You are on page 1of 30

‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفــصل التمهيدي ‪ :‬مــاهية‬


‫الجريمـة‬

‫‪2‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المبحث الول ‪ :‬مفهوم الجريمة و اركانها‬


‫في هذا المبحث سنتناول الجريمة و اركانها و بشكل مختصر و مفيد على‬
‫النحو التالي ‪:‬‬
‫المطلب الول ‪ :‬تعريف الجريمة‬

‫الفرع الول ‪ :‬التعريف الفقهي للجريمة‬


‫ل تتضمن معظم القوانين العقابية تعريف للجريمة ‪ ،‬و قد أدى اختلف‬
‫الفقه في تعريف الجريمة إلى ظهور اتجاهين ‪ :‬اتجاه شكلي ‪ ،‬و اتجاه‬
‫موضوعي ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ التجاه الشكلي ‪ :‬يعتمد أنصار هذا التجاه في تعريفهم للجريمة‬
‫على الربط بين الواقعة المرتكبة و بين القاعدة القانونية ‪ ،‬و يعرفون‬
‫الجريمة على هذا الساس بأنها ‪ " :‬فعل يجرمه القانون " ‪ ،‬أو " نشاط أو‬
‫امتناع يجرمه القانون و يعاقب عليه "‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التجاه الموضوعي ‪ :‬يعتمد أنصار هذا التجاه في تعريفهم للجريمة‬
‫على إبراز جوهرها باعتبارها اعتداء على مصلحة اجتماعية ‪ ،‬و يعرفون‬
‫الجريمة على هذا الساس بأنها " الواقعة ضارة بكيان المجتمع و أمنه "‪.‬‬
‫ن القضاء الجزائري يميل إلى‬ ‫ويبدو من بعض قرارات المحكمة العليا أ ّ‬
‫ل فعل أو امتناع‬‫الخذ بالتجاه الشكلي في تعريف الجريمة بأّنها ‪ : " :‬ك ّ‬
‫عن فعل يعاقب عليه القانون جزائيا " ‪ ) .‬قرار المحكمة العليا المؤرخ في‬
‫‪ 1986/06/24‬ـ الفرقة الجنائية الولى ‪ ،‬الطعن رقم ‪.( 43.835 :‬‬
‫و يستخلص من تعريف الجريمة سواء من وجهة نظر التجاه الموضوعي‬
‫ن الجريمة سلوك الذي يمكن أن يكون فعل ينهي القانون عنه ‪،‬‬ ‫ما يلي ـ أ ّ‬
‫أو امتناعا يأمر به القانون‪.‬‬
‫ن السلوك الذي يعتبر جريمة يجب أن يكون مهامها يمكن نسبته أو‬ ‫ـأ ّ‬
‫إسناده إلى فاعله ‪ ،‬بأن يكون هذا السلوك فعل صادرا عند إنسان يمكن‬
‫العتداء بإرادته قانونا أي أن يكون السلوك صادرا عن إرادة سليمة‪ ،‬أي‬
‫مدركة و مميزة و غير مكرهة‬
‫ون للواقعة الجرامية ‪،‬‬ ‫ـ أن يكون من شأن السلوك المك ّ‬
‫ـ سواء كان فعل أو امتناعا ـ الضرار بمصلحة محمية جنائيا ‪ .‬و تكون‬
‫المصلحة محمية جنائيا إذا كان القانون يرتب على الواقعة جزاء جنائيا‪.‬‬
‫ن الجريمة بالمعنى المتقدم تمثل الجانب الموضوعي للمسؤولية‬ ‫ويلحظ أ ّ‬

‫‪3‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الجنائية تقتضي وجود الجريمة و الجاني معا ‪ ،‬فل تعد جريمة حوادث‬
‫القضاء و القدر‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬التعريف القانوني للجريمة‬
‫اجتهد علماء الجرام في تحديد مفهوم معين للجريمة ‪،‬ال انهم لم يتفقوا‬
‫على تعريف موحد لها‪ ،‬اذ ان كل مذهب عرفها بحسب وجهة نظر‬
‫المدرسة التى ينتمي اليها‪،‬وكذلك الحال بالنسبة لتصنيفات الجريمة‬
‫فتعددت بتعدد معايير تصنيفها‪.‬‬
‫الجريمة بوجه عام هي كل عمل غير مشروع يقع على النسان في‬
‫نفسه أو ماله أو عرضه أو على المجتمع ومؤسساته ونظمه السياسية‬
‫والقتصادية‪.‬‬
‫ولقد اهتم العلماء بتعريف الجريمة لتحديد ما ينطبق عليه وصف المجرم‬
‫فانشغلوا في التعريف باختلف تخصصهم‪.‬‬
‫وهكذا يرى علماء النفس بأن الجريمة هي تعارض سلوك الفرد مع سلوك‬
‫الجماعة‪ ،‬ومن ثم يعتبر مجرما الشخص الذي يقدم على ارتكاب فعل‬
‫مخالف للمبادئ السلوكية التي تسود في المجتمع الذي ينتمي إليه‪.‬‬
‫في حين يرى علماء الجتماع بأن الجريمة هي التعدي أو الخروج على‬
‫السلوك الجتماعي ومن هنا تعتبر جريمة كل فعل من شأنه أن يصدم‬
‫الضمير الجماعي السائد في المجتمع فيسبب ردة فعل اجتماعية‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى يرى علماء الدين بأن الجريمة هي الخروج على طاعة‬
‫الله ورسوله الكريم وعدم اللتزام بأوامره ونواهيه‪.‬‬
‫وما يحول سلوك الشخص الى فعل مرفوض اجتماعيا هو النص‬
‫القانوني الذي يحدد عناصر الجريمة والعقوبة المقدرة لها ومنه نصل إلى‬
‫تعريف الجريمة في القانون بأنها كل عمل أو امتناع يعاقب عليه القانون‬
‫‪((1‬‬
‫بعقوبة جزائية‬
‫وتجدر الشارة أن التشريع الجزائري لم يأت بتعريف للجريمة‪ ،‬وإذا كانت‬
‫التعريفات السابقة تعبر عن موضوع الجريمة في الحياة النسانية‬
‫والجتماعية فإنه ينقصها عنصر حاسم يفصل بين الفعل المرفوض‬
‫اجتماعيا الذي يسبب عقابا جزائيا‪.‬‬
‫و قد تلتبس بالجريمة الجزائية ببعض المفاهيم المشابهة لها كالخطأ‬
‫المدني والخطأ المهني وهو ما سوف نبينه‪.‬‬
‫اول ‪ :‬تمييز الجريمة عن الخطأ المدني‬

‫)‪ (1‬د‪،‬احسن بوسقيعة ‪،‬الوجيز في القانون الجزائي العام‪ ،‬دار هومة‪،‬الطبعة الثالثة ‪،‬الجزائر ‪2006‬‬
‫ص ‪.25‬‬

‫‪4‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تنص المادة ‪ 124‬من القانون المدني الجزائري على أن كل عمل أيا كان‬
‫يرتكبه المرء بخطئه ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه‬
‫بالتعويض‪ ،‬ويطلق على الفعل الضار المنصوص عليه في المادة المشار‬
‫إليها الخطأ المدني ويستوجب التعويض‪ .‬وتختلف الجريمة عن الخطأ‬
‫المدني فيما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬تهدف العقوبة الجزائية إلى حماية مصالح اجتماعية عامة‪ ،‬وتتحقق‬
‫نتيجتها سواء بوقوع ضرر بمصلحة عامة أو خطر يهدد هذه المصلحة‪ ،‬أما‬
‫الخطأ المدني فيهدف إلى حماية مصلحة فردية‪ ،‬وتعنى بالضرر الشخصي‬
‫الذي يصيب الفرد‪ ،‬فجريمة السرقة مثل تهدف إلى حماية حق الملكية في‬
‫المجتمع بصفة عامة وليس حماية مال المجني عليــه بصفة خاصة‪،‬‬
‫والضرر الناتج عن جريمة السرقة هو ضرر عام يصيب المجتمع في‬
‫جملته‪ ،‬ولهذا يجّرم الشارع مجرد الشروع في السرقة رغم عدم تحقق‬
‫العتداء على مال‬
‫‪((1‬‬
‫المجني عليه‪.‬‬

‫‪ - 2‬تخضع الجرائم والعقوبات لمبدأ شرعية ‪ ،‬فالتشريع هو الذي يبين‬


‫أركان كل جريمة وعناصرها‪ ،‬ويحدد العقوبة لمرتكبها‪ ،‬بينما يكتفي القانون‬
‫المدني بوضع قاعدة عامة لتحديد الخطأ المدني مؤداه أن كل فعل خاطئ‬
‫يسبب ضررا للغير يترتب عليه مسؤولية مدنية‪.‬‬
‫‪ -3‬الركن الساسي في الخطأ المدني‪ ،‬هو الضرر الذي يصيب الغير نتيجة‬
‫الفعل الخاطئ‪ ،‬فل تقوم المسؤولية المدنية إل اذا تحقق الضرر للغير‪،‬‬
‫بينما ل يعد الضرر الشخصي ركنا في الجريمة مع تصور تحققه في بعض‬
‫الجرائم كالسرقة والنصب والقتل‪ ،‬دون البعض الخر كالشروع والتفاق‬
‫الجنائي وحمل سلح بدون ترخيص‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬معظم الجرائم تتوافر على قصد جنائي‪ ،‬بينما يكفي الخطأ غير‬
‫العمدي لقيام المسؤولية المدنية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تميز الجريمة عن الخطأ المهني‬
‫الخطأ المهني هو إخلل بواجبات المهنة أو الوظيفة التي ينتمي إليها ‪،‬‬
‫ويقرر لها القانون جزاءات تدل على عدم ثقة الهيئة بالشخص الذي‬
‫ارتكب الفعل كالتوبيخ والنذار والخصم من المرتب واليقاف عن العمل‪،‬‬
‫بينما الجريمة الجزائية فهي تعني إخلل الفاعل بواجباته الجتماعية و‬
‫المساس بمصالح المجتمع‪ ،‬فهي أهم شأنا وأخطر في أثرها على بنيان‬
‫المجتمع‪ ،‬ومن ثم كانت العقوبات الجزائية أشد من الجزاءات الدارية‪.‬‬

‫)‪ (1‬د‪،‬احسن بوسقيعة ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪35‬‬

‫‪5‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ومن ناحية أخرى ل تخضع الجريمة الدارية لمبدأ الشرعية فلم يحصر‬
‫المشرع الخطاء المهنية التي تستوجب المسؤولية الدارية‪،‬بل تركها‬
‫للسلطة التقديرية للدارة بينما تخضع الجريمة الجزائية لمبدأ الشرعية‬
‫بحيث ل جريمة و ل عقوبة إل بنص ‪.‬‬
‫وقد يكون الفعل الواحد جريمة جزائية وجريمة إدارية في آن واحد كما‬
‫إذا اختلس موظف مال مسلما إليه بسبب وظيفته‪ ،‬أو أتلف مستندا أو قبل‬
‫رشوة‪ ،‬ففي هذه الحالت تتحقق الجريمة الجزائية و الجريمة الدارية‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬اركان الجريمة‬


‫يتطلب القانون لقيام الجريمة توافر أركان معينة ‪ ،‬وهي على نوعين ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الركان العامة للجريمة التي تسري على كافة الجرائم بوجه عام ‪ ،‬أّيا‬
‫كان نوعها أو طبيعتها ‪ ،‬بحيث إذا اكتملت هذه الركان قامت الجريمة تامة‬
‫أو مشروع فيها تستوجب توقيع العقاب الذي حدده الّنص الجنائي على‬
‫ما إذا انتهى أحد هذه الركان فل تقوم الجريمة من الناحية‬
‫الجاني ‪ .‬أ ّ‬
‫القانونية ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الركان الخاصة للجريمة التي يّنص القانون عليها بالنسبة لكل جريمة‬
‫على حده ‪ ،‬و هي أركان تختلف من جريمة إلى أخرى بحسب نوعها و‬
‫طبيعتها ‪ .‬و الغرض من هذه الركان أن تضاف إلى الركان العامة لتحدد‬
‫نوعها و طبيعتها ‪ .‬و الغرض من هذه الركان الخاصة للجريمة ‪ :‬أن يكون‬
‫المجني عليه حيا في جريمة القتل ‪ ،‬و أن يكون المرتشي موظفا عاما في‬
‫جريمة الرشوة ‪ ،‬و أن يكون الشيء المختلس مال منقول مملوكا للغير‬
‫في جريمة السرقة ‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقه بشأن تقسيم الركان العامة للجريمة ـ موضوع دراستنا‬
‫ن للجريمة ركنان ‪ :‬ركن مادي و ركن معنوي‪ ،‬ومن‬ ‫ـ فمن الفقه من يرى أ ّ‬
‫ن للجريمة أركان ثلثة ‪ :‬فيضيف إلى الركنين المادي و‬ ‫الفقه من يرى أ ّ‬
‫المعنوي الركن الشرعي ‪.‬‬
‫و قد يكون مفيدا أن نفرض فيما يلي هذه الركان الثلثة ببعض من‬
‫التفصيل ‪ ،‬على أن تخصص لكل ركن مطلبا مستقل‪.‬‬
‫الفرع الول ‪ :‬الركن الشرعي‬

‫يعبر عن الركن الشرعي في الجريمة بمبدأ "ل جريمة ول عقوبة ول تدبير‬


‫أمن إل بنص في القانون " )المادة ‪ 1‬ق‪.‬ع( ويهدف هذا المبدأ الى إقامة‬
‫التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع عن طريق توفير الحماية لكل‬
‫من هذين المصلحتين‪ ،‬وبالقدر اللزم الذي ل يهدر إحداهما لفائدة الخرى‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ويحقق مبدأ الشرعية الحماية لمصلحة الفرد عن طريق ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ منع السلطة من التحكم في حريات الفراد‪ ،‬ومنع انتهاك حرياتهم ‪.‬إذ‬
‫يوجب هذا المبدأ بأل يعاقب الفرد على سلوك يأتيه إل إذا كان هذا‬
‫السلوك مجرما وقت إتيانه‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ بيان السلوك المعتبر جريمة ‪ ،‬المر الذي يمكن الفراد من معرفة‬
‫السلوك الجرامي والسلوك المباح‪:‬أي معرفة الوجهة الجتماعية المقبولة‬
‫لممارسة نشاطهم في مأمن من المسؤولية الجنائية‪.‬‬

‫ويحقق مبدأ الشرعية الحماية لمصلحة المجتمع عن طريق ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ إضفاء الصبغة القانونية على العقوبة تجعلها مقبولة باعتبارها توقع‬
‫‪1‬‬
‫تحقيق للمصلحة العامة ‪(1).‬‬
‫‪ 2‬ـ إسناد وضيفة التجريم والعقاب إلى المشرع وحده ‪.‬ويتكون مبدأ‬
‫الشرعية من عنصرين أساسيين‪ ،‬وهما ‪ :‬وجود نص سابق يجرم الفعل قبل‬
‫ارتكابه‪،‬وعدم توافر المشروعية في الفعل المرتكب ‪،‬ولنتكلم في كل من‬
‫هذين العنصرين على التوالي ببعض من التفصيل‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ وجود نص سابق يجرم الفعل قبل ارتكابه‬


‫يقضي مبدأ شرعية التجريم بعدم جواز متابعة شخص عن فعل ارتكبه‪.‬‬
‫وأنزل العقاب عليه بسببه ما لم يكن هذا الفعل مجرما بنص وقت ارتكابه‬
‫ويشترط في النص التجريمي جملة من الشروط نوجزها في التالي‪:‬‬

‫أ ـ من حيث طبيعة النص التجريمي ‪ :‬يجب أن يكون النص التجريمي‬


‫نصا تشريعيا ‪ :‬أي مكتوبا حتى يمكن للفرد معرفة الفعال المجرمة‬
‫والفعال المباحة‪ ،‬ومن ثم توفير نوع من الستقرار للنظام الجزائي ولذلك‬
‫يستوجب مبدأ الشرعية اعتماد التشريع كمصدر وحيد للتجريم والعقاب‪،‬‬
‫واستبعاد المصادر الخرى ‪.‬‬
‫ويفرض مبدأ الشرعية من المشرع بعض اللتزامات في سن للنص‬
‫التجريمي ‪ ،‬ويتعلق بعضها بمصدر التجريم‪ ،‬ويتعلق البعض الخر بمضمون‬
‫التجريم ‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بمصدر التجريم ‪ :‬فإن مبدأ الشرعية يجعل سياسة التجريم‬

‫‪ - 1‬د ‪ ,‬عبد الله سليمان ‪,‬شرح القانون العقوبات الجزائري ‪ ,‬الجزء الول ‪ ,‬ديوان المطبوعات‬
‫الجامعية ‪ ,‬الجزائر‬

‫‪7‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والعقاب من صلحيات المشرع دون غيره من الهيئات الخرى لضمان‬


‫الحماية الكافية للفراد ويلحظ مع ذلك إذا كانت السلطة التشريعية تملك‬
‫وحدها سن النصوص التجريمية فقد تتخلى عن سلطتها إلى السلطة‬
‫التنفيذية بطريق مباشر‪ ،‬وإلى السلطة القضائية بطريق غير مباشر‪.‬‬
‫ومن المثلة على تخلي السلطة التشريعية عن سلطة سن النصوص‬
‫التجريمية إلى السلطة التنفيذية ما تقوم به هذه الخيرة من ضبط وتحديد‬
‫بعض الجرائم كمخالفات المرور‪ ،‬أو تدخلها عن طريق الحالة في‬
‫النصوص التجريمية الصادرة عن السلطة التشريعية في بعض الجنح‬
‫الخاصة بقانون السعار‪.‬‬
‫ومن المثلة على تنازل السلطة التشريعية عن سلطة سن النصوص‬
‫التجريمية إلى السلطة القضائية بطريق غير مباشر‪،‬ما اصطلح على‬
‫تسميته بالنصوص المفتوحة‪،‬إذ يخول المشرع للقاضي بموجب هذه‬
‫النصوص سلطة تقديرية واسعة‪،‬ومن ذلك ما تنص المادة ‪ 58‬من القانون‬
‫رقم‪ 90 :‬ــ ‪ 41‬المؤرخ في ‪ ، 02/ 06/ 1990‬والمتعلق بكيفيات ممارسة‬
‫الحق النقابي التي تعاقب على كل عرقلة لممارسة الحق النقابي‪.‬‬
‫وأما فيما يخص مضمون التجريم ‪،‬فإن مبدأ الشرعية يلقى هو الخر على‬
‫عاتق المشرع إلتزامات أهمها ما يلي ‪(:‬‬

‫‪ 1‬ـ عدم الفراط في التجريم والعقاب‪.‬‬


‫‪ 2‬ـ الحرص على سريان النص التجريمي على المستقيل‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ توفر الوضوح في النص التجريمي ببيان أركان الجريمة ‪،‬تحديد العقاب‬
‫على نحو يسهل للقاضي تطبيق هذا النص‪.‬‬

‫ب ـ من حيث تطبيق النص التجريمي ‪ :‬يحكم تطبيق النص‬


‫التجريمي مبدأ تبعية القاضي للمشرع‪،‬وهي تبعية تحرم القاضي من‬
‫التدخل ولو بطريق غير مباشر في سياسة التجريم‪.‬‬
‫إل أن الملحظ من الناحية العملية أن مبدأ تبعية القاضي للمشرع غير‬
‫مطلق التطبيق بالنظر إلى ما للقاضي من سلطة تقريرية في تطبيق‬
‫النص التجريمي على الوقائع المعروضة عليه تحقيق العدالة ‪،‬فيكون‬
‫القاضي بذلك في مركز تقييم الرادة المشرع‪ .‬وتتجلى مظاهر السلطة‬
‫التقريرية للقاضي في تطبيق النص التجريمي في مسائل ثلثة وهي‬
‫تكييف الوقائع‪،‬وتفسير النص التجريمي و صلحيته في استبعاد هذا النص‬
‫خدمة للشرعية‪،‬ولنعرض لهذه المسائل‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 1‬ـ تكييف الوقائع والجريمة ‪ :‬تنصب مسألة التكييف التي يتولها‬


‫القاضي على الوقائع والجريمة ‪،‬إذ يهدف تكييف الوقائع إلى البحث في‬
‫مدى توافر التطابق بين الواقعة المرتكبة أو السلوك المرتكب مع الواقعة‬
‫النموذجية أو السلوك النموذجي الذي يتضمنه النص التجريمي‪.‬‬
‫وتتجلى أهمية التكييف في أن ثبوت عدم التطابق بين السلوك المرتكب‬
‫والسلوك النموذجي من شأنه أن يؤدي لزاما إلى استبعاد النص التجريمي‪،‬‬
‫وتتجلى أيضا في أن ثبوت التطابق من شأنه أن يحدد العقاب والنظام‬
‫الجرامي‪ ،‬فالقاضي ملزم بتطبيق العقاب في حدود سلطته التقديرية ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ تفسير النص التجريمي ‪ :‬يقتضي مبدأ الشرعية أن تفسير‬


‫النصوص تفسيرا يحافظ على التوازن بين مصلحة الفراد ومصلحة‬
‫المجتمع يضاف ألى ذلك أن خصوصية ذاتية قانون العقوبات تستلزم أن‬
‫يخضع تفسير نصوصه لساليب خاصة‪.‬‬
‫ويعتبر التفسير القضائي أهم تفسير للنص التجريمي‪ ،‬وهو تفسير يقوم به‬
‫القاضي أثناء تطبيق النص التجريمي على الوقائع المعروضة عليه ويكاد‬
‫يجمع الفقه والقضاء على أن تفسير النص التجريمي يجب أن يكون‬
‫تفسيرا ضيقا ل يجيز التوسع‪ .‬وهو التفسير الذي يدعمه مبدأ الشرعية مع‬
‫مراعاة ارادة المشرع وقصده‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ صلحية القاضي في إستيعاد النص التجريمي خدمة‬


‫للشرعية‪ :‬ل يكفي تطابق السلوك المرتكب مع السلوك النموذجي الذي‬
‫يتضمنه النص التجريمي لقيام الركن الشرعي للجريمة‪ ،‬ذلك أن الركن‬
‫الشرعي يتطلب علوة على ذلك أن يكون النص التجريمي نفسه صالحا‬
‫للتطبيق على السلوك المرتكب‪ .‬وتتأكد هذه الصلحية من خلل مراعاة‬
‫الحدود الزمنية والمكانية لسريانه‪ ،‬وهذا ما يعبر عنه بالنطاق الزمني‬
‫والنطاق المكاني لتطبيق النص التجريمي‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بالنظام الزمني للنص التجريمي فإن المشكلة تثور في‬
‫حالة وقوع جريمة في ظل قانون ثم يصدر قانون جديد يعدل أو يلغي‬
‫القانون القديم الذي إرتكب في ظله الجريمة‪ .‬فل خلف في أن القانون‬
‫الجديد يطبق على الواقعة اللحقة لصدوره‪ ،‬ولكن الشكال يبقى قائما‬
‫بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على تالوقائع السابقة لصدوره ‪ .‬ويثير‬
‫‪2‬‬
‫هذا الشكال مسألة تنازع القوانين من حيث الزمان )‪.(1‬‬
‫ويقتضي مبدأ الشرعية عدم جواز متابعة فرد من أجل سلوك إرتكبه إل إذا‬

‫د ‪ ,‬عبد الله سليمان ‪ ,‬مرجع سابق ‪ ,‬ص ‪65‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪9‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫كان هذا السلوك مجرما بنص سابق على وقوعه‪ .‬ويفيد هذا المبدأ عدم‬
‫جواز تطبيق القانون الجديد على الوقائع التي سبقت صدوره‪.‬إل أن هذا‬
‫المبدأ ل يؤخر به على إطلقه إذ يكاد يجمع الفقه والقضاء وما يرثهم في‬
‫ذلك بعض التشريعات على جواز تطبيق القانون الجديد بأثر رجعي إذا كان‬
‫أصلح للمتهم‪.‬وقد نص قانون العقوبات الجزائري في المادة الثانية منه‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫ولعل من أهم تطبيقات القانون الصلي للمتهم ما يلي‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ أن ينص القانون الجديد على تخفيض العقوبة مع البقاء‬


‫على تجريم الفعل‪ :‬هذه الحال يطبق هذا القانون على الجرم المرتكب‬
‫قبل صدوره باعتباره الصلح للمتهم شريطة أن يكون القانون الجديد قد‬
‫صدر قبل الحكم نهائيا على المتهم وفقا للقانون القديم‪.‬فإذا ما صدر حكم‬
‫نهائي على المتهم في ظل القانون القديم فل يطبق القانون الجديد ولو‬
‫كان الصلح للمتهم‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ أن يجعل القانون الجديد من الفعل الذي إرتكبه المتهم‬


‫غير معاقب عليه‪:‬‬
‫أي مباحا‪ ،‬ففي هذه الحال يطبق هذا القانون بأثر رجعي باعتباره الصلح‬
‫للمتهم على الفعل الذي إرتكبه المتهم قبل صدوره‪،‬حتى ولو كان قد صدر‬
‫في حقه حكما نهائيا وفقا للقانون القديم‪ ،‬وقبل صدور القانون الجديد‪.‬‬
‫وأما فيما يتعلق بالنظام المكاني للنص التجريمي ‪ :‬فيحكمه مبدأ أصلي‬
‫وهو مبدأ إقليمية القانون الجنائي‪،‬ومبادئ إحتياطية وهي ميدأ عينية النص‬
‫الجنائي ومبدأ شخصية النص الجنائي‪،‬ومبدأعالمية النص الجنائي‪،‬نتناولها‬
‫فيما يلي لبعض من التفصيل‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ المبدأ الصلي‪ :‬مبدأ إقليمية القانون ‪ :‬تنص المادة ‪ 3‬من قانون‬
‫العقوبات على أن يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب‬
‫في أراضي الجمهورية‪ ،‬ويعني أراضي الجمهورية‪ ،‬وإقليم الدولة الجزائرية‬
‫وفقا للمبادئ العامة في القانون الدولي العام القليم البري الذي تحدده‬
‫الحدود السياسية للدولة‪،‬والقليم البحري الذي يشمل المياه القليمية‬
‫للدولة‪ ،‬والقليم الجوي الذي يشمل طبقات الجو الذي يعلو القليمين‬
‫البري و البحري للدولة ‪،‬وقد تولى قانون الجراءات الجزائية بيان مكان‬
‫وقوع الجريمة إستنادا إلى مبدأ إقليمية القانون بأن نص في المادة ‪586‬‬
‫منه على أن تعد مرتكبة في القليم الجزائري كل جريمة يكون عمل من‬

‫‪10‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫العمال المميزة لحد أركانها المكونة لها قد تم في الجزائر‪.‬‬


‫ونص في المادة ‪ 590‬من قانون الجراءات الجزائية على أن تختص‬
‫الجهات القضائية الجزائرية بالنظر في الجنايات والجنح التي ترتكب في‬
‫عرض البحر على بواخر تحمل الراية الجزائرية أيا كانت جنسية‬
‫مرتكبيها ‪.‬وكذلك الشأن بالنسبة للجنايات والجنح التي ترتكب في ميناء‬
‫بحرية جزائرية على ظهر باخرة تجارية أجنبية‪.‬‬
‫ونص في المادة ‪ 591‬من قانون الجراءات الجزائية الجزائرية على أن‬
‫تختص الجهات القضائية الجزائرية بنظر الجنايات والجنح التي ترتكب على‬
‫متن طائرات جزائرية أيا كانت جنسية مرتكب الجريمة ‪ .‬كما أنها تختص‬
‫أيضا بنظر الجنايات أو الجنح التي ترتكب على متن طائرات أجنبية إذاكان‬
‫الجاني أو المجني عليه جزائري الجنسية أو إذا هبطت الطائرة بالجزائر‬
‫يعد وقوع الجناية أو الجنحة‪.‬‬
‫وإذا كان مبدأ أقليمية النص التجريمي يعني أن يخضع كل من أرتكب فعل‬
‫جرميا على أقليم الدولة يخضع لقانون العقوبات لهذه الدولة ولو لم يكن‬
‫من رعاياها الذين يحملون جنسيتها‪ ،‬فأن هذا الميدأ يرد عليه إستثناء‬
‫إذاكانت الجريمة صادرة ممن له صفة معينة تجعله غير خاضع لقضاء‬
‫الدولة سواء أكان من المواطنين أو من الجانب ومن الشخاص المعينون‬
‫فهذا الستثناء هم عموما‪ :‬رئيس الدولة وأعضاء المجالس النيابية ورؤساء‬
‫الدول الجنبية ورجال السلك الدبلوماسي‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ المبادئ الحتياطية ‪ :‬وهي مبدأ عينية النص التجريمي‪ ،‬ومبدأ‬


‫شخصية النص التجريمي ومبدأ عالمية النص التجريمي نعرضها في‬
‫مايلي ‪:‬‬

‫أ ـ مبدأ عينية النص التجريمي ‪ :‬يقوم هذا المبدأ على وجوب سريان‬
‫قانون الدولة على الجرائم التي ترتكب خارج اقليمها ‪ ،‬والتي تشكل‬
‫إعتداء على مصالحها بصرف النظر عن جنسية مرتكبها وقد حدد المشرع‬
‫الجزائري الحالت التي يطبق عليها قانون العقوبات الجزائري بصرف‬
‫النظر عن جنسية مرتكبها ‪ ،‬بأن النص في المادة ‪ 588‬من قانون‬
‫الجراءات الجزائية على أن كل أجنبي إرتكب خارج القليم الجزائري‬
‫بصفة فاعل أصلي أو بشريك ‪.‬‬
‫في جناية أو جنحة ضد سلمة الدولة الجزائرية أو تزييفا لنقود أو أوراق‬
‫مصرفية وطنية متداولة قانون بالجزائر تجوز متابعته ومحاكمته وفقا‬
‫لحكام القانون الجزائري إذا ألقي عليه القبض في الجزائر‪ ،‬أو حصلت‬

‫‪11‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الحكومة على تسليمه لها ‪.‬‬

‫ب ـ مبدأ شخصية النص التجريمي‪ :‬يقوم هذا المبدأ على وجوب‬


‫سريان قانون الدولة على من يحمل جنسيتها ولو ارتكب جريمة خارج‬
‫إقليمها ‪.‬‬
‫ويميز المشرع الجزائري في تطبيقه لمبدأ شخصية النص التجريمي بين‬
‫أن تكون الواقعة المرتكبة من طرف الجزائري في الخارج جناية أو‬
‫جنحة ‪ ،‬بأن خص كل منهما بنص خاص ‪ .‬بأن نص في المادة ‪ 582‬من‬
‫قانون الجراءات الجزائية فيما يخص الجناية على أن كل واقعة موصوفة‬
‫بأنها جناية معاقب عليها من القانون الجزائري في خارج إقليم الجمهورية‬
‫يجوز أن يتابع ويحكم فيها في الجزائر ‪.‬غير أنه ل يجوز أن تجرى المحاكمة‬
‫أو المتابعة إل إذا عاد الجاني إلى الجزائر ولم يثبت أنه حكم عليه نهائيا‬
‫في الخارج وأن يثبت في حالة الحكم بالدانة أنه قض العقوبة أو سقطت‬
‫عنه بالتقادم أو حصل على العفو العام ‪.‬‬
‫ونص في المادة ‪ 583‬من قانون الجراءات الجزائية فيما ينص بالجنحة‬
‫على أن كل واقعة موصوفة بأنها جنحة سواء في نظر القانون الجزائري‬
‫أو في نظر تشريع القطر الذي ارتكب فيه يجوز المتابعة من أجلها والحكم‬
‫فيها في الجزائر إذا كان مرتكبها جزائريا‪.‬ول يجوز أن تجرى المحاكمة أو‬
‫يصدر الحكم إل بالشروط المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة ‪.‬‬
‫‪ 582‬وعلوة على ذلك فل يجوز أن تجرى المتابعة في حالة ما إذا كانت‬
‫الجنحة مرتكبة ضد أحد الفراد البناء على طلب النيابة العامة بعد‬
‫إخطارها بشكوى من الشخص المضرور أو ببلغ من سلطات القطر الذي‬
‫ارتكب الجريمة فيه‪.‬‬

‫ج ـ مبدأ عالمية النص التجريمي ‪ :‬يقوم هذا المبدأ على وجوب‬


‫سريان قانون الدولة التي يلقى فيها القبض على المجرم بصرف النظر‬
‫عن جنسيته ومكان إرتكاب الجريمة بإعتبارها تمس الجماعة الدولة ‪،‬‬
‫وتشكل بالتالي إعتداءا على مصلحة مشتركة لكل الدول بما في ذلك‬
‫الدولة التي تم فيها القبض على المتهم ‪.‬ول يوجد في القانون الجزائري ما‬
‫يفيد أن المشرع الجزائري قد تبنى هذا المبدأ شأنه في ذلك شأن معظم‬
‫التشريعات المقارنة‪.‬‬
‫فنص في المادة ‪ 39‬من قانون العقوبات على أن ل جريمة إذا كان الفعل‬
‫قد أمر أو أذن به‬
‫القانون‪ ،‬وإذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع‬

‫‪12‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫على النفس أو عن الغير أو عن المال مملوك للشخص أو للغير يشرط أن‬


‫يكون الدفاع متناسبا مع جسامة العتداء ‪.‬‬
‫ونص في المادة ‪ 40‬من قانون العقوبات على أن يدخل ضمن حالت‬
‫الضرورة الحالة للدفاع المشروع ‪ ،‬القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب‬
‫لدفاع إعتداء على حياة الشخص أو سلمة جسمه أو المنع تسلق الحواجز‬
‫أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الماكن المسكونة أو توابعها أو كسر‬
‫شيئ منها أثناء الليل ‪.‬والفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير‬
‫ضد مرتكبي السرقة أو النهب بالقوة ‪.‬‬
‫يستافد من نص المادتين ‪ 39‬و ‪ 40‬من القانون العقوبات أن المشرع‬
‫الجزائري حصر أسباب الباحة فيما فيما يأمر به القانون أو يأذن به وفي‬
‫الدفاع الشرعي ‪ ،‬نعرضهما فيما يلي ‪:‬‬
‫* أمر القانون أو إذنه ‪ :‬يقصد بأمر القانون جميع النصوص التشرعية‬
‫علوة على اللوائح في حالت معينة‪ ،‬ويتخذ بتقيد أمر القانون بشكل‬
‫التنفيذ المبابشر لمر القانون ‪.‬ومثال ما يتضمنه قانون الصحة نصوص‬
‫توجب على الطبيب التبليغ على حالة مرض معدى ‪ ،‬ول يعد هذا التبليغ‬
‫جريمة افشاء أسرار المهنة المعاقب عليها بنص المادة ‪ 301‬من قانون‬
‫العقوبات ‪ .‬وتتخذ تنفيذ المر الصادر من سلطة مختصة ‪ ،‬ومثاله أن يقوم‬
‫الموظف المختص بتنفيذ حكم العدام بناء على أمر السلطة المختصة ‪.‬‬
‫فتنفيذحكم العدام ل يعد جريمة قتل طبقا لحكام المادة ‪ 254‬وما يعدها‬
‫من قانون العقوبات ‪.‬‬
‫ويقصد بإذن القانون ترخيص القانون لصاحب الحق في أن يستعمل حقه ‪.‬‬
‫ويشترط في ممارسة الحق كسبب إباحة‪ ،‬وجود الحق مهما كان‬
‫مصدره‪،‬وأن يلتزم صاحب الحق في استعماله لحقه حدود هذا الحق ‪،‬‬
‫وتمثل قيود الحق في ممارسة الحق بواسطة صاحبه ‪ ،‬وأن تكون الفعال‬
‫التي أتاها لزمة لممارسة الحق ‪ ،‬وأن يتوفر صاحب الحق في استعماله‬
‫حسن النية‪.‬‬
‫* الدفاع الشرعي ‪ :‬ويقصد بالدفاع الشرعي استعمال قدر لزم من‬
‫القوة لرد إعتداء حال غير مشروع على النفس أو المال ول يتحقق الدفاع‬
‫الشرعي إل بتوافر شروط في العدوان وشوط في فعل الدفاع ‪.‬‬
‫أما الشروط الخاصة بالعدوان أي الخطر أن يكون حال بأل يكون إحتماليا‬
‫أو منذرا بخطر مستقبل‪ ،‬وأن يكون العدوان أو الخطر غير مشروع ‪،‬‬
‫ويعتبر الخطر غير مشروع إذا كان يهدد بإعتداء على حق يحميه نص‬
‫تجريمي ‪ ،‬فل دفاع شرعي إذاكان الفعل مباحا ‪.‬وأن يقع العدوان أو الخطر‬
‫على حق يحميه ونص تجريمي ويستوي في ذلك أن يكون العدوان على‬

‫‪13‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫النفس والمال‪..‬‬
‫وأما الشروط المتطلبة في فعل الدفاع الذي يتمثل في اتيان المعتدى‬
‫عليه سلوك لصد الخطرالذي يهدد الحق الذي يحميه النص التجريمي ‪ ،‬وأ‪،‬‬
‫يكون فعل الدفاع لزما لصد الخطر من جهة‪ ،‬ومتناسبا معه من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫ويكون فعل الدفاع لزما لردء العدوان أو الخطر إذا وجد عدوان وقت‬
‫الدفاع‪ ،‬وكأن هذا الفعل هو الوسيلة الوحيدة لصد العدوان‪ ،‬ويكون فعل‬
‫الدفاع متناسبا مع العدوان إذا كان متناسبا مع جسامته‪ ،‬ذلك أن ممارسته‬
‫ضد الدفاع الشرعي مرهونة بإلتزام حدوده والخراج المدافع عن دائرة‬
‫المباح وسقط في دائرة المخطور ويقع على عاتق من يتمسك بالدفاع‬
‫الشرعي عبءإقامة الدليل على قيامه‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬الركن المادي‬


‫فالركن المادي للجريمة يعني كون الفعل المادي للجريمة يقع تحت نص‬
‫يجرمه وقت أرتكاب الجريمة ‪ ،‬أي ان السلوك الجرامي للفاعل يكون‬
‫عمل ً غير مشروع يعاقب عليه القانون وقت ارتكابه بنص نافذ في‬
‫القانون ‪ ،‬فل يمكن اعتبار الفعل ماديا ً في عمل مخالف للقانون سابقا ً‬
‫جرى أباحته أو ألغاء العقوبة المقررة على ارتكابه بقانون لحق ‪ ،‬ويتكون‬
‫الركن المادي من عناصر ثلثة ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يكون الفاعل أما أصليا ً او تبعيا ً ‪ ،‬اي يكون أما فاعل ً منفردا ً او شريكا‬
‫‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن تتحقق النتيجة الجرامية المراد تحقيقتها أو اية نتيجة أجرامية‬
‫محتملة الوقوع ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ج‪ -‬أن تكون هناك علقة سببية بين الفعل والنتيجة ‪(1).‬‬
‫و سنتطرق للركن المادي بصورة مفصلة بكل عناصره و اشكالته الفقهية‬
‫و القضائية في الفصل الول‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬الركن المعنوي‬


‫كما هو معروف فإن الجريمة هي كل فعل يمكن إسناده إلى فاعله يهدد‬
‫بالخطر مصلحة اجتماعية محمية بجزاء جنائي أو تدابير امن إذ ل يكفي‬
‫لتقرير المسؤولية الجنائية أن يصدر عن الجاني سلوك إجرامي ذو مظهر‬
‫مادي بل لبد من توافر ركن معنوي الذي هو عبارة عن نية داخلية أو‬

‫‪ – - 3‬الدكتور ‪ ,‬سليمان عبد المنعم ‪ ,‬النظرية العامة لقانون العقوبات ‪ ,‬دار الجامعة الجديدة للنشر‬
‫‪.‬الطبعة ‪2000‬‬

‫‪14‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫باطنية يضمرها الجاني في نفسه ‪ .‬و يتخذ الركن المعنوي صور‪ .‬فما هي‬
‫أهم صور الركن المعنوي ؟‬
‫اول ‪ :‬القصد الجنائي كإحدى صور الركن المعنوي ‪:‬‬
‫ل يتضمن قانون العقوبات الجزائري تعريفا للقصد الجنائي ‪ ،‬و قد تعددت‬
‫تعريفات الفقه له ‪ ،‬نذكر فيما يلي أهمها ‪.‬‬
‫ـ القصد الجنائي هو ‪ " :‬علم الجاني بأنه يقوم مختارا بارتكاب الفعل‬
‫الموصوف جريمة في القانون ‪ ،‬و علمه أنه بذلك يخالف أوامره و نواهيه‬
‫"‪.‬‬
‫ـ القصد الجنائي هو ‪ " :‬إرادة النتيجة و شرطه أن تكون لدى الجاني‬
‫نية البداء ‪ ،‬فإذا كان البداء لزما كما في الضرب فل حاجة للبحث عن‬
‫النية"‪.‬‬
‫ـ القصد الجنائي هو ‪ " :‬توجيه الفعل و المتناع إلى إحداث النتيجة‬
‫الصادرة التي تتكون منها الجريمة"‪.‬‬
‫ـ القصد الجنائي هو ‪ ":‬إرادة الخروج على القانون يعمل أو امتناع ‪ ،‬أو‬
‫هو إرادة الضرار بمصلحة يحميها القانون الذي يفترض العلم به عند‬
‫الفاعل "‪.‬‬
‫القصد الجنائي هو ‪ " :‬إرادة ارتكاب الجريمة كما حددها القانون و هو علم‬
‫الجاني أيضا ‪ .‬بمخالفة نواهي القانون التي يفترض دائما العلم بها "‪.‬‬
‫و يستخلص من تعريفات القصد الجنائي أنه عبارة عن انصراف إرادة‬
‫الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها التي يتطلبها القانون ‪ .‬و‬
‫للقصد الجاني هذا المعنى عناصر يتكون منها ‪ ،‬و صور متعددة تعبر عنه ‪،‬‬
‫يفرضها ما يلي‪:‬‬
‫اول ‪ :‬عناصر القصد الجنائي ‪:‬‬
‫يستفاد من تعريف القصد الجنائي ‪ " :‬انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب‬
‫الجريمة " و قد أختلف الفقه حول ما إذا يكفي أن تنصرف إرادة الجاني‬
‫إلى ارتكاب الجريمة ‪ ،‬أم أنه يلزم أن تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب‬
‫الجريمة و إلى تحقيق النتيجة الضارة أيضا ؟ و قد أدى هذا الختلف إلى‬
‫ظهور نظريتين في تحديد القصد ‪ ،‬و هما ‪:‬‬
‫العنصر الول ‪:‬انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة ‪.‬‬
‫و قد أختلف الفقه حول ما إذا يكفي أن تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب‬
‫الجريمة أم أنه يلزم أن تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة و إلى‬
‫تحقيق النتيجة الضارة أيضا ؟ و قد أدى هذا الختلف إلى ظهور نظريتين‬
‫في تحديد القصد و هما ‪:‬‬
‫* نظرية التصور ‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ن القصد الجنائي يمثل حقائق النفس البشرية ‪،‬‬ ‫يرى أنصار هذه النظرية أ ّ‬
‫فإرادة النسان هي التي تدفعه إلى إتيان حركة عضلية معينة تمثل‬
‫تصميمه الجرامي سواء تحققت النتيجة أو لم تتحقق ‪ .‬فمتى أراد الجاني‬
‫ارتكاب الفعل الجرامي فإنه يتوافر لديه القصد الجنائي الكافي لقيام‬
‫مسؤولية الجنائية كاملة‪ ،‬فيسأل عن جريمة عمدية في جميع الحوال ‪ ،‬و‬
‫سواء شبع الجاني شعوره الذي دفعه إلى ارتكاب الجريمة أم لم يشبعه ‪.‬‬
‫و ل فرق في نظر أنصار نظرية التصور بين القصد غير المباشر أو القصد‬
‫الحتمالي بين الفعل و النتيجة فكلهما كاف لتوافر القصد الجنائي في‬
‫الجرائم العمدية ‪.‬‬
‫* نظرية الرادة ‪:‬‬
‫ن القصد الجنائي يستلزم أن تتجه إرادة الجاني‬ ‫يرى أنصار هذه النظرية أ ّ‬
‫إلى ارتكاب الفعل الجرامي و أيضا إلى تحقيق النتيجة المطلوبة و عّلة‬
‫ن القصد الجنائي يتطلب توافر الرادة لدى الجاني ‪ ،‬فإذا انتقت‬ ‫ذلك أ ّ‬
‫الرادة انعدمت المسؤولية الجنائية في جمع الجرائم عمدية كانت أم غير‬
‫ما إذا انعدم القصد فينفي المسؤولية الجنائية في الجرائم‬ ‫عمدية ‪ .‬أ ّ‬
‫ن الرادة هي أن يتعمد الجاني الفعل أو النشاط المادي ‪،‬‬ ‫العمدية ‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫ما القصد فهو أن يتعمد الجاني النتيجة المترتبة على هذا الفعل ‪ ،‬وترتيبا‬ ‫أ ّ‬
‫ن القصد يستلزم حتما توافر الرادة ‪ ،‬و لكن توافر الرادة ل‬ ‫على ذلك أ ّ‬
‫يستلزم حتما توافر القصد ‪ ،‬ففي الجرائم العمدية كالقتل العمدي يتوافر‬
‫القصد و الرادة معا ‪ ،‬و في الجرائم غير العمدية كالقتل الخطأ تتوافر‬
‫الرادة و يتخلف القصد نحو تحقيق النتيجة‬
‫و تعتبر نظرية الرادة النظرية السائدة في معظم القوانين العقابية ‪ ،‬و‬
‫منها قانون العقوبات الجزائري الذي ل يسوى في المعاملة الجنائية كأصل‬
‫عام بين القصد المباشر الذي يستلزم انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب‬
‫الفعل الجرامي و تحقيق النتيجة الضارة و هو حال الجرائم العمدية ‪،‬‬
‫وبين القصد غير المباشر أو الحتمالي الذي يستلزم انصراف إرادة الجاني‬
‫إلى ارتكاب الفعل الجرامي دون تحقيق النتيجة و هو الحال في الجرائم‬
‫غير العمدية ‪.‬‬
‫العنصر الثاني ‪ :‬علم الجاني بتوافر أركان الجريمة غير التي‬
‫يتطلبها القانون‪.‬‬
‫ل يكفي لتوافر القصد الجنائي أن تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب‬
‫الجريمة ‪ ،‬بل عن علوة على ذلك ‪ ،‬أن يكون عالما بتوافر أركان الجريمة‬
‫التي يتطلبها القانون‪ .‬و يعني علم الجاني بتوافر أركان الجريمة إدراك‬
‫ن أركان الواقعة‬ ‫المور على نحو صحيح مطابق للواقع بأن يعلم الجاني بأ ّ‬

‫‪16‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ن القانون‪-‬ن يعاقب عليها ‪ :‬بمعنى أن يحيط الجاني‬ ‫الجرامية متوافرة و أ ّ‬


‫بجميع الوقائع التي يتطلبها القانون لقيام الجريمة بكل أركانها ‪ .‬فإذا ما‬
‫انتفى عنصر العلم انتفى معه القصد الجنائي و ينتفي القصد الجنائي‬
‫عموما في حالة الجهل أو الغلط في الواقعة الجرامية "‪.‬‬
‫ويعتبر من الوقائع التي تدخل في تكوين الجريمة ‪ ،‬و التي يتطلب القانون‬
‫علم الجاني بها حتى يتوافر القصد الجنائي لديه ما يلي ‪:‬‬
‫* العلم بموضوع الحق المعتدى عليه ‪:‬‬
‫إذ يجب أن يعلم الجاني في جريمة القتل مثل أنه يعتدي على إنسان حي‬
‫ن المال المختلس مملوك للغير ‪ .‬فإذا‬ ‫‘و أن يعلم في جريمة السرقة أ ّ‬
‫كان الجاني يجهل مثل هذه الحقائق انتفى القصد الجنائي لديه‪.‬‬
‫* العلم بخطورة الفعل على المصلحة التي يحميها القانون ‪:‬‬
‫ن الفعل الذي أتاه ل يشكل خطرا على هذه‬ ‫فإذا كان الجاني يعتقد أ ّ‬
‫ن فعله هذا ل يعد جريمة عمدية ‪ ،‬و إن كان يمكن اعتبارها‬ ‫المصلحة ‪ ،‬فإ ّ‬
‫جريمة غير عمدية ‪ ،‬و مثاله أن يستعمل الجاني متفجرات ل يعلم طبيعتها‪.‬‬
‫* العلم بزمان ارتكاب الفعل الجرامي أو مكانه ‪:‬‬
‫إذ يجب أن يكون الجاني عالما بعنصر المكان الذي سيتوجه القانون‬
‫ن جريمة التجمهر تتم في مكان عام‬ ‫لتحقق بعض الجرائم ‪ ،‬كعلمه بأ ّ‬
‫) المادة ‪ 97‬ق ع ( ‪ ،‬و جريمة ترك الطفال التي تتم في مكان خال‬
‫) المادة ‪ 314‬ق ع ( ‪ .‬و أن يكون عالما بعنصر الزمان الذي سيتوجه‬
‫القانون لتحقق بعض الجرائم الخرى كالجرائم التي ترتكب في زمن‬
‫الحرب ) المادتان ‪ 62‬و ‪ 73‬ق ع (‪.‬‬
‫و أن يكون عالما بعنصري الزمان و المكان معا الّلذان يستلزم القانون‬
‫تحققهما في بعض الجرائم كجريمة العتداء على المسكن ليل ) المادة‬
‫‪ 40‬ق ع ( ‪ .‬فيجب العتداء بالعلم الحقيقي بهذه الظروف لتقرير توافر‬
‫القصد الجنائي لديه‪.‬‬
‫* العلم ببعض الصفات في الجاني ‪:‬‬
‫إذ يجب أن يعلم الجاني مثل بصفته جزائريا في جريمة الخيانة كحمل‬
‫السلح ضد الجزائر‬
‫) المادة ‪ 60‬ق ع (‪.‬‬
‫* العلم ببعض الصفات في المجني عليه ‪:‬‬
‫ن المجني عليه موظفا في جريمة إهانة‬ ‫إذ يجب أن يعلم الجاني مثل بأ ّ‬
‫الموظفين‬
‫ن المرأة متزوجة في جريمة الزنا ) المادة ‪339‬‬ ‫) المادة ‪ 144‬ق ع( ‪ ،‬و أ ّ‬
‫ق ع (‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫* العلم بالظرف المشدد الذي يغير من وصف الجريمة ‪:‬‬


‫يعتبر الظرف المشدد الذي يغرم وصف الجريمة ركنا في تكوينها ‪ ،‬ومن‬
‫ن حمل السلح في التجمهر يعتبر‬ ‫م يجب علم الجاني به‪ ،‬كوجوب علمه بأ ّ‬ ‫ث ّ‬
‫طرفا مشددا ) المادة ‪ 97‬ق ع ( خلفا عن التجمهر غير المسلح أو‬
‫التجمهر البسيط‪.‬‬
‫ن عدم علم الجاني بالوقائع التي ل يتطلبها القانون لتكوين‬ ‫و يلحظ أ ّ‬
‫الجريمة ل يؤدي إلى انتقاء القصر الجنائي ‪ ،‬ومن هذه الوقائع الظروف‬
‫المشددة المتعلقة بجسامة النتيجة كوفاة الضحية دون قصدا حدوثها‬
‫ن الجاني‬‫) المادة ‪ 246‬ق ع ( ‪ .‬و الشروط الموضوعية للعقاب ‪ ،‬و مثالها أ ّ‬
‫يعاقب على ارتكابها الجناية مرتبكة في الخارج سواء كان يعلم أو ل يعلم‬
‫ن قانون بلده يعاقبه عليها ) المادة ‪ 582‬ق إ ج (‪ .‬و الظروف المشددة‬ ‫بأ ّ‬
‫التي ل يغير من وصف الجريمة كظرف العود ) المواد من ‪ 54‬إلى ‪ 60‬ق‬
‫ع (‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬صور القصد الجنائي ‪:‬‬
‫تتعدد صور القصد الجنائي من حيث مداها في كل صوره فيه مع تواره في‬
‫جميعها ‪ .‬فقد يكون القصد الجنائي عاما أو خاصا ‪ ،‬و قد يكون مباشرا أو‬
‫غير مباشر ‪ ،‬و قد يكون محدودا ‪ ،‬نتولي عرضها بما يلي ‪:‬‬
‫أ ـ القصد العام و القصد الخاص ‪:‬‬
‫‪ : 1‬القصد العام ‪.‬‬
‫يقصد بالقصد الجنائي العام انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع‬
‫توافر العلم بأركان التي يتطلبها القانون ‪ .‬و يعتبر القصد العام لزما لقيام‬
‫المسؤولية الجنائية في جميع الجرائم العمدية ‪ ،‬و ينحصر في حدود تحقيق‬
‫ن القانون يكتفي بربط القصد‬ ‫الغرض من الجريمة و ل تميز بغيره ذلك أ ّ‬
‫الجنائي بالغرض الذي يسعى الجاني إلى تحقيقه بصرف النظر عن‬
‫الباحث الذي دفعه إلى ارتكاب الجريمة ‪:‬‬
‫و مثال القصد الجنائي العام أن الفقرة الخامسة من المادة ‪ 450‬ق ع‬
‫ل من تسبب عمدا فالضرار بممتلكات منقولة للغير‪...‬‬ ‫ن"ك ّ‬ ‫تنص على أ ّ‬
‫يعاقب بغرامة من ‪ 50‬إلى ‪ 200‬دج ‪ ،‬و يجوز أن يعاقب أيضا بالحبس‬
‫لمدة عشرة أيام على الكثر"‪.‬‬
‫تقتضي المخالفة المنصوص عليها في الفقرة ‪ 5‬من المادة ‪ 450‬ق ع ‪ ،‬أن‬
‫يتعمد الجاني الضرار بممتلكات الغير المنقولة ‪ :‬أي توافر القصد الجنائي‬
‫ن تنصرف إرادته إلى ارتكاب هذه‬ ‫العام لديه بأ ّ‬
‫م ل تقوم هذه‬ ‫المخالفة مع العلم بأركانها التي يتطلبها القانون ‪ ،‬و من ث ّ‬
‫الجريمة إذا كان الضرار بالموال المنقولة المملوكة للغير كان نتيجة‬

‫‪18‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫إهمال أو خطأ غير عمدي ‪.‬‬


‫ن القصد الجنائي العام ينتفي في الجرائم غير العمدية ‪ ،‬و‬ ‫و يعني هذا أ ّ‬
‫يحل محله لخطأ أو الهمال أو الرعونة و هي جرائم تسود فيها فكرة‬
‫الخطأ غير العمدي كالقتل الخطأ و الصابة الخطأ‪.‬‬
‫‪ : 2‬القصد الجنائي الخاص ‪.‬‬
‫قد يتطلب القانون أن يتوافر في بعض الجرائم ـ إلى جانب القصد الجنائي‬
‫العام ـ الباعث على ارتكابها و يسمى هذا الباعث بالباعث الخاص أو‬
‫القصد الجنائي الخاص ‪ ،‬و يقصد بالباعث الدافع النفسي لتحقيق سلوك‬
‫معين بالنظر إلى غاية محددة ‪.‬‬
‫ن المادة ‪ 216‬ق ع تستلزم لقيام جريمة‬ ‫و مثال القصد الجنائي الخاص أ ّ‬
‫التزوير في المحررات الرسمية أو المحررات العمومية أن يتوافر لدى‬
‫الجاني باعث خاص وهونية استعمال المحرر الرسمي أو العمومي‬
‫المدور ‪ ،‬إذ ل يكفي لقيام هذه الجريمة القصد العام المتمثل في انصراف‬
‫إرادة الجاني إلى مجرد تغيير الحقيقة في المحرر الرسمي مع العلم‬
‫بعناصر الجريمة القانونية ‪.‬‬
‫ن القصد الجنائي الخاص ل يكون إل ّ في الجرائم العمدية كالذي‬ ‫ويلحظ أ ّ‬
‫يتطلب توافر القصد إلى جانب القصد الجنائي العام ‪ .‬ذلك أن توافر‬
‫القصد الجنائي الخاص في هذا النوع من الجرائم يفترض حتما توافر‬
‫ن توافر القصد الجنائي العام ل يفترض‬ ‫القصد الجنائي العام في حين أ ّ‬
‫دائما توافر القصد الجنائي الخاص‪.‬‬
‫ن القانون ل شأن له في معظم الجرائم بالباعث أو الدافع‬ ‫ويلحظ أيضا أ ّ‬
‫إلى ارتكابها ‪ ،‬حتى و لو كان هذا الباعث شريفا أو نبيل كمن يرتكب جريمة‬
‫ن ذلك ل يعفي الجاني من المسألة الجنائية ‪ ،‬و‬ ‫قتل دفاعا عن الشرف ‪ ،‬فإ ّ‬
‫إن كان قد يدفع بالمحكمة إلى تطبيق نظام الظروف المخفقة للعقوبة‬
‫بحسب ظروف كل واقعة ‪ ،‬و بالنظر إلى ما تتمتع به المحكمة من سلطة‬
‫تقديرية في هذا الخصوص‪.‬‬
‫ب ـ القصد المباشر و القصد غير المباشر ‪.‬‬
‫‪ : 1‬القصد الجنائي المباشر ‪.‬‬
‫يقصد بالقصد الجنائي المباشر أن" تنصرف إرادة الجاني إلى ارتكاب‬
‫ن نتيجة‬
‫الجريمة مع علمه بتوافر أركانها القانونية ‪ ،‬و اعتقاده اليقيني بأ ّ‬
‫محررة بعينها يقصدها ستحقق "‪.‬‬
‫ومثال القصد الجنائي المباشر أن يطلق الجاني النار على خصمه بهدف‬
‫ن الجاني في هذا المثال يتوقع نتيجة محددة يعينها و هي إزهاق‬ ‫قتله ‪ ،‬فإ ّ‬
‫روح المجني عليه ‘و بذلك يعتبر قصده هنا قصار جنائيا مباشرا‪ .‬ويلحظ‬

‫‪19‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ن القصد الجنائي المباشر هذا المعني ل يبدو أن يكون القصد الجنائي‬ ‫أ ّ‬


‫سواء كان عاما أو خاصا بحسب طبيعة الجريمة ‪ ،‬الذي هو عبارة عن‬
‫انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع علمه بأركانها القانونية ‪ ،‬و‬
‫الذي يميز الجرائم العمدية عن الجرائم غير العمدية ‪ ،‬ولذلك يرى بعض‬
‫الفقه عدم وصول أي مبرر عملي للتفرقة بين القصد الجنائي العام و‬
‫القصد الجنائي المباشر ‪ ،‬و إن كان لهذه التفرقة أهمية في التعرف على‬
‫القصد الجنائي غير المباشر ‪.‬‬
‫ن‬
‫ن القصد الجنائي المباشر ل يفترض في حق المتهم ‪ ،‬و أ ّ‬ ‫ويلحظ أيضا أ ّ‬
‫تقدير توافره مسألة موضوعية تخضع لتقدير قاضي الموضوع ‪.‬‬
‫‪ :2‬القصد الجنائي غير المباشر ‪.‬‬
‫يطلق على القصد الجنائي غير المباشر أيضا تسمية القصد الجنائي‬
‫الحتمالي ‪ ،‬وهو عبارة عن إقدام الجاني على نشاط إجرامي معين‬
‫فتتحقق نتيجة أشد جسامة من النتيجة التي توقعها في ارتكاب الجريمة ‪،‬‬
‫ن هذه النتيجة‬‫ويتبن من ظروف الواقعة الجرمية ما يدعو إلى العتقاد بأ ّ‬
‫كانت في نظر الجاني ممكنة الوقوع ل أكيدة الوقوع ‪.‬‬
‫و مثال القصد الجنائي غير المباشر أن يعمد الجاني إلى ضرب المجني‬
‫عليه ‪ ،‬و أن يؤدي هذا الضرب إلى وفاته ‪ ،‬ففي هذا المثال أقدم الجاني‬
‫ما قدر لجريمته و‬ ‫على فعل الضرب ‪ ،‬و اكن تحققت نتيجة أشد جسامة م ّ‬
‫لكن هذه النتيجة كانت في نظر الجاني ممكنة الوقوع ‪ ،‬فيكون القصد‬
‫الذي توافر لديه هو القصد غير المباشر أو الحتمالي ‪ ،‬فيسأل جنائيا عن‬
‫جناية ضرب أخطر إلى الموت ‪ ) .‬الفقرة الخيرة من المادة ‪ 264‬ق ع (‪.‬‬
‫ن الرأي الغالب في الحق يعتبر القصد الجنائي غير المباشر أو‬ ‫و يلحظ أ ّ‬
‫ن الجاني توقع‬ ‫الحتمالي صورة من صور القصد الجنائي ‪ ،‬على اعتبار أ ّ‬
‫النتيجة و مع ذلك مضى في نشاطه الجرامي غير مبال بما يمكن أن يقع‪.‬‬
‫جـ ـ القصد المحدود و القصد غير المحدود ‪:‬‬
‫‪ : 1‬القصد الجنائي المحدود ‪:‬‬
‫يقصد بالقصد الجنائي المحدود أو المحدد أن تنصرف إرادة الجاني إلى‬
‫إحداث نتيجة معينة و عقد العزم على ذلك ‪ :‬أن تدبر موضوع الجريمة ‪ .‬و‬
‫مثاله أن يطلق الجاني النار على شخص معين يقصد قتله‪ .‬ففي هذا‬
‫المثال تحدد موضوع الجريمة ‪ ،‬و بالتالي تحدد قصد الجاني ‪.‬‬
‫‪ : 2‬القصد الجنائي غير المحدود ‪.‬‬
‫يقصد بالقصد الجنائي غير المحدود أو غير المحدد أن تنصرف إرادة‬
‫الجاني إلى ارتكاب الجريم‬
‫غير مبال بما تحدثه من نتائج ‘فالجاني يقبل سلف أن تقع أية نتيجة يرتبها‬

‫‪20‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫نشاطه الجرامي ‪ .‬و مثاله أن يطلق الجاني النار على تجمع من الّناس‬
‫يقصد أن يقتل منهم أي عدد ممكن ‪ ،‬و دون أن يكون لديه تصور محدد‬
‫لي عدد من الّناس سيقتل ‪ ،‬أي دون تحديد لموضوع الجريمة ‪ ،‬و بالتالي‬
‫يكون قصد الجاني غير محدد‪.‬‬
‫ن القصد الجنائي المحدد و القصد الجنائي غير المحدود ل فرق‬ ‫و يلحظ أ ّ‬
‫بينهما من حيث تقرير المسؤولية الجنائية ‪ ،‬و النتيجة في كليهما واحدة في‬
‫ن التفرقة بين هذين النوعين من‬ ‫نظر القانون ‪ ،‬و لذلك يرى بعض الفقه أ ّ‬
‫القصد الجنائي هي تفرقة شكلية ل قانونية ‪.‬‬
‫ن القصد الجنائي المحدود و القصد الجنائي غير المحدود‬ ‫و يلحظ أيضا أ ّ‬
‫صورتان للقصد الجنائي العام ‪ ،‬ول صلة لهما بالقصد الجنائي غير‬
‫المباشر ‪ ،‬و هما صورتان ل تكونا إل ّ في الجرائم العمدية‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الخطأ غير العمدي ‪:‬‬


‫يعتبر الخطأ غير العمدي صورة من صورتي الركن المعنوي للجريمة ‪ .‬فقد‬
‫تكون الجريمة عمدية تقوم على توافر القصد الجنائي ‪ ،‬وقد تكون الجريمة‬
‫غير عمدية تقوم على مجرد توافر الخطأ ‪.‬‬
‫و يقصد بالخطأ غير العمدي التصرف الذي ل يتفق مع الحيطة التي‬
‫تتطلبها الحياة الجتماعية ‪ .‬و قد يقع الخطأ غير العمدي باعتباره يكون‬
‫الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية ‪ ،‬قد يقع بفعلي سلبي و قد يقع‬
‫بفعل إيجابي ‪.‬‬
‫و مثال الخطأ الذي يقع بفعل سلبي أن يكون هناك التزام قانون أو‬
‫تعاقدي ‪ ،‬و أن يقع الخلل بهذا اللتزام نتيجة خطأ أو إهمال ‪ ،‬كما في‬
‫حالة الممرضة التي هي ملزمة بمراعاة المريض و إعطائهم الدواء في‬
‫المواعيد التي يحددها الطبيب ‪ ،‬و تمتنع عن الخطأ أو إهمال القيام‬
‫بالتزاماتها التعاقدية هاته و يترتب على ذلك تفاقم حالة المريض أو وفاته ‪.‬‬
‫ـ و مثال الخطأ الذي يقع بفعل إيجابي قيادة سيارة بسرعة مفرط فيها ‪ ،‬و‬
‫أن يؤدي ذلك إلى إصابة أحد المارة ‪.‬‬
‫و للخطأ غير العمدي باعتباره الركن المعنوي في الجرائم العمدية أركان و‬
‫صور لفرضها فيما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ :‬عناصر الخطأ غير العمدي ‪:‬‬
‫يستفاد من تعريف الخطأ غير العمدي بالتصرف الذي ل يتفق مع الحيطة‬
‫ن الخطأ ل يقوم إل ّ بتوافر عنصرين ‪ ،‬و‬‫التي تتطلبها الحياة الجتماعية ‪ ،‬أ ّ‬
‫هما ‪:‬‬
‫ـ العنصر الول ‪ :‬الخلل بواجبات الحيطة و الحذر ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ن الحياة الجتماعية تقتضي أن يتوخى الفرد في تصرفاته‬ ‫يفترض القانون أ ّ‬


‫الحيطة و الحذر ‪ ،‬بأن يأتي عمل أو يقوم بسلوك مقضي لنتيجة إجرامية ‪،‬‬
‫و يتولى القانون عادة بيان حدود هذا العمل أو السلوك التي يتوجب‬
‫مراعاتها ‪ .‬وقد ل يحيط القانون بكل ما يتوجب على الفرد مراعاته في‬
‫حياته اليومية ‪ .‬و لذلك يثار التساؤل عن المعيار المعول عليه لتحديد‬
‫القواعد الواجب مراعاتها‪.‬‬
‫فقد يكتفي القانون بالشارة إلى الواقعة المجرمة بفعل الهمال ‪ ،‬أو عدم‬
‫الحيطة أو عدم النتباه ‪ ،‬دون بيان للتصرفات التي تعد إهمال أو تنطوي‬
‫على عدم الحيطة ‪ ،‬و متى ل يعتبر كذلك ‪ .‬المر الذي فتح المجال لجتهاد‬
‫الفقه الذي تبنى بعضهم المعيار الشخصي و يتبنى لبعض الخر المعيار‬
‫الموضوعي ‪ ،‬نعرضهما فيما يلي ببعض من التفصيل ‪.‬‬
‫* المعيار الشخصي ‪:‬‬
‫يرى أنصار هذا المعيار أنه يجب أن ينظر إلى الشخص المنسوب إليه‬
‫ن سلوك الشخص المفضي‬ ‫الخطأ و إلى ظروفه الخاصة ‘فإذا تبين أ ّ‬
‫للجريمة كان من الممكن تفاديه بالنظر إلى صفاته و ظروفه عّر مخطئا ‪.‬‬
‫ذلك أنه ل يمكن أن يطالب شخص بقدر من الحيطة و الذكاء يفوق ما‬
‫تحتمله ظروفه الجتماعية و في حدود ثقافته و سنه و حيويته ‪.‬‬
‫* المعيار الموضوعي ‪:‬‬
‫يرى أنصار هذا المعيار وجوب المقارنة بين ما صدر عن الشخص المعتبر‬
‫مخطئا و بين ما كان يمكن أن يصدر عن شخص آخر متوسط الحذر و‬
‫الحيطة ل يمكن أن يقع فيما وقع فيه الجاني ‪ ،‬عد هذا الخير مهمل أو‬
‫مخطئا و يسأل جنائيا‪.‬‬
‫و يميل الرأي الغالب في الفقه إلى الخر بالمعيار الموضوعي لتقدير‬
‫توافر الخطأ الواجب للمسؤولية الجنائية مع مراعاة الظروف الشخصية‬
‫للجاني في تقدير الجزاء العادل‪.‬‬
‫العنصر الثاني ‪ :‬العلقة النفسية بين الرادة و النتيجة ‪.‬‬
‫ل يكفي مجرد الختلل بواجب الحيطة و الحذر لقيام المسؤولية الجنائية‬
‫على أساس الخطأ ‪ ،‬بل يجب علوة على ذلك ‪ ،‬من تحقق نتيجة محددة‬
‫يرتبها السلوك الموصوف بالخلل بواجب الحيطة و الحذر ‪ :‬أي وجود ثلثة‬
‫بين إرادة الجاني المخطئة وبين النتيجة ‪ .‬بمعنى بأن يكون نشاط الجاني‬
‫السبب المباشر في إحداث الواقعة الجرمية ‪،‬أن يكون نشاط الجاني‬
‫متصل بالنتيجة اتصال السبب بالمسبب إذ ل يتصور قيام الجريمة إل ّ بخطأ‬
‫الجاني ‪ ،‬فإذا انعدمت رابطة السببية لقدم الجريمة تبعا لذلك‪.‬‬
‫ب‪ :‬صور الخطأ غير العمدي ‪:‬‬

‫‪22‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تتعدد صور الخطأ في قانون العقوبات لستوعاب الخطأ الذي يحدث في‬
‫الحياة اليومية غالبا تتمثل صور الخطأ في الهمال أو الرعونة أو عدم‬
‫النتباه أو عدم الحتياط ‪ ،‬أو عدم مراعاة النظمة ‪ .‬فكل صورة من هذه‬
‫الصور يتحقق بها الخطأ الموجب لقيام المسؤولية الجنائية عن الجريمة‬
‫غير العمدية ‪ .‬و‬
‫يبدو من هذا التنظيم القانون للخطأ أنه يوجب لقيام الجريمة وجود فعل‬
‫ناتج عن وعي و إرادة دون أن يكون هناك قصد في تحقيق النتيجة ‪ .‬و‬
‫نبين فيما يلي باختصار معنى كل صورة من هذه الصور ‪:‬‬
‫‪4‬‬
‫*الهمال و عدم النتباه ‪(1) :‬‬
‫ينصرف معنى الهمال و عدم النتباه لتقاربهما في المعنى إلى الخطأ‬
‫الذي ينطوي عليه نشاط سلبي ترك أو امتناع يتمثل في إغفال الفاعل‬
‫اتخاذ الحيطة التي يوجبها الحذر ‪ ،‬و الذي لو أتخذه لما وقعت النتيجة ‪.‬‬
‫كأن يتسبب الشخص في قتل إنسان أو جرحه بإهماله‪.‬‬
‫* الرعونة ‪:‬‬
‫يقصد بالرعونة سوء التقدير ‪ ،‬وقد تتجسد الرعونة في واقعة مادية تنطوي‬
‫على خفة و سوء تصرف كأن يطلق الشخص النار ليصيد طير فيصيب أحد‬
‫المارة ‪ ،‬وقد يتجسد في واقعة معنوية تنطوي على جهل و عدم كفاءة‬
‫كالخطأ في تصميم بناء يرتكبه مهندس ‪ ،‬فيتسبب في سقوط البناء و‬
‫موت شخص‪.‬‬
‫* عدم الحتياط ‪:‬‬
‫و يقصد به الخطأ الذي ينطوي على نشاط إيجابي من الجاني بدل عدم‬
‫التبصر بالعواقب ‪ ،‬و هذا الخطأ الذي يدرك فيه الجاني طبيعة عمله و ما‬
‫قد يترتب عليه من نتائج ضارة ‪ ،‬كقيادة السيارة بسرعة زائدة في شارع‬
‫مزدحم بالمارة يفضى إلى قتل أو جرح أحدهم ‪.‬‬
‫* عدم مراعاة النظمة ‪:‬‬
‫يقصد به عدم تنصيب النظمة المقررة على النحو المطلوب ‪ ،‬أي مخالفة‬
‫كل ما تصدره جهات الدارة المختلفة من تعليمات لحفظ النظام و المن‬
‫و الصحة في صورة قوانين أو لوائح أو منشورات‪.‬‬
‫ن القصد الجنائي منعدم تماما في‬ ‫و يتبين من صور الخطأ المتقدمة أ ّ‬
‫ن الجاني في هذا النوع من الجرائم يرغب‬ ‫الجرائم غير العمدية ‪ .‬ذلك أ ّ‬
‫في ارتكاب الفعل الجرامي و لكن دون نية تحقق النتيجة الضارة خلفا‬
‫للجرائم العمدية التي يريد فيها الجاني ارتكاب الفعل الجرامي و أيضا‬

‫‪ - 4‬الدكتور ‪ ,‬منصور رحماني ‪ ,‬الوجيز في القانون الجزائي العام ‪ ,‬دار العلوم للنشر ‪,‬الجزائر ‪,‬‬
‫‪2006‬‬

‫‪23‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫إحداث النتيجة الضارة معا‪.‬‬


‫وفي الخير ومن خلل ما سبق يمكن القول انه حتى نكون أمام فعل‬
‫إجرامي وبعد تحقق النص العقابي ووقوع الفعل في زمن لم يتقادم‬
‫وحدوث الفعل وتحقق نتيجته وحتى يسأل الجاني عن فعله لبد ان تتجه‬
‫إرادته نحو إحداث النتيجة وهي ما يعبر عنها بالركن المعنوي للجريمة وان‬
‫يكون على علم بان الفعل الذي يقدم عليه معاقب عليه قانونا‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬اقسام الجريمة‬


‫ن قسم‬ ‫سلك المشرع الجزائري مسلك معظم التشريعات المقارنة ‪ ،‬بأ ّ‬
‫الجرائم بموجب المادة ‪ 27‬من قانون العقوبات تقسيما ثلثيا تبعا‬
‫لخطورتها إلى جنايات و جنح و مخالفات ‪ .‬و لكن الفقه لم يكتف بهذا‬
‫التقسيم القانوني للجرائم بل قسمها تقسيمات أخرى تبعا لركان الجريمة‬
‫‪ .‬و لنعرض في ما يلي للتقسيم الفقهي للجرائم في مطلب أول ‪ ،‬و‬
‫تخصص المطلب الثاني للتقسيم القانوني لها‪.‬‬

‫المطلب الول ‪:‬التقسيم الفقهي للجريمة‬


‫يقسم الفقه الجرائم بالنظر إلى أركان الجريمة و هي الركن المادي ‪ ،‬و‬
‫الركن المعنوي ‪ ،‬و الركن الشرعي ‪ ،‬تقسيمات عدة نوجزها في التي ‪:‬‬

‫الفرع الول ‪ :‬تقسيم الجرائم بالنظر إلى ركنها المادي ‪:‬‬


‫تقسم الجرائم اعتمادا على الركن المادي إلى جريمة فنية و جريمة‬
‫مستمرة ‪ ،‬و جريمة بسيطة و جريمة اعتياد ‪ ،‬و جريمة متتابعة ‪ ،‬و لتتكلم‬
‫فيما يلي في كل نوع من هذه النواع من الجرائم كل على حدى‪.‬‬

‫أ ـ الجريمة الوقتية ‪ :‬تعتبر الجريمة وقتية إذا كان ركنها المادي ل يمتد‬
‫فترة زمنية ‪ :‬أي الجريمة التي ل يستغرق وقوعها فترة زمنية ‪ ،‬و مثالها ‪:‬‬
‫جريمة القتل التي تتم بمجرد إزهاق الروح ‪ ،‬و جريمة السرقة التي تتم‬
‫بمجرد حصول فعل الختلس ‪ ،‬و جريمة الضرب التي تتم بمجرد حصول‬
‫فعل الضرب‪.‬‬

‫ب ـ الجريمة المستمرة ‪ :‬تعتبر الجريمة مستمرة إذا كان ركنها المادي‬


‫يمتد فترة زمنية ‪ :‬أي الجريمة التي يستغرق وقوعها فترة زمنية ‪ ،‬و مثالها‬
‫‪ :‬جريمة إخفاء الشياء المسروقة ‪ ،‬و جريمة الهمال العائلي التي تبقى‬
‫قائمة إلى أن يتم دفع جميع المبالغ المحكوم بها ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫جـ ـ الجريمة البسيطة ‪ :‬تعتبر الجريمة بسيطة إذا كان يكتفي فيها‬
‫بحصول الواقعة المادية مرة واحدة مع سائر العناصر الخرى لتمام‬
‫الجريمة ‪ ،‬و قيام المسؤولية الجنائية ‪ ،‬و مثالها ‪ :‬جريمة القتل و جريمة‬
‫السرقة ‪.‬‬

‫د ـ الجريمة المستمرة ‪ :‬تعتبر الجريمة مستمرة إذا كان ل يكتفي فيها‬


‫بحصول الواقعة المادية مرة واحدة مع سائر العناصر الخرى لتمام‬
‫الجريمة و قيام المسؤولية الجنائية ‪ ،‬بل يتطلب لتحقيقها تكرار هذه‬
‫‪5‬‬
‫الواقعة ذاتها مع توافر العناصر الخرى لقيام الجريمة ‪(1).‬‬

‫و مثالها ‪ :‬جريمة التسول ‪ ،‬و جريمة تحريض القصر على الفسق ‪.‬‬

‫هـ ـ الجريمة المتتابعة الفعال أو المتكررة ‪ :‬تعتبر الجريمة متتابعة‬


‫الفعال إذا قام الجاني بأفعال متتالية و متماثلة تنصب على مصلحة واحدة‬
‫محمية قانونا يهدف إلى غرض إجرامي واحد ‪ ،‬و مثالها‪ :‬جريمة الضرب‬
‫في حالة تكرار فعل الضرب ‪ ،‬و جريمة السرقة في حالة حصول هذه‬
‫الجريمة على مراحل ‪ ،‬أو دفعات ‪.‬‬

‫ن الجريمة المتتابعة الفعال تقوم على عدة أفعال ‪ ،‬يشكل‬ ‫و يعني هذا أ ّ‬
‫كل فعل منها في حد ذاته و استقلل جريمة تامة بحيث لو اكتفى الجاني‬
‫بهذا الفعل دون تكراره لكان مسؤول ‪ .‬و على الرغم من تكرار هذه‬
‫ن من شأن تعددها أن ينصب على‬ ‫الفعال فإنها تعد بمثابة فعل واحد ‪ ،‬ل ّ‬
‫مصلحة واحدة ‪ ،‬تجمع بينها وحدة الهدف الجرامي ‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬تقسيم الجرائم بالنظر إلى ركنها المعنوي ‪:‬‬


‫تقسم الجرائم اعتمادا على الركن المعنوي للجريمة أو على توافر القصد‬
‫الجنائي إلى جريمة عمدية و جريمة غير عمدية ‪.‬‬

‫أ ـ الجريمة العمدية ‪ :‬تعتبر الجريمة عمدية إذا توافر القصد الجنائي ‪،‬‬
‫لدى مقترفها ‪ :‬أي اتجاه إرادته إلى تحقيق النتيجة التي يتوقعها ‪ ،‬و مثالها ‪:‬‬
‫جريمة القتل العمد‪.‬‬

‫‪ - 5‬د‪،‬احسن بوسقيعة ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪48‬‬

‫‪25‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ب ـ الجريمة الغير العمدية ‪ :‬تعتبر الجريمة غير عمدية إذا لم يتوافر‬


‫القصد الجنائي لدى مقترفها ‪ :‬أي الجريمة التي ينتفي فيها القصد‬
‫الجنائي ‪ ،‬فهي جريمة تقوم على مجرد الخطأ المبني على الهمال و‬
‫الرعونة و قلة الحتراز و عدم إطاعة القوانين و اللوائح ‪ ،‬و مثالها القتل‬
‫الخطأ ‪ ،‬أو الجروح الخطأ‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬تقسيم الجرائم بالنظر إلى ركنها الشرعي ‪:‬‬

‫تقسم الجرائم اعتمادا على الركن الشرعي للجريمة إلى جريمة سياسية‬
‫و جريمة عسكرية ‪.‬‬

‫أ ـ الجريمة السياسية ‪ :‬يتنازع تعريف الجريمة السياسية مذهبان ‪:‬‬


‫مذهب شخصي و مذهب موضوعي ‪ :‬فتعتبر الجريمة سياسية أخذا‬
‫بالمذهب الشخص الجريمة التي يكون الباعث على ارتكابها باعثا سياسيا‬
‫أو تكون الغاية من ارتكابها غاية سياسية ‪ ،‬و تعتبر الجريمة سياسية أخا‬
‫بالمذهب الموضوعي إذا كانت المصلحة المحمية قانونا التي وقع عليها‬
‫ن وصف الجريمة أنها سياسية‬ ‫العتداء ذات طبيعة سياسية ‪ :‬بمعنى أ ّ‬
‫يكون بالنظر إلى طبيعة الحق المعتدي عليه ‪ ،‬فإذا كانت طبيعة الحق‬
‫سياسية كانت الجريمة سياسية‪.‬‬

‫و من الجرائم المعتبرة جرائم سياسية في قانون العقوبات الجزائري ‪:‬‬

‫الجنايات الجنح ضد أمن الدولة كجرائم الجباية و التحسس ‪ ،‬و جرائم‬


‫التعدي على الدفاع الوطني ‪ ،‬و الجرائم ضد سلطة الدولة و سلمة أرض‬
‫الوطن ‪ ،‬و جنايات المساهمة في حركات التمرد ‪ ،‬و الجنح ضد الدستور ‪،‬‬
‫و العتداء على الحريات العامة ) المواد من ‪ 60‬إلى ‪ ( 90‬و المواد من‬
‫‪ 97‬إلى ‪ 111‬ق ج (‪.‬‬

‫ن المشرع الجزائري ل يعبر اهتماما للتفرقة بين الجريمة‬ ‫و يلحظ أ ّ‬


‫السياسية و الجريمة العادية فيما يتعلق بالعقوبات المقررة لها ‪ ،‬مقارنة‬
‫بالتشريعات الجنبية التي تخصص للجرائم السياسية عقوبات خاصة‬
‫تميزها عن العقوبات المقررة للجرائم العادية‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ب ـ الجريمة العسكرية ‪:‬‬

‫تعتبر الجريمة عسكرية إذا أخل الفاعل بالقواعد التي يفرضها قانون‬
‫العقوبات العسكري ‪ ،‬أو ما يسمى في الجزائر تعاون القضاء العسكري‪.‬‬

‫و تخضع الجريمة العسكرية في الجزائر لقانون القضاء العسكري الصادر‬


‫في ‪ 1971/04/22‬بموجب المر رقم ‪ 71-28 :‬و من أهم ما يميز‬
‫الجريمة العسكرية ما يلي ‪:‬‬

‫ن مصدر الجريمة العسكرية هو قانون القضاء العسكري‪.‬‬


‫ـأ ّ‬

‫ن المحكمة العسكرية تختص دون غيرها بالفصل في الجرائم العسكرية‬


‫ـأ ّ‬
‫‪.‬‬

‫ن قانون القضاء العسكري يطبق فقط على العسكريين ‪ ،‬و على من في‬
‫أ ّ‬
‫حكمهم‪.‬‬

‫ن قانون القضاء العسكري يتضمن عقوبات ل يتضمنها قانون العقوبات ‪،‬‬ ‫ـأ ّ‬
‫فقانون القضاء العسكري قانون تأديبي يستوجب أن يتضمن عقوبات إلى‬
‫جانب العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات‪.‬‬

‫و تنص المادة ‪ 243‬من قانون القضاء العسكري في هذا الخصوص ‪ ،‬على‬


‫أن تصدر المحاكم العسكرية نفس العقوبات التي تصدرها المحاكم التابعة‬
‫للقانون العام ‪ ،‬باستثناء عقوبات البعاد ‪ ،‬و ذلك مع مراعاة أحكام هذا‬
‫القانون أو القوانين الخاصة و كل عقوبة جنائية صادرة على عسكري‬
‫تتضمن تحريره من الحقوق الوطنية يترتب عليها خصوصا فصله من‬
‫الجيش ‪ ،‬و حرمانه من الرتبة و الحق في حمل الشارات و النبوة‬
‫العسكرية ‪ ،‬و تنص المادة ‪ 224‬من نفس القانون على أنه يمكن أيضا‬
‫للمحاكم العسكرية أن تقضي بعقوبة العزل العسكري و فقدان الرتبة‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬التقسيم القانوني للجريمة ‪:‬‬
‫الفرع الول ‪ :‬التقسيم القانوني للجريمة في التشريع‬
‫الجزائري‬
‫اول ‪ :‬اقسام الجريمة ‪:‬‬
‫تقسم المادة ‪ 27‬من قانون العقوبات الجرائم تبعا لخطورتها إلى جنايات‬

‫‪27‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫و جنح و مخالفات ‪.‬‬


‫و تنص المادة ‪ 5‬من نفس القانون على ما يلي ‪:‬‬
‫ن العقوبات الصلية في مواد الجنايات هي العدام و السجن المؤبد ‪:‬‬ ‫‪1‬ـ أ ّ‬
‫و اليسجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس سنوات و عشرين سنة‪.‬‬
‫ن العقوبة الصلية في مواد الجنح هي الحبس لمدة تتجاوز شهرين‬ ‫‪2‬ـوأ ّ‬
‫إلى خمس سنوات ‪ ،‬ماعدا الحالت التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى ‪.‬‬
‫ن القانون قد يقرر في مواد الجنح حدا أقصى يفوق خمس سنوات‬ ‫ذلك أ ّ‬
‫حبسا كما هو الحال بالنسبة للجنة اختلس الموال من طرف الموظف‬
‫العام أو من في حكمه ‪ ) ،‬الفقرة ‪ 2‬من المادة ‪ 119‬ق ع ( ‪ ،‬و جنحة‬
‫الفعل المخل بالحياء على قاصر دون عنف ) الفقرة ‪ 1‬من المادة ‪ 334‬ق‬
‫ع ( و جنحة الفاحشة في الحالت المنصوص عليها في الفقرات ‪3‬و ‪ 4‬و ‪5‬‬
‫من المادة ‪ 337‬مكرر ‪ ،‬ق ع ‪ ،‬و جنحة استعمال المخدرات و التجار فيها‬
‫) المادة ‪ 242‬من قانون الصحة المؤرخ في ‪. (1985/02/16 :‬‬

‫‪ 3‬ـ أن العقوبة الصلية في مواد المخالفات هي الحبس من يوم واحد إلى‬


‫شهرين على الكثر ‪ ،‬و الغرامة من عشرين دينار جزائري إلى ألفي دينار‬
‫جزائري ‪.‬‬
‫ن العبرة في‬ ‫و يستفاد من نص المادتين ‪ 27‬و ‪ 5‬من قانون العقوبات أ ّ‬
‫وصف الجريمة بجناية أو جنحة أو مخالفة ‪ ،‬هي بنوع العقوبة المقررة‬
‫قانونا للجريمة ‪ ،‬فإذا كانت هذه العقوبة المقررة قانونا للجريمة ‪،‬فإذا‬
‫كانت هذه العقوبة من عقوبة الجنايات و صفت الجريمة بجناية أو جنحة أو‬
‫مخالفة‪ ،‬هي بنوع العقوبة المقررة قانونا للجريمة ‪ ،‬فإذا كانت هذه العقوبة‬
‫من عقوبة الجنايات و صنفت الجريمة بجناية ‪.‬‬
‫ن نوع الجريمة ل يتغير ‪ ،‬وفقا لمقتضيات المادة ‪ 28‬من قانون‬ ‫و يراعى أ ّ‬
‫العقوبات متى طبقت محكمة الجنايات أحكام المادة ‪ 53‬من نفس‬
‫القانون ‪ ،‬و وقعت على المتهم عقوبة جنحة على الواقعة التي تشكل‬
‫جناية في أصلها ‪ ،‬نتيجة ثبوت وجود ظروف مخففة لصالحه‪.‬‬
‫و لكن إذا كان تشديد العقوبة أمر يعود إلى النص القانوني ‪ .‬و مثال ذلك‬
‫أن جرم السرقة البسيطة هو جنحة و لكن القانون رفع عقوبتها عند توافر‬
‫الظروف المشددة إلى عقوبة جناية ‪ ،‬ففي مثل هذه الحال تصير جريمة‬
‫السرقة جناية على الرغم من أنها في الصل و في غياب أو انعدام‬
‫الظروف المشددة تعتبر جنحة ) المادة ‪ 29‬ق ع (‬

‫ثانيا ‪ :‬اهمية التقسيم القانوني للجريمة‬

‫‪28‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يتضح أهمية التقسيم الثلثي سواء من حيث القواعد الموضوعية أو‬


‫الجرائية فيما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬من حيث الختصاص‬
‫تختص محكمة الجنايات على مستوى كل مجلس قضائي في مواد‬
‫الجنيلت اصل وكذا الجنح والمخالفات المرتبطة بها )الجرائم الموضوعية‬
‫بافعال ارهابية او تخريبية المحالة اليها بقرار نهائي من غرفة التهام (‬
‫)المر رقم ‪ 75/46‬المؤرخ في ‪/17‬جوان‪((1975/‬‬
‫اما الجنح و المخالفات فتنظر أصل أمام محكمة اقل درجة )في القسم‬
‫‪6‬‬
‫الجزائي والقسم الحداث(‪(1‬‬
‫‪ - 2‬من حيث الشروع‬
‫يعاقب الشروع في الجنيات بصفة عامة )المادة ‪ 30‬ق‪.‬ع‪.‬ج (اي يعاقب‬
‫دائما ‪،‬اما الشروع في الجنح فل يعاقب عليه البناء على نص خاص و ل‬
‫شروع في المخالفات )المادة ‪31‬ق العقوبات(‬
‫‪-3‬من حيث سريان قانون العقوبات‬
‫يسري قانون العقوبات على الجنيات اللتي يرتكبها جزائري خارج إقليم‬
‫الدولة نظرا لخطورة الجريمة‪.‬‬
‫‪ - 4‬من حيث التقادم‬
‫تختلف أحكام العود في الجنيات عنها في الجنح و المخالفات‪.‬‬
‫_تسقط الجنيات مضى ‪10‬سنوات على وقوع الجريمة‬
‫_الجنح مضى ‪3‬سنوات‬
‫و المخالفات مضى سنتين )المواد ‪7،8،9‬من قانون الجرادات الجزائية(‬
‫‪ - 5‬مدى إلزامية التحقيق عن عدمه‬
‫التحقق القانوني وجوبي في الجنايات و جوازي في الجنح و يجوز في‬
‫المخالفات إذا طلب الجمهورية المادة ‪ 6‬قانون الجراءات الجزائية‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬الصعوبات التي تعترض هذا التقسيم ‪:‬‬
‫تثور الصعوبات حيث تقترن الجريمة بظروف توجب على القاضي أو‬
‫تجزله أن يوقع عقوبة غير المقررة للجريمة بحسب الصل سواء كانت‬
‫أخف أو أشد و قد يؤدي تطبيق هذه الظروف إلى أن يحكم القاضي‬
‫بعقوبة الجنحة من أجل فعل يعد في الصل جناية أو إلى أن يحكم بعقوبة‬
‫الجناية من أجل فعل هو يحسب الصل جنحة‪.‬‬
‫فهل يعتد عند تحديد نوع الجريمة بالعقوبة المقررة لها أصل أو بالعقوبة‬
‫التي يحكم بها القاضي فعل؟‬
‫ليس في القانون نص صريح يحسم هذه المشكلة و لذلك اشتد الجدل من‬

‫‪ - 6‬د ‪ ,‬عبد الله سليمان ‪ ,‬المرجع السابق ص ‪78‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫حولها و اختلفت الراء و نبين فيما يلي أثر التخفيف و التشديد على نوع‬
‫الجريمة‪.‬‬
‫اول‪ :‬اثر الظروف المخففة‬
‫الظروف المخففة لمعناها التوابع إما أن تكون ظروفا قضائية يقدرها‬
‫القاضي في كل حالة على حدة و يترخص في أعمالها أو إغفالها و إما أن‬
‫تكون ظروفا يقدرها المشرع ذاته و يرتب عليها آثارها‪ .‬و يطلق على النوع‬
‫الخير انم العذار القانونية المادة ‪ ، 53‬المادة ‪ ، 288‬المادة ‪ . 361‬ق ع )‬
‫‪7‬‬
‫‪(2‬‬
‫ثانيا ‪ :‬اثر الظروف المشددة‬
‫تقترن الظروف المشددة )كالمخففة( بجريمة استكملت أركانها و يترتب‬
‫عليها تشديد العقوبة وجوبا أو جوازا و ليس في القانون ظروف مشتركة‬
‫عامة تؤدي إلى الحكم بعقوبة الجناية من أجل فعل يقرر له القانون في‬
‫الحوال العادية عقوبة الجنحة و لكن في القانون مع ذلك ظروف خاصة‬
‫ببعض الجرائم يترتب عليها تشديد العقوبة و منها جرائم القتل و الضرب و‬
‫الرقة و النصب و خيانة المانة‪.‬‬
‫و الرأي متفق على أنه إذا كان التشديد وجوبي فان الجريمة تقدر جناية‬
‫لن الظرف المشدد يغير من طبيعتها فتزيدها خطرا و جسامة و ل يملك‬
‫القاضي في هذه الحالة إل أن يوقع على الجاني عقوبة الجناية‪.‬‬
‫المادة‪ 351:‬المادة‪290:‬‬

‫إن الجرائم على العموم بعض النظر عن تقسيمها تها تبقى جرائم و أفعال‬
‫تهدد استقرار المن الداخلي‪.‬‬
‫إن مختلف هذه التقسيمات تأخذ بها معظم التشريعات في العالم حيث‬
‫كان الهدف منها هو تحديد العقوبة فهذه الخيرة ترمي إلى أكثر من‬
‫‪8‬‬
‫تفاقمها و جسامتها‪(3).‬‬

‫‪ - 7‬د ‪ ,‬عبد الله سليمان ‪ ,‬مرجع سابق ص ‪89‬‬


‫‪ -- 8‬د‪،‬احسن بوسقيعة ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪69‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصل التمهيدي ‪ :‬ماهية الجريمة ــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪31‬‬

You might also like