You are on page 1of 40

‫جامعة كابل‬

‫كلية الشريعة‬
‫المرحلة الماجستير‬
‫قسم ) الشريعة والقانون (‬

‫محاضرات في مادة‪:‬‬

‫نظام الأسرة فى السلم‬

‫إعداد الستاذ ‪ :‬عبدرب الر سول سياف‬


‫العام الدراسي‪1389 :‬هـش‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫‪2‬‬

‫الحمـد لـ رب العـالمين والصــلة والســلم علــي سـيدنا رســول الـ وعلـى آلـه وصـحبه ومـن بهـديه‬
‫اهتدى ‪ ....‬وبعد‪:‬‬
‫فإن المادة التي نحن بصدد دراستها هي نظام السرة في السلم وهذه المادة تشكل جانبا مــن جــوانب‬
‫الفقه السلمي الشريف الواسع الذي يشمل جميع ما يتعلق بحياة المسلم الفردية والجتماعية ويعالــج‬
‫مشاكله ويجيب على السئلة والمستجدات التى تعتري طريق حياته‪.‬‬
‫وبما أن الفقه السلمي يشكل جانبا كبيرا مما شرع ال لعباده يجدر بنــا أن نعــرف بالختصــار معنــى‬
‫الشرع فالفقه ثم ندخل فی موضوع بحثنا وقبل ذلك نحتــاج إلــى معرفــة معنــى الســلم ومعنــى الــدين‬
‫حتى نكون قد دخلنا البيوت من أبوابها ولذلك فنبدا بمشيئة ال بتعريــف الســلم ثــم نواصــل بــالترتيب‬
‫في تعريف الدين والشرع أو الشريعة والفقه ثم ندخل في إطار البحث عن نظام السرة في السلم‪.‬‬
‫السلم في اللغة ‪ :‬النقياد والتسليم والتوجه ‪.‬‬
‫عّرف بتعريفات عديدة منها‪:‬‬ ‫والسلم في الصطلح ُ‬
‫‪ -1‬السلم ‪ :‬هو النقياد لمر المر ونهيه بل اعتراض‪.‬‬
‫‪ -۲‬السلم ‪ :‬هو كل ماجاء به رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ربه وكلف بتبليغه‪.‬‬
‫‪ -3‬السلم هو تسليم العبد نفسه لربه في كل مايتعلق بدينه ودنياه عن رضا نفســه وطيــب خــاطره بل‬
‫قيد وشرط‪.‬‬
‫الدين‪:‬‬
‫الدين في اللغة ‪ :‬النقياد والطاعة والملة والمذهب ‪.‬‬
‫وفي الصطلح ‪ :‬هو اسم لجميع مايعبد به ال سبحانه وتعالي‪.‬‬
‫وعرفه البعض بأنه ‪ :‬إتباع الرسل فيما بعثهم ال به فی کل حين حتى ختمــوا بمحمــد صــلى ال ـ عليــه‬
‫وسلم ‪ ،‬الذي هو خاتم النبيين ودينه الكامل هو آخر الأديان ‪.‬‬
‫الشرع ‪:‬‬
‫الشرع من شرع يشرع شرعا بفتح العيـن فــي مضــارعه بمعنــى النهـج والسـن والظهـار واليضـاح‬
‫والمذهب والملة ‪ ،‬والشرع مصدر والمراد منه ماشرع ال لعباده‪.‬‬
‫وقد عرف البعض الشريعة بأنها عبارة عما شرعه ال لعباده من السنن والحكام‪.‬‬
‫وقال البعض الخر ‪ :‬إن الشريعة هي ‪ :‬مجموعة الوامر والحكام العتقادية والعمليــة الــتي يــوجب‬
‫السلم تطبيقها لتحقيق أهدافه الصلحية في المجتمع‪.‬‬
‫الفقه‪:‬‬
‫الفقه في اللغة‪ :‬الفهم والفطنة والعلم والــدرك ‪ ،‬وإذا قلــت فقــه المــر بكســر القــاف يعنــي أحســن فهمــه‬
‫وإدراكه ‪.‬‬
‫ب َما َنْفَقُه َكِثيًرا" ) هود‪(91 -‬‬
‫شَعْي ُ‬
‫ومنه قوله تعالي‪َ ":‬قاُلوا َيا ُ‬
‫وقوله سبحانه وتعالي" فما لهؤلء القوم ليكادون يفقهون حديثا" ) النساء – ‪(78‬‬
‫وإذا قلت فقه فلن بضم القاف فمعناه ‪ :‬صار فقيها وصار الفقه له سجية ‪.‬‬
‫وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي ال عنه عن رسول ال صــلى الـ عليــه وســلم ‪" :‬النــاس‬
‫معادن كمعادن الفضة والذهب خيارهم في الجاهليـة خيـارهم فـي السـلم إذا فقهـوا والرواح جنـودة‬
‫مجندة فما تعارف منهــا إئتلــف ومــا تنــاكر منهــا أختلــف"‪ .‬متفــق عليــه واللفــظ لمســلم فــي كتــاب الــبر‬
‫والصلة ‪.‬‬
‫وقال إبن حجر العسقلني ‪ :‬فقه بفتح القاف‪ :‬سبق غيره إلی الفهــم وفقــه بالضــم صــار الفقــه لــه ســجية‬
‫وفقه بالكسر إذا فهم ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫فإذا قلت تفقه الرجل تفقها ‪ :‬أي تعاطى الفقه ودراسة وصار الفقه شغله الشــاغل ‪ .‬ومنــه قــوله ســبحانه‬
‫وتعالى ‪ ":‬فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهــم‬
‫يحذرون " ) التوبة – ‪.(122‬‬
‫وفي الصطلح عرفه المام أبوحنيفة رحمه ال بأن الفقه هو ‪ ":‬معرفة النفس مالها ما عليها " ‪.‬‬
‫وهذا تعريف عام يشمل أحكام العتقاديات كوجوب اليمان ونحوه والوجــدانيات کــالخلق والتزكيــة‬
‫النفسية والعمليات كالصلة والصوم والبيع ونحوها وهذا هو الفقه الكبر‪.‬‬
‫وعرفه المام الشافعي وجمـع أخـر مـن العلمـاء بـأن الفقـه هـو ‪" :‬العلـم بالحكـام الشـرعية العمليـة‬
‫المكتسب من أدلتها التفصيلية" ‪.‬‬
‫والمقصود بالعلم هنا ‪ :‬هو الدراک مطلقا الذی يتنــاول اليقيــن والظــن لن الحکــام العمليــة قــد تثبــت‬
‫بدليل قطعی يقينی کما تثبت غالبا بدليل ظنی ‪.‬‬
‫والمراد بالحکام کل ماشرعه ال للناس من اوامرونواه لتنظيم حياتهم الفردية والجتماعية‬
‫واحترزبعبارة ) العلم بالحکام ( عن العلم بالذوات والصفات ‪ .‬واحــترز ) بالشــرعية ( عــن الحکــام‬
‫الحسية ک‪ " :‬القمرمنير "والحکام العقلية کالواحد نصف الثنين والحکام اللغويــة مثــل مِ ـن حــرف‬
‫جرّ والفاعل مرفوعٌ وماإلی ذلک ‪.‬‬ ‫َ‬
‫کما أنه اراد بوصــف الشـرعية الحکــام اّلـتی شـرعها الـ سـبحانه وتعــالی ‪ .‬واحترزبکلمـة العمليــة‬
‫الحکام العتقادية والوجدانيات وکلمة المکتسب صفة للعلم ومعنــاه العلــم المســتنبط بالنظروالجتهــاد‬
‫وهو احتراز عن علم ال وعلم الملئکة وعلم الرسول صلی ال عليه وسلم الحاصل بالوحی ‪.‬‬
‫والمراد بالدلة التفصيلية ‪ :‬القرآن والسنة والجماع والقياس ‪.‬‬
‫وجاء فی قواعد الزرکشی بان الفقــه هــو معرفــة احکــام الحــوادث نصــا واســتنباطا علــی مــذهب مــن‬
‫المذاهب ‪.‬‬
‫وقد تطلق کلمة الفقه ويراد بها الحکام نفسها ‪.‬‬
‫والجديربالذکر أن الفقه السلمی يمتازمن القوانين الوضعية بامور منها ‪:‬‬
‫‪ .1‬إن الفقه يحمل فی طياته رمزا روحيا ومعنويا مما يجعــل العائشــين فــی اطــاره بشعورانســانی‬
‫أسمی وأعلی وهذا يعتبرحافزا قويا لتنفيذه ‪.‬‬
‫‪ .2‬إن الفقه يأخذ وجوده ويتلقی قوته من مصادره اّلتی تعود فی النهاية إلی الوحی اللهــی المــر‬
‫الذی يجعل من الفقه حضنا هادئا مريحا ومناســبا لحيــاة البشــرية وطبيعتهــا مــن جهــة ويســهل‬
‫تطبيقه من جهة أخری ‪.‬‬
‫‪ .3‬إن المقيمين فــی دائرة الفقــه و أحضــانه يؤمنــون بــأن الـ يســمع ويــری وإن هــذ الشــعوريدفع‬
‫النسان نحو اللتزام بأحکامه ومتطلباته ‪.‬‬
‫‪ .4‬إن العائشين فی احضان الفقه يرون ورائهم يوما يحاسبون فيه وهذا يعتبر بدوره ضــمانا أخــر‬
‫لتنفيذ أحکام الفقه فی حياتهم الفردية والجتماعية ‪.‬‬
‫والسرة عبارة ‪ :‬عن أهل الرجل المعروفون بالعائلة ‪.‬‬
‫ونظام السرة ‪ :‬عبارة عن أحکام وقوانين تنظم حياة السرة وعلقة أعضائها بعضــهم ببعــض ‪.‬‬
‫ومالهم من حقوق وماعليهم من واجبات فی مابينهم ‪.‬‬
‫والسرة تتکون نتيجة زواج رجل بإمرأة وفق أحکام الشرع ‪.‬‬
‫فلنبدأ بموضوع الزواج اول ثم ندخل فی تفاصيل ما يتعلق بالسرة ‪.‬‬
‫الزواج بفتح الزاء بمعنی القتراب والقتران والرتبــاط و الضــم والجمــع ومنــه قــوله تعــالی ‪» :‬‬
‫جُهْم « ‪ / 27‬الصافات « ‪ .‬ای قرنائهم ‪.‬‬ ‫ظَلُموا َوَأْزَوا َ‬
‫ن َ‬
‫شُروا اّلِذي َ‬‫حُ‬
‫اْ‬
‫والزوج والزوجة قرين وقرينة والزوجان قرينان ‪ .‬وقـوله تعـالی » و زوّجنـاهم بحـورعين « ای‬
‫قرناهم بحور عين ‪ .‬وزاوجه بمعنی خالطه وقارنه ‪ .‬وتزوج بمعنی تأهل وتــزاوج بمعنــی تشــابه‬
‫‪4‬‬

‫يقال تزاوج الکلم ای تشابه فی الوزن والسجع ‪ .‬وکلمة الزوج يطلق علی الرجل والمــرأة وجــاء‬
‫فی القرآن الکريم بکل المعنيين والمعروف الن بين الناس الزوج للرجل والزوجة للمرأة ‪.‬‬
‫والزوجان فی النسان الرجل والمرأة وکلمة الزوجين مســتعملة الن فــی إثنيــن مــن الشــياء مــن‬
‫جنس واحد‪ .‬مثل زوجا نعال ای نعلين وفی الطيور مثل عندی زوجا حمام ‪ .‬ای ذکر وأنثی ‪.‬‬
‫والزواج فی إصطلح الشرع‪:‬‬
‫قال صاحب الكنز رحمه ال‪ :‬الزواج عقد يرد على ملك المتعة قصدا ‪.‬‬
‫وقال بعض الفقهــاء بــأن الــزواج عقــد يفيــد حــل إســتمتاع كــل مــن العاقــدين بــالخر علــى الــوجه‬
‫المشروع ‪.‬‬
‫كما عرفه البعض الخر ‪ :‬بأنه عقد يفيد حــل العشــرة بيــن الرجــل والمــرأة وتعاونهمــا ويحــدد مــا‬
‫لكليهما من حقوق وماعليهما من واجبات ‪.‬‬
‫الزواج سنة ال في خلقه وهذه السنة تشــمل عــالم النســان والحيــوان والنبــات ‪ ،‬قــال الـ ســبحانه‬
‫ن )‪ -49‬الذاريات "‬ ‫ن َلَعّلُكْم َتَذّكُرو َ‬‫جْي ِ‬
‫خَلْقَنا َزْو َ‬
‫يٍء َ‬
‫ش ْ‬‫ل َ‬‫ن ُك ّ‬
‫وتعالي " َوِم ْ‬
‫ن)‬ ‫ل َيعَْلُمـو َ‬
‫سـِهْم َوِمّمـا َ‬
‫ن َأْنُف ِ‬
‫ض َوِمـ ْ‬
‫ت الَْْر ُ‬
‫ج ُكّلَها ِمّما ُتْنِب ُ‬‫لْزَوا َ‬‫ق ا َْ‬
‫خَل َ‬
‫ن اّلِذي َ‬ ‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫وقال أيضا ‪ُ ":‬‬
‫‪ -36‬يس(‪.‬‬
‫وهنا يجدر بنا التطرق إلى موضوع هام أخر يساعدنا في فهم هذا الموضوع وفي فهم مدي تكريم‬
‫ال سبحانه النسان في شرع أحكام لتنظيم حياتهم تلك الحكــام الــتي تصــون عــزة هــذا المخلــوق‬
‫الُمَمّيز وكرامته ‪.‬‬
‫فقد أودع ال سبحانه وتعالي في فطرة النسان وخلقه غــرائز تشــكل قــوة دافعــة لــه نحــو التحــرك‬
‫والسعي والنشاط وهذه الغرائز ترافق النسان منذ نعومــة أظفــاره ‪ ،‬تنمــو مــع نمــوه ‪ ،‬تتقــوي مــع‬
‫قوته و تضعف مع ضعفه ‪.‬‬
‫وهذه الغرائز لتملك هداية النسان وقيادته نحو الهداف المنشودة وإنما تملك التحريك والتنشــيط‬
‫فقط‪.‬‬
‫فهناك دفع يسبب القدام وتحريك يســبب الحركــة والنشــاط ‪ ،‬فـإذا وجـدت الحركــة ووجــد النشـاط‬
‫ليخلوا المر عندئذ عن ثلثة أحوال ‪:‬‬
‫‪-1‬أن يترك النسان بطبيعة الحال ‪ ،‬ينشط ويتحرك ويقدم بل تفكير في مغبة ما يحدث‪.‬‬
‫‪-2‬أن يصنع نظاما لنفسه يقيد به هذا التحرك حــتي ل يــواجه مصــاعب ومشــاكل وفــي نفــس الــوقت‬
‫يشبع هذه الغرائز ويلبي طلباتها ‪.‬‬
‫‪-3‬أن يترك التقييد والتنظيم لخالق النسان الذي يعلـم طـبيعته ورغبـاته ومتطلبـات فطرتـه ووجـوده‬
‫وحياته ‪.‬‬
‫إذا أختير الحال الول دخل النســان فــي الغابــة وصــارت حيــاته جــزءا مــن حيــاة الحيــوان الــتي ل‬
‫ضابط لها ول أصول ولضوابط تحافظ علي كرامة النسان وعزته ‪.‬‬
‫جّربوه ول زالو عايشين في أحضانه وذاقــوا نتــائجه‬ ‫وإذا أختير الحال الثاني وقد أختاره الكثيرون و َ‬
‫المريرة التي تعاني منه البشرية ولزال أختيارهذه الحال يسفك دماؤها ويدوس أعراضها ويهتك‬
‫حرماتها ‪ ،‬ذلك لنه يجهلون طبيعة النسان وليعلمون مايناسب هذا الموجود الكريــم ‪ ،‬فــأوقعوه‬
‫في مخالب الوحشة وبراثن الجنون وإذاقوا أنفسهم ‪ ،‬وكثيرا من المجتمعات المرين ‪.‬‬
‫وأما الحال الثالث وهو ما أختاره ال سبحانه وتعالي لعباده لتنظيم هذه الغرائز والنوازع الــتي تــدفع‬
‫النسان نحو الحركة النشاط تنظيما تلبي رغباته وتشبع طلبــاته ‪ ،‬وفــي نفـس الـوقت يحفظـه مـن‬
‫الوقوع في الوحال التي تدنس شخصيته وتهدر عفته وِقَيَمُه ويصونه من السقوط في فخ التهلكــة‬
‫التي يصعب له الخلص منه ‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫فهذه الغرائز بمجموعها إذا أطلق سراحها تدمر الحياة وتزلزلها وتخرجها من دائرة القيم النسانية ‪,‬‬
‫وإذا احتبست وكبتت ومنعت وكبح جماحها تسبب المــراض والعقــد النفســية الــتي هــي بــدورها‬
‫تسبب الجرائم والنحرافات المستعصية على العلج ‪.‬‬
‫ولكــن إذا ألجمــت بلجــام معقــول ليمنــع تحركــه ونشــاطه وفــي نفــس الــوقت يحفظــه مــن التخطــي‬
‫والنحراف ويقاد به نحو الهداف المنشودة فى الطريق المستقيم لتشــبع غــرائزه وتلــبي رغبــاته‬
‫من جهة ومن جهة أخري تعمر الرض والحياة بعمله وتحركه ونشاطه ‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال غريزة الشهوة ‪ ،‬إحــدي الغــرائز الــتي أودعهــا الـ فــي طبيعــة النســان ‪ ،‬وهــذه‬
‫الغريزة تطغي عندما يقوى النسان وينموا ويصل إلى مرحلة الشباب ‪ ،‬فإذا حبست من الشــباع‬
‫وكبح جماحها ولم يسمح لها ‪ ،‬يسـبب هـذا الكبـح كـثيرا مـن المـراض سـيما المـراض النفسـية‬
‫والعصبية‪.‬‬
‫من جهة أخري تنقطع تواصل نسله وبقاء حسبه على وجه المعمورة ‪ .‬وإذا أطلق ســراحها فيصــير‬
‫النسان كالحيوان يختار لنفسه مايشاء ويحاوی بطريقة أو أخرى إشباع هذه الغريــزة والتخلــص‬
‫من دفعـه الشــديد فل يميـز بيـن القرابــة وغيرهـا وليميـز بيــن الخلـوة والمل ‪ ،‬يتحـرك كــالتيس‬
‫المطلق بين القطيع ‪ ،‬وأمــا إذا ألجمــت الشــهوة بلجــام الشــرع حــتى لتطغــي ثــم أشــبعت بــالوجه‬
‫المشروع وبالطريقة التي يحفظ للنسان كرامته وعزته ويحافظ للنسان علي بقاء نســله ويوجــد‬
‫له السكون والسكينة في حياته ‪ .‬إن هذا التنظيم يعطي للحياة روحا من الســعادة والعــزة والجمــال‬
‫والطمأنينة ويجنبها من الفات واللم والمراض والمصائب مثل هذه الغريزة‪.‬‬
‫كمثل نهر فاضت مياهه نتيجة المطار الغزيرة وطغت على حافتيه ‪ ،‬فإذا تـرك النهـر هكـذا وبهـذا‬
‫الوضع يدمر البيوت والحقول والقرى والمدن والطرق وربما يسبب قتل النســان والحيــوان فــي‬
‫بعض المواقع ‪ .‬وإذا سد النهر ومنع من السير ومن التحــرك وبقــى فــترة مــن الزمــان علــى هــذه‬
‫الحال ‪ ،‬سوف تفسد المياه وتنتن وتسبب المراض ويرحل الناس من المنــاطق المجــاورة بســبب‬
‫وسأخة الجو والبيئة ‪ ،‬أما إذا بنى هناك سد أمام نهر لمنــع طغيـانه و لتفــادي أخطـاره علــى حيــاة‬
‫الناس وممتلكاتهم ‪ ،‬ثم جعل لهذا السد مخارج يخرج منها الماء وفق الضــرورة والحاجــة فعنــدئذ‬
‫يحافظ على تحرك المياه والذي بدوره يمنــع تســرب الفســاد والنتونــة إليهــا‪ ،‬كمــا يتفــادى أخطــار‬
‫تدميره للحقول والقرى والطرق وفي نفس الوقت يبقى الماء صالح للستفادة يستفيد منه فــي رى‬
‫الحقول وإرواع الحيوان وإزالة تعطش الناس و‪....‬‬
‫هكذا وبنفس الطريق يتعامل الشرع مع غريزة الشهوة التي تطغى فتلجمها لتفادي أخطارها ومنعهــا‬
‫من إدخال النسان في الغابة وفي إطار حياة الوحوش‪.‬‬
‫ويسمح لها بالتشبع بالوجه المناسب الذي يضمن بقاء نسل بنى أدم وتداوم حياة البشــرية علــى وجــه‬
‫المعمورة إلى أن يأذن ال بإنتهاءها ويحــافظ علــى كرامــة النســان وعــزة هــذا المخلــوق الكريــم‬
‫المميز بالوضع الذي أراده ال له ‪.‬‬
‫فهذه منة من ال سبحانه وتعالى على عباده أن شرع لشباع غرائزه وتلبية رغبـاته الطبيعيــة ســبل‬
‫كريمة عفيفة تليق بشأن النسان وتواكب قيمه المثلى ‪.‬‬
‫فالسلم جاء لينظم هذه الغريزة ويحيط بحياة النسان الجتماعية والسرية بجو من العفة والكرامة‬
‫والسكون والطمأنية ويدمر ماكان عليه النسان من طرق الزواج والقتران قبل السلم ‪.‬‬
‫ففى الجاهلية بجانب نكاح الخدن بزعمهم الذى كانوا يقولون ‪ :‬ما أستتر فل بأس به ومــا ظهــر فهــو‬
‫ن" ‪ -25‬النساء" ‪.‬‬ ‫خَدا ٍ‬
‫ت َأ ْ‬
‫خَذا ِ‬
‫ل ُمّت ِ‬
‫لؤم ‪ ،‬وهو المذكورفى قوله تعالى ‪َ ”:‬و َ‬
‫وبجانب نكاح البدل الذي‪ :‬كان الرجل يقول للرجل أنزل لي عــن إمرأتــك وأنــزل لــك عــن إمراءتــي‬
‫وازيدك ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫بجانب هذا كان هناك أربعة أنحاء للنكاح ‪:‬‬


‫‪ -1‬كان الرجل يخطب للرجل وليته أو إبنته فيعطيى صداقه ثم ينكحها ‪.‬‬
‫‪ -2‬كان الرجل يقول لمراءته ‪ :‬إستبضعى من فلن رغبة في نجابة الولد ‪.‬‬
‫‪ -3‬كان يجتمع جمع من الرجال مادون العشرة على إمراءة واحدة ‪ ،‬فإذا حملت ووضــعت كــانت‬
‫تدعوا جميع هؤلء الذين خلوا بها‪ ،‬ثم تسمى أحدا من هؤلء وتقول ‪ :‬يافلن هــذا إبنــك ‪ ،‬وماكــان‬
‫للرجل أن يمتنع عنه ‪.‬‬
‫‪ -4‬كان جمع كثير من الناس ‪ ،‬يجتمعون ويدخلون على أمراءة لتــرد يــد لمــس وكــانت تنصــب‬
‫على بابها رأيات ‪ ،‬فمن أرادها يدخل عليها ‪ ،‬فإذا حملت ووضعت جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثــم‬
‫ألحقوا ولدها بالذي يرونه ‪ ،‬فيدعى إبنه وليمتنع عنه ‪.‬‬
‫فجــاء الســلم ليعيــد للنســان كرامتــه وعزتــه ويجعلــه علــى القمــة الــتي تليــق بشــأن النســان‬
‫والنسانية ‪.‬‬
‫ولبد من الشارة هنا إلی أن الغرض من الزواج فی السلم ‪ ،‬ليس هــو تلبيــة الرغبــات الجنســية‬
‫فقط بل الهدف أسمی من ذلک بکثير ولهــذا اعتــبره النــبی صــلی الـ عليــه وســلم ســنة مـن ســنن‬
‫السلم فقال ‪ :‬وإن من سنتنا النکاح « ولهذه السنة معان اجتماعية ونفسية ودينيــة کــبيرة تتجــاوز‬
‫قضية قضاء الوطر الجنسی ونذکر بعضها بالختصار‪:‬‬
‫‪-1‬إن الزواج هو عماد السرة اّلتی هی أولی لبنة فی بناء المجتمع السالم ‪.‬‬
‫‪-2‬الزواج رابطة مقدسة تخرج بإجتماع الرجل بالمرأة عن المعنی الحيواني إلــی المعنــی الــذی ل‬
‫ينقضی بإنقضاء الشهوة ‪.‬‬
‫‪-3‬دوام النسل البشری بطريقة تواکب وکرامة النسان إلی أن يإذن ال بــزوال الــدنيا ومــن فيهــا ‪.‬‬
‫والرسول صلی ال عليه وسلم يحث امته علــی الــزواج ويقــول ‪ » :‬تنــاکحوا فتکــاثروا فــإنی‬
‫مکاثربکم المم يوم القيامة « ‪.‬‬
‫‪-4‬الزواج هو الراحة الحقيقة للرجل والمرأة ومورد المودة والرحمة بين الجنسين من البشر علــی‬
‫سـُكُنوا‬
‫جــا ِلَت ْ‬
‫سـُكْم َأْزَوا ً‬
‫ن َأْنُف ِ‬
‫خَلـقَ َلُكـْم ِمـ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ن آَياِتِه َأ ْ‬
‫السواء وال سبحانه وتعالی يقول ‪َ » :‬وِم ْ‬
‫ن )‪ / (21‬الروم (‬ ‫ت ِلَقْوٍم َيَتَفّكُرو َ‬
‫لَيا ٍ‬ ‫ك َ‬‫ن ِفي َذِل َ‬
‫حَمًة ِإ ّ‬
‫ل َبْيَنُكْم َمَوّدًة َوَر ْ‬
‫جَع َ‬
‫ِإَلْيَها َو َ‬
‫‪-5‬إن غريــزة البــوة والمومــة تنمــو وتتکامــل فــی حضــن تجمــع يضــم الطفــال والولد ‪ ،‬وإن‬
‫مشــاعرالود والحنــان والعطــف لتزدهــر إل فــی مثــل هــذه الــبيئة وهــی فضــائل ل تســتغنی‬
‫النسانية عنها ‪.‬‬
‫‪-6‬يترتب علی الزواج توزيع العمل بين الرجل والمرأة بما يتناسب وقدرات کل منهما وهذا يجعل‬
‫العمل يتطور بصورة طبيعية جيدة ويؤدي إلى عمران الحياة الجتماعية بشکل مرموق ‪.‬‬
‫‪-7‬علوة علــی ذلــک فــإن الــزواج يفضــی إلــی ترابــط الســروتقريب شــتات المجتمــع وتوطيــد‬
‫أواصرها ‪ ،‬وهی امور يحتــاج إليــه فــی مجتمــع انســانی متعاضــد وإن الســلم يبــارک هــذا‬
‫ويسانده ‪.‬‬
‫حکم الزواج ) الوصف الشرعی للزواج (‬
‫حکم الزواج يختلف بأختلف حال المکلف و وضعه الجسمی والنفســی والمــالی والخلقــي مــن حيــث‬
‫قدرته علی القيام بواجباته ومن حيث خشيته الوقوع فی الفواحش وإليک اليضاح والتفصيل ‪:‬‬
‫إذا کان المکلف قادرا علی کل النفقات ومتأکدا من أنه سوف يعدل مع أهله إن تزوج کما‬ ‫‪-1‬‬
‫أنه متأکد من الوقوع فی الحرام إذا لم يتزوج ففی مثــل هــذه الحــال يکــون الــزواج فــرض لن‬
‫الزواج عندئذ هو الطريق الوحيد والوسيلة الوحيدة لتجنــب الوقــوع فــی الحــرام والتجنــب عــن‬
‫الحرام أمر لزم لزوما لشک فيه وهذ التجنب ليمکن إل بالزواج فهو يفترض عندئذ ‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫‪ -2‬إذا کان قادرا علی النفقات وناويا العدل مع الزوجة وحسن الخلق ويظن أنه يقع فی الحــرام إذا‬
‫لم يتزوج ففی هذه الحال يجب عليه أن يتزوج ‪.‬‬
‫‪-3‬اما إذا کان عاجزا عن تکاليف الزواج وکان متيقنا من الوقوع فی الظلم والضــرار بحــق المــرأة‬
‫وليستطيع أن يعدل بين النسـاء إذا تـزوج بــأخری فــالزواج عنـدئذ حـرام لن مــا يـؤدی إلـی‬
‫الحرام فهو حرا م ‪.‬‬
‫‪-4‬اما إذا کان الرجل خائفا فی الوقوع فی الجور والضرر فی معاشرته مع المــرأة ولکــن خــوفه لــم‬
‫يکن يصل إلی درجة اليقين فــالزواج عنــدئذ مکــروه ‪ ،‬و إذا کــان هــذ الخــوف قويــا فالکراهــة‬
‫تحريمية ‪ ،‬اما إذا کان ضعيفا فالکراهة تنزيهية ‪.‬‬
‫‪-5‬ويکون الزواج مسنونا عند الحناف ومستحبا عند البعض الخر فی حالة العتدال ‪ ،‬وهذه الحالة‬
‫غالبة علی کثيرمن الناس ‪،‬والنصوص من اليات والحاديث النبوية کثيرة فی هذ المجال ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫معاييرأختيارالزوجة‬
‫المعاييرالتی تؤخذ بعين العتبارفی إختيارالزوجة تنقسم إلی قسمين ‪ :‬مادی ومعنوی‬
‫أما المعاييرالماديةهی المعاييرالتی تحرک فی النســان غرايــزه ونــوازعه الفطريــة والخلقيــة وتــدفعه‬
‫نحو إنتخاب زوجته وأختيارشريکة حياته وهی ‪:‬‬
‫‪ .1‬المال‬
‫إن حب المال وحب تملکه والحصول عليه امرفطری وطبيعی فی النسان ‪ ،‬کل إنســان يحــب‬
‫أن يکون ذامال سيما ذلک المال الذی يحصل النسان عليه بل تعب ومشقة فإذا کــانت هنــاک‬
‫إمرأة ثرية يرغب الکثيرون فی الـتزوج معهــا بغيــة السـتفادة مـن مالهــا أو علــی القــل بغيــة‬
‫إعفائها إياه عن تکاليف الزواج ونفقاته ‪.‬‬
‫‪ .2‬الجمال‬
‫الجمال هو أقوی محرک يدفع النسان نحو التزوج بالحسناوات والجميلت ومــن کــانت عنــده‬
‫إبنة جميلة حسناء يطرق بابه صباحا ومساء – وغريــزة الشــهوة تتحــرک فــی وجــود النســان‬
‫سيما فی وجود الشباب بمجرد وقـوع نظـره علــی الحســن والجمــال فتجعلــه يتلهــف للنيـل مــن‬
‫أصحاب الجمال ويستميت فی الحصول عليها ‪.‬‬
‫‪ .3‬الجاه والمنصب‬
‫إن هــذا ايضــا يعتبرمعيــارا مــن معــايير إختيارالزوجــة وهکــذا فــی إختيــارالزوج لن النــاس‬
‫يرغبون فــی أن يتقـووا بأصــهارم وهــم احبــابهم الجــدد ويجــبروا ضــعفهم المــادی بيــن النــاس‬
‫وموفقهم فی المجتمع بکسب هذه القرابة والحماية التی تنتج من الزواج‪.‬‬
‫‪ .4‬الحسب‬
‫الحسب أيضــا مــن الــدوافع الرائجــة بيــن النــاس فــی أختيــارالزوج لن النــاس عــادة يعتــبرون‬
‫القتران من اصحاب الحسب الشريف عزة وشرفا لهم ويعتزون بذلک ‪.‬‬
‫‪ .5‬أن تکون المرأة ولودا‬
‫الناس يحبون بطبيعة الحال أن يکون لهم إبناء کــثيرون لنهـم يــرون فــی هـذا شــانا لهـم وقـوة‬
‫ويتطلعون من خلل کثرة الولد إلی مستقبل زاهر ومزدهر‪.‬‬
‫‪ .6‬أن تکون المرأة باکرة‬
‫وهذا امرطبيعی و واضح فکل شاب وکل انسان يحب أن يتزوج بالباکرة لن لســباب ماديــة‬
‫وغيرمادية کثيرة نستغنی عن ذکرها فی هذ المختصر‪.‬‬
‫المعاييرالمعنوية التی تؤخذ بعين العتباروهی الهم کالتی ‪:‬‬
‫‪ .1‬الدين‬
‫والدين هو معيارأختيارالعقلء والتقياء والذين يحبــون أن يحــافظوا علــی المبــادی والقيــم‬
‫النسانية فی حياتهم الجتماعية ‪.‬‬
‫‪ .2‬العقل‬
‫النسـان الـذکی الـدارالفاهم يرکزعلـی هـذا المعيـارکثيرا لن المـرأة العاقلـة تکـون خيرعـون‬
‫للرجل فی مستقبل حياته ‪ .‬وتحمل عنه کثيرا فی العباء‬
‫‪ .3‬العلم‬
‫المرأة التی عندها علــم تســاهم فــی تربيــة الولد فــی صــورة جيــدة وتعــرف الحلل والحــرام‬
‫وتعرف مالها من حقوق وماعليها من واجبات‬
‫هذه المعاييرالتی ذکرت کلها تدفع النسان نحو أختيارالزوجة بــدرجات متفاوتــة وفــی بعــض‬
‫الحيان بعض هذه المعاييرتطغی علی المعاييرالخری ‪ .‬والسلم لم يعــارض ول واحــدا مــن‬
‫‪9‬‬

‫هذه المعاييرولکن رتب المعاييربترتيب اهميتها وتاثيرکل منها علــی مســتقبل الحيــاة الزوجيــة‬
‫وعلی النتائج التی تترتب عليها دينًا وُدنيًا‬
‫فالسلم يرحب بالجمال لنه يساعد النسان علی العفاف ويرحب بالمــال لنــه يعيــن النســان‬
‫علی قضاء حوائجه وتنظيم بيت وحياته بصورة أفضل ويرحب بالولود ‪ ،‬والرسول صـلی الـ‬
‫عليه وسلم يحث علی تزوج الولود ‪ :‬فقال ‪ » :‬تزوجوا الودود الولود فإنی مکاثربکم المم يوم‬
‫القيامة« ‪.‬‬
‫ويرغب الشرع علی التزوج مع البکروقد شجع الرسول المين علــی ذلــک فقــال ‪ » :‬فهل‬
‫بکرا تلعبها وتلعبک « والسلم ليرد الحسب لن الحسب يساعد علــی دوام عقــد الــزواج‬
‫وحسن المعاشرة ‪.‬‬
‫فکل هذه المعاييرممدوحة شــرعا ومرغــوب فيهــا وأماجعــل هــذه المعاييرأساســا ومحــورا فــی‬
‫إختيارالزوجة بقطع النظرعن التفکيرفی المعاييرالمعنوية فمردودوليضمن الســعادة وليعيــن‬
‫علی بقاء ودوام عقد الزواج وليجلب بوحدها الطمأنينة والسکينة للسربل تجعلهــا معروضــة‬
‫للخطار المرعبة والرهيبة فالرسول صلی ال عليه وسلم يقول فی معــرض بيــان المعــاييرفی‬
‫إختيارالزوجة » تنکح المرأة لربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفربــذات الــدين تربــت‬
‫يداک « ‪.‬‬
‫إن هذا القول يفيد بوضــوح رجحــان الــدين علــی العناصــرالخری فــی أختيارالزوجــة ويؤکــد‬
‫تأکيدا واضحا علی جعل الدين أساسا ومحــورا فــی إختيارالزوجــة وإل فيکــون المــآل خســارة‬
‫وضياعا‪ .‬وإذا أختير الدين أساسـا ُيحِبـُذ الشـرع بوجـود المعـاييرالخری بجـانب الـدين ‪ .‬ليـت‬
‫الشباب يحصلون علی زوجات حسناوات جميلت ذوات خلق ودين وحسب ومال ‪.‬‬
‫خّيرالنســان بيــن‬‫فإذا توفرت کل هــذه المعــاييرفهو أمرمبــارک يغبــط النــاس أصــحابه امــا إذا ُ‬
‫جميلة ودينة او بين ثرية ودينة أو بين ذات حســب ودينــة فليختارالدينــة وال فقــد خسرخســرانا‬
‫مبينا وتربت يداه‪ .‬وابتلی بالذل والهوان ‪ .‬والرسول صلی ال عليه وسلم يقول فــی هــذ المجــال‬
‫» لتنکحوا النساء لحسنهن فلعله يرديهن وللمــالهن فلعلــه يطعيهــن وانکحــوهن للــدين ولمــة‬
‫سوداء خرقاء ذات دين افضل ‪ .‬وفی هذا تحذيرقوی وشديد من جعل المــال او الحســن معيــارا‬
‫لحاله بعيدا عن المواکبة مع الخلق والدين ‪.‬‬
‫فينبغی للنسان أن يتربث ويتحری کثيرا فی أمرأختيارالزوجــة حــتی يقــع إختيـاره علــی دينــة‬
‫بطبيعة عاقلة تجلب السعادة والخيرإلی البيت وإلی السرة والرسول صلی ال عليه وســلم قــال‬
‫بهذا الشان عند ما سئل يا رسول ال ای النساء خير؟ قال ‪ :‬التی تسره ان نظروتطيعــه إن أمــر‬
‫ولتخالفه فی نفسها ومالها بمايکره ‪.‬‬
‫وللبيئة التی تنشأ المرأة فيها أثرکبيرفالمرأة التی تربت فی اجواء صالحة مبارکــة عفيفــة تنشــأ‬
‫صالحة مبارکة والمرأة التی تنشأ فی بيئه خبيثــة غيرمرضــية تنشــأ رديئة وغيرصــالحة فعلــی‬
‫الشباب أل يغتروا بحسناوات وجميلت تربين فی بيئة وضــيعة وذليلــة ‪ .‬والرســول صــلی الـ‬
‫عليه وسلم يقول فی هذا الشان » اياکم وخضــراء الــدمن قـالوا‪ :‬ومأخضــراء الـدمن يــا رسـول‬
‫ال ؟ قال ‪ :‬المرأة الحسناء فی المنبت السوء « ‪.‬‬
‫والواقع فی مجتمعاتنا اليوم أن الشباب کثيرا مـاينزلقون فـی مثـل هـذه المسـتنقعات ويـتربعون‬
‫علی الوحال الدنسة فيجعلون الحسن والجمال المعيارالوحيد فی أختيارالزوجة وهذا ما يجعل‬
‫السرة والحياة الزوجية معرضة للصدوع والخطاروظهورالفتن والمصايب والمشاکل دأخــل‬
‫العوائل ‪.‬‬
‫وبما ان حسن أختيار الزوجة يرمی إلی هدفين اساسيين وهما ‪ :‬اسعاد الرجــل وتمتعــه بالحيــاة‬
‫الزوجية المشروعة المبارکة ‪ .‬وتنشئة الولد تنشأة صالحة مبارکة ‪ .‬تتميزبالســتقامة وحســن‬
‫‪10‬‬

‫الخلق والعفاف أمرالرسول صلی ال عليه وسلم ‪ »:‬الشباب بالحذروالحتياط والخذ بالسباب‬
‫المشروعة اللقة فی إختيارالزوجة وشجعهم علی الدقة التامــة فقــال ‪ » :‬تخيــروا لنطفکــم فــان‬
‫العرق دساس « وفی حــديث أخــر» تخيــروا لنطفکــم فــانکحوا الکفــاء وانکحــوا اليهــم « وإن‬
‫العلماء فی اکتشافاتهم الحديثة اثبتوا بوضوح ان العادات تنقل من البــاء إلــی البنــاء والحفــاد‬
‫وفی النساء إلی الولد والبنات و‪ ...‬فالحذر الحذر‪ .‬من الوقوع فــی شــبکه المغربيــات الماديــة‬
‫التی ليترتب عليها ال الندم ‪.‬‬
‫وکما ان هناک معاييرلختيارالزوجة فهناک معاييروعناصرلختيارالزوج ايضا‬
‫فعلی الولی ان يختارلکريمته من يطمئن إلی دينه وعزته وخلقــه فکمــا يجــب علــی الرجــل ان‬
‫يحسن أختيارالمرأة الصالحة ‪ ،‬يجب علی أولياء المرأة أن يحسنوا أختيارالخاطب أو الــزوج ‪،‬‬
‫فل يزوجوا بناتهم إل من صاحب خلق وديــن وفــي هــذا يقــول عبىــد الحميــد محمــود طهمـاز‬
‫مؤلف " الفقه الحنفي في ثــوبه الجديــد" ‪ :‬ينبغــي أن يكــون الخــاطب ذا ديــن وخلــق وهــذا أهــم‬
‫صفات الزوج الصالح ‪ ،‬فإذا كان الرجل يتقى ال ويخشاه ‪ ،‬فإن ذلك يمنعه من الظلــم فــي حــق‬
‫المرأة ويدفعه إلي حسن معاشرتها وتأمين كل حقوقها الشرعية ولهذا أمر النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم بتزويج صاحب الدين والخلق ولوكان فقيــرا‪ ،‬قــال صــلى الـ عليــه وســلم ‪ " :‬إذا خطــب‬
‫إليكم من ترضون دينه فزوجوه وإل تفعلوه تكن فتنة في الرض وفساد كبير" ‪ .‬صدق رســول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فإذا لم يزوج الشاب المتدين ورُدّ خائبا بسبب قلة ذات يده وفقره فــإنه يضــعف أمــام المغريــات‬
‫والمثيرات فيقع في الحرام ‪.‬‬
‫إن البنت أمانة عند أبيها ‪ ،‬إئتمنه ال عليها ‪ ،‬فــإذا لــم يحســن فــي إختيــار الــزوج لهــا فقــد خــان‬
‫المانة ‪.‬‬
‫قال المام الغزالي ر حمه ال ‪ ":‬والحتياط في حقها أهم ‪ ،‬لنها رقيقة بالنكاح لمخلص لهــا ‪،‬‬
‫والزوج قادر على الطلق بكل حال ‪ ،‬ومن زوج إبنته ظالما أوفاسقا أو مبتدعا أو شارب خمر‬
‫فقد جنی على دينه وتعرض لسخط ال لقطع الرحم وسوء الختيار ‪.‬‬
‫قال رجل لحسن بن علي ‪ " :‬إن لي بنتا فمن ترى أن ازوجها له ‪ ،‬قال‪ :‬زوجها لمن يتقي الــ ‪،‬‬
‫فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها"‪.‬‬
‫وقالت عائشة رضي ال عنها ‪ " :‬النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته ؟"‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمه "‪.‬‬
‫وأما معرفة الخـاطب الـذي ل معرفـة بشـأنه مـن قبـل فميسـرة عـن طريـق النظـر فـي أقرانـه‬
‫وأصحابه لأن من جالس جانس والصاحب ساحب "‪.‬‬
‫الخطبة ‪:‬‬
‫الخطبة فعلة بكسر الفاء ك" قعدة وجلسة " ومعناها طلب الزواج ومعنى خطبت المــرأة يعنــي‬
‫طلبها للزواج بالوسيلة المعروفة بين الناس ‪ ،‬وعرفها البعض الخر من العلماء بأنهــا‪ :‬إظهــار‬
‫الرغبة في الزواج بإمراة معينة وإعلم المرأة أو وليها بذلک بطريق مباشر أو بواسطة أهله ‪.‬‬
‫والخطبة كغيرها من مقدمات الزواج طريــق للتعــرف لكــل مــن الخــاطبين علــى الخــر ‪ ،‬وقــد‬
‫شرعها ال سبحانه وتعالى قبل الرتباط بعقد الزوجية ليكون القدام علــى الــزواج علــى هــدى‬
‫وبصيرة‪،‬والصــل فــي ذلــك مــن الكتــاب قــول الـ عزوجــل إذ يقــول‪ »:‬ولجنــاح عليكــم فيمــا‬
‫عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم «‪.‬‬
‫فإذا تم التزوج في جو من التعارف والطلع على خلق والعادات والطبايع فيما بيــن الطرفيــن‬
‫ووجود التلقی والتجاوب بينهما أمكن القدام على الزواج بسهولة وإطمئنــان وســيترتب علــى‬
‫‪11‬‬

‫مثل هذا الزواج السلم والمان والوئام وهذا هی المور التی لبــد منهــا لإســتمرار هــذا العقــد‬
‫المبارك ) عقد الزواج ( والمحافظة عليه ‪.‬‬
‫أنواع الخطبة ‪:‬‬
‫الخطبة تنقسم إلی قسمين ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تكون بإظهار الرغبة في المرأة المطلوبة صراحة كـأن يقـول الخـاطب ‪ :‬أريـد أن‬
‫أتزوج فلنة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون بــالقرائن والتعريــض كــأن يقــول ‪ :‬إن فلنــة جــديرة بــالزواج أو يســعد بهــا‬
‫صاحب الحظ ‪ ،‬أو أبحث عن فتاة جيدة مثــل فلنــة أو مــن تــزوج بفلنـة فقــد رافقــه الحــظ‬
‫وواكبه السعادة وما إلى ذلك‬

‫من تباح خطبتها‬


‫يشترط في جواز الخطبة شرطان ‪:‬‬
‫أن ليكون هناك مانع شرعي من التزوج مع المرأة المخطوبــة فــي الحــال ‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫والمانع الشرعي في الزواج هو نفسه المــانع الشــرعي فــي الخطبـة ‪ ،‬فكمــا أن الرجــل‬
‫ليستطيع أن يتزوج بأخته من الرضاعة ليستطيع خطبتها أيضا ‪.‬‬
‫أن ليكون رجل أخر قد سبق الخــاطب بخطبــة هــذه المــرأة بصــورة جــائزة‬ ‫‪-2‬‬
‫شرعا‪ ،‬فإن فقد أحد هذين الشرطين لتجوز الخطبة شرعا ‪ ،‬أما الشــرط الول مفهــوم‬
‫وواضح لن من يحرم تزويجه يحرم خطبته لن الخطبة مقدمة الزواج وطريــق نحــو‬
‫الزواج ‪ ،‬فإذا امتنع الزواج ولم يجز إمتنعت الخطبة وانتفت ‪.‬‬
‫وأما الشرط الثاني وهو أن ليكون غيره قد سبقه إليها بالخطبة فهذا لمــا يــترتب عليــه‬
‫من إعتداء على حق الخاطب الول‪ ،‬وقد يؤدي مثــل هـذا التصـرف إلـى حــدوث فتنـة‬
‫ومشاكل بين السر والعائلت ‪.‬‬
‫والرسول صلى ال عليه وسلم يقول‪ " :‬المؤمن أخو المؤمن فليحل له أن يبتــاع علــى‬
‫بيع أخيه وليخطب على خطبة أخيه حتى يذر" رواه أحمد ومسلم ‪.‬‬
‫وهذا الحديث يفيد بكل وضوح تحريم الخطبة الثانيــة علــى الخطبــة الولــى ‪ ،‬وأمــا إذا‬
‫كانت الخطبة الولى لم تتم وكانت في طــور المشــاورة أو الــتردد فالصــح عنــد غيــر‬
‫الحنــاف عــدم التحريــم فــي مثــل هــذه الحالــة ‪ ،‬أمــا الحنــاف يســتندون إلــى إطلق‬
‫الحــاديث الــواردة فــي هــذا المجــال ‪ ،‬فيقولــون ‪ :‬إن الخطبــة فــي هــذه الحالــة أيضــا‬
‫مكروه ـة ‪ ،‬ولصــحاب كــل رأي أدلتهــم ‪ ،‬وعلــى كــل فــإن الدب الســلمي يقضــى‬
‫بالتريث والنتظار إلى أن تنتهي فترة التشاور والتردد والمفاوضات بين السر وذلــك‬
‫للحفــاظ علــى صــلة الــود والمحبــة والخــاء بيــن النــاس والبتعــاد عــن زرع العــداوة‬
‫والحقاد بين النفوس ‪.‬‬
‫خطبة المعتدة ‪:‬‬
‫إذا كانت المعتدة في طلق رجعي فتحرم خطبتها بإتفاق العلمــاء ل بطريــق التصــريح‬
‫ولبطريق التعريض لن الزوجية لزالت قائمــة بعــد الطلق الرجعــي وقبــل إنقضــاء‬
‫فترة العدة ولذلك فإن حقوق الزوج ثابتة عليها ولـه مراجعتهـا فـي أي وقــت شـاء مــن‬
‫غير تراض فخطبتها كخطبة المتزوجة تماما فتكون حراما من كل الوجوه ‪.‬‬
‫أما المعتدة من وفاة تجوز خطبتها بالتعريض ل بالتصريح لقــوله تعــالى ‪ " :‬ولجنــاح‬
‫عليكم فيما عرضتم به في خطبة النساء " وظاهر اليــة دال علــى أنهــا للمتــوفى عنهــا‬
‫‪12‬‬

‫زوجها لنها جاءت عقب قوله تعالي " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن‬
‫بأنفسهان أربعة أشهر وعشر "‪.‬‬
‫وأما المعتدة في طلق بائن لتجوزخطبتها لتصريحيا ولتلويحيا يعنــي لبالتصــريح‬
‫ولبالتعريض‪ -‬لن الجواز بالتعريض جاء فقط فــي حــق المتــوفي عنهــا زوجهــا دون‬
‫سواها – والباقي يبقي على أصل المنع ‪.‬‬
‫والفرق بين حال المعتدة ‪ ،‬مـن وفــاة والمعتـدة مــن الطلق البـائن هـو أن المعتـدة مــن‬
‫طلق بائن عدتها بالحيض غالبــا ‪ ،‬فــإذا طمعــت فــي التعريــض بالخطبــة ربمــا دفعهــا‬
‫الطمع إلى الخيانة فتعلن أن عدتها قد أنتهت وهي لم تنتــه والقــول قولهــا فــي أخبارهــا‬
‫بإنتهاء العدة وليس لحد سبيل في تكذيبها ‪ .‬وأما المعتدة من الوفاة فإن عدتها بالشــهر‬
‫وهي تعرف بالحساب والكتاب فلسبيل للمرأة إلى الخيانة والكذب لتعجل أنهائها‪.‬‬
‫ولن الخطبة تقتضي الرؤية ولسبيل لرؤية المعتدة من طلق بــائن للتزامهــا منــزل‬
‫الزوج فهـي لتخـرج ولتـدخل عليهـا أحـد مـن غيـر إذن مطلقهـا والمعتـدة مـن وفـاة‬
‫لتلتزم منزل الزوجية ‪.‬‬
‫وعلوة على ذلك فإن المطلقة بائنا تحتمل العـودة إلـى زوجهـا بعقـد جديـد فـي بعـض‬
‫الحوال وعودة الزوجية في حالة الوفاة مستحيلة فل إعتداء في خطبتهــا علــى أحــد –‬
‫بينما ثمة نوع إعتداء في خطبة المعتدة من طلق بائن ‪ .‬أما الشافعي رحمه الـ ففــرق‬
‫فی البينونة بين المطلقة ثلثا وغير المطلقة ثلثا – فإن المطلقة ثلثــة تجــوز خطبتهــا‬
‫بالتعريض ل بالتصريح ‪.‬‬
‫النظر إلى المخطوبة‪:‬‬
‫شرع السلم للخاطب أن ينظر إلى المرأة التي يخطبهــا والحكمــة فــي ذلــك أن يكــون‬
‫الخاطب على بينة من المــرأة الــتي تصــبح زوجتــه وأم أولد وشــريكة حيــاته وتكــون‬
‫المرأة أيضا على بينة من الرجل الذي يكون شريك حيــاته حــتى يتمكــن الطرفــان مــن‬
‫القدام على القتران والزواج أو صرف النظر عنه ‪.‬‬
‫والحازم العاقل ليقدم على عمل حتى يعرف إلي حد ما خيره مــن شــره قبــل القــدام‪-‬‬
‫قال العمش ‪ :‬كل تزويج يقع على غير نظر فآخره هم وغم ‪.‬‬
‫والرسول صلى ال عليه وسلم يقول لمغيرة بن شــعبة رضــي ال ـ عنــه عنــدما خطــب‬
‫إمرأة ‪ " :‬أنظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما "‪.‬‬
‫ويقول أيضــا ‪ ":‬إذا خطــب أحــدكم المــرأة فــإن إســتطاع أن ينظــر إلــى مايــدعوه إلــى‬
‫نكاحها فليفعل "‪.‬‬
‫وليباح النظر إلـي غيــر وجههـا وكفيهــا لن النظــر أبيـح للضــروة والضـرورة تقـدر‬
‫بقدرها والوجه موضع جمال النسان ومجمع محاسنه ‪ ،‬فبــالنظر إلــى الــوجه فيُعــرَف‬
‫مدى جمالها وبالنظر إلى الكفين يعرف مدى خصوبة بدنها ولون بشرتها هذا مــاذهب‬
‫إليه الجمهور وهناك رواية ثانية عن المام أحمد والوزاعي بأن النظر إلى ما تظهــر‬
‫به المرأة عادة وهي في بيتها كالرقبة واليدين والرجلين جائز ‪.‬‬
‫وأحيانا يحصل هذا التعرف عن طريق الوصف والبيان من قبل خبيرصــادق ليكــذب‬
‫وليبالغ في الوصف ولفي القدح‪.‬‬
‫الخلوة بالمخطوبة‪.‬‬
‫الخلوة بالمخطوبة قبل عقد الزواج محرمة ولم يــرد الشــرع بغيــر النظــر فبقيــت علــى‬
‫التحريم ولن الخلوة مظنة الوقوع فيما نهى الشــرع عنـه‪ ،‬والرســول صــلى الـ عليــه‬
‫وسلم يقول ‪ ":‬ليخلون أحدكم بإمرأة إل مع ذي محرم "‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫وقد شدد الرسول صلى ال عليه وسلم في هــذا المجــال فقــال ‪ ":‬إيــاكم والــدخول علــى‬
‫النساء "‪.‬‬
‫كما قال في موضع أخر فيما رواه عنه جــابر رضــي الـ عنــه "مــن كــان يــؤمن بــال‬
‫واليوم الخر فليخلون بإمرأة ليس معها ذو محرم عنها فإن ثالثهما الشيطان " فيجــب‬
‫الوقوف عند حكم الشرع فينظر الخاطب وليخلون ‪.‬‬
‫وهذا هو الموقف المعتدل المناسب الذي يحافظ علي العزة والكرامة من جهــة ويســهل‬
‫الطريق للتعرف الكافيء المحدود من جهة أخرى فل افراط كمــا يفعلــه بعــض النــاس‬
‫فيسمح للخاطب بالتنزه مع البنت والطلع على ما ليجوز الطلع عليه شــرعا ممــا‬
‫يسبب مشاكل عديدة فيصعب علجها والحتراز منها‪.‬‬
‫ولتفريط كما يصدر من بعض الولياء من منع الخاطب من النظر إلى المخطوبة من‬
‫منطلق الغيرة مع العلم بأن ال أغير منهم والرسول صلى ال عليــه وســلم أوفــى علــى‬
‫سلمة أعراضهم لنه هوأولى بالمؤمنين والمؤمنات من أنفسهم ‪.‬‬
‫الرجوع عن الخطبة ‪:‬‬
‫الرجوع عن الخطبة جائز شرعا لن الخطبــة غيــر ملزمــة للخــاطب ول المخطوبــة ‪،‬‬
‫فلكل واحد منهما الحق في فسخ الخطبة والرجوع عنها ويدل علــى ذلــك مــاروي عــن‬
‫إبن عمر رضي ال عنها أنه قال ‪ ":‬نهى رسول ال صلى الـ عليــه وســلم أن يخطــب‬
‫الرجل على خطبة أخيه حتى يترك قبله أو يأذن له " وفي هذه دللة واضـحة علــى أن‬
‫للخاطب أن يترك الخطبة ويرجع عنها وللمخطوبة في هذا من الحق مثل ماللخاطب ‪.‬‬
‫وفي الخيرنقول‪ :‬أن االخطبة مجرد وعد بالزواج وليــس زواجــا وإن الــزواج لينعقــد‬
‫إل بإنعقاد عقد معروف بالطريقة المقررة شرعا ‪.‬‬

‫عقد الزواج‬
‫عقد الزواج عبارة عن التفاق بين الرجل والمرأة اوالخاطب والمخطوبـة علـی الـزواج وهـذ‬
‫العقد يتم باليجاب والقبول ويعتبران رکنا العقد‪:‬‬
‫أما اليجاب فهو الکلم الصادراول عن أحد العاقدين للتعبيرعن رغبته وارادته فــی إنشــاء و‬
‫تکوين الرابطة الزوجية ويسمی ايجابا لنه يوجب ويلزم الرد والجواب علی الجانب الخر ‪.‬‬
‫والذی يصدرمن المتعاقد الخر للتعـبيرعن ارادتـه ورضـاه ومـوافقته علـی اقـتراح المـوجب‬
‫يسمی قبول ‪:‬‬
‫ويشترط فی اليجاب والقبول مايأتی ‪:‬‬
‫‪.1‬أن يکون العاقدين من ذوی الهلية و التمييز فعقد المجنون والصــغيرعلی ســبيل المثــال‬
‫ل ينعقد وليصح ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫‪.2‬أن يتحد مجلس اليجاب والقبول ومعنی ذلــک أن ليفصــل اليجــاب عــن القبــول بکلم‬
‫أجنبی أو بما يعتبره الثانی اعراضا وانشغال بغيره‪ .‬اما إذا طــال المجلــس ولــم يحــدث مــا‬
‫يعتبراجنبيا عن الموضوع فإن تراخی القبول عن اليجاب ل يعتبرمخل باتحاد المجلس‪.‬‬
‫‪.3‬أن يکون القبول موافقا لليجاب کــأن يقــول الول زّوجتــک بنــتی فلنــة ويقــول الثــانی‬
‫قبلت‪ .‬أو يکون القبول اقوی مثل أن يقول الول زوجتک بنــتی فلنــة بعشــرة آلف دينــار‬
‫ويقول الثانی قبلتها بعشرين الف دينار‪.‬‬
‫‪.4‬أن ليرجع الموجب عن اليجاب قبل قبول الطرف الخر لنــه إذا رجــع المــوجب عــن‬
‫اليجاب قبل القبول فقد الغی لن القبول إذا جاء بعد الرجوع عن اليجـاب فقـد جـاء علـی‬
‫غيرايجاب ويجوزللموجب الرجوع فی اليجاب مادام لم يرتبـط بقبـول لن اللـتزام ليتـم‬
‫قبل الرتباط بين رکنی العقد وهما اليجاب والقبول وإذا لم يتم اللتزام فل الزام علی احد‬
‫فللموجب ان يرجع ‪.‬‬
‫‪.5‬سماع کل من العاقدين بعضهما من بعض مايفهم ان المقصود من الکلم هو إنشاء عقــد‬
‫الزواج ‪.‬‬
‫صيغة عقد الزواج‬
‫اول‪ -‬الفاظ الزواج ‪:‬‬
‫ان اللفاظ فی هذا المجال تنقسم إلی ثلثة اقسام ‪:‬‬
‫الف – اللفاظ التی ينعقد الزواج بها باتفاق العلماء مثل لفظ زّوجت وانکحت لــورود همــا فــی‬
‫نص القرآن ونص الحاديث المبارکة ‪.‬‬
‫ب – اللفاظ التی لينعقد الزواج بها باتفاق العلماء مثـل الباحـة والجـارة والمتعـة والوصـية‬
‫والرهن والوديعة ونحوها لنها ل تدل علی تمليک العين فی الحال ول علی بقــاء الملــک مــدة‬
‫الحياة ‪.‬‬
‫ج‪ -‬اللفاظ التی أختلف العلماء فی إنعقاد الزواج بها مثل ‪ :‬لفظ البيع ولفظ الهبة ولفــظ الصــدقة‬
‫او العطية ونحوها مما يدل علی تمليک العين فی الحال وبقاء الملک مدة الحياة‪.‬‬
‫‪ .1‬قال الحنفية والمالکية علی الراجح ‪ :‬إذا استعمل العاقدان هذه اللفــاظ ونــووا‬
‫الزواج او وجدت قرائن تدل علی الزواج کبيان المهر او احضـارالناس و‪ ...‬ينعقـد‬
‫الزواج لن المطلوب التعرف علی ارادة العاقدين وليس لللفــاظ اعتبــار وقــد ورد‬
‫فی الشرع مايدل علی الزواج بلفظ الهبة والتمليک‪:‬‬
‫اما الول ففی قول ال تعالی » وإمرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبی ان اراد النبی‬
‫ان يستنکحها خالصة لک من دون المؤمنين « ) سورة الحزاب ‪( 50 /‬‬
‫والثانی قول الرسول صلی ال عليه وسلم لرجل لم يکن يملک مال لتقــديم المهــر»‬
‫قد ملکتکها بمامعک من القرآن «‪.‬‬
‫‪ .2‬وقـال الشـوافع والحنابلـة ل ينعقـد الـزواج بمثـل هـذه اللفـاظ بـل لبـد مـن‬
‫استعمال لفظ النکــاج او التزويــج لــورود همــا فــی القــرآن فيلــزم الوقــوف عنــدهما‬
‫والقتصارعليهما لن الزواج عقد يعتبر فيه النيـة مــع اللفـظ الخــاص بـه و هـؤلء‬
‫يقولون فی آية » وإمرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبی ان اراد النــبی ان يســتنکحها‬
‫خالصة لک من دون المؤمنين « بأن هذا من خصوصــيات النــبی صــلی الـ عليـه‬
‫وسلم واما فی حديث » ملکتکهـا « فيقولـون إن هـذا إمـا وهـم مـن الـراوی او انـه‬
‫رواه بــالمعنی ظنــا منــه بــان معنــی کل اللفظيــن واحــد فــی هــذا المجــال ‪ .‬وعلــی‬
‫تقديرصحة هذه الرواية فهی تعارض رواية الجمهورالتی جائت بلفــظ» زوجتکهــا‬
‫«‬
‫‪15‬‬

‫هل يجوز العقد بغيراللغة العربية‬


‫لقد اتفق العلماء علی أن العقد بغيراللغة العربية جائز إذا کـان إحـد العاقـدين او کلهمـا ل يعرفـان‬
‫اللغة العربية وأختلفوا فی إنعقاد العقد بغيراللغة العربية لمن يفهمها ويتمکن من عقد الزواج بها ‪:‬‬
‫قال الئمة الثلثة‪ :‬ينعقد الزواج بغيراللغة العربية باللفاظ الدالة علی النکاح والتزوج فی تلــک اللغــة‬
‫التی يستخدمونها لنشاء العقد لن التکلم بغيرالعربية ليس حراما وکل مافی المر ان اثنين أختارا ان‬
‫يتحدثا ويتخاطبا فی امرمن امورها او فی اهم شأن من شؤونها بغيراللغة العربيــة وربمـا کـانت تلـک‬
‫ی بالنسبة للهنود او الترکية بالنسبة للتــراک‬ ‫اللغة التی أختارا التخاطب بها هی لغتهم الصلية کالرد َ‬
‫أو باللغات المعروفة فی أفغانستان بالنسبة للشعب الفغانی ‪.‬‬
‫وقال الشافعی‪ :‬ل ينعقد النکاح بغيراللغة العربية إذا کان طرفا العقد يفهمان اللغة العربية ويســتطيعان‬
‫التعبيربها لن النکاح حقيقة شرعية اسلمية اظلهـا السـلم بحمـايته واوجـد آثارهـا ورتـب احکامهـا‬
‫ونظم العلقات بين الزوجين بهذه اللغة فکان کالصــلوة فانهــا ل تصــح بغيراللغــة العربيــة ممــن يجيــد‬
‫قرائتها ‪.‬‬
‫وأيد إبن قدامة فی المغنی ما ذهب إليه الشافعی فقـال ‪ :‬ومـن قـدرعلی لفـظ النکـاح باللغـة العربيـة لـم‬
‫يصح بغيرها ‪.‬‬
‫ويقول السيد سابق رحمه ال ‪ :‬والحق الذی يبدو لنا ان التشدد فی هذا المــر مخــالف اليســرالذی أکــده‬
‫السلم ‪ .‬ولقد سبق ان اشرنا الی ان الرکن الحقيقی فی النکـاح هـو اليجـاب والقبـول اللـذان يعـبران‬
‫عن ارادة العاقدين ورضاهما فإذا وقع اليجاب والقبول کان ذلـک کافيـا مهمـا کـانت اللغـة الـتی اديـا‬
‫بها ‪.‬‬
‫وقال إبن تيمية رحمه ال ‪ :‬أن النکــاح وإن کــان قربــة فانمــا هــو کــالعتق والصــدقة ليتعيــن لــه اللفــظ‬
‫العربی ول العجمی ‪.‬‬
‫ثم إن العجمی إذا تعلم اللغة العربية فی الحال ربما ليفهم المقصود مـن ذلـک اللفـظ کمـا يفهمـه فـی‬
‫اللغة التی اعتادها‪.‬‬
‫نعم لو قيل تکره العقود بغيراللغة العربية بغيرحاجة کما يکره سايرأنواع الخطـاب بغيرالعربيــة لغيـر‬
‫حاجة لکان رأيا موجها‪.‬‬
‫کما روی عن مالک واحمد والشافعی ما يد ل علی کراهية اعتياد المخاطبة بغيرالعربية لغيرحاجة ‪.‬‬
‫وإذاکان أحد العاقدين أخرس ل يستطيع أن يتکلم فاتفق العلماء علی إنعقاد زواجه بالشارة هذا إذا لــم‬
‫يکن يحسن الکتابة اما إذا کان يحسن الکتابة ففی المذهب الحنفی روايتان ‪:‬‬
‫احداهما وهی رواية الصل أنه ل يصح عقده بالشارة لن الکتابة أوضح فی الدللة من الشارة فمن‬
‫يستطيع العلی ليقبل منه الدنی فليقبل منه العقد بالشارة وقد أختارهذه الرواية جمع من المحققيــن‬
‫وهی فی ذاتها معقولة ‪.‬‬
‫وعلی رواية الجــامع الصغيريصــح عقــده بالشــارة لن الصــل فــی العقــد أن يکــون بالخطــاب فــإذا‬
‫عجزعنه أستعين بغيره من أنواع الدللت فکانت الکتابة والشارة سواءا‬

‫اليجاب والقبول بالمکاتبة ) عقد الزواج للغائب (‬


‫ويصح ان يکون اليجاب والقبول بالمکاتبة إذا لم يکونا فی مکان واحد کما يصح بارسال احد فيکتب‬
‫للمخطوبة او وليها کتابا فتجيب او يجيب بالقبول علی ان يکون ذلک بحضرة شهود يعلمون مضمون‬
‫کتاب اليجاب ويشهدون علی القبول بان تقــول مثل بعــد إطلع الشــهود بمضــمون اليجــاب زوجــت‬
‫نفسی منه او قبلت والشهود باطلعهم بمضمون اليجاب وسماعهم القبول يشــهدون فــی الواقــع علــی‬
‫شطری العقد‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ومثل الکتابة الرسالة الشفوية فإذا بلغتها الرسالة وجب ان تقبل بحضـرة شـهود فـی مجلـس العقـد ول‬
‫فرق بين الرسالة الشــفوية والکتابــة فــی هــذا ولکــن المــذهب الحنفــی لــه تفصــيل فــی هــذا الموضــوع‬
‫فراجعه‪.‬‬
‫اللفاظ المصحفة‬
‫والتصحيف معناه تغييراللفظ إلی مايتغيرمنه المعنی المقصود من الوضع اللغوی‬
‫ولينعقد الزواج عند الحناف باللفاظ المصحفة مثل ان يقــول تجــوزت او جــوزت او زوزت بــدل »‬
‫تزوجت « بعدم القصد الصحيح لکن لو اتفق القوم علی النطق بهذه الغلطة وکــان القصــد عنــدهم هــو‬
‫الزواج وصارت هذه الغلطة غلطة مشهورة فينعقد بها الزواج لنه و الحالة هذه يکـون وضـعا جديـدا‬
‫عنهم ‪ .‬ای ان اللفظ أصبح دال علی الزواج فی عرفهم فينعقد به الزواج – لن العاقدين والشــهود فــی‬
‫عرفهم وبيئتهم ل يعرفون من هذه اللفاظ إل معنی الزواج ‪.‬‬
‫وقال الشافعية‬
‫ينعقد الزواج باللفاظ المحرفة مثل ‪ :‬جوزتک موکلتی‪.‬‬
‫ولينعقد الزواج علی المختارعند الحنيفية بالقرار ای ‪ :‬أن القرار ليس من صــيغ العقــد‪ .‬فلــو قــالت‬
‫إمرأة ‪ :‬أقربأنک زوجی ولم تکـن قــد حـدثت الزوجيــة بينهـا وبيـن الرجــل فــإنه ليصـح لن القـرار‬
‫إظهارلماهو ثابت وليس بإنشاء‬
‫هذا وعليکم بمراجعة الکتب والقانون المدنی لتتوفرلديکم معلومات مفصلة فی هذا الشان‪.‬‬
‫صيغة العقد ‪:‬‬
‫يشترط فی صــيغة العقــد أن تکــون بلفظيــن ماضــيين او بلفظيــن أحــدهما للماضــی والخــر للمســتقبل‬
‫ويشترط ايضا ان تکون الصيغة منجزة غيرمعلقة و ل مضافة إلی المستقبل ‪ .‬أما الشــرط الول فلن‬
‫الصل فی صيغ العقود السلمية ان تکون بلفظ ماض لن اللفاظ الماضية هی التی تدل علی إنشــاء‬
‫العقود فی اللغة العربية ‪ .‬ولن تحقق الرضا من الطرفين وتوافق إرادتهما هــو الرکــن الحقيقــی لعقــد‬
‫الزواج واليجاب والقبول مظهران لهذا الرضاء ول بد فيهما من ان يدل دللـة قطعيــة علــی حصــول‬
‫الرضا وتحققه فعل وقت العقد ‪.‬‬
‫والصيغة التی استعملها الشارع لنشاء العقود هی صيغة الماضـی ‪ .‬ذلـک لن دللتهـا علـی حصـول‬
‫الرضا من الطرفين قطعية ولتحتمل ای معنی آخربخلف الصيغ الدالة علی الحال او الستقبال فإنها‬
‫لتدل دللة قطعية علی حصول الرضا وقت التکلم‪ -‬ولن لفظ الحال او الستقبال ليدل علی النشــاء‬
‫ال بقرينة فهو يحتمل المساومة والتمهيد وعلوة علی هذا کله فان الثارالواردة تثبت ان النــبی صــلی‬
‫ال عليه وسلم والصحابة کانوا ينشئون عقودهم باللفاظ الماضية‬
‫وقد أستثنی عقد الزواج عن العقود الخری فأجيز أن ينشأ بلفظين احــدهما للماضــی والخرللمســتقبل‬
‫او الحال فيجوز أن يقول الخاطب زوجنی بنتک فيقول الخــر قبلــت او يقــول أزوجــک بنــتی فيقــول‬
‫قبلت – وإنما استثنی عقد الزواج – لن الـّذی يمنــع النشــاء إذا کــان اليجــاب بصــيغة المســتقبل هـو‬
‫احتمال المساومة وهذا الحتمال بعيد فی عقد الزواج لن عقد الزواج يسبقه مقدمات وتمهيــدات تبعــد‬
‫معنی المساومة وتعين ارادة النشاء فی الحال‪.‬‬
‫وإذا قال الرجل زوجنی إبنتک وقال الخر زوجتک ينعقد العقــد لن الصــيغة الــتی اســتعملها الرجــل‬
‫الول تعتبرتوکيل وعند ماقال الخرزوجتک قام باليجاب والقبول معا بصيغة واحدة‪.‬‬
‫وأما إذا کان العقد بصيغة المضارع فقط کان يقــول الرجــل للمــرأة فــی مجلــس العقــد اتزوجــک علــی‬
‫مهرقدرکذا فقالت اقبل او ارضی صح العقد عند الحناف والمالکية إذا کانت هناک قرينــة تــدل علــی‬
‫ارادة إنشاء العقد فی الحال ل للوعد فی المستقبل – کــان يکــون المجلــس مهيــأ لجــراء عقــد الــزواج‬
‫فوجود مثل هذه الهيئة ينفی ارادة الوعد او المساومة بل يدل علی ارادة التنجيزفی الحــال لن الــزواج‬
‫کما اشرنا اليه من قبل ليس مثل البيع فان الزواج يسبقه امورأخری مثل الخطبة و‪ ...‬وما إلی ذلک‬
‫‪17‬‬

‫فان لم يکن المجلس مهيأ لنجازالعقد ولم يکن هناک قرينة دالة علی قصــد إنشــاء الــزواج فــی الحــال‬
‫فلينعقد العقد‪.‬‬
‫وأما الشرط الثانی )شرط التنجيز(‬
‫لن عقد الزواج يترتب عليه احکامه فورإنشائه فل تتراخی آثاره عن السبب وهو الصــيغة فيجــب ان‬
‫تکون الصيغة قاطعة فی النشاء فی الحال والصيغتان المضافة والمعلقة ل تفيدان ذلــک لن الصــيغة‬
‫المعلقة تفيد انشــاء العقــد فــی المســتقبل عنــد وجــود امريمکــن ان يکــون ويمکــن ال يکــون والصــيغة‬
‫المضافة الی المستقبل تنشئ العقد فی الحال ولکن تؤخرالحکام إلی زمــن مســتقبل وکلتاهمــا ل تتفــق‬
‫مع حقيقة الزواج الشرعية ومع خطره وشانه ‪.‬‬
‫إنعقاد الزواج بعاقد واحد‬
‫قال الحنفية ينعقد الزواج بعاقد واحد إذا کانت له ولية من الجانبين سواء کانت وليــة اصــلية کوليــة‬
‫القرابة ام طارئة کولية الوکالة وصورها کماياتی ‪:‬‬
‫الف‪ -‬بان کان العاقد وليا من الجانبين کالجد إذا زوج إبن إبنه الصغيرمن بنت إبنه الصغيرة والخ إذا‬
‫زوج بنت أخيه من إبن أخيه الصغير‪.‬‬
‫ب – او کان أصيل و وليا کإبن العم إذا تزوج بنت عمه من نفسه‬
‫ج‪ -‬او کان وکيل من الجانبين ‪.‬‬
‫د‪ -‬اوکان رسول من الجانبين ‪.‬‬
‫هـ او کان أصيل من جانب و وکيل من جانب آخر کأن توکل إمرأة رجل يزوجها من نفســه او وکــل‬
‫رجل إمرأة لتزوج نفسها منه ‪.‬‬
‫الدليل علی إنعقاد الزواج بعاقد واحد ‪:‬‬
‫اول ‪ :‬مارواه البخاری عن عبدالرحمن بن عوف رضی الـ عنــه قــال لم کليــم أتجعليــن أمــرک إلــی‬
‫قالت نعــم قــال ‪ :‬فقــد تزوجتــک فهـذا دليــل الحالــة الخيـرة وهـو ان يکـون العاقــد أصـيل مـن جــانب‬
‫ووکيلمن جانب ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬مارواه ابوداود عن عقبة بن عامررضی ال عنه ان النبی صــلی الـ عليــه وســلم قــال ‪ :‬لرجــل‬
‫أترضی ان ازوجک فلنة قال ‪ :‬نعم وقال للمرأة » أترضين ان ازوجــک فلنــا ؟ قــالت ‪ :‬نعــم فــزوج‬
‫احدهما صاحبه « فهذا دليل علی الحالة الثالثة وهو ان يکون وکيل من الجانبين ‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬يقاس علی المذکورفی الحديثين السابقين بقية الحالت لشتراکهما فی المعنی وهو ان للعاقد فــی‬
‫الجميع صفة شرعية عند اجراء العقد‪ .‬امــا الوليــة علــی الغيــراو الوکالــة عــن الغيــراو الصــالة عــن‬
‫النفس‪.‬‬
‫وقال الشافعية إن الزواج ينعقد بعاقد واحد بالصورة الولی فقط وهــی صــورة » الــولی مــن الجــانبين‬
‫کالجد يزوج بنت إبنه من إبن إبنه « واما فی الصور الخری فليجوزإنعقاد العقد بعاقد واحد ويؤيــده‬
‫امام زفر من الحنفية فی هذا الرأی ‪.‬‬
‫وحجة الشافعی وزفرفی هذا هو ان العقد يفيد اثبات اللتزامات والحقــوق لکل طرفيــه وهــذا يقتضــی‬
‫طرفين إذ ليکون الشخص الواحد مطاِلبا ومطاَلبا ال بارادتين احداهما موجبة والخــری قابلــة وهمــا‬
‫صفتان متقابلتان ليمکن ان تقوما بشخص واحد فی حالة واحدة ‪.‬‬
‫‪18‬‬

‫شروط الزواج‬
‫الشرط ما يتوقف عليه وجود الشئ ‪ ،‬ويکون خارجا عن حقيقته ‪.‬‬
‫وشروط عقد الزواج کأی عقد آخرتنقسم إلی أربعة أقسام‬
‫الف – شروط النعقاد ‪ :‬هی شروط التی يلزم توافرها فی أرکان العقد أو فی أسسه وإذا تخلف شــرط‬
‫منها کان العقد باطل بالتفاق‪ .‬وقد مرالبحث فی هذا فی دروسنا السابقة‪.‬‬
‫ب – شروط الصحة ‪ :‬هی الشروط التی ليعتبرالعقــد بغيرهــا موجــودا وجــودا يحــترمه الشــارع فــإذا‬
‫تخلف شرط منها کان العقد فاسدا عند الحناف وباطل عند الجمهور‪.‬‬
‫ج‪ -‬وشروط النفاذ ‪ :‬هی الشروط التی ل تنفذ أحکام العقد علی کــل عاقــديه بغيروجودهــا فــإذا تخلــف‬
‫منها شرط کان العقد موقوفا عند الحناف والمالکية حتی تصدر الجازة بنفاذها ‪.‬‬
‫د‪ -‬شروط اللزوم ‪ :‬هی الشروط التی يتوقف عليها بقاء العقد واستمراره فإذا تخلــف شــرط منهــا کــان‬
‫العقد ) جائزا( او )غيرلزم( وهو الذی يجوز لحد العاقدين او لغيرهما فسخه ‪.‬‬
‫وإليک تفصيل القسام الثلثة من شروط الزواج‬
‫الف – شروط صحة العقد‬
‫يشترط لصحة عقد الزواج شــرطان ‪ ) :‬احــدهما ( حضورالشــاهدين وثانيهمــا ان تکــون المــرأة محل‬
‫للعقد ‪ ،‬بأن تکون غيرمحرمة علی الرجل مؤقتا او مؤبدا‪.‬‬
‫ولنتکلم فی کل واحد من هذين الشرطين ببعض التفصيل ‪،‬‬
‫أما شرط الشهادة فقد اتفق فقهاء المسلمين فی کل العصور علــی أن الغايــة منــه شــهرالزواج وإعلنــه‬
‫بين الناس ‪ ،‬فإن فرق مابين الحلل والحرام العلن ‪ ،‬کمــا وردت بــذلک الثاروکمــا تعــارف النــاس‬
‫من وقت ان عرفوا شريعة الزواج إلی الن ‪ ،‬ولقد قال النبی صــلی الـ عليــه وســلم » اعلنــوا النکــاح‬
‫ولو بالدف « ولقد قال ابوبکرالصديق » وليجوز نکاح السر‪ ،‬حتی يعلن ويشهد عليه ‪.‬‬
‫ولکــن هــل تعتبرشــهادة اثنيــن للعقــد کافيــة للعلن مــن غيرحاجــة إلــی إعلن غيرهــا ولــو تواصــيا‬
‫بالکتمان ؟ ان القوال فی ذلک ثلثة ‪:‬‬
‫القول الول _ هو قول أبی حنيفة إن الشهادة وحدها هی العلن ولو تواصی الشاهد بالکتمــان وهــذا‬
‫رأی بعض الفقهاء وحجتهم ما استفاض من الخبــار مــن اشــتراط الشــهود و تعيينهــم طريقــا للعلن‬
‫وحدهم فقد روی ان النبی صلی ال عليه وســلم » ل نکــاح إل بـولی وشــاهدی عـدل ‪ ،‬فـان تشــاجروا‬
‫فالسلطان ولی من ل ولی له « ‪.‬‬
‫وإن الشارع باشتراطه الشهادة قد رسم طريق العلن ولم يترک امــره مــن غيرحــدود ورســوم ‪ ،‬بــل‬
‫وعينــه بالشــهادة فکــانت هــی الحــد المرســوم وبحضورالشــاهدين مــع العاقــدين يســتحق معنــی‬
‫الجهـروالعلن ‪ ،‬ولـو تواضـوا بالکتمــان لن الســرليکون بيـن اربعــة بـل هـو الجهرولـذلک يقـول‬
‫القائل ‪:‬‬
‫وسرالثلثة غيرالخفی‬ ‫وسرک ماکان عند امرئ‬
‫وان نفی النبی صلی ال عليه وسلم النکاح من غيرشهود دليل علــی ان الشــهادة امــر لبــد منــه وانهــا‬
‫کافية للعلن ‪.‬‬
‫القول الثانی _ وهو المشهورعند مالک ان الشهادة ليست شــرطا لنشــاء العقــد ‪ ،‬بــل الشــرط لنشــاء‬
‫العقد مطلق العلن ‪ ،‬والشهادة شرط لحل الدخول ‪ ،‬ای انهــا ليســت شــرطا للنعقــاد ‪ ،‬ولکنهــا شــرط‬
‫‪19‬‬

‫للترتيب الثار‪ ،‬والشهادة وحدها ل تکتفی للعلن وان الشاهدين إذا تواصيا بالکتمان لينشأ العقد بل‬
‫لبد من توافرالعلن للنعقاد ‪ ،‬ثم تتعيين الشهادة لترتيب الثار‪.‬‬
‫القول الثالث _ ان العلن وحده کــاف لنشــاء العقــد مــن غيرحاجــة مطلقــا إلــی تعييــن الشــهادة حــدا‬
‫مرسوما للعلن ومن غيراشتراطها لترتب الثار‪ ،‬لن القصد هو العلن وهو فرق ما بين النکاح ‪.‬‬
‫وهذا قول عند مالک رضی ال عنه وقول عند احمد ولکن المشهورعن احمد انه مع الجمهور ‪.‬‬
‫وهناک قول شاذ ذکره ابن رشد عن ابی ثور وبعض الفقهــاء ان الشــهادة ليســت شــرطا مــن شــروطه‬
‫ولکنه لم ينف العلن بل اوجبه واجازه بعد تمــام العقــد باليجــاب والقبــول قبــل الــدخول فهــو شــرط‬
‫العلن کبعض المالکية ‪ ،‬والفــرق بينــه وبينهــم أنهــم يشــترطون العلن عنــد وجــود الصــيغة وهــذا‬
‫يجيزه بعدها قبل الدخول ‪.‬‬
‫وقد احتج لمالک رضی ال عنه فی المشهور عنه وهو القول الثانی بما ورد مــن الثارالســابقة الدالــة‬
‫علی وجوب العلن ‪ ،‬وبان الکتاب الکريم لم يشترط الشهادة فی عقد انعقاد الزواج ونصوص السـنة‬
‫ليست صريحة فی اللزام بها وحدها فی العلن عند النعقاد ولن الرسول جعـل منــاط الصـحة هـو‬
‫العلن فی قوله صلی ال عليه وسلم » اعلنوا النکاح ولو بالدف « ‪.‬‬
‫ولقد قال يزيد بن هارون » امرال سبحانه وتعالی بالشهاد فــی الــبيع دون النکــاح فاشــترط اصــحاب‬
‫الرای الشهادة للنکاح ولم يشترطوها للبيع ‪.‬‬
‫واما الشهادة فلورود النصوص بها إشترطت لــترتيب الثــار ل للنعقــاد وليســت صــريحة فــی طلبهــا‬
‫للنعقاد فکانت شرطا لترتيب الثارفقط ‪.‬‬
‫ويشترط فی الشهادة ان تکون برجلين او رجل وامرأتين کما يشـترط فيهـا الحريـة والبلـوغ والعقـل ‪،‬‬
‫وسماع کلم العاقدين وفهمه والسلم إذا کــان الزوجــان مســلمين وليشــترط البصــرول العدالــة عنــد‬
‫الحنفية ‪.‬‬
‫ولنعرج ببعض التفصيل لهذه الشروط ‪:‬‬
‫‪.1‬أمالشرط الول وهو العـدد فقـد ثبـت بـالنص ‪ ،‬وهـو نصـاب الشـهادة المعروفـة للثبـات فـی‬
‫غيربعــض الحــدود ‪ ،‬فــأولی أن يکــون نصــاب الشــهادة الــتی يکــون الغــرض منهــا العلن ‪،‬‬
‫والنصاب ان يکون برجلين او تکون برجل وامرأتين ‪ ،‬فان شهادة النساء وحدهن لتجــوز عنـد‬
‫الجمهورفی غيرمسائل استثنائية ‪ ،‬ولن النساء وحدهن ليکفين للعلن ‪ ،‬لن المرأة المســلمة‬
‫لتغشی المجالس والمحافــل فــالعلن ليثبــت بشــهادة النســاء وحــدهن‪ .‬ويکــون اعلنهــن بيــن‬
‫النساء وحدهن ان کان مع النساء رجل فان العلن يتوافربالرجل والنساء معا ‪.‬‬
‫وأما البلوغ والعقل والحرية فلن عقد الزواج عقد لــه خطروشــأن ‪ ،‬فل يحضــره إل ذوو العتبــارمن‬
‫الناس ‪ ،‬وليشيع إل بأقوالهم ولن الشهادة فی السلم ولية ول ولية لهــؤلء علــی أنفســهم فلتثبــت‬
‫لهم شهادة علی غيرهم ‪.‬‬
‫وإشترط السماع والفهــم ليتحقــق العلن والخبــاروذيوع العقــد بيــن النــاس وحضــور الصــم او مــن‬
‫ليفهم معانی العبارات التی نشأ بها العقد کغيبته فل يعتبرقد شاهد وعاين لنه لم يعلم شيئا ‪.‬‬
‫والســلم شــرط فــی زواج المســلمين لن العــبرة بشــيوع امرالــزواج بينهــم ولن الشــهادة مــن بــاب‬
‫الولية ‪ ،‬ول ولية لغيرالمسلمين علی المسلم بمقتضی حکم السلم ولن لعقد الزواج اعتبارا دينيا ‪،‬‬
‫فلبد ان يکون الحاضرون فيه الذين يمضی الزواج بشهادتهم من اهل العبادة السلمية ‪.‬‬
‫واذا کانت الزوجة کتابية والزوج هو زواج مسلم ‪ ،‬فل بد من شهادة المسلمين ‪ ،‬وقــال ابوحنيفــة وابــو‬
‫يوسف ‪ :‬يصح العقد بشهادة الکتابيين ‪.‬‬
‫ودليل الولين ان الزواج هـو زواج مسـلم ‪ ،‬فل بـد ان يـذيع بيـن المسـلمين وذلـک بحضورالشـاهدين‬
‫المســلمين ولن الشــهادة علــی العقــد والعقــد يتعلــق بــالزوج والزوجــة معــا ‪ ،‬فــاذا جــازت شــهادة‬
‫غيرالمسلمين فقد کانت علی المسلم وغيرالمسلم ول ولية لغيرالمسلم علی المسلم کمابينا‪.‬‬
‫‪20‬‬

‫و وجهة نظر ابی حنيفة وابی يوسف ان الشهادة فی الزواج علی المرأة ‪ ،‬وهی کتابيــة فتجوزشــهادة‬
‫الکتابيين عليها ‪.‬‬
‫وابوحنيفة واصحابه ليشترطون العدالة فی شهود النکاح وإشترطها الشافعی واحمد فی رواية عنه ‪.‬‬
‫واستدل من اشتراط العدالة بثلثة ادلة ‪.‬‬
‫)اولها ( قوله صلی ال عليه وسلم ‪ :‬ل نکاح إل بــولی مرشــد وشــاهدی عــدل ‪ ،‬فالعدالــة شــرط بنــص‬
‫الحديث الذی إشترط لزومها ‪.‬‬
‫) ثانيها ( ان الشهادة فی النکاح من باب الکراهة لذلک العقد الخطيرول کرامة للفساق ‪.‬‬
‫)ثالثهما ( أن الشهادة لها فائدة غيرالشهروالعلن وهی الثبات عند الجحود ‪ ،‬فلبد ان يکون الشهود‬
‫من الصالحين لداء الشهادة ‪ ،‬بان يکونوا عدول مقبولی الشهادة ‪.‬‬
‫وقد استدل الحنفيــة لرأيهــم فــی عــدم اشــتراطها بــان الغــرض مــن الشــهادة هــو العلن وهــو يتحقــق‬
‫بحضورالفساق ‪ ،‬کما يتحقق بحضورالبراروبان الفاسق اهل لن ينشــئ عقــد الــزواج لنفســه ‪ ،‬ولمــن‬
‫هو فی وليته فاولی ان يشهد عليه ولن الشهادة عليه دون انشائه وقد ملک النشاء فيملکهــا بــالولی‬
‫وبان الفاسق اهل لن يتولی امرالعامة فــاولی ان تکــون لــه وليــة فــی ذلــک الشــأن الــذی هــو دونهــا‬
‫بلريب ‪.‬‬
‫وقد استظهر کمال الدين بن الهمام ان الفاسق انما يقبل حضوره فی الزواج ويعتبرشاهدا فيــه ‪ ،‬اذا لــم‬
‫يکـن فــی حــال تلبســه بالفسـق وذکـران العبيـد لتقبـل شـهادتهم لعظـم شــأن العقـد ثــم قــال ‪ » :‬وعلــی‬
‫اعتبــارالولی تنفــی شــهادة الســکاری حــال ســکرهم وعربــدتهم ‪ ،‬وان کــانوا بحيــث يــذکرونها بعــد‬
‫الصحو‪ ،‬وهذا الذی ادين به « ثم يقول فی موضع آخر‪ »:‬فالحق صحة العقد بحضرة فساق لفی حال‬
‫فسقهم « ‪.‬‬
‫وهذا ويلحظ فی الشهادة فی الزواج أمران ‪:‬‬
‫)اولهما ( انــه يجــوز عنــد الحنفيــة ان يکــون الشــهود مــن آبــاء الزوجيــن او فروعهمــا ‪ ،‬لن الشــهادة‬
‫للعلن ل للثبات ‪ ،‬وانما ترد شهادة الفروع لصولهم والصول لفروعهــم فــی الثبــات فقــط لجــل‬
‫التهمة وهنا ليس الغرض الثبات ‪.‬‬
‫)وثانيهما ( انه اذا کان احد العاقدين بالوکالة فی حضرة الصــيل او الــولی الــذی وکلــه فــانه يعتــبران‬
‫الموکل هو الذی باشرالعقد وان کان الذی عبرهو الوکيل ولمانع من ان يعتبرالمعبر‪ -‬من الشــهود اذا‬
‫احتاج نصاب الشهادة اليه ليکمل العدد مثال ذلک ‪:‬‬
‫الف – ان توکل الزوجة رجل يتولی العقد ثم تحضرفی اثناء انشائه فانه يصــح العقــد اذا کــان الوکيــل‬
‫معه شاهد آخر‪ ،‬وليقال ان العقد قد عقــد بحضــرة شــاهد واحــد ‪ ،‬فقــد اعتــبرت المــرأة باشــرت العقــد‬
‫والوکيل والخرکانا شاهدين ‪.‬‬
‫ب – اذا وکل ولی الزوجة وکيل لمباشرة العقد ثم حضرالولی انشائه فانه يعتبرهو المنشئ ‪ ،‬ولمــانع‬
‫من اعتبار الوکيل شاهدا فيکتفی بشهادته مع آخر‪.‬‬
‫عقد الزواج عقد شکلی ‪ :‬يقسم فقهاء القانون العقود إلی قسمين ‪:‬‬
‫الف – عقود رضائية تتم ويعترف بها القانون ويرتب أحکامها ويظلها بحمايته بمجرد تحقق تراضــی‬
‫الطرفين وتوافق إرادتهما‪.‬‬
‫ب – وعقود شکلية وهی التی ل يعترف القانون بها ولنــترتب أحکامهــا ول يظللهــا بحمــايته بمجــرد‬
‫التراضی عليها ‪ ،‬بل يشترط شروطا اخری لترتيب الحکام وحمايتها وتنفيـذها کالرسـمية فـی بعـض‬
‫الهبات ‪.‬‬
‫وعقد الزواج کما رأيت ينفی الشارع اعتباره وليرتــب احکــامه وليظللهــا بحمــايته بمجــرد تراضــی‬
‫الطرفيـن عليـه بــل لبـد مـن الشــهروالعلن بالشــهادة علــی مــذهب الجمهـور‪ .‬وبغيرهــا معهـا علـی‬
‫‪21‬‬

‫المشــهورعند مالــک رضــی الــ عنــه فهــو اذن عقــد شــکلی وان کــان الرضــا اساســا فيــه عنــد‬
‫جمهورالفقهاء ‪.‬‬
‫ولجدوی فی ان يقال ان الشهادة فی النکاح شرط صحة لشرط انعقاد لنه لفرق بين باطــل النکــاح‬
‫وفاسده من جهة ‪ ،‬ولنه علی ای اعتبار ليعترف الشارع الســلمی بوجــود العقــد ويــترتب الحکــام‬
‫عليه مجردا اذا لم ينشأ بشهادة الشهود ‪.‬‬
‫محلية المرأة للزواج ‪ :‬تکلمنا ببعض التفصيل فی شرط الشهادة ‪ .‬أما الشــرط الثــانی للصــحة وهــو ال‬
‫تکون المرأة محرمة علی الرجل تحريما مؤبدا او مؤقتا فلنتکلم هنا فی تفصــيله وبيــان المحرمــات ‪،‬‬
‫بل نترک بيان ذلک لباب قائم ‪ ،‬لما له من الشأن فی أحکام الزواج ‪.‬‬
‫وهنا نتکلم عن کون هذا الشرط شرط صحة او شرط انعقاد وکلم الفقهاء فی ذلک ‪.‬‬
‫قد يقول قائل ‪ :‬لقد ذکرالفقهاء ان حل المرأة للرجــل شــرط صــحة مــع ان المــرأة محــل العقــد ويکــون‬
‫المعقول ان يکون ذلــک شــرط انعقــاد لشــرط صــحة لن شــروط النعقــاد ان تخلفــت لــم يکــن للعقــد‬
‫وجود ‪ ،‬وشروط الصحة ان تخلفت يکون العقد موجودا ولکن يکون فاسدا‪.‬‬
‫وإن الجواب عن ذلک العتراض هو ان التفرقة بين شرط النعقاد وشرط الصحة لها جدواها بالنسبة‬
‫لعقود المعاملت الماليــة ‪ ،‬لن المــذهب الحنفــی يقــرر فيهــا تفرقــة جوهريــة بيــن الباطــل مــن العقــود‬
‫والفاسد ‪ ،‬وانه تخلف شرط النعقاد کان العقد باطل ول وجود لــه وان تخلــف شــرط الصــحة کــان لـه‬
‫وجود ولکنه يکون فاسدا ‪.‬‬
‫اما النکاح فانه من المقرر عند کثيرين من الحنفية والجاری عی عباراتهم فی کتبهم انــه ل فــرق بيــن‬
‫باطل النکاح وفاسده ‪ ،‬ففاسده باطل وباطله فاسد‪ ،‬لن الشارع ليعترف لکليهما بوجود علی ماســنبين‬
‫ولقــد لحظنــا هــذا المعنــی فتکلمنــا عــن النعقــاد فــی الصــيغة ومــن يتکلــم بهــا بإعتبــارأن هــذه هــی‬
‫العناصرالمکونة لليجاب والقبــول ‪ .‬ثــم تکلمنــا بعــد ذلــک فــی موضــوع اليجــاب والقبــول وشــرطه‬
‫وسميناالقسم الخيرشروط صحة باعتبارانه ليس من العبارة المکونة المنشئة ‪.‬‬
‫وللمذاهب غيرالحنفية شروط أخری علوة علی هذين الشرطين بصحة عقــد الــزواج فراجــع لمعرفــة‬
‫تفاصيلها إلی الکتب التی تهتم لمقارنة المذاهب ک ‪ » :‬الفقه السلمی وأدلته «‬

‫ب ‪ -‬شروط النفاذ ‪:‬‬


‫إشترط الحنفية لنفاذ عقد الزواج وترتب آثاره عليه بالفعل بعد انعقاده صحيحًا الشروط الخمسة التاليــة‬
‫‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون كل من الزوجين كامل الهلية إذا تولى عقد الزواج بنفسه‪ ،‬أو بوكيل عنه‪ ،‬وكمال الهلية‬
‫ل بالغًا حرًا‪ ،‬نفذ العقــد وترتبــت آثــاره عليــه‪،‬‬‫بالعقل والبلوغ والحرية‪ ،‬فمتى كان كل من الزوجين عاق ً‬
‫من حل الدخول ووجوب المهر وغيرهما‪ ،‬وقــال محمــد كمــا تقــدم‪ :‬إذا زوجــت المــرأة البالغــة العاقلــة‬
‫نفسها بدون ولي‪ ،‬كان زواجها موقوفًا على إجازة الولي‪.‬‬
‫أما إن باشر عقد الزواج صبي مميز أو عبد‪ ،‬فيتوقف العقد عند الحنفيـة والمالكيــة علــى إجــازة الــولي‬
‫ل‪.‬‬
‫من أب ونحوه‪ ،‬أو سيد‪ .‬وإن باشره مجنون أوغير مميز فل ينعقد أص ً‬
‫ل‪ ،‬بل هي باطلة‪.‬‬ ‫وعند الشافعية والحنابلة‪:‬ل تنعقد تصرفات العبد والصبي المميز وغير المميز أص ً‬
‫‪ - 2‬أن يكون الزوج رشيدًا‪ ،‬إذا تولى الزواج بنفسه‪ :‬هــذا شــرط عنــد المالكيــة‪ ،‬فــإن كــان ســفيهًا غيــر‬
‫رشيد‪ :‬وهو الذي ل يحسن التصــرف فــي مــاله‪ ،‬وتــزوج بــدون إذن الــولي‪ ،‬توقــف عقــد زواجــه عنــد‬
‫المالكية على إجازة وليه ‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫وقال الشافعية والحنابلة ‪ :‬الرشد شرط لصحة الزواج‪ ،‬فلو تزوج السفيه بغير إذن وليه‪ ،‬كــان الــزواج‬
‫ل؛ لنه تصرف يجب به مال‪ ،‬وفي الزواج ودفع المهر والنفقة إتلف للمال أو مظنة إتلفه‪.‬‬ ‫باط ً‬
‫وقال الحنفية ‪ :‬ليس الرشد شرطًا لصحة الزواج ول لنفاذه‪ ،‬فإن تزوج السفيه امرأة جاز زواجه؛ لنه‬
‫من حوائجه الصلية وتصرفاته الشخصية‪ ،‬والحجر‬
‫إنما هو على التصرفات الماليـة المحضـة‪ .‬والقاعـدة عنـدهم ‪ :‬أن كـل مـا ل يـؤثر فيـه الهـزل كـالعتق‬
‫والنكاح‪ ،‬ل يؤثر فيه الحجر‪ ،‬لكن ل يثبـت للمـرأة أكـثر مـن مهـر المثـل إذا كـان السـفيه هـو الـزوج‪،‬‬
‫ويثبت فيه مهر المثل على القل إذا كانت الزوجة هي السفيهة‪.‬‬
‫‪ - 3‬أل يكون العاقد وليًا أبعد مع وجود الولي القرب المقدم عليه‪ :‬شرط نفاذ عنــد الحنفيــة‪ ،‬فــإن زوج‬
‫الولي البعد مع وجود القرب منه‪ ،‬كان العقد موقوفًا على إجازة الولي القرب‪.‬‬
‫وهو شرط صحة عند الشافعية والحنابلة ‪ ،‬فل يصح زواج الولي البعد مع وجود القرب إل إذا كــان‬
‫خَبــل )فســاد فــي العقــل(‪ ،‬والصــغر‪ ،‬والحجــر بســفه‪،‬‬ ‫هنــاك مــانع كــالجنون واختلل النظــر بهــرم أو َ‬
‫والعضل )أي المنع من الزواج بغير حق(‪.‬‬
‫وقال المالكية ‪ :‬إن كان الولي القــرب غيــر مجــبر كــالبن والخ والجــد والعــم‪ ،‬كــان العقــد صــحيحًا‬
‫مكروهًا‪ .‬وإن كان القرب وليًا مجبرًا )وهو الب( فسخ العقد أبدًا‪ ،‬إل إذا أجازه الولي القرب‪ ،‬وكــان‬
‫الذي توله مفوضًا إلىه المر بالبينة‪.‬‬
‫‪ - 4‬أل يخالف الوكيل موكله فيما وكله به‪ :‬فإذا وكل شخص غيره ليزوجه فتاة معينة أو بمهــر معيــن‪،‬‬
‫فزوجه فتاة غيرها‪ ،‬أوزوجه بمهر أكثر‪ ،‬لم ينفذ العقد‪ ،‬وكان موقوفًا على إجازة الموكل‪ .‬فلــو لــم يعلــم‬
‫حتى دخل بقي الخيار له بين إجازته وفسخه‪ ،‬ويكــون للمــرأة عنــد الحنفيــة القــل مــن المســمى ومهــر‬
‫المثل؛ لن الموقوف كالفاسد‪.‬‬
‫‪ -5‬أل يكون العاقد فضوليًا‪ :‬والفضولي‪ :‬هو من ل يكون له ولية التزويج وقت العقد‪ .‬وهو شرط نفــاذ‬
‫عند الحنفية والمالكية‪ .‬فإذا زوج شخص امرأة لرجل وقبل عنه‪ ،‬دون ولية ول وكالة عنه وقت العقد‪،‬‬
‫كان الزواج موقوفًا على إجازة الزوج عندهم‪.‬‬
‫وأما عند الشافعية والحنابلة فتصرف الفضولي من بيع وزواج باطل‪.‬‬
‫ج ‪ -‬شروط اللزوم ‪:‬‬
‫معنى لزوم العقد‪ :‬أل يكون لحد العاقدين أو لغيرهمــا حــق فســخه بعــد انعقــاده‪ ،‬بــأن يخلــو العقــد مــن‬
‫الخيار‪ .‬ويشترط للزوم الزواج أربعة شروط هي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن يكون الولي المزوج لفاقد الهلية كالمجنون والمعتــوه‪ ،‬أو ناقصــها وهــو الصــغير والصــغيرة‪:‬‬
‫هو الب أو الجد‪ ،‬وهو شرط عند أبي حنيفة ومحمد‪ .‬فلو كان المزوج لهما غيرهما كالخ والعم‪ ،‬كــان‬
‫لكل منهما حق فسخ العقد عند زوال المانع أي الفاقة من الجنون أو العته‪ ،‬والبلوغ بعد الصغر‪ ،‬حــتى‬
‫ولو كان الزواج بالكفء وبمهر المثل ؛ لن قرابة غير الصـل والفــرع قرابــة حواشــي‪ ،‬فل يسـاوون‬
‫الصل والفرع بالشفقة‪ ،‬فيقدر زواجهم بالمصلحة الظاهرة‪ ،‬ويعطى المتزوج خيار الفسخ‪.‬‬
‫ودليل أبي حنيفة ومحمد‪ :‬ما روي أن قدامة بن مظعون زّوج بنت أخيه‪ :‬عثمان بن مظعون‪ ،‬مــن عبــد‬
‫ال بن عمر رضي ال عنه‪ ،‬فخيرها رسول ال صّلى الـ عليــه وســلم بعــد البلــوغ‪ ،‬فاختــارت نفســها‪،‬‬
‫حتى روي أن ابن عمر قال‪ :‬إنها انتزعت مني بعد ما ملكتها‪.‬‬
‫وقال أبو يوسف‪ :‬ليس هذا بشرط‪ ،‬ويلزم نكاح غير الب والجد من الولياء‪ ،‬فل يثبت الخيــار للمــولى‬
‫عليه؛ لن هذا النكاح صدر من ولي‪ ،‬فيلزم‪ ،‬كما إذا صدر عن الب والجد‪ ،‬لن ولية التزويــج وليـة‬
‫نظر في حق المولى عليه‪ ،‬وقد اجتهد الولي في تحقيق المصلحة‪ ،‬ونظر فيما هو الولى والصلح‪.‬‬
‫فإذا زوج الحاكم فاقد الهلية أو ناقصها‪ ،‬فل خيار للمولى عليه في رأي أبي حنيفة خلفًا لمحمــد؛ لن‬
‫ولية الحاكم أعم من ولية الخ والعم؛ لنه يملك التصرف في النفـس والمـال‪ ،‬فكـانت وليتـه شـبيهة‬
‫بولية الب والجد‪ ،‬ووليتهما ملزمة‪ ،‬فتلزم ولية الحاكم‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫‪ - 2‬أن يكون الزوج كفئًا للزوجة إذا زوجت المرأة الحرة البالغة العاقلة نفسها من غير رضا الوليــاء‬
‫بمهر مثلها‪ ،‬وكان لها ولي عاصب لم يرض بهذا الزواج‪ ،‬فلهذا الولي طلب فسخ الزواج من القاضي‪.‬‬
‫وهذا شرط عند الحنفية في ظاهر الرواية‪.‬‬
‫وكذلك قال أئمة بقية المذاهب‪ :‬الكفاءة في الزوج شرط للزوم الزواج‪ ،‬ل لصــحته‪ ،‬فيصــح النكــاح مــع‬
‫فقدها‪ ،‬وهي حق للمرأة والولياء كلهم القريب والبعيد‪ ،‬لتسـاويهم فـي لحـوق العـار بفقـد الكفــاءة‪ ،‬فلــو‬
‫زوجت المرأة بغير كفء‪ ،‬فلمن لم يرض بالنكاح الفسخ‪ ،‬فورًا أو تراخيًا‪ ،‬سواء من المرأة أو الولياء‬
‫جميعهم؛ لنه خيار لنقص في المعقود عليه كخيار البيع‪ ،‬ويملكه البعد من الولياء مع رضــا القــرب‬
‫منهم به‪ ،‬ومع رضا الزوجة‪ ،‬دفعًا لما يلحقه من لحوق العار‪.‬‬
‫والدليل على أن الكفاءة شرط لزوم ل شرط صحة أنه صّلى ال عليه وسلم ‪» :‬أمر فاطمــة بنــت قيــس‬
‫أن تنكح أسامة بن زيد موله‪ ،‬فنكحها بأمره« وروت عائشة »أن أبا حذيفة ابن عقبة بـن ربيعـة تبنـى‬
‫سالمًا‪ ،‬وأنكحه ابنة أخيه‪ :‬الوليد بن عقبة‪ ،‬وهو مولى لمرأة من النصار« وعن أبي حنظلة بــن أبــي‬
‫سفيان الجمحي عن أمه قالت‪» :‬رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلل« ‪.‬‬
‫‪ - 3‬أن يكون المهر بالغًا مهر المثل إذا زوجت الحرة العاقلة البالغة نفسها من غير كفء‪ ،‬بغير رضا‬
‫الولياء‪ ،‬وأل يقل عن مهر المثل إذا زوجت المرأة نفسها من كفء ‪ .‬وهذا عند أبــي حنيفــة‪ ،‬فللوليــاء‬
‫حق العتراض وطلب فسخ الزواج‪ ،‬إل إذا قبل الزوج زيادة المهر إلى مهر المثــل‪ ،‬فل يكــون للــولي‬
‫حينئذ حق الفسخ‪ ،‬وبناء عليه إما أن يزيد الزوج إلى مهر المثل أو يفرق بينهما‪.‬‬
‫وعند أبي يوسف ومحمد‪ :‬ليس هذا بشرط‪ ،‬ويلزم النكاح بدونه‪.‬‬
‫‪ - 4‬خلو الزوج عن عيب الجب والعنة عند عدم الرضا من الزوجة بهما‪.‬‬
‫هذه هي شروط الــزواج الشــرعية‪ ،‬أمــا الشــروط القانونيــة الموضــوعة لجــراء عقــد الــزواج رســميًا‬
‫ولسماع دعوى الزوجية‪ ،‬لمنع الناس من تزويج الصغار‪ ،‬ومحاولة ادعاء الزوجية زورًا‪ ،‬فهي مجــرد‬
‫قيود قانونية‪.‬‬

‫المحّرمات من الّنساء أو النكحة المحّرمة‬


‫عرفنا في شروط الزواج‪ :‬أنه يشترط أل تكون المرأة محرمة على الرجل الذي يريد الزواج بها‪ ،‬بــأن‬
‫ل لورود العقد عليها‪،‬‬
‫تكون مح ً‬
‫والمحرمات من النساء نوعان‪ :‬نوع يحرم حرمة مؤبدة‪ ،‬ونوع يحرم حرمــة مؤقتــة‪ .‬والتحريــم المؤبــد‬
‫إما من جهة النسب‪ ،‬أو من جهة المصاهرة‪ ،‬أو من جهة الرضاع )‪. (1‬‬
‫النوع الول ـ المحرمات المؤبدة‪ :‬هي التي تحرم على الرجل أبدًا‪ ،‬لسبب دائم فيها‪ ،‬كــالبنوة والمومــة‬
‫والخوة‪ ،‬وتنحصر في ثلثة أسباب‪ :‬القرابة‪ ،‬المصاهرة‪ ،‬الرضاع‪.‬‬
‫‪ - 1‬حرمة القرابة أو المحرمات بسبب النسب ‪:‬‬
‫المحرمات بسبب النسب على التأبيد‪ :‬هن اللتي تحرم علــى الشــخص بالقرابــة النســبية‪ ،‬وهــن أربعــة‬
‫أنواع‪:‬‬
‫‪24‬‬

‫أ ـ أصول النسان وإن علون‪ :‬وهــي الم‪ ،‬والجــدة‪ :‬أم الم‪ ،‬وأم الب‪ ،‬لقــوله تعــالى‪} :‬حّرمــت عليكــم‬
‫أمهاتكم{ ]النساء‪ .[23/4:‬والم لغة‪ :‬الصل‪ ،‬فتشمل الم والجدة‪.‬‬
‫ب ـ فروع النسان وإن نزلن‪ :‬وهي البنت وبنت البنت‪ ،‬وبنت البن وإن نزل‪ ،‬لقوله تعــالى‪} :‬حرّمــت‬
‫عليكم أمهاتكم وبناتكم{ ]النساء‪.[23/4:‬‬
‫جـ ـ فروع البوين أو أحدهما وإن بعدت درجتهن‪ :‬وهي الخوات الشـقيقات أو لب أو لم‪ ،‬وبنـاتهن‪،‬‬
‫وبنات أولد الخوة والخوات وإن نزلن‪ ،‬لقوله تعالى‪} :‬وبنات الخ وبنات الخت{ ]النساء‪.[23/4:‬‬
‫د ـ الطبقة الولى أو المباشرة من فروع الجداد والجدات‪ :‬وهن العمات والخالت‪ ،‬ســواء كــن عمــات‬
‫للشخص نفسه وخالت له‪ ،‬أم كن عمات وخالت لبيه أو أمه‪ ،‬أوأحــد أجــداده وجــداته‪ ،‬لقــوله تعــالى‪:‬‬
‫}حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالتكم{ ]النساء‪.[23/4:‬‬
‫أما الطبقة الثانية أو غير المباشرة من هذه الفروع فل تحرم‪ ،‬كبنات العمات والعمــام‪ ،‬وبنــات الخــال‬
‫أو الخالة‪ ،‬لدخولهن فـي مضـمون قـوله تعـالى‪} :‬وأحـل لكـم مـا وراء ذلكـم{ ]النسـاء‪ [24/4 :‬ولقـوله‬
‫سبحانه‪} :‬يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللتــي آتيــت أجــورهن ومــا ملكــت يمينــك ممــا أفــاء الـ‬
‫عليك‪ ،‬وبنات عمك‪ ،‬وبنات عماتك‪ ،‬وبنات خالك وبنــات خالتــك اللتــي هــاجرن معــك{ ]الحــزاب‪:‬‬
‫‪.[50/33‬‬
‫حکمة التحريم ‪:‬‬
‫) الف (قد اجمعت الشرائع المنزلة علی تحريم الزواج المذکورات فالسلم هذا نصه ‪ ،‬واليهودية‬
‫والنصرانية فيما يبقی منهما من أحکام إلی اليوم تری فيهما التحريم لهولء ثابتا ونصوصه قائمــة‬
‫واجمعت الشرائع المنزلة علی تحريم ذلک لنه مشتق من الفطــرة النســانية بــل بعــض الحيــوان‬
‫العالی لياخذ اليفه من عشه او وجاره ‪ ،‬إنما يسعی إلی عشق آخرأو وجارآخر‪.‬‬
‫)ب ( ولقد اثبتت التجارب العلمية التی اجريت فی الحيوان ان التلقح بين سلئل مختلفة الرومة‬
‫ينتج نتاجا قويا‪ .‬والتلقح بين حيوانات متحدة الرومة ينتج نسل ضعيفا ‪.‬‬
‫وعلی ذلک يکون التزاوج بين القرابة القريبة ينتج نسل ضعيفا وقد لحظ ذلک القــدمون ‪ ،‬فهنــا‬
‫عمربن الخطاب رضی ال عنه يقول لل السائب ‪ ،‬وقد رآهم يتزاوجون فيما بينهم ‪ »:‬قد اضويتم‬
‫‪ ،‬فانکحوا النوابغ « ‪.‬‬
‫وتعليل ذلک واضح ف فان القبال علی ذات القرابة القوية ليکون قويا والولد نتيجة هذا القبــال‬
‫إذ يولد من ذلک ‪.‬‬
‫)ج( هذا وان الزواج من هؤلء القريبات يفسد العلئق الکريمــة الــتی تربــط بينهــن ‪ ،‬والعواطــف‬
‫الشريفة التی تبعثها الفطرة إليهن ‪ ،‬فأولئک يتمتعن بحدب البوة وحنانها ‪ ،‬او برالبنــوة واجللهــا‬
‫للبوة‪ .‬او مشارکة الخوة فی تمازج الحاسيس الخوية التی اوجدتها المشارکة فی الدم ‪ ،‬وهکذا‬
‫سائرالقرابات القريبة‪.‬‬
‫فإذاکان الزواج منهن فسدت تلک العلئق‪ :‬لن اکثرها يتنافی مع النس الزوجی الذی يقتضی ان‬
‫ينخلع النسان فی کثيرمن الحيان من ربقـة التقاليـد الـتی کونتهـا العلئق السـابقة ‪ ،‬وحينئذ تفسـد‬
‫هذه العلئق بمقاومة العاطفة التی يخلقهــا الــزواج ‪ ،‬فتخعــف کلتاهمــا بالمقاومــة‪ .‬فلتکــون قرابــة‬
‫کريمة شريفة ول زوجية صالحة ‪.‬‬
‫ولقد قال فی هذا المقام الکاسانی فی البدائع » ان نکاح هؤلء يفضی إلی قطع الرحم لن النکاح‬
‫ليخلو من مباسطات تجری بين الزوجين عادة وببســبها تجــری الخشــونة بينهمــا احيانــا‪ ،‬وذلــک‬
‫يفضی الی قطع الرحم فکان النکاح منهن سببا لقطع الرحم ومفضــيا اليــه والمفضــی الــی الحــرام‬
‫حرام ‪ ،‬وهذا المعنی يعم الفرق الســبع ‪ ،‬لن قرابتهــن محرمــة القطــع ‪ ،‬واجبــة الوصــل وتختــص‬
‫المهات بمعنی آخر‪ ،‬وهو ان احترام الم وتعظيمهما واجب ‪ ،‬ولهذا امرالولد بمصــاحبة الوالــدين‬
‫بالمعروف وخفض الجناح لهما‪ ،‬والقول الکريم فی خطابهما ‪ ،‬ونهی عن التافيف للزمها ذلک فلو‬
‫‪25‬‬

‫جازالنکاح ‪ ،‬والمرأة تکون فی طاعة الزوج ‪ ،‬وطاعته مسـتحقة عليهـا للزمهـا ذلــک وانـه ينــافی‬
‫الحترام فيؤدی إلی التناقض‪.‬‬
‫وإن ذلک الکلم حـق لريـب فيـه لن الحيـاة الزوجيـة ل تتفـق مـع علقـات القرابـة ولتسـتخدم‬
‫کلتاهما مع الخری فتفسد کلتاهما ‪.‬‬
‫ذلک فوق انه قديکون تنافس بين هؤلء القارب علی واحدة منهن فتکون القطعية‪.‬‬
‫)د( وإنا لو ابحنا الزواج بين هؤلء القربين لکان مــن الــواجب ال يلتقــی الرجــل باحــدی هــؤلء‬
‫القريبات ‪ ،‬حتی ليتولد الطمع فيهن ‪ ،‬والطمع يلهب الحس ويثوربسببه الشوق ‪ ،‬فتکون مفاسد ‪،‬‬
‫وإذا منع التقاء الخ باخته والرجل بعمته وخالته وابنة اخيه لکان فــی ذلــک ضــيق شــديد ‪ ،‬فکــان‬
‫التحريم لينقطع الطمع ويکون اللقاء ‪ ،‬وقد قال الدهلوی فی حجة ال البالغة ‪ :‬والصل فی التحريم‬
‫جريــان العــادة بالصــطحاب والرتبــاط وعــدم امکــان لــزوم الســتربينهم وارتبــاط الحاجــات مــن‬
‫الجانبين علی الوجه الطبيعی دون الصناعی ‪ .‬فانه لو لم تجرالسنة يقطع الطمع عنهن والعراض‬
‫علی الرغبة فيهن لهاجت فيه مفاسد ل تحصی وايضا لو فتح باب الرغبة فيهن ولم يسد‪ .‬ولــو تقــم‬
‫اللئمة عليهم فيه لفضی ذلک إلی ضرر عظيم عليهن فانه يکون سبب عضــلهن عمــن يرغبــن‬
‫فيه لنفسهن ‪.‬‬
‫وبعد فإن هذا التحريم هو صوت الفطرة ‪ ،‬والدفاع عنه دفاع عن بدهيات والمم الــتی کــانت تبيــح‬
‫بعض هذا قد أنکرالتاريخ صنيعها وساق اخبارها فی مساق المنکرات وسجل سوء مغبته ‪.‬‬
‫حرمة المصاهرة‪ :‬المحرمات بسبب المصاهرة على التأبيد أربعة أنواع أيضًا‪:‬‬
‫أ ـ زوجة الصول وإن علوا‪ ،‬عصبة كانوا أم ذوي أرحام‪ ،‬سواء دخل بها الصــل أم عقــد عليهــا ولــم‬
‫يدخل‪ ،‬كزوجــة الب‪،‬والجــد أبــي الب أو أبــي الم‪ ،‬لقـوله تعــالى‪} :‬ول تنكحــوا مــا نكــح آبــاؤكم مــن‬
‫ل{ ]النســاء‪ [22/4:‬والمــراد بالنكــاح فــي‬ ‫النساء‪ ،‬إل ما قد ســلف‪ ،‬إنــه كــان فاحشــة ومقتـًا وســاء ســبي ً‬
‫) نكح (‪ :‬العقد‪ ،‬فهو سبب للتحريم سواء دخل بها أم لم يدخل‪ .‬والب يطلق لغة على الجد وإن عل‪.‬‬
‫والمحرم بهذه الية هو زوجة الب فقط‪ ،‬أما بنتها أو أمهــا فل تحــرم علــى البــن‪ ،‬فيجــوز أن يــتزوج‬
‫الرجل امرأة‪ ،‬ويتزوج ابنه بنتها أو أمها‪.‬‬
‫وسبب التحريم‪ :‬تكريم واحترام الصول وتحقق صلح السر ومنع الفسـاد‪ ،‬مـن تطلـع البـن لزوجـة‬
‫أصله‪ ،‬في حالة الختلط التي تحدث عادة بين الب وابنه وسكناهما غالبًا في مسكن واحد‪.‬‬
‫ب ـ زوجة فروعه وإن نزلوا‪ ،‬سواء كن عصبات أم ذوي رحم‪ ،‬وسواء دخــل بهــا الفــرع أم لــم يــدخل‬
‫ولو بعد أن فارقها بالطلق أو الوفاة‪ ،‬كزوجة البــن أوابــن البــن أو البنــت وإن نزلــوا‪ ،‬لقــوله تعــالى‪:‬‬
‫ل ل يــترتب عليــه أي‬ ‫}وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم{ ]النساء‪ [23/4:‬ويكــون العقــد عليهــا بــاط ً‬
‫أثر‪ ،‬فإنهم قالوا‪ :‬تثبت الحرمة بنفس العقد فــي منكوحــة الب وحليلــة البــن‪.‬والحليلــة ‪ :‬هــي الزوجــة‪،‬‬
‫ويتحقق هذا الوصف بمجرد العقد الصحيح‪.‬‬
‫وألحق الحنفية بتحريم زوجة الصل والفروع‪ :‬موطـوءة الصـل أو الفـرع بالزنـا أو الـزواج الفاسـد؛‬
‫لن مجرد الوطء كاف عندهم في التحريم على الرجل‪.‬‬
‫ول فرق بين أن يكون البن من النسب أو الرضاع‪ ،‬فزوجة البن أو ابــن البنــت مــن الرضــاع تحــرم‬
‫على أبيه وجّده تحريمًا مؤبدًا‪ ،‬كما تحرم زوجة البن من النسب؛ لنه »يحرم من الرضــاع مــا يحــرم‬
‫من النسب« )‪ (1‬ولقوله تعالى‪} :‬وحلئل أبنائكم الذين من أصلبكم{ ]النساء‪.[23/4:‬‬
‫جـ ـ أصول الزوجة وإن علون‪ ،‬سواء دخل بزوجته أم لم يدخل‪ ،‬كأم الزوجة وجــدتها‪ ،‬وســواء أكــانت‬
‫الجدة من جهة الب أم من جهة الم‪ ،‬فمجرد العقد على الزوجة يحّرم أصــولها علــى الرجــل‪ ،‬ويكــون‬
‫ل‪ ،‬لقوله تعالى‪} :‬وأمهات نسائكم{ ]النساء‪ [23/4:‬وهو في‬ ‫العقد عليها ولو بعد الطلق أو الموت باط ً‬
‫آية المحرمات فـي سـورة النسـاء )‪ (23‬شـروع فـي بيـان المحرمـات مـن جهـة المصـاهرة إثـر بيـان‬
‫المحرمات من جهة الرضاعة التي لها لحمة كلحمة النسب‪.‬‬
‫‪26‬‬

‫د ـ فروع الزوجة وإن نزلن أي الربــائب‪ ،‬إذا دخــل الرجــل بالزوجــة‪ ،‬فــإن لــم يــدخل بهــا‪ ،‬ثــم فارقهــا‬
‫بالطلق أو الوفاة‪ ،‬فل تحرم البنت ول واحدة من فروعها على الزوج‪ .‬لقــوله تعــالى‪} :‬وربــائبكم )‪(1‬‬
‫اللتي في حجوركم مـن نسـائكم اللتـي دخلتـم بهـن‪ ،‬فـإن لـم تكونـوا دخلتـم بهـن‪ ،‬فل جنـاح عليكـم{‬
‫]النساء‪ [4/23:‬سواء أكانت بنت الزوجة ساكنة في بيت زوج أمها أم ل‪ ،‬وأما القيد المذكور في اليــة‬
‫}في حجوركم{ ]النساء‪ [4/23:‬فهو مستمد من الشأن الغــالب فــي الربيبــة‪ ،‬وهـو أن تكـون مــع أمهـا‪،‬‬
‫وسبب التحريم كون نكاحها مفضيًا إلى قطيعة الرحم‪ ،‬سواء أكانت في حجره أم لم تكن‪.‬‬
‫ويلحق بتحريم أصول الزوجة وفروعها عند الحنفية‪ :‬أصول الموطوءة وفروعهــا فــي وطــء حــرام أو‬
‫فيه شبهة‪.‬‬
‫ويلحظ مما سبق في حرمة المصاهرة أن العقد وحده على المرأة يحرم ما عــدا فــروع الزوجــة‪ ،‬وقــد‬
‫قرر الفقهاء فيه قاعدة مشهورة هي‪ ) :‬العقد علـى البنـات يحـّرم المهـات‪ ،‬والـدخول بالمهـات يحـّرم‬
‫البنات ( وسبب التفرقة أن النسان يحب ابنه أو بنته كنفسه بعكس حب الصل‪ ،‬فل تتألم الم لــو عقــد‬
‫على بنتها بعد العقد عليها‪.‬‬
‫وحكمة التحريم بالمصاهرة كمــا أبــان الــدهلوي )‪ : (2‬منــع التنــازع والتصــارع الــذي قــد يحــدث بيــن‬
‫القارب من هذا النوع إما بفك ارتباط زوجة بزوجها أو بالتنازع على زوج‪.‬‬
‫ما يلحق بحرمة المصاهرة‪ :‬ألحق الحنفية كما تقدم بالعقد الصحيح أو بالدخول‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬حالة الدخول بالمرأة بعقد فاسد كالزواج بغير شهود‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬وحالة الدخول بالمرأة بناء على شبهة‪ ،‬كمن زفت إليه امرأة أخرى غير التي عقد عليها‪ ،‬وقيل له‪:‬‬
‫إنها زوجته‪ ،‬فدخل بها‪ ،‬بناء عليه‪ ،‬ثم تبين أنها ليست زوجته التي عقد عليها ولم يكن قــد رآهــا‪ ،‬وهــي‬
‫التي تسمى بالمرأة المزفوفة‪.‬‬
‫ً‪ - 3‬وكذلك ألحقوا مع الحنابلة )‪ (1‬الزنا‪ ،‬ومثله عند الحنفيـة مقـدمات الزنـا مـن تقبيـل ومـس بشـهوة‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬تثبت حرمة المصاهرة بالزنا والمس والنظر بدون النكاح والملك وشــبهته؛ لن المــس والنظــر‬
‫سبب داع إلى الوطء فيقام مقامه احتياطًا‪ ،‬وألحق الحنابلة اللواط بالزنا‪ ،‬فقالوا‪ :‬الحــرام المحــض وهــو‬
‫الزنا يثبت به التحريم‪ ،‬ول فرق بين الزنا في القبل والدبر؛ لنه يتعلــق بــه التحريــم فيمــا إذا وجــد فــي‬
‫الزوجة والمة‪ .‬وإن تلوط بغلم يتعلق به التحريم أيضًا‪ ،‬فيحــرم علــى اللئط أّم الغلم وابنتــه‪ ،‬وعلــى‬
‫الغلم أم اللئط وابنته؛ لنه وطء في الفرج‪ ،‬فنشر الحرمة كوطء المرأة‪ ،‬ولنها بنت من وطئه وأمه‪،‬‬
‫فحرمتا عليه‪ ،‬كما لو كانت الموطوءة أنثى‪.‬‬
‫ويترتب على هذا الرأي‪ :‬أنه يحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا وأخته‪ ،‬وبنت ابنه وبنت بنته وبنت‬
‫أخيه وأخته من الزنا‪ ،‬وتحرم أمها وجـدتها‪ ،‬فمـن زنـى بـامرأة حرمـت عليـه بنتهـا وأمهـا‪ .‬ولـو زنــى‬
‫الزوج بأم زوجته أو ببنتها‪ ،‬حرمت عليه زوجته على التأييد‪.‬‬
‫واستدلوا بدليلين‪:‬‬
‫ل قال‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني قد زنيت بامرأة في الجاهليــة‪ ،‬أفأنكــح ابنتهــا؟ قــال‪:‬‬ ‫الول ـ ما روي أن رج ً‬
‫طلع من ابنتها على ما تطلع عليه منها« ‪ .‬ولكن هذا الحديث‬ ‫»ل أرى ذلك‪ ،‬ول يصلح أن تنكح امرأة ت ّ‬
‫مرسل ومنقطع كما قال ابن الهمام في فتح القدير‪.‬‬
‫الثاني ـ إن الزنا سبب للولد‪ ،‬فيثبت به التحريم قياسـًا علــى غيــر الزنــا‪ ،‬وكـون الزنــا حرامـًا ل يــؤثر‪،‬‬
‫بدليل أن الدخول بالمرأة بناء على عقد فاسد تثبــت بـه حرمــة المصـاهرة بالتفــاق‪ ،‬وإن كــان الـدخول‬
‫حرامًا‪ .‬ورد عليه بأنه قياس مع الفارق؛ لن الزنا يجب به الحد ول يثبــت بــه النســب‪ ،‬بخلف الــوطء‬
‫في الزواج‪ ،‬لذا قال الشافعي لمحمد بن الحسن‪» :‬إن الــزواج أمــر حمــدت عليــه‪ ،‬والزنــا فعــل رجمــت‬
‫عليه‪ ،‬فكيف يشتبهان؟!« ‪.‬‬
‫وقال المالكية على المشهور والشافعية )‪ : (1‬إن الزنا والنظــر والمــس ل تثبــت بــه حرمةالمصــاهرة‪،‬‬
‫فمن زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها‪ ،‬ول الزواج بأمها أو ببنتها‪ ،‬ول تحرم المزني بها على أصــول‬
‫‪27‬‬

‫الزاني وفروعه‪ ،‬ولو زنى الرجل بأم زوجته أو ببنتها ل تحرم عليه زوجته‪ .‬وإن لط بغلم لــم تحــرم‬
‫عليه أمه وابنته‪ ،‬ولكن يكره ذلك كله‪.‬‬
‫واستدلوا بأدلة أربعة هي‪:‬‬
‫الول ـ أن النبي صّلى ال عليه وسلم سئل عن رجل زنى بامرأة‪ ،‬فأراد أن يتزوجها أو يتزوج ابنتهــا‪،‬‬
‫فقال‪» :‬ل يحرم الحرام الحلل‪ ،‬إنما يحرم ما كان بنكاح« )‪ (2‬فهــذا كمــا قــال الــدميري‪ :‬يــدل لمــذهب‬
‫الشافعي أن الزنا ل يثبت حرمة المصاهرة‪ ،‬حتى يجوز للزاني أن ينكح أم المزني بها‪.‬‬
‫ويؤيده أحاديث أخرى منها‪ » :‬الزاني المجلود ل ينكح إل مثله« )‪ (1‬وقرأ النبي صّلى ال عليـه وسـلم‬
‫على رجل يريد أن يتزوج بزانية‪} :‬الزانية ل ينكحها إل زان أو مشرك{ )‪] (2:‬النور‪.[3/24:‬‬
‫الثاني ـ المصاهرة نعمة؛ لنها تلحــق الجــانب بالقــارب‪ ،‬وفــي الحــديث‪» :‬المصــاهرة لحمــة كلحمــة‬
‫النسب« )‪ ، (3‬وأما الزنا فمحظور شرعًا‪ ،‬فل يكون سببًا للنعمة‪.‬‬
‫الثالث ـ القصد من إثبات حرمة المصاهرة قطع الطماع بين الرجل والمرأة‪ ،‬لتحقيق اللفــة والمــودة‪،‬‬
‫والجتماع البريء من غير ريبة‪ ،‬أما المزني بها فهي أجنبية عن الرجــل ول تنســب إليــه شــرعًا‪ ،‬ول‬
‫يجري بينهما التوارث‪ ،‬ول تلزمه نفقتها‪ ،‬ول سبيل للقاء معها‪ ،‬فهي كسائر الجانب‪ ،‬فل وجه لثبــات‬
‫الحرمة بالزنا‪.‬‬
‫الرابع ـ قوله تعالى‪} :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم{ ]النساء‪ [24/4:‬يفيد صراحة حل مــا عــدا المــذكورات‬
‫قبلها‪ ،‬وليس المزني بها منهن‪ ،‬فتدخل في عموم الحل‪.‬‬
‫وبالنظر في أدلة الفريقين‪ ،‬وبمعرفة ضعف أدلة الفريق الول‪ ،‬يتبين لنــا ترجيــح رأي الفريــق الثــاني‪،‬‬
‫تمييزًا بين الحلل المشروع والحرام المحظور‪.‬‬

‫المحرمات بسبب الرضاع‬


‫المحرمــات بســبب الرضــاع هــن المحرمــات بســبب النســب‪ ،‬وهــو أربعــة أنــواع مــن جهــة النســب‪،‬‬
‫وأربعةأنواع من جهة المصاهرة‪ ،‬فصار المجمــوع ثمانيــة‪ .‬ودليــل التحريــم‪ :‬قــوله تعــالى‪} :‬وأمهــاتكم‬
‫‪28‬‬

‫اللتي أرضعنكم‪ ،‬وأخواتكم من الرضاعة{ ]النساء‪ [23/4:‬وقوله صّلى ال عليه وسلم ‪» :‬يحــرم مــن‬
‫الرضاع ما يحرم من النسب« )‪ (1‬وكما تحرم القريبات من الرضاع‪ ،‬تحــرم الصــهار مــن الرضــاع‬
‫أيضًا‪ ،‬قياسًا على النسب‪ ،‬وأخذًا من مفهوم الية والحديث المتقدمين‪ ،‬فأصبحت القاعدة‪ :‬يحــرم بســبب‬
‫الرضاع ما يحرم بسبب النسب وسبب المصاهرة إل في حالتين سأذكرهما يختلف فيهما حكــم النســب‬
‫والرضاع‪.‬‬
‫وأنواع المحرمات بالرضاع الثمانية هي ما يأتي‪:‬‬
‫الول ـ أصول النسان من الرضاع مهما علون‪ :‬وهي الم مــن الرضــاعة والجــدة أو الجــدات‪ ،‬أي أم‬
‫المرضعة وأم زوج المرضعة‪.‬‬
‫الثاني ـ الفروع من الرضاع مهما نزلن‪ :‬وهي البنت رضاعًا وبنتها‪ ،‬وبنت البن رضــاعًا وبنتهــا وإن‬
‫نزلت؛ لنهن بنات إخوته وأخواته‪.‬‬
‫الثالث ـ فروع البوين من الرضاع‪ :‬وهي الخوات مــن الرضــاعة‪ ،‬وبنــات الخــوة والخــوات مهمــا‬
‫نزلن؛ لنهن بنات الخ والخت‪.‬‬
‫الرابع ـ الفروع المباشرة للجد والجـدة مــن الرضـاع‪ :‬وهـي العمـات والخـالت رضـاعًا‪ .‬والعمـة مـن‬
‫الرضاعة‪ :‬هي أخت زوج المرضعة‪ ،‬والخالة من الرضــاعة‪ :‬هــي أخــت المرضــعة‪ .‬ول تحــرم بنــات‬
‫العمات والعمام وبنات الخالت والخوال من الرضاعة‪ ،‬كما ل تحرم من النسب‪.‬‬
‫الخامس ـ أم الزوجة وجداتها من الرضاعة مهما علون‪ ،‬سواء أكان هناك دخول بالزوجة أم لم يكن‪.‬‬
‫السادس ـ زوجة الب والجد من الرضاع‪ ،‬وإن عل‪ ،‬ســواء دخــل الب والجــد بهــا أم لــم يــدخل‪ ،‬كمــا‬
‫يحرم عليه زوجة أبيه من النسب‪.‬‬
‫السابع ـ زوجة البن وابن ابن البنت من الرضاع‪ ،‬وإن نزلوا‪ ،‬سواء دخل البن ونحوه بالزوجة أم لــم‬
‫يدخل‪ ،‬كما يحرم عليه زوجة أولده من النسب‪.‬‬
‫ل بها‪ ،‬فــإن لــم‬
‫الثامن ـ بنت الزوجة من الرضاعة‪ .‬وبنات أولدها مهما نزلن‪ ،‬إذا كانت الزوجة مدخو ً‬
‫يكن دخول بها‪ ،‬فل تحرم فروعها من الرضاع على الزوج‪ ،‬كما في النسب‪.‬‬
‫ما يختلف فيه حكم الرضاع عن حكم النسب ‪:‬‬
‫استثنى الحنفية )‪ (1‬حالتين من التحريم بالنسب‪ ،‬ل تحريم فيهما من جهة الرضاع‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫ً‪ - 1‬أم الخ أو الخت من الرضاع‪ :‬فإنه يجوز الزواج بها‪ ،‬ول يجوز الزواج بأم الخ أو الخــت مــن‬
‫ل‪ ،‬وكان لها ابن من النسب‪ ،‬فيجوز لهذا البن أن يــتزوج بــأم هــذا‬ ‫النسب لبيه‪ ،‬كأن ترضع امرأة طف ً‬
‫الطفل‪ ،‬وهي أم أخيه من الرضاع‪.‬‬
‫وذلك لن أم الخ أو الخت من النسب إما أن تكون أمه إن كانا شقيقين أو أخوين لم‪ ،‬أو زوجــة أبيــه‬
‫إن كانا أخوين لب‪ ،‬وهذا لم يوجد في الرضاع‪.‬‬
‫ً‪ - 2‬أخت البن أو البنت من الرضاع‪ :‬فإنه يحل للب أن يـتزوج بهـا‪ ،‬ول يحـل لـه أن يـتزوج بـأخت‬
‫ل‪ ،‬فلزوج هذه المرأة أن يتزوج بأخت هذا الطفل‪ ،‬ولبي‬ ‫ابنه أو بنته من النسب‪ ،‬كأن ترضع امرأة طف ً‬
‫هذا الطفل أن يتزوج بنت هذه المرضعة‪.‬‬
‫وحرمة أخت البن أو البنت من النسب؛ لنها إما أن تكون بنته أو بنت زوجته المدخول بها‪ ،‬وكلتاهما‬
‫يحرم الزواج بها‪ ،‬وهذا لم يوجد في الرضاع‪.‬‬
‫أخت الخ وأم الرضيع والمرضعة ‪:‬‬
‫ذكر الحنفية أيضًا أنه يجوز للرجل الــزواج بــأخت الخ مــن الرضــاع‪ ،‬وأخــت الخ مــن النســب‪ ،‬وأم‬
‫الرضيع من النسب‪ ،‬وبالمرضعة‪ .‬أما أخت الخ من الرضاع فكــأن يرضــع طفــل مــن امــرأة‪ ،‬فيجــوز‬
‫لخي هذا الطفل الذي لم يرضع أن يتزوج بنت هذه المرأة‪ ،‬وهي أخت أخيه من الرضاع‪ ،‬وهذا معنى‬
‫قول العوام‪ :‬افلت رضيعًا وخذ أخاه‪ .‬ومثلها أخت أخته من الرضاع‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫وأما صورة أخت أخيه من النسب‪ :‬فكأن يوجد أخــوان لب‪ ،‬ولحــدهما أخــت مــن أمــه‪ ،‬فيحــل لخيــه‬
‫الخر أن يتزوج بها‪ ،‬وهي أخت أخيه من النسب‪ ،‬إذ ل صلة بين هذه الخت وبيــن الرجــل‪ ،‬ل بنســب‬
‫ول رضاع‪ ،‬وإنما هي بنت زوجة أبيه‪ .‬وكذلك لو كان هنـاك أخـوان لم‪ ،‬ولحـدهما أخـت نسـبية مـن‬
‫الب‪ ،‬فإنها تحل لخيه من الم‪.‬‬
‫ويجوز لزوج المرضعة أن يتزوج أم الرضيع من النسب؛ لن الرضيع ابنه‪ ،‬كما يجــوز أن يــتزوج أم‬
‫ابنه من النسب‪.‬‬
‫ولب الرضيع من النسب أن يتزوج المرضعة؛ لنها أم ابنه من الرضاع‪ ،‬فهي كأم ابنه من النسب‪.‬‬
‫شروط الرضاع المحرم هی ما ياتی ‪:‬‬
‫‪ -‬أن يقع الرضاع خلل العامين الولين من حياة الرضــيع‪ ،‬فلــو رضــع بعــدهما ل تثبــت بــه الحرمــة‪.‬‬
‫وهذا رأي الجمهور لقوله صّلى ال عليه وسلم ‪» :‬ل رضــاع إل مــا كــان فــي الحــولين« )‪ ، (1‬وضــم‬
‫المام مالك لمدة العامين مدة أقصاها شهران؛ لن الطفل قد يحتاج لهذه المدة للتدرج في تحويل غذائه‬
‫من اللبن إلى الطعام‪ ،‬وذلك إذا لم يفطم عن الرضاع قبل هذه المدة‪ ،‬فإن فطم وأكــل الطعــام ثــم رضــع‬
‫فل يكون الرضاع محّرمًا‪.‬‬
‫وقدر المام أبو حنيفة مدة الرضاع بسنتين ونصف‪ ،‬ليتدرج الطفل في نصف العام على تحويل غذائه‬
‫من اللبن إلى غيره‪.‬‬
‫‪ -‬أن يرضع الطفل خمس رضعات متفرقـات بحسـب العـادة‪ ،‬بحيـث يـترك الثـدي باختيـاره مـن غيـر‬
‫عارض كتنفس أو استراحة يسيرة أو شيء يلهيه عن الرضاع فجأة ول يشترط كونها مشبعات‪ .‬وهــذا‬
‫مذهب الشافعية والحنابلة في الراجح عندهم‪.‬‬
‫حكمة التحريم بالرضاع ‪:‬‬
‫يحدث التحريم بالرضاع بسبب تكّون أجزاء البنية النسانية من اللبن‪ ،‬فلبن المرأة ينبت لحم الرضــيع‪،‬‬
‫وينشز عظمه أي يكبر حجمه‪ ،‬كما جاء في الحديث‪» :‬ل رضاع إل ما أنشز العظــم‪ ،‬وأنبــت اللحــم« )‬
‫‪ (3‬فإن إنشاز العظم‪ ،‬وإنبــات اللحــم‪ ،‬إنمــا يكــون لمــن كــان غــذاؤه اللبـن‪ ،‬وبـه تصــبح المرضــع أمــاً‬
‫للرضيع؛ لنه جزء منها حقيقة‪.‬‬
‫وسأذكر إن شاء ال في بحث الرضاع شروط الرضاع المحرم عند الفقهاء وطرق إثبات الرضاع‪.‬‬
‫النوع الثاني ـ المحرمات المؤقتة ‪:‬‬
‫وهن اللتي يحرم الزواج بهن حرمة مؤقتة لسبب معين‪ ،‬فإذا زال السبب زالت الحرمة‪ ،‬وتلك خمســة‬
‫أنواع هي‪:‬‬
‫المطلقة ثلثًا‪ ،‬المشغولة بحق زوج آخر بزواج أوعدة‪ ،‬التي ل تدين بدين سماوي‪ ،‬أخت الزوجة ومــن‬
‫في حكمها‪ ،‬الخامسة لمتزوج بأربع‪.‬‬
‫واليک تفصيل هذه النواع‬
‫ً ‪ -‬المطلقة ثلثًا ) المبتوتة أو البائن بينونة كبرى( بالنسبة لمن طلقها‪ :‬فمن طلق زوجته ثلث طلقــات‪،‬‬
‫فل يحل له أن يعقد عليها مرة أخرى‪ ،‬إل إذا تزوجت بزوج آخر ودخل بها‪ ،‬وانقضت عدتها منه‪ ،‬بأن‬
‫طلقها باختياره أو مات عنها‪ ،‬فتعــود إلــى الــزوج الول بزوجيــة جديــدة‪ ،‬ويملــك عليهــا ثلث طلقــات‬
‫جديدة )‪ ، (2‬بعد أن اختــبرت المــرأة زوجـًا آخــر‪ ،‬وقــامت بتجربــة أخــرى‪ ،‬وأحــس الــزوج بصــعوبة‬
‫الفراق‪ ،‬فيعودان إلى الحياة المشتركة بــروح وصــفحة جديــدة‪ ،‬وتســارع المــرأة فــي إرضــاء زوجهــا‪،‬‬
‫وتجنب أسباب تصدع الزوجية السابقة‪ .‬قال تعالى مبينًا طريق حل المبتوتة‪} :‬الطلق مرتان فإمســاك‬
‫بمعروف‪ ،‬أو تسريح بإحسان{ ]البقرة‪ ..[229/2:‬إلى أن قال سبحانه‪} :‬فــإن طلقهــا‪ ،‬فل تحــل لــه مــن‬
‫بعد حتى تنكح زوجًا غيره‪ ،‬فــإن طلقهــا فل جنــاح عليهمــا أن يتراجعــا إن ظنــا أن يقيمــا حــدود الـ {‬
‫]البقرة‪.[230/2:‬‬
‫‪30‬‬

‫والدليل على اشتراط دخول الزوج الثاني بالمرأة المطلقة ثلثًا‪ :‬حديث العسيلة‪ ،‬قــالت عائشــة‪ :‬جــاءت‬
‫امرأة رفاعة الُقَرظي إلى النبي صّلى ال عليه وسلم فقالت‪ :‬كنت‬
‫ت طلقي‪ ،‬فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير‪ ،‬وإنما معه مثل َهْدبة الثــوب‬ ‫عند رفاعة‪ ،‬فطلقني‪ ،‬فب ّ‬
‫)‪ ، (1‬فقال‪ :‬أتريدين أن ترجعي إلفاعة‪ ،‬ل‪ ،‬حتى تذوقي عسيلته‪ ،‬ويذوق عســيلتك )‪ (2‬فيـه دليـل علـى‬
‫ل ارتجاع الزوج الول للمرأة‪ ،‬إل أن كان حال وطئه منتشرًا‪ ،‬فلو‬ ‫أن وطء الزوج الثاني ل يكون محل ً‬
‫ل‪ ،‬لم يكف في الصح من قولي أهل العلم‪.‬‬ ‫لم يكن كذلك‪ ،‬أوكان عنينًا أو طف ً‬
‫شروط حل المطلقة ثلثًا لزوجها الول ‪:‬‬
‫يشترط لحل المطلقة ثلثًا للزوج الول ثلثة شروط )‪: (3‬‬
‫أحدها‪ :‬أن تنكح زوجًا غيره‪ ،‬لقوله تعالى‪ } :‬حتى تنكح زوجًا غيره{ ]البقرة‪.[230/2:‬‬
‫الثاني ـ أن يكون النكاح صحيحًا‪ :‬فإن كان فاسدًا لم يحلها الوطء فيه‪ ،‬باتفاق المــذاهب الربعــة‪ ،‬لقــوله‬
‫تعالى‪} :‬حتى تنكح زوجًا غيره{ ]البقرة‪ [230/2:‬وإطلق النكاح يقتضي الصحيح‪.‬‬
‫الثالث ـ أن يطأها في الفرج‪ :‬فلو وطئها دونه أو في الدبر‪ ،‬لم يحلها؛ لن النبي صـّلى الـ عليــه وســلم‬
‫علق الحل ـ في الحديث المتقدم ـ على ذوق العســيلة منهمــا‪ ،‬ول يحصــل ذلــك إل بــالوطء فــي الفــرج‪.‬‬
‫وأدناه تغييب الحشفة في الفرج؛ لن أحكام الوطء تتعلق به‪ .‬ولو أولج الحشفة من غير انتشار‪ ،‬لم تحل‬
‫له؛ لن الحكم يتعلق بذوق العسيلة‪ ،‬ول تحصل من غيــر انتشــار‪ .‬ويجــزئ قــدر الحشــفة مــن مقطــوع‬
‫الذكر‪ ،‬وتحل بوطء الخصي؛ لنه يطأ كالفحــل‪ ،‬ولـم يفقــد إل النــزال‪ ،‬وهـوغير معتـبر فــي الحلل‪.‬‬
‫وذكر الحنفية أنها لو تزوجت بمجبوب )مقطوع الذكر كله( فإنها ل تحل حــتى تحبــل لوجــود الــدخول‬
‫ت النسب من الثاني‪.‬‬ ‫حكمًا‪ ،‬حتى إنه يثب ُ‬
‫ل‪ ،‬فإن وطئها فــي حيــض أو نفــاس‬ ‫واشترط الحنابلة والمالكية شرطًا رابعًا‪ :‬وهو أن يكون الوطء حل ً‬
‫أو إحرام من أحدهما أو منهما‪ ،‬أو وأحدهما صائم فرضًا‪ ،‬لم تحل؛ لنه وطء حرام لحق ال تعالى‪ ،‬لــم‬
‫يحصل به الحلل‪ ،‬كوطء المرتدة‪ ،‬ل يحلها سواء وطئها في حال ردتهما‪ ،‬أو ردتها‪.‬‬
‫ولم يشترط الحنفية والشافعية هذا الشرط‪ ،‬قــال ابــن قدامــة الحنبلــي‪ :‬وهــذا أصــح إن شــاء الـ تعــالى‪،‬‬
‫لظاهر قوله تعالى‪} :‬حتى تنكح زوجًا غيره{ ]البقرة‪ [230/2:‬وهذه قــد نكحــت زوجـًا غيــره‪ ،‬وأيضـًا‬
‫قوله عليه الصلة والسلم‪» :‬حتى تذوقي عسيلته‪ ،‬ويذوق عسيلتك« وهــذا قــد وجــد‪ ،‬ولنــه وطــء فــي‬
‫نكاح صحيح في محل الوطء على سبيل التمام‪ ،‬فأحلهـا كـالوطء الحلل‪ ،‬وكمـا لـو وطئهـا وقـد ضـاق‬
‫وقت الصلة‪ ،‬أو وطئها مريضة يضرها الوطء‪.‬‬
‫وهل نكاح التحليل المؤقت )‪ (1‬يحل المطلقة ثلثًا ‪:‬‬
‫قال الحنفية والشافعية )‪ : (2‬تحل المطلقة ثلثًا لزوجها الول بنكاح التحليـل‪ ،‬لكـن يكـره عنـد الحنفيـة‬
‫تحريمًا التزوج الثاني إن كان بشرط التحليل‪ ،‬مثل‪ :‬تزوجتك‬
‫على أن أحلك‪ .‬لحديث‪» :‬لعن رسول ال صـّلى الـ عليــه وســلم المحّلــل والمحّلــل لــه« )‪ ، (1‬ويصــح‬
‫الزواج‪ ،‬ويبطل الشرط‪ ،‬فل يجبر الثاني على الطلق‪ .‬فإن أضــمر الــزوج الول والثــاني التحليــل‪ ،‬أو‬
‫كان الثاني مأجورًا لقصد الصلح‪ ،‬ل مجرد قضاء الشهوة ونحوها‪ ،‬ل يكره‪.‬‬
‫وذكر الشافعية أن نكاح المحلل باطل إن نكحها على أنها إذا وطئهــا فل نكــاح بينهمــا‪ ،‬أو أن يتزوجهــا‬
‫على أن يحلل للزوج الول‪ ،‬لما روى هزيل عن عبد ال قال‪» :‬لعن رسول ال صـّلى الـ عليـه وسـلم‬
‫الواصلة والموصولة‪ ،‬والواشمة والموشومة‪ ،‬والمحّلل والمحّلل له‪ ،‬وآكل الربــا ومطعمــه« )‪ (2‬ولنــه‬
‫نكاح شرط انقطاعه‪ ،‬دون غايته‪ ،‬فأشبه نكاح المتعة‪ .‬وأما إن تزوجها واعتقــد أنــه يطلقهــا إذا وطئهــا‪،‬‬
‫فيكره ذلك‪ ،‬لما روى الحاكم والطبراني في الوسط عن عمر‪ :‬أنه جــاء إليـه رجـل‪ ،‬فسـأله عـن رجــل‬
‫طلق امرأته ثلثًا‪ ،‬فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة ليحلها لخيه‪ ،‬هل تحل للول؟ قــال‪ :‬ل‪ ،‬إل بنكــاح‬
‫رغبة وروى أبو مرزوق التجيبي مثله عن عثمان‪ ،‬أي إن تزوج على نيـة التحليـل بـدون شـرط صـح‬
‫النكاح؛ لن العقد إنما يبطل بما شرط‪ ،‬ل بما قصد‪.‬‬
‫‪31‬‬

‫والخلصة‪ :‬إن زواج المحلل بل شرط‪ ،‬أي بدون شرط صريح في العقــد علــى التطليــق‪ ،‬وإنمــا بالنيــة‬
‫والقصد الباطن صحيح مكروه عند الشـافعية؛ لن العقـد اسـتوفى أركـانه وشـروطه فـي الظـاهر‪ ،‬ول‬
‫يتأثر العقد بالباعث الداخلي أي أنهم ل يقولون بمبدأ سد الذرائع بالقصد الداخلي‪.‬‬
‫وقال المالكية والحنابلـة )‪ : (3‬إن نكـاح المحلـل أونكـاح الـتيس المسـتعار ولـو بل شـرط‪ :‬وهـو الـذي‬
‫يتزوجها ليحلها لزوجها حرام باطل مفسوخ‪ ،‬ل يصح ول تحل لزوجها الول‪ ،‬والمعتبر نية المحلل ل‬
‫نية المرأة‪ ،‬ول نية المحلل له‪.‬‬
‫ودليلهم الحديث السابق عن ابن مسعود‪» :‬لعن رسول ال صّلى ال عليه وســلم المحّلــل والمحلــل لــه«‬
‫وحديث عقبة بن عامر‪» :‬أل أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬يارســول الـ ‪ ،‬قــال‪ :‬هــو المحّلــل‪،‬‬
‫لعن ال المحلل والمحلل له« )‪ . (1‬فهذا يدل علــى تحريــم التحليــل؛ لن اللعــن إنمــا يكــون علــى ذنــب‬
‫كبير‪ .‬وهذا يتفق مع مبدئهم بسد الذرائع‪ ،‬وهو الراجح لدي‪ .‬وخــص الفريــق الول التحريــم والبطــال‬
‫بما إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها الثاني بانت منه‪ ،‬أو شرط أنه يطلقها أو نحوذ لك‪.‬‬
‫‪ - ً 2‬المشغولة بحق زوج آخر‪ :‬وهي التي تعلق بها حق الغير بزواج أو عدة‪ ،‬وهذا يشمل ما يأتي‪:‬‬
‫‪ ( ً 1‬ـ المرأة المتزوجة‪ :‬فل يحل لحد أن يعقد عليها ما دامت متزوجـة لتعلـق حـق الغيـر بهـا‪ ،‬سـواء‬
‫أكان الــزوج مســلمًا أم غيــر مســلم؛ لقــوله تعــالى‪} :‬والمحصــنات مــن النســاء إل مــا ملكــت أيمــانكم{‬
‫]النساء‪ [24/4:‬أي المتزوجات‪ ،‬واستثنى النص المملوكات بملك اليميــن‪ :‬وهــن المســبيات فــي حــرب‬
‫مشروعة‪ ،‬فإذا سبيت المرأة‪ ،‬وقعت الفرقة بينها وبين زوجها بسبب اختلف الدار‪ ،‬فيحل الزواج بهــا‪.‬‬
‫وهذا هو مانع الزوجية من أربعة عشر مانعًا عند المالكية سأذكرها‪.‬‬
‫وحكمة تحريم المتزوجة واضحة وهي منع العتداء على حق الغير‪ ،‬وحفظ النساب من الختلط‪.‬‬
‫ً( ـ المرأة المعتدة‪ :‬وهي التي تكون في أثناء العدة من زواج سابق‪ ،‬سواء عدة طلق أو وفاة‪ .‬فل يحــل‬
‫لحد غير زوجها الول التزوج بها حتى تنقضي عدتها‪ ،‬ويشــمل ذلــك عــدة الــزواج الفاســد أوبشــبهة‪،‬‬
‫لثبوت نسب الولد‪ .‬لقوله تعالى‪} :‬ول تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله{ ]البقرة‪ [235/2 :‬أي‬
‫ل تعقدوا الزواج على المعتدة من وفــاة حــتى تنتهــي عــدتها‪ .‬ولقــوله ســبحانه‪} :‬والمطلقــات يتربصــن‬
‫بأنفسهن ثلثة قروء{ ]البقرة‪ [228/2:‬أي أطهار أو حيضات على رأيين في التفسير والفقه‪ ،‬أي يجب‬
‫على المرأة المطلقة النتظار ثلثة أطهار أو حيضات‪ ،‬فل يحل الزواج بها‪ ،‬وقــال علــي وابــن عبــاس‬
‫عبيدة السلماني‪» :‬ما أجمعت الصحابة على شيء كإجماعهم على أربع قبل الظهر‪ ،‬وأل تنكـح امــرأة‬ ‫وَ‬
‫في عدة أختها«‬
‫وحكمة تحريم المعتدة بقاء آثار الزواج السابق‪ ،‬ورعاية حقوق الزوج القديم‪ ،‬ومنع اختلط النساب‪.‬‬
‫وهل يترتب على الدخول بالمعتدة تحريمها على الرجل تحريمًا مؤبدًا؟‬
‫اختلف الفقهاء على رأيين )‪ ، (1‬فقال الجمهور‪ :‬إن الدخول بالمعتدة ل يحرمها عليـه‪ ،‬بـل إذا انقضــت‬
‫عدتها حل له الزواج بها؛ لن الرجل لو زنى بامرأة ل يحــرم عليــه الــزواج بهــا بالتفــاق‪ ،‬فكــذلك لــو‬
‫دخل بها وهي في العدة أو بعدها‪ ،‬ل يحرم عليه الزواج بها بعد انتهاء العدة‪ ،‬ولن علي بن أبي طــالب‬
‫رضي ال عنه قال‪ :‬يفرق بينهما‪ ،‬ثم يخطبها بعد العدة إن شاء‪ .‬وروي مثله عن ابن مسعود رضي ال‬
‫عنه‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬الدخول بالمعتدة يحرمها على الرجل تحريمًا مؤبدًا‪ ،‬فيفرق‬
‫بينهما ولتحل له أبدًا‪ ،‬بدليل ما روى مالك عـن سـعيد بـن المســيب وســليمان بـن يسـار‪ :‬أن عمـر بـن‬
‫الخطاب رضي ال عنه فرق بين طليحة السدية وبين زوجها راشد الثقفي لما تزّوجها فــي العــدة مــن‬
‫زوج ثان‪ ،‬وقال‪ :‬أيما امرأة نكحت في عدتها‪ ،‬فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها‪ ،‬فرق بينهمــا‬
‫ثم اعتدت بقية عدتها من الول‪ ،‬ثم كان الخر خاطبًا من الخطاب‪ ،‬وإن كان دخل بها فرق بينهما‪ ،‬ثــم‬
‫اعتدت بقية عدتها من الول‪ ،‬ثم اعتدت من الخر‪ ،‬ثم ل يجتمعان أبدًا‪ .‬قال ابن المسيب‪ :‬ولهــا مهرهــا‬
‫بما استحل منها‪ .‬وهذا هو مانع العدة عند المالكية من أربعة عشر مانعًا‪.‬‬
‫‪32‬‬

‫‪ - (ً 3‬المرأة الحامل من الزنا عند الحنفية‪ ،‬ومانع الزنا عند المالكية )‪: (1‬‬
‫يحل بالتفاق للزاني أن يتزوج بالزانية التي زنى بها‪ ،‬فإن جاءت بولد بعد مضي ستة أشهر من وقــت‬
‫العقد عليها‪ ،‬ثبت نسبه منه‪ ،‬وإن جاءت به لقل من ستة أشهر من وقت العقــد ل يثبــت نســبه منــه‪ ،‬إل‬
‫إذا قال‪ :‬إن الولد منه‪ ،‬ولم يصرح بأنه من الزنا‪ .‬إن هذا القرار بالولد يثبت به نسبه منه لحتمال عقــد‬
‫ل لحال المسلم على الصلح وسترًا على العراض‪.‬‬ ‫سابق أو دخول بشبهة‪ ،‬حم ً‬
‫أما زواج غير الزاني بالمزني بها‪ ،‬فقال قوم كالحسن البصري‪ :‬إن الزنا يفسخ النكاح‪ .‬وقال الجمهور‪:‬‬
‫يجوز الزواج بالمزني بها‪ .‬ومنشأ الخلف آية‪} :‬والزانيــة ل ينكحهــا إل زان أو مشــرك‪ ،‬وحـّرم ذلــك‬
‫علــى المــؤمنين{ ]النــور‪ [3/24:‬الفريــق الول يأخــذ بظــاهر اليــة‪ ،‬والكلم خــرج مخــرج التحريــم‪.‬‬
‫والفريق الثاني )الجمهور( حملوا الية على الذم‪ ،‬ل على التحريم‪ ،‬لما روى أبوداود والنسائي عن ابن‬
‫عباس قال‪» :‬جاء رجل إلى النبي صّلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‪ :‬إن امرأتي ل تمنع يد لمس ـ‬
‫كناية عن عدم العفة عن الزنا ـ قال‪ :‬غّربها ـ أي أبعدها ـ قال‪ :‬أخاف أن تتبعهــا نفســي‪ ،‬قــال‪ :‬فاســتمتع‬
‫بها« )‪ (1‬ولما أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر والبيهقي عن عائشة‪» :‬ل يحرم الحرام الحلل« ‪.‬‬
‫ثم اختلف الجمهور في التفصيل‪ ،‬فقال الحنفية‪ :‬إذا كانت المزني بها غير حامل‪ ،‬صح العقد عليهــا مــن‬
‫ل يجوز الزواج بها عند أبي حنيفة ومحمد‪ ،‬ولكــن ل يطؤهـا‪ ،‬أي ل‬ ‫غير الزاني‪ ،‬وكذلك إن كانت حام ً‬
‫يدخل بها حتى تضع الحمل‪ ،‬للدلة التية‪:‬‬
‫ل ـ لم تذكر المزني بها في المحرمات‪ ،‬فتكــون مباحــة‪ ،‬لقــوله تعــالى‪} :‬وأحــل لكــم مــا وراء ذلكــم{‬ ‫أو ً‬
‫]النساء‪.[24/4:‬‬
‫ثانيًا ـ ل حرمة لماء الزنا‪ ،‬بدليل أنه ل يثبـت بـه النسـب‪ ،‬للحـديث السـابق‪» :‬الولـد للفـراش‪ ،‬وللعـاهر‬
‫الحجر« )‪ ، (2‬وإذا لم يكن للزنا حرمة‪ ،‬فل يكون مانعًا من جواز النكاح‪.‬‬
‫وإنما امتنع الدخول بالحامل من الزنا حتى تضع الحمل‪ ،‬فلقوله صّلى ال عليه وسلم ‪» :‬من كان يؤمن‬
‫بال واليوم الخر‪ ،‬فل يسقين ماءه زرع غيره« )‪ (3‬يعني وطء الحوامل من غيره‪،‬‬
‫وقال أبو يوسف وزفر‪ :‬ل يجوز العقد على الحامل من الزنا؛ لن هذا الحمل يمنع الوطء‪ ،‬فيمنع العقــد‬
‫أيضًا‪ ،‬كما يمنع الحمل الثابت النسب‪ ،‬أي كما ل يصح العقــد علــى الحامــل مــن غيــر الزنــا‪ ،‬ل يصــح‬
‫العقد على الحامل من الزنا‪.‬‬
‫وقال المالكية‪ :‬ل يجوز العقد على الزانية قبــل اســتبرائها مــن الزنــا بحيضــات ثلث أو بمضــي ثلثــة‬
‫أشهر‪ ،‬فإن عقد عليها قبل الستبراء‪ ،‬كان العقد فاسدًا‪ ،‬ووجب فسخه‪ ،‬سواء ظهر بها حمــل أم ل‪ ،‬أمــا‬
‫الول )ظهــور الحمـل( فللحــديث السـابق‪» :‬فل يسـقين مــاءه زرع غيــره« وأمــا الثـاني فللخــوف مــن‬
‫اختلط النساب‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬إن زنى بــامرأة‪ ،‬لــم يحــرم عليــه نكاحهــا‪ ،‬لقــوله تعــالى‪} :‬وأحــل لكــم مــا وراء ذلكــم{‬
‫]النساء‪ [24/4:‬ولحديث عائشة السابق‪» :‬ل يحرم الحرام الحلل« ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬إذا زنت المرأة‪ ،‬لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إل بشرطين‪:‬‬
‫أحدهما ـ انقضاء عدتها‪ ،‬فإن حملت من الزنا‪ ،‬فقضاء عدتها بوضعه‪ ،‬ول يحــل نكاحهــا قبــل وضــعه‪،‬‬
‫للحديث السابق‪» :‬فل يسقي ماءه زرع غيره« والحديث الصحيح‪» :‬ل توطأ حامل حتى تضــع« وهــذا‬
‫رأي مالك‪.‬‬
‫والثاني ـ أن تتوب من الزنا‪ ،‬للية السابقة‪} :‬وحـّرم ذلــك علــى المــؤمنين{ ]النــور‪ [3/24:‬وهــي قبــل‬
‫التوبة في حكم الزنا‪ ،‬فإذا تابت زال التحريم لقول النبي صّلى ال عليه وسلم ‪» :‬التائب من الذنب كمن‬
‫ل ذنب له« )‪ . (1‬ولم يشترط باقي الئمة هذا الشرط‪.‬‬
‫زنا أحد الزوجين‪ :‬اتفق عامة أهل العلــم علــى أنـه إن زنـت امـرأة رجــل‪ ،‬أوزنــى زوجهـا‪ ،‬لــم ينفســخ‬
‫النكاح‪ ،‬سواء أكان قبل الدخول أم بعده؛ لن دعواه الزنا عليها ل ُيبينها‪ ،‬ولو كان الــزواج ينفســخ بــه‪،‬‬
‫لنفسخ بمجرد دعواه كالرضا‪ ،‬ولنها معصية ل تخرج عن السلم فأشبهت السرقة‪ .‬أما اللعــان فــإنه‬
‫‪33‬‬

‫يقتضي الفسخ بدون الزنا بدليل أنها إذا لعنته فقد قابلته‪ ،‬فلم يثبت زناها‪ ،‬وقد أوجب النـبي صـّلى الـ‬
‫عليه وسلم الحد على من قذفها‪ ،‬والفسخ واقع باللعان‪.‬‬
‫ولكن استحب المام أحمد للرجل مفارقة امرأته إذا زنت‪ ،‬وقال‪» :‬ل أرى أن يمسك مثــل هــذه‪ ،‬وذلــك‬
‫أنه ل يؤمن أن تفسد فراشه‪ ،‬وتلحق به ولـدًا ليـس منـه« وقـال أحمـد أيضـًا‪ :‬ول يطؤهـا الـزوج حـتى‬
‫يستبرئها بثلث حيضات‪ ،‬للحديث السابق‪» :‬فل يسقى ماءه زرع غيره« يعني إتيان الحبــالى‪ ،‬ولنهــا‬
‫ربما تأتي بولد من الزنا‪ ،‬فينسب إليه‪ .‬قال ابن قدامة‪ :‬والولى أنه يكفي استبراؤها بالحيضــة الواحــدة؛‬
‫لنها تكفي في استبراء الماء )‪. (1‬‬
‫‪ - ً 3‬المرأة التي ل تدين بدين سماوي )‪: (2‬‬
‫ل يحل للمسلم الزواج بالمرأة المشركة أو الوثنية‪ :‬وهي الــتي تعبــد مــع الـ إلهـًا غيــره‪ ،‬كالصــنام أو‬
‫الكواكب أو النار أوا لحيوان‪ ،‬ومثلها المرأة الملحدة أو المادية‪ :‬وهي الــتي تـؤمن بالمــادة إلهـًا‪ ،‬وتنكــر‬
‫وجود ال ‪ ،‬ول تعترف بالديان السماوية‪ ،‬مثل الشيوعية والوجودية‪ ،‬والبهائية والقاديانية والبوذية‪.‬‬
‫ن‪ ،‬ولمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم{‬ ‫وذلك لقوله تعالى‪} :‬ول َتْنكحوا المشركات‪ ،‬حتى يؤم ّ‬
‫]البقرة‪.[221/2:‬‬
‫ل مســلم أو كــافر أن‬ ‫وألحق الحنفية والشافعية وغيرهم المرأة المرتدة بالمشركة‪ ،‬فل يجوز لحــد أص ـ ً‬
‫يتزوجها؛ لنها تركت ملة السلم‪ ،‬ول تقر على الردة‪ ،‬فإما أن تموت أوتسلم‪ ،‬فكانت الردة في معنــى‬
‫ل للزواج‪.‬‬‫الموت‪ ،‬لكونها سببًا مفضيًا إليه‪ ،‬والميت ل يكون مح ً‬
‫والخلصة‪ :‬ل يحل بالتفاق نكاح من ل كتاب لها كوثنيــة )وهــي عابــدة الــوثن أو الصــنم( ومجوســية‬
‫)وهي عابدة النار( إذ ل كتاب بأيدي أهلها الن‪ ،‬ولم نتيقنه من قبل فنحتاط‪.‬‬
‫والســبب فــي تحريــم الــزواج بالمشــركة ونحوهــا‪ :‬عــدم تحقــق النســجام والطمئنــان والتعــاون بيــن‬
‫الزوجيــن؛ لن تبــاين العقيــدة يسـّبب القلــق والضــطراب والتنــافر بيــن الزوجيــن‪ ،‬فل تســتقيم الحيــاة‬
‫الزوجية القائمة على دعائم المودة والرحمة والمحبة‪ ،‬وغايتها الهدوء والستقرار‪ .‬ثم إن عدم اليمــان‬
‫بدين يسهل على المرأة الخيانة الزوجية والفساد والشر‪ ،‬ويرفع عنها المانة والستقامة والخير؛ لنهــا‬
‫تؤمن بالخرافات والوهام‪ ،‬وتتأثر بالهواء والطبائع الذاتية غير المهذبة‪ ،‬فل دين يردعهــا‪ ،‬ول رادع‬
‫لها من إيمان بال وباليوم الخر وبالحساب والبعث‪.‬‬
‫زواج المسلمة بالكافر‪ :‬يحرم بالجماع زواج المسلمة بالكافر‪ ،‬لقــوله تعــالى‪} :‬ول ُتْنكحــوا المشــركين‬
‫حتى يؤمنوا { ]البقرة‪ [221/2:‬وقوله تعالى‪} :‬فإن علمتموهن مؤمنات‪ ،‬فل ترجعوهن إلى الكفــار‪ ،‬ل‬
‫هن حل لهم‪ ،‬ول هم يحلون لهن{ ]الممتحنة‪ [10/60:‬ولن في هذا الزواج خوف وقــوع المؤمنــة فــي‬
‫الكفر؛ لن الزوج يدعوها عادة إلى دينه‪ ،‬والنساء في العادة يتبعن الرجال فيما يــؤثرون مــن الفعــال‪،‬‬
‫ويقلدونهم في الدين‪ ،‬بدليل الشارة إليه في آخر الية‪} :‬أولئك َيْدعون إلى النار{ ]البقــرة‪ [221/2:‬أي‬
‫يدعون المؤمنات إلى الكفر‪ ،‬والدعاء إلى الكفر دعاء إلى النار؛ لن الكفــر يــوجب النــار‪ ،‬فكــان زواج‬
‫ل‪ .‬والنص وإن ورد في المشركين‪ ،‬لكــن العلــة‬ ‫الكافر المسلمة سببًا داعيًا إلى الحرام‪ ،‬فكان حرامًا باط ً‬
‫وهي الدعاء إلى النار يعم الكفرة أجمع‪ ،‬فيتعمم الحكم بعموم العلة‪.‬‬
‫وعليه ل يجوز زواج الكتابي بالمسلمة‪ ،‬كما ل يجوز زواج الــوثني والمجوســي بالمســلمة أيضـًا؛ لن‬
‫الشرع قطع ولية الكـافرين عـن المـؤمنين بقـوله تعـالى‪} :‬ولـن يجعـل الـ للكــافرين علـى المــؤمنين‬
‫ل{ ]النساء‪ [141/4:‬فلو جاز تزويج الكافر المؤمنة لثبت له عليها سبيل‪ ،‬وهذا ل يجوز‪.‬‬ ‫سبي ً‬
‫الزواج بالكتابيات‪ :‬الكتابية‪ :‬هي التي تؤمن بدين سماوي‪ ،‬كاليهوديـة والنصـرانية‪ .‬وأهـل الكتـاب‪ :‬هـم‬
‫أهل التوراة والنجيل‪ ،‬لقوله تعالى‪} :‬أن تقولوا إنما أنزل الكتــاب علــى طــائفتين مــن قبلنــا{ ]النعــام‪:‬‬
‫‪.[156/6‬‬
‫وقد أجمع العلماء على إباحة الزواج بالكتابيات‪ ،‬لقوله تعالى‪} :‬اليوم أحل لكم الطيبـات‪ ،‬وطعـام الـذين‬
‫أوتوا الكتاب حل لكم‪،‬وطعامكم حل لهم‪ ،‬والمحصنات مــن المؤمنــات‪ ،‬والمحصــنات مــن الــذين أوتــوا‬
‫‪34‬‬

‫الكتاب من قبلكم{ ]المائدة‪ [5/5:‬والمراد بالمحصنات في الية‪ :‬العفائف‪ ،‬ويقصد بها حمل الناس على‬
‫التزوج بالعفائف‪ ،‬لما فيه من تحقيق الود واللفة بين الزوجين‪ ،‬وإشاعة السكون والطمئنان‪.‬‬
‫ولن الصحابة رضي ال عنهم تزوجوا مــن أهــل الذمــة‪ ،‬فــتزوج عثمــان رضــي الـ عنـه نائلــة بنــت‬
‫الفرافصة الكلبية وهي نصرانية‪ ،‬وأسـلمت عنـده‪ ،‬وتـزوج حذيفـة رضـي الـ عنـه بيهوديـة مـن أهـل‬
‫المدائن‪ .‬وسئل جابر رضي ال عنه عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية‪ ،‬فقال‪ :‬تزوجنــا بهــن زمــان‬
‫الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي وقاص‪.‬‬
‫والسبب في إباحة الزواج بالكتابية بعكـس المشـركة‪ :‬هـو أنهــا تلتقــي مــع المسـلم فــي اليمـان ببعــض‬
‫المبادئ الساسية‪ ،‬من العتراف بإله‪ ،‬واليمان بالرسل وباليوم الخر‪ ،‬وما فيه مــن حســاب وعقــاب‪.‬‬
‫فوجود نواحي اللتقاء وجسور التصال على هذه السس يضمن توفير حياة زوجيــة مســتقيمة غالب ـًا‪،‬‬
‫ويرجى إســلمها؛ لنهــا تـؤمن بكتـب النبيــاء والرسـل فــي الجملــة‪ .‬والحكمــة فـي أن المسـلم يــتزوج‬
‫باليهوديــة والنصــرانية‪ ،‬دون العكــس‪ :‬هــي أن المســلم يــؤمن بكــل الرســل‪ ،‬وبالديــان فــي أصــولها‬
‫الصحيحة الولى‪ ،‬فل خطر منه على الزوجة فـي عقيـدتها أو مشــاعرها‪ ،‬أمــا غيــر المسـلم فل يـؤمن‬
‫بالسلم فيكون هنــاك خطــر محقــق بحمــل زوجتــه علــى التــأثر بــدينه‪ ،‬والمــرأة عــادة ســريعة التــأثر‬
‫والنقياد‪ ،‬وفي زواجها إيذاء لشعورها وعقيدتها‪.‬‬
‫كراهة الزواج بالكتابيات‪ :‬يكره ـ عنـد الحنفيـة والشــافعية‪ ،‬وعنـد المالكيــة فـي رأي ــ للمسـلم الـزواج‬
‫بالكتابية الذمية‪ ،‬وقال الحنابلة‪ :‬زواجه بها خلف الولى؛ لن عمر قال للذين تزوجوا مــن نســاء أهــل‬
‫طلقوهن« فطلقوهن إل حذيفة‪ ،‬فقال له عمــر‪» :‬طلقهــا« قــال‪ :‬تشــهد أنهــا حــرام؟ قــال‪ :‬هــي‬ ‫الكتاب‪ّ » :‬‬
‫خمرة‪ ،‬طلقها‪ ،‬قال‪ :‬تشهد أنها حرام؟ قال‪ :‬هي خمرة‪ ،‬قال‪ :‬قــد علمــت أنهــا خمــرة‪ ،‬ولكنهــا لــي حلل‪.‬‬
‫فلما كان بعد‪ ،‬طلقها‪ ،‬فقيل له‪ :‬أل طلقتها حين أمرك عمـر؟ قـال‪ :‬كرهـت أن يــرى النـاس أنـي ركبـت‬
‫أمرًا ل ينبغي لي‪ .‬ولنه ربما مال إليها قلبه ففتنته‪ ،‬وربما كان بينهما ولد‪ ،‬فيميل إليها‪.‬‬
‫أما الحربية‪ :‬فيحرم تزوجها عنــد الحنفيــة إذا كــانت فــي دار الحــرب؛ لن تزوجهــا فتــح لبــاب الفتنــة‪،‬‬
‫وتكره عند الشافعية‪ ،‬وعند المالكية‪ ،‬والزواج بها خلف الولى عند الحنابلة‪.‬‬
‫والواقع‪ ،‬في الــزواج بالكتابيــات وبــالولى الحربيــات‪ :‬مضــار اجتماعيــة ووطنيــة ودينيــة‪ ،‬فقــد ينقلــن‬
‫لبلدهن أخبار المسلمين‪ ،‬وقد يرغبن الولد في عقائد وعــادات غيــر المســلمين‪ ،‬وقــد يــؤدي الــزواج‬
‫بهن إلى إلحاق ضرر بالمسلمات بالعراض عنهن‪ ،‬وقــد تكــون الكتابيــة منحرفــة الســلوك‪ ،‬بــدليل مــا‬
‫يأتي‪:‬‬
‫روى الجصاص في تفسيره‪ :‬أن حذيفة بن اليمان تــزوج بيهوديــة‪ ،‬فكتــب إليــه عمــر‪ :‬أن خــل ســبيلها‪،‬‬
‫فكتب إليه حذيفة‪ :‬أحرام هي؟ فكتب إليه عمر‪ :‬ل‪ ،‬ولكني أخــاف أن تواقعــوا المومســات منهــن‪ ،‬يعنــي‬
‫العواهر‪.‬وروى المام محمد هذا الثر في كتابه »الثار« على النحو التي‪:‬‬
‫ل ســبيلها‪ ،‬فكتــب إليــه‪ :‬أحــرام يــا أميــر‬
‫إن حذيفــة تــزوج بيهوديــة بالمــدائن‪ ،‬فكتــب إليــه عمــر‪ :‬أن خـ ّ‬
‫المؤمنين؟ فكتب إليه عمر‪ :‬أعزم عليك أل تضع كتابي هذا‪ ،‬حتى تخلي سبيلها‪ ،‬فإني أخــاف أن يقتــدي‬
‫ن بذلك فتنة لنساء المسلمين‪.‬‬ ‫بك المسلمون‪ ،‬فيختارون نساء أهل الذمة لجمالهن‪ ،‬وك ّ‬
‫يتبين من ذلك أن عمر رضي ال عنه منع حذيفة من الزواج بالكتابية‪ ،‬لما فيه مـن الضـرر‪ ،‬وهـو إمـا‬
‫الوقــوع فــي زواج المومســات منهــن‪ ،‬أو تتــابع المســلمين فــي زواج الكتابيــات‪ ،‬وتــرك المســلمات بل‬
‫زواج‪.‬‬
‫رأي الشافعية في زواج الكتابية‪ :‬هذا هو حكم الزواج بالكتابيات‪ ،‬يجوز عند الجمهور بل شــرط‪ ،‬لكــن‬
‫قيد الشافعية الزواج بالكتابية بقيد‪ ،‬فقالوا )‪: (1‬‬
‫تحل كتابية‪ ،‬لكــن تكــره حربيــة‪ ،‬وكــذا ذميــة علــى الصــحيح‪ ،‬لمــا فــي الميــل إليهــا مــن خــوف الفتنــة‪،‬‬
‫والكتابية‪ :‬يهودية أو نصرانية‪ ،‬ل متمسكة بــالزبور وغيــره كصــحف شــيث وإدريــس وإبراهيــم عليــه‬
‫السلم‪.‬‬
‫‪35‬‬

‫فإن كانت الكتابية إسرائيلية‪ :‬فيحل الزواج بهــا إذا لــم يعلــم دخــول أول مــن تــدين مــن آبائهــا فــي ديــن‬
‫اليهودية بعد نسخه وتحريفه‪ ،‬أو شك فيها‪ ،‬لتمسكهم بذلك الدين حيــن كــان حقـًا‪ ،‬وإل فل تحــل لســقوط‬
‫فضيلة ذلك الدين‪.‬‬
‫وإن كانت النصرانية‪ :‬فالظهر حلها للمسلم إن علم دخول قومها‪ ،‬أي آبائها أي أول من تدين منهم فــي‬
‫ذلك الدين ـ أي دين عيسى عليه السلم‪ ،‬قبل نسخه وتحريفه‪ ،‬لتمسكهم بذلك الدين حين كان حق ـًا‪ .‬فــإن‬
‫دخلوافيه بعد التحريف فالصح المنع‪ ،‬وإن تمسكوا بغير المحرف فتحل في الظهر‪.‬‬
‫والراجح لدي هو قول الجمهور‪ ،‬لطلق الدلة القاضية بجواز الزواج بالكتابيات‪ ،‬دون تقييد بشيء‪.‬‬
‫أهل الكتاب )‪. (2‬‬
‫السامرة والصابئة‪ :‬السامرة‪ :‬طائفة من اليهود‪ ،‬والصابئة‪ :‬طائفة من النصارى‪.‬‬
‫قال أبو حنيفة والحنابلة‪ :‬إنهم أهل كتاب‪ ،‬فيجوز للمسلم الزواج بالصابئات؛ لن الصابئة قـوم يؤمنـون‬
‫بكتاب‪ ،‬فإنهم يقرؤون الزبور‪ ،‬ول يعبدون الكواكب‪ ،‬ولكــن يعظمونهــا كتعظيــم المســلمين الكعبــة فــي‬
‫الستقبال إليها‪ ،‬ولكنهم يخالفون غيرهم من أهــل الكتــاب فــي بعــض ديانــاتهم‪ ،‬وهــذا ل يمنــع الــزواج‬
‫كاليهود مع النصارى‪.‬‬
‫وقال الصاحبان‪ :‬ل يجوز الزواج بهن؛ لن الصــابئة قــوم يعبــدون الكــواكب‪ ،‬وعابــد الكــواكب كعابــد‬
‫الوثن‪ ،‬فل يجوز للمسلمين مناكحتهم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ليس هذا باختلف في الحقيقة‪ ،‬وإنما الختلف لشتباه مذهبهم‪ .‬لذا من اعتبر الصابئة من عبــدة‬
‫الوثان‪ :‬وهم الذين يعبدون الكواكب‪ ،‬حرم مناكحتهم‪ .‬ومن فهم أن منا كحتهم حلل‪ ،‬فهم أن لهم كتابــًا‬
‫يؤمنون به‪.‬‬
‫وهذا هو الحق ويتفق مع رأي الشافعية القائلين‪ :‬إن خالفت السامرة اليهود‪ ،‬والصابئون النصــارى فــي‬
‫حُرمن‪ ،‬وإل فل‪ ،‬أي إن وافقــت الســامرة اليهــود‪ ،‬والصــابئة النصــارى فــي أصــل دينهــم‬ ‫أصل دينهم‪َ ،‬‬
‫حلت‪ .‬وهذا هو ما قرره القدوري في الكتاب‪ ،‬وهو حجة لدى الحنفية‪ ،‬فقال‪ :‬يجــوز تــزوج الصــابئيات‬
‫إذا كانوا يؤمنون بنبي ويقرون بكتاب‪ ،‬وإن كانوا يعبدون الكواكب‪ ،‬ول كتاب لهم‪ ،‬لم تجز مناكحتهم )‬
‫‪. (1‬‬
‫المتولد من وثني وكتابية‪ :‬إذا كان أحد أبوي الكافرة كتابيًا والخر وثنيًا‪ ،‬لم يحل نكاحها؛ لنهــا ليســت‬
‫كتابية خالصة‪ ،‬ولنها مولودة بين من يحل وبين من ل يحل‪ ،‬فلم تحل‪ ،‬تغليبًا للتحريم؛ لنــه إذا اجتمــع‬
‫الحلل والحرام‪ ،‬غلب الحرام الحلل‬
‫تغيير الكتابي دينه إلى دين آخر‪ :‬إذا انتقل الكتابي أو المجوسي إلى ديــن آخــر غيــر ديــن أهــل الكتــاب‬
‫كالوثنية‪ ،‬أي توثن‪ ،‬لم يقر عليه‪ ،‬ويقتل في أحد الرأيين إن لم يرجع‪ ،‬لعمـوم الحــديث‪» :‬مـن بــدل دينــه‬
‫فاقتلوه« )‪ (1‬وفي رأي آخر‪ :‬ل يقتل‪ ،‬بل يكره على العودة إلى دينه السابق بالضرب والحبس‪.‬‬
‫وإذا انتقلت امرأة المسلم الذمية إلى دين غيــر ديــن أهــل الكتــاب‪ ،‬فهــي كالمرتــدة‪ ،‬ينفســخ نكاحهــا مــع‬
‫المسلم إن لم تعد إلى دينها في أثناء العدة عند الشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫وأما إذا انتقل الكتابي إلى دين كتابي آخر‪ ،‬كأن تهود النصراني أو تنصــر اليهــودي‪ ،‬لــم يقــر بالجزيــة‬
‫ول يقبل منه إل السلم في الظهر عند الشافعية‪ ،‬وفي رواية عــن أحمــد‪ ،‬لقــوله تعــالى‪} :‬ومــن يبتــغ‬
‫ل بعـد اعـترافه ببطلنـه‪ ،‬فل‬ ‫غير السلم دينًا‪ ،‬فلن يقبل منه{ ]آل عمران‪ [85/3:‬وقد أحدث دينًا باط ً‬
‫يقر عليه‪ ،‬كما لو ارتد المسلم‪.‬‬
‫ويقر عليه في قول أبي حنيفة ومالك‪ ،‬وفي الراجح من الروايتين عند الحنابلة؛ لنه لم يخرج عن ديــن‬
‫أهل الكتاب‪ ،‬فل نتعرض له‪ .‬وأما حديث »من بدل دينه فاقتلوه« فهــو محمــول علــى ديــن الســلم‪ ،‬إذ‬
‫هو الدين المعتبر شرعًا‪.‬‬
‫‪36‬‬

‫ولو تهود وثني أو تنصر‪ ،‬لم يقر عند الشافعية‪ ،‬ويتعين السلم في حقه‪ ،‬كمسلم ارتد‪ ،‬فــإنه يتعيــن فــي‬
‫حقه السلم‪ .‬ويقر عند أبي حنيفة ومالك والحنابلة في الراجح )‪ ، (2‬لن الكفر كله ملة واحدة‪ .‬إذ هــو‬
‫تكذيب الرب تعالى فيما أنزل على رسله عليهم السلم‪.‬‬
‫ارتداد الزوجين أوأحدهما‪ :‬قال الشافعية‪ ،‬والحنابلة والمالكية‪ :‬لو ارتد الزوجان أو أحدهما قبل الدخول‬
‫تنجزت الُفْرقة‪ ،‬أي انفسخ النكاح في الحال‪ .‬وإن كانت الردة بعد الدخول‪ ،‬توقفت الفرقة أو الفسخ على‬
‫انقضاء العدة‪ ،‬فإن جمعهما السلم في العدة‪ ،‬دام النكاح‪ ،‬وإن لم يجمعهما في العدة انفسخ النكــاح مــن‬
‫وقت الردة‪ ،‬لكن لو وطئ الزوج ل حد عليه للشبهة‪ ،‬وهي بقاء أحكام النكاح‪ ،‬وتجــب العــدة منــه‪ .‬وإذا‬
‫أسلمت المرأة قبل الرجل فأسلم في عدتها‪ ،‬أو أسلما معًا‪ ،‬فتتقــرر الزوجيــة بينهمــا‪ ،‬وإن أســلم أحــدهما‬
‫ولم يتبعه الخر في العدة‪ ،‬انفسخ زواجهما‪ .‬وكذلك‬
‫ل من بنــي تغلـب‬ ‫قال الحنفية‪ :‬تقع الفرقة بين الزوجين إذا حكم بصحة الرتداد )‪ ، (1‬وقد صح أن رج ً‬
‫وكانوا من النصارى‪ ،‬أسلمت زوجته‪ ،‬وأبى هو‪ ،‬ففرق عمــر بينهمــا‪ ،‬وقــال ابــن عبــاس‪» :‬إذا أســلمت‬
‫النصرانية قبل زوجها‪ ،‬فهي أملك لنفسها« ‪.‬‬
‫أنكحة الكفار غير المرتدين‪ :‬هل عقود زواج غير المسلمين بعضهم مع بعض صحيحة أو فاسدة؟‬
‫للفقهاء رأيان‪ :‬فقال المالكية )‪ : (2‬أنكحـة غيـر المسـلمين فاسـدة؛ لن للـزواج فـي السـلم شـرائط ل‬
‫يراعونها‪ ،‬فل يحكم بصحة أنكحتهم‪.‬‬
‫وقال الجمهور )‪ : (3‬أنكحة الكفار غير المرتدين صحيحة يقرون عليها‪ ،‬إذا أسلموا‪ ،‬أو تحــاكموا إلينــا‬
‫إذا كانت المرأة عند الشافعية والحنابلة ممن يجوز ابتداء الزواج بها‪ ،‬بأن لم تكن من المحارم‪ ،‬فنقرهم‬
‫على ما نقرهم عليه لو أسلموا‪ ،‬ونبطل مــا ل نقــر‪ ،‬والصــح عنــد الحنفيـة أن كــل نكــاح حــرم لحرمــة‬
‫المحل كمحارم‪ ،‬يقع جائزًا‪ .‬واتفق هؤلء الجمهور على أنــه ل يعتــبر فيــه صــفة عقــدهم وكيفيتــه‪ ،‬ول‬
‫يعتبر له شروط أنكحة المسلمين من الولي والشهود وصيغة اليجــاب والقبــول‪ ،‬وأشــباه ذلــك‪ ،‬فيجــوز‬
‫في حقهم ما اعتقدوه‪ ،‬ويقرون عليه بعد السلم‪.‬‬
‫وينبني على رأي الجمهــور أن تثبــت أحكــام الــزواج المقــررة كالمســلمين مــن وجــوب النفقــة ووقــوع‬
‫الطلق ونحوهما من عدة ونسب وتوارث بزواج صـحيح‪ ،‬وحرمـة مطلقــة ثلثـًا‪ .‬ويجـوز نكــاح أهـل‬
‫الذمة بعضهم لبعض وإن اختلفت شرائعهم؛ لن الكفر كله ملة واحدة‪.‬‬
‫ودليلهم قوله عز وجل‪} :‬وقالت امرأة فرعون{ ]القصــص‪ [9/28:‬وقــوله ســبحانه‪} :‬وامرأتــه حّمالــة‬
‫الحطب{ ]المسد‪ [4/111:‬ولو كانت أنكحتهم فاسدة‪ ،‬لم تكن امرأته حقيقة‪ ،‬ولن النكاح ســنة آدم عليـه‬
‫السلم‪ ،‬فهم على شريعته‪ ،‬وقال النبي عليه الصلة والسلم‪» :‬ولدت من‬
‫نكاح‪ ،‬ل من سفاح« )‪ (1‬أي ل من زنا‪ ،‬والمراد به نفي ما كانت عليه الجاهلية مــن أن المــرأة تســافح‬
‫ل مدة ثم يتزوجها‪ ،‬فإنه صّلى ال عليه وسلم سمى ما وجد قبل السلم من أنكحة الجاهلية نكاحــًا‪،‬‬ ‫رج ً‬
‫ولو قلنا بفساد أنكحتهم لدى إلى أمر قبيح هو الطعن في نسب كثر من النبياء‪.‬‬
‫ولحديث غيلن الثقفي وغيره ممن أسلم وتحته عشر نسوة في الجاهلية‪ ،‬فأسلمن معه‪ ،‬فأمره صّلى ال‬
‫عليه وسلم باختيار أربع منهن‪ ،‬ومفارقة الباقي )‪ ، (2‬ولم يسأل عن شـرائط النكـاح‪ ،‬فل يجـب البحـث‬
‫عن شرائط أنكحتهم‪ ،‬فإنه صّلى ال عليه وسلم أقرهم عليها‪ ،‬وهو ل يقر أحدًا على باطل‪.‬‬
‫‪ - ً 4‬أخت الزوجة ومحارمها ) الجمع بين الخــت وعمتهــا أو خالتهــا أوغيرهــا مـن المحــارم( )‪: (3‬‬
‫حرمـًا لهــا‪:‬‬
‫يحرم على الرجل أن يجمع بين الختين‪ ،‬أو بين المرأة وعمتها أو خالتها أو كل من كــان َم ْ‬
‫وهي كل امرأة لو فرضت ذكرًا حرمت عليها الخرى‪ .‬وذلك سواء أكانت المحرم شــقيقة‪ ،‬أم لب‪ ،‬أم‬
‫لم‪.‬‬
‫لقوله تعالى في بيان محّرمات النساء‪} :‬وأن تجمعــوا بيــن الخــتين إل مــا قــد ســلف{ ]النســاء‪[23/4:‬‬
‫غْيرة‬‫ولن الجمع بين ذوات الرحام يفضي إلى قطيعة الرحم‪ ،‬بسبب ما يكون عادة بين الضرتين من َ‬
‫موجبة للتحاسد والتباغض والعداوة‪ ،‬وقطيعة الرحم حرام‪ ،‬فما أدى إليه فهو حرام‪.‬‬
‫‪37‬‬

‫والجمع بين المرأة وابنتها حرام أيضًا‪ ،‬كالجمع بين الختين‪ ،‬بل هوأولى؛ لن قرابة الولدة أقوى مــن‬
‫قرابة الخوة‪ ،‬فالنص الوارد في الجمع بين الختين وارد هنا من طريق أولى‪.‬‬
‫وكذلك الجمع بين المرأة وعمتها أوخالتها حــرام أيضـًا كــالجمع بيــن الخـتين؛ لن العمـة بمنزلــة الم‬
‫لبنت أخيها‪ ،‬والخالة بمنزلة الم لبنت أختها‪ .‬وصرحت الســنة بتحريــم الجمــع بيــن المــرأة وعمتهــا أو‬
‫خالتها‪ ،‬عن أبي هريرة قال‪» :‬نهى النبي صّلى ال عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتهــا أو خالتهــا«‬
‫)‪ (1‬وفي رواية الترمذي وغيره‪» :‬ل تنكح المرأة على عمتها‪ ،‬ول العمة على بنت أخيهــا‪ ،‬ول المــرأة‬
‫على خالتها‪ ،‬ول الخالة على بنت أختها‪ ،‬ل الكبرى على الصغرى‪ ،‬ول الصغرى علــى الكــبرى« ول‬
‫يخفى أن هذا الحديث خصص عموم قوله تعالى‪:‬‬
‫}وأحل لكم ما وراء ذلكم{ ]النساء‪ ، (1) [24/4 :‬ولن الجمــع بيــن ذواتــي محــرم فــي النكــاح ســبب‬
‫لقطيعة الرحم؛ لن الضرتين يتنازعان ول يختلفان ول يأتلفان عرفـًا وعــادة‪ ،‬وهــو يفضــي إلــى قطــع‬
‫الرحم‪ ،‬وإنه حرام‪ ،‬والنكاح سبب لذاك فيحرم‪ ،‬حتى ل يـؤدي إليـه‪ .‬وقـد أشـار النـبي صـّلى الـ عليـه‬
‫وسلم إلى علة النهي في رواية ابن حبان وغيره‪» :‬إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم« ‪.‬‬
‫قاعدة الجمع بين المحارم‪ :‬استنبط الفقهـاء مـن النصـين‪ :‬القرآنـي والنبـوي قاعـدة لتحريـم الجمـع بيـن‬
‫ل ‪ ،‬ل يجــوز لــه نكــاح الخــرى مــن‬ ‫المحارم هي‪» :‬يحرم الجمع بين امرأتين لــو كــانت إحــداهما رج ً‬
‫الجانبين جميعًا« أو »يحرم الجمع بين كل امرأتين أيتهما قّدرت ذكرًا‪ ،‬حرمت عليه الخرى« )‪(2‬‬
‫ل‪ ،‬لم يجز له التزوج بالخرى؛ لنها‬ ‫ل يحل الجمع بين الختين؛ لننا لو فرضنا كل واحدة منهما رج ً‬
‫ل‪ ،‬كــان عمـًا للخــرى‪ ،‬ول‬ ‫أخته‪ .‬ول يحل الجمع بين المرأة وعمتها؛ لن كل واحدة لــو فرضــت رج ً‬
‫يجوز للرجل أن يتزوج بعمته‪ .‬وكذلك يحرم الجمع بين المرأة وخالتها‪ ،‬إذ لو فرضنا كل واحدة منهمــا‬
‫ل للخرى‪ ،‬ول يصح للرجل أن يتزوج بنت أخته‪.‬‬ ‫ل كان خا ً‬
‫رج ً‬
‫ل‪ ،‬وجــاز لـه أن يــتزوج بـالخرى كـالمرأة وابنـة عمهــا‪ ،‬جـاز الجمـع‬ ‫فإن فرض كون كل منهمــا رج ً‬
‫بينهما‪ ،‬لنها تكون ابنة عمه‪ ،‬وللرجل أن يتزوج بابنة عمه‪.‬‬
‫وإن كان تحريم الزوج علــى فــرض واحــد مــن أحــد الجــانبين دون الخــر‪ ،‬فل يحــرم الجمــع بينهمــا‪،‬‬
‫كالمرأة وابنة زوج كان لها من قبل من غيرها‪ ،‬وكالمرأة وزوجة كانت لبيهــا؛ لنــه ل رحــم بينهمــا‪،‬‬
‫ل‪ ،‬لــم يجـز لـه أن يـتزوج‬ ‫فلم يوجد الجمع بين ذواتي رحم‪ ،‬إذ لو فرضنا فــي المثـال الول البنــت رج ً‬
‫ل‪ ،‬فــتزول عنــه صــفة زوجــة‬ ‫بهذه المرأة؛ لنها زوجة أبيه‪ ،‬أما عند فــرض المــرأة‪ :‬زوجــة الب رج ً‬
‫الب‪ ،‬فيجوز له الزواج بالبنت‪ ،‬إذ هي أجنبية عنه‪ .‬وقد جمع عبد الـ بــن جعفــر بــن أبــي طــالب بيــن‬
‫زوجة عمه علي‪ ،‬وهي ليلى بنت مسعود النهشلية‪ ،‬وبين ابنته من غيرهــا وهــي أم كلثــوم بنــت الســيدة‬
‫فاطمة رضي ال عنها‪ ،‬ولم ينكر عليه أحد من الصحابة‪.‬‬
‫ويجوز الجمع بين ابنتي العم وابنتي الخــال أو الخالـة مـن عميـن أو خـالين أو خـالتين بالتفـاق‪ ،‬لعـدم‬
‫النص فيهما بالتحريم‪ ،‬ودخولهما في عموم قوله تعــالى‪} :‬وأحــل لكــم مــاوراء ذلكــم{ ]النســاء‪[24/4:‬‬
‫ولن إحداهما تحل لها الخرى لو كانت ذكــرًا‪ .‬وفــي كراهــة زواجهمــا رأيــان‪ :‬رأي بالكراهــة خــوف‬
‫قطيعة الرحم‪ ،‬وهو مروي عن ابن مسعود والحســن البصــري‪ ،‬وأحمــد فــي روايــة عنــه‪ ،‬ورأي بعــدم‬
‫الكراهة؛ إذ ليست بينهما قرابة تحرم الجمع‪ ،‬وهو منقول عن الشافعي والوزاعي‪.‬‬
‫حكم العقد الواحد أو العقدين على الختين ونحوهما ‪:‬‬
‫إذا تزوج رجل امرأتين بينهما محرمية كالختين وكالبنت وخالتها‪ ،‬والبنت وعمتها‪ ،‬ففي حكم الــزواج‬
‫تفصيل )‪: (1‬‬
‫أ ـ إن تزوجهما معًا في عقد واحد‪ ،‬فســد زواجهمــا معـًا ولــم يبطــل؛ لن إحــداهما ليســت أولــى بفســاد‬
‫الزواج من الخرى‪ ،‬فيفرق بينه وبينهما‪ ،‬ثم إنه إن كــان التفريــق قبــل الــدخول فل شــيء لهمــا‪ ،‬أي ل‬
‫مهر لهما‪ ،‬ل عدة فيهما؛ لن الزواج الفاسد ل حكم له قبل الدخول‪ ،‬وكذلك بعد الخلوة‪.‬‬
‫‪38‬‬

‫وإن كان قد دخل بهما‪ ،‬فلكل واحدة منهما عند الحنفية مهر المثل على أل يزيد عن المسمى‪ ،‬لرضــاها‬
‫به‪ ،‬كما هو حكم الزواج الفاسد‪ ،‬وعليهما العدة؛ لن هذا هو حكم الدخول في الزواج الفاسد‪.‬‬
‫ل منهما بعقد مستقل‪ ،‬الواحدة بعد الخرى‪ ،‬صح زواج الولـى وفسـد زواج الثانيـة؛‬ ‫ب ـ وإن تزوج ك ً‬
‫لن الجمع حصل بزواج الثانية‪ ،‬فاقتصر الفساد عليه‪ ،‬ويفرق بينه وبين الثانيــة‪ .‬فــإن تــم التفريــق قبــل‬
‫الدخول فل شيء لها ول عدة عليها‪ ،‬وإن تم التفرق بعد الدخول‪ ،‬وجب لها مهــر المثــل علــى أل يزيــد‬
‫عْقر ــ أي‬ ‫عْقر ـ أي حد زاجر ـ أو ُ‬ ‫عن المسمى لرضاها به؛ لن »الوطء في دار السلم ل يخلو عن َ‬
‫مهر جابر« وقد سقط الحد بشبهة العقد‪ ،‬فيجب مهر المثل دون زيادة على المسمى‪ .‬وعليها العدة‪.‬‬
‫ويحرم على الزوج أن يطأ الولى‪ ،‬أي قربــان زوجتــه الولــى حــتى تنقضــي عـدة الثانيــة‪ ،‬لئل يكــون‬
‫جامعًا بينهما‪ ،‬والجمع بين المحارم حرام‪.‬‬
‫ل منهما بعقدين ل يدري أيهما الول‪ ،‬يفرق بينه وبينهمــا؛ لن زواج إحــداهما فاســد‬ ‫جـ ـ وإن تزوج ك ً‬
‫بيقين‪ ،‬وهي مجهولة‪ ،‬ول يتصور حصول مقاصــد الــزواج مــن المجهولــة‪ ،‬فل بــد مــن التفريــق‪ .‬فــإن‬
‫ادعت كل واحدة منهما أنها هي الولى ول بينة لها‪ ،‬يقضى لها بنصف المهــر؛ لن الــزواج الصــحيح‬
‫أحدهما‪ ،‬وقد حصلت الفرقة قبل الدخول‪ ،‬ل بسبب المرأة‪ ،‬فكان الواجب نصف المهر‪ ،‬ويكـون بينهمــا‬
‫لعدم الترجيح‪ ،‬إذ ليست إحداهما بأولى من الخرى‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬إن جمــع بيــن الخــتين ونحوهمــا‬
‫من رضاع أو نسب بعقد واحد بطل نكاحهما‪ ،‬وإن كان مرتبًا بطل الثاني‪ ،‬ولمن دخل بهــا مهــر المثــل‬
‫عند الشافعية والحنابلة‪ .‬وصداقها المسمى عند المالكية )‪. (1‬‬
‫الجمع بين الختين ونحوهما في العدة )‪: (2‬‬
‫اتفق الفقهاء على أنه يجوز الجمع بين المرأة ومحارمهـا بعـد الفرقـة بسـب وفـاة إحـداهما‪ ،‬فلـو مـاتت‬
‫ل من غير انتظار مدة بعد الوفاة‪.‬‬ ‫زوجة رجل‪ ،‬جاز له أن يتزوج بأختها أو عمتها مث ً‬
‫واتفقوا أيضًا على عدم جواز الجمع بين المرأة ومحارمها في أثناء العدة من طلق رجعي‪ ،‬فلــو طلــق‬
‫زوجته طلقًا رجعيًا‪ ،‬لم يجز له الزواج بواحدة من قريباتها المحارم إل بعد انقضاء العدة؛ لنها باقيــة‬
‫في حكم الزواج السابق‪.‬‬
‫واختلفوا في الجمع بين المحارم إذا كانت إحداهن معتدة من طلق بائن‪ .‬فقال الحنفية والحنابلة‪ :‬يحــرم‬
‫الجمع بين الختين ومن في حكمهمــا إذا كــانت واحــدة منهمـا فــي أثنـاء العــدة مـن طلق بـائن بينونــة‬
‫صغرى أو كبرى؛ لقوله صّلى ال عليه وسلم ‪» :‬من كان يؤمن بال واليوم الخر‪ ،‬فل يجمع ماءه فــي‬
‫رحم أختين« )‪ ، (1‬ولن البائن ممنوعة من الزواج في العدة لحــق الــزوج‪ ،‬فأشــبهت الرجعيــة‪ ،‬ولن‬
‫الزواج بالخت ونحوها من المحارم في العدة يؤدي إلى قطيعة الرحم‪ ،‬التي أمــر ال ـ بوصــلها‪ .‬وهــذا‬
‫الرأي هو الراجح‪.‬‬
‫وقال المالكية والشافعية‪ :‬يصح الزواج بأخت المطلقة ومن في حكمها من المحارم في أثناء العــدة مــن‬
‫طلق بائن بينونة صغرى أو كبرى‪ ،‬لنقطاع أثر الزواج السابق‪ ،‬فل تحل لمن طلقها إل بعقــد جديــد‪،‬‬
‫وحينئذ ل تجتمع المرأتان في حكم فراش واحد‪.‬‬
‫وذكر الحنابلة )‪ : (2‬أنه لو أسلم زوج المجوسية أو الوثنية‪ ،‬أو انفســخ النكــاح بيــن الزوجيــن بخلــع أو‬
‫رضاع‪ ،‬أو فسخ بعيب أو إعسار أو غيره‪ ،‬لم يكن لــه أن يــتزوج أحــدًا ممــن يحــرم الجمــع بينــه وبيـن‬
‫زوجته‪ ،‬حتى تنقضي عدتها‪.‬‬
‫وإن أسلمت زوجته‪ ،‬فتزوج أختها في عدتها‪ ،‬ثم أسلما في عدة الولى‪ ،‬اختــار منهمــا واحــدة‪ ،‬كمــا لــو‬
‫تزوجهما معًا‪ .‬وإن أسلم الرجل بعد انقضاء عدة الولى‪ ،‬بانت منه‪ ،‬وثبت نكاح الثانية‪.‬‬
‫وإن زنى الرجل بامرأة‪ ،‬فليس له أن يتزوج بأختها‪ ،‬حتى تنقضي عدتها‪ .‬وحكم العدة من الزنا‪ ،‬والعدة‬
‫من وطء الشبهة‪ ،‬كحكم العدة من النكاح‪.‬‬
‫‪39‬‬

‫فإن زنى بأخت امرأته‪ ،‬فقال أحمد‪ :‬يمسك عن وطء امرأته حتى تحيض المزنــي بهــا ثلث حيضــات‪.‬‬
‫وقد ذكر عن أحمد في المزني بها‪ :‬أنها تستبرأ بحيضة واحدة؛ لنه وطء من غيــر نكــاح‪ ،‬ول أحكــامه‬
‫أحكام النكاح‪.‬‬
‫وإذا ادعى الزوج أن امرأته أخبرته بانقضاء عدتها في مدة يجــوز انقضــاؤها فيهــا‪ ،‬وكــذبته‪ ،‬أبيــح لــه‬
‫نكاح أختها‪ ،‬وأربع سواها في الظاهر‪ .‬أما في الباطن فيبني على صدقه في ذلـك؛ لنــه حـق فيمـا بينــه‬
‫وبين ال تعالى‪ ،‬فيقبل قوله فيه‪.‬‬
‫ً ‪ -‬المرأة الخامسة لمتزوج بأربع سواها )الجمع بين الجنبيات ( ‪:‬‬
‫ل يجوز للرجل في مذهب أهل السنة أن يتزوج أكثر من أربع زوجات فــي عصــمته فــي وقــت واحــد‬
‫ولو في عدة مطلقة‪ ،‬فإن أراد أن يتزوج بخامسة‪ ،‬فعليه أن يطلق إحدى زوجاته الربع‪ ،‬وينتظر حــتى‬
‫تنقضي عدتها‪ ،‬ثم يتزوج بمن أراد؛ لن النص القرآني ل يبيح للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع فـي‬
‫وقت واحد‪ ،‬وهو قوله تعالى‪:‬‬
‫}وإن خفتم أل تقسطوا في اليتامى‪ ،‬فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع‪ ،‬فإن خفتــم أل‬
‫تعدلوا فواحدًة‪ ،‬أو ما ملكت أيمانكم‪ ،‬ذلك أدنى أل تعولوا{ ]لنســاء‪ [3/4:‬والمعنــى‪ :‬إن علمتــم الوقــوع‬
‫في ظلم اليتامى‪ ،‬فلم تعدلوا في مهورهن أو في نكاحهن‪ ،‬أو تحرجتم من الولية عليهــم‪ ،‬فخــافوا أيضـًا‬
‫من ظلم النساء عامة‪ ،‬وقللوا عدد الزوجات‪ ،‬واقتصروا على أربع منهن‪ ،‬وإن خفتم الجور في الزيــادة‬
‫على الواحدة‪ ،‬فاقتصروا على زوجة واح‪ ،‬ويلحظ أن لفظ »مثنى« معدول به عن اثنين اثنين‪ ،‬تقــول‪:‬‬
‫جاءني القوم مثنى أي اثنين اثنين‪ .‬وهكذا ثلث ورباع‪ ،‬بيانًا لنواع الزيجات وفئات النــاس ومــا يبــاح‬
‫لهم أثناء تعدد الزوجات‪ ،‬فالعطف بالواو للتخيير ل للجمع‪.‬‬
‫ويوضح مدلول الية حديث ابن عمـر‪ ،‬قـال‪» :‬أسـلم غيلن الثقفـي وتحتـه عشـر نسـوة فـي الجاهليـة‪،‬‬
‫فأسلمن معه‪ ،‬فأمره النبي صّلى ال عليه وسلم أن يختار منهن أربعًا« )‪. (1‬‬
‫ن نسوة‪ ،‬فــأتيت النــبي صـّلى‬ ‫وروى أبو داود وابن ماجه عن قيس بن الحارث قال‪ :‬أسلمت وعندي ثما ُ‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬فذكرت ذلك له‪ ،‬فقال‪ :‬اختر منهن أربعًا‪.‬‬
‫وروى الشافعي عن نوفل بن معاوية أنه أسلم وتحته خمس نسوة‪ ،‬فقال له النبي صّلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫أمسك أربعًا‪ ،‬وفارق الخرى )‪. (1‬‬
‫ولم ينقل عن أحد من السلف في عهد الصحابة والتابعين أنه جمع فــي عصــمته أكــثر مــن أربــع‪ ،‬فــدل‬
‫العمل على وفق السنة على أنه ل يجوز الزواج بأكثر مــن أربــع نســوة‪ ،‬ولحــاديث فــي مجموعهــا ل‬
‫تقتصر عن رتبة الحسن لغيره‪ ،‬فتنتهض بمجموعها للحتجاج‪ ،‬وإن كان كل واحـد منهـا ل يخلـو عـن‬
‫مقال‪ ،‬كما ذكر الشوكاني‪.‬‬
‫وذهب بعض المتأولين الشذاذ إلى أنه يجوز للرجل أن يتزوج تسعًا‪ ،‬أخذًا بظاهر الية‪} :‬مثنى وثلث‬
‫ورباع{ ]النساء‪ [3/4:‬لن الواو للجمع ل للتخيير‪ ،‬أي يكون المجمــوع تســعًا‪ .‬وأجيــب عــن ذلــك بــأن‬
‫الية محمولة على عادة العرب في خطاب الناس على طريــق المجموعــات‪ ،‬وأريــد بهــا التخييــر بيــن‬
‫ل أولــي أجنحــة مثنــى وثلث‬ ‫الزواج باثنتين وثلث وأربع‪ ،‬كما في قوله تعالى‪} :‬جاعل الملئكة رس ـ ً‬
‫ورباع{ ]فاطر‪ [1/35:‬أي أنهم فئات‪ ،‬فمنهم ذو الجناحين‪ ،‬ومنهم ذو الثلثة أجنحة‪ ،‬ومنه ذو الربعــة‬
‫أجنحة؛ لن المثنى ليس عبارة عن الثنين‪ ،‬بل أدنى ما يراد بالمثنى مرتان من هذا العــدد‪ ،‬وأدنــى مــا‬
‫يراد بالثلث ثلث مرات من العدد‪ ،‬وكذا الرباع‪.‬‬
‫السبب في القتصار على أربع‪ :‬إن إباحة الزواج بأربع فقط قد يتفق في رأينا مـع مبـدأ تحقيـق أقصـى‬
‫قدرات وغايات بعض الرجال‪ ،‬وتلبية رغباتهم وتطلعاتهم مـع مـرور كـل شـهر‪ ،‬بسـبب طـروء دورة‬
‫العادة الشهرية بمقدار أسبوع لكل واحدة‬
‫منهن‪ ،‬ففي المشروع غنى وكفاية‪ ،‬وسد للباب أمــام النحرافــات‪ ،‬أومــا قــد يتخــذه بعــض الرجــال مــن‬
‫عشيقات أو خدينات أو وصيفات‪ ،‬ثم إن في الزيادة على الربع خوف الجور عليهن بالعجز عن القيام‬
‫‪40‬‬

‫بحقوقهن؛ لن الظاهر أن الرجل ليقدر على الوفاء بحقوقهن‪ ،‬وإلى هذا أشار القرآن الكريم بقوله عز‬
‫سم والجماع والنفقة فــي زواج‬ ‫وجل‪ } :‬فإن خفتم أل تعدلوا فواحدة{ ]النساء‪ [3/4:‬أي ل تعدلوا في الَق ْ‬
‫المثنى‪ ،‬والثلث‪ ،‬والرباع‪ ،‬فواحدة‪ ،‬فهوأقرب إلى عدم الوقوع في الظلم )‪. (1‬‬
‫وهكذا فإن القتصار على أربع عدل وتوسط‪ ،‬وحماية للنساء من ظلم يقع بهن من جراء الزيادة‪ ،‬وهو‬
‫بخلف ما كــان عليــه العــرب فــي الجاهليــة والشــعوب القديمــة حيــث ل حــد لعــدد الزوجــات وإهمــال‬
‫بعضهن‪.‬‬
‫وهذه الباحة أضحت أمرًا استثنائيًا نادرًا‪ ،‬فل تعني أن كل مسلم يتزوج أكـثر مـن واحـدة‪ ،‬بـل أصـبح‬
‫مبدأ وحدة الزوجة هو الغالب العظم‪.‬‬

You might also like