You are on page 1of 36

‫تأليف الفقير إلى الله تعالى‬

‫غفر الله له ولوالديه ولجميع‬


‫المسلمين‬
‫‪5‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫الحمد لله الههذي وعههد الصههابرين أجرهههم‬
‫بغير حساب وأشهد أن ل إله إل اللههه وحههده‬
‫دا عبهههده‬ ‫ل شهههريك لهههه وأشههههد أن محمههه ً‬
‫ورسههوله إمههام الصههابرين وسههيد الوليههن‬
‫والخرين صلوات الله وسلمه عليههه وعلههى‬
‫آله وصههحبه أجمعيههن ومههن تبعهههم بإحسههان‬
‫إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪ :‬فقد قال اللههه تعههالى‪:‬‬
‫َ‬
‫ه‬ ‫ة ِإل ب ِلإ ِذْ ِ‬
‫ن الل ل ِ‬ ‫صلليب َ ٍ‬
‫م ِ‬
‫ن ُ‬
‫مل ْ‬
‫ب ِ‬
‫صللا َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ما أ َ‬
‫ه ب ِك ُل ّ‬
‫ل‬ ‫والل ل ُ‬ ‫قل ْب َل ُ‬
‫ه َ‬ ‫د َ‬
‫هل ِ‬
‫ه يَ ْ‬
‫ن ِبالل ِ‬‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬‫ن يُ ْ‬‫م ْ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫م ‪ ،(1)‬قههال بعههض السههلف‪ :‬هههو‬ ‫عِلي ٌ‬
‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنههها مههن عنههد‬
‫ق ْ‬
‫ل‬ ‫الله فيرضههى ويس هّلم وقههال تعههالى‪ُ  :‬‬
‫ولَنا‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه ل ََنا ُ‬
‫ه َ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫ما ك َت َ َ‬ ‫صيب ََنا ِإل َ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن ‪،(2)‬‬ ‫مُنللو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫كلل ِ‬ ‫و ّ‬‫فل ْي َت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫عَلللى الللل ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫فللي‬ ‫ة ِ‬ ‫صيب َ ٍ‬‫م ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫صا َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫وقال تعالى‪َ  :‬‬
‫ب‬‫فللي ك ِت َللا ٍ‬ ‫م ِإل ِ‬ ‫س لك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫في أ َن ْ ُ‬ ‫ول ِ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫َ‬
‫عل َللى الل ل ِ‬
‫ه‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذَل ِل َ‬ ‫هللا إ ِ ّ‬ ‫ن ن َب َْرأ َ َ‬ ‫َ‬
‫لأ ْ‬ ‫قب ْ ِ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫ول‬ ‫م َ‬ ‫فللات َك ُ ْ‬‫مللا َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫وا َ‬ ‫س ْ‬ ‫سيٌر * ل ِك َْيل ت َأ َ‬ ‫يَ ِ‬

‫)( سورة التغابن آية ‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة التوبة آية ‪.51‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪6‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫م ‪ ،(1)‬وفههي الحههديث‬ ‫مللا آَتللاك ُ ْ‬‫حللوا ب ِ َ‬ ‫تَ ْ‬


‫فَر ُ‬
‫الصههحيح‪» :‬والصللبر ضللياء« رواه أحمههد‬
‫ومسلم‪ ،‬وللبخاري ومسلم مرفوعًهها‪» :‬ومللا‬
‫أعطي أحد عطللاء خي لًرا وأوسللع مللن‬
‫الصللبر«‪ .‬وقههال عمههر بههن الخطههاب ‪:‬‬
‫»خيللر عيللش أدركنللاه بالصللبر« رواه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫والصهههبر‪ :‬حبهههس النفهههس عهههن الجهههزع‬
‫والتسههخط وحبههس اللسههان عههن الشههكوى‬
‫وحبههس الجههوارح عههن التشههويش كخمههش‬
‫الوجوه وشق الثياب عند المصههيبة‪ ،‬والصههبر‬
‫يكون بالله ولله ومع الله‪ ،‬فالصبر بههالله هههو‬
‫الستعانة به سبحانه فهو وحده المعين على‬
‫مللا‬
‫و َ‬
‫صللب ِْر َ‬ ‫الصههبر كمهها قههال تعههالى‪َ  :‬‬
‫وا ْ‬
‫ه ‪ (2)‬والصههبر للههه هههو أن‬ ‫ك ِإل ب ِللالل ِ‬ ‫صلب ُْر َ‬ ‫َ‬
‫يكههون البههاعث لههه علههى الصههبر محبههة اللههه‬
‫وإرادة وجهه والتقرب إليه كما قههال تعههالى‪:‬‬
‫ه رّبهللم ‪،(3)‬‬ ‫ج ِ‬
‫و ْ‬
‫غاءَ َ‬
‫صب َُروا اب ْت ِ َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫وال ّ ِ‬
‫‪َ ‬‬
‫والصبر مع الله‪ .‬هههو دوران العبههد مههع مههراد‬
‫)( سورة الحديد آية ‪.23-22‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة النحل آية ‪.127‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة الرعد آية ‪.22‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪7‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫الله الدينى منه ومع أحكههامه الدينيههة صههابًرا‬


‫ما بإقامتههها‪،‬‬ ‫نفسه معها‪ ،‬سائًرا بسيرها‪ ،‬مقي ً‬
‫يتوجه معها أين تهوجهت‪ ،‬فههذا معنهى كهونه‬
‫صابًرا مع الله أي قد جعل نفسه وقًفا علههى‬
‫أوامر الله ومحههابه‪ ،‬والصههبر نصههف اليمههان‬
‫فإنه مركب من صبر وشكر‪ ،‬كما قال بعههض‬
‫السههلف‪ :‬اليمههان نصههفان‪ :‬فنصههف صههبر‬
‫ونصف شكر‪.(1).‬‬
‫ت ل ِك ُ ّ‬
‫ل‬ ‫ك لَيا ٍ‬‫في ذَل ِ َ‬ ‫وقال تعالى‪ :‬إ ِ ّ‬
‫ن ِ‬
‫ر ‪ ،‬والصبر من اليمان بمنزلة‬ ‫ش ُ‬
‫كو ٍ‬ ‫ر َ‬
‫صّبا ٍ‬
‫َ‬
‫الرأس من الجسد فكما أنه ل حيههاة لمههن ل‬
‫رأس لهه‪ ،‬فل إيمهان لمهن ل صهبر لهه‪ .‬وههو‬
‫ثلثههة أنههواع‪ :‬صههبر علههى فههرائض اللههه فل‬
‫يضههيعها‪ ،‬وصههبر علههى محههارمه فل يرتكبههها‪،‬‬
‫وصبر على أقضيته وأقههداره فل يتسههخطها‪،‬‬
‫ومههن اسههتكمل هههذه المراتههب الثلث فقههد‬
‫اسهههتكمل الصهههبر واليمهههان‪ ،‬ولهههذة الهههدنيا‬
‫والخرة ونعيمهما‪ ،‬والفوز والظفههر فيهمهها ل‬
‫يوصههل إليههه إل علههى جسههر الصههبر‪ ،‬كمهها ل‬
‫يصل أحد إلى الجنههة إل علههى الصههراط‪ ،‬فل‬
‫)( انظر مدارج السالكين لبن القيم رحمههه اللههه‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪157‬جه ‪.2‬‬
‫‪8‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫ينهههال دين ًههها ول دنيههها إل بالصهههبر‪ ،‬وبالصهههبر‬


‫واليقين تنال المامة فههي الههدين‪ ،‬كمهها قههال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صللب َُروا‬
‫ما َ‬ ‫رَنا ل َ ّ‬
‫م ِ‬
‫ن ب ِأ ْ‬‫دو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ة يَ ْ‬‫م ً‬‫تعالى‪ :‬أئ ِ ّ‬
‫ن ‪.(1)‬‬ ‫قُنو َ‬ ‫كاُنوا ِبآَيات َِنا ُيو ِ‬‫و َ‬‫َ‬
‫وإذا تأملت مراتب الكمال المكتسب في‬
‫العههالم رأيتههها كلههها منوطههة بالصههبر‪ ،‬وإذا‬
‫تههأملت النقصههان الههذي يههذم صههاحبه عليههه‬
‫ويههدخل تحههت قههدرته رأيتههه كلههه مههن عههدم‬
‫الصبر‪ ،‬فالشههجاعة والعفههة والجههود واليثههار‬
‫كلههها صههبر سههاعة‪ ،‬وأكههثر أسههقام البههدن‬
‫والقلههب إنمهها تنشههأ عههن عههدم الصههبر‪ ،‬فمهها‬
‫حفظههت صههحة القلههوب والبههدان والرواح‬
‫بمثل الصبر‪ ،‬ولو لم يكن في الصبر إل معية‬
‫الله مع أهله فإن الله مع الصابرين‪ ،‬ومحبته‬
‫لهم فإن الله يحب الصابرين‪ ،‬ونصره لهلههه‬
‫فإن النصر مع الصبر‪ ،‬وأنههه خيههر لهلههه‪ :‬‬
‫ن ‪،‬‬ ‫ري َ‬‫صللاب ِ ِ‬‫خْيللٌر ِلل ّ‬ ‫و َ‬ ‫هلل َ‬‫م لَ ُ‬ ‫ول َِئن َ‬
‫صللب َْرت ُ ْ‬
‫وأنه سبب الفلح والفوز كما قال تعالى‪ :‬‬
‫َ‬
‫صللاب ُِروا‬
‫و َ‬ ‫ص لب ُِروا َ‬ ‫من ُللوا ا ْ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫هللا ال ّل ِ‬
‫َيا أي ّ َ‬
‫ن‪‬‬ ‫حللو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫عل ّك ُل ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫ه لَ َ‬
‫قوا الل َ‬‫وات ّ ُ‬‫طوا َ‬ ‫وَراب ِ ُ‬‫َ‬

‫)( سورة السجدة آية ‪.24‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪9‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫]سورة آل عمران‪ :‬آية ‪.(1)[200‬‬


‫ن‬
‫مل َ‬
‫ء ِ‬
‫ي ٍ‬ ‫م بِ َ‬
‫شل ْ‬ ‫ول َن َب ْل ُ َ‬
‫ون ّك ُ ْ‬ ‫وقال تعالى‪َ  :‬‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وا ِ‬ ‫مل َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫مل َ‬ ‫ص ِ‬ ‫قلل ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫جللو ِ‬ ‫ف َ‬ ‫و ِ‬ ‫خلل ْ‬
‫ن*‬ ‫ري َ‬ ‫صللاب ِ ِ‬ ‫ر ال ّ‬ ‫شل ِ‬ ‫وب َ ّ‬‫ت َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫والث ّ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫وال َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫قاُلوا إ ِّنلا للل ِ‬
‫ه‬ ‫ة َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬ ‫ذا أ َ‬ ‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫م‬ ‫هللل ْ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫ك َ َ‬ ‫ن * ُأول َئ ِ َ‬ ‫علللو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ه َرا ِ‬ ‫وإ ِّنلللا إ ِل َْيللل ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫وأول َئ ِ َ‬
‫م‬ ‫هل ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مل ٌ‬ ‫ح َ‬‫وَر ْ‬ ‫م َ‬ ‫هل ْ‬ ‫ن َرب ّ ِ‬ ‫مل ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪ ،(2)‬وقهههال ‪» :‬ملللا ملللن‬ ‫دو َ‬ ‫هَتللل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مسلم تصيبه مصيبة فيقللول إنللا لللله‬
‫وإنا إليه راجعون اللهللم أجرنللي فللى‬
‫مصيبتي واخلللف لللي خيلًرا منهللا‪ ،‬إل‬
‫آجللره الللله فللي مصلليبته وأخلللف للله‬
‫خيًرا منها« رواه مسلم‪.‬‬
‫أيها المسلم الكريم‪ :‬العبد في تنقلته‬
‫في هذه الحياة وأطههواره فيههها ل يخلههو مههن‬
‫حالتين إما أن يحصههل لههه مهها يحههب وينههدفع‬
‫عنههه مهها يكههره‪ ،‬فههوظيفته فههي هههذه الحالههة‬
‫الشكر والعتراف بههأن ذلههك مههن نعههم اللههه‬
‫عليههه‪ ،‬فيعههترف بههها باطًنهها‪ ،‬ويتحههدث بههها‬

‫)( انظههر زاد المعههاد لبههن القيههم جه ه ‪ 4‬ص ‪333‬‬ ‫‪1‬‬

‫بتحقيق الرنؤوط‪.‬‬
‫)( سورة البقرة آية ‪.157-155‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪10‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫ظاهًرا‪ ،‬ويستعين بها على طاعة اللههه وهههذا‬


‫هو الشاكر حّقهها‪ .‬الحالههة الثانيههة‪ :‬أن يحصههل‬
‫للعبد المكروه أو يفقد المحبوب فيحدث لههه‬
‫ما وحزًنا وقلًقهها فههوظيفته الصههبر للههه‪ ،‬فل‬ ‫ه ّ‬
‫يتسخط ول يضههجر ول يشههكو للمخلههوق مهها‬
‫نزل به بههل تكههون شههكواه لخههالقه سههبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬ومن كان في الضههراء صههابًرا وفههي‬
‫السههراء شههاكًرا فحيههاته كلههها خيههر وبههذلك‬
‫يحصل على الثواب الجزيل ويكتسب الههذكر‬
‫الجميل قال ‪» ‬عجبا لمر المللؤمن إن‬
‫أمره كله له خير وليس ذلك لحللد إل‬
‫للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكللان‬
‫خيًرا له وإن أصابته ضراء صبر فكللان‬
‫خيًرا له« رواه مسلم‪.‬‬
‫والخير الحاصل للشاكرين هو الزيادة ‪‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‪‬‬ ‫زيللدَن ّك ُ ْ‬
‫مل ِ‬‫شك َْرت ُ ْ‬
‫ن َ‬‫م ل َئ ِ ْ‬
‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫وإ ِذْ ت َأذّ َ‬
‫َ‬
‫والخيههر الحاصههل للصههابرين هههو الجههر‬ ‫)‪(1‬‬

‫والثواب والمغفرة والرحمة‪.‬‬


‫أيهللا المسلللم الكريللم‪ :‬مههتى أصههابك‬
‫مكروه في بدنك أو مالك أو حبيبههك‪ ،‬فههاعلم‬

‫)( سورة إبراهيم آية ‪.7‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪11‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫دره حكيههم عليهم‪ ،‬ل يفعهل شهيًئا‬ ‫أن الذي قه ّ‬


‫عبثا ي َُقد ُّر شيًئا سدى‪ ،‬وأنه تعالى رحيههم قههد‬
‫تنوعت رحمته على عبههده يرحمههه فيعطيههه‪،‬‬
‫ثم يرحمه فيوفقه للشكر ويرحمههه فيبتليههه‪،‬‬
‫ثههم يرحمههه فيههوفقه للصههبر‪ .‬فرحمههة اللههه‬
‫متقدمههة علههى التههدابير السههارة والضههارة‬
‫ضا بأن يجعل ذلك‬ ‫ومتأخرة عنها‪ ،‬ويرحمه أي ً‬
‫البلء مكفًرا لذنوبه وآثامه‪ ،‬ومنمًيا لحسناته‪،‬‬
‫ورافًعهها لههدرجاته‪ ،‬ومههن اسههتكمل مراتههب‬
‫الصبر والشكر فهو الكامل في كل أحههواله‪،‬‬
‫وإذا أصيب العبد بمصيبة فآمن بالقدر ولجههأ‬
‫إلى الصبر والحتساب خفت وطأتها وهههانت‬
‫مشقتها‪ ،‬وتم له أجرههها وكههان مههن الفضههلء‬
‫الكرام‪ ،‬وذلك فضههل اللههه يههؤتيه مههن يشههاء‬
‫والله ذو الفضل العظيم)‪.(1‬‬
‫روى البخههاري ومسههلم عههن عبههدالله بههن‬
‫عمر رضهي اللهه عنهمهها أن رسهول اللهه ‪‬‬
‫عاد سعد بن عبههادة ومعههه عبههدالرحمن بههن‬
‫عوف وسعد بههن أبههي وقههاص وعبههدالله بههن‬
‫مسعود رضي الله عنهم‪ ،‬فبكى رسول اللههه‬
‫)( انظر الريههاض الناضههرة لبههن سههعدي ص ‪-57‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.59‬‬
‫‪12‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫‪ ‬فلما رأى القوم بكاء رسول الله ‪ ‬بكوا‬


‫فقال‪» :‬أل تسمعون إن الللله ل يعللذب‬
‫بدمع العيللن ول بحللزن القلللب ولكللن‬
‫يعللذب بهللذا )وأشللار إلللى رأسلله( أو‬
‫يرحم«‪ ،‬وفي الصههحيحين عههن أسههامة بههن‬
‫زيد أن رسول اللههه ‪ ‬رفههع إليههه ابههن ابنتههه‬
‫وهو في الموت ففاضههت عينهها رسههول اللههه‬
‫‪ ‬فقال سعد ما هذا يهها رسههول اللههه قههال‪:‬‬
‫»هذه رحمة جعلهللا الللله فللي قلللوب‬
‫عباده‪ ،‬وإنمللا يرحللم الللله مللن عبللاده‬
‫الرحماء«‪ ،‬وفي صحيح البخاري عههن أنههس‬
‫‪ ،‬أن رسههول اللههه ‪ ‬دخههل علههى ابنههه‬
‫إبراهيههم وهههو يجههود بنفسههه‪ ،‬فجعلههت عينهها‬
‫رسههههول اللههههه ‪ ‬تههههذرفان‪ ،‬فقههههال لههههه‬
‫عبههدالرحمن بههن عههوف‪ :‬وأنههت يهها رسههول‬
‫الله؟! قال‪» :‬يا ابن عوف إنها رحمللة«‬
‫ثهههم أتبعهههها بهههأخرى فقهههال‪» :‬إن العيللن‬
‫لتدمع‪ ،‬والقلب يحزن ول نقول إل ما‬
‫يرضي ربنا‪ ،‬وإنا لفراقك يللا إبراهيللم‬
‫لمحزونون«‪.‬‬
‫أما الذي منعه الشرع عند المصائب فهههو‬
‫‪13‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫التسهههخط والجهههزع والنهههدب ‪-‬وههههو تعهههداد‬


‫محاسن الميت‪ -‬والنياحة ‪-‬وهي رفع الصوت‬
‫بههذلك‪ -‬كمهها نهههى عههن لكههم الخههدود‪ ،‬وشههق‬
‫الجيوب‪ ،‬وحلق الشعور عنههد المصههيبة وهههو‬
‫من كبائر الذنوب‪ ،‬حيث تبرأ رسول اللههه ‪‬‬
‫من فاعله فقد قههال ‪» :‬ليس منللا مللن‬
‫ضللرب الخللدود وشللق الجيللوب ودعللا‬
‫بللدعوى الجاهليللة« رواه البخههاري فههي‬
‫صحيحه‪.‬‬
‫وفهههي الصهههحيحين عهههن أبهههي موسهههى‬
‫الشعري ‪ ‬أن رسههول اللههه ‪) ‬بههرئ مههن‬
‫الصالقة والحالقة والشاقة( فالصههالقة‪ :‬هههي‬
‫الههتى ترفههع صههوتها بالنياحههة عنههد المصههيبة‪،‬‬
‫والحالقههة‪ :‬هههي الههتى تحلههق شههعرها عنههد‬
‫المصيبة‪ ،‬والشههاقة‪ :‬هههي الههتى تشههق ثيابههها‬
‫عنههد المصههيبة‪ ،‬وكههل هههذا حههرام باتفههاق‬
‫العلماء‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد قههال‪:‬‬
‫أرسلت إحدى بنات رسول الله ‪ ‬للرسول‬
‫تدعوه وتخبره أن ابًنا لها في الموت‪ ،‬فقههال‬
‫عليههه الصههلة والسههلم للرسههول‪» :‬ارجللع‬
‫إليها فأخبرها‪ :‬أن لله ما أخذ‪ ،‬وله ما‬
‫‪14‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى‬


‫فمرها فلتصبر ولتحتسب«‪.‬‬
‫قال النووي رحمه الله‪ :‬فهذا الحديث من‬
‫أعظههم قواعههد السههلم المشههتملة علههى‬
‫مهمههات كههثيرة مههن أصههول الههدين وفروعههه‬
‫والدب‪ ،‬والصبر عند النوازل كلههها والهمههوم‬
‫والسقام وغير ذلك مههن العههراض‪ ،‬ومعنههى‬
‫قوله ‪» :‬إن لله ما أخذ« أن العالم كلههه‬
‫ملك لله لم يأخذ ما هو لكم‪ ،‬بل أخذ ما هههو‬
‫له عندكم في معنى العارية وبههالله التوفيههق‬
‫وصههلى اللههه علههى نبينهها محمههد وعلههى آلههه‬
‫وصحبه وسلم‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫أصول نافعة جامعة في مسائل‬


‫المصائب والمحن‬
‫‪ -1‬أن ما يصيب المههؤمنين مههن الشههرور‬
‫دون ما يصيب الكافرين‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ما يصيب المؤمنين مقرون بالرضا‬
‫والحتساب فإن فاتهم ما يريدون فمعههولهم‬
‫على الصبر والحتساب‪ ،‬وذلك يخفههف البلء‬
‫بل ريب‪.‬‬
‫‪ -3‬أن المهههؤمن محمهههول عنهههه بحسهههب‬
‫طاعته وإخلصه‪ ،‬ووجود حقائق اليمان فههي‬
‫قلبه‪ ،‬بحيث لو كان شيء منه‬
‫على غيره لعجز عن حمله وهذا من دفع‬
‫الله عن عبده المؤمن‪.‬‬
‫‪ -4‬أن محبة الله إذا تمكنههت فههي القلههب‬
‫سههتحلى‬‫م ْ‬‫كان أذى المحب في رضا محبوبه ُ‬
‫غير مسخوط‪.‬‬
‫‪ -5‬أن ما يصيب الكافر والفاجر من العز‬
‫وتوابعه مقرون بضده‪.‬‬
‫‪ -6‬أن ابتلء الله لعبههده المههؤمن كالههدواء‬
‫يستخرج منه الدواء التى لههو بقيههت أهلكتههه‬
‫أو نقصت ثوابه‪.‬‬
‫‪ -7‬أن ذلك من المور اللزمة للبشر‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫ة‬
‫مههها عظيمههه ً‬
‫‪ -8‬أن للهههه فهههي ذلهههك حك ً‬
‫ة‪.‬‬
‫معروف ً‬
‫‪ -9‬أن ذلك مههن البتلء والمتحههان الههذي‬
‫يظهر به الصادق من الكاذب‪.‬‬
‫‪ -10‬أن النسان مدني بالطبع‪ ،‬ول بد من‬
‫الختلط واختلف التصهههههههورات والرادات‬
‫التي تنشأ عنها كثير مههن الكههدار‪ ،‬والمههؤمن‬
‫مأمور أن يقههوم بههوظيفته فيههها‪ ،‬وذلههك ممهها‬
‫يهون المصيبة‪.‬‬
‫‪ -11‬أن البلء الذي يصيب العبد ل يخههرج‬
‫عن أربعة أقسام‪.‬‬
‫إما أن يكون في نفسه‪ ،‬أو في مههاله‪ ،‬أو‬
‫في عرضه‪ ،‬أو في أهله ومن يحب‪ ،‬والناس‬
‫مشتركون في حصولها‪ .‬فغير المؤمن التقي‬
‫يلقى منها أعظم مما يلقى المؤمن كما هههو‬
‫مشاهد)‪.(1‬‬
‫والحمد لله رب العههالمين وصههلوات اللههه‬
‫وسلمه على خير خلقه وأنبيائه نبينهها محمههد‬
‫وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين‪.‬‬

‫)( انظر إغاثة اللهفان لبن القيم جهه ‪ 2‬ص ‪-187‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.193‬‬
‫‪17‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫منزلة الصبر‬
‫وإ ِي ّلللا َ‬
‫ك‬ ‫عب ُلللدُ َ‬ ‫ومهههن منهههازل ‪‬إ ِي ّلللا َ‬
‫ك نَ ْ‬
‫ن ‪ ‬منزلة الصبر‪.‬‬ ‫عي ُ‬‫ست َ ِ‬
‫نَ ْ‬
‫قههال المههام أحمههد رحمههه اللههه تعههالى‪:‬‬
‫الصبر في القرآن في نحو تسعين موضًعا‪.‬‬
‫وهههو واجههب بإجمههاع المههة‪ .‬وهههو نصههف‬
‫اليمان‪ .‬فإن اليمان نصههفان‪ :‬نصههف صههبر‪،‬‬
‫ونصف شكر‪ .‬وهو مذكور في القههرآن علههى‬
‫عا‪.‬‬
‫ستة عشر نو ً‬
‫الول‪ :‬المر به‪ .‬نحو قوله تعهههالى‪َ :‬يا‬
‫َ‬
‫ر‬
‫صللب ْ ِ‬‫عيُنوا ِبال ّ‬ ‫سللت َ ِ‬‫مُنللوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫هللا اّللل ِ‬ ‫أي ّ َ‬
‫ة ‪] ‬البقههههرة‪ [2 :‬وقههههوله‪ :‬‬ ‫صللللل ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫ة ‪] ‬البقههرة‪:‬‬ ‫صللل ِ‬ ‫وال ّ‬‫ر َ‬ ‫ص لب ْ ِ‬‫عيُنوا ِبال ّ‬ ‫ست َ ِ‬
‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫صللاب ُِروا ‪] ‬آل‬ ‫و َ‬ ‫صللب ُِروا َ‬‫‪ [45‬وقههوله‪ :‬ا ْ‬
‫ملللا‬ ‫و َ‬ ‫عمهههران‪ [200 :‬وقهههوله ‪‬وَا ْ‬
‫صلللب ِْر َ‬
‫ه ‪] ‬النحل‪.[127 :‬‬ ‫ك ِإل ِبالل ِ‬ ‫صب ُْر َ‬‫َ‬
‫الثللاني‪ :‬النهههي عههن ضههده كقههوله ‪‬‬
‫ُ‬
‫ل‬
‫س ِ‬
‫ن الّر ُ‬
‫م َ‬
‫عْزم ِ ِ‬‫صب ََر أوُلو ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫صب ِْر ك َ َ‬
‫فَا ْ‬
‫م ‪] ‬الحقهههاف‪[35 :‬‬ ‫هللل ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫ج ْ‬‫ع ِ‬
‫سلللت َ ْ‬‫ول ت َ ْ‬‫َ‬
‫َ‬
‫م الدَْباَر ‪] ‬النفههال‪:‬‬ ‫وّلو ُ‬
‫ه ُ‬ ‫وقوله‪ :‬فل ت ُ َ‬
‫‪ [15‬فهههإن توليهههة الدبهههار‪ .‬تهههرك للصهههبر‬
‫مللال َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫والمصابرة وقوله ‪‬وَل ت ُب ْطُِلوا أ َ ْ‬
‫ع َ‬
‫‪18‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫‪] ‬محمد‪ [33 :‬فههإن إبطالههها تههرك الصههبر‬


‫ول‬ ‫هُنللوا َ‬ ‫علهههى إتمامهههها‪ .‬وقهههوله ‪‬وَل ت َ ِ‬
‫حَزُنوا ‪] ‬آل عمههران‪ [139 :‬فههإن الههوهن‬ ‫تَ ْ‬
‫من عدم الصبر‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الثناء على أهله‪ ،‬كقههوله تعههالى‪:‬‬
‫ن ‪] ‬آل عمههران‪:‬‬ ‫قي َ‬‫صللاِد ِ‬‫وال ّ‬‫ن َ‬
‫ري َ‬ ‫‪‬ال ّ‬
‫صاب ِ ِ‬
‫ْ‬
‫ء‬ ‫فللي ال ْب َأ َ‬
‫سللا ِ‬ ‫ن ِ‬
‫ري َ‬ ‫‪ [17‬وقههوله ‪‬وَال ّ‬
‫صللاب ِ ِ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫س ُأول َئ ِ َ‬
‫ك اّللل ِ‬
‫ْ ْ‬
‫ن الَبللأ ِ‬ ‫حيلل َ‬
‫و ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ضللّرا ِ‬
‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ن ‪] ‬البقههرة‪:‬‬ ‫قو َ‬ ‫مت ّ ُ‬‫م ال ْ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫وأول َئ ِ َ‬
‫ك ُ‬ ‫قوا َ‬ ‫صدَ ُ‬
‫َ‬
‫‪ [176‬وهو كثير في القرآن‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬إيجههابه سههبحانه وتعههالى محبتههه‬
‫ن‪‬‬ ‫ري َ‬ ‫صللاب ِ ِ‬
‫ب ال ّ‬ ‫حل ّ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫لهم‪ .‬كقوله‪ :‬وَاللل ُ‬
‫]البقرة‪.[146 :‬‬
‫الخامس‪ :‬إيجاب معيته لهم‪ .‬وهي معيهة‬
‫خاصة‪ .‬تتضمن حفظهم ونصرهم‪ ،‬وتأييدهم‪.‬‬
‫ليسههت معيههة عامههة‪ .‬وهههي معيههة العلههم‪،‬‬
‫ع‬
‫ملل َ‬ ‫ه َ‬‫ن الل َ‬ ‫صب ُِروا إ ِ ّ‬ ‫والحاطة‪ .‬كقوله ‪‬وَا ْ‬
‫ن ‪] ‬النفهههال‪ [47 :‬وقهههوله‪ :‬‬ ‫ري َ‬
‫صلللاب ِ ِ‬
‫ال ّ‬
‫ن ‪] ‬البقههرة‪،249 :‬‬ ‫ري َ‬ ‫صللاب ِ ِ‬
‫ه مللع ال ّ‬ ‫والللل ُ‬
‫َ‬
‫والنفال‪.[66 :‬‬
‫السللادس‪ :‬إخبههاره بههأن الصههبر خيههر‬
‫خي ْلٌر‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬‫م لَ ُ‬‫صب َْرت ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫لصحابه‪ .‬كقوله ‪‬وَل َئ ِ ْ‬
‫‪19‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫َ‬
‫ن ‪] ‬النحل‪ [126 :‬وقههوله ‪‬وَأ ْ‬
‫ن‬ ‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬
‫ِلل ّ‬
‫خي ٌْر ل َك ُ ْ‬
‫م ‪] ‬النساء‪.[24 :‬‬ ‫صب ُِروا َ‬ ‫تَ ْ‬
‫السللابع‪ :‬إيجههاب الجههزاء لهههم بأحسههن‬
‫ن‬ ‫ن اّللل ِ‬
‫ذي َ‬ ‫زي َ ّ‬ ‫أعمالهم‪ .‬كقوله تعالى ‪‬وَل َن َ ْ‬
‫ج ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ع َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ن َ‬
‫س ِ‬
‫ح َ‬
‫م ب ِأ ْ‬
‫ه ْ‬
‫جَر ُ‬
‫صب َُروا أ ْ‬
‫َ‬
‫‪] ‬النحل‪.[96 :‬‬
‫الثامن‪ :‬إيجابه سبحانه الجزاء لهم بغيههر‬
‫فى‬ ‫و ّ‬‫مللا ُيلل َ‬‫حسهههاب‪ .‬كقهههوله تعهههالى ‪‬إِن ّ َ‬
‫ب‪‬‬ ‫َ‬
‫سلللا ٍ‬ ‫ح َ‬‫ر ِ‬ ‫غْيللل ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫هللل ْ‬ ‫جَر ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫صلللاب ُِرو َ‬
‫ال ّ‬
‫]يونس‪.[39 :‬‬
‫التاسع‪ :‬إطلق البشههرى لهههل الصههبر‪.‬‬
‫ن‬
‫مل َ‬‫ء ِ‬ ‫ي ٍ‬
‫شل ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ون ّك ُ ْ‬‫كقههوله تعههالى ‪‬وَل َن َب ْل ُل َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ون َ ْ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫وا ِ‬
‫مل َ‬‫ن ال ْ‬ ‫مل َ‬
‫ص ِ‬‫قلل ٍ‬ ‫ع َ‬ ‫جللو ِ‬ ‫ف َ‬
‫و ِ‬‫خلل ْ‬
‫ن‪‬‬ ‫ري َ‬‫صللاب ِ ِ‬
‫ر ال ّ‬ ‫وب َ ّ‬
‫ش ِ‬ ‫ت َ‬ ‫والث ّ َ‬
‫مَرا ِ‬ ‫س َ‬‫ف ِ‬‫وال َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫]البقرة‪.[155 :‬‬
‫العاشللر‪ :‬ضههمان النصههر والمههدد لهههم‪.‬‬
‫وت َت ّ ُ‬
‫قللوا‬ ‫ص لب ُِروا َ‬ ‫كقوله تعالى ‪‬بَل َللى إ ِ ْ‬
‫ن تَ ْ‬
‫م َرب ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫م‬
‫كلل ْ‬ ‫ددْك ُ ْ‬
‫م ِ‬‫ذا ي ُ ْ‬‫ه َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ر ِ‬
‫و ِ‬‫ف ْ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫وي َأُتوك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫َ‬
‫ن‪‬‬ ‫مي َ‬ ‫و ِ‬
‫سل ّ‬ ‫م َ‬ ‫ة ُ‬ ‫ملئ ِك َل ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫ف ِ‬‫ة آل ٍ‬‫س ِ‬ ‫م َ‬
‫خ ْ‬ ‫بِ َ‬
‫]آل عمههران‪ ،[125 :‬ومنههه قههول النههبي ‪:‬‬
‫»واعلم أن النصر مع الصبر«‪.‬‬
‫الحادي عشللر‪ :‬الخبههار منههه تعههالى أن‬
‫‪20‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫أهل الصبر هم أهل العزائم‪ .‬كقههوله تعههالى‪:‬‬


‫علْزم ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ك لَ ِ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬‫فَر إ ِ ّ‬ ‫و َ‬
‫غ َ‬ ‫صب ََر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪‬وَل َ َ‬
‫ر ‪] ‬الشورى‪.[43 :‬‬ ‫ُ‬
‫مو ِ‬ ‫ال ُ‬
‫الثللاني عشللر‪ :‬الخبههار أنههه مهها ي ُل َّقههى‬
‫العمهههال الصهههالحة وجزاءهههها والحظهههوظ‬
‫العظيمة إل أهههل الصههبر‪ ،‬كقههوله تعههالى ‪‬‬
‫ل‬ ‫ملل َ‬‫ع ِ‬‫و َ‬‫ن َ‬ ‫ملل َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬‫خي ٌْر ل ِ َ‬
‫ه َ‬ ‫ب الل ِ‬ ‫وا ُ‬‫م ثَ َ‬ ‫وَي ْل َك ُ ْ‬
‫ن‪‬‬ ‫صلللاب ُِرو َ‬ ‫هلللا ِإل ال ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ول ي ُل َ ّ‬‫حا َ‬ ‫صلللال ِ ً‬ ‫َ‬
‫هللا ِإل‬ ‫قا َ‬‫مللا ي ُل َ ّ‬‫]القصههص‪ [80 :‬وقههوله ‪‬وَ َ‬
‫حل ّ‬
‫ظ‬ ‫هللا ِإل ُ‬
‫ذو َ‬ ‫مللا ي ُل َ ّ‬
‫قا َ‬ ‫و َ‬
‫ص لب َُروا َ‬
‫ن َ‬ ‫ال ّ ل ِ‬
‫ذي َ‬
‫ظيم ٍ ‪] ‬فصلت‪.[35 :‬‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫الثالث عشللر‪ :‬الخبههار أنههه إنمهها ينتفههع‬
‫باليات والعبر أهههل الصههبر كقههوله لموسههى‬
‫ت إ ِل َللى‬ ‫ن الظّل ُ َ‬
‫مللا ِ‬ ‫مل َ‬ ‫مل َ‬
‫ك ِ‬ ‫و َ‬ ‫ج َ‬
‫ق ْ‬ ‫ر ْ‬ ‫ن أَ ْ‬
‫خ ِ‬ ‫‪‬أَ ْ‬
‫ك‬‫فللي ذَل ِل َ‬ ‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫وذَك ّْر ُ‬
‫ه إِ ّ‬‫م ب ِأي ّللام ِ اللل ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر َ‬ ‫الّنو ِ‬
‫ر ‪] ‬إبراهيههم‪[5 :‬‬ ‫كو ٍ‬ ‫شل ُ‬ ‫ر َ‬ ‫صلّبا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ل ِك ُ ّ‬ ‫لَيا ٍ‬
‫َ‬ ‫عل َْنا ُ‬ ‫وقوله في أهل سبأ ‪َ ‬‬
‫ث‬ ‫حللاِدي َ‬‫مأ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ف َ‬
‫ت‬ ‫ك لَيا ٍ‬ ‫في ذَل ِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ق إِ ّ‬ ‫مّز ٍ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫قَنا ُ‬ ‫مّز ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ر ‪] ‬سبأ‪ [19 :‬وقوله في‬ ‫كو ٍ‬ ‫ش ُ‬ ‫ر َ‬ ‫صّبا ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ِك ُ ّ‬
‫فللي‬ ‫ر ِ‬
‫وا ِ‬ ‫ج َ‬‫ه ال ْ َ‬ ‫ن آَيات ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سورة الشورى ‪َ ‬‬
‫و ِ‬
‫علم * إن ي َ ْ‬ ‫كال َ ْ‬
‫ح‬
‫ن الّريل َ‬ ‫س لك ِ ِ‬ ‫ش لأ ي ُ ْ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ال ْب َ ْ‬
‫‪21‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫في ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن ِ‬
‫ه إِ ّ‬
‫ر ِ‬ ‫عَلى ظَ ْ‬
‫ه ِ‬ ‫واك ِدَ َ‬‫ن َر َ‬ ‫في َظْل َل ْ َ‬
‫َ‬
‫ر ‪] ‬الشههورى‪:‬‬ ‫كو ٍ‬ ‫شل ُ‬
‫ر َ‬
‫ص لّبا ٍ‬
‫ل َ‬ ‫ت ل ِك ُل ّ‬ ‫لي َللا ٍ‬
‫‪.[33‬‬
‫الرابللع عشللر‪ :‬الخبهههار بهههأن الفهههوز‬
‫المطلوب المحبوب‪ ،‬والنجههاة مههن المكههروه‬
‫المرهوب‪ ،‬ودخول الجنة‪ ،‬إنما نالوه بالصبر‪.‬‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫ن َ َ‬
‫خُلو َ‬ ‫كقوله تعالى ‪‬وَال ْ َ‬
‫ملئ ِك َ ُ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ة ي َدْ ُ‬
‫م‬
‫صلب َْرت ُ ْ‬
‫مللا َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م بِ َ‬ ‫م َ‬
‫سل ٌ‬‫ب* َ‬ ‫ل َبا ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ر ‪] ‬الرعد‪.[26 :‬‬ ‫دا ِ‬
‫قَبى ال ّ‬ ‫ع ْ‬
‫م ُ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫فن ِ ْ‬
‫الخللامس عشللر‪ :‬أنههه يههورث صههاحبه‬
‫درجة المامههة‪ .‬سههمعت شههيخ السههلم ابههن‬
‫تيميههة ‪-‬قههدس اللههه روحههه‪ -‬يقههول‪ :‬بالصههبر‬
‫واليقين تنال المامة في الدين‪ .‬ثم تل قههوله‬
‫َ‬
‫ن‬
‫دو َ‬‫هلل ُ‬
‫ة يَ ْ‬
‫ملل ً‬
‫م أئ ِ ّ‬
‫هلل ْ‬ ‫عل َْنللا ِ‬
‫من ْ ُ‬ ‫تعههالى ‪‬وَ َ‬
‫ج َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫قُنلو َ‬ ‫و َ‬
‫كاُنوا ِبآَيات َِنا ُيو ِ‬ ‫صب َُروا َ‬ ‫رَنا ل َ ّ‬
‫ما َ‬ ‫م ِ‬
‫ب ِأ ْ‬
‫‪] ‬السجدة‪.[24 :‬‬
‫السللادس عشللر‪ :‬اقههترانه بمقامههات‬
‫السلم‪ ،‬واليمان‪ ،‬كما قرنه سبحانه باليقين‬
‫وباليمان والتوكل‪ .‬وبالشكر والعمل الصالح‬
‫والرحمة)‪.(1‬‬
‫خلق الصبر واحتمال الذى‬

‫)( مدارج السالكين لبن القيم ‪.2/252‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪22‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫من محاسن أخلق المسلم الههتى يتحلههى‬


‫بههها‪ :‬الصههبر‪ ،‬واحتمههال الذى فههى ذات اللههه‬
‫تعالى‪ .‬أما الصبر فهوحبس النفس على مهها‬
‫تكره‪ ،‬أو احتمال المكروه بنههوع مههن الرضهها‬
‫والتسليم‪.‬‬
‫فالمسلم يحبس نفسه على ما تكره من‬
‫مهها‪،‬‬
‫عبادة الله وطههاعته‪ ،‬ويلزمههها بههذلك إلزا ً‬
‫ويحبسههها دون معاصههي اللههه عههز وجههل فل‬
‫يسمح لها باقترابها‪ ،‬ول يأذن لها فههي فعلههها‬
‫مهمهها تههاقت لههذلك بطبعههها‪ ،‬وهشههت لههه‪،‬‬
‫ويحبسها على البلء إذا نههزل بههها فل يتركههها‬
‫تجههزع‪ ،‬ول تسههخط‪ ،‬إذ الجههزع‪ ،‬كمهها قههال‬
‫الحكماء على الفههائت آفههة‪ ،‬وعلههى المتوقههع‬
‫سخافة‪ ،‬والسخط على القههدار معاتبههة للههه‬
‫الواحد القهار‪ ،‬وهو فههي كههل ذلههك مسههتعين‬
‫بههذكر اللههه تعههالى بههالجزاء الحسههن علههى‬
‫الطاعات‪ ،‬وما أعد لهلها مههن جزيههل الجههر‬
‫وعظيم المثوبات‪ ،‬وبذكر وعيده تعالى لهل‬
‫بغضته وأصحاب معصيته‪ ،‬من أليم العههذاب‪،‬‬
‫وشديد العقاب ويتذكر أن أقدار الله جارية‪،‬‬
‫وأن قضاءه تعههالى عههدل‪ ،‬وأن حكمههه نافههذ‪،‬‬
‫‪23‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫صبر العبد أم جزع‪ ،‬غير أنه مع الصبر الجههر‬


‫ومع الجزع الوزر‪ .‬ولمهها كههان الصههبر وعههدم‬
‫الجزع من الخلق التي تكتسب وتنال بنههوع‬
‫مههن الرياضههة والمجاهههدة‪ ،‬فالمسههلم بعههد‬
‫افتقاره إلههى اللههه تعههالى أن يرزقههه الصههبر‪،‬‬
‫فإنه يستلهم الصههبر بههذكر مهها ورد فيههه مههن‬
‫أمر‪ ،‬وما وعد عليه من أجر‪ ،‬كقههوله تعههالى‪:‬‬
‫َ‬
‫صللاب ُِروا‬ ‫و َ‬ ‫ص لب ُِروا َ‬ ‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫‪َ‬يا أي ّ َ‬
‫ن‪‬‬ ‫حللو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬‫عل ّك ُل ْ‬ ‫ه لَ َ‬‫قوا الل َ‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫طوا َ‬ ‫وَراب ِ ُ‬
‫َ‬
‫وقهههههوله‪َ  :‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ر‬
‫صلللللب ْ ِ‬ ‫عيُنوا ِبال ّ‬ ‫سلللللت َ ِ‬ ‫وا ْ‬
‫ك‬ ‫صب ُْر َ‬‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫صب ِْر َ‬ ‫وا ْ‬ ‫ة ‪ ‬وقوله ‪َ ‬‬
‫)‪(2‬‬
‫صل ِ‬ ‫وال ّ‬ ‫َ‬
‫عَللى َ‬ ‫ه ‪ ‬وقههوله ‪َ ‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ملا‬ ‫صلب ِْر َ‬ ‫وا ْ‬ ‫ِإل ِبلالل ِ‬
‫)‪(4‬‬
‫ر‪‬‬ ‫ُ‬ ‫ن ذَل ِ ل َ‬ ‫صللاب َ َ‬ ‫َ‬
‫مللو ِ‬ ‫ع لْزم ِ ال ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مل ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫ك إِ ّ‬ ‫أ َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ن * اّللل ِ‬ ‫ري َ‬
‫صاب ِ ِ‬ ‫ر ال ّ‬ ‫ش ِ‬ ‫وب َ ّ‬‫وقوله تعالى ‪َ ‬‬
‫إ َ َ‬
‫وإ ِن ّللا‬ ‫ه َ‬ ‫قللاُلوا إ ِن ّللا لل ل ِ‬ ‫ة َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫م ُ‬
‫ه ْ‬ ‫صاب َت ْ ُ‬ ‫ذا أ َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ت‬‫وا ٌ‬ ‫ص لل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫هل ْ‬ ‫ك َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ن * أول َئ ِ َ‬ ‫عللو َ‬‫ج ُ‬ ‫ه َرا ِ‬ ‫إ ِل َي ْل ِ‬
‫ن‬
‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫وُأول َئ ِ َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ٌ‬‫ح َ‬
‫وَر ْ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن َرب ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬

‫آل عمران آية ‪.200‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫سورة البقرة آية ‪.45‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫سورة النحل آية ‪.127‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫سورة لقمان آية ‪.17‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬


‫‪24‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫ص لب َُروا‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ل ِ‬ ‫زَيلل ّ‬‫ج ِ‬ ‫ول َن َ ْ‬ ‫‪ ‬وقههوله ‪َ ‬‬


‫)‪(1‬‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫)‪(2‬‬
‫ن‪‬‬ ‫مل ُللو َ‬ ‫مللا ك َللاُنوا ي َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ن َ‬ ‫سل ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫ه ْ‬‫جَر ُ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ن‬‫دو َ‬ ‫هلل ُ‬ ‫ة يَ ْ‬‫ملل ً‬ ‫م أئ ِ ّ‬ ‫هلل ْ‬‫من ْ ُ‬ ‫عل َْنللا ِ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬ ‫وقههوله ‪َ ‬‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫قُنلو َ‬ ‫كاُنوا ِبآَيات َِنا ُيو ِ‬ ‫و َ‬ ‫صب َُروا َ‬ ‫ما َ‬ ‫رَنا ل َ ّ‬ ‫م ِ‬
‫ب ِأ ْ‬
‫و ّ‬ ‫‪ ‬وقههوله ‪‬إ ِن ّ َ‬
‫)‪(3‬‬
‫ن‬ ‫صللاب ُِرو َ‬ ‫فى ال ّ‬ ‫مللا ُيلل َ‬
‫ب ‪ (4)‬وقههول الرسههول‬ ‫َ‬
‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ر ِ‬ ‫غي ْ ِ‬
‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬‫جَر ُ‬ ‫أ ْ‬
‫‪» ‬الصللبر ضللياء«)‪ (5‬وقهههوله‪» :‬ومللن‬
‫يسللتعفف يعفلله الللله ومللن يسللتغن‬
‫يغنه الله ومن يصبر يصبره الله ومللا‬
‫أعطي أحد عطللاءً خي لًرا وأوسللع مللن‬
‫الصبر«)‪ (6‬وقوله‪» :‬عجًبا لمللر المللؤمن‬
‫إن أمره كله له خير وليس ذلك لحللد‬
‫إل للمللؤمن‪ ،‬إن أصللابته سللراء شللكر‬
‫فكللان خيللًرا للله‪ ،‬وإن أصللابته ضللراء‬
‫صبر فكان خيًرا له«)‪.(7‬‬
‫وقوله عليه الصههلة والسههلم لبنتههه وقههد‬
‫سورة البقرة آية ‪.157-155‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النحل آية ‪.96‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫سورة السجدة آية ‪.24‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫سورة الزمر آية ‪.10‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫متفق عليه‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬


‫‪25‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫أرسلت إليه تطلههب حضههوره‪ ،‬إذ ولههدها قههد‬


‫احتضر فقال لرسولها‪» :‬أقرأها السلللم‪،‬‬
‫وقللل لهللا‪ :‬إن لللله مللا أخللذ وللله مللا‬
‫أعطللى‪ ،‬وكللل شلليء عنللده بأجللل‬
‫مسمى‪ ،‬فلتصبر ولتحتسب«)‪ ،(1‬وقوله‪:‬‬
‫»يقللول الللله عللز وجللل‪ :‬إذا ابتليللت‬
‫عبدي بحبيبتيه )عينيه( فصبر عوضته‬
‫منهما الجنة«)‪ ،(2‬وقوله‪» :‬من يرد الللله‬
‫بلله خي لًرا يصللب منلله«)‪ .(3‬وقههوله‪» :‬إن‬
‫عظللم الجللزاء مللن عظللم البلء‪ ،‬وإن‬
‫مللا ابتلهللم‬ ‫الللله تعللالى إذا أحللب قو ً‬
‫فمن رضي فله الرضللا‪ ،‬ومللن سللخط‬
‫فللله السللخط«)‪ (4‬وقههوله عليههه الصههلة‬
‫والسلم‪» :‬ما يزال البلء بالمؤمن في‬
‫نفسه وولده وماله حللتى يلقللى الللله‬
‫)‪(5‬‬
‫وما عليه خطيئة«‬
‫وأمهها احتمههال الذى فهههو الصههبر ولكنههه‬

‫متفق عليه‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫رواه البخاري‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫رواه البخاري‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫رواه الترمذي وحسنه‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫رواه الترمذى وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬


‫‪26‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫أشههق‪ ،‬وهههو بضههاعة الصههديقين‪ ،‬وشههعار‬


‫الصالحين‪ ،‬وحقيقته أن يههؤذى المسههلم فههي‬
‫ذات اللههه تعههالى فيصههبر ويتحمههل‪ ،‬فل يههرد‬
‫السههيئة بغيههر الحسههنة‪ ،‬ول ينتقههم لههذاته‪ ،‬ول‬
‫يتأثر لشخصيته ما دام ذلك في سبيل اللههه‪،‬‬
‫ومؤدًيا إلى مرضات الله‪ ،‬وأسوته فههي ذلههك‬
‫المرسلون الصههالحون إذ ينههدر مههن لههم يههؤذ‬
‫منهم في ذات الله‪ ،‬ولههم يبتههل فههي طريقههه‬
‫إلههى الوصههول إلههى اللههه‪ ،‬قههال عبههدالله بههن‬
‫مسعود ‪ :‬كأني أنظر إلى رسههول اللههه ‪‬‬
‫يحكي نبّيا من النبياء صلوات اللههه وسههلمه‬
‫عليهههم ضههربه قههومه فههأدموه‪ ،‬وهههو يمسههح‬
‫الههدم عههن وجهههه ويقههول‪» :‬اللهلم اغفلر‬
‫لقللومي فللإنهم ل يعلمللون«)‪ (1‬ههههذه‬
‫صورة من صور احتمال الذى كانت لرسول‬
‫الله ‪ ،‬وصورة أخههرى لههه‪» :‬قسم يو ً‬
‫مللا‬
‫ل‪ ،‬فقال أحد العللراب‪ :‬قسللمة مللا‬ ‫ما ً‬
‫أريد بها وجه الله‪ ،‬فبلغ ذلللك رسللول‬
‫الله فاحمرت وجنتاه‪ ،‬ثم قال‪ :‬يرحم‬
‫الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من‬

‫)( متفق عليه‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪27‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫هذا فصبر«)‪.(1‬‬
‫وقال خبههاب بههن الرت ‪) :‬شههكونا إلههى‬
‫رسههول اللههه عليههه الصههلة والسههلم وهههو‬
‫متوسد بردة له في ظههل الكعبههة‪ ،‬فقلنهها‪ :‬أل‬
‫تنتصر لنا‪ ،‬أل تدعو لنا؟ فقال‪ :‬قد كههان مههن‬
‫قبلكم يؤخذ الرجههل فيحفههر لههه فههي الرض‬
‫فيجعل فيها‪ ،‬ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على‬
‫رأسههه فيجعههل نصههفين‪ ،‬ويمشههط بأمشههاط‬
‫الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلههك‬
‫عههن ديههن اللههه()‪ (2‬وقههص اللههه لنهها عههن‬
‫المرسهههلين وحكهههى عنههههم قهههولهم وههههم‬
‫َ‬
‫ل‬ ‫ما ل ََنا أل ن َت َ َ‬
‫وك ّ َ‬ ‫يتحملون الذى فقال‪َ  :‬‬
‫و َ‬
‫ن‬
‫ص لب َِر ّ‬‫ول َن َ ْ‬‫س لب ُل ََنا َ‬
‫داَنا ُ‬
‫هل َ‬
‫ق لدْ َ‬‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫عَلى الل ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و ّ‬
‫كل ِ‬ ‫فل ْي َت َ َ‬
‫ه َ‬‫عل َللى اللل ِ‬ ‫و َ‬ ‫ما آذَي ْت ُ ُ‬
‫موَنلا َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫َ‬
‫ن ‪ (3)‬وكههان عيسههى بههن مريههم‬ ‫وك ّل ُللو َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مت َ َ‬
‫عليه السلم يقول لبني إسرائيل‪) :‬لقد قيههل‬
‫لكههم مههن قبههل‪ :‬إن السههن بالسههن والنههف‬
‫بههالنف‪ ،‬وأنهها أقههول لكههم ل تقههاوموا الشههر‪،‬‬

‫)( متفق عليه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( البخاري ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة إبراهيم ‪.12‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪28‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫بالشر بل مههن ضههرب خههدك اليمههن فحههول‬


‫إليههه الخههد اليسههر‪ ،‬ومههن أخههذ منههك رداءك‬
‫)‪(1‬‬
‫فأعطه إزارك(‬
‫وكههان بعههض أصههحاب رسههول اللههه ‪‬‬
‫يقولون‪ :‬ما كنا نعد إيمههان الرجههل إيمان ًهها إذا‬
‫لم يصبر على الذى!‪.‬‬
‫على ضوء هذه الصور الناطقههة‪ ،‬والمثلههة‬
‫الحية من الصههبر والتحمههل يعيههش المسههلم‬
‫ل‪ ،‬ل يشهههههكو ول‬ ‫صهههههابًرا محتسهههههًبا متحم ً‬
‫يتسخط‪ ،‬ول يدفع المكروه بالمكروه‪ ،‬ولكن‬
‫يدفع السيئة بالحسنة ويعفو ويصههبر ويغفههر‪:‬‬
‫ع لْزم ِ‬
‫ن َ‬ ‫مل ْ‬‫ك لَ ِ‬
‫ن ذَل ِ َ‬
‫فَر إ ِ ّ‬ ‫و َ‬
‫غ َ‬ ‫صب ََر َ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫ول َ َ‬
‫‪َ ‬‬
‫ر ‪.(2)‬‬ ‫ُ‬
‫مو ِ‬ ‫ال ُ‬

‫)( الغزالي في الحياء‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( منهاج المسلم لبي بكر الجزائري ص ‪.153‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪29‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫أسباب الصبر‬
‫قاعدة‪ :‬الصبر عللن المعصللية ينشللأ‬
‫من أسباب عديدة‪:‬‬
‫‪ -1‬أحدها‪:‬‬
‫علم العبد بقبحها ورذالتها ودناءتههها‪ ،‬وأن‬
‫الله إنما حّرمها ونهههى عنههها صههيانة وحمايههة‬
‫عههن الههدنايا والههرذائل‪ ،‬كمهها يحمههي الوالههد‬
‫الشههفيق ولههده عمهها يضههره‪ .‬وهههذا السههبب‬
‫يحمل العاقل على تركها ولو لم يعلق عليها‬
‫وعيد بالعذاب‪.‬‬
‫‪ -2‬السبب الثاني‪:‬‬
‫الحياء من الله سبحانه‪ ،‬فإن العبههد مههتى‬
‫علم بنظره إليه ومقههامه عليههه وأنههه بمههرأى‬
‫منه ومسمع وكان حيّيا استحيى من ربههه أن‬
‫يتعرض لمساخطه‪.‬‬
‫‪ -3‬السبب الثالث‪:‬‬
‫مراعاة نعمه عليك وإحسانه إليك‪ ،‬فهإن‬
‫الذنوب تزيل النعم ولبد‪ ،‬فما أذنب عبد ذنًبا‬
‫إل زالت عنه نعمههة مههن اللههه بحسههب ذلههك‬
‫الههذنب‪ ،‬فههإن تههاب وراجههع رجعههت إليههه أو‬
‫مثلههها‪ ،‬وإن أصههرلم ترجههع إليههه‪ ،‬ول تههزال‬
‫‪30‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫الذنوب تزيل عنه نعمههة نعمههة حههتى تسههلب‬


‫هل‬ ‫النعم كلها‪ ،‬كما قههال تعههالى‪ :‬إ ِ ّ‬
‫ن الل ل َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫سلل ِ‬ ‫ما ب ِأ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬ ‫غي ُّروا َ‬
‫حّتى ي ُ َ‬
‫وم ٍ َ‬ ‫ما ب ِ َ‬
‫ق ْ‬ ‫غي ُّر َ‬
‫يُ َ‬
‫‪ ‬وأعظههم النعههم اليمههان‪ ،‬وذنههب الزنهها‬
‫والسههرقة وشههرب الخمههر وانتهههاب النهبههة‬
‫يزيلها ويسلبها‪ .‬وقال بعض السههلف‪ :‬أذنبههت‬
‫ذنًبا فحرمت من قيام الليل سنة‪ .‬وقال آخر‬
‫أذنبت ذنًبا فحرمت فهم القرآن‪ .‬وفههي مثههل‬
‫هذا قيل‪:‬‬
‫إذا كنت في نعمة‬
‫فإن المعاصي تزيل‬ ‫فارعها‬
‫النعم‬
‫المعاصي نار النعههم تأكلههها‬ ‫وبالجملة فإن‬
‫كمهها تأكههل النههار الحطههب‪ ،‬عيههاذا بههالله مههن‬
‫زوال نعمته وتحول عافيته‪.‬‬
‫‪ -4‬السبب الرابع‪:‬‬
‫خوف الله وخشية عقابه‪ ،‬وهذا إنما يثبت‬
‫بتصههديقه فههي وعههده ووعيههده واليمههان بههه‬
‫وبكتابه وبرسوله‪ .‬وهذا السبب يقوى بالعلم‬
‫واليقين‪ ،‬ويضعف بضعفهما‪ .‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫ماءُ ‪‬‬‫عل َ َ‬
‫ه ال ْ ُ‬
‫عَباِد ِ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫خ َ‬
‫شى الل َ‬ ‫‪‬إ ِن ّ َ‬
‫ما ي َ ْ‬
‫ما‪،‬‬
‫وقال بعض السلف‪ :‬كفى بخشية الله عل ً‬
‫‪31‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫وبالغترار بالله جه ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -5‬السبب الخامس‪:‬‬
‫محبة الله‪ ،‬وهي من أقوى السههباب فههي‬
‫الصبر عن مخالفتة ومعاصيه‪ ،‬فههإن المحههب‬
‫لمن يحب مطيع‪.‬‬
‫‪ -6‬السبب السادس‪:‬‬
‫شرف النفههس وزكاؤههها وفضههلها وأنفتههها‬
‫وحميتههها أن تختههار السههباب الههتى تحطههها‬
‫وتضههع قههدرها‪ ،‬وتخفههض منزلتههها وتحقرههها‪،‬‬
‫وتسوى بينها وبين السفله‪.‬‬
‫‪ -7‬السبب السابع‪:‬‬
‫قوة العلم بسوء عاقبههة المعصههية‪ ،‬وقبههح‬
‫أثرههها‪ ،‬والضههرر الناشههئ منههها‪ ،‬مههن سههواد‬
‫الوجه وظلمة القلب‪ ،‬وضيقه وغمه‪ ،‬وحزنههه‬
‫وألمه‪ ،‬وانحصاره وشههدة قلقههه واضههطرابه‪،‬‬
‫وتمزق شمله‪ ،‬وضعفه عهن مقاومههة عهدوه‪،‬‬
‫فإن الذنوب تميت القلوب‪ ،‬والعبد إذا أذنههب‬
‫نكت في قلبه نكتة سههوداء فههإن تههاب منههها‬
‫صقل قلبه‪ ،‬وإن أذنب ذنب ًهها آخههر نكههت نكتههة‬
‫أخرى ول تزال حتى تعلههو قلبههه‪ ،‬فههذلك هههو‬
‫عل َللى‬
‫ن َ‬ ‫كل ب َل ْ‬
‫ل َرا َ‬ ‫الههران قههال تعههالى‪َ  :‬‬
‫ن ‪] ‬المطففين‪:‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬
‫ما َ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫قلوب ِ ِ‬
‫‪32‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫‪.[14‬‬
‫وبالجملهة‪ :‬فآثهار المعصهية القبيحهة أكهثر‬
‫ما‪ ،‬وآثههار الطاعههة‬ ‫من أن يحيط بها العبد عل ً‬
‫مهها فخيههر‬‫الحسنه أكثر من أن يحيههط بههها عل ً‬
‫الههدنيا والخههرة بحههذافيره فههي طاعههة اللههه‪،‬‬
‫وشر الدنيا والخرة بحذافيره فههي معصههيته‪،‬‬
‫وفي بعض الثار يقول الله سبحانه وتعههالى‪:‬‬
‫»ملللن ذا اللللذي أطلللاعني فشلللقى‬
‫بطلللاعتي؟ وملللن ذا اللللذي عصلللاني‬
‫فسعد بمعصيتي؟«‪.‬‬
‫‪ -8‬السبب الثامن‪:‬‬
‫قصر المل‪ ،‬وعلمه بسرعة انتقاله‪ ،‬وأنههه‬
‫كمسههافر دخههل قريههة وهههو مزمههع الخههروج‬
‫منها‪ ،‬أو كراكهب قهال فهي ظهل شهجرة ثهم‬
‫سار وتركها فهو لعلمه بقلة مقامه وسههرعة‬
‫انتقاله حريههص علههى تههرك مهها يثقلههه حملههه‬
‫ويضره ول ينفعه‪ ،‬حريص على النتقال بخير‬
‫ما بحضههرته‪ ،‬فليههس للعبههد أنفههع مههن قصههر‬
‫المل ول أضر من التسويف وطول المل‪.‬‬
‫‪ -9‬السبب التاسع‪:‬‬
‫مجانبههة الفضههول فههي مطعمههه ومشههربه‬
‫وملبسه ومنامه واجتماعه بالناس‪ ،‬فإن قوة‬
‫‪33‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫الداعي إلى المعاصي إنمهها تنشههأ مههن هههذه‬


‫القضلت‪ ،‬فإنها تطلب لههها مصههرًفا فيضههيق‬
‫عليها المبههاح فتتعههداه إلههى الحهرام وأعظههم‬
‫الشياء ضرًرا علههى العبههد بطههالته وفراغههه‪،‬‬
‫فههإن النفههس ل تقعههد فارغههة‪ ،‬بههل إن لههم‬
‫يشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره ولبد‪.‬‬
‫‪34‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫‪ -10‬السبب العاشر‪:‬‬
‫وهو الجههامع لهههذه السههباب كلههها‪ :‬ثبههات‬
‫شجرة اليمان في القلب‪ ،‬فصبر العبههد عههن‬
‫المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه‪ ،‬فكلما‬
‫كان إيمانه أقوى كان صبره أتم‪ ،‬وإذا ضعف‬
‫اليمان ضعف الصبر‪ .‬والله يختههص برحمتههه‬
‫من يشاء والله ذو الفضل العظيم‪.‬‬
‫فصل‪:‬‬
‫والصبر علههى الطاعههة ينشههأ مههن معرفههة‬
‫هذه السباب ومن معرفة ما تجلبه الطاعههة‬
‫من العواقب الحميدة والثار الجميلة‪ ،‬ومههن‬
‫أقوى أسبابها اليمان والمحبة‪ ،‬فكلمهها قههوي‬
‫داعههى اليمههان والمحبههة فههي القلههب كههانت‬
‫استجابته للطاعة بحسبه‪.‬‬
‫فصللل‪ :‬والصللبر علللى البلء ينشللأ‬
‫من أسباب عديدة‪:‬‬
‫‪ -1‬أحدها‪:‬‬
‫معرفة جزائها وثوابها‪.‬‬
‫‪ -2‬الثاني‪:‬‬
‫العلم بتكفيرها للسيئات ومحوها لها‪.‬‬
‫‪ -3‬الثالث‪:‬‬
‫اليمان بالقدر السابق الجاري بها‪ ،‬وأنههها‬
‫‪35‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫مقدرة في أم الكتاب قبل أن تخلههق فل بههد‬


‫منها‪ ،‬فجزعه ل يزيده إل بلء‪.‬‬
‫‪ -4‬الرابع‪:‬‬
‫معرفة حق الله عليه فههي تلههك البلههوى‪،‬‬
‫وواجبه فيها الصههبر بل خلف بيههن المههة‪ ،‬أو‬
‫الصبر والرضا على أحد القولين‪ ،‬فهو مأمور‬
‫بههأداء حههق اللههه وعبههوديته عليههه فههي تلههك‬
‫البلوى‪ ،‬فل بد له منه وإل تضاعفت عليه‪.‬‬
‫‪ -5‬الخامس‪:‬‬
‫العلم بترتبها عليه بههذنبه‪،‬كمهها قههال اللههه‬
‫َ‬
‫مللا‬ ‫ة َ‬
‫فب ِ َ‬ ‫صلليب َ ٍ‬
‫م ِ‬
‫ن ُ‬ ‫مل ْ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ما أ َ‬ ‫تعالى‪َ  :‬‬
‫و َ‬
‫َ‬
‫م ‪ ‬سههورة الشههورى آيههة )‬ ‫ديك ُ ْ‬
‫ت أي ْل ِ‬
‫سلب َ ْ‬‫كَ َ‬
‫‪.(30‬‬
‫فهذا عام في كل مصيبة دقيقههة وجليلههة‪،‬‬
‫فشغله شهود هذا السبب بالسههتغفار الههذي‬
‫هو أعظم السباب في دفع تلك المصيبة‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طالب‪) :‬ما نزل بلء إل‬
‫بذنب‪ ،‬ول رفع بلء إل بتوبة(‪.‬‬
‫‪ -6‬السادس‪:‬‬
‫أن يعلم أن الله قد ارتضاها له واختارها‬
‫وقسههمها وأن العبوديههة تقتضههي رضههاه بمهها‬
‫رضي له به سيده وموله‪ ،‬فإن لم يوف قدر‬
‫‪36‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫المقام حقه فهو لضعفه‪ ،‬فلينزل إلههى مقههام‬


‫الصبر عليها‪ ،‬فإن نزل عنه نههزل إلههى مقههام‬
‫الظلم وتعدي الحق‪.‬‬
‫‪ -7‬السابع‪:‬‬
‫أن يعلم أن هذه المصيبة هي دواء نههافع‬
‫ساقه اليه الطبيب العليم بمصلحتة الرحيههم‬
‫به‪ ،‬فليصبر على تجرعه‪ ،‬ول يتقيأه بتسخطه‬
‫وشكواه فيذهب نفعه باطل‪.‬‬
‫‪ -8‬الثامن‪:‬‬
‫أن يعلم أن في عقههبى هههذا الههدواء مههن‬
‫الشفاء والعافية والصحة وزوال اللم ما لهم‬
‫تحصل بدونه‪ ،‬فإذا طالعت نفسه كراهة هذا‬
‫الدواء ومرارته فلينظر إلى عههاقبته وحسههن‬
‫ن ت َك َْر ُ‬ ‫َ‬
‫هللوا‬ ‫سللى أ ْ‬
‫ع َ‬ ‫تأثيره‪ .‬قال تعالى‪َ  :‬‬
‫و َ‬
‫َ‬
‫حب ّللوا‬
‫ن تُ ِ‬ ‫سللى أ ْ‬‫ع َ‬ ‫و َ‬
‫م َ‬‫خي ْلٌر ل َك ُل ْ‬
‫و‬
‫ه َ‬‫و ُ‬ ‫شي ًْئا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شر ل َك ُم والله يعل َم َ‬
‫مل‬ ‫وأن ُْتلل ْ‬ ‫ُ َ ْ ُ َ‬ ‫ْ َ‬‫و‬‫ه َ‬‫و ُ‬ ‫شي ًْئا َ‬
‫َ ّ‬ ‫َ‬
‫ن ‪] ‬سورة البقرة آية ‪.[216‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫تَ ْ‬
‫‪ -9‬التاسع‪:‬‬
‫أن يعلم أن المصههيبة مهها جههاءت لتهلكههه‬
‫وتقتله وإنما جاءت لتمتحههن صههبره وتبتليههه‪،‬‬
‫فيتبين حينئذ هل يصههلح لسههتخدامه وجعلههه‬
‫من أوليائه وحزبه أم ل؟ وفضههل اللهه يههؤتيه‬
‫‪37‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫من يشاء والله ذو الفضل العظيم‪.‬‬


‫‪ -10‬العاشر‪:‬‬
‫أن يعلم أن الله يربي عبده على السراء‬
‫والضههراء‪ ،‬والنعمههة والبلء‪ ،‬فيسههتخرج منههه‬
‫عبوديته في جميع الحوال‪ .‬فإن العبههد علههى‬
‫الحقيقة من قام بعبودية اللههه علههى اختلف‬
‫الحوال وقال‪) :‬اللهم أعني على ذكرك‬
‫وشكرك وحسن عبادتك(‪.‬‬
‫فهذه السباب ونحوها تثمر الصههبر علههى‬
‫البلء‪ ،‬فإن قههويت أثمههرت الرضهها والشههكر‪.‬‬
‫نسأل اللهه أن يسهترنا بعهافيته‪ ،‬ول يفضهحنا‬
‫بابتلئه بمنه وكرمه)‪.(1‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وآله وصههحبه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫)( انظههههر كتههههاب "طريههههق الهجرتيههههن وبههههاب‬ ‫‪1‬‬

‫السههعادتين" لبههن القيههم ص ‪ 496-484‬طبعههة‬


‫قطر‪.‬‬
‫‪38‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫مراجع رسالة‬
‫)الصبر وأثره في حياة المسلم(‬

‫‪ -1‬مههدارج السههالكين لبههن القيههم رحمههه‬


‫الله‪.‬‬
‫‪ -2‬إغاثة اللهفههان مههن مصههائد الشههيطان‬
‫له‪.‬‬
‫‪ -3‬طريق الهجرتين وباب السعادتين له‪.‬‬
‫‪ -4‬زاد المعاد في هدي خير العباد )صلى‬
‫الله عليه وسلم( له‪.‬‬
‫‪ -5‬الرياض الناضههرة للشههيخ عبههدالرحمن‬
‫السعدي رحمه الله‪.‬‬
‫‪ -6‬منههههاج المسهههلم للشهههيخ أبهههو بكهههر‬
‫الجزائري‪.‬‬
‫‪ -7‬بهجههة النههاظرين فيمهها يصههلح الههدنيا‬
‫والدين للمؤلف‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫الصبر وأثره في‬
‫حياة المسلم‬

‫فهرس الرسالة‬
‫تأليف الفقير إلى ال تعالى‪4......................................................................‬‬
‫غفر ال له ولوالديه ولجميع المسلمين‪4........................................................‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‪5.........................................................................‬‬
‫أصول نافعة جامعة في مسائل المصائب والمحن‪15........................................‬‬
‫منزلة الصبر‪17....................................................................................‬‬
‫خلق الصبر واحتمال الذى‪21..................................................................‬‬
‫أسباب الصبر‪29...................................................................................‬‬
‫مراجع رسالة ‪38..................................................................................‬‬
‫)الصبر وأثره في حياة المسلم(‪38..............................................................‬‬
‫فهرس الرسالة ‪39.................................................................................‬‬

You might also like