You are on page 1of 40

‫جمع وتحقيق الفقير إلى الله تعالى‬

‫غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫ب العحالمين‪ ،‬وأشحهد أن ل إلحه إل اللحه وححده ل‬ ‫الحمحد للحه ر ّ‬
‫دا عبححده ورسححوله ‪ ‬وعلححى آلححه‬ ‫ن محم ح ً‬ ‫شريك لححه‪ ،‬وأشححهد أ ّ‬
‫وأصحابه أجمعين‪ ،‬ومن ت َب َِعهم بإحسان‪ ،‬وسار على ن َْهجهم في‬
‫مل والدعوة إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫العْلم والع َ‬
‫د‪:‬‬
‫وبع ُ‬
‫ل مسلم أنه مخلوقٌ لعبادة لله ‪ -‬تعححالى ‪-‬‬ ‫ن المعلوم لدى ك ّ‬ ‫فم َ‬
‫شمل جميححع نححواحي الحيححاة‪ :‬القوليححة منهححا‪،‬‬ ‫ن هذه العبادة ت ْ‬ ‫وأ ّ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫مْرنححا أن نسححتقي َ‬ ‫والعملية‪ ،‬والعتقادية‪ ،‬والبدنية‪ ،‬والماليححة‪ ،‬وأ ِ‬
‫مرنا بل زيححادة ول نقصححان منهححا؛ لنهححا‬ ‫ُ‬
‫على هذه العبادة‪ ،‬كما أ ِ‬
‫توقيفية‪.‬‬
‫من جميححع المخححاوف‪،‬‬ ‫من ِ‬ ‫ن استقام على دينه بال ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ووعد الله َ‬
‫مت َحِع الحيححاة‪ ،‬وأن الملئكححة‬ ‫مححن ُ‬‫ححْزن علححى مححا فححات ِ‬ ‫وعدم ال ُ‬
‫وز‬ ‫شره بححذلك عنححد المححوت وعنححد الب َعْححث‪ ،‬كمححا تبشححره بححالفَ ْ‬ ‫تب ّ‬
‫بالجّنة‪ ،‬والنجاة من النار‪.‬‬
‫مّناهُ المسلم ويْرجوه؛ لححذا يجححب علححى المسححلم أن‬ ‫وهذا ما ي َت َ َ‬
‫م في عقيدته على عقيدة أهل السنة والجماعة؛ وهححي‪:‬‬ ‫يستقي َ‬
‫اليمان بالله‪ ،‬وملئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم الخر‪ ،‬واليمان‬
‫در خيره وشره‪ ،‬وأن يؤمن بعذاب القححبر ونعيمححه‪ ،‬والبعححث‬ ‫بالق َ‬
‫بعد المححوت‪ ،‬والجححزاء والحسححاب‪ ،‬والثححواب والعقححاب‪ ،‬والجنححة‬
‫والنار‪ ،‬وأن يلزم الدب مع الله ‪ -‬عححز وجححل ‪ -‬بمحبتححه وخححوفه‬
‫ورجححائه‪ ،‬وامتثححال أوامححره‪ ،‬واجتنححاب نححواهيه‪ ،‬وأن يتححأدب مححع‬
‫رسححول اللححه ‪ ‬بالمحبححة والطاعححة لمححره‪ ،‬والقتححداء بسححنته‪،‬‬
‫والبتعاد عما نهى عنه‪ ،‬فالسححعادة كلهححا مجموعححة فححي طاعححة‬
‫سححول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن ي ُط ِحِع الل ّح َ‬‫مح ْ‬
‫الله ورسوله؛ قال الله ‪ -‬تعححالى ‪﴿ :-‬وَ َ‬
‫مححا﴾ ]الحححزاب‪ ،[71 :‬والشححقاوة كّلهححا‬ ‫ظي ً‬ ‫قححد ْ َفححاَز َفححوًْزا عَ ِ‬ ‫فَ َ‬
‫ص‬‫ن ي َعْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مجموعة في معصية الله ورسوله؛ قال ‪ -‬تعالى ‪﴿ :-‬وَ َ‬
‫مِبيًنا﴾ ]الحزاب‪.[36 :‬‬ ‫ضلل ً ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ه فَ َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ب مححع كلم اللححه القححرآن الكريححم‪،‬‬ ‫ويجب على المسلم أن يتأد ّ َ‬
‫جة له‬ ‫َ‬
‫نح ّ‬ ‫فيقرأه قراءة ً صحيحة‪ ،‬وأن يتدبره‪ ،‬ويعمل به؛ ليكو َ‬
‫ن قححرأ‬ ‫مح ْ‬ ‫فححل اللححه ل ِ َ‬ ‫عند ربه‪ ،‬وشفيًعا له يوم القيامححة‪ ،‬وقححد تك ّ‬
‫قى فححي‬ ‫ل فححي الححدنيا‪ ،‬ول يشح َ‬ ‫القرآن وعمححل بمححا فيححه أل ّ يضح ّ‬
‫قى﴾‬ ‫ش َ‬ ‫ل َول ي َ ْ‬ ‫ض ّ‬‫دايَ َفل ي َ ِ‬ ‫ن ات ّب َعَ هُ َ‬ ‫م ِ‬‫الخرة؛ بقوله ‪ -‬تعالى ‪﴿ :-‬فَ َ‬
‫]طه‪.[123 :‬‬
‫ش حْرع‬ ‫م فححي أقححواله علححى ال ّ‬ ‫ويجححب علححى المسححلم أن يسححتقي َ‬
‫ت‬ ‫ل كلمة يتكلم بها‪ ،‬فإن كححان ْ‬ ‫المطّهر؛ فيحاسب نفسه على ك ّ‬
‫خيًرا نطق بها‪ ،‬وإن كانت شّرا أمسك عنها؛ قححال ‪ -‬تعححالى ‪﴿ :-‬‬
‫َ‬
‫ن﴾ ]السححراء‪ ،[53 :‬وذلححك‬ ‫سح ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫قوُلوا ال ِّتي هِ ح َ‬ ‫ل ل ِعَِباِدي ي َ ُ‬ ‫وَقُ ْ‬
‫القول الحسن المشروع مما يتعلق بذكر الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬والمر‬
‫بالمعروف الذي أمر الله به ورسوله‪ ،‬والنهي عن المنكر الذي‬
‫ُ‬
‫نهححى اللححه عنححه ورسححوله؛ وقححال ‪ -‬تعححالى ‪ ﴿َ :-‬وَُقولححوا ِللن ّححا ِ‬
‫س‬
‫من ُححوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫سًنا﴾ ]البقححرة‪ ،[83 :‬وقححال ‪ -‬تعححالى ‪﴿ :-‬ي َححا أي ّهَححا ال ّح ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫م‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫م وَي َغْ ِ‬ ‫مال َك ُ ْ‬
‫م أعْ َ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬ ‫صل ِ ْ‬‫دا * ي ُ ْ‬ ‫دي ً‬ ‫س ِ‬ ‫ه وَُقوُلوا قَوْل ً َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫ات ّ ُ‬
‫م﴾ ]الحزاب‪.[71 ،70 :‬‬ ‫ذ ُُنوب َك ُ ْ‬
‫ن اّتقى اللححه بامتثححال أوامححره‪،‬‬ ‫م ِ‬ ‫ده الحق ‪َ -‬‬ ‫عد تعالى ‪ -‬ووَعْ ُ‬ ‫فَوَ َ‬
‫ول السديد المشروع في مخاطبححاته‬ ‫ق ْ‬ ‫زم ال َ‬ ‫واجتناب نواهيه‪ ،‬ول َ ِ‬
‫ف‬ ‫وكلماته ‪ -‬وَعَد َه ُ بإصلح العمال‪ ،‬ومغفرة الذنوب‪ ،‬ولن يخل َ‬
‫ب والل ّعْححن‪ ،‬والغيبححة‬ ‫م علححى المسححلم ِ السح ّ‬ ‫ححّر ُ‬ ‫ده؛ لذا ي ُ َ‬ ‫الله وعْ َ‬
‫ب علححى مححن‬ ‫والنميمة والكذب‪ ،‬وتجب التوبة منهححا‪ ،‬واللححه يتححو ُ‬
‫تاب‪.‬‬
‫م علححى محبححة اللححه ورسححوله‬ ‫ويجب علححى المسححلم أن يسححتقي َ‬
‫حححدين‪،‬‬ ‫مل ْ ِ‬
‫فححرة والعصححاة وال ُ‬ ‫ض الك َ‬ ‫وعباده المؤمنين‪ ،‬وعلى ب ُغْح ِ‬
‫م‬‫ب يوم القيامة‪ ،‬وعلحى المسحلم أن يسحتقي َ‬ ‫ن أح ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فالمرُء مع َ‬
‫صى؛ فيعترف بها بقلبححه‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫شك ْرِ نعم الله التي ل ت ُعَد ّ ول ت ُ ْ‬ ‫على ُ‬
‫وي ُث ِْني على الله بها بلسانه‪ ،‬ويستعين بها على طاعته‪ ،‬بامتثال‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م ل َئ ِ ْ‬ ‫ن َرب ّك ُح ْ‬ ‫أوامره‪ ،‬واجتناب نواهيه؛ لتستقر وتزداد‪﴿ :‬وَإ ِذ ْ ت َحأذ ّ َ‬
‫ذاِبي ل َ َ‬ ‫َ‬
‫ديد ٌ﴾ ]إبراهيححم‪:‬‬ ‫شح ِ‬ ‫ن ع َح َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫فْرت ُح ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫م وَل َئ ِ ْ‬ ‫م َلِزي حد َن ّك ُ ْ‬ ‫شك َْرت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫‪.[7‬‬
‫م على طاعة اللححه بأعمححاله الظححاهرة‬ ‫وعلى المسلم أن يستقي َ‬
‫مححا‪ ،‬ول يخححالف أم حًرا‪،‬‬ ‫حّر ً‬ ‫م َ‬ ‫والباطنة‪ ،‬فل يترك واجًبا‪ ،‬ول يعمل ُ‬
‫ول يرتكب نهًيا‪.‬‬
‫م علححى التوبححة إلححى اللححه فححي جميححع‬ ‫وعلى المسلم أن يسححتقي َ‬
‫الوقححات‪ ،‬مححن جميححع الححذنوب والسححيئات‪ ،‬وأن يراقححب اللححه ‪-‬‬
‫تعالى ‪ -‬ويعلم أن الله يراه ويسمعه‪ ،‬ويعلم مححا ي ُك ِن ّححه ضححميره‪،‬‬
‫ب نفسه فيما يقول ويفعل‪ ،‬ويسمع ويبصححر‪ ،‬ويأكححل‬ ‫وأن يحاس َ‬
‫ويشحححرب‪ ،‬ويمشحححي ويتنحححاول‪ ،‬وهحححل هحححي حلل أو ححححرام؟‬
‫ب عححن‬ ‫سح ٌ‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫ومشروعة أو ممنوعححة؟ مححا دام أنححه مسححؤول و ُ‬
‫ب نفسححه قبححل يححوم الحسححاب‪ ،‬وأن يجاهححد‬ ‫ذلك كلححه‪ ،‬فليحاسح ْ‬
‫خّلق بأخلق السححلم‪،‬‬ ‫ل ‪ -‬وأن يت َ َ‬ ‫نفسه في طاعة الله ‪ -‬عّز وج ّ‬
‫ة لغيححره فححي جميححع‬ ‫ويتححأّدب بححآدابه‪ ،‬وأن يكححون قححدوة ً حسححن ً‬
‫كا بشْرع الله ودينه‪.‬‬ ‫س ً‬‫م ّ‬ ‫مت َ َ‬
‫مجالت الخير‪ُ ،‬‬
‫م علححى الصححبر علححى طاعححة اللححه فل‬ ‫وعلى المسلم أن يستقي َ‬
‫يتركها‪ ،‬والصبر على المعاصي فل يعملها‪ ،‬والصبر على القدار‬
‫والمصححائب فل يتسححخطها؛ قححال ‪ -‬عليححه الصححلة والسححلم ‪:-‬‬
‫خْير‪ ،‬وليس ذلك لحد إل‬ ‫ن أمَره كله له َ‬ ‫جًبا لمر المؤمن؛ إ ّ‬ ‫»ع َ‬
‫ن أصححابته‬ ‫كر‪ ،‬فكححان خيحًرا لححه‪ ،‬وإ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫سّراء َ‬ ‫ن أصابته َ‬ ‫للمؤمن؛ إ ْ‬
‫‪1‬‬
‫ضراء صَبر‪ ،‬فكان خيًرا له« ‪.‬‬
‫كل علححى اللححه‪ ،‬والعتمححاد‬ ‫م على الّتو ّ‬ ‫ن يستقي َ‬ ‫وعلى المسلم أ ْ‬
‫ل عََلححى الّلححهِ فَُهحح َ‬
‫و‬ ‫كحح ْ‬ ‫ن ي َت َوَ ّ‬ ‫محح ْ‬ ‫عليححه فححي جميححع المححور‪﴿ :‬وَ َ‬
‫ن يعتمححد علححى اللححه فححي جميححع‬ ‫مح ْ‬ ‫ه﴾ ]الطلق‪[3 :‬؛ أي‪َ :‬‬ ‫س حب ُ ُ‬
‫ح ْ‬ ‫َ‬
‫مححه مححن أمححر الححدنيا والخححرة‪ ،‬وعلححى‬ ‫أموره‪ ،‬كفاه اللححه مححا أه ّ‬
‫ق العححدل والعتححدال فححي جميححع‬ ‫م علححى ُ ُ‬
‫خلح ِ‬ ‫المسلم أن يستقي َ‬
‫ب أن يعححاملوه بححه‪ ،‬وأن يكححون‬ ‫حح ّ‬ ‫أموره‪ ،‬فيعامل النححاس بمححا ي ُ ِ‬
‫عادل ً في أقواله وأعماله وأحكامه‪ ،‬معتدل ً في تصّرفاته‪ ،‬بدون‬
‫ط بين الغححالي والجححافي‪ ،‬وعلححى‬ ‫س ٌ‬ ‫غُل ُوّ أو تفريط؛ فدين الله وَ َ‬
‫ل النظيححر‬ ‫المسلم أن ي ُوَّقر الكبير‪ ،‬ويرحححم الصححغير‪ ،‬وأن يعامح َ‬
‫بما يحب أن يعامله به‪.‬‬
‫دق فححي أقححواِله وأفعححاله‬ ‫صح ْ‬ ‫م علححى ال ّ‬ ‫وعلى المسلم أن يستقي َ‬
‫معاملته مع الله ومع خلقه‪» :‬فالصدق يهدي إلى البّر‪ ،‬والححبر‬ ‫و ُ‬
‫يْهدي إلى الجنة«‪.2‬‬
‫ضع لله ولعبححاده‪ ،‬فل‬ ‫ق التوا ُ‬ ‫م على ُ ُ‬
‫خل ِ‬ ‫وعلى المسلم أن يستقي َ‬
‫يستكبر على عبادة اللححه‪ ،‬ول يتكب ّححر علححى عبححاد اللححه‪ ،‬والكب ْححر‪:‬‬
‫ضع لله رفعه‪ ،‬ومححن‬ ‫ن توا َ‬ ‫م ْ‬ ‫عدم َقبول الحق واحتقار الناس‪ ،‬ف َ‬
‫ت َك َّبر وضعه‪ ،‬والجزاء من جنس العمل‪.‬‬
‫م على عبادة اللححه ‪ -‬تعححالى ‪ -‬فيتوضححأ‬ ‫وعلى المسلم أن يستقي َ‬
‫دث الكب َححر‪ ،‬وإذا عححدم‬ ‫دث الصححغر‪ ،‬ويغتسححل مححن الح ح َ‬ ‫من الح َ‬
‫مم‪.‬‬ ‫الماء أو تضّرر باستعماله‪ ،‬ت َي َ ّ‬
‫م علححى تحقيححق شححهادة أن ل إلححه إل‬ ‫وعلى المسلم أن يسححتقي َ‬
‫دا رسول الله‪ ،‬بمحبة الله ورسوله‪ ،‬وامتثال مححا‬ ‫الله‪ ،‬وأن محم ً‬
‫مَر الله به ورسوله‪ ،‬والنتهاء عما ن ََهى الله عنه ورسوله‪.‬‬ ‫َ‬
‫أ َ‬
‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫حديث حسن مّتفق عليه‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫م علححى المحافظححة علححى الصححلوات‬ ‫وعلى المسححلم أن يسححتقي َ‬
‫مس في أوقاتها مع الجماعة في حق الرجححل‪ ،‬وأن ي ُْردَِفهححا‬ ‫الخ ْ‬
‫م علححى أداء‬ ‫بالنوافل مححن السححنن الراتبححة والححوتر‪ ،‬وأن يسححتقي َ‬
‫سه‪ ،‬كاملة غير منقوصححة‪ ،‬وأن يسححتقيم‬ ‫زكاة ماله‪ ،‬طّيبة بها نف ُ‬
‫ظ جوارحه عن الثام في‬ ‫على صيام رمضان وقيامه‪ ،‬وأن يحف َ‬
‫ج بيححت اللححه الحححرام إذا اسححتطاع إليححه‬ ‫رمضان وغيره‪ ،‬وأن يح ّ‬
‫سبي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫مب َك ّححر ‪ -‬إذا كححان‬ ‫وعلى الشاب المسلم أن يبادَر إلى الححزواج ال ُ‬
‫فْرج‪ ،‬وصححيانة‬ ‫فظ ال َ‬ ‫صر‪ ،‬وح ْ‬‫ض الب َ َ‬‫ة على غ ّ‬ ‫مستطيًعا ‪ -‬محافظ ً‬
‫فف‬ ‫سب‪ ،‬وإذا َلم يستطِع الزواج فليصبر‪ ،‬ولي َ ْ‬
‫سححت َعْ ِ‬ ‫العْرض والن َ‬
‫ن فَ ْ‬
‫ضِله‪.‬‬ ‫م ْ‬‫ويصوم حتى يغنَيه الله ِ‬
‫ت فيهححا هححذه‬ ‫مع ح ُ‬ ‫ج َ‬
‫ت الستقامة بهذه المْنزلة العالية‪َ ،‬‬ ‫ولما كان ِ‬
‫الرسالة‪ ،‬وهي مستفاَدة من كلم الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬وكلم ِ رسوله‬
‫منت المقصححود‬ ‫ققين من أهححل العلححم‪ ،‬وقححد تضح ّ‬ ‫‪ ‬وكلم المح ّ‬
‫دين كله‪ ،‬وأسباب الستقامة التي هححي‬ ‫بالستقامة وشمولها لل ّ‬
‫ة إلى الله‪ ،‬ومراقبته‪ ،‬ومحاسبة النفححس‪ ،‬ومجاهححدتها فححي‬ ‫التوب ُ‬
‫طاعة الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬وحسن عاقبة الستقامة‪.‬‬
‫ن كت ََبهححا‪ ،‬أو طَبعهححا‪ ،‬أو‬ ‫مح ْ‬
‫أسححأل اللححه ‪ -‬تعححالى ‪ -‬أن ينفححع بهححا َ‬
‫ها‪ ،‬أو سححمعها‪ ،‬وأن يجعلهححا خالصححة لححوجهه الكريححم‪ ،‬ومححن‬ ‫قرأ َ َ‬
‫وز لديه بجنات النعيححم‪ ،‬وهححو حسحُبنا ون ِعْححم الوكيححل‪،‬‬ ‫أسباب الف ْ‬
‫قنا وجميع المسلمين للستقامة على دينه؛ حتى نلقاه‬ ‫وأن يوفّ َ‬
‫ض عّنا‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلححى آلححه‬ ‫وهو را ٍ‬
‫وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين‪.‬‬
‫المؤلف ‪ 5/6/1409‬هح‬
‫***‬
‫المقصود بالستقامة)‪(‬‬
‫مَر بالسححتقامة ورت ّححب عليهححا جزيححل‬ ‫َ‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬أ َ‬
‫الثواب‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل اللححه العزيححز الوهّححاب‪ ،‬وأشححهد أن‬
‫كوا‬ ‫سح ُ‬ ‫م ّ‬ ‫دا عبده ورسوله ‪ ‬وعلى آله وأصحححابه‪ ،‬الححذين ت َ َ‬ ‫محم ً‬
‫ما كثيًرا‪.‬‬ ‫بسنته‪ ،‬واستقاموا على دينه‪ ،‬وسلم تسلي ً‬
‫د‪:‬‬‫أما بع ُ‬
‫محَر‬ ‫َ‬
‫ن اللححه ‪ -‬سححبحانه ‪ -‬أ َ‬ ‫أيها المسلمون‪ ،‬اتقوا الله‪ ،‬واعلمححوا أ ّ‬
‫صا؛ قال ‪ -‬تعححالى‬ ‫ما‪ ،‬وأمر نبيه بها خصو ً‬ ‫بالستقامة عباده عمو ً‬
‫فُروهُ﴾ ]فصلت‪ ،[6 :‬وقال لنبيه ‪﴿ :‬‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫موا إ ِل َي ْهِ َوا ْ‬ ‫قي ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫‪َ﴿ :-‬فا ْ‬
‫ُ‬
‫عحد َ المسحتقيمين بجزيحل‬ ‫ت﴾ ]هود‪ ،[112 :‬وَوَ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫َفا ْ‬
‫موا‬ ‫قا ُ‬ ‫سححت َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫الثواب؛ قال ‪ -‬تعالى ‪﴿ :-‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة‬
‫جّنحح ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬
‫صحح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن * أول َئ ِ َ‬ ‫حَزُنححو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫هحح ْ‬ ‫م َول ُ‬ ‫ف عَل َي ِْهحح ْ‬ ‫خححوْ ٌ‬ ‫َفل َ‬
‫ن﴾ ]الحقاف‪.[14 ،13 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬‫َ‬
‫م بيححن يححدي اللححه علححى‬ ‫ة‪ ،‬وهححي القيححا ُ‬ ‫ة جامعح ٌ‬ ‫والستقامة‪ :‬كلم ٌ‬
‫دق والوفححاء بالعهححد‪ ،‬وهححي ت َت َعَّلححق‪ :‬بححالقوال‪،‬‬ ‫صحح ْ‬ ‫حقيقححة ال ّ‬
‫محن جوامحع الك َِلحم؛ ولهحذا‬ ‫والفعال‪ ،‬والحوال‪ ،‬والنيات‪ ،‬فهحي ِ‬
‫ما جاء رجل إلى النبي ‪ ‬وقال له‪ :‬يا رسححول اللححه‪ ،‬قححل لححي‬ ‫لَ ّ‬
‫ل‪:‬‬ ‫دا غيححرك‪ ،‬قححال لححه‪» :‬قح ْ‬ ‫في السلم قول ً ل أسححأل عنححه أحح ً‬
‫م«‪ ،1‬فالسححتقامة هححي سححلوك الصححراط‬ ‫ق ْ‬‫ت بالله‪ ،‬ثم اس حت َ ِ‬ ‫آمن ُ‬
‫س حَرة؛ بحيححث ل يزيححد‬ ‫من َححة ول ي َ ْ‬ ‫وج عنه ي َ ْ‬ ‫المستقيم‪ ،‬من غير ت َعَ ّ‬
‫ن‬‫دد ول يتسححاهل‪ ،‬فححإن الشححيطا َ‬ ‫شح ّ‬ ‫عليه ول ينقص منححه‪ ،‬فل ي َت َ َ‬
‫ن الححدين‪ ،‬أو‬ ‫ضا ع ِ‬ ‫ن رأى فيه إعرا ً‬ ‫يشم قْلب العبد ويختبره‪ ،‬فإ ْ‬
‫سل ً عن الطاعة؛ رغَّبه في التساهل والتكاسل؛ حتى يتحلل‬ ‫تكا ُ‬
‫مححن الححدين‪ ،‬فيححترك الواجبححات‪ ،‬ويفعححل المحّرمححات‪ ،‬ول يححزال‬
‫ريه حتى يقطع صلته بالدين‪ ،‬ويتركه في متاهات الهلك‪ ،‬إن‬ ‫ي ُغْ ِ‬
‫ده عنححه‪،‬‬ ‫صح ّ‬‫صا على الدين فَلم يتمكححن مححن َ‬ ‫رأى من العبد حر ً‬
‫ح حد ّ العتححدال‪،‬‬ ‫َ‬
‫مَره ُ بالجتهاد‪ ،‬والجور على النفس‪ ،‬ومجححاوزة َ‬ ‫أ َ‬
‫قائل ً له‪ :‬إن هذا خير وطاعة‪ ،‬والزيححادة والجتهححاد فيهححا أكمححل‪،‬‬
‫حث ّححه‬ ‫فل تفتر مع أهل الفتور‪ ،‬ول تنم مع أهل النوم‪ ،‬فل يححزال ي َ ُ‬
‫حّرضه؛ حتى يخرجه عححن السححتقامة‪ ،‬وهححذا كححال الخحوارج‬ ‫وي ُ َ‬
‫الذين يحقر أهل الستقامة صلتهم مع صلتهم‪ ،‬وصيامهم مححع‬

‫‪ ‬من خطب الشيخ صالح الفوزان‪ /1 ،‬ص ‪.224‬‬


‫‪ 1‬رواه مسلم‪.‬‬
‫دين كمحا‬ ‫مُرقون من الح ّ‬ ‫صيامهم‪ ،‬وقراءتهم مع قراءتهم‪ ،‬وهم ي َ ْ‬
‫م‪ :‬طححرف‬ ‫مّيححة‪ ،‬وكل الط َّرفيححن ذميحح ٌ‬ ‫يمححرق السححهم مححن الّر ِ‬
‫ج عن السنة والستقامة؛‬ ‫التساهل‪ ،‬وطرف الغلو‪ ،‬كلهما خرو ٌ‬
‫فالول‪ :‬خروج إلى بدعة التفريط والضححاعة‪ ،‬والثححاني‪ :‬خححروج‬
‫إلى بدعة المجاوزة والسراف‪ ،‬قال بعححض السححلف‪" :‬مححا أمححر‬
‫الله بأمر إل وللشيطان فيه نزعتان‪ :‬إما إلى تفريط‪ ،‬وإما إلى‬
‫مجاوزة ‪ -‬وهححي الفححراط ‪ -‬ول يبححالي بأيهمححا ظفححر‪ :‬زيححادة‪ ،‬أو‬
‫ل الخير في الجتهاد المقرون بالعتدال‪ ،‬والسححير‬ ‫نقصان"‪ ،‬فك ّ‬
‫على السنة‪ ،‬وكل الشر في الخححروج عححن السححنة عححن طريححق‬
‫هل‪ ،‬أو عن طريق الغُُلو‪.‬‬ ‫التسا ُ‬
‫عبححاد اللححه‪ ،‬بعححض النححاس يقححول‪ :‬آمنححا بححالله‪ ،‬لكنححه ل يكححون‬
‫ما على دين الله‪ ،‬بل يكتفي بمجرد القول؛ وفححي هحؤلء‬ ‫مستقي ً‬
‫من ّححا ب ِححالل ّهِ فَ حإ َِذا‬‫لآ َ‬ ‫قححو ُ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مح ْ‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫يقول الله ‪ -‬تعالى ‪﴿ :-‬وَ ِ‬
‫ب الل ّهِ﴾ ]العنكبوت‪،[10 :‬‬ ‫ُ‬
‫ذا ِ‬ ‫س ك َعَ َ‬‫ة الّنا ِ‬ ‫ل فِت ْن َ َ‬ ‫جع َ َ‬ ‫أوذِيَ ِفي الل ّهِ َ‬
‫فهو ينحرف عند أدنى محنة‪ ،‬ويضل عند أدنى شبهة أو شهوة‪،‬‬
‫أولئكم الذين يقولون ما ل يفعلون‪ ،‬دينهححم مححا تهححواه أنفسححهم‬
‫وما يوافق رغباتهم‪ ،‬ل يعرفون معروًفا‪ ،‬ول ينكححرون منك حًرا‪ ،‬ل‬
‫مّنا ب ِححالل ّهِ﴾‪ ،‬مححن طلححب السححتقامة‬ ‫يلتزمون بما يعنيه قولهم‪﴿ :‬آ َ‬
‫علححى مححدلول هححذه الكلمححة؛ مححن فِْعححل الطاعححات‪ ،‬وتححْرك‬
‫المحرمات‪ ،‬والخلص للمعبود‪ ،‬والحسان إلى العبيد‪.‬‬
‫مر على ألسححنتهم وكأنهححا ل معنححى لهححا‪،‬‬ ‫مّنا ِبالل ّهِ﴾ ت َ ُ‬ ‫إن كلمة‪﴿ :‬آ َ‬
‫ن النجاة مححن‬ ‫فل ت ُؤَّثر على سلوكهم‪ ،‬ول ت ُغَّير من تصّرفاتهم‪ ،‬إ ّ‬
‫النار والفوز بالجنة ل يحصلن إل بمجموع المَرْين‪ :‬قححول هححذه‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّح ِ‬
‫الكلمة‪ ،‬والستقامة علححى معناهححا؛ قححال ‪ -‬تعححالى ‪﴿ :-‬إ ِ ّ‬
‫ن*‬ ‫حَزن ُححو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م َول هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خوْ ٌ‬ ‫موا َفل َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬
‫ُأول َئ ِ َ َ‬
‫كحححاُنوا‬ ‫محححا َ‬ ‫جحححَزاًء ب ِ َ‬‫ن ِفيَهحححا َ‬ ‫دي َ‬‫خاِلححح ِ‬ ‫جّنحححةِ َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫صححح َ‬ ‫كأ ْ‬
‫ت بالله‪ ،‬ثم‬ ‫ن﴾ ]الحقاف‪ ،[14 ،13 :‬وقال ‪» :‬قل‪ :‬آمن ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫اسَتقم«‪.‬‬
‫ل المجرد يكفي وينفححع صححاحبه؛ لنفححع المنححافقين‬ ‫ولو كان القو ُ‬
‫مححا‬‫مّنا ِبالل ّهِ﴾‪ ،‬واللححه يكححذبهم ويقححول‪﴿ :‬وَ َ‬ ‫الذين ُيرّددون كلمة‪﴿ :‬آ َ‬
‫من ُححوا﴾ ]البقححرة‪،8 :‬ح ‪،[9‬‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َوال ّح ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫عو َ‬ ‫خادِ ُ‬ ‫ن * يُ َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫م بِ ُ‬‫هُ ْ‬
‫مّنا ِبالل ّهِ﴾‪.‬‬‫لماذا؟ لنهم ل يستقيمون على قولهم‪﴿ :‬آ َ‬
‫عباد الله‪:‬‬
‫وإن الستقامة الكاملححة بحيححث ل يقححع تقصححير مححن العبححد فححي‬
‫مستطاع‪ ،‬فالعبد محل التقصححير‪ ،‬ومعححرض‬ ‫طاعة الله أمٌر غير ُ‬
‫للخطأ‪ ،‬لكن من فضل الله عليه أن شَرع له الستغفار؛ ليجبر‬
‫موا‬‫قي ُ‬ ‫ذلك التقصير في الستقامة؛ قال الله ‪ -‬تعححالى ‪َ﴿ :-‬فا ْ‬
‫س حت َ ِ‬
‫فُروهُ﴾ ]فصلت‪ ،[6 :‬ففي الية الكريمة إشارة إلححى‬ ‫ست َغْ ِ‬ ‫إ ِل َي ْهِ َوا ْ‬
‫أنه ل ب ُد ّ من تقصير في السححتقامة المححأمور بهححا‪ ،‬فيجححبر ذلححك‬
‫السححتغفار‪ ،‬وقححد أخححبر النححبي ‪ ‬أن النححاس ل يسححتطيعون‬
‫الستقامة الكاملححة؛ فقححد روى المححام أحمححد وابححن مححاجه مححن‬
‫حديث ثوبان ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي ‪ ‬قال‪» :‬استقيموا‬
‫ولن تحصححوا‪ ،‬واعلمححوا أن خيححر أعمححالكم الصححلة‪ ،‬ول يحححافظ‬
‫ددوا‪،‬‬ ‫على الوضوء إل مؤمن«‪ ،‬وفي رواية للمححام أحمححد‪» :‬س ح ّ‬
‫حْين‪،‬‬ ‫وَقارُِبوا‪ ،‬ول يحافظ على الصلة إل مؤمن«‪ ،‬وفي الصحححي َ‬
‫ددوا‬ ‫س ّ‬ ‫هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي ‪ ‬قال‪َ » :‬‬ ‫ن أبي ُ‬ ‫ع ْ‬
‫وَقححارُِبوا«؛ فالسححداد‪ :‬هححو حقيقححة السححتقامة الكاملححة‪ ،‬وهححو‬
‫ة في جميع القوال‪ ،‬والعمال‪ ،‬والمقاصد؛ كالذي يرمي‬ ‫الصاب ُ‬
‫ب ما قرب من الهححدف‪،‬‬ ‫دف فيصيبه‪ ،‬والمقاربة‪ :‬أن يصي َ‬ ‫إلى ه َ‬
‫مصححمم وقاصححد إصححابة‬ ‫دف نفسححه‪ ،‬لكنححه ُ‬ ‫إذا لححم يصححب الهحح َ‬
‫ن العبد الستقامة‪ ،‬وهححي السححداد‪ ،‬فححإن‬ ‫الغرض‪ ،‬فالمطلوب م َ‬
‫سداد ول مقاربة‬ ‫مقاربة‪ ،‬فإن َلم يحصل منه َ‬ ‫َلم يقدر عليها فال ُ‬
‫ضّيع‪ ،‬فالحمد ُ الله الذي ل َححم يكلفنححا مححا ل ُنطيححق‪،‬‬ ‫م َ‬ ‫فّرط ُ‬ ‫م َ‬ ‫فهو ُ‬
‫ل‬‫ذي ي َقْب َح ُ‬ ‫قصححنا‪﴿ :‬وَهُ حوَ ال ّح ِ‬ ‫وشرع لنا ما يجبر تقصيرنا ويكمححل ن َ ْ‬
‫محححا‬ ‫م َ‬ ‫ت وَي َعَْلححح ُ‬ ‫سحححي َّئا ِ‬
‫ن ال ّ‬ ‫عححح ِ‬‫فحححو َ‬ ‫عَبحححادِهِ وَي َعْ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫عححح ْ‬‫ة َ‬ ‫الت ّوَْبححح َ‬
‫ن﴾ ]الشححورى‪ ،[25 :‬ويضححاعف الحسححنات؛ فضححل ً منححه‬ ‫فعَُلححو َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ما‪.‬‬ ‫وت َك َّر ً‬
‫ن طريقَ السححتقامة! ومححا أحسحن العتحدال‬ ‫عباد الله‪ ،‬ما أحس َ‬
‫بيححن طرفححي المححور! فل انحلل ول إخلل‪ ،‬ول اْنحطححاط عححن‬
‫ه به النسانية‪ ،‬وكّرم به البشححرية‪،‬‬ ‫دين الذي شّرف الل ُ‬ ‫مْرتبة ال ّ‬
‫ن‬
‫دين‪ ،‬بحيححث تجعححل السححن ُ‬ ‫طع في ال ّ‬ ‫و‪ ،‬ول تشديد‪ ،‬ول ت َن َ ّ‬ ‫ول غُل ُ ّ‬
‫حّرمحات‪ ،‬وتحححرم النفححوس ممححا‬ ‫م َ‬
‫كالفرائض‪ ،‬والمكروهححات كال ُ‬
‫من زينة الله الححتي أخححرج لعبححاِده والطيبححات مححن‬ ‫أباح الله لها ِ‬
‫الّرْزق؛ عن أنس ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬جاء ثلثة رهححط إلححى‬
‫بيوت أزواج النبي ‪ ‬يسألون عن عبادة النبي ‪ ‬فلما أخبروا‬
‫ف حَر لححه مححا‬ ‫ن النبي ‪ ‬قححد غُ ِ‬ ‫َ‬ ‫قاّلوها‪ ،‬وقالوا‪ :‬أين نحن م‬ ‫كأنهم ت َ َ‬
‫صححلي الليححل‬ ‫ُ‬
‫تقدم من ذنبه وما تأخر؟! قال أحدهم‪ :‬أمححا أنححا فأ َ‬
‫هر ول أفطر‪ ،‬وقال الخر‪ :‬وأنا‬ ‫دا‪ ،‬وقال الخر‪ :‬وأنا أصوم الد ْ‬ ‫أب ً‬
‫دا‪ ،‬فجححاء رسححول اللححه ‪ ‬فقححال‪:‬‬ ‫أعتزل النسححاء فل أتححزوج أب ح ً‬
‫خشححاكم للحه‪،‬‬ ‫»أنتم الححذين قلُتحم كححذا وكححذا‪ ،‬أمححا واللحه إّنحي ل ْ‬
‫ص حّلي وأرقححد‪ ،‬وأت َحَزّوج‬
‫وأْتقححاكم لححه‪ ،‬لكن ّححي أصححوم وأفطححر‪ ،‬وأ َ‬
‫من رغب عن سنتي‪ ،‬فل َْيس مني«‪.1‬‬ ‫النساء‪ ،‬ف َ‬
‫دين‪ ،‬واتبححاع سححنة سححيد‬ ‫َرَزَقنا الله وإيححاكم السححتقام َ‬
‫ة علححى الح ّ‬
‫المرسلين‪.‬‬
‫***‬

‫متفق عليه‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫باب في الستقامة)‪(1‬‬
‫ت﴾ ]هود‪ ،[112 :‬وقال ‪-‬‬ ‫قال الله ‪ -‬تعالى ‪َ﴿ :-‬فاستقم ك َ ُ‬
‫مْر َ‬‫ما أ ِ‬ ‫ْ َ ِ ْ َ‬
‫م‬‫ل عَل َي ْهِ ح ُ‬
‫موا ت َت َن َحّز ُ‬ ‫قا ُ‬‫س حت َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫تعالى ‪﴿ :-‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ة أ َّل ت َ َ‬
‫م‬ ‫جن ّحةِ ال ّت ِححي ك ُن ْت ُح ْ‬
‫ش حُروا ِبال ْ َ‬ ‫حَزن ُححوا وَأب ْ ِ‬ ‫خححاُفوا َول ت َ ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ملئ ِك َح ُ‬
‫توعَدون * نح َ‬
‫خحَرةِ وَل َك ُح ْ‬
‫م‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَفِححي اْل ِ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫ن أوْل َِياؤُك ُ ْ‬‫َ ْ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬

‫‪ 1‬في "مفردات الراغب"‪ :‬اسِتقامة النسان‪ :‬لزومه للمنهج المستقيم؛ نحو‪:‬‬


‫موا﴾ ]الحقاف‪ .[13 :‬اهح‪.‬‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫﴿إ ِ ّ‬
‫حة اليمححان بححالله‪،‬‬ ‫جع السححتقامة إلححى أمَري ْححن‪ :‬ص ح ّ‬ ‫ض العاِرفين‪ :‬مْر َ‬ ‫وقال بع ُ‬
‫سول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ظاهًرا وباطًنا‪ ،‬وقححال‬ ‫واّتباع ما جاء به َر ُ‬
‫م علححى المححر والنهححي‪ ،‬ول تححروغ‬ ‫ة أن تقو َ‬ ‫عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ :-‬الستقام ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ب‬ ‫ت‪ ،‬الخطححا ُ‬ ‫محْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م كَ َ‬‫ق ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫عنه روغان الثعلب؛ قال الله ‪ -‬تعالى ‪َ :-‬فا ْ‬
‫م يا محمد على ِدين رّبك‪،‬‬ ‫فيه للنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يعني‪ :‬فاستق ْ‬
‫ن النححبي ‪-‬‬ ‫مَر َ‬ ‫َ‬
‫ك رّبك‪ ،‬والم حُر فيححه للتأكيححد؛ ل ّ‬ ‫والعمل به‪ ،‬والدعاء إليه‪ ،‬كما أ َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كان علححى السححتقامة ل َححم يححزل عنهححا‪ ،‬فهححو كقولححك‬
‫م على ما أنت عليه من القيام حتى آتيك‪ ،‬وفي‬ ‫م حتى آتيك؛ أي‪ :‬د ُ ْ‬ ‫للقائم‪ :‬ق ْ‬
‫ن الذي شيبه ‪ -‬صلى اللححه عليححه وسححلم ‪ -‬مححن سححورة‬ ‫"تفسير القرطبي"‪ :‬أ ّ‬
‫ت‪ ،‬وقال‪ُ :‬روِيَ عحن عبحدالرحمن السحَلمي‬ ‫ُ‬
‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ق ْ‬‫ست َ ِ‬‫هود قوله‪َ :‬فا ْ‬
‫ت النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسححلم ‪-‬‬ ‫ت أبا علي الشنوي يقول‪ :‬رأي ُ‬ ‫قال‪ :‬سمعْ ُ‬
‫د«‪،‬‬ ‫ش حي ّب َْتني هححو ٌ‬ ‫ت‪ :‬يا رسول اللححه‪ ،‬روي عنححك أنححك قلححت‪َ » :‬‬ ‫في المنام فقل ْ ُ‬
‫ت له‪ :‬ما الذي شححيبك منهححا‪ ،‬قصححص النبيححاء وهلك المححم؟‬ ‫فقال‪ :‬نعم‪ ،‬فقل ُ‬
‫ُ‬
‫ت‪ .‬اهححح‪ .‬وقححال ‪ -‬تعححالى ‪:-‬‬ ‫محْر َ‬ ‫مححا أ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سحت َ ِ‬ ‫قال‪» :‬ل«‪ ،‬ولكن قححوله‪َ :‬فا ْ‬
‫موا‪ ‬على التوحيححد وغيححره ممححا وجححب‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫وا﴾ مححن‬ ‫خا ْفُ ْ‬
‫ن﴾؛ أي‪ :‬بأن ﴿ل ت َ َ‬ ‫ة‪ ‬عند الموت ﴿أ ْ‬ ‫مَلئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫عليهم ‪‬ت َت َن َّز ُ‬
‫حَزُنوا﴾ على ما خّلفتم من أهل وولد‪ ،‬فنحححن نخلفكححم‬ ‫الموت وما بعده ﴿َول ت َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫م فِححي ال ْ َ‬
‫حي َححا ِ‬ ‫ن أوْل ِي َححاؤُك ُ ْ‬ ‫حح ُ‬ ‫ن * نَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَح ُ‬ ‫جن ّةِ ال ِّتي ك ُن ْت ُح ْ‬ ‫شُروا ِبال ْ َ‬ ‫فيهم‪ ،‬وَأب ْ ِ‬
‫ة‪‬؛ أي‪ :‬نكون معكم فيها حتى تدخلوا‬ ‫خَر ِ‬ ‫الد ّن َْيا‪‬؛ أي‪ :‬حفظتكم ‪‬وَِفي اْل ِ‬
‫م‪ ،‬قيل‪ :‬في إضافتها إليهححم إشححارة‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫شت َِهي أ َن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫الجنة‪ ،‬وَل َك ُ ْ‬
‫تنعم أنفسهم التي ذاقت المرارة في الدنيا‪ ،‬وانظححر إلححى »تشححتهي« وإلححى‬
‫ن‪‬؛ أي‪ :‬ما تطلبون‪ ،‬فححإن‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َد ّ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫قوله‪» :‬تدعون« في قوله ‪‬وَل َك ُ ْ‬
‫ن ذلك مما تححذهب فيححه النفححس‬ ‫فيه إشارة إلى تفاُوت المراتب‪ ،‬ول يخفى أ ّ‬
‫حيحم ٍ﴾‪،‬‬ ‫فححورٍ َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫مح ْ‬ ‫قدًرا ﴿ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل( ُ‬ ‫جع َ َ‬ ‫مهَي ًّئا‪ ،‬منصوب بح) َ‬ ‫كل مذهب‪﴿ ،‬ن ُُزل ً﴾؛ رزًقا ُ‬
‫وهححو اللححه ‪ -‬تعححالى ‪ -‬وإذا كححان هححذا النححزل وهححو الكرامححة المعجلححة‪ ،‬فكيححف‬
‫م لنححا بالحسححنة‬ ‫خت َح َ‬‫جلة؟! رزقنا الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬اّتباع الكتححاب والسححنة‪ ،‬و َ‬ ‫بالمؤ ّ‬
‫مّنه‪ ،‬آمين‪.‬‬ ‫بِ َ‬
‫دوه ﴿ُثح ّ‬
‫م‬ ‫حح ُ‬ ‫ه‪‬؛ أي‪ :‬آمنحوا بحه وو ّ‬ ‫ن َقحاُلوا َرب َّنحا الّلح ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن اّلح ِ‬ ‫وقحال تعحالى‪ :‬إ ِ ّ‬
‫موا﴾ اعتححدلوا علححى ذلححك‪ ،‬ودامححوا عليححه إلححى أن يتوفّححاهم اللححه عليححه‪،‬‬ ‫قا ْ ُ‬‫ست َ َ‬
‫ا ْ‬
‫ف‬ ‫خححوْ ٌ‬ ‫والمراد الستقامة على التوحيد الكامل‪ ،‬واتباع الكتاب والسنة‪ :‬ل َ‬
‫فححوٍر‬ ‫ن غَ ُ‬‫م ْ‬ ‫ن * ن ُُزل ً ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َد ّ ُ‬
‫م ِفيَها َ‬ ‫م وَل َك ُ ْ‬
‫سك ُ ْ‬‫ف ُ‬ ‫شت َِهي أ َن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ِفيَها َ‬
‫حيم ٍ﴾ ]فصلت‪.[32 - 30 :‬‬ ‫َر ِ‬
‫ف‬‫خ حو ْ ٌ‬ ‫موا َفل َ‬ ‫قا ُ‬ ‫س حت َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ه ث ُح ّ‬‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬ ‫وقال تعالى ﴿إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن ِفيهَححا‬‫دي َ‬‫خال ِح ِ‬
‫جن ّحةِ َ‬ ‫ب ال ْ َ‬‫حا ُ‬ ‫صح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن * أول َئ ِ َ‬ ‫حَزن ُححو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م َول هُح ْ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫ن﴾ ]الحقاف‪.[14 ،13 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫جَزاًء ب ِ َ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫‪ -1‬وعن أبي عمرو ‪ -‬وقيل‪ :‬أبي عمرة ‪ -‬سفيان بن عبدالله ‪-‬‬
‫رضي اللحه عنحه ‪ -‬قحال‪ :‬قلحت‪ :‬يحا رسحول اللحه‪ ،‬قحل لحي فحي‬
‫ل‪ :‬آمنت بالله‪،‬‬ ‫دا غيرك‪ ،‬قال‪» :‬ق ْ‬ ‫السلم قول ً ل أسأل عنه أح ً‬
‫م«‪.2‬‬‫ثم استق ْ‬

‫عَل َيهم ول هُم يحزنون * ُأول َئ ِ َ َ‬


‫ة‪ ‬بفضل الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬وقححال‬ ‫ب ال ْ َ‬
‫جن ّ ِ‬ ‫حا ُ‬‫ص َ‬‫كأ ْ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ِْ ْ َ‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪» :-‬لن يدخل أحححدكم الجنححة بعملححه«‪ ...‬الحححديث‪﴿ ،‬‬
‫جَزاًء﴾ منصحوب علحى المصحدرية بفعلحه المقحدر؛‬ ‫درة ﴿ َ‬ ‫ق ّ‬‫م َ‬‫ن فِي َْها﴾ حال ُ‬‫دي َ‬‫خال ِ ِ‬
‫َ‬
‫ن﴾‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ملو َ‬ ‫َ‬
‫ما كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫أي‪ :‬يجزون جزاء ﴿ب ِ َ‬
‫‪) 1‬وعن أبي عمرو( بفتح العين المهملة‪) ،‬وقيل‪ :‬أبي عمرة( بزيادة تاء في‬
‫فَيان( بضم السين على الصح‪ ،‬وهو بتثليث السين )ابححن عبححدالله‬ ‫س ْ‬
‫آخره‪ُ ) ،‬‬
‫ً‬
‫الثقفي ‪ -‬رضي الله عنه(‪ ،‬معدود من أهل الطائف‪ ،‬كان عامل عليهححا لعمححر‬
‫حين عزل عنها عثمان بن أبي العاص‪ ،‬ونقله إلى البحرين‪ ،‬روى لححه مسححلم‬
‫هذا الحديث‪ ،‬والترمذي‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن ماجه‪) ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اللححه‪،‬‬
‫قل لي في السلم(؛ أي‪ :‬في دينه وشريعته )قححول ً جامعًححا( لمعححاني الححدين‪،‬‬
‫حا في نفسه بحيث ل يحتاج إلى تفسير غيرك‪ ،‬أعمل عليه‪ ،‬واكتفي به‪،‬‬ ‫واض ً‬
‫بحيححث )ل أسححأل(؛ أي‪ :‬ل يحححوجني لمححا اشححتمل عليححه مححن بححديع الحاطححة‬
‫دا غيححرك‪،‬ك )‬ ‫والشمول‪ ،‬ونهاية اليضاح والظهور‪ ،‬إلححى أن أسححأل )عنححه أح ح ً‬
‫دد إيمانححك‪ ،‬متححذكًرا بقلبححك‪ ،‬ذاكحًرا‬ ‫ت بححالله((؛ أي‪ :‬جح ّ‬ ‫ل‪ :‬آمنح ُ‬ ‫‪ ،((1‬قال‪)) :‬قح ْ‬
‫بلسانك‪ ،‬مستحضًرا تفاصيل معاني اليمان الشرعي التي مرت في حححديث‬
‫م(( على عمل الطاعات‪ ،‬والنتهاء عن جميع المخاَلفحات؛‬ ‫جبريل‪)) ،‬ثم استق ْ‬
‫إذ ل تتأتى الستقامة مع شيء من العوجاج‪ ،‬فإنهححا ضححده‪ ،‬والحححديث علححى‬
‫وفاق الية قبله )رواه مسلم(‪ ،‬وأخرجه أحمد‪ ،‬والححدارمي‪ ،‬وابححن حبححان فححي‬
‫"صحيحه"‪ ،‬والطبراني في "الكبير"‪ ،‬والضياء في "المختححارة")‪ ،(2‬والحححاكم‬
‫في "مستدركه"‪ ،‬والبيهقي في "شَعب اليمان"‪ ،‬والخرائطححي فححي "مكححارم‬
‫الخلق"‪ ،‬وغيرهححم‪ ،‬قححال المصحّنف‪ :‬هححذا أحححد الحححاديث الححتي عليهححا مححدار‬
‫السلم‪.‬‬
‫ححححححححححححححححححححححححححححححححححححححح‬
‫)‪ (1‬هذه الوصاف للقول يومئ إليها تنوين قححول فححإنه للتعظيححم‪ (2) ،‬اسححم‬
‫كتاب للحافظ المقدسي‪.‬‬
‫‪ 2‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ – 2‬وعن أبي هريرة‪ - 1‬رضي اللححه عنححه ‪ -‬قححال‪ :‬قححال رسححول‬
‫الله ‪» :‬قارُِبوا‪ ،‬وسد ُّدوا‪ ،‬واعلموا أنححه لححن ينج حوَ أح حد ٌ منكححم‬
‫مِله«‪ ،‬قالوا‪ :‬ول أنت يا رسححول اللححه؟ قححال‪» :‬ول أنححا‪ ،‬إل أن‬ ‫بع َ‬
‫ضل«‪.2‬‬‫دني الله برحمة منه وفَ ْ‬ ‫م َ‬
‫يت َغَ ّ‬
‫والمقاربححة‪ :‬القصححد الححذي ل غُل ُحوّ فيححه ول تقصححير‪ ،‬والسححداد‪:‬‬
‫مة والصابة‪ ،‬ويتغمدني‪ :‬يلبسني ويسترني‪.‬‬ ‫الستقا َ‬

‫‪ 1‬وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ :‬قححال رسححول اللححه ‪ -‬صححلى اللححه‬
‫دوا‪ ،‬واعلموا أنه((؛ أي‪ :‬الشأن ))لن ينج حوَ أح حد ٌ‬ ‫عليه وسلم ‪)) :-‬قاربوا وسد ّ ُ‬
‫مِلحه((‪" ،‬قحالوا‪ :‬ول أنحت؟"؛ أي‪ :‬ول تنجحو بعملحك‪ ،‬فححذف‬ ‫ن الله بع َ‬ ‫منكم م َ‬
‫ن‪ :‬ول أنححت نححاج بعملححك‪ ،‬فيكححون‬ ‫الفعل فانفصل الضمير‪ ،‬ويحتمححل أن يكححو َ‬
‫مبتدأ محذوف الخبر‪ ،‬قال‪)) :‬ول أنا((؛ أي‪ :‬ول أنجححو‪ ،‬أو ول أنححا نححاج بالعمححل‬
‫))إل أن يتغمدني((؛ أي‪ :‬يغمرنححي ))اللححه برحمححة منححه وفضححل((‪ ،‬ويلبسححنيها‬
‫ويغمرني بها‪ ،‬ومنه‪ :‬غمدت السيف وأغمدته؛ أي‪ :‬جعلُته في غمده‪ ،‬وسترته‬
‫به‪.‬‬
‫ل السحّنة أنحه ل يثبحت بالعقحل‬ ‫ب أهح ِ‬ ‫قال النووي في "شحرح مسحلم"‪ :‬محذه ُ‬
‫شْرع‪ ،‬ومححذهبهم‬ ‫ثواب‪ ،‬ول عقاب‪ ،‬ول حكم شرعي‪ ،‬ول يثبت ذلك كله إل بال ّ‬
‫ن الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬ل يجب عليه شححيء‪ ،‬بححل الححدنيا والخححرة مْلكححه يفعححل مححا‬ ‫أ ّ‬
‫يشاء‪ ،‬ويحكم ما يريد؛ فلو عذب المطيعيححن جميعهححم وأدخلهححم النححار لكححان‬
‫دخلهححم الجن ّححة كححان لححه ذلححك‪ ،‬ولكنححه أخححبر ‪-‬‬ ‫عدل ً منه‪ ،‬ولو نّعم الكافرين وأ ْ‬
‫دق ‪ :-‬أنححه ل يفعححل هححذا‪ ،‬بححل يغف حُر للمححؤمنين‪ ،‬وي ُححدخلهم الجنححة‬ ‫صح ْ‬ ‫وخححبره ِ‬
‫ً‬
‫ذب الكافرين ويدخلهم النار عدل منه‪ ،‬وفي هذا الحححديث دليححل‬ ‫برحمته‪ ،‬وي ُعَ ّ‬
‫ظاهر لما قلناه من أنه ل يستحق أحد ٌ الثواب والجنححة بطححاعته‪ ،‬وأمححا قححوله‬
‫ن﴾ ]النحححل‪ ،[32 :‬ونحوهححا مححن اليححات‬ ‫مل ُححو َ‬
‫م ت َعْ َ‬‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫خُلوا ال ْ َ‬
‫جن ّ َ‬ ‫تعالى‪﴿ :‬اد ْ ُ‬
‫ن العمال يدخل بها الجنة‪ ،‬فهي ل ُتعارض هذه الحححاديث؛ بححل‬ ‫الدالة على أ ّ‬
‫ن دخول الجنة بسبب العمال‪ ،‬ثم التوفيق للعمال والهداية‬ ‫معنى اليات‪ :‬أ ّ‬
‫ح أنححه لححم يححدخل الجنححة أحححد‬ ‫للخلص فيها وقبولها برحمة الله وفضله‪ ،‬فص ّ‬
‫بمجرد العمل‪ ،‬وهححو مححراد الحححاديث‪ ،‬ويصححح أن يقححال‪ :‬إن ّححه دخححل بالعمححال‬
‫صا‪.‬‬
‫ملخ ً‬ ‫ن الفضل؛ أي‪ :‬بسببها وهي من الرحمة‪ .‬اهح ُ‬ ‫المسببة ع ِ‬
‫ن‬ ‫وأشار العارف بالله ‪ -‬تعالى ‪ -‬ابن أبي جمرة إلححى جححواب آخححر‪ ،‬حاصححله أ ّ‬
‫من مقتضيات الحكمححة‪ ،‬ول‬ ‫العمال أسباب عادية كسائر السباب التي هي ِ‬
‫ن الذي يؤَّثر فححي‬ ‫ي باعتبار التأثير؛ بمعنى‪ :‬أ ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫خول الجنة‪ ،‬فالن ْ‬ ‫تأثير لها في د ُ ُ‬
‫خول الجنة في الحقيقة إّنما هو الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬ل العمال‪ ،‬فإنما هي مجّرد‬ ‫دُ ُ‬
‫ة اللهيححة‪ ،‬والسححناد إليهححا تححارة باعتبححار أنهححا‬ ‫ضْتها الحكمح ُ‬ ‫ْ‬
‫أسباب صورية‪ ،‬اقت َ َ‬
‫صوري‪ ،‬قال ابن أبي جمرة‪ :‬وفي الحديث دللة على أنححه ليححس أحححد‬ ‫سبب ُ‬
‫من الخْلق يقدر على توفية حق الربوبية على ما يجب لها‪ ،‬يؤخححذ ذلححك مححن‬
‫مححدني اللححه برحمتححه«‪ ،‬فحإذا كحان هحو ‪ -‬وهححو خيححر‬ ‫قوله‪» :‬ول أنححا‪ ،‬إل ّ أن يت َغَ ّ‬
‫َ‬
‫قدر على ذلك‪ ،‬فححالغيُر أحححرى وأوْل َححى‪،‬‬ ‫البشر‪ ،‬وصاحب المقامات العل ‪ -‬ل ي ْ‬
‫شححكر‬ ‫كا حقيقة؛ لنححه إذا طالبنححا ب ُ‬ ‫ت ذلك من جهة النظر تجده مدر ً‬ ‫وإذا تأمل َ‬
‫دوا‬‫ن ت َعُ ّ‬‫الن َّعم التي علينا عجزنا عنه بالطبع‪ ،‬ومنها ما ل نعرفه؛ كما قال‪﴿ :‬وَإ ِ ْ‬
‫قححال العلمححاء‪ :‬معنححى السححتقامة لحزوم طاعححة اللححه ‪ -‬تعحالى ‪-‬‬
‫جوامححع الكلححم‪ ،‬وهححي نظححام المححور‪ ،‬وبححالله‬
‫قححالوا‪ :‬وهححي مححن َ‬
‫التوفيق‪.‬‬
‫***‬

‫ها﴾ ]النحل‪ ،[18 :‬فكيف غير ذلك من أنواع التكليفححات؟!‬ ‫صو َ‬


‫ح ُ‬‫ة الل ّهِ ل ت ُ ْ‬‫م َ‬
‫ن ِعْ َ‬
‫مد بالفضل والرحمة؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫فما بقى إل ما أخبر به الصادق‪ ،‬وهو التغَ ّ‬
‫صد الذي ل غلوّ فيه؛ أي‪ :‬مجاوزة المأمور به‪ ،‬والزيححادة فيححه‪،‬‬ ‫والمقاربة‪ :‬الق ْ‬
‫ُ‬
‫سححداد( بفتححح الول َححى‪) :‬السححتقامة‬ ‫)ول تقصير(؛ أي‪ :‬إخلل بشححيء منححه )وال ّ‬
‫سححداد هححو الصححابة فححي القححوال والعمححال‬ ‫ضححهم‪ :‬ال ّ‬ ‫والصححابة(‪ ،‬قححال بع ُ‬
‫والمقاصححد‪ ،‬والصححابة فححي جميعهححا‪ :‬هححي السححتقامة‪) ،‬ويتغمححدني‪ :‬يلبسححني‬
‫دي بالباء‪ ،‬وإن كان ل يلزم من ترادف‬ ‫ويسترني(‪ ،‬هو مثل يتغمدني في التع ّ‬
‫معنى الفعل َْين توافقهما في الستعمال والصلة)‪(1‬؛ كح)ص حلى( فححإنه بمعنححى‬
‫ّ‬
‫دى بها إل في‬ ‫دى بح)على( في الخير‪ ،‬والثاني ل ي ُعَ ّ‬ ‫)دعا(‪ ،‬ومع هذا فالول ي ُعَ ّ‬
‫الشّر‪.‬‬
‫قال العلماء‪) :‬معنى الستقامة( ‪ -‬المطلوبححة الممدوحححة بالكتححاب والسححنة ‪-‬‬
‫)ل ُحُزوم طاعححة اللححه تعححالى(‪ ،‬ويلححزم مححن ذلححك تححرك منهيححاته‪) ،‬قححالوا(؛ أي‪:‬‬
‫ل‪ ،‬والمعنى جححزي ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫العلماء‪) ،‬وهي من جوامع الكلم( هو أن يكون اللفظ قلي ً‬
‫وهو ما أعطيه ‪ -‬صحلى اللحه عليحه وسحلم ‪) -‬وهحي(؛ أي‪ :‬السحتقامة )نظحام‬
‫صوى التي بهححا كمححال‬ ‫المور(‪ ،‬قال بعض العلماء‪ :‬الستقامة هي الدَرجة الق ْ‬
‫المعححارف والحححوال‪ ،‬وصححفاء القلححوب فححي العمححال‪ ،‬وتْنزيححه العقححائد عححن‬
‫ن ل َححم يكححن‬
‫مح ْ‬‫دع والضلل‪ ،‬قال الستاذ أبو القاسم القشححيري‪َ :‬‬ ‫سفاسف الب َ‬
‫ما في حححاله‪ ،‬ضححاع عملححه‪ ،‬وخححاب جححده‪ ،‬ونقححل أنححه ل يسححتطيعها إل‬ ‫مستقي ً‬
‫الكابر؛ لنها الخروج عن المألوفات‪ ،‬ومفارقة الرسححوم والعححادات‪ ،‬والقيححام‬
‫بين يدي الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬على حقيقة الصدق‪ ،‬ولعِّزتها أخبر ‪ -‬صلى الله عليححه‬
‫وسلم ‪ -‬أن الناس لن يطيقوها؛ فقد أخرج أحمد‪» :‬استقيموا ولن تطيقوا«)‬
‫‪.(2‬‬
‫حححححححححححححححححححححححححححححححححح‬
‫دى بححه‪ ،‬ويتوصححل بححه إلححى المعمححول‪" (2) ،‬دليححل‬ ‫)‪ (1‬أي‪ :‬الحرف الذي يت َعَح ّ‬
‫الفالحين لطرق رياض الصالحين"؛ للشيخ محمد بن علن الشافعي المكي‬
‫المتوّفى عام ‪1057‬هح‪.286 - 282 /1 ،‬‬
‫‪ 2‬رواه مسلم‪.‬‬
‫دين كله‬ ‫عموم الستقامة وشمولها لل ّ‬
‫ل‪،‬‬‫قال سفيان بن عبدالله للنبي ‪" :‬قل لي في السححلم قححو ً‬
‫مححا جامعًححا‬ ‫مححه كل ً‬ ‫دا بعدك"‪ ،‬طل َححب منححه أن ي ُعَل ّ َ‬ ‫ل أسأل عنه أح ً‬
‫ج بعححده إلححى غيححره‪ ،‬فقححال لححه‬ ‫لمر السلم كافًيا؛ حتى ل يحتا َ‬
‫قم«‪ ،‬وفححي الروايححة‬ ‫سححت َ ِ‬ ‫ت بححالله‪ ،‬ثححم ا ْ‬ ‫النححبي ‪» :‬قححل‪ :‬آمْنحح ُ‬
‫م«‪.1‬‬ ‫الخرى‪» :‬قل‪ :‬ربي الله‪ ،‬ثم استق ْ‬
‫ه ث ُح ّ‬
‫م‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ل ‪﴿ :-‬إ ِ ّ‬ ‫هذا منتزع من قوله ‪ -‬عّز وج ّ‬
‫َ‬ ‫ة أّل ت َ َ‬ ‫َ‬
‫شححُروا‬ ‫حَزُنوا وَأب ْ ِ‬ ‫خاُفوا َول ت َ ْ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫موا ت َت َن َّز ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ل ‪:-‬‬ ‫ن﴾ ]فصلت‪ ،[30 :‬وقوله ‪ -‬عّز وج ّ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫جن ّةِ ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫م‬‫هحح ْ‬ ‫م َول ُ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫موا َفل َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫﴿إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫محا ك َححاُنوا‬ ‫جحَزاًء ب ِ َ‬ ‫ن ِفيَهحا َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِح ِ‬ ‫جن ّةِ َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن * أول َئ ِ َ‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن ﴾ ]الحقاف‪.[14 ،13 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ي َعْ َ‬
‫وخّرج النسائي في "تفسيره"‪ ،‬من رواية سهيل بن أبي حزم‪:‬‬
‫ن قَححاُلوا َرب ّن َححا‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّح ِ‬ ‫دثنا ثابت عن أنس‪ :‬أن النبي ‪ ‬قرأ‪﴿ :‬إ ِ ّ‬ ‫ح ّ‬
‫مححن‬ ‫موا﴾‪ ،‬فقال‪» :‬قد قالها النححاس ثححم كفححروا‪ ،‬ف َ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫مححن أهححل السححتقامة«‪ ،‬وخّرجححه الترمححذي‪،‬‬ ‫مححات عليهححا فهححو ِ‬
‫مححن مححات‬ ‫فر أكثرهم‪ ،‬ف َ‬ ‫ولفظه‪ :‬فقال‪» :‬قد قالها الناس‪ ،‬ثم ك َ‬
‫سن غريب‪ ،‬وسححهيل ت ُك ُّلححم‬ ‫من استقام«‪ ،‬وقال‪ :‬ح َ‬ ‫م ّ‬ ‫عليها فهو ِ‬
‫فظه‪.‬‬ ‫ح ْ‬ ‫فيه من قَِبل ِ‬
‫موا﴾‪ ،‬قححال‪ :‬لححم‬ ‫قا ُ‬ ‫سحت َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫وقال أبو بكر الصديق فححي تفسححير ﴿ث ُح ّ‬
‫شركوا بالله شيًئا‪.‬‬ ‫يُ ْ‬
‫وعنه قال‪ :‬لم يلتفتوا إلى إله غيره‪.‬‬
‫وعنه قال‪ :‬ثم استقاموا على أن الله ربهم‪.‬‬
‫وعن ابن عباس بإسناد ضعيف قال‪ :‬نص آية في كتاب اللححه‪﴿ :‬‬
‫موا﴾ على شهادة أن ل إله إل الله‪.‬‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬
‫وُروِيَ نحوه عن‪ :‬أنس‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬والسود بححن هلل‪ ،‬وزيححد بححن‬
‫دي‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫س ّ‬ ‫أسلم‪ ،‬وال ّ‬
‫وروي عن عمر بن الخطاب‪ :‬أنه قرأ هذه الية على المنححبر‪﴿ :‬‬
‫موا﴾‪ ،‬فقححال‪ :‬لححم يروغححوا‬ ‫قا ُ‬ ‫س حت َ َ‬
‫ما ْ‬ ‫ه ث ُح ّ‬‫ن قَححاُلوا َرب ّن َححا الل ّح ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫إِ ّ‬
‫روغان‪ 2‬الثعلب‪.‬‬

‫‪ 1‬رواه مسلم‪.‬‬
‫حّركححة ‪ :-‬مححا َ‬
‫ل وحححاد عححن الشححيء‪،‬‬ ‫م َ‬ ‫غا وَروَ َ‬
‫غان ًححا ‪ُ -‬‬ ‫‪ 2‬راغ الرجل والثعلب َرو ً‬
‫"قاموس"‪.‬‬
‫وروى علي بن أبي طلحة‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ -‬تعالى ‪:-‬‬
‫موا﴾‪ ،‬قححال‪ :‬اسححتقاموا علححى‬ ‫قا ُ‬‫ست َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫﴿إ ِ ّ‬
‫أداء فرائضه‪.‬‬
‫مل‪.‬‬ ‫دين والع َ‬ ‫وعن أبي العالية قال‪ :‬ثم أخلصوا له ال ّ‬
‫وعن قتادة قال‪ :‬استقاموا على طاعة الله‪.‬‬
‫وكان الحسن إذا قرأ هذه الية قال‪ :‬اللهم أنت ربنححا‪ ،‬فاْرزقنححا‬
‫الستقامة‪.‬‬
‫مراد السححتقامة علححى التوحيححد‪ ،‬إنمححا أراد‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ولعل من قال‪ :‬إ ّ‬
‫م صححاحبه علححى النححار‪ ،‬وهححو تحقيححق‬ ‫ححّر ُ‬ ‫التوحيد الكامل الذي ي ُ َ‬
‫معنى ل إله إل اللححه‪ ،‬فححإن اللححه هححو المعبححود الححذي ُيطححاع فل‬
‫ل‪ ،‬ودعاء‪،‬‬ ‫ة‪ ،‬وإجلًل‪ ،‬ومهابة‪ ،‬ومحبة‪ ،‬ورجاء‪ ،‬وت َوَك ّ ً‬ ‫ُيعصى؛ خشي ً‬
‫والمعاصي قادحة كلها فححي هححذا التوحيححد؛ لنهححا إجابححة لححداعي‬
‫الهوى‪ ،‬وهو الشيطان‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واهُ﴾ ]الجاثيححة‪:‬‬ ‫ه ه َح َ‬‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ل ‪﴿ :-‬أفََرأي ْ َ‬ ‫قال الله ‪ -‬عّز وج ّ‬
‫سن وغيححره‪ :‬هححو الححذي ل يهححوى شححيًئا إل ركبححه‪،‬‬ ‫‪ ،[23‬قال الح َ‬
‫فهذا ُينافي الستقامة على التوحيد‪.‬‬
‫ت بالله«‪ ،‬فالمعنى أظهر؛‬ ‫ل‪ :‬آمن ُ‬ ‫وأما على رواية من روى‪» :‬ق ْ‬
‫لن اليمان يدخل فيححه العمححال الصححالحة عنححد الس حَلف ومححن‬
‫تابعهم من أهل الحديث‪.‬‬
‫ُ‬
‫ك‬ ‫مَعح َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن َتحا َ‬ ‫مح ْ‬ ‫ت وَ َ‬‫محْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ل ‪َ﴿ :-‬فا ْ‬ ‫وقال الله ‪ -‬عز وج ّ‬
‫َ‬
‫مَرهُ أن‬ ‫صححيٌر﴾ ]هححود‪ ،[112 :‬ف حأ َ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مل ُححو َ‬ ‫مححا ت َعْ َ‬‫ه بِ َ‬ ‫وا إ ِن ّح ُ‬ ‫َول ت َط ْغَ ح ْ‬
‫ن تححاب معححه‪ ،‬وأل ُيجححاوزوا مححا أمححروا بححه وهححو‬ ‫محح ْ‬ ‫مو َ‬ ‫يسححتقي َ‬
‫مط ِّلع عليها؛ قال ‪ -‬تعالى‬ ‫الطغيان‪ ،‬وأخبر أنه بصير بأعمالكم‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫واَءهُ ْ‬ ‫هحح َ‬ ‫ت َول ت َت ِّبححعْ أ ْ‬ ‫مححْر َ‬ ‫مححا أ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫سححت َ ِ‬ ‫ك َفححاد ْعُ َوا ْ‬ ‫‪﴿ :-‬فَِلححذ َل ِ َ‬
‫﴾ ]الشورى‪.[15 :‬‬
‫مر محمد ‪ ‬أن يستقيم علححى أمححر اللححه‪ ،‬وقححال‬ ‫ُ‬
‫وقال قتادة‪ :‬أ ِ‬
‫الثوري‪ :‬على القرآن‪.‬‬
‫مر رسححول اللححه ‪‬‬ ‫وعن الحسن قال‪ :‬لما نزلت هذه الية ش ح ّ‬
‫كا‪.‬‬‫فما رؤي ضاح ً‬
‫ش حْيري عححن بعضححهم‪ :‬أنححه رأى‬ ‫ق َ‬ ‫خّرجه ابن أبي حاتم‪ ،‬وذكححر ال ُ‬
‫ت‪)) :‬شححيبتني‬ ‫النبي ‪ ‬في المنام فقال له‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬قلح َ‬
‫م‬‫ق ْ‬ ‫سحت َ ِ‬ ‫)هود( وأخواتها((‪ ،‬فما شحّيبك منهحا؟‪ ،‬قحال‪» :‬قحوله‪َ﴿ :‬فا ْ‬
‫ت﴾«‪.‬‬ ‫كَ ُ‬
‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل ‪﴿ :-‬قُ ْ‬
‫محا‬ ‫ي أن ّ َ‬ ‫حى إ ِلح ّ‬ ‫م ُيحو َ‬ ‫مث ْلكح ْ‬ ‫شحٌر ِ‬ ‫ما أَنا ب َ َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫وقال ‪ -‬عّز وج ّ‬
‫حد ٌ﴾ ]فصلت‪.[6 :‬‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬ ‫إ ِل َهُك ُ ْ‬
‫ش حَرعَ‬ ‫ما؛ كما قححال‪َ ﴿ :‬‬ ‫دين عمو ً‬ ‫وقد أمر الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬بإقامة ال ّ‬
‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫صححي َْنا‬
‫ما وَ ّ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ذي أوْ َ‬ ‫حا َوال ّ ِ‬ ‫صى ب ِهِ ُنو ً‬ ‫ما وَ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫دي‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫عيسى أ َ َ‬
‫فّرقُححوا ِفي ح ِ‬
‫ه‬ ‫ن َول ت َت َ َ‬ ‫دي َ‬ ‫موا ال ّ‬‫ن أِقي ُ‬ ‫ْ‬ ‫سى وَ ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫هي َ‬ ‫ب ِهِ إ ِب َْرا ِ‬
‫م إ ِل َي ْهِ﴾ ]الشورى‪.[13 :‬‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬
‫ن َ‬‫كي َ‬ ‫شر ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك َب َُر عََلى ال ْ ُ‬
‫وضححع مححن كتححابه‪ ،‬كمححا أمححر‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫م حَر بإقامححة الصححلة فححي غيححر َ‬ ‫وأ َ‬
‫بالستقامة على التوحيد في هححاتين اليححتين‪ ،‬والسححتقامة فححي‬
‫سُلوك الصراط المستقيم وهو الدين القححويم مححن غيححر تعويححج‬ ‫ُ‬
‫ة‪ ،‬ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة‬ ‫سَر ً‬ ‫ة ول ي َ ْ‬ ‫من َ ً‬‫عنه ي َ ْ‬
‫والباطنة‪ ،‬وترك المنهيات كلهحا كحذلك‪ ،‬فصححارت هححذه الوصحية‬
‫جامعة لخصال الدين كلها‪.‬‬
‫موا إ ِل َْيححححح ِ‬
‫ه‬ ‫قي ُ‬ ‫سحححححت َ ِ‬ ‫ل ‪َ﴿ :-‬فا ْ‬ ‫وفحححححي قحححححوله ‪ -‬عحححححّز وجححححح ّ‬
‫من تقصير فححي‬ ‫فُروهُ﴾ ]فصلت‪ ،[6 :‬إشارة إلى أنه ل ب ُد ّ ِ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫َوا ْ‬
‫الستقامة المأمور بها‪ ،‬فيجبر ذلك الستغفار المقتضي للتوبححة‬
‫ق الله‬ ‫معاذ‪» :‬ات ّ ِ‬ ‫والّرجوع إلى الستقامة‪ ،‬فهو كقول النبي ‪ ‬ل ِ ُ‬
‫ت‪ ،‬وأت ِْبع السيئة الحسنة تمحها«‪.1‬‬ ‫حيثما كن ْ َ‬
‫خَبر النبي ‪ ‬أن النححاس لححن يسححتطيعوا السححتقامة حححق‬ ‫وقد أ َ ْ‬
‫الستقامة؛ كما خّرجه المححام أحمححد‪ ،‬وابححن مححاجه مححن حححديث‬
‫ن‬ ‫حصوا‪ ،‬واعلموا أ ّ‬ ‫ي ‪ ‬قال‪» :‬استقيموا ولن ت ُ ْ‬ ‫ثوبان‪ ،‬عن النب ّ‬
‫خيَر أعمالكم الصححلة‪ ،‬ول يحححافظ علححى الوضححوء إل مححؤمن«‪،‬‬
‫ددوا‪ ،‬وقححاربوا‪ ،‬ول‬ ‫وفي رواية المام أحمد ‪ -‬رحمه الله ‪» :-‬س ح ّ‬
‫يحافظ على الصلة إل مؤمن«‪.‬‬
‫حْين‪ :‬عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النححبي‬ ‫صحي َ‬ ‫وفي ال ّ‬
‫سد ُّدوا وقاربوا«؛ فالسداد‪ :‬هححو حقيقححة السححتقامة‪،‬‬ ‫‪ ‬قال‪َ » :‬‬
‫وهو الصابة في جميححع القححوال والعمححال والمقاصححد؛ كالححذي‬
‫يرمي إلى غرض فيصيبه‪.‬‬
‫داد‬‫سح َ‬‫ل ‪ -‬ال ّ‬ ‫وقد أمر النححبي ‪ ‬علّيحا أن يسححأل اللححه ‪ -‬عحّز وجح ّ‬
‫دى‪ ،‬وقال له‪» :‬اذكر بالسداد تسححديدك السححهم‪ ،‬وبالهححدى‬ ‫والهُ َ‬
‫هدايتك الطريق«‪ ،‬والمقاربة‪ :‬أن يصيب ما قَُرب مححن الغححرض‬
‫ما‬ ‫م ً‬‫إذا لم يصب الغرض نفسه‪ ،‬ولكححن بشححرط أن يكححون مص ح ّ‬
‫على قصد السداد وإصابة الغَرض‪ ،‬فتكححون مقححاربته عححن غيححر‬
‫حك َححم بححن حححزم‬ ‫عمد؛ ويدل عليه قول النبي ‪ ‬فححي حححديث ال َ‬
‫الكلبي‪» :‬أيها الناس‪ ،‬إنكححم لححن تعملححوا ولححن تطيقححوا كححل مححا‬
‫ددوا وأبشروا«؛ والمعنحى‪ :‬اقصحدوا التسحديد‬ ‫س ّ‬‫أمرُتكم‪ ،‬ولكن َ‬

‫رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪" :‬حديث حسن صحيح"‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫والصابة والستقامة؛ فإنهم لو سد ُّدوا في العمححل كلححه لكححانوا‬
‫قد فعلوا ما أمروا به كله‪.‬‬
‫ل الستقامة استقامة القلب على التوحيد‪ ،‬كما فسححر أبححو‬ ‫فأص ُ‬
‫ه ث ُح ّ‬
‫م‬ ‫ن قَححاُلوا َرب ّن َححا الل ّح ُ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ح ِ‬‫بكححر الصححديق وغيححره قححوله‪﴿ :‬إ ِ ّ‬
‫ب‬ ‫موا﴾ بأنهم لم يلتفتوا إلى غيححره‪ ،‬فمححتى اسححتقام القل ح ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫ا ْ‬
‫على معرفة الله‪ ،‬وعلى خشححيته‪ ،‬وإجللححه‪ ،‬ومهححابته‪ ،‬ومحبتححه‪،‬‬
‫كل عليه‪ ،‬والعراض عما سواه‬ ‫وإراداته‪ ،‬ورجائه‪ ،‬ودعائه‪ ،‬والتو ّ‬
‫مل ِححك‬ ‫ن القلححب هححو َ‬ ‫‪ -‬استقامت الجوارح كلها على طاعته‪ ،‬فححإ ّ‬
‫مل ِححك اسححتقامت جنححوده‬ ‫العضاء‪ ،‬وهي جنوده‪ ،‬فإذا اسححتقام ال َ‬
‫جَهح َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫دي ِ‬
‫ك ِللح ّ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫ورعاياه‪ ،‬وكذلك فسحر قحوله ‪ -‬تعحالى ‪َ﴿ :-‬فحأقِ ْ‬
‫صد لله وإرادته ل شريك له‪.‬‬ ‫فا﴾ ]الروم‪ [30 :‬بإخلص الق ْ‬ ‫حِني ً‬‫َ‬
‫ن الجححوارح اللسححان‪،‬‬ ‫عى استقامته بعد القْلب م َ‬ ‫م ما ي َُرا َ‬‫وأعظ ُ‬
‫فإنه تْرجمان القلب‪ ،‬والمعبر عنه‪.‬‬
‫فححظ‬ ‫ح ْ‬ ‫صححاه بعححد ذلححك ب ِ‬ ‫ما أمره النبي ‪ ‬بالسححتقامة‪ ،‬و ّ‬ ‫ولهذا ل ّ‬
‫لسانه؛ ففي "مسند المام أحمححد" عححن أنححس‪ ،‬عححن النححبي ‪‬‬
‫م قل ْب ُححه‪ ،‬ول يسححتقيم‬ ‫ن عبدٍ حححتى يسححتقي َ‬ ‫قال‪» :‬ل يستقيم إيما ُ‬
‫قلُبه حتى يستقيم لسانه«‪.‬‬
‫وفي رواية الترمذي عححن أبححي سححعيد مرفوعًححا وموقوفًححا‪» :‬إذا‬
‫ق‬‫فر اللسححان‪ ،‬فتقححول‪ :‬ات ّح ِ‬ ‫ن العضاء كلها تك ّ‬ ‫أصبح ابن آدم‪ ،‬فإ ّ‬
‫منا‪ ،‬وإن‬ ‫ق ْ‬‫ت اسححت َ‬ ‫م َ‬ ‫ق ْ‬‫ن اسححت َ َ‬ ‫اللححه فينححا‪ ،‬فإنمححا نحححن بححك‪ ،‬فححإ ِ‬
‫جَنا«‪.1‬‬
‫ج ْ‬‫ت اعْوَ َ‬‫ج َ‬ ‫ج ْ‬‫اعْوَ َ‬

‫‪" 1‬جامع العلححوم والحكححم فححي شححرح خمسححين حححديًثا مححن جوامححع الكلححم"؛‬
‫فر‬
‫للشيخ‪ :‬عبدالرحمن بن رجب ‪ ،133 - 2/127‬ط‪ :‬السعيدية؛ ومعنى تك ّ‬
‫اللسان‪ :‬تذل وتخضع له‪.‬‬
‫فصل‬
‫ك ن َعْب ُحد ُ‬ ‫حمه الله تعالى ‪ :-‬ومححن منححازل ﴿إ ِي ّححا َ‬ ‫قّيم ‪ -‬ر ِ‬ ‫قال ابن ال َ‬
‫ن﴾ ]الفاتحة‪ :[5 :‬منزلة )السححتقامة(؛ قححال اللححه ‪-‬‬ ‫ست َِعي ُ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫وَإ ِّيا َ‬
‫م‬ ‫ل عَل َي ْهِ ح ُ‬ ‫موا ت َت َن َحّز ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫س حت َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫تعالى ‪﴿ :-‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ة أ َّل ت َ َ‬
‫م‬ ‫جن ّحةِ ال ّت ِححي ك ُن ْت ُح ْ‬ ‫ش حُروا ِبال ْ َ‬ ‫حَزن ُححوا وَأب ْ ِ‬ ‫خححاُفوا َول ت َ ْ‬ ‫مَلئ ِك َح ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م‬ ‫ه ث ُح ّ‬ ‫ن قَححاُلوا َرب ّن َححا الل ّح ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ن﴾ ]فصلت‪ ،[30 :‬وقال‪﴿ :‬إ ِ ّ‬ ‫دو َ‬ ‫ُتوعَ ُ‬
‫ب‬ ‫ف عَل َيه حم ول هُ حم يحزنححون * ُأول َئ ِ َ َ‬ ‫موا َفل َ‬
‫حا ُ‬ ‫صح َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ َ‬ ‫ِْ ْ َ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ن﴾ ]الحقححاف‪،13 :‬‬ ‫مل ُححو َ‬ ‫مححا ك َححاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ج حَزاًء ب ِ َ‬ ‫ن ِفيَها َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫جن ّةِ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ك َول‬ ‫مع َ ح َ‬ ‫‪ ،[14‬وقال لرسوله‪َ﴿ :‬فاستقم ك َ ُ‬
‫ب َ‬ ‫ن ت َححا َ‬ ‫مح ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫ْ َ ِ ْ َ‬
‫ن أن الستقامة‬ ‫صيٌر﴾ ]هود‪ ،[112 :‬فب َي ّ َ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫وا إ ِن ّ ُ‬ ‫ت َط ْغَ ْ‬
‫مجاَوزة الحدود في كل شيء‪.‬‬ ‫طغيان‪ ،‬وهو ُ‬ ‫ضد ال ّ‬
‫شر مث ْل ُك ُم يوحى إل َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ما إ ِل َهُك ُ ْ‬ ‫ي أن ّ َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ما أَنا ب َ َ ٌ ِ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬‫وقال ‪ -‬تعالى ‪﴿ :-‬قُ ْ‬
‫فُروهُ﴾ ]فصححلت‪ ،[6 :‬وقححال ‪-‬‬ ‫سحت َغْ ِ‬ ‫موا إ ِل َي ْحهِ َوا ْ‬ ‫قي ُ‬ ‫سحت َ ِ‬ ‫حد ٌ َفا ْ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫إ ِل َ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ماًء غَد ًَقا‬ ‫م َ‬ ‫قي َْناهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫قةِ َل ْ‬ ‫ري َ‬ ‫موا عََلى الط ّ ِ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬‫ن ل َوِ ا ْ‬ ‫تعالى ‪﴿ :-‬وَأ ْ‬
‫ه﴾ ]الجن‪.[17 ،16 :‬‬ ‫م ِفي ِ‬ ‫فت ِن َهُ ْ‬ ‫* ل ِن َ ْ‬
‫ديقُ المححة‪ ،‬وأعظمهححا اسححتقامة‪ ،‬أبححو بكححر الصححديق ‪-‬‬ ‫صح ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫رضي اللححه عنححه ‪ -‬عححن السححتقامة؟ فقححال‪» :‬أل تشححرك بححالله‬
‫شيًئا«‪ ،‬يريد الستقامة على محض التوحيد‪.1‬‬
‫وقال عمر بن الخطاب ‪ -‬رضححي اللححه عنححه ‪» :-‬السححتقامة‪ :‬أن‬
‫غان الثعالب«‪.‬‬ ‫م على المر والنهي‪ ،‬ول تروغ َروَ َ‬ ‫تستقي َ‬
‫وقال عثمان بن عفان ‪ -‬رضي الله عنه ‪» :-‬استقاموا‪ :‬أخلصوا‬
‫مل لله«‪.‬‬ ‫الع َ‬
‫وقال علي بن أبي طالب ‪ -‬رضححي اللححه عنححه ‪ -‬وابححن عبححاس ‪-‬‬
‫رضي الله عنهما ‪» :-‬استقاموا‪ :‬أّدوا الفرائض«‪.‬‬
‫وقال الحسححن‪» :‬اسححتقاموا علححى أمححر اللححه‪ ،‬فعملححوا بطححاعته‪،‬‬
‫واجتنبوا معصيته«‪.‬‬
‫وقال مجاهد‪» :‬استقاموا على شهادة أن ل إله إل اللححه‪ ،‬حححتى‬
‫حقوا بالله«‪.‬‬ ‫لَ ِ‬

‫ض التوحيححد الصححادق الححذي يححدين بححه الصححديق‪،‬‬


‫حح ِ‬
‫م ْ‬
‫مححن اسححتقام علححى َ‬
‫‪ 1‬و َ‬
‫واستقام له توحيده على العلم الصادق بأسححماء اللححه وصححفاته وآثارهححا فححي‬
‫ل شأِنه على الصراط المستقيم‪ ،‬فاسححتقام‬ ‫النفس والفاق ‪ -‬استقام في ك ّ‬
‫له كل عمل وكل حال‪.‬‬
‫دس اللححه روحححه ‪ -‬يقححول‪:‬‬ ‫ت شيخ السلم ابن تيمّية ‪ -‬ق ّ‬ ‫وسمعْ ُ‬
‫من َححة ول‬
‫»استقاموا على محبته وعُب ُححوديته‪ ،‬فلححم يلتفتححوا عنححه ي َ ْ‬
‫سرة«‪.‬‬‫يَ ْ‬
‫وفي "صحيح مسلم" عن سفيان بن عبدالله ‪ -‬رضي الله عنححه‬
‫ت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬قل لي في السلم قول ً ل أسححأل‬ ‫‪ -‬قال‪ :‬قل ُ‬
‫م«‪.‬‬‫ق ْ‬
‫ت بالله‪ ،‬ثم است ِ‬ ‫دا غيرك‪ ،‬قال‪» :‬قل‪ :‬آمن ْ ُ‬ ‫عنه أح ً‬
‫وفيححه عححن ثوبححان ‪ -‬رضححي اللححه عنححه ‪ -‬عححن النححبي ‪ ‬قححال‪:‬‬
‫»استقيموا ولن تحصوا‪ ،‬واعلموا أن خير أعمالكم الصححلة‪ ،‬ول‬
‫يحافظ على الوضوء إل مؤمن«‪.‬‬
‫داد‪ ،‬فححإن لححم يقححدر‬ ‫س َ‬
‫والمطلوب من العبد الستقامة‪ ،‬وهي ال ّ‬
‫عليها فالمقاربة‪ ،‬فإن نزل عنها فالتفريط والضاعة؛ كمححا فححي‬
‫"صحيح مسلم"‪ ،‬من حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن‬
‫سد ُّدوا وقَححارُِبوا‪ ،‬واعلمححوا أنححه لححن ينج حوَ أحححد‬ ‫النبي ‪ ‬قال‪َ » :‬‬
‫منكم بعمله«‪ ،‬قالوا‪ :‬ول أنت يا رسول الله؟ قال‪» :‬ول أنا‪ ،‬إل‬
‫أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل«‪.‬‬
‫مَر بالسححتقامة‬ ‫َ‬
‫فجمع في هذا الحديث مقامات الدين كلها‪ ،‬ف حأ َ‬
‫وهي السداد‪ ،‬والصابة في النيات والقوال والعمال‪.‬‬
‫وأخححبر فححي حححديث ثوبححان أنهححم ل يطيقونهححا‪ ،‬فنقلهححم إلححى‬
‫المقاربحة‪ ،‬وهحي أن يقربحوا محن السحتقامة بحسحب طحاقتهم؛‬
‫كالذي يرمي إلى الغححرض‪ ،‬فححإن لححم يصححبه يقححاربه‪ ،‬ومححع هححذا‬
‫فأخبرهم أن السححتقامة والمقاربححة ل تنجححي يححوم القيامححة‪ ،‬فل‬
‫يركن أحد ٌ إلى عمله‪ ،‬ول يعجب به‪ ،‬ول يرى أن نجاته بححه‪ ،‬بححل‬
‫إنما نجاته برحمة الله وعفوه وفضِله‪.‬‬
‫خذة بمجامع الدين؛ وهي القيام بين‬ ‫فالستقامة كلمة جامعة‪ ،‬آ ِ‬
‫يدي الله على حقيقة الصدق‪ ،‬والوفاء بالعهد‪.‬‬
‫والسححتقامة تتعل ّححق بححالقوال‪ ،‬والفعححال‪ ،‬والحححوال‪ ،‬والنيححات‪،‬‬
‫فالستقامة فيها‪ :‬وقوعها لله‪ ،‬وبالله‪ ،‬وعلى أمر الله‪.‬‬
‫قال بعض العارفين‪ :‬كن صاحب الستقامة‪ ،‬ل طالب الكرامة؛‬
‫فححإن نفسححك متحركححة فححي طلححب الكرامححة‪ ،‬وربححك ُيطالبححك‬
‫بالستقامة‪.‬‬
‫دس اللححه تعححالى روحححه ‪-‬‬ ‫ت شيخ السلم ابن تيمية ‪ -‬ق ّ‬ ‫وسمع ُ‬
‫‪1‬‬
‫يقول‪ :‬أعظم الكرامة لزوم الستقامة ‪.‬‬
‫***‬

‫"مدارج السالكين"؛ لبن القيم‪ ،‬بتحقيق‪ :‬محمد حامد الفقي‪.103 /2 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫من أسباب الستقامة)‪:(‬‬
‫ن سعادته فححي كلتححا حيححاتيه‪ ،‬الولححى والثانيححة‪،‬‬ ‫يؤمن المسلم بأ ّ‬
‫موُْقوفححة علححى مححدى تححأديب نفسححه‪ ،‬وتطييبهححا‪ ،‬وتزكيتهححا‪،‬‬ ‫َ‬
‫ط بفسادها‪ ،‬وتدسححيتها وخبثهححا؛‬ ‫مُنو ٌ‬ ‫وتطهيرها‪ ،‬كما أن شقاءها َ‬
‫وذلك للدلة التية‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫محح ْ‬ ‫ب َ‬ ‫خححا َ‬ ‫هححا * وََقححد ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َز ّ‬ ‫محح ْ‬ ‫ح َ‬ ‫قححوله ‪ -‬تعححالى ‪َ﴿ :-‬قححد ْ أفَْلحح َ‬
‫ن ك َحذ ُّبوا ِبآَيات ِن َححا‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّح ِ‬ ‫ها﴾ ]الشححمس‪،9 :‬ح ‪ ،[10‬وقححوله‪﴿ :‬إ ِ ّ‬ ‫سا َ‬ ‫دَ ّ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫جّنحح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ماِء َول َيححد ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫وا ُ‬ ‫م أب ْ َ‬ ‫ح ل َهُ ْ‬ ‫فت ّ ُ‬ ‫ست َك ْب َُروا عَن َْها َل ت ُ َ‬ ‫َوا ْ‬
‫ن*‬ ‫مي ح َ‬ ‫جر ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫زي ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫ط‪ 2‬وَك َذ َل ِ َ‬ ‫خَيا ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫م ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ج‪ 1‬ال ْ َ‬ ‫حّتى ي َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫شح وَك َحذ َل ِ َ‬ ‫م غَ َ‬ ‫ن فَحوْقِهِ ْ‬ ‫ل َهُح ْ‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬
‫زي‬ ‫جح ِ‬ ‫ك نَ ْ‬ ‫وا ٍ‬ ‫مح ْ‬ ‫مهَححاد ٌ وَ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫جهَن ّح َ‬ ‫ن َ‬ ‫مح ْ‬ ‫م ِ‬
‫سححا إ ِّل‬ ‫ف ً‬ ‫ف نَ ْ‬ ‫ت ل ن ُك َل ّ ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن * َوال ّ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫وسعها‪ُ 5‬أول َئ ِ َ َ‬
‫ن﴾ ]العححراف‪40 :‬‬ ‫دو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫جن ّةِ هُ ْ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ُ ْ َ َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫سرٍ * إ ِل الحح ِ‬ ‫ّ‬ ‫خ ْ‬ ‫في ُ‬ ‫نل ِ‬ ‫َ‬ ‫سا َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ِن ْ َ‬ ‫صر ِ * إ ِ ّ‬ ‫ْ‬
‫‪ ،[42 -‬وقوله‪َ﴿ :‬والعَ ْ‬
‫وا‬ ‫صحححح ْ‬ ‫وا َ‬ ‫حقّ وَت َ َ‬ ‫وا ب ِححححال ْ َ‬ ‫صحححح ْ‬ ‫وا َ‬ ‫ت وَت َ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صححححال ِ َ‬ ‫مل ُححححوا ال ّ‬ ‫من ُححححوا وَعَ ِ‬ ‫آ َ‬
‫صب ْرِ﴾ ]العصر‪.[3 - 1 :‬‬ ‫ِبال ّ‬
‫مححن أب َححى«‪ ،‬قححالوا‪:‬‬ ‫وقول الرسول ‪» :‬كلكم يدخل الجنححة إل َ‬
‫مححن أطححاعني دخححل الجنححة‪،‬‬ ‫من يأَبى يا رسول اللححه؟ قححال‪َ » :‬‬ ‫و َ‬
‫ومن عصاني فقد أَبى« ‪ ،‬وقوله ‪» :‬كل الناس يغححدو‪ ،‬فبححائع‬ ‫‪6‬‬

‫معتقها‪ ،‬أو موبقها«‪.7‬‬ ‫نفسه ف ُ‬


‫م بأن ما ت ُط َّهر به النفححس وتزكححو هححو حسححنة‬ ‫كما يؤمن المسل ُ‬
‫سى به وتخبث وتفسد هو‬ ‫اليمان‪ ،‬والعمل الصالح‪ ،‬وأن ما ت َت َد َ ّ‬
‫َ‬
‫ي‬ ‫صححلةَ ط ََرفَح ِ‬ ‫سيئة الكفر والمعاصي؛ قال ‪ -‬تعححالى ‪﴿ :-‬أقِحم ِ ال ّ‬
‫ت﴾ ]هححود‪:‬‬ ‫س حي َّئا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ت ي ُحذ ْهِب ْ َ‬ ‫س حَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م َ‬‫فا ِ‬ ‫الن َّهارِ وَُزل َ ً‬
‫مححححا ك َححححاُنوا‬ ‫م َ‬ ‫ن عَل َححححى قُل ُححححوب ِهِ ْ‬ ‫ل َرا َ‬ ‫‪ ،[114‬وقححححوله‪﴿ :‬ك َّل ب َحححح ْ‬
‫ن﴾ ]المطففيححن‪ ،[14 :‬وقححال رسححول اللححه ‪» :‬إن‬ ‫سححُبو َ‬ ‫ي َك ْ ِ‬
‫ن تححاب‬ ‫ة سححوداء فححي قلبححه‪ ،‬فححإ ْ‬ ‫المؤمن إذا أذنب ذنًبا كان نكتح ً‬

‫‪ ‬من "منهاج المسلم"؛ لبي بكر الجزائري‪ ،‬ص ‪.97 - 92‬‬


‫‪ 1‬يدخل‪.‬‬
‫‪ 2‬ثقب البرة‪.‬‬
‫‪ 3‬فراش‪.‬‬
‫‪ 4‬أغطية كاللحف‪.‬‬
‫‪ 5‬طاقتها‪.‬‬
‫‪ 6‬رواه البخاري‬
‫‪ 7‬رواه مسلم‪.‬‬
‫ت‪ ،‬حتى تعلو قلبححه«‪،1‬‬ ‫ونزع واستعتب صقل قلبه‪ ،‬وإن زاد زاد ْ‬
‫ما ك َححاُنوا‬ ‫م َ‬ ‫ن عََلى قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ل َرا َ‬ ‫فذلك الّران الذي قال الله‪﴿ :‬ك َّل ب َ ْ‬
‫ت‪ ،‬وأ َت ْب ِححع السححيئ َ‬
‫ة‬ ‫ه حيثمححا كنح َ‬ ‫ق اللح َ‬ ‫ِ‬ ‫ن﴾‪ ،‬وقححوله ‪» :‬ات ّح‬ ‫سُبو َ‬ ‫ي َك ْ ِ‬
‫سن«‪.2‬‬ ‫خُلق ح َ‬ ‫خاِلق الناس ب ُ‬ ‫حها‪ ،‬و َ‬ ‫م ُ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫الحسن َ‬
‫فسححه‪،‬‬ ‫مححا علححى تححأديب ن ْ‬ ‫من أجل هذا يعيش المسلم عامل ً دائ ً‬
‫ن يححؤّدب‪ ،‬فيأخححذها بححالداب‬ ‫م ْ‬ ‫وتزكيتها وتطهيرها؛ إذ هي أولى َ‬
‫جّنبهححا كححل مححا يدسححيها‪،‬‬ ‫مطهرة لدرانها‪ ،‬كمححا ي ُ َ‬ ‫المزك َّية لها‪ ،‬وال ُ‬
‫سحّيئ المعتقحدات‪ ،‬وفاسححد القححوال والفعحال‪،‬‬ ‫ويفسححدها محن َ‬
‫ل نهاَر‪ ،‬ويحاسبها في كل ساعة‪ ،‬يحملها على فِْعححل‬ ‫يجاهدها لي َ‬
‫الخيرات‪ ،‬ويدفعها إلى الطاعة دفًعا‪ ،‬كمححا يصححرفها عححن الشحّر‬
‫صْرًفا‪ ،‬ويردها عنهما رّدا‪ ،‬ويتبع في إصلحها وتأديبهححا؛‬ ‫والفساد َ‬
‫لتطهر وتزكو الخطوات التالية‪:‬‬
‫خل ّحححي عحححن سحححائر الحححذنوب‬ ‫أ‪ -‬التوبببة‪ ،‬والمحححراد منهحححا‪ :‬الت َ‬
‫سحَلف‪ ،‬والعحزم علحى عححدم‬ ‫والمعاصي‪ ،‬والندم على كل ذ َن ْححب َ‬
‫العودة إلى الذنب في مقبل العمر؛ وذلك لقوله ‪ -‬تعالى ‪َ﴿ :-‬يا‬
‫ة نصححوحا عَسححى ربك ُح َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مأ ْ‬ ‫َ ّ ْ‬ ‫َ‬ ‫مُنوا ُتوُبوا إ َِلى الل ّحهِ ت َوْب َح ً َ ُ ً‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫حت ِهَححا اْل َن ْهَححاُر‬
‫ن تَ ْ‬‫مح ْ‬ ‫ري ِ‬‫ِ‬ ‫ج‬
‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل َك ُ ْ‬‫م وَي ُد ْ ِ‬ ‫سي َّئات ِك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫فَر عَن ْك ُ ْ‬ ‫ي ُك َ ّ‬
‫ميعًححا أ َي ّهَححا‬
‫ج ِ‬ ‫﴾]التحريم‪ ،[8 :‬وقوله ‪ -‬تعالى ‪﴿ :-‬وَُتوُبوا إ َِلى الل ّحهِ َ‬
‫ن﴾ ]النور‪ ،[31 :‬وقال رسول اللححه ‪:‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م تُ ْ‬ ‫ن ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫»يا أيها الناس‪ ،‬توبوا إلى اللححه‪ ،‬فححإّني أتححوب فححي اليححوم مححائة‬
‫‪3‬‬
‫ن تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربهححا؛‬ ‫م ْ‬ ‫مرة« ‪ ،‬وقوله‪َ » :‬‬
‫تححاب اللححه عليححه«‪ ،4‬وقححوله‪» :‬إن اللححه ‪ -‬تعححالى ‪ -‬يبسححط يححده‬
‫ب‬ ‫مسححيء النهححار‪ ،‬ويبسححط يححده بالنهححار؛ ليتححو َ‬ ‫ب ُ‬ ‫بالليححل؛ ليتححو َ‬
‫من مغربها«‪ ،5‬وقوله‪» :‬ل َّلححه‬ ‫س ِ‬ ‫مسيء الليل حتى تطلعَ الشم ُ‬ ‫ُ‬
‫ض دويححة‬ ‫مححن رجححل فححي أر ٍ‬ ‫حححا بتوبححة عبححده المححؤمن ِ‬ ‫أشححد فر ً‬
‫مهلكة‪ ،‬معه راحلته‪ ،‬عليها طعامه وشححرابه‪ ،‬فنححام‪ ،‬فاسححتيقظ‪،‬‬
‫وقد ذهبت‪ ،‬فطلبها حتى أدركها العطش‪ ،‬ثم قححال‪ :‬أرجححع إلححى‬
‫ت فيه فأنام ححتى أمحوت‪ ،‬فوضححع رأسححه علحى‬ ‫مكاني الذي كن ُ‬
‫سححاعده؛ ليمححوت‪ ،‬فاسححتيقظ وعنححده راحلتححه‪ ،‬وعليهححا زاده‬

‫النسائي‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وقال فيه‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬ ‫رواه‬ ‫‪1‬‬

‫أحمد‪ ،‬والترمذي‪ ،‬والحاكم‪.‬‬ ‫رواه‬ ‫‪2‬‬

‫مسلم‪.‬‬ ‫رواه‬ ‫‪3‬‬

‫مسلم‪.‬‬ ‫رواه‬ ‫‪4‬‬

‫مسلم‪.‬‬ ‫رواه‬ ‫‪5‬‬


‫حا بتوبة العبد المؤمن من هذا‬ ‫شَرابه‪ ،‬فالله أشد فر ً‬ ‫وطعامه و َ‬
‫براحلته وزاده«‪.1‬‬
‫ب‪ -‬المراقبة‪ ،‬وهي أن يأخذ المسلم نفسححه بمراقبححة اللححه ‪-‬‬
‫تبارك وتعححالى ‪ -‬ويلزمهححا إياهححا فححي كححل لحظحةٍ مححن لحظححات‬
‫م‬ ‫مط ّل ِحعٌ عليهححا‪ ،‬عَححال ِ ٌ‬ ‫الحيححاة؛ حححتى يتححم لهححا اليقيححن بححأن اللححه ُ‬
‫ل نفس بما‬ ‫م عليها وعلى ك ّ‬ ‫بأسرارها‪ ،‬رقيب على أعمالها‪ ،‬قائ ٌ‬
‫كسبت‪ ،‬وبذلك تصبح مستغرقة بملحظححة جلل اللححه وكمححاله‪،‬‬
‫شاعرة بالنس في ذكره‪ ،‬واجدة الراحححة فححي طححاعته‪ ،‬راغبححة‬
‫في جواره‪ ،‬مقبلة عليه‪ ،‬معرضة عما سواه‪.‬‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫سح ُ‬ ‫ح َ‬‫نأ ْ‬ ‫مح ْ‬ ‫وهذا معنى إسلم الوجه فححي قححوله ‪ -‬تعححالى ‪﴿ :-‬وَ َ‬
‫دينا مم َ‬
‫ن ﴾]النساء‪ ،[125 :‬وقوله‬ ‫س ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ل ِل ّهِ وَهُوَ ُ‬ ‫جهَ ُ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫سل َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ً ِ ّ ْ‬
‫ن فَقَحدِ‬ ‫سح ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه إ ِل َححى الل ّحهِ وَهُحوَ ُ‬ ‫جهَح ُ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫سحل ِ ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ -‬سبحانه ‪﴿ :-‬وَ َ‬
‫قى﴾ ]لقمححان‪ ،[22 :‬وهححو عيححن مححا دعححا‬ ‫ك ِبال ْعُْروَةِ ال ْوُث ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬
‫مححا فِححي‬ ‫م َ‬ ‫ه ي َعْل َح ُ‬ ‫ن الل ّح َ‬ ‫مححوا أ ّ‬ ‫إليه الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬في قوله‪َ﴿ :‬واعْل َ ُ‬
‫ن‬ ‫كححا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الّلحح َ‬ ‫حححذ َُروهُ﴾ ]البقححرة‪ ،[235 :‬وقححوله‪﴿ :‬إ ِ ّ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫سححك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ن فِححي‬ ‫ما ت َك ُححو ُ‬ ‫م َرِقيًبا﴾ ]النساء‪ ،[1 :‬وقوله ‪ -‬سبحانه ‪﴿ :-‬وَ َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫ل إ ِّل ك ُن ّححا‬ ‫َ ْ‬
‫مح ٍ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫مح ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مل ُححو َ‬ ‫ن َول ت َعْ َ‬ ‫ن قُحْرآ ٍ‬ ‫مح ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْح ُ‬ ‫ما ت َت ْل ُححو ِ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫شأ ٍ‬
‫ن ِفيحهِ﴾ ]يححونس‪ ،[61 :‬وقححوله ‪ -‬عليححه‬ ‫ضححو َ‬ ‫في ُ‬ ‫شُهوًدا إ ِذ ْ ت ُ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫كحن تحراه‬ ‫الصلة والسلم ‪» :-‬اعُبد الله كأنك تحراه‪ ،‬فحإن َلحم ت َ ُ‬
‫فإنه يراك«‪.2‬‬
‫وأنشد بعضهم‪:‬‬
‫ل‪ :‬عَل َ ّ‬
‫ي‬ ‫ن قُ ْ‬ ‫ت وَل َك ِ ْ‬ ‫خل َوْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ما‬‫ت الد ّهَْر ي َوْ ً‬ ‫خل َوْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫إ َِذا َ‬
‫ب‬ ‫َرِقي ُ‬ ‫ق ْ‬
‫ل‬ ‫َفل ت َ ُ‬
‫َ‬
‫في عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َول أ ّ‬ ‫ف ُ‬
‫ل‬ ‫ه ي َغْ ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫َول ت َ ْ‬
‫ب‬ ‫ي َِغي ُ‬ ‫ة‬
‫ساعَ ً‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫دا ِللّناظ ِ ِ‬ ‫ن غَ ً‬ ‫وَأ ّ‬ ‫سَرعُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن الي َوْ َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫أل َ ْ‬
‫ب‬‫ري ُ‬ ‫قَ ِ‬ ‫ب‬‫َذاهِ ٍ‬
‫م عححامل ً فححي هححذه‬ ‫ما كححان المسححل ُ‬ ‫جب‪ -‬المحاسبة؛ وهي أنه ل َ ّ‬
‫هله‬ ‫ل نهاَر علححى مححا يسححعده فححي الححدار الخححرة‪ ،‬ويححؤ ّ‬ ‫الحياة ل َي ْ َ‬
‫وسم عملححه ‪-‬‬ ‫دنيا هي م ْ‬ ‫لكرامتها‪ ،‬ورضوان الله فيها‪ ،‬وكانت ال ّ‬
‫كان عليه أن ينظَر إلى الفرائض الواجبححة عليححه كن َظ َححر التححاجر‬
‫إلى رأس ماله‪ ،‬وينظر إلى النوافل نظححر التححاجر إلححى الربححاح‬
‫الححزائدة علححى رأس المححال‪ ،‬وينظححر إلححى المعاصححي والححذنوب‬
‫متفق عليه‪ ،‬والدوية‪ :‬فلة خالية من الناس‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫مّتفق عليه بلفظ‪)) :‬أن تعبد الله((‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫ة مححن آخححر كححل‬ ‫كالخسارة في التجارة‪ ،‬ثم يخلو بنفسححه سححاع ً‬
‫صححا فححي‬ ‫ق ً‬ ‫يوم ُيحاسب نفسه فيها على عمل يومه‪ ،‬فإن رأى ن ْ‬
‫الفرائض لمها ووّبخها‪ ،‬وقام إلى جبره في الحححال‪ ،‬فححإن كححان‬
‫ضححى جححبره بالكثححار مححن‬ ‫ق َ‬ ‫ن كان مما ل ي ُ ْ‬ ‫ضى قضاه‪ ،‬وإ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫مما ي ُ ْ‬
‫وض النححاقص وجححبره‪،‬‬ ‫صا في النوافححل ع ح ّ‬ ‫النوافل‪ ،‬وإن رأى نق ً‬
‫فر وندم‪ ،‬وأناب وعمل‬ ‫وإن رأى خسارة بارتكاب المنهي است َغْ َ‬
‫ما أفسد‪.‬‬ ‫حا ل ِ َ‬ ‫من الخير ما يراه مصل ً‬
‫حححدى ط ُحُرق‬ ‫سححبة للنفححس‪ ،‬وهححي إ ْ‬ ‫ن المحا َ‬ ‫هححذا هححو المححراد مح َ‬
‫إصلحها وتأديبها‪ ،‬وتزكيتها وتطهيرها؛ وأدلتها ما يأتي‪:‬‬
‫ه وَل ْت َن ْظ ُْر ن َ ْ‬ ‫َ‬
‫محا‬ ‫س َ‬ ‫فح ٌ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال ‪ -‬تعالى ‪َ﴿ :-‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن﴾ ]الحشححر‪:‬‬ ‫مل ُححو َ‬ ‫مححا ت َعْ َ‬ ‫خِبيحٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّح َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫قوا الل ّح َ‬ ‫ت ل ِغَدٍ َوات ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قَد ّ َ‬
‫سححبة‬ ‫س﴾‪ :‬هححو أمححر بالمحا َ‬ ‫فح ٌ‬ ‫‪ .[18‬فقوله ‪ -‬تعالى ‪﴿ :-‬وَل ْت َن ْظ ُحْر ن َ ْ‬
‫ت لغححدها المنتظححر‪ ،‬وقححال ‪ -‬تعححالى ‪﴿ :-‬‬ ‫م ْ‬ ‫للنفس علححى مححا قحد ّ َ‬
‫َ‬
‫ن﴾ ]النححور‪:‬‬ ‫حححو َ‬ ‫فل ِ ُ‬
‫م تُ ْ‬ ‫ن ل َعَل ّك ُح ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ميًعا أي َّها ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫وَُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ َ‬
‫‪.[31‬‬
‫َ‬
‫سحت َْغفره فحي اليححوم مححائة‬ ‫وقال ‪» :‬إّني لُتوب إلححى اللحه‪ ،‬وأ ْ‬
‫سبوا أنفسكم قبححل‬ ‫مرة«‪ ،1‬وقال عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪» :-‬حا ِ‬
‫سُبوا‪ ،‬وزنوها قبل أن توزنوا«‪ ،2‬وكان ‪-‬رضي الله عنه ‪-‬‬ ‫حا َ‬ ‫أن ت ُ َ‬
‫ن الليل يضرب قححدميه بالححدّرة ‪ -‬عصححا ‪ -‬ويقححول لنفسححه‪:‬‬ ‫ج ّ‬ ‫إذا َ‬
‫ماذا عملت اليوم؟‬
‫سححبون أنفسححهم عححن‬ ‫من هححذه المححة ُيحا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫هكذا كان الصالحو َ‬
‫قوى‪ ،‬وينهونهححا‬ ‫تفريطها‪ ،‬ويلومونها على تقصيرها‪ ،‬يلزمونها الت ْ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫م َرب ّح ِ‬ ‫قححا َ‬
‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خححا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫مح‬‫ما َ‬ ‫مل ً بقوله ‪ -‬تعالى ‪﴿ :-‬وَأ ّ‬ ‫عن الهوى؛ عَ َ‬
‫ْ‬
‫مأَوى﴾ ]النازعححات‪:‬‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫ة هِ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫وى * فَإ ِ ّ‬ ‫ن ال ْهَ َ‬ ‫س عَ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫وَن ََهى الن ّ ْ‬
‫‪.[41 ،40‬‬
‫د‪ -‬المجاهدة؛ وهي‪ :‬أن يعلم المسلم أن أعدى أعححدائه إليححه‬
‫ش حّر‪ ،‬ف حّراَرة‬ ‫جن ْب َْيه‪ ،‬وأنها بطبعها مّيالححة إلححى ال ّ‬ ‫نفسه التي بين َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫مححاَرةٌ‬ ‫س َل ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫سي إ ِ ّ‬ ‫ما أب َّرئُ ن َفْ ِ‬ ‫مارة بالسوء؛ ﴿وَ َ‬ ‫من الخير‪ ،‬أ ّ‬
‫دعححة والخلححود إلححى الراحححة‪،‬‬ ‫سححوِء﴾ ]يوسححف‪ ،[53 :‬تحححب ال ّ‬ ‫ِبال ّ‬
‫وترغب في البطالة‪ ،‬وتنجرف مع الهححوى تسححتهويها الشححهوات‬
‫ؤها‪.‬‬ ‫العاجلة‪ ،‬وإن كان فيها حتفها وشقا ُ‬

‫‪ 1‬رواه مسلم‪.‬‬
‫سن َد ٍ حسن‪ ،‬عححن النححبي ‪ -‬صححلى اللححه‬
‫‪ 2‬وفي هذا المعنى ما رواه الترمذي ب َ‬
‫ن‬
‫مح ْ‬‫عليه وسلم ‪» :-‬الك َّيس من دان نفسه‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪ ،‬والعاجز َ‬
‫أتبع نفسه هواها‪ ،‬وتمّنى على الله الماني«‪.‬‬
‫م هححذا عب ّححأ نفسححه لمجاهححدة نفسححه‪ ،‬فححأعلن‬ ‫فإذا عرف المسل ُ‬
‫مم علححى مكافحححة‬ ‫عليها الحححرب‪ ،‬وشححهر ضححدها السححلح‪ ،‬وصح ّ‬
‫رعوناتها‪ ،‬ومناجزة شححهواتها‪ ،‬فححإذا أحب ّححت الراحححة أتعبهححا‪ ،‬وإذا‬
‫صححرت فححي طاعححة أو خيححر‬ ‫رغبت فحي الشححهوة حرمهححا‪ ،‬وإذا ق ّ‬
‫مها‪ ،‬ثم ألزمها بفعححل مححا قصححرت فيححه‪ ،‬وبقضححاء مححا‬ ‫عاقبها ول َ‬
‫ف حوّت َْته أو تركت ْححه‪ ،‬يأخححذها بهححذا التححأديب حححتى تطمئن وتطهححر‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫هدة للنفس؛ قال ‪ -‬تعالى ‪َ﴿ :-‬وال ّح ِ‬ ‫وتطيب‪ ،‬وتلك غاية المجا َ‬
‫سب ُل ََنا﴾ ]العنكبوت‪.[69 :‬‬ ‫م ُ‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬‫جاهَ ُ‬ ‫َ‬
‫م إذا يجاهححد نفسححه فححي ذات اللححه؛ لتطيححب وتطهححر‪،‬‬ ‫والمسححل ُ‬
‫كرامة الله تعالى ورضاه ‪ -‬يعَْلحح ُ‬
‫م‬ ‫وتزكو وتطمئن‪ ،‬وتصبح أهل ً ل َ‬
‫أن هححذا هححو دْرب الصححالحين‪ ،‬وسححبيل المححؤمنين الصححادقين؛‬
‫مقتفًيا آثارهم‪ ،‬فرسول الله‬ ‫فيسلكه مقتدًيا بهم‪ ،‬ويسير معهم ُ‬
‫س حِئل ‪ -‬عل َي ْححه‬ ‫طرت قدماه الشححريفتان‪ ،‬و ُ‬ ‫‪ ‬قام الليل حتى تف ّ‬
‫دا‬‫ن عب ْححح ً‬ ‫السحححلم ‪ -‬فحححي ذلك‪ ،1‬فقحححال‪» :‬أفل أححححب أن أكحححو َ‬
‫شكوًرا؟!«؛ أ َيّ مجاهدة أكبر من هذه المجاهدة‪ ،‬واي ْححم اللححه؟!‬
‫دث عن أصحاب رسححول اللححه ‪‬‬ ‫ح ّ‬‫وعلي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬يت َ َ‬
‫ت أصحححاب محمححد ‪ ‬ومححا أرى شححيًئا‬ ‫فيقول‪" :‬والله لقححد رأي ح ُ‬
‫دا‬ ‫ج ً‬
‫سح ّ‬ ‫يشبههم كححانوا يصححبحون شححعًثا غححبًرا صححفًرا‪ ،‬قححد بححاتوا ُ‬
‫حححون بيححن أقححدامهم وجبححاهم‪،‬‬ ‫ما‪ ،‬يتلححون كتححاب اللححه‪ ،‬ي َُراوِ ُ‬ ‫وقيا ً‬
‫وكانوا إذا ذ ُك َِر الله مححادوا كمححا يميححد الشححجر فححي يححوم الريححح‪،‬‬
‫ل ثيابهم"‪.‬‬ ‫مَلت أعينهم حتى تب ُ ّ‬ ‫وه َ َ‬
‫***‬

‫ثابت في الصحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫الستقامة وإصلح النفس وتزكيتها‬
‫ن في هذه الحياة عامل الخير والشر‪ ،‬وكححثيًرا مححا‬ ‫يتناَزع النسا ُ‬
‫يْنساق إلى أحدهما بدافٍع داخلي‪ ،‬أو مؤّثر خارجي‪.‬‬
‫ة النسان من نزعات الشر؛ ببيان‬ ‫دين من أهم أهدافه وقاي ُ‬ ‫وال ّ‬
‫ضححرره‪ ،‬والتحححذير منححه‪ ،‬ودعححوة الححذين ت َوَّرطححوا فيححه إلححى‬
‫ة هححي أقْححوى‬ ‫ه الله لعباِده‪ ،‬فالستقام ُ‬ ‫م ُ‬‫س َ‬ ‫ما َر َ‬ ‫الستقامة‪ ،‬ت َب ًَعا ل ِ َ‬
‫ت هححذه الرغبححة فححي قحوْم ٍ إّل‬ ‫ي الدبي‪ ،‬وما سححيطر ْ‬ ‫ب للّرقِ ّ‬ ‫سب ٍ‬
‫قّر السلم بينهم‪.‬‬ ‫صلح حالهم‪ ،‬واست َ َ‬
‫ضحُعف إقبحاُله‬ ‫والنسان إذا َلم تصاحبه الّرغبة في السحتقامة‪َ ،‬‬
‫على الخير‪ ،‬وأصبح هدًفا سهل ً للتوَّرط فححي الثححام‪ ،‬لهححذا نححرى‬
‫َ‬
‫صححا‪ ،‬ودعححا إليهححا بأسححلوب‬ ‫مححا خا ّ‬ ‫السلم أوَْلى الستقامة اهتما ً‬
‫شائق يستهوي النفس‪ ،‬ويؤثر فححي أعمححق أعماقهححا بمححا وعححد‬
‫حسحن المثوبحة فحي الحدنيا‬ ‫جحر العظيحم‪ ،‬و ُ‬ ‫المستقيمين محن ال ْ‬
‫موا‬ ‫قا ُ‬ ‫س حت َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ث ُح ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫والخرة؛ قال سبحانه‪﴿ :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ة أ َّل ت َ َ‬
‫ة‬
‫جن ّح ِ‬ ‫ش حُروا ِبال ْ َ‬ ‫حَزن ُححوا وَأب ْ ِ‬ ‫خححاُفوا وََل ت َ ْ‬ ‫مَلئ ِك َح ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ت َت َن َّز ُ‬
‫َ‬
‫حي َححاةِ ال حد ّن َْيا وَفِححي‬ ‫م فِححي ال ْ َ‬ ‫ن أوْل ِي َححاؤُك ُ ْ‬ ‫حح ُ‬ ‫ن * نَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ن*‬ ‫عو َ‬ ‫مححا َتححد ّ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫م وَل َك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫شت َِهي أ َن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫خَرةِ وَل َك ُ ْ‬ ‫اْل ِ‬
‫حيم ٍ﴾ ]فصلت‪.[32 - 30 :‬‬ ‫فورٍ َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُُزل ً ِ‬
‫موا‬ ‫قا ُ‬ ‫س حت َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ه ث ُح ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب َّنا الل ّح ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ويطمئنهم الله بقوله‪﴿ :‬إ ِ ّ‬
‫ن﴾ ]الحقححاف‪[13 :‬؛ أي‪ :‬فل‬ ‫حَزن ُححو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وََل هُ ح ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ح ْ‬ ‫خ حو ْ ٌ‬ ‫فََل َ‬
‫خوف عليهم من عذاب يوم القيامة‪ ،‬ول هم يحزنون علححى مححا‬
‫خّلفوا وراءهم بعد مماتهم‪.‬‬
‫ل إلى رسول الله ‪ ‬فقال‪ :‬أوصني يححا رسححول اللححه‪،‬‬ ‫وجاء رج ٌ‬
‫ت‬ ‫ل‪ :‬آمن ح ُ‬ ‫فأجابه الرسول بهذه الجملة المححوجزة الرائعححة‪» :‬ق ح ْ‬
‫م«‪.1‬‬ ‫بالله‪ ،‬ثم استق ْ‬
‫إصلح النفس‪ :‬ومما يتوافَححق مححع معنححى السححتقامة إصححلح‬
‫شّر يجّر إلى أوخححم العححواقب علححى‬ ‫ن التمادي في ال ّ‬ ‫النفس؛ ل ّ‬
‫النفححس النسححانية وعلححى المجتمححع؛ ولهححذا وعححد اللححه الححذين‬
‫ن‬‫مح ْ‬ ‫يصلحون أنفسهم بالغفران والرضححا؛ قححال ‪ -‬سححبحانه ‪﴿ :-‬فَ َ‬
‫َ‬
‫فححوٌر‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّح َ‬ ‫ب عَل َي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫ه ي َُتو ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ح فَإ ِ ّ‬ ‫صل َ َ‬ ‫مهِ وَأ ْ‬ ‫ن ب َعْدِ ظ ُل ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫َتا َ‬
‫معاء‪َ﴿ :‬يا ب َِنححي‬ ‫ج ْ‬
‫م﴾ ]المائدة‪ ،[39 :‬وُيخاطب الله النسانية َ‬ ‫حي ٌ‬ ‫َر ِ‬

‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫قححى‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫تي‬ ‫حا‬
‫ح‬ ‫ي‬‫آ‬ ‫م‬ ‫ح‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫ن عَل َ‬ ‫صو‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ت‬‫آدم إما يأ ْ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ِ ّ َ‬
‫َ‬
‫ن﴾ ]العراف‪.[35 :‬‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م وََل هُ ْ‬ ‫ف عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫ح فََل َ‬ ‫صل َ َ‬‫وَأ ْ‬
‫تزكية النفس‪ :‬وممححا ينسححجم مححع السححتقامة مححا عب ّححر عنححه‬
‫طهححر مححن الدنححاس‪،‬‬ ‫ضا بتزكيححة النفححس؛ ومعناهححا‪ :‬ال ّ‬ ‫القرآن أي ً‬
‫والسموّ عن النقائص‪ ،‬ووضححع النفححس حيححث يطيححب موضححعها‪،‬‬
‫ظهححا مححن الرضححوان‪ ،‬وبيححن‬ ‫ويرتفع قححدرها؛ لتأخحذ َ عنححد اللححه ح ّ‬
‫ث القححرآن علححى تزكيححة‬ ‫الناس نصيبها مححن الكرامححة‪ ،‬ولقححد ح ح ّ‬
‫النفس هذه‪ ،‬ووعد بالفلح من أخذ بها؛ فقال ‪ -‬سبحانه ‪﴿ :-‬قَد ْ‬
‫َ‬
‫كى﴾ ]العلى‪ ،[14 :‬وقال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬فححي النفححس‬ ‫ن ت ََز ّ‬ ‫م ْ‬
‫ح َ‬ ‫أفْل َ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مححح ْ‬ ‫ب َ‬ ‫خحححا َ‬ ‫هحححا * وََقحححد ْ َ‬ ‫ن َز ّ‬
‫كا َ‬ ‫مححح ْ‬ ‫ح َ‬ ‫النسحححانّية‪َ﴿ :‬قحححد ْ أفَْلححح َ‬
‫ها﴾ ]الشمس‪.[10 ،9 :‬‬ ‫سا َ‬ ‫دَ ّ‬
‫فعهححا إل علححى‬ ‫وبي ّححن ‪ -‬سححبحانه ‪ -‬أن تْزكيححة النفححس ل يعححود ن ْ‬
‫كححى‬ ‫مححا ي َت ََز ّ‬ ‫كى فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن ت ََز ّ‬‫م ْ‬ ‫صاحبها‪ ،‬فلهذا يجب الحْرص عليها‪﴿ :‬وَ َ‬
‫صيُر﴾ ]فاطر‪.[18 :‬‬ ‫م ِ‬ ‫سهِ وَإ َِلى الل ّهِ ال ْ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل ِن َ ْ‬
‫ن الستقامة وإصلح النفس وتزكيتها صفات تفتح باب المححل‬ ‫إ ّ‬
‫للحذين توّرطحوا فحي الثحم؛ لتغييحر حيحاتهم إلحى حيحاة أفضحل‪،‬‬
‫وتنفي عنهم اليأس من إصلح أنفسهم‪ ،‬وصفة اليأس هححذه إذا‬
‫فوسهم؛ جعلتهم عنصر شّر ل ُيمكن إصلحه‪.‬‬ ‫كنت من ن ُ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫تَ َ‬
‫كتشفات عل ْححم النفححس الحديثححة‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫خص كل ُ‬ ‫إن هذه التعاليم ت ُل َ ّ‬
‫الححتي تقححول بححأنه لححن يتس حّنى لنححا الحصححول علححى الشخصححية‬
‫صححْرف‪،‬‬ ‫خُلق القويم عن طريق الّتأمل الباطني ال ّ‬ ‫الناجحة أو ال ُ‬
‫بل عن طريق تدريب النفس؛ أي‪ :‬تهذيبها وحكمها والسححيطرة‬
‫عليها‪.1‬‬
‫***‬

‫كتاب "روح الدين السلمي"‪ ،‬ص ‪.201 - 200‬‬ ‫‪1‬‬


‫دين‬ ‫التذكير بالستقامة على ال ّ‬
‫سلم‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله شهادة‬ ‫الحمد لله الذي هدانا لل ْ‬
‫دا نححبيه‬ ‫مححن قححال‪ :‬ربححي اللححه‪ ،‬ثححم اسححتقام‪ ،‬وأشححهد أن محم ح ً‬ ‫َ‬
‫ل علحى نبيحك ورسحولك محمحد‪،‬‬ ‫ورسوله سيد النام‪ ،‬اللهم صح ّ‬
‫ما كثيًرا‪.‬‬ ‫سّلم تسلي ً‬ ‫وعلى آله وأصحابه الب ََرَرةِ الكرام‪ ،‬و َ‬
‫د‪:‬‬‫أما بع ُ‬
‫موا‬ ‫قا ُ‬ ‫س حت َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ه ث ُح ّ‬ ‫ن قَححاُلوا َرب ّن َححا الل ّح ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّح ِ‬ ‫فقد قال ‪ -‬تعالى ‪﴿ :-‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫جن ّح ِ‬ ‫ش حُروا ِبال ْ َ‬ ‫حَزن ُححوا وَأب ْ ِ‬ ‫خححاُفوا َول ت َ ْ‬ ‫ة أّل ت َ َ‬ ‫مَلئ ِك َح ُ‬‫م ال ْ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ت َت َن َّز ُ‬
‫َ‬
‫حي َححاةِ ال حد ّن َْيا وَفِححي‬ ‫م فِححي ال ْ َ‬ ‫ن أوْل ِي َححاؤُك ُ ْ‬ ‫حح ُ‬ ‫ن * نَ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫م ُتوعَ ُ‬ ‫ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ن*‬ ‫عو َ‬ ‫مححا َتححد ّ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫م وَل َك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫شت َِهي أ َن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫خَرةِ وَل َك ُ ْ‬ ‫اْل ِ‬
‫حيم ٍ﴾ ]فصلت‪.[32 - 30 :‬‬ ‫فورٍ َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُُزل ً ِ‬
‫من قححال‪ :‬ربححي‬ ‫ل َ‬ ‫فوعد الله ‪ -‬سبحانه‪ ،‬ووعده حق وصدق ‪ -‬ك ّ‬
‫الله؛ أي‪ :‬قال‪ :‬أنا مسلم‪ ،‬أنا مؤمن‪ ،‬أشححهد أن ل إلححه إل اللححه‪،‬‬
‫دا رسول الله‪ ،‬ثم استقام على تصديق ما قال‪،‬‬ ‫أشهد أن محم ً‬
‫فحافظ على واجباته‪ ،‬من أداء الصلوات الخمس في أوقاتهححا‪،‬‬
‫ما لححه عنححد ربححه‪،‬‬ ‫وأداء زكاة ماله طيبة بها نفسه‪ ،‬يحتسبها مغن ً‬
‫ل أرحححامه‪ ،‬وأحسححن إلححى‬ ‫صح َ‬ ‫وصححام رمضححان‪ ،‬وب َحّر والحد َْيه‪ ،‬وَوَ َ‬
‫م‬ ‫الفقراء والمسححاكين واليتححام‪ ،‬كمححا أحسححن اللححه إليححه‪ ،‬والت َحَز َ‬
‫صدق والوفاء بالعهححد والوعححد‪ ،‬وأداء المانححة‪ ،‬واجتنححاب الربححا‬ ‫ال ّ‬
‫ن اسححتقام‬ ‫مح ِ‬‫وشرب المسكرات‪ ،‬وسائر أعمححال المنكححرات‪ ،‬ف َ‬
‫سب المححال الحلل ‪-‬‬ ‫على هذه العمال‪ ،‬ثم سعى سعيه في ك ْ‬
‫فإنه يحيا حياةً سعيدة طيبة‪ ،‬يجححد لححذتها فححي نفسححه‪ ،‬وتسححري‬
‫دا فححي‬ ‫بالصحة والسرور على سائر جسمه‪ ،‬حححتى يكححون سححعي ً‬
‫دا بعد وفاته‪ ،‬ويفوز بهذه الخصال الحميدة؛ فمنها‪:‬‬ ‫حياته‪ ،‬سعي ً‬
‫الولى‪ :‬ت َت َن َّزل عليه الملئكة بالرحمححة والبركححة والسححكينة فححي‬
‫مححن‬ ‫ن النححاس َ‬ ‫حاله‪ ،‬ومححاله‪ ،‬وعيححاله‪ ،‬وصححالح أعمححاله‪ ،‬ولن مح َ‬
‫مححن ت َت َن َحّزل‬ ‫ت َت َن َّزل عليهححم الملئكححة بالرحمححة والبركححة‪ ،‬ومنهححم َ‬
‫شر‪﴿ :‬هَ ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ن ت َن َحّز ُ‬ ‫مح ْ‬ ‫م عَل َححى َ‬ ‫ل أن َب ّئ ُك ُ ْ‬ ‫عليهم الشياطين بالشؤم وال ّ‬
‫ك أِثيححم ٍ * ي ُل ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل عََلححى ُ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫سحح ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قححو َ‬ ‫ل أّفححا ٍ‬ ‫كحح ّ‬ ‫ن * ت ََنححّز ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫شححَيا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن﴾ ]الشعراء‪.[223 - 221 :‬‬ ‫كاذُِبو َ‬ ‫وَأك ْث َُرهُ ْ‬
‫هب عنه‬ ‫من ذ َ َ‬ ‫حزنوا‪ ،‬و َ‬ ‫والثانية‪ :‬تْبشير الملئكة بأل تخافوا ول ت ْ‬
‫ن‬ ‫شححؤم والشححر؛ ل ّ‬ ‫الخححوف والحححزن فقححد ذ َهَححب عنححه جميححع ال ّ‬
‫مححا‬ ‫ش حّر‪ ،‬فححإنه دائ ً‬ ‫النسان متى كان يخاف وُُقوع شححيء مححن ال ّ‬
‫ف‪ ،‬وإذا وقع به فإنه ل يححزال‬ ‫خائف مهموم منه‪ ،‬ول عَْيش لخائ ٍ‬
‫م والحححزن عقوبححات‬ ‫كئيب ًححا حزين ًححا منححه‪ ،‬ومححن المعلححوم أن اله ح ّ‬
‫ظححى‪ ،‬ول يححزالن ينفخححان فححي‬ ‫تتححوالى‪ ،‬ونححار فححي القلححب ت َت َل َ ّ‬
‫فا‪ ،‬كما قيل‪:‬‬ ‫فا‪ ،‬والقويّ ضعي ً‬ ‫الجسم‪ ،‬حتى يجعل السمين نحي ً‬
‫ة‬
‫صي َ َ‬‫ب َنا ِ‬ ‫شي ُ‬ ‫وَي ُ ِ‬ ‫م‬‫خت َرِ ُ‬ ‫م يَ ْ‬‫َوال ْهَ ّ‬
‫م‬
‫ي وَي ُهْرِ ُ‬ ‫صب ِ ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫ة‬‫حافَ ً‬ ‫م نِ َ‬ ‫سي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫من دعاء النبي ‪ ‬أنه يقول‪» :‬اللهم إني أعححوذ بححك مححن‬ ‫وكان ِ‬
‫سححل‪ ،‬وأعححوذ بححك مححن‬ ‫الهم والحزن‪ ،‬وأعوذ بك من العجز والك َ‬
‫‪1‬‬
‫دين وقْهر الرجال« ‪.‬‬ ‫جبن والُبخل‪ ،‬وأعوذ بك من غَل ََبة ال ّ‬ ‫ال ُ‬
‫س حِلموا مححن‬ ‫ب العالمين قد َ‬ ‫وهؤلء المستقيمون على طاعة ر ّ‬
‫دهم سححراُء‬ ‫ت أح ح َ‬ ‫مر المحبوب‪ ،‬إن أصححاب ْ‬ ‫المْرهوب‪ ،‬وفازوا بال ْ‬
‫كر‪ ،‬فكان خيًرا له‪ ،‬وإن أصابته ضراُء فصَبر‪ ،‬كان خيًرا له‪.‬‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫جن ّحةِ ال ّت ِححي‬ ‫َ‬
‫ش حُروا ِبال ْ َ‬ ‫والبشرى الثالثة‪ :‬قول الملئكححة لهححم‪﴿ :‬وَأب ْ ِ‬
‫ن فيهححا‬ ‫ل؛ ل ّ‬ ‫ن﴾‪ ،‬وهححذه البشححرى هححي أعلححى وأجح ّ‬ ‫دو َ‬‫م ُتوعَح ُ‬ ‫ك ُن ْت ُح ْ‬
‫ل للنححبي‬ ‫شرى بالجنة التي يعمل لها العاملون‪ ،‬كما قححال بل ٌ‬ ‫الب ُ ْ‬
‫‪ :‬أما إّني ل أحسن دندنتك‪ ،‬ول دندنة معاذ‪ ،‬أمححا إن ّححي أسححأل‬
‫اللححه الجنححة‪ ،‬وأسححتعيذ بححه مححن النححار‪ ،‬فقححال رسححول اللححه ‪:‬‬
‫»حولهما ندندن«‪.2‬‬
‫ن‬
‫ححح ُ‬‫والبشححرى الرابعححة‪ ،‬والخامسححة‪ :‬قححول الملئكححة لهححم‪﴿ :‬ن َ ْ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي اْل ِ‬ ‫َ‬
‫ن كححانت الملئكححة‬ ‫مح ْ‬ ‫خَرةِ﴾‪ ،‬ف َ‬ ‫م ِفي ال ْ َ‬ ‫أوْل َِياؤُك ُ ْ‬
‫ب عنه كل سوء‪ ،‬فتدفع عنححه الذى‪،‬‬ ‫أولياَءه في الدنيا‪ ،‬فإنها تذ ّ‬
‫ب أبححي بكححر‬ ‫ل لس ح ّ‬ ‫دى رج ح ٌ‬ ‫وتحححارب دونححه العححداء‪ ،‬ولمححا تص ح ّ‬
‫ت ل يجاوبه‪ ،‬فلما طححال‬ ‫ل الله ‪ ‬جالس‪ ،‬وأبو بكر صام ْ‬ ‫ورسو ُ‬
‫دى أبححو بكححر للحّرد ّ عليححه‪ ،‬فقححام رسححول اللححه ‪‬‬ ‫سّبه لححه‪ ،‬تصح ّ‬
‫صرًفا‪ ،‬وعلحى وجهحه الكراهيحة‪ ،‬فجحاء أبحو بكحر يعتحذر إليحه‪،‬‬ ‫من ْ َ‬
‫ي وأنا سححاكت‪ ،‬فلمححا‬ ‫فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬لقد سمعت قوله ف ّ‬
‫ت‪ ،‬وعلى وجهك أثُر الكراهية؟ فقال‪» :‬نعححم‪ ،‬إنححه ل‬ ‫جاوبته قم َ‬
‫ت‪،‬‬‫مححا كنححت سححاكًتا‪ ،‬فلمححا انتصححر َ‬ ‫يححزال الملححك ينافِححح عنححك ل ّ‬
‫ت لنصراِفه«‪.‬‬ ‫انصَرف الملك‪ ،‬وانصرف ُ‬
‫وأما ولية الملئكة له في الخرة عند الحتضار فححإن المسححلم‬
‫دين عند حضور أجلححه‪ ،‬تنححزل الملئكححة عليححه‬ ‫م على ال ّ‬ ‫المستقي َ‬
‫شره بالذي يسّره‪ ،‬وتقححول لححه بعطححف‬ ‫بالرحمة والّرضوان‪ ،‬وتب ّ‬
‫طف وحنان‪ :‬يا أيتهححا النفححس المطمئنححة‪ ،‬اخرجححي إلححى روح‬ ‫ول ُ ْ‬
‫رواه أبو داود‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫مَز السيوطي لصحته‪.‬‬


‫رواه أبو داود‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وَر َ‬ ‫‪2‬‬
‫ورضوان‪ ،‬ورب غير غضبان‪ ،‬أبشر بالذي يسحّرك‪ ،‬فهححذا يومححك‬
‫ة*‬ ‫مئ ِن ّح ُ‬‫مط ْ َ‬ ‫س ال ْ ُ‬ ‫فح ُ‬ ‫الذي كنت توعد‪ ،‬ويقححول اللححه‪﴿ :‬ي َححا أ َي ّت ُهَححا الن ّ ْ‬
‫عب َححاِدي *‬ ‫خِلي فِححي ِ‬ ‫ة * فَححاد ْ ُ‬ ‫ض حي ّ ً‬ ‫مْر ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ض حي َ ً‬‫ك َرا ِ‬ ‫جعِححي إ ِل َححى َرب ّح ِ‬ ‫اْر ِ‬
‫جن ِّتي﴾ ]الفجر‪ ،[30 - 27 :‬ولهذا ختم هذه البشارات‬ ‫خِلي َ‬ ‫َواد ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن*‬ ‫عو َ‬ ‫ما َتححد ّ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫م وَل َك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫شت َِهي أن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫بقوله‪﴿ :‬وَل َك ُ ْ‬
‫منون‪ ،‬ومححا ل يخطححر ببححال‬ ‫حيم ٍ﴾؛ أي‪ :‬لكم ما ت َت َ َ‬ ‫فورٍ َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُُزل ً ِ‬
‫ل"؛ أي‪:‬‬ ‫أحدكم من كل ما تشتهي النفس‪ ،‬وت َل َححذ العيححن‪" ،‬نححز ً‬
‫ضيافة وكرامة من غفححور رحيححم‪ ،‬أتححدرون مححا هححي السححتقامة‬
‫التي نححدب اللححه عبححاده إليهححا؟ هحي‪ :‬الثبحات والسحِتقامة علححى‬
‫محراد‬ ‫دين؛ من ِفعل الواجبات‪ ،‬واجِتناب المحّرمحات‪ ،‬وهحي ال ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ت فِححي‬ ‫ل الث ّححاب ِ ِ‬ ‫قو ْ ِ‬ ‫من ُححوا ب ِححال ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّح ِ‬‫ت الل ّ ُ‬ ‫بقوله ‪ -‬تعالى ‪﴿ :-‬ي ُث َب ّ ُ‬
‫محا‬‫ه َ‬ ‫ل الّلح ُ‬ ‫فع َ ُ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ه ال ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫خَرةِ وَي ُ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي اْل ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫شاُء﴾ ]إبراهيم‪.[27 :‬‬ ‫يَ َ‬
‫فالثابت على الدين‪ ،‬وسلوك الصراط المستقيم‪ ،‬الذي سححلكه‬
‫ن‬
‫رسول الله ‪ -‬صحلى اللحه عليحه وسحلم – وأصححابه ‪ -‬هحو عيح ُ‬
‫ن ث ََبت على الححدين‪ ،‬واسححتقام عليححه‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫شودة‪ ،‬ف َ‬ ‫الستقامة المن ْ ُ‬
‫زغ عن أمر ربه‪ ،‬ثّبته عند سؤال الملك َْين لححه فححي القب ْححر‪،‬‬ ‫ولم ي َ ِ‬
‫قنه حجته‪ ،‬ثم يثبته على سححلوك الصححراط المعححروض علححى‬ ‫وي ُل َ ّ‬
‫سْيف البتر‪ ،‬وهذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حد ّ من ال ّ‬ ‫حّر من الجمر‪ ،‬وأ َ‬ ‫ن جهنم‪ ،‬وهو أ َ‬ ‫مت ْ ِ‬ ‫َ‬
‫شبة المعروضححة‬ ‫الصراط المعروض على متن جهنم بمثابة الخ َ‬
‫ك كالشححوك‪ ،‬وهححي‬ ‫سح ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫قل َْيب‪ ،‬وعلى جوانبه كلليححب‪ ،‬و َ‬ ‫على ال ُ‬
‫مححرت‬ ‫ُ‬
‫المعاصي‪ ،‬وكبائر الذنوب‪ ،‬تخدش الناس‪ ،‬وتخطف من أ ِ‬
‫مُرور علحى هحذا‬ ‫بخطفه‪ ،‬وتلقيه في جهنم‪ ،‬فيكلحف النحاس بحال ُ‬
‫ن عَل َححى‬ ‫م إ ِّل َوارِد ُهَححا ك َححا َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫مراد بقوله‪﴿ :‬وَإ ِ ْ‬ ‫صراط‪ ،‬وهو ال ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن ِفيَهححا‬ ‫مي َ‬‫ظححال ِ ِ‬‫وا وَن َذ َُر ال ّ‬ ‫ن ات ّقَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫جي ال ّ ِ‬ ‫م ن ُن َ ّ‬‫ضّيا * ث ُ ّ‬ ‫ق ِ‬‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حت ْ ً‬ ‫ك َ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫جث ِّيا﴾ ]مريم‪.[72 ،71 :‬‬ ‫ِ‬
‫فالمراد بالورود المححرور‪ ،‬فتجححري بالنححاس أعمححالهم‪ ،‬حححتى إن‬
‫جْز يا مححؤمن‪ ،‬فقححد أطفححأ‬ ‫أحدهم يمر كالبرق‪ ،‬وتقول له النار‪ُ :‬‬
‫نوُرك ل ََهبي‪ ،‬ويمر أحدهم كالريح‪ ،‬وكأجححاود الخيححل‪ ،‬والّركححاب‪،‬‬
‫وا‪ ،‬فمخححدوش‬ ‫حب ْح ً‬ ‫مححن يحبححو َ‬ ‫شًيا‪ ،‬ومنهححم َ‬ ‫ومنهم من يمشي م ْ‬
‫كحْرَدس علحى وجهحه فحي نحار جهنحم‪ ،‬والنحبي ‪ ‬علحى‬ ‫م َ‬ ‫ناج‪ ،‬و ُ‬
‫ط ََرف الصراط ينظر إلى الناس‪ ،‬ويقول‪» :‬اللهم سّلم سّلم«‪،‬‬
‫فمتى خلصوا من مرور الصراط‪ ،‬وردوا نهححر الكححوثر‪ ،‬فشححربوا‬
‫دا‪.1‬‬
‫ؤوا بعده أب ً‬ ‫م ُ‬‫منه حتى ل يظ َ‬
‫والمستقيم الثابت على الدين القويم‪ ،‬فإنه يثبححت عنححد سححلوك‬
‫هذه المخاطر والمزالق‪ ،‬ويجري به عمُله فححي أحسححن سححلوك‬
‫زكم عن النححار‪ ،‬أقححول‪:‬‬ ‫ج ِ‬‫ح َ‬ ‫سك ب ِ ُ‬ ‫ي ‪ ‬يقول‪» :‬أنا مم ِ‬ ‫منه‪ ،‬والنب ّ‬
‫حم‬ ‫قححا ُ‬
‫حمون فيهححا‪ ،‬كت َ َ‬ ‫قححا ِ‬ ‫م عححن النححار‪ ،‬وأنتححم تغلبححونني‪ ،‬وت ُ َ‬ ‫هَل ُح ّ‬
‫جَناِدب‪ ،‬وأّنكم ت َرُِدون علي مًعا وأشتاًتا‪ ،‬فححأعرفكم‬ ‫فَراش وال َ‬ ‫ال َ‬
‫بسيماكم وأسمائكم‪ ،‬كما يعرف الرجل الغريبة في إبله‪ ،‬وأنححه‬
‫يؤخذ بأناس من أمححتي ذات الشحمال‪ ،‬فحأقول‪ :‬يحا رب‪ ،‬أمحتي‪،‬‬
‫قا‬
‫دا وسححح ً‬ ‫قال‪ :‬إنك ل تدري مححا أحححدثوا بعححدك‪ ،‬فححأقول‪ :‬ب ُعْح ً‬ ‫في ُ َ‬
‫‪2‬‬
‫ن غّير بعدي« ‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫لِ َ‬
‫ضححا الثبححات علححى مصححابرة العمححال الححتي‬ ‫ثم إن السححتقامة أي ً‬
‫كل إلححى الشحخص‪ ،‬وي ُعْهَححد إليححه فيهححا‪ ،‬مححن أعمححال حكوميححة‬ ‫ت ُوَ ّ‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫فححذ مححا عهححد إليححه فيححه بححدون‬ ‫فالمستقيم على عمله‪ ،‬بحيححث ُين ّ‬
‫قححص‪ ،‬ول خيانححة‪ ،‬وبححدون تعليححل‪ ،‬ول تمليححل‪ ،‬فهححذا‬ ‫خس‪ ،‬ول ن َ ْ‬ ‫بَ ْ‬
‫ح عند الله‪ ،‬وعند خلقه‪ ،‬وينشر له الذكر الجميل‪ ،‬والثناء‬ ‫ممدو ٌ‬
‫الحسن على حسن وفححائه‪ ،‬واسححتقامته فححي أداء عملححه‪ ،‬وكححل‬
‫شخص فمسؤول عما توله؛ كما قيل‪:‬‬
‫حححا فِححي غَححاب ِ ِ‬
‫ر‬ ‫جا ً‬ ‫قححد ّْر هُ ن َ َ‬ ‫م يُ َ‬
‫ق ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫ما ت َ ْ‬‫حي ْث ُ َ‬‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫ما ِ‬ ‫الْز َ‬ ‫ك الل‬
‫أما غير المستقيم‪ ،‬فهو الذي يتهّرب محن عملحه‪ ،‬ويتغي ّححب عحن‬
‫دوام جلوسه‪ ،‬ويخون‪ ،‬ويختلس‪ ،‬ول يفي بوعد ول عهد‪ ،‬ليححس‬
‫له حظ من الستقامة‪ ،‬ول الصححدق‪ ،‬ول المانححة‪ ،‬فتنتشححر عنححه‬
‫ذميمة الناشئة عن سوء سححيرته‪ ،‬وفسححاد سححريرته‪،‬‬ ‫الصفات ال ّ‬
‫ولهذا جاء رجل إلى النبي ‪ ‬فقال‪ :‬يححا رسححول اللححه‪ ،‬قححل لححي‬
‫دا غيرك‪ ،‬فقححال رسححول اللححه‬ ‫في السلم قول ً ل أسأل عنه أح ً‬
‫ت بحالله‪ ،‬ثحم اسحتقم« ‪ ،‬فحدّله علحى أمحرٍ جحامع‬
‫‪3‬‬
‫‪» :‬قل‪ :‬آمن ُ‬
‫نافع؛ أي‪ :‬اسححتقم علححى العمححل بإسححلمك‪ ،‬وليححس مححن شححرط‬
‫دا‪ ،‬بل يذنب ثم يتوب‪ ،‬والتححائب مححن‬ ‫الستقامة كونه ل يذنب أب ً‬

‫دوا‪ ،‬ومثححل هححؤلء ل‬


‫م قححد ارت ح ّ‬‫من َححع منححه أقححوا ٌ‬
‫‪ 1‬الحوض قبل الصراط؛ لنه ي ُ ْ‬
‫يجاوزون الصراط؛ انظر‪" :‬شرح الطحاوية"؛ بتحقيق الححدكتور‪ :‬عبححدالرحمن‬
‫عميرة‪.269 /1 ،‬‬
‫‪ 2‬هذا مجموع من حديث َْين رواهما مسلم وغيره‪.‬‬
‫‪ 3‬رواه مسلم عن سفيان بن عبدالله‪.‬‬
‫وا‬ ‫ن ات ّقَح ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّح ِ‬ ‫ن ل ذنب له؛ يقول الله ‪ -‬تعححالى ‪﴿ :-‬إ ِ ّ‬ ‫م ْ‬‫الذنب ك َ َ‬
‫م‬
‫هححح ْ‬ ‫ن َتحححذ َك ُّروا َفحححإ َِذا ُ‬ ‫طا ِ‬‫شحححي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مححح َ‬ ‫ف ِ‬ ‫طحححائ ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫سحححهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫إ َِذا َ‬
‫ن﴾ ]العراف‪[201 :‬؛ أي‪ :‬يبصرون طريق المخرج مححن‬ ‫صُرو َ‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫هذا الذنب؛ فيتوبون ويستغفرون‪.‬‬
‫م‪ ،‬ثححم ل َححم‬ ‫ن الستقامة شأُنها عظيم‪ ،‬فقد قرأ هححذه اليححة قححو ٌ‬ ‫إ ّ‬
‫مل بها‪ ،‬فتركوا فرائض الطاعحات‪ ،‬وانتهكحوا‬ ‫ستقيموا على الع َ‬ ‫ي ْ‬
‫شحححرب‬ ‫حوا أكحححل الّربحححا‪ ،‬و ُ‬ ‫حّرمحححات‪ ،‬واسحححتبا ُ‬ ‫م َ‬ ‫الححححدود وال ُ‬
‫ل عقححولهم وأعمححالهم واهتمححامهم‬ ‫جحح ّ‬ ‫كرات‪ ،‬وصححرفوا ُ‬ ‫سحح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ُ‬
‫للعمل في دنياهم‪ ،‬واتباع شهوات ُبطوِنهم وفُُروجهححم‪ ،‬وتركححوا‬
‫مححر آخرتهححم‪ ،‬فن َهَححى اللححه المححؤمنين أن‬ ‫فرائض رّبهم‪ ،‬ونسوا أ ْ‬
‫دعون بأنهم مسححلمون‪،‬‬ ‫مخالفات‪ ،‬ي ّ‬ ‫يكونوا أمثالهم‪ ،‬ومع هذه ال ُ‬
‫ن السححلم ليححس‬ ‫دعون‪ ،‬فححإ ّ‬ ‫صحة ما ي ح ّ‬ ‫وهم َلم يستقيموا على ِ‬
‫مي بححه باللسححان‪ ،‬والنتسححاب إليححه بححالعنوان‪،‬‬ ‫سح ّ‬ ‫هو محححض الت ّ َ‬
‫ولكنه ما وََقر في القلب‪ ،‬وصدقته العمال‪.‬‬
‫ن اسحتقام‬ ‫مح ِ‬ ‫د‪َ ،‬‬ ‫حح ٌ‬ ‫صراط السلم ‪ -‬أي‪ :‬طريق السلم ‪ -‬وا ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫إ ّ‬
‫ل الله‬ ‫ف عنه غرق‪ ،‬وهو ما كان عل َْيه رسو ُ‬ ‫خل ّ َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫عليه نجا‪ ،‬و َ‬
‫َ‬
‫طي‬ ‫ص حَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ ح َ‬ ‫‪ ‬وأصحابه‪ ،‬وهو المراد بقوله ‪ -‬تعالى ‪﴿ :-‬وَأ ّ‬
‫ن‬ ‫م عَححح ْ‬ ‫فحححّرقَ ب ِك ُححح ْ‬ ‫ل فَت َ َ‬ ‫ما فَحححات ّب ُِعوهُ َول ت َت ّب ِعُحححوا ال ّ‬
‫سحححب ُ َ‬ ‫قي ً‬ ‫سحححت َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ذر منها هي ب ُن َّيات‬ ‫سِبيل ِهِ﴾ ]النعام‪ ،[153 :‬وهذه السُبل التي ح ّ‬ ‫َ‬
‫خب َححر‬ ‫الطريق التي تفضي بسالكها إلى الهلك والتْعويق‪ ،‬وقححد أ ْ‬
‫ن أمته تفترق على ثلث وسبعين فرقححة‪ ،‬كلهححا فححي‬ ‫النبي ‪ ‬أ ّ‬
‫ن‬ ‫مح ْ‬ ‫من هي يححا رسححول اللححه؟ قححال‪َ » :‬‬ ‫النار إل واحدة‪ ،‬قالوا‪ :‬و َ‬
‫فْرقححة‬ ‫كان على مْثل ما أنا عليححه اليححوم وأصحححابي«‪ ،1‬فهححذه ال ِ‬
‫ت بالسححلمة‪ ،‬بخلف‬ ‫قت للستقامة‪ ،‬ففححاز ْ‬ ‫الناجية هي التي وُفّ َ‬
‫كبححت طريححق‬ ‫سائر الفَرق الضاّلة‪ ،‬فإنها زاغححت عححن ديِنهححا‪ ،‬وتن ّ‬
‫صة المصحار‬ ‫ن المنتسبين للسلم في خا ّ‬ ‫نبّيها‪ ،‬كما الكثيرين م َ‬
‫فْرُنج تربيَتهححا‪ ،‬وعقححائد أهلهححا‪ ،‬فكححانوا ل يؤمنححون‬ ‫التي أفسد الت ّ َ‬
‫ن‬‫مون ما حّرم الله ورسححوله‪ ،‬مح َ‬ ‫حّر ُ‬ ‫بالله ول باليوم الخر‪ ،‬ول ي ُ َ‬
‫ديُنون دين الحقّ ‪ -‬قد أضاعوا‬ ‫شْرب الخمر‪ ،‬ول ي َ ِ‬ ‫الّربا والزنا‪ ،‬و ُ‬
‫فوا‬ ‫خ ّ‬ ‫الصلة‪ ،‬واّتبعوا الشهوات‪ ،‬وخرقوا سياج الشححرائع‪ ،‬واس حت َ َ‬
‫حُرمات الدين‪ ،‬واتبعوا غير سبيل المؤمنين‪.‬‬ ‫ب ُ‬
‫وصار هؤلِء هم أض حّر علححى السححلم والمسححلمين مححن اليهححود‬
‫والنصححارى؛ مححن أجححل أن النححاس يغححتّرون بهححم‪ ،‬وينخححدعون‬
‫شّر مححن‬ ‫مْرت َد ّ ِ‬ ‫دون‪ ،‬وال ُ‬ ‫مْرت َ ّ‬‫لقوالهم وأعمالهم وعقائدهم‪ ،‬فهم ُ‬
‫رواه أبو داود‪ ،‬والّترمذي‪ ،‬والّنسائي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬بإسناد صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫الكافر الصلي‪ ،‬ولم يأمر الله علححى لسححان نححبيه بقت ْححل المْرت َحد ّ‬
‫فسحد بححه أخلقهححم‪ ،‬فححإن‬ ‫ة بمجموع المة أن ت َ ْ‬ ‫عن دينه إل رحم ً‬
‫الخلق تتعححادى‪ ،‬والطبححاع تتناقححل‪ ،‬والمححرُء علححى ِديححن خليل ِححه‬
‫َ‬
‫م‬ ‫دوا عََلى أد َْبححارِهِ ْ‬ ‫ن اْرت َ ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫وجليسه؛ يقول الله ‪ -‬تعالى ‪﴿ :-‬إ ِ ّ‬
‫مل َححى‬ ‫َ‬
‫م وَأ ْ‬ ‫ل ل َهُح ْ‬ ‫س حو ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شحي ْ َ‬ ‫دى ال ّ‬ ‫م ال ْهُح َ‬ ‫ن ل َهُح ُ‬ ‫مححا ت َب َي ّح َ‬‫ن ب َعْحدِ َ‬ ‫مح ْ‬ ‫ِ‬
‫م﴾ ]محمد‪.[25 :‬‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ن أمثححالهم بقححوله‪﴿ :‬وََل‬ ‫ن السححماء ع ح ْ‬ ‫ة مح َ‬ ‫ولهححذا نزلححت التْعزي ح ُ‬
‫ش حي ًْئا‬
‫ه َ‬ ‫ض حّروا الل ّح َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫فرِ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ن ِفي ال ْك ُ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫حُزن ْ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫عحح َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫م َ‬ ‫خححَرةِ وَل َُهحح ْ‬ ‫ظححا ِفححي اْل ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َُهحح ْ‬ ‫جَعحح َ‬ ‫ه أّل ي َ ْ‬ ‫ريححد ُ الّلحح ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫م﴾ ]آل عمران‪.[176 :‬‬ ‫ظي ٌ‬‫عَ ِ‬
‫ما قيل للنبي ‪ :‬إنه قد أسححرع‬ ‫ن الستقامة شأُنها عظيم‪ ،‬ول َ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫إليك الشيب؛ قال‪» :‬شي ّب َْتني هود ٌ وأخواتها«‪ ،‬قالوا‪ :‬فما شيبك‬
‫ُ‬
‫ب‬ ‫ن ت َححا َ‬ ‫مح ْ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫محْر َ‬ ‫مححا أ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ق ْ‬‫سحت َ ِ‬ ‫منها؟ قال‪» :‬شحي َّبني قححوله‪َ﴿ :‬فا ْ‬
‫ي ‪ ‬قحححال‪:‬‬ ‫ن النحححب ّ‬ ‫ك﴾ ]هحححود‪ ،«[112 :‬وعحححن ثوبحححان‪ :‬أ ّ‬ ‫معَححح َ‬ ‫َ‬
‫ن خيَر أعمالكم الصححلة‪ ،‬ول‬ ‫موا أ ّ‬ ‫َ‬
‫موا ولن تحصوا‪ ،‬واعْل ُ‬ ‫قي ُ‬‫»است َ ِ‬
‫‪1‬‬
‫من« ‪.‬‬ ‫ُيحافظ على الوضوء إل مؤ ِ‬
‫مححره‪ ،‬ثححم‬ ‫ما فححي بدايححة عُ ُ‬ ‫ما مستقي ً‬ ‫مسل ً‬ ‫ن ُ‬ ‫ن بعض الناس يكو ُ‬ ‫إ ّ‬
‫د‪ ،‬أو جليححس‬ ‫ملح ٍ‬ ‫مره؛ بسبب ولد ُ‬ ‫ُيصاب بالنحراف في آخر عُ ُ‬
‫زيغححه‬ ‫ضّلة‪ ،‬والتشححكيكات الححتي ت ُ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫شَبه ال ُ‬ ‫فاسق‪ ،‬يقذف إليه بال ّ‬
‫عن معَتقده الصحيح‪ ،‬ثم تقوُده إلى اللحاد والتعطيححل‪ ،‬والزيححغ‬
‫عن سواء السححبيل‪ ،‬فقححد روى المححام أحمححد‪ ،‬عححن أبححي سححعيد‬
‫ن ُيول َححد مؤمن ًححا‪ ،‬ويعيححش مؤمن ًححا‪،‬‬ ‫مح ْ‬ ‫ن مححن النححاس َ‬ ‫مرفوعًححا‪» :‬إ ّ‬
‫ويمححوت كححافًرا«‪ ،‬كلححه مححن أجححل عححدم اسححتقامته فححي حيححاته‪،‬‬
‫مر خواتمه‪.‬‬ ‫والعمر بآخره‪ ،‬وملك ال ْ‬
‫مظ ْل ِححم‪،‬‬ ‫قط َحِع الليححل ال ُ‬ ‫خَبر النبي ‪» :‬بأنها تكححون فِت َححن ك ِ‬ ‫وقد أ ْ‬
‫ل مؤمًنا‪ ،‬وُيمسي كافًرا‪ ،‬يبيع دينه بعََرض مححن‬ ‫ُيصبح منها الرج ُ‬
‫الدنيا«‪ ،2‬وهذه الفَتن إنما ُيراد بها الفتححن فححي الححدين‪ ،‬والفتنححة‬
‫مضلت الفت َححن ‪ -‬واللححه يحححب‬ ‫أشد ّ من القتل ‪ -‬ونعوذ بالله من ُ‬
‫حل ُححول‬ ‫صر الناقد عند ورود الشُبهات‪ ،‬والعقل الكامححل عنححد ُ‬ ‫الب َ‬
‫الشَهوات‪.‬‬
‫وكان النبي ‪ ‬يستعيذ فححي أدبححار الصححلوات مححن فتنححة المحيححا‬
‫‪3‬‬
‫ن أحييَتححه‬ ‫م ْ‬ ‫والممات ‪ ،‬ويقول في دعائه على الجنازة‪» :‬اللهم َ‬
‫حه الحاكم‪ ،‬والمنذري‪.‬‬
‫ح َ‬
‫رواه مالك‪ ،‬وأحمد‪ ،‬ابن ماجه‪ ،‬والدارمي‪ ،‬وص ّ‬ ‫‪1‬‬

‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫كما في الحديث المّتفق عليه‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫ن توّفيَته منححا فَت َحوَّفه علححى‬
‫م ْ‬
‫مّنا فأحي ِهِ على السلم والسنة‪ ،‬و َ‬
‫اليمان«‪.1‬‬
‫وه‪ ،‬وأن يسبغَ علينا‬ ‫ف ِ‬
‫منا وإياكم بع ْ‬‫نسأل الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن يع ّ‬
‫محن‬‫ضله‪ ،‬وأن يدخلنا برحمتحه فححي الصحالحين ِ‬ ‫وعليكم واسع ف ْ‬
‫سن عباَدته‪.2‬‬ ‫ح ْ‬‫كره وشكره و ُ‬ ‫عباده‪ ،‬وأن ُيعيننا على ذِ ْ‬
‫***‬

‫سَنن الربعة‪.‬‬
‫هل ال ّ‬
‫‪ 1‬رواه مسلم وأ ْ‬
‫‪ 2‬من "الحكمة الجامعة لشتى العلوم النافعة"؛ للشيخ عبدالله بن زيد آل‬
‫محمود ص ‪.282 - 275‬‬
‫سن عاقبة الستقامة‬ ‫ح ْ‬ ‫ُ‬
‫موا‬ ‫قا ُ‬ ‫س حت َ َ‬‫ما ْ‬ ‫ه ث ُح ّ‬ ‫ن قَححاُلوا َرب ّن َححا الل ّح ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّح ِ‬ ‫قال الله ‪ -‬تعالى ‪﴿ :-‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫جن ّح ِ‬ ‫ش حُروا ِبال ْ َ‬ ‫حَزن ُححوا وَأب ْ ِ‬ ‫خححاُفوا َول ت َ ْ‬ ‫ة أّل ت َ َ‬ ‫ملئ ِك َح ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ُ‬ ‫ت َت َن َّز ُ‬
‫ال ِّتي ك ُنتم توعَدون * نح ح َ‬
‫حي َححاةِ ال حد ّن َْيا وَفِححي‬ ‫م فِححي ال ْ َ‬ ‫ن أوْل ِي َححاؤُك ُ ْ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُْ ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن*‬ ‫عو َ‬ ‫مححا َتححد ّ ُ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫م وَل َك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫شت َِهي أن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫خَرةِ وَل َك ُ ْ‬ ‫اْل ِ‬
‫حيم * وم َ‬
‫ن د َعَححا إ ِل َححى الل ّح ِ‬
‫ه‬ ‫مح ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن قَ حوْل ً ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫فورٍ َر ِ ٍ َ َ ْ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُُزل ً ِ‬
‫ة‬ ‫سححن َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ن * َول ت َ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل إ ِن ِّني ِ‬ ‫حا وََقا َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫وَعَ ِ‬
‫َ‬
‫داوَةٌ‬ ‫عحح َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك وَب َي ْن َ ُ‬ ‫ذي ب َي ْن َ َ‬ ‫ن فَإ َِذا ال ّ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫ة اد ْفَعْ ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫سي ّئ َ ُ‬ ‫َول ال ّ‬
‫قاهَححا إ ِّل ُذو‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫َ‬
‫صب َُروا وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها إ ِّل ال ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫م * وَ َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫ك َأن ّ ُ‬
‫ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ن ن َْزغٌ َفا ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما ي َن َْزغَن ّ َ‬ ‫ظيم ٍ * وَإ ِ ّ‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫م﴾ ]فصلت‪.[36 - 30 :‬‬ ‫ميعُ العَِلي ُ‬ ‫ْ‬ ‫س ِ‬ ‫هُوَ ال ّ‬
‫ُيخححبر اللححه ‪ -‬تعححالى ‪ -‬عححن عبححاده المححؤمنين‪ ،‬وُيثنححي عليهححم؛‬
‫موا﴾؛ أي‪ :‬اعححترفوا‬ ‫قا ُ‬ ‫سحت َ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ه ث ُح ّ‬ ‫ن َقاُلوا َرب ّن َححا الل ّح ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫فقال‪﴿ :‬إ ِ ّ‬
‫موا لمره‪ ،‬وعملوا بطاعته‬ ‫سل َ ُ‬ ‫بربوبّية الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬لهم‪ ،‬واست َ ْ‬
‫على ما شرع لهم‪ ،‬وأخلصوا له القول والعمححل‪ ،‬ثححم اسححتقاموا‬
‫صححراط المسححتقيم‪ ،‬واسححتمّروا علححى طاعححة اللححه حححتى‬ ‫على ال ّ‬
‫ل‬ ‫ماتوا؛ فلهم الُبشرى فحي الحيحاة الحدنيا وفحي الخححرة‪﴿ :‬ت َت َن َحّز ُ‬
‫خُروجهححم مححن‬ ‫ة﴾ عنححد المححوت‪ ،‬وقيححل‪ :‬عنححد ُ‬ ‫كحح ُ‬ ‫ملئ ِ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫عَل َي ِْهحح ُ‬
‫خحا ُْفوا﴾ علحى محا‬ ‫منافاة‪ ،‬يبشحرونهم قحائلين‪﴿ :‬أ َل ّ ت َ َ‬ ‫قُُبورهم‪ ،‬ول ُ‬
‫حَزن ُححوا﴾ علححى‬ ‫دمون عليه من أمر الخرة‪َ﴿ ،‬ول ت َ ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫قَبل مما ت ُ ْ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫يُ ْ‬
‫د‪ ،‬وأهححل‪ ،‬ومححال‪،‬‬ ‫دنيا؛ من وَل َ ٍ‬ ‫مرِ ال ّ‬ ‫ما مضى مما خلفتموه من أ ْ‬
‫فإنححا نخلفكححم فيححه‪ ،‬فنفححوا عنهححم المكححروه فححي الماضححي‬
‫َ‬
‫ن﴾‪ ،‬فإنهحا قحد‬ ‫دو َ‬ ‫عح ُ‬ ‫م ُتو َ‬ ‫جن ّةِ ال ِّتحي ك ُن ُْتح ْ‬ ‫شُروا ِبال ْ َ‬ ‫والمستقبل‪﴿ ،‬وَأب ْ ِ‬
‫ل‪ ،‬فيبشرونهم بذهاب الشّر‬ ‫ت لكم‪ ،‬وكان وَعْد ُ الله مفعو ً‬ ‫حصل ْ‬
‫صول الخير والرحمححة والرضححوان؛ كمححا جححاء فححي الحححديث‪:‬‬ ‫ح ُ‬ ‫و ُ‬
‫»إن الملئكة تقول لروح المؤمن‪ :‬اخرجي أيتها الروح الطيبححة‬
‫في الجسد الطيب‪ ،‬كنت تعمرينه‪ ،‬اخرجي إلححى روح وريحححان‪،‬‬
‫ورب غير غضبان«‪.1‬‬
‫وته‪ ،‬وفي قبره‪ ،‬وحيححن‬ ‫م ْ‬ ‫شر المؤمن عند َ‬ ‫وقيل‪ :‬إن الملئكة ت ُب َ ّ‬
‫ل كلهححا‪ ،‬وهححو الواقححع ‪ -‬واللححه أعلححم ‪-‬‬ ‫يبعث‪ ،‬وهو يجمححع القححوا َ‬
‫َ‬
‫م فِححي‬ ‫ن أوْل ِي َححاؤُك ُ ْ‬ ‫حح ُ‬ ‫مث َب ِّتيححن لهححم ومبشححرين‪﴿ :‬ن َ ْ‬ ‫ضححا ُ‬ ‫ويقولححون أي ً‬

‫‪ 1‬رواه أحمد في "المسند"‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وصححه ابن‬


‫مْرد َوَْيه‪ ،‬والحاكم‪.‬‬
‫َ‬
‫ة للمححؤمنين عنححد‬ ‫خَرةِ﴾؛ أي‪ :‬تقول الملئكح ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا وَِفي اْل ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫دنيا‬ ‫الموت‪ :‬نحححن كن ّححا أوليححاَءكم؛ أي‪ :‬قرنححاَءكم فححي الحيححاة ال ح ّ‬
‫ددكم ونوفقكم‪ ،‬وندعو لكم ونحفظكم بححأمر اللححه‪ ،‬وكححذلك‬ ‫س ّ‬ ‫نُ َ‬
‫س منكححم الوحشححة فححي القبححور‬ ‫نكون معكم فححي الخححرة‪ ،‬ن ُحؤْن ِ ُ‬
‫وظلماتها‪ ،‬ونؤمنكم يوم البعث والنشور في القيامة وأهوالهححا‪،‬‬
‫صراط المستقيم‪ ،‬ونوصلكم إلى جنححات الّنعيححم‪،‬‬ ‫وُنجاوز بكم ال ّ‬
‫م‬
‫سححل ٌ‬ ‫ب* َ‬ ‫ل َبا ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن عَل َي ْهِ ْ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫وُنهنئكم بذلك‪َ﴿ :‬وال ْ َ‬
‫دارِ﴾ ]الرعد‪.[24 ،23 :‬‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫م عُ ْ‬ ‫م فَن ِعْ َ‬ ‫صب َْرت ُ ْ‬‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ِفيَهححا‬ ‫م وَل َك ُ ْ‬‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫شت َِهي أ َن ْ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ضا‪﴿ :‬وَل َك ُ ْ‬ ‫ويقولون لهم أي ً‬
‫ن﴾؛ أي‪ :‬في الجنة من جميع ما تختارون ممححا تشححتهيه‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َد ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن﴾ مححا تطلبححون‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َحد ّ ُ‬ ‫م فِي َْها َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫النفوس‪ ،‬وتقّر به العيون‪﴿ ،‬وَلك ْ‬
‫ذات‬ ‫ن اللح ّ‬ ‫مهمححا طلْبتححم وجححدتم‪ ،‬وحضححر لكححم بيححن أيححديكم مح َ‬
‫ن المحححأكولت والمشحححروبات‪ ،‬والملبحححس‬ ‫والمشحححتهيات‪ ،‬مححح َ‬
‫والمراكححب‪ ،‬والمناكححح والبسححاتين‪ ،‬والنهححار الجاريححة‪ ،‬والغححرف‬
‫حيحم ٍ﴾؛ أي‪ :‬هححذا الثححواب‬ ‫فححورٍ َر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫مح ْ‬ ‫العالية‪ ،‬وغير ذلك‪﴿ ،‬ن ُحُزل ً ِ‬
‫مححا مححن غفححور‬ ‫ة وعطححاًء وإنعا ً‬ ‫مقيححم ضححياف ً‬ ‫الجزيححل والّنعيححم ال ُ‬
‫سححنات‪ ،‬ثححم قَِبلهححا‬ ‫فْعل الح َ‬ ‫قكم ل ِ‬ ‫لذنوبكم‪ ،‬رحيم بكم‪ ،‬حيث وفّ َ‬
‫فَرت ِححه‬ ‫مغ ْ ِ‬‫منكم‪ ،‬وأثابكم عليها؛ فغفر وسححتر‪ ،‬ورحححم ولطححف‪ ،‬فب ِ َ‬
‫أزال عنكم المحذور‪ ،‬وبرحمته أعطاكم المطلوب‪ ،‬فله الحمححد‬
‫ن رجل ً قححال للنححبي‬ ‫خًرا‪ ،‬وفي الحديث‪ :‬أ ّ‬ ‫والشكر والثناء أوّل ً وآ ِ‬
‫‪ :‬حححدثني بححأمر أعتصححم بححه‪ ،‬قححال‪» :‬قححل‪ :‬رّبححي اللححه‪ ،‬ثححم‬
‫مَرغًّبا في الدعوة إلى الله‪﴿ :‬وَ َ‬
‫‪1‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م« ‪ ،‬ثم قال ‪ -‬تعالى ‪ُ -‬‬ ‫استق ْ‬
‫عا إ َِلى الل ّهِ﴾؛ أي‪ :‬ل أحسن قو ً‬ ‫َ‬
‫مححا‬
‫ل؛ أي‪ :‬كل ً‬ ‫ن دَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫ن قَوْل ً ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫وطريقة وحالة ممححن دعححا عبححاد اللححه إليححه؛ بتعليححم الجححاهلين‪،‬‬
‫عظ الغافلين والمعرضين‪ ،‬ومجادلة المبطلين بالمر بعبححادة‬ ‫وو ْ‬
‫مكححن‪،‬‬ ‫ث عليهححا وتحسححينها مهمححا أ ْ‬ ‫اللححه بجميححع أنواعهححا‪ ،‬والح ح ّ‬
‫والزجر عما ن ََهى الله عنه‪ ،‬وتقبيحه بكل طريق يححوجب تْركححه‪،‬‬
‫صححل ديححن السححلم وتحسححينه‪ ،‬ومجاَدلححة‬ ‫صا الدعوةَ إلى أ ْ‬ ‫خصو ً‬
‫ن الك ُفْححر‬ ‫أعححدائه بححالتي هححي أحسححن‪ ،‬والّنهححي عمححا يضححاده م ح َ‬
‫شْرك‪ ،‬والمحر بحالمعروف والّنهحي عحن المنكحر‪ ،‬ثحم قحال ‪-‬‬ ‫وال ّ‬
‫عوته الخلق إلححى اللححه بححادر‬ ‫حا﴾؛ أي‪ :‬مع د ْ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫تعالى ‪﴿ :-‬وَعَ ِ‬
‫مححل الصححالح الححذي يرضححي‬ ‫سه إلى امتثال أمر اللححه بالع َ‬ ‫ف ِ‬ ‫هو بن ْ‬
‫ستسلمين لمر الله‪،‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن﴾؛ أي‪ :‬ال ُ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل إ ِن ِّني ِ‬ ‫ربه‪﴿ ،‬وََقا َ‬
‫من دعا إلى خْير‪،‬‬ ‫ل َ‬ ‫مة في ك ّ‬ ‫المنقادين لطاعته‪ ،‬وهذه الية عا ّ‬
‫رواه مسلم بلفظ‪ :‬قل لي في السلم قول ً ل أسأل عنه أح ً‬
‫دا غيرك‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫حاء‬ ‫ص حل َ َ‬ ‫د‪ ،‬وقيححل‪ :‬المححراد بهححا المؤّذنححون ال ّ‬ ‫فسه مهت ح ٍ‬ ‫وهو في ن ْ‬
‫الذين يدعون إلى الصلة بححالذان‪ ،‬والصحححيح‪ :‬أنهححا عامححة فححي‬
‫المؤّذنين وغيرهم من الدعاة إلى الله‪ ،‬ثم قال ‪ -‬تعححالى ‪َ﴿ :-‬ول‬
‫ل الحسححنات‬ ‫ة﴾؛ أي‪ :‬ل يسححتوي فع ح ُ‬ ‫س حي ّئ َ ُ‬ ‫ة َول ال ّ‬ ‫س حن َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬‫تَ ْ‬
‫والسيئات‪ ،‬والطاعات والمعاصححي‪ ،‬ول يسححتوي الحسححان إلححى‬
‫صحفها ول فحي‬ ‫الخلق والسحاءة إليهحم‪ ،‬ل فحي ذاتهحا ول فحي و ْ‬
‫ن﴾ ]الرحمحن‪،[60 :‬ح ﴿‬ ‫سحا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إ ِّل اْل ِ ْ‬ ‫سحا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫جحَزاُء اْل ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫جزائها؛ ﴿هَ ْ‬
‫َ‬
‫من أساء إليك فادفعه بالحسححان‬ ‫ن﴾؛ أي‪َ :‬‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫اد ْفَعْ ِبال ِّتي هِ َ‬
‫مححن حرمححك‪ ،‬وتعفححو‬ ‫ن قطعك‪ ،‬وتعطي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ص َ‬ ‫إليه؛ وذلك بأن ت َ ِ‬
‫َ‬
‫م﴾؛‬‫مي ح ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ه وَل ِح ّ‬ ‫داوَةٌ ك َحأن ّ ُ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ك وَب َي ْن َ ُ‬ ‫ذي ب َي ْن َ َ‬ ‫من ظلمك‪﴿ ،‬فَإ َِذا ال ّ ِ‬ ‫ع ّ‬
‫مححن أسححاء إليححك‬ ‫ت إلى َ‬ ‫حسن َ‬ ‫أي‪ :‬قريب شفيق؛ والمعنى‪ :‬إذا أ ْ‬
‫قادته تلك الحسنة إلححى محبتححك ومصححافاتك‪ ،‬والحسححان إليححك‬
‫صب َُروا﴾؛ أي‪ :‬ل ي ُوَفّقُ لهححذه‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها إ ِّل ال ّ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫حن ُوّ عليك‪﴿ ،‬وَ َ‬ ‫وال ُ‬
‫ن صححبر‬ ‫م ْ‬ ‫صلة الحميدة‪ ،‬ويقبل هذه الوصية‪ ،‬ويعمل بها‪ ،‬إل َ‬ ‫الخ ْ‬
‫جُبولححة‬ ‫م ْ‬ ‫نفسه على ما تكره‪ ،‬فإنه يشق على النفححوس‪ ،‬فإنهححا َ‬
‫فححو عنححه‪ ،‬فكيححف‬ ‫علححى مقاَبلححة المسححيء بإسححاَءته‪ ،‬وعححدم العَ ْ‬
‫ظيم ٍ﴾؛ أي‪ :‬ذو نصيب‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ها إ ِّل ُذو َ‬ ‫قا َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬ ‫بالحسان إليه؟! ﴿وَ َ‬
‫ن السحعادة فحي الححدنيا والخحرة؛ لكوِنهححا مححن خصححال‬ ‫وافِححر مح َ‬
‫من أكححبر مكححارم الخلق‪ ،‬وعححن ابححن‬ ‫ص الخلق‪ ،‬التي هي ِ‬ ‫خوا ّ‬
‫عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬في تفسير هحذه اليحة قحال‪" :‬أمحر‬
‫الله المؤمنين بالصبر عند الغضب‪ ،‬والحلم عند الجهل‪ ،‬والعفو‬
‫ن الشحيطان‪،‬‬ ‫مُهم اللحه مح َ‬ ‫صح َ‬ ‫عند الساءة‪ ،‬فإذا فعلحوا ذلحك‪ ،‬ع َ‬
‫قاب َححل بححه‬ ‫وخضع لهم عدوهم"‪ ،1‬ولما ذكر اللححه ‪ -‬تعححالى ‪ -‬مححا ي ُ َ‬
‫العدو من شياطين النس‪ ،‬وهو مقابلة إساءته بالحسان إليححه‪،‬‬
‫ي‪ ،‬وهححو السححتعاذة بححالله منححه‪،‬‬ ‫جن ّح ّ‬ ‫ذكححر مححا ي ُحد ْفَعُ بححه العححدو ال ِ‬
‫س حت َعِذ ْ ب ِححالل ّهِ﴾ النححزغ‪:‬‬ ‫ن ن َْزغٌ َفا ْ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ما ي َن َْزغَن ّ َ‬ ‫فقال‪﴿ :‬وَإ ِ ّ‬
‫شبه النخس‪ ،‬والشيطان ينزغ النسان كأنه ينخسه؛ أي‪ :‬يبعثححه‬
‫إلى مححا ل ينبغححي؛ ومعنححى اليححة‪ :‬وإن صححرفك الشححيطان عمححا‬
‫س لححك بححتزيين‬ ‫ُ‬
‫س حو َ َ‬ ‫ن الدفع بالتي هي أحسححن أو وَ ْ‬ ‫ت به م َ‬ ‫مْر َ‬ ‫أ ِ‬
‫الش حّر‪ ،‬وتحسححين القبيححح‪ ،‬والتثححبيط عححن الخيححر والحسححان‪﴿ ،‬‬
‫طه عليححك‪ ،‬فححإذا‬ ‫سحل ّ َ‬ ‫صم بالله خححالقه الححذي َ‬ ‫ست َعِذ ْ ِبالل ّهِ﴾؛ اعت َ ِ‬ ‫َفا ْ‬
‫ن َ‬ ‫ه عنححك‪ ،‬وأعححاذ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ش حّره‪،‬‬ ‫مح ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ت إليه‪ ،‬ك ّ‬ ‫جأ َ‬ ‫ت بالله‪ ،‬والت َ َ‬ ‫استعذ ْ َ‬
‫ن*‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ب أعُححوذ ُ ب ِح َ‬ ‫َ‬ ‫وضحّر كيححده‪﴿ ،‬وَقُح ْ‬
‫طي ِ‬‫شحَيا ِ‬ ‫محَزا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫مح ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل َر ّ‬
‫َ‬
‫ن﴾ ]المؤمنون‪.[98 ،97 :‬‬ ‫ضُرو ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ك َر ّ‬ ‫عوذ ُ ب ِ َ‬ ‫وَأ َ ُ‬
‫ن كثير‪.4/101 ،‬‬
‫ذكره عنه اب ُ‬ ‫‪1‬‬
‫وكان النبي ‪ ‬إذا قام إلى الصلة يقول‪» :‬أعوذ بالله السححميع‬
‫فِثه«‪ ،1‬قيل‬ ‫ه‪ ،‬ون َ ْ‬ ‫خ ِ‬‫ف ِ‬‫زه‪ ،‬ون َ ْ‬ ‫م ِ‬
‫العليم من الشيطان الرجيم‪ ،‬من هَ ْ‬
‫موَْتة‪ ،‬وهي‪ :‬الخنق‪ ،‬ونفخه الك ِْبر‪ ،‬ونفثه‬ ‫في تفسيرها‪ :‬همزه ال َ‬
‫س حت َعِذ ْ ب ِححالل ّهِ﴾؛ أي‪ :‬اسححأله‬ ‫شححعر؛ ولهححذا قححال ‪ -‬تعححالى ‪َ﴿ :-‬فا ْ‬ ‫ال ّ‬
‫م﴾؛‬‫ميعُ ال ْعَِليحح ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫مفتقًرا إليه أن يعيذك ويعصمك منه؛ ﴿إ ِن ّ ُ‬
‫ضّرعك‪ ،‬العليححم بحالححك واضححطرارك‬ ‫أي‪ :‬السميع لستعاذتك وت َ َ‬
‫إلى عصمته وحمايته‪.‬‬
‫ما ُيستفاد من هذه اليات الكريمات‪:‬‬
‫ل‪ ،‬واعتقححاًدا‪،‬‬ ‫ث على الستقامة بل ُُزوم طاعححة اللححه‪ ،‬قححو ً‬ ‫‪ -1‬الح ّ‬
‫وعم ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وف والح حْزن‬ ‫خح ْ‬‫سن عاقبتهححا ب ِحَزوال ال َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ضل الستقامة‪ ،‬و ُ‬ ‫‪ -2‬ف ْ‬
‫في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫خُلود فيها‪.‬‬ ‫خول جنات النعيم وال ُ‬ ‫‪ -3‬بشرى لهل الستقامة بد ُ ُ‬
‫‪ -4‬تكّرر نزول الملئكة؛ لتبشير المؤمن وتطمينه وتهنئته‪ ،‬عند‬
‫الموت‪ ،‬وفي القبر‪ ،‬وعند البعث‪ ،‬يهن ُّئونححه بالسححلمة‪ ،‬وحصححول‬
‫كروه‪.‬‬ ‫المحبوب‪ ،‬وزوال الم ْ‬
‫‪ -5‬توّلي الملئكة للمؤمنين في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫‪ -6‬اشححتمال الجنححة علححى مححا تشححتهيه النفححس‪ ،‬وتل حذ ّ العيححن‪،‬‬
‫ة من الله لهم‪.‬‬ ‫وتطلبه اللسن‪ ،‬ضياف ً‬
‫صف الله بالمغفرة لذنوب عباده والرحمة بهم‪.‬‬ ‫‪ -7‬و ْ‬
‫حا لنفسه‪،‬‬ ‫مل صال ً‬ ‫من دعا إلى الله‪ ،‬وع ِ‬ ‫م ّ‬ ‫‪ -8‬أنه ل أحسن قول ً ِ‬
‫واستسلم لَرّبه‪.‬‬
‫ل‪ ،‬واعتقاٌد‪ ،‬وعم ٌ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ن الدين قو ٌ‬ ‫‪ -9‬أ ّ‬
‫مححل والجححزاء‪،‬‬ ‫‪ -10‬عححدم اسححتواء الحسححنة والسححيئة‪ ،‬فححي الع َ‬
‫والثواب والعقاب‪.‬‬
‫ث علححى مقابلححة السححاءة بالحسححان‪ ،‬والعفححو عححن‬ ‫‪ -11‬الححح ّ‬
‫المظالم‪ ،‬والحْلم على الجاهل‪ ،‬ووصل القاطع‪ ،‬وحسن عاقبححة‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ -12‬أنه ل ي ُوَفّقُ لمقابلة الساءة بالحسان إل الصابرون‪ ،‬أهل‬
‫الحظ الوافر‪.‬‬
‫ث على السححتعاذة بححالله مححن الشححيطان‪ ،‬ووساوسححه‪،‬‬ ‫‪ -13‬الح ّ‬
‫عا بححه‪ ،‬والتجححاًء إليححه‪ ،‬واقتححداًء‬ ‫ونزغاته؛ امتثال ً لمر الله‪ ،‬وامتنا ً‬
‫برسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫رواه أحمد‪ ،‬وأهل السنن الربعة‪" ،‬تفسير ابن كثير"‪.1/13 ،‬‬ ‫‪1‬‬
‫ف اللححه بالسححمع لقححوال عبححاده ودعححائهم‪ ،‬والعلححم‬
‫صحح ُ‬‫‪ -14‬وَ ْ‬
‫بأحوالهم)‪.(‬‬

‫***‬
‫فائدة‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مح ْ‬
‫م ّ‬‫ن قَوْل ً ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬
‫عن الحسن البصري أنه تل هذه الية‪﴿ :‬وَ َ‬
‫ن﴾‪ ،‬فقححال‪:‬‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫حا وََقا َ‬
‫ل إ ِن ِّني ِ‬ ‫صال ِ ً‬
‫ل َ‬ ‫عا إ َِلى الل ّهِ وَعَ ِ‬
‫م َ‬ ‫دَ َ‬
‫خيَرة خلحق‬ ‫هذا حبيب الله‪ ،‬هذا ولي الله‪ ،‬هذا صفوة الله‪ ،‬هذا ِ‬
‫الله‪ ،‬هذا أحب أهل الرض إلى الله‪ ،‬أجححاب اللححه فححي دعححوته‪،‬‬
‫حا‬
‫ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعححوته‪ ،‬وعمححل صححال ً‬
‫في إجابته‪ ،‬وقال‪ :‬إّنني من المسلمين‪ ،‬هذا خليفة الله‪.1‬‬
‫***‬

‫‪" ∗ ‬الكواكب النيرات في المنجيات والمهلكات"؛ للمؤلف ص ‪.66 - 63‬‬


‫‪ 1‬رواه عنه عبدالرّزاق‪ ،‬ونقله عنه ابن كثير في "تفسيره"‪.4/101 ،‬‬
‫المراجع لرسالة الستقامة‬
‫‪" -1‬رياض الصالحين"؛ للنووي‪.‬‬
‫‪" -2‬دليل الفالحين لطرق رياض الصححالحين"؛ للشححيخ‪ :‬محمححد‬
‫بن علن‪.‬‬
‫‪" -3‬جامع العلوم والحكم"؛ لبن رجب‪.‬‬
‫‪" -4‬مدارج السالكين"؛ لبن القيم‪.‬‬
‫‪" -5‬منهاج المسلم"؛ لبي بكر الجزائري‪.‬‬
‫‪" -6‬روح الدين السلمي"؛ لعفيف طبارة‪.‬‬
‫‪" -7‬الحكمة الجامعة ل َ‬
‫شّتى العلوم النافعححة"؛ للشححيخ عبححدالله‬
‫بن زيد آل محمود‪.‬‬
‫‪" -8‬خطب الشيخ صالح الفوزان"‪.‬‬
‫‪" -9‬الكواكب النّيرات في المنجيات والمهلكات"؛ للمؤلف‪.‬‬
‫***‬
‫‪‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫‪2‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪6‬‬ ‫المقصود بالستقامة‬
‫‪9‬‬ ‫باب في الستقامة‬
‫‪13‬‬ ‫عموم الستقامة وشمولها للدين‬
‫كله‬
‫‪17‬‬ ‫د‬
‫عب ُ ُ‬ ‫الستقامة من منازل ﴿إ ِّيا َ‬
‫ك نَ ْ‬
‫ن﴾‬
‫عي ُ‬
‫ست َ ِ‬ ‫وإ ِّيا َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫َ‬
‫‪19‬‬ ‫من أسباب الستقامة‬
‫‪20‬‬ ‫التوبة‬
‫‪21‬‬ ‫المراقبة‬
‫‪21‬‬ ‫المحاسبة‬
‫‪22‬‬ ‫المجاهدة‬
‫‪24‬‬ ‫الستقامة وإصلح النفس‬
‫وتزكيتها‬
‫‪26‬‬ ‫التذكير بالستقامة على الدين‬
‫‪32‬‬ ‫حسن عاقبة الستقامة‬
‫‪36‬‬ ‫المراجع‬
‫‪37‬‬ ‫الفهرس‬

You might also like