .‬أجوره ّ‬
‫مسافحين ‪ :‬غير مجاهرين بالزنى ‪.‬‬ ‫ن عن الزنى ‪ .‬غير ُ‬
‫متعففين بالزواج به ّ‬
‫مصاحبي خليلت للزنى سرا ً [ ‪.‬‬ ‫متخذي آخذان ‪ُ :‬‬

‫‪5‬ـ المرأة المتزوجة ‪:‬‬


‫فل يجوز لرجل أن يعقد على امرأة لها زوج ‪ ،‬وهي ل تزال على‬
‫دتها ‪ ،‬فإذا مات أو ّ‬
‫طلقها‬ ‫عصمته ‪ ،‬حتى يموت أو يطلقها وتنقضي ع ّ‬
‫دتها حل الزواج بها ‪ .‬قال الله تعالى في تعداد المحرمات في‬
‫وانقضت ع ّ‬
‫ساء ‪ ] ‬النساء ‪ . [ 24 :‬أي المتزوجات‬
‫ن الن ّ َ‬
‫م َ‬
‫ت ِ‬
‫صَنا ُ‬
‫ح َ‬ ‫الزواج ‪َ  :‬وال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫من النساء حرام عليكم ‪.‬‬
‫دة ‪:‬‬
‫‪6‬ـ المرأة المعت ّ‬
‫دتها ‪ ،‬سواء كانت هذه‬
‫فل يجوز لرجل أن ينكح امرأة ما تزال في ع ّ‬
‫دتها ‪ ،‬جاز الزواج بها ‪ .‬قال الله‬ ‫العدة من طلق أو وفاة ‪ ،‬فإذا انتهت ع ّ‬
‫َ‬
‫ه ‪ ] ‬البقرة ‪:‬‬ ‫جل َ ُ‬
‫بأ َ‬‫ى ي َب ْل ُغَ ال ْك َِتا ُ‬
‫حت ّ َ‬
‫ح َ‬
‫كا ِ‬ ‫موا ْ ع ُ ْ‬
‫قد َة َ الن ّ َ‬ ‫تعالى ‪  :‬وَل َ ت َعْزِ ُ‬
‫‪. [ 235‬‬

‫‪25‬‬
‫دتها‬
‫أي ل تقصدوا إلى عقد النكاح لتعقدوه حتى تبلغ المرأة تمام ع ّ‬
‫المكتوبة لها في كتاب الله عّز وجل ‪.‬‬
‫‪7‬ـ المرأة المطلقة ثلثا ً ‪:‬‬
‫فل يجوز لزوجها أن يعود إليها حتى تنكح زوجا ً غيره ‪ ،‬نكاحا ً شرعيا ً‬

‫صحيحا ً ‪ ،‬ثم يطّلقها الزوج الثاني ‪ ،‬وتنقضي ع ّ‬


‫دتها منه ‪ ،‬فإذا حصل ذلك جاز‬
‫لزوجها الول أن يعود إليها ‪ ،‬ويعقد عليها عقد زواج جديد ‪ .‬قال الله تعالى ‪:‬‬
‫ح‬
‫جَنا َ‬ ‫قَها فَل َ ُ‬ ‫ح َزْوجا ً غ َي َْره ُ فَِإن ط َل ّ َ‬ ‫ى َتنك ِ َ‬‫حت ّ َ‬
‫من ب َعْد ُ َ‬ ‫ه ِ‬‫ل لَ ُ‬ ‫قَها فَل َ ت َ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫‪ ‬فَِإن ط َل ّ َ‬
‫دود ُ الل ّهِ ي ُب َي ّن َُها ل ِ َ‬ ‫دود َ الل ّهِ وَت ِل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قوْم ٍ‬ ‫ح ُ‬
‫ك ُ‬ ‫ح ُ‬‫ما ُ‬
‫قي َ‬ ‫جَعا ِإن ظ َّنا أن ي ُ ِ‬ ‫ما أن ي َت ََرا َ‬ ‫ع َل َي ْهِ َ‬
‫ن ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 230 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها ‪ :‬جاءت امرأة‬
‫رفاعة القرظي النبي ‪ ، ‬فقالت ‪ :‬كنت عند رفاعة فطّلقني ‪ ،‬فأبت‬
‫هدَبة الثوب ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫طلقي ‪ ،‬فتزوجت عبدالله بن الّزبير ‪ ،‬إنما معه مثل ُ‬
‫عسيلته ‪ ،‬ويذوق‬
‫) أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ ل ‪ ،‬حتى تذوقي ُ‬
‫عسيلتك ( ‪.‬‬
‫ُ‬
‫) البخاري ‪ :‬الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬شهادة المختبي ‪ ،‬رقم ‪ . 2469 :‬مسلم‬
‫ل المطلقة ثلثا ُ لمطّلقها حتى تنكح …‪ ،..‬رقم ‪1432 :‬‬
‫‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل تح ّ‬
‫(‪.‬‬
‫ت وهو القطع ‪ ،‬أي قطع طلقي قطعا ً كليا ً ‪،‬‬ ‫ت طلقي ‪ :‬من الب ّ‬ ‫أب َ ّ‬
‫والمراد أنه طّلقها الطلقة الثالثة التي تحصل بها البينونة الكبرى ‪ .‬هدبة‬
‫الثوب ‪ :‬حاشيته ‪ ،‬وهو كناية عن عدم قدرته على الجماع ‪ .‬تذوقي عسيلته ‪:‬‬
‫عسيلة ‪ :‬قطعة صغيرة من العسل ‪ ،‬شّبه ل ّ‬
‫ذة الجماع‬ ‫كناية عن الجماع ‪ .‬و ُ‬
‫بلذة ذوق العسل ‪.‬‬

‫حكم تعدد الزوجات والحكمة من مشروعيته‬

‫‪1‬ـ حكم تعد الزوجات ‪:‬‬

‫‪26‬‬
‫طوا ْ‬
‫س ُ‬ ‫م أ َل ّ ت ُ ْ‬
‫ق ِ‬ ‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬ ‫مباح في أصله ‪ ،‬قال تعالى ‪  :‬وَإ ِ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫دد الزوجات ُ‬ ‫تع ّ‬
‫ث وَُرَباع َ ‪ ] ‬النساء‬ ‫مث َْنى وَث ُل َ َ‬
‫ساء َ‬
‫ن الن ّ َ‬
‫م َ‬ ‫ب لَ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫ما َ‬
‫طا َ‬ ‫حوا ْ َ‬ ‫ِفي ال ْي ََتا َ‬
‫مى َفانك ِ ُ‬
‫‪. [ 3:‬‬
‫ومعنى الية ‪ :‬إن خفتم إذا نكحتم اليتيمات أن ل تعدلوا في‬
‫ن ‪ ،‬فقد ُأبيح لكم أن تنكحوا غيرهن ‪ ،‬مثنى وثلث وُرباع ‪.‬‬ ‫معاملته ّ‬
‫دد ما يجعله مندوبا ً ‪ ،‬أو مكروها ً ‪ ،‬أو محرما ً ‪،‬‬
‫ولكن قد يطرأ على التع ّ‬
‫وذلك تبعا ً لعتبارات وأحوال تتعلق بالشخص الذي يريد تعدد الزوجات ‪:‬‬
‫فه زوجة واحدة ‪ ،‬أو‬
‫أ ـ فإذا كان الرجل بحاجة لزوجة أخرى ‪ :‬كأن كان ل تع ّ‬
‫كانت زوجته الولى مريضة ‪ ،‬أو عقيما ً ‪ ،‬وهو يرغب بالولد ‪ ،‬وغلب‬
‫على ظنه أن يقدر على العدل بينهما ‪ ،‬كان هذا التعدد مندوبا ً ‪ ،‬لن فيه‬
‫مصلحة مشروعة ‪ ،‬وقد تزوج كثير من الصحابة رضي الله عنهم بأكثر‬
‫من زوجة واحدة ‪.‬‬
‫دد لغير حاجة ‪ ،‬وإنما لزيادة التنّعم والترفيه ‪ ،‬وشك في‬
‫ب ـ إذا كان التع ّ‬
‫قدرته على إقامة العدل بين زوجاته ‪ ،‬فإن هذا التعدد يكون مكروها ً ‪،‬‬
‫لنه لغير حاجة ‪ ،‬ولنه ربما لحق بسببه ضرر في الزوجات من عدم‬
‫ن‪.‬‬
‫قدرته على العدل بينه ّ‬
‫والنبي ‪ ‬يقول ‪ْ " :‬‬
‫دع ما يريُبك إلى ما ل َيريُبك " ‪ ،‬أي دع ما تشك‬
‫فيه إلى ما ل تشك فيه ‪.‬‬
‫رواه الترمذي ) أبواب صفة القيامة ‪ ،‬باب ‪ :‬أعقلها وتوكل ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 2520‬عن حسن بن علي رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫ج ـ وإذا غلب على ظنه ‪ ،‬أو تأكد أنه ل يستطيع إن تزوج أكثر من واحدة أن‬
‫ن ‪ :‬إما لفقره ‪ ،‬أو لضعفه ‪ ،‬أو لعدم الوثوق من نفسه في‬ ‫يعدل بينه ّ‬
‫الميل والحيف ‪ ،‬فإن التعدد عندئذ يكون حراما ً ‪ ،‬لن فيه إضرارا ً بغيره‬
‫‪ ،‬والنبي ‪ ‬يقول ‪ " :‬ل ضرر ول ضَراَر " ‪.‬‬
‫) ابن ماجه ‪ :‬كتاب الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬من بني في حقه ما يضّر جاره ‪.‬‬
‫موطأ مالك ‪ :‬القضية ‪ ،‬باب ‪ :‬القضاء في المرفق ( ‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫َ‬ ‫فت َ‬
‫مل َك َ ْ‬
‫ت‬ ‫ما َ‬
‫حد َة ً أوْ َ‬ ‫م أل ّ ت َعْد ُِلوا ْ فَ َ‬
‫وا ِ‬ ‫خ ْ ُ ْ‬ ‫وقال الله عز وجل ‪  :‬فَإ ِ ْ‬
‫ن ِ‬
‫ك أ َد َْنى أ َل ّ ت َُعوُلوا ْ‪ ] ‬النساء ‪. [ 3 :‬‬ ‫مان ُك ُ ْ‬
‫م ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫أي ْ َ‬
‫] فواحدة ‪ :‬أي فانكحوا واحدة فقط ‪ .‬ذلك أدنى أن ل تعولوا ‪ :‬أي‬
‫أقرب إلى عدم الميل والجور ‪ ،‬لن أصل العول ‪ :‬الميل [ ‪.‬‬
‫دد الزوج في الحالتين الخيرتين ‪ ،‬وعقد على‬‫ويجب أن يعلم أنه لو ع ّ‬
‫ثانية ‪ ،‬أو ثالثة ‪ ،‬كان العقد صحيحا ً ‪ ،‬وترتبت على آثاره ‪ :‬من ح ّ‬
‫ل‬
‫المعاشرة ‪ ،‬ووجوب المهر ‪ ،‬والنفقة وغيرها ‪ ،‬وإن كان مكروها ً في‬
‫الثانية ‪ ،‬وحراما ً في الثالثة ‪ ،‬فال ُ‬
‫حرمة توجب الثم ‪ ،‬ول تبطل العقد ‪.‬‬
‫ما هو العدل المطلوب حصوله بين الزوجات ؟‬
‫والعدل الذي أوجبه السلم على الرجل الذي يجمع بين أكثر من زوجة‬
‫حسن‬
‫‪ ،‬إنما هو العدل والمساواة في النفاق ‪ ،‬والسكان ‪ ،‬والمبيت ‪ ،‬و ُ‬
‫المعاشرة ‪ ،‬والقيام بواجبات الزوجة ‪.‬‬
‫أما المحبة القلبية التي ل توّلد ظلما ً عمليا ً لحداه ّ‬
‫ن فليست من‬
‫ومات العدالة المفروض تحصيلها بين الزوجات ‪ ،‬لنه ل سلطان للنسان‬ ‫مق ّ‬
‫على قلبه في موضوع المحبة ‪ ،‬ولع ّ‬
‫ل هذا هو الذي عناه القرآن الكريم‬
‫َ‬
‫م‪.‬‬
‫صت ُ ْ‬ ‫ساء وَل َوْ َ‬
‫حَر ْ‬ ‫طيُعوا ْ أن ت َعْد ُِلوا ْ ب َي ْ َ‬
‫ن الن ّ َ‬ ‫بقوله تعالى ‪  :‬وََلن ت َ ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫] النساء ‪ . [ 129 :‬أي ل تستطيعون أن تمسكوا بزمام قلوبكم في تحقيق‬
‫المساواة في المحبة ‪ ،‬فل يحملنكم الميل القلبي إلى إحداهما أكثر من‬
‫الخرى على الظلم والضرار ‪.‬‬
‫حسن‬
‫أما العدل فيما ذكرنا من النفقة والسكان ‪ ،‬والمبيت و ُ‬
‫المعاشرة ‪ ،‬فهذا أمر ممكن لكثير من الناس ‪.‬‬
‫وكان النبي ‪ ‬يقول ـ بعد عدله في القسمة والمعاملة بين نسائه ـ ‪:‬‬
‫" اللهم هذا قسمي فيما أملك فل تلمني فيما تملك ول أملك " ‪.‬‬
‫رواه أبو داود ) في النكـاح ‪ ،‬بـاب ‪ :‬في القسـم بين النسـاء ‪ ،‬رقـم ‪:‬‬
‫‪ ( 2134‬والترمـذي ) في النكـاح ‪ ،‬باب ‪ :‬التسوية بين الضرائر ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 1140‬وغيرهما عن عائشة رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫وذلك فيما يتعلق بأمر الحب وميل القلب ‪ ،‬فقد كان ‪ ‬يحب عائشة أكثر‬
‫من بقية نسائه ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫دد ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الحكمة من مشروعية التع ّ‬
‫إن السلم أباح تعدد الزوجات من حيث الصل ‪ ،‬ولم يجعله‬
‫فرضا ً لزما ً ‪ ،‬ولقد أباح السلم هذا التع ّ‬
‫دد ‪ ،‬لنه يرمي إلى أهداف‬
‫بعيدة الغور في الصلح الجتماعي ‪ ،‬ل يدركها إل نافذ البصيرة ‪ .‬وإليك‬
‫بعض هذه الحكم ‪:‬‬
‫فهم زوجة واحدة ‪ ،‬وهذا أمر فطري ‪ ،‬فيمكن‬
‫أ ـ ليحمي من ل يمكن أن تع ّ‬
‫أن يجرهم ذلك إلى ما ليس بمشروع ‪.‬‬
‫فخير لهم وللمجتمع أن يتزوجوا امرأة أخرى في ظل سياج من‬
‫الرعاية ‪ ،‬وتشريع من الحقوق الملزمة‪ ،‬والكرامة اللئقة ‪ ،‬من أن‬
‫يقعوا في الزنى ‪.‬‬
‫ب ـ وشرعه أيضا ً ليحمي المرأة من أن يلهث وراءها أصحاب الشهوات ‪ ،‬ل‬
‫بعقد يضمن ويحمي أبناءها ‪ ،‬وإنما عن طريق المسافحة والمخادنة ‪،‬‬
‫عرضة للطرد والحرمان من كل حق ‪ ،‬ويجعل‬
‫مما يجعل تلك المرأة ُ‬
‫أولدها محرومين من حقوق النسب ‪ ،‬وعطف البوة ‪.‬‬
‫فلن تكون زوجة ثانية محفوظة الحقوق والكرامة خير لها ألف‬
‫مرة من أن تظل أّيما ‪ ،‬أو تعيش خدينة أو عشيقة ‪ ،‬مما يعرضها في‬
‫النتيجة للبؤس والشقاء ‪ ،‬وحماية المجتمع من النحلل والفساد‬
‫‪،‬والفوضى الخلقية ‪.‬‬
‫مبررات تعدد الزواج ‪:‬‬
‫دد الزواج أمرا ً بادي الحكمة ‪ ،‬واضح‬
‫وهناك مبررات تجعل تشريع تع ّ‬
‫الفائدة ‪ ،‬وسنضرب لذلك بعض المثلة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ رجل عنده نهم في النساء ‪ ،‬وعنده امرأة عزوف عن الرجال ‪ ،‬إما فطرة‬
‫‪ ،‬أو لمرض ‪.‬‬
‫فهل الفضل أن يزني هذا الرجل ‪ ،‬فيضيع الدين والمال والصحة ؟ أو‬
‫يبقى منطويا ً على حاجته ‪ ،‬معذبا ً نفسه ‪ ،‬أو أن يتزوج امرأة أخرى ‪،‬‬
‫بشرط القدرة على العالة والعدالة ‪ ،‬وعدم الظلم في المعاملة ؟‬

‫‪30‬‬
‫ول شك أن الحل الثالث هو الفضل لهذا الرجل ‪ ،‬وأنفع للمجتمع‬
‫وأطهر ‪.‬‬
‫‪2‬ـ اندلعت نار الحروب ـ والحروب أصبحت اليوم سّنة الحياة ـ فأبادت‬
‫وهتهم ‪ ،‬وأصبح عدد النساء وافرا ً يزيد على‬
‫الكثير من الرجال ‪ ،‬أو ش ّ‬
‫عدد الرجال كثيرا ً ‪ .‬فهل من الخير للنساء أن يقتصر كل رجل على‬
‫زوجة واحدة ‪ ،‬وتبقى كثرة كاثرة من النساء محرومة من عطف‬
‫معيل ‪ ،‬ومحرومة من إنجاب الولد الذي ل تجد غيره معينا ً‬‫الرجل ال ُ‬
‫ومعيل ً عند كبرها ‪ ،‬مما قد يضطرها ـ إرواء لحاجتها ـ إلى ارتكاب الثم‬
‫والفواحش ؟ ‪.‬‬
‫م إليه أكثر من زوجة في ظل رعاية‬
‫أم الفضل أن نبيح للرجل أن يض ّ‬
‫شرعية كاملة ؟ ‪.‬‬
‫إننا ل نظلم المنطق والحق في شيء إذا قلنا ‪ :‬إن التعدد في مثل‬
‫هذه الظروف يعتبر عمل ً إنسانيا ً تفرضه المروءة والغيرة ‪.‬‬
‫ول نخالف الواقع إذا قلنا ‪ :‬إن زواج الرسول ‪ ‬بأكثر من واحدة من‬
‫نسائه كان معظمه من هذا النوع النساني الشريف ‪.‬‬
‫ن وحيدة ‪ ،‬و تركت أهلها ‪ ،‬أو مات عنها زوجها شهيدا ً ‪،‬‬
‫لقد هاجر بعضه ّ‬
‫ف رسول الله ‪ ‬إلى نجدتها ‪ ،‬وض ّ‬
‫مها إلى‬ ‫معيل ‪ ،‬فخ ّ‬
‫وتركها أرملة من غير ُ‬
‫معيل ‪ ،‬و كان لها شرف أمومة المؤمنين ‪ ،‬وفضيلة‬
‫بيته ‪ ،‬فكان لها خير ُ‬
‫القتران بسيد المرسلين عليه أفضل الصلة والتسليم ‪ .‬ولما حرمت أوربه‬
‫دد ‪ ،‬فماذا جنت غير الخيانات الزوجية ‪ ،‬أو العذاب النفسي ‪،‬‬
‫المسيحية التع ّ‬
‫أو الحرمـان لكثير من الزواج ؟‬
‫‪3‬ـ إنسان متزوج من امرأة تحبه ويحبها ‪ ،‬لكنها عقيم ل تنجب ‪ ،‬وهو يتوق‬
‫ن إليه ‪.‬‬
‫إلى الولد ‪ ،‬و يح ّ‬
‫فهل من الفضل أن نحرم هذا النسان الزواج من ثانية ‪ ،‬وندعه‬
‫مظلوم الفؤاد محروم الولد ؟‬

‫‪31‬‬
‫أم نأمره بأن يطلق زوجته التي يحبها ‪ ،‬أم نبيح له الزواج بامرأة أخرى ‪،‬‬
‫مع حماية الولى من الظلم ؟‬
‫إن هذا الحل هو الفضل من كل ما سبق ‪ ،‬فقد راعى مصالح الرجل‬
‫والمرأة على السواء ‪.‬‬
‫مت تعدد الزوجات وقعت بما هو أشد ّ خطرا ً ‪ ،‬وأكثر‬ ‫‪4‬ـ إن الشعوب التي حر ّ‬
‫دد المزعوم ‪ .‬لقد كثر فيهم الفساد ‪ ،‬وانتشرت‬ ‫ضررا ً من ضرر التع ّ‬
‫عقلءهم‬
‫فيهم الخيانات الزوجية ‪ ،‬والمخادنات السرّية ‪ ،‬مما يجعل ُ‬
‫دد ‪ ،‬و يقضي على تلك المفاسد‬
‫مطالبين بتشريع يحل التع ّ‬
‫يصرخون ُ‬
‫المدمرة لحياتهم الجتماعية ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫تنبيه ‪:‬‬
‫ض من حكمة‬
‫دد ل يغ ّ‬
‫جَهلة لحق التع ّ‬
‫إن إساءة استعمال بعض ال َ‬
‫مله تبعة رعونة وسفاهة أولئك الجاهلين ‪ ،‬وسوء تصرفهم ‪.‬‬ ‫السلم ‪ ،‬ول يح ّ‬
‫دد ليكون سلحا ً للجرح ‪ ،‬أو الذبح ‪ ،‬أو سوء‬
‫فالسلم ‪ ،‬ما أباح التع ّ‬
‫المعاملة ‪ ،‬وإنما شرعة تلبية للحاجة ‪ ،‬ووقاية للمجتمع ‪ ،‬ورعاية للفراد ‪،‬‬
‫وقضاء على الرزيلة ‪.‬‬
‫دد ‪،‬‬
‫لكن تلك المبررات ‪ ،‬وبتلك الشروط الشرعية أباح السلم التع ّ‬
‫ولم يوجبه ‪ ،‬وأحاطه بسياج من الضمانات الخلقية الحقوقية ‪.‬‬
‫عت جميع الدوية التي تفي بحاجة‬
‫فالسلم أشبه ) بصيدلية ( وَ َ‬
‫الناس جميعهم ‪ ،‬يأخذ كل فرد الدواء الذي يتفق وحاجته ومرضه ‪ ،‬ليس‬
‫معقول ً أن نقّلل من أهمية هذه ) الصيدلية ( أو نقّلص من موادها بحيث ل‬
‫تفي بالحاجة العامة لجميع الفراد ‪ ،‬أو ُنبيح جميع ما فيها لكل فرد ‪ ،‬ولو‬
‫بغير حاجة ‪.‬‬
‫هذا وإذا كان أعداد السلم ل يعجبهم هذا التشريع ‪ ،‬لنه ل يتفق‬
‫وأمزجتهم المنحرفة ‪ ،‬وأذواقهم الفاسدة ‪ ،‬وشهواتهم الرخيصة ‪ ،‬فليموتوا‬
‫بغيظهم ‪ ،‬والله من ورائهم محيط ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫مقدمات الزواج‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫إن سعادة السرة ‪ ،‬ونجابة الولد ‪ ،‬واستمرار الحياة الزوجية تتوقف‬
‫على حسن اختيار كل من الزوجين للخر ‪ ،‬اختيارا ً واعيا ً ‪ ،‬غير متأثر بعاطفة‬
‫هوجاء ‪ ،‬أو مصلحة مؤقتة ‪ ،‬وإنما يكون قائما على أساس يبقى ‪ ،‬ويقوى مع‬
‫مرور الزمن ؛ ولما كان عقد الزواج عقدا ً خطير الثر‪ ،‬طويل المد ‪ ،‬كثير‬
‫التكاليف ‪ ،‬كان لبد ّ قبل إجراء هذا العقد من خطوات تتخذ من قَِبل كل من‬
‫الخاطب والمخطوبة ‪ ،‬حتى إذا أقدما على عقد الزواج كانا قد أقدما عليه ‪،‬‬
‫وقد اطمأن كل منهما إلى الصفات والمؤهلت التي تحقق أغراضه ‪،‬‬
‫وتطمئن نفسه إلى مستقبل ارتباطه مع زوجه ‪.‬‬
‫وهذه الخطوات هي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬البحث عن الصفات التي تطلب في كل من الزوجين ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬رؤية المخطوبة والنظر إليها ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الخطبة ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬البحث عن الصفات التي ينبغي أن تطلب في كل من الزوجين ‪:‬‬
‫لقد أرشد السلم إلى عدة من الصفات تكون في المخطوبة ‪ ،‬كما‬
‫تكون في الخاطب ‪ ،‬و حث على تلمسها ‪ ،‬والبحث عنه ‪ ،‬وهذه‬
‫الصفات هي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الدين الصحيح والخلق القويم ‪:‬‬
‫ُيطلب في الزوج ُيختار أن يكون دينا ً ‪ ،‬ذا خلق حسن ‪ ،‬كما يطلب في‬
‫الزوجة أن تكون دينة ‪ ،‬وذات خلق حسن ‪ ،‬و إلى ذلك أرشد النبي العظم‬
‫عليه الصلة والسلم حين قال ‪ " :‬إذا خطب إليكم من تْرضون دينه وخلقه‬
‫فزوجوه ‪ ،‬إل تفعلوا تكن فتنة في الرض وفساد عريض "‬

‫‪34‬‬
‫من ترضون دينه‬
‫) رواه الترمذي في النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء إذا جاءكم َ‬
‫فزّوجوه ‪ ،‬رقم ‪( 1084 :‬‬
‫وقال ‪ " : ‬تنكح المرأة لربع ‪ :‬لمالها ‪ ،‬ولحسبها ‪ ،‬ولجمالها ‪ ،‬ولدينها ‪،‬‬
‫ت يداك " ‪.‬‬
‫فاظفر بذات الدين ت َرِب َ ْ‬
‫رواه البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الكفاء في الدين ‪ ،‬رقم ‪( 4802 :‬‬
‫ومسلم ) الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬استحباب نكاح ذات الدين رقم ‪( 1466 :‬‬
‫] تربت يداك ‪ :‬افتقرت ‪ ،‬وهذه كلمة جارية على ألسنة العرب ل‬
‫ث والتحريض ‪،‬‬
‫يريدون بها الدعاء على المخاطب ‪ ،‬و لكن يريدون بها الح ّ‬
‫فة عن‬
‫والمراد بالدين والخلق ‪ :‬فعل الطاعات ‪ ،‬والعمال الصالحات ‪ ،‬والع ّ‬
‫المحرمات ‪ ،‬والقيام بحقوق الزوجية [ ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الحكمة من تفصيل ذات الدين والخلق ‪:‬‬
‫إن الحكمة من ذلك هي أن الدين يقوى على مرور الزمن ‪ ،‬والخلق‬
‫يستقيم مع توالي اليام وتجارب الحياة ‪.‬‬
‫فإذا اختار ك ّ‬
‫ل من الزوجين الخر لدينه وخلقه ‪ ،‬كان ذلك أضمن‬
‫دة ‪.‬‬
‫لستمرار الحب ‪ ،‬ودوام المو ّ‬
‫سب والجمال ‪،‬‬
‫ح َ‬
‫ول ُيفهم مما ذكرنا أن على النسان أن يعزف عن ال َ‬
‫ن هذه الصفات إذا انفردت في المخطوبة ‪ ،‬كان الدين‬ ‫وإنما يجب أن يفهم أ ّ‬
‫أفضلها ‪ ،‬وإذا اجتمعت كانت نورا ً على نور ‪.‬‬
‫‪3‬ـ النسب في كل من الزوجين ‪:‬‬
‫ومعنى النسب ‪ :‬طيب الصل ‪ ،‬وكرم المنبت ‪ ،‬ودليل ذلك ما جاء في‬
‫حديث الصحيحين السابق تنكح المرأة لربع ‪ ،‬وذكر منها ‪) :‬ولحسبها ( ‪.‬‬
‫ن في الزوج أن يكون ذا حسب ‪ ،‬وأصل طيب ‪ ،‬لن ذلك‬
‫كذلك يس ّ‬
‫أعون على استدامة الحياة الزوجية ‪ ،‬وأقرب إلى طيب العشرة ‪ ،‬لن‬
‫ب أكرم ‪،‬‬ ‫صاحب الصل الطيب ل يصدر عنه إل العِ ْ‬
‫شرة الكريمة ‪ ،‬إذا أح ّ‬
‫وإذا أبغض ل يظلم ‪.‬‬
‫‪4‬ـ أن ل يكون بين الزوجين قرابة قريبة ‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫ص الشافعي رحمة الله تعالى على أنه ل يتزوج الرجل من‬
‫وقد ن ّ‬
‫عشيرتيه ‪ :‬أي القربين ‪.‬‬
‫وقد علل الزنجاني ذلك بقوله ‪ :‬إن من مقاصد النكاح اتصال القبائل ‪،‬‬
‫لجل التعاضد والمعاونة ‪ ،‬وهذا حاصل في القرابة القريبة من غير زواج ‪.‬‬
‫وقد روى ‪ ) :‬ل تنكحوا القرابة القريبة ‪ ،‬فإن الولد ُيخلق ضاويا ً ( أي‬
‫نحيفا ً ‪ ،‬وذلك لضعف الشهوة بين القرابة ‪ .‬ذكر هذا الشربيني في شرحه‬
‫لمنهاج النووي ‪.‬‬
‫لكن ذكر ابن الصلح أنه لم يجد لهذا الحديث أصل ً معتمدا ّ ‪ ،‬وقد ذكره‬
‫ابن الثير في كتابه ] النهاية في غريب الحديث والثر [ ‪.‬‬
‫ول يطعن في هذا الحكم أن النبي ‪ ‬قد زّوج فاطمة من على رضي‬
‫الله عنهما ‪ ،‬لنه فعل ذلك لبيان الجواز ‪ ،‬أو لنه ليس بينهما قرابة قريبة‬
‫جدا ً ‪ ،‬ففاطمة هي بنت ابن عم علي ‪ ،‬فهي بعيده عنه بالجملة ‪.‬‬
‫‪5‬ـ الكفاءة ‪:‬‬
‫ويقصد بالكفاءة ‪ :‬مساواة حال الرجل لحال المرأة اليوم في عدة‬
‫وجوه ‪:‬‬
‫أ ـ الدين والصلح ‪ ،‬فليس الفاسق كفؤا ً لعفيفة صالحة ‪ ،‬قال تعالى ‪{ :‬‬
‫َ‬
‫ن } ] السجدة ‪. [ 18 :‬‬ ‫وو َ‬ ‫سقا ً ّل ي َ ْ‬
‫ست َ ُ‬ ‫ن َفا ِ‬
‫كا َ‬ ‫منا ً ك َ َ‬
‫من َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫ن ُ‬ ‫من َ‬
‫كا َ‬ ‫أفَ َ‬
‫جام وراع وقّيم حمام ‪ ،‬ليس‬
‫ب ـ الحرفة ‪ ،‬فصاحب حرفه دنيئة ‪ ،‬ككّناس وح ّ‬
‫كفؤا لبت عالم وقاض وتاجر ‪.‬‬
‫من به جنون أو‬
‫ج ـ السلمة من العيوب المثبتة للخيار في فسخ النكاح ‪ ،‬ف َ‬
‫برص ليس كفؤا ً للسليمة منها ‪.‬‬
‫والكفاءة في الزواج من حق الزوجة وأوليائها ‪ ،‬وهي وإن لم تكن‬
‫شرطا ً في صحة النكاح‪ ،‬لكن مطلوبة ومقررة دفعا ً للعار عن الزوجة‬
‫وأوليائهما ‪ ،‬وضمانا ً لستقامة الحياة بين الزوجين ‪ ،‬وذلك لن أسلوب‬
‫حياتهما ‪ ،‬ونوع معيشتهما يكونان متقاربين ‪ ،‬ومألوفين لهما ‪ ،‬فل يضطر‬
‫أحدهما لتغيير مألوفة ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫فللزوجة وأوليائها إسقاط حق الكفاءة ‪ ،‬فلو زّوجها وليها غير كفء‬
‫ح الزواج ‪ ،‬لن الكفاءة حقها وحق الولياء ‪ ،‬فإن رضوا‬
‫برضاها ص ّ‬
‫بإسقاطها ‪ ،‬فل اعتراض عليهم ‪ .‬ويشير إلى مراعاة الكفاءة ‪ ،‬قول النبي‬
‫‪ " : r‬تخيروا لنطفكم وانكحوا الكفاَء وانكحوا إليهم " ‪.‬‬
‫رواه الحاكم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تخيروا لنطفكم ‪ ،..‬رقم ‪( 2/163 :‬‬
‫وصححه ‪.‬‬
‫‪ -6‬البكارة ‪:‬‬
‫والبكر ‪ :‬هي التي لم يسبق لها أن تزوجت ‪ ،‬وقد بّين النبي ‪ r‬سبب‬
‫ب أفواها ً ‪،‬‬
‫ن أع ْذ َُ ُ‬
‫اختيار الزوجة البكر ‪ ،‬حين قال ‪ " :‬عليكم بالبكاَر ‪ ،‬فإنه ّ‬
‫وأنتقُ أرحاما ً ‪ ،‬وأرضى باليسير " ‪.‬‬
‫رواه ابن ماجه في ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تزوج البكار ‪ ،‬رقم ‪. ( 1860 :‬‬
‫حسن كلمها وقّله بذائها‬ ‫] أعذب أفواها ً ‪ :‬ألين كلما ً ‪ ،‬فهو كناية عن ُ‬
‫وفحشها مع زوجها ‪ ،‬لبقاء حيائها ‪ ،‬لنها لم ُتخالط زوجا ً قبله ‪ .‬أنتق أرحاما ً ‪:‬‬
‫أكثر أولدا ً [ ‪.‬‬
‫وروى البخاري ومسلم واللفظ له ‪:‬‬
‫عن جابر ‪ t‬قال ‪ :‬تزوجت امرأة في عهد رسول الله ‪ r‬فقلت النبي ‪r‬‬
‫فقال ‪ " :‬يا جابر ‪ ،‬تزوجت ؟ قلت ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬بكر أم ّثيب ؟ قلت ‪ّ :‬ثيب ‪.‬‬
‫ت ‪ :‬يا رسول الله ‪ :‬إن لي أخوات ‪ ،‬فخشيت أن‬ ‫قال ‪ :‬فهل ّ بكرا ً تلعبها ؟ قل ْ‬
‫ن ‪ .‬قال فذاك إذا ً ‪ ،‬إن المرأة تنكح على دينها ومالها‬
‫تدخل بيني وبينه ّ‬
‫وجمالها ‪ ،‬فعليك بذات الدين تربت يداك " ‪.‬‬
‫) البخاري‪:‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تزويج الثّيبات ‪ .‬ومسلم ‪ :‬الرضاع ‪ ،‬باب ‪:‬‬
‫استحباب نكاح ذات نكاح ذات اليدين ( ‪.‬‬
‫ب أن يكون الزوج بكرا ً ‪ ،‬لم يسبق له أن تزوج ‪ ،‬لن‬
‫وكذلك يستح ّ‬
‫جِبلت على الستئناس بأول مألوف ‪.‬‬
‫النفوس ُ‬
‫الولود ‪ :‬وُتعرف البكر الولود بأقاربها ‪ ،‬كأختها ‪ ،‬وعمتها ‪ ،‬وخالتها ‪,‬‬
‫وُيعرف الرجل الولود أيضا ً بأقربائه ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫قال رسول الله ‪ " -  -‬تزوجوا الولود الودود فإني ُ‬
‫مكاثر بكم المم‬
‫يوم القيامة " ‪.‬‬
‫حح إسناده ‪) .‬المستدرك ‪:‬‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬وابن حّبان ‪ ،‬والحاكم ‪ ،‬وص ّ‬
‫النكاح ‪ ،‬باب ‪ ،‬تزّوجوا الودود الولود ‪( 2/162 :‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬رؤية المخطوبة والنظر إليها ‪:‬‬
‫غب فيها السلم أن ينظر الخاطب إلى‬ ‫ومن المور المستحّبة التي ر ّ‬
‫المخطوبة قبل الخطبة ‪ ،‬إذا قصد نكاحها ‪ ،‬ورجا رجاء طاهرا ً أن يجاب إلى‬
‫طلبه ‪ ،‬وإن لم تأذن له ‪ ،‬أو لم تعلم بنظره ‪ ،‬اكتفاء بإذن الشرع له ‪ ،‬ولئل‬
‫تتزين له ‪ ،‬فيفوت غرضه ‪.‬‬
‫وله تكرير النظر ثانيا ً وثالثا ً إن احتاج إليه ‪ ،‬ليتبين هيئتها ‪ ،‬فل يندم بعد‬
‫النكاح ‪ ،‬إذ ل يحصل الغرض غالبا ً بأول نظرة ‪.‬‬
‫سنه ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في النظر إلى‬
‫روى المام الترمذي وح ّ‬
‫المخطوبة ‪ ،‬رقم ‪ ، ( 1087 :‬وابن ماجه ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬النظر إلى المرأة‬
‫إذا أراد أن يتزوجها ‪ ،‬رق ‪ ( 1865 :‬وغيرهما ‪ :‬أن النبي ‪ ‬قال للمغيرة بن‬
‫شعبة ‪ ‬وقد خطب امرأة ـ أي عزم على خطبتها ـ ‪ " :‬انظر إليها فإنه‬
‫م بينكما " ‪.‬‬
‫ن يؤد َ َ‬
‫أحرى أ ْ‬
‫دة واللفة بينكما ‪.‬‬
‫ومعنى يؤدم بينكما ‪ :‬أن تدوم المو ّ‬
‫وروى البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬النظر إلى المرأة قبل التزويج ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ، ( 4833‬ومسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الصداق وجواز كونه تعليم قرآن ‪ ، ..‬رقم‬
‫‪ ( 1524 :‬عن سهل بن سعد ‪ : ‬أن امرأة جاءت رسول الله ‪ ‬فقالت ‪:‬‬
‫صوبه ‪ ،‬ثم طأطأ‬
‫ب لك نفسي ‪ ،‬فصّعد النظر إليها و ّ‬
‫يا رسول الله ‪ ،‬جئت له َ‬
‫رأسه ‪.‬‬
‫] لهب لك ‪ :‬أجعل أمري لك ‪ :‬تتزوجني بدون مهر ‪ ،‬أو تزّوجني لمن‬
‫ترى ‪ .‬فصعد النظر إليها وصوبه ‪ :‬نظر إلى أعلها وأسفلها وتأملها ‪ .‬طأطأ‬
‫رأسه ‪ :‬خفض رأسه ‪ ،‬ولم ُيعد النظر إليها [ ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫فيها لمن‬
‫وروى مسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ندب النظر إلى وجه المرأة وك ّ‬
‫يريد تزوجها ‪ ،‬رقم ‪ ( 1434 :‬عن أبي هريرة ‪ ‬قال ‪ :‬كنت عند النبي ‪‬‬
‫فأتاه رجل ‪ ،‬فأخبره أن تزوج امرأة من النصار فقال له رسول الله ‪": ‬‬
‫ن في أعين‬
‫ت إليها ؟ " قال ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ " :‬فاذهب فانظر إليها ‪ ،‬فإ ّ‬
‫أنظر َ‬
‫ن ربما ل يعجبك ‪.‬‬‫النصار شيئا ً " أي يختلفن عن أعين غيره ّ‬
‫حميد الساعدي ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ " : ‬إذا خطب‬
‫وعن أبي ُ‬
‫جناح عليه أن ينظر منها ‪ ،‬إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته ‪،‬‬
‫أحدكم امرأة فل ُ‬
‫وإن كانت ل تعلم " ‪ .‬رواه أحمد ) ‪(5/424‬‬
‫هذا ويحق لها أيضا ً أن تراه ‪ ،‬إذا أرادت الزواج منه ‪ ،‬لتتبين هيئته ‪ ،‬ول‬
‫تندم بعد النكاح ‪ ،‬فإنها يعجبها منه ما يعجبه منها ‪.‬‬
‫حدود النظر ‪:‬‬
‫فيها ظهرا ً‬
‫ول يجوز للخاطب أن ينظر من المخطوبة إل ّ وجهها وك ّ‬

‫وبطنا ً ‪ ،‬لنها مواضع ما يظهر من الزينة ال ُ‬


‫مشار إليها ‪ ،‬في قوله تعالى ‪ :‬‬
‫ما ظ َهََر ِ‬
‫من َْها ‪ ] ‬النور ‪[ 31 :‬‬ ‫ن إ ِّل َ‬
‫ن ِزين َت َهُ ّ‬ ‫وََل ي ُب ْ ِ‬
‫دي َ‬
‫فين ‪ ،‬أن الوجه يستدل به على‬
‫والحكمة من القتصار على الوجه والك ّ‬
‫الجمال ‪ ،‬واليدين يستدل بهما على خصب البدن ولينه ‪.‬‬
‫وإن لم يتيسر له أن ينظر إليها ‪ ،‬أرسل امرأة تتأملها ‪ ،‬وتصفها له ‪.‬‬
‫لنه ‪ ‬بعث أم سليم إلى امرأة ‪ ،‬وقال ‪ " :‬انظري عرقوبيها ‪ ،‬وشمي‬
‫عوارضها " ‪.‬‬
‫رواه الحاكم ) في النكاح ‪ ( 2/166 :‬وصححه ‪.‬‬
‫مي عوارضها ‪ :‬أي‬
‫] العرقرب ‪ :‬عصب غليظ فوق عقب النسان ‪ .‬وش ّ‬
‫رائحة جسمها "‬
‫ويؤخذ من الحديث أن للمبعوث أن يصف للباعث زائدا ً على ما ينظره‬
‫بنفسه ‪ ،‬فيستفيد بالبعث ما ل يستفيده بنظره ‪.‬‬
‫حكم نظر الجنبي إلى المرأة ‪:‬‬

‫‪39‬‬
‫ويحرم نظر رجل بالغ عاقل مختار ـ ولو شيخا ً ‪ ،‬أو عاجزا ً ‪ ،‬وكذلك‬
‫من قارب البلوغ ـ إلى أيّ جزء من جسم المرأة أجنبية كبيرة ‪.‬‬ ‫المراهق وهو َ‬
‫والكبيرة هي من بلغت حد ّا ً تشتهى فيه ‪ ،‬ولو كانت غير بالغة ‪ ،‬ولو كان ذلك‬
‫فين ‪ ،‬ولو لم تكن هناك فتنة على الصحيح في المذهب ‪.‬‬
‫الجزء الوجه والك ّ‬
‫وكذلك يحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل لغير حاجة ‪ .‬قال الله‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫ن‬ ‫م إِ ّ‬‫كى ل َهُ ْ‬ ‫ك أ َْز َ‬
‫م ذ َل ِ َ‬‫جه ُ ْ‬ ‫ف ُ‬
‫ظوا فُُرو َ‬ ‫ح َ‬
‫م وَي َ ْ‬
‫صارِه ِ ْ‬
‫‪ُ ‬قل ل ّل ْمؤ ْمِنين يغُضوا م َ‬
‫ن أب ْ َ‬
‫ِ ْ‬ ‫ُ ِ َ َ ّ‬
‫خبير بما يصنعون}‪ {30‬وُقل ل ّل ْمؤ ْمنات يغْضضن م َ‬
‫فظ ْ َ‬
‫ن‬ ‫ح َ‬‫ن وَي َ ْ‬
‫صارِه ِ ّ‬‫ن أب ْ َ‬ ‫ُ ِ َ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه َ ِ ٌ ِ َ َ ْ َُ َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ن ‪ ] ‬النور‪. [ 31- 3 :‬‬ ‫فُُرو َ‬
‫جه ُ ّ‬
‫وروي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت ‪ :‬كنت عند ميمونة رضي‬
‫م مكتوم ‪ ‬فقال النبي ‪" : ‬‬
‫الله عنها ـ عند رسول الله ‪ ‬ـ إذ أقبل ابن أ ّ‬
‫احتجبا منه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله ‪ :‬أليس هو أعمى ل يبصر ول يعرفنا ؟‬
‫فقال ‪ :‬رسول الله ‪ ‬أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه "‬
‫رواه الترمذي ) الب ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في احتجاب النساء من الرجال ‪،‬‬
‫رقم ‪ ( 2779 :‬وقال ‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫س ‪ ،‬لنه أبلغ منه في‬
‫هذا ‪ ،‬وحيث حّرم النظر فيما ذكر حّرم الم ّ‬
‫التلذذ وإثارة الشهوة ‪.‬‬
‫أما النظر إلى الصغيرة التي ل ُتشتهى ‪ ،‬والصغير الذي هو دون‬
‫المراهقة ‪ ،‬فإنه ل يحرم النظر إل إلى الفرج منهما ‪ .‬لن النظر إليهما ليس‬
‫في مظنة شهوة ‪ ،‬فل يحرم ذلك ‪.‬‬
‫النظر إلى المحارم ‪:‬‬
‫ويجوز نظر الرجل إلى محارمه من النساء إل ما بين السّرة والركبة ‪.‬‬
‫وكذلك المرأة تنظر إلى محارمها من الرجال ما عدا ما بين السّرة‬
‫إلى الركبة ‪.‬‬
‫متى يباح النظر إلى الجنبية ؟‬

‫‪40‬‬
‫س‬
‫حرمة النظر إلى المرأة الجنبية ‪ ،‬والم ّ‬
‫واعلم أن ما تقدم من ُ‬
‫لهما ‪ ،‬إنما هو حيث ل تدعوا الحاجة إليهما ‪ ،‬وأما إذا دعت الحاجة إلى النظر‬
‫س ‪ ،‬فإن ذلك ُيباح ‪ ،‬وليس فيه حرج ‪.‬‬
‫‪ ،‬أو الم ّ‬
‫والحاجة تظهر في المور التية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ عند المداواة ‪ ،‬لن في التحريم حرجا ً ‪ ،‬والسلم دين الي ُ ْ‬
‫سر ورفع‬
‫الحرج ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬
‫ج ‪ ] ‬الحرج ‪ . [ 78 :‬فُينظر إلى‬
‫حَر ٍ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫دي ِ‬
‫م ِفي ال ّ‬‫ل ع َل َي ْك ُ ْ‬
‫جعَ َ‬ ‫‪ ‬وَ َ‬
‫ما َ‬
‫المواضع التي يحتاج إليها ‪.‬‬
‫روى مسلم ) السلم ‪ ،‬باب ‪ :‬لكل داء ودواء واستحباب التداوي ‪،‬‬
‫رقم ‪ ( 2206 :‬عن جابر ‪ ) : ‬أن أم سلمة رضي الله عنهما استأذنت‬
‫رسول الله ‪ ‬في الحجامة ‪ ،‬فأمر النبي ‪ ‬أبا طيبة أن يحجمها ( ‪ .‬فللرجل‬
‫مداواة المرأة إذا كانت الضرورة تتطلب ذلك ‪ ،‬ولم توجد امرأة تعالجها ‪،‬‬
‫وكذلك للمرأة مداواة الرجل إذا لم يوجد رجل يعالجه ‪ ،‬ودعت الضرورة‬
‫محَرم ‪ ،‬أو زوج ‪ ،‬أ‪ ,‬امرأة‬
‫إلى ذلك ‪ ،‬لكن ل يعالج الرجل المرأة إل بحضرة َ‬
‫ثقة ‪.‬‬
‫وإذا وجد الطبيب المسلم ‪ ،‬ل يعدل إلى غيره ‪.‬‬
‫‪2‬ـ عند المعاملة من بيع وشراء ‪ ،‬إذا كانت هناك حاجة لمعرفة تلك المرأة ‪،‬‬
‫ولم تعرف دون النظر إليها ‪.‬‬
‫‪3‬ـ عند الشهادة تحمل ً وأداء ‪ ،‬لن الحاجة تدعوا إلى النظر إلى المشهود‬
‫عليه ‪ ،‬أو المشهود له‬
‫‪4‬ـ عند التعليم ‪ :‬وذلك فيما ذكر ‪ ،‬فإنما ُيباح بقدر الحاجة فقط ‪ ،‬لن النظر‬
‫در ما يرفع‬
‫إنما أبيح للضرورة أو الحاجة ‪ ،‬والضرورة والحاجة تقدر بق ّ‬
‫الحرج ويحقق الغرض ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الخطبة ‪:‬‬
‫م الوثوق من الصفات الحسنة ‪ ،‬وتحقق بالرؤية والنظر الرضا‬
‫فإذا ت ّ‬
‫والرغبة ‪ ،‬جاء دور الخطبة ‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫والخطبة ـ بكسر الخاء ـ هي التماس الخاطب النكاح من جهة‬
‫المخطوبة ‪.‬‬
‫متى تحل الخطبة ‪ ،‬ومتى تحرم ‪:‬‬
‫‪1‬ـ تحل الخطبة تصريحا ً وتعرضا ً ‪ ،‬إذا كانت المخطوبة خلّية من نكاح ‪،‬‬
‫وعدة ‪ ،‬ومن كل موانع النكاح التي مر ذكرها في المحرمات ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تحل الخطبة تعريضا ً فقط ل تصريحا ً ‪ ،‬إذ كانت المرأة معت ّ‬
‫دة من وفاة ‪ ،‬أو‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ضُتم ب ِهِ ِ‬ ‫ما ع َّر ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ح ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫طلق بائن ‪ .‬قال الله تعالى ‪  :‬وَل َ ُ‬
‫جَنا َ‬
‫فسك ُم ع َل ِم الل ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫كن ل ّ‬ ‫ن وََلـ ِ‬ ‫ست َذ ْك ُُرون َهُ ّ‬‫م َ‬ ‫ه أن ّك ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ِفي أن ُ ِ ْ‬ ‫ساء أوْ أك َْننت ُ ْ‬ ‫خط ْب َةِ الن ّ َ‬ ‫ِ‬
‫ى ي َب ْل ُ َ‬
‫غ‬ ‫حت ّ َ‬
‫ح َ‬ ‫كا ِ‬ ‫موا ْ ع ُ ْ‬
‫قد َة َ الن ّ َ‬ ‫معُْروفا ً وَل َ ت َعْزِ ُ‬ ‫قوُلوا ْ قَوْل ً ّ‬ ‫سّرا ً إ ِل ّ َأن ت َ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫دوهُ ّ‬ ‫ع ُ‬ ‫وا ِ‬
‫تُ َ‬
‫َ‬ ‫ما ِفي َأن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫موا ْ أ ّ‬
‫ن‬ ‫حذ َُروه ُ َواع ْل َ ُ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َ ُ‬
‫ن الل ّ َ‬‫موا ْ أ ّ‬ ‫ه َواع ْل َ ُ‬‫جل َ ُ‬‫بأ َ‬‫ال ْك َِتا ُ‬
‫م ‪ ] ‬البقرة " ‪[ 235‬‬
‫حِلي ٌ‬
‫فوٌر َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ه غَ ُ‬
‫ن سّرا ً ‪ :‬ل‬
‫جناح ‪ :‬ل إثم ول حرج ‪ .‬أكننتم ‪ :‬أخفيتم ‪ .‬ل تواعدوه ّ‬
‫]ل ُ‬
‫تعدوهن بالنكاح خفية ‪ .‬قول ً معروفا ً ‪ :‬موافقا ً للشرع ‪ ،‬وهو التعريض ‪ .‬ول‬
‫تعزموا عقدة النكاح ‪ :‬ل تحققوا العزم على عقد الزواج ‪ .‬حتى يبلغ الكتاب‬
‫دة في‬ ‫جَله ‪ :‬حتى تنقضي الع ّ‬
‫دة ‪ ،‬وهي المدة التي فرضها الله على المعت ّ‬ ‫أ َ‬
‫كتابه أن ل تتزوج خللها [ ‪.‬‬
‫‪3‬ـ وتحرم الخطبة تعريضا ً وتصريحا ً فيما عدا ما ذكر ‪ ،‬في الفقرة الولى‬
‫والثانية ‪.‬‬
‫فتحرم خطبة امرأة ما تزال على عصمة زوجها ‪ .‬كما تحرم خطبة كل‬
‫امرأة ذكرت في محرمات النكاح ‪ ،‬سواء كانت محرمة مؤبدة أم محرمة‬
‫مؤقتة ‪.‬‬
‫دة من طلق رجعي ‪ ،‬سواء كان ذلك‬
‫وتحرم خطبة المرأة المعت ّ‬
‫بالتعريض أم بالتصريح ‪ ،‬لنها زوجة ‪ ،‬أو في معنى الزوجة ‪ ،‬لن لزوجها‬
‫الحق في مراجعتها ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫لحا ً ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 228 :‬‬ ‫كإ َ‬ ‫‪ ‬وبعول َته َ‬
‫دوا ْ إ ِ ْ‬
‫ص َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ ِ ْ‬
‫ن أَرا ُ‬ ‫حقّ ب َِرد ّه ِ ّ‬
‫نأ َ‬‫َُُ ُُ ّ‬
‫معنى التصريح بالخطبة ‪:‬‬
‫‪42‬‬
‫والتصريح في الخطبة معناه ‪ :‬كل لفظ يقطع بالرغبة في النكاح ‪:‬‬
‫كُأريد أن أنكحك ‪ ،‬أو ‪ :‬إذا انقضت عدتك تزوجتك ‪.‬‬
‫معنى التعريض بالخطبة ‪:‬‬
‫والتعريض بالخطبة معناه ‪ :‬أن يستعمل لفظا ً يحتمل الرغبة في النكاح‬
‫من يجد‬
‫ب راغب فيك ‪َ ،‬‬
‫دة ‪ :‬أنت جميلة ‪ ،‬أو ‪ :‬ر ّ‬
‫‪ ،‬وعدمها ‪ ،‬كأن يقول للمعت ّ‬
‫مثلك ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪.‬‬
‫الخطبة على الخطبة ‪:‬‬
‫وتحرم خطبة إنسان على خطبة أخيه ‪ ،‬إذا كان قد صرح له بالجابة ‪،‬‬
‫إل بإذنه ‪.‬‬
‫فإن لم يجب ولم يرد لم تحرم الخطبة ‪.‬‬
‫وهذه الحرمة حرمة توجب الثم ‪ ،‬ول توجب بطلن العقد ‪ ،‬فيما إذا‬
‫خطب على خطبة أخيه ‪ ،‬وعقد عقد الزواج ‪.‬‬
‫ودليل هذا التحريم ‪ :‬قول النبي ‪ " : ‬ل يخطب الرجل على خطبة‬
‫أخيه حتى يترك الخاطب قبله ‪ ،‬أو يأذن له الخاطب " ‪.‬‬
‫رواه البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل يخطب على خطبة أخيـه ‪ ،…..‬رقـم ‪:‬‬
‫‪ ، ( 4848‬ومسـلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم الخطبة على خطبة أخيه ‪ ،..‬رقم‬
‫‪ ( 1412 :‬عن ابن عمر ‪‬‬
‫حكم الستشارة في خاطب أو مخطوبة ‪:‬‬
‫من اسُتشير في خاطب أو مخطوبة وجب عليه أن يذكر من العيوب‬ ‫َ‬
‫والمساوئ ما يعرف بصدق ‪ ،‬ليحـذر ‪ ،‬وذلك بذل ً للنصيحة ‪ ،‬ول يعد ّ ذلك من‬
‫الغيبة المحّرمة ‪ .‬هذا إذا احتيج إلى ذكر العيوب ‪ ،‬أما إذا اندفع بدون ذكر‬
‫ذلك ‪ ،‬كقوله مثل ُ ‪ :‬هذا ل يصلح لك ‪ ،‬أو هذه ل تصلح لك ‪ ،‬وجب القتصار‬
‫على ذلك ‪ .‬دليل هذا الحكم حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنهما عند‬
‫مسلم ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬المطّلقة ثلثا ً ل نفقة لها ‪ ،‬رقم ‪، ( 1480 :‬‬
‫والترمذي ) النكاح ‪ ،‬بباب ‪ :‬ما جاء في أن الرجل ل يخطب على خطبة أخيه‬
‫‪ ،‬رقم ‪ ( 1135 :‬أنها قالت للنبي ‪ : ‬إن معاوية بن أبي سفيان ‪ ،‬و أبا جهم‬

‫‪43‬‬
‫خطباني ‪ ،‬فقال رسول الله ‪ ": ‬أما أبو جهم فل ي َ َ‬
‫ضعُ عصاه عن عاتقه ‪،‬‬
‫ك ل مال له ‪ ،‬انكحي أسامة بن زيد ‪ ،‬فكرهته ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬ ‫ة فصعلو ّ‬‫وأما معاوي ُ‬
‫ت"‪.‬‬ ‫انكحي أسامة ‪ ،‬فنكحته ‪ ،‬فجل الله فيه خيرا ً ‪ ،‬واغتبط ْ‬
‫ي موليته على ذوي الصلح والتقوى ‪:‬‬
‫عرض الول ّ‬
‫ويسن لولي المرأة التي يرغب في تزويجها أن يعرض زواجها على‬
‫أهل الصلح والتقوى ‪ ،‬تأسيا ً بما فعل شعيب عليه الصلة والسلم مع‬
‫رف من أمانته وعفافه ‪ .‬قال تعالى‬ ‫موسى ‪ ‬حين عرض بنته عليه ‪ ،‬لما ع ُ ِ‬
‫حاكيا ً قصتهما ‪:‬‬
‫ت ال ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫قو ِ ّ‬ ‫جْر َ‬
‫ست َأ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬‫خي َْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫جْره ُ إ ِ ّ‬ ‫ست َأ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫ما َيا أب َ ِ‬ ‫داهُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫‪َ ‬قال َ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل إني أ ُريد أ َ ُ‬
‫جَرِني‬ ‫ن ع ََلى أن ت َأ ُ‬ ‫هات َي ْ ِ‬‫ي َ‬ ‫دى اب ْن َت َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ك إِ ْ‬‫ح َ‬ ‫ن أنك ِ َ‬ ‫ِ ُ ْ‬ ‫ن}‪َ {26‬قا َ ِ ّ‬ ‫مي ُ‬ ‫اْل َ ِ‬
‫جد ُِني‬
‫ست َ ِ‬
‫ك َ‬ ‫شقّ ع َل َي ْ َ‬ ‫ن أَ ُ‬ ‫َ‬
‫ما أِريد ُ أ ْ‬
‫ُ‬
‫ك وَ َ‬ ‫عند ِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شرا ً فَ ِ‬ ‫ت عَ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م ْ‬
‫حجج فَإ َ‬
‫ن أت ْ َ‬ ‫ي ِ َ ٍ ِ ْ‬ ‫مان ِ َ‬ ‫ثَ َ‬
‫ما اْل َ َ َ‬ ‫ك بيِني وبين َ َ‬
‫ت‬ ‫ن قَ َ‬
‫ضي ْ ُ‬ ‫جلي ْ ِ‬ ‫ك أي ّ َ‬ ‫َََْ‬ ‫ل ذ َل ِ َ َ ْ‬ ‫ن}‪َ {27‬قا َ‬ ‫حي َ‬‫صال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬
‫ه ِ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬‫ِإن َ‬
‫ل ‪ ] ‬القصص ‪ 26 :‬ـ ‪.. [ 28‬‬
‫كي ٌ‬ ‫قو ُ‬
‫ل وَ ِ‬ ‫ه ع ََلى َ‬
‫ما ن َ ُ‬ ‫ي َوالل ّ ُ‬
‫ن ع َل َ ّ‬
‫فََل ع ُد َْوا َ‬
‫وتأسيا ً أيضا ً بما فعل عمر بن الخطاب ‪ ‬عندما عرض ابنته حفصة رضي‬
‫الله عنها على عثمان ‪ ،‬ثم على أبي بكر ‪ ،‬وتزوجها النبي ‪. ‬‬
‫) البخاري ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬عرض النسان ابنته أو ُأخته على أهل الخير‬
‫(‪.‬‬
‫سنن الخطبة ‪:‬‬
‫خطبة ـ بضم الخاء ـ قبل‬
‫ب للخاطب ‪ ،‬أو وكيله ‪ ،‬تقديم ُ‬
‫ويستح ّ‬
‫الخطبة ـ بكسر الخاء ـ وقبل العقد ‪ ،‬يبدؤها بحمد الله والصلة والسلم‬
‫على النبي ‪ ‬لحديث ‪ " :‬كل أمر ذي بال ل يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر " ‪.‬‬
‫) ابن ماجه ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬خطبة النكاح ‪ ،‬رقم ‪. ( 1849 :‬‬
‫ثم يوصي بتقوى الله عز وجل ‪ ،‬ثم يظهر رغبته ‪ ،‬فيقول ‪ :‬جئتكم‬
‫خاطبا ً كريمتكم ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ي المخطوبة أن يخطب ‪ ،‬ويقول ‪ :‬بعد حمد الله‬
‫ويستحب أيضا لول ّ‬
‫والصلة والسلم على النبي وآله والوصية بقوى الله عز وجل ‪ :‬ليس‬
‫بمرغوب عنك ‪.‬‬
‫خطبة ‪ ،‬لورود ذلك عن‬
‫خطبة قبل ال ِ‬
‫خطبة قبل العقد آكد من ال ُ‬
‫وال ُ‬
‫السلف الصالح ‪. ‬‬
‫وقد تبرك الئمة رضي الله عنهم بما روي عن ابن مسعود ‪ ‬موقوفا ً‬
‫ومرفوعا ً قال ‪ :‬إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من نكاح وغيره ‪ ،‬فليقل ‪:‬‬
‫) إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‬
‫ل له ومن يضلل فل هادي له ‪،‬‬ ‫مض ّ‬
‫وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل ُ‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫ن إ ِل ّ وَأنُتم ّ‬ ‫موت ُ ّ‬ ‫قات ِهِ وَل َ ت َ ُ‬ ‫حقّ ت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ ‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ف ٍ‬ ‫من ن ّ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬‫] آل عمران ‪َ  . [ 102 :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ذي‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫ساء َوات ّ ُ‬ ‫جال ً ك َِثيرا ً وَن ِ َ‬ ‫ما رِ َ‬ ‫من ْهُ َ‬
‫ث ِ‬ ‫جَها وَب َ ّ‬ ‫من َْها َزوْ َ‬ ‫خل َقَ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫َوا ِ‬
‫م َرِقيبا ً ‪] ‬النساء‪[ 1:‬‬ ‫ن ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬‫ن ب ِهِ َوال َْر َ‬ ‫ساءُلو َ‬ ‫تَ َ‬
‫َ‬
‫ح ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫صل ِ ْ‬‫ديدًا}‪ {70‬ي ُ ْ‬ ‫س ِ‬‫ه وَُقوُلوا قَوْل ً َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪َ ‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ظيما ً ‪‬‬ ‫َ‬
‫وزا ً ع َ ِ‬ ‫قد ْ َفاَز فَ ْ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫من ي ُط ِعْ الل ّ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫م وَي َغْ ِ‬ ‫مال َك ُ ْ‬
‫أع ْ َ‬
‫] الحزاب ‪70 :‬ـ ‪[ 71‬‬
‫) انظر شرح الشربيني على المنهاج ‪ :‬كتاب النكاح ‪. ( 3/138 :‬‬
‫حكم الخلوة بالمخطوبة والختلط بها قبل العقد ‪:‬‬
‫لقد شاع وانتشر في بعض الوساط المسلمة ‪ ،‬البعيدة عن روح‬
‫السلم في الزواج ‪ ،‬أن الخاطب بمجرد أن يعلن خطبته يبدأ بالختلط‬
‫بخطيبته ‪ ،‬والخلوة بها ‪ ،‬مدعيا ً أنه يفعل ذلك ليتعرف أخلقها وطباعها ‪ ،‬وهو‬
‫مقتنع في قرارة نفسه أنه لن يستطيع أن يكشف من حقيقة أخلقها شيئا ً ‪،‬‬
‫لنه كان يفكر هو بأن أمامها ـ تصنعا ً ـ بأنه فارس أحلمها المنشود في‬
‫كرمه ‪ ،‬وتسامحه ‪ ،‬وكياسته ‪ ،‬فإنها هي أيضا ً تتصنع له أكثر مما يتصنع لها ‪،‬‬

‫‪45‬‬
‫وتحاول أن تفهمه أنها هي الفتاة التي رسمها في خيالها رقة وأنوثة ‪،‬‬
‫وذوقا ً ‪ ،‬وأدبا ً وأخلقا ً وسلوكا ً ‪.‬‬
‫إن اختلط الخاطب بالمخطوبة وخلوته بها قبل عقد الزواج أمر حرام‬
‫ل يقره شرع الله عز وجل ‪ ،‬ول يرضى به ‪ .‬قال رسول الله ‪ ‬ول يخلون‬
‫رجل بامرأة إل ومعهما ذو محرم " ‪.‬‬
‫رواه البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل يخلون رجل بامرأة …‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 4935‬ومسلم ) الحج ‪ ،‬باب ‪ :‬فرض الحج والعمرة مرة في العمر ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪. ( 1314‬‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهما‪ .‬والخطيبة قبل العقد تعتبر امرأة أجنبية ‪.‬‬
‫إن الفتاة العاقلة هي التي تمتنع عن الظهور أما خطيبها بعد أن رآها‬
‫رؤية الخطبة حتى يتم العقد ‪ ،‬لن من الواجب عليها أن تفكر في‬
‫مستقبلها ‪ ،‬وتحسب الحساب للعواقب التي يمكن أن تواجهها ‪ ،‬وتفكر بأن‬
‫هذا الخاطب إذا فسخ خطبته لها فلن يتقدم شاب آخر لخطبتها ‪ ،‬وهو يعلم‬
‫علقتها بخطيبها السابق ‪.‬‬
‫أما إذا تم العقد ‪ ،‬فقد حّلت الخلوة والخلطة لنها أصبحت زوجة له ‪،‬‬
‫يرى منها وترى منه ما بدا لهما ‪ ،‬من غير إثم ول حرج ‪.‬‬

‫أركان عقد النكاح‬


‫والتعريف بكل ركن ‪ ،‬وبيان شروطه‬

‫للنكاح أركان خمسة ‪ :‬وهي ‪:‬‬


‫ي ‪ ،‬وشاهدان ‪.‬‬
‫صيغة ‪ ،‬وزوجة ‪ ،‬وزوج ‪ ،‬وول ّ‬

‫الركن الول ‪ :‬الصيغة ‪:‬‬

‫‪46‬‬
‫ي الزوجة ‪ ،‬كقوله ‪ :‬زوجتك ‪ ،‬أو ‪:‬‬
‫والصيغة ‪ :‬هي اليجاب من ول ّ‬
‫أنكحتك ابنتي ‪.‬‬
‫دم‬
‫ح تق ّ‬
‫والقبول من الزوج كقوله ‪ :‬تزوجت ‪ ،‬أو نكحت ابنتك ‪ ،‬ويص ّ‬
‫ي ‪ ،‬لن التقدم والتأخر سواء في إفادة‬
‫لفظ الزوج على لفظ الول ّ‬
‫المقصود ‪.‬‬

‫الحكمة من تشريع الصيغة ‪:‬‬


‫والحكمة ‪ :‬هي أنه لما كان عقد الزواج من العقود التي ل بد ّ فيها من‬
‫رضا العاقدين ‪ ،‬والرضا أمر خفي ل ُيطلع عليه ‪ ،‬اعتبر الشرع الصيغة ـ وهي‬
‫اليجاب والقبول ـ دليل ً ظاهرا ً على الرضا في نفس كل من العاقدين ‪.‬‬
‫شروط الصيغة ‪:‬‬
‫ويشترط في الصيغة الشروط التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن تكون بلفظ التزويج ‪ ،‬أو النكاح ‪:‬‬
‫وما يشتق منهما ؛ كزّوجتك وأنكحتك ‪ ،‬وقبلت تزويجا ‪ ،‬أو قبلت نكاحها‬
‫‪.‬‬
‫وإنما اشترط لفظ التزويج اليجابي ‪ ،‬وما اشتق منهما ‪ ،‬لنهما‬
‫اللفظان الموضوعان في اللغة والشرع ‪ ،‬للدللة على عقد الزواج ‪ ،‬وهما‬
‫المستعملن في نصوص القرآن والسنة ‪ .‬ففي القرآن قال تعالى ‪:‬‬
‫مث َْنى وَث ُل َ َ‬
‫ث وَُرَباع َ ‪ ] ‬النساء ‪[ 3 :‬‬ ‫ساء َ‬
‫ن الن ّ َ‬
‫م َ‬ ‫ب لَ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫ما َ‬
‫طا َ‬ ‫حوا ْ َ‬
‫‪َ ‬فانك ِ ُ‬
‫وقال تعالى ‪:‬‬
‫ج‬
‫حَر ٌ‬
‫ن َ‬ ‫ن ع ََلى ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ي َل ي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫طرا ً َزوّ ْ‬
‫جَناك ََها ل ِك َ ْ‬ ‫من َْها وَ َ‬
‫ضى َزي ْد ٌ ّ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫‪ ‬فَل َ ّ‬
‫م …‪ ] …..‬الحزاب ‪[ 37 :‬‬ ‫ج أ َد ْ ِ‬
‫عَيائ ِهِ ْ‬
‫َ‬
‫ِفي أْزَوا ِ‬
‫دعوا أنهم‬‫] وطرا ً ‪ :‬حاجة ‪ ،‬ولم تبق له رغبة فيها ‪ .‬أدعيائهم ‪ :‬الذين ا ّ‬
‫أبناؤهم وهم ليسوا كذلك [ ‪.‬‬
‫وفي السّنة قال رسول الله ‪ " : ‬يا معشر الشباب من استطاع منكم‬
‫الباءة فليتزوج …‪. ".‬‬
‫) انظر دليل مشروعية النكاح ( ‪.‬‬
‫‪2‬ـ التصريح بلفظ الزواج ‪ ،‬أو النكاح في اليجاب وفي القبول ‪:‬‬

‫‪47‬‬
‫ي ‪ :‬زوجتك ابني ‪ ،‬فقال الزوج ‪ :‬قبلت ‪ ،‬لم ينعقد‬
‫فلو قال الول ّ‬
‫ي ‪ :‬قبلت ‪ ،‬لم ينعقد‬
‫النكاح ‪ .‬ولو قال الزوج ‪ :‬زّوجني ابنتك ‪ ،‬فقال الول ّ‬
‫النكاح أيضا َ ‪ ،‬لنهما لم يصرحا ً بلفظ الزواج ‪ ،‬أو النكاح ‪.‬‬

‫عقد النكاح بغير العربية ‪:‬‬


‫ح عقد النكاح باللغات العجمية ‪ ،‬وهي مساعد اللغة العربية ‪ .‬فلو‬
‫ويص ّ‬
‫ي‬
‫وجد اليجاب والقبول بلغة عجمية صح عقد النكاح ‪ ،‬ولو كان الزواج وول ّ‬
‫الزوجة يعرفان اللغة العربية ‪ ،‬اعتبارا ً بالمعنى ‪ ،‬لن لفظ الزواج أو النكاح ل‬
‫يتعلق بهما إعجاز ‪ ،‬فاكتفي بترجمتهما ‪.‬‬

‫عقد النكاح بألفاظ الكناية ‪:‬‬


‫ح عقد الزواج بألفاظ الكناية بأيّ لغة كانت ‪.‬‬
‫ل يص ّ‬
‫وألفاظ الكناية ‪ :‬هي التي تحتمل الزواج وغيره ‪ :‬كأحللتك ابنتي ‪ ،‬أو‬
‫وهبتها لك ‪ ،‬لن ألفاظ الكناية تحتاج إلى الّنية ‪ ،‬والّنية محّلها القلب ‪.‬‬
‫طلعون على ما في‬ ‫وعقد النكاح يشترط فيه الشهود ‪ ،‬والشهود ل ي ّ‬
‫القلوب ‪ ،‬حتى يشهدوا ‪ :‬إن كان العاقدان قد نويا النكاح ‪ ،‬أو غيره ‪.‬‬

‫عقد النكاح بالكتابة ‪:‬‬


‫وكذلك ل ينعقد النكاح بالكتابة ‪ ،‬سواء كان المتعاقدان حاضرين أو‬
‫غائبين ‪.‬‬
‫جتك ابنتي ‪ ،‬فوصل‬
‫ي الزوجة إلى غائب ‪ ،‬أو حاضر ‪ :‬زو ّ‬
‫فلو كتب ول ّ‬
‫ح العقد ‪ ،‬لن‬
‫الكتاب إلى الزوج ‪ ،‬فقـرأه ‪ ،‬وقال ‪ :‬قبلت زواج ابنتك ‪ ،‬لم يص ّ‬
‫الكتابة من الكناية ‪ ،‬والنكاح ل ينعقد بالكناية ‪.‬‬

‫إشارة الخرس المفهمة ‪:‬‬


‫أما إشارة الخرس المفهمة ‪ ،‬وهي التي ل يختص بفهم المراد منها‬
‫الفطنون الذكياء ‪ ،‬فإنها ينعقد بها عقد النكاح لنها تنزل منزلة اللفظ‬
‫الصريح ‪.‬‬
‫أما إذا كانت إشارته خفية ‪ ،‬ل يفهمها إل الذكياء الفطنون ‪ ،‬فل ينعقد‬
‫بها الزواج ‪ ،‬لنها عندئذ تنزل منزلة الكناية ‪ ،‬والكناية ل ينعقد بها الزواج ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫‪3‬ـ اتصال اليجاب بالقبول‪:‬‬
‫ومن شروط الصيغة أيضا أن يتصل اليجاب من الولي بالقبول من‬
‫الزوج ‪ ،‬فلو قال ولي الزوجة ‪ :‬زّوجتك ابنتي ‪ ،‬فسكت الزوج مدة طويلة ‪،‬‬
‫ثم قال ‪ :‬قبلت زواجها ‪ ،‬لم يصح العقد ‪ ،‬لوجود الفاصل الطويل بين‬
‫ي في هذه المدة عن الزواج‬
‫اليجاب والقبول ‪ ،‬مما يجعل أمر رجوع الول ّ‬
‫أمرا ً محتمل ً ‪ ،‬أما السكوت اليسير‪ :‬كتنفس ‪ ،‬وعطاس ‪ ،‬فإنه ل يضّر في‬
‫صحة العقد ‪.‬‬
‫‪4‬ـ بقاء أهلية العاقدين إلى أن يتم القبول‪:‬‬
‫ي الزوجة ‪ :‬زّوجتك ابنتي ولكن قبل أن يصدر القبول من‬
‫فلو قال ول ّ‬
‫ن الولي ‪ ،‬أو أغمي عليه ‪ ،‬فقبل الزوج ‪ ،‬لم يصح النكاح ‪.‬‬
‫الزوج ج ّ‬
‫ي‬
‫وكذلك لو قال الزوج ‪ :‬زّوجني ابنتك ‪،‬ثم أغمي عليه قبل أن يقول ول ّ‬
‫ح العقد ولو وجد القبول ‪ ،‬لفقدان‬
‫الزوجة ‪ :‬زّوجتك ‪ ،‬بطل اليجاب ‪ ،‬ولم يص ّ‬
‫أهلّية أحد العاقدين قبل تمام العقد ‪.‬‬
‫‪5‬ـ أن تكون الصيغة منجزة ‪:‬‬
‫فل تصح إضافة عقد الزواج إلى المستقبل ‪ ،‬ول تعليقه على شروط ‪.‬‬
‫فلو قال ولي الزوجة ‪ :‬إذا جاء رمضان فقد زّوجتك ابنتي ‪ ،‬فقال الزوج‬
‫‪ :‬تزوجتها ‪ ،‬لم يصح العقد ‪.‬‬
‫ي الزوجة ‪ :‬إن كانت ابنتي قد نجحت في المتحان فقد‬ ‫ولو قال ول ّ‬
‫زّوجتك إياها ‪ ،‬فقال الزوج ‪ :‬قبلت زواجها ‪ ،‬لم يصح الزواج أيضا ً ‪ ،‬لن عقد‬
‫الزواج يجب أن يكون منجزا ً ‪ ،‬تترتب عليه آثاره من حين إنشائه ‪ ،‬فإضافته‬
‫إلى المستقبل ‪ ،‬أو تعليقه على شروط يقتضي تأخير أحكام العقد إلى‬
‫المستقبل ‪ ،‬أو إلى وجود الشرط ‪ ،‬وهذا ُينافي مقتضى العقد ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪6‬ـ أن تكون الصيغة مطلقة ‪:‬‬
‫ح توقيت النكاح بمدة معلومة ‪ :‬كشهر ‪ ،‬أو سنة ‪ ،‬أو مجهولة ‪:‬‬
‫فل يص ّ‬
‫ي الزوجة ‪ :‬زّوجتك ابنتي شهرا ً ‪ ،‬أو سنة ‪ ،‬أو إلى‬
‫كقدوم غائب ‪ ،‬فلو قال ول ّ‬
‫قدوم فلن ‪ ،‬فقال الزوج ‪ :‬قبلت زواجها ‪ ،‬لم ينعقد الزواج في هذه الصور ‪،‬‬
‫لن هذا من نكاح المتعة المحّرمة ‪.‬‬
‫روى مسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬نكاح المتعة وبيان أنه ُأبيح ثم نسخ …‪،.‬‬
‫سب َْرة الجهني ‪ ‬أنه كان مع رسول الله ‪‬‬
‫رقم ‪ ( 1406 :‬وغيره عن َ‬
‫فقال ‪ " :‬يا أّيها الناس ‪ ،‬إني قد كنت أذنت لكم في الستمتاع من النساء ‪،‬‬
‫ن شيء فليخ ّ‬
‫ل‬ ‫وإن الله قد حّرم ذلك إلى يوم القيامة ‪ ،‬فمن كان عنده منه ّ‬
‫ن شيئا ً " ‪.‬‬
‫سبيله ‪ ،‬ول تأخذوا مما آتيتموه ّ‬
‫نكاح الشغار ‪:‬‬
‫ي الزوجة لرجل ‪ :‬زّوجتك‬
‫ح نكاح الشغار ‪ ،‬وهو ‪ :‬أن يقول ول ّ‬
‫ل يص ّ‬
‫لخرى ‪.‬‬‫ابنتي على أن ُتزوجني ابنتك ‪ ،‬ويضع كل واحدة منهما صداق ل ُ‬
‫ّ‬
‫فيقول الخر‪ :‬تزوجت ابنتك ‪ ،‬وزوجتك ابنتي على ما ذكرت ‪.‬‬
‫وسبب بطلن هذا الزواج هو تعليق زواج ك ّ‬
‫ل من الزوجين على‬
‫الخرى ‪ ،‬والتعليق مفسد للعقد كما سبق ‪.‬‬
‫وأيضا ً ‪ ،‬فإن النبي ‪ ‬نهى عن نكاح الشغار ‪.‬‬
‫روى البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الشغار ‪ ،‬رقم ‪ (4822 :‬ومسلم‬
‫) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم نكاح الشغار وبطلنه ‪ ،‬رقم ‪ (1415 :‬وغيرهما عن‬
‫ابن عمر ‪ ) : ‬أن رسول الله ‪ ‬نهي عن ال ّ‬
‫شغار ‪ ،‬والشغار ‪ :‬أن يزّوج‬
‫الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته ‪ ،‬وليس بينهما صداق ‪.‬‬
‫وسمي هذا الزواج شغارا ً أخذا ً من قولهم ‪ :‬شغر البلد من السلطان ‪:‬‬
‫إذا خل عنه ‪.‬‬
‫وهذا الزواج قد خل هو أيضا ً من المهر ‪ ،‬فأشبه البلد الشاغر من‬
‫السلطان ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫الركن الثاني ‪ :‬الزوجة ‪:‬‬
‫ح نكاحها الشروط التالية ‪:‬‬
‫ويشترط في الزوجة ليص ّ‬
‫وها من موانع النكاح التي مر ذكرها في محرمات النكاح والخطبة ‪.‬‬
‫‪1‬ـ خل ّ‬
‫ي الزوجة لرجل ‪ :‬زّوجتك إحدى‬
‫‪2‬ـ أن تكون الزوجة معينة ‪ ،‬فلو قال ول ّ‬
‫ح العقد ‪ ،‬لعدم تعيين البنت التي يزوجها ‪.‬‬
‫بناتي ‪ ،‬لم يص ّ‬
‫ة بحج أو عمرة ‪.‬‬
‫م ً‬
‫حرِ َ‬‫م ْ‬ ‫‪3‬ـ أن ل تكون الزوجة ُ‬
‫روى مسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته ‪ ،‬رقم‬
‫‪ ( 1409 :‬وغيره عن عثمان‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ " : ‬ل ُين َ‬
‫كح‬
‫مة ‪ ،‬ول‬
‫خطب " أي ل يتزوج المحرم ‪ ،‬ومثله المحَر َ‬ ‫المحرم ‪ ،‬ول ُين َ‬
‫كح ‪ ،‬ول ي َ ْ‬
‫يزّوجه غيره امرأة محرمة ‪ ،‬أو غير محرمة ‪ ،‬سواء كان بولية ‪ ،‬أو وكالة ‪،‬‬
‫ول يطلب امرأة للتزويج ‪.‬‬
‫الركن الرابع ‪ :‬الزوج ‪:‬‬
‫ويشترط فيه الشروط التالية ‪:‬‬
‫من يحل للزوجة التزّوج به ‪ ،‬وذلك بأن ل يكون من المحرمين‬
‫‪1‬ـ أن يكون م ّ‬
‫عليها ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يكون الزوج معينا ً ‪ ،‬فلو قال الول ّ‬
‫ي ‪ :‬زّوجت ابنتي إلى أحدكما ‪ ،‬لم‬
‫ح الزواج ‪ ،‬لعدم تعيين الزوج ‪.‬‬
‫يص ّ‬
‫‪3‬ـ أن يكون الزوج حلل ً ‪ ،‬أي ليس محرما ً بحج أو عمرة ‪ ،‬للحديث السابق "‬
‫كح ‪ ،‬ول يخطب " ‪.‬‬‫كح المحرم ‪ ،‬ول ُين َ‬
‫ل ي َن ْ ِ‬
‫الركن الرابع ‪ :‬الوالي ‪:‬‬
‫معنى الولية ‪:‬‬
‫الولية في اللغة ‪ :‬تأتي بمعنى المحبة والنصرة ‪ .‬وعليه قوله تعالى ‪:‬‬
‫م ال َْغال ُِبو َ‬
‫ن‪‬‬ ‫ب الل ّهِ هُ ُ‬
‫حْز َ‬ ‫مُنوا ْ فَإ ِ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ه َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ل الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫‪ ‬وَ َ‬
‫من ي َت َوَ ّ‬
‫] المائدة ‪. [ 56 :‬‬
‫والولية في الشرع ‪ :‬هي تنفيذ القول على الغير ‪ ،‬والشراف على‬
‫شؤونه ‪.‬‬
‫والمراد بالغير ‪ :‬القاصر والمجنون ‪ ،‬والبالغة في ولية الختبار ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ويعّرفها بعضهم ‪ :‬بأنها تنفيذ القول على الغير‪ ،‬شاء أو أبى ‪ ،‬فتشمل‬
‫على هذا ولية الجبار ‪.‬‬
‫من أعطته الشريعة حق الولية ‪ :‬وليا ً ‪.‬‬ ‫ويسمى َ‬
‫ضِعيفا ً أ َوْ ل َ‬ ‫َ‬
‫فيها ً أوْ َ‬
‫س ِ‬
‫حقّ َ‬ ‫ذي ع َل َي ْهِ ال ْ َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫كا َ‬‫قال الله تعالى ‪َ  :‬فإن َ‬
‫َ‬
‫ل‪ ] ‬البقرة ‪. [ 282 :‬‬ ‫ه ِبال ْعَد ْ ِ‬‫ل وَل ِي ّ ُ‬ ‫ل هُوَ فَل ْي ُ ْ‬
‫مل ِ ْ‬ ‫م ّ‬‫طيعُ أن ي ُ ِ‬
‫ست َ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫حكمة مشروعية الولية ‪:‬‬
‫والحكمة من مشروعية الولية على الصغار والقاصرين إنما هي رعاية‬
‫مصالحهم ‪ ،‬حتى ل تضيع هدرا ً ‪ ،‬وحفظ حقوقهم ‪ ،‬وتدبير شؤونهم ‪.‬‬

‫وجود الولي واجب في عقد الزواج ‪:‬‬


‫لبد في تزويج المرأة بالغة كانت أو صغيرة ‪ ،‬ثّيبا ً كانت أو بكرا ً ‪ ،‬من‬
‫ي يلي عقد زواجها ‪.‬‬
‫ول ّ‬
‫فل يجوز لمرأة ُتزّوج نفسها ‪ ،‬ول أن تزّوج غيرها ‪ ،‬بإذن أو بغير إذن‬
‫سواء صدر منها اليجاب ‪ ،‬أو القبول ‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه الدارقطني ) في النكاح ‪ ( 3/227‬عن أبي هريرة‬
‫‪ : ‬أن النبي ‪ ‬قال ‪ " :‬ل تزّوج المرأة ُ المرأة ‪ ،‬ول تزّوج نفسها " وكنا‬
‫نقول ‪ :‬التي تزّوج نفسها هي الفاجرة ‪ .‬وفي رواية ‪ :‬هي الزانية ‪.‬‬
‫الحكمة من اشتراط الولي في زواج المرأة ‪:‬‬
‫ي أنه ل يليق بمحاسن العادات دخول‬
‫والحكمة من اشتراط الول ّ‬
‫المرأة في مباشرة عقد الزواج ‪ ،‬وذلك لما يجب أن تكون عليه من الحياء‪.‬‬
‫ي في عقد زواج المرأة ‪:‬‬
‫‪5‬ـ دليل وجوب الول ّ‬
‫ي في عقد زواج المرأة بالقرآن الكريم ‪،‬‬
‫واسُتدل على وجوب الول ّ‬
‫والسّنة النبوية ‪:‬‬

‫ساء فَب َل َغْ َ‬


‫ن‬ ‫م الن ّ َ‬‫قت ُ ُ‬ ‫ذا ط َل ّ ْ‬
‫أما القرآن الكريم ‪ :‬فقوله تعالى ‪  :‬وَإ ِ َ‬
‫أ َجل َهن فَل َ تعضُلوهُن َأن ينكح َ‬
‫ف …‪ .‬‬‫معُْرو ِ‬ ‫ضوْا ْ ب َي ْن َُهم ِبال ْ َ‬ ‫ن إِ َ‬
‫ذا ت ََرا َ‬ ‫جه ُ ّ‬
‫ن أْزَوا َ‬
‫َ ِ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ ُ ّ‬
‫] البقرة ‪. 232 :‬‬
‫قال الشافعي رحمة الله تعالى ‪ :‬هذه الية أصرح دليل على اعتبار‬
‫ي ‪ ،‬إذ لو لم يكن معتبرا ً لما كان لعضله معنى ‪.‬‬
‫الول ّ‬
‫‪52‬‬
‫والعضل ‪ :‬منع المرأة من الزواج ‪.‬‬
‫ح إل ب َوِّلي‬
‫وأما السّنة ‪ :‬فما رواه ابن حّبان ‪ :‬أن النبي ‪ ‬قال ‪ " :‬ل نكا َ‬
‫دل ‪ ،‬وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل " ‪.‬‬
‫وشاهد َيْ ع ْ‬
‫ي‬
‫) موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ‪ :‬النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الول ّ‬
‫ي ‪ ،‬رقم ‪، ( 2085 :‬‬
‫والشهود ( ‪ .‬وروى أبو داود ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في الول ّ‬
‫ي ‪ ،‬رقم ‪ (1101 :‬عن أبي موسى‬ ‫والترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل نكاح إل بول ّ‬
‫ي"‪.‬‬ ‫ول ّ‬ ‫الشعري ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال ‪ " :‬ل ن ِ َ‬
‫كاح إل ب َ‬
‫ي وما يترتب عليه ‪:‬‬
‫‪6‬ـ حكم الزواج بغير ول ّ‬
‫ي اعتبر زواجها باطل ً ‪ ،‬ثم إن‬
‫فإذا زوجت المرأة نفسها من غير ول ّ‬
‫أعقب هذا الزواج دخول وجب التفريق بينهما ‪ ،‬لبطلن العقد ‪ ،‬ووجب‬
‫م‪.‬‬
‫س ّ‬
‫للمرأة مهر المثل ‪ ،‬سواء سمي لها في العقد مهر ‪ ،‬أم لم ي ُ َ‬
‫ذن ولّيها‬‫ودليل ذلك ‪ :‬قول النبي ‪ " : ‬أّيما امرُأة نكحت بغير إ ْ‬
‫ل من فرجها ‪ ،‬فإن‬ ‫ل ـ ثلثا ً ـ فإن دخل بها فلها المهر بما استح ّ‬
‫حها باط ّ‬
‫فنكا ُ‬
‫ي له (‪.‬‬
‫ي من ل ول ّ‬
‫ن ول ّ‬
‫تشاجروا ‪ ،‬فالسلطا ُ‬
‫رواه أبو داود ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في والولي ‪ ،‬رقم ‪ ( 2083 :‬وابن ماجه‬
‫ي ‪ ،‬رقم ) ‪ ،( 1881‬والترمذي ) النكاح ‪،‬‬
‫) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل نكاح إل بول ّ‬
‫ي ‪ ،‬رقم ‪ ( 1102 :‬عن عائشة رضي الله عنها ‪.‬‬
‫باب ‪ :‬إل بول ّ‬
‫ي ‪ .‬حد ّ‬
‫م بغير ول ّ‬
‫ول يجب على الواطئ في هذا النكاح الباطل ـ الذي ت ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫الزنى ‪ ،‬لشبهة اختلف العلماء في صحة النكاح بغير ول ّ‬
‫والحدود تدرأ بالشبهات ‪ ،‬لكن فيه التعزيز ‪.‬‬
‫درها القاضي بما يراه رادعا ً ومؤدبا ً ‪.‬‬
‫والتعزيز عقوبة دون الحد ّ يق ّ‬
‫‪7‬ـ الولياء في الزواج حسب ترتيبهم ‪:‬‬
‫والولياء في الزواج هي على الترتيب التي ‪:‬‬
‫الب ‪.‬‬
‫ثم الجد أبو الب ‪.‬‬
‫ثم الخ الشقيق ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫ثم الخ من الب ‪.‬‬
‫ثم ابن الخ الشقيق ‪.‬‬
‫ثم ابن الخ من الب ‪.‬‬
‫ثم العم الشقيق ‪.‬‬
‫ثم العم من الب ‪.‬‬
‫ثم ابن العم الشقيق ‪.‬‬
‫ثم ابن العم من الب ‪.‬‬
‫عدمت العصبات فالقاضي ‪ ،‬لما سبق من‬
‫وهكذا سائر العصبات ‪ ،‬فإن ُ‬
‫قوله ‪: ‬‬
‫ي له " ‪.‬‬
‫ي من ل ول ّ‬
‫" فالسلطان ول ّ‬
‫‪8‬ـ ولية البن في الزواج ‪:‬‬
‫هذا ول ولية للبن ‪ ،‬ول لبن البن في الزواج ‪ ،‬فل يزوج ابن أمه‬
‫بولية البنوة ‪ ،‬لنها ل مشاركة بينه وبينها في النسب ‪ ،‬إذ انتسابها إلى أبيها ‪،‬‬
‫لمه ‪ ،‬فإن كان ابن‬ ‫وانتساب البن إلى أبيه ‪ .‬إل أن يكون من أبناء العمومة ُ‬
‫ي أقرب منها جاز له أن يزّوجها ‪.‬‬
‫مها ‪ ،‬ولم يوجد ول ّ‬
‫ابن ع ّ‬
‫‪9‬ـ شروط الولي ‪:‬‬
‫ي ‪ ،‬أبا كان أو غيره ‪ ،‬الشروط التالية ‪:‬‬
‫ويشترط في الول ّ‬
‫أ ـ السلم ‪:‬‬
‫فل يزّوج الكافر المسلمة ‪ ،‬لنه ل ولية لكافر على مسلم ‪ .‬قال الله‬
‫سِبيل ً ‪ ] ‬النساء ‪:‬‬
‫ن َ‬ ‫ن ع ََلى ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ري َ‬ ‫ه ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫تعالى ‪  :‬وََلن ي َ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫‪. [1401‬‬
‫ولن ولية الزوج مبنية على التعصب في الرث ‪ ،‬ول توارث بين‬
‫مسلم وكافر ‪.‬‬
‫ويزوج كافر كافرة ‪ ،‬ولو اختلف اعتقادها ‪ ،‬فيزوج اليهودي نصرانية ‪،‬‬
‫والنصراني يهودية ‪ ،‬لن الكفر كله ملة واحدة ‪ .‬قال الله تعالى ‪َ  :‬واّلذي َ‬
‫ن‬
‫فروا ْ بعضه َ‬
‫ض‪ ] ‬النفال ‪. [ 73 :‬‬
‫م أوْل َِياء ب َعْ ٍ‬‫َْ ُ ُ ْ‬ ‫كَ َ ُ‬
‫ب ـ العدالة ‪:‬‬

‫‪54‬‬
‫والمقصود بالعدالة ‪ :‬عدم ارتكاب الكبائر من الذنوب ‪ ،‬وعدم الصرار‬
‫على الصغائر ‪ ،‬وعدم فعل ما يخ ّ‬
‫ل بالمروءة ‪ :‬كالبول في الطرقات ‪،‬‬
‫والمشي حافيا ‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫ي الذي‬
‫فل ُيزّوج الفاسق مؤمنة ‪ ،‬بل ينتقل حق تزويجها إلى الول ّ‬
‫يليه ‪ ،‬إن كان عدل ً ‪.‬‬
‫شد " رواه الشافعي في‬
‫مْر ِ‬
‫ي ُ‬
‫ول ّ‬ ‫قال رسول الله ‪ " : ‬ل نكا َ‬
‫ح إل ب َ‬
‫مسنده بسند صحيح ‪.‬‬
‫وقال الشافعي رحمه الله تعالى ‪ :‬المراد بالمرشد في الحديث ‪:‬‬
‫العدل ‪.‬‬
‫ولن الفسق نقص يقدح في الشهادة ‪ ،‬فيمنع الولية في الزواج ‪.‬‬
‫وفي قول ‪ :‬ل تشترط العدالة في الزواج ‪ ،‬لن الولية في الزواج‬
‫مبنية على التعصب ‪ ،‬والعصبة تحمله وفرة الشفقة على تحّري مصلحة‬
‫موليته ‪ ،‬و هذه الشفقة ل تختلف بين العدل وغيره ‪.‬‬
‫ولن اشتراط العدالة قد يؤدي إلى حرج كبير لقّلة العدول ‪ ،‬ولسيما‬
‫في هذه اليام ‪ ،‬ولم يعرف أن الفسقة كانوا ُيمنعون من تزويج بناتهم في‬
‫أيّ عصر من العصور ‪.‬‬
‫ج ـ البلوغ ‪:‬‬
‫فل ولية لصبي على غيره من الزواج ‪ ،‬لنه ل ولية له على نفسه ‪،‬‬
‫فل ولية له على غيره من باب أولى ‪.‬‬
‫د ـ العقل‪:‬‬
‫فل ولية لمجنون ‪ ،‬لنه ل ولية له على نفسه ‪ ،‬فأولى أن ل يكون له‬
‫ولية على غيره‬
‫مخّلة بالنظر ‪:‬‬‫هـ ـ السلمة من الفاق ال ُ‬
‫فل ولية لمخت ّ‬
‫ل النظر بسبب هرم ‪ ،‬أو خبل ‪ ،‬لعجز هؤلء عن اختيار‬
‫فاء ‪ ،‬فإن كان مريضا ً يغمى عليه انتظرت إفاقته ‪ ،‬لن الغماء قريب‬
‫الك ّ‬
‫الزوال كالنوم ‪.‬‬
‫وـ أن ل يكون محجورا ً عليه بسفه ‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫والمحجور عليه بسفه ‪ :‬هو الذي يبذر ماله ‪ ،‬لن السفيه ل ولية له‬
‫على نفسه ‪ ،‬فأولى أن ل يكون له ولية على غيره ‪.‬‬
‫زـ أن يكون حلل ً ‪:‬‬
‫م بحج أو عمرة غيره ‪ ،‬وهو محرم ‪ ،‬لما سبق من قوله ‪‬‬
‫حر ُ‬
‫م ْ‬
‫فل يزّوج ال ُ‬
‫‪ " :‬ل ينكح المحرم ول ينكح " ‪.‬‬
‫رواه مسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته ‪ ،‬رقم‬
‫‪. ( 1409 :‬‬
‫تنبيـه ‪:‬‬
‫ي قريب من الولياء ‪،‬‬
‫إذا فقدت هذه الشروط التي ذكرت في ول ّ‬
‫من توفرت فيه شروط الولية‬ ‫ي الذي يليه ‪ ،‬م ّ‬
‫انتقل حق الولية إلى الول ّ‬
‫محرم ‪ ،‬فإنه ل تنتقل الولية عنه إلى البعد منه ‪ ،‬لن الحرام ل‬ ‫كاملة ‪ ،‬إل ال ُ‬
‫يسلب الولية ‪ ،‬لبقاء الرشد والنظر ‪ ،‬وإنما يمنع النكاح ‪ ،‬ولكن ينتقل حق‬
‫ي القريب ‪.‬‬
‫التزويج إلى السلطان عند إحرام الول ّ‬
‫‪10‬ـ أقسام الولية ‪:‬‬
‫تنقسم الولية في الزواج إلى قسمين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ولية إجبار ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬ولية اختيار ‪.‬‬
‫لجبار‪:‬‬‫ولية ا َ‬

‫وولية الجبار ثابتة للب ‪ ،‬والجد أبي فقط ‪ ،‬ول ولية إجبار لغيرهما ‪.‬‬
‫وولية الجبار إنما تكون في تزويج البنت البكر ‪ ،‬صغيرة كانت أو‬
‫كبيرة ‪ ،‬عاقلة أو مجنونة ‪.‬‬
‫فلبيها ـ وكذلك لجدها أبي أبيها ـ أن يزّوجها بغير إذنها ورضاها ‪ ،‬لنه‬
‫أدرى بمصلحتها ‪ ،‬ولوفرة شفقته عليها ل يختار لها إل ما فيه مصلحة لها ‪.‬‬
‫جوا لهذا بقوله ‪ " : ‬الّيم أحقّ بنفسها من ولّيها …" وسيأتي‬
‫واحت ّ‬
‫بعد قليل ـ فإنه يدل بمفهومه أن البكر ولّيها أحق بها من نفسها ‪ ،‬لن اليم‬
‫هي الثيب ‪ ،‬وهي غير البكر ‪.‬‬
‫لكن شرطوا لصحة هذا الجبار ثلثة شروط ‪:‬‬
‫أ ـ أن ل يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة ‪.‬‬
‫ب ـ أن يكون الزوج كفؤا ً ‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫ج ـ أن يكون الزوج موسرا ً بمعجل المهر ‪.‬‬
‫الترغيب في استئذان البكر في الزواج ‪:‬‬
‫إذا قلنا إن ولية الب ـ ومثله أبو الب ـ هي ولية إجبار ‪ ،‬فليس معنى‬
‫ذلك أن الفضل أن يجبرها على الزواج ‪ ،‬ويمهل رأيها ‪ ،‬بل الفضل‬
‫والمستحب أن يستأذنها في تزويجها ‪ ،‬تقديرا ً لها ‪ ،‬وتطبيقا ً لقلبها ‪.‬‬
‫ح‬ ‫ودليل ذلك قول النبي ‪ " : ‬ل ت ٌُْنك ٌ‬
‫ح اليم حتى تستأمر ‪ ،‬ول تنك ُ‬
‫ن ‪ ،‬قالـوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬وكيف إذُنها ؟ قال ‪ :‬أن تس ُ‬
‫كت‬ ‫البكُر حتى تستأذ ُ‬
‫"‪.‬‬
‫رواه مسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬استئذان الّثيب في النكاح بالنطق والبكر‬
‫بالسكوت ‪ ،‬رقم ‪ ( 1419 :‬والترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في استئذان‬
‫البكر والثيب ‪ ،‬رقم ‪ ( 2107 :‬وروى مسلم ) النكاح ‪ ،‬باب استئذان الّثيب‬
‫في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت ‪ ،‬رقم ‪ ( 1421 :‬عن ابن عباس ‪: ‬‬
‫ن النبي ‪ ‬قال ‪ " :‬اليم أحق بنفسها من وليها ‪ ،‬والبكُر تستأذ ُ‬
‫ن في نفسها‬ ‫أ ّ‬
‫صماُتها " ‪ .‬ورواه الترمذي أيضا ً ) النكاح‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في استئذان‬
‫‪ ،‬وإذُنها ُ‬
‫البكر والثّيب ‪ ،‬رقم ‪. ( 1108 :‬‬
‫] والّيم في الحديثين ‪ :‬هي الثّيب [ ‪.‬‬
‫والحديثان محمولن على الندب في حق البكر ‪.‬‬
‫ولية الختيار ‪:‬‬
‫ولية الختيار ‪ :‬فهي ثابتة لكل الولياء الذين ذكرناهم ‪ ،‬وعلى الترتيب‬
‫دمناه ‪.‬‬
‫الذي ق ّ‬
‫وولية الختيار إنما تكون في تزويج المرأة الثيب ‪ ،‬فل يصح تزويجها‬
‫من قبل أي من أوليائها ـ ولو كان أبا ً ـ إل بإذنها ورضاها ‪.‬‬
‫ودليل ذلك حديث مسلم والترمذي السابق ‪ ) :‬ل تنكح اليم حتى‬
‫تستأمر ( ‪.‬‬
‫وحديث مسلم والترمذي أيضا ً ‪ ) :‬اليم أحق بنفسها من وليها ( ‪.‬‬
‫والثّيب ‪ :‬هي التي زالت بكارتها بوطء حلل أو حرام ‪ ،‬ول بمرض أو‬
‫سقطة ‪ ،‬أو غير ذلك ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫الحكمة من استئمار الّثيب‪:‬‬
‫والحكمة من استئمار الثيب ‪ ،‬وعدم تزويجها إل برضاها هي أنها‬
‫عرفت مقصود النكاح ‪ ،‬فل يجبر عليه ‪ ،‬ولنها لممارستها الزواج ل تستحي‬
‫من التصريح به ‪،‬بخلف البكر فإنها تستحي من التصريح به ‪.‬‬
‫تزويج الثيب الصغيرة ‪:‬‬
‫الّثيب الصغيرة التي هي دون البلوغ ‪ ،‬ل يجوز لبيها ‪ ،‬ول لي ولي من‬
‫أوليائها تزويجها حتى تبلغ ‪ ،‬لن إذن الصغيرة غير معتبر ‪ ،‬فامتنع تزويجها‬
‫حتى تبلغ ‪ ،‬فيكون إذنها معتبرا ً ‪.‬‬
‫عضل الوّلي ‪:‬‬
‫العضل ‪ :‬منع المرأة من الزواج ‪.‬‬
‫فإذا طلبت امرأة بالغة عاقلة الزواج من كفء ‪ ،‬وجب علي ولّيها أن‬
‫يزوجها ‪ ،‬فإذا امتنع الولي ـ ولو أبا ـ من تزويجها ‪ ،‬زّوجها السلطان ‪ ،‬لن‬
‫تزويجها حق على أوليائها إذا طلبها الكفؤ ‪ ،‬فإذا امتنعوا من وفاته لها ‪ ،‬وّفاه‬
‫الحاكم ‪.‬‬
‫ذلك ‪ :‬مـا رواه أبو داود ) النكـاح ‪ ،‬بـاب ‪ :‬في الولي ‪ ،‬رقـم‬ ‫ودليل‬
‫‪ ، ( 2038‬والترمـذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء ل نكاح إل بولي ‪ ،‬رقم‬
‫‪ ( 1102‬أن النبي ‪ ‬قال ‪ " :‬السلطان ولي من ل ولي له " ‪.‬‬
‫عين الولي كفؤا ً غيره ‪ ،‬كان له أن يمنعها‬
‫لكن إذا عّينت هو كفؤا ً ‪ ،‬و ّ‬
‫من الكفء الذي عّينته ‪ ،‬ويزوجها من الكفء الذي عّينه ‪ ،‬إذا كانت بكرا ً ‪،‬‬
‫لنه أكمل نظرا ً منها ‪.‬‬
‫غيبة الوّلي ‪:‬‬
‫ي القرب ‪ ،‬فإن كان مكان غيبته بعيدا ً ـ‬
‫إذا تعدد الولياء ‪ ،‬وغاب الول ّ‬
‫مرحلتين فأكثر ‪ ،‬والمرحلتان مسيرة يوم وليلة ـ فإنه ل ينتقل حق الولية‬
‫ي‪،‬‬
‫إلى الولي البعد منه ‪ ،‬وإنما يزوجها سلطان بلده ‪ ،‬لن الغائب ول ّ‬
‫والتزويج حق له ‪ ،‬فإن تعذر استيفاء حق الزوجة منه لغيبته ‪ ،‬ناب عنه الحاكم‬
‫‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫أما إذا كان مكان غيبته قريبا ً ـ أي أقل من مرحلتين ـ فل يزوج‬
‫السلطان إل بإذنه‪ ،‬لقصر المسافة ‪ ،‬وإمكان مراجعته ‪ ،‬فإما أن يحضر ‪ ،‬أو‬
‫كل ‪ ،‬كما لو كان مقيما ً ‪.‬‬
‫يو ّ‬
‫اجتماع أولياء في درجة واحدة ‪.‬‬
‫إذا اجتمع أولياء المرأة وكانوا في درجة واحدة من النسب ‪ ،‬كإخوة‬
‫أشقاء أو لب ‪ ،‬استحب أن يزّوجها أفقههم بباب النكاح ‪ ،‬لنه أعلم‬
‫بشرائطه ‪.‬‬
‫وبعده يزوجها أورعهم ‪ ،‬لنه أشق وأحرص على طلب الغبط لها ‪.‬‬
‫ثم أسّنهم لزيادة تجربته ‪.‬‬
‫ويزّوجها كل واحد من هؤلء برضا الخرين ‪ ،‬لتجتمع الراء ‪ ،‬ول‬
‫بتشوش بعضهم باستئثار بعض بالعقد ‪ .‬فإن اختلف الولياء ‪ ،‬وقال كل واحد‬
‫منهم أنا أزّوج ‪ ،‬أقرع بينهم وجوبا ً قطعا ً للنزاع ‪ ،‬فمن خرجت قرعته زّوجها ‪.‬‬
‫من خرجت قرعته ‪ ،‬وكانت قد أذنت‬
‫فلو زوجها المفضول ‪ ،‬أو غير َ‬
‫لكل منهم أن يزوجها ‪ ،‬صح تزويجه لها للذن فيه ‪ ،‬أما لو كانت أذنت لواحد‬
‫ح لعدم إذنها ورضاها ‪.‬‬
‫منهم ‪ ،‬فزّوجها غيره ‪ ،‬فإنه ل يص ّ‬
‫فقدان الولياء ‪:‬‬
‫إذا انعدم الولياء انتقلت الولية إلى القاضي ‪ ،‬لنه منصوب لتحقيق‬
‫مصالح المسلمين ‪.‬‬
‫من ل ولي لها مصلحة يجب تحقيقها ‪ ،‬وقد تقدم قول‬
‫وفي تزويج َ‬
‫النبي ‪ ": ‬السلطان ولي من ل ولي له " ‪.‬‬
‫رواه الترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء ل نكاح إل بولي ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪. ( 1102‬‬
‫الوكالة في الزواج ‪:‬‬
‫ي المجبرـ وهو الب والجد أبو الب ـ في تزويج البكر ‪،‬‬
‫ح للول ّ‬
‫يص ّ‬
‫التوكيل في تزويجها بغير إذنها‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫ول يشترط في صحة هذه الوكالة أن يعين الولي للوكيل الزوج ‪ ،‬لن‬
‫الولي يملك التعيين في التوكيل ‪ ،‬فيملك الطلق به ‪ ،‬وإذا أطلق الولي‬
‫الوكالة ‪ ،‬وجب على الوكيل أن يحتاط لمصلحة الزوجة ‪ ،‬فل يزّوجها من غير‬
‫كفء ‪ ،‬لن التوكل عند الطلق يحمل على الكفء ‪.‬‬
‫أما غير المجبر من الولياء ـ وهو غير الب والجد أبي الب ـ فل يجوز‬
‫له التوكيل في التزويج إل بإذن المرأة ‪ ،‬لنه ل يملك تزويجها بغير إذنها ‪،‬‬
‫فأولى أن ل يملك أن يوكل من يزّوجها بغير إذنها ‪.‬‬
‫الركن الخامس ‪ :‬الشاهدان ‪:‬‬
‫تمهيـد ‪:‬‬
‫إن عقد الزواج ‪ ،‬وإن كان كغيره من العقود التي يشترط فيها الرضا‬
‫واليجاب والقبول ‪ ،‬لكن السلم أحاط هذا العقد بهالة من التعظيم‬
‫والتفخيم ‪ ،‬وطبعه بطابع ديني ‪ ،‬وصبغه صبغة تعبدية ‪ ،‬فجعل القدام عليه‬
‫طاعة لله عز وجل ‪ ،‬وقربة من القربات التي يثاب عليها‪.‬‬
‫ولما كان لعقد النكاح نتائج خطيرة تترتب عليه ـ من حل المعاشرة‬
‫بين الزوجين ‪ ،‬ووجوب المهر والنفقة ‪ ،‬وثبوت نسب الولد ‪ ،‬واستحقاق‬
‫الرث ‪ ،‬ووجوب المتابعة ‪ ،‬ولزوم الطاعة ‪ ،‬وكانت هذه النتائج عرضة‬
‫للجحود والكنود من كل من الزوجين ـ احتاط الدين لها ‪ ،‬وأوجب حضور‬
‫شاهدين ـ على القل ـ يشهدان عقد الزواج ‪ ،‬وشرط فيهما شروطا ً تجعلهما‬
‫مكان الثقة والطمئنان لثبات تلك النتائج ‪ ،‬إذا ما دعت الحاجة إلى‬
‫ب شقاق بين الزوجين ‪ ،‬أو تنكر منهما أحد لحقوق هذا‬
‫شهادتهما ‪ ،‬فيما إذا د ّ‬
‫العقد ونتائجه ‪.‬‬
‫دليل وجوب الشاهدين في عقد النكاح ‪:‬‬
‫والدليل على وجوب شاهدين في عقد النكاح قوله‪ ": ‬ل نكاح إل‬
‫بولي وشاهدي عدل ‪ ،‬وما كان غير ذلك فهو باطل "‪.‬‬
‫رواه ابن حبان في صحيحه ‪ .‬انظر موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان‬
‫) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الولي والشهود ‪ ،‬رقم ‪. ( 1247 :‬‬

‫‪60‬‬
‫شروط الشاهدين ‪:‬‬
‫يشترط في الشاهدين الشروط التالية ‪:‬‬
‫أ ـ السلم ‪:‬‬
‫فل يصح عقد النساء بشهادة غير المسلمين ‪ ،‬لن لعقد الزواج اعتبارا ً‬
‫دينيا ً ‪ ،‬فلبد ّ أن يشهده من يدين بدين السلم ‪ ،‬ولن غير المسلم ل يوّفق‬
‫بشهادته على المسلمين ‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أن الشهادة ولية ‪ ،‬فل تقبل شهادة غير المسلم على‬
‫ت‬‫مَنا ُ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن َوال ْ ُ‬ ‫المسلم ‪ ،‬لنه ل ولية له عليه ‪ .‬قال تعالى ‪َ  :‬وال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬
‫بعضه َ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫جعَ َ‬ ‫ض‪ ] ‬التوبة ‪ [ 71 :‬وقال تعالى ‪  :‬وََلن ي َ ْ‬ ‫م أوْل َِياء ب َعْ ٍ‬‫َْ ُ ُ ْ‬
‫سِبيل ً ‪ ] ‬النساء ‪. [ 141 :‬‬ ‫ن َ‬
‫مِني َ‬ ‫ن ع ََلى ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫كافِ ِ‬
‫ب ـ الذكورة ‪:‬‬
‫فل ينعقد عقد الزواج بشهادة النساء ‪ ،‬ول برجل وامرأتين ‪ .‬قال‬
‫الزهري رحمه الله ‪:‬‬
‫) مضت السّنة عن الرسول ‪ : ‬أنه ل تجوز شهادة النساء في الحدود ‪،‬‬
‫والنكاح والطلق ( والزهري تابعي ‪ ،‬ومثل هذا القول من التابعي في حكم‬
‫الحديث المرفوع إلى رسول الله ‪ ‬على ما قرره العلماء ‪.‬‬
‫ج ـ العقل والبلوغ ‪:‬‬
‫فل ينعقد عقد الزواج بحضور المجانين والصبيان فحسب ‪ ،‬لن عقد‬
‫الزواج له مكانته الخطيرة ‪ ،‬فالقتصار على حضور المجانين والصبيان‬
‫استخفاف به ‪.‬‬
‫د ـ العدالة ولو ظاهرا ً ‪:‬‬
‫يجب أن يكون الشاهدان عدلين ‪ ،‬ولو من حيث الظاهر ‪ ،‬أي بأن يكونا‬
‫مستوري الحال ‪ ،‬غير ظاهري الفسق ‪.‬‬
‫مجاهرين بفسقهم لعدم الوثوق‬
‫فل ينعقد الزواج بشهادة الفاسقين ال ُ‬
‫بشهادتهم ‪.‬‬
‫هـ ـ السمع ‪:‬‬
‫‪61‬‬
‫مين ‪ ،‬أو نائمين ‪ ،‬لن الغرض من الشهادة‬
‫فل ينعقد الزواج بشهادة أص ّ‬
‫ل يتحقق بأمثالها ‪ ،‬ولن المشهود عليه قول ‪ ،‬فلبد ّ من سماعه ‪.‬‬
‫و ـ البصر ‪:‬‬
‫فل ينعقد بشهادة العميان ‪ ،‬لن القوال ل تثبت إل بالمعاينة والسماع ‪.‬‬
‫الشهاد على رضا الزوجة ‪:‬‬
‫ب الشهاد على رضا الزوجة بعقد النكاح ‪ ،‬وذلك بأن يسمع‬
‫يستح ّ‬
‫ن المرأة ورضاها ‪:‬‬ ‫شاهدان ـ الشروط المذكورة في شروط الشاهدين ـ إذ َ‬
‫بأن تقول ‪ :‬رضيت بهذا العقد ‪ ،‬أو أذنت فيه ‪ ،‬وذلك احتياطا ً ‪ ،‬ليؤمن إنكارها‬
‫بعد ذلك ‪.‬‬
‫إعفاف الب أو الجد ‪:‬‬
‫يجب على الولد ‪ ،‬سواء كان ذكرا ً أم أنثى ‪ ،‬مسلما ً أم كافرا ً ‪ ،‬إعفاف‬
‫الب ‪ ،‬ومثله الجد ‪ ،‬سواء كان من جهة الب ‪ ،‬أو من جهة الم ‪ ،‬وسواء كان‬
‫مسلما ً أم كافرا ً ‪ :‬وذلك بأن يعطيه مهر امرأة حّرة ‪ ،‬أو يقول له ‪ :‬تزوج وأنا‬
‫ُأعطيك المهر ‪.‬‬

‫لكن يشترط لوجوب ذلك على الولد ثلثة شروط ‪:‬‬


‫أ ـ أن يكون الولد موسرا ً بالمهر ‪.‬‬
‫ب ـ أن يكون الب ـ ومثله الجد ـ معسرا ً بالمهر‪.‬‬
‫ج ـ أن يكون الب ‪ ،‬أو الجد محتاجا ً إلى الزواج ‪ ،‬وذلك بأن كانت‬
‫نفسه تتوق إليه ‪.‬‬
‫ووجهه ‪ :‬أن هذا العفاف للب ـ أو الجد ـ من وجوه حاجاته‬
‫المهمة ‪ :‬كالنفقة والكسوة ‪.‬‬
‫ولئل يعّرضه للزنى المفضي إلى الهلك ‪ ،‬وذلك ل يليق بحرمة البوة ‪،‬‬
‫وليس هو من وجوه المصاحبة بالمعروف ‪ ،‬المأمور بها بقوله تعالى ‪ :‬‬
‫معُْروفا ً ‪‬‬
‫ما ِفي الد ّن َْيا َ‬
‫حب ْهُ َ‬
‫صا ِ‬
‫وَ َ‬
‫] لقمان ‪. [ 15 :‬‬

‫‪62‬‬
‫أنكحة الكفار ‪:‬‬
‫من‬
‫نكاح الكفار فيما بينهم صحيح ‪ ،‬ودليل ذلك حديث غيلن وغيره ‪ ،‬م ّ‬
‫أسلم وعنده أكثر من أربعة نسوة ‪ ،‬فإن النبي ‪ ‬أمره أن يمسك أربعا ً‬
‫ن‪.‬‬
‫ويفارق سائره ّ‬
‫فلم يسأله ‪ ‬عن شرائط نكاحه ّ‬
‫ن ‪ ،‬فل يجب البحث عن ذلك ‪.‬‬
‫ولو ترافعوا إلينا لم نبطل أنكحتهم ‪ ،‬ولو أسلموا أقررنا نكاحهم ‪.‬‬
‫إسلم الك ّ‬
‫فار بعد زواجهم‪:‬‬
‫إذا كان الرجل كافرا ً ‪ ،‬وكان عنده امرأة كافرة ‪ ،‬فأسلما معا ً ‪ ،‬دام‬
‫نكاحهما ‪ .‬وذلك لن الفرقة إنما تقع باختلف الدين ‪ ،‬ولم يختلف دينهما في‬
‫الكفر ول في السلم ‪.‬‬
‫روى الترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الزوجين المشركين يسلم‬
‫أحدهما ‪ ،‬رقم ‪ ، ( 1144 :‬وأبو داود ) الطلق ‪ ،‬باب‪ :‬إذا أسلم أحد الزوجين‬
‫‪ ،‬رقم ‪ ( 2283 :‬عن ابن عباس رضي الله عنهما ‪ :‬أن رجل ً جاء مسلما ً على‬
‫عهد النبي ‪ ، ‬ثم جاءت امرأته مسلمة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إنها كانت‬
‫ي ‪ ،‬فردها عليه ‪.‬‬
‫دها عل ّ‬
‫أسلمت معي فُر ّ‬
‫أما إذا أسلم هو ‪ ،‬وأصّرت هي على الكفر ‪:‬‬
‫فإن كانت الزوجة كتابية دام نكاحه لها ‪ ،‬لجواز نكاح المسلم الكتابية ‪.‬‬
‫دتها ‪ ،‬تنجزت الفرقة‬
‫وإن كانت وثنية ‪ ،‬أو ملحدة ‪ ،‬ولم تسلم أثناء ع ّ‬
‫بينهما من حين إسلم زوجها ‪.‬‬
‫دة ‪ ،‬فإنه يبقى النكاح بينهما ‪.‬‬
‫أما إذا أسلمت في الع ّ‬
‫ولو أسلمت المرأة ‪ ،‬وأصّر الزوج على الكفر ‪ ،‬فإنه يفّرق بينهما من‬
‫دة ‪ ،‬فإنها تُرد ّ إليه بنفس‬
‫حين إسلمها ‪ ،‬إل أن يسـلم ‪ ،‬وهي ما تزال في الع ّ‬
‫النكاح السابق ‪.‬‬
‫دتها ‪ ،‬فإنها ل ترجع إليه إل بعقد‬
‫أما إن عاد وأسلم بعد انقضاء ع ّ‬
‫جديد ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‪ :‬أن رسول الله ‪ ‬رد ّ‬
‫بنته زينب على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد ‪.‬‬
‫أخرجه الترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الزوجين المشركين يسلم‬
‫أحدهما ‪ ،‬رقم ‪. ( 1142 :‬‬
‫قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث في إسناده مقال ‪ ،‬والعمل على هذا‬
‫الحديث عند أهل العلم ‪ :‬أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم ز وجها‬
‫دة ‪.‬‬
‫دة ‪ ،‬أن زوجها أحقّ بها ما كانت في الع ّ‬
‫وهي في الع ّ‬

‫داق‬‫صــ َ‬
‫ال ّ‬
‫أحكامه ـ المغالة في المهور‬
‫تعريف الصداق ‪:‬‬
‫الصداق هو المال الذي وجب على الزوج دفعه لزوجته بسبب عقد‬
‫النكاح ‪.‬‬
‫وسمي صداقا ً ‪ ،‬لشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح ‪.‬‬
‫أحكام الصداق ‪:‬‬
‫للصداق عدة أحكام نذكرها فيما يلي ‪:‬‬
‫أ ـ حكمه ‪:‬‬
‫الصداق واجب على الزوج بمجرد تمام عقد الزواج ‪ ،‬سواء سمي في‬
‫العقد بمقدار معين من المال ‪ :‬كألف ليرة سورية مثل ُ ‪ ،‬أو لم يس ّ‬
‫م ‪ ،‬حتى‬
‫لو اتفق على نفيه ‪ ،‬أو عدم تسميته ‪ ،‬فالتفاق باطل ‪ ،‬والمهر لزم ‪.‬‬
‫ب ـ دليل وجوبه ‪:‬‬
‫ودليل وجوب الصداق القرآن ‪ ،‬والسّنة ‪ ،‬والجماع ‪.‬‬
‫ة‪‬‬ ‫حل َ ً‬ ‫صد َُقات ِهِ ّ‬
‫ن نِ ْ‬ ‫ساء َ‬ ‫أما القرآن ‪ :‬فقوله تعالى ‪َ  :‬وآُتوا ْ الن ّ َ‬
‫] النساء ‪ [ 4 :‬أي عطية ‪ ،‬والمخاطب بذلك هم الزواج ‪ .‬وقوله عّز وج ّ‬
‫ل‪:‬‬
‫‪ ‬فَما استمتعتم به منهن َفآتوهُ ُ‬
‫ة ‪ ] ‬النساء ‪ [ 24 :‬أي‬ ‫ض ً‬
‫ري َ‬‫ن فَ ِ‬
‫جوَرهُ ّ‬ ‫نأ ُ‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ َْ ُ ِ ِ ِ ُْ ّ‬ ‫َ‬

‫‪64‬‬
‫ن‬
‫سوهُ ّ‬
‫م ّ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م تَ َ‬ ‫ساء َ‬
‫م الن ّ َ‬ ‫م ِإن ط َل ّ ْ‬
‫قت ُ ُ‬ ‫ح ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫مهورهن ‪ .‬وقال تعالى ‪  :‬ل ّ ُ‬
‫جَنا َ‬
‫ة ‪ ] ‬البقرة ‪ [ 236 :‬أي تعينوا لهن مهرا ً ‪.‬‬ ‫ض ً‬ ‫ضوا ْ ل َهُ ّ‬
‫ن فَ ِ‬
‫ري َ‬ ‫أ َوْ ت َ ْ‬
‫فرِ ُ‬
‫من‬
‫وأما السّنة ‪ :‬فما رواه البخاري ) فضائل القرآن ‪ ،‬باب ‪ :‬خيركم َ‬
‫تعلم القرآن وعلمـه ‪ ،‬رقـم ‪ ، ( 4741 :‬ومسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الصداق‬
‫وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثيـر واستحباب‬
‫كونه خمسمائة درهم لمن ل يجحف بــه ‪ ،‬رقم ‪ ( 1425 :‬عن سهل بن‬
‫سعد ‪ ‬قالت ‪ " :‬ما لي في النساء من حاجة " فقال رجل ‪ :‬زّوجنيها ‪،‬‬
‫قال ‪ " :‬أعطها ثوبا ً " قال ‪ :‬ل أجد ْ ‪ .‬قال ‪ " :‬أعطها ولو خاتما ً من حديد " ‪،‬‬
‫فاع ْت َ ّ‬
‫ل له ‪ .‬فقال ‪ " :‬ما معك من القرآن ؟ " قال ‪ :‬كذا وكذا ‪ .‬قال ‪ " :‬فقد‬
‫زّوجت ُ َ‬
‫كها بما معك من القرآن ‪".‬‬
‫] وهبت نفسها ‪ :‬جعلت له أمرها ‪ .‬فاعت ّ‬
‫ل له ‪ :‬تعلل أنه ل يجده [ ‪.‬‬
‫وأما الجماع ‪ :‬فقد اتفقت كلمة العلماء على وجوبه من غير نكير من‬
‫أحد ‪.‬‬
‫ج ـ حكمة تشريع الصداق ‪:‬‬
‫والحكمة من تشريع المهر إنما هي إظهار صدق رغبة الزوج في‬
‫معاشرة زوجته معاشرة شريفة ‪ ،‬وبناًء على حياة زوجية كريمة ‪.‬‬
‫كما أنه فيه تمكين للمرأة من أن تتهيأ للزواج بما تحتاجه من لباس ‪،‬‬
‫ونفقات ‪.‬‬
‫وإنما جعل السلم الصداق على الزوج ‪ ،‬رغبة منه في صيانة المرأة ‪،‬‬
‫من أن تمتهن كرامتها في سبيل جمع المال ‪ ،‬الذي تقدمه مهرا ً للرجل ‪.‬‬
‫د ـ تسمية الصداق في العقد ‪:‬‬
‫ن تسمية المهر ـ أي تحديد مقداره ـ في عقد الزواج ‪ ،‬لن النبي‬‫يس ّ‬
‫ل نكاحا ً من تسمية المهر فيه ‪ ،‬ولن في تسميه دفعا ً للخصومة‬
‫‪ ‬لم ُيخ ِ‬
‫بين الزوجين ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫وإنما لم يحملوا فعله ‪ ‬على الوجوب ‪ ،‬للجتماع على جواز إخلء‬
‫عقد الزواج من تسمية المـهر ‪ ،‬وإن كان مع الكراهة ‪ ،‬لمخالفة فعل النبي‬
‫‪.‬‬
‫هـ ـ ملكية المهر ‪:‬‬
‫والمهر ملك الزوجة وحدها ‪ ،‬ل حق لحد فيه من أوليائها ‪ ،‬وإن كان‬
‫لهم حق قبضه ‪ ،‬لكنهم يقبضونه لحسابهم وملكها ‪ .‬قال الله تعالى ‪  :‬فَل َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫مِبينا ً‪ ] ‬النساء ‪ [ 20 :‬وقال عز‬
‫ه ب ُهَْتانا ً وَإ ِْثما ً ّ‬
‫ذون َ ُ‬ ‫شْيئا ً أ َت َأ ُ‬
‫خ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ذوا ْ ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫خ ُ‬
‫ت َأ ُ‬
‫ريئا ً ‪‬‬ ‫فسا ً فَك ُُلوه ُ هَِنيئا ً ّ‬
‫م ِ‬ ‫ه نَ ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫يٍء ّ‬ ‫عن َ‬
‫ش ْ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫وجل ‪  :‬فَِإن ط ِب ْ َ‬
‫] النساء ‪. [ 4 :‬‬
‫و ـ حدّ المهر ‪:‬‬
‫ح عليه اسم المال ‪ ،‬أو كان‬ ‫ل حد ّ لقل المهر ‪ ،‬ول لكثره ‪ ،‬فك ّ‬
‫ل ما ص ّ‬
‫مقابل ً بمال ‪ ،‬جاز أن يكون مهرا ً ‪ ،‬قليل ً كان أو كثيرا ً ‪ ،‬عينا ً أو دينا ً ‪ ،‬أو منفعة‬
‫‪ :‬كسجادة ‪ ،‬أو ألف ليرة‪ ،‬أو سكنى دار ‪ ،‬أو تعليم حرفة ‪.‬‬
‫م َأن ت َب ْت َُغوا ْ‬
‫ما وََراء ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫ودليل ذلك قول الله تعالى ‪  :‬وَأ ُ ِ‬
‫ح ّ‬
‫كم… ‪ ] ‬النساء ‪. [ 24 :‬‬‫وال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫م َ‬
‫ب ِأ ْ‬
‫فإنه أطلق المال ‪ ،‬ولم يقدره بحد ّ معين ‪.‬‬
‫وقال ‪ " : ‬أعطها ولو خاتما ً من َ‬
‫حديد " ‪.‬‬
‫من تعلم القرآن‬
‫رواه البخاري ) فضائل القرآن ‪ ،‬باب ‪ :‬خيركم َ‬
‫وعلمه ‪ ،‬رقم ‪ ، ( 4741 :‬ومسـلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الصداق وجواز كونه‬
‫تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب كونه‬
‫خمسمائة درهم لمن ل يجحف به ‪ ،‬رقم‪ ، ( 1425 :‬وروى الترمذي‬
‫) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في مهور النساء ‪ ،‬رقم ‪ ( 113 :‬عن عامر بن ربيعة‬
‫‪ ": ‬أرضيت من نفسك ومالك بنعلين " ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬فأجازه ‪ .‬وقال‬
‫طارا ً فَل َ‬
‫ن ِقن َ‬ ‫م َ‬ ‫دا َ‬ ‫تعالى ‪  :‬وإ َ‬
‫داهُ ّ‬
‫ح َ‬
‫م إِ ْ‬
‫ج َوآت َي ْت ُ ْ‬
‫ن َزوْ ٍ‬
‫كا َ‬ ‫ج ّ‬
‫ل َزوْ ٍ‬ ‫ست ِب ْ َ‬
‫ما ْ‬
‫ن أَردت ّ ُ‬
‫َِ ْ‬
‫شْيئا ًً ‪ ] ‬النساء ‪ . [ 20 :‬فقد أباح أن يقدم الزوج لزوجته‬ ‫ْ‬
‫ه َ‬ ‫ذوا ْ ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫خ ُ‬
‫ت َأ ُ‬
‫ل على أنه ل حد ّ للمهر في الكثرة ‪.‬‬ ‫قنطارا ً ‪ .‬والقنطار ‪ :‬المال الكثير فد ّ‬
‫‪66‬‬
‫لكن يستحب أن ل يقل المهر عن عشرة دراهم ‪ ،‬خروجا ً من خلف‬
‫من أوجب ذلك ‪ ،‬وهم الحنفية ‪.‬‬
‫وكذلك يستحب أن ل يزيد عن خمسمائة درهم ‪ ،‬لنه الوارد في مهور‬
‫بناته وزوجاته ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫روى أحمد وأصحاب السنن ـ وصححه الترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء‬
‫في مهور النساء ‪ ،‬رقم ‪ ( 1114 :‬ـ عن عمر بن الخطاب ‪ ‬قال ‪ ) :‬ل‬
‫تغلوا صدق النساء ‪ ،‬فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا ‪ ،‬أو تقوى في الخرة ‪،‬‬
‫لكان أولكم بها رسول الله ‪ ، ‬ما أصدق رسول الله ‪ ‬امرأة من نسائه ‪،‬‬
‫ول أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثني عشرة أوقية ( ‪.‬‬
‫والوقية ‪ :‬أربعون درهما ً ‪ ،‬فيكون مجموع المهر ‪ :‬أربعمائة وثمانين‬
‫درهما ً ‪ .‬وهذا المقدار يساوي نصابين ونصف للزكاة تقريبا ً كما هو معلوم‬
‫في نصاب الزكاة الذي تجب فيه الزكاة من الفضة ‪ ،‬وذلك يختلف حسب‬
‫نقد البلد وتقويم هذا المقدار من الفضة ‪.‬‬
‫ز ـ تعجيل المهر وتأجيله ‪:‬‬
‫ح‬
‫ح تعجيله كله قبل الدخول ‪ ،‬ويص ّ‬
‫ل يشترط تعجيل المهر ‪ ،‬بل يص ّ‬
‫تأجيله كله ‪ ،‬أو تأجيل بعضه إلى ما بعد الدخول ‪ ،‬ولكن يشترط أن يكون‬
‫الجل محددا ً ‪ ،‬وذلك لن المهر مْلك الزوجة ‪ ،‬فلها الحق في تعجيل وتأجيل‬
‫ما شاءت منه ‪.‬‬
‫جل ً ‪ ،‬كان للزوجة الحق في حبس نفسها عن زوجها‬
‫وإذا كان المهر مع ّ‬
‫جل مهرها ‪.‬‬
‫حتى تقبض مع ّ‬
‫أما إذا كان المهر مؤجل ً ‪ ،‬فل حق لها في حبس نفسها عن زوجها ‪،‬‬
‫لنها رضيت بالتأجيل ‪ ،‬فسقط حقها في حبس نفسها ‪.‬‬
‫ح ـ استقرار المهر ‪ ،‬أو نصفه ‪ ،‬وسقوطه ‪:‬‬
‫تبين مما ذكرنا سابقا ً أن المهر يجب للزوجة على لزوج بالعقد‬
‫الصحيح ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫وسنذكر الن الحالت التي يستقر بها المهر على الزوج كله ‪ ،‬أو نصفه‬
‫‪ ،‬والحالت التي يسقط فيها المهر ‪:‬‬
‫‪1‬ـ استقرار كل المهر ‪:‬‬
‫ويستقر المهر كله في حالتين ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬فيما دخل الزوج بزوجته ‪ ،‬سواء كان ذلك الدخول في حال‬
‫حرمه ‪ :‬كما‬
‫حل ‪ :‬كما إذا كانت المرأة طاهرة من حيض ‪ ،‬أو كان في حال ُ‬
‫إذا كانت حائضا ً ‪ .‬فإذا دخل بها لزمه المهر كله ‪ ،‬لنه استوفى المعقود عليه‬
‫وض ‪.‬‬
‫وهو الستمتاع ‪ ،‬فلزمه العَ َ‬
‫ن َفآُتوهُ ّ‬
‫ن‬ ‫من ْهُ ّ‬
‫مت َعُْتم ب ِهِ ِ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ل على ذلك قوله تعالى ‪  :‬فَ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫د ّ‬
‫ُ‬
‫ة‪‬‬
‫ض ً‬ ‫ن فَ ِ‬
‫ري َ‬ ‫جوَرهُ ّ‬
‫أ ُ‬
‫] النساء ‪ [ 24 :‬والمراد بالستمتاع هنا الدخول والتل ّ‬
‫ذذ بالجماع ‪ ،‬والمراد‬
‫بالجور المهور ‪ ،‬وسمي المهر أجرا ً لنه استحقّ بمقابل المنفعة ‪ ،‬وهي ما‬
‫ذكر من التل ّ‬
‫ذذ والستمتاع ‪.‬‬
‫وروى مالك في الموطأ ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الصداق والحيـاء ‪:‬‬
‫‪ ( 2/526‬عـن عمـر ‪ ) : ‬أّيما رجل تزوج امرأة …‪.‬فم ّ‬
‫سها فلها صداقها‬
‫كامل ً ( ‪ .‬فم ّ‬
‫سها أي دخل بها ووطئها ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬موت أحد الزوجين ‪ ،‬سواء حصل الموت قبل الدخول ‪ ،‬أو‬
‫بعده ‪.‬‬
‫ودليل ذلك إجماع الصحابة رضي الله عنهم ‪.‬‬
‫‪2‬ـاستقرار نصف المهر ‪:‬‬
‫ويستقر على الزوج نصف مهر زوجته في حالة واحدة ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫ما إذا طلقها بعد عقد صحيح ‪ ،‬سمي المهر فيه تسمية صحيحة ‪ ،‬وكان‬
‫هذا الطلق قبل أن يدخل بها ‪.‬‬
‫ل َأن‬
‫من قَب ْ ِ‬
‫ن ِ‬
‫موهُ ّ‬ ‫ل ‪  :‬وَِإن ط َل ّ ْ‬
‫قت ُ ُ‬ ‫ودليل هذا الحكم قول الله عّز وج ّ‬
‫م ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 237 :‬‬ ‫ما فََر ْ‬
‫ضت ُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ة فَن ِ ْ‬
‫ص ُ‬ ‫ض ً‬
‫ري َ‬ ‫م ل َهُ ّ‬
‫ن فَ ِ‬ ‫ن وَقَد ْ فََر ْ‬
‫ضت ُ ْ‬ ‫سوهُ ّ‬
‫م ّ‬
‫تَ َ‬

‫‪68‬‬
‫ن ‪ .‬ومعنى‬
‫سوهن ‪ :‬أي من قبل أن تدخلوا به ّ‬ ‫ومعنى من قبل أن تم ّ‬
‫ميتم لهن مهرا ً ‪.‬‬‫فرضتم ‪ :‬أي س ّ‬

‫‪69‬‬
‫‪3‬ـ سقوط المهر كله ‪:‬‬
‫ويسقط المهر كله عن الزوج إذا فارقت الزوجة زوجها قبل الدخول‬
‫بها ‪ ،‬وكان هذا الفراق ناشئا ً بسبب منها ‪ ،‬كما إذا أسلمت ‪ ،‬فانفسخ النكاح ‪،‬‬
‫دت ‪ ،‬أو فسخت النكاح لعيب في الزوج ‪ ،‬أو فسخ الزوج النكاح لعيب‬
‫أو ارت ّ‬
‫فيه ‪ ،‬فإنه يسقط المهر في هذه الحالت كلها ‪ ،‬لنها هي السبب في هذه‬
‫وض قبل التسليم ‪ ،‬فسقط‬
‫الفرقة ‪ ،‬وهي المختارة لها ‪ ،‬فكأنها أتلفت المع ّ‬
‫وض ‪.‬‬
‫الع َ‬
‫والمعرض ‪ :‬هنا ‪ :‬هو تمكينها زوجها من نفسها ‪ .‬والعوض ‪ :‬هو المهر ‪.‬‬
‫ط ـ مهر المثل ‪:‬‬
‫تعريف مهر المثل ‪:‬‬
‫ومهر المثل ‪ :‬هو المال الذي يطلب في الزواج لمثل الزوجة عادة ‪.‬‬
‫تقـــديره ‪:‬‬
‫در مهر المثل بالنظر لقرباء المرأة بالنسب من جهة أبيها ‪.‬‬
‫ويق ّ‬
‫من تنتسب إليه من‬
‫فيراعي في المرأة المطلوب مهر مثلها أقرب َ‬
‫نساء العصبة ‪.‬‬
‫مات ‪.‬‬
‫ن ‪ :‬أخت لبوين ‪ ،‬ثم لب ‪ ،‬ثم بنات أخ ‪ ،‬ثم ع ّ‬
‫وأقربه ّ‬
‫ن مساويات لها في الصفات التي سيأتي ذكرها ‪.‬‬
‫كما يراعى كونه ّ‬
‫فإن فقد َ نساء العصبة ‪ ،‬أو لم ينكحن ‪ ،‬اعتبر مهر القرب فالقرب من‬
‫دة ‪ ،‬وخالة ‪،‬وبنات أخوات ‪،‬‬
‫ن أقرباؤها من جهة أمها ‪ ،‬كأم ‪ ،‬وج ّ‬
‫أرحامها ‪ ،‬وه ّ‬
‫ن أولى من الجنبيات ‪.‬‬
‫لنه ّ‬
‫فإن فقدت القريبات من جهة الم أعتبر مثلها من الجنبيات في‬
‫من يساويها في الصفات التية ‪.‬‬
‫بلدها ‪ ،‬م ّ‬
‫الصفات المعتبرة في تقدير مهر المثل ‪:‬‬
‫ثم يعتبر في تقدير مهر المثل مع النسب المساواة في الصفات‬
‫التالية ‪:‬‬

‫‪70‬‬
‫فة ‪ ،‬والدين ‪ ،‬والتقوى ‪،‬‬
‫السن ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والجمال ‪ ،‬واليسار ‪ ،‬والع ّ‬
‫والعلم ‪ ،‬والبكارة ‪ ،‬والثيوبة ‪ ،‬وكل ما اختلف به غرض صحيح ‪ ،‬لن المهور‬
‫تختلف باختلف هذه الصفات ‪.‬‬
‫دليل مشروعية مهر المثل ‪:‬‬
‫ويستدل لثبوت مهر المثل وتقريره ‪ :‬بما رواه أبو داود ) النكاح ‪ ،‬باب ‪:‬‬
‫م صداقا ً حتى مات ‪ ،‬رقم ‪ ، ( 2114 :‬والترمذي ) النكاح ‪،‬‬
‫فيمن تزوج ولم يس ّ‬
‫باب ‪ :‬ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنه قبل أن يفرض لها ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 1145‬بسند حسن صحيح ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬عن عبدالله بن مسعود ‪ ‬أنه سئل‬
‫عن رجل تزوج امرأة ‪ ،‬ولم يفرض لها مثل صداقا ً ولم نسائها ‪ ،‬ول وَك ْ َ‬
‫س ‪ ،‬ول‬
‫ث ‪ ،‬فقام معقل بن مّنا ‪ ،‬مثل الذي‬ ‫شط َ َ‬
‫ط ‪ ،‬وعليها العد ّة ُ ‪ ،‬ولها الميرا ُ‬ ‫َ‬
‫ت ‪ ،‬ففرح بها ابن مسعود ‪. ‬‬
‫قضي َ‬
‫موجبات مهر المثل ‪:‬‬
‫ويجب مهر المثل للسباب التالية ‪:‬‬
‫قد َ العقد شرطا ً من شروط‬
‫أ ـ إذا كان عقد النكاح فاسدا ً ‪ ،‬وذلك كأن فَ َ‬
‫ي ‪ .‬ثم تبع ذلك العقد‬
‫صحته ‪ ،‬كأن تزوجت من غير شهود ‪ ،‬أو من غير ول ّ‬
‫الفاسد دخول بالزوجة ‪ .‬فإنه يجب لها مهر المثل ‪ ،‬لفساد العقد‬
‫والمسمى ‪ ،‬مع وجوب التفريق بينهما ‪.‬‬
‫در مهر المثل وقت الدخول بها ‪ ،‬ل وقت العقد عليها ‪ ،‬لن العقد‬
‫ويق ّ‬
‫الفاسد ل اعتبار له‬
‫ب ـ إذا فسخ المهر بسبب الخلف بين الزوجين في تسميته ‪ ،‬أو مقداره ‪.‬‬
‫ميت‬‫فإذا اختلف الزوج والزوجة في تسمية المهر ‪ ،‬فقالت الزوجة ‪ :‬س ّ‬
‫سم مهرا ً ‪ ،‬حلفت الزوجة على ما‬
‫لي مهرا ً في العقد ‪ ،‬وقال الزوج ‪ :‬لم أ َ‬
‫دعي ‪ ،‬ثم يفسخ المهر ‪ ،‬ويجب مهر‬
‫دعي ‪ ،‬وحلف الزوج على ما ي ّ‬
‫ت ّ‬
‫المثل ‪.‬‬
‫كذلك إذا اختلفا في مقدار المهر ‪ ،‬فقالت الزوجة ‪ :‬إن ألفان ‪ ،‬وقال‬
‫الزوج ‪ :‬إنه ألف ‪ ،‬فإنهما يتحالفان ‪ ،‬ويفسخ المهر ‪ ،‬ويجب مهر المثل ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫ج ـ إذا سمي المهر تسمية فاسدة ‪:‬‬
‫ويكون فساد في مسائل نذكر منها ما يلي ‪:‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬أن يكون المهر المسمى غير مال شرعا ً ‪ :‬كخمر ‪،‬‬
‫وخنزير ‪ ،‬وآلة لهو ‪ ،‬و نحو ذلك مما ل ُيعد ّ مال ً في ُ‬
‫عرف الشرع ‪ ،‬لن‬
‫الشرع أوجب أن يكون المهر مال ً ‪ ،‬أو مقابل ً بمال ‪ ،‬وهذه ليست مال ً شرعا ً‬
‫‪.‬‬
‫ماه مهرا ً غير مملوك له ‪ :‬كأن‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬أن يكون المال الذي س ّ‬
‫أصدقها سجادة مغصوبة‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬أن ينكح امرأتين أو أكثر بمهر واحد ‪ ،‬فإن النكاح صحيح‬
‫ص كل‬
‫‪ ،‬والمهر فاسد ‪ ،‬ويجب مهر المثل لكل واحدة ‪ ،‬للجهل بما يخ ّ‬
‫واحدة من المهر عند العقد ‪.‬‬
‫ي صغيرا ً بأكثر من مهر المثل من مال‬ ‫المسألة الرابعة ‪ :‬أن يزّوج الول ّ‬
‫الصبي ‪ ،‬أو أن يزّوج صغيرة ‪ ،‬أو بكرا ً كبيرة بغير إذنها بأقل من مهل‬
‫ي‬
‫المثل ‪ ،‬فإن المهر يفسد في ذلك ‪ ،‬ويجب مهر المثل ‪ ،‬لن الول ّ‬
‫مأمور بفعل ما فيه المصلحة لهما ‪ ،‬والمصلحة منتقية هنا ‪.‬‬
‫فوضة ‪ :‬وهي أن تقول امرأة رشيدة ـ بكرا ً كانت‬
‫المسألة الخامسة ‪ :‬الم ّ‬
‫أو ثيبا ً ـ لولّيها ‪ :‬زّوجني بل مهر ‪ ،‬فزوجها وليها ونفي المهر ‪ ،‬أو زوجها‬
‫وسكت عن المهر ‪ ،‬فإنه يجب لها مهر المثل ‪ ،‬ولكن ل بنفس العقد ‪،‬‬
‫وإنما بالدخول بها ‪ ،‬لن الدخول بها ل ُيباح بالباحة ‪ ،‬لما فيه من حق‬
‫الله عز وجل ‪ ،‬ويعتبر مهر المثل عند العقد ‪ ،‬ل عند الدخول ‪.‬‬
‫ولها أن تطالب الزوج أن يفرض لها مهرا ً قبل الدخول ‪ ،‬وأن تحبس‬
‫نفسها عنه حتى يفرض لها مهر مثلها ‪.‬‬
‫المسألة السادسة ‪ :‬أن يشترط في عقد الزواج أن يكون جزء من المهر‬
‫لغير الزوجـة ‪ :‬كأبيها ‪ ،‬أو أخيها ‪ ،‬فإن النكاح صحيح ‪ ،‬والمهر فاسد ‪،‬‬
‫ويجب لها مهر المثل ‪.‬‬
‫تنبيـــه‪:‬‬

‫‪72‬‬
‫الشروط في عقد النكاح على ثلثة أقسام ‪:‬‬
‫القسم الول ‪ :‬أن يكون الشرط موافقا ً لمقتضى النكاح ‪ :‬كأن‬
‫شرطت عليه أن ينفق عليها ‪ ،‬وأن يقسم لها ‪.‬‬
‫فهذا الشرط لغو ‪ ،‬وعقد النكاح والمهر المسمى صحيحان ‪.‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬أن يكون الشرط مخالفا ً لمقتضى النكاح ‪ ،‬لكنه غير‬
‫مخ ّ‬
‫ل بمقصود النكاح الصلي وهو الوطء ‪ ،‬كأن تشترط عليه في عقد الزواج‬ ‫ُ‬
‫أن ل يتزوج عليها ‪ ،‬أو يشترط عليها أن ل ينفق عليها ‪.‬‬
‫فإن عقد النكاح صحيح لعدم الخلل بمقصوده الصلي ‪ ،‬والشرط‬
‫فاسد ‪ ،‬سواء كان له ‪ ،‬أو لها ‪ .‬لقوله ‪ " : ‬كل شرط ليس في كتاب الله‬
‫فهو باطل ‪.‬‬
‫رواه البخاري ) المساجد ‪ ،‬باب ‪ :‬ذكر البيع والشراء على المنبر في‬
‫المسجد ‪ ،‬رقم ‪. ( 444 :‬‬
‫ويفسد المهر أيضا ً تبعا ً لفساد الشرط ‪ ،‬لن الرضا بالمهر قد عّلق‬
‫على شرط ‪ ،‬فلما فسد الشرط فسد المهر ‪ ،‬لنتقاء الرضا بالمهر بغير ما‬
‫ُ‬
‫شرط فيه ‪.‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬أن يكون الشرط مخل ً بمقصود النكاح الصلي ‪،‬‬
‫وهو الوطء ‪ :‬كأن شرطت عليه في العقد أن ل يطأها ‪ ،‬أو أن يطلقها بعد‬
‫النكاح ‪.‬‬
‫فالنكاح باطل ‪ ،‬لن هذا الشرط ينافي مقصود النكاح ‪ ،‬فيبطله ‪.‬‬

‫المتــعة‬
‫تعريف المتعة ‪:‬‬
‫المتعة ـ بضم الميم ـ مشتقة من المتاع ‪ ،‬وهو ما يستمتع به وينتفع‬
‫به ‪.‬‬
‫مفاِرقة له‬
‫والمراد بها هنا ‪ :‬مال يجب على الزوج دفعه لمرأته ال ُ‬
‫بطلق ‪ ،‬أو فراق ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫لمن تجب المتعة ‪:‬‬
‫المتعة واجبة للمرأة في الحالت التالية ‪:‬‬
‫ٌ‬
‫أ ـ إذا ط ُّلقت بعد الدخول بها ‪.‬‬
‫ب ـ إذا ط ُّلقت قبل الدخول بها ‪ ،‬ولم يكن س ّ‬
‫مي لها مهر في عقد‬
‫الزواج ‪.‬‬
‫دته ‪،‬‬
‫ج ـ إذا حكم بفراقها لزوجها ‪ ،‬وكان الفراق بسبب منه ‪ ،‬كر ّ‬
‫ولعانه ‪ ،‬وكان هذا الفراق قد وقع بعد الدخول ولكن بشرط أن ل‬
‫يكون قد سمي لها مهر في عقد الزواج ‪.‬‬
‫أما المرأة المطّلقة قبل الدخول ‪ ،‬وقد سمي لها مهر في عقد‬
‫الزواج ‪ ،‬فل متعة لها ‪ ،‬لنها قد نالت نصف المهر ‪ ،‬وهي لم تبذل لزوجها‬
‫شيئا ً بعد ‪.‬‬
‫دليل وجوب المتعة ‪:‬‬
‫م‬ ‫م ِإن ط َل ّ ْ‬
‫قت ُ ُ‬ ‫ح ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫ل ‪  :‬لّ ُ‬
‫جَنا َ‬ ‫أما دليل المتعة ذكرنا فهو قوله عّز وج ّ‬
‫سِع قَد َُرهُ‬‫مو ِ‬ ‫ن ع ََلى ال ْ ُ‬ ‫مت ُّعوهُ ّ‬
‫ة وَ َ‬‫ض ً‬
‫ري َ‬ ‫ضوا ْ ل َهُ ّ‬
‫ن فَ ِ‬ ‫ن أ َوْ ت َ ْ‬
‫فرِ ُ‬ ‫سوهُ ّ‬
‫م ّ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م تَ َ‬ ‫ساء َ‬
‫الن ّ َ‬
‫ن ‪ ] ‬البقرة ‪:‬‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬ ‫قا ً ع ََلى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬‫ف َ‬‫معُْرو ِ‬ ‫مَتاعا ً ِبال ْ َ‬
‫قت ِرِ قَد ُْره ُ َ‬ ‫وَع ََلى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ن ‪‬‬‫قي َ‬ ‫قا ً ع ََلى ال ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ح ّ‬
‫ف َ‬‫معُْرو ِ‬ ‫مَتاع ٌ ِبال ْ َ‬
‫ت َ‬ ‫مط َل ّ َ‬
‫قا ِ‬ ‫‪ [ 236‬وقال تعالى ‪  :‬وَل ِل ْ ُ‬
‫] البقرة ‪. [ 241 :‬‬
‫مقدار المتعة ‪:‬‬
‫عند تقدر المتعة إما أن يتفق الزوجان على مقدارها ‪ ،‬وإما أن يختلفا ً ‪:‬‬
‫فإن اتفقنا على مقدار معين من المال ـ قل ذلك المال أو كثر ـ كان‬
‫حت المتعة على ما اتفقنا عليه ‪.‬‬
‫ذلك لها ‪ ،‬وص ّ‬
‫وإن اختلفا في تقديرها ‪ ،‬فإن القاضي هو الذي يتولى تقديرها ‪ ،‬معتبرا ً‬
‫حالهما ‪ :‬من يسار الزوج وإعساره ‪ ،‬ونسب الزوجة وصفاتها ‪ .‬قال الله‬
‫قت ِرِ قَد ُْره ُ ‪ ] ‬البقرة ‪:‬‬ ‫سِع قَد َُره ُ وَع ََلى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫مو ِ‬ ‫ن ع ََلى ال ْ ُ‬ ‫تعالى ‪  :‬وَ َ‬
‫مت ُّعوهُ ّ‬
‫ف‪] ‬البقرة ‪[ 241 :‬‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫مَتاع ٌ ِبال ْ َ‬
‫ت َ‬
‫قا ِ‬‫مط َل ّ َ‬ ‫‪ [ 236‬وقال عّز وجل ‪  :‬وَل ِل ْ ُ‬

‫‪74‬‬
‫ب في المتعة أن ل تنقص علن ثلثين درهما ً ‪ ،‬أو ما قيمته‬
‫لكن يستح ّ‬
‫ذلك ‪ ،‬وأن ل تلغ نصف مهر المثل ‪.‬‬

‫الحكمة من تشريع المتعة ‪:‬‬


‫والحكمة من تشريع المتعة تطييب قلب المرأة المطلقة ‪ ،‬عند مفارقتها‬
‫بيت الزوجية ‪ ،‬والتخفيف من استيحاشها بسبب ما يلحقها من مفارقة زوجها ‪،‬‬
‫دة اللم والكراهية التي قد يسببهما هذا الفراق ‪.‬‬
‫وكسر ح ّ‬

‫ثانيا ً ـ المغالة في المهور‬


‫يجعل كثير من الناس المهر كثمن للمرأة ‪ ،‬ويظن أن المغالة فيه‬
‫إشعار برفعة ُأسرتها ‪ ،‬وعظيم منزلتها ‪ ،‬فذلك يشت ّ‬
‫طون في مقدار المهر ‪،‬‬
‫ويغالون في تكبيره وتكثيره إظهارا ً منهم لقيمة المخطوبة ‪ ،‬وتعزيزا ً لمكانة‬
‫أسرتها ‪ ،‬ومفاخرة على أمثالها في تجهيزها ‪ ،‬وأثاث بيتها ‪.‬‬
‫لقد غاب عن خاطر هؤلء أن المهر ل يعني شيئا ً من هذا أبدا ً ‪ .‬وإنما‬
‫دد إليها في‬
‫هو رمز لصدق الرغبة في الزواج ‪ ،‬وعط ِّية لتكريم المرأة والتو ّ‬
‫بناء الحياة الزوجية الكريمة ‪.‬‬
‫كما غاب عن خاطرهم المفاسد الجتماعية التي تنجم عن هذا‬
‫ال َ‬
‫شطط الممقوت ‪ ،‬والضرر الذي يصيب المجتمع ‪ ،‬والرجل والمرأة‬
‫نفسها ‪ ،‬كنتيجة لهذا الغلو البشع ‪.‬‬
‫وغاب عن خاطرهم أيضا ً ‪ :‬أنهم يخالفون سّنة النبي ‪ ‬يسلكون غير‬
‫سر المهر وبساطته ‪.‬‬ ‫طريق الَبر َ‬
‫كة التي يسبّبها ي ُ ْ‬
‫ـ أما المفاسد الجتماعية التي تنجم عن المغالة في المهور فكثيرة‬
‫نذكر بعضا ً منها ‪:‬‬
‫إن المغالة في المهور تصرف الشباب عن الزواج ‪ ،‬ولسيما الفقراء‬
‫منهم ‪ ،‬وتحول بينهم وبين الزواج ‪ ،‬مما يجعلهم يسيرون في طريق‬

‫‪75‬‬
‫الشيطان ‪ ،‬ويلجؤون إلى الفاحشة ‪ ،‬ويبحثون عن الرذيلة ‪ ،‬فيتبدل الصلح‬
‫فسادا ً ‪ ،‬والطمأنينة ثورة ‪ ،‬فتتل ّ‬
‫وث الغراض ‪ ،‬وتختلط النساب ‪ ،‬وتكثر‬
‫المراض ‪.‬‬
‫صنوا دينهم ‪،‬‬
‫ولو كان للشباب أزواج يعففنهم لحفظوا أخلقهم ‪ ،‬وح ّ‬
‫وضمنوا لمجتمعهم السلمة من الثم والفجور ‪.‬‬
‫ـ وأما المفاسد التي تصيب المرأة نفسها كنتيجة للمغالة فيكفي أن‬
‫نذكر منها ‪:‬‬
‫إن كثيرا ً من النساء سوف يبقين عوانس محرومات من أخص ما‬
‫ن ‪ ،‬وسيظللن يشعر بفراغ مؤرق‬
‫ن ‪ ،‬وتهفوا نحوه نفوسه ّ‬
‫تتطلبه فطرته ّ‬
‫ن‪،‬‬
‫ن ‪ ،‬ويشتقن إلى البيت الذي يقضي على وساوسه ّ‬
‫يقض مضاجعه ّ‬
‫ن بنعمة الهدوء والستقرار ‪ ،‬فل يجدنه ‪ ،‬ول يظفرن به ‪ ،‬لن آباءهن‬ ‫وُيشعره ّ‬
‫ن‪.‬‬
‫خطابه ّ‬‫طلبوا مهورا ً أعجز الكثير من ّ‬
‫ن ‪ ،‬ويفسدن‬
‫هذا إذا لم يخرجن إلى الطرقات يعرضن فتنته ّ‬
‫ن‪.‬‬
‫مجتمعه ّ‬
‫ن‬
‫أما إذا خرجن ـ كما هو الغالب على هؤلء العوانس ـ فالضرر عليه ّ‬
‫م وأفدح ‪.‬‬
‫أبلغ ‪ ،‬والكارثة أع ّ‬
‫ـ أما مخالفة السّنة النبوية ‪ ،‬فلنستمع إلى ما يقوله النبي ‪ ‬في‬
‫المهر ‪:‬‬
‫روى أحمد ) ‪ ( 6/82‬عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬قال‬
‫ة"‪.‬‬ ‫رسول الله ‪ ": ‬إن أعظم النكاح بركة أيسره َ‬
‫مؤون ً‬
‫وروى عمر بن الخطاب ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ " ‬خيُر النكاح‬
‫سُره " رواه أبو داود ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في التزويج على العمل يعمل ‪ ،‬رقم‬
‫أي َ‬
‫‪ ( 2117 :‬والحاكم وصححه ‪.‬‬
‫فل بركة إذا ً ول خير إذا أصبح المهر تجارة يطلب من ورائها الثراء ‪،‬‬
‫ووسيلة للمكاثرة والمفاخرة بين القران ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫وروى البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬كيف يدعى للمتزوج ‪ ،‬رقم ‪( 4860 :‬‬
‫ومسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير‬
‫ذلك من قليل وكثير واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن ل يجحف به ‪،‬‬
‫رقم ‪ ( 1427 :‬عن أنس بن مالك ‪ ‬أثر ُ‬
‫صفوة ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ما هذا " ؟‬
‫قال ‪ :‬تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب ‪ ،‬قال ‪ " :‬بارك الله لك ‪،‬‬
‫م ولو بشاة " ‪.‬‬
‫أول ِ ْ‬
‫] أثر صفوة ‪ :‬أي صبغ على ثوبه ‪ .‬نواة ‪ :‬بزرة التمر [‪.‬‬
‫لقد دعا له بالبركة كثرة الخير ـ والبركة كثرة الخير ‪ -‬في هذا الزواج‬
‫وما كان المهر فيه إل وزن نواة من التمر ‪.‬‬
‫مغالين من هذه البركة ؟‬
‫فما هو نصيب هؤلء ال ُ‬
‫وعن أبي العوجاء قال ‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب ‪ ‬يقول ‪ :‬ل تغلو‬
‫صد ُقَ النساء ‪ ،‬فإنها لو كانت مكُرمة في الدنيا ‪ ،‬أو تقوى في الخرة ‪ ،‬لكان‬
‫ُ‬
‫دقت‬ ‫أولكم بها النبي ‪ ‬ما أصدق رسول الله ‪ ‬امرأة من نسائه ‪ ،‬ول أ ْ‬
‫ص ِ‬
‫امرأة من بناته ‪ ،‬أكثر من ثنتي عشرة ُأوقية ‪.‬‬
‫رواه الخمسة ‪ ،‬وصححه الترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في مهور‬
‫النساء ‪ ،‬رقم ‪. ( 1114 :‬‬
‫والخلصة ‪ :‬أن المغالة في المهور مكروهة شرعا ً ‪ ،‬وأن الي ُ ْ‬
‫سر في المهور‬
‫مندوب ‪ ،‬ومن أسباب البركة والخير للرجال والنساء ‪ ،‬والمجتمع ‪.‬‬

‫عقد الزواج وما يترتب عليه‬


‫معنى الزواج ‪:‬‬
‫الزواج في اللغة ‪ :‬هو القتران ‪ ،‬والختلط ‪ .‬يقال ‪ :‬زوج فلن إبله ‪:‬‬
‫أي قرن بعضها ببعض ‪ .‬ويقال ‪ :‬زوجه النوم ‪ :‬أي خالطه ‪ .‬ومنه قول الله‬
‫َ‬
‫م ‪ ] ‬الصدقات ‪ [ 22 :‬أي‬ ‫جه ُ ْ‬ ‫ن ظ َل َ ُ‬
‫موا وَأْزَوا َ‬ ‫شُروا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عز وجل ‪  :‬ا ْ‬
‫ح ُ‬
‫قرناءهم ‪.‬‬
‫والزواج في الشرع ‪ :‬عقد يتضمن إباحة استمتاع ك ّ‬
‫ل من الزوجين‬
‫بالخر على وجه مشروع ‪.‬‬
‫‪77‬‬
‫أنواع الزواج ‪:‬‬
‫الزواج نوعان ‪ :‬زواج باطل ‪ ،‬وزواج صحيح ‪.‬‬
‫أما الزواج الباطل ‪ :‬فهو الذي فقد َ ركنا ً من أركانه ‪ ،‬أو شرطا ً من‬
‫شروط صحته ‪.‬‬
‫وهذا الزواج ل حكم له إل الحرمة ‪ ،‬ول يترتب عليه أيّ أثر من آثار‬
‫م إل مهر المثل في بعض صور الُبطلن ‪.‬‬‫الزواج ‪ ،‬الّله ّ‬
‫ي للزوجة ‪ ،‬ودخل بها ‪.‬‬
‫كما إذا تزوج من غير ول ّ‬
‫قال رسول الله ‪ " : ‬أيما امرأة نكحت بغير إذن ولّيها فنكا ُ‬
‫حها باطل‬
‫ـ ثلثا ً ـ فإن دخل بها فهل مهر المثل بما اسحل من فرجها " ‪.‬‬
‫رواه الترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء ل نكاح إلى بولي ‪ ،‬رقم‬
‫‪( 1102‬‬
‫وأما الزواج الصحيح ‪ :‬فهو الذي استوفى أركانه ‪ ،‬وشروط صحته ‪،‬‬
‫وهذا الزواج هو الذي تترتب عليه آثاره التي ذكرها‪.‬‬
‫أحكام عقد الزواج ‪:‬‬
‫لعقد الزواج أحكام كثيرة ‪ ،‬وقد مّرت عند بحثنا عن النكاح وأركانه ‪،‬‬
‫فلُتراجع هناك ‪.‬‬
‫ما يترتب على عقد الزواج الصحيح من حقوق وواجبات ‪:‬‬
‫إذا وقع عقد الزواج صحيحا ً تترتب عليه كثر من الحقوق والواجبات‬
‫المتقابلة بين الزوجين ‪.‬‬
‫وهذه الحقوق والواجبات لكل واحد منها بحث خاص به ُيذكر في‬
‫مكانه ‪.‬‬
‫دها مع ذكر الدليل لكل واحد منها ‪ ،‬وُنحيل‬
‫ولكّنا نكتفي هنا أن نع ّ‬
‫تفاصيلها إلى مواضعها الخاصة بها ‪.‬‬
‫وهذه الحقوق والواجبات هي ‪:‬‬
‫ل استمتاع ك ّ‬
‫ل من الزوجين بالخر على الوجه المشروع ‪ ،‬قال الله‬ ‫أـح ّ‬
‫تعالى ‪:‬‬

‫‪78‬‬
‫ث ل ّك ُم فَأ ْتوا ْ حرث َك ُ َ‬
‫شئ ْت ُ ْ‬
‫م‪ ] ‬البقرة ‪. [ 223 :‬‬ ‫م أّنى ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫حْر ٌ‬ ‫سآؤ ُك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫‪ ‬نِ َ‬
‫ب ـ وجوب متابعة المرأة لزوجها ‪ ،‬وطاعتها له ‪ ،‬وتمكينها له‬
‫من نفسها ‪ ،‬ومحافظتها على بيته ‪.‬‬
‫روى مسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم امتناعها من فراش زوجها ‪ ،‬رقم‬
‫‪ ، ( 1436‬والبخــاري ) النكاح باب ‪ :‬إذا باتت المرأة مهاجرة فراش‬
‫زوجها ‪ ،‬رقم ‪ (4879 :‬عن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال ‪ " :‬إذا باتت‬
‫المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملئكة حتى تصبح ( ‪.‬‬
‫وفي رواية أخرى ‪ ) :‬إذا دعا الرجل امرأَته إلى فراشه ‪ ،‬فلم تأته ‪،‬‬
‫ة حتى ُتصِبح ( ‪.‬‬
‫فبات غضبان عليها ‪ ،‬لعنتها الملئك ُ‬
‫ن أل يوطئن فُُرشكم‬
‫وقال ‪ ‬في خطبة حجة الوداع ‪ " :‬ولكم عليه ّ‬
‫أحدا ً تكرهونه " ‪.‬‬
‫رواه مسلم من حديث طويل ) الحج ‪ ،‬باب ‪ :‬حجة النبي ‪ ‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 1218‬وغيره ‪.‬‬
‫ج ـ المهر ‪ ،‬وهو حق للزوجة على زوجها‪ .‬قال الله تعالى ‪َ  :‬وآُتوا ْ الن ّ َ‬
‫ساء‬
‫ة‪‬‬ ‫حل َ ً‬ ‫صد َُقات ِهِ ّ‬
‫ن نِ ْ‬ ‫َ‬
‫] النساء ‪. [ 4 :‬‬
‫د ـ النفقة ‪ ،‬وقد أجمع المسلمون على أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها ‪.‬‬
‫قال الله عز جل ‪:‬‬
‫ف ‪ ] ‬البقرة ‪[ 223 :‬‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫سوَت ُهُ ّ‬
‫ن وَك ِ ْ‬ ‫موُْلود ِ ل َ ُ‬
‫ه رِْزقُهُ ّ‬ ‫‪َ ‬وعَلى ال ْ َ‬
‫‪ .‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫قوا‬
‫ضي ّ ُ‬
‫ن ل ِت ُ َ‬ ‫م وََل ت ُ َ‬
‫ضاّروهُ ّ‬ ‫جد ِك ُ ْ‬
‫من وُ ْ‬ ‫س َ‬
‫كنُتم ّ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫سك ُِنوهُ ّ‬‫‪‬أ ْ‬
‫ن ‪ ] ‬الطلق ‪[ 6 :‬‬ ‫ع َل َي ْهِ ّ‬
‫ن‬
‫ن عليكم رزقه ّ‬ ‫وقال رسول الله ‪ ‬في خطبة حجة الوداع ‪ " :‬وله ّ‬
‫ن بالمعروف " ‪ .‬رواه مسلم ‪ ( 1218‬وغيره والنفقة تشمل‬
‫وكسوته ّ‬
‫الطعام والشـراب ‪ ،‬والكسوة والمسكن ‪ ،‬وسيـأتي تفصـيل ذلك إن شاء‬
‫الله تعالى ‪:‬‬
‫‪79‬‬
‫هـ ـ القسم بين الزوجات ‪ ،‬إن كان للزوج أكثر من زوجة واحدة ‪ ،‬كما‬
‫سيأتي ‪.‬‬
‫قال رسول الله ‪ ": ‬إذا كان الرجل امرأتان ‪ ،‬فلم يعدل بينهما ‪ ،‬جاء‬
‫يوم القيامة وشقه ساقط " ‪.‬‬
‫رواه الترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في التسوية بين الضرائر ‪،‬‬
‫رقم ‪ ، (1141 :‬وابن ماجه ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬القسمة بين النساء ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ، ( 1969‬وأبو داود ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في القسم بين النساء ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ، ( 2123‬عن أبي هريرة ‪. ‬‬
‫وروى الترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في التسوية بين الضرائر ‪،‬‬
‫رقم ‪ (1140 :‬وأبو داود ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في القسم بين النساء ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 2134‬وغيرهما ‪ :‬عن عائشة رضي الله عنها ‪ :‬أن النبي ‪ ‬كان يقسم‬
‫م هذه قسمتي فيما أملك ‪ ،‬فل تلمني‬
‫بين نسائه ‪ ،‬فيعدل ‪ ،‬ويقول ‪ " :‬الله ّ‬
‫فيما تملك ول أملك "‪.‬‬
‫] هذه قسمتي ‪ :‬أي في المبيت والنفقة ‪ .‬فل تلمني فيما تملك ول‬
‫دة [ ‪.‬‬
‫أملك ‪ :‬أي في الحب والمو ّ‬
‫و ـ النسب ‪ ،‬ويثبت بالزواج بعد الدخول تسب الولد إلى أبيهم ‪ ،‬إذا جاءت‬
‫بهم الزوجة ضمن مدة الحمل المعروفة ‪ :‬وأقلها ستة أشهر ‪ ،‬وأكثرها‬
‫أربع سنين ‪.‬كما مّر ‪ .‬فولد كل زوجة في زواج صحيح ينسب إلى‬
‫زوجها ‪ .‬قال رسول الله ‪ " : ‬الولد للفراش ‪ ،‬وللعاهر الحجر"‬
‫رواه مسلم ) الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬الولد للفراش وتوقي الشبهات ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪. (1457‬‬
‫] والمراد بالفراش ‪ :‬حالة قيام الزوجية ‪ .‬وللعاهر الحجر ‪ :‬أي الزاني له‬
‫الخيبة ‪ ،‬ول حقّ له في الولد [ ‪.‬‬
‫ز ـ التوارث بين الزوجين بشروطه المعروفة في باب الرث ‪،‬‬
‫قال الله تعالى ‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫ف ما تر َ َ‬
‫ن وَل َد ٌ‬
‫ن ل َهُ ّ‬
‫كا َ‬‫ن وَل َد ٌ فَِإن َ‬ ‫كن ل ّهُ ّ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م ِإن ل ّ ْ‬ ‫جك ُ ْ‬
‫ك أْزَوا ُ‬ ‫ص ُ َ ََ‬ ‫م نِ ْ‬‫‪ ‬وَل َك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ما‬‫م ّ‬‫ن الّرب ُعُ ِ‬‫ن وَل َهُ ّ‬ ‫ن ب َِها أوْ د َي ْ ٍ‬ ‫صي َ‬ ‫صي ّةٍ ُيو ِ‬ ‫من ب َعْد ِ وَ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ت ََرك ْ َ‬ ‫م ّ‬
‫م الّرب ُعُ ِ‬ ‫فَل َك ُ ُ‬
‫من‬ ‫ما ت ََرك ُْتم ّ‬‫م ّ‬‫ن ِ‬ ‫م ُ‬‫ن الث ّ ُ‬ ‫م وَل َد ٌ فَل َهُ ّ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬‫كا َ‬‫م وَل َد ٌ فَِإن َ‬ ‫كن ل ّك ُ ْ‬ ‫م يَ ُ‬‫م ِإن ل ّ ْ‬ ‫ت ََرك ْت ُ ْ‬
‫ن ‪ ] ‬النساء ‪. [ 12 :‬‬ ‫َ‬
‫ن ب َِها أوْ د َي ْ ٍ‬ ‫صو َ‬ ‫صي ّةٍ ُتو ُ‬ ‫ب َعْد ِ وَ ِ‬
‫سنن عقد النكاح ‪:‬‬
‫ب التيان بها تعظيما ً لهذا العقد ‪ ،‬وإظهارا ً‬
‫ولعقد الزواج سنن يستح ّ‬
‫له ‪.‬‬
‫ومن هذه السنن ما يلي ‪:‬‬
‫أ ـ الخطبة ُ‬
‫قبيل عقد الزواج ‪ ،‬وهذه الخطبة مستحبة من قبل الزوج أو‬
‫نائبه ‪ ،‬وذلك لما روي عن عبدالله بن مسعود ‪ ‬موقوفا ً ومرفوعا ً قال‬
‫دكم أن يخ ُ‬
‫طب لحاجة من نكاح وغيره فليقل …( إلى‬ ‫‪ ) :‬إذا أراد أح ُ‬
‫آخر الحديث ‪ ،‬وقد مّر في بحث الخطبة ‪ ،‬فارجع إليه هناك‬
‫ن الدعاء للزوجين عند الزواج ‪ ،‬وذلك لما‬ ‫ب ـ الدعاء للزوجين ‪ ،‬ويس ّ‬
‫روى أبو هريرة ‪ : ‬أن النبي ‪ ‬كان إذا رّفأ إنسانا ً إذا تزوج قال ‪" :‬‬
‫بارك الله لك ‪ ،‬وبارك عليك ‪ ،‬وجمع بينكما في الخير " ‪.‬‬
‫رواه الترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء فيما ُيقال للمتزوج ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 1091‬وأبو داود‬
‫) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما ُيقال للمتزوج ‪ ،‬رقم ‪ ( 2130 :‬وابن ماجه ) النكاح ‪،‬‬
‫باب‪ :‬تهنئة النكاح ‪ ،‬رقم ‪. ( 1905 :‬‬
‫] ومعنى رّفأ ‪ :‬دعا له بالّرفاء ‪ ،‬أي اللتئام وجمع الشمل [ ‪.‬‬
‫ج ـ إعلن عقد الزواج ‪ ،‬وإظهار الفرح فيه بضرب الدف ‪ ،‬ويستحب‬
‫إعلن عقد الزواج ‪ ،‬واجتماع الناس عليه ‪ ،‬ويكره إسراره ‪.‬‬
‫كما يستحب إظهار الفرح ‪ ،‬وضرب الدف ‪ ،‬والغناء الطيب الذي‬
‫يتضمن المعنى الحسن الكريم ‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫روى ابن ماجه ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬إعلن النكاح ‪ ،‬رقم ‪ ( 1895 :‬عن‬
‫عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬قال رسول الله ‪ " : ‬أعلنوا هذا النكاح ‪،‬‬
‫واضربوا عليه بالُغربال " أي الدف ‪.‬‬
‫وروى الترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في إعلن النكاح ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 1088‬وغيره ‪ :‬أن النبي ‪ ‬قال ‪ " :‬فصل ما بين الحرام والحلل‬
‫ف والصوت " ‪.‬‬
‫الد ّ‬
‫وقال ‪ ": ‬أعلنوا هذا النكاح ‪ ،‬واجعلوه في المساجد واضربوا‬
‫عليه بالدفوف " ‪.‬‬
‫رواه الترمذي ) الموضع السابق ‪ ،‬رقم ‪. ( 1089 :‬‬
‫ن الفرح ‪ ،‬وإظهار البهجة ‪ ،‬واللهو الشريف البريء ‪.‬‬
‫وكذلك يس ّ‬
‫روى البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬النسوة اللتي يهدين المرأة إلى‬
‫زوجها ‪ ،‬رقم ‪ ( 4867 :‬عن عائشة رضي الله عنهما ‪ :‬أنها َزّفت امرأة إلى‬
‫رجل من النصار ‪ ،‬فقال النبي ‪ " : ‬يا عائشة ‪ ،‬ما كان معكم من لهو ؟‬
‫فإن النصار يعجبهم اللهو " ‪.‬‬
‫أما الغناء الذي فيه مجون ‪ ،‬وفجور وشرور ‪ ،‬ووصف للمحاسن‬
‫والفاتن ‪ ،‬وإثارة للشهوات والغرائز ‪ ،‬فإنه حرام بل شك ‪ ،‬في العراس‬
‫وغيرها ‪.‬‬
‫د ـ الدعاء عند الدخول على الزوجة ‪ ،‬ويستحب عند الدخول على الزوجة ‪،‬‬
‫والعزم على جماعها ‪ ،‬بأن يقول ‪ :‬بسم الله ‪ ،‬اللهم جنبنا الشيطان‬
‫وجنب الشيطان ما رزقتنا ‪.‬‬
‫روى البخاري ) الوضوء ‪ ،‬باب ‪ :‬التسمية على كل حال وعند الوقاع ‪،‬‬
‫رقم ‪ ( 141 :‬مسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما يستحب أن يقول عند الجماع ‪ ،‬رقم‬
‫‪ ( 1434 :‬عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ " : ‬لو‬
‫ي أهَله قال ‪:‬بسم الله ‪ ،‬الّلهم جّنبنا الشيطان ‪،‬‬
‫ن يأت َ‬
‫أن أحدهم إذا أراد أ ْ‬
‫در بينهما ولد في ذلك لم يضرهّ‬
‫ق ّ‬
‫وجنب الشيطان ما رزقتنا ‪ ،‬فإنه إن ي ُ َ‬
‫شيطان أبدا ً " ‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫دث عنها بشيء من التفصيل ‪.‬‬ ‫هـ ـ الوليمة ‪ ،‬وهي مسنونة ‪ ،‬وسنتح ّ‬
‫معنى الوليمة ‪ :‬الوليمة مشتقة من الوَْلم ‪ ،‬وهو الجتماع ‪ ،‬وس ّ‬
‫ميت‬
‫بذلك لن الزوجين يجتمعان فيها ‪.‬‬
‫قال في القاموس ‪ :‬الوليمة طعام العرس ‪ ،‬أو كل طعام صنع لدعوة‬
‫وغيرها ‪ ،‬وأولم ‪ :‬صنع الوليمة ‪.‬‬
‫حكم الوليمة ‪ :‬الوليمة للعرس سّنة مؤكدة ‪ ،‬لثبوتها عن النبي ‪‬‬
‫قول ً وفعل ً ‪.‬‬
‫فقد روى البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬من أولم بأقل من شاة ‪ ،‬رقم ‪4877 :‬‬
‫( أن النبي ‪ ‬أولم على بعض نسائه بمدين من شعير ‪.‬‬
‫وروى الترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الوليمة ‪ ،‬رقم ‪ ( 1095 :‬أن‬
‫حيي رضي الله عنها بسويق وتمر ‪.‬رواه داود‬ ‫النبي ‪ ‬أول َ َ‬
‫م على صفية بنت ُ‬
‫) الطعمة ‪ ،‬باب ‪ :‬في استحباب الوليمة عند النكاح ‪ ،‬رقم ‪ ، ( 3744 :‬وابن‬
‫ماجه ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الوليمة ‪ ،‬رقم ‪. ( 1909 :‬‬
‫وروى مسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬زواج زينب ‪ ..‬وإثبات وليمة العرس ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 1428‬أن النبي ‪ ‬أولم على زينب رضي الله عنها بخبز ولحم ‪ .‬وأنه ‪ ‬قال‬
‫لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ‪ " :‬أولم ولو بشاة " ‪ ،‬رواه البخاري‬
‫) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الوليمة ولو بشاة ‪ ،‬رقم ‪ ، ( 4872 :‬ومسلم ) النكاح ‪ ،‬باب‪:‬‬
‫الصداق وجواز كونه تصليح قرآن …‪ ،‬رقم ‪. ( 1472‬‬
‫وقد حمل العلماء فعله ‪ ‬وقوله على الندب ‪.‬‬
‫مقدار الوليمة ‪ :‬وأقل الوليمة للموسر شاة ‪ ،‬ول حد ّ لكثرها ‪،‬‬
‫ولغيره ما قدر عليه من الطعام ‪.‬‬
‫سع من حين العقد إلى ما بعد‬ ‫وقت الوليمة ‪ :‬ووقت وليمة العرس مو ّ‬
‫الدخول ‪ ،‬وإن كان الفضل فعلها بعد الدخول ‪ ،‬لن النبي ‪ ‬لم يوِْلم على‬
‫نسائه إل بعد الدخول ‪ ،‬فقد جاء في أحاديث زواجه ‪ : ‬أصبح النبي ‪ ‬بها‬
‫عروسا ً ‪ ،‬فدعا القوم ‪ ..‬وهكذا ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫انظر البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الوليمة حق ( ‪ ،‬ومسلم ) النكاح ‪،‬‬
‫باب ‪ :‬فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها( ‪.‬‬
‫حكمة تشريع الوليمة ‪ :‬وحكمة تشريع وليمة العرس شكر الله عّز‬
‫وجل على ما وُّفق به من الزواج ‪ .‬واجتماع الناس عليه ‪ ،‬حيث إن هذا‬
‫الجتماع يدعو إلى التحابب والتآلف ‪ .‬وإظهار الزواج من السّرية إلى العلنية‬
‫‪ ،‬ليظهر الفرق بين النكاح المشروع ‪ ،‬والسفاح الممنوع‪.‬‬
‫حكم إجابة الدعوة إلى وليمة العرس‪ :‬وإجابة دعوة وليمة العرس‬
‫من دعي إليها ‪.‬‬
‫فرض عين على َ‬
‫ودليل ذلك ما رواه البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬حق إجابة الوليمة‬
‫والدعوة …‪ ،..‬رقم ‪ ( 4878 :‬ومسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المر بإجابة الداعي‬
‫إلى دعوة ‪ ،‬رقم ‪ ( 1429 :‬عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله ‪ " : ‬إذا ُ‬
‫دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " ‪.‬‬
‫وفي رواية عند مسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المر بإجابة الداعي إلى‬
‫دعوة ‪ ،‬رقم ‪ ( 1432 :‬عن أبي هريرة ‪ ) ‬و َ‬
‫من لم يجب الدعوة فقد‬
‫عصى الله ورسوله ( ‪.‬‬
‫شروط وجوب إجابة دعوة وليمة العرس ‪ :‬لقد شرط العلماء‬
‫لوجوب إجابة دعوة وليمة العرس شروطا ً منها‪:‬‬
‫جب‬
‫صهم ل ت ِ‬
‫ص صاحب الدعوة بها الغنياء وحدهم ‪ ،‬فإذا خ ّ‬
‫أ ـ أن ل يخ ّ‬
‫إجابتها ‪.‬‬
‫روى مسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المر بإجابة الداعي إلى دعوة ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 1432‬عن أبي هريرة ‪ ‬أنه كان يقول ‪ ) :‬بئس الطعام طعام الوليمة ‪،‬‬
‫من لم يأت الدعوة فقد عصى الله‬
‫ُيدعى إليه الغنياء ‪ ،‬وُيترك المساكين ‪ ،‬ف َ‬
‫ورسوله ( ‪.‬‬
‫ومعنى الحديث الخبار بما يقع من الناس بعده ‪ ‬من مراعاة الغنياء‬
‫في الولئم ‪ ،‬وتخصيصهم بالدعوة ‪ ،‬وإيثارهم بطيب الطعام مما هو غالب‬
‫في الولئم اليوم ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫ب ـ أن يكون الداعي مسلما ً ‪ ،‬والمدعو مسلما ً ‪ ،‬فإن كان غير ذلك فل تجب‬
‫إجابة الدعوة إليها‬
‫ج ـ أن يدعوه في اليوم الول ‪،‬إذا أولم في أكثر من يوم ‪ ،‬فإذا دعاه في‬
‫اليوم الثاني استحبت الجابة ‪ ،‬وفي اليوم الثالث ُتكره إجابتها ‪.‬‬
‫روى الترمذي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الوليمة ‪ ،‬رقم ‪( 1079 :‬‬
‫عن ابن مسعود ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ " ‬طعام أول يوم حق ‪ ،‬وطعام‬
‫مع الله به " أي‬
‫مع س ّ‬
‫سمعة ‪ ،‬ومن س ّ‬
‫يوم الثاني سنة ‪ ،‬وطعام يوم الثالث ُ‬
‫تفاخر وليسمع الناس به ‪.‬‬
‫وروى أحمد ) ‪ ( 5/28‬وغيره ‪ :‬أن رسول الله ‪ ‬قال ‪ " :‬الوليمة في‬
‫سمعة " ‪.‬‬
‫اليوم الول حق ‪ ،‬وفي الثاني معروف ‪ ،‬وفي الثالث ريا ء و ُ‬
‫دد والتقّرب ‪ ،‬فإن دعاه لخوف منه ‪ ،‬أو طمع في جاهه ل‬
‫د ـ أن يدعوا للتو ّ‬
‫تجب إجابتها ‪.‬‬
‫هـ ـ أن ل يكون الداعي ظالما ً أو شريرا ً ‪ ،‬أو صاحب مال حرام ‪ ،‬فإن كان‬
‫جب إجابتها ‪.‬‬
‫كذلك ل ت َ ِ‬
‫و ـ أن ل يكون هناك منكر ‪ :‬كخمر ‪ ،‬واختلط بين الرجال والنساء ‪ ،‬أو صور‬
‫إنسان ‪ ،‬أو حيوان معلقة على الجدران ‪.‬‬
‫قال رسول الله ‪ " : ‬من كان يؤمن بالله واليوم الخر فل يقعدن‬
‫على مائدة ُيدار عليها الخمر " أخرجه الحاكم وصححه ‪.‬‬
‫) المستدرك ‪ :‬الدب ‪ ،‬باب ‪ :‬ل تجلسوا على مائدة ُيدار عليها الخمر ‪:‬‬
‫‪. (4/288‬‬
‫فإن كان يزول المنكر بحضوره ‪ ،‬وجب حضوره ‪ ،‬وإجابة الدعوة ‪،‬‬
‫وإزالة المنكر ‪.‬‬
‫مجيب دعوة الوليمة أن يأكل‬
‫الكل من طعام الوليمة ‪ :‬ل يجب على ُ‬
‫منها ‪ ،‬بل الواجب عليه أن يحضـر ‪ ،‬ثم إن شاء أكل ‪ ،‬وإن شاء ترك ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫روى مسلم ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المر بإجابة الداعي إلى دعوة ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 1430‬عن جابر ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ " ‬إذا ُ‬
‫دعي أحدكم إلى طعام‬
‫فُليجب ‪ ،‬فإن شاء ط َِعم ‪ ،‬وإن شاء ترك‬
‫وقيل ‪ :‬يجب أن يأكل إل إذا كان صائما ً ‪.‬‬
‫ودليل ذلك ‪ ،‬ما رواه مسلم ) الموضع السابق ‪ ،‬رقم ‪ ( 1431 :‬عن‬
‫أبي هريرة ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ " : ‬إذا ُ‬
‫دعي أحدكم فلُيجب ‪ ،‬فإن‬
‫كان صائما َ فلُيصل ‪ ،‬وإن كان مفطرا ً فليطعم " ‪.‬‬
‫ومعنى ) فل ُْيصل ( فل ْي َ ْ‬
‫دع لهل الطعام بالمغفرة والبركة ‪ .‬والصلة في‬

‫ن ل ّهُ ْ‬
‫م‪ ] ‬التوبة ‪:‬‬ ‫سك َ ٌ‬ ‫صل َت َ َ‬
‫ك َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل ع َل َي ْهِ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫اللغة ‪ :‬الدعاء ‪ .‬قال تعالى ‪  :‬وَ َ‬
‫ص ّ‬
‫‪ [ 103‬أي ادع لهم ‪.‬‬
‫مجيب الدعوة أن يأكل مما قُ ّ‬
‫دم له ‪ ،‬ول يتصرف فيه إل‬ ‫حب ل ُ‬
‫ويست ّ‬
‫بالكل ‪.‬‬
‫وله أن يأخذ منه إن علم رضا صاحب الدعوة‪.‬‬
‫ويحل ن َْثر سكر وغيره ‪ :‬كجوز ولوز ودنانير ودراهم على المرأة في‬
‫النكاح ‪ ،‬ويح ّ‬
‫ل التقاطه ‪ ،‬وتركه أولى ‪.‬‬

‫القسم بين الزوجات وما يتعلق بذلك‬


‫تعريف القسم ‪:‬‬
‫سم بكسر القاف ‪:‬‬
‫القسم ـ في اللغة ـ مصدر قسم يقسم ‪ ،‬والق ْ‬
‫النصيب ‪.‬‬
‫سم اصطلحا ً ‪ :‬أن َ‬
‫من كان له أكثر من زوجه ‪ ،‬وبات عند واحدة‬ ‫ق ْ‬
‫وال َ‬
‫ن‪.‬‬
‫ن لزمه المبيت عند باقيه ّ‬
‫منه ّ‬
‫حكم القسم بين الزوجات‪:‬‬
‫القسم ابتداء بين الزوجات مندوب ‪ ،‬وليس بواجب ‪ ،‬فمن كان له‬
‫ن ‪ ،‬وإنما لم يجب‬
‫ن ‪ ،‬ول يطله ّ‬
‫ن ‪ ،‬ويبيت عنده ّ‬
‫ب أن يقسم له ّ‬
‫نسوة استح ّ‬
‫ن‬
‫ذلك عليه ‪ ،‬لن المبيت حقه ‪ ،‬فجاز له تركه ‪ .‬أما إذا بات عند واحدة منه ّ‬

‫‪86‬‬
‫بقرعة ‪ ،‬أو غيرها ‪ ،‬لزمه المبيت عند الباقيات ‪ ،‬وأصبح القسم لّهن واجبا ً‬
‫ن‪.‬‬‫تحقيقا ً للعدل بينه ّ‬
‫دليل وجوب العدل في القسم وغيره ‪:‬‬
‫سم وغيره بين النساء ‪ :‬القرآن والسّنة ‪.‬‬ ‫ق ْ‬‫ودليل وجوب العدل في ال َ‬
‫حد َة ً أ َْو‬
‫وا ِ‬ ‫فت َ‬
‫م أل ّ ت َعْد ُِلوا ْ فَ َ‬
‫خ ْ ُ ْ‬ ‫أما القرآن ‪ :‬فقول الله عّز وجل ‪  :‬إ ِ ْ‬
‫ن ِ‬
‫َ‬
‫م‪‬‬ ‫مان ُك ُ ْ‬ ‫مل َك َ ْ‬
‫ت أي ْ َ‬ ‫ما َ‬
‫َ‬
‫سم والنفاق فاقتصروا على‬
‫ق ْ‬
‫] النساء ‪ [ 3:‬أي إن خفتم أن ل تعدلوا في ال َ‬
‫تزّوجكم واحدة ‪.‬‬
‫ن‪.‬‬
‫سم بينه ّ‬
‫ق ْ‬
‫فلقد أشعرت الية بوجوب العدل في ال َ‬
‫وأما السنة ‪ :‬فما رواه أبو داود ) ‪ ( 2133‬والترمذي ) ‪( 1141‬‬
‫وغيرهما عن أبي هريرة ‪ : ‬أن النبي ‪ ‬قال ‪َ ) :‬‬
‫من كانت له امرأتان‬
‫فمال إلى إحداهما ـ وعند الترمذي ‪ :‬فلم يعدل بينهما ـ جاء يوم القيامة‬
‫قه ساقط ( ‪ .‬وهذه عقوبة ل تكون إل‬
‫قه مائل ـ وعند الترمذي ‪ :‬وش ّ‬
‫وش ّ‬
‫على ترك واجب ‪.‬‬
‫وروى أبو داود ) ‪ ، ( 2134‬والترمذي ) ‪ ( 1140‬عن عائشة رضي الله‬
‫عنها قالت ‪ :‬كان رسول الله ‪ ‬يقسم فيعدل ‪ ،‬ويقول ‪ ) :‬الّله ّ‬
‫م هذا قسمي‬
‫فيما أملك ‪ ،‬فل تلمني فيما تملك ول أملك ( ‪.‬‬
‫سم بين النساء ( ‪ ،‬والترمذي ) النكاح‬
‫ق ْ‬
‫أبو داود ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في ال َ‬
‫‪ ،‬باب‪ :‬ما جاء في التسوية بين الضرائر ( ‪.‬‬
‫سم ‪:‬‬ ‫من يستحق ال َ‬
‫ق ْ‬
‫ن مريضة ‪ ،‬أو حائضا ً أو‬
‫سم الزوجات ‪ ،‬ولو كانت إحداه َ‬
‫ق ْ‬
‫ويختص بال َ‬
‫ن‪.‬‬‫نفساء ‪ ،‬ما دمن من طائعات لزوجه ّ‬
‫أما إذا كانت المرأة ناشزا ً فل تستحق القَ ْ‬
‫سم ‪ ،‬لسقاطها حقها‬
‫بنشوزها ‪ ،‬وسيأتي بيان النشوز وحكمه ‪.‬‬
‫سم بين الزوجات ‪:‬‬ ‫كيفية ال َ‬
‫ق ْ‬
‫ويجوز للزوج أن يجعل لكل زوجة ليلة ويوما ً قبلها ‪ ،‬أو بعدها ‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫والصل الليل ‪ ،‬والنهار تبع له ‪ ،‬إل إذا كان الزوج يعمل ليل ً ‪ :‬كحارس ‪ ،‬فإن‬
‫الصل النهار ‪ ،‬والليل تبع له ‪.‬‬
‫ن إليه ‪ ،‬كل‬
‫ثم إذا كان الزوج يبيت في بيت وحده جاز له أن يدعوه ّ‬
‫واحدة في ليلتها ويومها ‪.‬‬
‫ن‪.‬‬
‫ن في بيوته ّ‬
‫والفضل أن يدور عليه ّ‬
‫ن في‬
‫ن ‪ ،‬وجب عليه أن يدور عليه ّ‬
‫وإن كان يبيت عند واحدة منه ّ‬
‫ن ‪ ،‬كل واحدة في ليلتها ويومها ‪.‬‬
‫بيوته ّ‬
‫ن ‪ ،‬ثم يدعوا الباقيات إليه ‪،‬‬
‫ويحرم عليه أن يبيت عند واحدة منه ّ‬
‫لن إتيان بيت الضرائر شاق على النفس ‪.‬‬
‫ن ‪ ،‬لما‬
‫ن في مسكن واحد بغير رضاه ّ‬
‫كما يحرم عليه أن يجمعه ّ‬
‫ن‪.‬‬
‫يسّببه ذلك من التباغض بينه ّ‬
‫سم يومين ‪ ،‬أو ثلثة أيام ‪.‬‬
‫ق ْ‬
‫ويجوز أن يجعل مدة ال َ‬
‫ن‪،‬‬‫ويحرم أكثر من ذلك ‪ ،‬لما في طول المدة من الوحشة عليه ّ‬
‫وتجب القرعة للبدء بالمبيت عند واحدة منهن ‪ ،‬تجنبا ً لترجيح إحداه ّ‬
‫ن على‬
‫الخرى ‪ ،‬ثم يقرع بين الباقيات ‪.‬‬
‫ويجوز أن يدخل نهارا ً على غير َ‬
‫من لها النوبة إذا كان دخوله لحاجة ‪،‬‬
‫وينبغي أل ّ يطول مكثه ‪.‬‬
‫سم بين النساء ‪ ،‬رقم ‪:‬ك ‪2135‬‬
‫ق ْ‬
‫روى أبو داود ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في ال َ‬
‫( ‪ ،‬والحاكم‬
‫) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬التشديد في العدل بين النساء رقم ‪ ( 2/186 :‬وقال صحيح‬
‫السناد ‪ :‬عن عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬وكان ـ أي رسول الله ‪ ‬قال‬
‫يوم إل وهو يطوف علينا جميعا ً ‪ ،‬فيدنوا من كل امرأة من غير مسيس حتى‬
‫يبلغ إلى التي هو يومها ‪ ،‬فيبيت عندها ‪.‬‬
‫ول يجوز أن يدخل ليل ً إلى غير َ‬
‫من لها النوبة إل لضرورة ‪ :‬كمرض‬
‫مخوف ‪ ،‬أو حريق ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪.‬‬
‫ص بكر جديدة بسبع ليال متواليات وجوبًا‪.‬‬
‫وتخت ّ‬
‫‪88‬‬
‫كما تختص ثّيب جديدة بثلث ليال متواليات وجوبا ً أيضا ً ‪.‬‬
‫روى البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬إذا تزوج الّثيب على البكر ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 4916‬ومسلم‬
‫) الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬قدر ما تستحقه البكر والّثيب من إقامة الزوج …‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 1461‬عن أنس ‪ ‬قال ‪ :‬من السّنة إذا تزوج البكر على الّثيب أقام‬
‫عندها سبعا ً ثم قسم ‪ ،‬وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلثا ً ثم قسم ‪ .‬قال ‪ :‬أبو‬
‫قلبة ـ أحد رواة الحديث ـ لو شئت لقلت ‪ :‬إن أنسا ً رضي الله رفعه إلى‬
‫النبي ‪. ‬‬
‫وروى مسلم ) الموضع السابق ‪ ،‬رقم ‪ ( 1460 :‬عن أم سلمة رضي‬
‫الله عنها قالت ‪ :‬قال رسول الله ‪ " : ‬للبكر سبع ‪ ،‬وللثّيب ثلث " ‪.‬‬
‫ن ليلتها لضّرتها بات عند الموهوب لها ليلتيهما ‪ ،‬كل‬
‫ولو وهبت إحداه ّ‬
‫ليلة في وقتها الذي كان لها ‪ ،‬فإن كانت متتابعين تابع بينهما ‪ ،‬وإن كانتا‬
‫ودة بنت زمعة‬ ‫متفرقين ‪ ،‬فرق بينهما فعل رسول الله ‪ ‬لما وهبت َ‬
‫س ْ‬
‫نوبتها لعائشة رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫روى البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المرأة الثّيب َتهب يومها من زوجها‬
‫لضّرتها ‪ ،‬رقم ‪ ( 4941 :‬ومسلم ) الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬جواز هبتها نوبتها لضرتها‬
‫‪ ،‬رقم ‪ – ( 1463 :‬واللفظ لمسلم – عن عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬ما‬
‫خها من سودة بنت زمعة من امرأة‬‫سل ِ‬
‫ى أن أكون في م ْ‬
‫ب إل ّ‬
‫رأيت امرأة أح ّ‬
‫فيها حدة ‪ ،‬قالت ‪ :‬فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله ‪ ‬لعائشة ‪،‬‬
‫قالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ :‬قد جعلت يومي منك لعائشة ‪ ،‬فكان رسول الله‬
‫‪ ، ‬يقسم لعائشة يومين ‪ :‬يومها ‪ ،‬ويوم سودة ‪.‬‬
‫دة ‪ :‬أي‬
‫] مسلخها ‪ :‬المسلخ ‪ :‬هو الجلد ‪ ،‬ومعناه أن أكون أن هي ‪ .‬فيها ح ّ‬
‫شدة ولم ترد عائشة بذلك عيب سودة ‪ ،‬بل وضفتها بقوة النفس ‪ ،‬وجودة‬
‫دة [ ‪.‬‬‫القريحة ‪ ،‬وهي الح ّ‬
‫وإذا أراد سفرا ً أقرع بين نسائه ‪ ،‬واستصحب معه من خرجت قرعتها ‪،‬‬
‫لنه ‪ ‬كان يفعل ذلك ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫روى البخاري ) المغازي ‪ ،‬باب ‪ :‬حديث الفك ‪ ،‬رقم ‪، ( 3910 :‬‬
‫ومسلم ) التوبة ‪ ،‬باب ‪ :‬في حديث الفك وقبول توبة القاذف ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 2770‬عن عائشة رضي الله عنهما أنها قالت ‪ :‬كان رسول الله ‪ ‬إذا‬
‫ن خرج سهمها خرج بها ‪.‬‬
‫أراد السفر أقرع بين نسائه ‪ ،‬فأتيته ّ‬

‫النشــــوز‬
‫تعريف النشوز ‪:‬‬
‫النشوز ‪ :‬العصيان ‪ ،‬وهو مأخوذ من الن ّ ْ‬
‫شز ‪ ،‬بسكون الشين ‪ ،‬وفتحها ‪.‬‬
‫ما أوجب الله عليها من‬
‫ونشوز المرأة ‪ :‬عصيانها زوجها ‪ ،‬وتعاليها ع ّ‬
‫طاعته ‪.‬‬
‫قال ابن فارس ‪ :‬نشزت المرأة ‪ :‬استعصت على بعلها ‪ .‬قال تعالى ‪:‬‬

‫ن ‪ ] ..‬النساء ‪ . [33 :‬أي تخافون عصيانه ّ‬


‫ن‪.‬‬ ‫ن نُ ُ‬
‫شوَزهُ ّ‬ ‫‪َ ‬والل ِّتي ت َ َ‬
‫خاُفو َ‬
‫حكم النشوز ‪:‬‬
‫ونشوز المرأة حرام ‪ ،‬وهو كبيرة من الكبائر‪.‬‬
‫قال رسول الله ‪ " : ‬إذا دعا الرجل امرأَته إلى فراشه ‪ ،‬فلم تأِته ‪،‬‬
‫ح " رواه البخاري ومسلم عن‬
‫فبات غضبان عليها لعنتها الملئكة حتى تصب َ‬
‫أبي هريرة ‪. ‬‬
‫ل يدعو امرأته إلى‬
‫وفي رواية لمسلم ‪ " :‬والذي نفسي بيده ما من رج ٍ‬
‫فراشها ‪ ،‬فتأبى عليه ‪ ،‬إل كان الذي في السماء ساخطا ً عليها حتى يرضى‬
‫عنها "‪.‬‬
‫رواه البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها (‬
‫‪ ،‬ومسلم‬
‫) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم امتناعها عن فراش زوجها ( ‪.‬‬
‫وقال رسول الله ‪ ": ‬والذي نفسي بيده ل تؤدي المرأة حق رّبها‬
‫جها " ‪.‬‬
‫حتى تؤديَ حقّ زو ِ‬

‫‪90‬‬
‫رواه أحمد ) ‪ ، ( 4/381‬وابن ماجه ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬حق الزواج على‬
‫المرأة ‪ ،‬رقم ‪. (1853 :‬‬
‫بم يكون النشوز ‪:‬‬
‫ويكون نشوز المرأة بخروجها عن طاعة زوجها ‪ ،‬وعصيانها له ‪ ،‬وذلك‬
‫كأن خرجت من بيته بغير عذر من غير إذنه ‪ ،‬أو سافرت بغير إذنه ورضاه ‪،‬‬
‫أو لم تفتح له الباب ليدخل ‪ ،‬أو لم تم ّ‬
‫كنه من نفسها بل عذر ‪ :‬كمرض ‪ ،‬أو‬
‫دعاها فاشتغلت بحاجاتها ‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫معالجة النشوز ‪:‬‬
‫إذا ظهرت من المرأة علمات النشوز ‪ :‬كأن وجد منها زوجها إعراضا ً‬
‫وعبوسا ً ‪ ،‬بعد ُلطف وطلقة وجه ‪ ،‬أو سمع منها كلما ً خشنا ً على خلف‬
‫عادتها استحب له أن يعظها بكتاب الله عز وجل ‪ ،‬ويذ ّ‬
‫كرها بما أوجب الله‬
‫ب أن يقول لها‬
‫عليها ‪ .‬ويحذرها غضب الله سبحانه وتعالى وعقوبته ‪ .‬ويستح ّ‬
‫‪ :‬إن الرسول ‪ ‬قال ‪ ":‬أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة‬
‫رواه الترمذي ) الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في حق الزواج على المرأة ‪،‬‬
‫رقم ‪ ، ( 1161 :‬وابن ماجه ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬حق الزوج على المرأة ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪. ( 1854‬‬
‫ويقول لها ‪ :‬قال رسول الله ‪ ": ‬إذا باتت المرأة هاجرة فراش‬
‫زوجها لعنتها الملئكة حتى ُتصِبح "‪.‬‬
‫مهاجرة فراش زوجها (‬
‫رواه البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬إذا باتت المرأة ُ‬
‫‪ ،‬ومسلم‬
‫) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم امتناعها من فراش زوجها ( ‪ .‬فإن استقامت فبها‬
‫ونعمت ‪.‬‬
‫قق نشوزها ‪ ،‬وأصّرت على إعراضها ‪ ،‬هجرها في المضجع ‪،‬‬ ‫وإن تح ّ‬
‫لن في الهجر أثرا ً ظاهرا ً في تأديبها ‪.‬‬
‫صُلحت‬
‫والمراد بالهجر ‪ :‬أن يهجر فراشها ‪ ،‬فل يضاجعها فيه ‪ .‬فإن َ‬
‫فذاك ‪ ،‬وإن تكرر نشوزها ‪ ،‬وأصّرت على عصيانها ‪ ،‬كان له أن يضربها‬

‫‪91‬‬
‫ضرب تأديب غير مبرح ‪ ،‬ل يجرح لحما ً ‪ ،‬و يكسر عظما ً ‪ ،‬ول يضرب وجها ً‬
‫ول موضع مهلكة ‪.‬‬
‫وهذا الضرب إنما ُيصار إليه إذا رجا صلحها به ‪ ،‬وغلب على ظنه أن‬
‫تعود إلى رشدها ‪.‬‬
‫فإن علم أن الضرب ل يصلحها ‪ ،‬بل يزيد في نفرتها ‪ ،‬فإنه ينبغي أل‬
‫يضربها ‪.‬‬
‫ودليل هذه الحكام التي ذكرناها قول الله عز وجل ‪:‬‬
‫ن‬
‫ضرُِبوهُ ّ‬
‫جِع َوا ْ‬
‫ضا ِ‬ ‫ن ِفي ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫جُروهُ ّ‬‫ن َواهْ ُ‬ ‫ظوهُ ّ‬ ‫ن فَعِ ُ‬‫شوَزهُ ّ‬ ‫ن نُ ُ‬ ‫خاُفو َ‬ ‫‪َ ‬والل ِّتي ت َ َ‬
‫ن ع َل ِي ّا ً ك َِبيرا ً ‪ ] ‬النساء ‪:‬‬ ‫فَإ َ‬
‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫سِبيل ً إ ِ ّ‬
‫ن َ‬‫م فَل َ ت َب ُْغوا ْ ع َل َي ْهِ ّ‬‫ن أط َعْن َك ُ ْ‬
‫ِ ْ‬
‫‪. [ 34‬‬
‫ع‬
‫فإن استحكم الخلف بينهما ‪ ،‬وتعذرت إزالته بواسطة الزوجين ‪ ،‬وُرف َ‬
‫سط للصلح بينهما حكمين مسلمين‬
‫المر إلى الحاكم ‪ ،‬وجب عليه أن يو ّ‬
‫عدلين عارفين بطرق الصلح ‪.‬‬
‫ويندب أن يكون أحدهما من أهل الزوج ‪ ،‬والخر من أهل الزوجة ‪.‬‬
‫كمان وكيلن للزوجين ‪ ،‬فيشترط رضا كل من الزوجين‬ ‫ح َ‬‫وهذان ال َ‬
‫ح َ‬
‫كمان في الصلح بين الزوجين ‪ ،‬ويبذلن وسعهما‬ ‫بوكيله ‪ .‬فيشرع ال َ‬
‫للوصول إليه ‪ ،‬فإن أفلحا فبها ونعمت ‪ ،‬وإن أخفقا ‪ ،‬و ّ‬
‫كل الزوج حكمه‬
‫ض الخلع منها ‪.‬‬
‫بطلقها ‪ ،‬وقبول عوَ َ‬
‫وض ‪ ،‬إن كانت رشيدة ‪ ،‬وقبول‬
‫كمها ببذل الع َ‬ ‫كلت هي أيضا ً َ‬
‫ح َ‬ ‫وو ّ‬
‫الطلق به ‪.‬‬
‫ويفّرق الحكمان بينهما إن رأياه صوابا ً ‪.‬‬
‫كمان ‪ ،‬ولم يتوصل إلى رأي واحد ‪ ،‬بعث القاضي‬ ‫ح َ‬
‫وإذا اختلف ال َ‬
‫ض الزوجان ببعث‬ ‫ح َ‬
‫كمين غيرهما حتى تجتمعا على شيء واحد ‪ .‬فإن لم ير َ‬ ‫َ‬
‫دب القاضي الظالم منهما ‪ ،‬واستوفى‬
‫الحكمين ‪ ،‬ولم يتفقا على شيء أ ّ‬
‫للمظلوم حقه ‪ ،‬وعمل بشهادة الحكمين ‪ ,‬قال الله تعالى ‪:‬‬

‫‪92‬‬
‫كما ً م َ‬ ‫كما ً م َ‬
‫دا‬
‫ري َ‬
‫ن أهْل َِها ِإن ي ُ ِ‬
‫ّ ْ‬ ‫ح َ‬
‫ن أهْل ِهِ وَ َ‬
‫ّ ْ‬ ‫ما َفاب ْعَُثوا ْ َ‬
‫ح َ‬ ‫قاقَ ب َي ْن ِهِ َ‬ ‫ش َ‬ ‫م ِ‬ ‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫‪ ‬وَإ ِ ْ‬
‫خِبيرا ً ‪ ] ‬النساء ‪. [ 34 :‬‬ ‫ن ع َِليما ً َ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ما إ ِ ّ‬ ‫ه ب َي ْن َهُ َ‬‫ق الل ّ ُ‬ ‫ص َ ً‬
‫لحا ي ُوَفّ ِ‬ ‫إِ ْ‬
‫نشوز المرأة ‪:‬‬
‫وإذا كان الجحاف والعراض من َقبل الزوج ‪ :‬وذلك كأن منعها حقها‬
‫في القسم ‪ ،‬أو النفقة ‪ ،‬أو أغلظ عليها بالقول ‪ ،‬أو الفعل ‪ ،‬وعظته وذ ّ‬
‫كرته‬
‫بحقها عليه ‪ ،‬بمثل قول الله عز وجل‬
‫شْيئا ً وَي َ ْ‬
‫جعَ َ‬
‫ل‬ ‫سى َأن ت َك َْر ُ‬
‫هوا ْ َ‬ ‫ن فَعَ َ‬ ‫ف فَِإن ك َرِهْت ُ ُ‬
‫موهُ ّ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫شُروهُ ّ‬ ‫‪ ‬وَ َ‬
‫عا ِ‬
‫خْيرا ً ك َِثيرا ً ‪‬‬
‫ه ِفيهِ َ‬‫الل ّ ُ‬
‫] النساء ‪. [ 19 :‬‬
‫وذ ّ‬
‫كرته بقول النبي ‪ " ‬خيُركم خيركم لهله وأنا خيُركم لهلي " ‪.‬‬
‫رواه الترمذي ) المناقب ‪ ،‬باب ‪ :‬في فضل أزواج النبي ‪ ، ‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 3829‬عن عائشة رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " : ‬استوصوا بالنساء خيرا ً " ‪.‬‬
‫رواه البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬الوصاة بالنساء ‪ ،‬رقم ‪، 4890 :‬‬
‫ومسلم ) الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬الوصية بالنساء ‪ ،‬رقم ‪ ( 1468‬عن أبي هريرة ‪‬‬
‫‪.‬‬
‫وح ّ‬
‫ذرته من عواقب ظلمها ‪ ،‬فإن صلح فذاك ‪ ،‬وإن لم يصلح رفعت‬
‫أمرها إلى القاضي ليستخلص لها حقها لنه منصوب لرد ّ الحقوق إلى‬
‫أصحابها ‪ ،‬ولنها ل يمكنها أن تأخذ حقها بنفسها ‪.‬‬
‫ف‬
‫ويجب على القاضي أن يلزمه بالقسم لها ‪ ،‬وأداء حقوقها ‪ ،‬وك ّ‬
‫الظلم عنها‪.‬‬
‫فإن ساء خلقه ‪ ،‬وآذاها بضربها ‪ ،‬أو بسبها بغير سبب نهاه القاضي عن‬
‫ذلك ‪ ،‬فإن عاد إليه ‪ ،‬وطلبت الزوجة من القاضي تعزيره ‪ ،‬عزره بما يراه‬
‫سبيل ً إلى إصلحه ‪.‬‬
‫فإن اشتد الخلف أرسل حكمين كما سبق ليصلحا بينهما ‪ ،‬أو يفرقا‬
‫من‬ ‫ت ِ‬ ‫مَرأ َة ٌ َ‬
‫خافَ ْ‬ ‫بينهما بطلقة إن عسر الصلح ‪ .‬قال الله تعالى ‪  :‬وَإ ِ ِ‬
‫نا ْ‬
‫‪93‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خي ٌْر‬ ‫صل ْ ُ‬
‫ح َ‬ ‫صْلحا ً َوال ّ‬
‫ما ُ‬
‫حا ب َي ْن َهُ َ‬
‫صل ِ َ‬ ‫ح ع َل َي ْهِ َ‬
‫ما أن ي ُ ْ‬ ‫جن َا ْ َ‬
‫شوزا ً أوْ إ ِع َْراضا ً فَل َ ُ‬
‫ب َعْل َِها ن ُ ُ‬
‫‪ ] ‬النساء ‪. [ 127 :‬‬

‫‪94‬‬
‫العيوب التي يترتب عليها فسخ النكاح‬
‫والثار المترتبة على ذلك‬
‫أول ً ‪ :‬العيوب ‪:‬‬
‫العيوب التي يثبت فيها فسخ الزواج قسمان ‪:‬‬
‫القسم الول ‪ :‬عيوب تمنع من الدخول ‪ :‬كالجب ‪ ،‬والعّنة في الزواج ‪.‬‬
‫والقرن ‪ ،‬والرتق في الزوجة ‪.‬‬
‫والجب ‪ :‬قطع عضو التناسل عند الرجل ‪ .‬والعّنة ‪ :‬العجز عن الوطء‬
‫قُبل خاصة ‪ ،‬لعدم انتشار الذكر ‪ .‬والقرن ‪ :‬انسداد محل الجماع لدى‬
‫في ال ُ‬
‫المرأة بعظم ‪ .‬والرتق ‪ :‬انسداد محل الجماع لدى المرأة بلحم ‪.‬‬
‫منفرة ‪ ،‬أو‬
‫القسم الثاني ‪ :‬عيوب ل تمنع الدخول ‪ ،‬ولكنها أمراض ُ‬
‫ضاّره ‪ ،‬بحيث ل يمكن ل مقام معها إل بضرر ‪ :‬كالجذام ‪ ،‬والبرص ‪ ،‬والجنون‬
‫‪.‬‬
‫والجذام ‪ :‬عّلة يحمّر منها العضو ‪ ،‬ثم يسود ّ ‪ ،‬ثم ينقطع ويتناثر ‪.‬‬
‫والبرص ‪ :‬بياض شديد يبقع الجلد ‪ ،‬ويذهب بدمويته ‪.‬‬
‫أقسام هذه العيوب بالنسبة للزوجين ‪:‬‬
‫هذه العيوب بالنسبة للزوجين على ثلثة أقسام ‪:‬‬
‫‪1‬ـ قسم مشترك بين الزوجين ‪ :‬وهو الجذام ‪ ،‬والبرص ‪ ،‬والجنون ‪.‬‬
‫‪2‬ـ قسم خاص في الزوجة ‪ :‬كالرتق والقرن ‪.‬‬
‫ب والعّنة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ قسم خاص في الزواج ‪ :‬كالج ّ‬
‫العيوب المشتركة ‪:‬‬
‫إذا وجد أحد الزوجين في الخر جنونا ً ‪ ،‬أو جذاما ً ‪ ،‬أو برصا ً ‪ ،‬ثبت له‬
‫الخيار في فسخ الزواج ‪ .‬سواء كان هو الخر مصابا ً به ‪ ،‬أو لم يكن ‪ ،‬لن‬
‫النسان يعاف من غيره ما ل يعاف من نفسه ‪.‬‬
‫دليل ثبوت الخيار بهذه العيوب ‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫ودليل ثبوت الخيار بهذه العيوب ما رواه والبيهقي ) ‪ ( 7/214‬من‬
‫رواية ابن عمر رضي الله عنهما ‪ :‬أن النبي ‪ ‬تزوج امرأة من غفار ‪ ،‬فلما‬
‫ُأدخلت عليه رأى بكشحها بياضا ً ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬البسي ثيابك ‪ ،‬والحقي بأهلك ( ‪.‬‬
‫وقال لهلها ‪ ) :‬دلستم علي ( ‪.‬‬
‫] الكشح ‪ :‬الجنب ‪ .‬والمراد بالبياض ‪ :‬البرص ‪.‬دلستم‪ :‬أخفيتم العيب [‬
‫‪.‬‬
‫وروى الشافعي رحمه الله عن عمر بن الخطاب ‪ : ‬أنه فّرق بين‬
‫الزوجين للجذام ‪ ،‬والبرص ‪ ،‬والجنون ‪.‬‬
‫ومثل هذا ل يكون إل عن توقيف عن رسول الله ‪ ‬وقد ثبت في‬
‫الحديث الصحيح ‪ ":‬فِّر من المجذوم كما تفّر من ا لسد "‪.‬‬
‫البخاري ) الطب ‪ ،‬باب ‪ :‬الجذام ‪ ،‬رقم ‪. (5380 :‬‬
‫قال الشافعي رحمة الله تعالى في كتابه الم ‪ :‬وأما الجذام والبرص ‪،‬‬
‫فإن كل منهما ُيعدي الزوج ‪ ،‬ول تكاد النفس أحد تطيب أن تجامع من هو‬
‫فيه ‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫العيوب في الزوجة ‪:‬‬
‫إذا وجد الزوج زوجته رتقاء ‪ ،‬أو قرناء ‪ ،‬ثبت له فسخ الزواج ‪ ،‬لن هذه‬
‫العلة مانعة من مقصود الزواج ‪ ،‬وهو الدخول بالزوجة ‪.‬‬
‫العيوب في الزوج ‪:‬‬
‫إذا وجدت الزوجة زوجها مجبوبا ً ‪ ،‬أو عنينا ً ثبت لها حق فسخ الزواج ‪.‬‬
‫وقد حكى المارودي الجماع على ثبوت الخيار بالجب والعّنة ‪ ،‬لنه‬
‫يفوت بهما مقصود النكاح ‪ ،‬كما قلنا بالرتق والقرن ‪.‬‬
‫حدوث العيب بعد عقد النكاح ‪:‬‬
‫إذا حدث شيء من العيوب السابقة بعد عقد النكاح في أيّ من‬
‫الزوجين ‪ ،‬سواء كان ذلك بعد الدخول ‪ ،‬أو قبله ‪ ،‬وسواء أكان العيب مانعا ً‬
‫ب والعّنة في الزوج ‪ ،‬والرتق والقرن في الزوجة ‪ ،‬أو غير‬
‫من الدخول كالج ّ‬
‫مانع ‪ ،‬كالجذام والبرص والجنون ‪ ،‬فإنه يثبت حق الخيار في فسخ الزواج ‪،‬‬
‫كما لو كان العيب قديما ً ‪.‬‬
‫لكن يستثنى من ذلك العّنة فقط ‪ ،‬فإنها إذا حدثت بعد الدخول ‪ ،‬فإنه‬
‫يسقط حق الزوجة في فسخ الزواج ‪ ،‬لحصول مقصود الزواج بالنسبة لها ‪،‬‬
‫وهو المهر ‪ ،‬والوطء ‪ ،‬وقد يتم ذلك قبل حدوث العّنة ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫إزالة العيب ‪:‬‬
‫إذا أمكن إزالة الرتق والقرن بنحو عملية جراحية ‪ ،‬ورضيت بها الزوجة‬
‫‪ ،‬فل خيار للزوج حينئذ ‪ ،‬لعدم وجود المقتضي للفسخ ‪.‬‬
‫وكذلك إذا زال الجنون والبرص والجذام بالتداوي ‪ ،‬فإن حقّ الفسخ‬
‫يسقط ‪ ،‬لزوال ما يدعوا إليه ‪.‬‬
‫حق ولي الزوجة في فسخ النكاح ‪:‬‬
‫ي المرأة حق فسخ نكاحها بكل عيب وجد في الزوج قبل عقد‬
‫ولول ّ‬
‫ض ‪ ،‬وذلك لما يلحق‬
‫النكاح ‪ ،‬سواء رضيت الزوجة بهذا الفسخ أو لم تر َ‬
‫ي من العار من ذلك العيب ‪.‬‬
‫الول ّ‬
‫ي الزوجة حق الفسخ بعيب حادث بعد الدخول إذ ل عار‬
‫وليس لول ّ‬
‫عليه في العُْرف ‪ ،‬بخلف ذلك في البتداء ‪.‬‬
‫وكذلك ل خيار للولي بعيب جب وعّنة حدثا مقارنين للعقد ‪ ،‬لختصاص‬
‫الزوجة بالضرر ‪ ،‬ورضاها به ‪ ،‬ول عار عليه في العُْرف ‪.‬‬
‫الفسخ على الفور ‪:‬‬
‫والخيار في فسخ النكاح بهذه العيوب إذا ثبتت إنما يكون على الفور ‪،‬‬
‫لنه خيار عيب ‪ ،‬يجب المسارعة إلى العراب عن عدم الرضا به ‪.‬‬
‫فتسرع الزوجة فورا ً ‪ ،‬ويسرع الزوج أيضا ً ‪ ,‬إلي الرفع إلى الحاكم ‪،‬‬
‫والمطالبة بفسخ النكاح ‪ .‬فلو علم أحدهما العيب بصاحبه ‪ ،‬ثم سكت عنه‬
‫سقط حقه في الفسخ ‪ ،‬إل إذا كان جاهل ً أن له حق الفسخ ‪ ،‬فإنه ل يسقط‬
‫حقه في الفسخ ‪.‬‬
‫الفسخ يحتاج إلى الرفع إلى القاضي ‪:‬‬
‫ل يستقل الزوج ‪ ،‬أو الزوجة في فسخ النكاح بسبب عيب من العيوب‬
‫المذكورة ‪ ،‬بل ل بد ّ من الرفع إلى القاضي ‪ ،‬وطلب الفسخ عنده ‪ ،‬فإذا‬
‫تحقق العيب عنده حكم القاضي بفسخ الزواج ‪.‬‬
‫ضرب الجل في العّنة ‪:‬‬

‫‪98‬‬
‫وإذا ثبت عند القاضي العنة في الزوج ‪ ،‬ضرب له القاضي سنة‬
‫قمرية ‪ ،‬لحتمال زوال العنة باختلف الفصول ‪ ،‬فإذا زال عيبه فذاك ‪ ،‬وإل‬
‫فسخ النكاح ‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه والبيهقي ) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬أجل العنين ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ (7/226‬عن عمر بن الخطاب ‪ : ‬أنه قال في العنين ‪ :‬يؤ ّ‬
‫جل سنة ‪ ،‬فإن‬
‫دة ‪.‬‬
‫قدر عليها ‪ ،‬وإل فّرق بينهما ‪ ،‬ولها المهر ‪ ،‬وعليها الع ّ‬
‫كيف تثبت العّنة ؟‬
‫سائر العيوب تثبت بالقرار ‪ ،‬أو إخبار الطبيب ‪ ،‬أما العّنة ‪ ،‬فل تثبت إل‬
‫بإقرار الزوج عند الحاكم ‪ .‬أو يمين الزوجة عند نكول الزوج عن اليمين ‪،‬‬
‫إذا طلب منه القاضي أن يحلف على عدم العّنة ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ما يترتب على فسخ النكاح بهذه العيوب من الثار ‪:‬‬
‫إذا تم فسخ الزواج من قبل الزوج ‪ ،‬أو من قَِبل الزوجة ‪ ،‬بسبب عيب‬
‫من العيوب السابقة‬
‫فل يخلو أن يكون الفسخ قبل الدخول ‪ ،‬أو بعده ‪ .‬ول يخلو أن يكون‬
‫العيب قد حدث قبل الدخـول ‪ ،‬أو بعده ‪.‬‬
‫أ ـ فإن كان الفسخ قبل الدخول سقط المهر ‪ ،‬ول متعة للزوجة ‪ ،‬لنه إن‬
‫كان العيب بالزوج فهي الفاسخة ‪ ،‬وعليه فل شيء لها ‪.‬‬
‫وإن كان العيب بها فل شيء أيضا ً ‪ ،‬لن الفسخ إنما كان لسبب فيها ‪،‬‬
‫فكانت كأنها هي الفاسخة ‪.‬‬
‫ب ـ وإن كان الفسخ قد حصل بعد الدخول ‪ ،‬لكن بعيب قارن للعقد ‪ ،‬أو‬
‫بعيب حادث بين العقد والدخول جهله الواطئ ‪ ،‬فإنه يجب لها مهر‬
‫المثل ‪.‬‬
‫ج ـ وإن كان الفسخ قد حصل بعد الدخول ‪ ،‬والعيب إنما حدث أيضا ً بعده ‪،‬‬
‫فإنه يجب للزوجة كامل المهر المسمى ‪ ،‬لن المهر قد استقر‬
‫بالدخول قبل وجود سبب الخيار في الفسخ ‪ ،‬فل يغير ‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫عدم رجوع الزوج بالمهر على من غره ‪:‬‬
‫ي أو زوجة ‪ ،‬لستيفاء‬
‫ول يرجع الزوج بالمهر على من غّره من ول ّ‬
‫منفعة البضع المتقوم عليه بالعقد ‪ .‬وصورة التغرير ‪ :‬أن تسكت هي أو وليها‬
‫عن بيان عيبها للزواج ‪ ،‬ما دام العيب قد حدث قبل الدخول ‪.‬‬
‫والله عز وجل أعلم‬

‫ثانيا ً ‪ :‬الطلق وما يتعلق به وما يشبهه‬


‫الطـــلق‬
‫تعريف الطلق ‪:‬‬
‫الطلق في اللغة ‪ :‬الح ّ‬
‫ل والنحلل ‪ .‬يقال ‪ :‬أطلقت السير‪ :‬إذا‬
‫ت إساره ‪ ،‬وخّليت عنه ‪ ،‬وأطلقت الناقة من عقالها ‪ :‬أرسلتها ترعى‬‫حل َل ْ َ‬
‫مرسَلة بل قيد ‪.‬‬
‫حيث تشاء ‪ .‬ودابة طالق ‪ُ :‬‬
‫والطلق شرعا ً ‪ :‬ح ّ‬
‫ل عقدة النكاح بلفظ الطلق ونحوه ‪.‬‬
‫دليل مشروعية الطلق ‪:‬‬
‫والصل في مشروعية الطلق ‪ :‬الكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬والجماع ‪.‬‬
‫ف‬
‫معُْرو ٍ‬ ‫سا ٌ‬
‫ك بِ َ‬ ‫ن فَإ ِ ْ‬
‫م َ‬ ‫أما الكتاب ‪ :‬فقول الله عز وجل‪ :‬الط ّل َقُ َ‬
‫مّرَتا ِ‬
‫ن‪‬‬ ‫َ‬
‫سا ٍ‬
‫ح َ‬
‫ح ب ِإ ِ ْ‬
‫ري ٌ‬
‫س ِ‬
‫أوْ ت َ ْ‬
‫ذا ط َل ّ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫قت ُ ُ‬ ‫] البقرة ‪ [ 229 :‬وقوله سبحانه وتعالى ‪َ  :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ي إِ َ‬
‫ن‪ ] ‬الطلق ‪. [ 1:‬‬‫ن ل ِعِد ّت ِهِ ّ‬ ‫ساء فَط َل ّ ُ‬
‫قوهُ ّ‬ ‫الن ّ َ‬
‫وأما السّنة ‪ :‬فقول النبي ‪ ": ‬أبغض الحلل إلى الله تعالى الطلق‬
‫"‪.‬‬
‫] أبو داود ‪ :‬الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في كراهية الطلق ‪ ،‬رقم ‪ ، ( 2178 :‬وابن‬
‫ماجه ‪ :‬أول كتاب الطلق ‪ ،‬رقم ‪. [2018 :‬‬
‫روى الترمذي ) في أبواب الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الرجل يسأله‬
‫أبوه أن يطّلق زوجته ‪ ،‬رقـم ‪ ، ( 1189 :‬وابن ماجه ) في الطلق ‪ ،‬باب ‪:‬‬
‫الرجـل يأمره أبوه بطـلق امرأتـه ‪ ،‬رقـــم ‪ ، (2088 ) :‬وأبو داود ) في‬
‫الدب ‪ ،‬باب ‪ :‬في بّر الوالدين ‪ ،‬رقم ‪ ، (5138 :‬عن ابن عمر رضي الله‬

‫‪100‬‬
‫عنهما قال ‪ :‬كانت تحتي امرأة أحّبها ‪ ،‬وكان أبي يكرهها ‪ ،‬فأمرني أبي أن‬
‫ُأطلقها ‪ ،‬فأبيت ‪ ،‬فذكر ذلك للنبي ‪ ‬فقال ‪ " :‬يا عبد الله بن عمر ‪ ،‬طّلق‬
‫امرأتك‬
‫أما الجماع ‪ :‬فقد اتفقت كلمة العلماء على مشروعيته ‪ ،‬ولم يخالف‬
‫منهم أحد ‪.‬‬
‫حكمة مشروعية الطلق ‪:‬‬
‫الصل في الزواج هو استمرار الحياة الزوجية بين الزوجين ‪ .‬وقد‬
‫شرع الله سبحانه وتعالى أحكاما ً كثيرة ‪ ،‬وآدابا ً جمة للزواج ‪ ،‬لستمرار‬
‫وضمان بقائه ‪ ،‬ونمو العلقة الزوجية بين الزوجين ‪ .‬غير أن هذه الداب‬
‫والحكام قد ل تكون مرعّية من قبل الزوجين أو احدهما ‪ :‬كأن ل يهتم‬
‫سن الختيار ‪ ،‬أو بأن ل يلتزم الزوجان أو أحدهما آداب الع ْ‬
‫شرة‬ ‫ح ْ‬
‫الزوج ب ُ‬
‫حتى ل يبقى مجال لصلح ‪ ،‬ول وسيلة لتفاهم وتعايش بين الزوجين ‪ .‬فكن‬
‫ل بد ّ ـ والحالة هذه ‪ -‬من تشريع قانون احتياطي ‪ ،‬يهرع إليه في مثل هذه‬
‫الحالة ‪ ،‬لح ّ‬
‫ل عقدة الزواج على نحو ل ُتهدر فيه حقوق أحد الطرفين ‪ ،‬ما‬
‫دامت أسباب التعايش قد باتت معدومة فيما بينهما ‪ .‬وقد قال الله عّز وج ّ‬
‫ل‬
‫كيما ً ً‪‬‬ ‫سعا ً َ‬
‫ح ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه َوا ِ‬ ‫سعَت ِهِ وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه ك ُل ّ ّ‬ ‫فّرَقا ي ُغْ ِ‬
‫‪  :‬وَِإن ي َت َ َ‬
‫] النساء ‪. [130 :‬‬
‫فإن استعلمه الزوج وسيلة أخيرة عند مثل هذه الضرورة فذلك علج‬
‫مّرا ً في كثير من الحيان ‪ .‬وأما إن استعمله‬
‫ضروري ‪ ،‬ل ِغنى عنه ‪ ،‬وإن جاء ُ‬
‫لتحقيق رعوناته ‪ ،‬وتنفيذ أهوائه ‪ ،‬فهو بالنسبة له أبغض الحلل إلى الله عّز‬
‫وج ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫مصلح من المفسد ‪ ،‬وإليه مرجع هذا وذاك ‪.‬‬
‫والله تعالى يعلم ال ُ‬

‫‪101‬‬
‫شرعة الطلق من مفاخر الشريعة السلمية ‪:‬‬
‫ومن خلل ما ذكرنا يتأكد لنا أن مشروعية الطلق على النحو الذي‬
‫نظمت الشريعة السلمية أحكامه ونتائجه ‪ُ ،‬تعد ّ من مفاخر الشريعة‬
‫السلمية ‪ ،‬وُيعد ّ من أكبر الدلة على أن أحكام هذه الشريعة متسقة تمام‬
‫الّتساق مع الفطرة النسانية ‪ ،‬والحاجات الطبيعية عند النسان ‪.‬‬
‫وقد تجّلت هذه الحقيقة عندما رأينا المم المختلفة ‪ ،‬وهي تتراجع ع ّ‬
‫ما‬
‫حرمة الطلق ‪ ،‬واعتبار عقد الزواج سجنا ً أبديا ً ‪،‬‬ ‫كانت تلزم نفسها به من ّ‬
‫يقرن فيه الزوجان إلى بعضهما ‪ ،‬كرها ذلك أو رضيـا ‪ ،‬وذلك بعد أن رأت‬
‫دم للمجتمع إل أسوأ النتائج ‪ ،‬وأخطر مظاهر‬ ‫هذه ا ُ‬
‫لمم أن هذا الحظر ل يق ّ‬
‫الجـرام ‪ ،‬وبعد أن تنبهت إلى أن اقتران اثنين ببعضهما ل يمكن أن يتم‬
‫بالكراه ‪ ،‬إل إذا ُأريد أن يكون الكراه ينبوع تعاسة وشقاء ل ُ‬
‫لسرة كلها ‪ ،‬أو‬
‫بركان دمار وقتل وفتك ‪.‬‬
‫ولقد اهتمت الشريعة السلمية بإيجاد أسباب التفاهم ‪ ،‬والوداد‬
‫والتعايش المستمر بين الزوجين ‪.‬‬
‫ولكنها لم تعالج ذلك بربط جسد كل ّمنهما بالخر ‪ ،‬وإنما عالجته‬
‫بالتنبيه والرشاد إلى الضمانات اليجابية المختلفة التي تغذي الوداد بينهما ‪،‬‬
‫وتشبع أسباب التفاهم ‪ ،‬وتطرد من بينهما موجبات المشاكسة والتنافر ‪،‬‬
‫ولقد كان من أهم هذه الضمانات التي أرشد إليها توفر الدين الصحيح في‬
‫ل منهما بالواجبات المنوطة به ‪ ،‬والتزام ك ّ‬
‫ل من الزوجين‬ ‫الزوجين ‪ ،‬وقيام ك ّ‬
‫بالسلوك الخلقي السليم ‪ ،‬على النحو الذي نظمته شرعة الله عّز وج ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫هذه الضمانات هي التي تحمي بيت الزوجية عن أن يتهدم ‪ ،‬وهي التي‬
‫تجعل من شرعة الطلق قانونا ً موضوعا ً على الرف ‪ ،‬يستنجد به عند‬
‫الضرورة ‪ ،‬أي عندما يقصر أحد الزوجين عن تحقيق الضمانات والداب التي‬
‫شرعها الله تعالى حفاظا ً على الحياة الزوجية ‪ ،‬ورعاية للمو ّ‬
‫دة واللفة بين‬
‫الزوجين ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫والدليل على هذا الذي نقول ‪ :‬أن حوادث الطلق ل تكاد ترى لها‬
‫وجودا ً في البيوت وا ُ‬
‫لسر الصالحة يتقيد أهلها بأحكام السلم وآدابه ‪.‬‬
‫وإنما تبصر ‪ ،‬أو تسمع بأكثر هذه الحوادث في ا ُ‬
‫لسر المتحّللة من‬
‫قيود السلم ‪ ،‬الخارجة على ن ُ ُ‬
‫ظمه وآدابه ‪.‬‬
‫أنواع الطلق ‪:‬‬
‫الطلق له ثلث تقسيمات ‪ ،‬باعتبارات مختلفة ‪:‬‬
‫فباعتبار وضوح اللفظ في الدللة عليه ‪ ،‬وعدم وضوحه ينقسم إلى ‪:‬‬
‫صريح وكناية ‪.‬‬
‫وباعتبار حال الزوجة ‪ ،‬من ُ‬
‫طهر وحيض ‪ ،‬وكبر وصغر ‪ ،‬ينقسم إلى ‪:‬‬
‫سّني ‪ ،‬وإلى ما ل يوصف بسّني ‪ ،‬ول ِبدعي ‪.‬‬
‫دعي ‪ ،‬و ُ‬
‫ب ْ‬
‫وباعتبار كونه على بدل من المال ‪ ،‬وبدون بدل ‪ :‬ينقسم إلى خلع ‪،‬‬
‫وطلق عادي ‪.‬‬
‫فلنشرح كل ًُ من هذه التقسيمات الثلثة على حدة ‪:‬‬
‫التقسيم الول ‪ ) :‬الصريح ‪ ،‬والكناية ( ‪:‬‬
‫إذا لحظت اللفاظ التي تستعمل للدللة على الطلق وجدت أن هذه‬
‫اللفاظ ‪:‬‬
‫إما أن تكون ذات دللة قاطعة على الطلق ‪ ،‬بحيث ل تحتمل غيره ‪،‬‬
‫فهذه اللفاظ تسمى ‪ :‬صريحة ‪.‬‬
‫وإما أن تكون قاطعة في دللتها ‪ ،‬بحيث تحتمل غير الطلق ‪ ،‬فهذه‬
‫اللفاظ تسمى ‪ :‬كناية ‪.‬‬
‫إذا ً فالطلق ينقسم إلى القسمين التاليين ‪ -1 :‬صريح ‪ -2 .‬كناية ‪.‬‬
‫‪1‬ـ فالطلق الصريح ‪ :‬هو ما ل يحتمل ظاهر اللفظ إل الطلق ‪ ،‬وألفاظه‬
‫ثلثة ‪ :‬هي ‪ :‬الطلق ‪ ،‬والسراح ‪ ،‬والفراق ‪ ،‬وما اشتق من هذه اللفاظ ‪.‬‬
‫ت طالق ‪ ،‬أو مسّرحة ‪ ،‬أو طّلقتك ‪ ،‬أو فارقتك ‪ ،‬أو سّرحتك ‪.‬‬
‫كقوله ‪ :‬أن ِ‬
‫وإنما كانت هذه اللفاظ صريحة في دللتها على الطلق لورودها في‬
‫الشرع كثيرا ً ‪ ،‬وتكرارها في القرآن الكريم بمعنى الطلق ‪ .‬قال الله تعالى ‪:‬‬

‫‪103‬‬
‫ن ‪ ] ‬الطلق ‪. [ 1 :‬‬ ‫ساء فَط َل ّ ُ‬ ‫ذا ط َل ّ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ل ِعِد ّت ِهِ ّ‬
‫قوهُ ّ‬ ‫م الن ّ َ‬
‫قت ُ ُ‬ ‫‪َ ‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ي إِ َ‬
‫ُ‬
‫ميل ً ‪ ] ‬الحزاب ‪ . [ 28 :‬وقال‬ ‫سَراحا ً َ‬
‫ج ِ‬ ‫ن َ‬‫حك ُ ّ‬
‫سّر ْ‬ ‫وقال عز وجل ‪  :‬وَأ َ‬
‫سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫ف ‪ ] ‬الطلق ‪. [ 2 :‬‬
‫معُْرو ٍ‬ ‫‪ ‬أوْ َفارُِقوهُ ّ‬
‫ن بِ َ‬
‫ومن الصريح ‪ :‬ترجمة لفظ الطلق بالعجمية ـ أي غير اللغة العربية ـ‬
‫ل ُ‬
‫شهرة استعمال هذه اللغات عند أهلها ‪ ،‬كشهوة استعمال العربية عند أهلها‬
‫‪.‬‬
‫‪2‬ـ والكناية ‪ :‬وهي كل لفظ يحتمل الطلق وغيره ‪ .‬وألفاظها كثيرة ‪:‬‬
‫كقوله ‪:‬‬
‫ـ أنت خلية ‪ :‬أي خالية مني ‪.‬‬
‫ـ أنت برّية ‪ :‬أي منفصلة عني ‪.‬‬
‫ـ أنت بّتة ‪ :‬أي مقطوعة الوصلة عني ‪.‬‬
‫ـ الحقي بأهلك ‪.‬‬
‫ـ اذهبي حيث شئت ‪.‬‬
‫ـ اعُزبي ‪ :‬أي تباعدي عني ‪.‬‬
‫ـ اغُربي ‪ :‬أي صيري غريبة عني ‪.‬‬
‫ـ حبلك على غاربك ‪ :‬أي خّليت سبيلك ‪ ،‬كما يخّلى البعير ‪.‬‬
‫والغارب ‪ :‬ما تقدم من الظهر ‪ ،‬وارتفع من العنق ‪.‬‬
‫ي حرام‪.‬‬
‫ـ أنت عل ّ‬
‫فك ّ‬
‫ل هذه اللفاظ ـ وغيرها كثير ـ تعتبر كناية في دللتها على الطلق ‪،‬‬
‫لحتمالها الطلق وغيره ‪.‬‬
‫دليل استعمال ألفاظ الكناية في الطلق ‪:‬‬
‫ودليل استعمال ألفاظ الكناية في الطلق ‪:‬‬
‫ما رواه البخاري ) في الطلق ‪ ،‬بـاب ‪ :‬من طّلق وهل يواجه الرجل‬
‫امـرأته بالطلق ‪ ،‬رقـم ‪ ( 4955 :‬عن عائشة ‪ ،‬رضي الله عنهما أن ابنه‬

‫‪104‬‬
‫الجون ‪ ،‬لما ُأدخلت على رسول الله ‪ ‬ودنا منها ‪ ،‬قالت ‪ :‬أعوذ بالله منك‬
‫‪ ،‬فقال ‪ " :‬لقد عذت بعظيم ‪ ،‬الحقي بأهلك " ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫مك ّ‬
‫ل من ألفاظ الصريح والكناية ‪:‬‬ ‫حك ُ‬
‫إذا عرفت ما ذكر ‪ ،‬فاعلم أن الطلق باللفاظ الصريحة يقع ‪ ،‬سواء‬
‫توفرت فيه نّيه الطلق أم ل ‪ .‬لن صراحة اللفظ ‪ ،‬وقطعية دللته على‬
‫المعنى ‪ ،‬يغنيان عن اشتراط النّية ‪ ،‬عند التلفظ به ‪.‬‬
‫ي‬
‫أما ألفاظ الكناية ـ ولو اشتهرت على ألسنة الناس في الطلق ‪ :‬كعل ّ‬
‫ي حرام ‪ ،‬فل يقع الطلق بها إل إذا قصد بها الزوج الطلق‬
‫الحرام ‪ ،‬وأنت عل ّ‬
‫‪.‬‬
‫فإذا قصد بها شيئا ً آخر غير الطلق ‪ ،‬أو لم يقصد بها شيئا ً ‪ ،‬لم يقع بها‬
‫شيء ‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه البخاري ) في المغازي ‪ ،‬باب ‪ :‬حديث كعب بن‬
‫مالك رضي الله عنه … رقم ‪ (4156 :‬ومسلم ) في التوبة ‪ ،‬باب ‪ :‬حديث‬
‫توبة كعب بن مالك وصاحبيه ‪ ،‬رقم ‪ ( 2769 :‬في توبة كعب بن مالك ‪‬‬
‫حينما تخّلف عن غزوة تبوك ‪ ،‬فإن رسول الله ‪ ‬أمره أن يعتزل امرأته ‪،‬‬
‫فقال ُأطلقها ‪ ،‬أم ماذا ؟ قال ‪ :‬بل اعتزلها ‪ ،‬فل تقربّنها ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت‬
‫لمرأتي ‪ :‬الحق بأهلك ‪.‬‬
‫فلما نزلت توبته رجعت زوجته إليه ‪ ،‬ولم يؤمر بأن يعقد عليها من‬
‫جـديد ‪ .‬فـد ّ‬
‫ل ذلك علـى أن ) الحقي بأهلك ( ل يقع به الطلق إل بالنّية‬
‫وحيث إن كعبا ً ‪ ‬لم ينو به الطلق ‪ ،‬فإنه لم يقع به شيء ‪ ،‬ورجعت زوجته‬
‫إليه ‪.‬‬
‫التقسيم الثاني ) السّني البدعي ‪,‬غيرهما ( ‪:‬‬
‫المرأة التي يقع عليها الطلق ل تخلو من واحد من أحوال ثلثة ‪:‬‬
‫الحالة الولى ‪ :‬أن تكون المرأة طاهرة عن الحيض والنفاس ‪ ،‬ولم‬
‫يقربها زوجها في ذلك الطهر بعد ‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬أن تكون متلبسة ـ بعد دخول الزوج بها ـ بحيض أو‬
‫نفاس ‪ ،‬أو تكون في ُ‬
‫طهر جامعها فيه زوجها ‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫ض بعد ‪ ،‬أو آيسة تجاوزت‬
‫ح ْ‬‫الحالة الثالثة ‪ :‬أن تكون صغيرة لم ت َ ِ‬
‫سن المحيض ‪ ،‬أو حامل ً ظهـر حملها ‪ ،‬أو غير مدخول بها بعد ‪ ،‬أو طالبة‬
‫للخلع ‪.‬‬
‫فإن وقع الطلق في الحالة الولى ‪ ،‬سمي ‪ ) :‬طلقا ً سّنيا ً ( ‪.‬‬
‫وإن وقع في الحالة الثانية سمي ‪ ) :‬طلقا ً بدعيا ً ( ‪.‬‬
‫وإن وقع في الحالة الثالثة لم يكن ‪ ) :‬سنيا ً ‪ ،‬ول بدعيا ً ( ‪.‬‬
‫فأقسام الطلق بهذا العتبار إذا ً ثلثة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ طلق سني ‪.‬‬
‫‪2‬ـ طلق بدعي ‪.‬‬
‫‪3‬ـ طلق ل يوصف بسّني ‪ ،‬ول بدعي ‪.‬‬
‫حكم كل نوع من هذه النواع الثلثة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الطلق السني ‪ :‬إن الطلق السني جائز وواقع ‪ ،‬وهو الشكل‬
‫المطابق للتعاليم الشرعية في كيفية الطلق ‪ ،‬إذا كان الزواج ‪ ،‬ولبد ّ‬
‫مطلقا ً ‪ ،‬سواء أوَْقع الزوج طلقة واحدة ‪ ،‬أم أوقع ثلث طلقات‬
‫مجتمعات ‪.‬‬
‫ن أن يقتصر على طلقة ‪ ،‬أو طلقتين في الطهر الواحد كي‬
‫ولكن يس ّ‬
‫يتمكن من إرجاعها إذا ندم ‪.‬‬
‫ذا ط َل ّ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫قت ُ ُ‬ ‫ودليل الطلق السني ‪ :‬قوله عز وجل ‪َ ‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ي إِ َ‬
‫ن‪‬‬‫ن ل ِعِد ّت ِهِ ّ‬ ‫ساء فَط َل ّ ُ‬
‫قوهُ ّ‬ ‫الن ّ َ‬
‫دة ‪ ،‬وهو الطهر ‪،‬‬
‫] الطلق ‪ . [ 1 :‬أي في الوقت الذي يشرعن فيه في الع ّ‬
‫إذ زمن الحيض ل يحسب من العدة ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الطلق البدعي ‪ :‬إن الطلق البدعي محرم ‪ ،‬ولكنه واقع ‪ ،‬ويلزم‬
‫وقوعه الثم ‪ ،‬لمخالفته للصورة المشروعة للطلق التي وردت في قوله‬
‫] الطلق ‪[ 1 :‬‬ ‫ن‪‬‬
‫ن ل ِعِد ّت ِهِ ّ‬ ‫ساء فَط َل ّ ُ‬
‫قوهُ ّ‬ ‫م الن ّ َ‬ ‫ذا ط َل ّ ْ‬
‫قت ُ ُ‬ ‫تعالى ‪  :‬إ ِ َ‬
‫ن له الرجعة ‪ ،‬فقد روي البخاري ) في أول كتاب الطلق ‪ ،‬رقم‬
‫ويس ّ‬
‫‪ ، (4953‬ومسلم‬
‫‪107‬‬
‫) في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم طلق الحائض بغير رضاها‪ ،‬رقم ‪ ( 1471 :‬عن‬
‫عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه طّلق امرأته ‪ ،‬هي حائض ‪ ،‬على عهد‬
‫رسول الله ‪ ‬فسأل عمر بن الخطاب ‪ ‬رسول الله ‪ ‬عن ذلك ‪ ،‬فقال‬
‫رسول الله ‪ُ " : ‬‬
‫مْره ُ فليراجعها ‪ ،‬ثم ليمسكها حتى تطهر ‪ ،‬ثم تحيض ‪ ،‬ثم‬
‫دة التي‬ ‫تطهر ‪ ،‬ثم إن شاء أمسك بعد ‪ ،‬وإن شاء طّلق قبل يم ّ‬
‫س ‪ ،‬فتلك الع ّ‬
‫م‬ ‫ذا ط َل ّ ْ‬
‫ي إِ َ‬ ‫َ‬
‫قت ُ ُ‬ ‫أمر اله أن تطلقّ لها النساء " ‪ .‬أي بقوله تعالى ‪َ :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫دتهن ‪.‬‬ ‫ن ‪ ] ‬الطلق ‪ [ 1 :‬أي لستقبال ع ّ‬ ‫ن ل ِعِد ّت ِهِ ّ‬ ‫ساء فَط َل ّ ُ‬
‫قوهُ ّ‬ ‫الن ّ َ‬
‫والمعنى‪ :‬ليتركها بعد الرجعة حتى تطهر ‪ ،‬وعندئذ يوقع طلقة واحدة‬
‫إذا شاء ‪ ،‬فإذا حاضت ثم طهرت أوقع طلقه ُأخرى إذا شاء ‪ ،‬فإذا طهرت‬
‫للمرة الثالثة فلينظر ‪ :‬إن شاء أمسكها بعد الرجعة ‪ ،‬وإن شاء أوقع طلقة‬
‫ثالثة ‪ ،‬وتكون قد بانت بذلك منه ‪.‬‬
‫سبب تحريم الطلق البدعي ‪:‬‬
‫وسبب تحريم الطلق البدعي ما يستلزمه من الضرار بالمرأة ‪ ،‬إذ‬
‫دة ‪.‬‬
‫دتها ‪ ،‬لن حيضتها ل تحسب من الع ّ‬
‫يطول بذلك أجل ع ّ‬
‫قال رسول الله ‪ " : ‬ل ضرر ول ضرار " ‪.‬‬
‫أخرجه مالك في الموطأ ) القضية ‪ ،‬باب ‪ :‬القضاء في المرفق ‪،‬‬
‫من بني في حقه‬
‫رقم ‪ ، ( 2/745 :‬وابن ماجه في سننه ) الحكام ‪ ،‬باب ‪َ :‬‬
‫ما يضّر بجاره ‪ ،‬رقم ‪. ( 2341 ، 2340 ،188 :‬‬
‫أما حرمة الطلق في طهر جامع زوجته فيه ‪ :‬فلحتمال الحمل فيه ‪،‬‬
‫وهو ل يرغب في تطليق الحامل ‪ ،‬فيكون في ذلك الندم ‪.‬‬
‫‪3‬ـ الطلق الذي ل يوصف بسّنة ول بدعة ‪ :‬إن الطلق الذي ل‬
‫يوصف بسّنة ول بدعة جائز ‪ ،‬وواقع ‪ ،‬وليس حراما ً ‪ ،‬إذ ل ضرر يلحق‬
‫دان بالشهر ‪ ،‬فل يلحقهما‬
‫الزوجة بسببه ‪ ،‬إذ الصغيرة واليسة تعت ّ‬
‫دتها على كل حال بوضع‬
‫دة ‪ ،‬وكذلك الحامل ‪ ،‬فإن ع ّ‬
‫ضرر إطالة الع ّ‬
‫الحمل ‪ ،‬وكذلك طالبة الخلع ‪ ،‬لن افتدائها نفسها من الزوج بالمال‬
‫دليل على حاجتها إلى الخلص منه ‪ ،‬ورضاها بطول التربص ‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫التقسيم الثالث ‪ ) :‬الطلق العادي والخلع ( ‪.‬‬
‫‪1‬ـ الطلق العادي ‪ :‬وهو الطلق الذي يقع برغبة من الزوج ‪ ،‬وهذا الطلق‬
‫ينطبق عليه الحكام التي ذكرناها قبل ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الخلع ‪ :‬وهو الطلق الذي يقع برغبة من الزوجة وإصرار منها على ذلك ‪،‬‬
‫وقد شرع لذلك سبيل الخلع ‪ ،‬وهو أن تفتدي نفسها من زوجها بشئ‬
‫يتفقان عليه من مهرها تعطيه إياه ‪.‬‬
‫فالخلع إذا قسم من الطلق ‪ :‬وهو كل فُْرقةٍ جرت على عوض‬
‫تدفعه الزوجة للزوج ‪.‬‬
‫دليل مشروعية الخلع ‪:‬‬
‫ويستدل لمشروعية الخلع ‪ :‬بالكتاب ‪ ،‬والسّنة ‪.‬‬
‫دود َ الل ّهِ فَل َ‬ ‫فت َ‬
‫ح ُ‬
‫ما ُ‬ ‫م أل ّ ي ُ ِ‬
‫قي َ‬ ‫خ ْ ُ ْ‬ ‫أما الكتاب ‪ :‬فقول الله عّز وجل ‪  :‬فَإ ِ ْ‬
‫ن ِ‬
‫ت ب ِهِ ‪ ‬البقرة ‪. [ 229 :‬‬‫ما افْت َد َ ْ‬ ‫ح ع َل َي ْهِ َ‬
‫ما ِفي َ‬ ‫جَنا َ‬
‫ُ‬
‫وأما السّنة ‪ :‬فما رواه البخاري ) في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬الخلع وكيف‬
‫الطلق ‪ ،‬رقم ‪ (4971 :‬عن ابن عباس رضي الله عنهما ‪ :‬أن امرأة ثابت‬
‫بن قس أتت النبي ‪ ‬فقالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬ثابت بن قيس ‪ ،‬ما أعتب‬
‫عليه في خلق ول دين ‪ ،‬ولكني أكره الكفر في السلم ‪ ،‬فقال النبي ‪" : ‬‬
‫دين عليه حديقته " قالت ‪ :‬نعم ‪ .‬فقال رسول الله ‪ " : ‬اقبل الحديقة ‪،‬‬ ‫أتر ّ‬
‫وطّلقها تطليقة " ‪.‬‬
‫] ل أعتب عليه ‪ :‬ل أعيب عليه ‪ .‬أكره الكفر في السلم ‪ :‬أكره جحود‬
‫حقوق الزوج وأنا مسلمة [‬

‫‪109‬‬
‫أحكام الخلع ‪:‬‬
‫للخلع أحكام نلخصها فيما يلي ‪:‬‬
‫وض مالي تفرضه الزوجة للزوج ‪ .‬ثم إن كان‬ ‫‪1‬ـ الخلع جائز ‪ ،‬ول يقع إل بع َ‬
‫وض‬ ‫وض في الخلع معلوما ً مذكورا ً في الخلع وجب ذلك العَ َ‬ ‫العَ َ‬
‫المعَلوم ‪ ،‬وإن لم يكن مذكورا ً على وجه التحديد ص ّ‬
‫ح الخلع ‪ ،‬ووجب‬
‫مهر المثل للزوج ‪.‬‬
‫وض ‪ ،‬ولم‬ ‫أما إن استعمل الزوج لفظ الخلع ‪ ،‬ولم ينص علي ع َ‬
‫يخطر بباله العوض أيضا َ ‪ ،‬فهو طلق عاديّ جرى بلفظ الخلع كناية ‪ .‬أي فهو‬
‫كنايات الطلق ‪ ،‬ويقع به الطلق رجعيًا‪.‬‬
‫‪2‬ـ ل يقع الخلع من غير الزوجة الرشيدة ‪ ،‬لن غير الرشيدة ل تتمتع بأهلية‬
‫اللتزام ‪ ،‬فل تملك التصّرف ‪ ،‬فإن خالعها الزوج وقع طلقا ً رجعيا ً عاديا ً‬
‫‪ ،‬ول يثبت له به شيء من مهرها ‪.‬‬
‫‪3‬ـ إذا خالع الرجل امرأته ‪ ،‬ملكت المرأة بذلك أمر نفسها ‪ ،‬ولم يبق للزوج‬
‫دة ‪ ،‬كما هو الشأن ف‬
‫عليها من سلطان ‪ ،‬فل رجعة له عليها أثناء الع ّ‬
‫الطلق العادي ‪ ،‬لن الخلع طلق بائن ‪ ،‬إنما السبيل إلى ذلك عقد‬
‫جديد تملك فيه المرأة كامل اختيارها ‪ ،‬وبمهر جديد أيضا ً ‪.‬‬
‫دة ـ من‬
‫مخالعة أي طلق ‪ ،‬أو ظهار ‪ ،‬أو إيلء ـ أثناء الع ّ‬
‫‪4‬ـ ل يلحق المرأة ال ُ‬
‫زوجها الذي خالعها ‪ ،‬أي ل أثر لشيء من ذلك عليها ‪ ،‬لنها أصبحت‬
‫بالخلع أجنبية عن الزوج ‪ ،‬فل يسرى إليها تطليق ‪ ،‬ول ظهار ‪ ،‬ول‬
‫إيلء ‪ .‬بخلف المطّلقة طلقا ً عاديا ً رجعيا ً ‪ ،‬فإن الزوج يملك أن يطّلقها‬
‫طاقة ثانية ‪ ،‬أو يظاهر منها أثناء العدة ‪ ،‬ويسري أثر ذلك عليها ‪.‬‬
‫‪5‬ـ يجوز أن ُيخالع الرجل زوجته في الحيض والطهر الذي جامعها فيه ‪ ،‬ما‬
‫دامت رشيدة ‪ .‬ذلك لنها ل تتضرر بذلك ‪ ،‬إذ الخلع إنما هو تحقيق‬
‫لرغبتها في التخّلص من الزوج ‪ ،‬فل ي ِ‬
‫رد فيه ما يمكن إيراده على‬
‫الطلق العادي الذي يكون برغبة من الزوج ‪ ،‬من الضرار بالزوجة ‪.‬‬
‫ما يملكه الزوج من الطلقات ‪:‬‬

‫‪110‬‬
‫من المعلوم أن الطلق حقُ للزوج في الصل ‪ .‬ودليل ذلك قول الله‬
‫عز وجل ‪:‬‬
‫ح ‪ ] ‬البقرة ‪ . [ 237 :‬والذي بيده عقدة‬ ‫ذي ب ِي َد ِهِ ع ُقْد َة ُ الن ّ َ‬
‫كا ِ‬ ‫‪ ‬أ َوْ ي َعْ ُ‬
‫فو َ ال ّ ِ‬
‫النكاح إنما هو الزوج ‪.‬‬
‫غير أن الزوجة أيضا ً تصبح صاحبة حق في ذلك ‪ ،‬في حالت خاصة ‪،‬‬
‫من أهمها ‪:‬‬
‫ـ أن ينالها ضرر من الزوج ‪.‬‬
‫ـ أن يقصر في أداء شيء من حقوقها ‪ ،‬ثم تع ّ‬
‫ذر إصلح المر بينهما ‪.‬‬
‫فعندئذ ُيوقع عنها القاضي طلقة بناًء على رغبتها ‪.‬‬
‫بعد هذا نقول ‪:‬‬
‫َ‬
‫كم هي الطلقات التي يملكها الزوج ‪ ،‬ما دام هو صاحب هذا الحق في‬
‫الصل ؟‬
‫لقد أجاب القرآن على ذلك ‪ ،‬وقرر عدد الطلقات التي يملكها الزوج ‪:‬‬
‫قال الله عز وجل ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن ‪ ] . ‬البقرة ‪229 :‬‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬‫ح ب ِإ ِ ْ‬‫ري ٌ‬
‫س ِ‬
‫ف أوْ ت َ ْ‬‫معُْرو ٍ‬ ‫سا ٌ‬
‫ك بِ َ‬ ‫ن فَإ ِ ْ‬
‫م َ‬ ‫‪ ‬الط ّل َقُ َ‬
‫مّرَتا ِ‬
‫ح‬
‫ى َتنك ِ َ‬
‫حت ّ َ‬
‫من ب َعْد ُ َ‬
‫ه ِ‬‫ل لَ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫[ ‪ .‬ثم قال سبحانه وتعالى ‪  :‬فَِإن ط َل ّ َ‬
‫قَها فَل َ ت َ ِ‬
‫َزْوجا ً غ َي َْرهُ‪ ] ‬البقرة ‪. [230 :‬‬
‫أي إن الزوج يملك أن يطّلق زوجته ثلث تطليقات ‪ ،‬اثنتان منهما‬
‫رجعيتان ‪ ،‬والثالثة تسريح ل رجعة بعده ‪ ،‬إل بشرط سنذكرها في موضعها‬
‫إن شاء الله تعالى ‪.‬‬
‫روى أبو داود ) في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلث ‪،‬‬
‫رقم ‪ ، ( 2159 :‬والنسائي ) في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬نسخ المراجعة بعد‬
‫التطليقات الثلث ‪ :‬رقم ‪ (6/212 :‬عن ابن عباس ‪ ‬قال ‪ :‬إن الرجل كان‬
‫إذا طلق امرأته ‪ ،‬فهو أحقّ برجعتها ‪ ،‬وإن طّلقها ثلثا ً ‪ ،‬فََنسخ ذلك ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫ن ‪ ] ‬البقرة ‪ [ 229 :‬أي الطلق الذي يملك الزوج فيه‬ ‫‪ ‬الط ّل َقُ َ‬
‫مّرَتا ِ‬
‫الرجعة مرتان فقط ‪ .‬ومن ثم فقد انعقد الجماع على أن الزوج يملك ثلث‬
‫‪111‬‬
‫تطليقات ‪ ،‬ثالثتها بائنة ل رجعة بعدها ‪ ،‬إل بما سنذكره من الشروط إن شاء‬
‫الله تعالى ‪.‬‬
‫شروط صحة الطلق ووقوعه ‪:‬‬
‫لبد ّ لكي يملك الزوج ما ذكرنا من الطلقات ‪ ،‬ولبد لكي يقع ذلك‬
‫منه ‪ ،‬من أن تتوفر في الزوج المطّلق الشروط التالية ‪:‬‬
‫الشرط الول ‪ :‬ثبوت عقد النكاح ‪:‬‬
‫فل يقع طلق الرجل من المرأة التي لم يعقد نكاحه عليها ‪ ،‬ول من‬
‫التي سيعقد نكاحه عليها ‪ ،‬سواء كان ذلك بأسلوب التنجيز ‪ ،‬أو التعليق ‪:‬‬
‫كأن يقول لمرأة لم يعقد عليها ‪ :‬أنت طالق ‪ ،‬أو يقول ‪ :‬إن تزوجتك فأنت‬
‫طالق ‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ل ‪َ  :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله عّز وج ّ‬
‫قتموهُن من قَب َ‬
‫ما ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن فَ َ‬ ‫سوهُ ّ‬
‫م ّ‬
‫ل أن ت َ َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ّ ِ‬ ‫م ط َل ّ ْ ُ ُ‬
‫ت ثُ ّ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مَنا ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ذا ن َك َ ْ‬
‫حت ُ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬ ‫آ َ‬
‫دون ََها ‪] ‬الحزاب‪. [49:‬‬ ‫عد ّةٍ ت َعْت َ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ع َل َي ْهِ ّ‬
‫فقد عّلق سبحانه وتعالى نتائج الطلق وأحكامه على ثبوت النكاح‬
‫أول ً ‪.‬‬
‫والدليل من السنة أيضا ً ‪ :‬قول النبي ‪ " ‬ل طلق قب َ‬
‫ل نكاح " ‪.‬‬
‫رواه الحاكم ) في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ل طلق لمن لم يملك ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 2/205‬وصححه ‪.‬‬
‫وروى أبو داود ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في الطلق قبل النكاح ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ، (2190‬والترمذي‬
‫) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء ل طلق قبل نكاح ‪ ،‬رقم ‪ ( 1181 :‬عن عبدالله بن‬
‫عت ْقَ‬ ‫عمرو ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ " : ‬ل نذر لبن آدم فيما يمل ُ‬
‫ك ‪ ،‬ول ِ‬
‫ك ‪ ،‬ول طلقَ له فيما ل يمل ُ‬
‫ك "‪.‬‬ ‫له فيما ل يمل ُ‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬تكامل الرشد ‪:‬‬
‫فالصبي والمجنون والنائم ل يقع طلقهم ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه أبو داود ) في الحدود ‪ ،‬باب ‪ :‬في المجنون‬
‫دا ‪ ،‬رقــم ‪ ( 4403 :‬وغيره عن على ‪ ‬قال ‪ :‬قال‬
‫يسـرق أو يصيب ح ّ‬
‫م عن ثلثة ‪ :‬عن النائم حتى يستيقظ ‪ ،‬وعن‬ ‫رسول الله ‪ُ " : ‬رِفع القل ُ‬
‫ق َ‬
‫ل " والحتلم هو البلوغ والكبر ‪.‬‬ ‫ي حتى يحِتلم ‪ ،‬وعن المجنون حتى ْيع ِ‬ ‫الصب ّ‬
‫ويدخل في حكم هؤلء الثلثة ‪ :‬الساهي ‪ ،‬والجاهل بمعنى الكلم الذي‬
‫يقوله ‪ :‬ولكن ل تقبل دعواه أنه ساهٍ ‪ ،‬أو جاهل بمعنى ما يقول إل بقرينة أو‬
‫بّينة ‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫طلق السكران ‪:‬‬
‫أما السكران ‪ ،‬فإن سكر بدواء ل مندوحة له عن استعماله ‪ ،‬وغاب‬
‫سكر‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬
‫ب ال ُ‬
‫ص ّ‬
‫كر ‪ ،‬بالتهديد ‪ ،‬أو ُ‬
‫مس ِ‬
‫من جّرائه عقله ‪ ،‬أو أكره على شرب ُ‬
‫في جوفه ‪ ،‬فإن حكمه كالصبي والنائم والساهي ‪ ،‬بجامع العذر في ك ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫أما إن سكر متعديا ً ـ أي عن قصد واختيار وبدون عذر ـ فإن طلقه‬
‫مسكر ‪ ،‬لن‬
‫ديه بشرب ال ُ‬‫يقع ‪ ،‬ويعتبر كالرشيد حكما ً ‪ ،‬وعقوبة له على تع ّ‬
‫السكران مكّلف ‪ ،‬ولنه بإجماع الصحابة مؤاخذ بما يتلفظ به حال سكره ‪،‬‬
‫من عبارات القذف ‪ ،‬ونحوه ‪.‬‬
‫الشرط الثالث تكامل الختيار ‪:‬‬
‫فل يقع طلق المكره ‪ .‬لكن مع مراعاة الشروط التالية في الكراه ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن يكون الكراه بغير حق ‪ ،‬فإن ُأكره على الطلق بحق ـ كأن كان‬
‫مضارا ً لزوجته ‪ ،‬فأكرهه الحاكم على تطليقها ـ فإن الطلق يقع ‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪2‬ـ أن يكون الكراه معتمدا ً على التهديد له مباشرة ‪ ،‬بما يحصل منه ضرر‬
‫شديد ‪ :‬كالقتل ‪ ،‬والقطع ‪ ،‬والضرب المبرح ‪ ،‬ومثله الضرب القليل‬
‫واليذاء البسيط بالنسبة لمن هو من ذوي القدار ‪.‬‬
‫‪3‬ـ وأن يكون المكره قادرا ً على تنفيذ ما هدد به ‪.‬‬

‫ودليل ذلك قول النبي ‪ " : ‬ل طلق ول عتاق في إغ ْل َ ٍ‬


‫ق"‪.‬‬
‫رواه ابن ماجه ) في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬طلق المكره والناسي ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 2046‬أي في إكراه ‪ ،‬لن المكره يغلق عليه أمره ‪ ،‬وتصّرفه ‪.‬‬
‫وروى ابن ماجه ) في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬طلق المكره والناسي ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫ُ‬
‫متي الخطأ‬‫‪ ( 2045‬وغيره ‪ :‬أن النبي ‪ ‬قال ‪ " :‬إن الله وضع عن أ ّ‬
‫والنسيان وما استكرهوا عليه " ‪ .‬أي وضع عنهم حكـم ذلك ‪ ،‬ل نفس هذه‬
‫المور ‪ ،‬لنها واقعة ‪.‬‬
‫مك َْره إل القدر الذي ُأكره عليه ‪ ،‬فلو ُأكره على‬
‫‪4‬ـ أن ل يصدر من الزوج ال ُ‬
‫الطلق مرة ‪ ،‬أو مطلقا ً ‪ ،‬فطلق طلقتين ‪ ،‬أو ثلثا ً ‪ ،‬وقع الطلق ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫طلق الهازل واللعب ‪:‬‬
‫إذا تأملت في الشروط التي ذكرناها لوقوع المكره علمت أن طلق‬
‫الهازل واللعب واقع ‪ ،‬إذا كان رشيدا ً بالغا ً عاقل ً مختارا ً ‪ ،‬ول ُيعد ّ لعبه‬
‫وهزله عذرا ً في عدم وقوع الطلق ‪.‬‬
‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه الترمذي ) في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الجد ّ‬
‫والهزل في الطــلق ‪ ،‬رقم ‪ ، ( 1184 :‬وأبو داود ) في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في‬
‫الطلق على الهزل ‪ ،‬رقم ‪ ، ( 2149 :‬وابن ماجه ) في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬من‬
‫طّلق أو نكح أو راجع لعبا ً ‪ ،‬رقم ‪ ( 2039 :‬عن أبي هريرة ‪ ‬قال ‪ :‬قال‬
‫ن جد ‪ :‬النكاح ‪ ،‬والطلق ‪،‬‬
‫ن جد ‪ ،‬وهزله ّ‬ ‫رسول الله ‪ " : ‬ثلث ج ّ‬
‫ده ّ‬
‫والرجعة " ‪.‬‬
‫الكيفيات المشروعة للطلق ‪:‬‬
‫يمكن إيقاع الطلق على كيفيات مختلفة ‪:‬‬
‫ـ كالجمع بين الطلقات بلفظ واحد ‪ ،‬أو التفريق بينها ‪.‬‬
‫ـ أو إيقاع الطلق منجزا ً ‪ ،‬أو معلقا ً على شرط ‪ ،‬أو مع استثناء ‪.‬‬
‫الكيفية الولي للطلق ‪:‬‬
‫واعلم أن الكيفية التي هي أفضل في الطلق شرعا ً ‪ ،‬والمتفقة مع‬
‫شارع طلق الرجل زوجته موزعا ً على ثلث مراحل ‪،‬‬
‫الحكمة من جعل ال ّ‬
‫هي ‪ :‬أن يطّلق طلقة واحدة في طهر لم يجامع الرجل زوجته فيه ‪ ،‬فإذا بدا‬
‫دة ‪.‬‬
‫له وندم أرجعها إليه أثناء الع ّ‬
‫فإن عاودته الرغبة في الطلق طلقها طّلقة ثانية ‪ ،‬وكان في يده بعد‬
‫ذلك طلقة واحدة ‪ ،‬تبين بها زوجته عنه بينونة كبرى ‪ ،‬ول ترجع إليه إل بعد‬
‫أن تنكح زوجا ً غيره نكاحا ً شرعيا ً كامل ً ‪ ،‬وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫ل ‪  :‬الط ّل َقُ‬
‫وهذه الكيفية هي المفهومة من صريح قول الله عّز وج ّ‬
‫َ‬ ‫سا ٌ‬
‫ن ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 229 :‬‬‫سا ٍ‬
‫ح َ‬
‫ح ب ِإ ِ ْ‬
‫ري ٌ‬
‫س ِ‬
‫ف أوْ ت َ ْ‬
‫معُْرو ٍ‬
‫ك بِ َ‬ ‫ن فَإ ِ ْ‬
‫م َ‬ ‫مّرَتا ِ‬
‫َ‬
‫حكم الطلق الثلث بلفظ واحد ‪:‬‬
‫‪115‬‬
‫إذا لم يلتزم بالكيفية المفضلة للطلق ‪ ،‬فل يعني أن الطلق ل يقع ‪،‬‬
‫دثنا عنها مجتمعة في‬
‫بل يقع كيفما كان ‪ ،‬ما دامت الشروط التي تح ّ‬
‫الشخص المطلق ‪.‬‬
‫وعلى ذلك ‪ ،‬فلو جمع الطلقات الثلث بلفظ واحد في وقت واحد ‪،‬‬
‫ت طالق ثلثا ً ‪ ،‬بانت منه بثلث طلقات ‪ ،‬كما لو نطق به ّ‬
‫ن‬ ‫فقال ‪ :‬أن ِ‬
‫متفرقات ‪.‬‬
‫ول يعتبر ذلك محرما ً ‪ ،‬بل هو خلف السنة ‪ ،‬وجنوح عن الطريقة‬
‫المفضلة ‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه الترمذي ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في الرجل يطلق‬
‫امرأته البّتة ‪ ،‬رقم ‪ ، ( 1177 :‬وأبو داود ) في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في البّتة‪ ،‬رقم‬
‫‪ ، ( 2208 :‬وابن ماجه ) في الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬طلق البتة رقم ‪ ( 20511 :‬أن‬
‫ركانة طّلق زوجته البّتة ـ أي قال لها أنت طالق البّتة ـ فقال له النبي ‪ : ‬ـ‬
‫وقد سأله ركانة عن سبيل لرجعتها ـ ) آلله ما أردت إل واحدة ( ‪.‬‬
‫دها إليه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬الله ما أردت إل واحدة فر ّ‬
‫فالحديث دليل على أن ركانة لو أراد بقوله ) البّتة ( ثلثا ً لوقعن ‪ ،‬ولما‬
‫أذن له النبي ‪ ‬بردها ‪ ،‬وإل لم يكن لسؤاله وتحليفه له أيّ معنى ‪.‬‬
‫تعليق الطلق بصفة أو شرط ‪:‬‬
‫ح معلقا ً ‪.‬‬
‫كما يصح الطلق ويقع منجزا ً ‪ ،‬فإنه يص ّ‬
‫ومعنى تعليق الطلق ‪ :‬أن يعّلق الزوج وقوع الطلق على حدوث‬
‫صفة ‪ ،‬أو شرط ‪ ،‬سواء مما قد تتلبس به الزوجة أو غيرها ‪ ،‬كتعليقه طلقها‬
‫على قدوم غائب ‪ ،‬أو على تصّرف معين قد تقوم به الزوجة أو غيرها ‪.‬‬
‫مثال تعليق طلقها على صفة ‪ :‬أن يقول ‪ :‬أنت طالق عند قدوم أبيك ‪،‬‬
‫أو أنت طالق في شهر رمضان فتطلق إذا قَ ِ‬
‫دم أبوها أو إذا دخل شهر‬
‫رمضان ‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫ومثال تعليقه بالشرط أن يقول لها ‪ :‬أنت طالق إن خرجت من الدار ‪،‬‬
‫أو أنت طالق إن دخل أخوك الدار ‪ ،‬فتطلق إن هي خرجت من الدار ‪ ،‬أو إن‬
‫دخل أخوها الدار ‪.‬‬
‫ودليل صحة تعليق الطلق على صفة أو شرط ‪ ،‬و وقوعه إذا تحقق‬
‫ذلك الشرط ‪ ،‬أو تلك الصفة ‪ ،‬قول النبي ‪ " : ‬المسلمون عند شروطهم‬
‫"‪.‬‬
‫رواه الحاكم ) البيوع ‪ ،‬باب ‪ :‬المسلمون على شروطهم والصلح جائز ‪2/49 :‬‬
‫‪.‬‬
‫إذ ُيفهم من الحديث أن الشروط التي يعّلق النسان عليها إبرام شيء‬
‫ل حراما ً‬
‫تكون محل اعتبار وتقدير من الشارع ‪ ،‬ما لم تكن تحرم حلل ً ‪ ،‬أو تح ّ‬
‫‪.‬‬
‫الثار التي يترتب على الطلق المعلق ‪:‬‬
‫ويترتب على الطلق المعّلق ما يلي ‪:‬‬
‫علق الطلق به لم يحصل بعد ‪.‬‬
‫‪1‬ـ عدم وقوع الطلق ما دام الشيء الذي ُ‬
‫‪2‬ـ تظل الحياة الزوجية مستمرة بكامل أحكامها ومستلزماتها ‪ ،‬ما دام‬
‫الشرط المعّلق عليه لم يتحقق بعد ‪ ،‬وإن كان حصوله على حكم‬
‫قق ‪ .‬كقوله ‪ :‬إذا جاء شهر رمضان فأنت طالق ‪.‬‬
‫المح ّ‬
‫‪3‬ـ يقع الطلق بمجرد حصول الشرط الذي عّلق الزوج الطلق به ‪ ،‬دون‬
‫حاجة إلى أن ينطق نطقا ً جديدا ً بالطلق ‪.‬‬
‫الستثناء في الطلق ‪:‬‬
‫ح الطلق المعّلق بصفة ‪ ،‬أو شرط ‪ ،‬كما ذكرنا يص ّ‬
‫ح الطلق‬ ‫وكما يص ّ‬
‫الذي دخله الستثناء ‪.‬‬
‫والمقصود بالستثناء في الطلق ‪ :‬أن يجمع بلفظ واحد أكثر من طلقة‬
‫واحدة ‪ ،‬ثم يطرح بعضا ً منها بأداة الستثناء ‪ ،‬وهي ) إل ّ ( بأن يقول ‪ :‬أنت‬
‫طالق ثلثا ً ‪ ،‬إل طلقة واحدة ‪ ،‬أو إل طلقتين ‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫وذلك لن الستثناء من المعدود أسلوب عربي مّتبع ‪ ،‬ومستعمل في‬
‫ل من الكتاب والسنة ‪ ،‬للتعبير عن المعاني ‪ ،‬وضبط الكميات والعداد ‪.‬‬ ‫ك ّ‬
‫ة‬
‫سن َ ٍ‬
‫ف َ‬ ‫م أ َل ْ َ‬ ‫قال الله تعالى حكاية عن نوح عليه السلم ‪  :‬فَل َب ِ َ‬
‫ث ِفيهِ ْ‬
‫عاما ً ‪ ] ‬العنكبوت ‪[ 14 :‬‬
‫ن َ‬
‫سي َ‬
‫م ِ‬ ‫إ ِّل َ‬
‫خ ْ‬
‫لذلك جاز استعمال الستثناء في التعبير عن الطلق ‪ ،‬وضبط عدد‬
‫الطلقات المراد إيقاعها‬
‫شروط صحة الستثناء في الطلق ‪:‬‬
‫يشترط لصحة الستثناء في الطلق مراعاة الشروط التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـأن ينوي المطّلق إلحاق الستثناء بكلمه قبل فراغه من النطق بالكلم‬
‫م كلمه الصلي ‪ ،‬ثم طرأ على باله أن‬‫الصلي المستثنى منه ‪ .‬فلو أت ّ‬
‫يستثني منه شيئا ً ‪ ،‬لم يصح الستثناء ‪ ،‬ووقع الطلق كما يقتضيه كلمه‬
‫الصلي قبل تعليق الستثناء به ‪.‬‬
‫عرفا ً ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يتصل لفظ الستثناء بلفظ المستثنى منه ُ‬
‫فلو فصل بينهما بفاصل زمني يعتبره العُْرف فاصل ً ‪ :‬كدقيقة مثل ً ‪،‬‬
‫بطل استثناؤه ‪ ،‬ووقع الطلق كما يقتضيه لفظ المستثنى منه ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن ل يكون الستثناء مستغرقا ً لكمية المستثنى منه ‪ :‬كأن يقول ‪ :‬أنت‬
‫طالق ثلثا ً إل ثلث طلقات ‪ ،‬فمثل هذا الستثناء يعتبر لغيا ً ‪ ،‬ويستقر‬
‫الحكم على ما يقتضيه لفظ المستثنى منه ‪.‬‬
‫وينبغي أن تعلم بعد هذا أن الستثناء من الكلم المثبت يعتبر نفيا ً ‪،‬‬
‫وأن الستثناء من الكلم المنفي يعتبر إثباتا ً ‪ ،‬لن الستثناء يعطي نقيض‬
‫الحكم الصلي للمستثنى ‪ ،‬فلو قال ‪ :‬ما طّلقتك إل طلقتين ‪ ،‬وقعت‬
‫طلقتان ‪.‬‬

‫دليل صحة الستثناء في الطلق ‪:‬‬


‫ويستدل لصحة الستثناء في الطلق بقول النبي ‪َ " : ‬‬
‫من أعتق ‪ ،‬أو‬
‫طّلق واستثنى فله ثنياه ‪. ":‬‬
‫‪118‬‬
‫أي استثناؤه ‪ .‬ذكر ابن الثير في النهاية مادة ‪ ) :‬ثنا ( ‪.‬‬
‫تفويض الطلق إلى الزوجة ‪:‬‬
‫وض إيقاع الطلق إلى زوجته ‪ ،‬وهذا التفويض إنما‬
‫ح للزوج أن يف ّ‬
‫يص ّ‬
‫هو بمثابة تمليك الطلق لها ‪.‬‬
‫شروط وقوع طلق التفويض ‪:‬‬
‫يشترط لوقوع هذا الطلق الشروط التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن يكون الطلق منجزا ً ‪ ،‬فل يص ّ‬
‫ح تعليقه على شيء ‪ :‬كإذا جاء الغد‬
‫فطّلقي نفسك ‪.‬‬
‫وض مكلفا ً ‪ ،‬فل يص ّ‬
‫ح تفويض الصغير والمجنون ‪.‬‬ ‫‪2‬ـ أن يكون الزوج المف ّ‬
‫‪3‬ـ أن تكون الزوجة أيضا ً مكلفة ‪ ،‬فل يص ّ‬
‫ح تفويض صغيرة أو مجنونة ‪.‬‬
‫‪4‬ـ أن ُتطّلق نفسها على الفور ‪ ،‬بعد تفويضها مباشرة ‪ ،‬فلو أ ّ‬
‫خرت بقدر ما‬
‫ح طلقها ‪.‬‬
‫ينقطع به القبول من اليجاب ‪ ،‬لم يص ّ‬
‫دليل جواز تفويض الطلق إلى الزوجة ‪:‬‬
‫ل على جواز ذلك ‪ ،‬بأن النبي ‪ ‬خّير نساءه من بين المقام‬ ‫ويستد ّ‬
‫ي ُقل‬ ‫َ‬
‫ما نزل قول الله عز وجل ‪َ  :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬ ‫معه ‪ ،‬وبين مفارقته ‪ ،‬وذلك ل ّ‬
‫ُ‬ ‫كنتن تردن ال ْحياة َ الدنيا وزينتها فَتعال َي ُ‬ ‫َ‬
‫حك ُ ّ‬
‫ن‬ ‫سّر ْ‬ ‫ن وَأ َ‬‫مت ّعْك ُ ّ‬
‫نأ َ‬‫ََ ْ َ‬ ‫َّْ َ ِ َََ‬ ‫َ َ‬ ‫ك ِإن ُ ُ ّ ُ ِ ْ َ‬ ‫ّلْزَوا ِ‬
‫ج َ‬
‫ميل ً ‪ ] ‬الحزاب ‪. [ 28:‬‬ ‫سَراحا ً َ‬
‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫ن معنى ‪.‬‬
‫ن الفرقة لم يكن لتخييره ّ‬
‫فلو لم يكن لختياره ّ‬
‫خاتمة في بعض مسائل الطلق ‪:‬‬
‫‪1‬ـ إذا تلفظ بالطلق باللغة العربية رجل غير عربي ‪ ،‬وهو ل يدري معناه ‪،‬‬
‫فإنه ل يقع طلقه ‪ ،‬لنتفاء قصده ‪ ،‬ولو تلفظ به بلغته وقع ‪ ،‬ولو لم‬
‫ينوه إذا كان اللفظ الذي استعمله في الطلق صريحا ً في لغته ‪ ،‬أي ل‬
‫يحتمل إل الطلق ‪ ،‬وإذا كان غير صريح اشترط لوقوع الطلق النية ‪،‬‬
‫كما هو الشأن في اللغة العربية ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫ك طالق ‪ ,‬فإن نوى تطليقها طلقت ‪ ,‬وإن لم‬
‫‪2‬ـ قال رجل لزوجته ‪ :‬أنا من ِ‬
‫ينو لم تطلق ‪ ,‬لن اللفظ خرج عن الصراحة إلى الكناية ‪ ,‬بإضافته إلى‬
‫غير محله ‪ ,‬فشرط فيه ما شرط في الكناية من قصد إيقاع الطلق‪.‬‬
‫‪3‬ـ قال رجل لزوجته ‪ :‬أنت طالق ‪ ،‬أنت طالق ‪ ،‬أنت طالق ‪.‬‬
‫فإن تخلل سكوت بين هذه الجمل بما يعد فاصل عرفا ‪ ،‬وقعت ثلث‬
‫طلقات ‪ ،‬ول يقبل قضاء قوله أردت التأكيد ‪ ،‬لنه خلف الظاهر ‪ ،‬وإن‬
‫لم يتخلل هذه الجمل فاصل ‪ ،‬فإن نوى التأكيد وقعت طلقة واحدة ‪،‬‬
‫فإن نوى الثلث وقعت ثلثا ُ ‪ ،‬وإن أطلق ‪ ،‬ولم ينو شيئا ً ‪ ،‬وقعت أيضا ً‬
‫ثلثا ً ‪ .‬عمل ً بظاهر اللفظ ‪.‬‬
‫‪4‬ـ إذا قال لزوجته ‪ :‬إن شاء الله فأنت طالق ‪ :‬لم تطلق إن قصد التعليق‬
‫بمشيئة الله عز وجل ‪ ،‬لن المعلق عليه من مشيئة الله تعالى غير‬
‫معلوم ‪ .‬فإن لم يقصد بالمشيئة التعليق ‪ ،‬وإنما قصد بها التبرك ‪ ،‬أو‬
‫لم يقصد شيئا ً ‪ ،‬فإن الطلق يقع ‪.‬‬
‫‪5‬ـ لو خاطبت الزوجة زوجها بمكروه ‪ ،‬فقالت له يا سفيه ‪ ،‬أو يا خسيس ‪،‬‬
‫ت كما تقولين فأنت طالق ‪.‬‬
‫فقال لها ‪ :‬إن كن ُ‬
‫فإن قصد بذلك مكافأتها بإسماعها ما تكره ‪ ،‬وإغاظتها بالطلق كما‬
‫أغاظته بالشتم ‪ ،‬فإن الطلق يقع ‪ ،‬وإن لم يكن سفيها ً ‪ ،‬ول خسيسا ً ‪.‬‬
‫وكأنه قال ‪ :‬إن كنت بزعمك كذلك فأنت طالق ‪.‬‬
‫سة ‪ ،‬أو أطلق ‪ ،‬ولم‬
‫أما إذا أراد تعليق الطلق على وجود السفه والخ ّ‬
‫يرد شيئا ً اعتبرت الصفة المعّلق عليها كما هو سبيل التعليقات ‪ ،‬فإن لم‬
‫يكن سفيها ً أو خسيسا ً ‪ ،‬لم يقع الطلق ‪ ،‬وإن كانت كذلك ‪ ،‬وقع ‪.‬‬
‫جر عليه لسوء تصرفه بأمواله ‪.‬‬
‫ح ْ‬
‫والسفيه ‪ :‬هو من يستحق ال َ‬
‫من يتعاطى غير‬
‫من باع دينه بدنياه ‪ .‬وقيل ‪ :‬هو َ‬
‫والخسيس ‪ :‬قيل هو ‪َ :‬‬
‫لئق به بخل ً ‪.‬‬

‫أحكام الرجعة‬
‫‪120‬‬
‫اعلم أن الرجل إذا طلق زوجته ‪ ،‬فلبد ّ أن يقع الطلق على واحد من‬
‫الحوال التالية ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن يطّلقها قبل الدخول ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن يطّلقها على وجه المخالفة ‪ ،‬سواء كان ذلك قبل الدخول أم بعده‬
‫‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أن يطّلقها طلقا ً عاديا ً بعد الدخول طلقه ‪ ،‬أو طلقتين ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬أن يطّلقها طلقا ً عاديا ً ثلث تطليقات ‪.‬‬
‫هذه هي الكيفيات التي يمكن أن يقع عليها الطلق ‪ ،‬فلنشرح ما‬
‫يترتب على كل حالة من أحكام الرجعة إذا أراد الزوج أن يراجع زوجته‬
‫بعدها‬
‫أول ً ‪ :‬إذا طلقها قبل أن يدخل بها ‪:‬‬
‫إذا طّلق الرجل زوجته قبل أن يدخل بها ‪ ،‬بانت منه ‪ ،‬ولم يجز له أن‬
‫يراجعا ‪ ،‬إذا ل يجب عليها أن تعتد ّ منه ‪ ،‬لصريح قول الله عز وجل ‪َ  :‬يا‬
‫قتموهُن من قَب َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫سوهُ ّ‬‫م ّ‬
‫ل أن ت َ َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ّ ِ‬ ‫م ط َل ّ ْ ُ ُ‬
‫ت ثُ ّ‬
‫مَنا ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ذا ن َك َ ْ‬
‫حت ُ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫دون ََها ‪ ] ‬الحزاب ‪ [ 49 :‬لذلك ينتهي بها‬ ‫عد ّةٍ ت َعْت َ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ع َل َي ْهِ ّ‬‫ما ل َك ُ ْ‬
‫فَ َ‬
‫الطلق إلى البينونة رأسا ً ‪.‬‬
‫ثم إذا كان طّلقها في هذه الحالة طلقة واحدة ‪ ،‬أو طلقتين ‪ ،‬لم تح ّ‬
‫ل‬
‫له إل بعقد ومهر جديدين ‪ ،‬بناء على اختيارها ورضاها ‪.‬‬
‫ل له إل بعد أن تنكح زوجا ً‬
‫وإن كان قد طّلقها ثلث تطليقات ‪ ،‬لم تح ّ‬
‫غيره ‪ ،‬ويدخل بها الزوج الثاني ‪ ،‬ثم يطّلقها ‪ ،‬ثم تعتد ّ منه ‪ ،‬ثم يتزوجها هو‬
‫بعقد ومهر جديدين ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إذا خالعها على مال ‪:‬‬
‫إذا خالع الزوج زوجته ) وقد مّر بك بيان الخلع ( بانت منه ‪ ،‬ولم يجز‬
‫له أن يراجعها بموجب العقد والمهر جديدين ‪ ،‬كزوج جديد ‪ ،‬سواء كان ذلك‬
‫الخلع قبل الدخول بها ‪ ،‬أو بعده ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إذا طّلقها بعد الدخول طلقة أو طلقتين ‪:‬‬
‫‪121‬‬
‫إذا طّلق الزوج زوجته بعد الدخول بها طلقة واحدة ‪ ،‬أو طلقتين ‪ ،‬جاز‬
‫له أن يراجعها بموجب العقد والمهر الثابتين ‪ ،‬بناًء على رغبته المنفردة ‪ ،‬إذا‬
‫ل‪:‬‬ ‫دتها لم تنقض بعد ‪ .‬ودليل ذلك صريح قول الله عّز وج ّ‬ ‫كانت ع ّ‬
‫لحا ً ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 228 :‬‬ ‫كإ َ‬ ‫وبعول َته َ‬
‫دوا ْ إ ِ ْ‬
‫ص َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ ِ ْ‬
‫ن أَرا ُ‬ ‫حقّ ب َِرد ّه ِ ّ‬
‫نأ َ‬ ‫َُُ ُُ ّ‬
‫سا ٌ‬
‫ك‬ ‫ن فَإ ِ ْ‬
‫م َ‬ ‫والمراد بالرد ّ ‪ :‬الرجعة ‪ .‬وقال الله تعالى ‪  :‬الط ّل َقُ َ‬
‫مّرَتا ِ‬
‫ن ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 229 :‬‬ ‫َ‬
‫سا ٍ‬
‫ح َ‬
‫ح ب ِإ ِ ْ‬
‫ري ٌ‬
‫س ِ‬
‫ف أوْ ت َ ْ‬
‫معُْرو ٍ‬
‫بِ َ‬
‫فإن المساك بمعروف بعد الطلق ل يكون إل بناًء على الرجعة ‪.‬‬
‫ودليل ذلك من السّنة ‪ :‬ما رواه أبو داود ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في‬
‫المراجعة ‪ ،‬رقم ‪ ( 2283 :‬عن عمر ‪ : ‬أن رسول الله ‪ ‬طلق حفصة‬
‫رضي الله عنها ‪ ،‬ثم راجعها ‪.‬‬
‫كيفية الرجعة ‪:‬‬
‫ويكفي لرجاعها إلى عصمة نكاحه أن يقول ‪ :‬أرجعتك إلى عصمتي ‪،‬‬
‫و عقد نكاحي ‪.‬‬
‫ن أن يشهد على كلمه هذا شاهدين ‪ .‬واستد ّ‬
‫ل لهذا بقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ويس ّ‬
‫منك ُ ْ‬
‫م‪ ] ‬الطلق ‪. [ 2 :‬‬ ‫دوا ذ َوَيْ ع َد ْ ٍ‬
‫ل ّ‬ ‫‪ ‬وَأ َ ْ‬
‫شه ِ ُ‬
‫فإن أرجعها عادت إليه بما بقي له من الطلق ‪ ،‬فإن كان قد طّلقها‬
‫طلقة ‪ ،‬بقيت له اثنان ‪ ،‬وإن كان قد طلقها طلقتين ‪ ،‬بقيت له طلقة واحدة‬
‫فقط ‪.‬‬
‫دتها ‪ ،‬فإنها تصبح بذلك بائنة منه ‪،‬‬
‫فأما إذا لم يراجعها حتى انقضت ع ّ‬
‫وعندئذ سبيل إليها إل بعقد ومهر جديدين ‪ ،‬باختيار منها ‪ ،‬كزوج جديد ‪.‬‬
‫قتم النساء فَبل َغْ َ‬
‫جل َهُ ّ‬
‫ن‬ ‫نأ َ‬‫َ َ‬ ‫ذا ط َل ّ ْ ُ ُ ّ َ‬ ‫ل ‪ ‬وَإ ِ َ‬ ‫ودليل ذلك ‪ :‬قول الله عّز وج ّ‬
‫فَل َ تعضُلوهُن َأن ينكح َ‬
‫ف ‪ ] ‬البقرة ‪:‬‬ ‫ضوْا ْ ب َي ْن َُهم ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫ذا ت ََرا َ‬‫ن إِ َ‬
‫جه ُ ّ‬
‫ن أْزَوا َ‬
‫َ ِ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫َْ ُ‬
‫‪. [ 232‬‬
‫فلو كان حق الرجعة ثابتا ً لزوجها الول ‪ ،‬لما أباح لها النكاح ممن تشاء‬
‫من الزواج ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬إذا طلقها ثلث تطليقات ‪:‬‬
‫‪122‬‬
‫ن متفرقات ‪ ،‬أم‬
‫إذا طلق الزوج زوجته ثلث تطليقات ‪ ،‬سواء ك ّ‬
‫مجتمعات بلفظ واحد ‪ ،‬وسواء كان الطلق قبل الدخول ‪ ،‬أو بعد الدخول ‪،‬‬
‫دة أو بعدها ‪،‬‬
‫بانت منه الزوجة ‪ ،‬ولم يعد له من سبيل إليها ‪ ،‬سواء أثناء الع ّ‬
‫إل بعد اجتيازها خمس مراحل من الشروط ‪:‬‬
‫دتها من زوجها ‪.‬‬
‫‪1‬ـ أن تنقضي ع ّ‬
‫دتها على زوج غير الول عقدا ً طبيعيا ً‬
‫‪2‬ـ أن يعقد نكاحها بعد انقضاء ع ّ‬
‫صحيحا ً ‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن يدخل بها هذا الزواج الثاني دخول ً حقيقيا ً ‪.‬‬
‫‪4‬ـ أن يطّلقها بعد ذلك ‪.‬‬
‫دتها منه ‪.‬‬
‫‪5‬ـ أن تنقضي ع ّ‬
‫ثم إذا أراد بعد ذلك زوجها الول أن يعود إليها كان له ذلك ‪ ،‬لكن بناًء‬
‫ح ّ‬
‫ل‬ ‫قَها فَل َ ت َ ِ‬ ‫على رضاها ‪ ،‬وبعقد ومهر جديدين ‪ .‬قال الله تعالى ‪ِ  :‬إن ط َل ّ َ‬
‫َ‬
‫جَعا ِإن‬ ‫ما أن ي َت ََرا َ‬ ‫ح ع َل َي ْهِ َ‬
‫جَنا َ‬ ‫ح َزْوجا ً غ َي َْره ُ فَِإن ط َل ّ َ‬
‫قَها فَل َ ُ‬ ‫ى َتنك ِ َ‬‫حت ّ َ‬
‫من ب َعْد ُ َ‬‫ه ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫دود َ الل ّهِ ‪ ] ‬البقرة ‪[ 230 :‬‬ ‫َ‬
‫ح ُ‬‫ما ُ‬ ‫ظ َّنا أن ي ُ ِ‬
‫قي َ‬
‫وروى البخاري ) الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬شهادة المختبي ‪ ،‬رقم ‪، ( 2496 :‬‬
‫ومسلم ) في النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬ل تحل المطلقة ثلثا ً لمطّلقها حتى تنكح …‪،.‬‬
‫رقم ‪ ( 1433 :‬عن عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬جاءت امرأة رفاعة‬
‫القرظي النبي ‪ ‬فقالت ‪ :‬كنت عند رفاعة ‪ ،‬فطلقني فأب ّ‬
‫ت طلقي ‪،‬‬
‫دبة الثوب ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫فتزوجت عبد الرحمن بن الّزبير ‪ ،‬إنما معه مثل هُ ْ‬
‫) أتريدين أن ترجعي إل ّ رفاعة ؟ ‪ ،‬حتى تذوقي عسيلته ‪ ،‬ويذوق‬
‫عسيلتك ( ‪.‬‬
‫ت طلقها ‪ :‬طّلقها ثلثا ً ‪ .‬هدبة الثوب ‪ :‬حاشيته ‪ ،‬شّبهت به‬
‫] أب ّ‬
‫استرخاء ذكره ‪ ،‬وأنه ل يقدر على الوطء ‪ .‬تذوقي عسيلته ‪ :‬هذا كناية عن‬
‫الجماع ‪ .‬وعسيلة ‪ :‬قطعة صغيرة من العسل ‪ ،‬شّبه لذة الجماع بلذة ذوق‬
‫العسل [ ‪.‬‬
‫الحكمة من توقف حل المطلقة ثلثا ً على هذه الشروط ‪:‬‬
‫‪123‬‬
‫ل الحكمة في إلزام المطّلقة بكل هذه الشروط التي ذكرنا لتح ّ‬
‫ل‬ ‫ولع ّ‬
‫لزوجها الول هي ‪:‬‬
‫التنفير من الطلق الثلث ‪ ،‬وحمل الزواج بذلك على أن ل يتورطوا في‬
‫الطلق الثلث ‪.‬‬
‫الخلصة في الرجعة ‪:‬‬
‫اعلم أن المطّلقة بالنسبة لمكان رجوعها إلى زوجها تسمى ‪:‬‬
‫) رجعية ( إن طّلقت طلقة واحدة أو طلقتين ‪ ،‬بعد الدخول بها ‪،‬‬
‫ض بعد ‪.‬‬
‫دتها لم تنق ِ‬
‫وع ّ‬
‫وحكمها ‪ :‬جواز مراجعة زوجها لها ‪ ،‬بعقدها ومهرها السابقين‬
‫وبموجب إرادته المنفردة‬
‫) بائنة بينونة صغرى ( ‪ :‬وهي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ المطّلقة طلقة واحدة أو طلقتين قبل الدخول بها ‪.‬‬
‫‪2‬ـ المطّلقة طلقة واحدة أو طلقتين بعد الدخول بها ‪ ،‬وقد انقضت‬
‫دتها ‪.‬‬
‫ع ّ‬
‫‪3‬ـ المخالعة على ب َد َ َ‬
‫ل مالي ‪ ،‬كما سبق بيانه ‪.‬‬
‫وحكمها ‪ :‬ل سبيل للزوج إليها إل بعقد ومهر جديدين ‪ ،‬وباختيارها‬
‫ورضاها ‪.‬‬
‫) بائنة بينونة كبرى ( ‪ :‬وهي التي طّلقها زوجها ثلث تطليقات ‪،‬‬
‫سواء قبل الدخول بها ‪ ،‬أو بعده ‪.‬‬
‫ل له إل بعد أن تنكح زوجا ً غيره ‪ ،‬على نحو ما قد‬
‫وحكمها ‪ :‬ل تح ّ‬
‫سبق إيضاحه ‪.‬‬

‫مشبهات الطلق‬
‫هنا ثلث مسائل ‪ ،‬تشبه في نتائجها الطلق ‪ ،‬أو هي قد تؤول إلى‬
‫الطلق ‪ .‬وهذه المسائل هي ‪ :‬اليلء ‪ ،‬الظهار ‪ ،‬اللعان ‪ .‬لذلك جمعناها إلى‬
‫بعضها تحت هذا العنوان ‪:‬‬
‫) مشّبهات الطلق ( ثم لنشرح كل ً منها على حدة ‪:‬‬

‫‪124‬‬
‫أول ً ـ اليلء‬
‫تعريف اليلء ‪:‬‬
‫اليلء في اللغة من اللّية ‪ ،‬بمعنى اليمين ‪ .‬يقال ‪ :‬آلى فلن ‪ :‬أي‬
‫ل أ ُوُْلوا ال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫سعَ ِ‬ ‫منك ُ ْ‬
‫م َوال ّ‬ ‫ل ِ‬
‫ض ِ‬
‫ف ْ‬ ‫ل ‪ :‬وََل ي َأت َ ِ‬‫أقسم ‪ ،‬وعليه قول الله عّز وج ّ‬
‫ن …‪ ] ‬النور ‪ [ 22 :‬أي ل يحلف ‪.‬‬ ‫كي َ‬
‫سا ِ‬
‫م َ‬ ‫َأن ي ُؤ ُْتوا أ ُوِْلي ال ْ ُ‬
‫قْرَبى َوال ْ َ‬
‫واليلء اصطلحا ً ‪ :‬فهو أن يقسم الزوج المالك لحق الطلق أل ّ يجامع‬
‫زوجته مطلقا ً ‪ ،‬أو مدة تزيد على أربعة أشهر ‪.‬‬
‫حكم اليلء ‪:‬‬
‫إذا أقسم الزوج على أن يجامع زوجته مطلقا ً ‪ ،‬أو مدة تزيد على أربعة‬
‫ل بذلك من زوجته ‪ .‬ويترتب على الزوج من الحكام‬
‫أشهر ‪ ،‬فهو مو ٍ‬
‫الشرعية ما يلي ‪:‬‬
‫يمهله الحاكم أربعة بدءا ً من اليوم الذي أقسم فيه أن ل يطأ زوجته ‪،‬‬
‫كفرصة يمكنه من الرجوع والتكفير عنها ‪ ،‬أو من تطليقها إن لم يرد الرجوع‬
‫والتفكير ‪.‬‬
‫فإذا انتهت الشهر الربعة ‪ ،‬وهو ملتزم يمينه ‪ ،‬فهو عندئذ مضار‬
‫لزوجته ‪ ،‬ويلزمه الحاكم بسبب ذلك ـ بناًء على طلب الزوجة ـ بأحد أمرين ‪:‬‬
‫فر عن يمينه ‪ ،‬إن كان قد‬
‫‪1‬ـ الرجوع عن يمينه ‪ ،‬والتصال بزوجته ‪ ،‬ويك ّ‬
‫أقسم بالله ‪ ،‬أو بعض صفاته ‪ ،‬أو يأتي بما أقسم به إن كان قد حلف‬
‫على أن يفعل عمل ً ‪ ،‬أو يتصدق بصدقة ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أو الطلق إن أبى إل التمسك بيمينه ‪.‬‬
‫فإن أبى الزوج ‪ ،‬ورفض سلوك أحد هذين السبيلين ‪ ،‬أوقع القاضي‬
‫عنه طلقة واحدة ‪ ،‬لنه حق توجه عليه لرفع الضرر عن الغير ‪ ،‬ول‬
‫سبيل إلى ذلك إل بالتطليق عليه ‪ .‬وتقع النيابة فيه ‪ ،‬كقضاء الدين ‪،‬‬
‫وأداء الحقوق العينية ‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫هذا إذا لم يكن بالزوج عذر يمنعه من الوطء ‪ ،‬فأما إن كان عذر‬
‫من مرض ونحوه ‪ ،‬طولب بالرجوع عن إيلئه بلسانه ‪ ،‬بأن يقول ‪ :‬إذا قدرت‬
‫رجعت عن التزامي ويميني‬
‫دليل أحكام اليلء ‪:‬‬
‫ن ي ُؤ ُْلو َ‬
‫ن‬ ‫ودليل أحكام اليلء التي ذكرناها قول الله عز وجل ‪  :‬ل ّل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫ن‬
‫م}‪ {226‬وَإ ِ ْ‬ ‫حي ٌ‬
‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫ؤوا فَإ ِ ّ‬
‫ن َفآ ُ‬‫شهُرٍ فَإ ِ ْ‬‫ص أ َْرب َعَةِ أ َ ْ‬
‫م ت ََرب ّ ُ‬‫سآئ ِهِ ْ‬
‫من ن ّ َ‬ ‫ِ‬
‫م‪‬‬ ‫ميعٌ ع َِلي ٌ‬‫س ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ الط ّل َقَ فَإ ِ ّ‬ ‫ع ََز ُ‬
‫] البقرة ‪ 226 :‬ـ ‪. [ 227‬‬
‫] يؤلون ‪ :‬يحلفون ‪ .‬تربص ‪ :‬انتظار ‪ .‬فاؤوا ‪ :‬رجعوا عن الحلف إلى‬
‫الوطء ‪ .‬عزموا الطلق ‪ :‬أوقعوه [ ‪.‬‬
‫وروى مالك رحمه الله تعالى في كتابه المؤطأ ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬اليلء‬
‫‪ ( 2/556‬عن علي ‪ ‬أنه كان يقول ‪ :‬إذا آلى الرجل من امرأته ‪ ،‬لم يقع‬
‫عليه طلق ‪ ،‬وإن مضت الربعة أشهر ‪ ،‬حتى يوقف ‪ :‬فإما أن يطّلق ‪ ،‬وإما‬
‫أن يفيء‪.‬‬
‫وروى مثل ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫ومثل هذا الحكم ل يقال من قبل الرأي ‪ ،‬لذلك كان لهذا الحديث حكم‬
‫المرفوع إلى رسول الله ‪. ‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬الظهار ‪:‬‬


‫تعريف الظهار ‪:‬‬
‫الظهار ـ لغة ـ مأخوذ من الظهر ‪ ،‬لن صورته الصلية أن يقول الرجل‬
‫ي كظهر أمي ‪.‬‬
‫لزوجته ‪ :‬أنت عل ّ‬
‫وتعريف الظهار في الصطلح ‪ :‬أن تشّبه الزوج زوجته في الحرمة‬
‫بإحدى محارمه ‪ :‬كأمه ‪ ،‬وأخته ‪.‬‬
‫وكان العرب في الجاهلية يعتبرون الظهار أسلوبا ً من أساليب‬
‫الطلق ‪ .‬ولكن الشريعة السلمية أعطته اعتبارا ً آخر ‪ ،‬وب ََنت عليه أحكاما ً‬
‫أخرى غير الطلق ‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫حكم الظهار من حيث الح ّ‬
‫ل والحرمة ‪:‬‬
‫الظهار حرام بإجماع المسلمين ‪ ،‬وهو كبيرة من الكبائر ‪ ،‬بدليل أن‬

‫قوُلو َ‬
‫ن‬ ‫م ل َي َ ُ‬
‫الله عز وجل سماه منكرا ً من القول وزورا ً ‪ ،‬قال تعالى ‪  :‬وَإ ِن ّهُ ْ‬
‫ل وَُزورا ً‪] ‬المجادلة‪[ 2:‬‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫كرا ً ّ‬
‫م َ‬ ‫من َ‬
‫ُ‬
‫ألفاظ الظهار ‪:‬‬
‫تنقسم اللفاظ التي تعتبر داّلة على الظهار إلى قسمين ‪ :‬صريح ‪،‬‬
‫وكناية ‪.‬‬
‫أما اللفظ الصريح ‪ :‬وهو الذي ل يحتمل غير الظهار ـ فهو أن يقول‬
‫ي كظهر أمي ‪ .‬أو أنت عندي – كظهر ُأمي ‪ .‬فإذا تلفظ‬‫لزوجته ‪ :‬أنت عل ّ‬
‫بهذا الكلم ‪ ،‬فهو مظاهر من زوجته ‪ ،‬سواء وجت نّية ذلك لديه أم لم‬
‫ح منهم الطلق ‪ ،‬أ ما دام رشيدا ً واعيا ً لمعنى ما‬
‫من يص ّ‬
‫توجد ‪ ،‬مادام م ّ‬
‫يقول ‪.‬‬
‫أما اللفظ الكنائي ـ وهو ما يحتمل الظهار وغيره ـ فهو مثل أن يقول‬
‫ي كأمي وأختي ‪ ،‬أو ‪ :‬أنت عندي مثل أمي وأختي ‪.‬‬
‫لزوجته ‪ :‬أنت عل ّ‬
‫فإذا نطق بمثل هذه اللفاظ ‪ ،‬فإنها تنصرف إلى المعنى الذي أراده‬
‫فظ بها ‪.‬‬
‫عند التل ّ‬
‫فإن كان قصد بها الظهار كان مظاهرا ً ‪ ،‬وإن كان قصد بها تشبيه‬
‫زوجته بأمه أو أخته في الكرامة والتقدير لم يكن مظاهرا ً ‪ ،‬وليس عليه شئ‬
‫أبدا ً ‪.‬‬
‫أحكام الظهار ‪:‬‬
‫إذا نطق الزوج بلفظ الظهار الصريح ‪ ،‬أو بشيء من ألفاظه الكنائية ‪،‬‬
‫وأراد بذلك معنى الظهار ‪ ،‬وهو تشبه الزوجة بمحارمه في الحرمة عليه ‪،‬‬
‫فإنه ينظر ‪:‬‬
‫ـ فإن أتبع كلمه هذا بالطلق ‪ ،‬فإن حكم الظهار يندرج في الطلق ‪،‬‬
‫ول يبقى له من أثر ‪ ،‬إذ يأتي الطلق بمثابة تفسير للفظ الظهار ‪ ،‬فيلغو‬
‫حكم الظهار ‪ ،‬ويستقر الطلق ‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫ـ أما إن لم يتبع ذلك بالطلق ‪ ،‬ولم يحصل ما يقطع النكاح ‪ ،‬فإنه يعتبر‬
‫عائدا ً في كلمه ‪ ،‬مخالفا ً لما قاله ‪ ،‬فإن عدم انفصاله عن زوجته ‪ ،‬و قد‬
‫شّبهها في الحرمة بمحاربة ـ يعتبر نقضا ً منه لهذا التشبيه ‪ ،‬ومخالفة‬
‫فارة ‪ُ ،‬يكلف بإخراجها على الفور ‪.‬‬
‫لمقتضاه ‪ .‬وعندئذ تلزمه ك ّ‬
‫كفارة الظهار ‪:‬‬
‫فارة الظهار مرتبة ـ حسب المكان ـ وفق ما يلي ‪:‬‬
‫وك ّ‬
‫مخّلة بالكسب والعمل ‪ ،‬كالزمانة ‪،‬‬
‫‪1‬ـ عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب ال ُ‬
‫جل مثل ً ‪.‬‬ ‫أو فَ ْ‬
‫قد عضو ‪ ،‬كر ْ‬
‫‪2‬ـ فإن لم يكن رقيق كعصرنا اليوم ‪ ،‬أو كان ‪ ،‬ولكنه عجز عنه ‪ ،‬فصيام‬
‫شهرين قمريين متتابعين ‪.‬‬
‫‪3‬ـ فإن لم يستطيع الصوم ‪ ،‬أو لم يستطيع الصبر على تتابع الصوم ‪ ،‬لمرض‬
‫‪ ،‬أو هرم ‪ ،‬فإطعام ستين مسكينا ً ‪ ،‬لكل مسكين مد ّ من غالب قوت‬
‫البلد ‪.‬‬
‫دليل ترتيب الك ّ‬
‫فارة ‪:‬‬
‫فارة الظهار ـ ما سيأتي في أحكام‬
‫والدليل على هذا الترتيب في ك ّ‬
‫الظهار عامة ـ وما رواه الترمذي ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في كفارة الظهار‬
‫‪ ،‬رقم ‪ (1200 :‬وغيره ‪ :‬أن سلمان بن صخر النصاري ‪ ،‬أحد بني بياضة ‪،‬‬
‫جعل امرأته عليه كظهر ُأمه ‪ ،‬حتى يمضي رمضان ‪ ،‬فلما مضى نصف من‬
‫رمضان ‪ ،‬وقع عليها ليل ً ‪ ،‬فأتى رسول الله ‪ ، ‬فذكر ذلك له ‪ ،‬فقال رسول‬
‫الله ‪ " : ‬أعتق رقبة " ‪ .‬قال ‪ :‬ل أجدها ‪ ،‬قال ‪ " :‬فصم شهرين متتابعين "‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ل أجد‪ .‬فقال رسول الله ‪ ‬لفروة بن عمرو ‪ " :‬أعطه ذلك العرق "‬
‫وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعا ً ‪ ،‬أو ستة عشر ‪ ،‬إطعام ستين مسكينا ً ‪.‬‬
‫كفارة الظهار تخرج فورا ً ‪:‬‬
‫فارة الظهار ُيطالب بها الزوج على الفور ‪ ،‬أي إنه ل يح ّ‬
‫ل له وطء‬ ‫إن ك ّ‬
‫زوجته قبل التفكير بأيّ النواع الثلثة التي سبق ذكرها ‪ ،‬فإذا وطىء زوجته‬
‫فارة ‪ ،‬لن الوطء قبل التفكير حرام ‪.‬‬
‫قبل التفكير ‪ ،‬فقد عصى ‪ ،‬ولزمته الك ّ‬

‫‪128‬‬
‫سا ‪‬‬ ‫لقول الله عز وجل ‪ :‬من قَب َ‬
‫ما ّ‬
‫ل أن ي َت َ َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫] المجادلة ‪. [ 3 :‬‬
‫روى الترمذي ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن‬
‫يكفر ‪ ،‬رقم ‪ ، ( 1199 :‬وابن ماجه ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬المظاهر يجامع قبل‬
‫أن يكفر ‪ ،‬رقم ‪ ( 2065 :‬وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما ‪ :‬أن‬
‫رجل ً أتى النبي ‪ ‬قد ظاهر من امرأته ‪ ،‬فوقع عليها ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬إني قد ظاهرت من زوجتي ‪ ،‬فوقعت عليها قبل أن ُأك ّ‬
‫فر ‪ ،‬فقال ‪" :‬‬
‫وما حملك على ذلك ‪ ،‬يرحمك الله "؟ يرحمك الله " ؟ قال ‪ :‬رأيت خلخالها‬
‫في ضوء القمر ‪ ،‬قال ‪ " :‬فل تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به " ‪.‬‬
‫دليل أحكام الظهار عامة ‪:‬‬
‫ويستدل لحكام الظهار جملة ‪ :‬بما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن‬
‫امرأة أوس بن الصامت ـ رضي الله عنها ـ جاءت تشتكي زوجها إلى رسول‬
‫الله ‪ ‬وهي تقول ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أكل شبابي ونثرت له بطني ‪ ،‬حتى إذا‬
‫كبرت سّني وانقطع ولدي ظاهر مني ‪ ،‬الّله ّ‬
‫م إني أشكو إليك ‪ ،‬فما برحت‬
‫معَ ‪… ‬‬ ‫حتى نزل جبرائيل بهؤلء اليات ‪  :‬قَد ْ َ‬
‫س ِ‬
‫رواه ابن ماجه ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬الظهار‪ ،‬رقم ‪ ، ( 2063 :‬وأبو داود‬
‫) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في الظهار ‪ ،‬رقم ‪ ، ( 2214 :‬والحاكم ) في المستدرك ‪:‬‬
‫التفسير ‪ ،‬تفسير سورة المجادلة ‪.. ( 2/481 :‬‬
‫واليات هي ‪:‬‬

‫كي إ َِلى الل ّهِ َوالل ّ ُ‬


‫ه‬ ‫شت َ ِ‬‫جَها وَت َ ْ‬ ‫ك ِفي َزوْ ِ‬ ‫جاد ِل ُ َ‬
‫ل ال ِّتي ت ُ َ‬ ‫ه قَوْ َ‬ ‫معَ الل ّ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫‪ ‬قَد ْ َ‬
‫سائ ِِهم‬ ‫من ن ّ َ‬ ‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ظاه ُِرو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫صيٌر}‪ {1‬ال ّ ِ‬ ‫ميعٌ ب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫حاوَُرك ُ َ‬ ‫معُ ت َ َ‬‫س َ‬
‫يَ ْ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫ما هُن أ ُمهات ِهم إ ُ‬
‫ل‬
‫قو ْ ِ‬ ‫كرا ً ّ‬
‫م َ‬ ‫من َ‬ ‫ن ُ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م ل َي َ ُ‬ ‫م وَإ ِن ّهُ ْ‬‫م إ ِّل الّلِئي وَل َد ْن َهُ ْ‬ ‫مَهات ُهُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ّ ّ َ ِ ْ ِ ْ‬ ‫ّ‬
‫ما‬
‫ن لِ َ‬ ‫دو َ‬ ‫م ي َُعو ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫سائ ِهِ ْ‬‫من ن ّ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ظاه ُِرو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬‫فوٌر}‪َ {2‬وال ّ ِ‬ ‫فو ّ غ َ ُ‬ ‫ه ل َعَ ُ‬‫ن الل ّ َ‬‫وَُزورا ً وَإ ِ ّ‬
‫َقاُلوا فَتحرير رقَبة من قَب َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬ ‫ن ب ِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ظو َ‬ ‫م ُتوع َ ُ‬ ‫سا ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ما ّ‬ ‫ل أن ي َت َ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ْ ِ ُ َ َ ٍ ّ‬
‫شهرين متتابعين من قَب َ‬
‫م‬‫من ل ّ ْ‬ ‫سا فَ َ‬ ‫ما ّ‬ ‫ل أن ي َت َ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫م َ ْ َ ْ ِ ُ ََ َِ ْ ِ ِ‬ ‫صَيا ُ‬‫جد ْ ف َ ِ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫خِبيٌر}‪ {3‬فَ َ‬ ‫َ‬

‫‪129‬‬
‫دود ُ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ح ُ‬ ‫سول ِهِ وَت ِل ْ َ‬
‫ك ُ‬ ‫مُنوا ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫كينا ً ذ َل ِ َ‬
‫ك ل ِت ُؤ ْ ِ‬ ‫س ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫سّتي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط ِعْ فَإ ِط َْعا ُ‬‫يَ ْ‬
‫م ‪ ] ‬المجادلة ‪. [ 4-1 :‬‬ ‫َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫وَل ِل ْ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬

‫ثالثا ً ـ اللعان‬
‫تعريف اللعان ‪:‬‬
‫اللعان ـ لغة ـ مصدر لعن ‪ ،‬وهو الطرد ‪ ،‬والبعاد ‪.‬‬
‫منه ‪ :‬لعنه الله ‪ ،‬أي طرده وأبعده ‪.‬‬
‫وسمي بذلك لبعد الزوجين ك ّ‬
‫ل منهما عن الخر ‪.‬‬
‫وأما اللعان شرعا ً ‪ :‬فهو كلمات معينة ‪ ،‬جعلت حجة للمضطر إلى‬
‫قذف من ل ّ‬
‫طخ فراشة ‪ ،‬وألحق العار به ‪.‬‬
‫وسمي لعانا ً ‪ ،‬لشتمال هذه الكلمات على لفظ اللعن ‪ ،‬ولن كل من‬
‫المتلعنين يبتعد عن الخر باللعان ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫الحكمة من مشروعية اللعان ‪:‬‬
‫أعلم أن حكم اللعان جاء مخالفا ً لما يقتضيه عموم حكم القذف ‪ ،‬من‬
‫استحقاق القاذف الحد ّ ‪ ،‬وبراءة المقذوف حكما ً مما قد رماه به القاذف ‪.‬‬
‫فما هي حكمة هذه المخالفة ؟ ولماذا لم تنطبق أحكام القذف على‬
‫من جاء بقذف زوجته بالفاحشة ؟‬
‫َ‬
‫والجواب ‪ :‬أن غير الزوج بالنسبة لزوجته غير مضطر إلى أن يرمي‬
‫أحدا ً من الناس بالفاحشة ‪ ،‬صادقا ً كان في ذلك أم كاذبا ً ‪.‬‬
‫بل الدب السلمي يقضي بأن يستر المسلم ما قد ينكشف له من‬
‫جوة من الناس ‪.‬‬
‫عيوب الخرين ‪،‬ويكتفي بالنصح لهم ‪ ،‬في ستر ون َ ْ‬
‫أما الزوج بالنسبة لزوجته ‪ ،‬فإنه يشبه أن يكون مضطرا ً إلى الكشف‬
‫عن حقيقتها ‪ ،‬وواقع أمرها في ارتكاب الفاحشة ‪ ،‬لن ارتكابها ذلك تلطيخ‬
‫لفراشه ‪ ،‬وإلحاق للعار به ‪ .‬وهو عذر شرعي يعطيه حق النفصال عنها ‪.‬‬
‫ولو انفصل عنها بطلق لستلزم ذلك أن يقع في ظلم آخر يلحقه‬
‫بنفسه ‪ ،‬وهو الحكم لها بكامل المهر ‪ ،‬دون أن تستحق شيئا ً منه بسبب‬
‫سوء سلوكها ‪.‬‬
‫لذلك كان لبد ّ ـ لنصافه ـ من أن يشرع حكم خاص بهذه الحالة ‪،‬‬
‫يضمن بقاء كل من الزوجين في كنف العدالة ‪ ،‬دون أن يذهب واحد منهما‬
‫حية لظلم الخر ‪.‬‬
‫ض ّ‬
‫وكان هذا الحكم هو ‪ :‬حكم اللعان ‪ ،‬الذي سنقف على موجز لتفاصيله‬
‫‪.‬‬
‫وبهذا تدرك الحكمة من أن قذف الزوج لزوجته ‪ ،‬إذا جاء على‬
‫النحو الذي رسمته الشريعة السلمية ‪ ،‬ل يستوجب حد ّا ً أبد له ‪ ،‬فإن‬
‫القاذف إنما ُيحد ّ لتهامه بالكذب من جانب ‪ ،‬ولعدم اهتمامه بستر حال‬
‫المسلمين من جانب آخر ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫أما الزوج فإنه يبعد جدا ً أ‪ ،‬يقذف زوجته كاذبا ً ‪ ،‬لم يلحقه بسبب هذا‬
‫الكذب من العار ‪ ،‬وسوء السمعة ‪ ،‬وهو معذور في أن ل يستر حال زوجته ‪،‬‬
‫حسن سيرته بين‬
‫لن ستره لها إلحاق للعار به ‪ ،‬وهو إسقاط لمروءته و ُ‬
‫الناس ‪.‬‬
‫حكم قذف الزوجة ‪:‬‬
‫القذف ‪ :‬هو أن يرمي زوجته بالزنى ‪ ،‬وللزوج الحق في أن يرميها‬
‫بذلك إذا علم زناها ‪ ،‬أو ظنه ظنا ً مؤكدا ً ‪ :‬كظهور زناها بفلن من الناس ‪،‬‬
‫مع رؤيتهما في خلوة منفردين ‪ .‬هذا الحكم ـ وهو إباحة رمي الزوجة بالزنى‬
‫ـ إذا لم يكن هناك ولد ‪ ،‬أما إذا كان هناك ولد ‪ ،‬والزوج يعلم أنه ليس منه ‪،‬‬
‫فإنه والحالة هذه يجب عليه أن يرمي زوجته ‪ ،‬وينفي الولد عن نفسه ‪ ،‬لن‬
‫ترك نفسي الولد عن نفسه يتضمن استلحاقه ‪ ،‬واستلحاق من ليس منه‬
‫من هو منه ‪ ،‬لكن كيف يعلم أن هذا الولد ليس منه ‪.‬‬
‫حرام ‪ ،‬كحرمة نفي َ‬
‫طريق العلم بذلك أن يكون لم يطأ زوجته ‪ ،‬أو أن زوجته قد أتت‬
‫بالولد لدون ستة أشهر من الوطء ‪ ،‬التي هي أقل مدة الحمل ‪ ،‬أو ولدته‬
‫لكثر من أربع سنين من الوطء ‪ ،‬التي هي أكثر مدة الحمل ‪ ،‬ففي هذه‬
‫الحالت يثبت أن الولد ليس من هذا الزوج ‪ ،‬وعندئذ يجب نفيه عن نفسه ‪،‬‬
‫لئل يلحق به ‪.‬‬

‫كيفية لعان الزوج ‪:‬‬


‫إذا رمى الرجل زوجته بالزنى فعليه حد ّ القذف ‪ ،‬إل أن يقيم البّينة ‪،‬‬
‫والبّينة أربعة شهداء ‪ ،‬بما فيهم الزوج ‪.‬‬
‫وهذا هو الحكم العام لمقتضى القذف ‪ ،‬وقد قال النبي ‪ ‬لهلل بن‬
‫ُأمية ‪ ‬لما قذف امرأته عند النبي ‪ ": ‬البيّنة أو حد ّ في ظهرك " فقال‬
‫ن الله ما يبرئ ظهري من‬‫هلل ‪ :‬والذي نعثك بالحق إني صادق ‪ ،‬فَْلينزل ّ‬
‫الحد ّ ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫وقد نزل حكم اللعان ‪ ،‬فكان السبيل الذي يدرأ به الزوج عن نفسه‬
‫حد ّ القذف ‪ ،‬إذا قذف زوجته بالزنى ‪ ،‬فكيف تكون الملعنة إذا ً ؟‬
‫ن‬
‫مع من الناس ‪ ،‬يس ّ‬
‫ج ْ‬
‫الملعنة ‪ :‬أن يقول الزوج عند الحاكم أمام َ‬
‫أن يكونوا من ُوجهائهم ‪ ،‬وصالحيهم ‪ ،‬وأن يكون ذلك في المسجد ‪ ،‬فوق‬
‫مكان مرتفع ‪ ،‬كمنبر وغيره ‪ ،‬يقول‬
‫أشهد بالله إنني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلنة من‬
‫الزنى ‪ ،‬وأن هذا الولد‬
‫) إن كان لها ولد ‪ ،‬أو حمل ( من الزنى وليس مّني ‪.‬‬
‫يقول ذلك أربع مرات ‪ ،‬يشير في كل مرة بيده إلى زوجته ‪ ،‬إن كانت‬
‫حاضرة ‪.‬‬
‫ثم يقول في المرة الخامسة ‪ :‬بعد أن يعظه الحاكم ‪ ،‬ويح ّ‬
‫ذره من‬
‫ى لعنة الله إن كنت من الكاذبين ‪.‬‬
‫الكذب ‪ ،‬يقول ‪ :‬وعل ّ‬
‫دليل هذا اللعان ‪:‬‬
‫ل‪:‬‬ ‫ل على تشريع اللعان بالنسبة للزوج يقول الله عّز وج ّ‬ ‫ويستد ّ‬
‫شَهاد َةُ‬‫م فَ َ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫داء إ ِّل َأن ُ‬
‫ف ُ‬ ‫شه َ َ‬ ‫كن ل ّهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫م وَل َ ْ‬
‫م يَ ُ‬ ‫جه ُ ْ‬‫ن أْزَوا َ‬
‫‪ ‬وال ّذين يرمو َ‬
‫َ ِ َ َْ ُ َ‬
‫خامس ُ َ‬ ‫م أ َْرب َعُ َ‬ ‫َ‬
‫ت الل ّهِ‬ ‫ن ل َعْن َ َ‬‫ةأ ّ‬ ‫ن}‪َ {6‬وال ْ َ ِ َ‬ ‫صاد ِِقي َ‬‫ن ال ّ‬ ‫ه لَ ِ‬
‫م َ‬ ‫ت ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ‬
‫دا ٍ‬
‫شَها َ‬ ‫حد ِه ِ ْ‬
‫أ َ‬
‫ن ‪] ‬النور‪[ 7 -6 :‬‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫كاذ ِِبي َ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫ع َل َي ْهِ ِإن َ‬
‫كا َ‬
‫ويستدل من السنة بما رواه البخاري ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬التلعن في‬
‫المسجد ‪ ،‬رقم ‪ ( 5003 :‬ومسلم ) أول كتاب اللعان ‪ ،‬رقم ‪ ( 1429 :‬عن‬
‫سهل بن سعد ‪ : ‬أن رجل ً من النصار جاء إلى رسول الله ‪ ‬فقال ‪ :‬يا‬
‫ت رجل ً وجد من امرأته رجل ً ‪ ،‬أيقتله ‪ ،‬أم كيف يفعل ؟‬
‫رسول الله ‪.‬أرأي َ‬
‫ذكَر في القرآن من أمر المتلعنين ‪ ،‬فقال النبي ‪‬‬
‫فأنزل الله في شأنه ما ُ‬
‫‪ ":‬قد قضى الله فيك وفي امرأتك " ‪ .‬قال فتلعنا في المسجد وأنا شاهد ‪.‬‬
‫وفي رواية ‪ :‬فتلعنا وأنا مع الناس عند رسول الله ‪. ‬‬
‫الحكام التي تترتب على لعان الزوج ‪:‬‬

‫‪133‬‬
‫ن الزوج زوجته ‪ ،‬على الكيفية التي ذكرناها ‪ ،‬ترتب على ذلك‬
‫إذا لع َ َ‬
‫خمسة أحكام ‪:‬‬
‫‪1‬ـ سقوط حد ّ القذف عن الزوج ‪.‬‬
‫‪2‬ـ وجوب حد ّ الزنى على الزوجة ‪ ،‬إل أن تلعن هي أيضا ً ‪.‬‬
‫‪3‬ـ زوال الفراش ‪ ،‬أي انقطاع النكاح بينهما ‪.‬‬
‫‪4‬ـ نفي الولد ‪ ،‬وانقطاع نسبه عن الزوج إن نفاه في لعانه ‪ ،‬وإلحاقه‬
‫بالزوجة ‪.‬‬
‫حرمة ك ّ‬
‫ل من الزوجين على الخر إلى البد ‪.‬‬ ‫‪5‬ـ ُ‬
‫روى البخاري ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬يلحق الولد بالملعنة ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ، (5559‬ومسلم ) في اللعان ‪ ،‬رقم ‪ (1494 :‬عن ابن عمر رضي الله‬
‫من ولدها ‪ ،‬ففرق‬ ‫عنهما ‪ :‬أن النبي ‪ ‬لع َ َ‬
‫ن بين رجل وامرأته ‪ ،‬فانتفى َ‬
‫بينهما ‪ ،‬وألحق الولد بالمرأة ‪.‬‬
‫وروى أبو داود ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في اللعان ‪ ،‬رقم ‪ ( 2250 :‬عن سهل‬
‫بن سعد ‪ ‬قال ‪ :‬مضت السّنة بعد ُ في المتلعنين أن يفّرق بينهما ‪ ،‬ثم ل‬
‫يجتمعان أبدا ً ‪.‬‬
‫كيفية لعان الزوجة ‪:‬‬
‫كما أن لعان الزوج هو السبيل الذي يدرأ عنه حد ّ القذف ‪ ،‬فإن لعان‬
‫الزوجة هو السبيل الذي يدرأ عنها حد ّ الزنى ‪ ،‬الذي يتعلق بها بسبب لعان‬
‫الزوج ‪.‬‬
‫إما كيفية لعان الزوجة ‪ ،‬فهو أن تقول ‪:‬‬
‫أشهد بالله أن فلنا ً من الكاذبين فيما رماني به من الزنى ‪ .‬تقول ذلك‬
‫ى غضب الله إن كان من‬
‫أربع مرات ‪ ،‬ثم تقول في المرة الخامسة ‪ :‬وعل ّ‬
‫الصادقين ‪ .‬فإذا قالت ذلك سقط عنها حد ّ الزنى‬
‫دليل لعان الزوجة ‪:‬‬

‫‪134‬‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل ‪ :‬وَي َد َْرُأ}‪ {7‬ع َن َْها ال ْعَ َ‬ ‫والدليل على ذلك قول الله عز وج ّ‬
‫بأ ْ‬ ‫ذا َ‬
‫خامس َ َ‬ ‫شهَد َ أ َْرب َعَ َ‬
‫ب الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ض َ‬ ‫ن غَ َ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ن}‪َ {8‬وال ْ َ ِ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫كاذ ِِبي َ‬ ‫ه لَ ِ‬
‫م َ‬ ‫ت ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ‬
‫دا ٍ‬
‫شَها َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن ‪ ] ‬النور ‪8 :‬ـ ‪. [9‬‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ع َل َي َْها ِإن َ‬
‫كا َ‬
‫من أهم شرائط اللعان ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن يتقدم القذف على اللعان ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أن يتقدم لعان الزوج على لعان الزوجة ‪.‬‬
‫ص الكلمات التي ذكرناها ‪ ،‬فلو أبدل‬
‫‪3‬ـ أن يلتزم كل من الزوج والزوجة ن ّ‬
‫أحد الزوجين لفظ الشهادة بغيرها ‪ :‬كالحلف ‪ ،‬أو القسم ‪ ،‬أو أبدل‬
‫ح اللعان ‪ .‬لن ألفاظ اللعان‬
‫لفظ الغضب باللعن ‪ ،‬أو العكس ‪ ،‬لم يص ّ‬
‫صها في صريح كتاب الله عّز وج ّ‬
‫ل ‪ ،‬فيجب المحافظة عليها‬ ‫وردت بن ّ‬
‫في صيغة الملعنة ‪.‬‬
‫‪4‬ـ أن يكون بين الشهادات الخمس التي يشهدها كل من الزوجين موالة‬
‫وتتابع ‪ ،‬فل يجوز أن يقع ما يعد ّ في الُعرف فاصل ً بينهما ‪.‬‬
‫‪5‬ـ يجب على الحاكم أن ينصح كل ً من الزوجين ‪ ،‬ويحذره الكذب ومغّبته ‪،‬‬
‫وأن يقول لهما‪ :‬حسابكما على الله ‪ ،‬أحدكما كاذب ‪ ،‬فهل منكما من‬
‫تائب ‪.‬‬
‫روى الترمذي ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في اللعان ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 1202‬عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ‪ ‬دعا الرجل ‪ ،‬فتل عليه‬
‫اليات ‪ ،‬ووعظه وذكره ‪ ،‬وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الخرة ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ل والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها ‪.‬‬
‫ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها ‪ ،‬وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من‬
‫عذاب الخرة ‪ ،‬فقالت ‪ :‬ل والذي بعثك بالحق ما صدق ‪.‬‬
‫قال فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات إنه لمن الصادقين ‪ ،‬والخامسة‬
‫إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ‪.‬‬
‫ثم ثنى بالمرأة ‪ ،‬فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ‪،‬‬
‫والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ‪ .‬ثم فّرق بينهما ‪.‬‬
‫‪135‬‬
‫وفي رواية عند البخاري ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬قول المام للمتلعنين ‪:‬‬
‫أحدكما كاذب …‪ ،.‬رقم ‪ ( 5006 :‬قال النبي ‪ ‬لهما " حسابكما على الله ‪،‬‬
‫أحدكما كاذب ‪ ،‬ل سبيل لك عليها " ‪.‬‬
‫وروى البخاري ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬يبدأ الرجل بالتلعن ‪ ،‬رقم ‪( 5001 :‬‬
‫مية قذف امرأته ‪ ،‬فجاء‬
‫عن ابن عباس رضي الله عنهما ‪ :‬أن هلل بن أ ّ‬
‫فشهد ‪ ،‬والنبي ‪ ‬يقول ‪ " :‬إن الله أن أحدكما كاذب ‪ ،‬فهل منكما تائب " ‪.‬‬
‫وروى أبو داود ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬التغليظ في النتفاء ‪ ،‬رقم ‪( 2263‬‬
‫وغيره عن أبي هريرة ‪ : ‬أنه سمع رسول الله ‪ ‬يقول حين نزلت آية‬
‫من ليس منهم ‪ ،‬فليست من الله‬
‫المتلعبين ‪ ":‬أّيما امرأة أدخلت على قوم َ‬
‫في شيء ولن يدخلها الله جنته ‪ .‬وأيما رجل جحد ولده ‪ ،‬وهو ينظر إليه‬
‫احتجب الله منه ‪ ،‬وفضحه على رؤوس الولين والخرين "‪.‬‬
‫نسأل الله تعالى اللطف في الدنيا والخرة ‪.‬‬

‫دة‬
‫العــــ ّ‬
‫تعريف العدة ‪:‬‬
‫دة ـ لغة ـ اسم مصدر عد ّ يعد ّ ‪ ،‬أما المصدر ‪ :‬فهو ) عد ّ (‬
‫الع ّ‬
‫دة ‪ :‬مأخوذة من العدد ‪ ،‬لشتمالها عليه ‪ ،‬من القراء ‪ ،‬والشهر ‪.‬‬ ‫والع ّ‬
‫والعدة اصطلحًا‪ :‬اسم لمدة معينة تتربصها المرأة ‪ ،‬تعبدا ً لله عّز‬
‫ل ‪ ،‬أو تفجعا ً على زوج ‪ ،‬أو تأكدا ّ من براءة الرحم ‪.‬‬‫وج ّ‬
‫دليل مشروعية العدة ‪:‬‬
‫دة بعدد من آيات القرآن الكريم ‪ ،‬وبكثير من‬
‫لقد ثبتت مشروعية الع ّ‬
‫أحاديث النبي ‪ ‬وانعقد إجماع المة على مشروعيتها ‪.‬‬
‫وسيأتي ـ أثناء البحث ـ الكثير من أدلة الكتاب والسّنة التي تفصل‬
‫دة وتبّينها ‪ ،‬وتدل على مشروعيتها ‪.‬‬
‫أحكام الع ّ‬
‫الحكمة من مشروعية العدة ‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫ـ أما المتوفى عنها زوجها ‪ ،‬فقد شرعت العدة في حقها ‪،‬‬
‫للمعاني التالية ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬للوفاء بحق زوجها الراحل ‪ ،‬فإن ما قد فرضه الله عليها من التقدير‬
‫حسن المعاملة له ‪ ،‬ل يتناسب مع إعراضها عنه بمجرد وفاته‬
‫والوفاء و ُ‬
‫‪ ،‬ورحيله عنها ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬للتعويض عن العُْرف الجاهلي ‪ ،‬الذي كان يفرض على الزوجة إذا‬
‫مات زوجها أن تحبس نفسها في وكر مظلم عاما ً كامل ً ‪ ،‬وأن تضمخ‬
‫نفسها خلل ذلك بالسواد ‪ ،‬وتلبس البشع المستقذر من ثيابها ‪.‬‬
‫ذلك لن القضاء على عادة متطرفة في المجتمع ‪ ،‬ل يتم إل إذا ملىء‬
‫قق محاسن العادة الولى دون أن‬
‫مكان تلك العادة بمبدأ معتدل سليم ‪ ،‬يح ّ‬
‫يجّر على الناس شيئا ً من مساوئها ‪.‬‬
‫ـ وأما المفارقة بفسخ أو طلق ‪:‬‬
‫فإن كانت الزوجة من ذوات الحيض ‪ ،‬أو كانت حامل ً ‪ :‬فإن الحكمة‬
‫دة في حقها ‪ :‬ضبط النساب ‪ ،‬وحفظ المسؤوليات ‪ ،‬والتأكد‬
‫من وجوب الع ّ‬
‫من براءة الرحم ‪ ،‬والمر في ذلك واضح ‪.‬‬
‫أما إن كانت الزوجة صغيرة ‪ ،‬أو آيسة ل تحيض ‪ ،‬فالحكمة من وجوب‬
‫دة عليها تظهر فيما يلي ‪.‬‬
‫الع ّ‬
‫‪1‬ـ المعنى التعبدي ‪ ،‬الذي يتضمن النصياع لمر الله عّز وج ّ‬
‫ل ‪ ،‬وهذا في‬
‫دة بكل أنواعها ‪.‬‬
‫الحقيقة معنى جدير بالوقوف عنده ‪ ،‬وهو يتناول الع ّ‬
‫‪2‬ـ تفخيم أمر النكاح ‪ ،‬وإعطاؤه الهمية الشرعية التي تناسبه ‪ .‬وواضح أنه‬
‫ل يتناسب مع شيء من هذا التفخيم والهمية أن تتحول الزوجة في‬
‫اليوم التالي من فراقها إلى زوج آخر ‪ ،‬وإن كانت صغيرة ‪ ،‬أو آيسة‬
‫مقطوعا ً ببراءة رحمها من الحمل من زوجها ‪ .‬إن هذه السرعة في‬
‫التنقل ُتذيب أهمية النكاح ‪ ،‬وهيبته أمام النظار ‪ ،‬وتثير في النفس‬
‫والخيال شأن السفاح وصورته ‪ ،‬وكيف تنتقل البغي من شخص إلى‬
‫آخر دون أي انتظار‬

‫‪137‬‬
‫‪3‬ـ مزيد من الحيطة للتأكد من براءة الرحم ‪ ،‬إذ ل يؤمن عدم وقوع أحوال‬
‫ووقائع شاذة عن القانون والعُْرف الطبيعي ‪ ،‬بين كل حين وآخر من‬
‫الزمن ‪.‬‬
‫دة ‪:‬‬
‫أنواع الع ّ‬
‫دة التي تلزم بها المرأة إلى قسمين ‪:‬‬
‫تنقسم الع ّ‬
‫‪1‬ـ عدة وفاة ‪.‬‬
‫‪2‬ـ وعدة فراق ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬ع ّ‬
‫دة الوفاة ‪:‬‬
‫دة الوفاة ‪ ،‬فهي التي تجب على من مات عنها زوجها ‪:‬‬
‫أما ع ّ‬
‫أ ـ فإن كانت حامل ً منه أثناء الوفاة فع ّ‬
‫دتها تنتهي بوضع الحمل ‪ ،‬طالت‬
‫المدة أو قصرت ‪.‬‬
‫ب ـ وإن كانت المرأة غير حامل ‪ ،‬أو كانت حامل ً بحمل ل يمكن أن يكون‬
‫من زوجها المتوفى عنها ‪ ،‬كأن يكون زوجها غير بالغ ‪ ،‬أو ثبت غيابه‬
‫دتها تنتهي بنهاية أربعة أشهر‬
‫عنها منذ أكثر من أربع سنوات ‪ ،‬فع ّ‬
‫وعشرة أيام ‪ ،‬سوا ء دخل بها الزوج ‪ ،‬أو لم يدخل ‪.‬‬
‫دليل ذلك ‪:‬‬
‫والدليل على ما ذكر قول الله عز وجل ‪  :‬وأ ُوَلت اْل َحما َ‬
‫جل ُهُ ّ‬
‫ن‬ ‫لأ َ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ن ‪ ] ‬الطلق‪ . [4 :‬وقوله سبحانه وتعالى ‪َ  :‬وال ّ ِ‬ ‫مل َهُ ّ‬
‫ح ْ‬
‫ن َ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫أن ي َ َ‬
‫شرا ً فَإ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫شهُرٍ وَع َ ْ‬‫ة أَ ْ‬ ‫ن أ َْرب َعَ َ‬
‫سهِ ّ‬ ‫ن ب َِأن ُ‬
‫ف ِ‬ ‫ص َ‬‫ن أْزَواجا ً ي َت ََرب ّ ْ‬
‫يتوفّون منك ُم ويذ َرو َ‬
‫َُ َ ْ َ ِ ْ ََ ُ َ‬
‫ما‬
‫ه بِ َ‬ ‫ف َوالل ّ ُ‬ ‫معُْرو ِ‬‫ن ِبال ْ َ‬ ‫سه ِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ن ِفي َأن ُ‬ ‫ما فَعَل ْ َ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ح ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن فَل َ ُ‬
‫جَنا َ‬ ‫جل َهُ ّ‬
‫بل َغْ َ‬
‫نأ َ‬ ‫َ َ‬
‫خِبيٌر ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 234 :‬‬ ‫مُلو َ‬
‫ن َ‬ ‫ت َعْ َ‬
‫ن‬
‫دته ّ‬
‫ن وم ّ‬
‫دته ّ‬
‫ن ‪ :‬انقضت ع ّ‬
‫] يتربصن ‪ :‬ينتظرن ‪ .‬بلغن أجله ّ‬
‫ن ‪ :‬أي من‬
‫المذكورة ‪ .‬فل جناح ‪ :‬ل خرج ول إثم ‪ .‬فيما فعلن في أنفسه ّ‬
‫التزين ‪ ،‬والتعّرض للخطاب ‪ ،‬وللزواج ‪ .‬بالمعروف ‪ :‬بالوجه الذي يقّره‬
‫الشرع ‪ ،‬ول ينكره[ ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫مة تشمل المرأة الحامل وغيرها ‪ ،‬أما‬
‫فالية الثانية من اليتين عا ّ‬
‫ن‬
‫الولى منهما فقد أخرجت من ذلك العموم النساء الحوامل ‪ ،‬وجعلت له ّ‬
‫دة المرأة التي توفي‬ ‫حكما ً خاصا ً به ّ‬
‫ن ‪ ،‬فكان هذا هو دليل التفريق بين ع ّ‬
‫دة المرأة التي توفي عنها زوجها وهي‬
‫عنها زوجها وهي حامل منه ‪ ،‬وبين ع ّ‬
‫غير حامل ‪.‬‬
‫دتها بوضع الحمل ‪ :‬ما رواه‬
‫والدليل من السنة أن الحامل تنتهي ع ّ‬
‫ُ‬
‫ل …‪ ، .‬رقم ‪ ( 5014 :‬عن‬ ‫ما ِ‬ ‫ت اْل َ ْ‬
‫ح َ‬ ‫البخاري ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬وَأوَْل ُ‬
‫ت بعد وفاة‬
‫س ْ‬ ‫المسور بن مخرمة ‪: ‬أن ُ‬
‫سبْيعة السلمية رضي الله عنها ُنف َ‬
‫زوجها بليال ‪ ،‬فجاءت النبي ‪ ‬فاستأذنه أن تنكح ‪ ،‬فأذن لها ‪ ،‬فنكحت ‪.‬‬
‫] نفست ‪ :‬ولدت [ ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬عدة الفراق ‪:‬‬
‫دة الفراق فهي التي تجب على المرأة التي فارقت زوجها ‪،‬‬
‫وأما ع ّ‬
‫بفسخ أو طلق ‪ ،‬بعد وطئها ‪:‬‬
‫أ ـ فإن كانت حامل ً فع ّ‬
‫دتها تنتهي بوضع الحمل ‪ .‬ودليل ذلك عموم قول الله‬
‫عّز وجل ‪:‬‬
‫‪ ‬وأ ُوَلت اْل َحمال أ َجل ُه َ‬
‫مل َهُ ّ‬
‫ن‪ ] ‬الطلق ‪.[4 :‬‬ ‫ح ْ‬
‫ن َ‬
‫ضعْ َ‬
‫ن أن ي َ َ‬
‫ْ َ ِ َ ُ ّ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫دتها بمرور ثلثة أطهار‬
‫ب ـ وإن كانت حامل ‪ ،‬وهي من ذوات الحيض ‪ ،‬فع ّ‬
‫من بعد الفراق ‪.‬‬
‫ن‬
‫سه ِ ّ‬
‫ف ِ‬‫ن ب َِأن ُ‬
‫ص َ‬‫ت ي َت ََرب ّ ْ‬ ‫مط َل ّ َ‬
‫قا ُ‬ ‫ودليل ذلك قول الله سبحانه وتعالى ‪َ  :‬وال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫ل ل َه َ‬
‫ن ِإن ك ُ ّ‬
‫ن‬ ‫مه ِ ّ‬‫حا ِ‬ ‫ه ِفي أْر َ‬ ‫خل َقَ الل ّ ُ‬
‫ما َ‬
‫ن َ‬ ‫ن أن ي َك ْت ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ح ّ ُ ّ‬‫ة قُُروٍَء وَل َ ي َ ِ‬
‫ث َل َث َ َ‬
‫خرِ ‪ ] ‬البقرة‪[ 228 :‬‬‫ن ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ي ُؤ ْ ِ‬
‫م ّ‬
‫ج ـ وإن كانت ل ترى حيضا ً ‪ :‬بأن كانت صغيرة ‪ ،‬أو آيسة ‪ ،‬أي متجاوزة سن‬

‫سائ ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫من ن ّ َ‬
‫ض ِ‬
‫حي ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬‫س َ‬‫الحيض ذلك قول الله تعالى ‪َ  :‬والّلِئي ي َئ ِ ْ‬
‫ن ‪ ] ‬الطلق ‪. [ 4 :‬‬ ‫ض َ‬‫ح ْ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ة أَ ْ‬
‫شهُرٍ َوالّلِئي ل َ ْ‬ ‫ن ث ََلث َ ُ‬
‫م فَعِد ّت ُهُ ّ‬
‫ن اْرت َب ْت ُ ْ‬
‫إِ ِ‬
‫ن أيضا ً ثلثة أشهر ‪ .‬إن ارتبتم ‪:‬‬
‫] واللئي لم يحضن ‪ :‬الصغيرات ‪ ،‬فعد ُّته ّ‬
‫ن ‪ ،‬ولم تعرفوا كيف يعتدن [ ‪.‬‬
‫شككتم في حكمه ّ‬
‫‪139‬‬
‫المطّلقة قبل الدخول بها ‪:‬‬
‫أما المرأة التي فارقها زوجها بفسخ ‪ ،‬أو طلق ‪ ،‬قبل الدخول بها ‪ ،‬فل‬
‫دة ‪.‬‬
‫يجب عليها أن تلتزم بأيّ ع ّ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مَنا ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ذا ن َك َ ْ‬
‫حت ُ ُ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ودليل ذلك قول الله عّز وجل ‪َ  :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫قتموهُن من قَب َ‬
‫دون ََها‬ ‫عد ّةٍ ت َعْت َ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫م ع َل َي ْهِ ّ‬‫ما ل َك ُ ْ‬‫ن فَ َ‬ ‫سوهُ ّ‬
‫م ّ‬
‫ل أن ت َ َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ّ ِ‬ ‫م ط َل ّ ْ ُ ُ‬
‫ثُ ّ‬
‫ميل ً ‪ ] ‬الحزاب ‪. [ 49 :‬‬ ‫سَراحا ً َ‬
‫ج ِ‬ ‫ن َ‬
‫حوهُ ّ‬
‫سّر ُ‬
‫ن وَ َ‬ ‫فَ َ‬
‫مت ُّعوهُ ّ‬
‫أحكام العدة وما تفرضه من التزامات ‪:‬‬
‫دة ‪ ،‬وسنبّينها فيما يلي ‪:‬‬
‫هناك أحكام والتزامات تفرضها الع ّ‬
‫أول ً ع ّ‬
‫دة الطلق ‪:‬‬
‫دة طلق ‪ ،‬فإما أن يكون طلقها ‪:‬‬
‫دة من زوجها ع ّ‬
‫إذا كانت المرأة معت ّ‬
‫رجعيا ً ‪ ،‬أو بائنا ً‬
‫دتها الحكام التالية‬
‫دة من طلق رجعي ترتب على ع ّ‬
‫الول ‪ :‬فإن كانت معت ّ‬
‫‪:‬‬
‫أ ـ وجوب المسكن لها مع الزوج ‪ ،‬والفضل أن يكون مسكن طلقها ‪ ،‬إن‬
‫كان لئقا ً بها ‪ ،‬ولم يمنع منه مانع شرعي ‪ ،‬ونحوه ‪.‬‬
‫ب ـ وجوب النفقة لها بسائر أصنافها ‪ :‬من مؤنة ‪ ،‬وكسوة ‪ ،‬وغير ذلك ‪،‬‬
‫سواء كانت حامل ً ‪ ،‬أو حـائل ً ‪ ،‬وذلك لبقاء سلطان الزوج عليها ‪،‬‬
‫دة ‪.‬‬
‫وانحباسها تحت حكمه ‪ ،‬حيث يمكنه أن يرجعها ما دامت في الع ّ‬
‫ج ـ يجب عليها ملزمة مسكنها ‪ ،‬فل تفارقه إل لضرورة ‪ .‬ودليل هذه‬
‫س َ‬ ‫َ‬
‫من‬
‫كنُتم ّ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ل‪:‬أ ْ‬
‫سك ُِنوهُ ّ‬ ‫الحكام الثلثة قول الله عّز وج ّ‬
‫قوا‬‫ل فََأنفِ ُ‬‫م ٍ‬‫ح ْ‬
‫ت َ‬
‫قوا ع َل َيهن وإن ك ُ ُ‬
‫ن أوَل ِ‬
‫ّ‬ ‫ِْ ّ َِ‬ ‫ضي ّ ُ‬
‫ن ل ِت ُ َ‬ ‫م وََل ت ُ َ‬
‫ضاّروهُ ّ‬ ‫جد ِك ُ ْ‬
‫وُ ْ‬
‫‪ ] ‬الطلق ‪ [ 6 :‬وقال الله تعالى ‪:‬‬ ‫مل َهُ ّ‬
‫ن‬ ‫ح ْ‬
‫ن َ‬
‫ضعْ َ‬
‫حّتى ي َ َ‬ ‫ع َل َي ْهِ ّ‬
‫ن َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫مب َي ّن َةٍ‪‬‬ ‫ح َ‬
‫شة ٍ ّ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن إ ِّل أن ي َأِتي َ‬
‫ن بِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫وََل ي َ ْ‬
‫خُر ْ‬ ‫ن‬
‫من ب ُُيوت ِهِ ّ‬
‫ن ِ‬‫جوهُ ّ‬ ‫‪ ‬ا تُ ْ‬
‫خرِ ُ‬
‫] الطلق ‪. [ 1 :‬‬
‫د ـ يحّرم عليها التعّرض لخطبة الرجال ‪ ،‬إذ هي ل تزال حبيسة على زوجها ‪،‬‬
‫وهو الحقّ والولى من سائر الرجال ‪ .‬قال الله عز وجل ‪ :‬‬
‫‪140‬‬
‫لحا ً ‪ ] ‬البقرة ‪:‬‬ ‫كإ َ‬ ‫وبعول َته َ‬
‫دوا ْ إ ِ ْ‬
‫ص َ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ ِ ْ‬
‫ن أَرا ُ‬ ‫حقّ ب َِرد ّه ِ ّ‬
‫نأ َ‬‫َُُ ُُ ّ‬
‫‪. [ 228‬‬
‫الثاني ‪:‬‬
‫دة بفراق بائن ‪ ،‬وهي عندئذ ‪ :‬إما أن تكون حامل ً ‪ ،‬وإما‬
‫إن كانت معت ّ‬
‫أن تكون حائل ً ‪ ،‬أي غير حامل ‪:‬‬
‫فإن كانت حامل ً ‪ :‬ترتب على ذلك الحكام التالية ‪:‬‬
‫أ ـ وجوب المسكن لها على الزوج ‪ ،‬ودليل ذلك قوله تعالى في الية‬
‫َ‬ ‫ساء فَط َل ّ ُ‬ ‫ذا ط َل ّ ْ‬ ‫َ‬
‫صوا‬
‫ح ُ‬ ‫ن وَأ ْ‬‫ن ل ِعِد ّت ِهِ ّ‬
‫قوهُ ّ‬ ‫م الن ّ َ‬
‫قت ُ ُ‬ ‫ي إِ َ‬‫السابقة ‪َ  :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن إ ِّل أن ي َأِتي َ‬
‫ن‬ ‫ج َ‬‫خُر ْ‬‫ن وََل ي َ ْ‬ ‫من ب ُُيوت ِهِ ّ‬ ‫ن ِ‬‫جوهُ ّ‬ ‫خرِ ُ‬‫م َل ت ُ ْ‬ ‫ه َرب ّك ُ ْ‬ ‫قوا الل ّ َ‬
‫ال ْعِد ّة َ َوات ّ ُ‬
‫مة في المطّلقة الرجعية‬
‫ة‪ ] ‬الطلق‪ . [1:‬والية هذه عا ّ‬
‫مب َي ّن َ ٍ‬ ‫ح َ‬
‫شة ٍ ّ‬ ‫فا ِ‬
‫بِ َ‬
‫والبائنة‪.‬‬

‫ب ‪ -‬النفقة بأنواعها المختلفة ‪ ،‬ودليل ذلك قول الله تعالى‪  :‬وَِإن ك ُ ّ‬


‫ن‬
‫ن ‪ ] ‬الطلق‪(6:‬‬ ‫مل َهُ ّ‬
‫ح ْ‬
‫ن َ‬
‫ضعْ َ‬
‫حّتى ي َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ل فََأنفِ ُ‬
‫قوا ع َل َي ْهِ ّ‬ ‫م ٍ‬
‫ح ْ‬
‫ت َ‬
‫ُ‬
‫أوَل ِ‬
‫ج – ملزمة البيت الذي تعتد ّ فيه ‪ ،‬فل تخرج منه إل لحاجة ‪ ،‬كأن تحتاج إلى‬
‫من‬
‫طعام ونحوه ‪ ،‬أو تحتاج إلى بيع متاع لها تتكسب منه ‪ ،‬وليس ثمة َ‬
‫يقوم مقامها في ذلك ‪ ،‬أو كانت موظفة في عمل ‪ ،‬ول يسمح لها بالبقاء‬
‫دتها ‪ ،‬أو كانت تضطر – إزالة لوحشتها – أن تسمر عند‬
‫في بيتها مدة ع ّ‬
‫جارة لها ‪ ،‬فل يحرم خروجها من بيتها لمثل ذلك ‪.‬‬
‫أما دليل المنع من الخروج لغير حاجة ‪ ،‬فقول الله تعالى‪َ  :‬ل‬
‫ن ‪ ] ‬الطلق‪(1:‬‬ ‫ج َ‬ ‫ن وََل ي َ ْ‬
‫خُر ْ‬ ‫من ب ُُيوت ِهِ ّ‬
‫ن ِ‬
‫جوهُ ّ‬
‫خرِ ُ‬
‫تُ ْ‬
‫أما دليل جواز الخروج للحاجة ‪ :‬فما رواه مسلم ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬جواز‬
‫دة البائن ‪ ..‬لحاجتها ‪ ،‬رقم ‪ ( 1483 :‬عن جابر ‪ ‬قال ‪ :‬طّلقت‬
‫خروج المعت ّ‬
‫جد ّ نخلها ‪ ،‬فزجرها رجل أن تخرج ‪ ،‬فأتت النبي ‪‬‬
‫خالتي ‪ ،‬فأرادت أن ت ُ‬
‫صد َّقي ‪ ،‬أو تفعلي‬
‫دي نخلك ‪ ،‬فإنك عسى أن ت َ َ‬
‫ج ّ‬
‫فقال ‪ " :‬بلى اخرجي ‪ ،‬ف ُ‬
‫معروفا ً " ‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫وإن كانت حائل ً ‪ :‬ترتب كل ما ذكر في الفقرة السابقة ‪ ،‬إل النفقة‬
‫بأنواعها المختلفة من مؤنة ‪ ،‬وملبس ‪ ،‬وغير ذلك ‪ .‬فل تثبت لها ‪ ،‬وإنما يجب‬
‫لها المسكن ‪ ،‬وتجب عليها ملزمته ‪.‬‬
‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه أبو داود ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في نفقة المبتوتة ‪ ،‬رقم ‪) :‬‬
‫‪ ( 229‬في قصة فاطمة بنت قيس ‪ ،‬حين طّلقها زوجها تطليقة كانت بقيت‬
‫لها ‪ :‬أن النبي ‪ ‬قال لها ‪ " :‬ل نفقة لك إل أن تكوي حامل ً‬
‫ثانيا ً ‪ :‬ع ّ‬
‫دة الوفاة ‪:‬‬
‫قها الحكام التالية ‪:‬‬
‫دة من وفاة ‪ ،‬وجبت في ح ّ‬
‫وإن كانت المرأة معت ّ‬
‫أ ـ الحداد على الزوج ‪ :‬بأن تمتنع عن مظاهر الزينة والطيب ‪ ،‬فل تلبس‬
‫ثيابا ً ذات ألوان زاهية ‪ ،‬ول تكتحل ‪ ،‬ول تستعمل شيئا ً من الصباغ ‪ ،‬ول‬
‫تتزين بشيء من الحلي ‪ :‬ذهبا ً أو فضة ‪ ،‬أو غيرهما ‪ ،‬فإن فعلت شيئا ً‬
‫من ذلك فهي آثمة ‪.‬‬
‫ودليل ذلك ‪ :‬قول النبي ‪ ": ‬ل يح ّ‬
‫ل لمرأة تؤمن بالله واليوم الخر‬
‫أن ُتحد ّ على ميت فوق ثلث ليال ‪ ،‬إل على زوج أربعة أشهر وعشرا ً "‪.‬‬
‫رواه البخاري ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬تحد ُ المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر‬
‫وعشرا ً ‪ ،‬رقم ‪ ، ( 5024 :‬ومسلم ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬وجوب الحداد في ع ّ‬
‫دة‬
‫الوفاة رقم ‪1486 :‬ـ ‪ ( 1489‬عن ُأم حبيبة رضي الله عنها ‪.‬‬
‫د ّ‬
‫ل هذا الحديث على حرمة إحداد المرأة على غير الزوج ‪ ،‬ووجوبها على‬
‫خص ‪ ‬في إظهار الحزن ‪ ،‬وأمر‬
‫الزوج أربعة أشهر وعشرة أيام ‪ .‬ور ّ‬
‫بالتعزية خلل ثلثة أيام فقط ‪ ،‬لن النفوس ل تستطيع فيها الصبر ‪ ،‬وإخفاء‬
‫الحزن ‪.‬‬
‫وروى البخاري ) الحيض ‪ ،‬باب ‪ :‬الطيب للمرأة عند غسلها من‬
‫المحيض ‪ ،‬رقم ‪ ( 307‬ومسلم )الجنائز ‪ ،‬باب ‪ :‬نهي النساء عن اتباع‬
‫الجنائز‪ ،‬رقم ‪ ( 938 :‬عن ُأم عطية النصارية ‪ ،‬رضي الله عنها قالت ‪ :‬كنا‬
‫ُننهى أن نحد ّ على ميت فوق ثلث ‪ ،‬إل على زوج أربعة أشهر وعشرا ً ‪ ،‬ول‬
‫صب ‪ ،‬وقد رخص لنا‬ ‫نكتحل ‪ ،‬ول نتطيب ‪ ،‬ول نلبس ثوبا ً مصبوغا ً ‪ ،‬إل ثوب ع َ ْ‬
‫‪142‬‬
‫عند الطهر ‪ ،‬إذا اغتسلت إحدانا من محيضها ‪ ،‬في ن ُْبذة من كست أظفار ‪،‬‬
‫وكنا ننهى عن اّتباع الجنائز ‪.‬‬
‫صب ‪ :‬نوع من‬ ‫] ثوبا ً مصبوغا ً ‪ :‬مما يعد ّ لبسه زينة في العادة ‪ .‬ثوب ع َ ْ‬
‫ست‬‫الثياب ‪ ،‬تشد ّ خيوطها ‪ ،‬وتصبغ قبل نسجها ‪ .‬نبذة‪ :‬قطعة صغيرة ك ُ ْ‬
‫أظفار ‪ :‬نوع من الطيب [ ‪.‬‬
‫ب ـ يجب عليها ملزمة بيتها الذي تعتد ّ فيه ‪ ،‬فل تخرج إل لحاجة ‪ ،‬كالتي‬
‫دة من الطلق ‪.‬‬
‫ذكرناها بالنسبة للمعت ّ‬
‫روى الترمذي ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬أين تعتد ّ المتوفى عنها زوجها ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ (1204‬وأبـو داود ) الطـلق ‪ ،‬باب ‪ :‬في المتوفى عنها تنتقل ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫فرْيعة بنت مالك‬
‫‪ ( 2300‬وغيرهما ‪ ،‬عن زينب بنت كعب بن عجرة ‪ :‬أن ال ُ‬
‫بن سنان ـ وهي ُأخت أبي سعيد الخدري ‪ ‬أخبرتها أنها جاءت رسول الله‬
‫درة ‪ ،‬وأن زوجها خرج في طلب‬ ‫‪ ‬تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني ُ‬
‫خ ْ‬
‫قوا ‪ ،‬حتى إذا كان بطوف القدوم لحقهم ‪ ،‬فقتلوه ‪ .‬قالت ‪:‬‬
‫أعبد له أب َ ُ‬
‫فسألت رسول الله ‪ ‬أن أرجع إلى أهلي ‪ ،‬فإن زوجي لم يترك لي مسكنا ً‬
‫يملكه ‪ ،‬ول نفقة ‪ .‬قالت ‪ :‬فقال رسول الله ‪ ": ‬نعم " ‪ .‬قالت ‪ :‬فانصرفت‬
‫حتى إذا كنت في الحجرة ) أو في المسجد ( ناداني رسول الله ـ أو أمر بي‬
‫فنوديت له ـ فقال ‪ :‬زوجني ‪ .‬قال ‪ :‬فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ً ‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فلما كان عثمان ‪ ، ‬أرسل إلي فسألن ّ‬
‫ي عن ذلك ‪ ،‬فأخبرته ‪،‬‬
‫فاتبعه وقضى به ‪.‬‬
‫دة أن تكلم أحدا ً ‪،‬‬
‫وام من أنه ل يجوز للمعت ّ‬
‫أما ما يتصوره كثير من الع ّ‬
‫وأن أحدا ً من الناس ل يجوز أن يسمع صوتها ‪ ،‬فل أصل له ‪ ،‬وإنما حكمه‬
‫أثناء العدة وخارج العدة سواء ‪.‬‬
‫خلصة في أحكام العدة ‪:‬‬
‫دة تخضع لقدر مشترك من الحكم ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫والحاصل أن جميع أنواع الع ّ‬

‫‪143‬‬
‫حرمة الخروج من المسكن الذي تعتد ّ فيه المرأة إل لحاجة ‪ .‬ثم‬
‫ـ ُ‬
‫دة بالوفاة بحكم مستقل ‪ ،‬وهو ‪ :‬وجوب الحداد على الزوج ‪،‬‬
‫ص المعت ّ‬
‫تخت ّ‬
‫دمنا ‪.‬‬
‫وذلك بأن تمتنع عن الطيب والزينة ‪ ،‬على نحو ما ق ّ‬
‫دة بالطلق الرجعي مطلقا ً ‪ ،‬والطلق البائن إن كانت‬‫ص المعت ّ‬
‫كما تخت ّ‬
‫حامل ً بوجوب المسكن ‪ ،‬وجميع أنواع النفقة لها ‪.‬‬
‫دة بالطلق البائن – إن لم تكن حامل ً – بوجوب المسكن‬
‫ص المعت ّ‬
‫وتخت ّ‬
‫فقط ‪ ،‬دون سائر أنواع النفقات ‪..‬‬
‫خاتمة ‪:‬‬
‫من‬
‫حرمة إحداد النساء على َ‬
‫ونختم هذا البحث ببيان أمر هام ‪ ،‬أل وهو ُ‬
‫ن ‪ ،‬نساًء وذكورا ً ‪ ،‬وهو إحداد بشع يتخذ شكل ً من‬
‫عدا الزوج من أقاربه ّ‬
‫أشكال الجاهلية العتيقة ‪ ،‬حيث تلزم المرأة التي توفي لها قريب أو قريبة‬
‫لبس السواد ‪ ،‬أو ما يشبهه ‪ ،‬إعلنا ً عن حزنها ‪ ،‬وتتجنب حضور الماكن‬
‫العامة ‪ ،‬والظهور في مواسم الفراح ومناسباتها ‪ ،‬وتظل على ذلك عاما ً ‪،‬‬
‫أو يزيد ‪ ،‬وربما كانت نفسها خلل أكثر العام ل تنطوي على أيّ حزن أو‬
‫كرب ‪ ،‬ولكنها تتصنع ذلك أمام أبصار الناس ‪ ،‬وتتكلفه ‪ ،‬وتتباهى به أمامهم ‪.‬‬
‫إن هذا اللتزام ليس إل معارضة صريحة وحادة لمر رسول الله ‪‬‬
‫في حديثة الواضح الصحيح ‪ ":‬ل يح ّ‬
‫ل لمرأة تؤمن بالله وباليوم الخر أن‬
‫ُتحد ّ على ميت فوق ثلث ليال ‪ ،‬إل على زوج أربعة أشهر وعشرا ً "‪.‬‬
‫رواه البخاري ) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬تحد ّ المتوف عنها زوجها ‪ ،.‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 5024‬ومسلم‬
‫دة الوفاة ‪ ،‬رقم ‪1486 ) :‬ـ ‪( 1498‬‬
‫) الطلق ‪ ،‬باب ‪ :‬وجوب الحداد في ع ّ‬
‫عن أم حبيبة رضي الله عنها ‪.‬‬
‫وقد روى البخاري ومسلم ‪ ،‬عن زينب بنت أبي سلمة قالت ‪ :‬دخلت‬
‫على زينب بنت جحش رضي الله عنهما حين توفي أخوها ‪ ،‬فدعت بطيب‬
‫فمست منه ثم قالت ‪ :‬والله ما لي في الطيب من حاجة غير أني سمعت‬
‫رسول الله ‪ ‬يقول ‪ " :‬ل يحل لمرأة تؤمن بالله واليوم الخر أن تحد على‬

‫‪144‬‬
‫ميت فوق ثلث ليال إل على زوج أربعة أشهر وعشرا ً " ) البخاري ومسلم‬
‫المواضع السابقة ( ‪.‬‬
‫ول فرق في هذا الحكم بين هذا التصّنع المتكّلف الممجوج الذي‬
‫ن ‪ ،‬وما يفعله الرجال من التزام شعارات الحزن ‪،‬‬
‫تلتزمه النساء فيما بينه ّ‬
‫حرمة‬
‫في ربطة العنق ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬وهو تقليد أجنبي بشع مغموس في ال ُ‬
‫والثم ‪.‬‬
‫ققنا بمعنى العبودية الخالصة له ‪ ،‬وأن يلبسنا‬
‫نسأل الله تعالى أن يح ّ‬
‫مل بشرعه ‪ ،‬وهدي نبّيه ‪ ،‬عليه الصلة والسلم‬
‫كسوة الرضى بحكمه ‪ ،‬والتج ّ‬
‫‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬النفقات وما يتعلق بها ‪.‬‬


‫النفقات‬
‫تعرف النفقات ‪:‬‬
‫النفقات ‪ :‬جمع نفقه ‪ ،‬والنفقة لغة ‪ :‬مأخوذة من النفاق‪.‬‬
‫وهو في الصل بمعنى الخراج ‪ ،‬والنفاد ‪ ،‬ول يستعمل النفاق إل في‬
‫الخير ‪.‬‬
‫والنفقة اصطلحا ً ‪ :‬ك ّ‬
‫ل ما يحتاجه النسان ‪ ،‬من طعام وشراب ‪،‬‬
‫وكسوة ومسكن ‪.‬‬
‫وسمي نفقة ‪ ،‬لنه ينفد ويزول ‪ ،‬في سبيل هذه الحاجات ‪.‬‬
‫أنواع النفقات ‪:‬‬
‫للنفقات أنواع خمسة نذكرها فيما يلي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ نفقة النسان على نفسه ‪.‬‬
‫‪2‬ـ نفقة الفروع على الصول ‪.‬‬
‫‪3‬ـ نفقة الصول على الفروع ‪.‬‬
‫‪4‬ـ نفقة الزوجة على الزوج ‪.‬‬
‫‪5‬ـ نفقات أخرى ‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫ولنبدأ بشرح أحكام كل نوع من هذه النواع على هذا الترتيب ‪.‬‬
‫‪1‬ـ نفقة النسان على نفسه ‪:‬‬
‫إن أدنى ما يجب على النسان من النفاق أن يبدأ بنفسه ‪ ،‬إذا قدر‬
‫على ذلك ‪ ،‬وهي مقدمة على نفقة غيرة ‪.‬‬
‫وتشمل هذه النفقة كل ما يحتاجه المرء من مسكن ‪ ،‬ولباس ‪ ،‬وطعام‬
‫‪ ،‬وشراب ‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما رواه البخاري ) الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬بيع المام على الناس‬
‫أموالهم وضياعهم ‪ ،‬رقم ‪ ، ( 6763 :‬ومسلم ) الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬البتداء في‬
‫النفقة بالنفس …‪ ،.‬رقم ‪ ( 997 :‬وغيره عن جابر ‪ ‬قال ‪ :‬أعتق رجل من‬
‫بني ع ُذ َْرة عبد ّ له عن د ُُبر ‪ ،‬فبلغ ذلك رسول الله ‪ . ‬فقال ‪ " :‬ألك ما‬

‫غيره" ‪ .‬فقال ‪ :‬ل ‪ .‬فقال ‪َ " :  :‬‬


‫من يشتريه مني " ؟ فاشتراه ُنعيم بن‬
‫عبدالله العدوي رضي الله عنه بثمانمائة درهم ‪ ،‬فجاء بها رسول الله ‪‬‬
‫دق عليها ‪ ،‬فإن فضل شيء‬
‫فدفعها إليه ‪ ،‬ثم قال ‪ " :‬ابدأ بنفسك فتص ّ‬
‫فلهلك ‪ ،‬فإن فضل عن أهلك شيء َفلذي قرابتك ‪ ،‬فإن فضل عن ذي‬
‫قرابتك شيء ‪ ،‬فهكذا وهكذا "‪.‬‬
‫يقول ‪ :‬فبين يديك ‪ ،‬وعن يمينك ‪ ،‬وعن شمالك ‪.‬‬
‫معنى قوله ‪ ":‬عن د ُُبر " أي علق عتقه بموته ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنت حر يوم‬
‫أموت ‪.‬‬

‫‪2‬ـ نفقة الفروع على الصول ‪:‬‬


‫يجب على الوالد ـ وإن عل ـ نفقة ولده ‪ ،‬وإن سفل ‪.‬‬
‫فالب مكلف بالنفاق ـ على اختلف أنواع النفقة ـ على أولده ذكورا ً‬
‫وإناثا ً ‪ ،‬فإن لم يكن لهم أب ‪ ،‬كّلف بالنفاق عليهم الجد أبو الب القريب ‪،‬‬
‫ثم الذي يليه ‪.‬‬
‫ودليل ذلك من الكتاب قول الله عز وجل ‪ :‬فَإ َ‬
‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ضعْ َ‬
‫ن أْر َ‬
‫ِ ْ‬
‫ن ‪] ‬الطلق ‪[6:‬‬ ‫َفآتوهُ ُ‬
‫جوَرهُ ّ‬
‫نأ ُ‬‫ّ‬ ‫ُ‬
‫‪146‬‬
‫فإيجاب ا ُ‬
‫لجرة على الزوج لرضاعة أولده ‪ ،‬يقتضي إيجاب مؤونتهم‬
‫ن‬
‫ضعْ َ‬‫ت ي ُْر ِ‬
‫دا ُ‬ ‫المباشرة من باب أولى ‪ .‬وقال الله سبحانه وتعالى ‪َ  :‬وال ْ َ‬
‫وال ِ َ‬
‫َ‬ ‫كامل َين ل ِم َ‬ ‫َ‬
‫ه رِْزقُهُ ّ‬
‫ن‬ ‫موُْلود ِ ل َ ُ‬ ‫ة َوعَلى ال ْ َ‬
‫ضاع َ َ‬
‫م الّر َ‬ ‫ن َ ِ ْ ِ َ ْ‬
‫ن أَراد َ أن ي ُت ِ ّ‬ ‫ن َ َ‬
‫حوْلي ْ ِ‬ ‫أوْل َد َهُ ّ‬
‫ف ‪ ] ‬البقرة ‪. [233 :‬‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫سوَت ُهُ ّ‬
‫وَك ِ ْ‬
‫فإن نسبة الولد إلى أبيه بلم الختصاص ‪ ،‬وهي ) له ( تقتضي‬
‫مسؤولية صاحب الختصاص ‪ ،‬وهو الب ‪ ،‬عن نفقة ولده ومؤونته ‪ .‬وكذلك‬
‫ضعة للوليد وكسوتها تد ّ‬
‫ل على وجوب نفقة الولد وكسوته‬ ‫مر ِ‬
‫وجوب نفقة ال ُ‬
‫من باب أولى كما علمت ‪.‬‬
‫وأما دليل ذلك من السّنة ‪ :‬فما رواه البخاري ) النفقات ‪ ،‬باب ‪ :‬إذا لم‬
‫ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ ‪ ،.‬رقم‪ ، ( 5049:‬ومسلم ) القضية ‪ ،‬باب ‪:‬‬
‫قضية هند ‪ ،‬رقم‪ (1714:‬عن عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬أن هند بنت عتبة‬
‫قالت‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن أبا سفيان رجل شحيح ‪ ،‬وليس يعطيني ما يكفيني‬
‫وولدي ‪ ،‬إل ما أخذت منه ‪ ،‬وهو ل يعلم ‪ ،‬فقال‪ " ،‬خذي ما يكفيك وولدك‬
‫بالمعروف "‪.‬‬
‫يقصد ‪ :‬خذي من مال أبي سفيان ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬ويلحق الحفاد بالولد بجامع النسبة والحاجة في كل ‪.‬‬
‫شروط وجوب نفقة الفروع على الصول‪:‬‬
‫قق الشروط التالية‪:‬‬
‫ويشترط لوجوب نفقة الفروع على الصول تح ّ‬
‫ل‪ :‬أن يكون الصل موسرا ً بما يزيد عن قوت نفسه ‪ ،‬وقوت زوجته‬
‫أو ً‬
‫دة يوم وليلة‪.‬‬
‫م ّ‬
‫فلو كان الذي يملكه ل يكفي – خلل هذه المدة – غير نفسه هو ‪ ،‬أو‬
‫غير نفسه وزوجته ‪ ،‬لم يكن مكلفا ً بالنفاق على فروعة ‪.‬‬
‫ودليل ذلك قوله ‪ ": ‬ابدأ بنفسك "‪.‬‬
‫رواه مسلم ) الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬البتداء في النفقة بالنفس …‪ ،‬رقم‬
‫‪. (997‬‬

‫‪147‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن يكون الفرع فقيرا ً ‪ ،‬ويشترط مع فقره ‪ ،‬واحد من الوصاف‬
‫الثلثة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ فقر ‪ ،‬وصغر ‪.‬‬
‫‪2‬ـ فقر ‪ ،‬وزمانة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ فقر ‪ ،‬وجنون ‪.‬‬
‫فالصغير الفقير يكّلف أبوه ‪ ،‬بالنفاق عليه ‪ ،‬فإن لم يكن أبوه فجده ‪.‬‬
‫وكذلك الفقير الزمن ‪ ،‬وهو العاجز عن العمل ‪.‬‬
‫وكذلك الفقير المجنون ‪.‬‬
‫والمقصود بالفقر ‪ :‬العجز عن الكتساب ‪.‬‬
‫فلو كان الولد صحيحا ً بالغا ً ‪ ،‬قادرا ً على الكتساب ‪ ،‬لم تجب نفقته‬
‫على أبيه ‪ ،‬وإن لم يكن مكتسبا ً بالفعل ‪.‬‬
‫فإن عاقه عن الكتساب اشتغال بالعلم مثل ُ ‪ ،‬فإنه ينظر ‪:‬‬
‫فإن كان العلم متعلقا ً بواجباته الشخصية ‪ :‬كأمور العقيدة ‪ ،‬والعبادة ‪،‬‬
‫فذلك ُيعد ّ عجزا ً عن الكسب ‪ ،‬وتجب نفقته على أبيه ‪.‬‬
‫أما إن كان العلم الذي يشتغل به من العلوم الكفائية التي يحتاج إليها‬
‫المجتمع ‪ ،‬كالطب ‪ ،‬والصناعة ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬فل يخرج الولد بالشتغال بها عن‬
‫كونه قادرا ً على الكسب ‪ ،‬والب عندئذ مخّير ‪ :‬بين أن يم ّ‬
‫كنه من العكوف‬
‫على ذلك العلم الذي يشتغل به وينفق عليه ‪ ،‬وبين أن يقطع عنه النفقة ‪،‬‬
‫ويلجئه بذلك إلى الكسب والعمل ‪:‬‬
‫مقدار النفقة‪:‬‬
‫در به إل الكفاية ‪ ،‬والكفاية تكون حسب‬
‫ليس لهذه النفقة حد ّ تق ّ‬
‫من‬‫سعَةٍ ّ‬ ‫ذو َ‬‫فقْ ُ‬ ‫العُْرف ‪ ،‬ضمن طاقة المنفق ‪ ،‬قال الله عّز وجل ‪  :‬ل ُِين ِ‬
‫فسا ً إ ِّل َ‬
‫ما‬ ‫ف الل ّ ُ‬
‫ه نَ ْ‬ ‫ه َل ي ُك َل ّ ُ‬
‫ما آَتاه ُ الل ّ ُ‬
‫م ّ‬ ‫ه فَل ُْين ِ‬
‫فقْ ِ‬ ‫من قُد َِر ع َل َي ْهِ رِْزقُ ُ‬
‫سعَت ِهِ وَ َ‬
‫َ‬
‫سرا ً ‪ ] ‬الطلق ‪[7 :‬‬
‫سرٍ ي ُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ب َعْد َ ع ُ ْ‬ ‫جعَ ُ‬
‫سي َ ْ‬
‫ها َ‬
‫آَتا َ‬
‫هل تصير هذه النفقة دينا ً على الصل إذا فات وقتها ‪:‬‬

‫‪148‬‬
‫ل تصير نفقة الفروع بمضي الزمان دينا ً على المنفق ‪ ،‬لنها مواساة‬
‫من الصل لفرعه ‪ ،‬فهي ليست تمليكا ً لحق معين ‪ ،‬ولكنها تمكين له بدافع‬
‫صلة القربى ‪.‬‬
‫سدها‬
‫أي يتناول حاجته من النفقة ‪ ،‬فإذا مّرت الحاجة ‪ ،‬ولم يشأ أن ي ّ‬
‫كنة الصل منه ‪ ،‬تعففا ً ‪ ،‬أو نسيانا ً ‪ ،‬أو غير ذلك ‪ ،‬فإن ذ ّ‬
‫مة أبيه ل‬ ‫بما قد م ّ‬
‫فف ولده عنها ‪ ،‬أو شغل‬
‫يعقل أن تنشغل بدين لولده مقابل الحاجة التي تع ّ‬
‫عنها ‪ ،‬أو نسيها حتى فات وقتها ‪.‬‬
‫هذا هو الصل ‪ ،‬وهو الحكم ‪ ،‬عندما تكون المور بين الولد وأبيهم‬
‫سننها الطبيعي ‪.‬‬
‫جارية على َ‬
‫فأما إذا وقع خلف ‪ ،‬تدخل القاضي بسببه فيما بينهم ‪ ،‬وفرض القاضي‬
‫مة أبيهم دينا ً‬
‫ن للولد أن يستقرضوا على ذ ّ‬
‫على الب نفقة معينة ‪ ،‬أو أذ ِ َ‬
‫معينا ً من المال ‪ ،‬أو القدر الذي يحتاجون إليه ‪ ،‬فإن هذه النفقة تصبح دينا ً‬
‫بذمة الوالد ‪ ،‬إذا فات وقتها ‪ ،‬ول تسقط بمضي الزمن ‪ ،‬لنها قد آلت ‪،‬‬
‫بحكم القاضي ‪ ،‬إلى تمليك ‪ ،‬بعد أن كانت مجرد مواساة وتمكين ‪.‬‬
‫‪3‬ـ نفقة الصول على الفروع ‪:‬‬
‫كما تجب نفقة الفروع على أصولهم بالدلة والشروط التي أوضحناها ‪.‬‬
‫دة ‪ ،‬وإن عل َ كل‬
‫كذلك تجب نفقة الصول ـ أي الب والم ‪ ،‬والجد ّ والج ّ‬
‫منهما ـ على فروعهـم ‪ ،‬بناًء على الدلة التالية ‪ ،‬وطبقا ً للشروط التي‬
‫سنذكرها ‪.‬‬
‫الدلة على وجوب هذه النفقة ‪:‬‬
‫ويستدل لوجوب النفقة على الصول ‪ ،‬بأدلة من الكتاب والسّنة ‪،‬‬
‫والقياس ‪:‬‬
‫ما ِفي الد ّن َْيا‬
‫حب ْهُ َ‬ ‫ل ‪  :‬وَ َ‬
‫صا ِ‬ ‫ـ أما من الكتاب ‪ :‬فقول الله عّز وج ّ‬
‫دوا ْ‬ ‫معروفا ً ‪ ] ‬لقمان ‪ [15 :‬وقوله سبحانه وتعالى ‪  :‬وقَضى رب َ َ‬
‫ك أل ّ ت َعْب ُ ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫سانا ً ‪] ‬السراء‪. [23 :‬‬‫ح َ‬
‫ن إِ ْ‬ ‫إ ِل ّ إ ِّياه ُ وَِبال ْ َ‬
‫وال ِد َي ْ ِ‬

‫‪149‬‬
‫دمه الولد لوالديه ‪ ،‬والحسان الذي يحسنه إليهما ‪،‬‬
‫والمعروف الذي يق ّ‬
‫ل يكون إل ّ بنهوض الولد بمسؤولية نفقتهما عند الحتياج‪.‬‬
‫ـ وأما من السّنة ‪ :‬فما رواه أبو داود ) البيوع والجارات ‪ ،‬باب ‪ :‬في‬
‫الرجل يأكل من مال ولده ‪ ،‬رقم ‪ ( 3528 ) :‬والترمذي ) الحكام ‪ ،‬باب ‪:‬‬
‫الوالد يأخذ من مال ولده ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫) ‪ ( 1358‬وغيرهما ‪ ،‬عن عائشة رضي الله عنها قالت ‪ :‬قال رسول الله ‪‬‬
‫‪ ":‬إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه ‪ ،‬وولده من كسبه "‪ .‬وقال ‪": ‬‬
‫أنت ومالك لوالدك ‪ ،‬إن أولدكم من أطيب كسبكم ‪ ،‬فكلوا من كسب‬
‫أولدكم "‪.‬‬
‫رواه أبو داود ) البيوع والجازات ‪ ،‬باب ‪ :‬في الرجل يأكل من مال‬
‫ولده ‪ ،‬رقم ‪. ( 3530 :‬‬
‫وروى النسائي ) الزكاة ‪ ،‬باب ‪ :‬أّيتهما اليد العليا ‪ (5/61 :‬عن طارق‬
‫دمت المدينة ‪ ،‬فإذا رسول الله ‪ ‬قائم على المنبر‬ ‫المحاربي ‪ ‬قال ‪ :‬قَ ِ‬
‫معطي العليا ‪ ،‬وابدأ بمن تعول ‪ُ ،‬أمك‬‫يخطب الناس ‪ ،‬وهو يقول ‪ " :‬يد ال ُ‬
‫وأباك ‪ ،‬وُأختك وأخاك ‪ ،‬ثم أدناك أدناك "‪.‬‬
‫وروى أبو داود ) الدب ‪ ،‬باب ‪ :‬في بّر الوالدين ‪ ،‬رقم ‪ ( 5140 :‬عن‬
‫كليب بن منفعة عن جده ‪ : ‬أنه أتى النبي ‪ ‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪َ ،‬‬
‫من‬
‫أبر ؟ قال ‪ُ " :‬أمك وأباك ‪ ،‬وأختك وأخاك ‪ ،‬ومولك الذي يلي ذاك ‪ ،‬حق‬
‫واجب ‪ ،‬ورحم موصولة "‪.‬‬
‫ـ أما دليل القياس والجتهاد ‪ :‬فقياس الصول على الفروع ‪ ،‬إذ كما‬
‫وجبت نفقة الفروع ـ عند العجز ـ على الصول كذلك تجب نفقة الصول‬
‫عند العجز على الفروع ‪ ،‬بجامع شيوع البعضية بينهما ‪ ،‬وهي أساس القرابة‬
‫التي هي ثابتة الصول والفروع‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫شروط وجوب نفقة الصول على الفروع ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن يكون الفرع موسرا ً بما يزيد عن الضروري من نفقته ‪،‬و نفقة‬
‫زوجته ‪ ،‬يومه وليلته ‪ ،‬فلو كان الذي عنده من النفقة ل يكفي لكثر‬
‫من حاجته ‪ ،‬وحاجة زوجته ‪ ،‬مدة يوم وليلة ‪ ،‬لم يكّلف النفاق على‬
‫أبيه وُأمه ‪ ،‬لن نفقة الفقير ل تجب على فقير مثله ‪ ،‬فإن أيسر بجزء‬
‫دم أمه‬
‫من نفقتهما الضرورية تقدم بها إليهما ‪ ،‬فإن ضاقت عنهما ق ّ‬
‫على أبيه ‪ ،‬ذلك لن ما ل يدرك كله ل ينبغي أن يترك كله ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن يكون الصل فقيرا ً ‪ ،‬والمراد بالفقر هنا ‪ :‬أن ل يكتسب ما يسد ّ‬
‫حاجته الضرورية ‪ ،‬سواء كان قادرا ً على الكسب ‪ ،‬أم ل ‪ .‬بخلف ما‬
‫مّر الزمانة ‪ ،‬أو الجنون ‪ ،‬أي مع صفة العجز ‪.‬‬
‫والفرق بينهما ‪ :‬أن الصل ل يقبح منه تكليف الفرع القادر على‬
‫الكتساب ‪.‬‬
‫ولكن الفرع يقبح منه أن يكلف أصله ـ الذي طالما اكتسب وجد ّ من‬
‫أجله ـ بالكتساب ‪ ،‬ول سيما مع كبر السن ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬أن ل تكون الم مكفّية بنفقة زوجها فعل ً ‪ ،‬أو حكما ً ‪ .‬ومعنى هذا‬
‫لم تجب على ولدها في حالتين ‪:‬‬ ‫الشرط ‪ :‬أن نفقة ا ُ‬

‫الحالة الولى ‪ :‬أن يكون والده عاجزا ً عن النفاق عليها ‪.‬‬


‫الحالة الثانية ‪ :‬أن يكون والده متوفى ‪ ،‬وهي خلّية على الزوج ‪ .‬وقدرتها‬
‫على النكاح ل يلغي هذا الواجب أي يجب على ولدها أن ينفق عليها‬
‫مة كفء يتقدم بطلب الزواج منها ‪.‬‬
‫حتى ولو كان ث ّ‬
‫كما أن معنى هذا الشرط أن نفقتها تسقط في حالتين ‪:‬‬
‫الحالة الولى ‪ :‬أن يكون والده قادرا ً على النفاق عليها ‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬أن تكون متزوجة من غير أبيه ‪ ،‬سواء كان زوجها موسرا ً‬
‫بنفقتها ‪ ،‬أو مسعرا ً بها ‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫فإذا طالبت الم في حالة إعسار زوجها بالفسخ ‪ ،‬وفسخ النكاح ‪،‬‬
‫وجب حينئذ أن ينفق عليها ابنها ‪.‬‬
‫ل تتأثر نفقة الفروع والصول باختلف الدين ‪:‬‬
‫إذا لحظت هذه الشروط ‪ ،‬سواء ما شرط منها لنفقة الصول على‬
‫الفروع ‪ ،‬وما شرط منها لنفقة الفروع على الصول ‪ ،‬أدركت أن وحدة الدين‬
‫بين الصول والفروع ل تعتبر شرطا ً لوجوب هذه النفقة ‪.‬‬
‫إذا ً فإن وجوب هذه النفقة من الصل والفرع ‪ ،‬ومن الفرع للصل ل‬
‫يتأثر باختلف الدين [ ‪.‬‬
‫فيكلف الولد المسلم بالنفاق على والديه غير المسلمين ‪ ،‬ويكُلف‬
‫الوالد المسلم بالنفاق على أولده غير المسلمين ‪ ،‬إذا تحققت باقي‬
‫الشروط التي ذكرناها‪.‬‬
‫ولكن يستثنى من ذلك المرتد ‪ ،‬فل تجري النفقة عليه ‪ ،‬سواء كان‬
‫أصل ً للمنفق ‪ ،‬أو فرعا ً له ‪.‬‬
‫ودليل جواز النفقة على الصل ‪ ،‬ولو كان مشركا ً ‪ :‬ما رواه البخاري‬
‫) الب ‪ ،‬باب ‪ :‬صلة الوالد المشرك ‪ ،‬رقم ‪ ، (5633 :‬ومسلم ) الزكاة ‪،‬‬
‫باب ‪ :‬فضل النفقة والصدقة على القربين …‪ ،‬رقم ‪ (1003 :‬وغيره عن‬
‫ي ُأمي ‪ ،‬وهي‬
‫أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ‪ ،‬قالت ‪ :‬قدمت عل ّ‬
‫هم ‪ ،‬فاستفتيت رسول الله ‪ ‬فقلت ‪ :‬يا‬
‫مشركة ‪ ،‬في عهد قريش إذ عاهَد َ ُ‬
‫ي أمي ‪ ،‬وهي راغبة ‪ ،‬أفأص ُ‬
‫ل أمي ؟ قال ‪ " :‬نعم ‪،‬‬ ‫رسول الله ‪ ،‬قدمت عل ّ‬
‫صِلي ُأمك "‪.‬‬
‫ِ‬
‫] وهي راغبة ‪ :‬أي راغبة بالصلة ‪ ،‬أو راغبة عن السلم ‪ .‬في عهد‬
‫قريش ‪ :‬أي ما بين صلح الحديبية وفتح مكة [ ‪.‬‬
‫مقدار نفقة الصول على الفروع ‪:‬‬
‫قدرة بحد معين ‪ ،‬وإنما هي مقدرة بالعرف‬
‫هذه النفقة أيضا ليست م ّ‬
‫المتبع ‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫وهي أيضا ً ل تصبح دينا ً في ذمة الفرع إذا مّر وقتها ‪ ،‬ولم يتمتع الصل‬
‫بها ‪ .‬إل إذا وقع خلف بين الصل والفرع ‪ ،‬ففرض القاضي بموجبه جراية‬
‫معينة على الفرع ‪ ،‬فإنها تصبح حينئذ ـ كما قلنا سالفا ً ـ دينا ً في ذمته بمرور‬
‫الوقت ‪.‬‬
‫ترتيب الصول والفروع في النفاق ‪:‬‬
‫قرب ‪،‬‬ ‫إذا كان الوالدين فقيرين ‪ ،‬وكان لهما فروع ‪ ،‬واستووا في ال ُ‬
‫علة إيجاب النفقة تشملهم جميعا ً ‪ .‬وتكون حصة ا ُ‬
‫لنثى‬ ‫أنفقوا عليهما ‪ ،‬لن ّ‬
‫قرب ‪،‬‬
‫من النفقة كنصف حصة الذكر ‪ ،‬كالرث ‪ .‬وإن اختلفوا في درجة ال ُ‬
‫كابن ‪ ،‬وابن ابن ‪ ،‬فإن النفقة إنما تجب على القرب ‪ ،‬وارثا ً كان أو غير‬
‫كرا ً كان أو ُأنثى ‪ ،‬لن ال ُ‬
‫قْرب أولى بالعتبار ‪.‬‬ ‫وارث ‪ ،‬ذ َ َ‬
‫من كان فقيرا ً ‪ ،‬وله أبوان موسران فنفقته على الب ‪ ،‬لنه هو‬ ‫و َ‬
‫ن‬ ‫المكلف بالنفاق على ولده الصغير ‪ ،‬بدليل قوله تعالى ‪  :‬فَإ َ‬
‫ضعْ َ‬
‫ن أْر َ‬
‫ِ ْ‬
‫ن ‪ ] ‬الطلق ‪. [6 :‬‬ ‫ل َك ُم َفآتوهُ ُ‬
‫جوَرهُ ّ‬
‫نأ ُ‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫وأما نفقة على الكبير الفقير ‪ ،‬فاستصحابا ً لما كان في الصغر‪ .‬ومن‬
‫كان فقيرا ً ‪ ،‬وله ًأصل وفرع غنّيان ‪ ،‬قدم الفرع في وجوب النفقة ‪ ،‬وإن‬
‫بعد ‪ ،‬لن عصوبة الفرع أقوى من عصوبة الصل ‪ ،‬وهو أولى بالقيام بشأن‬
‫أبيه ‪ ،‬لعظم حرمته ‪.‬‬
‫دد المحتاجون من ُأصول وفروع وغيرهم ‪ ،‬وكان ما يفضل عن‬
‫وإذا تع ّ‬
‫دم بعضهم على بعض وفق الترتيب‬
‫حاجته ل يتسع لنفقة جميعهم ‪ ،‬فإنه يق ّ‬
‫التالي ‪:‬‬
‫يقدم بعد نفسه ‪:‬‬
‫أ ـ زوجته ‪ ،‬لن نفقتها آكد ‪ ،‬فإنها ل تسقط بمضي الزمان ‪ ،‬بخلف نفقة‬
‫الصول والفروع ‪ ،‬فإنها تسقط بمضي الوقت ‪ ،‬كما ذكرنا سابقا ً ‪.‬‬
‫دة عجزهما عن الكسب‬
‫ب ـ ولده الصغير ‪ ،‬ومثله البالغ المجنون ‪ ،‬وذلك لش ّ‬
‫‪.‬‬
‫جـا ُ‬
‫لم ‪ ،‬لعجزها أيضا ً ‪ ،‬ولتأكيد حقها بالحمل والوضع ‪ ،‬والرضاع والتربية ‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫د ـ الب ‪ ،‬لعظيم فضله أيضا ً ‪.‬‬
‫هـ ـ البن الكبير الفقير ‪ ،‬لقربه من أبيه ‪ ،‬وللقرب مزية فضيلة ‪.‬‬
‫و ـ الجد وإن عل ‪ ،‬لن حرمته من حرمة الب ‪ ،‬وهو أصل تجب رعاية‬
‫حقوقه ‪.‬‬

‫‪4‬ـ نفقة الزوجة على الزوج ‪:‬‬


‫تجب نفقة الزوجة على الزوج بالجماع ‪ ،‬بشرط معينة سنذكرها ‪،‬‬
‫فيما بعد ‪.‬‬
‫دليل وجوب هذه النفقة على الزوج ‪:‬‬
‫ويستدل لوجوب نفقة الزوجة على الزوج ‪ :‬بالكتاب ‪ ،‬والسّنة ‪.‬‬
‫ن ع ََلى‬
‫مو َ‬ ‫ل قَ ّ‬
‫وا ُ‬ ‫جا ُ‬‫أما دليل الكتاب ‪ :‬فقول الله عز وجل ‪  :‬الّر َ‬
‫قوا ْ م َ‬ ‫ما َأن َ‬ ‫ضه ُ ْ َ‬
‫م ‪‬‬ ‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ض وَب ِ َ‬
‫م ع َلى ب َعْ ٍ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ب َعْ َ‬ ‫ما فَ ّ‬
‫ض َ‬ ‫ساء ب ِ َ‬
‫الن ّ َ‬
‫] النساء ‪. [ 34 :‬‬
‫فقد دّلت هذه الية على أن الزوج هو المسئول عن النفقة ‪ .‬وقوله‬
‫الله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫َ‬ ‫كامل َين ل ِم َ‬ ‫ن َ َ‬ ‫‪ ‬وال ْوال ِدات يرضع َ‬
‫ة‬
‫ضاع َ َ‬
‫م الّر َ‬ ‫ن َ ِ ْ ِ َ ْ‬
‫ن أَراد َ أن ي ُت ِ ّ‬ ‫حوْلي ْ ِ‬ ‫ن أوْل َد َهُ ّ‬‫َ َ َ ُ ُْ ِ ْ َ‬
‫ف ‪ ] ‬البقرة ‪. [233:‬‬ ‫معُْرو ِ‬‫ن ِبال ْ َ‬‫سوَت ُهُ ّ‬‫ن وَك ِ ْ‬ ‫موُْلود ِ ل َ ُ‬
‫ه رِْزقُهُ ّ‬ ‫َوعَلى ال ْ َ‬
‫والمولود له في الية هو الزوج ‪ ،‬والضميري في ‪ ‬رِْزقُهُ ّ‬
‫ن ‪ ‬عائد‬
‫إلى الوالدات ‪ ،‬وهن الزوجات ‪.‬‬
‫والمعنى إذا ً ‪ :‬و على الزواج ت َ ِ‬
‫جب نفقة الزوجات ‪.‬‬
‫وأما دليل السنة ‪ :‬فما رواه مسلم ) الحج ‪ ،‬باب ‪ :‬حجة النبي ‪، ‬‬
‫رقم ‪ (1218 :‬عن جابر ‪ ‬في حديث حجة الوداع الطويل ‪:‬‬
‫قال رسول الله ‪ " : ‬فاتقوا الله في النساء ‪ ،‬فإنكم أخذتموهن‬
‫ن أن ل يوطئن‬ ‫ن بكلمة الله ‪ ،‬ولكم عليه ّ‬
‫بأمانة الله ‪ ،‬واستحللتم فروجه ّ‬
‫فرشكم أحدا ً تكرهونه ‪ ،‬فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا ً غير مبرح ‪ ،‬ولهن‬

‫‪154‬‬
‫عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ‪ ،‬وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن‬
‫اعتصمتم به ‪ ،‬كتاب الله "‪.‬‬
‫الحكمة من إيجاب نفقة الزوجة على الزوج ‪:‬‬
‫إن الحياة الزوجية لب ُد ّ أن تنهض على أحد ُأسس ثلثة ‪:‬‬
‫الساس الول ‪ :‬أن يتولى الزوج الشراف على بيت الزوجية ‪ ،‬وأن يكون‬
‫هو المسئول عن النفقة على الزوجة والولد‪.‬‬
‫الساس الثاني ‪ :‬أن تتولى الزوجة ذلك كله بدل ً من الزوج ‪.‬‬
‫الساس الثالث ‪ :‬أن يتعاون الزوجان في النهوض بالمسئوليات المادية ‪،‬‬
‫وتقديم النفقة ‪.‬‬
‫فما الذي يحدث لو استبعدنا الساس الول ‪ :‬الذي هو حكم الشريعة‬
‫السلمية ‪ ،‬واستعضنا عنه بأحد الساسين الثاني ‪ ،‬أو الثالث ؟‪.‬‬
‫تحدث عندئذ مجموعة النتائج التالية ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬لبد أن ينعكس ذلك على المهر أيضا ً ‪.‬‬
‫فأما أن تتقدم المرأة بالمهر كله إلى الرجل ‪ ،‬أو أن يلزما بالشتراك‬
‫في تقديمه ‪.‬‬
‫ومن النتائج الحتمية لهذا الواقع أن تتحول المرأة ‪ ،‬فتصبح طالبة‬
‫للزوج بعد أن شّرفها الله عز وجل ‪ ،‬فجعلها مطلوبة ‪ .‬ذلك لن الذي يتقدم‬
‫بالمال يكون هو الطالب لمن يأخذ المال ‪ .‬وإذا أصبحت الزوجة هي‬
‫الساعية بحثا ً عن زوجها ‪ ،‬فإنها لن تعثر على الزوج الذي تستطيع أن تركن‬
‫خداع الرجال ‪ ،‬وأكاذيبهم عليها ‪.‬‬
‫إليه ‪ ،‬حتى تسقط السقطات المتتالية ‪ ،‬ب ِ‬
‫ثانيا ً ‪ :‬لبد ّ أن تتجه المرأة هي الخرى إلى سبل الكدح ‪ ،‬والعمل من أجل‬
‫الرزق ‪ ،‬وأن تناكب الرجال سعيا ً وراء العمال المختلفة ‪.‬‬
‫وإذا فعلت المرأة ذلك ‪ ،‬أصبحت ـ ل محالة ـ عرضة للسوء‬
‫والنحراف ‪.‬‬
‫والواقع المشاهد أكبر دليل على ذلك ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫من يدبر شأنه ‪ ،‬ويرعى حاله ‪،‬ويربي‬‫كما أن البيت يعوزه عندئذ َ‬
‫صغاره ‪ ،‬إذ يصبح عندئذ فارغا ً موحشا ً ‪ ،‬ومصدرا ً للفوضى ‪ ،‬والقلق‬
‫والضطراب بدل ً من أن يكون موئل للسعادة ‪ ،‬ومنبعا ً للنس وملجأ للراحة‬
‫والستجمام ‪.‬‬
‫والواقع المشاهد أيضا ً أكبر دليل على ذلك ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إذا قامت الحياة الزوجية على أحد من الساسين المذكورين ‪ ،‬فل بد‬
‫أن يكون حق الطلق بيدها ‪ ،‬على سبيل المشاركة ‪ ،‬أو الستقلل ‪.‬‬
‫من ينفق‬
‫ذلك لن القــــانون القتصادي والجتماعي يقــول ‪َ ) :‬‬
‫يشرف (‪.‬‬
‫وقد علمت في باب الطلق الحكمة الباهرة من كون الطلق ـ في‬
‫أعم الحوال ـ حقا للزوج ‪.‬‬
‫فمن أجل أن يكون كل من الزوجين عنصر إسعاد للخر ‪ ،‬ومن أجل‬
‫أن يكون بيت الزوجية عامرا ً بالرعاية والتهذيب والنس ‪ ،‬ومن أجل أن تظل‬
‫المرأة عزيزة يطلبها الرجال ‪ ،‬ول تصبح مهينة تلحق الرجال ‪ ،‬وهو عنها‬
‫مخادع ‪ .‬من أجل ذلك كله كان النفاق على بيت الزوجية‬
‫معرض ‪ ،‬أو لها ُ‬ ‫ُ‬
‫واجبا ً على الزوج دون الزوجة ‪.‬‬
‫شروط وجوب نفقة الزوجة على الزوج ‪:‬‬
‫إنما تجب نفقة الزوجة على الزوج بالشروط التالية ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬تمكين الزوجة نفسها من الزوج ‪ ،‬بأن ل تمنعه من وجوه الستمتاع‬
‫المشروع بها ‪ .‬فلو منعته ‪ ،‬ولو عن بعض ذلك فقط ‪ ،‬لم تجب نفقتها‬
‫على الزوج ‪.‬‬
‫محّرم من الستمتاع ‪ ،‬كأن أراد أن يأتيها وهي‬
‫أما إن أرادها على وجه ُ‬
‫قها في النفقة عليها ‪.‬‬
‫في المحيض ‪ ،‬فإن امتناعها ل يسقط ح ّ‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن تتبعه في المكان والبيت الذي يختاره ‪ ،‬ويستقر فيه ‪ ،‬ما لم يكن‬
‫المكان أو البيت غير صالح للسكن ‪ ،‬أو البقاء فيه شرعا ً ‪ .‬فلو كان‬
‫يقيم في بلدة ل يلحقها ضرر شرعي صحيح بالقامة معه فيها ‪ ،‬أو في‬

‫‪156‬‬
‫بيت مستوف للشروط الشرعية المعتبرة ‪ ،‬ولم تقبل بالقامة معه‬
‫فيها ‪ ،‬أو في بيت مستوف للشروط الشرعية المعتبرة ‪ ،‬ولم تقبل‬
‫بالقامة معه في تلك البلدة ‪ ،‬أو ذلك المنزل ‪ ،‬لم يكّلف بالنفاق عليها‬
‫‪ ،‬لنها ُتعد ّ ناشزة حينئذ ‪.‬‬
‫دم للزوجة جميع‬
‫إذا توفرت هذه الشروط وجب على الزوج أن يق ّ‬
‫النفقات التي تحتاجها ‪ ،‬مما سيأتي تفصيله ‪ .‬وبذلك تعلم أن النفقة ل تجب‬
‫على الزوج لمجرد العقد وحده ‪.‬‬
‫در حسب حال الزوج ‪:‬‬
‫النفقة على الزوجة تق ّ‬
‫كما ّ ونوعا ً ‪،‬حسب‬
‫درة ‪ ،‬ولكنها تتفاوت ّ‬‫اعلم أن النفقة على الزوجة مق ّ‬
‫تفاوت حال الزوج ‪ ،‬في العسر واُليسر ‪.‬‬
‫أما اختلف حال الزوجة في ذلك فل أثر له في هذا التفاوت ‪.‬‬
‫ذلك لن التفاوت إنما يخضع لنسبة الستطاعة ‪ ،‬وهي عائدة إلى حال‬
‫المنفق ‪ ،‬ل إلى حال المنفق عليه ‪.‬‬
‫ه‬
‫سعَت ِ ِ‬‫من َ‬ ‫سعَةٍ ّ‬ ‫ذو َ‬ ‫فقْ ُ‬ ‫ل ‪ :‬ل ُِين ِ‬ ‫والدليل على هذا ‪ :‬قول الله عّز وج ّ‬
‫ها‬ ‫فسا ً إ ِّل َ‬
‫ما آَتا َ‬ ‫ف الل ّ ُ‬
‫ه نَ ْ‬ ‫ه َل ي ُك َل ّ ُ‬
‫ما آَتاه ُ الل ّ ُ‬
‫م ّ‬ ‫ه فَل ُْين ِ‬
‫فقْ ِ‬ ‫من قُد َِر ع َل َي ْهِ رِْزقُ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫سرا ً ‪ ] ‬الطلق ‪[ 7 :‬‬ ‫سرٍ ي ُ ْ‬‫ه ب َعْد َ ع ُ ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫جعَ ُ‬
‫سي َ ْ‬
‫َ‬
‫فقد جعل ميزان النفاق تابعا ً إلى حالة الزوج سعة وضيقا ً ‪ ،‬ل‬
‫إلى مستوى الزوجة ومكانتها ‪ .‬إذا عرفت هذا ‪ ،‬فاعلم أن حالة الزوج تصّنف‬
‫شرعا ً ضمن ثلث درجات ‪:‬‬
‫سر ‪ ) :‬الغنى ( ‪2 .‬ـ درجة التوسط ‪3 .‬ـ درجة الفقر ‪.‬‬
‫‪1‬ـ درجة الي ُ ْ‬
‫والُعرف العام هو المحكم في تحديد ما يكون النسان به موسرا ً ‪ ،‬أو‬
‫متوسط الحال ‪ ،‬أو فقيرا ً ‪.‬‬
‫أ ـ فأما الزوج الموسر ‪ ،‬فيكلف من النفقة ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬ما يساوي مد ) حفنتين كبيرتين ( كل يوم غالب قوت البلد‬
‫التي هي فيها ‪ ،‬مع تكلفة طحنه وخبزه ‪ ،‬وما يتبع ذلك ‪ ،‬أو يقدم ذلك‬
‫خبزا ً جاهزا ً ‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬يقدم من الدم ما اعتاده أهل تلك البلدة ‪ ،‬وما يق ّ‬
‫دمه عادة أمثاله‬
‫سر والغنى ‪.‬‬
‫من أهل الي ُ ْ‬
‫وقد أطال الفقهاء في تفصيل ذلك ‪ ،‬ولكن المدار فيه على كل حال‬
‫إنما هو عرف أهل البلدة ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الكسوة اللئقة بزوجات الموسرين في تلك البلدة ‪ ،‬ويظهر أثر‬
‫الُعرف في الكسوة ‪ ،‬في نوعها جودة ورداءة ‪ ،‬أما العدد والكمية ‪،‬‬
‫فإنما يتبع ذلك الحاجة ل العُْرف ‪ .‬ويدخل في حكم الكسوة ما يتبعها‬
‫من أثاث وفراش ‪ ،‬وأدوات مطبخ ونحو ذلك ‪.‬‬
‫ل‪:‬‬
‫واعلم أن دليل العُْرف في ذلك كله ‪ ،‬هو قول الله عّز وج ّ‬
‫ف ‪ ] ‬البقرة ‪. [ 233:‬‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫معُْرو ِ‬ ‫سوَت ُهُ ّ‬
‫ن وَك ِ ْ‬ ‫موُْلود ِ ل َ ُ‬
‫ه رِْزقُهُ ّ‬ ‫َوعَلى ال ْ َ‬
‫ب ـ أما الزوج المتوسط فيكلف من النفقة بما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬ما يساوي مد ّا ً ونصف مد ّ من غالب قوت البلد التي هي فيه‬
‫كل يوم ‪.‬‬
‫مع مراعاة ما ذكرنا بالنسبة لحال الموسر ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الدم الذي جرت به عادة أهل تلك البلدة بالنسبة لوساط الناس ‪،‬‬
‫نوعا ً وكما ً ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الكسوة اللئقة لزوجات أمثاله في ذلك المكان ‪ ،‬وما يتبعها من بقية‬
‫حاجات المنزل المختلفة ‪.‬‬
‫ج ـ أما الزوج الفقير فيكّلف من النفقة بما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬ما يساوي مد ّا ً واحدا ً من غالب قوت البلد كل يوم ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الدم الذي جرت به عادة الفقراء على اختلفه في تلك البلدة ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الكسوة اللئقة لزوجات أمثاله في ذلك المكان ‪.‬‬
‫ويستدل لمراعاة حال الزوج في كل ما سبق بما رواه أبو داود‬
‫) النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬في حق المرأة على زوجها ‪ ،‬رقم ‪ (2144‬عن‬
‫معاوية القشيري ‪ ‬قال ‪ :‬أتيت رسول الله ‪ ‬فقلت ‪ :‬ما تقول في‬

‫‪158‬‬
‫ن مما تكتسون ‪ ،‬ول‬
‫ن مما تأكلون ‪ ،‬واكسوه ّ‬
‫نسائنا ‪ .‬قال ‪ ": :‬أطعموه ّ‬
‫ن‪.‬‬
‫ن ‪ ،‬ول تقّبحوه ّ‬
‫تضربوه ّ‬
‫مما يدخل في نفقة الزوجة إضافة لما سبق ‪:‬‬
‫ويدخل في نفقة الزوجة على اختلف حال الزوج إضافة لما سبق ما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬منزل مناسب لحال الزوج يسكن في زوجته ‪ ،‬على أن تتوفر فيه‬
‫الضرورات التي لبد ّ منها ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬ك ّ‬
‫ل ما لبد ّ منه للنظافة والتنزه من الدران والوساخ ‪ ،‬وأدوات‬
‫الزينة ‪ ،‬إذا كان الزوج طالبا ً منها أو تتزين له ‪.‬‬
‫من يخدم مثلها في بيت أبيها ‪ ،‬سواء كان‬ ‫ثالثا ً ‪ :‬الخادم إذا كانت الزوجة م ّ‬
‫الزوج موسرًا‪ ،‬أو متوسط الحال ‪ ،‬أ‪ ,‬كان فقيرا ً ‪ ،‬فيجب عليه أن يقدم‬
‫من يخدمها بالقدر الذي تندفع به الحاجة ‪.‬‬‫لها َ‬
‫وينبغي أن يكون هذا الخادم ُأنثى‪ ،‬أو طفل ً مميزا ً غير بالغ ‪ ،‬أو محرما ً‬
‫لها ‪ .‬وُأجره هذا الخادم إنما هي على الزوج ‪.‬‬
‫هل نفقة الزوجة تمليك أم تمكين ؟‬
‫لقد عرفت الفرق بين التمليك والتمكين ‪ ،‬عند حديثنا عن نفقة‬
‫الصول على الفروع ‪ ،‬ونفقة الفروع على الصول ‪.‬‬
‫ونقول الن ‪:‬‬
‫إذا كانت الزوجة تأكل مع زوجها ـ كما هي الغالبة في أيامنا ـ وتسكن‬
‫معه دون أن يتفقا على قدر معين من القوت والدم ‪ ،‬يلتزم به الزوج ‪،‬‬
‫فهذه النفقة ‪ُ ،‬تعد من قبيل التمكين ‪ ،‬ل التمليك ‪ ،‬وتسقط بمضي الزمن ‪.‬‬
‫ـ أما إذا كانت الزوجة قد اتفقت مع زوجها على قدر معين من النفقة‬
‫ُيجريه عليها ‪ ،‬أو كان القاضي قد ألزمه بقدر معين من النفقة لها ‪ ،‬فهي‬
‫درة ‪ ،‬تطالب بها ‪ ،‬حتى بعد مرور وقتها ‪ ،‬لنها ُتعد ّ ـ والحالة هذه ـ‬
‫عندئذ مق ّ‬
‫من قبيل التمليك ‪ ،‬ل التمكين ‪ ،‬ولها أن تعتاض عنها بما تحب ‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫عْرف في تقدير النفقة ‪:‬‬
‫أثر ال ُ‬
‫مما سبق تعلم أن القوت الساسي الذي لبد ّ منه في الطعام ‪ ،‬ل أثر‬
‫للْعرف في تقدير كميته ‪.‬‬
‫دد ـ كما علمت ـ في سائر الظروف والحوال ‪:‬‬
‫وإنما هو مح ّ‬
‫دين ‪ ،‬للموسر ‪.‬‬
‫بم ّ‬
‫ومد ّ ونصف المد ّ ‪ ،‬للمتوسط ‪.‬‬
‫ومد ّ واحد ‪ ،‬للفقير ‪.‬‬
‫دمه كل منهم لزوجته خبزا ً ‪ ،‬أو حب ّا ً مع تقديم كلفة طحنه وخبزه ‪.‬‬
‫يق ّ‬
‫وذلك لن قوت ضروري ل يتأثر باختلف العُْرف ‪.‬‬
‫أما ما زاد عليه من الدم والكساء ونحوهما ‪ ،‬فإنما يحدده العرف ‪ ،‬أي‬
‫الُعرف السائد في تلك البلدة ‪ ،‬في ذلك العصر ‪ ،‬بشرط أن ل يكون الُعرف‬
‫مخالفا ً لشيء من الحكام الشرعية ‪.‬‬
‫فل أثر لُعرف يقضي بالبذخ والتبذير بالنسبة لبعض النفقات ‪ ،‬أو‬
‫بالنظر لبعض المناسبات ‪ ،‬كما هو واقع ‪ ،‬وكثير ‪ ،‬ومرهق في هذه الزمان ‪.‬‬
‫ما يترتب على إعسار الزوج بالنفقة ‪:‬‬
‫إذا أعسر الزوج ‪ ،‬فإن كان إعبساره نزول ً عن درجة الي ُ ْ‬
‫سر إلى‬
‫الدرجة الوسطى ‪ ،‬أو إلى الدرجة الدنيا ‪ ،‬وهي درجة الفقر ‪ ،‬فل يترتب على‬
‫هذا العسار شيء ‪ ،‬وتلزم بمتابعته ‪ ،‬والرضا بحالته التي آل إليها أمره ‪.‬‬
‫أما إذا أعسر الزوج حتى عن نفقة الدرجة الثالثة بكاملها ‪ ،‬فللزوجة‬
‫عندئذ أن ُتطالب بفسخ النكاح ‪.‬‬
‫وإذا طلبت ذلك وجب على القاضي أن يلّبي طلبها ويفّرق بينهما ‪،‬‬
‫ولكن يجب أن يكون ذلك ‪ ،‬بعد عجز الزوج عن النفقة بثلثة أيام على أقل‬
‫تقدير ‪ ،‬لكي يتحقق عجزه ‪ ،‬إذ قد يكون العجز لعارض ‪ ،‬ثم يزول ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫روى الدارقطني ) في النكاح ‪ ،‬باب ‪ :‬المهر ‪ (3/297 :‬عن أبي هريرة‬
‫‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال في الرجل ل يجد ما ينفق على امرأته ‪ " :‬يفّرق‬
‫بينهما "‪.‬‬
‫وإذا رضيت بالبقاء مع زوجها على عجزه ‪ ،‬فلها أن تطلب فسخ‬
‫دد كل يوم ‪ ،‬ولكل‬
‫النكاح بعد ذلك ‪ ،‬لن الضرر بعجز الزوج عن النفقة بتج ّ‬
‫يوم حكم مستقل ‪.‬‬
‫ولكن ل يجوز لها الفسخ إذا أعسر ببعض نفقة الدرجة الثالثة ‪ ،‬كأن‬
‫أعسر عن تقديم الدم ‪ ،‬لنه تابع ‪ ،‬وبالمكان أن تقوم النفس بدونه ‪ ،‬أو‬
‫ملت التي يمكن للبدن أن‬
‫كأن عجز عن نفقة الخادم ‪ ،‬لن الخدمة من المك ّ‬
‫يقوم بدونها‪.‬‬
‫أما إذا أعسر بمجموع نفقة هذه الدرجة ‪ ،‬فعندئذ يحقّ لها أن تطلب‬
‫الفسخ ‪.‬‬
‫‪5‬ـ نفقات أخرى ‪:‬‬
‫هذا ويكّلف النسان بنفقات أخرى ـ غير ما ذكر ـ وذلك نحو ممتلكاته ‪،‬‬
‫التي يملكها ‪:‬‬
‫أول ً نفقة البهائم ‪:‬‬
‫تنقسم البهائم إلى الصناف الثلثة التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ بهائم مأكولة ‪.‬‬
‫‪2‬ـ بهائم محترمة غير مأكولة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ بهائم غير محترمة ‪.‬‬
‫الصنف الول ) البهائم المأكولة ( ‪:‬‬
‫وهذا الصنف ‪ ،‬كالنعام ونحوها من كل ما هو مأكول ‪ ،‬يخّير مالكها بين‬
‫أن يعلفها ‪ ،‬ويسقيها ‪ ،‬بما يحفظ عليها حياتها بشكل سوي ‪ ،‬وبين أن يذبحها‬
‫للكل ‪ ،‬أو أن يبيعها ‪ ،‬أو يهبها للخرين ‪ ،‬فإن لم يذبح ‪ ،‬أو لم يفعل شيئا ً غير‬
‫الذبح مما ذكر ‪ ،‬فإنه يجبر على نفقتها من علف وسقي ‪ ،‬بالقدر الكافي‬

‫‪161‬‬
‫لحفظ حياتها ‪ ،‬فإن لم يفعل ُأجبر على بيعها ‪ ،‬فإن لم يفعل ِبيعت عليه‬
‫غضبا ً ‪.‬‬
‫الصنف الثاني ) البهائم المحترمة غير المأكولة ( ‪:‬‬
‫وهذه البهائم المحترمة ‪ ،‬ككلب صيد غير عقور ‪ ،‬وهّرة ‪ ،‬وصقر ‪،‬‬
‫ونحل ‪ ،‬ودود قز ‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬فإن مالكها يلزم ببيعها ‪ ،‬فإن لم يفعل ‪ ،‬أو لم‬
‫من يشتريها ‪ ،‬وجب عليه أن يدفعها لمن قد ينتفع بها ‪ ،‬صونا ً لها عن‬
‫يوجد َ‬
‫الهلك ‪.‬‬
‫الصنف الثالث ) البهائم غير المحترمة ( ‪:‬‬
‫وهذه البهائم غير المحترمة ‪ ،‬كالكلب العقور ‪ ،‬ومختلف الحيوانات‬
‫حَرج في قتلها ما‬
‫المؤذية ‪ ،‬فل يلزم النسان بشيء مما ذكرنا نحوها ‪ ،‬إذ ل َ‬
‫دامت كذلك ‪.‬‬
‫الدليل على نفقة الحيوانات المحترمة ‪ ،‬والمأكولة ‪:‬‬
‫ويستدل لذلك كله بحديث مسلم ) البَر والصلة والدب ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم‬
‫تعذيب الهرة ونحوها …‪ ،‬رقم ‪ (2619 :‬عن أبي هريرة ‪ ‬عن رسول الله‬
‫‪ ‬قال ‪ ":‬دخلت امرأة النار في هّرة ‪ ،‬ربطتها ‪ ،‬فل هي أطعمتها ‪ ،‬ول هي‬
‫شاش الرض ‪ ،‬حتى ماتت هزل ً " وأخـرجـه البخـاري‬ ‫خ َ‬
‫أرسلتها تأكل مـن َ‬
‫) المساقاة ‪ ،‬باب سقي الماء ‪ ،‬رقم ‪ ، (2236 :‬ومسلم ) السلم ‪ ،‬باب ‪:‬‬
‫تحريم قتل الهرة ‪ ،‬رقم ‪ (2242 :‬والهّرة مثال لكل حيوان محترم ‪ ،‬مأكول ً‬
‫كان أو غير مأكول ‪ ،‬ويخرج بذلك ما هو غير محترم ‪ ،‬كالفواسق الخمس‬
‫التي ذكرت في الحديث ‪.‬‬
‫روى البخاري ) الحصار وجزاء الصيد ‪ ،‬باب ‪ :‬ما يقتل المحرم من‬
‫الدواب ‪ ،‬رقم ‪ ، (1732 :‬ومسلم ) الحج ‪ ،‬باب ‪ :‬ما يندب للمحرم وغيره‬
‫قتله من الدواب …‪ ،‬رقم ‪ (1198 :‬وغيرها عن عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬عن‬
‫النبي ‪ ‬أنه قال ‪ ":‬خمس فواسق ‪ ،‬يقتلن في الح ّ‬
‫ل والحرم ‪ :‬الحّية ‪،‬‬
‫حدّيا "‪.‬‬
‫والغراب البقع ‪ ،‬و الفأرة ‪ ،‬والكلب العقور ‪ ،‬وال ُ‬

‫‪162‬‬
‫] فواسق ‪ :‬الفاسق ‪ :‬الخارج عن الطاعة ‪ ،‬وسميت هذه الدواب‬
‫الخمس فواسق ‪ ،‬لخروجها باليذاء والفساد عن طريق معظم الدواب ‪.‬‬
‫حدّيا ‪ :‬تصغير ‪:‬‬
‫الغراب البقع ‪ :‬هو الذي في ظهره وبطنه بياض ‪ .‬ال ُ‬
‫الحدأة ‪ ،‬وهو طائر خبيث ‪ ،‬بله هو أخس الطير ‪ ،‬يخطف الفراخ ‪ ،‬وصغار‬
‫أولد الكلب [ ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬نفقة الزروع والشجار‪:‬‬
‫والمقصود بنفقة الزروع والشجار ‪ ،‬سقيها ورعايتها ‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫بصاحبها رغبـة في اقتلعها ‪ ،‬لعمارة ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬فإنه ينبغي عليه سقيها‬
‫وغ شرعي ‪،‬‬
‫ورعايتها ‪ ،‬لن إهمالها يدخل في دائرة إضاعة المال ‪ ،‬بدون مس ّ‬
‫وهو ل يجوز ‪.‬‬
‫أما إذا كان يريد اقتلع الشجر أو الزرع ليستفيد منهما ‪ ،‬أو ليستفيد من‬
‫الرض في عمارة ‪ ،‬أو نحوها ‪ ،‬فإن له قطع الشجار والزرع ‪ ،‬أو إهمالها إلى‬
‫أن ييبسا ‪ ،‬لن له في ذلك غرضا ً شرعيا ً سليما ً ‪.‬‬
‫والله سبحانه وتعالى أعلم ‪..‬‬

‫‪163‬‬
‫ها‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫ح‬ ‫رابعا ً ‪ :‬الحصَانة وأ َ‬
‫ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ضَانة ‪:‬‬
‫ح َ‬‫ال َ‬
‫تعريف الحصانة ‪:‬‬
‫ضن ‪ ،‬وهو الجنب ‪ ،‬لن الحاضنة من‬
‫ح ْ‬
‫الحصانة لغة ‪ :‬مأخوذة من ال ِ‬
‫شأنها أن ترد ّ المحضون إلى جنبها ‪.‬‬
‫من ل‬
‫والحضانة في اصطلح الشريعة السلمية ‪ :‬هي حفظ َ‬
‫وتربيته بمختلف وجوه التنمية والصلح ‪ ،‬وتنتهي‬ ‫يستقل بأمر نفسه ‪،‬‬
‫بالنسبة للصغير إلى سن التمييز ‪.‬‬
‫أما رعايته بعد ذلك إلى سن البلوغ ‪ ،‬فتسمى ‪ :‬كفالة ‪ ،‬ل حضانة‬
‫‪.‬‬
‫حكمة مشروعية الحضانة ‪:‬‬
‫إن الحكمة من مشروعية الحضانة ‪ ،‬إنما هي تنظيم المسؤوليات‬
‫المتعلقة برعاية الصغار ‪ ،‬وتربيتهم ‪.‬‬
‫إذ ربما تفارق الزوجان ‪ ،‬أو اختلفا ً ‪ ،‬أو تعاسرا فيما يتعلق بالنظر‬
‫لتربية صغارهما ‪.‬‬
‫فلو ترك المر لما ينتهي إليه شقاقهما ‪ ،‬أو لما يقرره المتغلب من‬
‫الطرفين في الخصومة ‪ ،‬كان في ذلك ظلم كبير للصغار ‪ ،‬وإهدار لمصلحتهم ‪.‬‬
‫وربما كان في ذلك رج بهم في أسباب الشقاء والهلك ‪.‬‬
‫لذلك كان لبد ّ من وضع ضوابط تحدد أصناف المسؤولين عن حضانة‬
‫الصغار ‪ ،‬ورعايتهم ‪ ،‬وتصنفهم حسب الولوية ‪ ،‬بحيث ل تتأثر مصلحة‬
‫الصغار ‪ ،‬بأيّ شقاق ‪ ،‬أو خلف يقع بين أولياء ُأمورهم ‪.‬‬
‫من هو الحق بالحضانة ؟‬
‫إذا فارق الرجل زوجته ‪ ،‬وكان له منها ولد ‪ ،‬ذكر أو أنثى ‪ ،‬وكان دون‬
‫سن التمييز ‪ ،‬فإن الم أحق من الدب بحضانته ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫أسباب تقديم الم في الحضانة على الب ‪:‬‬
‫إن الم أحق بالحضانة من الب ‪ ،‬للسباب التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ لوفور شفقتها ‪ ،‬وصبرها على أعباء الرعاية والتربية ‪.‬‬
‫‪2‬ـ لنها ألين بحضانة الطفال ‪ ،‬ورعايتهم ‪ ،‬وأقدر على بذل ما يحتاجون إليه‬
‫من العاطفة والحنو‪.‬‬
‫الدليل على حق ا ُ‬
‫لم في الحضانة ‪:‬‬
‫دم على حق‬ ‫والدليل على أن الحضانة من حق ا ُ‬
‫لم ‪ ،‬وأن حقها مق ّ‬
‫من أحقّ بالولد ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫الب في ذلك ‪ :‬ما رواه أبو داود ) الطلق ‪ ،‬باب ‪َ :‬‬
‫‪ (2276‬عن عبدالله بن عمرو ‪ : ‬أن رسول الله ‪ ، ‬جاءته امرأة ‪،‬‬
‫فقالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن ابني هذا ‪ ،‬كان بطني له وعاًء ‪ ،‬وثديي له‬
‫سقاًء ‪ ،‬وحجري له حواًء ‪ ،‬وإن أباه طّلقني ‪ ،‬وأراد أن ينزعه مّني ‪ ،‬فقال لها‬
‫رسول الله ‪ ": ‬أنت أحق به ما لم تنكحي "‪.‬‬
‫] حواء ‪ :‬الحواء اسم للمكان الذي يحوي الشيء ويضمه [ ‪.‬‬
‫ق بالحضانة بعد الم ؟‬
‫من أح ّ‬
‫َ‬
‫إذا لم توجد أم الطفل ‪ ،‬أو وجدت ‪ ،‬ولكنها رفضت أن تحضنه ‪ ،‬كان‬
‫الحق في الحضانة لمن بعد ا ُ‬
‫لم ‪ ،‬وكانت الفضلية لم الم ‪ .‬والمقصود بها ‪:‬‬
‫دم القربى ‪ ،‬فالقربى ‪.‬‬‫دة تدلي إلى الطفل بأنثى ‪ ،‬تق ّ‬
‫ج ّ‬
‫ثم لم الب ‪ .‬ثم ُأمهاتها ‪ ،‬تقدم القربى فالقربى ‪.‬‬
‫ثم للخت الشقيقة ‪ .‬ثم للخت من الب ‪ .‬ثم للخت من الم ‪.‬‬
‫مة ‪.‬‬
‫ثم الخالة ‪ .‬ثم الع ّ‬
‫ثم بنات الخ ‪ ،‬ثم بنات ا ُ‬
‫لخت ‪.‬‬
‫الحكمة في تقديم الناث في الحضانة ‪:‬‬
‫والحكمة في هذا التقديم للناث في حق الحضانة هي ما قلناه في‬
‫ا ُ‬
‫لم ‪ ،‬فإن الناث غالبا ً ما يكن ألين بحضانة الطفال ‪ ،‬ورعايتهم ‪ ،‬وأصبر‬
‫على مشاكلهم ‪ ،‬وأقدر على بذل ما يحتاجون إليه من الحنو والعاطفة ‪.‬‬
‫حضانة الرجال ‪:‬‬

‫‪165‬‬
‫دم ‪ ،‬لنهن أليق بها ‪ ،‬ولكن إذا لم‬
‫قلنا إن حق النساء في الحضانة مق ّ‬
‫يكن هناك امرأة قريبة للطفل ‪ ،‬أو كانت ‪ ،‬وأبت أن تحضنه ‪ ،‬فهل ينتقل هذا‬
‫دم منهم‬
‫الحق إلى الرجال ؟ نعم ينتقل حق الحضانة إلى الرجال ‪ ،‬فيق ّ‬
‫دم على الخوة ‪ ،‬ثم‬
‫المحرم الوارث ‪ ،‬على ترتيب الرث ‪ ،‬إل الجد فإنه يق ّ‬
‫الوارث غير المحرم ‪ ،‬على ترتيب الرث أيضا ً ‪ .‬فيقدم ‪:‬‬
‫الب ‪ ،‬ثم الجد ‪ ،‬وإن عل ‪.‬‬
‫ثم الخ الشقيق ‪ ،‬ثم الخ لب ‪ ،‬ثم ابن الخ الشقيق ‪ ،‬فابن الخ لب ‪،‬‬
‫م الشقيق ‪ ،‬ثم العم لب ‪ .‬ثم ابن العم الشقيق ‪ ،‬ثم ابن العم لب ‪.‬‬
‫ثم الع ّ‬
‫دم القرب فالقرب في حق الحضانة ‪ ،‬لن القرب أوفر شفقة‬ ‫وإنما ق ّ‬
‫على الغالب من البعد ‪ ،‬وأكثر حرصا ً على حق الرعاية ‪ ،‬و ُ‬
‫حسن التربية ؛‬
‫ومصلحة الصغار ‪.‬‬
‫اجتماع الرجال والنساء من أقرباء الطفال ‪:‬‬
‫إذا اجتمع ذكور وإناث من أقارب الطفل ‪ ،‬وتنازعوا في الحضانة ‪،‬‬
‫دمت ‪:‬‬
‫ق ّ‬
‫الم ‪ ،‬لحديث أبي داود السابق ‪ ،‬ولنها ـ كما قلنا ـ أوفرهم شفقة على‬
‫الطفل ‪.‬‬
‫ن في معنى‬ ‫ُ‬
‫ثم أمهات الم ‪ ،‬المدليات بإناث ‪ ،‬كما ذكرنا ‪ ،‬لنه ّ‬
‫الم في الشفقة ‪ ،‬تقدم القربى ‪ ،‬فالقربى ‪.‬‬
‫دم الب ‪ ،‬لنه الصل ‪.‬‬ ‫ثم يق ّ‬
‫دة ُأم الب ‪ ،‬ثم الجد أبو الب ‪.‬‬
‫ثم الج ّ‬
‫ثم الخت الشقيقة ‪ ،‬ثم الخ الشقيق ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬
‫فإذا استووا في القرب ‪ ،‬وكانوا ذكورا ً وإناثا ً ‪ :‬كإخوة أشقاء وأخوات‬
‫ن أليق ‪،‬‬
‫دم الناث على الذكور ‪ ،‬لما قلنا ‪ ،‬من أن الحضانة به ّ‬
‫شقيقات ‪ ،‬ق ّ‬
‫ن لها أفضل ‪.‬‬
‫وه ّ‬
‫ن إناثا ً فقط ‪ ،‬وتنازعوا في الحضانة ‪،‬‬
‫وإن كانوا ذكورا ً فقط ‪ ،‬أو ك ّ‬
‫سّلم إليه الطفل ‪.‬‬ ‫أقرع بينهم ‪ ،‬فأّيهم خرجت قرعته ‪ُ ،‬‬
‫‪166‬‬
‫إلى متى تستمر الحضانة للطفل ‪:‬‬
‫تستمر فترة الحضانة شرعا ً إلى أن تتكامل في الطفل التمييز ‪،‬‬
‫والمقصود بالتمييز أن يستقل الطفل بشؤونه الخاصة ‪ ،‬دون الحاجة إلى‬
‫معونة أحد ‪.‬‬
‫والمراد بشؤونه الخاصة ‪ :‬تناول الطعام والشراب ‪ ،‬وقضاء‬
‫الحاجة ‪ ،‬والتنّزه من الدران ‪ ،‬والقيام بأعمال الطهارة ‪ ،‬من وضوء ونحوه ‪.‬‬
‫دد سن التمييز بسبع سنين ‪ ،‬إذ يتكامل التمييز عنده غالبا ً ‪ .‬فإذا أت ّ‬
‫م‬ ‫وقد ح ّ‬
‫الطفل السابعة من عمره ‪ ،‬وكان مميزا ً ‪ ،‬فإن م ّ‬
‫دة الحضانة تنتهي عند ذلك‬
‫‪.‬‬
‫وتبدأ مرحلة أخرى من الرعاية تسمي ‪ :‬كفالة ‪.‬‬
‫م الطفل ‪ ،‬سن السابعة ‪ ،‬وكان مميزا ً ‪ ،‬فإنه يخّير إذ ذاك بين‬ ‫فإذا أت ّ‬
‫أبويه ‪ ،‬فأّيهما اختار سّلم إليه ‪.‬‬
‫ودليل ذلك ‪ :‬ما رواه الترمذي ) الحكام ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في تخيير‬
‫الغلم بين أبويه إذا اقترفا ‪ ،‬رقم ‪ (1357‬عن أبي هريرة ‪ : ‬أن النبي ‪‬‬
‫خير غلما ً بين أبيه وأمه ‪.‬‬
‫من أحق بالولد ‪ ،‬رقم ‪(2277 :‬‬
‫وفي رواية عند أبي داود ) الطلق ‪ ،‬باب ‪َ :‬‬
‫وغيره ‪ :‬أن امرأة جاءت ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن زوجي يريد أن يذهب‬
‫بابني ‪ ،‬وقد سقاني من بئر أبي عنبة ‪ ،‬وقد نفعني ‪ .‬فقال رسول الله ‪" : ‬‬
‫استهما عليه " فقال زوجها ‪ :‬من يحاقني في ولدي ‪،‬‬
‫فقال النبي ‪ " ‬هذا أبوك ‪ ،‬وهذه ُأمك ‪ ،‬فخذ بيد أّيهما شئت " فأخذ بيد ُأمه‬
‫‪ ،‬فانطلقت به ‪.‬‬
‫] بئر أبي عنبة ‪ :‬بئر معين ‪ ،‬والظاهر أنه كان في مكان بعيد ‪ .‬وهي‬
‫تغني ‪ :‬أن ولدها قد كبر ‪ ،‬وأصبح يستطيع القيام بما ينفعها ‪ ،‬بعد أن قامت‬
‫بتربيته ‪ ،‬حيث كان صغيرا ً ‪ ،‬ل ينفعها بشيء ‪ .‬استهما ‪ :‬أي اقترعا ‪ .‬يحاقني ‪:‬‬
‫يخاصمني [ ‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫ثم إن اختار المميز أباه ‪ ،‬ففقد الب ‪ ،‬أو سقطت أهليته ‪ ،‬نزل الجد‬
‫منزلته ‪ ،‬وإن عل ‪ ،‬ومثله الخ والعم ‪ ،‬ومثلهما ابن العم عند فَ ْ‬
‫قد الخ‬
‫والعم ‪ ،‬على الترتيب الذي ذكرناه سابقا ً ‪.‬‬
‫مشتهاة ‪ ،‬أو في سن المراهقة ‪ ،‬فل يجوز بقاؤها في‬
‫إل أن تكون فتاة ُ‬
‫مها ‪ ،‬فإن لم يكن غيره ‪ ،‬وجي أن تكون عند امرأة موثوقة‬
‫كفالة ابن ع ّ‬
‫يعينها ابن العم ‪.‬‬
‫حكمة تخيير الطفل بين أبويه عند بلوغه التمييز ‪:‬‬
‫علمنا سبب تقديم حق الم في الحضانة على الب ‪ ،‬كما علمنا السبب‬
‫في انتهاء مدة الحضانة بتكامل التمييز عند الطفل ‪ ،‬أو الطفلة ‪ ،‬وذلك ‪ ،‬لن‬
‫فترة ما قبل التمييز عند الطفل ‪ ،‬أو الطفلة ‪ ،‬وذلك ‪ ،‬لن فترة ما قبل‬
‫التمييز ‪ ،‬ل يستغني فيها الصغير عن رعاية الم ‪ ،‬ول يكاد يقوم مقامها‬
‫الب ‪ ،‬أو غيره من الرجال ‪.‬‬
‫غير أن الكفالة ‪ ،‬إنما هي رعاية عامة ‪ ،‬قد يستوي في القدرة عليها‬
‫ك ّ‬
‫ل من الب والم ‪ ،‬وذلك بسبب قدرة الطفل على أن يستقل بالكثير من‬
‫شؤونه ‪ ،‬وبسبب توفر الطاقة العقلية عنده في الجملة ‪.‬‬
‫من‬
‫فناسب بعد هذا كله ‪ ،‬أن يعطى الطفل الخيار بين أبويه ‪ ،‬أو َ‬
‫يقوم مقامهما ‪ ،‬يختار أّيهما شاء ‪.‬‬

‫شروط الحضانة ‪:‬‬


‫يشترط للحضانة أن يتوفر فيها الشروط التالية ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬العقل ‪:‬‬
‫فل حضانة لمجنون ‪ ،‬أو مجنونة ‪ ،‬ولو كان جنونا ً متقطعا ً ‪ ،‬لن الحضانة‬
‫ولية ‪ ،‬وليس المجنون من أهل الولية ‪ ،‬إذ يتأتى منه الحفظ والرعاية ‪ ،‬بل‬
‫هو نفسه محتاج إلى الرعاية والحفظ ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬السلم ‪:‬‬

‫‪168‬‬
‫وذلك إذا كان المحضون مسلما ً ‪ ،‬ولو حكما ً ‪ ،‬بأن كان أحد أبويه‬
‫مسلما ً ‪ ،‬فإنه يتبع أشرف البوين في الدين ‪.‬‬
‫فل تجوز حضانة الكافر للمسلم ‪ ،‬ذلك لن الحضانة ‪ ،‬ولية ـ كما‬
‫قلنا ـ ول ولية للكافر على المسلم ‪.‬‬
‫ولن الكافر ‪ ،‬ربما يفتن الصغير عن دينه ‪ ،‬بشتى الوسائل‬
‫والساليب ‪.‬‬
‫لكن إذا كان المحضون كافرا ً ‪ ،‬كان لك ّ‬
‫ل من المسلم والكافر‬
‫حضانته ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬العفة والمانة ‪:‬‬
‫والمراد بالعفة والمانة ‪ :‬أن ل يكون الحاضن فاسقا ً ‪ ،‬إذ الفاسق ل‬
‫يلي ‪ ،‬ول يؤتمن على شيء ‪ ،‬وإنما ينبغي أن يكون عدل ً ذا ع ّ‬
‫فة ودين ‪.‬‬
‫ثم إن العدالة تثبت بالظاهر المشاهد ‪ ،‬ول يشترط لثبوتها شهادة‬
‫وبّينات ‪ ،‬إل إذا وقع نزاع في أهلية الحاضن ‪ ،‬وعدالته ‪ ،‬فل بد ّ عندئذ من‬
‫ثبوت عدالته عند القاضي بناًء على الدلة والبّينات ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬القامة ‪:‬‬
‫وذلك بأن يكون صاحب الحق في الحضانة مقيما ً في بلد الطفل ‪.‬‬
‫فلو سافرت الم ـ وهي صاحبة الحق في حضانة طفلها ـ سفر‬
‫حاجة ‪:‬‬
‫كحج ‪ ،‬وتجارة ونزهة ونحوها ‪ ،‬لم تمكن من أخذ الطفل معها ‪ ،‬وكان‬
‫المقيم عنده أولى منها إلى أن تعود من السفر ‪ ،‬فيسّلم الولد إلى جدته‬
‫إلى أن تعود الم ‪.‬‬
‫أما السفر الذي يكون انتقال ً إلى بلدة أخرى ‪ ،‬بدون قصد العودة ‪،‬‬
‫فإنه ل يستوجب سقوط حق الحضانة ‪ ،‬إذا كان الطريق آمنا ً ‪ ،‬وكانت البلدة‬
‫التي تقصد الحاضن الستيطان فيها آمنة أيضا ً ‪:‬‬
‫فإذا اضطر كل من البوين إلى السفر لحاجة ‪ ،‬بقي حق ا ُ‬
‫لم ‪،‬‬
‫ولم يعد السفر عندئذ مانعا ً من الحضانة ‪:‬‬

‫‪169‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬الخلو من زوج أجنبي ‪:‬‬
‫فإذا تزوجت الم سقط حقها في الحضانة ‪ ،‬وإن لم يدخل بها الزوج‬
‫بعد ‪ ،‬أو رضي زوجها أن يدخل الولد داره ‪.‬‬
‫والدليل على ذلك من السنة ‪ :‬فما رواه أبو داود ) ‪ ( 2276‬وذكرناه‬
‫‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫سابقا ً " أنت أحقّ به ما لم تنكحي "‬
‫والدليل من المعقول على سقوط حق الم في الحضانة إذا تزوجت ‪،‬‬
‫هو أن الم إذا تزوجت شغلت عن ولدها بحق الزوج ‪ ،‬فل توجد ضمانة‬
‫لرعاية شأن الطفل ‪ ،‬والنظر في أمره‬
‫لكن يستثنى من ذلك حالتان ‪:‬‬
‫الحالة الولى ‪ :‬أن يتراضى والد الطفل مع زوج الم أن يبقى الولد‬
‫دة ‪.‬‬
‫قها في الحضانة ‪ ،‬ويسقط حق الج ّ‬ ‫عند أمه ‪ ،‬فإن ذلك يبقي ح ّ‬
‫ُ‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬أن يكون زوج الم الجديد قريبا ً للطفل ‪ ،‬م ّ‬
‫من له‬
‫حق حضانته ‪ ،‬وإن كانت درجته بعيدة ‪ ،‬فإن الم في حضانة ولدها ل يسقط‬
‫حينئذ إذا رضي زوجها بحضانته ‪.‬‬
‫ذلك لن له حقا ً في رعايته ‪ ،‬ولن له من الشفقة عليه ما يحمله‬
‫على التعاون مع ُأمه على كفالته ‪ ،‬والهتمام بشأنه ‪.‬‬
‫سادسا ً ‪ :‬الخلو من المراض الدائمة والعادات المؤثرة ‪:‬‬
‫فلو كانت ا ُ‬
‫لم تعاني من مرض عضال ‪ :‬كالسل ‪ ،‬والفالج ‪ ،‬أو كانت‬
‫صماء ‪ ،‬لم يكن لها حق في حضانته ‪ ،‬لن من شأنها ما يشغلها‬
‫عمياء ‪ ،‬أو ّ‬
‫عن القيام بحق الطفل ‪.‬‬
‫ف ْ‬
‫قد شيء من شروط الحضانة ‪:‬‬ ‫ما يترتب على َ‬
‫إذا فُ ِ‬
‫قد َ شرط من هذه الشروط الستة التي ذكرناها لستحقاق‬
‫من جدة ‪ ،‬ثم‬
‫الحضانة ‪ ،‬سقط حق الحاضنة ‪ ،‬وانتقل هذا الحق من يليها ‪َ ،‬‬
‫أخت ‪ ،‬ثم خالة ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬
‫كيف يتم التأكد من فوات شرط من شروط الحضانة ‪:‬‬

‫انظر الدليل على حق الم في الحضانة ) صفحة ‪. ( 192‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪170‬‬
‫يعتمد في التأكد من فوات شرط من شروط الحضانة على‬
‫واحد من المور الثلثة التالية‬
‫المر الول ‪ :‬إقرار الحاضنة ‪:‬‬
‫فإذا أقّرت الم بأنها متزوجة ‪ ،‬أو أنها تعاني من مرض عضال دائم‬
‫العّلة ‪ ،‬سقط حقها في الحضانة ‪.‬‬
‫المر الثاني ‪ :‬دعوى المعارض ‪:‬‬
‫إذا اّدعى المعارض في الحضانة ‪ :‬أن الحاضنة فقدت شرطا ً من‬
‫شروط الحضانة ‪ ،‬وكانت دعواه تلك مصحوبة بالبّينات المعتمدة ‪ ،‬فإن حقها‬
‫في الحضانة يسقط عندئذ ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬تحقيق القاضي ‪:‬‬
‫تحقيق القاضي ‪ ،‬أو الحاكم ‪ ،‬وذلك عندما يرتاب ويش ّ‬
‫ك في توفر‬
‫الشروط عند الحاضنة ‪ ،‬فإذا ثبت لديه بموجب تحرياته فقدان شرط من‬
‫شروط الحضانة ‪ ،‬فإنه يسقط الحضانة عندئذ في الحضانة ‪.‬‬
‫والله سبحانه وتعالى أعلم …‪.‬‬

‫خامسا ً ‪ :‬الرضاع وأحكامه‬


‫الرضـــــاع‬
‫تعريف الرضاع ‪:‬‬
‫الّرضاع ‪ ،‬والّرضاعة ـ بفتح الراء ويجوز كسرها فيهما ـ معناه في اللغة‬
‫ص الثدي وشرب لبنه ‪.‬‬‫‪ :‬اسم لم ّ‬
‫والرضاع شرعا ً ‪ :‬اسم لحصول لبن امرأة ‪ ،‬أو ما حصل منه في معدة‬
‫طفل ‪ ،‬أو دماغه‬

‫‪171‬‬
‫دليل تشريع الرضاع ‪:‬‬
‫إرضاع الولد من غير ُأمه التي ولدته جائز شرعا ً ‪ ،‬ولقد كان أمرا ً‬
‫معروفا ً قبل السلم ‪ .‬ولما جاء في السلم أقّره ولم يحرمه ‪ ،‬لما فيه أحيانا ً‬
‫من المصلحة ‪ ،‬والحاجة الملجئة ؛ كأن تموت ُأم الطفل ‪ ،‬مثل ً ‪ ،‬أو يكون بها‬
‫عّلة تمنعها الرضاع ‪ ،‬فل بد ّ والحالة هذه من امرأة أخرى ترضعه حفاظا ً‬
‫على حياته ‪.‬‬
‫دليل هذا الجواز ‪:‬‬
‫م‬ ‫ويستدل على جواز الرضاع بقول الله عز وجل ‪ :‬وَِإن ت ََعا َ‬
‫سْرت ُ ْ‬
‫ه أُ ْ‬
‫خَرى ‪‬‬ ‫ضعُ ل َ ُ‬ ‫فَ َ‬
‫ست ُْر ِ‬
‫] الطلق ‪. [ 6 :‬‬
‫تعاسرتم ‪ :‬اختلفتم في إرضاع الولد ‪ ،‬فسترضع الولد امرأة أخرى‬
‫غير أمه ‪.‬‬
‫َ‬ ‫وقوله سبحانه وتعالى ‪  :‬وإن أ َردت َ‬
‫ح‬
‫جَنا َ‬ ‫ضُعوا ْ أوْل َد َك ُ ْ‬
‫م فَل َ ُ‬ ‫ست َْر ِ‬
‫م أن ت َ ْ‬
‫َِ ْ َ ّ ْ‬
‫م ‪ ] ‬البقرة ‪. [233:‬‬‫ع َل َي ْك ُ ْ‬

‫هل الرضاع واجب على الم أم هو حق لها ؟‬


‫إن قلت ‪ :‬الرضاع واجب على الم ‪ ،‬كان معنى ذلك ‪ ،‬أنها ملزمة‬
‫ض ‪ ،‬مادامت قادرة على‬
‫بإرضاع طفلها ‪ ،‬سواء رضيت بذلك ‪ ،‬أو لم تر َ‬
‫الرضاع ‪ ،‬غير معذورة بأيّ سبب شرعي ‪ .‬وإن قلت ‪ :‬الرضاع حق للم ‪،‬‬
‫كان معنى ذلك المر عائد إلى اختيارها ‪.‬‬
‫دها عن‬
‫فإن رغبت في الرضاع لم يكن للزوج ‪ ،‬ول لغيره أن يص ّ‬
‫حقها ‪.‬‬
‫أما إن لم ترغب في إرضاعه ‪ ،‬فإن الزوج يصبح عندئذ ملزما ً بتدبر‬
‫مرضعة أخرى لطفله ‪.‬‬
‫ُ‬
‫إذا عرفت الفرق بين الواجب عليها ‪ ،‬والحق لها ‪ ،‬فما هي علقة ا ُ‬
‫لم‬
‫بإرضاع ولدها ؟‪.‬‬
‫‪172‬‬
‫هل هي علقة حق لها ؟ أم هي علقة واجب عليها ؟‬
‫المفتي به في مذهب المام الشافعي رحمة الله تعالى ‪ :‬أن الرضاع‬
‫حق للم ‪ ،‬تطالب به عندما تشاء ‪ ،‬وليس واجبا ً عليها ‪.‬‬
‫من يقوم مقامها ‪ ،‬فيصبح الرضاع واجبا ً‬
‫فل تلزم به إل إذا لم يوجد َ‬
‫عليها للضرورة ‪.‬‬
‫دليل أن الرضاع حق للم وليس واجبا ً عليها ‪:‬‬
‫ودليل كون الرضاع حقا للم ‪ ،‬وليس واجبا ً عليها ‪ :‬قول الله عز وجل‬
‫َ‬ ‫كامل َين ل ِم َ‬ ‫ن َ َ‬ ‫‪ :‬وال ْوال ِدات يرضع َ‬
‫ة‪‬‬‫ضاع َ َ‬
‫م الّر َ‬ ‫ن َ ِ ْ ِ َ ْ‬
‫ن أَراد َ أن ي ُت ِ ّ‬ ‫حوْلي ْ ِ‬ ‫ن أوْل َد َهُ ّ‬
‫َ َ َ ُ ُْ ِ ْ َ‬
‫ضعُ ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫م فَ َ‬
‫ست ُْر ِ‬ ‫سْرت ُ ْ‬‫] البقرة ‪ [233 : :‬مع قوله سبحانه تعالى ‪  :‬وَِإن ت ََعا َ‬
‫ن ‪‬‬ ‫ل جلله ‪  :‬فَإن أ َرضعن ل َك ُم َفآتوهُ ُ‬ ‫أُ ْ‬
‫خَرى ‪ . ‬وقوله ج ّ‬
‫جوَرهُ ّ‬‫نأ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ْ ْ َ ْ َ‬
‫] الطلق ‪. [ 6 :‬‬
‫وبيان وجه الدليل في هذه اليات على أن الرضاع حق للم وليس‬
‫ل ‪ ،‬عندما قال ‪  :‬وال ْوال ِدات يرضع َ‬
‫واجبا ً عليها ‪ :‬أن الله عّز وج ّ‬
‫ن أوْل َد َهُ ّ‬
‫ن‬ ‫َ َ َ ُ ُْ ِ ْ َ‬
‫‪ ‬احتمل أن يكون المعنى ‪ :‬الوالدات يلزمن بإرضاع أولدهن ‪.‬‬
‫ن ‪ :‬لسقط‬
‫ولو قال سبحانه وتعالى ‪ :‬وعلى الوالدات إرضاع أولده ّ‬
‫الحتمال الثاني ‪ ،‬وتعين الحتمال الول ‪ .‬فلما قرأنا قول الله عز وجل ‪‬‬
‫خَرى ‪ ‬ترجح المعنى الثاني في الية الولى ‪،‬‬ ‫ه أُ ْ‬
‫ضعُ ل َ ُ‬ ‫م فَ َ‬
‫ست ُْر ِ‬ ‫سْرت ُ ْ‬
‫وَِإن ت ََعا َ‬
‫وهو كان الرضاع حقا ً لها ‪ .‬إذ لو كان واجبا ً عليها ‪ ،‬لما قال سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫ه أُ ْ‬
‫خَرى ‪ . ‬ولما كان من سبيل إلى التعاسر والختلف مع‬ ‫ضعُ ل َ ُ‬ ‫‪ ‬فَ َ‬
‫ست ُْر ِ‬
‫الزوج ‪ ،‬ولما كان لها المتناع عن الرضاع ‪.‬‬
‫ولما قرأنا قول الله سبحانه وتعالى ‪  :‬فَإ َ‬
‫ن‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م َفآُتوهُ ّ‬ ‫ضعْ َ‬
‫ن أْر َ‬
‫ِ ْ‬
‫ن ‪ ‬ازداد المعنى الثاني للية رجحانا ً ‪ ،‬بل تعين ذلك المعنى ‪ ،‬لن‬ ‫ُ‬
‫جوَرهُ ّ‬
‫أ ُ‬
‫قت عليه أجرا ً ‪ ،‬إذ ل أجر على‬
‫الرضاع لو كان واجبا ً على الم ‪ ،‬لما استح ّ‬
‫ن الجر على الرضاع إن طلبنه ‪،‬‬‫واجب ‪ ،‬فلما أمر سبحانه وتعالى بإعطائه ّ‬
‫ن مخّيرات في الرضاع ‪ ،‬ل مجبرات عليه ‪.‬‬ ‫د ّ‬
‫ل ذلك على أنه ّ‬

‫‪173‬‬
‫والخلصة ‪:‬‬
‫أن الرضاع حق للم تجاب إليها ‪ ،‬إن طالبت به ‪ .‬وليس واجبا ً عليها ‪،‬‬
‫فل تلزم به إن رفضته ‪ ،‬إل إن تعينت له ‪ ،‬فعندئذ يجب عليها للضرورة ‪.‬‬
‫ما يترتب على كون الرضاع حقا ً ل واجبا ً ‪:‬‬
‫لعلك أدركت مما أوضحنا ‪ ،‬المور التي تترتب على كون الرضاع مجرد‬
‫حق للم ‪ ،‬وأنه ليس واجبا ً عليها ‪.‬‬
‫وهذه المور ‪ ،‬تتلخص فيما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬ل يجوز للزوج إجبار زوجته على إرضاع طفلها ‪ ،‬فإن أجبرها ‪ ،‬فلم‬
‫تستجب لجباره وأمره ‪ ،‬فهي ليست بعاصية ‪ ،‬ول ُتعد ّ ناشزة ‪.‬‬
‫يستثنى من ذلك ‪ ،‬ما لو لم يكن َثمة من يصلح لرضاع الطفل غيرها ‪.‬‬
‫فإن الضرورة عندئذ تقضي بقسرها على الرضاع ‪ ،‬وهي المحافظة‬
‫على حياة الطفل ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪:‬‬
‫يجب على الزوج أن يعطي زوجته الجر حسب الُعرف ‪ ،‬على ما تقوم‬
‫من إرضاع الطفل ‪ ،‬إذا طلبت على ذلك أجرا ً ‪.‬‬
‫فإن لم تطالب بالجر ـ كما هو السائد في أعراف الناس اليوم ـ لم‬
‫يلزم الزوج بدفع الجر ‪ ،‬وسقط حقها في المطالبة ‪ ،‬إن كانت تبرعت به‬
‫وأظهرت له عدم الرغبة فيه ‪.‬‬
‫ما يترتب على الرضاع من القرابة ‪:‬‬
‫إذا أرضعت المرأة طفل ً أجنبيا ً عنها ‪ ،‬صار الطفل ابنها بالرضاع ‪،‬‬
‫وصار زوجها صاحب اللبن أبا ً لذلك الطفل ‪ ،‬وترتب على هذا الرضاع المور‬
‫التالية ‪:‬‬
‫من أرضعته ‪ ،‬ومن كل أنسبائها‬‫أول ً ‪ :‬يحرم على الرضيع التزوج م ّ‬
‫ن لو كانت ُأمه من النسب ‪.‬‬
‫اللئي يحرم عليه التزوج منه ّ‬
‫فيدخل في هذا التحريم ‪:‬‬
‫‪ُ-‬أخت مرضعته ‪ ،‬لنها خالته من الرضاعة ‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫‪-‬وبنت مرضعته ‪ ،‬لنها ُأخته من الرضاعة ‪.‬‬
‫ذكورا ً كانوا أو إناثا ً ‪ ،‬لنه ّ‬
‫ن بنات إخوته ‪ ،‬أو بنات‬ ‫‪-‬وبنات أولد مرضعته ‪ُ ،‬‬
‫أخواته من الرضاعة ‪.‬‬
‫دته من الرضاعة ‪.‬‬
‫‪-‬أم مرضعته ‪ ،‬لنها ج ّ‬
‫وكذلك يحرم على هذا الرضيع التزويج من هؤلء أنفسهم ‪ ،‬إذا كانوا‬
‫أنسباء والده من الرضاعة ‪ ،‬وهو زوج المرضعة ‪ ،‬صاحب اللبن ‪.‬‬
‫فتحرم عليه ‪:‬‬
‫مة الرضيع ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫‪-‬أخت والده من الرضاعة ‪ ،‬لنها ع ّ‬
‫‪-‬وبنت والده من الرضاعة ‪ ،‬ولو من زوجة أخرى ‪ ،‬لنها ُأخت هذا‬
‫الرضيع ‪.‬‬
‫‪-‬وبنات أولد أبيه من الرضاعة ‪ ،‬ذكورا ً كانوا أم إناثا ً ‪ ،‬لنه ّ‬
‫ن بنات أخوة‬
‫الرضيع أو بنات أخواته ‪.‬‬
‫دة الرضيع ‪.‬‬
‫‪-‬وأم أبيه من الرضاعة ‪ ،‬لنها ج ّ‬
‫ثانيا ً ‪ :‬يحرم على المرضع ‪ ،‬وعلى هؤلء النسباء للمرضع جميعا ً التزويج‬
‫درت‬ ‫من الرضيع ‪ ،‬كما أوضـحنا ‪ ،‬والتزويج من فروعه ‪ ،‬لنك لو ق ّ‬
‫أمومة المرضعة للطفل ُأمومة نسب ‪ ،‬كان هؤلء النسباء محّرمات‬
‫عليه فكذلك ُأمومة الرضاع ‪.‬‬
‫فكما ل يتزوج الرضيع من بنت مرضعته ‪ ،‬لنها أخته من الرضاع ‪،‬‬
‫مته من الرضاعة ‪ .‬وهكذا إلى آخرة‬
‫فكذلك ل يتزوج ابن الرضيع منها لنها ع ّ‬
‫‪.‬‬
‫ن التزوج من حواشي‬ ‫ثالثا ً ‪ :‬يجوز للمرضع ‪ ،‬وأنسبائها اللئي ع ّ‬
‫ددنا أسماءه ّ‬
‫مه ‪ ،‬لنهم أجانب عن‬
‫الرضيع ‪ :‬كأخيه ‪ ،‬ومن أصوله ‪ ،‬كأبيه ‪ ،‬وكع ّ‬
‫المرضع وأنسبائها ‪.‬‬
‫الدليل على حرمة الرضاع ‪:‬‬
‫الصل في كل ما ذكرنا ‪ :‬القرآن ‪ ،‬والسّنة ‪:‬‬

‫‪175‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ضعْن َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫مَهات ُك ُ ُ‬
‫م الل ِّتي أْر َ‬ ‫أما القرآن الكريم ‪ :‬فقول الله عز وجل ‪ :‬وَأ ّ‬
‫ضاع َةِ ‪‬‬
‫ن الّر َ‬
‫م َ‬ ‫وات ُ ُ‬
‫كم ّ‬ ‫وَأ َ َ‬
‫خ َ‬
‫] النساء ‪[ 23 :‬‬
‫وأما السّنة ‪ :‬فقول النبي ‪ : ‬فيما رواه البخاري ) ‪ ( 2553‬ومسلم )‬
‫‪ ( 4144‬عن عائشة رضي الله عنها ‪ :‬قال رسول الله ‪ " : ‬إن الرضاعة‬
‫ُتحّرم ما َيحُرم من الولدة "‪.‬‬
‫وفي رواية عند البخاري ) الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬الشهادة على النساب‬
‫…‪ ،‬رقم ‪ ( 2502 :‬ومسلم ) الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬تحريم ابنة الخ من الرضاعة ‪،‬‬
‫رقم ‪ ( 1447 :‬عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال النبي ‪ ‬في‬
‫بنت حمزة رضي الله عنه ‪ " :‬ل تح ّ‬
‫ل لي ‪ ،‬يحرم من الرضاع ما يحرم من‬
‫النسب ‪ ،‬هي بنت أخي من الرضاعة "‪.‬‬
‫ما ً للرضيع ‪ ،‬وأن‬ ‫ُ‬
‫فقد دّلت الية على أن المرضع تصبح بسبب الرضاعة أ ّ‬
‫ابنتها ‪ ،‬تصبح ُأختا ً له ‪.‬‬
‫وأما الحديثان فقد أوضحنا النتائج المترتبة على ذلك ‪ ،‬وهي ‪ :‬أن‬
‫ُأمومة الرضاع بمنزلة ُأمومة النسب ‪.‬‬
‫من تحرم على الولد من أقارب أمه وأخته نسبيا ً ‪ ،‬تحرم عليه‬ ‫فك ّ‬
‫ل َ‬
‫من أقارب أمه أو أخته رضاعا ً ‪.‬‬

‫حرم ‪:‬‬ ‫شروط الرضاع الم ّ‬


‫ل يعتبر الرضاع موجبا ً للقرابة ‪ ،‬ومحرما ً للزواج ‪ ،‬إل إذا يؤثر فيه‬
‫الشرطان التاليان ‪:‬‬
‫الشرط الول ‪ :‬أن يكون الرضيع لم يتم سنتين من عمره عند الرضاع ‪.‬‬
‫فإن أرضعته بعد أن تجاوز الستين من العمر ‪ ،‬لم ُيؤثر هذا الرضاع في‬
‫التحريم ‪ ،‬ولم ُيفد في القرابة شيئا ً ‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫ن َ َ‬ ‫ل ‪  :‬وال ْوال ِدات يرضع َ‬
‫ن‬
‫حوْلي ْ ِ‬ ‫ن أوْل َد َهُ ّ‬
‫َ َ َ ُ ُْ ِ ْ َ‬ ‫ودليل ذلك قول الله عّز وج ّ‬
‫َ‬ ‫كامل َين ل ِم َ‬
‫ة ‪ ] ‬البقرة ‪ . [ 233 :‬وقول الله عّز وج ّ‬
‫ل‬ ‫ضاع َ َ‬
‫م الّر َ‬ ‫َ ِ ْ ِ َ ْ‬
‫ن أَراد َ أن ي ُت ِ ّ‬
‫ن ‪ ] ‬لقمان ‪. [ 14 :‬‬
‫مي ْ ِ‬
‫عا َ‬ ‫صال ُ ُ‬
‫ه ِفي َ‬ ‫‪  :‬وَفِ َ‬
‫] والفصال ‪ :‬هو الفطام ‪ ،‬لنه يفصل فيه الرضيع عن ُأمه [ ‪.‬‬
‫ويستدل لذلك من السّنة أيضا ً ‪ :‬بما رواه الدارقطني ) الرضاع‬
‫ولْين " ‪.‬‬ ‫‪ (4/174‬قال رسول الله ‪ ": ‬ل رضاع َ إل ما كان في ال َ‬
‫ح ْ‬
‫وروى الترمذي ) الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء ] ما ذكر [ أن الرضاعة ل‬
‫تحرم إل في الصغر …‪ ،.‬رقم ‪ (1152 :‬عن أم سلمة رضي الله عنها‬
‫قالت ‪ :‬قال رسول الله ‪ ": ‬ل ُيحّرم من الرضاعة إل فتقَ المعاء في‬
‫الثدي ‪ ،‬وكان قبل الفطام "‪.‬‬
‫فتق المعاء ‪ :‬شقها وسلك فيها ‪ .‬في الثدي ‪ :‬في الثدي ‪ ،‬في زمن‬
‫الرضاع ‪ ،‬قبل الفطام ‪ .‬والفطام يكون في تمام الحولين ‪ ،‬كما في قوله‬
‫ن ‪ ] ‬لقمان ‪[ 14:‬‬
‫مي ْ ِ‬
‫عا َ‬ ‫صال ُ ُ‬
‫ه ِفي َ‬ ‫تعالى ‪  :‬وَفِ َ‬
‫من قال ل رضـاع بعـد حوليـن‬
‫وروى البخاري ) النكاح ‪ ،‬باب ‪َ :‬‬
‫…‪ ،.‬رقم ‪ ، (4814 :‬ومسـلم ) الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬إن الرضاعة من المجاعة ‪،‬‬
‫رقم ‪ (1455 :‬عـن عائشة رضي الله عنها ‪ :‬أن النبي ‪ ‬دخل عليها وعندها‬
‫رجل ‪ ،‬فكأنه تغير وجهه ‪ ،‬كأنه كره ذلك ‪ ،‬فقالت ‪ :‬أنه أخي ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫) انظرن من إ خوانكن ‪ ،‬إنما الراضعة من المجاعة ( ‪.‬‬
‫أي تحرم الرضاعة إذا كانت في الزمن الذي يجوع فيه الطفل‬
‫لفقدها ‪ ،‬ويشبع بها ‪ ،‬وهذا ل يكون إل للصغير ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬أن ترضعه خمس رضعات متفرقات ‪.‬‬

‫وتعتبر الرضاعة منفصلة ‪ ،‬أو غير منفصلة عن الخرى بالُعرف ‪ .‬فلو‬


‫قطع الطفل الرضاع إعراضا ً وشبعا ً ‪ ،‬كان ذلك رضعة مستقلة ‪ ،‬ولو قطعه‬
‫للهو ‪ ،‬مثل ً ‪ ،‬وعاد في الحال ‪ ،‬أو تحول من ثدي إلى ثدي ‪ ،‬ع ُد ّ ذلك رضعة‬
‫واحدة ‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫دليل هذا الحكم ‪ :‬والدليل على ذلك ‪ :‬ما رواه مسلم ) الرضاع ‪ ،‬باب ‪:‬‬
‫التحريم بخمس رضـعات ‪ ،‬رقم ‪ (1452 :‬عن عائشة رضي الله عنها ‪ :‬كان‬
‫فيما نزل من القرآن ‪ :‬عشر رضعات معلومات يحرمن ‪ .‬ثم نسخن بخمس‬
‫معلومات ‪ ،‬فتوفي رسول الله ‪ ‬وه ّ‬
‫ن فيما يقرأ من القرآن ‪.‬‬
‫أي إن نسخها كان متأخرا ً ‪ ،‬حتى إنه توفي ‪ ، ‬وبعض الناس‬
‫مازال يتلوها قرآنا ً ‪ ،‬لنه لم يبلغه النسخ بعد ‪.‬‬
‫صتان ‪ ،‬رقم ‪(1451 :‬‬
‫صة والم ّ‬
‫وروى مسلم ) الرضاع ‪ ،‬باب ‪ :‬في الم ّ‬
‫عن أم الفضل رضي الله عنها ‪ :‬أن نبي الله ‪ ‬قال ‪ " :‬ل تحرم الرضعة أو‬
‫صتان "‪.‬‬
‫صة أو الم ّ‬
‫الرضعتان ‪ ،‬أو الم ّ‬

‫ما يترتب على قرابة الرضاع من أحكام ‪:‬‬


‫يترتب على القرابة الناشئة من الرضاع حكمان اثنان ‪:‬‬
‫حرمة ‪2 .‬ـ حكم يتعلق بالحل ‪.‬‬
‫‪1‬ـ حكم يتعلق بال ُ‬
‫أما الحرمة ‪ :‬فتتعلق بالنكاح ‪.‬‬
‫وأما الحل ‪ :‬فيتعلق بالخلوة والنظر ‪.‬‬
‫فإذا نشأت قرابة الرضاع بين طرفين ‪ ،‬كان لهذه القرابة من التأثير‬
‫على حرمة النكاح مثل ما لقرابة النسب ‪ ،‬ويتفرع عنها كل ما يتفرع عن‬
‫سفلت ‪ ،‬وُأختك‬ ‫ُ‬
‫قرابة النسب من الثار ‪ .‬فأمك وإن ع ََلت ‪ ،‬وبنتك وإن َ‬
‫لبويك ‪ ،‬أو لحدهما ‪ ،‬وعمتك وإن بعدت ‪ ،‬وبنت الخ لبوين ‪ ،‬أو لحدهما ‪،‬‬
‫وبنت الخت لبوين ‪ ،‬أو لحدهما ‪ ،‬محّرمات عليك بسبب هذه القرابة التي‬
‫جاءت عن طريق النسب ‪.‬‬
‫فإن تولدت هذه القرابات عن طريق الرضاع ‪ ،‬ترتب عليها أيضا ً‬
‫التحريم دون أيّ فرق بينهما ‪.‬‬
‫وقد مضى بيان ذلك فل نعيده ‪.‬‬
‫حرمة المصاهرة ‪ ،‬كما هو معلوم ‪ .‬فأم‬ ‫وتتفرع عن قرابة النسب ُ‬
‫الزوجة نسبا ً تحرم على صهرها ‪ ،‬الذي هو زوج ابنتها ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫وكذلك بنت الزوجة نسبا ً ‪ ،‬وزوجة الب نسبا ً ‪ ،‬وزوجة البن نسبا ً ‪.‬‬
‫ن يحرمن على الزوج في المثال الول ‪ ،‬وعلى البن في المثال‬
‫كله ّ‬
‫الثاني ‪ ،‬وعلى الب في المثال الثالث ‪ .‬والسبب هو المصاهرة ‪.‬‬
‫فإذا نشأت هذه القرابات نفسها من رضاع ‪ ،‬أورثت الحكم ذاته ‪،‬‬
‫بالنسبة للمصاهرة ‪.‬‬
‫أي فأم الزوجة من رضاع تحرم على الزوج ‪.‬‬
‫وبنتها من رضاع تحرم عليه أيضا ً ‪.‬‬
‫وزوجة أبيك من رضاع ‪ ،‬وزوجة ابنك من رضاع محّرمتان عليك ‪.‬‬
‫والسبب المصاهرة التي ترتبت على قرابة الرضاع ‪ .‬واعلم أن دليل‬
‫ذلك كله ‪ :‬هو قول النبي ‪ ‬السابق ‪ " :1‬يحرم من الرضاع ما يحرم من‬
‫النسب "‪.‬‬
‫رواه البخاري ) ‪ ، (2502‬ومسلم ) ‪ (1447‬عن ابن عباس رضي الله‬
‫عنهما ‪.‬‬
‫هذا ما يتعلق بأثر التحريم المترتب على قرابة الرضاع ‪.‬‬
‫أما ما يتعلق بأثر الحل ‪:‬‬
‫حل بينك وبين قريبة لك نسبا ً م ّ‬
‫من مضى‬ ‫فبيان ذلك ‪ :‬أن كل ما ي ّ‬
‫من بينك وبينها رضاعة ‪ :‬فيح ّ‬
‫ل بينهما النظر ‪ ،‬كما‬ ‫ذكرهم ‪ ،‬يح ّ‬
‫ل بينك وبين َ‬
‫حرمة بين‬ ‫ل ذلك بين الخ والخت من النسب ‪ ،‬وتح ّ‬
‫ل بينهما الخلوة الم ّ‬ ‫يح ّ‬
‫ل‪.‬‬ ‫الجنبيين ‪ ،‬ويح ّ‬
‫ل لها أن تسافر معه فوق ثلث ليا ٍ‬
‫غير أن هذا الحكم ل يسوغ نظر القريب رضاعة إليها بشهوة ‪ ،‬أو‬
‫نظرها إليه كذلك ‪.‬‬
‫حرم حتى بين أقارب النسب ‪.‬‬
‫لن هذا النظر م ّ‬
‫ولذلك فقد كره متأخرو الفقهاء إرضاع المرأة لغير طفلها بدون‬
‫ضرورة وحاجة ‪.‬‬

‫انظر الدليل على حرمة الرضاع ) صفحة ‪. ( 207 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪179‬‬
‫كما أنهم كرهوا اختلط الذكور والناث الذي جمعتهم قرابة الرضاع ‪،‬‬
‫حرمات مختلفة ‪ ،‬لضعف الوازع‬
‫وذلك بسبب ما قد يتوصل به إلى شرور وم ّ‬
‫الديني ‪ ،‬ولعدم وجود الوازع الفطري الذي يكون بين القريب والقريبة ‪.‬‬

‫سادسا ً ‪ :‬ثبوت النسب‬


‫ب‬‫س ُ‬
‫الن ّ َ‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫النسب ‪ :‬القرابة ‪ .‬والنسب أساس هام لحكام كثيرة متنوعة ‪:‬‬
‫كالرث ‪ ،‬والنكاح حل ّ وحرمة ‪ ،‬والولية ‪ ،‬والوصية ‪ ،‬وغير ذلك ‪ .‬من‬
‫أجل ذلك كان لبد ّ من بيان الدلئل التي يثبت بها النسب ‪ ،‬وضبطها بما ل‬
‫يدع مجال ً لريبة ‪ ،‬أو اضطراب في طريق إثباتها ‪ .‬فكيف يثبت النسب بين‬
‫شخصين ثبوتا ً شرعيا ً ‪ ،‬تترتب بموجبه الحكام الشرعية المتعلقة به ؟ ‪.‬‬
‫مثبتات النسب ‪ :‬يثبت النسب شرعا ً بواحد من الموجبات التالية ‪:‬‬
‫من توافرت فيهم‬
‫الول ‪ :‬الشهادة ‪ :‬ويشترط في الشهادة رجلن م ّ‬
‫مرت هذه الشروط في‬ ‫شروط صحة الشهادة تحمل ً وأداء ‪ ،‬وقد ّ‬
‫النكاح ‪ ،‬فل يثبت النسب بشهادة النساء ‪ ،‬ول بشهادة رجل وامرأتين ‪،‬‬
‫لن النسب فرع من النكاح ‪ ،‬والنكاح مما ل ي ّ‬
‫طلع عليه في الغالب إل‬
‫الرجال ‪ .‬فل تقبل شهادة النساء فيه ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬القرار ‪ :‬وذلك بأن يقّر الرجل أنه والد زيد مثل ً ‪ ،‬أو أن يقّر زيد‬
‫بأنه ابن ذلك الرجل‬
‫شروط صحة القرار ‪:‬‬
‫ل منهما ‪ ،‬ويعُد ّ إقرارا ً ‪ ،‬إذا توفرت في‬
‫وإنما يعتبر هذا الكلم من ك ّ‬
‫الشروط التالية ‪:‬‬
‫ن ‪ ،‬وذلك بأن يكونا في سن يمكن أن‬
‫‪1‬ـ أن ل يكذب هذا القرار الحس َُ‬
‫يكون هذا البن من ذلك الب ‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫فلو كان في سن ل يتصور أن يكون منه ‪ ،‬كأن كان مساويا ً له في‬
‫سن له ‪.‬‬
‫ح هذا القرار ‪ ،‬ولم يثبت به نسب ‪ ،‬لتكذيب الح ّ‬
‫السن لم يص ّ‬
‫‪2‬ـ أن ل يكذب هذا القرار الشرع ُ ‪ .‬وتكذيب الشرع له ‪ :‬أن الولد‬
‫قر ‪ ،‬لن النسب الثابت‬
‫المستلحق بالقرار معروف النسب من غير الم ّ‬
‫دقة المستلحق أم‬
‫من شخص ل ينقل إلى غيره بالقرار ‪ ،‬سواء ص ّ‬
‫غيره ‪.‬‬
‫دق المستحلقُ المق ٌَر‪ ،‬إن كان هذا المستلحق أهل ً للتصديق ‪ ،‬بأن‬
‫‪3‬ـ أن يص ّ‬
‫يكون مكلفا ً ‪ ،‬لن له حقا ً في نسبه ‪ ،‬وهو أعرف به من غيره ‪.‬‬
‫جر المقر بهذا القرار نفعا ً إلى نفسه ‪ ،‬أو يدفع عنها به ضررا ً ‪،‬‬
‫‪4‬ـ أن ل ي ّ‬
‫دعاء ‪،‬‬‫فإن استلزم واحدا ً منهما ‪ ،‬لم ُيعد يسمى كلمه إقرارا ً ‪ ،‬بل هو ا ّ‬
‫ول يقبل الدعاء إل إذا ثبت ببينه من شهادة ونحوها ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪:‬‬
‫أن يقول عن شاب مات عن ثروة من المال ‪ :‬إنه ابني ‪ ،‬فل يقبل‬
‫مْغرما ً ‪،‬‬
‫كلمه ‪ ،‬ول يعتبر إقرارا ً ‪ ،‬ول شهادة ‪ ،‬لن القرار من شأنه أن يجّر َ‬
‫أو مسؤولية على المقّر ‪.‬‬
‫ولن الشهادة إنما تعتبر حيث ل تستلزم نفعا ً للشاهد ‪ ،‬ول تدفع عنه‬
‫ضررا ً ‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما جاء عن رسول الله ‪ ‬أنه ل تجوز شهادة ال ّ‬
‫ظنين ‪.‬‬
‫الترمذي ) الشهادات ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء فيمن ل تجوز شهادته ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪. (2299‬‬
‫والظّنين ‪ :‬المتهم ‪ .‬والجاّر إلى نفسه نفعا ً ‪ ،‬والدافع عنها ضررا ً‬
‫متهمان ‪.‬‬
‫لدعاء ‪ ،‬وا ّ‬
‫لدعاء ل يقبل إل إذا عّزرته‬ ‫وإنما يدخل هذا الكلم عندئذ في ا ّ‬
‫البّينة المعتبرة شرعا ً ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن يشهد شاهدان عدلن بصدق كلمه ‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫الثالث ‪ :‬الستفاضة ‪ :‬وصورة الستفاضة ‪ :‬أن ينتسب الشخص إلى رجل ‪،‬‬
‫أو قبيلة ‪ ،‬والناس في تلك البلدة ينسبونه إلى ذلك الشخص ‪ ،‬أو تلك القبيلة‬
‫‪ ،‬دون وجود مخالف ‪ ،‬ودون أن ُيحد ّ ذلك في فترة قصيرة من الزمن ‪.‬‬
‫فهذه الستفاضة تنزل منزلة الشهادة الصحيحة ‪ ،‬وتعتبر دليل ً شرعيا ً‬
‫على صحة المر ‪.‬‬
‫بشرط أن يكون الناس ـ الذين استفاض عنهم وبينهم ذلك ـ قد بلغوا‬
‫من الكثرة مبلغا ً ‪ ،‬يحيل العقل اتفاقهم على الكذب ‪.‬‬
‫والسبب في تنزيل الستفاضة في ثبوت النسب منزلة الشهادة‬
‫الصحيحة ‪ :‬أن النسب من المور الثابتة المستمرة مع توالي الجيال ‪ ،‬فإذا‬
‫ست الحاجة إلى إثباتها‬
‫سَر إقامة البّينة على ابتدائها ‪ ،‬فم ّ‬
‫طالت مدتها ع َ ُ‬
‫بالستفاضة ‪.‬‬
‫وقد كان الصحابة رضي الله عنهم ينتسبون عند رسول الله ‪ ‬إلى‬
‫قبائلهم ‪ ،‬وأجدادهم ‪ ،‬فما كان ـ ‪ ‬ـ يطالبهم بالشهود الذي يثبتون‬
‫النكاح رؤية بالعين ‪ .‬بل كان يكتفي باستفاضة الخير بين الناس ‪ ،‬دون‬
‫وجود مخالف ‪ .‬وكانت الحكام تبنى على ذلك ‪.‬‬
‫ثبوت الرضاعة ‪:‬‬
‫لقد علمت سابقا ً أن الرضاعة لها حكم النسب في التحريم ‪ .‬فكذلك‬
‫لها حكم النسب في طرق الثبوت ‪ .‬فتثبت الرضاعة من المثبتات الثلثة‬
‫السابقة ‪:‬‬
‫الشهادة ‪ ،‬القرار ‪ ،‬الستفاضة ‪.‬‬
‫غير أن شهود الرضاعة ‪ ،‬ل يشترط فيهم أن يكونوا ذكورا ً ‪ ،‬كشهود‬
‫النسب ‪.‬‬
‫بل تجوز في الرضاع شهادة النساء فقط ‪ ،‬لن الرضاعة مما يغلب أن‬
‫تطلع عليها النساء‬
‫وبناءً على ذلك ‪ ،‬فالشهادة المقبولة في ثبوت الرضاع هي ‪:‬‬
‫أ ـ شهادة رجلين عدلين ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫ب ـ شهادة رجل عدل ‪ ،‬وامرأتين عادلتين ‪.‬‬
‫ج ـ شهادة أربع نسوة عادلت ‪.‬‬
‫الحكام المتعلقة بالنسب ‪:‬‬
‫إذا عرفت ما تقدم ‪ ،‬فاعلم أن هناك أحكاما ً كثيرة تترتب على ثبوت‬
‫النسب بين شخصين‬
‫نذكر منها ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أحكام النكاح حل ّ وحرمة‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أحكام الفقه ‪ ،‬وتنسيق المسؤوليات المتعلقة بها ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الولية ودرجاتها ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬الميراث ‪ ،‬وتوزيع النصباء ‪ ،‬وتنسيق درجات الوارثين ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬الوصية وأحكامها من صحة وبطلن ‪ ،‬فإن كثيرا ً من أسباب‬
‫ذلك إنما يعود إلى النسب ‪ ،‬وإلى معرفة ‪ :‬هل الموصى له وارث ‪ ،‬أو‬
‫غير موروث ‪.‬‬
‫هذا عرض مختصر لهم الحكام المترتبة على ثبوت النسب ‪ .‬ومثل‬
‫النسب في بعض هذه الحكام الرضاع ‪.‬‬
‫ل منا بابا ً خاصا ً به ‪ ،‬بعض هذه‬
‫أما مجال تفصيل هذه الحكام ‪ ،‬فإن لك ّ‬
‫البواب قد مّر ذكرها ‪ ،‬وبعضها يأتي بحثه إن شاء الله تعالى ‪ ،‬وإننا نحيل‬
‫إليه تفصيل القول في ذلك ‪ ،‬والله سبحانه وتعالى أعلم ‪.‬‬

‫م الل ّ ِ‬
‫قيط ‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫كا ُ‬ ‫عا ‪ :‬أ ْ‬
‫ساب ً‬
‫َ‬
‫قي ُ‬
‫ط‬ ‫الل ّ ِ‬
‫تعريف اللقيط ‪:‬‬
‫اللقيط ‪ :‬على وزن فعيل ‪ ،‬بمعنى مفعول ‪ :‬كقتيل بمعنى مقتول ‪.‬‬
‫واللقيط ‪ ،‬والملقوط ‪ ،‬والمنبوذ ‪ :‬أسماء تطلق على الطفل الموجود‬
‫دعيه ‪.‬‬ ‫مطروحا ً في شارع ونحوه ‪ ،‬وليس ث َ ّ‬
‫مة من ي َ ّ‬
‫الدلة على تشريع أخذ اللقيط ‪:‬‬

‫‪183‬‬
‫الصل في التقاطه وأخذه ‪ ،‬وتشريع أحكامه دلئل عامة كثيرة في‬
‫القرآن والسنة ‪:‬‬
‫ن‪‬‬‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬‫خي َْر ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ل ‪َ  :‬وافْعَُلوا ال ْ َ‬
‫أما القرآن ‪ :‬فقول اله عّز وج ّ‬
‫وى ‪‬‬ ‫ق َ‬ ‫] الحج ‪ . [77 :‬وقوله سبحانه وتعالى ‪  :‬وَت ََعاوَُنوا ْ ع ََلى اْلبّر َوالت ّ ْ‬
‫ها‬
‫حَيا َ‬ ‫ل جلله في النفس البشرية ‪  :‬وم َ‬ ‫] المائدة ‪ [ 2 :‬وقوله ج ّ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ميعا ً‪ ] ‬المائدة ‪. [ 32 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ج ِ‬
‫س َ‬
‫حَيا الّنا َ‬ ‫فَك َأن ّ َ‬
‫ما أ ْ‬
‫وأما السّنة ‪ :‬فما رواه مسلم ) الذ ِ ْ‬
‫كر والدعاء والتوبة ‪ ،‬باب ‪ :‬فضل‬
‫الجتماع على تلوة القرآن ‪ ،..‬رقم ‪ ( 2699 :‬وغيره عن أبي هريرة ‪ ‬قال‬
‫فس‬ ‫‪ :‬قال رسول الله ‪ " : ‬من ن ّ‬
‫فس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ‪ ،‬ن ّ‬
‫سر الله عليه‬
‫سر على مُعسر ي ّ‬ ‫من ي ّ‬
‫الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ‪ ،‬و َ‬
‫من ستر مسلما ً ‪ ،‬ستره الله في الدنيا والخرة ‪ ،‬والله‬ ‫في الدنيا والخرة ‪ ،‬و َ‬
‫في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه "‪.‬‬
‫من يعول يتيما ً ‪ ،‬رقم ‪(5679 :‬‬
‫وروى البخاري ) الدب ‪ ،‬باب ‪ :‬فضل َ‬
‫عن سهل بن سعد ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ ": ‬أنا وكافل اليتيم في‬
‫دة القرب‬
‫الجنة هكذا " وأشار بإصبعيه ‪ :‬السّبابة والوسطى إشارة إلى ش ّ‬
‫بينهما ‪.‬‬
‫وروى الترمذي ) الّبر والصلة ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء في رحمة الناس ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 1923‬وغيره عن جرير بن عبدالله ‪ ‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪َ ": ‬‬
‫من ل‬
‫مه الله "‪.‬‬
‫يرحم ِ الناس ل يرح ْ‬
‫حكم أخذ اللقيط ‪:‬‬
‫إذا وجد لقيط بقارعة الطريق ‪ ،‬ول كافل معلوم له ‪ ،‬فأخذه وتربيته‬
‫من وجده ‪.‬‬ ‫وكفالته ‪ ،‬فرض على الكفاية ‪ ،‬على ك ّ‬
‫ل َ‬
‫فإذا أهمل ‪ ،‬وبقي في مكانه الذي وجد فيه ‪ ،‬أثم جميع أهل تلك البلدة‬
‫‪ ،‬أو المنطقة ‪ ،‬أو القرية الذي عملوا بوجوده ‪.‬‬
‫وإذا التقطه أحدهم ‪ ،‬واهتم بتربيته ‪ ،‬والنظر في شأنه ‪ ،‬ارتفع الثم‬
‫عن الجميع ‪.‬‬
‫‪184‬‬
‫س أ َْو‬ ‫فسا ً ب ِغَي ْرِ ن َ ْ‬
‫ف ٍ‬ ‫من قَت َ َ‬
‫ل نَ ْ‬ ‫ه َ‬
‫َ‬
‫ل ‪  :‬أن ّ ُ‬‫ودليل ذلك قول الله عّز وج ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل الناس جميعا ً وم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫حَيا الّنا َ‬‫ما أ ْ‬ ‫ها فَك َأن ّ َ‬‫حَيا َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ض فَك َأن ّ َ‬
‫ما قَت َ َ ّ َ َ ِ‬ ‫فَ َ‬
‫ساد ٍ ِفي الْر ِ‬
‫ميعا ً ‪ ] ‬المائدة ‪ [ 32 :‬وقتل النفس كما يكون بالعتداء اليجابي على‬
‫ج ِ‬
‫َ‬
‫حياتها ‪ ،‬فإنه يكون بمنع المسعفات عنها ‪ ،‬مع قدرته على ذلك ‪.‬‬
‫الشهاد على أخذ اللقيط ‪:‬‬
‫من وجد طفل ً مطروحا ً في مكان ‪ ،‬وأخذه ليكفله ويربّيه ‪ ،‬وجب عليه‬
‫و َ‬
‫أن يشهد على التقاطه ‪ ،‬وأخذه ‪ ،‬حفاظا ً على حريته ‪ ،‬ونسبه ‪ ،‬ويجب‬
‫الشهاد أيضا ً على ما معه من مال ‪ ،‬إن وجد الملتقط معه مال ً ‪ .‬دفعا ً‬
‫للتهمة ‪ ،‬وضمانا ً لحقّ اللقيط في ماله ‪ ،‬ولو كان الملتقط عدل ً أمينا ً‬
‫شروط بقاء اللقيط مع ملتقطه ‪:‬‬
‫كان ما ذكرنا سابقا ً هو حكم أخذ اللقيط ‪ ،‬وقد علمت أنه فرض كفاية‬
‫على جميع المسلمين حيث وجد اللقيط ‪ ،‬دون قيد أو شرط ‪.‬‬
‫فإذا أخذ اللقيط واحد من الناس أيا ً كان ‪ ،‬فقد ارتفع بذلك الفرض‬
‫الكفائي عن سائرهم ‪.‬‬
‫إل أنه ل يجوز إبقاء اللقيط عند هذا الذي التقطه إل بشروط أربعة ‪:‬‬
‫قر اللقيط عند الكافر ‪ ،‬إل إذا كان اللقيط‬
‫الشرط الول ‪ :‬السلم ‪ :‬فل ي ّ‬
‫محكوما ً بكفره ‪ ،‬كأن عرف بطريقة ما أن أبويه كافران ‪ ،‬فل مانع‬
‫عندئذ من إبقائه عنده ‪.‬‬
‫عرف بالفسق ‪،‬‬
‫من ُ‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬العدالة ‪ :‬فل يجوز إبقاء اللقيط عند َ‬
‫ويعطى لمن ثبتت عدالته وأمانته ‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬الرشد ‪ :‬فلو التقطه غير رشيد ‪ ،‬بأن كان دون سن‬
‫الرشد ‪ ،‬انتزع منه ‪ .‬ومنه السفيه الذي طرأ عليه السفه بعد الرشد ‪،‬‬
‫إذا كان محجورا ً عليه ‪ ،‬فل يجوز إقرار اللقيط عنده ‪.‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬القامة ‪ :‬فلو عزم الملتقط على السفر به إلى مكان‬
‫ما ‪ ،‬وجب انتزاعه منه ‪ ،‬إذ ل يؤمن أن يسترّقه ‪ ،‬أو يغدر به ‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫وإنما يراعي هذه الشروط ‪ ،‬وُيبقى أو ينتزع اللقيط على أساسها‬
‫ي له ‪.‬‬
‫القاضي أو الحاكم ول ّ‬
‫مح ّ‬
‫كم في ولية الملتقط ‪ ،‬والنظر في صلحيته‬ ‫فلبد ّ أن يكون هو ال ُ‬
‫لذلك ‪.‬‬
‫نفقات اللقيط ‪:‬‬
‫إذا أخذ أحد اللقيط ‪ ،‬وُأقر في يده ‪ ،‬لتوفر الشروط التي ذكرناها‬
‫فيه ‪ ،‬فإنه ينظر ‪:‬‬
‫‪1‬ـ فإما أن يكون في حوزة اللقيط مال ‪.‬‬
‫‪2‬ـ أو ليس في حوزته مال ‪.‬‬
‫فإن وجد في حوزته مال ‪ ،‬اعتبر هذا المال ملكا ً له ‪ ،‬لنه صاحب اليد‬
‫عليه ‪ ،‬ول يوجد منازع فيه ‪ ،‬وأنفق عليه من ماله ‪ .‬وعندئذ ينفق الحاكم‬
‫عليه من ذلك المال ‪ ،‬وذلك بأن يأذن للملتقط الذي يرعى شأنه ‪ ،‬بأن‬
‫يصرف منه على مصالحه ‪ ،‬واحتياجاته ‪ .‬فلو استقل الملتقط بالنفاق على‬
‫اللقيط من ذلك المال ‪ ،‬دون إذن للحاكم ‪ ،‬أو القاضي ‪ ،‬ضمن ذلك المال ‪،‬‬
‫وكّلف برد قدره إلى حوزة الطفل ‪.‬‬
‫ي الوديعة عليه‬
‫كما لو كان لليتيم وديعة عند الولي ‪ ،‬فصرف الول ّ‬
‫بدون إذن الحاكم ‪ ،‬فإنه يضمنها ‪ ،‬ويكّلف بإعادة مثلها ‪ ،‬أو قيمتها إلى حوزة‬
‫اليتيم ‪.‬‬
‫وإنما توقف صرف هذا المال على إذن الحاكم ‪ ،‬لن ولية المال ل‬
‫تثبت لقريب ‪ ،‬غير الب والجد ‪ ،‬فضل ً عن الجنبي الذي ل تربطه بالطفل‬
‫أي قرابة ‪.‬‬
‫ي له ‪ ،‬كان هو‬
‫من ل ول ّ‬
‫ي المطلق لكل َ‬
‫ولما كان الحاكم هو الول ّ‬
‫المرجع في التصرفات المختلفة بماله ‪.‬‬
‫فإما أن ينفق هو عليه مباشرة ‪ ،‬أو يأذن بالنفاق منه للملتقط الذي‬
‫استحق الولية عليه ‪.‬‬
‫نفقة اللقيط في بيت المال إن لم يكن لديه مال ‪:‬‬

‫‪186‬‬
‫وإن لم يوجد في حوزة اللقيط مال ‪ ،‬فنفقة ‪ ،‬وجوبا ً في بيت مال‬
‫المسلمين ‪ ،‬من سهم المصالح العامة ‪ ،‬لن بيت المال مرصود لذلك ‪.‬‬
‫وقد روي ‪ :‬أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار الصحابة في‬
‫نفقة اللقيط ‪ ،‬فأجمعوا على أنها في بيت المال ‪.‬‬
‫ويدخل اللقيط ـ إذا لم يكن له مال ـ في عموم قول النبي ‪ ": ‬من‬
‫ترك مال ً فلورثته ‪ ،‬ومن ترك كل فإلي "‪ .‬وفي رواية ‪ ":‬ومن ترك دينا ً أو‬
‫ضياعا ً فليأتني ‪ ،‬فأنا موله "‪.‬‬
‫من ترك دينا ً ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫رواه البخاري ) الستقراض ‪ ،‬باب‪ :‬الصلة على َ‬
‫‪2268‬ـ ‪ ، (2269‬ومسلم ) الفرائض ‪ ،‬باب ‪ :‬من ترك مال ً فلورثته ‪ ،‬رقم ‪:‬‬
‫‪ ( 1619‬عن أبي هريرة ‪. ‬‬
‫] والمراد بالكل ‪ :‬العيال الفقراء ‪ .‬ضياعا ً ‪ :‬ضائعا ً ليس له شيء ‪ .‬فإّلي ‪ :‬أنا‬
‫أعوله وُأنفق عليه [ ‪.‬‬
‫هل يرجع الحاكم بالنفقة على اللقيط إذا كبر ؟‬
‫هذا ‪ ،‬ول يرجع الحاكم بهذه النفقة التي أنفقها على اللقيط من بيت‬
‫مال المسلمين ‪ ،‬عند كبر اللقيط وغناه ‪ ،‬لنه هذه النفق ل ُتصرف عليه دينا ً‬
‫‪ ،‬بل استحقاقا ً ‪ ،‬كما ينفق الزوج على زوجته ‪ ،‬والوالد على أولده "‪.‬‬
‫حكم النفقة على اللقيط إذا لم يكن في بيت المال مال ‪:‬‬
‫وإذا لم يكن في بيت مال المسلمين ما يكفي لنفقات اللقيط ‪ ،‬لكثرة‬
‫اللقطاء مثل ً ‪ ،‬أو لوجود مصارف أهم من النفاق على اللقطاء ‪ ،‬وجب على‬
‫الحاكم أن يستقرض من الغنياء ‪ ،‬على ذمة الدولة ‪ ،‬ما يكفي لسد ّ حاجات‬
‫دد القرض لصحابه عند اليسر ‪.‬‬
‫اللقيط ‪ ،‬ويس ّ‬
‫الهتمام باللقيط ‪:‬‬
‫شارع ج ّ‬
‫ل جلله ‪ ،‬يضع‬ ‫لحظت من خلل الحكام التي ذكرناها ‪ ،‬أن ال ّ‬
‫مسؤولية رعاية اللقطاء ‪ ،‬وتربيتهم والعناية بهم في أعلى درجات الخطورة‬
‫والهمية ‪.‬‬
‫ضيع بينهم لقيط واحد ‪.‬‬
‫فالمسلمون كلهم آثمون إن ُ‬
‫‪187‬‬
‫والدولة آثمة أيضا ً ‪ ،‬إن هي أهملت النظر في أمره ‪ ،‬ولم تعو ّ‬
‫ضه عن‬
‫دين على‬
‫رعاية الوالد ‪ ،‬وحنان الم ‪ ،‬بالقدر الممكن ‪ ،‬ويفرض ال ّ‬
‫الدولة أن تستقرض من أغنياء المسلمين ‪ ،‬إن هي أعسرت ‪ ،‬ولم تجد‬
‫سبيل ً للنفاق عليه ‪.‬‬
‫وغ تبَنيه ‪:‬‬
‫تربية اللقيط ل تس ّ‬
‫ق‬
‫وغ تبّنيه ‪ ،‬واختل َ‬
‫هذا الترغيب في تربية اللقيط ‪ ،‬والهتمام به ل يس ّ‬
‫نسب بين اللقيط ‪ ،‬وأي رجل أو امرأة من الناس ‪ ،‬مربيا ً كان أو غيره ‪.‬‬
‫شارع بين المرين فصل ً حاسما ً ‪:‬‬
‫لقد فصل ال ّ‬
‫أما الرعاية ‪ ،‬والعناية ‪ ،‬والتربية ‪ ،‬فكل ذلك واجب ‪ ،‬ومصدر ذلك‬
‫الخوة السلمية ‪ ،‬والرحم النساني ‪ .‬وأما التبني ‪ ،‬وهو ما نعبر عنه ‪:‬‬
‫باختلق النسب ‪ ،‬فمحرم باطل ‪ .‬لن مصدر النسب ولدة أو نكاح ‪ ،‬وليس‬
‫بين اللقيط ومن يريد أن يتبناه شيء من ذلك ‪.‬‬
‫ولن البّنوة لها حق في الميراث ‪ ،‬وعليها واجب في ذلك ‪ ،‬ولها حق‬
‫في النفاق ‪ ،‬وعليها واجب في ذلك ‪.‬‬
‫ولنها أساس في تحريم النكاح ‪ ،‬وح ّ‬
‫ل النظر والخلوة والختلط ‪ .‬فإذا‬
‫قيس التبني عليها ‪ ،‬وجاز اعتبار اللقيط ابنا ً لمن تبناه ‪ ،‬كان في ذلك ظلم‬
‫لمن سيشركهم في ميراثهم ‪ ،‬وظلم له ولورثته الحقيقيين عندما يتقاسم‬
‫أقاربه المزيفون ميراثه من دونهم ‪ ،‬أو يشاركونهم فيه ‪.‬‬
‫خلق والفضيلة عندما يفرض قانون الخوة بينه‬
‫وكان في ذلك ظلم لل ُ‬
‫وبين من ليست أختا ً له بحال ‪ ،‬أن يخالطها مخالطة الشقيق ‪ ،‬وهو أجنبي‬
‫حرمة عليه ‪.‬‬
‫قه في الزواج منها ‪ ،‬وهي غير م ّ‬
‫عنها ‪ ،‬ويمنع ح ّ‬
‫من أجل ذلك كله حّرم الله تعالى التبّني ‪ ،‬الذي هو اختلق نسب غير‬
‫موجود ‪ ،‬ثم إعطاؤه جميع الحقوق والحكام الثابتة لرابطة النسب ‪.‬‬
‫قق مصلحة اللقيط ‪ ،‬وهو‬
‫وشّرع الدين ما ُيعني عن التبّني ‪ ,‬ويح ّ‬
‫مبدأ الرعاية والعناية ‪ ،‬والتربية له ‪ .‬وحمل المسلمين في ذلك أخطر‬
‫المسؤوليات ‪ ،‬وأهمها ‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫حرمة التبّني ‪:‬‬
‫دليل ُ‬
‫ل‬
‫ج ٍ‬ ‫ه ل َِر ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬‫جعَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل‪ّ :‬‬ ‫حرمة التبّني ‪ ،‬قول الله عّز وج ّ‬ ‫دل على ُ‬ ‫وي ّ‬
‫ظاهرون منه ُ‬ ‫من قَل ْبين في جوفه وما جع َ َ‬
‫ما‬‫م وَ َ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬‫نأ ّ‬ ‫م الّلِئي ت ُ َ ِ ُ َ ِ ْ ُ ّ‬ ‫جك ُ ُ‬ ‫ل أْزَوا َ‬ ‫َ ْ ِ ِ َ َ َ َ‬ ‫َْ ِ ِ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫عياءك ُ َ‬ ‫جع َ َ‬
‫دي‬ ‫حقّ وَهُوَ ي َهْ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬‫م َوالل ّ ُ‬‫واه ِك ُ ْ‬ ‫كم ب ِأفْ َ‬ ‫م قَوْل ُ ُ‬ ‫م ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫م أب َْناءك ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ل أد ْ ِ َ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫موا آَباءهُ ْ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫عند َ الل ّهِ فَِإن ل ّ ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م هُوَ أقْ َ‬ ‫م ِلَبائ ِهِ ْ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ل}‪ {4‬اد ْ ُ‬ ‫سِبي َ‬‫ال ّ‬
‫ْ‬
‫ما‬ ‫كن ّ‬ ‫خط َأُتم ب ِهِ وَل َ ِ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫ح ِفي َ‬ ‫جَنا ٌ‬
‫م ُ‬ ‫س ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫م وَل َي ْ َ‬ ‫واِليك ُ ْ‬ ‫م َ‬‫ن وَ َ‬ ‫دي ِ‬‫م ِفي ال ّ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬
‫خ َ‬‫فَإ ِ ْ‬
‫حيما ً ‪ ] ‬الحزاب ‪4 :‬ـ ‪. [5‬‬ ‫فورا ً ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت قُُلوب ُك ُ ْ‬ ‫مد َ ْ‬ ‫ت َعَ ّ‬
‫انحراف وعود إلى الجاهلية ‪:‬‬
‫هذا ولقد عاد الناس أدراجهم إلى الجاهلية ‪ ،‬فنجد بعض أولئك الذين‬
‫لم يولد لهم يذهبون إلى دور اللقطاء ‪ ،‬فيختارون لقيطا ً يدعونه ولدا ً ‪،‬‬
‫ويثبتون نسبه لهم في السجلت المدنية ‪ ،‬فيقعون في معصية الله عّز وج ّ‬
‫ل‬
‫ويرتكبون أسوء ما نهى الله عنه من تحليل الحرام وتحريم الحلل ‪ ،‬إذ‬
‫يخالفون صريح القرآن وصحيح السّنة في تحريم التبني ومنعه ‪ ،‬بل إن ما‬
‫يفعله هؤلء أشد مما كان يفعله أهل الجاهلية لن أولئك كانا يعلنون أن هذا‬
‫دعون‬
‫متبنى وليس بولد حقيقي ‪ ،‬بينما هؤلء الناس يطمسون الحقيقة وي ّ‬
‫أنه ولد حقيقي لهم ‪ ،‬وبهذا ُيدخلون على ا لسرة من ليس منها ‪ ،‬فيخالط‬
‫ن محارم له ‪،‬‬
‫هذا الدعي النساء الجنبيات في السرة المدعية على أنه ّ‬
‫ن حلل له ‪ ،‬وإنما يحرم‬
‫ن على أساس ذلك ‪ ،‬ينما ه ّ‬
‫ويمنع من الزواج منه ّ‬
‫ن كمحارم ‪.‬‬
‫ن العيش معه ّ‬‫عليه مخالطته ّ‬
‫وأيضا ً بسببه ُيحرم من الميراث مستح ّ‬
‫قه ‪ ،‬ويأخذ هو مال غيره‬
‫بالباطل ‪ ،‬وما إلى ذلك من مفاسد يقع فيا هؤلء الجّهال العصاة ‪ ،‬عن سوء‬
‫قصد أو بدون قصد ‪ ،‬فيقعون في غضب الله تعالى ‪ ،‬ويستحقون شديد‬
‫عقابه يوم القيامة ‪ ،‬وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ً ‪.‬‬
‫دد خطانا لما فيه مرضاته ‪ ،‬والحمد‬
‫والله تعالى المسؤول أن يس ّ‬
‫ب العالمين ‪.‬‬
‫لله ر ّ‬
‫*************‬

‫‪189‬‬
‫فهــــــــرس‬
‫الصفحــة‬
‫‪1‬‬ ‫مقدمة ‪--------------------------------------- :‬‬
‫‪2‬‬ ‫أول ً ‪ :‬النكاح وما يتعلق به وما يشبهه ‪------------------- :‬‬
‫‪2‬‬ ‫تمهيد ‪--------------------------------------- :‬‬
‫‪3‬‬ ‫النكاح ‪ :‬تعريفه ‪ ،‬مشروعيته و حكمه والترغيب به ‪------------ :‬‬
‫‪8‬‬ ‫حكم النكاح شرعا ً ‪-------------------------------- .‬‬
‫مكانة السرة في السلم ورعايته لها ‪--------------------.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪14‬‬ ‫النساء اللتي يحرم نكاحهن ‪-------------------------- .‬‬
‫حكم تعدد الزوجات والحكمة من مشروعيته ‪---------------- .‬‬
‫‪22‬‬
‫مقدمات الزواج ‪ :‬صفات الزوجين ‪ ،‬الخطبة ‪---------------- .‬‬
‫‪27‬‬
‫أركان عقد النكاح والتعريف بكل ركن ‪ ،‬وبيان شروطه ‪--------- .‬‬
‫‪41‬‬
‫الصداق ‪ :‬أحكامه ـ المتعة ـ المغالة في المهور ‪----------- .‬‬
‫‪63‬‬
‫‪78‬‬ ‫عقد الزواج ‪ ،‬وما يترتب عليه ‪----------------------- .‬‬
‫‪81‬‬ ‫سنن عقد الزواج ‪-------------------------------- .‬‬
‫‪83‬‬ ‫الوليمة ‪-------------------------------------- .‬‬
‫القسم بين الزوجات وما يتعلق بذلك ‪--------------------- .‬‬
‫‪88‬‬
‫‪92‬‬ ‫النشوز ‪------------------------------------- .‬‬

‫‪190‬‬
‫العيوب التي يترتب عليها فسخ النكاح والثار المترتبة على ذلك‬
‫‪97‬‬ ‫‪----- .‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الطلق وما يتعلق به ويشبهه ‪--------------------- .‬‬
‫‪103‬‬
‫الطلق ‪ :‬تعريفه ومشروعيته وأنواعه ‪-------------------- .‬‬
‫‪103‬‬
‫‪114‬‬ ‫الخلع و أحكامه ‪---------------------------------- .‬‬
‫‪116‬‬ ‫شروط صحة الطلق ووقوعه ‪------------------------ .‬‬
‫‪126‬‬ ‫أحكام الرجعة ‪----------------------------------- .‬‬
‫‪130‬‬ ‫مشبهات الطلق ‪---------------------------------- .‬‬
‫‪131‬‬ ‫اليلء ‪---------------------------------------- .‬‬
‫‪133‬‬ ‫الظهار ‪--------------------------------------- .‬‬
‫‪137‬‬ ‫اللعان ‪--------------------------------------- .‬‬
‫‪144‬‬ ‫العدة ‪---------------------------------------- :‬‬
‫‪155‬‬ ‫ثالثا ً ‪ :‬النفقات وما يتعلق بها ‪------------------------- .‬‬
‫‪155‬‬ ‫النفقات ‪-------------------------------------- .‬‬
‫‪178‬‬ ‫رابعا ً ‪ :‬الحضانة ‪--------------------------------- .‬‬
‫‪188‬‬ ‫خامسا ً ‪ :‬الرضاع وأحكامه ‪--------------------------- .‬‬
‫‪188‬‬ ‫الرضاع ‪-------------------------------------- .‬‬
‫‪198‬‬ ‫سادسا ً ‪ :‬ثبوت النسب ‪------------------------------ .‬‬
‫‪202‬‬ ‫سابعا ً ‪ :‬أحكام اللقيط ‪-------------------------------- .‬‬
‫‪202‬‬ ‫اللقيط ‪--------------------------------------- .‬‬
‫‪213‬‬ ‫الفهرس ‪---------------------------------------‬‬

‫‪191‬‬

You might also like