Professional Documents
Culture Documents
أضراره وآثاره
في ضوء الكتاب والسّنّة
المقدّمـة
إن الحمد ل ،نحمده ،ونستعينه ،ونستغفره ،ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .من يهده ال فل
مضل له ،ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
سلِمُونَ}[آل عمران.]102:
حقّ تُقَاتِ ِه وَل تَمُوتُنّ ِإلّ وََأنْ ُتمْ مُ ْ
{يَا أَ ّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا اتّقُوا الَّ َ
جهَا وَبَثّ مِ ْنهُمَا رِجَا ًل كَثِيرًا وَنِسَا ًء وَاتّقُوا
خَلقَ ِم ْنهَا َزوْ َ
ح َد ٍة وَ َ
س وَا ِ
خلَ َق ُكمْ مِنْ نَفْ ٍ
{يَا أَ ّيهَا النّاسُ اتّقُوا َر ّب ُكمُ اّلذِي َ
علَ ْي ُكمْ رَقِيباً}[النساء.]1:
لّ كَانَ َ
نا َ
الَّ اّلذِي تَسَا َءلُونَ بِ ِه وَالَرْحَامَ إِ ّ
ط ِع الَّ وَرَسُولَهُ
ح َل ُكمْ أَعْمَا َل ُك ْم وَ َيغْفِ ْر َل ُكمْ ذُنُو َب ُكمْ وَمَنْ يُ ِ
صلِ ْ
سدِيداً ،يُ ْ
لّ وَقُولُوا َق ْولً َ
{يَا أَ ّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا اتّقُوا ا َ
فَ َقدْ فَازَ َفوْزاً عَظِيماً}[الحزاب.]70،71:
أما بعد ،فإن أحسن الحديث كتاب ال تعالى ،وخير الهدي هدي محمد صلّى ال عليه وسلّم ،وشرّ المور
محدثاتها ،وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضللة ،وكل ضللة في النار.
ل شك أن موضوع الربا ،وأضراره ،وآثاره الخطيرة جدير بالعناية ،ومما يجب على كل مسلم أن يعلم أحكامه
وأنواعه ليبتعد عنه ،لن من تعامل بالربا فهو محارب ل وللرسول صلّى ال عليه وسلّم.
وقد جمعت بعض المعلومات عن الربا وصغتها في موضوع بحث اتمنى ان يكون شامل لكل ما يتعلق في هذا
الموضوع.
وأسأل ال أن يجعل هذا العمل القليل مباركاً ،خالصاً لوجهه الكريم ،وأن يجعله حجة لي ل حجة عليّ ،وأن
ينفعني به في حياتي وبعد مماتي ،وينفع به كل من انتهى إليه ،فإنه تعالى خير مسؤول ،وأكرم مأمول ،وهو
حسبنا ونعم الوكيل ،ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم ،وصلى ال وسلم وبارك على عبده ورسوله،
وخيرته من خلقه ،وأمينه على وحيه ،نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الباب الول
الربا قبل السلم
الفصل الول :تعريف الربا :لغة ،وشرعاً.
الفصل الثاني :الربا عند اليهود.
الفصل الثالث :الربا في الجاهلية.
إنه قد عاد إلى ما كانت عليه الجاهلية الولى قبل نزول القرآن الكريم بل قبل مبعث النبي محمد صلّى ال عليه
وسلّم
الباب الثاني
موقف السلم من الربا
الفصل الول :التحذير من الربا.
الفصل الثاني :ربا الفضل.
أ ـ بعض ما ورد في ربا الفضل من النصوص.
ب ـ حكمه ،وسائر أنواع الربا.
حكَمه.
ج ـ أسباب تحريم الربا و ِ
الفصل الثالث :ربا النسيئة.
أ ـ تعريفه.
ب ـ بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص.
ن وَجْهَ
6ـ وقال عز وجل{ :وَمَا آ َتيْ ُتمْ مِنْ رِباً ِليَرْ ُبوَ فِي أَ ْموَالِ النّاسِ فَل يَ ْربُو عِ ْن َد الِّ وَمَا آتَ ْي ُتمْ مِنْ َزكَاةٍ تُرِيدُو َ
ضعِفُونَ} [الروم ،الية.]39 :
ك ُهمُ الْ ُم ْ
الِّ َفأُولَئِ َ
7ـ وعن جابر رضي ال عنه قال” :لعن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم :آكل الربا ،وموكله ،وكاتبه،
وشاهديه“ ،وقال” :هم سواء“ [مسلم 3/1218برقم .]1597
8ـ وعن سمرة بن جندب رضي ال عنه قال :قال النبي صلّى ال عليه وسلّم” :رأيت الليلة رجلين أتياني
فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم ،وعلى وسط النهر رجل بين يديه
حجارة ،فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَ ُردّ حيث كان فجعل كلما جاء
ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان ،فقلت :ما هذا؟ فقال :الذي رأيته في النهر آكل الربا“ [البخاري
3/11برقم ،2085وانظر :فتح الباري بشرح صحيح البخاري .]4/313
9ـ وعن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلّى ال عليه وسلّم قال” :اجتنبوا السبع الموبقات“ قالوا :يا
رسول ال ،وما هن؟ قال” :الشرك ،والسحر ،وقتل النفس التي حرّم ال إل بالحق ،وأكل الربا ،وأكل مال
اليتيم ،والتّولّي يوم الزّحف ،وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات“ [البخاري مع الفتح 5/393برقم ،2015
ومسلم برقم .]89
10ـ وعن ابن مسعود رضي ال عنه عن النبي صلّى ال عليه وسلّم أنه قال” :ما أحد أكثر من الربا إل كان
عاقبة أمره إلى قلة“ [سنن ابن ماجه 2/765برقم 2279وقال الشيخ ناصر الدين اللباني في صحيح الجامع
الصغير ” 5/120إنه حديث صحيح“].
11ـ وعن سلمان بن عمرو عن أبيه قال :سمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلّم في حجة الوداع يقول” :أل إن
كل ربا من ربا الجاهلية موضوع ،لكم رؤوس أموالكم ل تَظلمون ول تُظلمون ،أل وإن كل دم من دم الجاهلية
موضوع ،وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل ،قال :اللهم
هل بلّغت؟ قالوا :نعم ،ثلث مرات .قال :اللهم اشهد ثلث مرّات“ [سنن أبي داود 3/244برقم .]3334
ففي هذا الحديث أن ما أدركه السلم من أحكام الجاهلية فإنه يلقاه بال ّردّ والتّنكير ،وأنّ الكافر إذا أربى في كفره
ثم لم يقبض المال حتى أسلم فإنه يأخذ رأسه ماله ،ويضع الربا ،فأما ما كان قد مضى من أحكامهم فإن السلم
يلقاه بالعفو فل يتعرض لهم فيما مضى ،وقد عفا ال عن الماضي ،فالسلم يجبّ ما قبله من الذنوب [انظر
عون المعبود بشرح سنن أبي داود .]9/183
12ـ وعن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلّى ال عليه وسلّم قال” :ليأتين على الناس زمان ل يبالي
المرء بما أخذ المال أمِن الحلل أم مِنَ الحرام“ [البخاري مع الفتح 4/313برقم 2083و ،4/296برقم 2059
باب من لم يبال من حيث كسب المال] أخبر النبي صلّى ال عليه وسلّم بهذا تحذيراً من فتنة المال ،فهو من
بعض دلئل نبوته صلّى ال عليه وسلّم بالمور التي لم تكن في زمنه ،ووجه ال ّذمّ من جهة التّسوية بين
المرين وإل فأخذ المال من الحلل ليس مذموماً من حيث هو وال أعلم [انظر الفتح .]4/297
13ـ وعن أبي جحيفة عن أبيه رضي ال عنه أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم ”نهى عن ثمن الدم ،وثمن
الكلب ،وكسب المة ،ولعن الواشمة ،والمستوشمة ،وآكل الربا ،وموكله ،ولعن المصوّر“ [البخاري مع الفتح
4/426برقم .]2228
14ـ وعن عبد ال عن النبي صلّى ال عليه وسلّم قال” :الربا ثلثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل
أمه ،وإنّ أربى الربا عرض الرجل المسلم“ [أخرجه الحاكم في المستدرك 2/37وقال :حديث صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه ،ووافقه الذهبي ،وقال شعيب الرنؤوط :صححه الحافظ العراقي ،انظر حاشية 8/55من
شرحه السنة للبغوي تحقيق زهير وشعيب الرنؤوط .وأخرج نصفه الول ابن ماجه عن أبي هريرة وصححه
الشيخ اللباني في صحيح ابن ماجه ،2/27وانظر :كلم العلمة ابن باز في ص 138من هذا الكتاب].
15ـ و ُر ِويَ عن عبد ال بن حنظلة غسيل الملئكة أنه قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم” :درهم ربا
يأكله الرجل وهو يعلم أشدّ من ستّ وثلثين زنية“ [أخرجه أحمد ،5/225قال الشيخ محمد ناصر الدين
اللباني :وهذا سند صحيح على شرط الشيخين ،انظر :سلسلة الحاديث الصحيحة ،2/29 ،برقم ،1033وقال
شعيب في حاشية شرح السنة للبغوي :صحيح السناد ،2/55وهذا إسناد أحمد ،حدثنا حسين بن محمد ،حدثنا
جيرير – يعني ابن حازم – عن أيوب ،عن ابن أبي مليكة ،عن عبد ال بن حنظلة غسيل الملئكة قال :قال
رسول ال الحديث].
16ـ وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال :نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلّم أن تشترى الثمرة حتى تطعم،
وقال” :إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب ال“ [أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي
.]2/37
2ـ وعن عثمان بن عفان رضي ال عنه أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم قال” :ل تبيعوا الدينار بالدينارين،
ول الدّرهم بالدّرهمين“ [مسلم 3/1209برقم .]1585
3ـ وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم” :الذهب بالذهب ،والفضة
بالفضة ،والبر بالبر ،والشعير بالشعير ،والتمر بالتمر ،والملح بالملح ،مثلً بمثل ،يداً بيد ،فمن زاد أو استزاد
فقد أربى ،الخذ والمعطي فيه سواء“ [مسلم 3/1211برقم .]1584
4ـ وعن عبادة بن الصامت رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم” :الذهب بالذهب ،والفضة
بالفضة ،والبر بالبر ،والشعير بالشعير ،والتمر بالتمر ،والملح بالملح ،مثلً بمثل ،سواء بسواء ،يداً بيد ،فإذا
اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم ،إذا كان يداً بيد“ [مسلم 3/1210برقم ،1587والترمذي ،3/532
وأبو داود .]3/248
5ـ وعن معمر بن عبد ال أنه أرسل غلمه بصاع قمح فقال :بعه ثم اشتر به شعيراً ،فذهب الغلم فأخذ صاعاً
وزيادة بعض صاع فلما جاء معمراً أخبره بذلك .فقال معمر :لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده ول تأخذن إل مثلً بمثل
فإني كنت أسمع رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يقول” :الطعام بالطعام مثلً بمثل“ قال :وكان طعامنا يومئذ
الشعير ،قيلله :فإنه ليس بمثله قال :إني أخاف أن يضارع [مسلم 3/1214برقم .]1592
واحتج مالك بهذا الحديث في كون الحنطة والشعير صنفاً واحدًا ل يجوز بيع أحدهما بالخر متفاضلً .أما مذهب
الجمهور فهو خلف ما ذهب إليه المام مالك رحمه ال تعالى ،فإن الجمهور على أن الحنطة صنف ،والشعير
صنف آخر يجوز التفاضل بينهما إذا كان البيع يداً بيد ،كالحنطة مع الرز ،ومن أدلة الجمهور قوله صلّى ال
عليه وسلّم” :فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد“ [مسلم 3/1211برقم ،1587
وانظر :شرح النووي .]11/14
6ـ وقوله صلّى ال عليه وسلّم” :ل بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثر يداً بيد ،وأما نسيئة فل“ [سنن أبي
داود 3/248برقم ،3349وانظر :عون المعبود .]3/198وأما حديث معمر السابق فل حجة فيه كما قال ذلك
المام النووي رحمه ال ،لنه لم يصرح بأن البر والشعير جنس واحد وإنما خاف من ذلك فتورع عنه احتياطاً
[انظر شرح النووي .]11/20
وعلى هذا فل إشكال في ذلك والحمد ل ،فيكون الشعير جنساً مستقلً ،والبر جنساً آخر يجوز التفاضل بينهما
إذا كان البيع يداً بيد والقبض قبل التفرق.
7ـ وعن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة ،وأبا سعيد حدثاه أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم بعث أخا بني
عدي النصاري فاستعمله على خيبر ،فقدم بتمر جنيب [نوع من التمر من أعله وأجوده] فقال رسول ال صلّى
ال عليه وسلّم” :أكلّ تمر خيبر هكذا“؟ قال :ل وال يا رسول ال ،إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع
[نوع من التمر الرديء وقد فسر بأنه الخليط من التمر] ،فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم” :ل تفعلوا ولكن
مثلً بمثل أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا ،وكذلك الميزان“ [مسلم 3/1215برقم .]1593
8ـ وعن أبي سعيد قال :جاء بلل بتمر برني فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم” :من أين هذا“؟ فقال بلل:
تمر كان عندنا رديء بعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلّى ال عليه وسلّم ،فقال رسول ال صلّى ال
عليه وسلّم عند ذلك ”أوّه [كلمة توجع وتحزن] ،عين الربا [عين الربا :أي حقيقة الربا المحرّم] ،ل تفعل ولكن
إذا أردت أن تشتري فبعه ببيع آخر ثم اشترِ به“ [البخاري ،برقم ،2202 ،2201ومسلم 3/1215برقم
.]1594
9ـ وعن أبي سعيد الخدري قال :كنا نرزق تمر الجمع على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلّم ،وهو الخلط
[أي المجموع من أنواع مختلفة وإنما خلط لرداءته] من التمر ،فكنا نبيع صاعين بصاع ،فبلغ ذلك رسول ال
صلّى ال عليه وسلّم فقال” :ل صاعي تمر بصاع ،ول صاعي حنطة بصاع ،ول درهم بدرهمين“ [مسلم
3/1216برقم .]1595
10ـ عن فضالة بن عبيد ال النصاري رضي ال عنه قالُ :أ ِتيَ رسول ال صلّى ال عليه وسلّم وهو بخيبر
بقلدة فيها خرز ،وذهب ،وهي من المغانم تباع ،فأمر رسول ال صلّى ال عليه وسلّم بالذهب الذي في القلدة
فنُزعَ وحده ،ثم قال لهم رسول ال صلّى ال عليه وسلّم” :الذهب بالذهب وزناً بوزن“ [مسلم 3/1213برقم
،1591وانظر :شرح النووي .]11/17
ب -حكم الربا:
قال المام النووي رحمه ال تعالى” :أجمع المسلمون على تحريم الربا في الجملة وإن اختلفوا في ضابطه
وتعاريفه“ [شرح النووي على مسلم .]11/9ونص النبي صلّى ال عليه وسلّم على تحريم الربا في ستة
أشياء :الذهب ،والفضة ،والبر ،والشعير ،والتمر ،والملح.
قال أهل الظاره :ل ربا في غير هذه الستة ،بناء على أصلهم في نفي القياس.
وقال جميع العلماء سواهم :ل يختص بالستة بل يتعدى إلى ما في معناها وهو ما يشاركها في العلة.
واختلفوا في العلة التي هي سبب تحريم الربا في الستة:
فقال الشافعية :العلة في الذهب ،والفضة كونهما جنس الثمان ،فل يتعدى الربا منهما إلى غيرهما من
الموزونات ،وغيرها لعدم المشاركة ،والعلة في الربعة الباقية :كونها مطعومة فيتعدى الربا منها إلى كل
مطعوم.
ووافق مالك الشافعي في الذهب والفضة.
أما في الربعة الباقية فقال :العلة فيها كونها تدخر للقوت وتصلح له.
وأما مذهب أبي حنيفة رحمه ال تعالى :فهو أن العلة في الذهب ،والفضة الوزن وفي الربعة الكيل فيتعدى إلى
كل موزون ...وإلى كل مكيل.
ومذهب أحمد ،والشافعي في القديم ،وسعيد بن المسيب :أن العلة في الربعة كونها مطعومة موزونة ،أو
مكيلة ،بشرط المرين [انظر شرح النووي .]11/9
قال المام ابن تيمية رحمه ال تعالى” :اتفق جمهور الصحابة ،والتابعين ،والئمة الربعة على أنه ل يباع
الذهب ،والفضة ،والحنطة ،والشعير ،والتمر ،والزبيب ،بجنسه إل مثلً بمثل ،إذ الزيادة على المثل أكل للمال
بالباطل“ [فتاوى ابن تيمية ،20/347وانظر :الشرح الكبير ،12/11 ،والنصاف في معرفة الراجح من الخلف
للمرداوي ،12/11 ،وشرح الزركشي .]3/414
وأجمع العلماء كذلك على أنه ل يجوز بيع الربوي بجنسه وأحدهما مؤجل ،وعلى أنه ل يجوز التفاضل إذا بيع
بجنسه حا ًل كالذهب بالذهب ،وأجمعوا على أنه ل يجوز التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه – كالذهب
بالذهب ،أو التمر بالتمر – أو بغير جنسه مما يشاركه في العلة كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير [انظر شرح
النووي .]11/9وقال المام ابن قدامة – رحمه ال – في حكم الربا” :وهو محرم بالكتاب والسنة والجماع“
[المغني .]6/51
والحاصل مما تقدم أن العلة في جريان الربا في الذهب والفضة :هو مطلق الثمنية ،أما الربعة الباقية فكل ما
اجتمع فيه الكيل ،والوزن ،والطعم من جنس واحد ففيه الربا ،مثل :البر ،والشعير ،والذرة ،والرز ،والدخن.
وأما ما انعدم فيه الكيل ،والوزن ،والطعم واختلف جنسه فل ربا فيه وهو قول أكثر أهل العلم ،مثل :القت،
والنوى [وانظر المغني لبن قدامة ،6/53ونيل الوطار للشوكاني .]358-6/346
حكَم ُ
ه: ج ـ أسباب تحريم الربا و ِ
ل يشك المسلم في أن ال عز وجل ل يأمر بأمر ول ينهى عن شيء ،إل وله فيه حكمة عظيمة ،فإن علمنا
بالحكمة ،فهذا زيادة علم ول الحمد ،وإذا لم نعلم بتلك الحكمة فليس علينا جناح في ذلك ،إنما الذي يطلب منا
هو أن ننفذ ما أمر ال به ،وننتهي عما نهى ال عنه ورسوله صلّى ال عليه وسلّم.
ومن هذه السباب ما يأتي:
1ـ الربا ظلم وال حرم الظلم.
2ـ قطع الطريق على أصحاب النفوس المريضة.
3ـ الربا فيه غبن.
4ـ المحافظة على المعيار الذي تقوم به السلع.
5ـ الربا مضاد لمنهج ال تعالى [الربا وأثره على المجتمع النساني للدكتور /عمر بن سليمان الشقر ص .]93
الفصل الثالث :ربا النسيئة
أ ـ تعريف ربا النسيئة:
ربا النسيئة :هو الذي كان مشهوراً في الجاهلية ،لن الواحد منهم كان يدفع ماله لغيره إلى أجل ،على أن يأخذ
منه كل شهر قدراً معيناً ،ورأس المال باق بحاله ،فإذا حلّ طالبه برأس ماله ،فإن تعذر عليه الداء زاد في الحق
والجل ،وتسمية هذا نسيئة مع أنه يصدق عليه ربا الفضل ،لن النسيئة هي المقصودة منه بالذات.
وكان ابن عباس رضي ال عنهما ل يحرم إل ربا النسيئة محتجّا بأنه المتعارف بينهم [انظر تفسير المنار
.]4/124
وسيأتي ذكر أدلة رجوعه عن قوله رضي ال عنه قريب ًا وانضمامه إلى الصحابة في تحريم ربا الفضل ،وربا
النسيئة جميعاً ،فل إشكال في ذلك ول الحمد والمنة.
ب ـ بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص:
ل شك أن ربا النسيئة ل خلف في تحريمه بين المة جمعاء ،إنما الخلف في ربا الفضل بين الصحابة وابن
عباس رضي ال عنهم أجمعين ،وقد ثبت عن ابن عباس أنه رجع عن قوله وانضمّ إلى الصحابة في القول
بتحريم ربا الفضل.
أما بالنسبة لربا النسيئة فتحريمه ثابت بالكتاب ،والسنة ،والجماع.
عن أبي صالح قال :سمعت أبا سعيد الخدري رضي ال عنه يقول( :الدينار بالدينار ،والدرهم بالدرهم ،مثلً
بمثل .فمن زاد أو استزاد فقد أربى) فقلتله :إن ابن عباس يقول غير هذا .فقال :لقد لقيت ابن عباس فقلتله:
أرأيت هذا الذي تقول أشيء سمعته من رسول ال صلّى ال عليه وسلّم ،أو وجدته في كتاب ال عز وجل؟
فقال :لم أسمعه من رسول ال صلّى ال عليه وسلّم ،ولم أجده في كتاب ال ،ولكن حدثني أسامة بن زيد أن
النبي صلّى ال عليه وسلّم قال” :الربا في النسيئة“ [مسلم 3/1217برقم ،1596وانظر :شرح النووي
.]11/25
وفي رواية عن ابن عباس رضي ال عنهما قال :حدثني أسامة بن زيد أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم قال:
”أل إنما الربا في النسيئة“ [البخاري 3/31برقم 2178ورقم ،2179ولفظ البخاري (ل ربا إل في النسيئة)
وانظر الفتح ،4/381ومسلم ،3/1218وشرح النووي .]11/24
قال المام النووي رحمه ال تعالى” :كان معتمد ابن عباس وابن عمر حديث أسامة بن زيد ”إنما الربا في
النسيئة“ ثم رجع ابن عمر وابن عباس عن ذلك ،وقال بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض ،متفاضل حين بلغهما
حديث أبي سعيد كما ذكره مسلم من رجوعهما صريحاً ،وهذه الحاديث التي ذكرها مسلم تدلّ على أن ابن عمر
وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفضل في غير النسيئة ،فلما بلغهما رجعا إليه.
وأما حديث أسامة ”ل ربا إل في النسيئة“ فقال قائلون :بأنه منسوخ بهذه الحاديث ،وقد أجمع المسلمون على
ترك العمل بظاهره وهذا يدل على نسخه“ [شرح النووي .]11/25
قال الحافظ ابن حجر العسقلني رحمه ال” :اتفق العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع بينه
وبين حديث أبي سعيد .فقيل :منسوخ .لكن النسخ ل يثبت بالحتمال.
وقيل :المعنى في قوله( :ل ربا) الربا الغلظ الشديد المتوعد عليه بالعقاب الشديد ،كما تقول العرب :ل عالم في
البلد إل زيد ،مع أن فيها علماء غيره ،وإنما القصد نفي الكمل ل نفي الصل .وأيضاً نفي تحريم ربا الفضل من
حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد ،لن دللته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة على
الربا الكبر كما تقدّم .وال أعلم“ [فتح الباري بشرح صحيح البخاري .]4/382
فاتّضح مما تقدّم تحريم :ربا الفضل ،وربا النسيئة فل إشكال في ذلك ول الحمد.