You are on page 1of 11

‫الـّربـا‬

‫أضراره وآثاره‬
‫في ضوء الكتاب والسّنّة‬

‫المقدّمـة‬
‫إن الحمد ل‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ .‬من يهده ال فل‬
‫مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‪.‬‬
‫سلِمُونَ}[آل عمران‪.]102:‬‬
‫حقّ تُقَاتِ ِه وَل تَمُوتُنّ ِإلّ وََأنْ ُتمْ مُ ْ‬
‫{يَا أَ ّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا اتّقُوا الَّ َ‬
‫جهَا وَبَثّ مِ ْنهُمَا رِجَا ًل كَثِيرًا وَنِسَا ًء وَاتّقُوا‬
‫خَلقَ ِم ْنهَا َزوْ َ‬
‫ح َد ٍة وَ َ‬
‫س وَا ِ‬
‫خلَ َق ُكمْ مِنْ نَفْ ٍ‬
‫{يَا أَ ّيهَا النّاسُ اتّقُوا َر ّب ُكمُ اّلذِي َ‬
‫علَ ْي ُكمْ رَقِيباً}[النساء‪.]1:‬‬
‫لّ كَانَ َ‬
‫نا َ‬
‫الَّ اّلذِي تَسَا َءلُونَ بِ ِه وَالَرْحَامَ إِ ّ‬
‫ط ِع الَّ وَرَسُولَهُ‬
‫ح َل ُكمْ أَعْمَا َل ُك ْم وَ َيغْفِ ْر َل ُكمْ ذُنُو َب ُكمْ وَمَنْ يُ ِ‬
‫صلِ ْ‬
‫سدِيداً‪ ،‬يُ ْ‬
‫لّ وَقُولُوا َق ْولً َ‬
‫{يَا أَ ّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا اتّقُوا ا َ‬
‫فَ َقدْ فَازَ َفوْزاً عَظِيماً}[الحزاب‪.]70،71:‬‬
‫أما بعد‪ ،‬فإن أحسن الحديث كتاب ال تعالى‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد صلّى ال عليه وسلّم‪ ،‬وشرّ المور‬
‫محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة‪ ،‬وكل ضللة في النار‪.‬‬
‫ل شك أن موضوع الربا‪ ،‬وأضراره‪ ،‬وآثاره الخطيرة جدير بالعناية‪ ،‬ومما يجب على كل مسلم أن يعلم أحكامه‬
‫وأنواعه ليبتعد عنه‪ ،‬لن من تعامل بالربا فهو محارب ل وللرسول صلّى ال عليه وسلّم‪.‬‬
‫وقد جمعت بعض المعلومات عن الربا وصغتها في موضوع بحث اتمنى ان يكون شامل لكل ما يتعلق في هذا‬
‫الموضوع‪.‬‬

‫وأسأل ال أن يجعل هذا العمل القليل مباركاً‪ ،‬خالصاً لوجهه الكريم‪ ،‬وأن يجعله حجة لي ل حجة عليّ‪ ،‬وأن‬
‫ينفعني به في حياتي وبعد مماتي‪ ،‬وينفع به كل من انتهى إليه‪ ،‬فإنه تعالى خير مسؤول‪ ،‬وأكرم مأمول‪ ،‬وهو‬
‫حسبنا ونعم الوكيل‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‪ ،‬وصلى ال وسلم وبارك على عبده ورسوله‪،‬‬
‫وخيرته من خلقه‪ ،‬وأمينه على وحيه‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله وأصحابه‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫الباب الول‬
‫الربا قبل السلم‬
‫الفصل الول‪ :‬تعريف الربا‪ :‬لغة‪ ،‬وشرعاً‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الربا عند اليهود‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الربا في الجاهلية‪.‬‬

‫الفصل الول‪ :‬تعريف الربا لغة وشرعا‬


‫أ ـ تعريف الربا في اللغة‪:‬‬
‫ت وَ َربَتْ} [الحج‪.]5:‬‬
‫علَ ْيهَا الْمَا َء اهْتَزّ ْ‬
‫الربا في اللغة‪ :‬هو الزيادة‪ .‬قال ال تعالى‪َ { :‬ف ِإذَا أَنْ َز ْلنَا َ‬
‫وقال تعالى‪{ :‬أَنْ َتكُونَ أُمّ ٌة ِهيَ أَرْبَى مِنْ أُمّةٍ} [النحل‪ ،]92:‬أي أكثر عدداً يقال‪” :‬أربى فلن على فلن‪ ،‬إذا زاد‬
‫عليه“ [انظر المغني لبن قدامة ‪.]6/51‬‬
‫وأصل الربا الزيادة‪ ،‬إما في نفس الشيء وإما مقابله كدرهم بدرهمين‪ ،‬ويطلق الربا على كل بيع محرم أيضاً‬
‫[انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،11/8 ،‬وفتح الباري لبن حجر‪.]4/312 ،‬‬

‫ب ـ تعريف الربا شرعاً‪:‬‬


‫الربا في الشرع‪ :‬هو الزيادة في أشياء مخصوصة‪.‬‬
‫وهو يطلق على شيئين‪ :‬يطلق على ربا الفضل وربا النسيئة [انظر المغني لبن قدامة ‪ 6/52‬وفتح القدير‬
‫للشوكاني ‪.]1/294‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الربا عند اليهود‬


‫ل شك أن اليهود لهم حيل‪ ،‬وأباطيل كثيرة كانوا يحتالون بها‪ ،‬ويخادعون بها أنبياءهم عليهم الصلة والسلم‪.‬‬
‫ومن تلك الحيل الباطلة‪ ،‬احتيالهم لكل الربا وقد نهاهم ال عنه وحرّمه عليهم‪.‬‬
‫خ ِذهِمُ‬
‫ص ّد ِهمْ عَنْ سَبِي ِل الِّ كَثِيراً‪ ،‬وَأَ ْ‬
‫ت َل ُه ْم وَبِ َ‬
‫حلّ ْ‬
‫طيّبَاتٍ أُ ِ‬
‫عَل ْي ِهمْ َ‬
‫ن هَادُوا حَرّ ْمنَا َ‬
‫ظ ْلمٍ مِنَ اّلذِي َ‬
‫قال ال تعالى‪{ :‬فَبِ ُ‬
‫عنْهُ} [النساء‪.]160،161:‬‬
‫الرّبا وَ َقدْ ُنهُوا َ‬
‫قال المام الحافظ ابن كثير رحمه ال تعالى‪” :‬إن ال قد نهاهم – أي اليهود – عن الربا‪ ،‬فتناولوه‪ ،‬وأخذوه‪،‬‬
‫واحتالوا عليه بأنواع الحيل‪ ،‬وصنوف من الشبه‪ ،‬وأكلوا أموال الناس بالباطل“ [تفسير ابن كثير ‪.]1/584‬‬
‫وقد صرف اليهود النص المحرّم للربا حيث قصروا التحريم فيه على التعامل بين اليهود‪ ،‬أما معاملة اليهودي‬
‫لغير اليهودي بالربا‪ ،‬فجعلوه جائزًا ل بأس به‪.‬‬
‫يقول أحد ربانييهم وسامه راب‪” :‬عندما يحتاج النصراني إلى درهم فعلى اليهودي أن يستولي عليه من كل‬
‫جهة‪ ،‬ويضيف الربا الفاحش إلى الربا الفاحش‪ ،‬حتى يرهقه‪ ،‬ويعجز عن إيفائه ما لم يتخلّ عن أملكه أو حتى‬
‫يضاهي المال مع فائدة أملك النصراني‪ ،‬وعندئذ يقوم اليهودي على مدينه – غريمه – وبمعاونة الحاكم‬
‫يستولي على أملكه“ [الربا وأثره على المجتمع النساني للدكتور‪ /‬عمر بن سليمان الشقر ص ‪ ]31‬فاتّضح‬
‫من كلم ال تعالى أن ال قد حرّم الربا في التوراة على اليهود‪ ،‬فخالفوا أمر ال‪ ،‬واحتالوا‪ ،‬وحرّفوا‪ ،‬وبدّلوا‪،‬‬
‫واعتبروا أن التحريم إنما يكون بين اليهود فقط‪ ،‬أما مع غيرهم فل يكون ذلك محرماً في زعمهم الباطل‪ ،‬ولذلك‬
‫ذمّهم ال في كتابه العزيز كما بيّنت ذلك آنفاً‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الربا في الجاهلية‬
‫لقد كان الربا منتشراً في عصر الجاهلية انتشاراً كبيراً وقد عدوه من الرباح العظيمة – في زعمهم – التي‬
‫تعود عليهم بالموال الطائلة‪ ،‬فقد روى المام الطبري – رحمه ال – بسنده في تفسيره عن مجاهد أنه قال‪:‬‬
‫”كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول‪ :‬لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه“ [جامع البيان‬
‫في تفسير آي القرآن ‪.]3/67‬‬
‫وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حلّ أجل الدين قال من هو له لمن هو عليه‪ :‬أتقضي أم تربي؟ فإذا لم‬
‫يقض زاد مقداراً في المال الذي عليه‪ ،‬وأخّرله الجل إلى حين‪ ،‬وقد كان الربا في الجاهلية في التضعيف أيضاً‪.‬‬
‫ن كذلك‪ ،‬فإذا كان للرجل فضل دين على آخر فإنه يأتيه إذا ح ّل الجل‪ .‬فيقول‪ :‬تقضيني أو تزيدني؟ فإن‬
‫وفي السّ ّ‬
‫كان عنده شيء يقضيه قضاه‪ ،‬وإل حوله إلى السّنّ التي فوق سنه من تلك النعام التي هي دين عليه‪ ،‬فإن كان‬
‫عليه بنت مخاض‪ ،‬جعلها بنت لبون في السنة الثانية‪ ،‬فإذا أتاه في السنة الثانية ولم يستطع القضى‪ ،‬جعلها حقّة‬
‫في السنة الثالثة‪ ،‬ثم يأتيه في نهاية الجل فيجعلها جذعة‪ ،‬ثم رباعيّا وهكذا حتى يتراكم على المدين أموال‬
‫طائلة‪ .‬وفي الثمان يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل‪ ،‬فإن لم يكن عنده في العام القابل أضعفه‬
‫أيضاً‪ ،‬فإذا كانت مائة جعلها إلى قابل مائتين‪ ،‬فإن لم يكن عنده من قابل جعلها أربعمائة يضعفها له كل سنة أو‬
‫يقضيه [انظر جامع البيان في تفسير آي القرآن ‪ ،4/59‬وفتح القدير للشوكاني ‪ ،1/294‬وموطأ المام مالك‬
‫ضعَافاً ُمضَاعَفَةً‬
‫‪ ،2/672‬وشرحه للزرقاني ‪ ]3/324‬فهذا قوله تعالى‪{ :‬يَا َأ ّيهَا اّلذِينَ آ َمنُوا ل َت ْأكُلُوا الرّبا أَ ْ‬
‫وَاتّقُوا الَّ َل َعّل ُكمْ تُ ْفلِحُونَ} [آل عمران‪.]130:‬‬
‫ب المال‪ ،‬ول يهمه ضرر أخيه‬
‫فالربا في الجاهلية كان يُع ّد – كما ذكرت آنفاً – من الرباح التي يحصل عليها ر ّ‬
‫النسان سواء ربح‪ ،‬أم خسر أصابه الفقر‪ ،‬أم غير ذلك؟ المهم أنه يحصل على المال الطائل‪ ،‬ولو أدّى ذلك إلى‬
‫إهلك الخرين‪ ،‬وما ذلك إل لقبح أفعال الجاهلية وفساد أخلقهم‪ ،‬وتغيّر فطرهم التي فطرهم ال عليها‪ ،‬فهم في‬
‫مجتمع قد انتشرت فيه الفوضى‪ ،‬والرذائل‪ ،‬وعدم احترام الخرين‪ ،‬فالصغير ل يوقّر الكبير‪ ،‬والغني ل يعطف‬
‫على الفقير‪ ،‬والكبير ل يرحم الصغير‪ ،‬فالقوم في سكرتهم يعمهون‪ .‬ومما يؤسفله أن الربا لم يقتصر على عصر‬
‫الجاهلية الولى فحسب‪ ،‬بل إنه انتشر في المجتمعات التي تدعي السلم‪ ،‬وتدعي تطبيق أحكام ال تعالى في‬
‫أرض ال‪ !...‬فيجب على كل مسلم أن يطبق أوامر ال وينفذ أحكامه‪ ،‬أما من تعامل بالربا ممن يدعي السلم‬
‫فنقول له بعد أن نوجه إليه النصيحة ونحذره من هذا الجرم الكبير‪:‬‬

‫إنه قد عاد إلى ما كانت عليه الجاهلية الولى قبل نزول القرآن الكريم بل قبل مبعث النبي محمد صلّى ال عليه‬
‫وسلّم‬

‫الباب الثاني‬
‫موقف السلم من الربا‬
‫الفصل الول‪ :‬التحذير من الربا‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ربا الفضل‪.‬‬
‫أ ـ بعض ما ورد في ربا الفضل من النصوص‪.‬‬
‫ب ـ حكمه‪ ،‬وسائر أنواع الربا‪.‬‬
‫حكَمه‪.‬‬
‫ج ـ أسباب تحريم الربا و ِ‬
‫الفصل الثالث‪ :‬ربا النسيئة‪.‬‬
‫أ ـ تعريفه‪.‬‬
‫ب ـ بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص‪.‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬بيع العينة‪.‬‬


‫أ ـ تعريف بيع العينة‪.‬‬
‫ب ـ حكمه‪ ،‬وبعض ما ورد من النصوص في ذمّه‪.‬‬

‫الفصل الول‪ :‬التحذير من الربا‬


‫لقد ورد في التحذير من الربا نصوص كثيرة من نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وبما أن كتاب ال وسنة رسوله صلّى‬
‫ال عليه وسلّم هما المصدران الصافيان‪ ،‬اللذان من أخذ بهما واتبع ما جاء فيهما‪ ،‬فقد فاز وأفلح‪ ،‬ومن أعرض‬
‫عنهما فإن له معيشة ضنك ًا وسيحشر يوم القيامة أعمى‪ ،‬ونسمع بعض ما ورد في شأن الربا من نصوص‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وال المستعان‪ ،‬وعليه التكلن‪.‬‬

‫س َذلِكَ ِبَأ ّن ُهمْ قَالُوا‬


‫‪1‬ـ قال ال تعالى‪{ :‬اّلذِينَ َي ْأ ُكلُونَ الرّبا ل يَقُومُونَ ِإ ّل كَمَا يَقُومُ اّلذِي َيتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الْمَ ّ‬
‫ف وَأَمْ ُرهُ ِإلَى الِّ‬
‫سلَ َ‬
‫ظةٌ مِنْ رَبّهِ فَا ْن َتهَى َفلَهُ مَا َ‬
‫ح ّل الُّ الْبَ ْي َع وَحَ ّرمَ الرّبا َفمَنْ جَا َءهُ َموْعِ َ‬
‫إِنّمَا الْ َب ْيعُ مِ ْثلُ الرّبا وَأَ َ‬
‫صحَابُ النّا ِر ُهمْ فِيهَا خَا ِلدُونَ} [البقرة‪.]275 :‬‬
‫وَمَنْ عَادَ َفأُولَئِكَ أَ ْ‬

‫ب ُك ّل كَفّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة‪.]276:‬‬


‫ت وَالُّ ل يُحِ ّ‬
‫صدَقَا ِ‬
‫حقُ الُّ الرّبا وَيُ ْربِي ال ّ‬
‫‪2‬ـ وقال سبحانه وتعالى‪{ :‬يَ ْم َ‬

‫ن َلمْ تَ ْف َعلُوا َف ْأذَنُوا‬


‫ن كُ ْن ُتمْ ُمؤْمِنِينَ‪َ ،‬فإِ ْ‬
‫لّ َوذَرُوا مَا بَ ِقيَ مِنَ الرّبا إِ ْ‬
‫‪3‬ـ وقال عز وجل‪{ :‬يَا أَ ّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا اتّقُوا ا َ‬
‫ظلَمُونَ} [البقرة‪.]278،279:‬‬
‫ن وَل تُ ْ‬
‫ظلِمُو َ‬
‫ن الِّ وَرَسُولِ ِه وَإِنْ ُتبْ ُتمْ َف َل ُكمْ ُرؤُوسُ أَ ْموَا ِلكُمْ ل تَ ْ‬
‫بِحَرْبٍ مِ َ‬
‫قال ابن عباس – رضي ال عنهما – (هذه آخر آية نزلت على النبي صلّى ال عليه وسلّم) [فتح الباري بشرح‬
‫صحيح البخاري ‪.]4/314‬‬

‫ضعَافاً مُضَاعَ َف ًة وَاتّقُوا الَّ َل َعّل ُكمْ تُ ْفلِحُونَ} [آل‬


‫‪4‬ـ وقال سبحانه وتعالى‪{ :‬يَا أَ ّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا ل َت ْأ ُكلُوا الرّبا أَ ْ‬
‫عمران‪.]130:‬‬
‫‪5‬ـ وقال سبحانه وتعالى في شأن اليهود حينما نهاهم عن الربا وحرمه عليهم‪ ،‬فسلكوا طريق الحيل لبطال ما‬
‫ع َتدْنَا ِل ْلكَافِرِينَ‬
‫طلِ وَأَ ْ‬
‫خ ِذ ِهمُ الرّبا َو َقدْ ُنهُوا عَنْ ُه وََأ ْك ِل ِهمْ أَ ْموَالَ النّاسِ بِالْبَا ِ‬
‫أمرهم به قال سبحانه في ذلك‪{ :‬وَأَ ْ‬
‫عذَاباً َألِيماً} [النساء‪ ،‬الية‪.]161 :‬‬
‫مِ ْن ُهمْ َ‬

‫ن وَجْهَ‬
‫‪6‬ـ وقال عز وجل‪{ :‬وَمَا آ َتيْ ُتمْ مِنْ رِباً ِليَرْ ُبوَ فِي أَ ْموَالِ النّاسِ فَل يَ ْربُو عِ ْن َد الِّ وَمَا آتَ ْي ُتمْ مِنْ َزكَاةٍ تُرِيدُو َ‬
‫ضعِفُونَ} [الروم‪ ،‬الية‪.]39 :‬‬
‫ك ُهمُ الْ ُم ْ‬
‫الِّ َفأُولَئِ َ‬

‫‪7‬ـ وعن جابر رضي ال عنه قال‪” :‬لعن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪ :‬آكل الربا‪ ،‬وموكله‪ ،‬وكاتبه‪،‬‬
‫وشاهديه“‪ ،‬وقال‪” :‬هم سواء“ [مسلم ‪ 3/1218‬برقم ‪.]1597‬‬

‫‪ 8‬ـ وعن سمرة بن جندب رضي ال عنه قال‪ :‬قال النبي صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬رأيت الليلة رجلين أتياني‬
‫فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم‪ ،‬وعلى وسط النهر رجل بين يديه‬
‫حجارة‪ ،‬فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَ ُردّ حيث كان فجعل كلما جاء‬
‫ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذا؟ فقال‪ :‬الذي رأيته في النهر آكل الربا“ [البخاري‬
‫‪ 3/11‬برقم ‪ ،2085‬وانظر‪ :‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري ‪.]4/313‬‬

‫‪9‬ـ وعن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلّى ال عليه وسلّم قال‪” :‬اجتنبوا السبع الموبقات“ قالوا‪ :‬يا‬
‫رسول ال‪ ،‬وما هن؟ قال‪” :‬الشرك‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي حرّم ال إل بالحق‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل مال‬
‫اليتيم‪ ،‬والتّولّي يوم الزّحف‪ ،‬وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات“ [البخاري مع الفتح ‪ 5/393‬برقم ‪،2015‬‬
‫ومسلم برقم ‪.]89‬‬

‫‪10‬ـ وعن ابن مسعود رضي ال عنه عن النبي صلّى ال عليه وسلّم أنه قال‪” :‬ما أحد أكثر من الربا إل كان‬
‫عاقبة أمره إلى قلة“ [سنن ابن ماجه ‪ 2/765‬برقم ‪ 2279‬وقال الشيخ ناصر الدين اللباني في صحيح الجامع‬
‫الصغير ‪” 5/120‬إنه حديث صحيح“]‪.‬‬

‫‪11‬ـ وعن سلمان بن عمرو عن أبيه قال‪ :‬سمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلّم في حجة الوداع يقول‪” :‬أل إن‬
‫كل ربا من ربا الجاهلية موضوع‪ ،‬لكم رؤوس أموالكم ل تَظلمون ول تُظلمون‪ ،‬أل وإن كل دم من دم الجاهلية‬
‫موضوع‪ ،‬وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل‪ ،‬قال‪ :‬اللهم‬
‫هل بلّغت؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬ثلث مرات‪ .‬قال‪ :‬اللهم اشهد ثلث مرّات“ [سنن أبي داود ‪ 3/244‬برقم ‪.]3334‬‬
‫ففي هذا الحديث أن ما أدركه السلم من أحكام الجاهلية فإنه يلقاه بال ّردّ والتّنكير‪ ،‬وأنّ الكافر إذا أربى في كفره‬
‫ثم لم يقبض المال حتى أسلم فإنه يأخذ رأسه ماله‪ ،‬ويضع الربا‪ ،‬فأما ما كان قد مضى من أحكامهم فإن السلم‬
‫يلقاه بالعفو فل يتعرض لهم فيما مضى‪ ،‬وقد عفا ال عن الماضي‪ ،‬فالسلم يجبّ ما قبله من الذنوب [انظر‬
‫عون المعبود بشرح سنن أبي داود ‪.]9/183‬‬
‫‪12‬ـ وعن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلّى ال عليه وسلّم قال‪” :‬ليأتين على الناس زمان ل يبالي‬
‫المرء بما أخذ المال أمِن الحلل أم مِنَ الحرام“ [البخاري مع الفتح ‪ 4/313‬برقم ‪ 2083‬و ‪ ،4/296‬برقم ‪2059‬‬
‫باب من لم يبال من حيث كسب المال] أخبر النبي صلّى ال عليه وسلّم بهذا تحذيراً من فتنة المال‪ ،‬فهو من‬
‫بعض دلئل نبوته صلّى ال عليه وسلّم بالمور التي لم تكن في زمنه‪ ،‬ووجه ال ّذمّ من جهة التّسوية بين‬
‫المرين وإل فأخذ المال من الحلل ليس مذموماً من حيث هو وال أعلم [انظر الفتح ‪.]4/297‬‬

‫‪13‬ـ وعن أبي جحيفة عن أبيه رضي ال عنه أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم ”نهى عن ثمن الدم‪ ،‬وثمن‬
‫الكلب‪ ،‬وكسب المة‪ ،‬ولعن الواشمة‪ ،‬والمستوشمة‪ ،‬وآكل الربا‪ ،‬وموكله‪ ،‬ولعن المصوّر“ [البخاري مع الفتح‬
‫‪ 4/426‬برقم ‪.]2228‬‬

‫‪14‬ـ وعن عبد ال عن النبي صلّى ال عليه وسلّم قال‪” :‬الربا ثلثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل‬
‫أمه‪ ،‬وإنّ أربى الربا عرض الرجل المسلم“ [أخرجه الحاكم في المستدرك ‪ 2/37‬وقال‪ :‬حديث صحيح على شرط‬
‫الشيخين ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،‬وقال شعيب الرنؤوط‪ :‬صححه الحافظ العراقي‪ ،‬انظر حاشية ‪ 8/55‬من‬
‫شرحه السنة للبغوي تحقيق زهير وشعيب الرنؤوط‪ .‬وأخرج نصفه الول ابن ماجه عن أبي هريرة وصححه‬
‫الشيخ اللباني في صحيح ابن ماجه ‪ ،2/27‬وانظر‪ :‬كلم العلمة ابن باز في ص ‪ 138‬من هذا الكتاب]‪.‬‬

‫‪15‬ـ و ُر ِويَ عن عبد ال بن حنظلة غسيل الملئكة أنه قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬درهم ربا‬
‫يأكله الرجل وهو يعلم أشدّ من ستّ وثلثين زنية“ [أخرجه أحمد ‪ ،5/225‬قال الشيخ محمد ناصر الدين‬
‫اللباني‪ :‬وهذا سند صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬انظر‪ :‬سلسلة الحاديث الصحيحة‪ ،2/29 ،‬برقم ‪ ،1033‬وقال‬
‫شعيب في حاشية شرح السنة للبغوي‪ :‬صحيح السناد ‪ ،2/55‬وهذا إسناد أحمد‪ ،‬حدثنا حسين بن محمد‪ ،‬حدثنا‬
‫جيرير – يعني ابن حازم – عن أيوب‪ ،‬عن ابن أبي مليكة‪ ،‬عن عبد ال بن حنظلة غسيل الملئكة قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال الحديث]‪.‬‬

‫‪16‬ـ وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬نهى رسول ال صلّى ال عليه وسلّم أن تشترى الثمرة حتى تطعم‪،‬‬
‫وقال‪” :‬إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب ال“ [أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي‬
‫‪.]2/37‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬ربا الفضل‬


‫أ ـ بعض ما ورد في ربا الفضل من النصوص‪:‬‬
‫‪1‬ـ عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم قال‪” :‬ل تبيعوا الذهبي بالذهب‪ ،‬إل‬
‫مثلً بمثل‪ ،‬ول تشفوا بعضها على بعض [أي ل تفضلوا بعضها على بعض‪ ،‬والشف الزيادة ويطلق أيضاً على‬
‫النقصان فهو من الضداد‪ .‬من تعليق محمد فؤاد على مسلم ‪ ]3/1208‬ول تبيعوا الوَرِق بالورِق إل مثلً بمثل‪،‬‬
‫ول تشفوا بعضها على بعض‪ ،‬ول تبيعوا منها غائباً بناجز“ [البخاري ‪ 3/31‬برقم ‪ 2177‬ومسلم ‪ 3/1208‬برقم‬
‫‪ .]1584‬والمراد بالناجز الحاضر‪ ،‬وبالغائب المؤجّل‪.‬‬

‫‪2‬ـ وعن عثمان بن عفان رضي ال عنه أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم قال‪” :‬ل تبيعوا الدينار بالدينارين‪،‬‬
‫ول الدّرهم بالدّرهمين“ [مسلم ‪ 3/1209‬برقم ‪.]1585‬‬

‫‪3‬ـ وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة‬
‫بالفضة‪ ،‬والبر بالبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪ ،‬مثلً بمثل‪ ،‬يداً بيد‪ ،‬فمن زاد أو استزاد‬
‫فقد أربى‪ ،‬الخذ والمعطي فيه سواء“ [مسلم ‪ 3/1211‬برقم ‪.]1584‬‬

‫‪4‬ـ وعن عبادة بن الصامت رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة‬
‫بالفضة‪ ،‬والبر بالبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪ ،‬مثلً بمثل‪ ،‬سواء بسواء‪ ،‬يداً بيد‪ ،‬فإذا‬
‫اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم‪ ،‬إذا كان يداً بيد“ [مسلم ‪ 3/1210‬برقم ‪ ،1587‬والترمذي ‪،3/532‬‬
‫وأبو داود ‪.]3/248‬‬

‫‪5‬ـ وعن معمر بن عبد ال أنه أرسل غلمه بصاع قمح فقال‪ :‬بعه ثم اشتر به شعيراً‪ ،‬فذهب الغلم فأخذ صاعاً‬
‫وزيادة بعض صاع فلما جاء معمراً أخبره بذلك‪ .‬فقال معمر‪ :‬لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده ول تأخذن إل مثلً بمثل‬
‫فإني كنت أسمع رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يقول‪” :‬الطعام بالطعام مثلً بمثل“ قال‪ :‬وكان طعامنا يومئذ‬
‫الشعير‪ ،‬قيلله‪ :‬فإنه ليس بمثله قال‪ :‬إني أخاف أن يضارع [مسلم ‪ 3/1214‬برقم ‪.]1592‬‬
‫واحتج مالك بهذا الحديث في كون الحنطة والشعير صنفاً واحدًا ل يجوز بيع أحدهما بالخر متفاضلً‪ .‬أما مذهب‬
‫الجمهور فهو خلف ما ذهب إليه المام مالك رحمه ال تعالى‪ ،‬فإن الجمهور على أن الحنطة صنف‪ ،‬والشعير‬
‫صنف آخر يجوز التفاضل بينهما إذا كان البيع يداً بيد‪ ،‬كالحنطة مع الرز‪ ،‬ومن أدلة الجمهور قوله صلّى ال‬
‫عليه وسلّم‪” :‬فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد“ [مسلم ‪ 3/1211‬برقم ‪،1587‬‬
‫وانظر‪ :‬شرح النووي ‪.]11/14‬‬

‫‪6‬ـ وقوله صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬ل بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثر يداً بيد‪ ،‬وأما نسيئة فل“ [سنن أبي‬
‫داود ‪ 3/248‬برقم ‪ ،3349‬وانظر‪ :‬عون المعبود ‪ .]3/198‬وأما حديث معمر السابق فل حجة فيه كما قال ذلك‬
‫المام النووي رحمه ال‪ ،‬لنه لم يصرح بأن البر والشعير جنس واحد وإنما خاف من ذلك فتورع عنه احتياطاً‬
‫[انظر شرح النووي ‪.]11/20‬‬
‫وعلى هذا فل إشكال في ذلك والحمد ل‪ ،‬فيكون الشعير جنساً مستقلً‪ ،‬والبر جنساً آخر يجوز التفاضل بينهما‬
‫إذا كان البيع يداً بيد والقبض قبل التفرق‪.‬‬
‫‪7‬ـ وعن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة‪ ،‬وأبا سعيد حدثاه أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم بعث أخا بني‬
‫عدي النصاري فاستعمله على خيبر‪ ،‬فقدم بتمر جنيب [نوع من التمر من أعله وأجوده] فقال رسول ال صلّى‬
‫ال عليه وسلّم‪” :‬أكلّ تمر خيبر هكذا“؟ قال‪ :‬ل وال يا رسول ال‪ ،‬إنا لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع‬
‫[نوع من التمر الرديء وقد فسر بأنه الخليط من التمر]‪ ،‬فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬ل تفعلوا ولكن‬
‫مثلً بمثل أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا‪ ،‬وكذلك الميزان“ [مسلم ‪ 3/1215‬برقم ‪.]1593‬‬

‫‪ 8‬ـ وعن أبي سعيد قال‪ :‬جاء بلل بتمر برني فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬من أين هذا“؟ فقال بلل‪:‬‬
‫تمر كان عندنا رديء بعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلّى ال عليه وسلّم‪ ،‬فقال رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلّم عند ذلك ”أوّه [كلمة توجع وتحزن]‪ ،‬عين الربا [عين الربا‪ :‬أي حقيقة الربا المحرّم]‪ ،‬ل تفعل ولكن‬
‫إذا أردت أن تشتري فبعه ببيع آخر ثم اشترِ به“ [البخاري‪ ،‬برقم ‪ ،2202 ،2201‬ومسلم ‪ 3/1215‬برقم‬
‫‪.]1594‬‬

‫‪9‬ـ وعن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬كنا نرزق تمر الجمع على عهد رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪ ،‬وهو الخلط‬
‫[أي المجموع من أنواع مختلفة وإنما خلط لرداءته] من التمر‪ ،‬فكنا نبيع صاعين بصاع‪ ،‬فبلغ ذلك رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلّم فقال‪” :‬ل صاعي تمر بصاع‪ ،‬ول صاعي حنطة بصاع‪ ،‬ول درهم بدرهمين“ [مسلم‬
‫‪ 3/1216‬برقم ‪.]1595‬‬
‫‪10‬ـ عن فضالة بن عبيد ال النصاري رضي ال عنه قال‪ُ :‬أ ِتيَ رسول ال صلّى ال عليه وسلّم وهو بخيبر‬
‫بقلدة فيها خرز‪ ،‬وذهب‪ ،‬وهي من المغانم تباع‪ ،‬فأمر رسول ال صلّى ال عليه وسلّم بالذهب الذي في القلدة‬
‫فنُزعَ وحده‪ ،‬ثم قال لهم رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬الذهب بالذهب وزناً بوزن“ [مسلم ‪ 3/1213‬برقم‬
‫‪ ،1591‬وانظر‪ :‬شرح النووي ‪.]11/17‬‬

‫ب ‪ -‬حكم الربا‪:‬‬
‫قال المام النووي رحمه ال تعالى‪” :‬أجمع المسلمون على تحريم الربا في الجملة وإن اختلفوا في ضابطه‬
‫وتعاريفه“ [شرح النووي على مسلم ‪ .]11/9‬ونص النبي صلّى ال عليه وسلّم على تحريم الربا في ستة‬
‫أشياء‪ :‬الذهب‪ ،‬والفضة‪ ،‬والبر‪ ،‬والشعير‪ ،‬والتمر‪ ،‬والملح‪.‬‬
‫قال أهل الظاره‪ :‬ل ربا في غير هذه الستة‪ ،‬بناء على أصلهم في نفي القياس‪.‬‬
‫وقال جميع العلماء سواهم‪ :‬ل يختص بالستة بل يتعدى إلى ما في معناها وهو ما يشاركها في العلة‪.‬‬
‫واختلفوا في العلة التي هي سبب تحريم الربا في الستة‪:‬‬
‫فقال الشافعية‪ :‬العلة في الذهب‪ ،‬والفضة كونهما جنس الثمان‪ ،‬فل يتعدى الربا منهما إلى غيرهما من‬
‫الموزونات‪ ،‬وغيرها لعدم المشاركة‪ ،‬والعلة في الربعة الباقية‪ :‬كونها مطعومة فيتعدى الربا منها إلى كل‬
‫مطعوم‪.‬‬
‫ووافق مالك الشافعي في الذهب والفضة‪.‬‬
‫أما في الربعة الباقية فقال‪ :‬العلة فيها كونها تدخر للقوت وتصلح له‪.‬‬
‫وأما مذهب أبي حنيفة رحمه ال تعالى‪ :‬فهو أن العلة في الذهب‪ ،‬والفضة الوزن وفي الربعة الكيل فيتعدى إلى‬
‫كل موزون‪ ...‬وإلى كل مكيل‪.‬‬
‫ومذهب أحمد‪ ،‬والشافعي في القديم‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪ :‬أن العلة في الربعة كونها مطعومة موزونة‪ ،‬أو‬
‫مكيلة‪ ،‬بشرط المرين [انظر شرح النووي ‪.]11/9‬‬
‫قال المام ابن تيمية رحمه ال تعالى‪” :‬اتفق جمهور الصحابة‪ ،‬والتابعين‪ ،‬والئمة الربعة على أنه ل يباع‬
‫الذهب‪ ،‬والفضة‪ ،‬والحنطة‪ ،‬والشعير‪ ،‬والتمر‪ ،‬والزبيب‪ ،‬بجنسه إل مثلً بمثل‪ ،‬إذ الزيادة على المثل أكل للمال‬
‫بالباطل“ [فتاوى ابن تيمية ‪ ،20/347‬وانظر‪ :‬الشرح الكبير‪ ،12/11 ،‬والنصاف في معرفة الراجح من الخلف‬
‫للمرداوي‪ ،12/11 ،‬وشرح الزركشي ‪.]3/414‬‬
‫وأجمع العلماء كذلك على أنه ل يجوز بيع الربوي بجنسه وأحدهما مؤجل‪ ،‬وعلى أنه ل يجوز التفاضل إذا بيع‬
‫بجنسه حا ًل كالذهب بالذهب‪ ،‬وأجمعوا على أنه ل يجوز التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه – كالذهب‬
‫بالذهب‪ ،‬أو التمر بالتمر – أو بغير جنسه مما يشاركه في العلة كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير [انظر شرح‬
‫النووي ‪ .]11/9‬وقال المام ابن قدامة – رحمه ال – في حكم الربا‪” :‬وهو محرم بالكتاب والسنة والجماع“‬
‫[المغني ‪.]6/51‬‬
‫والحاصل مما تقدم أن العلة في جريان الربا في الذهب والفضة‪ :‬هو مطلق الثمنية‪ ،‬أما الربعة الباقية فكل ما‬
‫اجتمع فيه الكيل‪ ،‬والوزن‪ ،‬والطعم من جنس واحد ففيه الربا‪ ،‬مثل‪ :‬البر‪ ،‬والشعير‪ ،‬والذرة‪ ،‬والرز‪ ،‬والدخن‪.‬‬
‫وأما ما انعدم فيه الكيل‪ ،‬والوزن‪ ،‬والطعم واختلف جنسه فل ربا فيه وهو قول أكثر أهل العلم‪ ،‬مثل‪ :‬القت‪،‬‬
‫والنوى [وانظر المغني لبن قدامة ‪ ،6/53‬ونيل الوطار للشوكاني ‪.]358-6/346‬‬

‫حكَم ُ‬
‫ه‪:‬‬ ‫ج ـ أسباب تحريم الربا و ِ‬
‫ل يشك المسلم في أن ال عز وجل ل يأمر بأمر ول ينهى عن شيء‪ ،‬إل وله فيه حكمة عظيمة‪ ،‬فإن علمنا‬
‫بالحكمة‪ ،‬فهذا زيادة علم ول الحمد‪ ،‬وإذا لم نعلم بتلك الحكمة فليس علينا جناح في ذلك‪ ،‬إنما الذي يطلب منا‬
‫هو أن ننفذ ما أمر ال به‪ ،‬وننتهي عما نهى ال عنه ورسوله صلّى ال عليه وسلّم‪.‬‬
‫ومن هذه السباب ما يأتي‪:‬‬
‫‪1‬ـ الربا ظلم وال حرم الظلم‪.‬‬
‫‪2‬ـ قطع الطريق على أصحاب النفوس المريضة‪.‬‬
‫‪3‬ـ الربا فيه غبن‪.‬‬
‫‪4‬ـ المحافظة على المعيار الذي تقوم به السلع‪.‬‬
‫‪5‬ـ الربا مضاد لمنهج ال تعالى [الربا وأثره على المجتمع النساني للدكتور‪ /‬عمر بن سليمان الشقر ص ‪.]93‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬ربا النسيئة‬
‫أ ـ تعريف ربا النسيئة‪:‬‬
‫ربا النسيئة‪ :‬هو الذي كان مشهوراً في الجاهلية‪ ،‬لن الواحد منهم كان يدفع ماله لغيره إلى أجل‪ ،‬على أن يأخذ‬
‫منه كل شهر قدراً معيناً‪ ،‬ورأس المال باق بحاله‪ ،‬فإذا حلّ طالبه برأس ماله‪ ،‬فإن تعذر عليه الداء زاد في الحق‬
‫والجل‪ ،‬وتسمية هذا نسيئة مع أنه يصدق عليه ربا الفضل‪ ،‬لن النسيئة هي المقصودة منه بالذات‪.‬‬
‫وكان ابن عباس رضي ال عنهما ل يحرم إل ربا النسيئة محتجّا بأنه المتعارف بينهم [انظر تفسير المنار‬
‫‪.]4/124‬‬
‫وسيأتي ذكر أدلة رجوعه عن قوله رضي ال عنه قريب ًا وانضمامه إلى الصحابة في تحريم ربا الفضل‪ ،‬وربا‬
‫النسيئة جميعاً‪ ،‬فل إشكال في ذلك ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫ب ـ بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص‪:‬‬
‫ل شك أن ربا النسيئة ل خلف في تحريمه بين المة جمعاء‪ ،‬إنما الخلف في ربا الفضل بين الصحابة وابن‬
‫عباس رضي ال عنهم أجمعين‪ ،‬وقد ثبت عن ابن عباس أنه رجع عن قوله وانضمّ إلى الصحابة في القول‬
‫بتحريم ربا الفضل‪.‬‬
‫أما بالنسبة لربا النسيئة فتحريمه ثابت بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬والجماع‪.‬‬
‫عن أبي صالح قال‪ :‬سمعت أبا سعيد الخدري رضي ال عنه يقول‪( :‬الدينار بالدينار‪ ،‬والدرهم بالدرهم‪ ،‬مثلً‬
‫بمثل‪ .‬فمن زاد أو استزاد فقد أربى) فقلتله‪ :‬إن ابن عباس يقول غير هذا‪ .‬فقال‪ :‬لقد لقيت ابن عباس فقلتله‪:‬‬
‫أرأيت هذا الذي تقول أشيء سمعته من رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪ ،‬أو وجدته في كتاب ال عز وجل؟‬
‫فقال‪ :‬لم أسمعه من رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪ ،‬ولم أجده في كتاب ال‪ ،‬ولكن حدثني أسامة بن زيد أن‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلّم قال‪” :‬الربا في النسيئة“ [مسلم ‪ 3/1217‬برقم ‪ ،1596‬وانظر‪ :‬شرح النووي‬
‫‪.]11/25‬‬
‫وفي رواية عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪ :‬حدثني أسامة بن زيد أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم قال‪:‬‬
‫”أل إنما الربا في النسيئة“ [البخاري ‪ 3/31‬برقم ‪ 2178‬ورقم ‪ ،2179‬ولفظ البخاري (ل ربا إل في النسيئة)‬
‫وانظر الفتح ‪ ،4/381‬ومسلم ‪ ،3/1218‬وشرح النووي ‪.]11/24‬‬
‫قال المام النووي رحمه ال تعالى‪” :‬كان معتمد ابن عباس وابن عمر حديث أسامة بن زيد ”إنما الربا في‬
‫النسيئة“ ثم رجع ابن عمر وابن عباس عن ذلك‪ ،‬وقال بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض‪ ،‬متفاضل حين بلغهما‬
‫حديث أبي سعيد كما ذكره مسلم من رجوعهما صريحاً‪ ،‬وهذه الحاديث التي ذكرها مسلم تدلّ على أن ابن عمر‬
‫وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفضل في غير النسيئة‪ ،‬فلما بلغهما رجعا إليه‪.‬‬
‫وأما حديث أسامة ”ل ربا إل في النسيئة“ فقال قائلون‪ :‬بأنه منسوخ بهذه الحاديث‪ ،‬وقد أجمع المسلمون على‬
‫ترك العمل بظاهره وهذا يدل على نسخه“ [شرح النووي ‪.]11/25‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر العسقلني رحمه ال‪” :‬اتفق العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع بينه‬
‫وبين حديث أبي سعيد‪ .‬فقيل‪ :‬منسوخ‪ .‬لكن النسخ ل يثبت بالحتمال‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المعنى في قوله‪( :‬ل ربا) الربا الغلظ الشديد المتوعد عليه بالعقاب الشديد‪ ،‬كما تقول العرب‪ :‬ل عالم في‬
‫البلد إل زيد‪ ،‬مع أن فيها علماء غيره‪ ،‬وإنما القصد نفي الكمل ل نفي الصل‪ .‬وأيضاً نفي تحريم ربا الفضل من‬
‫حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد‪ ،‬لن دللته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة على‬
‫الربا الكبر كما تقدّم‪ .‬وال أعلم“ [فتح الباري بشرح صحيح البخاري ‪.]4/382‬‬
‫فاتّضح مما تقدّم تحريم‪ :‬ربا الفضل‪ ،‬وربا النسيئة فل إشكال في ذلك ول الحمد‪.‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬بيع العينة‬


‫أ ‪ -‬تعريف العينة‪:‬‬
‫العينة‪ :‬هي أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري‪ ،‬ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل‬
‫من ذلك القدر [انظر عون المعبود ‪.]9/336‬‬
‫قلت‪ :‬ومثال ذلك‪ :‬أن يبيع شخص سلعة على شخص آخر بمبلغ مائة ريال مؤجلة لمدة سنة‪ ،‬ثم في نفس الوقت‬
‫يشتري البائع سلعته من المشتري بمبلغ خمسين ريالً نقدًا وتبقى المائة في ذمة المشتري الول!‬

‫ب ‪ -‬بعض ما ورد في ذلك من النصوص‪:‬‬


‫عن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬سمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يقول‪” :‬إذا تبايعتم بالعينة‪ ،‬وأخذتم‬
‫أذناب البقر‪ ،‬ورضيتم بالزرع‪ ،‬وتركتم الجهاد‪ ،‬سلّط ال عليكم ذلّ ل ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم“ [أبو داود‬
‫‪ 3/275‬برقم ‪ ،3462‬وانظر‪ :‬عون المعبود ‪ ،9/335‬وقال الشيخ ناصر الدين اللباني إنه صحيح لمجموع‬
‫طرقه‪ ،‬انظر سلسلة الحاديث الصحيحة ‪ 1/15‬برقم ‪ ]11‬وللحديث روايات أخرى [انظر مسند المام أحمد‬
‫‪.]2/84‬‬
‫وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة‪ ،‬جمع من العلماء منهم‪ :‬المام مالك بن أنس‪ ،‬والمام أبو حنيفة‪ ،‬والمام‬
‫أحمد‪ ،‬والهادوية‪ ،‬وبعض الشافعية‪.‬‬
‫قال المام الشوكاني رحمه ال تعالى‪” :‬ومن المعلوم أن العينة عند من يستعملها إنما يسميها بيعاً‪ ،‬وقد اتفقا –‬
‫أي البائع والمشتري – على حقيقة الربا الصريح قبل العقد‪ ،‬ثم غيّر اسمها إلى المعاملة وصورتها إلى التبايع‬
‫الذي ل قصد لهما فيه البتة إنما هو حيلة ومكر‪ ،‬وخديعة ل‪ .‬فمن أسهل الحيل على من أراد فعله‪ ،‬أن يعطيه‬
‫مثلً‪ :‬ألف ًا إل درهماً باسم القرض‪ ،‬ويبيعه خرقة تساوي درهماً بخمسمائة درهم‪ .‬وقوله صلّى ال عليه وسلّم‪:‬‬
‫”إنما العمال بالنيات“ [البخاري ‪ 1/2‬برقم ‪ ،1‬ومسلم ‪ 3/1515‬برقم ‪ .]1907‬أصل في إبطال الحيل‪ .‬فإن من‬
‫أراد أن يعامله معاملة يعطيه فيها ألفاً بألف وخمسمائة‪ ،‬إنما نوى بالقراض تحصيل الربح الزائد الذي أظهر‬
‫أنه ثمن الثوب‪ ،‬فهو في الحقيقة أعطاه ألفاً حالة بألف وخمسمائة مؤجلة‪ ،‬وجعل صورة القرض وصورة البيع‬
‫ل لهذا المحرم‪ ،‬ومعلوم أن هذا ل يرفع التحريم‪ ،‬ول يرفع المفسدة التي حرم الربا لجلها بل يزيدها قوة‪،‬‬
‫محل ً‬
‫وتأكيداً من وجوه‪ ،‬منها‪ :‬أنه يقدم على مطالبة الغريم المحتاج من جهة السلطان والحكام إقداماً ل يفعله‬
‫المربي‪ ،‬لنه واثق بصورة العقد الذي تحيّل به“ [نيل الوطار ‪.]6/363‬‬

You might also like