Professional Documents
Culture Documents
الحمد لله الذي اجتبى من صفوة عباده عصابة الحففق وأهففل السففنة،
وخصهم من بين سائر الفرق بمزايا اللطف والمنففة ،وأفففاض عليهففم
من نور هدايته مففا كشففف بففه عففن حقففائق الففدين ،وأنطففق ألسففنتهم
بحجته التي قمع بها ضلل الملحدين ،وصفى سرائرهم من وساوس
الشياطين ،وطهر ضمائرهم عففن نزغففات الزائغيففن ،وعمففر أفئدتهففم
بأنوار اليقين حتى اهتدوا بها إلى أسرار مففا أنزلففه علففى لسففان نففبيه
وصفيه محمد صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين ،واطلعففوا علففى
طريق التلفيق بين مقتضيات الشففرائع وموجبففات العقفول؛ وتحققففوا
أن ل معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقففول .وعرفففوا أن مففن
ظن من الحشوية وجوب الجمود علففى التقليففد ،واتبففاع الظففواهر مففا
أتوا به إل مففن ضففعف العقففول وقلففة البصففائر .وإن مففن تغلغففل مففن
الفلسفة وغلة المعتزلة في تصرف العقل حتى صادموا بففه قواطففع
الشرع ،ما أتوا به إل من خبث الضمائر .فميففل أولئك إلففى التفريففط
وميل هؤلء إلى الفراط ،وكلهما بعيففد عففن الحففزم والحتيففاط .بففل
الواجب المحتوم في قواعد العتقاد ملزمة القتصاد والعتماد على
الصراط المستقيم؛ فكل طرفي قصففد المففور ذميففم .وأنففى يسففتتب
الرشاد لمن يقنع بتقليد الثر والخبر ،وينكر مناهج البحث والنظر ،أو
ل يعلم انه ل مستند للشففرع إل قففول سففيد البشففر صففلى اللففه عليففه
وسلم ،وبرهان العقل هو الذي عرف بففه صففدقه فيمففا أخففبر ،وكيففف
يهتدي للصواب من اقتفى محض العقل واقتصر ،ومفا استضفاء بنفور
الشرع ول استبصر ؟ فليت شعري كيف يفزع إلى العقل مففن حيففث
يعتريه العي والحصر ؟ أو ل يعلم ان العقل قاصر وأن مجففاله ضففيق
منحصففر ؟ هيهففات قففد خففاب علففى القطففع والبتففات وتعففثر بأذيففال
الضللت من لم يجمع بتأليف الشرع والعقففل هففذا الشففتات .فمثففال
العقل البصر السففليم عففن الفففات والذاء .ومثففال القففرآن الشففمس
المنتشرة الضياء .فاخلق بأن يكففون طففالب الهتففداء .المسففتغني إذا
استغني بأحدهما عن الخر في غمار الغبياء ،فالمعرض عففن العقففل
مكتفيا ً بنور القرآن ،مثاله المتعرض لنور الشمس مغمضفا ً للجفففان،
فل فففرق بينففه وبيففن العميففان .فالعقففل مففع الشففرع نففور علففى نففور،
والملحظ بالعين العور لحدهما على الخصوص متففدل بحبففل غففرور.
وسيتضففح لففك أيهفا المشفوق إلففى الطلع علففى قواعففد عقففائد أهففل
السنة ،المقترح تحقيقهففا بقواطففع الدلففة ،أنففه لففم يسففتأثر بففالتوفيق
للجمع بين الشرع والتحقيق فريق سوى هففذا الفريففق .فاشففكر اللففه
تعالى على إقتفائك لثارهم وانخراطك في سلك نظففامهم وعيففارهم
واختلطك بفرقتهم؛ فعسففاك أن تحشففر يففوم القيامففة فففي زمرتهففم.
نسأل الله تعالى أن يصفي أسرارنا عن كففدورات الضففلل ،ويغمرهففا
بنور الحقيقففة ،وأن يخففرس ألسففنتنا عففن النطففق بالباطففل ،وينطقهففا
بالحق والحكمة إنه الكريم الفائض المنة الواسع الرحمة.
باب
ولنفتففح الكلم ببيففان اسففم الكتففاب ،وتقسففيم المقففدمات والفصففول
والبواب .أما اسم الكتاب فهو القتصففاد فففي العتقففاد .وأمففا ترتيبففه
فهو مشتمل على أربع تمهيدات تجري مجرى التففوطئة والمقففدمات،
وعلى أربع أقطاب تجري مجرى المقاصد والغايات.
التمهيد الول :في بيان أن هذا العلم من المهمات في الدين.
التمهيد الثاني :في بيان أنه ليس مهم فا ً لجميففع المسففلمين بففل
لطائفة منهم مخصوصين.
التمهيففد الثففالث :فففي بيففان أنففه مففن فففروض الكفايففات ل مففن
فروض العيان.
التمهيد الرابع :في تفصيل مناهج الدلة التي أوردتهففا فففي هففذا
الكتاب.
وأما القطاب المقصودة فأربعة وجملتها مقصورة علففى النظففر فففي
الله تعالى .فإنا إذا نظرنا في العالم لم ننظر فيه من حيث أنه عالم
وجسم وسففماء وأرض ،بففل مففن حيففث أنففه صففنع اللففه سففبحانه .وإن
نظرنا في النبي عليه السففلم لففم ننظففر فيففه مففن حيففث أنففه انسففان
وشريف وعالم وفاضل؛ بل من حيث أنه رسول الله .وان نظرنا في
أقواله لم ننظر من حيث أنها أقوال ومخاطبات وتفهيمففات؛ بففل مفن
حيث أنها تعريفات بواسطته من الله تعالى ،فل نظر إل في اللففه ول
مطلوب سوى الله وجميع أطففراف هففذا العلففم يحصففرها النظففر فففي
ذات الله تعالى وففي صففاته سفبحانه وففي أفعفاله عفز وجفل وففي
رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاءنا على لسانه مففن تعريففف
الله تعالى .فهي إذن أربعة أقطاب:
القطب الول :النظر في ذات الله تعففالى .فنففبين فيففه وجففوده وانففه
قديم وأنه باق وأنه ليففس بجففوهر ول جسففم ول عففرض ول
محدود بحد ول هو مخصفوص بجهففة ،وأنففه مففرئي كمفا أنفه
معلوم وأنففه واحففد؛ فهففذه عشففرة دعففاوى نبينهففا فففي هففذا
القطب.
القطب الثاني :في صفات الله تعالى .ونبين فيه أنه حي عالم قففادر
مريد سميع بصير متكلم وأن له حياة وعلما ً وقففدرة وإرادة
وسمعا ً وبصرا ً وكلمًا ،ونذكر أحكام هذه الصفات ولوازمها
وما يفترق فيهففا ومفا يجتمففع فيهفا مفن الحكففام ،وأن هفذه
الصفففات زائدة علففى الففذات وقديمففة وقائمففة بالففذات ول
يجوز أن يكون شيء من الصفات حادثًا.
القطب الثالث :في أفعال الله تعالى .وفيه سبعة دعاوى وهو انففه ل
يجب على الله تعالى التكليف ول الخلففق ول الثففواب علففى
التكليف ول رعاية صلح العباد ول يستحيل منه تكليففف مففا
ل يطاق ول يجب عليه العقاب على المعاصي ول يسففتحيل
منه بعثه النبياء عليهم السلم؛ بل يجوز ذلك .وفي مقدمة
هذا القطب بيان معنى الواجب والحسن والقبيح.
القطب الرابع :في رسل الله ،وما جفاء علفى لسفان رسفولنا محمفد
صلى الله عليه وسلم مفن الحشففر والنشففر والجنففة والنففار
والشفاعة وعذاب القبر والميزان والصففراط ،وفيففه أربعففة
أبواب:
الباب الول :في إثبفات نبفوة محمفد صفلى اللفه عليفه
وسلم.
الباب الثاني :فيما ورد على لسانه من أمور الخرة.
الباب الثالث :في المامة وشروطها.
البففاب الرابففع :فففي بيففان القففانون فففي تكفيففر الفففرق
المبتدعة.
الدعوى الولى :وجوده تعالى وتقدس ،برهانه أنففا نقففول كففل حففادث
فلحدوثه سبب ،والعالم حادث فيلزم منه إن له سببًا ،ونعني بالعففالم
كل موجود سوى الله تعالى .ونعني بكل موجففود سففوى اللففه تعففالى
الجسام كلها وأعراضها ،وشرح ذلك بالتفصيل أنا ل نشك في أصففل
الوجود ،ثم نعلم أن كل موجود اما متحيففزا ً أو غيففر متحيففز ،وأن كففل
متحيز إن لم يكن فيه ائتلف فنسميه جوهرا ً فففردًا ،وإن ائتلففف إلففى
غيففره سففميناه جسففمًا ،وإن غيففر المتحيففز أمففا أن يسففتدعي وجففوده
جسما ً يقوم به ونسميه العراض ،أو ل يسفتدعيه وهفو اللفه سفبحانه
وتعفالى ،فأمففا ثبفوت الجسفام وأعراضفها ،فمعلفوم بالمشفاهدة ،ول
يلتفت إلى مففن ينففازع فففي العففراض وإن طففال فيهففا صففياحه وأخففذ
يلتمس منك دليل ً عليه ،فإن شغبه ونزاعففه والتماسففه وصففياحه ،وإن
لم يكن موجودا ً فكيف نشتغل بالجواب عنه والصغاء إليه ،وإن كففان
موجودا ً فهو ل محالة غير جسم المنازع إذ كان جسففما ً موجففودا ً مففن
قبل ،ولففم يكففن التنففازع موجففودا ً فقففد عرفففت أن الجسففم والعففرض
مدركان بالمشاهدة .فإما موجود ليففس بجسففم ول جففوهر متحيففز ول
عرض فيه فل يدرك بالحس ونحن ندعي وجففوده ونففدعي أن العففالم
موجففود بففه ،وبقففدرته ،وهففذا يففدرك بالففدليل ل بففالحس ،والففدليل مففا
ذكرناه ،فلنرجع إلى تحقيقه .فقد جمعنفا فيفه أصفلين فلعفل الخصفم
ينكرهما ،فنقول له :في أي الصلين تنازع ؟ فإن قال إنما أنازع فففي
قولك إن كل حادث فله سبب فمن أين عرفت هذا ،فنقول :إن هففذا
الصل يجب القرار به ،فإنه أولي ضروري في العقل ،ومففن يتوقففف
فيه فإنما يتوقف لنه ربما ل ينكشففف لففه مففا نريففده بلفففظ الحففادث،
ولفظ السبب ،وإذا فهمهما صدق عقله بالضففرورة بففأن لكففل حففادث
سببًا ،فانا نعني بالحادث ما كففان معففدوما ً ثففم صففار موجففودا ً فنقففول
وجوده قبل أن وجد كان محال ً أو ممكنًا ،وباطل أن يكون محففال ً لن
المحال ل يوجد قط ،وإن كففان ممكنفا ً فلسففنا نعنففي بففالممكن إل مففا
يجوز أن يوجد ويجوز أن ل يوجد ولكن لففم يكففن موجففودا ً لنففه ليففس
يجب وجوده لذاته إذ لو وجد وجوده لذاته لكان واجب فا ً ل ممكن فًا ،بففل
قد افتقر وجوده إلى مرجح لوجوده على العففدم حففتى يتبففدل العففدم
بالوجود .فإذا كان اسفتمرار عفدمه مفن حيفث أنفه ل مرجفح للوجفود
على العدم ،فمن لم يوجد المرجففح ل يوجففد الوجففود ،ونحففن ل نريففد
بالسبب إل المرجح :والحاصل أن المعدوم المستمر العففدم ل يتبففدل
عدمه بالوجود ما لم يتحقق أمر من المور يرجح جانب الوجود على
استمرار العدم ،وهذا إذا حصل في الذهن معنى لفظففه كففان العقففل
مضطرا ً إلى التصديق به .فهففذا بيففان اثبففات هففذا الصففل وهففو علففى
التحقيق شرح للفظ الحادث والسبب لقامة دليل عليه .فإن قيل لم
تنكرون على من ينففازع فففي الصففل الثففاني ،وهففو قففولكم أن العففالم
حادث ،فنقففول :إن هففذا الصففل ليففس بففأولي فففي العقففل ،بففل نثبتففه
ببرهان منظوم من أصففلين آخريففن هففو أنففا نقففول إذ قلنففا أن العففالم
حادث أردنا بالعالم الن ،الجسام والجواهر فقط ،فنقول كل جسففم
فل يخلو عن الحوادث وكففل مففا ل يخلففو عففن الحففوادث فهففو حففادث،
فيلزم منه أن كل جسم فهو حادث ففي أي الصففلين النففزاع ؟ فففإن
قيل لم قيل أن كل جسم أو متحيز فل يخلففو عففن الحففوادث ؟ قلنففا:
لنه ل يخلو عن الحركة والسكون وهما حادثففان ،فففإن قيففل :ادعيتففم
وجودهما ثم حدوثهما ،فل نسلم الوجود ول الحدوث ،قلنا هذا سؤال
قففد طففال الجففواب عنففه فففي تصففانيف الكلم ،وليففس يسففتحق هففذا
التطويل فإنه ل يصدر قط من مسترشففد إذ ل يسففتريب عاقففل قففط
في ثبوت العراض في ذاته من اللم والسففقام والجففوع والعطففش
وسائر الحوال ،ول في حدوثها .وكذلك إذا نظرنا إلى أجسام العففالم
لم نسترب في تبدل الحوال عليها ،وإن تلففك التبففديلت حادثففة ،وإن
صدر من خصم معاند فل معنى للشتغال به ،وإن فففرض فيففه خصففم
ل ،بل الخصففم معتقد لما نقوله فهو فرض محال إن كان الخصم عاق ً
فففي حففدوث العففالم الفلسفففة وهففم مصففرحون بففأن أجسففام العففالم
تنقسم إلى السموات ،وهي متحركففة علففى الففدوام ،وآحففاد حركاتهففا
حادثة ولكنها دائمة متلحقة على التصففال أزل ً وأبففدا ً وإلففى العناصففر
الربعة التي يحويها مقعر فلك القمر ،وهي مشتركة في مادة حاملة
لصورها وأعراضففها وتلففك المففادة قديمففة والصففور والعففراض حادثففة
متعاقبة عليها أزل ً وأبففدا ً وإن المففاء ينقلففب بففالحرارة هففواء ،والهففواء
يستحيل بالحرارة نارًا ،وهكذا بقية العناصر ،وإنهففا تمففتزج امتزاجففات
حادثة فتتكون منهما المعادن والنبففات والحيففوان ،فل تنفففك العناصففر
عن هذه الصور الحادثة ول تنفففك السففموات عففن الحركففات الحادثففة
أبدًا ،وإنما ينازعون في قولنا أن ما ل يخلو عن الحوادث فهو حادث،
فل معنففى للطنففاب فففي هففذا الصففل ،ولكنففا لقامففة الرسففم نقففول:
الجوهر بالضرورة ل يخلو عن الحركة والسكون ،وهمففا حادثففان .أمففا
الحركة فحدوثها محسوس وإن فرض جوهر ساكن كالرض ،ففرض
حركته ليس بمحال بل نعلم جوازه بالضرورة ،وإذا وقع ذلففك الجففائز
كان حادثا ً وكان معدما ً للسكون ،فيكون السففكون أيض فا ً قبلففه حادث فا ً
لن القديم ل ينعدم كما سنذكره في إقامففة الففدليل علففى بقففاء اللففه
تعالى ،وإن أردنا سياق دليل على وجود الحركة زائدة على الجسففم،
قلنا :إنا إذا قلنا هذا الجوهر متحرك أثبتنا شيئا ً سوى الجوهر متحرك
أثبتنا شيئا ً سوى الجوهر بدليل أنا إذا قلنا هذا الجوهر ليس بمتحرك،
صدق قولنا وإن كان الجففوهر باقي فا ً سففاكنًا ،فلففو كففان المفهففوم مففن
الحركة عين الجوهر لكففان نفيهففا نفففي عيففن الجففوهر .وهكففذا يطففرد
الدليل في إثبات السكون ونفيه ،وعلى الجملة .فتكلف الدليل علففى
الواضحات يزيدها غموضا ً ول يفيدها وضوحًا .فإن قيل :فبففم عرفتففم
أنها حادثة فلعلها كانت كامنة فظهرت ،قلنا :لو كنا نشتغل فففي هففذا
الكتففاب بالفضففول الخففارج عففن المقصففود لبطلنففا القففول بففالكمون
والظهور في العراض رأسًا ،ولكن ما ل يبطل مقصودنا فل نشففتغل
به ،بل نقول :الجوهر ل يخلففو عففن كمففون الحركففة فيففه أو ظهورهففا،
وهما حادثان فقد ثبت أنه ل يخلو عففن الحففوادث .فففإن قيففل :فلعلهففا
انتقلففت إليففه مففن موضففع آخففر ،فبففم يعففرف بطلن القففول ،بانتقففال
العراض ؟ قلنففا :قففد ذكففر فففي إبطففال ذلففك أدلففة ضففعيفة ل نطففول
الكتاب بنقلها ونقضها ،ولكن الصففحيح فففي الكشففف عففن بطلنففه أن
نبين أن تجويز ذلك ل يتسع له عقل من لم يففذهل عففن فهففم حقيقففة
العرض وحقيقة النتقال ،ومن فهم حقيقففة العففرض تحقففق اسففتحالة
النتقال فيه .وبيانه أن النتقال عبارة أخذت من انتقال الجففوهر مففن
حيز إلى حيز ،وذلك يثبت في العقل بأن فهففم الجففوهر وفهففم الحيففز
وفهم اختصاص الجوهر بالحيز زائد علففى ذات الجففوهر ،ثففم علففم أن
العرض ل بد له من محففل كمففا ل بفد للجففوهر مففن حيففز ،فتتخيففل أن
إضافة العرض إلى المحل كإضافة الجوهر إلففى الحيففز فيسففبق منففه
إلى الوهم إمكان النتقال عنففه ،كمففا فففي الجففوهر ،ولففو كففانت هففذه
المقايسة صحيحة لكان اختصاص العففرض بالمحففل كون فا ً زائدا ً علففى
ذات العرض والمحل كما كان اختصففاص الجففوهر بففالحيز كون فا ً زائدا ً
على ذات الجوهر والحيز ،ولصار يقففوم بففالعرض عففرض ،ثففم يفتقففر
قيام العرض بالعرض إلى إختصاص آخر يزيد علففى القففائم والمقففوم
به ،وهكذا يتسلل ويؤدي إلى أن ل يوجد عففرض واحففد مففا لففم توجففد
أعراض ل نهايففة لهففا ،فلنبحففث عففن السففبب الففذي لجلففه فففرق بيففن
اختصاص العرض بالمحل وبين اختصففاص الجففوهر بففالحيز فففي كففون
أحد الختصاصيين زائدا ً على ذات المختص ودون الخر ،فمنففه يتففبين
الغلط في تففوهم النتقففال .والسففر فيففه ،أن المحففل وإن كففان لزمفا ً
للعرض كما أن الحيز لزم للجوهر ،ولكن بين اللزمين فففرق :إذ رب
لزم ذاتي للشيء ،ورب لزم ليس بذاتي للشيء ،وأعني بالذاتي ما
يجففب ببطلنففه بطلن الشففيء ،فففإن بطففل الوجففود بطففل بففه وجففود
الشيء ،وإن بطل في العقل بطل وجود العلم به في العقل ،والحيز
ليس ذاتيا ً للجوهر فإنا نعلم الجسم والجوهر أول ً ثم ننظر بعففد ذلففك
في الحيز ،أهو أمر ثابت أم هو أمر موهوم ونتوصل إلى تحقيق ذلك
بدليل وندرك الجسم بالحس في المشاهدة مففن غيففر دليففل .فلففذلك
لم يكن الحيز المعين مثل ً لجسم زيد ذاتيا ً لزيد ،ولم يلففزم مففن فقففد
ذلك الحيز وتبدله بطلن جسم زيد ،وليس كذلك طول زيد مثل ً لنففه
عرض في زيد ل نعقله في نفسه دون زيد بل نعقففل زيففدا ً الطويففل،
فطول زيد يعلم تابعا ً لوجود زيد ويلزم مففن تقففدير عففدم زيففد بطلن
طول زيد ،فليس لطول زيد قوام في الوجود وفي العقل دون زيففد.
فاختصاصففه بزيففد ذاتففي لففه ،أي هففو لففذاته ل لمعنففى زائد عليففه هففو
اختصاص ،فإن بطل ذلففك الختصففاص بطلففت ذاتففه والنتقففال يبطففل
الختصاص فتبطل ذاتففه ،إذ ليففس اختصاصففه بزيففد زائدا ً علففى ذاتففه،
أعني ذات العرض ،بخلف اختصاص الجوهر بففالحيز فففإنه زائد عليففه
فليس في بطلنففه ،بالنتقففال مففا يبطففل ذاتففه ،ورجففع الكلم إلففى أن
النتقال يبطل الختصاص بالمحل ،فففإن كففان الختصففاص زائدا ً علففى
الذات لم تبطل به الذات ،وإن لم يكففن معنففى زائدا ً بطلففت ببطلنففه
الذات ،فقد انكشف هذا وآل النظر إلى أن اختصاص العرض بمحلففه
لفم يكفن زائدا ً علفى ذات العفرض كاختصفاص الجفوهر بحيفزه ،وأمفا
العرض فإنه عقل بالجوهر ل بنفسه فففذات العففرض وكففونه للجففوهر
المعين وليففس لففه ذات سففواه .فففإذا قففدرنا مفففارقته لففذلك الجففوهر
المعين فقد قدرنا عدم ذاته ،وإنما فرضنا الكلم في الطففول لتفهيففم
المقصود فإنه وإن لم يكن عرضا ً ولكنه ،عبارة عففن كففثرة الجسففام
في جهة واحدة ،ولكنه مقرب لغرضنا إلى الفهم ،فففإذا فهففم فلننقففل
البيان إلى العراض .وهذا التوفيق والتحقيق وإن لم يكن لئق فا ً بهففذا
اليجاز ولكن افتقر إليه لن ما ذكر فيففه غيففر مقنففع ول شففاف .فقففد
فرغنا من إثبات أحد الصلين ،وهو أن العالم ل يخلو عففن الحففوادث،
فإنه ل يخلو عن الحركة والسكون وهما حادثات وليسا بمنتقلين ،مع
أن الطناب ليس في مقابلة خصم معتقد ،إذ أجمففع الفلسفففة علففى
أن أجسام العففالم ل تخلففو عففن الحففوادث ،وهففم المنكففرون لحففدوث
العالم ،فإن قيل :فقد بقي الصل الثاني وهو قففولكم إن مففا ل يخلففو
عن الحوادث فهو حادث فما الدليل عليه ؟ قلنا :لن العالم لففو كففان
قديما ً مع أنه ل يخلو عن الحوادث ،لثبتت حففوادث ل أول لهففا وللففزم
أن تكون دورات الفلك غير متناهية العداد ،وذلك محال لن كففل مففا
يفضفي إلفى المحففال فهفو محفال ،ونحفن نفبين أنفه يلفزم عيففه ثلثفة
محالت :الول -أن ذلك لو ثبت لكان قد انقضى ما ل نهاية له ،ووقع
الفراغ منه وانتهى ،ول فرق بين قولنا انقضففى ول بيففن قولنففا انتهففى
ول بين قولنا تناهى ،فيلزم أن يقففال قففد تنففاهى مففا ل يتنففاهى ،ومففن
المحففال الففبين أن يتنففاهى مففا ل يتنففاهى وأن ينتهففي وينقضففي مففا ل
يتناهى .الثاني -أن دورات الفلك إن لم تكن متناهية فهففي إمففا شفففع
وإما وتر ،وإما ل شفع ول وتر ،وإما شفع ووتر مع فًا .وهففذه القسففام
الربعة محال؛ فالمفضي إليها محال إذ يستحيل عدد ل شفع ول وتر،
أو شفع ووتر ،فإن الشفع هو الذي ينقسم إلى متسففاويين كالعشففرة
ل ،والوتر هو أحد الذي ل ينقسفم إلفى متسفاويين كالتسفعة ،وكفل مث ً
عففدد مركففب مففن آحففاد إمففا أن ينقسففم بمتسففاويين ،أو ل ينقسففم
بمتسففاويين ،وأمففا أن يتصففف بالنقسففام وعففدم النقسففام ،أو ينفففك
عنهما جميعا ً فهو محال ،وباطل أن يكففون شفففعا ً لن الشفففع إنمففا ل
يكون وترا ً لنه يعوزه واحد ،فإذا انضاف إليه واحد صار وترًا ،فكيففف
أعوز الذي ل يتناهى واحد ؟ ومحال أن يكون وتففرًا .لن الففوتر يصففير
شفعا ً بواحد ،فيبقى وترا ً لنه يعوزه ذلك الواحد ،فكيف أعوز الذي ل
يتناهى واحد ؟ الثالث -أنه يلففزم عليففه أن يكففون عففددان ،كففل واحففد
منهما ل يتناهى ،ثم أن أحدهما أقل من الخر ،ومحال أن يكون ما ل
يتناهى أقل مما ل يتناهى لن القل هو الذي يعوزه شيء لو أضففيف
إليه لصار متساويًا ،وما ل يتناهى كيف يعوزه شيء ؟ وبيانه أن زحل
عندهم يدور في كل ثلثيففن سففنة دورة واحففدة ،والشففمس فففي كففل
سنة دورة واحدة ،فيكون عدد دورات زحل مثففل ثلففث عشففر دورات
الشمس ،إذ الشمس تدور في ثلثين سنة ثلثين دورة ،وزحل يففدور
دورة واحدة ،والواحفد مفن الثلثيفن ثلفث عشفر .ثفم دورات زحفل ل
نهاية لها وهي أقل مففن دورات الشففمس ،إذ يعلففم ضففرورة أن ثلففث
عشر الشيء أقل من الشيء ،والقمر يدور في السنة اثنتي عشففرة
مرة ،فيكون عدد دورات الشمس مثل ً نصف سففدس دورات القمففر،
وكل واحد ل نهاية لففه وبعضففه أقففل مففن بعففض ،فففذلك مففن المحففال
البين .فإن قيل :مقدورات البففاري تعففالى عنففدكم ل نهايففة لهففا وكففذا
معلوماته ،والمعلومات أكثر مففن المقففدورات إذ ذات القففديم تعففالى
وصفاته معلومة له وكذا الموجود المستمر الوجود ،وليس شيء من
ذلك مقدورًا .قلنا نحن :إذا قلنا ل نهاية لمقدوراته ،لم نرد به ما نريد
بقولنا ل نهاية لمعلوماته بل نريد به أن للففه تعففالى صفففة يعففبر عنهففا
بالقدرة ،يتأتى بها اليجاد ،وهففذا الثفاني ل ينعفدم قففط .وليفس تحففت
قولنا -هذا الثأني ل ينعدم -إثبات أشففياء فضفل ً مففن أن توصففف بأنهففا
متناهية أو غير متناهية ،وإنما يقع هذا الغلط لمن ينظر في المعففاني
من اللفاظ فيرى تفوازن لفففظ المعلومفات والمقففدورات مفن حيففث
التصريف في اللغة ،فيظن أن المراد بهما واحففد .هيهففات ل مناسففبة
بينهما البتة .ثم تحت قولنا المعلومات ل نهاية لها أيض فا ً سففر يخففالف
السابق منفه إلففى الفهفم ،إذ السفابق منفه إلفى الفهففم إثبففات أشففياء
تسففمى معلومففات ل نهايففة لهففا ،وهففو محففال ،بففل الشففياء هففي
الموجودات ،وهي متناهية ،ولكن بيففان ذلففك يسففتدعي تطففويل .وقففد
اندفع الشكال بالكشفف عففن معنفى نفففي النهايفة عففن المقففدورات،
فالنظر في الطرف الثاني وهو المعلومات مسففتغنى عنففه فففي دفففع
اللزام ،فقد بانت صحة هذا الصل بالمنهج الثالث من مناهففج الدلففة
المذكورة في التمهيد الرابع من الكتاب وعند هذا يعلم وجود الصانع
إذ بان القياس الذي ذكرناه ،وهو قولنا أن العالم حادث وكففل حففادث
فله سبب فالعالم له سبب .فقففد ثبتففت هففذه الففدعوى بهففذا المنهففج،
ولكن بعد لم يظهر لنا إل موجود السبب ،فأما كونه حادثففا ً أو قففديما ً
وصفا ً له فلم يظهر بعد فلنشتغل به.
الدعوى الثانية :ندعي أن السفبب الفذي أثبتنفاه لوجفود العفالم قفديم
فإنه لو كففان حادثفا ً لفتقففر إلففى سففبب آخففر ،وكففذلك السففبب الخففر
ويتسلسل إما إلى غير نهاية وهو محال ،وإما أن ينتهي إلففى قففديم ل
محالة يقف عنده وهو الذي نطلبه ونسميه صانع العفالم .ول بفد مفن
العففتراف بففه بالضففرورة ول نعنففي بقولنففا قففديم إل أن وجففوده غيففر
مسبوق بعدم ،فليس تحت لفظ القديم إل إثبات موجود ونفي عففدم
سابق .فل تظنن أن القدم معنى زائد على ذات القديم ،فيلزمففك أن
تقول ذلك المعنى أيضا ً قديم بقدم زائد عليه ،ويتسلسل القففوم إلففى
غير نهاية.
الدعوى الثالثة :ندعي أن صانع العالم مع كونه موجودا ً لم يزل فهففو
باق ل يزال لن ما ثبت قدمه استحال عدمه .وإنما قلنا ذلك لنفه لفو
العدم لفتقر عدمه إلى سبب فإنه طارئ بعد اسففتمرار الوجففود فففي
القدم .وقد ذكرنا ان كل طارئ فل بد له مففن سففبب مففن حيففث انففه
طارئ ل من حيث أنه موجود ،وكما افتقر تبدل العففدم بففالوجود إلففى
مرجح للوجود على العدم ،فكذلك يفتقفر تبفدل الوجفود بالعفدم إلفى
مرجح للعدم على الوجود ،وذلك المرجح إما فاعل بعدم القففدرة ،أو
ضففد انقطففاع شففرط مففن شففروط الوجففود .ومحففال أن يحففال علففى
القدرة؛ إذ لوجود شيء ثفابت يجففوز أن يصففدر عففن القففدرة ،فيكففون
القادر باستعماله فعل شيئا ً والعدم ليس بشيء ،فيستحيل أن يكون
فعل ً واقعا ً بأثر القدرة .فإنا نقول :فاعل العدم هل فعل شيئا ً ؟ فففإن
ل ،لن النفي ليس بشيء .وإن قال المعففتزلي أن قيل نعم ،كان محا ً
المعدوم شيء وذات ،فليس ذلك الذات من أثر القففدرة ،فل يتصففف
أن يقول الفعل الواقع بالقدرة فعل ذلففك الففذات فإنهففا أزليففة ،وإنمففا
فعله نفي وجود الذات ،ونفي وجود الذات ليس شيئًا ،فاذا ً مففا فعففل
شيئًا .وإذا صدق قولنا ما فعففل شففيئا ً صففدق قولنففا أنففه لففم يسففتعمل
القدرة في أثر البتة ،فبقي كما كان ولم يفعل شيئًا .وباطل أن يقال
أنه يعدمه ضففده لن الضففد إن فففرض حادث فا ً انففدفع وجففوده بمضففادة
القديم ،وكان ذلك أولى من أن ينقطع به وجففود القففديم .ومحففال أن
يكون له ضد قديم كففان موجففودا ً معففه فففي القففدم ولففم يعففدمه وقففد
أعففدمه الن ،وباطففل أن يقففال انعففدم لنعففدام شففرط وجففوده ،فففإن
الشرط إن كففان حادثفا ً اسففتحال أن يكففون وجففود القففديم مشففروطا ً
بحادث ،وإن كان قديما ً فالكلم في استحالة عففدم الشففرط كففالكلم
في استحالة عدم المشروط فل يتصففور عففدمه .فففإن قيففل فبمففا إذا ً
تفنى عنففدكم الجففواهر والعففراض ؟ قلنففا :أمففا العففراض فبأنفسففها،
ونعني بقولنا بأنفسها أن ذواتها ل يتصور لهففا بقففاء .ويفهففم المففذهب
فيففه بففأن يفففرض فففي الحركففة ،فففإن الكففوان المتعاقبففة فففي أحيففان
متواصلة ل توصف بأنها حركات إل بتلحقها على سبيل دوام التجففدد
ودوام النعدام ،فإنهففا إن فففرض بقاؤهففا كففانت سففكونا ً ل حركففة ،ول
تعقل ذات الحركة ما لم يعقل معها العدم عقيب الوجود .وهذا يفهم
في الحركة بغير برهان .وأما اللوان وسففائر العففراض ،فإنمففا تفهففم
بما ذكرناه من أنه لو بقي لستحال عدمه بالقدرة وبالضد كما سففبق
في القديم ،ومثل هذا العدم محال في حق الله تعالى فإنا بينا قدمه
أول ً واستمرار وجوده فيما لم يفزل ،فلفم يكفن مفن ضفرورة وجفوده
حقيقة فناؤه عقيبه ،كما كان من ضففرورة وجففود الحركففة حقيقففة أن
تفنففى عقيففب الوجففود .وأمففا الجففواهر فانعففدامها بففان ل تخلففق فيهففا
الحركة والسكون فينقطع شرط وجودها فل يعقل بقاؤها.
الدعوى الرابعة :ندعي أن صانع العالم ليس بجفوهر متحيفز لنفه قفد
ثبت قدمه ،ولو كان متحيزا ً لكان ل يخلو عففن الحركففة فففي حيففزه أو
السكون فيه ،وما ل يخلو عن الحوادث ،فهو حادث كمففا سففبق .فففإن
قيل :بم تنكرون على من يسميه جوهرًا ،ول يعتقففده متحيففزا ً ؟ قلنففا
العقل عندنا ل يوجب المتناع من اطلق اللفاظ وإنما يمنع عنه إمففا
لحق اللغة وإما لحففق الشففرع .أمففا حففق اللغففة فففذلك إذا ادعففى أنففه
موافق لوضع اللسان فيبحث عنه ،فإن ادعى واضففعه لففه أنففه اسففمه
على الحقيقة ،أي واضع اللغة وضففعه لفه ،فهفو كففاذب علففى اللسففان
وإن زعم أنه استعاره نظرا ً إلى المعنى الففذي بففه شففارك المسففتعار
منه ،فإن صلح للستعارة لم ينكر عليه بحق اللغة وإن لم يصلح قيل
له أخطأت على اللغة ول يستعظم ذلك إل بقدر استعظام صنيع مففن
يبعد في الستعارة ،والنظر في ذلك ل يليق بمبففاحث العقففول .وأمففا
حق الشرع وجواز ذلك وتحريمه ،فهو بحث فقهي يجب طلبففه علففى
الفقهاء إذ ل فرق بين البحث عن جواز اطلق اللفاظ من غير إرادة
معنى فاسد وبين البحث عن جواز الفعال .وفيه رأيان :أحففدهما ،أن
يقال :ل يطلق اسم في حق الله تعالى إل بالذن ،وهذا لم يففرد فيففه
إذن فيحرم .وأما أن يقال ل يحرم إل بالنهي وهذا لم يففرد فيففه نهففي
فينظر :فإن كان يوهم خطأ فيجب الحتراز منه لن إيهام الخطأ في
صفات الله تعالى حرام .وإن لففم يففوهم خطففأ يحكففم بتحريمففه ،فكل
الطريقين محتمل .ثم اليهففام يختلففف باللغففات وعففادات السففتعمال
فرب لفظ يوهم عند قوم ول يوهم عند غيرهم.
الدعوى الخامسة :ندعي أن صانع العالم ليس بجسم ،لن كل جسم
فهو متألف من جففوهرين متحيزيففن ،وإذا اسففتحال أن يكففون جففوهرا ً
استحال أن يكون جسمًا ،ونحن ل نعني بالجسم إل هذا .فففإن سففماه
جسما ً ولم يرد هذا المعنى كانت المضايقة معه بحق اللغففة أو بحففق
الشرع ل بحق العقل فإن العقل ل يحكم في اطلق اللفففاظ ونظففم
الحروف والصوات التي هي اصطلحات ،ولنه لو كان جسففما ً لكففان
مقدارا ً بمقدار مخصففوص ويجففوز أن يكففون أصففغر منففه أو أكففبر ،ول
يترجح أحد الجففائزين عففن الخففر إل بمخصففص ومرجففح ،كمففا سففبق،
فيفتقر إلى مخصص يتصرف فيه فيقدره بمقدار مخصففوص ،فيكففون
مصنوعا ً ل صانعا ً ومخلوقا ً ل خالقًا.
الدعوى السادسة :نفدعي أن صفانع العفالم ليفس بعفرض ،لنفا نعنفي
بالعرض ما يستدعي وجففوده ذاتفا ً تقففوم بففه ،وذلففك الففذات جسففم أو
جوهر ،ومهما كان الجسم واجب الحدوث كان الحال فيه أيضا ً حادثا ً
ل محالة ،إذ يبطل انتقال العراض ،وقد بينففا أن صففانع العففالم قففديم
فل يمكن أن يكون عرضًا ،وإن فهم من العرض ما هو صفففة لشففيء
من غير أن يكون ذلك الشيء متحيزًا ،فنحن ل ننكر وجففود هففذا فانففا
نستدل على صفات الله تعالى نعففم يرجففع النففزاع إلففى إطلق اسففم
الصانع والفاعل ،فإن إطلقه على الذات الموصوفة بالصففات أولففى
من إطلقه على الصفات .فإذا قلنا الصانع ليس بصفة ،عنينففا بففه أن
الصنع مضاف إلى الذات التي تقففوم بهففا الصفففات ل إلففى الصفففات،
كما أنففا إذا قلنففا النجففار ليففس بعففرض ول صفففة ،عنينففا بففه أن صففنعة
النجارة غير مضافة إلففى الصفففات بففل إلففى الففذات الففواجب وصفففها
بجملة من الصفات حتى يكون صانعًا .فكذا القول في صانع العففالم،
وإن أراد المنازع بالعرض أمرا ً غير الحال في الجسففم وغيففر الصفففة
القائمة بالذات كان الحق في منعه للغة أو الشرع ل للعقل.
الدعوى السابعة :ندعي أنه ليس ففي جهفة مخصوصفة مفن الجهفات
الست ،ومن عرف معنى لفظ الجهة ومعنى لفففظ الختصففاص فهففم
قطع فا ً اسففتحالة الجهففات علففى غيففر الجففواهر والعففراض ،إذ الحيففز
معقول وهو الذي يختص الجوهر به ،ولكن الحيز إنما يصففير جهففة إذا
أضيف إلى شيء آخر متحيز .فالجهففات سففت فففوق وأسفففل وقففدام
وخلف ويمين وشمال .فمعنى كون الشيء فوقنففا هففو أنففه فففي حيففز
يلي جانب الرأس .ومعنى كونه تحتا ً أنه في حيز يلي جففانب الرجففل.
وكذا سائر الجهات؛ فكل ما قيل قيه أنه في جهة فقد قيففل أنففه فففي
حيز مع زيادة إضافة .وقولنا الشيء في حيز ،يعقل بوجهين أحدهما:
أنه يختص به بحيث يمنففع مثلففه مففن أن يوجففد بحيففث هففو ،وهففذا هففو
الجوهر ،والخر أن يكون حال ً في الجوهر فإنه قففد يقففال إنففه بجهففة،
ولكن بطريق البتيعة للجوهر ،فليس كون العففرض فففي جهففة ككففون
الجوهر ،بل الجهة للجوهر أولى ،وللعرض بطريففق التبعيففة للجففوهر،
فهذان وجهان معقففولن فففي الختصففاص بالجهففة .فففإن أراد الخصففم
أحدهما دل على بطلنه ما دل علففى بطلن كففونه جففوهرا ً أو عرض فًا.
وإن أراد أمرا ً غير هففذا فهففو غيففر مفهففوم فيكففون الحففق فففي إطلق
لفظه لم ينفك عن معنى غير مفهوم للغففة والشففرع ل العقففل ،فففإن
قال الخصم إنما ُأريد بكونه بجهة معنى سوى هذا فلم ننكره ،ونقول
له :أما لفظك فإنما ننكره من حيث أنه يوهم المفهفوم الظفاهر منفه
وهو ما يعقل الجوهر والعرض وذلففك كففذب علففى اللففه تعففالى .وأمففا
مرادك منه فلست أنكره فإن ما ل أفهمه كيف أنكره! وعساك تريد
به علمه وقدرته وأنا ل أنكر كونه بجهة على معنى أنه عففالم وقففادر،
فإنك إذا فتحت هذا الباب ،وهو أن تريد باللفظ غير ما وضففع اللفففظ
له ويدل عليه في التفاهم لم يكن لما تريد به حصر فل أنكره ما لففم
تعرب عن مرادك بما أفهمه من أمر يدل على الحدوث ،فإن كان ما
يدل على الحدوث فهو في ذاته محال ويدل أيضا ً على بطلن القول
بالجهة ،لن ذلك يطرق الجواز إليه ويحوجه إلففى مخصففص يخصصففه
بأحد وجوه الجواز وذلك من وجهين ،أحدهما :أن الجهة التي تختففص
به ل تختص بففه لففذاته ،فففإن سففائر الجهففات متسففاوية بالضففافة إلففى
المقابل للجهة ،فاختصاصه ببعض الجهات المعينة ليس بواجب لذاته
بل هو جائز فيحتاج إلى مخصص يخصصففه ،ويكففون الختصففاص فيففه
معنى زائدا ً على ذاتفه ومفا يتطفرق الجفواز إليفه اسفتحال قفدمه بفل
القديم عبارة عما هو واجب الوجففود مففن جميففع الجهففات .فففإن قيففل
اختص بجهة فوق لنه أشرف الجهففات ،قلنففا أي إنمففا صففارت الجهففة
جهة فوق بخلقه العالم في هذا الحيز الذي خلقففه فيففه .فقيففل خلففق
ل .إذ همففا مشففتقان مففن الففرأس العالم لم يكففن فففوق ول تحففت أصف ً
والرجل ولم يكن إذ ذاك حيوان فتسمى الجهة التي تلي رأسه فففوق
والمقابل له تحت .والفوجه الثفاني أنفه لفو كفان بجهفة لكفان محاذيفا ً
لجسم العالم ،وكل محاذ فإما أصغر منه وإما أكبر وإما مساو ،وكففل
ذلففك يففوجب التقففدير بمقففدار ،وذلففك المقففدار يجففوز فففي العقففل أن
يفرض أصغر منه أو أكبر فيحتاج إلى مقدار ومخصص .فإن قيل :لففو
كان الختصاص بالجهة يففوجب التقففدير لكففان العففرض مقففدرًا ،قلنففا:
العرض ليس في جهة بنفسه ،بل بتبعيته للجوهر فل جرم هففو أيضففا ً
مقدر بالتبعية .فإنا نعلم أنه ل توجد عشففرة أعففراض إل فففي عشففرة
جواهر ،ول يتصور أن يكون في عشففرين ،فتقففدير العففراض عشففرة
لزم بطريق التبعية لتقدير الجففواهر ،كمففا لففزم كففونه بجهففة بطريففق
التبعية .فإن قيل :فإن لم يكن مخصوصا ً بجهة فوق ،فما بال الوجوه
واليدي ترفع إلى السماء في الدعية شرعا ً وطبعًا ،ومففا بففاله صففلى
الله عليه وسلم قال للجارية الففتي قصففد إعتاقهففا فففأراد أن يسففتيقن
إيمانها أين الله فأشارت إلى السماء فقففال إنهففا مؤمنففة ؟ فففالجواب
عن الول أن هذا يضاهي قول القائل :إن لففم يكففن اللففه تعففالى فففي
الكعبة وهو بيته فما بالنا نحجه ونزوره ،وما بالنا نستقبله في الصلة
؟ وإن لم يكن في الرض ،فما بالنا نتذلل بوضع وجوهنا على الرض
في السجود ؟ وهذا هذيان .بل يقال :قصد الشرع مففن تعبففد الخلففق
بالكعبة في الصففلة ملزمففة الثبففوت فففي جهففة واحففدة ،فففإن ذلففك ل
محالة أقرب إلى الخشوع وحضور القلب من الففتردد علففى الجهففات،
ثم لما كانت الجهات متساوية مففن حيففث إمكففان السففتقبال خصففص
الله بقعففة مخصوصففة بالتشففريف والتعظيففم وشففرفها بالضففافة إلففى
نفسه واستمال القلوب إليها بتشريفه ليثيب على استقبالها ،فكذلك
السماء قبلة الدعاء ،كما أن الففبيت قبلففة الصففلة ،والمعبففود بالصففلة
والمقصود بالدعاء منزه عففن الحلففول فففي الففبيت والسففماء ثففم فففي
الشارة بالدعاء إلى السماء سر لطيف يعز مففن يتنبففه لمثففاله ،وهففو
أن نجاة العبد وفففوزه فففي الخففرة ،بففأن يتواضففع للففه تعففالى ويعتقففد
التعظيففم لربففه ،والتواضففع والتعظيففم عمففل القلففب ،وآلتففه العقففل.
والجوارح إنما استعملت لتطهير القلففب وتزكيتففه ،فففإن القلففب خلففق
خلقه يتأثر بالمواظبففة علففى أعمففال الجففوارح ،كمففا خلقففت الجففوارح
متأثرة لمعتقدات القلوب ،ولما كان المقصود أن يتواضع في نفسففه
بعقله وقلبه ،بأن يعرف قدره ليعرف بخسة رتبته في الوجففود لجلل
الله تعفالى وعلففوه ،وكفان مفن أعظففم الدلففة علففى خسففته الموجبفة
لتواضعه أنه مخلوق من تراب ،كلف أن يضع على التراب ،الذي هففو
أذل الشياء ،وجهه الذي هو أعز العضففاء ،ليستشففعر قلبففه التواضففع
بفعل الجبهة في مماستها الرض ،فيكون البدن متواضعا ً في جسمه
وشخصه وصورته بالوجه الممكن فيه وهففو معانقففة الففتراب الوضففيع
الخسيس ويكون العقففل متواضففعا ً لربففه بمففا يليففق بففه ،وهففو معرفففة
الضعة وسقوط الرتبة وخسة المنزلة عند اللتفات إلى ما خلق منه.
فكذلك التعظيم لله تعالى وضيعة على القلب فيها نجاته ،وذلك أيضا ً
ينبغففي أن تشففترك فيففه الجففوارح ،وبالقففدر الففذي يمكنففه أن تحمففل
الجففوارح ،وتعظيففم القلففب بالشففارة إلففى علففو الرتبففة علففى طريففق
المعرفة والعتقاد وتعظيم الجوارح بالشارة إلى جهة العلو الذي هو
أعلى الجهات وأرفعها فففي العتقففادات؛ ففإن غايفة تعظيفم الجارحففة
استعمالها في الجهات ،حتى أن من المعتاد المفهوم في المحاورات
أن يفصح النسان عن علو رتبة غيره وعظيففم وليتففه فيقففول :أمففره
في السماء السابعة ،وهو إنما ينبه على علو الرتبة ولكن يستعير لففه
علو المكان ،وقد يشير برأسففه إلففى السففماء فففي تعظيففم مففن يريففد
تعظيم أمره ،أي أمره فففي السففماء ،أي فففي العلففو وتكففون السففماء
عبففارة عففن العلففو ،فففانظر كيففف تلطففف الشففرع بقلففوب الخلففق
وجففوارحهم فففي سففياقهم إلففى تعظيففم اللففه وكيففف جهففل مففن قلففت
بصيرته ولم يلتفت إل إلففى ظففواهر الجففوارح والجسففام وغفففل عففن
أسرار القلوب واستغنائها في التعظيم عن تقدير الجهات ،وظففن أن
الصل ما يشار إليه بالجوارح ولم يعرف أن المظنة الولففى لتعظيففم
القلب وأن تعظيمه باعتقاد علو الرتبفة ل باعتقفاد علفو المكفان ،وأن
الجوارح في ذلك خدم وأتبففاع يخففدمون القلففب علففى الموافقففة فففي
التعظيم بقدر الممكن فيها ،ول يمكن في الجففوارح إل الشففارة إلففى
الجهات ،فهذا هفو السفر ففي رففع الوجفوه إلفى السفماء عنفد قصفد
التعظيم ،ويضاف إليه عند الدعاء أمر آخففر وهففو أن الففدعاء ل ينفففك
عن سففؤال نعمففة مففن نعففم اللففه تعففالى ،وخففزائن نعمففه السففموات،
وخزان أرزاقه الملئكة ومقرهم ملكوت السففموات وهففم الموكلففون
بالرزاق .وقد قال الله تعالى" :وفي السماء رزقكم ومففا توعففدون".
والطبع يتقاضى القبال بالوجه على الخزانة الففتي هففي مقففر الففرزق
المطلففوب ،فطلب الرزاق مفن الملففوك إذا أخففبروا بتفرقففة الرزاق
على باب الخزانة مالت وجوههم وقلوبهم إلى جهة الخزانة ،وإن لففم
يعتقدوا أن الملك في الخزانة فهذا هففو محففرك وجففوه أربففاب الففدين
إلففى جهففة السففماء طبع فا ً وشففرعًا .فأمففا العففوام فقففد يعتقففدون أن
معبودهم في السماء ،فيكون ذلك أحد أسباب إشاراتهم ،تعففالى رب
الرباب عما اعتقد الزائغون علوا ً كبير .وأما حكمه صلوات الله عليه
باليمان للجارية لما أشارت إلى السفماء ،فقففد انكشفف بفه أيضفا ً إذ
ظهر أن ل سبيل للخرس إلى تفهم علففو المرتبففة إل بالشففارة إلففى
جهة العلو ،فقد كانت خرساء كما حكي ،وقد كان يظن بها أنهففا مففن
عبدة الوثان ،ومففن يعتقففد الففه فففي بيففت الصففنام فاسففتنطقت عففن
معتقدها فعرفت بالشارة إلى السماء أن معبودها ليففس فففي بيففوت
الصففنام كمففا يعتقففدوه أولئك .فففإن قيففل فنفففي الجهففة يففؤدي إلففى
المحال ،وهو إثبات موجود تخلو عنه الجهات الست ويكون ل داخففل
العالم ول خارجه ول متصل ً به ،ول منفصل ً عنه ،وذلففك محففال ،قلنففا:
مسلم أن كل موجود يقبففل التصففال فوجففوده ل متص فل ً ول منفص فل ً
محال ،وإن كان موجود يقبففل الختصففاص بالجهفة فوجففوده مففع خلفو
الجهففات السففت عنففه محففال ،فإمففا موجففود ل يقبففل التصففال ،ول
الختصاص بالجهة فخلو عن طرفي النقيض غير محفال ،وهفو كقفول
القائل يستحيل موجود ل يكون عاجزا ً ول قادرا ً ول عالمففا ً ول جففاهل ً
فإن أحد المتضادين ل يخلففو الشففيء عنففه ،فيقففال لففه إن كففان ذلففك
الشيء قابل ً للمتضادين فيستحيل خلوه عنهما وأمففا الجمففاد الففذي ل
يقبل واحدا ً منهما لنه فقد شرطهما وهو الحياة ،فخلوه عنهما ليففس
بمحال .فكذلك شرط التصال والختصاص بالجهات التحيففز والقيففام
بالمتحيز .فإذا فقد هذا لم يستحل الخلق عن متضادته فرجففع النظففر
إذا ً إلى أن موجودا ً ليس بمتحيفز ،ول هفو ففي متحيفز ،بفل هفو فاقفد
شرط التصال ،والختصاص هل هو محال أم ل ؟ فإن زعففم الخصففم
أن ذلك محال وجوده فقد دللنا عليه بأنه مهمففا بففان ،أن كففل متحيففز
حففادث وأن كففل حففادث يفتقففر إلففى فاعففل ليففس بحففادث فقففد لففزم
بالضرورة مففن هففاتين المقففدمتين ثبففوت موجففود ليففس بمتحيففز .أمففا
الصلن فقد أتبتناهمففا وأمففا الففدعوى اللزمففة منهمففا فل سففبيل إلففى
جحدها مع القرار بالصلين .فإن قال الخصم إن مثل هففذا الموجففود
الذي ساق دليلكم إلى إثباته غير مفهوم ،فيقففال لففه مففا الففذي أردت
بقولك غير مفهوم فإن أردت به أنه غير متخيل ول متصور ول داخففل
في الوهم فقد صدقت ،فإنه ل يدخل في الوهم والتصور والخيال إل
جسم له لون وقدر ،فالمنفك عن اللون والقففدر ل يتصففوره الخيففال،
فإن الخيال قد أنففس بالمبصففرات فل يتففوهم الشففيء إل علففى وفففق
مرآه ول يستطيع أن يتوهم ما ل يوافقه .وإن أراد الخصم أنففه ليففس
بمعقول ،أي ليس بمعلوم بدليل العقل فهو محففاذ إذا قففدمنا الففدليل
علفى ثبفوته ول معنفى للمعقفول إل مفا اضفطر العقفل إلفى الذعفان
للتصديق به بموجب الدليل الذي ل يمكن مخالفته .وقد تحقففق هففذا،
فإن قال الخصم فما ل يتصور في الخيال ل وجود لففه ،فلنحكففم بففأن
الخيال ل وجود له في نفسه ،فإن الخيال نفسه ل يدخل في الخيففال
والرؤية ل تدخل في الخيال وكذلك العلم والقففدرة ،وكففذلك الصففوت
والرائحففة ولففو كلففف الففوهم أن يتحقففق ذاتفا ً للصففوت لقففدر لففه لونفا ً
ومقدارا ً وتصوره كذلك .وهكففذا جميففع أحففوال النفففس ،مففن الخجففل
والوجل والفسق والغضففب والفففرح والحففزن والعجففب ،فمففن يففدرك
بالضرورة هذه الحوال من نفسه ويسوم خياله أن يتحقق ذات هذه
الحوال فنجده يقصر عنه إل بتقدير خطفأ ثففم ينكففر بعففد ذلففك وجففود
موجود ل يدخل في خياله فهذا سبيل كشفف الغطففاء عففن المسفألة.
وقد جاوزنا حد الختصار ولكن المعتقدات المختصرة في هففذا الفففن
أراها مشتملة على الطناب في الواضحات والشروع فففي الزيففادات
الخارجة عن المهمات مع التساهل فففي مضففايق الشففكالت فرأيففت
نقل الطناب من مكان الوضوح ،إلى مواقع الغموض أهم وأولى.
الففدعوى الثامنففة :نففدعي أن اللففه تعففالى منففزه عففن أن يوصففف
بالستقرار على العرش ،فإن كل متمكن على جسم ومسففتقر عليففه
مقدر ل محالة فإنه أما أن يكون أكبر منه أو أصففغر أو مسففاويا ً وكففل
ذلك ل يخلو عن التقففدير ،وأنففه لففو جففاز أن يماسففه جسففم مففن هففذه
الجهة لجاز أن يماسه من سائر الجهات فيصير محاطا ً به والخصم ل
يعتقد ذلك بحفال وهففو لزم علففى مففذهبه بالضفرورة ،وعلففى الجملفة
يستقر على الجسم إل جسم ول يحففل فيففه إل عففرض وقففد بففان أنففه
تعالى ليس بجسم ول عففرض ،فل يحتففاج إلففى إقففران هففذه الففدعوى
بإقامة البرهان .فإن قيففل فمففا معنففى قففوله تعففالى" :الرحمففن علففى
العرش استوى" ؟ وما معنى قوله عليه السلم" :ينزل الّله كل ليلففة
إلى السماء الدنيا" قلنا الكلم على الظواهر الواردة في هففذا البففاب
طويل ولكن نذكر منهجا ً في هذين الظففاهرين يرشففد إلففى مففا عففداه
وهو أنا نقول :الناس ففي هفذا فريقفان عفوام وعلمفاء ،والفذي نفراه
اللئق بعوام الخلق أن ل يخاض بهم في هذه التأويلت بل ننزع عففن
عقائدهم كل ما يوجب التشبيه ويدل على الحففدوث ونحقففق عنففدهم
أنه موجود ليس كمثله شيء ،وهو السميع البصففير ،وإذا سففألوا عففن
معاني هذه اليات زجففروا عنهففا ،وقيففل ليففس هففذا بعشففكم فففادرجوا
فلكل علم رجال .ويجاب بما أجاب به مالك بن أنس رضي الله عنه،
بعففض السففلف حيففث سففئل عففن السففتواء ،فقففال :السففتواء معلففوم
والكيفية مجهولة ،والسؤال عنه بدعة ،واليمان به واجب ،وهففذا لن
عقول العوام ل تتسففع لقبففول المعقففولت ول إحففاطتهم باللغففات ول
تتسع لفهم توسيعات العرب في الستعارات .وأمففا العلمففاء فففاللئق
بهم تعريف ذلك وتفهمه ،ولست أقول أن ذلك فرض عين إذ لم يرد
به تكليف بل التكليف التنزيه عن كل ما تشبهه بغيففره .فأمففا معففاني
القرآن ،فلم يكلف العيان فهففم جميعهففا أصفل ً ولكففن لسففنا نرتضففي
قول من يقول ،أن ذلك من المتشابهات كحروف أوائل السور ،فففإن
حروف أوائل السور ليست موضوعة باصطلح سابق للعرب للدللة
على المعاني ،ومن نطق بحروف وهففن كلمففات لففم يصففطلح عليهففا،
فواجب أن يكون معناه مجهفول ً إل أن يعفرف مفا أردتفه ،ففإذا ذكفره
صارت تلك الحروف كاللغة المخترعة مففن جهتففه .وأمففا قففوله صففلى
الله عليه وسلم" :ينزل الّله تعالى إلى السماء الدنيا" ،فلفظ مفهوم
ذكر للتفهم وعلم أنه يسبق إلى الفهام منه المعنى الذي وضع له أو
المعنى الذي يستعار ،فكيف يقال إنه متشففابه بففل هففو مخيففل معنففى
خطأ عنفد الجاهفل ومفهفم معنفى صفحيحا ً عنفد العفالم ،وهفو كقفوله
تعالى" :وهو معكم أينمففا كنتففم" .فففإنه يخيففل عنففد الجاهففل اجتماعفا ً
مناقصا ً لكونه على العرش ،وعند العالم يفهم أنه مع الكل بالحاطففة
والعلم ،وكقوله صلى الله عليه وسلم" :قلب المففؤمن بيففن أصففبعين
من أصابع الرحمن" ،فإنه عند الجاهففل يخيففل عضففوين مركففبين مففن
اللحم والعظم والعصب مشتملين على النامل والظفار ،نابتين مففن
الكف ،وعند العالم يدل على المعنى المستعار له دون الموضوع لففه
وهو ما كان الصبع له ،وكان سر الصبع وروحه وحقيقته وهو القدرة
على التقليب كما يشاء ،كما دلت المعية عليه في قوله وهففو معكففم
على ما تراد المعية له وهو العلم والحاطة ولكن من شفائع عبففارات
العرب العبارة بالسبب عن المسففبب ،واسففتعارة السففبب للمسففتعار
ي شفبرا ً تقربفت إليفه ذراعفا ً ومفنمنه وكقوله تعالى" :من تقّرب إلف ّ
أتاني بمشي أتيته بهرولة" فإن الهرولة عند الجاهل تففدل علففى نقففل
القدام وشدة العدو وكذا التيان يدل علففى القففرب فففي المسففافة.؟
وعند العاقل يدل على المعنففى المطلففوب مفن قففرب المسففافة بيففن
الناس وهو قرب الكرامففة والنعففام وإن معنففاه أن رحمففتي ونعمففتي
أشد انصبابا ً إلى عبادي من طاعتهم إلي وهو كمففا قففال" :لقففد طففال
شوق البرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم لشد شوقًا" تعالى الله عمففا
يفهم من معنى لفظ الشوق بالوضع الذي هو نففوع ألففم وحاجففة إلففى
استراحة ،وهو عين النقص ولكن الشوق سبب لقبول المشتاق إليففه
والقبال عليه وإفاضة النعمة لديه فعبر به عن المسففبب ،وكمففا عففبر
بالغضففب والرضففى عففن إرادة الثففواب والعقففاب الففذين همففا ثمرتففا
الغضب والرضى ومسففبباه فففي العففادة .وكففذا لمففا قففال فففي الحجففر
السود إنه يمين الله فففي الرض يظففن الجاهففل انففه أراد بففه اليميففن
المقابل للشمال التي هي عضو مركب من لحم ودم وعظم منقسم
بخمسة أصابع ،ثم إنه إن فتح بصيرته علم أنه كان على العففرش ول
يكون يمينه في الكعبة ثم ل يكون حجرا ً أسود فيدرك بففأدنى مسففكة
أنه استعير للمصافحة ،فإنه يؤمر باستلم الحجر وتقففبيله كمففا يففؤمر
بتقبيل يمين الملك ،فاستعير اللفظ لذلك .والكامل العقل البصففير ل
تعظم عنده هذه المور ،بل يفهم معانيها على البديهة ،فلنرجففع إلففى
معنى الستواء والنزول؛ أما الستواء فهففو نسففبه للعففرش ل محالففة،
ول يمكن أن يكون للعرش إليه نسبة إل بكونه معلومفًا ،أو مفرادًا ،أو
مقففدورا ً عليففه ،أو محل ً مثففل محففل العففرض ،أو مكان فا ً مثففل مسففتقر
الجسم .ولكففن بعففض هففذه النسففبة تسففتحيل عقل ً وبعضففها ل يصففلح
اللفظ للستعارة به له ،فإن كان في جملة هففذه النسففبة ،مففع أنففه ل
نسبة سواها ،نسبة ل يخيلها العقل ول ينبو عنها اللفظ ،فليعلففم أنهففا
ل ،كما كان للجوهر والعرض ،إذا ً اللفففظ المراد إما كونه مكانا ً أو مح ً
يصلح له ولكن العقل يخيله كمففا سففبق ،وإمففا كففونه معلومفا ً ومففرادا ً
فالعقل ل يخيله ،ولكن اللفظ ل يصلح له ،وإمففا كففونه مقففدورا ً عليففه
وواقعا ً في قبضففة القففدرة ومسففخرا ً لففه مففع أنففه أعظففم المقففدورات
ويصلح الستيلء عليه لن يمتدح به وينبففه بففه علففى غيففره الففذي هففو
دونه في العظم ،فهذا مما ل يخيله العقل ويصلح له اللفففظ ،فففأخلق
بأن يكون هو المراد قطعًا ،أما صلح اللفظ لففه فظففاهر عنففد الخففبير
بلسان العرب ،وإنما ينبو عن فهم مثل هذا أفهففام المتطفليففن علففى
لغة العرب الناظرين إليها من بعد الملتفتين إليها التفات العرب إلى
لسان الترك حيث لم يتعلموا منها إل أوائلها ،فمن المستحسففن فففي
اللغة أن يقال استوى المير على مملكتففه ،حففتى قففال الشففاعر :قففد
استوى بشير على العراق=من غير سيف ودم مهففراق ولففذلك قففال
بعض السلف رضي الله عنهم :يفهم من قوله تعالى "الرحمن علففى
العرش استوى" ما فهم من قوله تعففالى "ثففم اسففتوى إلففى السففماء
وهي دخان" .وأما قوله صلى الله عليه وسلم "ينزل الّله تعالى إلففى
السماء الدنيا" فللتأويل فيه مجال من وجهين :أحففدهما ،فففي اضففافة
النزول إليه وأنه مجاز ،وبالحقيقة هو مضاف إلى ملك مففن الملئكففة
كما قال تعالى "واسأل القرية" والمسففؤول بالحقيقففة أهففل القريففة.
وهذا أيضا ً من المتداول في اللسنة ،أعني إضافة أحوال التففابع إلففى
المتبوع ،فيقال :ترك الملك علففى بففاب البلففد ،ويففراد عسففكره ،فففإن
المخبر بنزول الملك على باب البلد قد يقال له هل خرجففت لزيففارته
فيقول ل ،لنه عرج في طريقه على الصيد ولم ينزل بعففد ،فل يقففال
له فلم نزل الملك والن تقول لم ينزل بعد ؟ فيكففون المفهففوم مففن
نزول الملك نففزول العسففكر ،وهففذا جلففي واضففح .والثففاني ،أن لفففظ
النزول قد يستعمل للتلطف والتواضع في حق الخلق كمففا يسففتعمل
الرتفاع للتكبر ،يقال فلن رفع رأسه إلففى عنففان السففماء ،أي تكففبر،
ويقال ارتفع إلى أعلى عليين ،أي تعظم؛ وإن عل أمره يقففال :أمففره
في السماء السففابعة؛ وفففي معارضففته إذا سففقطت رتبتففه يقففال :قففد
هوى به إلى أسفل السافلين؛ وإذا تواضففع وتلطففف لففه تطففامن إلففى
الرض ونزل إلى أدنى الدرجات .فإذا فهم هذا وعلم أن النزول عففن
الرتبة بتركها أو سقوطها وفي النزول عففن الرتبففة بطريففق التلطففف
وترك العقل الذي يقتضيه علو الرتبة وكمال الستغناء ،فبالنظر إلففى
هذه المعاني الثلثة التي يتردد اللفظ بينها ما الذي يجففوزه العقففل ؟
أما النزول بطريق النتقال فقد أحاله العقل كما سبق ،فففإن ذلففك ل
يمكن إل في متحيز ،وأما سقوط ا
لرتبة فهو محال لنه سبحانه قففديم بصفففاته وجللففه ول يمكففن زوال
علففوه ،وأمففا النففزول بمعنففى اللطففف والرحمففة وتففرك الفعففل اللئق
بالستغناء وعدم المبالة فهو ممكن ،فيتعين التنزيل عليه ،وقيل إنففه
لما نزل قوله تعالى" :رفيع الدرجات ذو العرش" استشعر الصففحابة
رضففوان اللففه عليهففم مفن مهابففة عظيمففة واسففتبعدوا النبسففاط فففي
السؤال والدعاء مع ذلك الجلل ،فأخبروا أن الله سبحانه وتعالى مع
عظمة جلله وعلو شأنه متلطف بعباده رحيم بهم مستجيب لهم مففع
الستغناء إذا دعوه ،وكانت استجابة الدعوة نففزول ً بالضففافة إلففى مففا
يقتضيه ذلك الجلل مففن السففتغناء وعففدم المبففالة ،فعففبر عففن ذلففك
بالنزول تشجيعا ً لقلففوب العبففاد علففى المباسففطة بالدعيففة بففل علففى
الركوع والسجود ،فإن من يستشعر بقففدر طففاقته مبففادئ جلل اللففه
تعالى استبعد سجوده وركوعه ،فإن تقرب العباد كلهم بالضافة إلى
جلل الله سبحانه أحس من تحريك العبففد أصففبعا ً مففن أصففابعه علففى
قصد التقرب إلى ملك من ملففوك الرض ،ولففو عظففم بففه ملك فا ً مففن
الملوك لستحق به التوبيخ ،بل من عفادة الملفوك زجفر الرزال عفن
الخدمة والسجود بين أيديهم والتقبيل لعتبففة دورهففم اسففتحقارا ً لهففم
عن الستخدام وتعاظم فا ً عففن اسففتخدام غيففر المففراء والكففابر ،كمففا
جففرت بففه عففادة بعففض الخلفففاء .فلففول النففزول عففن مقتضففى الجلل
باللطف والرحمة والستجابة لقتضى ذلك الجلل أن يبهففت القلففوب
عن الفكر ،ويخرس اللسنة عن الذكر ،ويخمد الجوارح عن الحركة،
فمن لحظ ذلففك الجلل وهففذا اللطففف اسففتبان لففه علففى القطففع أن
عبارة النففزول مطابقففة للجلل ومطلقففة فففي موضففوعها ل علففى مففا
فهمه الجهال؛ فإن قيل فلم خصص السماء الدنيا ؟ قلنا :هففو عبففارة
عن الدرجة الخيرة التي ل درجة بعدها ،كما يقال سقط إلففى الففثرى
وارتفع إلى الثريا ،على تقدير أن الثريا أعلى الكواكب والثرى أسفل
المواضع .فإن قيل :فلم خصص بالليالي ،فقال ينزل كل ليلة ؟ قلنا:
لن الخلوات مظنفة الفدعوات والليفالي أعفدت لفذلك ،حيفث يسفكن
الخلق وينمحي عن القلوب ذكرهم ،ويصفوا لفذكر اللفه تعفالى قلفب
الداعي ،فمثل هذا الففدعاء هففو المرجففو السففتجابة ل مففا يصففدر عففن
غفلة القلوب عند تزاحم الشتغال.
الففدعوى التاسففعة :نففدعي أن اللففه سففبحانه وتعففالى مففرئي ،خلف فا ً
للمعتزلة ،وإنما أوردنا هذه المسألة فففي القطففب الموسففوم بففالنظر
في ذات الله سبحانه وتعالى لمرين :أحدهما أن ننفففي الرؤيففة عمففا
يلزم على نفي الجهة ،فأردنا أن نففبين كيففف يجمففع بيففن نفففي الجهففة
وإثبات الرؤيففة .والثففاني أنففه سففبحانه وتعففالى عنففدنا مففرئي لوجففوده
ووجود ذاته ،فليس ذلك إل لففذاته ،فففإنه ليففس لفعلففه ول لصفففة مففن
الصفات ،بل كل موجود ذات فواجب أن يكون مرئيًا ،كما أنه واجففب
أن يكون معلومًا ،ولست أعني به أنه واجب أن يكون معلوما ً ومرئيا ً
بالفعل بل بالقوة ،أي هو من حيث ذاته له ،فإن امتنع وجففود الرؤيففة
فلمر آخر خارج عن ذاته ،كما نقففول :المففاء الففذي فففي النهففر مففرو،
والخمر الذي في الدن مسكر ،وليس كذلك لنه يسففكر ويففروي عنففد
الشرب ولكن معناه أن ذاته مسففتعدة لففذلك فففإذا فهففم المففراد منففه
فالنظر في طرفين :أحدهما في الجواز العقلي ،والثاني في الوقففوع
الذي ل سبيل إلى دركه إل بالشرع ،ومهما دل الشرع علففى وقففوعه
فقد دل أيضفا ً ل محالفة علفى جفوازه ولكنففا نفدل بمسفلكين واقعيفن
عقليين على جوازه .المسلك الول ،هو أنا نقول أن البففاري سففبحانه
موجود وذات ،وله ثبوت وحقيقة ،وإنما يخالف سائر الموجودات في
استحالة كونه حادثا ً أو موصوفا ً بما يدل على الحففدوث ،أو موصففوفا ً
بصفة تناقض صفات اللهية من العلففم والقففدرة وغيرهمففا .فكففل مففا
يصح لموجود فهو يصح في حقه تعالى إن لم يدل على الحدوث ولم
يناقض صفة من صفاته .والدليل عليه تعلق العلم بففه؛ فففإنه لمففا لففم
يؤد إلى تغير في ذاته ول إلى مناقضة صفففاته ول إلففى الدللففة علففى
الحدوث ،سوى بينه وبين الجسام والعراض في جواز تعلففق العلففم
بذاته وصفاته .والرؤية نوع علم ل يوجب تعلقه بففالمرئي تغيففر صفففة
ول يدل على حدوث ،فوجب الحكم بها على كل موجود ،فففإن قيففل:
فكونه مرئيا ً يوجب كونه بجهففة وكففونه بجهففة يففوجب كففونه عرضفا ً أو
جوهرا ً وهو محال ،ونظم القياس أنه إن كففان مرئيفا ً فهففو بجهففة مففن
الرأي وهذا اللزم محففال فالمفضففي إلففى الرؤيففة محففال .قلنففا :أحففد
الصلين من هففذا القيففاس مسففلم لكففم ،وهففو أن هففذا اللزم محففال،
ولكن الصل الول وهو ادعاء هذا اللزم على اعتقاد الرؤية ممنففوع.
فنقول لم قلتم إنه إن كان مرئيا ً فهو بجهة من الرأي ،أعلمتففم ذلففك
بضرورة ،أم بنظر ؟ ول سبيل إلى دعوى الضرورة ،وأمففا النظففر فل
بد من بيانه ،ومنتهاهم أنهم لم يروا إلى الن شيئا ً إل وكان بجهة من
الرأي مخصوصة ،فيقال :وما لم يففر فل يحكففم باسففتحالته ،ولففو جففاز
هذا لجاز للمجسم أن يقول إنه تعالى جسم ،لنه فاعل ،فإننا لم نففر
إلى الن فاعل ً إل جسمًا .أو يقول إن كان فففاعل ً وموجففودا ً فهففو إمففا
داخل العالم وإما خارجه ،وإما متصففل وإمففا منفصففل ،ول تخلففو عنففه
الجهات الست ،فإنه لم يعلم موجود إل وهو كففذلك فل فضففل بينكففم
وبين هؤلء .وحاصله يرجع إلى الحكم بأن ما شوهد وعلم ينبغففي أن
ل يعلم غيره إل على وفقه ،وهو كمفن يعلفم الجسفم وينكفر العفرض
ويقول :لو كان موجودا ً لكان يختص بحيففز ويمنففع غيففره مففن الوجففود
بحيث هو كالجسم .ومنشأ هذا إحالة موجودات اختلف الموجففودات
في حقائق الخواص مع الشففتراك فففي أمففور عامففة .وذلففك بحكففم ل
أصل له ،على أن هؤلء ل يغفل عن معارضتهم بأن الله يففرى نفسففه
ويرى العالم وهو ليس بجهة من نفسه ول من العالم ،فإذا جاز ذلففك
فقد بطل هذا الخيال .وهذا مما يعترف به أكففثر المعتزلففة ول نخففرج
عنه لمففن اعففترف بففه ومففن أنكففر منهففم فل يقففدر علففى انكففار رؤيففة
النسان نفسه في المرآة ،ومعلوم أنه ليس في مقابلففة نفسففه فففإن
زعموا أنه ل يرى نفسه وإنما يرى صففورة محاكيففة لصففورته منطبعففة
فففي المففرآة انطبففاع النفففس فففي الحففائط ،فيقففال إن هففذا ظففاهر
الستحالة :فإن من تباعد عن مرآة منصوبة في حائط بقدر ذراعيففن
يرى صورته بعيدة عن جرم المرآة بففذراعين ،وإن تباعففد بثلثففة أذرع
فكذلك .فالبعيد عن المرآة بذراعين كيف يكون منطبعا ً فففي المففرآة
وسمك المرآة ربما ل يزيد على سمك شعيرة ؟ فإن كففانت الصففورة
في شيء وراء المرآة فهو محفال ،إذ ليفس وراء المفرآة إل جفدار أو
هواء أو شخص آخر هو محجوب عنه ،وهو ل يففراه .وكففذا عففن يميففن
المرآة ويسارها وفوقهففا وتحتهففا وجهففات المففرآة السففت ،وهففو يففرى
صورة بعيدة عن المرآة بذراعين ،فلنطلب هذه الصورة من جففوانب
المرآة :فحيففث وجففدت فهففو المففرئي ول وجففود لمثففل هففذه الصففورة
المرئية في الجسام المحيطة بالمرآة إل فففي جسففم والنففاظر ،فهففو
المففرئي إذا ً بالضففرورة .وقففد تطلففب المقابلففة والجهففة ول ينبغففي أن
تسففتحقر هففذا اللففزام فففإنه ل مخففرج للمعتزلففة عنففه ،ونحففن نعلففم
بالضرورة أن النسان لو لم يبصر نفسه قط ول عرف المرآة وقيففل
له أن يمكن أن تبصر نفسك في مففرآة الحكففم بفأنه محففال ،وقففال ل
يخلو إما أن أرى نفسففي وأنففا فففي المففرآة فهففو محففال ،أو أرى مثففل
صورتي في جرم المرآة وهو محال ،أو فففي جففرم وراء المففرآة وهففو
محال ،أو المرآة في نفسها صففورة وللجسففام المحيطففة بهففا جسففم
صور ،ول تجتمع صورتان فففي جسففم واحففد إذ محففال أن يكففون فففي
جسم واحد صورة إنسان وديد وحففائط وإن رأيففت نفسففي حيففث أنففا
فهو محال ،إذ لست في مقابلة نفسي فكيف أرى نفسي ،ول بد بين
المقابلة بين الرائي والمرئي وهففذا التقسففيم صففحيح عنففد المعففتزلي
ومعلوم أنه باطل ،وبطلنه عندنا لقوله إني لست في مقابلة نفسي
فل أراهففا وإل فسففائر أقسففام كلمففه صففحيحة ،فبهففذا يسففتبين ضففيق
حوصلة هؤلء عن التصديق بما لم يفألفوه ولفم تفأنس بفه حواسفهم.
المسلك الثاني ،وهو الكشف البالغ أن تقول إنما أنكر الخصم الرؤية
لنه لم يفهم ما تريففده بالرؤيففة ولففم يحصففل معناهففا علففى التحقيففق،
وظن أنا نريد بها حالة تساوي الحالة التي يدركها الففرأي عنففد النظففر
إلى الجسام واللوان وهيهات ! فنحففن نعففترف باسففتحالة ذلففك فففي
حق اللفه سففبحانه ،ولكفن ينبغففي أن نحصففل معنفى هفذا اللففظ فففي
الموضع المتفق ،ونسبكه ثم نحذف منه مففا يسففتحيل فففي حففق اللففه
سبحانه وتعالى ،فإن نفي من معانيه معنى لم يستحل في حق اللففه
سبحانه وتعالى وأمكن أن يسمى ذلك المعنى رؤيففة حقيقففة ،أثبتنففاه
في حق الله سبحانه وقضينا بأنه مرئي حقيقة ،وإن لففم يكففى إطلق
اسففم الرؤيففة عليففه إل بالمجففاز أطلقنففا اللفففظ عليففه بففإذن الشففرع
واعتقدنا المعنى كما دل عليه العقل .وتحصيله ،أن الرؤية تدل علففى
معنى له محل وهو العين ،وله متعلففق وهففو اللففون والقففدر والجسففم
وسائر المرئيات ،فلننظر إلففى حقيقففة معنففاه ومحلففه ،وإلففى متعلقففه
ولنتأمل أن الركن من جملتها في إطلق هذا السم ما هففو ،فنقففول:
أما المحل فليس بركن في صحة هففذه التسففمية ،فففإن الحالففة الففتي
ندركها بالعين من المرئي لففو أدركناهففا بففالقلب أو بالجبهففة مثل ً لكنففا
نقول قد رأينا الشيء وأبصرناه وصدق كلمنا ،فإن العين محل وآلففة
ل تراد لعينها بل لتحل فيه هففذه الحالففة ،فحيففث حلففت الحالففة تمففت
الحقيقة وصح السم .ولنا أن نقول علمنا بقلبنا أو بدماغنا إن أدركنففا
الشيء بففالقلب ،أو بالففدماغ إن أدركنففا الشففيء بالففدماغ ،وكففذلك إن
أبصرنا بالقلب أو بالجبهة أو بالعين .وأما المتعلق بعينه فليففس ركن فا ً
في إطلق هذا السم وثبففوت هففذه الحقيقفة .فففإن الرؤيففة لفو كففانت
رؤية لتعلقهففا بالسففواد لمففا كففان المتعلففق بالبيففاض رؤيففة ،ولففو كففان
لتعلقها باللون لمففا كففان المتعلففق بالحركففة رؤيففة ،ولففو كففان لتعلقهففا
بالعرض لما كان المتعلق بالجسم رؤيففة ،فففدل أن خصففوص صفففات
المتعلق ليس ركنفا ً لوجففود هففذه الحقيقففة ،وإطلق هففذا السففم ،بففل
الركن فيه من حيث أنه صفة متعلقة أن يكففون لهففا متعلففق موجففود؛
أي موجود كان وأي ذات كان .فإذا ً الركن الذي السم مطلففق عليففه
هو المر الثففالث وهففو حقيقففة المعنففى مففن غيففر التفففات إلففى محلففه
ومتعلقه ،فلنبحث عن الحقيقة مففا هففي ،ول حقيقففة لهففا إل أنهففا نففوع
إدراك هففو كمففال ومزيففد كشففف بالضففافة إلففى التخيففل ،فإنففا نففرى
الصديق مثل ً ثم نغمض العيفن فتكففون صفورة الصفديق حاضففرة ففي
دماغنا على سبيل التخيففل والتصففور ،ولكنففا لففو فتحنففا البصففر أدركنففا
تفرقته ول ترجع تلك التفرقة إلى إدراك صففورة أخففرى مخالفففة لمففا
كانت في الخيال بل الصففورة المبصففرة مطابقففة للمتخيلففة مففن غيففر
فرق وليس بينهمففا افففتراق ،إل أن هففذه الحالففة الثانيففة كالسففتكمال
لحالة التخيل ،وكالكشف لها ،فتحدث فيها صورة الصففديق عنففد فتففح
البصر حدوثا ً أوضح وأتم وأكمففل مفن الصففورة الجاريففة فففي الخيففال.
والحادثة في البصر بعينها تطابق بيان الصورة الحادثففة فففي الخيففال،
فإذا ً التخيل نوع إدراك على رتبة ،ووراءه رتبففة أخففرى هففي أتففم منففه
في الوضوح والكشف ،بل هي كالتكميل له ،فنسمي هذا الستكمال
بالضافة إلى الخيال رؤية وإبصارًا ،وكففذا مففن الشففياء مففا نعلمففه ول
نتخيله وهو ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته ،وكل مففا ل صففورة لففه،
أي ل لون له ول قدر مثل القدرة والعلم والعشق والبصار والخيال؛
فإن هذه أمور نعلمها ول نتخيلها والعلم بها نففوع إدراك فلننظففر هففل
يحيل العقل أن يكون لهذا الدراك مزيد استكمال نسبته إليففه نسففبة
البصففار إلففى التخيففل؛ فففإن كففان ذلففك ممكنفا ً سففمينا ذلففك الكشففف
والستكمال بالضافة إلى العلففم رؤيففة ،كمففا سففميناه بالضففافة إلففى
التخيففل رؤيففة .ومعلففوم أن تقففدير هففذا السففتكمال فففي الستيضففاح
والستكشفاف غيفر محففال ففي الموجفودات المعلومفة الفتي ليسففت
متخيلففة كففالعلم والقففدرة وغيرهمففا ،وكففذا فففي ذات اللففه سففبحانه
وصفاته ،بل نكاد ندرك ضرورة من الطبع أنففه يتقاضففى طلففب مزيففد
استيضاح في ذات الله وصفاته وفي ذوات هففذه المعففاني المعلومففة
كلها .فنن نقول إن ذلك غير محال فإنه ل محيل له بل العقففل دليففل
على إمكانه بففل علففى اسففتدعاء الطبففع لففه .إل أن هففذا الكمففال فففي
الكشففف غيففر مبففذول فففي هففذا العففالم ،والنفففس فففي شففغل البففدن
وكدورة صفائه ،فهو مجوب عنففه .وكمففا ل يبعففد أن يكففون الجفففن أو
الستر أو سواد ما في العين سببا ً بحكم اطراد العادة لمتناع البصار
للمتخيلت فل يبعد أن تكون كدورة النفس وتراكففم حجففب الشففغال
بحكم اطراد العادة مانعا ً من إبصار المعلومففات .فففإذا بعففثر مففا فففي
القبور وحصل ما في الصففدور ،وزكيففت القلففوب بالشففراب الطهففور،
وصفيت بأنوع التصفية والتنقية ،لم يمتنع أن تشففتغل بسففببها لمزيففد
استكمال واستيضاح في ذات الله سبحانه أو في سائر المعلومففات،
يكون ارتفاع درجته عن العلم المعهففود كارتفففاع درجففة البصففار عففن
التخيل ،يعبر عن ذلك بلقاء الله تعالى ومشاهدته أو رؤيته أو إبصاره
أو ما شئت من العبارات .فل مشاحة فيها وبعد إيضاح المعاني .وإذا
كان ذلك ممكنا ً بأن خلقت هذه الحالة في العين ،كففان اسففم الرؤيففة
بحكم وضع اللغة عليه أصدق وخلقه في العيففن غيففر مسففتحيل .كمففا
أن خلقها في القلب غير مستحيل فإذا فهم المراد بمففا أطلقففه أهففل
الحق من الرؤية ،علم أن العقل ل يحيله بل يوجبه ،وأن الشففرع قففد
شهد له فل يبقى للمنازعة وجه إل علففى سففبيل العنففاد أو المشففاحنة
في إطلق عبارة الرؤية أو القصور عن درك هففذه المعففاني الدقيقففة
التي ذكرناها .ولنقتصر في هففذا المففوجز علففى هففذا القففدر .الطففرف
الثاني في وقففوعه شففرعًا .وقففد دل الشففرع علففى وقففوعه ومففداركه
كثيرة ،ولكثرتها يمكن دعوى الجماع على الولين في ابتهففالهم إلففى
الله سبحانه في طلب لذة النظر إلى وجهه الكريم .ونعلم قطعا ً من
عقائدهم أنهم كانوا ينتظرون ذلك وأنهم كانوا قد فهموا جواز انتظار
ذلك وسؤاله من الله سبحانه ،بقرائن أحوال رسول الله صففلى اللففه
عليه وسلم وجملة من ألفاظه الصريحة التي ل تففدخل فففي الحضففر،
بالجماع الذي يدل على خروج المدارك عن الحصر .ومن أقففوى مففا
يدل عليه سؤال موسى صلى الله عليه وسلم أرني أنظر إليك فففإنه
يستحيل أن يخفى عن نبي من أنبياء الله تعففالى انتهففى منصففبه إلففى
أن يكلمه الله سبحانه شفاها ً أن يجهل مففن صفففات ذاتففه تعففالى مففا
عرفه المعتزلة .وهذا معلوم على الضرورة ،فإن الجهل بكونه ممتنع
الرؤية عند الخصم يوجب التفكير أو التضليل وهو جهففل بصفففة ذاتففه
لن استحالتها عندهم لذاته ولنه ليس بجهة فكيف لم يعرف موسى
عليه أفضل الصلة أنه ليس بجهة ،أو كيف عرف أنه ليس بجهة ولم
يعرف أن رؤية مفا ليففس بجهففة محففال ؟ فليففت شفعري مفاذا يضفمر
الخصم ويقدره من ذهول موسففى صففلى اللففه عليففه وسففلم ،أيقففدره
معتقدا ً أنففه جسففم فففي جهففة ذو لففون ،واتهففام النبيففاء صففلوات اللففه
سبحانه وتعالى عليهم وسلمه كفر صراح ،فإنه تكفيففر للنففبي صففلى
الله عليه وسلم ،فإن القائل بففأن اللففه سففبحانه جسففم وعابففد الففوثن
والشمس واحد ! أو يقول علم استحالة كونه بجهة ،ولكنه لففم يعلففم
أن ما ليس بجهة فل يرى ،وهذا تجهيل للنبي عليه أفضل السلم لن
الخصم يعتقد أن ذلك من الجليات ل من النظريات .فففأنت الن أيهففا
المسترشد مخير من أن تميففل إلففى تجهيففل النففبي صففلى اللففه عليففه
وسلم تسليمًا ،أو إلى تجهيل المعتزلي ،فاختر لنفسك مففا أليففق بففك
والسلم .فإن قيل :إن دل هذا لكم فقد دل عليكم ،لسففؤاله الرؤيففة
في الدنيا ودل عليكم قوله تعالى "لن تراني" ودل قوله سففبحانه "ل
تدركه البصار" .قلنا :أما سؤاله الرؤيففة فففي الففدنيا فهففو دليففل علففى
عدم معرفته بوقوع وقففت مففا هففو جففائز فففي نفسففه ،والنبيففاء كلهففم
عليهم أفضل السلم ل يعرفون من الغيب إل ما عرفوا ،وهو القليل،
فمن أين يبعد أن يدعو النبي عليه أفضل السلم كشف غمففة وإزالففة
بلية وهو يرتجي الجابة في وقففت لففم تسففبق فففي علففم اللففه تعففالى
الجابة فيه .وهذا من ذلك الفن .وأما قوله سبحانه "لن تراني" فهففو
دفع لما التمسه ،وإنما التمس في الخرة ،فلو قال أرني انظر إليففك
في الخرة ،فقال لن تراني ،لكان ذلك دليل ً على نفي الرؤية ،ولكففن
في حق موسى صلوات الله سبحانه وسلمه عليه فففي الخصففوص ل
على العموم .وما كان أيضا ً دليل ً على الستحالة ،فكيف وهففو جففواب
عن السؤال في الحال ؟ وأما قوله ل تدركه البصار أي ل تحيففط بففه
ول تكتنفه من جوانبه كما تحيط الرؤية بالجسام ،وذلك حففق ،أو هففو
عام فأريد بة في الدنيا ،وذلك أيضا ً حق ،وهو ما أراده بقوله سبحانه
"لن تراني" في الدنيا .ولنقتصر على هذا القدر في مسففألة الرؤيففة،
ولينظر المنصف كيف افترقت الفرق وتحزبت إلى مفرط ومفففرط.
أما الحشوية فإنهم لم يتمكنوا من فهم موجود إل ففي جهفة ،ففأثبتوا
الجهففة حففتى ألزمتهففم بالضففرورة الجسففمية والتقففدير والختصففاص
بصفات الحدوث .وأما المعتزلة وفانهم نفوا الجهة ولم يتمكنففوا مففن
إثبات الرؤية دونها ،وخالفوا به قواطع الشرع ،وظنوا أن فففي إثباتهففا
إثبفات الجهفة ،فهفؤلء تغلغلفوا ففي التنزيفه محفترزين مفن التشفبيه،
ففأفرطوا .والحشفوية أثبتفوا الجهفة احفترازا ً مفن التعطيفل فشفبهوا،
فوقف الله سففبحانه أهففل السففنة للقيففام بففالحق ،فتفطنففوا للمسففلك
القصد وعرفففوا أن الجهففة منقيففة لنهففا للجسففمية تابعففة وتتمففة ،وأن
الرؤيففة ثابتفة لنهفا رديففف العلففم وفريقففه ،وهففي تكملففة لفه؛ فانتفففاء
الجسمية أوجب انتفاء الجهة التي من لوازمها .وثبوت العلففم أوجففب
ثبففوت الرؤيففة الففتي هففي مففن روادفففه وتكملتففه ومشففاركة لففه فففي
خاصيته ،وهي أنها ل توجب تغييرا ً فففي ذات المففرئي ،بففل تتعلففق بففه
على ما هو عليه كالعلم .ول يخفى عن عاقففل أن هففذا هففو القتصففاد
في العتقاد.
الدعوى العاشرة :ندعي أنه سبحانه واحففد .فففإن كففونه واحففدا ً يرجففع
إلى ثبوت ذاته ونفي غيفره ،فليفس هفو نظفر ففي صففة زائدة علفى
الذات ،فوجب ذكره فففي هففذا القطففب .فنقففول :الواحففد قففد يطلففب
ويراد به أنففه ل يقبففل القسففمة ،أي ل كميففة لففه ول جففزء ول مقففدار،
والباري تعالى واحد بمعنى سفلب الكميففة المصففححة للقسفمة عنفه؛
فإنه غير قابل للنقسام .إذ النقسام لما له كمية ،والتقسيم تصففرف
في كمية بالتفريق والتصغير ،وما ل كمية له ل بتصور انقسامه .وقد
يطلق ويراد أنه ل نظير لفه ففي رتبتفه كمفا تقفول الشفمس واحففدة،
والباري تعالى أيضا ً بهذا المعنى واحد؛ فإنه ل ند له .فأما انففه ل ضففد
له فظاهرًا ،إذ المفهوم من الضد هو الذي يتعاقب مع الشففيء علففى
محل واحد ول تجامع وما ل محل له فل ضد لففه ،والبففاري سففبحانه ل
محل له فل ضد له .وأما قولنا ل ند لففه ،نعنففي بففه أن مففا سففواه هففو
خالقه ل غير ،وبرهانه أنففه لففو قففدر لففه شففريك لكففان مثلففه فففي كففل
الوجوه أو أرفع منه أو كان دونه .وكل ذلففك محففال .فالمفضففي إليففه
محال ،ووجه استحالة كففونه مثلفه مفن كفل وجففه أن كففل اثنيفن همففا
متغايران ،فإن لم يكن تغاير لم تكن الثنينية معقولففة ،فإنففا ل نعقففل
سوادين إل في محلين ،أو في محل واحد في وقتين ،فيكون أحدهما
مفارقا ً للخر ومباينا ً له ومغففايرا ً إمفا ففي المحفل وإمففا ففي الفوقت،
والشيئان تارة يتغايران بتغاير الحد والحقيقة ،كتغاير الحركة واللففون
فإنهما وإن اجتمعا في محل واحففد فففي وقففت واحففد فهمففا اثنففان ،إذ
أحدهما مغاير للخر بحقيقته ،فإن استوى اثنان فففي الحقيقففة والحففد
كالسوادين ،فيكون الفرق بينهما إما في المحل أو في الزمان؛ فففإن
فرض سوادان مثل ً في جوهر واحد في حالة واحدة كان محال ً إذ لم
تعرف الثنينية .ولو جاز أن يقال هما اثنان ول مغايرة ،لجاز أن يشار
إلى إنسففان واحففد ويقففال أنففه انسففانان بففل عشففرة وكلهففا متسففاوية
متماثلة في الصفففة والمكففان وجميففع العففوارض واللففوازم ،مففن غيففر
فرقان ،وذلك محال بالضرورة ،فإن كان ند الله سبحانه متساويا ً لففه
في الحقيقة والصفات استحال وجوده ،إذ ليس مغايره بالمكان إذ ل
مكان ول زمان فإنهما قديمان ،فإذا ً ل فرقان ،وإذا ارتفففع كففل فففرق
ارتفع العففدد بالضففرورة ،ولزمففت الوحففدة .ومحففال أن يقففال يخففالفه
بكففونه أرفففع منففه .فففإن الرفففع هففو اللففه واللففه عبففارة عففن أجففل
الموجودات وأرفعها ،والخر المقدر ناقص ليففس بففالله .ونحففن إنمففا
نمنع العدد في الله ،والله هو الذي يقال فيففه بففالقول المطلففق أنففه
ل ،لنففه نففاقصأرفع الموجودات وأجلها .وإن كان أدنى منه كان محففا ً
ونحن نعبر بالله عففن أجففل الموجففودات فل يكففون الجففل إل واحففدًا،
وهو الله ول يتصور اثنففان متسففاويان فففي صفففات الجلل ،إذ يرتفففع
عند ذلك الفتراق ويبطل العدد كمففا سففبق .فففإن قيففل :بففم تنكففرون
على من ل ينازعكم في إيجاد من يطلق عليه اسم الله ،مهمفا كففان
الله ،عبارة عن أجل الموجودات ،ولكنففه يقففول العففالم كلففه بجملتففه
ليس بمخلوق خالق واحد ،بل هو مخلوق خالقين ،أحدهما مثل ً خالق
السففماء والخففر خففالق الرض ،أو أحففدهما خففالق الجمففادات والخففر
خالق الحيوانات وخالق النبات :فما المحيل لهذا ؟ فإن لم يكن على
استحالة هذا دليل ،فمن أين ينفعكم قولكم أن اسففم اللففه ل يطلففق
علففى هففؤلء ؟ فففإن هففذا القففائل يعففبر بففالله عففن الخففالق ،أو يقففول
أحدهما خالق الخير والخر خففالق الشففر ،أو أحففدهما خفالق الجففواهر
والخر خالق العراض ،فل بد من دليل على استحالة ذلففك .فنقففول:
يففدل علففى اسففتحالة ذلففك أن هففذه التوزيعففات للمخلوقففات علففى
الخالقين في تقففدير هففذا السففائل ل تعففدو قسففمين :إمففا أن تقتضففي
تقسيم الجواهر والعراض جميعا ً حتى خلق أحدهما بعففض الجسففام
والعففراض دون البعففض ،أو يقففال كففل الجسففام مففن واحففد وكففل
العراض من واحد ،وباطل أن يقال إن بعض الجسام بخلقهففا واحففد
كالسماء مثل ً دون الرض؛ فإنا نقول خالق السماء هل هو قادر على
خلق الرض أم ل ،فإن كففان قففادرا ً كقففدرته ،لففم يتميففز أحففدهما فففي
القدرة عن الخر ،فل يتميز في المقدور عن الخر فيكففون المقففدور
بين قادرين ول تكون نسبته إلى أحففدهما بففأولى مففن الخففر ،وترجففع
الستحالة إلى ما ذكرناه من تقدير تزاحم متمففاثلين مفن غيفر فففرق،
وهو محال .وإن لم يكن قادرا ً عليه فهو محال لن الجففواهر متماثلففة
وأكوانها التي هي اختصاصات بالحياز متماثلة ،والقادر على الشففيء
قففادر علففى مثلففه إذ كففانت قففدرته قديمففة بحيففث يجففوز أن يتعلففق
بمقففدورين وقففدرة كففل واحففد منهمففا تتعلففق بعففدة مففن الجسففام
والجواهر ،فلم تتقيد بمقدور واحد .وإذا جاوز المقففدور الواحففد علففى
خلف القدرة الحادثة ،لم يكن بعض العففداد بففأولى مففن بعففض ،بففل
يجب الحكم بنفي النهاية عففن مقففدوراته ويففدخل كففل جففوهر ممكففن
وجوده فففي قففدرته .والقاسففم الثففاني أن يقففال :أحففدهما يقففدر علففى
الجوهر والخر على العراض وهما مختلفان ،فل تجففب مففن القففدرة
على أحدهما القدرة على الخر ،وهذا محال ،لن العرض ل يسففتغني
عن الجوهر ،والجوهر ل يستغني عن العرض ،فيكون فعل كل واحففد
منهما موقوففا ً علففى الخففر ،فكيففف يخلقففه وربمففا ل يسففاعده خففالق
الجوهر على خلق الجوهر عند إرادته لخلق العففرض ،فيبقففى عففاجزا ً
متحيرا ً والعاجز ل يكون قادرًا .وكففذلك خففالق الجففوهر إن أراد خلففق
الجوهر بما خالفه خففالق العففرض فيمتنففع علففى الخففر خلففق الجففوهر
فيؤدي ذلك إلى التمانع .فإن قيل :مهما أراد واحد منهما خلق جوهر
ساعده الخر على العرض وكذا بالعكس .قلنا :هذه المسففاعدة هففل
هي واجبة ل يتصور في العقل خلفها فإن أوجبتموها فهو تحكم ،بففل
هو أيضا ً مبطل للقدرة ،فففإن خلففق الجففوهر مففن واحففد كففأنه يضففطر
الخر إلى خلففق العففرض ،وكففذا بففالعكس؛ فل تكففون لفه قففدرة علففى
الترك ول تتحقق القدرة مع هذا .وعلى الجملة فترك المسففاعدة إن
كان ممكنا ً فقد تعذر العقففل وبطففل معنففى المقففدرة والمسففاعدة إن
كانت واجبة صار الذي ل بد له مففن مسففاعدة مضففطرا ً ل قففدرة لففه.
فإن قيل .فيكون أحدهما خالق الشر والخر خالق الخيففر ،قلنففا :هففذا
هوس ،لن الشر ليس شرا ً لذاته ،بل هو من حيث ذاته مساو للخيففر
ومماثل له ،والقدرة على الشيء قدرة على مثله ،فإن إحففراق بففدن
المسلم بالنار شر ،وإحراق بدن الكافر خيففر ودفففع شففر ،والشففخص
الواحد إذا تكلم بكلمة السلم انقلب الحراق في حقه شرًا ،فالقادر
على إحراق لحمه بالنار عند سكوته عن كلمة اليمان ل بد أن يقففدر
على إحراقه عند النطق بهففا ،لن نطقففه بهففا صففوت ينقضففي ل يغيففر
ذات اللحم ،ول ذات النار ،ول ذات الحتراق ،ول يغلب جنسا ً فتكففون
الحتراقات متماثلة ،فيجب تعلق القدرة بالكل ويقتضي ذلففك تمانعفا ً
وتزاحمفًا .وعلففى الجملففة :كيفمففا فففرض المففر تولففد منففه اضففطراب
وفساد وهو الذي أراد الله سبحانه بقوله "لو كان فيهما آلهة إل الل ّففه
لفسدتا" فل مزيد على بيان القرآن .ولنختففم هففذا القطففب بالففدعوى
العاشرة فلم يبق مما يليق بهذا الفن إل بيان استحالة كونه سففبحانه
محل ً للحوادث ،وسنشير إليه في أثناء الكلم في الصفففات ردا ً علففى
من قال بحدوث العلم والرادة وغيرهما.
القطب الثاني في الصفات وفيه سبعة دعاوى إذ ندعى أنففه سففبحانه
قففادر عففالم حففي مريففد سففميع بصففير متكلففم ،فهففذه سففبعة صفففات.
ويتشعب عنها نظر في أمرين أحدهما مففا بففه تخففص آحففاد الصفففات،
والثاني ما تشترك فيه جميع الصفات .فلنفتح البدايففة بالقسففم الول
وهو اثآت أصل الصفات وشرح خصوص أحكامها .القسم الول أصل
الصفات الصفة الولففى القفدرة نفدعي أن محففدث العففالم قففادر ،لن
العالم فعل محكفم مرتففب متقففن منظففوم مشففتمل علففى أنفواع مفن
العجائب واليات ،وذلك يدل على القدرة.
ونرتب القياس فنقول :كل فعل محكم فهو صادر مففن فاعففل قففادر،
والعالم فعل محكم فهو إذا ً صادر من فاعل قادر ،ففففي أي الصفلين
النزاع ؟
فإن قيل فلم قلتم أن العالم فعل محكم،
قلنا :عنينففا بكففونه محكمفا ً ترتبففه ونظففامه وتناسففبه ،فمففن نظففر فففي
أعضاء نفسه الظففاهرة والباطنففة ظهففر لففه مففن عجففائب التقففان مففا
يطول حصره ،فهذا أصل تدرك معرفته بالحس والمشاهدة فل يسفع
جحده.
فإن قيل :فبم عرفتم الصل الخر وهو أن كففل فعففل مرتففب محكففم
ففاعله قادر ؟
قلنا :هذا مدركه ضرورة العقفل؛ فالعقفل يصفدق بفه بغيفر دليفل ول
يقدر العاقل على جحده ،ولكنا مع هذا نجرد دليل ً يقطع دابر الجحود
والعناد ،فنقول :نعني بكونه قادرا ً أن الفعل الصادر منه ل يخلففو إمففا
أن يصدر عنه لذاته أو لزائد عليه ،وباطل أن يقال صفدر عنففه لففذاته،
إذ لو كان كذلك لكان قديما ً مففع الففذات فففدل أنففه صففدر لففزائد علففى
ة ،إذ ذاته ،والصفة الزائدة التي بها تهيأ للفعل الموجود نسففميها قففدر ً
القدرة في وضع اللسان عبارة عن الصفة التي يتهيأ الفعففل للفاعففل
وبها يقع الفعل،
فإن قيل ينقلب عليكم هذا في القففدرة فإنهففا قديمففة والفعففل ليففس
بقديم،
قلنففا سففيأتي جففوابه فففي أحكففام الرادة فيمففا يقففع الفعففل بففه ،وهففذا
الوصف مما دل عليه التقسففيم القففاطع الففذي ذكرنففاه .ولسففنا نعنففي
بالقدرة إل هذه الصفة ،وقد أثبتناهففا فلنففذكر أحكامهففا .ومففن حكمهففا
أنها متعلقة بجميع المقدورات ،وأعني بالمقففدورات الممكنففات كلهففا
التي ل نهاية لها .ول يخفففى أن الممكنففات ل نهايففة لهففا فل نهايففة إذا ً
للمقدورات ،ونعني بقولنا ل نهاية للممكنات أن خلففق الحففوادث بعففد
الحوادث ل ينتهي إلى حد يستحيل في العقففل حففدوث حففادث بعففده،
فالمكان مستمر أبففدا ً والقففدرة واسففعة لجميففع ذلففك ،وبرهففان هففذه
الدعوى وهي عموم تعلق القدرة أنه قد ظهففر أن صففانع كففل العففالم
واحد ،فإما أن يكون له بإزاء كل مقدور قدرة والمقففدورات ل نهايففة
لها فتثبت قدرة متعددة ل نهاية لها وهو محال كما سبق فففي إبطففال
دورات ل نهايفة لهفا ،وإمففا أن تكففون القفدرة واحففدة كمفا سفبق ففي
إبطففال دورات ل نهايففة لهففا ،وإمففا أن تكففون القففدرة واحففدة فيكففون
تعلقها مع اتحادها بما يتعلق به من الجواهر والعففراض مففع اختلفهففا
لمر تشترك فيه ول يشترك في أمر سوى المكففان ،فيلففزم منففه أن
كل ممكن فهو مقدور ل محالة وواقع بالقدرة .وبالجملة ،إذا صدرت
منه الجواهر والعراض استحال أن ل يصدر منه أمثالها ،فإن القدرة
على الشيء قدرة على مثله إذ لم يمتنع التعدد في المقدور لنسففبته
إلى الحركات كلها واللففوان كلهففا علففى وتيففرة واحففدة فتصففلح لخلففو
حركة بعد حركة على الدوام ،وكذا لون بعد لون وجففوهر بعففد جففوهر
وهكذا ..وهو الذي عنيناه بقولنا إن قدرته تعالى متعلقة بكل ممكففن
فإن المكان ل ينحصر في عدد .ومناسبة ذات القدرة ل تختص بعدد
دون عدد ول يمكن أن يشار إلى حركة فيقال أنها خارجة عن إمكان
تعلق القدرة بها ،مففع أنهففا تعلقففت بمثلهففا إذ بالضففرورة تعلففم أن مففا
وجب للشيء وجففب لمثلففه ويتشففعب عففن هففذا ثلثففة فففروع .الفففرع
الول :إن قال قائل هل تقولففون أن خلف المعلففوم مقففدور ؟ قلنففا:
هذا مما اختلف فيه ،ول يتصففور الخلف فيففه إذا حقففق وأزيففل تعقيففد
اللفاظ وبيانه أنه قد ثبت أن كل ممكففن مقففدور وأن المحففال ليففس
بمقدور .فانظر أن خلف المعلوم محال أو ممكن ول تعرف ذلك إل
إذا عرفففت معنففى المحففال والممكففن وحصففلت حقيقتهمففا وإل فففإن
تساهلت في النظر ،ربما صدق على خلف المعلوم أنه محففال وأنففه
ممكن وأنه ليس بمحال ،فففإذا ً صففدق أنففه محففال وأنففه ليففس بمحففال
والنقيضففان ل يصففدفان مع فًا .فففاعلم أن تحففت اللفففظ اجمففال ً وإنمففا
ينكشف لك ذلك بما أقوله وهو أن العالم مثل ً يصدق عليه أنه واجب
وأنه محال وأنه ممكن .أما كففونه واجبفا ً فمففن حيففث أنففه إذا فرضففت
إرادة القديم موجودة وجودا ً واجبا ً كان المراد أيضا ً واجبفا ً بالضففرورة
ل جائزًا ،إذ يستحيل عدم المراد مع تحقق الرادة القديمة وأما كونه
محال ً فهو أنه لفو قفدر عفدم تعلففق الرادة بايجفاده فيكففون ل محالففة
حدوثه محال ً إذ يؤدي إلففى حففدوث حففادث بل سففبب وقففد عففرف أنففه
محال .وأما كونه ممكنا ً فهو أن تنظر إلى ذاته فقط ،ول تعتففبر معففه
ل وجود الرادة ول عدمها ،فيكون له وصف المكان ،فإذا ً العتبارات
ثلثة :الول أن يشترط فيه وجود الرادة وتعلقها فهففو بهففذا العتبففار
واجب .الثاني أن يعتبر فقد الرادة فهو بهذا العتبففار محففال .الثففالث
أن نقطع اللتفات عفن الرادة والسفبب فل نعتفبر وجفوده ول عفدمه
ونجرد النظر إلى ذات العالم فيبقى لففه بهففذا العتبففار المففر الثففالث
وهو المكان .ونعني به أنه ممكن لذاته ،أي إذا لم نشترط غير ذاتففه
كان ممكنا ً فظهففر منففه أنففه يجففوز أن يكففون الشففيء الواحففد ممكنفا ً
ل ،ولكن ممكنفا ً باعتبففار ذاتففه محففال ً باعتبففار غيففره ،ول يجففوز أن
محا ً
يكون ممكنا ً لذاته محفال ً لفذاته ،فهمفا متناقضفان فنرجفع إلفى خلف
المعلوم فنقول :إذا سبق في علم الله تعالى إماتة زيد صففبيحة يففوم
السبت مثل ً فنقول :خلق الحياة لزيد صبيحة يوم السففبت ممكففن أم
ليس بممكن ؟ فالحق فيه أنه ممكن ومحال؛ أي هو ممكففن باعتبففار
ذاته إن قطع اللتفات إلففى غيففره ،ومحففال لغيففره ل لففذاته وذلففك إذا
ل،اعتبر معه اللتفات إلى تعلق ذاتها وهففو ذات العلففم ،إذ ينقلففب جه ً
ومحال أن ينقلب جهل ً فبان أنه ممكن لذاته محففال للففزوم اسففتحالة
في غيره .فإذا قلنا حياة زيد في هذا الوقت مقدورة ،لففم نففرد بففه إل
أن الحياة من حيففث أنهففا حيففاة ليففس بمحففال ،كففالجمع بيففن السففواد
والبياض .وقدرة الله تعالى من حيث أنهفا قفدرة ل تنبفو عفن التعلفق
بخلق الحيففاة ول تتقاصففر عنففه لفتفور ول ضففعف ول سففبب فففي ذات
القدرة ،وهذان أمران يسففتحيل إنكارهمففا ،أعنففي نفففي القصففور عففن
ذات القدرة وثبوت المكان لذات الحياة من حيففث أنهففا حيففاة فقففط
من غير التفات إلى غيرها ،والخصم إذا قال غير مقدور علففى معنففى
أن وجوده يؤدي إلى استحالة فهو صادق في هذا المعنى ،فإنا لسففنا
ننكره ويبقى النظر في اللفظ هل هو صواب من حيث اللغففة إطلق
هذا السم عليه أو سلبه ،ول يخفى أن الصففواب إطلق اللفففظ فففإن
الناس يقولون فلن قففادر علففى الحركفة والسففكون ،إن شفاء تحففرك
وإن شاء سكن ،ويقولون إن له في كل وقففت قففدرة علففى الضففدين
ويعلمون أن الجاري في علم الله تعالى وقوع أحففدهما ،فالطلقففات
شاهدة لما ذكرناه وحظ المعنى فيه ضففروري ل سففبيل إلففى جحففده.
الفرع الثففاني :إن قففال قففائل إذا ادعيتففم عمففوم القففدرة فففي تعلقهفا
بالممكنات ،فما قولكم في مقففدورات الحيففوان وسففائر الحيففاء مففن
المخلوقففات ،أهففي مقففدورة للففه تعففالى أم ل ؟ فففإن قلتففم ليسففت
مقدورة ،فقد نقضتم قففولكم إن تعلففق القففدرة عففام ،وإن قلتففم إنهففا
مقدورة له لزمكم إثبات مقدور بين قادرين وهو محال ،وإنكار كففون
النسففان وسففائر الحيففوان قففادرا ً فهففو منففاكرة للضففرورة ومجاحففدة
لمطالبات الشريعة ،إذ تستحيل المطالبة بما ل قدرة عليه ويستحيل
أن يقول الله لعبده ينبغي أن تتعاطى ما هو مقدور لي وأنفا مسففتأثر
بالقدرة عليه ول قدرة لك عليه .فنقففول :فففي النفصففال قففد تحففزب
الناس في هذا أحزابًا؛ فذهبت المجبرة إلى انكار قدرة العبد فلزمها
إنكار ضرورة التفرقة بين حركة الرعدة والحركة الختيارية ،ولزمهففا
أيضا ً استحالة تكاليف الشرع ،وذهبت المعتزلة إلى انكار تعلق قدرة
الله تعالى بأفعال العبففاد مففن الحيوانففات والملئكففة والجففن والنففس
والشففياطين وزعمففت أن جميففع مففا يصففدر منهففا مففن خلففق العبففاد
واخففتراعهم ل قففدرة للففه تعففالى عليهففا بنفففي ول إيجففاب فلزمتهففا
شناعتان عظيمتان :إحداهما انكار ما أطبق عليه السلف رضي اللففه
عنهففم مففن أنففه ل خففالق إل اللففه ول مخففترع سففواه ،والثانيففة نسففبة
الختراع والخلق إلى قدرة من ل يعلم ما خلقه مففن الحركففات ،فففإن
الحركات التي تصدر من النسان وسائر الحيوان لو سئل عن عددها
وتفاصيلها ومقاديرها لم يكن عنده خبر منها ،بل الصبي كما ينفصففل
من المهد يدب إلى الثدي باختياره ويمتص ،والهرة كما ولففدت تففدب
إلى ثدي أمها وهففي مغمضففة عينهففا ،والعنكبففوت تنسففج مففن الففبيوت
أشففكال ً غريبففة يتحيففر المهنففدس فففي اسففتدارتها وتففوازي أضففلعها
وتناسففب ترتيبهففا وبالضففرورة تعلففم انفكاكهففا عففن العلففم بمففا تعجففز
المهندسون عن معرفته ،والنحل تشكل بيوتها على شكل التسديس
فل يكون فهيا مربع ول مدور ول مسبع ول شففكل آخففر وذلففك لتميففز
شكل المسدس بخاصية دلت عليها البراهين الهندسفية ل توجفد ففي
غيرها ،وهو مبني على اصففول أحففدها ،أن أحففوى الشففكال وأوسففعها
الشففكل المسففتدير المنفففك عففن الزوايففا الخارجففة عففن السففتقامة،
والثاني ،أن الشكال المستديرة إذا وضعت متراصة بقيت بينها فرج
معطلة ل محالة ،والثالث ،أن أقففرب الشففكال القليلففة الضففلع إلففى
المستديرة في الحتواء هو شكل المسدس ،والرابع أن كل الشكال
القريبة مففن المسففتديرة كالمسففبع والمثمففن والمخمففس إذا وضففعت
جملة متراصة متجاورة بقيت بينها فرج معطلة ولففم تكففن متلصففقة،
وأما المربعة فإنها متلصقة ولكنها بعيدة عن احتففواء الففدوائر لتباعففد
زواياها عن أوساطها ،ولما كان النحل محتاجا ً إلى شكل قريففب مففن
الففدوائر ليكففون حاويفا ً لشخصففه فففإنه قريففب مففن السففتدارة ،وكففان
محتاجا ً لضففيق مكففانه وكففثرة عففدده إلففى أن ل يضففيع موضففعا ً بفففرج
تتخلل بين البيوت ول تتسع لشخاصففها ولففم يكفن فففي الشففكال مففع
خروجها عن النهاية شكل يقرب مففن السففتدارة ولففه هففذه الخاصففية
وهفو الفتراص والخلفو عفن بقفاء الففرج بيفن أعفدادها إل المسفدس،
فسخرها اللفه تعففالى لختيفار الشفكل المسفدس فففي صفناعة بيتهفا؛
فليت شعري أعرف النحل هذه الدقائق التي يقصر عن دركهففا أكففثر
عقلء النس أم سففخره لنيففل مفا هففو مضففطر إليففه الخففالق المنفففرد
بالجبروت وهو في الوسط مجفري فتقفدير اللفه تعفالى يجفري عليفه
وفيه ،وهو ل يدريه ول قدرة له على المتناع عنه ،وإن في صففناعات
الحيوانات من هففذا الجنففس عجففائب لففو أوردت منهففا طرففا ً لمتلت
الصدور من عظمة الله تعالى وجللففه ،فتعسفا ً للزائغيففن عففن سففبيل
الله المغترين بقففدرتهم القاصففرة ومكنتهففم الضففعيفة الظففانين أنهففم
مساهمون الله تعالى في الخلق والختراع وإبداع مثل هذه العجائب
واليات .هيهات هيهات ! ذلت المخلوقات وتفرد بالملففك والملكففوت
جبار الرض والسموات فهذه أنواع الشناعات اللزمففة علففى مففذهب
المعتزلة فانظر الن إلى أهل السنة كيففف وفقففوا للسففداد ورشففحوا
للقتصاد في العتقاد .فقالوا :القففول بففالجبر محففال باطففل ،والقففول
بالختراع اقتحام هائل ،وإنما الحق إثبات القدرتين على فعففل واحففد.
والقول بمقففدور منسففوب إلففى قففادرين فل يبقففى إل اسففتبعاد تففوارد
القدرتين على فعل واحد وهذا إنما يبعد إذا كان تعلق القدرتين على
وجه واحففد ،فففإن اختلفففت القففدرتان واختلففف وجففه تعلقهمففا فتففوارد
التعلقين على شيء واحد غير محال كما سنبينه .فإن قيل فما الذي
حملكم على اثبات مقدور بين قادرين ؟ قلنا :البرهان القففاطع علففى
أن الحركة الختياريففة مفارقففة للرعففدة ،وإن فرضففت الرعففدة مففراد
للمرتعد ومطلوبة له أيضا ً ول مفارقة إل بالقدرة ،ثم البرهان القاطع
على أن كل ممكن تتعلق به قففدرة اللففه تعففالى وكففل حففادث ممكففن
وفعل العبد حادث فهو إذا ً ممكن فإن لم تتعلق به قدرة اللففه تعففالى
فهو محال ،فإنا نقول :الحركة الختيارية من حيث أنها حركففة حادثففة
ممكنة مماثلة لحركة الرعدة فيستحيل أن تتعلففق قففدرة اللففه تعفالى
بإحداهما وتقصر عن الخرى وهي مثلها ،بل يلففزم عليففه محففال آخففر
وهو أن الله تعالى لو أراد تسكين يد العبد إذا أراد العبد تحريكهففا فل
يخلو إما أن توجد الحركة والسكون جميعا ً أو كلهما ل يوجد فيففؤدي
إلى اجتماع الحركة والسكون أو إلى الخلو عنهما ،والخلو عنهما مففع
التناقض يوجب بطلن القدرتين ،إذ القدرة مففا يحصففل بهففا المقففدور
عند تحقق الرادة وقبول المحل ،فإن ظففن الخصففم أن مقففدور اللففه
تعالى يترجح لن قدرته أقوى فهو محففال ،لن تعلففق القففدرة بحركففة
واحدة ل تفضل تعلق القدرة الخرى بهففا ،إذ كففانت فففائدة القففدرتين
الختراع وإنما قوته باقتداره علففى غيففره واقتففداره علففى غيففره غيففر
مرجح في الحركة التي فيها الكلم ،إذ حظ الحركة مففن كففل واحففدة
من القدرتين أن تصير مخترعفة بهفا والخفتراع يتسفاوى فليفس فيفه
أشد ول أضعف حتى يكففون فيففه ترجيففح ،فففإذا ً الففدليل القففاطع علففى
إثبات القدرتين سففاقنا إلففى إثبففات مقففدور بيففن قففادرين .فففإن قيففل:
الدليل ل يسوق إلى محال ل يفهم وما ذكرتموه غيففر مفهففوم .قلنففا:
علينا تفهيمه وهو أنا نقول اخففتراع اللففه سففبحانه للحركففة فففي العبففد
معقول دون أن تكون الحركة مقففدورة للعبففد ،فمهمففا خلففق الحركففة
وخلق معها قدرة عليها كان هو المستبد بالختراع للقدرة والمقففدور
جميعًا ،فخرج منففه أنففه منفففرد بففالختراع وأن الحركففة موجففودة وأن
المتحرك عليها قادر وبسبب كفونه قفادرا ً ففارق حفاله حفال المرتعفد
فاندفعت الشكالت كلها .وحاصله أن القادر الواسع القدرة هو قادر
علففى الخففتراع للقففدرة والمقففدور معففًا ،ولمففا كففان اسففم الخففالق
والمخففترع مطلقفا ً علففى مففن أوجففد الشففيء بقففدرته وكففانت القففدرة
والمقدور جميعا ً بقدرة الله تعالى ،سمي خالقا ً ومخترعًا .ولففم يكففن
المقدور مخترعفا ً بقففدرة العبففد وإن كففان معففه فلففم يسففم خالقفا ً ول
مخترعا ً ووجب أن يطلب لهذا النمط من النسبة اسففم آخففر مخففالف
فطلب له اسم الكسب تيمنفا ً بكتففاب اللففه تعفالى ،ففإنه وجفد إطلق
ذلك على أعمفال العبفاد ففي القفرآن وأمفا اسفم الفعفل ففتردد ففي
إطلقه ول مشاحة في السامي بعد فهم المعاني .فإن قيل :الشففأن
في فهم المعنى وما ذكرتموه غيففر مفهففوم ،فففإن القففدرة المخلوقففة
الحادثة إن لم يكن لها تعلق بالمقدور لففم تفهففم؛ إذ قففدرة ل مقففدور
لها محال ،كعلم ل معلوم له .وإن تعلقت به فل يعقفل تعلفق القفدرة
بالمقدور إل من حيث التأثير واليجاد وحصول المقدور بففه .فالنسففبة
بين المقدور والقدرة نسبة المسبب إلى السبب وهو كونه بففه ،فففإذا
لم يكن به لم تكن علقة فلم تكن قدرة ،إذ كل ما ل تعلق له فليس
بقدرة إذ القدرة من الصفات المتعلقة .قلنففا :هففي متعلقففة ،وقففولكم
أن التعلق مقصور على الوقوع به يبطل بتعلففق الرادة والعلففم ،وإن
قلتم أن تعلق القدرة مقصور على الوقوع بها فقط فهو أيضا ً باطل،
فإن القدرة عندكم تبقى إذا فرضت قبل الفعل ،فهل هي متعلقة أم
ل ؟ فإن قلتم ل فهو محال ،وإن قلتم نعم فليس المعنففي بهففا وقففوع
المقدور بها ،إذ المقدور بعد لم يقع فل بد مفن إثبفات نفوع آخفر مفن
التعلق سوى الموقوع بها ،إذ التعلق عند الحدوث يعبر عنففه بففالوقوع
به والتعلق قبل ذلك مخالف له فهو نوع آخر من التعلق ،فقولكم إن
تعلق القدرة به نمط واحففد خطففأ وكففذلك القادريففة القديمففة عنففدهم
فإنها متعلقة بالعلم في الزل وقبل خلق العالم ،فقولنا أنهففا متعلقففة
صادق وقولنا أن العالم واقع بها كففاذب ،لنففه لففم يقففع بعففد فلففو كانففا
عبارتين عن معنى واحد لصدق أحدهما حيث يصدق الخر .فإن قيل:
معنى تعلق القدرة قبل وقوع المقدور أن المقدور إذا وقع بها .قلنا:
فليس هذا تعلقا ً في الحال بففل هففو انتظففار تعلففق ،فينبغففي أن يقففال
القدرة موجودة وهي صفة ل تعلق لها ولكن ينتظر لها تعلق إذا وقع
وقع المقدور بها ،وكذا القادرية ويلزم عليففه محففال ،وهففو أن الصفففة
التي لم تكن من المتعلقات صارت من المتعلقات وهو محففال .فففإن
قيل :معناه أنها متهيئة لوقوع المقدور بها .قلنا :ول معنففى للتهيففؤ إل
انتظار الوقففوع بهفا ،وذلففك ل يفوجب تعلقفا ً فففي الحففال .فكمففا عقففل
عندكم قدرة موجودة متعلقة بالمقدور والمقدور غير واقع بها عقففل
عندنا أيضا ً قدرة كذلك والمقدور غير واقع بها ولكنه واقع بقدرة الله
تعالى ،فلم يخالف مففذهبنا ههنففا مففذهبكم إل فففي قولنففا أنهففا وقعففت
بقدرة الله تعالى ،فإذا لم يكن من ضرورة وجود القففدرة ول تعلقهففا
بالمقدور وجود المقدور بها؛ فمن أين يستدعي عدم وقوعهففا بقففدرة
الله تعالى ووجوده بقدرة الله تعففالى ل فضففل لففه علففى عففدمه مففن
حيث انقطاع النسففبة عففن القففدرة الحادثففة إذ النسففبة ،إذا لففم تمتنففع
بعففدم المقففدور ،فكيففف تمتنففع بوجففود المقففدور ؟ وكيففف مففا فففرض
المقدور موجودا ً أو معدوما ً فل بد من قدرة متعلقة ل مقدور لها في
الحال .فإن قيل :فقدرة ل يقع بها مقففدور ،والعجففز ،بمثابففة واحففدة،
قلنا :إن عنيتم به أن الحالة التي يدركها النسان عند وجودها مثل ما
يدركها عند العجز في الرعدة فهو مناكرة للضرورة وإن عنيتففم أنهففا
بمثابة العجز في أن المقدور لم يقع بهففا فهففو صففدق ولكففن تسففميته
عجزا ً خطأ وإن كان مففن حيففث القصففور إذا نسففبت إلففى قففدرة اللففه
تعالى ظن أنه مثل العجز ،وهذا كما أنه لو قيل القدرة قبففل الفعففل،
على أصلهم ،مساوية للعجز من حيث أن المقدور غير واقع بها لكان
اللفظ منكرا ً من حيث أنها حالة مدركة يفففارق إدراكهففا فففي النفففس
إدراك العجز ،فكذلك هذا ،ول فرق وعلى الجملفة فل بففد مففن إثبففات
قففدرتين متفففاوتتين ،إحففداهما أعلففى والخففرى بففالعجز أشففبه مهمففا
أضيفت إلى العلى ،وأنت بالخيفار بيفن أن تثبفت للعبفد قفدرة تفوهم
نسبة العجز للعبد من وجه ،وبين أن تثبت للففه سففبحانه ذلففك تعففالى
الله عما يقول الزائغون .ول تستريب إن كنت منصفا ً فففي أن نسففبة
القصور والعجز بالمخلوقات أولى بل ل يقففال أولففى لسففتحالة ذلففك
في حق الله تعالى فهففذا غايففة مففا يحتملففه هففذا المختصففر مففن هففذه
المسألة .الفرع الثالث :فإن قال قففائل :كيففف تففدعون عمففوم تعلففق
القدرة بجملة الحوادث وأكثر ما فففي العففالم مففن الحركففات وغيرهففا
متولدات يتولد بعضففها مففن بعففض بالضففرورة ،فففإن حركففة اليففد مثل ً
بالضرورة تولد حركة الخاتم ،وحركة اليد في الماء تولد حركة الماء،
وهو مشاهد ،والعقل أيضا ً يدل عليه إذ لو كانت حركة الماء والخففاتم
بخلق الله تعالى لجاز أن يخلق حركة اليد دون الخففاتم وحركففة اليففد
دون الماء ،وهو محال ،وكذا في المتولدات مع انشعابها .فنقول :مففا
ل يفهم ل يمكن التصففرف فيففه بففالرد والقبففول ،فففإن كففون المففذهب
ل .والمعلوم عندنا من عبارة التولففد مردودا ً أو مقبول ً بعد كونه معقو ً
أن يخرج جسم من جوف جسففم كمففا يخففرج الجنيففن مففن بطففن الم
والنبات من بطن الرض ،وهذا محال في العراض؛ إذ ليففس لحركففة
اليد جوف حتى تخرج منه حركففة الخففاتم ول هففو شففيء حففاو لشففياء
حتى يرشح منه بعض ما فيه ،فحركة الخاتم إذا لم تكففن كامنففة فففي
ذات حركة اليد فما معنى تولدها منها ؟ فل بد مففن تفهيمففه ،وإذا لففم
يكن هذا مفهوما ً فقولكم إنه مشففاهد حماقففة ،إذ كونهففا حادثففة معهففا
مشاهد ل غير ،فأما كونها متولد منها فغير مشفاهد ،وقفولكم إنفه لفو
كان بخلق الله تعالى لقففدر علففى أن يخلففق حركففة اليففد دون الخففاتم
وحركة اليد دون الماء فهذا هوس يضاهي قفول القفائل لفو لففم يكفن
العلم متولدا ً من الرادة لقففدر علففى أن يخلففق الرادة دون العلففم أو
العلففم دون الحيففاة ،ولكففن نقففول :المحففال غيففر مقففدور ووجففود
المشروط دون الشرط غير معقول ،والرادة شرطها العلففم والعلففم
شرطه الحياة وكذلك شرط شغل الجففوهر لحيففز فففراغ ذلففك الحيففز،
فإذا حرك الله تعالى اليد فل بد أن يشغل بها حيزا ً فففي جففوار الحيففز
الذي كانت فيه ،فمفا لفم يفرغفه كيفف يشفغله بفه ؟ ففراغفه شفرط
اشتغاله باليد ،إذ لو تحرك ولم يفرغ الحيز من المففاء بعففدم المففاء أو
حركته لجتمع جسمان في حيز واحد وهو محال ،فكان خلو أحففدهما
شرطا ً للخر فتلزما فظن أن أحففدهما متولففد مففن الخففر وهففو خطففأ
فأما اللزمات التي ليست شرطا ً فعندنا يجوز أن تنفك عن القتران
بما هو لزم لها ،بل لزومه بحكم طرد العادة كففاحتراق القطففن عنففد
مجاورة النار وحصول البرودة في اليد عند مماسففة الثلففج ،فففإن كففل
ذلك مستمر بجريان سنة الله تعفالى ،وإل فالقففدرة مفن حيففث ذاتهففا
غير قاصرة عن خلق البرودة في الثلج والمماسة في اليد مففع خلففق
الحرارة في اليففد بففدل ً عففن الففبرودة .فففإذا ً مففا يففراه الخصففم متولففدا ً
قسمان :أحدهما شففرط فل يتصففور فيففه إل القففتران ،والثففاني ليففس
بشرط فيتصور فيه غير القتران إذ خرقت العادات .فإن قففال قففائل
لم تدلوا على بطلن التولد ولكن أنكرتم فهمه وهففو مفهففوم ،فإنففا ل
نريد به ترشففح الحركففة مففن الحركففة بخروجهففا مففن جوفهففا ول تولففد
برودة من برودة الثلج بخروج البرودة من الثلج وانتقالها أو بخروجها
من ذات البرودة ،بل نعني بففه وجففود موجففود عقيففب موجففود وكففونه
موجودا ً وحادثا ً به فالحادث نسميه متولدا ً والذي به الحدوث نسففميه
مولدا ً وهذه التسمية مفهومة فما الذي يدل على بطلنففه ؟ قلنففا :إذا
أقررتم بذلك دل على بطلنه ما دل على بطلن كون القدرة الحادثة
موجودة فإنا إذا أحلنا أن نقول حصل مقدور بقففدرة حادثففة فكيففف ل
يخيل الحصول بما ليس بقدرة واستحالته راجعففة إلففى عمففوم تعلففق
القدرة ،وإن خروجه عن القدرة مبطل لعموم تعلقها وهو محففال ثففم
هو موجب للعجز والتمانع كما سبق .نعم ،وعلففى المعتزلففة القففائلين
بالتولد مناقضات فففي تفصففيل التولففد ل تحصففى ،كقففولهم إن النظففر
يولد العلم ،وتذكره ل يولده إلى غير ذلك ممففا ل نطففول بففذكره ،فل
معنى للطناب فيما هو مستغنى عنه ،وقد عرفت من جملة هففذا أن
الحادثات كلها ،جواهرهففا وأعراضففها الحادثففة منهففا فففي ذات الحيففاء
والجمادات ،واقعة بقدرة الله تعالى ،وهو المستبد باختراعها ،وليس
تقع بعض المخلوقات ببعض بل الكل يقع بالقدرة وذلك مففا أردنففا أن
نبين من إثبات صفة القدرة لله تعالى وعموم حكمها وما اتصففل بهففا
من الفروع واللوازم .الصفة الثانية العلم ندعي أن الله تعالى عففالم
بجميففع المعلومففات الموجففودات والمعففدومات؛ فففإن الموجففودات
منقسمة إلى قديم وحادث ،والقديم ذاتففه وصفففاته ومففن علففم غيففره
فهففو بففذاته وصفففاته أعلففم ،فيجففب ضففرورة أن يكففون بففذاته عالم فا ً
وصفاته إن ثبت أنه عففالم بغيففره .ومعلففوم أنففه عففالم بغيففره لن مففا
ينطلق عليه اسم الغير فهو صنعه المتقففن وفعلففه المحكففم المرتففب
وذلك يدل على قدرته على ما سبق؛ فإن من رأى خطوطا ً منظومة
تصدر على التساق من كاتب ثم اسففتراب فففي كففونه عالم فا ً بصففنعة
الكتابة كان سفيها ً في استرابته ،فإذا ً قد ثبت أنه عالم بذاته وبغيره.
فإن قيل فهل لمعلوماته نهاية ؟ قلنا :ل؛ فإن الموجودات في الحففال
وإن كانت متناهية فالممكنات في الستقبال غير متناهية ،ونعلففم أن
الممكنات التي ليست بموجودة أنه سيوجدها أول يوجدها ،فيعلم إذا ً
ما ل نهاية له بففل لففو أردنففا أن نكففثر علففى شففيء واحففد وجوهفا ً مففن
النسب والتقديرات لخرج عن النهاية والله تعالى عالم بجميعها .فإنا
نقففول مثل ً ضففعف الثنيففن أربعففة ،وضففعف الربعففة ثمانيففة ،وضففعف
الثمانية سففتة عشففر ،وهكففذا نضففعف ضففعف الثنيففن وضففعف ضففعف
الضعف ول يتناهى ،والنسان ل يعلم من مراتبها إل ما يقدره بذهنه،
وسينقطع عمره ويبقى مفن التضفعيفات مفا ل يتنفاهى .ففإذا ً معرففة
أضعاف أضعاف الثنين ،وهو عدد واحد ،يخففرج عففن الحصففر وكففذلك
كل عدد ،فكيف غير ذلك من النسففب والتقففديرات ،وهففذا العلففم مففع
تعلقه بمعلومات ل نهاية لها واحد كما سيأتي بيانه من بعد مع سففائر
الصفات .الصفة الثالثففة الحيففاة نففدعي أنففه تعففالى حففي وهففو معلففوم
بالضرورة ،ولم ينكره أحد ممن اعففترف بكففونه تعففالى عالمفا ً قففادرًا.
فإن كون العالم القادر حيا ً ضروري إذ ل يعنففي بففالحي إل مففا يشففعر
بنفسه ويعلم ذاته وغيره ،والعفالم بجميفع المعلومفات والقفادر علفى
جميع المقدورات كيف ل يكون حيًا ،وهذا واضففح والنظففر فففي صفففة
الحياة ل يطول .الصفة الرابعة الرادة نففدعي أن اللففه تعففالى مريففد
لفعاله وبرهانه أن الفعل الصادر منه مختص بضروب مفن الجفواز ل
يتميز بعضففها مففن البعففض إل بمرجففح ،ول تكفففي ذاتففه للترجيففح ،لن
نسبة الذات إلففى الضففدين واحففدة فمففا الففذي خصففص أحففد الضففدين
بالوقوع في حال دون حال ؟ وكذلك القدرة ل تكفففي فيففه ،إذ نسففبة
القدرة إلى الضففدين واحففدة ،وكففذلك العلففم ل يكفففي خلففا ً للكعففبي
حيث اكتفى بالعلم عففن الرادة لن العلففم يتبففع المعلفوم ويتعلففق بفه
على ما هو عليه ول يؤثر فيه ول يغيره .فإن كان الشيء ممكنا ً فففي
نفسه مساويا ً للممكن الخر الذي في مقابلته فالعلم يتعلق به علففى
ما هو عليه ول يجعل أحد الممكنين مرجح فا ً علففى الخففر ،بففل نعقففل
الممكنين ويعقل تسففاويهما ،واللففه سففبحانه وتعففالى يعلففم أن وجففود
العالم في الوقت الذي وجد فيه كان ممكن فًا ،وأن وجففوده بعففد ذلففك
وقبل ذلك كان مساويا ً له في المكان لن هذه المكانات متسففاوية،
فحق العلم أن يتعلق بهففا كمففا هففو عليففه فففإن اقتضففت صفففة الرادة
وقوعه في وقت معين تعلق العلم بتعيين وجففوده فففي ذلففك الففوقت
لعلة تعلق الرادة به فتكون الرادة للتعيين علة ويكون العلم متعلقا ً
به تابعا ً له غيففر مففؤثر فيففه ،ولففو جففاز أن يكتفففى بففالعلم عففن الرادة
لكتفي به عن القدرة ،بل كان ذلك يكفي في وجففود أفعالنففا حففتى ل
نحتاج إلى الرادة ،إذ يترجح أحد الجانبين بتعلق علم اللففه تعففالى بففه
وكل ذلك محال .فإن قيل :وهففذا ينقلففب عليكففم فففي نفففس الرادة،
فإن القدرة كمففا ل تناسففب أحففد الضففدين فففالرادة القديمففة أيضفا ً ل
تتعيففن لحففد الضففدين ،فاختصاصففها بأحففد الضففدين ينبغففي أن يكففون
بمخصص ويتسلسل ذلففك إلففى غيففر نهايففة ،إذ يقففال الففذات ل تكفففي
للحدوث ،إذ لو حدث من الذات لكان مففع الففذات غيففر متففأخر فل بففد
من القففدرة والقففدرة ل تكفففي إذ لففو كففان للقففدرة لمففا اختففص بهففذا
الوقت وما قبله وما بعده في النسففبة إلففى جففواز تعلففق القففدرة بهففا
على وتيففرة ،فمففا الففذي خصففص هففذا الففوقت فيحتففاج إلففى الرادة ؟
فيقال :والرادة ل تكفي ،فإن الرادة القديمة عامة التعلق كالقففدرة،
فنسبتها إلى الوقات واحدة ونسبتها إلى الضدين واحففدة ،فففإن وقففع
الحركفففة مثل ً بفففدل ً عفففن السفففكون لن الرادة تعلقفففت بالحركفففة ل
بالسكون .فيقال :وهل كان يمكن أن يتعلق بالسففكون ؟ فففإن قيففل:
ل ،فهففو محففال؛ وإن قيففل :نعففم ،فهمففا متسففاويان؛ أعنففي الحركففة
والسكون ففي مناسفبة الرادة القديمفة فمفا الفذي أوجفب تخصفيص
الرادة القديمة بالحركة دون السكون فيحتاج إلى مخصص ثم يلففزم
السؤال في مخصص المخصص ويتسلسل إلى غير نهاية ..قلنا :هذا
سؤال غير معقول حير عقول الفرق ولم يوفق للحق إل أهل السففنة
فالناس فيه أربع فرق :قائل يقول إن العالم وجد لذات الله سففبحانه
وتعالى وإنه ليس للذات صفة زائدة البتة ،ولمففا كففان الففذات قديمففة
كان العالم قديما ً وكانت نسبة العالم إليه كنسبة المعلول إلى العلة،
ونسففبة النففور إلففى الشففمس ،والظففل إلففى الشففخص؛ وهففؤلء هففم
الفلسفة .وقائل يقول إن العالم حادث ولكن حدث في الوقت الذي
حففدث فيففه ل قبلففه ول بعففده لرادة حادثففة حففدثت لففه ل فففي محففل
فاقتضت حدوث العالم ،وهففؤلء هففم المعتزلففة .وقففائل يقففول حففدث
بففإرادة حادثففة حففدثت فففي ذاتففه ،وهففؤلء هففم القففائلون بكففونه محل ً
للحوادث .وقائل يقول حدث العالم في الوقت الففذي تعلقففت الرادة
القديمة بحدوثه في ذلك الففوقت ،مففن غيففر حففدوث إرادة ومففن غيففر
تغير صفة القديم ،فانظر إلى الفرق وانسففب مقففام كففل واحففد إلففى
الخر ،فإنه ل ينفك فريق عن إشكال ل يمكففن حلففه إل إشففكال أهففل
السنة فإنه سريع النحلل .أما الفلسفة فقد قالوا بقدم العالم ،وهو
محال ،لن الفعل يستحيل أن يكون قففديمًا؛ إذ معنففى كففونه فعل ً أنففه
لم يكن ثم كان ،فإن كان موجودا ً مع اللفه أبفدا ً فكيفف يكفون فعل ً ؟
بل يلزم من ذلك دورات ل نهاية لها على ما سبق ،وهففو محففال مففن
وجوه ،ثففم إنهففم مففع اقتحففام هففذا الشففكال لففم يتخلصففوا مففن أصففل
السؤال وهو أن الرادة لم تعلقت بالحدوث فففي وقففت مخصففوص ل
قبلففه ول بعففده ،مففع تسففاوي نسففب الوقففات إلففى الرادة ،فففإنهم إن
تخلصوا عن خصوص الوقت لم يتخلصوا عففن خصففوص الصفففات ،إذ
العالم مخصوص بمقدار مخصوص ووضع مخصوص ،وكانت نقايضها
ممكنة في العقل ،والذات القديمة ل تناسففب بعففض الممكنففات دون
بعض ،ومن أعظم ما يلزمهم فيه ،ول عذر لهم عنه أمران أوردناهما
في كتاب تهافت الفلسفة ول محيص لهم عنهما البتففة :أحففدهما ،أن
حركففات الفلك بعضففها مشففرقية أي مففن المشففرق إلففى المغففرب،
وبعضها مغربية أي من مغرب الشمس إلى المشرق ،وكففان عكففس
ذلك في المكففان مسففاويا ً لففه ،إذ الجهففات فففي الحركففات متسففاوية،
فكيف لزم من الففذات القديمففة أو مففن دورات الفلك وهففي قديمففة
عندهم أن تتعين جهة عن جهة تقابلها وتساويها من كل وجه ؟ وهففذا
ل جواب عنففه .الثففاني ،أن الفلففك القصففى الففذي هففو الفلففك التاسففع
عندهم المحرك لجميع السماوات بطريفق القهفر ففي اليفوم والليلفة
مرة واحدة يتحرك على قطففبين شففمالي وجنففوبي ،والقطففب عبففارة
عن النقطتين المتقابلتين على الكرة الثابتتين عند حركة الكرة على
نفسها ،والمنطقة عبارة عن دائرة عظيمة على وسط الكففرة بعففدها
من النقطتين واحد .فنقول :جرم الفلك القصففى متشففابه ،ومففا مففن
نقطة إل ويتصور أن تكون قطبًا .فما الذي أوجب تعيين نقطتين من
بين سائر النقط التي ل نهاية لها عندهم ،فل بد من وصف زائد على
الذات من شأنه تخصيص الشيء عففن مثلففه وليففس ذلففك إل الرادة.
وقد استوفينا تحقيق اللتزامين فففي كتففاب التهففافت .وأمففا المعتزلففة
فقد اقتحموا أمرين شففنيعين بففاطلين :أحففدهما ،كففون البففاري تعففالى
مريدا ً بإرادة حادثة ل في محل ،وإذا لم تكن الرادة قائمة به فقففول
القائل إنه مريدها هجففر مفن الكلم ،كقفوله إنفه مريفد بفإرادة قائمفة
بغيره .والثاني ،أن الرادة لم حدثت في هذا الوقت على الخصوص،
ففففإن كفففانت بففإرادة أخفففرى فالسفففؤال ففففي الرادة الخفففرى لزم،
ويتسلسل إلى غير نهاية ،وإن كان ليس بإرادة فليحدث العففالم فففي
هذا الوقت على الخصوص ل بارادة ،فإن افتقار الحادث إلففى الرادة
لجوازه ل لكونه جسما ً أو اسما ً أو إرادة أو علمًا .والحادثات في هذا
متساوية ،ثم لم يتخلصوا من الشكال إذ يقال لهم لم حدثت الرادة
في هذا الوقت على الخصوص ولم حففدثت إرادة الحركففة دون إرادة
السكون ،فإن عندهم يحدث لكل حففادث إرادة حادثففة متعلقففة بففذلك
الحادث فلم لم تحدث إرادة تتعلق بضففده ؟ وأمففا الففذين ذهبففوا إلففى
حدوث الرادة في ذاته تعالى ل متعلقة بذلك الحادث فقد دفعوا أحد
الشكالين وهو كونه مريدا ً بإرادة في غير ذاتففه ولكففن زادوا إشففكال ً
آخر وهو كونه محل ً للحففوادث ،وذلففك يففوجب حففدوثه .ثففم قففد بقيففت
عليهم بقية الشفكال ولففم يتخلصفوا مفن السفؤال .وأمفا أهفل الحففق
فإنهم قالوا إن الحادثات تحدث بإرادة قديمة تعلقت بها فميزتها عن
أضدادها المماثلة لها ،وقول القائل إنه لم تعلقت بها وأضدادها مثلها
في المكان ،هذا سؤال خطأ فإن الرادة ليست إل عبارة عن صفففة
شففأنها تمييففز الشففيء علففى مثلففه .فقففول القففائل لففم ميففزت الرادة
الشيء عن مثله ،كقول القائل لم أوجب العلففم انكشففاف المعلففوم،
فيقال :ل معنى للعلم إل ما أوجب انكشاف المعلوم ،فقففول القففائل
لم أوجب النكشاف كقوله لم كان العلففم علمفًا ،ولففم كففان الممكففن
ممكنفًا ،والففواجب واجبفًا ،وهففذا محففال؛ لن العلففم علففم لففذاته وكففذا
الممكن والففواجب وسففائر الففذوات ،فكففذلك الرادة وحقيقتهففا تمييففز
الشيء عن مثله .فقول القائل لم ميزت الشيء عن مثله كقوله لم
كانت الرادة إرادة والقدرة قدرة ،وهو محففال ،وكففل فريففق مضففطر
إلى اثبات صفة شأنها تمييز الشيء عن مثله وليس ذلففك إل الرادة،
فكان أقوم الفرق قيل ً وأهفداهم سففبيل ً مفن أثبفت هففذه الصففة ولفم
يجعلهففا حادثففة ،بففل قففال هففي قديمففة متعلقففة بالحففداث فففي وقففت
مخصوص ،فكان الحدوث في ذلك الوقت لذلك ،وهذا ما ل يسففتغني
عنه فريق من الفرق وبه ينقطع التسلسل في لففزوم هففذا السففؤال.
والن فكما تمهد القول في أصل الرادة ففاعلم انهفا متعلقفة بجميفع
الحادثات عندنا من حيث أنه ظهففر أن كففل حففادث فمخففترع بقففدرته،
وكل مخترع بالقدرة محتاج إلى ارادة تصرف القففدرة إلففى المقففدور
وتخصصها به ،فكل مقدور مراد ،وكففل حففادث مقففدور ،فكففل حففادث
مراد والشر والكفر والمعصية حوادث ،فهي إذا ً ل محالة مرادة .فما
شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ،فهففذا مففذهب السففلف الصففالحين
ومعتقد أهل السنة أجمعين وقد قامت عليه البراهين .وأما المعتزلففة
فإنهم يقولون إن المعاصي كلها والشرور حادثة بغير إرادته ،بفل هففو
كاره لها .ومعلوم أن أكثر ما يجففري فففي العففالم المعاصففي فففإذا ً مففا
يكرهه أكثر مما يريففده فهففو إلففى العجففز والقصففور أقففرب بزعمهففم،
تعالى رب العالمين عن قول الظالمين .فإن قيل :فكيف يأمر بمففا ل
يريد ؟ وكيف يريد شيئا ً وينهى عنه ؟ وكيف يريد الفجور والمعاصففي
والظلم والقبيح ومريد القبيح سفففيه ؟ قلنففا :إذا كشفففنا عففن حقيقففة
المر وبينا أنه مباين للرادة وكشفففنا عففن القبيففح والحسففن وبينففا أن
ذلك يرجع إلى موافقة العراض ومخالفتها ،وهو سففبحانه منففزه عففن
العراض فاندفعت هذه الشكالت وسيأتي ذلك في موضعه إن شاء
الله تعالى .الصفة الخامسة والسادسة في السمع والبصر ندعي ان
صانع العالم سميع بصير ،ويففدل عليففه الشففرع والعقففل .أمففا الشففرع
فيدل عليه آيات مففن القففرآن كففثيرة كقففوله "وهففو السففميع البصففير"
وكقول إبراهيم عليه السلم لم تعبد ما ل يسفمع ول يبصففر ول يعنفي
عنك شيئا ً ونعلم أن الدليل غير منقلب عليه فففي معبففوده وأنففه كففان
يعبد سميعا ً بصيرا ً ول يشاركه في اللزام .فففإن قيففل :إنمففا أريففد بففه
العلم .قلنا :إنما تصرف ألفففاظ الشففارع عففن موضففوعاتها المفهومففة
السابقة إلى الفهام إذا كفان يسفتحيل تقفديرها علفى الموضفوع ،ول
استحالة في كونه سميعا ً بصيرًا ،بل يجب أن يكون كذلك ،فل معنففى
للتحكم بإنكار ما فهمه أهففل الجمففاع مففن القففرآن .فففإن قيففل :وجففه
استالته إنه إن كان سمعه وبصره حادثين كففان محل ً للحففوادث ،وهففو
محال ،وإن كانففا قففديمين فكيففف يسففمع صففوتا ً معففدوما ً وكيففف يففرى
العففالم فففي الزل والعففالم معففدوم والمعففدوم ل يففرى ؟ قلنففا :هففذا
السوال يصدر عن معتزلي أو فلسفي .أمففا المعففتزلي فففدفعه هيففن،
فإنه سلم أنه يعلم الحادثات ،فنقول :يعلم اللفه الن إن العفالم كفان
موجودا ً قبل هذا فكيف علم في الزل أنه يكون موجودا ً وهو بعد لم
يكن موجودا ً ؟ فإن جز إثبات صفة تكون عند وجود العالم علما بففأنه
كائن ،وفعله بأنه سيكون وبعده بأنه كان وقبله بأنه سففيكون ،وهففو ل
يتغيففر عففبر عنففه بففالعلم بالعففالم والعلميففة ،جففاز ذلففك فففي السففمع
والسمعية والبصر والبصرية .وإن صدر من فلسفي فهو منكر لكففونه
عالما ً بالحادثات المعينة الداخلة فففي الماضففي والحففال والمسففتقبل،
فسفبيلنا أن ننقففل الكلم إلفى العلفم ونثبففت عليففه جفواز علفم قففديم
متعلق بالحادثات كما سنذكره ،ثم إذا ثبت ذلك في العلم قسنا عليه
السمع والبصففر .وأمففا المسففلك العقلففي ،فهففو أن نقففول :معلففوم أن
الخالق أكمل من المخلوق ،ومعلوم أن البصير أكمل ممن ل يبصففر،
والسميع أكمل ممففن ل يسففمع ،فيسففتحيل أن يثبففت وصففف الكمففال
للمخلففوق ول نثبتففه للخففالق .وهففذان أصففلن يوجبففان القففرار بصففحة
دعوانا ففي أيهما النزاع ؟ فإن قيففل :النففزاع فففي قففولكم واجففب أن
يكون الخالق أكمل من المخلوق .قلنا :هذا مما يجففب العففتراف بففه
ل ،والمة والعقلء مجمعون عليه ،فل يصدر هففذا السففؤال شرعا ً وعق ً
من معتقد .ومن اتسع عقله لقبول قادر يقففدر علففى اخففتراع مففا هففو
أعلى وأشرف منه فقد انخلع عن غريزة البشرية ونطق لسففانه بمففا
ينبو عن قبوله قلبه إن كان يفهم ما يقوله ،ولهذا ل نرى عاقل ً يعتقد
هذا العتقاد .فإن قيففل :النففزاع فففي الصففل الثففاني ،وقففو قففولكم إن
البصير أكمل وإن السمع والبصر كمال .قلنا :هذا أيضا ً مدرك ببديهففة
العقل ،فإن العلم كمال والسمع والبصر كمال ثففان للعلففم ،فإنففا بينففا
أنه استكمال للعلم والتخيل ،ومن علم شيئا ً ولم يره ثم رآه اسففتفاد
مزيد كشف وكمففال فكيففف يقففال إن ذلففك حاصففل للمخلففوق وليففس
بحاصل للخالق أو يقال إن ذلك ليس بكمال ،فإن لم يكن كمال ً فهففو
نقص أو ل هو نقص ول هو كمال ،وجميع هذه القسام محال ،فظهر
ان الحق ما ذكرناه .فففإن قيففل :هففذا يلزمكففم فففي الدراك الحاصففل
بالشففم والففذوق واللمففس لن فقففدها نقصففان ووجودهففا كمففال فففي
الدراك ،فليس كمال علم من علم الرائحففة ككمففال علففم مففن أدرك
بالشم ،وكذلك بالففذوق فففأين العلففم بففالطعوم مففن إدراكهففا بالففذوق.
والجففواب إن المحققيففن مففن أهففل الحففق صففرحوا بإثبففات أنففواع
الدراكات مع السمع والبصر والعلم الذي هو كمال في الدراك دون
السباب التي هي مقترنة بها في العادة من المماسة والملقاة ،فإن
ذلك محال على الله تعالى .كما جوزوا ادراك البصر من غير مقابلففة
بينه وبين المبصر ،وفي طرد هذا القياس دفع هذا السففؤال ول مففانع
منه ولكن لما لم يرد الشرع إل بلفففظ العلففم والسففمع والبصففر فلففم
يمكن لنا إطلق غيره .وأما ما هو نقصان في الدراك فل يجففوز فففي
حقه تعالى البتة ،فإن قيل يجر هذا إلى إثبات التلذذ والتألم ،فالخففدر
الذي ل يتألم بالضرب ناقص ،والعنين الذي ل يتلذذ بالجمففاع نففاقص،
وكذا فساد الشهوة نقصان ،فينبغي أن نثبت فففي حقففه شففهوة ،قلنففا
هفذه المفور تفدل علفى الحفدوث وهفي ففي أنفسفها إذا بحفث عنهفا
نقصانات ،وهي محوجة إلى أمور توجب الحدوث ،فاللم نقصان ،ثم
هففو محففوج إلففى سففبب هففو ضففرب ،والضففرب مماسففة تجففري بيففن
الجسام ،واللذة ترجع إلى زوال اللم إذا حققت أو ترجففع إلففى درك
مففا هففو محتففاج إليففه ومشففتاق إليففه ،والشففوق والحاجففة نقصففان،
فففالموقوف علففى النقصففان نفاقص ،ومعنففى الشففهوة طلففب الشففيء
الملئم ول طلب إل عند فقد المطلوب ول لذة إل عند نيل مففا ليففس
بموجود ،وكل ما هو ممكففن وجففوده للففه فهففو موجففود فليففس يفففوته
شيء حتى يكون بطلبه مشتهيا ً وبنيله ملتذًا ،فلم تتصور هذه المففور
في حقه تعالى وإذا قيل إن فقد التألم والحساس بالضففرب نقصففان
في حق الخدر ،وإن إدراكه كمففال وإن سففقوط الشففهوة مففن معففدته
نقصان ،وثبوتها كمال أريد به أنه كمال بالضافة إلى ضده الففذي هففو
مهلك في حقه ،فصار كمال ً بالضافة إلففى الهلك لن النقصففان خيففر
مففن الهلك فهففو إذا ً ليففس كمففال ً فففي ذاتففه بخلف العلففم وهففذه
الدراكات .الصفة السابعة الكلم ندعي أن صانع العالم متكلففم كمففا
أجمع عليه المسلمون ،واعلم أن مففن أراد إثبففات الكلم بففأن العقففل
يقضي بجواز كون الخلففق مردديففن تحففت المففر والنهففي وكففل صفففة
جائزة في المخلوقات تستند إلى صفة واجبة في الخففالق ،فهففو فففي
شطط ،إذ يقال له :إن أردت جواز كونهم مأمورين من جهففة الخلففق
الذين يتصور منهم الكلم ،فمسلم ،وإن أردت جففوازه علففى العمففوم
من الخلق والخالق فقد أخذت محل النزاع مسلما ً في نفس الففدليل
وهو غير مسلم ،ومن أراد إثبففات الكلم بالجمففاع أو بقففول الرسففول
فقد سام نفسه خطة خسف لن الجماع يستند إلففى قففول الرسففول
عليه السلم ومن أنكر كون الباري متكلم فا ً فبالضففرورة ينكففر تصففور
الرسول ،إذ معنى الرسول المبلغ لرسففالة المرسففل ،فففإن لففم يكففن
للكلم متصور في حق من ادعى أنه مرسل كيف يتصففور الرسففول؟
ومن قال أنا رسول الرض أو رسففول الجبففل إليكففم فل يصففغى إليففه
لعتقادنا استحالة الكلم والرسالة مفن الجبففل والرض ،وللفه المثففل
العلى ،ولكن من يعتقد استحالة الكلم في حق الله تعالى اسففتحال
منه أن يصففدق الرسففول إذ المكففذب بففالكلم ل بففد أن يكففذب بتبليففغ
الكلم ،والرسففالة عبففارة عففن تبليففغ الكلم ،والرسففول عبففارة عففن
المبلغ ،فلعل القوم منهج ثالث وهو الذي سلكناه في اثبات السففمع
والبصر في أن الكلم للحي أما أن يقال هو كمال أو يقال هو نقص،
أو يقال ل هو نقص ول هو كمال ،وباطل أن يقال هو نقففص أو هففو ل
نقص ول كمال فثبت بالضرورة أنه كمال ،وكل كمال وجد للمخلففوق
فهو واجفب الوجفود للخفالق بطريفق الولفى كمفا سفبق .ففإن قيفل:
الكلم الذي جعلتموه منشأ نظركففم هففو كلم الخلففق ،وذلففك إمففا أن
يراد به الصوات والحروف أو يراد به القففدرة علففى ايجففاد الصففوات
والحروف في نفس القادر أو يراد به معنى ثالث سواهما ،فإن أريففد
به الصوات والحروف فهي حوادث ومن الحففوادث مففا هففي كمففالت
في حقنا ولكن ل يتصور قيامها في ذات اللففه سففبحانه وتعففالى ،وإن
قام بغيره لم يكن هو متكلما ً به بل كان المتكلم به المحل الذي قام
به؛ وإن أريد به القدرة على خلق الصوات فهو كمال ولكن المتكلم
ليس متكلما ً باعتبار قففدرته علففى خلففق الصففوات فقففط بففل باعتبففار
خلقه للكلم في نفسه ،والله تعالى قادر علففى خلففق الصففوات فلففه
كمففال القففدرة ولكففن ل يكففون متكلمفا ً بففه إل إذا خلففق الصففوت فففي
نفسه ،وهففو محفال إذ يصففير بفه محل ً للحففوادث فاسفتحال أن يكفون
متكلمًا؛ وإن أريد بالكلم أمر ثالث فليس بمفهوم وإثبات ما ل يفهففم
محال .قلنا :هذا التقسيم صحيح والسؤال في جميع أقسامه معترف
بففه إل فففي إنكففار القسففم الثففالث ،فإنففا معففترفون باسففتحالة قيففام
الصوات بذاته وباسفتحالة كفونه متكلمفا ً بهفذا العتبفار .ولكنفا نقفول
النسان يسمى متكلما ً باعتبارين أحدهما بالصففوت والحففرف والخففر
بكلم النفس الذي ليس بصوت وحرف ،وذلك كمففال وهففو فففي حففق
الله تعالى غير محال ،ول هو دال على الحدوث .ونحففن ل نثبففت فففي
حق الله تعالى إل كلم النفس ،وكلم النفففس ل سففبيل إلففى إنكففاره
في حق النسان زائدا ً علففى القففدرة والصففوت حففتى يقففول النسففان
زورت البارحة في نفسي كلما ً ويقال في نفس فلن كلم وهو يريد
أن ينطق به ويقول الشاعر :ل يعجبنك من أثيففر خطففه=حففتى يكففون
مع الكلم أصففيل إن الكلم لفففي الفففؤاد وإنمففا=جعففل اللسففان علففى
الفؤاد دليل ً وما ينطق به الشعراء يدل على أنففه مففن الجليففات الففتي
يشترك كافة الخلق في دركها فكيف ينكفر .ففإن قيفل :كلم النففس
بهذا التأويل معترف بففه ولكنففه ليففس خارجفا ً عففن العلففوم الدراكففات
وليففس جنسفا ً برأسففه البتففة ،ولكففن مففا يسففميه النففاس كلم النفففس
وحديث النفس هو العلم بنظم اللفففاظ والعبففارات وتففأليف المعففاني
المعلومة على وجه مخصوص فليس في القلففب إل معففاني معلومففة
وهي العلوم وألفاظ مسموعة هي معلومة بالسماع ،وهو أيضا ً علففم
معلوم اللفظ .وينضاف إليه تفأليف المعفاني واللففاظ علفى ترتيفب.
وذلك فعل يسمى فكرا ً وتسميه القدرة التي عنها يصدر الفعل قففوة
مفكرة .فإن أثبتم فففي النفففس شففيئا ً سففوى نفففس الفكففر الففذي هففو
ترتيب اللفاظ والمعاني وتأليفها ،وسوى القففوة المفكففرة الففتي هففي
قدرة عليا وسوى العلم بالمعاني مفترقها ومجموعها ،وسففوى العلففم
باللفاظ المرتبة من الحروف مفترقهففا ومجموعهففا فقففد أثبتففم أمففرا ً
منكففرا ً ل نعرفففه .وإيضففاحه أن الكلم إمففا أمففر أو نهففي أو خففبر أو
استخبار .أما الخبر فلفظ يدل علففى علففم فففي نفففس المخففبر ،فمففن
علففم الشففيء وعلففم اللفففظ الموضففوع للدللففة علففى ذلففك الشففيء
كالضرب مثل ً فإنه معنى معلوم يدرك بالحس ،ولفظ الضففرب الففذي
هو مؤلف من الضاد والراء والباء الذي وضعته العففرب للدللففة علففى
المعنى المحسوس وهي معرفة أخرى ،فكان له قدرة على اكتساب
هففذه الصففوات بلسففانه ،وكففانت لففه إرادة للدللففة وإرادة لكتسففاب
اللفظ ثم منه قوله ضرب ولم يفتقر إلى أمر زائد على هذه المففور.
فكل أمر قدرتموه سوى هذا فنحن نقدر نفيه ،ويتم مففع ذلففك قولففك
ضرب ويكون خبرا ً وكلمًا ،وأما السففتخبار فهففو دللففة علففى أن فففي
النفس طلب معرفة ،وأما المر فهو دللة على أن في النفس طلب
فعل المأمور وعلى هذا يقاس النهي وسائر القسففام مففن الكلم ول
يعقل أمر آخر خارج عففن هففذا وهففذه الجملففة ،فبعضففها محففال عليففه
كالصوات وبعضها موجود لله كالرادة والعلم والقدرة ،وأما مففا عففدا
هذا فغير مفهوم .والجواب أن الكلم الففذي نريففده معنففى زائد علففى
هذه الجملة ولنذكره في قسم واحفد مفن أقسفام الكلم وهفو المفر
حتى ل يطول الكلم .فنقول :قول السيد لغلمه قم ،لفظ يدل علففى
معنى ،والمعنى المدلول عليه في نفسه هو كلم ،وليس ذلففك شففيئا ً
مما ذكرتموه ،ول حاجة إلى الطناب فففي التقسففيمات وإنمففا بتففوهم
رده ما أراد إلى المر أو إلى إرادة الدللة ومحال أن يقال إنففه إرادة
الدللة ،لن الدللة تستدعي مدلول ً والمدلول غير الدليل وغير إرادة
الدللة ،ومحال أن يقال إنه إرادة المر ..لنه قد يففأمر وهففو ل يريففد
المتثال بل يكرهه ،كالذي يعتذر عند السلطان الهام بقتله توبيخا ً لففه
على ضرب غلمه ،بأنه إنما ضربه لعصيانه ،وآيته أنه يأمره بين يففدي
الملك فيعصيه ،فإذا أراد الحتجاج به وقففال للغلم بيففن يففدي الملففك
قم فإني عازم عليك بأمر جزم ل عذر لك فيه ول يريد أن تقوم فهو
في هذا الفوقت آمفر بالقيفام قطعفًا ،وهفو غيفر مريفد للقيفام قطعفًا،
فالطلب الذي قام بنفسه الذي دل لفظ المر عليففه هففو الكلم وهففو
غير إرادة القيام وهذا واضح عند المصنف .فففإن قيففل هففذا الشففخص
ليس بآمر على الحقيقة ولكنه موهم أنه أمر ،قلنففا :هففذا باطففل مففن
وجهين :أحدهما ،أنه لو لفم يكفن آمفرا ً لمفا تمهفد عفذره عنفد الملفك
ولقيل له أنت في هففذا الففوقت ل يتصففور منففك المففر لن المففر هففو
طلب المتثال ويستحيل أن تريففد الن المتثففال وهففو سففبب هلكففك،
فكيف تطمع في أن تحتج بمعصيتك لمرك وأنت عاجز عن أمففره إذ
أنت عاجز عن إرادة ما فيه هلكففك وفففي امتثففاله هلكففك ؟ ول شففك
في أنه قادر على الحتجاج وأن حجته قائمة وممهدة لعذره ،وحجتففه
بمعصية المر ،فلو تصور المر مع تحقق كراهة المتثففال لمففا تصففور
احتجاج السيد بذلك البتة ،وهذا قاطع في نفسه لمن تأمله .والثاني،
هو أن هذا الرجل لو حكى الواقعة للمفتيين وحلففف بففالطلق الثلث
إني أمرت العبد بالقيام بين يففدي الملففك بعففد جريففان عقففاب الملففك
فعصى ،لفتى كل مسلم بففأن طلقففه غيففر واقففع وليففس للمفففتي أن
يقول أنا أعلم أن يستحيل أن تريد في مثل هذا الوقت امتثال الغلم
وهو سبب هلكك ،والمر هو إرادة المتثففال فففإذا مفا أمففرت هففذا لففو
قاله المفتي فهو باطففل بالتفففاق ،فقففد انكشففف الغطففاء ولح وجففود
معنى هو مففدلول اللفففظ زائدا ً علففى مففا عففداه مففن المعففاني ،ونحففن
نسمي ذلك كلما ً وهو جنس مخالف للعلوم والرادات والعتقففادات،
وذلك ل يستحيل ثبوته لله تعالى بل يجب ثبوته فففإنه نففوع كلم فففإذا
هو المعني بالكلم القديم .وأمففا الحففروف فهففي حادثففة وهففي دللت
على الكلم والدليل غيففر المففدلول ول يتصففف بصفففة المففدلول ،وإن
كانت دللته ذاتية كالعالم فإنه حادث ويففدل علففى صففانع قففديم فمففن
أين يبعد أن تدل حروف حادثة على صفة قديمففة مففع أن هففذه دللففة
بالصطلح ؟ ولما كففان كففل كلم النفففس دقيقفا ً زل عففى ذهففن أكففثر
الضعفاء فلم يثبتوا إل حروفا ً وأصواتا ً ويتوجه لهم على هذا المففذهب
أسئلة واستبعادات نشير إلى بعضها ليستدل بها علففى طريففق الففدفع
في غيرها .الستبعاد الول :قول القائل كيف سمع موسى كلم اللفه
تعالى؛ أسمع صوتا ً وحرفا ً ؟ فإن قلتم ذلك فإذا لم يسففمع كلم اللففه
فإن كلم الله ليفس بحفرف ،وإن لفم يسفمع حرففا ً ول صفوتا ً فكيفف
يسمع ما ليس بحرف ول صوت ؟ قلنا :سففمع كلم اللففه تعففالى وهففو
صفة قديمة قائمة بذات الله تعالى ليس بحرف ول صفوت ،فقفولكم
كيف سمع كلم الله تعالى كلم مفن ل يفهففم المطلففوب مفن سففؤال
كيف ،وإنه ماذا يطلففب بففه وبمففاذا يمكففن جففوابه فلتفهففم ذلففك حففتى
تعرف استحالة السؤال .فنقول :السففمع نففوع إدراك ،فقففول القففائل
كيف سمع كقول القائل كيف أدركت بحاسففة الففذوق حلوة السففكر،
وهذا السؤال ل سبيل إلى شفائه إل بوجهين أحدهما أن نسلم سكرا ً
إلى هذا السائل حتى يذوقه ويدرك طعمه وحلوتففه ،فنقففول أدركففت
أنا كما أدركته أنت الن وهذا هو الجففواب الشففافي والتعريففف التففام.
والثاني أن يتعذر ذلك إما لفقد السكر أو لعففدم الففذوق فففي السففائل
للسكر ،فنقول :أدركت طعمه كما أدركت أنت حلوة العسل فيكون
هذا جوابا ً صوابا ً من وجه وخطأ من وجه .أما وجه كونه صففوابا ً فففإنه
تعريف بشيء يشبه المسؤول عنه من وجه ،وإن كان ل يشبهه مففن
كل الوجوه وهو أصل الحلوة ،فإن طعم العسل يخالف طعم السكر
وإن قاربه من بعض الوجوه وهو أصل الحلوة ،وهذا غايففة الممكففن.
فإن لم يكن السائل قد ذاق حلوة شيء أصل ً تعذر جوابه وتفهيم ما
سأل عنه وكان كالعنين يسأل عن لذه الجماع وقط ما أدركه فيمتنع
تفهيمه ،إل أن نشبهه لففه الحالففة الففتي يففدركها المجففامع بلففذة الكففل
فيكون خطأ من وجه إذ لذة الجماع والحالة التي يففدركها المجففامع ل
تساوي الحالة التي يدركها الكل إل مففن حيففث أن عمففوم اللففذة قففد
شملها فإن لم يكن قد التذ بشيء قط تعذر أصففل الجففواب .وكففذلك
من قال كيف سمع كلم الله تعالى فل يمكن شفاؤه في السؤال إل
بففأن نسففمعه كلم اللففه تعففالى القففديم وهففو متعففذر ،فففإن ذلففك مففن
خصائص الكليم عليه السلم ،فنحن ل نقدر على إسففماعه أو تشففبيه
ذلك بشيء من مسموعاته وليس في مسموعاته ما يشبه كلم اللففه
تعالى ،فإن كل مسموعاته التي ألفها أصوات والصوات ل تشبه مففا
ليففس بأصففوات فيتعففذر تفهيمففه ،بففل الصففم لففو سففأل وقففال كيففف
تسمعون أنتم الصوات وهو ما سمع قط صوتا ً لم نقدر على جففوابه،
فإنا إن قلنا كما تدرك أنت المبصرات فهو إدراك فففي الذن كففإدراك
البصر في العين كان هذا خطأ ،فإن إدراك الصوات ل يشففبه إبصففار
اللوان ،فدل أن هذا السؤال محال بل لو قال القائل كيف يرى رب
الرباب في الخرة ،كان جوابه محال ً ل محالة لنه يسأل عففن كيفيففة
ما ل كيفية له ،إذ معنى قول القائل كيف هو أي مثففل أي شففيء هففو
مما عرفناه ،فإن كان ما يسأل عنه غير مماثففل لشففيء ممففا عرفففه،
كان الجواب محال ً ولم يدل ذلك على عدم ذات الله تعالى ،فكففذلك
تعذر هذا ل يدل على عدم كلم اللفه تعفالى بفل ينبغفي أن يعتقفد أن
كلمه سففبحانه صفففة قديمففة ليففس كمثلهففا شففي ،كمففا أن ذاتففه ذات
قديمة ليس كمثلها شيء ،وكما ترى ذاته رؤية تخالف رؤية الجسام
والعففراض ول تشففبهها فيسففمع كلمففه سففماعا ً يخففالف الحففروف
والصوات ول يشبهها .الستبعاد الثاني :أن يقففال كلم اللففه سففبحانه
حال في المصاحف أم ل ،ففإن كفان حفال ً فكيفف حمفل القفديم ففي
الحففادث ؟ فففإن قلتففم ل ،فهففو خلف الجمففاع ،إذ احففترام المصففحف
مجمع عليه حتى حرم على المحففدث مسفه وليففس ذلفك إل لن فيفه
كلم الله تعففالى .فنقففول :كلم اللففه تعففالى مكتففوب فففي المصففاحف
محفوظ في القلوب مقروء باللسنة ،وأمففا الكاغففد والحففبر والكتابففة
والحروف والصوات كلها حادثة لنها أجسففام وأعففراض فففي أجسففام
فكل ذلك حادث .وإن قلنا إنه مكتففوب فففي المصففحف ،أعنففي صفففة
تعالى القديم ،لم يلزم أن تكون ذات القديم في المصحف ،كمففا أنففا
إذا قلنا النار مكتوبة في الكتففاب لففم يلففزم منففه أن تكففون ذات النففار
حالة فيه ،إذ لو حلت فيه لحترق المصففحف ،ومففن تكلففم بالنففار فلففو
كانت ذات النار بلسانه لحترق لسانه ،فالنار جسم حار وعليه دللففة
هي الصوات المقطعفة تقطيعفا ً يحصفل منفه النفون واللفف والفراء،
فالحار المحرق ذات المدلول عليففه ل نفففس الدللففة ،فكففذلك الكلم
القديم القائم بذات الله تعالى هو المدلول ل ذات الدليل والحففروف
أدلة وللدلة حرمة إذ جعل الشرع لهففا حرمففة فلففذلك وجففب احففترام
المصحف لن فيه دللة على صفة الله تعالى .السففتبعاد الثففالث :إن
القرآن كلم الله تعالى أم ل ؟ فإن قلتم ل فقد خرقتم الجماع ،وإن
قلتم نعففم فمففا هففو سففوى الحففروف والصففوات ،ومعلففوم أن قففراءة
القارئ هي الحروف والصوات .فنقول :ها هنا ثلثة ألفففاظ :قففراءة،
ومقروء ،وقرآن .أمففا المقففروء فهففو كلم اللففه تعففالى ،أعنففي صفففته
القديمة القائمة بذاته ،وأما القففراءة :فهفي فففي اللسفان عبففارة عففن
فعل القارئ الذي كان ابتدأه بعد أن كان تاركا ً له ،ول معنى للحادث
إل أنه ابتففدأ بعففد أن لففم يكففن ،فففإن كففان الخصففم ل يفهففم هففذا مففن
الحادث فلنترك لفظ الحادث والمخلوق ،ولكن نقول :القففراءة فعففل
ابتدأه القارئ بعد أن لم يكن يفعلففه وهففو محسففوس .وأمففا القففرآن،
فقد يطلق ويراد به المقروء فإن أريد به ذلك فهو قديم غير مخلففوق
وهو الذي أراده السلف رضوان الله عليهم بقولهم القرآن كلم اللففه
تعالى غير مخلوق ،أي المقروء باللسنة ،وإن أريد به القففراءة الففتي
هي فعل القارئ ففعل القارئ ل يسبق وجود القففارئ ومففا ل يسففبق
وجففود الحففادث فهففو حففادث .وعلففى الجملففة :مففن يقففول مففا أحففدثته
باختياري من الصوت وتقطيعه وكنت ساكتا ً عنه قبله فهو قففديم ،فل
ينبغي أن يخاطب ويكلففف بففل ينبغففي أن يعلففم المسففكين أنففه ليففس
يدري مففا يقففوله ،ول هففو يفهففم معنففى الحففرف ،ول هففو يعلففم معنففى
الحادث ،ولو علمهما لعلم أنه فففي نفسففه إذا كففان مخلوق فا ً كففان مففا
يصدر عنه مخلوقًا ،وعلم أن القديم ل ينتقل إلى ذات حادثة .فلنترك
التطويل في الجليات فإن قول القائل بسم الله إن لم تكففن السففين
فيه بعد الباء لم يكن قرآنا ً بل كان خطأ ،وإذا كان بعد غيره ومتأخرا ً
عنه فكيف يكون قديما ً ونحفن نريفد بالقفديم مفا ل يتفأخر عفن غيفره
ل .الستبعاد الرابع :قولهم :أجمعت المة على أن القرآن معجزة أص ً
للرسول عليه السلم وأنه كلم الله تعففالى ،فففإنه سففور وآيففات ولهففا
مقففاطع ومفاتففح ؟ وكيففف يكففون للقففديم مقففاطع ومفاتففح ؟ وكيففف
ينقسم بالسور واليات ؟ وكيف يكون القديم معجزة للرسففول عليففه
السلم والمعجزة هي فعل خارق للعادة ؟ وكففل فعففل فهففو مخلففوق
فكيف يكون كلم الله تعالى قديما ً ؟ قلنا :أتنكرون أن لفففظ القففرآن
مشترك بيفن القفراءة والمقفروء أم ل ؟ ففإن اعفترفتم بفه فكفل مفا
أورده المسلمون من وصف القرآن بما هففو قففديم ،كقففولهم القففرآن
كلم الله تعالى غير مخلوق ،أرادوا به المقروء وكفل مفا وصففوه بفه
مما ل يحتملففه القففديم ،ككففونه سففورا ً وآيففات ولهففا مقففاطع ومفاتففح،
أرادوا به العبارات الدالة على الصفة القديمة التي هففي قففراءة ،وإذا
صار السم مشتركا ً امتنع التناقض ،فالجماع منعقد على أن ل قديم
إل الله تعالى ،والله تعالى يقول حتى عاد كالعرجون القففديم .ولكففن
نقول :اسم القففديم مشففترك بيففن معنييففن ،فففإذا ثبففت مففن وجففه لففم
يستحل نفيه من وجه آخر ،فكذا يسمى القرآن وهو جواب عففن كففل
ما يوردونه مففن الطلقففات المتناقضففة فففإن أنكففروا كففونه مشففتركًا،
فنقول :أما إطلقه لرادة المقروء دل عليه كلم السلف رضففي اللففه
عنهم إن القرآن كلم الله سففبحانه غيففر مخلففوق ،مففع علمهففم بففأنهم
وأصواتهم وقراءاتهم وأفعالهم مخلوقة وأمففا إطلقففه لرادة القففراءة
فقد قال الشاعر :ضحوا بأشمط عنففوان السففجود بففه=يقط ّففع الليففل
تسبيحا ً وقرآنا يعني القراءة ،وقد قال رسول اللففه صففلى اللففه عليففه
وسلم :ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الترنم بففالقرآن والففترنم
يكون بالقراءة .وقال كافة السلف :القففرآن كلم اللففه غيففر مخلففوق.
وقالوا :القرآن معجزة ،وهي فعل الله تعالى إذ علمففوا أن القففديم ل
يكون معجزا ً فبان أنه اسم مشترك .ومن لم يفهففم اشففتراك اللفففظ
ظن تناقضا ً في هذه الطلقات .الستبعاد الخامس :أن يقال :معلوم
أنه ل مسموع الن إل الصففوات ،وكلم اللففه مسففموع الن بالجمففاع
وبدليل قوله تعالى "وإن أحد من المشركين استجارك فففأجره حففتى
يسمع كلم الّله" فنقول :إن كان الصففوت المسففموع للمشففرك عنففد
الجارة هو كلم الله تعالى القديم القائم بذاته فففأي فضففل لموسففى
عليه السلم في اختصاصه بكونه كليم فا ً للففه علففى المشففركين وهففم
يسمعون ؟ ول يتصور عن هذا جواب إل أن نقفول :مسفموع موسفى
عليه السلم صفففة قديمففة قائمففة بففالله تعففالى ،ومسففموع المشففرك
أصوات دالة على تلك الصفة .وتبين بفه علفى القطفع الشفتراك إمفا
في اسم الكلم وهو تسمية الدللت باسففم المففدلولت ،فففإن الكلم
هو كلم النفس تحقيقًا ،ولكففن اللفففاظ لففدللتها عليففه أيض فا ً تسففمى
كلما ً كما تسمى علمًا؛ إذ يقال سمعت علم فلن وإنما نسمع كلمففه
الدال على علمه .وأما في اسففم المسففموع فففإن المفهففوم المعلففوم
بسماع غيره قد يسففمى مسففموعًا ،كمففا يقففال :سففمعت كلم الميففر
على لسان رسوله ومعلوم أن كلم المير ل يقوم بلسان رسوله بل
المسموع كلم الرسول الدال علففى كلم الميففر .فهففذا مففا أردنففا أن
نذكره في إيضاح مذهب أهل السنة فففي كلم النفففس المعففدود مففن
الغوامض ،وبقية أحكام الكلم نذكرها عند التعرض لحكام الصففات.
القسم الثاني من هذا القطب في أحكام الصفات عامة مففا يشففترك
فيها أو يفترق وهي أربعة أحكففام الحكففم الول إن الصفففات السففبعة
التي دللنا عليها ليست هي الذات بل هي زائدة على الذات ،فصففانع
العالم تعالى عندنا عالم بعلم وحي بحيففاة وقففادر بقففدرة ،هكففذا فففي
جميع الصفات ،وذهبت المعتزلة والفلسفة إلى إنكار ذلففك .وقففالوا:
القديم ذات واحدة قديمة ول يجوز إثبات ذوات قديمة متعددة ،وإنما
الففدليل يففدل علففى كففونه عالم فا ً قففادرا ً حي فا ً ل علففى العلففم والقففدرة
والحياة .ولنعين العلم من الصفات حتى ل نحتففاج إلففى تكريففر جميففع
الصفففات ،وزعمففوا أن العلميففة حففال للففذات وليسففت بصفففة ،لكففن
المعتزلة ناقضوا في صفففتين إذ قففالوا إنففه مريففد بففإرادة زائدة علففى
الذات ومتكلم بكلم هو زائد على الففذات ،إل أن الرادة يخلقهففا فففي
غير محل والكلم يخلقه فففي جسففم جمففاد ويكففون هففو المتكلففم بففه.
والفلسفة طردوا قياسهم في الرادة .وأمفا الكلم ففإنهم قفالوا إنفه
متكلم بمعنى أنه يخلق في ذات النبي عليه السففلم سففماع أصففوات
منظومة ،إما في النوم وإما ففي اليقظفة ،ول يكفون لتلفك الصفوات
وجود من خارج البتة ،بل في سمع النبي ،كما يرى النائم أشخاصا ً ل
وجود لها ،ولكن تحدث صورها في دمففاغه ،وكففذلك يسففمع أصففواتا ً ل
وجود لها حتى أن الحاضر عند النففائم ل يسففمع ،والنففائم قففد يسففمع،
ويهوله الصفوت الهفائل ويزعجففه وينتبففه خائففا ً مفذعورًا .وزعمفوا أن
النبي إذا كان عالي الرتبة في النبوة ينتهي صفاء نفسه إلى أن يرى
في اليقظة صورا ً عجيبففة ويسففمع منهففا أصففواتا ً منظومففة فيحفظهففا،
ومففن حففواليه ل يففرون ول يسففمعون .وهففذا المعنففي عنففدهم برؤيففه
الملئكة وسماع القرآن منهم ،ومن ليففس فففي الدرجففة العاليففة فففي
النبوة فل يرى ذلفك إل ففي المنفام .فهفذا تفصفيل مفذاهب الضفلل،
والغرض إثبات الصفات والبرهان القاطع هو أن من ساعد على أنففه
تعالى عالم فقد ساعد على أن لففه علمفًا ،فففإن المفهففوم مففن قولنففا
عالم ومن له علم واحد ،فإن العاقل يعقل ذات فا ً ويعقلهففا علففى حالففة
وصفة بعد ذلك ،فيكون قد عقل صفة وموصففوفا ً والصفففة علففم مث ً
ل.
وله عبارتان :إحداهما طويلة وهي أن نقول هذه الذات قففد قففام بهففا
علم والخرى وجيزة أوجزت بالتصريف والشتقاق .وهففي أن الففذات
عالمة كما نشاهد النسان شخصا ً ونشاهد نعل ً ونشاهد دخول رجلففه
في النعل ،فله عبارة طويلة وهو أن نقول هذا الشخص رجله داخلففة
في نعله أو نقول هو منتعل ول معنى لكونه منتعل ً إل أنه ذو نعل وما
يظن من أن قيام العلم بالذات يوجب للففذات حالفة تسفمى عالميفة،
هوس محض ،بل العلم هي الحالة ،فل معنففى لكففونه عالمفا ً إل كففون
الذات على صفة وحال تلك الصفة الحال وهففي العلففم فقففط ،ولكففن
من يأخذ المعاني من اللفاظ فل بد أن يغلط .فإذا تكففررت اللفففاظ
بالشتقاقات فاشتقاق صفة العالم من لفظ العلم أورث هذا الغلط،
فل ينبغي أن يغتر به .وبهذا يبطل جميففع مففا قيففل وطففول مففن العلففة
والمعلول وبطلن ذلك جلي بأول العقل لمن لم يتكرر علففى سففمعه
ترديد تلك اللفاظ ،ومن علففق ذلففك بفهمففه فل يمكففن نزعففه منففه إل
بكلم طويففل ل يحتملففه هففذا المختصففر .والحاصففل هففو أنففا نقففول
للفلسفة والمعتزلة :هل المفهوم من قولنا عالم عين المفهوم مففن
قولنا موجودا ً وفيه إشارة إلى وجود وزيادة .فإن قففالوا ل ،فففإذا ً كففل
مففن قففال هففو موجففود عففالم ،كففأنه قففال هففو موجففود وهففذا ظففاهر
الستحالة ،وإذا كان في مفهومه زيادة فتلك الزيادة هل هي مختصة
بذات الموجود أم ل ؟ فإن قالوا ل فهففو محففال إذ يخففرج بففه عففن أن
يكون وصفا ً له وإن كان مختصا ً بذاته فنحن ل نعنففي بففالعلم إل ذلففك
وهي الزيادة المختصة بالذات الموجودة الزائدة علففى الوجففود الففتي
يحسن أن يشتق للموجود بسببه منه اسم العالم ،فقد ساعدتم على
المعنى وعاد النفزاع إلفى اللفففظ ،وإن أردت إيفراده علفى الفلسففة
قلت :مفهوم قولنا قادر مفهوم قولنا عالم أم غيره ؟ فففإن كففان هففو
ذلك بعينه فكأنا قلنا قادر قادر ،فففإنه تكففرار محففض ،وإن كففان غيففره
فإذا هو المراد فقد أثبتم مفهومين أحدهما يعبر عنه بالقدرة والخففر
بالعلم ورجع النكار إلى اللفظ .فإن قيل :قولكم أمر مفهففومه عيففن
المفهوم من قولكم آمر وناه ومخبر أو غيففره ،فففإن كففان عينففه فهففو
تكرار محض ،وإن كان غيره فليكن له كلم هفو أمفر وآخفر هفو نهفي
وآخر هو خبر .وليكن خطاب كل شيء مفارقا ً لخطاب غيره .وكذلك
مفهوم قولكم إنه عالم بالعراض أهو عين مفهوم قولكم إنففه عففالم
بالجواهر أو غيره ؟ فإن كان عينففه فليكففن النسففان العففالم بففالجوهر
عالما ً بالعرض بعين ذلك العلففم ،حففتى يتعلففق علففم واحففد بمتعلقففات
مختلفة ل نهاية لها ،وإن كان غيره فليكن لله علوم مختلفففة ل نهايففة
لها وكففذلك الكلم والقففدرة والرادة وكففل صفففة ل نهايففة لمتعلقاتهففا
ينبغي أن ل يكون لعداد تلك الصفة نهاية ،وهذا محال ،فإن جففاز أن
تكون صفة واحدة تكون هي المر وهففي النهففي وهففي الخففبر وتنففوب
عن هذه المختلفففات جففاز أن تكففون صفففة واحففدة تنففوب عففن العلففم
والقدرة والحيففاة وسففائر الصفففات .ثففم إذا جففاز ذلففك جففاز أن تكففون
الففذات بنفسففها كافيففة ويكففون فيهففا معنففى القففدرة والعلففم وسففائر
الصفات من غير زيادة وعند ذلك يلزم مذهب المعتزلففة والفلسفففة.
والجواب أن نقول :هذا السؤال يحرك قطب فا ً عظيم فا ً مففن اشففكالت
الصفففات ول يليففق حلهففا بالمختصففرات .ولكففن إذا سففبق القلففم إلففى
إيففراده فلنرمففز إلففى مبففدأ الطريففق فففي حلففه ،وقففد كففع عنففه أكففثر
المحصففلين وعففدلوا إلففى التمسففك بالكتففاب والجمففاع ،وقففالوا هففذه
الصفات قد ورد الشففرع بهفا ،إذ دل الشففرع علففى العلففم وفهففم منففه
الواحد ل محالة والزائد على الواحد لم يرد فل يعتقده .وهذا ل يكففاد
يشفي فإنه قد ورد بالمر والنهي والخبر والتوراة والنجيل والقففرآن
فما المانع من أن يقال :المر غير النهي والقففرآن غيففر التففوراة وقففد
ورد بففأنه تعففالى يعلففم السففر والعلنيففة والظففاهر والبففاطن والرطففب
واليابس وهلم جرا إلى ما يشتمل القرآن عليه ..فلعل الجففواب مففا
نشير إلى مطلع تحقيقه وهو أن كل فريق مففن العقلء مضففطر إلففى
أن يعترف بأن الدليل قد دل على أمر زائد على وجففود ذات الصففانع
سبحانه ،وهو الذي يعبر عنه بأنه عالم وقادر وغيره .والحتمالت فيه
ثلثة :طرفان وواسطة ،والقتصاد أقرب إلى السداد .أمففا الطرفففان
فأحدهما في التفريط وهو القتصففار علففى ذات واحففدة تففؤدي جميففع
هففذه المعففاني وتنففوب عنهففا كمففا قففالت الفلسفففة .والثففاني طففرف
الفففراط وهففو إثبففات صفففة ل نهايففة لحادهففا مففن العلففوم والكلم
والقدرة ،وذلك بحسب عدد متعلقات هذه الصفات؛ وهذا إسففراف ل
صائر إليه إل بعففض المعتزلففة وبعففض الكراميففة .والففرأي الثففالث هففو
القصد والوسط .وهففو أن يقففال :المختلفففات لختلفهففا درجففات فففي
التقارب والتباعد؛ فرب شففيين مختلفيففن بففذاتيهما كففاختلف الحركففة
والسكون واختلف القففدرة والعلففم الجففوهر والعففرض ،ورب شففيئين
يدخلن تحت حد وحقيقفة واحفدة ول يختلففان لفذاتيهما وإنمفا يكفون
الختلف فيهما من جهة تغاير التعلففق؛ فليففس الختلف بيففن القففدرة
والعلم كالختلف بين العلم بسواد والعلم بسواد آخر أو بياض آخففر،
ولذلك إذ حددت العلم تجد دخل فيه العلم بالمعلومات كلها ،فنقول:
القتصاد في العتقاد أن يقال :كل اختلف يرجع إلففى تبففاين الففذوات
بأنفسها فل يمكن أن يكفففي الواحففد منهففا ،وينففوب عففن المختلفففات.
فوجب أن يكففون العلففم غيففر القففدرة وكففذلك الحيففاة وكففذا الصفففات
السبعة ،وأن تكون الصفات غيففر الفذات مفن حيففث أن المباينفة بيفن
الذات الموصوفة وبين الصفة أشد من المباينة بيففن الصفففتين .وأمففا
العلم بالشيء فل يخالف العلم بغيره إل مففن جهففة تعلقففه بفالمتعلق،
فل يبعد أن تتميز الصفففة القديمففة بهففذه الخاصففية وهففو أن ل يفوجب
تباين المتعلقات فيها تباينا ً وتعددًا .فإن قيل فليس في هذا قففع دابففر
الشففكال ،لنففك إذ اعففترفت بففاختلف مففا بسففبب اختلف المتعلففق،
فالشففكال قففائم ،فمففا لففك وللنظففر فففي سففبب الختلف بعففد وجففود
الختلف ..فأقول :غاية الناصر لمذهب معين أن يظهر على القطففع
ترجيح اعتقاده على اعتقاد غيره ،وقد حصل هذا علففى القطففع ،إذ ل
طريق إل واحد من هذه الثلث ،أو اختراع رابع ل يعقل .وهذا الواحد
إذا قوبل بطرفيه المتقابلين لففه علففم علففى القطففع رجحففانه ،وإذ لففم
يكن بد مففن اعتقففاد ول معتقففد إل هففذه الثلث ،وهففذا أقففرب الثلث،
فيجب اعتقاده وإن بقي ما يحبك في الصدر من اشكال يلففزم علففى
هذا .واللزم على غيره أعظم منه وتعليل الشكال ممكن إما قطعه
بالكلية والمنظور فيففه هففي الصفففات القديمففة المتعاليففة عففن افهففام
الخلق فهو أمر ممتنع إل بتطويل ل يحتملففه الكتففاب ،هففذا هففو الكلم
العام .وأما المعتزلة فإنا نخصفهم بالسففتفراق بيففن القففدرة والرادة.
ونقول لو جاز أن يكون قادرا ً بغير قفدرة جفاز أن يكفون مريفدا ً بغيفر
إرادة ول فرقان بينهما .فإن قيل :هو قادر لنفسه فلذلك كان قففادرا ً
على جميع المقدورات ولو كففان مريففدا ً لنفسففه لكففان مريففدا ً لجملففة
المرادات ،وهو محال ،لن المتضادات يمكففن إرادتهففا علففى البففدل ل
على الجمع ،وأما القففدرة فيجففوز أن تتعلففق بالضففدين .والجففواب أن
نقول :قولوا إنه مريد لنفسه ثم يختففص ببعففض الحادثففات المففرادات
كما قلتففم قفادر لنفسففه ول تتعلفق قففدرته إل ببعففض الحادثففات ،ففإن
جملة أفعال الحيوانات والمتولدات خارجة عن قدرته وإرادته جميع فا ً
عنففدكم ،فففإذا جففاز ذلففك فففي القففدرة جففاز فففي الرادة أيض فًا .وأمففا
الفلسفة فإنهم ناقضوا في الكلم وهو باطففل مففن وجهيففن .أحففدهما
قولهم إن الله تعالى متكلم مع انهم ل يثبتون كلم النفس ول يثبتون
الصوات في الوجود ،وإنما يثبتون سففماع الصففوت بففالحلق فففي اذن
النبي من غير صوت من خارج .ولو جففاز أن يكففون ذلففك بمففا يحففدث
في دماغ غيره موصففوفا ً بففأنه متكلففم لجففاز أن يكففون موصففوفا ً بففأنه
مصوت ومتحرك لوجود الصوت والحركففة فففي غيففره ،وذلففك محففال،
والثاني أن ما ذكروه رد للشرع كله؛ فففإن مففا يففدركه النففائم خيففال ل
حقيقة له ،فإذا رددت معرفففة النففبي لكلم اللففه تعففالى إلففى التخيففل
الذي يشففبه اضففغاث أحلم فل يثففق بففه النففبي ول يكففون ذلففك علمفًا.
وبالجملة هؤلء ل يعتقدون الدين والسففلم وإنمففا يتجملففون بففإطلق
عبارات احتراز من السيف والكلم معهم فففي أصففل الفعففل ،وحففدث
العففالم والقففدرة فل تشففتغل معهففم بهففذه التفصففيلت .فففإن قيففل
أفتقولون إن صفات الله تعالى غير الله تعالى ؟ قلنا :هذا خطأ فإنففا
إذا قلنا الله تعالى ،فقد دللنففا بفه علففى الففذات مففع الصفففات ل علففى
الذات بمجردها ،إذ اسم الله تعالى ل يصففدق علففى ذات قففد أخلوهففا
عن صفات اللهية ،كما ل يقال الفقه غير الفقيففه ويففد زيففد غيففر زيففد
ويد النجار غير النجار ،لن بعففض الففداخل فففي السففم ل يكففون عيففن
الداخل في السم ،فيد زيففد ليففس هففو زيففد ول هففو غيففر زيففد بففل كل
اللفظين محال ،وهكذا كل بعض فليس غير الكل ول هو بعينه الكل،
فلو قيل الفقه غير النسان فهو تجوز ول يجوز أن يقال غير الفقيففه،
فإن النسان ل يدل على صفة الفقه ،فل جرم يجوز أن يقال الصفففة
غير الذات التي تقوم بها الصفة ،كما يقال العففرض القففائم بففالجوهر
هو غير الجوهر على معنى ان مفهوم اسمه غير مفهوم اسم الخففر،
وهذا حصر جائز بشرطين :أحدهما ،أن ل يمنع الشففرع مففن اطلقففه،
وهذا مختص بالله تعففالى ،والثففاني ،أن ل يفهففم مففن الغيففر مففا يجففوز
وجوده دون الذي هو غيره بالضففافات إليففه ،فففإنه إن فهففم ذلففك لففم
يمكن أن يقال سواد زيد غير زيد ،لنه ل يوجد دون زيد ،قد انكشففف
بهذا ما هو حظ المعنى وما هو حظ اللفففظ فل معنففى للتطويففل فففي
الجليات .الحكم الثاني في الصفففات :نففدعي أن هففذه الصفففات كلهففا
قائمة بذاته ل يجوز أن يقوم شيء منها بغيففر ذاتففه ،سففواء كففان فففي
محل أو لم يكن في محل .وأما المعتزلة فإنهم حكموا بأن الرادة ل
تقوم بذاته تعالى ،فإنها حادثففة وليففس هففو محل ً للحففوادث ،ول يقففوم
بمحل آخر لنه يؤدي إلى أن يكون ذلك المحل هو المريففد بففه ،فهففي
توجد ل في محل ،وزعموا أن الكلم ل يقوم بذاته لنه حففادث ولكففن
يقوم بجسم هو جماد حتى ل يكون هو المتكلم بففه ،بففل المتكلففم بففه
هففو اللففه سففبحانه ،أمففا البرهففان علففى أن الصفففات ينبغففي أن تقففوم
بالذات فهو عند من فهم ما قدمناه مستغنى عنففه ،فففإن الففدليل لمففا
دل على وجود الصانع سبحانه دل بعده على أن الصانع تعالى بصفففة
كذا ول نعني بففأنه تعففالى علففى صفففة كففذا ،إل أنففه تعففالى علففى تلففك
الصفة ،ول فرق بين كونه على تلك الصفة وبين قيام الصفففة بففذاته.
وقففد بينففا أن مفهففوم قولنففا عففالم واحففد وبففذاته تعففالى علففم واحففد،
كمفهوم قولنا مريد ،وقامت بذاته تعالى إرادة واحدة ،ومفهوم قولنا
لم تقم بذاته إرادة وليس بمريد واحد .فتسميته الذات مريدة بإرادة
لم تقم به كتسميته متحركا ً بحركة لم تقم به .وإذا لم تقم الرادة بة
فسواء كانت موجودة أو معدومة فقول القائل إنه مريد لفففظ خطففأ،
ل معنى له ،وهكذا المتكلم ،فإنه متكلم باعتبار كففونه محل ً للكلم ،إذ
ل فرق بين قولنا هو متكلم وبين قولنا قام الكلم بففه ،ول فففرق بيففن
قولنا ليس بمتكلم وقولنا لم يقم بذاته كلم ،كمففا فففي كففونه مصفوتا ً
ومتحركًا .فإن صدق على الله تعالى قولنا لم يقم بففذاته كلم صففدق
قولنا ليس بمتكلم لنهمففا عبارتففان عففن معنففى واحففد .والعجففب مففن
قففولهم إن الرادة توجففد ل فففي محففل ،فففإن جففاز وجففود صفففة مففن
الصفات ل في محل فليجز وجود العلم والقدرة والسففواد والحركففة،
بل الكلم فلم قالوا يخلق الصوات في محل فلتخلق في غير محل.
وإن لم يعقل الصوت إل في محل لنه عففرض وصفففة فكففذا الرادة.
ولو عكس هذا لقيل إنفه خلفق كلمفا ً ل ففي محفل وخلفق إرادة ففي
محل لكان العكس كالطرد .ولكن لمففا كففان أول المخلوقففات يحتففاج
إلى الرادة ،والمحل مخلوق ،لم يمكنهم تقدير محل الرادة موجودا ً
قبل الرادة؛ فإنه ل محل قبل الرادة إل ذات الله تعالى ولم يجعلوه
محل ً للحوادث .ومففن جعلففه محل ً للحففوادث أقففرب حففال منهففم فففإن
استحالة وجود إرادة في غير محل ،واستحالة كففونه مريففدا ً بففإرادة ل
تقوم بففه ،واسففتحالة حففدوث إرادة حادثففة بففه بل إرادة تففدرك ببديهففة
العقل أو نظره الجلي فهففذه ثلثففة اسففتحالت جليففة .وامففا اسففتحالة
كونه محل ً للحوادث فل يففدرك إل بنظففر دقيففق كمففا سففنذكر .الحكففم
الثالث إن الصفات كلها قديمة ،فإنهففا إن كففانت حادثففة كففان القففديم
سبحانه محل ً للحوادث ،وهو محال .أو كان يتصف بصفة ل تقففوم بففه
وذلك أظهر استحالة ،كما سبق ،ولم يذهب أحد إلففى حففدوث الحيففاة
والقدرة وإنما اعتقدوا ذلك في العلففم بففالحوادث وفففي الرادة وفففي
الكلم ونحن نستدل علففى اسففتحالة كففونه محل ً للحففوادث مففن ثلثففة
أوجه:
الدليل الول :إن كل حادث فهو جائز الوجود ،والقديم الزلي واجففب
الوجود ،ولو تطرق الجواز إلففى صفففاته لكففان ذلففك مناقضفا ً لوجففوب
وجوده فإن الجواز والوجوب يتناقضان .فكففل مففا هففو واجففب الففذات
فمن المحال أن يكون جائز الصفات وهذا واضح بنفسه.
الدليل الثاني :وهو القوى ،أنه لو قففدر حلففول حففادث بففذاته لكففان ل
يخلو إمفا أن يرتقفي الفوهم إلفى حفادث يسفتحيل قبلفه حفادث ،أو ل
يرتقي إليه ،بل كان حادث ،فيجففوز أن يكففون قبلففه حففادث ،فففإن لففم
يرتق الوهم إليه لزم جواز اتصافه بالحوادث أبدًا ،ولزم منه حففوادث
ل أول لها .وقد قام الدليل على استحالته .وهذا القسم ما ذهب إليه
أحد من العقلء وإن ارتقى الوهم إلى حففادث اسففتحال قبلففه حففدوث
حادث فتلك الستحالة لقبول الحادث في ذاته ،ل تخلو إما أن تكففون
لففذاته أو لففزائد عليففه .وباطففل أن يكففون لففزائد عليففه ،فففإن كففل زائد
يفرض ممكن تقدير عدمه ،فيلففزم منففه تواصففل الحففوادث أبففدا ً وهففو
محال ،فلم يبق إل أن استحالته من حيففث أن واجففب الوجففود يكففون
علففى صفففة يسففتحيل معهففا قبففول الحففوادث لففذاته .فففإذا كففان ذلففك
ل .فإن ذلك يبقى فيما ل يزال لنه لذاته ل يقبل مستحيل ً في ذاته أز ً
اللون باتفاق العقلء .ولم يجز أن تتغير تلففك السففتحالة إلففى الجففواز
فكذلك سائر الحوادث.
فإن قيل :هذا يبطل يحدث العالم ،فإنه كان ممكنا ً قبل حففدوثه ولففم
يكن الوهم يرتقي إلى وقت يستحيل حدوثه قبله ومع ذلك يسففتحيل
حدوثه أزل ً ولم يستحل على الجملة حدوثه.
قلنا هذا اللزام فاسد؛ فإنا لم نحل إثبات ذات تنبو عن قبول حففادث
لكونها واجبة الوجود ،ثم تتقلب إلى جففواز قبففول الحففوادث .والعففالم
ليس له ذات قبل الحدوث موصوفة بأنها قابلة للحدوث أو غير قابلة
حتى ينقلب إلى قبول جواز الحدوث ،فيلزم ذلك على مساق دليلنففا،
نعم ،يلزم ذلك المعتزلة حيث قالوا للعففالم ذات فففي العففدم قديمففة،
قابلة للحدوث ،يطرأ عليها الحدوث بعد أن لم يكن ،فأما على أصفلنا
فغير لزم ،وإنما الذي نقوله في العالم أنه فعل وقدم الفعل محففال،
لن القديم ل يكون فع ً
ل.
الدليل الثالث :هو أنا نقول :إذا قدرنا قيام حادث بذاته فهو قبل ذلك
إما أن يتصف بضد ذلك الحادث أو بالنفكاك عن ذلك الحادث .وذلك
الضد أو ذلك النفكففاك إن كففان قففديما ً اسففتحال بطلنففه وزوالففه لن
القديم ل يعدم وإن كان حادثا ً كان قبله حففادث ل محالففة ،وكففذا قبففل
ذلك الحادث حادث يؤدي إلى حوادث ل أول لها وهو محففال ،ويتضففح
ل ،فإن الكرامية قالوا إنه ذلك بأن تفرض في صفة معينة كالكلم مث ً
في الزل متكلم ،على معنى أنه قففادر علففى خلففق الكلم فففي ذاتففه.
ومهما أحدث شيئا ً في غير ذاته أحدث في ذاته قففوله كففن ول بففد أن
يكون قبل إحداث هذا القول ساكتًا ،ويكون سكوته قديمًا.
وإذا قال جهم أنه يحدث في ذاته علما ً فل بففد أن يكففون قبلففه غففافل ً
وتكون غفلته قديمة.
فنقول :السففكوت القففديم والغفلففة القديمففة يسففتحيل بطلنهمففا لمففا
سبق من الدليل على استحالة عدم القديم .فإن قيل السكوت ليس
بشيء إنما يرجع إلى عففدم الكلم ،والغفلففة ترجففع إلففى عففدم العلففم
والجهل وأضداده ،فإذا وجد الكلم لم يبطل شيء إذ لم يكففن شففيء
إل الذات القديمة ،وهي باقية ،ولكن انضاف إليها موجففود آخففر وهففو
الكلم والعلم.
فأما أن يقال :انعدم شيء فلن ويتنففزل ذلففك منزلففة وجففود العففالم،
فإنه يبطل العففدم القففديم ولكففن العففدم ليففس بشففيء حففتى يوصففف
بالقدم ويقدر بطلنه .والواجب من وجهين أحففدهما أن قففول القففائل
السكوت هو عدم الكلم وليس بصفة والغفلففة عففدم العلففم وليسففت
بصفة ،كقوله البياض هو عدم السواد وسففائر اللففوان وليففس بلففون.
والسكون هو عدم الحركة وليس بعرض ،وذلك محال .والدليل الذي
دل على استحالته بعينه يدل على استحالة هذا ،والخصوم فففي هففذه
المسألة معترفون بأن السكون وصف زائد على عدم الحركففة ،فففإن
كل مفن يفدعي أن السفكون هفو عفدم الحركفة ل يقفدر علفى اثبفات
حدوث العففالم .فظهففور الحركففة بعففد السففكون إذا ً دل علففى حففدوث
المتحففرك ،فكففذلك ظهففور الكلم بعففد السففكوت يففدل علففى حففدوث
المتكلم ،من غير فرق .إذ المسلك الففذي بففه يعففرف كففون السففكون
معنى هو مضاد للحركة بعينه يعرف به كففون السففكوت معنففى يضففاد
الكلم ،وكون الغفلة معنى يضاد العلم ،وهو أنا إذا أدركنا تفرقة بيففن
حالتي الذات الساكنة والمتحركة فإن الذات مدركة علففى الحففالتين.
والتفرقففة مدركففة بيففن الحففالتين ول نرجففع التفرقففة إلففى زوال أمففر
وحدوث أمر فإن الشيء ل يفففارق نفسففه ،فففدل ذلففك علففى أن كففل
قابل للشيء فل يخلفو عنففه ،أو عففن ضفده وهفذا مطففرد ففي الكلم،
وفي العلم .ول يلزم على هذا الفرق بين وجود العلففم وعففدمه ،فففإن
ذلك ل يوجب ذاتين .فإنه لم تدرك فففي الحففالتين ذات واحففدة يطففرأ
عليها الوجففود بففل ل ذات للعففالم قبففل الحففدوث ،والقففديم ذات قبففل
حدوث الكلم ،علم على وجه مخففالف للففوجه الففذي علففم عليففه بعففد
حدوث الكلم ،يعبر عن ذلك الوجه بالسكوت وعن هذا بالكلم ،فهما
وجهان مختلفان أدركت عليهما ذات مستمرة الوجففود فففي الحففالتين
وللففذات هيئة وصفففة وحالففة بكففونه سففاكتًا ،كمففا أن لففه هيئة بكففونه
متكلمًا ،وكما له هيئة بكففونه سففاكتا ً ومتحرك فا ً وأبيففض وأسففود وهففذه
الموازنة مطابقة ل مخرج منها .الوجه الثففاني فففي النفصففال هففو أن
يسلم أيضا ً أن السففكوت ليففس بمعنففى ،وإنمففا يرجففع ذلففك إلففى ذات
منفكة عن الكلم ،فالنفكاك عن الكلم حال للمنفك ل محالة ينعدم
بطريان الكلم ،فحال النفكففاك تسففمى عففدما ً أو وجففودا ً أو صفففة أو
هيئة ،فقففد انتفففى الكلم والمنتفففي قففديم .وقففد ذكرنففا أن القففديم ل
ينتفي سواء كان ذاتا ً أو حال ً أو صفة ،وليست الستحالة لكففونه ذات فا ً
فقط بل لكونه قديمًا ،ول يلزم عدم العالم ،فففإنه انتفففى مففع القففديم
لن عدم العالم ليس بففذات ول حصففل منففه حففال لففذات حففتى يقففدر
تغيرها وتبدلها على الذات والفرق بينهما ظاهر.
فإن قيل العراض كثيرة والخصم ل يدعي كون الباري محل حففدوث
شففيء منهففا كففاللوان واللم واللففذات وغيرهففا ،وإنمففا الكلم فففي
الصفات السففبعة الففتي ذكرتموهففا ول نففزاع مففن جملتهففا فففي الحيففاة
والقدرة ،وإنما النزاع في ثلثفة :ففي القفدرة والرادة والعلفم ،وففي
معنى العلم السمع والبصر عند من يثبتهما .وهذه الصفات الثلثففة ل
بد أن تكون حادثة ،ثم يستحيل أن تقوم بغيره ،لنه ل يكففون متصفففا ً
بها فيجب أن تقوم بذاته فيلزم منه كونه محل ً للحففوادث .أمففا العلففم
بالحوادث فقد ذهب جهم إلى أنها علوم حادثة وذلك لن الله تعففالى
الن عالم بأن العالم كان قد وجد قبل هذا ،وهففو فففي الزل إن كففان
عالما ً بأنه كان قد وجد كان هذا جهل ً ل علمًا ،وإذا لم يكن عالما ً بأنه
قد وجد كان جهل ً ل علمًا ،وإذا لم يكففن عالم فا ً وهففو الن عففالم فقففد
ظهر حدوث العلم بأن العالم كان قد وجد قبففل هففذا .وهكففذا القففول
في كل حادث .وأما الرادة فل بد من حدوثها فإنها لففو كففانت قديمففة
لكان المراد معها .فإن القدرة والرادة مهما تمتا وارتفعففت العففوائق
منها وجب حصول المراد ،فكيف يتأخر المففراد عففن الرادة والقففدرة
من غير عائق ؟ فلهذا قالت المعتزلة بحففدوث إرادة فففي غيففر محففل
وقالت الكرامية بحدوثها في ذاته وربما عبروا عنه بأنه يخلق ايجففادا ً
في ذاته عند وجود كل موجود وهففذا راجففع إلففى الرادة .وأمففا الكلم
فكيف يكون قديما ً وفيه إخبار عما مضى ،فكيف قال في الزل "إنففا
أرسلنا نوحا ً إلى قومه" ولم يكن قد خلق نوحا ً بعد ،وكيف قففال فففي
الزل لموسى "فاخلع نعليك" ولففم يخلففق بعففد موسففى ،فكيففف أمففر
ونهففى مففن غيففر مففأمور ول منهففي .وإذا كففان ذلففك محففال ً ثففم علففم
بالضرورة أنه آمر وناه ،واستحال ذلففك فففي القففدم ،علففم قطعفا ً أنففه
صار آمرا ً ناهيا ً بعد أن لففم يكففن ،فل معنففى لكففونه محل ً للحففوادث إل
هذا.
والجواب أنا نقففول :مهمففا حللنففا الشففبهة فففي هففذه الصفففات الثلثففة
انتهض منه دليل مسففتقل علففى إبطففال كففونه محل ً للحففوادث ،إذ لففم
يذهب إليه ذاهب إل بسبب هذه الشبهة ،وإذا انكشف كان القول بها
بففاطل ً كففالقول بففأنه محففل لللففوان وغيرهففا ممففا ل يففدل دليففل علففى
التصاف بها.
فنقول :الباري تعالى في الزل علم بوجود العالم في وقت وجففوده
وهذا العلم صفة واحدة مقتضاها في الزل العلم بففأن العففالم يكففون
من بعد ،وعند الوجود العلم بأنه كائن وبعده العلم بففأنه كففان ،وهففذه
الحوال تتعاقب على العالم ويكون مكشوفا ً لله تعففالى تلففك الصفففة
وهي لم تتغير .وإنما المتغير أحوال العالم ،وإيضاحه بمثففال وهففو أنففا
إذا فرضنا للواحد منا علما ً بقدوم زيد عند طلوع الشمس وحصل له
هذا العلم قبل طلوع الشمس ولم ينعدم بل بقي ولم يخلق له علففم
آخر عند طلوع الشمس فما حال هذا الشخص عند الطلوع .،أيكففون
عالما ً بقدوم زيد أو غير عالم ؟ ومحال أن يكون غير عالم لنففه قففدر
بقفاء العلفم بالقفدوم عنفد الطلفوع ،وقفد علفم الن الطلفوع فيلزمفه
بالضرورة أن يكون عالما ً بالقدوم ،فلو دام عند انقضففاء الطلففوع فل
بد أن يكون عالما ً بأن كان قد قدم والعلم الواحد أفاد الحاطففة بففأنه
سيكون وإنه كائن وأنففه قففد كففان فهكففذا ينبغففي أن يفهففم علففم اللففه
القففديم المففوجب بالحاطففة بففالحوادث ،وعلففى هففذا ينبغففي أن يقففال
السففمع والبصففر ،فففإن كففل واحففد منهمففا صفففة يتصففف بهففا المففرئي
والمسموع عند الوجود من غير حدوث تلففك الصفففة ول حففدوث أمففر
فيها ،وإنما الحادث المسموع والمرئي .والدليل القاطع على هذا هو
أن الختلف بين الحوال شيء واحد فففي انقسففامه إلففى الففذي كففان
ويكففون وهففو كففائن ل يزيففد علففى الختلف بيففن الففذوات المختلفففة.
ومعلوم أن العلم ل يتعدد بتعدد الفذوات فكيفف يتعفدد بتعففدد أحفوال
ذات واحدة .وإذا كان علم واحد يفيد الحاطة بذوات مختلفة متباينة
فمن أيففن يسففتحيل أن يكفون علففم واحففد يفيفد إحاطففة بفأحوال ذات
واحدة بالضافة إلى الماضفي والمسفتقبل ،ول شفك أن جهمفا ً ينففي
النهاية عن معلومات الله تعالى ثم ل يثبت علوما ً ل نهاية لها فيلزمه
أن يعترف بعلم واحد يتعلق بمعلومات مختلفة فكيففف يسففتبعد ذلففك
في أحوال معلوم واحد يحققه أنه لو حدث له علم بكل حادث لكففان
ذلك العلم ل يخلو إما أن يكون معلوما ً أو غير معلوم ،فففإن لففم يكففن
معلوما ً فهو محال ،لنه حادث ،وإن جاز حادث ل يعلمه مففع أنففه فففي
ذاته أولى بأن يكون متضحا ً له فبان يجوز أل يعلم الحوادث المباينففة
لذاته أولى ،وإن كان معلوما ً فإمفا أن يفتقفر إلففى علففم آخففر وكففذلك
العلم يفتقر إلى علوم أخر ل نهاية لها ،وذلففك محففال .وإمففا أن يعلففم
الحادث والعلم بالحادث نفس ذلك العلم فتكففون ذات العلففم واحففدة
ولهففا معلومففان :أحففدهما ذات ،والخففر ذات الحففادث ،فيلففزم منففه ل
محالة تجويز علم واحفد يتعلففق بمعلففومين مختلفيففن فكيفف ل يجفوز
علم واحد يتعلق بأحوال معلوم واحففد مففع اتحففاد العلففم وتنزهففه عففن
التغير ،وهذا ل مخرج منه؛ فأما الرادة فقففد ذكرنففا أن حففدوثها بغيففر
إرادة أخرى محال ،وحففدوثها بففإرادة بتسلسففل إلففى غيففر نهايففة ،وإن
تعلففق الرادة القديمففة بالحففداث غيففر محففال .ويسففتحيل أن تتعلففق
الرادة بالقديم فلم يكن العالم قففديما ً لن الرادة تعلقففت باحففداثه ل
بوجوده في القدم .وقد سبق إيضاح ذلك .وكذلك الكرامففي إذا قففال
يحدث في ذاته إيجادا ً في حال حدوث العففالم بففذلك يحصففل حففدوث
العالم في ذلففك الففوقت ،فيحتففاج إلففى مخصففص آخففر فيلزمهففم فففي
اليجاد ما لزم المعتزلة في الرادة الحادثة ،ومن قال منهم إن ذلففك
اليجاد هو قوله كن ،وهو صوت ،فهو محال من ثلثة أوجه،
أحدها :استحالة قيام الصوت بذاته،
والخر :أن قوله كن حادث أيضًا ،فإن حدث من غير أن يقول له كن
فليحدث العالم من غير أن يقال له كن ،فإن افتقر قوله كن فففي أن
يكون ،إلى قول آخر ،افتقفر القفول الخفر إلفى ثفالث ،والثفالث إلفى
رابع ،ويتسلسل إلى غير نهاية .ثم ل ينبغي أن يناظر من انتهى عقله
إلى أن يقول يحدث في ذاته بعدد كل حادث في كل وقت ،قوله كن
فيجتمع آلف آلف أصوات في كل لحظة .ومعلوم أن النون والكاف
ل يمكن النطق بهما في وقت واحد بل ينبغففي أن تكففون النففون بعففد
الكاف لن الجمع بين الحرفين محال وإن جمع ولفم يرتفب لففم يكفن
قول ً مفهوما ً ول كلمًا ،وكما يسففتحيل الجمففع بيففن حرفيففن مختلفيففن
فكذلك بين حرفين متماثلين ،ول يعقل في أوان ألف ألف كاف كمففا
ل يعقل الكاف والنون فهؤلء حقهم أن يسترزقوا الله عقل ً وهو أهم
لهم من الشتغال بالنظر.
والثالث :أن قوله كن خطاب مع العالم في حالة العدم أو فففي حالفة
الوجود ،فإن كان في حالة العدم فالمعدوم ل يفهم الخطاب ،فكيف
يمتثل بأن يتكون بقوله كففن ؟ وإن كففان فففي حالففة الوجففود فالكففائن
كيف يقال له كن ؟ فانظر ماذا يفعل الله تعالى بمن ضل عن سبيله
فقد انتهى ركاكففة عقلففه إلففى أن ل يفهففم المعنففي بقففوله تعففالى "إذا
أردناه أن نقول له كن فيكون" وأنه كناية عن نفففاذ القففدرة وكمالهففا
حتى انجر بهم إلى هذه المخازي ،نعوذ بالله مففن الخففزي والفضففيحة
يوم الفزع الكبر يوم تكشففف الضففمائر وتبلففى السففرائر فيكشففف إذ
ذاك ستر الله عن خبائث الجهال ،ويقففال للجاهففل الففذي اعتقففد فففي
الله تعالى وفي صفاته غير الرأي السديد لقففد كنففت فففي غفلففة مففن
هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد.
وأما الكلم فهو قديم ،وما استبعدوه من قوله تعالى "فاخلع نعليففك"
ومن قوله تعالى "إنا أرسلنا نوحًا" استبعاد مستنده تقففديرهم الكلم
صوتا ً وهو محال فيه ،وليس بمحال إذ فهم كلم النفففس .فإنففا نقفول
يقوم بذات الله تعالى خبر عن إرسال نوح العبارة عنه قبل إرساله:
إنا نرسله ،وبعد إرساله :إنا أرسلنا ،واللفظ يختلف باختلف الحوال
والمعنى القائم بذاته تعالى ل يختلف ،فإن حقيقتففه أنففه خففبر متعلففق
بمخبر ذلك الخبر هو إرسال نوح في الوقت المعلوم وذلك ل يختلف
باختلف الحوال كما سبق في العلم ،وكذلك قوله اخلع نعليك لفظة
تدل على المر والمر اقتضاء وطلب يقوم بذات المر وليس شففرط
قيامه به أن يكون المأمور موجودا ً ولكن يجوز أن يقففوم بففذاته قبففل
وجود المأمور ،فإذا وجد المأمور كان مففأمورا ً بففذلك القتضففاء بعينففه
من غير تحدد اقتضاء آخر .وكم من شخص ليس له ولد ويقوم بذاته
اقتضاء طلب العلم منه على تقدير وجففوده ،إذ يقففدر فففي نفسففه أن
يقول لولده اطلب العلم وهذا القتضاء يتنجز في نفسه علفى تقفدير
الوجود ،فلو وجد الولد وخلق له عقل وخلق له علم بمففا فففي نفففس
الب من غير تقدير صياغة لفظ مسموع ،وقدر بقففاء ذلففك القتضففاء
على وجوده لعلم البن أنه مأمور مففن جهففة الب بطلففب العلففم فففي
غير استئناف اقتضاء متجدد في النفس ،بل يبقى ذلك القتضاء نعففم
العادة جارية بأن البن ل يحدث له علم إل بلفظ يدل على القتضففاء
الباطن ،فيكون قوله بلسانه أطلب العلم ،دللة على القتضاء الففذي
في ذاته سواء حدث في الوقت أو كان قديما ً بذاته قبل وجود ولده.
فهكذا ينبغي أن يفهم قيام المر بففذات اللففه تعففالى فتكففون اللفففاظ
الدالة عليه حادثة والمدلول قديما ً ووجود ذلك المففدلول ل يسففتدعي
وجود المأمور بل تصور وجوده مهما كان المأمور مقدر الوجود ،فإن
كففان مسففتحيل الوجففود ربمففا ل يتصففور وجففود القتضففاء ممففن يعلففم
استحالة وجوده .فلذلك ل نقول إن الله تعففالى يقففوم بففذاته اقتضففاء
فعل ممن يستحيل وجوده ،بل ممن علم وجوده ،وذلك غيففر محففال.
فإن قيل أفتقولون إن الله تعالى في الزل آمر وناه ،فإن قلتففم أنففه
آمر فكيف يكون آمر ل مأمور له ؟ وإن قلتم ل فقد صففار آمففرا ً بعففد
أن لم يكن .قلنا :واختلففف الصففحاب فففي جففواب هففذا ،والمختففار أن
تقول هذا نظر يتعلق أحد طرفيه بالمعنى والخر بإطلق السم مففن
حيث اللغة .فأما حظ المعنى فقد انكشف وهو أن القتضففاء القففديم
معقول وإن كان سابقا ً على وجود المأمور كما في حق الولد ينبغففي
أن يقال اسم المر ينطلق عليه بعد فهم المأمور ووجوده أم ينطلق
عليه قبله ؟ وهذا أمففر لفظففي ل ينبغففي للنففاظر أن يشففتغل بأمثففاله،
ولكن الحق أنه يجوز اطلقففه عليففه كمففا جففوزوا تسففمية اللففه تعففالى
قادرا ً قبففل وجففود المقففدور ،ولففم يسففتبعدوا قففادرا ً ليففس لففه مقففدور
موجود بل قالوا القادر يستدعي مقدورا ً معلوم فا ً ل موجففودا ً فكففذلك
المر يستدعي مأمورا ً معلوما ً موجودا ً والمعدوم معلوم الوجود قبففل
الوجففود ،بففل يسففتدعي المففر مففأمورا ً بففه كمففا يسففتدعي مففأمورا ً
ويستدعي آمرا ً أيضا ً والمأمور به يكففون معففدوما ً ول يقففال إنففه كيففف
يكون آمر من غير مأمور به ،بل يقال له مأمور به هو معلوم وليففس
يشترط كونه موجودًا ،بل يشترط كونه معففدوما ً بففل مففن أمففر ولففده
على سبيل الوصية بأمر ثم توفي فففأتى الولففد بمففا أوصففي بففه يقففال
امتثل أمر والده والمر معدوم والمر في نفسففه معففدوم ونحففن مففع
هذا نطلق اسم امتثال المر ،فإذا لففم يسففتبعد كففون المففأمور ممتثل ً
للمر ول وجود للمر ول للمففر ولففم يسففتبعد كففون المففر أمففرا ً قبففل
وجود المأمور به ،فمن أين يستدعي وجود المففأمور ؟ فقففد انكشففف
من هذا حظ اللفظ والمعنى جميعا ً ول نظر إل فيهما .فهذا مففا أردنففا
أن نذكره في استحالة كونه محل ً للحوادث إجمال ً وتفصي ً
ل.
الحكم الرابع إن السامي المشففتقة للففه تعففالى مففن هففذه الصفففات
السبعة صادقة عليه أزل ً وأبدًا ،فهو في القدم كان حيفا ً قففادرا ً عالمفا ً
سميعا ً بصيرا ً متكلمًا ،وأما ما يشتق له من الفعال كالرازق والخالق
والمعز والمذل فقد اختلف في أنه يصدق فففي الزل أم ل .وهففذا إذا
كشف الغطاء عنففه تففبين اسففتحالة الخلف فيففه .والقففول الجففامع أن
السامي التي يسمى بها الله تعالى أربعة:
الول :أن ل يدل إل على ذاته كالموجود ،وهذا صادق أزل ً وأبدًا.
الثاني :ما يدل على الذات مع زيادة سلب كالقديم ،ففإنه يفدل علفى
ل ،والباقي فإنه يدل على الوجففود وسففلب وجود غير مسبوق بعدم أز ً
العدم عنه آخرا ً وكالواحد فإنه يففدل علففى الوجففود وسففلب الشففريك،
وكالغنى فإنه يدل على الوجود وسلب الحاجة فهذا أيضا ً يصففدق أزل ً
وأبدا ً لن ما يسلب عنه يسلب لذاته فيلزم الذات على الدوام.
الثالث :ما يدل على الوجود وصفة زائدة من صفات المعنى كففالحي
والقادر والمتكلم والمريد والسميع والبصير والعالم ومففا يرجففع إلففى
هذه الصفات السبعة كالمر والناهي والخبير ونظففائره ،فففذلك أيض فا ً
يصدق عليه أزل ً وأبدا ً عند من يعتقد قدم جميع الصفات.
الرابع :ما يدل على الوجود مع إضافة إلى فعل من أفعففاله كففالجواد
والرزاق والخالق والمعز والمذل وأمثاله ،وهففذا مختلففف فيففه ،فقففال
قوم هو صادق أزل ً إذ لو لم يصففدق لكففان اتصففافه بففه موجبفا ً للتغيففر
وقال قوم ل يصدق إذ ل خلق في الزل فكيف خالقًا.
والكاشف للغطاء عن هذا أن السيف في الغمد يسمى صارما ً وعنففد
حصول القطع به وفففي تلففك الحالففة علففى القففتران يسففمى صففارمًا،
وهما بمعنيين مختلفين ،فهو في الغمد صففارم بففالقوة وعنففد حصففول
القطع صارم بالفعل وكففذلك المففاء فففي الكففوز يسففمى مرويفا ً وعنففد
الشرب يسمى مرويا ً وهما إطلقان مختلفان فمعنى تسمية السيف
في الغمد صارما ً أن الصفة التي يحصل بها القطع في الحال لقصور
في ذات السيف وحدته واستعداده بل لمر آخر وراء ذاته .فبالمعنى
الذي يسمى السيف في الغمد صارما ً يصدق اسم الخالق على اللففه
تعالى في الزل فإن الخلق إذ أجري بالفعل لم يكن لتجدد أمففر فففي
الذات لم يكن ،بل كل ما يشترط لتحقيق الفعل موجففود فففي الزل.
وبالمعنى الذي يطلق حالة مباشرة القطع للسففيف اسففم الصففارم ل
يصدق في الزل فهذا حففظ المعنففى .فقففد ظهففر أن مففن قففال إنففه ل
يصدق في الزل هذا السم فهو محق وأراد به المعنى الثاني ،ومففن
قال يصدق في الزل فهو محق وأراد بفه المعنفى الول .وإذا كشفف
الغطاء على هذا الوجه ارتفع الخلف .فهذا تمام ما أردنا ذكففره فففي
قطب الصفففات وقففد اشففتمل علفى سففبعة دعفاو ،وتفففرع عففن صففة
القدرة ثلثة فروع ،وعن صفة الكلم خمسة استبعادات ،واجتمع من
الحكام المشتركة بين الصفات أربعة أحكام ،فكان المجمففوع قريب فا ً
من عشرين دعوى هي أصول الففدعاوى وإن كففان تنبنففي كففل دعففوى
على دعاوى بها يتوصل إلففى اثباتهففا فلنشففتغل بففالقطب الثففالث مففن
الكتاب إن شاء الله تعالى.
القطب الرابع إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإثبات
ما أخبر هو عنه
الباب الول في اثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسففلم وإنمففا
نفتقر إلى إثبات نبوته ،على الخصففوص ،وعلففى ثلثففة فففرق :الفرقففة
الولى ،العيسوية :حيث ذهبوا إلى أنففه رسففول إلففى العففرب فقففط ل
إلى غيرهم ،وهذا ظاهر البطلن فإنهم اعففترفوا بكففونه رسففول ً حق فًا،
ومعلوم أن الرسول ل يكذب ،وقد ادعى هو أنه رسول مبعفوث إلفى
الثقلين ،وبعففث رسففوله إلففى كسففرى وقيصففر وسففائر ملففوك العجففم
وتواتر ذلك منه فما قالوه محففال متنففاقض .الفرقففة الثانيففة ،اليهففود:
فإنهم انكروا صدقه ل بخصوص نظر فيه وفي معجزاته ،بففل زعمففوا
أنه ل نبي بعد موسى عليففه السففلم ،فففأنكروا نبففوة محمففد وعيسففى
عليهما السلم .فينبغي أن تثبت عليهم نبوة عيسى لنه ربمففا يقصففر
فهمهم عن درك إعجاز القرآن ول يقصففرون عففن درك إعجففاز إحيففاء
الموتى وإبراء الكمه والبففرص فيقففال لهففم مففا الففذي حملكففم علففى
التفريق بين من يستدل على صدقه بإحياء الموتى وبين من يسففتدل
بقلففب العصففا ثعبان فا ً ؟ ول يجففدون إليففه سففبيل ً البتففة ،إل أنهففم ضففلوا
بشبهتين :إحداهما ،قولهم :النسخ محال ففي نفسفه لنفه يفدل علفى
البدء والتغيير وذلففك محففال علففى اللففه تعففالى ،والثانيففة لفهففم بعففض
الملحدة أن يقولوا :قد قال موسى عليه السففلم :عليكففم بففديني مففا
دامت السموات والرض ،وإنه قال إنففي خففاتم النبيففاء .أمففا الشففبهة
الولى فبطلنها بفهم النسخ ،وهو عبففارة عففن الخطففاب الففدال علففى
ارتفففاع الحكففم الثففابت المشففروط اسففتمراره بعففد لحقففوق خطففاب
يرفعه ،وليس من المحال أن يقول السيد لعبده قم مطلقًا ،ول يبين
له مدة القيام ،وهففو يعلففم أن القيففام مقتضففى منففه إلففى وقففت بقففاء
مصلحته في القيام ،ويعلم مدة مصلحته ولكن ل ينبه عليهففا ،ويفهففم
العبد أنه مأمور بالقيام مطلقا ً وأن الواجب السففتمرار عليففه أبففدا ً إل
أن يخففاطبه السفيد بفالقعود؛ فففإذا خفاطبه بفالقعود قعففد ولففم يتفوهم
بالسيد أنه بدا لففه أو ظهففرت لففه مصففلحة كففان ل يعرفهففا ،والن قففد
عرفها ،بل يجوز أن يكون قد عرف مدة مصففلحة القيففام وعففرف أن
الصلح فففي أن ل ينبففه العبففد عليهففا ويطلففق المففر لففه إطلقفا ً حففتى
يستمر على المتثال ،ثم إذا تغيرت مصففلحته أمففره بففالقعود ،فهكففذا
ينبغي أن يفهم اختلف أحكام الشرائع .فإن ورود النبي ليس بناسففخ
لشرع من قبله بمجففرد بعثتففه ،ول فففي معظففم الحكففام ،ولكففن فففي
بعض الحكام كتغير قبلة وتحليل محرم وغيففر ذلففك ،وهففذه المصففالح
تختلف بالعصار والحوال فليس فيه مفا يفدل علفى التغيفر ول علفى
الستبانة بعد الجهل ول على التناقض .ثم هذا إنما يسففتمر لليهففود إذ
لو اعتقدوا أنه لم يكن شريعة مففن لففدن آدم إلففى زمففن موسففى لففم
ينكروا وجود نوح وإبراهيم وشفرعهما ،ول يتميفزون فيفه عمفن ينكفر
نبوة موسى وشرعه وكل ذلك إنكار مففا علففم علففى القطففع بففالتواتر.
وأما الشبهة الثانية فسخيفة مففن وجهيففن .أحففدهما ،أنففه لففو صففح مففا
قالوه عن موسى لما ظهرت المعجزات على يد عيسففى ،فففإن ذلففك
تصديق بالضرورة ،فكيف يصدق الله بففالمعجزة مففن يكففذب موسففى
وهو أيضا ً مصدق لففه ،أفتنكففرون معجففزة عيسففى وجففودا ً أو تنكففرون
إحياء الموتى دليل ً على صففدق المتحففدي ؟ فففإن أنكففروا شففيئا ً منهففم
لزمهم في شرع موسى لزوما ً ل يجدون عنففه محيصفًا ،وإذا اعففترفوا
به لزمهم تكذيب من نقل إليهم من موسى عليه السففلم قففوله إنففي
خاتم النبياء .والثفاني :أن هفذه الشففبهة إنمفا لقنوهفا بعفد بعثفة نبينفا
محمد عليه السلم وبعد وفاته ،ولو كانت صحيحة لحتففج اليهففود بهففا
وقد حملوا بالسيف على السلم ،وكان رسولنا عليه السلم مصدقا ً
بموسى عليه السلم وحاكما ً على اليهود بففالتوراة فففي حكففم الرجففم
وغيره ،فل عرض عليفه مفن التفوارة ذلفك ،ومفا الفذي صفرفهم عنفه
ومعلوم قطعا ً أن اليهود لم يحتجوا به لن ذلك لو كان لكان مفحمففا ً
ل جواب عنه ولتواتر نقله ،ومعلوم أنهم لم يتركوه مع القففدرة عليففه
ة
ولقد كانوا يحرصون علففى الطعففن فففي شففرعه بكففل ممكففن حماي ف ً
لدمائهم وأموالهم ونسائهم ،فإذا ثبت عليهم نبوة عيسى أثبتنففا نبففوة
نبينا عليففه السففلم بمفا نثبتهففا علففى النصففارى .الفرقففة الثالثففة ،وهففم
يجوزون النسخ ولكنهم ينكرون نبففوة نبينففا مففن حيففث أنهففم ينكففرون
معجزته في القرآن .وفي إثبات نبوته بالمعجزة طريقتفان :الطريقفة
الولى ،التمسك بالقرآن ،فإنا نقول :ل معنى للمعجزة إل مففا يقففترن
بتحدي النبي عند استشهاده على صدقه على وجه يعجز الخلق عففن
معارضته ،وتحديه على العرب مع شغفهم بالفصاحة وإغراقهم فيهففا
متففواتر ،وعففدم المعارضففة معلففوم ،إذ لففو كففان لظهففر ،فففإن أرذل
الشففعراء لمففا تحففدوا بشففعرهم وعورضففوا ظهففرت المعارضففات
والمناقضات الجارية بينهم ،فففإذا ً ل يمكففن إنكففار تحففديه بففالقرآن ول
يمكن إنكففار اقتففدار العففرب علففى طريففق الفصففاحة ول يمكففن انكففار
حرصهم على دفع نبوته بكل ممكففن حمايففة لففدينهم ودمهففم ومففالهم
وتخلصا ً من سففطوة المسففلمين وقهرهففم ،ول يمكففن إنكففار عجزهففم
لنهم لو قدروا لفعلوا ،فإن العادة قاضية بالضرورة بأن القادر علففى
دفع الهلك عن نفسه يشتغل بدفعه ،ولففو فعلففوا لظهففر ذلففك ونقففل.
فهذه مقدمات بعضها بالتواتر وبعضها بجاري العادات وكل ذلك ممففا
يورث اليقين فل حاجة إلى التطويل .وبمثل هذا الطريق تثبففت نبففوة
عيسى ول يقدر النصراني على إنكار شيء من ذلك؛ فإنه يمكففن أن
يقابل بعيسى فينكر تحففديه بففالنبوة أو استشففهاده باحيففاء المففوتى أو
وجود إحياء الموتى أو عدم المعارضة أو يقففال عففورض ولففم يظهففر،
وكل ذلك مجاحففدات ل يقففدر عليهففا المعففترف بأصففل النبففوات ،فففإن
قيل :ما وجه إعجففاز القففرآن ؟ قلنففا الجزالففة والفصففاحة مففع النظففم
العجيففب والمنهففاج الخففارج عففن مناهففج كلم العففرب فففي خطبهففم
وأشعارهم وسائر صففنوف كلمهففم ،والجمففع بيففن هففذا النظففم وهففذه
الجزالة معجز خارج عن مقدور البشر ،نعم ربما يرى للعرب أشففعار
وخطففب حكففم فيهففا بالجزالففة ،وربمففا ينقففل عففن بعففض مففن قصففد
المعارضة مراعاة هذا النظم بعد تعلمه من القرآن ،ولكففن مففن غيففر
جزالة بل مع ركاكة كما يحكى عففن ترهففات مسففيلمة الكففذاب حيففث
قال :الفيل وما أدراك ما الفيل له ذنب وثيل وخرطوم طويل .فهففذا
وأمثاله ربما يقدر عليه مع ركاكة يستغثها الفصحاء ويستهزؤون بهففا،
وأما جزالة القرآن فقد قضى كافة العففرب منهففا العجففب ولففم ينقففل
عن واحد منهم تشبث بطعن فففي فصففاحته ،فهففذا إذا ً معجففز وخففارج
عن مقففدور البشففر مففن هففذين الففوجهين ،أعنففي مففن اجتمففاع هففذين
الوجهين ،فإن قيففل :لعففل العففرب اشففتغلت بالمحاربففة والقتففال فلففم
تعرج علففى معارضففة القففرآن ولففو قصففدت لقففدرت عليففه ،أو منعتهففا
العوائق عن الشتغال به ،والجواب أن مففا ذكففروه هففوس ،فففإن دفففع
تحدي المتحدي بنظم كلم أهون مففن الففدفع بالسففيف مففع مففا جففرى
على العرب من المسلمين بالسر والقتل والسففبي وشففن الغففارات،
ثم ما ذكروه غير دافع غرضنا ،فإن انصرافهم عن المعارضة لم يكن
إل بصرف من الله تعالى ،والصرف عن المقدور المعتاد من أعظففم
المعجزات ،فلو قال نبي آية صدقي أني في هذا اليوم أحرك أصبعي
ول يقدر أحد من البشر على معارضتي ،فلم يعارضه أحففد فففي ذلففك
اليففوم ،ثبففت صففدقه ،وكففان فقففد قففدرتهم علففى الحركففة مففع سففلمة
العضففاء مففن أعظففم المعجففزات .وإن فففرض وجففود القففدرة ففقففد
داعيتهم وصرفهم عن المعارضة من أعظم المعجزات ،مهمففا كففانت
ة إلفى الفدفع باسفتيلء النفبي علفى رقفابهم وأمفوالهم، حاجتهم ماسف ً
وذلك كلفه معلفوم علفى الضفرورة .فهفذا طريفق تقفدير نبفوته علفى
النصارى ،ومهما تشففبثوا بانكففار شففيء مففن هففذه المففور الجليلففة فل
تشتغل إل بمعارضففتهم بمثلففه فففي معجففزات عيسففى عليففه السففلم.
الطريقة الثانية :أن تثبت نبوته بجملة من الفعال الخارقففة للعففادات
التي ظهرت عليه ،كانشقاق القمر ،ونطق العجماء ،وتفجر الماء من
بين أصابعه ،وتسبيح الحصى في كفه ،وتكثير الطعام القليل ،وغيففره
من خوارق العادات ،وكل ذلك دليففل علففى صففدقه .فففإن قيففل :آحففاد
هذه الوقائع لم يبلغ نقلها مبلغ التواتر .قلنا :ذلففك أيض فا ً إن سففلم فل
يقدح في العرض مهما كان المجموع بالغا ً مبلغ التواتر ،وهذا كما أن
شجاعة علي رضوان الله عليه وسففخاوة حففاتم معلومففان بالضففرورة
على القطع تواترًا ،وآحاد تلك الوقائع لم تثبت تواترًا ،ولكن يعلم من
مجموع الحاد على القطع ثبوت صفة الشجاعة والسففخاوة ،فكففذلك
هذه الحوال العجيبففة بالغففة جملتهففا مبلففغ التففواتر ،ل يسففتريب فيهففا
ل .فإن قففال قففائل مففن النصففارى :هففذه المففور لففم تتففواترمسلم أص ً
عندي ل جملتها ول آحادها .فيقال :ولو انحاز يهففودي إلففى قطففر مففن
القطار ولم يخالط النصففارى وزعففم أنفه لفم تتفواتر عنففده معجففزات
عيسى ،وإن تواترت فعلى لسان النصارى وهم مهتمون بففه ،فبمففاذا
ينفصلون عنه ؟ ول انفصال عنه إل أن يقال :ينبغي أن يخالط القففوم
الذين تواتر ذلك بينهم حتى يتواتر ذلففك إليففك ،فففإن الصففم ل تتففواتر
عنده الخبار ،وكذا المتصامم ،فهذا أيضا ً عذرنا عند إنكار واحد منهم
التواتر على هذا الوجه.
الباب الثاني في بيان وجوب التصديق بأمور ورد بها الشففرع وقضففى
بجوازها العقل وفيه مقدمففة وفصففلن ،أمففا المقدمففة :فهففو أن مففا ل
يعلم بالضرورة ينقسم إلى ما يعلم بدليل العقل دون الشففرع ،وإلففى
ما يعلم بالشرع دون العقل ،وإلى ما يعلم بهما .أما المعلففوم بففدليل
العقل دون الشرع فهو حدث العالم ووجود المحدث وقدرته وعلمففه
وارادته ،فإن كل ذلك ما لم يثبت لم يثبففت الشففرع ،إذ الشففرع يبنففى
على الكلم فإن لم يثبففت كلم النفففس لففم يثبففت الشففرع .فكففل مففا
يتقدم في الرتبة على كلم النفس يستحيل إثباته بكلم النفففس ومففا
يستند إليه ونفس الكلم أيضا ً فيما اخترناه ل يمكففن اثبففاته بالشففرع.
ومن المحققين من تكلف ذلك وادعاه كما سبقت الشارة إليه .وأما
المعلوم بمجرد السمع فتخصيص أحففد الجففائزين بففالوقوع فففإن ذلففك
من موافق العقول ،وإنما يعرف من الله تعالى بوحي والهففام ونحففن
نعلم مفن الففوحي إليففه بسفماع كالحشففر والنشففر والثففواب والعقففاب
وأمثالهما ،وأما المعلوم بهما فكففل مففا هففو واقففع فففي مجففال العقففل
ومتأخر في الرتبة عن إثبات كلم الله تعالى كمسألة الرؤية وانفففراد
الله تعالى بخلق الحركات والغراض كلها وما يجففري هففذا المجففرى،
ثم كلمففا ورد السففمع بففه ينظففر ،فففإن كففان العقففل مجففوزا ً لففه وجففب
التصففديق بففه قطع فا ً إن كففانت الدلففة السففمعية قاطعففة فففي متنهففا
ومستندها ل يتطرق إليها احتمال ،وجب التصديق بهففا ظنفا ً إن كففانت
ظنية ،فإن وجوب التصديق باللسان والقلب عمل يبنى علففى الدلففة
الظنية كسائر العمال فنحن نعلففم قطعفا ً إنكففار الصففحابة علففى مففن
يدعي كون العبد خالقا ً لشيء مففن الشففياء وعففرض مففن العففراض،
وكانوا ينكرون ذلك بمجرد قوله تعالى "خالق كل شيء" ومعلوم أنه
عففام قابففل للتخصففيص فل يكففون عمففومه إل مظنون فًا ،إنمففا صففارت
المسألة قطعية بالبحث على الطرق العقليففة الففتي ذكرناهففا ،ونعلففم
أنهم كانوا ينكرون ذلك قبل البحث عن الطرق العقلية ول ينبغففي أن
يعتقد بهم أنهم لم يلتفتوا إلى المدارك الظنية إل في الفقهيففات بففل
اعتبروها أيضا ً في التصفديقات العتقاديفة والقوليفة .وأمفا مفا قضفى
العقل باستحالته فيجب فيه تأويل مففا ورد السففمع بففه ول يتصففور أن
يشففمل السففمع علففى قففاطع مخففالف للمعقففول ،وظففواهر أحففاديث
التشبيه أكثرها غير صحيحة ،والصحيح منها ليس بقاطع بل هو قابففل
للتأويففل ،فففإن توقففف العقففل فففي شففيء مففن ذلففك فلففم يقففض فيففه
باستحالة ول جواز وجفب التصفديق أيضفا ً لدلفة السفمع فيكففي ففي
وجوب التصديق انفكاك العقل عن القضاء بالحالة ،وليففس يشففترط
اشتماله على القضاء لتجويز ،وبيففن الرتبففتين فففرق ربمففا يففزل ذهففن
البليد حتى ل يدرك الفرق بيففن قففول القففائل :اعلففم أن المففر جففائز،
وبيففن قففوله :ل أدري إنففه محففال أم جففائز ،وبينهمففا مففا بيففن السففماء
والرض ،إذ الول جائز على الله تعالى والثاني غير جائز ،فففإن الول
معرفة بالجواز والثاني عدم معرفة بالحالة ،ووجوب التصديق جففائز
في القسمين جميعا ً فهذه هي المقدمة .أما الفصل الول ففي بيففان
قضاء العقل بما جاء الشرع بففه مففن الحشففر والنشففر وعففذاب القففبر
والصراط والميزان أما الحشر فيعنى به إعادة الخلق وقد دلت عليه
القواطع الشرعية ،وهو ممكن بدليل البتداء .فإن العادة خلففق ثففان
ول فرق بينه وبين البتداء وإنما يسمى إعادة بالضففافة إلففى البتففداء
السففابق ،والقففادر علففى النشففاء والبتففداء قففادر علففى العففادة وهففو
المعني بقوله :قل يحييهففا الففذي أنشففأها أول مففرة فففإن قيففل فمففاذا
تقولففون :أتعففدم الجففواهر والعففراض ثففم يعففادان جميعففًا ،أو تعففدم
العراض دون الجواهر وإنما تعاد العراض ؟ قلنا :كففل ذلففك ممكففن
وليس في الشرع دليل قاطع على تعيين أحد هذه الممكنففات .وأحففد
الوجهين أن تنعدم العراض ويبقى جسففم النسففان متصففورا ً بصففورة
ل ،فتكون قد زالت منه الحياة واللون والرطوبة والففتركيب التراب مث ً
والهيئة وجملة من العراض ،ويكون معنى إعادتها أن تعاد إليها تلففك
العراض بعينها وتعاد إليها أمثالها ،فإن العرض عندنا ل يبقى والحياة
عرض والموجود عندنا في كل ساعة عرض آخر ،والنسان هفو ذلففك
النسان باعتبار جسمه فإنه واحد ل باعتبار أعراضه ،فإن كل عففرض
يتجففدد هففو غيففر الخففر ،فليففس مففن شففرط العففادة فففرض إعففادة
العراض ،وإنما ذكرنا هذا لمصير بعض الصحاب إلى استحالة إعادة
العراض ،وذلك باطل ،ولكن القول في إبطاله يطول ول حاجة إليففه
فففي غرضففنا هففذا .والففوجه الخففر أن تعففدم الجسففام أيضفا ً ثففم تعففاد
الجسام بأن تخترع .مرة ثانية ،فإن قيل :فيم يتميز المعاد عن مثففل
الول ؟ وما معنى قولكم أن المعاد هو عين الول ولم يبق للمعدوم
عين حتى تعاد ؟ قلنا :المعدوم منقسم في علم الله إلى ما سبق له
وجود وإلى ما لم يسبق له وجود ،كمففا أن العففدم فففي الزل ينقسففم
إلى ما سيكون له وجود وإلى ما علم الله تعالى أنففه ل يوجففد؛ فهففذا
النقسام في علم الله ل سبيل إلى انكاره ،والعلففم شففامل والقففدرة
واسففعة ،فمعنففى العففادة أن نبففذل بففالوجود العففدم الففذي سففبق لففه
الوجود ،ومعنى المثل أن يخترع الوجود لعفدم لفم يسفبق لفه وجفود،
فهذا معنى العادة ،ومهما قدر الجسففم باقيفا ً ورد المففر إلففى تجديففد
أعراض تماثل الول حصل تصديق الشرع ووقع الخلص عن إشكال
العادة وتمييز المعاد عن المثل ،وقد أطنبنا في هففذه المسففألة فففي
كتاب التهافت ،وسلكنا في إبطال مذهبهم تقرير بقففاء النفففس الففتي
هي غير متحيز عندهم وتقدير عود تدبيرها إلى البدن سواء كان ذلك
البدن هو عيففن جسففم النسففان أو غيففره ،وذلففك إلففزام ل يوافففق مففا
نعتقده؛ فإن ذلك الكتاب مصنف لبطال مذهبهم ل لثبففات المففذهب
الحق ،ولكنهم لما قدروا أن النسان هففو مففا هففو باعتبففار نفسففه وأن
اشتغاله بتدبير كالعارض له والبدن آلة لهم ،ألزمناهم بعد اعتقففادهم
بقاء النفس وجوب التصديق بالعادة وذلك برجوع النفس إلى تفدبير
بدن من البففدان ،والنظففر الن فففي تحقيففق هففذا الفصففل ينجففر إلففى
البحث عن الروح والنفس والحياة وحقائقها ،ول تحتمففل المعتقففدات
التغلغل إلى هذه الغايات في المعقولت ،فما ذكرناه كاف في بيففان
القتصاد في العتقاد للتصديق بما جاء به الشرع ،وأما عففذاب القففبر
فقد دلت عليه قواطع الشرع إذ تففواتر عففن النففبي صففلى اللففه عليففه
وسلم وعن الصحابة رضي الله عنهففم بالسففتعاذة منففه فففي الدعيففة
واشتهر قوله عنففد المففرور بقففبرين :إنهمففا ليعففذبان ودل عليففه قففوله
تعالى "وحاق بآل فرعون سوء العفذاب النفار يعرضفون عليهفا غفدوا ً
وعشيًا" الية ،وهو ممكن ،فيجب التصديق به .ووجه إمكففانه ظففاهر،
وإنمففا تنكففره المعتزلففة مفن حيففث يقولففون إنففا نففرى شففخص الميففت
مشاهدة وهو غير معذب وإن الميت ربمففا تفترسففه السففباع وتففأكله،
وهذا هوس؛ أما مشاهدة الشففخص فهففو مشففاهدة لظففواهر الجسففم
والمدرك للعقاب جزء من القلب أو من الباطن كيف كان وليس من
ضرورة العذاب ظهور حركة في ظاهر البدن ،بل الناظر إلى ظففاهر
النائم ل يشاهد ما يدركه النائم مففن اللففذة عنففد الحتلم ومففن اللففم
عند تخيل الضففرب وغيففره ،ولففو انتبففه النففائم وأخففبر عففن مشففاهداته
وآلمه ولذاته من لم يجر له عهد بففالنوم لبففادر إلففى النكففار اغففترارا ً
بسكون ظاهر جسمه ،كمشاهدة إنكار المعتزلففة لعففذاب القففبر وأمففا
الذي تأكله السباع فغاية ما في الباب أن يكففون بطففن السففبع قففبرًا،
فاعادة الحياة إلى جزء يدرك العذاب ممكن ،فمففا كففل متففألم يففدرك
اللم من جميع بدنه ،وأما سؤال منكففر ونكيففر فحففق ،والتصففديق بففه
واجب لفورود الشفرع بفه وامكفانه ،ففإن ذلفك ل يسفتدعي منهمفا إل
تفهيما ً بصوت أو بغير صوت ،ول يستدعي منه إل فهمًا ،ول يستدعي
الفهم إل حياة ،والنسان ل يفهم بجميففع بففدنه بففل بجففزء مففن بففاطن
قلبه ،واحياء جزء يفهم السؤال ويجيب ممكن مقففدور عليففه ،فيبقففى
قففول القففائل إنففا نففرى الميففت ول نشففاهد منكففرا ً ونكيففرا ً ول نسففمع
صوتهما في السؤال ول صوت الميت في الجواب ،فهذا يلزمففه منففه
أن ينكر مشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم لجبريففل عليففه السففلم
وسماعه كلمه وسماع جبريل جوابه ول يستطيع مصففدق الشففرع أن
ينكر ذلففك ،إذ ليففس فيففه إل أن اللففه تعففالى خلففق لففه سففماعا ً لففذلك
الصوت ومشاهدة لذلك الشففخص ،ولففم يخلففق للحاضففرين عنففده ول
لعائشة رضي الله تعالى عنها وقففد كففانت تكففون عنففده حاضففرة فففي
وقت ظهور بركات الوحي ،فانكار هذا مصدره اللحففاد وإنكففار سففعة
القدرة ،وقد فرغنا عن إبطففاله ويلففزم منففه أيضفا ً إنكففار مففا يشففاهده
النائم ويسمعه من الصوات الهائلة المزعجففة ،ولففول التجربففة لبففادر
إلى النكار كففل مففن سففمع مففن النففائم حكايففة أحففواله ،فتعسفا ً لمففن
ضاقت حوصلته عن تقدير اتساع القففدرة لهففذه المففور المسففتحقرة
بالضافة إلى خلق السموات والرض وما بينهما ،مففع مففا فيهمففا مففن
العجائب .والسبب الذي ينفر طباع أهل الضلل عففن التصففديق بهففذه
المور بعينه منفر عن التصديق بخلق النسان من نطفة قذرة مع ما
فيه من العجائب واليات أول ً أن المشففاهدة تضففطره إلففى التصففديق
فإذا ً ما ل برهان على إحالته ل ينبغي أن ينكر بمجرد الستبعاد .وأمففا
الميزان فهو أيضا ً حق وقد دلت عليففه قواطففع السففمع ،وهففو ممكففن
فوجب التصديق به .فإن قيل :كيف توزن العمال وهي أعراض وقد
انعدمت ،والمعدوم ل يوزن ؟ وإن قدرت إعادتها وخلقها فففي جسففم
الميزان كان محال ً لستحالة إعادة العراض .ثم كيففف تخلففق حركففة
يد النسان وهي طاعته في جسففم الميففزان ؟ أيتحففرك بهففا الميففزان
فيكون ذلك حركة الميزان ل حركة يد النسان أم ل تتحففرك فتكففون
الحركة قد فاتت بجسم ليس هو متحركفا ً بهففا ،وهففو محففال ؟ ثففم إن
تحرك فيتفاوت من الميزان بقففدر طففول الحركففات وكثرتهففا ل بقففدر
مراتب الجور ،فرب حركة بجرء من البدن يزيففد إثمهففا علففى حركففة
جميع البدن فراسخ فهذا محال .فنقول :قد سففئل النففبي صففلى اللففه
عليه وسلم عن هففذا فقففال" :تففوزن صففحائف العمففال فففإن الكففرام
الكاتبين يكتبون العمال في صحائف هي أجسام ،فففإذا وضففعت ففي
الميزان خلق الله تعالى في كفتها ميل ً بقدر رتبة الطاعات وهو على
ما يشاء قدير" .فإن قيل :فأي فائدة في هذا ؟ وما معنى المحاسفبة
؟ قلنا :ل نطلب لفعل الله تعالى فففائدة" :ل يسفأل عمفا يفعففل وهففو
يسألون" .تم قد دللنا على هذا .ثم أي بعد في أن تكون الفائدة فيه
أن يشاهد العبد مقدار أعماله ويعلم أنه مجزي بها بالعدل أو يتجففاوز
عنه باللطف ،ومن يعزم على معاقبففة وكيلففه بجنففايته فففي أمففواله أو
يعزم على البففراء فمففن أيففن يبعففد أن يعرفففه مقففدار جنففايته بأوضففح
الطرق ليعلم أنه في عقوبته عادل وفي التجاوز عنففه متفضففل .هففذا
إن طلبت الفائدة لفعال الله تعففالى ،وقففد سففبق بطلن ذلففك .وأمففا
الصراط فهو أيضا ً حق ،والتصديق به واجب ،لنه ممكن .فإنه عبففارة
عن جسر ممدود على متن جهنم يرده الخلق كافة ،فإذا توافوا عليه
قيل للملئكة "وقفوهم إنهم مسؤولون" فإن قيل :كيف يمكففن ذلففك
وفيما روى أدق من الشعر وأحد من السيف ،فكيففف يمكففن المففرور
عليه ؟ قلنا هذا إن صدر ممن ينكر قدرة اللففه تعففالى ،فففالكلم معففه
في إثبات عمففوم قففدرته وقففد فرغنففا عنهففا .وإن صففدر مففن معففترف
بالقدرة فليس المشي على هففذا بففأعجب مففن المشففي فففي الهففواء،
والرب تعالى قادر على خلق قدرة عليه ،ومعناه أن يخلق لففه قففدرة
المشي على الهففواء ول يخلففق فففي ذاتففه هويفا ً إلففى أسفففل ،ول فففي
الهواء انحراف ،فإذا أمكن هذا في الهواء فالصراط أثبت من الهففواء
بكل حال .الفصل الثاني :في العتذار عففن الخلل بفصففول شففحنت
بها المعتقففدات فرأيففت العففراض عففن ذكرهففا أولففى لن المعتقففدات
المختصرة حقها أن ل تشتمل إل علففى المهففم الففذي ل بففد منففه فففي
صحة العتقاد .أما المففور الففتي ل حاجففة إلففى إخطارهففا بالبففال ،وإن
خطرت بالبال فل معصية في عدم معرفتها وعففدم العلففم بأحكامهففا،
فالخوض فيها بحث عن حقائق المور وهي غير لئقة بمففا يففراد منففه
تهذيب العتقاد ،وذلك الفففن تحصففره ثلثففة فنففون :عقلففي ،ولفظففي،
وفقهي .أما العقلي ،فالبحث عن القدرة الحادثة أنها تتعلق بالضدين
أم ل ،وتتعلق بالمختلفات أم ل ،وهل يجوز قدرة حادثة تتعلفق بفعفل
مباين لمحل القدرة وأمثال له .وأما اللفظي فكالبحث عن المسمى
باسم الرزق ما هو ،ولفظ التوفيففق والخففذلن واليمففان مففا حففدودها
ومسبباتها .وأما الفقهي فكالبحث عن المر بففالمعروف مففتى يجففب،
وعن التوبة ما حكمها ،إلى نظائر ذلك .وكففل ذلففك ليففس بمهففم فففي
الدين ،بل المهم أن ينفي النسان الشك عففن نفسففه فففي ذات اللففه
تعففالى ،علففى القففدر الففذي حقففق فففي القطففب الول ،وفففي صفففاته
وأحكامها كما حقق في القطب الثاني ،وفي أفعاله بففأن يعتقففد فيهففا
الجواز دون الوجوب كما في القطب الثالث ،وفي رسول الله صففلى
الله عليه وسلم بأن يعرف صدقه ويصدقه في كفل مفا جفاء بفه كمفا
ذكرناه في القطب الرابع ،وما خرج عن هذا فغير مهم .ونحففن نففورد
من كل فن مما أهملناه مسألة ليعرف بها نظائرها ويحقففق خروجهففا
عففن المهمففات المقصففودات فففي المعتقففدات .أمففا المسففألة الولففى
العقلية :فكاختلف الناس في أن من قتل هل يقال إنه مات بأجله ؟
ولو قدر عدم قتله هل كان يجب موته أم ل ؟ وهذا فن من العلففم ل
يضر تركه ،ولكنا نشير إلى طريق الكشف فيه .فنقول :كففل شففيئين
ل ارتباط لحدهما بالخر ،ثم اقترنففا فففي الوجففود ،فليففس يلففزم مففن
تقدير نفي أحدهما انتفاء الخر .فلو مات زيد وعمرو مع فا ً ثففم قففدرنا
عدم موت زيد لم يلففزم منففه ل عففدم مففوت عمففرو ول وجففود مففوته،
ل ،فلو قدرنا عففدم المففوت وكذلك إذا مات زيد عند كسوف القمر مث ً
لم يلزم عدم الكسوف بالضرورة ،ولو قدرنا عدم الكسوف لم يلزم
عدم الموت إذ ل ارتباط لحدهما بالخر ،فأما الشيئان اللذان بينهمففا
علقة وارتباط فهما ثلثة أقسام :أحدها :أن تكففون العلقففة متكففافئة
كالعلقة بين اليمين والشمال والفوق والتحت ،فهذا ممففا يلففزم فقففد
أحدهما عند تقدير فقد الخر لنهما مففن المتضففايفان الففتي ل يتقففوم
حقيقة أحدهما إل مع الخر .الثاني :أن ل يكففون علففى التكففافؤ ،لكففن
لحدهما رتبة التقدم كالشرط مع المشروط .ومعلوم أنه يلزم عففدم
الشرط ،فإذا رأينا علم الشخص مع حياته وإرادته مع علمه فيلفزم ل
محالة من تقدير انتفاء الحياة انتفاء العلم ،ومن تقففدير انتفففاء العلففم
انتفاء الرادة ،ويعبر عن هذا بالشففرط وهففو الففذي ل بففد منففه لوجففود
الشيء ولكن ليس وجود الشيء به بل عنه ومعففه .الثففالث :العلقففة
التي بين العلة والمعلول .ويلزم من تقدير عدم العلة عدم المعلففول
إن لم يكن للمعلففول إل علففة واحففدة ،وإن تصففور أن تكففون لففه علففة
أخرى فيلزم من تقدير نفي كل العلل نفففي المعلففول ،ول يلففزم مففن
تقدير نفي علة بعينها نفي المعلول مطلقًا ،بل يلزم نفي معلول تلك
العلففة علففى الخصففوص .فففإذا تمهففد هففذا المعنففى رجعنففا إلففى القتففل
والموت؛ فالقتل عبارة عن حز الرقبة وهو راجففع إلففى أعففراض هففي
حركات في يد الضارب والسيف وأعراض هي افتراقات فففي أجففزاء
رقبة المضروب ،وقد اقترن بها عرض آخر وهو الموت ،فإن لم يكن
بين الحز والموت ارتباط لم يلزم من تقدير نفي الحففز نففي المفوت
فإنهما شيئان مخلوقففان معفا ً علففى القففتران بحكففم إجففراء العففادة ل
ارتبففاط لحففدهما بففآخر ،فهففو كففالمقترنين اللففذين لففم تجففر العففادة
باقترانهما وإن كففان الحففز علففة المففوت ومولففده ،وإن لففم تكففن علففة
سواه لزم من انتفائه انتفاء الموت ،ولكففن ل خلف فففي أن للمففوت
علل ً من أمراض وأسباب باطنة سوى الحز عند القائلين بالعلففل ،فل
يلزم من نفي الحز نفي الموت مطلقا ً ما لففم يقففدر مففع ذلففك إنتفففاء
سائر العلل ،فنرجع إلى غرضنا فنقول :من اعتقد من أهل السنة أن
الله مستبد بالختراع بل تولد ،ول يكون مخلوق علة مخلوق ،فنقول:
الموت أمر اسففتبد الففرب تعففالى بفاختراعه مففع الحففز ،فل يجففب مففن
تقدير عدم الحفز عفدم المفوت وهفو الحفق؛ ومفن اعتقفد كفونه علفة
وانضاف إليه مشاهدته صحة الجسم وعدم مهلك مففن خففارج اعتقففد
أنه لو انتفى الحز وليس ثم علة أخرى وجب انتفاء المعلففول لنتفففاء
جميع العلل ،وهفذا العتقفاد صفحيح لفو صفح اعتقفاد التعليفل وحصفر
العلل فيما عرف انتفاؤه فإذا ً هذه المسألة يطول النفزاع فيهفا ،ولففم
يشعر أكثر الخائضين فيها بمثارها فينبغي أن نطلب هذا من القانون
الذي ذكرناه في عموم قدرة الله تعالى وإبطال التولد .ويبنففى علففى
هذا أن منق تل ينبغي أن يقال إنه مات بأجله لن الجل عبففارة عففن
الوقت الذي خلق الله تعالى فيه موته سواء كففان معففه حففز رقبففة أو
كسوف قمر أو نزول مطر أو لم يكن ،لن كل هذه عنففدنا مقترنففات
وليسففت مففؤثرات ولكففن اقففتران بعضففها يتكففرر بالعففادة ،وبعضففها ل
يتكرر ،فأما من جعل الموت سببا ً طبيعيا ً من الفطرة وزعففم أن كففل
مزاج فله رتبة معلومة في القوة إذا خليت ونفسها تمادت إلى منتها
ل ،بالضافة مدتها ،ولو فسدت على سبيل الحترام كان ذلك استعجا ً
إلى مقتضى طباعها ،والجل عبارة عن المففدة الطبيعيففة ،كمففا يقففال
الحفائط مثل ً يبقفى مفائة سفنة بقفدر إحكفام بنفائه ،ويمكفن أن يهفدم
بالفأس في الحال ،والجل يعبر به عن مدته الففتي لففه بففذاته وقففوته،
فيلزم من ذلك أن يقال إذا هففدم بالفففأس لففم ينهففدم بففأجله وإن لففم
يتعرض له من خارج حتى انحطت أجزاؤه فيقال انهدم بففأجله ،فهففذا
اللفففظ ينففبيء علففى ذلففك الصففل .المسففألة الثانيففة وهففي اللفظيففة:
فكاختلفهم في أن اليمان هل يزيد وينقص أم هو على رتبة واحدة.
وهففذا الختلف منشففؤه الجهففل بكففون السففم مشففتركًا ،أعنففي اسففم
اليمان ،وإذا فصل مسميات هذا اللفظ ارتفع الخلف .وهو مشففترك
بين ثلثة معان :إذ قد يعبر به عففن التصففديق اليقيففن البرهففاني ،وقففد
يعبر به عن العتقاد التقليدي إذا كان جزمًا ،وقد يعبر به عن تصديق
معه العمل بموجب التصديق ودليل اطلقه على الول أن من عرف
الله تعالى بالدليل ومات عقيب معرفته فإنا نحكم بأنه مففات مؤمن فًا.
ودليففل اطلقففه علففى التصففديق التقليففدي أن جمففاهير العففرب كففانوا
يصدقون رسول الله تعالى صلى اللففه عليففه وسففلم بمجففرد إحسففانه
إليهم وتلطفه بهم ونظرهم في قوانين أحواله من غير نظر في أدلة
الواحدانية ووجه دللة المعجزة ،وكان يحكم رسول اللففه صففلى اللففه
عليفه وسفلم بإيمفانهم وقفد قفال تعففالى "ومفا أنففت بمفؤمن لنفا" أي
بمصدق ،ولم يفرق بين تصديق وتصديق ،ودليل إطلقه على الفعل،
قوله عليه السلم :ل يزني الزاني وهو مؤمن حين يزني وقوله عليه
السلم :اليمان بضعة وسبعون بابا ً أدناها إماطة الذى عففن الطريففق
فنرجفع إلفى المقصفود ونقفول :إن أطلفق اليمفان بمعنفى التصفديق
البرهاني لم يتصور زيادته ول نقصانه ،بففل اليقيففن إن حصففل بكمففاله
فل مزيد عليففه .وإن لففم يحصففل بكمففاله فليففس بيقيففن ،وهففي خطففة
واحدة ول يتصور فيها زيادة ونقصان إل أن يراد به زيففادة وضففوح أي
زيادة طمأنينة النفس إليه بأن النفس تطمئن إلى اليقينيات النظرية
في البتداء إلى حل ما ،فإذا تواردت الدلففة علففى شففيء واحففد أفففاد
بظاهر الدلة زيادة طمأنينة .وكل من مارس العلوم أدرك تفاوتا ً في
طمأنينية نفسه إلى العلم الضروري ،وهو العلم بأن الثنين أكثر مففن
الواحد وإلى العلم يحدث العالم وإن محففدثه واحفد ،ثفم يفدرك أيضفا ً
تفرقة بين آحاد المسائل بكثرة أدلتها وقلتها .فالتفاوت في طمأنينية
النفس مشاهد لكل ناظر مففن بففاطنه ،فففإذا فسففرت الزيففادة بففه لففم
يمنعه أيضا ً في هذا التصديق .أما إذا أطلق بمعنى التصديق التقليدي
فذلك ل سبيل إلى جحد التفففاوت فيففه؛ فإنففا نففدرك بالمشففاهدة مففن
حال اليهودي في تصميمه على عقده ومن حال النصراني والمسففلم
تفاوتًا ،حففتى أن الواحففد منهففم ل يففؤثر فففي نفسففه وحففل عقففد لمبففه
التهويلت والتخويفات ول التحقيقات العلمية ول التخيلت القناعيففة،
والواحد منهم مع كونه جازما ً في اعتقاده تكون نفسه أطففوع لقبففول
اليقين ،وذلك لن العتقاد على القلب مثل عقدة ليس فيها انشففراح
وبرد يقين .والعقدة تختلف في شدتها وضعفها فل ينكر هذا التفاوت
منصف وإنما ينكره الذين سمعوا مفن العلففوم والعتقفادات أسففاميها
ولففم يففدركوا مففن أنفسففهم ذوقهففا ،ولففم يلحظففوا اختلف أحففوالهم
وأحوال غيرهم فيها .وأما إذا أطلق بالمعنى الثالث وهففو العمففل مففع
التصديق ،فل يخفى بطرق التفاوت إلى نفس العمل ،وهففل يتطففرق
بسبب المواظبة على العمل تفاوت إلففى نفففس التصففديق ،هففذا فيففه
نظر ،وترك المداهنة في مثل هذا المقام أولى والحق أحق ما قيففل.
فأقول :إن المواظبة علففى الطاعففات لهففا تففأثير فففي تأكيففد طمأنينففة
النفس إلى العتقففاد التقليففدي ورسففوخه فففي النفففس ،وهففذا أمففر ل
يعرفه إل من سبر أحوال نفسه وراقبهففا فففي وقففت المواظبففة علففى
الطاعة وفي وقت الفففترة ولحففظ تفففاوت الحففال فففي بففاطنه ،فففإنه
يففزداد بسففبب المواظبففة علففى العمففل أنسففة لمعتقففداته ،ويتأكففد بففه
طمأنينته ،حتى أن المعتقد الذي طالت منففه المواظبففة علففى العمففل
بموجب اعتقاده أعصا نفسا ً على المحاول تغييره وتشكيكه ممن لم
تطل مواظبته ،بل العادات تقضي بها ،فإن مففن يعتقففد الرحمففة فففي
قلبه على يتيم فإن أقدم على مسح رأسه وتفقد أمففره صففادف فففي
قلبه عند ممارسة العمل بموجب الرحمة زيادة تأكيففد فففي الرحمففة،
ومن يتواضع بقلبه لغيره فإذا عمل بموجبه سففاجدا ً لففه أو مقبل ً يففده
ازداد التعظيم والتواضع في قلبه ولذلك تعبدنا بالمواظبة على أفعال
هفي مقتضفى تعظيفم القلفب مفن الركفوع والسفجود ليفزداد بسفببها
تعظيم القلوب ،فهذه أمفور يجحففدها المتحفذلقون فففي الكلم الففذين
أدركوا ترتيب العلم بسماع اللفاظ ولم يدركوها بذوق النظر .فهففذه
حقيقة المسألة ،ومن هذا الخبر اختلفهم فففي معنففى الففرزق .وقففول
المعتزلة :إن ذلك مخصوص بما يملكه النسففان حففتى ألزمففوا أنففه ل
رزق لله تعال على البهائم ،فربما قففالوا هففو ممففا لففم يحففرم تنففاوله،
فقيل لهم فالظلمة ماتوا وقد عاشوا عمرهم لففم يرزقففوا ،وقففد قففال
أصحابنا إنه عبارة عن المنتفع به كيف كان ،ثم هو منقسم إلى حلل
وحرام ،ثم طولوا في حد الففرزق وحففد النعمفة وتضففييع الففوقت بهفذا
وأمثاله دأب من ل يميز بين المهم وغيره ول يعرف قدر بقية عمره،
وإنه ل قيمة له فينبغي أن يضيع العمر إل بالمهم وبين يففدي النظففار
أمففور مشففكلة البحففث عنهففا أهففم مففن البحففث عففن مففوجب اللفففاظ
ومقتضى الطلقفات ،فنسفأل اللفه أن يوفقنفا للشفتغال لمفا يعنينفا.
المسألة الثالثة الفقهية :فمثل اختلفهم في أن الفاسففق هففل لففه أن
يحتسب ؟ وهذا نظر فقهي ،فمن أين يليق بالكلم ثم بالمختصرات.
ولكنا نقول الحق أن لفه أن يحتسفب وسفبيله التفدرج ففي التصفوير؛
وهو أن نقول :هل يشترط في المر بالمعروف والنهي عففن المنكففر
كون المفر والنفاهي معصفوما ً عففن الصفغائر والكبفائر جميعفا ً ؟ فففإن
شرط ذلك كان خرقا ً للجماع ،فإن عصمة النبياء عففن الكبففائر إنمففا
عرفت شرعًا ،وعن الصغائر مختلففف فيهففا ،فمففتى يوجففد فففي الففدنيا
معصوم ؟ وإن قلتم إن ذلك ل يشترط حتى يجوز للبس الحرير مثل ً
وهففو عففاص بففه أن يمنففع مفن الزنففى وشففرب الخمففر ،فنقففول :وهففل
لشارب الخمر أن يحتسب على الكففافر ويمنعففه مففن الكفففر ويقففاتله
عليه ؟ ففإن قفالوا ل ،خرقففوا الجمففاع إذ جنففود المسففلمين لففم تفزل
مشتملة على العصاة والمطيعين ولم يمنعوا من الغزو ل فففي عصففر
النبي صلى الله عليه وسلم ول في عصر الصحابة رضي اللففه عنهففم
والتابعين ،فإن قالوا نعم ،فنقول :شارب الخمر هل له أن يمنففع مففن
القتل أم ل ؟ فإن قيففل ل ،قلنففا :فمففا الفففرق بيففن هففذا وبيففن لبففس
الحرير إذا منع مففن الخمففر والزانففي إذا منففع مففن الكفففر ؟ وكمففا أن
الكففبيرة فففوق الصففغيرة فالكبففائر أيض فا ً متفاوتففة ،فففإن قففالوا نعففم،
وضبطوا ذلك بأن المقدم على شيء ل يمنع من مثله ول فيمففا دونفه
وله أن يمنع ممففا فففوقه ،فهففذا الحكففم ل مسففتند لففه إذ الزنففى فففوق
الشرب ول يبعد أن يزني ويمنع من الشراب ويمنع منه ،ربما يشرب
ويمنع غلمانه وأصحابه من الشرب ،ويقول :ترك ذلك واجب عليكففم
وعلي والمر بترك المحرم واجب علففي مففع الففترك فلففي أن أتقففرب
بأحد الواجبين ،ولم يلزمني مع ترك أحدهما تففرك الخففر ،فففإذن كمففا
يجوز أن يترك المر بترك الشرب وهو بتركه يجوز أن يشرب ويففأمر
بالترك فهما واجبان فل يلزم بترك أحففدهما تففرك الخففر .فففإن قيففل:
فيلزم على هذا أمور شنيعة وهو أن يزني الرجل بامرأة مكرها ً إياها
على التمكيففن ،ففإن قفال لهفا فففي أثنففاء الزنفى عنفد كشففها وجههفا
باختيارها ل تكشفي وجهك فاني لست محرم فا ً لففك ،والكشففف لغيففر
المحرم حرام ،وأنت مكرهة على الزنى مختففارة فففي كشففف الففوجه
فأمنعك من هذا ،فل شك من أن هذه حسففبة بففاردة شففنيعة ل يصففير
إليها عاقففل؛ وكففذلك قففوله إن الففواجب علففي شففيئان العمففل والمففر
للغير ،وأنا أتعففاطى أحففدهما وإن تركففت الثففاني كقففوله :إن الففواجب
علي الوضوء دون الصلة وأنا أصلي وإن تركت الوضوء ،والمسففنون
في حقي الصففوم والتسففحر وأنفا أتسفحر وإن تركففت الصفوم ،وذلففك
محال ،لن السحور للصوم والوضوء للصلة ،وكل واحد شرط الخر
وهو متقدم في الرتبة على المشروط ،فكذلك نففس المفرء مقدمفة
على غيره ،فليهذب نفسه أول ثم غيره أما إذا أهمل نفسه واشففتغل
بغيره كان ذلك عكس الترتيب الففواجب ،بخلف مففا إذا هففذب نفسففه
وترك الحسبة وتهذيب غيره ،فإن ذلك معصية ولكنه ل تنففاقض فيففه.
وكذلك الكافر ليس له ولية الدعوة إلى السففلم مففا لففم يسففلم هففو
بنفسه ،فلو قال الففواجب علففي شففيئان ولففي أن أتففرك أحففدهما دون
الثاني لم يكن منه ،والجواب أن حسبة الزاني بالمرأة عليها ومنعهففا
من كشفها وجهها جائزة عندنا ،وقولكم إن هذه حسبة باردة شففنيعة
فليففس الكلم فففي أنهففا حففارة أو بففاردة مسففتلذة أو مستبشففعة ،بففل
الكلم في أنها حق أو باطل وكم من حق مستبرد مستثقل وكم من
باطل مستحلى مستعذب ،فالحق غير اللذيذ والباطففل غيففر الشففنيع،
والبرهان القاطع فيه هو أنا نقول :قوله لهفا ل تكشففي وجهفك ففإنه
حرام ،ومنعه إياها بالعمل قول وفعل ،وهففذا القففول والفعففل إمففا أن
يقال هو حرام أو يقال واجب أو يقال هو مباح ،فإن قلتم إنه واجففب
فهو المقصود ،وإن قلتم إنه مبففاح فلففه أن يفعففل مففا هففو مبففاح ،وإن
قلتم إنه حرام فما مستند تحريمه ؟ وقد كان هذا واجبا ً قبل اشتغاله
بالزنى فمن أين يصير الواجب حراما ً باقتحففامه محرمفًا ،وليففس فففي
قوله الخير صدق عن الشرع بأنه حرام ،وليس فففي فعلففه إل المنففع
من اتحاد ما هو حرام ،والقففول بتحريففم واحففد منهمففا محففال .ولسففنا
نعني بقولنففا للفاسففق وليففة الحسففبة إل أن قففوله حففق وفعلففه ليففس
بحرام ،وليس هذا كالصلة والوضفوء ففإن الصفلة هفي المفأمور بهفا
وشرطها الوضوء ،فهي بغير وضوء معصية وليست بصلة ،بل تخففرج
عن كونها صلة وهذا القول لم يخرج عن كونه حقا ً ول الفعففل خففرج
عن كونه منعا ً من الحرام ،وكذلك السحور عبارة عن الستعانة على
الصوم بتقديم الطعام ول تعقل الستعانة من غير العزم علفى ايجفاد
المستعان عليه .وأما قولكم أن تهففذيبه نفسففه أيض فا ً شففرط لتهففذيبه
غيره ،فهذا محل النزاع .فمففن أيففن عرفتففم ذلففك ؟ ولففو قففال قففائل:
تهذيب نفسه عن المعاصي شرط للغير ومنع الكفار ،وتهذيبه نفسففه
عن الصغائر شرط للمنع عن الكبففائر كفان قفوله مثففل قفولكم ،وهفو
خرق للجمففاع .وأمففا الكففافر فففإن حمففل كففافرا ً آخففر بالسففيف علففى
السففلم فل يمنعففه منففه ،ويقففول عليففه أن يقففول ل إلففه إل اللففه وأن
محمدا ً رسول اللففه وأن يففأمر غيففره بففه ولففم يثبففت أن قففوله شففرط
لمففره ،فلففه أن يقففول وأن يففأمر وإن لففم ينطففق .فهففذا غففور هففذه
المسألة ،وإنما أردنا إيرادها لتعلم أن أمثففال هففذه المسففائل ل تليففق
بفن الكلم ول سيما بالمعتقدات المختصرة والله أعلم بالصواب.
الباب الثالث في المامة النظر في المامة أيضا ً ليس من المهمات،
وليس أيضا ً من ففن المعقفولت فيهفا مفن الفقهيفات ،ثفم إنهفا مثفار
للتعصبات والمعرض عن الخوض فيهففا أسففلم مففن الخففائض بففل وإن
أصاب ،فكيف إذا أخطأ ! ولكن إذا جرى الرسم باختتففام المعتقففدات
به أردنا أن نسلك المنهج المعتاد فإن القلوب عن المنهففج المخففالف
للمألوف شديدة النفار ،ولكنا نوجز القففول فيففه ونقففول :النظففر فيففه
يفدور علفى ثلثفة أطفراف :الطفرف الول :ففي بيفان وجفوب نصفب
المام .ول ينبغي أن تظن أن وجوب ذلك مأخوذ من العقل ،فإنا بينففا
أن الوجوب يؤخذ من الشرع إل أن يفسر الواجب بالفعل الذي فيففه
فائدة وفي تركه أدنى مضرة ،وعند ذلك ل ينكر وجوب نصب المففام
لما فيه من الفوائد ودفففع المضففار فففي الففدنيا ،ولكنففا نقيففم البرهففان
القطعي الشرعي علفى وجفوبه ولسفنا نكتففي بمفا فيفه مفن إجمفاع
المة ،بل ننبه على مستند الجماع ونقول :نظام أمر الففدين مقصففود
لصاحب الشرع عليه السلم قطعًا ،وهففذه مقدمففة قطعيففة ل يتصففور
النزاع فيها ،ونضففيف إليهففا مقدمففة أخففرى وهففو أنفه ل يحصففل نظففام
الدين إل بإمام مطاع فيحصففل مففن المقففدمتين صففحة الففدعوى وهففو
وجوب نصب المام .فإن قيل :المقدمة الخيرة غير مسلمة وهو أن
نظام الدين ل يحصل إل بإمام مطاع ،فدلوا عليها .فنقففول :البرهففان
عيه أن نظام الدين ل يحصل إل بنظام الدنيا ،ونظام الدنيا ل يحصففل
إل بإمام مطاع ،فهاتان مقدمتان ففي أيهما النففزاع ؟ فففإن قيففل لففم
قلتففم إن نظففام الففدين ل يحصففل إل بنظففام الففدنيا ،بففل ل يحصففل إل
بخراب الدنيا ،فإن الدين والدنيا ضففدان والشففتغال بعمففارة أحففدهما
خراب الخر ،قلنا :هذا كلم من ل يفهم ما نريففده بالففدنيا الن ،فففإنه
لفظ مشترك قد يطلق على فضففول التنعففم والتلففذذ والزيففادة علففى
الحاجة والضرورة ،وقد يطلق على جميففع مففا هففو محتففاج إليففه قبففل
الموت .وأحدهما ضد الدين والخر شرطه ،وهكذا يغلط من ل يميففز
بيففن معففاني اللفففاظ المشففتركة .فنقففول :نظففام الففدين بالمعرفففة
والعبادة ل يتوصل إليهما إل بصحة البدن وبقاء الحيففاة وسففلمة قففدر
الحاجات من الكسوة والمسكن والقوات ،والمن هففو آخففر الفففات،
ولعمري من أصبح آمنا ً في سربه معافى في بففدنه ولففه قففوت يففومه
فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ،وليس يأمن النسففان علففى روحففه
وبدنه وماله ومسكنه وقوته في جميففع الحففوال بففل فففي بعضفها ،فل
ينتظم الدين إل بتحقيق المففن علففى هففذه المهمففات الضففرورية ،وإل
فمن كان جميع أوقاته مستغرقا ً بحراسة نفسه من سففيوف الظلمففة
وطلفب قفوته مفن وجفوه الغلبفة ،مفتى يتففرغ للعلفم والعمفل وهمفا
وسيلتاه إلى سعادة الخرة ،فففإذن بففان نظففام الففدنيا ،أعنففي مقففادير
الحاجة شففرط لنظففام الففدين .وأمففا المقدمففة الثانيففة وهففو أن الففدنيا
والمن على النفس والموال ل ينتظم إل بسلطان مطاع فتشهد له
مشاهدة أوقات الفتن بمففوت السففلطين والئمففة ،وإن ذلففك لففو دام
ولففم يتففدارك بنصففب سففلطان آخففر مطففاع دام الهففرج وعففم السففيف
وشمل القحط وهلكت المواشي وبطلت الصناعات ،وكان كل غلففب
سلب ولم يتفرغ أحد للعبادة والعلم إن بقي حيًا ،والكثرون يهلكففون
تحت ظلل السيوف ،ولهذا قيففل :الففدين والسففلطان توأمففان ،ولهففذا
قيل :الدين أس والسففلطان حففارس ومففا ل أس لففه فمهففدوم ومففا ل
حارس له فضائع .وعلففى الجملففة ل يتمففارى العاقففل فففي أن الخلففق
على اختلف طبقاتهم وما هم عليه من تشتت الهففواء وتبففاين الراء
لو خلوا وراءهم ولمي كن رأي مطاع يجمع شتاتهم لهلكوا مففن عنففد
آخرهم ،وهذا داء ل علج له إل بسففلطان قففاهر مطففاع يجمففع شففتات
الراء ،فبففان أن السففلطان ضففروري فففي نظففام الففدنيا ،ونففام الففدنيا
ضروري في نظام الدين ،ونظام الدين ضروري فففي الفففوز بسففعادة
الخرة وهو مقصود النبياء قطع فًا ،فكففان وجففوب نصففب المففام مففن
ضروريات الشففرع الففذي ل سففبيل إلففى تركففه فففاعلم ذلففك .الطففرف
الثففاني :فففي بيففان مففن يتعيففن مففن سففائر الخلففق لن ينصففب إمامفًا.
فنقول :ليس يخفى أن التنصيص على واحففد نجعلففه إمامفا ً بالتشففهي
غير ممكن ،فل بد له مففن تميففز بخاصففية يفففارق سففائر الخلففق بهففذا،
فتلك خاصية في نفسه وخاصية من جهة غيره .أما مففن نفسففه فففأن
يكون أهل ً لتدبير الخلففق وحملهففم علففى مراشففدهم .وذلففك بالكفايففة
والعلم والورع ،وبالجملة خصففائص القضففاة تشففترط فيففه مففع زيففادة
نسب قريش؛ وعلم هففذا الشففرط الرابففع بالسففمع حيففث قففال النففبي
صلى الله عليه وسلم :الئمة من قريش فهذا تميزه عن أكثر الخلق
ولكن ربما يجتمع في قريش جماعة موصوفون بهففذه الصفففة فل بففد
من خاصية أخففرى تميففزه ،وليففس ذلففك إل التوليففة أو التفففويض مففن
غيففره ،فإنمففا يتعيففن للمامففة مهمففا وجففدت التوليففة فففي حقففه علففى
الخصوص من دون غيره ،فيبقى الن النظر في صفففة المففولى فففإن
ذلك ل يسلم لكل أحد بل ل بد فيه من خاصية وذلك ل يصدر إل مفن
أحد ثلثة :إما التنصيص من جهة النبي صلى الله عليففه وسففلم ،وإمففا
التنصيص من جهة إمام العصر بأن يعين لولية العهففد شخص فا ً معين فا ً
مففن أولده أو سففائر قريففش ،وإمففا التفففويض مففن رجففل ذي شففوكة
يقتضي انقياده وتفويضه متابعففة الخريففن ومبففادرتهم إلففى المبايعففة،
وذلك قد يسلم في بعض العصار لشخص واحد مرموق فففي نفسففه
مرزوق بالمتابعة مسؤول على الكافة ،ففففي بيعتففه وتفويضففه كفايففة
عففن تفففويض غيففره لن المقصففود أن يجتمففع شففتات الراء لشففخص
مطاع وقد صار المام بمبايعة هذا المطاع مطاعًا ،وقد ل يتفق ذلففك
لشخص واحد بل لشخصين أو ثلثة أو جماعة فل بفد مففن اجتمفاعهم
وبيعتهم واتفاقهم على التفويض حتى تتم الطاعة .بل أقففول :لففو لففم
يكن بعد وفاة المففام القرشففي واحففد مطففاع متبففع فنهففض بالمامففة
وتولهففا بنفسففه ونشففأ بشففوكته وتشففاغل بهففا واسففتتبع كافففة الخلففق
بشوكته وكفايته وكان موصوفا ً بصفات الئمففة فقففد انعقففدت إمففامته
ووجبت طاعته ،فإنه تعين بحكم شوكته وكفايته ،وفي منازعته إثارة
الفتن إل أن من هذا حاله فل يعجز أيضا ً عففن أخففذ البيعففة مففن أكففابر
الزمان وأهل الحل والعقد ،وذلك أبعففد مففن الشففبهة فلففذلك ل يتفففق
مثل هففذا فففي العففادة إل عففن بيعففة وتفففويض .فففإن قيففل :فففإن كففان
المقصود حصول ذي رأي مطاع يجمع شتات الراء ويمنع الخلق من
المحاربة والقتال ويحملهم على مصالح المعاش والمعاد ،فلو انتهض
لهذا المر من فيه الشروط كلهفا سفوى شففروط القضفاء ولكنففه مفع
ذلك يراجع العلماء ويعمففل بقففولهم فمففاذا تففرون فيففه ،أيجففب خلعففه
ومخالفته أم تجب طاعته ؟ قلنا :الذي نراه ونقطع أنففه يجففب خلعففه
إن قدر على أن يستبدل عنه من هو موصوف بجميففع الشففروط مففن
غير إثارة فتنة وتهييج قتال ،وإن لم يكن ذلك إل بتحريك قتال وجبت
طاعته وحكم بإمامته لن ما يفوتنا من المصففارفة بيففن كففونه عالم فا ً
بنفسه أو مستفتيا ً من غيره دون ما يفوتنففا بتقليففد غيففره إذا افتقرنففا
إلى تهييج فتنة ل ندري عاقبتها .وربما يؤدي ذلك إلى هلك النفففوس
والموال ،وزيادة صفة العلم إنمففا تراعففى مزيففة وتتمففة للمصففالح فل
يجوز أن يعطل أصل المصالح في التشففوق إلففى مزاياهففا وتكملتهففا،
وهذه مسائل فقهية فيلون المستعبد لمخالفته المشهود على نفسففه
استبعاده ولينزل من غلوائه فالمر أهون مما يظنفه ،وقفد استقضفينا
تحقيق هذا المعنى في الكتاب الملقب بالمستظهري المصففنف فففي
الرد على الباطنية ،فإن قيففل فففإن تسففامحتم بخصففلة العلففم لزمكففم
التسامح بخصلة العدالة وغير ذلك مفن الخصففال ،قلنففا :ليسففت هففذه
مسامحة عن الختيففار ولكففن الضففرورات تبيففح المحظففوارت ،فنحففن
نعلم أن تناول الميتة محظور ولكن الموت أشد منه ،فليففت شففعري
من ل يساعد على هذا ويقضي ببطلن المامففة فففي عصففرنا لفففوات
شففروطها وهففو عففاجز عففن السففتبدال بالمتصففدي لهففا بففل هففو فاقففد
للمتصف بشروطها ،فأي أحواله أحسن :أن يقول القضاة معزولففون
والوليات باطلة والنكحة غير منعقففدة وجميففع تصففرفات الففولة فففي
أقطار العالم غير نافذة ،وإنما الخلق كلهم مقدمون على الحرام ،أو
أن يقول المامة منعقدة والتصرفات والوليات نافففذة بحكففم الحففال
والضطرار ،فهو بيففن ثلثففة أمففور إمففا أن يمنففع النففاس مففن النكحففة
والتصرفات المنوطفة بالقضفاة وهفو مسفتحيل ومفؤدي إلفى تعطيففل
المعايش كلها ويفضي إلى تشتيت الراء ومهلك للجماهير والففدهماء
أو يقول إنهم يقدمون علففى النكحففة والتصففرفات ولكنهففم مقففدمون
على الحرام ،إل أنه ل يحكففم بفسففقهم ومعصففيتهم لضففرورة الحففال،
وإما أن نقول يحكفم بانعقفاد المامفة مفع ففوات شفروطها لضفرورة
الحففال ومعلففوم أن البعيففد مففع البعففد قريففب ،وأهففون الشففرين خيففر
بالضافة ،ويجب على العاقل اختياره ،فهذا تحقيق هذا الفصل وفيففه
غنية عند البصير عن التطويل ولكففن مففن لففم يفهففم حقيقففة الشففيء
وعلته وإنمففا يثبففت بطففول اللفففة فففي سففمعه فل تففزال النفففرة عففن
نقيضه في طبعه إذ فطام الضعفاء عففن المففألوف شففديد عجففز عنففه
النبياء فكيف غيرهم .فإن قيل :فهل قلتم إن التنصففيص واجففب مففن
النففبي والخليفففة كففي يقطففع ذلففك دابففر الختلف كمففا قففالت بعففض
المامية إذ ادعوا أنففه واجففب ،قلنففا :لنففه لففو كففان واجبفا ً لنففص عليففه
الرسول عليه السلم ،ولم ينص هو ولم ينففص عمففر أيضفا ً بففل ثبتففت
إمامففة أبففو بكففر وإمامففة عثمففان وإمامففة علففي رضففي اللففه عنهففم
بالتفويض ،فل تلتفت إلففى تجاهففل مففن يففدعي أنففه صففلى اللففه عليففه
وسلم نص علففى علففي لقطففع النففزاع ولكففن الصففحابة كففابروا النففص
وكتموه ،فأمثال ذلك يعارض بمثله ويقال :بم تنكرون على من قففال
إنه نص على أبي بكر فأجمع الصحابة على موافقته النص ومتففابعته،
وهو أقرب من تقدير مكابرتهم النص وكتمانه ،ثم إنما يتخيل وجففوب
ذلك لتعذر قطع الختلف وليس ذلك بمعتذر ،فإن البيعة تقطع مففادة
الختلف والدليل عليه عدم الختلف فففي زمففان أبففي بكففر وعثمففان
رضي الله عنهم ،وقد توليا البيعة ،وكثرته في زمان علي رضي اللففه
عنه ومعتقد المامية أنه تففولى بففالنص .الطففرف الثففالث :فففي شففرح
عقيدة أهل السنة في الصحابة والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
اعلم أن للناس في الصحابة والخلفففاء إسففراف فففي أطففراف؛ فمففن
مبالغ في الثنففاء حففتى يففدعي العصففمة للئمففة ،ومنهففم متهجففم علففى
الطعن بطلق اللسان بذم الصحابة .فل تكونن من الفريقين واسففلك
طريق القتصاد فففي العتقففاد .واعلففم أن كتففاب اللففه مشففتمل علففى
الثناء على المهاجرين والنصار وتواترت الخبار بتزكيففة النففبي صففلى
الله عليه وسلم إياهم بألفاظ مختلفة ،كقوله أصحابي كالنجوم بأيهم
اقتديتم اهتديتم وكقوله :خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ومففا مففن
واحد إل وورد عليففه ثنففاء خففاص فففي حقففه يطففول نقلففه ،فينبغففي أن
تستصحب هذا العتقاد في حقهم ول تسيء الظففن بهففم كمففا يحكففى
عن أحوال تخففالف مقتضففى حسففن الظففن ،فففأكثر مففا ينقففل مخففترع
بالتعصب في حقهم ول أصل له وما ثبت نقله فالتأويل متطرق إليففه
ولففم يجففز مففا ل يتسففع العقففل لتجففويز الخطففأ والسففهو فيففه ،وحمففل
أفعففالهم علففى قصففد الخيففر وإن لففم يصففيبوه .والمشففهور مففن قتففال
معاوية مع علي ومسير عائشه رضي الله عنهم إلى البصرة والظففن
بعائشة أنها كانت تطلب تطفئة الفتنة ولكن خرج المر من الضففبط،
فففأواخر المففور ل تبقففى علففى وفففق طلففب أوائلهففا ،بففل تنسففل عففن
الضبط ،والظن بمعاوية أنه كان على تأويل وظن فيما كان يتعاطففاه
ومففا يحكففى سففوى هففذا مففن روايففات الحففاد فالصففحيح منففه مختلففط
بالباطففل والختلف أكففثره اختراعففات الروافففض والخففوارج وأربففاب
الفضول الخائضون في هذه الفنون .فينبغي أن تلزم النكار في كل
ل .فما تعذر عليك فقففل :لعففل ما لم يثبت ،وما ثبت فيستنبط له تأوي ً
له تأويل ً وعذرا ً لم أطلع عليه .واعلم أنففك فففي هففذا المقففام بيففن أن
تسيء الظن بمسلم وتطعن عليه وتكون كاذبا ً أو تحسففن الظففن بففه
ل ،والخطففأ فففي حسففن وتكف لسانك عففن الطعففن وأنففت مخطففئ مث ً
الظن بالمسلم أسلم من الصواب بالطعن فيهم ،فلو سففكت إنسففان
مثل ً عن لعن ابليس أو لعن أبي جهل أو أبي لهب أو من شففئت مففن
الشرار طول عمره لم يضره السكوت ،ولو هفا هفوة بالطعن فففي
مسلم بما هو بريء عند الله تعالى منه فقد تعرض للهلك ،بل أكففثر
ما يعلم في النففاس ل يحففل النطففق بففه لتعظيففم الشففرع الزجففر عففن
الغيبة ،مع أنه إخبار عما هو متحقق في المغتاب .فمن يلحففظ هففذه
الفصول ولم يكن في طبعه ميل إلى الفضول آثر ملزمته السففكوت
وحسن الظن بكافة المسففلمين وإطلق اللسففان بالثنففاء علففى جميففع
السلف الصالحين .هذا حكم الصحابة عامة .فأما الخلفاء الراشففدون
فهففم أفضففل مففن غيرهففم ،وترتيبهففم فففي الفضففل عنففد أهففل السففنة
كترتيبهم في المامة ،وهذا لمكان أن قولنا فلن أفضل من فلن أن
معناه إن محله عند الله تعالى في الخرة أرفع ،وهذا غيففب ل يطلففع
عليه إل الله ورسوله إن أطلعه عليففه ،ول يمكففن أن يففدعي نصففوص
قاطعففة مففن صففاحب الشففرع متففواترة مقتضففية للفضففيلة علففى هففذا
الففترتيب ،بففل المنقففول الثنففاء علففى جميعهففم .واسففتنباط حكففم
الترجيحات فففي الفضففل مفن دقففائق ثنففائه عليهففم رمففي فففي عمايفة
واقتحام أمر آخر أغنانا اللفه عنففه ،ويعففرف الفضفل عنففد اللففه تعففالى
بالعمال مشكل أيضا ً وغايته رجففم ظففن ،فكففم مففن شففخص متحففرم
الظاهر وهو عند الله بمكان ليس في قلبه وخلق خفففي فففي بففاطنه،
وكففم مففن مزيففن بالعبففادات الظففاهرة وهففو فففي سففخط اللففه لخبففث
مستكن في باطنه فل مطلع على السرائر إل الله تعففالى .ولكففن إذا
ثبت أنه ل يعرف الفضل إل بالوحي ول يعرف من النبي إل بالسففماع
وأولففى النففاس بالسففماع مففا يففدل علففى تفففاوت الفضففائل الصففحابة
الملزمون لحوال النبي صلى الله عليه وسلم ،وهم قد أجمعوا على
تقديم أبي بكر ،ثم نص أبو بكر علففى عمففر ،ثففم أجمعففوا بعففده علففى
عثمان ،ثم على علي رضي الله عنهم .وليس يظن منهم الخيانة في
دين الله تعالى لغرض من الغراض ،وكان إجماعهم علففى ذلففك مففن
أحسن ما يستدل به على مراتبهم في الفضل ،ومن هذا اعتقد أهففل
السنة هذا الترتيب في الفضل ثم بحثوا عن الخبار فوجدوا فيهففا مففا
عرف به مستند الصحابة وأهل الجماع فففي هففذا الففترتيب .فهففذا مففا
أردنا أن نقتصر عليه من أحكام المامة والله أعلم وأحكم.
الباب الرابع بيان من يجب تكفيره من الفففرق اعلففم أن للفففرق فففي
هذا مبالغات وتعصبات ،فربما انتهى بعض الطوائف إلففى تكفيففر كففل
فرقة سوى الفرقة الففتي يعففزى إليهففا ،فففإذا أردت أن تعففرف سففبيل
الحق فيه فاعلم قبل كل شيء أن هذه مسألة فقهية ،أعنففي الحكففم
بتكفير من قال قول ً وتعاطى فع ً
ل ،فإنهففا تففارة تكففون معلومففة بأدلففة
سمعية وتارة تكون مظنونة بالجتهاد ،ول مجففال لففدليل العقففل فيهففا
البتة ،ول يمكن تفهيم هذا إل بعد تفهيم قولنا :إن هذا الشخص كففافر
والكشف عن معناه ،وذلك يرجع إلى الخبار عن مستقره في الففدار
الخرة وأنه في النار على التأبيد ،وعن حكمه في الدنيا وأنه ل يجب
القصاص بقتله ول يمكن من نكاح مسففلمة ول عصففمة لففدمه ومففاله،
إلى غير ذلك من الحكام ،وفيه أيضا ً إخبار عن قول صادر منففه وهففو
كذب ،أو اعتقاد وهو جهل ،ويجوز أن يعرف بأدلة العقل كون القففول
ل ،ولكففن كففون هففذا الكففذب والجهففل موجب فا ً كذبا ً وكون العتقففاد جه ً
للتكفير أمر آخر ،ومعناه كونه مسلطا ً على سفك دمه وأخذ أمففواله،
ومعنى كونه مسلطا ً على سفففك دمففه وأخففذ أمففواله ومبيح فا ً لطلق
القول بأنه مخلد في النار؛ وهذه المور شرعية ويجوز عندنا أن يففرد
الشرع بأن الكففذاب أو الجاهففل أو المكففذب مخلففد فففي الجنففة وغيففر
مكترث بكفره ،وإن ماله ودمه معصوم ويجوز أن يرد بالعكس أيضا ً
نعم ليس يجور أن يرد بففأن الكففذب صففدق وأن الجهففل علففم ،وذلففك
ليففس هففو المطلففوب بهففذه المسففألة بففل المطلففوب أن هففذا الجهففل
والكذب هل جعله الشرع سببا ً لبطفال عصفمته والحكففم بفأنه مخلفد
في النار ؟ وهو كنظرنا في أن الصبي إذا تكلم بكلمتي الشهادة فهو
كافر بعد أو مسففلم ؟ أي هففذا اللفففظ الففذي صففدر منففه وهففو صففدق،
والعتقاد الذي وجففد فففي قلبففه وهففو حففق ،هففل جعلففه الشففرع سففببا ً
لعصمة دمه وماله أم ل ؟ وهذا إلى الشرع .فأمففا وصففف قففوله بففأنه
كذب أو اعتقاده بأنه جهل ،فليس إلى الشرع ،فففإذا ً معرفففة الكففذب
والجهل يجففوز أن يكففون عقليفا ً وأمففا معرفففة كففونه كففافر أو مسففلما ً
فليس إل شرعيًا ،بل هففو كنظرنففا فففي الفقففه فففي أن هففذا الشففخص
رقيق أو حر ،ومعناه أن السبب الذي جرى هل نصففبه الشففرع مبطل ً
لشففهادته ووليتففه ومففزيل ً لملكففه ومسففقطا ً للقصففاص عففن سففيده
المستولي عليه ،إذا قتله ،فيكون كففل ذلففك طلبفا ً لحكففام شففرعية ل
يطلب دليلها إل من الشرع .ويجففوز الفتففوى فففي ذلففك بففالقطع مففرة
وبالظن والجتهاد أخرى ،فإذا تقرر هذا الصل فقد قررنا في أصففول
الفقه وفروعه أن كل حكم شرعي يدعيه مدع فإما أن يعرفه بأصففل
من أصول الشرع من إجماع أو نقل أو بقيففاس علففى أصففل ،وكففذلك
كون الشخص كافرا ً إما أن يدرك بأصل أو بقياس على ذلك الصففل،
والصل المقطوع به أن كل من كذب محمدا ً صلى الله عليه وسففلم
فهو كافر أي مخلد في النار بعد الموت ،ومستباح الدم والمففال فففي
الحياة ،إلى جملة الحكام .إل أن التكذيب على مراتب.
الرتبة الولففى :تكففذيب اليهففود والنصففارى وأهففل الملففل كلهففم مففن
المجففوس وعبففدة الوثففان وغيرهففم ،فتكفيرهففم منصفوص عليففه فففي
الكتاب ومجمع عليه بين المة ،وهو الصل وما عداه كالملحق به.
الرتبة الثانية :تكذيب البراهمة المنكريففن لصففل النبففوات ،والدهريففة
المنكرين لصانع العالم .وهذا ملحق بالمنصوص بطريق الولففى ،لن
هففؤلء كففذبوه وكففذبوا غيففره مففن النبيففاء ،أعنففي البراهمففة ،فكففانوا
بالتكفير أولى من النصففارى واليهففود ،والدهريففة أولففى بففالتكفير مففن
البراهمففة لنهففم أضففافوا إلففى تكففذيب النبيففاء إنكففار المرسففل ومففن
ضرورة إنكار النبوة ،ويلتحق بهذه الرتبة كل مففن قففال قففول ً ل تثبففت
النبوة في أصلها أو نبوة نبينا محمففد علففى الخصففوص إل بعففد بطلن
قوله.
الرتبة الثالثة :الذين يصدقون بالصانع والنبوة ويصدقون النبي ،ولكن
يعتقدون أمورا ً تخالف نصوص الشرع ولكن يقولون أن النبي محففق،
وما قصد بما ذكره إل صلح الخلففق ولكففن لففم يقففدر علففى التصففريح
بالحق لكلل أفهام الخلق عن دركه ،وهففؤلء هففم الفلسفففة .ويجففب
القطع بتكفيرهم في ثلثفة مسفائل وهفي :إنكفارهم لحشففر الجسفاد
والتعففذيب بالنففار ،والتنعيففم فففي الجنففة بففالحور بففالعين والمففأكول
والمشروب والملبوس .والخرى :قفولهم إن اللفه ل يعلفم الجزئيفات
وتفصففيل الحففوادث وإنمففا يعلففم الكليففات ،وإنمففا الجزئيففات تعلمهففا
الملئكة السماوية .والثالثة :قولهم إن العالم قففديم وإن اللففه تعففالى
متقدم على العالم بالرتبة مثل تقدم العلة علففى المعلففول ،وإل فلففم
تر في الوجود إل متساويين .وهؤلء إذا أوردوا عليهففم آيففات القففرآن
زعموا أن اللذات العقلية تقصر الفهام عن دركها ،فمثففل لهففم ذلففك
باللذات الحسية وهذا كفر صريح ،والقول به إبطال لفففائدة الشففرائع
وسد لباب الهتداء بنور القرآن واستبعاد للرشففد مفن قففول الرسففل،
فإنه إذا جاز عليهم الكذب لجل المصالح بطلت الثقة بففأقوالهم فمففا
من قول يصدر عنهففم إل ويتصففور أن يكففون كففذبًا ،وإنمففا قففالوا ذلففك
لمصلحة .فإن قيل :فلم قلتم مع ذلك بأنهم كفرة ؟ قلنا لنففه عففرف
قطعا ً من الشرع أن من كذب رسول الله فهو كافر وهؤلء مكذبون
ثم معالمون للكذب بمعاذير فاسدة وذلك ل يخففرج الكلم عففن كففونه
كذبًا.
الرتبة الرابعة :المعتزلففة والمشففبهة والفففرق كلهففا سففوى الفلسفففة،
وهم الذين يصدقون ول يجوزون الكذب لمصلحة وغيففر مصففلحة ،ول
يشتغلون بالتعليل لمصلحة الكذب بل بالتأويل ولكنهم مخطئون فففي
التأويل ،فهؤلء أمرهم فففي محففل الجتهففاد .والففذي ينبغففي أن يميففل
ل .فففإن اسففتباحة المحصل إليه الحتراز من التكفير ما وجد إليه سبي ً
الدماء والموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقففول ل إلففه إل
الله محمد رسول الله خطأ ،والخطأ في ترك ألف كافر فففي الحيففاة
أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسففلم .وقففد قففال صففلى
الله عليه وسلم :أمرت أن أقاتل الناس حففتى يقولففوا ل إلففه إل اللففه
محمد رسول الله ،فإذا قالوها فقد عصموا منففي دمففاءهم وأمففوالهم
إل بحقهففا .وهففذه الفففرق منقسففمون إلففى مسففرفين وغلة ،وإلففى
مقتصدين بالضافة إليهم ،ثم المجتهد يرى تكفيرهم وقد يكون ظنففه
في بعض المسائل وعلففى بعففض الفففرق أظهففر .وتفصففيل آحففاد تلففك
المسائل يطول ثم يثير الفتن والحقاد ،فإن أكثر الخائضين في هففذا
إنما يحركهم التعصب واتباع تكفير المكذب للرسول ،وهففؤلء ليسففوا
مكذبين أصل ً ولم يثبت لنا أن الخطأ في التأويل موجب للتكفيففر ،فل
بد من دليل عليه ،وثبت أن العصمة مستفادة من قول ل إله إل الله
قطعًا ،فل يدفع ذلك إل بقاطع .وهذا القدر كاف في التنبيه علففى أن
إسراف من بالغ في التكفير ليس عن برهان فإن البرهان إما أصففل
أو قياس على أصل ،والصل هو التكذيب الصريح ومن ليس بمكذب
فليس في معنى الكذب أص فل ً فيبقففى تحففت عمففوم العصففمة بكلمففة
الشهادة.
الرتبة الخامسة :من تففرك التكففذيب الصففريح ولكففن ينكففر أصفل ً مففن
أصول الشرعيات المعلومة بالتواتر من رسول الله صلى اللففه عليففه
وسلم ،كقول القائل :الصلوات الخمس غير واجبة ،فففإذا قففرئ عليففه
القرآن والخبار قال :لست أعلم صدر هذا مففن رسففول اللففه ،فلعلففه
غلط وتحريف .وكمن يقول :أنا معترف بوجوب الحففج ولكففن ل أدري
أيففن مكففة وأيففن الكعبففة ،ول أدري أن البلففد الففذي تسففتقبله النففاس
ويحجففونه هففل هففي البلففد الففتي حجهففا النففبي عليففه السففلم ووصفففها
القرآن .فهذا أيضا ً ينبغي أن يحكم بكفره لنه مكففذب ولكنففه محففترز
عن التصريح ،وإل فالمتواترات تشترك في دركهففا العفوام والخففواص
وليس بطلن ما يقففوله كبطلن مففذهب المعتزلففة فففإن ذلففك يختففص
لدركه اؤلوا البصفائر مفن النظفار إل أن يكفون هفذا الشفخص قريفب
العهد بالسلم ولم يتواتر عنده بعد هذه المور فيمهله إلى أن يتواتر
عنده ،ولسنا نكفره لنه أنكففر أمففرا ً معلومفا ً بففالتواتر ،وإنففه لففو أنكففر
غزوة من غزوات النفبي صفلى اللفه عليفه وسفلم المتفواترة أو أنكفر
نكاحه حفصة بنت عمر ،أو أنكفر وجفود أبفي بكفر وخلفتفه لفم يلفزم
تكفيفره لنفه ليففس تكففذيبا ً فففي أصففل مفن أصفول الففدين ممفا يجففب
التصديق بفه بخلف الحففج والصففلة وأركففان السفلم ،ولسفنا نكففره
بمخالفة الجماع ،فإن لنففا نظففرة فففي تكفيففر النظففام المنكففر لصففل
الجمففاع ،لن الشففبه كففثيرة فففي كففون الجمففاع حجففة قاطعففة وإنمففا
الجماع عبارة عن التطابق على رأي نظففري وهففذا الففذي نحففن فيففه
تطابق على الخبار غير محسوس ،وتطابق العدد الكبير على الخبار
غير محسوس على سبيل التواتر الموجب للعلم الضروري ،وتطففابق
أهل الحق والعقد على رأي واحد نظري ل يوجب العلم إل من جهففة
الشرع ولذلك ل يجوز أن يستدل على حدوث العففالم بتففواتر الخبففار
من النظار الذين حكموا به ،بل ل تواتر إل في المحسوسات.
الرتبة السادسة :أن ل يصرح بالتكذيب ول يكذب أيضا ً أمففرا ً معلوم فا ً
على القطع بالتواتر من أصول الدين ولكن منكر مففا علففم صففحته إل
ل ،إذ أنكر كون الجماع الجماع ،فأما التواتر فل يشهد له كالنظام مث ً
حجة قاطعة في أصله .وقال :ليس يدل على اسففتحالة الخطففأ علففى
أهل الجماع دليل عقلي قطعي ول شرعي متواتر ل يحتمل التأويل،
فكلما تستشهد به من الخبفار واليفات لفه تأويفل بزعمفه ،وهفو ففي
قوله خارق لجماع التابعين؛ فإنا نعلففم إجمففاعهم علففى أن مففا أجمففع
عليه الصحابة حففق مقطففوع بففه ل يمكففن خلفففه فقففد أنكففر الجمففاع
وخرق الجماع وهذا في محل الجتهاد ،ولي فيه نظر ،إذ الشففكالت
كثيرة في وجه كون الجماع حجة فيكففاد يكففون ذلففك الممهففد للعففذر
ولكن لو فتح هذا الباب انجر إلى أمور شنيعة وهو أن قائل ً لففو قففال:
يجوز أن يبعث رسول بعد نبينا محمد صلى الله عليففه وسففلم ،فيبعففد
التوقف في تكفيره ومستند استحالة ذلففك عنففد البحففث تسففتمد مففن
الجماع ل محالة فإن العقل ل يحيله وما نقل فيه مفن قفوله :ل نفبي
بعدي ومن قوله تعالى :خاتم النبيين فل يعجز هذا القائل عن تففأويله
فيقول :خاتم النفبيين أراد بفه أولفي العفزم مفن الرسفل ،ففإن قفالوا
النبيين عام ،فل يبعد تخصيص العام .وقوله ل نبي بعدي لففم يففرد بففه
الرسول ،وفرق بين النبي والرسول والنبي أعلى رتبة مففن الرسففول
إلى غير ذلك مففن أنففواع الهففذيان .فهففذا وأمثففاله ل يمكففن أن نففدعي
استحالته من حيففث مجففرد اللفففظ فإنففا فففي تأويففل ظففواهر التشففبيه
قضينا باحتمالت أبعد من هذه ولم يكن ذلك مبطل ً للنصوص ،ولكففن
الرد على هذا القائل أن المة فهمت بالجماع من هففذا اللفففظ ومففن
قرائن أحواله أنه أفهم عدم نبي بعده أبففدا ً وعففدم رسففول اللففه أبففدا ً
وأنففه ليففس فيففه تأويففل ول تخصففيص فمنكففر هففذا ل يكففون إل منكففر
الجماع ،وعند هذا يتفرع مسائل متقاربة مشففتبكة يفتقففر كففل واحففد
منها إلى نظر ،والمجتهد في جميفع ذلفك يحكفم بمفوجب ظنفه يقينفا ً
وإثباتا ً والغرض الن تحرير معاقد الصول الففتي يففاتي عليهففا التكفيففر
وقد نرجع إلى هذه المراتب السلتة ول يعترض فرع إل ويندرج تحت
رتبة من هذه الرتب ،فالمقصود التأصيل دون التفصففيل .فففإن قيففل:
السجود بين يدي الصنم كفر ،وهو فعففل مجففرد ل يففدخل تحففت هففذه
الروابط ،فهففل هففو أصففل آخففر ؟ قلنففا :ل ،فففإن الكفففر فففي اعتقففاده
تعظيم الصنم ،وذلك تكففذيب لرسففول اللففه صففلى اللففه عليففه وسففلم
والقرآن ولكن يعرف اعتقففاده تعظيففم الصففنم تففارة بتصففريح لفظففه،
وتارة ً بالشارة إن كان أخرسًا ،وتارة بفعل يدل عليففه دللففة قاطعففة
كالسجود حيث ل يحتمل أن يكون السجود لله وإنما الصنم بين يديه
كالحففائط وهففو غافففل عنففه أو غيففر معتقففد تعظيمففه ،وذلففك يعففرف
بففالقرائن .وهففذا كنظرنففا أن الكففافر إذا صففلى بجماعتنففا هففل يحكففم
باسلمه ،أي هفل يسفتدل علفى اعتقفاد التصفديق ؟ فليفس هفذا إذن
نظرا ً خارجا ً عما ذكرناه .ولنقتصر على هذا القدر في تعريف مدارك
التكفيففر وإنمففا أوردنففاه مففن حيففث أن الفقهففاء لففم يتعرضففوا لففه
والمتكلمون لم ينظروا فيه نظرا ً فقهيًا ،إذ لم يكن ذلففك مففن فنهففم،
ولم ينبه بعضهم بها لقرب المسففألة مففن الفقهيففات ،لن النظففر فففي
السباب الموجبة للتكفير من حيث أنها أكاذيب وجهالت نظر عقلي،
ولكن النظفر مفن حيفث أن تلفك الجهفالت مقتضفية بطلن العصفمة
وإنما الخلود في النار نظر فقهي وهو المطلوب.
ولنختففم الكتففاب بهففذا ،فقففد أظهرنففا القتصففاد فففي العتقففاد وحففذفنا
الحشففو والفضففول المسففتغنى عنففه ،الخففارج مففن أمهففات العقففائد،
وقواعدها ،واقتصرنا من أدلة ما أوردناه على الجلي الواضح الذي ل
تقصر أكثر الفهام عن دركه ،فنسأل الله تعالى أل يجعله وبال ً علينا،
وأن يضعه في ميزان الصالحات إذا ردت إلينا أعمالنففا ،والحمففد للففه
رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلففى آلففه وسففلم
تسليما ً كثيرا ً آمين.
تم الكتاب بحمد الله وفضله ،نرجو من القاري الكريم أن ل يبخل علينا بملحظاوته القيمة.
مع تحيات موقع الفلسفة السلمية
شارك في هذا النجاز :محمد حزين في ايلول )سبتمر( 2002م