You are on page 1of 58

‫جمعها الفقير إلى الله تعالى‬

‫غفر الله له ولوالديه ولجميع‬


‫المسلمين‬
‫‪5‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫مقدمة‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬وأشهد أن ل إله‬
‫إل الله وحده ل شريك له‪ .‬وأشهد أن‬
‫دا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم‬ ‫محم ً‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فإن خطر اللسان عظيم ول نجاة منه إل‬
‫بالنطق بالخير‪ ،‬قال معاذ بن جبل‪ :‬قلت يا‬
‫رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به‬
‫فقال‪» :‬وهل يكب الناس في النار‬
‫على وجوههم إل ّ حصائد‬
‫ألسنتهم«)‪ ،(1‬وقال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫»من كان يؤمن بالله واليوم الخر‬
‫فليقل خيًرا أو ليصمت«‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫»من يضمن لي ما بين لحييه‬
‫)اللسان( وما بين رجليه )الفرج(‬
‫أضمن له الجنة«)‪ ،(2‬وقال عقبة بن‬
‫عامر‪ :‬قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال‪:‬‬

‫)( رواه الترمصصذي وقصصال حصصديث حسصصن صصصحيح‬ ‫‪1‬‬

‫وصححه الحاكم‪.‬‬
‫)( رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪6‬‬

‫»أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك‬


‫وابك على خطيئتك«)‪.(1‬‬
‫وقد سبق أن الشئون الدينية بالمن‬
‫العام في الملكة العربية السعودية‪ ،‬كتبوا‬
‫نشرات مفيدة في مواضيع مختلفة‪،‬‬
‫فاستأذنتهم بجمعها برسالة فأذنوا لي‬
‫جزاهم الله خيًرا بخطاب برقم ‪ /180‬د‬
‫وتاريخ ‪ 1405 / 3 /11‬هص فجمعتها برسالة‬
‫سميتها »توجيهات إسلمية«‪ ،‬ومن‬
‫ضمن تلك النشرات‪» :‬آفات اللسان –‬
‫والغيبة‪ -‬والنميمة – والكذب«‪ ،‬ونظًرا‬
‫لشدة خطر آفات اللسان وكثرتها في‬
‫الناس وتهاونهم بها وحاجتهم إلى من‬
‫يحذرهم منها‪ ،‬ومن سوء عاقبتها فقد‬
‫أفردت آفات اللسان برسالة صغيرة الحجم‬
‫كبيرة الفائدة‪ ،‬ولعل معظم آفات اللسان‬
‫المنتشرة بين الناس هي الكذب والغيبة‬
‫والنميمة التي هي موضوع هذه الرسالة‪.‬‬
‫وسوف أجمل في هذه المقدمة إن شاء‬
‫الله جملة من آفات اللسان‪ ،‬كما ذكرها‬
‫المام الغزالي في الحياء بأدلتها وغيره من‬

‫)( رواه الترمذي وقال حديث حسن‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪7‬‬

‫العلماء في كتب الحديث والوعظ‬


‫»كالترغيب والترهيب« للمنذري‪،‬‬
‫وكتاب »الكبائر« للذهبي وغيرها‪.‬‬
‫فمن آفات اللسان‪:‬‬
‫‪ -1‬الكلم في ما ل يعني‪:‬‬
‫فرأس مال العبد أوقاته فمهما صرفها‬
‫إلى ما ل يعنيه ولم يدخر بها ثوابا في‬
‫الخرة فقد ضّيع رأس ماله ولهذا قال النبي‬
‫‪» :‬من حسن إسلم المرء ترك ما‬
‫ل يعنيه«)‪ ،(1‬وهذا الحديث‬
‫من الكلم الجامع للمعاني الكثيرة في‬
‫اللفاظ القليلة وهو أصل عظيم من أصول‬
‫الداب‪ .‬واللسان سلح ذو حدين إن شغله‬
‫النسان فيما ينفعه وإل شغله فيما يضره‬
‫ول بد ّ له من الكلم الحسن أو القبيح‪ .‬فكن‬
‫جحت‬‫سا للسانك ول تتكلم إل إذا تر ّ‬
‫حار ً‬
‫مصلحة الكلم وعلمت أن فيه فائدة لك أو‬
‫لغيرك‪ .‬وإل فالزم السكوت فإن في‬
‫السكوت سلمة والسلمة ل يعدلها شيء‪.‬‬

‫)( رواه مالك وأحمد والترمذي وحسنه النووي‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪8‬‬

‫‪ -2‬فضول الكلم‪:‬‬
‫ضا مذموم وهو يتناول الخوض‬ ‫وهو أي ً‬
‫فيما ل يعني‪ ،‬والزيادة فيما يعني على قدر‬
‫الحاجة‪ ،‬قال الله تعالى‪ :‬ل خير في‬
‫كثير من نجواهم إل من أمر بصدقة أو‬
‫معروف أو إصلح بين الناس ‪ (1)‬وقد‬
‫وكل بالنسان ملئكة حافظين كراما كاتبين‬
‫يعلمون أفعاله ويكتبون أقواله فل يملي‬
‫عليهم إل خيرا‪.‬‬
‫‪ -3‬الخوض في الباطل‪:‬‬
‫وهو الكلم في المعاصي كحكاية أحوال‬
‫الناس‪ ،‬والخوض في أعراضهم‪ ،‬فإن ذلك‬
‫مما ل يحل الخوض فيه وأنواع الباطل ل‬
‫يمكن حصرها لكثرتها فل مخلص منها إل‬
‫بالقتصار على ما يعني من مهمات الدين‬
‫والدنيا‪.‬‬
‫‪ -4‬المراء والجدال‪:‬‬
‫وذلك منهي عنه قال ‪» :‬ما ضل‬
‫قوم بعد هدى كانوا عليه إل أوتوا‬

‫)( سورة النساء‪ :‬آية ‪.114‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪9‬‬

‫الجدل«)‪.(1‬‬
‫‪ -5‬الخصومة‪:‬‬
‫وهي أيضا مذمومة إذا كانت لغير نصرة‬
‫الحق قال النبي ‪» :‬إن أبغض الرجال‬
‫إلى الله اللد الخصم«)‪ ،(2‬واللد في‬
‫اللغة العوج والخصومة توغر الصدر وتهيج‬
‫الغضب وهي مبدأ كل شر وقد قال تعالى‪:‬‬
‫‪‬وقولوا للناس حسنا ‪ (3)، ‬وقل‬
‫لعبادي يقولوا التي هي أحسن ‪.(4)‬‬
‫‪ -6‬التقعر في الكلم‪:‬‬
‫وهو التكليف فيه بإظهار الفصاحة‪ ،‬فإنه‬
‫من التكلف الممقوت‪ ،‬إذ ينبغي أن يقتصر‬
‫في كل شيء على مقصوده ومقصود‬
‫الكلم التفهيم للغرض وما وراء ذلك تصنع‬
‫مذموم‪ .‬ول يدخل في هذا تحسين ألفاظ‬
‫التذكير والخطابة من غير إفراط ول تكلف‪.‬‬
‫‪ -7‬الفحش والسب وبذاءة اللسان‪:‬‬
‫وهو مذموم ومنهي عنه قال عليه الصلة‬

‫)( رواه أحمصصد والترمصصذي وابصصن مصصاجه وسصصنده‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح‪.‬‬
‫)( رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة البقرة‪ :‬آية ‪.83‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( سورة السراء‪ :‬آية ‪.53‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪10‬‬

‫طعان ول‬ ‫والسلم‪» :‬ليس المؤمن بال ّ‬


‫اللعان ول الفاحش ول البذيء«)‪.(1‬‬
‫‪ -8‬اللعن‪:‬‬
‫وهو الطرد والبعاد عن رحمة الله‪،‬‬
‫وسواء كان اللعن لنسان أو حيوان أو‬
‫جماد‪ ،‬وكل ذلك مذموم كما تقدم وذلك غير‬
‫جائز إل على من اتصف بصفة تبعده من‬
‫الله عز وجل وهو الكفر والظلم وفي لعن‬
‫فاسق معين خطر غالًبا فليجتنب ويقرب‬
‫من اللعن الدعاء على النسان بالشر بل‬
‫ينبغي الدعاء له بالخير‪ .‬وقال النبي ‪:‬‬
‫»لعن المؤمن كقتله«)‪ ،(2‬وفي صحيح‬
‫مسلم عن النبي ‪ ‬أنه قال‪» :‬ل يكون‬
‫اللعانون شفعاء ول شهداء يوم‬
‫القيامة«‪ ،‬وعنه أنه قال‪» :‬ل ينبغي‬
‫لصديق أن يكون لعانا« ويجوز لعن‬
‫أصحاب المعاصي غير المعينين المعروفين‪.‬‬
‫‪ -9‬الغناء والشعر‪:‬‬

‫)( رواه الترمصصذي والصصبيهقي وهصصو حسصصن لصصذاته‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح لغيره‪ ،‬قاله اللباني‪ :‬والفحصصش هصصو التعصصبير‬


‫عصصن المصصور المسصصتقبحة بالعبصصارات الصصصريحة‪،‬‬
‫والبذيء هو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلم‪.‬‬
‫)( رواه البخاري ومسلم وغيرهما‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪11‬‬

‫قال النبي ‪» :‬ليكونن من أمتي‬


‫أقوام يستحلون الحر )الزنا( والحرير‬
‫والخمر )المسكر( والمعازف )آلت‬
‫اللهو والغناء(«)‪ ،(1‬كما يحرم ما اشتمل‬
‫على محرم أو دعا إليه كالهجاء والتشبه‬
‫بالنساء‪ ،‬وما هيج إلى فاحشة ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ -10‬المزاح‪:‬‬
‫والمنهي عنه المذموم منه هو المداومة‬
‫عليه والفراط فيه‪ ،‬فأما المداومة فلنه‬
‫اشتغال باللعب والهزل‪ .‬وأما الفراط فيه‬
‫فإنه يورث كثرة الضحك‪ ،‬ويسقط المهابة‬
‫والوقار‪ .‬وأما ما يخلو عن هذه المور فل‬
‫يذم‪ .‬كما ورد عن النبي ‪» :‬أنه كان‬
‫يمزح ول يقول إل حقا«)‪ .(2‬ومن الغلط‬
‫العظيم أن يتخذ المزاح حرفة يواظب عليه‬
‫ويفرط فيه‪ ،‬فإن كنت تقدر على أن تمزح‬
‫ول تقول إل حّقا ول تؤذ قلًبا فل حرج عليك‬
‫إن شاء الله‪.‬‬

‫)( رواه البخصصاري فصي صصصحيحه وأبصصو داود بإسصصناد‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح‪.‬‬
‫)( رواه الطبراني بإسناد حسن‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪12‬‬

‫‪ -11‬السخرية والستهزاء بالخرين‪:‬‬


‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قال الله تعالى‪َ :‬يا أي ّ َ‬
‫َ‬
‫ن يَ ُ‬
‫كوُنوا‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ع َ‬‫وم ٍ َ‬ ‫ن َ‬
‫ق ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫و ٌ‬
‫ق ْ‬‫خْر َ‬ ‫س َ‬‫َل ي َ ْ‬
‫سى‬ ‫ع َ‬‫ء َ‬ ‫سا ٍ‬
‫ن نِ َ‬
‫م ْ‬‫ساءٌ ِ‬ ‫وَل ن ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬‫خي ًْرا ِ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ن ‪ ،(1)‬ومعنى السخرية‬ ‫ه ّ‬ ‫من ْ ُ‬
‫خي ًْرا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ي َك ُ ّ‬
‫أ ْ‬
‫الستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب‬
‫والنقائص على وجه يضحك منه‪ .‬وقد يكون‬
‫ذلك بالمحاكاة في القول والفعل والشارة‬
‫واليماء ومرجع ذلك إلى استحقار الغير‬
‫والضحك عليه والستهانة به والستصغار‬
‫خي ًْرا‬‫كوُنوا َ‬‫ن يَ ُ‬ ‫َ‬ ‫له‪ ،‬وعليه قوله‪َ  :‬‬
‫سى أ ْ‬
‫ع َ‬
‫م ‪ ‬أي ل تستحقره استصغارا له‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫فلعله خير منك‪.‬‬
‫‪ -12‬إفشاء السر‪:‬‬
‫وهو منهي عنه لما فيه من اليذاء‬
‫والتهاون بحق المعارف والصدقاء‪ ،‬قال‬
‫دث الرجل بحديث ثم‬ ‫النبي ‪» :‬إذا ح ّ‬
‫التفت فهي أمانة«)‪ .(2‬فإفشاء السر‬
‫خيانة وهو حرام إذا كان فيه إضرار‪.‬‬
‫)( سورة الحجرات‪ ،‬آية ‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( رواه أحمد وأبو داود والترمذي والضياء وسنده‬ ‫‪2‬‬

‫حسن‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫‪ -13‬الوعد الكاذب‪:‬‬
‫فإن اللسان سّباق إلى الوعد وقد ل يفي‬
‫به وذلك من علمات النفاق وقد أثنى الله‬
‫على نبيه إسماعيل عليه السلم في كتابه‬
‫العزيز فقال‪ :‬إنه كان صادق الوعد ‪‬‬
‫ما أن ل يفي به‬ ‫‪ ،‬فإن كان عند الوعد عاز ً‬
‫)‪(1‬‬

‫ع من‬ ‫فهذا هو النفاق‪ ،‬قال النبي ‪» :‬أرب ٌ‬


‫صا ومن‬‫قا خال ً‬ ‫كن فيه كان مناف ً‬
‫كانت فيه خصلة منهن كانت فيه‬
‫خصلة من النفاق حتى يدعها إذا‬
‫حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا‬
‫خاصم فجر وإذا عاهد غدر«)‪ ،(2‬والنفاق‬
‫هو إظهار الخير وإسرار الشر وفي‬
‫الصحيحين‪» :‬آية المنافق ثلث إذا‬
‫حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا‬
‫أؤتمن خان«‪.‬‬
‫‪ -14‬الكذب في القول واليمين‪:‬‬
‫وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب‪،‬‬
‫فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور‬
‫يهدي إلى النار‪ ،‬كما جاء في الحديث‬

‫)( سورة مريم‪ :‬آية ‪.54‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪14‬‬

‫الصحيح المتفق عليه‪ .‬وأعظم الكذب‬


‫الكذب على الله تعالى أو على‬
‫رسوله ‪ ‬في تحريم حلل أو تحليل حرام‬
‫ف‬‫ص ُ‬ ‫قوُلوا ل ِ َ‬
‫ما ت َ ِ‬ ‫وَل ت َ ُ‬
‫قال الله تعالى‪َ  :‬‬
‫حَل ٌ‬ ‫َ‬
‫م‬‫حَرا ٌ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه َ‬ ‫و َ‬‫ل َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه َ‬‫ب َ‬ ‫ذ َ‬ ‫م ال ْك َ ِ‬ ‫سن َت ُك ُ ُ‬‫أل ْ ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫ذ َ‬ ‫ه ال ْك َ ِ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫فت َُروا َ‬ ‫ل ِت َ ْ‬
‫ن*‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫ب َل ي ُ ْ‬ ‫ذ َ‬ ‫ه ال ْك َ ِ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬
‫م ‪ ،(1)‬وقال‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬‫ل َ‬ ‫قِلي ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫مَتا ٌ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ة ت ََرى ال ّ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫عز وجل‪َ  :‬‬
‫ة ‪.(2)‬‬ ‫ودّ ٌ‬ ‫س َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫جو ُ‬ ‫و ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫ك َذَُبوا َ‬
‫‪ -15‬المدح‪:‬‬
‫وهو منهي عنه في بعض المواضع‬
‫والمدح يدخله ست آفات‪ ،‬أربع في المادح‬
‫واثنان في الممدوح‪ .‬فأما المادح فالولى‬
‫أنه قد يفرط فيه فينتهي به إلى الكذب‪،‬‬
‫والثانية‪ :‬أنه قد يدخله في الرياء والثالثة‪:‬‬
‫أنه يقول ما ل يتحققه ول سبيل له إلى‬
‫الطلع عليه‪ ،‬والرابعة‪ :‬أنه قد يفرح‬
‫الممدوح وهو ظالم أو فاسق وذلك غير‬
‫جائز‪.‬‬

‫)( سورة النحل‪ :‬آية ‪.117 -116‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة الزمر‪ :‬آية ‪.60‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪15‬‬

‫وأما الممدوح فيضره المدح من وجهين‪:‬‬


‫أحدهما‪ :‬أنه يحدث فيه كبًرا وإعجاًبا وهما‬
‫مهلكان‪ .‬والثاني‪ :‬أنه إذا أثنى عليه فرح‬
‫وفتر ورضي عن نفسه وقل تشميره‬
‫للعمل‪ .‬فإن سلم المدح من هذه الفات‬
‫في حق المادح والممدوح لم يكن به بأس‪.‬‬
‫وعلى الممدوح أن يكون شديد الحتراز‬
‫عن آفة الكبر والعجب وآفة الفتور‪ ،‬ويتذكر‬
‫أنه يعلم من نفسه مال يعلمه المادح‪.‬‬
‫وعليه أن يقول اللهم اغفر لي ما ل يعلمون‬
‫ول تؤاخذني بما يقولون‪ ،‬واجعلني خيًرا مما‬
‫يظنون‪ ،‬كما روي ذلك عن علي بن أبي‬
‫طالب ‪ ‬أنه قاله لمن أثنى عليه‪ .‬وفي‬
‫الحديث أن رجل ً مدح رجل ً عند رسول الله‬
‫‪ ‬فقال‪» :‬ويحك قطعت عنق صاحبك‬
‫حا ل محالة فليقل‬ ‫إن كان أحدكم ماد ً‬
‫أحسبه كذا ول أزكي على الله‬
‫أحدا«)‪ ،(1‬وهذه الرسالة التي أقدم لها‬

‫)( رواه البخصصصاري ومسصصصلم‪ ،‬وانظصصصر‪» :‬تهصصصذيب‬ ‫‪1‬‬

‫موعظصصة المصصؤمنين مصصن إحيصصاء علصصوم الصصدين«‬


‫للغزالي والقاسمي ومهدي الستنبولي ص‪-217 :‬‬
‫‪.238‬‬
‫‪16‬‬

‫مستفادة من كلم الله تعالى وكلم رسوله‬


‫‪ ‬وكلم المحققين من أهل العلم‪ ،‬أسأل‬
‫الله تعالى أن ينفع بها من كتبها أو طبعها أو‬
‫قرأها أو سمعها‪ ،‬وصلى الله وسلم على‬
‫نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين‪.‬‬
‫المؤلف في ‪ 1410 / 12 / 3‬هـ‬
‫***‬
‫‪17‬‬

‫مواضيع الرسالة‬

‫‪ -1‬من آفات اللسان‪.‬‬


‫‪ -2‬الغيبة )ذكرك أخاك بما يكره(‪.‬‬
‫‪ -3‬النميمة )نقل الكلم بين الناس على‬
‫جهة الفساد بينهم(‪.‬‬
‫‪ -4‬من )آفات اللسان الكذب( »الخبار‬
‫بخلف الواقع«‪.‬‬
‫‪18‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫من آفات اللسان‬
‫اللسان –أخي المسلم‪ -‬من نعم الله‬
‫العظيمة على النسان‪ ،‬له في الخير مجال‬
‫واسع‪ ،‬وله في الشر ذيل طويل‪ ،‬فمن‬
‫أطلق لسانه وأرخى له العنان سلك به‬
‫سبل الشيطان وساقه إلى شفا جرف هار‪.‬‬
‫ول ينجو من شر اللسان إل من قيده‬
‫بلجام الشرع‪ ،‬فل ينطق إل بما ينفعه في‬
‫الدنيا والخرة‪ ،‬واللسان أعصى العضاء في‬
‫النسان‪ ،‬فإنه ل تعب في إطلقه ول مؤنة‬
‫في تحريكه‪ ،‬وهو أعظم آلة يستخدمها‬
‫الشيطان ضد النسان‪.‬‬
‫وإذا كانت العين يقتصر عملها على‬
‫المنظور‪ ،‬والذن على المسموع‪ ،‬واليد على‬
‫الملموس‪ ،‬فإن اللسان مع صغر حجمه‬
‫يتناول كل شيء‪ ،‬الحق والباطل‪ ،‬النفي‬
‫والثبات‪ ،‬الطاعة والمعصية‪ ،‬الكفر‬
‫واليمان‪.‬‬
‫ومن العجب –كما يقول ابن تيمية‪» :-‬أن‬
‫النسان يهون عليه التحفظ‬
‫والحتراز من أكل الحرام‪ ،‬والظلم‪،‬‬
‫‪19‬‬

‫والزنى‪ ،‬والسرقة‪ ،‬وشرب الخمر‪،‬‬


‫ومن النظر المحرم‪ ،‬وغير ذلك‪،‬‬
‫ويصعب عليه التحفظ من حركة‬
‫لسانه‪ ،‬حتى ترى الرجل يشار إليه‬
‫بالدين والزهد والعبادة وهو يتكلم‬
‫بالكلمات من سخط الله ل يلقي لها‬
‫با ً‬
‫ل‪ ،‬ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد‬
‫مما بين المشرق والمغرب«)‪.(1‬‬
‫»وما يتناوله اللسان من الكلم ل‬
‫يخرج عن أربعة أقسام‪ :‬قسم هو‬
‫ضرر محض‪ ،‬وقسم هو نفع محض‪،‬‬
‫وقسم فيه نفع وضرر‪ ،‬وقسم ليس‬
‫فيه نفع ول ضرر‪ .‬فأما الكلم الذي‬
‫هو من قبيل الضرر الخالص فل بد‬
‫من السكوت عنه‪ ،‬وكذلك ما تغّلب‬
‫فيه جانب الضرر على النفع‪ ،‬وأما‬
‫الكلم الذي ل نفع فيه ول ضرر فهو‬
‫فضول والشتغال به تضييع‬
‫للوقت«‪.‬‬
‫»وبهذا يسقط ثلثة أرباع الكلم‪،‬‬
‫ول يبقى إل الربع الرابع وهو ما‬

‫)( "الجواب الكافي" ص ‪.182‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪20‬‬

‫تحققت منفعته‪ ،‬أو تغلب جانب‬


‫النفع فيه على جانب الضرر‪ ،‬فهذا‬
‫هو الذي يخوض فيه النسان‬
‫ويشتغل به‪ ،‬مع ما فيه من تزكية‬
‫النفس والرياء‪ ،‬وغير ذلك«)‪.(1‬‬
‫ومن هنا فإن النبي ‪ ‬قال‪» :‬من‬
‫يضمن لي ما بين لحييه وما بين‬
‫رجليه أضمن له الجنة«)‪ ،(2‬وما بين‬
‫اللحيين هو اللسان‪ ،‬وما بين الرجلين هو‬
‫الفرج‪.‬‬
‫وقد ينطق العبد بكلمة دون تفكير ول‬
‫إمعان نظر‪ ،‬فتكون سبًبا للخسران والبوار‪،‬‬
‫في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة‬
‫أنه سمع النبي ‪ ‬يقول‪» :‬إن العبد‬
‫ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها‬
‫إلى النار أبعد مما بين المشرق‬
‫والمغرب«‪ ،‬والتبين معناه التأمل والتفكر‪،‬‬
‫وكما تكون الكلمة سبًبا لسخط الله تعالى‬
‫فإنها تكون سبًبا لرضوانه‪ .‬أخرج البخاري‬
‫عن أبي هريرة أن النبي ‪ ‬قال‪» :‬إن‬

‫)( "إحياء علوم الدين" جص ‪ 3‬ص ‪.141‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( متفق عليه من رواية سهل بن سعد‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪21‬‬

‫العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله‬


‫تعالى ما يلقي لها بال ً يرفعه الله‬
‫بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة‬
‫من سخط الله تعالى ل يلقي لها‬
‫بال ً يهوي بها في جهنم«‪.‬‬
‫وبهذا يتبين أن نجاة العبد في إمساك‬
‫لسانه عن الشر‪ ،‬وقد نصح النبي ‪ ‬عقبة‬
‫بن عامر حين سأله عن النجاة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫»أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك‬
‫وابك على خطيئتك«)‪.(1‬‬
‫ذا‪ ،‬فقال له‪:‬‬ ‫وقد نصح النبي ‪ ‬معا ً‬
‫»كف عليك هذا«‪ ،‬قلت يا رسول الله‪:‬‬
‫وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫»ثكلتك أمك! وهل يكب الناس في‬
‫النار على وجوههم إل حصائد‬
‫ألسنتهم«)‪.(2‬‬
‫وجميع أعضاء النسان تطالب اللسان‬
‫بالستقامة وعدم العوجاج‪ ،‬فما من يوم‬
‫كر اللسان‪،‬‬‫يصبح فيه النسان إل أعضاؤه ت ُذ َ ّ‬
‫وتقول له‪ :‬اتق الله فينا فإنما نحن بك‪ ،‬فإن‬

‫)( رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪22‬‬

‫استقمت استقمنا‪ ،‬وإن اعوججت اعوججنا‪.‬‬


‫وإذا فهم المرء أنه مراقب ومحاسب‬
‫ومسجل عليه كل صغيرة وكبيرة ينطق بها‬
‫لسانه‪ ،‬أدرك مدى خطورة الكلمة التي‬
‫ينطق بها‪ ،‬وتأمل فيها طويل ً قبل النطق‬
‫بها‪ ،‬فإن كانت خيًرا أرسلها وإل أمسكها‪،‬‬
‫قال تعالى‪ :‬ما يلفظ من قول إل لديه‬
‫رقيب عتيد ‪ ،(1)‬وقال‪ :‬وإن عليكم‬
‫لحافظين‪ ،‬كراما كاتبين ‪.(2)‬‬
‫واللسان آية من آيات الله‪ ،‬ونعمة من‬
‫نعمه‪ ،‬ينبغي أن يصونه المرء عن الثام‬
‫والذنوب‪ ،‬وأن يحفظه من كل ما يجر عليه‬
‫الندم والخسران وهو شاهد عليه يوم‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫هدُ َ َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫القيامة‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ي َ ْ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫و َ‬
‫أ َل ْسن َت ُهم وأ َيديهم َ‬
‫ما َ‬
‫كاُنوا‬ ‫م بِ َ‬ ‫جل ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫وأْر ُ‬
‫ِ ُ ْ َ ْ ِ ِ ْ َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن ‪.(3)‬‬ ‫ع َ‬
‫يَ ْ‬
‫وتذكر يا أخي المسلم أن في اللسان‬
‫آفتان عظيمتان‪ ،‬إن خلص من إحداهما لم‬
‫يخلص من الخرى‪ ،‬آفة الكلم‪ ،‬وآفة‬

‫)( سورة ق‪ :‬آية ‪.18‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة النفطار‪ :‬آية ‪.11 -10‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة النور‪ :‬آية ‪.24‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪23‬‬

‫ما‬
‫السكوت‪ ،‬وقد يكون كل منهما أعظم إث ً‬
‫من الخرى في وقتها‪ ،‬فالساكت عن الحق‬
‫ن إذا‬‫مداه ٌ‬ ‫مراٍء‪ُ ،‬‬
‫ص لله‪ُ ،‬‬
‫شيطان أخرس‪ ،‬عا ٍ‬
‫لم يخف على نفسه‪ ،‬والمتكلم بالباطل‬
‫ص لله‪ ،‬وأهل الوسط‬ ‫شيطان ناطق‪ ،‬عا ٍ‬
‫وهم أهل الصراط المستقيم كفوا ألسنتهم‬
‫عن الباطل وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعه‬
‫في الخرة)‪.(1‬‬
‫فكن من هؤلء يا أخي المسلم‪ ،‬خاصة‬
‫إذا علمت قوله ‪» :‬أكثر ما يدخل‬
‫الناس النار الفم والفرج«‪ .‬وقد أدرك‬
‫أصحاب النبي ‪ ‬خطر اللسان فاستعملوه‬
‫في الخير ومنعوه من الشر‪ ،‬فكان أبو بكر‬
‫الصديق يشير إلى لسانه ويقول‪ :‬هذا الذي‬
‫أوردني الموارد‪ ،‬وقال عبد الله بن مسعود‪:‬‬
‫»والله الذي ل إله إل هو ما شيء‬
‫أحوج إلى طول سجن من اللسان«‪.‬‬
‫وقال حكيم‪ :‬ست خصال يعرف بها‬
‫الجاهل‪:‬‬
‫‪ -1‬الغضب من غير شيء‪.‬‬

‫)( الجواب الكافي‪ :‬ص ‪.190‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪24‬‬

‫‪ -2‬والكلم من غير نفع‪.‬‬


‫‪ -3‬والعطية في غير موضع‪.‬‬
‫‪ -4‬وإفشاء السر عند كل أحد‪.‬‬
‫‪ -5‬والثقة بكل إنسان‪.‬‬
‫‪ -6‬وأل يعرف صديقه من عدوه‪.‬‬
‫ومدح بعض الحكماء الصمت بسبع‬
‫كلمات‪:‬‬
‫‪ -1‬إنه عبادة من غير عناء‪.‬‬
‫‪ -2‬وزينة من غير حلى‪.‬‬
‫‪ -3‬وهيبة من غير سلطان‪.‬‬
‫‪ -4‬وحصن من غير حائط‪.‬‬
‫‪ -5‬واستغناء عن اعتذار إلى أحد‪.‬‬
‫‪ -6‬وراحة للكرام الكاتبين‪.‬‬
‫‪ -7‬وستر لعيوب المتكلم‪.‬‬
‫وقال لقمان‪ :‬الصمت حكمة وقليل‬
‫فاعله)‪.(1‬‬
‫وقال النووي‪ :‬أعلم أنه ينبغي لكل مكلف‬
‫ما‬
‫أن يحفظ لسانه عن جميع الكلم‪ ،‬إل كل ً‬

‫)( أخرجه البيهقي فصي "الشصعب" عصن النصبي ‪‬‬ ‫‪1‬‬

‫بسند ضعيف وصحح أنه من قول لقمصصان الحكيصصم‬


‫"بلوغ المصصرام مصصن أدلصصة الحكصصام ص ‪ 302‬حصصدث‬
‫رقم ‪."1506‬‬
‫‪25‬‬

‫ظهرت فيه المصلحة‪ .‬ومتى استوى الكلم‬


‫وتركه في المصلحة فالسنة المساك عنه؛‬
‫لنه قد ينجر الكلم المباح إلى حرام أو‬
‫مكروه‪ ،‬وذلك كثير في العادة والسلمة ل‬
‫يعدلها شيء‪ ،‬وفي الحديث المتفق عليه‬
‫عن أبي هريرة ‪ ‬أن النبي ‪ ‬قال‪» :‬من‬
‫كان يؤمن بالله واليوم الخر فليقل‬
‫خيرا أو ليصمت«‪.‬‬
‫فهذا الحديث صريح في أنه ينبغي أل ّ‬
‫يتكلم إل إذا كان الكلم خيًرا‪ ،‬وهو الذي‬
‫ظهرت مصلحته‪ ،‬ومتى شك في ظهور‬
‫المصلحة فل يتكلم)‪.(1‬‬
‫على أن اللسان له ميدان رحب فسيح‬
‫في طاعة الله وذكره‪ ،‬ويمكن للمرء بدل‬
‫أن يستعمله في المعاصي واللغو والفضول‬
‫أن يسخره في ذكر الله وطاعته‪ ،‬ويرقى به‬
‫أعلى الدرجات‪ ،‬فباب الستغفار والتسبيح‬
‫والتحميد والتكبير وتلوة القرآن والمر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر والصلح بين‬
‫المتخاصمين إلى غير ذلك من أبواب الخير‬
‫الواسعة فيها شغل‪ ،‬واستعمال اللسان في‬
‫)( "رياض الصالحين" ص ‪.632‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪26‬‬

‫طاعة الله وكسب الدرجات العلى‪ ،‬وفيها‬


‫بعد عن المعاصي والذنوب‪ ،‬وفي كثرة‬
‫الكلم بغير ذكر الله قسوة للقلب وبعد عن‬
‫الله عز وجل‪ .‬وفقنا الله وإياكم لما يحب‬
‫ويرضى‪.‬‬
‫وصلى الله على عبده وحبيبه محمد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫‪27‬‬

‫الغيبة ]ذكر أخاك بما يكره[‬


‫في هذه السلسلة نقدم لك –أخي‬
‫دا من آفات اللسان‪ ،‬عظيمة‬ ‫المسلم‪ -‬عد ً‬
‫الخطر –وقانا الله وإياك منها‪ -‬كي تكون‬
‫هذه التذكرة عونا على التخلي عنها‪،‬‬
‫والتحلي بذكر الله‪ ،‬والشتغال بعيوب‬
‫النفس عن عيوب الغير‪ ،‬ودعوة الناس‬
‫لمثل ذلك‪ ،‬ونبدأ هذه الفات بالغيبة‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريف الغيبة‪:‬‬
‫الغيبة آفة خطيرة من آفات اللسان‪،‬‬
‫ولقد عّرفها النبي ‪ ‬بقوله‪» :‬أتدرون ما‬
‫الغيبة؟ قالوا‪ :‬الله ورسوله أعلم‬
‫قال‪ :‬ذكرك أخاك بما يكره‪ ،‬قيل‪:‬‬
‫أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟‬
‫قال‪ :‬إن كان فيه ما تقول فقد‬
‫اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول‬
‫فقد بهته«)‪ ،(1‬وبهذا يتبين أن الغيبة هي‪:‬‬
‫أن يذكر النسان عن أخيه الغائب صفة‬
‫أو خصلة موجودة فيه‪ ،‬ولو كان حاضًرا‬
‫لكره هذا القول فإذا لم توجد فيه هذه‬

‫)( أخرجه مسلم عن أبي هريرة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪28‬‬

‫الصفة أو الخصلة فإن هذا يسمى بهتاًنا أي‬


‫كذًبا وافتراء‪ ،‬وهو أعظم من الغيبة‪.‬‬
‫‪ -2‬أمثلة من الغيبة‪:‬‬
‫أ‪ -‬قد تكون الغيبة في جسم النسان‪:‬‬
‫بأن يقال‪ :‬هذا شخص أعمى‪ ،‬أو أحول‪ ،‬أو‬
‫أعور‪ ،‬أو طويل‪ ،‬أو قصير‪ ،‬أو أسود‪ ،‬أو‬
‫أصفر‪ ،‬أو أصلع‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬مما يكره‬
‫النسان أن يوصف به‪.‬‬
‫ب‪ -‬وقد تكون الغيبة في نسب النسان‪،‬‬
‫بأن يقال هذا خضيري‪ ،‬أو بخاري‪ ،‬أو‬
‫حضري‪ ،‬أو هندي )على وجه التحقير( أو‬
‫عبد أو أصله عبد‪ ،‬أو خسيس‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫جص‪ -‬وقد تكون الغيبة بسبب مهنته كأن‬
‫صاب‪ ،‬أو أي‬ ‫لق‪ ،‬أو ق ّ‬‫يقال‪ :‬فّراش‪ ،‬أو ح ّ‬
‫شيء يكرهه‪.‬‬
‫خلق النسان‪،‬‬ ‫د‪ -‬وقد تكون الغيبة في ُ‬
‫بأن يقال‪ :‬هذا سيئ الخلق‪ ،‬بخيل‪ ،‬متكبر‪،‬‬
‫جبان‪ ،‬متهور‪ ،‬سريع الغضب‪ ،‬وما يجري‬
‫مجرى ذلك‪.‬‬
‫هص‪ -‬وقد تتعلق الغيبة بالمور الشرعية‪،‬‬
‫بأن يقال هو سارق‪ ،‬أو كذاب‪ ،‬أو شارب‬
‫خمر‪ ،‬أو خائن‪ ،‬أو ظالم‪ ،‬أو متهاون بالصلة‪،‬‬
‫‪29‬‬

‫أو الزكاة‪ ،‬أو ل يحسن الركوع والسجود‪ ،‬أو‬


‫ل يحترز عن النجاسات‪ ،‬أو ليس باًرا‬
‫بوالديه‪ ،‬أو ل يصون صومه عن الرفث‬
‫والغيبة والتعرض لعراض الناس‪ ،‬إل أن‬
‫يكون مجاهرا بفسقه كاشفا عن وجهه‪ ،‬ل‬
‫يخاف ربه ول يخاف الناس فل يعد مغتاًبا‪.‬‬
‫و‪ -‬وقد تتعلق الغيبة بأمور دنيوية‪ ،‬بأن‬
‫يقال‪ :‬هو قليل الدب متهاون بالناس‪ ،‬أو‬
‫كثير الكلم‪ ،‬كثير النوم‪ ،‬واسع البطن‪ ،‬دمه‬
‫ثقيل وهكذا‪.‬‬
‫ز‪ -‬وقد تتعلق الغيبة بمظهر النسان‬
‫وثيابه فيقال عن شخص‪ :‬إنه طويل الثوب‪،‬‬
‫واسع الكم‪ ،‬قذر المنظر‪ ،‬رث الهيئة‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فكل هذا يعتبر من باب الغيبة إذا كان‬
‫موافًقا للواقع ليس من قبيل الكذب‬
‫فالقائل في هذه الحالة مغتاب آكل للحم‬
‫أخيه عاص لربه‪.‬‬
‫عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ :‬قلت‬
‫للنبي ‪» :‬حسبك من صفية أنها‬
‫قصيرة‪ ،‬فقال‪ :‬لقد قلت كلمة لو‬
‫مزجت بماء البحر لمزجته« أي لعكرته‬
‫‪30‬‬

‫وأنتنته)‪.(1‬‬
‫‪ -3‬من أنواع الغيبة‪:‬‬
‫والغيبة ل تقتصر على الكلم باللسان‪،‬‬
‫وإنما كل حركة أو إشارة أو إيماءة‪ ،‬أو‬
‫تمثيل‪ ،‬أو تعريض‪ ،‬أو همزة‪ ،‬أو لمزة أو‬
‫غمزة‪ ،‬أو كتابة أو أي شيء يفهم منه‬
‫تنقيص الطرف الخر فكل ذلك حرام داخل‬
‫في معنى الغيبة‪.‬‬
‫‪ -4‬الشتراك في الغيبة‪:‬‬
‫وفي حكم الغيبة الصغاء إلى المغتاب‬
‫على سبيل التعجب والرضا بما يقول‪ ،‬فهذا‬
‫مما يزيد في نشاط المغتاب وتشجيعه‪،‬‬
‫دق السامع‬ ‫وفيه تصديق له‪ ،‬وإذا ص ّ‬
‫المغتاب ورضي بقوله فقد شاركه في‬
‫ب عن‬ ‫الغيبة وكان من الواجب عليه أن ي َذ ُ ّ‬
‫عرض أخيه في غيبته‪ ،‬وأن يزجر الفاعل‬
‫بدل أن يجامله ويسترسل معه ويصغى‬
‫إليه‪:‬‬
‫خرج المام أحمد بإسناد حسن عن‬
‫أسماء بنت يزيد قالت‪ :‬قال رسول الله ‪:‬‬

‫)( قال الترمذي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪31‬‬

‫»من ذب عن عرض أخيه بالغيب كان‬


‫حقا على الله أن يعتقه من النار«‪.‬‬
‫وأخرج الترمذي بإسناد حسن عن أبي‬
‫الدرداء أن النبي ‪ ‬قال‪» :‬من رد عن‬
‫عرض أخيه رد الله عن وجهه النار‬
‫يوم القيامة«‪.‬‬
‫‪32‬‬

‫‪ -5‬دوافع الغيبة‪:‬‬
‫من دوافع اغتياب النسان لخيه‪:‬‬
‫أ‪ -‬الكراهية الخفية التي يخشى المغتاب‬
‫أن تتحول إلى عداوة ظاهرة لسبب من‬
‫السباب‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحسد الذي يأكل قلب المغتاب‬
‫فيريد أن يحطم مكانة أخيه عند الناس‪.‬‬
‫جص‪ -‬العمل على نشر الفساد والتشجيع‬
‫على ارتكاب الثام وممارسة المنكرات‪.‬‬
‫د‪ -‬التنقيص من الشخصيات المحترمة‬
‫في أعين الناس كي يبرز المغتاب معايبه‬
‫وقبائحه‪.‬‬
‫هص‪ -‬موافقة الجلساء‪ ،‬ومجاملة الصدقاء‬
‫ومساعدتهم في الكلم وحب التملق‬
‫والنفاق‪.‬‬
‫‪ -6‬ما يجوز من الغيبة‪:‬‬
‫أ‪ -‬التظلم‪ :‬بأن يذكر للقاضي مثل ظلم‬
‫أخيه له‪ ،‬أو خيانته‪ ،‬أو أكله للرشوة‪.‬‬
‫ب‪ -‬الستعانة على تغيير المنكر بذكره‬
‫لمن يغيره بقصد رد العاصي إلى الصواب‪،‬‬
‫صا يشرب خمًرا فيذكر هذا‬ ‫كمن يرى شخ ً‬
‫لولي أمره بغية إصلحه والتعاون على‬
‫‪33‬‬

‫النهي عن المنكر‪.‬‬
‫جص‪ -‬حكاية الحال للمفتي طلًبا للفتوى‬
‫كمن تخبر عن زوجها للمفتى أنه بخيل‪،‬‬
‫فهل يحل لها أن تأخذ شيًئا من ماله مث ً‬
‫ل‪.‬‬
‫د‪ -‬تحذير المسلم من الشر إذا وجد أنه‬
‫سيقع فيه كمن وجد شخصا يتردد على‬
‫فاسق أو مبتدع فنصحه وحذره من‬
‫مخالطته‪ .‬ومن ذلك المحافظة على السنة‬
‫النبوية‪ ،‬بذكر الكذوب والضعيف والمتروك‬
‫من رجال الحديث للوقوف على صحة‬
‫السند‪ ،‬ومنه الستشارة‪ :‬فالمستشار‬
‫مؤتمن‪ ،‬كمن يسأل عن شخص ليسند إليه‬
‫عمل ً أو ليصاهره أو يشاركه أو يحاوره‪،‬‬
‫فيذكر له حاله‪ ،‬ويصدقه القول ويخلص له‬
‫النصيحة‪.‬‬
‫هص ‪ -‬اللقاب التي يعرف بها الشخاص‬
‫على غير وجه التنقيص كأن يقال عن‬
‫شخص ل يعرف إل بقلب العرج أو‬
‫العمى‪.‬‬
‫و‪ -‬المجاهر بفسقه‪ ،‬كالمجاهر بشرب‬
‫الخمر‪ ،‬أو أخذ الرشوة‪ ،‬وكذلك المجاهر‬
‫بالبدعة‪ ،‬والحاكم الجائر فل بأس بذكر‬
‫‪34‬‬

‫أفعالهم ومذاهبهم‪ ،‬التي يجاهرون بها كي‬


‫يحذرهم الناس‪ ،‬ول يجوز أن يذكر بغير‬
‫العيوب التي يجهر بها)‪.(1‬‬
‫‪ -7‬حكم الغيبة وأدلة الحكم‪:‬‬
‫الغيبة من القبائح الجتماعية التي ل يليق‬
‫بالمسلم أن يرتكبها‪ ،‬وهي محرمة بالجماع‪،‬‬
‫ومن كبائر الذنوب‪ ،‬وقد حرمها السلم‬
‫ونهى عنها‪ ،‬لما فيها من تقطيع أواصر‬
‫الخوة‪ ،‬وإفساد المودة‪ ،‬وبذر العداوة‪،‬‬
‫ونشر المعايب‪ ،‬والستهانة بها‪ ،‬والتشجيع‬
‫على مثلها‪ ،‬ول سيما إذا كانت في حق رجل‬
‫مستقيم يقتدي به الناس أو يدعو إلى‬
‫الخير‪.‬‬
‫وللتنفير من الغيبة شّبه القرآن المغتاب‬
‫بمن يأكل لحم أخيه ميًتا فقال تعالى‪ :‬‬
‫ن‬ ‫حب أ َحدك ُ َ‬ ‫ضك ُم بع ً َ‬ ‫وَل ي َ ْ‬
‫مأ ْ‬‫َ ُ ْ‬ ‫ضا أي ُ ِ ّ‬ ‫ع ُ ْ َ ْ‬ ‫ب بَ ْ‬ ‫غت َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه‪‬‬ ‫فك َ ِ‬
‫مي ًْتا َ‬ ‫ل لَ ْ‬ ‫ي َأك ُ َ‬
‫)‪(2‬‬
‫مو ُ‬‫هت ُ ُ‬
‫ر ْ‬ ‫ه َ‬
‫خي ِ‬
‫مأ ِ‬ ‫ح َ‬
‫فالذي يذم أخاه في غيبته كمن يعضه‬
‫ويأكل لحمه وهو ميت ل يحس بألم العض‬
‫والكل‪.‬‬
‫)( رياض الصالحين‪.641 -639 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة الحجرات‪ :‬آية ‪.12‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪35‬‬

‫ولما زنى ماعز وجاء معترًفا بجريمته‬


‫يريد من النبي ‪ ‬أن يطهره من الذنب‬
‫بإقامة الحد عليه وُرجم حتى مات‪ ،‬سمع‬
‫النبي ‪ ‬رجلين يقول أحدهما لصاحبه‪ :‬ألم‬
‫تر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه‬
‫م رجم الكلب‪ ،‬ثم سار النبي‬ ‫ج َ‬
‫نفسه حتى ُر ِ‬
‫‪ ‬حتى مر بجيفة حمار فقال‪» :‬أين فلن‬
‫وفلن انزل فكل من جيفة هذا‬
‫الحمار« قال‪ :‬غفر الله لك يا رسول الله‪:‬‬
‫وهل يؤكل هذا قال ‪» :‬فما نلتما من‬
‫فا أشد أكل ً منه والذي‬ ‫أخيكما آن ً‬
‫نفسي بيده إنه الن لفي أنهار‬
‫الجنة ينغمس فيها«)‪.(1‬‬
‫وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما‬
‫قال‪ :‬هاجت ريح منتنة على عهد رسول الله‬
‫فقال النبي ‪» :‬إن ناسا من‬
‫سا من‬ ‫المنافقين قد اغتابوا أنا ً‬
‫المسلمين‪ ،‬فلذلك هاجت هذه الريح‬
‫المنتنة«)‪ ،(2‬وأخرج أحمد وأبو داود عن‬
‫أنس قال‪ :‬قال رسول الله ‪» ‬لما عرج‬
‫)( رواه أبو يعلى عصصن عمصصر بإسصصناد صصصحيح‪ ،‬وابصصن‬ ‫‪1‬‬

‫حبان في صحيحه عن أبي هريرة‪.‬‬


‫)( رواه أحمد وقال الحافظ المنذري رواته ثقات‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪36‬‬

‫بي مررت بقوم لهم أظفار من‬


‫نحاس يخمشون بها وجوههم‬
‫وصدورهم فقلت من هؤلء يا‬
‫جبريل؟ قال‪ :‬هؤلء الذين يأكلون‬
‫لحوم الناس ويقعون في‬
‫أعراضهم«)‪.(1‬‬
‫‪ -8‬الشتغال بعيوب النفس‪:‬‬
‫وما من إنسان بعد الرسل إل وفيه‬
‫عيوب‪ ،‬قد تكون أكبر من عيوب غيره‪،‬‬
‫وأكثر خطورة‪ ،‬والْولى للعبد أن يشتغل‬
‫بإصلح عيوب نفسه وتفقدها وتهذيبها‪،‬‬
‫فطوبى لمن اشتغل بعيوب نفسه عن‬
‫عيوب الناس روى البراء بن عازب بإسناد‬
‫جيد أن النبي ‪ ‬قال‪» :‬يا معشر من‬
‫آمن بلسانه ولم يدخل اليمان إلى‬
‫قلبه ل تغتابوا المسلمين ول تتبعوا‬
‫عوراتهم‪ ،‬فإن من تتبع عورة أخيه‬
‫تتبع الله عورته حتى يفضحه في‬
‫جوف بيته«)‪.(2‬‬
‫]وصدق الحكيم الذي وصف الغيبة بأنها‬

‫دا ومرسل ً والمسند أصح‪.‬‬‫)( روي مسن ً‬ ‫‪1‬‬

‫)( أبو داود وأبو يعلى‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪37‬‬

‫ضيافة الفساق ومراتع النساء‪ ،‬وإدام كلب‬


‫الناس[‪.‬‬
‫‪ -9‬تجارة خاسرة‪:‬‬
‫ما‬
‫والمغتاب يخسر حسناته ويعطيها رغ ً‬
‫عنه إلى من يغتابه‪ ،‬وهي في نفس الوقت‬
‫ربح للطرف الخر حيث يحصل جزاءها‬
‫حسنات تثقل كفته جاءته من حيث ل يدري‪.‬‬
‫وروي عن أبي ُأمامة ‪ ‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪» :‬إن الرجل ليؤتى كتابه‬
‫منشوًرا فيقول‪ :‬يا رب فأين حسنات‬
‫كذا وكذا عملتها ليست في‬
‫صحيفتي؟فيقول محيت باغتيابك‬
‫الناس«)‪.(1‬‬
‫وقال إبراهيم بن أدهم‪ :‬يا مكذب بخلت‬
‫بدنياك على أصدقائك وسخوت بآخرتك‬
‫على أعدائك فل أنت فيما بخلت به معذور‪،‬‬
‫ول أنت فيما سخوت به محمود‪.‬‬
‫ولما بلغ الحسن البصري أن رجل ً اغتابه‪،‬‬
‫أرسل إليه طبًقا من الرطب‪ ،‬وقال‪ :‬بلغني‬
‫ي حسناتك »أي بغيبته له«‬ ‫أنك أهديت إل ّ‬

‫)( رواه الصبهاني‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪38‬‬

‫فأردت أن أكافئك عليها‪ ،‬فاعذرني فإني ل‬


‫أقدر أن أكافئك على التمام‪.‬‬
‫فالغيبة تعّرض العبد لسخط الله وتحبط‬
‫حسناته‪ ،‬والمغتاب خاسر يدفع من حسناته‬
‫أو يتحمل من سيئات أخيه فتكون سببا في‬
‫رجحان كفة السيئات على الحسنات‪.‬‬
‫‪ -10‬التوبة من الغيبة‪:‬‬
‫المغتاب قد ارتكب جنايتين إحداهما في‬
‫حق الله تعالى‪ ،‬وكفارة هذه الجناية الّندم‬
‫على ما فات‪ ،‬والعزم على عدم العودة‪،‬‬
‫لمثلها والستغفار‪ ،‬وصدق التوبة‪ ،‬وثانيهما‪:‬‬
‫في حق العبد‪ ،‬وكفارتها إن كانت قد بلغت‬
‫صاحبها أن يعتذر له‪ ،‬ويطلب منه العفو‪،‬‬
‫وإن لم تكن قد بلغت صاحبها فليستغفر له‬
‫ويدع الله له ويثني عليه بقدر ما أساء إليه‪،‬‬
‫ول يخبر صاحبه حتى ل يوغر صدره‪ ،‬وفي‬
‫كل الحالين يرجع فيما قاله أمام من تكلم‬
‫عندهم ويضمر في نفسه عدم العودة إلى‬
‫مثله‪.‬‬
‫جنبني الله وإياكم مزالق اللسان‪،‬‬
‫ووقاني وإياكم عذاب النيران وصلى الله‬
‫وسلم على نبينا محمد‪.‬‬
‫‪39‬‬

‫النميمة »نقل الكلم بين الناس‬


‫على جهة الفساد بينهم«‬
‫من آفات اللسان‪ ،‬العظيمة الخطر‬
‫النميمة‪ ،‬وهي نقل الكلم بين اثنين على‬
‫وجه الفساد والوقيعة‪ ،‬وتحريض القلوب‬
‫وشحنها بالعداوة والبغضاء‪ ،‬وهذا السعي‬
‫بالفساد قد يكون بين صديقين‪ ،‬أو شريكين‪،‬‬
‫أو زوجين‪ ،‬أو قريبين‪ ،‬أو أسرتين‪ ،‬أو‬
‫قبيلتين‪ ،‬أو شعبين‪ ،‬أو دولتين‪ ،‬أو أي‬
‫فريقين بينهما صلت ومودات‪ ،‬أو علقات‪،‬‬
‫أو تعامل‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فكما تكون النميمة‬
‫بنقل الكلم بين الفراد فإنها تكون بينا‬
‫الجماعات والدول‪ ،‬وهي من أخبث وسائل‬
‫الشيطان للتفريق بين المجتمع‪ ،‬وتمزيق‬
‫أواصر الخوة والمحبة‪ ،‬وكم جّرت النميمة‬
‫من شرور عظمى وكم فّرقت بين الناس‬
‫وأفسدت العلقات وأثارت الفتن‪.‬‬
‫‪ -1‬دوافع النميمة‪:‬‬
‫والدوافع إليها قد يكون الحسد‪ ،‬أو‬
‫الكراهية‪ ،‬أو الرغبة في تحقيق مطامع‬
‫خاصة‪ ،‬كالتقرب للمحكي له‪ ،‬أو إرادة‬
‫‪40‬‬

‫السوء بالمحكي عنه‪ ،‬أو الرغبة في إشعال‬


‫النيران وإقامة الفتن بين الناس‪.‬‬
‫‪ -2‬حكم النميمة وأدلة الحكم‪:‬‬
‫أ‪ -‬والنميمة من كبائر الذنوب‪ ،‬وهي‬
‫محرمة بالجماع‪ ،‬وقد تظاهرت الدلة من‬
‫الكتاب والسنة على تحريمها‪ .‬فمن القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬نقرأ قوله تعالى‪ :‬ول تطع كل‬
‫حلف مهين‪ ،‬هماز مشاء بنميم ‪.(1)‬‬
‫ب‪ -‬وقد وصف الله امرأة أبي لهب بأنها‬
‫حمالة الحطب‪ ،‬وقد رجح طائفة من‬
‫المفسرين أن هذا كناية عن كونها تمشي‬
‫بالنميمة‪ ،‬وإنما سميت النميمة حطًبا؛ لنها‬
‫تسبب العداوة‪ ،‬فصارت بمنزلة‬
‫إيقاد النار‪.‬‬
‫مام ناقل لخبار السوء‪ ،‬وقد‬ ‫جص‪ -‬والن ّ‬
‫وصفه الله بأنه فاسق‪ ،‬وأمر المؤمنين أن‬
‫يتثبتوا من خبره‪ ،‬قال تعالى‪ :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ‬
‫ما بجهالة‬
‫فتبينوا أن تصيبوا قو ً‬
‫فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ‪.(2)‬‬
‫)( سورة القلم‪ :‬آية ‪.11 -10‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة الحجرات‪ :‬آية ‪.6‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪41‬‬

‫د‪ -‬وقيل في قوله تعالى‪ :‬ويل لكل‬


‫همزة لمزة ‪ ‬أ ّ‬
‫ن الهماز هو‪ :‬النمام‪.‬‬
‫هص ‪ -‬ولما كانت امرأة نوح تخبر أنه‬
‫مجنون وامرأة لوط تخبر عن الضيوف‪ ،‬قال‬
‫تعالى عنهما‪ :‬فخانتاهما فلم يغنيا‬
‫عنهما من الله شيئا وقيل ادخل النار‬
‫مع الداخلين ‪.(1)‬‬
‫والنميمة إيذاء للمؤمنين والمؤمنات وقد‬
‫حرم السلم الذى بشتى أنواعه ومنه‬
‫النميمة‪.‬‬
‫ومن السنة النبوية ما أخرجه الشيخان‬
‫وغيرهما عن حذيفة أن رسول الله ‪ ‬قال‪:‬‬
‫مام« وفي رواية »ل‬ ‫»ل يدخل الجنة ن ّ‬
‫يدخل الجنة قّتات« والقّتات هو النمام‪.‬‬
‫وأخرج الشيخان وغيرهما عن ابن عباس‬
‫أن رسول الله ‪ ‬مر بقبرين يعذبان فقال‪:‬‬
‫»إنهما يعذبان‪ ،‬وما يعذبان في كبير‪،‬‬
‫بلى إنه كبير‪ ،‬أما أحدهما فكان‬
‫يمشي بالنميمة‪ ،‬وأما الخر فكان ل‬
‫يستتر من بوله«‪.‬‬

‫)( سورة التحريم‪ :‬آية ‪.10‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪42‬‬

‫وعن أحمد وابن حبان أن النبي ‪ ‬دعا‬


‫بجريدتين من جرائد النخل‪ ،‬فجعل في كل‬
‫قبر واحدة‪ ،‬قلنا‪ :‬وهل ينفعه ذلك؟ قال‪:‬‬
‫نعم يخفف عنهما ما دامت رطبتين‪.‬‬
‫فالول‪ :‬وهو النمام ارتكب السبب‬
‫الموقع للعداوة بين الناس بلسانه وإن كان‬
‫صادًقا فيما قال ونم به‪ ،‬والثاني ترك‬
‫الطهارة الواجبة‪ ،‬وقد ورد أن أول ما يسأل‬
‫عنه العبد يوم القيامة هما الصلة والدماء‪،‬‬
‫والطهارة مقدمة الصلة وأقوى شروطها‪،‬‬
‫فإذا لم يتنزه من البول ولم يستبرئ منه‬
‫فقد فرط في شرط الصلة وكذلك المر‬
‫بالنسبة للنميمة‪ ،‬فإن سبب وقوع الناس‬
‫في سفك الدماء وإراقتها هو العداوة‪،‬‬
‫والنميمة مقدمة العداوة وسببها‪ ،‬وعذاب‬
‫القبر مقدمة عذاب النار فناسب هذا أن‬
‫يبدأ بالمقدمات أول ً)‪.(1‬‬
‫‪ -3‬ذو الوجهين‪:‬‬
‫والنمام ذو وجهين لنه يظهر لكل من‬
‫الفريقين بوجه غير الوجه الذي يظهر به‬
‫للطرف الخر‪ ،‬وصاحب الوجهين شر الناس‬

‫)( "غذاء اللباب"‪ :‬جص ‪ 1‬ص ‪.11‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪43‬‬

‫يوم القيامة‪ ،‬أخرج الشيخان عن أبي هريرة‬


‫أن النبي ‪ ‬قال‪» :‬تجدون شر الناس‬
‫يوم القيامة ذو الوجهين الذي يأتي‬
‫هؤلء بوجه وهؤلء بوجه« وصاحب‬
‫الوجهين منافق يخاف من الناس ول يخاف‬
‫من رب الناس‪ ،‬وقد وصفه ربنا في قوله‪:‬‬
‫‪‬يستخفون من الناس ول يستخفون‬
‫من الله وهو معهم إذ يبيتون ما ل‬
‫يرضى من القول وكان الله بما‬
‫يعلمون محيطا ‪.(1)‬‬
‫وأخرج البخاري أنه قيل لعبد الله بن‬
‫عمر رضي الله عنهما إنا ندخل على‬
‫سلطيننا فنقول لهم بخلف ما نتكلم إذا‬
‫خرجنا من عندهم‪ ،‬قال‪ :‬كنا نعد هذا نفاًقا‬
‫على عهد رسول الله ‪.‬‬
‫‪ -4‬موقف المسلم من النمام‪:‬‬
‫ذكر العلماء ستة أشياء تجب على من‬
‫بلغته النميمة‪:‬‬
‫‪ -1‬أل يصدق النمام‪ ،‬لنه مردود الشهادة‬
‫وقد وصفه القرآن بالفسق‪.‬‬
‫ن النهي عن‬ ‫‪ -2‬أن ينهاه عن النميمة‪ ،‬ل ّ‬
‫)( سورة النساء‪ :‬آية ‪.108‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪44‬‬

‫المنكر واجب‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يبغضه في الله‪ ،‬لنه عاص‪ ،‬وبغض‬
‫العاصي واجب‪.‬‬
‫‪ -4‬أل يظن السوء بأخيه الغائب‪ ،‬لن‬
‫إساءة الظن بالمسلم حرام‪.‬‬
‫‪ -5‬أل يتجسس عليه‪ ،‬لن الله تعالى نهى‬
‫عن التجسس‪.‬‬
‫مام ل يقع‬ ‫‪ -6‬ما ل يرضاه النسان من الن ّ‬
‫دا بما يفعله هذا‬‫فيه ول يفعله‪ ،‬فل يخبر أح ً‬
‫النمام حتى ل يكون مثله‪.‬‬
‫ولما دخل رجل على عمر بن عبد العزيز‬
‫وذكر عنده رجل قال عمر‪ :‬إن شئت نظرنا‬
‫في أمرك‪ ،‬إن كنت كاذَبا فأنت من أهل‬
‫هذه الية‪ :‬إن جاءكم فاسق بنبأ‬
‫فتبينوا ‪ ‬وإن كنت صادَقا فأنت من أهل‬
‫هذه الية‪ :‬هماز مشاء بنميم ‪ ‬وإن‬
‫شئت عفونا عنك‪ ،‬فقال‪:‬العفو يا أمير‬
‫المؤمنين ل أعود إلى مثل ذلك‪ ،‬وقال‬
‫الحسن البصري‪ :‬من نقل إليك حديًثا فاعلم‬
‫أنه ينقل إلى غيرك حديثك‪.‬‬
‫‪ -5‬من آثار النميمة‪:‬‬
‫وربما رأى بعض الناس أن النميمة داء‬
‫‪45‬‬

‫بسيط يمكن علجه‪ ،‬والقصة التالية توضح‬


‫لنا مدى خطورة النميمة في التفريق بين‬
‫الناس والفساد في الرض‪:‬‬
‫ماد بن سلمة أنه قال‪ :‬باع رجل‬ ‫عن ح ّ‬
‫ما فقال للمشتري‪ :‬ليس فيه عيب إل أنه‬ ‫غل ً‬
‫َنمام‪ ،‬فاستحسنه المشتري واشتراه على‬
‫ما ثم قال‬‫ذلك العيب‪ ،‬فمكث الغلم أيا ً‬
‫لزوجة الرجل الذي اشتراه‪ :‬إن زوجك ل‬
‫يحبك وهو يريد أن يتزوج عليك‪ ،‬أتريدين أن‬
‫يعطف عليك‪ ،‬قالت نعم‪ ،‬قال لها‪ :‬خذي‬
‫موسى واحلقي شعرات من باطن لحيته إذا‬
‫نام‪ ،‬ثم جاء إلى الزوج وقال إن امرأتك‬
‫اتخذت لها خليل وهي قاتلتك‪ ،‬أتريد أن‬
‫تعرف ذلك‪ ،‬قال نعم‪ ،‬قال تناوم لها‪ ،‬فتناوم‬
‫الرجل‪ ،‬فجاءت المرأة بالموسى لتحلق‬
‫الشعرات‪ ،‬فظن الرجل أنها تريد قتله‪،‬‬
‫فأخذ منها الموسى فقتلها‪ ،‬فجاء أولياء‬
‫الرجل ووقع القتال بين الفريقين)‪.(1‬‬
‫وعلى المستوى الدولي ربما قامت‬
‫حروب طاحنة بين دولتين ذهب فيها المال‬

‫)( انظر كتاب "الكبائر" للذهبي صص ‪.156‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪46‬‬

‫والرجال‪ ،‬والسبب الول فيها نميمة وتسرع‬


‫وعدم تبين‪.‬‬
‫فانظروا رحمكم الله ماذا تجر النميمة‬
‫من ويلت على الفراد والجماعات‪ ،‬وقانا‬
‫الله وإياكم شر النميمة وأشغل ألسنتنا‬
‫بذكر الله وطاعته‪ ،‬إنه على كل شيء قدير‪.‬‬
‫‪47‬‬

‫من آفات اللسان الكذب »الخبار‬


‫بخلف الواقع«‬
‫الكذب آفة سيئة من آفات اللسان‪،‬‬
‫ومرض نفسي إذا لم يسارع صاحبه بالعلج‬
‫أودى به إلى النار وبئس القرار‪.‬‬
‫وإذا كان الصدق شعار المؤمنين فإن‬
‫الكذب من علمات المنافقين‪ ،‬يقول تعالى‪:‬‬
‫‪‬إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد‬
‫إنك لرسول الله والله يعلم إنك‬
‫لرسوله والله يشهد إن المنافقين‬
‫لكاذبون ‪.(1)‬‬
‫أخي الكريم‪ :‬إن من المخالفة الواضحة‬
‫والشائعة في مجتمعنا استعمال الكذب في‬
‫القول والفعل‪ ،‬وفي البيع‪.‬‬
‫والشراء‪ ،‬وفي العهود والمواعيد‪...‬‬
‫وتساهل الناس بأمر الكذب حتى نشأ عليه‬
‫الصغار وأصبح ل يتورع عنه الكبار‪.‬‬
‫وأمر الكذب من الخطورة بمكان إذ هو‬
‫من المور المحرمة التي تؤدي بصاحبها إلى‬
‫النار‪ ،‬حتى قال عليه الصلة والسلم‪:‬‬

‫)( سورة المنافقون‪ :‬آية ‪.1‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪48‬‬

‫»وإن الكذب يهدي إلى الفجور‪ ،‬وإن‬


‫الفجور يهدي إلى النار وما يزال‬
‫الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى‬
‫يكتب عند الله كذابا«)‪.(1‬‬
‫والكاذب مهما حاول تغطية نفسه فل بد‬
‫أن يكشفه الله إن عاجل أو آجل‪ ..‬والكاذب‬
‫يخزيه ذنبه‪ ،‬فل يستغرب إذا عدم الرفيق‬
‫واستوحش منه القريب‪.‬‬
‫أو ليست تلك بضاعة رديئة فما الذي‬
‫يدفعك أخي المسلم للتعامل بها؟‬
‫من آثار الكذب السيئة‪:‬‬
‫وللكذب آثار سيئة لو علمها وعقلها‬
‫الكذابون لقلعوا عن كذبهم وعادوا إلى‬
‫ربهم‪ ،‬ونذكر من هذه الثار على سبيل‬
‫المثال‪:‬‬
‫‪ -1‬إحداث الريبة عند النسان‪:‬‬
‫والريبة تعني التهمة والشك‪ ،‬فالكاذب‬
‫دائما محل تهمة ومحل شك‪ ،‬ول شك أن‬
‫ذلك يؤذي الكاذب ويبعده عن الطمأنينة‬
‫التي يجلبها الصدق‪.‬‬

‫)( متفق عليه‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪49‬‬

‫يقول عليه الصلة والسلم‪» :‬دع ما‬


‫يريبك إلى ما ل يريبك فإن الصدق‬
‫طمأنينة والكذب ريبة«)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬وقوع المرء في خصلة من خصال‬
‫المنافقين‪:‬‬
‫يقول عليه الصلة والسلم‪» :‬أربع من‬
‫صا‪ ،‬ومن‬ ‫كن فيه كان منافقا خال ً‬
‫ة منهن كانت فيه‬ ‫كانت فيه خصل ٌ‬
‫ة من نفاق حتى يدعها‪ ،‬إذا‬ ‫خصل ٌ‬
‫اؤتمن خان‪ ،‬وإذا حدث كذب‪ ،‬وإذا‬
‫عاهد غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر«)‪.(2‬‬
‫والمنافقون كما تعلم في الدرك السفل‬
‫من الّنار‪.‬‬
‫وكلمة النفاق كلمة ثقيلة على النفوس‪،‬‬
‫وإذا كان المر كذلك فلماذا التمادي في‬
‫الكذب وهو يجر إلى هذه المنزلة القبيحة؟‬

‫)( رواه الترمصصذي والنسصصائي وغيرهمصصا وإسصصناده‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح "رياض الصالحين"‪.‬‬


‫)( الحديث متفق عليه‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪50‬‬

‫‪ -3‬محق البركة في البيع والشراء‪:‬‬


‫إن الشيطان قد يصور للبائع أو المشتري‬
‫حا كثيًرا إذا تحايل وكذب على صاحبه‪،‬‬‫رب ً‬
‫وهذا هو الواقع عند بعضنا ممن ل يراقبون‬
‫الله ول يخافون يوم الحساب‪ ،‬فتجده يخفي‬
‫عيوب السلعة خوًفا من امتناع صاحبه من‬
‫شرائها‪ ،‬وتجد المشتري ُيحّقر سلعة صاحبه‬
‫وإن كان يعلم جودتها‪ ،‬وربما قال له كاذبا‬
‫إني وجدت مثلها أو أحسن منها بقيمة أقل‬
‫من قيمتك هذه فيصدقه البائع وهكذا‪.‬‬
‫وهذا كله ناتج عن الكذب وناتج عن عدم‬
‫اهتمامنا بقول المصطفى ‪» :‬البيعان‬
‫بالخيار ما لم يتفرقا‪ ،‬فإن صدقا‬
‫وبي َّنا بورك لهما في بيعهما‪ ،‬وإن‬
‫كتما وكذبا محقت بركة بيعهما«)‪.(1‬‬
‫‪ -4‬انعدام الثقة بين الناس‪:‬‬
‫إن الكذب حينما يسري في المجتمع‬
‫تنعدم الثقة بين المسلمين وتنقطع أواصر‬
‫المحبة بينهم‪ ،‬ويكون ذلك سببا لتقليص‬
‫فرص الخير‪ ،‬وربما كان مانعا لوصول الخير‬

‫)( الحديث متفق عليه‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪51‬‬

‫لمن يستحقه‪.‬‬
‫‪ -5‬قلب الحقائق‪:‬‬
‫ومن آثار الكذب السيئة قلب الحقائق‪،‬‬
‫وذلك لن الكذابين يصورون للناس الحق‬
‫باطل ً والباطل حّقا‪ ،‬والمعروف منكًرا‬
‫والمنكر معروًفا‪ ،‬كما أن الكذابين يزينون‬
‫القبيح في أعين الناس حتى يصير‬
‫مستحسًنا ويشوهون الحق للناس حتى‬
‫حا‪ ،‬تلك بضاعة‪ ،‬الكذابين وما‬ ‫يصيرونه قبي ً‬
‫أسوأها من بضاعة وما أشد فتكها وآثارها‬
‫في المجتمع‪ ،‬فاحذروا الكذابين سواء فيما‬
‫تقرؤون أو فيما تسمعون‪ ،‬وافقهوا قوله‬
‫تعالى‪ :‬إن الله ل يهدي من هو‬
‫مسرف كذاب ‪.(1)‬‬
‫‪ -6‬آثاره على الجوارح‪:‬‬
‫أول ما يسري الكذب من النفس إلى‬
‫اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح‬
‫فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على‬
‫اللسان قوله فيعم الكذب أقواله وأفعاله‬
‫فيستحكم عليه الفساد ويترامى به داؤه‬
‫إلى الهلكة إن لم يتداركه الله بدواء‬
‫)( سورة غافر‪ :‬آية ‪.28‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪52‬‬

‫الصدق‪ ،‬وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن‬


‫منشؤه الكذب)‪ .(1‬ولهذا قال عليه الصلة‬
‫والسلم‪» :‬إن الصدق يهدي إلى البر‬
‫وإن الكذب يهدي إلى الفجور«‪ .‬أخي‬
‫الكريم‪ :‬هذه بعض الثار السيئة للكذب‬
‫وهذه كلها أمور يحس بها في الدنيا‪ ،‬أما في‬
‫الخرة فجزاء الكذابين عند الله أشد‬
‫وأنكى‪.‬‬
‫عواقبه الوخيمة بعد الممات‪:‬‬
‫ذاب يسير في طريق‬ ‫ويكفي أن الك ّ‬
‫يؤدي إلى النار‪:‬‬
‫»إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن‬
‫الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل‬
‫ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا«)‪.(2‬‬
‫ومن عواقبه أيضا أن صاحبه يعذب يوم‬
‫القيامة بصورة تقشعر لها البدان‪ ،‬وجاء في‬
‫صحيح البخاري في حديث منام النبي ‪‬‬
‫قال‪» :‬فأتينا على رجل مستلق لقفاه‬
‫وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد‪،‬‬
‫وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه‬

‫)( ابن القيم "الفوائد"‪.178 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الحديث متفق عليه‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪53‬‬

‫فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره‬


‫إلى قفاه وعينه إلى قفاه ثم يتحول‬
‫إلى الجانب الخر فيفعل به مثل ما‬
‫فعل بالجانب الول‪ ،‬فما يفرغ من‬
‫ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب‬
‫كما كان‪ ،‬ثم يعود عليه فيفعل مثل‬
‫ما فعل في المرة الولى‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قلت سبحان الله من هذا قال‪ :‬إنه‬
‫الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة‬
‫تبلغ الفاق«‪.‬‬
‫صور قبيحة للكذب‪:‬‬
‫والكذب كله قبيح ولكنه مع قبحه ينال‬
‫صاحبه الوعيد الشديد من الله‪ ،‬والصور‬
‫التية تكشف بعض هذه الصور القبيحة‪:‬‬
‫أ‪ -‬اليمين الكاذبة لترويج السلعة‪:‬‬
‫يقول عليه الصلة والسلم‪» :‬ثلثة ل‬
‫يكلمهم الله يوم القيامة ول ينظر‬
‫إليهم ول يزكيهم ولهم عذاب أليم‪:‬‬
‫المنان بعطيته‪ ،‬والمنفق سلعته‬
‫بالحلف الفاجر‪ ،‬والمسبل إزاره«)‪.(1‬‬
‫ب‪ -‬بأخــذ مــال المســلم عــن طريــق‬
‫)( أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪54‬‬

‫الحلف الكاذب‪:‬‬
‫وفي هذا يقول عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫»من حلف على يمين بإثم ليقتطع‬
‫بها مال امرئ مسلم بغير حق لقي‬
‫الله عز وجل وهو عليه غضبان«)‪.(1‬‬
‫ضا‪» :‬من اقتطع حق امرئ‬ ‫ويقول أي ً‬
‫مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار‬
‫وحّرم عليه الجنة وإن كان قضيًبا‬
‫من أراك«)‪.(2‬‬

‫)( متفق عليه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الحديث أخرجه مسلم وغيره‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪55‬‬

‫جـ‪ -‬الكذب في الحلم‪:‬‬


‫وهو أن يقول المرء إنه رأى في المنام‬
‫كذا وكذا وهو كاذب‪ ،‬وعن ذلك قال‬
‫المصطفى ‪» :‬أفرى الفرى أن يري‬
‫الرجل عينيه ما لم تريا«)‪.(1‬‬
‫ضا‪» :‬من تحلم بحلم لم يره‬ ‫ويقول أي ً‬
‫كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن‬
‫يفعل«)‪.(2‬‬
‫كيف نترك الكذب‪:‬‬
‫ضا من‬ ‫معشر الخوة‪ :‬وبعد أن عرفنا بع ً‬
‫آثار الكذب وعقوبته‪ ،‬ربما قال قائل إنني‬
‫أريد أن أتوب إلى الله من الكذب ولكن‬
‫كيف أمنع نفسي من شيء اعتدت عليه‪،‬‬
‫ولهذا وأمثاله نقول عليك بالمور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬استحضر عظمة الله وثق به فكثيًرا‬
‫من الكذب سببه الخوف من أشياء وهمية‬
‫يصورها الشيطان‪ ،‬والثقة بالله والتوكل‬
‫عليه كفيلن بذهاب تلك المخاوف‪.‬‬
‫‪ -2‬اليقين الجازم بأن ما كتب لك‬
‫سيأتيك ل محالة‪ ،‬وخاصة في أمور الدنيا‬

‫)( رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪56‬‬

‫التي بسبب الطمع فيها والحرص على‬


‫م الناس على الكذب‪ ،‬ولكن‬ ‫جمعها ي ُْقدِ ُ‬
‫اليمان والثقة الكيدة بأن ما قدره الله لك‬
‫سيأتيك يكسب النسان الطمأنينة ول‬
‫يحوجه للكذب في حديثه‪.‬‬
‫‪ -3‬رياضة النفس‪ ،‬والمقصود هنا حمل‬
‫خل ُقُ‬
‫النفس على العمال التي يقتضيها ال ُ‬
‫المطلوب فالنفس كالطفل وإذا أطلقت لها‬
‫العنان أتعبتك‪ ،‬وترويضها يعني تصبيرها على‬
‫الخلق الذي تريده مرة إثر مرة حتى يصير‬
‫ذلك الخلق طبعا له‪ ،‬ول تيأس أو تستثقل‬
‫ذلك في بداية الطريق لن المر يحتاج إلى‬
‫صبر‪ ،‬وجرب ذلك مع عادة الكذب السيئة‬
‫وستحس أنك بعد فترة أقلعت عنها‬
‫وأصبحت في عداد الصادقين‪ :‬والذين‬
‫جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ‪ ، ‬‬
‫ومن يتق الله يجعل له مخرجا ‪‬‬
‫أخي المسلم ولتعلم أنه قد رخص لك‬
‫في الكذب في أمور معينة منها في الحب‬
‫والصلح بين الناس وحديث الرجل امرأته‬
‫وحديث المرأة زوجها كما جاء في الحديث‬
‫‪57‬‬

‫الذي رواه مسلم)‪.(1‬‬


‫وفي المعاريض مندوحة عن الكذب‪:‬‬
‫أخي القارئ ول تحقرن من الكذب شيًئا‬
‫دا‪ ،‬أو هذا‬
‫ول تقولن هذا كذب ل يضر أح ً‬
‫ي في‬ ‫طفل صغير وسأكذب عليه ول عل ّ‬
‫ذلك‪ ،‬فقد رأى رسول الله ‪ ‬امرأة تنادي‬
‫طفل ً لها وهي تقول تعال أعطيك‪ :‬فقال لها‬
‫الرسول ‪ :‬وماذا ستعطيه؟ قالت‪:‬‬
‫سأعطيه كذا‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫»أما إنك لو لم تعطيه لكتبت عليك‬
‫كذبة« كذلك ل تكذب ثم تقول إنما قصدت‬
‫بذلك المزاح فالرسول ‪ ‬يقول‪» :‬أنا‬
‫م ببيت في وسط الجنة لمن‬ ‫زعي ٌ‬
‫حا«‪.‬‬‫ترك الكذب وإن كان ماز ً‬
‫ولكن خير مخرج لك عن الكذب إذا‬
‫اضطررت إليه المعاريض‪ ،‬وهي أن تتحدث‬
‫بشيء يحتمل أكثر من معنى فينصرف ذهن‬
‫صاحبك إلى غير ما في قلبك دون أن تكذبه‬
‫في الحديث‪ ،‬مثال ذلك ما يروى عن‬
‫النخعي إنه كان إذا طلبه من يكره الخروج‬

‫)( "رياض الصالحين" ص ‪.693‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪58‬‬

‫إليه وهو في الدار قال للجارية قولي له‪:‬‬


‫أطلبه في المسجد ول تقولي له ليس ها‬
‫هنا كي ل يكون كذًبا‪.‬‬
‫رزقنا الله وإياكم الصدق في القول‬
‫والعمل وصلى الله على نبينا محمد وآله‬
‫وصحبه وسلم‪.‬‬
‫‪59‬‬

‫مراجع الرسالة‬
‫»رياض الصالحين« للمام النووي‪.‬‬
‫»الترغيب والترهيب« للمنذري‪.‬‬
‫»الفوائد« لبن القيم‪.‬‬
‫»غذاء اللباب شرح منظومة‬
‫الداب« للسفاريني‪.‬‬
‫»إحياء علوم الدين« للغزالي‪.‬‬
‫»الجوب الكافي لمن سأل عن‬
‫الدواء الشافي« لبن القيم‪.‬‬
‫كتاب »الكبائر« للمام الذهبي‪.‬‬
‫»منهاج المسلم« لبي بكر الجزائري‪.‬‬
‫»إرشادات على الطريق« من إعداد‬
‫الشئون الدينية بالمن العام‪.‬‬
‫‪60‬‬

‫فهرس الرسالة‬
‫جمعها الفقير إلى ال تعالى‪4.....................................................................‬‬
‫غفر ال له ولوالديه ولجميع المسلمين ‪4.......................................................‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‪5.........................................................................‬‬
‫مقدمة‪5..............................................................................................‬‬
‫‪ -1‬الكلم في ما ل يعني‪7...................................................................:‬‬
‫‪ -2‬فضول الكلم‪8........................................................................... :‬‬
‫‪ -3‬الخوض في الباطل‪8.................................................................... :‬‬
‫‪ -4‬المراء والجدال‪8......................................................................... :‬‬
‫‪ -5‬الخصومة‪9................................................................................:‬‬
‫‪ -6‬التقعر في الكلم‪9........................................................................:‬‬
‫‪ -7‬الفحش والسب وبذاءة اللسان‪9.........................................................:‬‬
‫‪ -8‬اللعن‪10....................................................................................:‬‬
‫‪ -9‬الغناء والشعر‪10.........................................................................:‬‬
‫‪ -10‬المزاح‪11............................................................................... :‬‬
‫‪ -11‬السخرية والستهزاء بالخرين‪12...................................................:‬‬
‫‪ -12‬إفشاء السر‪12...........................................................................:‬‬
‫‪ -13‬الوعد الكاذب‪13........................................................................:‬‬
‫‪ -14‬الكذب في القول واليمين‪13...........................................................:‬‬
‫‪ -15‬المدح‪14.................................................................................:‬‬
‫مواضيع الرسالة‪17...............................................................................‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‪18.......................................................................‬‬
‫من آفات اللسان‪18................................................................................‬‬
‫الغيبة ]ذكر أخاك بما يكره[‪27..................................................................‬‬
‫‪ -1‬تعريف الغيبة‪27..........................................................................:‬‬
‫‪ -2‬أمثلة من الغيبة‪28........................................................................:‬‬
‫‪ -3‬من أنواع الغيبة‪30.......................................................................:‬‬
‫‪ -4‬الشتراك في الغيبة‪30...................................................................:‬‬
‫‪ -5‬دوافع الغيبة‪32............................................................................:‬‬
‫‪ -6‬ما يجوز من الغيبة‪32................................................................. :‬‬
‫‪ -7‬حكم الغيبة وأدلة الحكم‪34..............................................................:‬‬
‫‪ -8‬الشتغال بعيوب النفس‪36..............................................................:‬‬
‫‪ -9‬تجارة خاسرة‪37..........................................................................:‬‬
‫‪ -10‬التوبة من الغيبة‪38.....................................................................:‬‬
‫‪ -1‬دوافع النميمة‪39..........................................................................:‬‬
‫‪ -2‬حكم النميمة وأدلة الحكم‪40.............................................................:‬‬
‫‪ -3‬ذو الوجهين‪42........................................................................... :‬‬
‫‪ -4‬موقف المسلم من النمام‪43..............................................................:‬‬
‫‪ -5‬من آثار النميمة‪44.......................................................................:‬‬
‫‪61‬‬

‫من آفات اللسان الكذب »الخبار بخلف الواقع«‪47........................................‬‬


‫من آثار الكذب السيئة‪48....................................................................:‬‬
‫‪ -1‬إحداث الريبة عند النسان‪48..........................................................:‬‬
‫‪ -2‬وقوع المرء في خصلة من خصال المنافقين‪49.....................................:‬‬
‫‪ -3‬محق البركة في البيع والشراء‪50......................................................:‬‬
‫‪ -4‬انعدام الثقة بين الناس‪50................................................................:‬‬
‫‪ -5‬قلب الحقائق‪51.......................................................................... :‬‬
‫‪ -6‬آثاره على الجوارح‪51..................................................................:‬‬
‫عواقبه الوخيمة بعد الممات‪52.............................................................:‬‬
‫صور قبيحة للكذب‪53...................................................................... :‬‬
‫أ‪ -‬اليمين الكاذبة لترويج السلعة‪53........................................................ :‬‬
‫ب‪ -‬بأخذ مال المسلم عن طريق الحلف الكاذب‪53......................................:‬‬
‫جـ‪ -‬الكذب في الحلم‪55..................................................................... :‬‬
‫كيف نترك الكذب‪55.........................................................................:‬‬
‫وفي المعاريض مندوحة عن الكذب‪57...................................................:‬‬
‫مراجع الرسالة‪59.................................................................................‬‬
‫فهرس الرسالة‪60..................................................................................‬‬

You might also like