You are on page 1of 36

‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫زكـــــاة الشخصيــة العتبـــاريـــة‬


‫‪((‬‬
‫د‪ .‬أحمد الصادق البشير‬ ‫‪‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫الحمــد للــه رب العــالمين‪ ،‬والصــلة والســلم علــى‬
‫أشرف النبياء والمرسلين‪ ،‬وبعد‪،،،‬‬
‫ن الشخصية العتبارية من المسائل التي استجدت‬ ‫فإ ّ‬
‫في هذا العصر‪ ،‬وهي وليدة الفكر القانوني‪ ،‬وقد فرضت‬
‫نفسها على الحياة الجتماعية‪ ،‬لما تقوم به من أدوار‬
‫ن يؤديها‪ ،‬ولذلك‬ ‫ومهام ل يستطيع الشخص الطبيعي أ ْ‬
‫فهي تحتاج إلى نظرات فاحصة تستكشف جوانبها‪ ،‬وتبين‬
‫حقيقتها‪ ،‬وتتعرف على رؤية الفقه السلمي فيها‪ ،‬وفقا ً‬
‫لنصوصه‪ ،‬ومبادئه‪ ،‬وقواعده‪ ،‬وهو ما سيحاول هذا البحث‬
‫كزا ً على بيان مدى‬ ‫ن يطرقه مر ّ‬‫ـ مستعينا ً بالله تعالى ـ أ ْ‬
‫مل الشخص العتباري للتكاليف الشرعية‪ ،‬وبخاصة‬ ‫تح ّ‬
‫الزكاة‪ ،‬وسنهتدي ـ بإذن الله تعالى ـ في هذا البحث‬
‫ي أ‪.‬د‪.‬‬‫حث َ ْ‬
‫بالبحوث التي سبقت في هذا المجال‪ ،‬وبخاصة ب َ ْ‬
‫ديق محمد المين الضرير‪ ،‬ود‪ .‬أحمد علي عبد الله‪.‬‬ ‫ص ّ‬‫ال ّ‬
‫وسنتناول هذا البحث ـ بعون الله وتوفيقه ـ في‬
‫المباحث التالية‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬عن ماهية الشخص العتباري وطبيعته‬
‫في القانون‪.‬‬
‫سـوداني والفقه‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬ماهيته في القانون ال ّ‬
‫السلمي‪.‬‬
‫‪ (‬أستاذ مشارك‪ ،‬رئيس قسم الفقه وأصوله بكلية الشريعة ـ جامعة القرآن‬ ‫)‬

‫الكريم والعلوم السلمية‬


‫سـودان ـ أم درمان(‪.‬‬
‫)ال ّ‬
‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪179‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫المبحث الثالث‪ :‬صلحية الشخص العتباري للتكليف‬
‫الشرعي‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬ملكية الشخص العتباري‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬كيفية زكاة الشخص العتباري‪.‬‬

‫‪ ..‬والله أسأل التوفيق والعانة ‪..‬‬


‫‪ ..‬والحمد لله رب العالمين ‪..‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪180‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫المبحث الول‬
‫ماهية الشخص العتباري وطبيعته في القانون‬

‫]‪ [1‬ماهية الشخص العتباري في القانون‪:‬‬


‫الشخص العتباري مصطلح حديث في القانون‪ ،‬وله‬
‫ن ُتميزه عن الشخص‬ ‫تسميات أخرى)‪ ،(1‬وكلها تحاول أ ْ‬
‫الطبيعي ـ النسان من الناحية النسانية ـ وتشبهه به من‬
‫الناحية الجتماعية‪ ،‬أي ممارسة المناشط الجتماعية‪،‬‬
‫فالشخص في نظر علماء القانون له عدة مدلولت ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫أحدها‪ :‬أنه هو صاحب الحق كما قال الفقيه الفرنسي‬


‫ن الشخص في نظر القانون يقتضي‬ ‫ميشو‪ ،‬وهذا يعني أ ّ‬
‫مل اللتزامات‬ ‫وجود كائن أهل لتملك حق خاص به‪ ،‬وتح ّ‬
‫التي تقع على كاهله‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أنه الكائن ذو الهلية‪ ،‬وهؤلء يربطون بين‬
‫الشخص والهلية‪ .‬فالهلية هي صلحية الشخص لوجوب‬
‫الحقوق له وعليه اللتزامات‪ ،‬وصلحيته لمباشرة‬
‫ن الشخص في نظر‬ ‫التصرفات الشرعية‪ ،‬ويقولون‪ :‬إ ّ‬
‫القانون يختلف عنه في نظر الفلسفة والخلق‪ ،‬وعلم‬
‫النفس‪ .‬فالشخصية في نظر القانون ل تفترض حتما ً‬
‫توافر الصفة النسانية‪ ،‬وإنما تعتبر مجرد الصلحية لدى‬
‫كائن ما لوجوب الحقوق له أو عليه‪ ،‬وهذه الصلحية يرى‬
‫ن مناطها الرادة الواعية‪ ،‬وهذا المنطق يؤخذ‬ ‫البعض أ ّ‬
‫عليه أنه يؤدي إلى إنكار الشخصية على من يفتقد الرادة‬
‫العاقلة الواعية كالمجنون والصغير غير المميز‪.‬‬

‫)( منها‪ :‬الشخصية المعنوية‪ ،‬الشخصية القانونية‪ ،‬الشخصية الحكمية‪ ،‬وهي‬ ‫‪1‬‬

‫الدق فقهًا‪ ،‬وقد أشار إلى ذلك د‪ .‬أحمد علي عبد الله في كتابه‪ :‬الشخصية‬
‫العتبارية‪ ،‬ص ‪.189‬‬
‫)( د‪ .‬حسن كيرة‪ :‬مدخل القانون‪ ،‬ص ‪ ،640‬ود‪ .‬الزغبي‪ :‬المدخل إلى علم‬ ‫‪2‬‬

‫القانون‪ ،‬ص ‪ ،460‬الشخصية العتبارية في الفقه السلمي‪ ،‬ص ‪ 22‬وما بعدها‪.‬‬


‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪181‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫ثالثها‪ :‬الكائن‪ ،‬ذو القيمة الجتماعية‪ ،‬الذي له مصالح‬
‫جديرة بالرعاية والهتمام‪ ،‬ويهدف إلى تحقيق مقاصد‬
‫إنسانية‪ ،‬والصل ثبوت هذه القيمة للنسان باعتباره‬
‫ن هذه القيمة‬ ‫صاحب هدف له قيمة اجتماعية‪ ،‬كما أ ّ‬
‫ن يعترف بها لغير النسان‪ ،‬من الكائنات التي‬ ‫يمكن أ ْ‬
‫تقوم بغرض تحقيق الهداف والمصالح النسانية‪ ،‬وهذه‬
‫الكائنات قد تكون جماعة من الشخاص يضمهم تكوين‬
‫يرمي إلى تحقيق هدف معين‪ ،‬أو مجموعة من الموال‬
‫ترصد لتحقيق غرض معين‪.‬‬
‫وهذا هو الذي استقر عليه الفقه القانوني الحديث‬
‫وهو اعتبار الشخص عموما ً هو الكائن ذو القيمة‬
‫الجتماعية‪ ،‬وهو صاحب الحق ويتفادى الربط بين‬
‫ن الشخصية‬ ‫الشخصية وأهلية الوجوب‪ ،‬وذلك باعتبار أ ّ‬
‫القانونية هي صلحية كائن ما لن ينسب إليه الحق‬
‫واللتزام بصفة عامة‪ ،‬أي صلحية مجردة‪ ،‬أما أهلية‬
‫الوجوب فهي مدى هذه الصلحية من حيث قصورها‬
‫وشمولها لكل الحقوق واللتزامات‪ ،‬أي صلحية واقعية‬
‫فالشخصية تسبق وجود الهلية‪ ،‬وهي ل توجد إل ّ كاملة‪،‬‬
‫أما أهلية الوجوب فترجع إلى حالة الشخص كعضو في‬
‫جماعة ذات قيم معينة‪ ،‬وهي تتساوى بالنسبة للشخاص‬
‫العاديين إل ّ ما ندر‪ ،‬أما بالنسبة للشخاص العتبارية فإنها‬
‫تتفاوت تبعا ً لختلف الغراض والهداف التي ترمي إليها‬
‫الشخصية العتبارية)‪.(1‬‬
‫]‪ [2‬طبيعة الشخص العتباري في القانون‪:‬‬
‫الشخص العتباري فكرة قانونية حديثة غير واضحة‬
‫المعالم‪ ،‬المر الذي أثار اختلفا ً كبيرا ً بين القانونيين حول‬
‫طبيعتها وحقيقة وجودها‪ ،‬ويمكن رد هذا الخلف إلى ثلث‬
‫)( د‪ .‬حسن كيرة‪ :‬المدخل إلى القانون‪ ،‬ص ‪.640‬‬ ‫‪1‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪182‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫نظريات رئيسة قيلت بشأنها)‪ ،(2‬تدور بين تكييف الشخص‬


‫ن أصل‬ ‫العتباري بأنه فرض أو مجاز‪ ،‬وأخرى ترى أ ّ‬
‫الفكرة تتعلق بقيام الملكية المشتركة‪ ،‬والخيرة ترى أنها‬
‫شخصية حقيقية‪ ،‬وتختلف في تحديدها‪.‬‬
‫النظرية الولى‪:‬‬
‫ن الشخص العتباري مجرد فرض‪ ،‬أو مجاز‪،‬‬ ‫ترى أ ّ‬
‫ن الشخص في نظر‬ ‫وقوام هذه النظرية وجوهرها أ ّ‬
‫القانون يطلق على النسان فقط‪ ،‬لما له من قدرة‬
‫ما إسباغ الشخصية على الجماعات من الناس أو‬ ‫إرادية‪ .‬أ ّ‬
‫الشخاص‪ ،‬والموال‪ ،‬فهو من إنشاء الشارع ليسوغ لها‬
‫مل اللتزامات‪ ،‬ولكن عن‬ ‫التمتع بالحقوق والصلحيات لتح ّ‬
‫طريق الفتراض أو الحيلة القانونية لتؤدي مهمتها على‬
‫ن المشرع صاحب‬ ‫غرار النسان ذي الرادة‪ ،‬ويرون أ ّ‬
‫الحق المطلق في إعطاء هذه الشخصية لي كائن أو‬
‫حجبها عنه‪.‬‬
‫ن القول بالملكية‬‫ومما يؤخذ على هذه النظرية أ ّ‬
‫المفترضة أو المجازية يؤدي إلى وجود الحق دون صاحب‬
‫حقيقي له‪ ،‬وهو ما يخالف المنطق القانوني‪ ،‬إضافة إلى‬
‫ربطها بين فكرة )صاحب الحق( وبين وجود الرادة وهو‬
‫ن الحق ل يثبت لعديم‬ ‫ما يؤدي إلى القول ـ المرفوض ـ بأ ّ‬
‫الرادة أو ناقصها كالمجنون أو الصبي‪ .‬والذي قاد أصحاب‬
‫هذه النظرية إلى ذلك هو التصور الخاطئ للشخصية‬
‫والربط بينها وبين مدلولها في الفلسفة وعلم النفس‬
‫والخلق‪ ،‬والتي وفقا ً لهذا التصور ل تثبت إل للنسان‪.‬‬
‫النظرية الثانية‪:‬‬

‫)( انظر‪ :‬المسئولية الجنائية للشخاص العتبارية‪ ،‬ص ‪ ،56-36‬ود‪ .‬حسن كيرة‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫المدخل إلى القانون‪ ،‬ص ‪ 622‬وما بعدها‪.‬‬


‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪183‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫ن فكرة الشخصية‬ ‫يرى أصحاب هذه النظرية أ ّ‬
‫العتبارية تقوم على نظرية الحقوق بل صاحب‪ ،‬أو نظرية‬
‫ن الشخص العتباري هو‬ ‫الملكية المشتركة‪ ،‬والتي ترى أ ّ‬
‫مجموع أعضاء الجماعة باعتبارهم مالكين مشتركين‪،‬‬
‫ن الشخاص الحقيقيين هم‬ ‫وأساس هذه النظرية هو أ ّ‬
‫ن‬
‫وحدهم الذين يصدق عليهم أصحاب الحق‪ ،‬بحسبان أ ّ‬
‫الحق في نظرهم مصلحة يحميها القانون وعلى أساس‬
‫ن الشخص‬ ‫ن المصلحة تلزم النسان‪ ،‬ولذلك فإ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ن يكون صاحب مصلحة‪ ،‬بل المصلحة‬ ‫العتباري ل يصلح أ ْ‬
‫تخص الذين خصصوه لغاية أو هدف‪.‬‬
‫وهذه النظرية انُتقدت بحسبان أّنها تؤّدي إلى نتائج‬
‫غير مقبولة‪ ،‬منها‪ :‬وجود حقوق دون صاحب لها‪ ،‬وربطها‬
‫بين الشخص والمصلحة وفقا ً للتعريف الموضوعي ـ‬
‫المنتقد ـ للحق وهو كونه مصلحة يحميها القانون‪ ،‬كما أّنها‬
‫ل تضع حل ً لمشكلة وجود كائنات تؤدي أدوارا ً ذات قيمة‬
‫عظيمة في الحياة‪.‬‬
‫النظرية الثالثة‪:‬‬
‫وهي تعرف بنظرية الحقيقة‪ ،‬وهي النظرية التي تبناها‬
‫الفكر القانوني الحديث واستحسنها كثير من المعاصرين‬
‫رغم اختلف أصحابها حول مفهوم الحقيقة للشخص‬
‫العتباري‪ ،‬والتي يقولون بها وقد اختلفوا في ذلك إلى‬
‫المذاهب التالية‪:‬‬
‫الول‪ :‬يعقد الصلة بين الشخص العتباري والشخص‬
‫ن الفراد‬ ‫الطبيعي على أساس من التماثل بينهما باعتبار أ ّ‬
‫المكونين للشخص العتباري يعتبرون بمثابة الخليا‬
‫المكونة للشخص الطبيعي‪ ،‬ومما يؤخذ على هذا التصور‬
‫الفراط والمبالغة في وصف وبيان حقيقة الشخص‬
‫العتباري‪ ،‬ومساواته بالشخص الطبيعي‪.‬‬
‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪184‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫الثاني‪ :‬حاول أنصار هذا المذهب إثبات حقيقة‬


‫الشخص العتباري عن طريق ما أسموه بنظرية الرادة‬
‫الحقيقية‪ ،‬وهي الرادة الجماعية للفراد المكونين‬
‫للشخص العتباري‪ ،‬وهي إرادة تغاير في جوهرها‬
‫ن الرادة ليس‬ ‫الرادات الفردية المكونة لها‪ ،‬وانتقدت بأ ّ‬
‫ون شخص )النسان(‪ ،‬بل النسان‬ ‫وحدها هي التي تك ّ‬
‫يكتسب هذه الشخصية حتى ولو كان عديم الرادة أو‬
‫ناقصها‪.‬‬
‫ن الشخصية العتبارية هي مجموعة من‬ ‫الثالث‪ :‬يرى أ ّ‬
‫النظم الحقيقية التي تكشف عنها الروابط الجتماعية‪،‬‬
‫ويثبت لها ما لهذه النظم من واقعية‪ ،‬فهي تميز بين‬
‫المكونات الواقعية للشخصية المعنوية‪ ،‬وبين الشخصية‬
‫القانونية‪ ،‬والتي ل تعدو مجرد أسلوب للتعبير عنها في‬
‫المحيط القانوني‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫ن استقر المر على الخذ بنظرية الحقيقة رغم‬ ‫بعد أ ْ‬
‫الخلف حول ماهية هذه الحقيقة‪ ،‬يمكن أن نسوغ النظرة‬
‫التالية‪ ،‬والتي تقوم على مبادئ أساسية تبّين هذه الفكرة‬
‫)الحقيقة( والتصور المثل لها‪ ،‬والقرب للمنطقية‬
‫والموضوعية‪ ،‬وهي ما يلي‪:‬‬
‫ن الشخصية في نظر القانون تعني مجرد‬ ‫]‪ [1‬أ ّ‬
‫ن هذا‬‫صلحية كائن من الكائنات لن يكون محل ً للحق‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن يكون متميزًا‪ ،‬وله قيمة اجتماعية معينة‪،‬‬ ‫الكائن يتعين أ ْ‬
‫ن يكون كائنا ً حيا ً حياة طبيعية‬
‫ول يقصد بهذا الكائن أ ْ‬
‫حسية وعضوية‪ ،‬إذ الحيوان‪ ،‬بل والنبات كائن بهذا‬
‫المعنى‪ ،‬ولكنه ل يحظى بالشخصية في نظر القانون‪ ،‬لنه‬
‫ن يؤخذ‬‫ليس له وجود ذاتي مستقل وحقيقي‪ ،‬على أ ْ‬
‫الوجود الحقيقي بالمعنى الذي يتسع لكل وجود مادي أو‬
‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪185‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫ن كل كائن له وجود ذاتي‬ ‫معنوي‪ ،‬كما ل يعني هذا أ ّ‬
‫ن يتمتع‬ ‫مستقل وحقيقي على هذا النحو يستحق أ ْ‬
‫ن يمثل قيمة‬ ‫بالشخصية‪ ،‬بل يلزمه لهذا التمتع ـ أيضا ً ـ أ ْ‬
‫اجتماعية معينة تجعله أهل ً لن يدخل في الوجود القانوني‬
‫ككائن له حياة مستقلة يصبح بمقتضاها مركزا ً للحقوق‬
‫واللتزامات‪ ،‬فالشخصية القانونية تتحقق بتحويل الوجود‬
‫الواقعي لمثل هذه الكائنات إلى وجود قانوني‪.‬‬
‫]‪ [2‬التمتع بالحياة القانونية المستقلة يكون بمقدار‬
‫القيمة الجتماعية للكائن المعني‪ ،‬فبعض الكائنات التي‬
‫لها وجود ذاتي واقعي بل وحسي كالحيوانات إذا دخلت‬
‫مرحلة الوجود القانوني ل تدخل فيه باعتبارها صاحبة‬
‫حياة قانونية مستقلة‪ ،‬لنها ليس لها من القيمة‬
‫الجتماعية ما يبرر وضعها على رأس مثل هذه الحياة‬
‫وجعلها مركزا ً وصاحبة للحقوق واللتزامات‪.‬‬
‫]‪ [3‬ينبغي التميز بين الشخص كإنسان وفقا ً للنظرة‬
‫الفلسفية والخلقية أو وفقا ً لتكوينه العضوي أو الحيوي‬
‫الخاص وإرادته المستكنة والنشطة‪ ،‬وبين الشخص ككائن‬
‫له وجود ذاتي ومستقل ويمثل من القيمة الجتماعية ما‬
‫يحتم وضعه على رأس حياة قانونية مستقلة‪ ،‬واعتباره‬
‫ن يلحق‬ ‫صالحا ً لن تسند إليه المهام الحياتية‪ ،‬ويمكن أ ْ‬
‫بالنسان ـ بهذا المعنى ـ الشخاص العتبارية‪ ،‬بحسبانها‬
‫كائنات لها وجودها الذاتي والحقيقي في الحياة‬
‫الجتماعية‪ ،‬وتمثل من القيمة الجتماعية ما يدخلها في‬
‫نطاق القانون كصاحبة حياة قانونية مستقلة‪ ،‬ومركز‬
‫للحقوق واللتزامات‪ ،‬ومثل هذه القيمة الجتماعية تتوافر‬
‫لهذه الكائنات حينما يصبح وجود هذه الكائنات مفروضا ً‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪186‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫بالضرورة أمام ضخامة بعض الهداف النسانية‬


‫المشروعة ذات القيمة الجتماعية)‪.(1‬‬
‫]‪ [4‬وجود الشخصية القانونية ل يستلزم توافر‬
‫ن كانت الرادة متطلبة فليس تطلبها شرطا ً‬ ‫الرادة‪ ،‬وإ ْ‬
‫لوجود الشخصية‪ ،‬وإنما هو شرط لقدرتها على النشاط‬
‫الرادي وإجراء التصرفات القانونية‪ ،‬ولذلك فقد تثبت‬
‫الشخصية لعديم الرادة من الفراد ويباشر عنه نشاطه‬
‫الرادي شخص آخر ذو إرادة‪ ،‬وهذه القدرة الرادية كما‬
‫ن تكون إرادة جماعية‪،‬‬ ‫تكون فردية فإنه من المتصور أ ْ‬
‫وتمثل إرادة الشخص العتباري‪ ،‬وهي إرادة تقوم إلى‬
‫جانب الرادة الفردية للشخاص المكونين له‪ ،‬يتولى‬
‫الفصاح عنها وإعلنها والتعبير عنها العضاء الذين‬
‫يحددهم المشرع‪ ،‬أو وثيقة إنشائه‪ ،‬وتضحى هذه الرادة‬
‫الجديدة متميزة ومستقلة عن الرادات الفردية‪ ،‬ويمكن‬
‫إنزالها أو تصورها في شكل إرادة الشخص العتباري‬
‫ذاته‪ ،‬وتملك هذه الرادة الجديدة القدرة على التصّرف‪،‬‬
‫وهي إرادة حقيقية وليست على سبيل المجاز‪ ،‬وتنهض‬
‫هذه الرادة الجماعية والمشتركة صنوا ً للرادة الفردية‬
‫ن القانون يحدد ضوابط قيامها‬ ‫وعلى غرارها تماما ً طالما أ ّ‬
‫وانعقادها واستمرارها وانتهائها ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫]‪ [5‬هذا التصور للشخصية العتبارية وبيانها وتميزها‬


‫ن وجود الشخص‬ ‫عن الشخصية الطبيعية ل ينال منه أ ّ‬
‫العتباري واكتسابه للشخصية يتوقف على تدخل المشرع‬
‫ن التدخل ليس مقصورا ً عليه وحده‪،‬‬ ‫واعترافه به‪ ،‬وذلك ل ّ‬
‫ن الشخصية الطبيعية تستلزم مثل هذا‬ ‫فمن المسّلم به أ ّ‬
‫ن يجادل أحد‬ ‫التدخل والعتراف به وتتوقف عليه دون أ ْ‬
‫)( انظر‪ :‬حسن كيرة‪ :‬مدخل القانون‪ ،‬ص ‪.632‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( حسن كيرة‪ :‬مدخل القانون‪ ،‬ص ‪ ،632‬المسئولية الجنائية‪ ،‬ص ‪.127‬‬ ‫‪2‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪187‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫ن تدخل المشرع‬ ‫في صفتها الحقيقية إضافة إلى أ ّ‬
‫للعتراف بالشخصية بسبب عدم تساوي الكائنات‬
‫الجتماعية سواء جماعات الفراد أو مجموعات الموال‬
‫في الهداف المبتغاة والقيم التي تمثلها‪.‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪188‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫المبحث الثاني‬
‫سـوداني والفقه‬
‫الشخص العتباري في القانون ال ّ‬
‫السلمي‬

‫القانون هو‪" :‬مجموعة القواعد التي تنظم سلوك‬


‫الفراد في الحياة الجتماعية"‪ .‬فهو جزء أصيل من الفقه‬
‫السلمي إن كان مصدره الشريعة السلمية كما هو‬
‫سـودانية الحالية‪ ،‬ومن ذلك قانون‬ ‫الحال في القوانين ال ّ‬
‫سـوداني لسنة ‪1984‬م‪ ،‬والذي بّين‬ ‫المعاملت المدنية ال ّ‬
‫المقصود بالشخص في مواده الولى ـ فهو قانون يلتزم‬
‫ن نوضح رؤيته مع‬ ‫أحكام الشريعة السلمية ـ لذلك رأينا أ ْ‬
‫رؤية الفقه السلمي للشخص العتباري حتى تتوحد‬
‫الرؤية‪ ،‬فقد تناول هذا القانون التعريف بالشخص وأنواعه‬
‫وحقوقه في المواد )‪.(1)(24) ،(23) ،(17‬‬
‫فالمادة )‪ (17‬قد نصت على التي‪:‬‬
‫)الشخاص نوعان‪ :‬أشخاص طبيعيون‪ ،‬وأشخاص‬
‫اعتباريون(‪.‬‬
‫ن الشخاص العتبارية‬ ‫والمادة )‪ (23‬نصت على أ ّ‬
‫هي‪:‬‬
‫]أ[ الدولة ومؤسساتها العامة وغيرها من المنشآت‬
‫التي يمنحها القانون شخصية اعتبارية‪.‬‬
‫]ب[ الهيئات والطوائف الدينية التي تعترف لها الدولة‬
‫بشخصية اعتبارية‪.‬‬
‫]ج[ الوقاف‪.‬‬
‫]د[ الشركات التجارية‪.‬‬
‫]هـ[ الجمعيات والمؤسسات المنشأة وفقا ً لحكام‬
‫القانون‪.‬‬
‫سـوداني لسنة ‪1984‬م‪.‬‬
‫)( قانون المعاملت المدنية ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪189‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫]و[ كل مجموعة من الشخاص أو الموال تثبت لها‬
‫الشخصية العتبارية بمقتضى نص في القانون‪.‬‬
‫أما المادة )‪ (24‬فقد بّينت حقوق الشخص‬
‫العتباري في البنود التية‪:‬‬
‫ّ‬
‫]‪ [1‬الشخص العتباري يتمتع بجميع الحقوق إل ما‬
‫كان منها ملزما ً لصفة النسان الطبيعية وذلك في الحدود‬
‫التي قررها القانون‪.‬‬
‫]‪ [2‬دون المساس بعمومية البند )‪ (1‬يكون للشخص‬
‫العتباري‪:‬‬
‫]أ[ ذمة مالية مستقلة‪.‬‬
‫]ب[ أهلية في الحدود التي يعينها سند إنشائه والتي‬
‫يقررها القانون‪.‬‬
‫]ج[ حق التقاضي‪.‬‬
‫]د[ موطن مستقل‪.‬‬
‫]‪ [3‬يكون له من يمثله وفقا ً لحكام القوانين الخاصة‪.‬‬
‫سـوداني قد‬ ‫ووفقا ً لهذه المواد يتضح أ ّ‬
‫ن القانون ال ّ‬
‫أخذ بنظرية الحقيقة في نظرته للشخص العتباري‪ ،‬وقد‬
‫أقّر له بالوجود الذاتي المستقل ووضع له من الحكام‬
‫ن يباشر بها كل‬ ‫وأعطاه من الصلحيات ما يستطيع أ ْ‬
‫المهام والمناشط الجتماعية التي يمارسها النسان‪ ،‬فهو‬
‫يقوم بكل ما يقوم به النسان ويتمتع بجميع الحقوق التي‬
‫يتمتع بها إل ّ ما كان منها ملزما ً لصفة النسان الطبيعية‬
‫وفي الحدود التي يقرها القانون‪.‬‬
‫ولم يخالف القانون في ذلك أحكام الشريعة‬
‫السلمية كما ذكر الشيخ الستاذ الدكتور‪ /‬الضرير‪" :‬ول‬
‫أرى في هذه المواد التي بّينت المراد من الشخصية‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪190‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫العتبارية وحقوقها وخصائصها ما يتعارض مع أحكام‬


‫الشريعة السلمية")‪.(1‬‬
‫ولنبّين فيما يلي نظرة الشريعة السلمية‬
‫للشخص العتباري‪:‬‬
‫ل‪ :‬يذهب معظم المعاصرين من علماء الشريعة‬ ‫أو ً‬
‫السلمية ‪ ،‬ممن نظر في هذه المسألة إلى القول‬ ‫)‪(2‬‬

‫بقبول الفقه السلمي لفكرة الشخص العتباري أو‬


‫الحكمي كما يسميها د‪ .‬أحمد علي عبد الله‪ ،‬أخذا ً من‬
‫المصطلح السلمي الذي بّين الملك الحقيقي والحكمي‪،‬‬
‫وهي أدق لنها تبعد فكرة الشخص العتباري عن المجاز‬
‫أو الفرض‪ ،‬فهي حقيقة حكمية‪.‬‬
‫ن‪" :‬الفقه السلمي يأخذ بفكرة‬ ‫ويرى د‪ .‬أحمد أ ّ‬
‫الشخصية العتبارية في أصوله وفروعه‪ ،‬فهو من أسبق‬
‫القوانين معرفة لفكرة الشخصية العتبارية‪ ،‬ول يعكر هذه‬
‫ن‬
‫النتيجة أنه لم يعرف في لغته هذا الصطلح‪ ،‬ل ّ‬
‫ن العبرة بالمعاني ل باللفاظ‬ ‫الصوليين يقررون أ ّ‬
‫والمباني‪ ،‬فحيث وجد المعنى الذي تصدق عليه هذه‬
‫ن الفقه لم‬‫الفكرة فذلك غاية الطلب‪ ،‬هذا إلى جانب أ ّ‬
‫ي هذه الفكرة بهذا المصطلح‬ ‫م َ‬
‫س ّ‬
‫ن يُ َ‬
‫يكن في حاجة إلى أ ْ‬
‫ول غيره‪ ،‬لنها تنبثق من أصوله ومصادره العامة كجزء‬
‫من كل")‪.(3‬‬
‫ن الشخص هو‬ ‫ويذهب د‪ .‬أحمد علي عبد الله إلى أ ّ‬
‫كائن اكتملت له أو فيه المقومات التية‪:‬‬
‫ن يكون ذا أثر فّعال في حياة النسان‬ ‫]‪ [1‬أ ْ‬
‫الجتماعية‪.‬‬

‫)( انظر‪ :‬بحوث المؤتمر العلمي الثاني للزكاة‪ ،‬ص ‪.37‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( انظر‪ :‬د‪ .‬أحمد علي عبد الله‪ :‬الشخصية العتبارية‪ ،‬ص ‪ 156‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.241‬‬ ‫‪3‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪191‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫مل‬ ‫ن يكون في وسعه اكتساب الحقوق وتح ّ‬ ‫]‪ [2‬أ ْ‬
‫الواجبات‪.‬‬
‫مل الجزاءات‪.‬‬ ‫ً‬
‫ن يكون قابل ً وقادرا على تح ّ‬ ‫]‪ [3‬أ ْ‬
‫ما‬
‫والشخص الذي تكتمل له أو فيه هذه المقومات؛ إ ّ‬
‫ن يكون شخصا ً حقيقيا ً أو حكميًا‪ ،‬والول هو النسان‪،‬‬ ‫أ ْ‬
‫والثاني هو كل كائن سوى النسان يكتسب المقومات‬
‫السابقة اكتسابا ً صناعيا ً بجامع مشاركته له في تحقيق‬
‫أهداف النسان الجتماعية‪ ،‬فيكون شخصا ً حكميا ً أو‬
‫اعتباريا ً)‪.(1‬‬
‫وهذه النظرة هي التي استقرت في الفقه القانوني‬
‫ن الفقه السلمي‬ ‫الحديث‪ .‬وعليه فإنه يمكن القول بأ ّ‬
‫قبل بفكرة الشخص العتباري من حيث المبدأ وإن‬
‫اختلفت آراء الفقهاء حول مدى هذا العتراف‪ ،‬وما مدى‬
‫مل ذمته المالية لللتزامات؟ وهل يمكن القبول بفكرة‬ ‫تح ّ‬
‫الرادة الجماعية المستقلة؟ وهل للشخص العتباري‬
‫عقل يفكر به وإرادة يتصرف بمقتضاها؟ عموما ً ما هي‬
‫صلحية الشخص العتباري؟ هذا ما سنتناوله بتوفيق الله‬
‫في المباحث التالية‪.‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫تكليف الشخص العتباري شرعا ً‬

‫هل الشخص العتباري صالح للتكليف الشرعي؟ أي‬


‫ن تكون له أهلية كاملة وجوبا ً وأداء؟‬
‫هل يمكن أ ْ‬
‫الهلية عند الفقهاء نوعان‪ :‬أهلية وجوب‪ ،‬وأهلية أداء‪.‬‬
‫فأهلية الوجوب هي‪ :‬أهلية الشخص لكتساب الحقوق‬
‫مل اللتزامات ومناطها الذمة‪.‬‬‫وتح ّ‬

‫)( انظر‪ :‬د‪ .‬أحمد علي عبد الله‪ ،‬ص ‪.241‬‬ ‫‪1‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪192‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫والذمة لغة‪ :‬هي العهد والميثاق‪ .‬واصطلحًا‪ :‬هي ما‬


‫ن تثبت‬‫تثبت فيه الحقوق واللتزامات‪ ،‬والصل فيها أ ْ‬
‫ن‬‫لشخص النسان بمقتضى إنسانيته‪ ،‬وأجاز الفقهاء أ ْ‬
‫تثبت هذه الذمة لغير النسان حكما ً)‪ ،(1‬لما ورد في‬
‫نصوص الحاديث الشرعية‪:‬‬
‫]‪ [1‬عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬قال رسول‬
‫ن جازت عليهم جائزة‬ ‫الله ‪) :‬ذمة المسلمين واحدة‪ ،‬فإ ْ‬
‫ن لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة(‬ ‫فل تخفروها‪ ،‬فإ ّ‬
‫)‪.(2‬‬
‫]‪ [2‬وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي‬
‫‪) :‬المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم‬
‫ويسعى بذمتهم أدناهم()‪.(3‬‬
‫ولذلك فالذمة كما تثبت للنسان‪ ،‬تثبت لغيره من‬
‫الكائنات مجموعة الشخاص أو الموال والتي لها أهمية‬
‫خاصة في حياة الجماعة‪ ،‬حيث تقوم بمهام وتؤدي‬
‫وظائف تفوق وظائف ومناشط النسان الجتماعية‪ ،‬وذلك‬
‫مثل‪ :‬الدولة ومؤسساتها العامة أو الخاصة‪ ،‬والهيئات‬
‫الخيرية والشركات التجارية‪.‬‬
‫وقد ذكر الستاذ الدكتور‪ /‬الضرير بعض آراء العلماء‬
‫ن أهلية‬ ‫المعاصرين حول ثبوت الذمة شرعًا‪ ،‬وخلص إلى أ ّ‬
‫الوجوب التي تعتمد على وجود الذمة قد اختلف الفقهاء‬
‫في ثبوتها لغير النسان‪ ،‬فبعضهم ل يثبتها لغير النسان‪،‬‬
‫فالحيوان وما ل حياة له ليس أهل ً لن يملك ول ذمة له‬

‫)( الشخصية العتبارية‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( هذا الحديث صحيح بهذا السناد‪ :‬أخبرنا أحمد بن محمد العنزي‪ ،‬حدثنا عثمان‬ ‫‪2‬‬

‫بن سعيد الدارمي‪ ،‬حديث محجوب بن موسى‪ ،‬حديث أبو إسحاق الفزاري عن‬
‫عمرو بن مردة عن ابن أبي البحتري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ‪ ،‬مصباح‬
‫الزجاجة‪.3/134 ،‬‬
‫)( سنن البيهقي‪ ،8/227 ،‬وسنن ابن ماجة‪.2/895 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪193‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫عندهم‪ ،‬وأثبتها بعضهم لغير النسان واستدلوا لرأيهم‬
‫بالحكام الثابتة للوقف والمسجد وبيت المال التي‬
‫ن لهذه الجهات حقوقا ً قبل غيرها وعليها واجبات‬ ‫تقتضي أ ّ‬
‫مالية يقوم بها من يتولى أمرها‪ ،‬من ذلك أنه يجوز لناظر‬
‫ن يستأجر له من يقوم‬ ‫ن يستدين على الوقف‪ ،‬وأ ْ‬ ‫الوقف أ ْ‬
‫ً‬
‫بعمارته‪ ،‬فيكون ما يستدينه وما يستحقه الجير دينا على‬
‫الوقف يطالب به من غلته‪ ،‬وإذا أجّرت أعيان الوقف‬
‫كانت الجرة دينا ً للوقف في ذمة المستأجر‪ .‬ومن ذلك‬
‫وجوب النفقة على بيت المال للفقير الذي ليس له قريب‬
‫تجب نفقته عليه‪ ،‬ومن ذلك أيضا ً جواز الهبة للمسجد‪،‬‬
‫ويقبلها الناظر نيابة عنه‪.‬‬
‫ن العلماء استدلوا‬ ‫ثم ذكر الستاذ الدكتور‪ /‬الضرير أ ّ‬
‫ن تفرض‬ ‫أيضا ً بأنه ليس في القرآن ول السنة ما يمنع أ ْ‬
‫الذمة لغير النسان من الشركات والمؤسسات المالية‬
‫على نحو يناسب هذه الجهات)‪.(1‬‬
‫ن الراجح من أقوال العلماء‬ ‫ومما سبق يتبّين أ ّ‬
‫المعاصرين ومما تؤيده النصوص والقواعد هو جواز ثبوت‬
‫الذمة المالية لغير النسان على نحو مناسب‪.‬‬
‫أما أهلية الداء ففي ثبوتها عند المعاصرين نزاع‪ ،‬وقد‬
‫ن ناقش مقومات هذه الهلية‬ ‫خلص الشيخ الضرير بعد أ ْ‬
‫ن‬
‫إلى عدم ثبوتها لغير النسان ولو كانت ناقصة‪ ،‬ل ّ‬
‫مناطها هو العقل والرادة‪ ،‬وهما ل يتصوران في الشخص‬
‫العتباري‪ ،‬وبناًء على ذلك ذهب إلى القول بأنها معدومة‬
‫بالنسبة للشخص العتباري‪ ،‬وقال‪) :‬هذا مما لم ينازع فيه‬
‫أحد()‪.(2‬‬

‫)( بحوث المؤتمر العلمي الول للزكاة‪ ،‬ص ‪.39‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( بحوث المؤتمر العلمي للزكاة‪ ،‬ص ‪.39‬‬ ‫‪2‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪194‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫هذا المر في نظري يحتاج إلى وقفة في‬


‫النقاط التالية‪:‬‬
‫ل‪ :‬الذمة التي أثبتها الفقهاء للشخص الحكمي‬ ‫أو ً‬
‫وأوردتها النصوص ذمة حكمية اقتضتها ضرورة وجود هذا‬
‫الكائن وقيامه بالمهام البشرية التي تنسب لشخص‬
‫بشري معين‪ ،‬ول تؤدى دون توافر هذه الذمة إذا كان ذلك‬
‫ن تكون للشخص العتباري أهلية‬ ‫كذلك فما الذي يمنع أ ْ‬
‫أداء حكمية في حدود معينة تبعا ً لمهامه وحاجاته خاصة‬
‫وهو يباشر كثيرا ً من التصّرفات المعتبرة شرعا ً باسمه‬
‫ن تصرف المام‬ ‫ولحسابه وبإرادته هو ل بإرادة غيره‪ ،‬ل ّ‬
‫باسم الدولة ينسب إلى الدولة‪ ،‬وهو يمثل إرادة المة‬
‫وليس إرادته الفردية‪.‬‬
‫ن تكون للمة ذمة‪ ،‬وردت‬ ‫ثانيًا‪ :‬كما وردت أدلة تجيز أ ْ‬
‫مة‬ ‫ُ‬
‫أدلة يمكن الستدلل بها على اعتبار الشارع لل ّ‬
‫كشخص حكمي له حياة كحياة الفراد‪ ،‬وله أجل كحال‬
‫الفراد‪ ،‬وتكون مسئولة عن تصّرفاتها الجماعية تهلك بها‬
‫وتدمر أو تسعد بها في مجموعها‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪...‬‬ ‫]‪ [1‬قول الله سبحانه وتعالى‬
‫]العراف‪.[34 :‬‬
‫مة هنا الجماعة التي‬ ‫ُ‬
‫قال ابن عاشور‪" :‬والمراد بال ّ‬
‫اشتركت في عقيدة الشراك‪ ...‬وليس المراد في الية‬
‫بأجل المة أجل أفرادها وهو مدة حياة كل واحد منها لنه‬
‫ن إسناده إلى المة يعني أنه أجل‬ ‫ل علقة له بالسياق‪ ،‬ول ّ‬
‫مجموعها ل أفرادها ولو أريد آجال الفراد لقال لكل واحد‬
‫ي أجل")‪.(1‬‬
‫أو لكل ح ّ‬

‫)( محمد الطاهر بن عاشور‪ :‬تفسير التحرير والتنوير‪.5/104 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪195‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫]‪ [2‬وقوله تعالى‬

‫]الحجر‪.[4 :‬‬
‫يقول ابن كثير‪" :‬يخبر تعالى أنه ما أهلك قرية إل ّ بعد‬
‫جة عليها وانتهاء أجلها‪ ،‬وأنه ل يؤخر أمة حان‬
‫ح ّ‬
‫قيام ال ُ‬
‫هلكها عن ميقاتها ول يتقدمون عن مدتهم" ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫مة‬ ‫ُ‬
‫ن الخطاب القرآني يتحدث عن ال ّ‬ ‫فابن كثير يرى أ ّ‬
‫والقرية فالمر أمر مجموعة من الشخاص تمثلهم القرية‬
‫مة‪ ،‬وهي الشخص الحكمي العتباري‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أو ال ّ‬
‫]‪ [3‬هناك كثير من النصوص التي تتحدث عن حال‬
‫القرى في مجموعها من ذلك قوله تعالى‬

‫]الحج‪ ،[45 :‬وقوله تعالى‬

‫]الطلق‪ ،[8 :‬وقوله تعالى في القرى التي آمن أهلها‬


‫كلهم أو معظمهم‬

‫]يونس‪.[98 :‬‬

‫)( تفسير ابن كثير‪.2/712 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪196‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫ثالثًا‪ :‬دّلت أقوال الفقهاء على جواز مباشرة الشخص‬


‫الحكمي لبعض التصرفات المعتبرة شرعًا‪ ،‬وهي ل تصح‬
‫إل ّ ممن له أهلية أداء معتبرة‪ ،‬ومن ذلك صحة اليصاء‬
‫للمسجد وتملكه للوصية‪ ،‬فقد جاء في "حاشية الدسوقي‬
‫ح اليصاء للمسجد ونحوه كرباط‬ ‫والشرح الكبير"‪" :‬وص ّ‬
‫وقنطرة وصرف في مصالحه‪ ،‬وشرح قوله "وصح اليصاء‬
‫للمسجد" أي لصحة تملكه للوصية بخلف الحيوان‬
‫والحجر مثل ً فل تصح له")‪.(1‬‬
‫وذكر الدكتور‪ /‬أحمد علي عبد الله أّنه قد وردت في‬
‫الفقه السلمي كثير من الحكام التي تعد الدولة كيانا ً‬
‫مل اللتزامات‬ ‫متميزا ً تستطيع أ ْ‬
‫ن تعقد العقود وتتح ّ‬
‫وتتعامل مع الدول الخرى بحسبانها عاقدا ً يتميز بخصائص‬
‫وتتوافر فيه شروط الشخص الطبيعي‪ ،‬وهي حقوق‬
‫والتزامات غير مرتبطة بشخص المام)‪.(2‬‬
‫ل دللة واضحة على جواز تصّرفات هذه‬ ‫وكل هذا يد ّ‬
‫الشخاص العتبارية في الحدود المشروعة‪.‬‬
‫سم الصوليون الخطاب التكليفي الواجب‬ ‫رابعًا‪ :‬ق ّ‬
‫إلى‪ :‬واجب عيني وكفائي‪ .‬فالعيني يتعلق بأعين الفراد‪،‬‬
‫ما الكفائي فيتعلق بمجموعهم)‪.(3‬‬ ‫أ ّ‬
‫وقد جاء في "الحكام"‪" :‬ل فرق عند أصحابنا بين‬
‫واجب العين والواجب على الكفاية من جهة الوجوب‬
‫لشمول الواجب لهما‪ ،‬خلفا ً لبعض الناس مصيرا ً منه إلى‬

‫)( الشيخ محمد عرفة الدسوقي‪ :‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.4/426‬‬
‫)( الشخصية العتبارية في الفقه السلمي‪ ،‬ص ‪.156-117‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( الشيخ محمد المين بن مختار الشنقيطي‪ ،‬مذكرة أصول الفقه على روضة‬ ‫‪3‬‬

‫الناظر‪ ،‬ص ‪.199‬‬


‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪197‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫ن واجب العين ل يسقط بفعل الغير بخلف واجب‬ ‫أ ّ‬
‫الكفاية" ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫وجاء في شرح "روضة الناظر"‪" :‬والتحقيق في فرض‬


‫الكفاية أنه واجب عليهم كلهم يسقط بفعل بعضهم بدليل‬
‫ن تركوه كلهم‬ ‫ن فعلوه كلهم نالوا ثواب الواجب‪ ،‬وإ ْ‬ ‫أنهم إ ْ‬
‫موا"‪.‬‬ ‫َ‬
‫أث ِ ُ‬
‫ن الخطاب التكليفي يتعلق‬ ‫وعليه يمكن القول بأ ّ‬
‫صر‬ ‫ّ‬
‫بمجموع الناس ول ينتقل إلى أعيان الفراد إل إذا ق ّ‬
‫المجموع‪ ،‬ول يمكن تصور المجموع إل ّ في صورة‬
‫الشخص الحكمي أو العتباري‪ ،‬فالدولة مخاطبة بتحكيم‬
‫الشريعة السلمية‪ ،‬والخطاب ليس للمام بمفرده ول‬
‫للرعية بأعيانها‪ ،‬وإنما للمجموع الذي يشكل الدولة‪:‬‬
‫ن لم تقم بذلك الدولة يسأل المام‬ ‫المام والرعية‪ ،‬فإ ْ‬
‫ّ‬
‫والفراد‪ ،‬لكن أصل التعلق هو المجموع الذي يمثل‬
‫الشخص العتباري وهو الدولة‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬تحدث الصوليون عن خطاب المعدوم وأنه‬
‫يصح تكليفه وذلك بخطاب المعدوم‪ ،‬والشخص الحكمي‬
‫ن كان موجودا ً إل ّ أنه في حكم المعدوم على أقل‬ ‫وإ ْ‬
‫تقدير‪ ،‬وهو مؤهل لهذا الخطاب بأفراده الذين يشكلون‬
‫عقله وإرادته‪ ،‬فقد جاء في "مذكرة أصول الفقه"‪" :‬قد‬
‫دّلت النصوص الصحيحة على خطاب المعدومين من هذه‬
‫مة تبعا ً للموجودين منها()‪.(2‬‬ ‫ُ‬
‫ال ّ‬
‫وقال المدي‪" :‬مذهب أصحابنا جواز تكليف‬
‫المعدوم‪ ...‬وربما أشكل فهم ذلك مع إحالتنا لتكليف‬
‫الصبي والمجنون والغافل والسكران لعدم الفهم‬
‫للتكليف‪ ،‬والمعدوم أسوأ حال ً من هؤلء في هذا المعنى‪،‬‬
‫)( سيف الدين المدي‪ :‬الحكام في أصول الحكام‪.1/88 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( محمد المين مختار الشنقيطي‪ :‬مذكرة أصول الفقه‪ ،‬ص ‪.200‬‬ ‫‪2‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪198‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫لوجود أصل الفهم في حقهم وعدمه بالكلية في حق‬


‫المعدوم‪ ،‬وكشف الغطاء عن ذلك أننا ل نقول بكون‬
‫المعدوم مكلفا ً بالتيان بالفعل حالة عدمه‪ ،‬بل معنى كونه‬
‫مكلفا ً حال العدم قيام الطلب القديم بذات الرب تعالى‬
‫للفعل في المعدوم بتقدير وجوده وتهيئة لفهم الخطاب‪،‬‬
‫فإذا وجد مهيئا ً للتكليف صار مكلفا ً بذلك الطلب‬
‫والقتضاء القديم")‪.(1‬‬
‫ور تكليــف المعــدوم بالخطــاب القــديم‬ ‫فإذا أمكن تص ـ ّ‬
‫وذلك بتقدير وجوده فيمــا يســتقبل وتهيئة لفهــم الخطــاب‬
‫فلما ل نتصور تكليف الموجود الحكمي المتهيئ للفهم في‬
‫حدود هذا التهيؤ؟ وهذا ما يراه الباحث‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬أل يمكن تصور الفهم والرادة لغير النسان؟‬
‫ن للدولة وكثير من الجهزة والمؤسسات إرادة‬ ‫خاصة وأ ّ‬
‫تتميز بها عن إرادات من يمثلها‪ ،‬ولها قدرة في مباشرة‬
‫تصرفاتها في الطر المحددة لها‪ ،‬ولها عقل تفكر به؟‬
‫هذه أشياء حكمية لكنها موجودة‪ ،‬ومناط أهلية الداء‬
‫ن تكون هنالك إرادة‬ ‫هي الرادة والعقل‪ ،‬فما الذي يمنع أ ْ‬
‫حكمية وعقل حكمي يحددها المشرع كما هو الحال في‬
‫الشخص الطبيعي؟‬
‫فالعقل والرادة هما أشياء متصورة ل تعرف حقيقة‬
‫وجودها إل ّ بمظان منها تصرفات الشخص ومدى تمييزه‬
‫للشياء وهكذا‪ ،‬وما يعتبر مظنة للعقل والرادة يتوافر في‬
‫الشخص الحكمي أو العتباري حسب أحواله ومهامه‪.‬‬
‫ن يكون‬‫ن الذي يظهر هو جواز أ ْ‬ ‫لكل ما ذكر فإ ّ‬
‫للشخص العتباري أهلية أداء في حدود اختصاصاته‬
‫مل بها‬‫ن يباشر بها تصرفاته الشرعية ويتح ّ‬ ‫ومهامه يمكن أ ْ‬

‫)( سيف الدين المدي‪ :‬الحكام في أصول الحكام‪.1/131 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪199‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫بعض اللتزامات والتكاليف الشرعية التي ل تتعلق بالبدن‬
‫ول ت ُعَد ّ من قبيل العبادة المحضة‪ .‬والله أعلم‪.‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫ملكية الشخص العتباري‬

‫]‪ [1‬ضرورة الملك التام لوجوب الزكاة‪:‬‬


‫من شروط الزكاة التي ذكرها الفقهاء الملك التام‪،‬‬
‫ن‬
‫فقد جاء في "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير"‪" :‬إ ّ‬
‫شروط وجوب الزكاة خمسة‪ ،‬منها تمام الملك")‪ .(1‬وقد‬
‫أشار إليها صاحب "المغني" بقوله‪" :‬ويشترط للوجوب‬
‫ثلثة أشياء‪ :‬الحول‪ ،‬والنصاب‪ ،‬والتمكن من الداء")‪.(2‬‬
‫كن من الداء هو الملك التام المقصود عند‬ ‫والتم ّ‬
‫الفقهاء‪ ،‬وقد ذكره بهذا المعنى الزيدية كما بّين ذلك د‪.‬‬
‫ن الزيدية يقصدون بالملك‬ ‫يوسف القرضاوي‪ ،‬حيث ذكر أ ّ‬
‫ن يكون النصاب‬ ‫كن‪ ،‬فاشترطوا في الزكاة أ ْ‬ ‫التام التم ّ‬
‫كنا ً منه في جميع الحول أو في حكم المتمكن منه‬ ‫م ّ‬
‫مت َ َ‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫وذلك حيث يكون مرجوا غير ميؤس ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬

‫وجاء في "المجموع شرح المهذب" قال‪" :‬قال‬


‫المصنف ـ رحمه الله ـ ول تجب فيما ل يملكه ملكا ً تاما ً‬
‫كالماشية التي في يد مكاتبه‪ ،‬لنه ل يملك التصّرف فيه‬
‫كمال الجنبي")‪.(4‬‬
‫وجعل صاحب "المجموع" هذا الشرط شرطا ً في‬
‫المال وليس صفة للشخص‪ ،‬حيث قال‪ " :‬قال المصنف ـ‬
‫رحمه الله ـ‪ :‬ول تجب الزكاة إل ّ على الحر المسلم‪ ،‬قوله‪:‬‬
‫ابن عرفة‪ :‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪.2/436 ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫ابن قدامة‪ :‬المغني‪.2/539 ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ :‬فقه الزكاة‪ ،1/149 ،‬نقل ً عن شرح الزهار‪.1/452 ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫النووي‪ :‬المجموع‪.5/339 ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪200‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫"ول تجب الزكاة إل ّ على الحر المسلم"‪ ،‬ولم يقل تام‬


‫الملك كما قاله في "التنبيه"‪ ،‬وهذا الذي قاله هنا حسن‪،‬‬
‫ن مقصوده في هذا الفصل بيان صفة الشخص الذي‬ ‫ل ّ‬
‫تجب عليه الزكاة‪ ،‬وكونه تام الملك صفة المال" ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫وبّين صاحب "المجموع" مقصود الملك بأنه القدرة‬


‫على التصرف في الشيء‪.‬‬
‫ن شرط الملك التام من شروط وجوب‬ ‫وعليه فإ ّ‬
‫الزكاة كما ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫]‪ [2‬مفهوم شرط الملك التام‪:‬‬


‫الملك التام هو ما يكون فيه العين مملوكة لصاحبها‬
‫رقبة ومنفعة‪ ،‬وهو يخول لصاحبه حق التصرف المطلق‬
‫في الشيء)‪ ،(3‬وحق النتفاع والستقلل‪.‬‬
‫والملك التام قسم من الملك‪ ،‬وهو اختصاص يمكن‬
‫ن يستبد بالتصرف والنتفاع عند عدم‬ ‫صاحبه شرعا ً من أ ْ‬
‫المانع الشرعي)‪ .(4‬فالملك ينقسم إلى قسمين‪ :‬ملك تام‬
‫وملك ناقص‪.‬‬
‫فالملك عند الفقهاء يكون تاما ً إذا كان شامل ً للعين‬
‫والمنفعة جميعًا‪ ،‬ويكون ناقصا ً إذا كان واقعا ً على أحدهما‬
‫العين أم المنفعة)‪.(5‬‬
‫ن المقصود‬ ‫وقد جاء في عبارات بعض الفقهاء أ ّ‬
‫بالملك التام كشرط لوجوب الزكاة هو التمكن من الداء‬
‫ن الملك‬ ‫أو القدرة على التصرف‪ ،‬وعليه يمكن القول بأ ّ‬
‫التام يقصد به عند الفقهاء التي‪:‬‬
‫]‪ [1‬ملكية العين والمنفعة معًا‪.‬‬
‫المرجع السابق‪.2/326 ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫القرضاوي‪ :‬فقه الزكاة‪.1/146 ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫د‪ .‬أحمد فرح حسين‪ :‬الملكية ونظرية العقد‪ ،‬ص ‪.34‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫د‪ .‬رمضان السيد و"آخرون"‪ :‬المدخل إلى دراسة الفقه السلمي‪ ،‬ص ‪.458‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.459‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪201‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫كن من الداء‪.‬‬ ‫]‪ [2‬التم ّ‬
‫]‪ [3‬القدرة على التصّرف‪.‬‬
‫ً‬
‫وكل هذه المعاني يكمل بعضها بعضا‪ ،‬فالذي يملك‬
‫ن‬‫عين الشيء ومنفعته يختص بها دون غيره‪ ،‬ويستطيع أ ْ‬
‫ن يؤدي الحق الذي عليه منهما‬ ‫يتصرف فيها ويتمكن من أ ْ‬
‫العين والمنفعة‪.‬‬
‫سب بسبب من أسباب التمّلك التي‬ ‫والملك التام ُيكت َ‬
‫ذكرها الفقهاء‪ ،‬والتي أجملوها في ‪:‬‬
‫)‪(1‬‬

‫]أ[ الستيلء على المباح‪.‬‬


‫]ب[ العقود الناقلة‪.‬‬
‫]ج[ الخلفية‪.‬‬
‫]د[ الشفعة‪.‬‬
‫ن الذي يحصل له الملك بأي صورة من الصور‬ ‫وأرى أ ّ‬
‫التي ذكرت آنفا ً يكون مالكا ً ملكا ً تاما‪ً.‬‬
‫]‪ [3‬تمّلك الشخص العتباري‪:‬‬
‫ن الذي يتملك هو النسان‪ ،‬ويمكن انتقال هذا‬ ‫الصل أ ّ‬
‫الصل للشخص العتباري بحيث يصبح متملكا ً تملكا ً تاما‪ً،‬‬
‫وذلك بالنظر لما ورد من الفقهاء وما ذكره العلماء بشأن‬
‫وجود ذمة للشخص العتباري‪ ،‬ومن ذلك قولهم بصحة‬
‫اليصاء للمسجد وللوقف‪ ،‬وصحة مباشرة الدولة‬
‫ن‬‫ومؤسساتها والشركات للتصّرفات المعتبرة‪ ،‬علما ً بأ ّ‬
‫الملك التام ل علقة له بالرادة أو العقل أو صحة‬
‫التصّرف أو عدمه‪ ،‬وإنما يثبت للشخص بمقتضى ما لديه‬
‫ن‬
‫من ذمة‪ ،‬أي أهلية وجوب كاملة‪ ،‬وقد تبّين فيما سبق أ ّ‬
‫الفقه السلمي قد أجاز فكرة الذمة الحكمية للشخص‬
‫العتباري في أصوله وفروعه‪ ،‬وبناًء على ذلك يصح القول‬

‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.460‬‬ ‫‪1‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪202‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫بصلحية الشخص العتباري لن يتملك ملكا ً تاما ً متى‬


‫توافر سبب من أسباب التمّلك‪.‬‬
‫كما أنه ينبغي التمييز بين الملك التام والملكية‬
‫ن الملكية العامة ل تتعارض مع الملك التام‪،‬‬ ‫العامة‪ ،‬وأ ّ‬
‫فكل منهما قسم باعتبار معين‪ ،‬فقد يكون الشيء مملوكا ً‬
‫ملكية عامة وتامة وقد يكون غير ذلك‪ ،‬فتقسيم الملك‬
‫إلى عام وخاص بالنظر إلى تعّلق الملك‪ ،‬هل بشخص‬
‫معين أم بمجموعة من الناس؟ أما التقسيم إلى ملك تام‬
‫وناقص فبالنظر إلى أجزاء الشيء المتملك‪ ،‬هل يقع‬
‫تملكه على جزئية ومن ثم ي ُعَد ّ ملكا ً تاما ً أم على جزء منه‬
‫فيعد ّ ملكا ً ناقصًا؟‬
‫لذا فجميع الشخاص العتبارية عامة أو خاصة يجوز‬
‫ما الملكية العامة فل تكون إل ّ‬ ‫ن تتملك ملكية تامة‪ ،‬أ ّ‬ ‫لها أ ْ‬
‫للشخاص العامة أي التي ترعى مرافق عامة تخص‬
‫ن الملكية‬ ‫مجموع الناس وليس أفرادا ً معينين‪ ،‬كما أ ّ‬
‫المقصودة في الزكاة ـ والله أعلم ـ هي الحيازة الفعلية‬
‫للشيء‪ ،‬والتي تمكن من الداء والتصرف في الشيء‪،‬‬
‫وهذا يؤيده ما ذهب إليه الفقهاء بشأن زكاة الد ّْين‪،‬‬
‫ومفهوم الملكية عند الزيدية‪ ،‬وما جاء في "المغني"‪.‬‬

‫]‪ [4‬ملكية الشركات‪:‬‬


‫ن‬ ‫ُ‬
‫الشركات من الشخاص العتبارية‪ ،‬وقد أجيز أ ْ‬
‫تكون لها ذمة مالية‪ ،‬وكذلك لها أهلية في الحدود التي‬
‫تمكنها من مباشرة تصّرفاتها المشروعة‪ ،‬وليس في ذلك‬
‫تعارض مع النصوص أو القواعد العامة كما تبّين فيما‬
‫سبق‪ ،‬ولكن الشكال في أصل وجودها ومساهمة‬
‫أعضائها فيها‪ ،‬هل ي ُعَد ّ بمثابة نقل ما يملكون إلى الشركة‬
‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪203‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫أم أنهم مالكون لموجودات الشركة ملكا ً تامًا‪ ،‬ول‬
‫ن تتصرف فيما تملك إل ّ نيابة عن‬ ‫تستطيع الشركة أ ْ‬
‫المساهمين‪ ،‬والذي أراه ـ والله تعالى أعلم ـ‪:‬‬
‫ن الشركة مالكة ملكية تمكنها من مباشرة‬ ‫]‪ [1‬إ ّ‬
‫التصرف فيما يخصها‪ ،‬وبمقتضى ذلك تقوم بمباشرة‬
‫التصّرفات باسمها ولحسابها وبإرادتها‪ ،‬رغم أنها تكونت‬
‫من الشركاء‪.‬‬
‫ن نقول أنها‬‫]‪ [2‬ملكية الشركة لما تحت يدها يمكن أ ْ‬
‫ن تتصرف فيما تحت‬ ‫ملكية محدودة خاصة تمكنها من أ ْ‬
‫يدها‪.‬‬
‫]‪ [3‬ملكية الشركاء لموال الشركة ملكية عامة أو‬
‫مشاعة بقدر أسهمهم في الشركة‪ ،‬ول تصبح ملكية تامة‬
‫خاصة ومحددة إل ّ بالفراز‪ ،‬ولذلك فإنهم يملكون ما يعّبر‬
‫عن هذه الملكية وهي السهم‪ ،‬فملكيتهم للسهم ملكية‬
‫تامة‪ ،‬وملكيتهم لموجودات الشركة ملكية مشاعة‪ ،‬وذلك‬
‫مثل الوراق المالية والتجارية والتي لها قيمة مأخوذة مما‬
‫تمثله هذه الوراق‪.‬‬
‫]‪ [4‬الملكية التي أرى أنها مطلوبة في الزكاة هي‬
‫الملكية التي تمكن صاحبها من مباشرة التصّرف فيما‬
‫ن أمر الزكاة منظور فيه إلى مصالح‬ ‫تحت يده خاصة‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن لهم حقا ً في المملوك‪ ،‬وهو أحد‬ ‫الفقراء والمساكين‪ ،‬ل ّ‬
‫تفسيرات الملكية التامة كما ذكر الزيدية وورد في‬
‫"المغني" لبن قدامة‪.‬‬
‫وقد ذهب الشيخ الستاذ الدكتور‪ /‬الضرير إلى القول‬
‫ن "الفقه السلمي يقبل الشخصية العتبارية من حيث‬ ‫بأ ّ‬
‫المبدأ‪ ،‬ولكنه ل يقبل كل الحكام التي يقررها القانون‬
‫للشخصية العتبارية‪ ،‬ومن الحكام التي يرفضها الفقه‬
‫ن الموال التي يكتتب‬ ‫السلمي ما يقرره القانون من أ ّ‬
‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪204‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫ن السهم يخرج‬ ‫بها المساهمون تكون ملكا ً للشركة‪ ،‬أي أ ّ‬


‫من ملك المساهم ويدخل في ملك الشركة بمجرد‬
‫مساهمته في الشركة‪ ،‬هذا القول غير مقبول شرعا ً‬
‫ن السهم في الشركة حصة شائعة‬ ‫وعم ً‬
‫ل‪ ،‬غير مقبول ل ّ‬
‫في موجودات الشركة مملوكة للمساهم‪ ،‬ول يوجد سبب‬
‫من أسباب نقل الملكية بنقله إلى الشركة‪ ،‬وغير مقبول‬
‫عم ً‬
‫ل‪:‬‬
‫ن المساهم يتصرف في سهمه‬ ‫]أ[ المعمول به أ ّ‬
‫بالبيع‪ ،‬وهذا دليل بقائه في ملكه‪.‬‬
‫مل‬ ‫ً‬
‫]ب[ المساهم يستحق ربح أسهمه سنويا ويتح ّ‬
‫خسارتها‪ ،‬وهذا دليل بقائه في ملكه‪.‬‬
‫]ج[ الشركة إذا صفيت يستحق المساهم في‬
‫موجوداتها بنسبة أسهمه في الشركة‪ ،‬فبأي سبب ينتقل‬
‫الملك إليه إذا كانت هذه الموجودات مملوكة‬
‫للشركة)‪(1‬؟‬
‫ول خلف مع الشيخ الضرير فيما ذهب إليه من تملك‬
‫المساهم لسهمه تملكا ً تاما ً بالمعنى العام‪ ،‬بحسبان أّنها‬
‫ن يباشر‬ ‫تمثل جزًء من موجودات الشركة ويستطيع أ ْ‬
‫عليه التصّرفات المشروعة وتترتب عليها الثار الشرعية‪.‬‬
‫ما نفي التمّلك عن الشركة تماما ً فهذا موضع نظر‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫ن للشركة ذمة قد أجازها بعض العلماء‪ ،‬ومقتضى هذه‬ ‫ل ّ‬
‫ن الشركة تستطيع أن تملك‪ ،‬وتملك مباشرة‬ ‫الذمة أ ّ‬
‫وهذه الملكية التي للشركة هي ملكية ضعيفة ضعف‬
‫ذمتها الحكمية‪ ،‬ويمكن تسميتها بالملكية الحكمية‪ ،‬والتي‬
‫فعل ً وواقعا ً تستطيع بها مباشرة التصّرفات المعتبرة‬
‫شرعًا‪ ،‬وقد ذهب بعض الفقهاء كالزيدية وصاحب‬
‫"المغني" إلى تفسير الملك التام المطلوب بأّنه هو‬
‫)( مجلة المؤتمر العلمي لبحوث الزكاة‪ ،‬ص ‪.43-42‬‬ ‫‪1‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪205‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫ن يكون النصاب متمكنا ً‬ ‫كن من الداء حيث اشترطوا أ ْ‬ ‫التم ّ‬
‫في جميع الحول أو في حكم المتمكن ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫ن شروط الوجوب ثلثة‪ :‬الحول‪،‬‬ ‫وفي "المغني" أ ّ‬


‫والنصاب‪ ،‬والتمكن من الداء ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫ن الملك المطلوب هو الذي‬ ‫وهذه القوال تؤكد أ ّ‬


‫كن صاحبه من مباشرة التصرف على الشيء‪ ،‬وهذا‬ ‫يم ّ‬
‫يتفق مع الرأي القائل بوجوب الزكاة على شخص‬
‫المدين‪ ،‬لنه متمكن من مباشرة التصّرف على الد ّْين‬
‫موضوع الداء‪ ،‬خاصة إذا حال عليه الحول ولم يحن موعد‬
‫السداد‪ ،‬وهذا الرأي أقرب إلى تحقيق مصالح الفقراء‬
‫وحصولهم على حقوقهم التي تعلقت بالمال في أي يد‬
‫كانت)‪.(3‬‬
‫ويدعمه أيضا ً ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من وجوب‬
‫الزكاة في مال الصبي والمجنون رغم عدم تكليفهما)‪.(4‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫زكاة الشخصية العتبارية هو الموضوع الساس في‬


‫البحث‪ ،‬وما سواه مقدمات ضرورية له‪ ،‬وممن تناول هذه‬
‫المسألة الستاذ الدكتور‪ /‬الضرير قاصرا ً المر على‬
‫الشركات بخاصة كأهم أنواع الشخصيات العتبارية التي‬
‫ثار الجدل بشأن زكاتها وأفرادها‪ ،‬وقد ذهب الشيخ‬
‫ن الزكاة ل تجب على الشخص العتباري‬ ‫الضرير إلى أ ّ‬
‫لكونه غير مكلف من جهة‪ ،‬ولنه غير مالك للنصاب‪،‬‬
‫د‪ .‬القرضاوي‪ :‬فقه الزكاة‪ ،1/149 ،‬نقل ً عن شرح الزهار‪.1/452 ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫ابن قدامة‪ :‬المغني‪.2/539 ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫د‪ .‬القرضاوي‪ :‬فقه الزكاة‪.1/155 ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع السابق‪ 1/127 ،‬وما بعدها‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪206‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫قق شرط السلم في الشخص العتباري‬ ‫وكذلك لعدم تح ّ‬


‫ن يوصف بأنه مكّلف‬ ‫لكونه ليس أهل ً للتكليف‪ ،‬ول يمكن أ ْ‬
‫أو غير مكّلف‪ .‬ثم ذكر رأي الدكتور‪ /‬شوقي إسماعيل‬
‫شحاتة والذي يرى وجوب الزكاة على الشركات‬
‫ن الشركة المساهمة لها‬ ‫كشخصية اعتبارية‪ ،‬بحسبان أ ّ‬
‫ن الزكاة تكليف‬‫شخصية اعتبارية مستقلة‪ ،‬وبناًء على أ ّ‬
‫متعلق بالمال نفسه فإنها تجب على الشخص العتباري‬
‫حيث ل يشترط التكليف الديني وأساسه البلوغ والعقل‪،‬‬
‫ن الخلطة فيها قد خصت‬ ‫قياسا ً على زكاة الماشية وأ ّ‬
‫بخصوصية تراجع الخلطاء فيما بينهم بالسوية على‬
‫ن الشركة في المال هي شركة‬ ‫التفصيل الذي ذكره‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن‬
‫أموال بالمفهوم المعاصر‪ ،‬وليست شركة أشخاص‪ ،‬وأ ّ‬
‫الشركة في الماشية تكون على وجه المخالطة ل الملك‬
‫ن الزكاة تجب في مال الشركة المجتمع ككل‬ ‫ومؤداها أ ّ‬
‫وليس في مال كل شريك على حده وانفراد‪.‬‬
‫وعلى هذا القول ل يعفى من زكاة السهم في‬
‫الشركات المساهمة أحد من المساهمين ولو كانت‬
‫حصته سهما ً واحدا ً)‪.(1‬‬
‫ثم ذكر الستاذ الدكتور‪ /‬الضرير أهم أدلة د‪ .‬شحاتة‬
‫على رأيه القائل بوجوب الزكاة على الشخصية العتبارية‬
‫)الشركات(‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫]أ[ الشركات المساهمة لها شخصية اعتبارية‬
‫مستقلة‪.‬‬
‫]ب[ الزكاة تكليف متعّلق بالمال نفسه‪.‬‬
‫]ج[ ل يشترط في المكّلف بالزكاة التكليف الديني‬
‫الذي أساسه البلوغ والعقل‪.‬‬
‫]د[ القياس على زكاة الماشية الخلطة‪.‬‬
‫)( بحوث المؤتمر العلمي الول للزكاة‪ ،‬ص ‪.43-42‬‬ ‫‪1‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪207‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫وقد اتفق الستاذ الدكتور‪ /‬الضرير مع د‪ .‬شحاته على‬
‫الثلثة الولى وخالفه في الرابعة‪ ،‬لعدم توافر الملك التام‬
‫ن حديث الدكتور عن زكاة الماشية وما‬ ‫للشركة‪ ،‬وقال‪ :‬إ ّ‬
‫ن السهم في شركات‬ ‫يترتب على الخلطة يدل على أ ّ‬
‫المساهمة مملوكة للمساهمين وليست مملوكة‬
‫ن‬
‫للشركات‪ ،‬لن السهم لو كانت مملوكة للشركة فإ ّ‬
‫ن المالك يكون‬ ‫الحديث عن الخلطة ل يكون له محل‪ ،‬ل ّ‬
‫واحدا ً هو الشركة‪ ،‬ول مكان للخلطاء‪ .‬ومضى إلى القول‬
‫ن استدلل د‪ .‬شوقي على وجوب الزكاة على الشركة‬ ‫بأ ّ‬
‫ن الشركة إذا‬ ‫قياسا ً على زكاة الماشية غير مفهوم‪ ،‬ل ّ‬
‫كانت تخرج الزكاة أصل ً عن نفسها لنها مالكة للسهم‬
‫ن الخلطة ل تتحقق‪ ،‬وإّنما تتحقق الخلطة وتحتاج إلى‬ ‫فإ ّ‬
‫بيان الحكم فيها إذا كانت الزكاة واجبة على المساهمين‬
‫والشركة تخرجها نيابة عنهم‪.‬‬
‫ن القول‬‫وهذا العتراض أراه غاية في الوجاهة‪ ،‬ل ّ‬
‫ن هناك ملكا ً للمال الخليط‪ ،‬ولم يكن‬ ‫بالخلطة يدل على أ ّ‬
‫د‪ .‬شحاتة في حاجة إلى هذا القياس ما دام أنه يرى تعلق‬
‫الزكاة بالشركة دون المساهمين‪.‬‬
‫ثم أورد الستاذ الدكتور‪ /‬الضرير رأيه في المسألة‪،‬‬
‫ن الشركة تخرج‬ ‫ن المساهم هو المالك للسهم وأ ّ‬ ‫وهو أ ّ‬
‫ن تخرج زكاة أسهمه إذا‬ ‫الزكاة نيابة عنه وليس للشركة أ ْ‬
‫ن هذا الرأي هو الصواب‬ ‫لم يوافق على ذلك‪ .‬ويرى أ ّ‬
‫والذي يجب الخذ به)‪.(1‬‬

‫ن هذا‬‫)( انظر‪ :‬بحوث المؤتمر الول للزكاة‪ ،‬ص ‪ .57‬ويرى بروفيسور الضرير أ ّ‬ ‫‪1‬‬

‫الرأي هو الذي أخذ به مؤتمر الزكاة الول في دولة الكويت )‪1404‬هـ ـ‬


‫‪1984‬م(‪ ،‬ومجمع الفقه السلمي المنعقد بجدة في )‪1408‬هـ ـ ‪1988‬م(‪.‬‬
‫ن هذه القرارات قد تعلقت بزكاة السهم‪ ،‬وموضوع البحث‬ ‫والذي يظهر لي أ ّ‬
‫ن‬
‫يتعلق بزكاة الشخص العتباري‪ ،‬والمر يحتاج إلى تفصيل في بحث قادم ـ إ ْ‬
‫شاء الله تعالى ـ‪.‬‬
‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪208‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫وهو موضع نظر لما ذهب إليه د‪ .‬شحاتة في بعض‬


‫أدلته‪ ،‬ولما سنذكره في رأي د‪ .‬أحمد علي عبد الله‪،‬‬
‫ومؤيدات سنسوقها لحقا ً بإذن الله تعالى‪.‬‬
‫فدكتور أحمد علي عبد الله يتفق مع د‪ .‬شحاتة فيما‬
‫ذهب إليه من القول بتعلق الزكاة بالشركة وليس‬
‫المساهمين‪ ،‬ويرى د‪ .‬أحمد أنه إذا كانت الشخصية هي‬
‫الخاصية التي يصبح بموجبها الشخص متمتعا ً بالحقوق‪،‬‬
‫ن الشخصية‬ ‫وملتزما ً بالواجبات‪ ،‬وأهل ً لللزام واللتزام‪ ،‬فإ ّ‬
‫العتبارية مكّلفة قانونا ً وشرعًا‪ ،‬ولها أهلية تمكنها من أداء‬
‫كل اللتزامات الواجبة في حقها‪ ،‬وهو ما خلصنا إليه في‬
‫مبحث سابق‪ .‬ويرى بناًء على ذلك أنه يجوز فرض الزكاة‬
‫ن‬‫مباشرة على الشركات ذات الشخصية العتبارية‪ ،‬وأ ّ‬
‫الزكاة عبادة وحق مالي ولذلك أوجبها جمهور الفقهاء‬
‫على عديمي الهلية وناقصيها لهذا العتبار مع عدم صلح‬
‫أهليتهم بشرط التوجه بالزكاة إلى الله تعالى‪ ،‬وينبغي‬
‫معاملة الشخص العتباري ذات المعاملة)‪.(1‬‬
‫جة من أقوى الحجج التي يمكن‬ ‫ح ّ‬
‫ن هذه ال ُ‬‫وفي رأيي أ ّ‬
‫ن الرأي الراجح عند‬ ‫ن تساق في هذه المسألة‪ ،‬وذلك ل ّ‬ ‫أ ْ‬
‫الفقهاء والتي يؤيده كثير من النصوص والدلة هو وجوب‬
‫الزكاة على الصبي والمجنون)‪ ،(2‬وهما ناقصا الهلية ـ أي‬
‫أهلية الداء ـ أو عديماها‪ ،‬وهو القدر المتفق عليه بالنسبة‬
‫للشخص العتباري‪ ،‬وقد نظروا في ذلك إلى الدلة التي‬
‫أوجبت الزكاة في المال بغض النظر عن صاحبه‪ ،‬والدلة‬
‫التي نظرت إلى المصلحة المتحققة من إخراج الزكاة‪،‬‬
‫وإنها حق الفقير والمسكين‪ ،‬وسنذكر فيما يلي ما يؤكد‬

‫)( بحوث المؤتمر العلمي الول للزكاة‪ ،‬ص ‪.57‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( د‪ .‬القرضاوي‪ :‬فقه الزكاة‪ ،138-1/126 ،‬انظر المسألة تفصي ً‬


‫ل‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪209‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫جة ويدلل على جواز أخذ الزكاة من الشخص‬ ‫ح ّ‬
‫هذه ال ُ‬
‫العتباري‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫]‪ [1‬ما جاء في "الحكام في أصول الحكام" قوله‪:‬‬
‫ن قيل‪ :‬إذا كان الصبي والمجنون غير مكّلف فكيف‬ ‫"فإ ْ‬
‫وجبت عليهما الزكاة والنفقات والضمانات؟ وكيف أمر‬
‫الصبي المميز بالصلة؟ قلنا‪ :‬هذه الواجبات ليست‬
‫متعلقة بفعل الصبي والمجنون‪ ،‬بل بماله أو بذمته‪ ،‬فإنه‬
‫أهل للذمة بإنسانيته المتهيئ بها لقبول فهم الخطاب عند‬
‫البلوغ")‪.(1‬‬
‫ن للشخص العتباري‬ ‫ومما ل خلف فيه بين الفقهاء أ ّ‬
‫ذمة مالية كذمة الصبي والمجنون‪ ،‬والزكاة كما ورد‬
‫متعلقة بالمال والذمة‪ ،‬ول اعتبار لهلية الداء فيها من‬
‫جهة‪ ،‬وهذا ما جاء في "المبسوط"‪" :‬فأصل الوجوب ثابت‬
‫بإيجاب الله تعالى‪ ،‬وسبب الوجوب ما جعله الشرع سببا ً‬
‫وهو المال‪ ،‬والواجبات تضاف إلى أسبابها‪ ،‬ولكن المال‬
‫سبب باعتبار غنى المالك‪ ،‬قال النبي ‪ ‬لمعاذ ‪:‬‬
‫ن الله تعالى فرض عليهم صدقة تؤخذ من‬ ‫)أعلمهم أ ّ‬
‫أغنيائهم وترد إلى فقرائهم( ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫ن إيجاب الزكاة على مال الصبي أو‬ ‫]‪ [2‬وكذلك فإ ّ‬


‫المجنون ـ وهما عديما أو ناقصا الرادة ـ قد نظر فيه إلى‬
‫المصلحة المتحققة من الزكاة‪ ،‬وأخذ الزكاة من مال‬
‫الشخصية العتبارية يحقق هذه المصلحة بصورة أكبر‪،‬‬
‫واعتبار هذا المقصد ورد في "المجموع"‪" :‬قال المام‬
‫ن مقصود الزكاة سد خلة الفقير من مال‬ ‫المعتمد أ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الغنياء شكرا لله تعالى‪ ،‬وتطهيرا للمال‪ ،‬ومال الصبي‬
‫قابل لداء النفقات والغرامات‪ ،‬إذا ثبت هذا فالزكاة عندنا‬
‫)( المدي‪ :‬الحكام في أصول الحكام‪.1/130 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الميسوط للسرخسي‪ ،2/149 ،‬وانظر‪ :‬المنتقى للباجي‪.2/110 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪210‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫واجبة في مال الصبي والمجنون بل خلف‪ ،‬ويجب على‬


‫الولي إخراجها من مالها")‪.(1‬‬
‫وكذلك الشخص العتباري إذا توافرت شروط الزكاة‬
‫ن يمثله‬ ‫م ْ‬
‫الخرى يجب إخراج الزكاة من ماله وعلى َ‬
‫إخراجها عنه‪ ،‬وقريبا ً من هذا النظر ما جاء عن المام‬
‫أحمد‪ ،‬والذي قال‪" :‬ل أعرف عن الصحابة شيئا ً صحيحا ً‬
‫ن المقصود من الزكاة سد الخلة وتطهير‬ ‫أنها ل تجب‪ ،‬ول ّ‬
‫المال‪ ،‬ومالها قابل لداء النفقات والغرامات كقيمة ما‬
‫ّ‬
‫أتلفاه‪ ،‬وليست الزكاة محض عبادة حتى تختص بالمكلف‬
‫والمخاطب بالخراج وليهما")‪.(2‬‬
‫]‪ [3‬اتضح لنا قبل ً أنه ل مانع من ثبوت أهلية الداء‬
‫حكما ً للشخص العتباري كالذمة‪ ،‬وذلك فيما ل يتعلق‬
‫بالعبادات المحضة كالصلة والصوم أو ما يتعلق بالبدن‪،‬‬
‫والزكاة ليست عبادة محضة ول تتعلق بالبدن‪ ،‬فقد جاء‬
‫في "المغني"‪" :‬الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون‬
‫لوجود الشرائط الثلثة فيها‪ ،‬وتخالف الصلة والصوم‪،‬‬
‫فإنها مختصة بالبدن وبنية الصبي ضعيفة عنها‪ ،‬والمجنون‬
‫ل يتحقق منه نيتها والزكاة حق يتعلق بالمال فأشبه نفقة‬
‫القارب والزوجات وأروش الجنايات وقيم المتلفات")‪.(3‬‬
‫]‪ [4‬إضافة إلى ذلك فقد أورد د‪ .‬أحمد علي عبد الله‬
‫ن الشخص‬ ‫بعض الدلة التي تؤيد هذا الرأي‪ ،‬والتي منها أ ّ‬
‫العتباري له حق التقاضي مدعيا ً ومدعى عليه‪ ،‬بالضافة‬
‫ن موضوع أداء الزكاة فيه مصلحة لجباية الزكاة من‬ ‫إلى أ ّ‬
‫ن يتكلفه‬ ‫منبعها وبتكاليف قليلة موازنة بما يمكن أ ْ‬
‫ن يلحق كل مساهم ‪.‬‬
‫)‪(4‬‬
‫الديوان فيما إذا طلب منه أ ْ‬
‫النووي‪ :‬المجموع‪.5/330 ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫مغني المحتاج‪.1/408 ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫ابن قدامة‪ :‬المغني‪.3/493 ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫بحوث المؤتمر العلمي الول للزكاة‪ ،‬ص ‪.57‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪211‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫وهذه مصلحة معتبرة‪ ،‬ومقصود الشريعة هو مراعاة‬
‫مصالح العباد المشروعة‪.‬‬
‫]‪ [5‬هناك أيضا ً نظرة جديرة بالهتمام‪ ،‬وهي التي‬
‫تفسر الملك التام بالتمّلك من الداء والقدرة على‬
‫التصّرف حتى ولو كان المال في يده دينا ً في ذمته إذا لم‬
‫يحن موعد سداده‪ ،‬فالمال أصل ً مملوك للدائن‪ ،‬وهو ليس‬
‫متمكنا ً من أدائه وقت وجوب الزكاة‪ ،‬أما المدين فهو‬
‫متمكن من أدائه‪ ،‬فإذا لم نقل بوجوب الزكاة في هذا‬
‫ن‬
‫المال فقد أسقطنا حق الفقير والمسكين‪ ،‬كما أ ّ‬
‫الفقهاء قد أجازوا أخذ الزكاة من الخلطة مراعاة للتمكن‬
‫من الداء في الخذ‪ ،‬وهو ما يمكن مراعاته في زكاة‬
‫الشركات بخاصة وهي تمثل مجموع أموال الشركاء‪،‬‬
‫لكنهم ليسوا متمكنين من مباشرة التصّرف فيها‪ ،‬وأداء‬
‫الشركات للزكاة عنهم يسقط عنهم أداَءها‪.‬‬
‫ل بصلحية الشخصية العتبارية‬ ‫ق ْ‬
‫]‪ [6‬إننا إذا لم ن َ ُ‬
‫ً‬
‫للملك الحكمي هذا‪ ،‬وهو الذي يعطيها قدرا من التصرف‬
‫في أموالها؛ نكون قد جردنا الشخصية العتبارية من‬
‫ن تصّرف‬ ‫مباشرة التصّرف في أموالها تمامًا‪ ،‬علما ً بأ ّ‬
‫المساهم في سهمه ل أثر له على موجودات الشركة‪،‬‬
‫فالموجودات ل تتأثر حقيقة إل ّ بتصّرفات الشخص‬
‫ن‬
‫العتباري‪ ،‬وهو ما ينبغي ملحظته‪ ،‬وقد جاز للشخص أ ْ‬
‫يقوم بهذه المهام استقلل ً وفق ضوابط المشروعية كما‬
‫هو الحال بالنسبة للشخص الطبيعي‪.‬‬
‫ن وجوب إخراج الزكاة على الشركات بخاصة‬ ‫]‪ [7‬إ ّ‬
‫والشخصية العتبارية بعامة يمكن تكييفه بالواجب‬
‫الكفائي‪ ،‬مثل وجوب تحكيم الشريعة على الدولة‬
‫المسلمة وأخذ الزكاة وغير ذلك‪ ،‬فإذا قامت به الشركة‬
‫تحقق مقتضى التكليف وإل ّ أثم الجميع ـ إدارة الشركة‬
‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪212‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫زكاة الشخصية العتبارية‬

‫والمساهمون ـ إذا لم يقوموا بزكاة ما لديهم من مال‬


‫الشركة‪.‬‬
‫لكل ما سبق فل أرى ـ والله أعلم ـ في وجوب أخذ‬
‫ي‬
‫الزكاة من مال الشخص العتباري إذا توافر شرط ْ‬
‫النماء والنصاب على وجه الخصوص ما يتعارض مع‬
‫نصوص الشرع وقواعده‪ ،‬وقد تبّين من أقوال الفقهاء ما‬
‫يؤّيد ذلك‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫ور لفكرة الشخص‬ ‫ن هذا البحث قد بدأ ببيان تص ّ‬ ‫إ ّ‬
‫العتباري لدى القانونيين ـ وهم أهل الفكرة ـ وقد أورد ما‬
‫ورات التي مّرت بها‬ ‫قيل بشأنها من نظريات وآراء والتط ّ‬
‫ن الشخص العتباري‬ ‫هذه النظرية حتى استقرت على أ ّ‬
‫هو شخص حقيقي‪ ،‬أي له وجود حقيقي بحسبانه كائنا ً‬
‫ن الوجود يتسع للمحسوسات‬ ‫اجتماعيا ً كالنسان‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن تكون هذه الكائنات لها من القيمة‬ ‫والمعنويات بشرط أ ْ‬
‫الجتماعية والهداف النسانية ما يستوجب تمتعها‬
‫بالشخصية وهي ذات إرادة حكمية وذمة مالية مستقلة‬
‫ونها‪.‬‬
‫نك ّ‬ ‫م ْ‬
‫عن ذمم َ‬
‫سـوداني للشخص‬ ‫ثم تناول البحث نظرة القانون ال ّ‬
‫العتباري‪ ،‬وبخاصة قانون المعاملت المدنية لسنة‬
‫ن‬
‫‪1984‬م‪ ،‬والذي ل يتعارض مع الفقه السلمي‪ ،‬وتبّين أ ّ‬
‫دد‬
‫نظرته تتفق مع ما ذهب إليه الفقه الحديث‪ ،‬وقد ح ّ‬
‫ن لها ذمة مالية‬ ‫أنواع الشخاص العتبارية وخصائصها وأ ّ‬
‫مستقلة وأهلية محددة‪ ،‬وأّنه يتصف بصفات النسان عدا‬
‫تلك التي تلزم النسان في طبيعته‪.‬‬
‫وهذا ما يؤّيده الفقه السلمي‪ ،‬وقد بّينا الدلة على‬
‫ذلك وما ذكره الفقهاء بشأن الذمة المالية للدولة‬
‫مة والوقاف وغيرها وصحة مباشرتها‬ ‫ُ‬
‫السلمية وال ّ‬
‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪213‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬
‫د‬
‫‪ .‬أحمد الصادق البشير‬
‫ن للشخص العتباري‬ ‫للتصّرفات‪ ،‬وهو ما يؤ ّ‬
‫كد على أ ّ‬
‫أهلية أداء حكمية كما له ذمة مالية حكمية يكاد يجمع‬
‫ن له إرادة حكمية مستقلة عن إرادات‬ ‫عليها الفقهاء‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن يكونونه‪ ،‬وبمقتضى ذلك ثبت في البحث‬ ‫م ْ‬
‫الشركاء أو َ‬
‫ً‬
‫ن يكلف الشخص العتباري شرعا في حدود هذه‬ ‫جواز أ ْ‬
‫ّ‬
‫الهلية بشرط أل يتعلق التكليف بالبدن أو يكون من قبيل‬
‫ن‬
‫العبادات المحضة‪ ،‬فهو أهل لن يسأل في ماله وأ ْ‬
‫ن يوصي به إلى غير ذلك‪.‬‬ ‫يتصرف فيه وأ ْ‬
‫كما تناول البحث شرط التمّلك التام بحسبانه من‬
‫الشروط التي ثار حولها جدل‪ ،‬وخلص البحث إلى عدة‬
‫كن من الداء‬ ‫مدلولت لهذا الشرط منها أنه بمعنى التم ّ‬
‫كما ذهب إلى ذلك الزيدية وصاحب "المغني"‪ ،‬ومنها أّنه‬
‫القدرة على التصّرف وتفسير تمّلك الشركات بهذا‬
‫المعنى سائغ ومقبول على أقل تقدير‪.‬‬
‫وبناًء على هذه المقدمات فقد خلص البحث إلى تعّلق‬
‫ن الزكاة‬ ‫وجوب الزكاة بمال الشركة مباشرة بحسبان أ ّ‬
‫متعّلقة بالمال كما هو الحال في زكاة الصبي والمجنون‪،‬‬
‫ن المصلحة تقتضي ذلك‪ ،‬وأنها متمكنة من المال‬ ‫وأ ّ‬
‫ن تكلف في حدود‬ ‫وقادرة على التصّرف فيه‪ ،‬ويصح أ ْ‬
‫المال‪ ،‬وهو تكليف ل يتعّلق بالبدن‪ ،‬وليس من قبيل‬
‫العبادات المحضة‪.‬‬
‫ن يغفر لنا زلتنا‬ ‫والله تعالى أعلم‪ ،‬ونسأله تعالى أ ْ‬
‫ويعفو عن تقصيرنا‪ ،‬إّنه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫‪ ..‬وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ‪..‬‬

‫العدد‬ ‫السلمية‬
‫مجلة جامعة القرآن الكريم والعلوم‪214‬‬
‫التاسع )عدد خاص( ‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‬

You might also like